الكتاب: رد المحتار على الدر المختار المؤلف: ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي (المتوفى: 1252هـ) الناشر: دار الفكر-بيروت الطبعة: الثانية، 1412هـ - 1992م عدد الأجزاء: 6   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]   «الدر المختار للحصفكي شرح تنوير الأبصار للتمرتاشي» بأعلى الصفحة يليه - مفصولا بفاصل - «حاشية ابن عابدين» عليه، المسماه «رد المحتار» ---------- الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) ابن عابدين الكتاب: رد المحتار على الدر المختار المؤلف: ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي (المتوفى: 1252هـ) الناشر: دار الفكر-بيروت الطبعة: الثانية، 1412هـ - 1992م عدد الأجزاء: 6   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]   «الدر المختار للحصفكي شرح تنوير الأبصار للتمرتاشي» بأعلى الصفحة يليه - مفصولا بفاصل - «حاشية ابن عابدين» عليه، المسماه «رد المحتار» [مُقَدِّمَة] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أَبْتَدِئُ بِهَا عَمَلًا بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَالْإِشْكَالُ فِي تَعَارُضِ رِوَايَاتِ الِابْتِدَاءِ بِالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ مَشْهُورٌ وَكَذَا التَّوْفِيقُ بَيْنَهَا بِحَمْلِ الِابْتِدَاءِ عَلَى الْعُرْفِيِّ أَوْ الْإِضَافِيِّ وَكَذَا مَا أَوْرَدَ مِنْ الْأَذَانِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَمْ يَبْدَأْ بِهِمَا فِيهِ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا الِابْتِدَاءُ بِإِحْدَاهُمَا أَوْ بِمَا يَقُومُ مَقَامَهُ، أَوْ يُحْمَلُ الْمُقَيَّدُ عَلَى الْمُطْلَقِ، وَهُوَ رِوَايَةُ " بِذِكْرِ اللَّهِ " عِنْدَ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ، ثُمَّ الْبَاءُ لَفْظٌ خَاصٌّ حَقِيقَةٌ فِي الْإِلْصَاقِ مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَعَانِي لَا مُشْتَرَكَ بَيْنَهَا لِتَرَجُّحِ الْمَجَازِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ مَوْضُوعٌ بِالْوَضْعِ الْعَامِّ لِلْمَوْضُوعِ لَهُ الْخَاصِّ عِنْدَ الْعَضُدِ وَغَيْرِهِ: أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشَخَّصَاتِ الْجُزْئِيَّةِ الْمَلْحُوظَةِ بِأَمْرٍ كُلِّيٍّ، وَهُوَ مُطْلَقُ الْإِلْصَاقِ بِحَيْثُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا وَاحِدٌ بِخُصُوصِهِ. وَالْإِلْصَاقُ تَعْلِيقُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ وَإِيصَالُهُ بِهِ، فَيَصْدُقُ بِالِاسْتِعَانَةِ وَالسَّبَبِيَّةِ لِإِلْصَاقِك الْكِتَابَةَ بِالْقَلَمِ وَبِسَبَبِهِ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ. وَلَمَّا كَانَ مَدْلُولُ الْحَرْفِ مَعْنًى حَاصِلًا فِي غَيْرِهِ لَا يَتَعَقَّلُ ذِهْنًا وَلَا خَارِجًا إلَّا بِمُتَعَلِّقِهِ اُشْتُرِطَ لَهُ الْمُتَعَلِّقُ الْمَعْنَوِيُّ وَهُوَ الْإِلْصَاقُ؛ وَالنَّحْوِيُّ وَهُوَ هُنَا مَا جُعِلَتْ التَّسْمِيَةُ مَبْدَأً لَهُ، فَيُفِيدُ تَلَبُّسَ الْفَاعِلِ بِالْفِعْلِ حَالَ الْإِلْصَاقِ، وَالْمُرَادُ الْإِلْصَاقُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ وَالِاسْتِعَانَةِ. وَالْأَوْلَى تَقْدِيرُ الْمُتَعَلِّقِ مُؤَخَّرًا لِيُفِيدَ قَصْدَ الِاهْتِمَامِ بِاسْمِهِ تَعَالَى، رَدًّا عَلَى الْمُشْرِكِ الْمُبْتَدِئِ بِاسْمِ آلِهَتِهِ اهْتِمَامًا بِهَا لَا لِلِاخْتِصَاصِ، لِأَنَّ الْمُشْرِكَ لَا يَنْفِي التَّبَرُّكَ بِاسْمِهِ تَعَالَى، وَلِيُفِيدَ اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِاسْمِهِ تَعَالَى رَدًّا عَلَى الْمُشْرِكِ أَيْضًا وَإِظْهَارًا لِلتَّوْحِيدِ، فَيَكُونُ قَصْرَ إفْرَادٍ؛ وَإِنَّمَا قُدِّمَ فِي قَوْله تَعَالَى - {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1]- لِأَنَّ الْعِنَايَةَ بِالْقِرَاءَةِ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ، لِيَحْصُلَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ طَلَبِ أَصْلِ الْقِرَاءَةِ، إذْ لَوْ أَخَّرَ لَأَفَادَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ كَوْنُ الْقِرَاءَةِ مُفْتَتَحَةً بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِاسْمِ غَيْرِهِ، ثُمَّ هَذِهِ الْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا وَهَلْ هِيَ كَذَلِكَ مَعْنًى أَوْ إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى؟ ظَاهِرُ كَلَامِ السَّيِّدِ الثَّانِي، وَالْمَقْصُودُ إظْهَارُ إنْشَاءِ التَّبَرُّكِ بِاسْمِهِ تَعَالَى وَحْدَهُ رَدًّا عَلَى الْمُخَالِفِ إمَّا عَلَى طَرِيقِ النَّقْلِ الشَّرْعِيِّ كَبِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ، أَوْ عَلَى إرَادَةِ اللَّازِمِ كَ {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} [آل عمران: 36] فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا إظْهَارُ التَّحَسُّرِ لَا الْإِخْبَارُ بِمَضْمُونِهَا، وَهَلْ تَخْرُجُ بِذَلِكَ الْجُمْلَةُ الْخَبَرِيَّةُ عَنْ الْإِخْبَارِ أَوْ لَا؟ ذَهَبَ الزَّمَخْشَرِيّ إلَى الْأَوَّلِ وَعَبْدُ الْقَاهِرِ إلَى الثَّانِي وَسَيَأْتِي فِي الْحَمْدَلَةِ لِذَلِكَ مَزِيدُ بَيَانٍ. وَأَوْرَدَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إنْشَائِيَّةً لَمَا تَحَقَّقَ مَدْلُولُهَا خَارِجًا بِدُونِهَا، وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ، إذْ السَّفَرُ وَالْأَكْلُ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا لَيْسَ بِقَوْلٍ لَا يَحْصُلُ بِالْبَسْمَلَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ لِإِنْشَاءِ إظْهَارِ التَّبَرُّكِ أَوْ الِاسْتِعَانَةِ بِاسْمِهِ تَعَالَى وَحْدَهُ عَلَى مَا قُلْنَا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ إنَّمَا تَحَقَّقَ بِهَا؛ كَمَا أَنَّ إظْهَارَ التَّحَزُّنِ وَالتَّحَسُّرِ إنَّمَا تَحَقَّقَ بِذَلِكَ اللَّفْظِ، فَإِنَّ الْإِنْشَاءَ قِسْمَانِ: مِنْهُ مَا لَا يَتَحَقَّقُ مَدْلُولُهُ الْوَضْعِيُّ بِدُونِ لَفْظِهِ، وَمِنْهُ مَا لَا يَتَحَقَّقُ مَدْلُولُهُ الِالْتِزَامِيُّ بِدُونِهِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي. ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْمِ هُنَا مَا قَابَلَ الْكُنْيَةَ وَاللَّقَبَ فَيَشْمَلُ الصِّفَاتِ حَقِيقِيَّةً، أَوْ إضَافِيَّةً أَوْ سَلْبِيَّةً فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّبَرُّكَ وَالِاسْتِعَانَةَ بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ تَعَالَى. وَاَللَّهُ عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ الْمُسْتَجْمِعَةِ لِلصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ كَمَا قَالَهُ السَّعْدُ وَغَيْرُهُ، أَوْ الْمَخْصُوصَةِ: أَيْ بِلَا اعْتِبَارِ صِفَةٍ أَصْلًا كَمَا قَالَهُ الْعِصَامُ. قَالَ السَّيِّدُ الشَّرِيفُ: كَمَا تَاهَتْ الْعُقُولُ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ لِاحْتِجَابِهَا بِنُورِ الْعَظَمَةِ تَحَيَّرَتْ أَيْضًا فِي اللَّفْظَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الذَّاتِ، كَأَنَّهُ انْعَكَسَ إلَيْهَا مِنْ تِلْكَ الْأَنْوَارِ أَشِعَّةٌ فَبَهَرَتْ أَعْيُنَ الْمُسْتَبْصِرِينَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 حَمْدًا   [رد المحتار] فَاخْتَلَفُوا أَسُرْيَانِيٌّ هُوَ أَمْ عَرَبِيٌّ؟ اسْمٌ أَوْ صِفَةٌ؟ مُشْتَقٌّ؟ أَوْ عَلَمٌ أَوْ غَيْرُ عَلَمٍ؟ . وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ عَرَبِيٌّ عَلَمٌ مُرْتَجَلٌ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ أَصْلٍ مِنْهُ، وَمِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالشَّافِعِيُّ وَالْخَلِيلُ. وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ، وَبِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأَكْثَرُ الْعَارِفِينَ حَتَّى أَنَّهُ لَا ذِكْرَ عِنْدَهُمْ لِصَاحِبِ مَقَامٍ فَوْقَ الذِّكْرِ بِهِ كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ. وَالرَّحْمَنُ لَفْظٌ عَرَبِيٌّ، وَقِيلَ مُعَرَّبٌ عَنْ (رَخْمَانِ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ لِإِنْكَارِ الْعَرَبِ حِينَ سَمِعُوهُ. وَرُدَّ بِأَنَّ إنْكَارَهُمْ لَهُ لِتَوَهُّمِهِمْ أَنَّهُ غَيْرُهُ تَعَالَى فِي قَوْله تَعَالَى - {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء: 110]- وَذَهَبَ الْأَعْلَمُ إلَى أَنَّهُ عَلَمٌ كَالْجَلَالَةِ لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ تَعَالَى وَعَدَمِ إطْلَاقِهِ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى مُعَرَّفًا وَمُنَكَّرًا، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فِي مُسَيْلِمَةَ. وَأَنْتَ غَيْثُ الْوَرَى لَا زِلْتَ رَحْمَانَا ... فَمِنْ تَعَنُّتِهِ وَغُلُوِّهِ فِي الْكُفْرِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَنْعَ شَرْعِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ، وَأَنَّ الْمَخْصُوصَ بِهِ تَعَالَى الْمُعَرَّفُ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ، وَقِيلَ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي اللَّفْظِ لَا تَكُونُ إلَّا لِزِيَادَةِ الْمَعْنَى وَإِلَّا كَانَتْ عَبَثًا، وَقَدْ زِيدَ فِيهِ حَرْفٌ عَلَى الرَّحِيمِ وَهُوَ يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ بِصِيغَتِهِ، فَدَلَّتْ زِيَادَتُهُ عَلَى زِيَادَتِهِ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى كَمًّا، لِأَنَّ الرَّحْمَانِيَّةَ تَعُمُّ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ، وَالرَّحِيمِيَّةَ تَخُصُّ الْمُؤْمِنَ، أَوْ كَيْفًا لِأَنَّ الرَّحْمَنَ الْمُنْعِمُ بِجَلَائِل النِّعَمِ، وَالرَّحِيمَ الْمُنْعِمُ بِدَقَائِقِهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَصْفَ بِهِمَا لِلْمَدْحِ، فِيهِ إشَارَةٌ إلَى لَمِّيَّةِ الْحُكْمِ أَيْ إنَّمَا افْتَتَحَ كِتَابَهُ بِاسْمِهِ تَعَالَى مُتَبَرِّكًا مُسْتَعِينًا بِهِ لِأَنَّهُ الْمُفِيضُ لِلنِّعَمِ كُلِّهَا، وَكُلُّ مَنْ شَأْنُهُ ذَلِكَ لَا يُفْتَتَحُ إلَّا بِاسْمِهِ وَهَلْ وَصْفُهُ تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا عَنْ الْإِنْعَامِ أَوْ عَنْ إرَادَتِهِ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ الْمُسْتَحِيلَةِ عَلَيْهِ تَعَالَى فَيُرَادُ غَايَتُهَا؟ الْمَشْهُورُ الثَّانِي. وَالتَّحْقِيقُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ الرَّحْمَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ الْأَعْرَاضِ هِيَ الْقَائِمَةُ بِنَا، وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهَا فِي حَقِّهِ تَعَالَى كَذَلِكَ حَتَّى تَكُونَ مَجَازًا كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الصِّفَاتِ مَعَانِيهَا الْقَائِمَةُ بِنَا مِنْ الْأَعْرَاضِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهَا فِي حَقِّهِ تَعَالَى مَجَازٌ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ مَعَ فَوَائِدَ أُخَرَ فِي حَوَاشِينَا عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ لِلشَّارِحِ (قَوْلُهُ: حَمْدًا) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِعَامِلٍ مَحْذُوفٍ وُجُوبًا. وَالْحَمْدُ لُغَةً الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ وَالتَّبْجِيلِ. وَعُرْفًا فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ بِسَبَبِ إنْعَامِهِ، فَالْأَوَّلُ أَخَصُّ مَوْرِدًا إذْ الْوَصْفُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللِّسَانِ، وَأَعَمُّ مُتَعَلِّقًا لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَا بِمُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ وَالثَّانِي بِعَكْسِهِ، فَبَيْنَهَا عُمُومٌ وَجْهِيٌّ وَالشُّكْرُ لُغَةً يُرَادِفُ الْحَمْدَ عُرْفًا. وَعُرْفًا صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ إلَى مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ، وَخَرَجَ بِالِاخْتِيَارِ الْمَدْحُ فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْحَمْدِ لِانْفِرَادِهِ فِي مَدَحْت زَيْدًا عَلَى رَشَاقَةِ قَدِّهِ، وَاللُّؤْلُؤَةَ عَلَى صَفَائِهَا فَبَيْنَهَا عُمُومٌ مُطْلَقٌ. وَذَهَبَ الزَّمَخْشَرِيّ إلَى تَرَادُفِهِمَا لِاشْتِرَاطِهِ فِي الْمَمْدُوحِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارِيًّا كَالْمَحْمُودِ عَلَيْهِ، وَنَقَضَ التَّعْرِيفَ جَمْعًا بِخُرُوجِ حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى صِفَاتِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الذَّاتَ لَمَّا كَانَتْ كَافِيَةً فِي اقْتِضَاءِ تِلْكَ الصِّفَاتِ جُعِلَتْ بِمَنْزِلَةِ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَبِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ تِلْكَ الصِّفَاتُ مَبْدَأً لِأَفْعَالٍ اخْتِيَارِيَّةٍ كَانَ الْحَمْدُ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْأَفْعَالِ، فَالْمَحْمُودُ عَلَيْهِ اخْتِيَارِيٌّ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ، أَوْ أَنَّ الْحَمْدَ عَلَيْهَا مَجَازٌ عَنْ الْمَدْحِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] ثُمَّ إنَّ الْمَحْمُودَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَدْ يَتَغَايَرَانِ ذَاتًا كَمَا هُنَا، أَوْ اعْتِبَارًا كَمَا إذَا وُصِفَ الشُّجَاعُ بِشَجَاعَتِهِ، فَهِيَ مَحْمُودٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَصْفَ كَانَ بِهَا، وَمَحْمُودٌ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا كَانَتْ بَاعِثَةً عَلَى الْحَمْدِ. وَالْحَمْدُ حَيْثُ أُطْلِقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْعُرْفِيِّ لِمَا قَالَهُ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِي الْمَطَالِعِ: اللَّفْظُ عِنْدَ أَهْلِ الْعُرْفِ حَقِيقَةٌ فِي مَعْنَاهُ الْعُرْفِيِّ، مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ. وَعِنْدَ مُحَقِّقِي الصُّوفِيَّةِ حَقِيقَةُ الْحَمْدِ إظْهَارُ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَهُوَ بِالْفِعْلِ أَقْوَى مِنْهُ بِالْقَوْلِ، لِأَنَّ دَلَالَةَ الْأَفْعَالِ عَقْلِيَّةٌ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا التَّخَلُّفُ، وَدَلَالَةَ الْأَقْوَالِ وَضْعِيَّةٌ يُتَصَوَّرُ فِيهَا ذَلِكَ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى وَثَنَاؤُهُ عَلَى ذَاتِهِ فَإِنَّهُ بَسَطَ بِسَاطَ الْوُجُودِ عَلَى مُمْكِنَاتٍ لَا تُحْصَى، وَوَضَعَ عَلَيْهِ مَوَائِدَ كَرَمِهِ الَّتِي لَا تَتَنَاهَى، فَإِنَّ كُلَّ ذَرَّةٍ مِنْ ذَرَّاتِ الْوُجُودِ تَدُلُّ عَلَيْهَا، وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعِبَارَاتِ مِثْلُ هَذِهِ الدَّلَالَاتِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» ثُمَّ إنَّ الْحَمْدَ مَصْدَرٌ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعْنَى الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ: أَيْ الْحَامِدِيَّةُ، أَوْ الْمَبْنِيَّ لِلْمَفْعُولِ: أَيْ الْمَحْمُودِيَّةُ، أَوْ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ أَوْ الْحَاصِلَ بِالْمَصْدَرِ، وَعَلَى كُلٍّ فَأَلْ فِي قَوْلِنَا الْحَمْدُ لِلَّهِ إمَّا لِلْجِنْسِ أَوْ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَوْ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ: أَيْ الْفَرْدُ الْكَامِلُ الْمَعْهُودُ ذِهْنًا، وَهُوَ الْحَمْدُ الْقَدِيمُ، فَهِيَ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً. وَاخْتَارَ فِي الْكَشَّافِ الْجِنْسَ لِأَنَّ الصِّيغَةَ بِجَوْهَرِهَا تَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ جِنْسِ الْمَحَامِدِ بِهِ تَعَالَى، وَيَلْزَمُ مِنْهُ اخْتِصَاصُ كُلِّ فَرْدٍ، إذْ لَوْ خَرَجَ فَرْدٌ مِنْهَا لَخَرَجَ الْجِنْسُ تَبَعًا لَهُ لِتَحَقُّقِهِ فِي كُلِّ فَرْدٍ، فَيَكُونُ اخْتِصَاصُ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ ثَابِتًا بِطَرِيقٍ بُرْهَانِيٍّ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ إثْبَاتِهِ ابْتِدَاءً فَلَا حَاجَةَ فِي تَأْدِيَةِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْحَمْدِ لَهُ تَعَالَى وَانْتِفَاؤُهُ عَنْ غَيْرِهِ إلَى أَنْ يُلَاحِظَ الشُّمُولَ وَالْإِحَاطَةَ. وَاخْتَارَ غَيْرُهُ الِاسْتِغْرَاقَ، لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْحَقِيقَةِ بِدُونِ اعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ قَلِيلٌ فِي الشَّرْعِ؛ وَعَلَى كُلٍّ فَالْحَصْرُ ادِّعَائِيٌّ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ تَنْزِيلًا لِحَمْدِ غَيْرِهِ تَعَالَى مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ، أَوْ حَقِيقِيٌّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَيْهِ لِتَمْكِينِهِ تَعَالَى وَإِقْدَارِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ جَعَلَ الْجِنْسَ فِي الْمَقَامِ الْخَطَّابِيِّ مُنْصَرِفًا إلَى الْكَامِلِ كَأَنَّهُ كُلُّ الْحَقِيقَةِ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ - {ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 2]- وَالْحَاتِمُ الْجَوَادُ، وَهَلْ الْحَصْرُ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ أَوْ الْمَنْطُوقِ؟ قِيلَ بِالْمَنْطُوقِ. وَرُدَّ بِأَنَّ أَلْ تَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ وَالشُّمُولِ فَلَيْسَ النَّفْيُ جُزْءَ مَفْهُومِهَا وَإِنْ كَانَ لَازِمًا، وَقِيلَ بِالْمَفْهُومِ لِمَا ذُكِرَ، وَقِيلَ لَا تُفِيدُ الْحَصْرَ وَنُسِبَ لِلْحَنَفِيَّةِ، وَضَعَّفَهُ فِي التَّحْرِيرِ بِأَنَّ كَلَامَهُمْ مَشْحُونٌ بِاعْتِبَارِهِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ الِاسْتِدْلَال مِنْهُمْ فِي نَفْيِ الْيَمِينِ عَنْ الْمُدَّعِي بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: جَعَلَ جِنْسَ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُنْكِرِينَ وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شَيْءٌ. وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الصُّوَرِ الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ فَلَامُ لِلَّهِ إمَّا لِلْمِلْكِ أَوْ لِلِاسْتِحْقَاقِ أَوْ لِلِاخْتِصَاصِ فَهِيَ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ، وَعَلَى الْأَخِيرِ فَهِيَ لِتَأْكِيدِ الِاخْتِصَاصِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ أَلْ كَمَا قَالَهُ السَّيِّدُ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الْمَحَامِدِ بِهِ تَعَالَى، وَقِيلَ إنَّ الِاخْتِصَاصَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ اللَّامِ هُوَ اخْتِصَاصُ الْحَمْدِ بِمَدْخُولِهَا وَأَلْ لِاخْتِصَاصِ ذَلِكَ الِاخْتِصَاصِ بِهِ تَعَالَى، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ آدَابِ الْبَحْثِ. أَقُولُ: يَظْهَرُ لِي أَنَّ أَلْ لَا تُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ أَصْلًا كَمَا مَرَّ مَنْسُوبًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ النِّسْبَةِ أَوْ مِنْ اللَّامِ، لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّلْوِيحِ مِنْ أَنَّ أَلْ لِلتَّعْرِيفِ وَمَعْنَاهُ الْإِشَارَةُ وَالتَّعْيِينُ وَالتَّمْيِيزُ، وَالْإِشَارَةُ إمَّا إلَى حِصَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ أَيْ الْخَارِجِيِّ كَجَاءَنِي رَجُلٌ فَأَكْرَمْت الرَّجُلَ، وَإِمَّا إلَى نَفْسِ الْحَقِيقَةِ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ بِحَيْثُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى اعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ، وَهُوَ تَعْرِيفُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَاهِيَّةِ، كَ الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِحَيْثُ يَفْتَقِرُ إلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ تُوجَدَ قَرِينَةُ الْبَعْضِيَّةِ كَمَا فِي اُدْخُلْ السُّوقَ وَهُوَ الْعَهْدُ الذِّهْنِيُّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] أَوْ لَا وَهُوَ الِاسْتِغْرَاقُ كَ {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 2] احْتِرَازًا عَنْ تَرْجِيحِ بَعْضِ الْمُتَسَاوِيَاتِ بِلَا مُرَجِّحٍ. فَالْعَهْدُ الذِّهْنِيُّ وَالِاسْتِغْرَاقُ مِنْ فُرُوعِ الْحَقِيقَةِ، وَلِهَذَا ذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ إلَى أَنَّ اللَّامَ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ أَوْ الْحَقِيقَةِ لَا غَيْرُ إلَّا أَنَّ الْقَوْمَ أَخَذُوا بِالْحَاصِلِ وَجَعَلُوهُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ اهـ مُوَضَّحًا فَهَذِهِ مَعَانِي أَلْ؛ فَإِذَا كَانَ مَدْخُولُهَا مَوْضُوعًا وَحُمِلَ عَلَيْهِ مَقْرُونٌ بِاللَّامِ الَّتِي هِيَ لِلِاخْتِصَاصِ أَفَادَتْ اللَّامُ أَنَّ الْجِنْسَ أَوْ الْمَعْهُودَ مُخْتَصٌّ بِمَدْخُولِهَا وَإِنْ كَانَ الْمَحْمُولُ غَيْرَ مَقْرُونٍ بِهَا، فَإِنْ كَانَ فِي الْجُمْلَةِ مَا يُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ كَتَعْرِيفِ الطَّرَفَيْنِ وَنَحْوِهِ فِيهَا. وَإِلَّا فَإِنْ كَانَتْ أَلْ لِلْجِنْسِ وَالْمَاهِيَّةِ فَنَفْسُ النِّسْبَةِ تُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ، إذْ لَوْ خَرَجَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمَوْضُوعِ لَمْ تَصْدُقْ النِّسْبَةُ لِخُرُوجِ الْجِنْسِ مَعَهُ كَمَا مَرَّ فِي كَلَامِ الْكَشَّافِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شَيْءٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاخْتِصَاصَ مُسْتَفَادٌ مِنْ اللَّامِ الْمَوْضُوعَةِ لَهُ أَوْ مِنْ النِّسْبَةِ، لَكِنْ إذَا كَانَتْ أَلْ لِلْجِنْسِ وَالْمَاهِيَّةِ كَمَا فِي حَدِيثِ «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» أَمَّا إذَا كَانَتْ أَلْ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَلَمْ يَقْتَرِنْ الْمَحْمُولُ فَاللَّامُ الِاخْتِصَاصِ وَنَحْوِهَا، كَقَوْلِك الرَّجُلُ يَأْكُلُ الرَّغِيفَ فَلَا اخْتِصَاصَ أَصْلًا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ فَتَدَبَّرْهُ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي التَّحْرِيرِ مِنْ التَّضْعِيفِ، وَإِذَا جُعِلَتْ اللَّامُ لِلْمِلْكِ أَوْ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا اخْتِصَاصَ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ أَلْ تُفِيدُهُ، لِأَنَّ اخْتِصَاصَ مِلْكِ الْحَمْدِ أَوْ اسْتِحْقَاقَهُ بِمَدْخُولِ اللَّامِ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ الْحَمْدِ لِآخَرَ لَا بِطَرِيقِ الْمِلْكِ أَوْ الِاسْتِحْقَاقِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ هَذِهِ الْجُمْلَةُ تَحْتَمِلُ الْخَبَرِيَّةَ وَيَصْدُقُ عَلَيْهَا التَّعْرِيفُ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِالْحَمْدِ وَصْفٌ بِالْجَمِيلِ إلَخْ أَوْ فِعْلٌ يُنْبِئُ إلَخْ، وَإِذَا كَانَتْ أَلْ فِيهَا لِلْجِنْسِ فَالْقَضِيَّةُ مُهْمَلَةٌ أَوْ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَكُلِّيَّةٌ أَوْ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ فَجُزْئِيَّةٌ؛ وَلَوْ صَحَّ جَعْلُهَا لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ فَشَخْصِيَّةٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَنْقُولَةً إلَى الْإِنْشَاءِ شَرْعًا أَوْ مَجَازًا عَنْ لَازِمِ مَعْنَاهَا فَالْمَقْصُودُ إيجَادُ الْحَمْدِ بِنَفْسِ الصِّيغَةِ: أَيْ إنْشَاءُ تَعْظِيمِهِ تَعَالَى. وَاخْتَلَفُوا فِي الْجُمْلَةِ الْإِخْبَارِيَّةِ إذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي لَازِمِ مَعْنَاهَا كَالْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ وَالْهِجَاءِ، هَلْ تَصِيرُ إنْشَائِيَّةً أَمْ لَا؟ ذَهَبَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ إلَى الثَّانِي، قَالَ لِئَلَّا يَلْزَمَ إخْلَاءُ الْجُمْلَةِ عَنْ نَوْعِ مَعْنَاهَا، قِيلَ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ هُنَا انْتِفَاءُ الِاتِّصَافِ بِالْجَمِيلِ قَبْلَ حَمْدِ الْحَامِدِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْإِنْشَاءَ يُقَارِنُ لَفْظُهُ مَعْنَاهُ فِي الْوُجُودِ. وَرُدَّ بِأَنَّ اللَّازِمَ انْتِفَاءُ الْوَصْفِ بِالْجَمِيلِ لَا الِاتِّصَافُ، وَالْكَلَامُ فِيهِ 1 - [تَتِمَّةٌ] تَأْتِي الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ فِي كُلٍّ مِنْ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ؛ أَمَّا الْبَسْمَلَةُ فَتَجِبُ فِي ابْتِدَاءِ الذَّبْحِ وَرَمْيِ الصَّيْدِ وَالْإِرْسَالِ إلَيْهِ، لَكِنْ يَقُومُ مَقَامَهَا كُلُّ ذِكْرٍ خَالِصٍ. وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِأَنَّ الذَّبْحَ لَيْسَ بِمُلَائِمٍ لِلرَّحْمَةِ، لَكِنْ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنْ الرَّحِيمْ " فَهُوَ حَسَنٌ وَفِي ابْتِدَاءِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. قِيلَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَتُسَنُّ أَيْضًا فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ وَالْأَكْلِ، وَفِي ابْتِدَاءِ كُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ، وَتَجُوزُ أَوْ تُسْتَحَبُّ فِيمَا بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَتُبَاحُ أَيْضًا فِي ابْتِدَاءِ الْمَشْيِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ. وَتُكْرَهُ عِنْدَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ أَوْ مَحَلِّ النَّجَاسَاتِ، وَفِي أَوَّلِ سُورَةِ بَرَاءَةٍ إذَا وَصَلَ قِرَاءَتَهَا بِالْأَنْفَالِ كَمَا قَيَّدَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، قِيلَ وَعِنْدَ شُرْبِ الدُّخَانِ أَيْ وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ ذِي رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ كَأَكْلِ ثُومٍ وَبَصَلٍ. وَتَحْرُمُ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ مُحَرَّمٍ، بَلْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا يَكْفُرُ مَنْ بَسْمَلَ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ كُلِّ حَرَامٍ قَطْعِيِّ الْحُرْمَةِ، وَكَذَا تَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الذِّكْرَ. اهـ. ط مُلَخَّصًا مَعَ بَعْضِ زِيَادَاتٍ. وَأَمَّا الْحَمْدَلَةُ فَتَجِبُ فِي الصَّلَاةِ، وَتُسَنُّ فِي الْخُطَبِ، وَقَبْلَ الدُّعَاءِ وَبَعْدَ الْأَكْلِ، وَتُبَاحُ بِلَا سَبَبٍ، وَتُكْرَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 لَك يَا مَنْ شَرَحْت صُدُورَنَا بِأَنْوَاعِ الْهِدَايَةِ سَابِقًا، وَنَوَّرْت بَصَائِرَنَا   [رد المحتار] فِي الْأَمَاكِنِ الْمُسْتَقْذَرَةِ، وَتَحْرُمُ بَعْدَ أَكْلِ الْحَرَامِ، بَلْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي كُفْرِهِ (قَوْلُهُ: لَك) آثَرَ الْخِطَابَ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى الدَّالَّ عَلَى اسْتِجْمَاعِهِ لِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ إشَارَةً إلَى أَنَّ هَذَا الِاسْتِجْمَاعَ مِنْ الظُّهُورِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُ إلَى دَلَالَةٍ عَلَيْهِ فِي الْكَلَامِ، بَلْ رُبَّمَا يَدَّعِي أَنَّ تَرْكَ ذِكْرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَوْفَقُ لِمُقْتَضَى الْمَقَامِ، بَلْ الْمُهِمُّ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنْ قَوِيَ لِلْحَامِدِ مُحَرِّكُ الْإِقْبَالِ وَدَاعِي التَّوَجُّهِ إلَى جَنَابِهِ عَلَى الْكَمَالِ، حَتَّى خَاطَبَهُ مُشْعِرًا بِأَنَّهُ تَعَالَى كَأَنَّهُ مُشَاهَدٌ لَهُ حَالَةَ الْحَمْدِ لِرِعَايَةِ مَرْتَبَةِ الْإِحْسَانِ، وَهُوَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ، أَوْ بِأَنَّهُ تَعَالَى قَرِيبٌ مِنْ الْحَامِدِ كَمَا قَالَ تَعَالَى - {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16]- وَإِنْ كَانَ الْحَامِدُ لِنُقْصَانِهِ فِي كَمَالِ الْبُعْدِ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ يَا الْمَوْضُوعَةُ لِنِدَاءِ الْبَعِيدِ عَلَى مَا قِيلَ، فَفِي الْإِتْيَانِ بِهَا هَضْمٌ لِنَفْسِهِ وَاسْتِبْعَادٌ لَهَا عَنْ مَظَانِّ الزُّلْفَى كَمَا أَفَادَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَزْدَوِيُّ (قَوْلُهُ: يَا مَنْ شَرَحْت) الْأَوْلَى شَرَحَ كَمَا عَبَّرَ فِي مُخْتَصَرِ الْمَعَانِي، لِأَنَّ الْأَسْمَاءَ الظَّاهِرَةَ كُلَّهَا غَيْبٌ سَوَاءٌ كَانَتْ مَوْصُولَةً أَوْ مَوْصُوفَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ، لَكِنْ بِمُرَاعَاةِ جَانِبِ النِّدَاءِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْمُخَاطَبِ يَسُوغُ الْخِطَابُ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى. وَذَكَرَ فِي الْمُطَوَّلِ أَنَّ قَوْلَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ. أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ. قَبِيحٌ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ. وَاعْتَرَضَهُ حَسَنٌ جَلَبِي بِأَنَّ الِالْتِفَاتَ مِنْ أَتَمِّ وُجُوهِ تَحْسِينِ الْكَلَامِ فَلَا وَجْهَ لِلتَّقْبِيحِ، لِأَنَّهُ الْتِفَاتٌ مِنْ الْغَيْبَةِ إلَى التَّكَلُّمِ، وَفِيهِ تَغْلِيبُ جَانِبِ الْمَعْنَى عَلَى جَانِبِ اللَّفْظِ، عَلَى أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى النَّحْوِيِّينَ - {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [النمل: 55]- فَلَوْ كَانَ فِيهِ قَبَاحَةٌ لَمَا وَقَعَ فِي كَلَامٍ هُوَ فِي أَعْلَى طَبَقَاتِ الْبَلَاغَةِ. اهـ. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى مَا فِي قَوْلِهِ عَلَى أَنَّهُ يَرُدُّ إلَخْ مِنْ اللَّطَافَةِ عِنْدَ أَهْلِ الظَّرَافَةِ، وَفِي مُغْنِي اللَّبِيبِ فِي بَحْثِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى رَابِطٍ أَنَّ نَحْوَ: أَنْتَ الَّذِي فَعَلْت مَقِيسٌ لَكِنَّهُ قَلِيلٌ، وَإِذَا تَمَّ الْمَوْصُولُ بِصِلَتِهِ انْسَحَبَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْخِطَابِ، وَلِهَذَا قِيلَ قُمْتُمْ. وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ لِأَنَّ آمَنُوا مُغَايَبَةً قُمْتُمْ مُوَاجَهَةً فَقَدَّمُوهَا. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يَتِمَّ الْمَوْصُولُ بِصِلَتِهِ: أَيْ لَمْ يَأْتِ الضَّمِيرُ بَعْدَ تَمَامِ الصِّلَةِ، فَدَعْوَى الِالْتِفَاتِ فِيهِ صَحِيحَةٌ (قَوْلُهُ: شَرَحْت صُدُورَنَا) أَصْلُ الشَّرْحِ بَسْطُ اللَّحْمِ وَنَحْوِهِ وَمِنْهُ شَرْحُ الصَّدْرِ: أَيْ بَسْطُهُ بِنُورٍ إلَهِيٍّ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ التَّوْسِعَةُ مُطْلَقًا، وَيُقَابِلُهُ الضِّيقُ - {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ} [الأنعام: 125]- الْآيَةُ، وَفُسِّرَ فِي آيَةِ - {أَلَمْ نَشْرَحْ} [الشرح: 1]- بِتَوْسِعَتِهِ بِمَا أَوْدَعَ فِيهِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ، وَخَصَّ الصُّدُورَ لِأَنَّهَا ظُرُوفُ الْقُلُوبِ الْمُلُوكِ عَلَى سَائِرِ الْجَوَارِحِ، لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْعَقْلِ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ أَوْ الْمُرَادُ بِهَا الْقُلُوبُ، وَاتِّسَاعُهَا كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ مَا يَدْخُلُ فِيهَا مِنْ الْحِكَمِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْمَعَارِفِ الرَّبَّانِيَّةِ (قَوْلُهُ: بِأَنْوَاعِ: الْهِدَايَةِ) قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: الْهِدَايَةُ دَلَالَةٌ بِلُطْفٍ وَلِذَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وقَوْله تَعَالَى - {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 23]- عَلَى التَّهَكُّمِ وَهِدَايَةُ اللَّهِ تَعَالَى تَتَنَوَّعُ أَنْوَاعًا لَا يُحْصِيهَا عَدَدٌ لَكِنَّهَا تَنْحَصِرُ فِي أَجْنَاسٍ مُتَرَتِّبَةٍ: الْأَوَّلُ إفَاضَةُ الْقُوَى الَّتِي بِهَا يَتَمَكَّنُ الْمَرْءُ مِنْ الِاهْتِدَاءِ إلَى مَصَالِحِهِ كَالْقُوَّةِ الْعَاقِلَةِ وَالْحَوَاسِّ الْبَاطِنَةِ وَالْمَشَاعِرِ الظَّاهِرَةِ. وَالثَّانِي نَصْبُ الدَّلَائِلِ الْفَارِقَةِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ. وَالثَّالِثُ الْهِدَايَةُ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ. وَالرَّابِعُ أَنْ يَكْشِفَ عَلَى قُلُوبِهِمْ السَّرَائِرَ وَيُرِيَهُمْ الْأَشْيَاءَ كَمَا هِيَ بِالْوَحْيِ أَوْ الْإِلْهَامِ أَوْ الْمَنَامَاتِ الصَّادِقَةِ وَهَذَا مُخْتَصٌّ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: سَابِقًا) حَالٌ مِنْ مَصْدَرِ شَرَحْتَ: أَيْ جَعَلْتَ صُدُورَنَا قَابِلَةً لِلْخَيْرَاتِ حَالَ كَوْنِ الشَّرْحِ سَابِقًا أَوْ صِفَةٌ لِذَلِكَ الْمَصْدَرِ. اهـ. ط. أَقُولُ: أَوْ صِفَةٌ لِزَمَانٍ أَيْ زَمَانًا سَابِقًا فَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ: أَيْ حِينَ أَخَذَ الْمِيثَاقَ أَوْ حِينَ وُلِدْنَا عَلَى الْفِطْرَةِ أَوْ عَقَلْنَا الدِّينَ الْحَقَّ وَاخْتَرْنَا الْبَقَاءَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَنَوَّرْتَ بَصَائِرَنَا) النُّورُ كَيْفِيَّةٌ ظَاهِرَةٌ بِنَفْسِهَا مُظْهِرَةٌ لِغَيْرِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 بِتَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ لَاحِقًا، وَأَفَضْت عَلَيْنَا مِنْ أَشِعَّةِ شَرِيعَتِك الْمُطَهَّرَةِ بَحْرًا رَائِقًا، وَأَغْدَقْتَ لَدَيْنَا مِنْ بِحَارِ   [رد المحتار] وَالضِّيَاءُ أَقْوَى مِنْهُ وَأَتَمُّ، وَلِذَلِكَ أُضِيفَ إلَى الشَّمْسِ فِي قَوْله تَعَالَى - {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} [يونس: 5]- وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الضِّيَاءَ ضَوْءٌ ذَاتِيٌّ وَالنُّورَ ضَوْءٌ عَارِضٌ. وَقَدْ يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النُّورُ أَقْوَى عَلَى الْإِطْلَاقِ، - {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [النور: 35]- وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ فِي الْآيَةِ الْمُنَوِّرَ، وَقَدْ حَمَلَهُ أَهْلُ التَّفْسِيرِ عَلَى ذَلِكَ اهـ حَسَنٌ جَلَبِي عَلَى الْمُطَوَّلِ. وَالْبَصَائِرُ: جَمْعُ بَصِيرَةٍ، وَهِيَ قُوَّةٌ لِلْقَلْبِ الْمُنَوَّرِ بِنُورِ الْقُدُسِ يَرَى بِهَا حَقَائِقَ الْأَشْيَاءِ بِمَثَابَةِ الْبَصَرِ لِلنَّفْسِ كَمَا فِي تَعْرِيفَاتِ السَّيِّدِ (قَوْلُهُ: بِتَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ بِنُورِ بَصَرِهِ يَنْظُرُ إلَى عَجَائِبِ الْمَصْنُوعَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِلَى الْكُتُبِ النَّافِعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ سَبَبًا فِي الْعَادَةِ لِتَنْوِيرِ الْبَصِيرَةِ بِاكْتِسَابِ الْمَعَارِفِ (قَوْلُهُ: لَاحِقًا) الْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي سَابِقًا؛ وَإِنَّمَا كَانَ تَنْوِيرُ الْبَصَائِرِ لَاحِقًا: أَيْ مُتَأَخِّرًا عَنْ شَرْحِ الصُّدُورِ، لِأَنَّ شَرْحَهَا الِاهْتِدَاءُ إلَى الْإِسْلَامِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى - {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ} [الأنعام: 125]- الْآيَةُ، وَهَذَا سَابِقٌ عَادَةً عَلَى تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ بِمَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُخْتَصَرِ: قَدَّمَ شَرْحَ الصَّدْرِ عَلَى تَنْوِيرِ الْقَلْبِ، لِأَنَّ الصَّدْرَ وِعَاءُ الْقَلْبِ وَشَرْحُهُ مُقَدَّمٌ لِدُخُولِ النُّورِ فِي الْقَلْبِ (قَوْلُهُ: وَأَفَضْت) يُقَالُ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَى نَفْسِهِ: أَيْ أَفْرَغَهُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: مِنْ أَشِعَّةِ) جَمْعُ شُعَاعٍ بِالضَّمِّ: وَهُوَ مَا تَرَاهُ مِنْ الشَّمْسِ كَأَنَّهُ الْحِبَالُ مُقْبِلَةً عَلَيْك إذَا نَظَرْت إلَيْهَا، أَوْ مَا يَنْتَشِرُ مِنْ ضَوْئِهَا قَامُوسٌ. وَالشَّرِيعَةُ: فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ أَيْ مَشْرُوعَةٌ، فَقَدْ شَرَعَهَا اللَّهُ حَقِيقَةً وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَجَازًا، وَالشَّرِيعَةُ وَالْمِلَّةُ وَالدِّينُ شَيْءٌ وَاحِدٌ. فَهِيَ شَرِيعَةٌ لِكَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ شَرَعَهَا. وَالشَّرِيعَةُ فِي الْأَصْلِ الطَّرِيقُ يُورَدُ لِلِاسْتِقَاءِ، فَأُطْلِقَتْ عَلَى الْأَحْكَامِ الْمَشْرُوعَةِ لِبَيَانِهَا وَوُضُوحِهَا، وَلِلتَّوَصُّلِ بِهَا إلَى مَا بِهِ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَمِلَّةٌ لِكَوْنِهَا أُمْلِيَتْ عَلَيْنَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ، وَدِينٌ لِلتَّدَيُّنِ بِأَحْكَامِهَا: أَيْ لِلتَّعَبُّدِ بِهَا. اهـ. ط، وَكُلٌّ مِنْ الدِّينِ وَالشَّرِيعَةِ يُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالنَّبِيِّ وَالْأُمَّةِ. بِخِلَافِ الْمِلَّةِ فَإِنَّهَا لَا تُضَافُ إلَّا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُقَالُ مِلَّةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُقَالُ مِلَّةُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مِلَّةُ زَيْدٍ كَمَا قَالَهُ الْمُظْهِرُ وَالرَّاغِبُ وَغَيْرُهُمَا. فَيُشْكِلُ مَا قَالَهُ التَّفْتَازَانِيُّ إنَّهَا تُضَافُ إلَى آحَادِ الْأُمَّةِ قُهُسْتَانِيٌّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْكَيْدَانِيَّةِ. هَذَا، وَقَالَ ح: الْأَنْسَبُ بِالْإِضَافَةِ وَالْبَحْرِ أَنْ يَقُولَ مِنْ شَآبِيبَ مَثَلًا، وَهُوَ جَمْعُ شُؤْبُوبٍ: الدُّفْعَةُ مِنْ الْمَطَرِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. اهـ. أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ شَبَّهَ الشَّرِيعَةَ بِالشَّمْسِ بِجَامِعِ الِاهْتِدَاءِ، فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ وَالْأَشِعَّةُ تَخْيِيلٌ، وَكُلٌّ مِنْ الْإِفَاضَةِ وَالْبَحْرِ لَا يُلَائِمُ ادِّعَاءَ أَنَّ الشَّرِيعَةَ مِنْ أَفْرَادِ الشَّمْسِ الَّذِي هُوَ مَبْنَى الِاسْتِعَارَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لِجَوَازِ أَنْ تُشَبَّهَ أَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ بِالْأَشِعَّةِ مِنْ حَيْثُ الِاهْتِدَاءُ فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ وَالْقَرِينَةُ إضَافَةُ الْأَشِعَّةِ إلَى الشَّرِيعَةِ ثُمَّ تُشَبَّهُ الْأَحْكَامُ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْأَشِعَّةِ مِنْ حَيْثُ الِارْتِفَاعُ أَوْ الْكَثْرَةُ بِالسَّحَابِ فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ. وَالْإِضَافَةُ اسْتِعَارَةٌ تَخْيِيلِيَّةٌ، وَالْبَحْرُ تَرْشِيحٌ، فَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثُ اسْتِعَارَاتٍ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى - {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [النحل: 112]- وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إضَافَةُ الْأَشِعَّةِ إلَى الشَّرِيعَةِ مِنْ إضَافَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ إلَى الْمُشَبَّهِ، وَشَبَّهَ الْمَسَائِلَ الشَّرْعِيَّةَ بِالْبَحْرِ بِجَامِعِ الْكَثْرَةِ أَوْ النَّفْعِ فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ وَالْإِفَاضَةُ تَرْشِيحٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَأَغْدَقْت) أَيْ أَكْثَرْت، فِي التَّنْزِيلِ - {لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن: 16]- أَيْ كَثِيرًا مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: لَدَيْنَا) أَيْ عِنْدَنَا، وَقِيلَ إنَّ لَدَى تَقْتَضِي الْحَضْرَةَ بِخِلَافِ عِنْدَ، تَقُولُ: عِنْدِي فَرَسٌ إذَا كُنْت تَمْلِكُهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً فِي مَكَانِ التَّكَلُّمِ، وَلَا تَقُولُ لَدَيَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 مِنَحِك الْمُوَفَّرَةِ نَهْرًا فَائِقًا، وَأَتْمَمْت نِعْمَتَك عَلَيْنَا حَيْثُ يَسَّرْت ابْتِدَاءَ تَبْيِيضِ هَذَا الشَّرْحِ الْمُخْتَصَرِ تُجَاهَ وَجْهِ مَنْبَعِ الشَّرِيعَةِ وَالدُّرَرِ، وَضَجِيعَيْهِ الْجَلِيلَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، بَعْدَ الْإِذْنِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   [رد المحتار] إلَّا إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً (قَوْلُهُ: مِنَحِك) جَمْعُ مِنْحَةٍ: وَهِيَ الْعَطِيَّةُ (قَوْلُهُ: الْمُوَفَّرَةِ) أَيْ الْكَثِيرَةِ (قَوْلُهُ: نَهْرًا فَائِقًا) الْفَائِقُ: الْخِيَارُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَامُوسٌ، وَفِيهِ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ أَيْضًا نَظِيرَ مَا مَرَّ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ أَسَامِي الْكُتُبِ مِنْ الْهِدَايَةِ وَالتَّنْوِيرِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ مِنْ اللَّطَافَةِ وَحُسْنِ الْإِيهَامِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا نَفْسَ الْكُتُبِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّكَلُّفِ وَفَوَاتِ النِّكَاتِ الْبَدِيعِيَّةِ فِي لَطِيفِ الْكَلَامِ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَأْلُوفِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَتْمَمْت) أَيْ أَكْمَلْت نِعْمَتَك: أَيْ إنْعَامَك، أَوْ مَا أَنْعَمْت بِهِ ط (قَوْلُهُ: عَلَيْنَا) الضَّمِيرُ لِلْمُؤَلِّفِ وَحْدَهُ نَظَرًا إلَى عَوْدِ ثَوَابِ الِانْتِفَاعِ بِهِ إلَيْهِ فَقَطْ، وَأَتَى بِضَمِيرِ الْعَظَمَةِ لِلتَّحْدِيثِ بِالنِّعْمَةِ، وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ، أَوْ الضَّمِيرُ لِمَعَاشِرِ الْحَنَفِيَّةِ بِاعْتِبَارِ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَهَذَا حُسْنُ ظَنٍّ مِنْ الشَّيْخِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ أُلِّفَتْ بَعْدَ ابْتِدَائِهِ هَذَا الْكِتَابَ بَلْ عَلَى أَنَّهَا مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُ ط (قَوْلُهُ: حَيْثُ) الْحَيْثِيَّةُ لِلتَّعْلِيلِ: أَيْ لِأَنَّك يَسَّرْت: أَيْ سَهَّلْت، أَوْ لِلتَّقْيِيدِ: أَيْ أَتْمَمْت وَقْتَ تَيْسِيرِ ابْتِدَاءِ إلَخْ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ط (قَوْلُهُ: تَبْيِيضِ) هُوَ فِي اصْطِلَاحِ الْمُصَنِّفِينَ عِبَارَةٌ عَنْ كِتَابَةِ الشَّيْءِ عَلَى وَجْهِ الضَّبْطِ وَالتَّحْرِيرِ مِنْ غَيْرِ شَطْبٍ بَعْدَ كِتَابَتِهِ كَيْفَمَا اتَّفَقَ. اهـ. حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ: هَذَا الشَّرْحِ) الْإِشَارَةُ إلَى مَا فِي الذِّهْنِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَخَيَّلَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَعَانِي، وَهَذَا هُوَ الْأَوْلَى مِنْ الْأَوْجُهِ السَّبْعَةِ الْمَشْهُورَةِ ط، وَهِيَ كَوْنُ الْإِشَارَةِ إلَى وَاحِدٍ فَقَطْ مِنْ الْأَلْفَاظِ أَوْ النُّقُوشِ أَوْ الْمَعَانِي أَوْ إلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا أَوْ إلَى ثَلَاثَةٍ، وَعَلَى كُلٍّ فَالْإِشَارَةُ مَجَازِيَّةٌ هُنَا. وَالشَّرْحُ بِمَعْنَى الشَّارِحِ: أَيْ الْمُبَيِّنُ وَالْكَاشِفُ، أَوْ جَعَلَ الْأَلْفَاظَ شَرْحًا مُبَالَغَةً (قَوْلُهُ: الْمُخْتَصَرِ) الِاخْتِصَارُ: تَقْلِيلُ اللَّفْظِ وَتَكْثِيرُ الْمَعْنَى، وَهُوَ الْإِيجَازُ كَمَا فِي الْمِفْتَاحِ (قَوْلُهُ: تُجَاهَ) فِي الْقَامُوسِ: وَجَاهَك وَتُجَاهَك مُثَلَّثَيْنِ تِلْقَاءَ وَجْهِك (قَوْلُهُ: مَنْبَعِ الشَّرِيعَةِ) أَيْ مَحَلِّ نَبْعِهَا وَظُهُورِهَا، شَبَّهَ الظُّهُورَ بِالنَّبْعِ ثُمَّ اشْتَقَّ مِنْ النَّبْعِ بِمَعْنَى الظُّهُورِ مَنْبَعَ بِمَعْنَى مُظْهِرٍ، فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ، أَوْ شَبَّهَ الشَّرِيعَةَ بِالْمَاءِ وَالْمَنْبَعُ تَخْيِيلٌ، فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ، وَالْمَعْنَى وَجْهِ صَاحِبِ مَنْبَعِ الشَّرِيعَةِ (قَوْلُهُ: وَالدُّرَرِ) أَيْ الْفَوَائِدِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ الشَّبِيهَةِ بِالدُّرَرِ فِي النَّفَاسَةِ وَالِانْتِفَاعِ، فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ وَعَطْفُهُ عَلَى الشَّرِيعَةِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَفِيهِ إيهَامٌ لَطِيفٌ بِكِتَابِ الدُّرَرِ (قَوْلُهُ: وَضَجِيعَيْهِ) عَطْفٌ عَلَى مَنْبَعٍ تَثْنِيَةُ ضَجِيعٍ بِمَعْنَى مُضَاجِعٍ: وَهُوَ مَنْ يَضْطَجِعُ بِحِذَاءِ آخَرَ بِلَا فَاصِلٍ، وَأَطْلَقَ عَلَيْهِمَا ضَجِيعَيْنِ لِقُرْبِهِمَا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: الْجَلِيلَيْنِ) أَيْ الْعَظِيمَيْنِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْإِذْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَسَّرْت أَوْ ابْتِدَاءَ، وَكَأَنَّ الْإِذْنَ لِلشَّارِحِ حَصَلَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَرِيحًا بِرُؤْيَةِ مَنَامٍ أَوْ بِإِلْهَامٍ، وَبِبَرَكَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاقَ هَذَا الشَّرْحُ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا فَاقَ مَتْنُهُ حَيْثُ رَأَى الْمُصَنِّفُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَامَ لَهُ مُسْتَقْبِلًا وَاعْتَنَقَهُ عَجِلًا؛ وَأَلْقَمَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِسَانَهُ الشَّرِيفَ كَمَا حَكَاهُ فِي الْمِنَحِ، فَكُلٌّ مِنْ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ مِنْ آثَارِ بَرَكَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا غَرْوَ أَنْ شَاعَ ذِكْرُهُمَا، وَفَاقَ وَعَمَّ نَفْعُهُمَا فِي الْآفَاقِ (قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِعْلٌ مَاضٍ قِيَاسُ مَصْدَرِهِ التَّصْلِيَةُ، وَهُوَ مَهْجُورٌ لَمْ يُسْمَعْ هَكَذَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْقَامُوسِ صَلَّى صَلَاةً لَا تَصْلِيَةً دَعَا اهـ وَيَرُدُّهُ مَا أَنْشَدَهُ ثَعْلَبٌ: تَرَكْت الْقِيَانَ وَعَزْفَ الْقِيَانِ ... وَأَدْمَنْت تَصْلِيَةً وَابْتِهَالًا الْقِيَانُ جَمْعُ قَيْنَةٍ: وَهِيَ الْأَمَةُ، وَعَزْفُهَا: أَصْوَاتُهَا. قَالَ: وَالتَّصْلِيَةُ مِنْ الصَّلَاةِ، وَابْتِهَالًا مِنْ الدُّعَاءِ اهـ وَقَدْ ذَكَرَهُ الزَّوْزَنِيُّ فِي مَصَادِرِهِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: الصَّلَاةُ اسْمٌ مِنْ التَّصْلِيَةِ وَكِلَاهُمَا مُسْتَعْمَلٌ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ بِمَعْنَى أَدَاءِ الْأَرْكَانِ فَإِنَّ مَصْدَرَهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ كَمَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ فِي الدُّعَاءِ مَجَازٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ   [رد المحتار] فِي الْعِبَادَةِ الْمَخْصُوصَةِ كَمَا حَقَّقَهُ السَّعْدُ فِي حَوَاشِي الْكَشَّافِ، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلْحَمَوِيِّ. وَفِي التَّحْرِيرِ: هِيَ مَوْضُوعَةٌ لِلِاعْتِنَاءِ بِإِظْهَارِ الشَّرَفِ، وَيَتَحَقَّقُ مِنْهُ تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ عَلَيْهِ وَمِنْ غَيْرِهِ بِالدُّعَاءِ، فَهِيَ مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ، وَهُوَ أَرْجَحُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ، أَوْ هِيَ مَجَازٌ فِي الِاعْتِنَاءِ الْمَذْكُورِ. اهـ. وَبِهِ انْدَفَعَ الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56]- الْآيَةُ عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ مَعْنَى الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ، وَلِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْعَطْفِ عُدِّيَتْ بِعَلَى لِلْمَنْفَعَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُتَعَدِّي بِهَا لِلْمَضَرَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُتَرَادِفَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ جَرَيَانِ أَحَدِهِمَا مَجْرَى الْآخَرِ، وَفِيهِ خِلَافٌ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا مَنْقُولَةٌ إلَى الْإِنْشَاءِ، أَوْ مَجَازٌ فِيهِ بِمَعْنَى اللَّهُمَّ صَلِّ، إذْ الْمَقْصُودُ إيجَادُ الصَّلَاةِ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَمَعْنَاهَا الثَّنَاءُ الْكَامِلُ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي وُسْعِنَا فَأُمِرْنَا أَنْ نَكِلَ ذَلِكَ إلَيْهِ تَعَالَى كَمَا فِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ 1 - مَطْلَبٌ (أَفْضَلُ صِيَغِ الصَّلَاةِ) وَأَفْضَلُ الْعِبَارَاتِ عَلَى مَا قَالَ السُّيُوطِيّ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَقِيلَ هُوَ التَّعْظِيمُ؛ فَالْمَعْنَى اللَّهُمَّ عَظِّمْهُ فِي الدُّنْيَا بِإِعْلَاءِ ذِكْرِهِ وَإِنْفَاذِ شَرِيعَتِهِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِتَضْعِيفِ أَجْرِهِ وَتَشْفِيعِهِ فِي أُمَّتِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ اهـ وَعَطَفَ قَوْلَهُ وَسَلَّمَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي، وَيُحْتَمَلُ صِيغَةُ الْأَمْرِ مِنْ عَطْفِ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْإِنْشَاءِ لَفْظًا أَوْ مَعْنًى وَحُذِفَ مَعْمُولُهُ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ: أَيْ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَمَصْدَرُهُ التَّسْلِيمُ وَاسْمُ مَصْدَرِهِ السَّلَامَةُ، وَمَعْنَاهُ السَّلَامَةُ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ. قَالَ الْحَمَوِيُّ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ كَرِهَ إفْرَادَ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ عِنْدَنَا لَا يُكْرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي حَقِّ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَمَنْ ادَّعَاهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُورِدَ نَقْلًا صَرِيحًا وَلَا يَجِدُ إلَيْهِ سَبِيلًا كَذَا فِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ ميرك عَلَى الشَّمَائِلِ. اهـ. أَقُولُ: وَجَزَمَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِهِ عَلَى التَّحْرِيرِ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْقَوْلِ بِكَرَاهَةِ الْإِفْرَادِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ الْمُسَمَّى [حِلْيَةُ الْمُجَلِّي فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي] بِمَا فِي سُنَنِ النَّسَائِيّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ فِي حَدِيثِ الْقُنُوتِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ " ثُمَّ قَالَ: مَعَ أَنَّ فِي قَوْله تَعَالَى - {وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 181]- {وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59]- إلَى غَيْرِ ذَلِكَ أُسْوَةً حَسَنَةً. اهـ. وَمِمَّنْ رَدَّ الْقَوْلَ بِالْكَرَاهَةِ الْعَلَّامَةُ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي فِي شَرْحِ الْجَزْرِيَّةِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: وَعَلَى آلِهِ) اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهِمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ فَالْأَكْثَرُونَ أَنَّهُمْ قَرَابَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِينَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيهِمْ، وَقِيلَ جَمِيعُ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ وَإِلَيْهِ مَالَ مَالِكٌ وَاخْتَارَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ شَرْحُ التَّحْرِيرِ. وَذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّ الثَّانِيَ مُخْتَارُ الْمُحَقِّقِينَ (قَوْلُهُ: وَصَحْبِهِ) جَمْعُ صَاحِبٍ، وَقِيلَ اسْمُ جَمْعٍ لَهُ. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَالصَّحَابِيُّ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَبَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ مَنْ لَقِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْلِمًا وَمَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ، أَوْ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَمَاتَ قَبْلَهَا عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ كَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، أَوْ ارْتَدَّ وَعَادَ فِي حَيَاتِهِ. وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ مَنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُ مُتَّبِعًا لَهُ مُدَّةً يَثْبُتُ مَعَهَا إطْلَاقُ صَاحِبِ فُلَانٍ عُرْفًا بِلَا تَحْدِيدٍ فِي الْأَصَحِّ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ تَعُودُ صُحْبَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَلْقَهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُحْبَطُ عَمَلُهُ مَا لَمْ يَمُتْ عَلَى الرِّدَّةِ: أَمَّا عِنْدَنَا فَبِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ يُحْبَطُ الْعَمَلُ، وَالصُّحْبَةُ مِنْ أَشْرَفِ الْأَعْمَالِ، لَكِنَّهُمْ قَالُوا إنَّهُ بِالْإِسْلَامِ تَعُودُ أَعْمَالُهُ مُجَرَّدَةً عَنْ الثَّوَابِ، وَلِذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ سِوَى عِبَادَةٍ بَقِيَ سَبَبُهَا كَالْحَجِّ وَكَصَلَاةٍ صَلَّاهَا فَارْتَدَّ فَأَسْلَمَ فِي وَقْتِهَا. وَعَلَى هَذَا فَقَدْ يُقَالُ تَعُودُ صُحْبَتُهُ مُجَرَّدَةً عَنْ الثَّوَابِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 الَّذِينَ حَازُوا مِنْ مِنَحِ فَتْحِ كَشْفِ فَيْضِ فَضْلِك الْوَافِي حَقَائِقًا. وَبَعْدُ: فَيَقُولُ فَقِيرُ ذِي اللُّطْفِ الْخَفِيِّ.   [رد المحتار] وَقَدْ يُقَالُ إنْ أَسْلَمَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَعُودُ صُحْبَتُهُ مَا لَمْ يَلْقَهُ لِبَقَاءِ سَبَبِهَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: الَّذِينَ حَازُوا) أَيْ جَمَعُوا (قَوْلُهُ: مِنْ مِنَحِ إلَخْ) فِيهِ صِنَاعَةُ التَّوْجِيهِ حَيْثُ ذَكَرَ أَسْمَاءَ الْكُتُبِ وَهِيَ الْمِنَحُ لِلْمُصَنِّفِ وَالْفَتْحُ شَرْحُ الْهِدَايَةِ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ وَالْكَشْفُ شَرْحُ الْمَنَارِ لِلنَّسَفِيِّ وَالْفَيْضُ لِلْكُرْكِيِّ وَالْوَافِي مَتْنُ الْكَافِي لِلنَّسَفِيِّ وَالْحَقَائِقُ شَرْحُ مَنْظُومَةِ النَّسَفِيِّ، وَفِيهِ حُسْنُ الْإِبْهَامِ بِذِكْرِ مَا لَهُ مَعْنًى قَرِيبٌ وَمَعْنًى بَعِيدٌ. وَأَرَادَ الْمَعْنَى الْبَعِيدَ وَهُوَ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةُ هُنَا دُونَ الِاصْطِلَاحِيَّةِ لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ: أَيْ حَازُوا عَنْ عَطَايَا فَتْحِ بَابِ كَشْفٍ: أَيْ إظْهَارِ فَيْضٍ أَيْ كَثِيرِ فَضْلِك أَيْ إنْعَامِك الْوَافِي أَيْ التَّامِّ حَقَائِقًا أَيْ أُمُورًا مُحَقَّقَةً. وَبِهَذِهِ اللَّطَافَةِ يُغْتَفَرُ مَا فِيهِ مِنْ تَتَابُعِ الْإِضَافَاتِ الَّذِي عُدَّ مُخِلًّا بِالْفَصَاحَةِ إلَّا إذَا لَمْ يَثْقُلْ عَلَى اللِّسَانِ فَإِنَّهُ يَزِيدُ الْكَلَامَ مِلَاحَةً وَلَطَافَةً. فَيَكُونُ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ. وَيُسَمَّى الِاطِّرَادُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ} [مريم: 2]- وقَوْله تَعَالَى - {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} [الأنفال: 52]-. [تَنْبِيهٌ] حَقَائِقًا بِالْأَلِفِ لِلسَّجْعِ مَعَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ. فَصَرَفَهُ هُنَا عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى - {سَلاسِلَ وَأَغْلالا} [الإنسان: 4]- وقَوْله تَعَالَى - قَوَارِيرًا - فِي قِرَاءَةِ مَنْ نَوَّنَهُمَا. وَذَكَرُوا لِذَلِكَ أَوْجُهًا مِنْهَا التَّنَاسُبُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَرَأَ " سَلَاسِلَا " بِالْأَلِفِ دُونَ تَنْوِينٍ (قَوْلُهُ: وَبَعْدُ) يُؤْتَى بِهَا لِلِانْتِقَالِ مِنْ أُسْلُوبٍ إلَى أُسْلُوبٍ آخَرَ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ. فَهِيَ مِنْ الِاقْتِضَابِ الْمَشُوبِ بِالتَّخَلُّصِ. وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَا. وَدَاوُد أَقْرَبُ. وَهِيَ فَصْلُ الْخِطَابِ الَّذِي أُوتِيَهُ، وَهِيَ مِنْ الظُّرُوفِ الزَّمَانِيَّةِ أَوْ الْمَكَانِيَّةِ الْمُنْقَطِعَةِ عَنْ الْإِضَافَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الضَّمِّ لِنِيَّةِ مَعْنَى الْمُضَافِ إلَيْهِ أَوْ مَنْصُوبَةٌ غَيْرَ مُنَوَّنَةٍ لِنِيَّةِ لَفْظِهِ أَوْ مُنَوَّنَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ لَفْظَهُ وَلَا مَعْنَاهُ. وَالثَّالِثُ لَا يُحْتَمَلُ هُنَا لِعَدَمِ مُسَاعَدَةِ الْخَطِّ إلَّا عَلَى لُغَةِ مَنْ لَا يَكْتُبُ الْأَلْفَ الْمُبْدَلَةَ عَنْ التَّنْوِينِ حَالَ النَّصْبِ، وَعَلَى كُلٍّ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُتَعَلِّقٍ. فَإِنْ كَانَتْ الْوَاوُ هُنَا نَائِبَةً عَنْ أَمَّا كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ فَمُتَعَلِّقُهَا إمَّا الشَّرْطُ أَوْ الْجَزَاءُ، وَالثَّانِي أَوْلَى لِيُفِيدَ تَأْكِيدَ الْوُقُوعِ. لِأَنَّ التَّعْلِيقَ عَلَى أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ يُفِيدُ وُقُوعَ الْمُعَلَّقِ أَلْبَتَّةَ. وَالتَّقْدِيرُ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ فَيَقُولُ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَالتَّصْلِيَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْقِصَّةِ عَلَى الْقِصَّةِ. أَوْ لِلِاسْتِئْنَافِ فَالْعَامِلُ فِيهَا يَقُولُ. وَزِيدَتْ فِيهِ الْفَاءُ لِتَوَهُّمِ أَمَّا إجْرَاءً لِلْمُتَوَهَّمِ مَجْرَى الْمُحَقَّقِ كَمَا فِي: وَلَا سَابِقَ بِالْجَرِّ. وَالتَّقْدِيرُ وَيَقُولُ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ. وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهِيَ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ لِنِيَابَةِ الْوَاوِ عَنْ أَدَاتِهِ. وَاعْتَرَضَهُ حَسَنٌ جَلَبِي فِي حَوَاشِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّ النِّيَابَةَ تَقْتَضِي مُنَاسَبَةً بَيْنَ النَّائِبِ وَالْمَنُوبِ عَنْهُ، وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْوَاوِ وَأَمَّا اهـ وَلَا يَصِحُّ تَقْدِيرُ أَمَّا بَعْدَ الْوَاوِ لِأَنَّ أَمَّا لَا تُحْذَفُ إلَّا إذَا كَانَ الْجَزَاءُ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا نَاصِبًا لِمَا قَبْلَهُ أَوْ مُفَسِّرًا لَهُ كَمَا فِي الرَّضِي وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَقِيرُ ذِي اللُّطْفِ) أَيْ كَثِيرُ الْفَقْرِ: أَيْ الِاحْتِيَاجِ لِلَّهِ تَعَالَى. ذِي اللُّطْفِ: أَيْ الرِّفْقِ وَالْبِرِّ بِعِبَادِهِ وَالْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ (قَوْلُهُ: الْخَفِيِّ) أَيْ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ. فَإِنَّ لُطْفَهُ تَعَالَى لَا يَخْفَى عَلَى شَخْصٍ فِي كُلِّ شَخْصٍ، أَوْ الْمُرَادُ الْخَفِيُّ عَنْ الْعَبْدِ. بِأَنْ يُدَبِّرَ لَهُ الْأَمْرَ مِنْ غَيْرِ تَعَانٍ مِنْهُ وَمَشَقَّةٍ. وَيُهَيِّئَ لَهُ أُمُورَ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ط (قَوْلُهُ: مُحَمَّدٌ) بَدَلٌ مِنْ فَقِيرٍ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ. وَعَلَاءُ الدِّينِ لَقَبُهُ: أَيْ مُعْلِيهِ وَرَافِعُهُ بِالْعَمَلِ بِهِ وَبَيَانِ أَحْكَامِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 مُحَمَّدُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ ابْنُ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْإِمَامِ بِجَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ   [رد المحتار] وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ التَّسَمِّي بِمِثْلِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ تَزْكِيَةُ نَفْسٍ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي شَرْحِ ابْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَلَى هَذَا الشَّرْحِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَمَالِ الدِّينِ بْنِ حَسَنِ بْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ الْحِصْنِيُّ الْأَثَرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْحَصْكَفِيُّ صَاحِبُ التَّصَانِيفِ فِي الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ، مِنْهَا هَذَا الشَّرْحُ وَشَرْحُ الْمُلْتَقَى وَشَرْحُ الْمَنَارِ فِي الْأُصُولِ وَشَرْحُ الْقَطْرِ فِي النَّحْوِ وَمُخْتَصَرُ الْفَتَاوَى الصُّوفِيَّةِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ جَمْعُ التُّمُرْتَاشِيِّ وَجَمْعُ ابْنِ صَاحِبِهَا، وَلَهُ تَعْلِيقَةٌ عَلَى صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ تَبْلُغُ نَحْوَ ثَلَاثِينَ كُرَّاسًا وَعَلَى تَفْسِيرِ الْبَيْضَاوِيِّ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ إلَى سُورَةِ الْإِسْرَاءِ، وَحَوَاشٍ عَلَى الدُّرَرِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الرَّسَائِلِ وَالتَّحْرِيرَاتِ، وَقَدْ أَقَرَّ لَهُ بِالْفَضْلِ وَالتَّحْقِيقِ مَشَايِخُهُ وَأَهْلُ عَصْرِهِ حَتَّى قَالَ شَيْخُهُ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ فِي إجَازَتِهِ لَهُ: وَقَدْ بَدَأَنِي بِلَطَائِفِ أَسْئِلَةٍ وَقَفْت بِهَا عَلَى كَمَالِ رِوَايَتِهِ وَسَعَةِ مَلَكَتِهِ، فَأَجَبْته غَيْرَ مُوَسِّعٍ عَلَيْهِ، فَكَرَّرَ عَلَى مَا هُوَ أَعْلَى فَزِدْته فَزَادَ فَرَأَيْت جَوَادَ رِهَانِهِ فِي غَايَةِ الْمُكْنَةِ وَالسَّبْقِ، فَبَعُدَتْ لَهُ الْغَايَةُ فَأَتَاهَا مُسْتَرِيحًا لَا يَخْفِقُ، مُسْتَبْصِرًا لَا يَطْرُقُ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لِي أَنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِي حُدِّثْت عَنْهُ وَصَلْت بِهِ إلَى حَالَةٍ يَأْخُذُ مِنِّي وَآخُذُ مِنْهُ إلَى أَنْ قَالَ فِي شَأْنِهِ: فَيَا مَنْ لَهُ شَكٌّ فَدُونَك فَاسْأَلْ تَجِدْ جَبَلًا فِي الْعِلْمِ غَيْرَ مُخَلْخَلِ يُبَارِي فُحُولَ الْفِقْهِ فِيمَا يَرَوْنَهُ وَيَبْرُزُ لِلْمَيْدَانِ غَيْرَ مُزَلْزَلِ يَقْشُرُ عَنْ لُبٍّ مَعْلُومٍ قُشُورُهُ وَيَأْتِي بِمَا يَخْتَارُهُ مِنْ مُفَصَّلِ وَيَقْوَى عَلَى التَّرْجِيحِ فِيهِ بِثَاقِبٍ مِنْ الْفَهْمِ وَالْإِدْرَاكِ غَيْرَ مُحَوَّلِ وَفِكْرٍ إذَا مَا حَاوَلَ الصَّخْرَ قَلَّهُ وَإِنْ رُمْت حَلَّ الصَّعْبِ فِي الْحَالِ يَنْجَلِي وَمَا قُلْت هَذَا الْقَوْلَ إلَّا بُعَيْدَ مَا سَبَرْت خَبَايَاهُ بِأَفْحَم مِقْوَلِ وَقَالَ شَيْخُهُ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ أَفَنْدِي الْمَحَاسِنِيُّ فِي إجَازَتِهِ لَهُ أَيْضًا: وَإِنَّهُ مِمَّنْ نَشَأَ وَالْفَضَائِلُ تَعُلُّهُ وَتَنْهَلُهُ، وَالرَّغْبَةُ فِي الْعِلْمِ تُقَرِّبُ لَهُ مَا يُحَاوِلُهُ مِنْ ذَلِكَ وَتُسَهِّلُهُ، حَتَّى نَالَ مِنْ قِدَاحِ الْكَمَالِ الْقَدَحَ الْمُعَلَّى، وَفَازَ بِمَا وَشَّحَ بِهِ صَدْرَ النَّبَاهَةِ وَحَلَّى، وَكَانَ لِي عَلَى الْغَوْصِ عَلَى غُرَرِ الْفَوَائِدِ أَعْظَمَ مُعِينٍ، فَأَفَادَ وَاسْتَفَادَ، وَفَهِمَ وَأَجَادَ،. اهـ. وَتَرْجَمَهُ تِلْمِيذُهُ خَاتِمَةُ الْبُلَغَاءِ الْمُحِبِّيُّ فِي تَارِيخِهِ فَقَالَ مَا مُلَخَّصُهُ: إنَّهُ كَانَ عَالِمًا مُحَدِّثًا فَقِيهًا نَحْوِيًّا، كَثِيرَ الْحِفْظِ وَالْمَرْوِيَّاتِ طَلْقَ اللِّسَانِ، فَصِيحَ الْعِبَارَةِ، جَيِّدَ التَّقْرِيرِ وَالتَّحْرِيرِ، وَتُوُفِّيَ عَاشِرَ شَوَّالٍ سَنَةَ (1088) عَنْ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ بَابِ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ: الْحَصْكَفِيُّ) كَذَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَفَتْحِ الْكَافِ وَفِي آخِرِهِ فَاءٌ وَيَاءُ النِّسْبَةِ إلَى حِصْنِ كِيفَا، وَهُوَ مِنْ دِيَارِ بَكْرٍ. قَالَ فِي الْمُشْتَرَكِ: وَحِصْنُ كِيفَا عَلَى دِجْلَةَ بَيْنَ جَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ ومَيَّافَارِقِينِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَنْسُبُوا إلَيْهِ الْحِصْنِيَّ وَقَدْ نَسَبُوا إلَيْهِ أَيْضًا كَذَلِكَ، لَكِنْ إذَا نَسَبُوا إلَى اسْمَيْنِ أُضِيفَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ رَكَّبُوا مِنْ مَجْمُوعِ الِاسْمَيْنِ اسْمًا وَاحِدًا وَنَسَبُوا إلَيْهِ كَمَا فَعَلُوا هُنَا، وَكَذَلِكَ نَسَبُوا إلَى رَأْسِ عَيْنٍ رَاسَعَيْنِيٌّ وَإِلَى عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ شَمْسٍ وَعَبْدِ الدَّارِ عَبْدَلِيٌّ وَعَبْشَمِيٌّ وَعَبْدَرِيٌّ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ نَظِيرَ هَذَا ذَكَرَهُ الْمُحِبِّيُّ فِي تَارِيخِهِ فِي تَرْجَمَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْلَا (قَوْلُهُ: بِجَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ) مُتَعَلِّقٌ بِالْإِمَامِ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى فِي ط، وَقَدْ بَنَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأُمَوِيُّ، نُقِلَ أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ وَمِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ، وَفِيهِ رَأْسُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، وَفِي حَائِطِهِ الْقِبْلِيِّ مَقَامُ هُودٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَيُقَالُ إنَّهُ أَوَّلُ مَنْ بَنَى جُدْرَانَهُ الْأَرْبَعَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 ثُمَّ الْمُفْتِي بِدِمَشْقَ الْمَحْمِيَّةِ الْحَنَفِيُّ: لَمَّا بَيَّضْت الْجُزْءَ الْأَوَّلَ مِنْ خَزَائِنِ الْأَسْرَارِ، وَبَدَائِعِ الْأَفْكَارِ، فِي شَرْحِ   [رد المحتار] وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى - {وَالتِّينِ} [التين: 1]- أَنَّهُ مَسْجِدُ دِمَشْقَ، وَكَانَ بُسْتَانًا لِنَبِيِّ اللَّهِ هُودٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَنَّهُ كَانَ فِيهِ شَجَرُ التِّينِ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَهُ الْوَلِيدُ اهـ فَهُوَ الْمَعْبَدُ الْقَدِيمُ الَّذِي تَشَرَّفَ بِالْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، وَصَلَّى فِيهِ الصَّحَابَةُ الْكِرَامُ. وَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّ الْأَفْضَلَ بَعْدَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مَا كَانَ أَقْدَمَ، بَلْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ الدُّوَلِ بِالسَّنَدِ إلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ بِثَلَاثِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ، وَهُوَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ إلَى وَقْتِنَا هَذَا مَعْمُورٌ بِالْعِبَادَةِ وَمَجْمَعُ الْعِلْمِ وَالْإِفَادَةِ. وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى أَنْ يَهْبِطَ عَلَى مَنَارَتِهِ الشَّرْقِيَّةِ الْبَيْضَاءِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إلَى أَنْ يَرِثَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا مِنْ الْأَنَامِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْمُفْتِي إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْإِفْتَاءَ لَمْ يَجْتَمِعْ لَهُ مَعَ الْإِمَامَةِ وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ عَنْهَا ط وَفِي تَارِيخِ الْمُحِبِّيِّ أَنَّهُ تَوَلَّى الْإِفْتَاءَ خَمْسَ سِنِينَ. وَكَانَ مُتَحَرِّيًا فِي أَمْرِ الْفَتْوَى غَايَةَ التَّحَرِّي، وَلَمْ يُضْبَطْ عَلَيْهِ شَيْءٌ خَالَفَ فِيهِ الْقَوْلَ الْمُصَحَّحَ (قَوْلُهُ: بِدِمَشْقَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَقَدْ تُكْسَرُ: قَاعِدَةُ الشَّامِ، سُمِّيَتْ بِبَانِيهَا دِمْشَاقُ بْنُ كَنْعَانَ قَامُوسٌ. وَقِيلَ بَانِيهَا غُلَامُ الْإِسْكَنْدَرِ وَاسْمُهُ دِمَشْقُ أَوْ دِمَشْقَشُ. وَهِيَ أَنْزَهُ بِلَادِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخُوَارِزْمِيَّ: جَنَّاتُ الدُّنْيَا أَرْبَعٌ: غُوطَةُ دِمَشْقَ وَصُغْدُ سَمَرْقَنْدَ وَشِعْبُ بَوَّانَ وَجَزِيرَةُ نَهْرِ الْأُبُلَّةِ. وَفَضْلُ غُوطَةِ دِمَشْقَ عَلَى الثَّلَاثَةِ كَفَضْلِ الثَّلَاثَةِ عَلَى سَائِرِ الدُّنْيَا، وَنَاهِيك مَا وَرَدَ فِيهَا خُصُوصًا وَفِي الشَّامِ عُمُومًا مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ (قَوْلُهُ: الْحَنَفِيُّ) ذَكَرَ الْعِرَاقِيُّ فِي آخِرِ شَرْحِ أَلْفِيَّةِ الْحَدِيثِ: أَنَّ النِّسْبَةَ إلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِلَى الْقَبِيلَةِ وَهُمْ بَنُو حَنِيفَةَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ. وَأَنْ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْهُمْ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيَّ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا بِزِيَادَةِ يَاءٍ فِي النِّسْبَةِ لِلْمَذْهَبِ وَيَقُولُونَ حَنِيفِيٌّ، وَأَنَّهُ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ لَمْ أَجِدْ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ النَّحْوِيِّينَ إلَّا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْأَنْبَارِيِّ (قَوْلُهُ: لَمَّا بَيَّضْت) الْجُمْلَةُ إلَى آخِرِ الْكِتَابِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ مَقُولُ الْقَوْلِ أَوْ كُلُّ جُمْلَةٍ مِنْ الْكِتَابِ مَحَلُّهَا نَصْبٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ جُزْءَ الْمَقُولِ لَهُ مَحَلٌّ، أَوْ لَيْسَ لَهُ مَحَلٌّ وَهُمَا قَوْلَانِ ط (قَوْلُهُ: مِنْ خَزَائِنِ الْأَسْرَارِ) الْخَزَائِنُ جَمْعُ خِزَانَةٍ أَلِفُهَا زَائِدَةٌ تُقْلَبُ فِي الْجَمْعِ هَمْزَةً كَقَلَائِدَ فِي الْأَلْفِيَّةِ: وَالْمُدُّ زِيدَ ثَالِثًا فِي الْوَاحِدِ ... هَمْزًا يُرَى فِي مِثْلِ كَالْقَلَائِدِ فَتُكْتَبُ بِهَمْزَةٍ لَا بِيَاءٍ بِنُقْطَتَيْنِ مِنْ تَحْتٍ بِخِلَافِ نَحْوَ مَعَايِشَ فَإِنَّ الْيَاءَ فِي الْمُفْرَدِ أَصْلِيَّةٌ فَتُكْتَبُ بِهَا ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. [فَائِدَةٌ] مِنْ لَطَائِفِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْخِزَانَةِ وَالْقَصْعَةِ أَيُقْرَآنِ بِالْفَتْحِ أَوْ بِالْكَسْرِ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: لَا تُفْتَحُ الْخِزَانَةُ، وَلَا تُكْسَرُ الْقَصْعَةُ، (قَوْلُهُ: وَبَدَائِعِ) جَمْعُ بَدِيعَةٍ. مِنْ ابْتَدَعَ الشَّيْءَ: ابْتَدَأَهُ (قَوْلُهُ: الْأَفْكَارِ) جَمْعُ فِكْرٍ بِالْكَسْرِ وَيُفْتَحُ: إعْمَالُ النَّظَرِ فِي الشَّيْءِ كَالْفِكْرَةِ وَالْفِكْرَى قَامُوسٌ. وَالْمُرَادُ مَا ابْتَدَعَهُ بِفِكْرِهِ مِنْ الْأَبْحَاثِ وَحُسْنِ التَّرْكِيبِ وَالْوَضْعِ، أَوْ مَا ابْتَدَعَهُ الْمُجْتَهِدُ وَاسْتَنْبَطَهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهَذَا بَيَانٌ لِمَعَانِي أَجْزَاءِ الْعَلَمِ قَبْلَ الْعَلَمِيَّةِ. أَمَّا بَعْدَهَا فَالْمَجْمُوعُ اسْمُ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: فِي شَرْحِ) إنْ كَانَ مِنْ جُزْءِ الْعَلَمِ فَلَا يُبْحَثُ عَنْ الظَّرْفِيَّةِ وَإِلَّا فَالْأَوْلَى حَذْفُ " فِي " لِأَنَّ خَزَائِنَ الْأَسْرَارِ هُوَ نَفْسُ الشَّرْحِ. وَظَاهِرُ الظَّرْفِيَّةِ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ أَفَادَهُ ط. أَقُولُ: وَقَدْ تُزَادُ فِي، وَحُمِلَ عَلَى بَعْضِهِمْ قَوْله تَعَالَى - {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} [هود: 41]- وَيُمْكِنُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِمَحْذُوفٍ حَالًا وَالظَّرْفِيَّةُ فِيهَا مَجَازِيَّةٌ مِثْلُ - {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179]- وَيُمْكِنُ تَعَلُّقُهُ بِمَذْكُورٍ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ قَبْلَ الْعَلَمِيَّةِ، فَإِنَّ الْأَعْلَامَ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا اللَّفْظَ قَدْ يُلَاحَظُ مَعَهَا الْمَعَانِي الْأَصْلِيَّةُ بِالتَّبَعِيَّةِ، وَلِهَذَا نَادَى بَعْضُ الْكَفَرَةِ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَبِي الْفَصِيلِ أَفَادَهُ حَسَنٌ جَلَبِي فِي حَاشِيَةِ التَّلْوِيحِ عِنْدَ قَوْلِهِ الْمَوْسُومِ بِالتَّلْوِيحِ إلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ وَجَامِعِ الْبِحَارِ، قَدَّرْتُهُ فِي عَشْرِ مُجَلَّدَاتٍ كِبَارٍ، فَصَرَفْت عِنَانَ الْعِنَايَةِ نَحْوَ الِاخْتِصَارِ، وَسَمَّيْتُهُ بِالدُّرِّ الْمُخْتَارِ، فِي شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ، الَّذِي فَاقَ كُتُبَ هَذَا الْفَنِّ فِي الضَّبْطِ وَالتَّصْحِيحِ وَالِاخْتِصَارِ، وَلَعَمْرِي لَقَدْ   [رد المحتار] كَشْفِ حَقَائِقِ التَّنْقِيحِ (قَوْلُهُ: قَدَّرْته فِي عَشْرِ مُجَلَّدَاتٍ كِبَارٍ) مُجَلَّدَاتٌ جَمْعُ مُجَلَّدٍ، وَاسْمُ الْمَفْعُولِ مِنْ غَيْرِ الْعَاقِلِ إذَا جُمِعَ يُجْمَعُ جَمْعَ تَأْنِيثٍ كَمَخْفُوضَاتٍ وَمَرْفُوعَاتٍ وَمَنْصُوبَاتٍ، وَالْمُرَادُ أَجْزَاءٌ، لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْجُزْءَ يُوضَعُ فِي جِلْدٍ عَلَى حِدَةٍ ط أَيْ أَنَّهُ لَمَّا بَيَّضَ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ مِنْهُ قَدَّرَ أَنَّ تَمَامَ الْكِتَابِ عَلَى مِنْوَالِ مَا بَيَّضَ مِنْهُ يَبْلُغُ عَشْرَ مُجَلَّدَاتٍ كِبَارٍ. وَذَكَرَ الْمُحِبِّيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ وَصَلَ فِي هَذَا الْكِتَابِ إلَى بَابِ الْوِتْرِ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْهُ فِي الْمُسْوَدَّةِ أَيْضًا وَإِنَّمَا أَلَّفَ مِنْهُ هَذَا الْجُزْءَ الَّذِي بَيَّضَهُ فَقَطْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: فَصَرَفْت عِنَانَ الْعِنَايَةِ) الْعِنَانُ بِالْكَسْرِ: مَا وُصِلَ بِلِجَامِ الْفَرَسِ، وَالْعِنَايَةُ الْقَصْدُ. وَفِي نِهَايَةِ الْحَدِيثِ: يُقَالُ عَنَيْت فُلَانًا عَنْيًا إذَا قَصَدْته، وَتَشْبِيهُ الْعِنَايَةِ بِصُورَةِ الْفَرَسِ فِي الْإِيصَالِ إلَى الْمَطْلُوبِ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ وَإِثْبَاتُ الْعِنَانِ اسْتِعَارَةٌ تَخْيِيلِيَّةٌ، وَذِكْرُ الصَّرْفِ تَرْشِيحٌ، وَفِيهِ الْإِيهَامُ بِكِتَابِ الْعِنَايَةِ. اهـ. ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ (قَوْلُهُ: نَحْوَ الِاخْتِصَارِ) أَيْ جِهَةَ اخْتِصَارِ مَا فِي خَزَائِنِ الْأَسْرَارِ (قَوْلُهُ: وَسَمَّيْته بِالدُّرِّ الْمُخْتَارِ) أَيْ سَمَّيْت هَذَا الْمُخْتَصَرَ الْمَأْخُوذَ مِنْ الِاخْتِصَارِ أَوْ الشَّرْحَ الْمُتَقَدِّمَ فِي قَوْلِهِ تَبْيِيضِ هَذَا الشَّرْحِ، وَسَمَّى يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ الْأَوَّلُ بِنَفْسِهِ وَالثَّانِي بِحَرْفِ الْجَرِّ كَمَا هُنَا أَوْ بِنَفْسِهِ كَمَا فِي سَمَّيْت ابْنِي مُحَمَّدًا. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ أَسْمَاءَ الْكُتُبِ عَلَمُ جِنْسٍ وَأَسْمَاءَ الْعُلُومِ عَلَمُ شَخْصٍ نُوقِشَ فِيهِ بِأَنَّهُ إنْ نُظِرَ لِتَعَدُّدِ الشَّيْءِ بِتَعَدُّدِ مَحَلِّهِ فَكِلَاهُمَا عَلَمُ جِنْسٍ، وَإِنْ نَظَرَ لِلِاتِّحَادِ الْعُرْفِيِّ فَعَلَمُ شَخْصٍ. وَأَمَّا التَّفْرِقَةُ فَهِيَ تَحَكُّمٌ وَتَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ. اهـ. وَالدُّرُّ: الْجَوْهَرُ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ يَصْدُقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. وَالْمُخْتَارُ: الَّذِي يُؤْثَرُ عَلَى غَيْرِهِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: الَّذِي فَاقَ) نَعْتٌ لِتَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ لَا لِلدُّرِّ الْمُخْتَارِ. اهـ. ح، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ لَيْسَ جُزْءَ عَلَمٍ، فَلَا يَرِدُ أَنَّ جُزْءَ الْعِلْمِ لَا يُوصَفُ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُنْظَرُ فِيهِ إلَى مَا قَبْلَ الْعَلَمِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: هَذَا الْفَنِّ) فِي الْقَامُوسِ: الْفَنُّ الْحَالُ وَالضَّرْبُ مِنْ الشَّيْءِ كَالْأُفْنُونِ جَمْعُهُ أَفْنَانٌ وَفُنُونٌ. اهـ. وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا عَلَمٌ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْعُلُومِ (قَوْلُهُ: فِي الضَّبْطِ) هُوَ الْحِفْظُ بِالْحَزْمِ قَامُوسٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا حُسْنُ التَّحْرِيرِ وَمَتَانَةُ التَّعْبِيرِ فَهُوَ مَضْبُوطٌ كَالْحِمْلِ الْمَحْزُومِ (قَوْلُهُ: وَالتَّصْحِيحِ) أَيْ ذِكْرِ الْأَقْوَالِ الْمُصَحَّحَةِ إلَّا مَا نَدَرَ (قَوْلُهُ: وَالِاخْتِصَارِ) تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ، فَهُوَ مَعَ حُسْنِ التَّحْرِيرِ وَالتَّصْحِيحِ خَالٍ عَنْ التَّطْوِيلِ (قَوْلُهُ: وَلَعَمْرِي) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْعُمُرُ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ الْبَقَاءُ إلَّا أَنَّ الْفَتْحَ غَلَبَ فِي الْقَسَمِ حَتَّى لَا يَجُوزَ فِيهِ الضَّمُّ، يُقَال لَعَمْرُكَ وَلَعَمْرُ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ، وَارْتِفَاعُهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ اهـ: أَيْ قَسَمِي أَوْ يَمِينِي، وَالْوَاوُ فِيهِ لِلِاسْتِئْنَافِ وَاللَّامُ لِلِابْتِدَاءِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَإِذَا سَقَطَتْ اللَّامُ نُصِبَ انْتِصَابَ الْمَصَادِرِ، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ قَوْلِ لَعَمْرُ اللَّهِ. اهـ. قَالَ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ: فَعَلَى هَذَا مَا كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَذَا الْقَسَمِ الْجَاهِلِيِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. اهـ. وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْقُهُسْتَانِيِّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُقَالُ لَعَمْرِ فُلَانٍ، وَإِذَا حَلَفَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبَرَّ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَحْنَثَ، فَإِنَّ الْبِرَّ فِيهِ كُفْرٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَمَا فِي كِفَايَةِ الشَّعْبِيِّ اهـ. أَقُولُ: لَكِنْ قَالَ فَاضِلُ الرُّومِ حَسَنٌ جَلَبِي فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ: قَوْلُهُ: لَعَمْرِي يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ: أَيْ لِوَاهِبِ عُمْرِي وَكَذَا أَمْثَالُهُ مِمَّا أُقْسِمَ فِيهِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَالشَّمْسِ} [الشمس: 1]- وَاللَّيْلِ - وَالْقَمَرِ - وَنَظَائِرِهِ أَيْ وَرَبِّ الشَّمْسِ إلَخْ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ لَعَمْرِي وَأَمْثَالِهِ ذِكْرَ صُورَةِ الْقَسَمِ لِتَأْكِيدِ مَضْمُونِ الْكَلَامِ وَتَرْوِيجِهِ فَقَطْ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ سَائِرِ الْمُؤَكَّدَاتِ، وَأَسْلَمُ مِنْ التَّأْكِيدِ بِالْقَسَمِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِوُجُوبِ الْبِرِّ بِهِ، وَلَيْسَ الْغَرَضُ الْيَمِينَ الشَّرْعِيَّ وَتَشْبِيهَ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ فِي التَّعْظِيمِ حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِ اسْمِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 أَضْحَتْ رَوْضَةُ هَذَا الْعِلْمِ بِهِ مُفَتَّحَةَ الْأَزْهَارِ، مُسَلْسَلَةَ الْأَنْهَارِ، مِنْ عَجَائِبِهِ ثَمَرَاتُ التَّحْقِيقِ تُخْتَارُ، وَمِنْ غَرَائِبِهِ ذَخَائِرُ تَدْقِيقٍ تُحَيِّرُ الْأَفْكَارَ، لِشَيْخِ شَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التُّمُرْتَاشِيِّ الْحَنَفِيِّ الْغَزِّيِّ   [رد المحتار] عَزَّ وَجَلَّ مَكْرُوهٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، بَلْ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ كُفْرٌ إنْ كَانَ بِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ حَلَفَ يَجِبُ الْبِرُّ بِهِ، وَحَرَامٌ إنْ كَانَ بِدُونِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ، وَذِكْرُ صُورَةِ الْقَسَمِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلِهَذَا شَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، كَيْفَ وَقَدْ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدْ أَفْلَحَ وَأَبِيهِ» وَقَالَ عَزَّ مَنْ قَائِلٌ - {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72]- فَهَذَا جَرَى عَلَى رَسْمِ اللُّغَةِ وَكَذَا إطْلَاقُ الْقَسَمِ عَلَى أَمْثَالِهِ اهـ (قَوْلُهُ: أَضْحَتْ) أَيْ صَارَتْ، وَتُسْتَعْمَلُ أَضْحَى بِمَعْنَى صَارَ كَثِيرًا كَمَا ذَكَرَهُ الْأُشْمُونِيُّ (قَوْلُهُ: رَوْضَةُ هَذَا الْعِلْمِ) الرَّوْضَةُ مِنْ الْعُشْبِ: مُسْتَنْقَعُ الْمَاءِ لِاسْتِرَاضَةِ الْمَاءِ فِيهَا، وَهَذَا مَعْنَاهَا فِي أَصْلِ الْوَضْعِ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الرَّوْضَةُ أَرْضٌ ذَاتُ مِيَاهٍ وَأَشْجَارٍ وَأَزْهَارٍ، شَبَّهَ الْفِقْهَ بِبُسْتَانٍ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ بِالْكِنَايَةِ وَإِثْبَاتُ الرَّوْضَةِ تَخْيِيلٌ، وَمَا بَعْدَهُ تَرْشِيحٌ لِلْمَكْنِيَّةِ أَوْ لِلتَّخْيِيلِيَّة بَاقِيًا عَلَى مَعْنَاهُ مَقْصُودًا بِهِ تَقْوِيَةَ الِاسْتِعَارَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعَارُ الْمُلَائِمِ الْمُشَبَّهَ كَمَا قُرِّرَ فِي مَحَلِّهِ، بِأَنَّ تَشْبِيهَ الْمَسَائِلِ بِالْأَزْهَارِ وَالْأَنْهَارِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ الْمَكْنِيَّةِ أَيْضًا وَإِثْبَاتُ التَّفْتِيحِ وَالتَّسَلْسُلِ تَخْيِيلٌ (قَوْلُهُ: مُفَتَّحَةَ الْأَزْهَارِ) أَصْلُهُ مُفَتَّحَةَ الْأَزْهَارِ مِنْهَا أَوْ أَزْهَارُهَا عَلَى جَعْلِ أَلْ عِوَضًا عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَالْأَزْهَارُ مَرْفُوعٌ بِالنِّيَابَةِ عَنْ الْفَاعِلِ فَحُوِّلَ الْإِسْنَادُ إلَى ضَمِيرِ الْمَوْصُوفِ ثُمَّ أُضِيفَ اسْمُ الْمَفْعُولِ إلَى مَرْفُوعِهِ مَعْنًى، فَهُوَ حِينَئِذٍ جَارٍ مَجْرَى الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: مُسَلْسَلَةَ الْأَنْهَارِ) الْكَلَامُ فِيهِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ. وَفِي الْقَامُوسِ: تَسَلْسَلَ الْمَاءُ جَرَى فِي حُدُورٍ (قَوْلُهُ: مِنْ عَجَائِبِهِ) جَمْعُ عَجِيبٍ وَالِاسْمُ الْعَجِيبَةُ وَالْأُعْجُوبَةُ قَامُوسٌ، وَالْمُرَادُ بِهَا مَسَائِلُهُ الْعَجِيبَةُ، وَمِنْ صِلَةٌ لِقَوْلِهِ تُخْتَارُ وَثَمَرَاتُ مُبْتَدَأٌ وَالتَّحْقِيقُ مُضَافٌ إلَيْهِ، وَيُطْلَقُ عَلَى ذِكْرِ الشَّيْءِ عَلَى الْوَجْهِ الْحَقِّ وَعَلَى إثْبَاتِ الشَّيْءِ بِدَلِيلِهِ وَجُمْلَةُ تُخْتَارُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ، وَفِي الْكَلَامِ اسْتِعَارَةٌ مَكِنِيَّةٌ حَيْثُ شَبَّهَ التَّحْقِيقَ بِشَجَرَةٍ وَإِثْبَاتُ الثَّمَرَاتِ لَهَا تَخْيِيلٌ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَسَائِلَ هَذَا الْكِتَابِ مَذْكُورَةٌ عَلَى الْوَجْهِ الْحَقِّ وَثَابِتَةٌ بِدَلَائِلِهَا عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إثْبَاتِ الشَّيْءِ بِدَلِيلِهِ أَنْ يُكْتَبَ دَلِيلُهُ مَعَهُ حَتَّى يَرِدَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَتْنِ الْأَدِلَّةَ، وَكَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ مَسَائِلِهِ مَذْكُورَةً عَلَى الْوَجْهِ الْحَقِّ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ مِنْ الْمُتُونِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَافْهَمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالثَّمَرَةِ الْفَائِدَةُ وَالنَّتِيجَةُ؛ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَا يُسْتَفَادُ بِالتَّحْقِيقِ وَيُسْتَنْتَجُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ يُخْتَارُ مِنْ مَسَائِلِهِ الْمُعْجِبَةِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ غَرَائِبِهِ) جَمْعُ غَرِيبَةٍ أَيْ مَسَائِلِهِ الْغَرِيبَةِ الْعَزِيزَةِ الْوُجُودِ الَّتِي زَادَهَا عَلَى الْمُتُونِ الْمُتَدَاوَلَةِ فَهِيَ كَالرَّجُلِ الْغَرِيبِ، أَوْ الْمُرَادُ تَرَاكِيبُهُ وَإِشَارَاتُهُ الْفَائِقَةُ عَلَى غَيْرِهَا حَتَّى صَارَتْ غَرِيبَةً فِي بَابِهَا. وَالذَّخَائِرُ: جَمْعُ ذَخِيرَةٍ بِمَعْنَى مَذْخُورَةٍ مَا يُذْخَرُ أَيْ يُخْتَارُ وَيُحْفَظُ. وَالتَّدْقِيقُ إثْبَاتُ الْمَسْأَلَةِ بِدَلِيلٍ دَقَّ طَرِيقُهُ لِنَاظِرِيهِ كَمَا فِي تَعْرِيفَاتِ السَّيِّدِ، وَقِيلَ إثْبَاتُ دَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَجُمْلَةُ تُحَيِّرُ الْأَفْكَارَ صِفَةُ ذَخَائِرَ الْوَاقِعِ مُبْتَدَأً مُؤَخَّرًا مُخْبَرًا عَنْهُ بِالظَّرْفِ قَبْلَهُ. وَلَمَّا كَانَ التَّدْقِيقُ مَأْخُوذًا مِنْ الدِّقَّةِ وَهِيَ الْغُمُوضُ وَالْخَفَاءُ ذَكَرَ مَعَهُ الذَّخَائِرَ الَّتِي تُحْفَظُ عَادَةً وَتُخَبَّأُ، وَذَكَرَ مَعَهُ أَيْضًا تُحَيِّرُ الْأَفْكَارَ: وَهُوَ عَدَمُ اهْتِدَائِهَا، وَالْمُرَادُ بِهَا أَصْحَابُهَا، بِخِلَافِ التَّحْقِيقِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ دِقَّةٌ، وَالْحَقُّ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى فَلِذَا ذَكَرَ مَعَهُ الثَّمَرَاتِ الَّتِي تَظْهَرُ عَادَةً (قَوْلُهُ: لِشَيْخِ شَيْخِنَا) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفِ نَعْتٌ لِتَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ أَوْ حَالٌ مِنْهُ: أَيْ الْكَائِنَ أَوْ كَائِنًا. اهـ. ح (قَوْلُهُ: شَيْخِ الْإِسْلَامِ) أَيْ شَيْخِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا الْوَصْفُ غَلَبَ عَلَى مَنْ كَانَ فِي مَنْصِبِ الْإِفْتَاءِ أَوْ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ: مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ أَحْمَدَ الْخَطِيبِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْخَطِيبِ. اهـ. ح. وَرَأَيْت فِي رِسَالَةٍ لِحَفِيدِ الْمُصَنِّفِ: وَهُوَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ ابْنُ الشَّيْخِ صَالِحٍ ابْنِ الْمُصَنِّفِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 عُمْدَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْأَخْيَارِ، فَإِنِّي أَرْوِيهِ عَنْ شَيْخِنَا الشَّيْخِ عَبْدِ النَّبِيِّ الْخَلِيلِيِّ، عَنْ الْمُصَنِّفِ عَنْ ابْنِ نُجَيْمٍ الْمِصْرِيِّ   [رد المحتار] زَادَ بَعْدَ إبْرَاهِيمَ الْمَذْكُورِ ابْنَ خَلِيلِ بْنِ تُمُرْتَاشِيٍّ. قَالَ الْمُحِبِّيُّ: كَانَ إمَامًا كَبِيرًا حَسَنَ السَّمْتِ قَوِيَّ الْحَافِظَةِ كَثِيرَ الِاطِّلَاعِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَلَمْ يَبْقَ مَنْ يُسَاوِيهِ فِي الرُّتْبَةِ، وَقَدْ أَلَّفَ التَّآلِيفَ الْعَجِيبَةَ الْمُتْقَنَةَ، مِنْهَا التَّنْوِيرُ وَهُوَ فِي الْفِقْهِ جَلِيلُ الْمِقْدَارِ جَمُّ الْفَائِدَةِ، دَقَّقَ فِي الْمَسَائِلِ كُلَّ التَّدْقِيقِ وَرُزِقَ فِيهِ السَّعْدُ، فَاشْتُهِرَ فِي الْآفَاقِ، وَهُوَ مِنْ أَنْفَعِ كُتُبِهِ، وَشَرَحَهُ هُوَ، وَاعْتَنَى بِشَرْحِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْعَلَّامَةُ الْحَصْكَفِيُّ مُفْتِي الشَّامِ وَالْمُنْلَا حُسَيْنُ بْنُ إسْكَنْدَرَ الرُّومِيُّ نَزِيلُ دِمَشْقَ. وَالشَّيْخُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مُدَرِّسُ النَّاصِرِيَّةِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُحَمَّدٌ الْأَنْكُورِيُّ كِتَابَاتٍ فِي غَايَةِ التَّحْرِيرِ وَالنَّفْعِ، وَكَتَبَ عَنْ شَرْحِ مُؤَلِّفِهِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خَيْرِ الدِّينِ الرَّمْلِيِّ حَوَاشِيَ مُفِيدَةً. وَلَهُ تَآلِيفُ لَا تُحْصَى، تُوُفِّيَ سَنَةَ (1004) عَنْ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً (156) اهـ. قُلْت: وَمِنْ تَأْلِيفِ الْمُصَنِّفِ كِتَابُ مُعِينُ الْمُفْتِي وَالْمَنْظُومَةُ الْفِقْهِيَّةُ الْمُسَمَّاةُ تُحْفَةُ الْأَقْرَانِ وَشَرْحُهَا مَوَاهِبُ الرَّحْمَنِ وَالْفَتَاوَى الْمَشْهُورَةُ. وَشَرْحُ زَادِ الْفَقِيرِ لِابْنِ الْهُمَامِ وَشَرْحُ الْوِقَايَةِ، وَشَرْحُ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَشَرْحُ يَقُولُ الْعَبْدُ، وَشَرْحُ الْمَنَارِ وَشَرْحُ مُخْتَصَرِ الْمَنَارِ، وَشَرْحُ الْكَنْزِ إلَى كِتَابِ الْإِيمَانِ، وَحَاشِيَةٌ عَلَى الدُّرَرِ لَمْ تَتِمَّ، وَرَسَائِلُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا رِسَالَةٌ فِي الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ، وَفِي عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَفِي دُخُولِ الْحَمَّامِ، وَفِي لَفْظِ جَوَّزْتُك بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ. وَفِي الْقَضَاءِ، وَفِي الْكَنَائِسِ، وَفِي الْمُزَارَعَةِ، وَفِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَفِي الْكَرَاهِيَةِ، وَفِي حُرْمَةِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ. وَفِي جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْخُطْبَةِ. وَفِي أَحْكَامِ الدُّرُوزِ وَالْأَرْفَاضِ، وَفِي مُشْكِلَاتِ مَسَائِلَ وَشَرْحِهَا، وَلَهُ رِسَالَةٌ فِي التَّصَوُّفِ وَشَرْحُهَا، وَمَنْظُومَةٌ فِيهِ، وَرِسَالَةٌ فِي عِلْمِ الصَّرْفِ. وَشَرْحِ الْقَطْرِ وَغَيْرُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ (قَوْلُهُ: التُّمُرْتَاشِيِّ) نِسْبَةً إلَى تُمُرْتَاشَ. نَقَلَ صَاحِبُ مَرَاصِدِ الِاطِّلَاعِ فِي أَسْمَاءِ الْأَمَاكِنِ وَالْبِقَاعِ أَنَّ تُمُرْتَاشَ بِضَمَّتَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَتَاءٍ وَأَلِفٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ: قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى خُوَارِزْمَ. اهـ. ط. قُلْت. وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ نِسْبَةٌ إلَى جَدِّهِ تُمُرْتَاشِيٍّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: الْغَزِّيِّ) نِسْبَةً إلَى غَزَّةِ هَاشِمٍ، وَهِيَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ: بَلَدٌ بِفِلَسْطِينَ، وُلِدَ بِهَا الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَمَاتَ بِهَا هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ (قَوْلُهُ: عُمْدَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ) أَيْ مُعْتَمَدِهِمْ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ (قَوْلُهُ: الْأَخْيَارِ) جَمْعُ خَيِّرٍ بِالتَّشْدِيدِ: كَثِيرُ الْخَيْرِ (قَوْلُهُ: فَإِنِّي أَرْوِيهِ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ لِشَيْخِ شَيْخِنَا إلَخْ. فَإِنَّهُ لَمَّا جَزَمَ بِنِسْبَتِهِ إلَيْهِ أَفَادَ أَنَّ ذَلِكَ وَاصِلٌ إلَيْهِ بِالسَّنَدِ. وَالضَّمِيرُ لِتَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ، وَلَكِنَّ رِوَايَتَهُ عَنْ ابْنِ نُجَيْمٍ بِاعْتِبَارِ الْمَسَائِلِ الَّتِي فِيهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ صُورَتِهِ الْمُشَخَّصَةِ كَمَا أَفَادَهُ ح، أَوْ الضَّمِيرُ لِلْعِلْمِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ لَقَدْ أَضْحَتْ رَوْضَةُ هَذَا الْعِلْمِ كَمَا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: عَنْ ابْنِ نُجَيْمٍ) هُوَ الشَّيْخُ زَيْنُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ نُجَيْمٍ وَزَيْنٌ اسْمُهُ الْعَلَمِيُّ. تَرْجَمَهُ النَّجْمُ الْغَزِّيِّ فِي الْكَوَاكِبِ السَّائِرَةِ فَقَالَ: هُوَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ الْمُدَقِّقُ الْفَهَّامَةُ زَيْنُ الْعَابِدِينَ الْحَنَفِيُّ. أَخَذَ الْعُلُومَ عَنْ جَمَاعَةٍ، مِنْهُمْ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ وَالشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ الشَّلَبِيُّ وَالشَّيْخُ أَمِينُ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ الْعَالِ وَأَبُو الْفَيْضِ السُّلَمِيُّ. وَأَجَازَهُ بِالْإِفْتَاءِ وَالتَّدْرِيسِ فَأَفْتَى وَدَرَّسَ فِي حَيَاةِ أَشْيَاخِهِ وَانْتَفَعَ بِهِ خَلَائِقُ. وَلَهُ عِدَّةُ مُصَنَّفَاتٍ: مِنْهَا شَرْحُ الْكَنْزِ وَالْأَشْبَاهُ وَالنَّظَائِرُ. وَصَارَ كِتَابُهُ عُمْدَةَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَرْجِعَهُمْ. وَأَخَذَ الطَّرِيقَ عَنْ الشَّيْخِ الْعَارِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى سُلَيْمَانَ الْخُضَيْرِيِّ، وَكَانَ لَهُ ذَوْقٌ فِي حَلِّ مُشْكِلَاتِ الْقَوْمِ. قَالَ الْعَارِفُ الشَّعْرَانِيُّ: صَحِبْتُهُ عَشْرَ سِنِينَ. فَمَا رَأَيْت عَلَيْهِ شَيْئًا يَشِينُهُ، وَحَجَجْت مَعَهُ فِي سَنَةِ (953) فَرَأَيْته عَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ مَعَ جِيرَانِهِ وَغِلْمَانِهِ ذَهَابًا وَإِيَابًا مَعَ أَنَّ السَّفَرَ يُسْفِرُ عَنْ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ (969) كَمَا أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ تِلْمِيذُهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ الْعَلَمِيُّ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 بِسَنَدِهِ إلَى صَاحِبِ الْمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، بِسَنَدِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارِ، عَنْ جِبْرِيلَ، عَنْ اللَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي إجَازَاتِنَا بِطُرُقٍ عَدِيدَةٍ، عَنْ الْمَشَايِخِ الْمُتَبَحِّرِينَ الْكِبَارِ. وَمَا كَانَ فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ لَمْ أَعْزُهُ إلَّا مَا نَدَرَ، وَمَا زَادَ وَعَزَّ نَقْلُهُ عَزَوْتُهُ لِقَائِلِهِ وَمَا لِلِاخْتِصَارِ، وَمَأْمُولِي مِنْ النَّاظِرِ فِيهِ أَنْ يَنْظُرَ بِعَيْنِ الرِّضَا وَالِاسْتِبْصَارِ، وَأَنْ يَتَلَافَى تَلَافَهُ   [رد المحتار] قُلْت: وَمِنْ تَآلِيفِهِ شَرْحٌ عَلَى الْمَنَارِ وَمُخْتَصَرُ التَّحْرِيرِ لِابْنِ الْهُمَامِ وَتَعْلِيقَةٌ عَلَى الْهِدَايَةِ مِنْ الْبُيُوعِ وَحَاشِيَةٌ عَلَى جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَلَهُ الْفَوَائِدُ وَالْفَتَاوَى وَالرَّسَائِلُ الزَّيْنِيَّةُ. وَمِنْ تَلَامِذَتِهِ أَخُوهُ الْمُحَقِّقُ الشَّيْخُ عُمَرُ بْنُ نُجَيْمٍ صَاحِبُ النَّهْرِ (قَوْلُهُ: بِسَنَدِهِ) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ رَاوِيًا ذَلِكَ بِسَنَدِهِ، وَقَدَّمْنَا تَمَامَ السَّنَدِ (قَوْلُهُ: الْمُصْطَفَى) مِنْ الصَّفْوَةِ: وَهُوَ الْخُلُوصُ. وَالِاصْطِفَاءُ: الِاخْتِيَارُ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُصْطَفَى إلَّا إذَا كَانَ خَالِصًا طَيِّبًا، وَقَوْلُهُ: الْمُخْتَارِ بِمَعْنَاهُ وَهَذَانِ اسْمَانِ مِنْ أَسْمَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ) حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ بِسَنَدِهِ (قَوْلُهُ: عَنْ الْمَشَايِخِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ إجَازَتِنَا: أَيْ الْمَرْوِيَّةِ عَنْهُمْ أَوْ بِإِجَازَاتِنَا لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى رِوَايَاتِنَا. وَمِنْ جُمْلَةِ مَشَايِخِهِ الْقُطْبُ الْكَبِيرُ وَالْعَالِمُ الشَّهِيرُ سَيِّدِي الشَّيْخُ أَيُّوبُ الْخَلْوَتِيُّ الْحَنَفِيُّ (قَوْلُهُ: فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ) كِلَاهُمَا لِمُنْلَا خُسْرو وَالدُّرَرُ هُوَ شَرْحُ الْغُرَرِ (قَوْلُهُ: لَمْ أَعْزُهُ) أَيْ لَمْ أَنْسُبْهُ، مِنْ عَزَا يَعْزُو وَاسْمُ الْمَفْعُولِ مِنْهُ مَعْزُوٌّ كَمَدْعُوٍّ بِالتَّصْحِيحِ أَرْجَحُ مِنْ مَعْزِيٍّ بِالْإِعْلَالِ. قَالَ فِي الْأَلْفِيَّةِ: وَصَحِّحْ الْمَفْعُولَ مِنْ نَحْوِ عَدَا ... وَاعْلُلْهُ إنْ لَمْ تَتَحَرَّ الْأَجْوَدَا وَيُرْوَى بِالْوَجْهَيْنِ قَوْلُ الشَّاعِرِ أَنَا اللَّيْثُ مَعْدِيًّا عَلَيْهِ وَعَادِيًا وَالثَّانِي هُوَ الْجَارِي عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ (قَوْلُهُ: مَا زَادَ وَعَزَّ نَقْلُهُ) أَيْ وَمَا زَادَ عَلَى مَا فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ وَعَزَّ نَقْلُهُ فِي الْكُتُبِ الْمُتَدَاوَلَةِ عَزَوْته لِقَائِلِهِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَمَا زَادَ عَنْ نَقْلِهِ، أَيْ وَمَا زَادَ عَنْ الْمَنْقُولِ فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ، فَعَنْ بِمَعْنَى عَلَى وَالْمَصْدَرُ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ: وَمَا) أَيْ قَصْدًا لِلِاخْتِصَارِ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَمْ أَعْزُهُ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى كَثْرَةِ نَقْلِهِ عَنْ الدُّرَرِ وَمُتَابَعَتِهِ لَهُ كَعَادَةِ الْمُصَنِّفِ فِي مَتْنِهِ وَشَرْحِهِ، وَهُوَ بِذَلِكَ حَقِيقٌ فَإِنَّهُ كِتَابٌ مَبْنِيٌّ عَلَى غَايَةِ التَّحْقِيقِ (قَوْلُهُ: وَمَأْمُولِي) مِنْ الْأَمَلِ وَهُوَ الرَّجَاءُ (قَوْلُهُ: مِنْ النَّاظِرِ) أَيْ الْمُتَأَمِّلِ. قَالَ الرَّاغِبُ: النَّظَرُ قَدْ يُرَادُ بِهِ التَّأَمُّلُ وَالتَّفَحُّصُ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْمَعْرِفَةُ الْحَاصِلَةُ بَعْدَ الْفَحْصِ، وَاسْتِعْمَالُ النَّظَرِ فِي الْبَصِيرَةِ أَكْثَرُ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ بِالْعَكْسِ اهـ وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ فِي شَرْحِي هَذَا (قَوْلُهُ: بِعَيْنِ الرِّضَا) أَيْ بِالْعَيْنِ الدَّالَّةِ عَلَى الرِّضَا، وَلَا يَنْظُرُ بِعَيْنِ الْمَقْتِ، فَإِنَّ مَنْ نَظَرَ بِهَا تَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ بَاطِلًا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: وَعَيْنُ الرِّضَا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ ... كَمَا أَنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي الْمَسَاوِيَا أَوْ أَنَّهُ شَبَّهَ الرِّضَا بِإِنْسَانٍ لَهُ عَيْنٌ تَشْبِيهًا مُضْمَرًا فِي النَّفْسِ وَذِكْرُ الْعَيْنِ تَخْيِيلٌ ط (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِبْصَارِ) السِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَانِ: أَيْ وَالْإِبْصَارِ، وَالْمُرَادُ بِهِ التَّبَصُّرُ وَالتَّأَمُّلُ ط (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَتَلَافَى) أَيْ يَتَدَارَكَ. فِي الْقَامُوسِ: تَلَافَاهُ تَدَارَكَهُ (قَوْلُهُ: تَلَافَهُ) الَّذِي فِي الْقَامُوسِ وَجَامِعِ اللُّغَةِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ: التَّلَفُ الْهَلَاكُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا التَّلَافَ فَلْيُرَاجَعْ. اهـ. ح. وَوَقَعَ التَّعْبِيرُ بِهِ لِغَيْرِ الشَّارِحِ كَالْإِمَامِ عُمَرَ بْنِ الْفَارِضِ قَدَّسَ سِرَّهُ فِي قَصِيدَتِهِ الْكَافِيَةِ بِقَوْلِهِ: وَتَلَافِي إنْ كَانَ فِيهِ ... ائْتِلَافِي بِك عَجِّلْ بِهِ جُعِلْت فِدَاكَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْأَلْفَ إشْبَاعٌ وَهُوَ لُغَةُ قَوْمٍ ط. وَفَسَّرَ الْعَلَّامَةُ الْبُورِينِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى دِيوَانِ ابْنِ الْفَارِضِ التَّلَافَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، أَوْ يَصْفَحَ لِيَصْفَحَ عَنْهُ عَالِمُ الْإِسْرَارِ وَالْإِضْمَارِ، وَلَعَمْرِي إنَّ السَّلَامَةَ مِنْ هَذَا الْخَطَرِ لَأَمْرٌ يَعِزُّ عَلَى الْبَشَرِ. وَلَا غَرْوَ فَإِنَّ النِّسْيَانَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَالْخَطَأَ وَالزَّلَلَ مِنْ شَعَائِرِ الْآدَمِيَّةِ،   [رد المحتار] بِالتَّلَفِ، وَكَذَا قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهِ، وَتَلَافِي مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى الْمُتَكَلِّمِ، وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الشُّعَرَاءِ كَثِيرًا، وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ عُنَيْنٍ يُخَاطِبُ بَعْضَ الْمُلُوكِ وَكَانَ مَرِيضًا: اُنْظُرْ إلَيَّ بِعَيْنِ مَوْلًى لَمْ يَزَلْ ... يُولِي النَّدَى وَتَلَافَ قَبْلَ تَلَافِ أَنَا كَاَلَّذِي أَحْتَاجُ مَا يَحْتَاجُهُ ... فَاغْنَمْ دُعَائِي وَالثَّنَاءَ الْوَافِي فَجَاءَهُ الْمَلِكُ بِأَلْفِ دِينَارٍ وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ الَّذِي، وَهَذِهِ الصِّلَةُ، وَأَنَا الْعَائِدُ (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَتَلَافَى وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ: أَيْ إذَا رَأَى فِيهِ عَيْبًا يَتَدَارَكُهُ بِإِمْكَانِهِ، بِأَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ حَيْثُ أَمْكَنَ، أَوْ يُصْلِحَهُ بِتَغْيِيرِ لَفْظِهِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ تَأْوِيلُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ يَصْغَى) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْوَاوِ: أَيْ يَسْمَحَ وَلَا يَفْضَحَ. وَالصَّفْحُ فِي الْأَصْلِ: الْمَيْلُ بِصَفْحَةِ الْعُنُقِ ثُمَّ أُرِيدَ بِهِ مُطْلَقُ الْإِعْرَاضِ (قَوْلُهُ: لِيَصْفَحَ عَنْهُ إلَخْ) لِأَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ (قَوْلُهُ: الْإِسْرَارِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَصْدَرُ أَسَرَّ لِيُنَاسِبَ الْإِضْمَارَ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ بِفَتْحِهَا جَمْعُ سِرٍّ. اهـ. ح، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَعَطْفُ الْإِضْمَارِ عَلَيْهِ عَطْفٌ مُرَادِفٌ، وَعَلَى الثَّانِي عَطْفٌ مُغَايِرٌ. قَالَ ط: وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَدَلَ الْإِضْمَارِ الْإِظْهَارَ لِيَكُونَ فِي كَلَامِهِ صَنْعَةُ الطِّبَاقِ، وَهِيَ الْجَمْعُ بَيْنَ لَفْظَيْنِ مُتَقَابِلَيْ الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: وَلَعَمَرِي) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ الْفِقْرَةُ وَقَعَتْ فِي خُطْبَةِ النَّهْرِ (قَوْلُهُ: الْخَطَرِ) هُوَ الْإِشْرَافُ عَلَى الْهَلَاكِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الشَّيْءُ الشَّاقُّ، وَهُوَ الْخَطَأُ وَالسَّهْوُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالتَّلَافِ (قَوْلُهُ: يَعِزُّ) عَلَى وَزْنِ يَقِلُّ أَوْ يَمَلُّ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَالْمَادَّةُ تَأْتِي بِمَعْنَى الْعُسْرِ وَبِمَعْنَى الْقِلَّةِ وَبِمَعْنَى الضِّيقِ وَبِمَعْنَى الْعَظَمَةِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْقَامُوسِ، وَكُلٌّ صَحِيحٌ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: الْبَشَرِ) اسْمُ جِنْسٍ. وَالْبَشَرُ: ظَاهِرُ الْبَشَرَةِ، وَهُوَ مَا ظَهَرَ مِنْ الْجَسَدِ. وَالْجِنُّ: مَا اخْتَفَى مِنْ الِاجْتِنَانِ، وَهُوَ الِاسْتِتَارُ ط (قَوْلُهُ: وَلَا غَرْوَ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مَصْدَرُ غَرَا مِنْ بَابِ عَدَا، بِمَعْنَى عَجِبَ بِوَزْنِ فَرِحَ: أَيْ لَا عَجَبَ. اهـ. ح: أَيْ مِنْ عَزَّةِ السَّلَامَةِ مِمَّا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ النِّسْيَانَ) الْفَاءُ تَعْلِيلِيَّةٌ: أَيْ لِأَنَّ النِّسْيَانَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ التَّلَافِ الْمُتَقَدِّمِ ط. وَعَرَّفَهُ فِي التَّحْرِيرِ بِأَنَّهُ عَدَمُ الِاسْتِحْضَارِ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ، قَالَ: فَشَمَلَ السَّهْوَ لِأَنَّ اللُّغَةَ لَا تُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ خَصَائِصِ الْإِنْسَانِيَّةِ) أَيْ مِنْ الْأُمُورِ الْخَاصَّةِ، بِالْحَقِيقَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ: أَيْ بِأَفْرَادِهَا وَالْيَاءُ لِلنِّسْبَةِ إلَى الْمُجَرَّدِ عَنْهَا. رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: سُمِّيَ إنْسَانًا لِأَنَّهُ عُهِدَ إلَيْهِ فَنَسِيَ، وَقَالَ الشَّاعِرُ: لَا تَنْسَيَنَّ تِلْكَ الْعُهُودَ فَإِنَّمَا ... سُمِّيت إنْسَانًا لِأَنَّك نَاسِي وَقَالَ آخَرُ: نَسِيتَ وَعْدَك وَالنِّسْيَانُ مُغْتَفَرٌ ... فَاغْفِرْ فَأَوَّلُ نَاسٍ أَوَّلُ النَّاسِ وَقِيلَ لِأُنْسِهِ بِأَمْثَالِهِ أَوْ بِرَبِّهِ تَعَالَى، قَالَ الشَّاعِرُ: وَمَا سُمِّيَ الْإِنْسَانُ إلَّا لِأُنْسِهِ ... وَلَا الْقَلْبُ إلَّا أَنَّهُ يَتَقَلَّبُ (قَوْلُهُ: وَالْخَطَأَ) هُوَ أَنْ يَقْصِدَ بِالْفِعْلِ غَيْرَ الْمَحَلِّ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ الْجِنَايَةَ كَالرَّمْيِ إلَى الصَّيْدِ فَأَصَابَ آدَمِيًّا تَحْرِيرٌ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْخَطَأُ ضِدُّ الصَّوَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْخَطَأُ مَا لَمْ يُتَعَمَّدْ (قَوْلُهُ: مِنْ شَعَائِرِ الْآدَمِيَّةِ) الشَّعَائِرُ: الْعَلَامَاتُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ ح. قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَشَرْعًا مَا يُؤَدَّى مِنْ الْعِبَادَاتِ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِهَارِ كَالْأَذَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مُسْتَعِيذًا بِهِ مِنْ حَسَدٍ يَسُدُّ بَابَ الْإِنْصَافِ، وَيَرُدُّ عَنْ جَمِيلِ الْأَوْصَافِ. أَلَا وَإِنَّ الْحَسَدَ حَسَكٌ مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ هَلَكَ، وَكَفَى لِلْحَاسِدِ ذَمًّا آخِرُ سُورَةِ الْفَلَقِ،   [رد المحتار] وَالْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ وَصَلَاةِ الْعِيدِ وَالْأُضْحِيَّةِ. وَقِيلَ هِيَ مَا جُعِلَ عَلَمًا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. . قَالَ ط: وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِهَا هُنَا وَفِيمَا تَقَدَّمَ بِخَصَائِصَ لِأَنَّ النِّسْيَانَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِنْسَانِ، وَالْخَطَأَ وَالزَّلَلَ يَكُونُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ حَتَّى مِنْ الْمَلَائِكَةِ كَمَا وَقَعَ لِإِبْلِيسَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمْ وَلِهَارُوتَ وَمَارُوتَ عَلَى مَا قِيلَ، كَقَوْلِهِمْ - {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} [البقرة: 30]- وَكَنَظَرِ بَعْضِ الْمَلَائِكَةِ إلَى مَقَامِهِ فِي الْعِبَادَةِ. وَأَمَّا الْجِنُّ فَذَلِكَ أَكْثَرُ حَالِهِمْ (قَوْلُهُ: وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ) أَيْ أَطْلُبُ مِنْهُ سَتْرَ ذَنْبِي، وَكَأَنَّهُ أَتَى بِهِ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ قَبْلَهُ فِيهِ نَوْعُ تَبْرِئَةٍ لِلنَّفْسِ وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي، بَلْ الْأَوْلَى هَضْمُ النَّفْسِ بِالْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَإِنْ كَانَا مِنْ لَوَازِمِ الْإِنْسَانِ (قَوْلُهُ: مُسْتَعِيذًا) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ أَسْتَغْفِرُ. وَالْعَوْذُ: الِالْتِجَاءُ كَالْعِيَاذِ وَالْمُعَاذَةِ وَالتَّعَوُّذِ وَالِاسْتِعَاذَةِ. وَالْعَوَذُ: بِالتَّحْرِيكِ الْمَلْجَأُ كَالْمَعَاذِ وَالْعِيَاذِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: مِنْ حَسَدٍ) هُوَ تَمَنِّي زَوَالَ نِعْمَةِ الْمَحْسُودِ سَوَاءٌ تَمَنَّى انْتِقَالَهَا إلَيْهِ أَمْ لَا. وَيُطْلَقُ عَلَى الْغِبْطَةِ مَجَازًا، وَهِيَ تَمَنِّي مِثْلَ تِلْكَ النِّعْمَةِ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ زَوَالِهَا عَنْ صَاحِبِهَا وَهُوَ غَيْرُ مَذْمُومٍ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلِذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ» وَسَمَّاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَالِقَةَ الدِّينِ لَا حَالِقَةَ الشَّعْرِ. وَقَالَ تَعَالَى - {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5]- وَالْحَاسِدُ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، حَيْثُ أَتْعَبَ نَفْسَهُ وَأَحْزَنَهَا وَأَوْقَعَهَا فِي الْإِثْمِ، وَلِغَيْرِهِ حَيْثُ لَمْ يُحِبَّ لَهُ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَلِذَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ: وَأَظْلَمُ أَهْلِ الْأَرْضِ مَنْ كَانَ حَاسِدًا لِمَنْ بَاتَ فِي نَعْمَائِهِ يَتَقَلَّبُ (قَوْلُهُ: يَسُدُّ بَابَ الْإِنْصَافِ) صِفَةٌ تَأْكِيدِيَّةٌ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْحَسَدِ مُشْعِرَةٌ بِهَا، إذْ الْإِنْصَافُ هُوَ الْجَرْيُ عَلَى سُنَنِ الِاعْتِدَالِ، وَالِاسْتِقَامَةُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ، وَهَذَا الْوَصْفُ لَا يَتَأَتَّى وُجُودُهُ مَعَ الْحَسَدِ، وَالْغَرَضُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهَذَا الْوَصْفِ التَّأْكِيدِيِّ النِّدَاءُ عَلَى كَمَالِ بَشَاعَةِ الْحَسَدِ وَتَقْرِيرِ ذَمِّهِ وَالتَّنْفِيرِ عَنْهُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِعَارَةِ الْمَكْنِيَّةِ والتخييلية وَالتَّرْشِيحِ (قَوْلُهُ: وَيَرُدُّ) أَيْ يَصْرِفُ صَاحِبَهُ عَنْ جَمِيلِ الْأَوْصَافِ: أَيْ عَنْ الِاتِّصَافِ بِالْأَوْصَافِ الْجَمِيلَةِ أَوْ عَنْ رُؤْيَتِهَا فِي الْمَحْسُودِ فَلَا يَرَى الْحَاسِدُ لَهُ جَمِيلًا، لِمَا أَنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي الْمَسَاوِيَا، وَرَدَّ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَيَتَعَدَّى بِعَنْ إلَى مَفْعُولٍ ثَانٍ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْقَامُوسِ، فَمِنْ شَوَاهِدِ النُّحَاةِ قَوْلُ الشَّاعِرِ: أَكُفْرًا بَعْدَ رَدِّ الْمَوْتِ عَنِّي ... وَبَعْدَ عَطَائِك الْمِائَةَ الرِّتَاعَا فَافْهَمْ وَهَذِهِ الْفِقْرَةُ بِمَعْنَى الَّتِي قَبْلَهَا، وَفِي الْفِقْرَتَيْنِ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ التَّرْصِيعُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَا فِي إحْدَاهُمَا مِنْ الْأَلْفَاظِ أَوْ أَكْثَرِهِ مِثْلَ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْأُخْرَى فِي الْوَزْنِ وَالتَّقْفِيَةِ. وَالْجِنَاسُ اللَّاحِقُ وَهُوَ اخْتِلَافُ اللَّفْظَيْنِ الْمُتَجَانِسَيْنِ فِي حَرْفَيْنِ، غَيْرِ مُتَقَارِبَيْنِ. وَلُزُومُ مَا لَا يَلْزَمُ، وَهُوَ هُنَا الْإِتْيَانُ بِالصَّادِ قَبْلَ الْأَلْفِ فِي الْإِنْصَافِ وَالْأَوْصَافِ، وَقَدْ أَتَى بِهَاتَيْنِ الْفِقْرَتَيْنِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ وَابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَسَبَقَهُمَا إلَى ذَلِكَ ابْنُ مَالِكٍ فِي التَّسْهِيلِ (قَوْلُهُ: أَلَا) أَدَاةُ اسْتِفْتَاحٍ يُسْتَفْتَحُ بِهَا الْكَلَامُ (قَوْلُ حَسَكٌ) بِفَتْحَتَيْنِ: شَوْكُ السَّعْدَانِ. وَالسَّعْدَانُ: نَبْتٌ مِنْ أَفْضَلِ مَرَاعِي الْإِبِلِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. ح: وَهَذَا مِنْ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ، فَهُوَ عَلَى حَذْفِ الْأَدَاةِ، أَوْ تَجْرِي فِيهِ اسْتِعَارَةٌ عَلَى طَرِيقَةِ السَّعْدِ ط: وَبَيْنَ الْحَسَدِ وَحَسَكِ الْجِنَاسُ اللَّاحِقُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ هَلَكَ) يُشِيرُ إلَى وَجْهِ الشَّبَهِ فَإِنَّ الْحَسَدَ إذَا تَعَلَّقَ بِإِنْسَانٍ أَهْلَكَهُ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ حَسَنَاتِهِ ط. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي تَعَلَّقَ لِلْحَسَدِ لَا لِمَنْ، وَالْأَنْسَبُ إرْجَاعُهُ لِمَنْ (قَوْلُهُ: وَكَفَى لِلْحَاسِدِ إلَخْ) كَفَى فِعْلٌ مَاضٍ، وَاللَّامُ فِي لِلْحَاسِدِ زَائِدَةٌ فِي الْمَفْعُولِ بِهِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَذَمًّا تَمْيِيزٌ، وَتَمْيِيزُ كَفَى غَيْرُ مُحَوَّلٍ عَنْ شَيْءٍ كَمَا ذَكَرَهُ الدَّمَامِينِيُّ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 فِي اضْطِرَامِهِ بِالْقَلَقِ، لِلَّهِ دَرُّ الْحَسَدِ مَا أَعْدَلَهْ، بَدَأَ بِصَاحِبِهِ فَقَتَلَهْ. وَمَا أَنَا مِنْ كَيْدِ الْحَسُودِ بِآمِنٍ ... وَلَا جَاهِلٍ يَزْرِي وَلَا يَتَدَبَّرُ وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ: هُمْ يَحْسُدُونِي وَشَرُّ النَّاسِ كُلِّهِمْ ... مَنْ عَاشَ فِي النَّاسِ يَوْمًا غَيْرَ مَحْسُودِ   [رد المحتار] وَمِثْلُهُ: امْتَلَأَ الْكُوزُ مَاءً، وَآخَرُ بِالرَّفْعِ فَاعِلُ كَفَى، وَلَمْ يَزِدْ الْبَاءَ فِي فَاعِلِهَا لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ بَلْ غَالِبٌ، بِخِلَافِ زِيَادَتِهَا فِي فَاعِلِ أَفْعَلَ فِي التَّعَجُّبِ فَإِنَّهَا لَازِمَةٌ؛ لَكِنْ قَالَ الدَّمَامِينِيُّ: إنْ كَانَ كَفَى بِمَعْنَى أَجْزَأَ وَأَغْنَى أَوْ بِمَعْنَى وَقَى لَمْ تَزِدْ الْبَاءُ فِي فَاعِلِهَا هَكَذَا قِيلَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ أَفْصَحَ عَنْ مَعْنَى كَفَى الَّتِي تَغْلِبُ زِيَادَةُ الْبَاءِ فِي فَاعِلِهَا. وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا قَاصِرَةٌ لَا مُتَعَدِّيَةٌ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ خِلَافُ ذَلِكَ اهـ فَافْهَمْ. وَوَجْهُ الذَّمِّ أَنَّهُ تَعَالَى أَسْنَدَ إلَيْهِ الشَّرَّ وَأَمَرَ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ، وَأَيُّ ذَمٍّ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فِي اضْطِرَامِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِكَفَى أَوْ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ الْحَاسِدِ، أَوْ فِي لِلتَّعْلِيلِ كَمَا فِي حَدِيثِ «إنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ النَّارَ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا» أَوْ بِمَعْنَى مَعَ كَمَا فِي - {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} [الأعراف: 38]- وَالِاضْطِرَامُ كَمَا قَالَ ح عَنْ جَامِعِ اللُّغَةِ: اشْتِعَالُ النَّارِ فِيمَا يُسْرِعُ اشْتِعَالَهَا فِيهِ. قَالَ ط: شَبَّهَ شِدَّةَ تَحَسُّرِهِ لِفَوَاتِ غَرَضِهِ بِالِاشْتِعَالِ (قَوْلُهُ: بِالْقَلَقِ) هُوَ بِالتَّحْرِيكِ: الِانْزِعَاجُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: لِلَّهِ دَرُّ الْحَسَدِ) فِي الرَّضِي: الدَّرُّ فِي الْأَصْلِ مَا يُدَرُّ: أَيْ مَا يَنْزِلُ مِنْ الضَّرْعِ مِنْ اللَّبَنِ وَمِنْ الْغَيْمِ مِنْ الْمَطَرِ، وَهُوَ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ فِعْلِ الْمَمْدُوحِ الصَّادِرِ عَنْهُ؛ وَإِنَّمَا نُسِبَ فِعْلُهُ لِلَّهِ تَعَالَى قَصْدًا لِلتَّعَجُّبِ مِنْهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُنْشِئُ الْعَجَائِبِ، وَكُلُّ شَيْءٍ عَظِيمٍ يُرِيدُونَ التَّعَجُّبَ مِنْهُ يَنْسُبُونَهُ إلَيْهِ تَعَالَى وَيُضِيفُونَهُ إلَيْهِ؛ فَمَعْنَى لِلَّهِ دَرُّهُ مَا أَعْجَبَ فِعْلَهُ، وَفِي الْقَامُوسِ: وَقَوْلُهُمْ وَلِلَّهِ دَرُّهُ: أَيْ عَمَلُهُ كَذَا فِي حَوَاشِي الْجَامِيِّ لِلْمَوْلَى عِصَامٍ، ثُمَّ قَالَ: فَقَوْلُ الشَّرْحِ يَعْنِي الْجَامِيَّ لِلَّهِ خَيْرُهُ بِجَعْلِ الدَّرِّ كِنَايَةً عَنْ الْخَيْرِ لَا يُوَافِقُ تَحْقِيقَ اللُّغَةِ. اهـ. ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ (قَوْلُهُ: مَا أَعْدَلَهْ إلَخْ) تَعَجُّبٌ ثَانٍ مُتَضَمِّنٌ لِبَيَانِ مَنْشَإِ التَّعَجُّبِ. وَفِي الرِّسَالَةِ الْقُشَيْرِيَّةِ قَالَ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَيْسَ فِي خِلَالِ الشَّرِّ خَلَّةٌ أَعْدَلَ مِنْ الْحَسَدِ تَقْتُلُ الْحَاسِدَ غَمًّا قَبْلَ الْمَحْسُودِ اهـ لَكِنَّ شَرْطَهُ مَا قَالَ الشَّاعِرُ: دَعْ الْحَسُودَ وَمَا يَلْقَاهُ مِنْ كَمَدِهِ ... كَفَّاك مِنْهُ لَهَيْبُ النَّارِ فِي كَبِدِهِ إنْ لُمْتَ ذَا حَسَدٍ نَفَّسْت كُرْبَتَهُ ... وَإِنْ سَكَتَّ فَقَدْ عَذَّبْتَهُ بِيَدِهِ وَقَالَ آخَرُ وَقَدْ أَجَادَ: اصْبِرْ عَلَى كَيْدِ الْحَسُودِ ... فَإِنَّ صَبْرَك يَقْتُلُهُ النَّارُ تَأْكُلُ بَعْضَهَا ... إنْ لَمْ تَجِدْ مَا تَأْكُلُهُ (قَوْلُهُ: وَمَا أَنَا إلَخْ) الْبَيْتُ مِنْ الْمَنْظُومَةِ الْوَهْبَانِيَّةِ، قَالَ شَارِحُهَا الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ: الْكَيْدُ الْخَدِيعَةُ وَالْمَكْرُ، وَالْحَسُودُ فَعُولٌ مِنْ الْحَسَدِ فِيهِ مُبَالَغَةٌ فِي مَعْنَى الْحَاسِدِ. وَالْآمِنُ: الْمُطْمَئِنُّ، وَلَا جَاهِلٍ عَطْفٌ عَلَى الْحَسُودِ، يَعْنِي وَلَا مِنْ كَيَدِ جَاهِلٍ وَيَزْرِي بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ مِنْ زَرَى عَلَيْهِ: إذَا عَابَهُ وَاسْتَهْزَأَ بِهِ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعُدَّهُ شَيْئًا أَوْ تَهَاوَنَ بِهِ، وَيَجُوزُ ضَمُّهَا مِنْ أَزَرَى. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: لَكِنَّهُ قِيلَ وَتُزْرِي وَأَزْرَى بِأَخِيهِ: أَدْخَلَ عَلَيْهِ عَيْبًا أَوْ أَمْرًا يُرِيدُ أَنْ يُلْبِسَ عَلَيْهِ وَلَا يَتَدَبَّرُ عَطْفٌ عَلَيْهِ: أَيْ لَا يَتَفَكَّرُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ. وَسَبَبُ هَذَا الْبَيْتِ أَنَّهُ اُبْتُلِيَ بِمَا اُبْتُلِيتُ بِهِ مِنْ حَسَدِ الْحَاسِدِينَ وَكَيْدِ الْمُعَانِدِينَ، وَاَللَّهُ الْمَسْئُولُ أَنْ يَجْعَلَ كَيْدَهُمْ فِي نَحْرِهِمْ، فَبَعْضُهُمْ اسْتَكْثَرَهُ عَلَيْهِ وَالْبَعْضُ قَالَ إنَّهُ مَسْبُوقٌ إلَيْهِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: هُمْ يَحْسُدُونِي) أَصْلُهُ يَحْسُدُونَنِي حُذِفَتْ إحْدَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 إذْ لَا يَسُودُ سَيِّدٌ بِدُونِ وَدُودٍ يَمْدَحُ، وَحَسُودٍ يَقْدَحُ، لِأَنَّ مَنْ زَرَعَ الْإِحَنَ، حَصَدَ الْمِحَنَ؛ فَاللَّئِيمُ يَفْضَحُ، وَالْكَرِيمُ يُصْلِحُ لَكِنْ يَا أَخِي بَعْدَ الْوُقُوفِ   [رد المحتار] النُّونَيْنِ تَخْفِيفًا. اهـ. ح. وَشَرُّ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ حُذِفَتْ هَمْزَتُهُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا حُذِفَتْ مِنْ خَيْرٍ وَإِثْبَاتُهَا لُغَةٌ قَلِيلَةٌ أَوْ رَدِيئَةٌ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَكُلِّهِمْ بِالْجَرِّ تَأْكِيدٌ لِلنَّاسِ لِإِفَادَةِ الشُّمُولِ. وَلَا يُقَالُ الْكَافِرُ شَرٌّ مِمَّنْ لَمْ يَحْسُدْ فَكَيْفَ يَكُونُ مَنْ لَمْ يَحْسُدْ شَرًّا مِنْهُ؟ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ لَمْ يَحْسُدْ، بَلْ لَيْسَ لَهُ مَا يُحْسَدُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ} [المؤمنون: 55]- الْآيَةَ فَافْهَمْ، فَافْهَمْ. وَفِي النَّاسِ بِمَعْنَى مَعَهُمْ، وَيَوْمًا ظَرْفٌ لَعَاشَ، وَغَيْرَهُ بِالنَّصْبِ حَالٌ، وَقَدْ أَتَى الشَّارِحُ بِهَذَا الْبَيْتِ تَبَعًا لِابْنِ الشِّحْنَةِ تَسْلِيَةً لِلنَّفْسِ، فَإِنَّ الْحَسَدَ لَا يَكُونُ إلَّا لِذَوِي الْكَمَالِ الْمُتَّصِفِينَ بِأَكْمَلِ الْخِصَالِ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا يُنْسَبُ إلَى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: إنْ يَحْسُدُونِي فَإِنِّي غَيْرُ لَائِمِهِمْ ... قَبْلِي مِنْ النَّاسِ أَهْلُ الْفَضْلِ قَدْ حُسِدُوا فَدَامَ بِي وَبِهِمْ مَا بِي وَمَا بِهِمْ ... وَمَاتَ أَكْثَرُنَا غَيْظًا بِمَا يَجِدُ (قَوْلُهُ: إذْ لَا يَسُودُ) أَيْ لَا يَصِيرُ ذَا سُؤْدُدٍ وَفَخَارٍ، وَأَصْلُهُ يَسُودُ كَيَنْصُرُ نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْوَاوِ إلَى السَّاكِنِ قَبْلَهَا فَسَكَنَتْ الْوَاوُ، وَهَذَا عِلَّةٌ لِمَفْهُومِ وَشَرُّ النَّاسِ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ شَرُّ النَّاسِ مَنْ لَمْ يُحْسَدْ نَتَجَ أَنَّ خَيْرَهُمْ مَنْ يُحْسَدُ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا فِي سِيَادَتِهِ، لِأَنَّ الْمَدْحَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الرِّيَاسَةُ وَالسُّؤْدُدُ، وَالْقَدْحُ فِيهِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحِلْمُ وَالتَّحَمُّلُ وَالصَّفْحُ وَذَلِكَ فِي السِّيَادَةِ أَيْضًا. اهـ. ط. قُلْت: وَالْحَسُودُ أَيْضًا سَبَبٌ فِي السِّيَادَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبٌ لِنَشْرِ مَا انْطَوَى مِنْ الْفَضَائِلِ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ نَشْرَ فَضِيلَةٍ ... طُوِيَتْ أَتَاحَ لَهَا لِسَانَ حَسُودِ (قَوْلُهُ: سَيِّدٌ) أَصْلُهُ سَيْوِدٌ اجْتَمَعَتْ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَتْ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ فِي الْيَاءِ، قِيلَ إنَّهُ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا قَالُوا لَهُ يَا سَيِّدَنَا، قَالَ: إنَّمَا السَّيِّدُ اللَّهُ» وَفِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ» وَقَالَ تَعَالَى - {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران: 39]- وَقِيلَ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ تَعَالَى وَعُزِيَ إلَى مَالِكٍ؛ وَقِيلَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ تَعَالَى مُعَرَّفًا وَعَلَى غَيْرِهِ مُنَكَّرًا. وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ مُطْلَقًا، وَهُوَ فِي حَقِّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى الْعَظِيمِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ، وَفِي غَيْرِهِ بِمَعْنَى الشَّرِيفِ الْفَاضِلِ الرَّئِيسِ وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ: بِدُونِ) أَيْ بِغَيْرِ، وَهُوَ أَحَدُ إطْلَاقَاتٍ لَهَا، وَتَأْتِي بِمَعْنَى الْمَكَانِ الْأَدْنَى وَهُوَ الْأَصْلُ فِيهَا ط (قَوْلُهُ: وَدُودٍ) هُوَ كَثِيرُ الْحُبِّ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: وَحَسُودٍ يَقْدَحُ) أَيْ يَطْعَنُ، وَلَا يَخْفَى مَا بَيْنَ وَدُودٍ وَحَسُودٍ مِنْ الطِّبَاقِ، وَبَيْنَ يَمْدَحُ وَيَقْدَحُ مِنْ الْجِنَاسِ اللَّاحِقِ وَلُزُومِ مَا لَا يَلْزَمُ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّرْصِيعِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَنْ زَرَعَ) تَعْلِيلٌ لِمَا اسْتَلْزَمَهُ الْكَلَامُ السَّابِقُ، لِأَنَّ قَدْحَ الْحَسُودِ إذَا كَانَ سَبَبًا فِي زِيَادَةِ الْمَحْسُودِ الْمُوجِبَةِ لِكَمَدِهِ كَانَ زَرْعُهُ الْحَسَدَ مُنْتِجًا لَهُ الْمِحَنَ وَالْبَلَايَا. وَالْإِحَنَ: جَمْعُ إحْنَةٍ بِالْكَسْرِ فِيهِمَا، وَهِيَ الْحِقْدُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. اهـ. ح، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ سَابِقًا أَلَا وَإِنَّ الْحَسَدَ حَسَكٌ، مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ هَلَكَ، فَالْمَحْصُودُ الْهَلَاكُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ التَّعَلُّقِ ط وَتَشْبِيهُ الْحِقْدِ بِمَا يُزْرَعُ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ وَإِثْبَاتُ الزَّرْعِ تَخْيِيلٌ، وَذِكْرُ الْحَصْدِ تَرْشِيحٌ (قَوْلُهُ: فَاللَّئِيمُ يَفْضَحُ) مِنْ اللُّؤْمِ بِالضَّمِّ ضِدُّ الْكَرَمِ، يُقَالُ لَؤُمَ كَكَرُمَ لُؤْمًا فَهُوَ لَئِيمٌ جَمْعُهُ لِئَامٌ وَلُؤَمَاءُ، وَيُقَالُ فَضَحَهُ كَمَنَعَهُ: كَشَفَ مَسَاوِيهِ، وَالْإِصْلَاحُ ضِدُّ الْإِفْسَادِ قَامُوسٌ، وَهَذَا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ إذْ لَا يَسُودُ سَيِّدٌ إلَخْ؛ فَاللَّئِيمُ هُوَ الْحَسُودُ وَالْكَرِيمُ هُوَ الْوَدُودُ، وَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ أَوْ بِقَوْلِهِ وَمَأْمُولِي مِنْ النَّاظِرِ فِيهِ إلَخْ، وَلَوْ قَالَ وَالْكَرِيمُ يَصْفَحُ أَوْ يَسْمَحُ لَكَانَ أَوْضَحَ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَا أَخِي إلَخْ) لَمَّا كَانَ الْإِذْنُ بِالْإِصْلَاحِ مُطْلَقًا اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَهُوَ ظَرْفٌ لِيُصْلَحَ كَمَا أَفَادَهُ ح: أَيْ يُصْلِحُ بَعْدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ، وَالِاطِّلَاعِ عَلَى مَا حَرَّرَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ كَصَاحِبِ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْفَيْضِ وَالْمُصَنِّفِ وَجَدِّنَا الْمَرْحُومِ وَعَزْمِي زَادَهْ وَأَخِي زَادَهْ وَسَعْدِي أَفَنْدِي وَالزَّيْلَعِيِّ وَالْأَكْمَلَ   [رد المحتار] وُقُوفِهِ وَاطِّلَاعِهِ عَلَى هَذِهِ الْكُتُبِ لَا بِمُجَرَّدِ الْخُطُورِ بِالْبَالِ. وَيَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِقَوْلِهِ وَأَنْ يَتَلَافَى تَلَافَهُ. وَيُحْتَمَلُ تَعَلُّقُهُ بِقَوْلِهِ فَصَرَفْت عِنَانَ الْعِنَايَةِ نَحْوَ الِاخْتِصَارِ: أَيْ إنَّمَا اخْتَصَرْته بَعْدَ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ: أَيْ حَالِ الْمَسَائِلِ وَمَعْرِفَةِ ضَعِيفِهَا مِنْ قَوِيِّهَا، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ: مَعَ تَحْقِيقَاتٍ سَنَحَ إلَخْ، وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ قَوْلُهُ: وَيَأْبَى اللَّهُ إلَخْ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ) حَقِيقَةُ الشَّيْءِ: مَا بِهِ الشَّيْءُ هُوَ هُوَ كَالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ لِلْإِنْسَانِ، بِخِلَافِ مِثْلِ الضَّاحِكِ وَالْكَاتِبِ مِمَّا يُمْكِنُ تَصَوُّرُ الْإِنْسَانِ بِدُونِهِ تَعْرِيفَاتُ السَّيِّدِ (قَوْلُهُ: كَصَاحِبِ الْبَحْرِ) هُوَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ زَيْنُ بْنُ نُجَيْمٍ وَتَقَدَّمَتْ تَرْجَمَتُهُ (قَوْلُهُ: وَالنَّهْرِ) أَيْ وَكَصَاحِبِ النَّهْرِ، وَهُوَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عُمَرُ سِرَاجُ الدِّينِ الشَّهِيرُ بِابْنِ نُجَيْمٍ، الْفَقِيهُ الْمُحَقِّقُ، الرَّشِيقُ الْعِبَارَةِ الْكَامِلُ الِاطِّلَاعِ، كَانَ مُتَبَحِّرًا فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، غَوَّاصًا عَلَى الْمَسَائِلِ الْغَرِيبَةِ، مُحَقِّقًا إلَى الْغَايَةِ، وَجِيهًا عِنْدَ الْحُكَّامِ، مُعَظَّمًا عِنْدَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ بَعْدَ الْأَلْفِ، وَدُفِنَ عِنْدَ شَيْخِهِ وَأَخِيهِ الشَّيْخِ زَيْنِ مُحِبِّيٍّ مُلَخَّصًا، وَلَهُ كِتَابُ إجَابَةُ السَّائِلِ فِي اخْتِصَارِ أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالْفَيْضِ) أَيْ وَكَصَاحِبِ الْفَيْضِ وَهُوَ الْكَرْكِيُّ قَالَ التَّمِيمِيُّ فِي طَبَقَاتِ الْحَنَفِيَّةِ: إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْكَرْكِيُّ الْأَصْلِ، الْقَاهِرِيُّ الْمَوْلِدِ وَالْوَفَاةِ، لَازَمَ التَّقِيَّ الْحِصْنِيَّ وَالتَّقِيَّ الشُّمُنِّيَّ، وَحَضَرَ دُرُوسَ الْكَافِيجِيِّ، وَأَخَذَ عَنْ ابْنِ الْهُمَامِ، وَتَرْجَمَهُ السَّخَاوِيُّ فِي الضَّوْءِ بِتَرْجَمَةٍ حَافِلَةٍ، وَذَكَرَ أَنَّهُ جَمَعَ فِي الْفِقْهِ فَتَاوَى فِي مُجَلَّدَيْنِ، وَأَنَّ لَهُ حَاشِيَةً عَلَى تَوْضِيحِ ابْنِ هِشَامٍ اهـ مُلَخَّصًا، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ (923) وَأَرَادَ بِالْفَتَاوَى الْفَيْضَ الْمَذْكُورَ الْمُسَمَّى فَيْضُ الْمَوْلَى الْكَرِيمِ عَلَى عَبْدِهِ إبْرَاهِيمَ، وَقَدْ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: وَضَعْت فِي كِتَابِي هَذَا مَا هُوَ الرَّاجِحُ وَالْمُعْتَمَدُ، لِيَقْطَعَ بِصِحَّةِ مَا يُوجَدُ فِيهِ أَوْ مِنْهُ يُسْتَمَدُّ (قَوْلُهُ: وَالْمُصَنِّفُ) تَقَدَّمَتْ تَرْجَمَتُهُ (قَوْلُهُ: وَجَدْنَا الْمَرْحُومَ) هُوَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ شَارِحُ الْوِقَايَةِ. اهـ. ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَلَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى تَرْجَمَةٍ (قَوْلُهُ: وَعَزْمِي زَادَهْ) هُوَ الْعَلَّامَةُ مُصْطَفَى بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّهِيرُ بِعَزْمِي زَادَهْ، أَشْهَرُ مُتَأَخِّرِي الْعُلَمَاءِ بِالرُّومِ، وَأَغْزَرُهُمْ مَادَّةً فِي الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ، ذُو التَّآلِيفِ الشَّهِيرَةِ، مِنْهَا حَاشِيَةٌ عَلَى الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ وَحَاشِيَةٌ عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ لِابْنِ مَلَكٍ، تُوُفِّيَ فِي حُدُودِ سَنَةِ أَرْبَعِينَ بَعْدَ الْأَلْفِ مُحِبِّيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: وَأَخِي زَادَهْ) قَالَ الْمُحِبِّيُّ فِي تَارِيخِهِ: هُوَ عَبْدُ الْحَلِيمِ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّهِيرُ الْمَعْرُوفُ بِأَخِي زَادَهْ أَحَدُ أَفْرَادِ الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ وَسَرَاةِ عُلَمَائِهَا، كَانَ نَسِيجًا وَحْدَهُ فِي ثُقُوبِ الذِّهْنِ وَصِحَّةِ الْإِدْرَاكِ وَالتَّضَلُّعِ مِنْ الْعُلُومِ. وَلَهُ تَآلِيفُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا شَرْحٌ عَلَى الْهِدَايَةِ؛ وَتَعْلِيقَاتٌ عَلَى شَرْحِ الْمِفْتَاحِ؛ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالدُّرَرِ وَالْغُرَرِ وَالْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ بَعْدَ الْأَلْفِ اهـ مُلَخَّصًا. وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَّ الَّذِي فِي الْخَزَائِنِ أَخِي جَلَبِي بَدَلَ أَخِي زَادَهْ، وَهُوَ صَاحِبُ حَاشِيَةِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ الْمُسَمَّاةِ بِذَخِيرَةِ الْعَقَبِيِّ وَاسْمُهُ يُوسُفُ بْنُ جُنَيْدٍ، وَهُوَ تِلْمِيذُ مُنْلَا خُسْرو. اهـ. (قَوْلُهُ: وَسَعْدِي أَفَنْدِي) اسْمُهُ سَعْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى بْنِ أَمِيرِ خَانْ الشَّهِيرُ بِسَعْدِي جَلَبِي مُفْتِي الدِّيَارِ الرُّومِيَّةِ، لَهُ حَاشِيَةٌ عَلَى تَفْسِيرِ الْبَيْضَاوِيِّ وَحَاشِيَةٌ عَلَى الْعِنَايَةِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ، وَرَسَائِلُ وَتَحْرِيرَاتٌ مُعْتَبَرَةٌ، ذَكَرَهُ حَافِظُ الشَّامِ الْبَدْرُ الْغَزِّيِّ الْعَامِرِيُّ فِي رِحْلَتِهِ، وَبَالَغَ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالتَّمِيمِيُّ فِي الطَّبَقَاتِ. وَنَقَلَ عَنْ الشَّقَائِقِ النُّعْمَانِيَّةِ أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ (945) (قَوْلُهُ: وَالزَّيْلَعِيِّ) هُوَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عُثْمَانُ بْنُ عَلِيٍّ صَاحِبُ تَبْيِينِ الْحَقَائِقِ شَرْحِ كَنْزِ الدَّقَائِقِ، قَدِمَ الْقَاهِرَةَ سَنَةَ (705) وَأَفْتَى وَدَرَّسَ وَصَنَّفَ وَانْتَفَعَ النَّاسُ بِهِ كَثِيرًا وَنَشَرَ الْفِقْهَ، وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ (743) (قَوْلُهُ: وَالْأَكْمَلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ أَحْمَدَ الْبَابَرْتِيُّ. وُلِدَ فِي بِضْعِ عَشَرَةَ وَسَبْعِمِائَةٍ. وَأَخَذَ عَنْ أَبِي حَيَّانَ وَالْأَصْفَهَانِيِّ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ الدَّلَاصِيِّ وَابْنِ عَبْدِ الْهَادِي، وَكَانَ عَلَّامَةً ذَا فُنُونٍ، وَافِرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وَالْكَمَالِ وَابْنِ الْكَمَالِ، مَعَ تَحْقِيقَاتٍ سَنَحَ بِهَا الْبَالُ، وَتَلَقَّيْتهَا عَنْ فُحُولِ الرِّجَالِ   [رد المحتار] الْعَقْلِ، قَوِيَّ النَّفْسِ، عَظِيمَ الْهَيْبَةِ، أَخَذَ عَنْهُ الْعَلَّامَةُ السَّيِّدُ الشَّرِيفُ وَالْعَلَّامَةُ الْفَنَرِيُّ، وَعُرِضَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَامْتَنَعَ. لَهُ التَّفْسِيرُ وَشَرْحُ الْمَشَارِقِ وَشَرْحُ مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ. وَشَرْحُ عَقِيدَةِ الطُّوسِيِّ وَالْعِنَايَةُ شَرْحُ الْهِدَايَةِ وَشَرْحُ السِّرَاجِيَّةِ، وَشَرْحُ أَلْفِيَّةِ ابْنِ مُعْطِي، وَشَرْحُ الْمَنَارِ وَشَرْحُ تَلْخِيصِ الْمَعَانِي، وَالتَّقْرِيرُ شَرْحُ أُصُولِ الْبَزْدَوِيِّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ (786) وَحَضَرَ جِنَازَتَهُ السُّلْطَانُ فَمَنْ دُونَهُ، وَدُفِنَ بالشَّيْخُونِيَّةِ فِي مِصْرَ (قَوْلُهُ: وَالْكَمَالِ) هُوَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ حَيْثُ أُطْلِقَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ السِّيوَاسِيُّ ثُمَّ السَّكَنْدَرِيُّ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ الْهُمَامِ وُلِدَ تَقْرِيبًا سَنَةَ (790) وَتَفَقَّهَ بِالسَّرَّاجِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَبِالْقَاضِي مُحِبِّ الدِّينِ بْنِ الشِّحْنَةِ، لَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَكَانَ يَقُولُ أَنَا لَا أُقَلِّدُ فِي الْمَعْقُولَاتِ أَحَدًا. وَقَالَ الْبُرْهَانُ الْأَبْنَاسِيُّ وَكَأَنَّهُ مِنْ أَقْرَانِهِ لَوْ طَلَبْت حُجَجَ الدِّينِ مَا كَانَ فِي بَلَدِنَا مَنْ يَقُومُ بِهَا غَيْرَهُ، وَكَانَ لَهُ نَصِيبٌ وَافِرٌ مِمَّا لِأَصْحَابِ الْأَحْوَالِ مِنْ الْكَشْفِ وَالْكَرَامَاتِ، وَكَانَ تَجَرَّدَ أَوَّلًا بِالْكُلِّيَّةِ، فَقَالَ لَهُ أَهْلُ الطَّرِيقِ ارْجِعْ، فَإِنَّ لِلنَّاسِ حَاجَةً بِعِلْمِك، وَكَانَ يَأْتِيهِ الْوَارِدُ كَمَا يَأْتِي السَّادَةَ الصُّوفِيَّةَ لَكِنَّهُ يُقْلِعُ عَنْهُ بِسُرْعَةِ لِمُخَالَطَتِهِ لِلنَّاسِ، وَشَرَحَ الْهِدَايَةَ شَرْحًا لَا نَظِيرَ لَهُ سَمَّاهُ فَتْحَ الْقَدِيرِ، وَصَلَ فِيهِ إلَى أَثْنَاءِ كِتَابِ الْوِكَالَةِ، وَلَهُ كِتَابُ التَّحْرِيرِ فِي الْأُصُولِ الَّذِي لَمْ يُؤَلَّفْ مِثْلُهُ وَشَرَحَهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ، وَلَهُ الْمُسَايَرَةُ فِي الْعَقَائِدِ، وَزَادُ الْفَقِيرِ فِي الْعِبَادَاتِ. تُوُفِّيَ بِالْقَاهِرَةِ سَنَةَ (861) وَحَضَرَ جِنَازَتَهُ السُّلْطَانُ فَمَنْ دُونَهُ كَمَا فِي طَبَقَاتِ التَّمِيمِيِّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: وَابْنِ الْكَمَالِ) هُوَ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ كَمَالِ بَاشَا، الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ الرُّحْلَةُ الْفَهَّامَةُ. كَانَ بَارِعًا فِي الْعُلُومِ، وَقَلَّمَا أَنْ يُوجَدَ فَنٌّ إلَّا وَلَهُ فِيهِ مُصَنَّفٌ أَوْ مُصَنَّفَاتٌ دَخَلَ إلَى الْقَاهِرَةِ صُحْبَةً لِلسُّلْطَانِ سَلِيمٍ لَمَّا أَخَذَهَا مِنْ يَدِ الْجَرَاكِسَةِ، وَشَهِدَ لَهُ أَهْلُهَا بِالْفَضْلِ وَالْإِتْقَانِ، وَلَهُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ، وَحَوَاشٍ عَلَى الْكَشَّافِ وَحَوَاشٍ عَلَى أَوَائِلِ الْبَيْضَاوِيِّ وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ لَمْ يَكْمُلْ وَالْإِصْلَاحُ وَالْإِيضَاحُ فِي الْفِقْهِ وَتَغْيِيرُ التَّنْقِيحِ فِي الْأُصُولِ وَشَرْحُهُ. وَتَغْيِيرُ السِّرَاجِيَّةِ فِي الْفَرَائِضِ وَشَرْحُهُ وَتَغْيِيرُ الْمِفْتَاحِ وَشَرْحُهُ وَحَوَاشِي التَّلْوِيحِ وَشَرْحُ الْمِفْتَاحِ، وَرَسَائِلُ كَثِيرَةٌ فِي فُنُونٍ عَدِيدَةٍ لَعَلَّهَا تَزِيدُ عَلَى ثَلَثِمِائَةِ رِسَالَةٍ، وَتَصَانِيفُ فِي الْفَارِسِيَّةِ وَتَارِيخُ آلِ عُثْمَانَ بِالتُّرْكِيَّةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَكَانَ فِي كَثْرَةِ التَّآلِيفِ وَالسُّرْعَةِ بِهَا وَسَعَةِ الِاطِّلَاعِ فِي الدِّيَارِ الرُّومِيَّةِ كَالْجَلَالِ السُّيُوطِيّ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ. وَعِنْدِي أَنَّهُ أَدَقُّ نَظَرًا مِنْ السُّيُوطِيّ وَأَحْسَنُ فَهْمًا، عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا جَمَالَ ذَلِكَ الْعَصْرِ، وَلَمْ يَزَلْ مُفْتِيًا فِي دَارِ السَّلْطَنَةِ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ سَنَةَ (940) . اهـ. تَمِيمِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلهُ: مَعَ تَحْقِيقَاتٍ) حَالٌ مِنْ مَا حَرَّرَهُ: أَيْ مُصَاحِبًا مَا حَرَّرَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ لِتَحْقِيقَاتٍ اهـ ح، وَالْمُرَادُ بِهَا حَلُّ الْمَعَانِي الْعَوِيصَةِ، وَدَفْعُ الْإِشْكَالَاتِ الْمُورَدَةِ عَلَى بَعْضِ الْمَسَائِلِ أَوْ عَلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَتَعْيِينُ الْمُرَادِ مِنْ الْعِبَارَاتِ الْمُحْتَمَلَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَذَاتُ الْفُرُوعِ الْفِقْهِيَّةِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النَّقْلِ عَنْ أَهْلِهَا. (قَوْلُهُ: سَنَحَ بِهَا الْبَالُ) فِي الْقَامُوسِ: سَنَحَ لِي رَأْيٌ كَمَنَعَ سُنُوحًا وَسَنْحًا وَسُنْحًا: عَرَضَ وَبِكَذَا عَرَّضَ وَلَمْ يُصَرِّحْ اهـ فَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ مِثْلُ أَدْخَلْت الْقَلَنْسُوَةَ فِي رَأْسِي وَالْأَصْلُ سَنَحَتْ: أَيْ عَرَضَتْ بِالْبَالِ أَيْ فِي خَاطِرِي وَقَلْبِي، وَعَلَى الثَّانِي لَا قَلْبَ؛ وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ أَنَّ قَلْبِي وَخَاطِرِي عَرَضَ بِهَا وَلَمْ يُصَرِّحْ، وَهَذَا مَا جَرَتْ عَلَيْهِ عَادَتُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ التَّعْرِيضِ بِالرُّمُوزِ الْخَفِيَّةِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: وَتَلَقَّيْتهَا) أَيْ أَخَذْتهَا عَنْ أَشْيَاخِي عَنْ فُحُولِ الرِّجَالِ: أَيْ الرِّجَالِ الْفُحُولِ الْفَائِقِينَ عَلَى غَيْرِهِمْ. فِي الْقَامُوسِ: الْفَحْلُ الذَّكَرُ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ، وَفُحُولُ الشُّعَرَاءِ الْغَالِبُونَ بِالْهِجَاءِ عَلَى مَنْ هَاجَاهُمْ. اهـ. قَالَ ح: وَأَوْرَدَ أَنَّ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ، تَنَافِيًا، فَإِنَّ الْبَالَ إذَا ابْتَكَرَ هَذِهِ التَّحْقِيقَاتِ جَمِيعَهَا فَكَيْفَ يَكُونُ مُتَلَقِّيًا لَهَا جَمِيعَهَا عَنْ فُحُولِ الرِّجَالِ؟ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ سَنَحَ بِبَعْضِهَا الْبَالُ وَتَلَقَّيْت بَعْضَهَا عَنْ فُحُولِ الرِّجَالِ اهـ أَيْ فَهُوَ عَلَى حَدِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وَيَأْبَى اللَّهُ الْعِصْمَةَ لِكِتَابٍ غَيْرَ كِتَابِهِ، وَالْمُنْصِفُ مَنْ اغْتَفَرَ قَلِيلَ خَطَأِ الْمَرْءِ فِي كَثِيرِ صَوَابِهِ، وَمَعَ هَذَا فَمَنْ أَتْقَنَ كِتَابِي هَذَا فَهُوَ الْفَقِيهُ الْمَاهِرُ، وَمَنْ ظَفَرَ بِمَا فِيهِ، فَسَيَقُولُ بِمِلْءِ فِيهِ: كَمْ تَرَكَ الْأَوَّلُ لِلْآخِرِ   [رد المحتار] قَوْله تَعَالَى - {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ} [فاطر: 27]- (قَوْلُهُ: وَيَأْبَى اللَّهُ الْعِصْمَةَ إلَخْ) أَبَى الشَّيْءَ يَأْبَاهُ وَيَأْبِيهِ إبَاءً وَإِبَاءَةً بِكَسْرِهِمَا كَرِهَهُ قَامُوسٌ. وَهَذَا اعْتِذَارٌ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَيْ إنَّ هَذَا الْكِتَابَ وَإِنْ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى مَا حَرَّرَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَعَلَى التَّحْقِيقَاتِ الْمَذْكُورَةِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ. أَيْ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ وُقُوعِ الْخَطَأِ وَالسَّهْوِ فِيهِ. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَرْضَ، أَوْ لَمْ يُقَدِّرْ الْعِصْمَةَ لِكِتَابٍ غَيْرِ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ الَّذِي قَالَ فِيهِ - {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42]- فَغَيْرُهُ مِنْ الْكُتُبِ قَدْ يَقَعُ فِيهِ الْخَطَأُ وَالزَّلَلُ، لِأَنَّهَا مِنْ تَآلِيفِ الْبَشَرِ وَالْخَطَأُ وَالزَّلَلُ مِنْ شِعَارِهِمْ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْعَزِيزِ النَّجَّارِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى أُصُولِ الْإِمَامِ الْبَزْدَوِيِّ مَا نَصُّهُ: رَوَى الْبُوَيْطِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ لَهُ: إنِّي صَنَّفْت هَذِهِ الْكُتُبَ فَلَمْ آلُ فِيهَا الصَّوَابَ. وَلَا بُدَّ أَنْ يُوجَدَ فِيهَا مَا يُخَالِفُ، كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]- فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِمَّا يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنِّي رَاجِعٌ عَنْهُ إلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْمُزَنِيّ: قَرَأْت كِتَابَ الرِّسَالَةِ عَلَى الشَّافِعِيِّ ثَمَانِينَ مَرَّةً، فَمَا مِنْ مَرَّةٍ إلَّا وَكَانَ يَقِفُ عَلَى خَطَأٍ. فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هِيهِ، أَبَى اللَّهُ أَنْ يَكُونَ كِتَابًا صَحِيحًا غَيْرَ كِتَابِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: قَلِيلَ. خَطَأِ الْمَرْءِ) أَيْ خَطَأَ الْمَرْءِ الْقَلِيلِ. فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ. وَعَبَّرَ بِالْخَطَأِ إشَارَةً إلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاقِعٌ لَا عَنْ اخْتِيَارٍ. فَالْإِثْمُ مَرْفُوعٌ وَالثَّوَابُ ثَابِتٌ ط (قَوْلُهُ: فِي كَثِيرِ صَوَابِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ الْخَطَأِ: أَيْ الْخَطَأَ الْقَلِيلَ كَائِنًا فِي أَثْنَاءِ الصَّوَابِ الْكَثِيرِ أَوْ بِاغْتَفَرَ. وَفِي بِمَعْنَى مَعَ. أَوْ لِلتَّعْلِيلِ أَفَادَهُ ط. وَلَا يَخْفَى مَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ وَخَطَإٍ وَصَوَابٍ مِنْ الطِّبَاقِ (قَوْلُهُ: وَمَعَ هَذَا) أَيْ مَعَ مَا حَوَاهُ مِنْ التَّحْرِيرَاتِ وَالتَّحْقِيقَاتِ. اهـ. ح. قُلْت: وَالْأَوْلَى جَعْلُهُ مُرْتَبِطًا بِقَوْلِهِ وَيَأْبَى اللَّهُ. أَيْ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مَحْفُوظٍ مِنْ الْخَلَلِ فَمَنْ أَتْقَنَهُ كَمَا تَقُولُ فُلَانٌ بَخِيلٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ فُلَانٍ ط (قَوْلُهُ: فَهُوَ الْفَقِيهُ) الْجُمْلَةُ خَبَرٌ مَنْ قُرِنَتْ بِالْفَاءِ لِعُمُومِ الْمُبْتَدَأِ فَأَشْبَهَ الشَّرْطَ. وَالْمُرَادُ بِالْفَقِيهِ مَنْ يَحْفَظُ الْفُرُوعَ الْفِقْهِيَّةَ وَيَصِيرُ لَهُ إدْرَاكٌ فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَعْنَى الْفِقْهِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا ط (قَوْلُهُ: الْمَاهِرُ) أَيْ الْحَاذِقُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: وَمَنْ ظَفَرَ) فِي الْقَامُوسِ: الظَّفَرُ بِالتَّحْرِيكِ الْفَوْزُ بِالْمَطْلُوبِ ظَفَرَهُ وَظَفَرَ بِهِ وَعَلَيْهِ (قَوْلُهُ: بِمَا فِيهِ) أَيْ مِنْ التَّحْرِيرَاتِ وَالتَّحْقِيقَاتِ وَالْفُرُوعِ الْجَمَّةِ وَالْمَسَائِلِ الْمُهِمَّةِ (قَوْلُهُ: فَسَيَقُولُ) أَتَى بِسِينِ التَّنْفِيسِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ عِنْدَ السُّؤَالِ أَوْ لِلنَّاظِرَةِ مَعَ الْإِخْوَانِ غَالِبًا، أَوْ أَنَّهَا زَائِدَةٌ أَفَادَهُ ط أَوْ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ الَّتِي حَرَّرَهَا غَيْرُهُ وَطَوَّلَهَا بِنَقْلِ الْأَقْوَالِ الْكَثِيرَةِ وَالتَّعْلِيلَاتِ الشَّهِيرَةِ، وَخِلَافِيَّاتِ الْمَذَاهِبِ وَالِاسْتِدْلَالَات مِنْ خُلُوِّهَا مِنْ تَكْثِيرِ الْفُرُوعِ وَالتَّعْوِيلِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْهَا كَغَالِبِ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. فَإِذَا اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ هَذَا الشَّرْحَ هُوَ الدُّرَّةُ الْفَرِيدَةُ الْجَامِعُ لِتِلْكَ الْأَوْصَافِ الْحَمِيدَةِ، وَلِذَا أَكَبَّ عَلَيْهِ أَهْلُ هَذَا الزَّمَانِ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ. (قَوْلُهُ: بِمِلْءِ فِيهِ) الْمِلْءُ بِالْكَسْرِ: اسْمُ مَا يَأْخُذُهُ الْإِنَاءُ إذَا امْتَلَأَ وَبِهَاءٍ هَيْئَةُ الِامْتِلَاءِ وَمَصْدَرُهُ مِلْءٌ قَامُوسٌ، وَفِيهِ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ حَيْثُ شَبَّهَ الْكَلَامَ الصَّرِيحَ الَّذِي يَسْتَحْسِنُهُ قَائِلُهُ وَيَرْتَضِيهِ، وَلَا يَتَحَاشَى عَنْ الْجَهْرِ بِهِ بِمَا يَمْلَأُ الْإِنَاءَ بِجَامِعِ بُلُوغِ كُلٍّ إلَى النِّهَايَةِ أَوْ مَكْنِيَّةٌ حَيْثُ شَبَّهَ الْفَمَ بِالْإِنَاءِ وَالْمِلْءُ تَخْيِيلٌ. وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الْإِتْيَانِ بِهَذَا الْقَوْلِ جَهْرًا بِلَا تَوَقُّفٍ وَلَا خَوْفٍ مِنْ تَكْذِيبِ طَاعِنٍ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِيهِ وَفِيهِ الْجِنَاسُ التَّامُّ (قَوْلُهُ: كَمْ تَرَكَ الْأَوَّلُ لِلْآخِرِ) مَقُولُ الْقَوْلِ وَكَمْ خَبَرِيَّةٌ لِلتَّكْثِيرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 وَمَنْ حَصَّلَهُ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ الْحَظُّ الْوَافِرُ، لِأَنَّهُ هُوَ الْبَحْرُ لَكِنْ بِلَا سَاحِلٍ، وَوَابِلُ الْقَطْرِ غَيْرَ أَنَّهُ مُتَوَاصِلٌ بِحُسْنِ عِبَارَاتٍ وَرَمْزِ إشَارَاتٍ وَتَنْقِيحِ مَعَانِي، وَتَحْرِيرِ مَبَانِي، وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْعِيَانِ،   [رد المحتار] مَفْعُولُ تَرَكَ، وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ جِنْسُ مَنْ تَقَدَّمَ فِي الزَّمَنِ وَمَنْ تَأَخَّرَ، وَهَذَا فِي مَعْنَى مَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ فِي خُطْبَةِ التَّسْهِيلِ: وَإِذَا كَانَتْ الْعُلُومُ مِنَحًا إلَهِيَّةً، وَمَوَاهِبَ اخْتِصَاصِيَّةً فَغَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ أَنْ يُدَّخَرَ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، مَا عَسِرَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ. اهـ. وَأَنْتَ تَرَى كُتُبَ الْمُتَأَخِّرِينَ تَفُوقُ عَلَى كُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي الضَّبْطِ وَالِاخْتِصَارِ وَجَزَالَةِ الْأَلْفَاظِ وَجَمْعِ الْمَسَائِلِ، لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ كَانَ مَصْرِفُ أَذْهَانِهِمْ إلَى اسْتِنْبَاطِ الْمَسَائِلِ وَتَقْوِيمِ الدَّلَائِلِ؛ فَالْعَالِمُ الْمُتَأَخِّرُ يَصْرِفُ ذِهْنَهُ إلَى تَنْقِيحِ مَا قَالُوهُ، وَتَبْيِينِ مَا أَجْمَلُوهُ، وَتَقْيِيدِ مَا أَطْلَقُوهُ، وَجَمْعِ مَا فَرَّقُوهُ، وَاخْتِصَارِ عِبَارَاتِهِمْ، وَبَيَانِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ مِنْ اخْتِلَافَاتِهِمْ، فَهُوَ كَمَاشِطَةِ عَرُوسٍ رَبَّاهَا أَهْلُهَا حَتَّى صَلَحَتْ لِلزَّوَاجِ، تُزَيِّنُهَا وَتَعْرِضُهَا عَلَى الْأَزْوَاجِ، وَعَلَى كُلٍّ فَالْفَضْلُ لِلْأَوَائِلِ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: كَالْبَحْرِ يَسْقِيهِ السَّحَابُ وَمَا لَهُ ... فَضْلٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ مَائِهِ نَعَمْ فَضْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَمْثَالِنَا مِنْ الْمُتَعَلِّمِينَ، رَحِمَ اللَّهُ الْجَمِيعَ وَشَكَرَ سَعْيَهُمْ آمِينَ (قَوْلُهُ: الْحَظُّ) أَيْ النَّصِيبُ، وَالْوَافِرُ: الْكَثِيرُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) : تَعْلِيلٌ لِلْجُمَلِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ، وَالضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى الْكِتَابِ ط (قَوْلُهُ: هُوَ الْبَحْرُ) تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ أَوْ اسْتِعَارَةٌ (قَوْلُهُ: لَكِنْ بِلَا سَاحِلٍ) السَّاحِلُ رِيفُ الْبَحْرِ وَشَاطِئُهُ مَقْلُوبٌ، لِأَنَّ الْمَاءَ سَحَلَهُ وَكَانَ الْقِيَاسُ مَسْحُولًا قَامُوسٌ، وَإِذَا كَانَ لَا سَاحِلَ لَهُ فَهُوَ فِي غَايَةِ الِاتِّسَاعِ، لِأَنَّ نِهَايَةَ الْبَحْرِ سَاحِلُهُ، فَهُوَ مِنْ تَأْكِيدِ الْمَدْحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ حَيْثُ أَثْبَتَ صِفَةَ مَدْحٍ وَاسْتَثْنَى مِنْهَا صِفَةَ مَدْحٍ أُخْرَى نَحْوَ «أَنَا أَفْصَحُ الْعَرَبِ بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ» ، وَهُوَ آكَدُ فِي الْمَدْحِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَدْحِ عَلَى الْمَدْحِ وَالْإِشْعَارُ بِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ صِفَةَ ذَمٍّ يَسْتَثْنِيهَا فَاضْطَرَّ إلَى اسْتِثْنَاءِ صِفَةِ مَدْحٍ. وَلَهُ نَوْعٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ صِفَةِ ذَمٍّ مَنْفِيَّةٍ عَنْ الشَّيْءِ صِفَةَ مَدْحٍ، كَقَوْلِهِ: وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ أَيْ فِي حَدِّهِنَّ كَسْرٌ مِنْ مُضَارَبَةِ الْجُيُوشِ، وَهَذَا الثَّانِي أَبْلَغُ كَمَا بُيِّنَ فِي مَحَلِّهِ فَافْهَمْ. وَفِيهِ أَيْضًا مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُبَالَغَةِ وَهُوَ الْإِغْرَاقُ، حَيْثُ وَصَفَ الْبَحْرَ بِمَا هُوَ مُمْكِنٌ عَقْلًا مُمْتَنِعٌ عَادَةً (قَوْلُهُ: وَوَابِلُ الْقَطْرِ) الْوَابِلُ: الْكَثِيرُ، وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ: أَيْ الْقَطْرُ الْوَابِلُ ط (قَوْلُهُ: غَيْرَ أَنَّهُ مُتَوَاصِلٌ) أَيْ تَوَاصُلًا نَافِعًا غَيْرَ مُفْسِدٍ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ وَإِلَّا كَانَ ذَمًّا، وَهَذَا أَيْضًا مِنْ تَأْكِيدِ الْمَدْحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ (قَوْلُهُ: بِحُسْنِ عِبَارَاتٍ) الْبَاءُ لِلتَّعْلِيلِ مِثْلُ - فَبِظُلْمٍ - أَوْ لِلْمُصَاحَبَةِ مِثْلُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ - أَوْ لِلْمُلَابَسَةِ وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَحْرِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُشْتَقِّ: أَيْ الْوَاسِعُ مِثْلُ حَاتِمٍ فِي قَوْمِهِ، وَمِثْلُ قَوْلِ الشَّاعِرِ: أَسَدٌ عَلَيَّ وَفِي الْحُرُوبِ نَعَامَةٌ لِتَأَوُّلِهِ بِكَرِيمٍ وَجَرِيءٍ أَوْ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي لِأَنَّهُ أَوْ مِنْ كِتَابِي (قَوْلُهُ: وَرَمْزِ إشَارَاتٍ) هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ: وَهُوَ الْإِيمَاءُ بِالْعَيْنِ أَوْ الْيَدِ أَوْ نَحْوِهِمَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ. فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَلْطَفَ أَنْوَاعِ الْإِيمَاءِ وَأَخْفَاهَا كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ بَعْدُ بِقَوْلِهِ: مُعْتَمِدًا فِي دَفْعِ الْإِيرَادِ أَلْطَفَ الْإِشَارَةِ. (قَوْلُهُ: وَتَنْقِيحِ مَعَانِي) أَيْ تَهْذِيبِهَا وَتَنْقِيَتِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: وَتَحْرِيرِ مَبَانِي. وَفِي الْقَامُوسِ: تَحْرِيرُ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ تَقْوِيمُهُ اهـ وَمَبَانِي الْكَلِمَاتِ: مَا تُبْنَى عَلَيْهِ مِنْ الْحُرُوفِ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْأَلْفَاظُ وَالْعِبَارَاتُ، مِنْ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ، وَفِي قَوْلِهِ الْمَعَانِي وَالْمَبَانِي مُرَاعَاةُ النَّظِيرِ: وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ أَمْرٍ وَمَا يُنَاسِبُهُ، لَا بِالتَّضَادِّ نَحْوَ - {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5]- ثُمَّ الْمَوْجُودُ فِي النُّسَخِ رَسْمُهَا بِالْيَاءِ مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ حَذْفُهَا، وَالْوَقْفُ عَلَى النُّونِ سَاكِنَةً مِثْلُ {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه: 72]- (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْعِيَانِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ: الْمُعَايَنَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَهَذِهِ عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ: أَيْ أَنَّ مَا قُلْته خَبَرٌ يَحْتَمِلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وَسَتَقَرُّ بِهِ بَعْدَ التَّأَمُّلِ الْعَيْنَانِ، فَخُذْ مَا نَظَرْت مِنْ حُسْنِ رَوْضِهِ الْأَسْمَى، وَدَعْ مَا سَمِعْت عَنْ الْحُسْنِ وَسَلْمَى: خُذْ مَا نَظَرْت وَدَعْ شَيْئًا سَمِعْت بِهِ ... فِي طَلْعَةِ الشَّمْسِ مَا يُغْنِيك عَنْ زُحَلَ هَذَا وَقَدْ أَضْحَتْ أَعْرَاضُ الْمُصَنِّفِينَ أَغْرَاضَ سِهَامِ أَلْسِنَةِ الْحُسَّادِ، وَنَفَائِسُ تَصَانِيفِهِمْ   [رد المحتار] الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَبَعْدَ اطِّلَاعِك عَلَى التَّأْلِيفِ الْمَذْكُورِ تُعَايِنُ مَا ذَكَرْته لَك وَتَتَحَقَّقُهُ بِالْمُشَاهَدَةِ لِأَنَّ الْخَبَرَ لَيْسَ كَالْعِيَانِ أَفَادَهُ ط وَفِي هَذَا الْكَلَامِ اقْتِبَاسٌ مِمَّا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ» وَهُوَ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِيَّةِ، وَتَضْمِينٌ لِقَوْلِ الشَّاعِرِ: يَا ابْنَ الْكِرَامِ أَلَا تَدْنُو فَتُبْصِرَ مَا ... قَدْ حَدَّثُوك فَمَا رَاءٍ كَمَنْ سَمِعَا (قَوْلُهُ: وَسَتُقِرُّ) الْقُرُّ: بِالضَّمِّ الْبَرْدُ، وَعَيْنُهُ تُقِرُّ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ قُرَّةً وَتُضَمُّ وَقَرُورًا بَرَدَتْ وَانْقَطَعَ بُكَاؤُهَا. أَوْ رَأَتْ مَا كَانَتْ مُتَشَوِّفَةً إلَيْهِ قَامُوسٌ، وَكَأَنَّهُ وَصَفَ الْعَيْنَ بِالْبُرُودَةِ، لِمَا قَالُوا مِنْ أَنَّ دَمْعَةَ السُّرُورِ بَارِدَةٌ وَدَمْعَةَ الْحُزْنِ حَارَّةٌ (قَوْلُهُ: بَعْدَ التَّأَمُّلِ) أَيْ التَّفَكُّرِ فِيهِ وَالتَّدَبُّرِ فِي مَعَانِيهِ ط (قَوْلُهُ: فَخُذْ) الْفَاءُ فَصِيحَةٌ: أَيْ إذَا كَانَ كَمَا وَصَفْتُهُ لَك أَوْ إذَا تَأَمَّلْتَهُ وَقَرَّتْ بِهِ عَيْنَاك فَخُذْ إلَخْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ كَيْفَ لَا وَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ ابْتِدَاءَ تَبْيِيضِ إلَخْ سَاقِطٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ، وَكَأَنَّهُ مِنْ إلْحَاقَاتِ الشَّارِحِ، فَمَا نُقِلَ مِنْ نُسْخَتِهِ قَبْلَ الْإِلْحَاقِ خَلَا عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: مِنْ حُسْنِ رَوْضِهِ) الْحُسْنُ الْجَمَالُ جَمْعُهُ مَحَاسِنُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ قَامُوسٌ. فَهُوَ اسْمٌ جَامِدٌ لَا صِفَةٌ فَالْإِضَافَةُ فِيهِ لَامِيَّةٌ فَافْهَمْ، وَالْأَسْمَى أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ مِنْ السُّمُوِّ: أَيْ الْأَعْلَى مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ ط: وَفِي الْكَلَامِ اسْتِعَارَةٌ شَبَّهَ عِبَارَتَهُ الْحَسَنَةَ بِالرَّوْضِ بِجَامِعِ النَّفَاسَةِ وَتَعَلُّقِ النُّفُوسِ بِكُلٍّ وَالْقَرِينَةُ إضَافَةُ الرَّوْضِ إلَى الضَّمِيرِ (قَوْلُهُ: عَنْ الْحُسْنِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِضَمِّ الْحَاءِ، فَالْمَعْنَى دَعْ الْحُسْنَ الصُّورِيَّ الْمَحْسُوسَ وَانْظُرْ إلَى حُسْنِ رَوْضِ هَذَا الشَّرْحِ الْأَعْلَى قَدْرًا. اهـ. ح (قَوْلُهُ: وَسَلْمَى) امْرَأَةٌ مِنْ مَعْشُوقَاتِ الْعَرَبِ الْمَشْهُورَاتِ كَلَيْلَى وَلُبْنَى وَسُعْدَى وَبُثَيْنَةَ وَمَيَّةَ وَعَزَّةَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الْمَعْنَى الْعَلَمِيَّ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْوَصْفِيُّ لِاشْتِهَارِهَا بِالْحُسْنِ كَاشْتِهَارِ حَاتِمٍ بِالْكَرْمِ، فَيُقَالُ فُلَانٌ حَاتِمٌ بِمَعْنَى كَرِيمٍ، فَالْمُرَادُ دَعْ الْجَمَالَ وَالْجَمِيلَ (قَوْلُهُ: فِي طَلْعَةِ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَمَا يُغْنِيك مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ؛ وَالْمَعْنَى أَنَّ طَلْعَةَ الشَّمْسِ: أَيْ طُلُوعَهَا يَكْفِيكَ عَنْ نُورِ الْكَوْكَبِ الْمُسَمَّى بِزُحَلَ، نَزَّلَ كِتَابَهُ مَنْزِلَةَ الشَّمْسِ بِجَامِعِ الِاهْتِدَاءِ بِكُلٍّ، وَنَزَّلَ غَيْرَهُ مَنْزِلَةَ زُحَلَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ نُورَ الشَّمْسِ وَالِاهْتِدَاءَ بِهِ لَا يَكُونُ لِغَيْرِهَا مِنْ الْكَوَاكِبِ، وَزُحَلُ أَحَدُ الْكَوَاكِبِ السَّيَّارَةِ الَّتِي هِيَ السَّبْعُ، جَمَعَهَا الشَّاعِرُ عَلَى تَرْتِيبِ السَّمَوَاتِ كُلُّ كَوْكَبٍ فِي سَمَاءٍ بِقَوْلِهِ: زُحَلُ شَرَى مَرِّيخُهُ مِنْ شَمْسِهِ ... فَتَزَاهَرَتْ لِعُطَارِدَ الْأَقْمَارُ ط (قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ خُذْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْته، وَأَرَادَ بِهِ الِانْتِقَالَ عَنْ وَصْفِ الْكِتَابِ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَى عَدَمِ الِاغْتِرَارِ بِمَا يُشَنِّعُ بِهِ حُسَّادُ الزَّمَانِ الْمُغَيِّرُونَ فِي وُجُوهِ الْحِسَانِ: كَضَرَائِرِ الْحَسْنَاءِ قُلْنَ لِوَجْهِهَا ... حَسَدًا وَلُؤْمًا إنَّهُ لَدَمِيمُ (قَوْلُهُ أَعْرَاضُ) جَمْعُ عِرْضٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ: مَحَلُّ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ ط (قَوْلُهُ: أَغْرَاضَ) أَيْ كَالْأَغْرَاضِ خَبَرُ أَضْحَى فَهُوَ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ. وَالْأَغْرَاضُ: جَمْعُ غَرَضٍ، وَهُوَ الْهَدَفُ الَّذِي يُرْمَى بِالسِّهَامِ، فَكَمَا أَنَّ الْغَرَضَ يُرْمَى بِالسِّهَامِ كَذَلِكَ أَعْرَاضُ الْمُصَنِّفِينَ تُرْمَى بِالْقَوْلِ الْكَاذِبِ، وَشَاعَ اسْتِعْمَالُ الرَّمْيِ فِي نِسْبَةِ الْقَبَائِحِ كَمَا قَالَ تَعَالَى - {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6]- {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4]- وَبَيْنَ الْأَعْرَاضِ وَالْأَغْرَاضِ الْجِنَاسُ الْمُضَارِعُ ط، وَفِي تَشْبِيهِ الْكَلَامِ الْقَبِيحِ بِالسِّهَامِ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ الْقَرِينَةُ إضَافَتُهَا إلَى الْأَلْسِنَةِ وَالْجَامِعُ حُصُولُ الضَّرَرِ بِكُلٍّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ إضَافَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ إلَى الْمُشَبَّهِ: أَيْ الْأَلْسِنَةُ الَّتِي هِيَ كَالسِّهَامِ، لَكِنَّ تَشْبِيهَ الْكَلَامِ بِالسِّهَامِ أَظْهَرُ مِنْ تَشْبِيهِ الْأَلْسِنَةِ بِهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَنَفَائِسُ تَصَانِيفِهِمْ وَإِلَخْ) النَّفَائِسُ جَمْعُ نَفِيسَةٍ، يُقَالُ: شَيْءٌ نَفِيسٌ أَيْ يُتَنَافَسُ فِيهِ وَيُرْغَبُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 مُعَرَّضَةً بِأَيْدِيهِمْ تَنْتَهِبُ فَوَائِدَهَا ثُمَّ تَرْمِيهَا بِالْكَسَادِ: أَخَا الْعِلْمِ لَا تَعْجَلْ بِعَيْبِ مُصَنِّفٍ ... وَلَمْ تَتَيَقَّنْ زَلَّةً مِنْهُ تَعْرِفُ فَكَمْ أَفْسَدَ الرَّاوِي كَلَامًا بِعَقْلِهِ ... وَكَمْ حَرَّفَ الْأَقْوَالَ قَوْمٌ وَصَحَّفُوا وَكَمْ نَاسِخٍ أَضْحَى لِمَعْنًى مُغَيِّرًا ... وَجَاءَ بِشَيْءٍ لَمْ يُرِدْهُ الْمُصَنِّفُ وَمَا كَانَ قَصْدِي مِنْ هَذَا أَنْ يُدْرَجَ ذِكْرِي بَيْنَ الْمُحَرِّرِينَ. مِنْ الْمُصَنِّفِينَ وَالْمُؤَلِّفِينَ. بَلْ الْقَصْدُ رِيَاضُ الْقَرِيحَةِ وَحِفْظُ الْفُرُوعِ الصَّحِيحَةِ. مَعَ رَجَاءِ الْغُفْرَانِ. وَدُعَاءِ الْإِخْوَانِ، وَمَا عَلَيَّ   [رد المحتار] وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ مَرْفُوعٌ بِالْعَطْفِ عَلَى اسْمِ أَضْحَى أَوْ عَلَى الِابْتِدَائِيَّةِ وَالْوَاوُ لِلِاسْتِئْنَافِ أَوْ لِلْحَالِ، وَمُعَرَّضَةً بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ أَضْحَى أَوْ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ. وَبِأَيْدِيهِمْ مُتَعَلِّقٌ بِهِ: أَيْ مَنْصُوبَةً بِأَيْدِيهِمْ، مِنْ قَوْلِهِمْ: جَعَلْت الشَّيْءَ عُرْضَةً لَهُ: أَيْ نَصَبْته: أَوْ بِفَتْحِ الرَّاءِ مُخَفَّفَةً مِنْ أَعْرَضَ بِمَعْنَى أَظْهَرَ: أَيْ مُظْهَرَةً فِي أَيْدِيهِمْ وَالضَّمِيرُ لِلْحُسَّادِ، وَجُمْلَةُ تَنْتَهِبُ أَيْ الْحُسَّادُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَعْلُومِ حَالِيَّةٌ أَوْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ أَوْ هِيَ الْخَبَرُ وَمُعَرَّضَةً حَالٌ. وَرَمْيُهَا بِالْكَسَادِ كِنَايَةٌ عَنْ هَجْرِهَا أَوْ ذَمِّهَا. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحُسَّادَ لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْهَا بَلْ يَنْتَهِبُونَ فَوَائِدَهَا وَيَنْتَفِعُونَ بِهَا ثُمَّ يَذُمُّونَهَا وَيَقُولُونَ إنَّهَا سِلْعَةٌ كَاسِدَةٌ (قَوْلُهُ: أَخَا الْعِلْمِ) مُنَادَى عَلَى حَذْفِ أَدَاةِ النِّدَاءِ وَالْأَخُ: مِنْ النَّسَبِ وَالصِّدِّيقُ وَالصَّاحِبُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. وَالْمُرَادُ الْأَخِيرُ (قَوْلُهُ: بِعَيْبِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى مَفْعُولِهِ، وَإِنْ جُعِلَ الْعَيْبُ اسْمًا لِمَا يُوجِبُ الذَّمَّ فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ بِذِكْرِ عَيْبٍ ط (قَوْلُهُ: مُصَنِّفٍ) بِكَسْرِ النُّونِ أَوْ بِفَتْحِهَا (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَتَيَقَّنْ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ ط (قَوْلُهُ: مِنْهُ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٌ لِزَلَّةٍ وَجُمْلَةُ تَعْرِفُ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ أَوْ حَالٌ. أَوْ مِنْهُ مُتَعَلِّقٌ بِتَعْرِفُ وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِزَلَّةٍ (قَوْلُهُ: فَكَمْ) خَبَرِيَّةٌ لِلتَّكْثِيرِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ مُبْتَدَأٌ وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهَا خَبَرٌ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ فِيمَا إذَا وَلِيَهَا فِعْلٌ مُتَعَدٍّ أَخَذَ مَفْعُولَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: بِعَقْلِهِ) الْبَاءُ لِلْآلَةِ أَيْ أَنَّ عَقْلَهُ هُوَ الْآلَةُ فِي الْإِفْسَادِ ط (قَوْلُهُ: وَكَمْ حَرَّفَ) التَّحْرِيفُ التَّغْيِيرُ. وَالتَّصْحِيفُ: الْخَطَأُ فِي الصَّحِيفَةِ قَامُوسٌ. لَكِنْ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّةِ الْعِرَاقِيِّ لِلْقَاضِي زَكَرِيَّا: التَّحْرِيفُ الْخَطَأُ فِي الْحُرُوفِ بِالشَّكْلِ. وَالتَّصْحِيفُ الْخَطَأُ فِيهَا بِالنُّقَطِ وَاللَّحْنُ: الْخَطَأُ فِي الْإِعْرَابِ اهـ. وَفِي تَعْرِيفَاتِ السَّيِّدِ: تَجْنِيسُ التَّحْرِيفِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الِاخْتِلَافُ فِي الْهَيْئَةِ كَبُرْدٍ وَبَرْدٍ وَتَجْنِيسُ التَّصْحِيفِ أَنْ يَكُونَ الْفَارِقُ نُقْطَةً كَأَنْقَى وَأَلْقَى. اهـ. (قَوْلُهُ: أَضْحَى لِمَعْنًى مُغَيِّرًا) اللَّامُ فِي الْمَعْنَى زَائِدَةٌ لِلتَّقْوِيَةِ لِتَقَدُّمِ الْمَفْعُولِ عَلَى عَامِلِهِ مَعَ أَنَّ الْعَامِلَ مَحْمُولٌ عَلَى الْفِعْلِ فَضَعُفَ عَنْ الْمَعْمُولِ وَتَغْيِيرِ النَّاسِخِ الْمَعْنَى بِسَبَبِ تَغْيِيرِهِ الْأَلْفَاظَ وَجُمْلَةُ وَجَاءَ إلَخْ مُؤَكِّدَةٌ، وَهَذَا مَعْنَى مَا يُقَالُ النَّاسِخُ عَدُوُّ الْمُؤَلِّفِ (قَوْلُهُ: مِنْ هَذَا) أَيْ التَّأْلِيفِ (قَوْلُهُ: أَنْ يُدْرَجَ) أَيْ يَجْرِيَ. وَفِي الْقَامُوسِ: دَرَجَتْ الرِّيحُ بِالْحَصَى أَيْ جَرَتْ عَلَيْهِ جَرْيًا شَدِيدًا (قَوْلُهُ: مِنْ الْمُصَنِّفِينَ وَالْمُؤَلِّفِينَ) التَّأْلِيفُ: جَعْلُ الْأَشْيَاءِ الْكَثِيرَةِ بِحَيْثُ يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْوَاحِدِ سَوَاءٌ كَانَ لِبَعْضِهَا نِسْبَةٌ إلَى بَعْضٍ بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ أَوْ لَا. وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ التَّأْلِيفُ أَعَمَّ مِنْ التَّرْتِيبِ اهـ تَعْرِيفَاتُ السَّيِّدِ. قِيلَ وَأَعَمُّ مِنْ التَّصْنِيفِ لِأَنَّهُ مُطْلَقُ الضَّمِّ، وَالتَّصْنِيفُ جَعْلُ كُلِّ صِنْفٍ عَلَى حِدَةٍ. وَقِيلَ الْمُؤَلِّفُ مَنْ يَجْمَعُ كَلَامَ غَيْرِهِ وَالْمُصَنِّفُ مَنْ يَجْمَعُ مُبْتَكَرَاتِ أَفْكَارِهِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا قِيلَ وَاضِعُ الْعِلْمِ أَوْلَى بِاسْمِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْمُؤَلِّفِ (قَوْلُهُ: رِيَاضُ) فِي الْقَامُوسِ رَاضَ الْمُهْرَ رِيَاضًا وَرِيَاضَةً: ذَلِكَ اهـ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَسَائِلُ الرِّيَاضَةِ. قَالَ الشِّنْشَوْرِيِّ أَيْ الَّتِي تُرَوِّضُ الْفِكْرَ وَتُذَلِّلُهُ لِمَا فِيهَا مِنْ التَّمْرِينِ عَلَى الْعَمَلِ (قَوْلُهُ: الْقَرِيحَةِ) فِي الصِّحَاحِ: الْقَرِيحَةُ أَوَّلُ مَا يُسْتَنْبَطُ مِنْ الْبِئْرِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لِفُلَانٍ قَرِيحَةٌ جَيِّدَةٌ: يُرَادُ اسْتِنْبَاطُ الْعِلْمِ بِجَوْدَةِ الطَّبْعِ. اهـ. وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا آلَةُ الِاسْتِنْبَاطِ: وَهِيَ الذِّهْنُ (قَوْلُهُ: وَدُعَاءِ) عَطْفٌ عَلَى الْغُفْرَانِ (قَوْلُهُ: وَمَا عَلَيَّ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 مِنْ إعْرَاضِ الْحَاسِدِينَ عَنْهُ حَالَ حَيَاتِي فَسَيَتَلَقَّوْنَهُ بِالْقَبُولِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ وَفَاتِي، كَمَا قِيلَ: تَرَى الْفَتَى يُنْكِرُ فَضْلَ الْفَتَى ... لُؤْمًا وَخُبْثًا فَإِذَا مَا ذَهَبْ لَجَّ بِهِ الْحِرْصُ عَلَى نُكْتَةٍ ... يَكْتُبُهَا عَنْهُ بِمَاءِ الذَّهَبْ فَهَاكَ مُؤَلِّفًا مُهَذِّبًا بِمُهِمَّاتِ هَذَا الْفَنِّ، مُظْهِرًا لِدَقَائِقَ اُسْتُعْمِلَتْ الْفِكَرُ فِيهَا إذَا مَا اللَّيْلُ جَنَّ، مُتَحَرِّيًا أَرْجَحَ الْأَقْوَالِ وَأَوْجَزَ الْعِبَارَةِ، مُعْتَمِدًا فِي دَفْعِ الْإِيرَادِ أَلْطَفَ الْإِشَارَةِ؛ فَرُبَّمَا خَالَفْت فِي حُكْمٍ أَوْ دَلِيلٍ   [رد المحتار] مَا نَافِيَةٌ وَعَلَيَّ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ وَمَا عَلَيَّ بَأْسٌ أَوْ مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ مُبْتَدَأٌ وَعَلَيَّ الْخَبَرُ (قَوْلُهُ: فَسَيَتَلَقَّوْنَهُ بِالْقَبُولِ) قَدْ حَقَّقَ الْمَوْلَى رَجَاهُ وَأَعْطَاهُ فَوْقَ مَا تَمَنَّاهُ، وَهُوَ دَلِيلُ صِدْقِهِ وَإِخْلَاصِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَجَزَاهُ خَيْرًا (قَوْلُهُ: تَرَى الْفَتَى) رَأَى عِلْمِيَّةٌ وَالْفَتَى مَفْعُولٌ أَوَّلُ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الشَّابُّ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مُطْلَقُ الشَّخْصِ، وَجُمْلَةُ يُنْكِرُ مَفْعُولٌ ثَانٍ أَوْ بَصَرِيَّةٌ وَلَا يَرِدُ أَنَّ الْإِنْكَارَ مِمَّا لَا يُدْرَكُ بِالْبَصَرِ لِأَنَّهُ قَدْ تُدْرَكُ أَمَارَاتُهُ، عَلَى أَنَّهُ إذَا جُعِلَتْ بَصَرِيَّةً فَجُمْلَةُ يُنْكِرُ حَالٌ لَا مَفْعُولَ لَهَا حَتَّى يَرِدَ ذَلِكَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لُؤْمًا) مَهْمُوزُ الْعَيْنِ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ (قَوْلُهُ: مَا ذَهَبَ) أَيْ مَاتَ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مَا بَعْدَ إذَا زَائِدَةٌ (قَوْلُهُ: لَجَّ) بِالْجِيمِ؛ مِنْ اللَّجَاجِ: وَهُوَ الْخُصُومَةُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ اهـ ح وَضَمَّنَهُ مَعْنَى اشْتَدَّ فَعَدَّاهُ بِالْبَاءِ ط (قَوْلُهُ: الْحِرْصُ) طَلَبُ الشَّيْءِ بِاجْتِهَادٍ فِي إصَابَتِهِ تَعْرِيفَاتُ السَّيِّدِ (قَوْلُهُ: عَلَى نُكْتَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالْحِرْصِ وَالنُّكْتَةُ: هِيَ مَسْأَلَةٌ لَطِيفَةٌ أُخْرِجَتْ بِدِقَّةِ نَظَرٍ وَإِمْعَانِ فِكْرٍ، مِنْ نَكَتَ رُمْحَهُ بِأَرْضٍ: إذَا أَثَّرَ فِيهَا، وَسُمِّيَتْ الْمَسْأَلَةُ الدَّقِيقَةُ نُكْتَةً لِتَأَثُّرِ الْخَوَاطِرِ فِي اسْتِنْبَاطِهَا سَيِّدٌ (قَوْلُهُ: يَكْتُبُهَا) حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ أَوْ صِفَةٌ لِنُكْتَةٍ: أَيْ يُرِيدُ كِتَابَتَهَا (قَوْلُهُ: فَهَاكَ) اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى خُذْ (قَوْلُهُ: مُهَذِّبًا) بِالْكَسْرِ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ مُظْهِرًا، أَوْ هُوَ أَوْلَى مِنْ الْفَتْحِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ تَكَلُّفًا وَالتَّهْذِيبُ: التَّنْقِيَةُ وَالْإِصْلَاحُ، وَقَوْلُهُ: لِمُهِمَّاتِ مَفْعُولُهُ وَاللَّامُ لِلتَّقْوِيَةِ، وَهُوَ جَمْعُ مُهِمَّةٍ: مَا يُهْتَمُّ بِتَحْصِيلِهِ (قَوْلُهُ: اسْتَعْمَلْت) أَيْ أَعْمَلْت فَالسِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَانِ، عَبَّرَ بِهِمَا إشَارَةً إلَى الِاعْتِنَاءِ وَالِاجْتِهَادِ ط (قَوْلُهُ: فِيهَا) أَيْ فِي تَحْرِيرِهَا ط (قَوْلُهُ: جَنَّ) أَيْ سَتَرَ الْأَشْيَاءَ بِظُلْمَتِهِ، وَالْمَادَّةُ تَدُلُّ عَلَى الِاسْتِتَارِ كَالْجِنِّ وَالْجِنَانِ وَالْجَنِينِ وَالْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا خَصَّ اللَّيْلَ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الْأَفْكَارِ غَالِبًا، وَفِيهِ يَزْكُو الْفَهْمُ لِقِلَّةِ الْحَرَكَةِ فِيهِ. وَعَادَةُ الْعُلَمَاءِ يَتَلَذَّذُونَ بِالسَّهَرِ فِي التَّحْرِيرِ لِلْمَسَائِلِ كَمَا قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَهَرِي لِتَنْقِيحِ الْعُلُومِ أَلَذُّ لِي ... مِنْ وَصْلِ غَانِيَةٍ وَطِيبِ عِنَاقِ وَتَمَايُلِي طَرَبًا لِحَلِّ عَوِيصَةٍ ... فِي الذِّهْنِ أَبْلَغُ مِنْ مُدَامَةِ سَاقِي وَصَرِيرُ أَقْلَامِي عَلَى صَفَحَاتِهَا ... أَشْهَى مِنْ الدَّوْكَاءِ وَالْعُشَّاقِ وَأَلَذُّ مِنْ نَقْرِ الْفَتَاةِ لِدُفِّهَا ... نَقْرِي لِأُلْقِيَ الرَّمْلَ عَنْ أَوْرَاقِي (قَوْلُهُ: مُتَحَرِّيًا) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ اسْتَعْمَلْت، وَالتَّحَرِّي: طَلَبُ أَحْرَى الْأَمْرَيْنِ وَأَوْلَاهُمَا سَيِّدٌ (قَوْلُهُ: أَرْجَحَ الْأَقْوَالِ) الْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى مِنْ وَهَذَا بِاعْتِبَارِ غَالِبِ مَا وَقَعَ لَهُ، وَإِلَّا فَقَدْ يَذْكُرُ قَوْلَيْنِ مُصَحَّحَيْنِ أَوْ يَذْكُرُ الصَّحِيحَ دُونَ الْأَصَحِّ ط (قَوْلُهُ: وَأَوْجَزَ الْعِبَارَةِ) أَيْ أَخْصَرَهَا: وَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى مِنْ ط (قَوْلُهُ: مُعْتَمِدًا) حَالٌ أَيْضًا مُتَرَادِفَةٌ أَوْ مُتَدَاخِلَةٌ: أَيْ مُعَوِّلًا ط (قَوْلُهُ: الْإِيرَادِ) أَيْ الِاعْتِرَاضِ (قَوْلُهُ: أَلْطَفَ الْإِشَارَةِ) كَأَنْ يَذْكُرَ فِي الْكَلَامِ مُضَافًا أَوْ قَيْدًا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَدْفَعُ بِهِ الْإِيرَادَ، وَلَا يَظْهَرُ ذَلِكَ إلَّا لِمَنْ اطَّلَعَ عَلَى كَلَامِ الْمَوْرِدِ، فَإِذَا رَأَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَلِمَ أَنَّهُ أَشَارَ بِهِ إلَى دَفْعِ ذَلِكَ وَرُبَّمَا صَرَّحَ بِمَا يُشِيرُ إلَيْهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: فِي حُكْمٍ) بِأَنْ يَذْكُرَ إبَاحَةَ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ كَرَاهَتَهُ مَثَلًا (قَوْلُهُ: أَوْ دَلِيلٍ) بِأَنْ يَكُونَ دَلِيلٌ فِيهِ كَلَامٌ فَيَذْكُرُ غَيْرَهُ سَالِمًا، وَهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 فَحَسَبَهُ مَنْ لَا اطِّلَاعَ لَهُ وَلَا فَهْمَ عُدُولًا عَنْ السَّبِيلِ، وَرُبَّمَا غَيَّرْت تَبَعًا لِمَا شَرَحَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ كَلِمَةً أَوْ حَرْفًا، وَمَا دَرَى أَنَّ ذَلِكَ لِنُكْتَةٍ تَدُقُّ عَنْ نَظَرِهِ وَتَخْفَى. وَقَدْ أَنْشَدَنِي شَيْخِي الْحَبْرُ السَّامِي وَالْبَحْرُ الطَّامِي. وَاحِدُ زَمَانِهِ وَحَسَنَةُ أَوَانِهِ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَهُ: قُلْ لِمَنْ لَمْ يَرَ الْمَعَاصِرَ شَيْئًا ... وَيَرَى لِلْأَوَائِلِ التَّقْدِيمَا إنَّ ذَاكَ الْقَدِيمَ كَانَ حَدِيثًا ... وَسَيَبْقَى هَذَا الْحَدِيثُ قَدِيمًا   [رد المحتار] كُلُّهُ غَيْرُ مَا يُصَرِّحُ بِهِ وَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ مَا ذَكَرَهُ فُلَانٌ خَطَأٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَحَسَبَهُ) أَيْ ظَنَّ مَا خَالَفْت فِيهِ غَيْرِي (قَوْلُهُ: مَنْ لَا اطِّلَاعَ لَهُ) أَيْ عَلَى مَا اطَّلَعْت عَلَيْهِ وَلَا فَهْمَ لَهُ بِمَا قَصَدْته (قَوْلُهُ: عُدُولًا) أَيْ مَيْلًا عَنْ السَّبِيلِ، أَيْ الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ (قَوْلُهُ: تَبَعًا لِمَا شَرَحَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ) فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا شَرَحَ مَتْنَهُ غَيَّرَ مِنْهُ بَعْضَ أَلْفَاظٍ مُنَبِّهًا عَلَى التَّغْيِيرِ فَبَقِيَتْ نُسَخُ الْمَتْنِ الْمُجَرَّدِ مُخَالِفَةً لِنُسْخَةِ الْمَتْنِ الْمَشْرُوحِ فَتَابَعَهُ الشَّارِحُ فِيمَا غَيَّرَهُ، وَرُبَّمَا غَيَّرَ مَا لَمْ يُغَيِّرْهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: وَمَا دَرَى) مَعْطُوفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ فَاعْتَرَضَ وَمَا دَرَى أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: وَقَدْ أَنْشَدَنِي) أَنْشَدَ الشِّعْرَ: قَرَأَهُ قَامُوسٌ، وَالْمُرَادُ أَسْمَعَنِي هَذَا الشِّعْرَ (قَوْلُهُ: الْحَبْرُ) بِالْكَسْرِ وَيُفْتَحُ: الْعَالِمُ أَوْ الصَّالِحُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: السَّامِي) أَيْ الْعَالِي الْقَدْرِ (قَوْلُهُ: الطَّامِي) أَيْ الْمَلْآنُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: وَاحِدُ زَمَانِهِ) أَيْ الْمُنْفَرِدُ فِي زَمَانِهِ بِالصِّفَاتِ (قَوْلُهُ: وَحَسَنَةُ أَوَانِهِ) أَيْ الَّذِي أَحْسَنَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى الْخَلْقِ فِي أَوَانِهِ: أَيْ زَمَانِهِ أَفَادَهُ ط أَوْ الَّذِي يُعَدُّ حَسَنَةً لِزَمَانِهِ الْكَثِيرِ الْإِسَاءَةِ عَلَى أَبْنَائِهِ (قَوْلُهُ: الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْمُهُ الْعُلَيْمِيُّ؛ إذْ تَرْجَمَهُ جَمَاعَةٌ وَلَمْ يَذْكُرُوا غَيْرَهُ مِنْهُمْ الْأَمِيرُ الْمُحِبِّيُّ. قَالَ خَيْرُ الدِّينِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ نُورِ الدِّينِ عَلِيِّ بْنِ زَيْنِ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْأَيُّوبِيُّ نِسْبَةً إلَى بَعْضِ أَجْدَادِهِ الْعُلَيْمِيِّ بِالضَّمِّ نِسْبَةً إلَى سَيِّدِي عَلِيِّ بْنِ عُلَيْمٍ الْوَلِيِّ الْمَشْهُورِ. الْفَارُوقِيِّ نِسْبَةً إلَى الْفَارُوقِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الرَّمْلِيُّ الْإِمَامُ الْمُفَسِّرُ الْمُحَدِّثُ الْفَقِيهُ اللُّغَوِيُّ الصُّوفِيُّ النَّحْوِيُّ الْبَيَانِيُّ الْعَرُوضِيُّ الْمَنْطِقِيُّ الْمُعَمِّرُ. شَيْخُ الْحَنَفِيَّةِ فِي عَصْرِهِ وَصَاحِبُ الْفَتَاوَى السَّائِرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ التَّآلِيفِ النَّافِعَةِ فِي الْفِقْهِ، مِنْهَا حَوَاشِيهِ عَلَى الْمِنَحِ. وَعَلَى شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ. وَعَلَى الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ. وَعَلَى الْبَحْرِ الرَّائِقِ. وَعَلَى الزَّيْلَعِيِّ، وَعَلَى جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَرَسَائِلُ، وَدِيوَانُ شِعْرٍ مُرَتَّبٌ عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ. وُلِدَ سَنَةَ (993) وَتُوُفِّيَ بِبَلَدِهِ الرَّمْلَةِ سَنَةَ (1081) وَأَطَالَ فِي ذِكْرِ مَنَاقِبِهِ وَأَحْوَالِهِ وَبَيَانِ مَشَايِخِهِ وَتَلَامِذَتِهِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَهُ) أَيْ وُجُودَهُ. وَالْمُرَادُ الدُّعَاءُ بِالْبَرَكَةِ فِي عُمُرِهِ، لِأَنَّ الْأَجَلَ مَحْتُومٌ، وَذَكَرَ ط عَنْ الشِّرْعَةِ وَشَرْحِهَا مَا يُفِيدُ كَرَاهَةَ الدُّعَاءِ بِذَلِكَ. أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَيْهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَعَا لِخَادِمِهِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِدَعَوَاتٍ مِنْهَا: وَأَطَالَ عُمْرَهُ» وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ وَإِنْ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ. وَاسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ أَلَّفَ كِتَابَهُ هَذَا فِي حَيَاةِ شَيْخِهِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ سَيَذْكُرُ آخِرَ الْكِتَابِ أَنَّهُ فَرَغَ مِنْ تَأْلِيفِهِ سَنَةَ (1071) فَيَكُونُ قَدْ فَرَغَ مِنْ تَأْلِيفِهِ قَبْلَ مَوْتِ شَيْخِهِ الْمَذْكُورِ بِعَشْرِ سِنِينَ (قَوْلُهُ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إلَخْ) فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ الْمَذْهَبُ الْكَلَامِيُّ، وَهُوَ إيرَادُ حُجَّةٍ لِلْمَطْلُوبِ عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْكَلَامِ نَحْوَ - {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]- وَبَيَانُ أَنَّ تَفْضِيلَ الْمَرْءِ بِأَوْصَافِهِ لَا بِتَقَدُّمِهِ، لِأَنَّ كُلَّ مُتَقَدِّمٍ قَدْ كَانَ حَادِثًا وَلَمْ يَزِدْ بِتَقْدِيمِهِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ وَقْتَ حُدُوثِهِ، وَهَذَا الْمَعَاصِرُ سَيَمْضِي عَلَيْهِ زَمَانٌ يَصِيرُ فِيهِ قَدِيمًا، فَإِذَا فَضَّلْتُمْ ذَلِكَ الْمُتَقَدِّمَ بِأَوْصَافِهِ لَزِمَكُمْ تَفْضِيلُ ذَلِكَ الْمَعَاصِرِ الَّذِي سَيَبْقَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ وَالْمُرَادَ، مَا أَنْشَدَنِيهِ شَيْخِي رَأْسُ الْمُحَقِّقِينَ النُّقَّادُ مُحَمَّدٌ أَفَنْدِي الْمَحَاسِنِيُّ وَقَدْ أَجَادَ: لِكُلِّ بَنِي الدُّنْيَا مُرَادٌ وَمَقْصَدٌ ... وَإِنَّ مُرَادِي صِحَّةٌ وَفَرَاغُ لِأَبْلُغَ فِي عِلْمِ الشَّرِيعَةِ مَبْلَغًا ... يَكُونُ بِهِ لِي فِي الْجِنَانِ بَلَاغُ فَفِي مِثْل هَذَا فَلْيُنَافِسْ أُولُو ... النُّهَى وَحَسْبِي مِنْ الدُّنْيَا الْغَرُورِ بَلَاغُ   [رد المحتار] قَدِيمًا بِأَوْصَافِهِ أَيْضًا. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْمُبَرِّدِ: لَيْسَ لِقِدَمِ الْعَهْدِ يَفْضُلُ الْفَائِلُ وَلَا لِحَدَاثَتِهِ يُهْضَمُ الْمُصِيبُ، وَلَكِنْ يُعْطَى كُلٌّ مَا يَسْتَحِقُّ. اهـ. قَالَ الدَّمَامِينِيُّ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْمُبَرِّدِ: وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مَنْ تَحَرَّى هَذِهِ الْبَلِيَّةَ الشَّنْعَاءَ، فَتَرَاهُمْ إذَا سَمِعُوا شَيْئًا مِنْ النُّكَتِ الْحَسَنَةِ غَيْرَ مَعْزُوٍّ إلَى مُعَيَّنٍ اسْتَحْسَنُوهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لِلْمُتَقَدِّمِينَ، فَإِذَا عَلِمُوا أَنَّهُ لِبَعْضِ أَبْنَاءِ عَصْرِهِمْ نَكَصُوا عَلَى الْأَعْقَابِ وَاسْتَقْبَحُوهُ، أَوْ ادَّعَوْا أَنَّ صُدُورَ ذَلِكَ عَنْ عَصْرِيٍّ مُسْتَبْعَدٌ، وَمَا الْحَامِلُ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا حَسَدٌ ذَمِيمٌ وَبَغْيٌ مَرْتَعُهُ وَخِيمٌ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ إلَخْ) بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِدْرَاكِ عَلَى مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ فَهَاكَ إلَخْ، مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ مَدْحُ نَفْسِهِ وَتَأْلِيفِهِ، وَأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالشُّهْرَةِ التَّأْلِيفُ ط (قَوْلُهُ: شَيْخِي) فِي بَعْضِ النُّسَخِ زِيَادَةٌ: وَبَرَكَتِي وَوَلِيُّ نِعْمَتِي قَالَ ط. الْبَرَكَةُ اتِّسَاعُ الْخَيْرِ، وَوَلِيٌّ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ: أَيْ مُتَوَلِّي نِعْمَتِي، وَالْمُرَادُ بِالنِّعْمَةِ نِعْمَةُ الْعِلْمِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ اهـ (قَوْلُهُ: مُحَمَّدٌ أَفَنْدِي) قَالَ الْمُحِبِّيُّ فِي تَارِيخِهِ: هُوَ ابْنُ تَاجِ الدِّينِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَحَاسِنِيُّ الدِّمَشْقِيُّ الْخَطِيبُ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، أَشْهَرُ آلِ بَيْتِ مَحَاسِنَ وَأَفْضَلُهُمْ، كَانَ فَاضِلًا كَامِلًا أَدِيبًا لَبِيبًا، لَطِيفَ الشَّكْلِ وَجِيهًا، جَامِعًا لِمَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ، حَسَنَ الصَّوْتِ، وَلِيَ خَطَابَةَ جَامِعِ السُّلْطَانِ سَلِيمٍ بِصَالِحِيَّةِ دِمَشْقَ، ثُمَّ صَارَ إمَامًا بِجَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ وَخَطِيبًا فِيهِ، وَقَرَأَ فِيهِ صَحِيحَ مُسْلِمٍ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ بَعْضَ تَعَالِيقَ. وَوَلِيَ دَرْسَ الْحَدِيثِ تَحْتَ قُبَّةِ النَّسْرِ مِنْ الْجَامِعِ الْمَذْكُورِ، وَكَانَ فَصِيحَ الْعِبَارَةِ. وَانْتَفَعَ بِهِ خَلْقٌ مِنْ عُلَمَاءِ دِمَشْقَ، مِنْهُمْ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ مُفْتِي الشَّامِ، وَلَهُ شِعْرٌ حَسَنٌ وَتَحْرِيرَاتٌ تَدُلُّ عَلَى عِلْمِهِ. وُلِدَ سَنَةَ (1012) وَتُوُفِّيَ سَنَةَ (1072) ، وَرَثَاهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيُّ - بِقَصِيدَةٍ جَيِّدَةٍ إلَى الْغَايَةِ مَطْلَعُهَا قَوْلُهُ: لِيَهْنُ رِعَاعُ النَّاسِ وَلْيَفْرَحْ الْجَهْلُ فَبَعْدَك لَا يَرْجُو الْبَقَا مَنْ لَهُ عَقْلُ أَيَا جَنَّةً قَرَّتْ عُيُونُ أُولِي النُّهَى بِهَا زَمَنًا حَتَّى تَدَارَكَهَا الْمَحْلُ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: لِكُلِّ بَنِي الدُّنْيَا) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ الْمَوْجُودِينَ فِيهَا، وَسُمُّوا أَبْنَاءَهَا لِأَنَّهُمْ مِنْهَا مَادَّةً وَغِذَاءً، وَبِهَا انْتِفَاعُهُمْ. وَفِيهَا تَرْبِيَتُهُمْ. وَهِيَ اسْمٌ لِمَا قَبْلَ الْآخِرَةِ لِدُنُوِّهَا وَقُرْبِهَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِأَبْنَائِهَا الطَّالِبُونَ لَهَا الْمُنْهَمِكُونَ فِيهَا (قَوْلُهُ: صِحَّةٌ) أَيْ فِي الْجَسَدِ، وَفَرَاغٌ مِمَّا يَشْغَلُ عَنْ الْآخِرَةِ (قَوْلُهُ: لِأَبْلُغَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَإِنَّ مُرَادِي إلَخْ (قَوْلُهُ: مَبْلَغًا) مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ (قَوْلُهُ: فِي الْجِنَانِ بَلَاغُ) أَيْ إيصَالٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إلَى الْمَرَاتِبِ الْعَالِيَةِ فِيهَا، وَهُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْبَلَاغُ كَسَحَابِ الْكِفَايَةُ وَالِاسْمُ مِنْهُ الْإِبْلَاغُ وَالتَّبْلِيغُ وَهُمَا الْإِيصَالُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَفِي مِثْلِ هَذَا) أَيْ هَذَا الْمُرَادِ الْمَذْكُورِ وَالْفَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ مُفِيدَةٌ لِلتَّعْلِيلِ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِيُنَافِسْ (قَوْلُهُ: فَلْيُنَافِسْ) أَيْ يَرْغَبْ وَالْفَاءُ زَائِدَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِلْأُولَى، مِثْلُهَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ: وَإِذَا هَلَكْت فَعِنْدَ ذَلِكَ فَاجْزَعِي (قَوْلُهُ: أُولُو النُّهَى) أَيْ أَصْحَابُ الْعُقُولِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَمُنَافَسَتُهُمْ فِي الدُّنْيَا (قَوْلُهُ: وَحَسْبِي) مُبْتَدَأٌ: أَيْ كَافِي ط (قَوْلُهُ: الْغَرُورِ) فَعُولٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ: أَيْ الْغَارَّةِ اهـ ط (قَوْلُهُ: بَلَاغُ) أَيْ مِقْدَارُ الْكِفَايَةِ وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 فَمَا الْفَوْزُ إلَّا فِي نَعِيمٍ مُؤَبَّدٍ ... بِهِ الْعَيْشُ رَغْدٌ وَالشَّرَابُ يُسَاغُ   [رد المحتار] خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَاغِ الْأَوَّلِ الْجِنَاسُ التَّامُّ الْخَطِّيُّ اللَّفْظِيُّ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: فَمَا الْفَوْزُ) أَيْ النَّجَاةُ وَالظَّفَرُ بِالْخَيْرِ قَامُوسٌ، وَالْفَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ عَاطِفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ يُنَافِسْ مُفِيدَةٌ لِلتَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي نَعِيمٍ إلَخْ) فِي بِمَعْنَى الْبَاءِ مِثْلُهَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ: وَيَرْكَبُ يَوْمَ الرَّوْعِ مِنَّا فَوَارِسُ ... بَصِيرُونَ فِي طَعْنِ الْكُلَى وَالْأَبَاهِرِ لِأَنَّ فَازَ يَتَعَدَّى بِالْبَاءِ أَوْ فِي لِلظَّرْفِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّعِيمِ مَحَلُّهُ: وَهُوَ الْجَنَّةُ، مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْحَالِّ وَإِرَادَةِ الْمَحَلِّ، مِثْلُ - {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 107]- وَعَلَى كُلٍّ فَالْفَوْزُ مُبْتَدَأٌ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي مَحَلِّ الْخَبَرِ، وَالتَّقْدِيرُ مَا الْفَوْزُ حَاصِلٌ بِشَيْءٍ إلَّا بِنَعِيمٍ، أَوْ مَا الْفَوْزُ حَاصِلٌ فِي مَحَلٍّ إلَّا فِي مَحَلِّ نَعِيمٍ، أَوْ الْخَبَرُ مَحْذُوفٌ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِالْفَوْزِ: أَيْ فَمَا الْفَوْزُ مُعْتَبَرٌ إلَّا بِنَعِيمٍ، وَالْبَاءُ فِي بِهِ لِلسَّبَبِيَّةِ عَلَى الْأَوَّلِ، أَعْنِي جَعَلَ " فِي " بِمَعْنَى الْبَاءِ، وَلِلظَّرْفِيَّةِ عَلَى الثَّانِي مِثْلُ {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} [آل عمران: 123] و {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر: 34] (قَوْلُهُ: الْعَيْشُ) أَيْ الْمَعِيشَةُ الَّتِي تَعِيشُ بِهَا مِنْ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَمَا يَكُونُ بِهِ الْحَيَاةُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: رَغْدٌ) بِسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ وَاسِعٌ طَيِّبٌ ح عَنْ الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ: يُسَاغُ) أَيْ يَسْهُلُ دُخُولُهُ فِي الْحَلْقِ ح عَنْ الْقَامُوسِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 مُقَدِّمَةٌ حَقٌّ عَلَى مَنْ حَاوَلَ عِلْمًا أَنْ يَتَصَوَّرَهُ بِحَدِّهِ أَوْ رَسْمِهِ   [رد المحتار] (قَوْلُهُ: مُقَدِّمَةٌ) بِالرَّفْعِ خَبَرٌ لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ هَذِهِ مُقَدِّمَةٌ أَوْ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ خُذْ مُقَدِّمَةً، وَهِيَ بِكَسْرِ الدَّالِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، فَهِيَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ قَدَّمَ الْمُتَعَدِّي: أَيْ مُقَدِّمَةٌ مِنْ فَهْمِهَا عَلَى غَيْرِهِ لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ تَعْرِيفِ الْفِقْهِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا. وَمَوْضُوعُهُ وَاسْتِمْدَادُهُ مَحْظُورُهُ وَمُبَاحُهُ وَفَضْلُ الْعِلْمِ وَتَعَلُّمِهِ وَتَرْجَمَةُ الْإِمَامِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَإِمَّا مِنْ اللَّازِمِ بِمَعْنَى تَقَدَّمَ: أَيْ مُتَقَدِّمَةٌ بِذَاتِهَا عَلَى غَيْرِهَا، وَيَجُوزُ فَتْحُ الدَّالِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ الْمُتَعَدِّي: أَيْ قَدَّمَهَا أَرْبَابُ الْعُقُولِ عَلَى غَيْرِهَا لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ صِفَةٌ ثُمَّ جُعِلَتْ اسْمًا لِلطَّائِفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ الْجَيْشِ، ثُمَّ نُقِلَتْ إلَى أَوَّلِ كُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ جُعِلَتْ اسْمًا لِلْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً إنْ لُوحِظَ أَنَّهَا فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمَفْهُومِ الْكُلِّيِّ، أَوْ مَجَازًا إنْ لُوحِظَ خُصُوصُهَا. وَهِيَ قِسْمَانِ: مُقَدِّمَةُ الْعِلْمِ، وَهِيَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشُّرُوعُ فِي مَسَائِلِهِ مِنْ الْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ، وَمُقَدِّمَةُ الْكِتَابِ: وَهِيَ طَائِفَةٌ مِنْ الْكَلَامِ قُدِّمَتْ أَمَامَ الْمَقْصُودِ لِارْتِبَاطٍ لَهُ بِهَا وَانْتِفَاعٍ بِهَا فِيهِ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي الْمُطَوَّلِ وَحَوَاشِيهِ. (قَوْلُهُ: حَقٌّ) أَيْ وَاجِبٌ صِنَاعَةً لِيَكُونَ شُرُوعُهُ عَلَى بَصِيرَةٍ صَوْنًا لِسَعْيِهِ عَنْ الْعَبَثِ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَنْ حَاوَلَ) أَيْ رَامَ عِلْمًا: أَيَّ عِلْمٍ كَانَ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَغَيْرِهَا. فَالشَّرْعِيَّةُ عِلْمُ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالتَّوْحِيدِ، وَغَيْرُ الشَّرْعِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: أَدَبِيَّةٌ، وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ كَمَا فِي شَيْخِي زَادَهْ. وَعَدَّهَا بَعْضُهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ: اللُّغَةَ وَالِاشْتِقَاقَ وَالتَّصْرِيفَ وَالنَّحْوَ وَالْمَعَانِيَ وَالْبَيَانَ وَالْبَدِيعَ وَالْعَرُوضَ وَالْقَوَافِيَ وَقَرِيضَ الشِّعْرِ وَإِنْشَاءَ النَّثْرِ وَالْكِتَابَةَ، وَالْقِرَاءَاتِ وَالْمُحَاضَرَاتِ وَمِنْهُ التَّارِيخُ. وَرِيَاضِيَّةٌ وَهِيَ عَشَرَةٌ: التَّصَوُّفُ وَالْهَنْدَسَةُ وَالْهَيْئَةُ وَالْعِلْمُ التَّعْلِيمِيُّ وَالْحِسَابُ وَالْجَبْرُ وَالْمُوسِيقَى وَالسِّيَاسَةُ وَالْأَخْلَاقُ وَتَدْبِيرُ الْمَنْزِلِ. وَعَقْلِيَّةٌ: مَا عَدَا ذَلِكَ كَالْمَنْطِقِ وَالْجَدَلِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَالدِّينِ وَالْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ وَالطَّبِيعِيِّ وَالطِّبِّ وَالْمِيقَاتِ وَالْفَلْسَفَةِ وَالْكِيمْيَاءِ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ اهـ، ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. (قَوْلُهُ: أَنْ يَتَصَوَّرَهُ بِحَدِّهِ أَوْ رَسْمِهِ) الْحَدُّ: مَا كَانَ بِالذَّاتِيَّاتِ كَالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ لِلْإِنْسَانِ، وَالرَّسْمُ مَا كَانَ بِالْعَرَضِيَّاتِ كَالضَّاحِكِ لَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي أَسْمَاءِ الْعُلُومِ، فَقِيلَ إنَّهَا اسْمُ جِنْسٍ لِدُخُولِ أَلْ عَلَيْهَا، وَقِيلَ عِلْمُ جِنْسٍ وَاخْتَارَهُ السَّيِّدُ، وَقِيلَ عَلَمٌ كَالنَّجْمِ لِلثُّرَيَّا وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْهُمَامِ، وَهَلْ مُسَمَّى الْعِلْمِ إدْرَاكُ الْمَسَائِلِ أَوْ الْمَسَائِلُ نَفْسُهَا أَوْ الْمَلَكَةُ الاستحضارية. قَالَ السَّيِّدُ فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ: الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِلْعِلْمِ هُوَ الْإِدْرَاكُ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى مُتَعَلِّقٌ هُوَ الْمَعْلُومُ، وَلَهُ تَابِعٌ فِي الْحُصُولِ يَكُونُ ذَلِكَ التَّابِعُ وَسِيلَةً إلَيْهِ فِي الْبَقَاءِ وَهُوَ الْمَلَكَةُ. وَقَدْ أُطْلِقَ الْعِلْمُ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا إمَّا حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً أَوْ اصْطِلَاحِيَّةً أَوْ مَجَازًا مَشْهُورًا. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّعْرِيفَ إمَّا حَقِيقِيٌّ كَتَعْرِيفِ الْمَاهِيَّاتِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَإِمَّا اسْمِيٌّ كَتَعْرِيفِ الْمَاهِيَّاتِ الِاعْتِبَارِيَّةِ، وَهُوَ تَبْيِينُ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ لِأَيِّ شَيْءٍ وُضِعَ، وَتَمَامُهُ فِي التَّوْضِيحِ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ. وَذَكَرَ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وَيَعْرِفَ مَوْضُوعَهُ وَغَايَتَهُ وَاسْتِمْدَادَهُ. فَالْفِقْهُ لُغَةً: الْعِلْمُ بِالشَّيْءِ ثُمَّ خُصَّ بِعِلْمِ الشَّرِيعَةِ، وَفَقِهَ بِالْكَسْرِ فِقْهًا عَلِمَ، وَفَقُهَ بِالضَّمِّ فَقَاهَةً صَارَ فَقِيهًا. وَاصْطِلَاحًا: عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ الْمُكْتَسَبُ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ   [رد المحتار] الشَّمْسِيَّةِ أَنَّ أَرْبَابَ الْعَرَبِيَّةِ وَالْأُصُولِ يَسْتَعْمِلُونَ الْحَدَّ بِمَعْنَى الْمُعَرِّفِ، وَأَنَّ اللَّفْظَ إذَا وُضِعَ فِي اللُّغَةِ أَوْ الِاصْطِلَاحِ لِمَفْهُومٍ مُرَكَّبٍ، فَمَا كَانَ دَاخِلًا فِيهِ كَانَ ذَاتِيًّا لَهُ. وَمَا كَانَ خَارِجًا عَنْهُ كَانَ عَرَضِيًّا لَهُ، فَحُدُودُ هَذِهِ الْمَفْهُومَاتِ وَرُسُومُهَا تُسَمَّى حُدُودًا وَرُسُومًا بِحَسَبِ الِاسْمِ، بِخِلَافِ الْحَقَائِقِ فَإِنَّ حُدُودَهَا وَرُسُومَهَا بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ حَدَّ الْفِقْهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ حَدٌّ اسْمِيٌّ لِتَبْيِينِ مَا تَعَقَّلَهُ الْوَاضِعُ وَوَضَعَ الِاسْمَ بِإِزَائِهِ فَلِذَا جَعَلُوهُ مُقَدِّمَةً لِلشُّرُوعِ. وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ كَوْنَهُ حَدًّا حَقِيقِيًّا، وَعَلَيْهِ فَقِيلَ لَا يَكُونُ مُقَدِّمَةً؛ لِأَنَّ الْحَدَّ الْحَقِيقِيَّ بِسَرْدِ الْعَقْلِ كُلُّ الْمَسَائِلِ: أَيْ بِتَصَوُّرِ جَمِيعِ مَسَائِلِ الْعِلْمِ الْمَحْدُودِ وَذَلِكَ هُوَ مَعْرِفَةُ الْعِلْمِ نَفْسِهِ لَا مُقَدِّمَةِ الشُّرُوعِ فِيهِ، وَقِيلَ يَجُوزُ أَخْذُ جِنْسٍ وَفَصْلٍ لَهُ بِلَا حَاجَةٍ إلَى سَرْدِ الْكُلِّ فَلَا مَانِعَ مِنْ وُقُوعِهِ مُقَدِّمَةً، وَجَعَلَ فِي التَّحْرِيرِ الْخِلَافَ لَفْظِيًّا وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِيهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَيَعْرِفَ مَوْضُوعَهُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ مَبَادِئَ كُلِّ عِلْمٍ عَشَرَةٌ نَظَمَهَا ابْنُ ذِكْرِيٍّ فِي تَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ فَقَالَ: فَأَوَّلُ الْأَبْوَابِ فِي الْمَبَادِي ... وَتِلْكَ عَشْرَةٌ عَلَى الْمُرَادِ الْحَدُّ وَالْمَوْضُوعُ ثُمَّ الْوَاضِعُ ... وَالِاسْمُ وَاسْتِمْدَادُ حُكْمِ الشَّارِعِ تَصَوُّرُ الْمَسَائِلِ الْفَضِيلَةُ ... وَنِسْبَةٌ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ بَيَّنَ الشَّارِحُ مِنْهَا أَرْبَعَةً وَبَقِيَ سِتَّةٌ. فَوَاضِعُهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاسْمُهُ الْفِقْهُ. وَحُكْمُ الشَّارِعِ فِيهِ وُجُوبُ تَحْصِيلِ الْمُكَلَّفِ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ. وَمَسَائِلُهُ كُلُّ جُمْلَةٍ مَوْضُوعُهَا فِعْلُ الْمُكَلَّفِ. وَمَحْمُولُهَا أَحَدُ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ، نَحْوُ هَذَا الْفِعْلُ وَاجِبٌ. وَفَضِيلَتُهُ كَوْنُهُ أَفْضَلَ الْعُلُومِ سِوَى الْكَلَامِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ. وَنِسْبَتُهُ لِصَلَاحِ الظَّاهِرِ كَنِسْبَةِ الْعَقَائِدِ وَالتَّصَوُّفِ لِصَلَاحِ الْبَاطِنِ أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ: ثُمَّ خُصَّ بِعِلْمِ الشَّرِيعَةِ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ ضِيَاءِ الْحُلُومِ. (قَوْلُهُ: وَفَقِهَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ كَلَامٍ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفِقْهَ اللُّغَوِيَّ مَكْسُورُ الْقَافِ فِي الْمَاضِي وَالِاصْطِلَاحِيَّ مَضْمُومُهَا فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْكَرْمَانِيُّ. وَنَقَلَ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُقَالُ فَقِهَ بِكَسْرِ الْقَافِ. إذَا فَهِمَ، وَبِفَتْحِهَا: إذَا سَبَقَ غَيْرَهُ إلَى الْفَهْمِ، وَبِضَمِّهَا: إذَا صَارَ الْفِقْهُ لَهُ سَجِيَّةً. (قَوْلُهُ: اصْطِلَاحًا) الِاصْطِلَاحُ لُغَةً الِاتِّفَاقُ. وَاصْطِلَاحًا اتِّفَاقُ طَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ عَلَى إخْرَاجِ الشَّيْءِ عَنْ مَعْنَاهُ إلَى مَعْنًى آخَرَ رَمْلِيٌّ. (قَوْلُهُ: الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُحَقِّقَ ابْنَ الْهُمَامِ أَبْدَلَ الْعِلْمَ بِالتَّصْدِيقِ وَهُوَ الْإِدْرَاكُ الْقَطْعِيُّ، سَوَاءٌ كَانَ ضَرُورِيًّا أَوْ نَظَرِيًّا صَوَابًا أَوْ خَطَأً بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفِقْهَ كُلَّهُ قَطْعِيٌّ. فَالظَّنُّ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَكَذَا الْأَحْكَامُ الْمَظْنُونَةُ لَيْسَا مِنْ الْفِقْهِ، وَبَعْضُهُمْ خَصَّهُ بِالظَّنِّيَّةِ، فَيَخْرُجُ عَنْهُ مَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ قَطْعًا. وَبَعْضُهُمْ جَعَلَهُ شَامِلًا لِلْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ. وَقَدْ نَصَّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّهُ الْحَقُّ وَعَلَيْهِ عَمَلُ السَّلَفِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ. فَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا الْإِدْرَاكُ الصَّادِقُ عَلَى الْيَقِينِ وَالظَّنِّ كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُ الْمَنْطِقِيِّ. وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمُقَابِلُ لِلظَّنِّ كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُ الْأُصُولِيِّ. قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي التَّوْضِيحِ: وَمَا قِيلَ إنَّ الْفِقْهَ ظَنِّيٌّ فَلِمَ أُطْلِقَ الْعِلْمُ عَلَيْهِ؟ فَجَوَابُهُ أَوَّلًا أَنَّهُ مَقْطُوعٌ بِهِ، فَإِنَّ الْجُمْلَةَ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهَا فِقْهٌ وَهِيَ مَا قَدْ ظَهَرَ نُزُولُ الْوَحْيِ بِهِ وَمَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ قَطْعِيَّةٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ: حِفْظُ الْفُرُوعِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ. وَعِنْدَ أَهْلِ الْحَقِيقَةِ: الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ لِقَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: إنَّمَا الْفَقِيهُ الْمُعْرِضُ عَنْ الدُّنْيَا، الزَّاهِدُ فِي الْآخِرَةِ، الْبَصِيرُ بِعُيُوبِ نَفْسِهِ   [رد المحتار] وَثَانِيًا أَنَّ الْعِلْمَ يُطْلَقُ عَلَى الظَّنِّيَّاتِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَافْهَمْ. وَالْأَحْكَامُ جَمْعُ حُكْمٍ، قِيلَ هُوَ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ. وَرَدَّهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَا ثَبَتَ بِالْخِطَابِ كَالْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ مَجَازًا كَالْخَلْقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ ثُمَّ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً. وَخَرَجَ بِهَا الْعِلْمُ بِالذَّوَاتِ وَالصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ، وَالْمُرَادُ بِالشَّرْعِيَّةِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ مَا لَا يُدْرَكُ لَوْلَا خِطَابُ الشَّارِعِ، سَوَاءٌ كَانَ الْخِطَابُ بِنَفْسِ الْحُكْمِ أَوْ بِنَظِيرِهِ الْمَقِيسِ هُوَ عَلَيْهِ كَالْمَسَائِلِ الْقِيَاسِيَّةِ، فَيَخْرُجُ عَنْهَا مِثْلَ وُجُوبِ الْإِيمَانِ وَالْأَحْكَامِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْعَقْلِ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ الْعَالَمَ حَادِثٌ، أَوْ مِنْ الْحِسِّ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ النَّارَ مُحْرِقَةٌ، أَوْ مِنْ الْوَضْعِ وَالِاصْطِلَاحِ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ الْفَاعِلَ مَرْفُوعٌ، وَالْمُرَادُ بِالْفَرْعِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِمَسَائِلِ الْفُرُوعِ، فَخَرَجَ الْأَصْلِيَّةُ كَكَوْنِ الْإِجْمَاعِ أَوْ الْقِيَاسِ حُجَّةً. وَأَمَّا الِاعْتِقَادِيَّةُ كَكَوْنِ الْإِيمَانِ وَاجِبًا فَخَرَجَ بِالشَّرْعِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَافْهَمْ، وَقَوْلُهُ عَنْ أَدِلَّتِهَا أَيْ نَاشِئًا عَنْ أَدِلَّتِهَا حَالٌ مِنْ الْعِلْمِ: أَيْ أَدِلَّتُهَا الْأَرْبَعَةُ الْمَخْصُوصَةُ بِهَا وَهِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ، فَخَرَجَ عِلْمُ الْمُقَلِّدِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْمُجْتَهِدِ دَلِيلًا لَهُ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ الْمَخْصُوصَةِ، وَخَرَجَ مَا لَمْ يَحْصُلْ بِالدَّلِيلِ كَعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِلْمِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاخْتُلِفَ فِي عِلْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَاصِلِ عَنْ اجْتِهَادٍ، هَلْ يُسَمَّى فِقْهًا؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ لِلْحُكْمِ لَا يُسَمَّى فِقْهًا، وَبِاعْتِبَارِ حُصُولِهِ عَنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ يُسَمَّى فِقْهًا اصْطِلَاحًا. اهـ. وَأَمَّا الْمَعْلُومُ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ مِثْلُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، فَقِيلَ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْفِقْهِ، إذْ لَيْسَ حُصُولُهُ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ وَجَعَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ مِنْهُ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ وُصُولَهُ إلَى حَدِّ الضَّرُورَةِ عَارِضٌ لِكَوْنِهِ صَارَ مِنْ شِعَارِ الدِّينِ، فَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ فِي الْأَصْلِ ثَابِتًا بِالدَّلِيلِ، إذْ لَيْسَ هُوَ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ الْبَدِيهِيَّةِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ كَكَوْنِ الْكُلِّ أَعْظَمَ مِنْ الْجُزْءِ نَعَمْ يَحْتَاجُ إلَى إخْرَاجِهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ خَصَّ الْفِقْهَ بِالظَّنِّيِّ، وَقَوْلُهُ التَّفْصِيلِيَّةُ تَصْرِيحٌ بِلَازِمٍ كَمَا حَقَّقَهُ فِي التَّحْرِيرِ، وَغَلِطَ مَنْ جَعَلَهُ لِلِاحْتِرَازِ، وَفِي هَذَا الْمَقَامِ تَحْقِيقَاتٌ ذَكَرْتهَا فِي [مِنْحَةِ الْخَالِقِ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْبَحْرِ الرَّائِقِ] . (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفِقْهَ فِي الْأُصُولِ عِلْمُ الْأَحْكَامِ مِنْ دَلَائِلِهَا كَمَا تَقَدَّمَ، فَلَيْسَ الْفَقِيهُ إلَّا الْمُجْتَهِدُ عِنْدَهُمْ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْمُقَلِّدِ الْحَافِظِ لِلْمَسَائِلِ مَجَازٌ. وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ بِدَلِيلِ انْصِرَافِ الْوَقْتِ وَالْوَصِيَّةِ لِلْفُقَهَاءِ إلَيْهِمْ. وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ كَمَا فِي الْمُنْتَقَى. وَذَكَرَ فِي التَّحْرِيرِ أَنَّ الشَّائِعَ إطْلَاقُهُ عَلَى مَنْ يَحْفَظُ الْفُرُوعَ مُطْلَقًا يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَتْ بِدَلَائِلِهَا أَوْ لَا اهـ لَكِنْ سَيَذْكُرُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ أَنَّ الْفَقِيهَ مَنْ يُدَقِّقُ النَّظَرَ فِي الْمَسَائِلِ وَإِنْ عَلِمَ ثَلَاثَ مَسَائِلَ مَعَ أَدِلَّتِهَا، حَتَّى قِيلَ مَنْ حَفِظَ أُلُوفًا مِنْ الْمَسَائِلِ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ. اهـ. لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا حَيْثُ لَا عُرْفَ وَإِلَّا فَالْعُرْفُ الْآنَ هُوَ مَا ذَكَرَ فِي التَّحْرِيرِ أَنَّهُ الشَّائِعُ. وَقَدْ صَرَّحَ الْأُصُولِيُّونَ بِأَنَّ الْحَقِيقَةَ تُتْرَكُ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَنْصَرِفُ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ وَالْمُوصِي إلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي زَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ الْعُرْفِيَّةُ فَتُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ الْأَصْلِيَّةُ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَهْلِ الْحَقِيقَةِ) هُمْ الْجَامِعُونَ بَيْنَ الشَّرِيعَةِ وَالطَّرِيقَةِ الْمُوصِلَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالْحَقِيقَةُ لُبُّ الشَّرِيعَةِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ. (قَوْلُهُ: الزَّاهِدُ فِي الْآخِرَةِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ. وَاَلَّذِي فِي الْغَزْنَوِيَّةِ الرَّاغِبُ فِي الْآخِرَةِ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. أَقُولُ: وَمِثْلُهُ فِي الْإِحْيَاءِ لِلْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ بِزِيَادَةٍ حَيْثُ قَالَ: سَأَلَ فَرْقَدٌ السِّنْجِيُّ الْحَسَنَ عَنْ شَيْءٍ فَأَجَابَهُ، فَقَالَ إنَّ الْفُقَهَاءَ يُخَالِفُونَك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وَمَوْضُوعُهُ: فِعْلُ الْمُكَلَّفِ ثُبُوتًا أَوْ سَلْبًا. وَاسْتِمْدَادُهُ: مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ. وَغَايَتُهُ: الْفَوْزُ بِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ. وَأَمَّا فَضْلُهُ: فَكَثِيرٌ شَهِيرٌ، وَمِنْهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا النَّظَرُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ   [رد المحتار] فَقَالَ الْحَسَنُ: ثَكِلَتْك أُمُّك، وَهَلْ رَأَيْت فَقِيهًا بِعَيْنِك؟ إنَّمَا الْفَقِيهُ الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا الرَّاغِبُ فِي الْآخِرَةِ، الْبَصِيرُ بِدِينِهِ الْمُدَاوِمُ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ، الْوَرِعُ الْكَافُّ عَنْ أَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ، الْعَفِيفُ عَنْ أَمْوَالِهِمْ النَّاصِحُ لِجَمَاعَتِهِمْ. (قَوْلُهُ: وَمَوْضُوعُهُ إلَخْ) . مَوْضُوعُ كُلِّ عِلْمٍ مَا يَبْحَثُ فِيهِ عَنْ عَوَارِضِهِ الذَّاتِيَّةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَمَّا مَوْضُوعُهُ فَفِعْلُ الْمُكَلَّفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُكَلَّفٌ؛ لِأَنَّهُ يَبْحَثُ فِيهِ عَمَّا يَعْرِضُ لِفِعْلِهِ مِنْ حِلٍّ وَحُرْمَةٍ وَوُجُوبٍ وَنَدْبٍ، وَالْمُرَادُ بِالْمُكَلَّفِ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ، فَفِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ لَيْسَ مِنْ مَوْضُوعِهِ، وَضَمَانُ الْمُتْلَفَاتِ وَنَفَقَةُ الزَّوْجَاتِ إنَّمَا الْمُخَاطَبُ بِهَا الْوَلِيُّ لَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ، كَمَا يُخَاطَبُ صَاحِبُ الْبَهِيمَةِ بِضَمَانِ مَا أَتْلَفَتْهُ حَيْثُ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا لِتَنْزِيلِ فِعْلِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِمَنْزِلَةِ فِعْلِهِ. وَأَمَّا صِحَّةُ عِبَادَةِ الصَّبِيِّ كَصَلَاتِهِ وَصَوْمِهِ الْمُثَابِ عَلَيْهَا فَهِيَ عَلَيْهَا عَقْلِيَّةٌ مِنْ بَابِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ، وَلِذَا لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِهَا بَلْ لِيَعْتَادَهَا فَلَا يَتْرُكُهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَيَّدْنَا بِحَيْثِيَّةِ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ لَا مِنْ حَيْثُ التَّكْلِيفُ لَيْسَ مَوْضُوعُهُ كَفِعْلِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَخْلُوقُ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُبُوتًا أَوْ سَلْبًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُ التَّكْلِيفِ بِهِ كَالْوَاجِبِ وَالْحَرَامِ، أَوْ سَلْبُهُ كَالْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ، وَقَصَدَ بِذَلِكَ دَفْعَ مَا قَدْ يُقَالُ إنَّ قَيْدَ الْحَيْثِيَّةِ مُرَاعًى، فَالْمُرَادُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُكَلَّفٌ كَمَا مَرَّ. فَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ الْمَنْدُوبِ أَوْ الْمُبَاحِ مِنْ مَوْضُوعِ الْفِقْهِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ فِيهِ لِجَوَازِ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَبْحَثُ عَنْهُ فِي الْفِقْهِ مِنْ حَيْثُ سَلْبُ التَّكْلِيفِ بِهِ عَنْ طَرَفَيْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ. مَطْلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَصْدَرِ وَالْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي النَّهْرِ: اعْلَمْ أَنَّ الْفِعْلَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ وَصْفٌ لِلْفَاعِلِ مَوْجُودٌ كَالْهَيْئَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالصَّلَاةِ مِنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَنَحْوِهَا كَالْهَيْئَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالصَّوْمِ، وَهِيَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ بَيَاضَ النَّهَارِ، وَهَذَا يُقَالُ فِيهِ الْفِعْلُ بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى نَفْسِ إيقَاعِ الْفَاعِلِ هَذَا الْمَعْنَى، وَيُقَالُ فِيهِ الْفِعْلُ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ: أَيْ الَّذِي هُوَ أَحَدُ مَدْلُولَيْ الْفِعْلِ، وَمُتَعَلِّقُ التَّكْلِيفِ إنَّمَا هُوَ الْفِعْلُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي اعْتِبَارِيٌّ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ، إذْ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا لَكَانَ لَهُ مَوْقِعٌ فَيَكُونُ لَهُ إيقَاعٌ وَهَكَذَا فَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ الْمُحَالُ، فَأَحْكِمْ هَذَا فَإِنَّهُ يَنْفَعُك فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَحَالِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَاسْتِمْدَادُهُ) أَيْ مَأْخَذُهُ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْكِتَابِ إلَخْ) وَأَمَّا شَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا فَتَابِعَةٌ لِلْكِتَابِ. وَأَمَّا أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ فَتَابِعَةٌ لِلسُّنَّةِ، وَأَمَّا تَعَامُلُ النَّاسِ فَتَابِعٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا التَّحَرِّي وَاسْتِصْحَابُ الْحَالِ فَتَابِعَانِ لِلْقِيَاسِ بَحْرٌ، وَبَيَانُ مَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ. (قَوْلُهُ: وَغَايَتُهُ) أَيْ ثَمَرَتُهُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: بِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ) أَيْ دَارِ الدُّنْيَا بِنَقْلِ نَفْسِهِ مِنْ حَضِيضِ الْجَهْلِ إلَى ذُرْوَةِ الْعِلْمِ، وَبِبَيَانِ مَا لِلنَّاسِ وَمَا عَلَيْهِمْ لِقَطْعِ الْخُصُومَاتِ وَدَارُ الْآخِرَةِ بِالنِّعَمِ الْفَاخِرَةِ . (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ) أَيْ مِنْ الْمُعَلِّمِ، وَإِذَا كَانَ النَّظَرُ وَالْمُطَالَعَةُ وَهُوَ دُونَ السَّمَاعِ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ فَمَا بَالُك بِالسَّمَاعِ. اهـ. ح. أَقُولُ: وَهَذَا إذَا كَانَ مَعَ الْفَهْمِ لِمَا فِي فُصُولِ الْعَلَامِيِّ: مَنْ لَهُ ذِهْنٌ يَفْهَمُ الزِّيَادَةَ أَيْ عَلَى مَا يَكْفِيهِ وَقَدَرَ أَنْ يُصَلِّيَ لَيْلًا وَيَنْظُرَ فِي الْعِلْمِ نَهَارًا فَنَظَرُهُ فِي الْعِلْمِ نَهَارًا وَلَيْلًا أَفْضَلُ اهـ. (قَوْلُهُ: أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ) أَيْ بِالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَإِنَّمَا كَانَ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ إنْ كَانَ زَائِدًا عَلَى مَا يَحْتَاجُهُ: وَإِلَّا فَهُوَ فَرْضُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وَتَعَلُّمُ الْفِقْهِ أَفْضَلُ مِنْ تَعَلُّمِ بَاقِي الْقُرْآنِ وَجَمِيعُ الْفِقْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ. وَفِي الْمُلْتَقَطِ وَغَيْرِهِ مِنْ مُحَمَّدٍ: لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْرَفَ بِالشِّعْرِ وَالنَّحْوِ؛ لِأَنَّ آخِرَ أَمْرِهِ إلَى الْمَسْأَلَةِ وَتَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ، وَلَا بِالْحِسَابِ لِأَنَّ آخِرَ أَمْرِهِ إلَى مِسَاحَةِ الْأَرَضِينَ، وَلَا بِالتَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّ آخِرَ أَمْرِهِ إلَى التَّذْكِيرِ وَالْقَصَصِ بَلْ يَكُونُ عِلْمُهُ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ الْأَحْكَامِ، كَمَا قِيلَ: إذَا مَا اعْتَزَّ ذُو عِلْمٍ بِعِلْمٍ ... فَعِلْمُ الْفِقْهِ أَوْلَى بِاعْتِزَازِ فَكَمْ طِيبٍ يَفُوحُ وَلَا كَمِسْكٍ ... وَكَمْ طَيْرٍ يَطِيرُ وَلَا كَبَازِي وَقَدْ مَدَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِتَسْمِيَتِهِ خَيْرًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269]- وَقَدْ فَسَّرَ الْحِكْمَةَ زُمْرَةُ أَرْبَابِ التَّفْسِيرِ بِعِلْمِ الْفُرُوعِ الَّذِي هُوَ عِلْمُ الْفِقْهِ وَمِنْ هُنَا قِيلَ: وَخَيْرُ عُلُومٍ عِلْمُ فِقْهٍ لِأَنَّهُ ... يَكُونُ إلَى كُلِّ الْعُلُومِ تَوَسُّلَا فَإِنَّ فَقِيهًا وَاحِدًا مُتَوَرِّعًا ... عَلَى أَلْفِ ذِي زُهْدٍ تَفَضَّلَ وَاعْتَلَى   [رد المحتار] عَيْنٍ. (قَوْلُهُ: وَتَعَلُّمُ الْفِقْهِ إلَخْ) فِي الْبَزَّازِيَّةِ تَعَلَّمَ بَعْضَ الْقُرْآنِ وَوَجَدَ فَرَاغًا، فَالْأَفْضَلُ الِاشْتِغَالُ بِالْفِقْهِ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الْقُرْآنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَتَعَلُّمُ مَا لَا بُدَّ مِنْ الْفِقْهِ فَرْضُ عَيْنٍ. قَالَ فِي الْخِزَانَةِ: وَجَمِيعُ الْفِقْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ: قَالَ فِي الْمَنَاقِبِ: عَمِلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِائَتَيْ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ حِفْظِهَا. اهـ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَجَمِيعُ الْفِقْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ أَنَّهُ كُلَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ، لَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِمَجْمُوعِ النَّاسِ فَلَا يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا يُفْرَضُ عَيْنًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَا يَحْتَاجُهُ؛ لِأَنَّ تَعَلُّمَ الرَّجُلِ مَسَائِلَ الْحَيْضِ وَتَعَلُّمَ الْفَقِيرِ مَسَائِلَ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَرْضُ كِفَايَةٍ إذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ وَمِثْلُهُ حِفْظُ مَا زَادَ عَلَى مَا يَكْفِيهِ لِلصَّلَاةِ، نَعَمْ قَدْ يُقَالُ تَعَلُّمُ بَاقِي الْفِقْهِ أَفْضَلُ مِنْ تَعَلُّمِ بَاقِي الْقُرْآنِ لِكَثْرَةِ حَاجَةِ الْعَامَّةِ إلَيْهِ فِي عِبَادَاتِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ وَقِلَّةِ الْفُقَهَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَفَظَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَنْ يُعْرَفَ) أَيْ يُشْتَهَرَ بِهِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُعِينُهُ عَلَى الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ مَا عَدَا الْفِقْهِ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَ عُمُرَهُ فِي غَيْرِ الْأَهَمِّ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ ابْنِ الْوَرْدِيِّ: وَالْعُمُرُ عَنْ تَحْصِيلِ كُلِّ عِلْمٍ ... يَقْصُرُ فَابْدَأْ مِنْهُ بِالْأَهَمِّ وَذَلِكَ الْفِقْهُ فَإِنَّ مِنْهُ ... مَا لَا غِنَى فِي كُلِّ حَالٍ عَنْهُ (قَوْلُهُ: إلَى الْمَسْأَلَةِ) أَيْ سُؤَالِ النَّاسِ بِأَنْ يَمْدَحَهُمْ بِشِعْرِهِ فَيُعْطُونَهُ دَفْعًا لِشَرِّهِ وَخَوْفًا مِنْ هَجْوِهِ وَهَجْرِهِ، وَقَوْلُهُ وَتَعْلِيمُ الصِّبْيَانِ: أَيْ تَعْلِيمُهُمْ النَّحْوَ، وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ لِمَا اُشْتُهِرَ أَنَّ النَّحْوَ عِلْمُ الصِّبْيَانِ إذْ قَلَّمَا يَتَعَلَّمُهُ الْكَبِيرُ، وَفِي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. (قَوْلُهُ: التَّذْكِيرِ) أَيْ الْوَعْظِ. (قَوْلُهُ: وَالْقَصَصِ) الْأَنْسَبُ أَنْ يَكُونَ بِفَتْحِ الْقَافِ لِيَكُونَ عَطْفُهُ عَلَى التَّذْكِيرِ عَطْفَ مَصْدَرٍ عَلَى مَصْدَرٍ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ بِكَسْرِهَا جَمْعُ قِصَّةٍ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: بَلْ يَكُونُ عِلْمُهُ) أَيْ الَّذِي يُعْرَفُ وَيُشْتَهَرُ بِهِ. (قَوْلُهُ: كَمَا قِيلَ) أَيْ أَقُولُ ذَلِكَ مُمَاثِلًا لِمَا قِيلَ أَوْ لِأَجْلِ مَا قِيلَ، فَالْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ أَوْ لِلتَّعْلِيلِ. (قَوْلُهُ: بِاعْتِزَازٍ) أَيْ اعْتِزَازِ صَاحِبِهِ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا كَمِسْكٍ) الْوَاوُ إمَّا لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ: أَيْ لَا كَعَنْبَرٍ وَلَا كَمِسْكٍ، وَنُكْتَةُ الْحَذْفِ الْمُبَالَغَةُ لِتَذْهَبَ النَّفْسُ كُلَّ مَذْهَبٍ مُمْكِنٍ، أَوْ لِلْحَالِ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ: أَيْ وَلَا يَفُوحُ كَمِسْكٍ. (قَوْلُهُ: وَلَا كَبَازٍ) يُسْتَعْمَلُ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ بَعْدَ الزَّايِ وَبِدُونِهَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ. (قَوْلُهُ: زُمْرَةُ) بِالضَّمِّ: الْفَوْجُ وَالْجَمَاعَةُ فِي تَفْرِقَةِ قَامُوسٍ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ هُنَا) أَيْ مِنْ أَجْلِ مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ مَدْحِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ. (قَوْلُهُ: إلَى كُلِّ الْعُلُومِ) كَذَا فِيمَا رَأَيْت مِنْ النُّسَخِ، وَكَأَنَّ نُسْخَةَ ط إلَى كُلِّ الْمَعَالِي حَيْثُ قَالَ مُتَعَلِّقٌ بِتَوَسُّلًا. وَالْمَعَالِي: الْمَرَاتِبُ الْعَالِيَةُ جَمْعُ مَعْلَاةٍ، مَحَلُّ الْعُلُوِّ. اهـ. وَالتَّوَسُّلُ: التَّقَرُّبُ أَيْ ذَا تَوَسُّلٍ إلَى الْمَعَالِي أَوْ إلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 وَهُمَا مَأْخُوذَانِ مِمَّا قِيلَ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهِ: تَفَقَّهْ فَإِنَّ الْفِقْهَ أَفْضَلُ قَائِدٍ ... إلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَأَعْدَلُ قَاصِدِ وَكُنْ مُسْتَفِيدًا كُلَّ يَوْمٍ زِيَادَةً ... مِنْ الْفِقْهِ وَاسْبَحْ فِي بُحُورِ الْفَوَائِدِ فَإِنَّ فَقِيهًا وَاحِدًا مُتَوَرِّعًا ... أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدِ وَمِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:   [رد المحتار] الْعُلُومِ؛ لِأَنَّ الْفِقْهَ الْمُثْمِرَ لِلتَّقْوَى وَالْوَرَعِ يُوصَلُ بِهِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ وَالْمَنَازِلِ الْمُرْتَفِعَةِ - {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282]- وَالْحَدِيثُ «مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ عَلَّمَهُ اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» . (قَوْلُهُ: فَإِنَّ فَقِيهًا إلَخْ) لِأَنَّ الْعَابِدَ إذَا لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا رُبَّمَا أَدْخَلَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ مَا يُفْسِدُ عِبَادَتَهُ، وَقَيَّدَ الْفَقِيهَ بِالْمُتَوَرِّعِ إشَارَةً إلَى ثَمَرَةِ الْفِقْهِ الَّتِي هِيَ التَّقْوَى إذْ بِدُونِهَا يَكُونُ دُونَ الْعَابِدِ الْجَاهِلِ حَيْثُ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ بِالْفِعْلِ. قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ. لِلْوَرَعِ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ: الْأُولَى مَا يُشْتَرَطُ فِي عَدَالَةِ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْحَرَامِ الظَّاهِرِ. الثَّانِيَةُ وَرَعُ الصَّالِحِينَ، وَهُوَ التَّوَقِّي مِنْ الشُّبُهَاتِ الَّتِي تَتَقَابَلُ فِيهَا الِاحْتِمَالَاتُ. الثَّالِثَةُ وَرَعُ الْمُتَّقِينَ، وَهُوَ تَرْكُ الْحَلَالِ الْمَحْضِ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ أَدَاؤُهُ إلَى الْحَرَامِ. الرَّابِعَةُ وَرَعُ الصِّدِّيقِينَ، وَهُوَ الْإِعْرَاضُ عَمَّا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: عَلَى أَلْفِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ اعْتَلَى وَبِقَدْرِ نَظِيرِهِ التَّفَضُّلُ. اهـ. ط، أَوْ هُوَ مِنْ بَابِ التَّنَازُعِ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهِ فِي الْمُتَقَدِّمِ. (قَوْلُهُ: ذِي زُهْدٍ) صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أَلْفِ شَخْصٍ صَاحِبِ زُهْدٍ. وَالزُّهْدُ فِي اللُّغَةِ: تَرْكُ الْمَيْلِ إلَى الشَّيْءِ. وَفِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْحَقِيقَةِ: هُوَ بُغْضُ الدُّنْيَا وَالْإِعْرَاضُ عَنْهَا. وَقِيلَ هُوَ تَرْكُ رَاحَةِ الدُّنْيَا طَلَبًا لِرَاحَةِ الْآخِرَةِ. وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَخْلُوَ قَلْبُك مِمَّا خَلَتْ مِنْهُ يَدُك اهـ سَيِّدٌ. (قَوْلُهُ: تَفَضَّلَ وَاعْتَلَى) أَيْ زَادَ فِي الْفَضْلِ وَعُلُوِّ الرُّتْبَةِ. (قَوْلُهُ: وَهُمَا مَأْخُوذَانِ) أَيْ هَذَانِ الْبَيْتَانِ مَأْخُوذٌ مَعْنَاهُمَا. (قَوْلُهُ: مِمَّا قِيلَ) يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ مِمَّا نَسَبَ أَوْ مِمَّا أَنْشَدَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ تَكُونُ الْأَبْيَاتُ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى الثَّانِي لِغَيْرِهِ أَنْشَدَهَا لَهُ بَعْضُ أَشْيَاخِهِ. (قَوْلُهُ: تَفَقَّهْ إلَخْ) أَيْ صِرْ فَقِيهًا وَالْقَائِدُ هُنَا بِمَعْنَى الْمُوَصِّلِ. وَالْبِرُّ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الصِّلَةُ وَالْجَنَّةُ وَالْخَيْرُ وَالِاتِّسَاعُ فِي الْإِحْسَانِ اهـ. وَالتَّقْوَى قَالَ السَّيِّدُ: هِيَ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى الِاتِّقَاءِ، وَهُوَ اتِّخَاذُ الْوِقَايَةِ. وَعِنْدَ أَهْلِ الْحَقِيقَةِ: الِاحْتِرَازُ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ عُقُوبَتِهِ، وَهُوَ صِيَانَةُ النَّفْسِ عَمَّا تَسْتَحِقُّ بِهِ الْعُقُوبَةَ مِنْ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ. وَالْقَاصِدُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْقَرِيبُ: أَيْ وَأَعْدَلُ طَرِيقٍ قَرِيبٍ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنًى مَقْصُودٍ كَسَاحِلٍ بِمَعْنَى مَسْحُولٍ، وَالزِّيَادَةُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَقَوْلُهُ مِنْ الْفِقْهِ مُتَعَلِّقٌ بِزِيَادَةٍ أَوْ بِمُسْتَفِيدٍ، أَوْ السَّبْحُ: قَطْعُ الْمَاءِ عَوْمًا شَبَّهَ بِهِ التَّفَقُّهَ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ، وَإِضَافَةُ الْبُحُورِ إلَى الْفَوَائِدِ مِنْ إضَافَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ إلَى الْمُشَبَّهِ. وَالْفَائِدَةُ: مَا اسْتَفَدْته مِنْ عِلْمٍ أَوْ مَالٍ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ، وَالشَّيْطَانُ: مَنْ شَاطَ بِمَعْنَى احْتَرَقَ، أَوْ مِنْ شَطَنَ بِمَعْنَى بَعُدَ لِبُعْدِ غَوْرِهِ فِي الضَّلَالِ، وَقَدْ عَقَدَ فِي الْبَيْتِ الْأَخِيرِ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْإِحْيَاءِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ فِقْهٍ فِي الدِّينِ، وَلَفَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ، وَلِكُلِّ شَيْءٍ عِمَادٌ وَعِمَادُ الدِّينِ الْفِقْهُ» . (قَوْلُهُ: وَمِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَخْ) عَزَا هَذِهِ الْأَبْيَاتِ لَهُ فِي الْإِحْيَاءِ أَيْضًا. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي دِيوَانِهِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ، وَأَوَّلُهَا: النَّاسُ مِنْ جِهَةِ التِّمْثَالِ أَكْفَاءُ ... أَبُوهُمُو آدَم وَالْأُمُّ حَوَّاءُ وَإِنَّمَا أُمَّهَاتُ النَّاسِ أَوْعِيَةٌ ... مُسْتَوْدَعَاتٌ وَلِلْأَحْسَابِ آبَاءُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمُو مِنْ أَصْلِهِمْ شَرَفٌ ... يُفَاخِرُونَ بِهِ فَالطِّينُ وَالْمَاءُ وَإِنْ أَتَيْت بِفَخْرٍ مِنْ ذَوِي نَسَبٍ ... فَإِنَّ نِسْبَتَنَا جُودٌ وَعَلْيَاءُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 مَا الْفَضْلُ إلَّا لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ ... عَلَى الْهُدَى لِمَنْ اسْتَهْدَى أَدِلَّاءُ وَوَزْنُ كُلِّ امْرِئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُهُ ... وَالْجَاهِلُونَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْدَاءُ فَفُزْ بِعِلْمٍ وَلَا تَجْهَلْ بِهِ أَبَدًا ... النَّاسُ مَوْتَى وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَحْيَاءُ وَقَدْ قِيلَ: الْعِلْمُ وَسِيلَةٌ إلَى كُلِّ فَضِيلَةٍ، الْعِلْمُ يَرْفَعُ الْمَمْلُوكَ إلَى مَجَالِسِ الْمُلُوكِ، لَوْلَا الْعُلَمَاءُ لَهَلَكَ الْأُمَرَاءُ. وَإِنَّمَا الْعِلْمُ لِأَرْبَابِهِ ... وِلَايَةٌ لَيْسَ لَهَا عَزْلُ   [رد المحتار] (قَوْلُهُ: مَا الْفَضْلُ) الَّذِي فِي الْإِحْيَاءِ مَا الْفَخْرُ، وَأَلْ فِي الْعِلْمِ لِلْعَهْدِ: أَيْ الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ الْمُوصِلُ إلَى الْآخِرَةِ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُمْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَلَى حَذْفِ لَامِ الْعِلَّةِ: أَيْ لِأَنَّهُمْ. أَوْ بِالْكَسْرِ وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ. وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا التَّعْلِيلُ ط. (قَوْلُهُ: عَلَى الْهُدَى) أَيْ الرَّشَادِ قَامُوسٌ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَدِلَّاءُ جَمْعُ دَالٍّ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ دَلَّ، وَكَذَا قَوْلُهُ لِمَنْ اسْتَهْدَى: أَيْ طَلَبَ الْهِدَايَةَ. (قَوْلُهُ: وَوَزْنُ) أَيْ قَدْرُ كُلِّ امْرِئٍ. أَيْ حُسْنُهُ بِمَا كَانَ يُحْسِنُهُ أَفَادَهُ الْبَيْضَاوِيُّ، فَقَدْرُ الصَّانِعِ عَلَى مِقْدَارِ صَنْعَتِهِ. وَمَنْ أَحْسَنَ عُلُومَ الْآدَابِ فَقَدْرُهُ عَلَى قَدْرِهَا. وَمَنْ أَحْسَنَ عِلْمَ الْفِقْهِ فَقَدْرُهُ عَظِيمٌ لِعِظَمِهِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ أَحْسَنَ شَيْئًا فَمَقَامُهُ عَلَى قَدْرِهِ اهـ ط. (قَوْلُهُ: وَالْجَاهِلُونَ) أَيْ بِالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ. فَيَشْمَلُ الْعَالَمِينَ بِغَيْرِهِ، بَلْ هُمْ أَشَدُّ عَدَاوَةً لِعُلَمَاءِ الدِّينِ مِنْ الْعَوَّامِ قَالَ ط: وَسَبَبُ الْعَدَاوَةِ مِنْ الْجَاهِلِ عَدَمُ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ إذَا أَفْتَى عَلَيْهِ أَوْ رَأَى مِنْهُ مَا يُخَالِفُ رَأْيَهُ وَرُؤْيَةُ إقْبَالِ النَّاسِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا تَجْهَلْ بِهِ أَبَدًا) الَّذِي فِي الْإِحْيَاءِ: وَلَا تَبْغِي بِهِ بَدَلًا. (قَوْلُهُ: النَّاسُ مَوْتَى) أَيْ حُكْمًا لِعَدَمِ النَّفْعِ كَالْأَرْضِ الْمَيِّتَةِ الَّتِي لَا تَنْبُتُ. قَالَ تَعَالَى - {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122]- أَيْ جَاهِلًا فَعَلَّمْنَاهُ - {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام: 122]- وَهُوَ الْعِلْمُ - {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنعام: 122]- وَهُوَ الْجَاهِلُ الْغَارِقُ فِي ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ أَوْ مَوْتَى الْقُلُوبِ. قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ وَقَالَ فَتْحٌ الْمُوصِلِيُّ: الْمَرِيضُ إذَا مُنِعَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَالدَّوَاءَ أَلَيْسَ يَمُوتُ؟ قَالُوا بَلَى، قَالَ: كَذَلِكَ الْقَلْبُ إذَا مُنِعَ عَنْهُ الْحِكْمَةُ وَالْعِلْمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَمُوتُ، وَلَقَدْ صَدَقَ فَإِنَّ غِذَاءَ الْقَلْبِ الْعِلْمُ وَالْحِكْمَةُ وَبِهِ حَيَاتُهُ، كَمَا أَنَّ غِذَاءَ الْجَسَدِ الطَّعَامُ. وَمَنْ فَقَدَ الْعِلْمَ فَقَلْبُهُ مَرِيضٌ وَمَوْتُهُ لَازِمٌ إلَخْ قَالَ الشَّاعِرُ: أَخُو الْعِلْمِ حَيٌّ خَالِدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ ... وَأَوْصَالُهُ تَحْتَ التُّرَابِ رَمِيمُ وَذُو الْجَهْلِ مَيْتٌ وَهُوَ مَاشٍ عَلَى الثَّرَى ... يُظَنُّ مِنْ الْأَحْيَاءِ وَهُوَ عَدِيمُ (قَوْلُهُ: الْعِلْمُ يَرْفَعُ الْمَمْلُوكَ إلَخْ) قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ الْحِكْمَةَ تَزِيدُ الشَّرِيفَ شَرَفًا وَتَرْفَعُ الْمَمْلُوكَ حَتَّى تُجْلِسَهُ مَجَالِسَ الْمُلُوكِ» وَقَدْ نَبَّهَ بِهَذَا عَلَى ثَمَرَتِهِ فِي الدُّنْيَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْآخِرَةَ خَيْرٌ وَأَبْقَى. اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: اشْتَرَانِي مَوْلَايَ بِثَلَثِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَعْتَقَنِي، فَقُلْت: بِأَيِّ حِرْفَةٍ أَحْتَرِفُ؟ فَاحْتَرَفْت بِالْعِلْمِ، فَمَا تَمَّتْ لِي سَنَةٌ حَتَّى أَتَانِي أَمِيرُ الْمَدِينَةِ زَائِرًا فَلَمْ آذَنْ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْعِلْمُ إلَخْ) هَذَا بَيْتٌ مِنْ بَحْرِ السَّرِيعِ، وَقَوْلُهُ لِأَرْبَابِهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ وِلَايَةٍ؛ لِأَنَّ نَعْتَ النَّكِرَةِ إذَا قُدِّمَ عَلَيْهَا أُعْرِبَ حَالًا أَوْ صِفَةً لِلْعِلْمِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْزَلْ صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّهُ وِلَايَةٌ إلَهِيَّةٌ لَا سَبِيلَ لِلْعِبَادِ إلَى عَزْلِهِ مِنْهَا: وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ أُولِي الْأَمْرِ فِي قَوْله تَعَالَى - {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]- هُمْ الْعُلَمَاءُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ آخِرَ الْكِتَابِ. وَفِي الْإِحْيَاءِ قَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ: لَيْسَ شَيْءٌ أَعَزُّ مِنْ الْعِلْمِ، الْمُلُوكُ حُكَّامٌ عَلَى النَّاسِ، وَالْعُلَمَاءُ حُكَّامٌ عَلَى الْمُلُوكِ. اهـ. وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: إنَّ الْمُلُوكَ لَيَحْكُمُونَ عَلَى الْوَرَى ... وَعَلَى الْمُلُوكِ لَتَحْكُمُ الْعُلَمَاءُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 إنَّ الْأَمِيرَ هُوَ الَّذِي ... يَضْحَى أَمِيرًا عِنْدَ عَزْلِهْ إنْ زَالَ سُلْطَانُ الْوِلَا ... يَةِ كَانَ فِي سُلْطَانِ فَضْلِهْ وَاعْلَمْ أَنَّ تَعَلُّمَ الْعِلْمِ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ وَهُوَ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ لِدِينِهِ. وَفَرْضَ كِفَايَةٍ، وَهُوَ مَا زَادَ عَلَيْهِ لِنَفْعِ غَيْرِهِ.   [رد المحتار] (قَوْلُهُ: إنَّ الْأَمِيرَ إلَخْ) الْبَيْتَانِ مِنْ مَجْزُوءِ الْكَامِلِ الْمُرَفَّلِ، يَعْنِي أَنَّ الْأَمِيرَ الْكَامِلَ لَيْسَ هُوَ مَنْ إذَا عُزِلَ صَارَ مِنْ آحَادِ الرَّعِيَّةِ، بَلْ هُوَ الَّذِي إذَا عُزِلَ مِنْ إمَارَةِ الْوِلَايَةِ يَبْقَى مُتَّصِفًا بِإِمَارَةِ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ (قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ تَعَلُّمَ الْعِلْمِ إلَخْ) أَيْ الْعِلْمُ الْمُوصِلُ إلَى الْآخِرَةِ أَوْ الْأَعَمُّ مِنْهُ. قَالَ الْعَلَامِيُّ فِي فُصُولِهِ: مِنْ فَرَائِضِ الْإِسْلَامِ تَعَلُّمُهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْعَبْدُ فِي إقَامَةِ دِينِهِ وَإِخْلَاصِ عَمَلِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَمُعَاشَرَةِ عِبَادِهِ. وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ وَمُكَلَّفَةٍ بَعْدَ تَعَلُّمِهِ عِلْمَ الدِّينِ وَالْهِدَايَةِ تَعَلُّمُ عِلْمِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَعِلْمِ الزَّكَاةِ لِمَنْ لَهُ نِصَابٌ، وَالْحَجِّ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَالْبُيُوعِ عَلَى التُّجَّارِ لِيَحْتَرِزُوا عَنْ الشُّبُهَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ فِي سَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ. وَكَذَا أَهْلُ الْحِرَفِ، وَكُلُّ مَنْ اشْتَغَلَ بِشَيْءٍ يُفْرَضُ عَلَيْهِ عِلْمُهُ وَحُكْمُهُ لِيَمْتَنِعَ عَنْ الْحَرَامِ فِيهِ اهـ. مَطْلَبٌ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَفَرْضِ الْعَيْنِ وَفِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ: لَا شَكَّ فِي فَرْضِيَّةِ عِلْمِ الْفَرَائِضِ الْخَمْسِ وَعِلْمِ الْإِخْلَاصِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْعَمَلِ مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِ وَعِلْمِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَعِلْمِ الرِّيَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَابِدَ مَحْرُومٌ مِنْ ثَوَابِ عَمَلِهِ بِالرِّيَاءِ، وَعِلْمِ الْحَسَدِ وَالْعُجْبِ إذْ هُمَا يَأْكُلَانِ الْعَمَلَ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ، وَعِلْمِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ لِمَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَعِلْمِ الْأَلْفَاظِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ الْمُكَفِّرَةِ، وَلَعَمْرِي هَذَا مِنْ أَهَمِّ الْمُهِمَّاتِ فِي هَذَا الزَّمَانِ؛ لِأَنَّك تَسْمَعُ كَثِيرًا مِنْ الْعَوَّامِ يَتَكَلَّمُونَ بِمَا يُكَفِّرُ وَهُمْ عَنْهَا غَافِلُونَ، وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُجَدِّدَ الْجَاهِلُ إيمَانَهُ كُلَّ يَوْمٍ وَيُجَدِّدَ نِكَاحَ امْرَأَتِهِ عِنْدَ شَاهِدَيْنِ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، إذْ الْخَطَأُ وَإِنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْ الرَّجُلِ فَهُوَ مِنْ النِّسَاءِ كَثِيرٌ. (قَوْلُهُ: وَفَرْضُ كِفَايَةٍ إلَخْ) عَرَّفَهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ بِالْمُتَحَتِّمِ الْمَقْصُودُ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ. قَالَ: فَيَتَنَاوَلُ مَا هُوَ دِينِيٌّ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَدُنْيَوِيٌّ كَالصَّنَائِعِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا وَخَرَجَ الْمَسْنُونُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَحَتِّمٍ، وَفَرْضُ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ مَنْظُورٌ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ. اهـ. قَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ: وَأَمَّا فَرْضُ الْكِفَايَةِ مِنْ الْعِلْمِ، فَهُوَ كُلُّ عِلْمٍ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ فِي قِوَامِ أُمُورِ الدُّنْيَا كَالطِّبِّ وَالْحِسَابِ وَالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَالْكَلَامِ وَالْقِرَاءَاتِ وَأَسَانِيدِ الْحَدِيثِ وَقِسْمَةِ الْوَصَايَا وَالْمَوَارِيثِ وَالْكِتَابَةِ وَالْمَعَانِي وَالْبَدِيعِ وَالْبَيَانِ وَالْأُصُولِ وَمَعْرِفَةِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَالْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَالنَّصِّ وَالظَّاهِرِ وَكُلُّ هَذِهِ آلَةٌ لِعِلْمِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ، وَكَذَا عِلْمُ الْآثَارِ وَالْأَخْبَارِ وَالْعِلْمُ بِالرِّجَالِ وَأَسَامِيهِمْ وَأَسَامِي الصَّحَابَةِ وَصِفَاتِهِمْ، وَالْعِلْمُ بِالْعَدَالَةِ فِي الرِّوَايَةِ، وَالْعِلْمُ بِأَحْوَالِهِمْ لِتَمْيِيزِ الضَّعِيفِ مِنْ الْقَوِيِّ، وَالْعِلْمِ بِأَعْمَارِهِمْ وَأُصُولِ الصِّنَاعَاتِ وَالْفِلَاحَةِ كَالْحِيَاكَةِ وَالسِّيَاسَةِ وَالْحِجَامَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا زَادَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَدْرٍ يَحْتَاجُهُ لِدِينِهِ فِي الْحَالِ مَطْلَبُ فَرْضِ الْعَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ [تَنْبِيهٌ] فَرْضُ الْعَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ حَقًّا لِلنَّفْسِ، فَهُوَ أَهَمُّ عِنْدَهَا وَأَكْثَرُ مَشَقَّةً، بِخِلَافِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ فَإِنَّهُ مَفْرُوضٌ حَقًّا لِلْكَافَّةِ وَالْكَافِرُ مِنْ جُمْلَتِهِمْ، وَالْأَمْرُ إذَا عَمَّ خَفَّ، وَإِذَا خَصَّ ثَقُلَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وَمَنْدُوبًا، وَهُوَ التَّبَحُّرُ فِي الْفِقْهِ وَعِلْمِ الْقَلْبِ. وَحَرَامًا، وَهُوَ عِلْمُ الْفَلْسَفَةِ وَالشَّعْبَذَةِ وَالتَّنْجِيمِ   [رد المحتار] وَقِيلَ فَرْضُ الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ مُسْقِطٌ لِلْحَرَجِ عَنْ الْأُمَّةِ بِأَسْرِهَا، وَبِتَرْكِهِ يَعْصِي الْمُتَمَكِّنُونَ مِنْهُ كُلُّهُمْ، وَلَا شَكَّ فِي عِظَمِ وَقْعِ مَا هَذِهِ صِفَتُهُ. اهـ. طَوَّاقِيٌّ، وَنَقَلَ ط أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْأَوَّلُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ التَّبَحُّرُ فِي الْفِقْهِ) أَيْ التَّوَسُّعُ فِيهِ وَالِاطِّلَاعُ عَلَى غَوَامِضِهِ وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَآلَاتِهَا. (قَوْلُهُ: وَعِلْمِ الْقَلْبِ) أَيْ عِلْمِ الْأَخْلَاقِ، وَهُوَ عِلْمٌ يُعْرَفُ بِهِ أَنْوَاعُ الْفَضَائِلِ وَكَيْفِيَّةُ اكْتِسَابِهَا وَأَنْوَاعُ الرَّذَائِلِ وَكَيْفِيَّةُ اجْتِنَابِهَا. اهـ. ح وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْفِقْهِ لَا عَلَى التَّبَحُّرِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ عِلْمَ الْإِخْلَاصِ وَالْعُجْبِ وَالْحَسَدِ وَالرِّيَاءِ فَرْضُ عَيْنٍ، وَمِثْلُهَا غَيْرُهَا مِنْ آفَاتِ النُّفُوسِ: كَالْكِبْرِ وَالشُّحِّ وَالْحِقْدِ وَالْغِشِّ وَالْغَضَبِ وَالْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَالطَّمَعِ وَالْبُخْلِ وَالْبَطَرِ وَالْخُيَلَاءِ وَالْخِيَانَةِ وَالْمُدَاهَنَةِ وَالِاسْتِكْبَارِ عَنْ الْحَقِّ وَالْمَكْرِ وَالْمُخَادَعَةِ وَالْقَسْوَةِ وَطُولِ الْأَمَلِ وَنَحْوِهَا مِمَّا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي رُبُعِ الْمُهْلِكَاتِ مِنْ الْإِحْيَاءِ. قَالَ فِيهِ: وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهَا بَشَرٌ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْهَا مَا يَرَى نَفْسَهُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، وَإِزَالَتُهَا فَرْضُ عَيْنٍ وَلَا يُمْكِنُ إلَّا بِمَعْرِفَةِ حُدُودِهَا وَأَسْبَابِهَا وَعَلَامَاتِهَا وَعِلَاجِهَا، فَإِنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ الشَّرَّ يَقَعُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: الْفَلْسَفَةِ) هُوَ لَفْظٌ يُونَانِيٌّ، وَتَعْرِيبُهُ الْحِكَمُ الْمُمَوَّهَةُ: أَيْ مُزَيَّنَةُ الظَّاهِرِ فَاسِدَةُ الْبَاطِنِ، كَالْقَوْلِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُكَفِّرَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ ط. وَذَكَرَ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهَا لَيْسَتْ عِلْمًا بِرَأْسِهَا بَلْ هِيَ أَرْبَعَةُ أَجْزَاءٍ: أَحَدُهَا: الْهَنْدَسَةُ وَالْحِسَابُ، وَهُمَا مُبَاحَانِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُمَا إلَّا مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَجَاوَزَهُمَا إلَى عُلُومٍ مَذْمُومَةٍ. وَالثَّانِي: الْمَنْطِقُ، وَهُوَ بَحْثٌ عَنْ وَجْهِ الدَّلِيلِ وَشُرُوطِهِ وَوَجْهِ الْحَدِّ وَشُرُوطِهِ، وَهُمَا دَاخِلَانِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ. وَالثَّالِثُ: الْإِلَهِيَّاتُ، وَهُوَ بَحْثٌ عَنْ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ، انْفَرَدُوا فِيهِ بِمَذَاهِبَ بَعْضُهَا كُفْرٌ وَبَعْضُهَا بِدْعَةٌ. وَالرَّابِعُ: الطَّبِيعِيَّاتُ، وَبَعْضُهَا مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ، وَبَعْضُهَا بَحْثٌ عَنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ وَخَوَاصِّهَا وَكَيْفِيَّةِ اسْتِحَالَتِهَا وَتَغَيُّرِهَا، وَهُوَ شَبِيهٌ بِنَظَرِ الْأَطِبَّاءِ، إلَّا أَنَّ الطَّبِيبَ يَنْظُرُ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْخُصُوصِ مِنْ حَيْثُ يَمْرَضُ وَيَصِحُّ، وَهُمْ يَنْظُرُونَ فِي جَمِيعِ الْأَجْسَامِ مِنْ حَيْثُ تَتَغَيَّرُ وَتَتَحَرَّكُ، وَلَكِنْ لِلطِّبِّ فَضْلٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ. وَأَمَّا عُلُومُهُمْ فِي الطَّبِيعِيَّاتِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَالشَّعْبَذَةِ) الصَّوَابُ الشَّعْوَذَةُ، وَهِيَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ خِفَّةٌ فِي الْيَدِ كَالسِّحْرِ تَرَى الشَّيْءَ بِغَيْرِ مَا عَلَيْهِ أَصْلُهُ. اهـ. حَمَوِيٌّ، لَكِنْ فِي الْمِصْبَاحِ شَعْوَذَ الرَّجُلُ شَعْوَذَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ شَعْبَذَ شَعْبَذَةً وَهُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَلَيْسَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَهِيَ لَعِبٌ يَرَى الْإِنْسَانُ مِنْهَا مَا لَيْسَ لَهُ حَقِيقَةٌ كَالسِّحْرِ. اهـ. ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَأَفْتَى الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي أَهْلِ الْحَقِّ فِي الطُّرُقَاتِ الَّذِينَ لَهُمْ أَشْيَاءُ غَرِيبَةٌ كَقَطْعِ رَأْسِ إنْسَانٍ وَإِعَادَتِهِ وَجَعْلِ نَحْوِ دَرَاهِمَ مِنْ التُّرَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ فِي مَعْنَى السَّحَرَةِ إنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْهُمْ، فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَا لِأَحَدٍ أَنْ يَقِفَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الَّذِي يَقْطَعُ يَدَ الرَّجُلِ أَوْ يُدْخِلُ السِّكِّينَ فِي جَوْفِهِ إنْ كَانَ سِحْرًا قُتِلَ وَإِلَّا عُوقِبَ. مَطْلَبٌ فِي التَّنْجِيمِ وَالرَّمْلِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّنْجِيمِ) هُوَ عِلْمٌ يُعْرَفُ بِهِ الِاسْتِدْلَال بِالتَّشَكُّلَاتِ الْفَلَكِيَّةِ عَلَى الْحَوَادِثِ السُّفْلِيَّةِ. اهـ. ح. وَفِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّ عِلْمَ النُّجُومِ فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ غَيْرُ مَذْمُومٍ، إذْ هُوَ قِسْمَانِ: حِسَابِيٌّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وَالرَّمْلِ وَعُلُومِ الطَّبَائِعِيِّينَ وَالسِّحْرِ   [رد المحتار] وَإِنَّهُ حَقٌّ، وَقَدْ نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5]- أَيْ سَيْرُهُمَا بِحِسَابٍ. وَاسْتِدْلَالِيٌّ بِسَيْرِ النُّجُومِ وَحَرَكَةِ الْأَفْلَاكِ عَلَى الْحَوَادِثِ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْرِهِ، وَهُوَ جَائِزٌ كَاسْتِدْلَالِ الطَّبِيبِ بِالنَّبْضِ مِنْ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَلَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ ادَّعَى الْغَيْبَ بِنَفْسِهِ يَكْفُرُ، ثُمَّ تَعَلُّمُ مِقْدَارِ مَا يُعْرَفُ بِهِ مَوَاقِيتُ الصَّلَاةِ وَالْقِبْلَةُ لَا بَأْسَ بِهِ. اهـ. وَأَفَادَ أَنَّ تَعَلُّمَ الزَّائِدِ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ فِيهِ بَأْسٌ بَلْ صَرَّحَ فِي الْفُصُولِ بِحُرْمَتِهِ وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقِسْمُ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: إنَّ عِلْمَ النُّجُومِ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مَذْمُومٍ لِذَاتِهِ إذْ هُوَ قِسْمَانِ إلَخْ ثُمَّ قَالَ وَلَكِنَّهُ مَذْمُومٌ فِي الشَّرْعِ. وَقَالَ عُمَرُ: تَعَلَّمُوا مِنْ النُّجُومِ مَا تَهْتَدُوا بِهِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ثُمَّ امْسِكُوا، وَإِنَّمَا زَجَرَ عَنْهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مُضِرٌّ بِأَكْثَرِ الْخَلْقِ، فَإِنَّهُ إذَا أَلْقَى إلَيْهِمْ أَنَّ هَذِهِ الْآثَارَ تَحْدُثُ عَقِيبَ سَيْرِ الْكَوَاكِبِ وَقَعَ فِي نُفُوسِهِمْ أَنَّهَا الْمُؤَثِّرَةُ، وَثَانِيهَا: أَنَّ أَحْكَامَ النُّجُومِ تَخْمِينٌ مَحْضٌ، وَلَقَدْ كَانَ مُعْجِزَةً لِإِدْرِيسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيمَا يُحْكَى وَقَدْ انْدَرَسَ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، فَإِنَّ مَا قُدِّرَ كَائِنٌ وَالِاحْتِرَازُ مِنْهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: وَالرَّمْلِ) هُوَ عِلْمٌ بِضُرُوبِ أَشْكَالٍ مِنْ الْخُطُوطِ وَالنُّقَطِ بِقَوَاعِدَ مَعْلُومَةٍ تَخْرُجُ حُرُوفًا تُجْمَعُ وَيُسْتَخْرَجُ جُمْلَةٌ دَالَّةٌ عَلَى عَوَاقِبِ الْأُمُورِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ حَرَامٌ قَطْعًا وَأَصْلُهُ لِإِدْرِيسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ط أَيْ فَهُوَ شَرِيعَةٌ مَنْسُوخَةٌ. وَفِي فَتَاوَى ابْنِ حَجَرٍ أَنَّ تَعَلُّمَهُ وَتَعْلِيمَهُ حَرَامٌ شَدِيدُ التَّحْرِيمِ لِمَا فِيهِ مِنْ إيهَامِ الْعَوَّامِ أَنَّ فَاعِلَهُ يُشَارِكُ اللَّهَ تَعَالَى فِي غَيْبِهِ. (قَوْلُهُ: وَعُلُومِ الطَّبَائِعِيِّينَ) الْعِلْمُ الطَّبِيعِيُّ عِلْمٌ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ أَحْوَالِ الْجِسْمِ الْمَحْسُوسِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُعَرَّضٌ لِلتَّغَيُّرِ فِي الْأَحْوَالِ وَالثَّبَاتِ فِيهَا. اهـ. ح. وَفِي فَتَاوَى ابْنِ حَجَرٍ: مَا كَانَ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْفَلَاسِفَةِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مَفَاسِدَ كَاعْتِقَادِ قِدَمِ الْعَالَمِ وَنَحْوِهِ وَحُرْمَتِهِ مُشَابَهَةً لِحُرْمَةِ التَّنْجِيمِ مِنْ حَيْثُ إفْضَاءُ كُلٍّ إلَى الْمَفْسَدَةِ. . (قَوْلُهُ: وَالسِّحْرِ) هُوَ عِلْمٌ يُسْتَفَادُ مِنْهُ حُصُولُ مَلَكَةٍ نَفْسَانِيَّةٍ يُقْتَدَرُ بِهَا عَلَى أَفْعَالٍ غَرِيبَةٍ لِأَسْبَابٍ خَفِيَّةٍ. اهـ. ح. وَفِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ لِبِيرِيٍّ زَادَهْ قَالَ الشُّمُنِّيُّ: تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ حَرَامٌ. أَقُولُ: مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ وَلَوْ تَعَلَّمَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَفِي شَرْحِ الزَّعْفَرَانِيِّ: السِّحْرُ حَقٌّ عِنْدَنَا وُجُودُهُ وَتَصَوُّرُهُ وَأَثَرُهُ. وَفِي ذَخِيرَةِ النَّاظِرِ تَعَلُّمُهُ فَرْضٌ لِرَدِّ سَاحِرِ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَحَرَامٌ لِيُفَرَّقَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا، وَجَائِزٌ لِيُوَفِّقَ بَيْنَهُمَا. اهـ. ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. قَالَ ط بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ بَعْضِهِمْ عَنْ الْمُحِيطِ: وَفِيهِ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ التُّوَلَةِ بِوَزْنِ عِنَبَةٍ: وَهِيَ مَا يُفْعَلُ لِيُحَبِّبَ الْمَرْأَةَ إلَى زَوْجِهَا. اهـ. أَقُولُ: بَلْ نَصَّ عَلَى حُرْمَتِهَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَعَلَّلَهُ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ السِّحْرِ. قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ مُجَرَّدَ كِتَابَةِ آيَاتٍ، بَلْ فِيهِ شَيْءٌ زَائِدٌ اهـ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ قُبَيْلَ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ السَّاحِرِ وَالزِّنْدِيقِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فَيَجِبُ قَتْلُ السَّاحِرِ وَلَا يُسْتَتَابُ بِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ لَا بِمُجَرَّدِ عِلْمِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي اعْتِقَادِهِ مَا يُوجِبُ كُفْرَهُ اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 وَالْكِهَانَةِ، وَدَخَلَ فِي الْفَلْسَفَةِ الْمَنْطِقُ، وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ عِلْمُ الْحَرْفِ   [رد المحتار] وَذُكِرَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ عَنْ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ خَطَأٌ وَيَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ حَقِيقَتِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ رَدُّ مَا لَزِمَ فِي شَرْطِ الْإِيمَانِ فَهُوَ كُفْرٌ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. أَقُولُ: وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ الْقَرَافِيُّ الْمَالِكِيُّ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا هُوَ سِحْرٌ يَكْفُرُ بِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ بِمَا يَلْزَمُ مُرَاجَعَتُهُ مِنْ أَوَاخِرِ شَرْحِ اللَّقَانِيِّ الْكَبِيرِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ. وَمِنْ كِتَابِ [الْإِعْلَامِ فِي قَوَاطِعِ الْإِسْلَامِ] لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ حَجَرٍ. مَطْلَبُ السِّحْرِ أَنْوَاعٌ وَحَاصِلُهُ أَنَّ السِّحْرَ اسْمُ جِنْسٍ لِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: الْأَوَّلُ: السِّيمِيَاءُ، وَهِيَ مَا يُرَكَّبُ مِنْ خَوَاصَّ أَرْضِيَّةٍ كَدُهْنٍ خَاصٍّ أَوْ كَلِمَاتٍ خَاصَّةٍ تُوجِبُ إدْرَاكَ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ أَوْ بَعْضِهَا بِمَا لَهُ وُجُودٌ حَقِيقِيٌّ، أَوْ بِمَا هُوَ تَخَيُّلٌ صِرْفٌ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْمُومٍ أَوْ غَيْرِهِمَا. الثَّانِي: الْهِيمْيَاءُ، وَهِيَ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ مُضَافًا لِآثَارٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا أَرْضِيَّةٍ. الثَّالِثُ: بَعْضُ خَوَاصِّ الْحَقَائِقِ، كَمَا يُؤْخَذُ سَبْعُ أَحْجَارٍ يُرْمَى بِهَا نَوْعٌ مِنْ الْكِلَابِ إذَا رَمَى بِحَجَرٍ عَضَّهُ، فَإِذَا عَضَّهَا الْكَلْبُ وَطُرِحَتْ فِي مَاءٍ فَمَنْ شَرِبَهُ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ آثَارٌ خَاصَّةٌ فَهَذِهِ أَنْوَاعُ السِّحْرِ الثَّلَاثَةِ، قَدْ تَقَعُ بِمَا هُوَ كُفْرٌ مِنْ لَفْظٍ أَوْ اعْتِقَادٍ أَوْ فِعْلٍ، وَقَدْ تَقَعُ بِغَيْرِهِ كَوَضْعِ الْأَحْجَارِ. وَلِلسِّحْرِ فُصُولٌ كَثِيرَةٌ فِي كُتُبِهِمْ. فَلَيْسَ كُلُّ مَا يُسَمَّى سِحْرًا كُفْرًا، إذْ لَيْسَ التَّكْفِيرُ بِهِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ بَلْ لِمَا يَقَعُ بِهِ مِمَّا هُوَ كُفْرٌ كَاعْتِقَادِ انْفِرَادِ الْكَوَاكِبِ: بِالرُّبُوبِيَّةِ أَوْ إهَانَةِ قُرْآنٍ أَوْ كَلَامٍ مُكَفِّرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِكَلَامِ إمَامِ الْهُدَى أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ، ثُمَّ إنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ كُفْرِهِ مُطْلَقًا عَدَمُ قَتْلِهِ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ بِسَبَبِ سَعْيِهِ بِالْفَسَادِ كَمَا مَرَّ. فَإِذَا ثَبَتَ إضْرَارُهُ بِسِحْرِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ مُكَفِّرٍ: يُقْتَلُ دَفْعًا لِشَرِّهِ كَالْخُنَّاقِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ. مَطْلَبٌ فِي الْكِهَانَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْكِهَانَةِ) وَهِيَ تَعَاطِي الْخَبَرِ عَنْ الْكَائِنَاتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَادِّعَاءُ مَعْرِفَةِ الْأَسْرَارِ. قَالَ فِي نِهَايَةِ الْحَدِيثِ: وَقَدْ كَانَ فِي الْعَرَبِ كَهَنَةٌ كَشِقٍّ وَسَطِيحٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ تَابِعًا يُلْقِي إلَيْهِ الْأَخْبَارَ عَنْ الْكَائِنَاتِ، وَمِنْهُمْ أَنَّهُ يَعْرِفُ الْأُمُورَ بِمُقَدِّمَاتٍ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى مُوَافِقِهَا مِنْ كَلَامِ مَنْ يَسْأَلُهُ أَوْ حَالِهِ أَوْ فِعْلِهِ وَهَذَا يَخُصُّونَهُ بِاسْمِ الْعَرَّافِ كَالْمُدَّعِي مَعْرِفَةَ الْمَسْرُوقِ وَنَحْوِهِ، وَحَدِيثُ " مَنْ أَتَى كَاهِنًا " يَشْمَلُ الْعَرَّافَ وَالْمُنَجِّمَ. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مَنْ يَتَعَاطَى عِلْمًا دَقِيقًا كَاهِنًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّي الْمُنَجِّمَ وَالطَّبِيبَ كَاهِنًا اهـ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. (قَوْلُهُ: وَدَخَلَ فِي الْفَلْسَفَةِ الْمَنْطِقُ) لِأَنَّهُ الْجُزْءُ الثَّانِي مِنْهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِهِمْ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ الْبَاطِلَةِ. أَمَّا مَنْطِقُ الْإِسْلَامِيِّينَ الَّذِي مُقَدِّمَاتُهُ قَوَاعِدُ إسْلَامِيَّةٌ فَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِحُرْمَتِهِ بَلْ سَمَّاهُ الْغَزَالِيُّ مِعْيَارَ الْعُلُومِ، وَقَدْ أَلَّفَ فِيهِ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ وَمِنْهُمْ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فَإِنَّهُ أَتَى مِنْهُ بِبَيَانِ مُعْظَمِ مَطَالِبِهِ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ التَّحْرِيرِ الْأُصُولِيِّ. (قَوْلُهُ: عِلْمُ الْحَرْفِ) يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكَافُ الَّذِي هُوَ إشَارَةٌ إلَى الْكِيمْيَاءِ، وَلَا شَكَّ فِي حُرْمَتِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ ضَيَاعِ الْمَالِ وَالِاشْتِغَالِ بِمَا لَا يُفِيدُ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جَمْعُ حُرُوفٍ يَخْرُجُ مِنْهَا دَلَالَةٌ عَلَى حَرَكَاتٍ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ عِلْمُ أَسْرَارِ الْحُرُوفِ بِأَوْفَاقِ الِاسْتِخْدَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. اهـ. ط. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ الطَّلْسَمَاتُ، وَهِيَ كَمَا فِي شَرْحِ اللَّقَانِيِّ نَقْشُ أَسْمَاءٍ خَاصَّةٍ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْأَفْلَاكِ وَالْكَوَاكِبِ عَلَى زَعْمِ أَهْلِ هَذَا الْعِلْمِ فِي أَجْسَامٍ مِنْ الْمَعَادِنِ أَوْ غَيْرِهَا تَحْدُثُ لَهَا خَاصَّةً رُبِطَتْ بِهَا فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ. اهـ. هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ مِنْ التُّحْفَةِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي انْقِلَابِ الشَّيْءِ عَنْ حَقِيقَتِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وَعِلْمُ الْمُوسِيقَى. وَمَكْرُوهًا وَهُوَ أَشْعَارُ الْمُوَلَّدِينَ مِنْ الْغَزَلِ وَالْبَطَالَةِ، وَمُبَاحًا كَأَشْعَارِهِمْ -   [رد المحتار] كَالنُّحَاسِ إلَى الذَّهَبِ هَلْ هُوَ ثَابِتٌ؟ فَقِيلَ نَعَمْ لِانْقِلَابِ الْعَصَا ثُعْبَانًا حَقِيقَةً وَإِلَّا لَبَطَلَ الْإِعْجَازُ. وَقِيلَ لَا لِأَنَّ قَلْبَ الْحَقَائِقِ مُحَالٌ. وَالْحَقُّ الْأَوَّلُ إلَى أَنْ قَالَ: تَنْبِيهٌ، كَثِيرًا مَا يُسْأَلُ عَنْ عِلْمِ الْكِيمْيَاءِ وَتَعَلُّمُهُ هَلْ يَحِلُّ أَوْ لَا، وَلَمْ نَرَ لِأَحَدٍ كَلَامًا فِي ذَلِكَ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ مَنْ عَلَّمَ الْعِلْمَ الْمُوصِلَ لِذَلِكَ الْقَلْبِ عِلْمًا يَقِينِيًّا جَازَ لَهُ عِلْمُهُ وَتَعْلِيمُهُ إذْ لَا مَحْذُورَ فِيهِ بِوَجْهٍ، وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي أَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْإِنْسَانُ ذَلِكَ الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ وَكَانَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى الْغِشِّ فَالْوَجْهُ الْحُرْمَةُ اهـ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا قُلْنَا بِإِثْبَاتِ قَلْبِ الْحَقَائِقِ وَهُوَ الْحَقُّ جَازَ الْعَمَلُ بِهِ وَتَعَلُّمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغِشٍّ لِأَنَّ النُّحَاسَ يَنْقَلِبُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً حَقِيقَةً. وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ غِشٌّ كَمَا لَا يَجُوزُ لِمَنْ لَا يَعْلَمُهُ حَقِيقَةً لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ الْمَالِ أَوْ غِشِّ الْمُسْلِمِينَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَذْهَبَنَا ثُبُوتُ انْقِلَابِ الْحَقَائِقِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرُوهُ فِي انْقِلَابِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ. كَانْقِلَابِ الْخَمْرِ خَلًّا وَالدَّمِ مِسْكًا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَعِلْمِ الْمُوسِيقِيِّ) بِكَسْرِ الْقَافِ: وَهُوَ عِلْمٌ رِيَاضِيٌّ يُعْرَفُ مِنْهُ أَحْوَالُ النَّغَمِ وَالْإِيقَاعَاتِ، وَكَيْفِيَّةُ تَأْلِيفِ اللُّحُونِ، وَإِيجَادُ الْآلَاتِ. وَمَوْضُوعُهُ الصَّوْتُ مِنْ جِهَةِ تَأْثِيرِهِ فِي النُّفُوسِ بِاعْتِبَارِ نِظَامِهِ فِي طَبَقَتِهِ وَزَمَانِهِ. وَثَمَرَتُهُ بَسْطُ الْأَرْوَاحِ وَتَعْدِيلُهَا وَتَفْوِيتُهَا وَقَبْضُهَا أَيْضًا. مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى إنْشَادِ الشِّعْرِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَشْعَارُ الْمُوَلَّدِينَ) أَيْ الشُّعَرَاءِ الَّذِينَ حَدَثُوا بَعْدَ شُعَرَاءِ الْعَرَبِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْمُوَلَّدَةُ الْمُحْدَثَةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَمِنْ الشُّعَرَاءِ لِحُدُوثِهِمْ. وَفِي آخِرِ الرَّيْحَانَةِ لِلشِّهَابِ الْخَفَاجِيِّ: بُلَغَاءُ الْعَرَبِ فِي الشِّعْرِ وَالْخُطَبِ عَلَى سِتِّ طَبَقَاتٍ: الْجَاهِلِيَّةُ الْأُولَى مِنْ عَادٍ وَقَحْطَانَ. وَالْمُخَضْرَمُونَ. وَهُمْ مَنْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ وَالْإِسْلَامَ. وَالْإِسْلَامِيُّونَ وَالْمُوَلَّدُونَ وَالْمُحْدَثُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ مِنْ الْعَصْرِيِّينَ، وَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ هُمْ مَا هُمْ فِي الْبَلَاغَةِ وَالْجَزَالَةِ. وَمَعْرِفَةُ شِعْرِهِمْ رِوَايَةً وَدِرَايَةً عِنْدَ فُقَهَاءِ الْإِسْلَامِ فَرْضُ كِفَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ بِهِ تَثْبُتُ قَوَاعِدُ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي بِهَا يُعْلَمُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى مَعْرِفَتِهِمَا الْأَحْكَامُ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا الْحَلَالُ مِنْ الْحَرَامِ. وَكَلَامُهُمْ وَإِنْ جَازَ فِيهِ الْخَطَأُ فِي الْمَعَانِي فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْخَطَأُ فِي الْأَلْفَاظِ وَتَرْكِيبِ الْمَبَانِي اهـ. (قَوْلُهُ: عَنْ الْغَزَلِ) الْمُرَادُ بِهِ مَا فِيهِ وَصْفُ النِّسَاءِ وَالْغِلْمَانِ. وَهُوَ فِي الْأَصْلِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ: اسْمٌ لِمُحَادَثَةِ النِّسَاءِ. وَعَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَالْبَطَالَةِ عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهَا. فَشَمِلَ وَصْفَ حَالِ الْمُحِبِّ مَعَ الْمَحْبُوبِ أَوْ مَعَ عُذَّالِهِ مِنْ الْوَصْلِ وَالْهَجْرِ وَاللَّوْعَةِ وَالْغَرَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْبَطَالَةُ نَقِيضُ الْعِمَالَةِ. مِنْ بَطَلَ الْأَجِيرُ مِنْ الْعَمَلِ فَهُوَ بَطَّالٌ بَيِّنُ الْبَطَالَةِ بِالْفَتْحِ وَحُكِيَ بِالْكَسْرِ وَهُوَ أَفْصَحُ وَرُبَّمَا قِيلَ بِالضَّمِّ. وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَّهُ وَجَدَ بِهَامِشِ الْمِصْبَاحِ بِخَطِّ مُصَنِّفِهِ مَا حَاصِلُهُ: الْفَعَالَةُ بِالْفَتْحِ قَدْ يَكُونُ وَصْفًا لِلطَّبِيعَةِ كَالرَّزَانَةِ وَالْجَهَالَةِ. وَبِالْكَسْرِ لِلصِّنَاعَةِ كَالتِّجَارَةِ. وَبِالضَّمِّ لِمَا يُرْمَى كَالْقُلَامَةِ. وَقَدْ يُضَمَّنُ اللَّفْظُ الْمَعَانِيَ الثَّلَاثَةَ فَيَجُوزُ فِيهِ الْحَرَكَاتُ الثَّلَاثَةُ، فَالْبَطَالَةُ بِالْفَتْحِ لِأَنَّهُ وَصْفٌ ثَابِتٌ، وَبِالْكَسْرِ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الصِّنَاعَةَ لِلْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا، وَبِالضَّمِّ لِأَنَّهَا مِمَّا يُرْفَضُ. اهـ. أَقُولُ: وَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمَكْرُوهَ مِنْهُ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ وَجَعَلَهُ صِنَاعَةً لَهُ حَتَّى غَلَبَ عَلَيْهِ وَأَشْغَلَهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ. وَبِهِ فُسِّرَ الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» ، فَالْيَسِيرُ مِنْ ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا قُصِدَ بِهِ إظْهَارُ النِّكَاتِ وَاللَّطَافَاتِ وَالتَّشَابِيهِ الْفَائِقَةِ وَالْمَعَانِي الرَّائِقَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي وَصْفِ الْخُدُودِ وَالْقُدُودِ، فَإِنَّ عُلَمَاءَ الْبَدِيعِ قَدْ اسْتَشْهَدُوا مِنْ ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 الَّتِي لَا يَسْتَخِفُّ فِيهَا كَذَا فِي فَوَائِدَ شَتَّى مِنْ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ. ثُمَّ نَقَلَ مَسْأَلَةَ الرُّبَاعِيَّاتِ، وَمَحَطُّهَا أَنَّ الْفِقْهَ هُوَ ثَمَرَةُ الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ ثَوَابُ الْفَقِيهِ أَقَلَّ مِنْ ثَوَابِ الْمُحَدِّثِ، وَفِيهَا كُلُّ إنْسَانٍ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَعْلَمُ مَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَبِهِ؛ لِأَنَّ إرَادَتَهُ تَعَالَى غَيْبٌ إلَّا الْفُقَهَاءَ فَإِنَّهُمْ عَلِمُوا إرَادَتَهُ تَعَالَى بِهِمْ بِحَدِيثِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» وَفِيهَا: كُلُّ شَيْءٍ يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا الْعِلْمَ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْ نَبِيِّهِ أَنْ يَطْلُبَ الزِّيَادَةَ مِنْهُ - {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]- فَكَيْفَ يَسْأَلُ عَنْهُ؟ .   [رد المحتار] بِأَشْعَارِ الْمُوَلَّدِينَ وَغَيْرِهِمْ لِهَذَا الْقَصْدِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي إشْهَادَاتِ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْمُحَرَّمَ مِنْهُ مَا كَانَ فِي اللَّفْظِ مَا لَا يَحِلُّ كَصِفَةِ الذُّكُورِ وَالْمَرْأَةِ الْمُعَيَّنَةِ الْحَيَّةِ وَوَصْفِ الْخَمْرِ الْمُهَيِّجِ إلَيْهَا وَالْحَانَاتِ وَالْهِجَاءِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ إذَا أَرَادَ الْمُتَكَلِّمُ هِجَاءَهُ، لَا إذَا أَرَادَ إنْشَادَ الشِّعْرِ لِلِاسْتِشْهَادِ بِهِ أَوْ لِيُعْلِمَ فَصَاحَتَهُ وَبَلَاغَتَهُ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَصْفَ الْمَرْأَةِ كَذَلِكَ غَيْرُ مَانِعٍ إنْشَادُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِذَلِكَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَكَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَمِمَّا يَقْطَعُ بِهِ فِي هَذَا قَوْلُ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَمَا سُعَادُ غَدَاةَ الْبَيْنِ إذْ رَحَلُوا ... إلَّا أَغَنُّ غَضِيضَ الطَّرْفِ مَكْحُولُ تَجْلُو عَوَارِضَ ذِي ظَلْمٍ إذَا ابْتَسَمَتْ ... كَأَنَّهُ مَنْهَلٌ بِالرَّاحِ مَعْلُولُ وَكَثِيرٌ فِي شِعْرِ حَسَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ هَذَا كَقَوْلِهِ وَقَدْ سَمِعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَبَّلَتْ فُؤَادَك فِي الْمَنَامِ خَرِيدَةٌ ... تَسْقِي الضَّجِيعَ بِبَارِدٍ بَسَّام فَأَمَّا الزُّهْرِيَّاتُ الْمُجَرَّدَةُ عَنْ ذَلِكَ الْمُتَضَمِّنَةُ وَصْفَ الرَّيَاحِينِ وَالْأَزْهَارِ وَالْمِيَاهِ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ نَعَمْ إذَا قِيلَ عَلَى الْمَلَاهِي امْتَنَعَ وَإِنْ كَانَ مَوَاعِظَ وَحِكَمًا اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ النَّوَازِلِ قِرَاءَةُ شِعْرِ الْأَدَبِ إذَا كَانَ فِيهِ ذِكْرُ الْفِسْقِ وَالْخَمْرِ وَالْغُلَامِ يُكْرَهُ، وَالِاعْتِمَادُ فِي الْغُلَامِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَرْأَةِ: أَيْ مِنْ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً حَيَّةً يُكْرَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مَيِّتَةً فَلَا. اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قُبَيْلَ بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: الَّتِي لَا يُسْتَخَفُّ فِيهَا) أَيْ لَيْسَ فِيهَا اسْتِخْفَافٌ بِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَذِكْرِ عَوْرَاتِهِ وَالْأَخْذِ فِي عِرْضِهِ. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَشْبَاهِ لَا سُخْفَ فِيهَا: أَيْ لَا رِقَّةَ وَخِفَّةَ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ فِي نَقْلِ) أَيْ فِي الْفَوَائِدِ آخِرَ الْفَنِّ الثَّالِثِ مِنْ الْأَشْبَاهِ عَنْ الْمَنَاقِبِ الْبَزَّازِيِّ وَذَكَرَ الْحَلَبِيُّ عِبَارَتَهُ بِتَمَامِهَا، وَاقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى مَحَطِّهَا: أَيْ الْمَقْصُودِ مِنْهَا. (قَوْلُهُ: وَفِيهَا) أَيْ فِي الْأَشْبَاهِ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْبَهْجَةِ لِلْعِرَاقِيِّ. (قَوْلُهُ: غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَالْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ كَالْعَشَرَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قَالَهُ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيُّ فِي شَرْحِ هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ. (قَوْلُهُ: لَهُ) أَيْ مِنْ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ حَيْثُ أَرَادَ بِهِ تَعَالَى الْخَيْرَ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ) أَيْ وَلَا يَعْلَمُ مَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ. (قَوْلُهُ: إلَّا الْفُقَهَاءَ) الْمُرَادُ بِهِمْ الْعَالِمُونَ بِأَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى اعْتِقَادًا وَعَمَلًا؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ عِلْمِ الْفُرُوعِ فِقْهًا تَسْمِيَةٌ حَادِثَةٌ، قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إنَّمَا الْفَقِيهُ الْمُعْرِضُ عَنْ الدُّنْيَا الرَّاغِبِ فِي الْآخِرَةِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَفِيهَا كُلُّ شَيْءٍ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْفُصُوصِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا فُصُوصُ الْحُكْمِ لِلشَّيْخِ الْأَكْبَرِ قُدِّسَ سِرُّهُ الْأَنْوَارُ. (قَوْلُهُ: إلَّا الْعِلْمَ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ الْحَمَوِيُّ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مَا يُفِيدُ السُّؤَالَ عَنْ الْعِلْمِ، وَلَفْظُهُ «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 وَفِيهَا إذَا سُئِلْنَا عَنْ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ مُخَالِفِنَا قُلْنَا وُجُوبًا: مَذْهَبُنَا صَوَابٌ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ وَمَذْهَبُ مُخَالِفِنَا خَطَأٌ يَحْتَمِلُ الصَّوَابَ. وَإِذَا سُئِلْنَا عَنْ مُعْتَقَدِنَا   [رد المحتار] فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ اكْتَسَبَهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا صَنَعَ بِهِ» . وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ إلَّا طَلَبَ الزِّيَادَةِ مِنْ الْعِلْمِ وَبِهِ يَصِحُّ التَّعْلِيلُ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ يُسْأَلُ عَنْ طَلَبِهِ هَلْ قَصَدَ بِهِ الرِّيَاءَ أَوْ الْجَاهَ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ «وَلَكِنْ تَعَلَّمْت الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ. وَقَدْ قِيلَ» إلَخْ. أَقُولُ: الْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِهِ الْعِلْمُ النَّافِعُ الْمُوصِلُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَهُوَ الْمَقْرُونُ بِحُسْنِ النِّيَّةِ مَعَ الْعَمَلِ بِهِ وَالتَّخَلُّصِ مِنْ آفَاتِ النَّفْسِ، فَلَا يُسْأَلُ عَنْهُ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مَحْضٌ. بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُسْأَلُ صَاحِبُهُ عَنْهُ لِيُعَذِّبَهُ بِهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَمَامُ الْحَدِيثِ السَّابِقِ: وَلِذَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْعَثُ الْعِبَادَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَبْعَثُ الْعُلَمَاءَ. ثُمَّ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْعُلَمَاءِ إنِّي لَمْ أَضَعْ عِلْمِي فِيكُمْ إلَّا لِعِلْمِي بِكُمْ، وَلَمْ أَضَعْ عِلْمِي فِيكُمْ لِأُعَذِّبَكُمْ. اذْهَبُوا فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ» هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَفِيهَا) أَيْ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ آخِرِ الْمُصَفَّى لِلْإِمَامِ النَّسَفِيِّ. (قَوْلُهُ: عَنْ مَذْهَبِنَا) أَيْ عَنْ صِفَتِهِ فَالْمَعْنَى إذَا سُئِلْنَا أَيُّ الْمَذَاهِبِ صَوَابٌ ط. (قَوْلُهُ: مُخَالِفِنَا) أَيْ مَنْ خَالَفَنَا فِي الْفُرُوعِ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ. (قَوْلُهُ: قُلْنَا إلَخْ) لِأَنَّك لَوْ قَطَعْت الْقَوْلَ لَمَا صَحَّ قَوْلُنَا إنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ أَشْبَاهٌ: أَيْ فَلَا نَجْزِمُ بِأَنَّ مَذْهَبَنَا صَوَابٌ أَلْبَتَّةَ وَلَا بِأَنَّ مَذْهَبَ مُخَالِفِنَا خَطَأٌ أَلْبَتَّةَ، بِنَاءً عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ وَجَبَ طَلَبُهُ. فَمَنْ أَصَابَهُ فَهُوَ الْمُصِيبُ وَمَنْ لَا فَهُوَ الْمُخْطِئُ. وَنُقِلَ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ: ثُمَّ الْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُخْطِئَ مَأْجُورٌ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ. مَطْلَبٌ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي التَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ أَيْضًا أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ. وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَأَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةُ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ وَطَائِفَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَا يَجُوزُ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا. كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، فَقِيلَ يَلْزَمُهُ، وَقِيلَ لَا وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ وَقَدْ شَاعَ أَنَّ الْعَامِّيَّ لَا مَذْهَبَ لَهُ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا ذُكِرَ عَنْ النَّسَفِيِّ مِنْ وُجُوبِ اعْتِقَادِ أَنَّ مَذْهَبَهُ صَوَابٌ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْتِزَامُ مَذْهَبِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى فِي الْعَامِّيِّ. وَقَدْ رَأَيْت فِي آخِرِ فَتَاوَى ابْنِ حَجَرٍ الْفِقْهِيَّةِ التَّصْرِيحَ بِبَعْضِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ عِبَارَةِ النَّسَفِيِّ الْمَذْكُورَةِ، ثُمَّ حَرَّرَ أَنَّ قَوْلَ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ إنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْلِيدُ الْأَعْلَمِ دُونَ غَيْرِهِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ فِي تَقْلِيدِ أَيٍّ شَاءَ وَلَوْ مَفْضُولًا وَإِنْ اعْتَقَدَهُ كَذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقْطَعَ أَوْ يَظُنَّ أَنَّهُ عَلَى الصَّوَابِ، بَلْ عَلَى الْمُقَلِّدِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ إمَامُهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ الْحَقُّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ثُمَّ رَأَيْت الْمُحَقِّقَ ابْنَ الْهُمَامِ صَرَّحَ بِمَا يُؤَيِّدُهُ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: إنْ أَخَذَ الْعَامِّيُّ بِمَا يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ أَصْوَبُ أَوْلَى، وَعَلَى هَذَا اسْتَفْتَى مُجْتَهِدَيْنِ فَاخْتَلَفَا عَلَيْهِ الْأَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ بِمَا يَمِيلُ إلَيْهِ قَلْبُهُ مِنْهُمَا. وَعِنْدِي أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ بِقَوْلِ الَّذِي لَا يَمِيلُ إلَيْهِ جَازَ؛ لِأَنَّ مَيْلَهُ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ وَقَدْ فَعَلَ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَنْ مُعْتَقَدِنَا) أَيْ عَمَّا نَعْتَقِدُ مِنْ غَيْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وَمُعْتَقَدِ خُصُومِنَا. قُلْنَا وُجُوبًا الْحَقُّ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ وَالْبَاطِلُ مَا عَلَيْهِ خُصُومُنَا وَفِيهَا: الْعُلُومُ ثَلَاثَةٌ: عِلْمٌ نَضِجَ وَمَا احْتَرَقَ، وَهُوَ عِلْمُ النَّحْوِ وَالْأُصُولِ. وَعِلْمٌ لَا نَضِجَ وَلَا احْتَرَقَ، وَهُوَ عِلْمُ الْبَيَانِ وَالتَّفْسِيرِ. وَعِلْمٌ نَضِجَ وَاحْتَرَقَ، وَهُوَ عِلْمُ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ. وَقَدْ قَالُوا: الْفِقْهُ زَرَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَسَقَاهُ عَلْقَمَةُ، وَحَصَدَهُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ، وَدَاسَهُ حَمَّادٌ،   [رد المحتار] الْمَسَائِلِ الْفَرْعِيَّةِ مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ بِلَا تَقْلِيدٍ لِأَحَدٍ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَهُمْ الْأَشَاعِرَةُ وَالْمَاتُرِيدِيَّةِ، وَهُمْ مُتَوَافِقُونَ إلَّا فِي مَسَائِلَ يَسِيرَةٍ أَرْجَعَهَا بَعْضُهُمْ إلَى الْخِلَافِ اللَّفْظِيِّ كَمَا بُيِّنَ فِي مَحَلِّهِ. (قَوْلُهُ: وَمُعْتَقَدِ خُصُومِنَا) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُكَفِّرَةِ وَغَيْرِهَا كَالْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ أَوْ نَفْيِ الصَّانِعِ أَوْ عَدَمِ بِعْثَةِ الرُّسُلِ، وَالْقَائِلِينَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَعَدَمِ إرَادَتِهِ تَعَالَى الشَّرَّ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: عِلْمٌ نَضِجَ وَمَا احْتَرَقَ) الْمُرَادُ بِنُضْجِ الْعِلْمِ تَقَرُّرُ قَوَاعِدِهِ وَتَفْرِيعُ فُرُوعِهَا وَتَوْضِيحُ مَسَائِلِهِ، وَالْمُرَادُ بِاحْتِرَاقِهِ بُلُوغُهُ النِّهَايَةَ فِي ذَلِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّحْوَ وَالْأُصُولَ لَمْ يَبْلُغَا النِّهَايَةَ فِي ذَلِكَ أَفَادَهُ ح. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُصُولِ أُصُولُ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّ أُصُولَ الْعَقَائِدِ فِي غَايَةِ التَّحْرِيرِ وَالتَّنْقِيحِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ عِلْمُ الْبَيَانِ) الْمُرَادُ بِهِ مَا يَعُمُّ الْعُلُومَ الثَّلَاثَةَ: الْمَعَانِيَ وَالْبَيَانَ وَالْبَدِيعَ؛ وَلِذَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: إنَّ مَنْزِلَةَ عِلْمِ الْبَيَانِ مِنْ الْعُلُومِ مِثْلُ مَنْزِلَةِ السَّمَاءِ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَمْ يَقِفُوا عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ جَمِيعِهِ مِنْ بَلَاغَتِهِ وَفَصَاحَتِهِ وَنُكَتِهِ وَبَدِيعَاتِهِ، بَلْ عَلَى النَّزْرِ الْيَسِيرِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88]- وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبَلَاغَةِ ط. (قَوْلُهُ: وَالتَّفْسِيرِ) أَيْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ فَقَدْ ذَكَرَ السُّيُوطِيّ فِي الْإِتْقَانِ أَنَّ الْقُرْآنَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، كُلُّ حَرْفٍ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ جَبَلٍ قَافٍ، وَكُلُّ آيَةٍ تَحْتَهَا مِنْ التَّفَاسِيرِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى ط. (قَوْلُهُ: عِلْمُ الْحَدِيثِ) لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ الْمُرَادُ مِنْهُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُحَدِّثِينَ جَزَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى خَيْرًا وَضَعُوا كُتُبًا فِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ وَنَسَبِهِمْ وَالْفَرْقِ بَيْنَ أَسْمَائِهِمْ، وَبَيَّنُوا سَيِّئَ الْحِفْظِ مِنْهُمْ وَفَاسِدَ الرِّوَايَةِ مِنْ صَحِيحِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ حَفِظَ الْمِائَةَ أَلْفٍ وَالثَّلَثَمِائَةِ، وَحَصَرُوا مَنْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّحَابَةِ، وَبَيَّنُوا الْأَحْكَامَ وَالْمُرَادَ مِنْهَا فَانْكَشَفَتْ حَقِيقَتُهُ ط. (قَوْلُهُ: وَالْفِقْهُ) لِأَنَّ حَوَادِثَ الْخَلَائِقِ عَلَى اخْتِلَافِ مَوَاقِعِهَا وَتَشَتُّتَاتِهَا مَرْقُومَةٌ بِعَيْنِهَا أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، بَلْ قَدْ تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أُمُورٍ لَا تَقَعُ أَصْلًا أَوْ تَقَعُ نَادِرًا، وَأَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا فَنَادِرٌ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْصُوصًا غَيْرَ أَنَّ النَّاظِرَ يَقْصُرُ عَنْ الْبَحْثِ عَنْ مَحَلِّهِ أَوْ عَنْ فَهْمِ مَا يُفِيدُهُ مِمَّا هُوَ مَنْصُوصٌ بِمَفْهُومٍ أَوْ مَنْطُوقٍ ط، أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْفِقْهِ مَا يَشْمَلُ مَذْهَبَنَا وَغَيْرَهُ فَإِنَّهُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ أَصْلًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إحْدَاثُ قَوْلٍ خَارِجٍ عَنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ قَالُوا الْفِقْهُ) أَيْ الْفِقْهُ الَّذِي اسْتَنْبَطَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَوْ أَعَمَّ. (قَوْلُهُ: زَرَعَهُ) أَيْ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِاسْتِنْبَاطِ فُرُوعِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ، أَحَدُ السَّابِقِينَ وَالْبَدْرِيِّينَ وَالْعُلَمَاءِ الْكِبَارِ مِنْ الصَّحَابَةِ. أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي التَّقْرِيبِ: وَعَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ قَالَ: انْتَهَى عِلْمُ الصَّحَابَةِ إلَى سِتَّةٍ: عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُبَيُّ وَزَيْدٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ مَسْعُودٍ، ثُمَّ انْتَهَى عِلْمُ السِّتَّةِ إلَى عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. (قَوْلُهُ: وَسَقَاهُ) أَيْ أَيَّدَهُ وَوَضَّحَهُ عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ النَّخَعِيّ الْفَقِيهُ الْكَبِيرُ، عَمُّ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ وَخَالُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ. وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخَذَ الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلِيٍّ وَعُمَرَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَائِشَةَ. (قَوْلُهُ: وَحَصَدَهُ) أَيْ جَمَعَ مَا تَفَرَّقَ مِنْ فَوَائِدِهِ وَنَوَادِرِهِ وَهَيَّأَهُ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قَيْسِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَبُو عِمْرَانَ النَّخَعِيّ الْكُوفِيُّ، الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ الصَّالِحُ الزَّاهِدُ. رَوَى عَنْ الْأَعْمَشِ وَخَلَائِقَ تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ أَوْ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ. (قَوْلُهُ: وَدَاسَهُ) أَيْ اجْتَهَدَ فِي تَنْقِيحِهِ وَتَوْضِيحِهِ حَمَّادُ بْنُ مُسْلِمٍ الْكُوفِيُّ شَيْخُ الْإِمَامِ وَبِهِ تَخَرَّجَ. وَأَخَذَ حَمَّادٌ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْهُ، قَالَ الْإِمَامُ مَا صَلَّيْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وَطَحَنَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَعَجَنَهُ أَبُو يُوسُفَ وَخَبَزَهُ مُحَمَّدٌ، فَسَائِرُ النَّاسِ يَأْكُلُونَ مِنْ خُبْزِهِ، وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: الْفِقْهُ زَرْعُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلْقَمَةُ ... حَصَادُهُ ثُمَّ إبْرَاهِيمُ دَوَّاسُ نُعْمَانُ طَاحِنُهُ يَعْقُوبُ عَاجِنُهُ ... مُحَمَّدٌ خَابِزٌ وَالْآكِلُ النَّاسُ وَقَدْ ظَهَرَ عِلْمُهُ بِتَصَانِيفِهِ كَالْجَامِعَيْنِ وَالْمَبْسُوطِ وَالزِّيَادَاتِ وَالنَّوَادِرِ، حَتَّى قِيلَ إنَّهُ صَنَّفَ فِي الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ كِتَابًا. وَمِنْ تَلَامِذَتِهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَتَزَوَّجَ بِأُمِّ الشَّافِعِيِّ وَفَوَّضَ إلَيْهِ كُتُبَهُ وَمَالَهُ   [رد المحتار] صَلَاةً إلَّا اسْتَغْفَرْت لَهُ مَعَ وَالِدَيَّ مَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ. (قَوْلُهُ: وَطَحَنَهُ) أَيْ أَكْثَرَ أُصُولَهُ وَفَرَّعَ فُرُوعَهُ وَأَوْضَحَ سُبُلَهُ إمَامُ الْأَئِمَّةِ وَسِرَاجُ الْأُمَّةِ أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الْفِقْهَ وَرَتَّبَهُ أَبْوَابًا وَكُتُبًا عَلَى نَحْوِ مَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ، وَتَبِعَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ، وَمَنْ كَانَ قَبْلَهُ إنَّمَا كَانُوا يَعْتَمِدُونَ عَلَى حِفْظِهِمَا. وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ كِتَابَ الْفَرَائِضِ وَكِتَابَ الشُّرُوطِ، كَذَا فِي الْخَيْرَاتِ الْحِسَانِ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي حَنِيفَةَ النُّعْمَانِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: وَعَجَنَهُ) أَيْ دَقَّقَ النَّظَرَ فِي قَوَاعِدِ الْإِمَامِ وَأُصُولِهِ وَاجْتَهَدَ فِي زِيَادَةِ اسْتِنْبَاطِ الْفُرُوعِ مِنْهَا، وَالْأَحْكَامِ تِلْمِيذُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَاضِي الْقُضَاةِ، فَإِنَّهُ كَمَا رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الْكُتُبَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمْلَى الْمَسَائِلَ وَنَشَرَهَا وَبَثَّ عِلْمَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ، وَهُوَ أَفْقَهُ أَهْلِ عَصْرِهِ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْهُ أَحَدٌ فِي زَمَانِهِ، وَكَانَ النِّهَايَةَ فِي الْعِلْمِ وَالْحُكْمِ وَالرِّيَاسَةِ. وُلِدَ سَنَةَ (113) وَتُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ (182) . (قَوْلُهُ: وَخَبَزَهُ) أَيْ زَادَ فِي اسْتِنْبَاطِ الْفُرُوعِ وَتَنْقِيحِهَا وَتَهْذِيبِهَا وَتَحْرِيرِهَا بِحَيْثُ لَمْ تَحْتَجْ إلَى شَيْءٍ آخَرَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ تِلْمِيذُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مُحَرِّرِ الْمَذْهَبِ النُّعْمَانِيِّ، الْمُجْمَعِ عَلَى فَقَاهَتِهِ وَنَبَاهَتِهِ. رُوِيَ أَنَّهُ سَأَلَ رَجُلٌ الْمُزَنِيّ عَنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي أَبِي حَنِيفَةَ؟ فَقَالَ: سَيِّدُهُمْ، قَالَ: فَأَبُو يُوسُفَ؟ قَالَ: أَتْبَعُهُمْ لِلْحَدِيثِ، قَالَ: فَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ تَفْرِيعًا قَالَ: فَزُفَرُ؟ قَالَ أَحَدُّهُمْ قِيَاسًا، وُلِدَ سَنَةَ (132) وَتُوُفِّيَ بِالرَّيِّ سَنَةَ (189) . (قَوْلُهُ: مِنْ خُبْزِهِ) بِالضَّمِّ أَيْ خُبْزِ مُحَمَّدٍ الَّذِي خَبَزَهُ مِنْ عَجِينِ أَبِي يُوسُفَ مِنْ طَحِينِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلِذَا رَوَى الْخَطِيبُ عَنْ الرَّبِيعِ قَالَ: سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: النَّاسُ عِيَالٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفِقْهِ. كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ مِمَّنْ وُفِّقَ لَهُ الْفِقْهُ. (قَوْلُهُ: فَقَالَ) أَيْ مِنْ بَحْرِ الْبَسِيطِ، وَتَرْتِيبُ هَذَا النَّظَرِ بِخِلَافِ التَّرْتِيبِ قَبْلَهُ وَسَقَطَ مِنْهُ حَمَّادٌ. (قَوْلُهُ: عِلْمُهُ) أَيْ مُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ: كَالْجَامِعَيْنِ) الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ. وَقَدْ أُلِّفَتْ فِي الْمَذْهَبِ تَآلِيفُ سُمِّيَتْ بِالْجَامِعِ فَوْقَ مَا يَنُوفُ عَنْ أَرْبَعِينَ، وَكُلُّ تَأْلِيفٍ لِمُحَمَّدٍ وُصِفَ بِالصَّغِيرِ فَهُوَ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ الْإِمَامِ، وَمَا وُصِفَ بِالْكَبِيرِ فَرِوَايَتُهُ عَنْ الْإِمَامِ بِلَا وَاسِطَةٍ ط. (قَوْلُهُ: وَالنَّوَادِرِ) الْأَوْلَى إبْدَالُهَا بِالسِّيَرِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْكُتُبَ الْخَمْسَةَ هِيَ كُتُبُ مُحَمَّدٍ الْمُسَمَّاةُ بِالْأَصْلِ وَظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا رُوِيَتْ عَنْهُ بِرِوَايَةِ الثِّقَاتِ، فَهِيَ ثَابِتَةٌ عَنْهُ مُتَوَاتِرَةٌ أَوْ مَشْهُورَةٌ، وَفِيهَا الْمَسَائِلُ الْمَرْوِيَّةُ عَنْ أَصْحَابِ الْمَذْهَبِ، وَهُمْ أَبُو ح وَأَبُو س وم. وَأَمَّا النَّوَادِرُ فَهِيَ مَسَائِلُ مَرْوِيَّةٌ عَنْهُمْ فِي كُتُبٍ أُخَرَ لِمُحَمَّدٍ كالكيسانيات والهارونيات والجرجانيات وَالرُّقَيَّاتِ وَهِيَ دُونُ الْأُولَى، وَبَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ مَسَائِلُ النَّوَازِلِ سُئِلَ عَنْهَا الْمَشَايِخُ الْمُجْتَهِدُونَ فِي الْمَذْهَبِ وَلَمْ يَجِدُوا فِيهَا نَصًّا فَأَفْتَوْا فِيهَا تَخْرِيجًا، وَقَدْ نَظَمْت ذَلِكَ فَقُلْت: وَكُتْبُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَتَتْ ... سِتًّا لِكُلِّ ثَابِتٍ عَنْهُمْ حَوَتْ صَنَّفَهَا مُحَمَّدٌ الشَّيْبَانِيُّ ... حَرَّرَ فِيهَا الْمَذْهَبَ النُّعْمَانِيّ الْجَامِعَ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ ... وَالسِّيَرَ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ ثُمَّ الزِّيَادَاتِ مَعَ الْمَبْسُوطِ ... تَوَاتَرَتْ بِالسَّنَدِ الْمَضْبُوطِ كَذَا لَهُ مَسَائِلُ النَّوَادِرِ ... إسْنَادُهَا فِي الْكُتْبِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَبَعْدَهَا مَسَائِلُ النَّوَازِلِ ... خَرَّجَهَا الْأَشْيَاخُ بِالدَّلَائِلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 فَبِسَبَبِهِ صَارَ الشَّافِعِيُّ فَقِيهًا. وَلَقَدْ أَنْصَفَ الشَّافِعِيُّ حَيْثُ قَالَ: مَنْ أَرَادَ الْفِقْهَ فَلْيَلْزَمْ أَصْحَابَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّ الْمَعَانِيَ قَدْ تَيَسَّرَتْ لَهُمْ، وَاَللَّهِ مَا صِرْت فَقِيهًا إلَّا بِكُتُبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ: رَأَيْت مُحَمَّدًا فِي الْمَنَامِ فَقُلْت لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِك؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي، ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَرَدْت أَنْ أُعَذِّبَك مَا جَعَلْت هَذَا الْعِلْمَ فِيك، فَقُلْت لَهُ: فَأَيْنَ أَبُو يُوسُفَ؟ قَالَ: فَوْقَنَا بِدَرَجَتَيْنِ قُلْت: فَأَبُو حَنِيفَةَ؟ قَالَ: هَيْهَاتَ، ذَاكَ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ. كَيْفَ وَقَدْ صَلَّى الْفَجْرَ بِوُضُوءِ الْعِشَاءِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَحَجَّ خَمْسًا وَخَمْسِينَ حَجَّةً، وَرَأَى رَبَّهُ فِي الْمَنَامِ مِائَةَ مَرَّةٍ، وَلَهَا قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ. وَفِي حَجَّتِهِ الْأَخِيرَةِ اسْتَأْذَنَ حَجَبَةَ الْكَعْبَةِ بِالدُّخُولِ لَيْلًا فَقَامَ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى وَوَضَعَ الْيُسْرَى عَلَى ظَهْرِهَا حَتَّى خَتَمَ نِصْفَ الْقُرْآنِ ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ   [رد المحتار] وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ آخِرَ الْمُقَدِّمَةِ. وَفِي طَبَقَاتِ التَّمِيمِيِّ عَنْ شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِلسَّرَخْسِيِّ أَنَّ السِّيَرَ الْكَبِيرَ آخِرُ تَصْنِيفٍ صَنَّفَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْفِقْهِ. وَكَانَ سَبَبُهُ أَنَّ السِّيَرَ الصَّغِيرَ وَقَعَ بِيَدِ الْأَوْزَاعِيِّ إمَامِ أَهْلِ الشَّامِ فَقَالَ مَا لِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَالتَّصْنِيفِ فِي هَذَا الْبَابِ. فَإِنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِالسِّيَرِ، فَبَلَغَ مُحَمَّدًا فَصَنَّفَ الْكَبِيرَ، فَحَكَى أَنَّهُ لَمَّا نَظَرَ فِيهِ الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ: لَوْلَا مَا ضَمَّنَهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ لَقُلْت إنَّهُ يَضَعُ الْعِلْمَ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَيَّنَ جِهَةَ إصَابَةِ الْجَوَابِ فِي رَأْيِهِ، صَدَقَ اللَّهُ تَعَالَى - {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76]- ثُمَّ أَمَرَ مُحَمَّدٌ أَنْ يُكْتَبَ فِي سِتِّينَ دَفْتَرًا، وَأَنْ يُحْمَلَ إلَى الْخَلِيفَةِ فَأَعْجَبَهُ وَعَدَّهُ مِنْ مَفَاخِرِ أَيَّامِهِ اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: فَبِسَبَبِهِ صَارَ الشَّافِعِيُّ فَقِيهًا) أَيْ ازْدَادَ فَقَاهَةً، وَاطَّلَعَ عَلَى مَسَائِلَ لَمْ يَكُنْ مُطَّلِعًا عَلَيْهَا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا أَبْدَعَ فِي كَثْرَةِ اسْتِخْرَاجِ الْمَسَائِلِ، وَإِلَّا فَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقِيهٌ مُجْتَهِدٌ قَبْلَ وُرُودِهِ إلَى بَغْدَادَ، وَكَيْفَ يُسْتَفَادُ الِاجْتِهَادُ الْمُطْلَقُ مِمَّنْ لَيْسَ كَذَلِكَ أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ: وَاَللَّهِ مَا صِرْت فَقِيهًا) الْكَلَامُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَيْضًا: حَمَلْت مِنْ عِلْمِ ابْنِ الْحَسَنِ وِقْرَ بَعِيرٍ كُتُبًا. وَقَالَ: أَمَنُّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي الْفِقْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. (قَوْلُهُ: هَيْهَاتَ) اسْمُ فِعْلٍ: أَيْ بَعُدَ مَكَانُهُ عَنِّي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ط. (قَوْلُهُ: فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ) اسْمٌ لِأَعْلَى الْجَنَّةِ: أَيْ هُوَ فِي أَعْلَى مَكَان فِي الْجَنَّةِ أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالصَّحَابَةَ أَرْفَعُ مِنْهُ دَرَجَةً قَطْعًا. وَأَمَّا الدُّعَاءُ بِنَحْوِ اجْعَلْنِي مَعَ النَّبِيِّينَ فَالْمُرَادُ فِي الِاجْتِمَاعِ وَالْمُؤَانَسَةِ لَا فِي الدَّرَجَةِ وَالْمَنْزِلَةِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى - {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ} [النساء: 69]- إلَخْ ط. (قَوْلُهُ: كَيْفَ) اسْتِفْهَامٌ إنْكَارِيٌّ بِمَعْنَى النَّفْيِ: أَيْ كَيْفَ لَا يُعْطَى هَذَا الْمَكَانُ الْأَعْلَى ط. (قَوْلُهُ: وَلَهَا) أَيْ لِرُؤْيَتِهِ رَبَّهُ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ النَّجْمُ الْغَيْطِيُّ. وَهِيَ أَنَّ الْإِمَامَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: رَأَيْت رَبَّ الْعِزَّةِ فِي الْمَنَامِ تِسْعًا وَتِسْعِينَ مَرَّةً فَقُلْت فِي نَفْسِي إنْ رَأَيْته تَمَامَ الْمِائَةِ لَأَسْأَلَنَّهُ: بِمَ يَنْجُو الْخَلَائِقُ مِنْ عَذَابِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ: فَرَأَيْته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَقُلْت: يَا رَبِّ عَزَّ جَارُك وَجَلَّ ثَنَاؤُك وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُك، بِمَ يَنْجُو عِبَادُك يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَذَابِك؟ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: مَنْ قَالَ بَعْدَ الْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ: سُبْحَانَ الْأَبَدِيِّ الْأَبَدِ، سُبْحَانَ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ، سُبْحَانَ الْفَرْدِ الصَّمَدِ، سُبْحَانَ رَافِعِ السَّمَاءِ بِلَا عَمَدْ، سُبْحَانَ مَنْ بَسَطَ الْأَرْضَ عَلَى مَاءٍ جَمَدْ، سُبْحَانَ مَنْ خَلَقَ الْخَلْقَ فَأَحْصَاهُمْ عَدَدْ، سُبْحَانَ مَنْ قَسَمَ الرِّزْقَ وَلَمْ يَنْسَ أَحَدْ، سُبْحَانَ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدْ، سُبْحَانَ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدْ، نَجَا مِنْ عَذَابِي. اهـ. ط. (قَوْلُهُ: عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ. اهـ. ح أَيْ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ فِي النَّهْيِ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 ثُمَّ قَامَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَوَضَعَ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِهَا حَتَّى خَتَمَ الْقُرْآنَ، فَلَمَّا سَلَّمَ بَكَى وَنَاجَى رَبَّهُ وَقَالَ: إلَهِي مَا عَبَدَك هَذَا الْعَبْدُ الضَّعِيفُ حَقَّ عِبَادَتِك لَكِنْ عَرَفَك حَقَّ مَعْرِفَتِك، فَهَبْ نُقْصَانَ خِدْمَتِهِ لِكَمَالِ مَعْرِفَتِهِ، فَهَتَفَ هَاتِفٌ مِنْ جَانِبِ الْبَيْتِ: يَا أَبَا حَنِيفَةَ قَدْ عَرَفْتَنَا حَقَّ الْمَعْرِفَةِ وَخَدَمْتَنَا فَأَحْسَنْتَ الْخِدْمَةَ، قَدْ غَفَرْنَا لَك وَلِمَنْ اتَّبَعَك مِمَّنْ كَانَ عَلَى مَذْهَبِك إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِأَبِي حَنِيفَةَ: بِمَ بَلَغْت مَا بَلَغْت؟ قَالَ: مَا بَخِلْتُ بِالْإِفَادَةِ، وَمَا اسْتَنْكَفْتُ عَنْ الِاسْتِفَادَةِ. قَالَ مُسَافِرُ بْنُ كِدَامٍ: مَنْ جَعَلَ أَبَا حَنِيفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ رَجَوْت أَنْ لَا يَخَافَ. وَقَالَ فِيهِ: حَسْبِي مِنْ الْخَيْرَاتِ مَا أَعْدَدْته ... يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي رِضَا الرَّحْمَنِ دِينُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ خَيْرِ الْوَرَى ... ثُمَّ اعْتِقَادِي مَذْهَبَ النُّعْمَانِ وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ آدَمَ افْتَخَرَ بِي وَأَنَا أَفْتَخِرُ بِرَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي اسْمُهُ نُعْمَانُ وَكُنْيَتُهُ أَبُو حَنِيفَةَ، هُوَ سِرَاجُ أُمَّتِي» وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ سَائِرَ الْأَنْبِيَاءِ يَفْتَخِرُونَ بِي وَأَنَا أَفْتَخِرُ بِأَبِي حَنِيفَةَ، مَنْ أَحَبَّهُ فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُ فَقَدْ أَبْغَضَنِي» كَذَا فِي التَّقْدُمَةِ شَرْحِ مُقَدِّمَةِ أَبِي اللَّيْثِ. قَالَ فِي الضِّيَاءِ الْمَعْنَوِيِّ:   [رد المحتار] وَأَجَابَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِحَمْلِهِ عَلَى التَّرَاوُحِ؛ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ نَصْبِ الْقَدَمَيْنِ، وَتَفْسِيرُ التَّرَاوُحِ: أَنْ يَعْتَمِدَ الْمُصَلِّي عَلَى قَدَمٍ مَرَّةً وَعَلَى الْأُخْرَى مَرَّةً أُخْرَى: أَيْ مَعَ وَضْعِ الْقَدَمَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ بِدُونِ رَفْعِ إحْدَاهُمَا لَكِنْ يُبْعِدُهُ قَوْلُهُ وَوَضَعَ الْيُسْرَى عَلَى ظَهْرِهَا إلَخْ. أَفَادَهُ ط. وَقَدْ يُقَالُ: لِلْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَقْصِدٌ حَسَنٌ فِي ذَلِكَ نَفْيُ الْكَرَاهَةِ عَنْهُ كَمَا قَالُوا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ حَاسِرًا عَنْ رَأْسِهِ، لَكِنْ إذَا قَصَدَ التَّذَلُّلَ فَلَا كَرَاهَةَ. ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَجَابَ بِذَلِكَ فَقَالَ: إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مُجَاهَدَةً لِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ غَرَضُ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ بِذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَخْتَلَّ مِنْهُ خُشُوعُهُ مَانِعًا لِلْكَرَاهَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَقَّ عِبَادَتِك) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ: أَيْ عِبَادَتَك الْحَقَّةَ الَّتِي تَلِيقُ بِجَلَالِك بَلْ هِيَ بِقَدْرِ مَا فِي وُسْعِهِ ط. (قَوْلُهُ: لَكِنْ عَرَفَك) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ عَدَمَ عِبَادَتِهِ حَقَّ الْعِبَادَةِ نَشَأَ مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ عَرَفَهُ بِصِفَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى كِبْرِيَائِهِ وَمَجْدِهِ، وَاسْتِحْقَاقِهِ دَوَامَ مُشَاهَدَتِهِ، وَمُرَاقَبَتِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَعْرِفَةَ كُنْهِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ فَإِنَّهُ مِنْ الْمُسْتَحِيلَاتِ ط. (قَوْلُهُ: فَهَبْ) مِنْ الْهِبَةِ: وَهِيَ الْعَطِيَّةُ، يَقُولُ وَهَبْت لَهُ: أَيْ أَعْطِ نُقْصَانَ الْخِدْمَةِ لِكَمَالِ الْمَعْرِفَةِ أَيْ شَفَعَ هَذَا بِهَذَا كَمَا فِي هَبْ مُسِيئَنَا لِمُحْسِنِنَا. (قَوْلُهُ: وَلِمَنْ اتَّبَعَك) أَيْ فِي الْخِدْمَةِ وَالْمَعْرِفَةِ أَوْ فِيمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُك مِنْ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَلَمْ يَزِغْ عَنْهَا لَا بِمُجَرَّدِ التَّقْلِيدِ. (قَوْلُهُ: إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِكَانَ التَّامَّةِ أَوْ بِاتَّبَعَك (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لِأَبِي حَنِيفَةَ) ذَكَرَ فِي التَّعْلِيمِ هَذِهِ الْعِبَارَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ قَالَ: قِيلَ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: بِمَ أَدْرَكْت الْعِلْمَ؟ قَالَ: إنَّمَا أَدْرَكْت الْعِلْمَ بِالْجُهْدِ وَالشُّكْرِ، وَكُلَّمَا فَهِمْت وَوَقَفْت عَلَى فِقْهٍ وَحِكْمَةٍ قُلْت الْحَمْدُ لِلَّهِ فَازْدَادَ عِلْمِي ط. (قَوْلُهُ: وَمَا اسْتَنْكَفْت) أَيْ أَنِفْت وَامْتَنَعْت. (قَوْلُهُ: مُسَافِرُ بْنُ كِدَامٍ) الَّذِي رَأَيْته فِي مَوَاضِعَ كَتَعَدُّدِهِ: مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا وَكِدَامٌ بِالدَّالِ. (قَوْلُهُ: رَجَوْت أَنْ لَا يَخَافَ) لِأَنَّهُ قَلَّدَ إمَامًا عَالِمًا صَحِيحَ الِاجْتِهَادِ سَالِمَ الِاعْتِقَادِ، وَمَنْ قَلَّدَ عَالِمًا لَقَى اللَّهَ سَالِمًا، وَتَمَامُ كَلَامِ مِسْعَرٍ: وَأَنْ لَا يَكُونَ فَرَّطَ فِي الِاحْتِيَاطِ لِنَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ) أَيْ مِسْعَرٌ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْغَزْنَوِيَّةِ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ وَأَنَّهُ أَنْشَدَهُمَا أَبُو يُوسُفَ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: حَسْبِي) أَيْ كَافِي مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ مَا أَعْدَدْته: أَيْ هَيَّأْته، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتَعَلِّقٌ بِحَسْبِي أَوْ بِأَعْدَدْته أَوْ بِرِضَا وَفِي لِلسَّبَبِيَّةِ وَدِينُ بَدَلٌ مِنْ مَا. (قَوْلُهُ: وَأَنَا أَفْتَخِرُ إلَخْ) الْفَخْرُ وَالِافْتِخَارُ التَّمَدُّحُ بِالْخِصَالِ: أَيْ يَذْكُرُ مِنْ جُمْلَةِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ جَعَلَ مِنْ أَتْبَاعِهِ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي شَيَّدَ بُنْيَانَ الدِّينِ بَعْدَ انْقِرَاضِ الصَّحَابَةِ وَأَكْثَرِ التَّابِعِينَ، وَتَبِعَهُ مَا لَا يُحْصَى مِنْ الْأُمَّةِ، وَسَبَقَ فِي الِاجْتِهَادِ وَتَدْوِينِ الْفِقْهِ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَأَعَانَهُمْ بِأَصْحَابِهِ وَفَوَائِدِهِ الْجَمَّةِ عَلَى اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ الْمُهِمَّةِ. (قَوْلُهُ: الضِّيَاءِ الْمَعْنَوِيِّ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 وَقَوْلُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ إنَّهُ مَوْضُوعٌ تَعَصُّبٌ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ بِطُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ. وَرَوَى الْجُرْجَانِيُّ فِي مَنَاقِبِهِ بِسَنَدِهِ لِسَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ " لَوْ كَانَ فِي أُمَّتَيْ مُوسَى وَعِيسَى مِثْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لَمَا تَهَوَّدُوا وَلَمَا تَنَصَّرُوا "   [رد المحتار] هُوَ شَرْحُ مُقَدِّمَةِ الْغَزْنَوِيِّ لِلْقَاضِي أَبِي الْبَقَاءِ بْنِ الضِّيَاءِ الْمَكِّيِّ. (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ) أَيْ نَاقِلًا عَنْ الْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ رُوِيَ بِطُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ) بَسَطَهَا الْعَلَّامَةُ طَاشْ كُبْرَى، فَيُشْعِرُ بِأَنَّ لَهُ أَصْلًا، فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا فَيُقْبَلُ؛ إذْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ إثْبَاتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَلَا شَكَّ فِي تَحَقُّقِ مَعْنَاهُ فِي الْإِمَامِ فَإِنَّهُ سِرَاجٌ يُسْتَضَاءُ بِنُورِ عِلْمِهِ وَيُهْتَدَى بِثَاقِبِ فَهْمِهِ، لَكِنْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ قَدْ أَقَرَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَلَى عَدِّهِ هَذِهِ الْأَخْبَارَ فِي الْمَوْضُوعَاتِ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ وَالْحَافِظُ السُّيُوطِيّ وَالْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ وَالْحَافِظُ الَّذِينَ انْتَهَتْ إلَيْهِ رِئَاسَةُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي زَمَنِهِ الشَّيْخُ قَاسِمٌ الْحَنَفِيُّ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُورِدْ شَيْئًا مِنْهَا أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ الَّذِينَ صَنَّفُوا فِي مَنَاقِبِ هَذَا الْإِمَامِ كَالطَّحَاوِيِّ وَصَاحِبِ طَبَقَاتِ الْحَنَفِيَّةِ مُحْيِي الدِّينِ الْقُرَشِيِّ وَآخَرِينَ مُتْقِنِينَ ثِقَاتٍ أَثْبَاتٍ نُقَّادٍ لَهُمْ اطِّلَاعٌ كَثِيرٌ. اهـ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ فِي الْخَيْرَاتِ الْحِسَانِ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي حَنِيفَةَ النُّعْمَانِ: وَمَنْ اطَّلَعَ عَلَى مَا يَأْتِي فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ أَحْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَرَامَاتِهِ وَأَخْلَاقِهِ وَسِيرَتِهِ عَلِمَ أَنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ أَنْ يُسْتَشْهَدَ عَلَى فَضْلِهِ بِخَبَرٍ مَوْضُوعٍ. وَقَالَ: وَمِمَّا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى عَظِيمِ شَأْنِ أَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «تُرْفَعُ زِينَةُ الدُّنْيَا سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ» وَمِنْ ثَمَّ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْكُرْدِيُّ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُحْمَلٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ تِلْكَ السَّنَةِ. اهـ. وَقَالَ أَيْضًا: وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ تُشِيرُ إلَى فَضْلِهِ: مِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ رِجَالٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ» وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالشِّيرَازِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ بِلَفْظِ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَوْ كَانَ الْعِلْمُ مُعَلَّقًا عِنْدَ الثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ رِجَالٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ» وَلَفْظُ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ قَيْسٍ «لَا تَنَالُهُ الْعَرَبُ لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ» وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَذَهَبَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ حَتَّى يَتَنَاوَلَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ الدِّينُ مُعَلَّقًا بِالثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ رَجُلٌ مِنْ فَارِسَ» وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِفَارِسَ الْبِلَادَ الْمَعْرُوفَةَ، بَلْ جِنْسٌ مِنْ الْعَجَمِ وَهُمْ الْفُرْسُ؛ لِخَبَرِ الدَّيْلَمِيِّ «خَيْرُ الْعَجَمِ فَارِسُ» وَقَدْ كَانَ جَدُّ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ فَارِسَ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ. قَالَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ: هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الشَّيْخَانِ أَصْلٌ صَحِيحٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الْإِشَارَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَبِهِ يُسْتَغْنَى عَمَّا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الْمَنَاقِبِ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ دِرَايَةٌ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ فِي سَنَدِهِ كَذَّابِينَ وَوَضَّاعِينَ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي حَاشِيَةِ الشبراملسي عَلَى الْمَوَاهِبِ عَنْ الْعَلَّامَةِ الشَّامِيِّ تِلْمِيذِ الْحَافِظِ السُّيُوطِيّ قَالَ: مَا جَزَمَ بِهِ شَيْخُنَا مِنْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ فِي الْعِلْمِ مَبْلَغَهُ أَحَدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: التُّسْتَرِيِّ) إمَامٌ عَظِيمٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، كَانَ يَقُولُ: إنِّي لَأَعْهَدُ الْمِيثَاقَ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيَّ فِي عَالَمِ الذَّرِّ؛ وَإِنِّي لَأَرْعَى أَوْلَادِي مِنْ هَذَا الْوَقْتِ إلَى أَنْ أَخْرَجَهُمْ اللَّهُ مِنْ عِلْمِ الشُّهُودِ وَالظُّهُورِ. (قَوْلُهُ: لَمَا تَهَوَّدُوا إلَخْ) أَيْ لَمَا دَامُوا عَلَى دِينِهِمْ الْبَاطِلِ وَاعْتِقَادِهِمْ الْعَاطِلِ؛ وَلَمْ يَقْبَلُوا مَا أَدْخَلَهُ عَلَيْهِمْ عُلَمَاؤُهُمْ مِنْ الدَّسَائِسِ فَأَعْمَوْهُمْ عَمَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 وَمَنَاقِبُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَصَنَّفَ فِيهَا سَبْطُ بْنُ الْجَوْزِيِّ مُجَلَّدَيْنِ كَبِيرَيْنِ، وَسَمَّاهُ الِانْتِصَارَ لِإِمَامِ أَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ   [رد المحتار] جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا مِنْ النَّفَائِسِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا ذَلِكَ إلَّا لِعَقْلِهِمْ الْفَاسِدِ، وَرَأْيِهِمْ الْكَاسِدِ، فَلَوْ كَانَ فِيهِمْ مِثْلُهُ غَزِيرَ الْعِلْمِ، ثَاقِبَ الْفَهْمِ، قَائِمًا بِالصِّدْقِ، عَارِفًا بِالْحَقِّ، لَرَدَّ جَمِيعَ ذَلِكَ، وَأَنْقَذَهُمْ مِنْ الْمَهَالِكِ، قَبْلَ غُلُوِّهِمْ وَتَمَكُّنِ الشَّبَهِ فِي عُقُولِهِمْ، فَإِنَّ كَوْنَهُ وَاحِدًا مِنْهُمْ يَكُونُ لِكَلَامِهِ أَقْبَلَ، فَإِنَّ الْجِنْسَ إلَى الْجِنْسِ أَمْيَلُ، فَلَا يَلْزَمُ تَفْضِيلُهُ عَلَى نَبِيِّنَا الْمُكَرَّمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَمَنَاقِبُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى) هَذَا مِنْ مُشْكِلِ التَّرَاكِيبِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ تَفْضِيلُ الشَّيْءِ فِي الْأَكْثَرِيَّةِ عَلَى الْإِحْصَاءِ وَلَا مَعْنَى لَهُ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ قَلَّ مَنْ يَتَنَبَّهُ لِإِشْكَالِهَا، وَوُجِّهَ بِأَوْجُهٍ مُتَعَدِّدَةٍ بَيَّنْتهَا فِي رِسَالَتِي الْمُسَمَّاةِ بِالْفَوَائِدِ الْعَجِيبَةِ فِي إعْرَابِ الْكَلِمَاتِ الْغَرِيبَةِ، أَحْسَنُهَا مَا ذَكَرَهُ الرَّضِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ التَّفْضِيلَ بَلْ الْمُرَادُ الْبُعْدُ عَنْ الْكَثْرَةِ، فَمِنْ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ بِمَعْنَى تَجَاوَزَ وَبَايَنَ بِلَا تَفْضِيلٍ. (قَوْلُهُ: سَبْطُ) قِيلَ الْأَسْبَاطُ الْأَوْلَادُ خَاصَّةً، وَقِيلَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ، وَقِيلَ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ نِهَايَةُ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ الثَّالِثِ. (قَوْلُهُ: وَسَمَّاهُ الِانْتِصَارَ) إنَّمَا سَمَّاهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا شَاعَتْ فَضَائِلُهُ وَعَمَّتْ الْخَافِقِينَ فَوَاضِلُهُ، جَرَتْ عَلَيْهِ الْعَادَةُ الْقَدِيمَةُ مِنْ إطْلَاقِ أَلْسِنَةِ الْحَاسِدِينَ فِيهِ حَتَّى طَعَنُوا فِي اجْتِهَادِهِ وَعَقِيدَتِهِ بِمَا هُوَ مُبَرَّأٌ مِنْهُ قَطْعًا لِقَصْدِ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ وَيَأْبَى اللَّهُ إلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ، كَمَا تَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ فِي مَالِكٍ، وَبَعْضُهُمْ فِي الشَّافِعِيِّ، وَبَعْضُهُمْ فِي أَحْمَدَ، بَلْ قَدْ تَكَلَّمَتْ فِرْقَةٌ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَفِرْقَةٌ فِي عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَفِرْقَةٌ كَفَّرَتْ كُلَّ الصَّحَابَةِ: وَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْجُو مِنْ النَّاسِ سَالِمًا ... وَلِلنَّاسِ قَالٌ بِالظُّنُونِ وَقِيلُ وَمِمَّنْ انْتَصَرَ لِلْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْعَلَّامَةُ السُّيُوطِيّ فِي كِتَابٍ سَمَّاهُ تَبْيِيضَ الصَّحِيفَةِ وَالْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي كِتَابٍ سَمَّاهُ الْخَيْرَاتِ الْحِسَانَ وَالْعَلَّامَةُ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الْهَادِي الْحَنْبَلِيُّ فِي مُجَلَّدٍ كَبِيرٍ سَمَّاهُ تَنْوِيرَ الصَّحِيفَةِ، وَذَكَرَ فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا تَتَكَلَّمْ فِي أَبِي حَنِيفَةَ بِسُوءٍ وَلَا تُصَدِّقَنَّ أَحَدًا يُسِيءُ الْقَوْلَ فِيهِ، فَإِنِّي وَاَللَّهِ مَا رَأَيْت أَفْضَلَ وَلَا أَوْرَعَ وَلَا أَفْقَهَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَغْتَرُّ أَحَدٌ بِكَلَامِ الْخَطِيبِ، فَإِنَّ عِنْدَهُ الْعَصَبِيَّةَ الزَّائِدَةَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَبَعْضِ أَصْحَابِهِ، وَتَحَامَلَ عَلَيْهِمْ بِكُلِّ وَجْهٍ، وَصَنَّفَ فِيهِ بَعْضُهُمْ السَّهْمَ الْمُصِيبَ فِي كَيْدِ الْخَطِيبِ. وَأَمَّا ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَإِنَّهُ تَابَعَ الْخَطِيبَ وَقَدْ عَجِبَ سَبْطُهُ مِنْهُ حَيْثُ قَالَ فِي مِرْآةِ الزَّمَانِ: وَلَيْسَ الْعَجَبُ مِنْ الْخَطِيبِ فَإِنَّهُ طَعَنَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّمَا الْعَجَبُ مِنْ الْجَدِّ كَيْفَ سَلَكَ أُسْلُوبَهُ وَجَاءَ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ. قَالَ: وَمِنْ الْمُتَعَصِّبِينَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ الدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو نُعَيْمٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْحِلْيَةِ وَذَكَرَ مَنْ دُونَهُ فِي الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ اهـ. وَمِمَّنْ انْتَصَرَ لَهُ الْعَارِفُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ بِمَا يَتَعَيَّنُ مُطَالَعَتُهُ قَالَ فِي الْخَيْرَاتِ الْحِسَانِ: وَبِفَرْضِ صِحَّةِ مَا ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ مِنْ الْقَدْحِ عَنْ قَائِلِهِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَقْرَانِ الْإِمَامِ فَهُوَ مُقَلِّدٌ لِمَا قَالَهُ أَوْ كَتَبَهُ أَعْدَاؤُهُ أَوْ مِنْ أَقْرَانِهِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْأَقْرَانِ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ غَيْرُ مَقْبُولٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الذَّهَبِيُّ وَالْعَسْقَلَانِيُّ قَالَا وَلَا سِيَّمَا إذَا لَاحَ أَنَّهُ لِعَدَاوَةٍ أَوْ لِمَذْهَبٍ؛ إذْ الْحَسَدُ لَا يَنْجُو مِنْهُ إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ الذَّهَبِيُّ: وَمَا عَلِمْت أَنَّ عَصْرًا سَلِمَ أَهْلُهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا عَصْرَ النَّبِيِّينَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالصِّدِّيقِينَ. وَقَالَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ. يَنْبَغِي لَك أَيُّهَا الْمُسْتَرْشِدُ أَنْ تَسْلُكَ سَبِيلَ الْأَدَبِ مَعَ الْأَئِمَّةِ الْمَاضِينَ وَلَا تَنْظُرَ إلَى كَلَامِ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ إلَّا إذَا أَتَى بِبُرْهَانٍ وَاضِحٍ. ثُمَّ إنْ قَدَرْت عَلَى التَّأْوِيلِ وَتَحْسِينِ الظَّنِّ فَدُونَك، وَإِلَّا فَاضْرِبْ صَفْحًا، فَإِيَّاكَ ثُمَّ إيَّاكَ أَنْ تُصْغِيَ إلَى مَا اتَّفَقَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ، أَوْ بَيْنَ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، أَوْ بَيْنَ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ وَالنَّسَائِيُّ، أَوْ بَيْنَ أَحْمَدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 وَصَنَّفَ غَيْرُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ النُّعْمَانَ مِنْ أَعْظَمِ مُعْجِزَاتِ الْمُصْطَفَى   [رد المحتار] وَالْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ، وَذَكَرَ كَلَامَ كَثِيرِينَ مِنْ نُظَرَاءِ مَالِكٍ فِيهِ، وَكَلَامَ ابْنِ مَعِينٍ فِي الشَّافِعِيِّ. قَالَ: وَمَا مِثْلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِمَا وَفِي نَظَائِرِهِمَا إلَّا كَمَا قَالَ الْحَسَنُ بْنُ هَانِئٍ: يَا نَاطِحَ الْجَبَلِ الْعَالِي لِيُكْلِمَهُ ... أَشْفِقْ عَلَى الرَّأْسِ لَا تُشْفِقْ عَلَى الْجَبَلِ اهـ مُلَخَّصًا. وَقَدْ أَطَالَ فِي ذَلِكَ وَفِي ذِكْرِ مَنْ أَثْنَى عَلَى الْإِمَامِ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَمِمَّنْ بَعْدَهُمْ، وَمَا نَقَلُوهُ مِنْ سِعَةِ عِلْمِهِ وَفَهْمِهِ وَزُهْدِهِ وَوَرَعِهِ وَعِبَادَتِهِ وَاحْتِيَاطِهِ وَخَوْفِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتَدْعِي مُؤَلَّفَاتٍ، وَمَا يُنْسَبُ إلَى الْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ يَرُدُّهُ مَا ذَكَرَهُ فِي إحْيَائِهِ الْمُتَوَاتِرُ عَنْهُ حَيْثُ تَرْجَمَ الْأَئِمَّةَ الْأَرْبَعَةَ وَقَالَ: وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَلَقَدْ كَانَ أَيْضًا عَابِدًا زَاهِدًا عَارِفًا بِاَللَّهِ تَعَالَى، خَائِفًا مِنْهُ، مُرِيدًا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى بِعِلْمِهِ إلَخْ. أَقُولُ: وَلَا عَجَبَ مِنْ تَكَلُّمِ السَّلَفِ فِي بَعْضِهِمْ كَمَا وَقَعَ لِلصَّحَابَةِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْتَهِدِينَ فَيُنْكِرُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَنْ خَالَفَ الْآخَرَ سِيَّمَا إذَا قَامَ عِنْدَهُ مَا يَدُلُّ لَهُ عَلَى خَطَأِ غَيْرِهِ، فَلَيْسَ قَصْدُهُمْ إلَّا الِانْتِصَارُ لِلدِّينِ لَا لِأَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّمَا الْعَجَبُ مِمَّنْ يَدَّعِي الْعِلْمَ فِي زَمَانِنَا وَمَأْكَلُهُ وَمَشْرَبُهُ وَمَلْبَسُهُ وَعُقُودُهُ وَأَنْكِحَتُهُ وَكَثِيرٌ مِنْ تَعَبُّدَاتِهِ يُقَلِّدُ فِيهَا الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ ثُمَّ يَطْعَنُ فِيهِ وَفِي أَصْحَابِهِ، وَلَيْسَ مِثْلُهُ إلَّا كَمِثْلِ ذُبَابَةٍ وَقَعَتْ تَحْتَ ذَنَبِ جَوَادٍ فِي حَالَةِ كَرِّهِ وَفَرِّهِ وَلَيْتَ شِعْرِي لِأَيِّ شَيْءٍ يُصَدِّقُ مَا قِيلَ فِي أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يُصَدِّقُ مَا قِيلَ فِي إمَامِ مَذْهَبِهِ، وَلِمَ لَا يُقَلِّدُ إمَامَ مَذْهَبِهِ فِي أَدَبِهِ مَعَ هَذَا الْإِمَامِ الْجَلِيلِ؟ فَقَدْ نَقَلَ الْعُلَمَاءُ ثَنَاءَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَتَأَدُّبَهُمْ مَعَهُ وَلَا سِيَّمَا الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَالْكَامِلُ لَا يَصْدُرُ مِنْهُ إلَّا الْكَمَالُ، وَالنَّاقِصُ بِضِدِّهِ. وَيَكْفِي الْمُعْتَرِضَ حِرْمَانُهُ بَرَكَةَ مَنْ يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ، أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَدَامَنَا عَلَى حُبِّ سَائِرِ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ وَجَمِيعِ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَحَشَرَنَا فِي زُمْرَتِهِمْ يَوْمَ الدِّينِ. وَمِمَّا رُوِيَ مِنْ تَأَدُّبِهِ مَعَهُ أَنَّهُ قَالَ: إنِّي لَأَتَبَرَّكُ بِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَجِيءُ إلَى قَبْرِهِ، فَإِذَا عَرَضَتْ لِي حَاجَةٌ صَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ وَسَأَلْت اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ قَبْرِهِ فَتُقْضَى سَرِيعًا. وَذَكَرَ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ عَلَى الْمَنَاهِجِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ صَلَّى الصُّبْحَ عِنْدَ قَبْرِهِ فَلَمْ يَقْنُتْ، فَقِيلَ لَهُ لِمَ؟ قَالَ: تَأَدُّبًا مَعَ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ. وَزَادَ غَيْرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَجْهَرْ بِالْبَسْمَلَةِ. وَأَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لِلسُّنَّةِ مَا يُرَجِّحُ تَرْكَهَا عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ كَرَغْمِ أَنْفِ حَاسِدٍ، وَتَعْلِيمِ جَاهِلٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ لَهُ حُسَّادٌ كَثِيرُونَ، وَالْبَيَانُ بِالْفِعْلِ أَظْهَرُ مِنْهُ بِالْقَوْلِ، فَمَا فَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِ الْقُنُوتِ وَالْجَهْرِ. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ ذَلِكَ الطَّاعِنَ الْأَحْمَقَ طَاعِنٌ فِي إمَامِ مَذْهَبِهِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمِيزَانِ: سَمِعْت سَيِّدِي عَلِيًّا الْخَوَاصَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِرَارًا يَقُولُ: يَتَعَيَّنُ عَلَى أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ أَنْ يُعَظِّمُوا كُلَّ مَنْ مَدَحَهُ إمَامُهُمْ؛ لِأَنَّ إمَامَ الْمَذْهَبِ إذَا مَدَحَ عَالِمًا وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ أَتْبَاعِهِ أَنْ يَمْدَحُوهُ تَقْلِيدًا لِإِمَامِهِمْ، وَأَنْ يُنَزِّهُوهُ عَنْ الْقَوْلِ فِي دِينِ اللَّهِ بِالرَّأْيِ. وَقَالَ أَيْضًا لَوْ أَنْصَفَ الْمُقَلِّدُونَ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لَمْ يُضَعِّفْ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَوْلًا مِنْ أَقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ بَعْدَ أَنْ سَمِعُوا مَدْحَ أَئِمَّتِهِمْ لَهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ التَّنْوِيهِ بِرِفْعَةِ مَقَامِهِ إلَّا كَوْنَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَرَكَ الْقُنُوتَ فِي الصُّبْحِ لَمَّا صَلَّى عِنْدَ قَبْرِهِ لَكَانَ فِيهِ كِفَايَةٌ فِي لُزُومِ أَدَبِ مُقَلِّدِيهِ مَعَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَصَنَّفَ غَيْرُهُ) كَالْإِمَامِ الطَّحَاوِيِّ وَالْحَافِظِ الذَّهَبِيِّ وَالْكَرْدَرِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ قَدَّمْنَاهُمْ (قَوْلُهُ: مِنْ أَعْظَمِ مُعْجِزَاتِ إلَخْ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 بَعْدَ الْقُرْآنِ، وَحَسْبُك مِنْ مَنَاقِبِهِ اشْتِهَارُ مَذْهَبِهِ مَا قَالَ قَوْلًا إلَّا أَخَذَ بِهِ إمَامٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ الْحُكْمَ لِأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ مِنْ زَمَنِهِ إلَى هَذِهِ الْأَيَّامِ، إلَى أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبِهِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -،   [رد المحتار] قَدْ أَخْبَرَ بِهِ قَبْلَ وُجُودِهِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا، فَإِنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَيْهِ بِلَا شَكٍّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّامِيِّ صَاحِبِ السِّيرَةِ وَشَيْخِهِ السُّيُوطِيّ، كَمَا حُمِلَ حَدِيثُ «لَا تَسُبُّوا قُرَيْشًا فَإِنَّ عَالِمَهَا يَمْلَأُ الْأَرْضَ عِلْمًا» عَلَى الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، لَكِنْ حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَهُوَ حَقِيقٌ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ حَبْرُ الْأُمَّةِ وَتُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ، وَكَمَا حُمِلَ حَدِيثُ «يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الْإِبِلِ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ فَلَا يَجِدُونَ أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ» عَلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ، لَكِنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِغَيْرِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ الْمُنْفَرِدِينَ فِي زَمَنِهِمْ، بِخِلَافِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ فَإِنَّهَا لَيْسَ لَهَا مَحْمَلٌ إلَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ كَمَا أَفَادَهُ ط. وَأَمَّا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَهُوَ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ حَيْثُ الصُّحْبَةُ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْعِلْمِ وَالِاجْتِهَادِ وَنَشْرِ الدِّينِ وَتَدْوِينِ أَحْكَامِهِ كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ يُوجَدُ فِي الْمَفْضُولِ مَا لَا يُوجَدُ فِي الْفَاضِلِ، وَسُمِّيَ ذَلِكَ مُعْجِزَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّحَدِّي فِي تَعْرِيفِ الْمُعْجِزَةِ هُوَ دَعْوَى الرِّسَالَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ طَلَبُ الْمُعَارَضَةِ وَالْمُقَابَلَةِ، وَعَلَيْهِ فَذَلِكَ كَرَامَةٌ لَا مُعْجِزَةٌ، فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْقُرْآنِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَعْظَمَ، أَيْ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ الْمُعْجِزَاتِ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ مُعْجِزَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ دَائِمَةُ الْإِعْجَازِ وَقَيَّدَ بِذَلِكَ وَإِنْ عَبَّرَ بِمِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مُسَاوَاةُ هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ لِتِلْكَ، فَإِنَّ الْمُشَارَكَةَ فِي الْأَعْظَمِيَّةِ تَصْدُقُ بِالْمُسَاوَاةِ، فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: اشْتِهَارُ مَذْهَبِهِ) أَيْ فِي عَامَّةِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، بَلْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَقَالِيمِ وَالْبِلَادِ لَا يُعْرَفُ إلَّا مَذْهَبُهُ، كَبِلَادِ الرُّومِ وَالْهِنْدِ وَالسِّنْدِ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَسَمَرْقَنْدَ. وَقَدْ نُقِلَ أَنَّ فِيهَا تُرْبَةَ الْمُحَمَّدِينَ، دُفِنَ فِيهَا نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ نَفْسٍ كُلٌّ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدٌ، صَنَّفَ وَأَفْتَى وَأَخَذَ عَنْهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ. وَلَمَّا مَاتَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مَنَعُوا دَفْنَهُ بِهَا فَدُفِنَ بِقُرْبِهَا. وَرُوِيَ أَنَّهُ نَقَلَ مَذْهَبَهُ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافِ نَفَرٍ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ أَصْحَابٌ وَهَلُمَّ جَرَّا. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ لَمْ يَظْهَرْ لِأَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ الْمَشْهُورِينَ مِثْلُ مَا ظَهَرَ لِأَبِي حَنِيفَةَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَالتَّلَامِيذِ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ الْعُلَمَاءُ وَجَمِيعُ النَّاسِ بِمِثْلِ مَا انْتَفَعُوا بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ، فِي تَفْسِيرِ الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَبِهَةِ، وَالْمَسَائِلِ الْمُسْتَنْبَطَةِ، وَالنَّوَازِلِ وَالْقَضَايَا وَالْأَحْكَامِ، جَزَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى الْخَيْرَ التَّامَّ. وَقَدْ ذَكَرَ مِنْهُمْ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُحَدِّثِينَ فِي تَرْجَمَتِهِ ثَمَانَمِائَةٍ مَعَ ضَبْطِ أَسْمَائِهِمْ وَنَسَبِهِمْ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: قَوْلًا) أَيْ سَوَاءٌ ثَبَتَ عَلَيْهِ أَوْ رَجَعَ عَنْهُ ط. (قَوْلُهُ: إلَّا أَخَذَ بِهِ إمَامٌ) أَيْ مِنْ أَصْحَابِهِ تَبَعًا لَهُ، فَإِنَّ أَقْوَالَهُمْ مَرْوِيَّةٌ عَنْهُ كَمَا سَيَأْتِي، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ مُوَافَقَةً فِي اجْتِهَادِهِ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: مِنْ زَمَنِهِ إلَى هَذِهِ الْأَيَّامِ) فَالدَّوْلَةُ الْعَبَّاسِيَّةُ وَإِنْ كَانَ مَذْهَبُهُمْ مَذْهَبَ جَدِّهِمْ، فَأَكْثَرُ قُضَاتِهَا وَمَشَايِخِ إسْلَامِهَا حَنَفِيَّةٌ، يَظْهَرُ ذَلِكَ لِمَنْ تَصَفَّحَ كُتُبَ التَّوَارِيخِ وَكَانَ مُدَّةُ مُلْكِهِمْ خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ تَقْرِيبًا. وَأَمَّا الْمُلُوكُ السَّلْجُوقِيُّونَ وَبَعْدَهُمْ الْخَوَارِزْمِيُّونَ فَكُلُّهُمْ حَنَفِيُّونَ وَقُضَاةُ مَمَالِكِهِمْ غَالِبُهَا حَنَفِيَّةٌ. وَأَمَّا مُلُوكُ زَمَانِنَا سَلَاطِينُ آلِ عُثْمَانَ، أَيَّدَ اللَّهُ تَعَالَى دَوْلَتَهُمْ مَا كَرَّ الْجَدِيدَانِ فَمِنْ تَارِيخِ تِسْعِمِائَةٍ إلَى يَوْمِنَا هَذَا لَا يُوَلُّونَ الْقَضَاءَ وَسَائِرَ مَنَاصِبِهِمْ إلَّا لِلْحَنَفِيَّةِ قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ ادِّعَاءُ التَّخْصِيصِ فِي جَمِيعِ الْأَمَاكِنِ وَالْأَزْمَانِ، حَتَّى يَرِدَ أَنَّ الْقَضَاءَ بِمِصْرَ كَانَ مُخْتَصًّا بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ إلَى زَمَنِ الظَّاهِرِ بِيبَرْسَ البندقداري فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: إلَى أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبِهِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) تَبِعَ فِيهِ الْقُهُسْتَانِيَّ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِمَّا ذَكَرَهُ أَهْلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ اُخْتُصَّ بِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ الْعِظَامِ، كَيْفَ لَا وَهُوَ كَالصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لَهُ أَجْرُهُ وَأَجْرُ   [رد المحتار] الْكَشْفِ أَنَّ مَذْهَبَهُ آخِرُ الْمَذَاهِبِ انْقِطَاعًا فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ مَا نَصُّهُ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا مَنَّ عَلَيَّ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى عَيْنِ الشَّرِيعَةِ رَأَيْت الْمَذَاهِبَ كُلَّهَا مُتَّصِلَةً بِهَا، وَرَأَيْت مَذَاهِبَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ تَجْرِي جَدَاوِلُهَا كُلُّهَا، وَرَأَيْت جَمِيعَ الْمَذَاهِبِ الَّتِي انْدَرَسَتْ قَدْ اسْتَحَالَتْ حِجَارَةً، وَرَأَيْت أَطْوَلَ الْأَئِمَّةِ جَدْوَلًا الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ وَيَلِيهِ الْإِمَامُ مَالِكٌ، وَيَلِيهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ، وَيَلِيهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَقْصَرُهُمْ جَدْوَلًا الْإِمَامُ دَاوُد، وَقَدْ انْقَرَضَ فِي الْقَرْنِ الْخَامِسِ، فَأَوَّلْت ذَلِكَ بِطُولِ زَمَنِ الْعَمَلِ بِمَذَاهِبِهِمْ وَقِصَرِهِ فَكَمَا كَانَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلَ الْمَذَاهِبِ الْمُدَوَّنَةِ فَكَذَلِكَ يَكُونُ آخِرَهَا انْقِرَاضًا، وَبِذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْكَشْفِ اهـ لَكِنْ لَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ عِيسَى عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَحْكُمُ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ كَانَ الْعُلَمَاءُ مَوْجُودِينَ فِي زَمَنِهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ، وَلِهَذَا قَالَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ فِي رِسَالَةٍ سَمَّاهَا الْإِعْلَامَ مَا حَاصِلُهُ: إنَّ مَا يُقَالُ إنَّهُ يَحْكُمُ بِمَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَكَيْفَ يُظَنُّ بِنَبِيٍّ أَنَّهُ يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا مَعَ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ مِنْ آحَادِ هَذِهِ الْأَئِمَّةِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ، وَإِنَّمَا يَحْكُمُ بِالِاجْتِهَادِ، أَوْ بِمَا كَانَ يَعْلَمُهُ قَبْلُ مِنْ شَرِيعَتِنَا بِالْوَحْيِ، أَوْ بِمَا تَعَلَّمَهُ مِنْهَا وَهُوَ فِي السَّمَاءِ، أَوْ أَنَّهُ يَنْظُرُ فِي الْقُرْآنِ فَيَفْهَمُ مِنْهُ كَمَا كَانَ يَفْهَمُ نَبِيُّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اهـ وَاقْتَصَرَ السُّبْكِيُّ عَلَى الْأَخِيرِ. وَذَكَرَ مُنْلَا عَلِيِّ الْقَارِي أَنَّ الْحَافِظَ ابْنَ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيَّ سُئِلَ هَلْ يَنْزِلُ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَافِظًا لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ أَوْ يَتَلَقَّاهُمَا عَنْ عُلَمَاءِ ذَلِكَ الزَّمَانِ؟ فَأَجَابَ: لَمْ يُنْقَلْ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ صَرِيحٌ، وَاَلَّذِي يَلِيقُ بِمَقَامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ يَتَلَقَّى ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَحْكُمُ فِي أُمَّتِهِ كَمَا تَلَقَّاهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ خَلِيفَةٌ عَنْهُ. اهـ. وَمَا يُقَالُ إنَّ الْإِمَامَ الْمَهْدِيَّ يُقَلِّدُ أَبَا حَنِيفَةَ، رَدَّهُ مُنْلَا عَلَى الْقَارِي فِي رِسَالَتِهِ الْمَشْرَبُ الْوَرْدِيُّ فِي مَذْهَبِ الْمَهْدِيِّ وَقَرَّرَ فِيهَا أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ مُطْلَقٌ، وَرَدَّ فِيهَا مَا وَضَعَهُ بَعْضُ الْكَذَّابِينَ مِنْ قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ. حَاصِلُهَا: أَنَّ الْخَضِرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَعَلَّمَ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ، ثُمَّ عَلَّمَهَا لِلْإِمَامِ أَبِي الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيِّ، وَأَنَّ الْقُشَيْرِيِّ صَنَّفَ فِيهَا كُتُبًا وَضَعَهَا فِي صُنْدُوقٍ، وَأَمَرَ بَعْضَ مُرِيدِيهِ بِإِلْقَائِهِ فِي جَيْحُونَ، وَأَنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ نُزُولِهِ يُخْرِجُهُ مِنْ جَيْحُونَ وَيَحْكُمُ بِمَا فِيهِ، وَهَذَا كَلَامٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَا تَجُوزُ حِكَايَتُهُ إلَّا لِرَدِّهِ كَمَا أَوْضَحَهُ ط وَأَطَالَ فِي رَدِّهِ وَإِبْطَالِهِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَمِنْ كَثْرَةِ الْمَنَاقِبِ، وَمِنْ كَوْنِ الْحُكْمِ لِأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ ط. (قَوْلُهُ: سَائِرِ) بِمَعْنَى بَاقِي أَوْ جَمِيعِ عَلَى خِلَافٍ بَسَطَهُ فِي دُرَّةِ الْغَوَّاصِ. (قَوْلُهُ: كَيْفَ لَا) أَيْ كَيْفَ لَا يَخْتَصُّ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَالصِّدِّيقِ) وَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ابْتَدَأَ أَمْرًا لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ فَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ابْتَدَأَ جَمْعَ الْقُرْآنِ بَعْدَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَشُورَةِ عُمَرَ وَأَبُو حَنِيفَةَ ابْتَدَأَ تَدْوِينَ الْفِقْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، أَوْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ مِنْ الرِّجَالِ وَفَتَحَ بَابَ التَّصْدِيقِ كَذَا فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ. قَالَ شَيْخُنَا الْبَعْلِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهَا: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ وَجْهَ الشَّبَهِ بِهِ أَتَمُّ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ الثَّانِي، هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ بَعْدَمَا جُمِعَ لَا يُتَصَوَّرُ جَمْعُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ، فَإِنَّهُ قَدْ جُمِعَ ثَانِيًا وَالْجَامِعُ لَهُ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فَإِنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمْ يَجْمَعْهُ فِي الْمَصَاحِفِ وَجَمَعَهُ عُثْمَانُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ اهـ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لَهُ) أَيْ لِلْإِمَامِ أَجْرُهُ: أَيْ أَجْرُ عَمَلِ نَفْسِهِ، وَهُوَ تَدْوِينُ الْفِقْهِ وَاسْتِخْرَاجُ فُرُوعِهِ ط. (قَوْلُهُ: وَأَجْرُ) أَيْ وَمِثْلُ أَجْرِ مَنْ دَوَّنَ الْفِقْهَ: أَيْ جَمَعَهُ، وَأَصْلُهُ مِنْ التَّدْوِينِ: أَيْ جَعَلَهُ فِي الدِّيوَانِ، وَهُوَ بِكَسْرٍ وَفَتْحٍ اسْمٌ لِمَا يُكْتَبُ فِيهِ أَسْمَاءُ الْجَيْشِ لِلْعَطَاءِ، وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثُمَّ أُرِيدَ بِهِ مُطْلَقُ الْكُتُبِ مَجَازًا أَوْ مَنْقُولًا اصْطِلَاحِيًّا، وَقَوْلُهُ وَأَلَّفَهُ عَطْفٌ عَلَى دَوَّنَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. اهـ. بَعْلِيٌّ: أَيْ لِأَنَّ التَّأْلِيفَ جَمْعٌ عَلَى وَجْهِ الْأُلْفَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 مَنْ دَوَّنَ الْفِقْهَ وَأَلَّفَهُ وَفَرَّعَ أَحْكَامَهُ عَلَى أُصُولِهِ الْعِظَامِ، إلَى يَوْمِ الْحَشْرِ وَالْقِيَامِ. وَقَدْ اتَّبَعَهُ عَلَى مَذْهَبِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الْكِرَامِ، مِمَّنْ اتَّصَفَ بِثَبَاتِ الْمُجَاهَدَةِ، وَرَكَضَ فِي مَيْدَانِ الْمُشَاهَدَةِ كَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ وَشَقِيقٍ الْبَلْخِيّ وَمَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ وَأَبِي يَزِيدَ الْبِسْطَامِيِّ وَفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ وَدَاوُد الطَّائِيِّ،   [رد المحتار] تَنْبِيهٌ] وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ " لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ. الْحَدِيثَ " قَالَ الْعُلَمَاءُ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ ابْتَدَعَ شَيْئًا مِنْ الشَّرِّ كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُ مَنْ اقْتَدَى بِهِ فِي ذَلِكَ فَعَمِلَ مِثْلَ عَمَلِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَكُلُّ مَنْ ابْتَدَعَ شَيْئًا مِنْ الْخَيْرِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ كُلِّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَتَمَامُهُ فِي آخِرِ عُمْدَةِ الْمُرِيدِ لِلَّقَانِيِّ. (قَوْلُهُ: إلَى يَوْمِ الْحَشْرِ) تَنَازَعَ فِيهِ كُلُّ مَنْ دَوَّنَ وَأَلَّفَ وَفَرَّعَ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ اتَّبَعَهُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ كَالصِّدِّيقِ: أَيْ كَيْفَ لَا يَخْتَصُّ وَقَدْ اتَّبَعَهُ إلَخْ وَالْإِتْبَاعُ تَقْلِيدُهُ فِيمَا قَالَهُ ط. (قَوْلُهُ: مِنْ الْأَوْلِيَاءِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٌ لِكَثِيرٍ لِلْبَيَانِ، وَالْوَلِيُّ فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ، وَهُوَ مَنْ تَوَالَتْ طَاعَتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا عِصْيَانٌ، وَبِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، فَهُوَ مَنْ يَتَوَالَى عَلَيْهِ إحْسَانُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِفْضَالُهُ تَعْرِيفَاتُ السَّيِّدِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ الْوَصْفَيْنِ حَتَّى يَكُونَ وَلِيًّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ كَوْنُهُ مَحْفُوظًا كَمَا يُشْتَرَطُ فِي النَّبِيِّ كَوْنُهُ مَعْصُومًا كَمَا فِي رِسَالَةِ الْإِمَامِ الْقُشَيْرِيِّ. (قَوْلُهُ: مِمَّنْ اتَّصَفَ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ أَوْ حَالٌ. (قَوْلُهُ: بِثَبَاتِ الْمُجَاهَدَةِ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى مَوْصُوفِهَا: أَيْ الْمُجَاهَدَةِ الثَّابِتَةِ أَيْ الدَّائِمَةِ. وَالْمُجَاهَدَةُ لُغَةً: الْمُحَارَبَةُ. وَفِي الشَّرْعِ: مُحَارَبَةُ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ بِتَحَمُّلِهَا مَا يَشُقُّ عَلَيْهَا مِمَّا هُوَ مَطْلُوبٌ فِي الشَّرْعِ تَعْرِيفَاتٌ، وَقَدْ وَرَدَ تَسْمِيَةُ ذَلِكَ بِالْجِهَادِ الْأَكْبَرِ كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ. قَالَ الْعِرَاقِيُّ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ جَابِرٍ، وَرَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَزَاةٍ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَدِمْتُمْ خَيْرَ مَقْدَمٍ وَقَدِمْتُمْ مِنْ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ، قَالُوا: وَمَا الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ؟ قَالَ: مُجَاهَدَةُ الْعَبْدِ هَوَاهُ» . اهـ. (قَوْلُهُ: الْمُشَاهَدَةِ) أَيْ مُشَاهَدَةِ الْحَقِّ تَعَالَى بِآثَارِهِ. (قَوْلُهُ: كَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ) بْنِ مَنْصُورٍ الْبَلْخِيّ. كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ، خَرَجَ مُتَصَيِّدًا فَهَتَفَ بِهِ هَاتِفٌ: أَلِهَذَا خُلِقْت؟ فَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ وَأَخَذَ جُبَّةَ رَاعٍ وَسَارَ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ ثُمَّ أَتَى الشَّامَ وَمَاتَ بِهَا كَذَا فِي رِسَالَةِ الْقُشَيْرِيِّ. (قَوْلُهُ: وَشَقِيقٍ الْبَلْخِيّ) بْنِ إبْرَاهِيمَ الزَّاهِدِ الْعَابِدِ الْمَشْهُورِ. صَحِبَ أَبَا يُوسُفَ الْقَاضِيَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ كِتَابَ الصَّلَاةِ، ذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْمُقَدِّمَةِ، وَهُوَ أُسْتَاذُ حَاتِمٍ الْأَصَمِّ، وَصَحِبَ إبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ، مَاتَ شَهِيدًا سَنَةَ (194) تَمِيمِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَمَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ) بْنِ فَيْرُوزَ، مِنْ الْمَشَايِخِ الْكِبَارِ، مُجَابِ الدَّعْوَةِ، يُسْتَسْقَى بِقَبْرِهِ وَهُوَ أُسْتَاذُ السِّرِّيِّ السَّقَطِيِّ مَاتَ سَنَةَ (200) . (قَوْلُهُ: وَأَبِي يَزِيدَ الْبِسْطَامِيِّ) شَيْخُ الْمَشَايِخِ، وَذُو الْقَدَمِ الرَّاسِخِ، وَاسْمُهُ طَيْفُورُ بْنُ عِيسَى. كَانَ جَدُّهُ مَجُوسِيًّا وَأَسْلَمَ، مَاتَ سَنَةَ (161) . (قَوْلُهُ: وَفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ) الْخُرَاسَانِيِّ. رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ، وَأَنَّهُ عَشِقَ جَارِيَةً وَارْتَقَى جِدَارًا لَهَا، فَسَمِعَ تَالِيًا يَتْلُو - {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: 16] فَتَابَ وَرَجَعَ، فَوَرَدَ مَكَّةَ وَجَاوَرَ بِهَا الْحَرَمَ، وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ (187) رِسَالَةُ الْقُشَيْرِيِّ. وَذَكَرَ الصَّيْمَرِيُّ أَنَّهُ أَخَذَ الْفِقْهَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَرَوَى عَنْهُ الشَّافِعِيُّ، فَأَخَذَ عَنْ إمَامٍ عَظِيمٍ، وَأَخَذَ عَنْهُ إمَامٌ عَظِيمٌ. وَرَوَى لَهُ إمَامَانِ عَظِيمَانِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَتَرْجَمَهُ التَّمِيمِيُّ وَغَيْرُهُ بِتَرْجَمَةٍ حَافِلَةٍ. (قَوْلُهُ: وَدَاوُد الطَّائِيِّ) هُوَ ابْنُ نَصْرِ بْنِ نُصَيْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْكُوفِيِّ الطَّائِيِّ، الْعَالِمُ الْعَامِلُ، الزَّاهِدُ الْعَابِدُ، أَحَدُ أَصْحَابِ الْإِمَامِ، كَانَ مِمَّنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِالْعِلْمِ وَدَرَسَ الْفِقْهَ وَغَيْرَهُ، ثُمَّ اخْتَارَ الْعُزْلَةَ وَلَزِمَ الْعِبَادَةَ. قَالَ مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ: لَوْ كَانَ دَاوُد فِي الْأُمَمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وَأَبِي حَامِدٍ اللَّفَّافِ وَخَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ وَأَبِي بَكْرٍ الْوَرَّاقِ، وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا يُحْصَى لِبُعْدِهِ أَنْ يُسْتَقْصَى، فَلَوْ وَجَدُوا فِيهِ شُبْهَةً مَا اتَّبَعُوهُ، وَلَا اقْتَدَوْا بِهِ وَلَا وَافَقُوهُ.   [رد المحتار] الْمَاضِيَةِ لَقَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِ، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: مَاتَ سَنَةَ (160) . (قَوْلُهُ: وَأَبِي حَامِدٍ اللَّفَّافِ) هُوَ أَحْمَدُ بْنُ خِضْرَوَيْهِ الْبَلْخِيّ، مِنْ كِبَارِ مَشَايِخِ خُرَاسَانَ، مَاتَ سَنَةَ (240) رِسَالَةٌ. (قَوْلُهُ: وَخَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ) مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا، وَأَخَذَ الزُّهْدَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ، وَصَحِبَهُ مُدَّةً: وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ سَنَةَ (215) كَمَا ذَكَرَهُ التَّمِيمِيُّ: وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: صَارَ الْعِلْمُ مِنْ اللَّهِ إلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ صَارَ إلَى الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، ثُمَّ صَارَ إلَى التَّابِعِينَ، ثُمَّ صَارَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَرْضَ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَسْخَطْ. (قَوْلُهُ: وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ) الزَّاهِدُ الْفَقِيهُ الْمُحَدِّثُ، أَحَدُ الْأَئِمَّةِ، جَمَعَ الْفِقْهَ وَالْأَدَبَ وَالنَّحْوَ وَاللُّغَةَ وَالْفَصَاحَةَ وَالْوَرَعَ وَالْعِبَادَةَ، وَصَنَّفَ الْكُتُبَ الْكَثِيرَةَ. قَالَ الذَّهَبِيُّ: هُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ وَالزُّهْدِ، وَأَحَدُ شُيُوخِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَخَذَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَدَحَهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَشَهِدَ لَهُ الْأَئِمَّةُ، مَاتَ سَنَةَ (181) وَتَرْجَمَهُ التَّمِيمِيُّ بِتَرْجَمَةٍ حَافِلَةٍ، وَذَكَرَ مِنْ مَحَاسِنِ أَخْبَارِهِ مَا يَأْخُذُ بِمَجَامِعِ الْعَقْلِ، وَلَهُ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي فُرُوعِ الْمُذْهَبِ ذُكِرَتْ فِي الْمُطَوَّلَاتِ. (قَوْلُهُ: وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ) بْنِ مَلِيحِ بْنِ عَدِيٍّ الْكُوفِيِّ، شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَأَحَدِ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ. قَالَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ: كَانَ وَكِيعٌ يَصُومُ الدَّهْرَ، وَيَخْتِمُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: مَا رَأَيْت أَفْضَلَ مِنْهُ قِيلَ لَهُ: وَلَا ابْنَ الْمُبَارَكِ؟ قَالَ: كَانَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ فَضْلٌ، وَلَكِنْ مَا رَأَيْت أَفْضَلَ مِنْ وَكِيعٍ، كَانَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَسْرُدُ الصَّوْمَ، وَيُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَانَ قَدْ سَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا كَثِيرًا. قَالَ: وَكَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ يُفْتِي بِقَوْلِهِ أَيْضًا، مَاتَ سَنَةَ (198) ، وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ تَمِيمِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَأَبِي بَكْرٍ الْوَرَّاقِ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو التِّرْمِذِيُّ. أَقَامَ بِبَلْخٍ، وَصَحِبَ أَحْمَدَ بْنَ خِضْرَوَيْهِ، وَلَهُ تَصَانِيفُ فِي الرِّيَاضَاتِ، رِسَالَةٌ. وَفِي طَبَقَاتِ التَّمِيمِيِّ: أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي جُمْلَةِ أَصْحَابِنَا بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْكَرْخِيَّ، فَقَالَ: وَلَهُ مِنْ الْكُتُبِ شَرْحُ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ، وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ خَرَجَ حَاجًّا فَلَمَّا سَارَ مَرْحَلَةً قَالَ لِأَصْحَابِهِ رُدُّونِي، ارْتَكَبْت سَبْعَمِائَةِ كَبِيرَةٍ فِي مَرْحَلَةٍ وَاحِدَةٍ فَرَدُّوهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرِهِمْ) كَالْإِمَامِ الْعَارِفِ الْمَشْهُورِ بِالزُّهْدِ وَالْوَرَعِ وَالتَّقَشُّفِ وَالتَّقَلُّلِ حَاتِمٍ الْأَصَمِّ، أَحَدِ أَتْبَاعِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، لَهُ كَلَامٌ مُدَوَّنٌ فِي الزُّهْدِ وَالْحِكَمِ: سَأَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ: أَخْبِرْنِي يَا حَاتِمُ فِيمَ التَّخَلُّصُ مِنْ النَّاسِ؟ فَقَالَ: يَا أَحْمَدُ فِي ثَلَاثِ خِصَالٍ: أَنْ تُعْطِيَهُمْ مَالَك وَلَا تَأْخُذَ مِنْ مَالِهِمْ شَيْئًا، وَتَقْضِيَ حُقُوقَهُمْ وَلَا تَسْتَقْضِيَ أَحَدًا مِنْهُمْ حَقًّا لَك، وَتَحْتَمِلَ مَكْرُوهَهُمْ وَلَا تُكْرِهَ أَحَدًا مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ، فَأَطْرَقَ أَحْمَدُ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: يَا حَاتِمُ إنَّهَا لَشَدِيدَةٌ، فَقَالَ لَهُ حَاتِمُ: وَلَيْتَك تَسْلَمُ. وَمِنْهُمْ خَتْمُ دَائِرَةِ الْوِلَايَةِ قُطْبُ الْوُجُودِ سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الشَّاذِلِيُّ الْبَكْرِيُّ الشَّهِيرُ بِالْحَنَفِيِّ، الْفَقِيهُ الْوَاعِظُ أَحَدُ مَنْ صَرَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكَوْنِ، وَمَكَّنَهُ مِنْ الْأَحْوَالِ، وَنَطَقَ بِالْمُغَيَّبَاتِ، وَخَرَقَ لَهُ الْعَوَائِدَ، وَقَلَبَ لَهُ الْأَعْيَانَ، وَتَرْجَمَهُ بَعْضُهُمْ فِي مُجَلَّدَيْنِ، فَقَالَ الْعَارِفُ الشَّعْرَانِيُّ: إنَّهُ لَمْ يُحِطْ عِلْمًا بِمَقَامِهِ حَتَّى يَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ بَعْضَ أُمُورٍ عَلَى طَرِيقِ أَرْبَابِ التَّوَارِيخِ تُوُفِّيَ سَنَةَ (847) . (قَوْلُهُ: لِبُعْدِهِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا يُحْصَى، وَحُذِفَ مِنْ قَبْلُ قَوْلُهُ أَنْ يَسْتَقْصِيَ لِأَمْنِ اللَّبْسِ، وَهُوَ شَائِعٌ مُطَّرِدٌ: أَيْ لَا يُمْكِنُ إحْصَاؤُهُ لِتَبَاعُدِهِ مِنْ طَلَبِ اسْتِقْصَائِهِ: أَيْ غَايَتِهِ وَمُنْتَهَاهُ وَالتَّعْبِيرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 وَقَدْ قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ فِي رِسَالَتِهِ مَعَ صَلَابَتِهِ فِي مَذْهَبِهِ وَتَقَدُّمِهِ فِي هَذِهِ الطَّرِيقَةِ: سَمِعْت الْأُسْتَاذَ أَبَا عَلِيٍّ الدَّقَّاقَ يَقُولُ: أَنَا أَخَذْت هَذِهِ الطَّرِيقَةَ مِنْ أَبِي الْقَاسِمِ النَّصْرَابَاذِيِّ. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: أَنَا أَخَذْتهَا مِنْ الشِّبْلِيِّ، وَهُوَ أَخَذَهَا مِنْ السَّرِيِّ السَّقَطِيِّ، وَهُوَ مِنْ مَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ، وَهُوَ مِنْ دَاوُد الطَّائِيِّ. وَهُوَ أَخَذَ الْعِلْمَ وَالطَّرِيقَةَ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ أَثْنَى عَلَيْهِ وَأَقَرَّ بِفَضْلِهِ. فَعَجَبًا لَك يَا أَخِي: أَلَمْ يَكُنْ لَك أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي هَؤُلَاءِ السَّادَاتِ الْكِبَارِ؟ أَكَانُوا مُتَّهَمِينَ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ وَالِافْتِخَارِ، وَهُمْ أَئِمَّةُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَأَرْبَابُ الشَّرِيعَةِ وَالْحَقِيقَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ   [رد المحتار] بِقَوْلِهِ لَا يُحْصَى أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِنَا لَا يُعَدُّ؛ لِأَنَّ الْعَدَّ أَنْ تَعُدَّ فَرْدًا فَرْدًا، وَالْإِحْصَاءُ يَكُونُ لِلْجُمَلِ؛ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى - {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل: 18]- مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنْ أَرَدْتُمْ عَدَّهَا فَلَا تَقْدِرُوا عَلَى إحْصَائِهَا، فَضْلًا عَنْ الْعَدِّ كَذَا أَفَادَهُ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ: أَبُو الْقَاسِمِ) تِلْكَ كُنْيَتُهُ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْحَافِظُ الْمُفَسِّرُ الْفَقِيهُ، النَّحْوِيُّ اللُّغَوِيُّ الْأَدِيبُ الْكَاتِبُ الْقُشَيْرِيُّ، الشُّجَاعُ الْبَطَلُ، لَمْ يَرَ مِثْلَ نَفْسِهِ، وَلَا رَأَى الرَّاءُونَ مِثْلَهُ، وَأَنَّهُ الْجَامِعُ لِأَنْوَاعِ الْمَحَاسِنِ. وُلِدَ سَنَةَ (377) وَسَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ. وَرَوَى عَنْهُ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيفَ الشَّهِيرَةَ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ (465) ط عَنْ الزَّرْقَانِيِّ عَلَى الْمَوَاهِبِ. (قَوْلُهُ: فِي رِسَالَتِهِ) أَيْ الَّتِي كَتَبَهَا إلَى جَمَاعَةِ الصُّوفِيَّةِ بِبُلْدَانِ الْإِسْلَامِ سَنَةَ (437) هـ، ذَكَرَ فِيهَا مَشَايِخَ الطَّرِيقَةِ وَفَسَّرَ أَلْفَاظًا تَدُورُ بَيْنَهُمْ بِعِبَارَاتٍ أَنِيقَةٍ. (قَوْلُهُ: مَعَ صَلَابَتِهِ) أَيْ قُوَّتِهِ وَتَمَكُّنِهِ ط. (قَوْلُهُ: فِي مَذْهَبِهِ) وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أَوْ طَرِيقَةُ أَهْلِ الْحَقِيقَةِ ط. (قَوْلُهُ: سَمِعْت إلَخْ) مَقُولُ الْقَوْلِ وَأَبُو عَلِيٍّ هُوَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ. وَأَبُو الْقَاسِمِ: هُوَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّصْرَابَاذِيُّ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ شَيْخُ خُرَاسَانَ، جَاوَرَ بِمَكَّةَ، وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ (357) . وَالشِّبْلِيُّ هُوَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ دُلَفَ الشِّبْلِيُّ الْبَغْدَادِيُّ الْمَالِكِيُّ الْمَذْهَبِ، صَحِبَ الْجُنَيْدَ، مَاتَ سَنَةَ (334) وَالسِّرِّيُّ هُوَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مُغَلِّسٍ السَّقَطِيُّ خَالُ الْجُنَيْدِ وَأُسْتَاذُهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ (257) . (قَوْلُهُ: مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ) هُوَ فَارِسُ هَذَا الْمَيْدَانِ، فَإِنَّ مَبْنَى عِلْمِ الْحَقِيقَةِ عَلَى الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَتَصْفِيَةِ النَّفْسِ، وَقَدْ وَصَفَهُ بِذَلِكَ عَامَّةُ السَّلَفِ، فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي حَقِّهِ إنَّهُ كَانَ مِنْ الْعِلْمِ وَالْوَرَعِ وَالزُّهْدِ وَإِيثَارِ الْآخِرَةِ بِمَحَلٍّ لَا يُدْرِكُهُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ ضُرِبَ بِالسِّيَاطِ لِيَلِيَ الْقَضَاءَ فَلَمْ يَفْعَلْ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: لَيْسَ أَحَدٌ أَحَقَّ مِنْ أَنْ يُقْتَدَى بِهِ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ إمَامًا تَقِيًّا نَقِيًّا وَرِعًا عَالِمًا فَقِيهًا، كَشَفَ الْعِلْمَ كَشْفًا لَمْ يَكْشِفْهُ أَحَدٌ بِبَصَرٍ وَفَهْمٍ وَفِطْنَةٍ وَتُقًى: وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لِمَنْ قَالَ لَهُ جِئْت مِنْ عِنْدِ أَبِي حَنِيفَةَ: لَقَدْ جِئْت مِنْ عِنْدِ أَعْبَدْ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا نَقَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْأَثْبَاتِ. (قَوْلُهُ: فَعَجَبًا) هُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ: أَيْ فَأَعْجَبُ مِنْك عَجَبًا وَهَذَا الْخِطَابُ لِمَنْ أَنْكَرَ فَضْلَهُ أَوْ خَالَفَ قَوْلَهُ ط. (قَوْلُهُ: أَلَمْ يَكُنْ) اسْتِفْهَامٌ تَقْرِيرِيٌّ بِمَا بَعْدَ النَّفْيِ، أَوْ هُوَ إنْكَارِيٌّ بِمَعْنَى النَّفْيِ كَاَلَّذِي بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: أُسْوَةٌ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا: أَيْ قُدْوَةٌ. (قَوْلُهُ: فِي هَؤُلَاءِ) مُتَعَلِّقٌ بِأُسْوَةٍ، وَفِي بِمَعْنَى الْبَاءِ أَوْ لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى - {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]-. (قَوْلُهُ: وَهُمْ أَئِمَّةُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ إلَخْ) فِي رِسَالَةِ الْفُتُوحَاتِ لِلْقَاضِي زَكَرِيَّا: الطَّرِيقَةُ سُلُوكُ طَرِيقِ الشَّرِيعَةِ، وَالشَّرِيعَةُ: أَعْمَالٌ شَرْعِيَّةٌ مَحْدُودَةٌ، وَهُمَا وَالْحَقِيقَةُ ثَلَاثَةٌ مُتَلَازِمَةٌ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ إلَيْهِ تَعَالَى ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ فَظَاهِرُهَا الطَّرِيقَةُ وَالشَّرِيعَةُ، وَبَاطِنُهَا الْحَقِيقَةُ فَبُطُونُ الْحَقِيقَةِ فِي الشَّرِيعَةِ، وَالطَّرِيقَةِ كَبُطُونِ الزُّبْدِ فِي لَبَنِهِ، لَا يُظْفَرُ بِزُبْدِهِ بِدُونِ مَخْضِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الثَّلَاثَةِ إقَامَةُ الْعُبُودِيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُرَادِ مِنْ الْعَبْدِ اهـ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ بَعْدَهُمْ) أَيْ مَنْ أَتَى بَعْدَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ فِي الزَّمَانِ سَالِكًا فِي هَذَا الْأَمْرِ وَهُوَ عِلْمُ الشَّرِيعَةِ وَالْحَقِيقَةِ فَهُوَ تَابِعٌ لَهُمْ؛ إذْ هُمْ الْأَئِمَّةُ فِيهِ فَيَكُونُ فَخْرُهُ بِاتِّصَالِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 فِي هَذَا الْأَمْرِ فَلَهُمْ تَبَعٌ، وَكُلُّ مَا خَالَفَ مَا اعْتَمَدُوهُ مَرْدُودٌ وَمُبْتَدَعٌ. وَبِالْجُمْلَةِ فَلَيْسَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي زُهْدِهِ وَوَرَعِهِ وَعِبَادَتِهِ وَعِلْمِهِ وَفَهْمِهِ بِمُشَارَكٍ وَمِمَّا قَالَ فِيهِ ابْنُ الْمُبَارَكِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَقَدْ زَانَ الْبِلَادَ وَمَنْ عَلَيْهَا ... إمَامُ الْمُسْلِمِينَ أَبُو حَنِيفَهْ بِأَحْكَامٍ وَآثَارٍ وَفِقْهٍ ... كَآيَاتِ الزَّبُورِ عَلَى صَحِيفَهْ   [رد المحتار] سَنَدِهِ بِهَذَا الْإِمَامِ كَمَا كَانَ ذَلِكَ فَخْرُ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ الَّذِينَ افْتَخَرُوا بِذَلِكَ وَتَبِعُوهُ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَشْرَبِهِ، وَاقْتَدَى كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِطَرِيقَتِهِ وَمَذْهَبِهِ. (قَوْلُهُ: فَلَهُمْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَبِعَ، وَهُوَ بِالتَّحْرِيكِ بِمَعْنَى تَابِعٌ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ مَنْ، وَدَخَلَتْ عَلَيْهَا الْفَاءُ لِأَنَّ مَنْ فِيهَا مَعْنَى الْعُمُومِ فَأَشْبَهَتْ الشَّرْطِيَّةَ. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَا) أَيْ كُلُّ رَأْيٍ. (قَوْلُهُ: مَا اعْتَمَدُوهُ) مِنْ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالِافْتِخَارِ بِهِ مِنْ حَيْثُ أَخْذُ عِلْمِ الْحَقِيقَةِ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: وَمُبْتَدَعٌ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ: أَيْ مُحْدَثٌ لَمْ يُسْبَقْ بِنَظِيرٍ. (قَوْلُهُ: وَبِالْجُمْلَةِ) أَيْ وَأَقُولُ قَوْلًا مُلْتَبِسًا بِالْجُمْلَةِ: أَيْ جُمْلَةَ مَا يُقَالُ فِي هَذَا الْمَقَامِ. (قَوْلُهُ: لَقَدْ زَانَ الْبِلَادَ إلَخْ) مِنْ الزَّيْنِ: وَهُوَ ضِدُّ الشَّيْنِ، يُقَالُ زَانَهُ وَأَزَانَهُ وَزَيَّنَهُ وَأَزْيَنَهُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَالْبِلَادُ: جَمْعُ بَلَدٍ كُلُّ قِطْعَةٍ مِنْ الْأَرْضِ مُسْتَحِيزَةٌ عَامِرَةٌ أَوْ غَامِرَةٌ قَامُوسٌ وَمَنْ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، وَقَوْلُهُ بِأَحْكَامٍ مُتَعَلِّقٌ بِزَانَ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اسْتِنْبَاطَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَتَدْوِينَهَا وَتَعْلِيمَهَا لِلنَّاسِ سَبَبٌ لِلْعَمَلِ بِهَا. وَلَا شَكَّ أَنَّ الِانْقِيَادَ لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَعَمَلِ الْحُكَّامِ بِهَا وَالرَّعِيَّةِ زَيْنٌ لِلْبِلَادِ وَالْعِبَادِ يَنْتَظِمُ بِهِ أَمْرُ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، وَبِضِدِّهِ الْجَهْلُ وَالْفَسَادُ، فَإِنَّهُ شَيْنٌ وَدَمَارٌ لِلدِّيَارِ وَالْأَعْمَارِ. (قَوْلُهُ: وَآثَارٍ) جَمْعُ أَثَرٍ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْأَثَرُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ يَعُمُّ الْمَرْفُوعَ وَالْمَوْقُوفَ كَالْخَبَرِ، وَالْمُخْتَارُ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَرْوِيِّ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ عَنْ الصَّحَابِيِّ أَوْ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَصَّهُ فُقَهَاءُ خُرَاسَانَ بِالْمَوْقُوفِ عَلَى الصَّحَابِيِّ وَالْخَبَرِ بِالْمَرْفُوعِ. وَلَقَدْ كَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إمَامًا فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَخَذَ الْحَدِيثَ عَنْ أَرْبَعَةِ آلَافِ شَيْخٍ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْ ثَمَّ ذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ وَغَيْرُهُ فِي طَبَقَاتِ الْحُفَّاظِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ، وَمَنْ زَعَمَ قِلَّةَ اعْتِنَائِهِ بِالْحَدِيثِ فَهُوَ إمَّا لِتَسَاهُلِهِ أَوْ حَسَدِهِ إذْ كَيْفَ يَتَأَتَّى مِمَّنْ هُوَ كَذَلِكَ اسْتِنْبَاطُ مِثْلِ مَا اسْتَنْبَطَهُ مِنْ الْمَسَائِلِ مَعَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ اسْتَنْبَطَ مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ الْمَعْرُوفِ فِي كُتُبِ أَصْحَابِهِ، وَلِأَجْلِ اشْتِغَالِهِ بِهَذَا الْأَهَمِّ لَمْ يَظْهَرْ حَدِيثُهُ فِي الْخَارِجِ، كَمَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمَّا اشْتَغَلَا بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ لَمْ يَظْهَرْ عَنْهُمَا مِنْ رِوَايَةِ الْأَحَادِيثِ مِثْلُ مَا ظَهَرَ عَنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ، وَكَذَلِكَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَمْ يَظْهَرْ عَنْهُمَا مِثْلُ مَا ظَهَرَ عَمَّنْ تَفَرَّغَ لِلرِّوَايَةِ كَأَبِي زُرْعَةَ وَابْنِ مَعِينٍ لِاشْتِغَالِهِمَا بِذَلِكَ الِاسْتِنْبَاطِ، عَلَى أَنَّ كَثْرَةَ الرِّوَايَةِ بِدُونِ دِرَايَةٍ لَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ مَدْحٍ بَلْ عَقَدَ لَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بَابًا فِي ذَمِّهِ ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي عَلَيْهِ فُقَهَاءُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَعُلَمَائِهِمْ ذَمُّ الْإِكْثَارِ مِنْ الْحَدِيثِ بِدُونِ تَفَقُّهٍ وَلَا تَدَبُّرٍ. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: أَقْلِلْ الرِّوَايَةَ تَتَفَقَّهْ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: لِيَكُنْ الَّذِي تَعْتَمِدُ عَلَيْهِ الْأَثَرَ وَخُذْ مِنْ الرَّأْيِ مَا يُفَسِّرُ لَك الْحَدِيثَ. وَمِنْ أَعْذَارِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ: لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُحَدِّثَ مِنْ الْحَدِيثِ إلَّا بِمَا يَحْفَظُهُ يَوْمَ سَمِعَهُ إلَى يَوْمِ يُحَدِّثُ بِهِ، فَهُوَ لَا يَرَى الرِّوَايَةَ إلَّا لِمَنْ حَفِظَ. وَرَوَى الْخَطِيبُ عَنْ إسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ أَنَّهُ قَالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ النُّعْمَانُ، مَا كَانَ أَحْفَظَهُ لِكُلِّ حَدِيثٍ فِيهِ فِقْهٌ وَأَشَدُّ فَحْصِهِ عَنْهُ، وَأَعْلَمُهُ بِمَا فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْخَيْرَاتِ الْحِسَانِ لِابْنِ حَجَرٍ. (قَوْلُهُ: وَفِقْهٍ) الْمُرَادُ بِهِ مَا يَعُمُّ التَّوْحِيدَ، فَإِنَّ الْفِقْهَ كَمَا عَرَّفَهُ الْإِمَامُ مَعْرِفَةُ النَّفْسِ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا ط. (قَوْلُهُ: كَآيَاتِ الزَّبُورِ) التَّشْبِيهُ فِي الْإِيضَاحِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 فَمَا فِي الْمَشْرِقَيْنِ لَهُ نَظِيرٌ ... وَلَا فِي الْمَغْرِبَيْنِ وَلَا بِكُوفَهْ يَبِيتُ مُشَمِّرًا سَهِرَ اللَّيَالِيَ ... وَصَامَ نَهَارَهُ لِلَّهِ خِيفَهْ فَمَنْ كَأَبِي حَنِيفَةَ فِي عُلَاهُ ... إمَامٌ لِلْخَلِيفَةِ وَالْخَلِيقَهْ رَأَيْت الْعَائِبِينَ لَهُ سَفَاهًا ... خِلَافَ الْحَقِّ مَعَ حِجَجٍ ضَعِيفَهْ وَكَيْفَ يَحِلُّ أَنْ يُؤْذَى فَقِيهٌ ... لَهُ فِي الْأَرْضِ آثَارٌ شَرِيفَهْ   [رد المحتار] وَالْبَيَانِ لَا فِي الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ الزَّبُورَ مَوَاعِظُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي الزِّينَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ زَانَ مَا ذُكِرَ كَمَا زَيَّنَتْ النُّقُوشُ الطُّرُوسَ ط. (قَوْلُهُ: فَمَا فِي الْمَشْرِقَيْنِ إلَخْ) الْمَشْرِقُ مَحَلُّ الشُّرُوقِ: أَيْ الطُّلُوعُ وَالْمَغْرِبُ مَحَلُّ الْغُرُوبِ وَثَنَّاهُمَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَاحِدٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن: 17]- عَلَى إرَادَةِ مَشْرِقَيْ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَمَغْرِبَيْهِمَا قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ، وَقِيلَ مَشْرِقُ الشَّمْسِ وَالْفَجْرِ وَمَغْرِبُ الشَّمْسِ وَالشَّفَقِ، أَوْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَمَغْرِبَيْهِمَا، وَجُمِعَا فِي قَوْله تَعَالَى - {بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} [المعارج: 40]- بِاعْتِبَارِ الْأَقْطَارِ أَوْ الْأَيَّامِ أَوْ الْمَنَازِلِ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: وَلَا بِكُوفَةَ) خَصَّهَا بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَشْرِقَيْنِ وَالْمَغْرِبَيْنِ وَمَا بَيْنَهُمَا بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ، لِأَنَّهَا بَلَدُهُ، أَوْ لِأَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ يَوْمَئِذٍ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْكُوفَةُ الرَّمْلَةُ الْحَمْرَةُ الْمُسْتَدِيرَةُ أَوْ كُلُّ رَمْلَةٍ يُخَالِطُهَا حَصْبَاءُ وَمَدِينَةُ الْعِرَاقِ الْكُبْرَى، وَقُبَّةُ الْإِسْلَامِ، وَدَارُ هِجْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، مَصَّرَهَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَكَانَتْ مَنْزِلَ نُوحٍ وَبَنَى مَسْجِدَهَا، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاسْتِدَارَتِهَا وَاجْتِمَاعِ النَّاسِ بِهَا، وَيُقَالُ لَهَا كَوْفَانُ وَيُفْتَحُ وَكُوفَةُ الْجُنْدِ؛ لِأَنَّهَا اُخْتُطَّتْ فِيهَا خُطَطُ الْعَرَبِ أَيَّامَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - خَطَّطَهَا السَّائِبُ بْنُ الْأَقْرَعِ الثَّقَفِيُّ إلَخْ. (قَوْلُهُ: يَبِيتُ مُشَمِّرًا إلَخْ) التَّشْمِيرُ: الْجِدُّ وَالتَّهَيُّؤُ قَامُوسٌ، وَسَهِرَ فِعْلٌ مَاضٍ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ عَلَى إضْمَارِ قَدْ مِثْلُهَا فِي قَوْله تَعَالَى - {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90]- أَوْ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ، وَالْأُولَى أَنْسَبُ بِقَوْلِهِ، وَصَامَ وَلِلَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِصَامَ وَخِيفَهْ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ، وَزَادَ فِي تَنْوِيرِ الصَّحِيفَةِ بَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ بَيْتَيْنِ وَهُمَا: وَصَانَ لِسَانَهُ عَنْ كُلِّ إفْكٍ ... وَمَا زَالَتْ جَوَارِحُهُ عَفِيفَهْ يَعِفُّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالْمَلَاهِي ... وَمَرْضَاةُ الْإِلَهِ لَهُ وَظِيفَهْ وَنَنْقُلُ نُبْذَةً يَسِيرَةً شَاهِدَةً لِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ. قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: قَدْ تَوَاتَرَ قِيَامُهُ بِاللَّيْلِ وَتَهَجُّدُهُ وَتَعَبُّدُهُ، أَيْ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ يُسَمَّى الْوَتَدَ لِكَثْرَةِ قِيَامِهِ بِاللَّيْلِ، بَلْ أَحْيَاهُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي رَكْعَةٍ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَكَانَ يُسْمَعُ بُكَاؤُهُ بِاللَّيْلِ حَتَّى يَرْحَمَهُ جِيرَانُهُ. وَوَقَعَ رَجُلٌ فِيهِ عِنْدَ ابْنِ الْمُبَارَكِ فَقَالَ: وَيْحَك، أَتَقَعُ فِي رَجُلٍ صَلَّى خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً الْخَمْسَ صَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ يَجْمَعُ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ، وَنَظَّمْت مَا عِنْدِي مِنْ الْفِقْهِ مِنْهُ. وَلَمَّا غَسَّلَهُ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ: رَحِمَك اللَّهُ، وَغَفَرَ لَك، لَمْ تُفْطِرْ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً. وَقَدْ أَتْعَبْت مَنْ بَعْدَك، وَفَضَحْت الْقُرَّاءَ. وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ: كَانَ هَيُّوبًا، لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا جَوَابًا، وَلَا يَخُوضُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ، وَلَا يَسْتَمِعُ إلَيْهِ. وَقِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ، فَانْتَفَضَ وَطَأْطَأَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: يَا أَخِي جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا، مَا أَحْوَجَ أَهْلَ كُلِّ وَقْتٍ إلَى مَنْ يُذَكِّرُهُمْ اللَّهَ تَعَالَى. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: كَانَ شَدِيدَ الْوَرَعِ، هَائِبًا لِلْحَرَامِ، تَارِكًا لِكَثِيرٍ مِنْ الْحَلَالِ مَخَافَةَ الشُّبْهَةِ، مَا رَأَيْت فَقِيهًا أَشَدَّ مِنْهُ صِيَانَةً لِنَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: رَأَيْت) أَيْ عَلِمْت أَوْ أَبْصَرْت، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْعَائِبِينَ مَفْعُولُهُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وَقَدْ قَالَ ابْنُ إدْرِيسِ مَقَالًا ... صَحِيحَ النَّقْلِ فِي حِكَمٍ لَطِيفَهْ بِأَنَّ النَّاسَ فِي فِقْهٍ عِيَالٌ ... عَلَى فِقْهِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَهْ فَلَعْنَةُ رَبِّنَا أَعْدَادَ رَمْلٍ ... عَلَى مَنْ رَدَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَهْ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ ثَابِتًا وَالِدَ الْإِمَامِ أَدْرَكَ الْإِمَامَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَدَعَا لَهُ وَلِذُرِّيَّتِهِ بِالْبَرَكَةِ وَصَحَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ سَبْعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا بُسِطَ فِي أَوَاخِرِ مُنْيَةِ الْمُفْتِي،   [رد المحتار] جَمْعُ عَائِبٍ أُعِلَّتْ عَيْنُهُ بِالْهَمْزَةِ كَقَائِلٍ وَبَائِعٍ فَافْهَمْ، وَسَفَاهًا مَفْعُولُهُ الثَّانِي: قَالَ فِي الْقَامُوسِ: سَفِهَ كَفَرِحَ وَكَرُمَ عَلَيْنَا: جَهِلَ كَتَسَافَهَ فَهُوَ سَفِيهٌ جَمْعُهُ سُفَهَاءُ وَسِفَاهٌ وَخِلَافُ الْحَقِّ صِفَةٌ: أَيْ مُخَالِفِينَ، أَوْ ذَوِي خِلَافٍ: وَالْحُجَجُ: جَمْعُ حُجَّةٍ بِالضَّمِّ، وَهِيَ الْبُرْهَانُ، سَمَّاهَا بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى زَعْمِ الْعَائِبِينَ وَإِلَّا فَهِيَ شُبَهٌ وَأَوْهَامٌ فَاسِدَةٌ. (قَوْلُهُ: ابْنُ إدْرِيسِ) بِالتَّنْوِينِ لِلضَّرُورَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِمَامُ الرَّئِيسُ، ذُو الْعِلْمِ النَّفِيسِ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ، الشَّافِعِيُّ الْقُرَشِيُّ، - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَنَفَعَنَا بِهِ فِي الدَّارَيْنِ آمِينَ، وَمَقَالًا مَصْدَرٌ قَالَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ، وَصَحِيحُ النَّقْلِ نَعْتٌ لَهُ، وَهُوَ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مُضَافَةٌ إلَى فَاعِلِهَا: أَيْ صَحَّ نَقْلُهُ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَبَحَّرَ فِي الْفِقْهِ فَهُوَ عِيَالٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، إنَّهُ مِمَّنْ لَهُ الْفِقْهُ، هَذِهِ رِوَايَةُ حَرْمَلَةَ عَنْهُ، وَرِوَايَةُ الرَّبِيعِ عَنْهُ: النَّاسُ عِيَالٌ فِي الْفِقْهِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، مَا رَأَيْت أَيْ مَا عَلِمْت أَحَدًا أَفْقَهَ مِنْهُ. وَجَاءَ عَنْهُ أَيْضًا: مَنْ لَمْ يَنْظُرْ فِي كُتُبِهِ لَمْ يَتَبَحَّرْ فِي الْعِلْمِ وَلَا يَتَفَقَّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي حِكَمٍ) أَيْ فِي ضِمْنِ حِكَمٍ لَطِيفَةٍ لَمْ يُصَرِّحْ بِهَا مِنْهَا تَرْغِيبُ النَّاسِ فِي مَذْهَبِهِ، وَالرَّدُّ عَلَى الْعَائِبِينَ لَهُ، وَبَيَانُ اعْتِقَادِهِ فِي هَذَا الْإِمَامِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْفَضْلِ لِلْمُتَقَدِّمِ. (قَوْلُهُ: بِأَنَّ النَّاسَ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ أَوْ لِلتَّعْدِيَةِ لِتَضَمُّنِ قَالَ مَعْنَى صَرَّحَ وَنَحْوَهُ مِمَّا يَتَعَدَّى بِالْبَاءِ، وَفِي فِقْهٍ مُتَعَلِّقٌ بِعِيَالٍ، مِنْ عَالَهُ: إذَا تَكَفَّلَ لَهُ بِالنَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا. (قَوْلُهُ: عَلَى مَنْ رَدَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ عَلَى مَنْ رَدَّ مَا قَالَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مُحْتَقِرًا لَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلطَّرْدِ وَالْإِبْعَادِ، لَا بِمُجَرَّدِ الطَّعْنِ فِي الِاسْتِدْلَالِ؛ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ لَمْ تَزَلْ يَرُدُّ بَعْضُهُمْ قَوْلَ بَعْضٍ، وَلَا بِمُجَرَّدِ الطَّعْنِ فِي الْإِمَامِ نَفْسِهِ، لِأَنَّ غَايَتَهُ الْحُرْمَةُ فَلَا يُوجِبُ اللَّعْنَ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ لَعْنُ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ فَهُوَ كَلَعْنِ الْكَاذِبِينَ وَنَحْوِهِمْ مِنْ الْعُصَاةِ فَافْهَمْ. وَفِي هَذَا الْبَيْتِ مِنْ عُيُوبِ الشِّعْرِ الْإِيطَاءُ، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي تَنْوِيرِ الصَّحِيفَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ ثَبَتَ إلَخْ) فَفِي تَارِيخِ ابْنِ خِلِّكَانَ عَنْ الْخَطِيبِ أَنَّ حَفِيدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ مِنْ الْأَحْرَارِ، وَاَللَّهِ مَا وَقَعَ عَلَيْنَا رِقٌّ قَطُّ: وُلِدَ جَدِّي أَبُو حَنِيفَةَ سَنَةَ ثَمَانِينَ، وَذَهَبَ ثَابِتٌ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهُوَ صَغِيرٌ فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِيهِ وَفِي ذُرِّيَّتِهِ، وَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَكُونُ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ اسْتَجَابَ لِعَلِيٍّ فِينَا؟ وَالنُّعْمَانُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ أَبُو ثَابِتٍ هُوَ الَّذِي أَهْدَى لِعَلِيٍّ الْفَالُوذَجَ فِي يَوْمِ مِهْرَجَانٍ فَقَالَ عَلِيٌّ مَهْرِجُونَا كُلَّ يَوْمٍ هَكَذَا. اهـ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي بَعْضِ الْكُتُبِ مِنْ قَوْلِهِ: وَذَهَبَ ثَابِتٌ بِجَدِّي إلَى عَلِيٍّ إلَخْ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ كَمَا فِي أَلْفِيَّةِ الْعِرَاقِيِّ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَةَ بِجَدِّي مِنْ زِيَادَةِ النُّسَّاخِ أَوْ الْبَاءُ زَائِدَةٌ وَأَصْلُهُ جَدِّي. (قَوْلُهُ: وَصَحَّ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْمُحَدِّثِينَ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي مَنَاقِبِ الْإِمَامِ كِتَابًا حَافِلًا مَا حَاصِلُهُ: إنَّ أَصْحَابَهُ الْأَكَابِرَ كَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وَغَيْرِهِمْ لَمْ يَنْقُلُوا عَنْهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ لَنَقَلُوهُ، فَإِنَّهُ مِمَّا يَتَنَافَسُ فِيهِ الْمُحَدِّثُونَ وَيَعْظُمُ افْتِخَارُهُمْ، وَبَانَ كُلُّ سَنَدٍ فِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ صَحَابِيٍّ لَا يَخْلُو مِنْ كَذَّابٍ، فَأَمَّا رُؤْيَتُهُ لِأَنَسٍ وَإِدْرَاكُهُ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِالسِّنِّ فَصَحِيحَانِ لَا شَكَّ فِيهِمَا، وَمَا وَقَعَ لِلْعَيْنِيِّ أَنَّهُ أَثْبَتَ سَمَاعَهُ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَدَّهُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ الشَّيْخُ الْحَافِظُ قَاسِمٌ الْحَنَفِيُّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وَأَدْرَكَ بِالسِّنِّ نَحْوَ عِشْرِينَ صَحَابِيًّا كَمَا بُسِطَ فِي أَوَائِلِ الضِّيَاءِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ أَبُو النَّصْرِ بْنُ عَرَبِ شَاهْ الْأَنْصَارِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي مَنْظُومَتِهِ الْأَلْفِيَّةِ الْمُسَمَّاةِ بِجَوَاهِرِ الْعَقَائِدِ وَدُرَرِ الْقَلَائِدِ ثَمَانِيَةً مِنْ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُمْ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَبُو حَنِيفَةَ حَيْثُ قَالَ: مُعْتَقِدًا مَذْهَبْ عَظِيمِ الشَّانِ ... أَبِي حَنِيفَةَ الْفَتَى النُّعْمَانِ التَّابِعِيُّ سَابِقُ الْأَئِّمَهْ ... بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ سِرَاجِ الْأُمَّهْ جَمْعًا مِنْ أَصْحَاب النَّبِيِّ أَدْرَكَا ... أَثَرَهُمْ قَدْ اقْتَفَى وَسَلَكَا طَرِيقَةً وَاضِحَةَ الْمِنْهَاجِ ... سَالِمَةً مِنْ الضَّلَالِ الدَّاجِي وَقَدْ رَوَى عَنْ أَنَسٍ. وَجَابِرٍ ... وَابْنِ أَبِي أَوْفَى كَذَا عَنْ عَامِرٍ أَعْنِي أَبَا الطُّفَيْلِ ذَا ابْنَ وَاثِلَهْ ... وَابْنَ أُنَيْسٌ الْفَتَى وَوَاثِلَهْ عَنْ ابْنِ جُزْءٍ قَدْ رَوَى الْإِمَامُ ... وَبِنْتُ عَجْرَدٍ هِيَ التَّمَامُ فَرَضِيَ اللَّهُ الْكَرِيمُ دَائِمًا ... عَنْهُمْ وَعَنْ كُلِّ الصِّحَابِ الْعُظَمَا   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِيمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ رِوَايَةِ الْإِمَامِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ سَبَبَ عَدَمِ سَمَاعِهِ مِمَّنْ أَدْرَكَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ أَوَّلَ أَمْرِهِ اشْتَغَلَ بِالِاكْتِسَابِ حَتَّى أَرْشَدَهُ الشَّعْبِيُّ لَمَّا رَأَى مِنْ بَاهِرِ نَجَابَتِهِ إلَى الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ، وَلَا يَسَعُ مَنْ لَهُ أَدْنَى إلْمَامٌ بِعِلْمِ الْحَدِيثِ خِلَافُ مَا ذَكَرْته. اهـ. لَكِنْ يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ: قَاعِدَةُ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّ رَاوِيَ الِاتِّصَالِ مُقَدَّمٌ عَلَى رَاوِي الْإِرْسَالِ أَوْ الِانْقِطَاعِ؛ لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ، فَاحْفَظْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ كَذَا فِي عِقْدِ اللَّآلِئِ وَالْمَرْجَانِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ الْعَجْلُونِيِّ الْجِرَاحِيِّ. وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ مِنْ التَّابِعِينَ، وَمِمَّنْ جَزَمَ بِذَلِكَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ وَالْحَافِظُ الْعَسْقَلَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: إنَّهُ أَدْرَكَ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ كَانُوا بِالْكُوفَةِ بَعْدَ مَوْلِدِهِ بِهَا سَنَةَ ثَمَانِينَ، وَلَمْ يَثْبُتْ لِأَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ الْمُعَاصِرِينَ لَهُ كَالْأَوْزَاعِيِّ بِالشَّامِ، وَالْحَمَّادِينَ بِالْبَصْرَةِ وَالثَّوْرِيِّ بِالْكُوفَةِ وَمَالِكٍ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ بِمِصْرَ. (قَوْلُهُ: وَأَدْرَكَ بِالسِّنِّ) أَيْ وُجِدَ فِي زَمَنِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَرَهُمْ كُلَّهُمْ. (قَوْلُهُ: كَمَا بُسِطَ فِي أَوَائِلِ الضِّيَاءِ) فَقَالَ: هُمْ ابْنُ نُفَيْلٍ وَوَاثِلَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ وَابْنُ أَبِي أَوْفَى وَابْنُ جُزْءٍ وَعُتْبَةُ وَالْمِقْدَادُ وَابْنُ بُسْرٍ وَابْنُ ثَعْلَبَةَ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، وَأَنَسٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ وَمَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ وَمَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ وَأَبُو أُمَامَةَ وَأَبُو الطُّفَيْلِ فَهَؤُلَاءِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا، وَرُبَّمَا أَدْرَكَ غَيْرَهُمْ مِمَّنْ لَمْ أَظْفَرْ بِهِ، اهـ مُلَخَّصًا. وَزَادَ فِي تَنْوِيرِ الصَّحِيفَةِ: عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ وَعَمْرَو بْنَ سَلَمَةَ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَسَهْلَ بْنَ مُنَيْفٍ ثُمَّ قَالَ وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ مِنْ أَمَاثِلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -،. اهـ. ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. (قَوْلُهُ: مَذْهَبْ) بِسُكُونِ الْبَاءِ لِضَرُورَةِ النَّظْمِ وَهُوَ مُضَافٌ وَعَظِيمٌ مُضَافٌ إلَيْهِ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: الْفَتَى) مِنْ الْفُتُوَّةِ: وَهِيَ السَّخَاءُ وَالْقُوَّةُ ط. (قَوْلُهُ: سَابِقُ الْأَئِمَّةِ) أَيْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بِالْعِلْمِ: أَيْ بِالِاجْتِهَادِ فِيهِ، وَكُلِّ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ بِتَدْوِينِهِ: فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَهُ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: جَمْعًا) مَفْعُولُ أَدْرَكَ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ، فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: مِنْ أَصْحَابِ) بِدَرْجِ الْهَمْزَةِ لِنَقْلِ حَرَكَتِهَا إلَى النُّونِ قَبْلَهَا وَأَلِفُ أَدْرَكَا لِلْإِشْبَاعِ كَأَلِفِ سَلَكَا. (قَوْلُهُ: إثْرَهُمْ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ مَعَ إشْبَاعِ الْمِيمِ: أَيْ بَعْدَهُمْ، فَهُوَ ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ أَوْ بِفَتْحَتَيْنِ وَسُكُونِ الْمِيمِ: أَيْ خَبَرَهُمْ فَهُوَ مَفْعُولُ اقْتَفَى، وَطَرِيقَةً مَفْعُولُ سَلَكَ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْحَالَةُ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا مِنْ الِاعْتِقَادِ وَالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ. وَالْمِنْهَاجُ فِي الْأَصْلِ: الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ، وَأَرَادَ بِهِ هُنَا مُطْلَقَ الطَّرِيقِ فَأَضَافَ وَاضِحَةً إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: الدَّاجِي) شَدِيدِ الظُّلْمَةِ قَامُوسٌ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ رَوَى عَنْ أَنَسٍ) هُوَ ابْنُ مَالِكٍ الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ، خَادِمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] مَاتَ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، وَقِيلَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ، وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ جَاوَزَ الْمِائَةَ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: قَدْ صَحَّ كَمَا قَالَ الذَّهَبِيُّ إنَّهُ رَآهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: رَأَيْته مِرَارًا، وَكَانَ يُخَضِّبُ بِالْحُمْرَةِ. وَجَاءَ مِنْ طُرُقٍ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَحَادِيثَ ثَلَاثَةً، لَكِنْ قَالَ أَئِمَّةُ الْمُحَدِّثِينَ مَدَارُهَا عَلَى مَنْ اتَّهَمَهُ الْأَئِمَّةُ بِوَضْعِ الْأَحَادِيثِ. اهـ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَقَدْ أَطَالَ الْعَلَّامَةُ طَاشْ كُبْرَى فِي سَرْدِ النُّقُولِ الصَّحِيحَةِ فِي إثْبَاتِ سَمَاعِهِ مِنْهُ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي. (قَوْلُهُ: وَجَابِرٍ) أَيْ ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ (79) قَبْلَ وِلَادَةِ الْإِمَامِ بِسَنَةٍ، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ مَنْ لَمْ يُرْزَقْ وَلَدًا بِكَثْرَةِ الِاسْتِغْفَارِ وَالصَّدَقَةِ فَفَعَلَ فَوُلِدَ لَهُ تِسْعَةُ ذُكُورٍ إنَّهُ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ. ابْنُ حَجَرٍ: لَكِنْ نَقَلَ ط عَنْ شَرْحِ الْخُوَارِزْمِيِّ عَلَى مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَنَّ الْإِمَامَ قَالَ فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ: سَمِعْت وَفِي رِوَايَتِهِ عَنْ جَابِرٍ مَا قَالَ سَمِعْت، وَإِنَّمَا قَالَ عَنْ جَابِرٍ كَمَا هُوَ عَادَةُ التَّابِعِينَ فِي إرْسَالِ الْأَحَادِيثِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَتَمَشَّى عَلَى الْقَوْلِ بِوِلَادَةِ الْإِمَامِ سَنَةَ (70) أهـ. أَقُولُ: وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ إنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ فَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَأَمَّا الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْوَضْعِ فَلَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ حُجَّةٌ ثَبْتٌ لَا يَضَعُ وَلَا يَرْوِي عَنْ وَضَّاعٍ. (قَوْلُهُ: وَابْنِ أَبِي أَوْفَى) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ، آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ (86) ، وَقِيلَ سَنَةَ (87) ، وَقِيلَ سَنَةَ (88) سُيُوطِيٌّ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ: قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: رَوَى عَنْهُ الْإِمَامُ هَذَا الْحَدِيثَ الْمُتَوَاتِرَ «مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» . (قَوْلُهُ: أَعْنِي أَبَا الطُّفَيْلِ) أَيْ أَقْصِدُ بِعَامِرٍ الْمَذْكُورِ أَبَا الطُّفَيْلِ بْنَ وَاثِلَةَ بِكَسْرِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ اللَّيْثِيَّ، وَهُوَ آخِرُ الصَّحَابَةِ مَوْتًا عَلَى الْإِطْلَاقِ. تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ، وَقِيلَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ مِائَةٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْعِرَاقِيُّ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِمُسْلِمٍ، وَصَحَّحَ الذَّهَبِيُّ أَنَّهُ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. (قَوْلُهُ: وَابْنَ أُنَيْسٌ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ. أَخْرَجَ بَعْضُهُمْ بِسَنَدِهِ إلَى الْإِمَامِ أَنَّهُ قَالَ: وُلِدْت سَنَةَ ثَمَانِينَ، وَقَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٌ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكُوفَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ، وَرَأَيْته وَسَمِعْت مِنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حُبُّك الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ» . وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِي سَنَدِهِ مَجْهُولِينَ، وَبِأَنَّ ابْنَ أُنَيْسٌ مَاتَ سَنَةَ (54) . وَأُجِيبُ بِأَنَّ هَذَا الِاسْمَ لِخَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ غَيْرُ الْجُهَنِيِّ. وَرُدَّ بِأَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَدْخُلْ الْكُوفَةَ. (قَوْلُهُ: وَوَاثِلَهْ) هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْضًا كَمَا فِي الْقَامُوسِ ابْنِ الْأَسْقَعِ بِالْقَافِ؟ مَاتَ بِالشَّامِ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ سُيُوطِيٌّ. وَرَوَى الْإِمَامُ عَنْهُ حَدِيثَيْنِ «لَا تُظْهِرْ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيك فَيُعَافِيَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيَك» «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» وَالْأَوَّلُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَحَسَّنَهُ، وَالثَّانِي جَاءَ مِنْ رِوَايَةِ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَصَحَّحَهُ الْأَئِمَّةُ ابْنُ حَجَرٍ. (قَوْلُهُ: عَنْ ابْنِ جُزْءٍ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ جُزْءٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَبِالْهَمْزَةِ الزُّبَيْدِيُّ بِضَمِّ الزَّايِ مُصَغَّرًا. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ (86) بِمِصْرَ بِسَقْطِ أَبِي تُرَابٍ: قَرْيَةٌ مِنْ الْغَرْبِيَّةِ قُرْبَ سَمَنُّودَ وَالْمَحَلَّةِ، وَكَانَ مُقِيمًا بِهَا. وَأَمَّا مَا جَاءَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّهُ حَجَّ مَعَ أَبِيهِ سَنَةَ (96) وَأَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يُدَرِّسُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَسَمِعَ مِنْهُ حَدِيثًا، فَرَدَّهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ قَاسِمٌ الْحَنَفِيُّ، بِأَنَّ سَنَدَ ذَلِكَ فِيهِ قَلْبٌ وَتَحْرِيفٌ، وَفِيهِ كَذَّابٌ بِاتِّفَاقٍ، وَبِأَنَّ ابْنَ جُزْءٍ مَاتَ بِمِصْرَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ سِتُّ سِنِينَ، وَبِأَنَّ ابْنَ جُزْءٍ لَمْ يَدْخُلْ الْكُوفَةَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ ابْنُ حَجَرٍ. (قَوْلُهُ: وَبِنْتُ عَجْرَدٍ) اسْمُهَا عَائِشَةُ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ حَاصِلَ كَلَامِ الذَّهَبِيِّ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ أَنَّ هَذِهِ لَا صُحْبَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 وَتُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ قِيلَ فِي السِّجْنِ لِيَلِيَ الْقَضَاءَ وَلَهُ سَبْعُونَ سَنَةً بِتَارِيخِ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، قِيلَ وَيَوْمَ تُوُفِّيَ وُلِدَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعُدَّ مِنْ مَنَاقِبِهِ. وَقَدْ قِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي مُخَالَفَةِ تَلَامِذَتِهِ لَهُ أَنَّهُ رَأَى صَبِيًّا يَلْعَبُ فِي الطِّينِ فَحَذَّرَهُ مِنْ السُّقُوطِ،   [رد المحتار] لَهَا، وَأَنَّهَا لَا تَكَادُ تُعْرَفُ، وَبِذَلِكَ رُدَّ مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَوَى عَنْهَا هَذَا الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ «أَكْثَرُ جُنْدِ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ الْجَرَادُ، لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ» ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ، وَزَادَ عَلَى مَنْ ذَكَرَ هُنَا مِمَّنْ رَوَى عَنْهُمْ الْإِمَامُ فَقَالَ: وَمِنْهُمْ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، وَوَفَاتُهُ سَنَةَ (88) وَقِيلَ بَعْدَهَا. وَمِنْهُمْ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سَعِيدٍ، وَوَفَاتُهُ سَنَةَ إحْدَى أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ. وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ، وَوَفَاتُهُ سَنَةَ (96) وَمِنْهُمْ مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَوَفَاتُهُ سَنَةَ (99) . (قَوْلُهُ: رَضِيَ اللَّهُ) الْأَصْوَبُ فَرَضِيَ بِالْفَاءِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ لِيَتِمَّ الْوَزْنُ وَيَسْلَمَ مِنْ ادِّعَاءِ دُخُولِ الْخَزْلِ فِيهِ. (قَوْلُهُ: لِيَلِيَ الْقَضَاءَ) أَيْ قَضَاءَ الْقُضَاةِ لِتَكُونَ قُضَاةُ الْإِسْلَامِ مِنْ تَحْتِ أَمْرِهِ، وَالطَّالِبُ لَهُ هُوَ الْمَنْصُورُ فَامْتَنَعَ فَحَبَسَهُ، وَكَانَ يُخْرَجُ كُلَّ يَوْمٍ فَيُضْرَبُ عَشْرَةَ أَسْوَاطٍ وَيُنَادَى عَلَيْهِ فِي الْأَسْوَاقِ، ثُمَّ ضُرِبَ ضَرْبًا مُوجِعًا حَتَّى سَالَ الدَّمُ عَلَى عَقِبِهِ وَنُودِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، ثُمَّ ضُيِّقَ عَلَيْهِ تَضْيِيقًا شَدِيدًا حَتَّى فِي مَأْكَلِهِ وَمَشْرَبِهِ، فَبَكَى وَأَكَّدَ الدُّعَاءَ، فَتُوُفِّيَ بَعْدَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ. وَرَوَى جَمَاعَةٌ أَنَّهُ دُفِعَ إلَيْهِ قَدَحٌ فِيهِ سُمٌّ فَامْتَنَعَ وَقَالَ: لَا أَعِينُ عَلَى قَتْلِ نَفْسِي، فَصُبَّ فِي فِيهِ قَهْرًا، قِيلَ إنَّ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْمَنْصُورِ. وَصَحَّ أَنَّهُ لَمَّا أَحَسَّ بِالْمَوْتِ سَجَدَ فَمَاتَ وَهُوَ سَاجِدٌ. قِيلَ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ أَعْدَائِهِ دَسَّ إلَى الْمَنْصُورِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَثَارَ إبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْخَارِجَ عَلَيْهِ بِالْبَصْرَةِ، فَطَلَبَ مِنْهُ الْقَضَاءَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُهُ لِيَتَوَصَّلَ إلَى قَتْلِهِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ [الْخَيْرَاتِ الْحِسَانِ] لِابْنِ حَجَرٍ. وَذَكَرَ التَّمِيمِيُّ أَنَّ الْخَطِيبَ رَوَى بِسَنَدِهِ أَنَّ أَبَا هُبَيْرَةَ كَانَ عَامِلَ مَرْوَانَ عَلَى الْعِرَاقِ فَكَلَّمَ أَبَا حَنِيفَةَ أَنْ يَلِيَ قَضَاءَ الْكُوفَةِ فَأَبَى فَضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ وَعَشْرَةَ أَسْوَاطٍ ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ. وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إذَا ذَكَرَ ذَلِكَ بَكَى وَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ، خُصُوصًا بَعْدَ أَنْ ضُرِبَ هُوَ أَيْضًا اهـ. فَالظَّاهِرُ تَعَدُّدُ الْقِصَّةِ وَبَنُو مَرْوَانَ قَبْلَ الْمَنْصُورِ فَإِنَّهُ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ، فَقِصَّةُ أَبِي هُبَيْرَةَ كَانَتْ أَوَّلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ) أَيْ مِنْ الْعُمُرِ. (قَوْلُهُ: بِتَارِيخِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تُوُفِّيَ، فَمَا قَبْلَهُ بَيَانُ الْمَكَانِ وَهَذَا بَيَانُ الزَّمَانِ. مَطْلَبٌ فِي مَوْلِدِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَوَفَاتِهِمْ وَمُدَّةِ حَيَاتِهِمْ [فَائِدَةٌ] قَدْ عَلِمْت أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وُلِدَ سَنَةَ (80) وَمَاتَ سَنَةَ (150) وَعَاشَ (70) سَنَةً. وَقَدْ وُلِدَ الْإِمَامُ مَالِكٌ سَنَةَ (90) وَمَاتَ سَنَةَ (179) وَعَاشَ (89) سَنَةً. وَالشَّافِعِيُّ وُلِدَ سَنَةَ (150) وَمَاتَ سَنَةَ (204) وَعَاشَ (54) سَنَةً. وَأَحْمَدُ وُلِدَ سَنَةَ (164) وَمَاتَ سَنَةَ (241) وَعَاشَ (77) سَنَةً، وَقَدْ نَظَمَ جَمِيعَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ مُشِيرًا إلَيْهِ بِحُرُوفِ الْجُمَلِ، لِكُلِّ إمَامٍ مِنْهُمْ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فَقَالَ: تَارِيخُ نُعْمَانَ يَكُنْ سَيْفٌ سَطَا ... وَمَالِكُ فِي قَطْعِ جَوْف ضُبِطَا وَالشَّافِعِيُّ صَيِّنٌ بِبِرْنَدٌ ... وَأَحْمَدُ بِسَبْقِ أَمْرٍ جُعِّدَ فَاحْسُبْ عَلَى تَرْتِيبِ نَظْمِ الشِّعْرِ ... مِيلَادَهُمْ فَمَوْتُهُمْ كَالْعُمُرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 فَأَجَابَهُ بِأَنْ: احْذَرْ أَنْتَ السُّقُوطَ، فَإِنَّ فِي سُقُوطِ الْعَالِمِ سُقُوطُ الْعَالَمِ، فَحِينَئِذٍ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: إنْ تَوَجَّهَ لَكُمْ دَلِيلٌ فَقُولُوا بِهِ، فَكَانَ كُلٌّ يَأْخُذُ بِرِوَايَةٍ عَنْهُ وَيُرَجِّحُهَا، وَهَذَا مِنْ غَايَةِ احْتِيَاطِهِ وَوَرَعِهِ -   [رد المحتار] (قَوْلُهُ: فَأَجَابَهُ إلَخْ) لِلَّهِ دَرُّ هَذَا الصَّبِيِّ مَا أَحْكَمَهُ حَيْثُ عَلِمَ أَنَّ سُقُوطَهُ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ جَسَدُهُ وَحْدَهُ لَكِنَّهُ لَا يَضُرُّ فِي الدِّينِ فَكَأَنَّهُ لَيْسَ بِسُقُوطٍ، بِخِلَافِ سُقُوطِ الْعَالِمِ فِي طَرِيقِ الْحَقِّ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ قَبْلَ بَذْلِ الْمَجْهُودِ فِي نَيْلِ الْمَقْصُودِ يَلْزَمُ مِنْهُ سُقُوطُ غَيْرِهِ مِمَّنْ اتَّبَعَهُ أَيْضًا، فَيَعُودُ ضَرَرُهُمْ عَلَيْهِ وَذَلِكَ ضَرَرٌ فِي الدِّينِ، عَلَى حَدٍّ قَوْله تَعَالَى - {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ} [الحج: 46]- الْآيَةَ: أَيْ الْعَمَى الضَّارُّ لَيْسَ عَمَى الْأَبْصَارِ وَإِنَّمَا عَمَى الْقُلُوبِ. (قَوْلُهُ: فَحِينَئِذٍ إلَخْ) رَوَى الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الشِّيرَامَاذِيُّ عَنْ شَقِيقٍ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: كَانَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ أَوْرَعِ النَّاسِ، وَأَعْبَدْ النَّاسِ، وَأَكْرَمِ النَّاسِ، وَأَكْثَرِهِمْ احْتِيَاطًا فِي الدِّينِ، وَأَبْعَدِهِمْ عَنْ الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَانَ لَا يَضَعُ مَسْأَلَةً فِي الْعِلْمِ حَتَّى يَجْمَعَ أَصْحَابَهُ عَلَيْهَا وَيَعْقِدَ عَلَيْهَا مَجْلِسًا، فَإِذَا اتَّفَقَ أَصْحَابُهُ كُلُّهُمْ عَلَى مُوَافَقَتِهَا لِلشَّرِيعَةِ قَالَ لِأَبِي يُوسُفَ أَوْ غَيْرِهِ ضَعْهَا فِي الْبَابِ الْفُلَانِيِّ. اهـ. كَذَا فِي الْمِيزَانِ لِلْإِمَامِ الشَّعْرَانِيِّ قُدِّسَ سِرُّهُ. وَنَقَلَ ط عَنْ مُسْنَدِ الْخُوَارِزْمِيِّ أَنَّ الْإِمَامَ اجْتَمَعَ مَعَهُ أَلْفٌ مِنْ أَصْحَابِهِ أَجَلُّهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ أَرْبَعُونَ قَدْ بَلَغُوا حَدَّ الِاجْتِهَادِ، فَقَرَّبَهُمْ وَأَدْنَاهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: إِنِّى أَلْجَمْت هَذَا الْفِقْهَ وَأَسْرَجْته لَكُمْ فَأَعِينُونِي، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ جَعَلُونِي جِسْرًا عَلَى النَّارِ، فَإِنَّ الْمُنْتَهَى لِغَيْرِي، وَاللَّعِبَ عَلَى ظَهْرِي، فَكَانَ إذَا وَقَعَتْ وَاقِعَةٌ شَاوَرَهُمْ وَنَاظَرَهُمْ وَحَاوَرَهُمْ وَسَأَلَهُمْ فَيَسْمَعُ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ وَيَقُولُ مَا عِنْدَهُ وَيُنَاظِرُهُمْ شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى يَسْتَقِرَّ آخِرُ الْأَقْوَالِ فَيُثْبِتَهُ أَبُو يُوسُفَ، حَتَّى أَثْبَتَ الْأُصُولَ عَلَى هَذَا الْمِنْهَاجِ، شُورَى، لَا أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِذَلِكَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إنْ تَوَجَّهَ لَكُمْ دَلِيلٌ) أَيْ ظَهَرَ لَكُمْ فِي مَسْأَلَةٍ وَجْهُ الدَّلِيلِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقُولُ ط. (قَوْلُهُ: فَقُولُوا بِهِ) وَكَانَ كَذَلِكَ، فَحَصَلَ الْمُخَالَفَةُ مِنْ الصَّاحِبَيْنِ فِي نَحْوِ ثُلُثِ الْمَذْهَبِ، وَلَكِنْ الْأَكْثَرُ فِي الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ ط. (قَوْلُهُ: فَكَانَ كُلٌّ يَأْخُذُ بِرِوَايَةٍ عَنْهُ) أَيْ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ قَوْلٌ خَارِجٌ عَنْ أَقْوَالِهِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَا قُلْت قَوْلًا خَالَفْت فِيهِ أَبَا حَنِيفَةَ إلَّا قَوْلًا قَدْ كَانَ قَالَهُ. وَرَوَى عَنْ زُفَرُ أَنَّهُ قَالَ: مَا خَالَفْت أَبَا حَنِيفَةَ فِي شَيْءٍ إلَّا قَدْ قَالَهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، فَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُمْ مَا سَلَكُوا طَرِيقَ الْخِلَافِ، بَلْ قَالُوا مَا قَالُوا عَنْ اجْتِهَادٍ وَرَأْيٍ اتِّبَاعًا لِمَا قَالَهُ أُسْتَاذُهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ. اهـ. وَفِي آخِرِ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَإِذَا أَخَذَ بِقَوْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ يَكُونُ بِهِ آخِذًا بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ جَمِيعِ أَصْحَابِهِ مِنْ الْكِبَارِ كَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمْ قَالُوا: مَا قُلْنَا فِي مَسْأَلَةٍ قَوْلًا إلَّا وَهُوَ رِوَايَتُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَقْسَمُوا عَلَيْهِ أَيْمَانًا غِلَاظًا فَلَمْ يَتَحَقَّقْ إذًا فِي الْفِقْهِ جَوَابٌ وَلَا مَذْهَبٌ إلَّا لَهُ كَيْفَمَا كَانَ، وَمَا نُسِبَ إلَى غَيْرِهِ إلَّا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ لِلْمُوَافَقَةِ. اهـ. فَإِنْ قُلْت: إذَا رَجَعَ الْمُجْتَهِدُ عَنْ قَوْلٍ لَمْ يَبْقَ قَوْلًا لَهُ، بَلْ صَرَّحَ فِي قَضَاءِ الْبَحْرِ بِأَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَهُوَ مَرْجُوعٌ عَنْهُ وَأَنَّ الْمَرْجُوعَ عَنْهُ لَيْسَ قَوْلًا لَهُ. اهـ. وَفِيهِ عَنْ التَّوْشِيحِ أَنَّ مَا رَجَعَ عَنْهُ الْمُجْتَهِدُ لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِهِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَا قَالَهُ أَصْحَابُهُ مُخَالِفِينَ لَهُ فِيهِ لَيْسَ مَذْهَبَهُ، فَحِينَئِذٍ صَارَتْ أَقْوَالُهُمْ مَذَاهِبَ لَهُمْ، مَعَ أَنَّا الْتَزَمْنَا تَقْلِيدَ مَذْهَبِهِ دُونَ مَذْهَبِ غَيْرِهِ، وَلِذَا نَقُولُ إنَّ مَذْهَبَنَا حَنَفِيٌّ لَا يُوسُفِيٌّ وَنَحْوُهُ. مَطْلَبُ صَحَّ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي قُلْت: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِأَنْ يَأْخُذُوا مِنْ أَقْوَالِهِ بِمَا يُتَّجَهُ لَهُمْ مِنْهَا عَلَيْهِ الدَّلِيلُ صَارَ مَا قَالُوهُ قَوْلًا لَهُ لِابْتِنَائِهِ عَلَى قَوَاعِدِهِ الَّتِي أَسَّسَهَا لَهُمْ، فَلَمْ يَكُنْ مَرْجُوعًا عَنْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَيَكُونُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَيْضًا، وَنَظِيرُ هَذَا مَا نَقَلَهُ الْعَلَّامَةُ بِيرِيّ فِي أَوَّلِ شَرْحِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ عَنْ شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ، وَنَصُّهُ: إذَا صَحَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 وَعَلِمَ بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ مِنْ آثَارِ الرَّحْمَةِ، فَمَهْمَا كَانَ الِاخْتِلَافُ أَكْثَرَ كَانَتْ الرَّحْمَةُ أَوْفَرَ، لِمَا قَالُوا:   [رد المحتار] الْحَدِيثُ وَكَانَ عَلَى خِلَافِ الْمَذْهَبِ عُمِلَ بِالْحَدِيثِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مَذْهَبَهُ وَلَا يَخْرُجُ مُقَلِّدُهُ عَنْ كَوْنِهِ حَنَفِيًّا بِالْعَمَلِ بِهِ، فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي. وَقَدْ حَكَى ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ. اهـ. وَنَقَلَهُ أَيْضًا الْإِمَامُ الشَّعْرَانِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ لِمَنْ كَانَ أَهْلًا لِلنَّظَرِ فِي النُّصُوصِ وَمَعْرِفَةِ مُحْكَمِهَا مِنْ مَنْسُوخِهَا، فَإِذَا نَظَرَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي الدَّلِيلِ وَعَمِلُوا بِهِ صَحَّ نِسْبَتُهُ إلَى الْمَذْهَبِ لِكَوْنِهِ صَادِرًا بِإِذْنِ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ ضَعْفَ دَلِيلِهِ رَجَعَ عَنْهُ وَاتَّبَعَ الدَّلِيلَ الْأَقْوَى؛ وَلِذَا رَدَّ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ عَلَى بَعْضِ الْمَشَايِخِ حَيْثُ أَفْتَوْا بِقَوْلِ الْإِمَامَيْنِ بِأَنَّهُ لَا يُعْدَلُ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ إلَّا لِضَعْفِ دَلِيلِهِ (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ) خَبَرٌ آخَرُ عَنْ قَوْلِهِ وَهَذَا: أَيْ وَهَذَا الْقَوْلُ عُلِمَ مِنْهُ: أَيْ دَلِيلُ عِلْمِهِ بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ إلَخْ ط. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَعَلِمَهُ بِالضَّمِيرِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ. (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ) أَيْ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْفُرُوعِ لَا مُطْلَقِ الِاخْتِلَافِ. مَطْلَبٌ فِي حَدِيثِ «اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ» . (قَوْلُهُ: مِنْ آثَارِ الرَّحْمَةِ) فَإِنَّ اخْتِلَافَ أَئِمَّةِ الْهُدَى تَوْسِعَةٌ لِلنَّاسِ كَمَا فِي أَوَّلِ التَّتَارْخَانِيَّة، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ، وَهُوَ «اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ» قَالَ فِي الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ مُنْقَطِعٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بِلَفْظِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَهْمَا أُوتِيتُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَالْعَمَلُ بِهِ لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَسُنَّةٌ مِنِّي مَاضِيَةٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ سُنَّةٌ مِنِّي فَمَا قَالَ أَصْحَابِي، إنَّ أَصْحَابِي بِمَنْزِلَةِ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ، فَأَيُّمَا أَخَذْتُمْ بِهِ اهْتَدَيْتُمْ، وَاخْتِلَافُ أَصْحَابِي لَكُمْ رَحْمَةٌ» وَأَوْرَدَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْمُخْتَصَرِ بِلَفْظِ «اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ لِلنَّاسِ» وَقَالَ مُنْلَا عَلِيِّ الْقَارِي: إنَّ السُّيُوطِيّ قَالَ: أَخْرَجَهُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيَّ فِي الْحُجَّةِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الرِّسَالَةِ الْأَشْعَرِيَّةِ بِغَيْرِ سَنَدٍ، وَرَوَاهُ الْحَلِيمِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمْ، وَلَعَلَّهُ خَرَجَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْحُفَّاظِ الَّتِي لَمْ تَصِلْ إلَيْنَا. وَنَقَلَ السُّيُوطِيّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا سَرَّنِي لَوْ أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَخْتَلِفُوا؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَخْتَلِفُوا لَمْ تَكُنْ رُخْصَةً. وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ أَنَّ هَارُونَ الرَّشِيدَ قَالَ لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ نَكْتُبُ هَذِهِ الْكُتُبَ يَعْنِي مُؤَلَّفَاتِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَنُفَرِّقُهَا فِي آفَاقِ الْإِسْلَامِ لِنَحْمِلَ عَلَيْهَا الْأُمَّةَ، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ رَحْمَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، كُلٌّ يَتْبَعُ مَا صَحَّ عِنْدَهُ، وَكُلُّهُمْ عَلَى هُدًى، وَكُلٌّ يُرِيدُ اللَّهَ تَعَالَى، وَتَمَامُهُ فِي [كَشْفِ الْخَفَاءِ وَمُزِيلِ الْإِلْبَاسِ] لِشَيْخِ مَشَايِخِنَا الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ الْجِرَاحِيِّ. (قَوْلُهُ: كَانَتْ الرَّحْمَةُ أَوْفَرَ) أَيْ الْإِنْعَامُ أَزْيَدَ ط. (قَوْلُهُ: لَمَا قَالُوا) بِاللَّامِ: أَيْ لَمَا رَوَاهُ الْعُلَمَاءُ فِي شَأْنِ ذَلِكَ، وَهُوَ الْحَدِيثُ السَّابِقُ وَغَيْرُهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا كَافٌ مُعَلَّقَةٌ حَرَّفَهَا النُّسَّاخُ أَيْ كَمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ ذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ جُمْلَةَ قَوْلِهِ رَسْمَ الْمُفْتِي مَقُولُ الْقَوْلِ وَمَحَطُّ التَّعْلِيلِ عَلَى التَّخْيِيرِ فِي الْإِفْتَاءِ بِالْقَوْلَيْنِ الْمُصَحَّحَيْنِ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ رَحْمَةً وَتَوْسِعَةً ط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 رَسْمُ الْمُفْتِي أَنَّ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ يُفْتَى بِهِ قَطْعًا.   [رد المحتار] مَطْلَبُ رَسْمِ الْمُفْتِي. (قَوْلُهُ: رَسْمُ الْمُفْتِي) أَيْ الْعَلَامَةُ الَّتِي تَدُلُّ الْمُفْتِيَ عَلَى مَا يُفْتِي بِهِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ أَنَّ إلَخْ خَبَرُهُ. قَالَ فِي [فَتْحِ الْقَدِيرِ] : وَقَدْ اسْتَقَرَّ رَأْيُ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ هُوَ الْمُجْتَهِدُ، فَأَمَّا غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ مِمَّنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ الْمُجْتَهِدِ فَلَيْسَ بِمُفْتٍ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ إذَا سُئِلَ أَنْ يَذْكُرَ قَوْلَ الْمُجْتَهِدِ كَالْإِمَامِ عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَةِ، فَعُرِفَ أَنَّ مَا يَكُونُ فِي زَمَانِنَا مِنْ فَتْوَى الْمَوْجُودِينَ لَيْسَ بِفَتْوَى، بَلْ هُوَ نَقْلُ كَلَامِ الْمُفْتِي لِيَأْخُذَ بِهِ الْمُسْتَفْتِي. وَطَرِيقُ نَقْلِهِ لِذَلِكَ عَنْ الْمُجْتَهِدِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ سَنَدٌ فِيهِ، أَوْ يَأْخُذَهُ مِنْ كِتَابٍ مَعْرُوفٍ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي نَحْوُ كُتُبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ أَوْ الْمَشْهُورِ انْتَهَى ط. (قَوْلُهُ: فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ) اعْلَمْ أَنَّ مَسَائِلَ أَصْحَابِنَا الْحَنَفِيَّةِ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ أَشَرْت إلَيْهَا سَابِقًا مُلَخَّصَةً وَنَظَّمْتهَا: الْأُولَى مَسَائِلُ الْأُصُولِ، وَتُسَمَّى ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَيْضًا، وَهِيَ مَسَائِلُ مَرْوِيَّةٌ عَنْ أَصْحَابِ الْمَذْهَبِ، وَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَيَلْحَقُ بِهِمْ زُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ أَخَذَ عَنْ الْإِمَامِ، لَكِنَّ الْغَالِبَ الشَّائِعَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الثَّلَاثَةِ وَكُتُبُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، كُتُبُ مُحَمَّدٍ السِّتَّةُ الْمَبْسُوطُ وَالزِّيَادَاتُ وَالْجَامِعُ الصَّغِيرُ وَالسِّيَرُ الصَّغِيرُ وَالْجَامِعُ الْكَبِيرُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا رُوِيَتْ عَنْ مُحَمَّدٍ بِرِوَايَاتِ الثِّقَاتِ، فَهِيَ ثَابِتَةٌ عَنْهُ إمَّا مُتَوَاتِرَةً أَوْ مَشْهُورَةً عَنْهُ. الثَّانِيَةُ مَسَائِلُ النَّوَادِرِ، وَهِيَ الْمَرْوِيَّةُ عَنْ أَصْحَابِنَا الْمَذْكُورِينَ لَكِنْ لَا فِي الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ، بَلْ إمَّا فِي كُتُبٍ أُخَرَ لِمُحَمَّدٍ كالكيسانيات والهارونيات والجرجانيات وَالرُّقَيَّاتِ، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُرْوَ عَنْ مُحَمَّدٍ بِرِوَايَاتٍ ظَاهِرَةٍ ثَابِتَةٍ صَحِيحَةٍ كَالْكُتُبِ الْأُولَى، وَإِمَّا فِي كُتُبِ مُحَمَّدٍ كَالْمُحَرَّرِ لِلْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَغَيْرِهِ وَمِنْهَا كُتُبُ الْأَمَالِي الْمَرْوِيَّةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَالْأَمَالِي: جَمْعُ إمْلَاءٍ، وَهُوَ مَا يَقُولُهُ الْعَالِمُ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ وَيَكْتُبُهُ التَّلَامِذَةُ وَكَانَ ذَلِكَ عَادَةَ السَّلَفِ، وَإِمَّا بِرِوَايَةٍ مُفْرَدَةٍ كَرِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ وَالْمُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ وَغَيْرِهِمَا فِي مَسَائِلَ مُعَيَّنَةٍ. الثَّالِثَةُ الْوَاقِعَاتُ، وَهِيَ مَسَائِلُ اسْتَنْبَطَهَا الْمُجْتَهِدُونَ الْمُتَأَخِّرُونَ لَمَّا سُئِلُوا عَنْهَا وَلَمْ يَجِدُوا فِيهَا رِوَايَةً، وَهُمْ أَصْحَابُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابُ أَصْحَابِهِمَا، وَهَلُمَّ جَرَّا، وَهُمْ كَثِيرُونَ، فَمِنْ أَصْحَابِهِمَا مِثْلُ عِصَامِ بْنِ يُوسُفَ وَابْنِ رُسْتُمَ وَمُحَمَّدِ بْنُ سِمَاعَةَ وَأَبِي سُلَيْمَانَ الْجُرْجَانِيِّ وَأَبِي حَفْصٍ الْبُخَارِيِّ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِثْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ وَنُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى وَأَبِي النَّصْرِ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ. وَقَدْ يَتَّفِقُ لَهُمْ أَنْ يُخَالِفُوا أَصْحَابَ الْمَذْهَبِ لِدَلَائِلَ وَأَسْبَابٍ ظَهَرَتْ لَهُمْ، وَأَوَّلُ كِتَابِ جَمْعٍ فِي فَتْوَاهُمْ فِيمَا بَلَغَنَا كِتَابُ النَّوَازِلِ لِلْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، ثُمَّ جَمَعَ الْمَشَايِخُ بَعْدَهُ كُتُبًا أُخَرَ كَمَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَالْوَاقِعَاتِ لِلنَّاطِفِيِّ وَالْوَاقِعَاتِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُتَأَخِّرُونَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مُخْتَلِطَةً غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَمَيَّزَ بَعْضُهُمْ كَمَا فِي كِتَابِ الْمُحِيطِ لِرَضِيِّ الدِّينِ السَّرَخْسِيِّ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا مَسَائِلَ الْأُصُولِ ثُمَّ النَّوَادِرَ ثُمَّ الْفَتَاوَى وَنِعْمَ مَا فَعَلَ. وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ كُتُبِ مَسَائِلِ الْأُصُولِ كِتَابُ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ، وَهُوَ كِتَابٌ مُعْتَمَدٌ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ، شَرَحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ، مِنْهُمْ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ بِمَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الطَّرَسُوسِيُّ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وَاخْتُلِفَ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ يُفْتِي بِقَوْلِ الْإِمَامِ   [رد المحتار] مَبْسُوطُ السَّرَخْسِيِّ لَا يُعْمَلُ بِمَا يُخَالِفُهُ، وَلَا يُرْكَنُ إلَّا إلَيْهِ، وَلَا يُفْتَى وَلَا يُعَوَّلُ إلَّا عَلَيْهِ، وَمِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ أَيْضًا الْمُنْتَقَى لَهُ أَيْضًا إلَّا أَنَّ فِيهِ بَعْضَ النَّوَادِرِ. وَاعْلَمْ أَنَّ نُسَخَ الْمَبْسُوطِ الْمَرْوِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ مُتَعَدِّدَةٌ، وَأَظْهَرُهَا مَبْسُوطُ أَبِي سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيِّ. وَشَرَحَ الْمَبْسُوطَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِثْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ بَكْرٌ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهُ وَيُسَمَّى الْمَبْسُوطَ الْكَبِيرَ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَمَبْسُوطَاتُهُمْ شُرُوحٌ فِي الْحَقِيقَةِ ذَكَرُوهَا مُخْتَلِطَةً بِمَبْسُوطِ مُحَمَّدٍ كَمَا فَعَلَ شُرَّاحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِثْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِمْ، فَيُقَالُ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمُرَادُ شَرْحُهُ وَكَذَا فِي غَيْرِهِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ الْبِيرِيِّ عَلَى الْأَشْبَاهِ وَشَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ النَّابُلُسِيِّ عَلَى شَرْحِ الدُّرَرِ فَاحْفَظْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ كَحِفْظِ طَبَقَاتِ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ، وَسَنَذْكُرُهَا قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. مَطْلَبٌ فِي طَبَقَاتِ الْمَسَائِلِ وَكُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ الْبَحْرِ أَنَّ كَافِيَ الْحَاكِمِ هُوَ جَمْعُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي كُتُبِهِ السِّتَّةِ الَّتِي هِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَفَسَّرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ قُبَيْلَ بَابِ الْإِحْصَارِ الْأَصْلَ بِالْمَبْسُوطِ، وَفِي بَابِ الْعِيدَيْنِ مِنْ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ أَنَّ الْجَامِعَ الصَّغِيرَ صَنَّفَهُ مُحَمَّدٌ بَعْدَ الْأَصْلِ، فَمَا فِيهِ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ: سُمِّيَ الْأَصْلُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ صُنِّفَ أَوَّلًا، ثُمَّ الْجَامِعُ الصَّغِيرُ، ثُمَّ الْكَبِيرُ، ثُمَّ الزِّيَادَاتُ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. اهـ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي أَوَّلِ شَرْحِهِ عَلَى السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ السِّيَرَ الْكَبِيرَ هُوَ آخِرُ تَصْنِيفٍ صَنَّفَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْفِقْهِ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ الْحَاجِّ الْحَلَبِيِّ فِي بَحْثِ التَّسْمِيعِ أَنَّ مُحَمَّدًا قَرَأَ أَكْثَرَ الْكُتُبِ عَلَى أَبِي يُوسُفَ إلَّا مَا كَانَ فِيهِ اسْمُ الْكَبِيرِ فَإِنَّهُ مِنْ تَصْنِيفِ مُحَمَّدٍ: كَالْمُضَارَبَةِ الْكَبِيرِ وَالْمُزَارَعَةِ الْكَبِيرِ وَالْمَأْذُونِ الْكَبِيرِ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَالسِّيَرِ الْكَبِيرِ، وَتَمَامُ هَذِهِ الْأَبْحَاثِ فِي مَنْظُومَتِنَا فِي رَسْمِ الْمُفْتِي وَفِي شَرْحِهَا. [تَتِمَّةٌ] قَدَّمْنَا عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ كَيْفِيَّةَ الْإِفْتَاءِ مِمَّا فِي الْكُتُبِ، فَلَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ مِمَّا فِي الْكُتُبِ الْغَرِيبَةِ. وَفِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ لِشَيْخِنَا الْمُحَقِّقِ هِبَةِ اللَّهِ الْبَعْلِيِّ، قَالَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ صَالِحُ الْجُنَيْنِيُّ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ مِنْ الْكُتُبِ الْمُخْتَصَرَةِ كَالنَّهْرِ وَشَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ وَالدُّرِّ الْمُحْتَارِ شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ، أَوْ لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى حَالِ مُؤَلِّفِيهَا كَشَرْحِ الْكَنْزِ لِمُنْلَا مِسْكِينٍ وَشَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْقُهُسْتَانِيِّ، أَوْ لِنَقْلِ الْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ فِيهَا كَالْقُنْيَةِ لِلزَّاهِدِيِّ، فَلَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ مِنْ هَذِهِ إلَّا إذَا عَلِمَ الْمَنْقُولَ عَنْهُ وَأَخْذَهُ مِنْهُ، هَكَذَا سَمِعْته مِنْهُ وَهُوَ عَلَّامَةٌ فِي الْفِقْهِ مَشْهُورٌ وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ. اهـ. أَقُولُ: وَيَنْبَغِي إلْحَاقُ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ بِهَا، فَإِنَّ فِيهَا مِنْ الْإِيجَازِ فِي التَّعْبِيرِ مَا لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ إلَّا بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَأْخَذِهِ، بَلْ فِيهَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ الْإِيجَازُ الْمُخِلُّ، يَظْهَرُ ذَلِكَ لِمَنْ مَارَسَ مُطَالَعَتَهَا مَعَ الْحَوَاشِي فَلَا يَأْمَنُ الْمُفْتِي مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْغَلَطِ إذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهَا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُرَاجَعَةِ مَا كُتِبَ عَلَيْهَا مِنْ الْحَوَاشِي أَوْ غَيْرِهَا. وَرَأَيْت فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ الْأَزْهَرِيِّ عَلَى شَرْحِ مُنْلَا مِسْكِينٍ أَنَّهُ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ وَلَا عَلَى فَتَاوَى الطُّورِيِّ. مَطْلَبُ إذَا تَعَارَضَ التَّصْحِيحُ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ) أَقُولُ: عِبَارَتُهَا ثُمَّ الْفَتْوَى عَلَى الْإِطْلَاقِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ قَوْلِ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ. وَقِيلَ إذَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي جَانِبٍ وَصَاحِبَاهُ فِي جَانِبٍ فَالْمُفْتِي بِالْخِيَارِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُفْتِي مُجْتَهِدًا اهـ فَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: بِقَوْلِ الْإِمَامِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 عَلَى الْإِطْلَاقِ، ثُمَّ بِقَوْلِ الثَّانِي، ثُمَّ بِقَوْلِ الثَّالِثِ، ثُمَّ بِقَوْلِ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، وَصَحَّحَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ قُوَّةَ الْمُدْرَكِ وَفِي وَقْفِ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ: مَتَى كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ جَازَ الْقَضَاءُ وَالْإِفْتَاءُ بِأَحَدِهِمَا. وَفِي أَوَّلِ   [رد المحتار] قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ لِأَنَّهُ رَأَى الصَّحَابَةَ وَزَاحَمَ التَّابِعِينَ فِي الْفَتْوَى، فَقَوْلُهُ أَشَدُّ وَأَقْوَى مَا لَمْ يَكُنْ اخْتِلَافَ عَصْرٍ وَزَمَانٍ كَذَا فِي تَصْحِيحِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْإِطْلَاقِ) أَيْ سَوَاءٌ انْفَرَدَ وَحْدَهُ فِي جَانِبٍ أَوْ لَا كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ السِّرَاجِيَّةِ مِنْ مُقَابَلَتِهِ بِالْقَوْلِ الثَّانِي الْمُفَصَّلِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ بِقَوْلِ الثَّانِي) أَيْ ثُمَّ إذَا لَمْ يُوجَدْ لِلْإِمَامِ رِوَايَةٌ يُؤْخَذُ بِقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ أَبُو يُوسُفَ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ رِوَايَةٌ أَيْضًا فَيُؤْخَذُ بِقَوْلِ الثَّالِثِ وَهُوَ مُحَمَّدٌ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ قُوَّةَ الْمُدْرِكِ) أَيْ الدَّلِيلَ وَبِهِ عَبَّرَ فِي الْحَاوِي. قَالَ ح: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي التَّوْفِيقِ أَيْ بَيْنَ مَا فِي الْحَاوِي وَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ قُوَّةُ إدْرَاكٍ لِقُوَّةِ الْمُدْرِكِ يُفْتِي بِالْقَوْلِ الْقَوِيِّ الْمُدْرَكِ وَإِلَّا فَالتَّرْتِيبُ. اهـ. أَقُولُ: يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ السِّرَاجِيَّةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُفْتِي مُجْتَهِدًا، فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يَعْنِي مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلنَّظَرِ فِي الدَّلِيلِ يَتْبَعُ مِنْ الْأَقْوَالِ مَا كَانَ دَلِيلًا وَإِلَّا فَاتَّبَعَ التَّرْتِيبَ السَّابِقَ، وَمِنْ هَذَا تَرَاهُمْ قَدْ يُرَجِّحُونَ قَوْلَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَلَى قَوْلِهِ كَمَا رَجَّحُوا قَوْلَ زُفَرَ وَحْدَهُ فِي سَبْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً، فَنَتْبَعُ مَا رَجَّحُوهُ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ النَّظَرِ فِي الدَّلِيلِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ الْإِمَامِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ عَنْهُ وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ رِوَايَةٌ أَصْلًا، فَفِي الْأَوَّلِ يُؤْخَذُ بِأَقْوَاهَا حُجَّةً كَمَا فِي الْحَاوِي، ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْحَادِثَةِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَوَابٌ ظَاهِرٌ وَتَكَلَّمَ فِيهِ الْمَشَايِخُ الْمُتَأَخِّرُونَ قَوْلًا وَاحِدًا يُؤْخَذُ بِهِ، فَإِنْ اخْتَلَفُوا يُؤْخَذُ بِقَوْلِ الْأَكْثَرِينَ ثُمَّ الْأَكْثَرِينَ مِمَّا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ الْكِبَارُ الْمَعْرُوفُونَ مِنْهُمْ كَأَبِي حَفْصٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي اللَّيْثِ وَالطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ جَوَابٌ أَلْبَتَّةَ نَصًّا يَنْظُرُ الْمُفْتِي فِيهَا نَظَرَ تَأَمُّلٍ وَتَدَبُّرٍ وَاجْتِهَادٍ لِيَجِدَ فِيهَا مَا يُقَرِّبُ إلَى الْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ وَلَا يَتَكَلَّمُ فِيهَا جُزَافًا، وَيَخْشَى اللَّهَ تَعَالَى وَيُرَاقِبُهُ، فَإِنَّهُ أَمْرٌ عَظِيمٌ لَا يَتَجَاسَرُ عَلَيْهِ إلَّا كُلُّ جَاهِلٍ شَقِيٍّ. اهـ. [تَتِمَّةٌ] قَدْ جَعَلَ الْعُلَمَاءُ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فِي الْعِبَادَاتِ مُطْلَقًا وَهُوَ الْوَاقِعُ بِالِاسْتِقْرَاءِ، مَا لَمْ يَكُنْ عَنْهُ رِوَايَةٌ كَقَوْلِ الْمُخَالِفِ كَمَا فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَالتَّيَمُّمِ فَقَطْ عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِ نَبِيذِ التَّمْرِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ لِلْحَلَبِيِّ فِي بَحْثِ التَّيَمُّمِ. وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِ ذَوِي الْأَرْحَامِ. وَفِي قَضَاءِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ: الْفَتْوَى: عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ اهـ أَيْ لِحُصُولِ زِيَادَةِ الْعِلْمِ لَهُ بِهِ بِالتَّجْرِبَةِ، وَلِذَا رَجَعَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الْقَوْلِ بِأَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَلُ مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ لَمَّا حَجَّ وَعَرَفَ مَشَقَّتَهُ. وَفِي شَرْحِ الْبِيرِيِّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا فِي الشَّهَادَاتِ. وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ فِي سَبْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً حَرَّرْتهَا فِي رِسَالَةٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِ أَهْلِ الْمُتُونِ لِلتَّصْحِيحِ، وَإِلَّا فَالْحُكْمُ بِمَا فِي الْمُتُونِ كَمَا لَا يَخْفَى؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُتَوَاتِرَةً اهـ: وَإِذَا كَانَ فِي مَسْأَلَةٍ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ فَالْعَمَلُ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ إلَّا فِي مَسَائِلَ مَعْدُودَةٍ مَشْهُورَةٍ. وَفِي بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ مِنْ الْبَحْرِ: الْمَسْأَلَةُ إذَا لَمْ تُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَثَبَتَتْ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى تَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهَا. اهـ. وَفِي آخِرِ الْمُسْتَصْفَى لِلْإِمَامِ النَّسَفِيِّ: إذَا ذُكِرَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ أَقْوَالٍ فَالرَّاجِحُ هُوَ الْأَوَّلُ أَوْ الْأَخِيرُ لَا الْوَسَطُ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْدِلَ عَنْ الدِّرَايَةِ إذَا وَافَقَتْهَا رِوَايَةٌ. اهـ. ذَكَرَهُ فِي وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ فِي مَعْرِضِ تَرْجِيحِ رِوَايَةِ وُجُوبِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِلْأَدِلَّةِ الْوَارِدَةِ مَعَ أَنَّهَا خِلَافُ الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ الْإِمَامِ. (قَوْلُهُ: وَفِي وَقْفِ الْبَحْرِ إلَى آخِرِهِ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَفْظُ التَّصْحِيحِ فِي أَحَدِهِمَا آكَدَ مِنْ الْآخَرِ كَمَا أَفَادَهُ ح: أَيْ فَلَا يُخَيَّرُ بَلْ يَتْبَعُ الْآكَدَ كَمَا سَيَأْتِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 الْمُضْمَرَاتِ: أَمَّا الْعَلَامَاتُ لِلْإِفْتَاءِ فَقَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَبِهِ يُفْتَى، وَبِهِ نَأْخُذُ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْيَوْمِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْأُمَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، أَوْ الْأَصَحُّ، أَوْ الْأَظْهَرُ، أَوْ الْأَشْبَهُ، أَوْ الْأَوْجَهُ، أَوْ الْمُخْتَارُ، وَنَحْوُهَا مِمَّا ذُكِرَ فِي حَاشِيَةِ الْبَزْدَوِيِّ اهـ وَقَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: وَبَعْضُ الْأَلْفَاظِ آكَدُ مِنْ بَعْضٍ،   [رد المحتار] أَقُولُ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ التَّخْيِيرِ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُتُونِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبِيرِيِّ، وَلِمَا فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ مِنْ الْبَحْرِ، مِنْ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَالْفَتْوَى فَالْعَمَلُ بِمَا وَافَقَ الْمُتُونَ أَوْلَى. اهـ. وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الشُّرُوحِ وَالْآخَرُ فِي الْفَتَاوَى لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الشُّرُوحِ، وَمَا فِي الشُّرُوحِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى، لَكِنْ هَذَا عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِتَصْحِيحِ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ عَدَمِ التَّصْرِيحِ أَصْلًا. أَمَّا لَوْ ذَكَرْت مَسْأَلَةَ الْمُتُونِ وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِتَصْحِيحِهَا بَلْ صَرَّحُوا بِتَصْحِيحِ مُقَابِلِهَا فَقَدْ أَفَادَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ تَرْجِيحَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ تَصْحِيحٌ صَرِيحٌ، وَمَا فِي الْمُتُونِ تَصْحِيحٌ الْتِزَامِيٌّ، وَالتَّصْحِيحُ الصَّرِيحُ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّصْحِيحِ الِالْتِزَامِيِّ: أَيْ الْتِزَامُ الْمُتُونِ ذِكْرُ مَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ، وَكَذَا لَا تَخْيِيرَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَوْلَ الْإِمَامِ وَالْآخَرُ قَوْلَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَارَضَ التَّصْحِيحَانِ تَسَاقَطَا فَرَجَعْنَا إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ تَقْدِيمُ قَوْلِ الْإِمَامِ، بَلْ فِي شَهَادَاتِ الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ: الْمُقَرَّرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُفْتِي وَيَعْمَلُ إلَّا بِقَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، وَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ إلَى قَوْلِهِمَا أَوْ قَوْلِ أَحَدِهِمَا أَوْ غَيْرِهِمَا إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَسْأَلَةِ الْمُزَارَعَةِ وَإِنْ صَرَّحَ الْمَشَايِخُ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ وَالْإِمَامُ الْمُقَدَّمُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، وَفِيهِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ: يَحِلُّ الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ بَلْ يَجِبُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ قَالَ. اهـ. وَكَذَا لَوْ عَلَّلُوا أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ كَانَ التَّعْلِيقُ تَرْجِيحًا لِلْمُعَلَّلِ كَمَا أَفَادَهُ الرَّمْلِيُّ فِي فَتَاوَاهُ مِنْ كِتَابِ الْغَصْبِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا اسْتِحْسَانًا وَالْآخَرُ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ تَقْدِيمُ الِاسْتِحْسَانِ إلَّا فِيمَا اسْتَثْنَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ مِنْ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: الْفَتْوَى إذَا اخْتَلَفَتْ كَانَ التَّرْجِيحُ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِيهِ مِنْ بَابِ الْمَصْرِفِ: إذَا اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَجَبَ الْفَحْصُ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالرُّجُوعُ إلَيْهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَنْفَعَ لِلْوَقْفِ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْوَقْفِ وَالْإِجَارَاتِ أَنَّهُ يُفْتِي بِكُلِّ مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ فِيمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَوْلَ الْأَكْثَرِينَ، لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْحَاوِي. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مُرَجِّحٌ عَلَى الْآخَرِ ثُمَّ صَحَّحَ الْمَشَايِخُ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ بِهِ مَا كَانَ لَهُ مُرَجِّحٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُرَجِّحَ لَمْ يَزُلْ بَعْدَ التَّصْحِيحِ، فَيَبْقَى فِيهِ زِيَادَةُ قُوَّةٍ لَمْ تُوجَدْ فِي الْآخَرِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي مِنْ فَيْضِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُفْتِي وَهُوَ الشَّابُّ الْقَوِيُّ، وَسُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّ الْمُفْتِيَ يُقَوِّي السَّائِلَ بِجَوَابِ حَادِثَتِهِ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْعَيْنِيِّ، وَالْمُرَادُ بِالِاشْتِقَاقِ فِيهَا مُلَاحَظَةُ مَا أَنْبَأَ عَنْهُ الْفَتَى مِنْ الْقُوَّةِ وَالْحُدُوثِ لَا حَقِيقَتُهُ كَذَا قِيلَ. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْيَوْمِ) الْمُرَادُ بِالْيَوْمِ مُطْلَقُ الزَّمَانِ، وَأَلْ فِيهِ لِلْحُضُورِ، وَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى فِي، وَهِيَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى زَمَانِهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ: أَيْ عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ الْحَاضِرِ. (قَوْلُهُ: أَوْ الْأَشْبَهُ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: مَعْنَاهُ الْأَشْبَهُ بِالْمَنْصُوصِ رِوَايَةً وَالرَّاجِحُ دِرَايَةً فَيَكُونُ عَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. وَالدِّرَايَةُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الدَّلِيلِ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى. (قَوْلُهُ: أَوْ الْأَوْجَهُ) أَيْ الْأَظْهَرُ وَجْهًا مِنْ حَيْثُ إنَّ دَلَالَةَ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ مُتَّجِهَةٌ ظَاهِرَةٌ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهَا) كَقَوْلِهِمْ: وَبِهِ جَرَى الْعُرْفُ، وَهُوَ الْمُتَعَارَفُ، وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا ط. (قَوْلُهُ: وَقَالَ شَيْخُنَا) الْمُرَادُ بِهِ حَيْثُ أَطْلَقَ فِي هَذَا الْكِتَابِ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ. (قَوْلُهُ: فِي فَتَاوِيهِ) جَمْعُ فَتْوَى وَيُجْمَعُ عَلَى فَتَاوَى بِالْأَلِفِ أَيْضًا، وَهِيَ هُنَا اسْمٌ لِفَتَاوَى شَيْخِهِ الْمَشْهُورَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ لِنَفْعِ الْبَرِّيَّةِ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي آخِرِهَا فِي مَسَائِلَ شَتَّى. (قَوْلُهُ: آكَدُ مِنْ بَعْضٍ) أَيْ أَقْوَى فَتُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهَا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 فَلَفْظُ الْفَتْوَى آكَدُ مِنْ لَفْظِ الصَّحِيحِ، وَالْأَصَحِّ وَالْأَشْبَهِ وَغَيْرِهَا، وَلَفْظُ وَبِهِ يُفْتَى آكَدُ مِنْ الْفَتْوَى عَلَيْهِ، وَالْأَصَحُّ آكَدُ مِنْ الصَّحِيحِ، وَالْأَحْوَطُ آكَدُ مِنْ الِاحْتِيَاطِ انْتَهَى. قُلْت: لَكِنْ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْحَلَبِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَا يَجُوزُ مَسُّ مُصْحَفٍ إلَّا بِغِلَافِهِ إذَا تَعَارَضَ إمَامَانِ مُعْتَبَرَانِ عَبَّرَ أَحَدُهُمَا بِالصَّحِيحِ وَالْآخَرُ بِالْأَصَحِّ، فَالْأَخْذُ بِالصَّحِيحِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ صَحِيحٌ، وَالْأَخْذُ بِالْمُتَّفَقِ أَوْفَقُ فَلْيُحْفَظْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي رِسَالَةِ آدَابِ الْمُفْتِي: إذَا ذُيِّلَتْ رِوَايَةٌ فِي كِتَابٍ يُعْتَمَدُ بِالْأَصَحِّ أَوْ الْأَوْلَى، أَوْ الْأَوْفَقِ أَوْ نَحْوِهَا، فَلَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِهَا وَبِمُخَالِفِهَا أَيْضًا أَيًّا شَاءَ، وَإِذَا ذُيِّلَتْ بِالصَّحِيحِ أَوْ الْمَأْخُوذِ بِهِ، أَوْ وَبِهِ يُفْتَى، أَوْ عَلَيْهِ الْفَتْوَى -   [رد المحتار] وَهَذَا التَّقْدِيمُ رَاجِحٌ لَا وَاجِبٌ كَمَا يُفِيدُهُ مَا يَأْتِي عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: فَلَفْظُ الْفَتْوَى) أَيْ اللَّفْظُ الَّذِي فِيهِ حُرُوفُ الْفَتْوَى الْأَصْلِيَّةِ بِأَيِّ صِيغَةٍ عَبَّرَ بِهَا ط. (قَوْلُهُ: آكَدُ مِنْ لَفْظِ الصَّحِيحِ إلَخْ) لِأَنَّ مُقَابِلَ الصَّحِيحِ أَوْ الْأَصَحِّ وَنَحْوَهُ قَدْ يَكُونُ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ لِكَوْنِهِ هُوَ الْأَحْوَطُ أَوْ الْأَرْفَقُ بِالنَّاسِ أَوْ الْمُوَافِقُ لِتَعَامُلِهِمْ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَرَاهُ الْمُرَجِّحُونَ فِي الْمَذْهَبِ دَاعِيًا إلَى الْإِفْتَاءِ بِهِ، فَإِذَا صَرَّحُوا بِلَفْظِ الْفَتْوَى فِي قَوْلٍ عُلِمَ أَنَّهُ الْمَأْخُوذُ بِهِ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ لَفْظَ وَبِهِ نَأْخُذُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ مُسَاوٍ لِلَفْظِ الْفَتْوَى وَكَذَا بِالْأَوْلَى لَفْظُ عَلَيْهِ عَمَلُ الْأُمَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهَا) كَالْأَحْوَطِ وَالْأَظْهَرِ ط. وَفِي الضِّيَاءِ الْمَعْنَوِيِّ فِي مُسْتَحَبَّاتِ الصَّلَاةِ: لَفْظَةُ الْفَتْوَى آكَدُ وَأَبْلَغُ مِنْ لَفْظَةِ الْمُخْتَارِ. (قَوْلُهُ: آكَدُ مِنْ الْفَتْوَى عَلَيْهِ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ يُفِيدُ الْحَصْرَ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْفَتْوَى لَا تَكُونُ إلَّا بِذَلِكَ، الثَّانِي يُفِيدُ الْأَصَحِّيَّةَ. اهـ. ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ آكَدُ مِنْ الصَّحِيحِ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ مُقَابِلٌ لِلصَّحِيحِ، وَهُوَ: أَيْ الصَّحِيحُ مُقَابِلٌ لِلضَّعِيفِ، لَكِنْ فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ لِبِيرِيٍّ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ ذَلِكَ بِالْغَالِبِ؛ لِأَنَّا وَجَدْنَا مُقَابِلَ الْأَصَحِّ الرِّوَايَةَ الشَّاذَّةَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. اهـ. ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَحْوَطُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا عَبَّرَ فِيهِ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ ط، وَالِاحْتِيَاطُ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ كَمَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: قُلْت لَكِنْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الرَّمْلِيِّ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ آكَدُ مِنْ بَعْضٍ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ مُرَادَهُ تَقْدِيمُ الْآكَدِ عَلَى غَيْرِهِ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ تَقْدِيمُ الْأَصَحِّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَأَمَّا كَوْنُ مُرَادِهِ مُجَرَّدَ بَيَانٍ أَنَّ الْأَصَحَّ آكَدُ بِمُقْتَضَى أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي تَقْدِيمَ الصَّحِيحِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ، فَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِي لَفْظِ الْفَتْوَى مَعَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ آكَدَ، وَلَا مَعْنَى لِآكَدِيَّتِهِ إلَّا تَقْدِيمُهُ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ مَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا مَا قَالَهُ فِي الْخَيْرِيَّةِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ بَعْدَ كَلَامٍ. قُلْت: وَقَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ لَا يُدْفَعُ قَوْلُ صَاحِبِ الْمُحِيطِ، هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. (قَوْلُهُ: إمَامَانِ مُعْتَبَرَانِ) أَيْ مِنْ أَئِمَّةِ التَّرْجِيحِ ط. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا إلَخْ) أَيْ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا يُجْعَلُ الْآخَرُ أَصَحُّ. قُلْت: وَالْعِلَّةُ لَا تَخُصُّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ، بَلْ كَذَلِكَ الْوَجِيهُ وَالْأَوْجَهُ وَالِاحْتِيَاطُ وَالْأَحْوَطُ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: إذَا ذُيِّلَتْ رِوَايَةٌ إلَخْ) أَيْ جُعِلَ ذَيْلُهَا: أَيْ فِي آخِرِهَا، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ التَّذْيِيلَ بِالتَّصْحِيحِ وَقَعَ لِرِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ دُونَ مُخَالَفَتِهَا فَلَيْسَ فِيهِ تَعَارُضُ التَّصْحِيحِ، لَكِنْ إذَا كَانَ التَّصْحِيحُ بِصِيغَةِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ أَفَادَ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْمُخَالِفَةَ صَحِيحَةٌ أَيْضًا، فَلَهُ الْإِفْتَاءُ بِأَيٍّ شَاءَ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ الْأُولَى لِزِيَادَةِ الصِّحَّةِ فِيهَا، وَسَكَتَ عَنْهُ لِظُهُورِهِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ التَّصْحِيحُ بِصِيغَةٍ تَقْتَضِي قَصْرِ الصِّحَّةِ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ فَقَطْ كَالصَّحِيحِ وَالْمَأْخُوذِ بِهِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُفِيدُ ضَعْفَ الرِّوَايَةِ الْمُخَالِفَةِ لَمْ يَجُزْ الْإِفْتَاءُ بِمُخَالِفِهَا، لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْفُتْيَا بِالْمَرْجُوحِ جَهْلٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 لَمْ يُفْتِ بِمُخَالِفِهِ إلَّا إذَا كَانَ فِي الْهِدَايَةِ مَثَلًا هُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْكَافِي بِمُخَالِفِهِ هُوَ الصَّحِيحُ فَيُخَيَّرُ فَيَخْتَارُ الْأَقْوَى عِنْدَهُ وَالْأَلْيَقَ وَالْأَصْلَحَ اهـ فَلْيُحْفَظْ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُفْتِي وَالْقَاضِي إلَّا أَنَّ الْمُفْتِيَ مُخْبِرٌ عَنْ الْحُكْمِ وَالْقَاضِيَ مُلْزِمٌ بِهِ، وَأَنَّ الْحُكْمَ وَالْفُتْيَا بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ جَهْلٌ وَخَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ،   [رد المحتار] وَجَدَ التَّصْحِيحَ فِي كِتَابٍ آخَرَ لِلرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، فَإِنَّ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ الْآكَدِ مِنْهُمَا أَوْ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَارِّ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا تَفْصِيلٌ آخَرُ زَائِدٌ عَلَى مَا مَرَّ غَيْرُ مُخَالِفٍ لَهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ فِيمَا وُجِدَ فِيهِ التَّصْحِيحُ مِنْ كِلَا الطَّرَفَيْنِ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُذَيَّلْ مُخَالِفُهُ بِشَيْءٍ كَمَا مَرَّ. وَفَائِدَةُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ تَوْضِيحُ مَا مَرَّ عَنْ وَقْفِ الْبَحْرِ وَبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْ التَّخْيِيرِ، فَلَيْسَ فِيهِ تَكْرِيرٌ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْكَافِي) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كَافِي الْحَاكِمِ أَوْ كَافِي النَّسَفِيِّ الَّذِي شَرَحَ بِهِ كِتَابَهُ الْوَافِيَ أَصْلَ الْكَنْزِ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي. (قَوْلُهُ: فَيَخْتَارُ الْأَقْوَى) أَيْ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ فِي الدَّلِيلِ أَوْ نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا تَنْسَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ بَقِيَّةِ قُيُودِ التَّخْيِيرِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَلْيَقُ) أَيْ لِزَمَانِهِ وَالْأَصْلَحُ الَّذِي يَرَاهُ مُنَاسِبًا فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ. (قَوْلُهُ: فَلْيُحْفَظْ) أَيْ جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْحُكْمَ إنْ اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا يُفْتَى بِهِ قَطْعًا، وَإِلَّا فَإِمَّا أَنْ يُصَحِّحَ الْمَشَايِخُ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ أَوْ كُلًّا مِنْهُمَا، أَوَّلًا وَإِلَّا فَفِي الثَّالِثِ يُعْتَبَرُ التَّرْتِيبُ، بِأَنْ يُفْتَى بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ، أَوْ يُعْتَبَرُ قُوَّةُ الدَّلِيلِ، وَقَدْ مَرَّ التَّوْفِيقُ، وَفِي الْأَوَّلِ إنْ كَانَ التَّصْحِيحُ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ خُيِّرَ الْمُفْتِي، وَإِلَّا فَلَا، بَلْ يُفْتَى بِالْمُصَحَّحِ فَقَطْ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ عَنْ الرِّسَالَةِ. وَفِي الثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ أَوْ لَا. فَفِي الْأَوَّلِ قِيلَ يُفْتَى بِالْأَصَحِّ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْخَيْرِيَّةِ وَقِيلَ بِالصَّحِيحِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَفِي الثَّانِي يُخَيَّرُ الْمُفْتِي وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ وَقْفِ الْبَحْرِ وَالرِّسَالَةِ أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ: فِي تَصْحِيحِهِ) أَيْ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالتَّصْحِيحِ، وَالتَّرْجِيحِ الْمَوْضُوعِ عَلَى مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ. (قَوْلُهُ: لَا فَرْقَ إلَخْ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِالتَّشَهِّي، بَلْ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ مَا رَجَّحُوهُ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ وَإِنْ كَانَ الْمُفْتِي مُخْبِرًا وَالْقَاضِي مُلْزِمًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرَ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْحُكْمَ وَالْفُتْيَا إلَخْ) وَكَذَا الْعَمَلُ بِهِ لِنَفْسِهِ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ [الْعِقْد الْفَرِيدِ فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ] : مُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ مَنْعُ الْعَمَلِ بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ فِي الْقَضَاءِ وَالْإِفْتَاءِ دُونَ الْعَمَلِ لِنَفْسِهِ. مَطْلَبُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالضَّعِيفِ حَتَّى لِنَفْسِهِ عِنْدَنَا وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ الْمَنْعُ عَنْ الْمَرْجُوحِ حَتَّى لِنَفْسِهِ لِكَوْنِ الْمَرْجُوعِ صَارَ مَنْسُوخًا اهـ فَلْيُحْفَظْ، وَقَيَّدَهُ الْبِيرِيُّ بِالْعَامِّيِّ أَيْ الَّذِي لَا رَأْيَ لَهُ يَعْرِفُ بِهِ مَعْنَى النُّصُوصِ حَيْثُ قَالَ: هَلْ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ الْعَمَلُ بِالضَّعِيفِ مِنْ الرِّوَايَةِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، نَعَمْ إذَا كَانَ لَهُ رَأْيٌ، أَمَّا إذَا كَانَ عَامِّيًّا فَلَمْ أَرَهُ، لَكِنْ مُقْتَضَى تَقْيِيدِهِ بِذِي الرَّأْيِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ ذَلِكَ. قَالَ فِي خِزَانَةِ الرِّوَايَاتِ: الْعَالِمُ الَّذِي يَعْرِفُ مَعْنَى النُّصُوصِ وَالْأَخْبَارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الدِّرَايَةِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَذْهَبِهِ اهـ. قُلْت: لَكِنْ هَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ، فَقَدْ ذَكَرَ فِي حَيْضِ الْبَحْرِ فِي بَحْثِ أَلْوَانِ الدِّمَاءِ أَقْوَالًا ضَعِيفَةً، ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ فَخْرِ الْأَئِمَّةِ: لَوْ أَفْتَى مُفْتٍ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي مَوَاضِعِ الضَّرُورَةِ طَلَبًا لِلتَّيْسِيرِ كَانَ حَسَنًا. اهـ. وَكَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَنِيِّ إذَا خَرَجَ بَعْدَ فُتُورِ الشَّهْوَةِ لَا يَجِبُ بِهِ الْغَسْلُ ضَعِيفٌ، وَأَجَازُوا الْعَمَلَ بِهِ لِلْمُسَافِرِ أَوْ الضَّيْفِ الَّذِي خَافَ الرِّيبَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ وَذَلِكَ مِنْ مَوَاضِعِ الضَّرُورَةِ. (قَوْلُهُ: بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ) كَقَوْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وَأَنَّ الْحُكْمَ الْمُلَفَّقَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ التَّقْلِيدِ بَعْدَ الْعَمَلِ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ فِي الْمَذْهَبِ، وَأَنَّ الْخِلَافَ خَاصٌّ بِالْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ، وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ أَصْلًا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ.   [رد المحتار] مُحَمَّدٍ مَعَ وُجُودِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا لَمْ يُصَحَّحْ أَوْ يَقْوَ وَجْهُهُ، وَأَوْلَى مِنْ هَذَا بِالْبُطْلَانِ الْإِفْتَاءُ بِخِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إذَا لَمْ يُصَحَّحْ وَالْإِفْتَاءُ بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْحُكْمَ الْمُلَفَّقَ) الْمُرَادُ بِالْحُكْمِ الْحُكْمُ الْوَضْعِيُّ كَالصِّحَّةِ. مِثَالُهُ: مُتَوَضِّئٌ سَالَ مِنْ بَدَنِهِ دَمٌ وَلَمَسَ امْرَأَةً ثُمَّ صَلَّى فَإِنَّ صِحَّةَ هَذِهِ الصَّلَاةِ مُلَفَّقَةٌ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَفِيِّ وَالتَّلْفِيقُ بَاطِلٌ، فَصِحَّتُهُ مُنْتَفِيَةٌ. اهـ. ح. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ التَّقْلِيدِ وَالرُّجُوعِ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الرُّجُوعَ إلَخْ) صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِهِ، وَمِثْلُهُ فِي أُصُولِ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَجَمْعِ الْجَوَامِعِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ كَمَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ وَالرَّمْلِيُّ فِي شَرْحَيْهِمَا عَلَى الْمِنْهَاجِ وَابْنُ قَاسِمٍ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى مَا إذَا بَقِيَ مِنْ آثَارِ الْفِعْلِ السَّابِقِ أَثَرٌ يُؤَدِّي إلَى تَلْفِيقِ الْعَمَلِ بِشَيْءٍ لَا يَقُولُ بِهِ مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ، كَتَقْلِيدِ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ، وَمَالِكٍ فِي طَهَارَةِ الْكَلْبِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَمَا لَوْ أَفْتَى بِبَيْنُونَةِ زَوْجَتِهِ بِطَلَاقِهَا مُكْرَهًا ثُمَّ نَكَحَ أُخْتَهَا مُقَلِّدًا لِلْحَنَفِيِّ بِطَلَاقِ الْمُكْرَهِ ثُمَّ أَفْتَاهُ شَافِعِيٌّ بِعَدَمِ الْحِنْثِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَ الْأُولَى مُقَلِّدًا لِلشَّافِعِيِّ وَالثَّانِيَةَ مُقَلِّدًا لِلْحَنَفِيِّ، أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْعِ التَّقْلِيدِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ بِعَيْنِهَا لَا مِثْلِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ السُّبْكِيُّ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ صَلَّى ظُهْرًا بِمَسْحِ رُبُعِ الرَّأْسِ مُقَلِّدًا لِلْحَنَفِيِّ فَلَيْسَ لَهُ إبْطَالُهَا بِاعْتِقَادِ لُزُومِ مَسْحِ الْكُلِّ مُقَلِّدًا لِلْمَالِكِيِّ. وَأَمَّا لَوْ صَلَّى يَوْمًا عَلَى مَذْهَبٍ وَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ يَوْمًا آخَرَ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ، عَلَى أَنَّ فِي دَعْوَى الِاتِّفَاقِ نَظَرًا، فَقَدْ حُكِيَ الْخِلَافُ، فَيَجُوزُ اتِّبَاعُ الْقَائِلِ بِالْجَوَازِ كَذَا أَفَادَهُ الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي الْعِقْدِ الْفَرِيدِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ فُرُوعٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ صَرِيحَةٍ بِالْجَوَازِ وَكَلَامٍ طَوِيلٍ: فَتَحَصَّلَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْإِنْسَانِ الْتِزَامُ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِمَا يُخَالِفُ مَا عَمِلَهُ عَلَى مَذْهَبِهِ مُقَلِّدًا فِيهِ غَيْرَ إمَامِهِ مُسْتَجْمِعًا شُرُوطَهُ وَيَعْمَلُ بِأَمْرَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ فِي حَادِثَتَيْنِ لَا تَعَلُّقَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالْأُخْرَى، وَلَيْسَ لَهُ إبْطَالُ عَيْنِ مَا فَعَلَهُ بِتَقْلِيدِ إمَامٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ إمْضَاءَ الْفِعْلِ كَإِمْضَاءِ الْقَاضِي لَا يُنْقَضُ. وَقَالَ أَيْضًا: إنَّ لَهُ التَّقْلِيدَ بَعْدَ الْعَمَلِ كَمَا إذَا صَلَّى ظَانًّا صِحَّتَهَا عَلَى مَذْهَبِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ بُطْلَانُهَا فِي مَذْهَبِهِ وَصِحَّتُهَا عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ فَلَهُ تَقْلِيدُهُ، وَيَجْتَزِي بِتِلْكَ الصَّلَاةِ عَلَى مَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: إنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ صَلَّى الْجُمُعَةَ مُغْتَسِلًا مِنْ الْحَمَّامِ ثُمَّ أُخْبِرَ بِفَأْرَةٍ مَيِّتَةٍ فِي بِئْرِ الْحَمَّامِ فَقَالَ نَأْخُذُ بِقَوْلِ إخْوَانِنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا» . اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْخِلَافَ) أَيْ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِيمَا إذَا قَضَى بِغَيْرِ رَأْيِهِ عَمْدًا هَلْ يَنْفُذُ فَعِنْدَهُ، نَعَمْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا كَمَا فِي التَّحْرِيرِ. وَقَالَ شَارِحُهُ: نَصَّ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُحِيطِ عَلَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا بِعَدَمِ النَّفَاذِ فِي الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ مَأْمُورٌ بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى ظَنِّهِ إجْمَاعًا وَهَذَا خِلَافُ مُقْتَضَى ظَنِّهِ. اهـ. وَقَدْ اسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، عَلَى قَوْلِ الْأُصُولِيِّينَ إنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا اجْتَهَدَ فِي وَاقِعَةٍ بِحُكْمٍ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ فِيهَا اتِّفَاقًا، وَالْخِلَافُ فِي تَقْلِيدِهِ قَبْلَ اجْتِهَادِهِ فِيهَا، وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْمَنْعِ، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُبْطِلُ دَعْوَى الِاتِّفَاقِ وَأَجَابَ فِي التَّحْرِيرِ بِأَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ بِالنَّفَاذِ لَا يُوجِبُ حَمْلَ الْإِقْدَامِ عَلَى هَذَا الْقَضَاءِ، نَعَمْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي الْحِلِّ وَيَجِبُ تَرْجِيحُ رِوَايَةِ عَدَمِهِ. اهـ. وَحِينَئِذٍ فَلَا إشْكَالَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ إلَخْ) نَقَلَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 قُلْت: وَلَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا، فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَنُصُّ فِي مَنْشُورِهِ عَلَى نَهْيِهِ عَنْ الْقَضَاءِ بِالْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ، فَكَيْفَ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ فَيَكُونُ مَعْزُولًا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمُعْتَمَدِ مِنْ مَذْهَبِهِ، فَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيهِ وَيُنْقَضُ كَمَا بُسِطَ فِي قَضَاءِ الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهَا. قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: وَهَذَا صَرِيحُ الْحَقِّ الَّذِي يُعَضُّ عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ، نَعَمْ أَمْرُ الْأَمِيرِ مَتَى صَادَفَ فَصْلًا مُجْتَهَدًا فِيهِ نَفَذَ أَمْرُهُ، كَمَا فِي سِيَرِ التَّتَارْخَانِيَّة وَشَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ فَلْيُحْفَظْ.   [رد المحتار] فِي الْقُنْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ، وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْمُقَلِّدَ إذَا قَضَى بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ أَوْ بِرِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ أَوْ بِقَوْلٍ ضَعِيفٍ نَفَذَ. وَأَقْوَى مَا تَمَسَّكَ بِهِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا وَقَضَى بِالْفَتْوَى ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِهِ نَفَذَ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ، وَلَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ كَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ الثَّانِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ أَيْضًا اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَمَا فِي الْفَتْحِ يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ وَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْهُمَا، إذْ قُصَارَى الْأَمْرِ أَنَّ هَذَا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ النَّاسِي لِمَذْهَبِهِ، وَقَدْ مَرَّ عَنْهُمَا فِي الْمُجْتَهِدِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ فَالْمُقَلِّدُ أَوْلَى اهـ. (قَوْلُهُ: فِي مَنْشُورِهِ) الْمَنْشُورُ: مَا كَانَ غَيْرَ مَخْتُومٍ مِنْ كُتُبِ السُّلْطَانِ قَامُوسٌ. (قَوْلُهُ: فَكَيْفَ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ) أَيْ فَكَيْفَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَهَاهُ عَنْ الْقَضَاءِ بِالْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ فِي مَذْهَبِهِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيهَا فَبِخِلَافِ مَذْهَبِهِ بِالْأَوْلَى، وَمَبْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا قَالُوا إنَّ تَوْلِيَةَ الْقَضَاءِ تَتَخَصَّصُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالشَّخْصِ، فَلَوْ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ الْقَضَاءَ فِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ أَوْ مَكَان مَخْصُوصٍ أَوْ عَلَى جَمَاعَةٍ مَخْصُوصِينَ تَعَيَّنَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ، وَلَوْ نَهَاهُ عَنْ سَمَاعِ بَعْضِ الْمَسَائِلِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ فِيهَا، كَمَا إذَا نَهَاهُ عَنْ سَمَاعِ حَادِثَةٍ مَضَى عَلَيْهَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً بِلَا مَانِعٍ شَرْعِيٍّ وَالْخَصْمُ مُنْكِرٌ، وَقَدْ ذَكَرَ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ أَنَّ عَادَةَ سَلَاطِينِ زَمَانِنَا إذَا تَوَلَّى أَحَدُهُمْ عُرِضَ عَلَيْهِ قَانُونُ مَنْ قَبْلَهُ وَأُمِرَ بِاتِّبَاعِهِ. (قَوْلُهُ: وَيَنْقُضُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَعْزُولًا بِالنِّسْبَةِ لِمَا ذُكِرَ لَا يَصِحُّ لَهُ قَضَاءٌ حَتَّى يَنْقُضَ؛ لِأَنَّ النَّقْضَ إنَّمَا يَكُونُ لِلثَّابِتِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ قَضَاءٌ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ ط. (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْبُرْهَانِ) هُوَ شَرْحُ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ كِلَاهُمَا لِلْعَلَّامَةِ إبْرَاهِيمِ الطَّرَابُلُسِيِّ صَاحِبِ الْإِسْعَافِ فِي الْأَوْقَافِ. (قَوْلُهُ: بِالنَّوَاجِذِ) هِيَ أَضْرَاسُ الْحُلُمِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَالْكَلَامُ كِنَايَةٌ عَنْ غَايَةِ التَّمَسُّكِ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُمْ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الضَّحِكِ وَإِلَّا فَلَا تَبْدُو بِالضَّحِكِ عَادَةً كَمَا حَقَّقَهُ الْإِمَامُ الزَّمَخْشَرِيّ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ أَمْرُ الْأَمِيرِ إلَخْ) تَصْدِيقٌ لِمَا مَرَّ وَاسْتِدْرَاكٌ بِأَمْرِ آخَرَ كَالِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا قَبْلَهُ، هَكَذَا عُرْفُ الْمُصَنِّفِينَ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ. (قَوْلُهُ: نَفَذَ أَمْرُهُ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ الطَّلَبَ بِلَا قَضَاءٍ فَظَاهِرٌ، وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِالنَّفَاذِ وُجُوبُ الِامْتِثَالِ، وَهَذَا الَّذِي رَأَيْته فِي سِيَرِ التَّتَارْخَانِيَّة فِي الْفَصْلِ الْعَاشِرِ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ طَاعَةُ الْأَمِيرِ وَمَا لَا يَجِبُ، وَنَصُّهُ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَإِذَا أَمَرَ الْأَمِيرُ الْعَسْكَرَ بِشَيْءٍ كَانَ عَلَى الْعَسْكَرِ أَنْ يُطِيعُوهُ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ بِهِ مَعْصِيَةً بِيَقِينٍ. اهـ. وَلَكِنْ لَا مَحَلَّ لِذِكْرِ هَذَا هُنَا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْقَضَاءَ إلَّا بِتَفْوِيضٍ مِنْ الْإِمَامِ. قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: يَجُوزُ قَضَاءُ الْأَمِيرِ الَّذِي يُولِي الْقَضَاءَ وَكَذَلِكَ كِتَابُهُ إلَى الْقَاضِي إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي مِنْ جِهَةِ الْخَلِيفَةِ، فَقَضَاءُ الْأَمِيرِ لَا يَجُوزُ كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ. وَقَدْ أَفْتَيْت بِأَنَّ تَوْلِيَةَ بَاشَا مِصْرَ قَاضِيًا لِيَحْكُمَ فِي قُبَّةٍ بِمِصْرَ مَعَ وُجُودِ قَاضِيهَا الْمُوَلَّى مِنْ السُّلْطَانِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ ذَلِكَ اهـ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: سِيَرِ) جَمْعُ سِيرَةٍ: وَهِيَ الطَّرِيقَةُ فِي الْأُمُورِ. وَفِي الشَّرْعِ تَخْتَصُّ بِسِيَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَغَازِيهِ هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: السِّيَرِ الْكَبِيرِ) لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ رِوَايَتُهُ عَنْ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ ط. وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَقَالُوا السِّيَرُ الْكَبِيرُ فَوَصَفُوهَا بِصِفَةِ الْمُذَكَّرِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْمُضَافِ الَّذِي هُوَ الْكِتَابُ، كَقَوْلِهِمْ: صَلَاةُ الظُّهْرِ، وَسِيَرُ الْكَبِيرِ خَطَأٌ كَجَامِعِ الصَّغِيرِ وَجَامِعِ الْكَبِيرِ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمُطْلَقَ قَدْ فُقِدَ، وَأَمَّا الْمُقَيَّدُ فَعَلَى سَبْعِ مَرَاتِبَ مَشْهُورَةٍ. وَأَمَّا نَحْنُ فَعَلَيْنَا اتِّبَاعُ مَا رَجَّحُوهُ وَمَا صَحَّحُوهُ كَمَا لَوْ أَفْتَوْا فِي حَيَاتِهِمْ. فَإِنْ قُلْت: قَدْ يَحْكُونَ أَقْوَالًا بِلَا تَرْجِيحٍ، وَقَدْ يَخْتَلِفُونَ فِي الصَّحِيحِ. قُلْت: يُعْمَلُ بِمِثْلِ مَا عَمِلُوا مِنْ اعْتِبَارِ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي طَبَقَاتِ الْفُقَهَاءِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُقَيَّدُ إلَخْ) فِيهِ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمُطْلَقَ أَحَدُ السَّبْعَةِ. الثَّانِي، أَنَّ بَعْضَ السَّبْعَةِ لَيْسُوا مُجْتَهِدِينَ خُصُوصًا السَّابِعَةَ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ وَالْفُقَهَاءُ عَلَى سَبْعِ مَرَاتِبَ، وَقَدْ أَوْضَحَهَا الْمُحَقِّقُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ فَقَالَ: لَا بُدَّ لِلْمُفْتِي أَنْ يَعْلَمَ حَالَ مَنْ يُفْتِي بِقَوْلِهِ، وَلَا يَكْفِيهِ مَعْرِفَتُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ فِي الرِّوَايَةِ، وَدَرَجَتِهِ فِي الدِّرَايَةِ، وَطَبَقَتِهِ مِنْ طَبَقَاتِ الْفُقَهَاءِ، لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْقَائِلِينَ الْمُتَخَالِفِينَ وَقُدْرَةٍ كَافِيَةٍ فِي التَّرْجِيحِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ. الْأُولَى: طَبَقَةُ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الشَّرْعِ كَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ فِي تَأْسِيسِ قَوَاعِدِ الْأُصُولِ، وَبِهِ يَمْتَازُونَ عَنْ غَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: طَبَقَةُ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْمَذْهَبِ كَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَسَائِرِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، الْقَادِرِينَ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ الَّتِي قَرَّرَهَا أُسْتَاذُهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْأَحْكَامِ وَإِنْ خَالَفُوهُ فِي بَعْضِ أَحْكَامِ الْفُرُوعِ، لَكِنْ يُقَلِّدُونَهُ فِي قَوَاعِدِ الْأُصُولِ، وَبِهِ يَمْتَازُونَ عَنْ الْمُعَارِضِينَ فِي الْمَذْهَبِ كَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ الْمُخَالِفِينَ لَهُ فِي الْأَحْكَامِ غَيْرِ مُقَلِّدِينَ لَهُ فِي الْأُصُولِ. الثَّالِثَةُ: طَبَقَةُ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ كَالْخَصَّافِ وَأَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ وَفَخْرِ الدِّينِ قَاضِي خَانْ وَأَمْثَالِهِمْ، فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لَا فِي الْأُصُولِ وَلَا فِي الْفُرُوعِ لَكِنَّهُمْ يَسْتَنْبِطُونَ الْأَحْكَامَ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا عَلَى حَسَبِ الْأُصُولِ وَالْقَوَاعِدِ. الرَّابِعَةُ: طَبَقَةُ أَصْحَابِ التَّخْرِيجِ مِنْ الْمُقَلِّدِينَ كَالرَّازِيِّ وَأَضْرَابِهِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الِاجْتِهَادِ أَصْلًا، لَكِنَّهُمْ لِإِحَاطَتِهِمْ بِالْأُصُولِ وَضَبْطِهِمْ لِلْمَآخِذِ يَقْدِرُونَ عَلَى تَفْصِيلِ قَوْلٍ مُجْمَلٍ ذِي وَجْهَيْنِ، وَحُكْمٍ مُبْهَمٍ مُحْتَمِلٍ لِأَمْرَيْنِ، مَنْقُولٍ عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ أَوْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ بِرَأْيِهِمْ وَنَظَرِهِمْ فِي الْأُصُولِ وَالْمُقَايَسَةِ عَلَى أَمْثَالِهِ وَنَظَائِرِهِ مِنْ الْفُرُوعِ. وَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ كَذَا فِي تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ وَتَخْرِيجِ الرَّازِيّ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. الْخَامِسَةُ: طَبَقَةُ أَصْحَابِ التَّرْجِيحِ مِنْ الْمُقَلِّدِينَ كَأَبِي الْحَسَنِ الْقُدُورِيِّ، وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَأَمْثَالِهِمْ، وَشَأْنُهُمْ تَفْضِيلُ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَلَى بَعْضٍ، كَقَوْلِهِمْ هَذَا أَوْلَى، وَهَذَا أَصَحُّ رِوَايَةً، وَهَذَا أَوْفَقُ لِلنَّاسِ. وَالسَّادِسَةُ: طَبَقَةُ الْمُقَلِّدِينَ الْقَادِرِينَ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْأَقْوَى وَالْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ وَظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَةِ النَّادِرَةِ، كَأَصْحَابِ الْمُتُونِ الْمُعْتَبَرَةِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، مِثْلُ صَاحِبِ الْكَنْزِ، وَصَاحِبِ الْمُخْتَارِ، وَصَاحِبِ الْوِقَايَةِ، وَصَاحِبِ الْمَجْمَعِ، وَشَأْنُهُمْ أَنْ لَا يَنْقُلُوا الْأَقْوَالَ الْمَرْدُودَةَ وَالرِّوَايَاتِ الضَّعِيفَةَ. وَالسَّابِعَةُ: طَبَقَةُ الْمُقَلِّدِينَ الَّذِينَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْغَثِّ وَالسَّمِينِ اهـ بِنَوْعِ اخْتِصَارٍ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا نَحْنُ) يَعْنِي أَهْلَ الطَّبَقَةِ السَّابِعَةِ، وَهَذَا مَعَ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ مَأْخُوذٌ مِنْ تَصْحِيحِ الشَّيْخِ قَاسِمٍ. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ أَفْتَوْا فِي حَيَاتِهِمْ) أَيْ كَمَا نَتْبَعُهُمْ لَوْ كَانُوا أَحْيَاءً وَأَفْتَوْنَا بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَسَعُنَا مُخَالَفَتُهُمْ. (قَوْلُهُ: بِلَا تَرْجِيحٍ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 تَغَيُّرِ الْعُرْفِ وَأَحْوَالِ النَّاسِ، وَمَا هُوَ الْأَوْفَقُ وَمَا ظَهَرَ عَلَيْهِ التَّعَامُلُ وَمَا قَوِيَ وَجْهُهُ، وَلَا يَخْلُو الْوُجُودُ عَمَّنْ يُمَيِّزُ هَذَا حَقِيقَةً لَا ظَنًّا، وَعَلَى مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ أَنْ يَرْجِعَ لِمَنْ يُمَيِّزُ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى التَّوْفِيقَ وَالْقَبُولَ، بِجَاهِ الرَّسُولِ، كَيْفَ لَا وَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى ابْتِدَاءَ تَبْيِيضِهِ فِي الرَّوْضَةِ الْمَحْرُوسَةِ، وَالْبُقْعَةِ الْمَأْنُوسَةِ، تُجَاهَ وَجْهِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ، وَحَائِزِ الْكَمَالِ وَالْبَسَالَةِ، وَضَجِيعَيْهِ الْجَلِيلَيْنِ الضِّرْغَامَيْنِ الْكَامِلَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَوَالِدِينَا وَمُقَلِّدِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ، ثُمَّ تُجَاهَ الْكَعْبَةِ الشَّرِيفَةِ تَحْتَ الْمِيزَابِ، وَفِي الْحَطِيمِ وَالْمَقَامِ، وَاَللَّهُ الْمُيَسِّرُ لِلتَّمَامِ.   [رد المحتار] أَيْ صَرِيحٍ أَوْ ضِمْنِيٍّ: فَالصَّرِيحُ ظَاهِرٌ مِمَّا ذَكَرَهُ سَابِقًا. وَالضِّمْنِيُّ مَا نَبَّهْنَاك عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَفِي وَقْفِ الْبَحْرِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وَالْآخَرُ غَيْرَهَا فَقَدْ صَرَّحُوا إجْمَالًا بِأَنَّهُ لَا يَعْدِلُ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَهُوَ تَرْجِيحٌ ضِمْنِيٌّ لِكُلِّ مَا كَانَ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ، فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ بِلَا تَرْجِيحٍ صَرِيحٍ لِمُقَابِلِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُتُونِ أَوْ الشُّرُوحِ، أَوْ كَانَ قَوْلَ الْإِمَامِ، أَوْ كَانَ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ فِي غَيْرِ مَا اسْتَثْنَى، أَوْ كَانَ أَنْفَعَ الْوَقْفِ. (قَوْلُهُ: وَمَا قَوِيَ وَجْهُهُ) أَيْ دَلِيلُهُ الْمَنْقُولُ الْحَاصِلُ لَا الْمُسْتَحْصِلُ؛ لِأَنَّهُ رُتْبَةُ الْمُجْتَهِدِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْلُو الْوُجُودُ) أَيْ الْمَوْجُودُونَ أَوْ الزَّمَانُ. (قَوْلُهُ: حَقِيقَةً) الظَّاهِرُ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِ وَلَا يَخْلُو، وَأَرَادَ بِالْحَقِيقَةِ الْيَقِينَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حَقِّ الْأَمْرِ إذَا ثَبَتَ وَالْيَقِينُ ثَابِتٌ، وَلِذَا عَطَفَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ لَا ظَنًّا، وَجَزَمَ بِذَلِكَ أَخْذًا مِمَّا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «حَتَّى تَأْتِيَ السَّاعَةُ» . (قَوْلُهُ: وَعَلَى مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ) أَيْ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ كَأَكْثَرِ الْقُضَاةِ وَالْمُفْتِينَ فِي زَمَانِنَا الْآخِذِينَ الْمَنَاصِبَ بِالْمَالِ وَالْمَرَاتِبِ، وَعَبَّرَ بِعَلَى الْمُفِيدَةِ لِلْوُجُوبِ لِلْأَمْرِ بِهِ فِي قَوْلِهِ - {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]-. (قَوْلُهُ: فَنَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ) أَيْ إلَى اتِّبَاعِ الرَّاجِحِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ وَمَا يُوصِلُ إلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، فَإِنَّ هَذَا الْمَقَامَ أَصْعَبُ مَا يَكُونُ عَلَى مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ أَوْ الْإِفْتَاءِ. وَالتَّوْفِيقُ خَلْقُ قُدْرَةِ الطَّاعَةِ فِي الْعَبْدِ مَعَ الدَّاعِيَةِ إلَيْهَا. (قَوْلُهُ: وَالْقَبُولَ) أَيْ قَبُولَ سَعْيِنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، بِأَنْ يَكُونَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، لِيَحْصُلَ بِهِ النَّفْعُ الْعَمِيمُ وَالثَّوَابُ الْعَظِيمُ. (قَوْلُهُ: بِجَاهِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ نَسْأَلُ: أَيْ نَسْأَلُهُ مُتَوَسَّلِينَ فَلَيْسَتْ الْبَاءُ لِلْقَسَمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ. وَالْجَاهُ الْقَدْرُ وَالْمَنْزِلَةُ قَامُوسٌ. (قَوْلُهُ: كَيْفَ لَا) أَيْ كَيْفَ لَا نَسْأَلُهُ الْقَبُولَ وَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يُفِيدُ الظَّنَّ بِحُصُولِهِ. (قَوْلُهُ: فِي الرَّوْضَةِ) هِيَ مَا بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقَبْرِ الشَّرِيفِ، وَتُطْلَقُ عَلَى جَمِيعِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَعَلَيْهِ يَظْهَرُ قَوْلُهُ تُجَاهَ وَجْهِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ لَا تُمْكِنُ مُوَاجِهَةُ الْوَجْهِ الشَّرِيفِ. (قَوْلُهُ: وَالْبَسَالَةِ) أَيْ الشَّجَاعَةِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. (قَوْلُهُ: الضِّرْغَامَيْنِ) تَثْنِيَةُ ضِرْغَامٍ كَجِرْيَالٍ وَهُوَ الْأَسَدُ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا ضَرْغَمٌ كَجَعْفَرٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَتَثْنِيَةُ الثَّانِي ضَرْغَمَيْنِ كَجَعْفَرَيْنِ، فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ تُجَاهَ) عَطْفٌ عَلَى تُجَاهٍ الْأَوَّلِ، فَالِابْتِدَاءُ الْحَقِيقِيُّ تُجَاهَ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْإِضَافِيُّ تُجَاهَ الْكَعْبَةِ ط. (قَوْلُهُ: وَفِي الْحَطِيمِ) أَيْ الْمَحْطُومِ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ حُطِّمَ مِنْ الْبَيْتِ وَأُخْرِجَ، أَوْ الْحَاطِمُ لِأَنَّهُ يُحَطِّمُ الذُّنُوبَ ط. (قَوْلُهُ: وَالْمَقَامِ) أَيْ مَقَامِ الْخَلِيلِ، وَهُوَ حَجَرٌ كَانَ يَقُومُ عَلَيْهِ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَالَ بِنَاءِ الْبَيْتِ الشَّرِيفِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ط. (قَوْلُهُ: الْمُيَسِّرُ) أَيْ الْمُسَهِّلُ، وَيَتَوَقَّفُ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ تَعَالَى عَلَى التَّوْقِيفِ وَإِنْ صَحَّ مَعْنَاهُ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ. (قَوْلُهُ: لِلتَّمَامِ) مَصْدَرُ تَمَّ يَتِمُّ وَاسْمٌ لِمَا يَتِمُّ بِهِ الشَّيْءُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَعَلَى الثَّانِي فَالْمُرَادُ بُلُوغُ التَّمَامِ، وَكَذَا يَقُولُ أَسِيرُ الذُّنُوبِ جَامِعُ هَذِهِ الْأَوْرَاقِ رَاجِيًا مِنْ مَوْلَاهُ الْكَرِيمِ، مُتَوَسِّلًا بِنَبِيِّهِ الْعَظِيمِ وَبِكُلِّ ذِي جَاهٍ عِنْدَهُ تَعَالَى أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ كَرَمًا وَفَضْلًا بِقَبُولِ هَذَا السَّعْيِ وَالنَّفْعِ بِهِ لِلْعِبَادِ، فِي عَامَّةِ الْبِلَادِ، وَبُلُوغِ الْمَرَامِ، بِحُسْنِ الْخِتَامِ، وَالِاخْتِتَامِ، آمِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 كِتَابُ الطَّهَارَةِ قُدِّمَتْ الْعِبَادَاتُ عَلَى غَيْرِهَا اهْتِمَامًا بِشَأْنِهَا، وَالصَّلَاةُ تَالِيَةٌ لِلْإِيمَانِ وَالطَّهَارَةُ مِفْتَاحُهَا بِالنَّصِّ، وَشَرْطٌ بِهَا مُخْتَصٌّ،   [رد المحتار] [كِتَابُ الطَّهَارَةِ] ِ (قَوْلُهُ قُدِّمَتْ الْعِبَادَاتُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ مَدَارَ أُمُورِ الدِّينِ عَلَى الِاعْتِقَادَاتِ وَالْآدَابِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ، وَالْأَوَّلَانِ لَيْسَا مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ. وَالْعِبَادَاتُ خَمْسَةٌ: الصَّلَاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالصَّوْمُ، وَالْحَجُّ، وَالْجِهَادُ. وَالْمُعَامَلَاتُ خَمْسَةٌ: الْمُعَاوَضَاتُ الْمَالِيَّةُ، وَالْمُنَاكَحَاتُ، وَالْمُخَاصَمَاتُ، وَالْأَمَانَاتُ، وَالتَّرِكَاتُ. وَالْعُقُوبَاتُ خَمْسَةٌ: الْقِصَاصُ، وَحَدُّ السَّرِقَةِ، وَالزِّنَا، وَالْقَذْفِ، وَالرِّدَّةُ. (قَوْلُهُ: اهْتِمَامًا بِشَأْنِهَا) وَجْهُهُ أَنَّ الْعِبَادَ لَمْ يُخْلَقُوا إلَّا لَهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]-. (قَوْلُهُ: وَالصَّلَاةُ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ وَجْهِ تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَتَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: تَالِيَةٌ لِلْإِيمَانِ) أَيْ نَصًّا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [البقرة: 3]- وَكَحَدِيثِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» بَحْرٌ. أَقُولُ: وَفِعْلًا غَالِبًا، فَإِنَّ أَوَّلَ وَاجِبٍ بَعْدَ الْإِيمَانِ فِي الْغَالِبِ فِعْلُ الصَّلَاةِ لِسُرْعَةِ أَسْبَابِهَا، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَوُجُوبًا لِأَنَّ أَوَّلَ مَا وَجَبَ الشَّهَادَتَانِ ثُمَّ الصَّلَاةُ ثُمَّ الزَّكَاةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ، وَفَضْلًا كَمَا قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: إنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهَا، بِدَلِيلِ «أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْإِيمَانِ؟ فَقَالَ: الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا» . (قَوْلُهُ: وَالطَّهَارَةُ مِفْتَاحُهَا إلَخْ) أَيْ وَمَا كَانَ مِفْتَاحًا لِشَيْءٍ وَشَرْطًا لَهُ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ طَبْعًا فَيُقَدَّمُ وَضْعًا. (قَوْلُهُ: بِالنَّصِّ) وَهُوَ مَا رَوَاهُ السُّيُوطِيّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: الطُّهُورُ بِضَمِّ الطَّاءِ فِيمَا قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ، وَيَجُوزُ الْفَتْحُ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ إنَّمَا يَتَأَتَّى بِالْآلَةِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا مَجَازٌ مَا يَفْتَحُهَا مَنْ غَلَقَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدَثَ مَانِعٌ مِنْهَا فَهُوَ كَالْقُفْلِ يُوضَعُ عَلَى الْمُحْدِثِ حَتَّى إذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّ الْقُفْلُ، وَهَذِهِ اسْتِعَارَةٌ بَدِيعَةٌ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إلَّا النُّبُوَّةُ اهـ مِنْ شَرْحِهِ لِلْعَلْقَمِيِّ. (قَوْلُهُ: بِهَا مُخْتَصٌّ) الْأَصْلُ فِي لَفْظِ الْخُصُوصِ وَمَا يَتَفَرَّعُ مِنْهُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ بِإِدْخَالِ الْبَاءِ عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ، أَعْنِي مَا لَهُ الْخَاصَّةُ فَيُقَالُ خُصَّ الْمَالُ بِزَيْدٍ: أَيْ الْمَالُ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ، لَكِنَّ الشَّائِعَ فِي الِاسْتِعْمَالِ إدْخَالُهَا لَهَا عَلَى الْمَقْصُورِ أَعْنِي الْخَاصَّةَ كَقَوْلِك: اخْتَصَّ زَيْدٌ بِالْمَالِ، وَمَا هُنَا مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْخَاصَّةَ هِيَ اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ دُونَ الصَّلَاةِ، فَالْمَعْنَى أَنَّهَا شَرْطٌ مُخْتَصٌّ بِالصَّلَاةِ لَا يَتَجَاوَزُهَا إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي لَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُقَالَ تَخْتَصُّ الصَّلَاةُ بِهِ فَافْهَمْ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا شَرْطُ صِحَّةٍ فَلَا يَرِدُ أَنَّهَا تَكُونُ وَاجِبَةً فِي الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِدُونِهَا، وَلَا تَرِدُ النِّيَّةُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِالصَّلَاةِ بَلْ هِيَ شَرْطٌ لِكُلِّ عِبَادَةٍ، وَلَا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يُشْتَرَطُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ وَحَالَةِ الْعُذْرِ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 لَازِمٌ لَهَا فِي كُلِّ الْأَرْكَانِ، وَمَا قِيلَ قُدِّمَتْ لِكَوْنِهَا شَرْطًا لَا يَسْقُطُ أَصْلًا، وَلِذَا فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ، وَمَا أُورِدَ مِنْ أَنَّ النِّيَّةَ كَذَلِكَ مَرْدُودٌ كُلُّ ذَلِكَ أَمَّا النِّيَّةُ فَفِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا: مَنْ تَوَالَتْ عَلَيْهِ الْهُمُومُ تَكْفِيهِ النِّيَّةُ بِلِسَانِهِ. وَأَمَّا الطَّهَارَةُ، فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا مَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَبِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ يُصَلِّي بِلَا وُضُوءٍ وَلَا تَيَمُّمٍ وَلَا يُعِيدُ، قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ فِي الْأَصَحِّ. وَأَمَّا فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ، فَفِي الْفَيْضِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَتَشَبَّهُ عِنْدَهُمَا، وَإِلَيْهِ صَحَّ رُجُوعُ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.   [رد المحتار] وَمِثْلُهُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ. وَأَمَّا وُجُوبُهُ فِي خَارِجِهَا فَلَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِيَّةِ. (قَوْلُهُ: لَازِمٌ لَهَا فِي كُلِّ الْأَرْكَانِ) أَقُولُ: لَمْ تَظْهَرْ لِي فَائِدَةُ هَذَا الْقَيْدِ فِي كَلَامِهِ، نَعَمْ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ التَّعْلِيلِ بِعَدَمِ السُّقُوطِ أَصْلًا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا يُشْتَرَطُ اسْتِصْحَابُهَا لِكُلِّ رُكْنٍ، وَقَدْ عَلِمْت الِاحْتِرَازَ عَنْ النِّيَّةِ بِمَادَّةِ الِاخْتِصَاصِ، عَلَى أَنَّهُ سَيَذْكُرُ عَنْ الْفَيْضِ أَنَّ الطَّهَارَةَ قَدْ تَسْقُطُ أَصْلًا فَلَيْسَتْ شَرْطًا لَازِمًا دَائِمًا، فَإِنْ أَرَادَ لُزُومَهَا بِدُونِ عُذْرٍ وَرَدَ عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ وَالسَّتْرُ فَإِنَّهُمَا كَالطَّهَارَةِ فِي ذَلِكَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَمَا قِيلَ) قَائِلُهُ الْإِمَامُ السِّغْنَاقِيُّ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَهِيَ أَوَّلُ شَرْحٍ لِلْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: لَا يَسْقُطُ أَصْلًا) أَيْ لَا يَسْقُطُ بِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ نِهَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ) أَيْ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ كَمَنْ حُبِسَ وَقُيِّدَ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ إلَيْهِمَا. (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ شَرْطٌ لَا يَسْقُطُ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: مَرْدُودٌ كُلُّ ذَلِكَ) أَيْ كُلٌّ مِنْ دَعْوَى عَدَمِ سُقُوطِ الطَّهَارَةِ أَصْلًا، وَأَنَّ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ يُؤَخِّرُ، وَأَنَّ النِّيَّةَ لَا تَسْقُطُ أَيْضًا، وَأَتَى بِرَدِّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ غَيْرَ مُرَتِّبٍ. (قَوْلُهُ: أَمَّا النِّيَّةُ) أَيْ أَمَّا وَجْهُ الرَّدِّ فِي دَعْوَى عَدَمِ سُقُوطِ النِّيَّةِ أَصْلًا، وَهَذَا الرَّدُّ الَّذِي بَعْدَهُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: فَفِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا) كَالْمُجْتَبَى، وَهُوَ أَيْضًا لِلْعَلَّامَةِ مُخْتَارِ بْنِ مَحْمُودٍ الزَّاهِدِيِّ صَاحِبِ الْقُنْيَةِ، وَكِتَابُ الْقُنْيَةِ مَشْهُورٌ بِضَعْفِ الرِّوَايَةِ، وَقَدْ نُقِلَ هَذَا الْفَرْعُ مِنْ شَرْحِ الصَّبَّاغِيِّ. (قَوْلُهُ: تَكْفِيهِ النِّيَّةُ بِلِسَانِهِ) إطْلَاقُ النِّيَّةِ عَلَى اللَّفْظِ مَجَازٌ. اهـ. ح: أَيْ لِأَنَّ النِّيَّةَ عَمَلُ الْقَلْبِ لَا اللِّسَانِ، وَإِنَّمَا الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ كَلَامٌ، وَمِنْ ثَمَّ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى كَوْنِهَا بِالْقَلْبِ، فَقَدْ سَقَطَتْ النِّيَّةُ هُنَا لِلْعُذْرِ فَسَقَطَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ سُقُوطِهَا. بَقِيَ أَنَّ التَّلَفُّظَ بِهَا لِلْعَاجِزِ إنْ كَانَ غَيْرَ شَرْطٍ فَلَا إشْكَالَ؛ وَلِذَا اخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ التَّلَفُّظَ بِهَا مُسْتَحَبٌّ لِمَنْ لَمْ تَجْتَمِعْ عَزِيمَتُهُ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْقُنْيَةِ. وَرَدَ عَلَيْهِ مَا فِي الْحِلْيَةِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ الْحَاجِّ أَنَّهُ نُصِبَ بَدَلٌ بِالرَّأْيِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ دَلِيلُهُ، وَأَقَرَّهُ فِي الْمِنَحِ. أَقُولُ: وَمَا قَالَهُ الْحَمَوِيُّ مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى نِيَّةِ الْقَلْبِ صَارَ الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ أَصْلًا لَا بَدَلًا اهـ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ. وَأَيْضًا هُوَ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ، فَإِنَّ نَصْبَ الشُّرُوطِ الْأَصْلِيَّةِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ أَيْضًا، وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ كَانَ الْفَرْعُ الْمَذْكُورُ مِنْ تَخْرِيجَاتِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مَنْقُولًا عَنْ الْمُجْتَهِدِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُقَلَّدَ طَلَبُ دَلِيلِهِ. (قَوْلُهُ: وَبِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ سَلِيمًا مَسَحَهُ عَلَى الْجِدَارِ بِقَصْدِ التَّيَمُّمِ ط، وَسَكَتَ عَنْ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَعْضَاءِ جَرِيحٌ، وَالْوَظِيفَةُ حِينَئِذٍ التَّيَمُّمُ وَلَكِنَّهُ سَقَطَ لِفَقْدِ آلَتِهِ وَهُمَا الْيَدَانِ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: يُصَلِّي بِلَا وُضُوءٍ) أَيْ فَسَقَطَ قَوْلُهُمْ إنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَسْقُطُ أَصْلًا ط، لَكِنْ ذَكَرَ الْحَمَوِيُّ فِي رِسَالَةٍ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِعَدَمِ السُّقُوطِ بِعُذْرٍ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ إمْكَانِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَمَا هُنَا رَاجِعٌ إلَى زَوَالِ الْأَهْلِيَّةِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ، عَلَى أَنَّ التَّخَلُّفَ فِي مَادَّةٍ وَاحِدَةٍ قَلَّمَا تَقَعُ لَا يَقْدَحُ فِي الْكُلِّيَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَصْحَابِ الرِّوَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ) هَذَا رَدٌّ مِنْ الشَّارِحِ لِلدَّعْوَى الْوُسْطَى ط. (قَوْلُهُ: يَتَشَبَّهُ) أَيْ بِالْمُصَلِّينَ وُجُوبًا، فَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ إنْ وَجَدَ مَكَانًا يَابِسًا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 قُلْت: وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ تَعَمُّدَ الصَّلَاةِ بِلَا طُهْرٍ غَيْرُ مُكَفِّرٍ كَصَلَاتِهِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ مَعَ ثَوْبٍ نَجَسٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي سِيَرِ الْوَهْبَانِيَّةِ: وَفِي كُفْرِ مَنْ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ ... مَعَ الْعَمْدِ خُلْفٌ فِي الرِّوَايَاتِ يُسْطَرُ ثُمَّ هُوَ مُرَكَّبٌ إضَافِيٌّ مُبْتَدَأٌ أَوْ خَبَرٌ أَوْ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، فَإِنْ أُرِيدَ التَّعْدَادَ بُنِيَ عَلَى السُّكُونِ وَكُسِرَ تَخَلُّصًا   [رد المحتار] وَإِلَّا يُومِئُ قَائِمًا ثُمَّ يُعِيدُ كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّيَمُّمِ: وَنَقَلَ ط أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ فِيهَا، ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يَصْلُحُ رَدًّا؛ لِأَنَّ هَذِهِ صُورَةُ صَلَاةٍ وَلَيْسَتْ بِصَلَاةٍ حَقِيقِيَّةٍ لِمَا أَنَّهُ يُطَالَبُ بَعْدَ ذَلِكَ بِفِعْلِهَا؛ وَلِذَا قَالَ ح الْأَوْلَى الْمُعَارَضَةُ بِالْمَعْذُورِ اهـ أَيْ إذَا تَوَضَّأَ عَلَى السَّيَلَانِ وَصَلَّى فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ هَذِهِ الطَّهَارَةَ مِنْ الْمَعْذُورِ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ) أَيْ بِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُنْتِجُ مَا ذَكَرَهُ ط. (قَوْلُهُ: غَيْرُ مُكَفِّرٍ) أَشَارَ بِهِ إلَى الرَّدِّ عَلَى بَعْضِ الْمَشَايِخِ، حَيْثُ قَالَ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِالصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ لَا بِالصَّلَاةِ بِالثَّوْبِ النَّجِسِ وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ لِجَوَازِ الْأَخِيرَتَيْنِ حَالَةَ الْعُذْرِ بِخِلَافِ الْأُولَى فَإِنَّهُ لَا يُؤْتَى بِهَا بِحَالٍ فَيَكْفُرُ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَبِهِ نَأْخُذُ ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالذَّخِيرَةِ، وَبَحَثَ فِيهِ فِي الْحِلْيَةِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. ثَانِيهِمَا أَنَّ الْجَوَازَ بِعُذْرٍ لَا يُؤَثِّرُ فِي عَدَمِ الْإِكْفَارِ بِلَا عُذْرٍ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْإِكْفَارِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ هُوَ الِاسْتِهَانَةُ، فَحَيْثُ ثَبَتَتْ الِاسْتِهَانَةُ فِي الْكُلِّ تَسَاوَى الْكُلُّ فِي الْإِكْفَارِ، وَحَيْثُ انْتَفَتْ مِنْهَا تَسَاوَتْ فِي عَدَمِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ حُكْمُ الْفَرْضِ لُزُومَ الْكُفْرِ بِتَرْكِهِ، وَإِلَّا كَانَ كُلُّ تَارِكٍ لِفَرْضٍ كَافِرًا، وَإِنَّمَا حُكْمُهُ لُزُومُ الْكُفْرِ بِجَحْدِهِ بِلَا شُبْهَةٍ دَارِئَةٍ اهـ مُلَخَّصًا: أَيْ وَالِاسْتِخْفَافُ فِي حُكْمِ الْجُحُودِ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ) حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ بِلَا طَهَارَةٍ وَأَنَّ الْإِكْفَارَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَكُونُ كُفْرًا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا إذَا صَلَّى لَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ، فَإِنْ كَانَ وَجْهُ الِاسْتِخْفَافِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُفْرًا عِنْدَ الْكُلِّ. اهـ. أَقُولُ: وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا بَحَثَهُ فِي الْحِلْيَةِ لَكِنْ بَعْدَ اعْتِبَارِ كَوْنِهِ مُسْتَخِفًّا وَمُسْتَهِينًا بِالدِّينِ كَمَا عَلِمْت مِنْ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ، وَهُوَ بِمَعْنَى الِاسْتِهْزَاءِ وَالسُّخْرِيَةِ بِهِ، أَمَّا لَوْ كَانَ بِمَعْنَى عَدِّ ذَلِكَ الْفِعْلِ خَفِيفًا وَهَيِّنًا مِنْ غَيْرِ اسْتِهْزَاءٍ وَلَا سُخْرِيَةٍ، بَلْ لِمُجَرَّدِ الْكَسَلِ أَوْ الْجَهْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ كُفْرًا عِنْدَ الْكُلِّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: مَعَ الْعَمْدِ) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مُصَاحِبًا لِلْعَمْدِ ط. (قَوْلُهُ: خُلْفٌ) أَيْ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ التَّفْكِيرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، بَلْ قَالُوا لَوْ وُجِدَ سَبْعُونَ رِوَايَةً مُتَّفِقَةً عَلَى تَكْفِيرِ الْمُؤْمِنِ وَرِوَايَةٌ وَلَوْ ضَعِيفَةً بِعَدَمِهِ يَأْخُذُ الْمُفْتِي وَالْقَاضِي بِهَا دُونَ غَيْرِهَا، وَالْخِلَافُ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ فَرْعِ الظَّهِيرِيَّةِ، وَأَمَّا هُوَ فَصَلَاتُهُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ لِأَمْرِ الشَّارِعِ لَهُ بِذَلِكَ ط. (قَوْلُهُ: يُسْطَرُ) أَيْ يُكْتَبُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ هُوَ) أَيْ كِتَابُ الطَّهَارَةِ وَثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ، وَقَدْ تَأْتِي لِلِاسْتِئْنَافِ ط. (قَوْلُهُ: مُبْتَدَأٌ أَوْ خَبَرٌ) أَيْ كِتَابُ الطَّهَارَةِ هَذَا، أَوْ هَذَا كِتَابُ الطَّهَارَةِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْأَوْلَى مِنْهُمَا، فَقِيلَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ هُوَ الرُّكْنُ الْأَعْظَمُ الشَّدِيدُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَإِبْقَاؤُهُ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ التَّجَوُّزَ فِي آخِرِ الْجُمْلَةِ أَسْهَلُ، وَقِيلَ الثَّانِي لِأَنَّ الْخَبَرَ مَحَطُّ الْفَائِدَةِ. (قَوْلُهُ: لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ) نَحْوُ خُذْ أَوْ اقْرَأْ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أُرِيدَ التَّعْدَادُ) أَيْ تَعْدَادُهُ مَعَ الْكُتُبِ الْآتِيَةِ بِلَا قَصْدِ إسْنَادٍ كَالْأَعْدَادِ الْمَسْرُودَةِ. (قَوْلُهُ: بُنِيَ عَلَى السُّكُونِ) لِشَبَهِهِ الْحَرْفَ فِي الْإِهْمَالِ ط. زَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَيَجُوزُ الْفَتْحُ عَلَى النَّقْلِ وَالضَّمُّ عَلَى الْحَذْفِ اهـ لَكِنْ فِيهِ أَنَّ نَقْلَ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ شَرْطُهُ كَوْنُهَا لِلْقَطْعِ. وَقَدْ يُجَابُ بِمَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الم اللَّهُ مِنْ أَنَّ مِيمَ فِي حُكْمِ الْوَقْفِ وَالْهَمْزَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 مِنْ السَّاكِنَيْنِ وَإِضَافَتُهُ لَامِيَّةٌ لَا مِيمِيَّةٌ. وَهَلْ يَتَوَقَّفُ حَدُّهُ لَقَبًا عَلَى مَعْرِفَةِ مُفْرَدَيْهِ؟ الرَّاجِحُ نَعَمْ، فَالْكِتَابُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْجَمْعِ   [رد المحتار] فِي حُكْمِ الثَّابِتِ وَإِنَّمَا حُذِفَتْ تَخْفِيفًا وَأُلْقِيَتْ حَرَكَتُهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهَا تَأَمَّلْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالضَّمِّ حَرَكَةَ الْإِعْرَابِ وَبِالْحَذْفِ حَذْفَ الْمُبْتَدَإِ أَوْ الْخَبَرِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْإِعْرَابِ فَذِكْرُ الشَّارِحِ لَهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى مَعَ ذِكْرِ حُكْمِ الْإِعْرَابِ قَبْلَهُ غَيْرُ مَرْضِيٍّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَإِضَافَتُهُ لَامِيَّةٌ) أَيْ عَلَى مَعْنَى لَامِ الِاخْتِصَاصِ: أَيْ كِتَابٌ لِلطَّهَارَةِ: أَيْ مُخْتَصٌّ بِهَا. (قَوْلُهُ: لَا مِيمِيَّةٌ) كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ تَبَعًا لِلنَّهْرِ وَالصَّوَابُ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا مُنَيَّةَ بِتَخْفِيفِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ نِسْبَةً إلَى مِنْ الَّتِي هِيَ مِنْ حُرُوفِ الْجَرِّ، وَوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ الَّتِي بِمَعْنَى مِنْ الْبَيَانِيَّةِ شَرْطُهَا كَوْنُ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَصْلًا لِلْمُضَافِ وَصَالِحًا لِلْإِخْبَارِ بِهِ عَنْهُ، وَأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُضَافِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ. وَزَادَ فِي التَّسْهِيلِ رَابِعًا وَهُوَ صِحَّةُ تَقْدِيرِ مِنْ الْبَيَانِيَّةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَفْقُودٌ هُنَا. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَيْسَتْ عَلَى مَعْنَى فِي اهـ: أَيْ لِأَنَّ ضَابِطَهَا كَوْنُ الثَّانِي ظَرْفًا لِلْأَوَّلِ نَحْوُ - {مَكْرُ اللَّيْلِ} [سبأ: 33]- وَخَالَفَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ وَاخْتَارَ كَوْنَهَا بِمَعْنَاهَا وَقَالَ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا. اهـ. لَكِنَّ الظَّرْفِيَّةَ حِينَئِذٍ مَجَازِيَّةٌ وَهِيَ كَثِيرَةٌ. أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ قَدْ يُصَرِّحُ بِفِي فَيُقَالُ فَصْلٌ فِي كَذَا بَابٌ فِي كَذَا، وَهُوَ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الدَّالِّ فِي الْمَدْلُولِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكِتَابِ وَالْفَصْلِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ التَّرَاجِمِ الْأَلْفَاظُ الْمُعَيَّنَةُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ كَمَا هُوَ مُخْتَارُ سَيِّدِ الْمُحَقِّقِينَ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الطَّهَارَةِ أَيْ مِنْ مَسَائِلِهَا الْمَعَانِي، وَيَجُوزُ الْعَكْسُ، فَيَكُونُ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْمَدْلُولِ فِي الدَّالِّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَهَلْ يَتَوَقَّفُ حَدُّهُ لَقَبًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ لَقَبًا فَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِّ فِي مِثْلِ هَذَا الرَّسْمِ، وَأَرَادَ بِاللَّقَبِ الْعِلْمَ إذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يُشْعِرُ بِرِفْعَةِ الْمُسَمَّى أَوْ بِضَعَتِهِ، وَأَتَى بِالِاسْتِفْهَامِ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِيهِ، أَمَّا تَوَقُّفُهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُرَكَّبًا إضَافِيًّا فَلَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَذْكُرَ قَبْلَ ذَلِكَ حَدَّهُ لِلَّقَبِيِّ، بِأَنْ يَقُولَ هُوَ عَلَمٌ عَلَى جُمْلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ جُعِلَ شَرْعًا عُنْوَانًا لِمَسَائِلَ مُسْتَقِلَّةٍ فَهُوَ بَيَانٌ لِمَعْنَى الْمُضَافِ لَا لِلِاسْمِ اللَّقَبِيِّ الَّذِي هُوَ مَجْمُوعُ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: الرَّاجِحُ نَعَمْ) قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ: وَالْمُرَكَّبُ الْإِضَافِيُّ قِيلَ حَدُّهُ لَقَبًا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ جُزْأَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْمُرَكَّبِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِجُزْأَيْهِ، وَقِيلَ لَا يَتَوَقَّفُ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ سَلَبَتْ كُلًّا مِنْ جُزْأَيْهِ عَنْ مَعْنَاهُ الْإِفْرَادِيِّ وَصَيَّرَتْ الْجَمِيعَ اسْمًا لِشَيْءٍ آخَرَ، وَرَجَحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ أَتَمُّ فَائِدَةً. اهـ. وَاسْتَحْسَنَهُ فِي النَّهْرِ. أَقُولُ: أَمَّا كَوْنُهُ أَتَمَّ فَائِدَةً فَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَأَمَّا تَوَقُّفُ فَهْمِ مَعْنَاهُ الْعِلْمِيِّ عَلَى فَهْمِ مَعْنَى جُزْأَيْهِ فَفِي حَيِّزِ الْمَنْعِ، فَإِنَّ فَهْمَ الْمَعْنَى الْعِلْمِيِّ مِنْ امْرِئِ الْقَيْسِ مَثَلًا يَتَوَقَّفُ عَلَى فَهْمِ مَا وُضِعَ ذَلِكَ اللَّفْظُ بِإِزَائِهِ وَهُوَ الشَّاعِرُ الْمَشْهُورُ، وَإِنْ جُهِلَ مَعْنَى كُلٍّ مِنْ مُفْرَدَيْهِ فَالْحَقُّ الْقَوْلُ الثَّانِي، وَلِذَا اقْتَصَرَ فِي التَّحْرِيرِ وَالتَّلْوِيحِ وَغَيْرِهِمَا فِي تَعْرِيفِ أُصُولِ الْفِقْهِ عَلَى بَيَانِ مَعْنَى الْمُفْرَدَيْنِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُرَكَّبًا إضَافِيًّا فَقَطْ. (قَوْلُهُ: فَالْكِتَابُ) تَفْرِيعٌ عَلَى الرَّاجِحِ. (قَوْلُهُ: مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْجَمْعِ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ الْبَحْرِ وَالْعِنَايَةِ هُوَ جَمْعُ الْحُرُوفِ، لِمَا أُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْكِتَابَ وَالْكِتَابَةَ لُغَةً: الْجَمْعُ الْمُطْلَقُ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ كَتَبْت الْخَيْلَ إذَا جَمَعْتهَا. اهـ. وَزَادَ فِي الدُّرَرِ احْتِمَالَ كَوْنِهِ فِعَالًا بُنِيَ لِلْمَفْعُولِ كَاللِّبَاسِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 لُغَةً، جُعِلَ شَرْعًا عُنْوَانًا لِمَسَائِلَ مُسْتَقِلَّةٍ. بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ. وَالطَّهَارَةُ مَصْدَرُ طَهُرَ بِالْفَتْحِ وَيُضَمُّ: بِمَعْنَى النَّظَافَةِ لُغَةً، وَلِذَا أَفْرَدَهَا. وَشَرْعًا النَّظَافَةُ عَنْ حَدَثٍ أَوْ خُبْثٍ   [رد المحتار] بِمَعْنَى الْمَلْبُوسِ. قَالَ: وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمَجْمُوعِ. (قَوْلُهُ: لُغَةً) مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ أَوْ عَلَى الْحَالِيَّةِ وَمِثْلُهُ شَرْعًا وَاصْطِلَاحًا: وَبَيَانُ ذَلِكَ مَعَ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ فِي رِسَالَتِنَا الْفَوَائِدِ الْعَجِيبَةِ فِي إعْرَابِ الْكَلِمَاتِ الْغَرِيبَةِ. (قَوْلُهُ: جُعِلَ) أَيْ الْكِتَابُ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ مُضَافًا لِلطَّهَارَةِ بَلْ أَعَمُّ مِنْهَا وَمِنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ فِي صَدَدِ بَيَانِ الْمُضَافِ بِمُفْرَدِهِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: شَرْعًا) الْأَوْلَى اصْطِلَاحًا لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِهِ لَا يَخُصُّ أَهْلَ الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْغَالِبُ عِنْدَهُمْ لَكِنْ قَيَّدَ بِهِ نَظَرًا لِلْمَقَامِ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: عُنْوَانًا) أَيْ عِبَارَةٌ تُذْكَرُ صَدْرَ الْكَلَامِ. (قَوْلُهُ: لِمَسَائِلَ) أَيْ لِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ دَالَّةٍ عَلَى مَسَائِلَ مَجْمُوعَةٍ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. مَطْلَبٌ فِي اعْتِبَارَاتِ الْمُرَكَّبِ التَّامِّ وَذَكَرَ فِي التَّلْوِيحِ أَنَّ الْمُرَكَّبَ التَّامَّ الْمُحْتَمِلَ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ يُسَمَّى مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْحُكْمِ قَضِيَّةً، وَمِنْ حَيْثُ احْتِمَالُهُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ خَبَرًا، وَمِنْ حَيْثُ يُطْلَبُ بِالدَّلِيلِ مَطْلُوبًا، وَمِنْ حَيْثُ يَحْصُلُ مِنْ الدَّلِيلِ نَتِيجَةً، وَمِنْ حَيْثُ يَقَعُ فِي الْعِلْمِ وَيُسْأَلُ عَنْهُ مَسْأَلَةً، فَالذَّاتُ وَاحِدَةٌ، وَاخْتِلَافُ الْعِبَارَاتِ بِاخْتِلَافِ الِاعْتِبَارَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: مُسْتَقِلَّةٍ) بِمَعْنَى عَدَمِ تَوَقُّفِ تَصَوُّرِهَا عَلَى شَيْءٍ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا لَا بِمَعْنَى الْأَصَالَةِ الْمُطْلَقَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكِتَابَ تَابِعٌ لِكِتَابِ الصَّلَاةِ الْمَقْصُودِ أَصَالَةً، وَعَمَّ التَّعْرِيفُ مَا كَانَ تَحْتَهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ كَكِتَابِ اللُّقَطَةِ وَالْآبِقِ وَالْمَفْقُودِ، أَوْ أَكْثَرُ كَالطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ مِنْ الْأَحْكَامِ كُلُّ نَوْعٍ يُسَمَّى بَابًا، وَكُلُّ بَابٍ مُشْتَمِلٌ عَلَى صِنْفٍ مِنْ الْمَسَائِلِ، أَوْ أَكْثَرَ كُلُّ صِنْفٍ يُسَمَّى فَصْلًا. وَزَادَ بَعْضُهُمْ مُطْلَقًا بَعْدَ قَوْلِهِ مُسْتَقِلَّةٍ احْتِرَازٌ عَنْ الْبَابِ قَالَ: لِأَنَّهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ اُعْتُبِرَتْ مُسْتَقِلَّةً مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تَبَعِيَّتِهَا لِلْغَيْرِ أَوْ تَبَعِيَّةِ الْغَيْرِ لَهَا، فَإِنَّ مَسْحَ الْخُفَّيْنِ تَابِعٌ لِلْوُضُوءِ وَالْوُضُوءُ مُسْتَتْبِعٌ لَهُ، وَقَدْ اُعْتُبِرَا مُسْتَقِلَّيْنِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكِتَابِ وَالْبَابِ أَنَّ الْكِتَابَ قَدْ يَكُونُ تَابِعًا وَقَدْ لَا يَكُونُ، بِخِلَافِ الْبَابِ: أَيْ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ تَابِعًا أَوْ مُسْتَتْبِعًا. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمَلْحُوظَ فِي الْكِتَابِ جِنْسُ الْمَسَائِلِ لَا بِاعْتِبَارِ نَوْعِهَا أَوْ فَصْلِهَا عَمَّا قَبْلَهَا وَالْحَيْثِيَّةُ مُرَاعَاةٌ فِي التَّعْرِيفِ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ الْمَسَائِلَ إنْ اُعْتُبِرَتْ بِجِنْسِهَا تَصْدُرُ بِالْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ فِي اللُّغَةِ الْجَمْعُ وَالْجِنْسُ يَشْمَلُ الْأَنْوَاعَ غَالِبًا فَيَكُونُ مَعْنَى الْجَمْعِ مُنَاسِبًا لِمَعْنَى الْجِنْسِ، وَإِنْ اُعْتُبِرَتْ بِنَوْعِهَا تَصْدُرُ بِالْبَابِ؛ لِأَنَّ الْبَابَ فِي اللُّغَةِ النَّوْعُ فَيَكُونُ ذِكْرُهُ مُنَاسِبًا لِنَوْعِ الْمَسَائِلِ وَإِنْ اُعْتُبِرَتْ بِفَصْلِهَا، وَفَرَّقَهَا عَمَّا قَبْلَهَا تَصْدُرُ بِالْفَصْلِ؛ لِأَنَّ الْفَصْلَ فِي اللُّغَةِ الْفَرْقُ وَالْقَطْعُ، فَيَكُونُ ذِكْرُهُ مُنَاسِبًا لِلْمَسَائِلِ الْمُنْقَطِعَةِ عَمَّا قَبْلَهَا. قَالَ وَأَكْثَرُ الْمُصَنِّفِينَ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ: مَشَوْا عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فَالْكِتَابُ مَصْدَرٌ، فَهُوَ مَصْدَرٌ مُرَادٌ بِهِ اسْمُ الْمَفْعُولِ كَمَا فِي النَّهْرِ ط، فَالْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ جُعِلَ شَرْعًا. (قَوْلُهُ: وَالطَّهَارَةُ) أَيْ بِفَتْحِ الطَّاءِ مَصْدَرٌ، وَأَمَّا بِكَسْرِهَا فَهِيَ الْآلَةُ وَبِضَمِّهَا فَضْلُ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّهَا بِالضَّمِّ اسْمٌ لِمَا يُتَطَهَّرُ بِهِ مِنْ الْمَاءِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بِالْفَتْحِ) أَيْ فَتْحِ الْهَاءِ. (قَوْلُهُ: وَيُضَمُّ) أَيْ وَكَذَا يُكْسَرُ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى النَّظَافَةِ) أَيْ عَنْ الْأَدْنَاسِ حِسِّيَّةً كَالْأَنْجَاسِ أَوْ مَعْنَوِيَّةً كَالْعُيُوبِ وَالذُّنُوبِ، فَقِيلَ الثَّانِي مَجَازٌ، وَقِيلَ حَقِيقَةٌ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِمَا، إذْ الْحَدَثُ دَنَسٌ حُكْمِيٌّ، وَالنَّجَاسَةُ الْحَقِيقِيَّةُ دَنَسٌ حَقِيقِيٌّ وَزَوَالُهُمَا طَهَارَةٌ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَلِذَا أَفْرَدَهَا) أَيْ لِكَوْنِهَا مَصْدَرًا، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ يَشْمَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِهَا وَأَفْرَادِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَمْعِ؛ وَلِذَا قِيلَ الْمَصْدَرُ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ. (قَوْلُهُ: النَّظَافَةُ عَنْ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ) شَمِلَ طَهَارَةَ مَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالصَّلَاةِ كَالْآنِيَةِ وَالْأَطْعِمَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 وَمَنْ جَمَعَ نَظَرَ لِأَنْوَاعِهَا وَهِيَ كَثِيرَةٌ. وَحِكَمُهَا شَهِيرَةٌ. وَحُكْمُهَا اسْتِبَاحَةُ مَا لَا يَحِلُّ بِدُونِهَا (وَسَبَبُهَا) أَيْ سَبَبُ وُجُوبِهَا (مَا لَا يَحِلُّ) فِعْلُهُ فَرْضًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ كَالصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ (إلَّا بِهَا) أَيْ بِالطَّهَارَةِ. صَاحِبُ الْبَحْرِ قَالَ بَعْدَ سَرْدِ الْأَقْوَالِ وَنَقْلِ كَلَامِ الْكَمَالِ: الظَّاهِرُ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْإِرَادَةُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، لَكِنْ بِتَرْكِ إرَادَةِ النَّفْلِ يَسْقُطُ الْوُجُوبُ   [رد المحتار] وَأَرَادَ بِالْخَبَثِ مَا يَعُمُّ الْمَعْنَوِيَّ كَمَا مَرَّ، فَيَشْمَلُ أَيْضًا الْوُضُوءَ عَلَى الْوُضُوءِ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ؛ لِأَنَّهُ مُطَهِّرٌ لِلذُّنُوبِ، وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِ الْبَحْرِ زَوَالُ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ لِيَشْمَلَ الطَّهَارَةَ الْأَصْلِيَّةَ؛ لِأَنَّ الزَّوَالَ يُشْعِرُ بِسَبْقِ الْوُجُودِ، وَعَنْ قَوْلِ النَّهْرِ إزَالَةٌ لِيَشْتَمِلَ النَّظَافَةَ بِلَا قَصْدٍ كَنُزُولِ الْمُحْدِثِ فِي الْمَاءِ لِلسِّبَاحَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَوْ هُنَا لِلتَّقْسِيمِ وَالتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّرْدِيدِ، فَالْقِسْمَانِ الْمُتَخَالِفَانِ حَقِيقَةً مُتَشَارِكَانِ فِي مُطْلَقِ الْمَاهِيَّةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْحَدَّ إمَّا هَذَا وَإِمَّا هَذَا عَلَى سَبِيلِ الشَّكِّ أَوْ التَّشْكِيكِ لِيُنَافِيَ الْحَدَّ الْمَقْصُودَ بِهِ بَيَانُ الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ عَلَى أَنَّ مَا هُنَا رَسْمٌ لَا حَدٌّ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ. قَالَ فِي السَّلَمِ: وَلَا يَجُوزُ فِي الْحُدُودِ ذِكْرُ أَوْ ... وَجَائِزٌ فِي الرَّسْمِ فَادْرِ مَا رَوَوْا. (قَوْلُهُ: وَمَنْ جَمَعَ) أَيْ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ كِتَابُ الطِّهَارَات. (قَوْلُهُ: نَظَرَ لِأَنْوَاعِهَا) أَيْ فَإِنَّهَا مُتَنَوِّعَةٌ إلَى وُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَتَيَمُّمٍ وَغَسْلِ بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّامَ تُبْطِلُ الْجَمْعِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا مَجَازٌ عَنْ الْجِنْسِ. وَدُفِعَ بِأَنَّ هَذَا عِنْدَ عَدَمِ الِاسْتِغْرَاقِ وَالْعَهْدِ وَانْتِفَاؤُهُمَا هَا هُنَا مُمْتَنِعٌ، وَلَوْ سَلِمَ فَاسْتِوَاءُ هَذَا الْجَمْعِ وَالْمُفْرَدِ مُمْتَنِعٌ لِمَا فِي لَفْظِ الْجَمْعِ مِنْ الْإِشْعَارِ بِالتَّعَدُّدِ وَإِنْ بَطَلَ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَعْنَى إبْطَالِهَا الْجَمْعِيَّةَ أَنَّ مَدْخُولَهَا صَارَ يَصْدُقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ صَالِحًا لِلْكَثِيرِ. فَإِنْ قِيلَ الْمَصْدَرُ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ قِيلَ جَمَعَهَا بِاعْتِبَارِ الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ وَذَلِكَ شَائِعٌ كَمَا يُجْمَعُ الْعِلْمُ وَالْبَيْعُ قَالَهُ فِي الْمُسْتَصْفَى، وَقَدَّمْنَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَالْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ. (قَوْلُهُ: وَحِكَمُهَا) بِكَسْرِ الْحَاءِ جَمْعُ حِكْمَةٍ: أَيْ مَا شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ. (قَوْلُهُ: شَهِيرَةٌ) مِنْهَا تَكْفِيرُ الذُّنُوبِ وَمَنْعُ الشَّيْطَانِ عَنْهُ ط وَتَحْسِينُ الْأَعْضَاءِ فِي الدُّنْيَا بِالتَّنْظِيفِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالتَّحْجِيلِ، إمْدَادٌ. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا) أَيْ أَثَرُهَا الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: اسْتِبَاحَةُ) السِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَانِ أَوْ لِلصَّيْرُورَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ يَذْكُرُوا مِنْ حُكْمِهَا الثَّوَابَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِيهَا لِتَوَقُّفِهِ عَلَى النِّيَّةِ وَهِيَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا ط. (قَوْلُهُ: أَيْ سَبَبُ وُجُوبِهَا) قُدِّرَ الْمُضَافُ لِظُهُورِ أَنَّ الصَّلَاةَ مَثَلًا لَيْسَتْ سَبَبًا لِوُجُودِ الطَّهَارَةِ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: مَا لَا يَحِلُّ) أَيْ إرَادَةُ مَا لَا يَحِلُّ، وَقَوْلُهُ فَرْضًا كَانَ تَعْمِيمٌ لِقَوْلِهِ فِعْلُهُ وَقَوْلُهُ كَالصَّلَاةِ فِيهِ الْقِسْمَانِ الْفَرْضُ وَغَيْرُهَا، قَوْلُهُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ قَاصِرٌ عَلَى غَيْرِ الْفَرْضِ ط. (قَوْلُهُ: صَاحِبُ الْبَحْرِ قَالَ إلَخْ) ذِكْرُهُ عَقِبَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يُفِيدُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ هُوَ الْإِرَادَةُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، إذْ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ الْوُجُوبِ. وَقَدْ يُقَالُ لَا تَقْدِيرَ أَصْلًا، وَأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ ذَاتَ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهَا سَبَبُ الْوُجُوبِ، فَقَدْ ذَكَرَ الْأَتْقَانِيُّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ أَنَّ السَّبَبَ عِنْدَنَا الصَّلَاةُ بِدَلِيلِ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا، وَهُوَ دَلِيلُ السَّبَبِيَّةِ اهـ وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِمَا، لَكِنْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَشْمَلُ لِشُمُولِهِ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: الْأَقْوَالُ) أَيْ الْأَرْبَعَةُ الْآتِيَةُ. (قَوْلُهُ: هُوَ الْإِرَادَةُ) أَقُولُ: هُوَ مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ أَثِمَ وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يَأْتِي عَنْ الزَّيْلَعِيِّ، وَالثَّانِي أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْإِرَادَةُ الْمُسْتَلْحِقَةُ لِلشُّرُوعِ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الظِّهَارِ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي نُكَتِهِ: الصَّحِيحُ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ وُجُوبُ الصَّلَاةِ أَوْ إرَادَةُ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهَا (وَقِيلَ) سَبَبُهَا (الْحَدَثُ) فِي الْحُكْمِيَّةِ، وَهُوَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ يَحِلُّ فِي الْأَعْضَاءِ يُزِيلُ الطَّهَارَةَ. مَا قِيلَ إنَّهُ مَانِعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِالْأَعْضَاءِ إلَى غَايَةِ اسْتِعْمَالِ الْمُزِيلِ فَتَعْرِيفٌ بِالْحُكْمِ (وَالْخَبَثُ) فِي الْحَقِيقَةِ وَهُوَ عَيْنٌ مُسْتَقْذَرَةٌ شَرْعًا، وَقِيلَ سَبَبُهَا الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ، وَنُسِبَا إلَى أَهْلِ الظَّاهِرِ   [رد المحتار] أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ سَبَبَ الشَّيْءِ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا تَجِبَ الطَّهَارَةُ قَبْلَ الشُّرُوعِ؛ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ الْمُسْتَلْحِقَةَ لَهُ مُقَارِنَةٌ لَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِهَا عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا شَرْطَ الصِّحَّةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ حَيْثُ قَالَ إنَّهُ إنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الطَّهَارَةُ، فَإِذَا رَجَعَ وَتَرَكَ التَّنَفُّلَ سَقَطَتْ الطَّهَارَةُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لِأَجْلِهَا ط. (قَوْلُهُ: فِي الظِّهَارِ) أَيْ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَعَوْدِهِ: وَعَزْمِهِ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْعَلَّامَةُ إلَخْ) هَذَا أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَأْثَمَ عَلَى الْوُضُوءِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ، وَلَمْ يُرِدْ الصَّلَاةَ الْوَقْتِيَّةَ فِيهِ بَلْ عَلَى تَفْوِيتِ الصَّلَاةِ فَقَطْ، وَأَنَّهُ إذَا أَرَادَ صَلَاةَ الظُّهْرِ مَثَلًا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ. اهـ. ح. أَقُولُ: فِيهِ أَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ قَبْلَ وَقْتِهَا تَنْعَقِدُ نَافِلَةً فَتَجِبُ الطَّهَارَةُ بِإِرَادَتِهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: الصَّحِيحُ إلَخْ) مَشَى عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَاسْتَوْجَبَهُ فِي التَّحْرِيرِ، وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الْعَلَّامَةُ الْكَاكِيُّ، لَكِنَّهُ لَا يَشْمَلُ غَيْرَ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ فَلِذَا زَادَ عَلَيْهِ هُنَا قَوْلَهُ أَوْ إرَادَةُ إلَخْ، وَمَا مَرَّ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ مُلَاحَظٌ هُنَا أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وُجُوبُ الصَّلَاةِ) أَيْ لَا وُجُودُهَا؛ لِأَنَّ وُجُودَهَا مَشْرُوطٌ بِهَا فَكَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْهَا، وَالْمُتَأَخِّرُ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمُتَقَدِّمِ. اهـ. عِنَايَةٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ تَجِبُ الطَّهَارَةُ لَكِنَّهُ وُجُوبٌ مُوَسَّعٌ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ صَارَ الْوُجُوبُ فِيهِمَا مُضَيَّقًا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ سَبَبُهَا الْحَدَثُ) أَيْ لِدَوَرَانِهَا مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا وَدُفِعَ بِمَنْعِ كَوْنِ الدَّوَرَانِ دَلِيلًا، وَلَئِنْ سَلِمَ فَالدَّوَرَانُ هُنَا مَفْقُودٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ الْحَدَثُ وَلَا يُوجَدُ وُجُوبُ الطَّهَارَةِ كَمَا قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَفِي حَقِّ غَيْرِ الْبَالِغِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ لَكِنْ سَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ. (قَوْلُهُ: وَمَا قِيلَ) الْقَائِلُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْفَتْحِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ النَّهْرِ هُنَاكَ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ تَعْرِيفٌ بِالْحُكْمِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِي كَوْنِ هَذَا التَّعْرِيفِ تَعْرِيفًا بِالْحُكْمِ نَظَرٌ إذْ حُكْمُ الشَّيْءِ مَا كَانَ أَثَرًا لَهُ خَارِجًا عَنْهُ مُتَرَتِّبًا عَلَيْهِ، وَالْمَانِعِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا حُكْمُ الْحَدَثِ عَدَمُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ مَعَهُ وَحُرْمَةُ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَالتَّعْرِيفُ بِالْحُكْمِ كَأَنْ يُقَالَ مَثَلًا الْحَدَثُ هُوَ مَا لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ اهـ هَكَذَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ الْفَتَّالِ. (قَوْلُهُ: شَرْعِيَّةٌ) أَيْ اعْتَبَرَهَا الشَّرْعُ مَانِعًا ط. (قَوْلُهُ: إلَى غَايَةِ اسْتِعْمَالِ) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ وَالسِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَانِ ط. (قَوْلُهُ: فَتَعْرِيفٌ بِالْحُكْمِ) عَلِمْت مَا فِيهِ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ مَحَلُّ مَوَاقِعِ أَنْظَارِهِمْ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ سَبَبُهَا الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ) ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ صَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ: وَصَرَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِفَسَادِهِ لِصِحَّةِ الِاكْتِفَاءِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ لِصَلَوَاتٍ مَا دَامَ مُتَطَهِّرًا. وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّهَا سَبَبٌ بِشَرْطِ الْحَدَثِ فَلَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ خُصُوصًا أَنَّهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ. اهـ. أَقُولُ: هَذَا الدَّفْعُ ظَاهِرٌ، وَإِلَّا وَرَدَ الْفَسَادُ الْمَذْكُورُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: وَنُسِبَا) أَيْ الْقَوْلُ بِسَبَبِيَّةِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَالْقَوْلُ بِسَبَبِيَّةِ الْقِيَامِ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: إلَى أَهْلِ الظَّاهِرِ) هُمْ الْآخِذُونَ بِظَوَاهِرِ النُّصُوصِ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ الْجَلِيلِ أَبِي سُلَيْمَانَ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمَنْسُوبَ إلَيْهِمْ هُوَ الثَّانِي مِنْ الْقَوْلَيْنِ، أَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَنَسَبَهُ الْأُصُولِيُّونَ إلَى أَهْلِ الطَّرْدِ وَهُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 وَفَسَادُهُمَا ظَاهِرٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَثَرَ الْخِلَافِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي نَحْوِ التَّعَالِيقِ، نَحْوُ: إنْ وَجَبَ عَلَيْك طَهَارَةٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ دُونَ الْإِثْمِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِهِ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ الْحَدَثِ، ذَكَرَهُ فِي التَّوْشِيحِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي السِّرَاجِ مِنْ إثْبَاتِ الثَّمَرَةِ مِنْ جِهَةِ الْإِثْمِ، بَلْ وُجُوبُهَا مُوَسَّعٌ بِدُخُولِ الْوَقْتِ كَالصَّلَاةِ، فَإِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ صَارَ الْوُجُوبُ فِيهِمَا مُضَيِّقًا. وَشَرَائِطُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ شَرَائِطُ وُجُوبِهَا تِسْعَةٌ، وَشَرَائِطُ صِحَّتِهَا أَرْبَعَةٌ، وَنَظَمَهَا شَيْخُ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيَّ شَارِحُ نَظْمِ الْكَنْزِ فَقَالَ: شَرْطُ الْوُجُوبِ الْعَقْلُ وَالْإِسْلَامُ ... وَقُدْرَةٌ مَاءٌ وَالِاحْتِلَامُ وَحَدَثٌ وَنَفْيُ حَيْضٍ وَعَدَمْ ... نِفَاسِهَا وَضِيقُ وَقْتٍ قَدْ هَجَمْ وَشَرْطُ صِحَّةٍ عُمُومْ الْبَشَرَهْ ... بِمَائِهِ الطَّهُورِ ثُمَّ فِي الْمَرَهْ فَقْدُ نِفَاسِهَا وَحَيْضِهَا وَأَنْ ... يَزُولَ كُلُّ مَانِعٍ عَنْ الْبَدَنْ   [رد المحتار] الْمُسْتَدِلُّونَ عَلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ بِالطَّرْدِ وَالْعَكْسِ وَيُسَمَّى الدَّوَرَانُ كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعِهِ. وَخَالَفَهُمْ فِيهِ الْحَنَفِيَّةُ وَمُحَقِّقُو الْأَشَاعِرَةِ. (قَوْلُهُ: وَفَسَادُهُمَا ظَاهِرٌ) لِمَا عَلِمْته مِمَّا يَرُدُّ عَلَيْهِمَا، لَكِنْ عَلِمْت الْجَوَابَ عَمَّا يَرُدُّ عَلَى الثَّانِي، فَكَانَ عَلَيْهِ إفْرَادُ الضَّمِيرِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. (قَوْلُهُ: أَنَّ أَثَرَ الْخِلَافِ) أَيْ فَائِدَةَ الِاخْتِلَافِ فِي السَّبَبِ. (قَوْلُهُ: فِي نَحْوِ التَّعَالِيقِ) أَيْ فِي التَّعَالِيقِ وَنَحْوِهَا كَصِدْقِ الْإِخْبَارِ بِوُجُوبِ الطَّهَارَةِ وَكَذِبِهِ أَفَادَهُ ط، وَفِيمَا إذَا اُسْتُشْهِدَتْ الْحَائِضُ قَبْلَ انْقِطَاعِ الدَّمِ فَقَدْ صَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهَا تُغَسَّلُ، فَكَانَ تَصْحِيحًا لِكَوْنِ السَّبَبِ الْحَدَثَ أَعْنِي الْحَيْضَ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ، أَيْ لِأَنَّ الْغُسْلَ وَجَبَ عَلَيْهَا بِالْحَيْضِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ انْقِطَاعُ الدَّمِ بِالْمَوْتِ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِقَوْلِ أَهْلِ الطَّرْدِ. (قَوْلُهُ: فَأَنْتِ طَالِقٌ) أَيْ فَتَطْلُقُ بِإِرَادَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَبِوُجُوبِهَا عَلَى الثَّانِي، وَبِالْحَدَثِ أَوْ الْخَبَثِ عَلَى الثَّالِثِ، وَبِالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ عَلَى الرَّابِعِ. (قَوْلُهُ: بِالتَّأْخِيرِ عَنْ الْحَدَثِ) أَيْ أَوْ الْخَبَثِ، أَوْ عَنْ إرَادَةِ الصَّلَاةِ، أَوْ الْقِيَامِ إلَيْهَا ط. (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ فِي التَّوْشِيحِ) هُوَ شَرْحُ الْهِدَايَةِ لِلْعَلَّامَةِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ. قَالَ فِي غَسْلِ الْبَحْرِ: وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ عَلَى الْمُحْدِثِ وَالْغُسْلُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ قَبْلَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ، أَوْ إرَادَةِ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهِ. اهـ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ لِثُبُوتِ الِاخْتِلَافِ فِي سَبَبِ الطَّهَارَةِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ ثُبُوتُ الِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ رَأَيْت فِي النَّهْرِ وَفَّقَ بِذَلِكَ بَيْنَ كَلَامِ الْهِنْدِيِّ وَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي السِّرَاجِ إلَخْ) هُوَ شَرْحُ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ لِلْحَدَّادِيِّ صَاحِبِ الْجَوْهَرَةِ، وَذَلِكَ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِالِانْقِطَاعِ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَعَامَّةِ الْعِرَاقِيِّينَ، وَبِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّينَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ ثُمَّ قَالَ: وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَأَخَّرَتْ الْغُسْلَ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ فَتَأْثَمُ عَلَى الْأَوَّلِ لَا عَلَى الثَّانِي، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ وُجُوبُ الْوُضُوءِ فَعِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ يَجِبُ الْوُضُوءُ لِلْحَدَثِ، وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّينَ لِلصَّلَاةِ اهـ. (قَوْلُهُ: بَلْ وُجُوبُهَا) أَيْ الطَّهَارَةِ. (قَوْلُهُ: بِدُخُولِ) خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، لِقَوْلِهِ وُجُوبُهَا لَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ مُوَسَّعٌ. وَكَوْنُ وُجُوبِهَا بِدُخُولِ الْوَقْتِ يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمَهُ عَنْ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ مِنْ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهَا وُجُوبُ الصَّلَاةِ إذْ وُجُوبُ الصَّلَاةِ أَيْضًا بِدُخُولِ الْوَقْتِ اهـ ح. (قَوْلُهُ: فِيهِمَا) أَيْ فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: وَشَرَائِطُهَا) أَيْ الطَّهَارَةِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: هُوَ جَمْعُ شَرْطٍ عَلَى خِلَافِ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْقَاعِدَةِ الصَّرْفِيَّةِ، إذْ لَمْ يُحْفَظْ فَعَائِلُ جَمْعُ فَعْلٍ بَلْ جَمْعُهُ شُرُوطٌ. (قَوْلُهُ: شَرَائِطُ وُجُوبِهَا إلَخْ) أَيْ الطَّهَارَةِ أَعَمُّ مِنْ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى وَشَرَائِطُ الْوُجُوبِ هِيَ مَا إذَا اجْتَمَعَتْ وَجَبَتْ الطَّهَارَةُ عَلَى شَخْصٍ. وَشَرَائِطُ الصِّحَّةِ مَا لَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ إلَّا بِهَا، وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ بَلْ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَجْهِيٌّ، وَعَدَمُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ مِنْ حَيْثُ الْخِطَابُ وَلِلصِّحَّةِ مِنْ حَيْثُ أَدَاءُ الْوَاجِبِ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: شَرْطُ الْوُجُوبِ) مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ الْعَقْلُ إلَخْ ط. (قَوْلُهُ: الْعَقْلُ إلَخْ) فَلَا تَجِبُ عَلَى مَجْنُونٍ وَلَا عَلَى كَافِرٍ، بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الْكُفَّارَ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالْعِبَادَاتِ، وَلَا عَلَى عَاجِزٍ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمُطَهِّرِ، وَلَا عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ أَرْبَعَةً: شَرْطُ وُجُودِهَا الْحِسِّيِّ وُجُودُ الْمُزِيلِ وَالْمُزَالِ عَنْهُ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْإِزَالَةِ. وَشَرْطُ وُجُودِهَا الشَّرْعِيِّ كَوْنُ الْمُزِيلِ مَشْرُوعُ الِاسْتِعْمَالِ فِي مِثْلِهِ. وَشَرْطُ وُجُوبِهَا التَّكْلِيفُ وَالْحَدَثُ. وَشَرْطُ صِحَّتِهَا صُدُورُ الطُّهْرِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ مَعَ فَقْدِ مَانِعِهِ، وَنَظَمَهَا فَقَالَ:   [رد المحتار] فَاقِدِ الْمَاءِ أَيْ وَالتُّرَابِ، وَلَا عَلَى صَبِيٍّ، وَلَا عَلَى مُتَطَهِّرٍ وَلَا عَلَى حَائِضٍ، وَلَا عَلَى نُفَسَاءَ، وَلَا مَعَ سِعَةِ الْوَقْتِ، وَهَذَا الْأَخِيرُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ وَمَا قَبْلَهُ لِأَصْلِ الْوُجُوبِ. (قَوْلُهُ: مَاءٌ) بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ عَلَى إسْقَاطِ الْعَاطِفِ وَتَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ وَوُجُودُ مَاءٍ مُطْلَقٍ طَهُورٌ كَافٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ تُرَابٍ طَاهِرٍ. (قَوْلُهُ: وَشَرْطُ صِحَّةٍ إلَخْ) الصِّحَّةُ تَرَتُّبُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْفِعْلِ عَلَيْهِ، فَفِي الْمُعَامَلَاتِ الْحِلُّ وَالْمِلْكُ؛ لِأَنَّهُمَا الْمَقْصُودَانِ مِنْهَا، وَفِي الْعِبَادَاتِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ مُسْتَجْمِعًا مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ. وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ بِزِيَادَةِ قَيْدٍ وَهُوَ انْدِفَاعُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ، فَصَلَاةُ ظَانِّ الطَّهَارَةِ مَعَ عَدَمِهَا صَحِيحَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ لِمُوَافَقَةِ الْأَمْرِ عَلَى ظَنِّهِ، لَا عَلَى الثَّانِي لِعَدَمِ سُقُوطِ الْقَضَاءِ، وَتَمَامُهُ فِي التَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ. (قَوْلُهُ: عُمُومُ الْبَشَرَهْ إلَخْ) أَيْ أَنْ يَعُمَّ الْمَاءُ جَمِيعَ الْمَحَلِّ الْوَاجِبِ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَرَهْ) بِدُونِ هَمْزَةٍ مُؤَنَّثٌ مَرْءٍ، يُقَالُ فِيهَا مَرْأَةٌ وَمَرَّةٌ وَامْرَأَةٌ ذَكَرَ الثَّلَاثَ فِي الْقَامُوسِ. (قَوْلُهُ: فَقْدُ نِفَاسِهَا وَحَيْضِهَا) أَيْ وَفَقْدُ حَيْضِهَا فَهُمَا شَرْطَانِ. (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَزُولَ كُلُّ مَانِعٍ) أَيْ مِنْ نَحْوِ رَمَصٍ وَشَمْعٍ، وَهَذَا الشَّرْطُ الرَّابِعُ يُغْنِي عَنْهُ الْأَوَّلُ، وَالْأَوْلَى مَا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ جَعَلَ الرَّابِعَ عَدَمَ التَّلَبُّسِ فِي حَالَةِ التَّطْهِيرِ بِمَا يُنْقِصُهُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَعْذُورِ بِذَلِكَ. [تَنْبِيهٌ] جَمْعُ الشُّرُوطِ الْأُوَلِ تَرْجِعُ إلَى سِتَّةٍ: وَهِيَ الْإِسْلَامُ، وَالتَّكْلِيفُ، وَقُدْرَةُ اسْتِعْمَالِ الْمُطَهِّرِ وَوُجُودُ حَدَثٍ، وَفَقْدُ الْمُنَافِي مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ، وَضِيقِ الْوَقْتِ، وَالْأَخِيرَةُ تَرْجِعُ إلَى اثْنَيْنِ: تَعْمِيمُ الْمَحَلِّ بِالْمُطَهِّرِ، وَفَقْدُ الْمُنَافِي مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَحَدَثٍ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَعْذُورِ بِهِ، وَقَدْ نَظَمْتهَا بِقَوْلِي: شَرْطُ الْوُجُوبِ جَاءَ ضِمْنَ سِتٍّ ... تَكْلِيفٌ إسْلَامٌ وَضِيقُ وَقْتٍ وَقُدْرَةُ الْمَاءِ الطَّهُورِ الْكَافِي ... وَحَدَثٌ مَعَ انْتِفَا الْمُنَافِي وَاثْنَانِ لِلصِّحَّةِ تَعْمِيمُ الْمَحَلْ ... بِالْمَاءِ مَعَ فَقْدِ مُنَافٍ لِلْعَمَلْ. (قَوْلُهُ: وَجَعَلَهَا) أَيْ هَذِهِ الشُّرُوطَ. وَقَدْ نَقَلَ هَذَا التَّقْسِيمَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ عَنْ شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِلْآمِدِيِّ. (قَوْلُهُ: أَرْبَعَةً) أَيْ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ، فَفِي الْأَوَّلِ وَكَذَا ثَلَاثَةٌ وَكَذَا الثَّانِي، وَفِي الثَّالِثِ أَرْبَعَةٌ، وَفِي الرَّابِعِ اثْنَانِ. (قَوْلُهُ: وُجُودُهَا الْحِسِّيُّ) أَيْ الَّذِي تَصِيرُ بِهِ الطَّهَارَةُ مَوْجُودَةً فِي الْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ: أَيْ يَصِيرُ فِعْلُهَا مَوْجُودًا، وَإِلَّا فَهِيَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ الضَّمِيرُ فِي وُجُودِهَا لِلشُّرُوطِ حَتَّى يَرِدَ أَنَّ الْقُدْرَةَ لَا وُجُودَ لَهَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وُجُودُ الْمُزِيلِ) أَيْ الْمَاءِ أَوْ التُّرَابِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُزَالِ عَنْهُ) أَيْ الْأَعْضَاءِ. (قَوْلُهُ: مَشْرُوعُ الِاسْتِعْمَالِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الْمَاءُ مُطْلَقًا وَطَاهِرًا وَمُطَهِّرًا. (قَوْلُهُ: فِي مِثْلِهِ) أَيْ مِثْلِ الْمَشْرُوطِ، وَلَوْ قَالَ مَشْرُوعُ الِاسْتِعْمَالِ فِيهَا أَيْ الطَّهَارَةِ لَكَانَ أَوْلَى، وَخَرَجَ بِهِ نَحْوُ الزَّيْتِ فَإِنَّهُ مَشْرُوعُ الِاسْتِعْمَالِ لَكِنْ فِي الدُّهْنِ مَثَلًا ط. أَقُولُ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي مَحَلِّهِ وَهُوَ الْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: التَّكْلِيفُ) تَحْتَهُ ثَلَاثَةٌ، وَهِيَ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ، بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْمَشْهُورِ. (قَوْلُهُ: وَالْحَدَثُ) أَيْ الْأَصْغَرُ أَوْ الْأَكْبَرُ. (قَوْلُهُ: مِنْ أَهْلِهِ) بِأَنْ لَا تَكُونَ حَائِضًا وَلَا نُفَسَاءَ، وَهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي النَّظْمِ الْآتِي. (قَوْلُهُ: فِي مَحَلِّهِ) وَهُوَ جَمِيعُ الْجَسَدِ فِي الْغُسْلِ وَالْأَعْضَاءُ الْأَرْبَعَةُ فِي الْوُضُوءِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا أَيْضًا مِنْ شُرُوطِ الْوُجُودِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ تَعْمِيمَ الْبَشَرَةِ. (قَوْلُهُ: مَعَ فَقْدِ مَانِعِهِ) بِأَنْ لَا يَحْصُلَ نَاقِصٌ فِي خِلَالِ الطَّهَارَةِ لِغَيْرِ مَعْذُورٍ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَنَظَمَهَا) عَطْفٌ عَلَى جَعَلَهَا، وَهَذَا النَّظْمُ مِنْ بَحْرِ الطَّوِيلِ، وَفِيهِ مِنْ عُيُوبِ الْقَوَافِي التَّحْرِيدُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 نَعْلَمُ شُرُوطًا لِلْوُضُوءِ مُهِمَّةً ... مُقَسَّمَةً فِي أَرْبَعٍ وَثَمَانِ فَشَرْطُ وُجُودِ الْحِسِّ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ ... سَلَامَةُ أَعْضَاءٍ وَقُدْرَةُ إمْكَانٍ لِمُسْتَعْمِلِ الْمَاءِ الْقَرَاحِ وَهُوَ مَعًا ... وَشَرْطُ وُجُودِ الشَّرْعِ خُذْهَا بِإِمْعَانِ فَمُطْلَقُ مَاءٍ مَعَ طَهَارَتِهِ وَمَعْ ... طَهُورِيَّةٍ أَيْضًا فَفُزْ بِبَيَانِ وَشَرْطُ وُجُوبٍ وَهُوَ إسْلَامُ بَالِغٍ ... مَعَ الْحَدَثِ التَّمْيِيزِ بِالْعَقْلِ يَاعَانِي وَشَرْطٌ لِتَصْحِيحِ الْوُضُوءِ زَوَالُ مَا ... يُبَعِّدُ إيصَالَ الْمِيَاهِ مِنْ إدران كَشَمْعٍ وَرَمْصٍ ثُمَّ لَمْ يَتَخَلَّلْ ... الْوُضُوءُ مُنَافٍ يَا عَظِيمَ ذَوِي الشَّانِ وَزِيدَ عَلَى هَذَيْنِ أَيْضًا تَقَاطُرٌ ... مَعَ الْغَسَلَاتِ لَيْسَ هَذَا لَدَى الثَّانِي   [رد المحتار] بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأَضْرُبِ، فَإِنَّ ضَرْبَ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَالْبَيْتِ الرَّابِعِ مَحْذُوفٌ وَزْنُهُ فَعُولُنْ، وَبَاقِي الْأَبْيَاتِ أَضْرُبُهَا تَامَّةٌ وَزْنُهَا مَفَاعِيلُنْ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ مُقَسَّمَةٌ فِي عَشْرَةٍ بَعْدَهَا اثْنَانِ وَفِي الْبَيْتِ الرَّابِعِ طَهُورِيَّةٌ أَيْضًا فَخُذْهَا بِإِذْعَانِ. (قَوْلُهُ: تَعَلَّمْ) فِعْلُ أَمْرٍ. (قَوْلُهُ: لِلْوُضُوءِ) وَمِثْلُهُ الْغُسْلُ. (قَوْلُهُ: سَلَامَةُ أَعْضَاءٍ) إشَارَةٌ إلَى الْمُزَالِ عَنْهُ. اهـ. ح أَيْ لِأَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى مَوْصُوفِهَا أَيْ أَعْضَاءٌ سَالِمَةٌ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: وَقُدْرَةُ إمْكَانٍ) أَيْ تَمَكُّنٌ مِنْ الْإِزَالَةِ. (قَوْلُهُ: لِمُسْتَعْمِلِ) صِفَةُ قُدْرَةٍ أَوْ إمْكَانٍ. (قَوْلُهُ: الْقَرَاحِ) كَسَحَابٍ أَيْ الْخَالِصِ قَامُوسٌ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ بَعْدَهَا لِلضَّرُورَةِ رَاجِعٌ لِلْمَاءِ. (قَوْلُهُ: مَعًا) ظَرْفٌ مَنْصُوبٌ لِقَطْعِهِ عَنْ الْإِضَافَةِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ خَبَرٌ هُوَ أَصْلُهُ مَعَهُمَا، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى انْضِمَامِهِ إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْمَاءَ عَلَى كَوْنِهِ مُضَافًا إلَيْهِ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَيْسَ قِسْمًا بِرَأْسِهِ وَأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ الْمُضَافِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ بَيَانٌ لِوُجُودِ الْمُزِيلِ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: وَشَرْطَ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ لِخُذْ مَحْذُوفًا فَسَّرَهُ قَوْلُهُ الْآتِي خُذْهَا: أَيْ الشُّرُوطَ الْمَفْهُومَةَ مِنْ عُمُومِ الْمَصْدَرِ الْمُضَافِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ خَبَرَهُ قَوْلُهُ خُذْهَا أَوْ قَوْلُهُ فَمُطْلَقٌ، فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ الْإِخْبَارُ بِالْجُمْلَةِ الطَّلَبِيَّةِ أَوْ اقْتِرَانِ الْخَبَرِ بِالْفَاءِ. (قَوْلُهُ: بِإِمْعَانِ) أَيْ بِتَأَمُّلٍ وَإِتْقَانٍ ط. (قَوْلُهُ: مُطْلَقُ مَاءٍ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ وَهُوَ خَبَرٌ لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ، وَالْمُرَادُ كَوْنُ الْمَاءِ مُطْلَقًا، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ ط أَنَّ الشَّرْطَ مُغْنٍ عَنْ الطَّهَارَةِ وَالطَّهُورِيَّةِ أَيْ لِأَنَّ غَيْرَ الطَّاهِرِ وَغَيْرَ الْمُطَهِّرِ غَيْرُ مُطْلَقٍ. (قَوْلُهُ: مَعْ) بِسُكُونِ الْعَيْنِ ط. (قَوْلُهُ: وَشَرْطَ) بِالنَّصْبِ أَيْضًا لَا غَيْرُ عَطْفٌ عَلَى " شَرْطَ " الْمَنْصُوبِ أَيْ وَخُذْ شَرْطَ وُجُوبِ إلَخْ إذْ لَيْسَ بَعْدَهُ مَا يَصِحُّ الْإِخْبَارُ بِهِ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: بَالِغٍ) بِالْإِضَافَةِ وَهُوَ شَرْطٌ ثَانٍ، وَالشَّرْطُ الْبُلُوغُ ط أَيْ لَا ذَاتُ الْبَالِغِ. (قَوْلُهُ: التَّمْيِيزُ) بِحَذْفِ الْعَاطِفِ، ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى " إسْلَامُ " فَيَكُونُ مَرْفُوعًا، أَوْ عَلَى الْحَدَثِ فَيَكُونُ مَجْرُورًا ط. (قَوْلُهُ: يَا عَانِي) أَيْ يَا قَاصِدَ الْفَوَائِدِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَفْسِيرِهِ بِالْأَسِيرِ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: شَرْطٌ) مُبْتَدَأٌ وَزَوَالٌ خَبَرُهُ ط. (قَوْلُهُ: يُبَعِّدُ) بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ. (قَوْلُهُ: مِنْ أَدْرَانِ) بِنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ إلَى النُّونِ، وَهُوَ بَيَانٌ لِمَا وَالدَّرَنُ الْوَسَخُ قَامُوسٌ. (قَوْلُهُ: كَشَمْعٍ) بِسُكُونِ الْمِيمِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ، وَأَنْكَرَهَا الْفَرَّاءُ فَقَالَ: الْفَتْحُ كَلَامُ الْعَرَبِ وَالْمُوَلِّدُونَ يُسَكِّنُونَهَا، لَكِنْ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: وَقَدْ تُفْتَحُ الْمِيمُ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ فَأَفْهَمَ أَنَّ الْإِسْكَانَ أَكْثَرُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَرَمَصٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمِيمِ وَبِالصَّادِ: وَسَخٌ يَجْتَمِعُ فِي الْمُوقِ مِمَّا يَلِي الْأَنْفَ وَسَكَنَتْ الْمِيمُ لِضَرُورَةِ النَّظْمِ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: لَمْ يَتَخَلَّلْ الْوُضُوءُ) اللَّامُ مِنْ الْوُضُوءِ آخِرُ الشَّطْرِ الْأَوَّلِ وَالْوَاوُ مِنْهُ أَوَّلُ الشَّطْرِ الثَّانِي. (قَوْلُهُ: مُنَافٍ) كَخُرُوجِ رِيحٍ وَدَمٍ ط أَيْ لِغَيْرِ الْمَعْذُورِ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: يَا عَظِيمَ ذَوِي الشَّانِ) أَيْ الْعِظَمِ: أَيْ يَا عَظِيمُهُمْ، وَفِي نُسْخَةٍ ذِي وَلَيْسَتْ بِصَوَابٍ لِاخْتِلَالِ النَّظْمِ ط: أَقُولُ: وَاَلَّذِي رَأَيْته مِنْ النُّسَخِ: يَا عَظِيمَ الشَّانِ وَهُوَ خَطَأٌ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَزِيدَ عَلَى هَذَيْنِ) أَيْ شَرْطَيْ الصِّحَّةِ ط. (قَوْلُهُ: تَقَاطُرٌ) وَأَقَلُّهُ قَطْرَتَانِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: مَعَ الْغَسَلَاتِ) أَيْ الْمَفْرُوضَةِ، وَأَخْرَجَ بِهَا الْمَسْحَ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَقَاطُرٌ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ هَذَا إلَخْ) أَيْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وَصِفَتُهَا فَرْضٌ لِلصَّلَاةِ وَوَاجِبٌ لِلطَّوَافِ، قِيلَ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُطَهَّرِينَ الْمَلَائِكَةُ، وَسُنَّةٌ لِلنَّوْمِ، وَمَنْدُوبٌ فِي نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ مَوْضِعًا ذَكَرْتهَا فِي الْخَزَائِنِ: مِنْهَا بَعْدَ كَذِبٍ وَغِيبَةٍ وَقَهْقَهَةٍ وَشِعْرٍ وَأَكْلِ جَزُورٍ   [رد المحتار] لَيْسَ هَذَا الشَّرْطُ وَهُوَ التَّقَاطُرُ بِمُشْتَرَطٍ عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ يَعْقُوبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ ط. [تَنْبِيهٌ] يُزَادُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ فَقْدُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ كَمَا مَرَّ، وَهُوَ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُودِ الشَّرْعِيِّ أَيْضًا، وَكَذَا مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ شُرُوطَ الْوُجُودِ الشَّرْعِيِّ شُرُوطٌ لِلصِّحَّةِ وَبِالْعَكْسِ، إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَصِفَتُهَا) أَيْ الطَّهَارَةِ. (قَوْلُهُ: فَرْضٌ) أَيْ قَطْعِيٌّ ط. (قَوْلُهُ: لِلصَّلَاةِ) فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا ط. (قَوْلُهُ: وَوَاجِبٌ) الْأَوْلَى وَاجِبَةٌ. (قَوْلُهُ: لِلْقَوْلِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهُ قِيلَ بِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ لَا فَرْضٌ لِلِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، فَلَمْ تَكُنْ قَطْعِيَّةَ الدَّلَالَةِ حَتَّى تُثْبِتَ الْفَرْضِيَّةَ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى - {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79]- قِيلَ إنَّهُ صِفَةٌ لِكِتَابٍ مَكْنُونٍ وَهُوَ اللَّوْحُ، وَقِيلَ صِفَةٌ لِقُرْآنٍ كَرِيمٍ وَهُوَ الْمُصْحَفُ. فَعَلَى الْأَوَّلِ الْمُرَادُ مِنْ الْمُطَهَّرِينَ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ؛ لِأَنَّهُمْ مُطَهَّرُونَ عَنْ أَدْنَاسِ الذُّنُوبِ: أَيْ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ سِوَاهُمْ. وَعَلَى الثَّانِي الْمُرَادُ مِنْهُمْ النَّاسُ الْمُطَهَّرُونَ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِيهِ حَمْلَ الْمَسِّ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَالْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ وَاحْتِمَالُ غَيْرِهَا بِلَا دَلِيلٍ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ؛ إذْ قَلَّ أَنْ يُوجَدَ دَلِيلٌ بِلَا احْتِمَالٍ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ الْقَطْعِيَّةَ، فَلِذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى اخْتِيَارِ الْقَوْلِ بِالْفَرْضِيَّةِ وَقَوَّاهُ الْمُحَشِّي الْحَلَبِيُّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّ الْفَرْضَ مَا قُطِعَ بِلُزُومِهِ حَتَّى يَكْفُرَ جَاحِدُهُ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الْوُضُوءَ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ لَا يَكْفُرُ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ مِنْ الْفَرْضِ الْعَمَلِيِّ، وَهُوَ أَقْوَى نَوْعَيْ الْوَاجِبِ وَأَضْعَفُ نَوْعَيْ الْفَرْضِ، فَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (قَوْلُهُ: وَسُنَّةٌ لِلنَّوْمِ) كَذَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى، لَكِنْ عَدَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْمَنْدُوبَاتِ وَجَعَلَ الْأَنْوَاعَ ثَلَاثَةً فَلْيُحْفَظْ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. (قَوْلُهُ: فِي نَيِّفٍ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: النَّيِّفُ بِوَزْنِ الْهَيِّنِ الزِّيَادَةُ يُخَفَّفُ وَيُشَدَّدُ، وَيُقَالُ عَشَرَةٌ وَنَيِّفٌ وَمِائَةٌ وَنَيِّفٌ، وَكُلُّ مَا زَادَ عَلَى الْعَقْدِ فَهُوَ نَيِّفٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَقْدَ الثَّانِيَ اهـ ط. (قَوْلُهُ: ذَكَرْتهَا فِي الْخَزَائِنِ) ذَكَرَهَا فِي مَكْرُوهَاتِ الْوُضُوءِ، فَمِنْهَا عِنْدَ اسْتِيقَاظٍ مِنْ نَوْمٍ، وَلِمُدَاوَمَةٍ عَلَيْهِ، وَلِلْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ إذَا تَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ، وَغُسْلُ مَيِّتٍ وَحَمْلُهُ، وَلِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، وَقَبْلَ غُسْلِ جَنَابَةٍ، وَلِجُنُبٍ عِنْدَ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَوْمٍ وَوَطْءٍ، وَلِغَضَبٍ وَقِرَاءَةٍ وَحَدِيثٍ وَرِوَايَتِهِ، وَدِرَاسَةِ عِلْمٍ، وَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَلِخُطْبَةٍ وَلَوْ نِكَاحًا، وَزِيَارَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوُقُوفٍ وَسَعْيٍ شُرُنْبُلَالِيٌّ، وَمَسِّ كُتُبٍ شَرْعِيَّةٍ تَعْظِيمًا لَهَا إمْدَادٌ وَسَيَجِيءُ، وَنَظَرٍ لِمَحَاسِنِ امْرَأَةٍ نَهْرٌ، وَلِمُطْلَقِ الذِّكْرِ كَمَا يَأْتِي قُبَيْلَ الْمِيَاهِ، وَفِي ابْتِدَاءِ الْغُسْلِ كَمَا يَأْتِي فِي مَحَلِّهِ وَلِكُلِّ صَلَاةٍ لَوْ مُتَوَضِّئًا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا اغْتَابَ أَوْ كَذَبَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ تَيَمَّمَ وَنَوَى بِهِ رَفْعَ الْإِثْمِ فَتَاوَى الصُّوفِيَّةِ، فَهِيَ مَعَ السَّبْعَةِ الَّتِي هِيَ هُنَا نَيِّفٌ وَثَلَاثُونَ كَمَا ذَكَرَهُ أَفَادَهُ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ كَذِبٍ وَغِيبَةٍ) لِأَنَّهُمَا مِنْ النَّجَاسَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ؛ وَلِذَا يَخْرُجُ مِنْ الْكَاذِبِ نَتِنٌ يَتَبَاعَدُ مِنْهُ الْمَلِكُ الْحَافِظُ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَكَذَا أَخْبَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رِيحٍ مُنْتِنَةٍ بِأَنَّهَا رِيحُ الَّذِينَ يَغْتَابُونَ النَّاسَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَلِإِلْفِ ذَلِكَ مِنَّا وَامْتِلَاءِ أُنُوفِنَا مِنْهَا لَا تَظْهَرُ لَنَا كَالسَّاكِنِ فِي مَحَلَّةِ الدَّبَّاغِينَ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ الْكَلَامُ عَلَى الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَمَا يُرَخَّصُ مِنْهُمَا. (قَوْلُهُ: وَقَهْقَهَةٍ) لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ جِنَايَةٌ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَوْجَبَتْ نُقْصَانَ الطَّهَارَةِ خَارِجَهَا فَكَانَ الْوُضُوءُ مِنْهَا مُسْتَحَبًّا كَمَا ذَكَرَهُ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ فِي نِهَايَةِ الْمُرَادِ عَلَى هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ. (قَوْلُهُ: وَشِعْرٍ) أَيْ قَبِيحٍ إمْدَادٌ وَقَدَّمْنَا بَيَانَ الْقَبِيحِ مِنْهُ وَغَيْرَ الْقَبِيحِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ، وَمَنْ أَرَادَ مِنْ بَيَانِهِ نِهَايَةَ الْمُرَادِ فَعَلَيْهِ بِنِهَايَةِ الْمُرَادِ. (قَوْلُهُ: وَأَكْلِ جَزُورٍ) أَيْ أَكْلِ لَحْمِ جَزُورٍ: أَيْ جَمَلٍ، لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ بِوُجُوبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 وَبَعْدَ كُلِّ خَطِيئَةٍ، وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ. وَرُكْنُهَا: غَسْلٌ وَمَسْحٌ وَزَوَالُ نَجَسٍ. وَآلَتُهَا: مَاءٌ وَتُرَابٌ وَنَحْوُهُمَا. وَدَلِيلُهَا آيَةُ - {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6]- وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ إجْمَاعًا. وَأَجْمَعَ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّ الْوُضُوءَ وَالْغَسْلَ فُرِضَا بِمَكَّةَ مَعَ فَرْضِ الصَّلَاةِ بِتَعْلِيمِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُصَلِّ قَطُّ إلَّا بِوُضُوءٍ، بَلْ هُوَ شَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا، بِدَلِيلِ «هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ   [رد المحتار] الْوُضُوءِ مِنْهُ، وَهَذَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ بَعْدُ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: وَبَعْدَ كُلِّ خَطِيئَةٍ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِمَّا هُوَ خَطِيئَةٌ وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ تَكْفِيرِ الْوُضُوءِ لِلذُّنُوبِ. (قَوْلُهُ: وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ) كَمَسِّ ذَكَرِهِ وَمَسِّ امْرَأَةٍ. (قَوْلُهُ: وَرُكْنُهَا) هُوَ فِي اللُّغَةِ الْجَانِبُ الْأَقْوَى. وَفِي الِاصْطِلَاحِ الْجَزَاءُ الذَّاتِيُّ الَّذِي تَتَرَكَّبُ الْمَاهِيَّةُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْحَلَبِيِّ. (قَوْلُهُ: غُسْلٌ وَمَسْحٌ وَزَوَالُ نَجَسٍ) أَيْ مَجْمُوعُ الثَّلَاثَةِ، فَفِي النَّجَاسَةِ الْمَرْئِيَّةِ زَوَالُ عَيْنِ النَّجَسِ، وَفِي غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ وَالْحَدَثِ الْأَكْبَرِ غُسْلٌ فَقَطْ، وَفِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ غُسْلٌ وَمَسْحٌ، وَأَمَّا نَحْوُ الْعَصْرِ وَالتَّثْلِيثِ فَمِنْ الشُّرُوطِ. (قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُمَا) مِنْ مَائِعٍ وَذَلِكَ وَذَكَاةٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي فِي الْمُطَهَّرَاتِ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ) لِأَنَّهَا مِنْ الْمَائِدَةِ، وَهِيَ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا. [فَائِدَةٌ] الْمَدَنِيُّ مَا نَزَلَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ، وَالْمَكِّيُّ مَا نَزَلَ قَبْلَهَا وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَكَّةَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ حَكَاهَا السُّيُوطِيّ فِي الْإِتْقَانِ ط. (قَوْلُهُ: وَأَجْمَعَ أَهْلُ السِّيَرِ) جَمْعُ سِيرَةٍ أَيْ الْمَغَازِي، وَهَذَا رَدٌّ لِمَا يُقَالُ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ بِلَا وُضُوءٍ إلَى وَقْتِ نُزُولِ آيَةِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّك ذَكَرْت أَنَّ آيَةَ الْوُضُوءِ مَدَنِيَّةٌ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ فُرِضَتْ بِمَكَّةَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، بَلْ فِي الْمَوَاهِبِ عَنْ فَتْحِ الْبَارِي أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْإِسْرَاءِ يُصَلِّي قَطْعًا وَكَذَلِكَ أَصْحَابُهُ، وَلَكِنْ اُخْتُلِفَ هَلْ اُفْتُرِضَ قَبْلَ الْخَمْسِ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ أَمْ لَا؟ فَقِيلَ إنَّ الْفَرْضَ كَانَ صَلَاةً قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا - {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130]-. اهـ. (قَوْلُهُ: مَعَ فَرْضِ الصَّلَاةِ) إنْ أُرِيدَ بِهَا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ أَشْكَلَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَهَا قَطْعًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعِيَّةَ لِلْمَكَانِ لَا لِلزَّمَانِ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُ قَبْلَ الِافْتِرَاضِ بِلَا وُضُوءٍ؛ وَلِذَا عَمَّمَ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ. مَطْلَبٌ فِي تَعَبُّدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ شَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا) انْتِقَالٌ إلَى جَوَابٍ آخَرَ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَبْلَ مَبْعَثِهِ كَانَ مُتَعَبِّدًا بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ لَمْ يَنْقَطِعْ مِنْ بَعْثَةِ آدَمَ وَلَمْ يُتْرَكْ النَّاسُ سُدًى قَطُّ، وَلِتَظَافُرِ رِوَايَاتِ صَلَاتِهِ وَصَوْمِهِ وَحَجِّهِ، وَلَا تَكُونُ طَاعَةٌ بِلَا شَرْعٍ؛ لِأَنَّ الطَّاعَةَ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ وَكَذَا بَعْدَ مَبْعَثِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَبُسِطَ ذَلِكَ فِي التَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ، وَسَيَأْتِي أَوَّلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَنَا عَدَمُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. (قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ إلَخْ) أَيْ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي آخِرِهِ «ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ هَذَا وُضُوئِي» إلَخْ ". مَطْلَبُ لَيْسَ أَصْلُ الْوُضُوءِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، بَلْ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ وَدُفِعَ بِأَنَّ وُجُودَهُ فِي الْأَنْبِيَاءِ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ فِي أُمَمِهِمْ؛ وَلِهَذَا قِيلَ إنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَقِيَّةِ الْأُمَمِ دُونَ أَنْبِيَائِهِمْ، لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 قَبْلِي» وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا إذَا قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَلَمْ يَظْهَرْ نَسْخُهُ فَفَائِدَةُ نُزُولِ الْآيَةِ تَقْرِيرُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ، وَتَأَتِّي اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ الَّذِي هُوَ رَحْمَةٌ. كَيْفَ وَقَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ حُكْمًا مَبْسُوطٍ فِي تَيَمُّمِ الضِّيَاءِ عَنْ فَوَائِدِ الْهِدَايَةِ، وَعَلَى ثَمَانِيَةِ أُمُورٍ كُلُّهَا مُثَنَّى طَهَارَتَيْنِ: الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَمُطَهِّرَيْنِ: الْمَاءُ وَالصَّعِيدُ، وَحُكْمَيْنِ: الْغَسْلُ وَالْمَسْحُ، وَمُوجِبَيْنِ: الْحَدَثُ وَالْجَنَابَةُ، وَمُبِيحَيْنِ: الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ وَدَلِيلَيْنِ: التَّفْصِيلِيُّ فِي الْوُضُوءِ وَالْإِجْمَالِيُّ فِي الْغُسْلِ،   [رد المحتار] وَأُجِيبَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنَّ الْخَاصَّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ لَا أَصْلُ الْوُضُوءِ، وَبِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا ثَبَتَ لِلْأَنْبِيَاءِ يَثْبُتُ لِأُمَمِهِمْ، يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ قِصَّةِ سَارَةَ مَعَ الْمَلِكِ أَنَّهُ لَمَّا هَمَّ بِالدُّنُوِّ مِنْهَا قَامَتْ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي، وَمِنْ قِصَّةِ جُرَيْجٍ الرَّاهِبِ أَنَّهُ قَامَ فَتَوَضَّأَ، قِيلَ يُمْكِنُ حَمْلُ هَذَا عَلَى الْوُضُوءِ اللُّغَوِيِّ. أَقُولُ: حَيْثُ ثَبَتَ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ لِلْأَنْبِيَاءِ بِحَدِيثِ هَذَا وُضُوئِي إلَخْ، فَحَمْلُ الْوُضُوءِ الثَّابِتِ لِأُمَمِهِمْ بِالْقِصَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ عَلَى اللُّغَوِيِّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْفَرْقِ. (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى بَقَائِهِ، أَمَّا لَوْ نَصَّ عَلَيْنَا مُقْتَرِنًا بِالْإِنْكَارِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} [الأنعام: 146]- الْآيَةَ فَإِنَّهُ أَنْكَرَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} [الأنعام: 145]- الْآيَةَ وَكَتَحْرِيمِ السَّبْتِ، أَوْ ظَهَرَ نَسْخُهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ كَالتَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَلَا يَكُونُ شَرْعًا لَنَا، بِخِلَافِ نَحْوِ - {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} [المائدة: 45]- وَنَحْوُ صَوْمِ عَاشُورَاءَ. (قَوْلُهُ: فَفَائِدَةُ نُزُولِ الْآيَةِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا كَانَ الْوُضُوءُ فُرِضَ بِمَكَّةَ مَعَ فَرْضِيَّةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ أَيْضًا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا فَقَدْ ثَبَتَتْ فَرْضِيَّتُهُ فَمَا فَائِدَةُ نُزُولِ آيَةِ الْمَائِدَةِ؟ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: تَقْرِيرُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ) أَيْ تَثْبِيتُهُ، فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً بَلْ تَابِعًا لِلصَّلَاةِ احْتَمَلَ أَنْ لَا تَهْتَمَّ الْأُمَّةُ بِشَأْنِهِ، وَأَنْ يَتَسَاهَلُوا فِي شَرَائِطِهِ وَأَرْكَانِهِ بِطُولِ الْعَهْدِ عَنْ زَمَنِ الْوَحْيِ وَانْتِقَاصِ النَّاقِلِينَ يَوْمًا فَيَوْمًا، بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ الْمُتَوَاتِرِ الْبَاقِي فِي كُلِّ زَمَانٍ وَعَلَى كُلِّ لِسَانٍ. اهـ. دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: وَتَأَتِّي) مَصْدَرُ تَأَتَّيْ مَعْطُوفٌ عَلَى " تَقْرِيرُ ". (قَوْلُهُ: اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ) أَيْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي النِّيَّةِ وَالدَّلْكِ وَالتَّرْتِيبِ وَنَقْضِهِ بِالْمَسِّ وَقَدْرِ الْمَمْسُوحِ. (قَوْلُهُ: عَلَى نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ حُكْمًا) مِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِيَامِ إرَادَتُهُ وَاقْتِضَاءُ اللَّفْظِ إيجَابَ الْغُسْلِ عَقِبَهُ؛ لِأَنَّهُ مُحْكَمٌ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ الْإِسَالَةُ دُونَ الْمَسْحِ بِلَا اشْتِرَاطِ الدَّلْكِ وَلَا النِّيَّةِ وَلَا التَّرْتِيبِ وَلَا الْوَلَاءِ، وَجَوَازُ مَسْحِ الرَّأْسِ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ كَانَ، وَدَلَالَتُهَا عَلَى بُطْلَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ، وَعَلَى جَوَازِ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ، وَعَلَى أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ لَيْسَ بِفَرْضٍ، وَعَلَى تَعْمِيمِ الْبَدَنِ فِي الْغُسْلِ، وَعَلَى وُجُوبِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِيهِ، وَعَلَى وُجُوبِ التَّيَمُّمِ لِمَرِيضٍ خَافَ الضَّرَرَ وَعَلَى جَوَازِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَعَلَى جَوَازِهِ لِخَائِفِ سَبُعٍ وَعَدُوٍّ، وَعَلَى جَوَازِهِ لِلْجُنُبِ، وَعَلَى أَنَّ نَاسِيَ الْمَاءِ يَتَيَمَّمُ مَعَ وُجُودِهِ، وَعَلَى أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ خِلَالَ الصَّلَاةِ يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ، وَعَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ بِمَاءِ نَبِيذِ التَّمْرِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ ابْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. قَالَ: وَإِنَّمَا اقْتَصَرْنَا عَلَى ذَلِكَ لِاسْتِبْعَادِ بَعْضِهَا وَتَقَارُبِ بَعْضِهَا الْبَعْضَ. (قَوْلُهُ: كُلُّهَا) أَيْ الثَّمَانِيَةُ أَيْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِيهِ شَيْئَانِ فَالْجُمْلَةُ سِتَّةَ عَشَرَ ط. (قَوْلُهُ: طَهَارَتَيْنِ) تَثْنِيَةُ طَهَارَةٍ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ ط. (قَوْلُهُ: الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ) أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]- وَقَوْلُهُ - {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]-. (قَوْلُهُ: الْمَاءُ وَالصَّعِيدُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ - {فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6]- لِأَنَّ الْغَسْلَ بِالْمَاءِ، وَقَوْلُهُ - {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} [المائدة: 6]-. (قَوْلُهُ: وَحُكْمَيْنِ) تَثْنِيَةُ حُكْمٍ بِمَعْنَى مَحْكُومٍ بِهِ: أَيْ مَأْمُورٍ بِهِ ط. (قَوْلُهُ: وَمُوجِبَيْنِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ فَإِنَّهُمَا مُوجِبَانِ لِلطَّهَارَةِ ط أَيْ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَدَثَ هُوَ سَبَبُ الْوُجُوبِ. (قَوْلُهُ: الْحَدَثُ) أَيْ الْأَصْغَرُ فِي قَوْله تَعَالَى - {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6]- وَالْجَنَابَةُ: أَيْ الْحَدَثُ الْأَكْبَرُ فِي قَوْله تَعَالَى - {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا} [المائدة: 6]-. (قَوْلُهُ: وَمُبِيحَيْنِ) أَيْ لِلتَّرَخُّصِ بِالتَّيَمُّمِ. (قَوْلُهُ: الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ) أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى - {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [المائدة: 6]-. (قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَالِيُّ) أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 وَكِنَايَتَيْنِ: الْغَائِطُ وَالْمُلَامَسَةُ، وَكَرَامَتَيْنِ: تَطْهِيرُ الذُّنُوبِ وَإِتْمَامُ النِّعْمَةِ أَيْ بِمَوْتِهِ شَهِيدًا، لِحَدِيثِ «مَنْ دَاوَمَ عَلَى الْوُضُوءِ مَاتَ شَهِيدًا» ذَكَرَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ. وَإِنَّمَا قَالَ آمَنُوا بِالْغَيْبَةِ دُونَ آمَنْتُمْ لِيَعُمَّ كُلَّ مَنْ آمَنَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَهُ فِي الضِّيَاءِ، وَكَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ فِي الْآيَةِ الْتِفَاتًا، وَالتَّحْقِيقُ خِلَافُهُ. وَأَتَى فِي الْوُضُوءِ بِإِذَا التَّحْقِيقِيَّةِ، وَفِي الْجَنَابَةِ بِإِنْ التَّشَكُّكِيَّةِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ   [رد المحتار] {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]- فَإِنَّهُ لَمْ يُفَصِّلْ فِيهِ مِقْدَارَ الْمَغْسُولِ كَمَا فَصَّلَ فِي الْوُضُوءِ؛ وَلِذَا وَقَعَ فِي مِقْدَارِهِ اخْتِلَافُ الْمُجْتَهِدِينَ. (قَوْلُهُ: وَكِنَايَتَيْنِ) تَثْنِيَةُ كِنَايَةٍ، وَمِنْ مَعَانِيهَا لُغَةً أَنْ تَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ وَأَنْتَ تُرِيدَ غَيْرَهُ وَهُنَا كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ عَبَّرَ بِالْغَائِطِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُنْخَفِضُ وَأُرِيدَ بِهِ الْخَارِجُ مِنْ الْإِنْسَانِ، وَعَبَّرَ بِالْمُلَامَسَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْمَسِّ بِالْيَدِ وَأُرِيدَ بِهَا الْجِمَاعُ وَمِنْهُ يُقَالُ لِلزَّانِيَةِ لَا تَمْنَعُ كَفَّ لَامِسٍ. (قَوْلُهُ: وَكَرَامَتَيْنِ إلَخْ) أَيْ نِعْمَتَيْنِ تَفَضَّلَ بِهِمَا تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ بِقَوْلِهِ - {لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 6]-. (قَوْلُهُ: تَطْهِيرُ الذُّنُوبِ) لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَالِكٌ مَرْفُوعًا «إذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوْ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إلَيْهَا بِعَيْنِهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مَرْفُوعًا «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ» . (قَوْلُهُ: أَيْ بِمَوْتِهِ شَهِيدًا) أَقُولُ أَوْ بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ الْمَارِّ. (قَوْلُهُ: لِيَعُمَّ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ آمَنْتُمْ لَاخْتَصَّ بِالْحَاضِرِينَ فِي عَصْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَرَدَّهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْمَوْصُوفَ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ يَتَعَمَّمُ. (قَوْلُهُ: وَكَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ إلَخْ) لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْأَصْلَ التَّعْبِيرُ بِآمَنْتُمْ. (قَوْلُهُ: الْتِفَاتًا) هُوَ التَّعْبِيرُ عَنْ مَعْنًى بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ الثَّلَاثَةِ: أَعْنِي التَّكَلُّمَ، أَوْ الْخِطَابَ، أَوْ الْغَيْبَةَ بَعْدَ التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِآخَرَ مِنْهَا، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ التَّعْبِيرُ الثَّانِي عَلَى خِلَافِ مَا يَقْتَضِيهِ الظَّاهِرُ وَيَتَرَقَّبُهُ السَّامِعُ. (قَوْلُهُ: وَالتَّحْقِيقُ خِلَافُهُ) لِأَنَّ الْمُنَادَى مُخَاطَبٌ، فَحَقُّ ضَمِيرِهِ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى طَرِيقِ الْخِطَابِ، فَيُقَالُ يَا فُلَانُ إذَا فَعَلْت وَلَا يُقَالُ إذَا فَعَلَ، وَإِنَّمَا جِيءَ فِي الصِّلَةِ بِضَمِيرِ الْغَائِبِ لِعَوْدِهِ عَلَى الْمَوْصُولِ وَالْمَوْصُولُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الظَّاهِرَةِ وَكُلُّهَا غَيْبٌ، فَإِذَا تَمَّ الْمَوْصُولُ بِصِلَتِهِ الْعَائِدُ ضَمِيرُهَا عَلَيْهِ تَمَحَّضَ الْكَلَامُ لِلْخِطَابِ الَّذِي اقْتَضَاهُ النِّدَاءُ، فَلَيْسَ حِينَئِذٍ فِي الْكَلَامِ عُدُولٌ عَنْ طَرِيقٍ إلَى آخَرَ؛ وَلِذَا كَانَ جَمِيعُ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَمْثَالِ هَذَا النِّدَاءِ لَمْ يَجِئْ إلَّا عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ، فَدَعْوَى الْعُدُولِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لَا تُسْمَعُ نَعَمْ الْعَائِدُ إلَى الْمَوْصُولِ قَدْ سُمِعَ فِيهِ الْخِطَابُ وَالتَّكَلُّمُ قَلِيلًا فِي غَيْرِ النِّدَاءِ كَمَا فِي قَوْلِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهُ وَقَوْلِ كُثَيِّرٌ: وَأَنْتِ الَّتِي حَبَّبْت كُلَّ قَصِيرَةٍ ... إلَيَّ وَمَا تَدْرِي بِذَاكَ الْقَصَائِرُ فَهُوَ مِنْ الِالْتِفَاتِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْخُطْبَةِ، وَقَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ أَيْضًا عَنْ الْمُغْنِي أَنَّ الْقَوْلَ بِالِالْتِفَاتِ فِي الْآيَةِ سَهْوٌ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْمَعَانِي. (قَوْلُهُ: التَّحْقِيقِيَّةِ) أَيْ الدَّالَّةِ عَلَى تَحَقُّقِ مَدْخُولِهَا غَالِبًا، وَقَوْلُهُ: التَّشْكِيكِيَّةِ: أَيْ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ غَالِبًا، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَكَانَ الْأُخْرَى كَمَا بُيِّنَ فِي مَحَلِّهِ. [لَطِيفَةٌ] إنْ لِلشَّكِّ مَعَ أَنَّهَا جَازِمَةٌ وَإِذَا لِلْجَزْمِ مَعَ أَنَّهَا لَا تَجْزِمُ، وَقَدْ أَلْغَزَ فِي ذَلِكَ الْإِمَامُ الزَّمَخْشَرِيّ فَقَالَ: أَنَا إنْ شَكَكْت وَجَدْتُمُونِي جَازِمًا ... وَإِذَا جَزَمْت فَإِنَّنِي لَمْ أَجْزِمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 مِنْ الْأُمُورِ اللَّازِمَةِ وَالْجَنَابَةَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَارِضَةِ، وَصَرَّحَ بِذِكْرِ الْحَدَثِ فِي الْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ دُونَ الْوُضُوءِ لِيُعْلِمَ أَنَّ الْوُضُوءَ سُنَّةٌ وَفَرْضٌ وَالْحَدَثَ شَرْطٌ لِلثَّانِي لَا لِلْأَوَّلِ، فَيَكُونُ الْغُسْلُ عَلَى الْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ عَبَثًا وَالْوُضُوءُ عَلَى الْوُضُوءِ نُورٌ عَلَى نُورٍ. أَرْكَانُ الْوُضُوءِ أَرْبَعَةٌ عَبَّرَ بِالْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّهُ أَفْيَدُ مَعَ سَلَامَتِهِ عَمَّا يُقَالُ إنْ أُرِيدَ بِالْفَرْضِ الْقَطْعِيُّ يُرَدْ تَقْدِيرُ الْمَسْمُوحِ بِالرُّبُعِ، وَإِنْ أُرِيدَ الْعَمَلِيُّ يُرَدْ الْمَغْسُولُ، وَإِنْ أُجِيبَ عَنْهُ بِمَا لَخَّصْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى.   [رد المحتار] (قَوْلُهُ: مِنْ الْأُمُورِ اللَّازِمَةِ) أَيْ الْغَالِبَةِ الْوُجُودِ بِالنَّظَرِ إلَى دِيَانَةِ الْمُسْلِمِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لِلْعَلَّامَةِ الْأَتْقَانِيِّ. (قَوْلُهُ: وَالْجَنَابَةُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهَا يُمْكِنُ أَنْ لَا تَقَعَ أَصْلًا ط. (قَوْلُهُ: فِي الْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ) أَيْ قَوْله تَعَالَى - {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا} [المائدة: 6]- وقَوْله تَعَالَى - {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6]-. (قَوْلُهُ: لِيُعْلِمَ أَنَّ الْوُضُوءَ سُنَّةٌ إلَخْ) وَهُوَ الَّذِي لَا يَكُونُ عَنْ حَدَثٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى - {فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] إلَخْ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ الْوُجُوبُ فِي الْحَدِيثِ وَالنَّدْبُ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الْحَدَثَ فِي الْآيَةِ مُرَادٌ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ وَالْغُسْلَ لَا يَكُونَانِ إلَّا فَرْضًا لِلتَّصْرِيحِ بِالْحَدَثِ فِيهِمَا. وَفِيهِ أَنَّ الْغُسْلَ يُنْدَبُ فِي مَوَاضِعَ وَيُسَنُّ فِي أُخَرَ، وَكَذَا يَقُومُ التَّيَمُّمُ مَقَامَ الْوُضُوءِ لِنَحْوِ نَوْمٍ وَدُخُولِ مَسْجِدٍ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا أَنْ يَكُونَا فَرْضًا ط لَكِنْ فِي النِّهَايَةِ لَا يُقَالُ إنَّ الْغُسْلَ سُنَّةٌ لِلْجُمُعَةِ فَيَثْبُتُ التَّنَوُّعُ فِيهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُدَّعَى أَنَّهُ لَا يُسَنُّ لِكُلِّ صَلَاةٍ. أَوْ نَقُولُ: إنَّ اخْتِيَارَ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِلْيَوْمِ لَا لِلصَّلَاةِ. مَطْلَبٌ فِي حَدِيثِ: «الْوُضُوءُ عَلَى الْوُضُوءِ نُورٌ عَلَى نُورٍ» . (قَوْلُهُ: وَالْوُضُوءُ عَلَى الْوُضُوءِ نُورٌ عَلَى نُورٍ) هَذَا لَفْظُ حَدِيثٍ ذَكَرَهُ فِي الْإِحْيَاءِ. وَقَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي تَخْرِيجِهِ: لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ، وَسَبَقَهُ لِذَلِكَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ. وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، رَوَاهُ رَزِينٌ فِي مُسْنَدِهِ. اهـ. جِرَاحِيٌّ، نَعَمْ رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مَرْفُوعًا «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ بِوُضُوءٍ» يَعْنِي وَلَوْ كَانُوا غَيْرَ مُحْدِثِينَ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا «مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ» وَلَمْ يُقَيِّدْ الشَّارِحُ بِاخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ تَبَعًا لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ. [أَرْكَانُ الْوُضُوءِ] (قَوْلُهُ: عَبَّرَ بِالْأَرْكَانِ) أَيْ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِالْفَرَائِضِ كَمَا عَبَّرَ غَيْرُهُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ التَّعْبِيرَ الْمَأْخُوذَ مِنْ عَبَّرَ ط. (قَوْلُهُ: أَفْيَدُ) أَيْ أَكْثَرُ فَائِدَةً: قَالَ فِي الْمِنَحِ: لِأَنَّ الرُّكْنَ أَخَصُّ، وَلِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ مُرَادَ مَنْ عَبَّرَ بِالْفَرْضِ الْأَرْكَانُ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَعَ سَلَامَتِهِ إلَخْ) اعْتَرَضَ بِأَنَّ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ فَرْضٌ دَاخِلُ الْمَاهِيَّةِ، فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْفَرْضِ وَلَازِمُ الْأَعَمِّ لَازِمٌ لِلْأَخَصِّ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ مَفْهُومَ الرُّكْنِ مَا كَانَ جُزْءُ الْمَاهِيَّةِ وَإِنْ لَزِمَ هُنَا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمَاهِيَّاتِ الِاعْتِبَارِيَّةِ مَا اعْتَبَرَهُ الْوَاضِعُ عِنْدَ وَضْعِ الِاسْمِ لَهَا، وَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي الرُّكْنِ ثُبُوتُهُ بِقَطْعِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ. (قَوْلُهُ: بِالرُّبُعِ) أَيْ رُبُعِ الرَّأْسِ، وَمِثْلُهُ غَسْلُ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْهَا بِقَطْعِيٍّ وَلِذَا لَمْ يَكْفُرْ الْمُخَالِفُ فِيهَا إجْمَاعًا كَذَا فِي الْحِلْيَةِ. (قَوْلُهُ: يَرِدُ الْمَغْسُولُ) أَيْ مِنْ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ سِوَى الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ، زَادَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَإِنْ أُرِيدَا يَلْزَمُ عُمُومُ الْمُشْتَرَكِ أَوْ إرَادَةُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِمَا لَخَّصْنَاهُ إلَخْ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 ثُمَّ الرُّكْنُ مَا يَكُونُ فَرْضًا دَاخِلَ الْمَاهِيَّةِ، وَأَمَّا الشَّرْطُ فَمَا يَكُونُ خَارِجَهَا، فَالْفَرْضُ أَعَمُّ مِنْهُمَا، وَهُوَ مَا قُطِعَ بِلُزُومِهِ حَتَّى يُكَفَّرَ جَاحِدُهُ كَأَصْلَيْ مَسْحِ الرَّأْسِ. وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْعَمَلِيِّ وَهُوَ مَا تَفُوتُ الصِّحَّةُ بِفَوَاتِهِ، كَالْمِقْدَارِ الِاجْتِهَادِيِّ فِي الْفُرُوضِ   [رد المحتار] مَطْلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ عُمُومِ الْمَجَازِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَنَّ الْحَقِيقَةَ فِي الْأَوَّلِ تُجْعَلُ فَرْدًا مِنْ الْأَفْرَادِ، بِأَنْ يُرَادَ مَعْنًى يَتَحَقَّقُ فِي كِلَا الْأَفْرَادِ، بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ يُرَادُ بِهَا الْوَضْعُ الْأَصْلِيُّ، وَالْمَجَازَ يُرَادُ بِهِ الْوَضْعُ الثَّانَوِيُّ، فَهُمَا اسْتِعْمَالَانِ مُتَبَايِنَانِ، أَوْ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الْقَطْعِيُّ. وَيُجَابُ عَنْ إيرَادِ الْمَمْسُوحِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَصْلُ الْمَسْحِ فِيهِ، وَذَلِكَ قَطْعِيٌّ لِثُبُوتِهِ بِالْكِتَابِ أَوْ الْعَمَلِيِّ: وَيُجَابُ عَنْ إيرَادِ الْمَغْسُولِ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْقَدْرُ فِي الْكُلِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ عَمَلِيٌّ، لِخِلَافِ زُفَرَ فِي الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ وَأَبِي يُوسُفَ فِيمَا بَيْنَ الْعِذَارِ وَالْأُذُنِ ط. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَالْمُخْلَصُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ نَقُولَ: إطْلَاقُ الْفَرْضِ عَلَيْهِمَا حَقِيقَةٌ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ فَيَسْقُطُ السُّؤَالُ مِنْ أَصْلِهِ. اهـ. أَقُولُ: وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي النِّهَايَةِ حَيْثُ أَجَابَ بِأَنَّ الْفَرْضَ عَلَى نَوْعَيْنِ: قَطْعِيٍّ وَظَنِّيٍّ، وَهُوَ الْفَرْضُ عَلَى زَعْمِ الْمُجْتَهِدِ كَإِيجَابِ الطَّهَارَةِ بِالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الطَّهَارَةُ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ. اهـ. وَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الرُّكْنُ) تَرْتِيبٌ إخْبَارِيٌّ ط. (قَوْلُهُ: مَا يَكُونُ فَرْضًا) وَمَعْنَاهُ لُغَةً الْجَانِبُ الْأَقْوَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: دَاخِلَ الْمَاهِيَّةِ) يَعْنِي بِأَنْ يَكُونَ جُزْءًا مِنْهَا يَتَوَقَّفُ تَقَوُّمُهَا عَلَيْهِ، وَالْمَاهِيَّةُ مَا بِهِ الشَّيْءُ هُوَ هُوَ، سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّهُ يُسْأَلُ عَنْهَا بِمَا هُوَ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الشَّرْطُ) هُوَ فِي اللُّغَةِ الْعَلَامَةُ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ، وَقَوْلُهُ فَمَا يَكُونُ خَارِجَهَا بَيَانٌ لِلْمُرَادِ بِهِ هُنَا، وَالْمُرَادُ مَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهَا وَاسْتِمْرَارُهُ فِيهَا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، فَالشَّرْطُ وَالرُّكْنُ مُتَبَايِنَانِ كَذَا فِي الْحِلْيَةِ. مَطْلَبُ قَدْ يُطْلَقُ الْفَرْضُ عَلَى مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ. (قَوْلُهُ: فَالْفَرْضُ أَعَمُّ مِنْهُمَا) وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا، كَتَرْتِيبِ مَا شُرِعَ غَيْرَ مُكَرَّرٍ فِي رَكْعَةٍ، كَتَرْتِيبِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقِيَامِ، وَالرُّكُوعِ عَلَى الْقِرَاءَةِ، وَالسُّجُودِ عَلَى الرُّكُوعِ، وَالْقَعْدَةِ عَلَى السُّجُودِ، فَإِنَّ هَذِهِ التَّرَاتِيبَ كُلَّهَا فُرُوضٌ لَيْسَتْ بِأَرْكَانٍ وَلَا شُرُوطٍ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْحَلَبِيِّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا قُطِعَ بِلُزُومِهِ) مَأْخُوذٌ مِنْ فَرَضَ: بِمَعْنَى قَطَعَ تَحْرِيرٌ، وَيُسَمَّى فَرْضًا عِلْمًا وَعَمَلًا لِلُزُومِ اعْتِقَادِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُكَفَّرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ: أَيْ يُنْسَبَ إلَى الْكُفْرِ مَنْ أَكْفَرَهُ: إذَا دَعَاهُ كَافِرًا، وَأَمَّا يُكَفِّرُ مِنْ التَّكْفِيرِ فَغَيْرُ ثَابِتٍ هُنَا وَإِنْ كَانَ جَائِزًا لُغَةً كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَالْأَصْلُ حَتَّى يُكَفِّرَ الشَّارِعُ جَاحِدَهُ، سَوَاءٌ أَنْكَرَهُ قَوْلًا أَوْ اعْتِقَادًا كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ لِابْنِ نُجَيْمٍ فَقَالَ (قَوْلُهُ: كَأَصْلِ مَسْحِ الرَّأْسِ) أَيْ مُجَرَّدًا بِرُبُعٍ أَوْ غَيْرِهِ. مَطْلَبٌ فِي فَرْضِ الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُطْلَقُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ. أَنَّ الْفَرْضَ عَلَى نَوْعَيْنِ: قَطْعِيٍّ وَظَنِّيٍّ، هُوَ فِي قُوَّةِ الْقَطْعِيِّ فِي الْعَمَلِ بِحَيْثُ يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوَاتِهِ، وَالْمِقْدَارُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي. وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَوَّلِ لِكَمَالِهِ. وَالْفَارِقُ بَيْنَ الظَّنِّيِّ الْقَوِيِّ الْمُثْبِتِ لِلْفَرْضِ وَبَيْنَ الظَّنِّيِّ الْمُثْبِتِ لِلْوَاجِبِ اصْطِلَاحًا خُصُوصُ الْمَقَامِ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 فَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ: (غَسْلُ الْوَجْهِ) أَيْ إسَالَةُ الْمَاءِ مَعَ التَّقَاطُرِ   [رد المحتار] أَقُولُ: بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَدِلَّةَ السَّمْعِيَّةَ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ قَطْعِيُّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ كَنُصُوصِ الْقُرْآنِ الْمُفَسِّرَةِ أَوْ الْمُحْكَمَةِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ الَّتِي مَفْهُومُهَا قَطْعِيٌّ. الثَّانِي قَطْعِيُّ الثُّبُوتِ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ كَالْآيَاتِ الْمُؤَوَّلَةِ. الثَّالِثُ عَكْسُهُ كَأَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي مَفْهُومُهَا قَطْعِيٌّ. الرَّابِعُ ظَنِّيُّهُمَا كَأَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي مَفْهُومُهَا ظَنِّيٌّ، فَبِالْأَوَّلِ يَثْبُتُ الْفَرْضُ وَالْحَرَامُ، وَبِالثَّانِي وَالثَّالِثِ الْوَاجِبُ وَكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ، وَبِالرَّابِعِ السُّنَّةُ وَالْمُسْتَحَبُّ. ثُمَّ إنَّ الْمُجْتَهِدَ قَدْ يَقْوَى عِنْدَهُ الدَّلِيلُ الظَّنِّيُّ حَتَّى يَصِيرَ قَرِيبًا عِنْدَهُ مِنْ الْقَطْعِيِّ، فَمَا ثَبَتَ بِهِ يُسَمِّيهِ فَرْضًا عَمَلِيًّا؛ لِأَنَّهُ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْفَرْضِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ، وَيُسَمَّى وَاجِبًا نَظَرًا إلَى ظَنِّيَّةِ دَلِيلِهِ، فَهُوَ أَقْوَى نَوْعَيْ الْوَاجِبِ وَأَضْعَفُ نَوْعَيْ الْفَرْضِ، بَلْ قَدْ يَصِلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ عِنْدَهُ إلَى حَدِّ الْقَطْعِيِّ؛ وَلِذَا قَالُوا إنَّهُ إذَا كَانَ مُتَلَقًّى بِالْقَبُولِ جَازَ إثْبَاتُ الرُّكْنِ بِهِ حَتَّى ثَبَتَتْ رُكْنِيَّةُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَفِي التَّلْوِيحِ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْفَرْضِ فِيمَا ثَبَتَ بِظَنِّيٍّ. وَالْوَاجِبُ فِيمَا ثَبَتَ بِقَطْعِيٍّ شَائِعٌ مُسْتَفِيضٌ، فَلَفْظُ الْوَاجِبِ يَقَعُ عَلَى مَا هُوَ فَرْضٌ عِلْمًا وَعَمَلًا كَصَلَاةِ الْفَجْرِ، وَعَلَى ظَنِّيٍّ هُوَ فِي قُوَّةِ الْفَرْضِ فِي الْعَمَلِ كَالْوِتْرِ حَتَّى يَمْنَعَ تَذَكُّرُهُ صِحَّةَ الْفَجْرِ كَتَذَكُّرِ الْعِشَاءِ، وَعَلَى ظَنِّيٍّ هُوَ دُونَ الْفَرْضِ فِي الْعَمَلِ وَفَوْقَ السُّنَّةِ كَتَعْيِينِ الْفَاتِحَةِ حَتَّى لَا تَفْسُدَ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا لَكِنْ تَجِبُ سَجْدَةُ السَّهْوِ. اهـ. وَتَمَامُ تَحْقِيقِ هَذَا الْمَقَامِ فِي فَصْلِ الْمَشْرُوعَاتِ مِنْ حَوَاشِينَا عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ فَرَاجِعْهُ فَإِنَّك لَا تَجِدْهُ فِي غَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: فَلَا يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ) لِمَا فِي التَّلْوِيحِ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَلْزَمُ اعْتِقَادُ حَقِيقَتِهِ لِثُبُوتِهِ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ، وَمَبْنَى الِاعْتِقَادِ عَلَى الْيَقِينِ، لَكِنْ يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِمُوجِبِهِ لِلدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الظَّنِّ، فَجَاحِدُهُ لَا يُكَفَّرُ، وَتَارِكُ الْعَمَلِ بِهِ إنْ كَانَ مُؤَوِّلًا لَا يُفَسَّقُ وَلَا يُضَلَّلُ؛ لِأَنَّ التَّأْوِيلَ فِي مَظَانِّهِ مِنْ سِيرَةِ السَّلَفِ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ مُسْتَخِفًّا يُضَلَّلُ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ بِدْعَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُؤَوِّلًا وَلَا مُسْتَخِفًّا يُفَسَّقْ لِخُرُوجِهِ عَنْ الطَّاعَةِ بِتَرْكِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ. اهـ. أَقُولُ: وَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْأَكْمَلُ فِي الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ التَّكْفِيرِ لِجَاحِدِ مِقْدَارِ الْمَسْحِ بِلَا تَأْوِيلٍ لَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَهَبَ هُوَ إلَيْهِ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ الْآيَةَ مُجْمَلَةٌ فِي حَقِّ الْمِقْدَارِ، وَأَنَّ حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ مِنْ مَسْحِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِنَاصِيَتِهِ الْتَحَقَ بَيَانًا لَهَا فَيَكُونُ ثَابِتًا بِقَطْعِيٍّ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إذَا الْتَحَقَ بَيَانًا لِلْمُجْمَلِ كَانَ الْحُكْمُ بَعْدَهُ مُضَافًا لِلْمُجْمَلِ لَا لِلْبَيَانِ. وَمَا رَدَّ بِهِ فِي الْبَحْرِ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَجَبْت عَنْهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: غَسْلُ الْوَجْهِ) الْغَسْلُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ لُغَةً: إزَالَةُ الْوَسَخِ عَنْ الشَّيْءِ بِإِجْرَاءِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَبِضَمِّهَا اسْمٌ لِغَسْلِ تَمَامِ الْجَسَدِ وَلِلْمَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ، وَبِكَسْرِهَا مَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ مِنْ خِطْمِيٍّ وَغَيْرِهِ بَحْرٌ، وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ، وَإِضَافَتُهُ إلَى الْوَجْهِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ أَيْ غَسَلَ الْمُتَوَضِّئُ وَجْهَهُ؛ وَلَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَكُونُ صِفَةً لِلْفَاعِلِ وَهُوَ غَيْرُ شَرْطٍ إذْ لَوْ أَصَابَهُ الْمَاءُ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ كَفَى، فَالْأَوْلَى جَعْلُهُ مَصْدَرَ الْمَبْنِيِّ لِلْمَجْهُولِ عَلَى إرَادَةِ الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ أَيْ مَغْسُولِيَّةِ الْوَجْهِ. قَالَ فِي حَوَاشِي الْمُطَوَّلِ: الْمَصْدَرُ يُسْتَعْمَلُ فِي أَصْلِ النِّسْبَةِ وَفِي الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْهَا لِلْمُتَعَلِّقِ مَعْنَوِيَّةٌ أَوْ حِسِّيَّةٌ كَهَيْئَةِ المتحركية الْحَاصِلَةِ مِنْ الْحَرَكَةِ وَتُسَمَّى الْحَاصِلَةُ بِالْمَصْدَرِ، وَتِلْكَ الْهَيْئَةُ لِلْفَاعِلِ فَقَطْ فِي اللَّازِمِ كالمُتَحَرِّكِيةِ وَالْقَائِمِيَّةِ مِنْ الْحَرَكَةِ وَالْقِيَامِ، أَوْ لِلْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ لِلْمُتَعَدِّي كَالْعَالِمِيَّةِ مِنْ الْعِلْمِ وَاسْتِعْمَالُ الْمَصْدَرِ بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ اسْتِعْمَالُ الشَّيْءِ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ انْتَهَى أَيْ فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ. (قَوْلُهُ: أَيْ إسَالَةُ الْمَاءِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: هُوَ الْإِسَالَةُ مَعَ التَّقَاطُرِ وَلَوْ قَطْرَةً حَتَّى لَوْ لَمْ يُسِلْ الْمَاءَ بِأَنْ اسْتَعْمَلَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 وَلَوْ قَطْرَةً. وَفِي الْفَيْضِ أَقَلُّهُ قَطْرَتَانِ فِي الْأَصَحِّ (مَرَّةً) لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ (وَهُوَ) مُشْتَقٌّ مِنْ الْمُوَاجَهَةِ، وَاشْتِقَاقُ الثُّلَاثِيِّ مِنْ الْمَزِيدِ إذَا كَانَ أَشْهَرَ فِي الْمَعْنَى شَائِعٌ كَاشْتِقَاقِ الرَّعْدِ مِنْ الِارْتِعَادِ وَالْيَمِّ مِنْ التَّيَمُّمِ (مِنْ مَبْدَإِ سَطْحِ جَبْهَتِهِ) أَيْ الْمُتَوَضِّئِ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ (إلَى أَسْفَلِ ذَقَنِهِ)   [رد المحتار] اسْتِعْمَالَ الدُّهْنِ لَمْ يَجُزْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَكَذَا لَوْ تَوَضَّأَ بِالثَّلْجِ وَلَمْ يَقْطُرْ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَجُزْ. عَنْ أَبِي يُوسُفَ هُوَ مُجَرَّدُ بَلِّ الْمَحَلِّ بِالْمَاءِ سَالَ أَوْ لَمْ يَسِلْ. اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ صَرَّحَ كَغَيْرِهِ بِذِكْرِ التَّقَاطُرِ مَعَ الْإِسَالَةِ وَإِنْ كَانَ حَدُّ الْإِسَالَةِ أَنْ يَتَقَاطَرَ الْمَاءُ لِلتَّأْكِيدِ، وَزِيَادَةُ التَّنْبِيهِ عَلَى الِاحْتِرَازِ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ قِيلَ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ إنَّهُ سَالَ مِنْ الْعُضْوِ قَطْرَةٌ أَوْ قَطْرَتَانِ وَلَمْ يَتَدَارَكْ. اهـ.، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى لَمْ يَتَدَارَكْ لَمْ يَقْطُرْ عَلَى الْفَوْرِ بِأَنْ قَطَرَ بَعْدَ مُهْلَةٍ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ذِكْرُ السَّيَلَانِ الْمُصَاحِبِ لِلتَّقَاطُرِ احْتِرَازًا عَمَّا لَا يُتَدَارَكُ فَافْهَمْ، ثُمَّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَنْدَفِعُ مَا أُورِدَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّ الْبَلَّ بِلَا تَقَاطُرٍ مَسْحٌ، فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْأَعْضَاءُ كُلُّهَا مَمْسُوحَةً مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالْغَسْلِ وَالْمَسْحِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَطْرَةً) عَلَى هَذَا يَكُونُ التَّقَاطُرُ بِمَعْنَى أَصْلِ الْفِعْلِ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: أَقَلُّهُ قَطْرَتَانِ) يَدُلُّ عَلَيْهِ صِيغَةُ التَّفَاعُلِ. اهـ. ح. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا بَيَانٌ لِلْفَرْضِ الَّذِي لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ فِي صَدَدِ بَيَانِ الْغَسْلِ الْمَفْرُوضِ وَسَيَأْتِي أَنَّ التَّقْتِيرَ مَكْرُوهٌ، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ التَّقْتِيرِ عَلَى مَا دُونَ الْقَطْرَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ حِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ لِمَا عَلِمْت، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِي التَّقْتِيرُ إلَّا بِالزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ، بِأَنْ يَكُونَ التَّقَاطُرُ ظَاهِرًا لِيَكُونَ غَسْلًا بِيَقِينٍ، وَبِدُونِهَا يَقْرَبُ إلَى حَدِّ الدَّهْنِ وَرُبَّمَا لَا يُتَيَقَّنُ بِسَيَلَانِ الْمَاءِ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْعُضْوِ فَلِذَاكِرِهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَمْرَ) وَهُوَ هُنَا قَوْله تَعَالَى - {فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6]-. (قَوْلُهُ: لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ) أَيْ لَا يَسْتَلْزِمُهُ بَلْ وَلَا يَحْتَمِلُهُ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجِيٍّ كَتَكَرُّرِ الصَّلَاةِ لِتَكَرُّرِ أَوْقَاتِهَا. مَطْلَبٌ فِي مَعْنَى الِاشْتِقَاقِ وَتَقْسِيمِهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ. (قَوْلُهُ: مُشْتَقٌّ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالِاشْتِقَاقِ الْأَخْذُ مَجَازًا عَلَاقَتُهُ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ، إذْ الِاشْتِقَاقُ فِي الصَّرْفِ أَخْذُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْعَشَرَةِ مِنْ الْمَصْدَرِ وَهِيَ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعُ وَالْأَمْرُ وَاسْمُ الْفَاعِلِ وَاسْمُ الْمَفْعُولِ وَالصِّفَةُ الْمُشَبَّهَةُ وَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ وَاسْمُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْآلَةِ وَالْوَجْهُ لَيْسَ مِنْهَا اهـ ح لَكِنْ فِي تَعْرِيفَاتِ السَّيِّدِ، الِاشْتِقَاقُ نَزْعُ لَفْظٍ مِنْ آخَرَ بِشَرْطِ مُنَاسَبَتِهِمَا مَعْنًى وَتَرْكِيبًا وَمُغَايَرَتِهِمَا فِي الصِّيغَةِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَنَاسُبٌ فِي الْحُرُوفِ وَالتَّرْتِيبِ كَضَرَبَ مِنْ الضَّرْبِ فَهُوَ اشْتِقَاقٌ صَغِيرٌ، أَوْ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى دُونَ التَّرْتِيبِ كَجَبَذَ مِنْ الْجَذْبِ فَكَبِيرٌ، أَوْ فِي الْمَخْرَجِ كَنَعَقَ مِنْ النَّهْقِ فَأَكْبَرُ اهـ وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ قَالَ: وَقَدْ تُسَمَّى أَصْغَرَ وَصَغِيرًا وَأَكْبَرَ، وَقَدْ تُسَمَّى أَصْغَرَ وَأَوْسَطَ وَأَكْبَرَ، الْأَوَّلُ أَشْهَرُ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: شَائِعٌ) خَبَرُ اشْتِقَاقٍ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى الِاشْتِقَاقِ أَنْ يَنْتَظِمَ الصِّيغَتَيْنِ فَأَكْثَرَ مَعْنًى وَاحِدٌ وَفِي هَذَا لَا تَوْقِيتَ، بِأَنْ يَكُونَ الْمُشْتَقُّ مِنْهُ ثُلَاثِيًّا، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْمَزِيدُ أَشْهَرَ وَأَقْرَبَ لِلْفَهْمِ مِنْ الثُّلَاثِيِّ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، فَصَحَّ ذِكْرُ الِاشْتِقَاقِ لِإِيضَاحِ مَعْنَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَزِيدُ أَصْلًا لَهُ أَفَادَهُ فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ: مِنْ الِارْتِعَادِ) أَيْ الِاضْطِرَابِ أُخِذَ مِنْهُ الرَّعْدُ، لِاضْطِرَابِهِ فِي السَّمَاءِ أَوْ اضْطِرَابِ السَّحَابِ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَالْيَمِّ) وَهُوَ الْبَحْرُ، مِنْ التَّيَمُّمِ: وَهُوَ الْقَصْدُ: قَالَ فِي الْكَشَّافِ: لِأَنَّ النَّاسَ يَقْصِدُونَهُ. وَقَالَ أَيْضًا: وَاشْتِقَاقُ الْبُرْجِ مِنْ التَّبَرُّجِ لِظُهُورِهِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَالْجِنُّ مِنْ الِاجْتِنَانِ، لِاسْتِتَارِهِمْ عَنْ الْعُيُونِ. (قَوْلُهُ: سَطْحِ جَبْهَتِهِ) أَيْ أَعْلَاهَا ط. (قَوْلُهُ: بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ) وَهِيَ كَوْنُ الْمُتَوَضِّئِ أَوْ الْمُكَلَّفِ فَاعِلَ الْمَصْدَرِ الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 أَيْ مَنْبَتِ أَسْنَانِهِ السُّفْلَى (طُولًا) كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ أَوْ لَا، عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِمْ مِنْ قُصَاصِ شَعْرِهِ الْجَارِي عَلَى الْغَالِبِ إلَى الْمُطَّرِدِ لِيَعُمَّ الْأَغَمَّ وَالْأَصْلَعَ وَالْأَنْزَعَ (وَمَا بَيْنَ شَحْمَتَيْ الْأُذُنَيْنِ عَرْضًا) وَحِينَئِذٍ (فَيَجِبُ غَسْلُ الْمَيَاقِي) وَمَا يَظْهَرُ مِنْ الشَّفَةِ عِنْدَ انْضِمَامِهَا (وَمَا بَيْنَ الْعِذَارِ وَالْأُذُنِ) لِدُخُولِهِ فِي الْحَدِّ وَبِهِ يُفْتَى (لَا غَسْلُ بَاطِنِ الْعَيْنَيْنِ) وَالْأَنْفِ وَالْفَمِ وَأُصُولِ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ وَاللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ   [رد المحتار] هُوَ غَسْلٌ. اهـ. ط. (قَوْلُهُ: أَيْ مَنْبَتُ أَسْنَانِهِ السُّفْلَى) تَفْسِيرٌ لِلذَّقَنِ بِالتَّحْرِيكِ: أَيْ إلَى أَسْفَلِ الْعَظْمِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَسْنَانُ السُّفْلَى: وَهُوَ مَا تَحْتَ الْعَنْفَقَةِ. (قَوْلُهُ: طُولًا) مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ ط. (قَوْلُهُ: كَانَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَجْهِ. (قَوْلُهُ: شَعْرٌ) بِالْإِسْكَانِ وَيُحَرَّكُ قَامُوسٌ. (قَوْلُهُ: عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِمْ) أَيْ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فِي تَعْرِيفِ الْوَجْهِ طُولًا كَالْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى ط. (قَوْلُهُ: قُصَاصِ) بِتَثْلِيثِ الْقَافِ وَالضَّمُّ أَعْلَاهَا حَيْثُ يَنْتَهِي نَبَاتُهُ فِي الرَّأْسِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: الْجَارِي) صِفَةٌ لِقَوْلِهِمْ ط. (قَوْلُهُ: عَلَى الْغَالِبِ) أَيْ فِي الْأَشْخَاصِ، إذْ الْغَالِبُ فِيهِمْ طُلُوعُ الشَّعْرِ مِنْ مَبْدَأِ سَطْحِ الْجَبْهَةِ، وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ الْأَغَمُّ وَأَخَوَاهُ ط. (قَوْلُهُ: إلَى الْمُطَّرِدِ) أَيْ الْعَامِّ فِي جَمِيعِ الْأَفْرَادِ ط. (قَوْلُهُ لِيَعُمَّ الْأَغَمَّ إلَخْ) هُوَ الَّذِي سَالَ شَعْرُ رَأْسِهِ حَتَّى ضَيَّقَ الْجَبْهَةَ. وَالْأَصْلَعُ: هُوَ الَّذِي انْحَسَرَ مُقَدَّمُ شَعْرِ رَأْسِهِ: وَالْأَنْزَعُ: هُوَ الَّذِي انْحَسَرَ شَعْرُهُ مِنْ جَانِبَيْ جَبْهَتِهِ. اهـ. ح عَنْ جَامِعِ اللُّغَةِ. أَقُولُ: وَبَقِيَ الْأَقْرَعُ، وَهُوَ مَنْ ذَهَبَ شَعْرُ رَأْسِهِ قَامُوسٌ. (قَوْلُهُ: شَحْمَتَيْ الْأُذُنَيْنِ) أَيْ مَا لَانَ مِنْهُمَا، وَالْأُذُنُ بِضَمِّ الذَّالِ وَلَك إسْكَانُهَا تَخْفِيفًا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ، وَانْظُرْ مَا وَجْهُ التَّحْدِيدِ بِالشَّحْمَتَيْنِ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يُقَالَ مَا بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الشَّحْمَتَيْنِ لَمَّا اتَّصَلَتَا بِبَعْضِ الْوَجْهِ وَهُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي خَلْفَ الْعِذَارِ صَارَ مَظِنَّةَ أَنْ يَجِبَ غَسْلُهُمَا مَثَلًا فَجَعَلُوا الْحَدَّ بِهِمَا لِدَفْعِ ذَلِكَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ عَلِمْت حَدَّ الْوَجْهِ طُولًا وَعَرْضًا ط. (قَوْلُهُ: فَيَجِبُ غَسْلُ الْمَيَاقِي) جَمْعُ مُوقٍ، وَهُوَ عَلَى مَا فِي النُّسَخِ بِالْيَاءِ الْمَمْدُودَةِ بَعْدَ الْمِيمِ وَالصَّوَابُ بِالْهَمْزَةِ الْمَمْدُودَةِ، فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ فِي بَابِ الْقَافِ عَشْرَ لُغَاتٍ فِي الْمُوقِ: مِنْهَا مَأْقٌ بِالْهَمْزَةِ وَمُوقٌ وَمَأْقَئٌ بِهَمْزَةٍ قَبْلَ الْقَافِ وَهَمْزَةٍ بَعْدَهَا: وَهُوَ طَرَفُ الْعَيْنِ الْمُتَّصِلُ بِالْأَنْفِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ الْكُلِّ أَرْبَعَةَ جُمُوعٍ: آمَاقٍ وَإِمَاقٍ أَيْ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ فِي أَوَّلِهِ أَوْ قَبْلَ آخِرِهِ وَمَوَاقٍ وَمَاقٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَيَاقِي لَا فِي الْمُفْرَدَاتِ وَلَا فِي الْجُمُوعِ هَذَا. وَفِي الْبَحْرِ لَوْ رَمِدَتْ عَيْنُهُ فَرَمَصَتْ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ تَحْتَ الرَّمَصِ إنْ بَقِيَ خَارِجًا بِتَغْمِيضِ الْعَيْنِ وَإِلَّا فَلَا اهـ هَذَا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَيَجِبُ غَسْلُ الْمُلَاقِي، وَيُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَغَسْلُ جَمِيعِ اللِّحْيَةِ فَرْضٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُلَاقِي مَا لَاقَى الْبَشَرَةَ مِنْهَا كَمَا فِي الدُّرَرِ. وَفِي شَرْحِهَا لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ: وَالْمُلَاقِي هُوَ مَا كَانَ غَيْرَ خَارِجٍ عَنْ دَائِرَةِ الْوَجْهِ، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُسْتَرْسِلِ: وَهُوَ مَا خَرَجَ عَنْ دَائِرَةِ الْوَجْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَا مَسْحُهُ بَلْ يُسَنُّ. اهـ. وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَمَا يَظْهَرُ) أَيْ يُفْتَرَضُ غَسْلُهُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَقِيلَ الشَّفَةُ تَبَعٌ لِلْفَمِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ انْضِمَامِهَا) أَشَارَ بِصِيغَةِ الِانْفِعَالِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَظْهَرُ عِنْدَ انْضِمَامِهَا الطَّبِيعِيِّ لَا عِنْدَ انْضِمَامِهَا بِشِدَّةٍ وَتَكَلُّفٍ. اهـ. ح وَكَذَا لَوْ غَمَّضَ عَيْنَيْهِ شَدِيدًا لَا يَجُوزُ بَحْرٌ، لَكِنْ نَقَلَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ عَلَى نَظْمِ الْكَنْزِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ الْجَوَازُ، وَأَقَرَّهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَمَا بَيْنَ الْعِذَارِ وَالْأُذُنِ) أَيْ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْبَيَاضِ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ يُفْتَى) وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ: قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَدَمُهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَذْهَبَهُ بِخِلَافِهِ بَحْرٌ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَنْ تُفِيدُ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ، وَالْخِلَافُ فِي الْمُلْتَحِي، أَمَّا الْمَرْأَةُ وَالْأَمْرَدُ وَالْكَوْسَجُ فَيُفْتَرَضُ الْغَسْلُ اتِّفَاقًا دُرٌّ مُنْتَقَى. (قَوْلُهُ: لَا غَسْلُ بَاطِنِ الْعَيْنَيْنِ إلَخْ) لِأَنَّهُ شَحْمٌ يَضُرُّهُ الْمَاءُ الْحَارُّ وَالْبَارِدُ، وَهَذَا لَوْ اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ نَجِسٍ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ كَذَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَنْفِ وَالْفَمِ) مَعْطُوفَانِ عَلَى الْعَيْنَيْنِ أَيْ لَا يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِهِمَا أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَأُصُولِ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ) يُحْمَلُ هَذَا عَلَى مَا إذَا كَانَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 وَوَنِيمِ ذُبَابٍ لِلْحَرَجِ (وَغَسْلِ الْيَدَيْنِ) أَسْقَطَ لَفْظَ فُرَادَى لِعَدَمِ تَقْيِيدِ الْفَرْضِ بِالِانْفِرَادِ (وَالرِّجْلَيْنِ) الْبَادِيَتَيْنِ السَّلِيمَتَيْنِ، فَإِنَّ الْمَجْرُوحَتَيْنِ وَالْمَسْتُورَتَيْنِ بِالْخُفِّ وَظِيفَتُهُمَا الْمَسْحُ (مَرَّةً) لِمَا مَرَّ (مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ) عَلَى الْمَذْهَبِ وَمَا ذَكَرُوا مِنْ أَنَّ الثَّابِتَ بِعِبَارَةِ النَّصِّ غَسْلُ يَدٍ وَرِجْلٍ وَالْأُخْرَى بِدَلَالَتِهِ، وَمِنْ الْبَحْثِ فِي إلَى وَفِي الْقِرَاءَتَيْنِ فِي - {أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65]- قَالَ فِي الْبَحْرِ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ   [رد المحتار] كَثِيفَيْنِ، أَمَّا إذَا بَدَتْ الْبَشَرَةُ فَيَجِبُ كَمَا يَأْتِي لَهُ قَرِيبًا عَنْ الْبُرْهَانِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي اللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ، وَنَقَلَهُ ح عَنْ عِصَامِ الدِّينِ شَارِحِ الْهِدَايَةِ ط. (قَوْلُهُ: وَوَنِيمِ ذُبَابٍ) أَيْ خَرْؤُهُ: قَالَ فِي بَحْثِ الْغُسْلِ: وَلَا يَمْنَعُ الطَّهَارَةَ وَنِيمُ ذُبَابٍ وَبُرْغُوثٍ لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ تَحْتَهُ وَحِنَّاءٌ وَلَوْ جِرْمَهُ بِهِ يُفْتَى، وَدَرَنٌ وَدُهْنٌ وَتُرَابٌ وَطِينٌ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لِلْحَرَجِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا غَسْلَ إلَخْ أَيْ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَإِنْ كَانَتْ دَاخِلَةً فِي حَدِّ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إلَّا أَنَّهَا لَا يَجِبُ غَسْلُهَا لِلْحَرَجِ. وَعَلَّلَ فِي الدُّرَرِ بِأَنَّ مَحَلَّ الْفَرْضِ اسْتَتَرَ بِالْحَائِلِ وَصَارَ بِحَالٍ لَا يُوَاجِهُ النَّاظِرَ إلَيْهِ فَسَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ وَتَحَوَّلَ إلَى الْحَائِلِ. (قَوْلُهُ: أَسْقَطَ لَفْظَ فُرَادَى) تَعْرِيضٌ بِصَاحِبِ الدُّرَرِ حَيْثُ قَيَّدَ بِهِ. اهـ. ح، وَمَعْنَاهُ غَسَلَ كُلَّ يَدٍ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْأُخْرَى ط. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ فِي صَدَدِ بَيَانِ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ، فَيُشْعِرُ كَلَامُهُ بِأَنَّ الِانْفِرَادَ لَازِمٌ مَعَ أَنَّهُ لَوْ غَسَلَهُمَا مَعًا سَقَطَ الْفَرْضُ. (قَوْلُهُ: الْبَادِيَتَيْنِ) أَيْ الظَّاهِرَتَيْنِ اللَّتَيْنِ لَا خُفَّ عَلَيْهِمَا ط. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمَجْرُوحَتَيْنِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِلتَّقْيِيدِ بِالْقَيْدَيْنِ السَّابِقَيْنِ عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوِّشِ ط. (قَوْلُهُ: وَظِيفَتُهُمَا الْمَسْحُ) لَكِنَّهُ مُخْتَلِفُ الْكَيْفِيَّةِ كَمَا يَأْتِي ط. (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ. (قَوْلُهُ: مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ) تَثْنِيَةُ مِرْفَقٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَفِيهِ الْعَكْسُ: اسْمٌ لِمُلْتَقَى الْعَظْمَاتِ عَظْمِ الْعَضُدِ وَعَظْمِ الذِّرَاعِ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ إلَى فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى مَعَ، وَهُوَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ الْيَدَ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ لِلْمَنْكِبِ، فَإِنْ كَانَتْ إلَى بِمَعْنَى مَعَ وَجَبَ الْغَسْلُ إلَى الْمَنْكِبِ؛ لِأَنَّهُ كَغَسْلِ الْقَمِيصِ وَكُمِّهِ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ كَإِفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ وَذَلِكَ لَا يَخْرُجُ غَيْرُهُ بَحْرٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْيَدِ فِي الْآيَةِ مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى الْمِرْفَقِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى سُقُوطِ مَا فَوْقَ ذَلِكَ، وَعَدَلَ عَنْ التَّعْبِيرِ بِإِلَى الْمُحْتَمِلَةِ لِدُخُولِ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ وَعَدَمِهِ إلَى التَّعْبِيرِ بِمَعَ الصَّرِيحَةِ بِالدُّخُولِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِهِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِ الشَّارِحِ عَلَى الْمَذْهَبِ: أَيْ خِلَافًا لِزُفَرَ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ. (قَوْلُهُ: وَالْكَعْبَيْنِ) هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاشِزَانِ مِنْ جَانِبَيْ الْقَدَمِ أَيْ الْمُرْتَفِعَانِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فِي ظَهْرِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَقْعَدِ الشِّرَاكِ، قَالُوا: هُوَ سَهْوٌ مِنْ هِشَامٍ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي الْمُحْرِمِ إذَا لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ حَيْثُ يَقْطَعُ خُفَّيْهِ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَأَشَارَ مُحَمَّدٌ بِيَدِهِ إلَى مَوْضِعِ الْقَطْعِ فَنَقَلَهُ هِشَامٌ إلَى الطَّهَارَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرُوا) أَيْ فِي الْجَوَابِ عَمَّا أُورِدَ أَنَّهُ يَنْبَغِي غَسْلُ يَدٍ وَرِجْلٍ؛ لِأَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي انْقِسَامَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ. (قَوْلُهُ: بِعِبَارَةِ النَّصِّ) أَيْ بِصَرِيحِهِ الْمَسُوقِ لَهُ ط. (قَوْلُهُ: بِدَلَالَتِهِ) أَيْ أَنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْمُسَاوَاةِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْبَحْثِ فِي إلَى) أَيْ فِي كَوْنِهَا تُدْخِلُ الْغَايَةَ أَوْ لَا تُدْخِلُهَا، أَوْ الْأَمْرُ مُحْتَمَلٌ، وَالْمُرَجَّحُ الْقَرَائِنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا أَطَالَ بِهِ فِي الْبَحْرِ ط. (قَوْلُهُ: وَفِي الْقِرَاءَتَيْنِ) أَيْ قِرَاءَتَيْ الْجَرِّ وَالنَّصْبِ فِي - {أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65]- مِنْ حَمْلِ الْجَرِّ عَلَى حَالَةِ التَّخْفِيفِ وَالنَّصْبِ عَلَى غَيْرِهَا، أَوْ أَنَّ الْجَرَّ لِلْجِوَارِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ غَيْرُ مُغَيًّا بِالْكَعْبَيْنِ إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْبَحْرِ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ) أَيْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ " مَا " فِي قَوْلِهِ وَمَا ذَكَرُوا أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى افْتِرَاضِ غَسْلِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَعَلَى دُخُولِ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ، وَغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ لَا مَسْحُهُمَا أَفَادَهُ ح. أَقُولُ: مَنْ اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ كَالْقُدُورِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الْمُتُونِ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِيُتِمَّ دَلِيلَهُ، عَلَى أَنَّ فِي ثُبُوتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 (وَمَسْحُ رُبُعِ الرَّأْسِ مَرَّةً) فَوْقَ الْأُذُنَيْنِ وَلَوْ بِإِصَابَةِ مَطَرٍ أَوْ بَلَلٍ بَاقٍ بَعْدَ غَسْلٍ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا بَعْدَ مَسْحٍ إلَّا أَنْ يَتَقَاطَرَ، وَلَوْ مَدَّ أُصْبُعَيْنِ لَمْ يَجُزْ.   [رد المحتار] الْإِجْمَاعِ عَلَى دُخُولِ الْمِرْفَقَيْنِ كَلَامًا؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَحْرِ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ: لَا نَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي إيجَابِ دُخُولِ الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْوُضُوءِ. وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ قَوْلَ الْمُجْتَهِدِ لَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا لَيْسَ حِكَايَةً لِلْإِجْمَاعِ الَّذِي يَكُونُ غَيْرُهُ مَحْجُوجًا بِهِ، فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ اللَّامِشِيُّ فِي أُصُولِهِ: لَا خِلَافَ أَنَّ جَمِيعَ الْمُجْتَهِدِينَ لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ وَوُجِدَ الرِّضَا مِنْ الْكُلِّ نَصًّا كَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا، فَأَمَّا إذَا نَصَّ الْبَعْضُ وَسَكَتَ الْبَاقُونَ لَا عَنْ خَوْفٍ بَعْدَ اشْتِهَارِ الْقَوْلِ فَعَامَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ إجْمَاعًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَقُولُ إنَّهُ إجْمَاعٌ، وَلَكِنْ أَقُولُ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا: وَقَالَ أَبُو هَاشِمٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ: لَا يَكُونُ إجْمَاعًا وَيَكُونُ حُجَّةً أَيْضًا. اهـ. وَقَدَّمْنَا أَيْضًا عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّ غَسْلَ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ لَيْسَ بِفَرْضٍ قَطْعِيٍّ بَلْ هُوَ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ كَرُبُعِ الرَّأْسِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ أَيْضًا: لَا يَحْتَاجُ إلَى دَعْوَى الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْفُرُوضَ الْعَمَلِيَّةَ لَا يَحْتَاجُ فِي إثْبَاتِهَا إلَى الْقَاطِعِ. (قَوْلُهُ: وَمَسْحِ رُبُعِ الرَّأْسِ) الْمَسْحُ لُغَةً إمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الشَّيْءِ. وَعُرْفًا إصَابَةُ الْمَاءِ الْعُضْوَ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي مِقْدَارِ فَرْضِ الْمَسْحِ رِوَايَاتٍ أَشْهَرُهَا مَا فِي الْمَتْنِ. الثَّانِيَةُ مِقْدَارُ النَّاصِيَةِ، وَاخْتَارَهَا الْقُدُورِيُّ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَهِيَ الرُّبُعُ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا أَقَلُّ مِنْهُ. الثَّالِثَةُ مِقْدَارُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ رَوَاهَا هِشَامٌ عَنْ الْإِمَامِ، وَقِيلَ هِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهَا رِوَايَةُ الْأُصُولِ، وَصَحَّحَهَا فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَعَلَيْهَا الْفَتْوَى. وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَاخْتِيَارُ عَامَّةِ الْمُحَقِّقِينَ، لَكِنْ نَسَبَهَا فِي الْخُلَاصَةِ إلَى مُحَمَّدٍ، فَيُحْمَلُ مَا فِي الْمِعْرَاجِ مِنْ أَنَّهَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّهَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ تَوْفِيقًا وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ وَالْبَحْرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ رِوَايَةُ الرُّبُعِ، وَعَلَيْهَا مَشَى الْمُتَأَخِّرُونَ كَابْنِ الْهُمَامِ وَتِلْمِيذِهِ ابْنِ أَمِيرِ الْحَجِّ وَصَاحِبِ النَّهْرِ وَالْبَحْرِ وَالْمَقْدِسِيِّ وَالْمُصَنِّفِ وَالشُّرُنْبُلالي وَغَيْرِهِمْ. (قَوْلُهُ: فَوْقَ الْأُذُنَيْنِ) فَلَوْ مَسَحَ عَلَى طَرَفِ ذُؤَابَةٍ شُدَّتْ عَلَى رَأْسِهِ لَمْ يَجُزْ مَقْدِسِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَوْ بَلَلِ بَاقٍ إلَخْ) هَذَا إذَا لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْ عُضْوٍ آخَرَ مَقْدِسِيٌّ، فَلَوْ أَخَذَهُ مِنْ عُضْوٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ مُطْلَقًا بَحْرٌ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْعُضْوُ مَغْسُولًا أَوْ مَمْسُوحًا دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ) مُقَابِلُهُ قَوْلُ الْحَاكِمِ بِالْمَنْعِ، وَخَطَّأَهُ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَانْتَصَرَ لَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْكَمَالِ وَقَالَ الصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْحَاكِمُ، فَقَدْ نَصَّ الْكَرْخِيُّ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا مَسَحَ رَأْسَهُ بِفَضْلِ غَسْلِ ذِرَاعَيْهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِمَاءٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَطْهُرُ بِهِ مَرَّةً اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَتَقَاطَرَ) كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغُرَرِ؛ لِأَنَّهُ كَأَخْذِ مَاءٍ جَدِيدٍ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَدَّ إلَخْ) أَيْ مَدَّ الْمَسْحَ حَتَّى اسْتَوْعَبَ قَدْرَ الرُّبُعِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: لَوْ وَضَعَ ثَلَاثَةَ أَصَابِعَ وَلَمْ يَمُدَّهَا جَازَ عَلَى رِوَايَةِ الثَّلَاثِ أَصَابِعَ لَا الرُّبُعِ، وَلَوْ مَسَحَ بِهَا مَنْصُوبَةً غَيْرَ مَوْضُوعَةٍ وَلَا مَمْدُودَةً فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْقَدْرِ الْمَفْرُوضِ: أَيْ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي النَّهْرِ، فَلَوْ مَدّهَا حَتَّى بَلَغَ الْقَدْرَ الْمَفْرُوضَ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْإِصْبَعِ وَالْإِصْبَعَيْنِ إذَا مَدَّهَا وَبَلَغَ الْقَدْرَ الْمَفْرُوضَ اهـ مُلَخَّصًا: بَقِيَ مَا إذَا وَضَعَ ثَلَاثَ أَصَابِعَ وَمَدَّهَا وَبَلَغَ الرُّبُعَ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ إلَّا الْجَوَازَ، وَتَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ قَدْ وَقَفْت عَلَى مَا هُوَ الْمَنْقُولُ يَعْنِي قَوْلَ الْبَدَائِعِ فَلَوْ مَدَّهَا إلَخْ. أَقُول: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِ الْبَدَائِعِ فَلَوْ مَدَّهَا إلَخْ عَائِدٌ عَلَى الْمَنْصُوبَةِ: أَيْ بِأَنْ مَسَحَ بِأَطْرَافِهَا لَا الْمَوْضُوعَةِ، عَلَى أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ لَوْ مَسَحَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ وَالْمَاءُ مُتَقَاطِرٌ جَازَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَقَاطِرًا فَالْمَاءُ يَنْزِلُ مِنْ أَصَابِعِهِ إلَى أَطْرَافِهَا، فَإِذَا مَدَّهُ صَارَ كَأَنَّهُ أَخَذَ مَاءً جَدِيدًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا هُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: وَنَحْوُهُ فِي الْوَاقِعَاتِ وَالْفَيْضِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ) قِيلَ لِأَنَّ الْبَلَّةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الْكَفِّ أَوْ بِالْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ مَعَ مَا بَيْنَهُمَا أَوْ بِمِيَاهٍ، وَلَوْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ الْإِنَاءَ أَوْ خُفَّهُ أَوْ جَبِيرَتَهُ وَهُوَ مُحْدِثٌ أَجْزَأَهُ وَلَمْ يَصِرْ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَإِنْ نَوَى اتِّفَاقًا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ. (وَغَسْلُ جَمِيعِ اللِّحْيَةِ فَرْضٌ) يَعْنِي عَمَلِيًّا (أَيْضًا) عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ، وَمَا عَدَا هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَرْجُوعٌ عَنْهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. ثُمَّ لَا خِلَافَ أَنَّ الْمُسْتَرْسِلَ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَا مَسْحُهُ   [رد المحتار] صَارَتْ مُسْتَعْمَلَةً، وَهُوَ مُشْكِلٌ بِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَصِيرُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ، وَبِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْجَوَازِ بِمَدِّ الثَّلَاثِ عَلَى رِوَايَةِ الرُّبُعِ: وَقِيلَ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِالْمَسْحِ بِالْيَدِ وَالْأُصْبُعَانِ مِنْهَا لَا تُسَمَّى يَدًا بِخِلَافِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُهَا. وَفِيهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي تَعْيِينَ الْإِصَابَةِ بِالْيَدِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ بِمَسْأَلَةِ الْمَطَرِ: وَقَدْ يُقَالُ فِي الْعِلَّةِ أَنَّ الْبَلَّةَ تَتَلَاشَى وَتَفْرُغُ قَبْلَ بُلُوغِ قَدْرِ الْفَرْضِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ مَدَّ الثَّلَاثَ وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الْكَفِّ إلَخْ) لِأَنَّهُمَا مَعَ الْكَفِّ أَوْ مَعَ مَا بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ يَصِيرَانِ مِقْدَارَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِذَا مَدَّهُمَا وَبَلَغَ قَدْرَ الرُّبُعِ جَازَ، أَمَّا بِدُونِ مَدٍّ فَيَجُوزُ عَلَى رِوَايَةِ الثَّلَاثِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ: أَوْ بِمِيَاهٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَعَادَهَا إلَى الْمَاءِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ جَازَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَجُوزُ اهـ أَيْ عَلَى رِوَايَةِ الرُّبُعِ لَا يَجُوزُ، فَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ اتِّفَاقًا فِيهِ نَظَرٌ، كَذَا قِيلَ: وَأَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ لَوْ كَانَ بِمِيَاهٍ فِي مَوَاضِعَ مِقْدَارِ الْفَرْضِ جَازَ اتِّفَاقًا، فَقَوْلُهُ مِقْدَارَ الْفَرْضِ شَامِلٌ لِرِوَايَةِ الثَّلَاثِ أَصَابِعَ، وَلِرِوَايَةِ الرُّبُعِ. وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ بِبَطْنِهَا وَظَهْرِهَا وَجَانِبَيْهَا لَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْمَسْحِ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ اعْتِبَارِ الرُّبُعِ، وَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَلَكٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا فِي الْأَصَحِّ فَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَجْزَأَهُ) أَيْ إنْ أَصَابَ الْمَاءُ قَدْرَ الْفَرْضِ ط. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَصِرْ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا) لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُعْطَى لَهُ الِاسْتِعْمَالُ إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ، وَاَلَّذِي لَاقَى الرَّأْسَ أَيْ وَأَخَوَيْهِ أَيْ الْخُفَّ وَالْجَبِيرَةَ لَصِقَ بِهِ فَطَهَّرَهُ وَغَيْرُهُ لَمْ يُلَاقِهِ فَلَا يُسْتَعْمَلُ، وَفِيهِ نَظَرٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: اتِّفَاقًا) أَيْ بَيْنَ الصَّاحِبَيْنِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ) قَيْدٌ لِلِاتِّفَاقِ، وَمُقَابِلُهُ مَا قِيلَ إنَّهُ لَوْ نَوَى لَا يُجْزِئُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ: جَمِيعِ اللِّحْيَةِ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا نَهْرٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الْخَدَّيْنِ مِنْ عِذَارٍ وَعَارِضٍ وَالذَّقَنِ. وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: اللِّحْيَةُ الشَّعْرُ النَّابِتُ بِمُجْتَمَعِ الْخَدَّيْنِ وَالْعَارِضُ مَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعِذَارِ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُحَاذِي لِلْأُذُنِ، يَتَّصِلُ مِنْ الْأَعْلَى بِالصُّدْغِ وَمِنْ الْأَسْفَلِ بِالْعَارِضِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي عَمَلِيًّا) ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ التَّفْسِيرَ بِأَيِّ لِلْبَيَانِ وَالتَّوْضِيحِ وَالتَّفْسِيرِ يَعْنِي لِدَفْعِ السُّؤَالِ وَإِزَالَةِ الْوَهْمِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ لِلْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ، وَهُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ دَفَعَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ إطْلَاقِ الْفَرْضِ أَنَّهُ الْقَطْعِيُّ مَعَ أَنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ دَلَالَةً قَطْعِيَّةً عَلَى انْتِقَالِ حُكْمِ مَا تَحْتَ اللِّحْيَةِ مِنْ الْبَشَرَةِ إلَيْهَا. (قَوْلُهُ: أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّ مَسْحَ رُبُعِ الرَّأْسِ كَذَلِكَ ط. (قَوْلُهُ: وَمَا عَدَا هَذِهِ الرِّوَايَةِ) أَيْ مِنْ رِوَايَةِ مَسْحِ الْكُلِّ أَوْ الرُّبُعِ أَوْ الثُّلُثِ أَوْ مَا يُلَاقِي الْبَشَرَةَ أَوْ غَسْلِ الرُّبُعِ أَوْ الثُّلُثِ أَوْ عَدَمِ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ فَالْمَجْمُوعُ ثَمَانِيَةٌ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْبَدَائِعِ) هَذَا الْكِتَابُ جَلِيلُ الشَّأْنِ، لَمْ أَرَ لَهُ نَظِيرًا فِي كُتُبِنَا، وَهُوَ لِلْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ أَحْمَدَ الْكَاسَانِيِّ شَرَحَ بِهِ تُحْفَةَ الْفُقَهَاءِ لِشَيْخِهِ عَلَاءِ الدِّينِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، فَلَمَّا عَرَضَهُ عَلَيْهِ زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ بَعْدَمَا خَطَبَهَا الْمُلُوكُ مِنْ أَبِيهَا فَامْتَنَعَ، وَكَانَتْ الْفَتْوَى تَخْرُجُ مِنْ دَارِهِمْ وَعَلَيْهَا خَطُّهَا وَخَطُّ أَبِيهَا وَزَوْجِهَا. (قَوْلُهُ: ثُمَّ لَا خِلَافَ) أَيْ بَيْنَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ ط. (قَوْلُهُ: أَنَّ الْمُسْتَرْسِلَ) أَيْ الْخَارِجَ عَنْ دَائِرَةِ الْوَجْهِ، وَفَسَّرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 بَلْ يُسَنُّ، وَأَنَّ الْخَفِيفَةَ الَّتِي تُرَى بَشَرَتُهَا يَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا كَذَا فِي النَّهْرِ. وَفِي الْبُرْهَانِ: يَجِبُ غَسْلُ بَشَرَةٍ لَمْ يَسْتُرْهَا الشَّعْرُ كَحَاجِبٍ وَشَارِبٍ وَعَنْفَقَةٍ فِي الْمُخْتَارِ (وَلَا يُعَادُ الْوُضُوءُ) بَلْ وَلَا بَلُّ الْمَحَلِّ (بِحَلْقِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ كَمَا لَا يُعَادُ) الْغَسْلُ لِلْمَحَلِّ وَلَا الْوُضُوءُ (بِحَلْقِ شَارِبِهِ وَحَاجِبِهِ وَقَلْمِ ظُفْرِهِ) وَكَشْطِ جِلْدِهِ (وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَى أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ قُرْحَةٌ) كَالدُّمُّلَةِ (وَعَلَيْهَا جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ فَتَوَضَّأَ وَأَمَرَّ الْمَاءَ عَلَيْهَا ثُمَّ نَزَعَهَا لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ غَسْلٍ عَلَى مَا تَحْتِهَا) وَإِنْ تَأَلَّمَ بِالنَّزْعِ   [رد المحتار] الْمِنْهَاجِ بِمَا لَوْ مَدَّ مِنْ جِهَةِ نُزُولِهِ لَخَرَجَ عَنْ دَائِرَةِ الْوَجْهِ، وَعَلَى هَذَا فَالنَّابِتُ عَلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ لَا يَجِبُ غَسْلُ شَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ ظُهُورِهِ يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جِهَةُ نُزُولِهِ وَإِنْ كَانَ لَوْ مُدَّ إلَى فَوْقٍ لَا يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْجَبْهَةِ وَكَذَا النَّابِتُ عَلَى أَطْرَافِ الْحَنَكِ مِنْ اللِّحْيَةِ، وَأَمَّا النَّابِتُ عَلَى الْخَدَّيْنِ فَيَجِبُ غَسْلُ مَا دَخَلَ مِنْهُ فِي دَائِرَةِ الْوَجْهِ دُونَ الزَّائِدِ عَلَيْهَا؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الشَّعْرِ الَّذِي يُلَاقِي الْخَدَّيْنِ وَظَاهِرَ الذَّقَنِ لَا مَا اسْتَرْسَلَ مِنْ اللِّحْيَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَرْسَلَ تَابِعٌ لِمَا اتَّصَلَ وَلِلتَّبَعِ حُكْمُ الْأَصْلِ. وَلَنَا أَنَّهُ إنَّمَا يُوَاجِهُ إلَى الْمُتَّصِلِ عَادَةً لَا إلَى الْمُسْتَرْسِلِ فَلَمْ يَكُنْ وَجْهًا فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ اهـ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت الْمُصَنِّفَ فِي شَرْحِهِ عَلَى زَادِ الْفَقِيرِ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ الْبَقَّالِيُّ: وَمَا نَزَلَ مِنْ شَعْرِ اللِّحْيَةِ مِنْ الذَّقَنِ لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ اهـ وَلَا رِوَايَةَ فِي غَسْلِ الذُّؤَابَتَيْنِ إذَا جَاوَزَتَا الْقَدَمَيْنِ فِي الْجَنَابَةِ، وَكَذَا السَّلْعَةُ إذَا تَدَلَّتْ عَنْ الْوَجْهِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهَا فِي الْجَنَابَةِ وَغَسْلُ السَّلْعَةِ فِي الْوُضُوءِ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ: بَلْ يُسَنُّ) أَيْ الْمَسْحُ لِكَوْنِهِ الْأَقْرَبَ لِمَرْجِعِ الضَّمِيرِ: وَعِبَارَةُ الْمُنْيَةِ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ كَذَا فِي ح. (قَوْلُهُ: الَّتِي تَرَى بَشَرَتَهَا) قَيَّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَا خِلَافَ فِيهِ. وَأَمَّا مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ إذَا نَبَتَ الشَّعْرُ يَسْقُطُ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ كَثِيفًا كَانَ أَوْ خَفِيفًا؛ لِأَنَّ مَا تَحْتَهُ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَجْهًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُوَاجِهُ بِهِ اهـ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تُرَ بَشَرَتُهَا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ التَّعْلِيلُ، فَالْخَفِيفَةُ قِسْمَانِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي وَبَيْنَ الْكَثِيفَةِ الْعُرْفُ كَمَا هُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْخَفِيفَةَ مَا تُرَى بَشَرَتُهَا فِي مَجْلِسِ التَّخَاطُبِ، أَفَادَهُ فِي الْحِلْيَةِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَسْتُرْهَا الشَّعْرُ) أَمَّا الْمَسْتُورَةُ فَسَاقِطٌ غَسْلُهَا لِلْحَرَجِ ط. وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا كَانَ الشَّارِبُ طَوِيلًا يَسْتُرُ حُمْرَةَ الشَّفَتَيْنِ، وَلِمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ مِنْ أَنَّ تَخْلِيلَ الشَّارِبِ السَّاتِرِ حُمْرَةَ الشَّفَتَيْنِ وَاجِبٌ. اهـ.؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ ظَاهِرَ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى جَمِيعِ الشَّفَةِ أَوْ بَعْضِهَا وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ كَثِيفًا، وَتَخْلِيلُهُ مُحَقِّقٌ لِوُصُولِ الْمَاءِ إلَى جَمِيعِهَا، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُعَادُ الْوُضُوءُ إلَخْ) لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى شَعْرِ الرَّأْسِ لَيْسَ بَدَلًا عَنْ الْمَسْحِ عَنْ الْبَشَرَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى مَسْحِ الْبَشَرَةِ، وَلَوْ كَانَ بَدَلًا لَمْ يَجُزْ. اهـ. بَحْرٌ. بَقِيَ مَا إذَا كَانَتْ اللِّحْيَةُ كَثِيفَةً فَإِنَّ ظَاهِرَ مَا قَدَّمْنَا عَنْ الدُّرَرِ عِنْدَ قَوْلِهِ لِلْحَرَجِ أَنَّ غَسْلَهَا بَدَلٌ عَمَّا تَحْتَهَا، وَمُقْتَضَاهُ إعَادَةُ غَسْلِهِ بِحَلْقِ الشَّعْرِ فَلْيُرَاجَعْ، لَكِنْ قَوْلُ الْبَحْرِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِبَدَلٍ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ غَسْلُ بَشَرَتِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَا بَلُّ الْمَحَلِّ) عَبَّرَ بِالْبَلِّ لِيَشْمَلَ الْمَسْحَ وَالْغَسْلَ. (قَوْلُهُ: الْغَسْلُ لِلْمَحَلِّ إلَخْ) الْأَوْلَى تَقْدِيمُ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَيَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَيْهِ، بَلْ الْأَوْلَى عَدَمُ ذِكْرِ شَيْءٍ لِظُهُورِ الْمُرَادِ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: ظُفْرِهِ) مُثَلَّثُ الظَّاءِ ط. (قَوْلُهُ: قُرْحَةٌ) أَيْ جِرَاحَةٌ ط. (قَوْلُهُ: كَالدُّمُّلَةِ) مَأْخُوذٌ مِنْ دَمَلَ بِالْفَتْحِ: بِالْمَعْنَى أَصْلَحَ، يُقَالُ دَمَلْت بَيْنَ الْقَوْمِ: بِمَعْنَى أَصْلَحْت كَمَا فِي الصِّحَاحِ، وَصَلَاحُهَا بِبُرْئِهَا، فَتَسْمِيَةُ الْقُرْحَةِ دُمَّلًا تَفَاؤُلًا بِبُرْئِهَا، كَالْقَافِلَةِ وَالْمَفَازَةِ ط. (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَأَلَّمَ بِالنَّزْعِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِدُونِ وَاوٍ، وَالْأَصْوَبُ وَإِنْ لَمْ يَتَأَلَّمْ كَمَا أَفَادَهُ ط؛ لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 عَلَى الْأَشْبَهِ لِعَدَمِ الْبَدَلِيَّةِ، بِخِلَافِ نَزْعِ الْخُفِّ، فَصَارَ كَمَا لَوْ مَسَحَ خُفَّهُ ثُمَّ حَتَّهُ أَوْ قَشَرَهُ. [فُرُوعٌ] فِي أَعْضَائِهِ شُقَاقٌ غَسَلَهُ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا مَسَحَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ وَلَوْ بِيَدِهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ تَيَمَّمَ، وَلَوْ قُطِعَ مِنْ الْمِرْفَقِ غَسَلَ مَحَلَّ الْقَطْعِ. وَلَوْ خُلِقَ لَهُ يَدَانِ وَرِجْلَانِ، فَلَوْ يَبْطِشُ بِهِمَا غَسَلَهُمَا، وَلَوْ بِإِحْدَاهُمَا فَهِيَ الْأَصْلِيَّةُ فَيَغْسِلُهَا، وَكَذَا الزَّائِدَةُ إنْ نَبَتَتْ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ، كَأُصْبُعٍ وَكَفٍّ زَائِدَيْنِ وَإِلَّا فَمَا حَاذَى مِنْهُمَا مَحَلَّ الْفَرْضِ غَسَلَهُ وَمَا لَا فَلَا، لَكِنْ يُنْدَبُ مُجْتَبَى. [وَسُنَنُهُ]   [رد المحتار] ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا أَنَّهُ إنْ نَزَعَ الْجِلْدَةَ بَعْدَ مَا بَرِئَ بِحَيْثُ لَمْ يَتَأَلَّمْ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَإِنْ قَبِلَهُ بِحَيْثُ يَتَأَلَّمُ فَلَا. وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ اهـ مُلَخَّصًا، فَحَالَةُ التَّأَلُّمِ لَا خِلَافَ فِيهَا، فَإِذَا قَالَ وَإِنْ لَمْ يَتَأَلَّمْ يُعْلَمُ عَدَمُ لُزُومِ الْغُسْلِ مَعَ التَّأَلُّمِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ نَقِيضَ مَا بَعْدَ إنْ وَلَوْ الْوَصْلَتَيْنِ أَوْلَى بِالْحُكْمِ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاوِ بِدُونِ لَمْ لِمُلَاحَظَةِ التَّعْلِيلِ بِعَدَمِ الْبَدَلِيَّةِ؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْبَدَلِيَّةِ عِنْدَ عَدَمِ التَّأَلُّمِ أَوْلَى مِنْهُ عِنْدَ التَّأَلُّمِ تَأَمَّلْ، وَعَلَى كُلٍّ فَنُسْخَةُ إنْ تَأَلَّمَ بِدُونِ وَاوٍ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْبَدَلِيَّةِ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْإِعَادَةِ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا ط وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَدَلِيَّةَ تَكُونُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَصْلِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ نَزْعِ الْخُفِّ) أَيْ فَإِنَّهُ بِنَزْعِهِ يَغْسِلُ مَا تَحْتَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْغُسْلِ ظَاهِرًا فَلَمَّا نَزَعَهُ سَرَى الْحَدَثُ إلَى الْقَدَمِ ط. (قَوْلُهُ: فَصَارَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ وَالْكَشْطِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ حَتَّهُ أَوْ قَشَرَهُ) هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ: أَيْ حَتَّ مَحَلَّ الْمَسْحِ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: شُقَاقٌ) هُوَ بِالضَّمِّ. وَفِي التَّهْذِيبِ قَالَ اللَّيْثُ: هُوَ تَشَقُّقُ الْجِلْدِ مِنْ بَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي الْيَدَيْنِ وَالْوَجْهِ: وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الشُّقَاقُ فِي الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ، وَأَمَّا الشُّقُوقُ فَهِيَ صُدُوعٌ فِي الْجِبَالِ وَالْأَرْضِ. وَفِي التَّكْمِلَةِ عَنْ يَعْقُوبَ: يُقَالُ بِيَدِ فُلَانٍ شُقُوقٌ وَلَا يُقَالُ شِقَاقٌ؛ لِأَنَّ الشِّقَاقَ فِي الدَّوَابِّ: وَهِيَ صُدُوعٌ فِي حَوَافِرِهَا وَأَرْسَاغِهَا مُغْرِبٌ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا تَرَكَهُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَمْسَحْهُ بِأَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَسْحِ تَرَكَهُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ) أَيْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ لِمَانِعٍ فِي الْيَدِ الْأُخْرَى، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى وَضْعِ وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ فِي الْمَاءِ. (قَوْلُهُ: تَيَمَّمَ) زَادَ فِي الْخَزَائِنِ وَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ كَانَ فِي رِجْلِهِ فَجَعَلَ فِيهِ الدَّوَاءَ يَكْفِيهِ إمْرَارُ الْمَاءِ فَوْقَهُ وَلَا يَكْفِيهِ الْمَسْحُ، وَلَوْ أَمَرَّهُ فَسَقَطَ إنْ عَنْ بُرْءٍ يُعِيدُهُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الصُّغْرَى. اهـ. ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قُطِعَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْمِرْفَقِ وَالْكَعْبِ شَيْءٌ سَقَطَ الْغُسْلُ، وَلَوْ بَقِيَ وَجَبَ. اهـ. ط. (قَوْلُهُ: وَلَوْ خُلِقَ لَهُ) أَيْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ يَبْطِشْ) بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَالْبَطْشُ قَاصِرٌ عَلَى الْيَدَيْنِ، فَلَوْ قَالَ وَيَمْشِي بِهِمَا نَظَرًا إلَى الرِّجْلَيْنِ لَكَانَ حَسَنًا ط. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِإِحْدَاهُمَا إلَخْ) أَيْ وَلَوْ يَبْطِشُ بِإِحْدَاهُمَا فَهِيَ الْأَصْلِيَّةُ وَالْأُخْرَى زَائِدَةٌ لَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ تَامَّةً. وَفِي النَّهْرِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا لَوْ كَانَتَا تَامَّتَيْنِ مُتَّصِلَتَيْنِ أَوْ مُنْفَصِلَتَيْنِ وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ غَسْلِهِمَا فِي الْأَوَّلِ وَغَسْلِ وَاحِدَةٍ فِي الثَّانِي. اهـ. فَلَمْ يُعْتَبَرْ الْبَطْشُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْبَطْشُ أَوَّلًا، فَإِنْ بَطَشَ بِهِمَا وَجَبَ غَسْلُهُمَا وَإِلَّا فَإِنْ كَانَتَا تَامَّتَيْنِ مُتَّصِلَتَيْنِ وَجَبَ غَسْلُهُمَا، وَإِنْ كَانَتَا مُنْفَصِلَتَيْنِ لَا يَجِبُ إلَّا غَسْلُ الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَهُوَ حَسَنٌ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ ط. (قَوْلُهُ: كَأُصْبُعٍ) تَنْظِيرٌ لَا تَمْثِيلٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْيَدِ. [سُنَنُ الْوُضُوء] (قَوْلُهُ: وَسُنَنُهُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَشْرُوعَاتِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ، فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَسُنَّةٌ وَنَفْلٌ، فَمَا كَانَ فِعْلُهُ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ مَعَ مَنْعِ التَّرْكِ إنْ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ فَفَرْضٌ، أَوْ بِظَنِّيٍّ فَوَاجِبٌ، وَبِلَا مَنْعِ التَّرْكِ إنْ كَانَ مِمَّا وَاظَبَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْدِهِ فَسُنَّةٌ، وَإِلَّا فَمَنْدُوبٌ وَنَفْلٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 أَفَادَ أَنَّهُ لَا وَاجِبَ لِلْوُضُوءِ وَلَا لِلْغُسْلِ وَإِلَّا لَقَدَّمَهُ، وَجَمَعَهَا لِأَنَّ كُلَّ سُنَّةٍ مُسْتَقِلَّةٌ بِدَلِيلٍ وَحُكْمٍ.   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي السُّنَّةِ وَتَعْرِيفِهَا ، وَالسُّنَّةُ نَوْعَانِ: سُنَّةُ الْهَدْيِ، وَتَرْكُهَا يُوجِبُ إسَاءَةً وَكَرَاهِيَةً كَالْجَمَاعَةِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَنَحْوِهَا. وَسُنَّةُ الزَّوَائِدِ، وَتَرْكُهَا لَا يُوجِبُ ذَلِكَ كَسَيْرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي لِبَاسِهِ وَقِيَامِهِ وَقُعُودِهِ. وَالنَّفَلُ وَمِنْهُ الْمَنْدُوبُ يُثَابُ فَاعِلُهُ وَلَا يُسِيءُ تَارِكُهُ، قِيلَ: وَهُوَ دُونَ سُنَنِ الزَّوَائِدِ. وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ النَّفَلَ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَسُنَنُ الزَّوَائِدِ مِنْ الْعَادَاتِ، وَهَلْ يَقُولُ أَحَدٌ إنَّ نَافِلَةَ الْحَجِّ دُونَ التَّيَامُنِ فِي التَّنَعُّلِ وَالتَّرَجُّلِ، كَذَا حَقَّقَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْكَمَالِ فِي تَغْيِيرِ التَّنْقِيحِ وَشَرْحِهِ. أَقُولُ: فَلَا فَرْقَ بَيْنَ النَّفْلِ وَسُنَنِ الزَّوَائِدِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَرْكُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا الْفَرْقُ كَوْنُ الْأَوَّلِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالثَّانِي مِنْ الْعَادَاتِ، لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعَادَةِ هُوَ النِّيَّةُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْإِخْلَاصِ، كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، وَجَمِيعُ أَفْعَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشْتَمِلَةٌ عَلَيْهَا كَمَا بُيِّنَ فِي مَحَلِّهِ. وَأَقُولُ: قَدْ مَثَّلُوا لِسُنَّةِ الزَّوَائِدِ أَيْضًا «بِتَطْوِيلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْقِرَاءَةَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ» ، وَلَا شَكَّ فِي كَوْنِ ذَلِكَ عِبَادَةً، وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى كَوْنِ سُنَّةِ الزَّوَائِدِ عَادَةً أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَيْهَا حَتَّى صَارَتْ عَادَةً لَهُ وَلَمْ يَتْرُكْهَا إلَّا أَحْيَانًا؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ هِيَ الطَّرِيقَةُ الْمَسْلُوكَةُ فِي الدِّينِ، فَهِيَ فِي نَفْسِهَا عِبَادَةٌ وَسُمِّيَتْ عَادَةً لِمَا ذَكَرْنَا. وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ مِنْ مُكَمِّلَاتِ الدِّينِ وَشَعَائِرِهِ سُمِّيَتْ سُنَّةَ الزَّوَائِدِ، بِخِلَافِ سُنَّةِ الْهَدْيِ، وَهِيَ السُّنَنُ الْمُؤَكَّدَةُ الْقَرِيبَةُ مِنْ الْوَاجِبِ الَّتِي يُضَلَّلُ تَارِكُهَا؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا اسْتِخْفَافٌ بِالدِّينِ، وَبِخِلَافِ النَّفْلِ فَإِنَّهُ كَمَا قَالُوا مَا شُرِعَ لَنَا زِيَادَةً عَلَى الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ بِنَوْعَيْهَا؛ وَلِذَا جَعَلُوا قِسْمًا رَابِعًا، وَجَعَلُوا مِنْهُ الْمَنْدُوبَ وَالْمُسْتَحَبَّ، وَهُوَ مَا وَرَدَ بِهِ دَلِيلُ نَدْبٍ يَخُصُّهُ، كَمَا فِي التَّحْرِيرِ؛ فَالنَّفَلُ مَا وَرَدَ بِهِ دَلِيلُ نَدْبٍ عُمُومًا أَوْ خُصُوصًا وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلِذَا كَانَ دُونَ سُنَّةِ الزَّوَائِدِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ. وَقَدْ يُطْلَقُ النَّفَلُ عَلَى مَا يَشْمَلُ السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: بَابُ الْوَتْرِ وَالنَّوَافِلِ، وَمِنْهُ تَسْمِيَةُ الْحَجِّ نَافِلَةً لِأَنَّ النَّفَلَ الزِّيَادَةُ، وَهُوَ زَائِدٌ عَلَى الْفَرْضِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ الْعَامَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ تَثْلِيثِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَمِنْ رَفْعِهِمَا لِلتَّحْرِيمَةِ مَعَ أَنَّهُمَا مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ، فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَا ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الْكَمَالِ، فَاغْتَنِمْ تَحْقِيقَ هَذَا الْمَحَلِّ فَإِنَّك لَا تَجِدْهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (قَوْلُهُ: أَفَادَ إلَخْ) حَيْثُ ذَكَرَ السُّنَنَ عَقِبَ الْأَرْكَانِ هُنَا وَفِي الْغُسْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُمَا وَاجِبًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ مُفِيدًا ذَلِكَ لَقَدَّمَ ذِكْرَ الْوَاجِبِ عَلَى السُّنَنِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى، فَمُقْتَضَى الصِّنَاعَةِ تَقْدِيمُهُ. وَأَرَادَ بِالْوَاجِبِ مَا كَانَ دُونَ الْفَرْضِ فِي الْعَمَلِ، وَهُوَ أَضْعَفُ نَوْعَيْ الْوَاجِبِ، لَا مَا يَشْمَلُ النَّوْعَ الْآخَرَ، وَهُوَ مَا كَانَ فِي قُوَّةِ الْفَرْضِ فِي الْعَمَلِ، لِأَنَّ غَسْلَ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ وَمَسْحَ رُبُعِ الرَّأْسِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ الثَّانِي، وَكَذَا غَسْلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ فِي الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْفَرْضِ الْقَطْعِيِّ الَّذِي يَكْفُرُ جَاحِدُهُ، تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لِلْوُضُوءِ وَلِلْغُسْلِ عَنْ نَفْسِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، فَإِنَّ الْوُضُوءَ يَكُونُ فَرْضًا وَوَاجِبًا وَسُنَّةً وَنَفْلًا كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ، وَكَذَا الْغُسْلُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ: وَجَمَعَهَا) أَيْ السُّنَنَ حَيْثُ أَتَى بِهَا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، وَلَمْ يَأْتِ بِهَا مُفْرَدَةً كَمَا قَالَ فِي الْكَنْزِ وَسُنَّتُهُ. (قَوْلُهُ: مُسْتَقِلَّةٌ بِدَلِيلٍ وَحُكْمٍ) قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ عِنْدَ مَنْ تَأَمَّلَ فِي الْهِدَايَةِ وَسَائِرِ الْكُتُبِ الْمُطَوَّلَةِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى فِعْلِ السُّنَّةِ وَتَرْكِهَا مِنْ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ يَتَرَتَّبُ عَلَى كُلِّ فِعْلٍ مِنْهَا وَتَرْكِهِ مُنْفَرِدَةً كَانَتْ أَوْ مُجْتَمِعَةً مَعَ أَخَوَاتِهَا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي الْفَرْضِ كَذَلِكَ، فَإِنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ مَجْمُوعُ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَمَسْحِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 وَحُكْمُهَا مَا يُؤْجَرُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُلَامُ عَلَى تَرْكِهِ، وَكَثِيرًا مَا يُعَرِّفُونَ بِهِ لِأَنَّهُ مَحَطُّ مَوَاقِعِ أَنْظَارِهِمْ. وَعَرَّفَهَا الشُّمُنِّيُّ بِمَا ثَبَتَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ بِفِعْلِهِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مُسْتَحَبٍّ لَكِنَّهُ تَعْرِيفٌ لِمُطْلَقِهَا، وَالشَّرْطُ فِي الْمُؤَكَّدَةِ الْمُوَاظَبَةُ مَعَ تَرْكٍ وَلَوْ حُكْمًا، لَكِنَّ شَأْنَ الشُّرُوطِ أَنْ لَا تُذْكَرَ فِي التَّعَارِيفِ.   [رد المحتار] الرَّأْسِ، لَا أَنَّ كُلًّا مِنْهَا فَرْضٌ مُسْتَقِلٌّ يَتَرَتَّبُ عَلَى فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ حُكْمُ الْفَرْضِ؛ وَلِذَلِكَ آثَرَ فِيهِ صِيغَةَ الْمُفْرَدِ، وَمَنْ لَمْ يَتَنَبَّهْ لِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ الْأَنِيقَةِ سَلَكَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَسْلَكَ الْإِفْرَادِ اهـ. وَعَلَى هَذَا فَكَانَ الْأَنْسَبُ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ فِيمَا مَرَّ: وَرُكْنُ الْوُضُوءِ بِالْإِفْرَادِ لِاتِّحَادِ الدَّلِيلِ وَهُوَ الْآيَةُ، وَاتِّحَادِ الْحُكْمِ بِدَلِيلِ فَسَادِ الْبَعْضِ بِتَرْكِ الْبَعْضِ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: مَا يُؤْجَرُ إلَخْ) مَا مَصْدَرِيَّةٌ لَا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ وَاقِعَةٌ عَلَى السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ لَهَا الْأَجْرُ وَاللَّوْمُ عَلَى الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، وَلَيْسَ الْحُكْمُ هُوَ الْفِعْلُ الَّذِي يُؤْجَرُ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ وَاقِعَةٌ عَلَى الْأَجْرِ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ: أَيْ الْأَجْرُ الَّذِي يُؤْجَرُهُ؛ وَعَلَى كُلٍّ؛ فَالْمُنَاسِبُ تَأْنِيثُ الضَّمِيرِ فِي فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ، فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَيُلَامُ) أَيْ يُعَاتَبُ بِالتَّاءِ لَا يُعَاقَبُ، كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، لَكِنْ فِي التَّلْوِيحِ تَرْكُ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ قَرِيبٌ مِنْ الْحَرَامِ يَسْتَحِقُّ حِرْمَانَ الشَّفَاعَةِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ تَرَكَ سُنَنِي لَمْ يَنَلْ شَفَاعَتِي» . اهـ. وَفِي التَّحْرِيرِ: إنَّ تَارِكَهَا يَسْتَوْجِبُ التَّضْلِيلَ وَاللَّوْمَ،. اهـ. وَالْمُرَادُ التَّرْكُ بِلَا عُذْرٍ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اكْتَفَى بِالْغَسْلِ مَرَّةً إنْ اعْتَادَهُ أَثِمَ، وَإِلَّا لَا. وَفِي الْبَحْرِ مِنْ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الِاسْمَ مَنُوطٌ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ أَوْ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ مَنْ تَرَكَ سُنَنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ قِيلَ: لَا يَأْثَمُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَأْثَمُ، ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَتَصْرِيحُهُمْ بِالْإِثْمِ لِمَنْ تَرَكَ الْجَمَاعَةَ مَعَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ لِمَنْ تَتَبَّعَ كَلَامَهُمْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِثْمَ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ بَعْضُهُ أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ، فَالْإِثْمُ لِتَارِكِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ أَخَفُّ مِنْ الْإِثْمِ لِتَارِكِ الْوَاجِبِ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ هُنَاكَ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ مَعْزِيًّا إلَى أُصُولِ أَبِي الْيُسْرِ: حُكْمُ السُّنَّةِ أَنْ يُنْدَبَ إلَى تَحْصِيلِهَا، وَيُلَامَ عَلَى تَرْكِهَا مَعَ لُحُوقِ إثْمٍ يَسِيرٍ. (قَوْلُهُ: وَكَثِيرًا إلَخْ) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ وَمَا زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ الْكَثْرَةِ: أَيْ وَيُعَرِّفُونَ بِالْحُكْمِ تَعْرِيفًا كَثِيرًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إلَخْ) الْمَحَطُّ: مَوْضِعُ الْحَطِّ مُقَابِلُ الرَّفْعِ، وَمَوَاقِعُ جَمْعُ مَوْقِعٍ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى الْوُقُوعِ وَالْأَنْظَارُ جَمْعُ نَظَرٍ: بِمَعْنَى التَّأَمُّلِ وَالتَّفْكِيرِ أَيْ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ مَحَلُّ وُقُوعِ أَنْظَارِهِمْ، أَيْ أَنَّهُ الْمَقْصُودُ لِلْفُقَهَاءِ (قَوْلُهُ: وَعَرَّفَهَا الشُّمُنِّيُّ) أَيْ عَرَّفَ السُّنَّةَ اصْطِلَاحًا، أَمَّا هِيَ لُغَةً فَالطَّرِيقَةُ مُطْلَقًا وَلَوْ قَبِيحَةً ط (قَوْلُهُ: أَوْ بِفِعْلِهِ) يَنْبَغِي زِيَادَةُ أَوْ تَقْرِيرُهُ إلَّا أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ عَدَمُ النَّهْيِ عَمَّا يَقَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، يَعْنِي أَنَّهُ كَفٌّ، وَالْكَفُّ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ النَّفْسِ ط (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ) مُرَادُهُ بِهِ مَا يَعُمُّ الْفَرْضَ ط (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ تَعْرِيفٌ لِمُطْلَقِهَا) أَيْ لِمُطْلَقِ السُّنَّةِ الشَّامِلِ لِقِسْمَيْهَا، وَهُمَا السُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ الْمُسَمَّاةُ سُنَّةَ الْهَدْيِ، وَغَيْرُ الْمُؤَكَّدَةِ الْمُسَمَّاةُ سُنَّةَ الزَّوَائِدِ. وَأَمَّا الْمُسْتَحَبُّ الْمُرَادِفُ لِلنَّفْلِ وَالْمَنْدُوبِ فَهُوَ قَسِيمٌ لَهَا لَا قِسْمٌ مِنْهَا، كَمَا قَدَّمْنَاهُ، فَافْهَمْ، وَأَفَادَ بِالِاسْتِدْرَاكِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ السُّنَّةِ هُنَا هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حُكْمًا) كَعَدَمِ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْعَلْ؛ لِأَنَّهُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ التَّرْكِ حَقِيقَةً، فَدَخَلَ الِاعْتِكَافُ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَإِنْ وَاظَبَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ وَمُقْتَضَاهَا وُجُوبُ الِاعْتِكَافِ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يُنْكِرْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى مَنْ لَمْ يَعْتَكِفْ كَانَ ذَلِكَ مُنَزَّلًا مَنْزِلَةَ التَّرْكِ حَقِيقَةً، وَالْمُرَادُ أَيْضًا الْمُوَاظَبَةُ وَلَوْ حُكْمًا لِتَدْخُلَ التَّرَاوِيحُ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ الْعُذْرَ فِي التَّخَلُّفِ عَنْهَا، وَهُوَ خَوْفُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْنَا ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ بِلَا تَرْكٍ تُفِيدُ الْوُجُوبَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ يُخَالِفُ، فَإِنَّهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى سُنِّيَّةِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ الْمُبَاحَ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْمَنْظُورُ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ التَّوَقُّفُ، إلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ كَثِيرًا مَا يَلْهَجُونَ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ فَالتَّعْرِيفُ بِنَاءً عَلَيْهِ. (الْبِدَايَةُ بِالنِّيَّةِ)   [رد المحتار] قَالَ: لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُمَا عَلَى الْمُوَاظَبَةِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّ السُّنَّةَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَكِنْ إنْ كَانَتْ لَا مَعَ التَّرْكِ فَهِيَ دَلِيلُ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مَعَ التَّرْكِ أَحْيَانًا فَهِيَ دَلِيلُ غَيْرِ الْمُؤَكَّدَةِ، وَإِنْ اقْتَرَنَتْ بِالْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فَهِيَ دَلِيلُ الْوُجُوبِ، فَافْهَمْ هَذَا فَإِنَّ بِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ هَذَا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمُوَاظَبُ عَلَيْهِ مِمَّا اخْتَصَّ وُجُوبُهُ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ أَمَّا إذَا كَانَ كَصَلَاةِ الضُّحَى فَإِنَّ عَدَمَ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْعَلْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُنَزَّلَ مَنْزِلَةَ التَّرْكِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُقَيَّدَ التَّرْكُ بِكَوْنِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ؛ لِيَخْرُجَ الْمَتْرُوكُ لِعُذْرٍ كَالْقِيَامِ الْمَفْرُوضِ. وَكَأَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَهُ لِأَنَّ التَّرْكَ لِعُذْرٍ لَا يُعَدُّ تَرْكًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ عَلَى تَعْرِيفِ الشُّمُنِّيِّ، وَحَاصِلُهُ النَّقْضُ بِعَدَمِ الْمَنْعِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ التَّوَقُّفُ، بِمَعْنَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْحُكْمِ، هَلْ هُوَ الْإِبَاحَةُ أَوْ الْحَظْرُ؟ لَا تُعْلَمُ إبَاحَةُ الْمُبَاحِ إلَّا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ فِعْلِهِ، فَيَدْخُلُ فِي تَعْرِيفِ السُّنَّةِ، إلَّا أَنْ يُزَادَ فِي التَّعْرِيفِ وَلَا مُبَاحَ. قَالَ ط: وَكَذَا يَرِدُ الْمُبَاحُ عَلَى الْقَوْلٍ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَظْرُ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ الْإِيرَادِ. قَالَ فِي الصِّحَاح: اللَّهَجُ بِالشَّيْءِ الْوَلُوعُ بِهِ، وَقَدْ لَهِجَ بِالْكَسْرِ يَلْهَجُ لَهَجًا: إذَا غُرِيَ بِهِ. اهـ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَنْطِقُونَ بِهِ كَثِيرًا ط. مَطْلَبٌ الْمُخْتَارُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ أَقُولُ: وَصَرَّحَ فِي التَّحْرِيرِ بِأَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ اهـ وَتَبِعَهُ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ فَصْلِ الْحِدَادِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَوَائِلِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَهُوَ قَوْلُ مُعْتَزِلَةِ الْبَصْرَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ لَا سِيَّمَا الْعِرَاقِيِّينَ. قَالُوا: وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ هَدَّدَ بِالْقَتْلِ عَلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قُتِلَ بِقَوْلِهِ: خِفْت أَنْ يَكُونَ آثِمًا؛ لِأَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ وَشُرْبَ الْخَمْرِ لَمْ يُحَرَّمَا إلَّا بِالنَّهْيِ عَنْهُمَا، فَجَعَلَ الْإِبَاحَةَ أَصْلًا وَالْحُرْمَةَ بِعَارِضِ النَّهْيِ. اهـ. وَنُقِلَ أَيْضًا أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لِلشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ فِي شَرْحِ أُصُولِ الْبَزْدَوِيِّ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ فِي بَابِ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ أَنَّ الْإِبَاحَةَ رَأْيُ الْمُعْتَزِلَةِ فِيهِ نَظَرٌ، فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: فَالتَّعْرِيفُ بِنَاءً عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ. أَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ نَافِعٌ فِيمَا سَكَتَ عَنْهُ الشَّارِعُ، وَبَقِيَ عَلَى الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ، أَمَّا مَا نَصَّ عَلَى إبَاحَتِهِ أَوْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا يَنْفَعُ، وَقَدْ نَصَّ فِي التَّحْرِيرِ عَلَى أَنَّ الْمُبَاحَ يُطْلَقُ عَلَى مُتَعَلِّقِ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى مُتَعَلِّقِ الْإِبَاحَةِ الشَّرْعِيَّةِ. فَالْأَحْسَنُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي التَّعْرِيفِ مَا ثَبَتَ ثُبُوتُ طَلَبِهِ لَا ثُبُوتُ شَرْعِيَّتِهِ، وَالْمُبَاحُ غَيْرُ مَطْلُوبِ الْفِعْلِ، وَأَنَّمَا هُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ. (قَوْلُهُ: الْبِدَايَةُ) قِيلَ: الصَّوَابُ الْبُدَاءَةُ بِالْهَمْزَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْقَامُوسِ مِنْ الْيَائِيِّ، وَبَدَيْتُ بِالشَّيْءِ وَبَدِيتُ ابْتَدَأْت اهـ أَيْ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا. مَطْلَبٌ الْفَرْقُ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالْقَصْدِ وَالْعَزْمِ (قَوْلُهُ: بِالنِّيَّةِ) بِالتَّشْدِيدِ وَقَدْ تُخَفَّفُ قُهُسْتَانِيٌّ. وَهِيَ لُغَةً عَزْمُ الْقَلْبِ عَلَى الشَّيْءِ. وَاصْطِلَاحًا كَمَا فِي التَّلْوِيحِ قَصْدُ الطَّاعَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إيجَاد الْفِعْلِ، وَدَخَلَ فِيهِ الْمَنْهِيَّاتُ، فَإِنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ كَفُّ النَّفْسِ، الْعَزْمُ وَالْقَصْدُ وَالنِّيَّةُ اسْمٌ لِلْإِرَادَةِ الْحَادِثَةِ، لَكِنْ الْعَزْمُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى الْفِعْلِ وَالْقَصْدُ الْمُقْتَرِنُ بِهِ وَالنِّيَّةُ الْمُقْتَرِنُ بِهِ مَعَ دُخُولِهِ تَحْتَ الْعِلْمِ بِالْمَنْوِيِّ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 أَيْ نِيَّةِ عِبَادَةٍ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ كَوُضُوءٍ أَوْ رَفْعِ حَدَثٍ أَوْ امْتِثَالِ أَمْرٍ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّاعَةِ وَالْقُرْبَةِ وَالْعِبَادَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ نِيَّةِ عِبَادَةٍ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالطَّاعَةِ لِيَشْمَلَ نَحْوَ مَسِّ الْمُصْحَفِ، فَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا أَنَّ الطَّاعَةَ فِعْلُ مَا يُثَابُ عَلَيْهِ تَوَقَّفَ عَلَى نِيَّةٍ أَوْ لَا، عُرِفَ مَنْ يَفْعَلُهُ لِأَجْلِهِ أَوْ لَا. وَالْقُرْبَةُ فِعْلُ مَا يُثَابُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ مَنْ يَتَقَرَّبُ إلَيْهِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى نِيَّةٍ. وَالْعِبَادَةُ مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ، فَنَحْوُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ مِنْ كُلِّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ وَعِبَادَةٌ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالْوَقْفُ وَالْعِتْقُ وَالصَّدَقَةُ وَنَحْوُهَا مِمَّا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ لَا عِبَادَةٌ، وَالنَّظَرُ الْمُؤَدِّي إلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى طَاعَةٌ لَا قُرْبَةٌ وَلَا عِبَادَةٌ اهـ وَقَوَاعِدُ مَذْهَبِنَا لَا تَأْبَاهُ حَمَوِيٌّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ النَّظَرُ قُرْبَةً لِعَدَمِ الْمَعْرِفَةِ بِالْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ تَحْصُلُ بَعْدَهُ وَلَا عِبَادَةَ لِعَدَمِ التَّوَقُّفِ عَلَى النِّيَّةِ (قَوْلُهُ: لَا تَصِحُّ) الْأَوْلَى لَا تَحِلُّ، كَمَا فِي الْفَتْحِ؛ لِيَشْمَلَ مِثْلَ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَالطَّوَافِ. اهـ. ح. وَفِيهِ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ مَسَّ الْمُصْحَفِ لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِالسُّنَّةِ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لَهُ لَمْ تَجُزْ لَهُ الصَّلَاةُ بِهِ، فَإِنَّ النِّيَّةَ الْمَسْنُونَةَ فِي الْوُضُوءِ هِيَ الْمَشْرُوطَةُ فِي التَّيَمُّمِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا الرَّحْمَتِيِّ: وَبَيَانُهُ أَنَّ الصَّلَاةَ تَصِحُّ عِنْدَنَا بِالْوُضُوءِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَنْوِيًّا، وَإِنَّمَا تُسَنُّ النِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ لِيَكُونَ عِبَادَةً، فَإِنَّهُ بِدُونِهَا لَا يُسَمَّى عِبَادَةً مَأْمُورًا بِهَا كَمَا يَأْتِي وَإِنْ صَحَّتْ بِهِ الصَّلَاةُ، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ بِهِ فَالنِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ شَرْطٌ لِكَوْنِهِ عِبَادَةً، وَفِي التَّيَمُّمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ بِهِ. وَلَمَّا لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ الْمَنْوِيِّ بِهِ اسْتِبَاحَةَ مَسِّ الْمُصْحَفِ عُلِمَ أَنَّ الْوُضُوءَ الْمَنْوِيَّ بِهِ ذَلِكَ لَيْسَ عِبَادَةً؛ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ عَنْ عَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ الْمَذْكُورِ عَدَمُ كَوْنِ ذَلِكَ الْوُضُوءِ عِبَادَةً لِأَنَّ صِحَّةَ الصَّلَاةِ أَقْوَى، عَلَى أَنَّ طَهَارَةَ التَّيَمُّمِ ضَرُورِيَّةٌ فَيُحْتَاطُ فِي شُرُوطِهَا؛ وَلِذَا شَرَطُوا فِي التَّيَمُّمِ نِيَّةَ عِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّ كَوْنَ الْعِبَادَةِ مَقْصُودَةً غَيْرُ شَرْطٍ فِي النِّيَّةِ الْمَسْنُونَةِ لِلْوُضُوءِ فَيَدْخُلُ مِثْلُ مَسِّ الْمُصْحَفِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: كَوُضُوءٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْوُضُوءَ وَرَفْعَ الْحَدَثِ لَيْسَا عِبَادَةً لِعَدَمِ تَوَقُّفِهِمَا عَلَى النِّيَّةِ عِنْدَنَا بَلْ هُمَا قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ كَمَا عَلِمْت، عَلَى أَنَّهُمَا لَيْسَا مِمَّا لَا يَحِلُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ كَمَا أَفَادَهُ ح؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ عَيْنُ الطَّهَارَةِ وَرَفْعُ الْحَدَثِ، وَكَذَا امْتِثَالُ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ لَازِمَانِ مِنْ لَوَازِمِ وُجُودِهَا، فَقَوْلُهُ: كَوُضُوءٍ لَيْسَ تَمْثِيلًا لِلْعِبَادَةِ بَلْ تَنْظِيرٌ لِلْمَنْوِيِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَصْوَبَ أَنْ يَقُولَ أَوْ وُضُوءٌ بِالْعَطْفِ عَلَى عِبَادَةٍ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَأَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ نِيَّةَ الطَّهَارَةِ لَا تَكْفِي فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ، وَكَأَنَّهُ لِأَنَّهَا مُتَنَوِّعَةٌ إلَى إزَالَةِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ فَلَمْ يَنْوِ خُصُوصَ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى، فَعَلَى هَذَا لَوْ نَوَى الْوُضُوءَ كَفَى؛ لِأَنَّهُ وَرَفْعَ الْحَدَثِ سَوَاءٌ، بَلْ هُوَ أَخَصُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْحَدَثِ يَشْمَلُ الْغُسْلَ فَكَانَ الْوُضُوءُ أَوْلَى اهـ. لَا يُقَالُ: تَنَوُّعُ رَفْعِ الْحَدَثِ إلَى الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كَالطَّهَارَةِ. لِأَنَّا نَقُولُ: تَنَوُّعُهُ لَا يَضُرُّ لِأَنَّ الْغُسْلَ فِي ضِمْنِهِ وُضُوءٌ فَلَمْ يَكُنْ نَاوِيًا خِلَافَ مَا أَرَادَ بِخِلَافِ تَنَوُّعِ الطَّهَارَةِ، فَافْهَمْ، وَقَدْ مَشَى الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِنِيَّةِ الطَّهَارَةِ وَوَافَقَهُ فِي السِّرَاجِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: وَعِنْدَ الْبَعْضِ نِيَّةُ الطَّهَارَةِ تَكْفِي. أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي تَيَمُّمِ الْبَدَائِعِ عَنْ الْقُدُورِيِّ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا نَوَى الطَّهَارَةَ أَجْزَأَهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ، لَكِنْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِالتُّرَابِ لَا تَتَنَوَّعُ بِخِلَافِهَا بِالْمَاءِ، وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّ نِيَّةَ التَّيَمُّمِ لَا تَكْفِي لِصِحَّتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِمَا فِي النَّوَادِرِ وَلَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ، بَلْ الْمُعْتَمَدُ اشْتِرَاطُ نِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ. اهـ. وَلَعَلَّ الْفَرْقَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وَصَرَّحُوا أَنَّهَا بِدُونِهَا لَيْسَ بِعِبَادَةٍ، وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهَا، وَبِأَنَّهَا فَرْضٌ فِي الْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَفِي التَّوَضُّؤِ بِسُؤْرِ حِمَارٍ وَنَبِيذِ تَمْرٍ كَالتَّيَمُّمِ. وَبِأَنَّ وَقْتَهَا عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عِنْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ لِلرُّسْغَيْنِ لِيَنَالَ ثَوَابَ السُّنَنِ.   [رد المحتار] بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ أَنَّ كُلَّ وُضُوءٍ تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّ مِنْهُ مَا لَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ كَالتَّيَمُّمِ لِمَسِّ مُصْحَفٍ، فَلِذَا لَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ التَّيَمُّمِ الْمُطْلَقِ، تَأَمَّلْ. هَذَا، وَأَوْرَدَ فِي الْبَحْرِ عَلَى قَوْلِهِ: أَوْ امْتِثَالُ أَمْرٍ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ؛ إذْ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْوُضُوءَ لَا يَكُونُ نَفْلًا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ وَشَرْطُهَا فَرْضٌ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. اهـ. وَأَجَابَ ط بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ عَلَى طَرِيقِ النَّدْبِ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَهُوَ إحْدَى الثَّلَاثِ الَّتِي الْمَنْدُوبُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ الْفَرْضِ. اهـ. أَقُولُ: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ الْحَدَثُ يَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا إلَى الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ. بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ لَا يَنْوِي إزَالَةَ الْحَدَثِ وَلَا إبَاحَةَ الصَّلَاةِ. وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنْ يَنْوِيَ التَّجْدِيدَ، فَإِنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَيَكُونُ عِبَادَةً كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ شَرْحِ الْبُرْجَنْدِيِّ. أَقُولُ: فِيهِ أَنَّ التَّجْدِيدَ لَيْسَ عِبَادَةً لَا تَحِلُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يَنْوِي الْوُضُوءَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ نِيَّتَهُ تَكْفِي أَوْ يَنْوِي امْتِثَالَ الْأَمْرِ لِأَنَّ الْمَنْدُوبَ مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ (قَوْلُهُ: وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ بِدُونِهَا) أَيْ الْوُضُوءَ بِدُونِ النِّيَّةِ لَيْسَ عِبَادَةً، وَذَلِكَ كَأَنْ دَخَّلَ الْمَاءَ مَدْفُوعًا أَوْ مُخْتَارًا لِقَصْدِ التَّبَرُّدِ أَوْ لِمُجَرَّدِ إزَالَةِ الْوَسَخِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: لَا نِزَاعَ لِأَصْحَابِنَا أَيْ مَعَ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الْوُضُوءَ الْمَأْمُورَ بِهِ لَا يَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ، إنَّمَا نِزَاعُهُمْ فِي تَوَقُّفِ الصَّلَاةِ عَلَى الْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَأَشَارَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ إلَى هَذَا. وَقَالَ الدَّبُوسِيُّ فِي أَسْرَارِهِ: وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا يَظُنُّونَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مِنْ الْوُضُوءِ يَتَأَدَّى مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَهَذَا غَلَطٌ؛ فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ عِبَادَةٌ، وَالْوُضُوءُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ. وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: لَا كَلَامَ فِي أَنَّ الْوُضُوءَ الْمَأْمُورَ بِهِ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ النِّيَّةِ، لَكِنَّ صِحَّةَ الصَّلَاةِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ الْمَأْمُورَ بِهِ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الطَّهَارَةُ وَهِيَ تَحْصُلُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُطَهِّرٌ بِالطَّبْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهَا) أَيْ إثْمًا يَسِيرًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَشْفِ، وَالْمُرَادُ التَّرْكُ بِلَا عُذْرٍ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَيْضًا عَنْ شَرْحِ التَّحْرِيرِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ رَادًّا عَلَى الْقُدُورِيِّ حَيْثُ جَعَلَهَا مُسْتَحَبَّةً. (قَوْلُهُ: وَبِأَنَّهَا فَرْضٌ إلَخْ) الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ وَبِأَنَّهَا شَرْطٌ فِي كَوْنِ الْوُضُوءِ عِبَادَةً لَا مِفْتَاحًا لِلصَّلَاةِ، فَإِنَّ تَارِكَ النِّيَّةِ لَا يُعَاقَبُ عِقَابَ تَرْكِ الْفَرْضِ وَانْتِفَاءُ اللَّازِمِ يَسْتَلْزِمُ انْتِقَاءَ الْمَلْزُومِ، وَالشَّرْطُ لَا يَكُونُ فَرْضًا إلَّا إذَا كَانَ شَرْطَ الصِّحَّةِ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي كَوْنِ الْوُضُوءِ عِبَادَةً فَقَطْ. اهـ. ح يُؤَيِّدُهُ أَنَّ آيَةَ الْوُضُوءِ لَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ كَمَا حَقَّقَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ كَمَالٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ. وَفِي الْبَحْرِ: وَلَيْسَتْ النِّيَّةُ بِشَرْطٍ فِي كَوْنِ الْوُضُوءِ مِفْتَاحًا لِلصَّلَاةِ إنَّمَا هِيَ شَرْطٌ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِلثَّوَابِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: يُثَابُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِسُؤْرِ حِمَارٍ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالْوِقَايَةِ مَعْزِيًّا لِلْكِفَايَةِ. وَفِي الْفَتْحِ: وَاخْتَلَفُوا فِي النِّيَّةِ بِالتَّوَضُّؤِ بِهِ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْوِيَ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْأَحْوَطَ الْقَوْلُ بِلُزُومِ النِّيَّةِ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَنَبِيذِ تَمْرٍ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ بِجَوَازِ الْوُضُوءِ بِهِ فَهُوَ كَالتَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْمَاءِ حَتَّى لَا يَجُوزَ بِهِ حَالَ وُجُودِ الْمَاءِ وَيَنْتَقِضُ بِهِ إذَا وُجِدَ، ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ عَنْ أَصْحَابِنَا فَتْحٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي سُؤْرِ الْحِمَارِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَضَّأُ بِهِ مَعَ التَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ ` الْمَاءِ، كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَبِأَنَّ وَقْتَهَا) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِأَنَّهُ بِدُونِهَا (قَوْلُهُ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ) أَيْ النِّيَّةُ. وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْأَشْبَاهِ يَكُونُ بِالْبَاءِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ يَكُونُ وَقْتُهَا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 قُلْت: لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَمَحَلُّهَا قَبْلَ سَائِرِ السُّنَنِ كَمَا فِي التُّحْفَةِ، فَلَا تُسَنُّ عِنْدَنَا قُبَيْلَ غَسْلِ الْوَجْهِ، كَمَا تُفْرَضُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. اهـ. وَفِيهَا سَبْعُ سُؤَالَاتٍ مَشْهُورَةٍ نَظَمَهَا الْعِرَاقِيُّ فَقَالَ: سَبْعُ سُؤَالَاتٍ لِذِي الْفَهْمِ أَتَتْ ... تُحْكَى لِكُلِّ عَالِمٍ فِي النِّيَّهْ حَقِيقَةٌ حُكْمٌ مَحَلٌّ زَمَنٌ ... وَشَرْطُهَا وَالْقَصْدُ وَالْكَيْفِيَّهْ (وَ) الْبُدَاءَةُ (بِالتَّسْمِيَةِ) قَوْلًا،   [رد المحتار] فَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْبَغِي بِمَعْنَى يُطْلَبُ، وَعَلَى الثَّانِي هِيَ مَا يَسْتَعْمِلُهَا الْعُلَمَاءُ فِي مَقَامِ الْبَحْثِ فِيمَا لَا نَقْلَ فِيهِ، وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ: قُلْت: لَكِنَّ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْأَشْبَاهِ بِأَنَّ مَا بَحَثَهُ مَنْقُولٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَمَوِيُّ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ. قَالَ فِي [إمْدَادِ الْفَتَّاحِ] : وَأَمَّا وَقْتُهَا فَعِنْدَ ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ حَتَّى قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ اهـ أَيْ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ بَلْ مِنْ أَقْوَى سُنَنِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ؛ وَلِهَذَا قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ هُنَا. مَطْلَبٌ: سَائِرٌ بِمَعْنَى بَاقِي لَا بِمَعْنَى جَمِيعٍ (قَوْلُهُ: قَبْلَ سَائِرِ السُّنَنِ) سَائِرٌ هُنَا بِمَعْنَى بَاقِي لَا بِمَعْنَى جَمِيعِ، وَإِلَّا لَكَانَ مَحَلُّهَا قَبْلَ نَفْسِهَا. اهـ. ح وَأَفَادَ فِي الْقَامُوسِ أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي وَهْمٌ أَوْ قَلِيلٌ (قَوْلُهُ: فَلَا تُسَنُّ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مَحَلُّ سُنِّيَّتِهَا عِنْدَنَا هُوَ مَحَلُّ فَرْضِيَّتِهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الَّذِي هُوَ قُبَيْلَ غَسْلِ الْوَجْهِ (قَوْلُهُ: لِذِي الْفَهْمِ) أَيْ الْإِدْرَاكِ، مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: أَتَتْ، أَوْ بِقَوْلِهِ تُحْكَى أَيْ تُذْكَرُ، أَوْ بِسُؤَالَاتٍ، أَوْ حَالٌ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: فِي النِّيَّةِ، لَكِنْ يَزِيدُ عَلَيْهِ جَوَازُ تَعَلُّقِهِ بِعَالِمٍ عَلَى أَنَّ فِي بِمَعْنَى الْبَاءِ (قَوْلُهُ: حَقِيقَةٌ) قَدَّمْنَا بَيَانَ حَقِيقَتِهَا لُغَةً وَاصْطِلَاحًا، (قَوْلُهُ: حُكْمٌ) هُوَ أَنَّهَا سُنَّةٌ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَشَرْطٌ فِي الْمَقَاصِدِ مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَفِي التَّيَمُّمِ وَفِي الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَسُؤْرِ الْحِمَارِ وَفِي نَحْوِ الْكَفَّارَاتِ وَفِي صَيْرُورَةِ الْمَنْوِيِّ بِهَا عِبَادَةً (قَوْلُهُ: مَحَلٌّ) هُوَ الْقَلْبُ، فَلَا يَكْفِي التَّلَفُّظُ بِاللِّسَانِ دُونَهُ إلَّا أَنْ لَا يَقْدِرَ أَنْ يُحْضِرَ قَلْبَهُ لِيَنْوِيَ بِهِ أَوْ يَشُكَّ فِي النِّيَّةِ فَيَكْفِيه اللِّسَانُ. وَهَلْ يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِهَا أَوْ يُسَنُّ أَوْ يُكْرَهُ؟ فِيهِ أَقْوَالٌ اخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ الْأَوَّلَ لِمَنْ لَا تَجْتَمِعُ عَزِيمَتُهُ. وَفِي الْفَتْحِ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ التَّلَفُّظُ بِهَا لَا فِي حَدِيثِ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ، وَزَادَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ وَلَا عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ فِي بَحْثٍ (قَوْلُهُ: زَمَنٌ) هُوَ أَوَّلُ الْعِبَادَاتِ وَلَوْ حُكْمًا؛ كَمَا لَوْ نَوَى الصَّلَاةَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ حَضَرَ الْمَسْجِدَ وَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِتِلْكَ النِّيَّةِ بِلَا فَاصِلٍ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ، وَكَنِيَّةِ الزَّكَاةِ عِنْدَ عَزْلِ مَا وَجَبَ، وَنِيَّةِ الصَّوْمِ عِنْدَ الْغُرُوبِ، وَالْحَجِّ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، كَمَا بَسَطَهُ فِي الْأَشْبَاهِ. (قَوْلُهُ:: وَشَرْطُهَا) هُوَ الْإِسْلَامُ وَالتَّمْيِيزُ وَالْعِلْمُ بِالْمَنْوِيِّ وَأَنْ لَا يَأْتِيَ بِمُنَافٍ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالْمَنْوِيِّ، وَبَيَانُهُ فِي الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ: وَالْقَصْدُ) أَيْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ. قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: قَالُوا: الْمَقْصُودُ مِنْهَا تَمْيِيزُ الْعِبَادَاتِ مِنْ الْعَادَاتِ وَتَمْيِيزُ بَعْضِ الْعِبَادَاتِ عَنْ بَعْضِ كَالْإِمْسَاكِ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ قَدْ يَكُونُ حَمِيَّةً أَوْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، فَمَا لَا يَكُونُ عَادَةً أَوْ لَا يَلْتَبِسُ بِغَيْرِهِ لَا تُشْتَرَطُ كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْمَعْرِفَةِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالنِّيَّةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ وَالْأَذَانِ. . (قَوْلُهُ:: وَالْكَيْفِيَّةُ) أَيْ الْهَيْئَةُ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ لِكَيْفِ اسْمُ الِاسْتِفْهَامِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يُسْأَلَ بِهَا عَنْ حَالِ الْأَشْيَاءِ، فَمَا يُجَابُ بِهِ يُقَالُ فِيهِ كَيْفِيَّةٌ، فَهِيَ الْهَيْئَةُ الَّتِي يُجَابُ بِهَا السَّائِلُ عَنْ حَالِ شَيْءٍ بِقَوْلِهِ: كَيْفَ هُوَ، كَقَوْلِهِ: كَيْفَ زَيْدٌ، فَتَقُولُ: صَحِيحٌ أَوْ سَقِيمٌ، فَيُقَالُ هُنَا: يَنْوِي فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ اسْتِبَاحَةَ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ أَوْ رَفْعِ الْحَدَثِ مَثَلًا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، ثُمَّ رَأَيْت نَحْوَهُ فِي الْإِمْدَادِ، فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: قَوْلًا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ سُنِّيَّةِ الِابْتِدَاءِ بِهَا وَبِالنِّيَّةِ وَبِغَسْلِ الْيَدَيْنِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ وَالتَّسْمِيَةُ مَحَلُّهَا اللِّسَانُ وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ بِالْفِعْلِ، أَفَادَهُ ط، لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 وَتَحْصُلُ بِكُلِّ ذِكْرٍ، لَكِنَّ الْوَارِدَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بِاسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ» (قَبْلَ الِاسْتِنْجَاء وَبَعْده) إلَّا حَالَ انْكِشَافٍ وَفِي مَحَلِّ نَجَاسَةٍ فَيُسَمِّي بِقَلْبِهِ؛ وَلَوْ نَسِيَهَا فَسَمَّى فِي خِلَالِهِ لَا تَحْصُلُ السُّنَّةُ، بَلْ الْمَنْدُوبُ. وَأَمَّا الْأَكْلُ فَتَحْصُلُ السُّنَّةُ فِي بَاقِيهِ لَا فِيمَا فَاتَ، وَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ.   [رد المحتار] أَنَّ مُرَاعَاةَ اسْتِحْبَابِ التَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ يُفَوِّتُ الْبَدْءَ بِالتَّسْمِيَةِ حَقِيقَةً، فَيَكُونُ إضَافِيًّا اهـ. (قَوْلُهُ:: وَتَحْصُلُ بِكُلِّ ذِكْرٍ) فَلَوْ كَبَّرَ أَوْ هَلَّلَ أَوْ حَمِدَ كَانَ مُقِيمًا لِلسُّنَّةِ يَعْنِي لِأَصْلِهَا وَكَمَالِهَا بِمَا يَأْتِي، أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْوَارِدَ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: لَفْظُهَا الْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ، وَقِيلَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بِاسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى الْإِسْلَامِ» قِيلَ: الْأَفْضَلُ " بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم " بَعْدَ التَّعَوُّذِ. وَفِي الْمُجْتَبَى يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْعَيْنِيِّ الْمَرْوِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بِاسْمِ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ اهـ. (قَوْلُهُ: قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ) لِأَنَّهُ مِنْ الْوُضُوءِ، وَالْبُدَاءَةُ فِي الْوُضُوءِ شُرِعَتْ بِالتَّسْمِيَةِ حِلْيَةٌ، وَفِيهَا: ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ أَلْفَاظِ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ. أَمَّا عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ» وَزَادَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ السَّكَنِ فِي أَوَّلِهِ " بِسْمِ اللَّهِ " وَالْخُبُثُ: بِضَمَّتَيْنِ وَيَجُوزُ تَسْكِينُ الْبَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ جَمْعُ خَبِيثٍ، وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ خَبِيثَةٍ، قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِمَا ذُكْرَانُ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثُهُمْ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَبَعْدَهُ) لِأَنَّهُ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْوُضُوءِ دُرَرٌ؟ وَفِيهَا أَنَّ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ تُسَنُّ قَبْلَهُ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ بَعْدَهُ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا. اهـ. وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَقَاضِي خَانْ. (قَوْلُهُ: إلَّا حَالَ انْكِشَافٍ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُسَمِّي قَبْلَ رَفْعِ ثِيَابِهِ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَكَانِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَإِلَّا فَقَبْلَ دُخُولِهِ، فَلَوْ نَسِيَ فِيهِمَا سَمَّى بِقَلْبِهِ، وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ تَعْظِيمًا لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: بَلْ الْمَنْدُوبُ) قَالَ فِي السِّرَاجِ: إنَّهُ يَأْتِي بِهَا لِئَلَّا يَخْلُوَ وُضُوءُهُ عَنْهَا، وَقَالُوا: إنَّهَا عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ مَنْدُوبَةٌ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْأَكْلُ إلَخْ) أَيْ إذَا نَسِيَهَا فِي ابْتِدَائِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ السُّنَّةُ فِي الْوُضُوءِ، وَقَالَ بِخِلَافِ الْأَكْلِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ عَمَلٌ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ الْأَكْلِ، فَإِنَّ كُلَّ لُقْمَةٍ فِعْلٌ مُبْتَدَأٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ كُلَّمَا أَكَلْتُ اللَّحْمَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ، فَعَلَيْهِ بِكُلِّ لُقْمَةٍ دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ لُقْمَةٍ أَكْلٌ. اهـ. وَذُكِرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يَسْتَلْزِمُ فِي الْأَكْلِ تَحْصِيلَ السُّنَّةِ فِي الْبَاقِي لَا اسْتِدْرَاكَ مَا فَاتَ، وَقَالَ شَارِحُ الْمُنْيَةِ: وَالْأَوْلَى أَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ لِمَا فَاتَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَنَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَى طَعَامِهِ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلَا حَدِيثَ فِي الْوُضُوءِ اهـ أَيْ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ اسْتِدْرَاكٌ لِمَا فَاتَ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ أَوَّلَهُ فَائِدَةٌ، وَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْرَاكُ فِي الْوُضُوءِ بِقَوْلِهِ «بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرِهِ» لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَارِدٌ فِي الْأَكْلِ وَلَا حَدِيثَ فِي الْوُضُوءِ. وَقَدْ يُقَالُ: إذَا حَصَلَ بِهِ الِاسْتِدْرَاكُ فِي الْأَكْلِ مَعَ أَنَّهُ أَفْعَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ يَحْصُلُ فِي الْوُضُوءِ بِالْأَوْلَى، لِأَنَّهُ فِعْلٌ وَاحِدٌ فَيُسْتَفَادُ ذَلِكَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لَا بِالْقِيَاسِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ إذَا سَمَّى فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ أَجْزَأَهُ (قَوْلُهُ: وَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ إلَخْ) أَيْ إذَا أَرَادَ تَحْصِيلَ السُّنَّةِ فِيمَا فَاتَ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مَا لَمْ يَقُلْ. [تَتِمَّةٌ] مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالتَّسْمِيَةِ سُنَّةٌ هُوَ مُخْتَارُ الطَّحَاوِيِّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَرَجَّحَ فِي الْهِدَايَةِ نَدْبَهَا، قِيلَ: وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ نَهْرٌ. وَتَعَجَّبَ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ حَيْثُ رَجَّحَ هُنَا وُجُوبَهَا، ثُمَّ ذَكَرَ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْحَقَّ مَا عَلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا مِنْ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ. كَيْفَ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 (وَ) الْبُدَاءَةُ (بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ) الطَّاهِرَتَيْنِ ثَلَاثًا قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ، وَقَيْدُ الِاسْتِيقَاظِ اتِّفَاقِيٌّ؛ وَلِذَا لَمْ يَقُلْ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اخْتِصَاصُ السُّنَّةِ بِوَقْتِ الْحَاجَةِ لِأَنَّ مَفَاهِيمَ الْكُتُبِ حُجَّةٌ، -   [رد المحتار] حَدِيثًا ثَابِتًا. (قَوْلُهُ: وَالْبُدَاءَةُ بِغَسْلِ يَدَيْهِ) قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: السُّنَّةُ تَقْدِيمُ غَسْلِ الْيَدِ؛ وَأَمَّا نَفْسُ الْغَسْلِ فَفَرْضٌ، وَلِلْإِشَارَةِ إلَى هَذَا الْمَعْنَى قَالَ: الْبُدَاءَةُ بِغَسْلِ يَدَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ غَسْلُ يَدَيْهِ ابْتِدَاءً كَمَا قَالَ غَيْرُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: الطَّاهِرَتَيْنِ) أَمَّا غَسْلُ النَّجِسَتَيْنِ فَوَاجِبٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: ثَلَاثًا) لَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي: وَتَثْلِيثُ الْغَسْلِ، لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ، فَافْهَمْ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ نَقَصَ غَسْلُهُمَا عَنْ الثَّلَاثِ كَانَ آتِيًا بِالسُّنَّةِ تَارِكًا لِكَمَالِهَا، عَلَى أَنَّهُ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعِ لِحَدِيثِ الْمُسْتَيْقِظِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الِابْتِدَاءَ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْحَقِيقِيِّ يُطْلَقُ عَلَى الْإِضَافِيِّ أَيْضًا، وَهُمَا سُنَّتَانِ لَا وَاحِدَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَيْدُ الِاسْتِيقَاظِ) أَيْ الْوَاقِعُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا تَبَعًا لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا يَغْمِسُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا» وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: «حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» (قَوْلُهُ: اتِّفَاقِيٌّ) أَيْ غَيْرُ مَقْصُودِ الذِّكْرِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِهِ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: خَصَّ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْهِدَايَةِ بِالْمُسْتَيْقِظِ تَبَرُّكًا بِلَفْظِ الْحَدِيثِ، وَالسُّنَّةُ تَشْمَلُ الْمُسْتَيْقِظَ وَغَيْرَهُ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ. اهـ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ مَقْصُودٌ، وَأَنَّ غَسْلَهُمَا لِغَيْرِ الْمُسْتَيْقِظِ أَدَبٌ، كَمَا فِي السِّرَاجِ. وَفِي النَّهْرِ: الْأَصَحُّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَنَّهُ سُنَّةٌ مُطْلَقًا، لَكِنَّهُ عِنْدَ تَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، كَمَا إذَا نَامَ لَا عَنْ اسْتِنْجَاءٍ أَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ، وَغَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ عِنْدَ عَدَمِ تَوَهُّمِهَا، كَمَا إذَا نَامَ إلَّا عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَيْقِظًا عَنْ نَوْمٍ اهـ وَنَحْوِهِ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِ الْقَيْدِ اتِّفَاقِيًّا وَأَنَّ الْغَسْلَ سُنَّةٌ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: بِوَقْتِ الْحَاجَةِ) أَيْ إلَى إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ. ابْنُ كَمَالٍ: فَيَكُونُ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذَلِكَ، بِأَنْ كَانَ الْإِنَاءُ صَغِيرًا يُمْكِنُ رَفْعُهُ وَالصَّبُّ مِنْهُ لَا يُسَنُّ غَسْلُهُمَا مَعَ أَنَّهُ يُسَنُّ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَفَاهِيمَ الْكُتُبِ حُجَّةٌ) عِلَّةٌ لِلتَّوَهُّمِ: أَيْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِتَوَهُّمِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ إلَخْ. مَطْلَبٌ فِي دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ وَالْمَفَاهِيمُ: جَمْعُ مَفْهُومٍ، وَهُوَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى شَيْءٍ مَسْكُوتٍ عَنْهُ. وَهُوَ قِسْمَانِ: مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ: أَيْ غَيْرُ الْمَذْكُورِ مُوَافِقًا لِلْمَنْطُوقِ: أَيْ الْمَذْكُورِ فِي الْحُكْمِ؛ كَدَلَالَةِ النَّهْيِ عَنْ التَّأْفِيفِ عَلَى حُرْمَةِ الضَّرْبِ، وَهَذَا يُسَمَّى عِنْدَنَا دَلَالَةَ النَّصِّ، وَهُوَ مُعْتَبَرٌ اتِّفَاقًا. وَمَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ بِخِلَافِهِ، وَهُوَ أَقْسَامٌ: مَفْهُومُ الصِّفَةِ وَالشَّرْطِ وَالْغَايَةِ وَالْعَدَدِ وَاللَّقَبِ، وَهُوَ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَّا مَفْهُومَ اللَّقَبِ. قَالَ فِي التَّحْرِيرِ: وَالْحَنَفِيَّةُ يَنْفُونَ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ بِأَقْسَامِهِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فَقَطْ. اهـ. فَأَفَادَ أَنَّهُ فِي الرِّوَايَاتِ وَنَحْوِهَا مُعْتَبَرٌ بِأَقْسَامِهِ حَتَّى مَفْهُومِ اللَّقَبِ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِجَامِدٍ، كَقَوْلِك: صَلَاةُ الْجُمُعَةِ عَلَى الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ عَدَمُ وُجُوبِهَا عَلَى النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ. وَفِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْكَرْدَرِيِّ أَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ فِي خِطَابَاتِ الشَّارِعِ، فَأَمَّا مَا فِي مُتَفَاهَمِ النَّاسِ وَعُرْفِهِمْ وَفِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ فَيَدُلُّ. اهـ. وَتَوْضِيحُ هَذَا الْمَحَلِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 بِخِلَافِ أَكْثَرِ مَفَاهِيمِ النُّصُوصِ، كَذَا فِي النَّهْرِ وَفِيهِ مِنْ الْحَدِّ الْمَفْهُومِ مُعْتَبَرٌ فِي الرِّوَايَاتِ اتِّفَاقًا، وَمِنْهُ أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ. قَالَ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ لَا مَا لَا يُدْرَكُ بِهِ. اهـ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ حُدُودِ النِّهَايَةِ: الْمَفْهُومُ مُعْتَبَرٌ فِي نَصِّ الْعُقُوبَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15]- وَأَمَّا اعْتِبَارُهُ فِي الرِّوَايَةِ فَأَكْثَرِيٌّ لَا كُلِّيٌّ (إلَى الرُّسْغَيْنِ) بِالضَّمِّ، مِفْصَلُ الْكَفِّ بَيْن الْكُوعَ وَالْكُرْسُوعِ، وَأَمَّا الْبُوعُ فَفِي الرِّجْلِ. قَالَ: وَعَظْمٌ يَلِي الْإِبْهَامَ كُوعٌ وَمَا يَلِي ... لِخِنْصَرِهِ الْكُرْسُوعُ وَالرُّسْغُ فِي الْوَسَطِ وَعَظْمٌ يَلِي إبْهَامَ رِجْلٍ مُلَقَّبٍ ... بِبُوعٍ فَخُذْ بِالْعِلْمِ وَاحْذَرْ مِنْ الْغَلَطِ ثُمَّ إنْ لَمْ يُمْكِنْ رَفْعُ الْإِنَاءِ أَدْخَلَ أَصَابِعَ يُسْرَاهُ   [رد المحتار] يُطْلَبُ مِنْ حَوَاشِينَا عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ أَكْثَرِ مَفَاهِيمِ النُّصُوصِ) كَالْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ لِكَوْنِهَا مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ، فَتَحْتَمِلُ فَوَائِدَ كَثِيرَةٍ تَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْمَنْطُوقِ بِالذِّكْرِ؛ وَلِذَا تَرَى الْخَلَفَ يَسْتَفِيدُونَ مِنْهَا مَا لَمْ يُدْرِكْهُ السَّلَفُ، بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ؛ فَإِنَّهُ قَلَّمَا يَقَعُ فِيهَا تَفَاوُتُ الْأَنْظَارِ، وَالْمُرَادُ مَفَاهِيمُ الْمُخَالَفَةِ. أَمَّا مَفَاهِيمُ الْمُوَافَقَةِ فَمُعْتَبَرَةٌ مُطْلَقًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَقَيَّدَهُ بِالْأَكْثَرِ لِأَنَّ مِنْ النُّصُوصِ مَا يُعْتَبَرُ مَفْهُومُهُ كَنَصِّ الْعُقُوبَةِ، كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ مِنْ الْحَدِّ) أَيْ فِي النَّهْرِ مِنْ كِتَابِ الْحَدِّ عِنْدَ ذِكْرِ الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ: فِي الرِّوَايَاتِ) أَيْ عَنْ الْأَئِمَّةِ، وَالْمُرَادُ فِي أَكْثَرِهَا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الَّذِي يُعْتَبَرُ مَفْهُومُهُ اتِّفَاقًا ط (قَوْلُهُ: تَقْيِيدُهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ اعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ فِي أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ ط (قَوْلُهُ: بِمَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ) أَيْ مَا لِلْعَقْلِ فِيهِ مَجَالٌ وَتَصَرُّفٌ ط (قَوْلُهُ: لَا مَا لَمْ يُدْرَكْ بِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ وَالْمَرْفُوعُ نَصٌّ، وَالنَّصُّ لَا يُعْتَبَرُ مَفْهُومُهُ ط قَوْلُ، وَلِهَذَا اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَقْلِيدِ الصَّحَابَةِ فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ كَمَا فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ، قَالُوا: إنَّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَخْذًا بِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لِتَعَيُّنِ جِهَةِ السَّمَاعِ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى إلَخْ) لِأَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ ذَكَرُوا مِنْ جُمْلَةِ الْأَدِلَّةِ عَلَى جَوَازِ رُؤْيَتِهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ هَذِهِ الْآيَةَ؛ حَيْثُ جَعَلَ الْحَجْبَ عَنْ الرُّؤْيَةِ عُقُوبَةً لِلْفُجَّارِ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يُحْجَبُونَ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عُقُوبَةً لِلْفُجَّارِ (قَوْلُهُ: فَأَكْثَرِيٌّ لَا كُلِّيٌّ) يُحْمَلُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ، وَمِنْ غَيْرِ الْأَكْثَرِ مَا مَرَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْهِدَايَةِ بِالْمُسْتَيْقِظِ (قَوْلُهُ: إلَى الرُّسْغَيْنِ) تَثْنِيَةُ رُسْغٍ بِالسِّينِ وَالصَّادِ، وَبِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَوْ بِضَمَّتَيْنِ، أَفَادَهُ فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ:: مِفْصَلُ الْكَفِّ) عَلَى وَزْنِ مِنْبَرٍ: مُلْتَقَى الْعَظْمَاتِ مِنْ الْجَسَدِ قَامُوسٌ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ يَصْدُقُ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ؛ فَلِذَا سَاغَ تَفْسِيرُ الْمُثَنَّى بِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: قَالَ) أَيْ الشَّاعِرُ، وَتَسَاهَلُوا فِي حَذْفِ فَاعِلِهِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ النَّظْمَ إلَّا شَاعِرٌ ط (قَوْلُهُ: لِخِنْصَرِهِ) أَيْ الشَّخْصِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ ط (قَوْلُهُ: فِي الْوَسَطِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَا وَسَطَ: أَيْ مَا تَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: فَخُذْ بِالْعِلْمِ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ أَوْ أَصْلِيَّةٌ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ: أَيْ خُذْ هَذِهِ الْمَسَائِلَ بِعِلْمٍ لَا بِظَنٍّ لِأَنَّهُ قَدْ يُوقِعُ فِي الْغَلَطِ، أَوْ ضَمَّنَ خُذْ مَعْنَى الظَّفْرِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَخْ) ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ وَالتَّرَاخِي فِي الْأَخْبَارِ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ أَوَّلِ الْكَلَامِ. وَفِي كَيْفِيَّةِ الْغُسْلِ تَفْصِيلٌ ذَكَرَ الشَّارِحُ الْخَفِيَّ مِنْهُ وَتَرَكَ الظَّاهِرَ. قَالَ فِي النَّهْرِ: ثُمَّ كَيْفِيَّةُ هَذَا الْغَسْلِ أَنَّ الْإِنَاءَ إنْ أَمْكَنَ رَفْعُهُ غَسَلَ الْيُمْنَى ثُمَّ الْيُسْرَى ثَلَاثًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لَكِنْ مَعَهُ إنَاءٌ صَغِيرٌ فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا أَدْخَلَ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى مَضْمُومَةً دُونَ الْكَفِّ وَصَبَّ عَلَى الْيُمْنَى ثُمَّ يُدْخِلُهَا وَيَغْسِلُ الْيُسْرَى اهـ. وَفِي الْبَحْرِ قَالُوا: يُكْرَهُ إدْخَالُ الْيَدِ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ الْغَسْلِ لِلْحَدِيثِ، وَهِيَ كَرَاهَةٌ تَنْزِيهٌ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ فِيهِ مَصْرُوفٌ عَنْ التَّحْرِيمِ بِقَوْلِهِ: «فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» فَالنَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِنَاءِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ إذَا كَانَ مَعَهُ إنَاءٌ صَغِيرٌ، فَلَا يُدْخِلُ الْيَدَ أَصْلًا، وَفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 مَضْمُومَةً وَصَبَّ عَلَيْهَا الْيُمْنَى لِأَجْلِ التَّيَامُنِ. وَلَوْ أَدْخَلَ الْكَفَّ إنْ أَرَادَ الْغُسْلَ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا، وَإِنْ أَرَادَ الِاغْتِرَافَ لَا، وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ الِاغْتِرَافُ بِشَيْءٍ وَيَدَاهُ نَجِسَتَانِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَمْ يُعِدْ. (وَهُوَ) سُنَّةٌ كَمَا أَنَّ الْفَاتِحَةَ وَاجِبَةٌ (يَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ)   [رد المحتار] الْكَبِيرِ عَلَى إدْخَالِ الْكَفِّ، كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَغَيْرِهِ، وَفِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ: يُكْرَهُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الَّذِي أَدْخَلَ الْمُسْتَيْقِظُ يَدَهُ فِيهِ؛ لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ كَالْمَاءِ الَّذِي أَدْخَلَ الصَّبِيُّ يَدَهُ فِيهِ. اهـ. أَقُولُ: وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نَامَ مُسْتَنْجِيًا وَلَا نَجَاسَةَ عَلَيْهِ لَا يُكْرَهُ إدْخَالُ يَدِهِ وَلَا الْوُضُوءُ مِمَّا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ لِعَدَمِ احْتِمَالِ النَّجَاسَةِ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَصَبَّ عَلَى الْيُمْنَى) أَيْ ثُمَّ يُدْخِلُهَا وَيَغْسِلُ الْيُسْرَى كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: لِأَجْلِ التَّيَامُنِ) فِيهِ جَوَابٌ عَمَّا قِيلَ: لَا حَاجَةَ إلَى الصَّبِّ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ كَفَّيْهِ عَلَى حِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ غَسْلُ الْكَفَّيْنِ بِمَا صَبَّهُ عَلَى الْكَفِّ الْيُمْنَى كَمَا هُوَ الْعَادَةُ. وَرَدَّهُ فِي الدُّرَرِ بِأَنَّ فِيهِ تَرْجِيحًا لِعَادَةِ الْعَوَّامِ عَلَى عُرْفِ الشَّرْعِ: أَيْ لِأَنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ الْبُدَاءَةُ بِالْيَمِينِ، وَبِأَنَّ نَقْلَ الْبِلَّةِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ إحْدَى الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ إلَى الْأُخْرَى لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْغُسْلِ. اهـ. أَقُولُ: لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّهُ نَصَّ غَيْرُ عُلَمَائِنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ التَّيَامُنُ هُنَا كَمَا فِي غَسْلِ الْخَدَّيْنِ وَالْمَنْخَرَيْنِ وَمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يُقَدِّمُ الْيَمِينَ مِنْهُمَا، وَالْقَوَاعِدُ لَا تَنْبُو عَنْهُ اهـ مُلَخَّصًا، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ نَقْلِ الْبِلَّةِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ نَقْلَ الْبِلَّةِ يَجُوزُ هُنَا بِدَلِيلِ ظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ، فَتَكُونُ حِينَئِذٍ عَادَةُ الْعَوَّامِ مُوَافَقَةً لِعُرْفِ الشَّرْعِ؛ وَلِذَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي التُّحْفَةِ: وَيُسَنُّ غَسْلُهُمَا مَعًا لِلِاتِّبَاعِ انْتَهَى فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَدْخَلَ الْكَفَّ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: أَدْخَلَ أَصَابِعَ يُسْرَاهُ (قَوْلُهُ: إنْ أَرَادَ الْغَسْلَ) أَيْ غَسْلَ الْكَفِّ (قَوْلُهُ: صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا) أَيْ الْمَاءُ الْمُلَاقِي لِلْكَفِّ إذَا انْفَصَلَ لَا جَمِيعُ الْمَاءِ بَحْرٌ، وَفِيهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ سَيَأْتِي فِي بَحْثِ الْمُسْتَعْمَلِ (قَوْلُهُ: لَا) أَيْ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمِلًا؛ وَمِثْلُهُ إذَا وَقَعَ الْكُوزُ فِي الْجُبِّ فَأَدْخَلَ يَدَهُ إلَى الْمَرَافِقِ بَحْرٌ، وَذَلِكَ لِلْحَاجَةِ، وَإِنْ وُجِدَتْ عِلَّةٌ الِاسْتِعْمَالِ وَهِيَ رَفْعُ الْحَدَثِ كَمَا أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ الِاغْتِرَافُ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ: لَوْ يَدَاهُ نَجِسَتَانِ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالِاغْتِرَافِ وَالصَّبِّ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَدْخَلَ مِنْدِيلًا فَيَغْسِلُ بِمَا تَقَاطَرَ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ رَفَعَ الْمَاءَ بِفِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي مَسْأَلَةِ رَفْعِ الْمَاءِ بِفِيهِ اخْتِلَافٌ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمِلًا وَهُوَ يُزِيلُ الْخَبَثَ اهـ: أَيْ فَيُزِيلُ مَا عَلَى يَدَيْهِ مِنْ الْخَبَثِ ثُمَّ يَغْسِلُهُمَا لِلْوُضُوءِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: وَهُوَ سُنَّةٌ) أَرَادَ بِهَا مُطْلَقَهَا الشَّامِلَ لِلْمُؤَكَّدَةِ وَغَيْرِهَا ح: أَيْ لِأَنَّهُ عِنْدَ تَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَعِنْدَ عَدَمِهِ غَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: كَمَا أَنَّ الْفَاتِحَةَ) أَيْ قِرَاءَتَهَا وَاجِبَةٌ وَتَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ أَنَّهُ سُنَّةٌ تَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ هُوَ مَا اخْتَارَهُ فِي الْكَافِي وَتَبِعَهُ فِي الدُّرَرِ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَدْرُ كَلَامِهِ حَيْثُ عَبَّرَ بِالْبُدَاءَةِ بِغَسْلِ يَدَيْهِ؛ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي اخْتِيَارِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَرْضٌ، وَتَقْدِيمُهُ سُنَّةٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ ابْنِ كَمَالٍ، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْمِعْرَاجِ وَالْخَبَّازِيَّةِ وَالسِّرَاجِ؛ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ، ثُمَّ يَغْسِلُ ذِرَاعَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ يَدَيْهِ، فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا ثَانِيًا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ سُنَّةٌ لَا تَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ فَيُعِيدُ غَسْلَهُمَا. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّطْهِيرُ وَقَدْ حَصَلَ. وَأَجَابَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ النَّابُلُسِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ النِّيَابَةِ مِنْ حَيْثُ ثَوَابُ الْفَرْضِ لَوْ أَتَى بِهِ مُسْتَقِلًّا قَصْدًا إذْ السُّنَّةُ لَا تُؤَدِّيه وَيُؤَدِّيه اتِّفَاقُهُمْ عَلَى سُقُوطِ الْحَدَثِ بِلَا نِيَّةٍ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وَيُسَنُّ غَسْلُهَا أَيْضًا مَعَ الذِّرَاعَيْنِ. (وَالسِّوَاكُ) سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ، وَقِيلَ: قَبْلَهَا، وَهُوَ لِلْوُضُوءِ عِنْدَنَا إلَّا إذَا نَسِيَهُ   [رد المحتار] وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْفَرْضَ سَقَطَ لَكِنْ فِي ضِمْنِ الْغَسْلِ الْمَسْنُونِ لَا قَصْدًا، وَالْفَرْضُ إنَّمَا يُثَابُ عَلَيْهِ إذَا أَتَى بِهِ عَلَى قَصْدِ الْفَرْضِيَّةِ؛ كَمَنْ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ قَدْ نَسِيَهَا وَاغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ ضِمْنًا وَلَا يُثَابُ ثَوَابَ الْفَرْضِ وَهُوَ غُسْلُ الْجَنَابَةِ مَا لَمْ يَنْوِهِ لِأَنَّهُ لَا ثَوَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَيُسَنُّ أَنْ يُعِيدَ غَسْلَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ غَسْلِ الذِّرَاعَيْنِ لِيَكُونَ آتِيًا بِالْفَرْضِ قَصْدًا، وَلَا يَنُوبُ الْغَسْلُ الْأَوَّلُ مَنَابَهُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَإِنْ نَابَ مَنَابَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَوْ لَمْ يُعِدْهُ سَقَطَ الْفَرْضُ كَمَا يَسْقُطُ لَوْ لَمْ يَنْوِ أَصْلًا. وَيَظْهَرُ لِي عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِالْفَرْضِيَّةِ أَرَادَ أَنَّهُ يُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ، وَأَنَّ تَقْدِيمَ هَذَا الْغَسْلِ الْمُجْزِئِ عَنْ الْفَرْضِ سُنَّةٌ، وَهُوَ مَعْنَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ تَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ يُسَنُّ إعَادَةُ الْغَسْلِ لِمَا مَرَّ فَتَتَّحِدُ الْأَقْوَالُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الذَّخَائِرِ الْأَشْرَفِيَّةِ. وَفِيهِ تَأْيِيدٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا حَيْثُ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِأَحَدِ الْأَقْوَالِ، إذْ يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِأَنَّ إعَادَةَ غَسْلِهِمَا عَبَثٌ وَإِسْرَافٌ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ:: وَالسِّوَاكُ) بِالْكَسْرِ: بِمَعْنَى الْعُودِ الَّذِي يُسْتَاكُ بِهِ وَبِمَعْنَى الْمَصْدَرِ. قَالَ فِي الدُّرَرِ: وَهُوَ الْمُرَادُ هَاهُنَا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ اسْتِعْمَالِ السِّوَاكِ. اهـ. فَالْمُرَادُ الِاسْتِيَاكُ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: وَبِهِ عَبَّرَ فِي الْفَتْحِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْغَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَنَقَلَهُ ابْنُ فَارِسٍ فِي مِقْيَاسِ اللُّغَةِ وَهُوَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ أَيْضًا، فَلَا يَرِدُ مَا قِيلَ: إنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ اهـ وَنَقَلَهُ نُوحٌ أَفَنْدِي أَيْضًا عَنْ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ وَالْعِرَاقِيِّ وَالْكَرْمَانِيِّ، قَالَ: وَكَفَى بِهِمْ حُجَّةٌ (قَوْلُهُ: سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) خَبَرٌ لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ إنْ قُدِّرَ قَوْلُهُ: وَالسِّوَاكُ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ لَا مُبْتَدَأٌ وَعَلَى الْعَطْفِ فَهَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ أَوْ مَجْرُورٌ؟ اسْتَظْهَرَ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ الثَّانِي لِيُفِيدَ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِهِ سُنَّةٌ أَيْضًا. وَاسْتَظْهَرَ فِي النَّهْرِ الْأَوَّلَ لِتَرْجِيحِ كَوْنِهِ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ. ثُمَّ قِيلَ: إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ الْوُضُوءِ وَصَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ إنَّهُ الْحَقُّ، لَكِنْ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الصَّغِيرِ: وَقَدْ عَدَّهُ الْقُدُورِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ السُّنَنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. قُلْت: وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ أَكْمَلُ فِي الْإِنْقَاءِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ لِلْوُضُوءِ عِنْدَنَا) أَيْ سُنَّةٌ لِلْوُضُوءِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِلصَّلَاةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَقَالُوا: فَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَنْ صَلَّى بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ صَلَوَاتٍ يَكْفِيه عِنْدَنَا لَا عِنْدَهُ. وَعَلَّلَهُ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ إذَا اسْتَاكَ لِلصَّلَاةِ رُبَّمَا يَخْرُجُ دَمٌ، وَهُوَ نَجَسٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَاقِضًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا نَسِيَهُ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ عِنْدَ الْوُضُوءِ لَا يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ عِنْدَ الصَّلَاةِ، لَكِنْ فِي الْفَتْحِ عِنْدَ الْغَزْنَوِيَّةِ: وَيُسْتَحَبُّ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: اصْفِرَارُ السِّنِّ، وَتَغَيُّرُ الرَّائِحَةِ، وَالْقِيَامُ مِنْ النَّوْمِ، وَالْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ، وَعِنْدَ الْوُضُوءِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: يُنَافِيه مَا نَقَلُوهُ مِنْ أَنَّهُ عِنْدَنَا لِلْوُضُوءِ لَا لِلصَّلَاةِ، وَوَفَّقَ فِي النَّهْرِ بِحَمْلِ مَا فِي الْغَزْنَوِيَّةِ عَلَى مَا فِي الْجَوْهَرَةِ أَيْ أَنَّهُ لِلْوُضُوءِ. وَإِذَا نَسِيَهُ يَكُونُ مَنْدُوبًا لِلصَّلَاةِ لَا لِلْوُضُوءِ، وَهَذَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ، لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: فِيهِ نَظَرٌ بِالنَّظَرِ إلَى تَعْلِيلِ السِّرَاجِ الْهِنْدِيِّ الْمُتَقَدِّمِ. اهـ. أَقُولُ: هَذَا التَّعْلِيلُ عَلِيلٌ؛ فَقَدْ رُدَّ بِأَنَّ ذَاكَ أَمْرٌ مُتَوَهَّمٌ مَعَ أَنَّهُ لِمَنْ يُثَابِرُ عَلَيْهِ لَا يُدْمِي. وَيَظْهَرُ لِي التَّوْفِيقُ، بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: هُوَ لِلْوُضُوءِ عِنْدَنَا بَيَانُ مَا تَحْصُلُ بِهِ الْفَضِيلَةُ الْوَارِدَةُ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةٌ بِسِوَاكٍ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةٍ بِغَيْرِ سِوَاكٍ» أَيْ أَنَّهَا تَحْصُلُ بِالْإِتْيَانِ بِهِ عِنْدَ الْوُضُوءِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالْإِتْيَانِ بِهِ عِنْدَ الصَّلَاةِ. فَعِنْدنَا كُلُّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِذَلِكَ الْوُضُوءِ لَهَا هَذِهِ الْفَضِيلَةُ خِلَافًا لَهُ، وَلَا يَلْزَمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 فَيُنْدَبُ لِلصَّلَاةِ؛ كَمَا يُنْدَبُ لِاصْفِرَارِ سِنٍّ وَتَغَيُّرِ رَائِحَةٍ وَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ؛ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ فِي الْأَعَالِي وَثَلَاثٌ فِي الْأَسَافِلِ (بِمِيَاهٍ) ثَلَاثَةٌ. (وَ) نُدِبَ إمْسَاكُهُ (بِيُمْنَاهُ) وَكَوْنُهُ لَيِّنًا، مُسْتَوِيًا بِلَا عُقَدٍ، فِي غِلَظِ الْخِنْصَرِ وَطُولِ شِبْرٍ. وَيَسْتَاكُ عَرْضًا لَا طُولًا، وَلَا مُضْطَجِعًا؛ فَإِنَّهُ يُورِثُ كِبَرَ الطِّحَالِ، وَلَا يَقْبِضُهُ؛ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَاسُورَ، وَلَا يَمُصُّهُ؛   [رد المحتار] مِنْ هَذَا نَفْيُ اسْتِحْبَابِهِ عِنْدَنَا لِكُلِّ صَلَاةٍ أَيْضًا حَتَّى يَحْصُلَ التَّنَافِي. وَكَيْفَ لَا يُسْتَحَبُّ لِلصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ مُنَاجَاةُ الرَّبِّ تَعَالَى مَعَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلِاجْتِمَاعِ بِالنَّاسِ. قَالَ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ: وَلَيْسَ السِّوَاكُ مِنْ خَصَائِصِ الْوُضُوءِ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي حَالَاتٍ مِنْهَا: تَغَيُّرُ الْفَمِ، وَالْقِيَامُ مِنْ النَّوْمِ وَإِلَى الصَّلَاةِ، وَدُخُولُ الْبَيْتِ، وَالِاجْتِمَاعُ بِالنَّاسِ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ؛ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّ السِّوَاكَ مِنْ سُنَنِ الدِّينِ فَتَسْتَوِي فِيهِ الْأَحْوَالُ كُلُّهَا. اهـ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَلَا يَخْتَصُّ بِالْوُضُوءِ كَمَا قِيلَ، بَلْ سُنَّةٌ عَلَى حِدَةٍ عَلَى مَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي حَاشِيَةِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَيُؤَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ عِنْدَ قَصْدِ التَّوَضُّؤِ فَيُسَنُّ أَوْ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ اهـ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِهِ عِنْدَ صَلَاةٍ أَيْضًا الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الصَّغِيرِ، وَفِي هَدِيَّةِ ابْنِ عِمَادٍ أَيْضًا، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّتِمَّةِ: وَيُسْتَحَبُّ السِّوَاكُ عِنْدَنَا عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَوُضُوءٍ وَكُلِّ مَا يُغَيِّرُ الْفَمَ وَعِنْدَ الْيَقَظَةِ. اهـ. فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْفَرِيدَ (قَوْلُهُ: وَأَقَلُّهُ إلَخْ) أَقُولُ: قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: وَلَا تَقْدِيرَ فِيهِ، بَلْ يَسْتَاكُ إلَى أَنْ يَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ بِزَوَالِ النَّكْهَةِ وَاصْفِرَارِ السِّنِّ، وَالْمُسْتَحَبُّ فِيهِ ثَلَاثٌ بِثَلَاثِ مِيَاهٍ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ تَحْصِيلُ السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا تَحْصُلُ بِاطْمِئْنَانِ الْقَلْبِ، فَلَوْ حَصَلَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ فَالْمُسْتَحَبُّ إكْمَالُهَا كَمَا قَالُوا فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ (قَوْلُهُ: فِي الْأَعَالِي) وَيَبْدَأُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ وَفِي الْأَسَافِلِ كَذَلِكَ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: بِمِيَاهٍ ثَلَاثَةٍ) بِأَنْ يَبِلَّهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ (قَوْلُهُ:: وَنُدِبَ إمْسَاكُهُ بِيُمْنَاهُ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، قَالَ فِي الدُّرَرِ: لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ الْمُتَوَارَثُ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنْ قَالَ مُحَشِّيهِ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي: أَقُولُ: دَعْوَى النَّقْلِ تَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ، وَلَمْ يُوجَدْ. غَايَةُ مَا يُقَالُ أَنَّ السِّوَاكَ إنْ كَانَ مِنْ بَابِ التَّطْهِيرِ اُسْتُحِبَّ بِالْيَمِينِ كَالْمَضْمَضَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ بَابِ إزَالَةِ الْأَذَى فَبِالْيُسْرَى وَالظَّاهِرُ الثَّانِي كَمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ. وَاسْتُدِلَّ لِلْأَوَّلِ بِمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَامُنُ فِي تَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَسِوَاكِهِ» وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْبُدَاءَةُ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ مِنْ الْفَمِ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالسُّنَّةُ فِي كَيْفِيَّةِ أَخْذِهِ أَنْ يَجْعَلَ الْخِنْصَرَ أَسْفَلَهُ وَالْإِبْهَامَ أَسْفَلَ رَأْسِهِ وَبَاقِي الْأَصَابِعِ فَوْقَهُ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ (قَوْلُهُ: وَكَوْنُهُ لَيِّنًا) كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي السِّرَاجِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ السِّوَاكُ لَا رَطْبًا يَلْتَوِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُزِيلُ الْقَلَحَ وَهُوَ وَسَخُ الْأَسْنَانِ، وَلَا يَابِسًا يَجْرَحُ اللِّثَةَ وَهِيَ مَنْبَتُ الْأَسْنَانِ. اهـ. فَالْمُرَادُ أَنَّ رَأْسَهُ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ اسْتِعْمَالِهِ يَكُونُ لَيِّنًا: أَيْ لَا فِي غَايَةِ الْخُشُونَةِ وَلَا غَايَةِ النُّعُومَةِ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بِلَا عَقْدٍ) فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ: قَلِيلُ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ: فِي غِلَظِ الْخِنْصَرِ) كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِي الْفَتْحِ الْأُصْبُعِ (قَوْلُهُ: وَطُولِ شِبْرٍ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي ابْتِدَاءِ اسْتِعْمَالِهِ، فَلَا يَضُرُّ نَقْصُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْقَطْعِ مِنْهُ لِتَسْوِيَتِهِ، تَأَمَّلْ، وَهَلْ الْمُرَادُ شِبْرُ الْمُسْتَعْمِلِ أَوْ الْمُعْتَادِ؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي لِأَنَّهُ مَحْمَلُ الْإِطْلَاقِ غَالِبًا (قَوْلُهُ:: وَيَسْتَاكُ عَرْضًا لَا طُولًا) أَيْ لِأَنَّهُ يَجْرَحُ لَحْمَ الْأَسْنَانِ. وَقَالَ الْغَزْنَوِيُّ: طُولًا وَعَرْضًا. وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ بَحْرٌ، لَكِنْ وَفَّقَ فِي الْحِلْيَةِ بِأَنَّهُ يَسْتَاكُ عَرْضًا فِي الْأَسْنَانِ وَطُولًا فِي اللِّسَانِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْغَزْنَوِيِّ أَنَّهُ يَسْتَاكُ بِالْمُدَارَاةِ خَارِجَ الْأَسْنَانِ وَدَاخِلَهَا أَعْلَاهَا وَأَسْفَلَهَا وَرُءُوسِ الْأَضْرَاسِ وَبَيْنَ كُلِّ سِنَّيْنِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَقْبِضُهُ) أَيْ بِيَدِهِ عَلَى خِلَافِ الْهَيْئَةِ الْمَسْنُونَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَمُصُّهُ) بِضَمِّ الْمِيمِ كَيَخُصُّ، وَأَمَّا بَلْعُ الرِّيقِ بِلَا مَصٍّ، فَفِي الْحِلْيَةِ قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 فَإِنَّهُ يُورِثُ الْعَمَى، ثُمَّ يَغْسِلُهُ، وَإِلَّا فَيَسْتَاكُ الشَّيْطَانُ بِهِ، وَلَا يُزَادُ عَلَى الشِّبْرِ، وَإِلَّا فَالشَّيْطَانُ يَرْكَبُ عَلَيْهِ، وَلَا يَضَعُهُ بَلْ يَنْصِبُهُ، وَإِلَّا فَخَطَرُ الْجُنُونِ قُهُسْتَانِيٌّ. وَيُكْرَهُ بِمُؤْذٍ، وَيَحْرُمُ بِذِي سُمٍّ. وَمِنْ مَنَافِعِهِ أَنَّهُ شِفَاءٌ لِمَا دُونَ الْمَوْتِ، وَمُذَكِّرٌ لِلشَّهَادَةِ عِنْدَهُ. وَعِنْدَ فَقْدِهِ أَوْ فَقْدِ أَسْنَانِهِ تَقُومُ الْخِرْقَةُ الْخَشِنَةُ أَوْ الْأُصْبُعُ مَقَامَهُ، كَمَا يَقُومُ الْعِلْكُ مَقَامَهُ لِلْمَرْأَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. (وَغَسْلُ الْفَمِ) أَيْ اسْتِيعَابُهُ، وَلِذَا عَبَّرَ بِالْغَسْلِ -   [رد المحتار] الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ: وَابْلَعْ رِيقَك أَوَّلَ مَا تَسْتَاكُ؛ فَإِنَّهُ يَنْفَعُ الْجُذَامَ وَالْبَرَصَ وَكُلَّ دَاءٍ سِوَى الْمَوْتِ، وَلَا تَبْلَعْ بَعْدَهُ شَيْئًا؛ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْوَسْوَسَةَ، يَرْوِيه زِيَادُ بْنُ عَلَاقَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَضَعُهُ إلَخْ) أَيْ لَا يُلْقِيه عَرْضًا بَلْ يَنْصِبُهُ طُولًا. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَمَوْضِعُ سِوَاكِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أُذُنِهِ مَوْضِعُ الْقَلَمِ مِنْ أُذُنِ الْكَاتِبِ، وَأَسْوِكَةُ أَصْحَابِهِ خَلَفَ آذَانِهِمْ، كَمَا قَالَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَضَعُهُ فِي طَيِّ عِمَامَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَخَطَرُ الْجُنُونِ) فَإِنَّهُ يُرْوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: مَنْ وَضَعَ سِوَاكَهُ بِالْأَرْضِ فَجُنَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ، حِلْيَةٌ عَنْ الْحَكِيمِ التِّرْمِذِيِّ. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ بِمُؤْذٍ) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَرَاهَتُهُ بِقُضْبَانِ الرُّمَّانِ وَالرَّيْحَانِ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْعَيْنِيِّ: رَوَى الْحَارِثُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ضُمَيْرِ بْنِ حَبِيبٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ السِّوَاكِ بِعُودِ الرَّيْحَانِ، وَقَالَ: إنَّهُ يُحَرِّكُ عِرْقَ الْجُذَامِ» وَفِي النَّهْرِ: وَيَسْتَاكُ بِكُلِّ عُودٍ إلَّا الرُّمَّانَ وَالْقَصَبَ. وَأَفْضَلُهُ الْأَرَاكُ ثُمَّ الزَّيْتُونُ. رَوَى الطَّبَرَانِيُّ «نِعْمَ السِّوَاكُ الزَّيْتُونُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ، وَهُوَ سِوَاكِي وَسِوَاكُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي» مَطْلَبٌ فِي مَنَافِعِ السِّوَاكِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ مَنَافِعِهِ إلَخْ) فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ حَاشِيَةِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ لِلْفَارِضِيِّ: أَنَّ مِنْهَا أَنَّهُ يُبْطِئُ بِالشَّيْبِ، وَيُحِدُّ الْبَصَرَ. وَأَحْسَنُهَا أَنَّهُ شِفَاءٌ لِمَا دُونَ الْمَوْتِ، وَأَنَّهُ يُسْرِعُ فِي الْمَشْيِ عَلَى الصِّرَاطِ. اهـ. وَمِنْهَا مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، وَمَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ، وَمَفْرَحَةٌ لِلْمَلَائِكَةِ، وَمَجْلَاةٌ لِلْبَصَرِ، وَيُذْهِبُ الْبَخَرَ وَالْحَفْرَ، وَيُبَيِّضُ الْأَسْنَانَ، وَيَشُدُّ اللِّثَةَ، وَيَهْضِمُ الطَّعَامَ، وَيَقْطَعُ الْبَلْغَمَ، وَيُضَاعِفُ الصَّلَاةَ، وَيُطَهِّرُ طَرِيقَ الْقُرْآنِ، وَيَزِيدُ فِي الْفَصَاحَةِ، وَيُقَوِّي الْمَعِدَةَ، وَيُسْخِطُ الشَّيْطَانَ، وَيَزِيدُ فِي الْحَسَنَاتِ، وَيَقْطَعُ الْمُرَّةَ، وَيُسَكِّنُ عُرُوقَ الرَّأْسِ، وَوَجَعَ الْأَسْنَانِ، وَيُطَيِّبُ النَّكْهَةَ، وَيُسَهِّلُ خُرُوجَ الرُّوحِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَمَنَافِعُهُ وَصَلَّتْ إلَى نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ مَنْفَعَةً، أَدْنَاهَا إمَاطَةُ الْأَذَى، وَأَعْلَاهَا تَذْكِيرُ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ، رَزَقَنَا اللَّهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ (قَوْلُهُ: عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ: أَوْ الْأُصْبُعُ) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: ثُمَّ بِأَيِّ أُصْبُعٍ اسْتَاكَ لَا بَأْسَ بِهِ. وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَاكَ بِالسِّبَابَتَيْنِ، يَبْدَأُ بِالسَّبَّابَةِ الْيُسْرَى ثُمَّ بِالْيُمْنَى، وَإِنْ شَاءَ اسْتَاكَ بِإِبْهَامِهِ الْيُمْنَى وَالسَّبَّابَةِ الْيُمْنَى، يَبْدَأُ بِالْإِبْهَامِ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ فَوْقَ وَتَحْتَ، ثُمَّ السَّبَّابَةُ مِنْ الْأَيْسَرِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: كَمَا يَقُومُ الْعِلْكُ مَقَامَهُ) أَيْ فِي الثَّوَابِ إذَا وُجِدَتْ النِّيَّةُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهِ تُضْعِفُ أَسْنَانَهَا فَيُسْتَحَبُّ لَهَا فِعْلُهُ بَحْرٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِحَالِ الْمَضْمَضَةِ ط (قَوْلُهُ: وَلِذَا عَبَّرَ بِالْغَسْلِ) أَفَادَ أَنَّ الِاسْتِيعَابَ يُفَادُ بِالْغَسْلِ دُونَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُمَا كَذَلِكَ فَالْمَضْمَضَةُ اصْطِلَاحًا اسْتِيعَابُ الْمَاءِ جَمِيعَ الْفَمِ. وَفِي اللُّغَةِ التَّحْرِيكُ. وَالِاسْتِنْشَاقُ اصْطِلَاحًا إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْمَارِنِ. وَلُغَةً مِنْ النَّشْقِ، وَهُوَ جَذْبُ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ بِرِيحِ الْأَنْفِ إلَى دَاخِلِهِ بَحْرٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَهُوَ أَنَّ السُّنَّةَ فِيهِمَا الْمُبَالَغَةُ، وَالْغَسْلُ أَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَأَوْرَدَ أَنَّ الْمُبَالَغَةَ الْمَذْكُورَةَ لَيْسَتْ نَفْسَ الِاسْتِيعَابِ، عَلَى أَنَّ الْمُبَالَغَةَ سُنَّةٌ أُخْرَى، فَالتَّعْبِيرُ عَنْهَا وَعَنْ أَصْلِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 أَوْ لِلِاخْتِصَارِ (بِمِيَاهٍ) ثَلَاثَةٌ (وَالْأَنْفِ) بِبُلُوغِ الْمَاءِ الْمَارِنِ (بِمِيَاهٍ) وَهُمَا سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ مُشْتَمِلَتَانِ عَلَى سُنَنٍ خَمْسٍ: التَّرْتِيبُ، وَالتَّثْلِيثُ، وَتَجْدِيدُ الْمَاءِ، وَفِعْلُهُمَا بِالْيُمْنَى (وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا) بِالْغَرْغَرَةِ، وَمُجَاوَزَةِ الْمَارِنِ (لِغَيْرِ الصَّائِمِ) لِاحْتِمَالِ الْفَسَادِ؛ وَسِرُّ تَقْدِيمِهِمَا اعْتِبَارُ أَوْصَافِ الْمَاءِ؛. لِأَنَّ لَوْنَهُ يُدْرَكُ بِالْبَصَرِ، وَطَعْمَهُ بِالْفَمِ، وَرِيحَهُ بِالْأَنْفِ. وَلَوْ عِنْدَهُ مَاءٌ يَكْفِي لِلْغَسْلِ مَرَّةً مَعَهُمَا وَثَلَاثًا بِدُونِهِمَا غَسَلَ مَرَّةً. وَلَوْ أَخَذَ مَاءً فَمَضْمَضَ بِبَعْضِهِ وَاسْتَنْشَقَ بِبَاقِيهِ أَجْزَأَهُ، وَعَكْسُهُ لَا. وَهَلْ يُدْخِلُ أُصْبُعَهُ فِي فَمِهِ وَأَنْفِهِ؟   [رد المحتار] بِعِبَارَةٍ وَاحِدَةٍ يُوهِمُ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ نَهْرٌ. وَأَيْضًا لَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ مَنْ صَرَّحَ بِسُنِّيَّةِ الْمُبَالَغَةِ كَالْمُصَنِّفِ. قُلْت: فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ التَّعْبِيرَ بِغَسْلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ أَدَلُّ عَلَى الِاسْتِيعَابِ مِنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَوْ لِلِاخْتِصَارِ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الِاخْتِصَارَ مَطْلُوبٌ مَا لَمْ يُفَوِّتْ فَائِدَةً مُهِمَّةً، فَإِنَّ الْمَضْمَضَةَ إدَارَةُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ ثُمَّ مَجُّهُ، وَالْغَسْلُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ كَوْنَ الْمَجِّ شَرْطًا فِيهَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الثَّانِي. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِمَا فِي الْفَتْحِ: لَوْ شَرِبَ الْمَاءَ عَبًّا أَجْزَأَهُ عَنْ الْمَضْمَضَةِ، وَقِيلَ: لَا، وَمَصًّا لَا يَجْزِيه. هَذَا، وَأَبْدَى الْعَيْنِيُّ وَجْهًا ثَالِثًا هُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى حَدَّيْهِمَا (قَوْلُهُ: بِمِيَاهٍ) إنَّمَا قَالَ: بِمِيَاهٍ وَلَمْ يَقُلْ: ثَلَاثًا؛ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْمَسْنُونَ التَّثْلِيثُ بِمِيَاهٍ جَدِيدَةٍ، أَفَادَهُ فِي الْمِنَحِ ط (قَوْلُهُ: الْمَارِنَ) هُوَ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ قَامُوسُ (قَوْلُهُ: وَهُمَا سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ) فَلَوْ تَرَكَهُمَا أَثِمَ عَلَى الصَّحِيحِ سِرَاجٌ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: لَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا جَعَلَ التَّرْكَ عَادَةً لَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَمَا قَالُوا مِثْلَهُ فِي تَرْكِ التَّثْلِيثِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: مُشْتَمِلَتَانِ) أَيْ مُشْتَمِلٌ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى سُنَنٍ خَمْسٍ، وَبِاعْتِبَارِهِمَا تَكُونُ السُّنَنُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سُنَّةً، فَافْهَمْ؟ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ: التَّرْتِيبُ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ فِيهِمَا، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالتَّثْلِيثُ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ أَنَّ تَرْكَ التَّكْرَارِ مَعَ الْإِمْكَانِ لَا يُكْرَهُ، وَأَيَّدَهُ فِي الْحِلْيَةِ «بِأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مَرَّةً» كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَجْعَلْ التَّرْكَ عَادَةً لَهُ (قَوْلُهُ: وَتَجْدِيدُ الْمَاءِ) أَيْ أَخْذُهُ مَاءً جَدِيدًا فِي كُلِّ مَرَّةٍ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: وَفِعْلُهُمَا بِالْيُمْنَى) أَيْ وَيُمَخِّطُ وَيَسْتَنْثِرُ بِالْيُسْرَى، كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَالْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ: وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا) هِيَ السُّنَّةُ الْخَامِسَةُ. وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ. (قَوْلُهُ: بِالْغَرْغَرَةِ) أَيْ فِي الْمَضْمَضَةِ، وَمُجَاوَزَةِ الْمَارِنِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ، وَقِيلَ: الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ تَكْثِيرُ الْمَاءِ حَتَّى يَمْلَأَ الْفَمَ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ (قَوْلُهُ: وَسِرُّ تَقْدِيمِهِمَا) أَيْ حِكْمَةُ تَقْدِيمِهِمَا عَلَى فَرَائِضِ الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ: اعْتِبَارُ أَوْصَافِ الْمَاءِ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ: أَيْ الْوُقُوفُ عَلَى تَمَامِ أَوْصَافِ الْمَاءِ، فَإِنَّ أَوْصَافَهُ اللَّوْنُ وَالطَّعْمُ وَالرِّيحُ، فَاللَّوْنُ يُرَى بِالْبَصَرِ، وَبِهِمَا يَحْصُلُ تَمَامُ الْأَوْصَافِ الَّتِي قَدْ تَعْرِضُ لَهُ، فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عِنْدَهُ مَاءٌ إلَخْ) فِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ عَنْ الشِّفَاءِ: الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ، مَنْ تَرَكَهُمَا يَأْثَمُ. قَالَ الزَّاهِدِيُّ: وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ مَاءُ الْوُضُوءِ مَرَّةً مَعَهُمَا وَثَلَاثًا بِدُونِهِمَا؛ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ مَرَّةً مَعَهُمَا اهـ كَذَا فِي الْحِلْيَةِ أَيْ لِأَنَّهُمَا آكَدُ فِي التَّثْلِيثِ بِدَلِيلِ الْإِثْمِ بِتَرْكِهِمَا، لَكِنْ قَدَّمْنَا حَمْلَ الْإِثْمِ عَلَى اعْتِيَادِ التَّرْكِ بِلَا عُذْرٍ، عَلَى أَنَّ التَّثْلِيثَ كَذَلِكَ كَمَا يَأْتِي. وَالْأَحْسَنُ قَوْلُ ح " لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَدَ عَنْهُ تَرْكُ التَّثْلِيثِ حَيْثُ «غَسَلَ مَرَّةً مَرَّةً، وَقَالَ: هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ» وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُ تَرْكُ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ. (قَوْلُهُ: أَخَذَ مَاءً فَمَضْمَضَ بِبَعْضِهِ وَاسْتَنْشَقَ بِبَاقِيهِ أَجْزَأَهُ) أَيْ عَنْ أَصْلِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَفَاته سُنِّيَّةُ التَّجْدِيدِ (قَوْلُهُ: وَعَكْسُهُ) أَيْ بِأَنْ قَدَّمَ الِاسْتِنْشَاقَ لَا يُجْزِيه لِصَيْرُورَةِ الْمَاءِ مُسْتَعْمَلًا بَحْرٌ أَيْ لِأَنَّ مَا فِي الْأَنْفِ لَا يُمْكِنُ إمْسَاكُهُ، بِخِلَافِ مَا فِي الْفَمِ، وَالْمُرَادُ لَا يُجْزِيه عَنْ الْمَضْمَضَةِ، وَإِلَّا فَالِاسْتِنْشَاقُ صَحَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 الْأَوْلَى نَعَمْ قُهُسْتَانِيٌّ. (وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ) لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ بَعْدَ التَّثْلِيثِ، وَيَجْعَلُ ظَهْرَ كَفِّهِ إلَى عُنُقِهِ (وَ) تَخْلِيلُ (الْأَصَابِعِ) الْيَدَيْنِ بِالتَّشْبِيكِ وَالرِّجْلَيْنِ   [رد المحتار] وَإِنْ فَاتَهُ التَّرْتِيبُ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: الْأَوْلَى نَعَمْ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ تَسَوَّكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ أَجْزَاءِ السِّوَاكِ شَيْءٌ أَوْ يَبْقَى أَثَرُ طَعَامٍ لَا يُخْرِجُهُ السِّوَاكُ، وَلْيُحَرَّرْ ط. (قَوْلُهُ:: وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ) هُوَ تَفْرِيقُ شَعْرِهَا مِنْ أَسْفَلَ إلَى فَوْقَ، بَحْرٌ، وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يُفَضِّلَانِهِ وَرَجَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْأَدِلَّةُ تُرَجِّحُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي الْكَثَّةِ، أَمَّا الْخَفِيفَةُ فَيَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهَا. اهـ. وَجَزَمَ بِهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي مَتْنِهِ (قَوْلُهُ: لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ) أَمَّا الْمُحْرِمُ فَمَكْرُوهٌ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: بَعْدَ التَّثْلِيثِ) أَيْ تَثْلِيثِ غَسْلِ الْوَجْهِ إمْدَادٌ. (قَوْلُهُ: وَيَجْعَلُ ظَهْرَ كَفِّهِ إلَى عُنُقِهِ) نَقَلَهُ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ بِلَفْظٍ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ إلَخْ. وَكَتَبَ فِي الْهَامِشِ إنَّهُ الْفَاضِلُ الْبُرْجَنْدِيُّ. وَقَالَ فِي الْمِنَحِ: وَكَيْفِيَّتُهُ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ أَنْ يُدْخِلَ أَصَابِعَ الْيَدِ فِي فُرُوجِهَا الَّتِي بَيْنَ شَعَرَاتِهَا مِنْ أَسْفَلَ إلَى فَوْقَ بِحَيْثُ يَكُونُ كَفُّ الْيَدِ الْخَارِجِ وَظُهْرُهَا إلَى الْمُتَوَضِّئِ. اهـ. أَقُولُ: لَكِنْ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَنَسٍ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ، وَقَالَ بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي» ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهُ إدْخَالُ الْيَدِ مِنْ أَسْفَلَ بِحَيْثُ يَكُونُ كَفُّ الْيَدِ لِدَاخِلٍ مِنْ جِهَةِ الْعُنُقِ وَظُهْرُهَا إلَى الْخَارِجِ، لِيُمْكِنَ إدْخَالُ الْمَاءِ الْمَأْخُوذِ فِي خِلَالِ الشَّعْرِ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَارَّةِ فَلَا يَبْقَى لِأَخْذِهِ فَائِدَةٌ، فَلِيُتَأَمَّلْ. وَمَا فِي الْمِنَحِ عَزَاهُ إلَى الْكِفَايَةِ. وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْكِفَايَةِ هَكَذَا، وَكَيْفِيَّتُهُ: أَنْ يُخَلِّلَ بَعْدَ التَّثْلِيثِ مِنْ حَيْثُ الْأَسْفَلُ إلَى فَوْقَ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّخْلِيلَ بِالْيَدِ الْيُمْنَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحِلْيَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَالَ فِي الدُّرَرِ: إنَّهُ يُدْخِلُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ مِنْ خِلَالِ لِحْيَتِهِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَتَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ) هُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ اتِّفَاقًا سِرَاجٌ، وَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مِنْ ذِكْرِ الْخِلَافِ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَافْهَمْ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَيَّدَهُ فِي السِّرَاجِ: أَيْ التَّخْلِيلَ بِأَنْ يَكُونَ بِمَاءٍ مُتَقَاطَرٍ فِي تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ. اهـ. أَقُولُ: قَدْ عَلِمْت مِنْ الْحَدِيثِ الْمَارِّ التَّقْيِيدَ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ بِأَخْذِ كَفٍّ مِنْ مَاءٍ. وَفِي الْبَحْرِ وَيَقُومُ مَقَامَهُ: أَيْ تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ الْإِدْخَالُ فِي الْمَاءِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا. وَفِيهِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ التَّخْلِيلَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ التَّثْلِيثِ لِأَنَّهُ سُنَّةُ التَّثْلِيثِ اهـ. قُلْت: لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ عِنْدَ ذِكْرِهِ اسْتِيعَابَ الْأَعْضَاءِ بِالْغَسْلِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ اسْتِنَانُ تَثْلِيثِهِ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ جَيِّدٍ «عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ بَيْنَ أَصَابِعِ قَدَمَيْهِ ثَلَاثًا. وَقَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ كَمَا فَعَلْت» (قَوْلُهُ: الْيَدَيْنِ) أَيْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ ط (قَوْلُهُ: بِالتَّشْبِيكِ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ بِصِيغَةِ قِيلَ. وَكَيْفِيَّتُهُ كَمَا قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: أَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَ الْبَطْنِ لِئَلَّا يَكُونَ أَشْبَهَ بِاللَّعِبِ (قَوْلُهُ: وَالرِّجْلَيْنِ إلَخْ) ذَكَرَ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ بِذَلِكَ وَرَدَ الْخَبَرُ، وَكَذَا ذَكَرَهَا الْقُدُورِيُّ مَرْوِيَّةً مَعَ تَقْيِيدِ التَّخْلِيلِ بِكَوْنِهِ مِنْ أَسْفَلَ. وَتَعَقَّبَ فِي الْفَتْحِ وُرُودَ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ بِقَوْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ لَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ. قَالَ تِلْمِيذُهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيُّ فِي الْحِلْيَةِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ: لَكِنَّ الَّذِي فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ «الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ.» وَأَمَّا كَوْنُهُ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى بَادِئًا بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى، وَهَذَا بَعْدَ دُخُولِ الْمَاءِ خِلَالَهَا، فَلَوْ مُنْضَمَّةً فَرْضٌ (وَتَثْلِيثُ الْغَسْلِ) الْمُسْتَوْعِبُ؛ وَلَا عِبْرَةَ لِلْغَرَفَاتِ، وَلَوْ اكْتَفَى بِمَرَّةٍ إنْ اعْتَادَهُ أَثِمَ، وَإِلَّا لَا، وَلَوْ زَادَ لِطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ   [رد المحتار] وَكَوْنُهُ مِنْ أَسْفَلَ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. وَيُشْكِلُ كَوْنُهُ بِخِنْصَرِ الْيَدِ الْيُسْرَى أَنَّهُ مِنْ الطَّهَارَةِ، وَالْمُسْتَحَبُّ فِي فِعْلِهَا الْيَمِينُ، وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي كَوْنِهِ بِالْخِنْصَرِ كَوْنُهَا أَدُقَّ الْأَصَابِعِ فَهِيَ بِالتَّخْلِيلِ أَنْسَبُ، وَفِي كَوْنِهِ مِنْ أَسْفَلَ أَنَّهُ أَبْلَغُ فِي إيصَالِ الْمَاءِ اهـ ثُمَّ نُقِلَ نَدْبُ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ. قُلْت: وَيُجَابُ عَنْ قَوْلِهِ وَيُشْكِلُ إلَى إلَخْ بِأَنَّ الرِّجْلَيْنِ مَحَلُّ الْوَسَخِ وَالْقَذَرِ، وَلِذَا سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ أَنَّ مِنْ الْآدَابِ غَسْلَهُمَا بِالْيَسَارِ (قَوْلُهُ: بَادِئًا) أَيْ وَخَاتَمًا بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى؛ لِأَنَّ خِنْصَرَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى هِيَ يُمْنَى أَصَابِعُهَا وَإِبْهَامُ الْيُسْرَى كَذَلِكَ: أَيْ وَالتَّيَامُنُ سُنَّةٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ أَفَادَهُ فِي الْحِلْيَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَوْلُهُ: مِنْ أَسْفَلَ إلَى فَوْقَ يَحْتَمِلُ شَيْئَيْنِ: أَنْ يَبْدَأَ مِنْ أَسْفَلَ إلَى فَوْقَ أَيْ مِنْ ظَهْرِ الْقَدَمِ أَوْ مِنْ بَاطِنِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي السِّرَاجِ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ اهـ أَيْ فَيُدْخِلُ خِنْصَرَهُ مِنْ جِهَةِ ظَهْرِ الْقَدَمِ، فَيُخَلِّلُ مِنْ أَسْفَلَ صَاعِدًا إلَى فَوْقَ لَا مِنْ جِهَةِ بَاطِنِهِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ التَّخْلِيلِ سُنَّةً (قَوْلُهُ: فَرْضٌ) أَيْ التَّخْلِيلُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَّا بِهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَتَثْلِيثُ الْغَسْلِ) أَيْ جَعْلُهُ ثَلَاثًا، فَمَجْمُوعُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ الْحَقُّ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي السِّرَاجِ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِاسْتِدْلَالِهِمْ عَلَى السُّنِّيَّةِ " بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمَّا أَنْ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ قَالَ: هَذَا وُضُوءُ مَنْ يُضَاعَفُ لَهُ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ، وَلَمَّا أَنْ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا قَالَ: هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ» فَجَعَلَ لِلثَّانِيَةِ جَزَاءً مُسْتَقِلًّا، وَهَذَا يُؤْذِنُ بِاسْتِقْلَالِهَا لَا أَنَّهَا جَزْءُ سُنَّةٍ حَتَّى لَا يُثَابَ عَلَيْهَا وَحْدَهَا. اهـ. وَقَيَّدَ بِالْغَسْلِ إذْ لَا يُطْلَبُ تَثْلِيثُ الْمَسْحِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: الْمُسْتَوْعِبُ) فَلَوْ غَسَلَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَبَقِيَ مَوْضِعٌ يَابِسٌ، ثُمَّ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ أَصَابَ الْمَاءُ بَعْضَهُ، ثُمَّ فِي الثَّالِثَةِ أَصَابَ الْجَمِيعَ لَا يَكُونُ غَسْلًا لِلْأَعْضَاءِ ثَلَاثًا حِلْيَةٌ عَنْ فَتَاوَى الْحُجَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَا عِبْرَةَ لِلْغَرَفَاتِ) أَيْ الْغَيْرِ الْمُسْتَوْعِبَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالسُّنَّةُ تَكْرَارُ الْغَسْلَاتِ الْمُسْتَوْعِبَاتِ لَا الْغَرَفَاتِ. اهـ. بَقِيَ إذَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ إلَّا فِي الثَّالِثَةِ كَمَا قُلْنَا، هَلْ يُحْسَبُ الْكُلُّ غَسْلَةً وَاحِدَةً فَيُعِيدُ الْغَسْلَ مَرَّتَيْنِ، أَوْ يُعِيدُ غَسْلَ مَا لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ فَقَطْ، وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ عِبَارَةِ الْبَحْرِ الْأَوَّلُ، وَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ اعْتَادَهُ أَثِمَ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأُولَى فَفِي إثْمِهِ قَوْلَانِ، قِيلَ: يَأْثَمُ لِتَرْكِ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ، وَقِيلَ: لَا لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ كَذَا فِي السِّرَاجِ وَاخْتَارَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ إنْ اعْتَادَهُ أَثِمَ وَإِلَّا لَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ مَحْمَلُ الْقَوْلَيْنِ. اهـ. أَقُولُ: لَكِنَّ فِي الْخُلَاصَةِ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْإِثْمِ، وَإِنَّمَا قَالَ: إنْ اعْتَادَهُ كُرِهَ وَهَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ، نَعَمْ هُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ التَّحْرِيرِ مِنْ حَمْلِ اللَّوْمِ وَالتَّضْلِيلِ لِتَرْكِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ عَلَى التَّرْكِ مَعَ الْإِصْرَارِ بِلَا عُذْرٍ وَقَدَّمْنَا أَيْضًا تَصْرِيحَ صَاحِبِ الْبَحْرِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْإِثْمَ مَنُوطٌ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّثْلِيثَ حَيْثُ كَانَ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً وَأَصَرَّ عَلَى تَرْكِهِ يَأْثَمُ، وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُهُ سُنَّةً. وَأَمَّا حَمْلُهُمْ الْوَعِيدَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ رُؤْيَةِ الثَّلَاثِ سُنَّةٌ كَمَا يَأْتِي فَذَلِكَ فِي التَّرْكِ وَلَوْ مَرَّةً بِدَلِيلِ مَا قُلْنَا. وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ تَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْإِثْمِ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّةٍ بِأَنَّهُ لَوْ أَثِمَ بِنَفْسِ التَّرْكِ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى هَذَا الْحَمْلِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعَ عَدَمِ الْإِصْرَارِ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْتَدْهُ بِأَنْ فَعَلَهُ أَحْيَانًا أَوْ فَعَلَهُ لِعِزَّةِ الْمَاءِ أَوْ لِعُذْرِ الْبَرْدِ أَوْ لِحَاجَةٍ لَا يُكْرَهُ خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَادَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ مِثْلُ النُّقْصَانِ فِي الْمَنْعِ عَنْهَا بِلَا عُذْرٍ (قَوْلُهُ: لِطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ) لِأَنَّهُ أُمِرَ بِتَرْكِ مَا يُرِيبُهُ إلَى مَا لَا يُرِيبُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ هَذَا بِغَيْرِ الْمُوَسْوَسِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 أَوْ لِقَصْدِ الْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَحَدِيثُ " فَقَدْ تَعَدَّى " مَحْمُولٌ عَلَى الِاعْتِقَادِ،   [رد المحتار] أَمَّا هُوَ فَيَلْزَمُهُ قَطْعُ مَادَّةِ الْوَسْوَاسِ عَنْهُ وَعَدَمُ الْتِفَاتِهِ إلَى التَّشْكِيكِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ الشَّيْطَانِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِمُعَادَاتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ رَحْمَتِيٌّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَنَذْكُرُهُ قُبَيْلَ فُرُوضِ الْغُسْلِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي بَعْضِ وُضُوئِهِ أَعَادَهُ إلَّا إذَا كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ، أَوْ كَانَ الشَّكُّ عَادَةً لَهُ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُهُ وَلَوْ قَبْلَ الْفَرَاغِ قَطْعًا لِلْوَسْوَسَةِ عَنْهُ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي الْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ: أَوْ لِقَصْدِ الْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ) أَيْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَوَّلِ بَحْرٌ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ النَّاطِفِيِّ: لَوْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَهُوَ بِدْعَةٌ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْوُضُوءِ؛ أَمَّا إذَا فَرَغَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ فَلَا يُكْرَهُ بِالِاتِّفَاقِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَعَارَضَ فِي الْبَحْرِ دَعْوَى الِاتِّفَاقِ بِمَا فِي السِّرَاجِ مِنْ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ: وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَا مَرَّ فِيمَا إذَا أَعَادَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَمَا فِي السِّرَاجِ فِيمَا إذَا كَرَّرَهُ مِرَارًا، وَلَفْظُهُ فِي السِّرَاجِ: لَوْ تَكَرَّرَ الْوُضُوءُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِرَارًا لَمْ يُسْتَحَبَّ، بَلْ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِسْرَافِ فَتَدَبَّرْ اهـ. قُلْت: لَكِنْ يَرِدُ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَفِيهِ إشْكَالٌ لِإِطْبَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا فَإِذَا لَمْ يُؤَدَّ بِهِ عَمَلٌ مِمَّا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ كَالصَّلَاةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْرَعَ تَكْرَارُهُ قُرْبَةً؛ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ فَيَكُونُ إسْرَافًا مَحْضًا، وَقَدْ قَالُوا فِي السَّجْدَةِ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً: لَمْ يُشْرَعْ التَّقَرُّبُ بِهَا مُسْتَقِلَّةً وَكَانَتْ مَكْرُوهَةً، وَهَذَا أَوْلَى. اهـ. أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ فِي هَدِيَّتِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ: وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ إذَا صَلَّى بِالْوُضُوءِ الْأَوَّلِ صَلَاةً، كَذَا فِي الشِّرْعَةِ وَالْقُنْيَةِ. اهـ. وَكَذَا مَا قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ عِنْدَ حَدِيثِ «مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ» مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطُّهْرِ الْوُضُوءُ الَّذِي صَلَّى بِهِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا كَمَا بَيَّنَهُ فِعْلُ رَاوِي الْخَبَرِ وَهُوَ ابْنُ عُمَرَ، فَمَنْ لَمْ يُصَلِّ بِهِ شَيْئًا لَا يُسَنُّ لَهُ تَجْدِيدُهُ. اهـ. وَمُقْتَضَى هَذَا كَرَاهَتُهُ، وَإِنْ تَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ مَا لَمْ يُؤَدِّ بِهِ صَلَاةً أَوْ نَحْوَهَا لَكِنْ ذَكَرَ سَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيُّ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ إطْلَاقِ الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّتُهُ وَلَوْ بِلَا فَصْلٍ بِصَلَاةٍ أَوْ مَجْلِسٍ آخَرَ، وَلَا إسْرَافَ فِيمَا هُوَ مَشْرُوعٌ، أَمَّا لَوْ كَرَّرَهُ ثَالِثًا أَوْ رَابِعًا فَيُشْتَرَطُ لِمَشْرُوعِيَّتِهِ الْفَصْلُ بِمَا ذُكِرَ، وَإِلَّا كَانَ إسْرَافًا مَحْضًا اهـ فَتَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ كَلِمَةُ لَا بَأْسَ قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنْدُوبِ (قَوْلُهُ: لَا بَأْسَ بِهِ) لِأَنَّهُ نُورٌ عَلَى نُورٍ وَقَدْ أُمِرَ بِتَرْكِ مَا يَرِيبُهُ إلَى مَا لَا يَرِيبُهُ مِعْرَاجٌ، وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ، فَكَلِمَةُ لَا بَأْسَ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهَا فِيمَا تَرْكُهُ أَوْلَى، لَكِنَّهَا قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنْدُوبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ مِنْ الْجَنَائِزِ وَالْجِهَادِ، فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَحَدِيثُ فَقَدْ تَعَدَّى إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي عِبَارَةِ النَّهْرِ: قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا» عَلَى أَقْوَالٍ؟ فَقِيلَ: عَلَى الْحَدِّ الْمَحْدُودِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» وَالْحَدِيثُ فِي الْمَصَابِيحِ، وَإِطَالَةُ الْغُرَّةِ تَكُونُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْحَدِّ الْمَحْدُودِ، وَقِيلَ: عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَقِيلَ: الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَدَدِ وَالنَّقْصِ عَنْهُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاعْتِقَادِ دُونَ نَفْسِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وَلَعَلَّ كَرَاهَةَ تَكْرَارِهِ فِي مَجْلِسٍ تَنْزِيهِيَّةٌ، بَلْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَعْزِيًّا لِلْجَوَاهِرِ الْإِسْرَافُ فِي الْمَاءِ الْجَارِي جَائِزٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَيَّعٍ، فَتَأَمَّلْ. (وَمَسْحُ كُلِّ رَأْسِهِ مَرَّةً)   [رد المحتار] الْفِعْلِ، حَتَّى لَوْ زَادَ أَوْ نَقَصَ وَاعْتَقَدَ أَنَّ الثَّلَاثَ سُنَّةٌ لَا يَلْحَقُهُ الْوَعِيدُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ؛ وَفِي الْحَدِيثِ لَفٌّ وَنَشْرٌ؛ لِأَنَّ التَّعَدِّي يَرْجِعُ إلَى الزِّيَادَةِ وَالظُّلْمُ إلَى النُّقْصَانِ. اهـ. أَقُولُ: وَصَرِيحُ مَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ مَعَ اعْتِقَادِ سُنِّيَّةِ الثَّلَاثِ، وَلِذَا ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا أَنَّ تَرْكَ الْإِسْرَافِ وَالتَّقْتِيرِ مَنْدُوبٌ، وَيُوَافِقُهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة لَا يُكْرَهُ إلَّا أَنْ يَرَى السُّنَّةَ فِي الزِّيَادَةِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ اكْتَفَى بِمَرَّةٍ وَاعْتَادَهُ أَثِمَ وَلِمَا سَيَأْتِي بَعْدَ وَرَقَةٍ مِنْ أَنَّ الْإِسْرَافَ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا وَمِنْهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ؛ وَلِهَذَا فَرَّعَ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِحَمْلِ الْوَعِيدِ عَلَى اعْتِقَادِ سُنِّيَّةِ الزِّيَادَةِ أَوْ النَّقْصِ بِقَوْلِهِ: " فَلَوْ زَادَ " لِقَصْدِ الْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ، أَوْ لِطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ عِنْدَ الشَّكِّ، أَوْ نَقَصَ لِحَاجَةٍ لَا بَأْسَ بِهِ، فَإِنَّ مُفَادَ هَذَا التَّفْرِيعِ أَنَّهُ لَوْ زَادَ أَوْ نَقَصَ بِلَا غَرَضٍ صَحِيحٍ يُكْرَهُ وَإِنْ اعْتَقَدَ سُنِّيَّةَ الثَّلَاثِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْحِلْيَةِ فَقَالَ: وَهَلْ لَوْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِمَا ذُكِرَ يُكْرَهُ؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ إسْرَافٌ لَكِنْ لَوْ كَانَ قَصْدُهُ بِالزِّيَادَةِ الْوُضُوءَ عَلَى الْوُضُوءِ، إنَّمَا تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ إذَا كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَوَّلِ وَصَلَّى بِهِ أَوْ تَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ عَلَى مَا مَرَّ وَإِلَّا فَلَا، وَعَلَى كُلٍّ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَ مَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ، وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً لَا يُكْرَهُ مَا لَمْ يَعْتَقِدْهُ سُنَّةً، وَإِنْ اعْتَادَهُ وَأَصَرَّ عَلَيْهِ يُكْرَهُ وَإِنْ اعْتَقَدَ سُنِّيَّةَ الثَّلَاثِ إلَّا إذَا كَانَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا أَوْرَدَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُمْ: لَوْ نَوَى الْوُضُوءَ عَلَى الْوُضُوءِ لَا بَأْسَ بِهِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي السِّرَاجِ مِنْ أَنَّ تَكْرَارَهُ فِي مَجْلِسٍ مَكْرُوهٌ، وَحَمْلُهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ بَعِيدٌ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ حَمْلُ الْكَرَاهَةِ عَلَى التَّنْزِيهِيَّةِ، فَلَا تُنَافِي قَوْلَهُمْ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ غَالِبَ اسْتِعْمَالِهَا فِيمَا تَرْكُهُ أَوْلَى. أَقُولُ: وَفِي الْجَوَابِ نَظَرٌ، لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّهُ نُورٌ عَلَى نُورٍ، فَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْمَنْدُوبِ لَا فِيمَا تَرْكُهُ أَوْلَى فَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ النَّهْرِ مِنْ أَنَّ (الْمَكْرُوهَ تَكْرَارُهُ فِي مَجْلِسٍ إلَخْ) تَرَقٍّ فِي الْجَوَابِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْإِسْرَافَ مَكْرُوهٌ وَلَوْ بِمَاءِ النَّهْرِ؛ وَلِذَا قَالَ: تَأَمَّلْ، وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. مَطْلَبٌ قَدْ يُطْلَقُ الْجَائِزُ عَلَى مَا لَا يَمْتَنِعُ شَرْعًا فَيَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ وَقَدْ يُقَالُ: أَطْلَقَ الْجَائِزَ وَأَرَادَ بِهِ مَا يَعُمُّ الْمَكْرُوهَ. فَفِي الْحِلْيَةِ عَنْ أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ مَا لَا يَمْتَنِعُ شَرْعًا وَهُوَ يَشْمَلُ الْمُبَاحَ وَالْمَكْرُوهَ وَالْمَنْدُوبَ وَالْوَاجِبَ اهـ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ تَحْرِيمًا مُمْتَنِعٌ شَرْعًا مَنْعًا لَازِمًا. مَطْلَبٌ فِي تَصْرِيفِ قَوْلِهِمْ مَعْزِيًّا (قَوْلُهُ: مَعْزِيًّا) يُقَالُ: عَزَوْته وَعَزَيْته لُغَةً إذَا نَسَبْته صِحَاحٌ، فَهُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ الْيَائِيِّ اللَّامِ، أَصْلُهُ مَعْزُوِّي، فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ، وَيَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ الْوَاوِ أَيْضًا، فَإِنَّ الْقِيَاسَ فِيهِ مَعْزُوٌّ مِثْلُ مَغْزُوٌّ، لَكِنَّهُ قَدْ تُقْلَبُ الْوَاوَانِ فِيهِ يَاءَيْنِ، وَهُوَ فَصِيحٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ التَّصْرِيفِ. (قَوْلُهُ: مَرَّةً) لَوْ قَالَ بَدَلَهُ بِمَاءٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا فِي الْفَتْحِ. رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ إذَا مَسَحَ ثَلَاثًا بِمَاءٍ وَاحِدٍ كَانَ مَسْنُونًا اهـ وَعَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 مُسْتَوْعِبَةً، فَلَوْ تَرَكَهُ وَدَوَامَ عَلَيْهِ أَثِمَ (وَأُذُنَيْهِ) مَعًا وَلَوْ (بِمَائِهِ) -   [رد المحتار] حَمَلَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ رِوَايَةِ التَّثْلِيثِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ. وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْمَاءَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِالْمَرَّةِ الْأُولَى، فَكَيْفَ يُسَنُّ التَّكْرَارُ؟ لِمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ فِي الْعُضْوِ لَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا (قَوْلُهُ: مُسْتَوْعِبَةً) هَذَا سُنَّةٌ أَيْضًا، كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفَتْحِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّهُ إذَا دَاوَمَ عَلَى تَرْكِ الِاسْتِيعَابِ بِلَا عُذْرٍ يَأْثَمُ، قَالَ: وَكَأَنَّهُ لِظُهُورِ رَغْبَتِهِ عَنْ السُّنَّةِ، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَتَكَلَّمُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْمَسْحِ. وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ وَأَصَابِعَهُ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَيَمُدَّهُمَا إلَى الْقَفَا عَلَى وَجْهٍ يَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ الرَّأْسِ ثُمَّ يَمْسَحُ أُذُنَيْهِ بِأُصْبُعَيْهِ. اهـ. وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يُجَافِي الْمُسَبِّحَتَيْنِ وَالْإِبْهَامَيْنِ لِيَمْسَحَ بِهِمَا الْأُذُنَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ لِيَمْسَحَ بِهِمَا جَانِبَيْ الرَّأْسِ خَشْيَةَ الِاسْتِعْمَالِ، فَقَالَ فِي الْفَتْحِ: لَا أَصْلَ لَهُ فِي السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ، وَالْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ. [تَنْبِيهٌ] لَوْ مَسَحَ ثَلَاثًا بِمِيَاهِ، قِيلَ: يُكْرَهُ، وَقِيلَ: إنَّهُ بِدْعَةٌ، وَقِيلَ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا يُكْرَهُ وَلَا يَكُونُ سُنَّةً وَلَا أَدَبًا، قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ الْأَوْلَى إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ اسْتَوْجَبَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْقَوْلَ بِالْكَرَاهَةِ، وَذَكَرْت مَا يُؤَيِّدُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْبَحْرِ فَرَاجِعْهُ وَسَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ عَدُّهُ مِنْ الْمَنْهِيَّاتِ. (قَوْلُهُ: وَأُذُنَيْهِ) أَيْ بَاطِنَهُمَا بِبَاطِنِ السَّبَّابَتَيْنِ، وَظَاهِرَهُمَا بِبَاطِنِ الْإِبْهَامَيْنِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: مَعًا) أَيْ فَلَا تَيَامُنَ فِيهِمَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِمَائِهِ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ أَخَذَ لِلْأُذُنَيْنِ مَاءً جَدِيدًا فَهُوَ حَسَنٌ، وَذَكَرَهُ مُلَّا مِسْكِينٌ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْخُذْ مَاءً جَدِيدًا وَمَسَحَ بِالْبِلَّةِ الْبَاقِيَةِ هَلْ يَكُونُ مُقِيمًا لِلسُّنَّةِ؟ فَعِنْدَنَا نَعَمْ، وَعِنْدَهُ لَا. أَمَّا لَوْ أَخَذَ مَاءً جَدِيدًا مَعَ بَقَاءِ الْبِلَّةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُقِيمًا لِلسُّنَّةِ اتِّفَاقًا اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ. أَقُولُ: مُقْتَضَاهُ أَنَّ مَسْحَ الْأُذُنَيْنِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ أَوْلَى مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ؛ لِيَكُونَ آتِيًا بِالسُّنَّةِ اتِّفَاقًا، وَهُوَ مُفَادُ تَعْبِيرِ الشَّارِحِ بِلَوْ الْوَصْلِيَّةِ تَبَعًا لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ وَصَاحِبِ الْبُرْهَانِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ، لَكِنَّ تَقْيِيدَ سَائِرِ الْمُتُونِ بِقَوْلِهِمْ بِمَائِهِ يُفِيدُ خِلَافَ ذَلِكَ، وَكَذَا تَقْرِيرُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَاسْتِدْلَالُهُمْ «بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ أَخَذَ غَرْفَةً فَمَسَحَ بِهَا رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ» وَبِقَوْلِهِ «الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ» وَكَذَا جَوَابُهُمْ عَمَّا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ لِأُذُنَيْهِ مَاءً جَدِيدًا بِأَنَّهُ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لِفِنَاءِ الْبِلَّةِ قَبْلَ الِاسْتِيعَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَلَوْ كَانَ أَخْذُ الْمَاءِ الْجَدِيدِ مُقِيمًا لِلسُّنَّةِ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ. وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْخَبَّازِيَّةِ: وَلَا يُسَنُّ تَجْدِيدُ الْمَاءِ فِي كُلِّ بَعْضٍ مِنْ أَبْعَاضِ الرَّأْسِ، فَلَا يُسَنُّ فِي الْأُذُنَيْنِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ تَابِعٌ اهـ وَفِي الْحِلْيَةِ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَحْمَدَ أَنْ يَكُونَ بِمَاءِ الرَّأْسِ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ اهـ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَمِنْ السُّنَّةِ مَسَحَهُمَا بِمَاءِ الرَّأْسِ، وَلَا يَأْخُذُ لَهُمَا مَاءً جَدِيدًا. اهـ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَالْبَدَائِعِ: وَهُوَ سُنَّةٌ بِمَاءِ الرَّأْسِ، قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَيْ لَا بِمَاءٍ جَدِيدٍ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْعَيْنِيِّ اسْتِيعَابُ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ سُنَّةٌ، وَلَا يَتِمُّ بِدُونِهِمَا حَيْثُ جُعِلَتَا مِنْ الرَّأْسِ أَيْ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ. وَفِي شَرْحِ الدُّرَرِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ: وَلَوْ أُفْرِدَا بِالْمَسْحِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ لَصَارَا أَصْلَيْنِ، وَذَا لَا يَجُوزُ. اهـ. فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي مَشَى عَلَيْهَا أَصْحَابُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ الْمَوْضُوعَةِ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 لَكِنْ لَوْ مَسَّ عِمَامَتَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ مَاءٍ جَدِيدٍ (وَالتَّرْتِيبُ) الْمَذْكُورُ فِي النَّصِّ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرْضٌ، وَهُوَ مُطَالَبٌ بِالدَّلِيلِ (وَالْوِلَاءُ) بِكَسْرِ الْوَاوِ: غَسْلُ الْمُتَأَخِّرِ أَوْ مَسْحِهِ قَبْلَ جَفَافِ الْأَوَّلِ بِلَا عُذْرٍ.   [رد المحتار] وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فَتَدَبَّرْهُ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ رَأَيْت الْمُصَنِّفَ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ عَلَى زَادِ الْفَقِيرِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ عِبَارَةَ الْخُلَاصَةِ السَّابِقَةِ مَا نَصُّهُ؛ قُلْت: قَوْلُهُ: وَلَوْ فَعَلَ فَحَسَنٌ، مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ يَكُونُ خِلَافَ السُّنَّةِ، وَخِلَافُ السُّنَّةِ كَيْفَ يَكُونُ حَسَنًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ (قَوْلُهُ: لَكِنْ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا انْعَدَمَتْ الْبِلَّةُ بِمَسِّ الْعِمَامَةِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِذَا انْعَدَمَتْ الْبِلَّةُ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْأَخْذِ. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: لَا بُدَّ مِنْ الْأَخْذِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ بِمَسِّ الْعِمَامَةِ يَحْصُلُ الِانْفِصَالُ فَيُحْكَمُ عَلَى الْبِلَّةِ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: لَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ رَفَعَهُمَا قَبْلَ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَخْذِ مَاءٍ جَدِيدٍ وَلَوْ كَانَتْ الْبِلَّةُ بَاقِيَةً، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: الْمَذْكُورُ فِي النَّصِّ) أَيْ التَّرْتِيبُ الْمَذْكُورُ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ فِي قَوْلِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ: وَالتَّرْتِيبُ الْمَنْصُوصُ النَّصَّ الْأُصُولِيَّ، بَلْ الْمُرَادُ الْمَذْكُورُ، إذْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ؛ فَلَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِيهَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُطَالَبٌ بِالدَّلِيلِ) أَيْ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَنَا إلَى الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ الِافْتِرَاضِ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَمُدَّعِيه مُطَالَبٌ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَقَدْ عُلِمَ التَّرْتِيبُ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقُلْنَا بِسُنِّيَّتِهِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَالْوِلَاءُ) اسْمُ مَصْدَرٍ وَالْمَصْدَرُ الْمُوَالَاةُ. قَالَ الْحَمَوِيُّ: لَا تَتَحَقَّقُ الْمُوَالَاةُ إلَّا بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ اهـ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ، إذْ مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا يَتَّجِهُ أَنْ لَوْ كَانَتْ الْمُوَالَاةُ مُعْتَبَرَةً فِي جَانِبِ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ فَقَطْ، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْوَاوِ) أَيْ مَعَ الْمُدِّ، وَهُوَ لُغَةً: التَّتَابُعُ. قَالَ ط: وَأَمَّا بِفَتْحِهَا فَهُوَ صِفَةٌ تُوجِبُ لِمَنْ قَامَتْ بِهِ التَّعْصِيبُ لِمَنْ أَعْتَقَهُ مَثَلًا (قَوْلُهُ: غَسْلُ الْمُتَأَخِّرِ إلَخْ) عَرَّفَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِغَسْلِ الْعُضْوِ الثَّانِي قَبْلَ جَفَافِ الْأَوَّلِ. زَادَ الْحَدَّادِيُّ مَعَ اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ وَالْبَدَنِ وَعَدَمِ الْعُذْرِ. وَعَرَّفَهُ الْأَكْمَلُ فِي التَّقْرِيرِ بِالتَّتَابُعِ فِي الْأَفْعَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا جَفَافُ عُضْوٍ مَعَ اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ جَفَّ الْعُضْوُ الْأَوَّلُ بَعْدَ غَسْلِ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ وِلَاءٌ. وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ وِلَاءً، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ الْأَوْلَى. وَفِي النَّهْرِ: الظَّاهِرُ لَا يَكُونُ وِلَاءً، لِمَا فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّ تَجْفِيفَ الْأَعْضَاءِ قَبْلَ غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ فِيهِ تَرْكُ الْوِلَاءِ فَيُحْمَلُ الثَّانِي فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ اهـ أَيْ فَيُرَادُ بِالثَّانِي جَمِيعُ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ لَا مَا يَلِيه فَقَطْ، وَلَا يَخْفَى يَعُدُّهُ؛ لِمَا فِي السِّرَاجِ. حَدُّهُ أَنْ لَا يَجِفَّ الْمَاءُ عَنْ الْعُضْوِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ مَا بَعْدَهُ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: هُوَ أَنْ يَغْسِلَ كُلَّ عُضْوٍ عَلَى أَثَرِ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَا يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ يَجِفُّ السَّابِقُ. وَلَا يَخْفَى أَيْضًا أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ صَادِقٌ عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ، وَأَنَّ حَمْلَ التَّعْرِيفِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ أَقْرَبُ مِنْ عَكْسِهِ، بِأَنْ يُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا جَفَافُ عُضْوٍ: أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِفَّ عُضْوٌ قَبْلَ غَسْلِ مَا بَعْدَهُ، وَكَذَا قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: هُوَ غَسْلُ عُضْوٍ قَبْلَ جَفَافِ مُتَقَدِّمِهِ اهـ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّارِحِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَبَعًا لِابْنِ كَمَالٍ أَوْ مَسْحُهُ، فَإِنَّهُ كَمَا يَشْمَلُ مَسْحَ الْخُفِّ يَشْمَلُ مَسْحَ الرَّأْسِ، فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْمُتَأَخِّرِ فِي كَلَامِهِ عَلَى جَمِيعِ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ حَقِيقَةً فَافْهَمْ، نَعَمْ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ تَعْرِيفِ الدُّرَرِ. هَذَا وَقَدْ عَرَّفَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنْ لَا يَشْتَغِلَ بَيْنَ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ بِمَا لَيْسَ مِنْهُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا أَعَمُّ مِنْ التَّعْرِيفَيْنِ السَّابِقَيْنِ مِنْ وَجْهٍ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ: هُوَ أَنْ لَا يَمْكُثَ فِي أَثْنَائِهِ مِقْدَارَ مَا يَجِفُّ فِيهِ الْعُضْوُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 حَتَّى لَوْ فَنِيَ مَاؤُهُ فَمَضَى لِطَلَبِهِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَمِثْلُهُ الْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ، وَعِنْدَ مَالِكٍ فَرْضٌ؛ وَمِنْ السُّنَنِ: الدَّلْكُ، وَتَرْكُ الْإِسْرَافِ، وَتَرْكُ لَطْمِ الْوَجْهِ بِالْمَاءِ، وَغَسْلُ فَرْجِهَا الْخَارِجِ (وَمُسْتَحَبُّهُ) وَيُسَمَّى مَنْدُوبًا وَأَدَبًا   [رد المحتار] أَقُولُ: يُمْكِنُ جَعْلُ هَذَا تَوْضِيحًا لِمَا مَرَّ، بِأَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ جَفَافُ الْعُضْوِ حَقِيقَةً أَوْ مِقْدَارُهُ، وَحِينَئِذٍ فَيَتَّجِهُ ذِكْرُ الْمَسْحِ، فَلَوْ مَكَثَ بَيْنَ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ أَوْ الرَّأْسِ وَبَيْنَ مَا بَعْدَهُ بِمِقْدَارِ مَا يَجِفُّ فِيهِ عُضْوٌ مَغْسُولٌ كَانَ تَارِكًا لِلْوِلَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ اعْتِبَارُهُمْ الْوِلَاءَ فِي التَّيَمُّمِ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا مَعَ أَنَّهُ لَا غَسْلَ فِيهِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ فَنِيَ مَاؤُهُ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْعُذْرِ (قَوْلُهُ: لَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ عَلَى الصَّحِيحِ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ) أَيْ إذَا فَرَّقَ بَيْنَ أَفْعَالِهِمَا لِعُذْرٍ لَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي السِّرَاجِ، وَمُفَادُهُ اعْتِبَارُ سُنِّيَّةِ الْمُوَالَاةِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: وَمِنْ السُّنَنِ) أَتَى بِمِنْ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ بَقِيَ غَيْرُهَا: فَفِي الْفَتْحِ: وَمِنْ السُّنَنِ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَالْبُدَاءَةُ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَمِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْمَوَاهِبِ بَدَلَ الْأَوَّلِ التَّيَامُنَ وَمَسْحَ الرَّقَبَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ الْأَرْبَعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ (قَوْلُهُ: الدَّلْكُ) أَيْ بِإِمْرَارِ الْيَدِ وَنَحْوِهَا عَلَى الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ حِلْيَةٌ: وَعَدَّهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ، وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، نَعَمْ تَابَعَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَتَرْكُ الْإِسْرَافِ) عَدَّهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ أَيْضًا، وَلَمْ يُتَابِعْ أَيْضًا بَلْ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ بِضَعْفِهِ، وَقَالَ: إنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ عَنْ الْإِسْرَافِ. اهـ. وَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ: وَتَرْكُ لَطْمِ الْوَجْهِ بِالْمَاءِ) جَعَلَهُ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ، وَسَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ كَالزَّيْلَعِيِّ بِكَرَاهَتِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَيَكُونُ تَرْكُهُ سُنَّةً لَا أَدَبًا، لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّهُ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا (قَوْلُهُ: وَغَسْلُ فَرْجِهَا الْخَارِجِ) أَقُولُ: فِي تَقْيِيدِهِ بِالْمَرْأَةِ نَظَرٌ، فَقَدْ عَدَّ فِي الْمُنْيَةِ الِاسْتِنْجَاءَ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ. وَفِي النِّهَايَةِ إنَّهُ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ. بَلْ أَقْوَاهَا لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَسَائِرُ السُّنَنِ لِإِزَالَةِ الْحُكْمِيَّةِ. وَجَعَلَ فِي الْبَدَائِعِ سُنَنَ الْوُضُوءِ عَلَى أَنْوَاعٍ: نَوْعٌ يَكُونُ قَبْلَهُ، وَنَوْعٌ فِي ابْتِدَائِهِ، وَنَوْعٌ فِي أَثْنَائِهِ، وَعَدَّ مِنْ الْأَوَّلِ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحَجَرِ، وَمِنْ الثَّانِي الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ. مَطْلَبٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَنْدُوبِ وَالْمُسْتَحَبِّ وَالنَّفَلِ وَالتَّطَوُّعِ (قَوْلُهُ: وَيُسَمَّى مَنْدُوبًا وَأَدَبًا) زَادَ غَيْرُهُ وَنَفْلًا وَتَطَوُّعًا، وَقَدْ جَرَى عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُسْتَحَبِّ وَالْمَنْدُوبِ وَالْأَدَبِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي عَلَى الدُّرَرِ؛ فَيُسَمَّى مُسْتَحَبًّا مِنْ حَيْثُ إنَّ الشَّارِعَ يُحِبُّهُ وَيُؤْثِرُهُ، وَمَنْدُوبًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بَيَّنَ ثَوَابَهُ وَفَضِيلَتَهُ؛ مِنْ نَدْبِ الْمَيِّتِ: وَهُوَ تَعْدِيدُ مَحَاسِنِهِ، وَنَفْلًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ زَائِدٌ عَلَى الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ، وَيَزِيدُ بِهِ الثَّوَابُ، وَتَطَوُّعًا مِنْ حَيْثُ إنَّ فَاعِلَهُ يَفْعَلُهُ تَبَرُّعًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْمَرَ بِهِ حَتْمًا اهـ مِنْ شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَلَى الْبُرْجَنْدِيِّ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ السُّنَّةِ وَصَرَّحَ الْقُهُسْتَانِيُّ بِأَنَّهُ دُونَ سُنَنِ الزَّوَائِدِ. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَحُكْمُهُ الثَّوَابُ عَلَى الْفِعْلِ وَعَدَمُ اللَّوْمِ عَلَى التَّرْكِ. اهـ. مَطْلَبٌ تَرْكُ الْمَنْدُوبِ هَلْ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ التَّنْزِيهِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى وَهَلْ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا، فِي الْبَحْرِ لَا، وَنَازَعَهُ فِي النَّهْرِ بِمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ الْجَنَائِزِ وَالشَّهَادَاتِ أَنَّ مَرْجِعَ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ خِلَافُ الْأَوْلَى. قَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّ تَرْكَ الْمَنْدُوبِ خِلَافُ الْأَوْلَى اهـ. أَقُولُ: لَكِنْ أَشَارَ فِي التَّحْرِيرِ إلَى أَنَّهُ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، بِأَنَّ خِلَافَ الْأَوْلَى مَا لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ نَهْيٍ كَتَرْكِ صَلَاةِ الضُّحَى بِخِلَافِ الْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا، نَعَمْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: إنَّ هَذَا أَمْرٌ يَرْجِعُ إلَى الِاصْطِلَاحِ، وَالْتِزَامُهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَالظَّاهِرُ تَسَاوِيهِمَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ اللَّامِشِيُّ اهـ لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْأَكْلِ يَوْمَ الْأَضْحَى قَبْلَ الصَّلَاةِ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وَفَضِيلَةً، وَهُوَ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى، وَمَا أَحَبَّهُ السَّلَفُ: (التَّيَامُنُ) فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَلَوْ مُسِحَا، لَا الْأُذُنَيْنِ وَالْخَدَّيْنِ، فَيُلْغَزُ، أَيُّ عُضْوَيْنِ لَا يُسْتَحَبُّ التَّيَامُنُ فِيهِمَا؟ . (وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ) بِظَهْرِ يَدَيْهِ (لَا الْحُلْقُومِ) لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ. (وَمِنْ آدَابِهِ) عَبَّرَ بِمِنْ لِأَنَّ لَهُ آدَابًا أُخَرَ أَوْصَلَهَا فِي الْفَتْحِ إلَى نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ وَأَوْصَلْتهَا فِي الْخَزَائِنِ إلَى نَيِّفٍ وَسِتِّينَ   [رد المحتار] لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَأْكُلَ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ، إذْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ خَاصٍّ. اهـ. أَقُولُ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ إذْ لَا شُبْهَةَ أَنَّ النَّوَافِلَ مِنْ الطَّاعَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا فِعْلُهَا أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا بِلَا عَارِضٍ. وَلَا يُقَالُ: إنَّ تَرْكَهَا مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَفَضِيلَةً) أَيْ لِأَنَّ فِعْلَهُ يَفْضُلُ تَرْكَهُ فَهُوَ بِمَعْنَى فَاضِلٍ؛ أَوْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فَاعِلُهُ ذَا فَضِيلَةٍ بِالثَّوَابِ ط (قَوْلُهُ: وَهُوَ إلَخْ) يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا رَغَّبَ فِيهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَمْ يَفْعَلْهُ؛ فَالْأَوْلَى مَا فِي التَّحْرِيرِ أَنَّ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ مَعَ تَرْكٍ مَا بِلَا عُذْرٍ سُنَّةٌ، وَمَا لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ مَنْدُوبٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ بَعْدَ مَا رَغَّبَ فِيهِ اهـ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: التَّيَامُنُ) أَيْ الْبُدَاءَةُ بِالْيَمِينِ، لِمَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي طُهُورِهِ وَتَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَشَأْنِهِ كُلِّهِ» الطُّهُورُ هُنَا بِضَمِّ الطَّاءِ وَالتَّرَجُّلُ: مَشْطُ الشَّعْرِ دُرُّ مُنْتَقِي. وَحَقَّقَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِثُبُوتِ الْمُوَاظَبَةِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّهَا تُفِيدُ السُّنِّيَّةَ إذَا كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ لَا الْعَادَةِ. سَلَّمْنَا أَنَّهَا هُنَا كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ، لَكِنَّ عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ يُنَافِيهَا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اهـ أَيْ عَدَمَ اخْتِصَاصِهَا بِالْوُضُوءِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ: وَشَأْنِهِ كُلِّهِ يُنَافِي كَوْنَهُ سُنَّةً لَهُ وَلَوْ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ فَيَكُونُ مَنْدُوبًا فِيهِ كَمَا فِي التَّنَعُّلِ وَالتَّرَجُّلِ. قُلْت: يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى النِّيَّةِ وَالسِّوَاكِ بِلَا اخْتِصَاصٍ بِالْوُضُوءِ مَعَ أَنَّهُمَا مِنْ سُنَنِهِ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَسْحًا) أَيْ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ وَالْجَبِيرَةِ، وَأَمَّا الْخُفُّ فَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ التَّيَامُنَ فِيهِ، وَإِنَّمَا قَالُوا فِي كَيْفِيَّتِهِ: أَنْ يَضَعَ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى مُقَدَّمِ خُفِّهِ الْأَيْمَنِ وَأَصَابِعَ الْيُسْرَى عَلَى مُقَدَّمِ خُفِّهِ الْأَيْسَرِ وَيَمُدُّهُمَا إلَى السَّاقِ، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ التَّيَامُنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَا الْأُذُنَيْنِ) أَيْ فَيَمْسَحُهُمَا مَعًا إنْ أَمْكَنَهُ، حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا يَدٌ وَاحِدَةٌ أَوْ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عِلَّةٌ وَلَا يُمْكِنُهُ مَسْحُهُمَا مَعًا يَبْدَأُ بِالْأُذُنِ الْيُمْنَى ثُمَّ الْيُسْرَى ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ) هُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ: إنَّهُ سُنَّةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: بِظَهْرِ يَدَيْهِ) أَيْ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِ بِلَتِّهِمَا بَحْرٌ، فَقَوْلُ الْمُنْيَةِ: بِمَاءٍ جَدِيدٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِهَا الْكَبِيرِ، وَعَبَّرَ فِي الْمُنْيَةِ بِظَهْرِ الْأَصَابِعِ وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ هُنَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ) إذْ لَمْ يَرِدْ فِي السُّنَّةِ. (قَوْلُهُ: إلَى نَيِّفٍ وَسِتِّينَ) عِبَارَتُهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى إلَى نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ وَالنَّيِّفُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَقَدْ تُخَفَّفُ: مَا زَادَ عَلَى الْعِقْدِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْعِقْدَ الثَّانِيَ قَامُوسٌ. مَطْلَبٌ فِي تَتْمِيمِ مَنْدُوبَاتِ الْوُضُوءِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَذْكُورَ مِنْهَا هُنَا مَتْنًا وَشَرْحًا نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ، وَلْنَذْكُرْ مَا بَقِيَ مِنْهَا مِنْ الْفَتْحِ وَالْخَزَائِنِ؛ فَمِنْهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ تَرْكُ الْإِسْرَافِ وَالتَّقْتِيرِ، وَتَرْكُ التَّمَسُّحِ بِخِرْقَةٍ يَمْسَحُ بِهَا مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ، وَاسْتِقَاؤُهُ الْمَاءَ بِنَفْسِهِ، وَالْمُبَادَرَةُ إلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ، وَنَزْعُ خَاتَمٍ عَلَيْهِ اسْمُهُ تَعَالَى أَوْ اسْمُ نَبِيِّهِ حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ، وَكَوْنُ آنِيَتِهِ مِنْ خَزَفٍ، وَأَنْ يَغْسِلَ عُرْوَةَ الْإِبْرِيقِ ثَلَاثًا، وَوَضْعُهُ عَلَى يَسَارِهِ، وَإِنْ كَانَ إنَاءٌ يَغْتَرِفُ مِنْهُ فَعَنْ يَمِينِهِ، وَوَضْعُ يَدِهِ حَالَةَ الْغَسْلِ عَلَى عُرْوَتِهِ لَا رَأْسِهِ، وَذِكْرُ الشَّهَادَتَيْنِ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ، وَاسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ، وَأَنْ لَا يَلْطِمَ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 (اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ، وَدَلْكُ أَعْضَائِهِ) فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى (وَإِدْخَالُ خِنْصَرِهِ) الْمَبْلُولَةِ (صِمَاخَ أُذُنَيْهِ) عِنْدَ مَسْحِهِمَا (وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْوَقْتِ لِغَيْرِ الْمَعْذُورِ) ، وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ قَاعِدَةِ الْفَرْضُ أَفْضَلُ مِنْ النَّفْلِ،   [رد المحتار] وَمِلْءُ آنِيَتِهِ اسْتِعْدَادًا، وَالِامْتِخَاطُ بِالْيُسْرَى؛ وَالتَّأَنِّي، وَإِمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ، وَالدَّلْكُ اهـ لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَوَّلَ وَالْأَخِيرَ سُنَّةٌ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِمَا قَبْلَهُ إمْرَارُهَا عَلَيْهِ مَبْلُولَةً قَبْلَ الْغَسْلِ، تَأَمَّلْ. زَادَ فِي الْبَحْرِ وَغَسْلُ مَا تَحْتَ الْحَاجِبِ وَالشَّارِبِ، وَالتَّوَضُّؤُ فِي مَكَان طَاهِرٍ؛ لِأَنَّ لِمَاءِ الْوُضُوءِ حُرْمَةٌ وَالْبَدْءُ بِأَعْلَى الْوَجْهِ وَأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ وَمُقَدَّمِ الرَّأْسِ، لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَخِيرَيْنِ سُنَّةٌ. وَزَادَ فِي الْإِمْدَادِ: وَدُخُولُهُ الْخَلَاءَ مَسْتُورَ الرَّأْسِ، وَعَدَمُ التَّوَضُّؤِ بِمَاءٍ مُشَمَّسٍ، وَأَنْ لَا يَسْتَخْلِصَ إنَاءً لِنَفْسِهِ، وَتَرْكُ النَّظَرِ لِلْعَوْرَةِ، وَإِلْقَاءُ الْبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ فِي الْمَاءِ، وَأَنْ لَا يَنْقُصُهُ عَنْ مُدٍّ، وَغَسْلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ بِالْيُمْنَى. وَزَادَ فِي الْمُنْيَةِ الْوُضُوءَ عَلَى الْوُضُوءِ وَعَدَمُ نَفْخِهِ فِي الْمَاءِ حَالَ غَسْلِ الْوَجْهِ، وَالتَّشَهُّدُ عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ. وَزَادَ فِي الْخَزَائِنِ وَتَرْكُ التَّكَلُّمِ حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ، وَتَرْكُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا فِي الْخَلَاءِ، وَاسْتِقْبَالُ عَيْنِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاسْتِدْبَارهمَا وَتَرْكُ مَسِّ فَرْجِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ، وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَسَارِ، وَمَسْحُهَا بَعْدَهُ عَلَى نَحْوِ حَائِطٍ، وَغَسْلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَرَشُّ الْمَاءِ عَلَى الْفَرْجِ وَعَلَى السِّرْوَالِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَالتَّوَضُّؤِ مِنْ مُتَوَضَّأِ الْعَامَّةِ، وَإِفْرَاغُ الْمَاءِ بِيَمِينِهِ فَقَدْ بَلَغَتْ نَيِّفًا وَسَبْعِينَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَقَدَّمْنَا أَنَّ تَرْكَ الْمَنْدُوبِ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا فَيُزَادُ تَرْكُ مَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا مَرَّ مِنْهُ مَا هُوَ مِنْ آدَابِ الْوُضُوءِ وَمِنْهُ مَا هُوَ مِنْ آدَابِ مُقَدَّمَاتِهِ وَبِهَذَا تَزِيدُ عَلَى مَا ذُكِرَ بِكَثِيرٍ، فَإِنَّهُ بَقِيَ لِلِاسْتِنْجَاءِ آدَابٌ كَثِيرَةٌ سَتَأْتِي (قَوْلُهُ: وَدَلْكُ أَعْضَائِهِ) عَلِمْت مَا فِيهِ، وَقَوْلُهُ: فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى عَزَاهُ فِي النَّهْرِ إلَى الْمُنْيَةِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُنْيَةِ هُنَا وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْغُسْلِ وَعَلَّلَهُ فِي الشَّرْحِ بِقَوْلِهِ لِيَعُمَّ الْمَاءُ الْبَدَنَ فِي الْمَرَّتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ اهـ لَكِنْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ (قَوْلُهُ: وَتَقْدِيمُهُ إلَخْ) لِأَنَّ فِيهِ انْتِظَارَ الصَّلَاةِ، وَمُنْتَظِرُ الصَّلَاةِ كَمَنْ هُوَ فِيهَا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَقَطْعُ طَمَعِ الشَّيْطَانِ عَنْ تَثْبِيطِهِ عَنْهَا شَرْحُ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ. وَفِي الْحِلْيَةِ: وَعِنْدِي أَنَّهُ مِنْ آدَابِ الصَّلَاةِ لَا الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ لِفِعْلِ الصَّلَاةِ اهـ (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ) أَيْ مَسْأَلَةُ تَقْدِيمِهِ عَلَى الْوَقْتِ. مَطْلَبٌ الْفَرْضُ أَفْضَلُ مِنْ النَّفْلِ إلَّا فِي مَسَائِلَ (قَوْلُهُ: الْمُسْتَثْنَاةُ مِنْ قَاعِدَةِ الْفَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ النَّفْلِ) هَذَا الْأَصْلُ لَا سَبِيلَ إلَى نَقْضِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ لِأَنَّا إذَا حَكَمْنَا عَلَى مَاهِيَّةٍ بِأَنَّهَا خَيْرٌ مِنْ مَاهِيَّةٍ أُخْرَى؛ كَالرَّجُلِ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَفْضُلَهَا الْأُخْرَى بِشَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا فَضَلَ الْمَرْأَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ رَجُلٌ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَفْضُلَهُ الْمَرْأَةُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا غَيْرُ الرَّجُلِ وَإِلَّا تَتَكَاذَبُ الْقَضِيَّتَانِ، وَهَذَا بَدِيهِيٌّ، نَعَمْ قَدْ تَفْضُلُ الْمَرْأَةُ رَجُلًا مَا مِنْ جِهَةٍ غَيْرِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ. اهـ. حَمَوِيٌّ. أَقُولُ: فَعَلَى هَذَا لَا اسْتِثْنَاءَ حَقِيقَةً لِاخْتِلَافِ جِهَةِ الْأَفْضَلِيَّةِ. بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْوُضُوءَ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ يُسَاوِي الْوَاقِعَ بَعْدَهُ مِنْ حَيْثُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ وَسُقُوطُ الْوَاجِبِ بِهِ، وَإِنَّمَا لِلْأَوَّلِ فَضِيلَةُ التَّقْدِيمِ، وَكَذَا إنْظَارُ الْمُعْسِرِ وَاجِبٌ دَفْعًا لِأَذَاهُ بِالْمُطَالَبَةِ وَفِي إبْرَائِهِ ذَلِكَ مَعَ زِيَادَةِ إسْقَاطِ الدَّيْنِ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَلِلْإِبْرَاءِ زِيَادَةُ فَضِيلَةِ الْإِسْقَاطِ، وَكَذَلِكَ إفْشَاءُ السَّلَامِ سُنَّةٌ لِإِظْهَارِ التَّوَادِّ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِي رَدِّهِ ذَلِكَ أَيْضًا، لَكِنْ وَجَبَ الرَّدُّ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى تَرْكِهِ مِنْ الْعَدَاوَةِ وَالتَّبَاغُضِ، فَإِفْشَاؤُهُ أَفْضَلُ مِنْ حَيْثُ ابْتِدَاءُ الْمُفْشِي ي لَهُ بِإِظْهَارِ الْمَوَدَّةِ فَلَهُ فَضِيلَةُ التَّقَدُّمِ؛ فَفِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ إنَّمَا فُضِّلَ النَّفَلُ عَلَى الْفَرْضِ لَا مِنْ جِهَةِ الْفَرْضِيَّةِ بَلْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى كَصَوْمِ الْمُسَافِرِ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّهُ أَشَقُّ مِنْ صَوْمِ الْمُقِيمِ، فَهُوَ أَفْضَلُ مَعَ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَكَالتَّبْكِيرِ إلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 لِأَنَّ الْوُضُوءَ قَبْلَ الْوَقْتِ مَنْدُوبٌ، وَبَعْدَهُ فَرْضٌ. الثَّانِيَةُ: إبْرَاءُ الْمُعْسِرِ مَنْدُوبٌ أَفْضَلُ مِنْ إنْظَارِهِ الْوَاجِبَ. الثَّالِثَةُ: الِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ سُنَّةٌ أَفْضَلُ مِنْ رَدِّهِ، وَهُوَ فَرْضٌ، وَنَظَمَهُ مَنْ قَالَ: الْفَرْضُ أَفْضَلُ مِنْ تَطَوُّعِ عَابِدٍ ... حَتَّى وَلَوْ قَدْ جَاءَ مِنْهُ بِأَكْثَرِ إلَّا التَّطَهُّرَ قَبْلَ وَقْتٍ وَابْتِدَاءٍ ... لِلسَّلَامِ كَذَاك إبْرَا مُعْسِرِ (وَتَحْرِيكُ خَاتَمِهِ الْوَاسِعِ) وَمِثْلُهُ الْقُرْطُ، وَكَذَا الضَّيِّقِ إنْ عَلِمَ وُصُولَ الْمَاءِ، وَإِلَّا فُرِضَ (وَعَدَمُ الِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ) إلَّا لِعُذْرٍ. وَأَمَّا اسْتِعَانَتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْمُغِيرَةِ فَلِتَعْلِيمِ الْجَوَازِ (وَ) عَدَمُ (التَّكَلُّمِ بِكَلَامِ النَّاسِ) إلَّا لِحَاجَةٍ   [رد المحتار] صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الذَّهَابِ بَعْدَ النِّدَاءِ مَعَ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَالثَّانِي فَرْضٌ. وَكَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى شَرْبَةِ مَاءٍ أَوْ أَكْلِ لُقْمَةٍ فَدَفَعْت لَهُ أَكْثَرَ مِمَّا اُضْطُرَّ إلَيْهِ، فَدَفْعُ مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ وَاجِبٌ، وَالزَّائِدُ نَفْلٌ ثَوَابُهُ أَكْثَرُ مِنْ حَيْثُ إنَّ نَفْعَهُ أَكْثَرُ، وَإِنْ كَانَ دَفْعُ قَدْرِ الضَّرُورَةِ أَفْضَلَ مِنْ حَيْثُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ، وَكَذَا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ فَدَفَعَ دِرْهَمَيْنِ أَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ أُضْحِيَّةٌ فَضَحَّى بِشَاتَيْنِ، وَعَلَى هَذَا فَقَدْ يُزَادُ عَلَى الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ مِنْ كُلِّ مَا هُوَ نَفْلٌ اشْتَمَلَ عَلَى الْوَاجِبِ وَزَادَ، لَكِنَّ تَسْمِيَتَهُ نَفْلًا مِنْ حَيْثُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ، أَمَّا مِنْ حَيْثُ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْوَاجِبِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَثَوَابُهُ أَكْثَرُ مِنْ حَيْثُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ، فَلَا تَنْخَرِمُ حِينَئِذٍ الْقَاعِدَةُ الْمَأْخُوذَةُ مِمَّا صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى «وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ» وَمِمَّا وَرَدَ فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّ «الْوَاجِبَ يَفْضُلُ الْمَنْدُوبَ بِسَبْعِينَ دَرَجَةً» وَإِنْ اسْتَشْكَلَهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ، فَاغْتَنِمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ فَيْضِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ. ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ نَبَّهَ عَلَى مَا قُلْته، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوُضُوءَ إلَخْ) وَمِثْلَهُ التَّيَمُّمُ لِغَيْرِ رَاجِي الْمَاءِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ عَنْ الرَّمْلِيِّ (قَوْلُهُ: أَفْضَلُ مِنْ رَدِّهِ) وَقِيلَ: أَجْرُ الرَّدِّ أَكْثَرُ لِأَنَّهُ فَرْضٌ حَمَوِيٌّ، عَنْ كَرَاهِيَةِ الْعَلَّامِيِّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ) الْوَاوُ زَائِدَةٌ أَوْ عَاطِفَةٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ حَتَّى إنْ جَاءَ بِمِثْلِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ط (قَوْلُهُ: مِنْهُ) مُتَعَلِّقٌ بِأَكْثَرَ وَالضَّمِيرُ لِلْفَرْضِ، أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِجَاءَ وَالضَّمِيرُ لِلتَّطَوُّعِ ط (قَوْلُهُ: بِأَكْثَرِ) جَرَّهُ بِالْكِسْرَةِ لِأَجْلِ يَنْجُسُ (قَوْلُهُ: وَابْتِدَاءً) أَلِفُ ابْتِدَاءً مِنْ الْمِصْرَاعِ الْأَوَّلِ وَهَمْزَتُهُ الْمُنَوَّنَةُ مِنْ الْمِصْرَاعِ الثَّانِي (قَوْلُهُ: إبْرَا) بِالْقَصْرِ لِلضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الْقُرْطُ) أَيْ فِي الْغَسْلِ، وَإِلَّا فَلَا مَدْخَلَ لَهُ هُنَا لِأَنَّهُ مَا يُعَلَّقُ فِي الْأُذُنِ قَامُوسٌ. مَطْلَبٌ فِي مَبَاحِثِ الِاسْتِعَانَةِ فِي الْوُضُوءِ بِالْغَيْرِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا اسْتِعَانَتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ مَكْرُوهَةٌ حَتَّى اُحْتِيجَ إلَى هَذَا الْجَوَابِ. وَظَاهِرُ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ أَصْلًا إذَا كَانَتْ بِطِيبِ قَلْبٍ وَمَحَبَّةٍ مِنْ الْمُعِينِ مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفٍ مِنْ الْمُتَوَضِّئِ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مِنْ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِيهَا التَّصْرِيحُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَبِدُونِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَفِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مِثْلِ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ الَّذِي لَا تُجَامِعْهُ الْكَرَاهَةُ لِأَنَّ الْجَزْمَ بِعَدَمِ ارْتِكَابِهِ الْمَكْرُوهَ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ وَاقِعٍ فِي حَقِّهِ، نَعَمْ قَدْ يَكُونُ الْفِعْلُ مِنْهُ بَيَانًا لِلْجَوَازِ لَكِنْ بَعْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ الْمُقْتَضِي لِلْكَرَاهَةِ، فَإِذَا لَمْ يَقُمْ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ بِالْكَرَاهَةِ، ثُمَّ يُعَلِّلُ مَا وَرَدَ مِنْ الْفِعْلِ بِأَنَّهُ بَيَانٌ لِلْجَوَازِ، وَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلٌ مُعْتَبَرٌ يُفِيدُ الْكَرَاهَةَ هُنَا، وَإِنَّمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: إنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ يُعِينَنِي عَلَى وُضُوئِي أَحَدٌ. وَوَرَدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَكِلُ طُهُورَهُ إلَى أَحَدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَلَوْ ثَبَتَ لَا يَقْوَى عَلَى مُعَارِضَةِ الْأَحَادِيثِ الْمَارَّةِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ غَسْلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 تَفُوتُهُ (وَالْجُلُوسُ فِي مَكَان مُرْتَفِعٍ) تَحَرُّزًا عَنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ. وَعِبَارَةُ الْكَمَالِ: وَحِفْظُ ثِيَابِهِ مِنْ التَّقَاطُرِ، وَهِيَ أَشْمَلُ (وَالْجَمْعُ بَيْنَ نِيَّةِ الْقَلْبِ وَفِعْلِ اللِّسَانِ) هَذِهِ رُتْبَةٌ وُسْطَى بَيْنَ مَنْ سَنَّ التَّلَفُّظَ بِالنِّيَّةِ وَمَنْ كَرِهَهُ لِعَدَمِ نَقْلِهِ عَنْ السَّلَفِ (وَالتَّسْمِيَةُ) كَمَا مَرَّ (عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ) ، وَكَذَا الْمَمْسُوحُ (وَالدُّعَاءُ بِالْوَارِدِ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ طُرُقٍ.   [رد المحتار] أَعْضَائِهِ وَمَسْحَهَا بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ، فَيُكْرَهُ لِلشَّخْصِ أَنْ يَفْعَلَ لَهُ ذَلِكَ غَيْرُهُ بِلَا عُذْرٍ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ الِاخْتِيَارِ يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ فِي وُضُوئِهِ بِغَيْرِهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ؛ لِيَكُونَ أَعْظَمَ لِثَوَابِهِ وَأَخْلَصَ لِعِبَادَتِهِ، اهـ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ فِي الْوُضُوءِ إنْ كَانَتْ بِصَبِّ الْمَاءِ أَوْ اسْتِقَائِهِ أَوْ إحْضَارِهِ فَلَا كَرَاهَةَ بِهَا أَصْلًا وَلَوْ بِطَلَبِهِ وَإِنْ كَانَتْ بِالْغَسْلِ وَالْمَسْحِ فَتُكْرَهُ بِلَا عُذْرٍ؛ وَلِذَا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَمِنْ الْآدَابِ أَنْ يَقُومَ بِأَمْرِ الْوُضُوءِ بِنَفْسِهِ وَلَوْ اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ جَازَ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ الْغَاسِلُ غَيْرُهُ بَلْ يَغْسِلُ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: تَحَرُّزًا إلَخْ) لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِي نَجَاسَتِهِ وَلِأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ؛ وَلِذَا كُرِهَ شُرْبُهُ وَالْعَجْنُ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ بِطَهَارَتِهِ (قَوْلُهُ: أَشْمَلُ) أَيْ أَعَمُّ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُسْتَعْلِيًا وَلَا يُتَحَفَّظُ ط (قَوْلُهُ: هَذِهِ) أَيْ الطَّرِيقَةُ الَّتِي مَشَى عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ حَيْثُ جَعَلَ التَّلَفُّظَ بِالنِّيَّةِ مَنْدُوبًا لَا سُنَّةً وَلَا مَكْرُوهًا (قَوْلُهُ: وَالتَّسْمِيَةُ كَمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الصِّيغَةِ الْوَارِدَةِ، وَهِيَ «بِسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ» وَزَادَ فِي الْمُنْيَةِ هُنَا أَيْضًا تَبَعًا لِلْمُحِيطِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ حِينَ يَتَوَضَّأُ: بِسْمِ اللَّهِ ثُمَّ يَقُولُ بِكُلِّ عُضْوٍ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَفْرُغُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ إلَّا فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا يَشَاءُ، فَإِنْ قَامَ مِنْ وَقْتِهِ ذَلِكَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِيهِمَا وَيَعْلَمُ مَا يَقُولُ انْفَتَلَ مِنْ صَلَاتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اسْتَأْنِفْ الْعَمَلَ» رَوَاهُ الْحَافِظُ الْمُسْتَغْفِرِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالدُّعَاءُ بِالْوَارِدِ) فَيَقُولُ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك، وَعِنْدَ الِاسْتِنْشَاقِ: اللَّهُمَّ أَرِحْنِي رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَلَا تُرِحْنِي رَائِحَةَ النَّارِ، وَعِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ: اللَّهُمَّ بَيِّضْ وَجْهِي يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ، وَعِنْدَ غَسْلِ يَدِهِ الْيُمْنَى: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي وَحَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا، وَعِنْدَ غَسْلِ الْيُسْرَى: اللَّهُمَّ لَا تُعْطِنِي كِتَابِي بِشِمَالِي وَلَا مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي، وَعِنْدَ مَسْحِ رَأْسِهِ: اللَّهُمَّ أَظَلَّنِي تَحْتَ عَرْشِك يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّ عَرْشِك، وَعِنْدَ مَسْحِ أُذُنَيْهِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ، وَعِنْدَ مَسْحِ عُنُقِهِ: اللَّهُمَّ أَعْتِقْ رَقَبَتِي مِنْ النَّارِ، وَعِنْدَ غَسْلِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى: اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَدَمِي عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ، وَعِنْدَ غَسْلِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى: اللَّهُمَّ اجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَسَعْيِ مَشْكُورًا، وَتِجَارَتِي لَنْ تَبُورَ، كَمَا فِي الْإِمْدَادِ وَالدُّرَرِ وَغَيْرِهِمَا، وَثَمَّ رِوَايَاتٌ أُخَرُ ذَكَرَهَا فِي الْحِلْيَةِ وَغَيْرِهَا وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ، فَصَارَ مَجْمُوعُ مَا يَذْكُرُ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ التَّسْمِيَةُ وَالشَّهَادَةُ وَالدُّعَاءُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ: وَيُسَمِّي عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ أَوْ يَدْعُو بِالدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ فِيهِ أَوْ يَذْكُرُ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ أَوْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَى فِي الْجَمِيعِ بِأَوْ، وَلَكِنْ رَأَيْت فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْمُخْتَارَاتِ وَيَدْعُو بِالْوَاوِ وَبِأَوْ فِي الْبَوَاقِي فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: مِنْ طُرُقٍ) أَيْ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا فَارْتَقَى إلَى مَرْتَبَةِ الْحَسَنِ ط. أَقُولُ: لَكِنَّ هَذَا إذَا كَانَ ضَعْفُهُ لِسُوءِ حِفْظِ الرَّاوِي الصَّدُوقِ الْأَمِينِ أَوْ لِإِرْسَالٍ أَوْ تَدْلِيسٍ أَوْ جَهَالَةِ حَالٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 قَالَ مُحَقِّقُ الشَّافِعِيَّةِ الرَّمْلِيُّ: فَيُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَإِنْ أَنْكَرَهُ النَّوَوِيُّ. [فَائِدَةٌ] شَرْطُ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ عَدَمُ شِدَّةِ ضَعْفِهِ، وَأَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ أَصْلٍ عَامٍّ، وَأَنْ لَا يُعْتَقَدَ سُنِّيَّةُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ. وَأَمَّا الْمَوْضُوعُ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ بِحَالٍ وَلَا رِوَايَتُهُ، إلَّا إذَا قُرِنَ بِبَيَانِهِ (وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْوُضُوءِ، لَكِنْ فِي الزَّيْلَعِيِّ أَيْ بَعْدَ كُلِّ عُضْوٍ (وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ) أَيْ الْوُضُوءِ (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ   [رد المحتار] أَمَّا لَوْ كَانَ لِفِسْقِ الرَّاوِي أَوْ كَذِبِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ مُوَافَقَةُ مِثْلِهِ لَهُ وَلَا يَرْتَقِي بِذَلِكَ إلَى الْحَسَنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّقْرِيبِ وَشَرْحِهِ، فَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ إلَى الْكَشْفِ عَنْ حَالِ الرَّاوِينَ لِهَذَا الْحَدِيثِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ عَمَلِهِمْ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَخِيرِ كَمَا يَتَّضِحُ (قَوْلُهُ: فَيُعْمَلُ بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَعِبَارَةُ الرَّمْلِيِّ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ الْعَمَلُ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ) أَيْ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ الْفَضِيلَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْأَعْمَالِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَقُّهُ مِنْ الْعَمَلِ وَإِلَّا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ مَفْسَدَةُ تَحْلِيلٍ وَلَا تَحْرِيمٍ وَلَا ضَيَاعِ حَقٍّ لِلْغَيْرِ، وَفِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ «مَنْ بَلَغَهُ عَنِّي ثَوَابُ عَمَلٍ فَعَمِلَهُ حَصَلَ لَهُ أَجْرُهُ وَإِنْ لَمْ أَكُنْ قُلْته» أَوْ كَمَا قَالَ. اهـ. ط. قَالَ الْأَسْيُوطِيُّ: وَيُعْمَلُ بِهِ أَيْضًا فِي الْأَحْكَامِ إذَا كَانَ فِيهِ احْتِيَاطٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَنْكَرَهُ النَّوَوِيُّ) حَمَلَ الرَّمْلِيُّ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إنْكَارَهُ لَهُ مِنْ جِهَةِ الصِّحَّةِ، قَالَ: أَمَّا بِاعْتِبَارِ وُرُودِهِ مِنْ الطُّرُقِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَسْتَحْضِرْهُ حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: فَائِدَةٌ) إلَى قَوْلِهِ: وَأَمَّا الْمَوْضُوعُ مِنْ كَلَامِ الرَّمْلِيِّ (قَوْلُهُ: عَدَمُ شِدَّةِ ضِعْفِهِ) شَدِيدُ الضَّعْفِ هُوَ الَّذِي لَا يَخْلُو طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِهِ عَنْ كَذَّابٍ أَوْ مُتَّهَمٍ بِالْكَذِبِ قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ ط. مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ ارْتِقَاءِ الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ إلَى مَرْتَبَةِ الْحَسَنِ قُلْت: مُقْتَضَى عَمَلِهِمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَيْسَ شَدِيدَ الضَّعْفِ فَطُرُقُهُ تُرَقِّيه إلَى الْحَسَنِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَعْتَقِدَ سُنِّيَّةَ ذَلِكَ الْحَدِيثِ) أَيْ سُنِّيَّةَ الْعَمَلِ بِهِ. وَعِبَارَةُ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ: الثَّالِثُ أَنْ لَا يَعْتَقِدَ عِنْدَ الْعَمَلِ بِهِ ثُبُوتَهُ بَلْ يَعْتَقِدُ الِاحْتِيَاطَ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: يَجُوزُ مُطْلَقًا. اهـ. (قَوْلُهُ: أَمَّا الْمَوْضُوعُ) أَيْ الْمَكْذُوبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا، بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ كُفْرٌ. قَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» ط (قَوْلُهُ: بِحَالٍ) أَيْ وَلَوْ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ. قَالَ ط أَيْ حَيْثُ كَانَ مُخَالِفًا لِقَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ دَاخِلًا فِي أَصْلٍ عَامٍّ فَلَا مَانِعَ مِنْهُ لَا لِجَعْلِهِ حَدِيثًا بَلْ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْأَصْلِ الْعَامِّ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا قَرَنَ) أَيْ ذَلِكَ الْحَدِيثَ الْمَرْوِيَّ بِبَيَانِهِ أَيْ بَيَانِ وَضْعِهِ، أَمَّا الضَّعِيفُ فَتَجُوزُ رِوَايَتُهُ بِلَا بَيَانِ ضَعْفِهِ، لَكِنْ إذَا أَرَدْت رِوَايَتَهُ بِغَيْرِ إسْنَادٍ فَلَا تَقُلْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ صِيَغِ الْجَزْمِ، بَلْ قُلْ رُوِيَ كَذَا وَبَلَغَنَا كَذَا أَوْ وَرَدَ أَوْ جَاءَ أَوْ نُقِلَ عَنْهُ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ صِيَغِ التَّمْرِيضِ، وَكَذَا مَا شُكَّ فِي صِحَّتِهِ وَضَعْفِهِ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ (قَوْلُهُ: أَيْ بَعْدَ الْوُضُوءِ) فَسَّرَ الضَّمِيرَ بِذَلِكَ مَعَ تَبَادُرِ مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ فِي شَرْحِهِ فَسَّرَهُ بِذَلِكَ وَهُوَ أَدْرَى بِمُرَادِهِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ) زَادَ فِي الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهَا أَوْ فِي خِلَالِهِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: إنَّ الْوَارِدَ فِي السُّنَّةِ بَعْدَهُ مُتَّصِلًا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ذِكْرِ الشَّهَادَتَيْنِ كَمَا هُوَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ. اهـ. وَزَادَ فِي الْمُنْيَةِ: وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ فَرَاغِهِ «سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُك وَرَسُولُك نَاظِرًا إلَى السَّمَاءِ» (قَوْلُهُ: التَّوَّابِينَ) هُمْ الَّذِينَ كُلَّمَا أَذْنَبُوا تَابُوا، وَالْمُتَطَهِّرُونَ الَّذِينَ لَا ذَنْبَ لَهُمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَأَنْ يَشْرَبَ بَعْدَهُ مِنْ فَضْلِ وُضُوئِهِ) كَمَاءِ زَمْزَمَ (مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قَائِمًا) أَوْ قَاعِدًا، وَفِيمَا عَدَاهُمَا يُكْرَهُ قَائِمًا تَنْزِيهًا؛   [رد المحتار] زَادَ فِي الْمُنْيَةِ «وَاجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِك الصَّالِحِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَشْرَبَ بَعْدَهُ مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ: مَا يُتَوَضَّأُ بِهِ دُرَرٌ، وَالْمُرَادُ شُرْبُ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَشَرْحِ الشِّرْعَةِ، وَيَقُولُ عَقِبَهُ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ: اللَّهُمَّ اشْفِنِي بِشِفَائِك، وَدَاوِنِي بِدَوَائِك، وَاعْصِمْنِي مِنْ الْوَهَلِ وَالْأَمْرَاضِ وَالْأَوْجَاعِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَالْوَهَلُ هُنَا بِالتَّحْرِيكِ: الضَّعْفُ وَالْفَزَعُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الدُّعَاءِ مَأْثُورًا، وَهُوَ حَسَنٌ. اهـ. بَقِيَ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الشُّرْبَ مِنْ فَضْلِ الْوُضُوءِ فِيمَا لَوْ تَوَضَّأَ مِنْ إنَاءٍ كَإِبْرِيقٍ مَثَلًا، أَمَّا لَوْ تَوَضَّأَ مِنْ نَحْوِ حَوْضٍ فَهَلْ يُسَمَّى مَا فِيهِ فَضْلُ الْوُضُوءِ فَيُشْرِبُ مِنْهُ أَوَّلًا؟ فَلْيُحَرَّرْ. هَذَا، وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ الْمَاءُ الْمَوْضُوعُ لِلشُّرْبِ لَا يُتَوَضَّأُ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا، وَالْمَوْضُوعُ لِلْوُضُوءِ يَجُوزُ الشُّرْبُ مِنْهُ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ الْفَضْلِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِالْعَكْسِ، فَعَلَى هَذَا هَلْ لَهُ الشُّرْبُ مِنْ فَضْلِ الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهِ أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَمَاءِ زَمْزَمَ) التَّشْبِيهُ فِي الشُّرْبِ مُسْتَقْبِلًا قَائِمًا لَا فِي كَوْنِهِ بَعْدَ الْوُضُوءِ فَلِذَا قَالَ ط: الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ قَائِمًا. مَطْلَبٌ فِي مَبَاحِثِ الشُّرْبِ قَائِمًا (قَوْلُهُ: أَوْ قَاعِدًا) أَفَادَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضُوعَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِمَا فِي الشُّرْبِ قَائِمًا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا، وَأَنَّ الْمَنْدُوبَ هُنَا هُوَ الشُّرْبُ مِنْ فَضْلِ الْوُضُوءِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ قَائِمًا خِلَافُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ قَائِمًا، وَخَيَّرَهُ الْحَلْوَانِيُّ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ. وَفِي الْفَتْحِ: قِيلَ: وَإِنْ شَاءَ قَاعِدًا، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَوَاهِبِ وَالدُّرَرِ وَالْمُنْيَةِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهَا. وَفِي السِّرَاجِ: وَلَا يُسْتَحَبُّ الشُّرْبُ قَائِمًا إلَّا فِي هَذَيْنِ الْمَوْضُوعَيْنِ، فَاسْتُفِيدَ ضَعْفُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ح وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَفِيمَا عَدَاهُمَا يُكْرَهُ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قَوْلِهِ قَائِمًا عَدَمُ الْكَرَاهَةِ لَا دُخُولُهُ تَحْتَ الْمُسْتَحَبِّ؛ وَلِذَا زَادَ قَوْلَهُ: أَوْ قَاعِدًا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَشْرَبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا، فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ» وَفِيهِمَا «أَنَّهُ شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ قَائِمًا» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ «عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ بَعْدَمَا تَوَضَّأَ قَامَ فَشَرِبَ فَضْلَ وَضُوئِهِ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قَائِمًا، وَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ» وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ كَبْشَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا قِرْبَةٌ مُعَلَّقَةٌ فَشَرِبَ مِنْهَا وَهُوَ قَائِمٌ فَقَطَعَتْ فَمَ الْقِرْبَةِ تَبْتَغِي بَرَكَةَ مَوْضِعِ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، فَلِذَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَمْعِ؛ فَقِيلَ: إنَّ النَّهْيَ نَاسِخٌ لِلْفِعْلِ، وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ، وَقِيلَ: إنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ وَالْفِعْلُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ الصَّوَابُ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْحِلْيَةِ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ الْمَارِّ حَيْثُ أَنْكَرَ عَلَى الْقَائِلِينَ بِالْكَرَاهَةِ، وَبِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَحَسَّنَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " كُنَّا نَأْكُلُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ نَمْشِي وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ " قَالَ: وَجَنَحَ الطَّحَاوِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَأَنَّ النَّهْيَ لِخَوْفِ الضَّرَرِ لَا غَيْرُ، كَمَا رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إنَّمَا كُرِهَ الشُّرْبُ قَائِمًا لِأَنَّهُ يُؤْذِي. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: فَالْكَرَاهَةُ عَلَى مَا صَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ شَرْعِيَّةٌ يُثَابُ عَلَى تَرْكِهَا، وَعَلَى هَذَا إرْشَادِيَّةٌ لَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهَا. ثُمَّ اسْتَشْكَلَ مَا مَرَّ مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْمَوْضِعَيْنِ: أَيْ الشُّرْبِ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَمِنْ فَضْلِ الْوُضُوءِ وَكَرَاهَةِ مَا عَدَاهُمَا، بِأَنَّهُ لَا يَتَمَشَّى عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ " كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ نَمْشِي وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ " وَرُخِّصَ لِلْمُسَافِرِ شُرْبُهُ مَاشِيًا. وَمِنْ الْآدَابِ تَعَاهُدُ مُوقَيْهِ وَكَعْبَيْهِ وَعُرْقُوبَيْهِ وَأَخْمَصَيْهِ، وَإِطَالَةُ غُرَّتِهِ وَتَحْجِيلِهِ، وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ بِيَسَارِهِ،   [رد المحتار] قَوْلٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، نَعَمْ عَلَى مَا جَنَحَ إلَيْهِ الطَّحَاوِيُّ يُسْتَفَادُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا إنْ أَمِنَ الضَّرَرَ، أَمَّا النَّدْبُ فَلَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ: يُفِيدُ النَّدْبَ فِي فَضْلِ الْوُضُوءِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَهُوَ «أَنَّهُ قَامَ بَعْدَمَا غَسَلَ قَدَمَيْهِ فَأَخَذَ فَضْلَ طَهُورِهِ فَشَرِبَهُ وَهُوَ قَائِمٌ ثُمَّ قَالَ: أَحْبَبْت أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ كَانَ طُهُورُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَفِيهِ حَدِيثٌ «إنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ سَبْعِينَ دَاءً أَدْنَاهَا الْبُهْرُ» لَكِنْ قَالَ الْحُفَّاظُ: إنَّهُ وَاهٍ اهـ مُلَخَّصًا وَالْبُهْرُ بِالضَّمِّ فَسَّرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِتَتَابُعِ النَّفَسِ، وَفِي الْقَامُوسِ إنَّهُ انْقِطَاعُ النَّفَسِ مِنْ الْإِعْيَاءِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ انْتِفَاءَ الْكَرَاهَةِ فِي الشُّرْبِ قَائِمٌ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضُوعِينَ مَحَلَّ كَلَامٍ فَضْلًا عَنْ اسْتِحْبَابِ الْقِيَامِ فِيهِمَا، وَلَعَلَّ الْأَوْجَهَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ إنْ لَمْ نَقُلْ بِالِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّ مَاءَ زَمْزَمَ شِفَاءٌ وَكَذَا فَضْلُ الْوُضُوءِ. وَفِي شَرْحِ هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ لِسَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيِّ: وَمِمَّا جَرَّبْته أَنِّي إذَا أَصَابَنِي مَرَضٌ أَقْصِدُ الِاسْتِشْفَاءَ بِشُرْبِ فَضْلِ الْوُضُوءِ فَيَحْصُلُ لِي الشِّفَاءُ، وَهَذَا دَأْبِي اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِ الصَّادِقِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الطِّبِّ النَّبَوِيِّ الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ: وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَخْ) أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ حِلْيَةٌ، وَقَصَدَ بِذَكَرِهِ بَيَانَ حُكْمِ الْأَكْلِ، لَكِنْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ قَائِمًا» قَالَ قَتَادَةُ: قُلْت لِأَنَسٍ: فَالْأَكْلُ، فَقَالَ: ذَلِكَ أَشَرُّ وَأَخْبَثُ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ «نَهَى عَنْ الشُّرْبِ قَائِمًا وَالْأَكْلِ قَائِمًا» وَلَعَلَّ النَّهْيَ لِأَمْرٍ طِبِّيٍّ أَيْضًا كَمَا مَرَّ فِي الشُّرْبِ. وَفِي الْفَصْلِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ مِنْ فُصُولِ الْعَلَامِيِّ: وَكُرِهَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِي الطَّرِيقِ وَالْأَكْلُ نَائِمًا وَمَاشِيًا، وَلَا بَأْسَ بِالشُّرْبِ قَائِمًا، وَلَا يَشْرَبُ مَاشِيًا، وَرُخِّصَ ذَلِكَ لِلْمُسَافِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَرَخَّصَ إلَخْ) لَيْسَ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَدِيثِ. (قَوْلُهُ: تَعَاهُدُ مُوقَيْهِ) تَثْنِيَةُ مُوقٍ: هُوَ آخِرُ الْعَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْأَنْفِ أَيْ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ رَمْصٍ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ إنْ بَقِيَ خَارِجًا بِتَغْمِيضِ الْعَيْنِ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: وَكَعْبَيْهِ إلَخْ) هُمَا الْعَظْمَاتُ النَّاتِئَانِ فِي الرِّجْلِ. وَالْعُرْقُوبُ: الْعَصَبُ الْغَلِيظُ الَّذِي فَوْقَ الْعَقِبِ. وَالْأَخْمَصُ: مِنْ بَاطِنِ الْقَدَمِ مَا لَمْ يُصِبْ الْأَرْضَ قَامُوسٌ. مَطْلَبٌ فِي الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ (قَوْلُهُ: وَإِطَالَةُ غُرَّتِهِ وَتَحْجِيلِهِ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ، فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ» حِلْيَةٌ؛ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ: وَتَحْجِيلِهِ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى غُرَّتِهِ. وَفِي الْبَحْرِ: وَإِطَالَةُ الْغُرَّةِ تَكُونُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْحَدِّ الْمَحْدُودِ. وَفِي الْحِلْيَةِ: وَالتَّحْجِيلُ يَكُونُ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَهَلْ لَهُ حَدٌّ؟ لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ لِأَصْحَابِنَا. وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ اخْتِلَافَ الشَّافِعِيَّةِ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ فَوْقَ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ بِلَا تَوْقِيتٍ. الثَّانِي إلَى نِصْفِ الْعَضُدِ وَالسَّاقِ. وَالثَّالِثُ إلَى الْمَنْكِبِ وَالرُّكْبَتَيْنِ. قَالَ: وَالْأَحَادِيثُ تَقْتَضِي ذَلِكَ كُلَّهُ. اهـ. وَنَقَلَ ط الثَّانِيَ عَنْ شَرْحِ الشِّرْعَةِ مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ بِيَسَارِهِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ دَلْكُهُمَا بِالْيَسَارِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ يُنْدَبُ إفْرَاغُ الْمَاءِ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ قَالَ: يُفْرِغُ الْمَاءَ بِيَمِينِهِ عَلَى رِجْلَيْهِ وَيَغْسِلُهَا بِيَسَارِهِ. اهـ. وَأَخْرَجَ السُّيُوطِيّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَغْسِلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وَبَلُّهُمَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ فِي الشِّتَاءِ وَالتَّمَسُّحُ بِمِنْدِيلٍ، وَعَدَمُ نَفْضِ يَدِهِ، وَقِرَاءَةُ سُورَةِ الْقَدْرِ، وَصَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، فِي غَيْرِ وَقْتِ كَرَاهَةٍ. (وَمَكْرُوهُهُ: لَطْمُ الْوَجْهِ)   [رد المحتار] أَسْفَلَ رِجْلَيْهِ بِيَدِهِ الْيُمْنَى» (قَوْلُهُ: وَبَلَّهُمَا إلَخْ) أَيْ الرِّجْلَيْنِ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ عَنْ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ أَنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي لِلْمُتَوَضِّئِ فِي الشِّتَاءِ أَنْ يَبِلَّ أَعْضَاءَهُ بِالْمَاءِ شِبْهَ الدَّهْنِ ثُمَّ يُسِيلُ الْمَاءَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْمَاءَ يَتَجَافَى عَنْ الْأَعْضَاءِ فِي الشِّتَاءِ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي التَّمَسُّحِ بِمِنْدِيلٍ (قَوْلُهُ: وَالتَّمَسُّحُ بِمِنْدِيلٍ) ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُنْيَةِ فِي الْغُسْلِ. وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ غَيْرَهُ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الْكَرَاهَةِ؛ فَفِي الْخَانِيَّةِ: وَلَا بَأْسَ لِلْمُتَوَضِّئِ وَالْمُغْتَسِلِ. رُوِيَ عَنْ رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مِنْ كَرِهَهُ لِلْمُتَوَضِّئِ دُونَ الْمُغْتَسِلِ. وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا، إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبَالِغَ وَلَا يَسْتَقْصِي فَيُبْقِي أَثَرَ الْوُضُوءِ، عَلَى أَعْضَائِهِ اهـ وَكَذَا وَقَعَ بِلَفْظِ لَا بَأْسَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَغَيْرِهَا، وَعَزَاهُ فِي الْخُلَاصَةِ إلَى الْأَصْلِ اهـ مَا فِي الْحِلْيَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَدِلَّةَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَالْقَائِلِينَ بِهَا مِنْ السَّلَفِ وَأَطَالَ وَأَطَابَ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدَّمْنَا عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ تَرْكُ التَّمَسُّحِ بِخِرْقَةٍ يَمْسَحُ بِهَا مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ أَيْ الَّتِي يَمْسَحُ بِهَا مَاءَ الِاسْتِنْجَاءِ لِاسْتِقْذَارِهَا، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُفِيدُ تَرْكَ التَّمَسُّحِ بِغَيْرِهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ نَفْضِ يَدِهِ) لِحَدِيثٍ «لَا تَنْفُضُوا أَيْدِيَكُمْ فِي الْوُضُوءِ، فَإِنَّهَا مَرَاوِحُ الشَّيْطَانِ» ذَكَرَهُ فِي الْمِعْرَاجِ لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُنَاوِيُّ، بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا جَاءَتْهُ بِخِرْقَةٍ بَعْدَ الْغُسْلِ فَرَدَّهَا وَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ بِيَدِهِ» تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقِرَاءَةُ سُورَةِ الْقَدْرِ) لِأَحَادِيثَ وَرَدَتْ فِيهَا ذَكَرَهَا الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي مُقَدَّمَتِهِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: سَأَلَ عَنْهَا شَيْخُنَا الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ؛ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مِنْهَا شَيْءٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا مِنْ قَوْلِهِ وَلَا مِنْ فِعْلِهِ، وَالْعُلَمَاءُ يَتَسَاهَلُونَ فِي ذِكْرِ الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ وَالْعَمَلِ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَصَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ) لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا «مَا مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يُقْبِلُ بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ عَلَيْهِمَا إلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ وَقْتِ كَرَاهَةٍ) هِيَ الْأَوْقَاتُ الْخَمْسَةُ: الطُّلُوعُ وَمَا قَبْلَهُ، وَالِاسْتِوَاءُ وَالْغُرُوبُ وَمَا قَبْلَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ تَرْكَ الْمَكْرُوهِ أَوْلَى مِنْ فِعْلِ الْمَنْدُوبِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ ط. [تَتِمَّةٌ] يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي الْمَنْدُوبَاتِ أَنْ لَا يَتَطَهَّرَ مِنْ مَاءٍ أَوْ تُرَابٍ مِنْ أَرْضٍ مَغْصُوبٍ عَلَيْهَا كَآبَارِ ثَمُودَ، فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّطْهِيرِ مِنْهَا، بَلْ نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمْ، وَمُرَاعَاةُ الْخِلَافِ عِنْدَنَا مَطْلُوبَةٌ، وَكَذَا يُقَالُ فِي التَّطْهِيرِ بِفَضْلِ مَاءِ الْمَرْأَةِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي الْمَنْهِيَّاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مَطْلَبٌ فِي تَعْرِيفِ الْمَكْرُوهِ، وَأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا وَتَنْزِيهًا. (قَوْلُهُ: وَمَكْرُوهُهُ) هُوَ ضِدُّ الْمَحْبُوبِ؛ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْحَرَامِ كَقَوْلِ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَا عُذْرَ لَهُ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ. وَعَلَى الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا: وَهُوَ مَا كَانَ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ، وَيُسَمِّيه مُحَمَّدٌ حَرَامًا ظَنِّيًّا. وَعَلَى الْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا: وَهُوَ مَا كَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهِ، وَيُرَادِفُ خِلَافَ الْأَوْلَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 أَوْ غَيْرِهِ (بِالْمَاءِ) تَنْزِيهًا، وَالتَّقْتِيرُ (وَالْإِسْرَافُ) وَمِنْهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ (فِيهِ) تَحْرِيمًا وَلَوْ بِمَاءِ النَّهْرِ، وَالْمَمْلُوكِ لَهُ. أَمَّا الْمَوْقُوفُ عَلَى مَنْ يَتَطَهَّرُ بِهِ، وَمِنْهُ مَاءُ الْمَدَارِسِ،   [رد المحتار] وَفِي الْبَحْرِ: مِنْ مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ الْمَكْرُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا مَا كُرِهَ تَحْرِيمًا، وَهُوَ الْمَحْمَلُ عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ الْكَرَاهَةَ كَمَا فِي زَكَاةِ فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَذُكِرَ أَنَّهُ فِي رُتْبَةِ الْوَاجِبِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْوَاجِبُ يَعْنِي بِالظَّنِّيِّ الثُّبُوتِ. ثَانِيهِمَا الْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا، وَمَرْجِعُهُ إلَى مَا تَرْكُهُ أَوْلَى، وَكَثِيرًا مَا يُطْلِقُونَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، فَحِينَئِذٍ إذَا ذَكَرُوا مَكْرُوهًا فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ فِي دَلِيلِهِ، فَإِنْ كَانَ نَهْيًا ظَنِّيًّا يُحْكَمُ بِكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ إلَّا لِصَارِفٍ لِلنَّهْيِ عَنْ التَّحْرِيمِ إلَى النَّدْبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّلِيلُ نَهْيًا بَلْ كَانَ مُفِيدًا لِلتَّرْكِ الْغَيْرِ الْجَازِمِ فَهِيَ تَنْزِيهِيَّةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْوَجْهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ كَمَا فِي الْحَاوِي، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَجْهِ لِمَا لَهُ مِنْ مَزِيدِ الشَّرَفِ (قَوْلُهُ: تَنْزِيهًا) لِمَا قَدَّمْنَا عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ تَرْكَهُ أَدَبٌ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ انْتِضَاحَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى ثِيَابِهِ وَتَرْكُهُ أَوْلَى، وَأَيْضًا هُوَ خِلَافُ التُّؤَدَةِ وَالْوَقَارِ، فَالنَّهْيُ عَنْهُ نَهْيُ أَدَبٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالتَّقْتِيرُ) أَيْ بِأَنْ يَقْرُبَ إلَى حَدِّ الدُّهْنِ وَيَكُونُ التَّقَاطُرُ غَيْرَ ظَاهِرٍ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا لِيَكُونَ غُسْلًا بِيَقِينٍ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الثَّلَاثِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. مَطْلَبٌ فِي الْإِسْرَافِ فِي الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ: وَالْإِسْرَافُ) أَيْ بِأَنْ يَسْتَعْمِلَ مِنْهُ فَوْقَ الْحَاجَةِ الشَّرْعِيَّةِ، لِمَا أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ: مَا هَذَا السَّرَفُ؟ فَقَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ إسْرَافٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ كُنْت عَلَى نَهْرٍ جَارٍ» حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْإِسْرَافِ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ أَيْ فِي الْغَسَلَاتِ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ السُّنَّةُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ وَقَصَدَ الطُّمَأْنِينَةَ عِنْدَ الشَّكِّ، أَوْ قَصَدَ الْوُضُوءَ عَلَى الْوُضُوءِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ فِي الْمَاءِ (قَوْلُهُ: تَحْرِيمًا إلَخْ) نُقِلَ ذَلِكَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ عَدِّهِ تَرْكَ التَّقْتِيرِ وَالْإِسْرَافِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا، لَكِنْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: ذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ سُنَّةٌ؛ وَعَلَيْهِ مَشَى قَاضِي خَانْ، وَهُوَ وَجِيهٌ اهـ وَاسْتَوْجَبَهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا وَكَذَا فِي النَّهْرِ. قَالَ: وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ عَنْ الْإِسْرَافِ، وَجَعَلَ فِي الْمُنْتَقَى الْإِسْرَافَ مِنْ الْمَنْهِيَّاتِ فَتَكُونُ تَحْرِيمِيَّةً لِأَنَّ إطْلَاقَ الْكَرَاهَةِ مَصْرُوفٌ إلَى التَّحْرِيمِ، وَبِهِ يَضْعُفُ جَعْلُهُ مَنْدُوبًا. أَقُولُ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ فِي حَدِيثِ «فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ» مَحْمُولٌ عَلَى الِاعْتِقَادِ عِنْدَنَا، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ، حَتَّى لَوْ زَادَ أَوْ نَقَصَ وَاعْتَقَدَ أَنَّ الثَّلَاثَ سُنَّةٌ لَا يَلْحَقُهُ الْوَعِيدُ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ كَرَاهَةِ ذَلِكَ يَعْنِي كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، فَلَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ التَّنْزِيهِيَّةَ، فَمَا مَشَى عَلَيْهِ هُنَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ جَعْلِ تَرْكِهِ مَنْدُوبًا مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ التَّصْحِيحِ، فَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا، وَلَا يُنَافِيه عَدُّهُ مِنْ الْمَنْهِيَّاتِ كَمَا عَدَّ مِنْهَا لَطْمَ الْوَجْهِ بِالْمَاءِ، فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ تَنْزِيهًا مَنْهِيٌّ عَنْهُ حَقِيقَةً اصْطِلَاحًا، وَمَجَازًا لُغَةً كَمَا فِي التَّحْرِيرِ. وَأَيْضًا فَقَدْ عَدَّهُ فِي الْخِزَانَةِ السَّمَرْقَنْدِيَّة مِنْ الْمَنْهِيَّاتِ، لَكِنْ قَيَّدَهُ بِعَدَمِ اعْتِقَادِ تَمَامِ السُّنَّةِ بِالثَّلَاثِ، كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ جَعَلَ تَرْكَهُ سُنَّةً، وَلَيْسَتْ الْكَرَاهَةُ مَصْرُوفَةً إلَى التَّحْرِيمِ مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، عَلَى أَنَّ الصَّارِفَ لِلنَّهْيِ عَنْ التَّحْرِيمِ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ مَنْ أَسْرَفَ فِي الْوُضُوءِ بِمَاءِ النَّهْرِ مَثَلًا مَعَ عَدَمِ اعْتِقَادِ سُنِّيَّةِ ذَلِكَ نَظِيرُ مَنْ مَلَأَ إنَاءً مِنْ النَّهْرِ ثُمَّ أَفْرَغَهُ فِيهِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَحْذُورٌ سِوَى أَنَّهُ عَبَثٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَهُوَ فِي الْوُضُوءِ زَائِدٌ عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ؛ فَلِذَا سُمِّيَ فِي الْحَدِيثِ إسْرَافًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 فَحَرَامٌ (وَتَثْلِيثُ الْمَسْحِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ) أَمَّا بِمَاءٍ وَاحِدٍ فَمَنْدُوبٌ أَوْ مَسْنُونٌ. وَمِنْ مَنْهِيَّاتِهِ: التَّوَضُّؤُ بِفَضْلِ مَاءِ الْمَرْأَةِ وَفِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ؛ لِأَنَّ لِمَاءِ الْوُضُوءِ حُرْمَةً، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ، إلَّا فِي إنَاءٍ، أَوْ فِي مَوْضِعٍ أُعِدَّ لِذَلِكَ، وَإِلْقَاءُ النُّخَامَةِ، وَالِامْتِخَاطُ فِي الْمَاءِ.   [رد المحتار] قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْإِسْرَافُ: التَّبْذِيرُ أَوْ مَا أُنْفِقَ فِي غَيْرِ طَاعَةٍ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ زَائِدًا عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ وَغَيْرَ طَاعَةٍ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا، نَعَمْ إذَا اعْتَقَدَ سُنِّيَّتَهُ يَكُونُ قَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ لِاعْتِقَادِهِ مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ قُرْبَةً، فَلِذَا حَمَلَ عُلَمَاؤُنَا النَّهْيَ عَلَى ذَلِكَ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَيَكُونُ تَرْكُهُ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْجَوَاهِرِ مِنْ أَنَّ الْإِسْرَافَ فِي الْمَاءِ الْجَارِي جَائِزٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَيِّعٍ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْجَائِزَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا لَا يَمْتَنِعُ شَرْعًا فَيَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ تَنْزِيهًا، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ تَتَوَافَقُ عِبَارَاتُهُمْ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْمَشَايِخِ الْمَذْهَبُ فَلَا يُعَارِضُ مَا صَرَّحُوا بِهِ وَصَحَّحُوهُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَالسَّلَامُ. (قَوْلُهُ: فَحَرَامٌ) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ غَيْرُ مَأْذُونٍ بِهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يُوقَفُ وَيُسَاقُ لِمَنْ يَتَوَضَّأُ الْوُضُوءَ الشَّرْعِيَّ وَلَمْ يَقْصِدْ إبَاحَتَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ حِلْيَةٌ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا لَيْسَ بِجَارٍ كَاَلَّذِي فِي صِهْرِيجٍ أَوْ حَوْضٍ أَوْ نَحْوِ إبْرِيقٍ، أَمَّا الْجَارِي كَمَاءِ مَدَارِسِ دِمَشْقَ وَجَوَامِعِهَا فَهُوَ مِنْ الْمُبَاحِ كَمَاءِ النَّهْرِ كَمَا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ مَنْهِيَّاتِهِ) يَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ تَنْزِيهًا فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ اصْطِلَاحًا حَقِيقَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّحْرِيرِ آنِفًا، فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: التَّوَضُّؤُ إلَخْ) قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَغْتَسِلَ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ اهـ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَحْرِيمًا. وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ إذَا اخْتَلَتْ امْرَأَةٌ مُكَلَّفَةٌ بِمَاءٍ قَلِيلٍ كَخَلْوَةِ نِكَاحٍ وَتَطَهَّرَتْ بِهِ فِي خَلْوَتِهَا طَهَارَةً كَامِلَةً عَنْ حَدَثٍ لَا يَصْلُحُ لِرَجُلٍ أَوْ خُنْثَى أَنْ يَرْفَعَ بِهِ حَدَثَهُ كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي مُتُونِ مَذْهَبِهِ، وَهُوَ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ؛ لِمَا رَوَاهُ الْخَمْسَةُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طُهُورِ الْمَرْأَةِ» قَالَ فِي [غُرَرِ الْأَفْكَارِ شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ] فِي فَصْلِ الْمِيَاهِ بَعْدَمَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ: وَلَنَا مَا رَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: اغْتَسَلْت مِنْ جَفْنَةٍ فَفَضَلَتْ فِيهَا فَضْلَةٌ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْتَسِلُ، فَقُلْت: إنِّي قَدْ اغْتَسَلْت مِنْهُ، فَقَالَ: الْمَاءُ لَيْسَ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ» وَمَا رَوَى أَحْمَدُ مَنْسُوخٌ بِهَذَا. اهـ. أَقُولُ: مُقْتَضَى النَّسْخِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَحْرِيمًا عِنْدَنَا بَلْ تَنْزِيهًا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ عَنْ السِّرَاجِ. وَفِيهِ أَنَّ دَعْوَى النَّسْخِ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِتَأَخُّرِ النَّاسِخِ، وَلَعَلَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ مَيْمُونَةَ إنِّي قَدْ اغْتَسَلْت، فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِعِلْمِهَا بِالنَّهْيِ قَبْلَهُ فَيَكُونُ النَّاسِخُ مُتَأَخِّرًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِالْكَرَاهَةِ فَيَنْبَغِي كَرَاهَتُهُ وَإِنْ قُلْنَا بِالنَّسْخِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يُطْلَبُ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّطْهِيرُ بِهِ عِنْدَ أَحْمَدَ. [تَنْبِيهٌ] يَنْبَغِي كَرَاهَةُ التَّطْهِيرِ أَيْضًا أَخْذًا مِمَّا ذَكَرْنَا وَإِنْ لَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا بِمَاءٍ أَوْ تُرَابٍ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ غُضِبَ عَلَيْهَا إلَّا بِئْرَ النَّاقَةِ بِأَرْضِ ثَمُودَ، فَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِكَرَاهَتِهِ وَلَا يُبَاحُ عِنْدَ أَحْمَدَ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى الْحَنْبَلِيِّ: لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «إنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْحِجْرِ أَرْضِ ثَمُودَ فَاسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا وَعَجَنُوا بِهِ الْعَجِينَ، فَأَمَرَهُمْ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُهْرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا وَيَعْلِفُوا الْإِبِلَ الْعَجِينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ» حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ: وَظَاهِرُهُ مَنْعُ الطَّهَارَةِ بِهِ وَبِئْرُ النَّاقَةِ هِيَ الْبِئْرُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي يَرِدُهَا الْحُجَّاجُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ اهـ (قَوْلُهُ: وَالِامْتِخَاطُ) مَعْطُوفٌ عَلَى إلْقَاءٍ، وَقَوْلُهُ: فِي الْمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِأَحَدِهِمَا عَلَى التَّنَازُعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 (وَيَنْقُضُهُ) خُرُوجُ مِنْهُ كُلِّ خَارِجٍ (نَجَسٍ) بِالْفَتْحِ وَيُكْسَرُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُتَوَضِّئِ الْحَيِّ مُعْتَادًا أَوْ لَا، مِنْ السَّبِيلَيْنِ أَوْ لَا (إلَى مَا يُطَهَّرُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ: أَيْ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ.   [رد المحتار] مَطْلَبٌ نَوَاقِضُ الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ: وَيَنْقُضُهُ إلَخْ) النَّقْضُ فِي الْجِسْمِ: فَكُّ تَأْلِيفِهِ، وَفِي غَيْرِهِ إخْرَاجُهُ عَنْ إفَادَةِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ كَاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ فِي الْوُضُوءِ بَحْرٌ، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ خُرُوجُ نَجَسٍ أَنَّ النَّاقِضَ خُرُوجُهُ لَا عَيْنُهُ بِشَرْطِ الْخُرُوجِ، وَاسْتَظْهَرَ فِي الْفَتْحِ الثَّانِيَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الطَّهَارَةَ تَرْتَفِعُ بِضِدِّهَا وَهِيَ النَّجَاسَةُ الْقَائِمَةُ بِالْخَارِجِ لِأَنَّ الضِّدَّ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي رَفْعِ ضِدِّهِ، وَبَحَثَ فِيهِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: كُلُّ خَارِجٍ) لَعَلَّ فَائِدَتَهُ التَّعْمِيمُ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اخْتِصَاصُ النَّجَسِ بِالْمُعْتَادِ أَوْ الْكَثِيرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بِالْفَتْحِ وَيُكْسَرُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْفَتْحَ أَوْلَى، لِقَوْلِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ: وَالرِّوَايَةُ النَّجَسُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ، وَأَمَّا بِكَسْرِهَا فَمَا لَا يَكُونُ طَاهِرًا، هَذَا اصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ. وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَيُقَالُ: نَجَسَ الشَّيْءُ يَنْجُسُ فَهُوَ نَجَسٌ وَنَجِسٌ. اهـ. فَهُمَا لُغَةً مَا لَا يَكُونُ طَاهِرًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ نَجَسَ الْعَيْنِ أَوْ عَارِضَ النَّجَاسَةِ كَالْحَصَاةِ الْخَارِجَةِ مِنْ الدُّبُرِ، وَالنَّاقِضُ فِي الْحَقِيقَةِ النَّجَاسَةُ الْعَارِضَةُ لَهَا، فَكَانَ الْفَتْحُ أَوْلَى مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ أَيْضًا. وَإِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ بِالْكَسْرِ أَعَمُّ، تَأَمَّلْ؛ ثُمَّ عَلَى الْفَتْحِ يَكُونُ بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ خَارِجٍ لَا صِفَةً لِأَنَّهُ اسْمٌ جَامِدٌ، بِخِلَافِ الْمَكْسُورِ فَإِنَّهُ بِمَعْنَى مُتَنَجِّسٍ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُتَوَضِّئِ) تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ أُخِذَ مِنْ الْمَقَامِ، وَالْمُتَوَضِّئُ مَنْ اتَّصَفَ بِالْوُضُوءِ، وَاحْتَرَزَ بِالْحَيِّ عَنْ الْمَيِّتِ، فَإِنَّهُ لَوْ خَرَجَتْ مِنْهُ نَجَاسَةٌ لَمْ يُعِدْ وُضُوءَهُ بَلْ يَغْسِلْ مَوْضِعَهَا فَقَطْ إذْ لَوْ كَانَ الْخُرُوجُ حَدَثًا لَكَانَ الْمَوْتُ كَذَلِكَ إذْ هُوَ فَرَقَّهُ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: مُعْتَادًا) كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، أَوْ لَا كَالدُّودَةِ وَالْحَصَاةِ، وَهَذَا تَعْمِيمٌ لِقَوْلِهِ: نَجَسٌ نَبَّهَ بِهِ عَلَى خِلَافِ الْإِمَامِ مَالِكٍ حَيْثُ قَيَّدَهُ بِالْمُعْتَادِ كَمَا نَبَّهَ بِمَا بَعْدَهُ عَلَى خِلَافِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ حَيْثُ قَيَّدَهُ بِالْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ. (قَوْلُهُ: أَيْ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ) فَائِدَةُ ذِكْرِ الْحُكْمِ دَفْعُ وُرُودِ دَاخِلِ الْعَيْنِ وَبَاطِنِ الْجَرْحِ، إذْ حَقِيقَةُ التَّطْهِيرِ فِيهِمَا مُمْكِنَةٌ، وَإِنَّمَا السَّاقِطُ حُكْمُهُ نَهْرٌ وَسِرَاجٌ. وَيَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي جَرْحٍ يَضُرُّهُ الْغَسْلُ بِالْمَاءِ، فَلَوْ لَمْ يَضُرَّ نَقَضَ مَا سَالَ فِيهِ لِأَنَّ حُكْمَ التَّطْهِيرِ وَهُوَ وُجُوبُ غَسْلِهِ غَيْرُ سَاقِطٍ؛ وَالْمُرَادُ بِالتَّطْهِيرِ مَا يَعُمُّ الْغَسْلَ وَالْمَسْحَ فِي الْغُسْلِ أَوْ فِي الْوُضُوءِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ؛ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ سَالَ إلَى مَحَلٍّ يُمْكِنُ مَسْحُهُ دُونَ غَسْلِهِ لِلْعُذْرِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْحِلْيَةِ أَيْضًا، وَزَادَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الْغُسْلِ أَوْ فِي الْوُضُوءِ قَوْلَهُ: أَوْ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ؛ لِئَلَّا يَرِدَ مَا لَوْ افْتَصَدَ وَخَرَجَ مِنْهُ دَمٌ كَثِيرٌ وَلَمْ يَتَلَطَّخْ رَأْسُ الْجُرْحِ، فَإِنَّهُ نَاقِضٌ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسِلْ إلَى مَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ لِأَنَّهُ سَالَ إلَى الْمَكَانِ دُونَ الْبَدَنِ، وَبِزِيَادَةِ ذَلِكَ لَا يَرِدُ لِأَنَّ الْمَكَانَ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ فِي الْجُمْلَةِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا عَمَّمَ فِي الْبَحْرِ مَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ بِقَوْلِهِ مِنْ بَدَنٍ وَثَوْبٍ وَمَكَانٍ. أَقُولُ: يَرِدُ عَلَيْهِ مَا لَوْ سَالَ إلَى نَهْرٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَمَا لَوْ مَصَّ الْعَلَقُ أَوْ الْقُرَادُ الْكَبِيرُ وَامْتَلَأَ دَمًا فَإِنَّهُ نَاقِضٌ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا فَالْأَحْسَنُ مَا فِي النَّهْرِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ السَّيَلَانُ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ: أَيْ فَإِنَّ دَمَ الْفَصْدِ وَنَحْوَهُ سَائِلٌ إلَى مَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ حُكْمًا، تَأَمَّلْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ الْوُجُوبُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. زَادَ فِي الْفَتْحِ أَوْ النَّدْبُ، وَأَيَّدَهُ فِي الْحِلْيَةِ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِمْ: إذَا نَزَلَ الدَّمُ إلَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ نَقَضَ، وَلَيْسَ ذَاكَ إلَّا لِكَوْنِ الْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ لِغَيْرِ الصَّائِمِ مَسْنُونَةً؛ وَحَدُّهَا أَنْ يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا اشْتَدَّ مِنْ الْأَنْفِ. وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَصَبَةِ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ، وَلِذَا عَبَّرَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ كَالْهِدَايَةِ؛ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا لَانَ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ لَا يُنْدَبُ، فَلَا حَاجَةَ إلَى زِيَادَةِ النَّدْبِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْخُرُوجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ مُجَرَّدُ الظُّهُورِ وَفِي غَيْرِهِمَا عَيْنُ السَّيَلَانِ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ، لِمَا قَالُوا: لَوْ مَسَحَ الدَّمَ كُلَّمَا خَرَجَ وَلَوْ تَرَكَهُ لَسَالَ نَقَضَ وَإِلَّا لَا، كَمَا لَوْ سَالَ فِي بَاطِنِ عَيْنٍ أَوْ جُرْحٍ أَوْ ذَكَرٍ وَلَمْ يَخْرُجْ، وَكَدَمْعٍ وَعَرَقٍ إلَّا عَرَقُ مُدْمِنِ الْخَمْرِ فَنَاقِضٌ عَلَى مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَنَا فِيهِ كَلَامٌ (وَ) خُرُوجُ غَيْرِ نَجَسٍ مِثْلِ (رِيحٍ أَوْ دُودَةٍ   [رد المحتار] أَقُولُ: صَرَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَسْطُورَةٌ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا بِأَنَّهُ إذَا وَصَلَ إلَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ يَنْتَقِضُ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى مَا لَانَ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَأَنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ يَنْتَقِضُ إذَا وَصَلَ إلَى مَا لَانَ بَيَانٌ لِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا أَيْ لِتَكُونَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ أَيْضًا، قَالَ: لِأَنَّ عِنْدَهُ لَا يَنْتَقِضُ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى مَا لَانَ لِعَدَمِ الظُّهُورِ قَبْلَهُ، فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَصَبَةِ مَا اشْتَدَّ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْمُفْرَدَ الْمُلَخَّصَ مِمَّا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ وَمِنْ رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ [الْفَوَائِدِ الْمُخَصِّصَةِ بِأَحْكَامِ كَيِّ الْحِمَّصَةِ] (قَوْلُهُ: مُجَرَّدُ الظُّهُورِ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ: أَيْ الظُّهُورُ الْمُجَرَّدُ عَنْ السَّيْلَانِ، فَلَوْ نَزَلَ الْبَوْلُ إلَى قَصَبَةِ الذَّكَرِ لَا يَنْقُضُ لِعَدَمِ ظُهُورِهِ، بِخِلَافِ الْقُلْفَةِ فَإِنَّهُ بِنُزُولِهِ إلَيْهَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَعَدَمُ وُجُوبِ غَسْلِهَا لِلْحَرَجِ، لَا لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ كَمَا قَالَهُ الْكَمَالُ ط (قَوْلُهُ: عَيْنُ السَّيَلَانِ) اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهِ؛ فَفِي الْمُحِيطِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يَعْلُوَ وَيَنْحَدِرَ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا انْتَفَخَ عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ وَصَارَ أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِهِ نَقَضَ. وَالصَّحِيحُ لَا يَنْقُضُ. اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ، وَفِي الدِّرَايَةِ جَعَلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَصَحَّ وَمُخْتَارُ السَّرَخْسِيِّ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْأَوْلَى اهـ. أَقُولُ: وَكَذَا صَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ. وَفِي الْبَحْرِ تَحْرِيفٌ تَبِعَهُ عَلَيْهِ ط فَاجْتَنَبَهُ (قَوْلُهُ: لِمَا قَالُوا) عِلَّةٌ لِلْمُبَالَغَةِ ط (قَوْلُهُ: لَوْ مَسَحَ الدَّمَ كُلَّمَا خَرَجَ إلَخْ) وَكَذَا إذَا وَضَعَ عَلَيْهِ قُطْنًا أَوْ شَيْئًا آخَرَ حَتَّى يُنَشِّفَ ثُمَّ وَضَعَهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا فَإِنَّهُ يَجْمَعُ جَمِيعَ مَا نُشِّفَ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَهُ سَالَ نَقَضَ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا بِالِاجْتِهَادِ وَغَالِبِ الظَّنِّ، وَكَذَا لَوْ أَلْقَى عَلَيْهِ رَمَادًا أَوْ تُرَابًا ثُمَّ ظَهَرَ ثَانِيًا فَتَرَّبَهُ ثُمَّ وَثُمَّ فَإِنَّهُ يُجْمَعُ. قَالُوا: وَإِنَّمَا يُجْمَعُ إذَا كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَلَوْ فِي مَجَالِسَ فَلَا تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ. أَقُولُ: وَعَلَيْهِ فَمَا يَخْرُجُ مِنْ الْجُرْحِ الَّذِي يَنِزُّ دَائِمًا وَلَيْسَ فِيهِ قُوَّةُ السَّيَلَانِ وَلَكِنَّهُ إذَا تُرِكَ يَتَقَوَّى بِاجْتِمَاعِهِ وَيَسِيلُ عَنْ مَحَلِّهِ فَإِذَا نَشَّفَهُ أَوْ رَبَطَهُ بِخِرْقَةٍ وَصَارَ كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ تَشَرَّبَتْهُ الْخِرْقَةُ يُنْظَرُ، إنْ كَانَ مَا تَشَرَّبَتْهُ الْخِرْقَةُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ شَيْئًا فَشَيْئًا بِحَيْثُ لَوْ تُرِكَ وَاجْتَمَعَ أَسَالَ بِنَفْسِهِ نَقَضَ، وَإِلَّا لَا، وَلَا يُجْمَعُ مَا فِي مَجْلِسٍ إلَى مَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، وَفِي ذَلِكَ تَوْسِعَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَصْحَابِ الْقُرُوحِ وَلِصَاحِبِ كَيِّ الْحِمَّصَةِ، فَاغْتَنِمْ هَذِهِ الْفَائِدَةَ، وَكَأَنَّهُمْ قَاسُوهَا عَلَى الْقَيْءِ؛ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ هُنَا اخْتِلَافُ سَبَبٍ تَعَيَّنَ اعْتِبَارُ الْمَجْلِسِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ سَالَ) تَشْبِيهٌ فِي عَدَمِ النَّقْضِ، لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: أَوْ جُرْحٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ قَامُوس، أَمَّا بِالْفَتْحِ فَهُوَ الْمَصْدَرُ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَخْرُجْ) أَيْ لَمْ يَسِلْ. أَقُولُ: وَفِي السِّرَاجِ عَنْ الْيَنَابِيعِ: الدَّمُ السَّائِلُ عَلَى الْجِرَاحَةِ إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ. قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ طَاهِرٌ حَتَّى لَوْ صَلَّى رَجُلٌ بِجَنْبِهِ وَأَصَابَهُ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَبِهَذَا أَخَذَ الْكَرْخِيُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَجَسٌ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ غَيْرُ نَاقِضٍ لِأَنَّهُ بَقِيَ طَاهِرًا بَعْدَ الْإِصَابَةِ، وَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ خُرُوجُهُ إلَى مَحَلٍّ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ مِنْ بَدَنِ صَاحِبِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَكَدَمْعٍ) أَيْ بِلَا عِلَّةٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَمَا لَوْ سَالَ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخَرَ الْكِتَابِ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا فِيهِ كَلَامٌ) نَقَلَهُ ح. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَتَخْرِيجٌ غَرِيبٌ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ: وَخُرُوجُ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ خُرُوجُ كُلِّ خَارِجٍ (قَوْلُهُ: مِثْلُ رِيحٍ) فَإِنَّهَا تَنْقُضُ لِأَنَّهَا مُنْبَعِثَةٌ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ لَا لِأَنَّ عَيْنَهَا نَجِسَةٌ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ عَيْنَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 أَوْ حَصَاةٍ مِنْ دُبُرٍ لَا) خُرُوجُ ذَلِكَ مِنْ جُرْحٍ، وَلَا خُرُوجُ (رِيحٍ مِنْ قُبُلِ) غَيْرِ مُفْضَاةٍ، أَمَّا هِيَ فَيُنْدَبُ لَهَا الْوُضُوءُ، وَقِيلَ: يَجِبُ، وَقِيلَ: لَوْ مُنْتِنَةً (وَذَكَرٍ) لِأَنَّهُ اخْتِلَاجٌ؛ حَتَّى لَوْ خَرَجَ رِيحٌ مِنْ الدُّبُرِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأَعْلَى فَهُوَ اخْتِلَاعٌ فَلَا يَنْقُضُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالرِّيحِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الدُّودَةِ وَالْحَصَاةِ مِنْهُمَا نَاقِضٌ إجْمَاعًا، كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (وَلَا) خُرُوجُ (دُودَةٍ مِنْ جُرْحٍ أَوْ أُذُنٍ أَوْ أَنْفٍ) أَوْ فَمٍ (وَكَذَا لَحْمٌ سَقَطَ مِنْهُ) لِطَهَارَتِهَا وَعَدَمِ السَّيْلَانِ فِيمَا عَلَيْهِمَا وَهُوَ مَنَاطُ النَّقْضِ (وَالْمُخْرَجُ) بِعَصْرٍ. (وَالْخَارِجُ) بِنَفْسِهِ (سِيَّانِ) فِي حُكْمِ النَّقْضِ عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، قَالَ لِأَنَّ فِي الْإِخْرَاجِ خُرُوجٌ فَصَارَ كَالْفَصْدِ.   [رد المحتار] طَاهِرَةٌ، حَتَّى لَوْ لَبِسَ سَرَاوِيلَ مُبْتَلَّةً أَوْ ابْتَلَّ مِنْ أَلْيَتَيْهِ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَمُرُّ بِهِ الرِّيحُ فَخَرَجَ الرِّيحُ لَا يَتَنَجَّسُ، وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ. وَمَا نُقِلَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلَّى بِسَرَاوِيلِهِ فَوَرَعٌ مِنْهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: مِنْ دُبُرٍ) وَكَذَا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ فَرْجٍ فِي الدُّودَةِ وَالْحَصَاةِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ لِمَا عَلَيْهِمَا مِنْ النَّجَاسَةِ كَمَا اخْتَارَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَوْ لِتَوَلُّدِ الدُّودَةِ مِنْ النَّجَاسَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَعَلَى الثَّانِي فَعَطْفُ أَوْ دُودَةٍ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِدُخُولِهِ تَحْتَ قَوْلِهِ: خُرُوجُ نَجَسٍ إلَى مَا يَطْهُرُ، وَكَذَا عَطْفُهَا وَعَطْفُ الْحَصَاةِ عَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ لِتَحَقُّقِ خُرُوجِ الْخَارِجِ النَّجَسِ وَهُوَ مَا عَلَيْهِمَا، وَعَلَى كُلٍّ فَقَوْلُهُ: أَوْ دُودَةٍ مَعْطُوفٌ بِالنَّظَرِ إلَى كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى قَوْلِهِ وَخُرُوجُ غَيْرِ نَجَسٍ لَا عَلَى رِيحٍ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: لَا خُرُوجُ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الثَّلَاثَةِ. قَالَ ح: وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الرِّيحَ تَخْرُجُ مِنْ الْجُرْحِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَحُكْمُ الدُّودَةِ مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ وَدُودَةٍ مِنْ جُرْحٍ ط (قَوْلُهُ: أَمَّا هِيَ إلَخْ) أَيْ الْمُفْضَاةُ: وَهِيَ الَّتِي اخْتَلَطَ سَبِيلُهَا: أَيْ مَسْلَكُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، فَيُنْدَبُ لَهَا الْوُضُوءُ مِنْ الرِّيحِ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَجِبُ احْتِيَاطًا. وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَفْصٍ وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الرِّيحِ كَوْنُهَا مِنْ الدُّبُرِ: وَمِنْ أَحْكَامِهَا أَنَّهُ لَا يُحِلُّهَا الزَّوْجُ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ مَا لَمْ تَحْبَلْ لِاحْتِمَالِ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ، وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا إلَّا إنْ أَمْكَنَ الْإِتْيَانُ فِي الْقُبُلِ بِلَا تَعَدٍّ. وَأَمَّا الَّتِي اخْتَلَطَ مَسْلَكُ بَوْلِهَا وَوَطْئِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَكُونَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ النَّقْضِ بِالرِّيحِ الْخَارِجَةِ مِنْ الْفَرْجِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْوَطْءُ فِي مَسْلَكِ الْبَوْلِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: لَوْ مُنْتِنَةً) أَيْ لِأَنَّ نَتْنَهَا دَلِيلٌ أَنَّهَا مِنْ الدُّبُرِ. وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ: وَقِيلَ: إنْ كَانَ مَسْمُوعًا أَوْ ظَهَرَ نَتْنُهُ فَهُوَ حَدَثٌ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: وَذَكَرٍ) لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ مَعَ شُمُولِ الْقُبُلِ إيَّاهُ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ اسْتِعْمَالُهَا. اهـ. ح (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ اخْتِلَاجٌ) أَيْ لَيْسَ بِرِيحٍ حَقِيقَةً، وَلَوْ كَانَ رِيحًا فَلَيْسَتْ بِمُنْبَعِثَةٍ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ فَلَا تَنْقُضُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ يَعْلَمُ) أَيْ يَظُنُّ لِأَنَّ الظَّنَّ كَافٍ فِي هَذَا الْبَابِ ح أَيْ الظَّنَّ الْغَالِبَ. وَقَالَ الرَّحْمَتِيُّ: شَرْطُ الْعِلْمِ بِعَدَمِ كَوْنِهِ مِنْ الْأَعْلَى، فَأَفَادَ النَّقْضَ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ تَبَعًا لِلْحَلَبِيِّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَفِي الْمِنَحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: مَنَاطُ النَّقْضِ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ مِنْ الْأَعْلَى فَلَا نَقْضَ مَعَ الِاشْتِبَاهِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَشَمَّ رِيحًا» وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ الْأَعْلَى (قَوْلُهُ: مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْقُبُلِ وَالذَّكَرِ (قَوْلُهُ: لِطَهَارَتِهِمَا) أَيْ الدُّودَةِ وَاللَّحْمِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، فَقَدْ قَالُوا: مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ كَمَيْتَتِهِ إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى لَا تَفْسُدَ صَلَاتُهُ إذَا حَمَلَهُ ط. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِضَمِيرِ الْمُفْرَدَةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ السَّيَلَانُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ مَنَاطُ النَّقْضِ: أَيْ عِلَّتُهُ ط (قَوْلُهُ: وَالْمُخْرَجُ بِعَصْرٍ) أَيْ مَا أُخْرِجَ مِنْ الْقُرْحَةِ بِعَصْرِهَا وَكَانَ لَوْ لَمْ تُعْصَرْ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مُسَاوٍ لِلْخَارِجِ بِنَفْسِهِ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَبَعْضِ شُرَّاحِهَا وَغَيْرِهِمْ كَصَاحِبِ الدُّرَرِ وَالْمُلْتَقَى. (قَوْلُهُ: سِيَّانِ) تَثْنِيَةُ سِيٍّ، وَبِهَا اسْتَغْنَى عَنْ تَثْنِيَةِ سَوَاءٍ كَمَا فِي الْمُغْنِي (قَوْلُهُ: فِي حُكْمِ النَّقْضِ) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ ط (قَوْلُهُ: قَالَ:) أَيْ صَاحِبُ الْبَزَّازِيَّةِ ط (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي الْإِخْرَاجِ خُرُوجًا) جَوَابٌ عَمَّا وَجَّهَ بِهِ الْقَوْلَ بِعَدَمِ النَّقْضِ بِالْمَخْرَجِ مِنْ أَنَّ النَّاقِضَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وَفِي الْفَتْحِ عَنْ الْكَافِي أَنَّهُ الْأَصَحُّ، وَاعْتَمَدَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ. وَفِي الْقُنْيَةِ وَجَامِعِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ الْأَشْبَهُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ الْأَشْبَهُ بِالْمَنْصُوصِ رِوَايَةً وَالرَّاجِحُ دِرَايَةً؛ فَيَكُونُ الْفَتْوَى عَلَيْهِ. (وَ) يَنْقُضُهُ (قَيْءٌ مَلَأَ فَاهُ) بِأَنْ يُضْبَطَ بِتَكَلُّفٍ (مِنْ مِرَّةٍ) بِالْكَسْرِ: أَيْ صَفْرَاءَ (أَوْ عَلَقٍ) أَيْ سَوْدَاءَ؛ وَأَمَّا الْعَلَقُ النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ فَغَيْرُ نَاقِضٍ (أَوْ طَعَامٌ أَوْ مَاءٌ) إذَا وَصَلَ إلَى مَعِدَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ،   [رد المحتار] خُرُوجُ النَّجَسِ وَهَذَا إخْرَاجٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِخْرَاجَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْخُرُوجِ فَقَدْ وُجِدَ، لَكِنْ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: إنَّ الْإِخْرَاجَ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ يَسْتَلْزِمُهُ، فَكَانَ ثُبُوتُهُ غَيْرَ قَصْدِيٍّ وَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ. اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ يَظْهَرُ لِلْإِخْرَاجِ وَعَدَمِهِ بَلْ لِكَوْنِهِ خَارِجًا نَجَسًا، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ مَعَ الْإِخْرَاجِ كَمَا يَتَحَقَّقُ مَعَ عَدَمِهِ، فَصَارَ كَالْفَصْدِ؛ كَيْفَ وَجَمِيعُ الْأَدِلَّةِ الْمُورَدَةِ مِنْ السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ تُفِيدُ تَعْلِيقَ النَّقْضِ بِالْخَارِجِ النَّجَسِ، وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمُخْرَجِ. اهـ. فَتْحٌ. وَاسْتَوْجَهَهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي الْحِلْيَةِ، وَكَذَا شَارِحُ الْمُنْيَةِ وَالْمَقْدِسِيُّ. وَارْتَضَى فِي الْبَحْرِ مَا فِي الْعِنَايَةِ حَيْثُ ضَعَّفَ بِهِ مَا فِي الْفَتْحِ. وَلَك أَنْ تَجْعَلَ مَا فِي الْفَتْحِ مُضَعِّفٌ لَهُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّاقِضَ الْخَارِجُ النَّجَسُ لَا الْخُرُوجُ. وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ: لَا يَذْهَبُ عَنْك أَنَّ تَضْعِيفَ الْعِنَايَةِ لَا يُصَادِمُ قَوْلَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: وَاعْتَمَدَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ) حَيْثُ جَعَلَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ النَّقْضِ فَاسِدًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ الرِّيحَ أَوْ الْغَائِطَ أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ السَّبِيلَيْنِ لَكَانَ غَيْرَ نَاقِضٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَعْنَاهُ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي رَسْمِ الْمُفْتِي (قَوْلُهُ: بِالْمَنْصُوصِ رِوَايَةً) أَيْ بِاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ لِلْأَدِلَّةِ الْمُوْرَدَةِ مِنْ السُّنَّةِ أَوْ بِالْفُرُوعِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ الْمُجْتَهِدِ (قَوْلُهُ: وَالرَّاجِحُ دِرَايَةً) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْأَشْبَهِ: أَيْ الرَّاجِحُ مِنْ جِهَةِ الدِّرَايَةِ: أَيْ إدْرَاكِ الْعَقْلِ بِالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِهِ كَمَسْأَلَةِ الْفَصْدِ وَمَصِّ الْعَلَقَةِ؛ فَإِنَّهَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَإِخْرَاجِ الرِّيحِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ مَعْنَى مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ: فَالْمُرَادُ بِالرِّوَايَةِ النُّصُوصُ مِنْ السُّنَّةِ أَوْ مِنْ الْمُجْتَهِدِ، وَبِالدِّرَايَةِ الْقِيَاسُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَمَعْنَاهُ إلَخْ إذْ هُوَ مِنْ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَيَنْقُضُهُ قَيْءٌ) أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ مَعَ دُخُولِهِ فِي خُرُوجِ نَجَسٍ لِمُخَالَفَتِهِ لَهُ فِي حَدِّ الْخُرُوجِ، وَأَمَّا السَّيَلَانُ فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ فَمُسْتَفَادٌ مِنْ الْخُرُوجِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَضْبِطَ) أَيْ يُمْسِكَ بِتَكَلُّفٍ، وَهَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالِاخْتِيَارِ وَالْكَافِي وَالْخُلَاصَةِ وَصَحَّحَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ، وَقِيلَ: مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إمْسَاكِهِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْحِلْيَةِ: الْأَوَّلُ: الْأَشْبَهُ (قَوْلُهُ: بِالْكَسْرِ) أَيْ مَعَ تَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَهِيَ أَحَدُ الْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ: الدَّمِ، وَالْمِرَّةِ السَّوْدَاءِ، وَالْمِرَّةِ الصَّفْرَاءِ، وَالْبَلْغَمِ. اهـ. غَايَةُ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَقٍ إلَخْ) الْعَلَقُ لُغَةً: دَمٌ مُنْعَقِدٌ كَمَا هُوَ أَحَدُ مَعَانِيه، لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا سَوْدَاءُ مُحْتَرِقَةٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَيْسَ بِدَمٍ حَقِيقَةً كَمَا فِي الْكَافِي، وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ فِيهِ مِلْءَ الْفَمِ، وَإِلَّا فَخُرُوجُ الدَّمِ نَاقِضٌ بِلَا تَفْصِيلٍ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ اهـ أَخِي جَلَبِي وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: فَغَيْرُ نَاقِضٍ) أَيْ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَذُكِرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْكَثِيرَ مِنْهُ وَهُوَ مَا مَلَأَ الْفَمَ نَاقِضٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ الْجَوْفِ، عَلَقًا أَوْ سَائِلًا، فَالنَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ إنْ عَلَقًا لَمْ يَنْقُضْ اتِّفَاقًا، وَإِنْ سَائِلًا نَقَضَ اتِّفَاقًا. وَالصَّاعِدُ مِنْ الْجَوْفِ إنْ عَلَقًا فَلَا اتِّفَاقًا مَا لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ، وَإِنْ سَائِلًا فَعِنْدَهُ يَنْقُضُ مُطْلَقًا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا مَا لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ كَذَا فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا والتتارخانية. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ الْإِمَامِ وَقَالَ: وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ قَوْلَهُمَا. قَالَ: وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَكَذَا فِي السِّرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْوَجِيزِ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وَهُوَ نَجَسٌ مُغَلَّظٌ، وَلَوْ مِنْ صَبِيٍّ سَاعَةَ ارْتِضَاعِهِ، هُوَ الصَّحِيحُ لِمُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ، ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ. وَلَوْ هُوَ فِي الْمَرِيءِ فَلَا نَقْضَ اتِّفَاقًا كَقَيْءِ حَيَّةٍ أَوْ دُودٍ كَثِيرٍ لِطَهَارَتِهِ فِي نَفْسِهِ كَمَاءِ فَمِ النَّائِمِ، فَإِنَّهُ طَاهِرٌ مُطْلَقًا بِهِ يُفْتَى، بِخِلَافِ مَاءِ فَمِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ نَجَسٌ، كَقَيْءِ عَيْنِ خَمْرٍ أَوْ بَوْلٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُضْ لِقِلَّتِهِ لِنَجَاسَتِهِ بِالْأَصَالَةِ لَا بِالْمُجَاوَرَةِ (لَا) يَنْقُضُهُ قَيْءٌ مِنْ (بَلْغَمٍ) عَلَى الْمُعْتَمَدِ (أَصْلًا) إلَّا الْمَخْلُوطُ بِطَعَامٍ فَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ، وَلَوْ اسْتَوَيَا فَكُلٌّ عَلَى حِدَةٍ (وَ) يَنْقُضُهُ (دَمٌ) مَائِعٌ مِنْ جَوْفٍ أَوْ فَمٍ   [رد المحتار] وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ كُلٍّ مِنْ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالزَّيْلَعِيِّ إيهَامٌ، وَبِمَا نَقَلْنَاهُ مِنْ الْحَاصِلِ يَتَّضِحُ الْمَرَامُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ نَجَسٌ مُغَلَّظٌ) هَذَا مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ، وَصَحَّحَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ مُخَفَّفٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يَعْرَى عَنْ إشْكَالٍ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ) مُقَابِلُهُ مَا فِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ يَسْتَحِلَّ، وَإِنَّمَا اتَّصَلَ بِهِ قَلِيلُ الْقَيْءِ فَلَا يَكُونُ حَدَثًا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: قِيلَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَنُقِلَ فِي الْبَحْرِ تَصْحِيحُهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ، حَيْثُ قَالَ: وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ نَجَسٌ لِمُخَالَطَتِهِ النَّجَاسَةَ وَتَدَاخُلِهَا فِيهِ بِخِلَافِ الْبَلْغَمِ. اهـ. أَقُولُ: وَحَيْثُ صُحِّحَ الْقَوْلَانِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلِذَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ هُوَ فِي الْمَرِيءِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: إذَا وَصَلَ إلَى مَعِدَتِهِ قَالَ ح: الْمَرِيءُ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَهْمُوزُ الْآخِرِ، مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِطَهَارَتِهِ فِي نَفْسِهِ) أَفْرَدَ الضَّمِيرَ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ، ط. وَيَنْبَغِي النَّقْضُ إذَا مَلَأَ الْفَمَ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ بَحْرٌ وَنَهْرٌ، وَلَكِنْ سَيَأْتِي فِي بَابِ الْمِيَاهِ أَنَّ الْحَيَّةَ الْبَرِّيَّةَ تُفْسِدُ الْمَاءَ إذَا مَاتَتْ فِيهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا نَجِسَةٌ فَلَعَلَّ مَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً جِدًّا بِحَيْثُ لَا يَكُونُ لَهَا دَمٌ سَائِلٌ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تُفْسِدُ الْمَاءَ فَتَكُونُ طَاهِرَةً كَالدُّودِ (قَوْلُهُ: فِي نَفْسِهِ) أَيْ وَمَا عَلَيْهِ قَلِيلٌ لَا يَمْلَأُ الْفَمَ فَلَا يُعْتَبَرُ نَاقِضًا ط (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ الْجَوْفِ، أَصْفَرَ مُنْتِنًا أَوْ لَا (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ: أَيْ خِلَافًا لِمَا اخْتَارَهُ أَبُو نَصْرٍ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَعِدَ مِنْ الْجَوْفِ أَصْفَرُ مُنْتِنًا كَانَ كَالْقَيْءِ وَلِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّهُ نَجَسٌ (قَوْلُهُ: كَقَيْءِ عَيْنِ خَمْرٍ أَوْ بَوْلٍ) أَيْ بِأَنْ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ بَوْلًا ثُمَّ قَاءَ نَفْسَ الْخَمْرِ أَوْ الْبَوْلِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَنْقُضْ لِقِلَّتِهِ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَاقِضًا لِأَجْلِ قِلَّتِهِ لَوْ فُرِضَ قَلِيلًا فَهُوَ أَيْضًا نَجَسٌ لِنَجَاسَتِهِ بِالْأَصَالَةِ، بِخِلَافِ قَيْءِ نَحْوِ طَعَامٍ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَنْجُسُ بِالْمُجَاوَرَةِ إذَا كَانَ كَثِيرًا مِلْءَ الْفَمِ، فَلَا يَنْقُضُ الْقَلِيلُ مِنْهُ وَلَا يُنَجِّسُ (قَوْلُهُ: لِقِلَّتِهِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَمْ يَنْقُضْ، وَقَوْلُهُ: لِنَجَاسَتِهِ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ بِخِلَافِ ح. وَالْأَوْلَى جَعْلُهُ عِلَّةً لِتَشْبِيهِهِ بِمَاءِ فَمِ الْمَيِّتِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَصْلًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ صَاعِدًا مِنْ الْجَوْفِ أَوْ نَازِلًا مِنْ الرَّأْسِ ح خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي الصَّاعِدِ مِنْ الْجَوْفِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَوْ أَخَّرَهُ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: فَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ) فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلطَّعَامِ وَكَانَ بِحَالٍ لَوْ انْفَرَدَ مَلَأَ الْفَمَ نَقَضَ، وَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْبَلْغَمِ وَكَانَ بِحَالٍ لَوْ انْفَرَدَ مَلَأَ الْفَمَ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ. اهـ. تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: فَكُلٌّ عَلَى حِدَةٍ) فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَلَأَ الْفَمَ انْتَقَضَ الْوُضُوءُ بِالطَّعَامِ اتِّفَاقًا وَإِلَّا فَلَا اتِّفَاقًا، وَلَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخِرِ فَلَا يُعْتَبَرُ مِلْءُ الْفَمِ مِنْهُمَا جَمِيعًا. (قَوْلُهُ: مَائِعٌ) احْتِرَازٌ عَنْ الْعَلَقِ، وَقَدْ مَرَّ (قَوْلُهُ: مِنْ جَوْفٍ أَوْ فَمٍ) هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِينَ، وَكَذَا صَرَّحَ ابْنُ مَالِكٍ بِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْ الْجَوْفِ إذَا غَلَبَهُ الْبُزَاقُ لَا يَنْقُضُ اتِّفَاقًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ يَنْقُضُ وَإِنْ قَلَّ، وَلَا يَخْفَى عَدَمُ صِحَّتِهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَنْقُولَ مَعَ عَدَمِ تَعَقُّلِ فَرْقٍ بَيْنَ الْخَارِجِ مِنْ الْفَمِ وَالْخَارِجِ مِنْ الْجَوْفِ الْمُخْتَلِطَيْنِ بِالْبُزَاقِ بَحْرٌ، وَعِبَارَةُ النَّهْرِ هُنَا مَقْلُوبَةٌ، فَتَنَبَّهْ. وَرَدَّ الرَّحْمَتِيُّ مَا فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ كَلَامَ ابْنِ مَالِكٍ لَا يُعَارِضُ كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ لِعُلُوِّ مَرْتَبَةِ الزَّيْلَعِيِّ، وَبِأَنَّ قَوْلَهُ مَعَ عَدَمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 (غَلَبَ عَلَى بُزَاقٍ) حُكْمًا لِلْغَالِبِ (أَوْ سَاوَاهُ) احْتِيَاطًا (لَا) يَنْقُضُهُ (الْمَغْلُوبُ بِالْبُزَاقِ) وَالْقَيْحُ كَالدَّمِ وَالِاخْتِلَاطُ بِالْمُخَاطِ كَالْبُزَاقِ. (وَكَذَا يَنْقُضُهُ عَلَقَةٌ مَصَّتْ عُضْوًا وَامْتَلَأَتْ مِنْ الدَّمِ، وَمِثْلُهَا الْقُرَادُ) كَانَ (كَبِيرًا) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ (يَخْرُجُ مِنْهُ دَمٌ مَسْفُوحٌ) سَائِلٌ (وَإِلَّا) تَكُنْ الْعَلَقَةُ وَالْقُرَاد كَذَلِكَ (لَا) يَنْقُضُ (كَبَعُوضٍ وَذُبَابٍ) كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لِعَدَمِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: لَا نَقْضَ مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الْوَرَمَ؛ وَلَوْ شَدَّ بِالرِّبَاطِ إنْ نَفَذَ الْبَلَلُ لِلْخَارِجِ نَقَضَ   [رد المحتار] تَعَقُّلِ فَرْقٍ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ هُوَ مُتَعَقَّلٌ وَاضِحٌ لِأَنَّ الْمَغْلُوبَ الْخَارِجَ مِنْ الْفَمِ لَمْ يَخْرُجْ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ بَلْ بِقُوَّةِ الْبُزَاقِ فَلَمْ يَكُنْ نَاقِضًا كَمَا عَلَّلُوهُ بِذَلِكَ، وَالْخَارِجُ مِنْ الْجَوْفِ قَدْ خَرَجَ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِطْ بِالْبُزَاقِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْجَوْفِ لِأَنَّ الْبُزَاقَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْجَوْفِ بَلْ مَحَلُّهُ الْفَمُ انْتَهَى، وَحِينَئِذٍ فَإِطْلَاقُ الشَّارِحِينَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْخَارِجِ مِنْ الْجَوْفِ، فَلَا يَكُونُ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ مُخَالِفًا لِلْمَنْقُولِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: غَلَبَ عَلَى بُزَاقٍ) بِالزَّايِ وَالسِّينِ وَالصَّادِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَعَلَامَةُ كَوْنِ الدَّمِ غَالِبًا أَوْ مُسَاوِيًا أَنْ يَكُونَ الْبُزَاقُ أَحْمَرَ، وَعَلَامَةُ كَوْنِهِ مَغْلُوبًا أَنْ يَكُونَ أَصْفَرَ بَحْرٌ ط (قَوْلُهُ: احْتِيَاطًا) أَيْ لِاحْتِمَالِ السَّيَلَانِ وَعَدَمِهِ فَرُجِّحَ الْوُجُودُ احْتِيَاطًا، بِخِلَافِ مَا إذَا شَكَّ فِي الْحَدَثِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مُجَرَّدُ الشَّكِّ وَلَا عِبْرَةَ لَهُ مَعَ الْيَقِينِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ: وَالْقَيْحُ كَالدَّمِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: لَمْ أَقِفْ لِأَحَدٍ عَلَى ذِكْرِ عَلَامَةِ الْغَلَبَةِ وَعَدَمِهَا فِيهِ (قَوْلُهُ: وَالِاخْتِلَاطُ بِالْمُخَاطِ إلَخْ) وَمَا نُقِلَ عَنْ الثَّانِي مِنْ نَجَاسَةِ الْمُخَاطِ فَضَعِيفٌ، نَعَمْ حُكِيَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ عَلَى خِرْقَتِهِ عِنْدَهُمَا لِلْإِخْلَالِ بِالتَّعْظِيمِ. وَفِي الْمُنْيَةِ: انْتَثَرَ فَسَقَطَ مِنْ أَنْفِهِ كُتْلَةُ دَمٍ لَمْ يَنْتَقِضْ اهـ أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعَلَقَ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ دَمًا بِاحْتِرَاقِهِ وَانْجِمَادِهِ شَرْحُ. (قَوْلُهُ: عَلَقَةٌ) دُوَيْبَّةٌ فِي الْمَاءِ تَمُصُّ الدَّمَ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: وَامْتَلَأَتْ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَقَالَ: لِأَنَّهَا لَوْ شُقَّتْ يَخْرُجُ مِنْهَا دَمٌ سَائِلٌ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِامْتِلَاءَ غَيْرُ قَيْدٍ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لَلسَّيَلَانِ كَمَا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: الْقُرَادُ) كَغُرَابٍ دُوَيْبَّةٌ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ الْعَلَقَةُ امْتَلَأَتْ بِحَيْثُ لَا يَسِيلُ دَمُهَا وَلَمْ يَكُنْ الْقُرَادُ كَبِيرًا (قَوْلُهُ: وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَخْ) مَحَلُّ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ: وَيَنْقُضُهُ خُرُوجُ نَجَسٍ إلَى يَطْهُرُ ح (قَوْلُهُ: لَا نَقْضَ إلَخْ) أَيْ لَوْ تَوَرَّمَ رَأْسُ جُرْحٍ فَظَهَرَ بِهِ قَيْحٌ وَنَحْوُهُ لَا يَنْتَقِضُ مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الْوَرَمَ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ مَوْضِعِ الْوَرَمِ فَلَمْ يَتَجَاوَزْ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ. اهـ. فَتْحٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ: أَيْ كَانَ يَضُرُّهُ غَسْلُ ذَلِكَ الْمُتَوَرِّمِ وَمَسْحُهُ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِضَ، فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَدَّ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ أَلْقَى عَلَى الْجُرْحِ الرَّمَادَ أَوْ التُّرَابَ فَتَشَرَّبَ فِيهِ أَوْ رَبَطَ عَلَيْهِ فَابْتَلَّ الرِّبَاطُ وَنَفَذَ قَالُوا: يَكُونُ حَدَثًا لِأَنَّهُ سَائِلٌ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الرِّبَاطُ ذَا طَاقَيْنِ فَنَفَذَ إلَى أَحَدِهِمَا لِمَا قُلْنَا. اهـ. قَالَ فِي فَتْحِ: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْلَا الرَّبْطُ سَالَ لِأَنَّ الْقَمِيصَ لَوْ تَرَدَّدَ عَلَى الْجُرْحِ فَابْتَلَّ لَا يَنْجُسُ مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ اهـ أَيْ وَإِنْ فَحُشَ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَيَأْتِي. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ كَيِّ الْحِمَّصَةِ [تَنْبِيهٌ] عُلِمَ مِمَّا هُنَا وَمِمَّا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَارِجِ وَالْمُخْرَجِ حُكْمُ كَيِّ الْحِمَّصَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخَارِجُ مِنْهُ دَمًا أَوْ قَيْحًا أَوْ صَدِيدًا وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ تُرِكَ لَمْ يَسِلْ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ رَشْحٍ وَنَدَاوَةٍ لَا يَنْقُضُ وَإِنْ عَمَّ الثَّوْبَ وَإِلَّا نَقَضَ بِمُجَرَّدِ ابْتِلَالِ الرِّبَاطِ، وَلَا تَنْسَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يُجْمَعُ إذَا كَانَ فِي مَجْلِسٍ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْخَارِجُ مَاءً صَافِيًا فَهُوَ كَالدَّمِ. وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ، لَكِنْ فِي الثَّانِي تَوْسِعَةٌ لِمَنْ بِهِ جُدَرِيٌّ أَوْ جَرَبٌ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ، وَلَا بَأْسَ بِالْعَمَلِ بِهِ هُنَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 (وَيُجْمَعُ مُتَفَرِّقُ الْقَيْءِ) وَيُجْعَلُ كَقَيْءٍ وَاحِدٍ (لِاتِّحَادِ السَّبَبِ) وَهُوَ الْغَثَيَانُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إضَافَةُ الْأَحْكَامِ إلَى أَسْبَابِهَا إلَّا لِمَانِعٍ كَمَا بَسَطَ فِي الْكَافِي. (وَ) كُلُّ (مَا لَيْسَ بِحَدَثٍ) أَصْلًا بِقَرِينَةِ زِيَادَةِ الْبَاءِ كَقَيْءٍ قَلِيلٍ وَدَمٍ لَوْ تُرِك لَمْ يَسِلْ (لَيْسَ بِنَجَسٍ) عِنْدَ الثَّانِي، وَهُوَ الصَّحِيحُ رِفْقًا بِأَصْحَابِ الْقُرُوحِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: يُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ لَوْ الْمُصَابُ مَائِعًا.   [رد المحتار] وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْعِصَابَةَ مَا دَامَتْ عَلَى الْكَيِّ لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ، وَإِنْ امْتَلَأَتْ قَيْحًا وَدَمًا لَمْ يَسِلْ مِنْ أَطْرَافِهَا أَوْ تُحَلَّ فَيُوجَدُ فِيهَا مَا فِيهِ قُوَّةُ السَّيَلَانِ لَوْلَا الرَّبْطُ فَيَنْتَقِضُ حِينَ الْحَلِّ لَا قَبْلَهُ لِمُفَارِقَتِهَا مَوْضِعَ الْجِرَاحَةِ، فَقَدْ أَوْضَحْنَا مَا فِيهِ قُوَّةً فِي رِسَالَتِنَا [الْفَوَائِدُ الْمُخَصَّصَةِ بِأَحْكَامِ كَيِّ الْحِمَّصَةِ] (قَوْلُهُ: وَيُجْمَعُ مُتَفَرِّقُ الْقَيْءِ إلَخْ) أَيْ لَوْ قَاءَ مُتَفَرِّقًا بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَ صَارَ مِلْءَ الْفَمِ فَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ، فَإِنْ حَصَلَ مِلْءَ الْفَمِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ نَقَضَ عِنْدَهُ وَإِنْ تَعَدَّدَ الْغَثَيَانُ. وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ اتِّحَادَ السَّبَبِ وَهُوَ الْغَثَيَانُ اهـ دُرَرٌ. وَتَفْسِيرُ اتِّحَادِهِ أَنْ يَقِيءَ ثَانِيًا قَبْلَ سُكُونِ النَّفْسِ مِنْ الْغَثَيَانِ، فَإِنْ بَعُدَ سُكُونُهَا كَانَ مُخْتَلِفًا بَحْرٌ؛ وَالْمَسْأَلَةُ رَبَاعِيَةٌ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَّحِدَ فَيَنْقُضَ اتِّفَاقًا، أَوْ يَتَعَدَّدُ فَلَا اتِّفَاقًا، أَوْ يَتَحَدَّدُ السَّبَبُ فَقَطْ أَوْ الْمَجْلِسُ فَقَطْ، وَفِيهِمَا الْخِلَافُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْغَثَيَانُ) أَيْ مَثَلًا، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِنَحْوِ ضَرْبٍ وَتَنْكِيسٍ بَعْدَ امْتِلَاءِ الْمَعِدَةِ. اهـ. غُنَيْمِيٌّ: وَضَبَطَهُ الْحَمَوِيُّ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَبِضَمِّ الْغَيْنِ وَسُكُونِ الثَّاءِ، مِنْ غَثَّتْ نَفْسُهُ: هَاجَتْ وَاضْطَرَبَتْ صَرَّحَ بِهِ فِي الصِّحَاحِ، وَالْمُرَادُ هُنَا أَمْرٌ حَادِثٌ فِي مِزَاجِ الْإِنْسَانِ مَنْشَؤُهُ تَغَيُّرُ طَبْعِهِ مِنْ إحْسَاسِ النَّتْنِ الْمَكْرُوهِ. اهـ. ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ: إضَافَةُ الْأَحْكَامِ) كَالنَّقْضِ وَوُجُوبِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ ط (قَوْلُهُ: إلَى أَسْبَابِهَا) كَالْغَثَيَانِ وَالتِّلَاوَةِ ط أَيْ لَا إلَى مَكَانِهَا لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الشَّرْطِ وَالْحُكْمُ لَا يُضَافُ إلَى الشَّرْطِ (قَوْلُهُ: إلَّا لِمَانِعٍ) أَيْ إلَّا إذَا تَعَذَّرَتْ إضَافَتُهَا إلَى الْأَسْبَابِ فَتُضَافُ إلَى الْمَحَالِّ كَمَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ إذَا تَكَرَّرَ سَبَبُهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ السَّبَبُ وَانْتَفَى التَّدَاخُلُ لِأَنَّ كُلَّ تِلَاوَةٍ سَبَبٌ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، وَهُنَا كَلَامٌ نَفِيسٌ يُطْلَبُ مِنْ شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الدُّرَرِ. (قَوْلُهُ: أَصْلًا) أَيْ فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَلَا يُرَدُّ الْخَارِجُ مِنْ الْمُحْدِثِ، وَمِنْ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الِانْتِقَاضِ يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ خَاصٍّ قُهُسْتَانِيٌّ أَيْ فَهَذَا لَيْسَ بِحَدَثٍ مَعَ أَنَّهُ نَجَسٌ، فَلِذَا أَخْرَجَهُ بِقَوْلِهِ أَصْلًا الْمُسْتَفَادُ مِنْ زِيَادَةِ الْبَاءِ الَّتِي هِيَ لِتَأْكِيدِ نَفْيِ الْخَبَرِ. وَقَدْ قَالَ: الْمُرَادُ مَا يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الْمُتَطَهِّرِ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ؛ وَأَمَّا مَا يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الْمَعْذُورِ فَهُوَ حَدَثٌ، لَكِنْ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ إلَّا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِنَجَسٍ) أَيْ لَا يَعْرِضُ لَهُ وَصْفُ النَّجَاسَةِ بِسَبَبِ خُرُوجِهِ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ مِنْ قَيْءِ عَيْنِ الْخَمْرِ أَوْ الْبَوْلِ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَدَثًا لَقِلَّتِهِ لَكِنَّهُ نَجَسٌ بِالْأَصَالَةِ لَا بِالْخُرُوجِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي. وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ. اهـ. إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ: مَائِعًا) أَيْ كَالْمَاءِ وَنَحْوِهِ، أَمَّا فِي الثِّيَابِ وَالْأَبَدَانِ فَيُفْتَى بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. [تَتِمَّةٌ] مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَضِيَّةٌ سَالِبَةٌ كُلِّيَّةٌ لَا مُهْمَلَةٌ لِأَنَّ مَا لِلْعُمُومِ، وَكُلُّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ فَهُوَ صُوَرُ الْكُلِّيَّةِ كَمَا فِي الْمُطَوَّلِ وَغَيْرِهِ فَتَنْعَكِسُ بِعَكْسِ النَّقِيضِ إلَى قَوْلِنَا كُلُّ نَجَسٍ حَدَثٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَقِيضَ الثَّانِي أَوَّلًا وَنَقِيضَ الْأَوَّلِ ثَانِيًا مَعَ بَقَاءِ الْكَيْفِ وَالصِّدْقِ بِحَالِهِ. وَمَا فِي الدِّرَايَةِ مِنْ أَنَّهَا لَا تَنْعَكِسُ، فَلَا يُقَالُ مَا لَا يَكُونُ نَجَسًا لَا يَكُونُ حَدَثًا لِأَنَّ النَّوْمَ وَالْجُنُونَ وَالْإِغْمَاءَ وَغَيْرَهَا حَدَثٌ وَلَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ اهـ يُرِيدُ بِهِ الْعَكْسَ الْمُسْتَوِي لِأَنَّهُ جَعَلَ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 (وَ) يَنْقُضُهُ حُكْمًا (نَوْمٌ يُزِيلُ مُسْكَتَهُ) أَيْ قُوَّتَهُ الْمَاسِكَةَ بِحَيْثُ تَزُولُ مَقْعَدَتُهُ مِنْ الْأَرْضِ، وَهُوَ النَّوْمُ عَلَى أَحَدِ جَنْبَيْهِ أَوْ وِرْكَيْهِ أَوْ قَفَاهُ أَوْ وَجْهِهِ (وَإِلَّا) يُزِلْ مُسْكَتَهُ (لَا) يُزِلْ مُسْكَتَهُ (لَا) يَنْقُضُ وَإِنْ تَعَمَّدَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا عَلَى الْمُخْتَارِ كَالنَّوْمِ قَاعِدًا وَلَوْ مُسْتَنِدًا إلَى مَا لَوْ أُزِيلَ لَسَقَطَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَسَاجِدًا عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَسْنُونَةِ وَلَوْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ   [رد المحتار] ثَانِيًا وَالثَّانِي أَوَّلًا مَعَ بَقَاءِ الصِّدْقِ وَالْكَيْفِ بِحَالِهِمَا، وَالسَّالِبَةُ الْكُلِّيَّةُ تَنْعَكِسُ فِيهِ سَالِبَةً كُلِّيَّةً أَيْضًا وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ (قَوْلُهُ: وَيَنْقُضُهُ حُكْمًا) نَبَّهَ عَلَى أَنَّ هَذَا شُرُوعٌ فِي النَّاقِضِ الْحُكْمِيِّ بَعْدَ الْحَقِيقِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عَيْنَهُ غَيْرُ نَاقِضٍ بَلْ مَا لَا يَخْلُو عَنْهُ النَّائِمُ، وَقِيلَ: نَاقِضٌ. وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ فِي السِّرَاجِ وَبِهِ جَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ، بَلْ حُكِيَ فِي التَّوْشِيحِ الِاتِّفَاق عَلَيْهِ. مَطْلَبٌ نَوْمُ مَنْ بِهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ غَيْرُ نَاقِضٍ وَأَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَيْنُهُ نَاقِضًا اتِّفَاقًا فِيمَنْ فِيهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ إذْ مَا لَا يَخْلُو عَنْهُ النَّائِمُ لَوْ تَحَقَّقَ وُجُودُهُ لَمْ يَنْقُضْ فَالْمُتَوَهَّمُ أَوْلَى نَهْرٌ. قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَحْسَنُ مَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الشَّلَبِيِّ، حَيْثُ قَالَ: سُئِلْت عَنْ شَخْصٍ بِهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ هَلْ يُنْقَضُ وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ؟ فَأَجَبْت بِعَدَمِ النَّقْضِ، بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ أَنَّ النَّوْمَ نَفْسَهُ لَيْسَ بِنَاقِضٍ، وَإِنَّمَا النَّاقِضُ مَا يَخْرُجُ. وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ النَّوْمَ نَفْسَهُ نَاقِضٌ لَزِمَهُ النَّقْضُ (قَوْلُهُ: نَوْمُ) هُوَ فَتْرَةٌ طَبِيعِيَّةٌ تَحْدُثُ لِلْإِنْسَانِ بِلَا اخْتِيَارٍ مِنْهُ تَمْنَعُ الْحَوَاسَّ الظَّاهِرَةَ وَالْبَاطِنَةَ عَنْ الْعَمَلِ مَعَ سَلَامَتِهَا وَاسْتِعْمَالُ الْعَقْلِ مَعَ قِيَامِهِ، فَيَعْجَزُ الْعَبْدُ عَنْ أَدَاءِ الْحُقُوقِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ) حَيْثِيَّةُ تَقْيِيدٍ: أَيْ كَائِنًا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ. مَطْلَبٌ لَفْظُ حَيْثُ مَوْضُوعٌ لِلْمَكَانِ وَيُسْتَعَارُ لِجِهَةِ الشَّيْءِ وَفِي التَّلْوِيحِ لَفْظُ حَيْثُ مَوْضُوعٌ لِلْمَكَانِ اُسْتُعِيرَ لِجِهَةِ الشَّيْءِ وَاعْتِبَارُهُ، يُقَالُ الْمَوْجُودُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْجُودٌ أَيْ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ. اهـ. فَالْمُرَادُ زَوَالُ الْقُوَّةِ الْمَاسِكَةِ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا بَعْدُ وَفَسَّرَهَا بِقَوْلِهِ وَهُوَ النَّوْمُ إلَخْ، فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ قَدْ تَزُولُ الْمَقْعَدَةُ وَلَا يَحْصُلُ النَّقْضُ كَالنَّوْمِ فِي السُّجُودِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ مَا تَزُولُ بِهِ الْمَسْكَةُ الْمَذْكُورَةُ (قَوْلُهُ: أَوْ وَرِكَيْهِ) الْوَرِكُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَكَكَتِفٍ مَا فَوْقَ الْفَخِذِ مُؤَنَّثَةٌ جَمْعُهُ أَوْرَاكٌ قَامُوسٌ، وَيَلْزَمُ مِنْ الْمَيْلِ عَلَى أَحَدِ الْوَرِكَيْنِ سَوَاءٌ اعْتَمَدَ عَلَى الْمِرْفَقِ أَوْ لَا زَوَالُ مَقْعَدَتِهِ عَنْ الْأَرْضِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْكَنْزِ وَمُتَوَرِّكٌ حَيْثُ عَدَّهُ نَاقِضًا كَمَا فِي الْبَحْرِ. اهـ. ح. أَقُولُ: وَهُوَ غَيْرُ الْمُتَوَرِّكِ الْآتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُخْتَارِ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ النَّوْمَ فِي الصَّلَاةِ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ سَاجِدًا لَا يَكُونُ حَدَثًا سَوَاءٌ غَلَبَهُ النَّوْمُ أَوْ تَعَمَّدْهُ. . وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ أَنَّهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا يَنْقُضُ وَلَوْ تَعَمَّدَهُ وَلَكِنْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ (قَوْلُهُ: كَالنَّوْمِ) مِثَالٌ لِلنَّوْمِ الَّذِي لَا يُزِيلُ الْمَسْكَةَ ط (قَوْلُهُ: لَوْ أُزِيلَ لَسَقَطَ) أَيْ لَوْ أُزِيلَ ذَلِكَ الشَّيْءُ لَسَقَطَ النَّائِمُ فَالْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ صِفَةٌ لِشَيْءٍ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَاخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ وَالْقُدُورِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ النَّقْضَ، وَمَشَى عَلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِ الْمُتُونِ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَقْعَدَتُهُ زَائِلَةً عَنْ الْأَرْضِ وَإِلَّا نَقَضَ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَسَاجِدًا) وَكَذَا قَائِمًا وَرَاكِعًا بِالْأَوْلَى، وَالْهَيْئَةُ الْمَسْنُونَةُ بِأَنْ يَكُونَ رَافِعًا بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ مُجَافِيًا عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. قَالَ ط: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ الْهَيْئَةُ الْمَسْنُونَةُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ لَا الْمَرْأَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ) مُبَالَغَةً عَلَى قَوْلِهِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَسْنُونَةِ لَا عَلَى قَوْلِهِ وَسَاجِدًا؛ يَعْنِي أَنَّ كَوْنَهُ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَسْنُونَةِ قَيْدٌ فِي عَدَمِ النَّقْضِ وَلَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 عَلَى الْمُعْتَمَدِ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ، أَوْ مُتَوَرِّكًا أَوْ مُحْتَبِيًا، وَرَأْسُهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ أَوْ شِبْهَ الْمُنْكَبِّ أَوْ فِي مَحْمَلٍ أَوْ سَرْجٍ أَوْ إكَافٍ وَلَوْ الدَّابَّةُ عُرْيَانًا، فَإِنْ حَالَ الْهُبُوطِ نَقَضَ وَإِلَّا لَا. وَلَوْ نَامَ قَاعِدًا بِتَمَايُلٍ فَسَقَطَ، إنْ انْتَبَهَ حِينَ سَقَطَ فَلَا نَقْضَ   [رد المحتار] فِي الصَّلَاةِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يُوَافِقُ كَلَامُهُ مَا عَزَاهُ إلَى الْحَلَبِيِّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ كَمَا سَيَظْهَرُ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُعْتَمَدِ) اعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي النَّوْمِ سَاجِدًا؛ فَقِيلَ: لَا يَكُونُ حَدَثًا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَصَحَّحَهُ فِي التُّحْفَةِ، وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَكُونُ حَدَثًا، وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ إنْ سَجَدَ عَلَى غَيْرِ الْهَيْئَةِ الْمَسْنُونَةِ كَانَ حَدَثًا وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا هَذَا الْقِيَاسَ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ لِلنَّصِّ كَذَا فِي الْحِلْيَةِ مُلَخَّصًا وَصَحَّحَ الزَّيْلَعِيُّ مَا فِي الْبَدَائِعِ فَقَالَ: إنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا» وَإِنْ كَانَ خَارِجَهَا فَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ إنْ كَانَ عَلَى هَيْئَةِ السُّجُودِ وَإِلَّا يَنْتَقِضُ. اهـ. وَبِهِ جَزَمَ فِي الْبَحْرِ وَكَذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ، وَنَقَلَ فِيهِ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَيْضًا أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ وَالتِّلَاوَةِ وَكَذَا الشُّكْرُ عِنْدَهُمَا كَسُجُودِ الصَّلَاةِ، قَالَ: لِإِطْلَاقِ لَفْظِ سَاجِدًا فِي الْحَدِيثِ، فَيُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ فِيمَا هُوَ سُجُودٌ شَرْعًا، وَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى الْقِيَاسِ فَيُنْقَضُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ. اهـ. لَكِنْ اعْتَمَدَ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ مَا عَزَاهُ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْهَيْئَةِ الْمَسْنُونَةِ فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا. وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّهُ قَيَّدَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَقَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي [نُورِ الْإِيضَاحِ] . وَأَمَّا قَوْلُهُ: فِي النَّهْرِ إنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي الْمُحِيطِ الرَّضَوِيِّ؛ فَفِيهِ أَنَّ مُحِيطَ رَضِيِّ الدِّينِ ثَلَاثَةُ نُسَخٍ كَبِيرٌ وَصَغِيرٌ وَأَوْسَطُ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ مُحِيطُ السَّرَخْسِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَتِمَّةٌ] لَوْ نَامَ الْمَرِيضُ وَهُوَ يُصَلِّي مُضْطَجِعًا قِيلَ: لَا تُنْقَضُ طَهَارَتُهُ كَالنَّوْمِ فِي السُّجُودِ وَالصَّحِيحُ النَّقْضُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ، زَادَ فِي السِّرَاجِ وَبِهِ نَأْخُذُ (قَوْلُهُ: أَوْ مُتَوَرِّكًا) بِأَنْ يُلْصِقَ قَدَمَيْهِ مِنْ جَانِبٍ وَيُلْصِقَ أَلْيَتَيْهِ بِالْأَرْضِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: أَوْ مُحْتَبِيًا) بِأَنْ جَلَسَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ وَنَصَبَ رُكْبَتَيْهِ وَشَدَّ سَاقَيْهِ إلَى نَفْسِهِ بِيَدَيْهِ أَوْ بِشَيْءٍ يُحِيطُ مِنْ ظَهْرِهِ عَلَيْهِمَا شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: وَرَأْسُهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ) غَيْرُ قَيْدٍ وَإِنَّمَا زَادَهُ لِلرَّدِّ عَلَى الْأَتْقَانِيِّ فِي [غَايَةِ الْبَيَانِ] حَيْثُ فَسَّرَ الِاتِّكَاءَ النَّاقِضَ لِلْوُضُوءِ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: هَذِهِ الْهَيْئَةُ لَا تُعَرَّفُ فِي اللُّغَةِ اتِّكَاءً قَطْعًا، وَإِنَّمَا تُسَمَّى احْتِبَاءً، وَإِنَّمَا سَمَّاهَا الْأَتْقَانِيُّ بِذَلِكَ، وَتَبِعَهُ فِيهِ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ وَلَا فِقْهَ عِنْدَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ شِبْهَ الْمُنْكَبِّ) أَيْ عَلَى وَجْهِهِ وَهُوَ كَمَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ أَنْ يَنَامَ وَاضِعًا أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ وَبَطْنِهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَنُقِلَ عَدَمُ النَّقْضِ بِهِ فِي الْفَتْحِ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ غَيْرِهَا لَوْ نَامَ مُتَرَبِّعًا وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذَيْهِ نُقِضَ. قَالَ: وَهَذَا يُخَالِفُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَاخْتَارَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ النَّقْضَ فِي مَسْأَلَةِ الذَّخِيرَةِ لِارْتِفَاعِ الْمَقْعَدَةِ وَزَوَالِ التَّمَكُّنِ. وَإِذَا نُقِضَ فِي التَّرَبُّعِ مَعَ أَنَّهُ أَشَدُّ تَمَكُّنًا فَالْوَجْهُ الصَّحِيحُ النَّقْضُ هُنَا، ثُمَّ أَيَّدَهُ بِمَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطَيْنِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ نَامَ قَاعِدًا وَوَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ وَصَارَ شِبْهَ الْمُنْكَبِّ عَلَى وَجْهِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ. (قَوْلُهُ: أَوْ فِي مَحْمَلٍ) أَيْ إلَّا إذَا اضْطَجَعَ فِيهِ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ إكَافٍ) بِدُونِ يَاءٍ: بَرْذعَةُ الْحِمَارِ وَهُوَ كَكِتَابٍ وَغُرَابٍ وَالْمَصْدَرُ الْإِيكَافُ ط عَنْ الْقَامُوسِ، وَأَفَادَ الشَّارِحُ أَنَّ النَّوْمَ فِي سَرْجٍ وَإِكَافٍ لَا يَنْقُضُ حَالَ الصُّعُودِ وَغَيْرِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: عُرْيَانًا) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: فَرَسٌ عَرِيٌّ لَا سَرْجَ عَلَيْهِ وَلَا لِبَدٌ وَجَمْعُهُ أَعْرَاءٌ، وَلَا يُقَالُ: فَرَسٌ عُرْيَانٌ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ فِي الْقَامُوسِ فَرَسٌ عُرَى بِالضَّمِّ بِلَا سَرْجٍ. وَاعْرَوْرَى فَرَسًا: رَكِبَهُ عُرْيَانًا (قَوْلُهُ: نَقَضَ) لِتَجَافِي الْمَقْعَدَةِ عَنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) بِإِنْ كَانَ حَالَ الصُّعُودِ أَوْ الِاسْتِوَاءِ مُنْيَةٌ. (قَوْلُهُ: حِينَ سَقَطَ) أَيْ عِنْدَ إصَابَةِ الْأَرْضِ بِلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 بِهِ يُفْتَى كَنَاعِسٍ يَفْهَمُ أَكْثَرَ مَا قِيلَ عِنْدَهُ. وَالْعَتَهُ لَا يَنْقُضُ كَنَوْمِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهَلْ يَنْقُضُ إغْمَاؤُهُمْ وَغَشِيَهُمْ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَبْسُوطِ نَعَمْ. (وَ) يَنْقُضُهُ (إغْمَاءٌ) وَمِنْهُ الْغُشْيُ   [رد المحتار] فَصْلٍ شَرْحُ مُنْيَةٍ، وَكَذَا قَبْلَ السُّقُوطِ أَوْ فِي حَالِ السُّقُوطِ، أَمَّا لَوْ اسْتَقَرَّ ثُمَّ انْتَبَهَ نُقِضَ لِأَنَّهُ وُجِدَ النَّوْمُ مُضْطَجِعًا حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَقِيلَ: إنْ ارْتَفَعَتْ مَقْعَدَتُهُ قَبْلَ انْتِبَاهِهِ نُقِضَ وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ. وَفِي الْخَانِيَّةِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي [نُورِ الْإِيضَاحِ] قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ الِاسْتِرْخَاءُ بَعْدَ مُزَايَلَةِ الْمَقْعَدَةِ حَيْثُ انْتَبَهَ فَوْرًا (قَوْلُهُ: كَنَاعِسٍ) أَيْ إذَا كَانَ غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ، وَقَوْلُهُ: يَفْهَمُ عَبَّرَ بِهِ فِي الْبَحْرِ مَعْزِيًّا إلَى شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَعَبَّرَ فِي السِّرَاجِ وَالزَّيْلَعِيِّ والتتارخانية بِيَسْمَعُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: النُّعَاسُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَهُوَ قَلِيلُ نَوْمٍ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مَا يُقَالُ عِنْدَهُ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَغْتَرَّ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَسْتَغْرِقُهُ النَّوْمِ وَيَظُنُّ خِلَافَهُ (قَوْلُهُ: وَالْعَتَهُ) هُوَ آفَةٌ تُوجِبُ الِاخْتِلَالَ بِالْعَقْلِ بِحَيْثُ يَصِيرُ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتِمُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لَا يَنْقُضُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ أَقْوَالَ الْأُصُولِيِّينَ فِي حُكْمِ الْعَتَهِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْكُلِّ الِاتِّفَاقُ عَلَى صِحَّةِ أَدَائِهِ الْعِبَادَاتِ، أَمَّا مَنْ جَعَلَهُ مُكَلَّفًا بِهَا فَظَاهِرٌ، وَكَذَا مَنْ جَعَلَهُ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ؛ وَقَدْ صَرَّحُوا بِصِحَّةِ عِبَادَاتِ الصَّبِيِّ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْعَتَهَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. مَطْلَبٌ نَوْمُ الْأَنْبِيَاءِ غَيْرُ نَاقِضٍ (قَوْلُهُ: كَنَوْمِ الْأَنْبِيَاءِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: صَرَّحَ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنَّهُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِذَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «وَإِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» . وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَامَ لَيْلَةَ التَّعْرِيسِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ» لِأَنَّ الْقَلْبَ يَقْظَانُ يُحِسُّ بِالْحَدَثِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ وَيَشْعُرُ بِهِ الْقَلْبُ، وَلَيْسَ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ مِنْ ذَلِكَ وَلَا هُوَ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْقَلْبِ، وَإِنَّمَا يُدْرَكُ بِالْعَيْنِ وَهِيَ نَائِمَةٌ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كِتَابِ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ، كَذَا فِي شَرْحِ التَّهْذِيبِ. اهـ. وَأَجَابَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ بِأَجْوِبَةٍ أُخَرَ، مِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ إخْبَارٌ عَنْ أَغْلَبِ أَحْوَالِهِ، أَوْ أَنَّهُ لَا يَنَامُ نَوْمًا مُسْتَغْرِقًا نَاقِضًا لِلْوُضُوءِ (قَوْلُهُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَبْسُوطِ نَعَمْ) كَذَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ شَرْحِ الْكَنْزِ لِابْنِ الشَّلَبِيِّ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ أَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ النَّقْضِ بِنَوْمِهِمْ هِيَ حِفْظُ قُلُوبِهِمْ مِنْهُ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ حَالَةَ إغْمَائِهِمْ. قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ: نَبَّهَ السُّبْكِيُّ عَلَى أَنَّ إغْمَاءَهُمْ يُخَالِفُ إغْمَاءَ غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ غَلَبَةِ الْأَوْجَاعِ لِلْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْقَلْبِ، وَقَدْ وَرَدَ " تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ لَا قُلُوبُهُمْ " فَإِذَا حُفِظَتْ قُلُوبُهُمْ مِنْ النَّوْمِ الَّذِي هُوَ أَخَفُّ مِنْ الْإِغْمَاءِ فَمِنْهُ بِالْأَوْلَى. اهـ. ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: لَا نَقْضَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَمُقْتَضَاهُ التَّعْمِيمُ فِي كُلِّ النَّوَاقِضِ، لَكِنْ نَقَلَ ط عَنْ شَرْحِ الشِّفَاءِ لَمُلَّا عَلِيٌّ الْقَارِي الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ كَالْأُمَّةِ إلَّا مَا صَحَّ مِنْ اسْتِثْنَاءِ النَّوْمِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَنْقُضُهُ إغْمَاءٌ) هُوَ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ: آفَةٌ فِي الْقَلْبِ أَوْ الدِّمَاغِ تُعَطِّلُ الْقُوَى الْمُدْرِكَةَ وَالْمُحَرِّكَةَ عَنْ أَفْعَالِهَا مَعَ بَقَاءِ الْعَقْلِ مَغْلُوبًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الْغُشْيُ) بِالضَّمِّ وَالسُّكُونِ: تَعَطُّلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 (وَجُنُونٌ وَسُكْرٌ) بِأَنْ يَدْخُلَ فِي مَشْيِهِ تَمَايُلٌ وَلَوْ بِأَكْلِ الْحَشِيشَةِ (وَقَهْقَهَةُ) هِيَ مَا يَسْمَعُ جِيرَانُهُ   [رد المحتار] الْقُوَى الْمُحَرِّكَةِ وَالْحَسَّاسَةِ لِضَعْفِ الْقَلْبِ مِنْ الْجُوعِ أَوْ غَيْرِهِ قُهُسْتَانِيٌّ، زَادَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ وَبِكِسْرَتَيْنِ مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَكَوْنُهُ نَوْعًا مِنْ الْإِغْمَاءِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْقَامُوسِ وَحُدُودِ الْمُتَكَلِّمِينَ. قَالَ فِي النَّهْرِ إلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا كَالْأَطِبَّاءِ اهـ أَيْ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ التَّعَطُّلُ لِضَعْفِ الْقَلْبِ وَاجْتِمَاعِ الرُّوحِ إلَيْهِ بِسَبَبٍ يَخْنُقُهُ فِي دَاخِلِهِ فَلَا يَجِدُ مَنْفَذًا فَهُوَ الْغُشْيُ، وَإِنْ لِامْتِلَاءِ بُطُونِ الدِّمَاغِ مِنْ بَلْغَمٍ فَهُوَ الْإِغْمَاءُ. ثُمَّ لَمَا كَانَ سَلْبُ الِاخْتِيَارِ فِي الْإِغْمَاءِ أَشَدَّ مِنْ النَّوْمِ كَانَ نَاقِضًا عَلَى أَيِّ هَيْئَةٍ كَانَ، بِخِلَافِ النَّوْمِ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ: وَالْجُنُونُ) صَاحِبُهُ مَسْلُوبُ الْعَقْلِ، بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ فَإِنَّهُ مَغْلُوبٌ، وَالْإِطْلَاقُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا نَاقِضٌ لِأَنَّهُ فَوْقَ النَّوْمِ مُضْطَجِعًا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَسُكْرٌ) هُوَ حَالَةٌ تَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ امْتِلَاءِ دِمَاغِهِ مِنْ الْأَبْخِرَةِ الْمُتَصَاعِدَةِ مِنْ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ، فَيَتَعَطَّلُ مَعَهُ الْعَقْلُ الْمُمَيِّزُ بَيْنَ الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ (قَوْلُهُ: يَدْخُلَ) أَيْ بِهِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّهِ هُنَا وَفِي الْأَيْمَانِ وَالْحُدُودِ؛ فَقَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ سُرُورٌ يُزِيلُ الْعَقْلَ فَلَا يَعْرِفُ بِهِ السَّمَاءَ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا الطُّولَ مِنْ الْعَرْضِ وَخُوطِبَ زَجْرًا لَهُ. وَقَالَا: بَلْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ فَيَهْذِي فِي أَكْثَرِ كَلَامِهِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا وَصَلَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فَقَدْ دَخَلَ فِي مِشْيَتِهِ اخْتِلَالٌ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَكْثَرِ يُفِيدُ أَنَّ النِّصْفَ مِنْ كَلَامِهِ لَوْ اسْتَقَامَ لَا يَكُونُ سَكْرَانَ وَقَدْ رَجَّحُوا قَوْلَهُمَا فِي الْأَبْوَابِ الثَّلَاثَةِ. قَالَ فِي حُدُودِ الْفَتْحِ: وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَاخْتَارُوهُ لِلْفَتْوَى؛ وَفِي نَوَاقِضِ الْمُجْتَبَى الصَّحِيحُ قَوْلُهُ: مَا اهـ أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي حَدِّهِ أَنْ يَصِلَ إلَى أَنْ لَا يَعْرِفَ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِأَكْلِ الْحَشِيشَةِ) ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُمْ حَكَمُوا بِوُقُوعِ طَلَاقِهِ إذَا سَكِرَ مِنْهَا زَجْرًا لَهُ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ الْبُرْجَنْدِيِّ مِنْ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ شَامِلٌ لَهُ إذَا تَعَطَّلَ الْعَقْلُ، وَقَوْلُ الْبَحْرِ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِ الْأَسْبَابِ. اهـ. [فَرْعٌ] الْمَصْرُوعُ إذَا أَفَاقَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَقَهْقَهَةٌ) قِيلَ: إنَّهَا مِنْ الْأَحْدَاثِ، وَقِيلَ: لَا وَإِنَّمَا وَجَبَ الْوُضُوءُ بِهَا عُقُوبَةً وَزَجْرًا. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي مَسِّ الْمُصْحَفِ يَجُوزُ عَلَى الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَظْهَرَ أَيْضًا فِي كِتَابَةِ الْقُرْآنِ. وَأَمَّا حِلُّ الطَّوَافِ بِهَذَا الْوُضُوءِ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ، وَإِلْحَاقُ الطَّوَافِ بِالصَّلَاةِ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَتَدَبَّرْهُ. وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ الْقَوْلَ الثَّانِيَ بِمُوَافَقَتِهِ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ خَارِجًا نَجَسًا بَلْ هِيَ صَوْتٌ كَالْكَلَامِ وَالْبُكَاءِ وَبِمُوَافَقَتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِيهَا، إذْ لَيْسَ فِيهَا إلَّا الْأَمْرُ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُهَا حَدَثًا اهـ وَأَيَّدَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ بَالِغٌ وَلَوْ كَانَتْ حَدَثًا لَاسْتَوَى فِيهَا الْبَالِغُ وَغَيْرُهُ وَبِتَرْجِيحِهِمْ عَدَمَ النَّقْضِ بِقَهْقَهَةِ النَّائِمِ أَيْ لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ مِنْهُ كَالصَّبِيِّ. أَقُولُ: ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ مَعْنَى الْقَوْلِ الثَّانِي بُطْلَانُ الْوُضُوءِ بِالْقَهْقَهَةِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ زَجْرًا كَبُطْلَانِ الْإِرْثِ بِالْقَتْلِ وَإِنْ لَمْ يَبْطُلْ فِي حَقِّ غَيْرِهَا لِعَدَمِ الْحَدَثِ؛ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْوُضُوءَ لَمْ يَبْطُلْ وَإِنَّمَا أُمِرَ بِإِعَادَتِهِ زَجْرًا، حَتَّى يَرِدَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى بِهِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ مَعَ الْحُرْمَةِ وَوُجُوبِ الْإِعَادَةِ فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِأَصْلِ الْمَذْهَبِ، فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: هِيَ مَا يَسْمَعُ جِيرَانُهُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: هِيَ فِي اللُّغَةِ مَعْرُوفَةٌ، وَهِيَ أَنْ يَقُولَ قِهْ قِهْ. وَاصْطِلَاحًا مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَلِجِيرَانِهِ بَدَتْ أَسْنَانُهُ أَوْ لَا. اهـ. وَفِي الْمُنْيَةِ: وَحَدُّ الْقَهْقَهَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: مَا يُظْهِرُ الْقَافَ وَالْهَاءَ وَيَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَلِجِيرَانِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ، إذَا بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَمَنَعَهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ اهـ لَكِنْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: لَمْ أَقِفْ عَلَى التَّصْرِيحِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 (بَالِغٍ) وَلَوْ امْرَأَةً سَهْوًا (يَقْظَانَ) فَلَا يَبْطُلُ وُضُوءُ صَبِيٍّ وَنَائِمٍ بَلْ صَلَاتُهُمَا بِهِ يُفْتَى (يُصَلِّي) وَلَوْ حُكْمًا كَالْبَانِي (بِطَهَارَةٍ صُغْرَى) وَلَوْ تَيَمُّمًا (مُسْتَقِلَّةٍ) فَلَا يَبْطُلُ وُضُوءٌ فِي ضِمْنِ الْغُسْلِ؛ لَكِنْ رَجَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْفَتْحِ وَالنَّهْرِ النَّقْضَ عُقُوبَةً لَهُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، كَمَا فِي الذَّخَائِرِ الأشرفية (صَلَاةً كَامِلَةً) وَلَوْ عِنْدَ السَّلَامِ عَمْدًا، فَإِنَّهَا تُبْطِلُ الْوُضُوءَ لَا الصَّلَاةَ، خِلَافًا لِزُفَرَ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. وَلَوْ قَهْقَهَ إمَامُهُ أَوْ أَحْدَثَ عَمْدًا ثُمَّ قَهْقَهَ الْمُؤْتَمُّ -   [رد المحتار] بِاشْتِرَاطِ إظْهَارِ الْقَافِ وَالْهَاءِ لِأَحَدٍ، بَلْ الَّذِي تَوَارَدَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ كَصَاحِبِ الْمُحِيطِ وَالْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمْ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَلِجِيرَانِهِ. وَظَاهِرُهُ التَّوَسُّعُ فِي إطْلَاقِ الْقَهْقَهَةِ عَلَى مَا لَهُ صَوْتٌ وَإِنْ عَرِيَ عَنْ ظُهُورِ الْقَافِ وَالْهَاءِ أَوْ أَحَدِهِمَا اهـ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الضَّحِكِ، وَهُوَ لُغَةً أَعَمُّ مِنْ الْقَهْقَهَةِ. وَاصْطِلَاحًا مَا كَانَ مَسْمُوعًا لَهُ فَقَطْ فَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بَلْ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ. وَعَنْ التَّبَسُّمِ وَهُوَ مَا لَا صَوْتَ فِيهِ أَصْلًا بَلْ تَبْدُو أَسْنَانُهُ فَقَطْ فَلَا يُبْطِلُهُمَا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ؛ وَلَمْ أَرَ مَنْ قَدَّرَ الْجَوَازَ بِشَيْءٍ، وَمُقْتَضَى تَعْرِيفِ الضَّحِكِ بِمَا كَانَ مَسْمُوعًا لَهُ فَقَطْ أَنَّ الْقَهْقَهَةَ مَا يَسْمَعُهَا غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ مَجْلِسِهِ فَهُمْ جِيرَانُهُ لَا خُصُوصِ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ. لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مَسْمُوعًا لَهُ يَسْمَعُهُ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ امْرَأَةً) لِأَنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ فِي التَّكَالِيفِ ط، وَلَا يَرِدُ أَنَّ قَوْلَهُ بَالِغٌ صِفَةً لِلْمُذَكَّرِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: جَارِيَةٌ بَالِغٌ، كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ: سَهْوًا) أَيْ وَلَوْ سَهْوًا، فَهُوَ مِنْ مَدْخُولِ الْمُبَالَغَةِ وَكَذَا النِّسْيَانُ. وَذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ فِيهِمَا رِوَايَتَيْنِ وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ رِوَايَةَ النَّقْضِ، وَبِهَا جَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ فِي النِّسْيَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّهْوَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ النَّقْضَ لِلزَّجْرِ وَالْعُقُوبَةِ وَالصَّبِيُّ وَالنَّائِمُ لَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا، وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الْقَهْقَهَةَ كَلَامٌ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُمَا، وَثَمَّ أَقْوَالٌ أُخَرُ صُحِّحَ بَعْضُهَا مَبْسُوطَةٌ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: كَالْبَانِي) أَيْ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ، فَأَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ فَقَهْقَهَ فِي الطَّرِيقِ بَعْدَ الْوُضُوءِ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ، وَهُوَ إحْدَى رِوَايَتَيْنِ وَبِهِ جَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: قِيلَ: وَهُوَ الْأَحْوَطُ، وَلَا نِزَاعَ فِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: مُسْتَقِلَّةٍ) تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ صُغْرَى، فَإِنَّهُ يُفْهَمُ أَنَّهُ وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي بِطَهَارَةٍ كُبْرَى وَهِيَ الْغُسْلُ لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ الَّذِي ضِمْنُهَا، فَكَانَ الْأَخْصَرُ حَذْفَهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: اُحْتُرِزَ بِصُغْرَى عَنْ نَفْسِ طَهَارَةِ الْغُسْلِ فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ، وَبِمُسْتَقِلَّةٍ عَنْ الصُّغْرَى الَّتِي فِي ضِمْنِهِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالْفَتْحِ وَالنَّهْرِ) لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ، وَعَبَّرَ عَنْ مُقَابِلِهِ بِقَبْلُ. وَفِي النَّهْرِ ذُكِرَ أَنَّهُ الَّذِي رَجَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَحَيْثُ لَمْ يَتَعَقَّبْهُ مَعَ اقْتِصَارِهِ عَلَيْهِ، وَجَزْمِهِ بِهِ اقْتَضَى تَرْجِيحَهُ لَهُ؛ وَلِذَا لَمْ يَعُزْ تَرْجِيحَهُ إلَى الْبَحْرِ لِكَوْنِهِ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ حَيْثُ قَالَ: عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لَا تُنْقَضُ. وَصَحَّحَ الْمُتَأَخِّرُونَ كَقَاضِي خَانْ النَّقْضَ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى بُطْلَانِ صَلَاتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: عُقُوبَةً لَهُ) لِإِسَاءَتِهِ فِي حَالِ مُنَاجَاتِهِ لِرَبِّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ) أَيْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ: كَامِلَةً) أَيْ ذَاتَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ: أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مِنْ الْإِيمَاءِ لِعُذْرٍ، أَوْ رَاكِبًا يُومِئُ بِالنَّقْلِ أَوْ بِالْفَرْضِ حَيْثُ يَجُوزُ فَلَا تَنْقُضُ فِي صَلَاةِ جِنَازَةٍ وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ أَيْ خَارِجِ الصَّلَاةِ، لَكِنْ يُبْطِلَانِ، وَلَا لَوْ كَانَ رَاكِبًا يُومِئُ بِالتَّطَوُّعِ فِي الْمِصْرِ أَوْ الْقَرْيَةِ لِعَدَمِ جَوَازِ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ خِلَافًا لِلثَّانِي بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ عِنْدَ السَّلَامِ) أَيْ قَبْلَهُ وَبَعْدَ التَّشَهُّدِ دُرَرٌ، وَكَذَا لَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: عَمْدًا) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الْقَهْقَهَةُ عَمْدًا. وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى صَاحِبِ الدُّرَرِ حَيْثُ قَالَ: إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ التَّصْرِيحُ بِفَسَادِ الْوُضُوءِ بِالْقَهْقَهَةِ عَمْدًا بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لِوُجُودِهَا فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: لَا الصَّلَاةَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ فَرَائِضِهَا شَيْءٌ وَتَرْكُ السَّلَامِ لَا يَضُرُّ فِي الصِّحَّةِ، إمْدَادٌ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِزُفَرَ) حَيْثُ قَالَ: لَا تُبْطِلُ الْوُضُوءَ كَالصَّلَاةِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَهْقَهَ إمَامُهُ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَهْقَهَ الْمُؤْتَمُّ) أَمَّا لَوْ قَهْقَهَ قَبْلَ إمَامِهِ أَوْ مَعَهُ بَطَلَ وُضُوءُهُ دُونَ صَلَاتِهِ لِوُجُودِهَا فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 وَلَوْ مَسْبُوقًا فَلَا نَقْضَ، بِخِلَافِهَا بَعْدَ كَلَامِهِ عَمْدًا فِي الْأَصَحِّ. وَمِنْ مَسَائِلِ الِامْتِحَانِ - وَلَوْ نَسِيَ الْبَانِي الْمَسْحَ فَقَهْقَهَ قَبْلَ قِيَامِهِ لِلصَّلَاةِ انْتَقَضَ لَا بَعْدَهُ لِبُطْلَانِهَا بِالْقِيَامِ إلَيْهَا (وَمُبَاشَرَةٌ فَاحِشَةٌ) بِتَمَاسِّ الْفَرْجَيْنِ وَلَوْ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ وَالرَّجُلَيْنِ مَعَ الِانْتِشَارِ (لِلْجَانِبَيْنِ) الْمُبَاشِرُ وَالْمُبَاشَرُ، وَلَوْ بِلَا بَلَلٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.   [رد المحتار] سِرَاجٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَسْبُوقًا) رَدٌّ عَلَى الدُّرَرِ (قَوْلُهُ: فَلَا نَقْضَ) أَيْ لِوُضُوءِ الْمُؤْتَمِّ لِأَنَّ قَهْقَهَتَهُ وَقَعَتْ بَعْدَ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ بِقَهْقَهَةِ إمَامِهِ خِلَافًا لَهُمَا فِي الْمَسْبُوقِ حَيْثُ قَالَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَيَقُومُ إلَى قَضَاءِ مَا فَاتَهُ. وَفِي فَسَادِ صَلَاتِهِ اللَّاحِقِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهَا) أَيْ بِخِلَافِ قَهْقَهَةِ الْمَأْمُومِ بَعْدَ كَلَامِ الْإِمَامِ عَمْدًا. وَكَذَا بَعْدَ سَلَامِهِ عَمْدًا لِأَنَّهُمَا قَاطِعَانِ لِلصَّلَاةِ لَا مُفْسِدَانِ إذْ لَمْ يُفَوِّتَا شَرْطَهَا وَهُوَ الطَّهَارَةُ، فَلَمْ يَفْسُدْ بِهِمَا شَيْءٌ مِنْ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ. فَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِقَهْقَهَتِهِ. أَمَّا حَدَثُهُ عَمْدًا وَكَذَا قَهْقَهَتُهُ عَمْدًا فَمُفَوِّتَانِ لِلطَّهَارَةِ فَيَفْسُدُ جَزْءٌ يُلَاقِيَانِهِ فَيَفْسُدُ مِنْ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ وَكَذَلِكَ فَتَكُونُ قَهْقَهَةُ الْمَأْمُومِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا تَنْقُضُ، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي. (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ حَيْثُ صَحَّحَ عَدَمَ فَسَادِ الطَّهَارَةِ بِقَهْقَهَةِ الْمَأْمُومِ بَعْدَ كَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ سَلَامِهِ، عَمْدًا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَوْ قَهْقَهَ بَعْدَ كَلَامِ الْإِمَامِ عَمْدًا فَسَدَتْ كَسَلَامِهِ عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ. اهـ. أَقُولُ: وَمَا فِي الْفَتْحِ صَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: الِامْتِحَانِ) أَيْ اخْتِبَارِ ذِهْنِ الطَّالِبِ (قَوْلُهُ: الْمَسْحَ) أَيْ مَسْحَ الْخُفِّ أَوْ الرَّأْسِ أَوْ الْجَبِيرَةِ. قَالَ ط: وَكَذَا لَوْ نَسِيَ غَسْلَ بَعْضِ أَعْضَائِهِ إذْ الْمَسْحُ لَيْسَ قَيْدًا عَلَى مَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: قَبْلَ قِيَامِهِ لِلصَّلَاةِ) أَيْ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِيهَا كَأَنْ قَهْقَهَ حَالَ رُجُوعِهِ (قَوْلُهُ: انْتَقَضَ) فَإِنَّهُ فِي الصَّلَاةِ حُكْمًا، وَهَذَا عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ مِنْ انْتِقَاضِ طَهَارَةِ الْبَانِي لَوْ قَهْقَهَ فِي الطَّرِيقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: لَا بَعْدَهُ) أَيْ لَا يَنْتَقِضُ لَوْ قَهْقَهَ بَعْدَ قِيَامِهِ لَهَا أَيْ شُرُوعِهِ فِيهَا لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَعَ فِيهَا وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يَمْسَحْ فَقَدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَتَكُونُ قَهْقَهَتُهُ بَعْدُ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَلَا تَنْقُضُ. وَوَجْهُ الِامْتِحَانِ فِيهَا أَنَّهُ يُقَالُ: أَيُّ قَهْقَهَةٍ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ حَقِيقَةً لَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَمُبَاشَرَةٌ) مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْبَشَرَةِ وَهِيَ ظَاهِرُ الْجِلْدِ (قَوْلُهُ: فَاحِشَةٌ) الْمُرَادُ بِالْفُحْشِ الظُّهُورُ لَا الَّذِي نَهَى عَنْهُ الشَّارِعُ، إذْ قَدْ تَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ، أَوْ الْمَعْنَى فَاحِشَةٌ أَنْ لَوْ كَانَتْ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَغْلَبِ صُوَرِهَا لِأَنَّهَا تَكُونُ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ وَالرَّجُلَيْنِ وَالرَّجُلِ وَالْغُلَامِ ثُمَّ هِيَ مِنْ النَّاقِضِ الْحُكْمِيِّ ط (قَوْلُهُ: بِتَمَاسِّ الْفَرْجَيْنِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ مِنْ جِهَةِ الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. ثُمَّ الْمَنْقُولُ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ. وَفِي الْيَنَابِيعِ: رَوَى الْحَسَنُ اشْتِرَاطَ التَّمَاسِّ وَهُوَ أَظْهَرُ وَصَحَّحَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَفِي الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ الظَّاهِرُ اهـ أَيْ مِنْ جِهَةِ الدِّرَايَةِ لَا الرِّوَايَةِ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ تَمَاسُّ الْفَرْجَيْنِ مِنْ شَخْصَيْنِ مُشْتَهِيَيْنِ، بِدَلِيلِ مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي الْغُسْلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِوَطْءِ صَغِيرَةٍ غَيْرِ مُشْتَهَاةٍ وَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مَعَ الِانْتِشَارِ) هَذَا فِي حَقِّ نَقْضِ وُضُوئِهِ لَا وُضُوئِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي نَقْضِهِ انْتِشَارُ آلَةِ الرَّجُلِ قُنْيَةٌ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ زَادَ الْكَمَالُ فِي تَفْسِيرِهَا الْمُعَانَقَةَ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ فَقَالَ وَهِيَ أَنْ يَتَجَرَّدَا مَعًا مُتَعَانِقَيْنِ مُتَمَاسَّيْ الْفَرْجَيْنِ (قَوْلُهُ: لِلْجَانِبَيْنِ) فَيَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْمَرْأَةِ، وَمَا فِي الْحِلْيَةِ حَيْثُ قَالَ: إنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ إلَّا فِي الْمُنْيَةِ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ رَدَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُعْتَمَدِ) وَهُوَ قَوْلُهُ: مَا لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ خُرُوجِ مَذْيٍ غَالِبًا، وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ فِي مَقَامِ وُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ إقَامَةً لِلسَّبَبِ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْأَمْرِ الْبَاطِنِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَنْقُضُ مَا لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ، وَصَحَّحَهُ فِي الْحَقَائِقِ وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ بِمَا نَقَلَهُ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ التُّحْفَةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُهُ: مَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُتُونِ. قُلْت: لَكِنْ فِي الْحِلْيَةِ قَالَ بَعْدَمَا نَقَلَ تَصْحِيحَ قَوْلِهِمَا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْأَظْهَرُ وَجْهُ مُحَمَّدٍ، فَقَوْلُهُ: أَوْجَهُ مَا لَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 (لَا) يَنْقُضُهُ (مَسُّ ذَكَرٍ) لَكِنْ يَغْسِلَ يَدَهُ نَدْبًا (وَامْرَأَةٍ) وَأَمْرَدَ، لَكِنْ يُنْدَبُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ لَا سِيَّمَا لِلْإِمَامِ، لَكِنْ بِشَرْطِ عَدَمِ لُزُومِ ارْتِكَابِ مَكْرُوهِ، مَذْهَبِهِ (كَمَا) لَا يَنْقُضُ (لَوْ خَرَجَ مِنْ أُذُنِهِ) وَنَحْوِهَا كَعَيْنِهِ وَثَدْيِهِ (قَيْحٌ) وَنَحْوُهُ كَصَدِيدٍ وَمَاءِ سُرَّةٍ وَعَيْنٍ (لَا بِوَجَعٍ) وَإِنْ خَرَجَ (بِهِ) أَيْ بِوَجَعٍ (نَقَضَ) لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْجُرْحِ، فَدَمْعُ مَنْ بِعَيْنِهِ   [رد المحتار] يَثْبُتْ دَلِيلٌ سَمْعِيٌّ يُفِيدُ مَا قَالَاهُ اهـ: وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ شَرْحِ الْبُرْجَنْدِيِّ: وَأَكْثَرُ الْكُتُبِ مُتَظَافِرَةٌ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَعَدَمُ ذِكْرِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَهَا فِي النَّوَاقِضِ يُشْعِرُ بِاخْتِيَارِهِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَغْسِلُ يَدَهُ نَدْبًا) لِحَدِيثِ «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» أَيْ لِيَغْسِلْ يَدَهُ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَلْ هُوَ إلَّا بِضْعَةٌ مِنْك، حِينَ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ ذَكَرَهُ بَعْدَمَا يَتَوَضَّأُ» وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّلَاةِ، أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: إنَّهُ أَحْسَنُ شَيْءٍ يُرْوَى فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: كُنْت آخِذًا عَلَى أَبِي الْمُصْحَفَ فَاحْتَكَكْت فَأَصَبْت فَرْجِي فَقَالَ: أَصَبْتَ فَرْجَكَ؟ فَقُلْت: نَعَمْ، فَقَالَ: قُمْ فَاغْسِلْ يَدَك وَقَدْ وَرَدَ تَفْسِيرُ الْوُضُوءِ بِمِثْلِهِ فِي الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ. أَقُولُ: وَمُفَادُهُ اسْتِحْبَابُ غَسْلِ الْيَدِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ مُفَادُ إطْلَاقِ الْمَبْسُوطِ خِلَافًا لِمَا اسْتَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا كَانَ مُسْتَنْجِيًا بِالْحَجَرِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي النَّهْرِ. مَطْلَبٌ فِي نَدْبِ مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَرْتَكِبْ مَكْرُوهَ مَذْهَبِهِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يُنْدَبُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: إلَّا أَنَّ مَرَاتِبَ النَّدْبِ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ قُوَّةِ دَلِيلِ الْمُخَالِفِ وَضَعْفِهِ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ بِشَرْطِ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا فُهِمَ مِنْ الْكَلَامِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ يُرَاعِي مَذْهَبَ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَإِلَّا فَالْمُرَاعَاةُ فِي الْمَذْكُورِ هُنَا لَيْسَ فِيهَا ارْتِكَابُ مَكْرُوهِ مَذْهَبِهِ. اهـ. ح. بَقِيَ هَلْ الْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ هُنَا مَا يَعُمُّ التَّنْزِيهِيَّةَ؟ تَوَقَّفَ فِيهِ ط. وَالظَّاهِرُ نَعَمْ، كَالتَّغْلِيسِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَإِنَّهُ السُّنَّةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَعَ أَنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدَنَا الْإِسْفَارُ فَلَا يُنْدَبُ وَمُرَاعَاةُ الْخِلَافِ فِيهِ، وَكَصَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ فَإِنَّهُ الْأَفْضَلُ عِنْدَنَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ حَرَامٌ، وَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ: يُنْدَبُ عَدَمُ صَوْمِهِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ، وَكَالِاعْتِمَادِ وَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ السُّنَّةُ عِنْدَنَا تَرْكُهُمَا. وَلَوْ فَعَلَهُمَا لَا بَأْسَ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ. ، فَيُكْرَهُ فِعْلُهُمَا تَنْزِيهًا مَعَ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. (قَوْلُهُ: وَصَدِيدٍ) فِي الْمُغْرِبِ: صَدِيدُ الْجُرْحِ مَاؤُهُ الرَّقِيقُ الْمُخْتَلِطُ بِالدَّمِ (قَوْلُهُ: وَعَيْنٍ) أَيْ وَمَاءِ عَيْنٍ: وَهُوَ الدَّمْعُ وَقْتَ الرَّمَدِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَغَيْرِهِ بَدَلُ وَعَيْنٍ: أَيْ غَيْرِ مَاءِ السُّرَّةِ كَمَاءِ نَفِطَةٍ وَجُرْحٍ (قَوْلُهُ: لَا بِوَجَعٍ) تَقْيِيدٌ لِعَدَمِ النَّقْضِ بِخُرُوجِ ذَلِكَ، وَعَدَمِ النَّقْضِ هُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الدُّرَرُ وَالْجَوْهَرَةُ وَالزَّيْلَعِيُّ مَعْزِيًّا لِلْحَلْوَانِيِّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الظَّاهِرُ إذَا كَانَ الْخَارِجُ قَيْحًا أَوْ صَدِيدًا لَنَقَضَ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَ وَجَعٍ أَوْ بِدُونِهِ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْرُجَانِ إلَّا عَنْ عِلَّةٍ، نَعَمْ هَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ مَاءً لَيْسَ غَيْرُ. اهـ. وَأَقَرَّهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَأَيَّدَهُ بِعِبَارَةِ الْفَتْحِ الْجُرْحُ وَالنَّفِطَةُ وَمَاءُ الثَّدْيِ وَالسُّرَّةِ وَالْأُذُنِ إذَا كَانَ لِعِلَّةٍ سَوَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ فَالضَّمِيرُ فِي كَانَ لِلْمَاءِ فَقَطْ فَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِكَلَامِ الْبَحْرِ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوَجَعَ غَيْرُ قَيْدٍ بَلْ وُجُودُ الْعِلَّةِ كَافٍ، وَمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحِلْيَةِ، وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَيْحُ الْخَارِجُ مِنْ الْأُذُنِ عَنْ جُرْحٍ بَرِئَ، وَعَلَامَتُهُ عَدَمُ التَّأَلُّمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 رَمَدٌ أَوْ عَمَشٌ نَاقِضٌ، فَإِنْ اسْتَمَرَّ صَارَ ذَا عُذْرٍ مُجْتَبَى، وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ. (كَمَا) يَنْقُضُ (لَوْ حَشَا إحْلِيلَهُ بِقُطْنَةٍ وَابْتَلَّ الطَّرْفُ الظَّاهِرُ) هَذَا لَوْ الْقُطْنَةُ عَالِيَةٌ أَوْ مُحَاذِيَةٌ لِرَأْسِ الْإِحْلِيلِ   [رد المحتار] فَالْحَصْرُ مَمْنُوعٌ اهـ: أَيْ الْحَصْرُ بِقَوْلِهِ لَا يَخْرُجَانِ إلَّا عَنْ عِلَّةٍ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْخُرُوجَ دَلِيلُ الْعِلَّةِ وَلَوْ بِلَا أَلَمٍ، وَإِنَّمَا الْأَلَمُ شَرْطٌ لِلْمَاءِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَوْنُ الْمَاءِ الْخَارِجِ مِنْ الْأُذُنِ أَوْ الْعَيْنِ أَوْ نَحْوِهَا دَمًا مُتَغَيِّرًا إلَّا بِالْعِلَّةِ وَالْأَلَمُ دَلِيلُهَا بِخِلَافِ نَحْوِ الدَّمِ وَالْقَيْحِ. وَلِذَا أَطْلَقُوا فِي الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ كَالدَّمِ وَالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ أَنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا سِوَى التَّجَاوُزِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ فِي الْمُتُونِ وَلَا فِي الشُّرُوحِ بِالْأَلَمِ وَلَا بِالْعِلَّةِ، فَالتَّقْيِيدُ بِذَلِكَ فِي الْخَارِجِ مِنْ الْأُذُنِ مُشْكِلٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِإِطْلَاقِهِمْ (قَوْلُهُ: وَعَمْشٌ) هُوَ ضَعْفٌ لِرُؤْيَةٍ مَعَ سَيْلَانِ الدَّمِ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ دُرَرٌ وَقَامُوسٌ (قَوْلُهُ: نَاقِضٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُنْيَةِ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ فِي عَيْنَيْهِ رَمَدٌ وَتَسِيلُ الدُّمُوعُ مِنْهَا آمُرُهُ بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ مَا يَسِيلُ مِنْهَا صَدِيدًا فَيَكُونُ صَاحِبَ الْعُذْرِ. اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ، فَإِنَّ الشَّكَّ وَالِاحْتِمَالَ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالنَّقْضِ، إذْ الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ نَعَمْ إذَا عَلِمَ بِإِخْبَارِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ بِعَلَامَاتٍ تَغْلِبُ ظَنَّ الْمُبْتَلَى، يَجِبُ. اهـ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الزَّاهِدِيِّ عَقِبَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَعَنْ هِشَامٍ فِي جَامِعِهِ إنْ كَانَ قَيْحًا فَكَالْمُسْتَحَاضَةِ وَإِلَّا فَكَالصَّحِيحِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ مِنْ الْعَيْنِ مُتَغَيِّرًا اهـ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى لَا يُمْكِنُ حَمْلُ مَا مَرَّ عَلَيْهَا، بِدَلِيلِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ صَدِيدًا، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَغَيِّرًا يَكُونُ صَدِيدًا أَوْ قَيْحًا فَلَا يُنَاسِبُهُ التَّعْلِيلُ بِالْخَوْفِ، وَقَدْ اسْتَدْرَكَ فِي الْبَحْرِ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ لَكِنْ صَرَّحَ فِي السِّرَاجِ بِأَنَّهُ صَاحِبُ عُذْرٍ فَكَانَ الْأَمْرُ لِلْإِيجَابِ اهـ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الْمُجْتَبَى يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ (قَوْله الْمُجْتَبِي) عِبَارَتُهُ: الدَّمُ وَالْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ وَمَاءُ الْجُرْحِ وَالنَّفِطَةُ وَمَاءُ الْبَثْرَةِ وَالثَّدْيِ وَالْعَيْنِ وَالْأُذُنِ لِعِلَّةٍ سَوَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَوْلُهُمْ: الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ لِعِلَّةٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ رَمِدَتْ عَيْنُهُ فَسَالَ مِنْهَا مَاءٌ بِسَبَبِ الرَّمَدِ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ النَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْخُرُوجِ لِعِلَّةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَجَعٌ، تَأَمَّلْ. وَفِي الْخَانِيَّةِ الْغَرْبُ فِي الْعَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْجُرْحِ فِيمَا يَسِيلُ مِنْهُ فَهُوَ نَجَسٌ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَالْغَرْبُ عِرْقٌ فِي مَجْرَى الدَّمْعِ يَسْقِي فَلَا يَنْقَطِعُ مِثْلُ الْبَاسُورِ. وَعَنْ الْأَصْمَعِيِّ: بِعَيْنِهِ غَرْبٌ إذَا كَانَتْ تَسِيلُ وَلَا تَنْقَطِعُ دُمُوعُهَا. وَالْغَرَبُ بِالتَّحْرِيكِ: وَرَمٌ فِي الْمَآقِي، وَعَلَى ذَلِكَ صَحَّ التَّحْرِيكُ وَالتَّسْكِينُ فِي الْغَرْبِ. اهـ. أَقُولُ: وَقَدْ سُئِلْت عَمَّنْ رَمِدَ وَسَالَ دَمْعُهُ ثُمَّ اسْتَمَرَّ سَائِلًا بَعْدَ زَوَالِ الرَّمَدِ وَصَارَ يَخْرُجُ بِلَا وَجَعٍ، فَأَجَبْت بِالنَّقْضِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ لِأَنَّ عُرُوضَهُ مَعَ الرَّمَدِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لِعِلَّةٍ وَإِنْ كَانَ الْآنَ بِلَا رَمَدٍ وَلَا وَجَعٍ خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ الشَّارِحِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: إحْلِيلَهُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَجْرَى الْبَوْلِ مِنْ الذَّكَرِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ النَّقْضُ بِمَا ذُكِرَ، وَمُرَادُهُ بَيَانُ الْمُرَادِ مِنْ الطَّرَفِ الظَّاهِرِ بِأَنَّهُ مَا كَانَ عَالِيًا عَنْ رَأْسِ الْإِحْلِيلِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ: أَيْ مَا كَانَ خَارِجًا مِنْ رَأْسِهِ زَائِدًا عَلَيْهِ أَوْ مُحَاذِيًا لِرَأْسِهِ لِتَحَقُّقِ خُرُوجِ النَّجَسِ بِابْتِلَالِهِ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا ابْتَلَّ الطَّرَفُ وَكَانَ مُتَسَفِّلًا عَنْ رَأْسِ الْإِحْلِيلِ أَيْ غَائِبًا فِيهِ لَمْ يُحَاذِهِ وَلَمْ يَعُلْ فَوْقَهُ، فَإِنَّ ابْتِلَالَهُ غَيْرُ نَاقِضٍ إذَا لَمْ يُوجَدْ خُرُوجٌ فَهُوَ كَابْتِلَالِ الطَّرَفِ الْآخَرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 وَإِنْ مُتَسَفِّلَةً عَنْهُ لَا يُنْقَضُ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الدُّبُرِ وَالْفَرْجِ الدَّاخِلِ (وَإِنْ ابْتَلَّ) الطَّرْفُ (الدَّاخِلُ لَا) يَنْقُضُ وَلَوْ سَقَطَتْ؛ فَإِنْ رَطَّبَهُ انْتَقَضَ، وَإِلَّا لَا؛ وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي دُبُرِهِ وَلَمْ يُغَيِّبْهَا، فَإِنْ غَيَّبَهَا أَوْ أَدْخَلَهَا عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ بَطَلَ وُضُوءُهُ وَصَوْمُهُ.   [رد المحتار] الَّذِي فِي دَاخِلِ الْقَصَبَةِ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْجِ الدَّاخِلِ) أَمَّا لَوْ احْتَشَتْ فِي الْفَرَجِ الْخَارِجِ فَابْتَلَّ دَاخِلُ الْحَشْوِ انْتَقَضَ، سَوَاءٌ نَفَذَ الْبَلَلُ إلَى خَارِجِ الْحَشْوِ أَوْ لَا لِلتَّيَقُّنِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْفَرْجِ الدَّاخِلِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الِانْتِقَاضِ لِأَنَّ الْفَرْجَ الْخَارِجَ بِمَنْزِلَةِ الْقُلْفَةِ، فَكَمَا يَنْتَقِضُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ قَصَبَةِ الذَّكَرِ إلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا كَذَلِكَ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ الْفَرْجِ الدَّاخِلِ إلَى الْفَرْجِ الْخَارِجِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْخَارِجِ اهـ شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: لَا يَنْقُضُ) لِعَدَمِ الْخُرُوجِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَقَطَتْ إلَخْ) أَيْ لَوْ خَرَجَتْ الْقُطْنَةُ مِنْ الْإِحْلِيلِ رَطْبَةً انْتَقَضَ لِخُرُوجِ النَّجَاسَةِ وَإِنْ قُلْت، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَطْبَةً أَيْ لَيْسَ بِهَا أَثَرٌ لِلنَّجَاسَةِ أَصْلًا فَلَا نَقْضَ. كَمَا لَوْ أَقْطَرَ الدُّهْنَ فِي إحْلِيلِهِ فَعَادَ، بِخِلَافِ مَا يَغِيبُ فِي الدُّبُرِ فَإِنَّ خُرُوجَهُ يَنْقُضُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ رُطُوبَةٌ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِمَا فِي الْأَمْعَاءِ وَهِيَ مَحَلُّ الْقَذَرِ بِخِلَافِ قَصَبَةِ الذَّكَرِ؛ وَكَذَا لَوْ خَرَجَ الدُّهْنُ مِنْ الدُّبُرِ بَعْدَمَا احْتَقَنَ بِهِ يَنْقُضُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. قُلْت: لَكِنَّ فَسَادَ الصَّوْمِ بِالِاحْتِقَانِ بِالدُّهْنِ لَا بِخُرُوجِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُهُ خِلَافَهُ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُغَيِّبْهَا) لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ تُعْتَبَرُ الْبِلَّةُ أَوْ الرَّائِحَةُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ فَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ اهـ حِلْيَةٌ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ، فَإِذَا وُجِدَتْ الْبِلَّةُ أَوْ الرَّائِحَةُ يُنْقَضُ. وَفِي الْمُنْيَةِ: وَإِنْ أَدْخَلَ الْمِحْقَنَةَ ثُمَّ أَخْرَجَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا بِلَّةٌ لَمْ يُنْقَضْ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَتَوَضَّأَ اهـ. وَفِي شَرْحِهَا: وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ يُدْخِلُهُ وَطَرَفُهُ خَارِجُ غَيْرِ الذَّكَرِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ غَيَّبَهَا) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَكُلُّ شَيْءٍ غَيَّبَهُ ثُمَّ خَرَجَ يَنْقُضُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بِلَّةٌ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِمَا فِي الْبَطْنِ وَلِذَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ طَرَفُهُ خَارِجًا. اهـ. وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْيَنَابِيعِ: وَكُلُّ شَيْءٍ غَيَّبَهُ فِي دُبُرِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ أَوْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَالصَّوْمَ، وَكُلُّ شَيْءٍ أَدْخَلَ بَعْضَهُ وَطَرَفُهُ خَارِجٌ لَا يَنْقُضُهُمَا انْتَهَى. أَقُولُ: عَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأُصْبُعُ كَالْمِحْقَنَةِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْبِلَّةُ لِأَنَّ طَرَفَهَا يَبْقَى خَارِجًا لِاتِّصَالِهَا بِالْيَدِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَتْ عُضْوًا مُسْتَقِلًّا فَإِذَا غَابَتْ اُعْتُبِرَتْ كَالْمُنْفَصِلِ، لَكِنَّ مَا سَيَأْتِي فِي الصَّوْمِ مُطْلَقٌ، فَإِنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ أَدْخَلَ عُودًا فِي مَقْعَدَتِهِ وَغَابَ فَسَدَ صَوْمُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا لَوْ مُبْتَلَّةً فَسَدَ، وَإِلَّا فَلَا، تَأَمَّلْ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْتِقْرَارَ الدَّاخِلِ فِي الْجَوْفِ شَرْطُ فَسَادِ الصَّوْمِ (قَوْلُهُ: بَطَلَ وُضُوءُهُ وَصَوْمُهُ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، لَكِنَّ بُطْلَانَ الصَّوْمِ فِي الْأُولَى خِلَافُ الْمُخْتَارِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ مُجَرَّدِ إدْخَالِ الْأُصْبُعِ وَتَغَيُّبِهَا وَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ، فَإِنَّ مَا ذَكَرُوهُ فِي الصَّوْمِ مُطْلَقٌ كَمَا عَلِمْت، وَلِهَذَا قَالَ ط: إنَّ فِي كَلَامِهِ لَفًّا وَنَشْرًا مُرَتَّبًا، فَبُطْلَانُ الْوُضُوءِ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ وَلَوْ غَيَّبَهَا، وَقَوْلُهُ: وَصَوْمُهُ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ أَوْ أَدْخَلَهَا عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ. قُلْت: لَكِنْ لَوْ أَدْخَلَهَا عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ أَيْضًا لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ الْبِلَّةِ إذَا خَرَجَتْ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْوَاقِعَاتِ وَكَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، لَكِنْ نَقَلَ فِيهَا أَيْضًا عَنْ الذَّخِيرَةِ عَدَمَ النَّقْضِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ هُوَ النَّقْضُ لِخُرُوجِ الْبِلَّةِ مَعَهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّوْمَ يَبْطُلُ بِالدُّخُولِ، وَالْوُضُوءَ بِالْخُرُوجِ، فَإِذَا أَدْخَلَ عُودًا جَافًّا وَلَمْ يُغَيِّبْهُ لَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَمِثْلُهُ الْأُصْبُعُ، وَإِنْ غَيَّبَ الْعُودَ فَسَدَ لِتَحَقُّقِ الدُّخُولِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ هُوَ أَوْ الْأُصْبُعُ مُبْتَلًّا لِاسْتِقْرَارِ الْبِلَّةِ فِي الْجَوْفِ، وَإِذَا أَخْرَجَ الْعُودَ بَعْدَمَا غَابَ فَسَدَ وُضُوءُهُ مُطْلَقًا؛ وَإِنْ لَمْ يَغِبْ، فَإِنَّ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 فُرُوعٌ] يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَحْتَشِيَ إنْ رَابَهُ الشَّيْطَانُ، وَيَجِبُ إنْ كَانَ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا بِهِ قَدْرُ مَا يُصَلِّي. بَاسُورِيٌّ خَرَجَ دُبُرُهُ، إنْ أَدْخَلَهُ بِيَدِهِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، وَإِنْ دَخَلَ بِنَفْسِهِ لَا؛ وَكَذَا لَوْ خَرَجَ بَعْضُ الدُّودَةِ فَدَخَلَتْ. مَنْ لِذَكَرِهِ رَأْسَانِ فَاَلَّذِي لَا يَخْرُجُ مِنْهُ الْبَوْلُ الْمُعْتَادُ بِمَنْزِلَةِ الْجُرْحِ. الْخُنْثَى غَيْرُ الْمُشْكِلِ فَرْجُهُ الْآخَرُ كَالْجُرْحِ، وَالْمُشْكِلُ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِكُلٍّ. مُنْكِرُ الْوُضُوءِ هَلْ يَكْفُرُ إنْ أَنْكَرَ الْوُضُوءَ لِلصَّلَاةِ؟ نَعَمْ، وَلِغَيْرِهَا لَا. شَكَّ فِي بَعْضِ وُضُوئِهِ أَعَادَ مَا شَكَّ فِي تَعْيِينِهِ، غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى لِأَنَّهُ آخِرُ الْعَمَلِ. وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْ عُضْوًا وَشَكَّ فِي تَعْيِينِهِ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى؛ لِأَنَّهُ آخِرُ الْعَمَلِ. وَلَوْ أَيْقَنَ بِالطَّهَارَةِ وَشَكَّ بِالْحَدَثِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَخَذَ بِالْيَقِينِ، وَلَوْ تَيَقَّنَهُمَا وَشَكَّ فِي السَّابِقِ فَهُوَ مُتَطَهِّرٌ وَمِثْلُهُ الْمُتَيَمِّمُ. -   [رد المحتار] بِلَّةً أَوْ فِيهِ رَائِحَةً فَسَدَ الْوُضُوءُ، وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: بِيَدِهِ) أَوْ بِخِرْقَةٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: انْتَقَضَ) لِأَنَّهُ يَلْتَزِقُ بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ بَحْرٌ: أَيْ فَيَتَحَقَّقُ خُرُوجُهَا (قَوْلُهُ: لَا) أَيْ لَا يَنْتَقِضُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْخُرُوجِ، لَكِنْ ذَكَرَ بَعْدَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ إنْ تَيَقَّنَ خُرُوجَ الدُّبُرِ تَنْتَقِضْ طَهَارَتُهُ بِخُرُوجِ النَّجَاسَةِ مِنْ الْبَاطِنِ إلَى الظَّاهِرِ. اهـ. وَبِهِ جَزَمَ فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا) أَيْ فِي عَدَمِ النَّقْضِ. وَهَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّوْشِيحِ تَخْرِيجًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْبَاسُورِيِّ (قَوْله: فَدَخَلَتْ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِيَكُونَ التَّشْبِيهُ فِي طَرَفَيْ الْإِدْخَالِ وَالدُّخُولِ ط (قَوْلُهُ: مَنْ لِذَكَرِهِ إلَخْ) فِيهِ إيجَازٌ، وَأَصْلُ الْعِبَارَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ كَانَ بِذَكَرِ الرَّجُلِ جُرْحٌ لَهُ رَأْسَانِ: أَحَدُهُمَا يَخْرُجُ مِنْهُ الَّذِي يَسِيلُ فِي مَجْرَى الْبَوْلِ، وَالثَّانِي مَا لَا يَسِيلُ فِيهِ؛ فَالْأَوَّلُ بِمَنْزِلَةِ الْإِحْلِيلِ إذَا ظَهَرَ الْبَوْلُ عَلَى رَأْسِهِ يَنْقُضُ وَإِنْ لَمْ يَسِلْ، وَلَا وُضُوءَ فِي الثَّانِي مَا لَمْ يَسِلْ. (قَوْلُهُ: فَرْجُهُ الْآخَرُ) أَيْ الْمَحْكُومُ بِزِيَادَتِهِ عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ (قَوْلُهُ: كَالْجُرْحِ) أَيْ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ مَا لَمْ يَسِلْ خَانِيَّةٌ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى إيجَابِ الْوُضُوءِ عَلَيْهِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: إلَّا أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ هُوَ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: بِكُلٍّ) أَيْ بِالْخَارِجِ مِنْ كُلٍّ بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ عَمَلًا بِالْأَحْوَطِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ ط. (قَوْلُهُ: مُنْكِرُ الْوُضُوءِ) أَوْ وُجُوبِهِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ) لِإِنْكَارِهِ النَّصَّ الْقَطْعِيَّ وَهُوَ آيَةُ {إِذَا قُمْتُمْ} [المائدة: 6] وَالْإِجْمَاعَ (قَوْلُهُ: وَلِغَيْرِهَا لَا) ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمَسَ الْمُصْحَفَ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِي تَفْسِيرِ آيَتِهِ كَمَا مَرَّ ط. (قَوْلُهُ: شَكَّ فِي بَعْضِ وُضُوئِهِ) أَيْ شَكَّ فِي تَرْكِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي خِلَالِهِ بَلْ كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ أَوَّلَ مَا عَرَضَ لَهُ الشَّكُّ أَوْ كَانَ الشَّكُّ عَادَةً لَهُ؛ وَإِنْ كَانَ فِي خِلَالِهِ فَلَا يُعِيدُ شَيْئًا قَطْعًا لِلْوَسْوَسَةِ مِنْهُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ إذَا كَانَ الشَّكُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ. وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ يَغْسِلُ الْأَخِيرَ؛ كَمَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْ رِجْلَيْهِ عَيْنًا وَعَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ فَرْضًا مِمَّا قَبْلَهُمَا وَشَكَّ فِي أَنَّهُ مَا هُوَ يَمْسَحُ رَأْسَهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَنَّهُ لَا تَيَقُّنَ بِتَرْكِ شَيْءٍ هُنَاكَ أَصْلًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَيْقَنَ بِالطَّهَارَةِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ سَبْقَ الطَّهَارَةِ وَشَكَّ فِي عُرُوضِ الْحَدَثِ بَعْدَهَا أَوْ بِالْعَكْسِ أَخَذَ بِالْيَقِينِ وَهُوَ السَّابِقُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ إلَّا إنْ تَأَيَّدَ اللَّاحِقُ؛ فَعَنْ مُحَمَّدٍ عَلِمَ الْمُتَوَضِّئُ دُخُولَ الْخَلَاءِ لِلْحَاجَةِ وَشَكَّ فِي قَضَائِهَا قَبْلَ خُرُوجِهِ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، أَوْ عَلِمَ جُلُوسَهُ لِلْوُضُوءِ بِإِنَاءٍ وَشَكَّ فِي إقَامَتِهِ قَبْلَ قِيَامِهِ لَا وُضُوءَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَشَكَّ بِالْحَدَثِ) أَيْ الْحَقِيقِيِّ أَوْ الْحُكْمِيِّ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ شَكَّ هَلْ نَامَ وَهَلْ نَامَ مُتَمَكِّنًا أَوْ لَا؟ أَوْ زَالَتْ إحْدَى أَلْيَتَيْهِ وَشَكَّ هَلْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْيَقِظَةِ أَوْ بَعْدَهَا؟ . اهـ. حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ: فَهُوَ مُتَطَهِّرٌ) لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الطَّهَارَةَ بَعْدَ الْحَدَثِ ط، لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ [عَنْ فَتْحِ الْمُدَبَّرِ] لِلْعَلَّامَةِ مُحَمَّدٍ السَّمْدِيسِيِّ: مَنْ تَيَقَّنَ بِالطَّهَارَةِ وَالْحَدَثِ وَشَكَّ فِي السَّابِقِ يُؤْمَرُ بِالتَّذَكُّرِ فِيمَا قَبْلَهُمَا، فَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وَلَوْ شَكَّ فِي نَجَاسَةِ مَاءٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ لَمْ يُعْتَبَرْ، وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ. (وَفَرْضُ الْغُسْلِ) أَرَادَ بِهِ مَا يَعُمُّ الْعَمَلِيَّ كَمَا مَرَّ، وَبِالْغُسْلِ الْمَفْرُوضِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ شَرْطِيَّةِ غَسْلِ فَمِهِ وَأَنْفِهِ فِي الْمَسْنُونِ كَذَا الْبَحْرُ، يَعْنِي عَدَمَ فَرْضِيَّتِهَا فِيهِ وَإِلَّا فَهُمَا شَرْطَانِ فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ (غَسْلُ) كُلِّ (فَمِهِ) وَيَكْفِي الشُّرْبُ عَبًّا؛   [رد المحتار] فَهُوَ الْآنَ مُتَطَهِّرٌ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ بَعْدَ ذَلِكَ الْحَدَثِ وَشَكَّ فِي انْتِقَاضِهَا لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ الْحَدَثُ الثَّانِي قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا وَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا؛ فَإِنْ كَانَ يَعْتَادُ التَّجْدِيدَ فَهُوَ الْآنَ مُحْدِثٌ لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ حَدَثًا بَعْدَ تِلْكَ الطَّهَارَةِ وَشَكَّ فِي زَوَالِهِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ الطَّهَارَةُ الثَّانِيَةُ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُ أَمْ لَا؟ بِأَنْ يَكُونَ وَالَى بَيْنَ الطَّهَارَتَيْنِ. اهـ. قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَمِنْهُ يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي صَاحِبَ الْأَشْبَاهِ مِنْ الْقُصُورِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَكَّ إلَخْ) فِي التَّتَارْخَانِيَّة: مَنْ شَكَّ فِي إنَائِهِ أَوْ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنٍ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ أَوْ لَا فَهُوَ طَاهِرٌ مَا لَمْ يَسْتَيْقِنْ، وَكَذَا الْآبَارُ وَالْحِيَاضُ وَالْجِبَابُ الْمَوْضُوعَةُ فِي الطُّرُقَاتِ وَيَسْتَقِي مِنْهَا الصِّغَارُ وَالْكِبَارُ وَالْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ؛ وَكَذَا مَا يَتَّخِذُهُ أَهْلُ الشِّرْكِ أَوْ الْجَهَلَةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَالسَّمْنِ وَالْخُبْزِ وَالْأَطْعِمَةِ وَالثِّيَابِ اهـ مُلَخَّصًا. [فَرْعٌ] لَوْ شَكَّ فِي السَّائِلِ مِنْ ذَكَرِهِ أَمَاءٌ هُوَ أَمْ بَوْلٌ. إنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْمَاءِ أَوْ تَكَرَّرَ مَضَى وَإِلَّا أَعَادَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ أَحَدُهُمَا فَتْحٌ. [فَرْضُ الْغُسْلِ] مَطْلَبٌ فِي أَبْحَاثِ الْغُسْلِ. (قَوْلُهُ: وَفَرْضُ الْغُسْلِ) الْوَاوُ لِلِاسْتِئْنَافِ أَوْ لِلْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ أَرْكَانُ الْوُضُوءِ وَالْفَرْضُ بِمَعْنَى الْمَفْرُوضِ. وَالْغُسْلُ بِالضَّمِّ اسْمٌ مِنْ الِاغْتِسَالِ، وَهُوَ تَمَامُ غَسْلِ الْجَسَدِ، وَاسْمٌ لِمَا يُغْتَسَلُ بِهِ أَيْضًا، وَمِنْهُ فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ " فَوَضَعَتْ لَهُ غُسْلًا " مُغْرِبٌ، لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ إنَّهُ بِالْفَتْحِ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ لُغَةً، وَالضَّمُّ هُوَ الَّذِي تَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: مَا يَعُمُّ الْعَمَلِيَّ) أَيْ لِيَشْمَلَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ فَإِنَّهُمَا لَيْسَا قَطْعِيَّيْنِ، لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ بِسُنِّيَّتِهِمَا. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْوُضُوءِ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ بَيَانَهُ. (قَوْلُهُ: وَبِالْغُسْلِ الْمَفْرُوضِ) أَيْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ سِرَاجٌ فَأَلْ لِلْعَهْدِ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي إلَخْ) مَأْخُوذٌ مِنْ الْمِنَحِ. قَالَ ط: وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْفَرْضِيَّةِ أَنَّ صِحَّةَ الْغُسْلِ الْمَسْنُونِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِمَا، وَأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَرْكُهُمَا. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُمَا إذَا تُرِكَا لَا يَكُونُ آتِيًا بِالْغُسْلِ الْمَسْنُونِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ أَتَى بِسُنَّةٍ وَتَرَكَ سُنَّةً، كَمَا إذَا تَمَضْمَضَ وَتَرَكَ الِاسْتِنْشَاقَ. اهـ. أَقُولُ: فِيهِ أَنَّ الْغُسْلَ فِي الِاصْطِلَاحِ غَسْلُ الْبَدَنِ، وَاسْمُ الْبَدَنِ يَقَعُ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ إلَّا مَا يَتَعَذَّرُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ أَوْ يَتَعَسَّرُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، فَصَارَ كُلٌّ مِنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ جُزْءًا مِنْ مَفْهُومِهِ فَلَا تُوجَدُ حَقِيقَةُ الْغُسْلِ الشَّرْعِيَّةِ بِدُونِهِمَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي الْبَدَائِعِ ذَكَرَ رُكْنَ الْغُسْلِ وَهُوَ إسَالَةُ الْمَاءِ عَلَى جَمِيعِ مَا يُمْكِنُ إسَالَتُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْبَدَنِ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ، ثُمَّ قَسَّمَ صِفَةَ الْغُسْلِ إلَى فَرْضٍ وَسُنَّةٍ وَمُسْتَحَبٍّ، فَلَوْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الْغُسْلِ الْفَرْضَ تُخَالِفُ غَيْرَهُ لَمَا صَحَّ تَقْسِيمُ الْغُسْلِ الَّذِي رُكْنُهُ مَا ذُكِرَ إلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، فَيَتَعَيَّنُ كَوْنُ الْمُرَادِ بِعَدَمِ الْفَرْضِيَّةِ هُنَا عَدَمَ الْإِثْمِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ تَفْسِيرِ الشَّارِحِ لَا عَدَمَ تَوَقُّفِ الصِّحَّةِ عَلَيْهِمَا، لَكِنْ فِي تَعْبِيرِهِ بِالشَّرْطِيَّةِ نَظَرًا لِمَا عَلِمْت مِنْ رُكْنِيَّتِهِمَا فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: غَسْلُ كُلِّ فَمِهِ إلَخْ) عَبَّرَ عَنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ بِالْغَسْلِ لِإِفَادَةِ الِاسْتِيعَابِ أَوْ لِلِاخْتِصَارِ كَمَا قَدَّمَهُ فِي الْوُضُوءِ، وَمَرَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، وَلَكِنْ عَلَى الْأَوَّلِ لَا حَاجَةَ إلَى زِيَادَةِ كُلِّ. (قَوْلُهُ: وَيَكْفِي الشُّرْبُ عَبًّا) أَيْ لَا مَصًّا فَتْحٌ وَهُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الشُّرْبُ بِجَمِيعِ الْفَمِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِمَا فِي الْخُلَاصَةِ، إنْ شَرِبَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ السُّنَّةِ يَخْرُجُ عَنْ الْجَنَابَةِ وَإِلَّا فَلَا، وَبِمَا قِيلَ إنْ كَانَ جَاهِلًا جَازَ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَلَا: أَيْ لِأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 لِأَنَّ الْمَجَّ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْأَصَحِّ (وَأَنْفِهِ) حَتَّى مَا تَحْتَ الدَّرَنِ (وَ) بَاقِي (بَدَنِهِ) لَكِنْ فِي الْمُغْرِبِ وَغَيْرِهِ: الْبَدَنُ مِنْ الْمَنْكِبِ إلَى الْأَلْيَةِ، وَحِينَئِذٍ فَالرَّأْسُ وَالْعُنُقُ وَالْيَدُ وَالرِّجْلُ خَارِجَةٌ لُغَةً دَاخِلَةٌ تَبَعًا شَرْعًا (لَا دَلْكُهُ) لِأَنَّهُ مُتَمِّمٌ، فَيَكُونُ مُسْتَحَبًّا لَا شَرْطًا، خِلَافًا لِمَالِكٍ (وَيَجِبُ) أَيْ يُفْرَضُ (غَسْلُ) كُلِّ مَا يُمْكِنُ مِنْ الْبَدَنِ بِلَا حَرَجٍ مَرَّةً كَأُذُنٍ وَ (سُرَّةٍ وَشَارِبٍ وَحَاجِبٍ وَ) أَثْنَاءِ (لِحْيَةٍ) وَشَعْرِ رَأْسٍ وَلَوْ مُتَبَلِّدًا لِمَا فِي - {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]- مِنْ الْمُبَالَغَةِ (وَفَرْجٍ خَارِجٍ) لِأَنَّهُ كَالْفَمِ لَا دَاخِلٍ؛ لِأَنَّهُ بَاطِنٌ، وَلَا تُدْخِلُ أُصْبُعَهَا فِي قُبُلِهَا بِهِ يُفْتِي. (لَا) يَجِبُ (غَسْلُ مَا فِيهِ حَرَجٌ كَعَيْنٍ) وَإِنْ اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ نَجِسٍ (وَثُقْبٍ انْضَمَّ وَ) لَا (دَاخِلَ قُلْفَةٍ)   [رد المحتار] الْجَاهِلَ يَعُبُّ وَالْعَالِمُ يَشْرَبُ مَصًّا كَمَا هُوَ السُّنَّةُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَجَّ) أَيْ طَرْحَ الْمَاءِ مِنْ الْفَمِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْمَضْمَضَةِ، خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، نَعَمْ هُوَ الْأَحْوَطُ مِنْ حَيْثُ الْخُرُوجُ عَنْ الْخِلَافِ، وَبَلْعُهُ إيَّاهُ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى مَا تَحْتَ الدَّرَنِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالدَّرَنُ الْيَابِسُ فِي الْأَنْفِ كَالْخُبْزِ الْمَمْضُوغِ وَالْعَجِينِ يَمْنَعُ. اهـ. وَهَذَا غَيْرُ الدَّرَنِ الْآتِي مَتْنًا، وَقَيَّدَ بِالْيَابِسِ لِمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ أَنَّ فِي الرَّطْبِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى ظَاهِرِ الْمَتْنِ حَيْثُ أَطْلَقَ الْبَدَنَ عَلَى الْجَسَدِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَا يَعُمُّ الْأَطْرَافَ. وَاَلَّذِي فِي الْقَامُوسِ الْبَدَنُ مُحَرَّكٌ: مِنْ الْجَسَدِ مَا سِوَى الرَّأْسِ ط. (قَوْلُهُ: فِي الْمُغْرِبِ) بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ فَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ: اسْمُ كِتَابٍ فِي اللُّغَةِ لِلْإِمَامِ الْمُطَرِّزِيُّ تِلْمِيذُ الْإِمَامِ الزَّمَخْشَرِيّ ذَكَرَ فِيهِ الْأَلْفَاظَ اللُّغَوِيَّةَ الْوَاقِعَةَ فِي كُتُبِ فُقَهَائِنَا، وَلَهُ كِتَابٌ أَكْبَرُ مِنْهُ سَمَّاهُ الْمُعْرِبَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَالِكٍ) وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ أَيْ يُفْرَضُ) أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوَاجِبِ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَشَارِبٍ وَحَاجِبٍ) أَيْ بَشَرَةً وَشَعْرًا وَإِنْ كَثُفَ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي النِّيَّةِ. (قَوْلُهُ: لِمَا فِي " {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] " مِنْ الْمُبَالَغَةِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَيَجِبُ، وَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُ عَنْ قَوْلِهِ وَفَرْجٍ خَارِجٍ إلَخْ أَيْ لِأَنَّهَا صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ تَقْتَضِي وُجُوبَ غَسْلِ مَا يَكُونُ مِنْ ظَاهِرِ الْبَدَنِ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ كَالْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ دُرَرٌ. بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَمْرٌ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ مَصْدَرُهُ اطَّهَّرَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَضَمِّ الْهَاءِ الْمُشَدَّدَتَيْنِ أَصْلُهُ تَطَهَّرَ قُلِبَتْ التَّاءُ ثُمَّ أُدْغِمَتْ ثُمَّ جِيءَ بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ وَمُجَرَّدُهُ طَهُرَ بِالتَّخْفِيفِ وَزِيَادَةُ الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى، وَلِصَاحِبِ الْبَحْرِ هُنَا كَلَامٌ خَارِجٌ عَنْ الِانْتِظَامِ أَوْضَحْنَاهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: لَا دَاخِلَ) أَيْ لَا يَجِبُ غَسْلُ فَرْجٍ دَاخِلٍ. (قَوْلُهُ: وَلَا تُدْخِلُ إصْبَعَهَا) أَيْ لَا يَجِبُ ذَلِكَ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ ح. أَقُولُ: وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْفَتْحِ وَلَا يَجِبُ إدْخَالُهَا الْأُصْبُعَ فِي قُبُلِهَا وَبِهِ يُفْتِي اهـ فَافْهَمْ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَا تُدْخِلُ الْمَرْأَةُ إصْبَعَهَا فِي فَرْجِهَا عِنْدَ الْغُسْلِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ لَمْ تُدْخِلْ الْأُصْبُعَ فَلَيْسَ بِتَنْظِيفٍ وَالْمُخْتَارُ هُوَ الْأَوَّلُ اهـ فَقَوْلُ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ تَبَعًا لِلْفَتْحِ لَا يَجِبُ إدْخَالُهَا رَدٌّ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْوُجُوبُ وَهُوَ بَعِيدٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَعَيْنٍ) لِأَنَّ فِي غَسْلِهَا مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى؛ لِأَنَّهَا شَحْمٌ لَا تَقْبَلُ الْمَاءَ، وَقَدْ كُفَّ بَصَرُ مَنْ تَكَلَّفَ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ كَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ بَحْرٌ. وَمُفَادُهُ عَدَمُ وُجُوبِ غَسْلِهَا عَلَى الْأَعْمَى خِلَافًا لِلْحَانُوتِيِّ حَيْثُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ أَنَّهُ يُورِثُ الْعَمَى، وَلِهَذَا نَقَلَ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْعَلَّامَةِ سَرِيِّ الدِّينِ أَنَّ الْعِلَّةَ الصَّحِيحَةَ كَوْنُهُ يَضُرُّ وَإِنْ لَمْ يُورِثْ الْعَمَى، فَيَسْقُطُ حَتَّى عَنْ الْأَعْمَى اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اكْتَحَلَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهَا شَرْطِيَّةٌ، وَجَوَابُهَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهَا فَهُوَ اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ الْمَذْكُورَ قَبْلَ غَسْلِ نَجَاسَةٍ حُكْمِيَّةٍ وَهَذَا غَسْلُ نَجَاسَةٍ حَقِيقِيَّةٍ فَلَا يَصِحُّ جَعْلُ إنْ وَصْلِيَّةً تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَثَقْبٍ انْضَمَّ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَإِنْ انْضَمَّ الثُّقْبُ بَعْدَ نَزْعِ الْقُرْطِ وَصَارَ بِحَالٍ إنْ مَرَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ يَدْخُلُهُ وَإِنْ غَفَلَ لَا فَلَا بُدَّ مِنْ إمْرَارِهِ وَلَا يَتَكَلَّفُ لِغَيْرِ الْإِمْرَارِ مِنْ إدْخَالِ عُودٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ الْحَرَجَ مَدْفُوعٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَدَاخِلَ قُلْفَةٍ) الْقُلْفَةُ وَالْغُلْفَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 يُنْدَبُ هُوَ الْأَصَحُّ قَالَهُ الْكَمَالُ، وَعَلَّلَهُ بِالْحَرَجِ فَسَقَطَ الْإِشْكَالُ. وَفِي الْمَسْعُودِيِّ إنْ أَمْكَنَ فَسْخُ الْقُلْفَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ يَجِبُ وَإِلَّا لَا (وَكَفَى، بَلْ أَصْلُ ضَفِيرَتِهَا) أَيْ شَعْرُ الْمَرْأَةِ الْمَضْفُورِ لِلْحَرَجِ، أَمَّا الْمَنْقُوضُ فَيُفْرَضُ غَسْلُ كُلِّهِ اتِّفَاقًا وَلَوْ لَمْ يَبْتَلَّ أَصْلُهَا يَجِبُ نَقْضُهَا مُطْلَقًا هُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ ضَرَّهَا غَسْلُ رَأْسِهَا تَرَكَتْهُ، وَقِيلَ تَمْسَحُهُ   [رد المحتار] بِالْقَافِ وَبِالْغَيْنِ: الْجِلْدَةُ الَّتِي يَقْطَعُهَا الْخَاتِنُ يَجُوزُ فِيهَا فَتْحُ الْقَافِ وَضَمُّهَا، وَزَادَ الْأَصْمَعِيُّ: فَتْحُ الْقَافِ وَاللَّامِ حِلْيَةٌ. (قَوْلُهُ: فَسَقَطَ الْإِشْكَالُ) أَيْ إشْكَالُ الزَّيْلَعِيِّ، حَيْثُ قَالَ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ خِلْقَةٌ كَقَصَبَةِ الذَّكَرِ وَهَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَصَلَ الْبَوْلُ إلَى الْقُلْفَةِ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ فَجَعَلُوهُ كَالْخَارِجِ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَفِي حَقِّ الْغُسْلِ كَالدَّاخِلِ اهـ. وَوَجْهُ السُّقُوطِ أَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ وُجُوبِ غُسْلِهَا الْحَرَجُ: أَيْ أَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الْغُسْلِ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلْحَرَجِ وَإِنَّمَا يُرَدُّ الْإِشْكَالُ عَلَى التَّعْلِيلِ بِكَوْنِهَا خِلْقَةً، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ: أَيْ كَوْنُ عَدَمِ الْوُجُوبِ لِلْحَرَجِ لَا لِكَوْنِهِ خِلْقَةً وَقَالَ قَبْلَهُ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْإِشْكَالَ، لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ إنَّمَا عَلَّلَهُ بِالْحَرَجِ لَا بِالْخِلْقَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَلَا يُرَدُّ الْإِشْكَالُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَسْعُودِيِّ إلَخْ) مَشَى عَلَيْهِ فِي الْإِمْدَادِ، وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ فَسْخُهَا أَيْ بِأَنْ أَمْكَنَ قَلْبُهَا وَظُهُورُ الْحَشَفَةِ مِنْهَا فَلَا حَرَجَ فِي غُسْلِهَا فَيَجِبُ، وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا سِوَى ثَقْبٍ يَخْرُجُ مِنْهُ الْبَوْلُ فَلَا يَجِبُ لِلْحَرَجِ، لَكِنْ أَوْرَدَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ هَذَا الْحَرَجَ يُمْكِنُهُ إزَالَتُهُ بِالْخِتَانِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُطِيقُهُ، بِأَنْ أَسْلَمَ وَهُوَ شَيْخٌ ضَعِيفٌ. (قَوْلُهُ: ضَفِيرَتِهَا) الْمُرَادُ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِجَمِيعِ الضَّفَائِرِ ط. (قَوْلُهُ: لِلْحَرَجِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ «أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ. قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي أَفَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ فَقَالَ: لَا، إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَحْثِيَ عَلَى رَأْسِك ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْك الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ» وَمُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ عَدَمُ وُجُوبِ الْإِيصَالِ إلَى الْأُصُولِ فَتْحٌ، لَكِنْ فِي الْمَبْسُوطِ: وَإِنَّمَا شُرِطَ تَبْلِيغُ الْمَاءِ أُصُولَ الشَّعْرِ لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ فَإِنَّهُ كَانَ يَجْلِسُ إلَى جَنْبِ امْرَأَتِهِ إذَا اغْتَسَلَتْ فَيَقُولُ يَا هَذِهِ أَبْلَغِي الْمَاءَ أُصُولَ شَعْرِك وَشُؤُونَ رَأْسِك، وَهِيَ مَجْمَعُ عِظَامِ الرَّأْسِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ بَحْرٌ. وَاسْتُفِيدَ مِنْ الْإِطْلَاقِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِ الْمُسْتَرْسِلِ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أُصُولَ الشَّعْرِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُنْيَةِ، وَعَزَاهُ فِي الْحِلْيَةِ إلَى الْجَامِعِ الْحُسَامِيِّ وَالْخُلَاصَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَمِمَّنْ نَصَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ غُسْلَ ظَاهِرِ الْمُسْتَرْسِلِ مِنْ ذَوَائِبِهَا مَوْضُوعٌ عَنْهَا الْبَزْدَوِيُّ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالصَّحِيحِ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَافِي وَالذَّخِيرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: اتِّفَاقًا) كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ. الْأَوَّلُ الِاكْتِفَاءُ بِالْوُصُولِ إلَى الْأُصُولِ وَلَوْ مَنْقُوضًا، وَظَاهِرُ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْبَابِ. الثَّانِي التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ وَمَشَى عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَالْكَافِي. الثَّالِثُ وُجُوبُ بَلِّ الذَّوَائِبِ مَعَ الْعَصْرِ وَصُحِّحَ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي الْحِلْيَةِ وَحَالَ فِيهَا آخَرُ إلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ الثَّانِي، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَبْتَلَّ أَصْلُهَا) بِأَنْ كَانَ مُتَلَبِّدًا أَوْ غَزِيرًا إمْدَادٌ أَوْ مَضْفُورًا ضَفْرًا شَدِيدًا لَا يَنْفُذُ فِيهِ الْمَاءُ ط. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) قَالَ ح لَمْ يَظْهَرْ لِيُوَجِّهَ الْإِطْلَاقَ اهـ وَقَالَ ط أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ حَرَجٌ أَمْ لَا، وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ مُقَابِلُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَصْرِ الشَّعْرِ ثَلَاثًا بَعْدَ غَسْلِهِ مَنْقُوضًا أَوْ مَعْقُوصًا. اهـ. أَقُولُ: كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ يَجِبُ غَسْلُهَا بَدَلَ قَوْلِهِ يَجِبُ نَقْضُهَا، فَقَوْلُهُ مُطْلَقًا مَعْنَاهُ سَوَاءٌ كَانَ مَضْفُورًا أَوْ لَا، وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ مِنْ أَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فَتَدَبَّرْ. [تَنْبِيهٌ] يُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ الضَّفِيرَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ عُقَدُ الشَّعْرِ الْمُنْعَقِدِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَلَوْ مِنْ شَعْرِ الرَّجُلِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ مِنْ عُلَمَائِنَا تَأَمَّلْ، وَإِذَا نَتَفَ شِعْرَةً لَمْ تُغْسَلْ فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ غَسْلِ مَحَلِّهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وَلَا تَمْنَعُ نَفْسَهَا عَنْ زَوْجِهَا وَسَيَجِيءُ فِي التَّيَمُّمِ (لَا) يَكْفِي بَلْ (ضَفِيرَتُهُ) فَيَنْقُضُهَا وُجُوبًا (وَلَوْ عَلَوِيًّا أَوْ تُرْكِيًّا) لِإِمْكَانِ حَلْقِهِ. (وَلَا يَمْنَعُ) الطَّهَارَةَ (وَنِيمٌ) أَيْ خُرْءُ ذُبَابٍ وَبُرْغُوثٍ لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ تَحْتَهُ (وَحِنَّاءٌ) وَلَوْ جُرْمَهُ بِهِ يُفْتَى (وَدَرَنٌ وَوَسَخٌ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَكَذَا دُهْنٌ وَدُسُومَةٌ (وَتُرَابٌ) وَطِينٌ وَلَوْ (فِي ظُفْرٍ مُطْلَقًا) أَيْ قَرَوِيًّا أَوْ مَدَنِيًّا فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ نَحْوِ عَجِينٍ. (وَ) لَا يَمْنَعُ (مَا عَلَى ظُفْرِ صَبَّاغٍ وَ) لَا (طَعَامٌ بَيْنَ أَسْنَانِهِ) أَوْ فِي سِنِّهِ الْمُجَوَّفِ بِهِ يُفْتَى. وَقِيلَ إنْ صُلْبًا مَنَعَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. (وَلَوْ) كَانَ (خَاتَمُهُ ضَيِّقًا نَزَعَهُ أَوْ حَرَّكَهُ) وُجُوبًا (كَقُرْطٍ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِثَقْبِ أُذُنِهِ قُرْطٌ فَدَخَلَ الْمَاءُ فِيهِ) أَيْ الثَّقْبِ (عِنْدَ مُرُورِهِ) عَلَى أُذُنِهِ (أَجْزَاهُ كَسُرَّةٍ وَأُذُنٍ دَخَلَهُمَا الْمَاءُ وَإِلَّا) يَدْخُلَ (أَدْخَلَهُ) وَلَوْ بِإِصْبَعِهِ، وَلَا يَتَكَلَّفُ بِخَشَبٍ وَنَحْوِهِ، وَالْمُعْتَبَرُ غَلَبَةُ ظَنِّهِ بِالْوُصُولِ.   [رد المحتار] لِانْتِقَالِ الْحُكْمِ إلَيْهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَا تَمْنَعُ نَفْسَهَا) أَيْ خَوْفًا مِنْ وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا إذَا وَطِئَهَا؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ، وَلَهَا مَنْدُوحَةٌ عَنْ غَسْلِ رَأْسِهَا. (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ فِي التَّيَمُّمِ) أَيْ فِي آخِرِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَوِيًّا أَوْ تُرْكِيًّا) هُوَ الصَّحِيحُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَلِلِاحْتِيَاطِ. وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَجِبُ نَظَرًا إلَى الْعَادَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: لِإِمْكَانِ حَلْقِهِ) أَيْ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْهُ بِالْحَدِيثِ فَلَا يُمْكِنُهَا شَرْعًا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَنِيمٌ إلَخْ) ظَاهِرُ الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ أَنَّ الْوَنِيمَ مُخْتَصٌّ بِالذُّبَابِ نُوحٌ أَفَنْدِي، وَهَذَا بِالنَّظَرِ إلَى اللُّغَةِ، وَإِلَّا فَالْمُرَادُ هُنَا مَا يَشْمَلُ الْبُرْغُوثَ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْحُكْمِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ تَحْتَهُ) لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ حِلْيَةٌ. (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُنْيَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْحِنَّاءِ وَالطِّينِ وَالدَّرَنِ مُعَلِّلًا بِالضَّرُورَةِ. قَالَ فِي شَرْحِهَا وَلِأَنَّ الْمَاءَ يَنْفُذُهُ لِتَخَلُّلِهِ وَعَدَمِ لُزُوجَتِهِ وَصَلَابَتِهِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ نُفُوذُ الْمَاءِ وَوُصُولُهُ إلَى الْبَدَنِ اهـ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْغُسْلُ وَهُوَ إسَالَةُ الْمَاءِ مَعَ التَّقَاطُرِ كَمَا مَرَّ فِي أَرْكَانِ الْوُضُوءِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَمْنَعُ الْإِسَالَةَ فَالْأَظْهَرُ التَّعْلِيلُ بِالضَّرُورَةِ، وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ أَيْضًا إنَّ الضَّرُورَةَ فِي دَرَنِ الْأَنْفِ أَشَدُّ مِنْهَا فِي الْحِنَّاءِ وَالطِّينِ لِنُدُورِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْوُجُوبِ فِيهِ أَيْضًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: عَطْفُ تَفْسِيرٍ) لِقَوْلِ الْقَامُوسِ: الدَّرَنُ الْوَسَخُ، وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّرَنِ هُنَا الْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْجَسَدِ، وَهُوَ مَا يَذْهَبُ بِالدَّلْكِ فِي الْحَمَّامِ، بِخِلَافِ الدَّرَنِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ مُخَاطِ الْأَنْفِ، فَإِنَّهُ لَوْ يَابِسًا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا دُهْنٌ) أَيْ كَزَيْتٍ وَشَيْرَجٍ، بِخِلَافِ نَحْوِ شَحْمٍ وَسَمْنٍ جَامِدٍ. (قَوْلُهُ: وَدُسُومَةٌ) هِيَ أَثَرُ الدُّهْنِ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: وَفِي الْفَتَاوَى دَهَنَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَأَمَرَّ الْمَاءَ عَلَى رِجْلَيْهِ وَلَمْ يَقْبَلْ الْمَاءَ لِلدُّسُومَةِ جَازَ لِوُجُودِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) مُقَابَلَةُ قَوْلِ بَعْضِهِمْ يَجُوزُ لِلْقَرَوِيِّ؛ لِأَنَّ دَرَنَهُ مِنْ التُّرَابِ وَالطِّينِ فَيَنْفُذُهُ الْمَاءُ لَا لِلْمَدَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْوَدَكِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ نَحْوِ عَجِينٍ) أَيْ كَعِلْكٍ وَشَمْعٍ وَقِشْرِ سَمَكٍ وَخُبْزٍ مَمْضُوغٍ مُتَلَبِّدٍ جَوْهَرَةٌ، لَكِنْ فِي النَّهْرِ: وَلَوْ فِي أَظْفَارِهِ طِينٌ أَوْ عَجِينٌ فَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ مُغْتَفَرٌ قَرَوِيًّا كَانَ أَوْ مَدَنِيًّا. اهـ. نَعَمْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فِي الْعَجِينِ وَاسْتَظْهَرَ الْمَنْعَ؛ لِأَنَّ فِيهِ لُزُوجَةً وَصَلَابَةً تَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَاءِ. (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ: لِأَنَّ الْمَاءَ شَيْءٌ لَطِيفٌ يَصِلُ تَحْتَهُ غَالِبًا اهـ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا وَمُفَادُهُ عَدَمُ الْجَوَازِ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ تَحْتَهُ، قَالَ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ أَثْبَتُ. (قَوْلُهُ: إنْ صُلْبًا) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ الشَّدِيدُ حِلْيَةٌ: أَيْ إنْ كَانَ مَمْضُوغًا مَضْغًا مُتَأَكِّدًا، بِحَيْثُ تَدَاخَلَتْ أَجْزَاؤُهُ وَصَارَ لَهُ لُزُوجَةٌ وَعِلَاكَةٌ كَالْعَجِينِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ) صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَقَالَ لِامْتِنَاعِ نُفُوذِ الْمَاءِ مَعَ عَدَمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 فُرُوعٌ] نَسِيَ الْمَضْمَضَةَ أَوْ جُزْءًا مِنْ بَدَنِهِ فَصَلَّى ثُمَّ تَذَكَّرَ، فَلَوْ نَفْلًا لَمْ يُعِدْ لِعَدَمِ صِحَّةِ شُرُوعِهِ. عَلَيْهِ غُسْلٌ وَثَمَّةَ رِجَالٌ لَا يَدَعُهُ وَإِنْ رَأَوْهُ، وَالْمَرْأَةُ بَيْنَ رِجَالٍ أَوْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ تُؤَخِّرُهُ لَا بَيْنَ نِسَاءٍ فَقَطْ. وَاخْتُلِفَ فِي الرَّجُلِ بَيْنَ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ أَوْ نِسَاءٍ فَقَطْ كَمَا بَسَطَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ. وَيَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَتَيَمَّمَ وَتُصَلِّيَ لِعَجْزِهَا شَرْعًا عَنْ الْمَاءِ، وَأَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ فَيُتْرَكُ مُطْلَقًا، وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى.   [رد المحتار] الضَّرُورَةِ وَالْحَرَجِ اِ هـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّصْحِيحَ لَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: كَقُرْطٍ) بِالضَّمِّ مَا يُعَلَّقُ فِي شَحْمَةِ الْأُذُنِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَكَلَّفُ) أَيْ بَعْدَ الْإِمْرَارِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ. [فُرُوعٌ فِي الطَّهَارَة] (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ صِحَّةِ شُرُوعِهِ) أَيْ وَالنَّفَلِ إنَّمَا تَلْزَمُ إعَادَتُهُ بَعْدَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهِ قَصْدًا، وَسَكَتَ عَنْ الْفَرْضِ لِظُهُورِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: لَا يَدَعُهُ وَإِنْ رَأَوْهُ) عَزَاهُ فِي الْقُنْيَةِ إلَى الْوَبَرِيِّ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْمَنْهِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ وَلِلْغُسْلِ خَلَفٌ وَهُوَ التَّيَمُّمُ فَلَا يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ لِأَجْلِهِ عِنْدَ مَنْ لَا يَجُوزُ نَظَرُهُ إلَيْهَا بِخِلَافِ الْخِتَانِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَكَذَا اسْتَشْكَلَهُ فِي الْحِلْيَةِ بِمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ التُّمُرْتَاشِيِّ عَنْ الْإِمَامِ الْبَقَّالِيِّ: لَوْ كَانَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لَا يُمْكِنُ غَسْلُهَا إلَّا بِإِظْهَارِ عَوْرَتِهِ يُصَلِّي مَعَهَا؛ لِأَنَّ إظْهَارَهَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالْغُسْلُ مَأْمُورٌ بِهِ، وَإِذَا اجْتَمَعَا كَانَ النَّهْيُ أَوْلَى اهـ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ نُصَّتْ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَدْ وَقَعَ فِيهَا خِلَافٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ ط. (قَوْلُهُ: كَمَا بَسَطَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ) أَيْ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، حَيْثُ نُقِلَ عَنْ شَرْحِهَا لِنَاظِمِهَا أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ فِيهَا عَلَى نَقْلٍ، وَأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يُؤَخِّرَ الرَّجُلَ بَيْنَ النِّسَاءِ أَوْ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَأَيَّدَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ بِمَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ مُبَاحٌ فِي الضَّرُورَةِ لَا فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ نَظَرِ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ اهـ هَذَا. وَقَالَ ح: وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَكْشِفَ الْخُنْثَى لِلِاسْتِنْجَاءِ وَلَا لِلْغُسْلِ عِنْدَ أَحَدٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا إنْ كَشَفَتْ عِنْدَ رَجُلٍ احْتَمَلَ أَنَّهَا أُنْثَى، وَإِنْ عِنْدَ أُنْثَى احْتَمَلَ أَنَّهَا ذَكَرٌ، فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ مُرِيدَ الِاغْتِسَالِ إمَّا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا بَيْنَ رِجَالٍ أَوْ نِسَاءٍ أَوْ خَنَاثَى أَوْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ أَوْ رِجَالٍ وَخَنَاثَى أَوْ نِسَاءٍ وَخَنَاثَى أَوْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَخَنَاثَى فَهُوَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، يَغْتَسِلُ فِي صُورَتَيْنِ مِنْهَا وَهُمَا رَجُلٌ بَيْنَ رِجَالٍ وَامْرَأَةٌ بَيْنَ نِسَاءٍ، وَيُؤَخَّرُ فِي تِسْعَ عَشْرَةَ صُورَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي لَهَا) أَيْ لِلْمَرْأَةِ، وَمِثْلُهَا فِيمَا يَظْهَرُ الرَّجُلُ قُلْنَا إنَّهُ يُؤَخَّرُ أَيْضًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَأْخِيرَ الْغُسْلِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ التَّيَمُّمِ، فَإِنَّ الْمُبِيحَ لَهُ وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ الْمَاءِ قَدْ وُجِدَ فَافْهَمْ. بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ لَمْ يَذْكُرْهُ، وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ تَجِبُ إعَادَةُ تِلْكَ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي مَسْأَلَةِ النِّهَايَةِ السَّابِقَةِ، قَالَ فِي الْحِلْيَةِ فِيهِ تَأَمُّلٌ وَالْأَشْبَهُ الْإِعَادَةُ تَفْرِيعًا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فِي الْمَمْنُوعِ مِنْ إزَالَةِ الْحَدِيثِ بِصُنْعِ الْعِبَادِ إذَا تَيَمَّمَ وَصَلَّى اهـ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي التَّيَمُّمِ أَنَّ الْمَحْبُوسَ إذَا صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ إنْ فِي الْمِصْرِ أَعَادَ وَإِلَّا فَلَا وَاسْتَظْهَرَ الرَّحْمَتِيُّ عَدَمَ الْإِعَادَةِ، قَالَ لِأَنَّ الْعُذْرَ لَمْ يَأْتِ مِنْ قِبَلِ الْمَخْلُوقِ، فَإِنَّ الْمَانِعَ لَهَا الشَّرْعُ وَالْحَيَاءُ وَهُمَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَالُوا لَوْ تَيَمَّمَ لِخَوْفِ الْعَدُوِّ، فَإِنْ تَوَعَّدَهُ عَلَى الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ يُعِيدُ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ أَتَى مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَلَوْ خَافَ بِدُونِ تَوَعُّدٍ مِنْ الْعَدُوِّ فَلَا؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ أَوْقَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَلْبِهِ، فَقَدْ جَاءَ الْعُذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَلَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَ رِجَالٍ أَوْ نِسَاءٍ أَوْ بَيْنَهُمَا ط (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى) الْفَرْقُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 (وَسُنَنُهُ) كَسُنَنِ الْوُضُوءِ سِوَى التَّرْتِيبِ. وَآدَابُهُ كَآدَابِهِ سِوَى اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ غَالِبًا مَعَ كَشْفِ عَوْرَةٍ وَقَالُوا: لَوْ مَكَثَ فِي مَاءٍ جَارٍ أَوْ حَوْضٍ كَبِيرٍ أَوْ مَطَرٍ قَدْرَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ.   [رد المحتار] مَعَ الْحَقِيقِيَّةِ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، وَعَدَمِ صِحَّتِهَا مَعَ الْحُكْمِيَّةِ رَأْسًا اهـ ح: زَادَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّ الْغُسْلَ فَرْضٌ فَلَا يُتْرَكُ لِكَشْفِ الْعَوْرَةِ: بِخِلَافِ الِاسْتِنْجَاءِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ وَتَرْكُهَا أَوْلَى مِنْ الْكَشْفِ الْحَرَامِ. وَاعْتَرَضَ الْحَمَوِيُّ الْفَرْقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْحُكْمِيَّةَ قَدْ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهَا أَيْضًا، فَإِنَّ الْجَبِيرَةَ يَجُوزُ تَرْكُ الْمَسْحِ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ الْمَسْحُ عِنْدَ الْإِمَامِ مَعَ أَنَّ تَحْتَهَا حَدَثًا اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْحَدَثِ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَكُونُ غَسْلُ بَاقِي الْجَسَدِ رَافِعًا لِجَمِيعِ الْحَدَثِ وَصَارَ كَأَنَّهُ غَسَلَ مَا تَحْتَهَا حُكْمًا، نَعَمْ الْفَرْقُ الثَّانِي غَيْرُ مُؤَثِّرٍ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ لِغَسْلِ النَّجَاسَةِ مَعَ أَنَّهُ فَرْضٌ وَمِنْ تَقْدِيمِ النَّهْيِ عَلَى الْأَمْرِ إذَا اجْتَمَعَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ ضَعِيفٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [سُنَنُ الْغُسْلِ] مَطْلَبُ سُنَنِ الْغُسْلِ. (قَوْلُهُ: وَسُنَنُهُ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا وَاجِبَ لَهُ ط. وَأَمَّا الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ فَهُمَا بِمَعْنَى الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِمَا، فَالْمُرَادُ بِالْوَاجِبِ أَدْنَى نَوْعَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْوُضُوءِ. (قَوْلُهُ: كَسُنَنِ الْوُضُوءِ) أَيْ مِنْ الْبُدَاءَةِ بِالنِّيَّةِ وَالتَّسْمِيَةِ وَالسِّوَاكِ وَالتَّخْلِيلِ وَالدَّلْكِ وَالْوَلَاءِ إلَخْ وَأُخِذَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ. (قَوْلُهُ: سِوَى التَّرْتِيبِ) أَيْ الْمَعْهُودِ فِي الْوُضُوءِ، وَإِلَّا فَالْغُسْلُ لَهُ تَرْتِيبٌ آخَرُ بَيَّنَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بَادِئًا إلَخْ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ. أَقُولُ: وَيُسْتَثْنَى الدُّعَاءُ أَيْضًا فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي نُورِ الْإِيضَاحِ. (قَوْلُهُ: وَآدَابُهُ كَآدَابِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ: قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ مُطْلَقًا، أَمَّا كَلَامُ النَّاسِ فَلِكَرَاهَتِهِ حَالَ الْكَشْفِ، وَأَمَّا الدُّعَاءُ فَلِأَنَّهُ فِي مَصَبِّ الْمُسْتَعْمَلِ وَمَحَلِّ الْأَقْذَارِ وَالْأَوْحَالِ اهـ. أَقُولُ: قَدْ عَدَّ التَّسْمِيَةَ مِنْ سُنَنِ الْغُسْلِ فَيُشْكِلُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ تَأَمَّلْ. وَاسْتَشْكَلَ فِي الْحِلْيَةِ عُمُومَ ذَلِكَ بِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَاحِدٍ، فَيُبَادِرُنِي حَتَّى أَقُولَ دَعْ لِي» وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ «يُبَادِرُنِي وَأُبَادِرُهُ حَتَّى يَقُولَ دَعِي لِي وَأَقُولُ أَنَا دَعْ لِي» " ثُمَّ أَجَابَ بِحَمْلِهِ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ أَنَّ الْمَسْنُونَ تَرْكُهُ مَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ ظَاهِرَةٌ. اهـ. أَقُولُ: أَوْ الْمُرَادُ الْكَرَاهَةُ حَالَ الْكَشْفِ فَقَطْ كَمَا أَفَادَهُ التَّعْلِيلُ السَّابِقُ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ لَا يَغْتَسِلُ بِلَا سَاتِرٍ. (قَوْلُهُ: مَعَ كَشْفِ عَوْرَةٍ) فَلَوْ كَانَ مُتَّزِرًا فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْإِمْدَادِ. (قَوْلُهُ: أَوْ حَوْضٍ كَبِيرٍ أَوْ مَطَرٍ) هَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا قِيَاسًا عَلَى الْمَاءِ الْجَارِي، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحِلْيَةِ، لَكِنْ فِي شَرْحِ هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ لِسَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيِّ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، حَيْثُ قَالَ: إنَّ ظَاهِرَ التَّقْيِيدِ بِالْجَارِي أَنَّ الرَّاكِدَ وَلَوْ كَثِيرًا لَيْسَ كَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ جَرَيَانَ الْمَاءِ عَلَى بَدَنِهِ قَائِمٌ مَقَامَ التَّثْلِيثِ فِي الصَّبِّ وَلَا كَذَلِكَ الرَّاكِدُ، وَرُبَّمَا يُقَالُ إنْ انْتَقَلَ فِيهِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ مِقْدَارَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَقَدْ أَكْمَلَ السُّنَّةَ اهـ وَهُوَ كَلَامٌ وَجِيهٌ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِانْتِقَالَ غَيْرُ قَيْدٍ بَلْ التَّحَرُّكُ كَافٍ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْحَوْضَ الْكَبِيرَ فِي حُكْمِ الْجَارِي فَلَا فَرْقَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ مِثْلُهُ فِي عَدَمِ قَبُولِهِ النَّجَاسَةَ لَا مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: قَدْرَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ) اُنْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ قَدْرُ زَمَنِهِمَا لَوْ كَانَ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ مِقْدَارُ مَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ جَرَيَانُ الْمَاءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ بِلَحَظَاتٍ يَسِيرَةٍ يَتَحَقَّقُ فِيهَا غَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مُرَتَّبَةً ثَلَاثًا مَعَ غَسْلِ بَاقِي الْجَسَدِ كَذَلِكَ؟ لَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 فَقَدْ أَكْمَلَ السُّنَّةَ (الْبُدَاءَةُ بِغَسْلِ يَدَيْهِ وَفَرْجِهِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ خَبَثٌ اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ (وَخَبَثِ بَدَنِهِ إنْ كَانَ) عَلَيْهِ خَبَثٌ لِئَلَّا يَشِيعَ (ثُمَّ يَتَوَضَّأُ) أَطْلَقَهُ فَانْصَرَفَ إلَى الْكَامِلِ، فَلَا يُؤَخِّرُ قَدَمَيْهِ وَلَوْ فِي مَجْمَعِ الْمَاءِ لِمَا أَنَّ الْمُعْتَمَدَ طَهَارَةُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، عَلَى أَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالِاسْتِعْمَالِ إلَّا بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَنْ كُلِّ الْبَدَنِ لِأَنَّهُ فِي الْغُسْلِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ،   [رد المحتار] وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ الْمُوجِبُونَ تَرْتِيبَ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ لَوْ غَطَسَ فِي مَاءٍ وَمَكَثَ قَدْرَ التَّرْتِيبِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ الصِّحَّةَ بِلَا مُكْثٍ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ يَحْصُلُ فِي لَحَظَاتٍ لَطِيفَةٍ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي التُّحْفَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ سُنَنَ الْغُسْلِ: وَيَكْفِي فِي رَاكِدٍ تَحَرُّكُ جَمِيعِ الْبَدَنِ ثَلَاثًا وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْ قَدَمَهُ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ عَلَى الْأَوْجَهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ حَرَكَةٍ تُوجِبُ مُمَاسَّةَ مَاءٍ لِبَدَنِهِ غَيْرِ الْمَاءِ الَّذِي قَبْلَهَا اهـ مُلَخَّصًا. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَاءٍ جَارٍ يَحْصُلُ سُنَّةُ التَّثْلِيثِ وَالتَّرْتِيبِ وَالْوُضُوءِ بِلَا مُكْثٍ وَلَا تَحَرَّكَ وَلَوْ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّحَرُّكِ، أَوْ الِانْتِقَالِ الْقَائِمِ مَقَامَ الصَّبِّ فَيَحْصُلُ بِهِ مَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الدُّرَرِ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصُبَّ لَمْ يَكُنْ الْغُسْلُ مَسْنُونًا. اهـ. (قَوْلُهُ: الْبُدَاءَةُ بِغَسْلِ يَدَيْهِ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ هَذَا الْغُسْلَ غَيْرُ الْغُسْلِ الَّذِي فِي الْوُضُوءِ. (قَوْلُهُ: وَفَرْجِهِ) أَيْ ثُمَّ فَرْجِهِ، بِأَنْ يُفِيضَ الْمَاءَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَيْهِ فَيَغْسِلَهُ بِالْيُسْرَى ثُمَّ يُنَقِّيَهُ، وَالْفَرْجُ قُبُلُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الدُّبُرِ أَيْضًا كَمَا قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ. اهـ. قُهُسْتَانِيٌّ: أَيْ فَيَشْمَلُ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ خَبَثٌ) رَدٌّ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ وَابْنِ الْكَمَالِ. (قَوْلُهُ: اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ) وَهُوَ مَا رَوَى الْجَمَاعَةُ عَنْ «مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ وَضَعْت لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاءً يَغْتَسِلُ بِهِ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ، ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ» فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَخَبَثِ بَدَنِهِ) أَيْ لَوْ قَلِيلًا كَمَا يَظْهَرُ مِنْ التَّعْلِيلِ. وَأَفَادَ أَنَّ السُّنَّةَ نَفْسُ الْبُدَاءَةِ بِغُسْلِ النَّجَاسَةِ، وَأَمَّا نَفْسُ غَسْلِهَا فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَلَوْ قَلِيلَةً فِيمَا يَظْهَرُ لِتَنَجُّسِ الْمَاءِ بِهَا، فَلَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ عَمَّا تَحْتَهَا مَا لَمْ تَزَلْ كَمَا بَحَثَهُ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ وَقَالَ لَمْ أَجِدْ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ مِنْ أَئِمَّتِنَا. أَقُولُ: وَرَأَيْته فِي شَرْحِ وَالِدِهِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَلَى الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ ذَكَرَهُ جَازِمًا بِهِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: فَانْصَرَفَ إلَى الْكَامِلِ) أَيْ بِجَمِيعِ سُنَنِهِ وَمَنْدُوبَاتِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، قَالَ: وَيَمْسَحُ فِيهِ رَأْسَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي مَجْمَعِ الْمَاءِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ وَاقِفًا فِي مَحَلٍّ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ الْغُسْلُ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمَتْنِ كَالْكَنْزِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ، وَقِيلَ يُؤَخَّرُ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْأَكْثَرِ وَإِطْلَاقِ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ الْمُتَقَدِّمِ، وَقِيلَ بِالتَّفْصِيلِ إنْ كَانَ فِي مَجْمَعِ الْمَاءِ فَيُؤَخَّرُ وَإِلَّا فَلَا، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَبْسُوطِ وَالْكَافِي. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ لَا فِي الْجَوَازِ. (قَوْلُهُ: لِمَا أَنَّ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الْمَشَايِخِ الْقَائِلِينَ بِالتَّأْخِيرِ إنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَقْدِيمِ غَسْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَتَلَوَّثَانِ بِالْغَسَلَاتِ بَعْدُ فَيَحْتَاجُ إلَى غَسْلِهِمَا ثَانِيًا. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى غَسْلِهِمَا ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْمُفْتَى بِهِ طَهَارَةُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْهِنْدِيُّ: إنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى رِوَايَةِ نَجَاسَتِهِ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ إلَخْ) تَرَقٍّ فِي الْجَوَابِ، وَحَاصِلُهُ مَنْعُ كَوْنِ الْمَاءِ مُسْتَعْمَلًا لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، فَمَا دَامَتْ رِجْلَاهُ فِي الْمَاءِ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِعْمَالِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الِانْفِصَالِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْمَاءِ حُكِمَ بِاسْتِعْمَالِهِ وَلَمْ يُصِبْهُ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ خُرُوجِهِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَةِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 فَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى غَسْلِهِمَا ثَانِيًا إلَّا إذَا كَانَ بِبَدَنِهِ خَبَثٌ وَلَعَلَّ الْقَائِلِينَ بِتَأْخِيرِ غَسْلِهَا إنَّمَا اسْتَحَبُّوهُ لِيَكُونَ الْبَدْءُ وَالْخَتْمُ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَقَالُوا: لَوْ تَوَضَّأَ أَوَّلًا لَا يَأْتِي بِهِ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وُضُوءَانِ لِلْغُسْلِ اتِّفَاقًا، أَمَّا لَوْ تَوَضَّأَ بَعْدَ الْغُسْلِ وَاخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ عَلَى مَذْهَبِنَا أَوْ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِصَلَاةٍ كَقَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ فَيُسْتَحَبُّ (ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ) عَلَى كُلِّ بَدَنِهِ ثَلَاثًا مُسْتَوْعِبًا مِنْ الْمَاءِ الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، وَقِيلَ: الْمَقْصُودُ عَدَمُ   [رد المحتار] وَاعْلَمْ أَنَّهُ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي تَجْزِيءِ الطَّهَارَةِ وَعَدَمِهِ. وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ أَنَّهُ لَوْ تَمَضْمَضَ الْجُنُبُ أَوْ غَسَلَ يَدَيْهِ هَلْ يَحِلُّ لَهُ الْقِرَاءَةُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ؟ فَعَلَى رِوَايَةِ التَّجَزُّؤِ نَعَمْ، وَعَلَى رِوَايَةِ عَدَمِهِ لَا وَهِيَ الصَّحِيحَةُ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْجَنَابَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى غَسْلِ الْبَاقِي، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ فَيَصِحُّ بِنَاؤُهُ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فَافْهَمْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ يَصِحُّ دَفْعًا لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَقْدِيمِ غَسْلِهِمَا عَلَى رِوَايَةِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَيْضًا إذْ لَا يُحْكَمُ بِاسْتِعْمَالِهِ وَنَجَاسَتِهِ إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى غَسْلِهِمَا ثَانِيًا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا، وَلِصَاحِبِ النَّهْرِ هُنَا كَلَامٌ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ أَوْضَحْنَاهَا فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ إلَخْ) أَيْ فَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ غَسْلِهِمَا لِلنَّجَاسَةِ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ الْقَائِلِينَ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا وَنَقَلَهُ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْقُرْطُبِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى هَذَا يَغْسِلُهُمَا ثَانِيًا مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَصَابَهُمَا طِينٌ أَوْ كَانَتَا فِي مَجْمَعِ الْمَاءِ أَوَّلًا وَلَا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي: بَلْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَتِهِ. أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَوَضَّأَ بَعْدَ الْغُسْلِ فَلَيْسَ مِنَّا» اهـ تَأَمَّلْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ اسْتِحْبَابِهِ لَوْ بَقِيَ مُتَوَضِّئًا إلَى فَرَاغِ الْغُسْلِ، فَلَوْ أَحْدَثَ قَبْلَهُ يَنْبَغِي إعَادَتُهُ. وَلَمْ أَرَهُ، فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي بَحْثِ الْوُضُوءِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُفِيضَنَّ) أَتَى بِثُمَّ لِلْإِشَارَةِ إلَى التَّرْتِيبِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ ثُمَّ يُفِيضُ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ فِعْلَهُمَا فِي الْوُضُوءِ كَافٍ عَنْ فِعْلِهِمَا فِي الْغُسْلِ؛ فَالسُّنَّةُ نَابَتْ مَنَابَ الْفَرْضِ ط. وَمَعْنَى يُفِيضُ: يَصُبُّ. قَالَ فِي الدُّرَرِ: حَتَّى لَوْ لَمْ يَصُبَّ لَمْ يَكُنْ الْغُسْلُ مَسْنُونًا وَإِنْ زَالَ الْحَدَثُ اهـ وَهَذَا لَوْ كَانَ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ، أَمَّا لَوْ مَكَثَ فِي مَاءٍ جَارٍ قَامَ الْجَرَيَانُ مَقَامَ الصَّبِّ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: عَلَى كُلِّ بَدَنِهِ) زَادَ كُلَّ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ عَدَمِ إعَادَةِ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِرَفْعِ الْحَدَثِ عَنْهَا ط. أَقُولُ: لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يُسَنُّ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ، وَنَظِيرُهُ مَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ مِنْ أَنَّهُ يُسَنُّ إعَادَةُ غَسْلِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ غَسْلِ الذِّرَاعَيْنِ. (قَوْلُهُ: ثَلَاثًا) الْأُولَى فَرْضٌ وَالثِّنْتَانِ سُنَّتَانِ عَلَى الصَّحِيحِ سِرَاجٌ. (قَوْلُهُ: مُسْتَوْعِبًا) أَيْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لِتَحْصُلَ سُنَّةُ التَّثْلِيثِ ط. مَطْلَبٌ فِي تَحْرِيرِ الصَّاعِ وَالْمُدِّ وَالرِّطْلِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ) أَيْ بِالْبَغْدَادِيِّ، وَهِيَ صَاعٌ عِرَاقِيٌّ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، كُلُّ مُدٍّ رِطْلَانِ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَالصَّاعُ الْحِجَازِيُّ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ، وَبِهِ أَخَذَ الصَّاحِبَانِ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، فَالْمُدُّ حِينَئِذٍ رِطْلٌ وَثُلُثٌ، وَالرِّطْلُ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وَقِيلَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ. قُلْت: وَالصَّاعُ الْعِرَاقِيُّ نَحْوُ نِصْفِ مُدٍّ دِمَشْقِيٍّ، فَإِذَا تَوَضَّأَ وَاغْتَسَلَ بِهِ فَقَدْ حَصَّلَ السُّنَّةَ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْمَقْصُودُ إلَخْ) الْأَصْوَبُ حَذْفُ قِيلَ لِمَا فِي الْحِلْيَةِ أَنَّهُ نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ مَا يُجْزِئُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِمِقْدَارٍ. وَمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّ أَدْنَى مَا يَكْفِي الْغُسْلَ صَاعٌ، وَفِي الْوُضُوءِ مُدٌّ لِلْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 الْإِسْرَافِ. وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا إسْرَافَ فِي الْمَاءِ الْجَارِي؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَيَّعٍ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (بَادِئًا بِمَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثُمَّ رَأْسِهِ) عَلَى (بَقِيَّةِ بَدَنِهِ مَعَ دَلْكِهِ) نَدْبًا، وَقِيلَ يُثَنِّي بِالرَّأْسِ، وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالرَّأْسِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَالْأَحَادِيثِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَبِهِ يَضْعُفُ تَصْحِيحُ الدُّرَرِ. (وَصَحَّ نَقْلُ بِلَّةِ عُضْوٍ إلَى) عُضْوٍ (آخَرَ فِيهِ) بِشَرْطِ التَّقَاطُرِ (لَا فِي الْوُضُوءِ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْبَدَنَ كُلَّهُ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ. (وَفُرِضَ) الْغُسْلُ (عِنْدَ) خُرُوجِ (مَنِيٍّ) مِنْ الْعُضْوِ وَإِلَّا فَلَا يُفْرَضُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ (مُنْفَصِلٍ عَنْ مَقَرِّهِ) هُوَ صُلْبُ الرَّجُلِ وَتَرَائِبُ الْمَرْأَةِ، وَمَنِيُّهُ أَبْيَضُ وَمَنِيُّهَا أَصْفَرُ، فَلَوْ اغْتَسَلَتْ فَخَرَجَ مِنْهَا مَنِيٌّ، وَإِنْ مَنِيُّهَا   [رد المحتار] «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ» لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ، بَلْ هُوَ بَيَانُ أَدْنَى الْقَدْرِ الْمَسْنُونِ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: حَتَّى إنَّ مَنْ أَسْبَغَ بِدُونِ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِ زَادَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ طِبَاعَ النَّاسِ وَأَحْوَالَهُمْ مُخْتَلِفَةٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ اهـ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْإِمْدَادِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْجَوَاهِرِ إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ مُسْتَوْفًى. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْأَيْسَرِ) أَيْ ثَلَاثًا أَيْضًا، وَقَوْلُهُ ثُمَّ بِرَأْسِهِ: أَيْ يَغْسِلُهُ مَعَ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ ثَلَاثًا أَيْضًا كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَغَيْرِهَا، خِلَافًا لِمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمَتْنِ مِنْ غَسْلِهِ الرَّأْسَ وَحْدَهُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ عَلَى بَقِيَّةِ بَدَنِهِ) أَيْ ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى بَقِيَّةِ بَدَنِهِ، وَإِنَّمَا قَدَّرَ الشَّارِحُ لَفْظَةَ عَلَى وَلَمْ يُبْقِهِ مَعْطُوفًا عَلَى مَجْرُورِ الْبَاءِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِقَوْلِهِ بَادِئًا لِعَدَمِ صِحَّةِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِتَامٌ. (قَوْلُهُ: مَعَ دَلْكِهِ) قَيَّدَهُ فِي الْمُنْيَةِ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى، وَعَلَّلَهُ فِي الْحِلْيَةِ بِكَوْنِهَا سَابِقَةً فِي الْوُجُودِ فَهِيَ بِالدَّلْكِ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: نَدْبًا) عَدَّهُ فِي الْإِمْدَادِ مِنْ السُّنَنِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُثَنِّي بِالرَّأْسِ) أَيْ يَبْدَأُ بِالْأَيْمَنِ ثَلَاثًا ثُمَّ بِالرَّأْسِ ثَلَاثًا ثُمَّ بِالْأَيْسَرِ ثَلَاثًا. حِلْيَةٌ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالرَّأْسِ) أَيْ ثُمَّ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ، دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ) كَذَا عَبَّرَ فِي النَّهْرِ، وَاَلَّذِي فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ التَّعْبِيرُ بِظَاهِرِ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَحَادِيثِ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَفِي شَرْحِ الْبُرْجَنْدِيِّ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِعِدَّةِ أَحَادِيثَ أَوْرَدَهَا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ اهـ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: تَصْحِيحُ الدُّرَرِ) هُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَتْنِهِ هُنَا. (قَوْلُهُ: وَصَحَّ نَقْلُ بَلَّةُ) بِكَسْرِ الْبَاءِ أَبُو السُّعُودِ. (قَوْلُهُ: إلَى عُضْوٍ آخَرَ) مُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ اتَّحَدَ الْعُضْوُ صَحَّ فِي الْوُضُوءِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ. (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ فِي الْغُسْلِ. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: فَلَوْ وَضَعَ الْجُنُبُ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى فِي الْغُسْلِ تَطْهُرُ السُّفْلَى بِمَاءِ الْعُلْيَا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ فِي الْجَنَابَةِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ التَّقَاطُرِ) صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْغُسْلِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ صَحَّ وَلِقَوْلِهِ لَا فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ لَيْسَتْ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ فَافْهَمْ. قَالَ ط: وَقَدَّمَ الشَّارِحُ أَنَّهُ يَجُوزُ مَسْحُ الرَّأْسِ بِبَلَلٍ بَاقٍ بَعْدَ غُسْلٍ لَا مَسْحٍ وَهُوَ لَيْسَ بِنَقْلٍ. (قَوْلُهُ: وَفُرِضَ الْغُسْلُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْفَرْضِ مَا يَعُمُّ الْعِلْمِيَّ وَالْعَمَلِيَّ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ رُؤْيَةِ مُسْتَيْقِظٍ بَلَلًا لَيْسَ مِمَّا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْحِلْيَةِ؛ وَلِذَا خَالَفَ فِيهِ أَبُو يُوسُفَ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: عِنْدَ خُرُوجِ) لَمْ يَقُلْ بِخُرُوجِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ مَا لَا يَحِلُّ مَعَ الْجَنَابَةِ كَمَا اخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي قَوْلِهِ وَعِنْدَ انْقِطَاعِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ، وَلَوْ قَالَ وَبَعْدَ خُرُوجٍ لَكَانَ أَظْهَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ قَبْلَ السَّبَبِ. (قَوْلُهُ: مَنِيٍّ) أَيْ مَنِيِّ الْخَارِجِ مِنْهُ، الْخِلَافُ مَا لَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَرْأَةِ مَنِيُّ الرَّجُلِ كَمَا يَأْتِي، وَشَمِلَ مَا يَكُونُ بِهِ بُلُوغُ الْمُرَاهِقِ عَلَى مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْعُضْوِ) هُوَ ذَكَرُ الرَّجُلِ وَفَرْجُ الْمَرْأَةِ الدَّاخِلُ احْتِرَازًا عَنْ خُرُوجِهِ مِنْ مَقَرِّهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْعُضْوِ بِأَنْ بَقِيَ فِي قَصَبَةِ الذَّكَرِ أَوْ الْفَرْجِ الدَّاخِلِ، أَمَّا لَوْ خَرَجَ مِنْ جُرْحٍ فِي الْخُصْيَةِ بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَنْ مَقَرِّهِ بِشَهْوَةٍ فَالظَّاهِرُ افْتِرَاضُ الْغُسْلِ. وَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: وَتَرَائِبُ الْمَرْأَةِ) أَيْ عِظَامُ صَدْرِهَا كَمَا فِي الْكَشَّافِ. (قَوْلُهُ: وَمَنِيُّهُ أَبْيَضُ إلَخْ) وَأَيْضًا مَنِيُّهُ خَاثِرٌ وَمَنِيُّهَا رَقِيقٌ. (قَوْلُهُ: إنْ مَنِيُّهَا) أَيْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 أَعَادَتْ الْغُسْلَ لَا الصَّلَاةَ وَإِلَّا لَا (بِشَهْوَةٍ) أَيْ لَذَّةٍ وَلَوْ حُكْمًا كَمُحْتَلِمٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّفْقَ لِيَشْمَلَ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الدَّفْقَ فِيهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَأَمَّا إسْنَادُهُ إلَيْهِ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6] الْآيَةَ، فَيَحْتَمِلُ التَّغْلِيبَ فَالْمُسْتَدِلُّ بِهَا كالقهستاني تَبَعًا لِأَخِي جَلَبِي غَيْرُ مُصِيبٍ تَأَمَّلْ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِلثَّانِي وَلِذَا قَالَ (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ) مِنْ رَأْسِ الذَّكَرِ (بِهَا) وَشَرَطَهُ أَبُو يُوسُفَ، وَبِقَوْلِهِ يُفْتَى فِي ضَيْفٍ خَافَ رِيبَةً أَوْ اسْتَحَى كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ والتتارخانية مَعْزِيًّا لِلنَّوَازِلِ: وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ نَأْخُذُ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قُلْت   [رد المحتار] يَقِينًا، فَلَوْ شَكَّتْ فِيهِ فَلَا تُعِيدُ الْغُسْلَ اتِّفَاقًا لِلِاحْتِمَالِ وَالْأَوْلَى الْإِعَادَةُ عَلَى قَوْلِهِمَا احْتِيَاطًا نُوحٌ أَفَنْدِي. (قَوْلُهُ: لَا الصَّلَاةَ) كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ لَا يُعِيدُ مَا صَلَّى إذَا خَرَجَ مِنْهُ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ بَعْدَ الْغُسْلِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْفَتْحِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْمُبْتَغِي: بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ، يَعْنِي أَنَّهَا تُعِيدُ تِلْكَ الصَّلَاةَ، وَفِي نَظَرٍ ظَاهِرٍ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ كَذَا فِي الْحِلْيَةِ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ. وَأَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ بِحَمْلِ قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ عَلَى أَنَّهَا لَا تُعِيدُ أَصْلًا أَيْ لَا الْغُسْلَ وَلَا الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَاءُ الرَّجُلِ اهـ. أَقُولُ: أَيْ إذَا لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ مَاؤُهَا. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنِيَّهَا بَلْ مَنِيُّ الرَّجُلِ لَا تُعِيدُ شَيْئًا وَعَلَيْهَا الْوُضُوءُ رَمْلِيٌّ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ: بِشَهْوَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ مُنْفَصِلٍ، اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ انْفَصَلَ بِضَرْبٍ أَوْ حَمْلٍ ثَقِيلٍ عَلَى ظَهْرِهِ، فَلَا غُسْلَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَمَا فِي الدُّرَرِ. (قَوْلُهُ: كَمُحْتَلِمٍ) فَإِنَّهُ لَا لَذَّةَ لَهُ يَقِينًا لِفَقْدِ إدْرَاكِهِ ط فَتَأَمَّلْ. وَقَالَ الرَّحْمَتِيُّ: أَيْ إذَا رَأَى الْبَلَلَ وَلَمْ يُدْرِكْ اللَّذَّةَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّهُ أَدْرَكَهَا ثُمَّ ذَهِلَ عَنْهَا فَجُعِلَتْ اللَّذَّةُ حَاصِلَةً حُكْمًا. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّفْقَ) إشَارَةٌ إلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْكَنْزِ حَيْثُ ذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ فِي الْبَحْرِ زَيَّفَ كَلَامَهُ وَجَعَلَهُ مُتَنَاقِضًا، وَقَدْ أَجَبْنَا عَنْهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ الدَّفْقِ هُوَ سُرْعَةُ الصَّبِّ مِنْ رَأْسِ الذَّكَرِ لَا مِنْ مَقَرِّهِ. وَأَمَّا مَا أَجَابَ بِهِ فِي النَّهْرِ عَنْ الْكَنْزِ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ كَوْنُهُ دَافِقًا مِنْ مَقَرِّهِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَطِيَّةَ إنَّ الْمَاءَ يَكُونُ دَافِقًا أَيْ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ يَدْفُقُ بَعْضًا، فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ النَّهْرِ نَفْسُهُ: إنِّي لَمْ أَرَ مَنْ عَرَّجَ عَلَيْهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: غَيْرُ ظَاهِرٍ) أَيْ لِاتِّسَاعِ مَحَلِّهِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إسْنَادُهُ إلَخْ) أَيْ إسْنَادُ الدَّفْقِ إلَى مَنِيِّ الْمَرْأَةِ أَيْضًا أَيْ كَإِسْنَادِهِ إلَى مَنِيِّ الرَّجُلِ. (قَوْلُهُ: فَيَحْتَمِلُ التَّغْلِيبَ) أَيْ تَغْلِيبَ مَاءِ الرَّجُلِ لِأَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى مَاءِ الْمَرْأَةِ. (قَوْلُهُ: فَالْمُسْتَدِلُّ بِهَا) أَيْ بِالْآيَةِ عَلَى أَنَّ فِي مَنِيِّهَا دَفْقًا أَيْضًا. (قَوْلُهُ: تَأَمَّلْ) لَعَلَّهُ يُشِيرُ إلَى إمْكَانِ الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الدَّفْقِ مِنْهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ يُشْعِرُ بِأَنَّ فِيهِ دَفْقًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَالرَّجُلِ، أَفَادَهُ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِيَشْمَلَ، وَالضَّمِيرُ لِلدَّفْقِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلِذَا قَالَ إلَخْ) أَيْ لِكَوْنِ الدَّفْقِ لَيْسَ شَرْطًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِهَا: أَيْ بِشَهْوَةٍ، فَإِنَّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْخُرُوجِ بِهَا مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الدَّفْقِ إذْ لَا يُوجَدُ الدَّفْقُ بِدُونِهَا. (قَوْلُهُ: وَشَرَطَهُ أَبُو يُوسُفَ) أَيْ شَرَطَ الدَّفْقَ، وَأَثَرُ الْخِلَافِ يَظْهَرُ فِيمَا لَوْ احْتَلَمَ أَوْ نَظَرَ بِشَهْوَةٍ فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ حَتَّى سَكَنَتْ شَهْوَتُهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَأَنْزَلَ وَجَبَ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ، وَكَذَا لَوْ خَرَجَ مِنْهُ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ بَعْدَ الْغُسْلِ قَبْلَ النَّوْمِ أَوْ الْبَوْلِ أَوْ الْمَشْيِ الْكَثِيرِ نَهْرٌ أَيْ لَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ وَالْبَوْلَ وَالْمَشْيَ يَقْطَعُ مَادَّةَ الزَّائِلِ عَنْ مَكَانِهِ بِشَهْوَةٍ فَيَكُونُ الثَّانِي زَائِلًا عَنْ مَكَانِهِ بِلَا شَهْوَةٍ فَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ اتِّفَاقًا زَيْلَعِيٌّ، وَأَطْلَقَ الْمَشْيَ كَثِيرٌ، وَقَيَّدَهُ فِي الْمُجْتَبَى بِالْكَثِيرِ وَهُوَ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الْخُطْوَةَ وَالْخُطْوَتَيْنِ لَا يَكُونُ مِنْهُمَا ذَلِكَ حِلْيَةٌ وَبَحْرٌ. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: وَفِي خَاطِرِي أَنَّهُ عُيِّنَ لَهُ أَرْبَعُونَ خُطْوَةً فَلْيُنْظَرْ. اهـ. (قَوْلُهُ: خَافَ رِيبَةً) أَيْ تُهْمَةً. (قَوْلُهُ: وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ نَأْخُذُ) أَيْ فِي الضَّيْفِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْفَقِيهَ أَبَا اللَّيْثِ وَخَلَفَ بْنَ أَيُّوبَ أَخَذَا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ إسْمَاعِيلَ. (قَوْلُهُ: قُلْت إلَخْ) ظَاهِرُهُ الْمَيْلُ إلَى اخْتِيَارِ مَا فِي النَّوَازِلِ، وَلَكِنْ أَكْثَرُ الْكُتُبِ عَلَى خِلَافِهِ حَتَّى الْبَحْرُ وَالنَّهْرُ، وَلَا سِيَّمَا قَدْ ذَكَرُوا أَنَّ قَوْلَهُ قِيَاسٌ وَقَوْلَهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَأَنَّهُ الْأَحْوَطُ، فَيَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِهِ فِي مَوَاضِعِ الضَّرُورَةِ فَقَطْ تَأَمَّلْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 وَلَا سِيَّمَا فِي الشِّتَاءِ وَالسَّفَرِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: خَرَجَ مَنِيٌّ بَعْدَ الْبَوْلِ وَذَكَرُهُ مُنْتَشِرٌ لَزِمَهُ الْغُسْلُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمَحَلُّهُ إنْ وَجَدَ الشَّهْوَةَ، وَهُوَ تَقْيِيدُ قَوْلِهِمْ بِعَدَمِ الْغُسْلِ بِخُرُوجِهِ بَعْدِ الْبَوْلِ. (وَ) عِنْدَ (إيلَاجِ حَشَفَةِ) هِيَ مَا فَوْقَ الْخِتَانِ (آدَمِيٍّ) احْتِرَازٌ عَنْ الْجِنِّيِّ يَعْنِي إذَا لَمْ تَنْزِلْ وَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهَا فِي صُورَةِ الْآدَمِيِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ (أَوْ) إيلَاجُ (قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا) وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ   [رد المحتار] وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلِ عَنْ الْمَنْصُورِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ: يُؤْخَذُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي صَلَوَاتٍ مَاضِيَةٍ فَلَا تُعَادُ، وَفِي مُسْتَقْبَلَةٍ لَا يُصَلِّي مَا لَمْ يَغْتَسِلْ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] إذَا لَمْ يَتَدَارَكْ مَسْكَ ذَكَرِهِ حَتَّى نَزَلَ الْمَنِيُّ صَارَ جُنُبًا بِالِاتِّفَاقِ، فَإِذَا خَشِيَ الرِّيبَةَ يَتَسَتَّرُ بِإِيهَامِ أَنَّهُ يُصَلِّي بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَنِيَّةٍ وَتَحْرِيمَةٍ فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقُومُ وَيَرْكَعُ شِبْهَ الْمُصَلِّي إمْدَادٌ. (قَوْلُهُ: وَمَحْمَلُهُ) أَيْ مَا فِي الْخَانِيَّةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُهُ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ فِي حَالَةِ الِانْتِشَارِ وَجَدَ الْخُرُوجَ وَالِانْفِصَالَ جَمِيعًا عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ اهـ: وَعِبَارَةُ الْمُحِيطِ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ: رَجُلٌ بَالَ فَخَرَجَ مِنْ ذَكَرِهِ مَنِيٌّ، إنْ كَانَ مُنْتَشِرًا فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلَالَةُ خُرُوجِهِ عَنْ شَهْوَةٍ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ مَا فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: تَقْيِيدُ قَوْلِهِمْ) أَيْ فَيُقَالُ إنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِخُرُوجِهِ بَعْدَ الْبَوْلِ اتِّفَاقًا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَكَرُهُ مُنْتَشِرًا فَلَوْ مُنْتَشِرًا وَجَبَ؛ لِأَنَّهُ إنْزَالٌ جَدِيدٌ وُجِدَ مَعَهُ الدَّفْقُ وَالشَّهْوَةُ. أَقُولُ: وَكَذَا يُقَيَّدُ عَدَمُ وُجُوبِهِ بِعَدَمِ النَّوْمِ وَالْمَشْيِ الْكَثِيرِ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ إيلَاجِ) أَيْ إدْخَالِ، وَهَذَا أَعْلَمُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ لِشُمُولِهِ الدُّبُرَ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: هِيَ مَا فَوْقَ الْخِتَانِ) كَذَا فِي الْقَامُوسِ، زَادَ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ رَأْسِ الذَّكَرِ: وَفِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي: هِيَ رَأْسُ الذَّكَرِ إلَى الْخِتَانِ، وَهُوَ: أَيْ الْخِتَانُ مَوْضِعُ قَطْعِ جِلْدِ الْقُلْفَةِ. اهـ. فَمَوْضِعُ الْقَطْعِ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْحَشَفَةِ كَمَا شَرَحَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ، وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْحَشَفَةُ الْكَمَرَةُ. أَقُولُ: هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِمَا فَوْقَ الْخِتَانِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمُرَادِ بِهَا مِنْ رَأْسِ الذَّكَرِ إلَى الْخِتَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَحْوُ نِصْفِ الذَّكَرِ، فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَجِبَ الْغُسْلُ حَتَّى يَغِيبَ نِصْفُ الذَّكَرِ. (قَوْلُهُ: احْتِرَازٌ عَنْ الْجِنِّيِّ) فَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَتْ مَعِي جِنِّيٌّ يَأْتِينِي مِرَارًا وَأَجِدُ مَا أَجِدُ إذَا جَامَعَنِي زَوْجِي لَا غُسْلَ عَلَيْهَا لِانْعِدَامِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْإِيلَاجُ أَوْ الِاحْتِلَامُ دُرَرٌ: وَوَقَعَ فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِمَا يَأْتِينِي فِي النَّوْمِ مِرَارًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ رُؤْيَةُ مَنَامٍ، لَكِنْ ضَبَطَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ لَا بِالنُّونِ. أَقُولُ: يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْحِلْيَةِ: هَذَا إذَا كَانَ وَاقِعًا فِي الْيَقَظَةِ، فَلَوْ فِي الْمَنَامِ فَلَا شَكَّ أَنَّ لَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ مَا لِلِاحْتِلَامِ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي إذَا لَمْ تَنْزِلْ) قَيَّدَ بِهِ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَرَ الْمَاءَ، فَإِنْ رَأَتْهُ صَرِيحًا وَجَبَ كَأَنَّهُ احْتِلَامٌ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي وُجُوبُ الْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ لِوُجُودِ الْإِيلَاجِ؛ لِأَنَّهَا تَعْرِفُ أَنَّهُ يُجَامِعُهَا كَمَا لَا يَخْفَى اهـ: أَقُولُ إنْ كَانَ هَذَا مَنَامًا فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِلَّا فَإِنْ ظَهَرَ لَهَا بِصُورَةِ آدَمِيٍّ فَهُوَ الْبَحْثُ الْآتِي وَإِلَّا فَهُوَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ، وَالْمَنْقُولُ فِيهَا عَدَمُ الْوُجُوبِ لِعَدَمِ سَبَبِهِ كَمَا عَلِمْت، وَالْبَحْثُ فِي الْمَنْقُولِ غَيْرُ مَقْبُولٍ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهَا إلَخْ) وَهُوَ بَحْثٌ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ صَاحِبُ الْحِلْيَةِ، لَكِنَّهُ تَرَدَّدَ فِيهِ فَقَالَ: أَمَّا إذَا ظَهَرَ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ وَكَذَا إذَا ظَهَرَ لِلرَّجُلِ جِنِّيَّةٌ فِي صُورَةِ آدَمِيَّةٍ فَوَطِئَهَا وَجَبَ الْغُسْلُ لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ الصُّورِيَّةِ الْمُفِيدَةِ لِكَمَالِ السَّبَبِيَّةِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ لَمْ تُوجَدْ بَيْنَهُمَا مُبَايَنَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَمِنْ ثَمَّ عَلَّلَ بِهِ بَعْضُهُمْ حُرْمَةَ التَّنَاكُحِ بَيْنَهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْغُسْلُ إلَّا بِالْإِنْزَالِ كَمَا فِي الْبَهِيمَةِ وَالْمَيْتَةِ، نَعَمْ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا بَعْدَ الْوَطْءِ وَجَبَ الْغُسْلُ فِيمَا يَظْهَرُ لِانْتِفَاءِ مَا يُفِيدُ قُصُورَ السَّبَبِيَّةِ. (قَوْلُهُ: مِنْ مَقْطُوعِهَا) أَيْ مِنْ ذَكَرٍ مَقْطُوعِ الْحَشَفَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 قَدْرُهَا. قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ، لَمْ أَرَهُ (فِي أَحَدِ سَبِيلَيْ آدَمِيٍّ) حَيٍّ (يُجَامَعُ مِثْلُهُ) سَيَجِيءُ مُحْتَرَزُهُ (عَلَيْهِمَا) أَيْ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ (لَوْ) كَانَ (مُكَلَّفَيْنِ) وَلَوْ أَحَدُهُمَا مُكَلَّفًا فَعَلَيْهِ فَقَطْ دُونَ الْمُرَاهِقِ، لَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى يَغْتَسِلَ، وَيُؤْمَرُ بِهِ ابْنُ عَشْرٍ تَأْدِيبًا (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يُنْزِلْ) مَنِيًّا بِالْإِجْمَاعِ، يَعْنِي لَوْ فِي دُبُرِ غَيْرِهِ، أَمَّا فِي دُبُرِ نَفْسِهِ فَرَجَّحَ فِي النَّهْرِ عَدَمَ الْوُجُوبِ إلَّا بِالْإِنْزَالِ: وَلَا يَرِدُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَإِنَّهُ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ بِإِيلَاجِهِ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ وَلَا عَلَى مَنْ جَامَعَهُ إلَّا بِالْإِنْزَالِ؛   [رد المحتار] بَقِيَ لَوْ كَانَ مَقْطُوعَ الْبَعْضِ مِنْهَا هَلْ يُنَاطُ الْحُكْمُ بِالْبَاقِي مِنْهَا أَمْ يُقَدِّرُ مِنْ الذَّكَرِ قَدْرَ مَا ذَهَبَ مِنْهَا كَمَا يُقَدِّرُ مِنْهُ لَوْ كَانَ الذَّاهِبُ كُلَّهَا لَمْ أَرَهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ إلَخْ) جَوَابُ لَوْ وَعِبَارَتُهُ فِي أَحْكَامِ غَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ مِنْ الْفَنِّ الثَّانِي: وَإِنْ لَمْ يَبْقَ قَدْرُهَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ وَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ لِكَوْنِهَا كُلِّيَّةً وَلَمْ أَرَهُ الْآنَ. اهـ. وَنَقَلَ ط عَنْ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ التَّقْيِيدِ بِقَدْرِهَا أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ حُكْمٌ وَيُفْتَى بِهِ عِنْدَ السُّؤَالِ. اهـ. أَيْ لِأَنَّ مَفَاهِيمَ الْكُتُبِ مُعْتَبَرَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: آدَمِيٍّ) احْتِرَازٌ عَنْ الْبَهِيمَةِ كَمَا يَأْتِي، وَعَنْ الْجِنِّيَّةِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: سَيَجِيءُ مُحْتَرَزُهُ) أَيْ مُحْتَرَزُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقُيُودِ الثَّلَاثَةِ. (قَوْلُهُ: مُكَلَّفَيْنِ) أَيْ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَحَدُهُمَا إلَخْ) لَكِنْ لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُكَلَّفَةَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ مِمَّنْ يَشْتَهِي وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَيْضًا كَمَا يَأْتِي فِي الشَّرْحِ. (قَوْلُهُ: تَأْدِيبًا) فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا يُؤْمَرُ بِهِ اعْتِيَادًا وَتَخَلُّقًا كَمَا يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ. وَفِي الْقُنْيَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَطِئَ صَبِيَّةً يُجَامَعُ مِثْلُهَا يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرَ جَبْرَهَا وَتَأْدِيبَهَا عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الرَّازِيّ: تُضْرَبُ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَبِهِ نَقُولُ، وَكَذَا الْغُلَامُ الْمُرَاهِقُ يُضْرَبُ عَلَى الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِالْإِجْمَاعِ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ، أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ» وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» فَمَنْسُوخٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَوُجُوبُهُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ فِي الدُّبُرِ بِالْقِيَاسِ احْتِيَاطًا، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ فِي أَحَدِ سَبِيلَيْ آدَمِيٍّ فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِدُبُرِ نَفْسِ الْمُولِجِ. (قَوْلُهُ: فَرَجَّحَ فِي النَّهْرِ إلَخْ) هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا فِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ عَدَمُ الْوُجُوبِ إلَّا بِالْإِنْزَالِ؛ إذْ هُوَ أَوْلَى مِنْ الصَّغِيرَةِ وَالْمَيْتَةِ فِي قُصُورِ الدَّاعِي، وَعُرِفَ بِهَذَا عَدَمُ الْوُجُوبِ بِإِيلَاجِ الْإِصْبَعِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُرَدُّ) أَيْ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْحَشَفَةُ وَأَحَدُ السَّبِيلَيْنِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ لِجَوَازِ كَوْنِهِ امْرَأَةً، وَهَذَا الذَّكَرُ مِنْهُ زَائِدٌ فَيَكُونُ كَالْإِصْبَعِ وَأَنْ يَكُونَ رَجُلًا فَفَرْجُهُ كَالْجُرْحِ فَلَا يَجِبُ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ الْغُسْلُ بِمُجَرَّدِهِ: قُلْت: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مُعَامَلَةُ الْخُنْثَى بِالْأَضَرِّ فِي أَحْوَالِهِ، وَعَلَيْهِ يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ إمْدَادٌ. أَقُولُ: سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ هَذَا الْإِشْكَالَ آخِرَ الْكِتَابِ فِي كِتَابِ الْخُنْثَى وَسَنُوَضِّحُ الْجَوَابَ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَكَرْنَاهُ هُنَا فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى مَنْ جَامَعَهُ) أَيْ فِي قُبُلِهِ، فَلَوْ جَامَعَهُ رَجُلٌ فِي دُبُرِهِ وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَيْهِمَا كَمَا أَفَادَهُ ط أَيْ لِعَدَمِ الْإِشْكَالِ فِي الدُّبُرِ، وَكَذَا لَا إشْكَالَ فِيمَا لَوْ جَامَعَ وَجُومِعَ لِتَحَقُّقِ جَنَابَتِهِ بِأَحَدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي حَشَفَةٍ وَسَبِيلَيْنِ مُحَقَّقَيْنِ. (وَ) عِنْدَ (رُؤْيَةِ مُسْتَيْقِظٍ) خَرَجَ رُؤْيَةُ السَّكْرَانِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ الْمَذْيَ مَنِيًّا أَوْ مَذْيًا (وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ الِاحْتِلَامَ) إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَذْيٌ أَوْ شَكَّ أَنَّهُ مَذْيٌ أَوْ وَدْيٌ أَوْ كَانَ ذَكَرُهُ مُنْتَشِرًا قُبَيْلَ النَّوْمِ فَلَا غُسْلَ   [رد المحتار] الْفِعْلَيْنِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْكَلَامَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَلَا يُرَدُّ. (قَوْلُهُ: وَسَبِيلَيْنِ) أَيْ وَأَحَدُ سَبِيلَيْنِ، فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمَتْنِ السَّابِقِ؛ وَلِهَذَا قَالَ مُحَقَّقَيْنِ أَيْ الْحَشَفَةِ وَأَحَدِ السَّبِيلَيْنِ فَافْهَمْ، وَالْأَحْسَنُ إبْدَالُ السَّبِيلَيْنِ بِالْقُبُلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّ السَّبِيلَ يَشْمَلُ الدُّبُرَ، وَهُوَ مِنْ الْخُنْثَى مُحَقَّقٌ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ رُؤْيَةِ مُسْتَيْقِظٍ) أَيْ بِفَخِذِهِ أَوْ ثَوْبِهِ بَحْرٌ، وَالْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ لِيَشْمَلَ الْأَعْمَى، وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (قَوْلُهُ: خَرَجَ رُؤْيَةُ السَّكْرَانِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ الْمَذْيَ) أَيْ بَعْدَ إفَاقَتِهِمَا بَحْرٌ. وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّوْمَ مَظِنَّةُ الِاحْتِلَامِ فَيُحَالُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَنِيٌّ رَقَّ بِالْهَوَاءِ أَوْ لِلْغِذَاءِ فَاعْتَبَرْنَاهُ مَنِيًّا احْتِيَاطًا، وَلَا كَذَلِكَ السَّكْرَانُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِمَا هَذَا السَّبَبُ بَحْرٌ، وَقَوْلُهُ الْمَذْيُ مَفْعُولُ رُؤْيَةٍ وَهُمَا مَوْجُودَانِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا بُدَّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ بِرُؤْيَةِ الْمَنِيِّ يَجِبُ الْغُسْلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ ط: وَأَشَارَ بِهِ أَيْ بِالتَّقْيِيدِ بِالْمَذْيِ إلَى أَنَّ فِي مَفْهُومِ الْمُسْتَيْقِظِ تَفْصِيلًا، وَأَمَّا أَحْسَنُ مَا صُنِعَ وَلَا تَكَلُّفَ فِيهِ اهـ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: مَنِيًّا أَوْ مَذْيًا) اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَجْهًا؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ أَوْ وَدْيٌ أَوْ شَكَّ فِي الْأَوَّلَيْنِ أَوْ فِي الطَّرَفَيْنِ أَوْ فِي الْأَخِيرَيْنِ أَوْ فِي الثَّلَاثَةِ، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ احْتِلَامًا أَوْ لَا فَيَجِبُ الْغُسْلُ اتِّفَاقًا فِي سَبْعِ صُوَرٍ مِنْهَا وَهِيَ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَذْيٌ، أَوْ شَكَّ فِي الْأَوَّلَيْنِ أَوْ فِي الطَّرَفَيْنِ أَوْ فِي الْأَخِيرَيْنِ أَوْ فِي الثَّلَاثَةِ مَعَ تَذَكُّرِ الِاحْتِلَامِ فِيهَا، أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنِيٌّ مُطْلَقًا، وَلَا يَجِبُ اتِّفَاقًا فِيمَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ وَدْيٌ مُطْلَقًا، وَفِيمَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَذْيٌ أَوْ شَكَّ فِي الْأَخِيرَيْنِ مَعَ عَدَمِ تَذَكُّرِ الِاحْتِلَامِ؛ وَيَجِبُ عِنْدَهُمَا فِيمَا إذَا شَكَّ فِي الْأَوَّلَيْنِ أَوْ فِي الطَّرَفَيْنِ أَوْ فِي الثَّلَاثَةِ احْتِيَاطًا، وَلَا يَجِبُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلشَّكِّ فِي وُجُودِ الْمُوجِبِ، وَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ ذَكَرَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ صُورَةً وَزِدْت الشَّكَّ فِي الثَّلَاثَةِ تَذَكَّرْ أَوَّلًا أَخْذًا مِنْ عِبَارَتِهِ. اهـ. ح. أَقُولُ: إذَا عَرَفَتْ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ الصُّوَرِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَا سَكَتَ عَنْهُ مُخَالِفًا فِي الْحُكْمِ لِمَا ذَكَرَهُ كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ، نَعَمْ قَوْلُهُ أَوْ مَذْيًا يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَذْيٌ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ احْتِلَامًا يَجِبُ الْغُسْلُ وَقَدْ عَلِمْت خِلَافَهُ. وَعِبَارَةُ النُّقَايَةِ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَأَشَارَ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى الْجَوَابِ حَيْثُ فَسَّرَ قَوْلَهُ أَوْ مَذْيًا بِقَوْلِهِ أَيْ شَيْئًا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ؛ لِأَنَّا لَا نُوجِبُ الْغُسْلَ بِالْمَذْيِ أَصْلًا بَلْ بِالْمَنِيِّ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَرِقُّ بِإِطَالَةِ الزَّمَانِ، فَالْمُرَادُ مَا صُورَتُهُ صُورَةُ الْمَذْيِ لَا حَقِيقَتُهُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ اهـ فَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ الِاحْتِلَامَ) مِنْ الْحُلْمِ بِالضَّمِّ وَالسُّكُونِ لِمَا يَرَاهُ النَّائِمُ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى مَا يَرَاهُ مِنْ الْجِمَاعِ نَهْرٌ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ اخْتَلَفَ، الْوَاوُ فِي نَظِيرِ هَذَا التَّرْكِيبِ، فَقِيلَ إنَّهَا لِلْحَالِ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ الِاحْتِلَامَ يَجِبُ الْغُسْلُ، وَيُفْهَمُ وُجُوبُهُ إذَا تَذَكَّرَ بِالْأَوْلَى، وَقِيلَ لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ: أَيْ إنْ تَذَكَّرَ وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا عَلِمَ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ مَذْيًا مَعَ تَقْيِيدِهِ لِعَدَمِ تَذَكُّرِ الِاحْتِلَامِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَنْطُوقُ، سَوَاءٌ جُعِلَتْ الْوَاوُ لِلْحَالِ أَوْ لِلْعَطْفِ، لَكِنْ عَلَى جَعْلِهَا لِلْحَالِ أَظْهَرُ، إذْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ، وَلَوْ جُعِلَتْ لِلْعَطْفِ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَفْرُوضٌ عَلَى عَدَمِ التَّذَكُّرِ الْمَنْطُوقِ، وَمَعَ التَّذَكُّرِ الْمُقَدَّرِ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ الْآتِي اتِّفَاقًا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّارِحَ قَدْ أَصْلَحَ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ أَوْ مَذْيًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ رَأَى مَذْيًا حَقِيقَةً بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَذْيٌ، أَوْ أَنَّهُ رَأَى مَذْيًا صُورَةً بِأَنْ رَأَى بَلَلًا وَشَكَّ فِي أَنَّهُ مَذْيٌ أَوْ وَدْيٌ، أَوْ شَكَّ أَنَّهُ مَذْيٌ أَوْ مَنِيٌّ، فَاسْتَثْنَى مَا عَدَا الْأَخِيرَ وَصَارَ قَوْلُهُ أَوْ مَذْيًا مَفْرُوضًا فِيمَا إذَا شَكَّ أَنَّهُ مَذْيٌ أَوْ مَنِيٌّ فَقَطْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَهَذِهِ الصُّورَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كَالْوَدْيِ، لَكِنْ فِي الْجَوَاهِرِ إلَّا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ تَذَكَّرَ حُلْمًا فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ (لَا) يُفْتَرَضُ (إنْ تَذَكَّرَ وَلَوْ مَعَ اللَّذَّةِ) وَالْإِنْزَالِ (وَلَمْ يَرَ) عَلَى رَأْسِ الذَّكَرِ (بَلَلًا) إجْمَاعًا (وَكَذَا الْمَرْأَةُ) مِثْلُ الرَّجُلِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَوْ وُجِدَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَاءٌ وَلَا مُمَيِّزَ وَلَا تَذَكُّرَ وَلَا نَامَ قَبْلَهُمَا غَيْرُهُمَا اغْتَسَلَا. (أَوْلَجَ حَشَفَتَهُ) أَوْ قَدْرَهَا   [رد المحتار] يَجِبُ فِيهَا الْغُسْلُ وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ الِاحْتِلَامَ لَكِنْ بَقِيَتْ هَذِهِ صَادِقَةٌ بِمَا إذَا كَانَ ذَكَرُهُ مُنْتَشِرًا قَبْلَ النَّوْمِ أَوْ لَا، مَعَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُنْتَشِرًا لَا يَجِبُ الْغُسْلُ فَاسْتَثْنَاهُ أَيْضًا، فَصَارَ جُمْلَةُ الْمُسْتَثْنَيَاتِ ثَلَاثَ صُوَرٍ لَا يَجِبُ فِيهَا الْغُسْلُ اتِّفَاقًا مَعَ عَدَمِ تَذَكُّرِ الِاحْتِلَامِ كَمَا قُلْنَا، وَبِهَذَا الْحَلِّ الَّذِي هُوَ مِنْ فَيْضِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ ظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ الْمُتَعَاطِفَاتِ مُرْتَبِطَةٌ بِبَعْضِهَا وَأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِيهَا كُلِّهَا مُتَّصِلٌ، وَلِلَّهِ دَرُّ هَذَا الشَّارِحِ الْفَاضِلِ، فَكَثِيرًا مَا تَخْفَى إشَارَتُهُ عَلَى الْمُعْتَرِضِينَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ الْمَاهِرِينَ، فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: كَالْوَدْيِ) فَإِنَّهُ لَا غُسْلَ فِيهِ اتِّفَاقًا وَإِنْ تَذَكَّرَ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْجَوَاهِرِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ أَطْلَقَ عَدَمَ الْغُسْلِ فِيهَا تَبَعًا لِكَثِيرٍ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِثَلَاثَةِ قُيُودٍ: أَنْ يَكُونَ نَوْمُهُ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا، أَوْ أَنْ لَا يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ، وَأَنْ لَا يَتَذَكَّرَ حُلْمًا، فَإِذَا فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا بِأَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ تَيَقَّنَ أَوْ تَذَكَّرَ وَجَبَ الْغُسْلُ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي فَقَالَ: وَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَوَجَدَ فِي إحْلِيلِهِ بَلَلًا وَلَمْ يَتَذَكَّرْ حُلْمًا، إنْ كَانَ ذَكَرُهُ مُنْتَشِرًا قَبْلَ النَّوْمِ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ سَاكِنًا فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ، هَذَا إذَا نَامَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا، أَمَّا إذْ نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ يَكْثُرُ وُقُوعُهَا وَالنَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِانْتِشَارَ قَبْلَ النَّوْمِ سَبَبٌ لِخُرُوجِ الْمَذْيِ، فَمَا يَرَاهُ يُحْمَلُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ حُلْمًا وَيَعْلَمْ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ يَكُنْ نَامَ مُضْطَجِعًا؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلِاسْتِرْخَاءِ وَالِاسْتِغْرَاقِ فِي النَّوْمِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الِاحْتِلَامِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّهُ رَاجَعَ الذَّخِيرَةَ وَالْمُحِيطَ الْبُرْهَانِيَّ فَلَمْ يَرَ تَقْيِيدَ عَدَمِ الْغُسْلِ بِمَا إذَا نَامَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا، ثُمَّ بَحَثَ وَقَالَ إنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّوْمِ مُضْطَجِعًا غَيْرُ ظَاهِرٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَيَقَّنَ) عَبَّرَ بِهِ تَبَعًا لِلْمُنْيَةِ؛ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْعِلْمِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ غَلَبَةُ الظَّنِّ وَالْعِلْمُ يُطْلَقُ عَلَيْهَا. وَعِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ مَنِيٌّ فَيَلْزَمُهُ الْغُسْلُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَعَ اللَّذَّةِ وَالْإِنْزَالِ) أَيْ مَعَ تَذَكُّرِهِمَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَنْزَلَ؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ بَلَلًا ط. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْمَرْأَةُ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ: لَوْ احْتَلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ يَخْرُجْ الْمَاءُ إلَى ظَهْرِ فَرْجِهَا عَنْ مُحَمَّدٍ يَجِبُ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ مَنِيِّهَا إلَى فَرْجِهَا الْخَارِجِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وُجِدَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الزَّوْجَانِ فِي فِرَاشِهِمَا مَنِيًّا وَلَمْ يَتَذَكَّرَا احْتِلَامًا، فَقِيلَ إنْ كَانَ أَبْيَضَ غَلِيظًا فَمَنِيُّ الرَّجُلِ، وَإِنْ كَانَ أَصْفَرَ رَقِيقًا فَمَنِيُّ الْمَرْأَةِ. وَقَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ لِهَذَا الْقَوْلِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا احْتِيَاطًا، وَعَزَا هَذَا الثَّانِيَ فِي الْحِلْيَةِ إلَى ابْنِ الْفَضْلِ، وَقَالَ: وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ وَالْخُلَاصَةِ، وَاسْتَظْهَرَ فِي الْفَتْحِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، فَقَيَّدَ الْوُجُوبَ عَلَيْهِمَا بِعَدَمِ التَّذَكُّرِ وَعَدَمِ الْمُمَيِّزِ مِنْ غِلَظٍ وَرِقَّةٍ أَوْ بَيَاضٍ وَصُفْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ: فَلَا خِلَافَ إذَنْ، وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْحِلْيَةِ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّ الْمُمَيِّزَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمِزَاجِ وَالْأَغْذِيَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ، وَالِاحْتِيَاطُ هُوَ الْأَوَّلُ. (قَوْلُهُ: وَلَا نَامَ قَبْلَهُمَا غَيْرُهُمَا) ذَكَرَهُ فِي الْحِلْيَةِ بَحْثًا وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ قَالَ: فَلَوْ كَانَ قَدْ نَامَ عَلَيْهِ غَيْرُهُمَا وَكَانَ الْمَنِيُّ الْمَرْئِيُّ يَابِسًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 (مَلْفُوفَةً بِخِرْقَةٍ، إنْ وَجَدَ لَذَّةَ) الْجِمَاعِ (وَجَبَ) الْغُسْلُ (وَإِلَّا لَا) عَلَى الْأَصَحِّ وَالْأَحْوَطُ الْوُجُوبُ. (وَ) عِنْدَ (انْقِطَاعِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ) هَذَا وَمَا قَبْلَهُ الْحُكْمُ إلَى الشَّرْطِ: أَيْ يَجِبُ عِنْدَهُ لَا بِهِ، بَلْ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ أَوْ إرَادَةِ مَا لَا يَحِلُّ كَمَا مَرَّ. (لَا) عِنْدَ (مَذْيٍ أَوْ وَدْيٍ) بَلْ الْوُضُوءُ مِنْهُ وَمِنْ الْبَوْلِ جَمِيعًا عَلَى الظَّاهِرِ   [رد المحتار] تَنْبِيهٌ] التَّقْيِيدُ بِالزَّوْجَيْنِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَمْلِيٌّ عَلَى الْبَحْرِ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ وَلِذَا قَالَ ط: الْأَجْنَبِيُّ وَالْأَجْنَبِيَّةُ كَذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ كَانَا رَجُلَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ، فَالظَّاهِرُ اتِّحَادُ الْحُكْمِ. (قَوْلُهُ: إنْ وَجَدَ لَذَّةَ الْجِمَاعِ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ الْخِرْقَةُ رَقِيقَةً بِحَيْثُ يَجِدُ حَرَارَةَ الْفَرْجِ وَاللَّذَّةَ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ مَا لَمْ يُنْزِلْ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ) وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى مُولِجًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجِبُ بَحْرٌ، وَظَاهِرُ الْقَوْلَيْنِ الْإِطْلَاقُ. (قَوْلُهُ: وَالْأَحْوَطُ الْوُجُوبُ) أَيْ وُجُوبُ الْغُسْلِ فِي الْوَجْهَيْنِ بَحْرٌ وَسِرَاجٌ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اخْتِيَارٌ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلِ عَنْ عُيُونِ الْمَذَاهِبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَغَابَتْ الْحَشَفَةُ وَجَبَ الْغُسْلُ» (قَوْلُهُ: هَذَا إلَخْ) الْإِشَارَةُ إلَى إسْنَادِ فَرْضِيَّةِ الْغُسْلِ إلَى الِانْقِطَاعِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَفَرْضٌ عِنْدَ انْقِطَاعِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَأَرَادَ بِمَا قَبْلَهُ إسْنَادُ الْفَرْضِيَّةِ إلَى خُرُوجِ الْمَنِيِّ وَالْإِيلَاجِ وَرُؤْيَةِ الْمُسْتَيْقِظِ، وَأَرَادَ بِالْإِضَافَةِ الْإِسْنَادَ وَالتَّعْلِيقَ: أَيْ إسْنَادَ فَرْضِيَّةِ الْغُسْلِ إلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَتَعْلِيقُهَا عَلَيْهَا مَجَازٌ مِنْ إسْنَادِ الْحُكْمِ، وَهُوَ هُنَا الْفَرْضِيَّةُ إلَى الشَّرْطِ، وَهُوَ هُنَا هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ وَلَيْسَ مِنْ إسْنَادِ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ. (قَوْلُهُ: أَيْ يَجِبُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ تَحَقُّقِ الِانْقِطَاعِ وَنَحْوِهِ، وَالْمُرَادُ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: بَلْ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ) أَيْ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ، وَقَوْلُهُ أَوْ إرَادَةِ مَا لَا يَحِلُّ: أَيْ عِنْدَ عَدَمِ ضِيقِ الْوَقْتِ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ وُجُوبِ الْغُسْلِ. وَعِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ إرَادَةُ فِعْلِ مَا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ مَعَ الْجَنَابَةِ وَقِيلَ وُجُوبُ مَا لَا يَحِلُّ مَعَهَا. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إرَادَةُ فِعْلِ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهِ عِنْدَ عَدَمِ ضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ عِنْدَ وُجُوبِ مَا لَا يَصِحُّ مَعَهَا، وَذَلِكَ عِنْدَ ضِيقٍ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي إنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْغُسْلِ الصَّلَاةُ أَوْ إرَادَةُ مَا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ مَعَ الْجَنَابَةِ وَالْإِنْزَالِ وَالِالْتِقَاءُ شَرْطٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْوُضُوءِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ هُنَاكَ. (قَوْلُهُ: لَا عِنْدَ مَذْيٍ) أَيْ لَا يُفْرَضُ الْغُسْلُ عِنْدَ خُرُوجِ مَذْيٍ كَظَبْيٍ بِمُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ وَيَاءٍ مُخَفَّفَةٍ عَلَى الْأَفْصَحِ، وَفِيهِ الْكَسْرُ مَعَ التَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ، وَقِيلَ هُمَا لَحْنُ مَاءٌ رَقِيقٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ عِنْدَ الشَّهْوَةِ لَا بِهَا، وَهُوَ فِي النِّسَاءِ أَغْلَبُ، قِيلَ هُوَ مِنْهُنَّ يُسَمَّى الْقَذَى بِمَفْتُوحَتَيْنِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ وَدْيٌ) بِمُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ وَيَاءٍ مُخَفَّفَةٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ كَسْرَ الدَّالِ مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ. قَالَ ابْنُ مَكِّيٍّ: لَيْسَ بِصَوَابٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ إنَّهُ الصَّوَابُ وَإِعْجَامُ الدَّالِ شَاذٌّ: مَاءٌ ثَخِينٌ أَبْيَضُ كَدِرٌ يَخْرُجُ عَقِبَ الْبَوْلِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: بَلْ الْوُضُوءُ مِنْهُ إلَخْ) أَيْ بَلْ يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْوَدْيِ وَمِنْ الْبَوْلِ جَمِيعًا، وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الْوُجُوبَ بِالْبَوْلِ السَّابِقِ عَلَى الْوَدْيِ فَكَيْفَ يَجِبُ بِهِ. وَبَيَانُ الْجَوَابِ أَنَّ وُجُوبَهُ بِالْبَوْلِ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ بِالْوَدْيِ بَعْدَهُ، حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ رُعَافٍ فَرَعَفَ ثُمَّ بَالَ أَوْ بِالْعَكْسِ فَتَوَضَّأَ فَالْوُضُوءُ مِنْهُمَا فَيَحْنَثُ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَتْ لَا تَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ فَجُومِعَتْ وَحَاضَتْ فَاغْتَسَلَتْ فَهُوَ مِنْهُمَا، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ بَحْرٌ. وَذَكَرَ أَرْبَعَةَ أَجْوِبَةٍ أُخَرَ: مِنْهَا أَنَّ الْوَدْيَ مَا يَخْرُجُ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ مِنْ الْجِمَاعِ وَبَعْدَ الْبَوْلِ، وَهُوَ شَيْءٌ لَزِجٌ كَذَا فَسَّرَهُ فِي الْخِزَانَةِ وَالتَّبْيِينِ فَالْإِشْكَالُ إنَّمَا يُرَى عَلَى مَنْ اقْتَصَرَ فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى مَا يَخْرُجُ بَعْدَ الْبَوْلِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ إنْ قُلْنَا إنَّ وُجُوبَ الْوُضُوءِ مِنْهُ وَمِنْ الْبَوْلِ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ مَسْأَلَتَيْ الْيَمِينِ السَّابِقَيْنِ وَذَكَرَ الْمُحَقِّقُ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ الْحَدَثِ السَّابِقِ وَأَنَّ السَّبَبَ الثَّانِيَ لَمْ يُوجِبْ شَيْئًا لِاسْتِحَالَةِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ إلَّا إذَا وَقَعَا مَعًا كَأَنْ رَعَفَ وَبَالَ مَعًا قَرَّرَهُ الْآمِدِيُّ، قَالَ وَهُوَ مَعْقُولٌ يَجِبُ قَبُولُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُرْجَانِيِّ مِنْ مَشَايِخِنَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 (وَ) لَا عِنْدَ (إدْخَالِ إصْبَعٍ وَنَحْوِهِ) كَذَكَرِ غَيْرِ آدَمِيٍّ وَذَكَرِ خُنْثَى وَمَيِّتٍ وَصَبِيٍّ لَا يَشْتَهِي وَمَا يُصْنَعُ مِنْ نَحْوِ خَشَبٍ (فِي الدُّبُرِ أَوْ الْقُبُلِ) عَلَى الْمُخْتَارِ (وَ) لَا عِنْدَ (وَطْءِ بَهِيمَةٍ أَوْ مَيْتَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ غَيْرِ مُشْتَهَاةٍ) بِأَنْ تَصِيرَ مُفْضَاةً بِالْوَطْءِ وَإِنْ غَابَتْ الْحَشَفَةُ وَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ، فَلَا يَلْزَمُ إلَّا غَسْلُ الذَّكَرِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ النَّظْمِ، وَسَيَجِيءُ أَنَّ رُطُوبَةَ الْفَرْجِ طَاهِرَةٌ عِنْدَهُ فَتَنَبَّهْ (بِلَا إنْزَالٍ) لِقُصُورِ الشَّهْوَةِ   [رد المحتار] وَالْحَقُّ أَنْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ كَوْنِ الْحَدَثِ بِالْأَوَّلِ فَقَطْ وَبَيْنَ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِنَاؤُهُ عَلَى تَعَدُّدِ الْحَدَثِ بَلْ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعُرْفُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ تَوَضَّأَ بَعْدَ بَوْلٍ وَرُعَافٍ تَوَضَّأَ مِنْهُمَا. (قَوْلُهُ: غَيْرِ آدَمِيٍّ) كَجِنِّيٍّ وَقِرْدٍ وَحِمَارٍ. (قَوْلُهُ: خُنْثَى) أَيْ مُشْكِلٍ. (قَوْلُهُ: وَمَا يُصْنَعُ) أَيْ عَلَى صُورَةِ الذَّكَرِ. (قَوْلُهُ: فِي الدُّبُرِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِدْخَالٍ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُخْتَارِ) قَالَ فِي التَّجْنِيسِ: رَجُلٌ أَدْخَلَ إصْبَعَهُ فِي دُبُرِهِ وَهُوَ صَائِمٌ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ وَالْقَضَاءِ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ وَلَا الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الْإِصْبَعَ لَيْسَ آلَةً لِلْجِمَاعِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْخَشَبَةِ ذَكَرَهُ فِي الصَّوْمِ، وَقَيَّدَ بِالدُّبُرِ؛ لِأَنَّ الْمُخْتَارَ وُجُوبُ الْغُسْلِ فِي الْقُبُلِ إذَا قَصَدَتْ الِاسْتِمْتَاعَ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ فِيهِنَّ غَالِبَةٌ فَيُقَامُ السَّبَبُ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ دُونَ الدُّبُرِ لِعَدَمِهَا نُوحٌ أَفَنْدِي. أَقُولُ: آخِرُ عِبَارَةِ التَّجْنِيسِ عِنْدَ قَوْلِهِ بِمَنْزِلَةِ الْخَشَبَةِ، وَقَدْ رَاجَعْتهَا مِنْهُ فَرَأَيْتهَا كَذَلِكَ، فَقَوْلُهُ وَقَيَّدَ إلَخْ مِنْ كَلَامِ نُوحٍ أَفَنْدِي، وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُخْتَارَ وُجُوبُ الْغُسْلِ إلَخْ بَحْثٌ مِنْهُ سَبَقَهُ إلَيْهِ شَارِحُ الْمُنْيَةِ، حَيْثُ قَالَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَجِبَ فِي الْقُبُلِ إلَخْ، وَقَدْ نَبَّهَ فِي الْإِمْدَادِ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ بَحْثٌ مِنْ شَارِحِ الْمُنْيَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلَا عِنْدَ وَطْءِ بَهِيمَةٍ إلَخْ) مُحْتَرِزَاتُ قَوْلِهِ فِي أَحَدِ سَبِيلَيْ آدَمِيٍّ حَيٍّ يُجَامَعُ مِثْلُهُ. وَفِي الْقُنْيَةِ بِرَمْزِ أَجْنَاسِ النَّاطِفِيِّ فَرَجُ الْبَهِيمَةِ كَفِيهَا لَا غُسْلَ فِيهِ بِغَيْرِ إنْزَالٍ وَيُعَزَّرُ، وَتُذْبَحُ الْبَهِيمَةُ وَتُحْرَقُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ، وَلَا يَحْرُمُ أَكْلُ لَحْمِهَا بِهِ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي الْحُدُودِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ تَصِيرَ مُفْضَاةً) أَيْ مُخْتَلِطَةَ السَّبِيلَيْنِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ، فَقِيلَ يَجِبُ الْغُسْلُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ لَا مُطْلَقًا. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ الْإِيلَاجُ فِي مَحَلِّ الْجِمَاعِ مِنْ الصَّغِيرَةِ وَلَمْ يَفُضَّهَا فَهِيَ مِمَّنْ تُجَامَعُ فَيَجِبُ الْغُسْلُ سِرَاجٌ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْوُجُوبَ مَشْرُوطٌ بِمَا إذَا زَالَتْ الْبَكَارَةُ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ فِي الْكَبِيرَةِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا فَفِيهَا بِالْأَوْلَى، فَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ قَدْ يُقَالُ إنَّ بَقَاءَ الْبَكَارَةِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْإِيلَاجِ فَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ كَمَا اخْتَارَهُ فِي النِّهَايَةِ فِيهِ نَظَرٌ، فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: قُهُسْتَانِيٌّ) أَقُولُ: عِبَارَتُهُ وَطْءُ الْبَهِيمَةِ وَالْمَيْتَةِ غَيْرُ نَاقِضٍ لِلْوُضُوءِ بِلَا إنْزَالٍ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا غَسْلُ الذَّكَرِ كَمَا فِي صَوْمِ النَّظْمِ. اهـ. وَكَأَنَّ الشَّارِحَ قَاسَ الصَّغِيرَةَ عَلَيْهِمَا تَأَمَّلْ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ النَّاقِضَةَ لِلْوُضُوءِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ بَيْنَ مُشْتَهِيَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ. مَطْلَبٌ فِي رُطُوبَةِ الْفَرْجِ (قَوْلُهُ: الْفَرْجِ) أَيْ الدَّاخِلِ، أَمَّا الْخَارِجُ فَرُطُوبَتُهُ طَاهِرَةٌ بِاتِّفَاقٍ بِدَلِيلِ جَعْلِهِمْ غَسْلَهُ سُنَّةً فِي الْوُضُوءِ، وَلَوْ كَانَتْ نَجِسَةً عِنْدَهُمَا لَفُرِضَ غَسْلُهُ. اهـ. ح. أَقُولُ: قَدْ يُقَالُ إنَّ النَّجَاسَةَ مَا دَامَتْ فِي مَحَلِّهَا لَا عِبْرَةَ لَهَا؛ وَلِذَا كَانَ الِاسْتِنْجَاءُ سُنَّةً لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي غَيْرِ الْغُسْلِ مَعَ أَنَّ الْخَارِجَ نَجِسٌ بِاتِّفَاقٍ، فَلَا تَدُلُّ سُنِّيَّةُ الْغُسْلِ عَلَى الطَّهَارَةِ فَتَدَبَّرْ، نَعَمْ يَدُلُّ عَلَى الِاتِّفَاقِ كَوْنُهُ لَهُ حُكْمٌ خَارِجَ الْبَدَنِ، فَرُطُوبَتُهُ كَرُطُوبَةِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ وَالْعَرَقِ الْخَارِجِ مِنْ الْبَدَنِ. (قَوْلُهُ: فَتَنَبَّهْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَا فِي النَّظْمِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِمَا، فَلَا تَغْفُلْ وَتَظُنَّ مِنْ جَزْمِهِ بِهِ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: لِقُصُورِ الشَّهْوَةِ) أَيْ الَّتِي أُقِيمَتْ مَقَامَ الْإِنْزَالِ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ عِنْدَ الْإِيلَاجِ، لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ لَوْ جَامَعَ عَجُوزًا شَوْهَاءَ لَا تُشْتَهَى أَصْلًا، وَيَظْهَرُ لِي الْجَوَابُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 أَمَّا بِهِ فَيُحَالُ عَلَيْهِ. (كَمَا) لَا غُسْلَ (لَوْ أَتَى عَذْرَاءَ وَلَمْ يُزِلْ عُذْرَتَهَا) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ الْبَكَارَةُ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ الْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ إلَّا إذَا حَبِلَتْ لِإِنْزَالِهَا، وَتُعِيدُ مَا صَلَّتْ قَبْلَ الْغُسْلِ كَذَا قَالُوا، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ مَنِيِّهَا مِنْ فَرْجِهَا الدَّاخِلِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ قَالَهُ الْحَلَبِيُّ. (وَيَجِبُ) أَيْ يُفْرَضُ (عَلَى الْأَحْيَاءِ) الْمُسْلِمِينَ (كِفَايَةً) إجْمَاعًا (أَنْ يَغْسِلُوا) بِالتَّخْفِيفِ (الْمَيِّتَ) الْمُسْلِمَ إلَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ فَيُيَمَّمُ. (كَمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا) أَوْ نُفَسَاءَ وَلَوْ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ، وَعَلَّلَهُ ابْنُ الْكَمَالِ بِبَقَاءِ الْحَدَثِ الْحُكْمِيِّ   [رد المحتار] بِأَنَّهَا قَدْ ثَبَتَ لَهَا وَصْفُ الِاشْتِهَاءِ فِيمَا مَضَى فَيَبْقَى حُكْمُهُ الْآنَ مَا دَامَتْ حَيَّةً كَمَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُحَاذَاةِ فِي الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الْبَهِيمَةِ وَالْمَيْتَةِ وَالصَّغِيرَةِ تَأَمَّلْ، وَهَذَا عِلَّةٌ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْغُسْلِ فِيمَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: أَمَّا بِهِ) أَيْ أَمَّا فِعْلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمُصَاحِبُ لِلْإِنْزَالِ فَيُحَالُ وُجُوبُ الْغُسْلِ عَلَى الْإِنْزَالِ ط. . (قَوْلُهُ: تَمْنَعُ الْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ) أَيْ خِتَانِ الرَّجُلِ: وَهُوَ مَوْضِعُ الْقَطْعِ، وَخِتَانِ الْمَرْأَةِ: وَهُوَ مَوْضِعُ قَطْعِ جِلْدَةٍ مِنْهَا كَعُرْفِ الدِّيكِ فَوْقَ الْفَرْجِ، فَإِذَا غَابَتْ الْحَشَفَةُ فِي الْفَرْجِ فَقَدْ حَاذَى خِتَانُهُ خِتَانَهَا، وَتَمَامُ بَيَانِهِ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا حَبِلَتْ) فَيَكُونُ دَلِيلَ إنْزَالِهَا فَيَلْزَمُهَا الْغُسْلُ. قَالَ أَبُو السُّعُودِ: وَكَذَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ إنْزَالِهِ أَيْضًا وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْغُسْلِ) أَيْ لَوْ لَمْ تَكُنْ اغْتَسَلَتْ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهَا صَلَّتْ بِلَا طَهَارَةٍ. (قَوْلُهُ: قَالَهُ الْحَلَبِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ. وَقَالَ فِي الْكَبِيرِ: وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِ مَنِيِّهَا إلَى رَحِمِهَا، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصَحِّ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ يُفْرَضُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ هُنَا الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فَكَانَ الْأَوْلَى فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ التَّعْبِيرَ بِيُفْرَضُ. اهـ. ح وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْفَرْضِيَّةِ هُنَا صَاحِبُ الْوَافِي وَالسُّرُوجُ وَابْنُ الْهُمَامِ مَعَ نَقْلِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، لَكِنْ عَلَّلَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ هَذَا الَّذِي سَمَّوْهُ وَاجِبًا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ. قَالَ الشَّارِحُ فِي الْخَزَائِنِ: قُلْت هَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّهُ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ لَا اعْتِقَادِيٌّ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَلَا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، فَلَعَلَّهُمْ عَبَّرُوا بِالْوَاجِبِ لِلْإِشْعَارِ بِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ هَذَا عَنْ ذَاكَ فَتَأَمَّلْ اهـ قُلْت: لَكِنْ هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا عَدَا غُسْلَ الْمَيِّتِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كِفَايَةً) أَيْ بِحَيْثُ لَوْ قَامَ بِهِ بَعْضُهُمْ سَقَطَ عَنْ بَاقِيهِمْ وَإِلَّا أَثِمُوا كُلُّهُمْ إنْ عَلِمُوا بِهِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِسُقُوطِهِ عَنْ الْمُكَلَّفِينَ النِّيَّةُ اسْتَظْهَرَ فِي جَنَائِزِ الْفَتْحِ نَعَمْ، وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا خِلَافَهُ. (قَوْلُهُ: إجْمَاعًا) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ يُفْرَضُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمَا نَقَلَهُ مِسْكِينٌ مِنْ قَوْلِهِ وَقِيلَ غُسْلُ الْمَيِّتِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، فَفِيهِ نَظَرٌ بَعْدَ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ. (قَوْلُهُ: بِالْخَفِيفِ) أَيْ تَخْفِيفِ السِّينِ، وَهُوَ مِنْ الْغَسْلِ بِالْفَتْحِ. قَالَ فِي السِّرَاجِ: يُقَالُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَغُسْلُ الْجَنَابَةِ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَغَسْلُ الْمَيِّتِ وَغَسْلُ الثَّوْبِ بِفَتْحِهَا. وَضَابِطُهُ أَنَّك إذَا أَضَفْت إلَى الْمَغْسُولِ فَتَحْت، وَإِذَا أَضَفْت إلَى غَيْرِ الْمَغْسُولِ ضَمَمْت. اهـ. (قَوْلُهُ: الْمَيِّتَ) بِالتَّخْفِيفِ وَبِالتَّشْدِيدِ ضِدُّ الْحَيِّ، أَوْ الْمُخَفَّفِ الَّذِي مَاتَ وَالْمُشَدَّدُ الَّذِي لَمْ يَمُتْ بَعْدُ، أَفَادَهُ فِي الْقَامُوسِ. (قَوْلُهُ: الْمُسْلِمَ) أَمَّا الْكَافِرُ إذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ إلَّا وَلِيُّهُ الْمُسْلِمُ فَيُسِيلُ عَلَيْهِ الْمَاءَ كَالْخِرْقَةِ النَّجِسَةِ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ السُّنَّةِ ط. (قَوْلُهُ: فَيُيَمَّمُ) وَقِيلَ يُغْسَلُ بِثِيَابِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى بَحْرٌ وَنَهْرٌ. (قَوْلُهُ: كَمَا يَجِبُ) أَيْ يُفْرَضُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ) أَيْ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، لَكِنْ فِي دُخُولِ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْحَائِضَ مَنْ اتَّصَفَتْ بِالْحَيْضِ وَبَعْدَ انْقِطَاعِهِ لَا تُسَمَّى حَائِضًا؛ وَلِذَا قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إنَّ فِيهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهَا لَوْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ مَا قِيلَ إنَّهَا لَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْجُنُبِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ صِفَةَ الْجَنَابَةِ بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَكَأَنَّهُ أَجْنَبَ بَعْدَهُ، وَالِانْقِطَاعُ فِي الْحَيْضِ هُوَ السَّبَبُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ بَعْدُ، فَلِذَا لَوْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ لَزِمَهَا. (قَوْلُهُ: وَعَلَّلَهُ) أَيْ عَلَّلَ الْأَصَحَّ. (قَوْلُهُ: بِبَقَاءِ الْحَدَثِ الْحُكْمِيِّ) حَاصِلُهُ مَنْعُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الِانْقِطَاعَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ لَا سَبَبٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 (أَوْ بَلَغَ لَا بِسِنٍّ) بَلْ بِإِنْزَالٍ أَوْ حَيْضٍ، أَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَوْ أَصَابَ كُلَّ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ بَعْضُهُ وَخَفِيَ مَكَانُهَا (فِي الْأَصَحِّ) رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا لِلْعَتَّابِيَّةِ وَالْمُخْتَارُ وُجُوبُهُ عَلَى مَجْنُونٍ أَفَاقَ. قُلْت: وَهُوَ يُخَالِفُ مَا يَأْتِي مَتْنًا، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ أَنَّهُ رَأَى مَنِيًّا وَهَلْ السَّكْرَانُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَذَلِكَ؟ يُرَاجَعُ (وَإِلَّا) بِأَنْ أَسْلَمَ طَاهِرًا أَوْ بَلَغَ بِالسِّنِّ (فَمَنْدُوبٌ) . (وَسُنَّ لِصَلَاةِ جُمُعَةٍ وَ) لِصَلَاةِ (عِيدٍ)   [رد المحتار] وَمَبْنَى الْفَرْقِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهَا بِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ حَدَثٌ حُكْمِيٌّ يَسْتَمِرُّ مِثْلُ الْجَنَابَةِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُسَافِرَةَ لَوْ تَيَمَّمَتْ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ، فَإِذَا وَجَدَتْ الْمَاءَ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ فَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْجُنُبِ فَقَدْ ثَبَتَ لَهَا حَدَثٌ حُكْمِيٌّ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا حَقَّقَهُ ابْنُ الْكَمَالِ، وَقَدْ حَقَّقَ فِي الْحِلْيَةِ هَذَا الْمَقَامَ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: بَلْ بِإِنْزَالٍ) عَامٌّ فِي الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ وَالْحَيْضُ قَاصِرٌ عَلَيْهَا كَالْوِلَادَةِ ط، وَقِيلَ لَوْ بَلَغَ بِالْإِنْزَالِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَلَغَتْ بِالْحَيْضِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: أَوْ وَلَدَتْ لَمْ تَرَ دَمًا) هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ، وَبِهِ أَخَذَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا لِعَدَمِ الدَّمِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّبْيِينِ وَالْبُرْهَانِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ؛ لَكِنْ فِي السِّرَاجِ أَنَّ الْمُخْتَارَ الْوُجُوبُ احْتِيَاطًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ انْتَهَى. (قَوْلُهُ: أَوْ أَصَابَ إلَخْ) كَذَا عَدَّهُ بَعْضُهُمْ هُنَا مِنْ الِاغْتِسَالَاتِ الْمَفْرُوضَةِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، فَعَدَّهُ مِنْ ذَلِكَ سَهْوًا اهـ أَيْ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ لَا الْحَقِيقِيَّةِ. (قَوْلُهُ: رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ) فِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي الِاتِّفَاقَ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَتْ حَائِضًا قَبْلَ الِانْقِطَاعِ وَعَلَى مَنْ بَلَغَتْ بِالْحَيْضِ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ لَوْ أَخْفَى مَحَلَّ النَّجَاسَةِ يَكْفِي غَسْلُ طَرَفِ الثَّوْبِ أَوْ الْبَدَنِ. هَذَا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ هُنَا مَا نَصُّهُ: وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا لِلْعَتَّابِيَّةِ: وَالْمُخْتَارُ وُجُوبُهُ عَلَى مَجْنُونٍ أَفَاقَ. قُلْت: وَهُوَ يُخَالِفُ مَا يَأْتِي مَتْنًا، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ أَنَّهُ رَأَى مَنِيًّا، وَهَلْ السَّكْرَانُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَذَلِكَ يُرَاجَعُ اهـ قِيلَ وَهَذَا ثَابِتٌ فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ الْأَصْلِيَّةِ سَاقِطٌ مِنْ النُّسْخَةِ الْمُصَحَّحَةِ. أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْحَمْلَ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَيْضًا عَنْ السِّرَاجِيَّةِ: الْمَجْنُونُ إذَا أَجْنَبَ ثُمَّ أَفَاقَ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ اهـ وَكَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْغُسْلِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ جُنُبًا لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ وَقْتَ الْجَنَابَةِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ كَمَا عَلِمْت فَلِذَا كَانَ الْمَجْنُونُ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ وَهَلْ السَّكْرَانُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَذَلِكَ أَيْ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهِمَا لَوْ رَأَيَا مَنِيًّا لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ وَقَالَ يُرَاجَعُ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ ذَلِكَ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: أُغْشِيَ عَلَيْهِ فَأَفَاقَ وَوَجَدَ مَذْيًا أَوْ مَنِيًّا فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ أَيْضًا، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّهُ رَأَى بَلَلًا شَكَّ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ، وَقَدَّمَ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَرُؤْيَةُ مُسْتَيْقِظٍ أَنَّهُ خَرَجَ رُؤْيَةُ السَّكْرَانِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ الْمَذْيَ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ بِرُؤْيَةِ الْمَنِيِّ يَجِبُ الْغُسْلُ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ أَسْلَمَ طَاهِرًا) أَيْ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ: أَيْ بِأَنْ كَانَ اغْتَسَلَ أَوْ أَسْلَمَ صَغِيرًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَوْ بَلَغَ بِالسِّنِّ) أَيْ بِلَا رُؤْيَةِ شَيْءٍ، وَسِنُّ الْبُلُوغِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فِي الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ: وَسُنَّ إلَخْ) هُوَ مِنْ سُنَنِ الزَّوَائِدِ، فَلَا عِتَابَ بِتَرْكِهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَذَهَبَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إلَى أَنَّ هَذِهِ الِاغْتِسَالَاتِ الْأَرْبَعَةَ مُسْتَحَبَّةٌ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ إنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ حَسَنٌ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَقَوَّاهُ فِي الْفَتْحِ، لَكِنْ اسْتَظْهَرَ تِلْمِيذُهُ ابْنُ أَمِيرٍ حَاجٍّ فِي الْحِلْيَةِ اسْتِنَانُهُ لِلْجُمُعَةِ لِنَقْلِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ، وَبَسَطَ ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ اغْتَسَلَ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لَا يُعْتَبَرُ إجْمَاعًا؛ وَيَكْفِي غُسْلٌ وَاحِدٌ لِعِيدٍ وَجُمُعَةٍ اجْتَمَعَا مَعَ جَنَابَةٍ كَمَا لِفَرْضَيْ جَنَابَةٍ وَحَيْضٍ (وَ) لِأَجْلِ (إحْرَامٍ وَ) فِي جَبَلِ (عَرَفَةَ) بَعْدَ الزَّوَالِ. (وَنُدِبَ لِمَجْنُونٍ أَفَاقَ) وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ، كَذَا فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ، وَهَلْ السَّكْرَانُ كَذَلِكَ؟ لَمْ أَرَهُ (وَعِنْدَ حِجَامَةٍ وَفِي لَيْلَةِ بَرَاءَةٍ) وَعَرَفَةَ (وَقَدَرَ) إذَا رَآهَا (وَعِنْدَ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةُ غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ) لِلْوُقُوفِ (وَعِنْدَ دُخُولِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ) لِرَمْيِ الْجَمْرَةِ (وَ) كَذَا لِبَقِيَّةِ الرَّمْيِ، وَ (عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَلِصَلَاةِ كُسُوفٍ) وَخُسُوفٍ (وَاسْتِسْقَاءٍ وَفَزَعٍ وَظُلْمَةٍ وَرِيحٍ شَدِيدٍ) وَكَذَا لِدُخُولِ الْمَدِينَةِ، وَلِحُضُورِ مَجْمَعِ النَّاسِ، وَلِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا أَوْ غَسَّلَ مَيِّتًا أَوْ يُرَادُ قَتْلُهُ وَلِتَائِبٍ مِنْ ذَنْبٍ، وَلِقَادِمٍ مِنْ سَفَرٍ، وَلِمُسْتَحَاضَةٍ انْقَطَعَ دَمُهَا   [رد المحتار] مَعَ بَيَانِ دَلَائِلِ عَدَمِ الْوُجُوبِ. وَالْجَوَابُ عَمَّا يُخَالِفُهَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ) أَيْ كَوْنُهُ لِلصَّلَاةِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. ابْنُ كَمَالٍ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: إنَّهُ لِلْيَوْمِ، وَنُسِبَ إلَى مُحَمَّدٍ وَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ جَارٍ فِي غُسْلِ الْعِيدِ أَيْضًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ التُّحْفَةِ، وَأَثَرُ الْخِلَافِ فِيمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ لَوْ اغْتَسَلَ وَفِيمَنْ أَحْدَثَ بَعْدَ الْغُسْلِ وَصَلَّى بِالْوُضُوءِ نَالَ الْفَضْلَ عِنْدَ الْحَسَنِ لَا عِنْدَ الثَّانِي. قَالَ فِي الْكَافِي: وَكَذَا فِيمَنْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَصَلَّى بِهِ يَنَالُ عِنْدَ الثَّانِي لَا عِنْدَ الْحَسَنِ؛ لِأَنَّهُ اشْتِرَاطُ إيقَاعِهِ فِيهِ إظْهَارًا لِشَرَفِهِ وَمَزِيدِ اخْتِصَاصِهِ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا فِي النَّهْرِ، قِيلَ وَفِيمَنْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ. وَاسْتَظْهَرَ فِي الْبَحْرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ سَبَبَ مَشْرُوعِيَّتِهِ دَفْعُ حُصُولِ الْأَذَى مِنْ الرَّائِحَةِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَالْحَسَنُ وَإِنْ قَالَ هُوَ لِلْيَوْمِ، لَكِنْ بِشَرْطِ تَقَدُّمِهِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ الْحَدَثِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُسْلِ عِنْدَهُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَضُرُّ. اهـ. وَلِسَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيِّ هُنَا بَحْثٌ نَفِيسٌ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ هِدَايَةِ ابْنِ الْعِمَادِ. حَاصِلُهُ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ هَذِهِ الِاغْتِسَالَاتِ الْأَرْبَعَةَ لِلنَّظَافَةِ لَا لِلطَّهَارَةِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ تَخَلَّلَ الْحَدَثُ تَزْدَادُ النَّظَافَةُ بِالْوُضُوءِ ثَانِيًا، وَلَئِنْ كَانَتْ لِلطَّهَارَةِ أَيْضًا فَهِيَ حَاصِلَةٌ بِالْوُضُوءِ ثَانِيًا مَعَ بَقَاءِ النَّظَافَةِ فَالْأَوْلَى عِنْدِي الْإِجْزَاءُ وَإِنْ تَخَلَّلَ الْحَدَثُ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ طَلَبُ حُصُولِ النَّظَافَةِ فَقَطْ. اهـ. أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ طَلَبُ التَّبْكِيرِ لِلصَّلَاةِ، وَهُوَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى أَفْضَلُ وَهِيَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَرُبَّمَا يَعْسُرُ مَعَ ذَلِكَ بَقَاءُ الْوُضُوءِ إلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ وَلَا سِيَّمَا فِي أَطْوَلِ الْأَيَّامِ، وَإِعَادَةُ الْغُسْلِ أَعْسَرُ - {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]- وَرُبَّمَا أَدَّاهُ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ حَاقِنًا وَهُوَ حَرَامٌ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا فِي الْمِعْرَاجِ: لَوْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْخَمِيسِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ اسْتَنَّ بِالسُّنَّةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ قَطْعُ الرَّائِحَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ) هُوَ شَرْحُ دُرَرِ الْبِحَارِ الْمُؤَلَّفُ فِي مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ الْكِبَارِ وَمَذَاهِبِ الصَّاحِبَيْنِ عَلَى طَرِيقَةِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ مَعَ غَايَةِ الْإِيجَازِ وَالِاخْتِصَارِ لِلْعَلَّامَةِ الْقُونَوِيِّ الْحَنَفِيِّ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي آخِرِهِ، أَنَّهُ أَلَّفَهُ فِي نَحْوِ شَهْرٍ وَنِصْفٍ سَنَةَ (746) وَعِنْدِي شَرْحٌ عَلَيْهِ لِلْعَلَّامَةِ مُحَمَّدٍ الشَّهِيرِ بِالشَّيْخِ الْبُخَارِيِّ سَمَّاهُ غُرَرَ الْأَفْكَارِ، وَعَلَيْهِ شَرْحٌ لِلْعَلَّامَةِ قَاسِمٌ قُطْلُوبُغَا تِلْمِيذِ ابْنِ الْهُمَامِ وَلَعَلَّهُ الَّذِي نَقَلَ عَنْهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرِهِ) كَالْهِدَايَةِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَالدُّرَرِ وَشُرُوحِ الْمَجْمَعِ وَالزَّيْلَعِيِّ. (قَوْلُهُ: اجْتَمَعَا مَعَ جَنَابَةٍ) أَقُولُ: وَكَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُمَا كُسُوفٌ وَاسْتِسْقَاءٌ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا نَوَى ذَلِكَ لِيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُ الْكُلِّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلِأَجْلِ إحْرَامٍ) أَيْ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا إمْدَادٌ، وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا قَالَ إنَّهُ لِلْيَوْمِ فَقَطْ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَفِي جَبَلِ عَرَفَةَ إلَخْ) أَرَادَ بِالْجَبَلِ مَا يَشْمَلُ السَّهْلَ مِنْ كُلِّ مَا يَصِحُّ الْوُقُوفُ فِيهِ، وَإِنَّمَا أَقْحَمَ لَفْظَ جَبَلٍ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْغُسْلَ لِلْوُقُوفِ نَفْسِهِ لَا لِدُخُولِ عَرَفَاتٍ وَلَا لِلْيَوْمِ. مَطْلَبٌ يَوْمُ عَرَفَةَ أَفْضَلُ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الِاخْتِلَافِ أَيْضًا: أَيْ أَنْ يَكُونَ لِلْوُقُوفِ أَوْ لِلْيَوْمِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ، رَدَّهُ فِي الْحِلْيَةِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لِلْوُقُوفِ. قَالَ: وَمَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا ذَهَبَ إلَى اسْتِنَانِهِ لِيَوْمِ عَرَفَةَ بِلَا حُضُورِ عَرَفَاتٍ اهـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 (ثَمَنُ مَاءِ اغْتِسَالِهَا وَوُضُوئِهَا عَلَيْهِ) أَيْ الزَّوْجِ لَوْ غَنِيَّةً   [رد المحتار] وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، لَكِنْ قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ عَلَى نَظْمِ الْكَنْزِ أَقُولُ: لَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ بِسُنِّيَّتِهِ لِلْيَوْمِ لِفَضِيلَتِهِ، حَتَّى لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فِي أَفْضَلِ أَيَّامِ الْعَامِ تَطْلُقُ يَوْمَ عَرَفَةَ، ذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ. وَقَدْ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَدَارَ بَيْنَ الْأَقْوَامِ، وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ بِأَفْضَلِيَّةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالنَّقْلُ بِخِلَافِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَلْ السَّكْرَانُ كَذَلِكَ) الظَّاهِرُ نَعَمْ، وَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ عَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِيمَا إذَا رَأَى مَنِيًّا، أَمَّا هُنَا فَالْمُرَادُ إذَا لَمْ يَرَ مَنِيًّا كَمَا فِي الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فَلَا تَكْرَارَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ حِجَامَةٍ) أَيْ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا إمْدَادٌ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَفِي لَيْلَةِ بَرَاءَةٍ) هِيَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ. (قَوْلُهُ: وَعَرَفَةَ) أَيْ فِي لَيْلَتِهَا تَتَارْخَانِيَّةٌ وَقُهُسْتَانِيٌّ، وَظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ شُمُولُهُ لِلْحَاجِّ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: إذَا رَآهَا) أَيْ يَقِينًا أَوْ عَمَلًا بِاتِّبَاعِ مَا وَرَدَ فِي وَقْتِهَا لِإِحْيَائِهَا إمْدَادٌ. (قَوْلُهُ: غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ) أَيْ صَبِيحَتَهَا. (قَوْلُهُ: لِرَمْيِ الْجَمْرَةِ) مُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ لِنَفْسِ دُخُولِ مِنًى، فَلَوْ أَخَّرَ الرَّمْيَ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي لَمْ يُنْدَبْ لِأَجْلِ الدُّخُولِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ مِنْ الْمَتْنِ وَمُخَالِفٌ لِمَا فِي شَرْحِ الْغَزْنَوِيَّةِ حَيْثُ جَعَلَ غُسْلَ الرَّمْيِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ غَيْرَ غُسْلِ دُخُولِ مِنًى يَوْم النَّحْر. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ) اسْتَظْهَرَ فِي الْحِلْيَةِ سُنِّيَّتَهُ لِنَقْلِ الْمُوَاظَبَةِ. (قَوْلُهُ: لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ) لَمْ يُقَيَّدْ بِذَلِكَ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ، بَلْ جَعَلَ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ كُلًّا مِنْ دُخُولِ مَكَّةَ وَالطَّوَافِ قِسْمًا بِرَأْسِهِ، وَنَصُّهُ: وَجَبَ لِلِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ، وَدُخُولِ مَكَّةَ وَالْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَالطَّوَافِ. [تَنْبِيهٌ] ظَهَرَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَغْسَالَ يَوْمَ النَّحْرِ خَمْسَةٌ، وَهِيَ: الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ، وَدُخُولُ مِنًى، وَرَمْيُ الْجَمْرَةِ، وَدُخُولُ مَكَّةَ وَالطَّوَافُ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَنُوبُ عَنْهَا غُسْلٌ وَاحِدٌ بِنِيَّتِهِ لَهَا كَمَا يَنُوبُ عَنْ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَتَعْدَادُهَا لَا يَقْتَضِي عَدَمَ ذَلِكَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَظُلْمَةٍ) أَيْ نَهَارًا إمْدَادٌ. (قَوْلُهُ: وَلِحُضُورِ مَجْمَعِ النَّاسِ) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى النَّوَوِيِّ وَقَالَ لَمْ أَجِدْهُ لِأَئِمَّتِنَا. أَقُولُ: وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ قِيلَ يُسْتَحَبُّ الِاغْتِسَالُ لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَفِي الِاسْتِسْقَاءِ وَفِي كُلِّ مَا كَانَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ كَاجْتِمَاعِ النَّاسِ. (قَوْلُهُ: وَلِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا) عَزَاهُ فِي الْخَزَائِنِ إلَى النُّتَفِ. (قَوْلُهُ: أَوْ غَسَّلَ مَيِّتًا) لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: أَوْ يُرَادُ قَتْلُهُ إلَخْ) عَزَا هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْخَزَائِنِ إلَى الْحَلَبِيِّ مِنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ. (قَوْلُهُ: وَلِمُسْتَحَاضَةٍ انْقَطَعَ دَمُهَا) وَكَذَا لِمُحْتَلِمٍ أَرَادَ مُعَاوَدَةَ أَهْلِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَكَذَا لِمَنْ بَلَغَ بِسِنٍّ أَوْ أَسْلَمَ طَاهِرًا كَمَا مَرَّ، فَقَدْ بَلَغَتْ نَيِّفًا وَثَلَاثِينَ. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَيُنْدَبُ غَسْلُ جَمِيعِ بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ إذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ وَخَفِيَ مَكَانُهَا اهـ، وَفِيهِ مَا مَرَّ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الشَّارِحَ سَيَذْكُرُ فِي الْأَنْجَاسِ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ يَكْفِي غَسْلَ طَرَفِ الثَّوْبِ، فَمَا فِي الْإِمْدَادِ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: ثَمَنُ مَاءِ اغْتِسَالِهَا) أَيْ مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ انْقَطَعَ لِعَشَرَةٍ أَوْ أَقَلَّ. وَفَصَلَ فِي السِّرَاجِ بَيْنَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ لِعَشَرَةٍ فَعَلَيْهَا لِاحْتِيَاجِهَا إلَى الصَّلَاةِ، وَلِأَقَلَّ فَعَلَيْهِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى الْوَطْءِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ أَوْ لَا فَالْأَوْجَهُ الْإِطْلَاقُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ غَنِيَّةً) وَبِهِ ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ ثَمَنَ مَاءِ الْوُضُوءِ عَلَيْهَا لَوْ غَنِيَّةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 كَمَا فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ فَصَارَ كَالشُّرْبِ، فَأُجْرَةُ الْحَمَّامِ عَلَيْهِ. وَلَوْ كَانَ الِاغْتِسَالُ لَا عَنْ جَنَابَةٍ وَحَيْضٍ بَلْ لِإِزَالَةِ الشَّعَثِ وَالتَّفَثِ قَالَ شَيْخُنَا الظَّاهِرُ لَا يَلْزَمُهُ. (وَيَحْرُمُ بِالْحَدَثِ) (الْأَكْبَرِ دُخُولُ مَسْجِدٍ) لَا مُصَلَّى عِيدٍ وَجِنَازَةٍ وَرِبَاطٍ وَمَدْرَسَةٍ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي الْحَيْضِ وَقُبَيْلِ الْوِتْرِ، لَكِنْ فِي وَقْفِ الْقُنْيَةِ: الْمَدْرَسَةُ إذَا لَمْ يَمْنَعْ أَهْلُهَا النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا فَهِيَ مَسْجِدٌ (وَلَوْ لِلْعُبُورِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (إلَّا لِضَرُورَةٍ) حَيْثُ لَا   [رد المحتار] وَإِلَّا فَإِمَّا أَنْ يَنْقُلَهُ إلَيْهَا أَوْ يَدَعَهَا تَنْقُلُهُ بِنَفْسِهَا بَحْرٌ مِنْ بَابِ النَّفَقَةِ. (قَوْلُهُ: فَأُجْرَةُ الْحَمَّامِ عَلَيْهِ) ذَكَرَهُ فِي نَفَقَةِ الْبَحْرِ بَحْثًا، قَالَ لِأَنَّهُ ثَمَنُ مَاءِ الِاغْتِسَالِ، لَكِنْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْحَمَّامِ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ نُفَسَاءَ اهـ وَمَا بَحَثَهُ نَقَلَهُ الرَّمْلِيُّ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَلِذَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: الشَّعَثِ وَالتَّفَثِ) مُحَرَّكَانِ، وَالْأَوَّلُ انْتِشَارُ الشَّعْرِ وَاغْبِرَارُهُ لِقِلَّةِ التَّعَهُّدِ، وَالثَّانِي بِمَعْنَى الْوَسَخِ وَالدَّرَنِ، وَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْقَامُوسِ، وَاعْتَرَضَهُ الشَّاهِينِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ. (قَوْلُهُ: قَالَ شَيْخُنَا) أَيْ الْعَلَّامَةُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ لَا يَلْزَمُهُ) لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ كَمَاءِ الشُّرْبِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ حُكْمُ النَّفَقَةِ بَلْ لِلتَّزَيُّنِ لِلزَّوْجِ فَيَكُونُ كَالطِّيبِ رَحْمَتِيٌّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهَا بِإِزَالَتِهِ لَا يَلْزَمُهَا إلَّا إذَا دَفَعَ لَهَا مِنْ مَالِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَا مُصَلَّى عِيدٍ وَجِنَازَةٍ) فَلَيْسَ لَهُمَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا حُكْمُهُ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ، وَمِثْلُهُمَا فِنَاءُ الْمَسْجِدِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَرِبَاطٍ) هُوَ خَانْكَاةُ الصُّوفِيَّةُ ح وَهُوَ مُتَعَبَّدُهُمْ. وَفِي كَلَامِ ابْنِ وَفَا نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ مَا يُفِيدُ أَنَّهَا بِالْقَافِ فَإِنَّهُ قَالَ الْخَنْقُ فِي اللُّغَةِ: التَّضْيِيقُ، وَالْخَانِقُ: الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الزَّاوِيَةُ الَّتِي يَسْكُنُهَا صُوفِيَّةُ الرُّومِ الْخَانْقَاهْ لِتَضْيِيقِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالشُّرُوطِ الَّتِي يَلْتَزِمُونَهَا فِي مُلَازَمَتِهَا وَيَقُولُونَ فِيهَا أَيْضًا مَنْ غَابَ عَنْ الْحُضُورِ غَابَ نَصِيبُهُ إلَّا أَهْلَ الْخَوَانِقِ وَهِيَ مَضَايِقُ اهـ ط. وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهَا رِبَاطًا أَنَّهَا مِنْ الرَّبْطِ: أَيْ الْمُلَازَمَةِ عَلَى الْأَمْرِ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْمَقَامُ فِي ثَغْرِ الْعَدُوِّ رِبَاطًا، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران: 200] وَمَعْنَاهُ انْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ» أَفَادَهُ فِي الْقَامُوسِ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ إلَخْ) فِي هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْقُنْيَةِ فِي مَسْجِدِ الْمَدْرَسَةِ لَا فِي الْمَدْرَسَةِ نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ الْمَسَاجِدُ الَّتِي فِي الْمَدَارِسِ مَسَاجِدُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا، وَإِذَا غُلِقَتْ يَكُونُ فِيهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِهَا. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ دَارٌ فِيهَا مَسْجِدٌ لَا يَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا، إنْ كَانَتْ الدَّارُ لَوْ أُغْلِقَتْ كَانَ لَهُ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ فِيهَا فَهُوَ مَسْجِدُ جَمَاعَةٍ تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْمَسْجِدِ مِنْ حُرْمَةِ الْبَيْعِ وَالدُّخُولِ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَانُوا لَا يَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِلْعُبُورِ) أَيْ الْمُرُورِ، لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبُيُوتُ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ، فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» وَالْمُرَادُ بِعَابِرِي سَبِيلٍ فِي الْآيَةِ الْمُسَافِرُونَ كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، فَالْمُسَافِرُ مُسْتَثْنًى مِنْ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ بِلَا اغْتِسَالٍ، ثُمَّ بَيَّنَ فِي الْآيَةِ أَنَّ حُكْمَهُ التَّيَمُّمُ، وَتَمَامُ الْأَدِلَّةِ مِنْ السُّنَّةِ وَغَيْرِهَا مَبْسُوطٌ فِي الْبَحْرِ. وَفِيهِ: وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ دُخُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسْجِدَ جُنُبًا وَمُكْثَهُ فِيهِ مِنْ خَوَاصِّهِ، وَكَذَا هُوَ مِنْ خَوَاصِّ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا وَرَدَ مِنْ طُرُقِ ثِقَاتٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ. وَأَمَّا الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ لِأَهْلِ الْبَيْتِ وَكَلُبْسِ الْحَرِيرِ لَهُمْ فَهُوَ اخْتِلَاقٌ مِنْ الشِّيعَةِ. (قَوْلُهُ: إلَّا لِضَرُورَةٍ) قَيَّدَ بِهِ فِي الدُّرَرِ وَكَذَا فِي عُيُونِ الْمَذَاهِبِ لِلْكَاكِيِّ شَارِحِ الْهِدَايَةِ وَكَذَا فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ غَيْرُهُ) كَأَنْ يَكُونَ بَابُ بَيْتِهِ إلَى الْمَسْجِدِ دُرَرٌ أَيْ وَلَا يُمْكِنُهُ تَحْوِيلُهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى السُّكْنَى فِي غَيْرِهِ بَحْرٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 تَيَمَّمَ نَدْبًا، وَإِنْ مَكَثَ لِخَوْفٍ فَوُجُوبًا، وَلَا يُصَلِّي وَلَا يَقْرَأُ. (وَ) يَحْرُمُ بِهِ (تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ) وَلَوْ دُونَ آيَةٍ عَلَى الْمُخْتَارِ (بِقَصْدِهِ) فَلَوْ قَصَدَ الدُّعَاءَ أَوْ الثَّنَاءَ أَوْ افْتِتَاحَ أَمْرٍ أَوْ التَّعْلِيمِ وَلَقَّنَ كَلِمَةً كَلِمَةً   [رد المحتار] قُلْت: يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْمَارُّ، وَمِنْ صُوَرِهِ مَا فِي الْعِنَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: مُسَافِرٌ مَرَّ بِمَسْجِدٍ فِيهِ عَيْنُ مَاءٍ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَجِدُ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ عِنْدَنَا. اهـ. (قَوْلُهُ: تَيَمَّمَ نَدْبًا إلَخْ) أَفَادَ ذَلِكَ فِي النَّهْرِ تَوْفِيقًا بَيْنَ إطْلَاقِ مَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ وَمَا يُفِيدُ النَّدْبَ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي الْخُرُوجِ، وَأَمَّا فِي الدُّخُولِ فَيَجِبُ كَمَا يُفِيدُهُ مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْعِنَايَةِ، وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا فِي دُرَرِ الْبِحَارِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا نُجِيزُ الْعُبُورَ فِي الْمَسْجِدِ بِلَا تَيَمُّمٍ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ مَا يُؤَيِّدُهُ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ فِي الْمَسْجِدِ، قِيلَ لَا يُبَاحُ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ غَيْرِ تَيَمُّمٍ اعْتِبَارًا بِالدُّخُولِ، وَقِيلَ يُبَاحُ. اهـ. فَجَعَلَ الْخِلَافَ فِي الْخُرُوجِ دُونَ الدُّخُولِ، وَالْوَجْهُ فِيهِ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى عَلَى الْمَاهِرِ، وَعَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ وُجُوبُهُ عَلَى مَنْ كَانَ بَابُهُ إلَى الْمَسْجِدِ وَأَرَادَ الْمُرُورَ، فِيهِ تَأَمُّلٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُصَلِّي وَلَا يَقْرَأُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِهِ عِبَادَةً مَقْصُودَةً، وَهَذَا دَفْعٌ لِلْقَوْلِ بِأَنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْحِلْيَةِ. [تَتِمَّةٌ] ذَكَرَ فِي الدُّرَرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ يُكْرَهُ دُخُولُ الْمُحْدِثِ مَسْجِدًا مِنْ الْمَسْجِدِ وَطَوَافُهُ بِالْكَعْبَةِ. اهـ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَلَا يَدْخُلُهُ مَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْخِزَانَةِ: وَإِذَا فَسَا فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَرَ بَعْضُهُمْ بِهِ بَأْسًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ يَخْرُجُ مِنْهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ كَمَا يَأْتِي، وَفِي حُكْمِهِ مَنْسُوخُ التِّلَاوَةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ دُونَ آيَةٍ) أَيْ مِنْ الْمُرَكَّبَاتِ لَا الْمُفْرَدَاتِ؛ لِأَنَّهُ جَوَّزَ لِلْحَائِضٍ الْمُعَلِّمَةِ تَعْلِيمَهُ كَلِمَةً كَلِمَةً يَعْقُوبُ بَاشَا. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُخْتَارِ) أَيْ مِنْ قَوْلَيْنِ مُصَحَّحَيْنِ ثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مَا دُونَ آيَةٍ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْهُمَامِ بِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ قَارِئًا بِمَا دُونَ آيَةٍ فِي حَقِّ جَوَازِ الصَّلَاةِ فَكَذَا هُنَا وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْحِلْيَةِ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ لَمْ تَفْصِلْ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالتَّعْلِيلُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ مَرْدُودٌ. اهـ. وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ، وَالثَّانِي قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ. أَقُولُ: وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ طَوِيلَةً، فَلَوْ كَانَتْ طَوِيلَةً كَانَ بَعْضُهَا كَآيَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَعْدِلُ ثَلَاثَ آيَاتٍ ذَكَرَهُ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ قَصَدَ الدُّعَاءَ) قَالَ فِي الْعُيُونِ لِأَبِي اللَّيْثِ: قَرَأَ الْفَاتِحَةَ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الدُّعَاءِ وَلَمْ يُرِدْ الْقِرَاءَةَ لَا بَأْسَ بِهِ. وَفِي الْغَايَةِ: أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَاخْتَارَهُ الْحَلْوَانِيُّ، لَكِنْ قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ: لَا أُفْتِي بِهِ وَإِنْ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْحِلْيَةِ فِي نَحْوِ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ قُرْآنًا لَفْظًا وَمَعْنًى مُعْجِزًا مُتَحَدًّى بِهِ، بِخِلَافِ نَحْوِ - الْحَمْدُ لِلَّهِ - وَنَازَعَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ كَوْنَهُ قُرْآنًا فِي الْأَصْلِ لَا يَمْنَعُ مِنْ إخْرَاجِهِ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ بِالْقَصْدِ، نَعَمْ ظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِالْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الدُّعَاءِ يُفْهَمُ أَنَّ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَسُورَةِ أَبِي لَهَبٍ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا قَصْدُ غَيْرِ الْقُرْآنِيَّةِ، لَكِنْ لَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ. اهـ. مَطْلَبُ يُطْلَقُ الدُّعَاءُ عَلَى مَا يَشْمَلُ الثَّنَاءَ أَقُولُ: وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَفَاهِيمَ الْكُتُبِ حُجَّةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالدُّعَاءِ مَا يَشْمَلُ الثَّنَاءَ؛ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ نِصْفُهَا ثَنَاءٌ وَنِصْفُهَا الْآخَرُ دُعَاءٌ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَوْ الثَّنَاءَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. (قَوْلُهُ: أَوْ افْتِتَاحَ أَمْرٍ) كَقَوْلِهِ بِسْمِ اللَّهِ لِافْتِتَاحِ الْعَمَلِ تَبَرُّكًا بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ: أَوْ التَّعْلِيمَ) فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ بِأَنَّ الْحَائِضَ مُضْطَرَّةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى رَفْعِ حَدَثِهَا بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ نُوحٌ. (قَوْلُهُ: وَلَقَّنَ كَلِمَةً كَلِمَةً) هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُنْيَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 حَلَّ فِي الْأَصَحِّ، حَتَّى لَوْ قَصَدَ بِالْفَاتِحَةِ الثَّنَاءَ فِي الْجِنَازَةِ لَمْ يُكْرَهْ إلَّا إذَا قَرَأَ الْمُصَلِّي قَاصِدًا الثَّنَاءَ فَإِنَّهَا تُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهَا فِي مَحَلِّهَا، فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهَا بِقَصْدِهِ (وَمَسُّهُ) مُسْتَدْرَكٌ بِمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ وَمَا قَبْلَهُ سَاقِطٌ مِنْ نُسَخِ الشَّرْحِ، وَكَأَنَّهُ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْحَيْضِ. (وَ) يَحْرُمُ بِهِ (طَوَافٌ) لِوُجُوبِ الطَّهَارَةِ فِيهِ (وَ) يَحْرُمُ (بِهِ) أَيْ بِالْأَكْبَرِ (وَبِالْأَصْغَرِ) مَسُّ مُصْحَفٍ: أَيْ مَا فِيهِ آيَةٌ كَدِرْهَمٍ وَجِدَارٍ، وَهَلْ مَسُّ نَحْوِ التَّوْرَاةِ كَذَلِكَ؟ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا (إلَّا بِغِلَافٍ مُتَجَافٍ) غَيْرِ مُشَرَّزٍ   [رد المحتار] حَرْفًا حَرْفًا كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ فِي شَرْحِهَا، وَالْمُرَادُ مَعَ الْقَطْعِ بَيْنَ كُلِّ كَلِمَتَيْنِ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ، وَعَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ تَعَلَّمَ نِصْفَ آيَةٍ نِهَايَةٌ وَغَيْرُهَا. وَنَظَرَ فِيهِ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْكَرْخِيَّ قَائِلٌ بِاسْتِوَاءِ الْآيَةِ وَمَا دُونَهَا فِي الْمَنْعِ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِمَا دُونَهَا مَا بِهِ يُسَمَّى قَارِئًا وَبِالتَّعْلِيمِ كَلِمَةً كَلِمَةً لَا يُعَدُّ قَارِئًا اهـ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْيَعْقُوبِيَّةِ. بَقِيَ مَا لَوْ كَانَتْ الْكَلِمَةُ آيَةً ك - ص - و - ق - نَقَلَ نُوحٌ أَفَنْدِي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي الْجَوَازُ. أَقُولُ: وَيَنْبَغِي عَدَمُهُ فِي - {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64]- تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ قَصَدَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَضْمُونِ مَا قَبْلَهُ مِنْ أَنَّ الْقُرْآنَ يَخْرُجُ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ بِقَصْدِ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا قَصَدَ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْمَضْمُونِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا، وَالْمُرَادُ الْمُصَلِّي الصَّلَاةَ الْكَامِلَةَ ذَاتَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ تُجْزِيهِ) الضَّمَائِرُ تَرْجِعُ إلَى الْقِرَاءَةِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ الْمَقَامِ أَوْ إلَى الْفَاتِحَةِ ط. (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهَا) وَهُوَ سُقُوطُ وَاجِبِ الْقِرَاءَةِ بِهَا. (قَوْلُهُ: بِقَصْدِهِ) أَيْ الثَّنَاءِ. (قَوْلُهُ: وَمَسُّهُ) أَيْ مَسُّ الْقُرْآنِ وَكَذَا سَائِرُ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: وَفِي الْمُبْتَغَى: وَلَا يَجُوزُ مَسُّ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَكُتُبِ التَّفْسِيرِ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَسُّ الْقُرْآنِ الْمَنْسُوخِ تِلَاوَةً وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ قُرْآنًا مُتَعَبَّدًا بِتِلَاوَتِهِ، خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الرَّمْلِيُّ، فَإِنَّ التَّوْرَاةَ وَنَحْوَهَا مِمَّا نُسِخَ تِلَاوَتُهُ وَحُكْمُهُ مَعًا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: مُسْتَدْرَكٌ) أَيْ مُدْرَكٌ بِالِاعْتِرَاضِ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ مُعْتَرَضٌ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ وَبِالْأَصْغَرِ مَسُّ مُصْحَفٍ فَإِنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُعْتَرَضُ بِالْمُتَأَخِّرِ عَلَى الْمُتَقَدِّمِ لِوُقُوعِهِ فِي مَرْكَزِهِ ط: أَيْ بَلْ بِالْعَكْسِ. (قَوْلُهُ: سَاقِطٌ) لَمْ يَسْقُطْ فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ نُسَخِ الشَّرْحِ إلَّا قَوْلَهُ وَمَسُّهُ ح. (قَوْلُهُ لِوُجُوبِ الطَّهَارَةِ فِيهِ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَسْجِدٌ لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ بِدُونِهَا وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَهُ: أَيْ الطَّوَافَ مَعَ مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ كَمَا تَجِبُ الطَّهَارَةُ فِيهِ مِنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ تَجِبُ مِنْ الْأَصْغَرِ كَمَا سَيَأْتِي، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَمِيرِ الْحَاجِّ فِي عَدِّ الْوَاجِبَاتِ. قَالَ وَالطَّهَارَةُ فِيهِ مِنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ اهـ. (قَوْلُهُ مَسُّ مُصْحَفٍ) الْمُصْحَفُ بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ وَالضَّمُّ فِيهِ أَشْهَرُ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ أُصْحِفَ: أَيْ جُمِعَ فِيهِ الصَّحَائِفُ حِلْيَةٌ. (قَوْلُهُ: أَيْ مَا فِيهِ آيَةٌ إلَخْ) أَيْ الْمُرَادُ مُطْلَقُ مَا كُتِبَ فِيهِ قُرْآنٌ مَجَازًا، مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ، أَوْ مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ. قَالَ ح: لَكِنْ لَا يَحْرُمُ فِي غَيْرِ الْمُصْحَفِ إلَّا بِالْمَكْتُوبِ: أَيْ مَوْضِعُ الْكِتَابَةِ كَذَا فِي بَابِ الْحَيْضِ مِنْ الْبَحْرِ، وَقَيَّدَ بِالْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَتَبَ مَا دُونَهَا لَا يُكْرَهُ مَسُّهُ كَمَا فِي حَيْضِ الْقُهُسْتَانِيِّ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ هُنَا مَا جَرَى فِي قِرَاءَةِ مَا دُونَ آيَةٍ مِنْ الْخِلَافِ، وَالتَّفْصِيلِ الْمَارَّيْنِ هُنَاكَ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَسَّ يَحْرُمُ بِالْحَدَثِ وَلَوْ أَصْغَرَ، بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ فَكَانَتْ دُونَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَظَاهِرُ اسْتِدْلَالِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ صِفَةٌ لِلْقُرْآنِ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْمَنْعِ بِهِ اهـ لَكِنْ قَدَّمْنَا آنِفًا عَنْ الْمُبْتَغَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا نَقَلَهُ ح عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الذَّخِيرَةِ ثُمَّ قَالَ: وَلَيْسَ بَعْدَ النَّقْلِ إلَّا الرُّجُوعُ إلَيْهِ، وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِالْآيَةِ لَا يَنْفِيهِ بَلْ رُبَّمَا تَلْحَقُ سَائِرُ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ بِالْقُرْآنِ دَلَالَةً لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي وُجُوبِ التَّعْظِيمِ كَمَا لَا يَخْفَى، نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّ بِمَا لَمْ يُبْدَلْ كَمَا سَيَأْتِي نَظِيرُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: غَيْرُ مُشَرَّزٍ) أَيْ غَيْرُ مَخِيطٍ بِهِ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلْمُتَجَافِي قَالَ فِي. الْمُغْرِبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 أَوْ بِصُرَّةٍ بِهِ يُفْتَى، وَحَلَّ قَلْبُهُ بِعُودٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَسِّهِ بِغَيْرِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ وَبِمَا غُسِلَ مِنْهَا وَفِي الْقِرَاءَةِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ، وَالْمَنْعُ أَصَحُّ. (وَلَا يُكْرَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ) أَيْ الْقُرْآنِ (لِجُنُبٍ وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ) لِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَحِلُّ الْعَيْنَ (كَ) مَا لَا تُكْرَهُ (أَدْعِيَةٍ) أَيْ تَحْرِيمًا، وَإِلَّا فَالْوُضُوءُ لِمُطْلَقِ الذَّكَرِ مَنْدُوبٌ، وَتَرْكُهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَهُوَ مَرْجِعُ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ. (وَلَا) يُكْرَهُ (مَسُّ صَبِيٍّ لِمُصْحَفٍ وَلَوْحٍ) وَلَا بَأْسَ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ وَطَلَبِهِ مِنْهُ لِلضَّرُورَةِ إذْ الْحِفْظُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ. (وَ) لَا تُكْرَهُ (كِتَابَةُ قُرْآنٍ وَالصَّحِيفَةُ أَوْ اللَّوْحُ عَلَى الْأَرْضِ عِنْدَ الثَّانِي) خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ وُضِعَ عَلَى الصَّحِيفَةِ مَا يَحُولُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ يَدِهِ يُؤْخَذُ بِقَوْلِ الثَّانِي وَإِلَّا فَبِقَوْلِ الثَّالِثِ قَالَهُ الْحَلَبِيُّ.   [رد المحتار] مُصْحَفٌ مُشَرَّزٌ أَجْزَاؤُهُ مَشْدُودٌ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ مِنْ الشِّيرَازَةِ وَلَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةٍ اهـ فَالْمُرَادُ بِالْغِلَافِ مَا كَانَ مُنْفَصِلًا كَالْخَرِيطَةِ وَهِيَ الْكِيسُ وَنَحْوُهَا؛ لِأَنَّ الْمُتَّصِلَ بِالْمُصْحَفِ مِنْهُ حَتَّى يَدْخُلَ فِي بَيْعِهِ بِلَا ذِكْرٍ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْجِلْدُ الْمُشَرَّزُ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْكَافِي، وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ فِي الْهِدَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَزَادَ فِي السِّرَاجِ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّعْظِيمِ. قَالَ: وَالْخِلَافُ فِيهِ جَارٍ فِي الْكُمِّ أَيْضًا. فَفِي الْمُحِيطِ لَا يُكْرَهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْكَافِي مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْمَسَّ اسْمٌ لِلْمُبَاشَرَةِ بِالْيَدِ بِلَا حَائِلٍ. وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ، وَعَزَاهُ فِي الْخُلَاصَةِ إلَى عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، فَهُوَ مُعَارِضٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ فَكَانَ هُوَ أَوْلَى. اهـ. أَقُولُ: بَلْ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْكُمِّ اتِّفَاقِيٌّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مَسُّهُ بِبَعْضِ ثِيَابِ الْبَدَنِ غَيْرِ الْكُمِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْفَتَاوَى. وَفِيهِ قَالَ لِي بَعْضُ الْإِخْوَانِ: أَيَجُوزُ بِالْمِنْدِيلِ الْمَوْضُوعِ عَلَى الْعُنُقِ؟ قُلْت: لَا أَعْلَمُ فِيهِ نَقْلًا. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا تَحَرَّكَ طَرَفُهُ بِحَرَكَتِهِ لَا يَجُوزُ وَإِلَّا جَازَ، لِاعْتِبَارِهِمْ إيَّاهُ تَبَعًا لَهُ كَبَدَنِهِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فِيمَا لَوْ صَلَّى وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ بِطَرَفِهَا الْمُلْقَى نَجَاسَةٌ مَانِعَةٌ، وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ وَالْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِصُرَّةٍ) رَاجِعٌ لِلدِّرْهَمِ، وَالْمُرَادُ بِالصُّرَّةِ مَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ ثِيَابِهِ التَّابِعَةِ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَحَلَّ قَلْبُهُ بِعُودٍ) أَيْ تَقْلِيبُ أَوْرَاقِ الْمُصْحَفِ بِعُودٍ وَنَحْوِهِ لِعَدَمِ صِدْقِ الْمَسِّ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ) هَذَا لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي الْأَصْغَرِ، وَأَمَّا فِي الْأَكْبَرِ فَالْأَعْضَاءُ كُلُّهَا أَعْضَاءُ طَهَارَةٍ ط أَيْ فَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُحْدِثِ لَا فِي الْجُنُبِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ يَحِلُّ جَمِيعَ أَعْضَائِهِ. (قَوْلُهُ: وَبِمَا غُسِلَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَعْضَاءِ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي تَجَزِّي الطَّهَارَةِ وَعَدَمِهِ فِي حَقِّ غَيْرِ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: وَالْمَنْعُ أَصَحُّ) كَذَا فِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُقَابِلَ صَحِيحٌ يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ بِهِ ط، لَكِنْ فِي السِّرَاجِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ لَا تَرْتَفِعُ جَنَابَتُهُ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ فَلَيْسَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ عَلَى بَابِهِ . (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَحِلُّ الْعَيْنَ) تَقَدَّمَ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْجَنَابَةَ تَحِلُّهَا وَسَقَطَ غُسْلُهَا لِلْحَرَجِ ط وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلَّلَ بِعَدَمِ الْمَسِّ كَمَا قَالَ ح؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي النَّظَرِ إلَّا الْمُحَاذَاةُ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ الْمَنْفِيَّةِ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ لَا مُطْلَقَ الْكَرَاهَةِ. (قَوْلُهُ: مَنْدُوبٌ) فَقَدْ نَصَّ فِي أَذَانِ الْهِدَايَةِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَرْجِعُ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ) أَيْ فَلِذَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَيْ تَحْرِيمًا، وَقَصَدَ بِذَلِكَ الرَّدَّ عَلَى قَوْلِ الْبَحْرِ، وَتَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ لَا يُوجِبُ كَرَاهَةً وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي مَنْدُوبَاتِ الْوُضُوءِ . (قَوْلُهُ: وَلَا يُكْرَهُ مَسُّ صَبِيٍّ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يُكْرَهُ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَتْرُكَهُ يَمَسُّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَآهُ يَشْرَبُ خَمْرًا مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ تَرْكُهُ. (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ) أَيْ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَدْفَعَ الْبَالِغُ الْمُتَطَهِّرُ الْمُصْحَفَ إلَى الصَّبِيِّ، وَلَا يُتَوَهَّمُ جَوَازُهُ مَعَ وُجُودِ حَدَثِ الْبَالِغِ ح. (قَوْلُهُ: لِلضَّرُورَةِ) لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِ الصِّبْيَانِ وَأَمْرِهِمْ بِالْوُضُوءِ حَرَجًا بِهِمْ، وَفِي تَأْخِيرِهِ إلَى الْبُلُوغِ تَقْلِيلُ حِفْظِ الْقُرْآنِ دُرَرٌ قَالَ ط وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي مَنْعَ الدَّفْعِ وَالطَّلَبِ مِنْ الصَّبِيِّ إذْ لَمْ يَكُنْ مُعَلِّمًا. (قَوْلُهُ: إذْ الْحِفْظُ إلَخْ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 (وَيُكْرَهُ لَهُ قِرَاءَةُ تَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ وَزَبُورٍ) لِأَنَّ الْكُلَّ كَلَامُ اللَّهِ وَمَا بُدِّلَ مِنْهَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ. وَجَزَمَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِالْحُرْمَةِ وَخَصَّهَا فِي النَّهْرِ بِمَا لَمْ يُبْدَلْ (لَا) قِرَاءَةَ (قُنُوتٍ) وَلَا أَكْلَهُ وَشُرْبَهُ بَعْدَ غَسْلِ يَدٍ وَفَمٍ، وَلَا مُعَاوَدَةَ   [رد المحتار] تَنْوِيرٌ عَلَى دَعْوَى الضَّرُورَةِ الْمُبِيحَةِ لِتَعْجِيلِ الدَّفْعِ قَبْلَ الْكِبَرِ، وَقَوْلُهُ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ: أَيْ مِنْ حَيْثُ الثَّبَاتُ وَالْبَقَاءُ. قَالَ الشَّارِحُ فِي الْخَزَائِنِ وَهَذَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ، لَكِنْ بِلَفْظِ «الْعِلْمُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ» وَمِمَّا أَنْشَدَ نِفْطَوَيْهِ لِنَفْسِهِ: أَرَانِي أَنْسَى مَا تَعَلَّمْت فِي الْكِبَرْ ... وَلَسْت بِنَاسٍ مَا تَعَلَّمْت فِي الصِّغَرْ وَمَا الْعِلْمُ إلَّا بِالتَّعَلُّمِ فِي الصِّبَا ... وَمَا الْحِلْمُ إلَّا بِالتَّحَلُّمِ فِي الْكِبَرْ وَمَا الْعِلْمُ بَعْدَ الشَّيْبِ إلَّا تَعَسُّفٌ ... إذَا كَلَّ قَلْبُ الْمَرْءِ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرْ وَلَوْ فَلَقَ الْقَلْبَ الْمُعَلِّمُ فِي الصِّبَا ... لَأَبْصَرَ فِيهِ الْعِلْمَ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرْ اهـ فَتَّالٍ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) حَيْثُ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَكْتُبَ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَاسِّ لِلْقُرْآنِ حِلْيَةٌ عَنْ الْمُحِيطِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَاسٌّ بِالْقَلَمِ وَهُوَ وَاسِطَةٌ مُنْفَصِلَةٌ فَكَانَ كَثَوْبٍ مُنْفَصِلٍ إلَّا أَنْ يَمَسَّهُ بِيَدِهِ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي إلَخْ) يُؤْخَذُ هَذَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ، وَوَفَّقَ ط بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِمَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ مِنْ أَصْلِهِ بِحَمْلِ قَوْلِ الثَّانِي عَلَى الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ، وَقَوْلُ الثَّالِثِ عَلَى التَّنْزِيهِيَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَحَبُّ إلَيَّ إلَخْ. (قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيفَةِ) قَيَّدَ بِهَا؛ لِأَنَّ نَحْوَ اللَّوْحِ لَا يُعْطَى حُكْمُ الصَّحِيفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إلَّا مَسُّ الْمَكْتُوبِ مِنْهُ ط. (قَوْلُهُ: قَالَهُ الْحَلَبِيُّ) هُوَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ صَاحِبُ مَتْنِ الْمُلْتَقَى وَشَارِحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ لَهُ إلَخْ) الْأَوْلَى لَهُمْ أَيْ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ. هَذَا، وَصَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: لَكِنَّ الصَّحِيحَ الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّ مَا بُدِّلَ مِنْهُ بَعْضٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَمَا لَمْ يُبْدَلْ غَالِبٌ وَهُوَ وَاجِبُ التَّعْظِيمِ وَالصَّوْنِ. وَإِذَا اجْتَمَعَ الْمُحَرِّمُ وَالْمُبِيحُ غَلَبَ الْمُحَرِّمُ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» وَبِهَذَا ظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ قَالَ يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنَّهُ مُجَازَفَةٌ عَظِيمَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُخْبِرْنَا بِأَنَّهُمْ بَدَّلُوهَا عَنْ آخِرِهَا وَكَوْنُهُ مَنْسُوخًا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى كَالْآيَاتِ الْمَنْسُوخَةِ مِنْ الْقُرْآنِ. اهـ. وَاخْتَارَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ نُهِينَا عَنْ النَّظَرِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا سَوَاءٌ نَقَلَهَا إلَيْنَا الْكُفَّارُ أَوْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ. (قَوْلُهُ: بِمَا لَمْ يُبْدَلْ) أَمَّا مَا عُلِمَ أَنَّهُ مُبْدَلٌ لَوْ كَتَبَ وَحْدَهُ يَجُوزُ مَسُّهُ كَزَعْمِهِمْ أَنَّ مِنْ التَّوْرَاةِ هَذِهِ شَرِيعَةٌ مُؤَبَّدَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ قِيلَ أَوَّلُ مَنْ اخْتَلَقَهُ لِلْيَهُودِ ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ لِيُعَارِضَ بِهِ دَعْوَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَوْلُهُ: لَا قِرَاءَةَ قُنُوتٍ) هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةَ الْقُرْآنِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّ أُبَيًّا جَعَلَهُ سُورَتَيْنِ مِنْ الْقُرْآنِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ سُورَةً، وَمِنْ هُنَا إلَى آخِرِهِ أُخْرَى لَكِنْ الْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ قَطْعًا وَيَقِينًا بِالْإِجْمَاعِ فَلَا شُبْهَةَ تُوجِبُ الِاحْتِيَاطَ الْمَذْكُورَ، نَعَمْ يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ غَسْلِ يَدٍ وَفَمٍ) أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا يَنْبَغِي؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَارِبًا لِلْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا وَيَدُهُ لَا تَخْلُو مِنْ النَّجَاسَةِ فَيَنْبَغِي غَسْلُهَا ثُمَّ يَأْكُلُ، بَدَائِعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 أَهْلِهِ قَبْلَ اغْتِسَالِهِ إلَّا إذَا احْتَلَمَ لَمْ يَأْتِ أَهْلَهُ. قَالَ الْحَلَبِيُّ: ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ إنَّمَا يُفِيدُ النَّدْبَ لَا نَفْيَ الْجَوَازِ الْمُفَادِ مِنْ كَلَامِهِ. (وَالتَّفْسِيرُ كَمُصْحَفٍ لَا الْكُتُبُ الشَّرْعِيَّةُ) فَإِنَّهُ رَخَّصَ مَسَّهَا بِالْيَدِ لَا التَّفْسِيرِ كَمَا فِي الدُّرَرِ عَنْ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى. وَفِي السِّرَاجِ: الْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَأْخُذَ الْكُتُبَ الشَّرْعِيَّةَ بِالْكُمِّ أَيْضًا تَعْظِيمًا، لَكِنْ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ قَاعِدَةِ: إذَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ رُجِّحَ الْحَرَامُ.   [رد المحتار] وَفِي الْخِزَانَةِ وَإِنْ تَرَكَ لَا يَضُرُّهُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا بَأْسَ بِهِ. وَفِيهَا، وَاخْتُلِفَ فِي الْحَائِضِ، قِيلَ كَالْجُنُبِ، وَقِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهَا؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ لَا يُزِيلُ نَجَاسَةَ الْحَيْضِ عَنْ الْفَمِ وَالْيَدِ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَأْتِ أَهْلَهُ) أَيْ مَا لَمْ يَغْتَسِلْ لِئَلَّا يُشَارِكَهُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَفَادَهُ رُكْنُ الْإِسْلَامِ. وَفِي الْبُسْتَانِ قَالَ ابْنُ الْمُقَنَّعِ، يَأْتِي الْوَلَدُ مَجْنُونًا أَوْ بَخِيلًا إسْمَاعِيلُ. (قَوْلُهُ: قَالَ الْحَلَبِيُّ إلَخْ) هُوَ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ أَمِيرِ الْحَاجِّ الْحَلَبِيُّ شَارِحُ الْمُنْيَةِ وَالتَّحْرِيرِ الْأُصُولِيِّ. (قَوْلُهُ: ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ إلَخْ) يُشْعِرُ بِأَنَّهُ وَرَدَتْ فِي الِاحْتِلَامِ أَحَادِيثُ وَالْحَالُ أَنَّا لَمْ نَقِفْ فِيهِ عَلَى حَدِيثٍ وَاحِدٍ. وَاَلَّذِي وَرَدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَارَ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ» وَوَرَدَ «أَنَّهُ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ وَاغْتَسَلَ عِنْدَ هَذِهِ وَعِنْدَ هَذِهِ» فَقُلْنَا بِاسْتِحْبَابِهِ. وَأَمَّا الِاحْتِلَامُ فَلَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، عَلَى أَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْفِعْلِ مُحَالٌ؛ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ مَعْصُومُونَ عَنْهُ، غَايَةُ مَا يُقَالُ إنَّهُ لَمَّا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ لِمَنْ أَرَادَ الْمُعَاوَدَةَ عُلِمَ اسْتِحْبَابُهُ لِلْجُنُبِ إذَا أَرَادَ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجَنَابَةُ مِنْ الْجِمَاعِ أَوْ الِاحْتِلَامِ. اهـ. نُوحٌ أَفَنْدِي وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ، إلَّا أَنَّ عِبَارَةَ الْحَلَبِيِّ لَيْسَ فِيهَا اسْتِدْلَالٌ بِالْأَحَادِيثِ عَلَى النَّدْبِ، وَإِنَّمَا نَفْيُ الدَّلِيلِ عَلَى الْوُجُوبِ وَالشَّارِحُ تَابَعَ صَاحِبَ الْبَحْرِ فِي عَزْوِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ إلَيْهِ، وَنَصُّ عِبَارَةِ الْحَلَبِيِّ فِي الْحِلْيَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ جُمْلَةَ أَحَادِيثَ: فَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْمُعَاوَدَةَ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ وَلَا غُسْلٍ بَيْنَ الْجِمَاعَيْنِ أَمْرٌ جَائِزٌ، وَأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا الْغُسْلُ أَوْ الْوُضُوءُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ الْفَرْعَ الْمَذْكُورَ عَنْ الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ إلَّا إذَا احْتَلَمَ لَمْ يَأْتِ أَهْلَهُ، هَذَا إنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى النَّدْبِ غَرِيبٌ ثُمَّ لَا دَلِيلَ فِيمَا يَظْهَرُ يَدُلُّ عَلَى الْحُرْمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ كَلَامِهِ) أَيْ كَلَامِ الْمُبْتَغَى وَلَيْسَ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ هَذَا الضَّمِيرُ. (قَوْلُهُ: وَالتَّفْسِيرُ كَمُصْحَفٍ) ظَاهِرَةُ حُرْمَةُ الْمَسِّ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّشْبِيهِ وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا نَصَّ فِيهِ بِخِلَافِ الْمُصْحَفِ، فَالْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِالْكَرَاهَةِ كَمَا عَبَّرَ غَيْرُهُ. (قَوْلُهُ: لَا الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَيُكْرَهُ مَسُّ الْمُحْدِثِ الْمُصْحَفَ كَمَا يُكْرَهُ لِلْجُنُبِ، وَكَذَا كُتُبُ الْأَحَادِيثِ وَالْفِقْهِ عِنْدَهُمَا. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ عِنْدَهُ. اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّهُ لَا يُسَمَّى مَاسًّا لِلْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ مَا فِيهَا مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ التَّابِعِ اهـ وَمَشَى فِي الْفَتْحِ عَلَى الْكَرَاهَةِ فَقَالَ: قَالُوا: يُكْرَهُ مَسُّ كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَالسُّنَنِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَمْنَعُ مِنْ شُرُوحِ النَّحْوِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْأَشْبَاهِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالتَّفْسِيرُ كَمُصْحَفٍ، فَإِنَّ مَا فِي الْأَشْبَاهِ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ مَسِّ التَّفْسِيرِ، فَهُوَ كَسَائِرِ الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ، بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا، وَقَدْ صَرَّحَ بِجَوَازِهِ أَيْضًا فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ. وَفِي السِّرَاجِ عَنْ الْإِيضَاحِ أَنَّ كُتُبَ التَّفْسِيرِ لَا يَجُوزُ مَسُّ مَوْضِعِ الْقُرْآنِ مِنْهَا، وَلَهُ أَنْ يَمَسَّ غَيْرَهُ وَكَذَا كُتُبُ الْفِقْهِ إذَا كَانَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ، بِخِلَافِ الْمُصْحَفِ فَإِنَّ الْكُلَّ فِيهِ تَبَعٌ لِلْقُرْآنِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّفْسِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُقْتَضَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ مَنْ أَثْبَتَهَا حَتَّى فِي التَّفْسِيرِ نَظَرَ إلَى مَا فِيهَا مِنْ الْآيَاتِ، وَمَنْ نَفَاهَا نَظَرَ إلَى أَنَّ الْأَكْثَرَ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَهَذَا يَعُمُّ التَّفْسِيرَ أَيْضًا، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْقُرْآنَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ اهـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 وَقَدْ جَوَّزَ أَصْحَابُنَا مَسَّ كُتُبِ التَّفْسِيرِ لِلْمُحْدِثِ، وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَ كَوْنِ الْأَكْثَرِ تَفْسِيرًا أَوْ قُرْآنًا، وَلَوْ قِيلَ بِهِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ لَكَانَ حَسَنًا قُلْت: لَكِنَّهُ يُخَالِفُ مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ. [فُرُوعٌ] الْمُصْحَفُ إذَا صَارَ بِحَالٍ لَا يُقْرَأُ فِيهِ يُدْفَنُ كَالْمُسْلِمِ، وَيُمْنَعُ النَّصْرَانِيُّ مِنْ مَسِّهِ، وَجَوَّزَهُ مُحَمَّدٌ إذَا اغْتَسَلَ وَلَا بَأْسَ بِتَعْلِيمِهِ الْقُرْآنَ وَالْفِقْهَ عَسَى يَهْتَدِي. وَيُكْرَهُ وَضْعُ الْمُصْحَفِ تَحْتَ رَأْسِهِ إلَّا لِلْحِفْظِ وَالْمِقْلَمَةِ عَلَى الْكِتَابِ إلَّا لِلْكِتَابَةِ. وَيُوضَعُ النَّحْوُ ثُمَّ التَّعْبِيرُ   [رد المحتار] أَيْ فَيُكْرَهُ مَسُّهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ، كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلدُّرَرِ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَكَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَالتُّحْفَةِ فَتَلَخَّصَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ - قَالَ ط: وَمَا فِي السِّرَاجِ أَوْفَقُ بِالْقَوَاعِدِ. اهـ. أَقُولُ: الْأَظْهَرُ وَالْأَحْوَطُ الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَيْ كَرَاهَتُهُ فِي التَّفْسِيرِ دُونَ غَيْرِهِ لِظُهُورِ الْفَرْقِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ فِي التَّفْسِيرِ أَكْثَرُ مِنْهُ فَيُغَيِّرُهُ، وَذِكْرُهُ فِيهِ مَقْصُودٌ اسْتِقْلَالًا لَا تَبَعًا، فَشَبَهُهُ بِالْمُصْحَفِ أَقْرَبُ مِنْ شَبَهِهِ بِبَقِيَّةِ الْكُتُبِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي التَّفْسِيرِ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ الْقُرْآنُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَبَعْضِ نُسَخِ الْكَشَّافِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قِيلَ بِهِ) أَيْ بِهَذَا التَّفْصِيلِ، بِأَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ لَا يُكْرَهُ، وَإِنْ كَانَ الْقُرْآنُ أَكْثَرَ يُكْرَهُ. وَالْأَوْلَى إلْحَاقُ الْمُسَاوَاةِ بِالثَّانِي، وَهَذَا التَّفْصِيلُ رُبَّمَا يُشِيرُ إلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ النَّهْرِ، وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ. (قَوْلُهُ: قُلْت لَكِنَّهُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ قِيلَ بِهِ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَا مَرَّ فِي الْمَتْنِ مُطْلَقٌ، فَتَقْيِيدُ الْكَرَاهَةِ بِمَا إذَا كَانَ الْقُرْآنُ أَكْثَرَ مُخَالِفٍ لَهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْرَاكَ غَيْرُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ عَلَى كَرَاهَةِ مَسِّ التَّفْسِيرِ وَهَذَا عَلَى تَقْيِيدِ الْكَرَاهَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: فَتَدَبَّرْ) لَعَلَّهُ يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ ادِّعَاءُ تَقْيِيدِ إطْلَاقِ الْمَتْنِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ، فَلَا يُنَافِي دَعْوَى التَّفْصِيلِ. (قَوْلُهُ: يُدْفَنُ) أَيْ يُجْعَلُ فِي خِرْقَةٍ طَاهِرَةٍ وَيُدْفَنُ فِي مَحَلٍّ غَيْرِ مُمْتَهَنٍ لَا يُوطَأُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَدَ لَهُ وَلَا يُشَقُّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ، وَفِي ذَلِكَ نَوْعُ تَحْقِيرٍ إلَّا إذَا جُعِلَ فَوْقَهُ سَقْفٌ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ التُّرَابُ إلَيْهِ فَهُوَ حَسَنٌ أَيْضًا اهـ. وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْكُتُبِ فَسَيَأْتِي فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ أَنَّهُ يُمْحَى عَنْهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَيُحْرَقُ الْبَاقِي وَلَا بَأْسَ بِأَنْ تُلْقَى فِي مَاءٍ جَارٍ كَمَا هِيَ أَوْ تُدْفَنُ وَهُوَ أَحْسَنُ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَالْمُسْلِمِ) فَإِنَّهُ مُكْرَمٌ، وَإِذَا مَاتَ وَعُدِمَ نَفْعُهُ يُدْفَنُ وَكَذَلِكَ الْمُصْحَفُ، فَلَيْسَ فِي دَفْنِهِ إهَانَةٌ لَهُ، بَلْ ذَلِكَ إكْرَامٌ خَوْفًا مِنْ الِامْتِهَانِ. (قَوْلُهُ: وَيُمْنَعُ النَّصْرَانِيُّ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْكَافِرُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ الْحَرْبِيُّ أَوْ الذِّمِّيُّ. (قَوْلُهُ: مِنْ مَسِّهِ) أَيْ الْمُصْحَفِ بِلَا قَيْدِهِ السَّابِقِ. (قَوْلُهُ: وَجَوَّزَهُ مُحَمَّدٌ إذَا اغْتَسَلَ) جَزَمَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَعِنْدَهُمَا يُمْنَعُ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ وَضْعُ الْمُصْحَفِ إلَخْ) وَهَلْ التَّفْسِيرُ وَالْكُتُبُ الشَّرْعِيَّةُ كَذَلِكَ؟ يُحَرَّرُ ط. أَقُولُ: الظَّاهِرُ نَعَمْ كَمَا تُفِيدُهُ الْمَسْأَلَةُ التَّالِيَةُ، ثُمَّ رَأَيْته فِي كَرَاهِيَةِ الْعَلَامِيِّ. (قَوْلُهُ: إلَّا لِلْحِفْظِ) أَيْ حِفْظِهِ مِنْ سَارِقٍ وَنَحْوِهِ. [تَنْبِيهٌ] سُئِلَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَمَّنْ اُضْطُرَّ إلَى مَأْكُولٍ وَلَا يَتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِوَضْعِ الْمُصْحَفِ تَحْتَ رِجْلِهِ. فَأَجَابَ: الظَّاهِرُ الْجَوَازُ لِأَنَّ حِفْظَ الرُّوحِ مُقَدَّمٌ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ؛ وَلِذَا لَوْ أَشْرَفَتْ سَفِينَةٌ عَلَى الْغَرَقِ وَاحْتِيجَ إلَى الْإِلْقَاءِ أُلْقِيَ الْمُصْحَفُ حِفْظًا لِلرُّوحِ وَالضَّرُورَةُ تَمْنَعُ كَوْنَهُ امْتِهَانًا كَمَا لَوْ اُضْطُرَّ إلَى السُّجُودِ لِصَنَمٍ حِفْظًا لِرُوحِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْمِقْلَمَةِ) أَيْ الدَّوَاةِ. (قَوْلُهُ: إلَّا لِلْكِتَابَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْوَضْعِ. (قَوْلُهُ: وَيُوضَعُ إلَخْ) أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْأَوْلَوِيَّةِ رِعَايَةً لِلتَّعْظِيمِ. (قَوْلُهُ: النَّحْوُ) أَيْ كُتُبُهُ وَاللُّغَةُ مِثْلُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ التَّعْبِيرُ) أَيْ تَعْبِيرُ الرُّؤْيَا كَابْنِ سِيرِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 ثُمَّ الْكَلَامُ ثُمَّ الْفِقْهُ ثُمَّ الْأَخْبَارُ وَالْمَوَاعِظُ ثُمَّ التَّفْسِيرُ. تُكْرَهُ إذَابَةُ دِرْهَمٍ عَلَيْهِ آيَةٌ إلَّا إذَا كَسَرَهُ رُقْيَةً فِي غِلَافٍ مُتَجَافٍ لَمْ يُكْرَهْ دُخُولُ الْخَلَاءِ بِهِ، وَالِاحْتِرَازُ أَفْضَلُ. يَجُوزُ رَمْيُ بُرَايَةِ الْقَلَمِ الْجَدِيدِ، وَلَا تُرْمَى بُرَايَةُ الْقَلَمِ الْمُسْتَعْمَلِ لِاحْتِرَامِهِ كَحَشِيشِ الْمَسْجِدِ وَكُنَاسَتِهِ لَا يُلْقَى فِي مَوْضِعٍ يُخِلُّ بِالتَّعْظِيمِ. وَلَا يَجُوزُ لَفُّ شَيْءٍ فِي كَاغَدٍ فِيهِ فِقْهٌ، وَفِي كُتُبِ الطِّبِّ يَجُوزُ، وَلَوْ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ أَوْ الرَّسُولِ فَيَجُوزُ مَحْوُهُ لِيُلَفَّ فِيهِ شَيْءٌ، وَمَحْوُ بَعْضِ الْكِتَابَةِ بِالرِّيقِ يَجُوزُ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ فِي مَحْوِ اسْمِ اللَّهِ بِالْبُزَاقِ، وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْقُرْآنُ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ» . يَجُوزُ قُرْبَانُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتٍ فِيهِ مُصْحَفٌ مَسْتُورٌ. بِسَاطٌ أَوْ غَيْرُهُ كُتِبَ عَلَيْهِ الْمُلْكُ لِلَّهِ يُكْرَهُ بَسْطُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ لَا تَعْلِيقُهُ لِلزِّينَةِ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْرَهَ كَلَامُ النَّاسِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: يُكْرَهُ مُجَرَّدُ الْحُرُوفِ وَالْأَوَّلُ أَوْسَعُ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، وَكَرَاهِيَةُ الْقُنْيَةِ.   [رد المحتار] وَابْنِ شَاهِينَ لِأَفْضَلِيَّتِهِ لِكَوْنِهِ تَفْسِيرًا لِمَا هُوَ جَزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ وَهُوَ الرُّؤْيَا ط. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْفِقْهُ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ مُعْظَمَ أَدِلَّتِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَيَكْثُرُ فِيهِ ذِكْرُ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ، بِخِلَافِ عِلْمِ الْكَلَامِ فَإِنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالسَّمْعِيَّاتِ مِنْهُ فَقَطْ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْأَخْبَارُ وَالْمَوَاعِظُ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: الْأَخْبَارُ وَالْمَوَاعِظُ وَالدَّعَوَاتُ الْمَرْوِيَّةُ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَرْوِيَّةَ صِفَةٌ لِلْكُلِّ أَيْ الْمَرْوِيَّةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَوْلُهُ: ثُمَّ التَّفْسِيرُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالتَّفْسِيرُ فَوْقَ ذَلِكَ، وَالتَّفْسِيرُ الَّذِي فِيهِ آيَاتٌ مَكْتُوبَةٌ فَوْقَ كُتُبِ الْقِرَاءَةِ. زَادَ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْحَاوِي وَالْمُصْحَفُ فَوْقَ الْجَمِيعِ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَسَرَهُ) فَحِينَئِذٍ لَا يُكْرَهُ، كَمَا لَا يُكْرَهُ مَسُّهُ لِتَفَرُّقِ الْحُرُوفِ أَوْ لِأَنَّ الْبَاقِيَ دُونَ آيَةٍ. (قَوْلُهُ: رُقْيَةٌ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مَا يُسَمُّونَهُ الْآنَ بِالْهَيْكَلِ وَالْحَمَائِلِيِّ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ، فَإِذَا كَانَ غِلَافُهُ مُنْفَصِلًا عَنْهُ كَالْمُشَمَّعِ وَنَحْوِهِ جَازَ دُخُولُ الْخَلَاءِ بِهِ وَمَسُّهُ وَحَمْلُهُ لِلْجُنُبِ. وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ مَا كُتِبَ مِنْ الْآيَاتِ بِنِيَّةِ الدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا، بِخِلَافِ قِرَاءَتِهِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ فَالنِّيَّةُ تَعْمَلُ فِي تَغْيِيرِ الْمَنْطُوقِ لَا الْمَكْتُوبِ اهـ مِنْ شَرْحِ سَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ. (قَوْلُهُ: لِاحْتِرَامِهِ) أَيْ بِسَبَبِ مَا كُتِبَ بِهِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوِهَا، عَلَى أَنَّ الْحُرُوفَ فِي ذَاتِهَا لَهَا احْتِرَامٌ. (قَوْلُهُ: لَا يُلْقَى) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحَشِيشِ وَالْكُنَاسَةِ. (قَوْلُهُ: فِي كَاغَدٍ) هُوَ الْقِرْطَاسِ مُعَرَّبًا قَامُوسٌ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمِصْبَاحِ. (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ مَحْوُهُ) الْمَحْوُ: إذْهَابُ الْأَثَرِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. قَالَ ط: وَهَلْ إذَا طَمَسَ الْحُرُوفَ بِنَحْوِ حِبْرٍ يُعَدُّ مَحْوًا يُحَرَّرُ. (قَوْلُهُ: وَمَحْوُ بَعْضِ الْكِتَابَةِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ قُرْآنًا، وَقَيَّدَ بِالْبَعْضِ لِإِخْرَاجِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ط. (قَوْلُهُ: وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ إلَخْ) فَهُوَ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا؛ وَأَمَّا لَعْقُهُ بِلِسَانِهِ وَابْتِلَاعُهُ فَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ ط. (قَوْلُهُ: وَمَنْ فِيهِنَّ) ظَاهِرُهُ يَعُمُّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْمَسْأَلَةُ ذَاتُ خِلَافٍ وَالْأَحْوَطُ الْوَقْفُ، وَعَبَّرَ بِمَنْ الْمَوْضُوعَةِ لِلْعَاقِلِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ تَبَعٌ لَهُ، وَلَعَلَّ ذِكْرَ هَذَا الْحَدِيثِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْقُرْآنَ يُلْحَقُ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي النَّهْيِ عَنْ مَحْوِهِ بِالْبُزَاقِ، فَيُخَصُّ قَوْلُهُ وَمَحْوُ بَعْضِ الْكِتَابَةِ إلَخْ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ أَيْضًا، فَلْيُتَأَمَّلْ ط. (قَوْلُهُ: مَسْتُورٌ) ظَاهِرُهُ عَدَمُ جَوَازِهِ إذَا لَمْ يُشْتَرَطُ. أَقُولُ: وَعِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ: وَلَا بَأْسَ بِالْخَلْوَةِ وَالْمُجَامَعَةِ فِي بَيْتٍ فِيهِ مُصْحَفٌ؛ لِأَنَّ بُيُوتَ الْمُسْلِمِينَ لَا تَخْلُو مِنْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ اُسْتُعْمِلَ أَوْ عُلِّقَ. (قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ وَقِيلَ يُكْرَهُ حَتَّى الْحُرُوفُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 قُلْت: وَظَاهِرُ انْتِفَاءِ الْكَرَاهَةِ بِمُجَرَّدِ تَعْظِيمِهِ وَحِفْظِهِ عُلِّقَ أَوْ لَا زُيِّنَ بِهِ أَوْ لَا، وَهَلْ مَا يُكْتَبُ عَلَى الْمَرَاوِحِ وَجُدُرِ الْجَوَامِعِ كَذَا يُحَرَّرُ. بَابُ الْمِيَاهِ جَمْعُ مَاءٍ بِالْمَدِّ وَيُقْصَرُ، أَصْلُهُ مَوَهَ قُلِبَتْ الْوَاوُ أَلِفًا وَالْهَاءُ هَمْزَةً، وَهُوَ جِسْمٌ لَطِيفٌ سَيَّالٌ بِهِ حَيَاةُ كُلِّ نَامٍّ (يَرْفَعُ الْحَدَثَ) مُطْلَقًا (بِمَاءٍ مُطْلَقٍ) هُوَ مَا يَتَبَادَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (كَمَاءِ سَمَاءٍ وَأَوْدِيَةٍ وَعُيُونٍ وَآبَارٍ وَبِحَارٍ وَثَلْجٍ مُذَابٍ) بِحَيْثُ يَتَقَاطَرُ وَبَرَدٍ وَجَمْدٍ وَنَدًا، هَذَا تَقْسِيمٌ بِاعْتِبَارِ مَا يُشَاهَدُ وَإِلَّا فَالْكُلُّ مِنْ السَّمَاءِ {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [الحج: 63] الْآيَةَ، وَالنَّكِرَةُ   [رد المحتار] الْمُفْرَدَةُ. وَرَأَى بَعْضُ الْأَئِمَّةِ شُبَّانًا يَرْمُونَ إلَى هَدَفٍ كُتِبَ فِيهِ أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ فَنَهَاهُمْ عَنْهُ، ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ وَقَدْ قَطَّعُوا الْحُرُوفَ فَنَهَاهُمْ أَيْضًا وَقَالَ: إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ فِي الِابْتِدَاءِ لِأَجْلِ الْحُرُوفِ فَإِذًا يُكْرَهُ مُجَرَّدُ الْحُرُوفِ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَحْسَنُ وَأَوْسَعُ. اهـ. قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ: وَلِعُلُوجِهِ ذَلِكَ أَنَّ حُرُوفَ الْهِجَاءِ قُرْآنٌ نَزَلْت عَلَى هُودٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْإِمَامُ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي كِتَابِهِ [الْإِشَارَاتُ فِي عِلْمِ الْقِرَاءَاتِ] اهـ. (قَوْلُهُ: قُلْت وَظَاهِرُهُ إلَخْ) كَذَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَيْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا تَعْلِيقُهُ لِلزِّينَةِ. (قَوْلُهُ: يُحَرَّرُ) أَقُولُ: فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَتُكْرَهُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالْمَحَارِيبِ وَالْجُدْرَانِ وَمَا يُفْرَشُ. اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْمِيَاهِ] شُرُوعٌ فِي بَيَانِ مَا تَحْصُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ السَّابِقُ بَيَانُهَا وَالْبَابُ لُغَةً: مَا يُتَوَصَّلُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ. وَاصْطِلَاحًا: اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْعِلْمِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى فُصُولٍ وَمَسَائِلَ غَالِبًا. (قَوْلُهُ: جَمْعُ مَاءٍ) هُوَ جَمْعُ كَثْرَةٍ وَيُجْمَعُ جَمْعُ قِلَّةٍ عَلَى أَمْوَاهٍ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَيُقْصَرُ) أَشَارَ بِتَغْيِيرِ التَّعْبِيرِ إلَى قِلَّتِهِ وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ قَصْرُهُ ط. (قَوْلُهُ: وَالْهَاءُ هَمْزَةً) وَقَدْ تَبْقَى عَلَى حَالِهَا فَيُقَالُ مَاهَ بِالْهَاءِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. (قَوْلُهُ: بِهِ حَيَاةُ كُلِّ نَامٍ) أَيْ زَائِدٍ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ نَبَاتٍ وَلَا يُرَدُّ أَنَّ الْمَاءَ الْمِلْحَ لَيْسَ فِيهِ حَيَاةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَارِضٌ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْعُذُوبَةُ كَمَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ أَيْ لِأَنَّ أَصْلَهُ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ. (قَوْلُهُ: هُوَ مَا يَتَبَادَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ) أَيْ مَا يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ بِمُطْلَقِ قَوْلِنَا مَاءٌ وَلَمْ يَقُمْ بِهِ خَبَثٌ وَلَا مَعْنًى يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ فَخَرَجَ الْمَاءُ الْمُقَيَّدُ وَالْمَاءُ الْمُتَنَجِّسُ و َالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ بَحْرٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُتَنَجِّسَ وَالْمُسْتَعْمَلَ غَيْرُ مُقَيَّدٍ مَعَ أَنَّهُ مِنْهُ، لَكِنْ عِنْدَ الْعَالِمِ بِالنَّجَاسَةِ وَالِاسْتِعْمَالِ؛ وَلِذَا قَيَّدَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ التَّبَادُرَ بِقَوْلِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَالِمِ بِحَالِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ مَاءٍ لِأَخْذِ الْإِطْلَاقِ فِيهِ قَيْدًا؛ وَلِذَا صَحَّ إخْرَاجُ الْمُقَيَّدِ بِهِ. وَأَمَّا مُطْلَقُ مَاءٍ، فَمَعْنَاهُ أَيَّ مَاءٍ كَانَ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُقَيَّدُ الْمَذْكُورُ، وَلَا يَصِحُّ إرَادَتُهُ هُنَا. (قَوْلُهُ: كَمَاءِ سَمَاءٍ) الْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ بِخِلَافِ الْمَاءِ الْمُقَيَّدِ فَإِنَّ الْقَيْدَ لَازِمٌ لَهُ لَا يُطْلَقُ الْمَاءُ عَلَيْهِ بِدُونِهِ كَمَاءِ الْوَرْدِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَأَوْدِيَةٍ) جَمْعُ وَادٍ. (قَوْلُهُ: وَآبَارٍ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ بَعْدَهَا أَلِفٌ وَبِقَصْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ بَعْدَهُمَا هَمْزَةٌ مَمْدُودَةٌ بِأَلِفٍ جَمْعُ بِئْرٍ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يَتَقَاطَرُ) وَعَنْ الثَّانِي الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَالْأَصَحُّ قَوْلُهُمَا نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَبَرَدٍ وَجَمَدٍ) أَيْ مُذَابَيْنِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَنَدًا) بِالْفَتْحِ وَالْقَصْرِ. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: هُوَ الطَّلُّ، وَهُوَ مَاءٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ نَفَسُ دَابَّةٍ. اهـ. أَقُولُ: وَكَذَا الزُّلَالُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ جَوْفِ صُورَةٍ تُوجَدُ فِي نَحْوِ الثَّلْجِ كَالْحَيَوَانِ وَلَيْسَتْ بِحَيَوَانٍ، فَإِنْ تَحَقَّقَ كَانَ نَجَسًا؛ لِأَنَّهُ قَيْءٌ. اهـ. نَعَمْ لَا يَكُونُ نَجَسًا عِنْدَنَا مَا لَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهُ حَيَوَانًا دَمَوِيًّا أَمَّا رَفْعُ الْحَدَثِ بِهِ فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ دَمَوِيٍّ. (قَوْلُهُ: فَالْكُلُّ) أَيْ كُلُّ الْمِيَاهِ الْمَذْكُورَةِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. (قَوْلُهُ: وَالنَّكِرَةُ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وَلَوْ مُثْبَتَةً فِي مَقَامِ الِامْتِنَانِ تَعُمُّ (وَمَاءِ زَمْزَمَ) بِلَا كَرَاهَةٍ وَعَنْ أَحْمَدَ يُكْرَهُ (وَبِمَاءٍ قُصِدَ تَشْمِيسُهُ بِلَا كَرَاهَةٍ) وَكَرَاهَتُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ طِبِّيَّةٌ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ الْمُسَخَّنَ بِالنَّجَاسَةِ. (وَ) يُرْفَعُ (بِمَاءٍ يَنْعَقِدُ بِهِ مِلْحٌ لَا بِمَاءٍ) حَاصِلٍ بِذَوَبَانِ (مِلْحٍ) لِبَقَاءِ الْأَوَّلِ عَلَى طَبِيعَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ، وَانْقِلَابِ الثَّانِي إلَى طَبِيعَةِ الْمِلْحِيَّةِ (وَ) لَا (بِعَصِيرِ نَبَاتٍ) أَيْ مُعْتَصَرٍ مِنْ شَجَرٍ أَوْ ثَمَرٍ؛ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ (بِخِلَافِ مَا يَقْطُرُ   [رد المحتار] إنَّ مَاءً فِي الْآيَةِ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَلَا تَعُمُّ. وَبَيَانُ الْجَوَابِ أَنَّ النَّكِرَةَ فِي الْإِثْبَاتِ قَدْ تَعُمُّ لِقَرِينَةٍ لَفْظِيَّةٍ، كَمَا إذَا وُصِفَتْ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ مِثْلُ - {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ} [البقرة: 221]- أَوْ غَيْرُ لَفْظِيَّةٍ مِثْلُ - {عَلِمَتْ نَفْسٌ} [التكوير: 14]- وَمِثْلُ: تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ وَهُنَا كَذَلِكَ، فَإِنَّ السِّيَاقَ لِلِامْتِنَانِ هُوَ تَعْدَادُ النِّعَمِ مِنْ الْمُنْعِمِ، فَيُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ كُلَّ مَاءٍ فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ لَا بَعْضَ الْمَاءِ حَتَّى يُفِيدَ أَنَّ بَعْضَ مَا فِي الْأَرْضِ لَيْسَ مِنْ السَّمَاءِ؛ لِأَنَّ كَمَالَ الِامْتِنَانِ فِي الْعُمُومِ، وَيُسْتَدَلُّ بِالْآيَةِ أَيْضًا عَلَى طَهَارَتِهِ إذْ لَا مِنَّةَ بِالنَّجَسِ. (قَوْلُهُ: بِلَا كَرَاهَةٍ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى فَائِدَةِ التَّصْرِيحِ بِهِ مَعَ دُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ وَآبَارٍ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِمَاءِ زَمْزَمَ لَا الِاغْتِسَالُ. اهـ. فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ نَفْيَ الْكَرَاهَةِ خَاصٌّ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ بِخِلَافِ الْخَبَثِ. (قَوْلُهُ: قُصِدَ تَشْمِيسُهُ) قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ تَشَمَّسَ بِنَفْسِهِ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَكَرَاهَتُهُ إلَخْ) أَقُولُ: الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي شَرْحَيْ ابْنِ حَجَرٍ وَالرَّمْلِيِّ عَلَى الْمِنْهَاجِ أَنَّهَا شَرْعِيَّةٌ تَنْزِيهِيَّةٌ لَا طِبِّيَّةٌ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَاسْتِعْمَالُهُ يُخْشَى مِنْهُ الْبَرَصُ كَمَا صَحَّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُ مُحَقِّقِي الْأَطِبَّاءِ لِقَبْضِ زُهُومَتِهِ عَلَى مَسَامِّ الْبَدَنِ فَتَحْبِسُ الدَّمَ، وَذَكَرَ شُرُوطَ كَرَاهَتِهِ عِنْدَهُمْ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ بِقُطْرٍ حَارٍّ وَقْتَ الْحَرِّ فِي إنَاءٍ مُنْطَبِعٍ غَيْرِ نَقْدٍ، وَأَنْ يُسْتَعْمَلَ وَهُوَ حَارٌّ. أَقُولُ: وَقَدَّمْنَا فِي مَنْدُوبَاتِ الْوُضُوءِ عَنْ الْإِمْدَادِ أَنَّ مِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ بِمَاءٍ مُشْمَسٍ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْحِلْيَةِ مُسْتَدِلًّا بِمَا صَحَّ عَنْ عُمَرَ مِنْ النَّهْيِ عَنْهُ؛ وَلِذَا صَرَّحَ فِي الْفَتْحِ بِكَرَاهَتِهِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي الْقُنْيَةِ: وَتُكْرَهُ الطَّهَارَةُ بِالْمُشْمِسِ، «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حِينَ سَخَّنَتْ الْمَاءَ بِالشَّمْسِ لَا تَفْعَلِي يَا حُمَيْرَاءَ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ» وَعَنْ عُمَرَ مِثْلُهُ. وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُكْرَهُ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ. وَالشَّافِعِيُّ: يُكْرَهُ إنْ قَصَدَ تَشْمِيسَهُ. وَفِي الْغَايَةِ: وَكُرِهَ بِالْمُشْمَسِ فِي قُطْرٍ حَارٍّ فِي أَوَانٍ مُنْطَبِعَةٍ، وَاعْتِبَارُ الْقَصْدِ ضَعِيفٌ، وَعَدَمُهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ اهـ مَا فِي الْمِعْرَاجِ، فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُتَعَمَّدَ الْكَرَاهَةُ عِنْدَنَا لِصِحَّةِ الْأَثَرِ وَأَنَّ عَدَمَهَا رِوَايَةٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ عِنْدَنَا أَيْضًا، بِدَلِيلِ عَدِّهِ فِي الْمَنْدُوبَاتِ، فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ. (قَوْلُهُ: لِبَقَاءِ الْأَوَّلِ إلَخْ) هَذَا الْفَرْقُ أَبْدَاهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ بَعْدَمَا نَقَلَ الْأُولَى عَنْ عُيُونِ الْمَذَاهِبِ وَالثَّانِيَةَ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَاعْتَرَضَهُ مُحَشِّيهُ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي بِأَنَّ عِبَارَةَ الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءِ الْمِلْحِ لَا يَجُوزُ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ طَبْعِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَجْمُدُ صَيْفًا وَيَذُوبُ شِتَاءً. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَا يَجُوزُ بِمَاءِ الْمِلْحِ، وَهُوَ مَا يَجْمُدُ فِي الصَّيْفِ وَيَذُوبُ فِي الشِّتَاءِ عَكْسُ الْمَاءِ، وَأَقَرَّهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِمَاءِ الْمِلْحِ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ انْعَقَدَ مِلْحًا ثُمَّ ذَابَ أَوْ لَا؟ وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدِي اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: أَيْ مُعْتَصَرٍ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عَصِيرَ اسْمُ مَفْعُولٍ. (قَوْلُهُ: مِنْ شَجَرٍ) يَنْبَغِي أَنْ يَعُمَّ بِمَا لَهُ سَاقٌ أَوْ لَا، لِيَشْمَلَ الرِّيبَاسَ وَأَوْرَاقَ الْهِنْدَبَا وَغَيْرُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ إسْمَاعِيلَ. (قَوْلُهُ: أَوْ ثَمَرٍ) بِمُثَلَّثَةٍ نَهْرٌ كَالْعِنَبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 مِنْ الْكَرْمِ) أَوْ الْفَوَاكِهِ (بِنَفْسِهِ) فَإِنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَقِيلَ لَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ وَاعْتَمَدَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ فَقَالَ: وَالِاعْتِصَارُ يَعُمُّ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ كَمَاءِ الْكَرْمِ وَكَذَا مَاءُ الدَّابُوغَةِ وَالْبِطِّيخِ بِلَا اسْتِخْرَاجٍ وَكَذَا نَبِيذُ التَّمْرِ (وَ) لَا بِمَاءٍ (مَغْلُوبٍ بِ) شَيْءٍ (طَاهِرٍ) الْغَلَبَةُ إمَّا بِكَمَالِ الِامْتِزَاجِ بِتَشَرُّبِ نَبَاتٍ أَوْ بِطِّيخٍ بِمَا لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّنْظِيفُ، وَإِمَّا بِغَلَبَةِ الْمُخَالَطِ، فَلَوْ جَامِدًا فَبِثَخَانَةٍ مَا لَمْ يَزُلْ الِاسْمُ كَنَبِيذِ تَمْرٍ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي حَدِيثِ «لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ» . (قَوْلُهُ: مِنْ الْكَرْمِ) أَخْرَجَ السُّيُوطِيّ «لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ» زَادَ فِي رِوَايَةٍ «الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ» وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الْخَيْرِ وَالْمَنَافِعِ فِي الْمُسَمَّى بِهَا وَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِذَلِكَ، وَهَلْ الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ تَخْصِيصِ شَجَرِ الْعِنَبِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَنَّ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ أَوْلَى بِهِ مِنْهُ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ تَسْمِيَتِهِ بِالْكَرْمِ، أَوْ الْمُرَادُ أَنَّ تَسْمِيَتَهُ بِهَا مَعَ اتِّخَاذِ الْخَمْرِ الْمُحَرَّمِ مِنْهُ وَصْفٌ بِالْكَرْمِ وَالْخَيْرِ لِأَصْلِ هَذَا الشَّرَابِ الْخَبِيثِ الْمُحَرَّمِ وَذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إلَى مَدْحِ الْمُحَرَّمِ، وَتَهْيِيجُ النُّفُوسِ إلَيْهِ مُحْتَمَلٌ. اهـ. مُنَاوِيٌّ وَجَزَمَ فِي الْقَامُوسِ بِالِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ، وَفِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ بِالثَّانِي. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ) وَهُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمُحِيطِ، وَصَدَرَ بِهِ فِي الْكَافِي وَذَكَرَ الْجَوَازَ بِقِيلَ. وَفِي الْحِلْيَةِ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ لِكَمَالِ الِامْتِزَاجِ بَحْرٌ وَنَهْرٌ. وَقَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ: وَمَنْ رَاجَعَ كُتُبَ الْمَذْهَبِ وَجَدَ أَكْثَرَهَا عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ فَيَكُونُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، فَمَا فِي هَذَا الْمَتْنِ مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالِاعْتِصَارُ إلَخْ) فَالْمُرَادُ بِهِ الْخُرُوجُ ط. (قَوْلُهُ: وَكَذَا مَاءُ الدَّابُوغَةِ إلَخْ) أَيْ كَمَاءِ الْكَرْمِ فِي الْخِلَافِ وَفِي أَنَّ الْأَظْهَرَ عَدَمُ جَوَازِ رَفْعِ الْحَدَثِ بِهَا وَلَمْ أَجِدْ فِيمَا عِنْدِي مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ لَفْظَ الدَّابُوغَةِ فَلْيُرَاجَعْ ح. وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ كُتُبِ الطِّبِّ أَنَّ الْبِطِّيخَ الْأَخْضَرَ يُقَالُ لَهُ الْحَبْحَبُ وَالدَّابُوغَةُ وَالدَّابُوقَةُ، قَالَ: وَعَلَى هَذَا يَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْبِطِّيخِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى الْأَصْفَرِ الْمُسَمَّى بِالْخِرْبِزِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا نَبِيذُ التَّمْرِ) أَيْ فِي أَنَّ الْأَظْهَرَ فِيهِ عَدَمُ الْجَوَازِ أَيْضًا، وَفَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ بَلْ مِنْ قِسْمِ الْمَغْلُوبِ الَّذِي زَالَ اسْمُهُ كَمَا يَذْكُرُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: وَلَا بِمَاءٍ مَغْلُوبٍ) التَّقْيِيدُ بِالْمَغْلُوبِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَقَدْ يُمْنَعُ التَّسَاوِي فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: الْغَلَبَةُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ رَفْعِ الْحَدَثِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَعَلَى عَدَمِهِ بِالْمَاءِ الْمُقَيَّدِ، ثُمَّ الْمَاءُ إذَا اخْتَلَطَ بِهِ طَاهِرٌ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ صِفَةِ الْإِطْلَاقِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ وَبَيَانُ الْغَلَبَةِ اخْتَلَفَتْ فِيهِ عِبَارَاتُ فُقَهَائِنَا. وَقَدْ اقْتَحَمَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الزَّيْلَعِيُّ التَّوْفِيقَ بَيْنَهَا بِضَابِطٍ مُفِيدٍ أَقَرَّهُ عَلَيْهِ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ كَابْنِ الْهُمَامِ وَابْنِ أَمِيرٍ الْحَاجِّ وَصَاحِبِ الدُّرَرِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِأَوْجَزِ عِبَارَةٍ وَأَلْطَفِ إشَارَةٍ. (قَوْلُهُ: بِتَشَرُّبِ نَبَاتٍ إلَخْ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ بِكَمَالِ الِامْتِزَاجِ أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالًا مِنْهُ وَهَذَا يَشْمَلُ مَا خَرَجَ بِعِلَاجٍ أَوْ لَا كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: بِمَا لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّنْظِيفُ) كَالْمَرَقِ وَمَاءِ الْبَاقِلَّا أَيْ الْفُولِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقَيَّدًا سَوَاءٌ تَغَيَّرَ شَيْءٌ مِنْ أَوْصَافِهِ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ بَقِيَتْ فِيهِ رِقَّةُ الْمَاءِ أَوْ لَا فِي الْمُخْتَارِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَاحْتُرِزَ عَمَّا إذَا طَبَخَ فِيهِ مَا يَقْصِدُ بِهِ الْمُبَالَغَةَ فِي النَّظَافَةِ كَالْأُشْنَانِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ كَالسَّوِيقِ الْمَخْلُوطِ لِزَوَالِ اسْمِ الْمَاءِ عَنْهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِمَّا بِغَلَبَةِ إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ إمَّا بِكَمَالِ الِامْتِزَاجِ. (قَوْلُهُ: فَبِثَخَانَةِ) أَيْ فَالْغَلَبَةُ بِثَخَانَةِ الْمَاءِ: أَيْ بِانْتِفَاءِ رِقَّتِهِ وَجَرَيَانِهِ عَلَى الْأَعْضَاءِ زَيْلَعِيٌّ وَأَفَادَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ لَا يَذْكُرَ هَذَا الْقِسْمَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَاءِ وَهَذَا قَدْ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ كَلَامُ الْهِدَايَةِ السَّابِقُ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَزُلْ الِاسْمُ) أَيْ فَإِذَا زَالَ الِاسْمُ لَا يُعْتَبَرُ فِي مَنْعِ التَّطَهُّرِ بِهِ الثَّخَانَةُ بَلْ يَضُرُّ وَإِنْ بَقِيَ عَلَى رِقَّتِهِ وَسَيَلَانِهِ وَهَذَا زَادَهُ فِي الْبَحْرِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. أَقُولُ: لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَنَبِيذِ تَمْرٍ) وَمِثْلُهُ الزَّعْفَرَانُ إذَا خَالَطَ الْمَاءَ وَصَارَ بِحَيْثُ يُصْبَغُ بِهِ فَلَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الثَّخَانَةِ، وَكَذَا إذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وَلَوْ مَائِعًا، فَلَوْ مُبَايِنًا لِأَوْصَافِهِ فَبِتَغَيُّرِ أَكْثَرِهَا، أَوْ مُوَافِقًا كَلَبَنٍ فَبِأَحَدِهَا أَوْ مُمَاثِلًا كَمُسْتَعْمَلٍ فَبِالْأَجْزَاءِ، فَإِنَّ الْمُطْلَقَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ جَازَ التَّطْهِيرُ بِالْكُلِّ وَإِلَّا لَا، وَهَذَا يَعُمُّ الْمُلْقَى وَالْمُلَاقِيَ، فَفِي الْفَسَاقِيِ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ مَا لَمْ يُعْلَمْ تَسَاوِي الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى مَا حَقَّقَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ الْمِنَحِ. قُلْت: لَكِنَّ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْوَهْبَانِيَّةِ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، فَرَاجِعْهُ مُتَأَمِّلًا.   [رد المحتار] طُرِحَ فِيهِ زَاجٌ أَوْ عَفْصٌ وَصَارَ يُنْقَشُ بِهِ لِزَوَالِ اسْمِ الْمَاءِ عَنْهُ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَسَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَائِعًا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَوْ جَامِدًا. ثُمَّ الْمَائِعُ إمَّا مُبَايِنٌ لِجَمِيعِ الْأَوْصَافِ: أَعْنِي الطَّعْمَ وَاللَّوْنَ وَالرِّيحَ كَالْخَلِّ، أَوْ مُوَافِقٌ فِي بَعْضٍ مُبَايِنٌ فِي بَعْضٍ، أَوْ مُمَاثِلٌ فِي الْجَمِيعِ وَذَكَرَ تَفْصِيلَهُ وَأَحْكَامَهُ. (قَوْلُهُ: فَبِتَغَيُّرِ أَكْثَرِهَا) أَيْ فَالْغَلَبَةُ بِتَغَيُّرِ أَكْثَرِهَا وَهُوَ وَصْفَانِ، فَلَا يَضُرُّ ظُهُورُ وَصْفٍ وَاحِدٍ فِي الْمَاءِ مِنْ أَوْصَافِ الْخَلِّ مَثَلًا. (قَوْلُهُ: كَلَبَنٍ) فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْمَاءِ فِي عَدَمِ الرَّائِحَةِ مُبَايِنٌ لَهُ فِي الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ وَكَمَاءِ الْبِطِّيخِ أَيْ بَعْضُ أَنْوَاعِهِ، فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لَهُ فِي عَدَمِ اللَّوْنِ وَالرَّائِحَةِ مُبَايِنٌ لَهُ فِي الطَّعْمِ. هَذَا وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَلَى الْبَحْرِ أَنَّ الْمُشَاهَدَ فِي اللَّبَنِ مُخَالَفَتُهُ لِلْمَاءِ فِي الرَّائِحَةِ. (قَوْلُهُ: فَبِأَحَدِهَا) أَيْ فَغَلَبَتُهُ بِتَغَيُّرِ أَحَدِ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ كَالطَّعْمِ أَوْ اللَّوْنِ فِي اللَّبَنِ وَكَالطَّعْمِ فَقَطْ فِي الْبِطِّيخِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: كَمُسْتَعْمَلٍ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ وَكَالْمَاءِ الَّذِي يُؤْخَذُ بِالتَّقْطِيرِ مِنْ لِسَانِ الثَّوْرِ وَمَاءِ الْوَرْدِ الْمُنْقَطِعِ الرَّائِحَةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُطْلَقُ أَكْثَرَ، بِأَنْ كَانَ أَقَلَّ أَوْ مُسَاوِيًا لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ اعْتِبَارِ الْإِجْزَاءِ فِي الْمُسْتَعْمَلِ يَعُمُّ الْمُلْقَى بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ مَا كَانَ مُسْتَعْمَلًا مِنْ خَارِجٍ ثُمَّ أُخِذَ وَأُلْقِيَ فِي الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَخُلِطَ بِهِ وَالْمُلَاقِي أَيْ وَاَلَّذِي لَاقَى الْعُضْوَ مِنْ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ الْقَلِيلِ بِأَنْ انْغَمَسَ فِيهِ مُحْدِثٌ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ. مَطْلَبٌ فِي مَسْأَلَةِ الْوُضُوءِ مِنْ الْفَسَاقِيِ. (قَوْلُهُ: فَفِي الْفَسَاقِيِ) أَيْ الْحِيَاضِ الصِّغَارِ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ مِنْهَا مَعَ عَدَمِ جَرَيَانِهَا، وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْمِيمِ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْفَسَاقِيِ مَغْطِسُ الْحَمَّامِ وَبِرَكُ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوُهَا مِمَّا لَمْ يَكُنْ جَارِيًا وَلَمْ يَبْلُغْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجُوزُ فِيهَا الِاغْتِسَالُ وَالْوُضُوءُ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي لَاقَى أَعْضَاءَ الْمُتَطَهِّرِينَ سَاوَى الْمُطْلَقَ أَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا حَقَّقَهُ فِي الْبَحْرِ إلَخْ) حَيْثُ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِإِطْلَاقِهِمْ الْمُفِيدِ لِلْعُمُومِ كَمَا مَرَّ، وَبِقَوْلِ الْبَدَائِعِ: الْمَاءُ الْقَلِيلُ إنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُطَهِّرًا بِاخْتِلَاطِ غَيْرِ الْمُطَهَّرِ بِهِ إذَا كَانَ غَيْرُ الْمُطَهِّرِ غَالِبًا كَمَاءِ الْوَرْدِ وَاللَّبَنِ لَا مَغْلُوبًا، وَهَا هُنَا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ مَا يُلَاقِي الْبَدَنَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَعْمَلِ فَكَيْفَ يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطَهِّرًا اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْحِلْيَةِ لِابْنِ أَمِيرٍ الْحَاجِّ. وَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ الَّتِي جَمَعَهَا تِلْمِيذُهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ سُئِلَ عَنْ فَسْقِيَّةٍ صَغِيرَةٍ يَتَوَضَّأُ فِيهَا النَّاسُ وَيَنْزِلُ فِيهَا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ وَفِي كُلِّ يَوْمٍ يَنْزِلُ فِيهَا مَاءٌ جَدِيدٌ هَلْ يَجُوزُ الْوُضُوءُ فِيهَا؟ أَجَابَ إذَا لَمْ يَقَعْ فِيهَا غَيْرُ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ لَا يَضُرُّ اهـ يَعْنِي وَأَمَّا إذَا وَقَعَتْ فِيهَا نَجَاسَةٌ تَنَجَّسَتْ لِصِغَرِهَا، وَقَدْ اسْتَدَلَّ فِي الْبَحْرِ بِعِبَارَاتٍ أُخَرَ لَا تَدُلُّ لَهُ كَمَا يَظْهَرُ لِلْمُتَأَمِّلِ؛ لِأَنَّهَا فِي الْمُلْقَى، وَالنِّزَاعُ فِي الْمُلَاقِي كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَيْهِ فَلِذَا اقْتَصَرْنَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا. (قَوْلُهُ: فَرَّقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْمُلْقَى وَالْمُلَاقِي حَيْثُ قَالَ: وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ بِالْجُزْءِ الَّذِي يُلَاقِي جَسَدَهُ دُونَ بَاقِي الْمَاءِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ الْجُزْءُ مُسْتَهْلَكًا فِي كَثِيرٍ فَهُوَ مَرْدُودٌ لِسَرَيَانِ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْجَمِيعِ حُكْمًا، وَلَيْسَ كَالْغَالِبِ يُصَبُّ يَصُبُّ الْقَلِيلُ مِنْ الْمَاءِ فِيهِ اهـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 (وَيَجُوزُ) رَفْعُ الْحَدَثِ (بِمَا ذُكِرَ وَإِنْ مَاتَ فِيهِ) أَيْ الْمَاءِ وَلَوْ قَلِيلًا (غَيْرُ دَمَوِيٍّ   [رد المحتار] وَحَاصِلُهُ الرَّدُّ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ بِأَنَّ الْمُحْدِثَ إذَا انْغَمَسَ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ صَارَ مُسْتَعْمِلًا لِجَمِيعِ الْمَاءِ حُكْمًا وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَعْمَلُ حَقِيقَةً هُوَ الْمُلَاقِي لِلْعُضْوِ فَقَطْ بِخِلَافِ مَا لَوْ أُلْقِيَ فِيهِ الْمُسْتَعْمَلُ الْقَلِيلُ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ عَلَى الْجَمِيعِ بِالِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمُحْدِثَ لَمْ يَسْتَعْمِلْ شَيْئًا مِنْهُ حَتَّى يَدَّعِيَ ذَلِكَ، إنَّمَا الْمُسْتَعْمَلُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا هُوَ ذَلِكَ الْمُلْقَى فَقَطْ. وَمُلَخَّصُهُ: أَنَّ الْمُلْقَى لَا يَصِيرُ بِهِ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا بِالْغَلَبَةِ، بِخِلَافِ الْمُلَاقِي فَإِنَّ الْمَاءَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا كُلَّهُ بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاةِ الْعُضْوِ لَهُ. وَرَدَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ وَالِاخْتِلَاطَ فِي الصُّورَتَيْنِ سَوَاءٌ، بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إلْقَاءُ الْغُسَالَةِ مِنْ الْخَارِجِ أَقْوَى تَأْثِيرًا مِنْ غَيْرِهِ لِتَعَيُّنِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ اهـ وَبِذَلِكَ أَمَرَ الشَّارِحُ بِالتَّأَمُّلِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِمَّا تَحَيَّرَتْ فِيهَا أَفْهَامُ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ وَوَقَعَ فِيهَا بَيْنَهُمْ النِّزَاعُ وَشَاعَ وَذَاعَ، وَأَلَّفَ فِيهَا الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ رِسَالَةً سَمَّاهَا رَفْعُ الِاشْتِبَاهِ عَنْ مَسْأَلَةِ الْمِيَاهِ حَقَّقَ فِيهَا عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُلْقَى وَالْمُلَاقِي: أَيْ فَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ، بَلْ تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ فِي الْمُلَاقِي كَمَا تُعْتَبَرُ فِي الْمُلْقَى، وَوَافَقَهُ بَعْضُ أَهْلِ عَصْرِهِ. تَعَقَّبَهُ غَيْرُهُمْ مِنْهُمْ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ فَرَدَّ عَلَيْهِ بِرِسَالَةٍ سَمَّاهَا زَهْرُ الرَّوْضِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَوْضِ وَقَالَ: لَا تَغَيُّرَ بِمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ. وَرَدَّ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْوَهْبَانِيَّةِ، وَاسْتَدَلَّ بِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ فِي الْإِنَاءِ لِلتَّبَرُّدِ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ وَبِمَا فِي الْأَسْرَارِ لِلْإِمَامِ أَبِي زَيْدٍ الدَّبُوسِيِّ حَيْثُ ذَكَرَ مَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ. ثُمَّ قَالَ: إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ لَمَّا اغْتَسَلَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ صَارَ الْكُلُّ مُسْتَعْمَلًا حُكْمًا اهـ وَمِنْ هُنَا نَشَأَ الْفَرْقُ السَّابِقُ وَبِهِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّلَبِيِّ، وَانْتَصَرَ فِي الْبَحْرِ لِلْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ وَأَلَّفَ رِسَالَةً سَمَّاهَا الْخَيْرُ الْبَاقِي فِي الْوُضُوءِ مِنْ الْفَسَاقِيِ وَأَجَابَ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ الشِّحْنَةِ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّجَاسَةَ وَلَوْ قَلِيلَةً تُفْسِدُ الْمَاءَ الْقَلِيلَ، وَأَقَرَّهُ الْعَلَّامَةُ الْبَاقَانِيُّ وَالشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ النَّابُلُسِيُّ وَوَلَدُهُ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ وَكَذَا فِي النَّهْرِ وَالْمِنَحِ، وَعَلِمْت أَيْضًا مُوَافَقَتَهُ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ أَمِيرٍ الْحَاجِّ وَقَارِئِ الْهِدَايَةِ، وَإِلَيْهِ يَمِيلُ كَلَامُ الْعَلَّامَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي، ثُمَّ رَأَيْت الشَّارِحَ فِي الْخَزَائِنِ مَالَ إلَى تَرْجِيحِهِ وَقَالَ إنَّهُ الَّذِي حَرَّرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَنَقْلِهِ عِبَارَاتِهَا الْمُضْطَرِبَةَ ظَاهِرًا، وَعَلَى مَا أَلَّفَ فِي هَذَا الْخُصُوصِ مِنْ الرَّسَائِلِ وَأَقَامَ عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى الصَّادِقَةِ الْبَيِّنَةَ الْعَادِلَةَ، وَقَدْ حُرِّرَتْ فِي ذَلِكَ رِسَالَةٌ حَافِلَةٌ كَافِلَةٌ بِذَلِكَ مُتَضَمِّنَةٌ لِتَحْقِيقِ مَا هُنَاكَ، وَبَلَغَنِي أَنَّ شَيْخَنَا الشَّيْخَ شَرَفَ الدِّينِ الْغَزِّيِّ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ مَالَ إلَى ذَلِكَ كَذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَفِي ذَلِكَ تَوْسِعَةٌ عَظِيمَةٌ وَلَا سِيَّمَا فِي زَمَنِ انْقِطَاعِ الْمِيَاهِ عَنْ حِيَاضِ الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا فِي بِلَادِنَا وَلَكِنَّ الِاحْتِيَاطَ لَا يَخْفَى، فَيَنْبَغِي لِمَنْ يُبْتَلَى بِذَلِكَ أَنْ لَا يَغْسِلَ أَعْضَاءَهُ فِي ذَلِكَ الْحَوْضِ الصَّغِيرِ بَلْ يَغْتَرِفُ مِنْهُ وَيَغْسِلُ خَارِجَهُ وَإِنْ وَقَعَتْ الْغُسَالَةُ فِيهِ لِيَكُونَ مِنْ الْمُلْقَى لَا مِنْ الْمُلَاقِي الَّذِي فِيهِ النِّزَاعُ، فَإِنَّ هَذَا الْمَقَامَ فِيهِ لِلْمَقَالِ مَجَالٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ) أَيْ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ فِي نَحْوِ الْمَاءِ الْمَغْصُوبِ وَهُوَ أَوْلَى هُنَا مِنْ إرَادَةِ الْحِلِّ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ إرَادَةَ الْأَوَّلِ فِي الْعُقُودِ وَالثَّانِي فِي الْأَفْعَالِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: بِمَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ أَقْسَامِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ. (قَوْلُهُ: غَيْرُ دَمَوِيٍّ) الْمُرَادُ مَا لَا دَمَ لَهُ سَائِلٌ، لِمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَمُ السَّيَلَانِ لَا عَدَمُ أَصْلِهِ، حَتَّى لَوْ وُجِدَ حَيَوَانٌ لَهُ دَمٌ جَامِدٌ لَا يَنْجُسُ. اهـ. أَقُولُ: وَكَذَا دَمُ الْقَمْلَةِ وَالْبُرْغُوثِ فَإِنَّهُ غَيْرُ سَائِلٍ، وَخَرَجَ الدَّمَوِيُّ سَوَاءٌ كَانَ دَمُهُ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 كَزُنْبُورٍ) وَعَقْرَبٍ وَبَقٍّ: أَيْ بَعُوضٍ، وَقِيلَ: بَقُّ الْخَشَبِ. وَفِي الْمُجْتَبَى: الْأَصَحُّ فِي عَلَقِ مَصِّ الدَّمِ أَنَّهُ يَفْسُدُ وَمِنْهُ يُعْلَمُ حُكْمُ بَقٍّ، وَقُرَادٍ وَعَلَقٍ. وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ دُودُ الْقَزِّ وَمَاؤُهُ وَبَزْرُهُ وَخُرْؤُهُ طَاهِرٌ كَدُودَةٍ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ نَجَاسَةٍ (وَمَائِيٌّ مُوَلَّدٌ)   [رد المحتار] نَفْسِهِ أَوْ مُكْتَسَبًا بِالْمَصِّ كَالْعَلَقِ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الْمَاءَ كَمَا يَأْتِي، وَالْمُرَادُ الدَّمَوِيُّ غَيْرُ الْمَائِيِّ بِدَلِيلِ ذِكْرِهِ الْمَائِيَّ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: كَزُنْبُورٍ) بِضَمِّ الزَّايِ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ، مِنْهَا النَّحْلُ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: أَيْ بَعُوضٍ) فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ كِبَارُ الْبَعُوضِ؛ لَكِنْ فِي الْقَامُوسِ: الْبَقَّةُ الْبَعُوضَةُ، وَدُوَيْبَّةٌ مُفَرْطَحَةٌ: أَيْ عَرِيضَةٌ حَمْرَاءُ مُنْتِنَةٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ بَقُّ الْخَشَبِ، وَيُؤَيِّدُهُ عِبَارَةُ الْحِلْيَةِ؛ وَقَدْ يُسَمَّى بِهِ الْفُسْفُسُ فِي بَعْضِ الْجِهَاتِ: وَهُوَ حَيَوَانٌ كَالْقُرَادِ شَدِيدُ النَّتْنِ. وَعِبَارَةُ السِّرَاجِ: وَقِيلَ الْكَتَّانُ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْكَتَّانُ دُوَيْبَّةٌ حَمْرَاءُ لَسَّاعَةٌ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْفُسْفُسُ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ يُعْلَمُ إلَخْ) أَصْلُ عِبَارَةِ الْمُجْتَبَى وَمِنْهُ يُعْلَمُ حُكْمُ الْقُرَادِ وَالْحَلَمِ اهـ أَيْ يُعْلَمُ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ مُفْسِدٌ. وَقَالَ فِي النَّهْرِ: وَالتَّرْجِيحُ فِي الْعَلَقِ تَرْجِيحٌ فِي الْبَقِّ إذْ الدَّمُ فِيهَا مُسْتَعَارٌ اهـ أَيْ مُكْتَسَبٌ، فَأَدْرَجَ الشَّارِحُ الْبَقَّ فِي عِبَارَةِ الْمُجْتَبَى مَعَ أَنَّهُ بَحْثٌ لِصَاحِبِ النَّهْرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِلْفَرْقِ الظَّاهِرِ بَيْنَ الْبَقِّ وَالْعَلَقِ؛ لِأَنَّ دَمَ الْعَلَقِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَعَارًا لَكِنَّهُ سَائِلٌ وَلِذَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، بِخِلَافِ دَمِ الْبَقِّ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ كَالذُّبَابِ لِعَدَمِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الدَّمَوِيَّ الْمُفْسِدَ مَا لَهُ دَمٌ سَائِلٌ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْعَلَقِ وَالْقُرَادِ هُنَا بِالْكَبِيرِ إذْ الصَّغِيرُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ كَمَا مَرَّ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفْسِدَ الْمَاءَ أَيْضًا لِعَدَمِ السَّيَلَانِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَقٍ) كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا وَحَلَمٍ، وَهِيَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقَةُ لِعِبَارَةِ الْمُجْتَبَى: وَهُوَ جَمْعُ حَلَمَةٍ بِالتَّحْرِيكِ. وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: الْحَلَمَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: قُرَادٌ وَحَنَّانَةٌ وَحَلَمٌ، فَالْقُرَادُ أَصْغَرُ وَالْحَنَّانَةُ أَوْسَطُهَا، وَالْحَلَمَةُ أَكْبَرُهَا وَلَهَا دَمٌ سَائِلٌ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ أَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى الصَّغِيرِ وَعَلَى الْكَبِيرِ مِنْ الْأَضْدَادِ، وَعَلَى دُودَةٍ تَقَعُ فِي جِلْدِ الشَّاةِ، فَإِذَا دُبِغَ وَهَى مَوْضِعُهَا. (قَوْلُهُ: دُودُ الْقَزِّ) أَيْ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْهُ الْحَرِيرُ. (قَوْلُهُ: وَمَاؤُهُ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يُوجَدُ فِيمَا يَهْلِكُ مِنْهُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ، وَهُوَ شَبِيهٌ بِاللَّبَنِ، أَوْ الَّذِي يُغْلَى فِيهِ عِنْدَ حَلِّهِ حَرِيرًا. وَعِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلَ لِمَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ: لَوْ وَطِئَ دُودَ الْقَزِّ فَأَصَابَ ثَوْبَهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ مَعَهُ اهـ مِنْ شَرْحِ ابْنِ الشِّحْنَةِ. (قَوْلُهُ: وَبَزْرُهُ) أَيْ بَيْضُهُ الَّذِي فِيهِ الدُّودُ. (قَوْلُهُ: وَخُرْؤُهُ) لَمْ يَجْزِمْ بِطَهَارَتِهِ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ، بَلْ قَالَ: وَفِي خُرْءِ دُودِ الْقَزِّ خِلَافٌ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِهَا. (قَوْلُهُ: كَدُودَةٍ إلَخْ) فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ وَلَوْ خَرَجَتْ مِنْ الدُّبُرِ، وَالنَّقْضُ إنَّمَا هُوَ لِمَا عَلَيْهَا لَا لِذَاتِهَا ط وَقَدَّمْنَا قَوْلًا بِنَجَاسَتِهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَإِذَا وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ لَا يَنْجُسُ لَكِنْ لَوْ بَعْدَ غَسْلِهَا كَمَا قَيَّدَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَمَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ أَنَّهُ يَنْجُسُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ الْغُسْلِ. (قَوْلُهُ: وَمَائِيٌّ مُوَلَّدٌ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ غَيْرُ دَمَوِيٍّ: أَيْ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْمَاءِ سَوَاءٌ كَانَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ أَوْ لَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَحْرٌ عَنْ السِّرَاجِ: أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِدَمٍ حَقِيقَةً وَعُرِفَ فِي الْخُلَاصَةِ الْمَائِيُّ بِمَا لَوْ اُسْتُخْرِجَ مِنْ الْمَاءِ يَمُوتُ مِنْ سَاعَتِهِ، وَإِنْ كَانَ يَعِيشُ فَهُوَ مَائِيٌّ وَبَرِّيٌّ فَجَعَلَ بَيْنَ الْمَائِيِّ وَالْبَرِّيِّ قِسْمًا آخَرَ وَهُوَ مَا يَكُونُ مَائِيًّا وَبَرِّيًّا، لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ حُكْمًا عَلَى حِدَةٍ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْمَائِيِّ لِعَدَمِ الدَّمَوِيَّةِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. أَقُولُ: وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْقِسْمِ الْآخَرِ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ فِي الْمَاءِ وَلَا يَمُوتُ مِنْ سَاعَتِهِ لَوْ أُخْرِجَ مِنْهُ كَالسَّرَطَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وَلَوْ كَلْبَ الْمَاءِ وَخِنْزِيرَهُ (كَسَمَكٍ وَسَرَطَانٍ) وَضِفْدَعٍ إلَّا بَرِّيًّا لَهُ دَمٌ سَائِلٌ، وَهُوَ مَا لَا سُتْرَةَ لَهُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، فَيَفْسُدُ فِي الْأَصَحِّ كَحَيَّةٍ بَرِّيَّةٍ، إنْ لَهَا دَمٌ وَإِلَّا لَا (وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ مَاتَ) مَا ذُكِرَ (خَارِجَهُ وَبَقِيَ فِيهِ) فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ تَفَتَّتَ فِيهِ نَحْوُ ضِفْدَعٍ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ لَا شُرْبُهُ لِحُرْمَةِ لَحْمِهِ. (وَيَنْجُسُ) الْمَاءُ الْقَلِيلُ (بِمَوْتِ مَائِيٍّ مَعَاشٍ بَرِّيٍّ مُوَلَّدٍ) فِي الْأَصَحِّ (كَبَطٍّ وَإِوَزٍّ) وَحُكْمُ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ فِي الْأَصَحِّ، حَتَّى لَوْ وَقَعَ بَوْلٌ فِي عَصِيرٍ عُشْرٌ فِي عُشْرٍ لَمْ يَفْسُدْ، وَلَوْ سَالَ دَمُ رِجْلِهِ مَعَ الْعَصِيرِ لَا يَنْجُسُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ وَغَيْرُهُ (وَبِتَغَيُّرِ أَحَدِ أَوْصَافِهِ) مِنْ لَوْنٍ أَوْ طَعْمٍ أَوْ رِيحٍ (يَنْجُسُ) الْكَثِيرُ وَلَوْ جَارِيًا إجْمَاعًا، أَمَّا الْقَلِيلُ فَيَنْجُسُ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ خِلَافًا لِمَالِكٍ   [رد المحتار] وَالضِّفْدَعِ، بِخِلَافِ مَا يَتَوَالَدُ فِي الْبَرِّ وَيَعِيشُ فِي الْمَاءِ كَالْبَطِّ وَالْإِوَزِّ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَلْبَ الْمَاءِ وَخِنْزِيرَهُ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ خُلَاصَةٌ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ الْقَوْلَ الضَّعِيفَ الْمَحْكِيَّ فِي الْمِعْرَاجِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: كَسَمَكٍ) أَيْ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ وَلَوْ طَافِيًا خِلَافًا لِلطَّحَاوِيِّ كَمَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَسَرَطَانٍ) بِالتَّحْرِيكِ، وَمَنَافِعُهُ كَثِيرَةٌ بَسَطَهَا فِي الْقَامُوسِ. (قَوْلُهُ: وَضِفْدَعٍ) كَزِبْرِجٍ وَجَعْفَرٍ وَجُنْدُبٍ وَدِرْهَمٍ وَهَذَا أَقَلُّ أَوْ مَرْدُودٌ قَامُوسٌ. (قَوْلُهُ: فَيَفْسُدُ فِي الْأَصَحِّ) وَعَلَيْهِ فَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ عَدَمِ الْإِفْسَادِ بِالضِّفْدَعِ الْبَرِّيِّ وَصَحَّحَهُ فِي السِّرَاجِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا دَمَ لَهُ سَائِلٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ عَنْ الْحِلْيَةِ. (قَوْلُهُ: كَحَيَّةٍ بَرِّيَّةٍ) أَمَّا الْمَائِيَّةُ فَلَا تَفْسُدُ مُطْلَقًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَكَالْحَيَّةِ الْبَرِّيَّةِ الْوَزَغَةُ لَوْ كَبِيرَةً لَهَا دَمٌ سَائِلٌ مُنْيَةٌ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلضِّفْدَعِ الْبَرِّيَّةِ وَالْحَيَّةِ الْبَرِّيَّةِ دَمٌ سَائِلٌ فَلَا يَفْسُدُ. (قَوْلُهُ: مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ مَائِيِّ الْمُوَلَّدِ وَغَيْرُ الدَّمَوِيِّ ط. (قَوْلُهُ: لِحُرْمَةِ لَحْمِهِ) لِأَنَّهُ قَدْ صَارَتْ أَجْزَاؤُهُ فِي الْمَاءِ فَيُكْرَهُ الشُّرْبُ تَحْرِيمًا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: الْقَلِيلُ) أَمَّا الْكَثِيرُ فَيَأْتِي حُكْمُهُ بَعْدُ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) أَيْ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّ لَهُ نَفْسًا سَائِلَةً، وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَلَى الْإِفْسَادِ فِي غَيْرِ الْمَاءِ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ فَمَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ الْإِفْسَادِ بِهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: كَبَطٍّ وَإِوَزٍّ) فَسَّرَ فِي الْقَامُوسِ كُلًّا مِنْهُمَا بِالْآخَرِ فَهُمَا مُتَرَادِفَانِ، وَالْإِوَزُّ بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ وَزَايٍ مُشَدَّدَةٍ وَقَدْ تُحْذَفُ الْهَمْزَةُ. مَطْلَبٌ حُكْمُ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ فِي الْأَصَحِّ. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ إلَخْ) فَكُلُّ مَا لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ لَا يُفْسِدُ غَيْرَ الْمَاءِ وَهُوَ الْأَصَحُّ مُحِيطٌ وَتُحْفَةٌ وَالْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ بَدَائِعُ. اهـ. بَحْرٌ، وَفِيهِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ وَسَائِرُ الْمَائِعَاتِ كَمَاءٍ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، يَعْنِي كُلُّ مِقْدَارٍ لَوْ كَانَ مَاءً تَنَجَّسَ، فَإِذَا كَانَ غَيْرَهُ يَنْجُسُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: فِي عَصِيرٍ) أَيْ فِي حَوْضِ عَصِيرٍ ط. (قَوْلُهُ: لَمْ يَفْسُدْ) أَيْ مَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ النَّجَاسَةِ. (قَوْلُهُ: مَعَ الْعَصْرِ) أَيْ وَالْعَصِيرُ يَسِيلُ وَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ أَثَرُ الدَّمِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: لَا يَنْجُسْ) أَيْ وَيَحِلُّ شُرْبُهُ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ فِي حُكْمِ الْمَاءِ فَتُسْتَهْلَكُ فِيهِ النَّجَاسَةُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الضِّفْدَعِ الْمُتَقَدِّمَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) أَفَادَ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: وَبِتَغَيُّرِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِمَوْتِ مَائِيٍّ الْمُتَعَلِّقُ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَيَنْجُسُ، وَقَوْلُهُ بِنَجِسٍ جَارٍّ وَمَجْرُورٍ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَغَيَّرَ، وَقَوْلُهُ الْكَثِيرُ فَاعِلُ يَنْجُسُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ قَوْلُهُ بِتَغَيُّرِ، وَقَيَّدَ بِالْكَثِيرِ إصْلَاحًا لِعِبَارَةِ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَلِيلِ وَلَا يَصِحُّ إرَادَتُهُ هُنَا، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ يَنْجُسُ الْكَثِيرُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَكَأَنَّ الْمُحَشِّينَ لَمْ تَقَعْ لَهُمْ نُسْخَةٌ صَحِيحَةٌ فَاعْتَرَضُوا عَلَى مَا رَأَوْا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَالِكٍ) فَإِنَّ مَا هُوَ قَلِيلٌ عَنْدَنَا لَا يَنْجُسُ عِنْدَهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَالْقَلِيلُ عِنْدَهُمَا تَغَيَّرَ، وَالْكَثِيرُ بِخِلَافِهِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: الْكَثِيرُ مَا بَلَغَ الْقُلَّتَيْنِ، وَالْقَلِيلُ مَا دُونَهُ. وَأَمَّا عِنْدَنَا فَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 (لَا لَوْ تَغَيَّرَ) بِطُولِ (مُكْثٍ) فَلَوْ عُلِمَ نَتْنُهُ بِنَجَاسَةٍ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ شَكَّ فَالْأَصْلُ الطَّهَارَةُ وَالتَّوَضُّؤُ مِنْ الْحَوْضِ أَفْضَلُ مِنْ النَّهْرِ رَغْمًا لِلْمُعْتَزِلَةِ. وَكَذَا يَجُوزُ بِمَاءٍ خَالَطَهُ طَاهِرٌ جَامِدٌ مُطْلَقًا (كَأُشْنَانٍ وَزَعْفَرَانٍ) لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: إنْ أَمْكَنَ الصَّبْغُ بِهِ لَمْ يَجُزْ كَنَبِيذِ تَمْرٍ (وَفَاكِهَةٍ وَوَرَقِ شَجَرٍ) وَإِنْ غَيَّرَ كُلَّ أَوْصَافِهِ (الْأَصَحُّ إنْ بَقِيَتْ رِقَّتُهُ) أَيْ وَاسْمُهُ لِمَا مَرَّ.   [رد المحتار] وَالْأَدِلَّةُ مَبْسُوطَةٌ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: لَا لَوْ تَغَيَّرَ إلَخْ) أَيْ لَا يَنْجُسُ لَوْ تَغَيَّرَ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَيَنْجُسُ لَا عَلَى قَوْلِهِ بِمَوْتِ فَتَأَمَّلْ مُمْعِنًا. (قَوْلُهُ: فَلَوْ عُلِمَ إلَخْ) صَرَّحَ بِهِ لِزِيَادَةِ التَّوْضِيحِ وَإِلَّا فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبِتَغَيُّرِ أَحَدِ أَوْصَافِهِ بِنَجَسٍ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَكَّ إلَخْ) أَيْ وَلَا يَلْزَمُهُ السُّؤَالُ بَحْرٌ، وَفِيهِ عَنْ الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ وَبِرُؤْيَةِ آثَارِ أَقْدَامِ الْوُحُوشِ عِنْدَ الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَلَوْ مَرَّ سَبُعٌ بِالرَّكِيَّةِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ شُرْبُهُ مِنْهَا تَنْجُسُ وَإِلَّا فَلَا اهـ وَيَنْبَغِي حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْوُحُوشَ شَرِبَتْ مِنْهُ بِدَلِيلِ الْفَرْعِ الثَّانِي وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الشَّكِّ لَا يَمْنَعُ لِمَا فِيهِ الْأَصْلُ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْحَوْضِ الَّذِي يَخَافُ قَذَرًا وَلَا يَتَيَقَّنُهُ، وَيَنْبَغِي حَمْلُ التَّيَقُّنِ الْمَذْكُورِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ وَالْخَوْفِ عَلَى الشَّكِّ أَوْ الْوَهْمِ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. مَطْلَبٌ فِي أَنَّ التَّوَضُّؤَ مِنْ الْحَوْضِ أَفْضَلُ رَغْمًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَبَيَانُ الْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ الْجُزْءُ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ: جَوْهَرٌ ذُو وَضْعٍ لَا يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ أَصْلًا لَا بِحَسَبِ الْخَارِجِ وَلَا بِحَسَبِ الْوَهْمِ، أَوْ الْفَرْضُ الْعَقْلِيُّ، تَتَأَلَّفُ الْأَجْسَامُ مِنْ أَفْرَادٍ بِانْضِمَامِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ اهـ تَعْرِيفَاتُ السَّيِّدِ اهـ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَالتَّوَضُّؤُ مِنْ الْحَوْضِ أَفْضَلُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ لَا يُجِيزُونَهُ مِنْ الْحِيَاضِ فَنُرْغِمُهُمْ بِالْوُضُوءِ مِنْهَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا إنَّمَا يُفِيدُ الْأَفْضَلِيَّةَ لِهَذَا الْعَارِضِ، فَفِي مَكَان لَا يَتَحَقَّقُ يَكُونُ النَّهْرُ أَفْضَلَ اهـ. بَقِيَ الْكَلَامُ فِي وَجْهِ مَنْعِ الْمُعْتَزِلَةِ ذَلِكَ، فَفِي الْمِعْرَاجِ قِيلَ مَسْأَلَةُ الْحَوْضِ بِنَاءً عَلَى الْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ، فَإِنَّهُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ فَتَتَّصِلُ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ إلَى جُزْءٍ لَا يُمْكِنُ تَجْزِئَتُهُ فَيَكُونُ بَاقِي الْحَوْضِ طَاهِرًا. وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ هُوَ مَعْدُومٌ، فَيَكُونُ كُلُّ الْمَاءِ مُجَاوِرًا لِلنَّجَاسَةِ، فَيَكُونُ الْحَوْضُ نَجِسًا عِنْدَهُمْ، وَفِي هَذَا التَّقْرِيرِ نَظَرٌ. اهـ. أَقُولُ: وَتَوْضِيحُ ذَلِكَ أَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ عِبَارَةٌ عَنْ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ أَصْلًا، وَهُوَ مَا تَتَأَلَّفُ الْأَجْسَامُ مِنْ أَفْرَادِهِ بِانْضِمَامِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ، وَهُوَ ثَابِتٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَكُلُّ جِسْمٍ يَتَنَاهَى بِالِانْقِسَامِ إلَيْهِ، فَإِذَا وَقَعَتْ فِي الْحَوْضِ الْكَبِيرِ نَجَاسَةٌ وَفَرَضْنَا انْقِسَامَهَا إلَى أَجْزَاءٍ لَا تَتَجَزَّأُ، وَقَابَلَهَا مِنْ الْمَاءِ الطَّاهِرِ مِثْلُهَا يَبْقَى الزَّائِدُ عَلَيْهَا طَاهِرًا فَلَا يُحْكَمُ عَلَى الْمَاءِ كُلِّهِ بِالنَّجَاسَةِ. وَعِنْدَ الْفَلَاسِفَةِ: هُوَ مَعْدُومٌ بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ جِسْمٍ قَابِلٌ لِانْقِسَامَاتٍ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ، فَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ النَّجَاسَةِ قَابِلٌ لِلْقِسْمَةِ وَكَذَا الْمَاءُ الطَّاهِرُ، فَلَا يُوجَدُ جَزْءٌ مِنْ الطَّاهِرَةِ إلَّا وَيُقَابِلُهُ جَزْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ لِعَدَمِ تَنَاهِي الْقِسْمَةِ فَتَتَّصِلُ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَاءِ الطَّاهِرِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ كُلِّهِ بِأَنَّهُ نَجِسٌ، وَلَعَلَّ وَجْهَ النَّظَرِ فِي هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةً عَلَى ذَلِكَ لَزِمَ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِنَجَاسَةِ مَا دُونَ عَشْرٍ فِي عَشْرٍ أَيْضًا إلَّا إذَا غَلَبَتْ النَّجَاسَةُ عَلَيْهِ أَوْ سَاوَتْهُ لِبَقَاءِ الزَّائِدِ عَلَى الطَّهَارَةِ فَلَا يُحْكَمُ عَلَى الْكُلِّ بِالنَّجَاسَةِ. وَأَيْضًا فَالتَّعْبِيرُ بِالنَّجَاسَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْمُعْتَمَدِ مِنْ طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 (وَ) يَجُوزُ (بِجَارٍ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَ) الْجَارِي (هُوَ مَا يُعَدُّ جَارِيًا) عُرْفًا، وَقِيلَ مَا يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَالثَّانِي (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يَكُنْ جَرَيَانُهُ بِمَدَدٍ) فِي الْأَصَحِّ،   [رد المحتار] عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ الْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَمَاءِ الْفَلَاسِفَةِ، فَنَفَاهُ الْفَلَاسِفَةُ وَبَنَوْا عَلَيْهِ قِدَمَ الْعَالَمِ وَعَدَمَ حَشْرِ الْأَجْسَادِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِلْحَادِ، وَأَثْبَتَهُ الْمُسْلِمُونَ لِرَدِّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَادَّةَ الْعَالَمِ إذَا تَنَاهَتْ بِالِانْقِسَامِ إلَيْهِ يَكُونُ ذَلِكَ الْجُزْءُ حَادِثًا مُحْتَاجًا إلَى مُوجِدٍ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي مَحَلِّهِ وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَلَمْ يُخَالِفُوا أَهْلَ السُّنَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَإِلَّا لَكَفَرُوا قَطْعًا مَعَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ قِبْلَتِنَا وَمُقَلِّدُونَ فِي الْفُرُوعِ لِمَذْهَبِنَا، فَالْأَوْلَى مَا قِيلَ مِنْ بِنَاءِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ يَتَنَجَّسُ عِنْدَهُمْ بِالْمُجَاوَرَةِ. وَعِنْدَنَا لَا بَلْ بِالسَّرَيَانِ، وَذَلِكَ يُعْلَمُ بِظُهُورِ أَثَرِهَا فِيهِ، فَمَا لَمْ يَظْهَرْ لَا يُحْكَمُ بِالنَّجَاسَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ نَجِسٌ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ، فَاغْتَنِمْهُ فَإِنَّك لَا تَكَادُ تَجِدُهُ مُوَضَّحًا كَذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (قَوْلُهُ: بِمَاءٍ) بِالْمَدِّ وَالتَّنْوِينِ. (قَوْلُهُ: خَالَطَهُ طَاهِرُهُ جَامِدٌ) أَيْ بِدُونِ طَبْخٍ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمُخَالِطُ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالتُّرَابِ أَوْ يُقْصَدُ بِخَلْطِهِ التَّنْظِيفُ كَالْأُشْنَانِ وَالصَّابُونِ أَوْ يَكُونُ شَيْئًا آخَرَ كَالزَّعْفَرَانِ عِنْدَ الْإِمَامِ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ: كَأُشْنَانٍ) بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ قَامُوسٌ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ اسْمَ الْمَاءِ زَالَ عَنْهُ نَظِيرُ النَّبِيذِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ غَيَّرَ كُلَّ أَوْصَافِهِ) لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْأَسَاتِذَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ مِنْ الْحِيَاضِ الَّتِي تَقَعُ فِيهَا الْأَوْرَاقُ مَعَ تَغْيِيرِ كُلِّ الْأَوْصَافِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ نَهْرٌ عَنْ النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ مَا قِيلَ إنَّهُ إنْ ظَهَرَ لَوْنُ الْأَوْرَاقِ فِي الْكَفِّ لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ لَكِنْ يَشْرَبُ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْكَفِّ إشَارَةً إلَى كَثْرَةِ التَّغَيُّرِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ يُرَى فِي مَحَلِّهِ مُتَغَيِّرًا لَوْنُهُ، لَكِنْ لَوْ رَفَعَ مِنْهُ شَخْصٌ فِي كَفِّهِ لَا يَرَاهُ مُتَغَيِّرًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ، فَلَوْ جَامِدًا فَبِثَخَانَةِ مَا لَمْ يَزُلْ الِاسْمُ (قَوْلُهُ: وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ) يَشْمَلُ الْمَرْئِيَّةَ كَالْجِيفَةِ وَيَأْتِي قَرِيبًا تَمَامُهُ. (قَوْلُهُ: عُرْفًا) تَمْيِيزٌ أَوْ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ: أَيْ يُعَدُّ مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ أَوْ فِي الْعُرْفِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ) أَيْ وَأَصَحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، لِتَعْوِيلِهِ عَلَى الْعُرْفِ وَلِجَرَيَانِهِ عَلَى قَاعِدَةِ الْإِمَامِ مِنْ النَّظَرِ إلَى الْمُبْتَلِينَ ط، لَكِنْ اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ أَصْلًا لِتَعَدُّدِهِ وَاخْتِلَافِهِ بِتَعَدُّدِ الْعَادِّينَ وَاخْتِلَافِهِمْ. (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي أَشْهَرُ) لِوُقُوعِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ حَتَّى الْمُتُونِ. وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْكَمَالِ: إنَّهُ الْحَدُّ الَّذِي لَيْسَ فِي دَرْكِهِ حَرَجٌ، لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ وَالْعُرْفُ الْآنَ أَنَّهُ مَتَى كَانَ الْمَاءُ دَاخِلًا مِنْ جَانِبٍ وَخَارِجًا مِنْ جَانِبٍ آخَرَ يُسَمَّى جَارِيًا وَإِنْ قَلَّ الدَّاخِلُ، وَبِهِ يَظْهَرُ الْحُكْمُ فِي بِرَكِ الْمَسَاجِدِ وَمَغْطِسِ الْحَمَّامِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مَطْلَبُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْجَرَيَانِ الْمَدَدُ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) نَقَلَ تَصْحِيحَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَعَنْ شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلسِّرَاجِ الْهِنْدِيِّ، وَقَوَّاهُ بَعْدَمَا نَقَلَ عَنْ الْفَتْحِ اخْتِيَارَ خِلَافِهِ. أَقُولُ: وَيَزِيدُهُ قُوَّةً أَيْضًا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ سَالَ دَمُ رِجْلِهِ مَعَ الْعَصِيرِ لَا يَنْجُسُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَفِي الْخِزَانَةِ إنَاءَانِ مَاءُ أَحَدِهِمَا طَاهِرٌ وَالْآخَرُ نَجِسٌ فَصُبَّا مِنْ مَكَان عَالٍ فَاخْتَلَطَا فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ نَزَلَا طَهُرَ كُلُّهُ، وَلَوْ أَجْرَى مَاءَ الْإِنَاءَيْنِ فِي الْأَرْضِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ مَاءٍ جَارٍ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَنَظَمَ الْمَسْأَلَةَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْظُومَتِهِ تُحْفَةِ الْأَقْرَانِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 فَلَوْ سُدَّ النَّهْرُ مِنْ فَوْقٍ فَتَوَضَّأَ رَجُلٌ بِمَا يَجْرِي بِلَا مَدَدٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ جَارٍ، وَكَذَا لَوْ حَفَرَ نَهْرًا مِنْ حَوْضٍ صَغِيرٍ أَوْ صَبَّ رَفِيقُهُ الْمَاءَ فِي طَرَفِ مِيزَابٍ وَتَوَضَّأَ فِيهِ وَعِنْدَ طَرَفِهِ الْآخَرِ إنَاءٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءَ جَازَ تَوَضُّؤُهُ بِهِ ثَانِيًا وَثُمَّ وَثُمَّ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (إنْ لَمْ يُرَ) أَيْ يُعْلَمْ (أَثَرُهُ) فَلَوْ فِيهِ جِيفَةٌ أَوْ بَالَ فِيهِ رِجَالٌ فَتَوَضَّأَ آخَرُ مِنْ أَسْفَلِهِ جَازَ مَا لَمْ يُرَ فِي الْجَرْيَةِ أَثَرُهُ (وَهُوَ) إمَّا (طَعْمٌ أَوْ لَوْنٌ أَوْ رِيحٌ) ظَاهِرُهُ يَعُمُّ الْجِيفَةَ وَغَيْرَهَا، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ الْكَمَالُ. وَقَالَ تِلْمِيذُهُ قَاسِمٌ إنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَقَوَّاهُ فِي النَّهْرِ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُضْمِرَاتِ عَنْ النِّصَابِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقِيلَ إنْ جَرَى عَلَيْهَا نِصْفُهُ فَأَكْثَرُ لَمْ يَجُزْ وَهُوَ أَحْوَطُ.   [رد المحتار] لَوْ أَصَابَتْ الْأَرْضَ نَجَاسَةٌ فَصُبَّ عَلَيْهَا الْمَاءُ فَجَرَى قَدْرُ ذِرَاعٍ طَهُرَتْ الْأَرْضُ وَالْمَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي، وَلَوْ أَصَابَهَا الْمَطَرُ وَجَرَى عَلَيْهَا طَهُرَتْ، وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا لَمْ يَجْرِ فَلَا. (قَوْلُهُ: فَلَوْ سُدَّ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَتَأْيِيدٌ لَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَكَذَا نَظَائِرُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ وَغَيْرِهَا، فَالتَّفْرِيغُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مِنْ جِنْسِ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِي الْمَاءِ الْجَارِي فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ حَفَرَ نَهْرًا إلَخْ) أَيْ وَأَجْرَى الْمَاءَ فِي ذَلِكَ النَّهْرِ وَتَوَضَّأَ بِهِ حَالَ جَرَيَانِهِ فَاجْتَمَعَ الْمَاءُ فِي مَكَان، فَحَفَرَ رَجُلٌ آخَرُ نَهْرًا مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَأَجْرَى الْمَاءَ فِيهِ وَتَوَضَّأَ بِهِ حَالَ جَرَيَانِهِ فَاجْتَمَعَ فِي مَكَان آخَرَ فَفَعَلَ ثَالِثٌ كَذَلِكَ جَازَ وُضُوءُ الْكُلِّ إذَا كَانَ بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ مَسَافَةٌ وَإِنْ قَلَّتْ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ. وَحَدُّ ذَلِكَ أَنْ لَا يَسْقُطَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي مَوْضِعِ جَرَيَانِ الْمَاءِ فَيَكُونُ تَابِعًا لِلْجَارِي خَارِجًا مِنْ حُكْمِ الِاسْتِعْمَالِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: وَثُمَّ) الْوَاوُ دَاخِلَةٌ عَلَى مَحْذُوفٍ مَعْطُوفٍ عَلَيْهِ بِثُمَّ، فَلَمْ يَدْخُلْ حَرْفُ الْعَطْفِ عَلَى مِثْلِهِ، أَيْ وَجَازَ تَوَضُّؤُهُ ثَالِثًا ثُمَّ رَابِعًا وَخَامِسًا ثُمَّ سَادِسًا وَالْقَصْدُ التَّكْثِيرُ ط. (قَوْلُهُ: أَيْ يُعْلَمُ) فَسَّرَهُ بِهِ لِيَشْمَلَ الطَّعْمَ وَاللَّوْنَ أَيْضًا. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: أَثَرُهُ) الْأَوْلَى أَثَرُهَا أَيْ النَّجَاسَةِ، لَكِنَّهُ ذَكَّرَ ضَمِيرَهَا لِتَأَوُّلِهَا بِالْوَاقِعِ. وَفِي شَرْحِ هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ لِسَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ أَوْصَافُ النَّجَاسَةِ لَا الشَّيْءُ الْمُتَنَجِّسُ كَمَاءِ الْوَرْدِ وَالْخَلِّ مَثَلًا، فَلَوْ صُبَّ فِي مَاءٍ جَارٍ يُعْتَبَرُ أَثَرُ النَّجَاسَةِ الَّتِي فِيهِ لَا أَثَرُهُ نَفْسُهُ لِطَهَارَةِ الْمَائِعِ بِالْغُسْلِ، إلَى أَنْ قَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُهِمٌّ فَاحْفَظْهُ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ فِيهِ جِيفَةٌ إلَخْ) أَشَارَ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ شُمُولِ النَّجَاسَةِ الْمَرْئِيَّةِ وَغَيْرِهَا فَيُعْتَبَرُ ظُهُورُ الْأَثَرِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. (قَوْلُهُ: مِنْ أَسْفَلِهِ) أَيْ أَسْفَلِ الْمَكَانِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْجِيفَةُ أَوْ الْبَوْلُ ط. (قَوْلُهُ: فِي الْجَرْيَةِ) بِالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْمَرَّةِ مِنْ الْجَرْيِ: أَيْ الدَّفْعَةِ الْوَاحِدَةِ، وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ أَنَّهَا مَصْدَرٌ، وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ هُنَا؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ يَظْهَرُ فِي الْعَيْنِ لَا فِي الْحَدَثِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ يَعُمُّ الْجِيفَةَ وَغَيْرَهَا) أَيْ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ النَّجَاسَةَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتُونِ، وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ مَا قَبْلَهُ، فَالْأَوْلَى حَذْفُهُ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى مَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ الْكَمَالُ إلَخْ) وَأَيَّدَهُ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةِ ابْنُ أَمِيرٍ الْحَاجِّ فِي الْحِلْيَةِ، وَكَذَا أَيَّدَهُ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ بِمَا فِي عُمْدَةِ الْمُفْتِي مِنْ أَنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ يُطَهِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَبِمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الْمَاءَ النَّجِسَ إذَا دَخَلَ عَلَى مَاءِ الْحَوْضِ الْكَبِيرِ لَا يُنَجِّسُهُ لَوْ كَانَ غَالِبًا عَلَى مَاءِ الْحَوْضِ. قَالَ: فَالْجَارِي بِالْأَوْلَى، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِهِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إلَخْ) الْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَهَذَا قَوْلُهُمَا كَمَا فِي السِّرَاجِ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُنْيَةِ وَقَوَّاهُ شَارِحُهَا الْحَلَبِيُّ. وَأَجَابَ عَمَّا فِي الْفَتْحِ وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ لِلتَّيَقُّنِ بِوُجُودِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَطْهُرْ أَثَرُهَا عُلِمَ أَنَّ الْمَاءَ ذَهَبَ بِعَيْنِهَا، وَأَيَّدَهُ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي. وَاعْتَرَضَ عَلَى مَا فِي النَّهْرِ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ وَأَوْضَحَ الْمَرَامَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ ثَانِيهِمَا أَحْوَطُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَالَ فِي الْمُنْيَةِ: وَعَلَى هَذَا مَاءُ الْمَطَرِ إذَا جَرَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] فِي الْمِيزَابِ وَعَلَى السَّطْحِ عَذِرَاتٌ فَالْمَاءُ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَذِرَةُ عِنْدَ الْمِيزَابِ أَوْ كَانَ الْمَاءُ كُلُّهُ أَوْ نِصْفُهُ أَكْثَرُهُ يُلَاقِي الْعَذِرَةَ فَهُوَ نَجِسٌ وَإِلَّا فَطَاهِرٌ. اهـ. وَعَلَى مَا رَجَّحَهُ الْكَمَالُ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِي مَسْأَلَةِ السَّطْحِ سِوَى تَغَيُّرِ أَحَدِ الْأَوْصَافِ. اهـ. أَقُولُ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَا فِي دِيَارِنَا مِنْ أَنْهَارِ الْمَسَاقِطِ الَّتِي تَجْرِي بِالنَّجَاسَاتِ وَتَرْسُبُ فِيهَا لَكِنَّهَا فِي النَّهَارِ يَظْهَرُ أَثَرُ النَّجَاسَةِ وَتَتَغَيَّرُ، وَلَا كَلَامَ فِي نَجَاسَتِهَا حِينَئِذٍ. وَأَمَّا فِي اللَّيْلِ فَإِنَّهُ يَزُولُ تَغَيُّرُهَا فَيَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ لِجَرَيَانِ الْمَاءِ فِيهَا فَوْقَ النَّجَاسَةِ. قَالَ فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى: وَلَوْ كَانَ جَمِيعُ بَطْنِ النَّهْرِ نَجِسًا، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا لَا يُرَى مَا تَحْتَهُ فَهُوَ طَاهِرٌ وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْمُلْتَقَطِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: الْمَاءُ طَاهِرٌ وَإِنْ قَلَّ إذَا كَانَ جَارِيًا اهـ. تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ فِي طَرْحِ الزِّبْلِ فِي الْقَسَاطِلِ قَدْ اُعْتِيدَ فِي بِلَادِنَا إلْقَاءُ زِبْلِ الدَّوَابِّ فِي مَجَارِي الْمَاءِ إلَى الْبُيُوتِ لِسَدِّ خَلَلِ تِلْكَ الْمَجَارِي الْمُسَمَّاةِ بِالْقَسَاطِلِ فَيَرْسُبُ فِيهَا الزِّبْلُ وَيَجْرِي الْمَاءُ فَوْقَهَا فَهُوَ مِثْلُ مَسْأَلَةِ الْجِيفَةِ، وَفِي ذَلِكَ حَرَجٌ عَظِيمٌ إذَا قُلْنَا بِالنَّجَاسَةِ، وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ. وَقَدْ تَعَرَّضَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْعِمَادِيُّ مُفْتِي دِمَشْقَ فَبِكِتَابِهِ [هَدِيَّةُ ابْنُ الْعِمَادِ] وَاسْتَأْنَسَ لَهَا بِبَعْضِ فُرُوعٍ، وَبِالْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ مِنْ أَنَّ الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ، وَبِمَا فَرَّعُوا عَلَيْهَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَشْبَاهِ. وَقَدْ أَطَالَ الْكَلَامَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا رَسَبَ الزِّبْلُ فِي الْقَسَاطِلِ وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ فَالْمَاءُ طَاهِرٌ، وَإِذَا وَصَلَ إلَى الْحِيَاضِ فِي الْبُيُوتِ مُتَغَيِّرًا وَنَزَلَ فِي حَوْضٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ فَهُوَ نَجِسٌ وَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ النَّجِسَ لَا يَطْهُرُ بِتَغَيُّرِهِ إلَّا إذَا جَرَى بَعْدَ ذَلِكَ بِمَاءٍ صَافٍ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَطْهُرُ، فَإِذَا انْقَطَعَ الْجَرَيَانُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْحَوْضُ صَغِيرًا وَالزِّبْلُ رَاسِبٌ فِي أَسْفَلِهِ تَنَجَّسَ، مَا لَمْ يَصِرْ الزِّبْلُ حَمْأَةً وَهِيَ الطِّينُ الْأَسْوَدُ فَإِنَّهُ إذَا جَرَى بَعْدَ ذَلِكَ بِمَاءٍ صَافٍ ثُمَّ انْقَطَعَ لَا يَتَنَجَّسُ. وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى نَجَاسَةِ الزِّبْلِ عِنْدَنَا. عَنْ زُفَرَ: رَوْثُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ. وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ: الْأَرْوَاثُ كُلُّهَا نَجِسَةٌ إلَّا رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ لِلْبَلْوَى، وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَوْسِعَةٌ لِأَرْبَابِ الدَّوَابِّ فَقَلَّمَا يَسْلَمُونَ عَنْ التَّلَطُّخِ بِالْأَرْوَاثِ وَالْأَخْثَاءِ فَتُحْفَظُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ اهـ كَلَامُ الْمُبْتَغَى. وَإِذَا قُلْنَا بِذَلِكَ هُنَا لَا يَبْعُدُ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ، كَمَا أَفْتَوْا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لِلضَّرُورَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ لِابْنِ حَجَرٍ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ: إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ أَنْهُرِ الشَّامِ بِمَا فِيهَا مِنْ الزِّبْلِ وَلَوْ قَلِيلَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَرْيُهَا الْمُضْطَرُّ إلَيْهِ النَّاسُ إلَّا بِهِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَعْفُوَّ عَنْهُ عِنْدَهُ أَثَرُ الزِّبْلِ لَا عَيْنُهُ اهـ مَا فِي شَرْحِ الْهَدِيَّةِ مُلَخَّصًا مُوَضَّحًا. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الضَّرُورَةَ دَاعِيَةٌ إلَى الْعَفْوِ عَنْ الْعَيْنِ أَيْضًا، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمَحَلَّاتِ الْبَعِيدَةِ عَنْ الْمَاءِ فِي بِلَادِنَا يَكُونُ مَاؤُهَا قَلِيلًا، وَفِي أَغْلَبِ الْأَوْقَاتِ يَسْتَصْحِبُ الْمَاءُ عَيْنَ الزِّبْلِ وَيَرْسُبُ فِي أَسْفَلِ الْحِيَاضِ، وَكَثِيرًا مَا يَنْقُصُ الْحَوْضُ بِالِاسْتِعْمَالِ مِنْهُ أَوْ يَنْقَطِعُ الْمَاءُ عَنْهُ فَلَا يَبْقَى جَارِيًا وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ كَرْيِ الْأَنْهُرِ وَانْقِطَاعِ الْمَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ أَيَّامًا فَإِذَا مُنِعُوا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْحِيَاضِ لِمَا فِيهَا مِنْ الزِّبْلِ يَلْزَمُهُمْ الْحَرَجُ الشَّدِيدُ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ، فَاحْتِيَاجُهُمْ إلَى التَّوْسِعَةِ أَشَدُّ مِنْ احْتِيَاجِ أَرْبَابِ الدَّوَابِّ. وَقَدْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: الْمَعْلُومُ مِنْ قَوَاعِدِ أَئِمَّتِنَا التَّسْهِيلُ فِي مَوَاضِعِ الضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى الْعَامَّةِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ آبَارِ الْفَلَوَاتِ وَنَحْوِهَا اهـ أَيْ كَالْعَفْوِ مِنْ نَجَاسَةِ الْمَعْذُورِ عَنْ طِينِ الشَّارِعِ الْغَالِبِ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، نَعَمْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ يَزْدَادُ التَّغْيِيرُ فَيَنْزِلُ الْمَاءُ إلَى الْحَوْضِ أَخْضَرَ وَفِيهِ عَيْنُ الزِّبْلِ فَيَنْجُسُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وَأَلْحَقُوا بِالْجَارِي حَوْضَ الْحَمَّامِ لَوْ الْمَاءُ نَازِلًا وَالْغَرْفُ مُتَدَارَكٌ، كَحَوْضٍ صَغِيرٍ يَدْخُلُهُ الْمَاءُ مِنْ جَانِبٍ وَيَخْرُجُ مِنْ آخَرَ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ مُطْلَقًا، بِهِ يُفْتَى، وَكَعَيْنٍ هِيَ خَمْسٌ فِي خَمْسٍ يَنْبُعُ الْمَاءُ مِنْهُ، بِهِ يُفْتَى قُهُسْتَانِيٌّ مَعْزِيًّا لِلتَّتِمَّةِ. (وَكَذَا) يَجُوزُ (بِرَاكِدٍ) كَثِيرٍ (كَذَلِكَ)   [رد المحتار] الْحَوْضُ لَوْ صَغِيرًا وَإِنْ كَانَ جَارِيًا؛ لِأَنَّ جَرَيَانَهُ بِمَاءٍ نَجِسٍ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى الِاسْتِعْمَالِ مِنْهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَيُنْتَظَرُ صَفَاؤُهُ ثُمَّ يُعْفَى عَمَّا فِي الْقَسَاطِلِ وَمَا فِي أَسْفَلِ الْحَوْضِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ الضَّرُورَةِ مِنْ أَنَّ الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ، وَمِنْ أَنَّهُ إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَأَلْحَقُوا بِالْجَارِي حَوْضَ الْحَمَّامِ) أَيْ فِي أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ إلَّا بِطَهُورِ أَثَرِ النَّجَاسَةِ. أَقُولُ: وَكَذَا حَوْضُ غَيْرِ الْحَمَّامِ؛ لِأَنَّهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ ذَكَرَ هَذَا الْحُكْمَ فِي حَوْضٍ أَقَلَّ مِنْ عَشْرٍ فِي عَشْرٍ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ حَوْضُ الْحَمَّامِ اهـ فَلْيُحْفَظْ. (قَوْلُهُ: وَالْغَرْفُ مُتَدَارَكٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ مُتَتَابِعٌ، وَتَفْسِيرُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ أَنْ لَا يَسْكُنَ وَجْهُ الْمَاءِ فِيمَا بَيْنَ الْغَرْفَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَيَخْرُجُ مِنْ آخَرَ) أَيْ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَوْ كَانَ يَدْخُلُهُ الْمَاءُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ لَكِنْ فِيهِ إنْسَانٌ يَغْتَسِلُ وَيَخْرُجُ الْمَاءُ بِاغْتِسَالِهِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ مُتَدَارَكًا لَا يَنْجُسُ. اهـ. مَطْلَبٌ لَوْ أَدْخَلَ الْمَاءَ مِنْ أَعْلَى الْحَوْضِ وَخَرَجَ مِنْ أَسْفَلِهِ فَلَيْسَ بِجَارٍ ثُمَّ إنَّ كَلَامَهُمْ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ أَعْلَاهُ، فَلَوْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ ثَقْبٍ فِي أَسْفَلِ الْحَوْضِ لَا يُعَدُّ جَارِيًا؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِوَجْهِ الْمَاءِ بِدَلِيلِ اعْتِبَارِهِمْ فِي الْحَوْضِ الطُّولَ وَالْعَرْضَ لَا الْعُمْقَ، وَاعْتِبَارُهُمْ الْكَثْرَةَ وَالْقِلَّةَ فِي أَعْلَاهُ فَقَطْ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ. وَفِي الْمُنْيَةِ إذَا كَانَ الْمَاءُ يَجْرِي ضَعِيفًا يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَضَّأَ عَلَى الْوَقَارِ حَتَّى يَمُرَّ عَنْهُ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ، وَلَمْ أَرَ الْمَسْأَلَةَ صَرِيحًا، نَعَمْ رَأَيْت فِي شَرْحِ سَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ فِي مَسْأَلَةِ خِزَانَةِ الْحَمَّامِ الَّتِي أَخْبَرَ أَبُو يُوسُفَ بِرُؤْيَةِ فَأْرَةٍ فِيهَا قَالَ: فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَاءَ الْخِزَانَةِ إذَا كَانَ يَدْخُلُ مِنْ أَعْلَاهَا وَيَخْرُجُ مِنْ أُنْبُوبٍ فِي أَسْفَلِهَا فَلَيْسَ بِجَارٍ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ يَطْهُرُ الْحَوْضُ بِمُجَرَّدِ مَا يَدْخُلُ الْمَاءُ مِنْ الْأُنْبُوبِ وَيَفِيضُ مِنْ الْحَوْضِ هُوَ الْمُخْتَارُ لِعَدَمِ تَيَقُّنِ بَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِيهِ وَصَيْرُورَتِهِ جَارِيًا. اهـ. وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ الِاكْتِفَاءُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْأَسْفَلِ لَكِنَّهُ خِلَافُ قَوْلِهِ وَيَفِيضُ، فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَرْبَعًا فِي أَرْبَعٍ أَوْ أَكْثَرَ. وَقِيلَ لَوْ أَكْثَرَ يَتَنَجَّسُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ يَسْتَقِرُّ فِيهِ إلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ فِي مَوْضِعِ الدُّخُولِ أَوْ الْخُرُوجِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ. وَظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا عُلِمَ عَدَمُ خُرُوجِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لِضَعْفِ الْجَرْيِ لَا يَضُرُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا فِي الْمُنْيَةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ غَيْرُ لَازِمٍ، فَإِنْ خَرَجَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ مِنْ سَاعَتِهِ لِكَثْرَةِ الْمَاءِ وَقُوَّتِهِ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا اهـ وَأَقَرَّهُ الشَّارِحَانِ، وَزَادَ فِي الْحِلْيَةِ قَوْلَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ حَسَنٌ، لَكِنْ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بَعْدَمَا مَرَّ: وَحُكِيَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ يَتَحَرَّكُ الْمَاءُ مِنْ جَرَيَانِهِ يَجُوزُ. وَأَجَابَ رُكْنُ الْإِسْلَامِ السَّعْدِيُّ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ جَارٍ وَالْجَارِي يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. ثُمَّ هَذَا كَمَا فِي الْحِلْيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَأَمَّا عَلَى الْأَصَحِّ الْمُخْتَارِ فَيَجُوزُ الْوُضُوءُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ مَا يَغْتَرِفُهُ أَوْ نِصْفُهُ فَصَاعِدًا مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ اهـ. أَقُولُ: لَكِنْ إذَا وَقَعَ فِيهِ نَجَاسَةٌ حَقِيقَةٌ كَانَ التَّفْرِيعُ عَلَى حَالِهِ. (قَوْلُهُ: وَكَعَيْنٍ إلَخْ) يُغْنِي عَنْهُ الْإِطْلَاقُ السَّابِقُ كَمَا أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ: يَنْبُعُ الْمَاءُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَيْنِ وَذَكَرَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ الْمَكَانِ. (قَوْلُهُ: مَعْزِيًّا لِلتَّتِمَّةِ) فِيهِ أَنَّ عِبَارَةَ الْقُهُسْتَانِيِّ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا يَجُوزُ) أَيْ رَفْعُ الْحَدَثِ. (قَوْلُهُ: بِرَاكِدٍ) الرُّكُودُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 أَيْ وَقَعَ فِيهِ نَجِسٌ لَمْ يُرَ أَثَرُهُ وَلَوْ فِي مَوْضِعِ وُقُوعِ الْمَرْئِيَّةِ، بِهِ يُفْتَى بَحْرٌ. (وَالْمُعْتَبَرُ) فِي مِقْدَارِ الرَّاكِدِ (أَكْبَرُ رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ فِيهِ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ خُلُوصٍ) أَيْ وُصُولِ (النَّجَاسَةِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ جَازَ وَإِلَّا لَا) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ، وَإِلَيْهِ رَجَعَ مُحَمَّدٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا   [رد المحتار] السُّكُونُ وَالثَّبَاتُ قَامُوسٌ. (قَوْلُهُ: أَيْ وَقَعَ نَجِسٌ إلَخْ) شَمِلَ مَا لَوْ كَانَ النَّجِسُ غَالِبًا؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: الْمَاءُ النَّجِسُ إذَا دَخَلَ الْحَوْضَ الْكَبِيرَ لَا يَنْجُسُ الْحَوْضُ وَإِنْ كَانَ النَّجِسُ غَالِبًا عَلَى مَاءِ الْحَوْضِ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا اتَّصَلَ الْمَاءُ بِالْحَوْضِ صَارَ مَاءُ الْحَوْضِ غَالِبًا عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَمْ يُرَ أَثَرُهُ) أَيْ مِنْ طَعْمٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ، وَهَذَا الْقَيْدُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ فَلَا تَغْفُلُ عَنْهُ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْأَثَرِ أَثَرُ النَّجَاسَةِ نَفْسِهَا دُونَ مَا خَالَطَهَا كَخَلٍّ وَنَحْوِهِ. (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) أَيْ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَرْئِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَعَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ النِّصَابِ، وَأَرَادَ بِشَرْحِ الْمُنْيَةِ الْحِلْيَةَ لِابْنِ أَمِيرٍ الْحَاجِّ، وَقَدْ ذَكَرَ عِبَارَةَ النِّصَابِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي لَا هُنَا. عَلَى أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْحَلَبِيِّ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ فِي الْمَرْئِيَّةِ يَنْجُسُ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ بِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا، فَقِيلَ كَذَلِكَ: وَقِيلَ لَا. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَكَذَا الْبَدَائِعُ، لَكِنْ عَبَّرَ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَدَلَ الْإِجْمَاعِ قَالَ: وَمَعْنَاهُ أَنْ يَتْرُكَ مِنْ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ قَدْرَ الْحَوْضِ الصَّغِيرِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ اهـ: وَقَدَّرَهُ فِي الْكِفَايَةِ بِأَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ فِي مِثْلِهَا. وَقِيلَ يَتَحَرَّى، فَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَمْ تَخْلُصْ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ تَوَضَّأَ مِنْهُ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: قُلْت هُوَ الْأَصَحُّ اهـ وَكَذَا جَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ بِتَنَجُّسِ مَوْضِعِ الْمَرْئِيَّةِ بِلَا نَقْلِ خِلَافٍ، ثُمَّ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ، وَصَحَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ أَوَّلَهُمَا، وَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا ثَانِيَهُمَا نَعَمْ. قَالَ فِي الْخَزَائِنِ: وَالْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ التَّنَجُّسِ مُطْلَقًا إلَّا بِالتَّغَيُّرِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ الْمَرْئِيَّةِ وَغَيْرِهَا لِعُمُومِ الْبَلْوَى، حَتَّى قَالُوا: يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ قَبْلَ التَّحَرُّكِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُجْتَبَى. اهـ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَالْجَارِي لَا يَتَنَجَّسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ، وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي تَصْحِيحُهُ، فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَرْئِيَّةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ إنَّمَا يَقْتَضِي عِنْدَ الْكَثْرَةِ عَدَمَ التَّنَجُّسِ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ. اهـ. فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ حَيْثُ جَعَلَهُ كَالْجَارِي، وَقَدَّمْنَا عَنْهُ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي الْجَارِي ظُهُورُ الْأَثَرِ مُطْلَقًا، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ الْمُتُونِ وَكَذَا قَالَ فِي الْكَنْزِ هُنَا، وَهُوَ كَالْجَارِي، وَمِثْلُهُ فِي الْمُلْتَقَى. وَظَاهِرُهُ اخْتِيَارُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ فَلِذَا اخْتَارَهَا فِي الْفَتْحِ وَاسْتَحْسَنَهَا فِي الْحِلْيَةِ لِمُوَافَقَتِهَا لِمَا مَرَّ عَنْهُ فِي الْجَارِي. قَالَ: وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ «جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: انْتَهَيْت إلَى غَدِيرٍ فَإِذَا فِيهِ حِمَارٌ مَيِّتٌ فَكَفَفْنَا عَنْهُ حَتَّى انْتَهَى إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ فَاسْتَقَيْنَا وَأَرْوَيْنَا وَحَمَلْنَا» " اهـ وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى نَقْلِ الْإِجْمَاعِ السَّابِقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: فِي مِقْدَارِ الرَّاكِدِ) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيهِ الْمُتَعَلِّقُ بِالْمُعْتَبَرِ، فَالْأَوْلَى ذِكْرُهُ بَعْدَهُ تَفْسِيرًا لِمَرْجِعِ الضَّمِيرِ. (قَوْلُهُ: أَكْبَرُ رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ) أَيْ غَلَبَةُ ظَنِّهِ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْيَقِينِ، وَالْأَوْلَى حَذْفُ أَكْبَرُ لِيَظْهَرَ التَّفْصِيلُ بَعْدَهُ ط. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) صَادِقٌ بِمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْخُلُوصُ أَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْرَانِ لَكِنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ مُرَادٍ، لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِذَا اشْتَبَهَ الْخُلُوصُ فَهُوَ كَمَا إذَا لَمْ يَخْلُصْ اهـ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَإِلَيْهِ رَجَعَ مُحَمَّدٌ) أَيْ بَعْدَمَا قَالَ بِتَقْدِيرِهِ بِعَشْرٍ فِي عَشْرٍ، ثُمَّ قَالَ: لَا أُوَقِّتُ شَيْئًا كَمَا نَقَلَهُ الْأَئِمَّةُ الثِّقَاتُ عَنْهُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ) زَادَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِأَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: أَعْنِي عَدَمَ التَّحَكُّمِ بِتَقْدِيرٍ فِيمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ، وَالتَّفْوِيضُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى، بِنَاءً عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ ثُبُوتِ تَقْدِيرِهِ شَرْعًا. اهـ. وَأَمَّا تَقْدِيرُهُ بِالْقُلَّتَيْنِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فَحَدِيثُهُ غَيْرُ ثَابِتٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَضَعَّفَهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 فِي الْغَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَحَقَّقَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَبِهِ يُعْمَلُ، وَأَنَّ التَّقْدِيرَ بِعَشْرٍ فِي عَشْرٍ لَا يَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَرُدَّ مَا أَجَابَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ، لَكِنْ فِي النَّهْرِ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ اعْتِبَارَ الْعَشْرِ أَضْبَطُ وَلَا سِيَّمَا فِي حَقِّ مَنْ لَا رَأْيَ لَهُ مِنْ الْعَوَامّ، فَلِذَا أَفْتَى   [رد المحتار] وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُطَوَّلَاتِ. (قَوْلُهُ: وَحَقَّقَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ) أَيْ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَأَكْثَرَ مِنْ النُّقُولِ الصَّرِيحَةِ فِي ذَلِكَ: أَيْ فِي أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ تَفْوِيضُ الْخُلُوصِ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ بِلَا تَقْدِيرٍ بِشَيْءٍ، ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ رُجُوعِ مُحَمَّدٍ عَنْ تَقْدِيرِهِ بِعَشْرٍ فِي عَشْرٍ لَا يَسْتَلْزِمُ تَقْدِيرَهُ إلَّا فِي نَظَرِهِ، وَهُوَ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ كَوْنُهُ مَا اسْتَكْثَرَهُ الْمُبْتَلَى فَاسْتِكْثَارُ وَاحِدٍ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ، بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَا يَقَعُ فِي قَلْبِ كُلٍّ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا عَلَى الْعَامِّيِّ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ. اهـ. أَقُولُ: لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْغَدِيرَ الْعَظِيمَ مَا لَا يَتَحَرَّكُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ بِتَحْرِيكِ الطَّرَفِ الْآخَرِ وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَفِي الزَّيْلَعِيِّ، قِيلَ يُعْتَبَرُ بِالتَّحْرِيكِ، وَقِيلَ بِالْمِسَاحَةِ. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ حَتَّى قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ: اتَّفَقَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالتَّحْرِيكِ، وَهُوَ أَنْ يَرْتَفِعَ وَيَنْخَفِضَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا بَعْدَ الْمُكْثِ، وَلَا يُعْتَبَرُ أَصْلُ الْحَرَكَةِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ اهـ وَهَلْ الْمُعْتَبَرُ حَرَكَةُ الْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ أَوْ الْيَدِ؟ رِوَايَاتٌ ثَانِيهَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ الْوَسَطُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْحَاوِي الْقُدْسِيِّ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ وَغَيْرِهَا. وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ اعْتِبَارَ الْخُلُوصِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ بِلَا تَقْدِيرٍ بِشَيْءٍ مُخَالِفٌ فِي الظَّاهِرِ لِاعْتِبَارِهِ بِالتَّحْرِيكِ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الظَّانِّينَ، وَتَحَرُّكُ الطَّرَفِ الْآخَرِ أَمْرٌ حِسِّيٌّ مُشَاهَدٌ لَا يَخْتَلِفُ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَنْقُولٌ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، وَيَظْهَرُ لِي التَّوْفِيقُ بِأَنَّ الْمُرَادَ غَلَبَةُ الظَّنِّ وَأَنَّهُ لَوْ حَرَّكَ لَوَصَلَ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ إذَا لَمْ يُوجَدْ التَّحْرِيكُ بِالْفِعْلِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَرُدَّ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ بَنَى تَقْدِيرَهُ بِالْعَشْرِ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا» فَيَكُونُ لَهُ حَرِيمُهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشَرَةٌ، فَيَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ حَفْرِ بِئْرٍ فِي حَرِيمِهَا لِئَلَّا يَنْجَذِبَ الْمَاءُ إلَيْهَا وَيَنْقُصَ مَاءُ الْأُولَى، وَيَمْنَعُ أَيْضًا مِنْ حَفْرِ بَالُوعَةٍ فِيهِ لِئَلَّا تَسْرِيَ النَّجَاسَةُ إلَى الْبِئْرِ، وَلَا يَمْنَعُ فِيهَا وَرَاءَ الْحَرِيمِ وَهُوَ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ قَالَ: فَعُلِمَ أَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ الْعَشْرَ فِي الْعَشْرِ فِي عَدَمِ سِرَايَةِ النَّجَاسَةِ. وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْحَرِيمِ أَنَّهُ أَرْبَعُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَبِأَنَّ قِوَامَ الْأَرْضِ أَضْعَافُ قِوَامِ الْمَاءِ فَقِيَاسُهُ عَلَيْهِ فِي عَدَمِ السِّرَايَةِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، وَبِأَنَّ الْمُخْتَارَ الْمُعْتَمَدَ فِي الْبُعْدِ بَيْنَ الْبِئْرِ وَالْبَالُوعَةِ نُفُوذُ النَّجَاسَةِ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِصَلَابَةِ الْأَرْضِ وَرَخَاوَتِهَا. (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي النَّهْرِ إلَخْ) قَدْ تَعَرَّضَ لِهَذَا فِي الْبَحْرِ أَيْضًا، ثُمَّ رَدَّهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْمَلُ بِمَا صَحَّ مِنْ الْمَذْهَبِ لَا بِفَتْوَى الْمَشَايِخِ وَالْوَجْهُ مَعَ صَاحِبِ الْبَحْرِ. وَإِذَا اطَّلَعْت عَلَى كَلَامِهَا جَزَمْت بِذَلِكَ أَفَادَهُ ط. أَقُولُ: وَهُوَ الَّذِي حُطَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ وَتِلْمِيذِهِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ أَمِيرٍ الْحَاجِّ، لَكِنْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْعَلَّامَةِ سَعْدِ الدِّينِ الدِّيرِيِّ فِي رِسَالَتِهِ الْقَوْلُ الرَّاقِي فِي حُكْمِ مَاءِ الْفَسَاقِيِ أَنَّهُ حَقَّقَ فِيهَا مَا اخْتَارَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَشْرِ وَرَدَّ فِيهَا عَلَى مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِ رَدًّا بَلِيغًا، وَأَوْرَدَ نَحْوَ مِائَةِ نَقْلٍ نَاطِقَةٍ بِالصَّوَابِ إلَى أَنْ قَالَ: وَإِذَا كُنْت فِي الْمَدَارِكِ غُرًّا ... ثُمَّ أَبْصَرْت حَاذِقًا لَا تُمَارِي وَإِذَا لَمْ تَرَ الْهِلَالَ فَسَلِّمْ ... لِأُنَاسٍ رَأَوْهُ بِالْأَبْصَارِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ أَفْتَوْا بِالْعَشْرِ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَقَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ هُمْ أَعْلَمُ بِالْمَذْهَبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ الْأَعْلَامُ: أَيْ فِي الْمُرَبَّعِ بِأَرْبَعِينَ، وَفِي الْمُدَوَّرِ بِسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ، وَفِي الْمُثَلَّثِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ خَمْسَةَ عَشَرَ وَرُبُعًا وَخُمُسًا بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ، وَلَوْ لَهُ طُولٌ لَا عَرْضٌ لَكِنَّهُ يَبْلُغُ عَشْرًا فِي عَشْرٍ جَازَ تَيْسِيرًا، وَلَوْ أَعْلَاهُ عَشْرًا   [رد المحتار] مِنَّا فَعَلَيْنَا اتِّبَاعُهُمْ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي رَسْمِ الْمُفْتِي، وَأَمَّا نَحْنُ فَعَلَيْنَا اتِّبَاعُ مَا رَجَّحُوهُ وَمَا صَحَّحُوهُ، كَمَا لَوْ أَفْتُونَا فِي حَيَاتِهِمْ. (قَوْلُهُ: أَيْ فِي الْمُرَبَّعِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَشْرِ فِي الْعَشْرِ مَا يَكُونُ وَجْهُهُ مِائَةَ ذِرَاعٍ سَوَاءٌ كَانَ مُرَبَّعًا، وَهُوَ مَا يَكُونُ كُلُّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِهِ عَشَرَةً وَحَوْلَ الْمَاءِ أَرْبَعُونَ وَوَجْهُهُ مِائَةٌ، أَوْ كَانَ مُدَوَّرًا أَوْ مُثَلَّثًا، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْمُدَوَّرِ وَالْمُثَلَّثِ إذَا كَانَ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ يَكُونُ وَجْهُهُ مِائَةً، وَإِذَا رَبَّعَ يَكُونُ عَشْرًا فِي عَشْرٍ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُدَوَّرِ بِسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ دَوْرُهُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ ذِرَاعًا وَقُطْرُهُ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَخُمُسَ ذِرَاعٍ، وَمِسَاحَتُهُ أَنْ تَضْرِبَ نِصْفَ الْقُطْرِ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ وَعُشْرٌ فِي نِصْفِ الدَّوْرِ وَهُوَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَكُونُ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ ذِرَاعٍ. اهـ. سِرَاجٌ، وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ خَمْسَةٍ. وَفِي الدُّرَرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ مُبَرْهَنٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحِسَابِ. وَلِلْعَلَّامَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا الزَّهْرَ النَّضِيرَ عَلَى الْحَوْضِ الْمُسْتَدِيرِ أَوْضَحَ فِيهَا الْبُرْهَانَ الْمَذْكُورَ مَعَ رَدِّ بَقِيَّةِ الْأَقْوَالِ، وَلَخَّصَ ذَلِكَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الدُّرَرِ. (قَوْلُهُ: وَرُبُعًا وَخُمُسًا) فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ خُمُسًا بِأَوْ لَا بِالْوَاوِ، وَهِيَ الْأَصْوَبُ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي التَّعْبِيرِ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ كَنُوحٍ أَفَنْدِي عَبَّرَ بِالرُّبُعِ وَبَعْضُهُمْ كالشرنبلالي فِي رِسَالَتِهِ عَبَّرَ بِالْخُمُسِ، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ فِي السِّرَاجِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ كَانَ مُثَلَّثًا فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ جَانِبٍ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَخُمُسَ ذِرَاعٍ حَتَّى تَبْلُغَ مِسَاحَتُهُ مِائَةَ ذِرَاعٍ، بِأَنْ تَضْرِبَ أَحَدَ جَوَانِبِهِ فِي نَفْسِهِ، فَمَا صَحَّ أَخَذْت ثُلُثَهُ وَعُشْرَهُ فَهُوَ مِسَاحَتُهُ. بَيَانُهُ أَنْ تَضْرِبَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَخُمُسًا فِي نَفْسِهِ يَكُونُ مِائَتَيْنِ وَإِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَجُزْءًا مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ ذِرَاعٍ، فَثُلُثُهُ عَلَى التَّقْرِيبِ سَبْعَةٌ وَسَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَعُشْرُهُ عَلَى التَّقْرِيبِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ فَذَلِكَ مِائَةُ ذِرَاعٍ وَشَيْءٌ قَلِيلٌ لَا يَبْلُغُ عُشْرَ ذِرَاعٍ. اهـ. أَقُولُ: وَعَلَى التَّعْبِيرِ بِالرُّبُعِ يَبْلُغُ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْقَلِيلُ نَحْوَ رُبُعِ ذِرَاعٍ فَالتَّعْبِيرُ بِالْخُمُسِ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى فَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ) بِالْكَسْرِ: أَيْ ثِيَابِ الْقُطْنِ، وَيَأْتِي مِقْدَارُهُ. [تَنْبِيهٌ] لَمْ يَذْكُرْ مِقْدَارَ الْعُمْقِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ بَدَائِعُ، وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يَنْحَسِرُ بِالِاغْتِرَافِ: أَيْ لَا يَنْكَشِفُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى مِعْرَاجٌ. وَفِي الْبَحْرِ الْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ وَقِيلَ أَرْبَعُ أَصَابِعَ مَفْتُوحَةٍ، وَقِيلَ مَا بَلَغَ الْكَعْبَ، وَقِيلَ شِبْرٌ، وَقِيلَ ذِرَاعٌ، وَقِيلَ ذِرَاعَانِ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يَبْلُغُ إلَخْ) كَأَنْ يَكُونَ طُولُهُ خَمْسِينَ وَعَرْضُهُ ذِرَاعَيْنِ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَوْ رَبَّعَ صَارَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ. (قَوْلُهُ: جَازَ تَيْسِيرًا) أَيْ جَازَ الْوُضُوءُ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، أَوْ الْمُرَادُ جَازَ وَإِنْ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الدُّرَرِ عَنْ عُيُونِ الْمَذَاهِبِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالِاخْتِيَارِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 وَأَسْفَلُهُ أَقَلَّ جَازَ حَتَّى يَبْلُغَ الْأَقَلَّ، وَلَوْ بِعَكْسِهِ فَوَقَعَ فِيهِ نَجَسٌ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَشْرَ. وَلَوْ جَمَدَ مَاؤُهُ فَثُقِبَ، إنْ الْمَاءُ مُنْفَصِلًا عَنْ الْجَمْدِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُسَقَّفِ، وَإِنْ مُتَّصِلًا لَا لِأَنَّهُ كَالْقَصْعَةِ حَتَّى لَوْ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ تَنَجَّسَ   [رد المحتار] وَغَيْرِهِمَا وَاخْتَارَ فِي الْفَتْحِ الْقَوْلَ الْآخَرَ وَصَحَّحَهُ تِلْمِيذُهُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ؛ لِأَنَّ مَدَارَ الْكَثْرَةِ عَلَى عَدَمِ خُلُوصِ النَّجَاسَةِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَلَا شَكَّ فِي غَلَبَةِ الْخُلُوصِ مِنْ جِهَةِ الْعَرْضِ، وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ لَهُ عُمْقٌ بِلَا سَعَةٍ أَيْ بِلَا عَرْضٍ وَلَا طُولٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ مِنْ السَّطْحِ لَا مِنْ الْعُمْقِ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ الْأَوْجَهَ، إلَّا أَنَّهُمْ وَسَّعُوا الْأَمْرَ عَلَى النَّاسِ وَقَالُوا بِالضَّمِّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي التَّجْنِيسِ بِقَوْلِهِ تَيْسِيرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ. اهـ. وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ اعْتِبَارَ الطُّولِ لَا يُنَجِّسُهُ وَاعْتِبَارُ الْعَرْضِ يُنَجِّسُهُ فَيَبْقَى طَاهِرًا عَلَى أَصْلِهِ لِلشَّكِّ فِي تَنَجُّسِهِ، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي، وَبِهِ فَارَقَ مَا لَهُ عُمْقٌ بِلَا سَعَةٍ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَبْلُغَ الْأَقَلَّ) أَيْ وَإِذَا بَلَغَ الْأَقَلَّ فَوَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ تَنَجَّسَ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ، وَتَشْمَلُ النَّجَاسَةُ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَإِنْ نَقَصَ حَتَّى صَارَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ فِي عَشَرَةٍ لَا يَتَوَضَّأُ فِيهِ وَلَكِنْ يَغْتَرِفُ مِنْهُ وَيَتَوَضَّأُ. اهـ. أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ التَّوَضُّؤِ مِنْ الْفَسَاقِيِ وَفِيهَا الْكَلَامُ الْمَارُّ فَافْهَمْ، ثُمَّ لَوْ امْتَلَأَ بَعْدَ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ بَقِيَ نَجِسًا، وَقِيلَ لَا مُنْيَةٌ. وَوَجْهُ الثَّانِي غَيْرُ ظَاهِرٍ حِلْيَةٌ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَاءَ إذَا تَنَجَّسَ حَالَ قِلَّتِهِ لَا يَعُودُ طَاهِرًا بِالْكَثْرَةِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا قَبْلَ اتِّصَالِهِ بِالنَّجَاسَةِ لَا يَنْجُسُ بِهَا. وَلَوْ نَقَصَ بَعْدَ سُقُوطِهَا فِيهِ حَتَّى صَارَ قَلِيلًا فَالْمُعْتَبَرُ قِلَّتُهُ وَكَثْرَتُهُ وَقْتَ اتِّصَالِهِ بِالنَّجَاسَةِ، سَوَاءٌ وَرَدَتْ عَلَيْهِ أَوْ وَرَدَ عَلَيْهَا هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ اهـ وَقَوْلُهُ أَوْ وَرَدَ عَلَيْهَا يُشِيرُ إلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْمَاءَ إنْ دَخَلَ مِنْ مَكَان نَجَسٍ أَوْ اتَّصَلَ بِالنَّجَاسَةِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَهُوَ نَجِسٌ، وَإِنْ دَخَلَ مِنْ مَكَان طَاهِرٍ وَاجْتَمَعَ حَتَّى صَارَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ ثُمَّ اتَّصَلَ بِالنَّجَاسَةِ لَا يَنْجُسُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِعَكْسِهِ) بِأَنْ كَانَ أَعْلَاهُ لَا يَبْلُغُ عَشْرًا فِي عَشْرٍ وَأَسْفَلُهُ يَبْلُغُهَا. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَبْلُغَ الْعَشْرَ) فَإِذَا بَلَغَهَا جَازَ وَإِنْ كَانَ مَا فِي أَعْلَاهُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي أَسْفَلِهِ أَيْ مِقْدَارًا لَا مِسَاحَةً. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ الْهِنْدِيِّ أَنَّهُ الْأَشْبَهُ اهـ. أَقُولُ: وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوا حَالَةَ الْوُقُوعِ هُنَا؛ لِأَنَّ مَا فِي الْأَسْفَلِ فِي حُكْمِ حَوْضٍ آخَرَ بِسَبَبِ كَثْرَتِهِ مَسَّاحَةً وَأَنَّهُ لَوْ وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ ابْتِدَاءً لَمْ تَضُرَّهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى تَدَبَّرْ. وَهَذِهِ يَلْغُزُ فِيهَا فَيُقَالُ: مَاءٌ كَثِيرٌ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ تُنَجِّسُ ثُمَّ إذَا قَلَّ طَهُرَ. بَقِيَ مَا لَوْ وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ ثُمَّ نَقَصَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَوْ امْتَلَأَ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ ح: لَمْ أَجِدْ حُكْمَهُ. وَأَقُولُ: هَذَا عَجِيبٌ، فَإِنَّهُ حَيْثُ حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ مَا يُنَجِّسُهُ هَلْ يُتَوَهَّمُ نَجَاسَتُهُ، نَعَمْ لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ مَرْئِيَّةً وَكَانَتْ بَاقِيَةً فِيهِ أَوْ امْتَلَأَ قَبْلَ جَفَافِ أَعْلَى الْحَوْضِ تَنَجَّسَ. أَمَّا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ أَوْ مَرْئِيَّةً وَأُخْرِجَتْ مِنْهُ أَوْ امْتَلَأَ بَعْدَمَا حُكِمَ بِطَهَارَةِ جَوَانِبِ أَعْلَاهُ بِالْجَفَافِ فَلَا إذْ لَا مُقْتَضَيْ لِلنَّجَاسَةِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَمَدَ مَاؤُهُ) أَيْ مَاءُ الْحَوْضِ الْكَبِيرِ: أَيْ وَجْهُ الْمَاءِ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: فَثُقِبَ) أَيْ وَلَمْ تَبْلُغْ مِسَاحَةُ الثُّقْبِ عَشْرًا فِي عَشْرٍ. (قَوْلُهُ: مُنْفَصِلًا عَنْ الْجَمَدِ) أَيْ مُتَسَفِّلًا عَنْهُ غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِهِ بِحَيْثُ لَوْ حُرِّكَ تَحَرَّكَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ مُتَّصِلًا لَا) أَيْ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ نُصَيْرٍ وَالْإِسْكَافِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَهَذَا أَوْسَعُ، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ. وَقَالُوا: إذَا حُرِّكَ مَوْضِعُ الثَّقْبِ تَحْرِيكًا بَلِيغًا يُعْلَمُ عِنْدَهُ أَنَّ مَا كَانَ رَاكِدًا ذَهَبَ. وَهَذَا مَاءٌ جَدِيدٌ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. بَدَائِعُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ إنْ حَرَّكَ الْمَاءَ عِنْدَ إدْخَالِ كُلِّ عُضْوٍ مَرَّةً جَازَ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَشْبَهُ كَمَا مَرَّ عَنْ السِّرَاجِ الْهِنْدِيِّ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْمُنْيَةِ صَرَّحَ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ. وَفِي الْحِلْيَةِ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ. (قَوْلُهُ: تَنَجَّسَ) أَيْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 لَا لَوْ وَقَعَ فِيهِ فَمَاتَ لِتَسَفُّلِهِ. ثُمَّ الْمُخْتَارُ طَهَارَةُ الْمُتَنَجِّسِ بِمُجَرَّدِ جَرَيَانِهِ وَكَذَا الْبِئْرُ وَحَوْضُ الْحَمَّامِ.   [رد المحتار] مَوْضِعُ الثَّقْبِ دُونَ الْمُتَسَفِّلِ، فَلَوْ ثُقِبَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَأَخَذَ الْمَاء مِنْهُ وَتَوَضَّأَ جَازَ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ: لَا لَوْ وَقَعَ فِيهِ إلَخْ) أَيْ لَا يَنْجُسُ مَوْضِعُ الثَّقْبِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَحْصُلُ غَالِبًا بَعْدَ التَّسَفُّلِ وَلَا مَا تَحْتَهُ لِكَثْرَتِهِ، لَكِنْ فِي تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِوُقُوعِ الْكَلْبِ نَظَرٌ لِتَنَجُّسِ الثُّقْبِ بِمُلَاقَاةِ الْمَاءِ لِفَمِهِ وَأَنْفِهِ وَلِذَا صَوَّرَهَا فِي الْمُنْيَةِ بِوُقُوعِ الشَّاةِ. وَفِي شَرْحِهَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ فِي الثُّقْبِ قَبْلَ التَّسَفُّلِ مِنْهُ، أَوْ كَانَ الْحَيَوَانُ الْوَاقِعُ مُتَنَجِّسًا يَتَنَجَّسُ مَا فِي الثُّقْبِ. مَطْلَبُ يَطْهُرُ الْحَوْضُ بِمُجَرَّدِ الْجَرَيَانِ. (قَوْلُهُ: بِمُجَرَّدِ جَرَيَانِهِ) أَيْ بِأَنْ يَدْخُلَ مِنْ جَانِبٍ وَيَخْرُجَ مِنْ آخَرَ حَالَ دُخُولِهِ وَإِنْ قَلَّ الْخَارِجُ بَحْرٌ. قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: لِأَنَّهُ صَارَ جَارِيًا حَقِيقَةً، وَبِخُرُوجِ بَعْضِهِ رُفِعَ الشَّكُّ فِي بَقَاءِ النَّجَاسَةِ فَلَا تَبْقَى مَعَ الشَّكِّ. اهـ. وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ حَتَّى يَخْرُجَ قَدْرُ مَا فِيهِ، وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِهِ بَحْرٌ، فَلَوْ خَرَجَ بِلَا دُخُولٍ كَأَنْ ثُقِبَ مِنْهُ ثُقْبٌ فَلَيْسَ بِجَارٍ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْحَوْضُ مُمْتَلِئًا فِي أَوَّلِ وَقْتِ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ نَاقِصًا فَدَخَلَهُ الْمَاءُ حَتَّى امْتَلَأَ وَخَرَجَ بَعْضُهُ طَهُرَ أَيْضًا كَمَا لَوْ كَانَ ابْتِدَاءً مُمْتَلِئًا مَاءً نَجِسًا كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ الْحَوْضِ نَجِسٌ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالطَّهَارَةِ. اهـ. أَقُولُ: هُوَ ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْمِثْلِ أَوْ ثَلَاثَةِ الْأَمْثَالِ لَمْ يُحْكَمْ بِطَهَارَةِ الْحَوْضِ، فَيَظْهَرُ كَوْنُ الْخَارِجِ نَجِسًا. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ فَقَدْ حُكِمَ بِالطَّهَارَةِ بِمُجَرَّدِ الْخُرُوجِ فَيَكُونُ الْخَارِجُ طَاهِرًا تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْته فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَنَصُّهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَطْهُرُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِثْلُ مَا فِيهِ، وَإِنْ رَفَعَ إنْسَانٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ الَّذِي خَرَجَ وَتَوَضَّأَ بِهِ جَازَ اهـ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ، لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا حَوْضٌ نَجِسٌ امْتَلَأَ مَاءً وَفَارَ مَاؤُهُ عَلَى جَوَانِبِهِ وَجَفَّ جَوَانِبُهُ لَا يَطْهُرُ، وَقِيلَ يَطْهُرُ اهـ. وَفِيهَا: وَلَوْ امْتَلَأَ فَتَشَرَّبَ الْمَاءُ فِي جَوَانِبِهِ لَا يَطْهُرُ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْمَاءُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَطْهُرُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِثْلُ مَا فِيهِ، فَلَوْ امْتَلَأَ الْحَوْضُ وَخَرَجَ مِنْ جَانِبِ الشَّطِّ عَلَى وَجْهِ الْجَرَيَانِ حَتَّى بَلَغَ الْمُشَجَّرَةَ يَطْهُرُ، أَمَّا قَدْرُ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ فَلَا اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْبِئْرُ وَحَوْضُ الْحَمَّامِ) أَيْ يَطْهُرَانِ مِنْ النَّجَاسَةِ بِمُجَرَّدِ الْجَرَيَانِ، وَكَذَا مَا فِي حُكْمِهِ مِنْ الْعُرْفِ الْمُتَدَارَكِ كَمَا مَرَّ. مَطْلَبٌ فِي إلْحَاقِ نَحْوِ الْقَصْعَةِ بِالْحَوْضِ [تَنْبِيهٌ] هَلْ يُلْحَقُ نَحْوُ الْقَصْعَةِ بِالْحَوْضِ؟ فَإِذَا كَانَ فِيهَا مَاءٌ نَجِسٌ ثُمَّ دَخَلَ فِيهَا مَاءٌ جَارٍ حَتَّى طَفَّ مِنْ جَوَانِبِهَا هَلْ تَطْهُرُ هِيَ وَالْمَاءُ الَّذِي فِيهَا كَالْحَوْضِ أَمْ لَا لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فِي غَسْلِهَا؟ تَوَقَّفْتُ فِيهِ مُدَّةً، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى: إذَا فَسَدَ مَاءُ الْحَوْضِ فَأُخِذَ مِنْهُ بِالْقَصْعَةِ وَأَمْسَكَهَا تَحْتَ الْأُنْبُوبِ فَدَخَلَ الْمَاءُ وَسَالَ مَاءُ الْقَصْعَةِ فَتَوَضَّأَ بِهِ لَا يَجُوزُ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَوْضِ: لَوْ خَرَجَ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ لَا يَطْهُرُ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِثْلُ مَا فِيهِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ كَالْقَصْعَةِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَطْهُرُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِثْلُ مَا فِيهِ. اهـ. فَالظَّاهِرُ أَنَّمَا فِي الْخِزَانَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الصَّحِيحِ، يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ فِي جَرَيَانِ الْحَوْضِ حَيْثُ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَعَلَى هَذَا حَوْضُ الْحَمَّامِ أَوْ الْأَوَانِي إذَا تَنَجَّسَ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ تَطْهُرُ الْأَوَانِي أَيْضًا بِمُجَرَّدِ الْجَرَيَانِ، وَقَدْ عَلَّلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 هَذَا، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَالْمُخْتَارُ: ذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ وَهُوَ سَبْعُ قَبَضَاتٍ فَقَطْ، فَيَكُونُ ثَمَانِيًا فِي ثَمَانٍ بِذِرَاعِ زَمَانِنَا   [رد المحتار] فِي الْبَدَائِعِ هَذَا الْقَوْلَ بِأَنَّهُ صَارَ مَاءً جَارِيًا وَلَمْ نَسْتَيْقِنْ بِبَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، فَاتَّضَحَ الْحُكْمُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَبَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ سُئِلْت عَنْهُ، وَهُوَ أَنَّ دَلْوًا تَنَجَّسَ فَأَفْرَغَ فِيهِ رَجُلٌ مَاءً حَتَّى امْتَلَأَ وَسَالَ مِنْ جَوَانِبِهِ هَلْ يَطْهُرُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي الطَّهَارَةُ، أَخْذًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ هُنَا وَمِمَّا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْجَرَيَانُ بِمَدَدٍ، وَمَا يُقَالُ إنَّهُ لَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ جَارِيًا مَمْنُوعٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ سَالَ دَمُ رِجْلِهِ مَعَ الْعَصِيرِ لَا يَنْجُسُ، وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بَعْدَهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَفَرَ نَهْرًا مِنْ حَوْضٍ صَغِيرٍ أَوْ صَبَّ الْمَاءَ فِي طَرَفِ الْمِيزَابِ إلَخْ وَكَذَا مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ عَنْ الْخِزَانَةِ وَالذَّخِيرَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ، فَكُلُّ هَذَا اعْتَبَرُوهُ جَارِيًا فَكَذَا هُنَا. وَأَخْبَرَنِي شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ عَصْرِهِ فِي حَلَبَ أَفْتَى بِذَلِكَ حَتَّى فِي الْمَائِعَاتِ وَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَأَقُولُ: مَسْأَلَةُ الْعَصِيرِ تَشْهَدُ لِمَا أَفْتَى بِهِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ حُكْمَ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ فِي الْأَصَحِّ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ، فَمَنْ أَنْكَرَهُ وَادَّعَى خِلَافَهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ مُدَّعَاهُ بِنَقْلٍ صَرِيحٍ لَا بِمُجَرَّدِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَذَكَرُوهُ فِي تَطْهِيرِ الْمَائِعَاتِ كَالزَّيْتِ وَنَحْوِهِ. عَلَى أَنِّي رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَوَّلَ فَصْلِ النَّجَاسَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ الْمَائِعَ كَالْمَاءِ وَالدِّبْسِ وَغَيْرِهِمَا طَهَارَتُهُ إمَّا بِإِجْرَائِهِ مَعَ جِنْسِهِ مُخْتَلِطًا بِهِ كَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ، وَإِمَّا بِالْخَلْطِ مَعَ الْمَاءِ كَمَا إذَا جَعَلَ الدُّهْنَ فِي الْخَابِيَةِ ثُمَّ صَبَّ فِيهِ مَاءً مِثْلَهُ وَحُرِّكَ ثُمَّ تُرِكَ حَتَّى يَعْلُوَ وَثَقَبَ أَسْفَلَهَا حَتَّى يَخْرُجَ الْمَاءُ هَكَذَا يَفْعَلُ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يَطْهُرُ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ إلَخْ، فَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّهُ يَطْهُرُ بِالْإِجْرَاءِ نَظِيرَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخِزَانَةِ وَغَيْرِهَا، مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَجْرَى مَاءَ إنَاءَيْنِ أَحَدُهُمَا نَجِسٌ فِي الْأَرْضِ أَوْ صَبَّهُمَا مِنْ عُلُوٍّ فَاخْتَلَطَا طَهُرَا بِمَنْزِلَةِ مَاءٍ جَارٍ، نَعَمْ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ مِنْ تَخْصِيصِ الْجَرَيَانِ بِأَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ هُنَا، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِهِمْ مِنْ طَهَارَةِ الْحَوْضِ بِمُجَرَّدِ الْجَرَيَانِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِفِكْرِي السَّقِيمِ {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76] . مَطْلَبٌ فِي مِقْدَارِ الذِّرَاعِ وَتَعْيِينِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُخْتَارُ ذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ) وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَاخْتَارَهُ فِي الدُّرَرِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْخِزَانَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا: ذِرَاعُ الْمِسَاحَةِ وَهُوَ سَبْعُ قَبَضَاتٍ فَوْقَ كُلِّ قَبْضَةٍ إصْبَعٌ قَائِمَةٌ. وَفِي الْمُحِيطِ وَالْكَافِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ذِرَاعُهُمْ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ الْأَنْسَبُ. قُلْت: لَكِنْ رَدَّهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِعَدَمِ خُلُوصِ النَّجَاسَةِ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ سَبْعُ قَبَضَاتٍ فَقَطْ) أَيْ بِلَا إصْبَعٍ قَائِمَةٍ، وَهَذَا مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّهُ سِتُّ قَبَضَاتٍ لَيْسَ فَوْقَ كُلِّ قَبْضَةٍ إصْبَعٌ قَائِمَةٌ فَهُوَ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ إصْبَعًا بِعَدَدِ حُرُوفِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " وَالْمُرَادُ بِالْإِصْبَعِ الْقَائِمَةِ ارْتِفَاعُ الْإِبْهَامِ كَمَا فِي [غَايَةِ الْبَيَانِ] اهـ وَالْمُرَادُ بِالْقَبْضَةِ أَرْبَعُ أَصَابِعَ مَضْمُومَةٍ نُوحٌ. أَقُولُ: وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ ذِرَاعِ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ سِتُّ قَبَضَاتٍ وَشَيْءٌ، وَذَلِكَ شِبْرَانِ. (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ ثَمَانِيًا فِي ثَمَانٍ) كَأَنَّهُ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَمْ يَمْتَحِنْهُ، وَصَوَابُهُ: فَيَكُونُ عَشْرًا فِي ثَمَانٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 ثَمَانِ قَبَضَاتٍ وَثَلَاثِ أَصَابِعَ عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ بِالْمُعَشَّرِ أَيْ وَلَوْ حُكْمًا لِيَعُمَّ مَا لَهُ طُولٌ بِلَا عَرْضٍ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا بِئْرٌ عُمْقُهَا عَشْرٌ فِي الْأَصَحِّ، وَحِينَئِذٍ فَلَوْ مَاؤُهَا بِقَدْرِ الْعَشْرِ لَمْ يَنْجُسْ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ، وَحِينَئِذٍ فَعُمْقُ خَمْسِ أَصَابِعَ تَقْرِيبًا ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَثَلَثُمِائَةٍ وَاثْنَا عَشَرَ مَنًّا مِنْ الْمَاءِ الصَّافِي، وَيَسَعُهُ غَدِيرٌ كُلُّ ضِلْعٍ مِنْهُ طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا ذِرَاعَانِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ ذِرَاعٍ وَنِصْفُ إصْبَعٍ تَقْرِيبًا كُلُّ ذِرَاعٍ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ إصْبَعًا. اهـ. قُلْت وَفِيهِ كَلَامٌ إذْ الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعُمْقِ وَحْدَهُ فَتَبَصَّرْ. (وَلَا يَجُوزُ بِمَاءٍ) بِالْمَدِّ (زَالَ طَبْعُهُ) وَهُوَ السَّيَلَانُ وَالْإِرْوَاءُ وَالْإِنْبَاتُ (بِسَبَبِ) (طَبْخٍ كَمَرَقٍ) وَمَاءِ بَاقِلَاءَ إلَّا بِمَا قُصِدَ بِهِ التَّنْظِيفُ كَأُشْنَانٍ وَصَابُونٍ فَيَجُوزُ إنْ بَقِيَ رِقَّتُهُ   [رد المحتار] وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَبْضَةَ أَرْبَعُ أَصَابِعَ، وَإِذَا كَانَ ذِرَاعُ زَمَانِهِمْ ثَمَانِ قَبَضَاتٍ وَثَلَاثَ أَصَابِعَ يَكُونُ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ إصْبَعًا، وَإِذَا ضَرَبْت الْعَشْرَ فِي ثَمَانٍ بِذَلِكَ الذِّرَاعِ تَبْلُغُ ثَمَانِينَ فَاضْرِبْهَا فِي خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ تَبْلُغُ أَلْفَيْنِ وَثَمَانِمِائَةٍ إصْبَعٍ، وَهِيَ مِقْدَارُ عَشْرٍ فِي عَشْرٍ بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ الْمُقَدَّرِ بِسَبْعِ قَبَضَاتٍ؛ لِأَنَّ الذِّرَاعَ حِينَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ إصْبَعًا، وَالْعَشْرُ فِي عَشْرٍ بِمِائَةٍ، فَإِذَا ضَرَبْت ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ فِي مِائَةٍ تَبْلُغُ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ. وَأَمَّا عَلَى مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فَلَا تَبْلُغُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّك إذَا ضَرَبْت ثَمَانِيًا فِي ثَمَانٍ تَبْلُغُ أَرْبَعًا وَسِتِّينَ، فَإِذَا ضَرَبْتهَا فِي خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ تَبْلُغُ أَلْفَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ إصْبَعًا وَذَلِكَ ثَمَانُونَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ وَالْمَطْلُوبُ مِائَةٌ فَالصَّوَابُ مَا قُلْنَاهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ حُكْمًا إلَخْ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ وَلَوْ لَهُ طُولٌ لَا عَرْضٌ إلَخْ ط. (قَوْلُهُ: عُمْقُهَا) بِالْفَتْحِ وَبِالضَّمِّ وَبِضَمَّتَيْنِ قَعْرُ الْبِئْرِ وَنَحْوِهَا قَامُوسٌ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى والتمرتاشي وَالْإِيضَاحِ وَالْمُبْتَغَى، وَعَزَاهُ فِي الْقُنْيَةِ إلَى شَرْحِ صَدْرِ الْقُضَاةِ وَجَمْعِ التَّفَارِيقِ، وَهُوَ مُتَوَغِّلٌ فِي الْإِغْرَابِ، مُخَالِفٌ لِمَا أَطْلَقَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ) أَيْ إذَا اُعْتُبِرَ الْعُمْقُ بِلَا سَعَةٍ. (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ الْعَشْرِ) أَيْ بِقَدْرِ الْمُرَبَّعِ الَّذِي هُوَ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ. (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِإِغْنَاءِ مَا قَبْلَهُ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: فَعُمْقُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ غَدِيرٌ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ عُمْقُهُ خَمْسُ أَصَابِعَ تَقْرِيبًا كَانَ مَاؤُهُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ إلَخْ وَقَدَّمْنَا الْأَقْوَالَ فِي مِقْدَارِ الْعُمْقِ، وَلَيْسَ فِيهَا قَوْلٌ بِتَقْدِيرِهِ بِخَمْسِ أَصَابِعَ. (قَوْلُهُ: وَثَلَثُمِائَةٍ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَثَمَانُمِائَةٍ، وَالْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ الْأَوَّلُ. (قَوْلُهُ: مَنًّا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْمَنُّ كَيْلٌ أَوْ مِيزَانٌ أَوْ رَطْلَانِ كَالْمَنَا جَمْعُهُ أَمْنَانٌ وَجَمْعُ الْمَنَا أَمْنَاءٌ. وَالرَّطْلُ بِالْفَتْحِ وَيُكْسَرُ: اثْنَتَا عَشْرَةَ أُوقِيَّةً، وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. (قَوْلُهُ: فَعُمْقُ خَمْسِ أَصَابِعَ إلَخْ) الْأَوْلَى اعْتِبَارُهُ بِالْأَرْبَعِ؛ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ؛ وَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ، وَعَلَيْهِ فَيَبْلُغُ فِي الْمُرَبَّعِ مَا طُولُهُ وَعَرْضُهُ وَعُمْقُهُ ذِرَاعَانِ وَنِصْفُ ذِرَاعٍ وَإِصْبَعٌ وَثُلُثُ إصْبَعٍ، وَفِي الْمُثَلَّثِ مَا طُولُهُ وَعَرْضُهُ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِ ذِرَاعٍ، وَعُمْقُهُ ذِرَاعَانِ وَنِصْفُ ذِرَاعٍ وَإِصْبَعٌ وَثُلُثُ إصْبَعٍ، وَفِي الْمُدَوَّرِ مَا قُطْرُهُ وَعُمْقُهُ ذِرَاعَانِ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ إصْبَعًا وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِ إصْبَعٍ، وَوَزْنُ ذَلِكَ الْمَاءِ بِالْقُلَلِ سَبْعَ عَشْرَةَ قُلَّةً وَثُلُثُ خُمُسِ قُلَّةٍ، وَالْقُلَّةُ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ رَطْلًا بِالْعِرَاقِيِّ كُلُّ رَطْلٍ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ بِالرَّطْلِ الشَّامِيِّ فِي زَمَانِنَا سَبْعُمِائَةِ رَطْلٍ وَأَحَدٌ وَسِتُّونَ رَطْلًا وَعَشَرَ أَوَاقٍ وَأَحَدٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، كُلُّ رَطْلٍ سَبْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا. (قَوْلُهُ: زَالَ طَبْعُهُ) أَيْ وَصْفُهُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ ط. (قَوْلُهُ: وَالْإِنْبَاتُ) اقْتَصَرَ الْوَانِيُّ عَلَيْهِ لِاسْتِلْزَامِهِ الْإِرْوَاءِ دُونَ الْعَكْسِ، فَإِنَّ الْأَشْرِبَةَ تُرْوِي وَلَا تُنْبِتُ وَالْمَاءُ الْمِلْحُ طَبْعُهُ الْإِنْبَاتُ إلَّا أَنَّهُ عُدِمَ مِنْهُ لِعَارِضٍ كَالْمَاءِ الْحَارِّ ط. (قَوْلُهُ: بِسَبَبِ طَبْخٍ) أَيْ بِغَيْرِهِ، فَمُجَرَّدُ تَسْخِينِ الْمَاءِ بِدُونِ خَلْطٍ لَا يُسَمَّى طَبْخًا ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ: أَيْ لِأَنَّ الطَّبْخَ هُوَ الْإِنْضَاجُ اسْتِوَاءً قَامُوسٌ. (قَوْلُهُ: وَمَاءِ بَاقِلَاءَ) أَيْ فُولٍ، وَهُوَ مُخَفَّفٌ مَعَ الْمُدِّ وَمُشَدَّدٌ وَيُخَفَّفُ مَعَ الْقَصْرِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَرُسِمَ الْأَوَّلُ بِالْأَلِفِ وَالثَّانِي بِالْيَاءِ. (قَوْلُهُ: إنْ بَقِيَ رِقَّتُهُ) أَمَّا لَوْ صَارَ كَالسَّوِيقِ الْمَخْلُوطِ فَلَا لِزَوَالِ اسْمِ الْمَاءِ عَنْهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 (أَوْ) بِمَاءٍ (اُسْتُعْمِلَ لِ) أَجْلِ (قُرْبَةٍ) أَيْ ثَوَابٍ وَلَوْ مَعَ رَفْعِ حَدَثٍ أَوْ مِنْ مُمَيِّزٍ أَوْ حَائِضٍ لِعَادَةِ أَوْ عِبَادَةٍ أَوْ غُسْلِ مَيِّتٍ أَوْ يَدٍ لِأَكْلٍ أَوْ مِنْهُ بِنِيَّةِ السُّنَّةِ (أَوْ) لِأَجْلِ (رَفْعِ حَدَثٍ) وَلَوْ مَعَ قُرْبَةٍ كَوُضُوءِ مُحْدِثٍ   [رد المحتار] [الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ] مَبْحَثُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِمَاءٍ اُسْتُعْمِلَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ يَقَعُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: الْأَوَّلُ فِي سَبَبِهِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِقُرْبَةٍ أَوْ رَفْعِ حَدَثٍ. الثَّانِي فِي وَقْتِ ثُبُوتِهِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ إذَا اسْتَقَرَّ فِي مَكَانِ. الثَّالِثُ فِي صِفَتِهِ: وَقَدْ بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ طَاهِرٌ. الرَّابِعُ فِي حُكْمِهِ، وَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ لَا مُطَهِّرٌ اهـ بَحْرٌ. مَطْلَبٌ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْبَةِ وَالثَّوَابِ. (قَوْلُهُ: أَيْ ثَوَابٌ) قَدَّمْنَا فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ أَنَّ الْقُرْبَةَ فِعْلُ مَا يُثَابُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ مَنْ يُتَقَرَّبُ إلَيْهِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى نِيَّةٍ كَالْوَقْفِ وَالْعِتْقِ. فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ النُّقَايَةِ أَنَّهَا مَا تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الثَّوَابِ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ لِلْبِيرِيِّ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: ثَوَابُ الْعَمَلِيِّ فِي الْأُخْرَى عِبَارَةٌ عَمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ لِلْعَبْدِ جَزَاءً لِعَمَلِهِ، فَتَفْسِيرُ الشَّارِحِ الْقُرْبَةَ بِالثَّوَابِ مِنْ تَفْسِيرِ الشَّيْءِ بِحُكْمِهِ، وَهُوَ شَائِعٌ فِي كَلَامِهِمْ كَمَا مَرَّ، وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ فَاللَّامُ التَّعْلِيلِ: أَيْ لِأَجْلِ نَيْلِ قُرْبَةٍ، نَعَمْ لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي قُرْبَةٍ لَتَعَيَّنَ تَفْسِيرُهَا بِالْفِعْلِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَعَ رَفْعِ حَدَثٍ) يُشِيرُ بِهِ وَبِقَوْلِهِ الْآتِي وَلَوْ مَعَ قُرْبَةٍ إلَى أَنَّ أَوْ فِي قَوْلِهِ أَوْ رَفْعِ حَدَثٍ مَانِعَةُ الْخُلُوِّ لَا مَانِعَةُ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ وَرَفْعَ الْحَدَثِ قَدْ يَجْتَمِعَانِ، وَقَدْ يَنْفَرِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَمَا سَيَظْهَرُ، فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ مُمَيِّزٍ) أَيْ إذَا تَوَضَّأَ يُرِيدُ بِهِ التَّطْهِيرَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرِدْ بِهِ ذَلِكَ لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَوْ حَائِضٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: قَالُوا بِوُضُوءِ الْحَائِضِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَأَنْ تَجْلِسَ فِي مُصَلَّاهَا قَدْرَهَا كَيْ لَا تَنْسَى عَادَتَهَا، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالْفَرِيضَةِ، وَيَنْبَغِي أَنَّهَا لَوْ تَوَضَّأَتْ لِتَهَجُّدٍ عَادِيٍّ أَوْ صَلَاةِ ضُحًى وَجَلَسَتْ فِي مُصَلَّاهَا أَنْ يَصِيرَ مُسْتَعْمَلًا، وَلَمْ أَرَهُ لَهُمْ اهـ وَأَقَرَّهُ الرَّمْلِيُّ وَغَيْرُهُ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ فَلِذَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ، فَأَطْلَقَ الْعِبَادَةَ تَبَعًا لِجَامِعِ الْفَتَاوَى فَإِنَّهُ، قَالَ: يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ وَتَجْلِسَ فِي مَسْجِدِهَا تُسَبِّحُ وَتُهَلِّلُ مِقْدَارَ أَدَائِهَا لِئَلَّا تَزُولَ عَادَةُ الْعِبَادَةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ غُسْلِ مَيِّتٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى رَفْعِ حَدَثٍ، وَكَوْنُ غُسَالَتِهِ مُسْتَعْمَلَةً هُوَ الْأَصَحُّ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ مُحَمَّدٌ نَجَاسَتَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ النَّجَاسَةِ غَالِبًا بَحْرٌ. أَقُولُ: قَدْ يُقَالُ إنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا هُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ وَاعْتَمَدَهُ فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ نَجَاسَةَ الْمَيِّتِ نَجَاسَةُ خَبَثٍ؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ دَمَوِيٌّ لَا نَجَاسَةُ حَدَثٍ، وَعَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَأْوِيلِ كَلَامِ مُحَمَّدٍ وَسَنُوَضِّحُهُ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الْبِئْرِ، وَيَجُوزُ عَطْفُهُ عَلَى مُمَيِّزٍ أَيْ وَلَوْ مِنْ أَجْلِ غُسْلِ مَيِّتٍ؛ لِأَنَّهُ يُنْدَبُ الْوُضُوءُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: بِنِيَّةِ السُّنَّةِ) قَيَّدَ بِهِ فِي الْبَحْرِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْمُحِيطِ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَ بِهِ قُرْبَةً لِأَنَّهُ سُنَّةٌ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُهُ فِي كُلِّ سُنَّةٍ كَغَسْلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ وَنَحْوِهِمَا، وَفِي ذَلِكَ تَرَدُّدٌ. اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَلَا تَرَدُّدَ فِيهِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ جُنُبًا وَقَصَدَ بِغَسْلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ وَنَحْوِهِمَا مُجَرَّدَ التَّنْظِيفِ لَا إقَامَةَ الْقُرْبَةِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا. (قَوْلُهُ: أَوْ لِأَجْلِ رَفْعِ حَدَثٍ) مُفَادُ اللَّامِ أَنَّهُ قَصَدَ رَفْعَ الْحَدَثِ فَيَكُونُ قُرْبَةً أَيْضًا مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا هُوَ أَعَمُّ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ مَعَ قُرْبَةٍ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَوْ فِي رَفْعِ حَدَثٍ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَوُضُوءِ مُحْدِثٍ) فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مَنْوِيًّا اجْتَمَعَ فِيهِ الْأَمْرَانِ، وَإِلَّا كَمَا لَوْ كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وَلَوْ لِلتَّبَرُّدِ، فَلَوْ تَوَضَّأَ مُتَوَضِّئٌ لِتَبَرُّدٍ أَوْ تَعْلِيمٍ أَوْ لِطِينٍ بِيَدِهِ لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا اتِّفَاقًا كَزِيَادَةٍ عَلَى الثَّلَاثِ بِلَا نِيَّةِ قُرْبَةٍ، وَكَغَسْلِ نَحْوِ فَخِذٍ أَوْ ثَوْبٍ طَاهِرٍ أَوْ دَابَّةٍ تُؤْكَلُ (أَوْ) لِأَجْلِ (إسْقَاطِ فَرْضٍ) هُوَ الْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ كَمَا نَبَّهَ   [رد المحتار] لِلتَّبَرُّدِ فَرَفْعُ الْحَدَثِ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِلتَّبَرُّدِ) قِيلَ فِيهِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِقَامَةِ الْقُرْبَةِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا لَوْ انْغَمَسَ فِي الْبِئْرِ لِطَلَبِ الدَّلْوِ بِأَنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ. قَالَ السَّرَخْسِيُّ: وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُ اسْتِعْمَالُهُ بِإِزَالَةِ الْحَدَثِ إلَّا لِلضَّرُورَةِ كَمَسْأَلَةِ الْبِئْرِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ تَوَضَّأَ مُتَوَضِّئٌ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِأَجْلِ قُرْبَةٍ أَوْ رَفْعِ حَدَثٍ، لَكِنْ أَوْرَدَ أَنَّ تَعْلِيمَ الْوُضُوءِ قُرْبَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ التَّوَضُّؤَ نَفْسَهُ لَيْسَ قُرْبَةً بَلْ تَعْلِيمٌ وَهُوَ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْهُ وَلِذَا يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ. (قَوْلُهُ: أَوْ لِطِينٍ) أَيْ وَنَحْوُهُ كَوَسَخٍ لِعَدَمِ إزَالَةِ الْحَدَثِ وَإِقَامَةِ الْقُرْبَةِ، وَكَذَا لَوْ وَصَلَتْ شَعْرَ آدَمِيٍّ بِذُؤَابَتِهَا فَغَسَلْته لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ حُكْمُ الْبَدَنِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ غَسَلَ رَأْسَ مَقْتُولٍ قَدْ بَانَ مِنْهُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. [فَائِدَةٌ] قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُحْدِثَ تَكْفِيهِ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْ الطِّينِ وَنَحْوِهِ وَعَنْ الْحَدَثِ بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: بِلَا نِيَّةِ قُرْبَةٍ) بِأَنْ أَرَادَ الزِّيَادَةَ عَلَى الْوُضُوءِ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. أَمَّا لَوْ أَرَادَ بِهَا ابْتِدَاءَ الْوُضُوءِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا بَدَائِعُ: أَيْ إذَا كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْوُضُوءِ الْأَوَّلِ وَإِلَّا كَانَ بِدْعَةً كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ، فَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا، وَهَذَا أَيْضًا إذَا اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ بَحْرٌ، لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَكْرُوهَ تَكْرَارُهُ فِي مَجْلِسٍ مِرَارًا. (قَوْلُهُ: نَحْوُ فَخِذٍ) أَيْ مِمَّا لَيْسَ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَهُوَ مُحْدِثٌ لَا جُنُبٌ، وَقِيلَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِحُلُولِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ بِكُلِّ الْبَدَنِ وَغَسْلُ الْأَعْضَاءِ رَافِعٌ عَنْ الْكُلِّ تَخْفِيفًا وَالرَّاجِحُ خِلَافُهُ أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ، وَأَفَادَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مَا يَشْمَلُ الْمَسْنُونَةَ مَعَ نِيَّةِ فِعْلِ السُّنَّةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَوْ ثَوْبٍ طَاهِرٍ) أَيْ وَنَحْوِهِ مِنْ الْجَامِدَاتِ كَالْقُدُورِ وَالْقِصَاعِ وَالثِّمَارِ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَوْ دَابَّةٍ تُؤْكَلُ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُبْتَغَى. قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ: وَتَقْيِيدُهُ بِالْمَأْكُولَةِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ غَيْرَهَا كَذَلِكَ لَا تُنَجِّسُ الْمَاءَ وَلَا تَسْلُبُ طُهُورِيَّتَهُ كَالْحِمَارِ وَالْفَأْرَةِ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَى فَمِهَا اهـ وَذَكَرَ الرَّحْمَتِيُّ نَحْوَهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ لِأَجْلِ إسْقَاطِ فَرْضٍ) فِيهِ مَا فِي قَوْلِهِ أَوْ لِأَجْلِ رَفْعِ حَدَثٍ، وَهَذَا سَبَبٌ ثَالِثٌ لِلِاسْتِعْمَالِ زَادَهُ فِي الْفَتْحِ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْجُبِّ الْمَذْكُورَةِ، وَمِنْ تَعْلِيلِهَا الْمَنْقُولِ عَنْ الْإِمَامِ بِسُقُوطِ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ لِعَدَمِ النِّيَّةِ وَلَا رَفْعِ حَدَثٍ لِعَدَمِ تَجَزِّيهِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: هُوَ الْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ) أَيْ هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِتَدَنُّسِ الْمَاءِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: لِأَنَّ الْمَعْلُومَ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ أَنَّ الْآلَةَ الَّتِي تُسْقِطُ الْفَرْضَ وَتُقَامُ بِهَا الْقُرْبَةُ تَتَدَنَّسُ كَمَالِ الزَّكَاةِ تَدَنَّسَ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ حَتَّى جُعِلَ مِنْ الْأَوْسَاخِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَاَلَّذِي نَعْقِلُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ التَّقَرُّبِ وَالْإِسْقَاطِ مُؤَثِّرٌ فِي التَّغَيُّرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ انْفَرَدَ وَصْفُ التَّقَرُّبِ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَأَثَّرَ التَّغَيُّرُ حَتَّى حَرُمَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَرَفْنَا أَنَّ كُلًّا أَثَّرَ تَغَيُّرًا شَرْعِيًّا. اهـ. أَقُولُ: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْقُرْبَةَ أَصْلٌ أَيْضًا، بِخِلَافِ رَفْعِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي ضِمْنِ الْقُرْبَةِ أَوْ إسْقَاطِ الْفَرْضِ أَوْ فِي ضِمْنِهِمَا فَكَانَ فَرْعًا، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ يُسْتَغْنَى بِهِمَا عَنْهُ، فَيَكُونُ الْمُؤَثِّرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْأَصْلَيْنِ فَقَطْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 عَلَيْهِ الْكَمَالُ، بِأَنْ يَغْسِلَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ أَوْ يُدْخِلَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ فِي جُبٍّ لِغَيْرِ اغْتِرَافٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِسُقُوطِ الْفَرْضِ اتِّفَاقًا وَإِنْ لَمْ يَزُلْ حَدَثُ عُضْوِهِ أَوْ جَنَابَتِهِ مَا لَمْ يُتِمَّ لِعَدَمِ تَجَزِّيهِمَا زَوَالًا وَثُبُوتًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ أَوْ سُنَّةٌ لِيَعُمَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ، فَتَأَمَّلْ (إذَا انْفَصَلَ عَنْ عُضْوٍ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ) فِي شَيْءٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ إذَا اسْتَقَرَّ، وَرُجِّحَ لِلْحَرَجِ. وَرُدَّ بِأَنَّ مَا يُصِيبُ مِنْدِيلَ الْمُتَوَضِّئِ وَثِيَابَهُ عَفْوٌ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَثُرَ (وَهُوَ طَاهِرٌ)   [رد المحتار] فَيُقَالُ: هُوَ مَا اُسْتُعْمِلَ فِي قُرْبَةٍ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا رَفْعُ حَدَثٍ أَوْ إسْقَاطُ فَرْضٍ، أَوْ لَا وَلَا، أَوْ فِي إسْقَاطِ فَرْضٍ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ قُرْبَةٌ أَوْ رَفْعُ حَدَثٍ، أَوْ لَا وَلَا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي مِنْ فَيْضِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ فَاغْتَنِمْهُ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَغْسِلَ) أَيْ الْمُحْدِثُ أَوْ الْجُنُبُ بَعْضَ أَعْضَائِهِ: أَيْ الَّتِي يَجِبُ غَسْلُهَا احْتِرَازًا عَنْ غَسْلِ الْمُحْدِثِ نَحْوَ الْفَخِذِ كَمَا مَرَّ. ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الْغُسْلَ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ لِيُغَايِرَ قَوْلَهُ أَوْ يُدْخِلَ يَدَهُ إلَخْ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ أَدْخَلَ الْكَفَّ لِلْغُسْلِ فَسَدَ تَأَمَّلْ، ثُمَّ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا إنْ كَانَ إصْبَعًا أَوْ أَكْثَرَ دُونَ الْكَفِّ لَا يَضُرُّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يَخْلُو مِنْ حَاجَتِهِ إلَى تَأَمُّلِ وَجْهِهِ. (قَوْلُهُ: فِي حُبٍّ) بِالْمُهْمَلَةِ: الْجَرَّةُ، أَوْ الضَّخْمَةُ مِنْهَا قَامُوسٌ. (قَوْلُهُ: لِغَيْرِ اغْتِرَافٍ) بَلْ لِلتَّبَرُّدِ أَوْ غَسْلِ يَدِهِ مِنْ طِينٍ أَوْ عَجِينٍ، فَلَوْ قَصَدَ الِاغْتِرَافَ وَنَحْوَهُ كَاسْتِخْرَاجِ كُوزٍ لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا لِلضَّرُورَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا) الْمُرَادُ أَنَّ مَا اتَّصَلَ بِالْعُضْوِ وَانْفَصَلَ عَنْهُ مُسْتَعْمَلٌ عَلَى مَا مَرَّ وَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: لِسُقُوطِ الْفَرْضِ) أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ غَسْلِ ذَلِكَ الْعُضْوِ عِنْدَ غَسْلِ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ مَنْقُولٌ عَنْ الْإِمَامِ كَمَا مَرَّ، فَلَا يُقَالُ إنَّ الْعِلَّةَ زَوَالُ الْحَدَثِ زَوَالًا مَوْقُوفًا كَذَا فِي الْبَحْرِ، عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ التَّعْلِيلُ بِمَا هُوَ الْأَصْلُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ زَوَالَ الْحَدَثِ فَرْعٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَزَلْ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَ إنْ وَزِيَادَةَ أَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ نِيَّةُ الْقُرْبَةِ كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ، لِيَكُونَ بَيَانًا لِوَجْهِ زِيَادَةِ هَذَا السَّبَبِ الثَّالِثِ، وَأَنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْهُ مَا قَبْلَهُ مِنْ السَّبَبَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا تَتِمُّ زِيَادَتُهُ بِتَقْدِيرِ أَنَّ إسْقَاطَ الْفَرْضِ لَا ثَوَابَ فِيهِ وَإِلَّا كَانَ قُرْبَةً اعْتَرَضَهُ ط بِأَنَّ إسْقَاطَ الْفَرْضِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ وَلَا ثَوَابَ بِدُونِهَا، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً. (قَوْلُهُ: جَنَابَتُهُ) أَيْ جَنَابَةُ الْعُضْوِ الْمَغْسُولِ فِي صُورَةِ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَتِمَّ) أَيْ مَا لَمْ يَغْسِلْ بَقِيَّةَ الْأَعْضَاءِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُعْتَمَدِ) قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي حَوَاشِي الْمَجْمَعِ: الْحَدَثُ يُقَالُ بِمَعْنَيَيْنِ: بِمَعْنَى الْمَانِعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ عَمَّا لَا يَحِلُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ، وَهَذَا لَا يَتَجَزَّأُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ، وَبِمَعْنَى النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ، وَهَذَا يَتَجَزَّأُ ثُبُوتًا وَارْتِفَاعًا بِلَا خِلَافٍ أَيْضًا وَصَيْرُورَةُ الْمَاءِ مُسْتَعْمَلًا بِإِزَالَةِ الثَّانِيَةِ. اهـ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ يَتَجَزَّأُ الثَّانِي ثُبُوتًا كَمَا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَكْبَرِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ بَعْضَ أَعْضَاءِ الْبَدَنِ، وَفِي عَدَمِ تَجَزُّؤِ الْأَوَّلِ بِلَا خِلَافٍ نَظَرٌ لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْخِلَافِ فِي جَوَازِ الْقِرَاءَةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ بَعْدَ غَسْلِ الْفَمِ وَالْيَدِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ أَوْ سُنَّةٌ) فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ لَا تُقَامُ إلَّا بِنِيَّتِهَا فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ لِأَجْلِ قُرْبَةٍ، وَإِنْ قَصَدَ بِغَسْلِ نَحْوِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ مُجَرَّدَ التَّنْظِيفِ لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا كَمَا مَرَّ عَنْ الرَّمْلِيِّ فَلَمْ تُوجَدْ السُّنَّةُ، ثُمَّ رَأَيْته فِي حَاشِيَةِ ح، ثُمَّ قَالَ: وَكَأَنَّهُ إلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إذَا اسْتَقَرَّ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي مَكَان مِنْ أَرْضٍ أَوْ كَفٍّ أَوْ ثَوْبٍ وَيَسْكُنُ عَنْ التَّحَرُّكِ، وَحَذَفَهُ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالِاسْتِقْرَارِ التَّامَّ مِنْهُ وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ وَاخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ الْمُخْتَارُ إلَّا أَنَّ الْعَامَّةَ عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَأَثَرُ الْخِلَافِ يَظْهَرُ فِيمَا لَوْ انْفَصَلَ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَأَجْرَاهُ عَلَيْهِ صَحَّ عَلَى الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ نَهْرٌ. قُلْت: وَقَدْ مَرَّ أَنَّ أَعْضَاءَ الْغُسْلِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ، فَلَوْ انْفَصَلَ مِنْهُ فَسَقَطَ عَلَى عُضْوٍ آخَرَ مِنْ أَعْضَاءِ الْمُغْتَسِلِ فَأَجْرَاهُ عَلَيْهِ صَحَّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَرُجِّحَ لِلْحَرَجِ) لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ بِاسْتِعْمَالِهِ بِالِانْفِصَالِ فَقَطْ لَتَنَجَّسَ ثَوْبُ الْمُتَوَضِّئِ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَفِيهِ حَرَجٌ عَظِيمٌ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ: عَفْوٌ اتِّفَاقًا) أَيْ لَا مُؤَاخَذَةَ فِيهِ حَتَّى عِنْدَ الْقَائِلِ بِالنَّجَاسَةِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: وَهُوَ طَاهِرٌ إلَخْ) رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ الْإِمَامِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 وَلَوْ مِنْ جُنُبٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ، لَكِنْ يُكْرَهُ شُرْبُهُ وَالْعَجْنُ بِهِ تَنْزِيهًا لِلِاسْتِقْذَارِ، وَعَلَى رِوَايَةِ نَجَاسَتِهِ تَحْرِيمًا (وَ) حُكْمُهُ أَنَّهُ (لَيْسَ بِطَهُورٍ) لِحَدَثٍ بَلْ لِخَبَثٍ عَلَى الرَّاجِحِ الْمُعْتَمَدِ. [فَرْعٌ] اُخْتُلِفَ فِي مُحْدِثٍ انْغَمَسَ فِي بِئْرٍ لِدَلْوٍ   [رد المحتار] هِيَ الْمَشْهُورَةُ عَنْهُ، وَاخْتَارَهَا الْمُحَقِّقُونَ، قَالُوا عَلَيْهَا الْفَتْوَى، لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ. وَاسْتَثْنَى الْجُنُبَ فِي التَّجْنِيسِ إلَّا أَنَّ الْإِطْلَاقَ أَوْلَى وَعَنْهُ التَّخْفِيفُ وَالتَّغْلِيظُ، وَمَشَايِخُ الْعِرَاقِ نَفَوْا الْخِلَافَ وَقَالُوا إنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَ الْكُلِّ. وَقَدْ قَالَ الْمُجْتَبَى: صَحَّتْ الرِّوَايَةُ عَنْ الْكُلِّ أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ، فَالِاشْتِغَالُ بِتَوْجِيهِ التَّغْلِيظِ وَالتَّخْفِيفِ مِمَّا لَا جَدْوَى لَهُ نَهْرٌ، وَقَدْ أَطَالَ فِي الْبَحْرِ فِي تَوْجِيهِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ، وَرَجَّحَ الْقَوْلَ بِالنَّجَاسَةِ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ لِقُوَّتِهِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ) كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ أَيْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ رِوَايَةَ الطَّهَارَةِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهَا الْفَتْوَى فِي الْكَافِي وَالْمُصَفَّى كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ إلَخْ) دَفْعٌ لِمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ عَدَمِ كَرَاهَةِ شُرْبِهِ عَلَى رِوَايَةِ الطَّهَارَةِ، وَمِثْلُ الشُّرْبِ التَّوَضُّؤُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ مَا أَعَدَّ لَهُ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَوْ تَوَضَّأَ فِي إنَاءٍ فِي الْمَسْجِدِ جَازَ عِنْدَهُمْ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى) مُتَعَلِّقٌ بِيُكْرَهُ مَحْذُوفًا مَعْطُوفٌ عَلَى يُكْرَهُ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ: تَحْرِيمًا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى رِوَايَةِ الطَّهَارَةِ، أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ النَّجَاسَةِ فَحَرَامٌ {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَالنَّجَسُ مِنْهَا. اهـ. وَأَجَابَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلنَّهْرِ وَأَقَرَّهُ النَّهْرُ بِحَمْلِ الْكَرَاهَةِ عَلَى التَّحْرِيمِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مِنْهَا يَنْصَرِفُ إلَيْهَا قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ نَجَاسَةَ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ؛ وَلِذَا عَبَّرُوا بِالْكَرَاهَةِ فِي لَحْمِ الْحِمَارِ وَنَحْوِهِ. [فَرْعٌ] الْمَاءُ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَإِنْ تَغَيَّرَ وَصْفُهُ لَمْ يَجُزْ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِحَالٍ كَبَلِّ الطِّينِ وَسَقْيِ الدَّوَابِّ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِطَهُورٍ) أَيْ لَيْسَ بِمُطَهِّرٍ. (قَوْلُهُ: عَلَى الرَّاجِحِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ بَلْ لِخَبَثٍ: أَيْ نَجَاسَةٍ حَقِيقِيَّةٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ إزَالَتُهَا بِغَيْرِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ مِنْ الْمَائِعَاتِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ [فَرْعٌ مُحْدِثٍ انْغَمَسَ فِي بِئْرٍ لِدَلْوٍ وَلَا نَجَسَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْوِ وَلَمْ يَتَدَلَّكْ] مَطْلَبٌ مَسْأَلَةُ الْبِئْرِ " جحط: (قَوْلُهُ فَرْعٌ إلَخْ) هَذَا مَا عَبَّرَ عَنْهُ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ وَمَسْأَلَةُ الْبِئْرِ " جحط " فَأَشَارَ بِالْجِيمِ إلَى مَا قَالَ الْإِمَامُ إنَّ الرَّجُلَ وَالْمَاءَ نَجِسَانِ، وَبِالْحَاءِ إلَى مَا قَالَ الثَّانِي إنَّهُمَا بِحَالِهِمَا، وَبِالطَّاءِ إلَى مَا قَالَ الثَّالِثُ مِنْ طَهَارَتِهِمَا، ثُمَّ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي نَجَاسَةِ الرَّجُلِ عَلَى الْأَوَّلِ، فَقِيلَ لِلْجَنَابَةِ فَلَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَقِيلَ لِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَيَقْرَأُ إذَا غَسَلَ فَاهُ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ. قُلْت: وَمَبْنَى الْأَوَّلِ عَلَى تَنَجُّسِ الْمَاءِ لِسُقُوطِ فَرْضِ الْغُسْلِ عَنْ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ قَبْلَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ، وَالثَّانِي عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْجَنَابَةِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَشُرُوحِ الْهِدَايَةِ، وَيَنْبَغِي عَلَى الْأَوَّلِ أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ نَجَاسَةَ الْمَاءِ أَيْضًا لَا الْجَنَابَةَ فَقَطْ تَأَمَّلْ، وَمَبْنَى قَوْلِ الثَّانِي عَلَى اشْتِرَاطِ الصَّبِّ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْجَنَابَةِ فِي غَيْرِ الْمَاءِ الْجَارِي وَمَا فِي حُكْمِهِ، وَمَبْنَى قَوْلِ الثَّالِثِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ وَلَمْ يَصِرْ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِلضَّرُورَةِ، كَذَا قَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ فِي مُحْدِثٍ) أَيْ حَدَثًا أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ جَنَابَةً أَوْ حَيْضًا أَوْ نِفَاسًا بَعْدَ انْقِطَاعِهِمَا، أَمَّا قَبْلَ الِانْقِطَاعِ وَلَيْسَ عَلَى أَعْضَائِهِمَا نَجَاسَةٌ فَهُمَا كَالطَّاهِرِ إذَا انْغَمَسَ لِلتَّبَرُّدِ لِعَدَمِ خُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ، فَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ، وَتَمَامُهُ فِي ح (قَوْلُهُ فِي بِئْرٍ) أَيْ دُونَ عَشْرٍ فِي عَشْرٍ " ح " أَيْ وَلَيْسَتْ جَارِيَةً (قَوْلُهُ لِدَلْوٍ) أَيْ لِاسْتِخْرَاجِهِ، وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلِاغْتِسَالِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا اتِّفَاقًا قَالَ فِي النَّهْرِ: أَيْ بَيْنَ الْإِمَامِ، وَالثَّالِثِ لِمَا مَرَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الصَّبِّ عَلَى قَوْلِ الثَّانِي. اهـ. وَذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 أَوْ تَبَرَّدَ مُسْتَنْجِيًا بِالْمَاءِ وَلَا نَجَسَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْوِ وَلَمْ يَتَدَلَّكْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَالْمَاءُ مُسْتَعْمَلٌ لِاشْتِرَاطِ الِانْفِصَالِ لِلِاسْتِعْمَالِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ مَا اتَّصَلَ بِأَعْضَائِهِ وَانْفَصَلَ عَنْهَا مُسْتَعْمَلٌ لَا كُلُّ الْمَاءِ عَلَى مَا مَرَّ.   [رد المحتار] أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الصَّبِّ عَلَى قَوْلِ الثَّانِي عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي مِنْ تَصْرِيحِهِ بِقِيَامِ التَّدْلِيكِ مَقَامَهَا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ أَوْ تَبَرَّدَ) تَبِعَ فِي ذِكْرِهِ صَاحِبَ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، بِنَاءً عَلَى مَا قِيلَ إنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الصَّحِيحِ عِنْدَهُ وَأَنَّ عَدَمَ الِاسْتِعْمَالِ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ عِنْدَهُ هِيَ الضَّرُورَةُ وَلَا ضَرُورَةَ فِي التَّبَرُّدِ فَلِذَا اقْتَصَرَ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى قَوْلِهِ لِطَلَبِ الدَّلْوِ (قَوْلُهُ مُسْتَنْجِيًا بِالْمَاءِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِالْأَحْجَارِ تَنَجَّسَ كُلُّ الْمَاءِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ نَهْرٌ. قُلْت: وَفِي دَعْوَى الِاتِّفَاقِ نَظَرٌ، فَقَدْ نَقَلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ فِي التَّنَجُّسِ وَعَدَمِهِ: أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَجَرَ مُخَفِّفٌ أَوْ مُطَهِّرٌ وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ الثَّانِيَ، نَعَمْ الَّذِي فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ كَمَا أَفَادَهُ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ سَيَأْتِي فِي فَصْلِ الِاسْتِنْجَاءِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -. (قَوْلُهُ وَلَا نَجَسَ عَلَيْهِ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ، فَلَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ تَنَجَّسَ الْمَاءُ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ وَلَمْ يَنْوِ) أَيْ الِاغْتِسَالَ، فَلَوْ نَوَاهُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا بِالِاتِّفَاقِ إلَّا فِي قَوْلِ زُفَرَ سِرَاجٌ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ عِنْدَ الثَّانِي مُسْتَعْمَلٌ أَيْضًا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بَعْدَ انْغِمَاسِهِ فِي الْمَاءِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ لِدَلْوٍ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَدَلَّكْ) كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْخُلَاصَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ نَزَلَ لِلدَّلْوِ وَتَدَلَّكَ فِي الْمَاءِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ التَّدَلُّكَ فِعْلٌ مِنْهُ قَائِمٌ مَقَامَ النِّيَّةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ نَزَلَ لِلِاغْتِسَالِ بَحْرٌ وَنَهْرٌ فَتَنَبَّهْ، وَقَيَّدَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الصَّغِيرِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ تَدَلُّكُهُ لِإِزَالَةِ الْوَسَخِ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ إلَخْ) هَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمَارَّةِ الْمَرْمُوزِ إلَيْهَا " بجحط " ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ مِنْ الْعُضْوِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَوْفَقُ الرِّوَايَاتِ أَيْ لِلْقِيَاسِ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ أَنَّهَا الرِّوَايَةُ الْمُصَحَّحَةُ، ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَعُلِمَ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْمُخْتَارَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ وَالْمَاءَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ؛ أَمَّا كَوْنُ الرَّجُلِ طَاهِرًا فَقَدْ عَلِمْت تَصْحِيحَهُ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ كَذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ فَقَدْ عَلِمْته أَيْضًا مِمَّا قَدَّمْنَاهُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِلضَّرُورَةِ كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَمْ يَعْتَبِرْ الضَّرُورَةَ هُنَا بَلْ حَكَمَ بِاسْتِعْمَالِهِ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، وَلَوْ اعْتَبَرَ الضَّرُورَةَ لَمْ يَصِحَّ الْخِلَافُ الْمَرْمُوزُ لَهُ، نَعَمْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ أَنْكَرَ الْخِلَافَ إذْ لَا نَصَّ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا كَمَا لَوْ اغْتَرَفَ الْمَاءَ بِكَفِّهِ لِلضَّرُورَةِ بِلَا خِلَافٍ. أَقُولُ: وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ مِنْ إثْبَاتِ الْخِلَافِ وَمِنْ أَنَّ الَّذِي اعْتَبَرَ الضَّرُورَةَ هُوَ مُحَمَّدٌ فَقَطْ وَكَأَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَعْتَبِرْ هُنَا لِنُدْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الِانْغِمَاسِ، بِخِلَافِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الِاغْتِرَافِ بِالْيَدِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ إلَخْ) صَرَّحَ بِهِ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَرَدَّهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ بِأَنَّهُ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ جِدًّا، وَقَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ: أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُلْقِي وَالْمُلَاقِي، وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْفَسَاقِي، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهَا مِنْ الْمُعْتَرَكِ الْعَظِيمِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 (وَكُلُّ إهَابٍ) وَمِثْلُهُ الْمَثَانَةُ وَالْكِرْشُ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: فَالْأَوْلَى وَمَا (دُبِغَ) وَلَوْ بِشَمْسٍ (وَهُوَ يَحْتَمِلُهَا طَهُرَ) فَيُصَلَّى بِهِ وَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ (وَمَا لَا) يَحْتَمِلُهَا (فَلَا) وَعَلَيْهِ (فَلَا يَطْهُرُ جِلْدُ حَيَّةٍ) صَغِيرَةٍ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، أَمَّا قَمِيصُهَا فَطَاهِرٌ (وَفَأْرَةٍ) كَمَا أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِذَكَاةٍ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الدِّبَاغَةِ (قَوْلُهُ وَكُلُّ إهَابٍ إلَخْ) الْإِهَابُ: بِالْكَسْرِ اسْمٌ لِلْجِلْدِ قَبْلَ أَنْ يُدْبَغَ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِهِ جَمْعُهُ أُهُبٌ بِضَمَّتَيْنِ كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ، فَإِذَا دُبِغَ سُمِّيَ أَدِيمًا وَصَرْمًا وَجِرَابًا كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الدِّبَاغَةَ فِي بَحْثِ الْمِيَاهِ وَإِنْ كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهَا فِي تَطْهِيرِ النَّجَاسَاتِ اسْتِطْرَادٌ، إمَّا لِصُلُوحِ الْإِهَابِ بَعْدَ دَبْغِهِ أَنْ يَكُونَ وِعَاءً لِلْمِيَاهِ كَمَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ، أَوْ؛ لِأَنَّ الدَّبْغَ مُطَهِّرٌ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، أَوْ؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ قَوْلِنَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَا وَقَعَ فِيهِ إهَابٌ دُبِغَ كَمَا نُقِلَ عَنْ حَوَاشِي عِصَامٍ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ الْمَثَانَةُ وَالْكَرِشُ) الْمَثَانَةُ مَوْضِعُ الْبَوْلِ، وَالْكِرْشُ: بِالْكَسْرِ وَكَكَتِفٍ لِكُلِّ مُجْتَرٍّ بِمَنْزِلَةِ الْمَعِدَةِ لِلْإِنْسَانِ قَامُوسٌ، وَمِثْلُهُ الْأَمْعَاءُ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ: أَصْلَحَ أَمْعَاءَ شَاةٍ مَيِّتَةٍ فَصَلَّى وَهِيَ مَعَهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُتَّخَذُ مِنْهَا الْأَوْتَارُ وَهُوَ كَالدَّبَّاغِ. وَكَذَلِكَ لَوْ دَبَغَ الْمَثَانَةَ فَجَعَلَ فِيهَا لَبَنٌ جَازَ، وَكَذَلِكَ الْكِرْشُ إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى إصْلَاحِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ إنَّهُ لَا يَطْهُرُ؛ لِأَنَّهُ كَاللَّحْمِ. اهـ (قَوْلُهُ فَالْأَوْلَى وَمَا دُبِغَ) أَيْ حَيْثُ كَانَ الْحُكْمُ غَيْرَ قَاصِرٍ عَلَى الْإِهَابِ، فَالْأَوْلَى الْإِتْيَانُ " بِمَا " الدَّالَّةُ عَلَى الْعُمُومِ ط (قَوْلُهُ دُبِغَ) الدِّبَاغُ مَا يَمْنَعُ النَّتْنَ وَالْفَسَادَ. وَاَلَّذِي يَمْنَعُ عَلَى نَوْعَيْنِ: حَقِيقِيٍّ كَالْقَرَظِ وَالشَّبِّ وَالْعَفْصِ وَنَحْوِهِ. وَحُكْمِيٍّ كَالتَّتْرِيبِ وَالتَّشْمِيسِ وَالْإِلْقَاءِ فِي الرِّيحِ، وَلَوْ جَفَّ وَلَمْ يَسْتَحِلْ لَمْ يَطْهُرْ زَيْلَعِيٌّ: وَالْقَرَظُ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ لَا بِالضَّادِ: وَرَقُ شَجَرِ السَّلَمِ بِفَتْحَتَيْنِ. وَالشَّبُّ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَقِيلَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَذَكَرَ الْأَزْهَرِيُّ أَنَّهُ تَصْحِيفٌ، وَهُوَ نَبْتٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ مُرُّ الطَّعْمِ يُدْبَغُ بِهِ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِشَمْسٍ) أَيْ وَنَحْوِهِ مِنْ الدِّبَاغِ الْحُكْمِيِّ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى خِلَافِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَإِلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ نَوْعَيْ الدِّبَاغَةِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ. قَالَ الْبَحْرُ إلَّا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَهُ الْمَاءُ بَعْدَ الدِّبَاغِ الْحَقِيقِيِّ لَا يَعُودُ نَجِسًا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَبَعْدَ الْحُكْمِيِّ فِيهِ رِوَايَتَانِ. اهـ. وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْعَوْدِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ، وَقَيَّدَ الْخِلَافَ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ بِمَا إذَا دُبِغَ بِالْحُكْمِيِّ قَبْلَ الْغَسْلِ بِالْمَاءِ قَالَ: فَلَوْ بَعْدَهُ لَا تَعُودُ نَجَاسَتُهُ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ هُوَ يَحْتَمِلُهَا) أَيْ الدِّبَاغَةَ الْمَأْخُوذَةَ مِنْ دَبَغَ. وَأَفَادَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَيْدِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَكُلُّ إهَابٍ لَا يَتَنَاوَلُ مَا لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ طَهُرَ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ فَيُصَلِّي بِهِ إلَخْ) أَفَادَ طَهَارَةَ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ خِلَافًا لِمَالِكٍ، لَكِنْ إذَا كَانَ جِلْدَ حَيَوَانٍ مَيِّتٍ مَأْكُولِ اللَّحْمِ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَهَذَا الْجُزْءُ مِنْهَا. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «إنَّمَا يَحْرُمُ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا» مَعَ أَمْرِهِ لَهُمْ بِالدِّبَاغِ وَالِانْتِفَاعِ، أَمَّا إذَا كَانَ جِلْدَ مَا لَا يُؤْكَلُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الدِّبَاغَ فِيهِ لَيْسَ بِأَقْوَى مِنْ الذَّكَاةِ، وَذَكَاتُهُ لَا تُبِيحُهُ فَكَذَا دِبَاغُهُ بَحْرٌ عَنْ السِّرَاجِ. (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ وَبِنَاءً عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ مَا لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَةَ لَا يَطْهُرُ (قَوْلُهُ جِلْدُ حَيَّةٍ صَغِيرَةٍ) أَيْ لَهَا دَمٌ، أَمَّا مَا لَا دَمَ لَهَا فَهِيَ طَاهِرَةٌ، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَوْ وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ لَا تُفْسِدُهُ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ أَمَّا قَمِيصُهَا) أَيْ الْحَيَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَبِيرَةً. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: لِأَنَّهُ لَا تُحِلُّهُ الْحَيَاةُ، فَهُوَ كَالشَّعْرِ وَالْعَظْمِ (قَوْلُهُ وَفَأْرَةٍ) بِالْهَمْزَةِ وَتُبْدَلُ أَلِفًا (قَوْلُهُ بِذَكَاةٍ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ ذَبْحٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 لِتَقَيُّدِهِمَا بِمَا يَحْتَمِلُهُ (خَلَا) جِلْدِ (خِنْزِيرٍ) فَلَا يَطْهُرُ، وَقُدِّمَ؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ لِلْإِهَانَةِ (وَآدَمِيٍّ) فَلَا يُدْبَغُ لِكَرَامَتِهِ، وَلَوْ دُبِغَ طَهُرَ وَإِنْ حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ، حَتَّى لَوْ طُحِنَ عَظْمُهُ فِي دَقِيقٍ لَمْ يُؤْكَلْ فِي الْأَصَحِّ احْتِرَامًا. وَأَفَادَ كَلَامُهُ طَهَارَةَ جِلْدِ كَلْبٍ وَفِيلٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. (وَمَا) أَيْ إهَابٌ (طَهُرَ بِهِ) بِدِبَاغٍ   [رد المحتار] قَوْلُهُ لِتَقَيُّدِهِمَا) أَيْ الذَّكَاةِ وَالدِّبَاغِ بِمَا يَحْتَمِلُهُ أَيْ يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَ، وَكَانَ الْأَوْلَى إفْرَادَ الضَّمِيرِ لِيَعُودَ عَلَى الذَّكَاةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ تَقَيُّدَ الدِّبَاغِ بِذَلِكَ مُصَرَّحٌ بِهِ قَبْلَهُ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ: لِأَنَّ الذَّكَاةَ إنَّمَا تُقَامُ مَقَامَ الدِّبَاغِ فِيمَا يَحْتَمِلُهُ. وَفِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ خَطِّ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي الْفَرْقُ بَيْنَ الذَّكَاةِ وَالدِّبَاغَةِ لِخُرُوجِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ بِالذَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ الْجِلْدُ لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَةَ. اهـ. قُلْت: لَكِنَّ أَكْثَرَ الْكُتُبِ عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ خَلَا جِلْدِ خِنْزِيرٍ إلَخْ) قِيلَ: إنَّ جِلْدَ الْآدَمِيِّ كَجِلْدِ الْخِنْزِيرِ فِي عَدَمِ الطَّهَارَةِ بِالدَّبْغِ لِعَدَمِ الْقَابِلِيَّةِ؛ لِأَنَّ لَهُمَا جُلُودًا مُتَرَادِفَةً بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ فَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ. وَقِيلَ: إنَّ جِلْدَ الْآدَمِيِّ إذَا دُبِغَ طَهُرَ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَسَائِرِ أَجْزَائِهِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْغَايَةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ مَعْنَى طَهُرَ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ وَالْعَلَاقَةُ السَّبَبِيَّةُ والمسببية لَا اللُّزُومُ كَمَا قِيلَ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الطَّهَارَةِ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ كَمَا عَلِمْته، لَكِنَّ عِلَّةَ عَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِمَا مُخْتَلِفَةٌ، فَفِي الْخِنْزِيرِ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ، وَفِي الْآدَمِيِّ لِكَرَامَتِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْعُدُولِ عَنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ أَوْلَى. اهـ أَيْ لِمُوَافَقَتِهِ الْمَنْقُولَ فِي الْمَذْهَبِ وَإِلَى اخْتِيَارِهِ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ دُبِغَ طَهُرَ، قَالَ ط: وَإِنَّمَا قُدِّرَ جِلْدٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ لَا فِي كُلِّ الْمَاهِيَّةِ (قَوْلُهُ فَلَا يَطْهُرُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، بِمَعْنَى أَنَّ ذَاتَهُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ نَجِسَةٌ حَيًّا وَمَيِّتًا، فَلَيْسَتْ نَجَاسَتُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الدَّمِ كَنَجَاسَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ، فَلِذَا لَمْ يَقْبَلْ التَّطْهِيرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ذَكَرَهَا فِي الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَقُدِّمَ إلَخْ) لَمَّا كَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِالشَّيْءِ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى غَيْرِهِ تُفِيدُ الِاهْتِمَامَ بِشَأْنِهِ وَشَرَفِهِ عَلَى مَا بَعْدَهُ، بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَقَامِ الْإِهَانَةِ، أَمَّا فِيهِ فَالْأَشْرَفُ يُؤَخَّرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} [الحج: 40] الْآيَةَ؛ لِأَنَّ الْهَدْمَ إهَانَةٌ فَقُدِّمَتْ صَوَامِعُ الصَّابِئَةِ أَوْ الرُّهْبَانِ وَبِيَعُ النَّصَارَى وَصَلَوَاتُ الْيَهُودِ أَيْ كَنَائِسُهُمْ، وَأُخِّرَتْ مَسَاجِدُ الْمُسْلِمِينَ لِشَرَفِهَا. وَهُنَا الْحُكْمُ بِعَدَمِ الطَّهَارَةِ إهَانَةٌ كَذَا قِيلَ. أَقُولُ: وَإِنَّمَا تَظْهَرُ هَذِهِ النُّكْتَةُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الطَّهَارَةِ لَا مِنْ جَوَازِ الِاسْتِعْمَالِ الثَّابِتِ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَإِنَّ عَدَمَهُ الثَّابِتَ لِلْمُسْتَثْنَى لَيْسَ بِإِهَانَةٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ) أَيْ اسْتِعْمَالُ جِلْدِهِ أَوْ اسْتِعْمَالُ الْآدَمِيِّ بِمَعْنَى أَجْزَائِهِ وَبِهِ يَظْهَرُ التَّفْرِيعُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ احْتِرَامًا) أَيْ لَا نَجَاسَةً (قَوْلُهُ وَأَفَادَ كَلَامُهُ) حَيْثُ لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْ مُطْلَقِ الْإِهَابِ سِوَى الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) أَمَّا فِي الْكَلْبِ فَبِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ، وَهُوَ أَصَحُّ التَّصْحِيحَيْنِ كَمَا يَأْتِي.: وَأَمَّا فِي الْفِيلِ فَكَذَلِكَ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَمْتَشِطُ بِمُشْطٍ مِنْ عَاجٍ " وَفَسَّرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ بِعَظْمِ الْفِيلِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَخَطِئَ الْخَطَّابِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ لَهُ بِالذَّبْلِ. اهـ. وَالذَّبْلُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: جِلْدُ السُّلَحْفَاةِ الْبَحْرِيَّةِ أَوْ الْبَرِّيَّةِ أَوْ عِظَامُ ظَهْرِ دَابَّةٍ بَحْرِيَّةٍ قَامُوسٌ. وَفِي الْفَتْحِ: هَذَا الْحَدِيثُ يُبْطِلُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ بِنَجَاسَةِ عَيْنِ الْفِيلِ. (قَوْلُهُ بِدِبَاغٍ) بَدَلٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ بِإِعَادَةِ الْجَارِ فَلَا يَطْهُرُ بِذَكَاةٍ مَا لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُهُ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ صَلَّى وَمَعَهُ جِلْدُ حَيَّةٍ مَذْبُوحَةٍ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة. وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ الْحَيَّةَ وَالْفَأْرَةَ وَكُلَّ مَا لَا يَكُونُ سُؤْرُهُ نَجِسًا لَوْ صَلَّى بِلَحْمِهِ مَذْبُوحًا تَجُوزُ مُشْكِلٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 (طَهُرَ بِذَكَاةٍ) عَلَى الْمَذْهَبِ (لَا) يَطْهُرُ (لَحْمُهُ عَلَى) قَوْلِ (الْأَكْثَرِ إنْ) كَانَ (غَيْرَ مَأْكُولٍ) هَذَا أَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ وَإِنْ قَالَ فِي الْفَيْضِ الْفَتْوَى عَلَى طَهَارَتِهِ (وَهَلْ يُشْتَرَطُ) لِطَهَارَةِ جِلْدِهِ (كَوْنُ ذَكَاتِهِ شَرْعِيَّةً) بِأَنْ تَكُونَ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ بِالتَّسْمِيَةِ (قِيلَ نَعَمْ، وَقِيلَ لَا، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ) ؛ لِأَنَّ ذَبْحَ الْمَجُوسِيِّ وَتَارِكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا كَلَا ذَبْحٍ (وَإِنْ صُحِّحَ الثَّانِيَ) صَحَّحَهُ الزَّاهِدِيُّ فِي الْقُنْيَةِ وَالْمُجْتَبَى، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ. [فَرْعٌ] مَا يَخْرُجُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ كَسِنْجَابٍ إنْ عَلِمَ دَبْغَهُ بِطَاهِرٍ فَطَاهِرٌ، أَوْ بِنَجِسٍ فَنَجِسٌ، وَإِنْ شَكَّ فَغَسْلُهُ أَفْضَلُ.   [رد المحتار] قُلْت: وَعَلَيْهِ فَلَوْ صَلَّى وَمَعَهُ تِرْيَاقٌ فِيهِ لَحْمُ حَيَّةٍ مَذْبُوحَةٍ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ لَوْ أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمٍ، وَصَرَّحَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ بِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَتَنَبَّهْ. وَخَرَجَ الْخِنْزِيرُ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ كَمَا مَرَّ، فَلَا يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْآدَمِيَّ كَذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا بِطَهَارَةِ جِلْدِهِ بِالدِّبَاغِ، فَلَوْ ذُبِحَ وَلَمْ تَثْبُتْ لَهُ الشَّهَادَةُ ثُمَّ وَقَعَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ قَبْلَ تَغْسِيلِهِ أَفْسَدَهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ، نَعَمْ رَأَيْت فِي صَيْدِ غُرَرِ الْأَفْكَارِ أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ فِي الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ كَمَا لَا تَعْمَلُ الدِّبَاغَةُ فِي جِلْدِهِمَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ بَحْرٌ لِحَدِيثِ «لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَالْإِهَابُ مَا لَمْ يُدْبَغْ. فَيَدُلُّ تَوَقُّفُ الِانْتِفَاعِ قَبْلَ الدَّبْغِ عَلَى عَدَمِ كَوْنِهَا مَيْتَةً: أَيْ وَالذَّكَاةُ لَيْسَتْ إمَاتَةً أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَقِيلَ: إنَّمَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالذَّكَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ سُؤْرُهُ نَجِسًا (قَوْلُهُ لَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ) أَيْ لَحْمُ الْحَيَوَانِ ذِي الْإِهَابِ، فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى " مَا " عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَوْ بِدُونِهِ وَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُنَاسَبَةٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ هَذَا أَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ) أَفَادَ أَنَّ مُقَابِلَهُ مُصَحَّحٌ أَيْضًا، فَقَدْ صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالتُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ، وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الذَّبَائِحِ كَالْكَنْزِ وَالدُّرَرِ، وَالْأَوَّلُ مُخْتَارُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عِبَارَةُ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ. وَقَالَ فِي شَرْحِهِ الْمُسَمَّى بِالْبُرْهَانِ بَعْدَ كَلَامٍ: فَجَازَ أَنْ تُعْتَبَرَ الذَّكَاةُ مُطَهِّرَةً لِجِلْدِهِ لِلِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَعَلَيْهِ، وَلِدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ بِلُبْسِهِ دُونَ لَحْمِهِ لِعَدَمِ حِلِّ أَكْلِهِ الْمَقْصُودِ مِنْ طَهَارَتِهِ، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ ذَكَاةَ الْحَيَوَانِ مُطَهِّرَةٌ لِجِلْدِهِ وَلَحْمِهِ إنْ كَانَ الْحَيَوَانُ مَأْكُولًا، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ فَلَا تُطَهِّرُ شَيْئًا مِنْهُ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ جِلْدُهُ لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَةَ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ جِلْدَهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ اللَّحْمِ، وَإِلَّا فَيَطْهُرُ جِلْدُهُ فَقَطْ، وَالْآدَمِيُّ كَالْخِنْزِيرِ فِيمَا ذُكِرَ تَعْظِيمًا لَهُ (قَوْلُهُ مِنْ الْأَهْلِ) هُوَ أَنْ يَكُونَ الذَّابِحُ مُسْلِمًا حَلَالًا خَارِجَ الْحَرَمِ أَوْ كِتَابِيًّا (قَوْلُهُ فِي الْمَحَلِّ) أَيْ فِيمَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ، وَهَذِهِ الذَّكَاةُ الِاخْتِيَارِيَّةُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهَا الضَّرُورِيَّةُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ اتَّفَقَ حِلْيَةٌ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ الْقُنْيَةِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِالتَّسْمِيَةِ) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ تَرَكَهَا نَاسِيًا (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ) وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ ذَبْحَ الْمَجُوسِيِّ) أَيْ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا كَالْوَثَنِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَالْمُحْرِمِ (قَوْلُهُ كَلَا ذَبْحٍ) لِحُكْمِ الشَّرْعِ بِأَنَّهُ مَيْتَةٌ فِيمَا يُؤْكَلُ (قَوْلُهُ وَإِنْ صُحِّحَ الثَّانِيَ) يُوهِمُ أَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُصَحَّحْ مَعَ أَنَّهُ فِي الْقُنْيَةِ نَقَلَ تَصْحِيحَ الْقَوْلَيْنِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّهُ فِي الْمِعْرَاجِ نَقَلَ عَنْ الْمُجْتَبَى وَالْقُنْيَةِ تَصْحِيحَ الثَّانِي، ثُمَّ قَالَ وَصَاحِبُ الْقُنْيَةِ هُوَ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى، وَهُوَ الْإِمَامُ الزَّاهِدِيُّ الْمَشْهُورُ عِلْمُهُ وَفِقْهُهُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ: أَنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ ذَكَرَ هَذَا الشَّرْطَ: أَيْ كَوْنَ الذَّكَاةِ شَرْعِيَّةً بِصِيغَةِ قِيلَ مَعْزِيًّا إلَى الْخَانِيَّةِ. اهـ. [فَرْعٌ مَا يَخْرُجُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ كَسِنْجَابٍ إنْ عَلِمَ دَبْغَهُ بِطَاهِرٍ] (قَوْلُهُ كَسِنْجَابٍ) بِالْكَسْرِ: أَيْ جِلْدِهِ (قَوْلُهُ فَنَجِسٌ) أَيْ فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ مَا لَمْ يُغْسَلْ مُنْيَةٌ (قَوْلُهُ فَغَسْلُهُ أَفْضَلُ) ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِمَا هُوَ الْوَثِيقَةُ فِي مَوْضِعِ الشَّكِّ أَفْضَلُ إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْحَرَجِ، وَمِنْ هُنَا قَالُوا لَا بَأْسَ بِلُبْسِ ثِيَابِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالصَّلَاةِ فِيهَا، إلَّا الْإِزَارَ وَالسَّرَاوِيلَ فَإِنَّهُ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 (وَشَعْرُ الْمَيْتَةِ) غَيْرُ الْخِنْزِيرِ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَعَظْمُهَا وَعَصَبُهَا) عَلَى الْمَشْهُورِ (وَحَافِرُهَا وَقَرْنُهَا) الْخَالِيَةُ عَنْ الدُّسُومَةِ وَكَذَا كُلُّ مَا لَا تُحِلُّهُ الْحَيَاةُ حَتَّى الْإِنْفَحَةُ وَاللَّبَنُ عَلَى الرَّاجِحِ   [رد المحتار] لِقُرْبِهَا مِنْ مَوْضِعِ الْحَدَثِ وَتَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، وَلِلتَّوَارُثِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّلَاةِ بِثِيَابِ الْغَنَائِمِ قَبْلَ الْغَسْلِ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ. وَنَقَلَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ الْجُلُودَ الَّتِي تُدْبَغُ فِي بَلَدِنَا وَلَا يُغْسَلُ مَذْبَحُهَا، وَلَا تُتَوَقَّى النَّجَاسَاتُ فِي دَبْغِهَا وَيُلْقُونَهَا عَلَى الْأَرْضِ النَّجِسَةِ وَلَا يَغْسِلُونَهَا بَعْدَ تَمَامِ الدَّبْغِ فَهِيَ طَاهِرَةٌ يَجُوزُ اتِّخَاذُ الْخِفَافِ وَالْمَكَاعِبِ وَغِلَافِ الْكُتُبِ وَالْمُشْطِ وَالْقِرَابِ وَالدِّلَاءِ رَطْبًا وَيَابِسًا. اهـ. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا عِنْدَ الشَّكِّ وَعَدَمِ الْعِلْمِ بِنَجَاسَتِهَا. (قَوْلُهُ وَشَعْرُ الْمَيْتَةِ إلَخْ) مَعَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي طَاهِرٌ لِمَا مَرَّ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ «إنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا» وَفِي رِوَايَةٍ «لَحْمُهَا» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَا اللَّحْمَ لَا يَحْرُمُ فَدَخَلَتْ الْأَجْزَاءُ الْمَذْكُورَةُ، وَفِيهَا أَحَادِيثُ أُخَرُ صَرِيحَةٌ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الْمَعْهُودَ فِيهَا قَبْلَ الْمَوْتِ الطَّهَارَةُ فَكَذَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحِلُّهَا. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ} [يس: 78] الْآيَةَ، فَجَوَابُهُ مَعَ تَعْرِيفِ الْمَوْتِ بِأَنَّهُ وُجُودِيٌّ أَوْ عَدَمِيٌّ. أَطَالَ فِيهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَرَاجِعْهُ، وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي بَحْثِ الْمِيَاهِ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِيهَا لَا يُنَجِّسُهَا. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: الْمَيْتَةُ مَا زَالَتْ رُوحُهُ بِلَا تَذْكِيَةٍ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ شَعْرَهُ نَجِسٌ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَرَجَّحَهُ فِي الِاخْتِيَارِ. فَلَوْ صَلَّى وَمَعَهُ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا تَجُوزُ، وَلَوْ وَقَعَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ نَجَّسَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُنَجِّسُهُ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. وَذَكَرَ فِي الدُّرَرِ أَنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ طَاهِرٌ لِضَرُورَةِ اسْتِعْمَالِهِ أَيْ لِلْخَرَّازِينَ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ: وَفِي زَمَانِنَا اسْتَغْنَوْا عَنْهُ أَيْ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لِزَوَالِ الضَّرُورَةِ الْبَاعِثَةِ لِلْحُكْمِ بِالطَّهَارَةِ نُوحٌ أَفَنْدِي (قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) أَيْ مِنْ طَهَارَةِ الْعَصَبِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوِقَايَةِ وَالدُّرَرِ وَغَيْرِهِمَا، بَلْ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ وَتَبِعَهُ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ، لَكِنْ تَعَقَّبَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ذَكَرَ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ عَظْمٌ، وَالْأُخْرَى أَنَّهُ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَيَاةً، وَالْحِسُّ يَقَعُ بِهِ وَصَحَّحَ فِي السِّرَاجِ الثَّانِيَةَ. (قَوْلُهُ الْخَالِيَةُ عَنْ الدُّسُومَةِ) قَيْدٌ لِلْجَمِيعِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، فَخَرَجَ الشَّعْرُ الْمَنْتُوفُ وَمَا بَعْدَهُ إذَا كَانَ فِيهِ دُسُومَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا كُلُّ مَا لَا تُحِلُّهُ الْحَيَاةُ) وَهُوَ مَا لَا يَتَأَلَّمُ الْحَيَوَانُ بِقَطْعِهِ كَالرِّيشِ وَالْمِنْقَارِ وَالظِّلْفِ (قَوْلُهُ حَتَّى الْإِنْفَحَةُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَقَدْ تُشَدَّدُ الْحَاءُ وَقَدْ تُكْسَرُ الْفَاءُ. وَالْمِنْفَحَةُ وَالْبِنْفَحَةُ: شَيْءٌ وَاحِدٌ يُسْتَخْرَجُ مِنْ بَطْنِ الْجَدْيِ الرَّاضِعِ أَصْفَرُ فَيُعْصَرُ فِي صُوفَةٍ فَيَغْلُظُ كَالْجُبْنِ، فَإِذَا أَكَلَ الْجَدْيُ فَهُوَ كِرْشٌ، وَتَفْسِيرُ الْجَوْهَرِيِّ الْإِنْفَحَةَ بِالْكِرْشِ سَهْوٌ قَامُوسٌ بِالْحَرْفِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ عَلَى الرَّاجِحِ) أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِتَرْجِيحِهِ، وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ تَقْدِيمِ صَاحِبِ الْمُلْتَقَى لَهُ وَتَأْخِيرِهِ قَوْلِهِمَا كَمَا هُوَ عَادَتُهُ فِيمَا يُرَجِّحُهُ. وَعِبَارَتُهُ مَعَ الشَّرْحِ: وَإِنْفَحَةُ الْمَيْتَةِ وَلَوْ مَائِعَةً وَلَبَنُهَا طَاهِرٌ كَالْمُذَكَّاةِ خِلَافًا لَهُمَا لِتَنَجُّسِهِمَا بِنَجَاسَةِ الْمَحَلِّ. قُلْنَا نَجَاسَتُهُ لَا تُؤَثِّرُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ إذْ اللَّبَنُ الْخَارِجُ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ طَاهِرٌ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِ الْمُلْتَقَى وَلَبَنُهَا عَائِدٌ عَلَى الْمَيْتَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ اللَّبَنُ الَّذِي فِي ضَرْعِهَا، وَلَيْسَ عَائِدًا عَلَى الْإِنْفَحَةِ كَمَا فَهِمَ الْمُحَشِّي حَيْثُ فَسَّرَهَا بِالْجِلْدَةِ، وَعَزَا إلَى الْمُلْتَقَى طَهَارَتَهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَلَوْ مَائِعَةً صَرِيحٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْفَحَةِ اللَّبَنُ الَّذِي فِي الْجِلْدَةِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ عَنْ الْقَامُوسِ، وَقَوْلُهُ لِتَنَجُّسِهَا إلَخْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ جِلْدَتَهَا نَجِسَةٌ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْحِلْيَةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ التَّعْلِيلِ الْمَارِّ: وَقَدْ عُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّ نَفْسَ الْوِعَاءِ نَجِسٌ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. وَلِدَفْعِ هَذَا الْوَهْمِ غَيَّرَ الْعِبَارَةَ فِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: وَكَذَا لَبَنُ الْمَيْتَةِ وَإِنْفَحَتُهَا وَنَجَسَاهَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 (وَشَعْرُ الْإِنْسَانِ) غَيْرُ الْمَنْتُوفِ (وَعَظْمُهُ) وَسِنُّهُ مُطْلَقًا عَلَى الْمَذْهَبِ. وَاخْتُلِفَ فِي أُذُنِهِ، فَفِي الْبَدَائِعِ نَجِسَةٌ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا، وَفِي الْأَشْبَاهِ: الْمُنْفَصِلُ مِنْ الْحَيِّ كَمَيْتَتِهِ إلَّا فِي حَقِّ صَاحِبِهِ فَطَاهِرٌ وَإِنْ كَثُرَ. وَيَفْسُدُ الْمَاءُ بِوُقُوعِ قَدْرِ الظُّفْرِ مِنْ جِلْدِهِ لَا بِالظُّفْرِ (وَدَمُ سَمَكٍ طَاهِرٌ)   [رد المحتار] جَامِدَةً فَتَطْهُرُ بِالْغَسْلِ. اهـ. وَأَفَادَ تَرْجِيحَ قَوْلِهِمَا وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي اللَّبَنِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْمُلْتَقَى وَالشَّرْحِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَشَعْرُ الْإِنْسَانِ) الْمُرَادُ بِهِ مَا أُبِينَ مِنْهُ حَيًّا وَإِلَّا فَطَهَارَةُ مَا عَلَى الْإِنْسَانِ مُسْتَغْنِيَةٌ عَنْ الْبَيَانِ وَطَهَارَةُ الْمَيِّتِ مُدْرَجَةٌ فِي بَيَانِ الْمَيْتَةِ كَذَا نَقَلَ عَنْ حَوَاشِي عِصَامٍ، وَالْأَوْلَى إسْقَاطُ حَيًّا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي نَجَاسَةِ شَعْرِ الْآدَمِيِّ وَظُفْرِهِ وَعَظْمِهِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ الطَّهَارَةُ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ غَيْرُ الْمَنْتُوفِ) أَمَّا الْمَنْتُوفُ فَنَجِسٌ بَحْرٌ، وَالْمُرَادُ رُءُوسُهُ الَّتِي فِيهَا الدُّسُومَةُ. أَقُولُ: وَعَلَيْهِ فَمَا يَبْقَى بَيْنَ أَسْنَانِ الْمُشْطِ يُنَجِّسُ الْمَاءَ الْقَلِيلَ إذَا بُلَّ فِيهِ وَقْتَ التَّسْرِيحِ، لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ كَمَا قَالَ ط أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ الْجِلْدِ مَعَ الشَّعْرِ إنْ لَمْ يَبْلُغْ مِقْدَارَ الظُّفْرِ لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ سِنُّهُ أَوْ سِنُّ غَيْرِهِ مِنْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ قَدْرَ الدِّرْهَمِ أَوْ أَكْثَرَ حَمَلَهُ مَعَهُ أَوْ أَثْبَتَهُ مَكَانَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا أَنَّ سِنَّ الْآدَمِيِّ طَاهِرَةٌ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَا دَمَ فِيهَا، وَالْمُنَجِّسُ هُوَ الدَّمُ بَدَائِعُ وَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهَا نَجِسَةٌ ضَعِيفٌ. اهـ (قَوْلُهُ فَفِي الْبَدَائِعِ نَجِسَةٌ) فَإِنَّهُ قَالَ: مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ إنْ كَانَ جُزْءًا فِيهِ دَمٌ كَالْيَدِ وَالْأُذُنِ وَالْأَنْفِ وَنَحْوِهَا فَهُوَ نَجِسٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِلَّا كَالشَّعْرِ وَالظُّفْرِ فَطَاهِرٌ عِنْدَنَا. اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا) حَيْثُ قَالَ: صَلَّى وَأُذُنُهُ فِي كُمِّهِ أَوْ أَعَادَهَا إلَى مَكَانِهَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ مُلَخَّصًا. وَعَلَّلَهُ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ مَا لَيْسَ بِلَحْمٍ لَا يُحِلُّهُ الْمَوْتُ فَلَا يَتَنَجَّسُ بِالْمَوْتِ أَيْ وَالْقَطْعُ فِي حُكْمِ الْمَوْتِ. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ. وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ: لَا شَكَّ أَنَّهَا مِمَّا تُحِلُّهَا الْحَيَاةُ وَلَا تَعْرَى عَنْ اللَّحْمِ، فَلِذَا أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ بِالنَّجَاسَةِ وَأَقَرَّهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ قُلْت: وَالْجَوَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ أَنَّ إعَادَةَ الْأُذُنِ وَثَبَاتَهَا إنَّمَا يَكُونُ غَالِبًا بِعَوْدِ الْحَيَاةِ إلَيْهَا فَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهَا مِمَّا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ؛ لِأَنَّهَا بِعَوْدِ الْحَيَاةِ إلَيْهَا صَارَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَبِنْ، وَلَوْ فَرَضْنَا شَخْصًا مَاتَ ثُمَّ أُعِيدَتْ حَيَاتُهُ مُعْجِزَةً أَوْ كَرَامَةً لَعَادَ طَاهِرًا. اهـ. أَقُولُ: إنْ عَادَتْ الْحَيَاةُ إلَيْهَا فَهُوَ مُسْلِمٌ، لَكِنْ يَبْقَى الْإِشْكَالُ لَوْ صَلَّى وَهِيَ فِي كُمِّهِ مَثَلًا. وَالْأَحْسَنُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ وَفِي الْأَشْبَاهِ إلَخْ وَبِهِ صَرَّحَ فِي السِّرَاجِ فَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ جَوَازِ صَلَاتِهِ وَلَوْ الْأُذُنُ فِي كُمِّهِ لِطَهَارَتِهَا فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهَا أُذُنُهُ فَلَا يُنَافِي مَا فِي الْبَدَائِعِ بَعْدَ تَقْيِيدِهِ بِمَا فِي الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ الْمُنْفَصِلُ مِنْ الْحَيِّ) أَيْ مِمَّا تُحِلُّهُ الْحَيَاةُ كَمَا مَرَّ، وَالْمُرَادُ الْحَيُّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا احْتِرَازًا عَنْ الْحَيِّ بَعْدَ الذَّبْحِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ آخِرَ كِتَابِ الذَّبَائِحِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي الْحِلْيَةِ عَنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهَا وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ «مَا قُطِعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيِّتٌ» اهـ. (قَوْلُهُ وَيَفْسُدُ الْمَاءُ) أَيْ الْقَلِيلُ (قَوْلُهُ مِنْ جِلْدِهِ) أَيْ أَوْ لَحْمِهِ مُخْتَارَاتُ النَّوَازِلِ. زَادَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا: أَوْ قِشْرِهِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا مِثْلُ مَا يَتَنَاثَرُ مِنْ شُقُوقِ الرِّجْلِ وَنَحْوُهُ لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ (قَوْلُهُ لَا بِالظُّفْرِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ عَصَبٌ بَحْرٌ. وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِ دُسُومَةٌ فَحُكْمُهَا كَالْجِلْدِ وَاللَّحْمِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَدَمُ سَمَكٍ طَاهِرٌ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 وَاعْلَمْ أَنَّهُ (لَيْسَ الْكَلْبُ بِنَجِسِ الْعَيْنِ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَإِنْ رَجَّحَ بَعْضُهُمْ النَّجَاسَةَ كَمَا بَسَطَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ، فَيُبَاعُ وَيُؤَجَّرُ وَيُضْمَنُ، وَيُتَّخَذُ جِلْدُهُ مُصَلًّى وَدَلْوًا، وَلَوْ أُخْرِجَ حَيًّا وَلَمْ يُصِبْ فَمُهُ الْمَاءَ لَا يَفْسُدُ مَاءُ الْبِئْرِ وَلَا الثَّوْبُ بِانْتِفَاضِهِ وَلَا بِعَضِّهِ مَا لَمْ يُرَ رِيقُهُ وَلَا صَلَاةُ حَامِلِهِ وَلَوْ كَبِيرًا، وَشَرَطَ الْحَلْوَانِيُّ شَدَّ فَمِهِ. وَلَا خِلَافَ فِي نَجَاسَةِ لَحْمِهِ وَطَهَارَةِ شَعْرِهِ.   [رد المحتار] أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْكَنْزِ إنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَبْيَضُّ فِي الشَّمْسِ وَالدَّمُ يَسْوَدُّ بِهَا زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ لَيْسَ الْكَلْبُ بِنَجِسِ الْعَيْنِ) بَلْ نَجَاسَتُهُ بِنَجَاسَةِ لَحْمِهِ وَدَمِهِ، وَلَا يَظْهَرُ حُكْمُهَا وَهُوَ حَيٌّ مَا دَامَتْ فِي مَعْدِنِهَا كَنَجَاسَةِ بَاطِنِ الْمُصَلِّي فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْأَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ بَدَائِعُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ بَحْرٌ. وَمُقْتَضَى عُمُومِ الْأَدِلَّةِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَيُبَاعُ إلَخْ) هَذِهِ الْفُرُوعُ بَعْضُهَا ذُكِرَتْ أَحْكَامُهَا فِي الْكُتُبِ هَكَذَا وَبَعْضُهَا بِالْعَكْسِ، وَالتَّوْفِيقُ بِالتَّخْرِيجِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْبَحْرِ، وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ تَقْيِيدِ الْبَيْعِ بِالْمُعَلَّمِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي، بِدَلِيلِ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ السِّنَّوْرِ وَسِبَاعِ الْوَحْشِ وَالطَّيْرِ مُعَلَّمًا كَانَ أَوْ لَا. تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَيُؤْجَرُ) الظَّاهِرُ تَقْيِيدُهُ بِالْمُعَلَّمِ وَلَوْ لِحِرَاثَةٍ لِوُقُوعِ الْإِجَارَةِ عَلَى الْمَنَافِعِ، وَلِذَا عَقَّبَهُ فِي عُمْدَةِ الْمُفْتِي بِقَوْلِهِ: وَالسِّنَّوْرُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَلَّمُ (قَوْلُهُ وَيُضْمَنُ) أَيْ لَوْ أَتْلَفَهُ إنْسَانٌ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِصَاحِبِهِ (قَوْلُهُ وَلَا الثَّوْبُ بِانْتِفَاضِهِ) وَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا إذَا خَرَجَ الْكَلْبُ مِنْ الْمَاءِ وَانْتَفَضَ فَأَصَابَ ثَوْبَ إنْسَانٍ أَفْسَدَهُ لَا لَوْ أَصَابَهُ مَاءُ الْمَطَرِ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَلَّ فِي الْأَوَّلِ جِلْدُهُ وَهُوَ نَجِسٌ وَفِي الثَّانِي شَعْرُهُ وَهُوَ طَاهِرٌ. اهـ فَهُوَ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَلَا بِعَضِّهِ) أَيْ عَضَّ الْكَلْبِ الثَّوْبَ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُرَ رِيقُهُ) فَالْمُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ الْبِلَّةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ نَهْرٌ عَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ، وَعَلَامَتُهَا ابْتِلَالُ يَدِهِ بِأَخْذِهِ، وَقِيلَ لَوْ عَضَّ فِي الرِّضَا نَجَّسَهُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ بِشَفَتِهِ الرَّطْبَةِ لَا فِي الْغَضَبِ لِأَخْذِهِ بِأَسْنَانِهِ (قَوْلُهُ وَلَا صَلَاةُ حَامِلِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: قَالَ مَشَايِخُنَا: مَنْ صَلَّى وَفِي كُمِّهِ جَرْوٌ تَجُوزُ صَلَاتُهُ، وَقَيَّدَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ بِكَوْنِهِ مَشْدُودَ الْفَمِ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ: صَلَّى وَمَعَهُ جَرْوُ كَلْبٍ أَوْ مَا لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِسُؤْرِهِ قِيلَ لَمْ يَجُزْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ فَمُهُ مَفْتُوحًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ لُعَابَهُ يَسِيلُ فِي كُمِّهِ فَيُنَجِّسُ لَوْ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَلَوْ مَشْدُودًا بِحَيْثُ لَا يَصِلُ لُعَابُهُ إلَى ثَوْبِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ كُلِّ حَيَوَانٍ طَاهِرٌ لَا يَتَنَجَّسُ إلَّا بِالْمَوْتِ، وَنَجَاسَةُ بَاطِنِهِ فِي مَعِدَتِهِ فَلَا يَظْهَرُ حُكْمُهَا كَنَجَاسَةِ بَاطِنِ الْمُصَلِّي. اهـ. وَالْأَشْبَهُ إطْلَاقُ الْجَوَازِ عِنْدَ أَمْنِ سَيَلَانِ الْقَدْرِ الْمَانِعِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْبَدَائِعِ حِلْيَةٌ. وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ كَبِيرًا إلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْجَرْوِ لِصِحَّةِ التَّصْوِيرِ بِكَوْنِهِ فِي كُمِّهِ كَمَا فِي النَّهْرِ وَشَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ، لَا لِمَا ظَنَّهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْكَبِيرَ مَأْوَاهُ النَّجَاسَاتُ فَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ حَامِلِهِ، فَإِنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّ الصَّغِيرَ كَذَلِكَ. ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْحَمْلِ فِي الْكُمِّ مَثَلًا لِإِخْرَاجِ مَا لَوْ جَلَسَ الْكَلْبُ عَلَى الْمُصَلِّي فَإِنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِرَبْطِ فَمِهِ، لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ جَلَسَ عَلَى حِجْرِهِ صَبِيٌّ ثَوْبُهُ نَجِسٌ وَهُوَ يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَقَفَ عَلَى رَأْسِهِ حَمَامٌ نَجِسٌ جَازَتْ صَلَاتُهُ. اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَشَرَطَ الْحَلْوَانِيُّ) صَوَابُهُ الْهِنْدُوَانِيُّ كَمَا مَرَّ، وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهِمَا. (قَوْلُهُ وَلَا خِلَافَ فِي نَجَاسَةِ لَحْمِهِ) وَلِذَا اتَّفَقُوا عَلَى نَجَاسَةِ سُؤْرِهِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ لَحْمِهِ؛ فَمَعْنَى الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ عَيْنِهِ طَهَارَةُ ذَاتِهِ مَادَامَ حَيًّا، وَطَهَارَةُ جِلْدِهِ بِالدِّبَاغِ وَالذَّكَاةِ، وَطَهَارَةُ مَا لَا تُحِلُّهُ الْحَيَاةُ مِنْ أَجْزَائِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ السِّبَاعِ (قَوْلُهُ وَطَهَارَةِ شَعْرِهِ) أَخَذَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ آنِفًا عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 (وَالْمِسْكُ طَاهِرٌ حَلَالٌ) فَيُؤْكَلُ بِكُلِّ حَالٍ (وَكَذَا نَافِجَتُهُ) طَاهِرَةٌ (مُطْلَقًا عَلَى الْأَصَحِّ) فَتْحٌ، وَكَذَا الزَّبَادُ أَشْبَاهٌ لِاسْتِحَالَتِهِ إلَى الطِّيبِيَّةِ.   [رد المحتار] وَقَدْ صَرَّحَ فِيهَا بِطَهَارَةِ شَعْرِهِ. وَمِمَّا فِي السِّرَاجِ أَنَّ جِلْدَ الْكَلْبِ نَجِسٌ وَشَعْرَهُ طَاهِرٌ هُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ جِلْدِهِ. مَبْنِيَّةٌ عَلَى نَجَاسَةِ عَيْنِهِ، فَقَدْ اتَّفَقَ الْقَوْلُ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِهَا عَلَى طَهَارَةِ شَعْرِهِ. وَيُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ السِّرَاجِ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ اخْتَلَفُوا فِي طَهَارَةِ شَعْرِهِ وَالْمُخْتَارُ الطَّهَارَةُ وَعَلَيْهِ يُبْتَنَى ذِكْرُ الِاتِّفَاقِ، لَكِنَّ هَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ عَيْنِهِ تَقْتَضِي نَجَاسَةَ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ، وَلَعَلَّ مَا فِي السِّرَاجِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَيِّتًا لَكِنْ يُنَافِيهِ مَا مَرَّ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ، نَعَمْ قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَطْلَقَ وَلَمْ يُفَصِّلْ: أَيْ أَنَّهُ لَوْ انْتَفَضَ مِنْ الْمَاءِ فَأَصَابَ ثَوْبَ إنْسَانٍ أَفْسَدَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْبَلَلُ وَصَلَ إلَى جِلْدِهِ أَوْ لَا، وَهَذَا يَقْتَضِي نَجَاسَةَ شَعْرِهِ فَتَأَمَّلْ. . مَطْلَبٌ فِي الْمِسْكِ وَالزَّبَادِ وَالْعَنْبَرِ (قَوْلُهُ طَاهِرٌ حَلَالٌ) ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ دَمًا فَقَدْ تَغَيَّرَ فَيَصِيرُ طَاهِرًا كَرَمَادِ الْعَذِرَةِ خَانِيَّةٌ، وَالْمُرَادُ بِالتَّغَيُّرِ الِاسْتِحَالَةُ إلَى الطَّيِّبَةِ وَهِيَ مِنْ الْمُطَهَّرَاتِ عِنْدَنَا، وَزَادَ قَوْلَهُ حَلَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الطَّهَارَةِ الْحِلُّ كَمَا فِي التُّرَابِ مِنَحٌ: أَيْ فَإِنَّ التُّرَابَ طَاهِرٌ وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْمِسْكَ أَطْيَبُ الطِّيبِ» كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَحَكَى النَّوَوِيُّ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى طَهَارَتِهِ وَجَوَازِ بَيْعِهِ (قَوْلُهُ فَيُؤْكَلُ بِكُلِّ حَالٍ) أَيْ فِي الْأَطْعِمَةِ وَالْأَدْوِيَةِ لِضَرُورَةٍ أَوْ لَا. وَفِي الْقَامُوسِ أَنَّهُ مُقَوٍّ لِلْقَلْبِ، مُشَجِّعٌ لِلسَّوْدَاوَيْنِ، نَافِعٌ لِلْخَفَقَانِ وَالرِّيَاحِ الْغَلِيظَةِ فِي الْأَمْعَاءِ وَالسُّمُومِ وَالسُّدَدِ بَاهِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا نَافِجَتُهُ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ: وَهِيَ جِلْدَةٌ يُجْمَعُ فِيهَا الْمِسْكُ مُعَرَّبُ نَافَهْ. . اهـ شَيْخُ إسْمَاعِيلَ عَنْ بَعْضِ الشُّرُوحِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْمِنَحِ فَاؤُهَا مَفْتُوحَةٌ فِي أَكْثَرِ كُتُبِ اللُّغَةِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ رَطْبِهَا وَيَابِسِهَا، وَبَيْنَ مَا انْفَصَلَ مِنْ الْمَذْبُوحَةِ وَغَيْرِهَا، وَبَيْنَ كَوْنِهَا بِحَالٍ لَوْ أَصَابَهَا الْمَاءُ فَسَدَتْ أَوْ لَا. اهـ إسْمَاعِيلُ عَنْ مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الدُّرَرِ مِنْ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ رَطْبَةً مِنْ غَيْرِ الْمَذْبُوحَةِ لَيْسَتْ بِطَاهِرَةٍ عَلَى خِلَافِ الْأَصَحِّ. (قَوْلُهُ فَتْحٌ) وَكَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الزَّبَادُ أَشْبَاهٌ) أَيْ فِي قَاعِدَةِ: الْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ، وَكَذَا الْعَنْبَرُ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى، وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ وَالْحِلْيَةِ طَهَارَةَ الزَّبَادِ بَحْثًا وَلَمْ يَجِدْ فِيهِ نَقْلًا، لَكِنْ فِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ لِلْعَلَّامَةِ الْبِيرِيِّ قَالَ فِي خِزَانَةِ الرِّوَايَاتِ نَاقِلًا عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: الزَّبَادُ طَاهِرٌ. وَلَا يُقَالُ إنَّهُ عَرَقُ الْهِرَّةِ وَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَرَقًا إلَّا أَنَّهُ تَغَيَّرَ وَصَارَ طَاهِرًا بِلَا كَرَاهَةٍ. وَفِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ: سَمِعْت جَمَاعَةً مِنْ الثِّقَاتِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَذَا يَقُولُونَ: إنَّهُ عَرَقُ سِنَّوْرٍ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ طَاهِرًا. وَفِي الْمِنْهَاجِيَّةِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْمَسَائِلِ: الْمِسْكُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ دَمًا لَكِنَّهُ تَغَيَّرَ، وَكَذَا الزَّبَادُ طَاهِرٌ، وَكَذَا الْعَنْبَرُ. وَفِي أَلْغَازِ ابْنِ الشِّحْنَةِ، قِيلَ: إنَّ الْمِسْكَ وَالْعَنْبَرَ لَيْسَا بِطَاهِرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمِسْكَ مِنْ دَابَّةٍ حَيَّةٍ، وَالْعَنْبَرَ خُرْءُ دَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ، وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ. وَأَمَّا الْعَنْبَرُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَيْنٌ فِي الْبَحْرِ بِمَنْزِلَةِ الْقِيرِ وَكِلَاهُمَا طَاهِرٌ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ. اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي تُحْفَةِ ابْنِ حَجَرٍ: وَلَيْسَ الْعَنْبَرُ رَوْثًا خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ، بَلْ هُوَ نَبَاتٌ فِي الْبَحْرِ. اهـ وَلِلْعَلَّامَةِ الْبِيرِيِّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا [السُّؤَالُ وَالْمُرَادُ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالزَّبَادِ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 (وَبَوْلُ مَأْكُولِ) اللَّحْمِ (نَجِسٌ) نَجَاسَةً مُخَفَّفَةً، وَطَهَّرَهُ مُحَمَّدٌ (وَلَا يُشْرَبُ) بَوْلُهُ (أَصْلًا) لَا لِلتَّدَاوِي وَلَا لِغَيْرِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. . فُرُوعٌ] اُخْتُلِفَ فِي التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْمَنْعُ كَمَا فِي رَضَاعٍ الْبَحْرُ، لَكِنْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ ثَمَّةَ وَهُنَا عَنْ الْحَاوِي: وَقِيلَ يُرَخَّصُ إذَا عُلِمَ فِيهِ الشِّفَاءُ وَلَمْ يُعْلَمْ دَوَاءٌ آخَرُ كَمَا رُخِّصَ الْخَمْرُ لِلْعَطْشَانِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى   [رد المحتار] (قَوْلُهُ وَطَهَّرَهُ مُحَمَّدٌ) أَيْ لِحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ الَّذِينَ رَخَّصَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِ الْإِبِلِ لِسَقَمٍ أَصَابَهُمْ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَفْسُدُ الْمَاءُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ فَيُخْرِجُهُ عَنْ الطَّهُورِيَّةِ، وَالْمُتُونُ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَلِذَا قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا (قَوْلُهُ لَا لِلتَّدَاوِي وَلَا لِغَيْرِهِ) بَيَانٌ لِلتَّعْمِيمِ فِي قَوْلِهِ أَصْلًا (قَوْلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ وَإِنْ وَافَقَهُ عَلَى أَنَّهُ نَجِسٌ لِحَدِيثِ «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ» إلَّا أَنَّهُ أَجَازَ شُرْبَهُ لِلتَّدَاوِي لِحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ مُطْلَقًا. وَأَجَابَ الْإِمَامُ عَنْ حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَرَفَ شِفَاءَهُمْ بِهِ وَحْيًا وَلَمْ يَتَيَقَّنْ شِفَاءَ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهِ الْأَطِبَّاءُ وَقَوْلُهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، حَتَّى لَوْ تَعَيَّنَ الْحَرَامُ مِدْفَعًا لِلْهَلَاكِ يَحِلُّ كَالْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. [فُرُوعٌ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ] مَطْلَبٌ فِي التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ (قَوْلُهُ اُخْتُلِفَ فِي التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ) فَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ يَجُوزُ إنْ عَلِمَ فِيهِ شِفَاءً وَلَمْ يَعْلَمْ دَوَاءً آخَرَ. وَفِي الْخَانِيَّةِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَنَّ مَا فِيهِ شِفَاءٌ لَا بَأْسَ بِهِ كَمَا يَحِلُّ الْخَمْرُ لِلْعَطْشَانِ فِي الضَّرُورَةِ، وَكَذَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ فَقَالَ: لَوْ رَعَفَ فَكَتَبَ الْفَاتِحَةَ بِالدَّمِ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ جَازَ لِلِاسْتِشْفَاءِ، وَبِالْبَوْلِ أَيْضًا إنْ عَلِمَ فِيهِ شِفَاءً لَا بَأْسَ بِهِ، لَكِنْ لَمْ يُنْقَلْ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ سَاقِطَةٌ عِنْدَ الِاسْتِشْفَاءِ كَحِلِّ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ لِلْعَطْشَانِ وَالْجَائِعِ. اهـ مِنْ الْبَحْرِ. وَأَفَادَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الِاخْتِلَافُ فِي كَلَامِهِمْ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى الْجَوَازِ لِلضَّرُورَةِ، وَاشْتِرَاطُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ الْعِلْمَ لَا يُنَافِيهِ اشْتِرَاطُ مَنْ بَعْدَهُ الشِّفَاءَ وَلِذَا قَالَ وَالِدِي فِي شَرْحِ الدُّرَرِ: إنَّ قَوْلَهُ لَا لِلتَّدَاوِي مَحْمُولٌ عَلَى الْمَظْنُونِ وَإِلَّا فَجَوَازُهُ بِالْيَقِينِيِّ اتِّفَاقٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُصَفَّى. اهـ. أَقُولُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ فِي الِاسْتِدْلَالِ، لِقَوْلِ الْإِمَامِ: لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ قَوْلَ الْأَطِبَّاءِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّجْرِبَةَ يَحْصُلُ بِهَا غَلَبَةُ الظَّنِّ دُونَ الْيَقِينِ إلَّا أَنْ يُرِيدُوا بِالْعِلْمِ غَلَبَةَ الظَّنِّ وَهُوَ شَائِعٌ فِي كَلَامِهِمْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْمَنْعُ) مَحْمُولٌ عَلَى الْمَظْنُونِ كَمَا عَلِمْته (قَوْلُهُ لَكِنْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) مَفْعُولُ نَقَلَ قَوْلُهُ وَقِيلَ يُرَخِّصُ إلَخْ وَالِاسْتِدْرَاكُ عَلَى إطْلَاقِ الْمَنْعِ، وَإِذَا قَيَّدَ بِالْمَظْنُونِ فَلَا اسْتِدْرَاكَ. وَنَصُّ مَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: إذَا سَالَ الدَّمُ مِنْ أَنْفِ إنْسَانٍ وَلَا يَنْقَطِعُ حَتَّى يُخْشَى عَلَيْهِ الْمَوْتُ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ أَوْ الْإِخْلَاصَ بِذَلِكَ الدَّمِ عَلَى جَبْهَتِهِ يَنْقَطِعُ فَلَا يُرَخَّصُ لَهُ فِيهِ؛ وَقِيلَ يُرَخَّصُ كَمَا رُخِّصَ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ لِلْعَطْشَانِ وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ فِي الْمَخْمَصَةِ وَهُوَ الْفَتْوَى. اهـ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُعْلَمْ دَوَاءٌ آخَرُ) هَذَا الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي عِبَارَةِ النِّهَايَةِ كَمَا مَرَّ وَلَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْحَاوِي، إلَّا أَنَّهُ يُفَادُ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا رُخِّصَ إلَخْ؛ لِأَنَّ حِلَّ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا أَفَادَهُ ط. قَالَ: وَنَقَلَ الْحَمَوِيُّ أَنَّ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهِ وَإِنْ تَعَيَّنَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 فَصْلٌ فِي الْبِئْرِ (إذَا وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ) لَيْسَتْ بِحَيَوَانٍ وَلَوْ مُخَفَّفَةً أَوْ قَطْرَةَ بَوْلٍ أَوْ دَمٍ أَوْ ذَنَبَ فَأْرَةٍ لَمْ يُشَمَّعْ، فَلَوْ شُمِّعَ فَفِيهِ مَا فِي الْفَأْرَةِ (فِي بِئْرٍ دُونَ الْقَدْرِ الْكَثِيرِ) عَلَى مَا مَرَّ، وَلَا عِبْرَةَ لِلْعُمْقِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (أَوْ مَاتَ فِيهَا) أَوْ خَارِجَهَا وَأُلْقِيَ فِيهَا وَلَوْ فَأْرَةً يَابِسَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ إلَّا الشَّهِيدَ النَّظِيفَ وَالْمُسْلِمَ الْمَغْسُولَ، أَمَّا الْكَافِرُ فَيُنَجِّسُهَا   [رد المحتار] [فَصْلٌ فِي الْبِئْرِ] لَمَّا ذَكَرَ تَنَجُّسَ الْمَاءِ الْقَلِيلِ بِوُقُوعِ نَجِسٍ فِيهِ حَتَّى يُرَاقَ كُلَّهُ أَرْدَفَهُ بِبَيَانِ مَسَائِلِ الْآبَارِ؛ لِأَنَّ مِنْهَا مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ لِابْتِنَائِهَا عَلَى مُتَابَعَةِ الْآثَارِ دُونَ الْقِيَاسِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِنَّ الْقِيَاسَ إمَّا أَنْ لَا تَطْهُرَ أَصْلًا كَمَا قَالَ شر لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ لِاخْتِلَاطِ النَّجَاسَةِ بِالْأَوْحَالِ وَالْجُدْرَانِ وَالْمَاءُ يَنْبُعُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَإِمَّا أَنْ لَا تَتَنَجَّسَ حَيْثُ تَعَذَّرَ الِاحْتِرَازُ أَوْ التَّطْهِيرُ، كَمَا نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ فِي حُكْمِ الْجَارِي؛ لِأَنَّهُ يَنْبُعُ مِنْ أَسْفَلَ وَيُؤْخَذُ مِنْ أَعْلَاهُ فَلَا يُنَجَّسُ كَحَوْضِ الْحَمَّامِ. قُلْنَا: وَمَا عَلَيْنَا أَنْ نَنْزَحَ مِنْهَا دِلَاءً أَخْذًا بِالْآثَارِ، وَمِنْ الطَّرِيقِ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ فِي يَدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَالْأَعْمَى فِي يَدِ الْقَائِدِ. اهـ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ الْآثَارَ الْوَارِدَةَ بِأَسَانِيدِهَا فَرَاجِعْهُ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ النَّوَوِيِّ: الْبِئْرُ مُؤَنَّثَةٌ مَهْمُوزَةٌ، وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا مِنْ بَأَرْت أَيْ حَفَرْت وَجَمْعُهَا فِي الْقِلَّةِ أَبْؤُرٌ وَأَبْآرٌ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْبَاءِ فِيهِمَا، وَمِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقْلِبُ الْهَمْزَةَ فِي أَبْآرٍ وَيَنْقُلُهَا فَيَقُولُ آبَارٌ وَجَمْعُهَا فِي الْكَثْرَةِ بِئْرٌ بِكَسْرٍ فَهَمْزَةٌ. (قَوْلُهُ لَيْسَتْ بِحَيَوَانٍ) قَيَّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ بَيَّنَ أَحْكَامَ الْحَيَوَانِ بِخُصُوصِهِ وَفَصَّلَهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ مُخَفَّفَةً) ؛ لِأَنَّ أَثَرَ التَّخْفِيفِ وَهُوَ الْعَفْوُ عَمَّا دُونَ الرُّبُعِ لَا يَظْهَرُ فِي الْمَاءِ، وَأَفَادَ ط أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ هَذَا الْمَاءُ ثَوْبًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ هَذِهِ النَّجَاسَةُ بِالْمُخَفَّفَةِ (قَوْلُهُ أَوْ قَطْرَةَ بَوْلٍ) أَيْ وَلَوْ بَوْلَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ كَمَا مَرَّ وَسَيَأْتِي اسْتِثْنَاءُ مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَبَوْلِ الْفَأْرَةِ (قَوْلُهُ لَمْ يُشَمَّعْ) أَيْ لَمْ يُجْعَلْ فِي مَحَلِّ الْقَطْعِ مِنْهُ الَّذِي لَا يَنْفَكُّ عَنْ بِلَّةٍ نَجِسَةٍ مَا يَمْنَعُ إصَابَةَ الْمَاءِ كَشَمْعٍ وَنَحْوِهِ. (قَوْلُهُ فَفِيهِ مَا فِي الْفَأْرَةِ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ، أَيْ فَالْوَاجِبُ فِيهِ نَزْحُ عِشْرِينَ دَلْوًا مَا لَمْ يَنْتَفِخْ أَوْ يَتَفَسَّخْ (قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ أَكْبَرُ رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ أَوْ مَا كَانَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ) مُقَابِلُهُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عُمْقُهَا عَشَرَةً فِي عَشَرَةٍ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْكَثِيرِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ تَصْحِيحَ هَذَا الْقَوْلِ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِمَا أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّصْحِيحَ لَوْ ثَبَتَ لَانْهَدَمَتْ مَسَائِلُ أَصْحَابِنَا الْمَذْكُورَةُ فِي كُتُبِهِمْ. . اهـ وَمَا قَوَّاهُ بِهِ الْمَقْدِسِيَّ رَدَّهُ نُوحٌ أَفَنْدِي (قَوْلُهُ وَلَوْ فَأْرَةً يَابِسَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ) وَمَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى مِنْ أَنَّهَا لَا تُنَجِّسُ الْبِئْرَ؛ لِأَنَّ الْيُبْسَ دِبَاغَةٌ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَأَوْضَحَهُ فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ النَّظِيفَ) أَيْ مِنْ نَجَاسَةٍ وَدَمٍ سَائِلٍ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَسَيَأْتِي فِي النَّجَاسَاتِ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ دَمِ الشَّهِيدِ مَادَامَ عَلَيْهِ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ لَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ وَقَعَ الشَّهِيدُ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يُفْسِدُهُ إلَّا إذَا سَالَ مِنْهُ الدَّمُ. . اهـ. لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ مِنْهُ دَمٌ سَائِلٌ يُنَجِّسُ الْمَاءَ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا كَانَ مَا خَرَجَ مِنْهُ لَيْسَ فِيهِ قُوَّةُ السَّيَلَانِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ سَالَ مِنْهُ الدَّمُ فِي الْمَاءِ تَأَمَّلْ، نَعَمْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ التَّنْجِيسِ بِمَا عَلَيْهِ مِمَّا فِيهِ قُوَّةُ السَّيَلَانِ بِمَا إذَا تَحَلَّلَ فِي الْمَاءِ، أَمَّا لَوْ لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْهُ فَلَا يُنَجِّسُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْمُسْلِمَ الْمَغْسُولَ) أَمَّا قَبْلَ غَسْلِهِ فَنَصُّوا عَلَى أَنَّهُ يُفْسِدُ الْمَاءَ الْقَلِيلَ وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ حَامِلِهِ، وَبِذَلِكَ اسْتَدَلَّ فِي الْمُحِيطِ عَلَى أَنَّ نَجَاسَةَ الْمَيِّتِ نَجَاسَةُ خَبَثٍ؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ دَمَوِيٌّ فَيُنَجِّسُ بِالْمَوْتِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ لَا نَجَاسَةُ حَدَثٍ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي، وَنَسَبَهُ فِي الْبَدَائِعِ إلَى عَامَّةِ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي جَنَائِزٍ الْبَحْرُ. أَقُولُ: وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ كَلَامَ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ مِنْ أَنَّ غُسَالَةَ الْمَيِّتِ نَجِسَةٌ؛ وَيُضَعِّفُ مَا مَرَّ مِنْ تَصْحِيحٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 مُطْلَقًا كَسُقْطِ (حَيَوَانٍ دَمَوِيٍّ) غَيْرِ مَائِيٍّ لِمَا مَرَّ (وَانْتَفَخَ) أَوْ تَمَعَّطَ (أَوْ تَفَسَّخَ) وَلَوْ تَفَسُّخُهُ خَارِجَهَا ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا ذَكَرَهُ الْوَالِي (يُنْزَحُ كُلُّ مَائِهَا) الَّذِي كَانَ فِيهَا وَقْتَ الْوُقُوعِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ (بَعْدَ إخْرَاجِهِ) لَا إذَا تَعَذَّرَ كَخَشَبَةٍ أَوْ خِرْقَةٍ مُتَنَجِّسَةٍ فَبِنَزْحِ الْمَاءِ إلَى حَدٍّ لَا يَمْلَأُ نِصْفَ الدَّلْوِ يَطْهُرُ الْكُلُّ تَبَعًا؛ وَلَوْ نَزَحَ بَعْضَهُ ثُمَّ زَادَ فِي الْغَدِ نَزَحَ قَدْرَ الْبَاقِي   [رد المحتار] أَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ غُسِّلَ أَوْ لَا. وَفِي جَنَائِزِ الْبَحْرِ: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ حَامِلِهِ بَعْدَهُ. اهـ. أَقُولُ: وَهَذَا مُؤَيِّدٌ أَيْضًا لِلْقَوْلِ بِأَنَّ نَجَاسَةَ الْمَيِّتِ لِلْخَبَثِ لَا لِلْحَدَثِ، وَمُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَاهُ آنِفًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَسُقْطٍ) أَطْلَقَهُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ. وَقَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بِمَا إذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ قَالَ: فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الْمَاءَ الْقَلِيلَ وَإِنْ غُسِّلَ، أَمَّا إذَا اسْتَهَلَّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْكَبِيرِ إنْ وَقَعَ بَعْدَمَا غُسِّلَ لَا يُفْسِدُ اهـ وَعَلَى هَذَا حُكْمُ صَلَاةِ حَامِلِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا، وَفِيهَا أَيْضًا الْبَيْضَةُ الرَّطْبَةُ أَوْ السَّخْلَةُ إذَا وَقَعَتْ مِنْ الدَّجَاجَةِ أَوْ الشَّاةِ فِي الْمَاءِ لَا تُفْسِدُهُ. اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ فِي بَابِ الْمِيَاهِ مِنْ أَنَّ غَيْرَ الدَّمَوِيِّ كَزُنْبُورٍ وَعَقْرَبٍ لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ وَكَذَا مَائِيُّ الْمَوْلِدِ كَسَمَكٍ وَسَرَطَانٍ فَهُوَ تَعْلِيلٌ لِلْقَيْدَيْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَانْتَفَخَ) أَيْ تَوَرَّمَ وَتَغَيَّرَ عَنْ صِفَةِ الْحَيَوَانِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَقَوْلُهُ أَوْ تَمَعَّطَ: أَيْ سَقَطَ شَعْرُهُ، وَقَوْلُهُ أَوْ تَفَسَّخَ: أَيْ تَفَرَّقَتْ أَعْضَاؤُهُ عُضْوًا عُضْوًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ كَالْفَأْرَةِ وَالْآدَمِيِّ وَالْفِيلِ؛ لِأَنَّهُ تَنْفَصِلُ بِلَّتُهُ وَهِيَ نَجِسَةٌ مَائِعَةٌ، فَصَارَتْ كَقَطْرَةِ خَمْرٍ، وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ ذَنَبُ فَأْرَةٍ يُنْزَحُ الْمَاءُ كُلُّهُ بَحْرٌ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَوْ جُرِحَ الْحَيَوَانُ بِلَا تَفَسُّخٍ وَنَحْوِهِ يُنْزَحُ الْجَمِيعُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَإِنْ قِطْعَةً مِنْهُ كَتَفَسُّخِهِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: قِطْعَةٌ مِنْ لَحْمِ الْمَيْتَةِ تُفْسِدُهُ (قَوْلُهُ يُنْزَحُ كُلُّ مَائِهَا) أَيْ دُونَ الطِّينِ لِوُرُودِ الْآثَارِ بِنَزْحِ الْمَاءِ، لَكِنْ لَا يُطَيَّنُ الْمَسْجِدُ بِطِينِهَا احْتِيَاطًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ الَّذِي كَانَ فِيهَا وَقْتَ الْوُقُوعِ) فَلَوْ زَادَ بَعْدَهُ قَبْلَ النَّزْحِ لَا يَجِبُ نَزْحُ الزَّائِدِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ وَسَيَأْتِي اعْتِبَارُ وَقْتِ النَّزْحِ، وَعَلَيْهِ فَيَجِبُ نَزْحُ الزَّائِدِ وَيَأْتِي تَمَامُهُ. بَقِيَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ الْقَدْرُ الْوَاجِبُ وَقْتَ الْوُقُوعِ ثُمَّ زَادَ وَبَلَغَهُ هَلْ يُعْتَبَرُ وَقْتُ الْوُقُوعِ أَيْضًا؟ ظَاهِرُ كَلَامِهِ نَعَمْ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَوْ بَلَغَهُ بَعْدَ النَّزْحِ لَا يُنْزَحُ مِنْهُ شَيْءٌ (قَوْلُهُ بَعْدَ إخْرَاجِهِ) إذْ النَّزْحُ قَبْلَهُ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ سَبَبٌ لِلنَّجَاسَةِ وَمَعَ بَقَائِهِ لَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِالطَّهَارَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ إلَخْ) كَذَا فِي السِّرَاجِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْبِئْرُ مَعِينًا لَا تُنْزَحُ وَأَخْرَجَ مِنْهَا الْمِقْدَارَ الْمَعْرُوفَ، أَمَّا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَعِينٍ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِهَا لِوُجُوبِ نَزْحِ جَمِيعِ الْمَاءِ. اهـ أَقُولُ: قَدْ يَتَعَذَّرُ الْإِخْرَاجُ وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ نَزْحَ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْإِخْرَاجُ قَبْلَ النَّزْحِ لَا بَعْدَهُ كَمَا عَلِمْته (قَوْلُهُ مُتَنَجِّسَةٍ) نَعْتٌ لِكُلٍّ مِنْ الْخَشَبَةِ وَالْخِرْقَةِ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ لِلْعَطْفِ بِأَوْ الَّتِي هِيَ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ مُتَنَجِّسَةٍ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ كَلَحْمِ مَيْتَةٍ وَخِنْزِيرٍ. اهـ ح. قُلْت: فَلَوْ تَعَذَّرَ أَيْضًا فَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْجَوَاهِرِ: لَوْ وَقَعَ عُصْفُورٌ فِيهَا فَعَجَزُوا عَنْ إخْرَاجِهِ فَمَادَامَ فِيهَا فَنَجِسَةٌ فَتُتْرَكُ مُدَّةً يُعْلَمُ أَنَّهُ اسْتَحَالَ وَصَارَ حَمْأَةً، وَقَبْلَ مُدَّةِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. اهـ (قَوْلُهُ فَبِنَزْحِ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مُتَعَلِّقٌ بِيَطْهُرُ بَعْدَهُ ط (قَوْلُهُ يَطْهُرُ الْكُلُّ) أَيْ مِنْ الدَّلْوِ وَالرِّشَاءِ وَالْبَكَرَةِ وَيَدِ الْمُسْتَقِي تَبَعًا؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِنَجَاسَةِ الْبِئْرِ فَتَطْهُرُ بِطَهَارَتِهَا لِلْحَرَجِ كَدَنِّ الْخَمْرِ يَطْهُرُ تَبَعًا إذَا صَارَ خَلًّا وَكَيَدِ الْمُسْتَنْجِي تَطْهُرُ بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ وَكَعُرْوَةِ الْإِبْرِيقِ إذَا كَانَ فِي يَدِ الْمُسْتَنْجِي نَجَاسَةٌ رَطْبَةٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 فِي الصَّحِيحِ خُلَاصَةٌ، قَيَّدَ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ حَيًّا وَلَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ وَلَا بِهِ حَدَثٌ أَوْ خَبَثٌ لَمْ يُنْزَحْ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ فَمَهُ الْمَاءُ فَيُعْتَبَرُ بِسُؤْرِهِ، فَإِنْ نَجِسًا نُزِحَ الْكُلُّ وَإِلَّا لَا هُوَ الصَّحِيحُ، نَعَمْ يُنْدَبُ عَشَرَةٌ مِنْ الْمَشْكُوكِ لِأَجْلِ الطَّهُورِيَّةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، زَادَ التَّتَارْخَانِيَّة: وَعِشْرِينَ فِي الْفَأْرَةِ، وَأَرْبَعِينَ فِي سِنَّوْرٍ وَدَجَاجَةٍ مُخَلَّاةٍ كَآدَمِيٍّ مُحْدِثٍ،   [رد المحتار] فَجَعَلَ يَدَهُ عَلَيْهَا كُلَّمَا صَبَّ عَلَى الْيَدِ فَإِذَا غَسَلَ الْيَدَ ثَلَاثًا طَهُرَتْ الْعُرْوَةُ بِطَهَارَةِ الْيَدِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ خُلَاصَةٌ) وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّوَالِي وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ إلَخْ) أَيْ بِخِلَافِ الْخِنْزِيرِ، وَكَذَا الْكَلْبُ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُ الْبِئْرَ مُطْلَقًا، وَبِخِلَافِ الْمُحْدِثِ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ فِيهِ نَزْحُ أَرْبَعِينَ كَمَا يَذْكُرُهُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَى الْحَيَوَانِ خَبَثٌ أَيْ نَجَاسَةٌ وَعَلِمَ بِهَا فَإِنَّهُ يُنَجِّسُ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَيَّدْنَا بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْبَقَرِ وَنَحْوِهِ يَخْرُجُ حَيًّا لَا يَجِبُ نَزْحُ شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ اشْتِمَالَ بَوْلِهَا عَلَى أَفْخَاذِهَا، لَكِنْ يُحْتَمَلُ طَهَارَتُهَا بِأَنْ سَقَطَتْ عَقِبَ دُخُولِهَا مَاءٌ كَثِيرٌ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَمْ يُنْزَحْ شَيْءٌ) أَيْ وُجُوبًا؛ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ وَقَعَتْ الشَّاةُ وَخَرَجَتْ حَيَّةٌ يُنْزَحُ عِشْرُونَ دَلْوًا لِتَسْكِينِ الْقَلْبِ لَا لِلتَّطْهِيرِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يُنْزَحْ وَتَوَضَّأَ جَازَ، وَكَذَا الْحِمَارُ وَالْبَغْلُ لَوْ خَرَجَ حَيًّا وَلَمْ يُصِبْ فَمُهُ الْمَاءَ، وَكَذَا مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالطُّيُورِ وَالدَّجَاجَةِ الْمَحْبُوسَةِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ (قَوْلُهُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ) أَقُولُ: لَمْ أَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ، وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهَا أَنَّهُ يُنْزَحُ فِي الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ جَمِيعُ الْمَاءِ إذَا أَصَابَ فَمُهُ الْمَاءَ، وَكَذَا فِي الْبَحْرِ مَعْزِيًّا إلَيْهَا وَإِلَى غَيْرِهَا؛ وَمِثْلُهُ فِي الدُّرَرِ، وَعَزَاهُ شَارِحُهَا إلَى الْمُبْتَغَى، وَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَالْإِمْدَادِ وَالْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَمُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ فِي الْمُنْيَةِ: كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ شَارِحُهَا الْحَلَبِيُّ: وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِ خِلَافُهُ. اهـ. وَفِي الْفَتْحِ: وَإِنْ أَدْخَلَ فَمَهُ الْمَاءَ نُزِحَ الْكُلُّ فِي النَّجِسِ، وَكَذَا تَظَافَرَ كَلَامُهُمْ فِي الْمَشْكُوكِ. اهـ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَكَذَا كُلُّ مَا سُؤْرُهُ نَجِسٌ أَوْ مَشْكُوكٌ يَجِبُ نَزْحُ الْكُلِّ. وَفِي السِّرَاجِ: وَسُؤْرُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ يُنْزَحُ كُلُّ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ طَهُورًا، وَكَذَا عَلَّلَهُ فِي الْحِلْيَةِ بِقَوْلِهِ لِصَيْرُورَةِ الْمَاءِ مَشْكُوكًا، وَهُوَ غَيْرُ مَحْكُومٍ بِطَهُورِيَّتِهِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ، بِخِلَافِ الْمَكْرُوهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَسْلُوبِ الطَّهُورِيَّةِ. وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ وَقَعَ سُؤْرُ الْحِمَارِ فِي الْمَاءِ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. اهـ. قُلْت: لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا تَظَافَرَ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ كَمَا عَلِمْت وَإِنْ مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي فِي الْأَسْآرِ وَسَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَصَابَ فَمُ الْحِمَارِ الْمَاءَ صَارَ مَشْكُوكًا فَيُنْزَحُ الْكُلُّ كَاَلَّذِي سُؤْرُهُ نَجِسٌ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي عَدَمِ الطَّهُورِيَّةِ وَإِنْ افْتَرَقَا مِنْ حَيْثُ الطَّهَارَةُ، فَإِذَا لَمْ يُنْزَحْ رُبَّمَا يَتَطَهَّرُ بِهِ أَحَدٌ، وَالصَّلَاةُ بِهِ وَحْدَهُ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ فَيُنْزَحُ كُلُّهُ. اهـ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُصِبْ فَمُهُ الْمَاءَ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مَشْكُوكًا فِيهِ كَمَا فِي التُّحْفَةِ، وَإِنَّمَا يُنْزَحُ مِنْهُ عِشْرُونَ دَلْوًا كَالشَّاةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. اهـ. أَقُولُ: وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ النَّهْرِ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ فِي الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ لَا يَصِيرُ مَشْكُوكًا، فَلَا يَجِبُ نَزْحُ شَيْءٍ، نَعَمْ يُنْدَبُ نَزْحُ عَشَرَةٍ، وَقِيلَ نَزْحُ عِشْرِينَ مَنْشَؤُهُ اشْتِبَاهُ حَالَةِ وُصُولِ فَمِهِ الْمَاءَ بِحَالَةِ عَدَمِ الْوُصُولِ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ فَتَنَبَّهْ، ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَ مَشَايِخِنَا الرَّحْمَتِيَّ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْته. (قَوْلُهُ كَآدَمِيٍّ مُحْدِثٍ) أَيْ أَنَّهُ يُنْزَحُ فِيهِ أَرْبَعُونَ كَمَا عَزَاهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إلَى فَتَاوَى الْحُجَّةِ، ثُمَّ عَزَا إلَى الْغِيَاثِيَّةِ أَنَّهُ يُنْزَحُ فِيهِ الْجَمِيعُ. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: وَالتَّحْقِيقُ النَّزْحُ لِلْجَمِيعِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَالثَّانِي عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ؛ وَقِيلَ أَرْبَعُونَ عِنْدَهُ. وَمَذْهَبُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْد الشَّيْخَيْنِ، فَيُنْزَحُ مِنْهُ عِشْرُونَ لِيَصِيرَ طَهُورًا، وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُحْدِثِ مَا يَشْمَلُ الْجُنُبَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 ثُمَّ هَذَا إنْ لَمْ تَكُنْ الْفَأْرَةُ هَارِبَةً مِنْ هِرٍّ، وَلَا الْهِرُّ هَارِبًا مِنْ كَلْبٍ، وَلَا الشَّاةُ مِنْ سَبُعٍ، فَإِنْ كَانَ نُزِحَ كُلُّهُ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، لَكِنْ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى الْفَتْوَى عَلَى خِلَافِهِ؛ لِأَنَّ فِي بَوْلِهَا شَكًّا (وَإِنْ تَعَذَّرَ) نُزِحَ كُلُّهَا لِكَوْنِهَا مَعِينًا (فَبِقَدْرِ مَا فِيهَا) وَقْتَ ابْتِدَاءِ النَّزْحِ قَالَهُ الْحَلَبِيُّ (يُؤْخَذُ ذَلِكَ بِقَوْلِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ لَهُمَا بَصَارَةٌ بِالْمَاءِ) بِهِ يُفْتَى،   [رد المحتار] وَاسْتَشْكَلَ فِي الْبَدَائِعِ نَزْحَ الْعِشْرِينَ بِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ فَلَمْ يَضُرَّ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الْمُطْلَقِ كَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ، ثُمَّ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ طَهَارَتُهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهَا لِلْخِلَافِ فِيهَا، بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ فَيُنْزَحُ أَدْنَى مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَذَلِكَ عِشْرُونَ احْتِيَاطًا. اهـ. قُلْت: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُلْقِي وَالْمُلَاقِي فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ مَا لَاقَى الْأَعْضَاءَ فَقَطْ وَلَا يَشِيعُ فِي جَمِيعِ مَاءِ الْبِئْرِ، وَإِلَّا لَوَجَبَ نَزْحُ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ نَزْحُهُ فِي الْمَشْكُوكِ فِي طَهُورِيَّتِهِ فَفِي الْمُسْتَعْمَلِ الْمُحَقَّقُ عَدَمُ طَهُورِيَّتِهِ بِالْأَوْلَى، وَتُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْفُرُوعَ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا الْقَائِلُونَ بِاسْتِعْمَالِ كُلِّ الْمَاءِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى رِوَايَةِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَتِمَّةٌ] نَقَلَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ لِلْحَسَنِ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ وَهُوَ حَيٌّ نُزِحَ الْمَاءُ. وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ نَجَاسَةٍ حَقِيقِيَّةٍ أَوْ حُكْمِيَّةٍ، حَتَّى لَوْ اغْتَسَلَ فَوَقَعَ فِيهَا مِنْ سَاعَتِهِ لَا يُنْزَحُ مِنْهَا شَيْءٌ: أَقُولُ: وَلَعَلَّ نَزْحَهَا لِلِاحْتِيَاطِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ فِي بَوْلِهَا شَكًّا) وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوا احْتِمَالَ النَّجَاسَةِ فِي الشَّاةِ وَنَحْوِهَا، ثُمَّ هَذَا الْجَوَابُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ بَوْلَ الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ يُنَجِّسُ الْبِئْرَ، وَفِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي (قَوْلُهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ) كَذَا عَبَّرَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: أَيْ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِحَرَجٍ عَظِيمٍ اهـ فَالْمُرَادُ بِهِ التَّعَسُّرُ، وَبِهِ عَبَّرَ فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهَا مَعِينًا) الْقِيَاسُ مَعِينَةٌ؛ لِأَنَّ الْبِئْرَ مُؤَنَّثٌ سَمَاعِيٌّ إلَّا أَنَّهُمْ ذَكَّرُوهَا حَمْلًا عَلَى اللَّفْظِ، أَوْ؛ لِأَنَّ فَعِيلًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ. أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ ذَاتِ مَعِينٍ وَهُوَ الْمَاءُ يَجْرِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. اهـ حِلْيَةٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا جَارِيَةٌ لِمَا يَأْتِي، بَلْ كَمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّهُمْ كُلَّمَا نَزَحُوا نَبَعَ مِنْهَا مِثْلُ مَا نَزَحُوا أَوْ أَكْثَرُ (قَوْلُهُ وَقْتَ ابْتِدَاءِ النَّزْحِ قَالَهُ الْحَلَبِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْكَافِي، وَقِيلَ وَقْتَ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ وَهُوَ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ، وَعَلَيْهِ جَرَى ابْنُ الْكَمَالِ هُنَا أَيْضًا وَمِثْلُهُ فِي الْإِمْدَادِ وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الْهِدَايَةِ يُنْزَحُ مِقْدَارُ مَا كَانَ فِيهَا. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ زَادَ قَبْلَ النَّزْحِ، فَقِيلَ يُنْزَحُ مِقْدَارُ مَا كَانَ فِيهَا وَقْتَ الْوُقُوعِ، وَقِيلَ وَقْتَ النَّزْحِ: قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَثَمَرَةُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا نَزَحَ الْبَعْضَ ثُمَّ وَجَدَهُ فِي الْغَدِ أَكْثَرَ مِمَّا تَرَكَ، فَقِيلَ يَنْزِحُ الْكُلَّ، وَقِيلَ مِقْدَارَ مَا بَقِيَ عِنْدَ التَّرْكِ هُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: هَذِهِ الثَّمَرَةُ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ وَقْتِ النَّزْحِ لَا وَقْتِ الْوُقُوعِ، فَعُلِمَ أَنَّ الصَّحِيحَ مَا فِي الْكَافِي. اهـ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، بَلْ الثَّمَرَةُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ تَصْحِيحٌ لِلْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ الْوُقُوعِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ الْخِلَافِ أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ نَزْحُ الزَّائِدِ عَلَى مَا كَانَ وَقْتَ الْوُقُوعِ أَوْ لَا، فَالْقَائِلُ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتُ النَّزْحِ أَرَادَ أَنَّهُ يَجِبُ نَزْحُ مَا زَادَ سَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ ابْتِدَاءِ النَّزْحِ أَوْ قَبْلَ انْتِهَائِهِ فَنَبَّهَ فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى صُورَةِ الزِّيَادَةِ قَبْلَ انْتِهَاءِ النَّزْحِ لِخَفَائِهَا، وَصَرَّحَ بِأَنَّ الصَّحِيحَ نَزْحُ مِقْدَارِ مَا بَقِيَ وَقْتَ التَّرْكِ: أَيْ فَلَا يَجِبُ نَزْحُ الزَّائِدِ، فَهَذَا تَصْحِيحٌ لِلْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ الْوُقُوعِ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ نَزْحُ مَا زَادَ بَعْدَهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ تَصْحِيحٌ لِخِلَافِ مَا فِي الْكَافِي. هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ بِقَوْلِ رَجُلَيْنِ إلَخْ) فَإِنْ قَالَا إنَّ مَا فِيهَا أَلْفُ دَلْوٍ مَثَلًا نُزِحَ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) وَهُوَ الْأَصَحُّ كَافِي وَدُرَرٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. ابْنُ كَمَالٍ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ مِعْرَاجٌ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 وَقِيلَ يُفْتَى بِمِائَةٍ إلَى ثَلَثِمِائَةٍ وَهَذَا أَيْسَرُ، وَذَاكَ أَحْوَطُ. (فَإِنْ أُخْرِجَ الْحَيَوَانُ غَيْرَ مُنْتَفِخٍ وَلَا مُتَفَسِّخٍ) وَلَا مُتَمَعِّطٍ (فَإِنْ) كَانَ (كَآدَمِيٍّ) وَكَذَا سَقْطٌ   [رد المحتار] وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ هِدَايَةٌ، أَيْ الْأَشْبَهُ بِالْمَعْنَى الْمُسْتَنْبَطِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِقَوْلِ الْغَيْرِ فِيمَا لَمْ يُشْتَهَرْ مِنْ الشَّرْعِ فِيهِ تَقْدِيرٌ: قَالَ تَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] كَمَا فِي أَجْزَاءِ الصَّيْدِ وَالشَّهَادَةِ عِنَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ إلَخْ) جَزَمَ بِهِ فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى خُلَاصَةٌ وتتارخانية عَنْ النِّصَابِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ مِعْرَاجٌ عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ، وَجَعَلَهُ فِي الْعِنَايَةِ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَالْأَيْسَرُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ، وَأَفَادَ فِي النَّهْرِ أَنَّ الْمِائَتَيْنِ وَاجِبَتَانِ وَالْمِائَةَ الثَّالِثَةَ مَنْدُوبَةٌ، فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَالْفَتْوَى. وَضُعِّفَ هَذَا الْقَوْلَ فِي الْحِلْيَةِ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ نَزْحَ الْجَمِيعِ فَالِاقْتِصَارُ عَلَى عَدَدٍ مَخْصُوصٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى دَلِيلٍ سَمْعِيٍّ يُفِيدُهُ. وَأَيْنَ ذَلِكَ بَلْ الْمَأْثُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ خِلَافُهُ حِينَ أَفْتَيَا بِنَزْحِ الْمَاءِ كُلِّهِ حِينَ مَاتَ زِنْجِيٌّ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ وَأَسَانِيدُ ذَلِكَ الْأَثَرِ مَعَ دَفْعِ مَا أُورِدَ عَلَيْهَا مَبْسُوطَةٌ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَكَأَنَّ الْمَشَايِخَ إنَّمَا اخْتَارُوا مَا عَنْ مُحَمَّدٍ لِانْضِبَاطِهِ كَالْعُشْرِ تَيْسِيرًا كَمَا مَرَّ. اهـ. قُلْت: لَكِنَّ مَرْوِيَّاتِي أَنَّ مَسَائِلَ الْآبَارِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اتِّبَاعِ الْآثَارِ، عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ مُحَمَّدًا أَفْتَى بِمَا شَاهَدَ فِي آبَارِ بَغْدَادَ فَإِنَّهَا كَثِيرَةُ الْمَاءِ وَكَذَا مَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ مِنْ نَزْحِ مَائِهِ فِي مِثْلِ آبَارِ الْكُوفَةِ لِقِلَّةِ مَائِهَا فَيُرْجَعُ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ تَقْدِيرٌ مِمَّنْ لَهُ بَصَارَةٌ وَخِبْرَةٌ بِالْمَاءِ فِي تِلْكَ النَّوَاحِي لَا لِكَوْنِ ذَلِكَ لَازِمًا فِي آبَارِ كُلِّ جِهَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَذَاكَ) أَيْ مَا فِي الْمَتْنِ أَحْوَطُ لِلْخُرُوجِ عَنْ الْخِلَافِ وَلِمُوَافَقَتِهِ لِلْآثَارِ (قَوْلُهُ طَهُرَتْ) أَيْ إذَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ النَّجَاسَةِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَيَجُوزُ بِجَارٍ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ بَعْدَ أَسْطُرٍ. (قَوْلُهُ فَإِنْ أَخْرَجَ الْحَيَوَانَ) أَيْ الْمَيِّتَ (قَوْلُهُ كَآدَمِيٍّ) أَيْ مِمَّا عَادَلَهُ فِي الْجُثَّةِ كَالشَّاةِ وَالْكَلْبِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَكَذَا سَقَطَ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ مَا ذَكَرُوا فِيهِ نَزْحًا مُقَدَّرًا لَا فَرْقَ بَيْنَ كَبِيرَةٍ وَصَغِيرَةٍ، لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: وَأَمَّا وَلَدُ الشَّاةِ إذَا كَانَ صَغِيرًا فَكَالسِّنَّوْرِ كَمَا تُشْعِرُ بِهِ عِبَارَاتُهُمْ كَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ. اهـ وَكَذَا قَالَ وَلَدُهُ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ. الظَّاهِرُ أَنَّ الْآدَمِيَّ إذَا خَرَجَ مِنْ أَمَةٍ صَغِيرًا أَوْ كَانَ سُقْطًا فَهُوَ كَالسِّنَّوْرِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمِقْدَارِ فِي الْجُثَّةِ لَا فِي الِاسْمِ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ السَّقْطَ إنْ اسْتَهَلَّ فَحُكْمُهُ كَالْكَبِيرِ إنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ بَعْدَمَا غُسِّلَ لَا يُفْسِدُهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ أَفْسَدَ وَإِنْ غُسِّلَ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ ذَنَبَ الْفَأْرَةِ لَوْ شُمِّعَ فَفِيهِ مَا فِي الْفَأْرَةِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْقُهُسْتَانِيِّ قَالَ: فَلَوْ وَقَعَ فِيهَا سُقْطٌ يُنْزَحُ كُلُّ الْمَاءِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجَدْيَ كَالشَّاةِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ وَالسَّخْلَةَ كَالدَّجَاجَةِ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ فِي الْجَدْيِ رِوَايَتَيْنِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ السَّخْلَةُ وَهِيَ وَلَدُ الشَّاةِ، وَإِلْحَاقُ السَّقْطِ بِالْكَبِيرِ يُؤَيِّدُ الْأُولَى مِنْهُمَا، وَتَقْيِيدُ الشَّارِحِ الْإِوَزَّ بِالْكَبِيرِ تَبَعًا لِلْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِيهَا: أَمَّا الصَّغِيرُ فَكَالْحَمَامَةِ يُؤَيِّدُ الثَّانِيَةَ. وَفِي السِّرَاجِ أَنَّ الْإِوَزَّةَ عِنْدَ الْإِمَامِ كَالشَّاةِ فِي رِوَايَةٍ وَكَالسِّنَّوْرِ فِي أُخْرَى. اهـ. أَقُولُ: وَهَذَا الْمَقَامُ يَحْتَاجُ إلَى تَحْرِيرٍ وَتَدَبُّرٍ، فَاعْلَمْ أَنَّ الْمَأْثُورَ كَمَا ذَكَرَهُ أَئِمَّتُنَا هُوَ نَزْحُ الْكُلِّ فِي الْآدَمِيِّ وَالْأَرْبَعِينَ فِي الدَّجَاجَةِ وَالْعِشْرِينَ فِي الْفَأْرَةِ فَلِذَا كَانَتْ الْمَرَاتِبُ ثَلَاثَةً كَمَا سَنَذْكُرُهُ. وَعَنْ هَذَا أَوْرَدَ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّ مَسَائِلَ الْآبَارِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اتِّبَاعِ الْآثَارِ، وَالنَّصُّ وَرَدَ فِي الْفَأْرَةِ وَالدَّجَاجَةِ وَالْآدَمِيِّ فَكَيْفَ يُقَاسُ مَا عَدَلَهَا بِهَا، ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ هَذَا الْأَصْلُ صَارَ كَاَلَّذِي ثَبَتَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ فِي حَقِّ التَّفْرِيعِ عَلَيْهِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ ظَاهِرٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 وَسَخْلَةٌ وَجَدْيٌ وَإِوَزٌّ كَبِيرٌ (نُزِحَ كُلُّهُ، وَإِنْ) كَانَ (كَحَمَامَةٍ) وَهِرَّةٍ (نُزِحَ أَرْبَعُونَ مِنْ الدِّلَاءِ) وُجُوبًا إلَى سِتِّينَ نَدْبًا (وَإِنْ) كَانَ (كَعُصْفُورٍ) وَفَأْرَةٍ (فَعِشْرُونَ) إلَى ثَلَاثِينَ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا يَعُمُّ الْمَعِينَ وَغَيْرَهَا، بِخِلَافِ نَحْوِ صِهْرِيجٍ وَحُبٍّ حَيْثُ يُهْرَاقُ الْمَاءُ كُلُّهُ لِتَخْصِيصِ الْآبَارِ بِالْآثَارِ بَحْرٌ وَنَهْرٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْكَنْزِ: وَنَحْوُهُ فِي النُّتَفِ؛ وَنُقِلَ عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّ حُكْمَ الرَّكِيَّةِ كَالْبِئْرِ. وَعَنْ الْفَوَائِدِ أَنَّ الْحُبَّ الْمَطْمُورَ أَكْثَرُهُ فِي الْأَرْضِ كَالْبِئْرِ،   [رد المحتار] فِي أَنَّ فِيهِ لِلرَّأْيِ مَدْخَلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَالَ: فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّهُ إلْحَاقٌ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ لَا بِالْقِيَاسِ كَمَا اخْتَارَهُ فِي الْمِعْرَاجِ. اهـ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا وَرَدَ بِالنَّصِّ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ صَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وُقُوفًا مَعَ النَّصِّ، وَلِهَذَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي السَّقْطِ بِخِلَافِ مَا أُلْحِقَ بِذَلِكَ كَالشَّاةِ وَالْإِوَزَّةِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّ صَغِيرَهُ كَكَبِيرِهِ أَيْضًا تَبَعًا لِلْمُلْحَقِ بِهِ: وَقَدْ يُقَالُ بِالْفَرْقِ اعْتِبَارًا لِلْجُثَّةِ، فَلِذَا وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي مِنْ فَيْضِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ فَاغْتَنِمْهُ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ بِأَنْ يُقَالَ الْعِشْرُونَ لِلْوُجُوبِ وَالزَّائِدُ لِلنَّدْبِ. [تَنْبِيهٌ] ظَاهِرُ اقْتِصَارِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمَرَاتِبَ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهَا الْوَارِدَةُ فِي النَّصِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ فِي الْقُرَادِ الْكَبِيرِ وَالْفَأْرَةِ الصَّغِيرَةِ عَشْرَ دِلَاءٍ، وَأَنَّ فِي الْحَمَامَةِ ثَلَاثِينَ بِخِلَافِ الْهِرَّةِ فَالْمَرَاتِبُ خَمْسٌ، لَكِنَّ الَّذِي فِي الْمُتُونِ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ نَزْحُ الْأَرْبَعِينَ أَوْ الْعِشْرِينَ لِتَطْهِيرِ الْبِئْرِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ نَحْوِ صِهْرِيجٍ وَحُبٍّ إلَخْ) الصِّهْرِيجُ: الْحَوْضُ الْكَبِيرُ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ قَامُوسٌ. وَالْحُبُّ: أَيْ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْخَابِيَةُ الْكَبِيرَةُ صِحَاحٌ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ الرَّدَّ عَلَى مَنْ أَفْتَى بِنَزْحِ عِشْرِينَ فِي فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي صِهْرِيجٍ، كَمَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ عَصْرِهِ مُتَمَسِّكًا بِمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَعِينِ وَغَيْرِهَا: وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ بِمَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنَّ الْفَأْرَةَ لَوْ وَقَعَتْ فِي الْحُبِّ يُهْرَاقُ الْمَاءُ كُلُّهُ. قَالَ: وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِنَزْحِ الْبَعْضِ فِي الْآبَارِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالْآثَارِ فَلَا يَلْحَقُ بِهَا غَيْرُهَا، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الرَّدُّ إنَّمَا يَتِمُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصِّهْرِيجَ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّى الْبِئْرِ فِي شَيْءٍ اهـ أَيْ فَإِذَا ادَّعَى دُخُولَهُ فِي مُسَمَّى الْبِئْرِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلْآثَارِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْبِئْرَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ بَأَرْت: أَيْ حَفَرْت. وَالصِّهْرِيجُ: حُفْرَةٌ فِي الْأَرْضِ لَا تَصِلُ الْيَدُ إلَى مَائِهَا، بِخِلَافِ الْعَيْنِ وَالْحُبِّ وَالْحَوْضِ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فَقَالَ: مَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي الْبَحْرِ لَا يَخْفَى بَعْدَهُ، وَأَيْنَ الْحُبُّ مِنْ الصِّهْرِيجِ لَا سِيَّمَا الَّذِي يَسَعُ أُلُوفًا مِنْ الدِّلَاءِ. اهـ. لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا فِي النُّتَفِ (قَوْلُهُ يُهْرَاقُ الْمَاءُ كُلُّهُ) أَقُولُ: وَهَلْ يَطْهُرُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ بَعْدَهُ ثَلَاثًا: وَالظَّاهِرُ الثَّانِي، ثُمَّ رَأَيْته فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ مَا نَصُّهُ: وَفِي فَتَاوَى الْحُجَّةِ سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ الْحُبِّ الْمُرَكَّبِ فِي الْأَرْضِ تَنَجَّسَ، قَالَ: يُغْسَلُ ثَلَاثًا، وَيُخْرَجُ الْمَاءُ مِنْهُ كُلَّ مَرَّةٍ فَيَطْهُرُ، وَلَا يُقْلَعُ الْحُبُّ. اهـ (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ فِي النُّتَفِ) مَقُولُ الْقَوْلِ: أَيْ نَحْوُ مَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: وَلَمْ أَرَهُ فِي كِتَابِ النُّتَفِ. اهـ. أَقُولُ: رَأَيْت فِي النُّتَفِ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا الْبِئْرُ فَهِيَ الَّتِي لَهَا مَوَادُّ مِنْ أَسْفَلِهَا. اهـ أَيْ لَهَا مِيَاهٌ تُمِدُّهَا وَتَنْبُعُ مِنْ أَسْفَلِهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ يَخْرُجُ الصِّهْرِيجُ وَالْحُبُّ وَالْآبَارُ الَّتِي تُمْلَأُ مِنْ الْمَطَرِ أَوْ مِنْ الْأَنْهَارِ، فَهُوَ مِثْلُ مَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. (قَوْلُهُ وَنَقَلَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ تَأْيِيدٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ ذَلِكَ الْعَصْرِيُّ (قَوْلُهُ أَنَّ حُكْمَ الرَّكِيَّةِ إلَخْ) الرَّكِيَّةُ عَلَى وَزْنِ عَطِيَّةٍ قَالَ ح: هِيَ الْبِئْرُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، لَكِنْ فِي الْعُرْفِ هِيَ بِئْرٌ يَجْتَمِعُ مَاؤُهَا مِنْ الْمَطَرِ. اهـ: أَيْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 وَعَلَيْهِ فَالصِّهْرِيجُ وَالزِّيرُ الْكَبِيرُ يُنْزَحُ مِنْهُ كَالْبِئْرِ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ. اهـ (بِدَلْوٍ وَسَطٍ) وَهُوَ دَلْوُ تِلْكَ الْبِئْرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمَا يَسَعُ صَاعًا وَغَيْرُهُ تُحْتَسَبُ بِهِ وَيَكْفِي مِلْءُ أَكْثَرِ الدَّلْوِ وَنَزْحُ مَا وُجِدَ وَإِنْ قَلَّ وَجَرَيَانُ بَعْضِهِ وَغَوَرَانُ قَدْرِ الْوَاجِبِ (وَمَا بَيْنَ حَمَامَةٍ وَفَأْرَةٍ) فِي الْجُثَّةِ (كَفَأْرَةٍ) فِي الْحُكْمِ (كَمَا أَنَّ مَا بَيْنَ دَجَاجَةٍ وَشَاةٍ كَدَجَاجَةٍ) فَأُلْحِقَ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ بِالْأَصْغَرِ كَمَا أُدْخِلَ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ كَفَأْرَةٍ مَعَ هِرَّةٍ، وَنَحْوُ الْهِرَّتَيْنِ كَشَاةٍ اتِّفَاقًا وَنَحْوُ الْفَأْرَتَيْنِ كَفَأْرَةٍ، وَالثَّلَاثُ إلَى الْخَمْسِ كَهِرَّةٍ، وَالسِّتُّ كَشَاةٍ عَلَى الظَّاهِرِ.   [رد المحتار] فَهِيَ بِمَعْنَى الصِّهْرِيجِ (قَوْلُهُ عَلَيْهِ) أَيْ وَبِنَاءً عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الْقُنْيَةِ وَالْفَوَائِدِ (قَوْلُهُ وَالزِّيرُ الْكَبِيرُ) أَيْ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْحُبِّ الْمَذْكُورِ فِي الْفَوَائِدِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الزِّيرُ بِالْكَسْرِ الدَّنُّ. وَالدَّنُّ بِالْفَتْحِ: الرَّاقُودُ الْعَظِيمُ أَوْ أَطْوَلُ مِنْ الْحُبِّ أَوْ أَصْغَرُ، لَهُ عُسْعُسٌ أَيْ ذَنَبٌ لَا يَقْعُدُ إلَّا أَنْ يُحْفَرَ لَهُ (قَوْلُهُ يُنْزَحُ، مِنْهُ كَالْبِئْرِ) أَيْ فَيُقْتَصَرُ فِي الْحَمَامَةِ عَلَى أَرْبَعِينَ، وَفِي الْفَأْرَةِ عَلَى عِشْرِينَ. أَقُولُ: وَهَذَا مُسَلَّمٌ فِي الصِّهْرِيجِ دُونَ الزِّيرِ لِخُرُوجِهِ عَنْ مُسَمَّى الْبِئْرِ، وَكَوْنِ أَكْثَرِهِ مَطْمُورًا: أَيْ مَدْفُونًا فِي الْأَرْضِ لَا يُدْخِلُهُ فِيهِ لَا عُرْفًا وَلَا لُغَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ وَمَا فِي الْفَوَائِدِ مُعَارَضٌ بِإِطْلَاقِ مَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا، وَفَرْقٌ ظَاهِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّهْرِيجِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ فَافْهَمْ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْظُومَتِهِ [تُحْفَةِ الْأَقْرَانِ] : مَطْمُورَةٌ أَكْثَرُهَا فِي الْأَرْضِ ... كَالْبِئْرِ فِي النَّزْحِ وَهَذَا مَرْضِي قَالَ بِهِ بَعْضُ أُولِي الْأَبْصَارِ ... وَلَيْسَ مَرْضِيًّا لَدَى الْكِبَارِ فَإِنَّ نَزْحَ الْبَعْضِ مَخْصُوصٌ بِمَا ... فِي الْبِئْرِ عِنْدَ جَمْعِ جُلِّ الْعُلَمَا (قَوْلُهُ وَهُوَ دَلْوُ تِلْكَ الْبِئْرِ) هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَقَيَّدَهُ مُحَشِّيهِ الرَّمْلِيُّ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ دَلْوُهَا الْمُعْتَادُ كَبِيرًا جِدًّا فَلَا يَجِبُ الْعَدَدُ الْمَذْكُورُ. قَالَ: وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ نَظَرُ الْفَقِيهِ. اهـ ثُمَّ إنَّ الشَّارِحَ قَدْ تَبِعَ صَاحِبَ الْبَحْرِ فِي تَفْسِيرِهِ الْوَسَطِ بِذَلِكَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ آخَرُ وَبِهِ يُشْعِرُ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: اُخْتُلِفَ فِي الدَّلْوِ، فَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ دَلْوُ كُلِّ بِئْرٍ يَسْتَقِي بِهِ مِنْهَا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَدْرُ صَاعٍ، وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ. اهـ. وَقَوْلُهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا رُبَّمَا يُخَالِفُ مَا بَحَثَهُ الرَّمْلِيُّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ) أَيْ هَذَا إنْ كَانَ لَهَا دَلْوٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْمُعْتَبَرُ دَلْوٌ يَسَعُ صَاعًا، وَهَذَا التَّفْصِيلُ اسْتَظْهَرَهُ فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالسِّرَاجِ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الدَّلْوِ الْمَذْكُورِ بِأَنْ كَانَ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ يُحْتَسَبُ بِهِ، فَلَوْ نُزِحَ الْقَدْرُ الْوَاجِبُ بِدَلْوٍ وَاحِدٍ كَبِيرٍ أَجْزَأَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَيَكْفِي مِلْءُ أَكْثَرِ الدَّلْوِ) فَلَوْ كَانَ مُنْحَرِفًا، فَإِنْ كَانَ يَبْقَى أَكْثَرُ مَا فِيهِ كَفَى وَإِلَّا لَا بَزَّازِيَّةٌ وَقُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَنَزْحُ مَا وُجِدَ) أَيْ وَيَكْفِي أَيْضًا نَزْحُ مَا وُجِدَ فِيهَا وَهُوَ دُونَ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ، حَتَّى لَوْ زَادَ بَعْدَ النَّزْحِ لَا يَجِبُ نَزْحُ شَيْءٍ؛ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَجَرَيَانُ بَعْضِهِ) أَيْ يَكْفِي أَيْضًا بِأَنْ حُفِرَ لَهَا مَنْفَذٌ يَخْرُجُ مِنْهُ بَعْضُ الْمَاءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَغَوَرَانُ قَدْرِ الْوَاجِبِ) وَإِذَا عَادَ لَا يَعُودُ نَجِسًا إنْ جَفَّ أَسْفَلُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَإِلَّا عَادَ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ (قَوْلُهُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ) أَيْ دَلَالَةِ النَّصِّ، وَهِيَ دَلَالَةُ مَنْطُوقِهِ عَلَى مَا سُكِتَ عَنْهُ بِالْأَوْلَى أَوْ بِالْمُسَاوَاةِ كَدَلَالَةِ حُرْمَةِ التَّأْفِيفِ وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى حُرْمَةِ الضَّرْبِ وَالْإِتْلَافِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي حَوَاشِينَا عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ لِلشَّارِحِ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا قَدَّمْنَاهُ عَلَى الْمُسْتَصْفَى. (قَوْلُهُ كَفَأْرَةٍ مَعَ هِرَّةٍ) أَيْ فَإِنْ مَاتَتَا نُزِحَ أَرْبَعُونَ وَإِلَّا فَلَا نَزْحَ، وَإِنْ مَاتَتْ الْفَأْرَةُ فَقَطْ أَوْ جُرِحَتْ أَوْ بَالَتْ فِيهِ نُزِحَ الْكُلُّ سِرَاجٌ، وَبَقِيَ مِنْ الْأَقْسَامِ مَوْتُ الْهِرَّةِ فَقَطْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِيهِ أَرْبَعِينَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَنَحْوُ الْهِرَّتَيْنِ) أَيْ مَا كَانَ مِقْدَارَهُمَا فِي الْجُثَّةِ (قَوْلُهُ وَنَحْوُ الْفَأْرَتَيْنِ) أَيْ لَوْ كَانَتَا كَهَيْئَةِ الدَّجَاجَةِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ فِيهِمَا حِينَئِذٍ أَرْبَعِينَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 (وَيُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا) مُغَلَّظَةً (مِنْ وَقْتِ الْوُقُوعِ إنْ عُلِمَ، وَإِلَّا فَمُذْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إنْ لَمْ يَنْتَفِخْ وَلَمْ يَتَفَسَّخْ) وَهَذَا (فِي حَقِّ الْوُضُوءِ) وَالْغُسْلِ؛ وَمَا عُجِنَ بِهِ فَيُطْعَمُ لِلْكِلَابِ؛ وَقِيلَ يُبَاعُ مِنْ شَافِعِيٍّ، أَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَغَسْلِ ثَوْبٍ فَيُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ فِي الْحَالِ   [رد المحتار] ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: الْخَمْسُ إلَى التِّسْعِ كَهِرَّةٍ، وَالْعَشْرُ كَشَاةٍ، وَجَزَمَ فِي الْمَوَاهِبِ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَنَفَى الثَّانِي فَأَفَادَ ضَعْفَهُ. (قَوْلُهُ مُغَلَّظَةً) بَيَانٌ لِصِفَةِ النَّجَاسَةِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ التَّخْفِيفَ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْمَاءِ (قَوْلُهُ مِنْ وَقْتِ الْوُقُوعِ) أَيْ وُقُوعِ مَا مَاتَ فِيهَا (قَوْلُهُ إنْ عُلِمَ) أَيْ الْوَقْتُ أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ قُهُسْتَانِيٌّ، وَمِنْهُ مَا إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ بِوُقُوعِهَا يَوْمَ كَذَا كَمَا فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ أَوْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ الْحُكْمُ بِنَجَاسَةِ الْبِئْرِ يَوْمًا وَلَيْلَةً ط (قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ يَعْنِي الْمَكْتُوبَةَ وَالْمَنْذُورَةَ وَالْوَاجِبَةَ وَسُنَّةَ الْفَجْرِ. اهـ حِلْيَةٌ وَسَيَأْتِي أَنَّ سُنَّةَ الْفَجْرِ إنَّمَا تُقْضَى إذَا فَاتَتْ مَعَ الْفَرْضِ فِي يَوْمِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمَا عُجِنَ بِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ فَيُطْعَمُ لِلْكِلَابِ) ؛ لِأَنَّ مَا تَنَجَّسَ بِاخْتِلَاطِ النَّجَاسَةِ بِهِ وَالنَّجَاسَةُ مَغْلُوبَةٌ لَا يُبَاحُ أَكْلُهُ وَيُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِيمَا وَرَاءَ الْأَكْلِ كَالدُّهْنِ النَّجِسِ يَسْتَصْبِحُ بِهِ إذَا كَانَ الطَّاهِرُ غَالِبًا فَكَذَا هَذَا حِلْيَةٌ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْعَجِينَ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَغَيْرُهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مِثْلُهُ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُبَاعُ مِنْ شَافِعِيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجَّسُ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ، لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُطْعَمُ بَنِي آدَمَ. اهـ. وَلِهَذَا عَبَّرَ عَنْهُ الشَّارِحُ بِقِيلَ وَجَزَمَ بِالْأَوَّلِ كَصَاحِبِ الْبَدَائِعِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ فِي اعْتِقَادِ الْحَنَفِيِّ نَجِسٌ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى اعْتِقَادِ غَيْرِهِ، وَلِذَا لَوْ اسْتَفْتَاهُ عَنْهُ لَا يُفْتِيهِ إلَّا بِمَا يَعْتَقِدُهُ (قَوْلُهُ أَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالْعَجِينِ (قَوْلُهُ فَيُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ) الْأَوْلَى بِنَجَاسَتِهَا أَيْ الْبِئْرِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْبَحْرِ وَقَوْلُهُ فِي الْحَالِ: أَيْ حَالِ وُجُودِ الْفَأْرَةِ مَثَلًا، لَا مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا مِنْ وَقْتِ غَسْلِ الثِّيَابِ، وَلِهَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: أَيْ مِنْ غَيْرِ إسْنَادٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ وُجُودِ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ، حَتَّى إذَا كَانُوا غَسَلُوا الثِّيَابَ بِمَائِهَا لَمْ يَلْزَمْهُمْ إلَّا غَسْلُهَا فِي الصَّحِيحِ. اهـ وَعَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْمُحِيطِ أَيْضًا. وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ مُحَشِّي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِأَنَّهُ إذَا حُكِمَ بِنَجَاسَةِ الْبِئْرِ فِي الْحَالِ يَلْزَمُ أَنْ لَا تَتَنَجَّسَ الثِّيَابُ الَّتِي غُسِلَتْ بِمَائِهَا قَبْلَهُ، فَلَا يَلْزَمُ غَسْلُهَا فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ لَا يَلْزَمُ إلَّا غَسْلُهَا. اهـ وَكَذَا اعْتَرَضَهُ فِي الْحِلْيَةِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا لَزِمَ غَسْلُ الثِّيَابِ لِكَوْنِهَا، غُسِلَتْ بِمَاءِ هَذَا الْبِئْرِ فَكَيْفَ لَمْ يَحْكُمْ عَلَى الثِّيَابِ بِالنَّجَاسَةِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ غَسْلِهَا الْمُتَيَقَّنِ حُصُولُهُ قَبْلَ وُجُودِ الْفَأْرَةِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى وَقْتِ وُجُودِهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يَتَّجِهُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ مَعَ الْغَسْلِ الْإِعَادَةَ، وَلَا عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُوجِبَانِ غَسْلَ الثَّوْبِ أَصْلًا. اهـ. وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهِمَا. وَأَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ قَاطِبَةً، فَإِنَّهُمْ حَكَمُوا بِالنَّجَاسَةِ وَلَمْ يُفَصِّلُوا بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالثَّوْبِ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَمُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ: أَعَادُوا صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إذَا كَانُوا تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَغَسَلُوا كُلَّ شَيْءٍ أَصَابَهُ مَاؤُهَا. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ: إنْ كَانَتْ مُنْتَفِخَةً أَعَادُوا صَلَاةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا، وَمَا أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْهُ فِي الثَّلَاثَةِ أَفْسَدَهُ، وَإِنْ عُجِنَ مِنْهُ لَمْ يُؤْكَلْ خُبْزُهُ. اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا. ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ مُحَشِّي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ نَقَلَ مَا نَقَلْنَاهُ قَالَ إنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي إعْلَامِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الصَّوَابَ عَدَمُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْحَالِ وَبِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ، نَعَمْ أَشَارَ فِي الدُّرَرِ إلَى أَنَّ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مُلَفَّقٌ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ وَقَوْلِهِمَا حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ: يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّ الصَّبَّاغِيَّ كَانَ يُفْتِي بِهَذَا انْتَهَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 وَهَذَا لَوْ تَطَهَّرَ عَنْ حَدَثٍ أَوْ غَسَلَ عَنْ خَبَثٍ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْ شَيْءٌ إجْمَاعًا جَوْهَرَةٌ. (وَمُذْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) بِلَيَالِيِهَا (إنْ انْتَفَخَ أَوْ تَفَسَّخَ) اسْتِحْسَانًا. وَقَالَا: مِنْ وَقْتِ الْعِلْمِ فَلَا يَلْزَمُهُمْ شَيْءٌ قَبْلَهُ، قِيلَ وَبِهِ يُفْتَى. [فَرْعٌ] وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَنِيًّا أَوْ بَوْلًا أَوْ دَمًا أَعَادَ مِنْ آخِرِ احْتِلَامٍ   [رد المحتار] أَيْ بِهَذَا التَّفْصِيلِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: كَانَ الصَّبَّاغِيُّ يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي ح فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ وَبِقَوْلِهِمَا فِيمَا سِوَاهُ، كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. اهـ. وَأَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ مُقْتَضَى مَا أَفْتَى بِهِ الصَّبَّاغِيُّ أَنْ تَجِبَ إعَادَةُ الصَّلَاةِ وَلَا يَجِبُ غَسْلُ الثِّيَابِ، وَهَذَا عَكْسُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ فَأَيْنَ التَّأْيِيدُ؟ نَعَمْ يَظْهَرُ هَذَا التَّأْيِيدُ عَلَى مَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ حَرْفَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ زَائِدٌ. أَقُولُ: وَكَذَا وَجَدْته سَاقِطًا فِي نُسْخَةٍ قَدِيمَةٍ مُصَحَّحَةٍ، وَكَذَا وَجَدْته فِي نُسْخَتِي مَضْرُوبًا عَلَيْهِ، وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ التَّفْصِيلِ تَابَعَ فِيهِ الزَّيْلَعِيَّ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِشْكَالَاتِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ، وَلِهَذَا لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الَّذِي هُوَ مِنْ مِنَحِ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ (قَوْلُهُ وَهَذَا لَوْ تَطَهَّرَ إلَخْ) الْإِشَارَةُ فِي عِبَارَةِ الْجَوْهَرَةِ إلَى عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا؛ ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ عَزَاهُ إلَى شَيْخِهِ مُوَفَّقِ الدِّينِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمَاءَ صَارَ مَشْكُوكًا فِي طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ، فَإِنْ كَانُوا مُحْدِثِينَ بِيَقِينٍ لَمْ يَزُلْ حَدَثُهُمْ بِمَاءٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ، وَإِنْ كَانُوا مُتَوَضِّئِينَ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ بِمَاءٍ مَشْكُوكٍ فِي نَجَاسَتِهِ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يَرْتَفِعُ بِالشَّكِّ. اهـ. أَقُولُ: هَذَا أَيْضًا مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ عِبَارَاتِ الْمُعْتَبَرَاتِ مِنْ لُزُومِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ وَغَسْلِ كُلِّ شَيْءٍ أَصَابَهُ مَاؤُهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ الْإِعَادَةَ عَنْ حَدَثٍ وَغَيْرِهِ وَالْغَسْلَ لِثَوْبٍ أَوْ بَدَنٍ مِنْ حَدَثٍ أَوْ نَجَاسَةٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَأَيْضًا يُنَاقِضُهُ مَسْأَلَةُ الْعَجِينِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا حَلَالًا لِكَوْنِهِ كَانَ طَاهِرًا فَلَا تَزُولُ طَهَارَتُهُ بِمَاءٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ. وَأَيْضًا فَقَدْ رَجَّحُوا قَوْلَ الْإِمَامِ بِحُكْمِهِ بِالنَّجَاسَةِ مِنْ يَوْمٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ الِاحْتِيَاطُ فِي أَمْرِ الْعِبَادَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ خِلَافُ الِاحْتِيَاطِ، فَكَانَ الْعَمَلُ عَلَى مَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ أَوْلَى. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي تَعْرِيفِ الِاسْتِحْسَانِ (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) الِاسْتِحْسَانُ كَمَا قَالَ الْكَرْخِيُّ: قَطْعُ الْمَسْأَلَةِ عَنْ نَظَائِرِهَا لِمَا هُوَ أَقْوَى، وَذَلِكَ الْأَقْوَى هُوَ دَلِيلٌ يُقَابِلُ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ الَّذِي تَسْبِقُ إلَيْهِ أَفْهَامُ الْمُجْتَهِدِينَ نَصًّا كَانَ أَوْ إجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا خَفِيًّا، وَتَمَامُهُ فِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ (قَوْلُهُ وَقَالَ إلَخْ) قَوْلُهُمَا هُوَ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ، وَبَيَانُ وَجْهِ كُلٍّ فِي الْمُطَوَّلَاتِ (قَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُهُمْ) أَيْ أَصْحَابَ الْبِئْرِ شَيْءٌ مِنْ إعَادَةِ الصَّلَاةِ أَوْ غَسْلِ مَا أَصَابَهُ مَاؤُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْفَيْضِ وَشَارِحُ الْمُنْيَةِ، فَقَوْلُ الدُّرَرِ بَلْ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ مَاؤُهَا، قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: لَعَلَّ الصَّوَابَ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالنَّجَاسَةِ (قَوْلُهُ قِيلَ وَبِهِ يُفْتَى) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ: قَالَ فِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ: قَوْلُهُمَا هُوَ الْمُخْتَارُ. قُلْت: لَمْ يُوَافِقْ عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ اعْتَمَدَ قَوْلَ الْإِمَامِ الْبُرْهَانِيِّ وَالنَّسَفِيِّ وَالْمُوصِلِيِّ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ، وَرَجَّحَ دَلِيلَهُ فِي جَمِيعِ الْمُصَنَّفَاتِ، وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ قَوْلَهُمَا قِيَاسٌ، وَقَوْلَهُ اسْتِحْسَانٌ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ فِي الْعِبَادَاتِ. اهـ [فَرْعٌ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَنِيًّا أَوْ بَوْلًا أَوْ دَمًا] (قَوْلُهُ أَعَادَ مِنْ آخِرِ احْتِلَامٍ إلَخْ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ آخِرِ نَوْمٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالِاحْتِلَامِ؛ لِأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 وَبَوْلٍ وَرُعَافٍ. وَلَوْ وَجَدَ فِي جُبَّتِهِ فَأْرَةً مَيِّتَةً، فَإِنْ لَا ثَقْبَ فِيهَا أَعَادَ مُذْ وَضَعَ الْقُطْنَ وَإِلَّا فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَوْ مُنْتَفِخَةً أَوْ نَاشِفَةً، وَإِلَّا فَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ:. (وَلَا نَزْحَ) فِي بَوْلِ فَأْرَةٍ فِي الْأَصَحِّ فَيْضٌ، وَلَا (بِخُرْءِ حَمَامٍ وَعُصْفُورٍ) وَكَذَا سِبَاعُ طَيْرٍ فِي الْأَصَحِّ لِتَعَذُّرِ صَوْنِهَا عَنْهُ (وَ) لَا (بِتَقَاطُرِ بَوْلٍ كَرُءُوسِ إبَرٍ وَغُبَارٍ نَجِسٍ)   [رد المحتار] النَّوْمَ سَبَبُهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَرُعَافٍ) هَذَا ظَاهِرٌ إذَا وَقَعَ لَهُ رُعَافٌ وَلَمْ يُبَيِّنُوا حُكْمَ مَا إذَا لَمْ يَقَعْ لَهُ وَلِأَجْلِ هَذَا - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - رَوَى ابْنُ رُسْتُمَ أَنَّ الدَّمَ لَا يُعِيدُ فِيهِ؛ لِأَنَّ دَمَ غَيْرِهِ قَدْ يُصِيبُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِصَابَةَ لَمْ تَتَقَدَّمْ زَمَانَ وُجُودِهِ، بِخِلَافِ الْمَنِيِّ؛ لِأَنَّ مَنِيَّ غَيْرِهِ لَا يُصِيبُ ثَوْبَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنِيُّهُ، فَيُعَيِّنُ وُجُودَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِ سَبَبِ خُرُوجِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ الثَّوْبُ مِمَّا يَلْبَسُهُ هُوَ وَغَيْرُهُ يَسْتَوِي فِيهِ حُكْمُ الْمَنِيِّ وَالدَّمِ. وَاخْتَارَ فِي الْمُحِيطِ مَا رَوَاهُ ابْنُ رُسْتُمَ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِصَابَةَ إلَخْ لَا يَظْهَرُ فِي الْجَافِّ ط. وَفِي السِّرَاجِ: لَوْ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْإِصَابَةِ لَمْ يُعَدَّ شَيْئًا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. قُلْت: وَهَذَا يَشْمَلُ الدَّمَ، فَيَقْتَضِي أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَوْ مُنْتَفِخَةً أَوْ نَاشِفَةً إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِمْ فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ: وَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ تَقْيِيدُهُ بِكَوْنِهَا مُنْتَفِخَةً أَوْ نَاشِفَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعَادَ يَوْمًا وَلَيْلَةً. اهـ. (قَوْلُهُ فِي بَوْلِ فَأْرَةٍ فِي الْأَصَحِّ) وَسَيَذْكُرُ فِي الْأَنْجَاسِ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَأَنَّ خُرْأَهَا لَا يُفْسِدُ مَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ؛ وَأَنَّ بَوْلَ السِّنَّوْرِ عَفْوٌ فِي غَيْرِ أَوَانِي الْمَاءِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. أَقُولُ: وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ بَوْلَ الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَخُرْأَهُمَا نَجِسٌ فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَاتِ يُفْسِدُ الْمَاءَ وَالثَّوْبَ. اهـ وَلَعَلَّهُمْ رَجَّحُوا الْقَوْلَ بِالْعَفْوِ لِلضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ بِخُرْءٍ) بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ حَمَامٍ وَعُصْفُورٍ) أَيْ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطُّيُورِ سِوَى الدَّجَاجِ وَالْإِوَزِّ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَكَذَا سِبَاعُ طَيْرٍ أَيْ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطُّيُورِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي جَامِعِهِ النَّجَاسَةَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِتَعَذُّرِ صَوْنِهَا) أَيْ الْبِئْرِ عَنْهُ: أَيْ عَنْ الْخُرْءِ الْمَذْكُورِ. وَمُفَادُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ نَجَسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ، وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، لَكِنَّ الَّذِي اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ عِنْدَنَا لِلْإِجْمَاعِ الْعَمَلِيِّ عَلَى اقْتِنَاءِ الْحَمَامَاتِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مَعَ الْعِلْمِ بِمَا يَكُونُ مِنْهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرُوا لِهَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةً مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى سُقُوطِ حُكْمِ النَّجَاسَةِ. اهـ. قُلْت: يُمْكِنُ أَنْ تَظْهَرَ فِي التَّعَالِيقِ، وَكَذَا إذَا رَمَاهُ فِي الْمَاءِ قَصْدًا فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي ذَلِكَ لِكَوْنِهِ بِفِعْلِهِ. وَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّهَا يُمْكِنُ أَنْ تَظْهَرَ فِيمَا لَوْ وَجَدَهَا عَلَى ثَوْبٍ وَعِنْدَهُ مَا هُوَ خَالٍ عَنْهَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ عَلَى الْعَفْوِ لِانْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ وَتَجُوزُ عَلَى الطَّهَارَةِ. اهـ. قَالَ ط: فِيهِ نَظَرٌ، إذْ مُقْتَضَاهُ عَدَمُ جَوَازِ التَّطَهُّرِ فِيهِ بِهَذَا الْمَاءِ حَيْثُ وُجِدَ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَلَا بِتَقَاطُرِ بَوْلٍ إلَخْ) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الدُّرَرِ، وَأَشَارَ فِي الْفَيْضِ إلَى ضَعْفِهِ، وَذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي الْأَنْجَاسِ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ نَجَّسَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْحَدَّادِيُّ عَنْ الْكِفَايَةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ طَهَارَةَ الْمَاءِ آكَدُ، وَبِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي الْمَاءِ: أَيْ بِخِلَافِ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ، وَبِهِ جَزَمَ الشَّارِحُ فِي الْأَنْجَاسِ أَيْضًا، فَعُلِمَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي (قَوْلُهُ كَرُءُوسِ إبَرٍ) وَمِثْلُ الرُّءُوسِ الْجِهَةُ الْأُخْرَى ط وَسَيَأْتِي إشْبَاعُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ (قَوْلُهُ وَغُبَارٍ نَجِسٍ) بِالْإِضَافَةِ وَعَدَمِهَا، وَفِي الْجِيمِ الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ ط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 لِلْعَفْوِ عَنْهُمَا. (وَبَعْرَتَيْ إبِلٍ وَغَنَمٍ، كَمَا) يُعْفَى (لَوْ وَقَعَتَا فِي مِحْلَبٍ) وَقْتَ الْحَلْبِ (فَرُمِيَتَا) فَوْرًا قَبْلَ تَفَتُّتٍ وَتَلَوُّنٍ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْبَعْرَتَيْنِ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ مَا فَوْقَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، ذَكَرَهُ فِي الْفَيْضِ وَغَيْرِهِ، وَلِذَا قَالَ (قِيلَ الْقَلِيلُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ مَا يَسْتَقِلُّهُ النَّاظِرُ وَالْكَثِيرُ بِعَكْسِهِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ) كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُقَدِّرُ شَيْئًا بِالرَّأْيِ. [فَرْعٌ] الْبُعْدُ بَيْنَ الْبِئْرِ وَالْبَالُوعَةِ بِقَدْرِ مَا لَا يَظْهَرُ لِلنَّجَسِ أَثَرٌ (وَيُعْتَبَرُ سُؤْرٌ بِمُسْئِرٍ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَسْأَرَ: أَيْ أَبْقَى لِاخْتِلَاطِهِ بِلُعَابِهِ (فَسُؤْرُ آدَمِيٍّ مُطْلَقًا) وَلَوْ جُنُبًا أَوْ كَافِرًا أَوْ امْرَأَةً، نَعَمْ يُكْرَهُ سُؤْرُهَا لِلرَّجُلِ كَعَكْسِهِ لِلِاسْتِلْذَاذِ وَاسْتِعْمَالِ رِيقِ الْغَيْرِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ مُجْتَبًى.   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَبَعْرَتَيْ إبِلٍ وَغَنَمٍ) أَيْ لَا نَزْحَ بِهِمَا، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. قَالَ فِي الْفَيْضِ: فَلَا يُنَجِّسُ إلَّا إذَا كَانَ كَثِيرًا، سَوَاءٌ كَانَ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا، صَحِيحًا أَوْ مُنْكَسِرًا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِلْبِئْرِ حَاجِزٌ كَالْمُدُنِ أَوْ لَا كَالْفَلَوَاتِ هُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ رَوْثَ الْحِمَارِ وَالْخُنْثَى. وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقِيلَ يُنَجِّسُ وَلَوْ قَلِيلًا أَوْ يَابِسًا، وَقِيلَ لَوْ يَابِسًا فَلَا، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ فِيهِ ضَرُورَةٌ وَبَلْوَى لَا يُنَجِّسُ وَإِلَّا نَجَّسَ. اهـ مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّوْثِ وَالْخُنْثَى وَالْبَعْرِ وَالْخُرْءِ وَالنَّجْوِ وَالْعَذِرَةِ [فَائِدَةٌ] قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي: الرَّوْثُ لِلْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، وَالْخُنْثَى بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ لِلْبَقَرِ وَالْفِيلِ، وَالْبَعْرُ لِلْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، وَالْخُرْءُ لِلطُّيُورِ، وَالنَّجْوُ لِلْكَلْبِ، وَالْعَذِرَةُ لِلْإِنْسَانِ (قَوْلُهُ فِي مِحْلَبٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ: مَا يُحْلَبُ فِيهِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَقْتَ الْحَلْبِ) فَلَوْ وَقَعَتْ فِي غَيْرِ زَمَانِ الْحَلْبِ فَهُوَ كَوُقُوعِهَا فِي سَائِرِ الْأَوَانِي فَتُنَجِّسُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ إنَّمَا هِيَ زَمَانُ الْحَلْبِ؛ لِأَنَّ مِنْ عَادَتِهَا أَنْ تَبْعَرَ ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَالِاحْتِرَازُ عَنْهُ عَسِيرٌ، وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُهُ. اهـ شَارِحُ مُنْيَةٍ (قَوْلُهُ قَبْلَ تَفَتُّتٍ وَتَلَوُّنٍ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ تَبَعًا لِلْخَانِيَّةِ: فَلَوْ تَفَتَّتَتْ أَوْ أَخَذَ اللَّبَنُ لَوْنَهَا يُنَجَّسُ. اهـ فَتَّالٌ (قَوْلُهُ وَالتَّعْبِيرُ بِالْبَعْرَتَيْنِ) أَيْ فِي مَسْأَلَتَيْ الْبِئْرِ وَالْمِحْلَبِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْفَيْضِ (قَوْلُهُ اتِّفَاقِيٌّ) اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَهُمْ فَهِمَ مِنْ تَقْيِيدِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِالْبَعْرَةِ أَوْ الْبَعْرَتَيْنِ أَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ الثَّلَاثِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ فِي الرِّوَايَةِ مُعْتَبَرٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَذَا الْفَهْمُ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ اقْتَصَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَفْسُدُ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا فَاحِشًا وَالثَّلَاثُ لَيْسَ بِكَثِيرٍ فَاحِشٍ، كَذَا نَقْلُ عِبَارَةِ الْجَامِعِ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ. اهـ. فَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَبَعْرَتَيْ إبِلٍ وَغَنَمٍ الْمُرَادُ مِنْهُ الْقَلِيلُ لَا خُصُوصُ الثِّنْتَيْنِ، وَحُمِلَ قَوْلُهُ وَقِيلَ إلَخْ عَلَى بَيَانِ حَدِّ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لِيُفِيدَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ قَوْلًا آخَرَ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ لِيُفِيدَ وُقُوعَ الْخِلَافِ فِي حَدِّهِ، فَإِنَّ فِيهِ أَقْوَالًا صُحِّحَ مِنْهَا قَوْلَانِ أَرْجَحُهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي أَنَّ مَا لَا يَخْلُو دَلْوٌ عَنْ بَعْرَةٍ فَهُوَ كَثِيرٌ صَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ فِي الْفَيْضِ) لَمْ يُصَرِّحْ فِي الْفَيْضِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا إذَا كَانَ كَثِيرًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ) وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالْكَافِي وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ بَحْرٌ، وَفِي الْفَيْضِ: وَبِهِ يُفْتَى (قَوْلُهُ لَا يُقَدِّرُ إلَخْ) أَيْ أَنَّ عَادَةَ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ مَا كَانَ مُحْتَاجًا إلَى تَقْدِيرٍ بِعَدَدٍ أَوْ مِقْدَارٍ مَخْصُوصٍ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ لَا يُقَدِّرُهُ بِالرَّأْيِ، وَإِنَّمَا يُفَوِّضُهُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى، فَلِذَا كَانَ هَذَا الْقَوْلُ أَرْجَحَ [فَرْعٌ الْبُعْدُ الْمَانِعُ مِنْ وُصُولِ نَجَاسَةِ الْبَالُوعَةِ إلَى الْبِئْرِ] (قَوْلُهُ الْبُعْدُ إلَخْ) اُخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ الْبُعْدِ الْمَانِعِ مِنْ وُصُولِ نَجَاسَةِ الْبَالُوعَةِ إلَى الْبِئْرِ، فَفِي رِوَايَةٍ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ، وَفِي رِوَايَةٍ سَبْعَةٌ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: الْمُعْتَبَرُ الطَّعْمُ أَوْ اللَّوْنُ أَوْ الرِّيحُ، فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ جَازَ وَإِلَّا لَا وَلَوْ كَانَ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ: وَالتَّعْوِيلُ عَلَيْهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ بَحْرٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ رَخَاوَةِ الْأَرْضِ وَصَلَابَتِهَا، وَمَنْ قَدَّرَهُ اعْتَبَرَ حَالَ أَرْضِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 (وَمَأْكُولُ لَحْمٍ) وَمِنْهُ الْفَرَسُ فِي الْأَصَحِّ وَمِثْلُهُ مَا لَا دَمَ لَهُ (طَاهِرُ الْفَمِ)   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي السُّؤْرِ (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ سُؤْرٌ بِمُسْئِرٍ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ فَسَادِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ بِاعْتِبَارِ وُقُوعِ نَفْسِ الْحَيَوَانَاتِ فِيهِ ذَكَرَهَا بِاعْتِبَارِ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا. وَالسُّؤْرُ بِالضَّمِّ مَهْمُوزُ الْعَيْنِ: بَقِيَّةُ الْمَاءِ الَّتِي يُبْقِيهَا الشَّارِبُ فِي الْإِنَاءِ أَوْ فِي الْحَوْضِ ثُمَّ اُسْتُعِيرَ لِبَقِيَّةِ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ، وَالْجَمْعُ الْأَسْآرُ وَالْفِعْلُ أَسْأَرَ: أَيْ أَبْقَى مِمَّا شَرِبَ بَحْرٌ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُ الْقَامُوسِ أَنَّ السُّؤْرَ حَقِيقَةٌ فِي مُطْلَقِ الْبَقِيَّةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ السُّؤْرَ يُعْتَبَرُ بِلَحْمِ مُسْئِرِهِ طَاهِرًا فَسُؤْرُهُ طَاهِرًا، أَوْ نَجِسًا فَنَجِسٌ، أَوْ مَكْرُوهًا فَمَكْرُوهٌ، أَوْ مَشْكُوكًا فَمَشْكُوكٌ ابْنُ مَلَكٍ (قَوْلُهُ اسْمُ الْفَاعِلِ مِنْ أَسْأَرَ) أَيْ مُسْئِرٌ اسْمُ فَاعِلٍ قِيَاسِيٌّ، مَأْخُوذٌ مِنْ مَصْدَرِ أَسْأَرَ أَوْ سَأَرَ كَمَنَعَ، وَاسْمُ فَاعِلِهِمَا السَّمَاعِيُّ سَآَّرٌ كَسَحَّارٍ، وَالْقِيَاسِيُّ جَائِزٌ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ لِاخْتِلَاطِهِ بِلُعَابِهِ) عِلَّةٌ لِيُعْتَبَر: أَيْ وَلُعَابُهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمِهِ، فَاعْتُبِرَ بِهِ طَهَارَةً وَنَجَاسَةً وَكَرَاهَةً وَشَكًّا مِنَحٌ. اهـ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ جُنُبًا إلَخْ) بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ. فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَنَجَّسَ سُؤْرُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمُسْتَعْمَلِ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِهَذَا الشُّرْبِ عَلَى الرَّاجِحِ. قُلْنَا الْمُسْتَعْمَلُ هُوَ الْمَشْرُوبُ لَا مَا بَقِيَ، وَلَوْ سَلِمَ فَلَا يُسْتَعْمَلُ لِلْحَرَجِ كَإِدْخَالِ الْيَدِ فِي الْحُبِّ لِكُوزٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَوْ كَافِرًا) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْزَلَ بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] النَّجَاسَةُ فِي اعْتِقَادِهِمْ بَحْرٌ، وَلَا يُشْكِلُ نَزْحُ الْبِئْرِ بِهِ لَوْ أُخْرِجَ حَيًّا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِمَا عَلَيْهِ فِي الْغَالِبِ مِنْ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوْ الْحُكْمِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ أَوْ امْرَأَةً) أَيْ وَلَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ كُنْت أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ فَأُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِي» بَحْرٌ (قَوْلُهُ نَعَمْ يُكْرَهُ سُؤْرُهَا إلَخْ) أَيْ فِي الشُّرْبِ لَا فِي الطَّهَارَةِ بَحْرٌ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِ الزَّوْجَةِ وَالْمَحَارِمِ. اهـ. وَأَوْرَدَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِ الْبَحْرِ لَا فِي الطَّهَارَةِ مَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّوَضُّؤُ بِفَضْلِ مَاءِ الْمَرْأَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ السُّؤْرُ. أَقُولُ: الْمُرَادُ بِهِ الْمَاءُ الَّذِي تَوَضَّأَتْ بِهِ فِي خَلْوَتِهَا كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِيمَا مَرَّ، فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لِلِاسْتِلْذَاذِ) قَالَ شَيْخُنَا: وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ كَرَاهَةُ الْحَلَّاقِ الْأَمْرَدِ إذَا وَجَدَ الْمَحْلُوقُ رَأْسُهُ مِنْ اللَّذَّةِ مَا يَزِيدُ عَلَى مَا لَوْ كَانَ مُلْتَحِيًا. اهـ. فَكَرَاهَةُ التَّكْبِيسِ وَغَمْزِ الرِّجْلَيْنِ وَالْيَدَيْنِ مِنْ الْأَمْرَدِ فِي الْحَمَّامِ بِالْأَوْلَى ط (قَوْلُهُ وَاسْتِعْمَالُ رِيقِ الْغَيْرِ) اعْتَرَضَهُ أَبُو السُّعُودِ بِأَنَّهُ يَشْمَلُ سُؤْرَ الرَّجُلِ لِرَجُلٍ وَالْمَرْأَةِ لِلْمَرْأَةِ فَالظَّاهِرُ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ كَمَا فَعَلَ فِي النَّهْرِ. اهـ أَيْ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَشْرَبُ وَيُعْطِي الْإِنَاءَ لِمَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَيَقُولُ " الْأَيْمَنُ فَالْأَيْمَنُ " نَعَمْ عَبَّرَ فِي الْمِنَحِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْعِلَّةَ الِاسْتِلْذَاذُ فَقَطْ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ حَيْثُ لَا اسْتِلْذَاذَ لَا كَرَاهَةَ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ يَعَافُهُ (قَوْلُهُ مُجْتَبًى) أَيْ قُبَيْلَ كِتَابِ الْوَصَايَا، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ قَبْلَ التَّعْلِيلِ لِأَنِّي لَمْ أَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى. (قَوْلُهُ وَمَأْكُولُ لَحْمٍ) أَيْ سِوَى الْجَلَّالَةِ مِنْهُ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَمِنْهُ الْفَرَسُ فِي الْأَصَحِّ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَكَرَاهَةُ لَحْمِهِ عِنْدَهُ لِاحْتِرَامِهِ؛ لِأَنَّهُ آلَةُ الْجِهَادِ لَا لِنَجَاسَتِهِ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِي كَرَاهَةِ سُؤْرِهِ بَحْرٌ. وَالْفَرَسُ اسْمُ جِنْسٍ كَالْحِمَارِ فَيَعُمُّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ط (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ مَا لَا دَمَ لَهُ) أَيْ سَائِلٌ سَوَاءٌ كَانَ يَعِيشُ فِي الْمَاءِ أَوْ فِي غَيْرِهِ ط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 قَيْدٌ لِلْكُلِّ (طَاهِرٌ) طَهُورٌ بِلَا كَرَاهَةٍ. (وَ) سُؤْرُ (خِنْزِيرٍ وَكَلْبٍ وَسِبَاعِ بَهَائِمَ) وَمِنْهُ الْهِرَّةُ الْبَرِّيَّةُ (وَشَارِبِ خَمْرٍ فَوْرَ شُرْبِهَا) وَلَوْ شَارِبُهُ طَوِيلًا لَا يَسْتَوْعِبُهُ اللِّسَانُ فَنَجِسٌ وَلَوْ بَعْدَ زَمَانٍ (وَهِرَّةٍ فَوْرَ أَكْلِ فَأْرَةٍ نَجَسٌ) مُغَلَّظٌ. (وَ) سُؤْرُ هِرَّةٍ (وَدَجَاجَةٍ مُخَلَّاةٍ) وَإِبِلٍ وَبَقَرٍ جَلَّالَةٍ،   [رد المحتار] عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ قَيْدٌ لِلْكُلِّ) أَيْ لِلْآدَمِيِّ وَمَأْكُولِ اللَّحْمِ وَمَا لَا دَمَ لَهُ ط (قَوْلُهُ طَاهِرٌ) أَيْ فِي ذَاتِهِ طَهُورٌ: أَيْ مُطَهِّرٌ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَالْأَخْبَاثِ ط. (قَوْلُهُ وَسُؤْرُ خِنْزِيرٍ) قَدَّرَ لَفْظَ سُؤْرٍ إشَارَةً إلَى أَنَّ لَفْظَ خِنْزِيرٍ مَجْرُورٌ بِمُضَافٍ حُذِفَ وَأُبْقِيَ عَمَلُهُ وَهُوَ قَلِيلٌ، وَالْأَوْلَى رَفْعُهُ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُضَافِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَا يَجُوزُ عَطْفُهُ عَلَى الْمَجْرُورِ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْعَطْفُ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَسِبَاعِ بَهَائِمَ) هِيَ مَا كَانَ يَصْطَادُ بِنَابِهِ كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالثَّعْلَبِ وَالْفِيلِ وَالضَّبُعِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ فَوْرَ شُرْبِهَا) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا مَكَثَ سَاعَةً ابْتَلَعَ رِيقَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بَعْدَ لَحْسِ شَفَتَيْهِ بِلِسَانِهِ وَرِيقِهِ ثُمَّ شَرِبَ فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّسُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بُزَاقِهِ أَثَرُ الْخَمْرِ مِنْ طَعْمٍ أَوْ رِيحٍ. اهـ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ لَا يَسْتَوْعِبُهُ اللِّسَانُ) أَيْ لَا يَتَمَكَّنُ أَنْ يَعُمَّهُ بِرِيقِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْدَ زَمَانٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَ شُرْبُهُ الْمَاءَ بَعْدَ زَمَانٍ طَوِيلٍ. وَفِي أَنْجَاسِ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْحَاوِي: وَقِيلَ إذَا كَانَ الْإِنَاءُ مَمْلُوءًا يُنَجِّسُ الْمَاءَ وَالْإِنَاءَ بِمُلَاقَاةِ فَمِهِ وَإِلَّا فَلَا. اهـ أَيْ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوءًا يَكُونُ الْمَاءُ وَارِدًا عَلَى الشَّارِبِ فَإِذَا ابْتَلَعَهُ يَكُونُ كَالْجَارِي (قَوْلُهُ فَوْرَ أَكْلِ فَأْرَةٍ) فَإِنْ مَكَثَتْ سَاعَةً وَلَحِسَتْ فَمَهَا فَمَكْرُوهٌ مُنْيَةٌ، وَلَا يُنَجِّسُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُنَجِّسُ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَزُولُ عِنْدَهُ إلَّا بِالْمَاءِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُنَجِّسَ عَلَى قَوْلِهِ إذَا غَابَتْ غَيْبَةً يَجُوزُ مَعَهَا شُرْبُهَا مِنْ مَاءٍ كَثِيرٍ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ مُغَلَّظٌ) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الثَّانِي أَنَّ سُؤْرَ مَا لَا يُؤْكَلُ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ مُخَلَّاةٍ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ: أَيْ مُرْسَلَةٍ تُخَالِطُ النَّجَاسَاتِ وَيَصِلُ مِنْقَارُهَا إلَى مَا تَحْتَ قَدَمَيْهَا، أَمَّا الَّتِي تُحْبَسُ فِي بَيْتٍ وَتُعْلَفُ فَلَا يُكْرَهُ سُؤْرُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ عَذِرَاتِ غَيْرِهَا حَتَّى تَجُولَ فِيهَا وَهِيَ فِي عَذِرَاتِ نَفْسِهَا لَا تَجُولُ بَلْ تُلَاحِظُ الْحَبَّ بَيْنَهُ فَتَلْتَقِطُهُ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَإِبِلٍ وَبَقَرٍ جَلَّالَةٍ) أَيْ تَأْكُلُ النَّجَاسَةَ إذَا جَهِلَ حَالَهَا، فَإِنْ عَلِمَ حَالَ فَمِهَا طَهَارَةً وَنَجَاسَةً فَسُؤْرُهَا مِثْلُهُ. اهـ مَقْدِسِيٌّ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْجَلَّالَةِ غَيْرَ الَّتِي أَنْتَنَ لَحْمُهَا مِنْ أَكْلِ النَّجَاسَةِ، إذْ لَوْ أَنْتَنَ فَالظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ بِلَا تَفْصِيلٍ؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا؛ لِأَنَّهَا لَا يُضَحِّي بِهَا كَمَا يَأْتِي فِي الْأُضْحِيَّةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: وَفِي الْمُنْتَقَى الْجَلَّالَةُ الْمَكْرُوهَةُ الَّتِي إذَا قَرَبَتْ وَجَدْت مِنْهَا رَائِحَةً، فَلَا تُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ لَبَنُهَا وَلَا يُعْمَلُ عَلَيْهَا، وَيُكْرَهُ بَيْعُهَا وَهِبَتُهَا وَتِلْكَ حَالُهَا، وَذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ أَنَّ عَرَقَهَا نَجِسٌ. اهـ وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَحْمُ الْأَتَانِ وَالْجَلَّالَةِ. قَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ: وَتُحْبَسُ الْجَلَّالَةُ حَتَّى يَذْهَبَ نَتْنُ لَحْمِهَا. وَقَدَّرَ بِثَلَاثِ أَيَّامٍ لِدَجَاجَةٍ، وَأَرْبَعَةٍ لِشَاةٍ، وَعَشَرَةٍ لِإِبِلٍ وَبَقَرٍ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَلَوْ أَكَلَتْ النَّجَاسَةَ وَغَيْرَهَا بِحَيْثُ لَمْ يَنْتُنْ لَحْمُهَا حَلَّتْ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْجَلَّالَةَ الَّتِي يُكْرَهُ سُؤْرُهَا هِيَ الَّتِي لَا تَأْكُلُ إلَّا النَّجَاسَةَ حَتَّى أَنْتَنَ لَحْمُهَا؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ غَيْرُ مَأْكُولَةٍ، وَلِذَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: فَإِنْ كَانَتْ تُخْلَطُ أَوْ أَكْثَرُ عَلَفِهَا عَلَفُ الدَّوَابِّ لَا يُكْرَهُ سُؤْرُهَا. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 فَالْأَحْسَنُ تَرْكُ دَجَاجَةٍ لِيَعُمَّ الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ قُهُسْتَانِيٌّ (وَسِبَاعِ طَيْرٍ) لَمْ يَعْلَمْ رَبُّهَا طَهَارَةَ مِنْقَارِهَا (وَسَوَاكِنَ بُيُوتٍ) طَاهِرٌ لِلضَّرُورَةِ (مَكْرُوهٌ) تَنْزِيهًا فِي الْأَصَحِّ   [رد المحتار] قُلْت: بَقِيَ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْإِبِلَ تَجْتَرُّ كَالْغَنَمِ وَجِرَّتُهَا نَجِسَةٌ كَسِرْقِينِهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ سُؤْرُهَا مَكْرُوهًا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جَلَّالَةً وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَإِنَّمَا الْمَفْهُومُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لَمْ يَعْلَمْ رَبُّهَا طَهَارَةَ مِنْقَارِهَا) لِمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ هَذَا الطَّيْرُ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَيْتَةَ مِثْلُ الْبَازِي الْأَهْلِيِّ وَنَحْوِهِ لَا يُكْرَهُ الْوُضُوءُ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ فِي الَّذِي يَتَنَاوَلُ الْمَيْتَةَ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا مِثْلُهُ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ وَسَوَاكِنَ بُيُوتٍ) أَيْ مِمَّا لَهُ دَمٌ سَائِلٌ كَالْفَأْرَةِ وَالْحَيَّةِ وَالْوَزَغَةِ، بِخِلَافِ مَا لَا دَمَ لَهُ كَالْخُنْفُسِ وَالصَّرْصَرِ وَالْعَقْرَبِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ كَمَا مَرَّ، وَتَمَامُهُ فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ طَاهِرٌ لِلضَّرُورَةِ) بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي الْهِرَّةِ نَجَاسَةُ سُؤْرِهَا؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلِطٌ بِلُعَابِهَا الْمُتَوَلِّدِ مِنْ لَحْمِهَا النَّجِسِ، لَكِنْ سَقَطَ حُكْمُ النَّجَاسَةِ اتِّفَاقًا بِعِلَّةِ الطَّوَافِ الْمَنْصُوصَةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ، إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ " أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ؛ يَعْنِي أَنَّهَا تَدْخُلُ الْمَضَايِقَ وَلَازَمَهُ شِدَّةُ الْمُخَالَطَةِ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ صَوْنُ الْأَوَانِي مِنْهَا، وَفِي مَعْنَاهَا سَوَاكِنُ الْبُيُوتِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، فَسَقَطَ حُكْمُ النَّجَاسَةِ لِلضَّرُورَةِ وَبَقِيَتْ الْكَرَاهَةُ لِعَدَمِ تَحَامِيهَا النَّجَاسَةَ، وَأَمَّا الْمُخَلَّاةُ فَلُعَابُهَا طَاهِرٌ فَسُؤْرُهَا كَذَلِكَ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ كُرِهَ سُؤْرُهَا وَلَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ لِلشَّكِّ، حَتَّى لَوْ عُلِمَتْ النَّجَاسَةُ فِي فَمِهَا تُنَجِّسُ، وَلَوْ عُلِمَتْ الطَّهَارَةُ انْتَفَتْ الْكَرَاهَةُ. وَأَمَّا سِبَاعُ الطَّيْرِ فَالْقِيَاسُ نَجَاسَةُ سُؤْرِهَا كَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ بِجَامِعِ حُرْمَةِ لَحْمِهَا وَالِاسْتِحْسَانُ طَهَارَتُهُ؛ لِأَنَّهَا تَشْرَبُ بِمِنْقَارِهَا وَهُوَ عَظْمٌ طَاهِرٌ، بِخِلَافِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ؛ لِأَنَّهَا تَشْرَبُ بِلِسَانِهَا الْمُبْتَلِّ بِلُعَابِهَا النَّجِسِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ تَأْكُلُ الْمَيْتَةَ غَالِبًا أَشْبَهَتْ الْمُخَلَّاةَ فَكُرِهَ سُؤْرُهَا، حَتَّى لَوْ عُلِمَ طَهَارَةُ مِنْقَارِهَا انْتَفَتْ الْكَرَاهَةُ هَكَذَا قَرَّرُوا، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ طَهَارَةَ السُّؤْرِ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لَيْسَتْ لِلضَّرُورَةِ بَلْ عَلَى الْأَصْلِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ مَكْرُوهٌ) لِجَوَازِ كَوْنِهَا أَكَلَتْ نَجَاسَةً قُبَيْلَ شُرْبِهَا. وَأَفَادَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ لَوْ اُحْتُمِلَ تَطْهِيرُهَا فَمَهَا زَالَتْ الْكَرَاهَةُ حَيْثُ قَالَ: وَيُحْمَلُ إصْغَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِنَاءَ لِلْهِرَّةِ عَلَى زَوَالِ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ، بِأَنْ كَانَتْ فِي مَرْأًى مِنْهُ فِي زَمَانٍ يُمْكِنُ فِيهِ غَسْلُهَا فَمَهَا بِلُعَابِهَا. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَيُمْكِنُ بِمُشَاهَدَةِ شُرْبِهَا مِنْ مَاءٍ كَثِيرٍ أَوْ مُشَاهَدَةِ قُدُومِهَا عَنْ غَيْبَةٍ يَجُوزُ مَعَهَا ذَلِكَ، فَيُعَارَضُ هَذَا التَّجْوِيزُ بِتَجْوِيزِ أَكْلِهَا نَجِسًا قُبَيْلَ شُرْبِهَا فَيَسْقُطُ فَتَبْقَى الطَّهَارَةُ دُونَ كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ مَا جَاءَتْ إلَّا مِنْ ذَلِكَ التَّجْوِيزِ وَقَدْ سَقَطَ، وَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي إطْلَاقُ كَرَاهَةِ أَكْلِ فَضْلِهَا وَالصَّلَاةِ إذَا لَحِسَتْ عُضْوًا قَبْلَ غَسْلِهِ كَمَا أَطْلَقَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرُهُ، بَلْ يُقَيَّدُ بِثُبُوتِ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ؛ أَمَّا لَوْ كَانَ زَائِلًا بِمَا قُلْنَا فَلَا. اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَشَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُنْيَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ تَنْزِيهًا) قَيَّدَ بِهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ التَّحْرِيمُ. مَطْلَبٌ. الْكَرَاهَةُ حَيْثُ أُطْلِقَتْ فَالْمُرَادُ مِنْهَا التَّحْرِيمُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَكْرُوهَ إذَا أُطْلِقَ فِي كَلَامِهِمْ فَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّحْرِيمُ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، فَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُصَفَّى: لَفْظُ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُرَادُ بِهَا التَّحْرِيمُ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: قُلْت لِأَبِي حَنِيفَةَ: إذَا قُلْت فِي شَيْءٍ أَكْرَهُهُ فَمَا رَأْيُك فِيهِ؟ قَالَ: التَّحْرِيمُ. اهـ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي سُؤْرِ الْهِرَّةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَمَّا سُؤْرُ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ فَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ خِلَافًا فِي الْمُرَادِ مِنْ الْكَرَاهَةِ، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 إنْ وُجِدَ غَيْرُهُ وَإِلَّا لَمْ يُكْرَهْ أَصْلًا كَأَكْلِهِ لِفَقِيرٍ. (وَ) سُؤْرُ (حِمَارٍ) أَهْلِيٍّ وَلَوْ ذَكَرًا فِي الْأَصَحِّ (وَبَغْلٍ) أُمُّهُ حِمَارَةٌ؛ فَلَوْ فَرَسًا أَوْ بَقَرَةً فَطَاهِرٌ كَمُتَوَلِّدٍ مِنْ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ وَبَقَرَةٍ، وَلَا عِبْرَةَ بِغَلَبَةِ الشَّبَهِ   [رد المحتار] كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَحَامَى النَّجَاسَةَ، وَكَذَا فِي سِبَاعِ الطَّيْرِ وَسَوَاكِنِ الْبُيُوتِ. اهـ (قَوْلُهُ كَأَكْلِهِ لِفَقِيرٍ) أَيْ أَكْلِ سُؤْرِهَا: أَيْ مَوْضِعِ فَمِهَا، وَمَا سَقَطَ مِنْهُ مِنْ الْخُبْزِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْجَامِدَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ لُعَابِهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَكْلَ مَا بَقِيَ أَيْ مِمَّا لَمْ يُخَالِطْهُ لُعَابُهَا بِخِلَافِ الْمَائِعِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْحِلْيَةِ. وَأَفَادَ الشَّارِحُ كَرَاهَتَهُ لِغَنِيٍّ؛ لِأَنَّهُ يَجِدُ غَيْرَهُ، وَهَذَا عِنْدَ تَوَهُّمِ نَجَاسَةِ فَمِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ قَرِيبًا. [فَرْعٌ] تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَ حَمْلِ مَا سُؤْرُهُ مَكْرُوهٌ كَالْهِرَّةِ. اهـ بَحْرٌ عَنْ التَّوْشِيحِ. قُلْت: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِالتَّوَهُّمِ أَيْضًا كَمَا عَلِمْته مِمَّا مَرَّ، وَيَظْهَرُ مِنْهُ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ بِثَوْبٍ أَصَابَهُ السُّؤْرُ الْمَكْرُوهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْحِلْيَةِ. مَطْلَبٌ: سِتٌّ تُوَرِّثُ النِّسْيَانَ [نُكْتَةٌ] قِيلَ سِتٌّ تُوَرِّثُ النِّسْيَانَ: سُؤْرُ الْفَأْرَةِ، وَإِلْقَاءُ الْقَمْلَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ، وَالْبَوْلُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَقَطْعُ الْقِطَارِ، وَمَضْغُ الْعِلْكِ، وَأَكْلُ التُّفَّاحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهُ حَدِيثًا، لَكِنْ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ إنَّهُ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ بَحْرٌ وَحِلْيَةٌ، وَإِطْلَاقُ التُّفَّاحِ هُنَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي كُتُبِ الطِّبِّ مِنْ أَنَّهُ أَكْلُهُ مُوَرِّثٌ لِلنِّسْيَانِ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْحَدِيثَ مُقَيِّدًا التُّفَّاحَ بِالْحَامِضِ. [تَتِمَّةٌ] زَادَ بَعْضُهُمْ: مِمَّا يُوَرِّثُ النِّسْيَانَ أَشْيَاءُ: مِنْهَا الْعِصْيَانُ، وَالْهُمُومُ وَالْأَحْزَانُ بِسَبَبِ الدُّنْيَا، وَكَثْرَةُ الِاشْتِغَالِ بِهَا، وَأَكْلُ الْكُزْبَرَةِ الرَّطْبَةِ، وَالنَّظَرُ إلَى الْمَصْلُوبِ، وَالْحَجْمُ فِي نُقْرَةِ الْقَفَا، وَاللَّحْمُ الْمِلْحُ، وَالْخُبْزُ الْحَامِي، وَالْأَكْلُ مِنْ الْقِدْرِ وَكَثْرَةُ الْمَزْحِ، وَالضَّحِكُ بَيْنَ الْمَقَابِرِ، وَالْوُضُوءُ فِي مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ، وَتَوَسُّدُ السَّرَاوِيلِ أَوْ الْعِمَامَةِ، وَنَظَرُ الْجُنُبِ إلَى السَّمَاءِ وَكَنْسُ الْبَيْتِ بِالْخِرَقِ، وَمَسْحُ وَجْهِهِ أَوْ يَدَيْهِ بِذَيْلِهِ، وَنَفْضُ الثَّوْبِ فِي الْمَسْجِدِ، وَدُخُولُهُ بِالْيُسْرَى وَخُرُوجُهُ بِالْيُمْنَى، وَاللَّعِبُ بِالْمَذَاكِيرِ أَوْ الذَّكَرِ حَتَّى يُنْزِلَ، وَالنَّظَرُ إلَيْهِ، وَالْبَوْلُ فِي الطَّرِيقِ أَوْ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ أَوْ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ أَوْ فِي الرَّمَادِ، وَالنَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ أَوْ فِي مِرْآةِ الْحَجَّامِ، وَالِامْتِشَاطُ بِالْمُشْطِ الْمَكْسُورِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَلِسَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ فِيهَا رِسَالَةٌ (قَوْلُهُ أَهْلِيٍّ) أَمَّا الْوَحْشِيُّ فَمَأْكُولٌ فَلَا شَكَّ فِي سُؤْرِهِ وَلَا كَرَاهَةَ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) قَالَهُ قَاضِي خَانْ، وَمُقَابِلُهُ الْقَوْلُ بِنَجَاسَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنَجِّسُ فَمَهُ بِشَمِّ الْبَوْلِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَوْهُومٌ لَا يَغْلِبُ وُجُودُهُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي إزَالَةِ الثَّابِتِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أُمُّهُ حِمَارَةٌ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْحِمَارَةُ بِالْهَاءِ الْأَتَانُ فَافْهَمْ، وَهَذَا الْقَيْدُ صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ السُّرُوجِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ. قَالَ: إذَا نَزَا الْحِمَارُ عَلَى الرَّمَكَةِ أَيْ الْفَرَسِ لَا يُكْرَهُ لَحْمُ الْبَغْلِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَهُمَا، فَعَلَى هَذَا لَا يَصِيرُ سُؤْرُهُ مَشْكُوكًا فِيهِ. اهـ وَالْمُرَادُ لَا يُكْرَهُ لَحْمُهُ عِنْدَهُمَا إلْحَاقًا لَهُ بِالْفَرَسِ، وَعِنْدَهُ يُكْرَهُ كَالْفَرَسِ، إلَّا أَنَّ سُؤْرَهُ لَا يَكُونُ مَشْكُوكًا اتِّفَاقًا كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي سُؤْرِ الْفَرَسِ، وَكَذَا الْبَغْلُ الَّذِي أُمُّهُ بَقَرَةٌ يَحِلُّ لَحْمُهُ اتِّفَاقًا وَلَا يَكُونُ سُؤْرُهُ مَشْكُوكًا لَكِنْ يُنَافِي هَذَا قَوْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْبَغْلُ مِنْ نَسْلِ الْحِمَارِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ اعْتِبَارَ الْأَبِ إلَّا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْحَيَوَانَاتِ الْإِلْحَاقُ بِالْأُمِّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ شَرْحُ الْمُنْيَةِ وَنَحْوُهُ فِي النَّهْرِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: قُلْت: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَا فِي الْهِدَايَةِ مُخَرَّجٌ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ خَاصَّةً فِيمَا إذَا كَانَ أَبُوهُ حِمَارًا وَأُمُّهُ فَرَسًا، تَغْلِيبًا لِجَانِبِ التَّحْرِيمِ عَلَى الْإِبَاحَةِ احْتِيَاطًا (قَوْلُهُ فَطَاهِرٌ) الْأَوْلَى قَوْلُ ابْنِ مَلَكٍ عَنْ الْغَايَةِ فَطَهُورٌ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ. اهـ (قَوْلُهُ وَلَا عِبْرَةَ بِغَلَبَةِ الشَّبَهِ) رَدٌّ عَلَى مَا قَالَهُ مِسْكِينٌ مِنْ أَنَّ التَّبَعِيَّةَ لِلْأُمِّ مَحَلُّهَا مَا إذَا لَمْ يَغْلِبْ شَبَهُهُ بِالْأَبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 لِتَصْرِيحِهِمْ بِحِلِّ أَكْلِ ذِئْبٍ وَلَدَتْهُ شَاةٌ اعْتِبَارًا لِلْأُمِّ، وَجَوَازُ الْأَكْلِ يَسْتَلْزِمُ طَهَارَةَ السُّؤْرِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَشْبَاهِ مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ الْحِلِّ قَالَ شَيْخُنَا: إنَّهُ غَرِيبٌ (مَشْكُوكٌ فِي طَهُورِيَّتِهِ لَا فِي طَهَارَتِهِ) حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ اُعْتُبِرَ بِالْأَجْزَاءِ، وَهَلْ يَطْهُرُ النَّجِسُ؟   [رد المحتار] قَوْلُهُ لِتَصْرِيحِهِمْ إلَخْ) صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فِي الْأُضْحِيَّةِ بِجَوَازِ الْأُضْحِيَّةِ بِهِ حَيْثُ قَالَ: وَالْمَوْلُودُ بَيْنَ الْأَهْلِ وَالْوَحْشِيُّ يَتْبَعُ الْأُمَّ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي التَّبَعِيَّةِ، حَتَّى إذَا نَزَا الذِّئْبُ عَلَى الشَّاةِ يُضَحَّى بِالْوَلَدِ. اهـ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا لِلْأُمِّ) ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الْوَلَدِ لِانْفِصَالِهِ مِنْهَا وَهُوَ حَيَوَانٌ مُتَقَوِّمٌ، وَلَا يَنْفَصِلُ مِنْ الْأَبِ إلَّا مَاءً مَهِينًا، وَلِهَذَا يَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَإِنَّمَا أُضِيفَ الْآدَمِيُّ إلَى أَبِيهِ تَشْرِيفًا لَهُ، وَصِيَانَةً لَهُ عَنْ الضَّيَاعِ، وَإِلَّا فَالْأَصْلُ إضَافَتُهُ إلَى الْأُمِّ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ عَنْ الْأَشْبَاهِ) صَوَابُهُ عَنْ الْفَوَائِدِ التَّاجِيَّةِ ط، وَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْهَا فِي قَاعِدَةِ: إذَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ (قَوْلُهُ عَدَمِ الْحِلِّ) أَيْ عَدَمِ حِلِّ أَكْلِ ذِئْبٍ وَلَدَتْهُ شَاةٌ (قَوْلُهُ قَالَ شَيْخُنَا) يُرِيدُ الرَّمْلِيَّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ط (قَوْلُهُ إنَّهُ غَرِيبٌ) أَيْ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَشْهُورَ فِي كَلَامِهِمْ مِنْ إطْلَاقِ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأُمِّ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْظُومَتِهِ تُحْفَةِ الْأَقْرَانِ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَقَالَ: نَتِيجَةُ الْأَهْلِيِّ وَالْوَحْشِيِّ ... تَلْحَقُ بِالْأُمِّ عَلَى الْمَرْضِيِّ وَمِثْلُهُ نَتِيجَةُ الْمُحَرَّمِ ... مَعَ الْمُبَاحِ يَا أُخَيَّ فَاعْلَمْ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الْعُلَمَا ... وَالْحَظْرُ فِي هَذَا حَكَوْهُ فَاعْلَمَا. (قَوْلُهُ مَشْكُوكٌ فِي طَهُورِيَّتِهِ) هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، ثُمَّ قِيلَ سَبَبُهُ تَعَارُضُ الْأَخْبَارِ فِي لَحْمِهِ، وَقِيلَ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ فِي سُؤْرِهِ الْأَصَحُّ مَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إنَّ الْحِمَارَ أَشْبَهَ الْهِرَّةَ لِوُجُودِهِ فِي الدُّورِ وَالْأَفْنِيَةِ، لَكِنَّ الضَّرُورَةَ فِيهِ دُونَ الضَّرُورَةِ فِيهَا لِدُخُولِهَا مَضَايِقِ الْبَيْتِ فَأَشْبَهَ الْكَلْبَ وَالسِّبَاعَ، فَلَمَّا ثَبَتَتْ الضَّرُورَةُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَاسْتَوَى مَا يُوجِبُ الطَّهَارَةَ وَالنَّجَاسَةَ تَسَاقَطَا لِلتَّعَارُضِ فَصِيرَ إلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ هُنَا شَيْئَانِ: الطَّهَارَةُ فِي الْمَاءِ، وَالنَّجَاسَةُ فِي اللُّعَابِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، فَبَقِيَ الْأَمْرُ مُشْكِلًا نَجِسًا مِنْ وَجْهٍ طَاهِرًا مِنْ آخَرَ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. لَا يُقَالُ: كَلْبُ الصَّيْدِ وَالْحِرَاسَةِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُعَارِضٌ بِالنَّصِّ كَمَا أَفَادَهُ فِي السَّعْدِيَّةِ (قَوْلُهُ لَا فِي طَهَارَتِهِ) أَيْ وَلَا فِيهِمَا جَمِيعًا كَمَا قِيلَ أَيْضًا، هَذَا مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُنَجِّسُ الثَّوْبَ وَالْبَدَنَ وَالْمَاءَ وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، فَلِهَذَا قَالَ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ: إنَّ الِاخْتِلَافَ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّهُ مَنْ قَالَ الشَّكُّ فِي طَهُورِيَّتِهِ فَقَطْ أَرَادَ أَنَّ الطَّاهِرَ لَا يَتَنَجَّسُ بِهِ وَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التُّرَابِ، لَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي طَهَارَتِهِ شَكٌّ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي طَهُورِيَّتِهِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ الشَّكِّ فِي طَهَارَتِهِ اهـ بَحْرٌ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّكَّ فِي الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ اُعْتُبِرَ بِالْأَجْزَاءِ) أَيْ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، فَيَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ مُحِيطٌ، وَكَانَ الْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يُسَاوِهِ لِمَا عَلِمْته فِي مَسْأَلَةِ الْفَسَاقِي بَحْرٌ. هَذَا، وَفِي السِّرَاجِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْوَجِيزِ: وَاعْتَرَضَ الصَّيْرَفِيُّ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا جُوِّزَ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الَّذِي يَخْتَلِطُ بِالسُّؤْرِ إذَا كَانَ أَكْثَرَ كَانَ أَيْضًا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالسُّؤْرِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ اللُّعَابِ. اهـ. أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ تَظَافَرَ كَلَامُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُنْزَحُ مِنْهُ جَمِيعُ مَاءِ الْبِئْرِ، وَقَدَّمْنَا النُّقُولَ فِيهِ، وَأَنَّ اعْتِبَارَهُ بِالْأَجْزَاءِ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْعَمَلَ بِمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ مَا هُنَا غَيْرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 قَوْلَانِ (فَيَتَوَضَّأُ بِهِ) أَوْ يَغْتَسِلُ (وَيَتَيَمَّمُ) أَيْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ (إنْ فَقَدَ مَاءً) مُطْلَقًا (وَصَحَّ تَقْدِيمُ أَيِّهِمَا شَاءَ) فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ أَرَاقَهُ لَزِمَهُ إعَادَةُ التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ لِاحْتِمَالِ طَهُورِيَّتِهِ. . (وَيُقَدِّمُ التَّيَمُّمَ عَلَى نَبِيذِ التَّمْرِ عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمُصَحَّحِ الْمُفْتَى بِهِ   [رد المحتار] مُعْتَبَرٍ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ قَوْلَانِ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الشَّكَّ فِي الطَّهُورِيَّةِ نَاشِئٌ عَنْ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ، وَالنَّجَسُ الثَّابِتُ بِيَقِينٍ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِطَاهِرٍ بِيَقِينٍ، فَافْهَمْ وَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ لَا تَخْلُوَ الصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ عَنْهُمَا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ جَازَ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمُطَهَّرَ أَحَدُهُمَا لَا الْمَجْمُوعُ، فَإِنْ كَانَ السُّؤْرُ صَحَّتْ وَلَغَتْ صَلَاةُ التَّيَمُّمِ، أَوْ التَّيَمُّمُ فَبِالْعَكْسِ نَهْرٌ. فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِلَا طَهَارَةٍ فِي إحْدَى الْمَرَّتَيْنِ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْكُفْرِ فَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي أَدَاءً وَاحِدٍ. قُلْنَا: كُلٌّ مِنْهُمَا مُطَهَّرٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَلَا يَكُونُ الْأَدَاءُ بِلَا طَهَارَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَا يَلْزَمُهُ الْكُفْرُ كَمَا لَوْ صَلَّى حَنَفِيٌّ بَعْدَ نَحْوِ الْحِجَامَةِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَلَا يَكْفُرُ لِلِاخْتِلَافِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَلَّى بَعْدَ الْبَوْلِ بَحْرٌ عَنْ الْمِعْرَاجِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوْلَى الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي أَدَاءً وَاحِدٍ لِلتَّبَاعُدِ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ نَقَلَ عَنْ شَيْخِهِ الشَّمْسِ الْمُحِبِّيِّ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى بِالْوُضُوءِ ثُمَّ بِالتَّيَمُّمِ، فَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ بَيْنَهُمَا كُرِهَ فِعْلُهُ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ أَحْدَثَ كُرِهَ فِيهِمَا، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ فَتَدَبَّرْ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ النَّهْرِ فِيمَا مَرَّ ثُمَّ أَحْدَثَ غَيْرُ قَيْدٍ، نَعَمْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْدِثْ يَصِحُّ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ تَكُونُ بِالطَّهَارَتَيْنِ. وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْفَتْحِ: وَاخْتُلِفَ فِي النِّيَّةِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْوِيَ. اهـ: أَيْ الْأَحْوَطُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا، فَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَحْثِ النِّيَّةِ عَنْ الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالنُّقَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْكِفَايَةِ أَنَّهَا شَرْطٌ فِيهِ وَفِي نَبِيذِ التَّمْرِ (قَوْلُهُ إنْ فَقَدَ مَاءً مُطْلَقًا) أَمَّا إذَا وَجَدَهُ تَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَلَوْ وَجَدَ بَعْدَمَا تَوَضَّأَ بِالسُّؤْرِ وَتَيَمَّمَ لَا يُصَلِّي مَا لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ، وَلَوْ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ حَتَّى فَقَدَهُ وَمَعَهُ السُّؤْرُ أَعَادَ التَّيَمُّمَ لَا الْوُضُوءَ بِالسُّؤْرِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَالْأَفْضَلُ تَقْدِيمُ الْوُضُوءِ رِعَايَةً لِقَوْلِ زُفَرَ بِلُزُومِهِ إمْدَادٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَرَاقَهُ) أَمَّا لَوْ أَرَاقَهُ أَوَّلًا حَتَّى صَارَ عَادِمًا لِلْمَاءِ لَا يَلْزَمُهُ، بَلْ عَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا سُؤْرَ الْحِمَارِ يُهْرِيقُهُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ. قَالَ الصَّفَّارُ: وَهُوَ قَوْلٌ جَيِّدٌ بَحْرٌ عَنْ جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ طَهُورِيَّتِهِ) أَيْ فَتَحْتَمِلُ الصَّلَاةُ الْبُطْلَانَ فَتُعَادُ. وَفِي الزَّيْلَعِيِّ: مُتَيَمِّمٌ رَأَى سُؤْرَ حِمَارٍ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ بِهِ وَأَعَادَهَا لِاحْتِمَالِ الْبُطْلَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُقَدِّمُ التَّيَمُّمَ عَلَى نَبِيذِ التَّمْرِ) اعْلَمْ أَنَّهُ رُوِيَ فِي النَّبِيذِ عَنْ الْإِمَامِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: الْأُولَى: وَهِيَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ التَّيَمُّمَ. الثَّانِيَةُ: الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَسُؤْرِ الْحِمَارِ، وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَرَجَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. وَالثَّالِثَةُ: التَّيَمُّمُ فَقَطْ، وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَخِيرُ، وَقَدْ رَجَعَ إلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمُصَحَّحُ الْمُخْتَارُ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَنَا بَحْرٌ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَبِهِ تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ ذِكْرِهِ فِي بَحْثِ السُّؤْرِ، لَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ: فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ قَوْلِهِ وَيُقَدِّمُ إلَخْ عَلَى التَّقَدُّمِ فِي الرُّتْبَةِ لَا فِي الزَّمَانِ: أَيْ أَنَّ التَّيَمُّمَ رُتْبَتُهُ التَّقَدُّمُ عَلَى الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْوُضُوءِ بِهِ، وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا مَعَ سَبْقِ التَّيَمُّمِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا رَجَعَ عَنْ قَوْلٍ لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِهِ: (وَ) حُكْمُ (عَرَقٍ كَسُؤْرٍ) فَعَرَقُ الْحِمَارِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ صَارَ مُشْكِلًا عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى. وَفِي الْمُحِيطِ: عَرَقُ الْجَلَّالَةِ عَفْوٌ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ طَاهِرٌ عَلَى الظَّاهِرِ.   [رد المحتار] وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا أَلْقَى فِي الْمَاءِ تُمَيْرَاتٍ حَتَّى صَارَ حُلْوًا رَقِيقًا غَيْرَ مَطْبُوخٍ وَلَا مُسَكَّرٍ، فَإِنْ لَمْ يُحَلَّ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْوُضُوءِ بِهِ، أَوْ أَسْكَرَ فَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ، أَوْ طُبِخَ فَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَرَجَّحَ غَيْرُهُ الْجَوَازَ، إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى لِمُوَافَقَتِهِ لِمَا مَرَّ مِنْ الضَّابِطِ أَيْ الْمَذْكُورِ فِي الْمِيَاهِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِكَوْنِ مَا ذَكَرَ هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُفْتَى بِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَحُكْمُ عَرَقٍ كَسُؤْرٍ) أَيْ الْعَرَقُ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ حُكْمُهُ كَسُؤْرِهِ لِتَوَلُّدِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ اللَّحْمِ كَذَا قَالُوا: وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْمُتَوَلِّدَ هُوَ اللُّعَابُ أَيْ لَا السُّؤْرُ، لَكِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ لِلْمُجَاوَرَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَعَرَقُ الْحِمَارِ إلَخْ) أَفْرَدَهُ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ كَصَاحِبِ الْمُنْيَةِ اسْتَثْنَاهُ فَقَالَ: إلَّا أَنَّ عَرَقَ الْحِمَارِ طَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: نَجِسٌ إلَّا أَنَّهُ جُعِلَ عَفْوًا فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ لِلضَّرُورَةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الشَّكَّ فِي الطَّهَارَةِ. فَإِذَا قِيلَ إنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ مَشْكُوكٌ فِي طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ وَعَرَقُ كُلِّ شَيْءٍ كَسُؤْرِهِ صَحَّ أَنْ يُقَالَ إلَّا أَنَّ عَرَقَ الْحِمَارِ طَاهِرٌ: أَيْ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبَ الْحِمَارَ مُعْرَوْرِيًا فِي حَرِّ الْحِجَازِ وَالْغَالِبُ أَنَّهُ يَعْرَقُ وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - غَسَلَ بَدَنَهُ أَوْ ثَوْبَهُ مِنْهُ. اهـ وَمُعْرَوْرِيًا حَالٌ مِنْ الْفَاعِلِ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْمَفْعُولِ لَقِيلَ مُعْرَوْرًى كَذَا فِي الْمُغْرِبِ. قُلْت: وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَكِبَ وَهُوَ عُرْيَانٌ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ النَّهْرِ وَغَيْرِهِ، إذْ لَا يَخْفَى بُعْدُهُ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ رَكِبَ حَالَ كَوْنِهِ مُعْرَوْرِيًا الْحِمَارَ فَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ اعْرَوْرَى الْمُتَعَدِّي حُذِفَ مَفْعُولُهُ لِلْعِلْمِ بِهِ، يُقَالُ اعْرَوْرَى الْفَرَسَ: رَكِبَهُ عُرْيًا فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ صَارَ مُشْكِلًا) يَعْنِي صَارَ الْمَاءُ بِهِ مُشْكِلًا: أَيْ فِي الطَّهُورِيَّةِ، فَيَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ كَمَا فِي لُعَابِهِ، وَيَجُوزُ شُرْبُهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ كَمَا فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ إلَخْ) هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَنَصُّهُ: وَفِي الزُّبْدَةِ أَنَّ عَرَقَ الْجَلَّالَةِ كَالْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَغَيْرِهِمَا نَجِسٌ. وَفِي قَاضِي خَانْ أَنَّ عَرَقَهُمَا طَاهِرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ نَجِسٌ لَكِنَّهُ عَفْوٌ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَرَقَ الْحِمَارِ نَجَاسَةٌ غَلِيظَةٌ، وَعَنْهُ أَنَّهُ خَفِيفَةٌ. اهـ كَلَامُ الْقُهُسْتَانِيِّ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي عَرَقِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ عَنْ الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ طَاهِرٌ، وَهُوَ مَا قَالَ قَاضِي خَانْ إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُنْيَةِ. وَنَجِسٌ مُغَلَّظٌ. وَنَجِسٌ مُخَفَّفٌ، وَكَلَامُ الْحَلْوَانِيِّ مُحْتَمِلٌ لِلْأَخِيرَتَيْنِ إلَّا أَنَّهُ أَسْقَطَ حُكْمَ النَّجَاسَةِ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْمُنْيَةِ تَعْلِيلَهُ بِالضَّرُورَةِ: أَيْ ضَرُورَةِ رُكُوبِهِ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ الْكَلَامَ فِي عَرَقِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ لَا فِي الْجَلَّالَةِ، وَأَنَّ ضَمِيرَ عَرَقِهِمَا فِي عِبَارَةِ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ قَاضِي خَانْ ضَمِيرٌ مُثَنًّى رَاجِعٌ إلَى الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ نُسْخَةَ الْقُهُسْتَانِيِّ الَّتِي وَقَعَتْ لِلشَّارِحِ بِضَمِيرِ الْمُفْرَدِ لَا الْمُثَنَّى فَأَرْجَعَ الضَّمِيرَ إلَى الْجَلَّالَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَدْ رَاجَعْتُ عِبَارَةَ قَاضِي خَانْ فَرَأَيْتُهَا بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ الْعَائِدِ إلَى مَا ذَكَرَهُ قَبْلَهُ مِنْ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، وَلَمْ أَرَ فِيهَا ذِكْرَ الْجَلَّالَةِ أَصْلًا، وَكَذَا مَا نَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ لَيْسَ فِي الْجَلَّالَةِ بَلْ فِي الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُنْيَةِ مِنْ عِبَارَةِ الْحَلْوَانِيِّ، وَهُوَ الْمُتَعَيَّنُ فِي عِبَارَةِ الْقُهُسْتَانِيِّ بَعْدَ ضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَحْكَامَ الْجَلَّالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِبِلٍ وَبَقَرٍ جَلَّالَةٍ، وَنَقَلْنَا التَّصْرِيحَ عَنْ الْبَقَّالِيِّ بِأَنَّ عَرَقَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 بَابُ التَّيَمُّمِ ثَلَّثَ بِهِ تَأَسِّيًا بِالْكِتَابِ وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِلَا ارْتِيَابٍ. (هُوَ) لُغَةً: الْقَصْدُ. وَشَرْعًا (قَصْدُ صَعِيدٍ) شُرِطَ الْقَصْدُ؛ لِأَنَّهُ النِّيَّةُ (مُطَهَّرٌ) خَرَجَ الْأَرْضُ الْمُتَنَجِّسَةُ إذَا جَفَّتْ فَإِنَّهَا كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ (وَاسْتِعْمَالُهُ)   [رد المحتار] نَجِسٌ، وَبِهِ صَرَّحَ الشَّارِحُ فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الَّتِي أَنْتَنَ لَحْمُهَا كَمَا قَدَّمْنَا، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الَّذِي هُوَ مِنْ مِنَحِ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نَعْمَائِهِ وَتَوَاتُرِ آلَائِهِ. [بَابُ التَّيَمُّمِ] [أَرْكَان التَّيَمُّم وَشُرُوطه] بَابُ التَّيَمُّمِ (قَوْلُهُ ثَلَّثَ بِهِ) أَيْ جَعَلَهُ ثَالِثًا لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ: أَيْ ذَكَرَهُ بَعْدَهُمَا اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ أَعْنِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] الْآيَةَ فَإِنَّهُ ثَلَّثَ بِهِ فِيهَا، وَأَيْضًا فَهُوَ خَلَفٌ عَنْهُمَا، وَالْخَلَفُ يَتْبَعُ الْأَصْلَ (قَوْلُهُ وَهُوَ إلَخْ) دَلِيلُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُعْطِيت خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْت بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ. وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ - وَفِي رِوَايَةٍ - وَلِأُمَّتِي مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَلَمْ تُحَلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَأُعْطِيت الشَّفَاعَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْت إلَى النَّاسِ عَامَّةً» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا، بَلْ قَالَ السُّيُوطِيّ إنَّهُ مُتَوَاتِرٌ ، فَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ بِلَا ارْتِيَابٍ، وَفِيهِ رَمْزٌ إلَى مَا فِي اخْتِصَاصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالْوُضُوءِ كَمَا قَدَّمْنَا فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً الْقَصْدُ) أَيْ مُطْلَقُ الْقَصْدِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} [البقرة: 267] بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ الْقَصْدُ إلَى مُعَظَّمٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاصْطِلَاحًا عَلَى مَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ الْقَصْدُ إلَى الصَّعِيدِ الطَّاهِرِ لِلتَّطْهِيرِ، وَعَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ اسْتِعْمَالُ الصَّعِيدِ فِي عُضْوَيْنِ مَخْصُوصَيْنِ عَلَى قَصْدِ التَّطْهِيرِ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ. وَزُيِّفَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْقَصْدَ شَرْطٌ لَا رُكْنٌ. وَالثَّانِيَ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِعْمَالُ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ حَتَّى يَجُوزَ بِالْحَجَرِ الْأَمْلَسِ، فَالْحَقُّ أَنَّهُ اسْمٌ لِمَسْحِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ عَنْ الصَّعِيدِ الطَّاهِرِ، وَالْقَصْدُ شَرْطٌ؛ لِأَنَّهُ النِّيَّةُ. اهـ وَهَذَا مَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ شُرِطَ الْقَصْدُ إلَخْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَفِيهِ تُوُرِّكَ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ تَرْكِيبَهُ يَقْتَضِي أَنَّ حَقِيقَتَهُ الْقَصْدُ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ، وَكَذَا الصَّعِيدُ، وَكَوْنُهُ مُطَهِّرًا كَمَا أَفَادَهُ ح فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ خَرَجَ إلَخْ) وَلِذَا لَمْ يَقُلْ طَاهِرٌ كَمَا مَرَّ عَنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ طَاهِرَةٌ غَيْرُ مُطَهَّرَةٍ (قَوْلُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ إلَخْ) هَذَا هُوَ التَّعْرِيفُ الثَّانِي الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ؛ وَأَرَادَ بِالصِّفَةِ الْمَخْصُوصَةِ مَا سَيَأْتِي، أَوْ مَا مَرَّ مِنْ كَوْنِهِ فِي عُضْوَيْنِ مَخْصُوصَيْنِ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ، وَقَوْلُهُ لِأَجْلِ إقَامَةِ الْقُرْبَةِ هُوَ مَعْنَى مَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى قَصْدِ التَّطْهِيرِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا إلَخْ جَوَابٌ عَنْ الْإِيرَادِ الْمَارِّ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْحَجَرَ الْأَمْلَسَ جُزْءٌ مِنْ الْأَرْضِ اُسْتُعْمِلَ فِي الْعُضْوَيْنِ لِلتَّطْهِيرِ، إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاسْتِعْمَالِ أَخْذَ جُزْءٍ مِنْهَا بَلْ جَعْلَهُ آلَةً لِلتَّطْهِيرِ. ، وَعَلَيْهِ فَهُوَ اسْتِعْمَالٌ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ النَّهْرِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ أَوْ حُكْمًا كَمَا أَفَادَهُ ط، وَبِمَا قَرَّرْنَا ظَهَرَ لَك أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ التَّعْرِيفَيْنِ الْمَنْقُولَيْنِ عَنْ الْمَشَايِخِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَصَدَ جَعْلَهُمَا تَعْرِيفًا وَاحِدًا إذْ لَا بُدَّ فِي الْأَلْفَاظِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ اللُّغَوِيَّةِ أَنْ يُوجَدَ فِيهَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ غَالِبًا، وَيَكُونَ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ أَخَصَّ مِنْ اللُّغَوِيِّ، وَلِذَا عَرَّفَ الْمَشَايِخُ الْحَجَّ بِأَنَّهُ قَصْدٌ خَاصٌّ بِزِيَادَةِ أَوْصَافٍ مَخْصُوصَةٍ، وَمَا مَرَّ مِنْ الْإِيرَادِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَصْدَ شَرْطٌ يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ غَيْرُ وَارِدٍ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ قَصْدُ عِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي لَا قَصْدُ نَفْسِ الصَّعِيدِ، عَلَى أَنَّ الْمَعَانِيَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تُوجَدُ بِدُونِ شُرُوطِهَا؛ فَمَنْ صَلَّى بِلَا طَهَارَةٍ مَثَلًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لِيَعُمَّ التَّيَمُّمَ بِالْحَجَرِ الْأَمْلَسِ (بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الضَّرْبَتَيْنِ رُكْنٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ الْأَحْوَطُ (لِ) أَجْلِ (إقَامَةِ الْقُرْبَةِ) خَرَجَ التَّيَمُّمُ لِلتَّعْلِيمِ فَإِنَّهُ لَا يُصَلَّى بِهِ. وَرُكْنُهُ شَيْئَانِ: الضَّرْبَتَانِ، وَالِاسْتِيعَابُ. وَشَرْطُهُ سِتَّةٌ: النِّيَّةُ، وَالْمَسْحُ، وَكَوْنُهُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ فَأَكْثَرَ، وَالصَّعِيدُ، وَكَوْنُهُ مُطَهِّرًا، وَفَقْدُ الْمَاءِ.   [رد المحتار] لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ صَلَاةٌ شَرْعًا فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الشُّرُوطِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ فَلِذَا قَالُوا بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ كَمَا مَرَّ. وَلَمَّا كَانَ الِاسْتِعْمَالُ وَهُوَ الْمَسْحُ الْمَخْصُوصُ لِلْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ مِنْ تَمَامِ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ ذَكَرَهُ مَعَ الْقَصْدِ تَتْمِيمًا لِلتَّعْرِيفِ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْمُنِيفَ (قَوْلُهُ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ) وَهِيَ مَا فِي الْبَدَائِعِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ التَّيَمُّمِ، فَقَالَ: التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، فَقُلْت: كَيْفَ هُوَ؟ فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الصَّعِيدِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ ثُمَّ نَفَضَهُمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ ثُمَّ أَعَادَ كَفَّيْهِ عَلَى الصَّعِيدِ ثَانِيًا فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ ثُمَّ نَفَضَهُمَا ثُمَّ مَسَحَ بِذَلِكَ ظَاهِرَ الذِّرَاعَيْنِ وَبَاطِنَهُمَا إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: يَنْبَغِي أَنْ يَمْسَحَ بِبَاطِنِ أَرْبَعِ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُسْرَى ظَاهِرَ يَدِهِ الْيُمْنَى مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمِرْفَقِ، ثُمَّ يَمْسَحَ بِكَفِّهِ الْيُسْرَى دُونَ الْأَصَابِعِ بَاطِنَ يَدِهِ الْيُمْنَى مِنْ الْمِرْفَقِ إلَى الرُّسْغِ، ثُمَّ يَمُرَّ بِبَاطِنِ إبْهَامِهِ الْيُسْرَى عَلَى ظَاهِرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَفْعَلَ بِالْيَدِ الْيُسْرَى كَذَلِكَ، وَهَذَا الْأَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِرَازِ عَنْ اسْتِعْمَالِ التُّرَابِ الْمُسْتَعْمَلِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ. اهـ مُلَخَّصًا، وَمِثْلُهُ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ التُّحْفَةِ وَالْمُحِيطِ وَزَادِ الْفُقَهَاءِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْأَحْوَطُ) هَذَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ وَصَحَّحَهُ الْحَلْوَانِيُّ، وَفِي النِّصَابِ: وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَبِهِ نَأْخُذُ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ. وَقِيلَ لَيْسَا بِرُكْنٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَقَاضِي خَانْ، وَإِلَيْهِ مَالَ فِي الْبَحْرِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْإِمْدَادِ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ إنَّهُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ وَلِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الْآيَةِ الْمَسْحُ لَيْسَ غَيْرُ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ» إمَّا عَلَى إرَادَةِ الضَّرْبَةِ أَعَمَّ مِنْ كَوْنِهَا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى الْعُضْوِ مَسْحًا أَوْ أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ. اهـ. وَأَقَرَّهُ فِي الْحِلْيَةِ وَرَجَّحَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْكَمَالِ: وَالْمُرَادُ بَيَانُ كِفَايَةِ الضَّرْبَتَيْنِ لَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُمَا، كَيْفَ وَقَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: لَوْ كَنَسَ دَارًا أَوْ هَدَمَ حَائِطًا أَوْ كَالَ حِنْطَةً فَأَصَابَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ غُبَارٌ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ عَنْ التَّيَمُّمِ حَتَّى يُمِرَّ يَدَهُ عَلَيْهِ اهـ أَيْ أَوْ يُحَرِّكَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ بِنِيَّتِهِ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْخُلَاصَةِ. وَقَالَ فِي النَّهْرِ: الْمُرَادُ الضَّرْبُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَعَلَيْهِ مَشَى الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي، وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ كَمَا فِي الْبَحْرِ فِيمَا لَوْ ضَرَبَ يَدَيْهِ فَقَبْلَ أَنْ يَمْسَحَ أَحْدَثَ، وَفِيمَا إذَا نَوَى بَعْدَ الضَّرْبِ، وَفِيمَا إذَا أَلْقَتْ الرِّيحُ الْغُبَارَ عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ فَمَسَحَ بِنِيَّةِ التَّيَمُّمِ أَجْزَأَهُ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ لِأَجْلِ إقَامَةِ الْقُرْبَةِ) أَيْ لِأَجْلِ عِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ لَا تَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّي بِهِ) ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيمَ يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ وَالِاسْتِيعَابُ) الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الرُّكْنَ هُوَ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ التَّيَمُّمِ كَمَا مَرَّ، وَالِاسْتِيعَابُ شَرْطٌ؛ لِأَنَّهُ مُكَمِّلٌ لَهُ وَالشَّارِحُ عَكَسَ ذَلِكَ، ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ فِي كَلَامِهِمْ بِمَا ذَكَرْته (قَوْلُهُ وَشَرْطُهُ سِتَّةٌ) بَلْ تِسْعَةٌ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ فَأَكْثَرَ) هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْبَحْرِ بِالْيَدِ أَوْ بِأَكْثَرِهَا، فَلَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعَيْنِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَرَّرَ حَتَّى اسْتَوْعَبَ، بِخِلَافِ مَسْحِ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ إذَا مَسَحَهَا مِرَارًا بِأُصْبُعٍ أَوْ أُصْبُعَيْنِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ لِكُلٍّ حَتَّى صَارَ قَدْرَ رُبُعِ الرَّأْسِ صَحَّ. اهـ إمْدَادٌ وَبَحْرٌ قُلْت: لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَوْ تَمَعَّكَ بِالتُّرَابِ بِنِيَّةِ التَّيَمُّمِ فَأَصَابَ التُّرَابُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ. اهـ فَعُلِمَ أَنَّ اشْتِرَاطَ أَكْثَرِ الْأَصَابِعِ مَحَلُّهُ حَيْثُ مَسَحَ بِيَدِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالصَّعِيدُ) كَوْنُهُ شَرْطًا لَا يُنَافِي عَدَمَ تَحَقُّقِ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ بِدُونِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَفَقْدُ الْمَاءِ) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا لِيَشْمَلَ نَحْوَ الْمَرَضِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 وَسُنَنُهُ ثَمَانِيَةٌ: الضَّرْبُ بِبَاطِنِ كَفَّيْهِ، وَإِقْبَالُهُمَا، وَإِدْبَارُهُمَا، وَنَفْضُهُمَا؛ وَتَفْرِيجُ أَصَابِعِهِ، وَتَسْمِيَةٌ، وَتَرْتِيبٌ وَوَلَاءٌ. وَزَادَ ابْنُ وَهْبَانَ فِي الشُّرُوطِ الْإِسْلَامَ، فَزِدْته وَضَمَمْت سُنَنَهُ الثَّمَانِيَةَ فِي بَيْتٍ آخَرَ، وَغَيَّرْت شَطْرَ بَيْتِهِ الْأَوَّلِ فَقُلْت: وَالْإِسْلَامُ شَرْطٌ عُذْرُ ضَرْبٍ وَنِيَّةٌ وَمَسْحٌ وَتَعْمِيمٌ صَعِيدٌ مُطَهِّرُ ... وَسُنَنُهُ سَمِّي وَبَطِّنْ وَفَرِّجَنْ وَنَفِّضْ وَرَتِّبْ وَالِ أَقْبِلْ تَدَبَّرْ   [رد المحتار] فَافْهَمْ. [سُنَنُ التَّيَمُّمِ] (قَوْلُهُ وَسُنَنُهُ ثَمَانِيَةٌ) بَلْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ الضَّرْبُ بِبَاطِنِ كَفَّيْهِ) أَقُولُ: ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ أَشَارَ مُحَمَّدٌ إلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ ثُمَّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ بَعْدَ أَسْطُرٍ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَضْرِبُ بِبَاطِنِهِمَا وَظَاهِرِهِمَا عَلَى الْأَرْضِ، وَهَذَا يَصِيرُ رِوَايَةً أُخْرَى غَيْرَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ. اهـ. وَقَدْ اقْتَصَرَ فِي الْحِلْيَةِ عَلَى نَقْلِ عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ الْأُولَى وَاقْتَصَرَ الشُّمُنِّيُّ عَلَى نَقْلِ الثَّانِيَةِ فَظَنَّ فِي الْبَحْرِ الْمُخَالَفَةَ فِي النَّقْلِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يُرَاجِعْ الذَّخِيرَةَ. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ وَظَاهِرُهُمَا عَلَى حَقِيقَتِهَا لَا بِمَعْنَى أَوْ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ، وَلِقَوْلِهِ فِي النَّهْرِ إنَّ الْجَوَازَ حَاصِلٌ بِأَيِّهِمَا كَانَ، نَعَمْ الضَّرْبُ بِالْبَاطِنِ سُنَّةٌ. اهـ فَإِنَّ صَرِيحَ الذَّخِيرَةِ كَوْنُ الضَّرْبِ بِكُلٍّ مِنْ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ هُوَ السُّنَّةُ فِي الْأَصَحِّ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلنَّهْرِ خِلَافُ الْأَصَحِّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَإِقْبَالُهُمَا وَإِدْبَارُهُمَا) أَيْ بَعْدَ وَضْعِهِمَا عَلَى التُّرَابِ نَهْرٌ، وَكَذَا يُقَالُ فِي التَّفْرِيجِ ط (قَوْلُهُ وَنَفْضَهُمَا) أَيْ مَرَّةً، وَرُوِيَ مَرَّتَيْنِ، وَلَيْسَ بِاخْتِلَافٍ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَنَاثُرُ التُّرَابِ إنْ حَصَلَ بِمَرَّةٍ فِيهَا وَإِلَّا فَبِمَرَّتَيْنِ بَدَائِعُ. وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَيَنْفُضُهُمَا بِقَدْرِ مَا يَتَنَاثَرُ التُّرَابُ كَيْ لَا يَصِيرَ مُثْلَةً. اهـ بَحْرٌ: قَالَ الرَّمْلِيُّ: فَعَلَى هَذَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِمَرَّتَيْنِ يَنْفُضُ ثَلَاثًا وَهَكَذَا. اهـ. وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ حَيْثُ لَا تُرَابَ أَصْلًا لَا يُسَنُّ النَّفْضُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَتَفْرِيجُ أَصَابِعِهِ) تَعْلِيلُهُمْ سُنِّيَّةَ التَّفْرِيجِ بِدُخُولِ الْغُبَارِ أَثْنَاءَ أَصَابِعِهِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ عَلَى حَجَرٍ أَمْلَسَ لَا يُفَرِّجُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْعِلَّةُ تُرَاعَى فِي الْجِنْسِ. اهـ ح (قَوْلُهُ وَتَسْمِيَةٌ) الظَّاهِرُ أَنَّهَا عَلَى صِيغَةِ مَا ذَكَرَ فِي الْوُضُوءِ وَالْعَطْفُ بِالْوَاوِ لَا يُفِيدُ تَرْتِيبًا فَلَا يَرِدُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ تَكُونُ عِنْدَ الضَّرْبِ ط. (قَوْلُهُ وَتَرْتِيبٌ) أَيْ كَمَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ ط (قَوْلُهُ وَوِلَاءٌ) بِكَسْرِ الْوَاوِ: أَيْ مَسْحُ الْمُتَأَخِّرِ عَقِبَ الْمُتَقَدِّمِ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ الِاسْتِعْمَالُ بِالْمَاءِ لَا يَجِفُّ الْمُتَقَدِّمُ ط (قَوْلُهُ وَزَادَ ابْنُ وَهْبَانَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ اشْتِرَاطَ النِّيَّةِ يُغْنِي عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ صَرَّحَ بِهِ وَإِنْ اسْتَلْزَمَتْهُ النِّيَّةُ لِلتَّوْضِيحِ. اهـ ح. وَقَدْ أَسْقَطَ ابْنُ وَهْبَانَ كَوْنَ الْمَسْحِ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ وَعَدَّهَا سِتَّةً أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: وَعُذْرُك شَرْطٌ ضَرْبَتَانِ وَنِيَّةٌ ... وَالْإِسْلَامُ وَالْمَسْحُ الصَّعِيدُ الْمُطَهِّرُ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى سَمَّى الضَّرْبَتَيْنِ شَرْطًا وَإِلَّا فَهُمَا رُكْنٌ. (قَوْلُهُ فَزِدْته) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ زَادَ عَلَى السِّتَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْإِسْلَامَ، فَصَارَ الْمَجْمُوعُ سَبْعَةً مَعَ أَنَّهُ تَرَكَ فِي الْبَيْتِ مِنْ السِّتَّةِ كَوْنَهُ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ فَأَكْثَرَ، وَزَادَ الضَّرْبَ وَالتَّعْمِيمَ: أَيْ الِاسْتِيعَابَ فَصَارَتْ ثَمَانِيَةً، وَأَطْلَقَ الشَّرْطَ عَلَى الْأَخِيرَيْنِ بِنَاءً عَلَى مَا قُلْنَا آنِفًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَغَيَّرْت شَطْرَ بَيْتِهِ الْأَوَّلِ) بَيْتُهُ هُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّغَيُّرَ وَقَعَ فِي الشَّطْرَيْنِ (قَوْلُهُ وَالْإِسْلَامُ) بِنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ إلَى اللَّامِ لِلْوَزْنِ (قَوْلُهُ عُذْرُ) بِإِسْقَاطِ التَّنْوِينِ لِلضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ سَمَّى) بِإِشْبَاعِ حَرَكَةِ الْمِيمِ (قَوْلُهُ وَبَطِّنْ) أَيْ اضْرِبْ بِبَاطِنِ الْكَفَّيْنِ عَلَى الْأَرْضِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا هُوَ الْأَصَحُّ. [تَتِمَّةٌ] زَادَ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ فِي الشُّرُوطِ شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ: الْأَوَّلُ انْقِطَاعُ مَا يُنَافِيهِ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ حَدَثٍ: وَالثَّانِي زَوَالُ مَا يَمْنَعُ الْمَسْحَ عَلَى الْبَشَرَةِ كَشَمْعٍ وَشَحْمٍ، لَكِنْ يُغْنِي عَنْ الثَّانِي الِاسْتِيعَابُ كَمَا لَا يَخْفَى. وَزَادَ فِي الْمُنْيَةِ طَلَبَ الْمَاءِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ هُنَاكَ مَاءً وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَيَطْلُبُهُ غَلْوَةً إنْ ظَنَّ قُرْبَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 (مَنْ عَجَزَ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ تَيَمَّمَ (عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ) الْمُطْلَقِ الْكَافِي لِطَهَارَتِهِ لِصَلَاةٍ تَفُوتُ إلَى خَلَفٍ (لِبُعْدِهِ)   [رد المحتار] وَزَادَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي السُّنَنِ ثَلَاثَةً: الْأُولَى - التَّيَامُنُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَالْمُجْتَبَى. الثَّانِيَةُ - خُصُوصُ الضَّرْبِ عَلَى الصَّعِيدِ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْحَدِيثِ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى الصَّعِيدِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ يَضْرِبُ يَدَيْهِ عَلَى الصَّعِيدِ، وَهَذَا أَوْلَى لِيَدْخُلَ التُّرَابُ فِي أَثْنَاءِ الْأَصَابِعِ. اهـ. الثَّالِثَةُ - أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَخْصُوصَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا عَنْ الْبَدَائِعِ. وَفِي الْفَيْضِ: وَيُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ وَأَصَابِعَهُ، وَيُحَرِّكُ الْخَاتَمَ وَالْقُرْطَ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ تَخْلِيلَ الْأَصَابِعِ لَا بُدَّ مِنْهُ لِيَتِمَّ الِاسْتِيعَابُ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَكَذَا نَزْعُ الْخَاتَمِ أَوْ تَحْرِيكُهُ. اهـ فَبَقِيَ تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ مِنْ السُّنَنِ، فَصَارَ الْمَزِيدُ أَرْبَعَةً؛ وَيُزَادُ خَامِسَةٌ، وَهِيَ كَوْنُ الضَّرْبِ بِظَاهِرِ الْكَفَّيْنِ أَيْضًا كَمَا عَلِمْت تَصْحِيحَهُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ السِّوَاكَ فِي السُّنَنِ مَعَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوهُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، فَيَنْبَغِي ذِكْرُهُ تَأَمَّلْ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ رُكْنَ التَّيَمُّمِ شَيْئَانِ: الضَّرْبُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَمَسْحُ الْعُضْوَيْنِ. وَشَرْطُهُ تِسْعَةٌ: وَهِيَ السِّتَّةُ الَّتِي فِي بَيْتِ الشَّارِحِ، وَكَوْنُ الْمَسْحِ بِأَكْثَرِ الْيَدِ، وَزَوَالُ مَا يُنَافِيهِ، وَطَلَبُ الْمَاءِ لَوْ ظَنَّ قُرْبَهُ. وَسُنَنُهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ: الثَّمَانِيَةُ الَّتِي نَظَّمَهَا، وَالْخَمْسَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا، وَقَدْ نَظَّمْت جَمِيعَ ذَلِكَ فَقُلْت: وَمَسْحٌ وَضَرْبٌ رُكْنُهُ الْعُذْرُ شَرْطُهُ ... وَقَصْدٌ وَإِسْلَامٌ صَعِيدٌ مُطَهِّرُ وَتِطْلَابُ مَاءٍ ظَنَّ تَعْمِيمَ مَسْحِهِ ... بِأَكْثَرِ كَفٍّ فَقْدُهَا الْحَيْضُ يُذْكَرُ وَسُنَّ خُصُوصُ الضَّرْبِ نَفْضٌ تَيَامُنٌ ... وَكَيْفِيَّةُ الْمَسْحِ الَّتِي فِيهِ تُؤْثَرُ وَسَمِّ وَرَتِّبْ وَالِ بَطِّنْ وَظَهِّرَنْ ... وَخَلِّلْ وَفَرِّجْ فِيهِ أَقْبِلْ وَتُدْبِرْ. (قَوْلُهُ مَنْ عَجَزَ) الْعَجْزُ عَلَى نَوْعَيْنِ: عَجْزٌ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ وَالْمَعْنَى، وَعَجْزٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَقَطْ، فَأَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ لِبُعْدِهِ، وَإِلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ أَوْ لِمَرَضٍ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. وَفِيهِ عَنْ الْمُحِيطِ الْمُسَافِرُ يَطَأُ جَارِيَتَهُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ الْمَاءَ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ شُرِعَ طَهُورًا حَالَ عَدَمِ الْمَاءِ؛ وَلَا تُكْرَهُ الْجَنَابَةُ حَالَ وُجُودِهِ فَكَذَا حَالَةَ عَدَمِهِ. اهـ (قَوْلُهُ مُبْتَدَأٌ) الْمُبْتَدَأُ لَفْظُ مَنْ فَقَطْ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الصِّلَةُ وَالْمَوْصُولُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ تَسَمَّحَ فِي إطْلَاقِ الْمُبْتَدَإِ عَلَيْهِمَا ط (قَوْلُهُ الْمُطْلَقِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ كَالْعَدَمِ (قَوْلُهُ الْكَافِي لِطَهَارَتِهِ) أَيْ مِنْ الْخَبَثِ وَالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ أَوْ الْأَكْبَرِ، فَلَوْ وَجَدَ مَاءً يَكْفِي لِإِزَالَةِ الْحَدَثِ أَوْ غَسْلِ النَّجَاسَةِ الْمَانِعَةِ غَسَلَهَا وَتَيَمَّمَ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَإِنْ عَكَسَ وَصَلَّى فِي النَّجِسِ أَجْزَأَهُ وَأَسَاءَ خَانِيَّةٌ، وَلَوْ تَيَمَّمَ أَوَّلًا ثُمَّ غَسَلَهَا يُعِيدُ التَّيَمُّمَ؛ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْوُضُوءِ مُحِيطٌ، وَنَظَرَ فِيهِ فِي الْبَحْرِ بِمَا سَنَذْكُرُهُ مَعَ جَوَابِهِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: إذَا كَانَ لِلْجُنُبِ مَاءٌ يَكْفِي لِبَعْضِ أَعْضَائِهِ أَوْ لِلْوُضُوءِ تَيَمَّمَ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ صَرْفُهُ إلَيْهِ، إلَّا إذَا تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى مَاءٍ كَافٍ، وَلَا يَجِبُ لِأَنَّهُ بِالتَّيَمُّمِ خَرَجَ عَنْ الْجَنَابَةِ إلَى أَنْ يَجِدَ مَاءً كَافِيًا لِلْغُسْلِ، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ. اهـ (قَوْلُهُ لِصَلَاةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لِطَهَارَتِهِ أَوْ بِاسْتِعْمَالٍ، وَاحْتَرَزَ بِهَا عَنْ النَّوْمِ وَرَدِّ السَّلَامِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَأْتِي فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْعَجْزُ (قَوْلُهُ تَفُوتُ إلَى خَلَفٍ) كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَإِنَّ خَلَفَهَا قَضَاؤُهَا، وَكَالْجُمُعَةِ فَإِنَّ خَلَفَهَا الظُّهْرُ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَا يَفُوتُ إلَى خَلَفٍ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالسُّنَنِ وَالرَّوَاتِبِ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا الْعَجْزُ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ لِبُعْدِهِ) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى مَنْ ط، وَقَيَّدَ بِالْعَبْدِ لِأَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِهِ لَا يَتَيَمَّمُ وَإِنْ خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ فِي صَلَاةٍ لَهَا خَلَفٌ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ أَنَّ الْأَحْوَطَ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ ثُمَّ يُعِيدَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وَلَوْ مُقِيمًا فِي الْمِصْرِ (مِيلًا) أَرْبَعَةَ آلَافِ ذِرَاعٍ، وَهُوَ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا، وَهِيَ سِتُّ شُعَيْرَاتٍ ظَهْرٍ لِبَطْنٍ، وَهِيَ سِتُّ شَعَرَاتِ بَغْلٍ (أَوْ لِمَرَضٍ) يَشْتَدُّ أَوْ يَمْتَدُّ بِغَلَبَةِ ظَنٍّ أَوْ قَوْلِ حَاذِقٍ مُسْلِمٍ وَلَوْ بِتَحَرُّكٍ، أَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ تُوَضِّئُهُ، فَإِنْ وَجَدَ وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ وَلَهُ ذَلِكَ لَا يَتَيَمَّمُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.   [رد المحتار] وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ مَا لَوْ ازْدَحَمَ جَمْعٌ عَلَى بِئْرٍ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِقَاءُ مِنْهَا إلَّا بِالْمُنَاوَبَةِ أَوْ كَانُوا عُرَاةً لَيْسَ مَعَهُمْ إلَّا ثَوْبٌ يَتَنَاوَبُونَهُ وَعَلِمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ وَلَا يُصَلِّي عَارِيًّا بَلْ يَصْبِرُ عِنْدَنَا، وَكَذَا لَوْ اجْتَمَعُوا فِي مَكَان ضَيِّقٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مَوْضِعٌ يَسَعُ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا فَقَطْ يَصْبِرُ وَيُصَلِّي قَائِمًا بَعْدَ الْوَقْتِ كَعَاجِزٍ عَنْ الْقِيَامِ وَالْوُضُوءِ فِي الْوَقْتِ وَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ الْقُدْرَةُ بَعْدَهُ، وَكَذَا مَنْ مَعَهُ ثَوْبٌ نَجِسٌ وَمَاءٌ يَلْزَمُهُ غَسْلُ الثَّوْبِ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ بَحْرٌ مُلَخَّصًا عَنْ التَّوْشِيحِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُقِيمًا) لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْعَدَمُ فَأَيْنَمَا تَحَقَّقَ جَازَ التَّيَمُّمُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَسْرَارِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مِيلًا) هُوَ الْمُخْتَارُ فِي الْمِقْدَارِ هِدَايَةٌ، وَهُوَ أَقْرَبُ الْأَقْوَالِ بَدَائِعُ. وَالْمُعْتَبَرُ غَلَبَةُ الظَّنِّ فِي تَقْدِيرِهِ إمْدَادٌ وَغَيْرُهُ. وَالْمِيلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مُنْتَهَى مَدِّ الْبَصَرِ: وَقِيلَ لِلْأَعْلَامِ الْمَبْنِيَّةِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ أَمْيَالٌ لِأَنَّهَا بُنِيَتْ كَذَلِكَ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمُغْرِبِ، وَالْمُرَادُ هُنَا ثُلُثُ الْفَرْسَخِ. وَالْفَرْسَخُ رُبُعُ الْبَرِيدِ. (قَوْلُهُ أَرْبَعَةَ آلَافِ ذِرَاعٍ) كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالنَّهْرِ وَالْجَوْهَرَةِ. وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ إنَّهُ الْمَشْهُورُ كَمَا نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ السُّرُوجِيُّ فِي غَايَتِهِ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْعَيْنِيِّ وَمِسْكِينٍ وَالْبَحْرِ عَنْ الْيَنَابِيعِ أَنَّهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ خُطْوَةٍ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مِنْ التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُرَادَ بِالذِّرَاعِ مَا فِيهِ أُصْبُعٌ قَائِمَةٌ عِنْدَ كُلِّ قَبْضَةٍ فَيَبْلُغُ ذِرَاعًا وَنِصْفًا بِذِرَاعِ الْعَامَّةِ. اهـ. فِيهِ نَظَرٌ لِضَبْطِهِمْ الذِّرَاعَ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الذِّرَاعُ بِعَدَدِ حُرُوفِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَرْسُومَةِ (قَوْلُهُ ظَهْرٌ لِبَطْنٍ) أَيْ يَلْصَقُ ظَهْرَ كُلِّ شُعَيْرَةٍ لِبَطْنِ الْأُخْرَى. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ظَهْرًا بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ مُوَافِقًا لِمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ: أَيْ مُلْصَقًا (قَوْلُهُ يَشْتَدُّ) أَيْ يَزِيدُ فِي ذَاتِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ يَمْتَدُّ: أَيْ يَطُولُ زَمَنُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ صَحِيحًا خَافَ حُدُوثَ مَرَضٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ بَرْدٍ (قَوْلُهُ بِغَلَبَةِ ظَنٍّ) أَيْ عَنْ أَمَارَةٍ أَوْ تَجْرِبَةٍ شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ أَوْ قَوْلِ حَاذِقٍ مُسْلِمٍ) أَيْ إخْبَارِ طَبِيبٍ حَاذِقٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ، وَقِيلَ عَدَالَتُهُ شَرْطٌ شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلَةُ وَلَوْ بِتَحَرُّكٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيَشْتَدُّ. اهـ ح وَلَا مَانِعَ مِنْ تَعَلُّقِهِ بِيَمْتَدُّ أَيْضًا لِأَنَّ التَّحَرُّكَ يَكُونُ سَبَبًا فِي الِامْتِدَادِ أَيْضًا ط. وَفِي الْبَحْرِ: وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ أَنْ يَشْتَدَّ بِالتَّحَرُّكِ كَالْمَبْطُونِ أَوْ بِالِاسْتِعْمَالِ كَالْجُدَرِيِّ (قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَجِدْ) أَيْ أَوْ كَانَ لَا يَخَافُ الِاشْتِدَادَ وَلَا الِامْتِدَادَ، لَكِنَّهُ لَا يَقْدِرُ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُوَضِّئُهُ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ) حَاصِلُ مَا فِيهِ أَنَّهُ إنْ وَجَدَ خَادِمًا: أَيْ مَنْ تَلْزَمُهُ طَاعَتُهُ كَعَبْدِهِ وَوَلَدِهِ وَأَجِيرِهِ لَا يَتَيَمَّمُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ مِمَّنْ لَوْ اسْتَعَانَ بِهِ أَعَانَهُ وَلَوْ زَوْجَتَهُ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ. وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ يَتَيَمَّمُ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا كَالْخِلَافِ فِي مَرِيضٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ أَوْ التَّحَوُّلِ مِنْ الْفِرَاشِ النَّجِسِ وَوَجَدَ مَنْ يُوَجِّهُهُ أَوْ يُحَوِّلُهُ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَا يُعْتَبَرُ الْمُكَلَّفُ قَادِرًا بِقُدْرَةِ الْغَيْرِ. وَالْفَرْقُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَرِيضَ يُخَافُ عَلَيْهِ زِيَادَةُ الْوَجَعِ فِي قِيَامِهِ وَتَحَوُّلِهِ لَا فِي الْوُضُوءِ. اهـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وَفِيهِ: لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ تَوْضِيء صَاحِبِهِ وَتَعَهُّدُهُ، وَفِي مَمْلُوكِهِ يَجِبُ (أَوْ بَرْدٍ) يُهْلِكُ الْجُنُبَ أَوْ يُمْرِضُهُ وَلَوْ فِي الْمِصْرِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ أُجْرَةُ حَمَّامٍ وَلَا مَا يُدَفِّئُهُ، وَمَا قِيلَ إنَّهُ فِي زَمَانِنَا يَتَحَيَّلُ بِالْعِدَةِ فَمِمَّا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الشَّرْعُ، نَعَمْ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ نَسِيئَةً وَإِلَّا لَا (أَوْ خَوْفِ عَدُوٍّ) كَحَيَّةٍ أَوْ نَارٍ عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ مِنْ فَاسِقٍ أَوْ حَبْسِ غَرِيمٍ أَوْ مَالِهِ   [رد المحتار] أَقُولُ: حَاصِلُ الْفَرْقِ أَنَّ زِيَادَةَ الْمَرَضِ حَاصِلَةٌ بِالْأَوَّلِ لَا بِالثَّانِي لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَخَافُ الِاشْتِدَادَ وَلَا الِامْتِدَادَ، فَلَمْ يَكُنْ عَاجِزًا حَقِيقَةً فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِعَانَةُ عَلَى وُضُوئِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ حَقِيقَةً فَلَا تَلْزَمُهُ الِاسْتِعَانَةُ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ فِي الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَخَفْ الزِّيَادَةَ لَكِنَّهُ لَا يَقْدِرُ بِنَفْسِهِ فَهُوَ عَاجِزٌ حَقِيقَةً أَيْضًا، وَلَيْسَ الْمُبِيحُ لِلتَّيَمُّمِ هُوَ خُصُوصُ زِيَادَةِ الْمَرَضِ تَأَمَّلْ وَفِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ مَا فِي التَّجْنِيسِ أَنَّهُ لَوْ لَهُ مَالٌ يَسْتَأْجِرُ بِهِ أَجِيرًا لَا يَتَيَمَّمُ قَلَّ الْأَجْرُ أَوْ كَثُرَ. وَفِي الْمُبْتَغَى خِلَافُهُ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْجَوَازِ لَوْ قَلِيلًا. اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْقَلِيلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَمَا بَحَثَهُ فِي النَّهْرِ وَالْحِلْيَةِ وَبِهِ جَزَمَ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ وَفِيهِ) أَيْ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: لَمَّا كَانَ عَلَى السَّيِّدِ تَعَاهُدُ الْعَبْدِ فِي مَرَضِهِ كَانَ عَلَى عَبْدِهِ أَنْ يَتَعَاهَدَهُ فِي مَرَضِهِ، وَالزَّوْجَةُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُعَاهِدَهَا فِي مَرَضِهَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ إذَا مَرِضَ، فَلَا يُعَدُّ قَادِرًا بِفِعْلِهَا. اهـ لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ إنْ كَانَ لَوْ اسْتَعَانَ بِالزَّوْجَةِ تُعِينُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهَا (قَوْلُهُ تَوْضِيء) بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ فِي أَوَّلِهِ وَفِي آخِرِهِ هَمْزَةٌ قَبْلَهَا يَاءٌ مَمْدُودَةٌ مَصْدَرُ وَضَّأَ بِالتَّشْدِيدِ مِثْلُ فَرَّحَ تَفْرِيحًا (قَوْلُهُ يَجِبُ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوَضِّئَ مَمْلُوكَهُ وَكَذَا عَكْسُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ يُهْلِكُ الْجُنُبَ أَوْ يُمْرِضُهُ) قَيَّدَ بِالْجُنُبِ؛ لِأَنَّ الْمُحْدِثَ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ لِلْبَرْدِ فِي الصَّحِيحِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا. وَفِي الْمُصَفَّى أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ فِي الْفَتْحِ وَكَأَنَّهُ لِعَدَمِ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ عَادَةً. اهـ. وَاسْتَشْكَلَهُ الرَّمْلِيُّ بِمَا صَحَّحَهُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ خَافَ سُقُوطَ رِجْلِهِ مِنْ الْبَرْدِ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّتِهِ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ. قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا إلَّا تَيَمُّمَ الْمُحْدِثِ لِخَوْفِهِ عَلَى عُضْوِهِ، فَيَتَّجِهُ مَا فِي الْأَسْرَارِ مِنْ اخْتِيَارِ قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ. أَقُولُ: الْمُخْتَارُ فِي مَسْأَلَةِ الْخُفِّ هُوَ الْمَسْحُ لَا التَّيَمُّمُ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - نَعَمْ مُفَادُ التَّعْلِيلِ بِعَدَمِ تَحْقِيقِ الضَّرَرِ فِي الْوُضُوءِ عَادَةً أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ جَازَ فِيهِ أَيْضًا اتِّفَاقًا، وَلِذَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْإِمْدَادِ؛ لِأَنَّ الْحَرَجَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ، هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي الْعَصْرِ) أَيْ خِلَافًا لَهُمَا (قَوْلُهُ وَلَا مَا يُدَفِّئُهُ) أَيْ مِنْ ثَوْبٍ يَلْبَسُهُ أَوْ مَكَان يَأْوِيهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى قَدَرَ عَلَى الِاغْتِسَالِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لَا يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ مَا قِيلَ إلَخْ) أَيْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ أَجْرَ الْحَمَّامِ فِي زَمَانِ الْإِمَامِ كَانَ يُؤْخَذُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَمَّا فِي زَمَانِهِمَا فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بَعْدَهُ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْأُجْرَةِ دَخَلَ ثُمَّ يَتَعَلَّلُ بِالْعُسْرَةِ وَبُعْدِ الْإِعْطَاءِ (قَوْلُهُ فَمِمَّا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الشَّرْعُ) فَإِنَّ الْحَمَّامِيَّ لَوْ عَلِمَ لَا يَرْضَى بِدُخُولِهِ، فَفِيهِ تَغْرِيرٌ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْحِلْيَةِ: وَمَنْ ادَّعَى إبَاحَتَهُ فَضْلًا عَنْ تَعَيُّنِهِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ (قَوْلُهُ نَعَمْ إلَخْ) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْحِلْيَةِ وَأَقَرَّهُ (قَوْلُهُ عَلَى نَفْسِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِخَوْفِ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ فَاسِقٍ) بِأَنْ كَانَ عِنْدَ الْمَاءِ وَخَافَتْ الْمَرْأَةُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهَا بَحْرٌ، وَالْأَمْرَدُ فِي حُكْمِهَا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ أَوْ حَبْسِ غَرِيمٍ) بِأَنْ كَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ عِنْدَ الْمَاءِ وَخَافَ الْمَدْيُونُ الْمُفْلِسُ مِنْ الْحَبْسِ بَحْرٌ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُعْسِرًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِالْمَطْلِ (قَوْلُهُ أَوْ مَالِهِ) عَطْفٌ عَلَى نَفْسِهِ ح، وَلَمْ أَرَ مَنْ قَدَّرَ الْمَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وَلَوْ أَمَانَةً: ثُمَّ إنْ نَشَأَ الْخَوْفُ بِسَبَبِ وَعِيدِ عَبْدٍ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَإِلَّا لَا؛ لِأَنَّهُ سَمَاوِيٌّ (أَوْ عَطَشٍ) وَلَوْ لِكَلْبِهِ أَوْ رَفِيقِ الْقَافِلَةِ حَالًا أَوْ مَآلًا، وَكَذَا الْعَجِينُ، أَوْ إزَالَةُ نَجَسٍ كَمَا سَيَجِيءُ: وَقَيَّدَ ابْنُ الْكَمَالِ عَطَشَ دَوَابِّهِ بِتَعَذُّرِ حِفْظِ الْغُسَالَةِ بِعَدَمِ الْإِنَاءِ. وَفِي السِّرَاجِ لِلْمُضْطَرِّ أَخْذُهُ قَهْرًا وَقِتَالُهُ،   [رد المحتار] بِمِقْدَارٍ، وَسَنَذْكُرُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة مَا يُفِيدُ تَقْدِيرَهُ بِدِرْهَمٍ كَمَا يَجُوزُ لَهُ قَطْعُ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَمَانَةً) عَدَّ الْأَمَانَةَ مَالَهُ بِاعْتِبَارِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهَا ط (قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ نَشَأَ الْخَوْفُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْوُضُوءِ إنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ: كَأَسِيرٍ مَنَعَهُ الْكُفَّارُ مِنْ الْوُضُوءِ، وَمَحْبُوسٍ فِي السِّجْنِ، وَمَنْ قِيلَ لَهُ إنْ تَوَضَّأْت قَتَلْتُك جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ إذَا زَالَ الْمَانِعُ كَذَا فِي الدُّرَرِ وَالْوِقَايَةِ: أَيْ وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمَرَضِ فَلَا يُعِيدُ. وَوَقَعَ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا: أَسِيرٌ مَنَعَهُ الْعَدُوُّ مِنْ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ ثُمَّ يُعِيدُ، فَقَيَّدَ بِالْإِيمَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُنِعَ مِنْ الصَّلَاةِ أَيْضًا: فَلَوْ مُنِعَ مِنْ الْوُضُوءِ فَقَطْ صَلَّى بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الدُّرَرِ، أَفَادَهُ نُوحٌ أَفَنْدِي. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ هَلْ هُوَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا إعَادَةَ، أَوْ مِنْ الْعَبْدِ فَتَجِبُ؟ ذَهَبَ فِي الْمِعْرَاجِ إلَى الْأَوَّلِ، وَفِي النِّهَايَةِ إلَى الثَّانِي، وَوَفَّقَ فِي الْبَحْرِ بِحَمْلِ الثَّانِي عَلَى مَا إذَا حَصَلَ وَعِيدٌ مِنْ الْعَبْدِ نَشَأَ مِنْهُ الْخَوْفُ فَكَانَ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ، وَحَمَلَ الْأَوَّلَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ أَصْلًا بَلْ حَصَلَ خَوْفٌ مِنْهُ فَكَانَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى لِتَجَرُّدِهِ عَنْ مُبَاشَرَةِ السَّبَبِ وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ مِنْهُ تَعَالَى خَلْقًا وَإِرَادَةً. قَالَ: ثُمَّ رَأَيْت فِي الْحِلْيَةِ صَرَّحَ بِمَا فَهِمْته وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدَّمَ الشَّارِحُ فِي الْغُسْلِ أَنَّ الْمَرْأَةَ بَيْنَ رِجَالٍ تَتَيَمَّمُ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الرَّجُلَ كَذَلِكَ، وَأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ شَرْعِيٌّ وَهُوَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ عِنْدَ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ رُؤْيَتُهَا وَالْمَانِعُ مِنْهُ الْحَيَاءُ وَخَوْفُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُمَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ. [فَرْعٌ] فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ: أَجِيرٌ لَا يَجِدُ الْمَاءَ إلَّا فِي نِصْفِ مِيلٍ لَا يُعْذَرُ فِي التَّيَمُّمِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمُسْتَأْجِرُ تَيَمَّمَ وَأَعَادَ، وَلَوْ صَلَّى صَلَاةً أُخْرَى وَهُوَ يَذْكُرُ هَذِهِ تَفْسُدُ (قَوْلُهُ أَوْ عَطَشٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى عَدُوٍّ: أَيْ؛ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ وَالْمَشْغُولُ بِالْحَاجَةِ كَالْمَعْدُومِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ لِكَلْبِهِ) قَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ بِكَلْبِ الْمَاشِيَةِ وَالصَّيْدِ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يُعْطَى هَذَا الْحُكْمَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلْبَ الْحِرَاسَةِ لِلْمَنْزِلِ مِثْلُهَا ط (قَوْلُهُ أَوْ رَفِيقِ الْقَافِلَةِ) سَوَاءٌ كَانَ رَفِيقَهُ الْمُخَالِطَ لَهُ أَوْ آخَرَ مِنْ أَهْلِ الْقَافِلَةِ بَحْرٌ، وَعَطَشُ دَابَّةِ رَفِيقِهِ كَعَطَشِ دَابَّتِهِ نُوحٌ (قَوْلُهُ حَالًا أَوْ مَآلًا) ظَرْفٌ لِعَطَشِ أَوْ لَهُ وَلِرَفِيقٍ عَلَى التَّنَازُعِ كَمَا قَالَ ح: أَيْ الرَّفِيقُ فِي الْحَالِ أَوْ مَنْ سَيَحْدُثُ لَهُ. قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ: فَمَنْ عِنْدَهُ مَاءٌ كَثِيرٌ فِي طَرِيقِ الْحَاجِّ أَوْ غَيْرِهِ وَفِي الرَّكْبِ مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْفُقَرَاءِ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، بَلْ رُبَّمَا يُقَالُ إذَا تَحَقَّقَ احْتِيَاجُهُمْ يَجِبُ بَذْلُهُ إلَيْهِمْ لِإِحْيَاءِ مُهَجِهِمْ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْعَجِينُ) فَلَوْ احْتَاجَ إلَيْهِ لِاِتِّخَاذِ الْمَرَقَةِ لَا يَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الطَّبْخِ دُونَ حَاجَةِ الْعَطَشِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ إزَالَةُ نَجَسٍ) أَيْ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَفِي الْفَيْضِ: لَوْ مَعَهُ مَا يَغْسِلُ بَعْضَ النَّجَاسَةِ لَا يَلْزَمُهُ. اهـ. قُلْت: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ تَبْلُغْ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، فَإِذَا كَانَ فِي طَرَفَيْ ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ وَكَانَ إذَا غَسَلَ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ بَقِيَ مَا فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ يَلْزَمُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي النَّوَاقِضِ (قَوْلُهُ بِعَدَمِ الْإِنَاءِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَعَذُّرِ ط (قَوْلُهُ لِلْمُضْطَرِّ أَخْذُهُ) أَيْ إذَا امْتَنَعَ صَاحِبُ الْمَاءِ مِنْ دَفْعِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ وَهُنَاكَ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ كَانَ لَهُ أَخْذُهُ مِنْهُ قَهْرًا وَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ سِرَاجٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 فَإِنْ قُتِلَ رَبُّ الْمَاءِ فَهَدَرٌ وَإِنْ الْمُضْطَرُّ ضَمِنَ بِقَوَدٍ أَوْ دِيَةٍ (أَوْ عَدَمِ آلَةٍ) طَاهِرَةٍ يَسْتَخْرِجُ بِهَا الْمَاءَ وَلَوْ شَاشًا وَإِنْ نَقَصَ بِإِدْلَائِهِ أَوْ شَقِّهِ نِصْفَيْنِ قَدْرَ قِيمَةِ الْمَاءِ، كَمَا لَوْ وَجَدَ مَنْ يَنْزِلُ إلَيْهِ بِأَجْرٍ (تَيَمَّمَ) لِهَذِهِ الْأَعْذَارِ كُلِّهَا، حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ ثُمَّ مَرِضَ مَرَضًا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ لَمْ يُصَلِّ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ   [رد المحتار] قُلْت: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهِ مَجَّانًا أَوْ بِالثَّمَنِ، وَلِلْمُضْطَرِّ ثَمَنُهُ وَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ الشُّرْبِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ. قَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ تَبَعًا لِلْمِنَحِ وَالزَّيْلَعِيِّ: هَذَا فِي غَيْرِ الْمُحَرَّزِ بِالْأَوَانِي، وَإِلَّا قَاتَلَهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ إذَا كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ حَاجَتِهِ لِمِلْكِهِ لَهُ بِالْإِحْرَازِ، فَصَارَ نَظِيرَ الطَّعَامِ. وَقِيلَ فِي الْبِئْرِ وَنَحْوِهَا الْأَوْلَى أَنْ يُقَاتِلَهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً، فَكَانَ كَالتَّعْزِيرِ كَمَا فِي الْكَافِي. اهـ (قَوْلُهُ فَإِنْ قُتِلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (قَوْلُهُ فَهَدَرٌ) أَيْ لَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ سِرَاجٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الْمُضْطَرُّ قِيمَةَ الْمَاءِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ بِقَوَدٍ) أَيْ بِقِصَاصٍ إنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا كَأَنْ قَتَلَهُ بِمُحَدَّدٍ (قَوْلُهُ أَوْ دِيَةٍ) أَيْ إنْ كَانَ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ أَوْ جَرَى مَجْرَى الْخَطَأِ، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَعَلَى الْقَاتِلِ الْكَفَّارَةُ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ ط قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَاءِ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لِلْعَطَشِ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ الْأَجْنَبِيُّ لِلْوُضُوءِ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ، وَلَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ أَخْذُهُ مِنْهُ قَهْرًا (قَوْلُهُ طَاهِرَةٍ) أَمَّا النَّجِسَةُ فَكَالْعَدَمِ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَاشًا) أَيْ وَنَحْوَهُ مِمَّا يُمْكِنُ إدْلَاؤُهُ وَاسْتِخْرَاجُ الْمَاءِ بِهِ قَلِيلًا وَعَصْرُهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَقَصَ إلَى قَوْلِهِ تَيَمَّمَ) نَقَلَهُ فِي التَّوْشِيحِ عَنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِنَا، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ، وَكَذَا أَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَكِنْ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ: قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ: إنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ الْمِنْدِيلِ قَدْرَ دِرْهَمٍ تَيَمَّمَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ، وَلَوْ أَقَلَّ فَلَا؛ كَمَا لَوْ رَأَى الْمُصَلِّي مَنْ يَسْرِقُ مَالَهُ، فَإِنْ كَانَ قَدْرَ دِرْهَمٍ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَإِلَّا فَلَا كَذَا هُنَا. اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ أَقْرَبُ إلَى الْقَوَاعِدِ، أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ يُبَاعُ يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمٍ، وَلَكِنَّ الرُّجُوعَ إلَى الْمَنْقُولِ فِي الْمَذْهَبِ بَعْدَ الظَّفَرِ بِهِ أَوْلَى، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ أَنَّ الشِّرَاءَ وَإِنْ كَثُرَ ثَمَنُهُ لَا يُسَمَّى إتْلَافًا؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ بِعِوَضٍ، بِخِلَافِ إتْلَافِ الْمِنْدِيلِ وَنَحْوِهِ بِالْإِدْلَاءِ أَوْ بِالشَّقِّ فَإِنَّهُ إتْلَافٌ بِلَا عِوَضٍ وَهُوَ مَنْهِيٌّ شَرْعًا. وَإِذَا جَازَ قَطْعُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا لِأَجْلِ دِرْهَمٍ عُلِمَ أَنَّ الدِّرْهَمَ قَدْرٌ مُعْتَبَرٌ لَهُ خَطَرٌ فَلَا يَجُوزُ إتْلَافُهُ فِيمَا لَهُ عَنْهُ مَنْدُوحَةٌ؛ لِأَنَّهُ عَادِمٌ لِلْمَاءِ شَرْعًا فَيَتَيَمَّمُ. وَإِذَا جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ فِيمَا إذَا كَانَ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمَاءِ وَجُعِلَ عَادِمًا لِلْمَاءِ مُرَاعَاةً لِحَقِّهِ يُجْعَلُ عَادِمًا لِلْمَاءِ هُنَا أَيْضًا مُرَاعَاةً لِحَقِّهِ وَحَقِّ الشَّرْعِ فِي الِامْتِنَاعِ عَنْ الْإِتْلَافِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي السَّقِيمِ، وَاَللَّهُ الْعَلِيمُ (قَوْلُهُ أَوْ شَقِّهِ) أَيْ إذَا كَانَ لَا يَصِلُ إلَى الْمَاءِ بِدُونِهِ (قَوْلُهُ قَدْرَ قِيمَةِ الْمَاءِ) أَيْ وَآلَةِ الِاسْتِقَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ فِي صُورَةِ الشَّقِّ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّ صُورَةَ الْإِدْلَاءِ كَذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِأَجْرٍ) أَيْ أَجْرِ الْمِثْلِ فَيَلْزَمُهُ وَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ وَإِلَّا جَازَ بِلَا إعَادَةٍ بَحْرٌ عَنْ التَّوْشِيحِ (قَوْلُهُ كُلِّهَا) أَيْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ إلَخْ) أَشَارَ بِالتَّفْرِيعِ الْمَذْكُورِ إلَى أَنَّ كُلَّ عُذْرٍ مِنْهَا إنَّمَا يُسَمَّى عُذْرًا مَادَامَ مَوْجُودًا، فَلَوْ زَالَ بَطَلَ حُكْمُهُ وَإِنْ وُجِدَ بَعْدَهُ عُذْرٌ آخَرُ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ يَنْقُضُهُ زَوَالُ مَا أَبَاحَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ ثُمَّ مَرِضَ إلَخْ) صَادِقٌ بِثَلَاثِ صُوَرٍ: أَنْ يَكُونَ وَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَ الْمَرَضِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ بَقِيَ عَادِمًا لَهُ، وَلَا شُبْهَةَ أَنَّهُ فِي الْأُولَى يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ لِعَدَمِ زَوَالِ مَا أَبَاحَهُ وَلِأَنَّ اخْتِلَافَ السَّبَبِ لَا يَظْهَرُ إلَّا إذَا زَالَ الْأَوَّلُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّانِيَةُ فَقَطْ، فَإِذَا تَيَمَّمَ لِفَقْدِ الْمَاءِ ثُمَّ مَرِضَ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَهُ لَا يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِفَقْدِ الْمَاءِ، وَالْآنَ هُوَ وَاجِدٌ لَهُ فَبَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِزَوَالِ مَا أَبَاحَهُ وَإِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ أَسْبَابِ الرُّخْصَةِ يَمْنَعُ الِاحْتِسَابَ بِالرُّخْصَةِ الْأُولَى وَتَصِيرُ الْأُولَى كَأَنْ لَمْ تَكُنْ، جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ فَلْيُحْفَظْ (مُسْتَوْعِبًا وَجْهَهُ) حَتَّى لَوْ تَرَكَ شَعْرَهُ أَوْ وَتَرَةَ مَنْخَرِهِ لَمْ يَجُزْ (وَيَدَيْهِ) فَيَنْزِعُ الْخَاتَمَ وَالسِّوَارَ أَوْ يُحَرِّكُ بِهِ يُفْتَى (مَعَ مِرْفَقَيْهِ) فَيَمْسَحُهُ الْأَقْطَعُ (بِضَرْبَتَيْنِ) وَلَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا، لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا : لَوْ حَرَّكَ   [رد المحتار] كَانَ لَهُ مُبِيحٌ آخَرُ فِي الْحَالِ، وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ فِي النَّوَاقِضِ بِقَوْلِهِ: فَإِذَا تَيَمَّمَ لِلْمَرَضِ أَوْ لِلْبَرْدِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ ثُمَّ فَقَدَ الْمَاءَ ثُمَّ زَالَ الْمَرَضُ أَوْ الْبَرْدُ يَنْتَقِضُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ مَوْجُودًا. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ. أَقُولُ: لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَدَائِعِ لَوْ مَرَّ الْمُتَيَمِّمُ عَلَى مَاءٍ لَا يَسْتَطِيعُ النُّزُولَ إلَيْهِ لِخَوْفِ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ لَا يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ، وَقَالَ هَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِدٍ لِلْمَاءِ مَعْنًى فَكَانَ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمُنْيَةِ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ خَوْفَ الْعَدُوِّ سَبَبٌ آخَرُ غَيْرُ الَّذِي أَبَاحَ لَهُ التَّيَمُّمَ أَوَّلًا، فَإِنَّ الظَّاهِرَ فِي فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ تَيَمَّمَ أَوَّلًا لِفَقْدِ الْمَاءِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ السَّبَبَ الْأَوَّلَ هُنَا بَاقٍ، وَفِيهِ بَحْثٌ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ أَسْبَابِ الرُّخْصَةِ إلَخْ) الرُّخْصَةُ هُنَا التَّيَمُّمُ، وَأَسْبَابُهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمَذْكُورَةِ وَسَنُحَقِّقُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ (قَوْلُهُ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ) هُوَ كِتَابٌ مُعْتَبَرٌ لِابْنِ قَاضِي سَمَاوَةَ، جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ فُصُولِ الْعِمَادِيِّ وَفُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيِّ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِيهِ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ فِي أَحْكَامِ الْمَرْضَى. (قَوْلُهُ مُسْتَوْعِبًا) أَيْ يَتَيَمَّمُ تَيَمُّمًا مُسْتَوْعِبًا فَهُوَ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ حَالًا فَيُفِيدُ أَنَّهُ رُكْنٌ، وَعَلَى الْحَالِيَّةِ يَصِيرُ شَرْطًا خَارِجًا عَنْ الْمَاهِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ شُرُوطٌ عَلَى مَا عُرِفَ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ تَرَكَ شَعْرَةً) قَالَ فِي الْفَتْحِ: يَمْسَحُ مِنْ وَجْهِهِ ظَاهِرَ الْبَشَرَةِ وَالشَّعْرَ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ وَكَذَا الْعِذَارُ، وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ مُجْتَبًى، وَمَا تَحْتَ الْحَاجِبَيْنِ فَوْقَ الْعَيْنَيْنِ مُحِيطٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَوْ وَتَرَةَ مَنْخَرِهِ) هِيَ الَّتِي بَيْنَ الْمَنْخَرَيْنِ ابْنُ كَمَالٍ، لَكِنْ فِي الْقَامُوسِ: الْوَتَرَةُ مُحَرَّكَةً حَرْفُ الْمَنْخَرِ، وَالْوَتِيرَةُ: حِجَابُ مَا بَيْنَ الْمَنْخَرَيْنِ. (قَوْلُهُ وَيَدَيْهِ) عَطَفَ بِالْوَاوِ دُونَ ثُمَّ إشَارَةً إلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ فِيهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَأَصْلِهِ بَحْرٌ، وَالْحُكْمُ فِي الْيَدِ الزَّائِدَةِ كَالْوُضُوءِ ط (قَوْلُهُ فَيَنْتَزِعُ الْخَاتَمَ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ لَمْ يُحَرِّكْ الْخَاتَمَ، إنْ كَانَ ضَيِّقًا، وَكَذَا الْمَرْأَةُ السِّوَارَ لَمْ يَجُزْ. اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّحْرِيكَ مَسْحٌ لِمَا تَحْتَهُ، إذْ الشَّرْطُ الْمَسْحُ لَا وُصُولُ التُّرَابِ فَافْهَمْ، لَكِنَّ التَّقْيِيدَ بِالضَّيِّقِ يُفْهَمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاسِعًا لَا يَلْزَمُ تَحْرِيكُهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقَالُ فِيهِ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي التَّخْلِيلِ. (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) أَيْ بِلُزُومِ الِاسْتِيعَابِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ خَانِيَّةٌ وَغَيْرُهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ زَيْلَعِيٌّ، وَمُقَابِلُهُ مَا رُوِيَ أَنَّ الْأَكْثَرَ كَالْكُلِّ (قَوْلُهُ فَيَمْسَحُهُ) أَيْ الْمِرْفَقَ الْمَفْهُومَ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ ط (قَوْلُهُ الْأَقْطَعُ) أَيْ مِنْ الْمِرْفَقِ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْهُ وَلَوْ رَأْسَ الْعَضُدِ؛ لِأَنَّ الْمِرْفَقَ مَجْمُوعُ رَأْسَيْ الْعَظْمَاتِ رَحْمَتِيٌّ، فَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ فَوْقَ الْمِرْفَقَيْنِ لَا يَجِبُ اتِّفَاقًا ط (قَوْلُهُ بِضَرْبَتَيْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَيَمَّمَ أَوْ بِمُسْتَوْعِبًا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ، وَإِنَّمَا آثَرَ عِبَارَةَ الضَّرْبِ عَلَى عِبَارَةِ الْوَضْعِ لِكَوْنِهَا مَأْثُورَةً، وَإِلَّا فَهِيَ لَيْسَتْ بِضَرْبَةِ لَازِبٍ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ نَبَّهَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْأُصُولِ عَلَى أَنَّ الْوَضْعَ كَافٍ، وَالْمُرَادُ بَيَانُ كِفَايَةِ الضَّرْبَتَيْنِ لَا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي التَّيَمُّمِ مِنْهُمَا ابْنُ كَمَالٍ وَقَدَّمْنَاهُ، تَمَامُ عِبَارَتِهِ: وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ فَائِدَةَ الْعَدَدِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ضَرْبَةٍ ثَالِثَةٍ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِهِ) فَلَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَنْ يُيَمِّمَهُ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَ الْآمِرُ بَحْرٌ. قَالَ ط: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْفِي مِنْ الْغَيْرِ ضَرْبَتَانِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا يَأْتِي عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا) أَيْ خِلَافًا لِأَبِي شُجَاعٍ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ مَعَ ثَمَرَةِ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ) عِبَارَتُهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي مَوْضِعِ الْغُبَارِ بِنِيَّةِ التَّيَمُّمِ يَجُوزُ، وَلَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 رَأْسَهُ أَوْ أَدْخَلَهُ فِي مَوْضِعِ الْغُبَارِ بِنِيَّةِ التَّيَمُّمِ جَازَ وَالشَّرْطُ وُجُودُ الْفِعْلِ مِنْهُ (وَلَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا) طَهُرَتْ لِعَادَتِهَا (أَوْ نُفَسَاءَ بِمُطَهِّرٍ   [رد المحتار] انْهَدَمَ الْحَائِطُ وَظَهَرَ الْغُبَارُ فَحَرَّكَ رَأْسَهُ وَنَوَى التَّيَمُّمَ جَازَ. وَالشَّرْطُ وُجُودُ الْفِعْلِ مِنْهُ. اهـ: أَيْ الشَّرْطُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وُجُودُ الْفِعْلِ مِنْهُ وَهُوَ الْمَسْحُ أَوْ التَّحْرِيكُ وَقَدْ وُجِدَ، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الضَّرْبَ غَيْرُ لَازِمٍ كَمَا مَرَّ، وَفِعْلُ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ قَائِمٌ مَقَامَ فِعْلِهِ فَهُوَ مِنْهُ فِي الْمَعْنَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ طَهُرَتْ لِعَادَتِهَا) اعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَكَمَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْجُنُبِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ إذَا كَانَ أَيَّامُ حَيْضِهَا عَشْرًا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَلَا. اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ غَيْرُ صَحِيحٍ، بِدَلِيلِ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ فَتَيَمَّمَتْ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَصَلَّتْ جَازَ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا إلَخْ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِحَمْلِ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَلَى مَا إذَا انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ عَادَتِهَا، لِمَا سَيَأْتِي فِي الْحَيْضِ مِنْ أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَحِلُّ قُرْبَانُهَا وَإِنْ اغْتَسَلَتْ فَضْلًا عَنْ التَّيَمُّمِ. اهـ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ الظَّهِيرِيَّةِ إذَا كَانَ أَيَّامُ حَيْضِهَا عَشْرًا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ عَادَتُهَا، فَهَذَا الْحَمْلُ بَعِيدٌ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ كَلَامَ الظَّهِيرِيَّةِ صَحِيحٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ التَّيَمُّمَ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ الْعِيدِ يَصِحُّ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ كَمَا يَأْتِي، وَهَذَا فِي الْمُحْدِثِ ظَاهِرٌ، وَكَذَا فِي الْجُنُبِ. وَأَمَّا الْحَائِضُ فَإِذَا طَهُرَتْ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ فَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ وَلَمْ يَبْقَ مَعَهَا سِوَى الْجَنَابَةِ فَهِيَ كَالْجُنُبِ. وَأَمَّا إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لِدُونِ الْعَشَرَةِ فَلَا تَخْرُجُ مِنْ الْحَيْضِ مَا لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهَا بِأَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ، بِأَنْ تَصِيرَ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا أَوْ تَغْتَسِلَ أَوْ تَتَيَمَّمَ بِشَرْطِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَقَوْلُهُمْ أَوْ تَتَيَمَّمَ بِشَرْطِهِ أَرَادُوا بِهِ التَّيَمُّمَ الْكَامِلَ الْمُبِيحَ لِصَلَاةِ الْفَرَائِضِ، وَهُوَ مَا يَكُونُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ. وَأَمَّا التَّيَمُّمُ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ عِيدٍ خِيفَ فَوْتُهَا فَغَيْرُ كَامِلٍ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَعَ حُضُورِ الْمَاءِ، لِهَذَا لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْفَرْضِ بِهِ وَلَا صَلَاةُ جِنَازَةٍ حَضَرَتْ بَعْدَهُ، فَعَلِمْنَا بِذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ تَيَمَّمَتْ لِذَلِكَ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّيَمُّمَ غَيْرُ كَامِلٍ. وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ التَّيَمُّمُ لِقِيَامِ الْمُنَافِي بَعْدُ وَهُوَ الْحَيْضُ وَعَدَمُ وُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ فَقْدُ الْمَاءِ، نَعَمْ لَوْ تَيَمَّمَتْ لِذَلِكَ مَعَ فَقْدِ الْمَاءِ حُكِمَ عَلَيْهَا بِالطَّهَارَةِ وَجَازَتْ صَلَاتُهَا بِهِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ تَيَمُّمٌ كَامِلٌ؛ وَمُرَادُ الظَّهِيرِيَّةِ التَّيَمُّمُ النَّاقِصُ، وَهُوَ مَا يَكُونُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، فَالتَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْحَائِضِ صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، كَأَنَّهُ فِي الْبَحْرِ ظَنَّ أَنَّ مُرَادَهُ التَّيَمُّمُ الْكَامِلُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى. بَقِيَ الْكَلَامُ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ، فَقَوْلُهُ طَهُرَتْ لِعَادَتِهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا مَفْرُوضٌ فِي التَّيَمُّمِ الْكَامِلِ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ وَالْحَائِضُ يَصِحُّ تَيَمُّمُهَا عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ إذَا طَهُرَتْ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ أَوْ لِدُونِهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ أَوْ تَتَيَمَّمَ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ سَوَاءٌ انْقَطَعَ لِتَمَامِ عَادَتِهَا أَوْ لِدُونِ عَادَتِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَيَأْتِي فِيهِ أَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ لِتَمَامِ الْعَادَةِ يَحِلُّ لِزَوْجِهَا قُرْبَانُهَا كَمَا لَوْ انْقَطَعَ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ، وَإِنْ لِدُونِ عَادَتِهَا لَا يَحِلُّ لَهُ قُرْبَانُهَا، فَالتَّقْيِيدُ بِالْعَادَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ إنَّمَا يُفِيدُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقُرْبَانِ فَقَطْ، فَكَانَ الْوَاجِبُ إسْقَاطَهُ لِإِيهَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِدُونِ الْعَادَةِ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهَا مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا إذَا فَقَدَتْ الْمَاءَ لِوُجُودِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا كَمَا عَلِمْت. وَاَلَّذِي أَوْقَعَهُ عِبَارَةُ النَّهْرِ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى مَا فَهِمَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ مِنْ كَلَامِ الظَّهِيرِيَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِمُطَهَّرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِتَيَمَّمَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمُسْتَوْعِبًا، وَجَعَلَهُ الْعَيْنِيُّ صِفَةً لِضَرْبَتَيْنِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ: أَيْ مُلْتَصِقَتَيْنِ بِمُطَهِّرٍ نَهْرٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نَقْعٌ) أَيْ غُبَارٌ، فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى ضَرْبَةٍ ثَالِثَةٍ لِلتَّخَلُّلِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَحْتَاجُ إلَيْهَا، نَعَمْ لَوْ يَمَّمَ غَيْرَهُ يَضْرِبُ ثَلَاثًا لِلْوَجْهِ وَالْيُمْنَى وَالْيُسْرَى قُهُسْتَانِيٌّ (وَبِهِ مُطْلَقًا) عَجَزَ عَنْ التُّرَابِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ تُرَابٌ رَقِيقٌ. (فَلَا يَجُوزُ) بِلُؤْلُؤٍ وَلَوْ مَسْحُوقًا لِتَوَلُّدِهِ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ، وَلَا بِمَرْجَانَ   [رد المحتار] قُلْت: وَالْأَخِيرُ أَوْلَى، لِئَلَّا يَلْزَمَ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ بِمُتَعَلِّقٍ وَاحِدٍ، إلَّا أَنْ نَجْعَلَ الْبَاءَ فِي بِضَرْبَتَيْنِ لِلتَّعْدِيَةِ وَفِي بِمُطَهِّرٍ لِلْمُلَابَسَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ تَأَمَّلْ. وَتَعْبِيرُهُ بِمُطَهَّرٍ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِمْ بِطَاهِرٍ، لِإِخْرَاجِ الْأَرْضِ الْمُتَنَجِّسَةِ إذَا جَفَّتْ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ. وَأَمَّا إذَا تَيَمَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَيَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا، إذْ التَّيَمُّمُ إنَّمَا يَتَأَدَّى بِمَا الْتَزَقَ بِيَدِهِ لَا بِمَا فَضَلَ كَالْمَاءِ الْفَاضِلِ فِي الْإِنَاءِ بَعْدَ وُضُوءِ الْأَوَّلِ، وَإِذَا كَانَ عَلَى حَجَرٍ أَمْلَسَ فَيَجُوزُ بِالْأَوْلَى نَهْرٌ (قَوْلُهُ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ) الْفَارِقُ بَيْنَ جِنْسِ الْأَرْضِ وَغَيْرِهِ أَنَّ كُلَّ مَا يَحْتَرِقُ بِالنَّارِ فَيَصِيرُ رَمَادًا كَالشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ أَوْ يَنْطَبِعُ وَيَلِينُ كَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالذَّهَبِ وَالزُّجَاجِ وَنَحْوِهَا فَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ ابْنُ كَمَالٍ عَنْ التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ نَقْعٌ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} [العاديات: 4] (قَوْلُهُ لَمْ يَحْتَجْ إلَخْ) أَيْ بَلْ يُخَلِّلُ مِنْ غَيْرِ ضَرْبَةٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُخَلِّلُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ مِنْ تَمَامِ الْحَقِيقَةِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَيَجِبُ تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ بَيْنَهَا غُبَارٌ. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَمْسَحُ الْكَفَّ وَضَرْبُهَا يَكْفِي. أَفَادَهُ ط. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا تَحْتَ الْخَاتَمِ الْوَاسِعِ إنْ أَصَابَهُ الْغُبَارُ لَا يَلْزَمُ تَحْرِيكُهُ وَإِلَّا لَزِمَ كَالتَّخْلِيلِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَحْتَاجُ إلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِلَا غُبَارٍ فَحَيْثُ لَمْ يَدْخُلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ لَا بُدَّ مِنْهَا عَلَى قَوْلِهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الْغَيْرُ (قَوْلُهُ يَضْرِبُ ثَلَاثًا) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ ضَرْبَةٌ، وَهَذَا نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْعُمَانِيِّ وَهُوَ كِتَابٌ غَرِيبٌ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْكُتُبِ الْمُتَدَاوَلَةِ الْإِطْلَاقُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْحَدِيثِ الشَّرِيفِ «التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ» إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إذَا مَسَحَ يَدَ الْمَرِيضِ بِكِلْتَا يَدَيْهِ، فَحِينَئِذٍ لَا شُبْهَةَ فِي أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ضَرْبَةٍ ثَالِثَةٍ يَمْسَحُ بِهَا يَدَهُ الْأُخْرَى (قَوْلُهُ وَبِهِ مُطْلَقًا) أَيْ وَيَتَيَمَّمُ بِالنَّقْعِ مُطْلَقًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؛ فَعِنْدَهُ لَا يَتَيَمَّمُ بِهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ بَحْرٌ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ إلَّا التُّرَابُ وَالرَّمْلُ نَهْرٌ، وَمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مِنْ أَنَّهُ هُوَ الْمُخْتَارُ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِمَا اعْتَمَدَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ رَمْلِيٌّ. (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ بِلُؤْلُؤٍ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ (قَوْلُهُ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ) قَالَ الشَّيْخُ دَاوُد الطَّبِيبُ فِي تَذْكِرَتِهِ: أَصْلُهُ دُودٌ يَخْرُجُ فِي نَيْسَانَ فَاتِحًا فَمَهُ لِلْمَطَرِ حَتَّى إذَا سَقَطَ فِيهِ انْطَبَقَ وَغَاصَ حَتَّى يَبْلُغَ آخِرَهُ (قَوْلُهُ وَلَا بِمَرْجَانَ إلَخْ) كَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَجَزَمَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ بِأَنَّهُ سَهْوٌ، وَأَنَّ الصَّوَابَ الْجَوَازُ بِهِ كَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مِنَحِهِ: أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِسَهْوٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ جَوَازُ التَّيَمُّمِ بِهِ، لِمَا قَامَ عِنْدَهُ مِنْ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ مِنْ الْمَاءِ كَاللُّؤْلُؤِ؛ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِ الْجَوَازِ، وَالْقَائِلُ بِالْجَوَازِ إنَّمَا قَالَ بِهِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُ مِنْ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا كَلَامَ فِي الْجَوَازِ. وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِالْجَوَاهِرِ أَنَّ لَهُ شَبَهَيْنِ: شَبَهًا بِالنَّبَاتِ، وَشَبَهًا بِالْمَعَادِنِ، وَبِهِ أَفْصَحَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَقَالَ: إنَّهُ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ عَالَمَيْ النَّبَاتِ وَالْجَمَادِ، فَيُشْبِهُ الْجَمَادَ بِتَحَجُّرِهِ، وَيُشْبِهُ النَّبَاتَ بِكَوْنِهِ أَشْجَارًا نَابِتًا فِي قَعْرِ الْبَحْرِ ذَوَاتَ عُرُوقٍ وَأَغْصَانٍ خُضْرٍ مُتَشَعِّبَةٍ قَائِمَةٍ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 لِشَبَهِهِ بِالنَّبَاتِ لِكَوْنِهِ أَشْجَارًا نَابِتَةً فِي قَعْرِ الْبَحْرِ عَلَى مَا حَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَا (بِمُنْطَبِعٍ) كَفِضَّةٍ وَزُجَاجٍ (وَمُتَرَمِّدٍ) بِالِاحْتِرَاقِ إلَّا رَمَادَ الْحَجَرِ فَيَجُوزُ كَحَجَرٍ مَدْقُوقٍ أَوْ مَغْسُولٍ، وَحَائِطٍ مُطَيَّنٍ أَوْ مُجَصَّصٍ، وَأَوَانٍ مِنْ طِينٍ غَيْرِ مَدْهُونَةٍ، وَطِينٍ غَيْرِ مَغْلُوبٍ بِمَاءٍ لَكِنْ، لَا يَنْبَغِي التَّيَمُّمُ بِهِ قَبْلَ خَوْفِ فَوَاتِ وَقْتٍ لِئَلَّا يَصِيرَ مُثْلَةً بِلَا ضَرُورَةٍ (وَمَعَادِنَ) فِي مَحَالِّهَا فَيَجُوزُ التُّرَابُ عَلَيْهَا، وَقَيَّدَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ بِأَنْ يَسْتَبِينَ أَثَرَ التُّرَابِ بِمَدِّ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ لَمْ يَجُزْ؛ وَكَذَا   [رد المحتار] أَقُولُ: وَحَاصِلَةُ الْمَيْلِ إلَى مَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ كَوْنِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ. وَمَالَ مُحَشِّيهِ الرَّمْلِيُّ إلَى مَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ مِنْ الْجَوَازِ، وَكَانَ وَجْهُهُ أَنَّ كَوْنَهُ أَشْجَارًا فِي قَعْرِ الْبَحْرِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ لِأَنَّ الْأَشْجَارَ الَّتِي لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَيْهَا هِيَ الَّتِي تَتَرَمَّدُ بِالنَّارِ، وَهَذَا حَجَرٌ كَبَاقِي الْأَحْجَارِ يَخْرُجُ فِي الْبَحْرِ عَلَى صُورَةِ الْأَشْجَارِ، فَلِهَذَا جَزَمُوا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ بِالْجَوَازِ فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ. وَأَمَّا فِي الْفَتْحِ فَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ مَا قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ مِنْ أَنَّ الْمَرْجَانَ صِغَارُ اللُّؤْلُؤِ، ثُمَّ رَأَيْته مَنْقُولًا عَنْ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ فَقَالَ: مُرَادُهُ صِغَارُ اللُّؤْلُؤِ كَمَا فُسِّرَ بِهِ فِي الْآيَةِ فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ غَيْرُ مَا أَرَادُوهُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ. اهـ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ لِشَبَهِهِ لِلنَّبَاتِ إلَخْ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، بَلْ الْعِلَّةُ عَلَى مَا حَرَّرْنَاهُ تَوَلُّدُهُ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ، وَأَمَّا مَا يَخْرُجُ فِي قَعْرِ الْبَحْرِ فَيَجُوزُ، وَإِنْ أَشْبَهَ النَّبَاتَ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ. (قَوْلُهُ وَلَا بِمُنْطَبِعٍ) هُوَ مَا يُقْطَعُ وَيَلِينُ كَالْحَدِيدِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ وَزُجَاجٍ) أَيْ الْمُتَّخَذِ مِنْ الرَّمْلِ وَغَيْرِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَمُتَرَمِّدٍ) أَيْ مَا يَحْتَرِقُ بِالنَّارِ فَتَصِيرُ رَمَادًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ إلَّا رَمَادَ الْحَجَرِ) كَجِصٍّ وَكِلْسٍ (قَوْلُهُ كَحَجَرٍ) تَنْظِيرٌ لَا تَمْثِيلٌ (قَوْلُهُ أَوْ مَغْسُولٍ) مُبَالَغَةٌ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ التُّرَابِ (قَوْلُهُ غَيْرِ مَدْهُونَةٍ) أَوْ مَدْهُونَةٍ بِصِبْغٍ هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْبَحْرِ كَالْمَدْهُونَةِ بِالطَّفْلِ وَالْمَغْرَةِ ط (قَوْلُهُ غَيْرِ مَغْلُوبٍ بِمَاءٍ) أَمَّا إذَا صَارَ مَغْلُوبًا بِالْمَاءِ فَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ بَحْرٌ، بَلْ يَتَوَضَّأُ بِهِ حَيْثُ كَانَ رَقِيقًا سَيَّالًا يَجْرِي عَلَى الْعُضْوِ رَمْلِيٌّ، وَسَيَذْكُرُ أَنَّ الْمُسَاوِيَ كَالْمَغْلُوبِ (قَوْلُهُ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي إلَخْ) هَذَا مَا حَرَّرَهُ الرَّمْلِيُّ وَصَاحِبُ النَّهْرِ مِنْ عِبَارَةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ، خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ مِنْهَا فِي الْبَحْرِ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ قَبْلَ خَوْفِ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ عَدَمَ الصِّحَّةِ. وَحَاصِلُ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ إلَّا الطِّينَ لَطَّخَ ثَوْبَهُ مِنْهُ فَإِذَا جَفَّ تَيَمَّمَ بِهِ، وَإِنْ ذَهَبَ الْوَقْتُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ لَا يَتَيَمَّمُ بِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتُّرَابِ أَوْ الرَّمْلِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ خَافَ ذَهَابَ الْوَقْتِ تَيَمَّمَ بِهِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ بِالطِّينِ عِنْدَهُ جَائِزٌ وَإِلَّا فَلَا، كَيْ لَا يَتَلَطَّخَ بِوَجْهِهِ فَيَصِيرُ مُثْلَةً. اهـ وَبِهِ يَظْهَرُ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ وَمَعَادِنَ) جَمْعُ مَعْدِنٍ كَمَجْلِسٍ: مَنْبِتُ الْجَوَاهِرِ مِنْ ذَهَبٍ وَنَحْوِهِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ فِي مَحَالِّهَا) أَيْ مَا دَامَتْ فِي الْأَرْضِ لَمْ يُصْنَعْ مِنْهَا شَيْءٌ، وَبَعْدَ السَّبْكِ لَا يَجُوزُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَجُوزُ إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلتُّرَابِ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَلَعَلَّ مَنْ أَطْلَقَ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهَا مَا دَامَتْ فِي مَحَالِّهَا تَكُونُ مَغْلُوبَةً بِالتُّرَابِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُخِذَتْ لِلسَّبْكِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ إخْرَاجُ التُّرَابِ مِنْهَا فَافْهَمْ. وَأَفَادَ أَنَّ ذَاتَ الْمَعْدِنِ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَبَعٍ لِلْمَاءِ وَحْدَهُ حَتَّى يَقُومَ مَقَامَهُ وَلَا لِلتُّرَابِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ الْعَنَاصِرِ الْأَرْبَعَةِ فَلَيْسَ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِشَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى يَقُومَ مَقَامَهُ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ إلَخْ) كَذَا فِي النَّهْرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى التَّيَمُّمِ بِالْمَعَادِنِ، لَكِنْ إذَا كَانَتْ مَغْلُوبَةً بِالتُّرَابِ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا الْقَيْدِ. وَعِبَارَةُ الْإِسْبِيجَابِيِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ أَنَّ الْحِنْطَةَ أَوْ الشَّيْءَ الَّذِي لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ التُّرَابُ فَضَرَبَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَتَيَمَّمَ يَنْظُرُ، إنْ كَانَ يَسْتَبِينُ أَثَرَهُ بِمَدِّهِ عَلَيْهِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ وَكَذَا إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ عِبَارَةِ الْإِسْبِيجَابِيِّ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا: وَبِهَذَا يُعْلَمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 كُلُّ مَا لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَيْهِ كَحِنْطَةٍ وَجُوخَةٍ فَلْيُحْفَظْ. (وَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ) لَوْ اخْتَلَطَ تُرَابٌ بِغَيْرِهِ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَلَوْ مَسْبُوكَيْنِ وَأَرْضٍ مُحْتَرِقَةٍ، فَلَوْ الْغَلَبَةُ لِتُرَابٍ جَازَ وَإِلَّا لَا خَانِيَّةٌ، وَمِنْهُ عُلِمَ حُكْمُ التَّسَاوِي. (وَجَازَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَلِأَكْثَرَ مِنْ فَرْضٍ، وَ) جَازَ (لِغَيْرِهِ) كَالنَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مُطْلَقٌ عِنْدَنَا لَا ضَرُورِيٌّ:. (وَ) جَازَ (لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ جِنَازَةٍ) أَيْ كُلِّ تَكْبِيرَاتِهَا   [رد المحتار] حُكْمُ التَّيَمُّمِ عَلَى جُوخَةٍ أَوْ بِسَاطٍ عَلَيْهِ غُبَارٌ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْجَوَازِ لِقِلَّةِ وُجُودِ هَذَا الشَّرْطِ فِي نَحْوِ الْجُوخَةِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. اهـ. وَقَالَ مُحَشِّيهِ الرَّمْلِيُّ: بَلْ الظَّاهِرُ التَّفْصِيلُ، إنْ اسْتَبَانَ أَثَرَهُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا لِوُجُودِ الشَّرْطِ خُصُوصًا فِي ثِيَابِ ذَوِي الْأَشْغَالِ. اهـ وَهُوَ حَسَنٌ فَلِذَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَصُورَةُ التَّيَمُّمِ بِالْغُبَارِ أَنْ يَضْرِبَ بِيَدَيْهِ ثَوْبًا أَوْ نَحْوَهُ مِنْ الْأَعْيَانِ الطَّاهِرَةِ الَّتِي عَلَيْهَا غُبَارٌ، فَإِذَا وَقَعَ الْغُبَارُ عَلَى يَدَيْهِ تَيَمَّمَ أَوْ يَنْفُضُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَرْتَفِعَ غُبَارُهُ فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الْغُبَارِ فِي الْهَوَاءِ، فَإِذَا وَقَعَ الْغُبَارُ عَلَى يَدَيْهِ تَيَمَّمَ. اهـ. قُلْت: وَقَيَّدَ بِالْأَعْيَانِ الطَّاهِرَةِ لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَيْضًا إذَا تَيَمَّمَ بِغُبَارِ الثَّوْبِ النَّجِسِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا وَقَعَ الْغُبَارُ بَعْدَمَا جَفَّ الثَّوْبُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ مَسْبُوكَيْنِ) هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَ يُمْكِنُ سَبْكُهُمَا بِتُرَابِهِمَا الْغَالِبِ عَلَيْهِمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَلِذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ إنَّهُ بَعْدَ السَّبْكِ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: وَلَوْ تَيَمَّمَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ: إنْ كَانَ مَسْبُوكًا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسْبُوكًا وَكَانَ مُخْتَلِطًا بِالتُّرَابِ وَالْغَلَبَةُ لِلتُّرَابِ جَازَ. اهـ. نَعَمْ إذَا كَانَا مَسْبُوكَيْنِ وَكَانَ عَلَيْهِمَا غُبَارٌ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْغُبَارِ الَّذِي عَلَيْهِمَا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ: أَيْ إنْ كَانَ يَظْهَرُ أَثَرُهُ بِمَدِّهِ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ وَلَكِنْ لَا يُنْظَرُ فِيهِ إلَى الْغَلَبَةِ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لَوْ غَيْرَ مَسْبُوكَيْنِ لِيُوَافِقَ كَلَامَهُمْ (قَوْلُهُ وَأَرْضٍ مُحْتَرِقَةٍ) أَيْ احْتَرَقَ مَا عَلَيْهَا مِنْ النَّبَاتِ وَاخْتَلَطَ الرَّمَادُ بِتُرَابِهَا، فَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ. أَمَّا إذَا أُحْرِقَ تُرَابُهَا مِنْ غَيْرِ مُخَالِطٍ لَهُ حَتَّى صَارَتْ سَوْدَاءَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمُتَغَيِّرَ لَوْنُ التُّرَابِ لَا ذَاتُهُ ط (قَوْلُهُ فَلَوْ الْغَلَبَةُ إلَخْ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ وَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَإِلَّا لَا، فَإِنَّ نَفْيَ الْغَلَبَةِ صَادِقٌ بِمَا إذَا كَانَ التُّرَابُ مَغْلُوبًا أَوْ مُسَاوِيًا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَجَازَ قَبْلَ الْوَقْتِ) أَقُولُ: بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الْبَحْرِ، وَقَلَّ مَنْ صَرَّحَ بِهِ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ وَجَازَ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِغَيْرِ الْفَرْضِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ إلَخْ) أَيْ هُوَ عِنْدَنَا بَدَلٌ مُطْلَقٌ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَيَرْتَفِعُ بِهِ الْحَدَثُ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الْمَاءِ، وَلَيْسَ بِبَدَلٍ ضَرُورِيٍّ وَمُبِيحٍ مَعَ قِيَامِ الْحَدَثِ حَقِيقَةً كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، فَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَلَا يُصَلِّي بِهِ أَكْثَرَ مِنْ فَرْضٍ عِنْدَهُ، لَكِنْ اُخْتُلِفَ عِنْدَنَا فِي وَجْهِ الْبَدَلِيَّةِ فَقَالَا: بَيْنَ الْآلَتَيْنِ: أَيْ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ: أَيْ التَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ جَوَازُ اقْتِدَاءِ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ فَأَجَازَاهُ وَمَنَعَهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَجَازَ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ جِنَازَةٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ قَرِيبًا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ لَهُ حَقُّ التَّقَدُّمِ فِيهَا؛ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَظَرُ وَلَوْ صَلَّوْا لَهُ حَقُّ الْإِعَادَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَكَافِي النَّسَفِيِّ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الِانْتِظَارَ فِيهَا مَكْرُوهٌ وَصَحَّحَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: أَيْ سَوَاءٌ انْتَظَرُوهُ. أَوْ لَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: إنَّ رِوَايَةَ الْحَسَنِ هُنَا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْكَرَاهَةِ لَا يَقْتَضِي الْعَجْزَ الْمُقْتَضِي لِجَوَازِ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَقْوَى مِنْ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ وَالْوَقْتِيَّةِ مَعَ عَدَمِ جَوَازِهِ لَهُمَا، وَتَبِعَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ لِابْنِ الْفَصِيحِ. اهـ مُلَخَّصًا مِنْ حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي (قَوْلُهُ أَيْ كُلِّ تَكْبِيرَاتِهَا) فَإِنْ كَانَ يَرْجُو أَنْ يُدْرِكَ الْبَعْضَ لَا يَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الْبَاقِي وَحْدَهُ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 وَلَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا، وَلَوْ جِيءَ بِأُخْرَى إنْ أَمْكَنَهُ التَّوَضُّؤُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ زَالَ تَمَكُّنُهُ أَعَادَ التَّيَمُّمَ وَإِلَّا لَا بِهِ يُفْتَى (أَوْ) فَوْتِ (عِيدٍ) بِفَرَاغِ إمَامٍ أَوْ زَوَالِ شَمْسٍ (وَلَوْ) كَانَ يَبْنِي (بِنَاءً) بَعْدَ شُرُوعِهِ مُتَوَضِّئًا وَسَبَقَ حَدَثُهُ (بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ كَوْنِهِ إمَامًا أَوْ لَا) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْمَنَاطَ خَوْفُ الْفَوْتِ لَا إلَى بَدَلٍ فَجَازَ لِكُسُوفٍ وَسُنَنٍ رَوَاتِبَ وَلَوْ سُنَّةَ   [رد المحتار] وَالْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ أَوْ حَائِضًا) وَكَذَا النُّفَسَاءُ إذَا انْقَطَعَ دَمُهُمَا عَلَى الْعَادَةِ ط. أَقُولُ: لَا بُدَّ فِي الْحَائِضِ لِانْقِطَاعِ دَمِهَا لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ، وَإِلَّا فَإِنْ لِتَمَامِ الْعَادَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ تَصِيرَ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا أَوْ تَغْتَسِلَ أَوْ يَكُونَ تَيَمُّمُهَا كَامِلًا، بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ. أَمَّا التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ الْجِنَازَةِ أَوْ الْعِيدِ فَغَيْرُ كَامِلٍ وَقَدَّمْنَا قَرِيبًا تَمَامَ تَحْقِيقِ الْمَسْأَلَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) أَيْ بِهَذَا التَّفْصِيلِ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعِيدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ زَوَالِ شَمْسٍ) هَذَا إذَا كَانَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ تُؤَخَّرُ لِعُذْرٍ فِي الْفِطْرِ لِلثَّانِي، وَفِي الْأَضْحَى لِلثَّالِثِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ قُبَيْلَ الزَّوَالِ وَالْإِمَامُ بِغَيْرِ وُضُوءٍ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ تَوَضَّأَ زَالَتْ الشَّمْسُ، فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا وَيُؤَخِّرُ وَلَا يَتَيَمَّمُ أَمْ يَتَيَمَّمُ وَلَا يُؤَخِّرُ؟ لَكِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الْمَنَاطَ خَوْفُ الْفَوْتِ لَا إلَى بَدَلٍ يَقْتَضِي التَّأْخِيرَ فَلْيُرَاجَعْ. اهـ ح. أَقُولُ: سَيُصَرِّحُ الشَّارِحُ هُنَاكَ بِأَنَّهَا قَضَاءٌ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَلَمْ يَجْعَلُوهَا هُنَا كَالْوَقْتِيَّةِ الَّتِي يَخْلُفُهَا الْقَضَاءُ، بَلْ صَرَّحُوا بِمُخَالَفَتِهَا لَهَا، وَبِأَنَّهَا تَفُوتُ بِزَوَالِ الشَّمْسِ، فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهَا تُؤَخَّرُ لِمَا ذَكَرَهُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. فَتَأَمَّلْهُ وَانْظُرْ مَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ يَبْنِي بِنَاءً) كَذَا فِي النَّهْرِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ بِنَاءً مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ، وَيُحْتَمَلُ جَعْلُهُ حَالًا: أَيْ وَلَوْ كَانَ تَيَمُّمُهُ فِي حَالِ كَوْنِهِ بَانِيًا، وَيَجُوزُ كَوْنُهُ مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ كَمَا تَقْتَضِيهِ عِبَارَةُ الدُّرَرِ، لَكِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ارْتَضَاهُ الْمُحَقِّقُ الرَّضِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا قَلْبِيًّا (قَوْلُهُ بَعْدَ شُرُوعِهِ مُتَوَضِّئًا إلَخْ) فِي مَسْأَلَةِ تَفْصِيلٍ مَبْسُوطٍ فِي الْبَحْرِ. وَحَاصِلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ بِقَوْلِهِ: إنْ سَبَقَ الْحَدَثُ فِي الْمُصَلِّي قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ رَجَا إدْرَاكَ شَيْءٍ مِنْهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ لَا يَتَيَمَّمُ؛ وَإِنْ شَرَعَ، فَإِنْ خَافَ زَوَالَ الشَّمْسِ تَيَمَّمَ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِلَّا فَإِنْ رَجَا إدْرَاكَهُ لَا يَتَيَمَّمُ، وَإِلَّا فَإِنْ شَرَعَ بِهِ تَيَمَّمَ إجْمَاعًا، وَإِنْ شَرَعَ بِالْوُضُوءِ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. اهـ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ إذَا ذَهَبَ يَتَوَضَّأُ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ الْوُضُوءِ لِأَمْنِ الْفَوَاتِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إكْمَالُ صَلَاتِهِ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ تَأَمَّلْ، وَقَدْ اقْتَصَرُوا فِي تَصْوِيرِ مَسْأَلَةِ الْبِنَاءِ عَلَى صَلَاةِ الْعِيدِ، وَذَكَرَ فِي الْإِمْدَادِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ بَعْدَ شُرُوعِهِ مُتَوَضِّئًا وَإِلَى قَوْلِهِ بِلَا فَرْقٍ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِي الْأَوَّلِ قَوْلُهُمَا، وَمُقَابِلُهُ فِي الثَّانِي مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَتَيَمَّمُ ط (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَنَاطَ) أَيْ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ الصَّلَاةِ بِلَا بُعْدٍ عَنْ الْمَاءِ (قَوْلُهُ فَجَازَ لِكُسُوفٍ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى التَّعْلِيلِ، وَمُرَادُهُ بِهِ مَا يَعُمُّ الْخُسُوفَ ط وَهَذَا إلَى قَوْلِهِ وَحْدَهَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيُّ فِي الْحِلْيَةِ بَحْثًا، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ وَسُنَنٍ رَوَاتِبَ) كَالسُّنَنِ الَّتِي بَعْدَ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْجُمُعَةِ إذَا أَخْرَجَهَا بِحَيْثُ لَوْ تَوَضَّأَ فَاتَ وَقْتُهَا فَلَهُ التَّيَمُّمُ. قَالَ ط: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ كَذَلِكَ لِفَوْتِهِ بِفَوْتِ وَقْتِهِ كَمَا إذَا ضَاقَ وَقْتُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 فَجْرٍ خَافَ فَوْتَهَا وَحْدَهَا، وَلِنَوْمٍ وَسَلَامٍ وَرَدِّهِ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَكَذَا لِكُلِّ مَا لَا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ؛ لِمَا فِي الْمُبْتَغَى. وَجَازَ لِدُخُولِ مَسْجِدٍ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ وَلِلنَّوْمِ فِيهِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ، لَكِنْ فِي النَّهْرِ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُبْتَغَى لِلْجُنُبِ فَسَقَطَ الدَّلِيلُ.   [رد المحتار] الضُّحَى عَنْهُ وَعَنْ الْوُضُوءِ فَيَتَيَمَّمُ لَهُ (قَوْلُهُ وَخَافَ فَوْتَهَا وَحْدَهَا) أَيْ فَيَتَيَمَّمُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا؛ أَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَلَا؛ لِأَنَّهَا إذَا فَاتَتْهُ لِاشْتِغَالِهِ بِالْفَرِيضَةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ يَقْضِيهَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَقْضِيهَا أَصْلًا بَحْرٌ. وَصُورَةُ فَوْتِهَا وَحْدَهَا لَوْ وَعَدَهُ شَخْصٌ بِالْمَاءِ أَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِنَزْحِهِ لَهُ مِنْ بِئْرٍ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَهُ لَا يُدْرِكُ سِوَى الْفَرْضِ يَتَيَمَّمُ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ لِلْفَرْضِ وَيُصَلِّي قَبْلَ الطُّلُوعِ، وَصَوَّرَهَا شَيْخُنَا بِمَا إذَا فَاتَتْ مَعَ الْفَرْضِ وَأَرَادَ قَضَاءَهَا وَلَمْ يَبْقَ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ مِقْدَارُ الْوُضُوءِ وَصَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ فَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّيهَا قَبْلَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى بَعْدَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي الْفَرْضَ بَعْدَهُ، وَذَكَرَ لَهَا ط صُورَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ (قَوْلُهُ وَلِنَوْمٍ إلَخْ) أَيْ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ، وَلِمَا قَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ التَّيَمُّمَ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ يَجُوزُ لِكُلِّ عِبَادَةٍ تَحِلُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ وَلِكُلِّ عِبَادَةٍ تَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ، وَبَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ عُمُومٌ وَجْهِيٌّ يَجْتَمِعَانِ فِي رَدِّ السَّلَامِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِدُونِ طَهَارَةٍ وَيَفُوتُ لَا إلَى الْخَلَفِ، وَتَنْفَرِدُ الْأُولَى فِي مِثْلِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلْمُحْدِثِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ، وَتَنْفَرِدُ الثَّانِيَةُ فِي مِثْلِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا تَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ وَلَا تَحِلُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ ح، لَكِنَّ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى مَحَلُّ بَحْثٍ كَمَا تَطَّلِعُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهِ) أَيْ فَيَقَعُ طَهَارَةً لِمَا نَوَاهُ لَهُ فَقَطْ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَهُ جِهَتَانِ: جِهَةُ صِحَّتِهِ فِي ذَاتِهِ، وَجِهَةُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِهِ، فَالثَّانِيَةُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ، وَعَلَى نِيَّةِ عِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ لَا تَصِحُّ بِدُونِ طَهَارَةٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَأَمَّا الْأُولَى فَتَحْصُلُ بِنِيَّةِ أَيِّ عِبَادَةٍ كَانَتْ، سَوَاءٌ كَانَتْ مَقْصُودَةً لَا تَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ كَالصَّلَاةِ وَكَالْقِرَاءَةِ لِلْجُنُبِ، أَوْ غَيْرَ مَقْصُودَةٍ كَذَلِكَ كَدُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلْجُنُبِ، أَوْ تَحِلُّ بِدُونِهَا كَدُخُولِهِ لِلْمُحْدِثِ، أَوْ مَقْصُودَةً وَتَحِلُّ بِدُونِ طَهَارَةٍ كَالْقِرَاءَةِ لِلْمُحْدِثِ، فَالتَّيَمُّمُ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ صَحِيحٌ فِي ذَاتِهِ كَمَا أَوْضَحَهُ ح (قَوْلُهُ وَكَذَا لِكُلِّ مَا لَا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَهَذِهِ إحْدَى الْقَاعِدَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ، وَفِيهَا نَظَرٌ سَيَظْهَرُ. (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي النَّهْرِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى اسْتِدْلَالِ الْبَحْرِ بِعِبَارَةِ الْمُبْتَغَى عَلَى إحْدَى الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، وَهِيَ جَوَازُ التَّيَمُّمِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ لِكُلِّ عِبَادَةٍ تَحِلُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ. وَبَيَانُ الِاسْتِدْرَاكِ أَنَّ الدَّلِيلَ إنَّمَا يَتِمُّ بِنَاءً عَلَى إرَادَةِ الدُّخُولِ لِلْمُحْدِثِ لِيَكُونَ مِمَّا لَا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ، وَإِذَا كَانَ مُرَادُهُ الْجُنُبَ سَقَطَ الدَّلِيلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الدُّخُولُ بِدُونِهَا، لَكِنَّ كَوْنَ الْمُرَادِ الْجُنُبَ نَظَرَ فِيهِ الْعَلَّامَةُ ح بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ الْمَوْجُودُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْ لِعَدَمِ جَوَازِ دُخُولِهِ جُنُبًا مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ خَارِجَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ دَاخِلَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ عِبَارَتِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَلِلنَّوْمِ فِيهِ. اهـ وَعَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُبْتَغَى دُخُولُ الْمُحْدِثِ فَيَتِمُّ الدَّلِيلُ. لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ مُرَادَ الْمُبْتَغَى أَنَّ الْجُنُبَ إذَا وَجَدَ مَاءً فِي الْمَسْجِدِ وَأَرَادَ دُخُولَهُ لِلِاغْتِسَالِ يَتَيَمَّمُ وَيَدْخُلُ، وَلَوْ كَانَ نَائِمًا فِيهِ فَاحْتَلَمَ وَالْمَاءُ خَارِجَهُ وَخَشِيَ مِنْ الْخُرُوجِ يَتَيَمَّمُ وَيَنَامُ فِيهِ إلَى أَنْ يُمْكِنَهُ الْخُرُوجُ. قَالَ فِي الْمُنْيَةِ: وَإِنْ احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِدِ تَيَمَّمَ لِلْخُرُوجِ إذَا لَمْ يَخَفْ، وَإِنْ خَافَ يَجْلِسُ مَعَ التَّيَمُّمِ وَلَا يُصَلِّي وَلَا يَقْرَأُ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 قُلْت: وَفِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا: تَيَمُّمُهُ لِدُخُولِ مَسْجِدٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لَيْسَ بِشَيْءٍ بَلْ هُوَ عَدَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِعِبَادَةٍ يَخَافُ فَوْتَهَا، لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُخْتَارِ: الْمُخْتَارُ جَوَازُهُ مَعَ الْمَاءِ لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، لَكِنْ سَيَجِيءُ تَقْيِيدُهُ بِالسَّفَرِ لَا الْحَضَرِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الشِّرْعَةِ وَشُرُوحِهَا مَا يُؤَيِّدُ كَلَامَ الْبَحْرِ، قَالَ: فَظَاهِرُ الْبَزَّازِيَّةِ جَوَازُهُ لِتِسْعٍ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهِ. قُلْت: بَلْ لِعَشْرٍ بَلْ أَكْثَرُ، لِمَا مَرَّ مِنْ الضَّابِطِ   [رد المحتار] وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ أَنَّ نَفْسَ النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ لَيْسَ عِبَادَةً حَتَّى يَتَيَمَّمَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ مُكْثِهِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ لِأَجْلِ مَشْيِهِ فِيهِ لِلْخُرُوجِ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) اعْتِرَاضٌ عَلَى الْبَحْرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُنْيَةِ شَامِلَةٌ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلْمُحْدِثِ وَهُوَ مِمَّا لَا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ فَيُنَافِي مَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ أَجَابَ ح بِتَخْصِيصِ الدُّخُولِ بِالْجُنُبِ فَلَا تَنَافِيَ. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ، وَلِذَا عَلَّلَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَعَلَّلَهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا يَجُوزُ، وَيُعْتَبَرُ فِي الشَّرْحِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَا يَجُوزُ. اهـ. فَيُفِيدُ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَمَّا لَمْ تُشْتَرَطْ لَهُ الطَّهَارَةُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَصْلًا مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إلَّا إذَا كَانَ مِمَّا يَخَافُ فَوْتَهُ لَا إلَى بَدَلٍ، فَلَوْ تَيَمَّمَ الْمُحْدِثُ لِلنَّوْمِ أَوْ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْمَاءِ فَهُوَ لَغْوٌ، بِخِلَافِ تَيَمُّمِهِ لِرَدِّ السَّلَامِ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ فَوْتَهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَلِذَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَا الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ مَا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ لَا يَتَيَمَّمُ لَهُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَعَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ لَا يَخَافُ فَوْتَهَا لَا يَتَيَمَّمُ لَهَا ط. قَالَ ح: وَهُوَ نَقْلٌ ضَعِيفٌ مُصَادِمٌ لِلْقَاعِدَةِ؛ لِأَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَا تَحِلُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ وَتَفُوتُ إلَى خَلَفٍ. اهـ. أَقُولُ: بَلْ لَا تَفُوتُ؛ لِأَنَّهَا لَا وَقْتَ لَهَا إلَّا إذَا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا نَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَيْضًا عَنْ الْقُدُورِيِّ فِي شَرْحِهِ أَنَّهَا لَا يَتَيَمَّمُ لَهَا، وَعَلَّلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ لَكِنْ سَيَجِيءُ) أَيْ فِي الْفُرُوعِ، وَهَذَا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الِاسْتِدْرَاكِ، وَهَذَا التَّقْيِيدُ مَذْكُورٌ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَيْضًا بَعْدَ وَرَقَتَيْنِ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْأَصْلِ مُعَلَّلًا بِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فِي الْحَضَرِ: أَيْ لِوُجُودِ الْمَاءِ فِيهِ بِخِلَافِ السَّفَرِ؛ فَأَفَادَ أَنَّ جَوَازَهُ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ، فَيُنَافِي مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُخْتَارِ مِنْ جَوَازِهِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فِي الشِّرْعَةِ) أَيْ شِرْعَةِ الْإِسْلَامِ لِلْعَلَّامَةِ أَبِي بَكْرٍ الْبُخَارِيِّ ط (قَوْلُهُ وَشُرُوحِهَا) رَأَيْت ذَلِكَ مَنْقُولًا فِي شَرْحِ الْفَاضِلِ عَلِيٍّ زَادَهْ ط (قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ فِي الشِّرْعَةِ وَشُرُوحِهَا (قَوْلُهُ فَظَاهِرُ الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَوْ تَيَمَّمَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ لِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ أَوْ مِنْ الْمُصْحَفِ أَوْ لِمَسِّهِ أَوْ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ خُرُوجِهِ أَوْ لِدَفْنٍ أَوْ لِزِيَارَةِ قَبْرٍ أَوْ الْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَلَوْ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ. اهـ. فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ أَيْ عَدَمِ جَوَازِ الصَّلَاةِ بِهِ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ صِحَّتِهِ فِي نَفْسِهِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ؛ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَتِهَا التَّيَمُّمَ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّهُ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ لَا يَصِحُّ أَصْلًا، وَلِمَا مَرَّ عَنْ الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا مِنْ أَنَّهُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لَيْسَ بِشَيْءٍ بَلْ هُوَ عَدَمٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا بَلْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهَا كَمَا عَلِمْت، وَأَمَّا عِبَارَةُ الْمُبْتَغَى فَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهَا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الصِّحَّةِ إلَّا فِيمَا يَخَافُ فَوْتَهُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ قَبْلُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهِ) ؛ لِأَنَّ جَوَازَهَا بِهِ يُشْتَرَطُ لَهُ فَقْدُ الْمَاءِ أَوْ خَوْفُ الْفَوْتِ لَا إلَى بَدَلٍ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْوِيُّ عِبَادَةً مَقْصُودَةً لَا تَصِحُّ بِدُونِ طَهَارَةٍ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ. (قَوْلُهُ قُلْت بَلْ لِعَشْرٍ إلَخْ) مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ قُلْت وَظَاهِرُهُ سَاقِطٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 أَنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ مَا لَا تُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ لَهُ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ؛ وَأَمَّا مَا تُشْتَرَطُ لَهُ فَيُشْتَرَطُ فَقْدُ الْمَاءِ كَتَيَمُّمٍ لِمَسِّ مُصْحَفٍ فَلَا يَجُوزُ لِوَاجِدِ الْمَاءِ. وَأَمَّا لِلْقِرَاءَةِ، فَإِنْ مُحْدِثًا فَكَالْأَوَّلِ أَوْ جُنُبًا فَكَالثَّانِي. وَقَالُوا: لَوْ تَيَمَّمَ لِدُخُولِ مَسْجِدٍ أَوْ لِقِرَاءَةٍ وَلَوْ مِنْ مُصْحَفٍ أَوْ مَسَّهُ أَوْ كِتَابَتِهِ أَوْ تَعْلِيمِهِ أَوْ لِزِيَارَةِ قُبُورٍ أَوْ عِيَادَةِ مَرِيضٍ أَوْ دَفْنِ مَيِّتٍ أَوْ أَذَانٍ أَوْ إقَامَةٍ أَوْ إسْلَامٍ أَوْ سَلَامٍ أَوْ رَدِّهِ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهِ عِنْدَ الْعَامَّةِ، بِخِلَافِ صَلَاةِ جِنَازَةٍ أَوْ سَجْدَةِ تِلَاوَةٍ فَتَاوَى شَيْخِنَا خَيْرِ الدِّينِ الرَّمْلِيِّ قُلْت: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ.   [رد المحتار] أَنَّهُ مِنْ مُلْحَقَاتِ الشَّارِحِ عَلَى نُسْخَتِهِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ) بَدَلٌ مِنْ مَا أَوْ مِنْ الضَّابِطِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ) غَيْرُ مُسَلَّمٍ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ) أَيْ التَّيَمُّمُ لِمَسِّ مُصْحَفٍ، سَوَاءٌ كَانَ عَنْ حَدَثٍ أَوْ عَنْ جَنَابَةٍ (قَوْلُهُ فَكَالْأَوَّلِ) أَيْ كَاَلَّذِي لَا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ فَيَتَيَمَّمُ لَهُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ ط (قَوْلُهُ فَكَالثَّانِي) وَهُوَ مَا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ ط (قَوْلُهُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهِ) أَيْ لِفَقْدِ الشَّرْطِ، وَهُوَ أَمْرَانِ: كَوْنُ الْمَنْوِيِّ عِبَادَةً مَقْصُودَةً، وَكَوْنُهَا لَا تَحِلُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ. أَمَّا فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ فَفِي الْمُحْدِثِ فَقْدُ الْأَمْرَيْنِ، وَفِي الْجُنُبِ فَقْدُ الْأَوَّلِ؛ وَأَمَّا فِي الْقِرَاءَةِ لِلْمُحْدِثِ فَلِفَقْدِ الثَّانِي، وَلَا يُرَادُ الْجُنُبُ هُنَا لِمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ أَوْ جُنُبًا فَكَالثَّانِي: أَيْ فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ. وَأَمَّا الْمَسُّ مُطْلَقًا فَلِفَقْدِ الْأَوَّلِ وَالْكِتَابَةُ كَالْمَسِّ إلَّا إذَا كَتَبَ وَالصَّحِيفَةُ عَلَى الْأَرْضِ عَلَى مَا مَرَّ، فَإِذَا تَيَمَّمَ لِذَلِكَ كَانَتْ الْعِلَّةُ فَقْدَ الْأَمْرَيْنِ. وَالتَّعْلِيمُ إنْ كَانَ مِنْ مُحْدِثٍ فَلِفَقْدِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ مِنْ جُنُبٍ وَكَانَ كَلِمَةً كَلِمَةً فَلِفَقْدِ الثَّانِي أَيْضًا وَعَارِضُ التَّعْلِيمِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ قِرَاءَةً، وَلَا يُرَادُ الْجُنُبُ هُنَا إذَا لَمْ يَكُنْ التَّعْلِيمُ كَلِمَةً كَلِمَةً لِمَا مَرَّ. وَأَمَّا زِيَارَةُ الْقُبُورِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَدَفْنُ الْمَيِّتِ وَالسَّلَامُ وَرَدُّهُ فَلِفَقْدِ الثَّانِي. وَأَمَّا الْأَذَانُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجُنُبِ فَلِفَقْدِ الْأَوَّلِ وَلِلْمُحْدِثِ فَلِفَقْدِ الْأَمْرَيْنِ. وَأَمَّا الْإِقَامَةُ مُطْلَقًا فَلِفَقْدِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَجَرَى فِيهِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ الْقَائِلِ بِصِحَّتِهِ فِي ذَاتِهِ. اهـ ح. أَقُولُ: لَا يَصِحُّ عَدُّ الْإِسْلَامِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ صِحَّةَ تَيَمُّمِهِ لَهُ، لَكِنْ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ قَوْلًا لِأَحَدٍ مِنْ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ فِي ذَاتِهِ وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ عِنْدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَصِحُّ أَصْلًا؛ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ وَغَيْرِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ صَلَاةِ جِنَازَةٍ) أَيْ فَإِنَّ تَيَمُّمَهَا تَجُوزُ بِهِ سَائِرُ الصَّلَوَاتِ لَكِنْ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ، وَأَمَّا عِنْدَ وُجُودِهِ إذَا خَافَ فَوْتَهَا فَإِنَّمَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ عَلَى جِنَازَةٍ أُخْرَى إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَاصِلٌ كَمَا مَرَّ، وَلَا يَجُوزُ بِهِ غَيْرُهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ أَوْ سَجْدَةِ تِلَاوَةٍ) أَيْ فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ لَهَا عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، أَمَّا عِنْدَ وُجُودِهِ فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لَهَا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهَا تَفُوتُ إلَى بَدَلٍ ط (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ إلَخْ) أَيْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهِ أَنَّ التَّيَمُّمَ لِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ الثَّلَاثَ عَشَرَ الَّتِي لَا تُشْتَرَطُ لَهَا الطَّهَارَةُ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ يَجُوزُ فِعْلُهُ. وَوَجْهُ ظُهُورِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ لَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ لَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ لَهَا أَوْ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ. وَأَقُولُ: إنْ كَانَ مُرَادُهُ الْجَوَازَ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ وَإِلَّا فَلَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ الثَّانِي مُوَافِقًا لِمَا قَدَّمَهُ عَنْ الْبَحْرِ، وَلِقَوْلِهِ فَظَاهِرُ الْبَزَّازِيَّةِ جَوَازُهُ لِتِسْعٍ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إلَخْ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَقْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَأَنَّ اسْتِدْلَالَ الْبَحْرِ بِمَا فِي الْمُبْتَغَى لَا يُفِيدُ، نَعَمْ مَا يَخَافُ فَوْتَهُ بِلَا بَدَلٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ يَجُوزُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ نَظِيرَ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّهُ فَاقِدٌ لِلْمَاءِ حُكْمًا فَيَشْمَلُهُ النَّصُّ، بِخِلَافِ مَا لَا يَخَافُ فَوْتَهُ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِمَشْرُوعِيَّةِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ فَلَا يُشْرَعُ عِنْدَ وُجُودِهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَلَعَلَّهُ لِهَذَا أَمَرَ بِالتَّأَمُّلِ فَافْهَمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 (لَا) يَتَيَمَّمُ (لِفَوْتِ جُمُعَةٍ وَوَقْتٍ) وَلَوْ وِتْرًا لِفَوَاتِهَا إلَى بَدَلٍ، وَقِيلَ يَتَيَمَّمُ لِفَوَاتِ الْوَقْتِ. قَالَ الْحَلَبِيُّ: فَالْأَحْوَطُ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ ثُمَّ يُعِيدَهُ. (وَيَجِبُ) أَيْ يُفْتَرَضُ (طَلَبُهُ) وَلَوْ بِرَسُولِهِ (قَدْرَ غَلْوَةٍ) ثَلَثِمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ.   [رد المحتار] قَوْلُهُ لِفَوَاتِهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ إلَى بَدَلٍ؛ فَبَدَلُ الْوَقْتِيَّاتِ وَالْوِتْرِ الْقَضَاءُ، وَبَدَلُ الْجُمُعَةِ الظُّهْرُ فَهُوَ بَدَلُهَا صُورَةً عِنْدَ الْفَوَاتِ وَإِنْ كَانَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ هُوَ الْأَصْلَ، وَالْجُمُعَةُ خَلَفٌ عَنْهُ خِلَافًا لِزُفَرَ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَتَيَمَّمُ إلَخْ) هُوَ قَوْلُ زُفَرَ. وَفِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ مَشَايِخِنَا بَحْرٌ، وَقَدَّمْنَا ثَمَرَةَ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ قَالَ الْحَلَبِيُّ) أَيْ الْبُرْهَانُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهِ عَنْ الْمُنْيَةِ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيُّ فِي الْحِلْيَةِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ حَيْثُ ذَكَرَ فُرُوعًا عَنْ الْمَشَايِخِ، ثُمَّ قَالَ مَا حَاصِلُهُ: وَلَعَلَّ هَذَا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ اخْتِيَارٌ لِقَوْلِ زُفَرَ لِقُوَّةِ دَلِيلِهِ، وَهُوَ أَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا شُرِعَ لِلْحَاجَةِ إلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ فَيَتَيَمَّمُ عِنْدَ خَوْفِ فَوْتِهِ. قَالَ شَيْخُنَا ابْنُ الْهُمَامِ وَلَمْ يَتَّجِهْ لَهُمْ عَلَيْهِ سِوَى أَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ فَلَا يُوجِبُ التَّرْخِيصَ عَلَيْهِ، وَهُوَ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا أَخَّرَ لَا لِعُذْرٍ. اهـ. وَأَقُولُ: إذَا أَخَّرَ لَا لِعُذْرٍ فَهُوَ عَاصٍ. وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّهُ كَالْمُطِيعِ فِي الرُّخَصِ، نَعَمْ تَأْخِيرُهُ إلَى هَذَا الْحَدِّ عُذْرٌ جَاءَ مِنْ قِبَلِ غَيْرِ صَاحِبِ الْحَقِّ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي ثُمَّ يُعِيدُ الْوُضُوءَ كَمَنْ عَجَزَ بِعُذْرٍ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ، وَقَدْ نَقَلَ الزَّاهِدِيُّ فِي شَرْحِهِ هَذَا الْحُكْمَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ خِلِّكَانَ أَنَّهُ كَانَ حَنَفِيَّ الْمَذْهَبِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي [الْجَوَاهِرِ الْمُضِيئَةِ فِي طَبَقَاتِ الْحَنَفِيَّةِ] . اهـ مَا فِي الْحِلْيَةِ. قُلْت: وَهَذَا قَوْلٌ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، وَفِيهِ الْخُرُوجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ فَلِذَا أَقَرَّهُ الشَّارِحُ، ثُمَّ رَأَيْته مَنْقُولًا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ أَبِي نَصْرِ بْنِ سَلَّامٍ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ قَطْعًا، فَيَنْبَغِي الْعَمَلُ بِهِ احْتِيَاطًا وَلَا سِيَّمَا وَكَلَامُ ابْنِ الْهُمَامِ يَمِيلُ إلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ زُفَرَ كَمَا عَلِمْته، بَلْ قَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِ الْقُنْيَةِ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ مَشَايِخِنَا الثَّلَاثَةِ، وَنَظِيرُ هَذَا مَسْأَلَةُ الضَّيْفِ الَّذِي خَافَ رِيبَةً فَإِنَّهُمْ قَالُوا يُصَلِّي ثُمَّ يُعِيدُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ) أَيْ عَلَى الْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْمَاءِ فِي الْعُمْرَانَاتِ أَوْ فِي قُرْبِهَا وَاجِبٌ مُطْلَقًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ طَلَبُهُ) أَيْ الْمَاءِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِرَسُولِهِ) وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْسِلَهُ بَحْرٌ عَنْ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ ثَلَثِمِائَةِ ذِرَاعٍ) أَيْ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ دُرَرٌ وَكَافِي وَسِرَاجٌ وَمُبْتَغًى. مَطْلَبٌ فِي تَقْدِيرِ الْغَلْوَةِ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ) أَيْ الْبُرْهَانُ إبْرَاهِيمُ. وَعِبَارَتُهُ فِي شَرْحَيْهِ عَلَى الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ: فَيَطْلُبُ يَمِينًا وَيَسَارًا قَدْرَ غَلْوَةٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةِ خُطْوَةٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ، وَقِيلَ قَدْرُ رَمْيَةِ سَهْمٍ. اهـ. وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا عَزَاهُ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ تَفْسِيرُ الْغَلْوَةِ بِالْخُطَا لَا بِالْأَذْرُعِ. وَالثَّانِي الِاكْتِفَاءُ بِالطَّلَبِ يَمِينًا وَيَسَارًا، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ الْخَانِيَّةِ يُفْرَضُ الطَّلَبُ يَمِينًا وَيَسَارًا قَدْرَ غَلْوَةٍ، وَظَاهِرُهُ كَمَا فِي الشَّيْخِ إسْمَاعِيلِ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي جَانِبِ الْخَلْفِ وَالْقُدَّامِ، نَعَمْ فِي الْحَقَائِقِ يَنْظُرُ يَمِينَهُ وَشِمَالَهُ وَأَمَامَهُ وَوَرَاءَهُ غَلْوَةً. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ بَلْ يَكْفِيهِ النَّظَرُ فِي هَذِهِ الْجِهَاتِ وَهُوَ فِي مَكَانِهِ إذَا كَانَ حَوَالَيْهِ لَا يَسْتَتِرُ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 وَفِي الْبَدَائِعِ: الْأَصَحُّ طَلَبُهُ قَدْرَ مَا لَا يَضُرُّ بِنَفْسِهِ وَرُفْقَتِهِ بِالِانْتِظَارِ (إنْ ظَنَّ) ظَنًّا قَوِيًّا (قُرْبَهُ) دُونَ مَيْلٍ بِأَمَارَةٍ أَوْ إخْبَارِ عَدْلٍ (وَأَلَّا) يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ قُرْبُهُ (لَا) يَجِبُ بَلْ يُنْدَبُ إنْ رَجَا وَإِلَّا لَا؛ وَلَوْ صَلَّى بِتَيَمُّمٍ وَثَمَّةَ مَنْ يَسْأَلُهُ ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِالْمَاءِ أَعَادَ وَإِلَّا لَا. . (وَشَرْطٌ لَهُ) أَيْ لِلتَّيَمُّمِ فِي حَقِّ جَوَازِ الصَّلَاةِ بِهِ (نِيَّةُ عِبَادَةٍ) وَلَوْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ   [رد المحتار] وَقَالَ فِي النَّهْرِ: بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْسِمُ الْغَلْوَةَ عَلَى هَذِهِ الْجِهَاتِ، فَيَمْشِي مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِائَةَ ذِرَاعٍ إذْ الطَّلَبُ لَا يَتِمُّ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ. اهـ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ أَنَّ قَدْرَ الطَّلَبِ بِغَلْوَةٍ مِنْ جَانِبِ ظَنِّهِ. اهـ. قُلْت: لَكِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ أَنَّ ظَنَّهُ فِي جَانِبٍ خَاصٍّ، أَمَّا لَوْ ظَنَّ أَنَّ هُنَاكَ مَاءً دُونَ مِيلٍ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَهُ أَحَدُ الْجَوَانِبِ يَطْلُبُهُ فِيهَا كُلِّهَا حَتَّى جِهَةِ خَلْفِهِ إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا مَاءَ فِيهِ حِينَ مُرُورِهِ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ هَلْ يَقْسِمُ الْغَلْوَةَ عَلَى الْجِهَاتِ أَوْ لِكُلِّ جِهَةٍ غَلْوَةٌ؟ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ. وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ كَمَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ، وَصَرِيحُ مَا مَرَّ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ خِلَافُهُ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إلَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ كَشْفُ الْحَالِ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَرُفْقَتِهِ) الْأَوْلَى أَوْ رُفْقَتِهِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ أَحَدِهِمَا كَافٍ كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ ح. مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الظَّنِّ وَغَلَبَةِ الظَّنِّ (قَوْلُهُ ظَنًّا قَوِيًّا) أَيْ غَالِبًا. قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ أُصُولِ اللَّامِشِيِّ: إنَّ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ إذَا قَوِيَ وَتَرَجَّحَ عَلَى الْآخَرِ وَلَمْ يَأْخُذْ الْقَلْبُ مَا تَرَجَّحَ بِهِ وَلَمْ يَطْرَحْ الْآخَرَ فَهُوَ الظَّنُّ، وَإِذَا عَقَدَ الْقَلْبُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَتَرَكَ الْآخَرَ فَهُوَ أَكْبَرُ الظَّنِّ وَغَالِبُ الرَّأْيِ (قَوْلُهُ دُونَ مِيلٍ) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ قُرْبَهُ، وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمِيلَ وَمَا فَوْقَهُ بَعِيدٌ لَا يُوجِبُ الطَّلَبَ (قَوْلُهُ بِأَمَارَةٍ) أَيْ عَلَامَةٍ كَرُؤْيَةِ خُضْرَةٍ أَوْ طَيْرٍ (قَوْلُهُ أَوْ إخْبَارِ عَدْلٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُخْبِرِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا عَدْلًا وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ غَلَبَةِ الظَّنِّ حَتَّى يَلْزَمَ الطَّلَبُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدِّيَانَاتِ (قَوْلُهُ وَأَلَّا يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ) بِأَنْ شَكَّ أَوْ ظَنَّ ظَنًّا غَيْرَ قَوِيٍّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يَرْجُ الْمَاءَ لَا يَطْلُبُهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ بَحْرٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ أَعَادَ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ بَعْدَمَا سَأَلَهُ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ زَيْلَعِيٌّ وَبَدَائِعٌ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ: وَلَوْ تَيَمَّمَ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ وَكَانَ الطَّلَبُ وَاجِبًا وَصَلَّى ثُمَّ طَلَبَهُ فَلَمْ يَجِدْهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. اهـ. وَمُفَادُهُ أَنَّهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ هُنَا وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ. (قَوْلُهُ فِي حَقِّ جَوَازِ الصَّلَاةِ) أَمَّا فِي حَقِّ صِحَّتِهِ فِي نَفْسِهِ فَيَكْفِي فِيهِ نِيَّةُ مَا قَصَدَهُ لِأَجْلِهِ مِنْ أَيِّ عِبَادَةٍ كَانَتْ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ، وَعِنْدَ وُجُودِهِ يَصِحُّ لِعِبَادَةٍ تَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ نِيَّةُ عِبَادَةٍ) قَدَّمْنَا فِي الْوُضُوءِ تَعْرِيفَ النِّيَّةِ وَشُرُوطَهَا. وَفِي الْبَحْرِ: وَشَرْطُهَا أَنْ يَنْوِيَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً إلَخْ أَوْ الطَّهَارَةَ أَوْ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَوْ رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ الْجَنَابَةِ، فَلَا تَكْفِي نِيَّةُ التَّيَمُّمِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ خِلَافًا لِلْجَصَّاصِ. اهـ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ قَرِيبًا. قُلْت: وَتَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ أَنَّهُ تَكْفِي نِيَّةُ الْوُضُوءِ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِيَّةِ التَّيَمُّمِ تَأَمَّلْ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بَدَلًا عَنْ الْوُضُوءِ أَوْ عَنْ آلَتِهِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ الْخِلَافِ وَلَمْ يَكُنْ مُطَهِّرًا فِي نَفْسِهِ إلَّا بِطَرِيقِ الْبَدَلِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُجْعَلَ مَقْصُودًا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ طَهَارَةٌ أَصْلِيَّةٌ. وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ كُلَّ وُضُوءٍ تُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّ مِنْهُ مَا لَا تُسْتَبَاحُ بِهِ، فَلَا يَكْفِي لِلصَّلَاةِ التَّيَمُّمُ الْمُطْلَقُ، وَيَكْفِي الْوُضُوءُ الْمُطْلَقُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُمْ بِجَوَازِ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِدًا لِلْمَاءِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 أَوْ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ لَا شُكْرٍ فِي الْأَصَحِّ (مَقْصُودَةٍ) خَرَجَ دُخُولُ مَسْجِدٍ وَمَسُّ مُصْحَفٍ (لَا تَصِحُّ) أَيْ لَا تَحِلُّ لِيَعُمَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ لِلْجُنُبِ (بِدُونِ طَهَارَةٍ) خَرَجَ السَّلَامُ وَرَدُّهُ (فَلَغَا تَيَمُّمُ كَافِرٍ لَا وُضُوءُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلنِّيَّةِ، فَمَا يَفْتَقِرُ إلَيْهَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ: وَصَحَّ تَيَمُّمُ جُنُبٍ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ   [رد المحتار] بِالْمُسَافِرِ. أَمَّا إذَا تَيَمَّمَ لَهَا مَعَ وُجُودِهِ لِخَوْفِ الْفَوْتِ فَإِنَّ تَيَمُّمَهُ يَبْطُلُ بِفَرَاغِهِ مِنْهَا. اهـ لَكِنْ فِي إطْلَاقِ بُطْلَانِهِ نَظَرٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ جِنَازَةً أُخْرَى قَبْلَ إمْكَانِ إعَادَةِ التَّيَمُّمِ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا بِهِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَإِنَّ تَيَمُّمَهُ لَمْ يَصِحَّ إلَّا لِمَا نَوَاهُ وَهُوَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَقَطْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ وَلَا أَنْ يَمَسَّ الْمُصْحَفَ وَلَا يَقْرَأَ الْقُرْآنَ جُنُبًا، كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) هَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ إنَّهَا مَكْرُوهَةٌ، أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ إنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ فَيَنْبَغِي صِحَّتُهُ وَصِحَّةُ الصَّلَاةِ بِهِ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ مَقْصُودَةٍ) الْمُرَادُ بِهَا مَا لَا تَجِبُ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ آخَرَ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا أَنَّهَا شُرِعَتْ ابْتِدَاءً تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، لَا تَبَعًا لِغَيْرِهَا، بِخِلَافِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَالْمُرَادُ بِمَا فِي الْأُصُولِ أَنَّ هَيْئَةَ السُّجُودِ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا عِنْدَ التِّلَاوَةِ بَلْ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى التَّوَاضُعِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ خَرَجَ دُخُولُ مَسْجِدٍ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ لِجُنُبٍ، بِأَنْ كَانَ الْمَاءُ فِي الْمَسْجِدِ وَتَيَمَّمَ لِدُخُولِهِ لِلْغُسْلِ، فَلَا يُصَلِّي بِهِ كَمَا مَرَّ؛ وَخَرَجَ أَيْضًا الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ. وَلَا يُقَالُ: دُخُولُ الْمَسْجِدِ عِبَادَةٌ لِلِاعْتِكَافِ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ هِيَ الِاعْتِكَافُ وَالدُّخُولُ تَبَعٌ لَهُ، فَكَانَ عِبَادَةً غَيْرَ مَقْصُودَةٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِيَعُمَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ لِلْجُنُبِ) قَيَّدَ بِالْجُنُبِ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْمُحْدِثِ تَحِلُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ، بِخِلَافِ الْجُنُبِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ جَعَلَهُ فِي الْبَحْرِ هُوَ الْحَقَّ، خِلَافًا لِمَنْ أَطْلَقَ الْجَوَازَ، وَلِمَنْ أَطْلَقَ الْمَنْعَ. وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ، وَجَعَلَهَا فِي الْبَحْرِ جُزْءَ الْعِبَادَةِ، فَزَادَ فِي الضَّابِطِ بَعْدَ قَوْلِهِ مَقْصُودَةٍ أَوْ جُزْئِهَا لِإِدْخَالِهَا. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الْقِرَاءَةِ جُزْءُ عِبَادَةٍ مِنْ وَجْهٍ لَا يُنَافِي وُقُوعَهَا عِبَادَةً مَقْصُودَةً مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ أَدْخَلُوا سُجُودَ التِّلَاوَةِ فِي الْمَقْصُودِ مَعَ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْعِبَادَةِ الَّتِي هِيَ الصَّلَاةُ. اهـ (قَوْلُهُ خَرَجَ السَّلَامُ وَرَدُّهُ) أَيْ فَلَا يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ لَهُمَا وَلَوْ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ، وَكَذَا قِرَاءَةُ الْمُحْدِثِ وَزِيَارَةُ الْقُبُورِ. وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَا يَصِحُّ ذِكْرُهُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُصَلِّي بِهِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَصِحُّ أَصْلًا كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ سَابِقًا، فَمَنْ عَدَّهُ هُنَا لَمْ يُصِبْ (قَوْلُهُ فَلَغَا إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ: أَيْ لِمَا شَرَطْنَاهَا فِيهِ، وَمِنْ شَرَائِطِ صِحَّتِهَا الْإِسْلَامُ. لَغَا تَيَمُّمُ الْكَافِرِ سَوَاءٌ نَوَى عِبَادَةً مَقْصُودَةً لَا تَصِحُّ بِالطَّهَارَةِ أَوْ لَا، وَصَحَّ وُضُوءُهُ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ، وَلَمَّا لَمْ يَشْتَرِطْهَا زُفَرُ سَوَّى بَيْنَهُمَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ) يُرِيدُ بِهِ طَهَارَةَ الْوُضُوءِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ التَّطْهِيرِ بَحْرٌ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْحَدَثَيْنِ خِلَافًا لِلْجَصَّاصِ كَمَا مَرَّ، فَيَصِحُّ التَّيَمُّمُ عَنْ الْجَنَابَةِ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ كَمَا فِي الْعَكْسِ تَأَمَّلْ، لَكِنْ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ عَلَى زَادِ الْفَقِيرِ مَا نَصُّهُ: وَقَالَ فِي الْوِقَايَةِ: إذَا كَانَ بِهِ حَدَثَانِ كَالْجَنَابَةِ وَحَدَثٍ يُوجِبُ الْوُضُوءَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ عَنْهُمَا، فَإِنْ نَوَى عَنْ أَحَدِهِمَا لَا يَقَعُ عَنْ الْآخَرِ لَكِنْ يَكْفِي تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ عَنْهُمَا. اهـ. فَقَوْلُهُ لَكِنْ يَكْفِي، يَعْنِي لَوْ تَيَمَّمَ الْجُنُبُ عَنْ الْوُضُوءِ كَفَى وَجَازَتْ صَلَاتُهُ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ وَكَذَا عَكْسُهُ، لَكِنْ لَا يَقَعُ تَيَمُّمُهُ لِلْوُضُوءِ عَنْ الْجَنَابَةِ، وَلِهَذَا قَالَ الرَّازِيّ: وَإِنْ وَجَدَ مَاءً يَكْفِي لِغَسْلِ أَعْضَائِهِ مَرَّةً بَطَلَ فِي الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّ تَيَمُّمَهُ لِلْوُضُوءِ وَقَعَ لَهُ لَا لِلْجَنَابَةِ وَإِنْ كَفَى عَنْهُمَا فَتَأَمَّلْ. اهـ مَا فِي شَرْحِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 بِهِ يُفْتَى. . (وَنُدِبَ لِرَاجِيهِ) رَجَاءً قَوِيًّا (آخِرُ الْوَقْتِ) الْمُسْتَحَبِّ، وَلَوْ لَمْ يُؤَخِّرْ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى جَازَ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ مِيلٌ وَإِلَّا لَا. (صَلَّى) مَنْ لَيْسَ فِي الْعُمْرَانِ بِالتَّيَمُّمِ -   [رد المحتار] الزَّادِيِّ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) كَذَا فِي الْحِلْيَةِ عَنْ النِّصَابِ. (قَوْلُهُ رَجَاءً قَوِيًّا) الْمُرَادُ بِهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ، وَمِثْلُهُ التَّيَقُّنُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَإِلَّا فَلَا يُؤَخِّرُ لِأَنَّ فَائِدَةَ الِانْتِظَارِ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِأَكْمَلِ الطَّهَارَتَيْنِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ آخِرُ الْوَقْتِ) بِرَفْعِ آخِرِ عَلَى أَنَّهُ نَائِبُ فَاعِلِ نُدِبَ وَأَصْلُهُ النَّصْبُ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ؛ وَلَا يَصِحُّ نَصْبُهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ فِي نُدِبَ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الصَّلَاةِ هُوَ نَائِبُ الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ تَأْنِيثُ الضَّمِيرِ، نَعَمْ هُوَ جَائِزٌ فِي الشِّعْرِ فَافْهَمْ، وَلَا عَلَى أَنَّ ضَمِيرَهُ عَائِدٌ عَلَى التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ آخِرَ الْوَقْتِ مَحَلُّ الْوُضُوءِ لَا التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ الْمُسْتَحَبِّ) هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ: وَقْتُ الْجَوَازِ، وَقِيلَ وَإِنْ كَانَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ الْمَاءِ فَإِلَى آخِرِ وَقْتِ الْجَوَازِ، وَإِنْ عَلَى طَمَعٍ فَإِلَى آخِرِ وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ سِرَاجٌ. وَفِي الْبَدَائِعِ: يُؤَخِّرُ إلَى مِقْدَارِ مَا لَوْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ لَأَمْكَنَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ: وَلَا يُفَرِّطُ فِي التَّأْخِيرِ حَتَّى لَا تَقَعَ صَلَاةٌ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ، فَقِيلَ. لَا يُؤَخَّرُ، وَقِيلَ يُؤَخَّرُ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا رَجَا الْمَاءَ يُؤَخِّرُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ بِحَيْثُ لَا يَقَعُ فِي كَرَاهَةٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَرْجُو الْمَاءَ يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ كَوَقْتِ الْإِسْفَارِ فِي الْفَجْرِ وَالْإِبْرَادِ فِي ظُهْرِ الصَّيْفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ عَلَى مَا بُيِّنَ فِي مَحَلِّهِ، لَكِنْ ذَكَرَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَبَعْضُ شُرَّاحِ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يَرْجُو الْمَاءَ يُصَلِّي فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الصَّلَاةِ فِيهِ أَفْضَلُ، إلَّا إذَا تَضَمَّنَ التَّأْخِيرُ فَضِيلَةً لَا تَحْصُلُ بِدُونِهِ كَتَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ، وَلَا يَتَأَتَّى هَذَا فِي حَقِّ مَنْ فِي الْمَفَازَةِ، فَكَانَ التَّعْجِيلُ أَوْلَى كَمَا فِي حَقِّ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُنَّ لَا يُصَلِّينَ بِجَمَاعَةٍ. وَتَعَقَّبَهُمْ الْأَتْقَانِيُّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْهُمْ بِتَصْرِيحِ أَئِمَّتِنَا بِاسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ بِلَا اشْتِرَاطِ جَمَاعَةٍ. وَأَجَابَ فِي السِّرَاجِ بِأَنَّ تَصْرِيحَهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَضَمَّنَ التَّأْخِيرُ فَضِيلَةً وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ، فَلَا يَكُونُ مُسْتَحَبًّا، وَانْتَصَرَ فِي الْبَحْرِ لِلْأَتْقَانِيِّ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَيْهِ. وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ كَلَامَ الشُّرَّاحِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ أَئِمَّتُنَا مِنْ اسْتِحْبَابِ الْإِسْفَارِ بِالْفَجْرِ وَالْإِبْرَادِ بِظُهْرِ الصَّيْفِ مُعَلَّلٌ بِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ وَتَأْخِيرَ الْعَصْرِ لِاتِّسَاعِ وَقْتِ النَّوَافِلِ وَتَأْخِيرَ الْعِشَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ السَّمَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَكُلُّ هَذِهِ الْعِلَلِ مَفْقُودَةٌ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْغَالِبِ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا، وَلَا يَتَنَفَّلُ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَيُبَاحُ لَهُ السَّمَرُ بَعْدَ الْعِشَاءِ كَمَا سَيَأْتِي، فَكَانَ التَّعْجِيلُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلَ وَقَوْلُهُمْ كَتَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ مِثَالٌ لِلْفَضِيلَةِ لَا حَصْرٌ فِيهَا. [تَنْبِيهٌ] فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُجْتَبَى: يَتَخَالَجُ فِي قَلْبِي فِيمَا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إنْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ يَقْرَبُ مِنْ الْمَاءِ بِمَسَافَةٍ أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ لَكِنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ فِي الْوَقْتِ الْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مُرَاعَاةً لِحَقِّ الْوَقْتِ وَتَجَنُّبًا عَنْ الْخِلَافِ. اهـ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْحِلْيَةِ. (قَوْلُهُ مَنْ لَيْسَ فِي الْعُمْرَانِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا مِنَحٌ وَنُوحٌ أَفَنْدِي عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ. أَمَّا فِي الْعُمْرَانِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَانَ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ فَكَانَ عَلَيْهِ طَلَبِهِ فِيهِ، وَكَذَا فِيمَا قَرُبَ مِنْهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَخْبِيَةَ بِمَنْزِلَةِ الْعُمْرَانِ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْأَعْرَابِ فِيهَا لَا تَتَأَتَّى بِدُونِ الْمَاءِ فَوُجُودُهُ غَالِبٌ فِيهَا أَيْضًا. وَعَلَيْهِ فَيُشْكِلُ قَوْلُهُمْ سَوَاءٌ كَانَ مُسَافِرًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 (وَنَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ) وَهُوَ مِمَّا يُنْسَى عَادَةً (لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ) وَلَوْ ظَنَّ فَنَاءَ الْمَاءِ أَعَادَ اتِّفَاقًا كَمَا لَوْ نَسِيَهُ فِي عُنُقِهِ أَوْ ظَهْرِهِ أَوْ فِي مُقَدَّمِهِ رَاكِبًا أَوْ مُؤَخَّرِهِ سَائِقًا أَوْ نَسِيَ ثَوْبَهُ وَصَلَّى عُرْيَانَا أَوْ فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ أَوْ مَعَ نَجَسٍ وَمَعَهُ مَا تُزِيلُهُ أَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ نَجِسٍ أَوْ صَلَّى مُحْدِثًا ثُمَّ ذَكَرَ أَعَادَ إجْمَاعًا. (وَيَطْلُبُهُ) وُجُوبًا عَلَى الظَّاهِرِ   [رد المحتار] أَوْ مُقِيمًا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَنَسِيَ الْمَاءَ) أَوْ شَكَّ كَمَا فِي السِّرَاجِ نَهْرٌ. أَقُولُ: هُوَ سَبْقُ قَلَمٍ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ السِّرَاجِ: هَكَذَا قَيَّدَ بِالنِّسْيَانِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا شَكَّ أَوْ ظَنَّ أَنَّ مَاءَهُ قَدْ فَنِيَ فَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَهُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ فِي رَحْلِهِ) الرَّحْلُ لِلْبَعِيرِ كَالسَّرْجِ لِلدَّابَّةِ، وَيُقَالُ لِمَنْزِلِ الْإِنْسَانِ وَمَأْوَاهُ رَحْلٌ أَيْضًا وَمِنْهُ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ مُغْرِبٌ، لَكِنَّ قَوْلَهُمْ لَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّحْلِ الْأَوَّلُ بَحْرٌ. وَأَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُوضَعُ بِهِ الْمَاءُ عَادَةً؛ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ كُلَّ رَحْلٍ سَوَاءٌ كَانَ مَنْزِلًا أَوْ رَحْلَ بَعِيرٍ، وَتَخْصِيصُهُ بِأَحَدِهِمَا مِمَّا لَا بُرْهَانَ عَلَيْهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ مِمَّا يُنْسَى عَادَةً) الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ، وَمُحْتَرَزُهُ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ نَسِيَهُ فِي عُنُقِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ) أَيْ إذَا تَذَكَّرَهُ بَعْدَمَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، فَلَوْ تَذَكَّرَ فِيهَا يَقْطَعُ وَيُعِيدُ إجْمَاعًا سِرَاجٌ، وَأَطْلَقَ فَشَمَلَ مَا لَوْ تَذَكَّرَ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْمُنْيَةِ، وَمَا لَوْ كَانَ الْوَاضِعُ لِلْمَاءِ فِي الرَّحْلِ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ بِعِلْمِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؟ أَمَّا لَوْ كَانَ غَيْرَهُ بِلَا عِلْمِهِ فَلَا إعَادَةَ اتِّفَاقًا حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ أَعَادَ اتِّفَاقًا) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِهِ وَظَهَرَ خَطَأُ الظَّنِّ حِلْيَةٌ؛ وَكَذَا لَوْ شَكَّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ السِّرَاجِ، وَهُوَ مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ فِي عُنُقِهِ) أَيْ عُنُقِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ أَوْ فِي مُقَدَّمِهِ إلَخْ) أَيْ مُقَدَّمِ رَحْلِهِ؛ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ نَسِيَهُ فِي مُؤَخَّرِهِ رَاكِبًا أَوْ مُقَدَّمِهِ سَائِقًا فَإِنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَكَذَا إذَا كَانَ قَائِدًا مُطْلَقًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ مَعَ نَجَسٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ: أَيْ بِأَنْ كَانَ حَامِلًا لَهُ أَوْ فِي بَدَنِهِ وَكَانَ أَكْثَرَ مِنْ الدِّرْهَمِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ نَسِيَ وَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِصَلَّى مَحْذُوفًا لِعِلْمِهِ مِنْ الْمَقَامِ، وَلَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى عُرْيَانًا لِيَتَعَلَّقَ بِصَلَّى الْمَذْكُورِ الْمُقَيَّدِ بِقَوْلِهِ نَسِيَ ثَوْبَهُ؛ لِأَنَّ نِسْيَانَ الثَّوْبِ هُنَا لَا دَخْلَ لَهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ) أَيْ بَعْدَمَا فَعَلَ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ نَاسِيًا (قَوْلُهُ أَعَادَ إجْمَاعًا) رَاجِعٌ إلَى الْكُلِّ، لَكِنْ فِي الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ مَسْأَلَةَ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ أَوْ عُرْيَانًا عَلَى الِاخْتِلَافِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ (قَوْلُهُ وَيَطْلُبُهُ وُجُوبًا عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ مَعَ تَعْلِيلِهِ، وَكَوْنُهُ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ أَخَذَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ قَوْلِ الْمَبْسُوطِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ إلَّا عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ إنَّ فِي سُؤَالِهِ مَذَلَّةً وَرَدَ بِهِ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ، وَوَفَّقَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ بِأَنَّ الْحَسَنَ رَوَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَخَذَ هُوَ بِهِ فَاعْتَمَدَ فِي الْمَبْسُوطِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ؛ وَاعْتَمَدَ فِي الْهِدَايَةِ رِوَايَةَ الْحَسَنِ لِكَوْنِهَا أَنْسَبَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْقُدْرَةِ بِالْغَيْرِ. أَقُولُ: وَبِقَوْلِ الْإِمَامِ جَزَمَ فِي الْمَجْمَعِ وَالْمُلْتَقَى وَالْوِقَايَةِ وَابْنِ الْكَمَالِ أَيْضًا، وَقَالَ: هَذَا عَلَى وَفْقِ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْإِيضَاحِ وَالتَّقْرِيبِ وَغَيْرِهَا. وَفِي التَّجْرِيدِ: ذَكَرَ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْجَصَّاصِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ فِيمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مَنْعُهُ إيَّاهُ، وَقَوْلَهُمَا عِنْدَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِعَدَمِ الْمَنْعِ. اهـ. أَقُولُ: وَقَدْ مَشَى عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي الزِّيَادَاتِ وَالْكَافِي، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ الصَّفَّارِ: إنَّهُ يَجِبُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَعِزُّ فِيهِ، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ الْمَنْعُ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ. وَفِي الْحِلْيَةِ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ غَيْرُ مَبْذُولٍ غَالِبًا فِي السَّفَرِ خُصُوصًا فِي مَوْضِعِ عِزَّتِهِ، فَالْعَجْزُ مُتَحَقِّقٌ مَا لَمْ يَظُنَّ الدَّفْعَ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 مِنْ رَفِيقِهِ (مِمَّنْ هُوَ مَعَهُ، فَإِنْ مَنَعَهُ) وَلَوْ دَلَالَةً بِأَنْ اسْتَهْلَكَهُ (تَيَمَّمَ) لِتَحَقُّقِ عَجْزِهِ. (وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ إلَّا بِثَمَنِ مِثْلِهِ) أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ (وَلَهُ ذَلِكَ) فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ (لَا يَتَيَمَّمُ وَلَوْ أَعْطَاهُ بِأَكْثَرَ) يَعْنِي بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَهُوَ ضِعْفُ قِيمَتِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ (أَوْ لَيْسَ لَهُ) ثَمَنُ (ذَلِكَ تَيَمَّمَ) . وَأَمَّا لِلْعَطَشِ فَيَجِبُ عَلَى الْقَادِرِ شِرَاؤُهُ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ إحْيَاءً لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْمِثْلُ فِي تِسْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا مَذْكُورَةً فِي الْأَشْبَاهِ، وَقَبْلَ طَلَبِهِ الْمَاءَ (لَا يَتَيَمَّمُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ مَبْذُولٌ عَادَةً كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛   [رد المحتار] وَحَيْثُ نَصَّ الْإِمَامُ الْجَصَّاصُ عَلَى التَّوْفِيقِ بِمَا ذَكَرَ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ، وَلَا يَبْعُدُ حَمْلُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ عَلَيْهِ كَمَا سَنُشِيرُ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ مِنْ رَفِيقِهِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ وَإِبْقَاءُ الْمَتْنِ عَلَى عُمُومِهِ ط، وَلِذَا قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي وَغَيْرُهُ ذِكْرُ الرَّفِيقِ جَرَى مَجْرَى الْعَادَةِ، وَإِلَّا فَكُلُّ مَنْ حَضَرَ وَقْتَ الصَّلَاةِ فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ رَفِيقًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. اهـ وَقَدْ يُقَالُ: أَرَادَ بِالرَّفِيقِ مَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْقَافِلَةِ، وَهُوَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ، ثُمَّ خَصَّصَهُ بِقَوْلِهِ مِمَّنْ هُوَ مَعَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْقَافِلَةُ كَبِيرَةً يَكْفِيهِ النِّدَاءُ فِيهَا إذْ يَعْسُرُ الطَّلَبُ مِنْ كُلِّ فَرْدٍ وَطَلَبُ رَسُولِهِ كَطَلَبِهِ نَظِيرُ مَا مَرَّ (قَوْلُهُ مِمَّنْ هُوَ) أَيْ الْمَاءُ الْكَافِي لِلتَّطْهِيرِ (قَوْلُهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بَدَائِعُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: فِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَعِزُّ فِيهِ الْمَاءُ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمَاءِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ قِيمَةٌ مَعْلُومَةٌ كَمَا قَالُوا فِي تَقْوِيمِ الصَّيْدِ (قَوْلُهُ وَلَهُ ذَلِكَ) أَيْ وَفِي مِلْكِهِ ذَلِكَ الثَّمَنُ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ وَأَمْكَنَهُ الشِّرَاءُ نَسِيئَةً وَجَبَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ لَازِمٌ وَلَا مُطَالَبَةَ قَبْلَ حُلُولِهِ بِخِلَافِ الْقَرْضِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ) أَيْ مِنْ زَادٍ وَنَحْوِهِ مِنْ الْحَوَائِجِ اللَّازِمَةِ حِلْيَةٌ. قُلْت: وَمِنْهَا قَضَاءُ دَيْنِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا يَتَيَمَّمُ) ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْبَدَلِ قُدْرَةٌ عَلَى الْمَاءِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ ضِعْفُ قِيمَتِهِ) هَذَا مَا فِي النَّوَادِرِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْبَدَائِعِ وَالنِّهَايَةِ، فَكَانَ هُوَ الْأَوْلَى بَحْرٌ، لَكِنَّهُ خَاصٌّ بِهَذَا الْبَابِ لِمَا يَأْتِي فِي شِرَاءِ الْوَصِيِّ أَنَّ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ. اهـ ح. أَقُولُ: هُوَ قَوْلٌ هُنَا أَيْضًا. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ الْأَوْفَقُ (قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ) مَبْنِيٌّ عَلَى مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ. [تَنْبِيهٌ] لَوْ مَلَكَ الْعَارِي ثَمَنَ الثَّوْبِ، قِيلَ لَا يَجِبُ شِرَاؤُهُ، وَقِيلَ يَجِبُ كَالْمَاءِ سِرَاجٌ، وَجَزَمَ بِالثَّانِي فِي الْمَوَاهِبِ (قَوْلُهُ ثَمَنُ ذَلِكَ) الْأَوْلَى حَذْفُ ثَمَنٍ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ إلَيْهِ لَا إلَى الْمَاءِ ط (قَوْلُهُ وَأَمَّا لِلْعَطَشِ) أَيْ هَذَا الْحُكْمُ فِي الشِّرَاءِ لِلْوُضُوءِ وَأَمَّا إلَخْ (قَوْلُهُ مَذْكُورَةٍ فِي الْأَشْبَاهِ) أَيْ فِي أَوَاخِرِهَا، وَلَيْسَتْ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، فَلَا يَلْزَمُنَا ذِكْرُهَا هُنَا (قَوْلُهُ وَقَبْلَ طَلَبِهِ إلَخْ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَيَطْلُبُهُ وُجُوبًا إلَخْ ح. وَفِي النَّهْرِ اعْلَمْ أَنَّ الرَّائِيَ لِلْمَاءِ مَعَ رَفِيقِهِ؛ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْإِعْطَاءُ أَوْ عَدَمُهُ أَوْ شَكَّ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَسْأَلَهُ أَوْ لَا؛ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يُعْطِيَهُ أَوْ لَا. فَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، فَإِنْ فِي الصَّلَاةِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْإِعْطَاءُ قَطَعَ وَطَلَبَ؛ فَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ بَقِيَ تَيَمُّمُهُ؛ فَلَوْ أَتَمَّهَا ثُمَّ سَأَلَ، فَإِنْ أَعْطَاهُ اسْتَأْنَفَ وَإِلَّا تَمَّتْ كَمَا لَوْ أَعْطَاهُ بَعْدَ الْإِبَاءِ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُهُ أَوْ شَكَّ لَا يَقْطَعُ؛ فَلَوْ أَعْطَاهُ بَعْدَمَا أَتَمَّهَا بَطَلَتْ وَإِلَّا لَا؛ وَإِنْ خَارِجَهَا، فَإِنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ بِلَا سُؤَالٍ فَعَلَى مَا سَبَقَ، فَلَوْ سَأَلَ بَعْدَهَا وَأَعْطَاهُ أَعَادَ وَإِلَّا لَا، سَوَاءٌ ظَنَّ الْإِعْطَاءَ أَوْ الْمَنْعَ أَوْ شَكَّ، وَإِنْ مَنَعَهُ ثُمَّ أَعْطَاهُ لَا وَبَطَلَ تَيَمُّمُهُ، وَلَا يَتَأَتَّى فِي هَذَا الْقِسْمِ ظَنٌّ وَلَا شَكٌّ. اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَبْذُولٌ عَادَةً) أَيْ غَالِبًا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَعِزُّ فِيهِ وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَنْعُهُ وَعَدَمُ بَذْلِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلَا يُنَافِي مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ التَّوْفِيقِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى: الْغَالِبُ عَدَمُ الضِّنَةِ بِالْمَاءِ؛ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ تَجْرِي عَلَيْهِ الضِّنَةُ لَا يَجِبُ الطَّلَبُ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 فَيَجِبُ طَلَبُ الدَّلْوِ وَالرِّشَاءِ، وَكَذَا الِانْتِظَارُ لَوْ قَالَ لَهُ حَتَّى أَسْتَقِي، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَلَوْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ إنْ ظَنَّ الْإِعْطَاءَ قَطَعَ، وَإِلَّا لَا، لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ: إنْ ظَنَّ إعْطَاءَ الْمَاءِ أَوْ الْآلَةِ وَجَبَ الطَّلَبُ وَإِلَّا لَا. . (وَالْمَحْصُورُ فَاقِدُ) الْمَاءِ وَالتُّرَابِ (الطَّهُورَيْنِ) بِأَنْ حُبِسَ فِي مَكَان نَجِسٍ وَلَا يُمْكِنُهُ إخْرَاجُ تُرَابٍ مُطَهِّرٍ، وَكَذَا الْعَاجِزُ عَنْهُمَا لِمَرَضٍ (يُؤَخِّرُهَا عِنْدَهُ: وَقَالَا: يَتَشَبَّهُ) بِالْمُصَلِّينَ وُجُوبًا، فَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ   [رد المحتار] فَيَجِبُ إلَخْ. وَقَدْ نَقَلَ الْوُجُوبَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ، ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ لَا يَجِبُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. وَفِي السِّرَاجِ قِيلَ يَجِبُ الطَّلَبُ إجْمَاعًا، وَقِيلَ لَا يَجِبُ. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ، وَالثَّانِي عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ. اهـ أَيْ مِنْ اخْتِيَارِ رِوَايَةِ الْحَسَنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. قُلْت: وَهُوَ تَوْفِيقٌ حَسَنٌ؛ فَلِذَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ حَيْثُ جَعَلَ الْوُجُوبَ مَبْنِيًّا عَلَى الظَّاهِرِ، لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا فِي الْمِعْرَاجِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَوْ كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ دَلْوٌ يَجِبُ أَنْ يَسْأَلَهُ بِخِلَافِ الْمَاءِ. اهـ وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ الْأَظْهَرُ وُجُوبُ الطَّلَبِ كَالْمَاءِ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفَيْضِ الْمَوْضُوعِ لِنَقْلِ الرَّاجِحِ الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْإِعْطَاءُ كَالْمَاءِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا تَشِحُّ بِهِ النُّفُوسُ فِي السَّفَرِ، بِخِلَافِ الْمَاءِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَذَا الِانْتِظَارُ) أَيْ يَجِبُ انْتِظَارُهُ لِلدَّلْوِ إذْ قَالَ إلَخْ لَكِنَّ هَذَا قَوْلُهُمَا. وَعِنْدَهُ لَا يَجِبُ بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْتَظِرَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ، فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ ثَوْبٌ وَهُوَ عُرْيَانُ فَقَالَ انْتَظِرْ حَتَّى أُصَلِّيَ وَأَدْفَعَهُ إلَيْك. وَأَجْمَعُوا: أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَبَحْت لَك مَالِي لِتَحُجَّ بِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ. وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ فِي الْمَاءِ يَنْتَظِرُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى مَا سِوَى الْمَاءِ هَلْ تَثْبُتُ بِالْإِبَاحَةِ فَعِنْدَهُ لَا، وَعِنْدَهُمَا نَعَمْ كَذَا فِي الْفَيْضِ وَالْفَتْحِ والتتارخانية وَغَيْرِهَا، وَجَزَمَ فِي الْمُنْيَةِ بِقَوْلِ الْإِمَامِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُهُ. وَفِي الْحِلْيَةِ: وَالْفَرْقُ لِلْإِمَامِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَاءِ الْإِبَاحَةُ وَالْحَظْرُ فِيهِ عَارِضٌ فَيَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِالْقُدْرَةِ الثَّابِتَةِ بِالْإِبَاحَةِ، وَلَا كَذَلِكَ مَا سِوَاهُ، فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْمِلْكِ كَمَا فِي الْحَجِّ. اهـ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ إنْ ظَنَّ الْإِعْطَاءَ قَطَعَ) أَيْ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: فَلَا تَبْطُلُ بَلْ يَقْطَعُهَا؛ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَإِنْ أَعْطَاهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَعَادَ وَإِلَّا لَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ فَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهَا تَبْطُلُ فَفِيهِ نَظَرٌ: نَعَمْ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ، فَمَعَ غَلَبَتِهِ أَوْلَى وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْفَتْحِ. اهـ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْمَتْنِ كَمَا هُوَ سِيَاقُ الْقُهُسْتَانِيِّ، فَكَانَ الْوَاجِبُ تَقْدِيمَهُ ثُمَّ الْجَوَابُ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ح. قُلْت: وَقَدْ عَلِمْت التَّوْفِيقَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجَصَّاصِ، مِنْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ؛ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيَطْلُبُهُ إلَخْ أَيْ إنْ ظَنَّ الْإِعْطَاءَ، بِأَنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَعِزُّ فِيهِ الْمَاءُ وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ شُرُوحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَأَنَّهُ الْأَوْجَهُ فَتَنَبَّهْ. مَطْلَبٌ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ (قَوْلُهُ فَاقِدُ) بِالرَّفْعِ صِفَةُ الْمَحْصُورِ، وَاللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ فَيَكُونُ فِي حُكْمِ النَّكِرَةِ وَبِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ، كَذَا رَأَيْته بِخَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَلَا يُمْكِنُ إخْرَاجُ تُرَابٍ مُطَهَّرٍ) أَمَّا لَوْ أَمْكَنَهُ بِنَقْرِ الْأَرْضِ أَوْ الْحَائِطِ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ يَسْتَخْرِجُ وَيُصَلِّي بِالْإِجْمَاعِ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ. قَالَ ط: وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ (قَوْلُهُ يُؤَخِّرُهَا عِنْدَهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ» سِرَاجٌ (قَوْلُهُ وَقَالَا يَتَشَبَّهُ بِالْمُصَلِّينَ) أَيْ احْتِرَامًا لِلْوَقْتِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 إنْ وَجَدَ مَكَانًا يَابِسًا وَإِلَّا يُومِئُ قَائِمًا ثُمَّ يُعِيدُ كَالصَّوْمِ (بِهِ يُفْتَى وَإِلَيْهِ صَحَّ رُجُوعُهُ) أَيْ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْفَيْضِ، وَفِيهِ أَيْضًا (مَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إذَا كَانَ بِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ يُصَلِّي بِغَيْرِ طَهَارَةٍ) وَلَا يَتَيَمَّمُ (وَلَا يُعِيدُ عَلَى الْأَصَحِّ) وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ تَعَمُّدَ الصَّلَاةِ بِلَا طُهْرٍ غَيْرُ مُكَفِّرٍ فَلْيُحْفَظْ وَقَدْ مَرَّ وَسَيَجِيءُ فِي صَلَاةِ الْمَرِيضِ. . [فُرُوعٌ] صَلَّى الْمَحْبُوسُ بِالتَّيَمُّمِ، إنْ فِي الْمِصْرِ أَعَادَ وَإِلَّا لَا. هَلْ يَتَيَمَّمُ لِسَجْدَةٍ؟ إنْ فِي السَّفَرِ نَعَمْ وَإِلَّا لَا. . الْمَاءُ الْمُسَبَّلُ فِي الْفَلَاةِ لَا يَمْنَعُ التَّيَمُّمَ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا، فَيَعْلَمُ أَنَّهُ لِلْوُضُوءِ أَيْضًا وَيَشْرَبُ مَا لِلْوُضُوءِ. الْجُنُبُ أَوْلَى بِمُبَاحٍ مِنْ حَائِضٍ أَوْ مُحْدِثٍ وَمَيِّتٍ،   [رد المحتار] قَالَ ط: وَلَا يَقْرَأُ كَمَا فِي أَبِي السُّعُودِ، سَوَاءٌ كَانَ حَدَثُهُ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ. اهـ. قُلْت: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَنْوِي أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ لَا صَلَاةٌ حَقِيقِيَّةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إنْ وَجَدَ مَكَانًا يَابِسًا) أَيْ لِأَمْنِهِ مِنْ التَّلَوُّثِ، لَكِنْ فِي الْحِلْيَةِ: الصَّحِيحُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ يُومِئُ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَجَدَ صَارَ مُسْتَعْمِلًا لِلنَّجَاسَةِ (قَوْلُهُ كَالصَّوْمِ) أَيْ فِي مِثْلِ الْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ فِي رَمَضَانَ، فَإِنَّهَا تُمْسِكُ تَشَبُّهًا بِالصَّائِمِ لِحُرْمَةِ الشَّهْرِ ثُمَّ تَقْضِي، وَكَذَا الْمُسَافِرُ إذَا أَفْطَرَ فَأَقَامَ (قَوْلُهُ مَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ) أَيْ مِنْ فَوْقِ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ وَإِلَّا مَسَحَ مَحَلَّ الْقَطْعِ كَمَا تَقَدَّمَ، لَكِنْ سَيَأْتِي فِي آخِرِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْمُصَنِّفِ مَا ذَكَرَهُ هُنَا، وَقِيلَ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ غَسْلُ مَوْضِعِ الْقَطْعِ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ بِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ) وَإِلَّا مَسَحَهُ عَلَى التُّرَابِ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ غَسْلُهُ (قَوْلُهُ وَلَا يُعِيدُ عَلَى الْأَصَحِّ) لِيُنْظَرْ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ لِمَرَضٍ، فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ أَوْ يَتَشَبَّهُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ آنِفًا كَمَا عَلِمْت مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي إمْكَانِ الْقَضَاءِ بَعْدَ الْبُرْءِ وَكَوْنِ عُذْرِهِمَا سَمَاوِيًّا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَبِهَذَا ظَهَرَ إلَخْ) رَدٌّ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ أَبِي عَلِيٍّ السُّغْدِيِّ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ أَوْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ لَا يَكْفُرُ؛ لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ حَالَةَ الْعُذْرِ. أَمَّا الصَّلَاةُ بِلَا وُضُوءٍ فَلَا يُؤْتَى بِهَا بِحَالٍ فَيَكْفُرُ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَبِهِ نَأْخُذُ. اهـ. وَوَجْهُ الرَّدِّ أَنَّهَا جَائِزَةٌ فِي مَسْأَلَةِ الْمَقْطُوعِ الْمَذْكُورَةِ، فَحَيْثُ كَانَتْ عِلَّةُ عَدَمِ الْإِكْفَارِ الْجَوَازَ حَالَةَ الْعُذْرِ لَزِمَ الْقَوْلُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ بِلَا وُضُوءٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَقَدْ مَرَّ) أَيْ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ الْحِلْيَةِ الْبَحْثَ فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ وَأَنَّ عِلَّةَ الْإِكْفَارِ إنَّمَا هِيَ الِاسْتِخْفَافُ. [فُرُوعٌ صَلَّى الْمَحْبُوسُ بِالتَّيَمُّمِ] (قَوْلُهُ أَعَادَ) ؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) عَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْغَالِبَ فِي السَّفَرِ عَدَمُ الْمَاءِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بِقُرْبٍ مِنْهُ مَاءٌ تَجِبُ الْإِعَادَةُ لِتَمَحُّضِ كَوْنِ الْمَنْعِ مِنْ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ إنْ فِي السَّفَرِ نَعَمْ) لِمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ شَرْحِ الْأَصْلِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ: أَنَّهُ إذَا فَقَدَ الْمَاءَ وَقْتَ التِّلَاوَةِ يَجِدُهُ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْحَضَرَ مَظِنَّةُ الْمَاءِ فَلَا ضَرُورَةَ، بِخِلَافِ السَّفَرِ فَإِنَّ الْغَالِبَ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ، وَبِتَأْخِيرِهَا إلَى وُجُودِهِ عُرْضَةُ نِسْيَانِهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ الْمُسَبَّلُ) أَيْ الْمَوْضُوعُ فِي الْحِبَابِ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ (قَوْلُهُ لَا يَمْنَعُ التَّيَمُّمَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِلْوُضُوءِ بَلْ لِلشُّرْبِ، فَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِنْ صَحَّ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: الْأَوْلَى الِاعْتِبَارُ بِالْعُرْفِ لَا بِالْكَثْرَةِ، إلَّا إذَا اشْتَبَهَ (قَوْلُهُ أَيْضًا) أَيْ كَالشُّرْبِ (قَوْلُهُ وَيَشْرَبُ مَا لِلْوُضُوءِ) مُقَابِلُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّ الْمُسَبَّلَ لِلشُّرْبِ لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ، فَذَكَرَ أَنَّ مَا سُبِّلَ لِلْوُضُوءِ يَجُوزُ الشُّرْبُ مِنْهُ، وَكَانَ الْفَرْقُ أَنَّ الشُّرْبَ أَهَمُّ؛ لِأَنَّهُ لِإِحْيَاءِ النُّفُوسِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ لَهُ بَدَلًا فَيَأْذَنُ صَاحِبُهُ بِالشُّرْبِ مِنْهُ عَادَةً؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ. هَذَا، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا هُنَا، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ الْفَضْلِ بِالْعَكْسِ فِيهِمَا. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. 1 - (قَوْلُهُ الْجُنُبُ أَوْلَى بِمُبَاحٍ إلَخْ) هَذَا بِالْإِجْمَاعِ تَتَارْخَانِيَّةٌ: أَيْ وَيَتَيَمَّمُ الْمَيِّتُ لِيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ وَالْمُحْدِثُ وَيَقْتَدِيَانِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ وَالْمَرْأَةُ لَا تَصْلُحُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 وَلَوْ لِأَحَدِهِمْ فَهُوَ أَوْلَى وَلَوْ مُشْتَرَكًا يَنْبَغِي صَرْفُهُ لِلْمَيِّتِ. جَازَ تَيَمُّمُ جَمَاعَةٍ مِنْ مَحَلٍّ وَاحِدٍ. حِيلَةُ جَوَازِ تَيَمُّمِ مَنْ مَعَهُ مَاءُ زَمْزَمَ وَلَا يَخَافُ الْعَطَشَ أَنْ يَخْلِطَهُ بِمَا يَغْلِبُهُ أَوْ يَهَبُهُ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ. (وَنَاقِضُهُ نَاقِضُ الْأَصْلِ) وَلَوْ غُسْلًا،   [رد المحتار] إمَامًا، لَكِنْ فِي السِّرَاجِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ غَسْلَهُ يُرَادُ لِلتَّنْظِيفِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ بِالتُّرَابِ. اهـ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت بِخَطِّ الشَّارِحِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ وَأَنَّهُ جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَغَيْرُهُ. اهـ. وَفِي السِّرَاجِ أَيْضًا لَوْ كَانَ يَكْفِي لِلْمُحْدِثِ فَقَطْ كَانَ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَرْفَعُ حَدَثَهُ (قَوْلُهُ فَهُوَ أَوْلَى) ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِمِلْكِهِ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي صَرْفُهُ لِلْمَيِّتِ) أَيْ يَنْبَغِي لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَصْرِفَ نَصِيبَهُ لِلْمَيِّتِ حَيْثُ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ لَا يَكْفِيهِ نَصِيبُهُ، وَلَا يُمْكِنُ الْجُنُبَ وَلَا غَيْرَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِحِصَّةِ الْمَيِّتِ، وَكَوْنُ الْجَنَابَةِ أَغْلَظَ لَا يُبِيحُ اسْتِعْمَالَ حِصَّةِ الْمَيِّتِ فَلَمْ يَكُنْ الْجُنُبُ أَوْلَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمَاءُ مُبَاحًا فَإِنَّهُ حَيْثُ أَمْكَنَ بِهِ رَفْعُ الْجَنَابَةِ كَانَ أَوْلَى فَافْهَمْ. [تَتِمَّةٌ] قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: وَالْأَبُ أَوْلَى مِنْ ابْنِهِ لِجَوَازِ تَمَلُّكِهِ مَالَ ابْنِهِ. اهـ (قَوْلُهُ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا، إنَّمَا الْمُسْتَعْمَلُ مَا يَنْفَصِلُ عَنْ الْعُضْوِ بَعْدَ الْمَسْحِ قِيَاسًا عَلَى الْمَاءِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. وَنَحْوُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ النَّهْرِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْحِلْيَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلَا يَخَافُ الْعَطَشَ) إذْ لَوْ خَافَهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى حِيلَةٍ لِاشْتِغَالِهِ بِحَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَطَشَ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْقَافِلَةِ كَعَطَشِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْقِيهِمْ مِنْهُ، إذْ لَوْ اُضْطُرَّ أَحَدُهُمْ إلَيْهِ وَجَبَ دَفْعُهُ لَهُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلِذَا جَازَ لَهُ قِتَالُهُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ بِمَا يَغْلِبُهُ) أَيْ بِشَيْءٍ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مَاءً مُطْلَقًا كَمَاءِ وَرْدٍ أَوْ سُكَّرٍ مَثَلًا (قَوْلُهُ أَوْ يَهَبَهُ) أَيْ مِمَّنْ يَثِقُ بِأَنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ) كَذَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، لِقَوْلِ قَاضِي خَانْ: إنَّ قَوْلَهُمْ الْحِيلَةُ أَنْ يَهَبَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَيُسَلِّمَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الرُّجُوعِ كَيْفَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ؟ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَهُوَ الْفِقْهُ بِعَيْنِهِ، وَالْحِيلَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ يَخْلِطَهُ إلَخْ. قُلْت: لَكِنْ يَدْفَعُ هَذَا قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، أَيْ بِأَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ. وَأَيْضًا فَقَدْ أَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ مَكْرُوهٌ وَهُوَ مَطْلُوبُ الْعَدَمِ شَرْعًا، فَيَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْمَاءُ مَعْدُومًا فِي حَقِّهِ لِذَلِكَ وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ، وَهُوَ الْحَسَنُ. أَقُولُ: عَلَى أَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الرِّضَا أَوْ الْقَضَاءِ. لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ مَا وَهَبَهُ إلَّا لِيَسْتَرِدَّهُ وَالْمَوْهُوبُ مِنْهُ لَا يَمْنَعُهُ إذَا طَلَبَهُ الْوَاهِبُ وَذَلِكَ يَمْنَعُ التَّيَمُّمَ. وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ يَسْتَرِدُّهُ بِهِبَةٍ أَوْ شِرَاءٍ لَا بِالرُّجُوعِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَكْرُوهَ، وَالْمَوْهُوبَ مِنْهُ إذَا عَلِمَ بِالْحِيلَةِ يَمْتَنِعُ مِنْ دَفْعِهِ لِلْوُضُوءِ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَنَاقِضُهُ نَاقِضُ الْأَصْلِ إلَخْ) أَيْ مَا جَعَلَ التَّيَمُّمَ بَدَلًا عَنْهُ مِنْ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا نَقَضَ الْغُسْلَ مِثْلُ الْمَنِيِّ نَقَضَ الْوُضُوءَ وَيَزِيدُ الْوُضُوءُ بِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِمِثْلِ الْبَوْلِ، فَالتَّعْبِيرُ بِ نَاقِضُ الْوُضُوءِ كَمَا فِي الْكَنْزِ يَشْمَلُ نَاقِضَ الْغُسْلِ، فَيُسَاوِي التَّعْبِيرَ بِنَاقِضِ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَاعْتَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مِنَحِهِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ وَإِنْ نَقَضَ تَيَمُّمَ الْوُضُوءِ كُلُّ مَا نَقَضَ الْغُسْلَ، لَكِنْ لَا يَنْقُضُ تَيَمُّمَ الْغُسْلِ كُلُّ مَا نَقَضَ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ عَنْ جَنَابَةٍ ثُمَّ بَالَ مَثَلًا فَهَذَا نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ لَا يَنْتَقِضُ بِهِ تَيَمُّمُ الْغُسْلِ بَلْ تَنْتَقِضُ طَهَارَةُ الْوُضُوءِ الَّتِي فِي ضِمْنِهِ، فَتَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْحَدَثِ لَا أَحْكَامُ الْجَنَابَةِ فَقَدْ وُجِدَ نَاقِضُ الْوُضُوءِ وَلَمْ يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُ الْجَنَابَةِ، فَظَهَرَ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِنَاقِضِ الْأَصْلِ أَوْلَى مِنْ نَاقِضِ الْوُضُوءِ لِشُمُولِهِ التَّيَمُّمَ عَنْ الْحَدَثَيْنِ فَأَيْنَ الْمُسَاوَاةُ؟ ،. اهـ لَكِنْ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ حَذْفُ الْمُضَافِ مِنْ بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَذَكَرْنَاهُ لِيَزُولَ الِاشْتِبَاهُ فَافْهَمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 فَلَوْ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ ثُمَّ أَحْدَثَ صَارَ مُحْدِثًا لَا جُنُبًا، فَيَتَوَضَّأُ وَيَنْزِعُ خُفَّيْهِ ثُمَّ بَعْدَهُ يَمْسَحُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَمُرَّ بِالْمَاءِ، فَمَعَ فِي عِبَارَةِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِمَعْنَى بَعْدُ كَمَا فِي {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] فَافْهَمْ. (وَقُدْرَةُ مَاءٍ) وَلَوْ إبَاحَةً فِي صَلَاةٍ (كَافٍ لِطُهْرِهِ) وَلَوْ مَرَّةً مَرَّةً (فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ)   [رد المحتار] قَوْلُهُ فَلَوْ تَيَمَّمَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ صَحِيحٌ دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّ مَنْطُوقَ عِبَارَةِ الْمَتْنِ أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ عَنْ حَدَثٍ انْتَقَضَ بِنَاقِضِ أَصْلِهِ وَهُوَ الْوُضُوءُ وَذَلِكَ كُلُّ مَا نَقَضَ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ تَيَمَّمَ عَنْ جَنَابَةٍ انْتَقَضَ بِنَاقِضِ أَصْلِهِ وَهُوَ الْغُسْلُ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ بِغَيْرِ نَاقِضِ أَصْلِهِ، فَفَرَّعَ عَلَى هَذَا الْمَفْهُومِ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ فِي مَوَاضِعَ لَا تُحْصَى أَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ الْجُنُبُ ثُمَّ أَحْدَثَ لَا يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ عَنْ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَا يَنْقُضُ أَصْلَهُ وَهُوَ الْغُسْلُ، فَلَا يَصِيرُ جُنُبًا وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُحْدِثًا بِهَذَا الْحَدَثِ الْعَارِضِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ فَيَتَوَضَّأُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى التَّفْرِيعِ: أَيْ وَإِذَا صَارَ مُحْدِثًا فَيَتَوَضَّأُ حَيْثُ وَجَدَ مَا يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ فَقَطْ وَلَوْ مَرَّةً مَرَّةً، وَلَكِنْ لَوْ كَانَ لَبِسَ الْخُفَّ بَعْدَ ذَلِكَ التَّيَمُّمِ وَقَبْلَ الْحَدَثِ يَنْزِعُهُ وَيَغْسِلُ؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ بِالتَّيَمُّمِ نَاقِصَةٌ مَعْنًى، وَلَا يَمْسَحُ إلَّا إذَا لَبِسَهُ عَلَى طَهَارَةٍ تَامَّةٍ وَهِيَ طَهَارَةُ الْوُضُوءِ لَا طَهَارَةُ التَّيَمُّمِ عَلَى مَا سَيَأْتِي؛ نَعَمْ بَعْدَمَا تَوَضَّأَ أَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ يَمْسَحُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى وُضُوءٍ كَامِلٍ، وَالْمَسْحُ لِلْحَدَثِ لَا لِلْجَنَابَةِ إلَّا إذَا مَرَّ بِالْمَاءِ الْكَافِي لِلْغُسْلِ فَحِينَئِذٍ لَا يَمْسَحُ بَلْ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ مِنْ أَصْلِهِ وَيَعُودُ جُنُبًا عَلَى حَالِهِ الْأَوَّلِ؛ فَلَوْ جَاوَزَ الْمَاءَ وَلَمْ يَغْتَسِلْ يَتَيَمَّمُ لِلْجَنَابَةِ. ثُمَّ إذَا أَحْدَثَ وَوَجَدَ مَا يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ فَقَطْ تَوَضَّأَ وَنَزَعَ الْخُفَّ وَغَسَلَ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَا يَمْنَعُهَا الْخُفُّ كَمَا سَيَأْتِي، ثُمَّ بَعْدَهُ يَمْسَحُ مَا لَمْ يَمُرَّ بِالْمَاءِ وَهَكَذَا (قَوْلُهُ فَمَعَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ فَيَتَوَضَّأُ، حَيْثُ أَفَادَ أَنَّهُ وَجَدَ مَاءً يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ فَقَطْ إنَّمَا يَتَوَضَّأُ بِهِ إذَا أَحْدَثَ بَعْدَ تَيَمُّمِهِ عَنْ الْجَنَابَةِ، أَمَّا لَوْ وَجَدَهُ وَقْتَ التَّيَمُّمِ قَبْلَ الْحَدَثِ لَا يَلْزَمُهُ عِنْدَنَا الْوُضُوءُ بِهِ عَنْ الْحَدَثِ الَّذِي مَعَ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ، إذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ التَّيَمُّمِ؛ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ: إذَا كَانَ لِلْجُنُبِ مَاءٌ يَكْفِي لِلْوُضُوءِ لَا الْغُسْلِ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ لَا الْوُضُوءُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. أَمَّا إذَا كَانَ مَعَ الْجَنَابَةِ حَدَثٌ يُوجِبُ الْوُضُوءَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، فَالتَّيَمُّمُ لِلْجَنَابَةِ بِالِاتِّفَاقِ اهـ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَنْفَكُّ عَنْ حَدَثٍ يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَقَدْ قَالَ أَوَّلًا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ لَا الْوُضُوءُ؛ فَقَوْلُهُ ثَانِيًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ. تَنَاقُضٌ وَجَوَابُهُ كَمَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ إنَّ مَعَ فِي قَوْلِهِ مَعَ الْجَنَابَةِ بِمَعْنَى بَعْدُ. وَلَمَّا كَانَ فِي هَذَا التَّفْرِيعِ وَالْجَوَابِ دِقَّةٌ وَخَفَاءٌ وَدَفْعٌ لِاعْتِرَاضَاتِ الْمُحَشِّينَ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَمَرَ بِالتَّفَهُّمِ، وَلِلَّهِ دَرُّ هَذَا الشَّارِحِ عَلَى هَذِهِ الرُّمُوزِ الَّتِي هِيَ مَفَاتِيحُ الْكُنُوزِ (قَوْلُهُ وَلَوْ إبَاحَةً) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ: أَيْ وَلَوْ أَبَاحَهُ مَالِكُهُ لَهُ إبَاحَةً كَانَ قَادِرًا أَوْ تَمْيِيزٌ أَوْ حَالٌ: أَيْ وَلَوْ وُجِدَتْ الْقُدْرَةُ مِنْ جِهَةِ الْإِبَاحَةِ أَوْ فِي حَالِ الْإِبَاحَةِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا لَوْ كَانُوا جَمَاعَةً وَالْمَاءُ الْمُبَاحُ يَكْفِي أَحَدَهُمْ فَقَطْ، فَيَنْتَقِضُ تَيَمُّمُ الْكُلِّ لِتَحَقُّقِ الْإِبَاحَةِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وُهِبَ لَهُمْ فَقَبَضُوهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصِيبُ كُلًّا مِنْهُمْ مَا يَكْفِيهِ. وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فِي صَلَاةٍ) مِنْ مَدْخُولِ الْمُبَالَغَةِ: أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الْقُدْرَةُ أَوْ الْإِبَاحَةُ فِي صَلَاةٍ يَنْتَقِضُ التَّيَمُّمُ وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ الَّتِي هُوَ فِيهَا، إلَّا إذَا كَانَ الْمَاءُ سُؤْرَ حِمَارٍ فَإِنَّهُ يَمْضِي فِيهَا ثُمَّ يُعِيدُهَا بِسُؤْرِ الْحِمَارِ، لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ، فَمَا فِي الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّهَا تَفْسُدُ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحَانِ. وَلَوْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ لَا يُعِيدُ مُنْيَةٌ: أَيْ إلَّا إذَا كَانَ الْعُذْرُ الْمُبِيحُ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ فَيُعِيدُ وَلَوْ بَعْدَ الْوَقْتِ كَمَا مَرَّ، فَتَنَبَّهْ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ كَافٍ لِطُهْرِهِ) أَيْ لِلْوُضُوءِ لَوْ مُحْدِثًا، وَلِلِاغْتِسَالِ وَلَوْ جُنُبًا. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا كَانَ يَكْفِي لِبَعْضِ أَعْضَائِهِ أَوْ يَكْفِي لِلْوُضُوءِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَنَا ابْتِدَاءً كَمَا مَرَّ، فَلَا يَنْقُضُ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَرَّةً مَرَّةً) فَلَوْ غَسَلَ بِهِ كُلَّ عُضْوٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَنَقَصَ عَنْ إحْدَى رِجْلَيْهِ انْتَقَضَ تَيَمُّمُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 كَعَطَشٍ وَعَجْنٍ وَغَسْلِ نَجَسٍ مَانِعٍ وَلُمْعَةِ جَنَابَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَشْغُولَ بِالْحَاجَةِ وَغَيْرَ الْكَافِي كَالْمَعْدُومِ. (لَا) تَنْقُضُهُ (رِدَّةٌ وَكَذَا) يَنْقُضُهُ (كُلُّ مَا يَمْنَعُ وُجُودَهُ التَّيَمُّمُ إذَا وُجِدَ بَعْدَهُ) ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ بِعُذْرٍ بَطَلَ بِزَوَالِهِ، فَلَوْ تَيَمَّمَ لِمَرَضٍ بَطَلَ بِبُرْئِهِ أَوْ لِبَرْدٍ بَطَلَ بِزَوَالِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَمْنَعُ وُجُودَهُ التَّيَمُّمُ نَقَضَ وُجُودَهُ التَّيَمُّمُ (وَمَا لَا) يَمْنَعُ وُجُودَهُ التَّيَمُّمُ فِي الِابْتِدَاءِ (فَلَا)   [رد المحتار] هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْمَرَّةِ كَفَاهُ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ وَغَسْلِ نَجِسٍ مَانِعٍ) فَلَوْ لَمْ يَكْفِهِ يَلْزَمُهُ أَيْضًا تَقْلِيلُ النَّجَاسَةِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ، لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَحْرٌ: أَيْ إلَّا إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَبْقَى أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ كَمَا بَحَثْنَاهُ فِيمَا مَرَّ فَيَلْزَمُهُ وَلَا يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ (قَوْلُهُ وَلُمْعَةِ جَنَابَةٍ) أَيْ لَوْ اغْتَسَلَ وَبَقِيَتْ عَلَى بَدَنِهِ لُمْعَةٌ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ فَتَيَمَّمَ لَهَا ثُمَّ أَحْدَثَ فَتَيَمَّمَ لَهُ ثُمَّ وَجَدَ مَا يَكْفِيهَا فَقَطْ فَإِنَّهُ يَغْسِلُهَا بِهِ، وَلَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ لِلْحَدَثِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكْفِيَهُمَا مَعًا فَيَغْسِلُهَا وَيَتَوَضَّأُ وَيَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ لَهُمَا. الثَّانِي: أَنْ لَا يَكْفِيَ وَاحِدًا مِنْهُمَا. فَيَبْقَى تَيَمُّمُهُ لَهُمَا وَيَغْسِلُ بِهِ بَعْضَ اللُّمْعَةِ لِتَقْلِيلِ الْجَنَابَةِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكْفِيَ اللُّمْعَةُ فَقَطْ وَقَدَّمْنَاهُ. الرَّابِعُ: عَكْسُهُ، فَيَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَبْقَى تَيَمُّمُهُ لَهَا عَلَى حَالِهِ. الْخَامِسُ: أَنْ يَكْفِيَ أَحَدَهُمَا بِمُفْرَدِهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَيَغْسِلُ بِهِ اللَّمْعَةَ، وَلَا يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُ الْحَدَثِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْتَقِضُ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْجَهُ، وَهَذَا إذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَمَا تَيَمَّمَ لِلْحَدَثِ، فَلَوْ قَبْلَهُ فَعَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ أَيْضًا فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: يَغْسِلُهَا وَيَتَوَضَّأُ لِلْحَدَثِ. وَفِي الثَّانِي: يَتَيَمَّمُ لِلْحَدَثِ وَيَغْسِلُ بِهِ بَعْضَ اللُّمْعَةِ إنْ شَاءَ. وَفِي الثَّالِثِ: يَغْسِلُهَا وَيَتَيَمَّمُ لِلْحَدَثِ. وَفِي الرَّابِعِ: يَتَوَضَّأُ وَيَبْقَى تَيَمُّمُهُ لَهَا. وَفِي الْخَامِسِ: كَالثَّالِثِ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ، لَكِنْ فِي رِوَايَةٍ يَلْزَمُهُ غَسْلُهَا قَبْلَ التَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ لِيَصِيرَ عَادِمًا لِلْمَاءِ. وَفِي رِوَايَةٍ يُخَيَّرُ. اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْحِلْيَةِ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى اقْتَصَرَ فِي الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَشْغُولَ إلَخْ) ارْتَكَبَ فِي التَّعْلِيلِ النَّشْرَ الْمُشَوَّشَ ط (قَوْلُهُ كَالْمَعْدُومِ) وَلِذَا جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ ابْتِدَاءً. وَقَدْ اعْتَرَضَ بِهَذَا فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْحِلْيَةِ عَلَى قَوْلِهِمْ لَوْ كَانَ بِثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ فَتَيَمَّمَ أَوَّلًا ثُمَّ غَسَلَهَا يُعِيدُ التَّيَمُّمَ إجْمَاعًا.؛ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْوُضُوءِ. فَقَالَ: فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الظَّاهِرُ جَوَازُ التَّيَمُّمِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ الصَّرْفُ إلَى جِهَةِ مَعْدُومٍ حُكْمًا كَمَسْأَلَةِ اللُّمْعَةِ: أَيْ عَلَى رِوَايَةِ التَّخْيِيرِ. قُلْت: لَكِنْ فَرَّقَ فِي السِّرَاجِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ هُنَا قَادِرٌ عَلَى مَاءٍ لَوْ تَوَضَّأَ بِهِ جَازَ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ اللُّمْعَةِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ جُنُبًا بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ. اهـ. وَهُوَ فَرْقٌ حَسَنٌ دَقِيقٌ فَتَدَبَّرْهُ. (قَوْلُهُ لَا تَنْقُضُهُ رِدَّةٌ) أَيْ فَيُصَلِّي بِهِ إذَا أَسْلَمَ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ بِالتَّيَمُّمِ صِفَةُ الطَّهَارَةِ وَالْكُفْرُ لَا يُنَافِيهَا كَالْوُضُوءِ، وَالرِّدَّةُ تُبْطِلُ ثَوَابَ الْعَمَلِ لَا زَوَالُ الْحَدَثِ شَرْحُ النُّقَايَةِ (قَوْلُهُ بَطَلَ بِبُرْئِهِ إلَخْ) أَيْ لِقُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ مَوْجُودًا بَحْرٌ، وَكَذَا لَوْ تَيَمَّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ ثُمَّ مَرِضَ كَمَا قَدَّمَهُ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ مَعَ مَا فِي الْمَقَامِ مِنْ الْإِشْكَالِ (قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ) أَرَادَ بِهِ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ تُغْنِي عَنْ ذِكْرِ قُدْرَةِ الْمَاءِ الْكَافِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمَا لَا يَمْنَعُ إلَخْ) وَذَلِكَ كَوُجُودِ الْمَاءِ عِنْدَ الْمَرِيضِ الْعَاجِزِ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ. (قَوْلُهُ فِي الِابْتِدَاءِ) مُتَعَلِّقٌ بِوُجُودِهِ أَوْ بِالتَّيَمُّمِ (قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ) مُتَعَلِّقٌ بِوُجُودِهِ وَاسْمُ الْإِشَارَةِ عَائِدٌ عَلَى التَّيَمُّمِ، وَالتَّيَمُّمَ: بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ يَنْقُضُ. وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ فِي الْخَزَائِنِ: فَلَا يَنْقُضُ وُجُودُهُ بَعْدَهُ ذَلِكَ التَّيَمُّمَ وَهِيَ أَظْهَرُ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ) يَعْنِي بَعْدَ قَوْلِهِ وَنَاقِضُهُ نَاقِضُ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ فَلَوْ تَيَمَّمَ إلَخْ) ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ حَثًّا بِقَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِضَ تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ حُكْمًا. وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ الزَّاهِدِيُّ إنَّ عَدَمَ الْمَاءِ شَرْطُ الِابْتِدَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 يَنْقُضُ وُجُودَهُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّيَمُّمُ؛ وَلَوْ قَالَ وَكَذَا زَوَالُ مَا أَبَاحَهُ: أَيْ التَّيَمُّمُ لَكَانَ أَظْهَرَ وَأَخْصَرَ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ تَيَمَّمَ لِبُعْدِ مِيلٍ فَسَارَ فَانْتَقَصَ انْتَقَضَ فَلْيُحْفَظْ. (وَمُرُورُ نَاعِسٍ) مُتَيَمِّمٍ عَنْ حَدَثٍ أَوْ نَائِمٍ غَيْرِ مُتَمَكِّنٍ مُتَيَمِّمٍ عَنْ جَنَابَةٍ (عَلَى مَاءٍ) كَافٍ (كَمُسْتَيْقِظٍ) فَيَنْتَقِضُ، وَأَبْقَيَا تَيَمُّمَهُ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْمُصَحَّحَةُ عَنْهُ الْمُخْتَارَةُ لِلْفَتْوَى؛ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ وَبِقُرْبِهِ مَاءٌ لَا يَعْلَمُ بِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ (تَيَمَّمَ لَوْ) كَانَ (أَكْثَرُهُ) أَيْ أَكْثَرُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ عَدَدًا وَفِي الْغُسْلِ مِسَاحَةً (مَجْرُوحًا) أَوْ بِهِ جُدَرِيٌّ اعْتِبَارًا لِلْأَكْثَرِ (وَبِعَكْسِهِ يَغْسِلُ) الصَّحِيحَ وَيَمْسَحُ الْجَرِيحَ (وَ) كَذَا (إنْ اسْتَوَيَا غَسَلَ الصَّحِيحَ)   [رد المحتار] فَكَانَ شَرْطَ الْبَقَاءِ. اهـ وَلِظُهُورِهِ جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ فَانْتَقَصَ) أَيْ الْبُعْدُ عَنْ مِيلٍ بِسَبَبِ السَّيْرِ وَهُوَ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَقَوْلُهُ انْتَقَضَ: أَيْ التَّيَمُّمُ وَهُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ فَفِيهِ جِنَاسٌ (قَوْلُهُ وَمُرُورُ نَاعِسٍ إلَخْ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ كَمُسْتَيْقِظٍ مِنَحٌ، وَالنَّاعِسُ هُوَ الَّذِي يَعِي أَكْثَرَ مَا يُقَالُ عِنْدَهُ وَلَمْ تَزُلْ قُوَّتُهُ الْمَاسِكَةُ ط. وَاعْلَمْ أَنَّ مُرُورَ النَّاعِسِ عَلَى الْمَاءِ يَنْقُضُ تَيَمُّمَهُ سَوَاءٌ كَانَ عَنْ حَدَثٍ أَوْ جَنَابَةٍ مُتَمَكِّنًا أَوْ لَا. وَمُرُورُ النَّائِمِ مِثْلُهُ، لَكِنْ لَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ مَقْعَدَتَهُ وَكَانَ تَيَمُّمُهُ عَنْ حَدَثٍ يَكُونُ النَّاقِضُ النَّوْمَ لَا الْمُرُورَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْبَحْرِ، وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، فَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ وَمُرُورُ نَاعِسٍ مُطْلَقًا أَوْ نَائِمٍ مُتَيَمِّمٍ عَنْ جَنَابَةٍ أَوْ عَنْ حَدَثٍ وَكَانَ مُتَمَكِّنًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَيَنْتَقِضُ) نَتِيجَةُ التَّشْبِيهِ بِالْمُسْتَيْقِظِ (قَوْلُهُ وَأَبْقَيَا تَيَمُّمَهُ) أَيْ أَبْقَى الصَّاحِبَانِ تَيَمُّمَهُ لِعَجْزِهِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ الصَّاحِبَيْنِ الرِّوَايَةُ الْمُصَحَّحَةُ عَنْهُ. أَيْ عَنْ الْإِمَامِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالرِّوَايَةِ. وَرَأَيْت بِخَطِّ الشَّارِحِ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ أَنَّهُ صَحَّحَهَا فِي التَّجْنِيسِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ وَنُكَتِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ تَبَعًا لِلْكَمَالِ وَاخْتَارَهَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهَا. اهـ وَجَزَمَ بِهَا فِي الْمُنْيَةِ. وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ: كَذَا فِي غَيْرِ كِتَابٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمَذْهَبِيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَهُوَ الْمُتَّجَهُ. قَالَ شَيْخُنَا ابْنُ الْهُمَامِ: وَإِذَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ فِي الْمُسْتَيْقِظِ حَقِيقَةً عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ لَا يَعْلَمُ بِهِ يَجُوزُ تَيَمُّمُهُ فَكَيْفَ يَقُولُ فِي النَّائِمِ حَقِيقَةً بِانْتِقَاضِ تَيَمُّمِهِ. اهـ. وَنَقَلَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ مُوَافَقَةَ ابْنِ الْهُمَامِ، ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ فَرَاجِعْهَا، وَمَشَى فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ الْمُخْتَارَةُ لِلْفَتْوَى) عِبَارَةُ الْبَحْرِ فِي الْفَتَاوَى (قَوْلُهُ أَيْ أَكْثَرُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَيْ أَكْثَرُ أَعْضَائِهِ فِي الْوُضُوءِ إلَخْ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي أَكْثَرِهِ عَائِدٌ عَلَى الرَّجُلِ الْمُتَيَمِّمِ مَعَ تَقْدِيرِ مُضَافٍ وَهُوَ الْأَعْضَاءُ الصَّادِقَةُ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهَا تَأَمَّلْ. هَذَا، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَهَا فِي نَفْسِ الْعُضْوِ، حَتَّى لَوْ كَانَ أَكْثَرُ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ الْوَاجِبِ غَسْلُهَا جَرِيحًا تَيَمَّمَ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا يَغْسِلُ. وَقِيلَ فِي عَدَدِ الْأَعْضَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَ رَأْسُهُ وَوَجْهُهُ وَيَدَاهُ مَجْرُوحَةً دُونَ رِجْلَيْهِ مَثَلًا تَيَمَّمَ، وَفِي الْعَكْسِ لَا. اهـ دُرَرُ الْبِحَارِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْحَقَائِقِ الْمُخْتَارُ الثَّانِي، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْوُضُوءِ؛ أَمَّا فِي الْغُسْلِ فَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُ أَكْثَرِ الْبَدَنِ مِسَاحَةً. اهـ. وَمَا اسْتَظْهَرَهُ أَقَرَّهُ عَلَيْهِ أَخُوهُ فِي النَّهْرِ وَنَقَلَهُ نُوحٌ أَفَنْدِي عَنْ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ فَلِذَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ جُدَرِيٌّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا مَعَ فَتْحِ الدَّالِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا لِلْأَكْثَرِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ تَيَمَّمَ ط (قَوْلُهُ وَبِعَكْسِهِ) وَهُوَ مَا لَوْ كَانَ أَكْثَرُ الْأَعْضَاءِ صَحِيحًا يَغْسِلُ إلَخْ، لَكِنْ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ غَسْلُ الصَّحِيحِ بِدُونِ إصَابَةِ الْجَرِيحِ وَإِلَّا تَيَمَّمَ حِلْيَةٌ، فَلَوْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ بِظَهْرِهِ مَثَلًا وَإِذَا صَبَّ الْمَاءَ سَالَ عَلَيْهَا يَكُونُ مَا فَوْقَهَا فِي حُكْمِهَا فَيُضَمُّ إلَيْهَا كَمَا بَحَثَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي الْإِمْدَادِ وَقَالَ لَمْ أَرَهُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ صَرِيحٌ فِيهِ (قَوْلُهُ وَيَمْسَحُ الْجَرِيحَ) أَيْ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ وَإِلَّا عَصَبَهَا بِخِرْقَةٍ وَمَسَحَ فَوْقَهَا خَانِيَّةٌ وَغَيْرُهَا وَمُفَادٌ كَمَا قَالَ ط أَنَّهُ يَلْزَمُهُ شَدُّ الْخِرْقَةِ إنْ لَمْ تَكُنْ مَوْضُوعَةً (قَوْلُهُ وَكَذَا إلَخْ) فَصَّلَهُ بِكَذَا، إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَلَا رِوَايَةَ فِي الْغَسْلِ (وَمَسَحَ الْبَاقِي) مِنْهَا (وَهُوَ) الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ (أَحْوَطُ) فَكَانَ أَوْلَى وَصَحَّحَ فِي الْفَيْضِ وَغَيْرِهِ التَّيَمُّمَ، كَمَا يَتَيَمَّمُ لَوْ الْجُرْحُ بِيَدَيْهِ وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يُوَضِّئُهُ خِلَافًا لَهُمَا. (وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ تَيَمُّمٍ وَغُسْلٍ كَمَا لَا يَجْمَعُ بَيْنَ حَيْضٍ وَحَبَلٍ أَوْ اسْتِحَاضَةٍ أَوْ نِفَاسٍ، وَلَا بَيْنَ نِفَاسٍ وَاسْتِحَاضَةٍ أَوْ حَيْضٍ، وَلَا زَكَاةٍ وَعُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ   [رد المحتار] الِاخْتِلَافُ الْآتِي (قَوْلُهُ وَلَا رِوَايَةَ فِي الْغَسْلِ) أَيْ لَا رِوَايَةَ فِي صُورَةِ الْمُسَاوَاةِ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ، وَإِنَّمَا فِيهَا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ؛ فَقِيلَ تَيَمَّمَ كَمَا لَوْ كَانَ الْأَكْثَرُ جَرِيحًا؛ لِأَنَّ غَسْلَ الْبَعْضِ طَهَارَةٌ نَاقِصَةٌ وَالتَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ كَامِلَةٌ، وَقِيلَ يَغْسِلُ الصَّحِيحَ وَيَمْسَحُ الْجَرِيحَ كَعَكْسِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ طَهَارَةٌ حَقِيقِيَّةٌ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ. وَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ وَالتَّصْحِيحُ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ، وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ تَصْحِيحَ الثَّانِي بِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَتَبِعَهُ فِي الْمَتْنِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنِّي لَمْ أَرَ مَنْ خَصَّ نَفْيَ الرِّوَايَةِ فِي صُورَةِ الْمُسَاوَاةِ بِالْغَسْلِ كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ. ثُمَّ رَأَيْت فِي السِّرَاجِ مَا نَصُّهُ: وَفِي الْعُيُونِ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ عَلَى الْيَدَيْنِ قُرُوحٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى غَسْلِهَا وَبِوَجْهِهِ مِثْلُ ذَلِكَ تَيَمَّمَ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدَيْهِ خَاصَّةً غَسَلَ وَلَا تَيَمَّمَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ مَعَ جِرَاحَةِ النِّصْفِ انْتَهَى كَلَامُ السِّرَاجِ، فَقَدْ وَجَدْت الرِّوَايَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْوُضُوءِ، فَقَوْلُهُمْ لَا رِوَايَةَ: أَيْ فِي الْغَسْلِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، لَكِنْ يُرَدُّ عَلَى الشَّارِحِ أَنَّهُ جَعَلَ حُكْمَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْوُضُوءِ الْغَسْلَ وَالْمَسْحَ. وَاَلَّذِي فِي الْعُيُونِ التَّيَمُّمُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ، وَعَلِمْت مَا فِيهِ (قَوْلُهُ هُوَ الْأَصَحُّ) صَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمُحِيطِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَغَيْرِهِ) كَالْخُلَاصَةِ وَالْفَتْحِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَالِاخْتِيَارِ وَالْمَوَاهِبِ (قَوْلُهُ لَوْ الْجُرْحُ بِيَدَيْهِ) أَيْ وَلَا يُمْكِنُهُ إدْخَالُ وَجْهِهِ وَرِجْلَيْهِ فِي الْمَاءِ، فَلَوْ أَمْكَنَهُ فَعَلَ بِلَا تَيَمُّمٍ كَمَا لَا يَخْفَى، فَلَا يُنَافِي مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعُيُونِ (قَوْلُهُ وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يُوَضِّئُهُ) أَيْ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ قَادِرًا بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ، لَكِنْ عَبَّرَ عَنْ هَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْمُبْتَغَى بِقِيلَ جَازِمًا بِالتَّفْصِيلِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ فِي الْمَرِيضِ الْعَاجِزِ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ مَنْ يُعِينُهُ لَا يَتَيَمَّمُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ. [تَتِمَّةٌ] لَوْ بِأَكْثَرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ جِرَاحَةٌ يَضُرُّهَا الْمَاءُ وَبِأَكْثَرِ مَوَاضِعِ التَّيَمُّمِ جِرَاحَةٌ يَضُرُّهَا التَّيَمُّمُ لَا يُصَلِّي. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَغْسِلُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَيُصَلِّي وَيُعِيدُ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا) لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ، بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَسُؤْرِ الْحِمَارِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَتَأَدَّى بِأَحَدِهِمَا لَا بِهِمَا فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا لِلشَّكِّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَغَسَلَ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ لِيَعُمَّ الطَّهَارَتَيْنِ ح (قَوْلُهُ كَمَا لَا يَجْمَعُ) عَدَمُ الْجَمْعِ فِي جَمِيعِ مَا يَأْتِي بِمَعْنَى الْمُعَاقَبَةِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَيْ كُلَّمَا وُجِدَ وَاحِدٌ امْتَنَعَ وُجُودُ آخَرَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ عَدَمَ الْجَمْعِ وَلَوْ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْحَصِرُ فِي عَدَدٍ كَالْحَيْضِ مَعَ الصَّلَاةِ أَوْ الصَّوْمِ أَوْ الْحَجِّ، وَكَذَا الْعِبَادَاتُ بِأَسْرِهَا مَعَ الْكُفْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ بَيْنَ حَيْضٍ وَحَبَلٍ أَوْ اسْتِحَاضَةٍ أَوْ نِفَاسٍ) أَيْ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْحَيْضِ وَبَيْنَ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَعْطُوفَاتِ عَلَيْهِ، بَلْ كُلَّمَا وُجِدَ الْحَيْضُ لَا يُوجَدُ وَاحِدٌ مِنْهَا، وَكُلَّمَا وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا يُوجَدُ الْحَيْضُ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ، وَقَوْلُهُ وَلَا بَيْنَ نِفَاسٍ وَاسْتِحَاضَةٍ أَوْ حَيْضٍ، قِيلَ كَذَا فِي أَصْلِ نُسْخَةِ الشَّارِحِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: أَوْ حَبَلٍ بَدَلَ قَوْلِهِ أَوْ حَيْضٍ وَعَلَيْهِ فَلَا تَكْرَارَ، لَكِنْ فِيهِ كَمَا قَالَ ط: إنَّ النِّفَاسَ قَدْ يَجْتَمِعُ مَعَ الْحَبَلِ فِي التَّوْأَمِ الثَّانِي، لِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ النِّفَاسَ مِنْ الْأَوَّلِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاحْتِمَالَاتِ سِتَّةٌ: ثَلَاثَةٌ فِيهَا الْحَيْضُ مَعَ غَيْرِهِ، وَاثْنَانِ نِفَاسٌ مَعَ غَيْرِهِ، وَالسَّادِسُ حَبَلٌ مَعَ اسْتِحَاضَةٍ. قَالَ ح: وَتَرَكَهُ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ فِيهِ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ وَلَا زَكَاةٍ وَعُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ الزَّكَاةَ لَا يَجِبُ فِيهِ عُشْرٌ وَلَا خَرَاجٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَكَذَا عَكْسُهُ، كَمَا لَوْ أَدَّى عُشْرَ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ أَوْ أَدَّى خَرَاجَ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ مِنْ الْخَارِجِ مِنْهَا وَنَوَى فِيمَا بَقِيَ التِّجَارَةَ وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 أَوْ فِطْرَةٍ، وَلَا عُشْرٍ مَعَ خَرَاجٍ، وَلَا فِدْيَةٍ وَصَوْمٍ أَوْ قِصَاصٍ، وَلَا ضَمَانٍ وَقَطْعٍ أَوْ أَجْرٍ، وَلَا جَلْدٍ مَعَ رَجْمٍ أَوْ نَفْيٍ، وَلَا مَهْرٍ وَمُتْعَةٍ وَحَدٍّ أَوْ ضَمَانِ إفْضَائِهَا أَوْ مَوْتِهَا مِنْ جَمَاعَةٍ، وَلَا مَهْرِ مِثْلٍ وَتَسْمِيَةٍ، وَلَا وَصِيَّةٍ وَمِيرَاثٍ وَغَيْرِهَا مِمَّا سَيَجِيءُ فِي مَحَلِّهِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.   [رد المحتار] وَكَذَا لَوْ شَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً أَوْ عُشْرِيَّةً نَاوِيًا التِّجَارَةَ بِهَا وَحَالَ الْحَوْلُ لِمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، مِنْ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ التِّجَارَةِ فِيمَا خَرَجَ مِنْ أَرْضِهِ الْعُشْرِيَّةُ أَوْ الْخَرَاجِيَّةِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْحَقَّانِ، وَكَذَا لَوْ شَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً نَاوِيًا التِّجَارَةَ أَوْ عُشْرِيَّةً وَزَرَعَهَا لَا تَكُونُ لِلتِّجَارَةِ لِقِيَامِ الْمَانِعِ. اهـ (قَوْلُهُ أَوْ فِطْرَةٍ) فَعَبِيدُ الْخِدْمَةِ فِيهَا الْفِطْرَةُ وَلَا زَكَاةَ وَعَبِيدُ التِّجَارَةِ إذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَلَا فِطْرَةَ ح (قَوْلُهُ وَلَا عُشْرٍ مَعَ خَرَاجٍ) أَيْ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ عُشْرِيَّةً فَفِيهَا عُشْرُ الْخَارِجِ، وَإِنْ خَرَاجِيَّةً فَالْخَرَاجُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الِاحْتِمَالَاتِ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ سِتَّةٌ أَيْضًا: ثَلَاثَةٌ فِي اجْتِمَاعِ الزَّكَاةِ مَعَ غَيْرِهَا، وَوَاحِدٌ فِي الْعُشْرِ مَعَ الْخَرَاجِ، وَاثْنَانِ فِي الْفِطْرَةِ مَعَ الْعُشْرِ أَوْ مَعَ الْخَرَاجِ تَرَكَهُمَا لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِمَا أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ وَلَا فِدْيَةٍ وَصَوْمٍ) فَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ لَا تَلْزَمُهُ فِدْيَةٌ، وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ مَا دَامَ عَاجِزًا، أَمَّا إذَا قَدَرَ فَإِنَّهُ يَصُومُ، لَكِنْ لَا يَبْقَى مَا أَدَّاهُ فِدْيَةً؛ لِأَنَّ شَرْطَهَا الْعَجْزُ الدَّائِمُ فَلَا جَمْعَ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ أَوْ قِصَاصٍ) أَيْ وَلَا بَيْنَ فِدْيَةٍ أَيْ كَفَّارَةٍ وَقِصَاصٍ، فَأَرَادَ بِالْفِدْيَةِ مَا يَشْمَلُ الْكَفَّارَةَ، وَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ فَافْهَمْ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِي الْعَمْدِ وَالْكَفَّارَةَ فِي غَيْرِهِ، فَمَتَى وَجَبَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجِبْ الْآخَرُ (قَوْلُهُ وَلَا ضَمَانٍ وَقَطْعٍ) فَإِنَّ السَّارِقَ إذَا قُطِعَ أَوَّلًا لَا يَضْمَنُ الْعَيْنَ الْهَالِكَةَ أَوْ الْمُسْتَهْلَكَةَ، وَإِذَا ضَمِنَ الْقِيمَةَ أَوَّلًا لَمْ يُقْطَعْ بَعْدَهُ لِمِلْكِهِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ، نَعَمْ يَجْتَمِعُ مَعَ الْقَطْعِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ فِيمَا إذَا شَقَّ الثَّوْبَ قَبْلَ إخْرَاجِهِ لَكِنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ لَا ضَمَانُ مَسْرُوقٍ فَلَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ بِمَا وَجَبَ بِهِ الْقَطْعُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ أَجْرٍ) أَيْ وَلَا ضَمَانٍ وَأَجْرٍ؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فَفَعَلَ وَجَبَ الْأَجْرُ وَلَا ضَمَانَ وَإِنْ عَطِبَتْ، وَلَوْ أَرْكَبَهَا غَيْرَهُ فَعَطِبَتْ ضَمِنَهَا وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِحَمْلِ مِقْدَارٍ فَحَمَلَ أَكْثَرَ مِنْهُ وَلَا تُطِيقُ ذَلِكَ فَعَطِبَتْ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ لِأَجْلِ الْحِمْلِ وَالضَّمَانُ لِأَجْلِ الزِّيَادَةِ فَلَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ بِمَا وَجَبَ بِهِ الْأَجْرُ بَلْ بِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَلَا جَلْدٍ مَعَ رَجْمٍ) ؛ لِأَنَّ الْجَلْدَ لِلْبِكْرِ وَالرَّجْمَ لِلْمُحْصَنِ (قَوْلُهُ أَوْ نَفْيٍ) الْمُرَادُ بِهِ تَغْرِيبُ عَامٍ كَمَا فَسَّرَهُ الشَّافِعِيُّ. وَأَمَّا إذَا كَانَ بِمَعْنَى الْحَبْسِ فَيُجْمَعُ مَعَ الْجَلْدِ أَفَادَهُ ح، وَالْمُرَادُ أَنَّ الْبِكْرَ إذَا جُلِدَ لَا يُنْفَى مَا لَمْ يَرَهُ الْإِمَامُ فَلَهُ فِعْلُهُ سِيَاسَةً، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا نُفِيَ لَا يُجْلَدُ، فَفِي عَدِّهِ هُنَا نَظَرٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَا مَهْرٍ وَلَا مُتْعَةٍ) فَإِنَّ الْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ إنْ سُمِّيَ لَهَا مَهْرٌ فَلَهَا نِصْفُهُ وَإِلَّا فَالْمُتْعَةُ حِينَئِذٍ، وَهَذَا فِي الْمُتْعَةِ الْوَاجِبَةِ، أَمَّا الْمُسْتَحَبَّةُ فَتَجْتَمِعُ مَعَ الْمَهْرِ (قَوْلُهُ وَحَدٍّ) أَيْ وَلَا مَهْرٍ وَحَدٍّ، بَلْ إنْ كَانَ الْوَطْءُ زِنًا فَالْحَدُّ وَلَا مَهْرَ، وَإِلَّا فَالْمَهْرُ وَلَا حَدَّ ح (قَوْلُهُ أَوْ ضَمَانِ إفْضَائِهَا) أَيْ وَلَا مَهْرِ وَضَمَانِ إفْضَائِهَا فِيمَا إذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ فَأَفْضَاهَا لَا يَجِبُ ضَمَانُ الْإِفْضَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَمِثْلُهُ الْمَهْرُ مَعَ الْمَوْتِ مِنْ الْوَطْءِ ح، وَهَذَا لَوْ بَالِغَةً مُخْتَارَةً مُطِيقَةً لِوَطْئِهِ وَإِلَّا لَزِمَهُ دِيَتُهَا كَامِلَةً كَمَا حَرَّرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، ثُمَّ هَذَا أَيْضًا فِي ذِكْرِهِ هُنَا نَظَرٌ، إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا لَزِمَهُ الضَّمَانُ فِي الزَّوْجَةِ لَا يَلْزَمُهُ مَهْرُهَا فَعَدَمُ الِاجْتِمَاعِ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَقَطْ وَسَيَأْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْجِنَايَاتِ قُبَيْلَ بَابِ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ مَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ بِأَجْنَبِيَّةٍ، وَأَنَّهُ بِإِفْضَائِهَا مُكْرَهَةً يَلْزَمُهُ الْحَدُّ وَأَرْشُ الْإِفْضَاءِ وَهُوَ ثُلُثُ الدِّيَةِ إنْ كَانَتْ تَسْتَمْسِكُ بَوْلَهَا وَإِلَّا فَكُلُّ الدِّيَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مِنْ جِمَاعِهِ) أَيْ جِمَاعِ الزَّوْجِ لَهَا (قَوْلُهُ وَلَا مَهْرِ مِثْلٍ وَتَسْمِيَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَمَّى الْجَائِزَ مِنْ الْمَهْرِ وَجَبَ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ أَصْلًا أَوْ سَمَّى مَا لَا يَجُوزُ كَخِنْزِيرٍ وَخَمْرٍ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ ط (قَوْلُهُ وَلَا وَصِيَّةٍ وَمِيرَاثٍ) فَمَنْ يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ لَا يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ وَكَذَا بِالْعَكْسِ: أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ، أَمَّا إذَا أَوْصَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ وَلَا وَارِثَ غَيْرُهُ اجْتَمَعَا حِينَئِذٍ، وَكَذَا يَجْتَمِعَانِ إذَا أَجَازَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ (قَوْلُهُ وَغَيْرِهَا مِمَّا سَيَجِيءُ) ذَكَرَ الْحَمَوِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 (مَنْ بِهِ وَجَعُ رَأْسٍ لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهُ مَسْحَهُ) مُحْدِثًا وَلَا غَسْلَهُ جُنُبًا فَفِي الْفَيْضِ عَنْ غَرِيبِ الرِّوَايَةِ يَتَيَمَّمُ، وَأَفْتَى قَارِئُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ (يَسْقُطُ) عَنْهُ (فَرْضُ مَسْحِهِ) وَلَوْ عَلَيْهِ جَبِيرَةٌ، فَفِي مَسْحِهَا قَوْلَانِ، وَكَذَا يَسْقُطُ غَسْلُهُ فَيَمْسَحُهُ وَلَوْ عَلَى جَبِيرَةٍ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ، وَإِلَّا سَقَطَ أَصْلًا وَجُعِلَ عَادِمًا لِذَلِكَ الْعُضْوِ حُكْمًا كَمَا فِي الْمَعْدُومِ حَقِيقَةً. بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ   [رد المحتار] فِي شَرْحِهِ عَلَى الْكَنْزِ جُمْلَةً: مِنْهَا: الْقِصَاصُ مَعَ الدِّيَةِ وَأَجْرُ الْقِسْمَةِ مَعَ نَصِيبِهِ، فَمَنْ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ عَلَى قِسْمَةِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَبِالْعَكْسِ. وَالظُّهْرُ مَعَ الْجُمُعَةِ، فَمَنْ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الظُّهْرَ كَالْمُسَافِرِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَكَذَا بِالْعَكْسِ. وَالشَّهَادَةُ مَعَ الْيَمِينِ، فَمَتَى لَزِمَ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ الْبَيِّنَةُ لَا يَلْزَمُ الْآخَرَ الْيَمِينُ وَبِالْعَكْسِ تَأَمَّلْ. وَأَمَّا مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَيُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا ادَّعَى وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَلَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَكَذَا لَا يَحْلِفُ الشُّهُودُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَفِيمَا إذَا أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا وَحَلَفَ فَلَا يُقْبَلُ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ عِنْدَنَا. وَمِنْهَا: النِّكَاحُ مَعَ مِلْكِ الْيَمِينِ، فَمَنْ كَانَ يَطَأُ بِالنِّكَاحِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلرَّقَبَةِ وَبِالْعَكْسِ إلَّا أَنْ يَعْقِدَ عَلَى أَمَتِهِ لِلِاحْتِيَاطِ، وَالْأَجْرُ مَعَ الشَّرِكَةِ فِي حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ نَظِيرَ أُجْرَةِ الْقِسْمَةِ، وَالْحَدُّ مَعَ قِيمَةِ أَمَةٍ مَمْلُوكَةٍ زَنَى بِهَا فَقَتَلَهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَجِبُ الْحَدُّ بِالزِّنَا وَالْقِيمَةُ بِالْقَتْلِ، وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْحُدُودِ، وَالْحَدُّ مَعَ قِيمَةِ إفْضَاءِ أَمَةٍ مَمْلُوكَةٍ زَنَى بِهَا فَأَفْضَاهَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي الْحُدُودِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ، فَلَوْ كَانَ بِشُبْهَةٍ لَا حَدَّ بَلْ تَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ. وَمِنْهَا: الْقِيمَةُ مَعَ الثَّمَنِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ لَوْ صَحِيحًا وَجَبَ الثَّمَنُ، وَلَوْ فَاسِدًا وَتَعَذَّرَ رَدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ وَالْحَدُّ مَعَ اللِّعَانِ وَأَجْرُ نَظَرِ النَّاظِرِ إذَا عَمِلَ مَعَ الْعَمَلَةِ فِي الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ فَإِنَّ لَهُ أَجْرَ الْعَمَلِ لَا النِّظَارَةِ. اهـ ح مُوَضِّحًا، فَهَذِهِ أَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا وَاَلَّذِي فِي الشَّرْحِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ فَالْمَجْمُوعُ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ. أَقُولُ: وَزِدْت الرَّهْنَ مَعَ الْإِجَارَةِ فِيمَا إذَا رَهَنَ شَيْئًا ثُمَّ آجَرَهُ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ مَعَ الْإِعَارَةِ كَذَلِكَ، وَالْمُسَاقَاةُ مَعَ الشَّرِكَةِ، وَالْغَسْلُ مَعَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ فِي إحْدَى الرِّجْلَيْنِ، وَالْحَجُّ مَعَ الْعُمْرَةِ لِلْمَكِّيِّ، وَالنِّكَاحُ مَعَ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ، ثُمَّ رَأَيْت الشُّرُنْبُلَالِيُّ زَادَ فِي الْإِمْدَادِ الْقَتْلَ مَعَ الْوَصِيَّةِ أَوْ مَعَ الْمِيرَاثِ وَخَرْقُ خُفٍّ مَعَ آخَرَ، وَالتَّتَبُّعُ يَنْفِي الْحَصْرَ (قَوْلُهُ مُحْدِثًا) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ يَسْتَطِيعُ (قَوْلُهُ وَأَفْتَى قَارِئُ الْهِدَايَةِ إلَخْ) هُوَ الْعَلَّامَةُ سِرَاجُ الدِّينِ شَيْخُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ هُمَامٍ، وَمَا أَفْتَى بِهِ نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْجَلَّابِيِّ، وَنَظَّمَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْوَهْبَانِيَّةِ وَقَالَ إنَّهَا مُهِمَّةٌ نَظَمْتهَا لِغَرَابَتِهَا وَعَدَمِ وُجُودِهَا فِي غَالِبِ الْكُتُبِ (قَوْلُهُ قَوْلَانِ) ذَكَرَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ مَا يُفِيدُ تَرْجِيحَ الْوُجُوبِ، وَقَالَ: وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ. اهـ بَلْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالصَّوَابُ الْوُجُوبُ وَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَكَذَا يَسْقُطُ غَسْلُهُ) أَيْ غَسْلُ الرَّأْسِ مِنْ الْجَنَابَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَى جَبِيرَةٍ) وَيَجِبُ شَدُّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مَشْدُودَةً ط أَيْ إنْ أَمْكَنَهُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ ضَرَّهُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ] [شُرُوط الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ] بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ تَرْجَمَ بِهِ مَعَ أَنَّهُ زَادَ عَلَيْهِ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ، وَلَا عَيْبَ فِيهِ بَلْ الْمَعِيبُ لَوْ تَرْجَمَ لِشَيْءٍ وَنَقَصَ عَنْهُ، وَثَنَّى الْخُفَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى خُفٍّ وَاحِدٍ بِلَا عُذْرٍ كَمَا سَيَأْتِي. وَفِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. إنَّمَا سُمِّيَ خُفًّا لِخِفَّةِ الْحُكْمِ بِهِ مِنْ الْغُسْلِ إلَى الْمَسْحِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 أَخَّرَهُ لِثُبُوتِهِ بِالسُّنَّةِ. وَهُوَ لُغَةً إمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الشَّيْءِ. وَشَرْعًا إصَابَةُ الْبِلَّةِ لِخُفٍّ مَخْصُوصٍ فِي زَمَنٍ مَخْصُوصٍ وَالْخُفُّ شَرْعًا: السَّاتِرُ لِلْكَعْبَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ جِلْدٍ وَنَحْوِهِ. (شَرْطُ مَسْحِهِ) ثَلَاثَةُ أُمُورٍ: الْأَوَّلُ (كَوْنُهُ سَاتِرَ) مَحَلِّ فَرْضِ الْغُسْلِ (الْقَدَمِ مَعَ الْكَعْبِ) أَوْ يَكُونَ نُقْصَانُهُ أَقَلَّ مِنْ الْخَرْقِ الْمَانِعِ، فَيَجُوزُ عَلَى الزُّرْبُولِ لَوْ مَشْدُودًا إلَّا أَنْ يَظْهَرَ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ،   [رد المحتار] أَقُولُ فِيهِ: إنَّهُ مَوْضُوعٌ لُغَوِيٌّ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ. وَقَدْ نَقَلَ الرَّمْلِيُّ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَكَيْفَ يُعَلَّلُ بِهِ لِلْوَضْعِ السَّابِقِ عَلَيْهِ؟ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْوَاضِعَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ، وَهُوَ تَعَالَى عَالِمٌ بِمَا يُشَرِّعُهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَخَّرَهُ) أَيْ عَنْ التَّيَمُّمِ لِثُبُوتِهِ بِالسُّنَّةِ فَقَطْ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَيَأْتِي. وَالتَّيَمُّمُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ كَمَا مَرَّ، وَبِالسُّنَّةِ أَيْضًا فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي التَّرَخُّصِ بِهِمَا. وَأَيْضًا التَّيَمُّمُ بَدَلٌ عَنْ الْكُلِّ وَهَذَا عَنْ الْبَعْضِ. ثُمَّ إنَّ إبْدَاءَ الشَّارِحِ نُكْتَةَ التَّأْخِيرِ لِلتَّذْكِيرِ وَإِلَّا فَيَكْفِي مَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ وَجْهَ تَأْخِيرِ التَّيَمُّمِ عَمَّا قَبْلَهُ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ وَجْهُ تَأْخِيرِ الْمَسْحِ عَنْهُ فَتَدَبَّرْ، نَعَمْ يَحْتَاجُ إلَى إبْدَاءِ وَجْهِ ذِكْرِهِ عَقِبَهُ بِلَا فَاصِلٍ، وَهُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شُرِعَ رُخْصَةً وَمُوَقَّتًا وَمَسْحًا وَبَدَلًا (قَوْلُهُ وَهُوَ لُغَةً) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْمَسْحِ فَقَطْ، وَبِاعْتِبَارِ تَسَلُّطِهِ عَلَى قَوْلِهِ وَشَرْعًا رَاجِعٌ إلَى الْمَسْحِ الْمُقَيَّدِ بِالْجَارِّ عَلَى طَرِيقَةِ شَبَهِ الِاسْتِخْدَامِ؛ فَإِنَّ الْمَسْحَ مِنْ حَيْثُ هُوَ غَيْرُهُ مِنْ حَيْثُ الْقَيْدُ، أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ إصَابَةُ الْبِلَّةِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ: أَيْ النَّدْوَةِ قَامُوسٌ، وَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَتْ بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا كَمَطَرٍ. وَفِي الْمُنْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ بِبِلَّةٍ بَقِيَتْ عَلَى كَفَّيْهِ بَعْدَ الْغُسْلِ يَجُوزُ، وَلَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ مَسَحَ خُفَّيْهِ بِبِلَّةٍ بَقِيَتْ بَعْدَ الْمَسْحِ لَا يَجُوزُ. اهـ أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ فِي الْأُولَى مَا سَالَ عَلَى الْعُضْوِ وَانْفَصَلَ، وَفِي الثَّانِيَةِ مَا أَصَابَ الْمَمْسُوحَ وَهُوَ بَاقٍ فِي الْكَفِّ (قَوْلُهُ لِخُفٍّ مَخْصُوصٍ) اللَّامُ زَائِدَةٌ لِتَقْوِيَةِ الْعَامِلِ لِضَعْفِهِ بِكَوْنِهِ فَرْعًا عَنْ الْفِعْلِ فِي الْعَمَلِ، وَالْخُفُّ الْمَخْصُوصُ مَا فِيهِ الشُّرُوطُ الْآتِيَةُ (قَوْلُهُ فِي زَمَنٍ مَخْصُوصٍ) وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِلْمُقِيمِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا لِلْمُسَافِرِ، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ زِيَادَةٌ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِمَا ط (قَوْلُهُ فَأَكْثَرَ) أَيْ مِمَّا فَوْقَهُمَا مِنْ السَّاقِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ مُسَمَّى الْخُفِّ الشَّرْعِيِّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ) أَيْ مِمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ الشُّرُوطُ الْآتِيَةُ ط (قَوْلُهُ شَرْطُ مَسْحِهِ) أَيْ مَسْحِ الْخُفِّ الْمَفْهُومِ مِنْ الْخُفَّيْنِ؛ وَأَلْ فِيهِ لِلْجِنْسِ الصَّادِقِ بِالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ، وَلَمْ يَقُلْ مَسْحِهِمَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ وَاحِدًا لِذِي رِجْلٍ وَاحِدَةٍ (قَوْلُهُ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ إلَخْ) زَادَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: لُبْسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ، وَخُلُوُّ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْخَرْقِ الْمَانِعِ، وَاسْتِمْسَاكَهُمَا عَلَى الرِّجْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ شَدٍّ، وَمَنْعَهُمَا وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الرِّجْلِ، وَأَنْ يَبْقَى مِنْ الْقَدَمِ قَدْرَ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ. اهـ. قُلْت: وَيُزَادُ كَوْنُ الطَّهَارَةِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرَ التَّيَمُّمِ، وَكَوْنُ الْمَاسِحِ غَيْرَ جُنُبٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُ جَمِيعِ ذَلِكَ فِي مَحَالِّهِ (قَوْلُهُ الْقَدَمِ) بَدَلٌ مِنْ مَحَلٍّ ح (قَوْلُهُ أَوْ يَكُونَ) مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُقَدَّرَةٍ وَالْمُنْسَبِكُ مَعْطُوفٌ عَلَى كَوْنِ الْأَوَّلِ ط فَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: 51] (قَوْلُهُ نُقْصَانُهُ) أَيْ نُقْصَانُ الْخُفِّ الْوَاحِدِ لَوْ كَانَ وَاحِدًا أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الِاثْنَيْنِ قَالَ ط: فَلَا يُعْتَبَرُ الْمُجْتَمِعُ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ الْخَرْقُ) بِالضَّمِّ: الْمَوْضِعُ الْمَقْطُوعُ، وَبِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ ح. وَالْأَظْهَرُ إرَادَةُ الْأَوَّلِ ط (قَوْلُهُ فَيَجُوزُ عَلَى الزُّرْبُولِ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الرَّاءِ: هُوَ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّامِ مَا يُسَمَّى مَرْكُوبًا فِي عُرْفِ أَهْلِ مِصْرَ. اهـ ح وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى مَا فُهِمَ مِمَّا قَبْلَهُ مِنْ أَنَّ النُّقْصَانَ عَنْ الْقَدْرِ الْمَانِعِ لَا يَضُرُّهُ ط (قَوْلُهُ لَوْ مَشْدُودًا) ؛ لِأَنَّ شَدَّهُ بِمَنْزِلِهِ الْخِيَاطَةِ وَهُوَ مُسْتَمْسِكٌ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الشَّدِّ كَالْخُفِّ الْمَخِيطِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَافْهَمْ: وَفِي الْبَحْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 وَجَوَّزَ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ سَتْرَ الْكَعْبَيْنِ بِاللِّفَافَةِ. (وَ) الثَّانِي (كَوْنُهُ مَشْغُولًا بِالرِّجْلِ) لِيَمْنَعَ سِرَايَةَ الْحَدَثِ، فَلَوْ وَاسِعًا فَمَسَحَ عَلَى الزَّائِدِ وَلَمْ يُقَدِّمْ قَدَمَهُ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ وَلَا يَضُرُّ رُؤْيَةُ رِجْلِهِ مِنْ أَعْلَاهُ.   [رد المحتار] عَنْ الْمِعْرَاجِ: وَيَجُوزُ عَلَى الْجَارُوقِ الْمَشْقُوقِ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ وَلَهُ أَزْرَارٌ يَشُدُّهَا عَلَيْهِ تَسُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ كَغَيْرِ الْمَشْقُوقِ، وَإِنْ ظَهَرَ مِنْ ظَهْرِ الْقَدَمِ شَيْءٌ فَهُوَ كَخُرُوقِ الْخُفِّ. اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْخُفُّ الَّذِي يَلْبَسُهُ الْأَتْرَاكُ فِي زَمَانِنَا (قَوْلُهُ وَجَوَّزَ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ الْمَسْحُ عَلَى الْجَارُوقِ إنْ كَانَ يَسْتُرُ الْقَدَمَ وَلَا يُرَى مِنْهُ وَلَا مِنْ الْكَعْبِ إلَّا قَدْرُ أُصْبُعٍ أَوْ أُصْبُعَيْنِ يَجُوزُ، وَإِلَّا يَكُنْ كَذَلِكَ وَلَكِنْ سَتَرَ الْقَدَمَ بِجِلْدٍ، إنْ كَانَ الْجَلْدُ مُتَّصِلًا بِالْجَارُوقِ بِالْخَرَزِ جَازَ أَيْضًا، وَإِنْ شُدَّ بِشَيْءٍ فَلَا، وَلَوْ سَتَرَ الْقَدَمَ بِاللِّفَافَةِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَشَايِخُ بُخَارَى. اهـ. قَالَ ح: وَالْحَقُّ مَا عَلَيْهِ مَشَايِخُ بُخَارَى؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ الَّذِي لَا يَسْتُرُ الْكَعْبَيْنِ إلَّا إذَا خِيطَ بِهِ ثَخِينٌ كَجُوخٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْإِمْدَادِ، فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ ضَعِيفٌ. اهـ. أَقُولُ: أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ اللِّفَافَةِ أَنَّهَا مَا يُلَفُّ عَلَى الرِّجْلِ غَيْرَ مَخْرُوزٍ بِالْخُفِّ، فَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الرِّجْلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْخُفِّ فَتَكُونُ تَبَعًا لَهُ كَبِطَانَتِهِ. وَإِذَا حُمِلَ كَلَامُ السَّمرْقَنْديِّين نَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ مُتَّصِلَةً فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ، لِمَا فِي الْبَحْرِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِمَا: لَوْ انْكَشَفَتْ الظِّهَارَةُ وَفِي دَاخِلِهَا بِطَانَةٌ مِنْ جِلْدٍ أَوْ خِرْقَةٌ مَخْرُوزَةٌ بِالْخُفِّ لَا يُمْنَعُ. اهـ وَهَذَا إذَا بَلَغَ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ وَكَأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ بِهِ لِلْعِلْمِ بِهِ كَذَا فِي الْحِلْيَةِ. وَفِي الْمُجْتَبَى إذَا بَدَا قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ بِطَانَةٍ الْخُفِّ دُونَ الرِّجْلِ، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عِنْدَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ كَالْجَوْرَبِ الْمُنْعَلِ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ قَالَ: عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا يُعْمَلُ مِنْ الْجُوخِ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ ثَخِينًا بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَهُ فَرْسَخًا مِنْ غَيْرِ تَجْلِيدٍ وَلَا تَنْعِيلٍ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا فَمَعَ التَّجْلِيدِ أَوْ التَّنْعِيلِ، وَلَوْ كَانَ كَمَا يَزْعُمُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ الْجِلْدُ جَمِيعَ مَا يَسْتُرُ الْقَدَمَ إلَى السَّاقِ لَمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكِرْبَاسِ فَرْقٌ، وَأَطَالَ فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ. [تَنْبِيهٌ] يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ انْفَتَقَ عَنْهُ الْخُفُّ مِنْ بِطَانَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِهِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ ثَخِينَةً بِدَلِيلِ ذِكْرِهِمْ الْخِرْقَةَ؛ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ غَالِبًا إلَّا رَقِيقَةً. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْمُسَمَّى فِي زَمَانِنَا بِالْقَلْشِينَ إذَا خِيطَ فَوْقَ جَوْرَبٍ رَقِيقٍ سَاتِرٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جِلْدُ الْقَلْشِينَ وَاصِلًا إلَى الْكَعْبَيْنِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ. مَطْلَبٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ الْحَنَفِيِّ الْقَصِيرِ عَنْ الْكَعْبَيْنِ إذَا خِيطَ بِالشَّخْشِيرِ وَيُعْلَمُ أَيْضًا مِمَّا نَقَلْنَاهُ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ الْحَنَفِيِّ إذَا خِيطَ بِمَا يَسْتُرُ الْكَعْبَيْنِ كَالسِّرْوَالِ الْمُسَمَّى بِالشَّخْشِيرِ كَمَا قَالَهُ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ، وَلَهُ فِيهِ رِسَالَةٌ. وَرَأَيْت رِسَالَةً لِلشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَدَّ فِيهَا عَلَى مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ مُسْتَنِدًا فِي ذَلِكَ إلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ إذَا كَانَا رَقِيقَيْنِ مُنْعَلَيْنِ لِاشْتِرَاطِهِمْ إمْكَانَ السَّفَرِ، وَلَا يَتَأَتَّى فِي الرَّقِيقِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الرَّدَّ عَلَى سَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ فَإِنَّهُ عَاصَرَهُ، فَإِنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ وَفَاةِ الشَّارِحِ بِثَمَانِيَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً؛ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِالْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَ الْجَوْرَبِ الرَّقِيقِ الْمُنْعَلِ أَسْفَلُهُ بِالْجِلْدِ وَبَيْنَ الْخُفِّ الْقَصِيرِ عَنْ الْكَعْبَيْنِ الْمَسْتُورَيْنِ بِمَا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ الْجُوخِ الرَّقِيقِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فِيهِ السَّفَرُ وَإِنْ كَانَ قَصِيرًا، بِخِلَافِ الْجَوْرَبِ الْمَذْكُورِ. عَلَى أَنَّ قَوْلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 (وَ) الثَّالِثُ (كَوْنُهُ مِمَّا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ) الْمُعْتَادِ (فِيهِ) فَرْسَخًا فَأَكْثَرَ   [رد المحتار] شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا فَمَعَ التَّجْلِيدِ أَوْ التَّنْعِيلِ إلَخْ صَرِيحٌ فِي الْجَوَازِ عَلَى الرَّقِيقِ الْمُنْعَلِ أَوْ الْمُجَلَّدِ إذَا كَانَ النَّعْلُ أَوْ الْجِلْدُ قَوِيًّا يُمْكِنُ السَّفَرُ بِهِ. وَيُعْلَمُ مِنْهُ الْجَوَازُ فِي مَسْأَلَةِ الْخُفِّ الْحَنَفِيِّ الْمَذْكُورَةِ بِالْأَوْلَى، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَذْهَبَ السَّمرْقَنْديِّين نَ إنَّمَا يُسَلَّمُ ضَعْفُهُ لَوْ كَانَتْ اللِّفَافَةُ غَيْرَ مَخْرُوزَةٍ وَإِلَّا فَلَا يُحْمَلُ كَلَامُ السَّمرْقَنْديِّين نَ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ حِينَئِذٍ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ، وَلَمْ نَرَ مِنْ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ تَرْجِيحَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، بَلْ وَجَدْنَا فُرُوعًا تُؤَيِّدُ قَوْلَ السَّمرْقَنْديِّين نَ كَمَا عَلِمْت وَسَنَذْكُرُ مَا يُؤَيِّدُهُ أَيْضًا. ثُمَّ رَأَيْت رِسَالَةً أُخْرَى لِسَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ رَدَّ فِيهَا عَلَى رِسَالَةِ الشَّارِحِ وَسَمَّاهَا [الرَّدُّ الْوَفِيُّ عَلَى جَوَابِ الْحَصْكَفِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْخُفِّ الْحَنَفِيِّ] وَحَقَّقَ فِيهَا مَا قَالَهُ فِي رِسَالَتِهِ الْأُولَى الْمُسَمَّاةِ [بِبُغْيَةِ الْمُكْتَفِي فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ الْحَنَفِيّ] وَبَيَّنَ فِيهَا أَنَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّارِحُ فِي رِسَالَتِهِ لَا يَدُلُّ لَهُ؛ لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الشَّيْءِ لَا يَنْفِي مَا عَدَاهُ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَنْبَغِي مُرَاجَعَتُهُ؛ وَلَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْوَرَعَ فِي الِاحْتِيَاطِيِّ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَصْلِ الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَالثَّانِي كَوْنُهُ) أَيْ كَوْنُ الْخُفِّ، وَالْمُرَادُ مَحَلُّ الْمَسْحِ مِنْهُ كَمَا يُفِيدُهُ التَّفْرِيعُ الْآتِي (قَوْلُهُ وَلَمْ يُقَدِّمْ قَدَمَهُ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَسَحَ عَلَى الْمَوْضِعِ الْخَالِي مِنْ الْقَدَمِ لَمْ يَقَعْ الْمَسْحُ فِي مَحَلِّهِ وَهُوَ ظَهْرُ الْقَدَمِ كَمَا يَأْتِي فَلَمْ يَمْنَعْ سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ، فَلَوْ قَدَّمَ قَدَمَهُ إلَيْهِ وَمَسَحَ جَازَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ: وَفِيهَا أَيْضًا: وَلَوْ أَزَالَ رِجْلَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَعَادَ الْمَسْحَ، وَنَقَلَهُ فِي التَّجْنِيسِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ. ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَهُ. قَالَ ح: وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُنَا السَّيِّدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَجْهَهُ بِقَوْلِهِ: وَجْهُ النَّظَرِ أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا خُرُوجَ أَكْثَرِ الْقَدَمِ مِنْ مَوْضِعٍ يُمْكِنُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَهَاهُنَا وَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ مَوْضِعٍ مَسَحَ عَلَيْهِ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ مَوْضِعٍ يُمْكِنُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يَضُرُّ إلَخْ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الشَّرْطِ الْأَوَّلِ كَمَا فَعَلَهُ فِي الدُّرَرِ وَنُورِ الْإِيضَاحِ لِيَكُونَ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ سَتْرُهُ لِلْكَعْبَيْنِ مِنْ الْجَوَانِبِ لَا مِنْ الْأَعْلَى، وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْخِلَافِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيهِ. قَالَ فِي دُرَرِ الْبِحَارِ: وَعِنْدَ أَحْمَدَ إذَا كَانَ الْخُفُّ وَاسِعًا بِحَيْثُ يُرَى الْكَعْبُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ (قَوْلُهُ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ) بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي غَايَةِ السُّرْعَةِ وَلَا فِي غَايَةِ الْبُطْءِ، بَلْ يَكُونَ وَسَطًا. وَنَظِيرُهُ مَا قَالُوهُ فِي السَّيْرِ الْمُعْتَادِ فِي مُدَّةِ السَّفَرِ لِقَصْرِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ فَرْسَخًا فَأَكْثَرَ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْفَرْسَخَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ خُطْوَةٍ، وَعَبَّرَ فِي السِّرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِيضَاحِ بِمَسَافَةِ السَّفَرِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي النُّقَايَةِ. وَقَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: أَيْ الشَّرْعِيُّ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُحِيطِ وَيُخَالِفُهُ كَلَامُ حَاشِيَةِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ: مَا يُمْكِنُ الْمَشْيُ فِيهِ فَرْسَخًا فَأَكْثَرَ. اهـ. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَحْمَلُ الْقَوْلَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ الْحَالَتَيْنِ، فَفِي حَالَةِ الْإِقَامَةِ يُعْتَبَرُ الْفَرْسَخُ؛ لِأَنَّ الْمُقِيمَ لَا يَزِيدُ مَشْيُهُ عَادَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ: أَيْ الْمَشْيِ لِأَجْلِ الْحَوَائِجِ الَّتِي تَلْزَمُ لِأَغْلَبِ النَّاسِ، وَفِي حَالَةِ السَّفَرِ يُعْتَبَرُ مُدَّتُهُ. وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا اعْتَبَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ التَّقْدِيرِ بِمُتَابَعَةِ الْمَشْيِ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا اعْتِبَارًا بِمُدَّةِ الْمَسْحِ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْخُفَّ صَالِحٌ لِلْمَسْحِ عَلَيْهِ لِلْمُقِيمِ قُطِعَ النَّظَرُ عَنْ حَالَةِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 فَلَمْ يَجُزْ عَلَى مُتَّخَذٍ مِنْ زُجَاجٍ وَخَشَبٍ أَوْ حَدِيدٍ (وَهُوَ جَائِزٌ) فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ إلَّا لِتُهْمَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ، بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُهُ عَلَى مَنْ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا مَا يَكْفِيهِ، أَوْ خَافَ فَوْتَ وَقْتٍ أَوْ وُقُوفِ عَرَفَةَ بَحْرٌ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّهُ رُخْصَةٌ مُسْقِطَةٌ لِلْعَزِيمَةِ، وَلِهَذَا لَوْ صَبَّ الْمَاءَ فِي خُفِّهِ بِنِيَّةِ الْغُسْلِ يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ آثِمًا   [رد المحتار] فِي الْغَالِبِ يَكُونُ رَاكِبًا وَلَا يَزِيدُ مَشْيُهُ غَالِبًا عَلَى مِقْدَارِ الْفَرْسَخِ فَالْأَظْهَرُ اعْتِبَارُ الْفَرْسَخِ فِي حَقِّهِمَا، وَمَحْمَلُ قَوْلِ مَنْ قَالَ مَسَافَةُ السَّفَرِ عَلَى السَّفَرِ اللُّغَوِيِّ دُونَ الشَّرْعِيِّ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الْقُهُسْتَانِيِّ السَّابِقِ تَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ صُلُوحِهِ لِقَطْعِ الْمَسَافَةِ أَنْ يَصْلُحَ لِذَلِكَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ لُبْسِ الْمَدَاسِ فَوْقَهُ فَإِنَّهُ قَدْ يَرِقُّ أَسْفَلُهُ وَيَمْشِي بِهِ فَوْقَ الْمَدَاسِ أَيَّامًا وَهُوَ بِحَيْثُ لَوْ مَشَى بِهِ وَحْدَهُ فَرْسَخًا تَخَرَّقَ قَدْرُ الْمَانِعِ، فَعَلَى الشَّخْصِ أَنْ يَتَفَقَّدَهُ وَيَعْمَلَ بِهِ بِغَلَبَةِ ظَنِّهِ. وَقَدْ وَقَعَ اضْطِرَابٌ بَيْنَ بَعْضِ الْعَصْرِيِّينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالظَّاهِرُ مَا قَدَّمْته وَهُوَ الْأَحْوَطُ أَيْضًا، وَقَدْ تَأَيَّدَ ذَلِكَ عِنْدِي بِرُؤْيَا رَأَيْت فِيهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ تَحْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ بِأَيَّامٍ فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ، فَأَجَابَنِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ إذَا رَقَّ الْخُفُّ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مُنِعَ الْمَسْحُ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ 1234 - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَجُزْ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ لَفَّ عَلَى رِجْلِهِ خِرْقَةً ضَعِيفَةً لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنْقَطِعُ بِهِ مَسَافَةُ السَّفَرِ. اهـ سِرَاجٌ عَنْ الْإِيضَاحِ (قَوْلُهُ فَالْغَسْلُ أَفْضَلُ) وَجْهُ التَّفْرِيعِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَسْحُ أَفْضَلَ لَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ، فَعُدُولُهُ إلَى قَوْلِهِ هُوَ جَائِزٌ يُفِيدُ أَنَّ الْغَسْلَ أَفْضَلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ (قَوْلُهُ إلَّا لِتُهْمَةٍ) أَيْ لِنَفْيِهَا عَنْهُ؛ لِأَنَّ الرَّوَافِضَ وَالْخَوَارِجَ لَا يَرَوْنَهُ، وَإِنَّمَا يَرَوْنَ الْمَسْحَ عَلَى الرِّجْلِ، فَإِذَا مُسِحَ الْخُفُّ انْتَفَتْ التُّهْمَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا غُسِلَ فَإِنَّ الرَّوَافِضَ قَدْ يَغْسِلُونَ تَقِيَّةً وَيَجْعَلُونَ الْغَسْلَ قَائِمًا مَقَامَ الْمَسْحِ فَيَشْتَبِهُ الْحَالُ فِي الْغَسْلِ فَيُتَّهَمُ أَفَادَهُ ح. ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ، ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ فِي الْمُضْمَرَاتِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْغَسْلَ أَفْضَلُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ التَّوْشِيحِ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ: وَقَالَ الرُّسْتُغْفَنِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا: الْمَسْحُ أَفْضَلُ، وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، إمَّا لِنَفْيِ التُّهْمَةِ، أَوْ لِلْعَمَلِ بِقِرَاءَةِ الْجَرِّ، وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ بَلْ يَنْبَغِي إلَخْ) أَصْلُ الْبَحْثِ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ، فَإِنَّهُ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ (قَوْلُهُ إلَّا مَا يَكْفِيهِ) أَيْ يَكْفِي الْمَسْحَ فَقَطْ، بِأَنْ كَانَ لَوْ غَسَلَ بِهِ رِجْلَيْهِ لَا يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ، وَلَوْ تَوَضَّأَ بِهِ وَمَسَحَ كَفَاهُ (قَوْلُهُ أَوْ خَافَ) عَطْفٌ عَلَى صِلَةِ مَنْ (قَوْلُهُ أَوْ وُقُوفِ) أَيْ إنَّهُ إذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ يُدْرِكُ الصَّلَاةَ، لَكِنْ يَخَافُ فَوْتَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَإِذَا مَسَحَ يُدْرِكُهَا جَمِيعًا يَجِبُ الْمَسْحُ، بَلْ لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى فَاتَهُ الْوُقُوفُ قَدَّمَ الْوُقُوفَ لِلْمَشَقَّةِ كَمَا فِي النَّهْرِ، لَكِنَّهُ أَحَدُ قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا الْعِمَادِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ (قَوْلُهُ رُخْصَةٌ) هِيَ مَا بُنِيَ عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ، وَيُقَابِلُهَا الْعَزِيمَةُ، وَهِيَ مَا كَانَ أَصْلُهَا غَيْرَ مَبْنِيٍّ عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي تَعْرِيفِهِمَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ مُسْقِطَةٌ لِلْعَزِيمَةِ) أَيْ مُسْقِطَةٌ لِمَشْرُوعِيَّتِهَا، فَلَا تَبْقَى الْعَزِيمَةُ مَشْرُوعَةً فَإِذَا أَرَادَ تَحْصِينَ الْعَزِيمَةِ مَعَ بَقَاءِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ يَأْثَمُ، لَكِنَّهُ قَدْ لَا يَتَأَتَّى لَهُ تَحْصِيلُهَا، كَمَا إذَا نَوَى الظُّهْرَ أَرْبَعًا فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى لَهُ جَعْلُ الْأَرْبَعَةِ فَرْضًا، بَلْ الْفَرْضُ الْأُولَيَانِ إذَا قَعَدَ الْقَعْدَةَ الْأُولَى، وَإِثْمُهُ حِينَئِذٍ لِبِنَاءِ النَّفْلِ عَلَى الْفَرْضِ، وَقَدْ يَتَأَتَّى لَهُ تَحْصِيلُهَا كَغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ مَا دَامَ مُتَخَفِّفًا أَفَادَهُ ح عَنْ شَيْخِهِ السَّيِّدِ. ثُمَّ قَالَ: وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُسْقِطَةٌ عَنْ رُخْصَةِ التَّرْفِيهِ، فَإِنَّ الْعَزِيمَةَ تَبْقَى فِيهَا مَشْرُوعَةً مَعَ بَقَاءِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ كَالصَّوْمِ فِي السَّفَرِ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ آثِمًا) أَيْ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْعَزِيمَةَ لَمْ تَبْقَ مَشْرُوعَةً مَا دَامَ مُتَخَفِّفًا، بِخِلَافِ مَا إذَا نَزَعَ وَغَسَلَ لِزَوَالِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 (بِسُنَّةٍ مَشْهُورَةٍ) فَمُنْكِرُهُ مُبْتَدِعٌ، وَعَلَى رَأْيِ الثَّانِي كَافِرٌ. وَفِي التُّحْفَةِ ثُبُوتُهُ بِالْإِجْمَاعِ، بَلْ بِالتَّوَاتُرِ   [رد المحتار] هَذَا وَقَدْ بَحَثَ الْعَلَّامَةُ الزَّيْلَعِيُّ فِي جَعْلِهِمْ الْمَسْحَ رُخْصَةَ إسْقَاطٍ بِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ لَوْ خَاضَ مَاءً بِخُفِّهِ فَانْغَسَلَ أَكْثَرُ قَدَمَيْهِ بَطَلَ الْمَسْحُ؛ وَكَذَا لَوْ تَكَلَّفَ غَسْلَهُمَا مِنْ غَيْرِ نَزْعٍ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ حَتَّى لَا يَبْطُلَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، قَالَ فَعُلِمَ أَنَّ الْعَزِيمَةَ مَشْرُوعَةٌ مَعَ الْخُفِّ. اهـ. وَدَفَعَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِمَنْعِ صِحَّةِ هَذَا الْفَرْعِ، لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْخُفَّ اُعْتُبِرَ شَرْعًا مَانِعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ فَتَبْقَى الْقَدَمُ عَنْ طَهَارَتِهَا وَيَحُلُّ الْحَدَثُ بِالْخُفِّ فَيُزَالُ بِالْمَسْحِ، فَيَكُونُ غَسْلُ الرِّجْلِ فِي الْخُفِّ وَعَدَمُهُ سَوَاءً فِي أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ بِهِ الْحَدَثُ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ. وَاعْتَرَضَ أَيْضًا فِي الدُّرَرِ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ مَعَ تَسْلِيمِ صِحَّةِ الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ الْمَشْرُوعِيَّةَ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ مُسْقِطَةٌ لِمَشْرُوعِيَّةِ الْعَزِيمَةِ، لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الصِّحَّةَ كَمَا فَهِمَهُ الزَّيْلَعِيُّ فَاعْتَرَضَهُمْ بِالْفَرْعِ الْمَذْكُورِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهَا الْجَوَازُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ فَالْمُتَخَفِّفُ مَا دَامَ مُتَخَفِّفًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْغَسْلُ، حَتَّى إذَا تَكَلَّفَ وَغَسَلَ بِلَا نَزْعٍ أَثِمَ، وَإِنْ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ، وَإِذَا نَزَعَ وَزَالَ التَّرَخُّصُ صَارَ الْغُسْلُ مَشْرُوعًا يُثَابُ عَلَيْهِ، وَقَدْ انْتَصَرَ الْبُرْهَانُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُنْيَةِ لِلْإِمَامِ الزَّيْلَعِيِّ. وَأَجَابَ عَمَّا فِي الْبَدَائِعِ وَالدُّرَرِ، وَبَيَّنَّا مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ النَّظَرِ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ تَبَعًا لِعَامَّةِ الْكُتُبِ مُسَلَّمٌ بَلْ صَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي النَّوَاقِصِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ مِنْ مَنْعِ صِحَّتِهِ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ الزَّاهِدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَاسْتَظْهَرَهُ فِي السِّرَاجِ؛ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِسُنَّةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ جَائِزٌ. وَهِيَ لُغَةً: الطَّرِيقَةُ وَالْعَادَةُ. وَاصْطِلَاحًا فِي الْعِبَادَاتِ النَّافِلَةُ، وَفِي الْأَدِلَّةِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَوْ تَقْرِيرًا لِأَمْرٍ عَايَنَهُ، وَالْمَسْحُ رُوِيَ قَوْلًا وَفِعْلًا. مَطْلَبٌ تَعْرِيفُ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ (قَوْلُهُ مَشْهُورَةٍ) الْمَشْهُورُ فِي أُصُولِ الْحَدِيثِ مَا يَرْوِيهِ أَكْثَرُ مِنْ اثْنَيْنِ فِي كُلِّ طَبَقَةٍ مِنْ طَبَقَاتِ الرُّوَاةِ وَلَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ وَفِي أُصُولِ الْفِقْهِ مَا يَكُونُ مِنْ الْآحَادِ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ: أَيْ عَصْرِ الصَّحَابَةِ ثُمَّ يَنْقُلُهُ فِي الْعَصْرِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ قَوْمٌ لَا يُتَوَهَّمُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، فَإِنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ أَيْضًا فَهُوَ الْمُتَوَاتِرُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي الْعَصْرِ الثَّانِي أَيْضًا فَهُوَ الْآحَادُ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ قَسِيمٌ لِلْآحَادِ وَالْمُتَوَاتِرِ: وَأَمَّا عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ فَهُوَ قِسْمٌ مِنْ الْآحَادِ، وَهُوَ مَا لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ التَّوَاتُرِ. وَاَلَّذِي وَقَعَ الْخِلَافُ فِي تَبْدِيعِ مُنْكِرِهِ أَوْ تَكْفِيرِهِ هُوَ الْمَشْهُورُ الْمُصْطَلَحُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ لَا عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَعَلَى رَأْيِ الثَّانِي كَافِرٌ) أَيْ بِنَاءً عَلَى جَعْلِهِ الْمَشْهُورَ قِسْمًا مِنْ الْمُتَوَاتِرِ، لَكِنْ قَالَ فِي التَّحْرِيرِ، وَالْحَقُّ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ الْإِكْفَارِ بِإِنْكَارِ الْمَشْهُورِ لِآحَادِيَّةِ أَصْلِهِ، فَلَمْ يَكُنْ تَكْذِيبًا لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَلْ ضَلَالَةً لِتَخْطِئَةِ الْمُجْتَهِدِينَ (قَوْلُهُ وَفِي التُّحْفَةِ) أَيْ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيِّ الَّتِي شَرَحَهَا تِلْمِيذُهُ الْكَاشَانِيُّ بِشَرْحٍ عَظِيمٍ سَمَّاهُ الْبَدَائِعَ (قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ) وَلَا عِبْرَةَ بِخِلَافِ الرَّافِضَةِ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرَهُ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَقَدْ صَحَّ رُجُوعُهُ ح (قَوْلُهُ بَلْ بِالتَّوَاتُرِ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا مِنْ عِبَارَةِ التُّحْفَةِ، بَلْ عَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى ابْنِ حَجَرٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 رُوَاتُهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَانِينَ مِنْهُمْ الْعَشَرَةُ قُهُسْتَانِيٌّ. وَقِيلَ بِالْكِتَابِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُغَيًّا بِالْكَعْبَيْنِ إجْمَاعًا فَالْجَرُّ بِالْجِوَارِ (لِمُحْدِثٍ) ظَاهِرُهُ عَدَمُ جَوَازِهِ لِمُجَدِّدِ الْوُضُوءِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا حَصَلَ لَهُ الْقُرْبَةُ بِذَلِكَ صَارَ كَأَنَّهُ مُحْدِثٌ (لَا لِجُنُبٍ) وَحَائِضٍ، وَالْمَنْفِيُّ لَا يَلْزَمُ تَصْوِيرُهُ، وَفِيهِ أَنَّ النَّفْيَ الشَّرْعِيَّ يَفْتَقِرُ إلَى إثْبَاتٍ عَقْلِيٍّ،   [رد المحتار] ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْعَدَدَ يُفِيدُ الْيَقِينَ وَالْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ، وَيَرْفَعُ تُهْمَةَ الْكَذِبِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَكَأَنَّ الْإِمَامَ تَوَقَّفَ فِي إفَادَتِهِ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ هَذَا الْعَدَدُ، وَلِذَا قَالَ: أَخَافُ الْكُفْرَ عَلَى مَنْ لَمْ يَرَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْآثَارَ الَّتِي جَاءَتْ فِيهِ فِي حَيِّزِ التَّوَاتُرِ (قَوْلُهُ رُوَاتُهُ) أَيْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ (قَوْلُهُ وَقِيلَ بِالْكِتَابِ) أَيْ بِقِرَاءَةِ الْجَرِّ فِي - {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6]- بِنَاءً عَلَى إرَادَةِ الْمَسْحِ بِهَا، لِعَطْفِهَا عَلَى الْمَمْسُوحِ جَمْعًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ قِرَاءَةِ النَّصْبِ الْمُرَادِ بِهَا الْغَسْلُ لِعَطْفِهَا عَلَى الْمَغْسُولِ (قَوْلُهُ فَالْجَرُّ بِالْجِوَارِ) أَيْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ} [هود: 84] {وَحُورٌ عِينٌ} [الواقعة: 22] الْمَعْطُوفِ عَلَى {وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} [الواقعة: 17]- لَا عَلَى - {بِأَكْوَابٍ} [الواقعة: 18]- إذْ لَا يَطُوفُ عَلَيْهِمْ الْوِلْدَانُ بِالْحُورِ وَنَظِيرُهُ فِي الْقُرْآنِ وَالشِّعْرِ كَثِيرٌ، فَهُوَ فِي الْمَعْنَى مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَنْصُوبِ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ النَّصْبِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِدَ فِي صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِمَا وَيُغْسَلَا غَسْلًا خَفِيفًا شَبِيهًا بِالْمَسْحِ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ لِمُحْدِثٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ جَائِزٌ، وَشَمِلَ الْمَرْأَةَ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ. قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: وَالْمُحْدِثُ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فِيمَنْ أَصَابَهُ حَدَثٌ يُوجِبُ الْوُضُوءَ (قَوْلُهُ ظَاهِرُهُ إلَخْ) الْبَحْثُ وَالْجَوَابُ لِلْقُهُسْتَانِيِّ. وَأَقُولُ: قَدْ يُقَالُ إنَّ جَوَازَهُ لِمُجَدِّدِ الْوُضُوءِ تُعْلَمُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ مَا رَفَعَ الْمُحْدَثَ الْحَقِيقِيَّ يَحْصُلُ بِهِ تَجْدِيدُ الطَّهَارَةِ بِالْأَوْلَى، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ لَا لِجُنُبٍ يَدُلُّ بِالْمُقَابَلَةِ عَلَى أَنَّ الْمُحْدِثَ احْتِرَازٌ عَنْ الْجُنُبِ فَقَطْ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ إعْرَابِ قَوْلِهِمْ إلَّا أَنْ يُقَالَ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ) اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمِّ الظُّرُوفِ؛ لِأَنَّ الْمَصَادِرَ قَدْ تَقَعُ ظُرُوفًا، نَحْوُ آتِيكَ طُلُوعَ الْفَجْرِ: أَيْ وَقْتَ طُلُوعِهِ وَالْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ هُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَالْمَعْنَى ظَاهِرُهُ كَمَا ذَكَرَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ إلَّا وَقْتَ قَوْلِنَا لِمَا حَصَلَ إلَخْ، كَذَا أَفَادَهُ الْمُحَقِّقُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي أَوَائِلِ التَّوْضِيحِ (قَوْلُهُ وَالْمَنْفِيُّ لَا يَلْزَمُ تَصْوِيرُهُ) أَيْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ صُورَةٌ يُمْكِنُ حُصُولُهَا فِي الذِّهْنِ (قَوْلُهُ وَفِيهِ إلَخْ) الْبَحْثُ لِلْقُهُسْتَانِيِّ. بَيَانُهُ أَنَّ النَّفْيَ الشَّرْعِيَّ: أَيْ الَّذِي اُسْتُفِيدَ مِنْ الشَّرْعِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْكَانِ تَصْوِيرِ مَا نُفِيَ بِهِ عَقْلًا، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُسْتَفَادًا مِنْ الشَّرْعِ بَلْ مِنْ الْعَقْلِ، كَقَوْلِنَا: لَا تَجْتَمِعُ الْحَرَكَةُ مَعَ السُّكُونِ، وَصَوَّرُوا لَهُ صُوَرًا مِنْهَا لَوْ تَيَمَّمَ الْجُنُبُ ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّ ثُمَّ أَحْدَثَ وَوَجَدَ مَاءً يَكْفِي لِلْوُضُوءِ فَقَطْ لَا يَمْسَحُ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ سَرَتْ إلَى الْقَدَمَيْنِ وَالتَّيَمُّمُ لَيْسَ طَهَارَةً كَامِلَةً، وَمِثْلُهُ الْحَائِضُ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْمُجْتَبَى بِأَنَّ مَا ذَكَرَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تَعُودُ عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ أَقُولُ: أَيْ لَا تَعُودُ إلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَلَا غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَاءِ الْكَافِي وَالْجَنَابَةُ لَا تَتَجَزَّأُ، فَهُوَ مُحْدِثٌ حَقِيقَةً لَا جُنُبٌ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ؛ فَاعْتِرَاضُ الْبَحْرِ عَلَى الْمُجْتَبَى بِأَنَّهُ عَادَ جُنُبًا بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ غَيْرُ وَارِدٍ كَمَا لَا يَخْفَى فَالصَّحِيحُ فِي تَصْوِيرِهِ مَا فِي الْمُجْتَبَى فِيمَا إذَا تَوَضَّأَ وَلَبِسَ ثُمَّ أَجْنَبَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشُدَّ خُفَّيْهِ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يَغْتَسِلَ وَيَمْسَحَ. اهـ. أَوْ يَغْتَسِلَ قَاعِدًا وَاضِعًا رِجْلَيْهِ عَلَى شَيْءٍ مُرْتَفِعٍ ثُمَّ يَمْسَحَ وَمِثْلُهُ الْحَائِضُ، وَلَكِنْ لَا يَتَأَتَّى إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مِنْ أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ عِنْدَهُ يَوْمَانِ وَأَكْثَرُ الثَّالِثِ، فَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُسَافِرَةً وَتَوَضَّأَتْ ابْتِدَاءَ مُدَّةِ السَّفَرِ وَلَبِسَتْ الْخُفَّ ثُمَّ حَاضَتْ هَذَا الْمِقْدَارَ فَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ نَحْوُ خَمْسِ سَاعَاتٍ فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَمْسَحَ فِيهَا. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا يُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَتَنْقَضِي فِيهَا مُدَّةُ الْمَسْحِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْبَحْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ النُّفَسَاءَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 ثُمَّ ظَاهِرُهُ جَوَازُ مَسْحِ مُغْتَسِلِ جُمُعَةٍ وَنَحْوِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُجْعَلَ فِي حُكْمِهِ فَالْأَحْسَنُ لِمُتَوَضِّئٍ لَا لِمُغْتَسِلٍ. وَالسُّنَّةُ أَنْ يَخُطَّهُ (خُطُوطًا بِأَصَابِعِ) يَدٍ (مُفَرَّجَةٍ) قَلِيلًا (يَبْدَأُ مِنْ) قِبَلِ (أَصَابِعِ رِجْلِهِ) مُتَوَجِّهًا (إلَى) أَصْلِ (السَّاقِ) وَمَحَلُّهُ (عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ) مِنْ رُءُوسِ أَصَابِعِهِ   [رد المحتار] وَصُورَتُهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ أَنَّهَا لَبِسَتْ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ نَفِسَتْ وَانْقَطَعَ قَبْلَ ثَلَاثَةٍ مُسَافِرَةً أَوْ قَبْلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مُقِيمَةً (قَوْلُهُ ثُمَّ ظَاهِرُهُ) أَيْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا لِجُنُبٍ ثُمَّ هَذَا الْكَلَامُ إلَخْ لِلْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. وَمُفَادُهُ أَنَّهُ فِي الْمَبْسُوطِ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ يَنْبَغِي لَا عَلَى سَبِيلِ الْجَزْمِ فَلِذَا قَوَّاهُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَبْعُدُ وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَا يَبْعُدُ إلَخْ) أَيْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُجْعَلَ غُسْلُ الْجُمُعَةِ فِي حُكْمِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، يَعْنِي أَنَّ كَلَامَ الْمَبْسُوطِ غَيْرُ بَعِيدٍ. اهـ ح. وَوَجْهُهُ أَنَّ مَاهِيَّةَ الْغُسْلِ الْمَسْنُونِ هِيَ مَاهِيَّةُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَهِيَ غَسْلُ جَمِيعِ مَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ مِنْ الْبَدَنِ؛ فَقَوْلُهُ لَا لِجُنُبٍ نَفْيٌ لِمَشْرُوعِيَّةِ الْمَسْحِ فِي الْغُسْلِ سَوَاءٌ كَانَ عَنْ جَنَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ كَمَا أَنَّ إثْبَاتَ مَشْرُوعِيَّتِهِ لِلْمُحْدِثِ هُوَ إثْبَاتٌ لِمَشْرُوعِيَّتِهِ فِي الْوُضُوءِ سَوَاءٌ كَانَ عَنْ حَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَاهِيَّةَ الْوُضُوءِ فِي حَقِّهِمَا وَاحِدَةٌ أَرْكَانًا وَسُنَنًا كَمَا قُلْنَا فِي الْغُسْلِ (قَوْلُهُ فَالْأَحْسَنُ إلَخْ) أَيْ الْأَحْسَنُ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِذَلِكَ لِيَشْمَلَ الْمُتَوَضِّئَ مُجَدِّدَ الْوُضُوءِ، وَالْمُغْتَسِلَ مُغْتَسِلَ الْجُمُعَةِ، وَالْعِيدِ بِلَا تَأْوِيلٍ فِي الْعِبَارَةِ (قَوْلُهُ وَالسُّنَّةُ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ إظْهَارَ الْخُطُوطِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، بَلْ هُوَ شَرْطُ السُّنَّةِ فِي الْمَسْحِ. وَكَيْفِيَّتُهُ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنْ يَضَعَ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى مُقَدَّمِ خُفِّهِ الْأَيْمَنِ وَأَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى مُقَدَّمِ خُفِّهِ الْأَيْسَرِ مِنْ قِبَلِ الْأَصَابِعِ، فَإِذَا تَمَكَّنَتْ الْأَصَابِعُ يَمُدُّهَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى أَصْلِ السَّاقِ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَعْبَيْنِ يَلْحَقُهُمَا فَرْضُ الْغُسْلِ وَيَلْحَقُهُمَا سُنَّةُ الْمَسْحِ، وَإِنْ وَضَعَ الْكَفَّيْنِ مَعَ الْأَصَابِعِ كَانَ أَحْسَنَ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ. اهـ بَحْرٌ. أَقُولُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّيَامُنَ فِيهِ غَيْرُهُ مَسْنُونٌ كَمَا فِي مَسْحِ الْأُذُنِ. وَفِي الْحِلْيَةِ: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْسَحَ بِبَاطِنِ الْيَدِ لَا بِظَاهِرِهَا (قَوْلُهُ قَلِيلًا) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ وَمَحَلُّهُ) زَادَهُ عَلَى الْمَتْنِ، لِيُعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ (قَوْلُهُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ) قَيَّدَ بِهِ إذْ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْبَاطِنِ وَالْعَقِبِ وَالسَّاقِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ مِنْ رُءُوسِ أَصَابِعِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَصَابِعَ لَهَا دَخْلٌ فِي مَحَلِّ الْمَسْحِ، حَتَّى لَوْ مَسَحَ عَلَيْهَا صَحَّ إنْ حَصَلَ قَدْرُ الْفَرْضِ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ مُفَادُ مَا فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ؛ وَعَلَى مَا فِي أَكْثَرِ الْفَتَاوَى لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: وَتَفْسِيرُ الْمَسْحِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى ظَاهِرِ قَدَمَيْهِ مَا بَيْنَ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ إلَى السَّاقِ، فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْأَصَابِعَ غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي الْمَحَلِّيَّةِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَا فِي الْفَتَاوَى يُفِيدُ دُخُولَهَا؛ لِأَنَّ أَطْرَافَهَا أَوَاخِرُهَا أَيْ رُءُوسُهَا، يُوَافِقُهُ قَوْلُ الْمُبْتَغَى ظَهْرُ الْقَدَمِ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى مَقْعَدِ الشِّرَاكِ. أَقُولُ: وَمَا فِي النَّهْرِ هُوَ مَا فَهِمَهُ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ عِبَارَةِ الْفَتَاوَى فَقَالَ: إنَّ مُؤَدَّى رُءُوسِ الْأَصَابِعِ وَمَا بَيْنَ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ أَطْرَافَهَا هِيَ رُءُوسُهَا، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ فِي الذَّخِيرَةِ: وَتَفْسِيرُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ مَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ إلَى السَّاقِ. وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَسْحُ عَلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ مِنْ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ إلَى السَّاقِ اهـ فَالْأَصَابِعُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَوَّلًا غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي الْمَحَلِّيَّةِ، وَعَلَيْهِ مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ مَسَحَ مَوْضِعَ الْأَصَابِعِ لَا يَجُوزُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ دَاخِلَةٌ، وَيَظْهَرُ أَنَّهَا الْأَوْلَى، وَيَشْهَدُ لَهَا حَدِيثُ جَابِرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 إلَى مَعْقِدِ الشِّرَاكِ؛ وَيُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَ ظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ طَاهِرٍ (أَوْ جُرْمُوقَيْهِ) وَلَوْ فَوْقَ خُفٍّ   [رد المحتار] الْمَرْوِيُّ فِي الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ مِنْ مُقَدَّمِ الْخُفَّيْنِ إلَى أَصْلِ السَّاقِ مَرَّةً وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» فَلِذَا مَشَى عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى. اهـ. أَقُولُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ، وَحَيْثُ كَانَتْ رِوَايَةُ الدُّخُولِ هِيَ الْمُفَادَ مِنْ عِبَارَاتِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ، وَكَذَا مِنْ أَكْثَرِ الْفَتَاوَى كَمَا عَلِمْت كَانَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا أَوْلَى، فَلِذَا اخْتَارَهَا الشَّارِحُ تَبَعًا لِلنَّهْرِ وَالْحِلْيَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إلَى مَعْقِدِ الشِّرَاكِ) أَيْ الْمَحَلِّ الَّذِي يُعْقَدُ عَلَيْهِ شِرَاكُ النَّعْلِ بِالْكَسْرِ أَيْ سَيْرُهُ، فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَفْصِلُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ وَيُسَمَّى كَعْبًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي الْإِحْرَامِ: يَقْطَعُ الْخُفَّيْنِ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ مِنْ رُءُوسِ أَصَابِعِهِ إلَى مَقْعَدِ الشِّرَاكِ هُوَ عِبَارَةُ الْمُبْتَغَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ بَيَانُ مَحَلِّ الْفَرْضِ اللَّازِمِ، وَإِلَّا فَالسُّنَّةُ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى أَصْلِ السَّاقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ، فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْبَاطِنِ أَسْفَلُ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ لَا مَا يَلِي الْبَشَرَةَ كَمَا حَقَّقَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، خِلَافًا لِمَا فِي الْبَدَائِعِ. هَذَا وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ النَّهْرِ، حَيْثُ قَالَ: لَكِنْ يُسْتَحَبُّ عِنْدَنَا الْجَمْعُ بَيْنَ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ فِي الْمَسْحِ، إلَّا إذَا كَانَ عَلَى بَاطِنِهِ نَجَاسَةٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. اهـ. وَأَقُولُ: الَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْ الْبَدَائِعِ نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْبَاطِنِ لَا يَجُوزُ، وَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَهُ الْجَمْعُ إلَخْ، فَضَمِيرُ الْغَيْبَةِ رَاجِعٌ إلَى الشَّافِعِيِّ، وَهَكَذَا رَأَيْته فِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ: الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَا سِوَى ظَهْرِ الْقَدَمِ مِنْ الْخُفِّ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْمَسْحِ لَا فَرْضًا وَلَا سُنَّةً، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُسَنُّ مَسْحُهُمَا. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَا يُسَنُّ مَسْحُ بَاطِنِ الْخُفِّ مَعَ ظَاهِرِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ شُرِعَتْ مُكَمِّلَةً لِلْفَرَائِضِ، وَالْإِكْمَالُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْفَرْضِ لَا فِي غَيْرِهِ. اهـ. وَفِي غَيْرِهِ نَفْيُ الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ الْمُرَادُ. اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ: أَيْ وَفِي غَيْرِ الْمُحِيطِ قَالَ: لَا يُسْتَحَبُّ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ الْمُحِيطِ لَا يُسَنُّ. وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: السُّنَّةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ مَسْحُ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلِهِ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ» وَعِنْدَنَا وَأَحْمَدَ لَا مَدْخَلَ لِأَسْفَلِهِ فِي الْمَسْحِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ عَلَيْهِ مِنْ ظَاهِرِهِ، وَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ شَاذٌّ لَا يُعَارِضُ هَذَا مَعَ أَنَّهُ ضَعَّفَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ، وَلِهَذَا قِيلَ إنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ إنْ ثَبَتَ. وَعَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا يُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ. اهـ. فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ اسْتِحْبَابَ الْجَمْعِ قَوْلٌ لِبَعْضِ مَشَايِخِنَا، لَا كَمَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (قَوْلُهُ أَوْ جُرْمُوقَيْهِ) بِضَمِّ الْجِيمِ: جِلْدٌ يُلْبَسُ فَوْقَ الْخُفِّ لِحِفْظِهِ مِنْ الطِّينِ وَغَيْرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَيُقَالُ لَهُ الْمُوقُ، وَلَيْسَ غَيْرُهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ فَوْقَ خُفٍّ) أَفَادَ جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا مُنْفَرِدَيْنِ أَيْضًا وَهَذَا لَوْ كَانَا مِنْ جِلْدٍ، فَلَوْ مِنْ كِرْبَاسٍ لَا يَجُوزُ وَلَوْ فَوْقَ الْخُفِّ إلَّا أَنْ يَصِلَ بَلَلُ الْمَسْحِ إلَى الْخُفِّ، ثُمَّ الشَّرْطُ أَنْ يَكُونَا بِحَيْثُ لَوْ انْفَرَدَا يَصِحُّ مَسْحُهُمَا، حَتَّى لَوْ كَانَ بِهِمَا خَرْقٌ مَانِعٌ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا سِرَاجٌ، وَأَنْ يَلْبَسَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَقَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ، فَلَوْ كَانَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ لُبْسِهِمَا ثُمَّ لَبِسَ الْجُرْمُوقَيْنِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ لَا يَكُونَانِ تَبَعًا لِلْخُفِّ، صَرَّحَ بِهَذَا الشَّرْطِ فِي السِّرَاجِ وَشُرُوحِ الْمَجْمَعِ وَمُنْيَةِ الْمُصَلِّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 أَوْ لِفَافَةٍ، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا فِي فَتَاوَى الشَّاذِيِّ؛ لِأَنَّهُ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَا يُقَلَّدُ فِيمَا خَالَفَ النُّقُولَ (أَوْ جَوْرَبَيْهِ) وَلَوْ مِنْ غَزْلٍ أَوْ شَعْرٍ (الثَّخِينَيْنِ) بِحَيْثُ يَمْشِي فَرْسَخًا وَيَثْبُتُ عَلَى السَّاقِ وَلَا يُرَى مَا تَحْتَهُ وَلَا يَشِفُّ إلَّا أَنْ يَنْفُذَ إلَى الْخُفِّ قَدْرُ الْغَرَضِ.   [رد المحتار] وَغَيْرِهَا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّ ثُمَّ جَدَّدَ الْوُضُوءَ قَبْلَ الْحَدَثِ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفِّ ثُمَّ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ لِاسْتِقْرَارِ الْحُكْمِ عَلَى الْخُفِّ فَلَا يَصِيرُ الْجُرْمُوقُ تَبَعًا. وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ فِي الْخَزَائِنِ: وَهَذَا إذَا كَانَا صَالِحَيْنِ لِلْمَسْحِ أَوْ رَقِيقَيْنِ يَنْفُذُ إلَى الْخُفِّ قَدْرُ الْفَرْضِ وَلَمْ يَكُنْ أَحْدَثَ وَلَا مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ قَبْلَ مَا أَحْدَثَ ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَابْنُ مَالِكٍ. اهـ. هَذَا وَفِي الْبَحْرِ وَالْخُفُّ عَلَى الْخُفِّ كَالْجُرْمُوقِ عِنْدَنَا فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ لِفَافَةٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مَلْفُوفَةً عَلَى الرِّجْلِ تَحْتَ الْخُفِّ أَوْ كَانَتْ مَخِيطَةً مَلْبُوسَةً تَحْتَهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا فِي فَتَاوَى الشَّاذِيِّ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى مَا رَأَيْته فِي النُّسَخِ، لَكِنَّ الَّذِي رَأَيْته بِخَطِّ الشَّارِحِ فِي خَزَائِنِ الْأَسْرَارِ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، ثُمَّ الَّذِي فِي هَذِهِ الْفَتَاوَى هُوَ مَا نَقَلَهُ عَنْهَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَهُوَ أَنَّ مَا يُلْبَسُ مِنْ الْكِرْبَاسِ الْمُجَرَّدِ تَحْتَ الْخُفِّ يَمْنَعُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ لِكَوْنِهِ فَاصِلًا وَقِطْعَةُ كِرْبَاسٍ تُلَفُّ عَلَى الرِّجْلِ لَا تَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِاللُّبْسِ، وَقَدْ أَطَالَ فِي رَدِّهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالدُّرَرِ وَالْبَحْرِ لِتَمَسُّكِ جَمَاعَةٍ بِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الرُّومِ، قَالَ ح: وَقَدْ اعْتَنَى يَعْقُوبُ بَاشَا بِتَحْقِيقِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كُرَّاسَةٍ مُبَيِّنًا لِلْجَوَازِ لَمَّا سَأَلَهُ السُّلْطَانُ سُلَيْمٌ خَانْ (قَوْلُهُ أَوْ جَوْرَبَيْهِ) الْجَوْرَبُ لِفَافَةُ الرِّجْلِ قَامُوسٌ، وَكَأَنَّهُ تَفْسِيرٌ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ، لَكِنَّ الْعُرْفَ خَصَّ اللِّفَافَةَ بِمَا لَيْسَ بِمَخِيطٍ وَالْجَوْرَبَ بِالْمَخِيطِ، وَنَحْوُهُ الَّذِي يُلْبَسُ كَمَا يُلْبَسُ الْخُفُّ شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ غَزْلٍ أَوْ شَعْرٍ) دَخَلَ فِيهِ الْجُوخُ كَمَا حَقَّقَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَقَالَ: وَخَرَجَ عَنْهُ مَا كَانَ مِنْ كِرْبَاسٍ بِالْكَسْرِ: وَهُوَ الثَّوْبُ مِنْ الْقُطْنِ الْأَبْيَضِ؛ وَيُلْحَقُ بِالْكِرْبَاسِ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ نَوْعِ الْخَيْطِ كَالْكَتَّانِ وَالْإِبْرَيْسَمِ وَنَحْوِهِمَا. وَتَوَقَّفَ ح فِي وَجْهِ عَدَمِ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ إذَا وُجِدَ فِيهِ الشُّرُوطُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ. وَأَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا وُجِدَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ يَجُوزُ، وَأَنَّهُمْ أَخْرَجُوهُ لِعَدَمِ تَأَتِّي الشُّرُوطِ فِيهِ غَالِبًا، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي كَافِي النَّسَفِيِّ حَيْثُ عَلَّلَ جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبِ مِنْ كِرْبَاسٍ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ جَازَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا فِي ط عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ فِي مَعْنَى الْخُفِّ فِي إدْمَانِ الْمَشْيِ عَلَيْهِ وَقَطْعِ السَّفَرِ بِهِ وَلَوْ مِنْ لِبَدٍ رُومِيٍّ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. اهـ (قَوْلُهُ عَلَى الثَّخِينَيْنِ) أَيْ اللَّذَيْنِ لَيْسَا مُجَلَّدَيْنِ وَلَا مُنْعَلَيْنِ نَهْرٌ، وَهَذَا التَّقْيِيدُ مُسْتَفَادٌ مِنْ عَطْفِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ نَعْتٌ لِلْجَوْرَبَيْنِ فَقَطْ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الْكَنْزِ. وَأَمَّا شُرُوطُ الْخُفِّ فَقَدْ ذَكَرَهَا أَوَّلَ الْبَابِ، وَمِثْلُهُ الْجُرْمُوقُ وَلِكَوْنِهِ مِنْ الْجِلْدِ غَالِبًا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالثَّخَانَةِ الْمُفَسَّرَةِ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ الْمَلْبُوسَ لَا يَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ عَادَةً (قَوْلُهُ بِحَيْثُ يَمْشِي فَرْسَخًا) أَيْ فَأَكْثَرَ كَمَا مَرَّ، وَفَاعِلُ يَمْشِي ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الْجَوْرَبِ وَالْإِسْنَادُ إلَيْهِ مَجَازِيٌّ، أَوْ عَلَى اللَّابِسِ لَهُ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ أَيْ بِهِ (قَوْلُهُ بِنَفْسِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ شَدٍّ ط (قَوْلُهُ وَلَا يَشِفُّ) بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ، مِنْ شَفَّ الثَّوْبُ: رَقَّ حَتَّى رَأَيْت مَا وَرَاءَهُ، مِنْ بَابِ ضَرَبَ مُغْرِبٌ. وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ: يَنْشَفُ بِالنُّونِ قَبْلَ الشَّيْنِ، مِنْ نَشِفَ الثَّوْبُ الْعَرَقَ كَسَمِعَ وَنَصَرَ شَرِبَهُ قَامُوسٌ، وَالثَّانِي أَوْلَى هُنَا لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ وَلَا يُرَى مَا تَحْتَهُ، لَكِنْ فُسِّرَ فِي الْخَانِيَّةِ الْأُولَى بِأَنْ لَا يَشِفَّ الْجَوْرَبُ الْمَاءَ إلَى نَفْسِهِ كَالْأَدِيمِ وَالصِّرْمِ، وَفُسِّرَ الثَّانِي بِأَنْ لَا يُجَاوِزَ الْمَاءُ إلَى الْقَدَمِ وَكَأَنَّ تَفْسِيرَهُ الْأَوَّلَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ اشْتَفَّ مَا فِي الْإِنَاءِ شَرِبَهُ كُلَّهُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَعَلَيْهِ فَلَا تَكْرَارَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْفُذَ) أَيْ مِنْ الْبَلَلِ، وَهَذَا رَاجِعٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وَلَوْ نَزَعَ مُوقَيْهِ أَعَادَ مَسْحَ خُفَّيْهِ. وَلَوْ نَزَعَ أَحَدَهُمَا مَسَحَ الْخُفَّ وَالْمُوقَ الْبَاقِيَ. وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَهُمَا وَمَسَحَ خُفَّيْهِ لَمْ يَجُزْ. (وَالْمُنْعَلَيْنِ) بِسُكُونِ النُّونِ: مَا جُعِلَ عَلَى أَسْفَلِهِ جِلْدَةٌ (وَالْمُجَلَّدَيْنِ مَرَّةً وَلَوْ امْرَأَةً) أَوْ خُنْثَى (مَلْبُوسَيْنِ عَلَى طُهْرٍ) فَلَوْ أَحْدَثَ وَمَسَحَ بِخُفَّيْهِ أَوْ لَمْ يَمْسَحْ فَلَبِسَ مُوقَهُ لَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ (تَامٍّ)   [رد المحتار] إلَى الْجُرْمُوقِ لَا الْجَوْرَبِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الْجَوْرَبِ أَنْ يُلْبَسَ وَحْدَهُ أَوْ تَحْتَ الْخُفِّ لَا فَوْقَهُ (قَوْلُهُ مَسَحَ الْخُفَّ وَالْمُوقَ الْبَاقِيَ) أَيْ يَمْسَحُ الْخُفَّ الْبَادِيَ وَيُعِيدُ الْمَسْحَ عَلَى الْمُوقِ الْبَاقِي لِانْتِقَاضِ وَظِيفَتِهِمَا كَنَزْعِ أَحَدِ الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّ انْتِقَاضَ الْمَسْحِ لَا يَتَجَزَّأُ بَحْرٌ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفِّ الْبَادِي لَا غَيْرُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: يَنْزِعُ الْمُوقَ الْبَاقِيَ وَيَمْسَحَ الْخُفَّيْنِ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمُوقَيْنِ خَرْقٌ مَانِعٌ، فَلَوْ كَانَ قَالَ فِي الْمُبْتَغَى لَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ أَوْ عَلَى الْجُرْمُوقِ؛ لِأَنَّهُمَا كَخُفٍّ وَاحِدٍ، لَكِنْ بَحَثَ فِي الْحِلْيَةِ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا عَلَى الْخُفِّ، لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْمُنْخَرِقَ خَرْقًا مَانِعًا وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، فَكَانَتْ الْوَظِيفَةُ لِلْخُفِّ فَلَا يَجُوزُ عَلَى غَيْرِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي السِّرَاجِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ بِسُكُونِ النُّونِ) أَيْ مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ مِنْ أَفْعَلَ، لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْقَامُوسِ بِمَجِيئِهِ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ، فَقَوْلُ الصِّحَاحِ يُقَالُ أَنْعَلْتُ خُفِّي وَدَابَّتِي وَلَا تَقُلْ نَعَلْت أَيْ بِالتَّخْفِيفِ بَلْ يُقَالُ بِالتَّشْدِيدِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ عَلَى وَفْقِ مَا فِي الْقَامُوسِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا مُنَافَاةَ، وَقَوْلُ الْمُغْرِبِ أَنْعَلَ الْخُفَّ وَنَعَّلَهُ أَيْ بِالتَّشْدِيدِ فَلَا مُنَافَاةَ أَيْضًا، خِلَافًا لِمَا فِي النَّهْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مَا جُعِلَ عَلَى أَسْفَلِهِ جِلْدَةٌ) أَيْ كَالنَّعْلِ لِلْقَدَمِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ مَا يَكُونُ إلَى الْكَعْبِ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ وَالْمُجَلَّدَيْنِ) الْمُجَلَّدُ مَا جُعِلَ الْجِلْدُ عَلَى أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ ابْنُ كَمَالٍ. [تَنْبِيهٌ] مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جَوَازِهِ عَلَى الْمُجَلَّدِ وَالْمُنْعَلِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، أَمَّا الثَّخِينُ فَهُوَ قَوْلُهُمَا. وَعَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَكْثَرِ الْكُتُبِ بَحْرٌ. هَذَا وَفِي حَاشِيَةِ أَخِي جَلَبِي عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالثَّخِينِ مُخْرِجٌ لِغَيْرِ الثَّخِينِ وَلَوْ مُجَلَّدًا، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ أَحَدٌ. قَالَ: وَاَلَّذِي تَلَخَّصَ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ إذَا جُلِّدَ أَسْفَلُهُ فَقَطْ أَوْ مَعَ مَوَاضِعِ الْأَصَابِعِ بِحَيْثُ يَكُونُ مَحَلُّ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ ظَهْرُ الْقَدَمِ خَالِيًا عَنْ الْجِلْدِ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّ مَنْشَأَ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبِيهِ اكْتِفَاؤُهُمَا بِمُجَرَّدِ الثَّخَانَةِ وَعَدَمُ اكْتِفَائِهِ بِهَا، بَلْ لَا بُدَّ عِنْدَهُ مَعَ الثَّخَانَةِ مِنْ النَّعْلِ أَوْ الْجِلْدِ اهـ وَقَدْ أَطَالَ فِي ذَلِكَ. أَقُولُ: بَلْ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَكَذَا مِنْ قَوْلِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ؛ وَعَلَى الْجَوْرَبِ الْمُجَلَّدِ وَالْمُنْعَلِ وَالثَّخِينِ فَإِنَّ مُفَادَهُ أَنَّ الْمُجَلَّدَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالثَّخَانَةِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِيعَابُ الْجِلْدِ جَمِيعَ مَا يَسْتُرُ الْقَدَمَ عَلَى خِلَافِ مَا يَزْعُمُهُ بَعْضُ النَّاسِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَيْضًا: صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِجَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْمُجَلَّدِ مِنْ الْكِرْبَاسِ. اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا وَمِمَّا قَبْلَهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَحَلُّ الْمَسْحِ وَهُوَ ظَهْرُ الْقَدَمِ مُجَلَّدًا مَعَ أَسْفَلِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ سَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ فِي الْخُفِّ الْحَنَفِيِّ الْمَخِيطِ بِالشَّخْشِيرِ. وَلَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ اشْتِرَاطُهُمْ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى السَّاقِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي الْجَوْرَبِ الثَّخِينِ الْغَيْرِ الْمُجَلَّدِ وَالْمُنْعَلِ كَمَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ مَرَّةً) قَيْدٌ لِلْمَسْحِ الْمَفْهُومِ، فَلَا يُسَنُّ تَكْرَارُهُ كَمَسْحِ الرَّأْسِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ امْرَأَةً) تَعْمِيمٌ لِقَوْلِهِ لِمُحْدِثٍ أَوْ لِفَاعِلٍ يَبْدَأُ (قَوْلُهُ مَلْبُوسَيْنِ) حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ خُفَّيْهِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ لَا يُمْسَحُ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُلْبَسْ عَلَى طَهَارَةٍ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفِّ لِاسْتِقْرَارِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 خَرَجَ النَّاقِصُ حَقِيقَةً كَلَمْعَةٍ، أَوْ مَعْنًى كَتَيَمُّمٍ وَمَعْذُورٌ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ فِي الْوَقْتِ فَقَطْ إلَّا إذَا تَوَضَّأَ وَلَبِسَ عَلَى الِانْقِطَاعِ الصَّحِيحِ (عِنْدَ الْحَدَثِ) فَلَوْ تَخَفَّفَ الْمُحْدِثُ ثُمَّ خَاضَ الْمَاءَ فَابْتَلَّ قَدَمَاهُ ثُمَّ تَمَّمَ وُضُوءَهُ ثُمَّ أَحْدَثَ جَازَ أَنْ يَمْسَحَ (يَوْمًا وَلَيْلَةً لِمُقِيمٍ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا لِمُسَافِرٍ) وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ (مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ) فَقَدْ يَمْسَحُ الْمُقِيمُ سِتًّا، وَقَدْ لَا يَتَمَكَّنُ إلَّا مِنْ أَرْبَعٍ كَمَنْ تَوَضَّأَ وَتَخَفَّفَ قَبْلَ   [رد المحتار] حُكْمِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ خَرَجَ النَّاقِصُ) أَقُولُ: وَخَرَجَ أَيْضًا مَا لَوْ تَوَضَّأَ الْجُنُبُ ثُمَّ تَخَفَّفَ ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ غَسَلَ بَاقِيَ بَدَنِهِ لَا يَمْسَحُ. أَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ عَدَمِ تَجَزِّي الْحَدَثِ ثُبُوتًا وَزَوَالًا فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عَلَى مُقَابِلِهِ فَلِعَدَمِ التَّمَامِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَئِمَّتِنَا تَأَمَّلْ، وَتُعْلَمُ بِالْأَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ كَلَمْعَةٍ (قَوْلُهُ كَلَمْعَةٍ) يَعْنِي كَطُهْرٍ بَقِيَتْ فِيهِ لَمْعَةٌ مِنْ الْأَعْضَاءِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ قَبْلَ لُبْسِ الْخُفِّ (قَوْلُهُ كَتَيَمُّمٍ) أَيْ إنَّ اللُّبْسَ لَوْ كَانَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ فَوَجَدَ بَعْدَهُ الْمَاءَ بَلْ عَلَى الْخُفِّ بَلْ يَجِبُ الْغُسْلُ (قَوْلُهُ وَمَعْذُورٍ) أَيْ وَطُهْرِ مَعْذُورٍ، فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ إلَخْ) الضَّمِيرُ لِلْمَعْذُورِ، وَهَذَا بَيَانٌ لِوَجْهِ كَوْنِ طُهْرِهِ نَاقِصًا. ثُمَّ إنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعُذْرُ مُنْقَطِعًا وَقْتَ الْوُضُوءِ وَاللُّبْسِ مَعًا أَوْ مَوْجُودًا فِيهِمَا؛ أَوْ مُنْقَطِعًا وَقْتَ الْوُضُوءِ مَوْجُودًا وَقْتَ اللُّبْسِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَهِيَ رُبَاعِيَّةٌ؛ فَفِي الْأَوَّلِ حُكْمُهُ كَالْأَصِحَّاءِ لِوُجُودِ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ فَمَنَعَ سِرَايَةَ الْحَدَثِ لِلْقَدَمَيْنِ؛ وَفِي الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ يُمْسَحُ فِي الْوَقْتِ فَقَطْ، فَإِذَا خَرَجَ نَزَعَ وَغَسَلَ كَمَا فِي الْبَحْرِ؛ لَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ نُقْصَانِ طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ وَالْمَعْذُورِ تَبِعَ فِيهِ الزَّيْلَعِيَّ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَعُورِضَ بِأَنَّهُ لَا نَقْصَ فِيهِمَا مَا بَقِيَ شَرْطُهُمَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَمْسَحْ الْمُتَيَمِّمُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ وَالْمَعْذُورُ بَعْدَ الْوَقْتِ لِظُهُورِ الْحَدَثِ السَّابِقِ حِينَئِذٍ عَلَى الْقَدَمِ، وَالْمَسْحُ إنَّمَا يُزِيلُ مَا حَلَّ بِالْمَسْمُوحِ لَا بِالْقَدَمِ، وَلِذَا جَوَّزْنَا لِذِي الْعُذْرِ الْمَسْحَ فِي الْوَقْتِ كُلَّمَا تَوَضَّأَ لِحَدَثٍ غَيْرِ الَّذِي اُبْتُلِيَ بِهِ إذَا كَانَ السَّيَلَانُ مُقَارِنًا لِلْوُضُوءِ وَاللُّبْسِ (قَوْلُهُ عِنْدَ الْحَدَثِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَامٌّ؛ فَيُعْتَبَرُ كَوْنُ الطُّهْرِ تَامًّا وَقْتَ نُزُولِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ يَمْنَعُ سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ، فَيُعْتَبَرُ تَمَامُ الطُّهْرِ وَقْتَ الْمَنْعِ لَا وَقْتَ اللُّبْسِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ جَازَ أَنْ يَمْسَحَ) لِوُجُودِ الشُّرُوطِ هُوَ كَوْنُهُمَا مَلْبُوسَيْنِ عَلَى طُهْرٍ تَامٍّ وَقْتَ الْحَدَثِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ تَخَفَّفَ ثُمَّ تَمَّمَ الْوُضُوءَ أَوْ غَسَلَ رِجْلًا فَخَفَّفَهَا ثُمَّ الْأُخْرَى كَذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ وُصُولِ الرِّجْلِ إلَى قَدَمِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ لَا يَمْسَحُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً) الْعَامِلُ فِيهِمَا الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ جَائِزٌ لِعَوْدِهِ عَلَى الْمَسْحِ أَوْ الْمَسْحُ فِي قَوْلِهِ شُرِطَ مَسْحُهُ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ) قَدَّرَهُ لِيُفِيدَ أَنَّ مِنْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ابْتِدَائِيَّةٌ وَأَنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ خَبَرٌ لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ وَهُوَ ذَلِكَ الْمُقَدَّرُ ط (قَوْلُهُ مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ) أَيْ لَا مِنْ وَقْتِ الْمَسْحِ الْأَوَّلِ كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَلَا مِنْ وَقْتِ اللُّبْسِ كَمَا حُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ؛ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. وَذَكَرَ الرَّمْلِيُّ أَنَّ صَرِيحَ كَلَامِ الْبَحْرِ أَنَّ الْمُدَّةَ تُعْتَبَرُ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الْحَدَثِ لَا مِنْ آخِرِهِ كَمَا هُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَمَا قُلْنَاهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ عَمَلِ الْخُفِّ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا عِنْدَنَا. اهـ. وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ حَدَثُهُ بِالنَّوْمِ فَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ أَوَّلِ مَا نَامَ لَا مِنْ حِينِ الِاسْتِيقَاظِ، حَتَّى لَوْ نَامَ أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ مُدَّتَهُ بَطَلَ مَسْحُهُ (قَوْلُهُ سِتًّا) صُورَتُهُ لَبِسَ الْخُفَّ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ وَقْتَ الْإِسْفَارِ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ وَصَلَّى قُبَيْلَ الشَّمْسِ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَقِبَ الْفَجْرِ. ح، وَقَدْ يُصَلِّي سَبْعًا عَلَى الِاخْتِلَافِ بَحْرٌ: أَيْ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبِيهِ؛ بِأَنْ أَحْدَثَ فِيمَا بَيْنَ الْمِثْلَيْنِ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ بَعْدَ الْمِثْلِ، وَالْعَصْرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 الْفَجْرِ فَلَمَّا طَلَعَ صَلَّى فَلَمَّا تَشَهَّدَ أَحْدَثَ. (لَا) يَجُوزُ (عَلَى عِمَامَةٍ وَقَلَنْسُوَةٍ وَبُرْقُعٍ وَقُفَّازَيْنِ) لِعَدَمِ الْحَرَجِ. (وَفَرْضُهُ) عَمَلًا (قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْيَدِ) أَصْغَرِهَا طُولًا وَعَرْضًا مِنْ كُلِّ رِجْلٍ لَا مِنْ الْخُفِّ فَمَنَعُوا فِيهِ مَدَّ الْأُصْبُعِ فَلَوْ مَسَحَ بِرُءُوسِ أَصَابِعِهِ وَجَافَى أُصُولَهَا لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَبْتَلَّ مِنْ الْخُفِّ عِنْدَ الْوَضْعِ قَدْرُ الْفَرْضِ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي الذَّخِيرَةِ إنْ الْمَاءُ مُتَقَاطِرًا جَازَ وَإِلَّا لَا   [رد المحتار] أَيْضًا بَعْدَ الْمِثْلَيْنِ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الْمِثْلِ (قَوْلُهُ فَلَمَّا تَشَهَّدَ أَحْدَثَ) فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لِبُطْلَانِهَا بِانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْمَسْحِ فِي الْقَعْدَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ (قَوْلُهُ لَا عَلَى عِمَامَةٍ إلَخْ) الْعِمَامَةُ مَعْرُوفَةٌ وَتُسَمَّى الشَّاشَ فِي زَمَانِنَا. وَالْقَلَنْسُوَةُ: بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ وَالْوَاوِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ السِّينِ فِي آخِرِهَا هَاءُ التَّأْنِيثِ مَا يُلْبَسُ عَلَى الرَّأْسِ وَيُتَعَمَّمُ فَوْقَهُ. وَالْبُرْقُعُ: بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا آخِرُهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ مَا يُلْبَسُ عَلَى الْوَجْهِ فِيهِ خَرْقَانِ لِلْعَيْنَيْنِ. وَالْقُفَّازُ بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ بِأَلْفٍ ثُمَّ زَايٍ شَيْءٌ يُلْبَسُ عَلَى الْيَدَيْنِ يُحْشَى بِقُطْنٍ وَيُزَرُّ عَلَى السَّاعِدَيْنِ. اهـ ح (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْحَرَجِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ. وَأَيْضًا مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ شَاذٌّ لَا يُزَادُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ الْعَزِيزِ الْآمِرِ بِالْغُسْلِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ، بِخِلَافِ مَا وَرَدَ فِي الْخُفِّ. وَقَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي مُوَطَّئِهِ: بَلَغَنَا أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ كَانَ ثُمَّ تُرِكَ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ عَمَلًا) أَيْ فَرْضُهُ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ لَا الِاعْتِقَادِ، وَهُوَ أَعْلَى قِسْمَيْ الْوَاجِبِ كَمَا قَدَّمْنَا تَقْرِيرَهُ فِي الْوُضُوءِ: وَسَيَجِيءُ (قَوْلُهُ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْأَصَابِعَ غَيْرُ شَرْطٍ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ قَدْرُهَا شُرُنْبُلَالِيَّةٌ، فَلَوْ أَصَابَ مَوْضِعَ الْمَسْحِ مَاءٌ أَوْ مَطَرٌ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ جَازَ، وَكَذَا لَوْ مَشَى فِي حَشِيشٍ مُبْتَلٍّ بِالْمَطَرِ. وَكَذَا بِالطَّلِّ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ نَفَسُ دَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ يَجْذِبُهُ الْهَوَاءُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَصْغَرِهَا) بَدَلٌ مِنْ الْأَصَابِعِ ط أَوْ نَعْتٌ، وَأَفْرَدَهُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي أَفْعَلِ التَّفْصِيلِ الْمُضَافِ إلَى مَعْرِفَةٍ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ طُولًا وَعَرْضًا) كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: أَيْ فَرْضُهُ قَدْرُ طُولِ الثَّلَاثِ أَصَابِعَ وَعَرْضِهَا. . قَالَ فِي الْبَحْرِ: مَا عَنْ الْبَدَائِعِ: وَلَوْ مَسَحَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ مَنْصُوبَةً غَيْرَ مَوْضُوعَةٍ وَلَا مَمْدُودَةٍ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا (قَوْلُهُ مِنْ كُلِّ رِجْلٍ) أَيْ فَرْضُهُ هَذَا الْقَدْرُ كَائِنًا مِنْ كُلِّ رِجْلٍ عَلَى حِدَةٍ قَالَ فِي الدُّرَرِ: حَتَّى لَوْ مَسَحَ عَلَى إحْدَى رِجْلَيْهِ مِقْدَارَ أُصْبُعَيْنِ وَعَلَى الْأُخْرَى مِقْدَارَ خَمْسِ أَصَابِعَ لَمْ يَجُزْ (قَوْلُهُ لَا مِنْ الْخُفِّ) لِمَا قَدَّمَهُ أَنَّهُ لَوْ وَاسِعًا فَمَسَحَ عَلَى الزَّائِدِ وَلَمْ يُقَدِّمْ قَدَمَهُ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ وَلِمَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ قَطَعَ قَدَمَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ فَمَنَعُوا إلَخْ) شُرُوعٌ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْقُيُودِ (قَوْلُهُ مَدَّ الْأُصْبُعَ) أَيْ جَرَّهَا عَلَى الْخُفِّ حَتَّى يَبْلُغَ مِقْدَارَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مَعَ بَقَاءِ الْبِلَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مُسْتَعْمَلَةً تَأَمَّلْ، وَفِي الْحِلْيَةِ: وَكَذَا الْأُصْبُعَانِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ مَسَحَ بِالْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ مَفْتُوحَتَيْنِ مَعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْكَفِّ أَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ وَأَخَذَ لِكُلِّ مَرَّةٍ مَاءً فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ ثَلَاثِ أَصَابِعَ وَكَذَا لَوْ مَسَحَ بِجَوَانِبِهَا الْأَرْبَعِ فِي الصَّحِيحِ وَالظَّاهِرُ تَقْيِيدُهُ بِوُقُوعِهِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ. اهـ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَبْتَلَّ إلَخْ) كَذَا فِي الْمُنْيَةِ. قَالَ الزَّاهِدِيُّ: قُلْت أَوْ كَانَتْ تَنْزِلُ الْبِلَّةُ إلَيْهَا عِنْدَ الْمَدِّ. اهـ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ مُتَقَاطِرًا حِلْيَةٌ، فَأَفَادَ أَنَّ الشَّرْطَ إمَّا الِابْتِلَالُ الْمَذْكُورُ أَوْ التَّقَاطُرُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: لِأَنَّ الْبِلَّةَ تَصِيرُ مُسْتَعْمَلَةً أَوَّلًا بِمُجَرَّدِ الْإِصَابَةِ فَتَصِيرُ مُسْتَعْمَلَةً ثَانِيًا فِي الْفَرْضِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُتَقَاطِرًا؛ لِأَنَّ الَّتِي مَسَحَ بِهَا ثَانِيًا غَيْرُ الْأُولَى، وَبِخِلَافِ إقَامَةِ السُّنَّةِ فِيمَا إذَا وَضَعَ الْأَصَابِعَ ثُمَّ مَدَّهَا وَلَمْ يَكُنْ مُتَقَاطِرًا؛ لِأَنَّ النَّفَلَ يُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْفَرْضِ وَهُوَ تَابِعٌ لَهُ فَيُؤَدِّي بِبِلَّتِهِ تَبَعًا ضَرُورَةَ عَدَمِ شَرْعِيَّةِ التَّكْرَارِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الشَّرْطَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ النَّقْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى عَدَمِ الْمَسْحِ بِبِلَّةٍ مُسْتَعْمَلَةٍ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) صَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 وَلَوْ قَطَعَ قَدَمَهُ، إنْ بَقِيَ مِنْ ظَهْرِهِ قَدْرُ الْفَرْضِ مَسَحَ وَإِلَّا غَسَلَ كَمَنْ كَعَبَهُ، وَلَوْ لَهُ رِجْلٌ وَاحِدَةٌ مَسَحَهَا. وَجَازَ مَسْحُ خُفٍّ مَغْصُوبٍ خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ، كَمَا جَازَ غَسْلُ رِجْلٍ مَغْصُوبَةٍ إجْمَاعًا. (وَالْخَرْقُ الْكَبِيرُ) بِمُوَحَّدَةٍ أَوْ مُثَلَّثَةٍ (وَهُوَ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْقَدَمِ الْأَصَاغِرِ) بِكَمَالِهَا وَمَقْطُوعُهَا يُعْتَبَرُ بِأَصَابِعَ مُمَاثِلَةٍ (يَمْنَعُهُ) إلَّا أَنْ يَكُونَ فَوْقَهُ خُفٌّ آخَرُ أَوْ جُرْمُوقٌ فَيَمْسَحُ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَوْ الْخَرْقُ عَلَى غَيْرِ أَصَابِعِهِ وَعَقِبِهِ وَيُرَى مَا تَحْتَهُ، فَلَوْ عَلَيْهَا اُعْتُبِرَ الثَّلَاثُ وَلَوْ كِبَارًا،   [رد المحتار] الْجَوَازَ مُطْلَقًا وَالتَّفْصِيلُ أَوْلَى كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ. (قَوْلُهُ مِنْ ظَهْرِهِ) أَيْ الْقَدَمِ، وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْمَسْحِ، فَلَا اعْتِبَارَ بِمَا يَبْقَى مِنْ الْعَقِبِ ط (قَوْلُهُ وَإِلَّا غَسَلَ) أَيْ غَسَلَ الْمَقْطُوعَةَ وَالصَّحِيحَةَ أَيْضًا لِئَلَّا يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالْمَسْحِ (قَوْلُهُ مِنْ كَعْبِهِ) أَيْ مِنْ الْمَفْصِلِ لِوُجُوبِ غَسْلِهِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ، فَيَغْسِلُ الرِّجْلَ الْأُخْرَى وَلَا يَمْسَحُ (قَوْلُهُ رِجْلٌ وَاحِدَةٌ) بِأَنْ كَانَتْ الْأُخْرَى مَقْطُوعَةً مِنْ فَوْقِ الْكَعْبِ (قَوْلُهُ مَسَحَهَا) لِعَدَمِ الْجَمْعِ (قَوْلُهُ خُفٍّ مَغْصُوبٍ) الْمُرَادُ بِهِ الْمُسْتَعْمَلُ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ سَوَاءٌ كَانَ غَصْبًا أَوْ سَرِقَةً أَوْ اخْتِلَاسًا ط (قَوْلُهُ رِجْلٍ مَغْصُوبَةٍ) إطْلَاقُ الْغَصْبِ عَلَى ذَلِكَ مُسَاهَلَةٌ. وَصُورَتُهُ اسْتَحَقَّ قَطْعَ رِجْلِهِ لِسَرِقَةٍ أَوْ قِصَاصٍ فَهَرَبَ وَصَارَ يَتَوَضَّأُ عَلَيْهَا ط (قَوْلُهُ وَالْخُرْقُ) بِضَمِّ الْخَاءِ: الْمَوْضِعُ، وَلَا يَصِحُّ هُنَا الْفَتْحُ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَلَا يُلَائِمُهُ الْوَصْفُ بِالْكَبِيرِ. ثُمَّ رَأَيْت ط نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فَافْهَمْ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِهِ مَا كَانَ تَحْتَ الْكَعْبِ، فَالْخُرْقُ فَوْقَهُ لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْكَعْبِ لَا عِبْرَةَ بِهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ بِمُوَحَّدَةٍ أَوْ مُثَلَّثَةٍ) أَيْ يَجُوزُ قِرَاءَةُ الْكَبِيرِ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ: أَيْ الَّتِي لَهَا نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ الْكَثِيرُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ الَّتِي لَهَا ثَلَاثُ نُقَطٍ، وَهَذَا بِالنَّظَرِ إلَى أَصْلِ الرِّوَايَةِ وَالسَّمَاعِ، وَإِلَّا فَالْمَرْسُومُ فِي الْمَتْنِ الْأَوَّلُ. وَفِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّهُ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْكَمَّ الْمُنْفَصِلَ تُسْتَعْمَلُ فِيهِ الْكَثْرَةُ وَالْقِلَّةُ، وَفِي الْمُتَّصِلِ الْكِبَرُ وَالصِّغَرُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخُفَّ كَمٌّ مُتَّصِلٌ. وَفِي الْمُغْرِبِ: الْكَثْرَةُ خِلَافُ الْقِلَّةِ، وَتُجْعَلُ عِبَارَةً عَنْ السَّعَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: الْخُرْقُ الْكَثِيرُ، وَمُفَادُهُ اسْتِعْمَالُ الْكَثْرَةِ فِي الْمُتَّصِلِ، وَكَأَنَّ الْكَثِيرَ الشَّائِعَ هُوَ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ وَهُوَ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ) يَعْنِي طُولًا وَعَرْضًا، بِأَنْ سَقَطَتْ جِلْدَةٌ مِقْدَارُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ وَعَرْضُهَا كَذَا فِي حَاشِيَةِ يَعْقُوبَ بَاشَا عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فَلْيُحْفَظْ. (قَوْلُهُ أَصَابِعِ الْقَدَمِ الْأَصَاغِرِ) صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَاعْتَبَرَ الْأَصَاغِرَ لِلِاحْتِيَاطِ. وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ اعْتِبَارُ أَصَابِعِ الْيَدِ بَحْرٌ، وَأَطْلَقَ الْأَصَابِعَ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهَا مَضْمُومَةً أَوْ مُفَرَّجَةً اخْتِلَافًا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِكَمَالِهَا) هُوَ الصَّحِيحُ، خِلَافًا لِمَا رَجَّحَهُ السَّرَخْسِيُّ مِنْ الْمَنْعِ بِظُهُورِ الْأَنَامِلِ وَحْدَهَا شَرْحُ الْمُنْيَةِ. وَالْأَنَامِلُ: رُءُوسُ الْأَصَابِعِ، وَهُوَ صَادِقٌ بِمَا إذَا كَانَتْ الْأَصَابِعُ تَخْرُجُ مِنْهُ بِتَمَامِهَا، لَكِنْ لَا يَبْلُغُ هُوَ قَدْرَهَا طُولًا وَعَرْضًا (قَوْلُهُ بِأَصَابِعَ مُمَاثِلَةٍ) أَيْ بِأَصَابِعِ شَخْصٍ غَيْرِهِ مُمَاثِلٍ لَهُ فِي الْقَدَمِ صِغَرًا وَكِبَرًا، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُمَاثَلَةِ أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ. وَرَدَّ عَلَى الْبَحْرِ اخْتِيَارَهُ الْقَوْلَ بِاعْتِبَارِ أَصَابِعِ نَفْسِهِ لَوْ قَائِمَةً عَلَى الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ أَصَابِعِ غَيْرِهِ لِتَفَاوُتِهَا فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، بِأَنَّ تَقْدِيمَ الزَّيْلَعِيِّ الْأَوَّلَ يُفِيدُ أَنَّ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلَ وَبِأَنَّهُ بَعْدَ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ لَا تَفَاوُتَ، وَبِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْمَوْجُودِ أَوْلَى. وَأَفَادَ ح أَنَّ مَا فِي النَّهْرِ يَرْجِعُ بَعْدَ التَّأَمُّلِ إلَى مَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَيَمْسَحُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْخُفِّ الْآخَرِ أَوْ الْجُرْمُوقِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأَعْلَى حَيْثُ لَمْ تَتَقَرَّرْ الْوَظِيفَةُ عَلَى الْأَسْفَلِ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ التَّقْدِيرُ بِالثَّلَاثِ الْأَصَاغِرِ. (قَوْلُهُ فَلَوْ عَلَيْهَا إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْقُيُودِ الثَّلَاثَةِ عَلَى سَبِيلِ النَّشْرِ الْمُرَتَّبِ (قَوْلُهُ اُعْتُبِرَ الثَّلَاثُ) أَيْ الَّتِي وَقَعَتْ فِي مُقَابَلَةِ الْخُرْقِ؛ لِأَنَّ كُلَّ أُصْبُعٍ أَصْلٌ فِي مَوْضِعِهَا فَلَا تُعْتَبَرُ بِغَيْرِهَا، حَتَّى لَوْ انْكَشَفَ الْإِبْهَامُ مَعَ جَارَتِهَا وَهُمَا قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ أَصْغَرِهَا يَجُوزُ الْمَسْحُ، وَإِنْ كَانَ مَعَ جَارَتَيْهَا لَا يَجُوزُ. اهـ زَيْلَعِيٌّ وَدُرَرٌ وَغَيْرُهُمَا، وَصَحَّحَهُ فِي التَّتِمَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 وَلَوْ عَلَيْهِ اُعْتُبِرَ بُدُوُّ أَكْثَرِهِ، وَلَوْ لَمْ يُرَ الْقَدْرُ الْمَانِعُ عِنْدَ الْمَشْيِ لِصَلَابَتِهِ لَمْ يُمْنَعْ وَإِنْ كَثُرَ كَمَا لَوْ انْفَتَقَتْ الظِّهَارَةُ دُونَ الْبِطَانَةِ (وَتُجْمَعُ الْخُرُوقُ فِي خُفٍّ) وَاحِدٍ (لَا فِيهِمَا) بِشَرْطِ أَنْ يَقَعَ فَرْضُهُ عَلَى الْخُفِّ نَفْسِهِ لَا عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ خَرْقٍ يَسِيرٍ. (وَأَقَلُّ خَرْقٍ يُجْمَعُ لِيَمْنَعَ) الْمَسْحَ الْحَالِيِّ وَالِاسْتِقْبَالِيّ كَمَا يُنْقَضُ الْمَاضَوِيُّ قُهُسْتَانِيٌّ. قُلْت: مَرَّ أَنَّ نَاقِضَ التَّيَمُّمِ يُمْنَعُ وَيُرْفَعُ كَنَجَاسَةٍ وَانْكِشَافٍ حَتَّى انْعِقَادَهَا كَمَا سَيَجِيءُ فَلْيُحْفَظْ (مَا تَدْخُلُ فِي الْمِسَلَّةِ لَا مَا دُونَهُ) إلْحَاقًا لَهُ بِمَوَاضِعِ الْخَرْزِ (بِخِلَافِ نَجَاسَةٍ) مُتَفَرِّقَةٍ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَيْهِ) أَيْ الْعَقِبِ اُعْتُبِرَ بُدُوُّ: أَيْ ظُهُورُ أَكْثَرِهِ، كَذَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْخُرْقُ تَحْتَ الْقَدَمِ اُعْتُبِرَ أَكْثَرُهُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ، وَنَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْغَايَةِ بِلَفْظِ قِيلَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ الْبَدَائِعِ اخْتِيَارُ اعْتِبَارِ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ كَمَا لَا يَخْفَى حَتَّى فِي الْعَقِبِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ السَّرَخْسِيِّ. وَالْقَدَمُ مِنْ الرِّجْلِ: مَا يَطَأُ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ مِنْ الرُّسْغِ إلَى مَا دُونَ ذَلِكَ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ. وَالْعَقِبُ: بِكَسْرِ الْقَافِ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ. اهـ (قَوْلُهُ عِنْدَ الْمَشْيِ) أَيْ عِنْدَ رَفْعِ الْقَدَمِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الصَّغِيرِ، سَوَاءٌ كَانَ لَا يُرَى عِنْد الْوَضْعِ عَلَى الْأَرْضِ أَيْضًا أَوْ يُرَى عِنْدَ الْوَضْعِ فَقَطْ، وأَمَّا بِالْعَكْسِ فِيهِمَا فَيُمْنَعُ، أَفَادَهُ ح، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ حَالُ الْمَشْيِ لَا حَالُ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ لِلْمَشْيِ يُلْبَسُ دُرَرٌ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ انْفَتَقَتْ الظِّهَارَةُ إلَخْ) بِأَنْ كَانَ فِي دَاخِلِهَا بِطَانَةٌ مِنْ جِلْدٍ أَوْ خِرْقَةٌ مَخْرُوزَةٌ بِالْخُفِّ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ زَيْلَعِيٌّ، وَقَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَتُجْمَعُ الْخُرُوقُ إلَخْ) اخْتَارَ فِي الْبَدَائِعِ بَحْثًا عَدَمَ الْجَمْعِ، وَقَوَّاهُ تِلْمِيذُهُ فِي الْحِلْيَةِ بِمُوَافَقَتِهِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ عَدَمِ الْجَمْعِ مُطْلَقًا، وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الْبَحْرِ؛ لَكِنْ ذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّ الْجَمْعَ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي النَّهْرِ: إطْبَاقُ عَامَّةِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ عَلَيْهِ مُؤْذِنٌ بِتَرْجِيحِهِ (قَوْلُهُ لَا فِيهِمَا) أَيْ لَوْ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُفَّيْنِ خُرُوقٌ غَيْرُ مَانِعَةٍ لَكِنْ إذَا جَمَعْتهَا تَكُونُ مِثْلَ الْقَدْرِ الْمَانِعِ لَا تَمْنَعُ وَيَصِحُّ الْمَسْحُ. اهـ ح (قَوْلُهُ بِشَرْطِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِصِحَّةِ الْمَسْحِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا قَوْلُهُ لَا فِيهِمَا كَمَا قَرَّرْنَاهُ أَفَادَهُ ح، وَهَذَا الشَّرْطُ اسْتِظْهَارٌ مِنْ صَاحِبِ الْحِلْيَةِ، وَنَقَلَ عِبَارَتَهُ فِي الْبَحْرِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ، وَلِظُهُورِ وَجْهِهِ جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ فَرْضُهُ) أَيْ فَرْضُ الْمَسْحِ، وَهُوَ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ (قَوْلُهُ عَلَى الْخُفِّ نَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ لَا عَلَى الرِّجْلِ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ كُلِّ رِجْلٍ لَا مِنْ الْخُفِّ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ الْمَسْحُ بِالثَّلَاثِ عَلَى الْمَحَلِّ الشَّاغِلِ لِلرِّجْلِ مِنْ الْخُفِّ لَا عَلَى الْمَحَلِّ الْخَالِي عَنْ الرِّجْلِ الزَّائِدَةِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ الْمَسْحَ الْحَالِيَّ) أَيْ الَّذِي يُرَادُ وُقُوعُهُ حَالًا؛ وَالِاسْتِقْبَالِيّ أَيْ الَّذِي يُرَادُ إيقَاعُهُ فِيمَا بَعْدَ الزَّمَنِ الْحَاضِرِ ط (قَوْلُهُ كَمَا يَنْقُضُ الْمَاضَوِيَّ) بِأَنْ عَرَضَ بَعْدَ الْمَسْحِ (قَوْلُهُ وَمَرَّ) أَيْ فِي التَّيَمُّمِ فِي قَوْلِهِ: كُلُّ مَانِعٍ مَنَعَ وُجُودُهُ التَّيَمُّمَ نَقَضَ وُجُودُهُ التَّيَمُّمَ (قَوْلُهُ أَنَّ نَاقِضَ التَّيَمُّمِ) أَيْ مَا يُبْطِلُهُ (قَوْلُهُ يُمْنَعُ وَيُرْفَعُ) أَيْ يُمْنَعُ وُقُوعُهُ فِي الْحَالِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ وَيُرْفَعُ الْوَاقِعُ قَبْلَهُ؛ فَالرَّفْعُ يَقْتَضِي الْوُجُودَ بِخِلَافِ الْمَنْعِ. وَحَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّ مُبْطِلَ التَّيَمُّمِ مِثْلُ الْخُرْقِ الْمُبْطِلِ لِلْمَسْحِ فِي أَنَّهُ يَمْنَعُهُ ابْتِدَاءً وَيَرْفَعُهُ انْتِهَاءً (قَوْلُهُ كَنَجَاسَةٍ) تَنْظِيرٌ لَا تَمْثِيلٌ ح. وَالْمَعْنَى أَنَّ النَّجَاسَةَ الْمَانِعَةَ تَمْنَعُ الصَّلَاةَ ابْتِدَاءً وَتَرْفَعُهَا عُرُوضًا وَمِثْلُهَا الِانْكِشَافُ ط (قَوْلُهُ حَتَّى انْعِقَادَهَا) أَيْ الصَّلَاةَ وَهُوَ مَنْصُوبٌ لِكَوْنِهِ مَعْطُوفًا بِحَتَّى عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ الْمُقَدَّرِ فِي الْكَلَامِ، تَقْدِيرُهُ: كَنَجَاسَةٍ وَانْكِشَافٍ فَإِنَّهُمَا يَمْنَعَانِ الصَّلَاةَ وَيَرْفَعَانِهَا حَتَّى انْعِقَادَهَا، وَالْمُرَادُ بِانْعِقَادِهَا التَّحْرِيمَةُ، وَإِنَّمَا غَيَّا بِالتَّحْرِيمَةِ لِمَا أَنَّهَا شَرْطٌ يَنْبَنِي عَلَى شَرْطِيَّتِهَا عَدَمُ اشْتِرَاطِ الشُّرُوطِ لَهَا لَكِنَّ الصَّحِيحَ اشْتِرَاطُ الشُّرُوطِ لَهَا لَا لِكَوْنِهَا رُكْنًا بَلْ لِشِدَّةِ اتِّصَالِهَا بِالْأَرْكَانِ كَمَا سَيَأْتِي ح، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ الِانْعِقَادَ الَّذِي هُوَ صِحَّةُ الشُّرُوعِ عَلَى التَّحْرِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِيهِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلتَّحْرِيمَةِ مَا يُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ ط (قَوْلُهُ الْمِسَلَّةُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ: الْإِبْرَةُ الْعَظِيمَةُ صِحَاحٌ (قَوْلُهُ إلْحَاقًا لَهُ) أَيْ لِمَا دُونَ الْمِسَلَّةِ بِمَوَاضِعِ الْخَرْزِ الَّتِي هِيَ مَعْفُوَّةٌ اتِّفَاقًا ط (قَوْلُهُ مُتَفَرِّقَةٍ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 (وَانْكِشَافُ عَوْرَةٍ) وَطِيبُ مُحْرِمٍ (وَأَعْلَامُ ثَوْبٍ مِنْ حَرِيرٍ) فَإِنَّهَا تُجْمَعُ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ وَاخْتُلِفَ فِي) جَمْعِ خُرُوقِ (أُذُنَيْ أُضْحِيَّةٍ) وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْجَمْعِ احْتِيَاطًا (وَنَاقِضُهُ نَاقِضُ الْوُضُوءِ) ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُهُ (وَنَزْعُ خُفٍّ) وَلَوْ وَاحِدًا (وَمُضِيُّ) الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَمْسَحْ (إنْ لَمْ يَخْشَ) بِغَلَبَةِ الظَّنِّ (وَذَهَابُ رِجْلِهِ مِنْ بَرْدٍ)   [رد المحتار] أَيْ فِي خُفٍّ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ بَدَنٍ أَوْ مَكَان أَوْ فِي الْمَجْمُوعِ ح (قَوْلُهُ وَانْكِشَافُ عَوْرَةٍ) فَإِنَّهُ إذَا تَعَدَّدَ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا، فَإِنْ بَلَغَ رُبُعَ أَدْنَاهَا مَنَعَ كَمَا سَيَأْتِي أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ وَطِيبُ مُحْرِمٍ) فَإِنَّهُ يُجْمَعُ فِي أَكْثَرِ مِنْ عُضْوٍ بِالْأَجْزَاءِ حَتَّى يَبْلُغَ عُضْوًا كَمَا سَيَأْتِي ح (قَوْلُهُ وَأَعْلَامُ ثَوْبٍ) أَيْ إذَا كَانَ فِي عَرْضِ الثَّوْبِ أَعْلَامٌ مِنْ حَرِيرٍ تُجْمَعُ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى أَرْبَعِ أَصَابِعَ تَحْرُمُ، لَكِنْ سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي فَصْلِ اللُّبْسِ مِنْ كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ عَدَمُ جَمْعِ الْمُتَفَرِّقِ، فَذِكْرُ أَعْلَامِ الثَّوْبِ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهَا) أَيْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ تُجْمَعُ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ التَّفَرُّقُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَوَاضِعَ ح وَذَلِكَ لِوُجُودِ الْقَدْرِ الْمَانِعِ. وَأَمَّا الْخَرْقُ فِي الْخُفِّ فَإِنَّمَا مَنَعَ لِامْتِنَاعِ قَطْعِ الْمَسَافَةِ مَعَهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي كُلِّ خُفٍّ مِقْدَارُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ (وَاخْتُلِفَ إِلَخْ) فَقِيلَ تُجْمَعُ فِي أُذُنَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَ أَكْثَرَ أُذُنٍ وَاحِدَةٍ فَيَمْنَعُ، وَقِيلَ لَا تُجْمَعُ إلَّا فِي أُذُنٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فِي الْخُفِّ ح (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ) قَالَهُ فِي الْمِنَحِ [مَطْلَبٌ نَوَاقِضُ الْمَسْحِ] ِ (قَوْلُهُ وَنَزْعُ خُفٍّ) أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الِانْتِزَاعَ، وَإِنَّمَا نَقَضَ لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ عِنْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَاحِدًا) ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاضَ لَا يَتَجَزَّأُ، وَإِلَّا لَزِمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ، وَأَشَارَ إلَى الْمُرَادِ بِالْخُفِّ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ (قَوْلُهُ وَمُضِيُّ الْمُدَّةِ) لِلْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّوْقِيتِ. ثُمَّ إنَّ النَّاقِضَ فِي هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ حَقِيقَةً هُوَ الْحَدَثُ السَّابِقُ، لَكِنْ لِظُهُورِهِ عِنْدَهُمَا أُضِيفَ النَّقْضُ إلَيْهِمَا مَجَازًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَمْسَحْ) أَيْ إذَا لَبِسَ الْخُفَّ ثُمَّ أَحْدَثَ بَعْدَهُ ثُمَّ مَضَتْ الْمُدَّةُ بَعْدَ الْحَدَثِ وَلَمْ يَمْسَحْ فِيهَا لَيْسَ لَهُ الْمَسْحُ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَخْشَ إلَخْ) يَعْنِي إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ وَهُوَ مُسَافِرٌ وَيَخَافُ ذَهَابَ رِجْلِهِ مِنْ الْبَرْدِ لَوْ نَزَعَ خُفَّيْهِ جَازَ الْمَسْحُ، كَذَا فِي الْكَافِي وَعُيُونِ الْمَذَاهِبِ. اهـ. دُرَرٌ. قَالَ ح: وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ خَشِيَ لَا يُنْتَقَضُ بِالْمُضِيِّ، بَلْ إنْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَتَوَضَّأَ يَعُمُّهُمَا بِالْمَسْحِ كَالْجَبِيرَةِ، وَعَدَمُ الِانْتِقَاضِ بِالْمُضِيِّ مَعَ الْخَوْفِ فِي هَذِهِ نَظِيرُ عَدَمِ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ الَّذِي هُوَ الْأَصَحُّ فِي مَسْأَلَةِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ. اهـ. أَقُولُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يُحْدِثْ يَبْقَى حُكْمُ مَسْحِهِ السَّابِقِ فَلَا يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُ الْمَسْحِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَسْأَلَةُ الصَّلَاةِ الْآتِيَةِ حَيْثُ يَمْضِي فِيهَا، وَكَذَا مَا فِي السِّرَاجِ عَنْ الْوَجِيزِ: إذَا انْقَضَتْ، لَكِنْ فِي الْمِعْرَاجِ: لَوْ مَضَتْ وَهُوَ يَخَافُ الْبَرْدِ عَلَى رِجْلِهِ يَسْتَوْعِبُهُ بِالْمَسْحِ كَالْجَبَائِرِ وَيُصَلِّي، وَعَلَيْهِ فَعَدَمُ الِانْتِقَاضِ الْمَفْهُومُ مِنْ الْمَتْنِ مَعْنَاهُ عَدَمُ لُزُومِ الْغَسْلِ وَجَوَازُ الْمَسْحِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَا يُنَافِي حُكْمَ الْمَسْحِ السَّابِقِ، وَهَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ عِبَارَةِ الدُّرَرِ الْمَارَّةِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ فِيمَا إذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ وَهُوَ مُتَوَضِّئٌ وَخَافَ إنْ نَزَعَ الْخُفَّ لِغَسْلِ رِجْلَيْهِ مِنْ الْبَرْدِ وَإِلَّا أَشْكَلَ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَافَ عَلَى رِجْلَيْهِ يَلْزَمُ مِنْهُ الْخَوْفُ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ فَإِنَّهَا أَلْطَفُ مِنْ الرِّجْلَيْنِ، وَإِذَا خَافَ ذَلِكَ يَكُونُ عَاجِزًا عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَيَلْزَمُهُ الْعُدُولُ إلَى التَّيَمُّمِ بَدَلًا عَنْ الْوُضُوءِ بِتَمَامِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَسْحِ الْخُفِّ أَصْلًا مَعَ التَّيَمُّمِ حَيْثُ تَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ الْمُبِيحَةُ لَهُ، إلَّا أَنْ يُجَابَ عَنْ الْإِشْكَالِ بِأَنَّهُمْ بَنَوْا ذَلِكَ عَلَى مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لِأَجْلِ الْوُضُوءِ وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ فِي بَابِهِ فَرَاجِعْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 لِلضَّرُورَةِ، فَيَصِيرُ كَالْجَبِيرَةِ فَيَسْتَوْعِبُهُ بِالْمَسْحِ وَلَا يَتَوَقَّفُ، وَلِذَا قَالُوا: لَوْ تَمَّتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ وَلَا مَاءَ مَضَى فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ تَفْسُدُ وَيَتَيَمَّمُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ (وَبَعْدَهُمَا) أَيْ النَّزْعِ وَالْمُضِيِّ (غَسَلَ الْمُتَوَضِّئُ رِجْلَيْهِ لَا غَيْرُ) لِحُلُولِ الْحَدَثِ السَّابِقِ قَدَمَيْهِ إلَّا لِمَانِعٍ كَبَرْدٍ فَيَتَيَمَّمُ حِينَئِذٍ (وَخُرُوجُ أَكْثَرِ قَدَمَيْهِ) مِنْ الْخُفِّ الشَّرْعِيِّ وَكَذَا إخْرَاجُهُ (نُزِعَ)   [رد المحتار] هَذَا، وَقَالَ ح أَيْضًا: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ انْتِقَاضُ الْمَسْحِ بِالْمُضِيِّ وَاسْتِئْنَافُ مَسْحٍ آخَرَ يَعُمُّ الْخُفَّ كَالْجَبَائِرِ؛ وَهُوَ الَّذِي حَقَّقَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. اهـ. أَقُولُ: الَّذِي حَقَّقَهُ فِي الْبَدَائِعِ بَحْثًا لُزُومُ التَّيَمُّمِ دُونَ الْمَسْحِ فَإِنَّهُ بَعْدَ مَا نَقَلَ عَنْ جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَالْمُحِيطِ أَنَّهُ إنْ خَافَ الْبَرْدَ فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ مُطْلَقًا أَيْ بِلَا تَوْقِيتٍ. قَالَ مَا نَصُّهُ: فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ خَوْفَ الْبَرْدِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي مَنْعِ السِّرَايَةِ، كَمَا أَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ لَا يَمْنَعُهَا، فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَا يَنْزِعُ، لَكِنْ لَا يَمْسَحُ بَلْ يَتَيَمَّمُ لِخَوْفِ الْبَرْدِ. اهـ وَأَقَرَّهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَأَطْنَبَ فِي حُسْنِهِ؛ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي انْتِقَاضِ الْمَسْحِ لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ، فَلَا يُصَلِّي بِهِ إلَّا بَعْدَ التَّيَمُّمِ لَا الْمَسْحِ، وَلَكِنَّ الْمَنْقُولَ هُوَ الْمَسْحُ لَا التَّيَمُّمُ كَمَا مَرَّ عَنْ الْكَافِي وَعُيُونِ الْمَذَاهِبِ وَالْجَوَامِعِ وَالْمُحِيطِ، وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ وَقَاضِي خَانْ وَالْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْخُلَاصَةِ، وَكَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْوَلْوَالِجِيَّة وَالسِّرَاجِ عَنْ الْمُشْكِلِ، وَكَذَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ أَيْضًا فِي الْمِعْرَاجِ وَالْحَاوِي الْقُدْسِيِّ بِزِيَادَةِ جَعْلِهِ كَالْجَبِيرَةِ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْإِمْدَادِ. وَقَدْ قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ: لَا عِبْرَةَ بِأَبْحَاثِ شَيْخِنَا يَعْنِي ابْنَ الْهُمَامِ إذَا خَالَفَتْ الْمَنْقُولَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِلضَّرُورَةِ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ النَّقْضِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَخْشَ (قَوْلُهُ فَيَسْتَوْعِبُهُ) أَيْ عَلَى مَا هُوَ الْأَوْلَى أَوْ أَكْثَرَهُ، وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ مُسَمَّى الْجَبِيرَةِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ. اهـ فَتْحٌ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ مُفَادَ مَا فِي الْمِعْرَاجِ الِاسْتِيعَابُ، وَأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْجَبَائِرِ لَا جَبِيرَةٌ حَقِيقَةً. اهـ أَيْ فَالْمُرَادُ بِتَشْبِيهِهِ بِالْجَبِيرَةِ بِالِاسْتِيعَابِ لِمَنْعِ كَوْنِهِ مَسْحَ خُفٍّ لَا أَنَّهُ جَبِيرَةٌ حَقِيقَةً لِيَجُوزَ مَسْحُ أَكْثَرِهِ (قَوْلُهُ مَضَى فِي الْأَصَحِّ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي النَّزْعِ؛ لِأَنَّهُ لِلْغَسْلِ اهـ وَعَلَى هَذَا فَالْمُسْتَثْنَى مِنْ النَّقْضِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ مَسْأَلَتَانِ: وَهُمَا إذَا خَافَ الْبَرْدَ أَوْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا مَاءَ كَمَا فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ لَا يَصْلُحُ مَنْعًا لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ فَيَتَيَمَّمُ مَآلًا لِلرِّجْلَيْنِ بَلْ لِلْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَا يَتَجَزَّأُ كَمَنْ غَسَلَ ابْتِدَاءً الْأَعْضَاءَ إلَّا رِجْلَيْهِ وَفَنِيَ الْمَاءُ فَيَتَيَمَّمُ لِلْحَدَثِ الْقَائِمِ بِهِ فَإِنَّهُ عَلَى حَالِهِ مَا لَمْ يَتِمَّ الْكُلُّ وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَهُوَ تَحْقِيقٌ حَسَنٌ فَرَّعَ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ مَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، لَكِنْ عَلِمْت الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ صِحَّةُ التَّيَمُّمِ فِي الْوُضُوءِ لِخَوْفِ الْبَرْدِ، أَمَّا هُنَا فَإِنَّهُ لِفَقْدِ الْمَاءِ وَهُوَ جَائِزٌ بِخِلَافِهِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ غَسَلَ الْمُتَوَضِّئُ رِجْلَيْهِ لَا غَيْرُ) يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَحَبَّ غَسْلُ الْبَاقِي أَيْضًا، مُرَاعَاةً لِلْوِلَاءِ الْمُسْتَحَبِّ، وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَالِكٍ كَمَا قَالَهُ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ وَسَبَقَهُ إلَى هَذَا فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ، ثُمَّ رَأَيْته فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الْخُلَاصَةِ مُصَرِّحًا بِأَنَّ الْأَوْلَى إعَادَتُهُ (قَوْلُهُ لِحُلُولِ الْحَدَثِ السَّابِقِ) أَوْرَدَ أَنَّهُ لَا حَدَثَ مَوْجُودٌ حَتَّى يَسْرِيَ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ حَلَّ بِالْخُفِّ وَبِالْمَسْحِ قَدْ زَالَ، وَلَا يَعُودُ إلَّا بِخَارِجٍ نَجِسٍ وَنَحْوِهِ. وَأُجِيبَ بِجَوَازِ أَنْ يَعْتَبِرَ الشَّارِعُ ارْتِفَاعَهُ بِمَسْحِ الْخُفِّ مُقَيَّدًا بِمُدَّةِ مَنْعِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَيَتَيَمَّمُ) مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَعَلِمْت مَا فِيهِ، عَلَى أَنَّ الشَّارِحَ مَشَى أَوَّلًا عَلَى خِلَافِهِ حَيْثُ أَلْحَقهُ بِالْجَبِيرَةِ (قَوْلُهُ مِنْ الْخُفِّ الشَّرْعِيِّ) أَيْ الَّذِي اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ لَازِمًا بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى أَنْقَصَ مِنْهُ وَهُوَ السَّاتِرُ لِلْكَعْبَيْنِ فَقَطْ. قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: فَالسَّبْقُ خَارِجٌ عَنْ حَدِّ الْخُفِّ الْمُعْتَبَرِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَخُرُوجُ الْقَدَمِ إلَيْهِ خُرُوجٌ عَنْ الْخُفِّ (قَوْلُهُ وَكَذَا إخْرَاجُهُ) تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ مِنْ الْخُرُوجِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي الْإِخْرَاجِ خُرُوجًا مَعَ زِيَادَةٍ وَهِيَ الْقَصْدُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 فِي الْأَصَحِّ اعْتِبَارًا لِلْأَكْثَرِ وَلَا عِبْرَةَ بِخُرُوجِ عَقِبِهِ وَدُخُولِهِ؛ وَمَا رُوِيَ مِنْ النَّقْضِ بِزَوَالِ عَقِبِهِ فَمُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ بِنِيَّةِ نَزْعِ الْخُفِّ؛ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ: أَيْ زَوَالُ عَقِبِهِ بِنِيَّتِهِ بَلْ لِسَعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا يُنْقَضُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْبُرْجَنْدِيِّ مَعْزِيًّا لِلنِّهَايَةِ وَكَذَا الْقُهُسْتَانِيُّ. لَكِنْ بِاخْتِصَارٍ، حَتَّى زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ خَرْقُ الْإِجْمَاعِ فَتَنَبَّهْ. (وَيُنْتَقَضُ) أَيْضًا (بِغَسْلِ أَكْثَرِ الرِّجْلِ فِيهِ) لَوْ دَخَلَ الْمَاءُ خُفَّهُ وَصَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. (وَقِيلَ لَا) يُنْتَقَضُ وَإِنْ بَلَغَ الْمَاءُ الرُّكْبَةَ (وَهُوَ الْأَظْهَرُ) كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ؛ لِأَنَّ اسْتِتَارَ الْقَدَمِ بِالْخُفِّ يَمْنَعُ سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الرِّجْلِ، فَلَا يَقَعُ هَذَا غَسْلًا مُعْتَبَرًا، فَلَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْمَسْحِ نَهْرٌ، فَيَغْسِلُهُمَا ثَانِيًا بَعْدَ الْمُدَّةِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَبِهِ جَزَمَ فِي الْكَنْزِ وَالْمُنْتَقَى. وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ نَقَضَ وَإِلَّا لَا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ كَافِي وَمِعْرَاجٌ، وَصَحَّحَهُ فِي النِّصَابِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا لِلْأَكْثَرِ) أَيْ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْكُلِّ (قَوْلُهُ وَمَا رُوِيَ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ بِزَوَالِ عَقِبِهِ) أَيْ خُرُوجِهِ مِنْ الْخُفِّ إلَى السَّاقِ، وَالْمُرَادُ أَكْثَرُ الْعَقِبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُنْيَةِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ مَعَهُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ (قَوْلُهُ فَمُقَيَّدٌ إلَخْ) أَيْ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِخُرُوجِ عَقِبِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ خُرُوجُهُ بِنَفْسِهِ بِلَا قَصْدٍ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَرْوِيِّ الْإِخْرَاجُ. (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرِهَا) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا كَانَ غَيْرَ وَاسِعٍ لَكِنْ أَخْرَجَهُ غَيْرُهُ أَوْ هُوَ فِي نَوْمِهِ (قَوْلُهُ فَلَا يُنْقَضُ بِالْإِجْمَاعِ) وَإِلَّا وَقَعَ النَّاسُ فِي الْحَرَجِ الْبَيِّنِ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْقُهُسْتَانِيُّ) أَيْ وَكَذَا يُعْلَمُ مِنْ الْقُهُسْتَانِيِّ مَعْزِيًّا لِلنِّهَايَةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ لَكِنْ بِاخْتِصَارٍ) نَصُّ عِبَارَتِهِ: هَذَا كُلُّهُ إذَا بَدَا لَهُ أَنْ يَنْزِعَ الْخُفَّ فَيُحَرِّكَهُ بِنِيَّتِهِ، وَأَمَّا إذَا زَالَ لِسَعَةٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يُنْتَقَضُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ أَنَّهُ) أَيْ الْقُهُسْتَانِيُّ خَرَقَ الْإِجْمَاعَ أَيْ بِسَبَبِ اخْتِصَارِهِ ط أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ النَّقْضَ بِمُجَرَّدِ التَّحْرِيكِ بِنِيَّتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا نَقْضَ، مَا لَمْ يَخْرُجْ الْعَقِبُ أَوْ أَكْثَرُهُ إلَى السَّاقِ بِنِيَّتِهِ. وَأَمَّا إرْجَاعُ الضَّمِيرِ فِي أَنَّهُ إلَى الْقَوْلِ بِالنَّقْضِ بِخُرُوجِ الْعَقِبِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ فَلَا يُنَاسِبُهُ التَّعْبِيرُ بِالزَّعْمِ؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الشَّارِحِ فَلَا يُنْقَضُ بِالْإِجْمَاعِ وَيَلْزَمُهُ التَّكْرَارُ أَيْضًا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى مَا رُوِيَ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ حَتَّى زَعَمَ بَعْضُهُمْ غَايَةٌ لِقَوْلِهِ فَمُقَيَّدٌ، وَعِبَارَتُهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى هَكَذَا حَتَّى زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ خَرَقَ الْإِجْمَاعَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ مِنْ الْحُسْنِ وَالِاحْتِيَاطِ بِمَكَانٍ؛ إذْ مُلَخَّصُهُ أَنَّ خُرُوجَ أَكْثَرِ الْقَدَمِ نَاقِضٌ كَإِخْرَاجِهِ، وَإِخْرَاجُ أَكْثَرِ الْعَقِبِ نَاقِضٌ لَا خُرُوجُهُ، فَهُوَ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ نَاقِضٌ آخَرُ فَتَدَبَّرْ. اهـ أَيْ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالنَّقْضِ بِأَكْثَرِ الْعَقِبِ يَلْزَمُ مِنْهُ الْقَوْلُ بِالنَّقْضِ بِأَكْثَرِ الْقَدَمِ. (قَوْلُهُ لَوْ دَخَلَ الْمَاءُ خُفَّهُ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَدْخَلَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ كَمَا أَفَادَهُ ح وَقَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ) كَصَاحِبِ الذَّخِيرَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي نُورِ الْإِيضَاحِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ) ضَعِيفٌ تَبِعَ فِي الْبَحْرِ، وَقَدَّمْنَا رَدَّهُ أَوَّلَ الْبَابِ ح، وَنَصَّ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَيْضًا عَلَى ضَعْفِهِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ مُخْتَارُ أَصْحَابِ الْمُتُونِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ فِي النَّوَاقِضِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُتُونَ لَا يُذْكَرُ فِيهَا إلَّا أَصْلُ الْمَذْهَبِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ تَخْرِيجَاتِ الْمَشَايِخِ وَاحْتِمَالُ كَوْنِهَا مِنْ اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ لَا يَكْفِي فِي جَعْلِهَا مِنْ مَسَائِلِ الْمُتُونِ، نَعَمْ اخْتَارَ فِي الْبَدَائِعِ هَذَا الْقَوْلَ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ التَّعْلِيلِ وَتَبِعَهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي الْحِلْيَةِ، وَقَوَّاهُ بِأَنَّهُ نَظِيرُ مَا لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْجُرْمُوقَيْنِ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوُقُوعِ الْمَسْحِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَدَثِ (قَوْلُهُ فَيَغْسِلُهُمَا ثَانِيًا) تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَبَيَانٌ لِثَمَرَةِ الْخِلَافِ، وَقَدْ عَلِمْت اخْتِيَارَ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ لِهَذَا الْقَوْلِ، لَكِنْ وَافَقَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ بِعَدَمِ لُزُومِ الْغَسْلِ ثَانِيًا، وَخَالَفَهُ فِي الْحِلْيَةِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ النَّزْعِ يَعْمَلُ الْحَدَثُ السَّابِقُ عَمَلَهُ فَيَحْتَاجُ إلَى مُزِيلٍ؛ لِأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 أَوْ النَّزْعُ كَمَا مَرَّ. وَبَقِيَ مِنْ نَوَاقِضِهِ الْخَرْقُ، وَخُرُوجُ الْوَقْتِ لِلْمَعْذُورِ. (مَسَحَ مُقِيمٌ) بَعْدَ حَدَثِهِ (فَسَافَرَ قَبْلَ تَمَامِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) فَلَوْ بَعْدَهُ نَزَعَ (مَسَحَ ثَلَاثًا، وَلَوْ أَقَامَ مُسَافِرٌ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ مُقِيمٍ نَزَعَ وَإِلَّا أَتَمَّهَا) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِيمًا. (وَحُكْمُ مَسْحِ جَبِيرَةٍ) هِيَ عِيدَانٌ يُجْبَرُ بِهَا الْكَسْرُ (وَخِرْقَةُ قُرْحَةٍ وَمَوْضِعُ فَصْدٍ) وَكَيٍّ (وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَعِصَابَةِ جِرَاحَةٍ وَلَوْ بِرَأْسِهِ   [رد المحتار] الْغَسْلَ السَّابِقَ لَا يَعْمَلُ فِي حَدَثٍ طَارِئٍ بَعْدَهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْغَسْلَ السَّابِقَ وُجِدَ بَعْدَ حَدَثٍ حَقِيقَةً، لَكِنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَعْمَلْ لِلْمَنْعِ وَهُوَ الْخُفُّ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ ظَهَرَ عَمَلُهُ الْآنَ تَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] تَظْهَرُ الثَّمَرَةُ أَيْضًا فِي أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ دَاخِلَ الْخُفَّيْنِ وَلَمْ يَنْزِعْهُمَا تُحْسَبُ لَهُ مُدَّةُ الْمَسْحِ مِنْ أَوَّلِ حَدَثٍ بَعْدَ هَذَا الْوُضُوءِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَتُحْسَبُ لَهُ مِنْ أَوَّلِ حَدَثٍ بَعْدَ الْوُضُوءِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ إنَّ هَذَا الْغَسْلَ حَيْثُ لَمْ يَقَعْ مُعْتَبَرًا كَانَ لَغْوًا بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ، فَصَارَ نَظِيرَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَغْسِلْ وَنَزَعَ أَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ غَسَلَ رِجْلَيْهِ لَا غَيْرُ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ يَغْسِلُهُمَا إنْ لَمْ يَخْشَ ذَهَابَ رِجْلِهِ مِنْ بَرْدٍ كَمَا مَرَّ، فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَبَقِيَ مِنْ نَوَاقِضِهِ الْخَرْقُ إلَخْ) قَدْ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ سَابِقًا، حَيْثُ قَالَ فِي الْخُرْقِ كَمَا يَنْقُضُ الْمَاضَوِيُّ، وَقَالَ فِي الْمَعْذُورِ: فَإِنَّهُ يَمْسَحُ فِي الْوَقْتِ فَقَطْ، لَكِنَّ ذَاكَ اسْتِطْرَادٌ، فَلِذَا أَعَادَ ذِكْرَهُمَا فِي مَحَلِّهِمَا لِتَسْهِيلِ ضَبْطِ النَّوَاقِضِ وَأَنَّهَا بَلَغَتْ سِتَّةً فَافْهَمْ، نَعَمْ أَوْرَدَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ أَنَّ خُرُوجَ الْوَقْتِ لِلْمَعْذُورِ نَاقِضٌ لِوُضُوئِهِ كُلِّهِ لَا لِمَسْحِهِ فَقَطْ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي نَاقِضِ الْوُضُوءِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمَعْذُورِ رُبَاعِيَّةٌ فَلَا تَغْفُلْ. [تَتِمَّةٌ] فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْأَمَالِي فِيمَنْ أَحْدَثَ وَعَلَى بَعْضِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ جَبَائِرُ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَهَا ثُمَّ تَخَفَّفَ ثُمَّ بَرِئَ لَزِمَهُ غَسْلُ قَدَمَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يُحْدِثْ بَعْدَ لُبْسِهِ الْخُفَّ حَتَّى بَرِئَ وَأَلْقَى الْجَبَائِرَ وَغَسَلَ مَوْضِعَهَا ثُمَّ أَحْدَثَ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ. اهـ أَيْ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى ظَهَرَ حُكْمُ الْحَدَثِ السَّابِقِ، فَلَمْ يَكُنْ لَابِسَ الْخُفِّ عَلَى طَهَارَةٍ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ، وَيَنْبَغِي عَدُّ هَذَا مِنْ النَّوَاقِضِ فَتَصِيرُ سَبْعَةً (قَوْلُهُ مَسَحَ مُقِيمٌ) قَيَّدَ بِمَسْحِهِ لَا لِلِاحْتِرَازِ زَعْمًا إذَا سَافَرَ الْمُقِيمُ قَبْلَ الْمَسْحِ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْأَوْلَى، بَلْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ بَعْدَ حَدَثِهِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ مَسَحَ لِتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ (قَوْلُهُ فَسَافَرَ) بِأَنْ جَاوَزَ الْعُمْرَانَ مَرِيدًا لَهُ نَهْرٌ، وَفِيهِ مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ فَلَوْ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ التَّمَامِ نَزَعَ وَتَوَضَّأَ إنْ كَانَ مُحْدِثًا، وَإِلَّا غَسَلَ رِجْلَيْهِ فَقَطْ ط (قَوْلُهُ مَسَحَ ثَلَاثًا) أَيْ تَمَّمَ مُدَّةَ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُؤَقَّتَ يُعْتَبَرُ فِيهِ آخِرُ الْوَقْتِ مُلْتَقًى وَشَرْحُهُ (قَوْلُهُ قُرْحَةٍ) بِمَعْنَى الْجِرَاحَةِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَقَدْ يُرَادُ بِهَا مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَدَنِ مِنْ بُثُورٍ، وَفِي الْقَافِ الضَّمُّ وَالْفَتْحُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَمَوْضِعِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى قُرْحَةٍ ط (قَوْلُهُ كَعِصَابَةِ جِرَاحَةٍ) الْعِصَابَةُ بِالْكَسْرِ مَا يُعْصَبُ بِهِ، وَكَأَنَّهُ خَصَّ الْقُرْحَةَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي، أَوْ أَرَادَ بِخِرْقَتِهَا مَا يُوضَعُ عَلَيْهَا كَاللَّزْقَةِ فَلَا تَكْرَارَ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ بِرَأْسِهِ) خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِمَا فِي الْمُبْتَغَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ وَلَا بَدَلَ لَهُ. اهـ. وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الرَّأْسِ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لَا بَدَلٌ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ مِنْ الرَّأْسِ مَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ مَسَحَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْعِصَابَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. أَقُولُ: قَوْلُهُ وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ يُفِيدُ أَنَّ كَلَامَ الْمُبْتَغَى خَطَأٌ أَيْ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ مَعْنَى الْبَدَلِيَّةِ وَهُوَ بَعِيدٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْمُبْتَغَى؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ إلَخْ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ بَدَلٌ مِنْ الْغَسْلِ، وَإِذَا وَجَبَ مَسْحُ الْجَبِيرَةِ عَلَى الرَّأْسِ الَّذِي وَظِيفَتُهُ الْمَسْحُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ بَدَلًا عَنْ الْمَسْحِ لَا عَنْ الْغَسْلِ، وَالْمَسْحُ لَا بَدَلَ لَهُ؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 (كَغَسْلٍ لِمَا تَحْتَهَا) فَيَكُونُ فَرْضًا يَعْنِي عَمَلِيًّا لِثُبُوتِهِ بِظَنِّيٍّ، وَهَذَا قَوْلُهُمَا، وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْإِمَامُ خُلَاصَةٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى شَرْحُ مَجْمَعٍ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ لَفْظَ الْفَتْوَى آكَدُ فِي التَّصْحِيحِ مِنْ الْمُخْتَارِ وَالْأَصَحُّ وَالصَّحِيحُ.   [رد المحتار] فَالْمُنَاسِبُ حِينَئِذٍ قَوْلُ النَّهْرِ: إنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ يُفِيدُ تَرْجِيحَ الْوُجُوبِ، وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ. اهـ. أَيْ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ قَوْلِهِ الْمَسْحُ بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ، وَقَدْ أَوْضَحَ مَعْنَى الْبَدَلِيَّةِ فِي الْبَحْرِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ فَيَكُونُ فَرْضًا) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَضُرَّهُ كَمَا سَيَأْتِي. مَطْلَبٌ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْضِ الْعَمَلِيِّ وَالْقَطْعِيِّ وَالْوَاجِبِ (قَوْلُهُ يَعْنِي عَمَلِيًّا) دَفْعٌ لِمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ التَّشْبِيهِ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ فَرْضٌ قَطْعِيٌّ، وَالْفَرْضُ الْعَمَلِيُّ مَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ كَمَسْحِ رُبُعِ الرَّأْسِ، وَهُوَ أَقْوَى نَوْعَيْ الْوَاجِبِ، فَهُوَ فَرْضٌ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ، وَيَلْزَمُ عَلَى تَرْكِهِ مَا يَلْزَمُ عَلَى تَرْكِهِ الْفَرْضَ مِنْ الْفَسَادِ لَا مِنْ جِهَةِ الْعِلْمِ وَالِاعْتِقَادِ، فَلَا يُكَفَّرُ بِجَحْدِهِ كَمَا يُكَفَّرُ بِجَحْدِ الْفَرْضِ الْقَطْعِيِّ؛ بِخِلَافِ النَّوْعِ الْآخَرِ مِنْ الْوَاجِبِ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِهِ الْفَسَادُ وَلَا مِنْ جُحُودِهِ الْإِكْفَارُ (قَوْلُهُ لِثُبُوتِهِ بِظَنِّيٍّ) وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ «عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: انْكَسَرَتْ إحْدَى زَنْدَيَّ فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَنِي أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ» وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَيَتَقَوَّى بِعِدَّةِ طُرُقٍ، وَيَكْفِي مَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْعِصَابَةِ " فَإِنَّهُ كَالْمَرْفُوعِ؛ لِأَنَّ الْأَبْدَالَ لَا تُنَصَّبُ بِالرَّأْيِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْإِمَامُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْمَجْمَعِ ذَكَرَ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُ وَاجِبٌ عِنْدَهُمَا، وَقِيلَ وَاجِبٌ عِنْدَهُ فَرْضٌ عِنْدَهُمَا، وَقِيلَ: الْوُجُوبُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَلَا الصَّلَاةُ بِدُونِهِ عِنْدَهُمَا. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عِنْدَهُ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ، فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ، وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي التَّجْرِيدِ وَالْغَايَةِ وَالتَّجْنِيسِ وَغَيْرِهَا. وَلَا يَخْفَى أَنَّ صَرِيحَ ذَلِكَ فَرْضٌ أَيْ عَمَلِيٌّ عِنْدَهُمَا وَاجِبٌ عِنْدَهُ، فَقَدْ اتَّفَقَ الْإِمَامُ وَصَاحِبَاهُ عَلَى الْوُجُوبِ بِمَعْنَى عَدَمِ جَوَازِ التَّرْكِ، لَكِنْ عِنْدَهُمَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ أَيْضًا، وَعِنْدَهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ فَقَطْ مَعَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِدُونِهِ، وَوُجُوبُ إعَادَتِهَا، فَهُوَ أَرَادَ الْوُجُوبَ الْأَدْنَى، وَهُمَا أَرَادَا الْوُجُوبَ الْأَعْلَى. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا بَعْدَ جَوَازِ التَّرْكِ فَقَيَّدَ بِعَدَمِ جَوَازِ التَّرْكِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَى قَوْلِهِمَا بِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِتَرْكِهِ أَيْضًا، فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ مَعَ تَصْحِيحِ أَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ لَا فَرْضٌ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَقِيلَ: الْوُجُوبُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مَعْنَاهُ عَدَمُ جَوَازِ التَّرْكِ لِرُجُوعِ الْإِمَامِ عَنْ الِاسْتِحْبَابِ إلَيْهِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْوُجُوبِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. ثُمَّ رَأَيْت نُوحًا أَفَنْدِي نَقَلَهُ عَنْ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِقَوْلِهِ: مَعْنَى الْوُجُوبِ مُخْتَلَفٌ؛ فَعِنْدَهُ يَصِحُّ الْوُضُوءُ بِدُونِهِ وَعِنْدَهُمَا هُوَ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ. اهـ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْفَرِيدَ، فَقَدْ خَفِيَ عَلَى الشَّارِحِ وَالْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ وَصَاحِبِ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهِمْ فَافْهَمْ. هَذَا، وَقَدْ رَجَّحَ فِي الْبَدَائِعِ قَوْلَ الْإِمَامِ بِأَنَّهُ غَايَةُ مَا يُفِيدُهُ الْوَارِدُ فِي الْمَسْحِ عَلَيْهَا، فَعَدَمُ الْفَسَادِ بِتَرْكِهِ أَقْعَدُ بِالْأُصُولِ. اهـ لَكِنْ قَالَ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي حَوَاشِيهِ إنَّ قَوْلَهُ أَقْعَدُ بِالْأُصُولِ وَقَوْلَهُمَا أَحْوَطُ. وَقَالَ فِي الْعُيُونِ: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. اهـ (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ مِنْ تَصْحِيحِ أَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ لَا فَرْضٌ حَتَّى تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ: أَيْ إنَّ هَذَا التَّصْحِيحَ لَا يُعَارِضُ لَفْظَ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فُهِمَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنْ اتِّحَادِ مَعْنَى الْوُجُوبِ فِي عِبَارَةِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْفَرْضُ الْعَمَلِيُّ عِنْدَ الْكُلِّ، وَقَدْ عَلِمْت خِلَافَهُ وَأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 ثُمَّ إنَّهُ يُخَالِفُ مَسْحَ الْخُفِّ مِنْ وُجُوهٍ ذَكَرَ مِنْهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ، فَقَالَ (فَلَا يَتَوَقَّفُ) ؛ لِأَنَّهُ كَالْغُسْلِ حَتَّى يَؤُمَّ الْأَصِحَّاءَ، وَلَوْ بَدَّلَهَا بِأُخْرَى أَوْ سَقَطَتْ الْعُلْيَا لَمْ يَجِبْ إعَادَةُ الْمَسْحِ بَلْ يُنْدَبُ (وَيُجْمَعُ) مَسْحُ جَبِيرَةِ رِجْلٍ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ غَسْلِ الْأُخْرَى لَا مَسْحِ خُفِّهَا بَلْ خُفَّيْهِ. (وَيَجُوزُ) أَيْ يَصِحُّ مَسْحُهَا (وَلَوْ شُدَّتْ بِلَا وُضُوءٍ) وَغَسَلَ دَفْعًا لِلْحَرَجِ (وَيُتْرَكُ) الْمَسْحُ كَالْغُسْلِ (إنْ ضَرَّ وَإِلَّا لَا) يُتْرَكُ (وَهُوَ) أَيْ مَسْحُهَا (مَشْرُوطٌ بِالْعَجْزِ عَنْ مَسْحِ) نَفْسِ الْمَوْضِعِ (فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فَلَا مَسْحَ) عَلَيْهَا. وَالْحَاصِلُ لُزُومُ غَسْلِ الْمَحَلِّ وَلَوْ بِمَاءٍ حَارٍّ، فَإِنْ ضَرَّ مَسَحَهُ، فَإِنْ ضَرَّ مَسَحَهَا، فَإِنْ ضَرَّ سَقَطَ أَصْلًا. (وَيَمْسَحُ) نَحْوُ (مُفْتَصِدٍ وَجَرِيحٍ عَلَى كُلِّ عِصَابَةٍ)   [رد المحتار] لَا تَعَارُضَ بَيْنَ كَلَامِهِمْ (قَوْلُهُ ثُمَّ إنَّهُ) أَيْ مَسْحُ الْجَبِيرَةِ وَثُمَّ لِلتَّرَاخِي فِي الذِّكْرِ (قَوْلُهُ ذَكَرَ مِنْهَا) أَفَادَ أَنَّهَا أَكْثَرُ وَهُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ فَلَا يَتَوَقَّفُ) أَيْ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَإِلَّا فَهُوَ مُوَقَّتٌ بِالْبُرْءِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ حَتَّى يَؤُمَّ الْأَصِحَّاءَ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذِي عُذْرٍ ط وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ هَذَا التَّفْرِيعِ هُنَا، ثُمَّ رَأَيْته فِي [خَزَائِنِ الْأَسْرَارِ] ذَكَرَ التَّفْرِيعَ بَعْدَ قَوْلِهِ الْآتِي لَا مَسْحِ خُفِّهَا بَلْ خُفَّيْهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ كَامِلَةٌ حَتَّى يَؤُمَّ الْأَصِحَّاءَ. اهـ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَمْعِ بَيْنَ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ وَمَسْحِ الْخُفِّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَسْحَهَا كَالْغَسْلِ كَمَا نَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَدَّلَهَا إلَخْ) هَذَانِ الْوَجْهَانِ زَادَهُمَا الشَّارِحُ عَلَى الثَّلَاثَةَ عَشَرَ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ لَمْ يَجِبْ) وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ يَجِبُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِصَابَةِ الْبَاقِيَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ مَسْحِ خُفِّهَا إلَخْ) أَيْ لَا يَجْمَعُ مَسْحَ جَبِيرَةِ رِجْلٍ مَعَ مَسْحِ خُفِّ الْأُخْرَى الصَّحِيحَةِ؛ لِأَنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ حَيْثُ كَانَ كَالْغَسْلِ يَلْزَمُ مِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَخْفِيفِ الْجَرِيحَةِ أَيْضًا لِيَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، لَكِنْ لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَسْحِ الْجَبِيرَةِ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى خُفِّ الصَّحِيحَةِ صَرَّحَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: أَيْ؛ لِأَنَّهُ كَذَاهِبِ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ (قَوْلُهُ بِلَا وُضُوءٍ وَغَسْلٍ) بِضَمِّ الْغَيْنِ بِقَرِينَةِ الْوُضُوءِ، وَهَذَا هُوَ الثَّالِثُ، وَلَا يَتَكَرَّرُ عَلَى قَوْلِهِ الْآتِي، وَالْمُحْدِثُ وَالْجُنُبُ إلَخْ؛ لِأَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا شَدَّهَا عَلَى الْحَدَثِ أَوْ الْجَنَابَةِ، وَذَاكَ فِيمَا إذَا أَحْدَثَ أَوْ أَجْنَبَ بَعْدَ شَدِّهَا أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ وَيَتْرُكُ الْمَسْحَ كَالْغَسْلِ) أَيْ يَتْرُكُ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ كَمَا يَتْرُكُ الْغَسْلَ لِمَا تَحْتَهَا، وَهَذَا هُوَ الرَّابِعُ ح (قَوْلُهُ إنْ ضَرَّ) الْمُرَادُ الضَّرَرُ الْمُعْتَبَرُ لَا مُطْلَقُهُ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَا يَخْلُو عَنْ أَدْنَى ضَرَرٍ وَذَلِكَ لَا يُبِيحُ التَّرْكَ ط عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا يُتْرَكُ) أَيْ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَهُوَ إلَخْ) هَذَا الْخَامِسُ (قَوْلُهُ عَنْ مَسْحِ نَفْسِ الْمَوْضِعِ) أَيْ وَعَنْ غَسْلِهِ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْمَسْحِ يَسْتَلْزِمُ الْعَجْزَ عَنْ الْغَسْلِ ح (قَوْلُهُ وَلَوْ بِمَاءٍ حَارٍّ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَقَيَّدَهُ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. وَفِي السِّرَاجِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ نَحْوُ مُفْتَصِدٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجِرَاحَةِ وَغَيْرِهَا كَالْكَيِّ وَالْكَسْرِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَشْمَلُ الْكُلَّ. مَطْلَبٌ فِي لَفْظِ كُلٍّ إذَا دَخَلَتْ عَلَى مُنَكَّرٍ أَوْ مُعَرَّفٍ (قَوْلُهُ عَلَى كُلِّ عِصَابَةٍ) أَيْ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ تَحْتَهَا جِرَاحَةٌ وَهِيَ بِقَدْرِهَا أَوْ زَائِدَةٌ عَلَيْهَا كَعِصَابَةِ الْمُفْتَصِدِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَهَا جِرَاحَةٌ أَصْلًا بَلْ كَسْرٌ أَوْ كَيٌّ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْكَنْزِ كَانَ تَحْتَهَا جِرَاحَةٌ أَوْ لَا، لَكِنْ إذَا كَانَتْ زَائِدَةً عَلَى قَدْرِ الْجِرَاحَةِ، فَإِنْ ضَرَّهُ الْحَلُّ وَالْغَسْلُ مَسَحَ الْكُلَّ تَبَعًا وَإِلَّا فَلَا، بَلْ يَغْسِلُ مَا حَوْلَ الْجِرَاحَةِ وَيَمْسَحُ عَلَيْهَا لَا عَلَى الْخِرْقَةِ، مَا لَمْ يَضُرَّهُ مَسْحُهَا فَيَمْسَحُ عَلَى الْخِرْقَةِ الَّتِي عَلَيْهَا وَيَغْسِلُ حَوَالَيْهَا وَمَا تَحْتَ الْخِرْقَةِ الزَّائِدَةِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَالْفَتْحِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَسْحَ يَجِبُ عَلَى كُلِّ الْعِصَابَةِ وَلَا يَكْفِي عَلَى أَكْثَرِهَا، لَكِنْ يُنَافِيهِ أَنَّهُ سَيُصَرِّحُ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الِاسْتِيعَابُ فِي الْأَصَحِّ فَيَتَنَاقَضُ كَلَامُهُ وَأَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى حِينَئِذٍ تَعْرِيفَ الْعِصَابَةِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي كُلٍّ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 مَعَ فُرْجَتِهَا فِي الْأَصَحِّ (إنْ ضَرَّهُ) الْمَاءُ (أَوْ حَلَّهَا) وَمِنْهُ أَنْ لَا يُمْكِنَهُ رَبْطُهَا بِنَفْسِهِ وَلَا يَجِدُ مَنْ يَرْبِطُهَا. (انْكَسَرَ ظُفُرُهُ فَجَعَلَ عَلَيْهِ دَوَاءً أَوْ وَضَعَهُ عَلَى شُقُوقِ رِجْلِهِ أَجْرَى الْمَاءَ عَلَيْهِ) وَإِنْ قَدَرَ وَإِلَّا مَسَحَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ. (وَ) الْمَسْحُ (يُبْطِلُهُ سُقُوطُهَا عَنْ بُرْءٍ) وَإِلَّا لَا (فَإِنْ) سَقَطَتْ (فِي الصَّلَاةِ اسْتَأْنَفَهَا، وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ) سَقَطَ الدَّوَاءُ أَوْ (بَرِئَ مَوْضِعُهَا وَلَمْ تَسْقُطْ) مُجْتَبًى، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَضُرَّ إزَالَتُهَا، فَإِنْ ضَرَّهُ فَلَا بَحْرٌ. (وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْمُحْدِثُ وَالْجُنُبُ فِي الْمَسْحِ عَلَيْهَا وَعَلَى تَوَابِعِهِمَا سَوَاءٌ) اتِّفَاقًا.   [رد المحتار] أَنَّهَا إذَا دَخَلَتْ عَلَى مُنَكَّرٍ أَفَادَتْ اسْتِغْرَاقَ الْأَفْرَادِ. وَإِذَا دَخَلَتْ عَلَى مُعَرَّفٍ أَفَادَتْ اسْتِغْرَاقَ الْأَجْزَاءِ، وَلِذَا يُقَالُ كُلُّ رُمَّانٍ مَأْكُولٌ، وَلَا يُقَالُ كُلُّ الرُّمَّانِ مَأْكُولٌ؛ لِأَنَّ قِشْرَهُ لَا يُؤْكَلُ، وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ مَعَ الْقَرِينَةِ - {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ} [غافر: 35]- {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا} [آل عمران: 93]- وَحَدِيثُ «كُلُّ الطَّلَاقِ وَاقِعٌ إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ وَالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ» فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مَعَ فُرْجَتِهَا فِي الْأَصَحِّ) أَيْ الْمَوْضِعِ الَّذِي لَمْ تَسْتُرْهُ الْعِصَابَةُ بَيْنَ الْعِصَابَةِ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ، خِلَافًا لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ، بَلْ يَكْفِيهِ الْمَسْحُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا إذْ لَوْ غُسِلَ رُبَّمَا تَبْتَلُّ جَمِيعُ الْعِصَابَةِ وَتَنْفُذُ الْبِلَّةُ إلَى مَوْضِعِ الْجُرْحِ، وَهَذَا مِنْ الْحُسْنِ بِمَكَانٍ نَهْرٌ (قَوْلُهُ إنْ ضَرَّهُ الْمَاءُ) أَيْ الْغَسْلُ بِهِ أَوْ الْمَسْحُ عَلَى الْمَحَلِّ ط (قَوْلُهُ أَوْ أَحَلَّهَا) أَيْ وَلَوْ كَانَ بَعْدَ الْبُرْءِ بِأَنْ الْتَصَقَتْ بِالْمَحَلِّ بِحَيْثُ يَعْسُرُ نَزْعُهَا ط، لَكِنْ حِينَئِذٍ يَمْسَحُ عَلَى الْمُلْتَصِقِ وَيَغْسِلُ مَا قَدَرَ عَلَى غَسْلِهِ مِنْ الْجَوَانِبِ كَمَا مَرَّ؛ ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ رُبَاعِيَّةٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْخَزَائِنِ؛ لِأَنَّهُ إنْ ضَرَّهُ الْحَلُّ يَمْسَحْ، سَوَاءٌ ضَرَّهُ أَيْضًا الْمَسْحُ عَلَى مَا تَحْتَهَا أَوْ لَا؛ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّهُ الْحَلُّ، فَإِمَّا أَنْ لَا يَضُرَّهُ الْمَسْحُ أَيْضًا فَيَحِلَّهَا وَيَغْسِلُ مَا لَا يَضُرُّهُ وَيَمْسَحُ مَا يَضُرُّهُ، وَإِمَّا أَنْ يَضُرَّهُ الْمَسْحُ فَيَحِلَّهَا وَيَغْسِلُ كَذَلِكَ ثُمَّ يَمْسَحُ الْجُرْحَ عَلَى الْعِصَابَةِ إذْ الثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا. اهـ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الضَّرَرِ ط (قَوْلُهُ وَلَا يَجِدُ مَنْ يَرْبِطُهَا) ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْخَانِيَّةِ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ: إنْ وَسَّعَ الْغَيْرُ لَا يُعَدُّ وُسْعًا، وَمَا فِي الْبَدَائِعِ هُوَ قَوْلُهُمَا. اهـ (قَوْلُهُ فَجَعَلَ عَلَيْهِ دَوَاءً) أَيْ كَعِلْكٍ أَوْ مَرْهَمٍ أَوْ جِلْدَةِ مَرَارَةٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَجْرَى الْمَاءَ عَلَيْهِ) لَمْ يَشْرِطْهُ فِي الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ، وَشَرَطَهُ الْحَلْوَانِيُّ، وَعَزَاهُ فِي الْمِنَحِ إلَى عَامَّةِ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا مَسَحَهُ) هَلْ يُكْتَفَى بِمَسْحِ أَكْثَرِهِ لِكَوْنِهِ كَالْجَبِيرَةِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِيعَابِ؟ فَلْيُرَاجَعْ اهـ ح (قَوْلُهُ وَالْمَسْحُ يُبْطِلُهُ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْوَجْهُ السَّادِسُ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْخُفِّ يُبْطِلُ الْمَسْحَ بِلَا شَرْطٍ ح (قَوْلُهُ سُقُوطُهَا) أَيْ الْجَبِيرَةِ أَوْ الْخِرْقَةِ، وَكَذَا سُقُوطُ الدَّوَاءِ خَزَائِنُ، وَعَزَا الْأَخِيرَ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ إلَى التَّتَارْخَانِيَّة وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ، وَسَيُصَرِّحُ بِهِ الشَّارِحُ هُنَا أَيْضًا (قَوْلُهُ عَنْ بُرْءٍ) بِالْفَتْحِ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالضَّمِّ عِنْدَ غَيْرِهِمْ: أَيْ بِسَبَبِ صِحَّةِ الْعُضْوِ قُهُسْتَانِيٌّ؛ فَعَنْ بِمَعْنَى الْبَاءِ، مِثْلُ - {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3]- أَوْ بِمَعْنَى اللَّامِ مِثْلُ - {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} [هود: 53]- أَوْ بِمَعْنَى بَعْدَ؛ مِثْلُ - {عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} [المؤمنون: 40]- (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ بِأَنْ سَقَطَتْ لَا عَنْ بُرْءٍ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ الْوَجْهُ السَّابِعُ (قَوْلُهُ اسْتَأْنَفَهَا) أَيْ الصَّلَاةَ أَيْ بَعْدَ غَسْلِ الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ حُكْمُ الْحَدَثِ السَّابِقِ عَلَى الشُّرُوعِ فَصَارَ كَأَنَّهُ شَرَعَ مِنْ غَيْرِ غَسْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَهَذَا إذَا سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ قَبْلَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، فَلَوْ عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ مَضَى فِي صَلَاتِهِ أَوْ بَعْدَ الْقُعُودِ، فَهِيَ إحْدَى الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ الْآتِيَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحُكْمُ) أَيْ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ السُّقُوطِ عَنْ بُرْءٍ وَعَدَمِهِ ط (قَوْلُهُ أَوْ بَرِئَ مَوْضِعُهَا وَلَمْ تَسْقُطْ) هُوَ الثَّامِنُ؛ بِخِلَافِ الْخُفِّ فَإِنَّ الْعِبْرَةَ فِيهِ لِلنَّزْعِ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ فَإِنْ ضَرَّهُ) أَيْ إزَالَتُهَا لِشِدَّةِ لُصُوقِهَا بِهِ وَنَحْوِهِ بَحْرٌ. [فَرْعٌ] فِي جَامِعِ الْجَوَامِعِ: رَجُلٌ بِهِ رَمَدٌ فَدَاوَاهُ وَأُمِرَ أَنْ لَا يَغْسِلَ فَهُوَ كَالْجَبِيرَةِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَالْمُحْدَثُ وَالْجُنُبُ إلَخْ) هُوَ التَّاسِعُ (قَوْلُهُ عَلَيْهَا) أَيْ الْجَبِيرَةِ، وَعَلَى تَوَابِعِهَا: كَخِرْقَةِ الْقُرْحَةِ، وَمَوْضِعِ الْفَصْدِ وَالْكَيِّ ط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي مَسْحِهَا (اسْتِيعَابٌ وَتَكْرَارٌ فِي الْأَصَحِّ، فَيَكْفِي مَسْحُ أَكْثَرِهَا) مَرَّةً بِهِ يُفْتَى (وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا نِيَّةٌ) اتِّفَاقًا بِخِلَافِ الْخُفِّ فِي قَوْلٍ، وَمَا فِي نُسَخِ الْمَتْنِ رَجَعَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ. بَابُ الْحَيْضِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) قَيْدٌ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الِاسْتِيعَابِ وَالتَّكْرَارِ: أَيْ بِخِلَافِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ، وَهَذَا الْعَاشِرُ وَالْحَادِيَ عَشَرَ. وَأَفَادَ الرَّحْمَتِيُّ أَنَّ قَوْلَهُ وَتَكْرَارٌ مِنْ قَبِيلِ عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا أَيْ وَلَا يُسَنُّ تَكْرَارٌ؛ لِأَنَّ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ أَنَّهُ يُسَنُّ تَكْرَارُ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ وَالْغَسْلُ يُسَنُّ تَكْرَارُهُ فَكَذَا بَدَلُهُ. قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَيُسَنُّ التَّثْلِيثُ عِنْدَ الْبَعْضِ إذَا لَمْ تَكُنْ الرَّأْسَ. اهـ وَهَذَا بِخِلَافِ مَسْحِ الْخُفِّ فَلَا يُسَنُّ تَكْرَارُهُ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ فَيَكْفِي مَسْحُ أَكْثَرِهَا) لَمَّا كَانَ نَفْيُ الِاسْتِيعَابِ صَادِقًا بِمَسْحِ النِّصْفِ وَمَا دُونَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي بَيَّنَ مَا بِهِ الْكِفَايَةُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَسْحِ الْخُفِّ فَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي عَشَرَ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا نِيَّةٌ) هُوَ الثَّالِثَ عَشَرَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّارِحَ زَادَ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ وَجْهًا: وَجْهَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَزَادَ فِي الْبَحْرِ سِتَّةً: إذَا سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ لَا يَجِبُ إلَّا غَسْلُ مَوْضِعِهَا إذَا كَانَ وُضُوءٌ، بِخِلَافِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ. وَإِذَا مَسَحَهَا ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهَا أُخْرَى جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْفَوْقَانِيِّ، بِخِلَافِ الْخُفِّ إذَا مَسَحَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْفَوْقَانِيِّ. وَإِذَا دَخَلَ الْمَاءُ تَحْتَهَا لَا يَبْطُلُ الْمَسْحُ، وَإِذَا كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْعُضْوِ الْمَعْصُوبِ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ أَصَابِعَ كَالْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الْخُفِّ. الْخَامِسُ أَنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ لَيْسَ ثَابِتًا بِالْكِتَابِ اتِّفَاقًا. السَّادِسُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ فِي رِوَايَةٍ بِخِلَافِ الْخُفِّ. وَزَادَ فِي النَّهْرِ وَجْهًا: وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ خَلَفًا عَنْ غَسْلِ مَا تَحْتَهَا وَلَا بَدَلًا، بِخِلَافِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ خَلَفٌ. وَالْبَدَلُ مَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ كَالتَّيَمُّمِ. وَالْخَلَفُ مَا يَجُوزُ. قَالَ ح: وَزِدْت وَجْهًا، وَهُوَ أَنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ يَجُوزُ وَلَوْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ الرِّجْلَيْنِ بِخِلَافِ الْخُفِّ اهـ وَزَادَ الرَّحْمَتِيُّ أَرْبَعَةً أُخْرَى: أَنَّهُ يُمْسَحُ عَلَى الْجَرِيحِ وَغَيْرِهِ وَالْخُفُّ مُخْتَصٌّ بِالْقَدَمِ، وَأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى خُرْقِ الْخُفِّ وَلَوْ صَغِيرًا لَا يَكْفِي وَالْمَسْحَ عَلَى طَرَفَيْ الْفُرْجَةِ بَيْنَ طَرَفَيْ الْمِنْدِيلِ يُجْزِئُ، وَأَنَّ مَحَلَّ الْمَسْحِ مِنْ الْخُفِّ مَكَانٌ مُعَيَّنٌ وَهُوَ صَدْرُ الْقَدَمِ بِخِلَافِ الْجَبِيرَةِ، وَأَنَّ الْمَفْرُوضَ فِي مَسْحِ الْخُفِّ مُقَدَّرٌ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ لَا أَكْثَرُهُ وَلَا جَمِيعُهُ. أَقُولُ: فَالْمَجْمُوعُ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ وَجْهًا، وَزِدْت عَشْرَةً أُخْرَى: وَهِيَ أَنَّ الْجَبِيرَةَ عَلَى الرِّجْلِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا إمْكَانُ مُتَابَعَةِ الْمَشْيِ عَلَيْهَا، وَلَا ثَخَانَتُهَا، وَلَا كَوْنُهَا مُجَلَّدَةً، وَلَا سَتْرُهَا لِلْمَحَلِّ، وَلَا مَنْعُهَا نُفُوذَ الْمَاءِ، وَلَا اسْتِمْسَاكُهَا بِنَفْسِهَا، وَلَا يُبْطِلُهَا خُرُقٌ كَبِيرَةٌ، وَلَيْسَ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا أَفْضَلَ مِنْ الْمَسْحِ. وَإِذَا سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ وَخَافَ إنْ غَسَلَ رِجْلَهُ أَنْ تَسْقُطَ مِنْ الْبَرْدِ يَتَيَمَّمُ، بِخِلَافِ الْخُفِّ. وَالْعَاشِرُ إذَا غَمَسَهَا فِي إنَاءٍ يُرِيدُ بِهِ الْمَسْحَ عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ وَأَفْسَدَ الْمَاءَ، بِخِلَافِ الْخُفِّ وَمَسَحَ الرَّأْسَ فَلَا يَفْسُدُ، وَيَجُوزُ عِنْد الثَّانِيَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْمَنْظُومَةِ وَشَرْحِهَا الْحَقَائِقِ. وَالْفَرْقُ لِلثَّانِي أَنَّ الْمَسْحَ يَتَأَدَّى بِالْبِلَّةِ فَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا. وَيَجُوزُ الْمَسْحُ، أَمَّا مَسْحُ الْجَبِيرَةِ فَكَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْحَيْضِ] ِ اعْلَمْ أَنَّ بَابَ الْحَيْضِ مِنْ غَوَامِضِ الْأَبْوَابِ خُصُوصًا الْمُتَحَيِّرَةُ وَتَفَارِيعُهَا، وَلِهَذَا اعْتَنَى بِهِ الْمُحَقِّقُونَ، وَأَفْرَدَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابٍ مُسْتَقِلٍّ، وَمَعْرِفَةُ مَسَائِلِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْمُهِمَّاتِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَا لَا يُحْصَى مِنْ الْأَحْكَامِ: كَالطَّهَارَةِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 عَنْوَنَ بِهِ لِكَثْرَتِهِ وَأَصَالَتِهِ، وَإِلَّا فَهِيَ ثَلَاثَةٌ: حَيْضٌ، وَنِفَاسٌ، وَاسْتِحَاضَةٌ. (هُوَ) لُغَةً: السَّيَلَانُ. وَشَرْعًا: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ الْأَحْدَاثِ: مَانِعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ بِسَبَبِ الدَّمِ الْمَذْكُورِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ الْأَنْجَاسِ (دَمٌ مِنْ رَحِمٍ) خَرَجَ الِاسْتِحَاضَةُ، وَمِنْهُ مَا تَرَاهُ صَغِيرَةٌ وَآيِسَةٌ وَمُشْكِلٌ (لَا لِوِلَادَةٍ) خَرَجَ النِّفَاسُ. وَسَبَبُهُ ابْتِدَاءُ ابْتِلَاءِ اللَّهِ لِحَوَّاءَ لِأَكْلِ الشَّجَرَةِ. وَرُكْنُهُ بُرُوزُ الدَّمِ مِنْ الرَّحِمِ. وَشَرْطُهُ تَقَدُّمُ نِصَابِ الطُّهْرِ وَلَوْ حُكْمًا، وَعَدَمُ نَقْصِهِ عَنْ أَقَلِّهِ وَأَوَانُهُ بَعْدَ التِّسْعِ. وَوَقْتُ ثُبُوتِهِ بِالْبُرُوزِ، فِيهِ تُتْرَكُ الصَّلَاةُ وَلَوْ مُبْتَدَأَةً فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّحَّةُ، وَالْحَيْضُ دَمُ صِحَّةٍ شُمُنِّيٌّ. وَ (أَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ بِلَيَالِيِهَا) الثَّلَاثِ، فَالْإِضَافَةُ لِبَيَانِ الْعَدَدِ الْمُقَدَّرِ بِالسَّاعَاتِ الْفَلَكِيَّةِ لَا لِلِاخْتِصَاصِ، فَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهَا لَيَالِيَ تِلْكَ الْأَيَّامِ؛ وَكَذَا قَوْلُهُ (وَأَكْثَرُهُ عَشْرَةٌ) بِعَشْرِ لَيَالٍ، كَذَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ.   [رد المحتار] وَالصَّلَاةِ، وَالْقِرَاءَةِ، وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ، وَالْحَجِّ، وَالْبُلُوغِ، وَالْوَطْءِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعِدَّةِ، وَالِاسْتِبْرَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّ عِظَمَ مَنْزِلَةِ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ بِحَسَبِ مَنْزِلَةِ ضَرَرِ الْجَهْلِ بِهِ، وَضَرَرُ الْجَهْلِ بِمَسَائِلِ الْحَيْضِ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الْجَهْلِ بِغَيْرِهَا، فَيَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِمَعْرِفَتِهَا وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ فِيهَا طَوِيلًا، فَإِنَّ الْمُحَصِّلَ يَتَشَوَّقُ إلَى ذَلِكَ، وَلَا الْتِفَاتَ إلَى كَرَاهَةِ أَهْلِ الْبَطَالَةِ. ثُمَّ الْكَلَامُ فِيهِ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ: فِي تَفْسِيرِهِ لُغَةً وَشَرْعًا، وَسَبَبِهِ، وَرُكْنِهِ، وَشَرْطِهِ، وَقَدْرِهِ، وَأَلْوَانِهِ، وَأَوَانِهِ، وَوَقْتِ ثُبُوتِهِ، وَالْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ عَنْوَنَ بِهِ) أَيْ جَعَلَ الْحَيْضَ عُنْوَانًا عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ النِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَمَا يَتْبَعُهُمَا ط (قَوْلُهُ لِكَثْرَتِهِ) أَيْ كَثْرَةِ وُقُوعِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَخَوَيْهِ (قَوْلُهُ وَأَصَالَتِهِ) أَيْ وَلِكَوْنِهِ أَصْلًا فِي هَذَا الْبَابِ فِي بَيَانِ الْأَحْكَامِ، وَالْأَصْلُ يُطْلَقُ عَلَى الْكَثِيرِ الْغَالِبِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ إنَّهُ عَنْوَنَ بِهِ وَحْدَهُ لِمَا ذُكِرَ لَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَ غَيْرِهِ أَيْضًا، فَإِنَّ الدِّمَاءَ الْمَبْحُوثَ عَنْهَا هُنَا ثَلَاثَةٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَاسْتِحَاضَةٌ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ، وَخَصَّ مَا عَدَاهُمَا بِالِاسْتِحَاضَةِ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ سَمَّى مَا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ دَمَ فَسَادٍ لَا اسْتِحَاضَةً (قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً السَّيَلَانُ) يُقَالُ حَاضَ الْوَادِي: إذَا سَالَ، وَسُمِّيَ حَيْضًا لِسَيَلَانِهِ فِي أَوْقَاتِهِ (قَوْلُهُ بِأَنَّهُ مِنْ الْأَحْدَاثِ) أَيْ إنَّ مُسَمَّاهُ الْحَدَثُ الْكَائِنُ مِنْ الدَّمِ كَالْجَنَابَةِ اسْمٌ لِلْحَدَثِ الْخَاصِّ لَا لِلْمَاءِ الْخَاصِّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مَانِعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ) أَيْ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ مَانِعَةٌ عَمَّا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ، كَالصَّلَاةِ، وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَعَنْ الصَّوْمِ، وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَالْقُرْبَانِ بِسَبَبِ الدَّمِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْقَوْلِ إلَخْ) ظَاهِرُ الْمُتُونِ اخْتِيَارُهُ، قِيلَ وَلَا ثَمَرَةَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ (قَوْلُهُ دَمٌ) شَمِلَ الدَّمَ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ بَحْرٌ: أَيْ كَالطُّهْرِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ، فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ لَا تُسَمَّى الْمَرْأَةُ حَائِضًا فِي غَيْرِ وَقْتِ دُرُورِ الدَّمِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ خَرَجَ الِاسْتِحَاضَةُ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّحِمِ وِعَاءُ الْوَلَدِ لَا الْفَرْجُ، خِلَافًا لِمَا فِي الْبَحْرِ. وَخَرَجَ دَمُ الرُّعَافِ وَالْجِرَاحَاتِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهَا وَإِنْ نُدِبَ إمْسَاكُ زَوْجِهَا عَنْهَا وَاغْتِسَالُهَا مِنْهُ، وَأَمَّا مَا يَخْرُجُ مِنْ رَحِمِ غَيْرِ الْآدَمِيَّةِ كَالْأَرْنَبِ وَالضَّبُعِ وَالْخُفَّاشِ، قَالُوا: وَلَا يَحِيضُ غَيْرُهَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ نَهْرٌ، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ رَحِمِ امْرَأَةٍ كَمَا فِي الْكَنْزِ لِإِخْرَاجِ الْأَخِيرِ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الِاسْتِحَاضَةِ، وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ نَظَرًا لِكَوْنِهَا دَمًا ط (قَوْلُهُ صَغِيرَةٌ) هِيَ كَمَا يَأْتِي: مَنْ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (قَوْلُهُ وَآيِسَةٌ) سَيَأْتِي بَيَانُهَا مَتْنًا وَشَرْحًا (قَوْلُهُ وَمُشْكِلٌ) أَيْ خُنْثَى مُشْكِلٌ. قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَا نَصُّهُ: الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إذَا خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ وَالدَّمُ فَالْعِبْرَةُ لِلْمَنِيِّ دُونَ الدَّمِ. اهـ وَكَأَنَّهُ؛ لِأَنَّ الْمَنِيَّ لَا يَشْتَبِهُ بِغَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْحَيْضِ فَيَشْتَبِهُ بِالِاسْتِحَاضَةِ. اهـ ح، وَهَلْ اعْتِبَارُهُ فِي زَوَالِ الْإِشْكَالِ أَوْ فِي لُزُومِ الْغُسْلِ مِنْهُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فَلَا يَدُلُّ عَلَى الذُّكُورَةِ فَلْيُرَاجَعْ. وَعَلَى الثَّانِي فَوَجْهُ تَسْمِيَةِ الشَّارِحِ هَذَا الدَّمَ اسْتِحَاضَةً ظَاهِرٌ بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ابْتِلَاءُ اللَّهِ لِحَوَّاءَ إلَخْ) أَيْ وَبَقِيَ فِي بَنَاتِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَا قِيلَ: إنَّهُ أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ الْحَيْضُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فَقَدْ رَدَّهُ الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 (وَالنَّاقِصُ) عَنْ أَقَلِّهِ   [رد المحتار] وَحَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْبَرُ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَيْضِ هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ» قَالَ النَّوَوِيُّ: أَيْ إنَّهُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ بَنَاتِ آدَمَ (قَوْلُهُ وَرُكْنُهُ بُرُوزُ الدَّمِ مِنْ الرَّحِمِ) أَيْ ظُهُورُهُ مِنْهُ إلَى خَارِجِ الْفَرْجِ الدَّاخِلِ، فَلَوْ نَزَلَ إلَى الْفَرْجِ الدَّاخِلِ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَبِهِ يُفْتَى قُهُسْتَانِيٌّ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ بِالْإِحْسَاسِ بِهِ. وَثَمَرَتُهُ فِيمَا لَوْ تَوَضَّأَتْ وَوَضَعَتْ الْكُرْسُفَ ثُمَّ أَحَسَّتْ بِنُزُولِ الدَّمِ إلَيْهِ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ رَفَعَتْهُ بَعْدَهُ تَقْضِي الصَّوْمَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، يَعْنِي إذَا لَمْ يُحَاذِ حَرْفَ الْفَرْجِ الدَّاخِلِ فَإِنْ حَاذَتْهُ الْبِلَّةُ مِنْ الْكُرْسُفِ كَانَ حَيْضًا وَنِفَاسًا اتِّفَاقًا وَكَذَا الْحَدَثُ بِالْبَوْلِ. اهـ بَحْرٌ (قَوْلُهُ نِصَابُ الطُّهْرِ) أَيْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرُ (قَوْلُهُ وَلَوْ حُكْمًا) كَمَا إذَا كَانَتْ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ مَشْغُولَةً بِدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ حُكْمًا. اهـ ح (قَوْلُهُ وَعَدَمُ نَقْصِهِ) أَيْ الدَّمِ عَنْ أَقَلِّهِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ كَمَا يَأْتِي ط (قَوْلُهُ بِالْبُرُوزِ) أَيْ بِوُجُودِ الرُّكْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا (قَوْلُهُ فِيهِ) أَيْ فَبِالْبُرُوزِ تُتْرَكُ الصَّلَاةُ وَتَثْبُتُ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ، وَلَكِنَّ هَذَا مَا دَامَ مُسْتَمِرًّا لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ انْقَطَعَ لِدُونِ أَقَلِّهِ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُبْتَدَأَةً) أَيْ الَّتِي لَمْ يَسْبِقْ لَهَا حَيْضٌ فِي سِنِّ بُلُوغِهَا، وَأَقَلُّهُ فِي الْمُخْتَارِ تِسْعٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى: أَيْ فَإِنَّهَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ عِنْدَ أَكْثَرِ مَشَايِخِ بُخَارَى. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا تَتْرُكُ حَتَّى يَسْتَمِرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّحَّةُ) أَيْ صِحَّةٌ لِمَرَضِ الْجِسْمِ، وَالْمُقْتَضِي لِلِاسْتِحَاضَةِ عَارِضٌ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فِيهِ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ إلَخْ ط (قَوْلُهُ أَقَلُّهُ) أَيْ مُدَّةُ أَقَلِّهِ أَوْ أَقَلُّ مُدَّتِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِخْدَامِ قُهُسْتَانِيٌّ: أَيْ حَيْثُ رَجَعَ الضَّمِيرُ إلَى الْحَيْضِ بِمَعْنَى الْمُدَّةِ ط أَوْ أَقَلُّ الْحَيْضِ، وَقَوْلُهُ ثَلَاثَةٌ بِالرَّفْعِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَبِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ عَلَى الثَّالِثِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَالْإِضَافَةُ إلَخْ) أَيْ إنَّ إضَافَةَ اللَّيَالِيِ إلَى ضَمِيرِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثِ لِبَيَانِ أَنَّ الْمُرَادَ مُجَرَّدُ كَوْنِهَا ثَلَاثًا لَا كَوْنُهَا لَيَالِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، فَلَوْ رَأَتْهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ يُكْمَلُ كُلُّ يَوْمٍ بِاللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، وَلِذَا صَرَّحَ الشَّارِحُ بِلَفْظِ الثَّلَاثِ، فَالتَّفْرِيعُ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِالسَّاعَاتِ) وَهِيَ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ سَاعَةً، وَالْفَلَكِيَّةُ هِيَ الَّتِي كُلُّ سَاعَةٍ مِنْهَا خَمْسَ عَشْرَةَ دَرَجَةً وَتُسَمَّى الْمُعْتَدِلَةَ أَيْضًا. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ السَّاعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ، وَمَعْنَاهَا الزَّمَانُ الْقَلِيلُ، وَعَنْ السَّاعَاتِ الزَّمَانِيَّةِ وَتُسَمَّى الْمُعْوَجَّةَ وَهِيَ الَّتِي كُلُّ سَاعَةٍ مِنْهَا جُزْءٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الْيَوْمِ الَّذِي هُوَ طُلُوعُ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا، أَوْ اللَّيْلِ الَّذِي هُوَ غُرُوبُ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِهَا، فَتَارَةً تُسَاوِي الْفَلَكِيَّةَ كَمَا فِي يَوْمَيْ الْحَمَلِ وَالْمِيزَانِ، وَتَارَةً تَزِيدُ عَلَيْهَا كَمَا فِي الْبُرُوجِ الشَّمَالِيَّةِ وَلَيَالِي الْبُرُوجِ الْجَنُوبِيَّةِ، وَتَارَةً تَنْقُصُ عَنْهَا كَمَا فِي لَيَالِيِ الْبُرُوجِ الشَّمَالِيَّةِ وَأَيَّامِ الْبُرُوجِ الْجَنُوبِيَّةِ ح. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِمْرَارُ الدَّمِ فِيهَا بِحَيْثُ لَا يَنْقَطِعُ سَاعَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا نَادِرًا بَلْ انْقِطَاعُهُ سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ فَصَاعِدًا غَيْرُ مُبْطِلٍ، كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى بَحْرٌ: أَيْ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِأَوَّلِهِ وَآخِرِهِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ كَذَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ) الْإِشَارَةُ إلَى تَقْدِيرِ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سِتَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ فِيهَا مَقَالٌ يَرْتَفِعُ بِهَا الضَّعِيفُ إلَى الْحَسَنِ، كَمَا بَسَطَ ذَلِكَ الْكَمَالُ وَالْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ، وَلَخَصَّهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالنَّاقِصُ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ بِيَسِيرٍ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: فَلَوْ رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ الدَّمَ حِينَ طَلَعَ نِصْفُ قُرْصِ الشَّمْسِ وَانْقَطَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 (وَالزَّائِدُ) عَلَى أَكْثَرِهِ أَوْ أَكْثَرِ النِّفَاسِ أَوْ عَلَى الْعَادَةِ وَجَاوَزَ أَكْثَرَهُمَا. (وَمَا تَرَاهُ) صَغِيرَةٌ دُونَ تِسْعٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَآيِسَةٌ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ (حَامِلٌ) وَلَوْ قَبْلَ خُرُوجِ أَكْثَرِ الْوَلَدِ (اسْتِحَاضَةٌ.) (وَأَقَلُّ الطُّهْرِ) بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ أَوْ النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ (خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) وَلَيَالِيهَا إجْمَاعًا (وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ) ، إنْ اسْتَغْرَقَ الْعُمُرَ (إلَّا عِنْدَ) الِاحْتِيَاجِ إلَى (نَصْبِ عَادَةٍ لَهَا إذَا اسْتَمَرَّ) بِهَا (الدَّمُ) فَيُحَدُّ لِأَجْلِ الْعِدَّةِ بِشَهْرَيْنِ بِهِ يُفْتَى،   [رد المحتار] فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ حِينَ طَلَعَ رُبُعُهُ كَانَ اسْتِحَاضَةً إلَى أَنْ يَطْلُعَ نِصْفُهُ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ حَيْضًا. وَالْمُعْتَادَةُ بِخَمْسَةٍ مَثَلًا إذَا رَأَتْ الدَّمَ حِينَ طَلَعَ نِصْفُهُ وَانْقَطَعَ فِي الْحَادِيَ عَشَرَ حِينَ طَلَعَ ثُلُثَاهُ فَالزَّائِدُ عَلَى الْخَمْسَةِ اسْتِحَاضَةٌ؛ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ بِقَدْرِ السُّدُسِ. اهـ أَيْ سُدُسِ الْقُرْصِ (قَوْلُهُ وَالزَّائِدُ عَلَى أَكْثَرِهِ) أَيْ فِي حَقِّ الْمُبْتَدَأَةِ، أَمَّا الْمُعْتَادَةُ فَمَا زَادَ عَلَى عَادَتِهَا وَيُجَاوِزُ الْعَشَرَةَ فِي الْحَيْضِ وَالْأَرْبَعِينَ فِي النِّفَاسِ يَكُونُ اسْتِحَاضَةً كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوْ عَلَى الْعَادَةِ إلَخْ. أَمَّا إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الْأَكْثَرَ فِيهِمَا، فَهُوَ انْتِقَالٌ لِلْعَادَةِ فِيهِمَا، فَيَكُونُ حَيْضًا وَنِفَاسًا رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَآيِسَةٌ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ دَمًا خَالِصًا عَلَى مَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَوْ قَبْلَ خُرُوجِ أَكْثَرِ الْوَلَدِ) حَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ وَلَوْ بَعْدَ خُرُوجِ أَقَلِّ الْوَلَدِ (قَوْلُهُ اسْتِحَاضَةٌ) خَبَرُ قَوْلِهِ وَالنَّاقِصُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ إلَخْ) أَيْ الْفَاصِلُ بَيْنَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَقَلَّ الطُّهْرِ الْفَاصِلِ بَيْنَ النِّفَاسَيْنِ وَذَلِكَ نِصْفُ حَوْلٍ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ أَوْ النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ فِيهَا لَا يَفْصِلُ عِنْدَ الْإِمَامِ سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، فَلَا يَكُونُ الدَّمُ الثَّانِي حَيْضًا كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَغْرَقَ الْعُمُرَ) صَادِقٌ بِثَلَاثِ صُوَرٍ: الْأُولَى - أَنْ تَبْلُغَ بِالسِّنِّ وَتَبْقَى بِلَا دَمٍ طُولَ عُمُرِهَا، فَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ أَبَدًا، وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ. الثَّانِيَةُ - أَنْ تَرَى الدَّمَ عِنْدَ الْبُلُوغِ، أَوْ بَعْدَهُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ يَسْتَمِرُّ انْقِطَاعُهُ، وَحُكْمُهَا كَالْأُولَى. الثَّالِثَةُ - أَنْ تَرَى مَا يَصْلُحُ حَيْضًا ثُمَّ يَسْتَمِرَّ انْقِطَاعُهُ، وَحُكْمُهَا كَالْأُولَى، إلَّا أَنَّهَا لَا تَنْقَضِي لَهَا عِدَّةٌ إلَّا بِالْحَيْضِ إنْ طَرَأَ الْحَيْضُ عَلَيْهَا قَبْلَ سِنِّ الْإِيَاسِ، وَإِنْ لَمْ يَطْرَأْ فَبِالْأَشْهُرِ مِنْ ابْتِدَاءِ سِنِّ الْإِيَاسِ كَمَا فِي الْعِدَّةِ. اهـ ح (قَوْلُهُ فَيُحَدُّ) الْفَاءُ فَصِيحَةٌ: أَيْ إذَا عَلِمْت أَنَّ الطُّهْرَ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ إلَّا فِي زَمَنِ اسْتِمْرَارِ الدَّمِ فَيُحَدُّ إلَخْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ تَقْيِيدَهُ بِالْعِدَّةِ خَاصٌّ بِالْمُحَيَّرَةِ وَتَقْيِيدَهُ بِالشَّهْرَيْنِ خَاصٌّ بِهَا وَبِالْمُعْتَادَةِ فِي بَعْضِ صُوَرِهَا كَمَا يَظْهَرُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) مُقَابِلُهُ أَقْوَالٌ. فَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمُحِيطِ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ عَشْرَةَ دَمًا وَسَنَةً طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ. قَالَ أَبُو عِصْمَةَ: حَيْضُهَا وَطُهْرُهَا مَا رَأَتْ، حَتَّى إنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي إذَا طَلُقَتْ بِثَلَاثِ سِنِينَ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا. وَقَالَ الْإِمَامُ الْمَيْدَانِيُّ: بِتِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا إلَّا ثَلَاثَ سَاعَاتٍ لِجَوَازِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ، فَتَحْتَاجُ لِثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ كُلُّ طُهْرٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً، وَكُلُّ حَيْضَةٍ عَشْرَةُ أَيَّامٍ. وَقِيلَ طُهْرُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً وَالْحَاكِمُ الشَّهِيدُ قَدَّرَهُ بِشَهْرَيْنِ؛ وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ. اهـ. قُلْت: وَفِي الْعِنَايَةِ أَنَّ قَوْلَ الْمَيْدَانِيِّ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: هُوَ الْمُخْتَارُ؛ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُعْتَادَةَ لَا مُطْلَقًا، بَلْ فِي صُورَةِ مَا إذَا كَانَ طُهْرُهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ، وَلَا فِي الْمُبْتَدَأَةِ الَّتِي اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَاحْتِيجَ إلَى نِصْفِ عَادَةٍ لَهَا فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهَا كَمَا يَأْتِي خِلَافًا لِمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 وَعَمَّ كَلَامُهُ الْمُبْتَدَأَةَ وَالْمُعْتَادَةَ. وَمَنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا وَتُسَمَّى الْمُحَيَّرَةَ وَالْمُضَلَّةَ؛ وَإِضْلَالُهَا إمَّا بِعَدَدٍ أَوْ بِمَكَانٍ   [رد المحتار] مَبْحَثٌ فِي مَسَائِلِ الْمُتَحَيِّرَةِ (قَوْلُهُ وَعَمَّ كَلَامُهُ الْمُبْتَدَأَةَ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْكَوِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي الْحَيْضِ: الْمُبْتَدَأَةُ مَنْ كَانَتْ فِي أَوَّلِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ. وَالْمُعْتَادَةُ: مَنْ سَبَقَ مِنْهَا دَمٌ وَطُهْرٌ صَحِيحَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا. وَالْمُضَلَّةُ وَتُسَمَّى الضَّالَّةُ وَالْمُتَحَيِّرَةُ: مَنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا، ثُمَّ قَالَ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ فِي الِاسْتِمْرَارِ: إذَا وَقَعَ فِي الْمُبْتَدَأَةِ فَحَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ عَشْرَةٌ وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ، ثُمَّ ذَلِكَ دَأْبُهَا وَنِفَاسُهَا أَرْبَعُونَ ثُمَّ عِشْرُونَ طُهْرُهَا إذْ لَا يَتَوَالَى نِفَاسٌ وَحَيْضٌ، ثُمَّ عَشْرَةٌ حَيْضُهَا ثُمَّ ذَلِكَ دَأْبُهَا، وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمُعْتَادَةِ فَطُهْرُهَا وَحَيْضُهَا مَا اعْتَادَتْ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إنْ كَانَ طُهْرُهَا أَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَإِلَّا فَتُرَدُّ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً وَحَيْضُهَا بِحَالِهِ، وَإِنْ رَأَتْ مُبْتَدَأَةٌ دَمًا وَطُهْرًا صَحِيحَيْنِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ تَكُونُ مُعْتَادَةً وَعَلِمْت حُكْمَهَا. مِثَالُهُ: مُرَاهِقَةٌ رَأَتْ خَمْسَةً دَمًا وَأَرْبَعِينَ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ حَيْضٌ لَا تُصَلِّي وَلَا تَصُومُ وَلَا تُوطَأُ وَكَذَا سَائِرُ أَحْكَامِ الْحَيْضِ، ثُمَّ الْأَرْبَعُونَ طُهْرُهَا، تَفْعَلُ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ وَغَيْرَهَا مِنْ أَحْكَامِ الطَّهَارَاتِ. ثُمَّ قَالَ فِي فَصْلِ الْمُتَحَيِّرَةِ: وَلَا يُقَدَّرُ طُهْرُهَا وَحَيْضُهَا إلَّا فِي حَقِّ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ، فَيُقَدَّرُ حَيْضُهَا بِعَشْرَةٍ وَطُهْرُهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً، فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِتِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَعَشْرَةِ أَيَّامٍ غَيْرِ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ إذَا اسْتَمَرَّ دَمُهَا فَحَيْضُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ عَشْرَةٌ وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ كَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ، بَلْ نَقَلَ نُوحٌ أَفَنْدِي الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، خِلَافًا لِمَا فِي الْإِمْدَادِ مِنْ أَنَّ طُهْرَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ، وَالْمُعْتَادَةُ تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا فِي الطُّهْرِ مَا لَمْ يَكُنْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ غَيْرَ سَاعَةٍ كَالْمُتَحَيِّرَةِ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ فَقَطْ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ الْمَيْدَانِيِّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فَتُرَدُّ إلَى شَهْرَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. وَظَهَرَ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالشَّهْرَيْنِ أَوْ بِالسِّتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً خَاصٌّ بِالْمُتَحَيِّرَةِ وَالْمُعْتَادَةِ الَّتِي طُهْرُهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ. أَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ وَالْمُعْتَادَةُ الَّتِي طُهْرُهَا دُونَ ذَلِكَ فَلَيْسَا كَذَلِكَ. وَأَنَّ تَقْدِيرَ الطُّهْرِ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ لِأَجْلِ الْعِدَّةِ فَقَطْ. وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَمْ يُقَيِّدُوا طُهْرَهَا بِكَوْنِهِ لِلْعِدَّةِ، بَلْ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْمُعْتَادَةِ أَنَّ طُهْرَهَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا خِلَافُ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ فَافْهَمْ. [تَتِمَّةٌ] لَمْ أَرَ مَا لَوْ رَأَتْ الْمُتَحَيِّرَةُ فِي الْعِدَدِ وَالْمَكَانِ أَقَلَّ الطُّهْرِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهَا فِي الِاسْتِمْرَارِ حُكْمُ الْمُبْتَدَأَةِ (قَوْلُهُ إمَّا بِعِدَدٍ) أَيْ عِدَدِ أَيَّامِهَا فِي الْحَيْضِ مَعَ عِلْمِهَا بِمَكَانِهَا مِنْ الشَّهْرِ أَنَّهَا فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ مَثَلًا. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِنْ عَلِمْت أَنَّهَا تَطْهُرُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ وَلَمْ تَدْرِ عَدَدَ أَيَّامِهَا تَوَضَّأَتْ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ إلَى الْعِشْرِينَ؛ لِأَنَّهَا تَتَيَقَّنُ الطُّهْرَ فِيهَا ثُمَّ فِي سَبْعَةٍ بَعْدَهَا تَتَوَضَّأُ كَذَلِكَ لِلشَّكِّ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، وَتَتْرُكُ الصَّلَاةَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ لِتَيَقُّنِهَا بِالْحَيْضِ فِيهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ لِعِلْمِهَا بِالْخُرُوجِ مِنْ الْحَيْضِ فِيهِ، وَإِنْ عَلِمْت أَنَّهَا تَرَى الدَّمَ إذَا جَاوَزَ الْعِشْرِينَ وَلَمْ تَدْرِ كَمْ كَانَتْ أَيَّامُهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ ثَلَاثَةً بَعْدَ الْعِشْرِينَ ثُمَّ تُصَلِّي بِالْغُسْلِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ. اهـ وَمِثْلُهُ فِي رِسَالَةِ الْبِرْكَوِيِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ بِمَكَانٍ) أَيْ عَلِمَتْ عَدَدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا وَنَسِيَتْ مَكَانَهَا عَلَى التَّعْيِينِ، وَالْأَصْلُ أَنَّهَا إذَا أَضَلَّتْ أَيَّامَهَا فِي ضِعْفِهَا أَوْ أَكْثَرَ فَلَا تَيَقُّنَ فِي يَوْمٍ مِنْهَا بِحَيْضٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَضَلَّتْ فِي أَقَلَّ مِنْ الضِّعْفِ؛ مَثَلًا إذَا أَضَلَّتْ ثَلَاثَةً فِي خَمْسَةٍ تَتَيَقَّنُ بِالْحَيْضِ فِي الثَّالِثِ فَإِنَّهُ أَوَّلُ الْحَيْضِ أَوْ آخِرُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 أَوْ بِهِمَا، كَمَا بُسِطَ فِي الْبَحْرِ وَالْحَاوِي وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا تَتَحَرَّى، وَمَتَى تَرَدَّدَتْ بَيْنَ حَيْضٍ وَدُخُولٍ فِيهِ وَطُهْرٍ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَإِنْ بَيْنَهُمَا وَالدُّخُولِ فِيهِ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ   [رد المحتار] فَنَقُولُ: إنْ عَلِمَتْ أَنَّ أَيَّامَهَا ثَلَاثَةٌ فَأَضَلَّتْهَا فِي الْعَشَرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الشَّهْرِ وَلَا تَدْرِي فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ الْعَشَرَةِ وَلَا رَأْيَ لَهَا فِي ذَلِكَ تُصَلِّي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الْعَشَرَةِ بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ ثُمَّ تُصَلِّي بَعْدَهَا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ بِالْغُسْلِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْحَيْضِ وَإِنْ أَرْبَعَةً فِي عَشْرَةٍ تُصَلِّي أَرْبَعَةً مِنْ أَوَّلِ الْعَشَرَةِ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ بِالِاغْتِسَالِ إلَى آخِرِ الْعَشَرَةِ لِمَا قُلْنَا وَقِسْ عَلَيْهِ الْخَمْسَةَ؛ وَإِنْ سِتَّةً فِي عَشْرَةٍ تَتَيَقَّنُ بِالْحَيْضِ فِي الْخَامِسِ وَالسَّادِسِ، فَتَتْرُكُ فِيهِمَا الصَّلَاةَ وَتُصَلِّي فِي الْأَرْبَعَةِ الَّتِي قَبْلَهُمَا بِالْوُضُوءِ وَفِي الَّتِي بَعْدَهُمَا بِالْغُسْلِ، وَإِنْ سَبْعَةً فِي عَشْرَةٍ تَتَيَقَّنُ بِالْحَيْضِ فِي أَرْبَعَةٍ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ؛ وَإِنْ ثَمَانِيَةً فِيهَا تَتَيَقَّنُ بِهِ فِي سِتَّةٍ بَعْدَ الْأَوَّلَيْنِ. وَإِنْ تِسْعَةً فِيهَا تَتَيَقَّنُ بِهِ فِي ثَمَانِيَةٍ بَعْدَ الْأَوَّلِ، فَتَتْرُكُ الصَّلَاةَ فِي الْمُتَيَقَّنِ وَتُصَلِّي بِالْوُضُوءِ فِيمَا قَبْلَهُ وَبِالْغُسْلِ فِيمَا بَعْدَهُ لِمَا قُلْنَا بِرْكَوِيٌّ وتتارخانية (قَوْلُهُ أَوْ بِهِمَا) أَيْ الْعِدَدِ وَالْمَكَانِ، بِأَنْ لَمْ تَعْلَمْ عَدَدَ أَيَّامِهَا وَلَا مَكَانَهَا مِنْ الشَّهْرِ، وَحُكْمُهَا مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَحَاصِلُهُ إلَخْ) أَيْ حَاصِلُ حُكْمِ الْمُضَلَّةِ بِأَنْوَاعِهَا فَقَدْ صَرَّحَ الْبِرْكَوِيُّ بِأَنَّهُ حُكْمُ الْإِضْلَالِ الْعَامِّ (قَوْلُهُ أَنَّهَا تَتَحَرَّى) أَيْ إنْ وَقَعَ تَحَرِّيهَا عَلَى طُهْرٍ تُعْطَى حُكْمَ الطَّاهِرَاتِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى حَيْضٍ تُعْطَى حُكْمَهُ. اهـ ح أَيْ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَمَتَى تَرَدَّدَتْ) أَيْ إنْ لَمْ يَغْلِبْ ظَنُّهَا عَلَى شَيْءٍ فَعَلَيْهَا الْأَخْذُ بِالْأَحْوَطِ فِي الْأَحْكَامِ بِرْكَوِيٌّ (قَوْلُهُ بَيْنَ حَيْضٍ إلَخْ) أَيْ لَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَهَا أَنَّهَا مُتَلَبِّسَةٌ بِالْحَيْضِ أَوْ أَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِيهِ أَوْ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ بَلْ تَسَاوَتْ الثَّلَاثَةُ فِي ظَنِّهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَدُخُولٌ فِيهِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، لِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ) ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا احْتَمَلَ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ وَأَنَّهَا حَائِضٌ فَقَدْ اسْتَوَى فِعْلُ الصَّلَاةِ وَتَرْكُهَا فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَالْبَابُ بَابُ الْعِبَادَةِ، فَيُحْتَاطُ فِيهَا وَتُصَلِّي؛ لِأَنَّهَا إنْ صَلَّتْهَا وَلَيْسَتْ عَلَيْهَا يَكُونُ خَيْرًا مِنْ أَنْ تَتْرُكَهَا وَهِيَ عَلَيْهَا تَتَارْخَانِيَّةٌ، ثُمَّ إنَّ عِبَارَةَ الْبَحْرِ والتتارخانية وَالْبِرْكَوِيَّةِ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ وَإِنْ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، قَوْلُهُ وَالدُّخُولُ فِيهِ: أَيْ فِي الطُّهْرِ، وَعَبَّرَ فِي الْبَحْرِ بِالْخُرُوجِ عَنْ الْحَيْضِ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. وَمِثَالُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا: امْرَأَةٌ تَذْكُرُ أَنَّ حَيْضَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةٌ وَانْقِطَاعُهُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ وَلَا تَذْكُرُ غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ تَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَفِي الثَّانِي بَيْنَهُمَا وَالدُّخُولِ فِي الطُّهْرِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ تَذْكُرْ شَيْئًا أَصْلًا فَهِيَ مُرَدَّدَةٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ التَّرَدُّدِ بَيْنَهُمَا وَالدُّخُولِ فِي الطُّهْرِ (قَوْلُهُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ) لِجَوَازِ أَنَّهُ وَقْتُ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَيْضِ وَالدُّخُولِ فِي الطُّهْرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي سَهْلٍ أَنَّهَا إذَا اغْتَسَلَتْ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ وَصَلَّتْ ثُمَّ اغْتَسَلَتْ فِي وَقْتِ الْأُخْرَى أَعَادَتْ الْأُولَى قَبْلَ الْوَقْتِيَّةِ، وَهَكَذَا تَصْنَعُ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ احْتِيَاطًا. اهـ لِاحْتِمَالِ حَيْضِهَا فِي وَقْتِ الْأُولَى وَطُهْرِهَا قَبْلَ خُرُوجِهِ، فَيَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ احْتِيَاطًا، وَاخْتَارَهُ الْبِرْكَوِيُّ. [تَنْبِيهٌ] تَعْبِيرُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْبَحْرِ وَالْبَدَائِعِ، وَعَبَّرَ الْبِرْكَوِيُّ فِي رِسَالَتِهِ بِقَوْلِهِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ وَقَالَ فِي حَوَاشِيهِ عَلَيْهَا هَذَا اسْتِحْسَانُ وَالْقِيَاسُ أَنْ تَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ سَاعَةٍ إلَّا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ وَقْتُ خُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمُحِيطِ وَالنَّسَفِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَفِيمَا قَالَاهُ حَرَجٌ بَيِّنٌ مَعَ أَنَّ الِاحْتِمَالَ بَاقٍ بِمَا قَالَاهُ لِجَوَازِ الِانْقِطَاعِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَ الْغُسْلِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا، فَاخْتَرْنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 وَتَتْرُكُ غَيْرَ مُؤَكَّدَةٍ وَمَسْجِدًا وَجِمَاعًا وَتَصُومُ رَمَضَانَ، ثُمَّ تَقْضِي عِشْرِينَ يَوْمًا إنْ عَلِمَتْ بِدَايَتَهُ لَيْلًا وَإِلَّا فَاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ وَتَطُوفُ لِرُكْنٍ ثُمَّ تُعِيدُهُ بَعْدَ عَشْرَةٍ وَلِصَدَرٍ وَلَا تُعِيدُهُ، وَتَعْتَدُّ لِطَلَاقٍ بِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ (وَمَا تَرَاهُ) مِنْ لَوْنٍ كَكُدْرَةٍ وَتَرْبِيَةٍ (فِي مُدَّتِهِ) الْمُعْتَادَةِ (سِوَى بَيَاضٍ خَالِصٍ) قِيلَ هُوَ شَيْءٌ يُشْبِهُ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ   [رد المحتار] الِاسْتِحْسَانَ، وَقَدْ قَالَ بِهِ الْبَعْضُ، وَقَدَّمَهُ بُرْهَانُ الدِّينِ فِي الْمُحِيطِ وَتَدَارَكْنَا ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ بِاخْتِيَارِ قَوْلِ أَبِي سَهْلٍ أَنَّهَا تُعِيدُ كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِ أُخْرَى قَبْلَ الْوَقْتِيَّةِ، فَتَتَيَقَّنُ بِالطَّهَارَةِ فِي إحْدَاهُمَا لَوْ وَقَعَتْ فِي طُهْرٍ. اهـ. أَقُولُ: وَهُوَ تَحْقِيقٌ بِالْقَبُولِ حَقِيقٌ (قَوْلُهُ وَتَتْرُكُ غَيْرَ مُؤَكَّدَةٍ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَإِنْ بَيْنَهُمَا إلَخْ ذَكَرَهُ ح وط. أَقُولُ: وَهُوَ تَخْصِيصٌ بِلَا مُخَصِّصٍ إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ وَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ فَلْيُرَاجَعْ، وَإِنَّمَا لَا تُتْرَكُ السُّنَنُ الْمُؤَكَّدَةُ وَمِثْلُهَا الْوَاجِبُ بِالْأَوْلَى لِكَوْنِهَا شُرِعَتْ جَبْرًا لِنُقْصَانٍ يُمْكِنُ فِي الْفَرَائِضِ، فَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الْفَرَائِضِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهَا تَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً قَصِيرَةً، وَتَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّحِيحِ، وَتَقْرَأُ الْقُنُوتَ وَسَائِرَ الدَّعَوَاتِ بِرْكَوِيَّةٌ وَغَيْرُهَا (قَوْلُهُ وَمَسْجِدًا وَجِمَاعًا) أَيْ تَتْرُكُهُمَا، بِأَنْ لَا تَدْخُلَ الْمَسْجِدَ أَيْ إلَّا لِطَوَافٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا بَعْدَهُ، وَلَا تُمَكِّنُ زَوْجَهَا مِنْ جِمَاعِهَا، وَكَذَا لَا تَمَسُّ الْمُصْحَفَ وَلَا تَصُومُ تَطَوُّعًا، وَإِنْ سَمِعَتْ سَجْدَةً فَسَجَدَتْ لِلْحَالِ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّهَا لَوْ طَاهِرَةً صَحَّ أَدَاؤُهَا وَإِلَّا لَمْ تَلْزَمْهَا، وَإِنْ أَخَّرَتْهَا أَعَادَتْهَا بَعْدَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ لِلتَّيَقُّنِ بِالْأَدَاءِ فِي الطُّهْرِ فِي إحْدَى الْمَرَّتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهَا صَلَاةٌ فَائِتَةٌ فَقَضَتْهَا فَعَلَيْهَا إعَادَتُهَا بَعْدَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ قَبْلَ أَنْ تَزِيدَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَإِلَّا اُحْتُمِلَ عَوْدُ حَيْضِهَا تَتَارْخَانِيَّةٌ وَبِرْكَوِيَّةٌ وَبَحْرٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ تَقْضِي عِشْرِينَ يَوْمًا) أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْحَيْضَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ فِي رَمَضَانَ وَعَشْرَةُ أَيَّامٍ فِي الْعِشْرِينَ الَّتِي قَضَتْهَا. اهـ ح (قَوْلُهُ إنْ عَلِمَتْ بِدَايَتَهُ لَيْلًا) ؛ لِأَنَّهُ إنْ بَدَأَ لَيْلًا خُتِمَ لَيْلًا وَبَيْنَ اللَّيْلَتَيْنِ عَشْرَةٌ، فَلَمْ يَفْسُدْ مِنْ صَوْمِهَا سِوَى عَشْرَةِ أَيَّامٍ فِي رَمَضَانَ وَعَشْرَةٍ فِي الْقَضَاءِ ح (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ عَلِمَتْ بِدَايَتَهُ نَهَارًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ بَدَأَ نَهَارًا خُتِمَ نَهَارَ حَادِي عَشَرَ الْأَوَّلِ، فَيَفْسُدُ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ صَوْمِهَا فِي رَمَضَانَ، وَمِثْلُهَا فِي الْقَضَاءِ ح. وَمِثْلُهُ مَا إذَا لَمْ تَعْلَمْ شَيْئًا كَمَا فِي الْخَزَائِنِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا إنْ عَلِمَتْ أَنَّهَا تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ، أَوْ عَلِمَتْ أَنَّهُ بِالنَّهَارِ وَكَانَ رَمَضَانُ كَامِلًا قَضَتْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ إنْ قَضَتْ مَوْصُولًا بِرَمَضَانَ: أَيْ فِي ثَانِي شَوَّالٍ وَإِنْ مَفْصُولًا فَثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثِينَ، وَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا تَقْضِي فِي الْوَصْلِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَفِي الْفَصْلِ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ، وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِاللَّيْلِ. وَالشَّهْرُ كَامِلٌ تَقْضِي فِي الْوَصْلِ وَالْفَصْلِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا فَفِي الْوَصْلِ عِشْرِينَ وَفِي الْفَصْلِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَتَمَامُ الْمَسَائِلِ فِي الْبِرْكَوِيَّةِ وَتَوْجِيهُهَا فِي شَرْحِنَا عَلَيْهَا، وَكَذَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ فِيهِ تَحْرِيفٌ وَسَقْطٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. (قَوْلُهُ وَلِصَدَرٍ) بِالتَّحْرِيكِ: هُوَ طَوَافُ الْوَدَاعِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى غَيْرِ الْمَكِّيِّ، وَسَكَتَ عَنْ طَوَافِ التَّحِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَتَتْرُكُهُ (قَوْلُهُ وَلَا تُعِيدُهُ) ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ طَاهِرَةً فَقَدْ سَقَطَ، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَتَعْتَدُّ لِطَلَاقٍ) وَقِيلَ لَا يُقَدَّرُ لِعِدَّتِهَا طُهْرٌ وَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا أَبَدًا (قَوْلُهُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ السَّابِقِ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ أَنَّهُ يُقَدَّرُ طُهْرُهَا لِلْعِدَّةِ بِشَهْرَيْنِ؛ فَتَنْقَضِي بِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ لِاحْتِيَاجِهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَثَلَاثِ حَيْضَاتٍ بِشَهْرٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 (وَلَوْ) الْمَرْئِيُّ (طُهْرًا مُتَخَلِّلًا)   [رد المحتار] وَكَتَبَ الشَّارِحُ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْبَحْرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّهْرِ. اهـ لَكِنْ فِي السِّرَاجِ عَنْ الصَّيْرَفِيِّ: إنَّمَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةِ أَيَّامٍ إلَّا سَاعَةً؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ فَلَا يُحْتَسَبُ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ فَتَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةُ أَيَّامٍ إلَّا سَاعَةً، وَهِيَ السَّاعَةُ الَّتِي مَضَتْ مِنْ الْحَيْضِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ. (قَوْلُهُ كَكُدْرَةٍ وَتَرْبِيَةٍ) اعْلَمْ أَنَّ أَلْوَانَ الدِّمَاءِ سِتَّةٌ: هَذَانِ وَالسَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ وَالْخَضِرَةُ. ثُمَّ الْكُدْرَةُ مَا هُوَ كَالْمَاءِ الْكَدِرِ، وَالتُّرْبِيَّةُ نَوْعٌ مِنْ الْكُدْرَةِ عَلَى لَوْنِ التُّرَابِ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا بِغَيْرِ هَمْزَةٍ نِسْبَةً إلَى التُّرْبِ بِمَعْنَى التُّرَابِ، وَالصُّفْرَةُ كَصُفْرَةِ الْقَزِّ وَالتِّبْنِ أَوْ السِّنِّ عَلَى الِاخْتِلَافِ؛ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ حَالَةُ الرُّؤْيَةِ لَا حَالَةُ التَّغَيُّرِ؛ كَمَا لَوْ رَأَتْ بَيَاضًا فَاصْفَرَّ بِالْيُبْسِ أَوْ رَأَتْ حُمْرَةً أَوْ صُفْرَةً فَابْيَضَّتْ بِالْيُبْسِ. وَأَنْكَرَ أَبُو يُوسُفَ الْكُدْرَةَ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ دُونَ آخِرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ الْخُضْرَةَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا حَيْضٌ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ دُونَ الْآيِسَةِ. وَبَعْضُهُمْ قَالَ: فِيمَا عَدَا السَّوَادَ وَالْحُمْرَةَ لَوْ وَجَدَتْهُ عَجُوزٌ عَلَى الْكُرْسُفِ فَهُوَ حَيْضٌ إنْ كَانَتْ مُدَّةُ وَضْعِهِ قَرِيبَةً وَإِلَّا فَلَا. مَطْلَبٌ لَوْ أَفْتَى مُفْتٍ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي مَوَاضِعِ الضَّرُورَةِ طَلَبًا لِلتَّيْسِيرِ كَانَ حَسَنًا وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ فَخْرِ الْأَئِمَّةِ: لَوْ أَفْتَى مُفْتٍ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي مَوَاضِعِ الضَّرُورَةِ طَلَبًا لِلتَّيْسِيرِ كَانَ حَسَنًا. اهـ وَخَصَّهُ بِالضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْوَانَ كُلَّهَا حَيْضٌ فِي أَيَّامِهِ لِمَا فِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ " كَانَتْ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ لِتَنْظُرَ إلَيْهِ فَتَقُولُ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضِ " اهـ وَالدُّرْجَةُ: بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِ الْجِيمِ خِرْقَةٌ وَنَحْوُهَا تُدْخِلُهَا الْمَرْأَةُ فِي فَرْجِهَا لِتَعْرِفَ أَزَالَ الدَّمُ أَمْ لَا. وَالْقَصَّةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الصَّاد الْمُهْمَلَةِ الْجَصَّةُ؛ وَالْمَعْنَى أَنْ تَخْرُجَ الدُّرْجَةُ كَأَنَّهَا قَصَّةٌ لَا يُخَالِطُهَا صُفْرَةٌ وَلَا تُرْبِيَّةٌ؛ وَهُوَ مَجَازٌ عَنْ الِانْقِطَاعِ. وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ: وَضْعُ الْكُرْسُفِ مُسْتَحَبٌّ لِلْبِكْرِ فِي الْحَيْضِ وَلِلثَّيِّبِ فِي كُلِّ حَالٍ، وَمَوْضِعُهُ مَوْضِعُ الْبَكَارَةِ، وَيُكْرَهُ فِي الْفَرْجِ الدَّاخِلِ. اهـ. وَفِي غَيْرِهِ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِلثَّيِّبِ فِي الْحَيْضِ مُسْتَحَبٌّ فِي الطُّهْرِ، وَلَوْ صَلَّتَا بِدُونِهِ جَازَ. اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. وَالْكُرْسُفُ: بِضَمِّ الْكَافِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ الْقُطْنُ. وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ: مَا يُوضَعُ عَلَى فَمِ الْفَرْجِ (قَوْلُهُ فِي مُدَّتِهِ) احْتِرَازٌ عَمَّا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ، وَكَذَا الْآيِسَةُ فِي كُلِّ مَا تَرَاهُ مُطْلَقًا أَوْ سِوَى الدَّمِ الْخَالِصِ عَلَى مَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ الْمُعْتَادَةُ) احْتِرَازٌ عَمَّا زَادَ عَلَى الْعَادَةِ وَجَاوَزَ الْعَشَرَةَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ الْمَرْئِيُّ طُهْرًا إلَخْ) مُرَادُهُمْ بِالطُّهْرِ هُنَا النَّقَاءُ بِالْمَدِّ: أَيْ عَدَمُ الدَّمِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إذَا كَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ يَكُونُ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ فِي الْحَيْضِ اتِّفَاقًا فَمَا بَلَغَ مِنْ كُلٍّ مِنْ الدَّمَيْنِ نِصَابًا جُعِلَ حَيْضًا، وَأَنَّهُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَكُونُ فَاصِلًا وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الدَّمَيْنِ اتِّفَاقًا. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ عَلَى سِتَّةِ أَقْوَالٍ كُلُّهَا رُوِيَتْ عَنْ الْإِمَامِ أَشْهُرُهَا ثَلَاثَةٌ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 بَيْنَ الدَّمَيْنِ (فِيهَا حَيْضٌ) ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِأَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ فَلْيُحْفَظْ. ثُمَّ ذَكَرَ أَحْكَامَهُ بِقَوْلِهِ (يَمْنَعُ صَلَاةً)   [رد المحتار] الْأُولَى - قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ: إنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ لَا يَفْصِلُ، بَلْ يَكُونُ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي بِشَرْطِ إحَاطَةِ الدَّمِ لِطَرَفَيْ الطُّهْرِ الْمُتَخَلِّلِ، فَيَجُوزُ بِدَايَةُ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ وَخَتْمُهُ بِهِ أَيْضًا، فَلَوْ رَأَتْ مُبْتَدَأَةٌ يَوْمًا دَمًا وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ الْأُولَى حَيْضٌ، وَلَوْ رَأَتْ الْمُعْتَادَةُ قَبْلَ عَادَتِهَا يَوْمًا دَمًا وَعَشْرَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ الَّتِي لَمْ تَرَ فِيهَا الدَّمَ حَيْضٌ إنْ كَانَتْ عَادَتَهَا وَإِلَّا رُدَّتْ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا. الثَّانِيَةُ: أَنَّ الشَّرْطَ إحَاطَةُ الدَّمِ لِطَرَفَيْ مُدَّةِ الْحَيْضِ، فَلَا يَجُوزُ بِدَايَةُ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ وَلَا خَتْمُهُ بِهِ؛ فَلَوْ رَأَتْ مُبْتَدَأَةٌ يَوْمًا دَمًا وَثَمَانِيَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ؛ وَلَوْ رَأَتْ مُعْتَادَةٌ قَبْلَ عَادَتِهَا يَوْمًا دَمًا وَتِسْعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا، وَكَذَا النِّفَاسُ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ. الثَّالِثَةُ: قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَكُونَ الطُّهْرُ مِثْلَ الدَّمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ، فَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ فَصَلَ، لَكِنْ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي كُلٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا فَالسَّابِقُ حَيْضٌ، وَلَوْ فِي أَحَدِهِمَا فَهُوَ الْحَيْضُ وَالْآخَرُ اسْتِحَاضَةٌ، وَإِلَّا فَالْكُلُّ اسْتِحَاضَةٌ. وَلَا يَجُوزُ بَدْءُ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ وَلَا خَتْمُهُ بِهِ؛ فَلَوْ رَأَتْ مُبْتَدَأَةٌ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْأَرْبَعَةُ حَيْضٌ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ دُونَ ثَلَاثِ وَهُوَ لَا يَفْصِلُ اتِّفَاقًا كَمَا مَرَّ؛ وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ دَمًا فَالسِّتَّةُ حَيْضٌ لِلِاسْتِوَاءِ؛ وَلَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالثَّلَاثَةُ حَيْضٌ لِغَلَبَةِ الطُّهْرِ فَصَارَ فَاصِلًا وَالْمُتَقَدِّمُ أَمْكَنَ جَعْلُهُ حَيْضًا، هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَدْ صَحَّحَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي الْمَسْبُوطِ وَالْمُحِيطِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْهِدَايَةِ الْأَخْذُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَيْسَرُ. اهـ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَفْتَوْا بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي سِرَاجٌ، وَهُوَ الْأَوْلَى فَتْحٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخِرُ نِهَايَةٌ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ؛ فَفِي الْبَحْرِ قَدْ اخْتَارَهَا أَصْحَابُ الْمُتُونِ، لَكِنْ لَمْ تُصَحَّحْ فِي الشُّرُوحِ. [تَتِمَّةٌ] الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ فِي النِّفَاسِ لَا يَفْصِلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَيُجْعَلُ إحَاطَةُ الدَّمَيْنِ بِطَرَفَيْهِ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَعِنْدَهُمَا الْخَمْسَةَ عَشَرَ تَفْصِلُ، فَلَوْ رَأَتْ بَعْدَ الْوِلَادَةِ يَوْمًا دَمًا وَثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا؛ فَعِنْدَهُ الْأَرْبَعُونَ نِفَاسٌ وَعِنْدَهُمَا الدَّمُ الْأَوَّلُ؛ وَلَوْ رَأَتْ مَنْ بَلَغَتْ بِالْحَبَلِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ خَمْسَةً دَمًا ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ خَمْسَةً دَمًا ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ؛ فَعِنْدَهُ نِفَاسُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ؛ وَعِنْدَهُمَا نِفَاسُهَا الْخَمْسَةُ الْأُولَى وَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ، وَتَمَامُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ فِيهَا) أَيْ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ (قَوْلُهُ حَيْضٌ) خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَمَا تَرَاهُ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ) أَيْ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ فِي جَعْلِ الطُّهْرِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ حَيْضًا كَوْنُ الدَّمَيْنِ الْمُحِيطِينَ بِهِ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ لَا فِي مُدَّةِ الطُّهْرِ (قَوْلُهُ فَلْيُحْفَظْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ اخْتِيَارَ أَصْحَابِ الْمُتُونِ لَهُ تَرْجِيحٌ. أَقُولُ: لَكِنَّهُ تَصْحِيحٌ الْتِزَامِيٌّ؛ وَقَدْ صَرَّحَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ بِأَنَّ التَّصْحِيحَ الصَّرِيحَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِالْتِزَامِيِّ (قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ أَحْكَامَهُ) أَيْ بَعْضَهَا؛ وَإِلَّا فَقَدْ أَوْصَلَهَا فِي الْبَحْرِ إلَى اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ: مِنْهَا أَنْ يَمْنَعَ صِحَّةَ الطَّهَارَةِ إلَّا الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا التَّنْظِيفُ كَأَغْسَالِ الْحَجِّ، وَلَا يُحَرِّمُهَا لِقَوْلِهِمْ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ كُلَّ صَلَاةٍ وَتَقْعُدَ عَلَى مُصَلَّاهَا تُسَبِّحُ وَتُهَلِّلُ وَتُكَبِّرُ بِقَدْرِ أَدَائِهَا كَيْ لَا تَنْسَى عَادَتَهَا. وَفِي رِوَايَةٍ يُكْتَبُ لَهَا ثَوَابُ أَحْسَنِ صَلَاةٍ كَانَتْ تُصَلِّي، وَأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاعْتِكَافَ، وَيَمْنَعُ صِحَّتَهُ، وَيُفْسِدُهُ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ وَيَمْنَعُ وُجُوبَ طَوَافِ الصَّدَرِ، وَيُحَرِّمُ الطَّلَاقَ وَتَبْلُغُ بِهِ الصَّبِيَّةُ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءُ؛ وَيُوجِبُ الْغُسْلَ بِشَرْطِ الِانْقِطَاعِ، وَلَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالْفِطْرِ، بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَنَحْوِهَا، وَكُلُّ أَحْكَامِهِ تَتَعَلَّقُ بِالنِّفَاسِ إلَّا خَمْسَةً أَوْ سَبْعَةً عَلَى مَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ يَمْنَعُ) أَيْ الْحَيْضُ وَكَذَا النِّفَاسُ خَزَائِنُ (قَوْلُهُ صَلَاةَ) أَيْ يَمْنَعُ صِحَّتَهَا وَيُحَرِّمُهَا وَهَلْ يَمْنَعُ وُجُوبَهَا لِعَدَمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 مُطْلَقًا وَلَوْ سَجْدَةَ شُكْرٍ (وَصَوْمًا) وَجِمَاعًا (وَتَقْضِيهِ) لُزُومًا دُونَهَا لِلْحَرَجِ. وَلَوْ شَرَعَتْ تَطَوُّعًا فِيهِمَا فَحَاضَتْ قَضَتْهُمَا خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بَحْرٌ. وَفِي الْفَيْضِ: لَوْ نَامَتْ طَاهِرَةً وَقَامَتْ حَائِضَةً حُكِمَ بِحَيْضِهَا مُنْذُ قَامَتْ وَبِعَكْسِهِ مُنْذُ نَامَتْ احْتِيَاطًا. (وَ) يَمْنَعُ حِلَّ (دُخُولِ مَسْجِدٍ   [رد المحتار] فَائِدَته وَهِيَ الْأَدَاءُ أَوْ الْقَضَاءُ أَمْ لَا؟ وَتَسْقُطُ لِلْحَرَجِ خِلَافٌ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى الْأَوَّلِ، وَبَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا؛ لِأَنَّ مَنْعَ الشَّيْءِ مَنْعٌ لِأَبْعَاضِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَجْدَةَ شُكْرٍ) أَيْ أَوْ تِلَاوَةٍ فَيَمْنَعُ صِحَّتَهُمَا وَيُحَرِّمُهُمَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَصَوْمًا) أَيْ يُحَرِّمُهُ وَيَمْنَعُ صِحَّتَهُ لَا وُجُوبَهُ فَلِذَا تَقْضِيهِ (قَوْلُهُ وَجِمَاعًا) أَيْ يُحَرِّمُهُ، وَكَذَا مَا فِي حُكْمِهِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَتَقْضِيهِ) أَيْ الصَّوْمَ عَلَى التَّرَاخِي فِي الْأَصَحِّ خَزَائِنُ، وَعَزَاهُ فِي هَامِشِهَا إلَى مُنْلَا مِسْكِينٍ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ لِلْحَرَجِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ دُونَهَا: أَيْ؛ لِأَنَّ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ حَرَجًا بِتَكَرُّرِهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَتَكَرُّرُ الْحَيْضِ فِي كُلِّ شَهْرٍ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي السَّنَةِ شَهْرًا وَاحِدًا، وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. وَفِيهِ وَهَلْ يُكْرَهُ لَهَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ؟ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خ لَافَ الْأَوْلَى. قَالَ فِي النَّهْرِ: يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ: لَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بَدَلَ الْمَسْحِ كُرِهَ. اهـ تَأَمَّلْ. وَهَلْ يُكْرَهُ لَهَا التَّشَبُّهُ بِالصَّوْمِ أَمْ لَا؟ مَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَهَا حَرَامٌ فَالتَّشَبُّهُ بِهِ مِثْلُهُ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ وَالْقُعُودُ فِي مُصَلَّاهَا وَهُوَ تَشَبُّهٌ بِالصَّلَاةِ. اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَرَعَتْ تَطَوُّعًا فِيهِمَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ؛ أَمَّا الْفَرْضُ فَفِي الصَّوْمِ تَقْضِيهِ دُونَ الصَّلَاةِ وَإِنْ مَضَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يُمْكِنُهَا أَدَاؤُهَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَنَا لِآخِرِ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْمَنْبَعِ (قَوْلُهُ فَحَاضَتْ) أَيْ فِي أَثْنَائِهِمَا (قَوْلُهُ قَضَتْهُمَا) لِلُزُومِهِمَا بِالشُّرُوعِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاءُ نَفْلِ الصَّلَاةِ لَا نَفْلَ الصَّوْمِ ط (قَوْلُهُ بَحْرٌ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ: وَالطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فِي الْمُدَّةِ حَيْضٌ وَنِفَاسٌ؛ وَنَقَلَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا عَنْ الْبَدَائِعِ وَالنِّهَايَةِ والإسبيجابي؛ ثُمَّ قَالَ: فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَبِعَكْسِهِ) أَيْ عَكْسِ التَّصْوِيرِ الْمَذْكُورِ، بِأَنْ نَامَتْ حَائِضًا وَقَامَتْ طَاهِرَةً: أَيْ وَضَعَتْ الْكُرْسُفَ وَنَامَتْ فَلَمَّا أَصْبَحَتْ رَأَتْ عَلَيْهِ الطُّهْرَ لَا عَكْسُ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ مُنْذُ نَامَتْ: أَيْ حُكِمَ بِحَيْضِهَا مِنْ حِينِ نَامَتْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ احْتِيَاطًا) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ، فَتَقْضِي الْعِشَاءَ فِيهِمَا إنْ لَمْ تَكُنْ صَلَّتْهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ؛ حَتَّى لَوْ نَامَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْوَقْتِ ثُمَّ انْتَبَهَتْ بَعْدَ خُرُوجِهِ حَائِضًا يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَاهَا طَاهِرَةً فِي آخِرِ الْوَقْتِ حَيْثُ لَمْ نَحْكُمْ بِحَيْضِهَا إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ، وَلَوْ نَامَتْ حَائِضًا وَانْتَبَهَتْ طَاهِرَةً بَعْدَ الْوَقْتِ يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ الَّتِي نَامَتْ عَنْهَا؛ لِأَنَّا جَعَلْنَاهَا طَاهِرَةً مِنْ حِينِ نَامَتْ، وَحَيْثُ حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهَا فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَلِأَنَّ الدَّمَ حَادِثٌ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يُضَافَ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ فَتُجْعَلُ حَائِضًا مُنْذُ قَامَتْ؛ وَالِانْقِطَاعُ عَدَمٌ وَهُوَ الْأَصْلُ فَلَا يُحْكَمُ بِخِلَافِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَمْ يُعْلَمْ دُرُورُ الدَّمِ فِي نَوْمِهَا فَجُعِلَتْ طَاهِرَةً مُنْذُ نَامَتْ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي الْوَجْهَيْنِ لَا فِي الْعَكْسِ فَقَطْ رَحْمَتِيٌّ فَافْهَمْ، نَعَمْ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ وَبِعَكْسِهِ مُذْ نَامَتْ إيهَامٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِأَنَّهَا كَانَتْ حَائِضًا حِينَ نَوْمِهَا وَطَهُرَتْ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَلَوْ قَالَ حُكِمَ بِطُهْرِهَا مُذْ نَامَتْ وَكَذَا فِي عَكْسِهِ لَكَانَ أَوْضَحَ (قَوْلُهُ وَيَمْنَعُ حِلَّ) قَدَّرَ لَفْظَةَ حِلٍّ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ الْمَنْعُ فِيهِ مِنْ الْحِلِّ وَالصِّحَّةِ فَلِذَا أَطْلَقَ الْمَنْعَ فِيهِ (قَوْلُهُ دُخُولِ مَسْجِدٍ) أَيْ وَلَوْ الْمَسْجِدُ مَدْرَسَةً أَوْ دَارًا لَا يَمْنَعُ أَهْلُهُمَا النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ وَكَانَا لَوْ أُغْلِقَا يَكُونُ لَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ وَإِلَّا فَلَا تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْمَسْجِدِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَحْثِ الْغُسْلِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْقُنْيَةِ. وَخَرَجَ مُصَلَّى الْعِيدِ وَالْجِنَازَةِ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 وَ) حِلَّ (الطَّوَافُ) وَلَوْ بَعْدَ دُخُولِهَا الْمَسْجِدَ وَشُرُوعِهَا فِيهِ (وَقُرْبَانُ مَا تَحْتَ إزَارٍ) يَعْنِي مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ وَلَوْ بِلَا شَهْوَةٍ، وَحَلَّ مَا عَدَاهُ مُطْلَقًا. وَهَلْ يَحِلُّ النَّظَرُ وَمُبَاشَرَتُهَا لَهُ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ (وَقِرَاءَةُ قُرْآنٍ) بِقَصْدِهِ (وَمَسُّهُ) وَلَوْ مَكْتُوبًا بِالْفَارِسِيَّةِ فِي الْأَصَحِّ (وَإِلَّا بِغِلَافِهِ) الْمُنْفَصِلِ كَمَا مَرَّ (وَكَذَا) يُمْنَعُ (حَمْلُهُ) كَلَوْحٍ وَوَرَقٍ فِيهِ آيَةٌ.   [رد المحتار] فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ مَعَ عَدَمِ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ، وَأَفَادَ مَنْعَ الدُّخُولِ وَلَوْ لِلْمُرُورِ، وَقَدَّمَ فِي الْغُسْلِ تَقْيِيدَهُ بِعَدَمِ الضَّرُورَةِ بِأَنْ كَانَ بَابُهُ إلَى الْمَسْجِدِ وَلَا يُمْكِنُهُ تَحْوِيلُهُ وَلَا السُّكْنَى فِي غَيْرِهِ، وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الظَّاهِرَ حِينَئِذٍ أَنَّهُ يَجِبُ التَّيَمُّمُ لِلْمُرُورِ أَخْذًا مِمَّا فِي الْعِنَايَةِ عَنْ الْمَسْبُوطِ. مُسَافِرٌ مَرَّ بِمَسْجِدٍ فِيهِ عَيْنُ مَاءٍ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَجِدُ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ عِنْدَنَا. اهـ وَكَذَا وَلَوْ مَكَثَ فِي الْمَسْجِدِ خَوْفًا مِنْ الْخُرُوجِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ احْتَلَمَ فِيهِ وَأَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ مُسْرِعًا فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ التَّيَمُّمُ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ (قَوْلُهُ وَحَلَّ الطَّوَافُ) ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَهُ وَاجِبَةٌ فَيُكْرَهُ تَحْرِيمًا وَإِنْ صَحَّ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْدَ دُخُولِهَا الْمَسْجِدَ) أَيْ وَلَوْ عَرَضَ الْحَيْضُ بَعْدَ دُخُولِهَا الْمَسْجِدَ فَعَدَمُ الْحِلِّ ذَاتِيٌّ لَهُ لَا لِعِلَّةِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ ط، حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَحِلُّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَقُرْبَانُ مَا تَحْتَ إزَارٍ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَيَمْنَعُ الْحَيْضُ قُرْبَانَ زَوْجِهَا مَا تَحْتَ إزَارِهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ يَعْنِي مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ) فَيَجُوزُ الِاسْتِمْتَاعُ بِالسُّرَّةِ وَمَا فَوْقَهَا وَالرُّكْبَةِ وَمَا تَحْتَهَا وَلَوْ بِلَا حَائِلٍ، وَكَذَا بِمَا بَيْنَهُمَا بِحَائِلٍ بِغَيْرِ الْوَطْءِ وَلَوْ تَلَطَّخَ دَمًا، وَلَا يُكْرَهُ طَبْخُهَا وَلَا اسْتِعْمَالُ مَا مَسَّتْهُ مِنْ عَجِينٍ أَوْ مَاءٍ أَوْ نَحْوِهِمَا إلَّا إذَا تَوَضَّأَتْ بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ كَمَا هُوَ الْمُسْتَحَبُّ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْزِلَ عَنْ فِرَاشِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ فِعْلَ الْيَهُودِ بَحْرٌ. وَفِي السِّرَاجِ: يُكْرَهُ أَنْ يَعْزِلَهَا فِي مَوْضِعٍ لَا يُخَالِطُهَا فِيهِ. هَذَا، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ عِنْدَنَا فِي كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ أَنَّ الرُّكْبَةَ مِنْ الْعَوْرَةِ، وَمُقْتَضَاهُ كَمَا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ حُرْمَةُ الِاسْتِمْتَاعِ بِالرُّكْبَةِ لِاسْتِدْلَالِهِمْ لَهُمْ هُنَا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا دُونَ الْإِزَارِ» وَمَحَلُّهُ الْعَوْرَةُ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا الرُّكْبَةُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ بِشَهْوَةٍ أَوْ لَا (قَوْلُهُ وَهَلْ يَحِلُّ النَّظَرُ) أَيْ بِشَهْوَةٍ، وَهَذَا كَالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ عُمُومِ حِلِّ مَا عَدَا الْقُرْبَانَ، وَأَصْلُ التَّرَدُّدِ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ عَبَّرَ بِالِاسْتِمْتَاعِ فَيَشْمَلُ النَّظَرَ، وَبَعْضُهُمْ بِالْمُبَاشَرَةِ فَلَا يَشْمَلُهُ وَمَالَ إلَى الثَّانِي، وَمَالَ أَخُوهُ فِي النَّهْرِ إلَى الْأَوَّلِ، وَانْتَصَرَ الْعَلَّامَةُ ح إلَى الْأَوَّلِ. وَأَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ مَنْ عَبَّرَ بِالْمُبَاشَرَةِ: أَيْ الْتِقَاءِ الْبَشَرَةِ سَاكِتٌ عَنْ النَّظَرِ، وَمَنْ عَبَّرَ بِالِاسْتِمْتَاعِ مَانِعٌ لِلنَّظَرِ، فَيُؤْخَذُ بِهِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى الْمَفْهُومِ، عَلَى أَنَّهُ نَقَلَ فِي الْحَقَائِقِ فِي بَابِ الِاسْتِحْسَانِ عَنْ التُّحْفَةِ وَالْخَانِيَّةِ: يَجْتَنِبُ الرَّجُلُ مِنْ الْحَائِضُ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ عِنْدَ الْإِمَامِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجْتَنِبُ شِعَارَ الدَّمِ يَعْنِي الْجِمَاعَ فَقَطْ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ الْإِمَامِ: قِيلَ لَا يُبَاحُ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْ النَّظَرِ وَنَحْوِهِ بِمَا دُونَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ وَيُبَاحُ مَا وَرَاءَهُ، وَقِيلَ يُبَاحُ مَعَ الْإِزَارِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ حِلِّ النَّظَرِ إلَى مَا تَحْتَ الْإِزَارِ، وَالثَّانِي قَرِيبٌ مِنْهُ، وَلَيْسَ بَعْدَ النَّقْلِ إلَّا الرُّجُوعُ إلَيْهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمُبَاشَرَتُهَا لَهُ) سَبَبُ تَرَدُّدِهِ فِي الْمُبَاشَرَةِ تَرَدُّدُ الْبَحْرِ فِيهَا، حَيْثُ قَالَ: وَلَمْ أَرَ لَهُمْ حُكْمَ مُبَاشَرَتِهَا لَهُ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَهُ بِأَنَّهُ لَمَّا حَرُمَ تَمْكِينُهَا مِنْ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا حَرُمَ فِعْلُهَا بِهِ بِالْأَوْلَى. وَلِقَائِلٍ أَنْ يُجَوِّزَهُ بِأَنَّ حُرْمَتَهُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا حَائِضًا، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي حَقِّهِ فَحَلَّ لَهَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهِ وَلِأَنَّ غَايَةَ مَسِّهَا لِذَكَرِهِ أَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ بِكَفِّهَا وَهُوَ جَائِزٌ قَطْعًا. اهـ. وَاسْتَظْهَرَ فِي النَّهْرِ الثَّانِي: لَكِنْ فِيمَا إذَا كَانَتْ مُبَاشَرَتُهَا لَهُ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ، كَمَا إذَا وَضَعَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 (وَلَا بَأْسَ) لِحَائِضٍ وَجُنُبٍ (بِقِرَاءَةِ أَدْعِيَةٍ وَمَسِّهَا وَحَمْلِهَا وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَسْبِيحٍ) وَزِيَارَةِ قُبُورٍ، وَدُخُولِ مُصَلَّى عِيدٍ (وَأَكْلٍ وَشُرْبٍ بَعْدَ مَضْمَضَةٍ، وَغَسْلِ يَدٍ) وَأَمَّا قَبْلَهُمَا فَيُكْرَهُ لِجُنُبٍ   [رد المحتار] يَدَهَا عَلَى فَرْجِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبَحْرِ، لَا إذَا كَانَتْ مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا؛ كَمَا إذَا وَضَعَتْ فَرْجَهَا عَلَى يَدِهِ فَهَذَا كَمَا تَرَى تَحْقِيقٌ لِكَلَامِ الْبَحْرِ لَا اعْتِرَاضٌ عَلَيْهِ فَافْهَمْ، وَهُوَ تَحْقِيقٌ وَجِيهٌ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَلْمِسَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ حَتَّى بِذَكَرِهِ جَمِيعَ بَدَنِهَا إلَّا مَا تَحْتَ الْإِزَارِ فَكَذَا هِيَ لَهَا أَنْ تَلْمِسَ بِجَمِيعِ بَدَنِهَا إلَّا مَا تَحْتَ الْإِزَارِ جَمِيعَ بَدَنِهِ حَتَّى ذَكَرَهُ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ لَمْسُهَا لِذَكَرِهِ حَرَامًا لَحَرُمَ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ مِنْ لَمْسِهِ بِذَكَرِهِ لِمَا عَدَا مَا تَحْتَ الْإِزَارِ مِنْهَا، وَإِذَا حَرُمَ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةُ مَا تَحْتَ إزَارِهَا حَرُمَ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ مِنْهَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا مُبَاشَرَتُهَا لَهُ بِمَا تَحْتَ إزَارِهَا بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَقِرَاءَةُ قُرْآنٍ) أَيْ وَلَوْ دُونَ آيَةٍ مِنْ الْمَرْكَبَاتِ لَا الْمُفْرَدَاتِ؛ لِأَنَّهُ جُوِّزَ لِلْحَائِضِ الْمُعَلِّمَةِ تَعْلِيمُهُ كَلِمَةً كَلِمَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَكَالْقُرْآنِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ بِقَصْدِهِ) فَلَوْ قَرَأَتْ الْفَاتِحَةَ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الدُّعَاءِ وَلَمْ تُرِدْ الْقِرَاءَةَ لَا بَأْسَ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعُيُونِ لِأَبِي اللَّيْثِ وَأَنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ مَا لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الدُّعَاءِ كَسُورَةِ أَبِي لَهَبٍ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ قَصْدُ غَيْرِ الْقُرْآنِيَّةِ (قَوْلُهُ وَمَسُّهُ) أَيْ الْقُرْآنِ وَلَوْ فِي لَوْحٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ حَائِطٍ، لَكِنْ لَا يُمْنَعُ إلَّا مِنْ مَسِّ الْمَكْتُوبِ، بِخِلَافِ الْمُصْحَفِ فَلَا يَجُوزُ مَسُّ الْجِلْدِ وَمَوْضِعِ الْبَيَاضِ مِنْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ، وَالْمَنْعُ أَقْرَبُ إلَى التَّعْظِيمِ كَمَا فِي الْبَحْرِ: أَيْ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ كَمَا نَذْكُرُهُ وَمِثْلُ الْقُرْآنِ سَائِرُ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ وَفِي التَّفْسِيرِ وَالْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ خِلَافٌ مَرَّ (قَوْلُهُ إلَّا بِغِلَافِهِ الْمُنْفَصِلِ) أَيْ كَالْجِرَابِ وَالْخَرِيطَةِ دُونَ الْمُتَّصِلِ كَالْجِلْدِ الْمُشْرِزِ هُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ تَبَعٌ لَهُ سِرَاجٌ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْخَرِيطَةَ الْكِيسُ. أَقُولُ: وَمِثْلُهَا صُنْدُوقُ الرَّبَعَةِ، وَهَلْ مِثْلُهَا كُرْسِيُّ الْمُصْحَفِ إذَا سُمِّرَ بِهِ؟ يُرَاجَعُ (قَوْلُهُ وَكَذَا يُمْنَعُ حَمْلُهُ) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْبَحْرِ حَيْثُ ذَكَرَهُ عِنْدَ تَعْدَادِ أَحْكَامِ الْحَيْضِ. وَفِيهِ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ حَمْلَهُ اسْتِقْلَالًا أَغْنَى عَنْهُ ذِكْرُ الْمَسِّ، أَوْ تَبَعًا فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ. فَفِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ كَانَ الْمُصْحَفُ فِي صُنْدُوقٍ فَلَا بَأْسَ لِلْجُنُبِ أَنْ يَحْمِلَهُ، وَفِيهَا قَالُوا: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْمِلَ خُرْجًا فِيهِ مُصْحَفٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُكْرَهُ. أَخْذُ زِمَامِ الْإِبِلِ الَّتِي عَلَيْهَا الْمُصْحَفُ. قَالَ الْمَحْبُوبِيُّ: وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ، وَهُوَ كَمَا قَالَ. اهـ. أَقُولُ: وَقَدْ يُقَالُ يُمْكِنُ تَصْوِيرُ الْحَمْلِ بِدُونِ مَسٍّ وَتَبَعِيَّةٍ كَحَمْلِهِ مَرْبُوطًا بِخَيْطٍ مَثَلًا، لَكِنَّ الظَّاهِرَ جَوَازُهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِيهِ آيَةٌ) قَيَّدَ بِالْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَتَبَ مَا دُونَ الْآيَةِ لَمْ يُكْرَهْ مَسُّهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ ح (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ وُضُوءَ الْجُنُبِ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُسْتَحَبٌّ كَوُضُوءِ الْمُحْدِثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ح أَيْ لِأَنَّ مَا لَا بَأْسَ فِيهِ يُسْتَحَبُّ خِلَافُهُ، لَكِنْ اُسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ ط الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ وَالْغَسْلِ، بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ وَأَمَّا قَبْلَهُمَا فَيُكْرَهُ (قَوْلُهُ بِقِرَاءَةِ أَدْعِيَةٍ إلَخْ) شَمِلَ دُعَاءَ الْقُنُوتِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ فَيُكْرَهُ لِجُنُبٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَارِبًا لِلْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ: أَيْ وَهُوَ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا، وَيَدُهُ لَا تَخْلُو عَنْ النَّجَاسَةِ فَيَنْبَغِي غَسْلُهَا ثُمَّ يَأْكُلُ بَدَائِعُ. وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ أَنَّ اسْتِحْبَابَ الْمَضْمَضَةِ لِأَجْلِ الشُّرْبِ وَغَسْلَ الْيَدِ لِأَجْلِ الْأَكْلِ، فَلَا يُكْرَهُ الشُّرْبُ بِلَا غَسْلِ يَدٍ وَلَا الْأَكْلُ بِلَا مَضْمَضَةٍ، وَعَلَيْهِ فَفِي كَلَامِ الْمَتْنِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ، لَكِنْ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: إذَا أَرَادَ الْجُنُبُ أَنْ يَأْكُلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 لَا حَائِضٍ مَا لَمْ تُخَاطَبْ بِغُسْلٍ، ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ. (وَلَا يُكْرَهُ) تَحْرِيمًا (مَسُّ قُرْآنٍ بِكُمٍّ) عِنْدَ الْجُمْهُورِ تَيْسِيرًا، وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ الْكَرَاهَةَ، وَهُوَ أَحْوَطُ. (وَيَحِلُّ وَطْؤُهَا إذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا لِأَكْثَرِهِ) بِلَا غُسْلٍ وُجُوبًا بَلْ نَدْبًا. (وَإِنْ) انْقَطَعَ لِدُونِ أَقَلِّهِ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي فِي آخِرِ الْوَقْتِ، وَإِنْ (لِأَقَلِّهِ) فَإِنْ لِدُونِ عَادَتِهَا لَمْ يَحِلَّ، وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ احْتِيَاطًا؛ وَإِنْ لِعَادَتِهَا، فَإِنْ كِتَابِيَّةً حَلَّ فِي الْحَالِ وَإِلَّا (لَا) يَحِلُّ (حَتَّى تَغْتَسِلَ) أَوْ تَتَيَمَّمَ بِشَرْطِهِ   [رد المحتار] فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ وَيَتَمَضْمَضَ. اهـ تَأَمَّلْ. وَذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ كَفَّيْهِ» وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» (قَوْلُهُ لَا حَائِضٍ) فِي الْخَانِيَّةِ قِيلَ: إنَّهَا كَالْجُنُبِ. وَقِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ لَا يُزِيلُ نَجَاسَةَ الْحَيْضِ عَنْ الْفَمِ وَالْيَدِ، بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ. اهـ. أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَحَبَّ لَهَا غَسْلُ الْيَدِ لِلْأَكْلِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلطَّاهِرِ فَهِيَ أَوْلَى، وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: إذَا أَرَادَتْ أَنْ تَأْكُلَ تَغْسِلُ يَدَيْهَا، وَفِي الْمَضْمَضَةِ خِلَافٌ (قَوْلُهُ مَا لَمْ تُخَاطَبْ بِغَسْلٍ) أَيْ لَا يُكْرَهُ لَهَا مُدَّةَ عَدَمِ خِطَابِهَا التَّكْلِيفِيِّ بِالْغَسْلِ، وَذَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الطَّهَارَةِ مِنْ الْحَيْضِ (قَوْلُهُ الْكَرَاهَةَ) أَيْ التَّحْرِيمِيَّةَ ط (قَوْلُهُ وَهُوَ أَحْوَطُ) وَقَدَّمْنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَعَزَاهُ فِي الْخُلَاصَةِ إلَى عَامَّةِ الْمَشَايِخِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَكَانَ أَوْلَى، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْكُمِّ اتِّفَاقِيٌّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مَسُّهُ بِغَيْرِ الْكُمِّ أَيْضًا مِنْ بَعْدِ ثِيَابِ الْبَدَنِ -. (قَوْلُهُ إذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا لِأَكْثَرِهِ) مِثْلُهُ النِّفَاسُ، وَحَلَّ الْوَطْءُ بَعْدَ الْأَكْثَرِ لَيْسَ بِمُتَوَقِّفٍ عَلَى انْقِطَاعِ الدَّمِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ قَالَ ط: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ الْوَطْءِ حَالَ نُزُولِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ اهـ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَحْرِ أَنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ بِحَائِلٍ بِغَيْرِ الْوَطْءِ وَلَوْ تَلَطَّخَ دَمًا. اهـ وَهَذَا فِي الْحَائِضِ، فَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَإِنْ تَلَطَّخَ دَمًا وَسَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وُجُوبًا) مَنْصُوبٌ بِعَامِلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ بِلَا غَسْلٍ يَجِبُ وُجُوبًا، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ بَلْ نَدْبًا (قَوْلُهُ بَلْ نَدْبًا) ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ - {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]- بِالتَّشْدِيدِ تَقْتَضِي حُرْمَةَ الْوَطْءِ إلَى غَايَةِ الِاغْتِسَالِ فَحَمَلْنَاهَا عَلَى مَا إذَا كَانَ أَيَّامُهَا أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ، فَظَاهِرُهُ يُورِثُ شُبْهَةً فَلِهَذَا لَا يُسْتَحَبُّ نُوحٌ عَنْ الْكَافِي (قَوْلُهُ لِدُونِ أَقَلِّهِ) أَيْ أَقَلِّ الْحَيْضِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ) أَيْ وُجُوبًا بِرْكَوِيٌّ، وَالْمُرَادُ آخِرُ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ دُونَ الْمَكْرُوهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ كَلَامِ الدُّرَرِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ. قَالَ ط: وَأَهْمَلَ الشَّارِحُ حُكْمَ الْجِمَاعِ، وَيَظْهَرُ عَدَمُ حِلِّهِ بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الِانْقِطَاعِ عَلَى الْأَقَلِّ وَهُوَ دُونَ الْعَادَةِ. قُلْت: قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ تَحَقُّقِ الْحَيْضِ وَعَدَمِهِ، وَانْظُرْ مَا نَذْكُرُهُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَالنِّفَاسُ لِأُمِّ التَّوْأَمَيْنِ (قَوْلُهُ وَإِنْ وَلِأَقَلِّهِ) اللَّامُ بِمَعْنَى بَعْدَ ط (قَوْلُهُ لَمْ يَحِلَّ) أَيْ الْوَطْءُ وَإِنْ اغْتَسَلَتْ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ فِي الْعَادَةِ غَالِبٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي) أَيْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ، وَتَأْخِيرُهُ إلَيْهِ وَاجِبٌ هُنَا أَمَّا فِي صُورَةِ الِانْقِطَاعِ لِتَمَامِ الْعَادَةِ فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ احْتِيَاطًا) عِلَّةٌ لِلْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لِعَادَتِهَا) وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً دُرَرٌ (قَوْلُهُ حَلَّ فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا اغْتِسَالَ عَلَيْهَا لِعَدَمِ الْخِطَابِ، فَإِنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ لَا تَتَغَيَّرُ الْأَحْكَامُ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ حَتَّى تَغْتَسِلَ) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ دُونَ الْمَكْرُوهِ. قَالَ فِي الْمَسْبُوطِ: نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ. قَالَ: إذَا انْقَطَعَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ تُؤَخَّرُ إلَى وَقْتٍ يُمْكِنُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فِيهِ وَتُصَلِّيَ قَبْلَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ، وَمَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ مَكْرُوهٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِشَرْطِهِ) هُوَ فَقْدُ الْمَاءِ وَالصَّلَاةُ بِهِ عَلَى صَحِيحِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ النَّهْرِ وَغَيْرِهِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ التَّيَمُّمُ الْكَامِلُ الْمُبِيحُ لِلصَّلَاةِ مَعَ الصَّلَاةِ بِهِ أَيْضًا، وَلَعَلَّ وَجْهَ شَرْطِهِمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 (أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا زَمَنٌ يَسَعُ الْغُسْلَ) وَلُبْسَ الثِّيَابِ (وَالتَّحْرِيمَةَ) يَعْنِي مِنْ آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِتَعْلِيلِهِمْ بِوُجُوبِهَا فِي ذِمَّتِهَا، حَتَّى لَوْ طَهُرَتْ فِي وَقْتِ الْعِيدِ لَا بُدَّ أَنْ يَمْضِيَ وَقْتُ الظُّهْرِ كَمَا فِي السِّرَاجِ، وَهَلْ تُعْتَبَرُ التَّحْرِيمَةُ فِي الصَّوْمِ؟   [رد المحتار] الصَّلَاةَ بِهِ هُوَ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ التَّيَمُّمِ عَدَمُ الْحَيْضِ، فَإِذَا صَلَّتْ بِهِ وَحَكَمَ الشَّرْعُ بِصِحَّةِ صَلَاتِهَا يَكُونُ حُكْمًا بِصِحَّةِ تَيَمُّمِهَا وَبِأَنَّهَا تَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْحَيْضِ، كَمَا يُحْكَمُ بِخُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ وَبَقَائِهَا بِمَنْزِلَةِ الْجُنُبِ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ أَوْ صَارَتْ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا لِحُكْمِ الشَّرْعِ عَلَيْهَا بِحُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ، وَلِهَذَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا أَنْ يَقْرَبَهَا وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ كَمَا يَأْتِي تَقْرِيرُهُ. وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ صِحَّةُ مَا ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَائِضٍ التَّيَمُّمُ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ إذَا كَانَ أَيَّامُ حَيْضِهَا عَشْرَةً وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَلَا. اهـ. فَشُرِطَ لِجَوَازِ تَيَمُّمِهَا لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ الْعِيدِ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا التَّيَمُّمِ هُوَ التَّيَمُّمُ النَّاقِصُ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةٍ تَفُوتُ لَا إلَى بَدَلٍ، وَإِنَّمَا كَانَ نَاقِصًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَلَّى بِهِ الْفَرْضُ، بَلْ يَبْطُلُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ، حَتَّى لَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ أُخْرَى لَا يَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا بِهَذَا التَّيَمُّمِ عَلَى مَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ فِي مَحَلِّهِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا التَّيَمُّمُ نَاقِصًا فَلَا تَخْرُجُ بِهِ الْحَائِضُ مِنْ الْحَيْضِ لِمَا عَلِمْت مِنْ اعْتِبَارِ التَّيَمُّمِ بِشَرْطِهِ مَعَ الصَّلَاةِ مَعَهُ. وَأَمَّا إذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ فَيَجُوزُ تَيَمُّمُهَا لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ الْعِيدِ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ بِالِانْقِطَاعِ الْمَذْكُورِ، فَلَوْ انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ الْعَشَرَةِ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَيَمَّمَ لِلْجِنَازَةِ أَوْ الْعِيدِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ لَا تَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْحَيْضِ، وَمِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ عَدَمُ الْمُنَافِي، وَالْحَيْضُ مُنَافٍ لِصِحَّتِهِ. أَمَّا إذَا انْقَطَعَ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ فَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ وَصَارَتْ كَالْجُنُبِ فَيَصِحُّ تَيَمُّمُهَا الْمَذْكُورُ كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْجُنُبِ، فَكَلَامُ الظَّهِيرِيَّةِ صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ هُنَا. وَفِي بَابِ التَّيَمُّمِ، لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا بِمَا إذَا انْقَطَعَ لِدُونِ الْعَشَرَةِ وَلَمْ تَصِرْ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا إذْ لَوْ انْقَطَعَ لِدُونِ الْعَشَرَةِ وَلِتَمَامِ عَادَتِهَا وَمَضَى عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةِ خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ، وَجَازَ لِزَوْجِهَا قُرْبَانُهَا، فَيَنْبَغِي صِحَّةُ تَيَمُّمِهَا لِلْجِنَازَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ يَسَعُ الْغُسْلَ) أَيْ مَعَ مُقَدِّمَاتِهِ كَالِاسْتِقَاءِ وَخَلْعِ الثَّوْبِ وَالتَّسَتُّرِ عَنْ الْأَعْيَنِ. وَفِي شَرْحِ الْبَزْدَوِيِّ: وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْغُسْلُ الْمَسْنُونُ أَوْ الْفَرْضُ؛ وَالظَّاهِرُ الْفَرْضُ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ رُجْحَانُ جَانِبِ الطَّهَارَةِ. اهـ كَذَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ (قَوْلُهُ وَالتَّحْرِيمَةُ) وَهِيَ " اللَّهُ " عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَ " اللَّهُ أَكْبَرُ " عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَعْنِي مِنْ آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَائِضِ لِأَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ وَكَانَ لِتَمَامِ عَادَتِهَا فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا إلَّا بَعْدَ الِاغْتِسَالِ أَوْ التَّيَمُّمِ بِشَرْطِهِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ طَاهِرَةً حَقِيقَةً أَوْ بَعْدَ أَنْ تَصِيرَ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْقَطِعَ وَيَمْضِيَ عَلَيْهَا أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ مِنْ آخِرِهِ، وَهُوَ قَدْرُ مَا يَسَعُ الْغُسْلَ وَاللُّبْسَ وَالتَّحْرِيمَةَ، سَوَاءٌ كَانَ الِانْقِطَاعُ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ فِي أَوَّلِهِ أَوْ قُبَيْلَ آخِرِهِ بِهَذَا الْقَدْرِ؛ فَإِذَا انْقَطَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ مَثَلًا أَوْ فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا مَضَى عَلَيْهَا مِنْ آخِرِ الْوَقْتِ ذَلِكَ الْقَدْرُ صَارَتْ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْوُجُوبِ آخِرُ الْوَقْتِ، وَإِذَا صَارَتْ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا صَارَتْ طَاهِرَةً حُكْمًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهَا بِالطَّهَارَةِ، وَكَذَا لَوْ انْقَطَعَ فِي آخِرِهِ وَكَانَ بَيْنَ الِانْقِطَاعِ وَبَيْنَ وَقْتِ الْعَصْرِ ذَلِكَ الْقَدْرُ فَلَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ لِمَا قُلْنَا. أَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا دُونَ ذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ لِصَيْرُورَةِ صَلَاةِ الْعَصْرِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا دُونَ صَلَاةِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُدْرِكْ مِنْ وَقْتِهَا مَا يُمْكِنُهَا الشُّرُوعُ فِيهِ. فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ مُوهِمَةٌ وَلَيْسَتْ عَلَى إطْلَاقِهَا؛ لِأَنَّهَا تُوهِمُ أَنَّهُ يَحِلُّ بِمُضِيِّ ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 الْأَصَحُّ لَا، وَهِيَ مِنْ الطُّهْرِ مُطْلَقًا، وَكَذَا الْغُسْلُ لَوْ لِأَكْثَرِهِ وَإِلَّا فَمِنْ الْحَيْضِ   [رد المحتار] الْقَدْرِ سَوَاءٌ كَانَ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ أَوْ فِي وَقْتٍ مُهْمَلٍ وَهُوَ مَا بَعْدَ الطُّلُوعِ إلَى الزَّوَالِ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ فِي آخِرِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلْوَقْتِ الْمُهْمَلِ وَلَا لِأَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْكَمَالِ وَدَلَّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ بِوُجُوبِهَا دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا، فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ كَذَلِكَ إلَّا بِخُرُوجِ وَقْتِهَا خِلَافًا لِمَا غَلَّظَ فِيهِ بَعْضُهُمْ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالْبَحْرِ، فَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ: يَعْنِي مِنْ آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْهُمَا، وَأَتَى بِالْعِنَايَةِ الَّتِي يُؤْتَى بِهَا فِي مَوْضِعِ الْخَفَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْإِيهَامِ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ كَمَا عَبَّرَ الْبِرْكَوِيُّ بِقَوْلِهِ أَوْ تَصِيرُ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَظْهَرَ، وَلَكِنَّهُ قَصَدَ التَّنْبِيهَ عَلَى مَا بِهِ تَصِيرُ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا، وَهُوَ مُضِيُّ هَذَا الزَّمَانِ مِنْ آخِرِ الْوَقْتِ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَتِمَّ أَكْثَرُ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْغُسْلِ كَمَا فِي الْبِرْكَوِيَّةِ، فَلَوْ تَمَّ لَهَا عَشْرَةُ أَيَّامٍ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَالْغُسْلُ لَا يَحْتَاجُ إلَى مُضِيِّ هَذَا الزَّمَنِ. [تَنْبِيهٌ] إنَّمَا حَلَّ وَطْؤُهَا بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهَا بِالطَّهَارَةِ بِصَيْرُورَةِ الصَّلَاةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالْجُنُبِ وَخَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ حُكْمًا، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ كَمَا نَقَلَهُ ط عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا اغْتَسَلَتْ؛ وَحَيْثُ صَارَتْ كَالْجُنُبِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهَا التَّيَمُّمُ لِصَلَاةِ جِنَازَةٍ أَوْ عِيدٍ خَافَتْ فَوْتَهَا كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْجُنُبِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ الْأَصَحُّ لَا) أَيْ فَلَوْ انْقَطَعَ قَبْلَ الصُّبْحِ فِي رَمَضَانَ بِقَدْرِ مَا يَسَعُ الْغُسْلَ فَقَطْ لَزِمَهَا صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَا يَلْزَمُهَا قَضَاءُ الْعِشَاءِ مَا لَمْ تُدْرِكْ قَدْرَ تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ أَيْضًا، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى. وَنَقَلَ بَعْدَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّوْشِيحِ وَالسِّرَاجِ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهَا صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا إلَّا بِهَذَا، وَإِنْ بَقِيَ قَدْرُهُمَا يُجْزِيهَا؛ لِأَنَّ الْعِشَاءَ صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهَا، وَأَنَّهُ مِنْ حُكْمِ الطَّاهِرَاتِ فَحُكِمَ بِطَهَارَتِهَا ضَرُورَةً. اهـ وَنَحْوُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ فِيمَا يَظْهَرُ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ. أَقُولُ: وَلَعَلَّهُ أَنَّ الصَّوْمَ يُمْكِنُ إنْشَاؤُهُ فِي النَّهَارِ، فَلَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَى إدْرَاكِهَا أَكْثَرَ مِمَّا يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ الْغُسْلِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ أَجْزَأَهَا الصَّوْمُ بِمُجَرَّدِ إدْرَاكِ قَدْرِ الْغُسْلِ لَزِمَ أَنْ يُحْكَمَ بِطَهَارَتِهَا مِنْ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يُجْزِئُ مِنْ الْحَائِضِ، وَلَزِمَ أَنْ يَحِلَّ وَطْؤُهَا لَوْ كَانَا مُسَافِرَيْنِ فِي رَمَضَانَ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ مَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ، مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مَا لَمْ تَجِبْ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا، وَلَا تَجِبُ إلَّا بِإِدْرَاكِ الْغُسْلِ وَالتَّحْرِيمَةِ؛ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مَا قَالَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ الْحَقُّ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ لُبْسَ الثِّيَابِ مِثْلُ التَّحْرِيمَةِ إذْ لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ كَمَا مَرَّ، لَكِنَّ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ التَّحْرِيمَةِ لَا عَلَى مَا صَحَّحَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْمُجْتَبَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَهِيَ) أَيْ التَّحْرِيمَةُ: أَيْ زَمَانُهَا مِنْ الطُّهْرِ: أَيْ مِنْ زَمَنِهِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الِانْقِطَاعُ لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ أَوْ لِدُونِ ذَلِكَ ح (قَوْلُهُ وَكَذَا الْغُسْلُ) أَيْ الْغُسْلُ مِثْلُ التَّحْرِيمَةِ فِي أَنَّهُ مِنْ الطُّهْرِ لَوْ الِانْقِطَاعُ لِأَكْثَرِهِ أَوْ لِأَقَلِّهِ فَلَا، بَلْ هُوَ مِنْ الْحَيْضِ، لَكِنَّ هَذَا فِي حَقِّ الْقُرْبَانِ، وَانْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ وَجَوَازِ التَّزَوُّجِ بِآخَرَ لَا فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا إذَا طَهُرَتْ عَقِبَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ ثُمَّ اغْتَسَلَتْ عِنْدَ الْفَجْرِ الْكَاذِبِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ فِي اللَّيْلَةِ السَّادِسَةَ عَشَرَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّفَقِ فَهُوَ طُهْرٌ تَامٌّ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ وَقْتِ الِاغْتِسَالِ. اهـ بَحْرٌ عَنْ الْمُجْتَبَى: أَيْ لَوْ انْقَطَعَ دَمُهَا لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ حَلَّ لِزَوْجِهَا قُرْبَانُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ زَمَنَ الْغُسْلِ حِينَئِذٍ مِنْ الطُّهْرِ فَصَارَ وَاطِئًا فِي الطُّهْرِ، وَكَذَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ بِمُجَرَّدِ طُهْرِهَا بِتَمَامِ الْعَشَرَةِ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ لَوْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً طَلَاقًا رَجْعِيًّا. وَيَجُوزُ لَهَا التَّزَوُّجُ بِآخَرَ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ مِنْ الْأَوَّلِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ الِانْقِطَاعُ لِدُونِ الْعَشَرَةِ وَلِتَمَامِ عَادَتِهَا فَلَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ؛ لِأَنَّ زَمَنَ الْغُسْلِ حِينَئِذٍ مِنْ الْحَيْضِ، فَلَوْ وَطِئَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ كَانَ وَاطِئًا فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَكَذَا لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 فَتَقْضِي إنْ بَقِيَ بَعْدَ الْغُسْلِ وَالتَّحْرِيمَةِ وَلَوْ لِعَشْرَةٍ فَقَدْرُ التَّحْرِيمَةِ فَقَطْ لِئَلَّا تَزِيدَ أَيَّامُهُ عَلَى عَشْرَةٍ فَلْيُحْفَظْ (وَ) وَطْؤُهَا (يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ) كَمَا جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَكَذَا مُسْتَحِلُّ وَطْءِ الدُّبُرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مُجْتَبٍ (وَقِيلَ لَا) يَكْفُرُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ خُلَاصَةٌ (وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ) ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ لِغَيْرِهِ وَلِمَا يَجِيءُ فِي الْمُرْتَدِّ أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِتَكْفِيرِ مُسْلِمٍ كَانَ فِي كُفْرِهِ خِلَافٌ، وَلَوْ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ، ثُمَّ هُوَ كَبِيرَةٌ لَوْ عَامِدًا مُخْتَارًا عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ لَا جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا فَتَلْزَمُهُ التَّوْبَةُ؛   [رد المحتار] وَأَمَّا فِي حَقِّ بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْغُسْلُ، فَفِي مِثْلِ الصَّلَاةِ أَوْ الصَّوْمِ يَجِبُ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ لَكِنْ بِشَرْطِ إدْرَاكِ زَمَنِ التَّحْرِيمَةِ (قَوْلُهُ فَتَقْضِي إلَخْ) أَيْ إذَا عَلِمَتْ أَنَّ زَمَنَ التَّحْرِيمَةِ مِنْ الطُّهْرِ مُطْلَقًا وَأَنَّ زَمَنَ الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ فِي الِانْقِطَاعِ لِأَقَلِّهِ فَتَقْضِي الصَّلَاةَ إنْ بَقِيَ قَدْرُ الْغُسْلِ وَالتَّحْرِيمَةِ، فَلَا يَكْفِي إدْرَاكُ قَدْرِ الْغُسْلِ فَقَطْ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إدْرَاكِ قَدْرِ التَّحْرِيمَةِ أَيْضًا: أَيْ وَلُبْسِ الثِّيَابِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَوْ لِعَشْرَةٍ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ انْقَطَعَ لِعَشْرَةٍ، فَتَقْضِي الصَّلَاةَ إنْ بَقِيَ قَدْرُ التَّحْرِيمَةِ فَقَطْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ زَمَنَ الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ لَوْ انْقَطَعَ لِأَقَلِّهِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَطْهُرُ بَعْدَ الْغُسْلِ، فَإِذَا أَدْرَكَتْ مِنْ آخَرِ الْوَقْتِ قَدْرَ مَا يَسَعُ الْغُسْلَ فَقَطْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الْحَيْضِ فِي الْوَقْتِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ مِنْ الطُّهْرِ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ. وَأَمَّا إذَا انْقَطَعَ لِأَكْثَرِهِ فَإِنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ الْحَيْضِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، فَيَكُونُ زَمَنُ الْغُسْلِ مِنْ الطُّهْرِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَزِيدَ مُدَّةُ الْحَيْضِ عَلَى الْعَشَرَةِ، فَإِذَا أَدْرَكَتْ مِنْ آخِرِ الْوَقْتِ قَدْرَ التَّحْرِيمَةِ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَإِنْ لَمْ تَتَمَكَّنْ مِنْ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّهَا أَدْرَكَتْ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَيْضِ جُزْءًا مِنْ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا حَلَّ الْوَطْءُ فِي الِانْقِطَاعِ لِأَكْثَرِهِ مُطْلَقًا لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْحَيْضِ وَقَدْ وُجِدَ، بِخِلَافِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى إدْرَاكِ جُزْءٍ آخَرَ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ وَوَطْؤُهَا) أَيْ الْحَائِضِ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ وَطْءِ النُّفَسَاءِ مِنْ حَيْثُ التَّكْفِيرُ، أَمَّا الْحُرْمَةُ فَمُصَرَّحٌ بِهَا. اهـ. وَاعْتَرَضَهُ الشَّارِحُ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ بِقَوْلِهِ وَأَقُولُ: قَدْ قَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّ النُّفَسَاءَ كَالْحَائِضِ فِي الْأَحْكَامِ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالسِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالضِّيَاءِ الْمَعْنَوِيِّ وَغَيْرِهَا: وَحُكْمُ النِّفَاسِ حُكْمُ الْحَيْضِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِيمَا اُسْتُثْنِيَ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي إفَادَةِ هَذَا الْحُكْمِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّا اُسْتُثْنِيَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَتَبِّعِ فَتَنَبَّهْ. اهـ. أَقُولُ: وَالْمُسْتَثْنَيَات سَبْعٌ سَتَأْتِي (قَوْلُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ) أَيْ جَمَاعَةٌ ذَوُو عَدَدٍ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَالِاخْتِيَارِ وَالْبَدَائِعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَكَذَا مُسْتَحِلُّ وَطْءِ الدُّبُرِ) أَيْ دُبُرِ الْحَلِيلَةِ، أَمَّا دُبُرُ الْغُلَامِ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي التَّكْفِيرِ وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيلُ الْآتِي يَظْهَرُ فِيهِ ط: أَيْ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ لِغَيْرِهِ. أَقُولُ: وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ أَنَّ اللِّوَاطَةَ أَشَدُّ حُرْمَةً مِنْ الزِّنَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُبَحْ بِطَرِيقٍ مَا لِكَوْنِ قُبْحِهَا عَقْلِيًّا، وَلِذَا لَا تَكُونُ فِي الْجَنَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ (قَوْلُهُ خُلَاصَةٌ) لَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ مَسْأَلَةَ وَطْءِ الدُّبُرِ (قَوْلُهُ فَلَعَلَّهُ يُفِيدُ التَّوْفِيقَ) أَيْ بِحَمْلِ الْقَوْلِ بِكُفْرِهِ عَلَى اسْتِحْلَالِ اللِّوَاطَةِ بِغَيْرِ الْمَذْكُورَيْنِ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِهِ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ لِغَيْرِهِ) أَيْ حُرْمَتُهُ لَا لِعَيْنِهِ، بَلْ لِأَمْرٍ رَاجِعٍ إلَى شَيْءٍ خَارِجٍ عَنْهُ وَهُوَ الْإِيذَاءُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: مَنْ اعْتَقَدَ الْحَرَامَ حَلَالًا أَوْ عَلَى الْقَلْبِ يَكْفُرُ إذَا كَانَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ وَثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ. أَمَّا إذَا كَانَ حَرَامًا لِغَيْرِهِ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ أَوْ حَرَامًا لِعَيْنِهِ بِإِخْبَارِ الْآحَادِ لَا يَكْفُرُ إذَا اعْتَقَدَهُ حَلَالًا. اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ النَّسَفِيَّةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ هُوَ) أَيْ وَطْءُ الْحَائِضِ (قَوْلُهُ لَا جَاهِلًا إلَخْ) هُوَ عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجَهْلَ إنَّمَا يَنْفِي كَوْنَهُ كَبِيرَةً لَا أَصْلَ الْحُرْمَةِ إذْ لَا عُذْرَ بِالْجَهْلِ بِالْأَحْكَامِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، أَفَادَهُ ط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 وَيُنْدَبُ تَصَدُّقُهُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِهِ. وَمَصْرِفُهُ كَزَكَاةٍ وَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ تَصَدُّقٌ؟ قَالَ فِي الضِّيَاءِ: الظَّاهِرُ لَا. (وَدَمُ اسْتِحَاضَةٍ) حُكْمُهُ (كَرُعَافٍ دَائِمٍ) وَقْتًا كَامِلًا (لَا يَمْنَعُ صَوْمًا وَصَلَاةً) وَلَوْ نَفْلًا (وَجِمَاعًا) لِحَدِيثِ «تَوَضَّئِي وَصَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ» .   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَيُنْدَبُ إلَخْ) لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ: يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ» ثُمَّ قِيلَ إنْ كَانَ الْوَطْءُ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ فَبِدِينَارٍ أَوْ آخِرِهِ فَبِنِصْفِهِ، وَقِيلَ بِدِينَارٍ لَوْ الدَّمُ أَسْوَدَ وَبِنِصْفِهِ لَوْ أَصْفَرَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ «إذَا وَاقَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، إنْ كَانَ دَمًا أَحْمَرَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ أَصْفَرَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ» . اهـ (قَوْلُهُ قَالَ فِي الضِّيَاءِ إلَخْ) أَيْ الضِّيَاءِ الْمَعْنَوِيِّ شَرْحِ مُقَدِّمَةِ الْغَزْنَوِيِّ، وَأَصْلُ الْبَحْثِ لِلْحَدَّادِيِّ فِي السِّرَاجِ، وَيُؤَيِّدُهُ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ. وَظَاهِرُهَا أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ جَاهِلًا بِحَيْضِهَا أَوْ لَا. [تَتِمَّةٌ] تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِإِخْبَارِهَا وَإِنْ كَذَّبَهَا فَتْحٌ وَبِرْكَوِيٌّ. وَحَرَّرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ هَذَا إذَا كَانَتْ عَفِيفَةً أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهَا أَمَّا لَوْ فَاسِقَةً وَلَمْ يَغْلِبْ صِدْقُهَا؛ بِأَنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ أَوَانِ حَيْضِهَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ وَقْتًا كَامِلًا) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ دَائِمٍ، الْأَوْلَى عَدَمُ ذِكْرِ هَذَا الْقَيْدِ: أَيْ قَيْدِ الدَّوَامِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِهِ فِي الدَّوَامِ وَعَدَمِهِ ط (قَوْلُهُ لَا يَمْنَعُ صَوْمًا إلَخْ) أَيْ وَلَا قِرَاءَةً وَمَسَّ مُصْحَفٍ وَدُخُولَ مَسْجِدٍ وَكَذَا لَا تُمْنَعُ عَنْ الطَّوَافِ إذَا أَمِنَتْ مِنْ اللَّوْثِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْخِزَانَةِ ط. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ بِذَكَرِهِ نَجَاسَةٌ (قَوْلُهُ وَجِمَاعًا) ظَاهِرُهُ جَوَازُهُ فِي حَالِ سَيَلَانِهِ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ تَلْوِيثٌ، وَكَذَا هُوَ ظَاهِرُ غَيْرِهِ مِنْ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَكَذَا قَوْلُهُمْ: يَجُوزُ مُبَاشَرَةُ الْحَائِضِ فَوْقَ الْإِزَارِ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ التَّلَطُّخُ بِالدَّمِ، وَتَمَامُهُ فِي ط. وَأَمَّا مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فِي الْأَنْجَاسِ مِنْ أَنَّ التَّلَوُّثَ بِالنَّجَاسَةِ مَكْرُوهٌ فَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِلَا عُذْرٍ وَالْوَطْءُ عُذْرٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحِلُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ رُطُوبَةَ الْفَرْجِ نَجِسَةٌ مَعَ أَنَّ فِيهِ تَلَوُّثًا بِالنَّجَاسَةِ، فَتَخْصِيصُ الْحِلِّ بِوَقْتِ عَدَمِ السَّيَلَانِ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ وَلَمْ يُوجَدْ، بَلْ قَدَّمْنَا عَلَى شُرُوحِ الْهِدَايَةِ التَّصْرِيحَ بِأَنَّ حِلَّ الْوَطْءِ بَعْدَ أَكْثَرِ الْحَيْضِ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى الِانْقِطَاعِ فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] أَفْتَى بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِحُرْمَةِ جِمَاعِ مَنْ تَنَجَّسَ ذَكَرُهُ قَبْلَ غَسْلِهِ إلَّا إذَا كَانَ بِهِ سَلَسٌ فَيَحِلُّ كَوَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ مَعَ الْجَرَيَانِ؛ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ عِنْدَنَا كَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ بِلَا ضَرُورَةٍ لِإِمْكَانِ غَسْلِهِ، بِخِلَافِ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَوَطْءِ السَّلِسِ تَأَمَّلْ. وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَ مُسْتَنْجِيًا بِغَيْرِ الْمَاءِ، فَفِي فَتَاوَى ابْنِ حَجَرٍ أَنَّ الصَّوَابَ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ لِعَدَمِ الْمَاءِ جَازَ لَهُ الْوَطْءُ لِلْحَاجَةِ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ: وَرَوَى أَحْمَدُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِرَجُلٍ يَغِيبُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ أَيُجَامِعُ أَهْلَهُ؟ قَالَ نَعَمْ» . اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ تَوَضَّئِي) فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِهِ حُكْمُ الصَّلَاةِ عِبَارَةً، وَحُكْمُ الصَّوْمِ وَالْجِمَاعِ دَلَالَةً اهـ مِنَحٌ وَدُرَرٌ وَإِبْدَالُ الدَّلَالَةِ بِالْإِشَارَةِ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ عَلَى مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْأُصُولِ فَافْهَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 (وَالنِّفَاسُ) لُغَةً: وِلَادَةُ الْمَرْأَةِ. وَشَرْعًا (دَمٌ) فَلَوْ لَمْ تَرَهُ هَلْ تَكُونُ نُفَسَاءَ؟ الْمُعْتَمَدُ نَعَمْ (وَيَخْرُجُ) مِنْ رَحِمِهَا فَلَوْ وَلَدَتْهُ مِنْ سُرَّتِهَا إنْ سَالَ الدَّمُ مِنْ الرَّحِمِ فَنُفَسَاءُ وَإِلَّا فَذَاتُ جُرْحٍ وَإِنْ ثَبَتَ لَهُ أَحْكَامُ الْوَلَدِ (عَقِبَ وَلَدٍ) أَوْ أَكْثَرِهِ وَلَوْ مُتَقَطِّعًا عُضْوًا عُضْوًا لَا أَقَلِّهِ، فَتَتَوَضَّأُ إنْ قَدَرَتْ أَوْ تَتَيَمَّمُ وَتُومِئُ بِصَلَاةٍ وَلَا تُؤَخِّرُ، فَمَا عُذْرُ الصَّحِيحِ الْقَادِرِ؟ . وَحُكْمُهُ كَالْحَيْضِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي سَبْعَةٍ ذَكَرْتهَا فِي الْخَزَائِنِ وَشَرْحِي لِلْمُلْتَقَى: مِنْهَا أَنَّهُ (لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ) إلَّا إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِعِدَّةٍ كَقَوْلِهِ إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ مَضَتْ عِدَّتِي؛ فَقَدَّرَهُ الْإِمَامُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ   [رد المحتار] ثُمَّ الْحَدِيثُ مَذْكُورٌ فِي الْهِدَايَةِ، وَظَاهِرُ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَذَكَرَ عَنْ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: اجْتَنِبِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ مَحِيضِك ثُمَّ اغْتَسِلِي وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ» ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى سَنَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ بِدُونِ «وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ» . (قَوْلُهُ وَالنِّفَاسُ) بِالْكَسْرِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ تَرَهُ) أَيْ بِأَنْ خَرَجَ الْوَلَدُ جَافًّا بِلَا دَمٍ (قَوْلُهُ الْمُعْتَمَدُ نَعَمْ) وَعَلَيْهِ فَيُعَمَّمُ فِي الدَّمِ، فَيُقَالُ دَمٌ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ مِنْ سُرَّتِهَا) عِبَارَةُ الْبَحْرِ: مِنْ قِبَلِ سُرَّتِهَا، بِأَنْ كَانَ بِبَطْنِهَا جُرْحٌ فَانْشَقَّتْ وَخَرَجَ الْوَلَدُ مِنْهَا. اهـ (قَوْلُهُ فَنُفَسَاءُ) ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ خُرُوجُ الدَّمِ مِنْ الرَّحِمِ عَقِبَ الْوِلَادَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ سَالَ الدَّمُ مِنْ السُّرَّةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ ثَبَتَ لَهُ أَحْكَامُ الْوَلَدِ) أَيْ فَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ، وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا وَقَعَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ فَتَتَوَضَّأُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا أَقَلِّهِ ط (قَوْلُهُ وَتُومِئُ بِصَلَاةٍ) أَيْ إنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ لَمْ تُصَلِّ تَكُونُ عَاصِيَةً لِرَبِّهَا ثُمَّ كَيْفَ تُصَلِّي؟ قَالُوا يُؤْتَى بِقِدْرٍ فَيُجْعَلُ الْقِدْرُ تَحْتَهَا وَيُحْفَرُ لَهَا وَتَجْلِسُ هُنَاكَ وَتُصَلِّي كَيْ لَا تُؤْذِيَ وَلَدَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ فَمَا عُذْرُ الصَّحِيحِ الْقَادِرِ) اسْتِفْهَامٌ إنْكَارِيٌّ: أَيْ لَا عُذْرَ لَهُ فِي التَّرْكِ أَوْ التَّأْخِيرِ. قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي: فَانْظُرْ وَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هَلْ تَجِدُ عُذْرًا لِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ؟ وَا وَيْلَاهُ لِتَارِكِهَا (قَوْلُهُ إلَّا فِي سَبْعَةٍ) هِيَ الْبُلُوغُ وَالِاسْتِبْرَاءُ وَالْعِدَّةُ، وَأَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ، وَأَنَّ أَكْثَرَهُ أَرْبَعُونَ، وَأَنَّهُ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْفَصْلُ بَيْنَ طَلَاقَيْ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ. اهـ فَقَوْلُهُ الْبُلُوغُ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْبُلُوغَ قَدْ حَصَلَ بِالْحَبَلِ قَبْلَ ذَلِكَ. وَصُورَتُهُ فِي الِاسْتِبْرَاءِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا فَقَبَضَهَا وَوَضَعَتْ عِنْدَهُ وَلَدًا وَبَقِيَ وَلَدٌ آخَرُ فِي بَطْنِهَا، فَالدَّمُ الَّذِي بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ نِفَاسٌ، وَلَا يَحْصُلُ الِاسْتِبْرَاءُ إلَّا بِوَضْعِ الْوَلَدِ الثَّانِي. وَصُورَةُ الْعِدَّةِ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ ثُمَّ قَالَتْ مَضَتْ عِدَّتِي فَإِنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثِ حِيَضٍ مَا خَلَا النِّفَاسَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. اهـ. سِرَاجٌ (قَوْلُهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ بِأَقَلَّ لَأَدَّى إلَى نَقْضِ الْعَادَةِ عِنْدَ عَوْدِ الدَّمِ فِي الْأَرْبَعِينَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ الْإِمَامِ أَنَّ الدَّمَ إذَا كَانَ فِي الْأَرْبَعِينَ فَالطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ لَا يَفْصِلُ طَالَ أَوْ قَصُرَ، حَتَّى لَوْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَأَرْبَعِينَ إلَّا سَاعَتَيْنِ طُهْرًا ثُمَّ سَاعَةً دَمًا كَانَ الْأَرْبَعُونَ كُلُّهَا نِفَاسًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 مَعَ ثَلَاثِ حِيَضٍ وَالثَّانِي بِأَحَدَ عَشَرَ وَالثَّالِثُ بِسَاعَةٍ (وَأَكْثَرُهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا) كَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَلِأَنَّ أَكْثَرَهُ أَرْبَعَةُ أَمْثَالِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ. (وَالزَّائِدُ) عَلَى أَكْثَرِهِ (اسْتِحَاضَةٌ) لَوْ مُبْتَدَأَةً؛ أَمَّا الْمُعْتَادَةُ فَتُرَدُّ لِعَادَتِهَا وَكَذَا الْحَيْضُ، فَإِنْ انْقَطَعَ عَلَى أَكْثَرِهِمَا أَوْ قَبْلَهُ   [رد المحتار] كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ نَهْرٌ: أَيْ فَلَوْ قُدِّرَ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُ أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَ عَشَرَ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ كَانَ نِفَاسًا فَيَلْزَمُ نَقْضُ الْعَادَةِ؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ قُدِّرَ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهُ يَكُونُ حَيْضًا لِكَوْنِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْأَرْبَعِينَ (قَوْلُهُ مَعَ ثَلَاثِ حِيَضٍ) فَأَدْنَى مُدَّةٍ تُصَدَّقُ فِيهَا عِنْدَهُ خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا: خَمْسَةٌ وَعِشْرِينَ نِفَاسٌ، وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ، ثُمَّ ثَلَاثُ حِيَضٍ كُلُّ حَيْضَةٍ خَمْسَةُ أَيَّامٍ، وَطُهْرَانِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَهَذَا رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْهُ. وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ: لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَةِ يَوْمٍ لِتَقْدِيرِهِ كُلَّ حَيْضَةٍ بِعَشْرَةِ أَيَّامٍ، وَتَمَامُهُ فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ وَالثَّانِي بِأَحَدَ عَشَرَ) أَيْ وَلَوْ قَدَّرَ أَبُو يُوسُفَ أَقَلَّ النِّفَاسِ بِأَحَدِ عَشَرَ يَوْمًا لِيَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ أَكْثَرِ الْحَيْضِ، فَأَدْنَى مُدَّةٍ تُصَدَّقُ فِيهَا عِنْدَهُ خَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا، أَحَدَ عَشَرَ نِفَاسٌ، وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ، وَثَلَاثُ حِيَضٍ بِتِسْعَةِ أَيَّامٍ بَيْنَهُمَا طُهْرَانِ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا ح (قَوْلُهُ وَالثَّالِثُ بِسَاعَةٍ) أَيْ قَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ بِسَاعَةٍ فَتُصَدَّقُ فِي أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَسَاعَةٍ: خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ، ثُمَّ ثَلَاثُ حِيَضٍ بِتِسْعَةٍ، ثُمَّ طُهْرَانِ ثَلَاثُونَ. قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ النَّسَفِيَّةِ: أَدْنَى زَمَانٍ عِنْدَهُ تُصَدَّقُ ... فِيهِ الَّتِي بَعْدَ الْوِلَادِ تَطْلُقُ هِيَ الثَّمَانُونَ بِخَمْسٍ تُقْرَنُ ... وَمِائَةٌ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ وَالْخَمْسُ وَالسِّتُّونَ عِنْدَ الثَّانِي ... وَحَطَّ إحْدَى عَشَرَ الشَّيْبَانِيُّ . اهـ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْحُرَّةِ النُّفَسَاءِ وَأَمَّا الْأَمَةُ وَغَيْرُ النُّفَسَاءِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهَا فِي الْعِدَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ كَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ) أَيْ بِالْمَعْنَى. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ «أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كَانَتْ النُّفَسَاءُ تَقْعُدُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ يَوْمًا» وَأَثْنَى الْبُخَارِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِلنُّفَسَاءِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ» وَرُوِيَ هَذَا مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ لَمْ تَخْلُ عَنْ الطَّعْنِ، لَكِنَّهُ يَرْتَفِعُ بِكَثْرَتِهَا إلَى الْحَسَنِ. اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ أَكْثَرَهُ إلَخْ) يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، حَتَّى إنَّ مَنْ جَعَلَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَجْعَلُ أَكْثَرَ النِّفَاسِ سِتِّينَ ح (قَوْلُهُ لَوْ مُبْتَدَأَةً) يَعْنِي إنَّمَا يُعْتَبَرُ الزَّائِدُ عَلَى الْأَكْثَرِ اسْتِحَاضَةً فِي حَقِّ الْمُبْتَدَأَةِ الَّتِي لَمْ تَثْبُتْ لَهَا عَادَةٌ، أَمَّا الْمُعْتَادَةُ فَتُرَدُّ لِعَادَتِهَا أَيْ وَيَكُونُ مَا زَادَ عَنْ الْعَادَةِ اسْتِحَاضَةً، لَا مَا زَادَ عَلَى الْأَكْثَرِ فَقَطْ (قَوْلُهُ فَتُرَدُّ لِعَادَتِهَا) أَطْلَقَهُ، فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ خَتْمُ عَادَتِهَا بِالدَّمِ أَوْ بِالطُّهْرِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: إنْ خُتِمَ بِالدَّمِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ بِالطُّهْرِ فَلَا. وَبَيَانُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ: إذَا كَانَ عِدَّتُهَا فِي النِّفَاسِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَانْقَطَعَ دَمُهَا عَلَى رَأْسِ عِشْرِينَ يَوْمًا وَطَهُرَتْ عَشْرَةَ أَيَّامٍ تَمَامُ عَادَتِهَا فَصَلَّتْ وَصَامَتْ ثُمَّ عَاوَدَهَا الدَّمُ فَاسْتَمَرَّ بِهَا حَتَّى جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ ذَكَرَ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِينَ، وَلَا يُجْزِيهَا صَوْمُهَا فِي الْعَشَرَةِ الَّتِي صَامَتْ فَيَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ. أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ فَنِفَاسُهَا عِشْرُونَ، فَلَا تَقْضِي مَا صَامَتْ بَعْدَهَا بَحْرٌ مِنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحَيْضُ) يَعْنِي إنْ زَادَ عَلَى عَشْرَةٍ فِي الْمُبْتَدَأَةِ فَالزَّائِدُ اسْتِحَاضَةٌ وَتُرَدُّ الْمُعْتَادَةُ لِعَادَتِهَا ط (قَوْلُهُ فَإِنْ انْقَطَعَ عَلَى أَكْثَرِهِمَا) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ الزَّائِدُ ط (قَوْلُهُ أَوْ قَبْلَهُ) أَيْ وَقَبْلَ الْأَكْثَرِ وَزَادَ عَلَى الْعَادَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ زَادَ عَلَى الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَى الْعَادَةِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْأَكْثَرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 فَالْكُلُّ نِفَاسٌ. وَكَذَا حَيْضٌ إنْ وَلِيَهُ طُهْرٌ تَامٌّ وَإِلَّا فَعَادَتُهَا وَهِيَ تَثْبُتُ وَتَنْتَقِلُ بِمَرَّةٍ بِهِ يُفْتَى، وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْمُلْتَقَى (وَالنِّفَاسُ لِأُمِّ تَوْأَمَيْنِ مِنْ الْأَوَّلِ)   [رد المحتار] فَالْكُلُّ حَيْضٌ اتِّفَاقًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ طُهْرٌ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ إنْ وَلِيَهُ طُهْرٌ تَامٌّ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ فَرَأَتْ سِتَّةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ السَّادِسَ حَيْضٌ أَيْضًا، فَإِنْ طَهُرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا وَهِيَ خَمْسَةٌ وَالْيَوْمُ السَّادِسُ اسْتِحَاضَةٌ، فَتَقْضِي مَا تَرَكَتْ فِيهِ مِنْ الصَّلَاةِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ. اهـ. قَالَ ح: وَصُورَتُهُ فِي النِّفَاسِ كَانَتْ عَادَتُهَا فِي كُلِّ نِفَاسٍ ثَلَاثِينَ ثُمَّ رَأَتْ مَرَّةً إحْدَى وَثَلَاثِينَ ثُمَّ طُهْرًا أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ الْحَيْضَ، فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا وَهِيَ الثَّلَاثُونَ وَيُحْسَبُ الْيَوْمُ الزَّائِدُ مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الَّتِي هِيَ طُهْرٌ (قَوْلُهُ وَهِيَ تَثْبُتُ وَتَنْتَقِلُ بِمَرَّةٍ) أَشَارَ إلَى أَنَّ مَا رَأَتْهُ ثَانِيًا بَعْدَ الطُّهْرِ التَّامِّ يَصِيرُ عَادَةً لَهَا. وَهَذَا مِثَالُ الِانْتِقَالِ بِمَرَّةٍ، وَمِثَالُ الثُّبُوتِ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ دَمًا وَطُهْرًا صَحِيحَيْنِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَادَتُهَا فِي الدَّمِ وَالطُّهْرِ مَا رَأَتْ فَتُرَدُّ إلَيْهَا. لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ الْبِرْكَوِيِّ تَقْيِيدَهُ بِمَا إذَا كَانَ طُهْرُهَا أَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَإِلَّا فَتُرَدُّ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً وَحَيْضُهَا بِحَالِهِ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لَهُمَا. ثُمَّ الْخِلَافُ فِي الْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَهِيَ أَنْ تَرَى دَمَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ وَطُهْرَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ عَلَى الْوِلَاءِ أَوْ أَكْثَرَ، لَا الْجَعْلِيَّةُ بِأَنْ تَرَى أَطْهَارًا مُخْتَلِفَةً وَمَاءً كَذَلِكَ فَإِنَّهَا تُنْتَقَضُ بِرُؤْيَةِ الْمُخَالِفِ اتِّفَاقًا نَهْرٌ، وَتَمَامُ بَيَانِ ذَلِكَ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ نَبَّهَ الْبِرْكَوِيُّ فِي هَامِشِ رِسَالَتِهِ عَلَى أَنَّ بَحْثَ انْتِقَالِ الْعَادَةِ مِنْ أَهَمِّ، مَبَاحِثِ الْحَيْضِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ وَصُعُوبَةِ فَهْمِهِ وَتَعَسُّرِ إجْرَائِهِ. وَذَكَرَ فِي الرِّسَالَةِ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ لِلْعَادَةِ إنْ كَانَتْ فِي النِّفَاسِ، فَإِنْ جَاوَزَ الدَّمُ الْأَرْبَعِينَ فَالْعَادَةُ بَاقِيَةٌ تُرَدُّ إلَيْهَا وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ انْتَقَلَتْ الْعَادَةُ إلَى مَا رَأَتْهُ وَالْكُلُّ نِفَاسٌ؛ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَيْضِ، فَإِنْ جَاوَزَ الْعَشَرَةَ، فَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي زَمَانِ الْعَادَةِ نِصَابٌ انْتَقَلَتْ زَمَانًا وَالْعَدَدُ بِحَالِهِ يُعْتَبَرُ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ. وَإِنْ وَقَعَ فَالْوَاقِعُ فِي زَمَانِهَا فَقَطْ حَيْضٌ وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةٌ، فَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ مُسَاوِيًا لِعَادَتِهَا عَدَدًا فَالْعَادَةُ بَاقِيَةٌ وَإِلَّا انْتَقَلَتْ الْعَادَةُ عَدَدًا إلَى مَا رَأَتْهُ نَاقِصًا، وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ فَالْكُلُّ حَيْضٌ. فَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَيَا صَارَ الثَّانِي عَادَةً وَإِلَّا فَالْعَدَدُ بِحَالِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ لِذَلِكَ أَمْثِلَةً أَوْضَحَ بِهَا الْمَقَامَ، فَرَاجِعْهَا مَعَ شَرْحِنَا عَلَيْهَا (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ إلَخْ) ذَكَرَ فِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ السِّرَاجِ، فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى مَجْمُوعِ مَا ذَكَرَهُ لَا إلَى مَسْأَلَةِ الِانْتِقَالِ فَقَطْ إذْ لَمْ يُذْكَرُ فِيهَا أَزْيَدَ مِمَّا هُنَا فَافْهَمْ. [تَتِمَّةٌ] اخْتَلَفُوا فِي الْمُعْتَادَةِ، هَلْ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهَا الزِّيَادَةَ عَنْ الْعَادَةِ؟ قِيلَ لَا لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَقِيلَ نَعَمْ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ، وَصَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِمَا وَكَذَا الْحُكْمُ فِي النِّفَاسِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُبْتَدَأَةِ أَيْضًا. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَتْرُكُ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهَا الدَّمَ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يَأْتِيَهَا زَوْجُهَا حَتَّى يَتَيَقَّنَ حَالَهَا نُوحٌ أَفَنْدِي (وَقَوْلُهُ وَالنِّفَاسُ لِأُمِّ تَوْأَمَيْنِ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ تَثْنِيَةُ تَوْأَمٍ: اسْمُ وَلَدٍ إذَا كَانَ مَعَهُ آخَرُ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ مِنْ الْأَوَّلِ) وَالْمَرْئِيُّ عَقِيبَ الثَّانِي، إنْ كَانَ فِي الْأَرْبَعِينَ فَمِنْ نِفَاسِ الْأَوَّلِ وَإِلَّا فَاسْتِحَاضَةٌ وَقِيلَ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ يَجِبُ عَلَيْهَا نِفَاسٌ مِنْ الثَّانِي وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 هُمَا وَلَدَانِ بَيْنَهُمَا دُونَ نِصْفِ حَوْلٍ وَكَذَا الثَّلَاثَةُ وَلَوْ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الْأَصَحِّ (وَ) انْقِضَاءُ (الْعِدَّةِ مِنْ الْأَخِيرِ وِفَاقًا) لِتَعَلُّقِهِ بِالْفَرَاغِ (وَسِقْطٌ) مُثَلَّثُ السِّينِ: أَيْ مَسْقُوطٌ (ظَهَرَ بَعْضُ خَلْقِهِ كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ) أَوْ أُصْبُعٍ أَوْ ظُفُرٍ أَوْ شَعْرٍ، وَلَا يَسْتَبِينُ خَلْقُهُ إلَّا بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا (وَلَدٌ) حُكْمًا (فَتَصِيرُ) الْمَرْأَةُ (بِهِ نُفَسَاءَ وَالْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ وَيَحْنَثُ بِهِ) فِي تَعْلِيقِهِ وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ   [رد المحتار] نِهَايَةٌ وَبَحْرٌ. ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُهُمَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ النِّفَاسُ مِنْ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ اسْتِحَاضَةٌ. وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وِفَاقًا) أَشَارَ إلَى أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى خِلَافًا كَمَا ذَكَرْنَا (قَوْلُهُ لِتَعَلُّقِهِ بِالْفَرَاغِ) أَيْ لِتَعَلُّقِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِفَرَاغِ الرَّحِمِ وَهُوَ لَا يَفْرُغُ إلَّا بِخُرُوجِ كُلِّ مَا فِيهِ ط (قَوْلُهُ مُثَلَّثُ السِّينِ) أَيْ يَجُوزُ فِيهِ تَحْرِيكُهَا بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ، قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَالْكَسْرُ أَكْثَرُ. مَطْلَبٌ فِي أَحْوَالِ السِّقْطِ وَأَحْكَامِهِ (قَوْلُهُ أَيْ مَسْقُوطٌ) الَّذِي فِي الْبَحْرِ التَّعْبِيرُ بِالسَّاقِطِ وَهُوَ الْحَقُّ لَفْظًا وَمَعْنًى؛ أَمَّا لَفْظًا فَلِأَنَّ سَقَطَ لَازِمٌ لَا يُبْنَى مِنْهُ اسْمُ الْمَفْعُولِ، وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ سُقُوطُ الْوَلَدِ سَوَاءٌ سَقَطَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَسْقَطَهُ غَيْرُهُ ح (قَوْلُهُ وَلَا يَسْتَبِينُ خَلْقُهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: الْمُرَادُ نَفْخُ الرُّوحِ وَإِلَّا فَالْمُشَاهَدُ ظُهُورُ خَلْقِهِ قَبْلَهَا اهـ وَكَوْنُ الْمُرَادِ بِهِ مَا ذُكِرَ مَمْنُوعٌ. وَقَدْ وَجَّهَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّهُ يَكُونُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً وَأَرْبَعِينَ عَلَقَةً وَأَرْبَعِينَ مُضْغَةً. وَعِبَارَتُهُ فِي عِقْدِ الْفَرَائِدِ قَالُوا: يُبَاحُ لَهَا أَنْ تُعَالِجَ فِي اسْتِنْزَالِ الدَّمِ مَا دَامَ الْحَمْلُ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً وَلَمْ يُخْلَقْ لَهُ عُضْوٌ، وَقَدَّرُوا تِلْكَ الْمُدَّةَ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَإِنَّمَا أَبَاحُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِآدَمِيٍّ. اهـ كَذَا فِي النَّهْرِ. أَقُولُ: لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْبَحْرِ: إنَّ الْمُشَاهَدَ ظُهُورُ خَلْقِهِ قَبْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الصَّحِيحِ «إذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا» وَأَيْضًا هُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاءُ فَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ دَاوُد فِي تَذْكِرَتِهِ أَنَّهُ يَتَحَوَّلُ عِظَامًا مُخَطَّطَةً فِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا إلَى خَمْسِينَ، ثُمَّ يَجْتَذِبُ الْغِذَاءَ وَيَكْتَسِي اللَّحْمَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، ثُمَّ تَظْهَرُ فِيهِ الْغَاذِيَةُ وَالنَّامِيَةُ وَيَكُونُ كَالنَّبَاتِ إلَى نَحْوِ الْمِائَةِ، ثُمَّ يَكُونُ كَالْحَيَوَانِ النَّائِمِ إلَى عِشْرِينَ بَعْدَهَا فَتُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ الْحَقِيقِيَّةُ الْإِنْسَانِيَّةُ. اهـ مُلَخَّصًا. نَعَمْ نَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ نَفْخَ الرُّوحِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَيْ عَقِبَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةِ أَيَّامٍ وَبِهِ أَخَذَ أَحْمَدُ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ ظُهُورَ الْخَلْقِ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَفْخَ الرُّوحِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْخَلْقِ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الرَّابِعِ مِنْ الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ، فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَالْأَمَةُ أُمُّ وَلَدٍ) أَيْ إنْ ادَّعَاهُ الْمَوْلَى قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ وَيَحْنَثُ بِهِ فِي تَعْلِيقِهِ) أَيْ يَقَعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَالْمَرْئِيُّ حَيْضٌ إنْ دَامَ ثَلَاثًا وَتَقَدَّمَهُ طُهْرٌ تَامٌّ وَإِلَّا اسْتِحَاضَةٌ، وَلَوْ لَمْ يُدْرَ حَالُهُ وَلَا عَدَدُ أَيَّامِ حَمْلِهَا وَدَامَ الدَّمُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ حَيْضِهَا بِيَقِينٍ ثُمَّ تَغْتَسِلُ ثُمَّ تُصَلِّي كَمَعْذُورٍ. (وَلَا يُحَدُّ إيَاسٌ بِمُدَّةٍ، بَلْ هُوَ أَنْ تَبْلُغَ مِنْ السِّنِّ مَا لَا تَحِيضُ مِثْلُهَا فِيهِ)   [رد المحتار] الْمُعَلَّقُ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهِمَا بِوِلَادَتِهِ، بِأَنْ قَالَ: إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ بَعْدَ كَلَامٍ: وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ فَلَا حُكْمَ لَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ، وَإِذَا ظَهَرَ وَلَمْ يَتِمَّ فَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُسَمَّى، وَتَحْصُلُ لَهُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ، وَإِذَا تَمَّ وَلَمْ يُسْتَهَلَّ أَوْ اُسْتُهِلَّ وَقَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ أَكْثَرُهُ مَاتَ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا يُغَسَّلُ أَوْ لَا يُسَمَّى وَالْمُخْتَارُ خِلَافُهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَعَدَمِ إرْثِهِ وَيُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ وَيُدْفَنُ وِفَاقًا. وَإِذَا خَرَجَ كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَلَا خِلَافَ فِي غُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَتَسْمِيَتِهِ، وَيَرِثُ وَيُورَثُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْآدَمِيِّ الْحَيِّ الْكَامِلِ. اهـ. قُلْت: لَكِنَّ قَوْلَهُ وَالْمُخْتَارُ خِلَافُهُ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ لَمْ يَتِمَّ خَلْقُهُ، أَمَّا مَنْ تَمَّ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يُغَسَّلُ كَمَا سَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ فِي الْجَنَائِزِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَالْمَرْئِيُّ) أَيْ الدَّمُ الْمَرْئِيُّ مَعَ السِّقْطِ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ مِنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ (قَوْلُهُ وَتَقَدَّمَهُ) أَيْ وُجِدَ قَبْلَهُ بَعْدَ حَيْضِهَا السَّابِقِ، لِيَصِيرَ فَاصِلًا بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ. وَزَادَ فِي النِّهَايَةِ قَيْدًا آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يُوَافِقَ تَمَامَ عَادَتِهَا، وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَادَةَ لَا تَنْتَقِلُ بِمَرَّةٍ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا اسْتِحَاضَةٌ) أَيْ إنْ لَمْ يَدُمْ ثَلَاثًا وَتَقَدَّمَهُ طُهْرٌ تَامٌّ، أَوْ دَامَ ثَلَاثًا وَلَمْ يَتَقَدَّمْهُ طُهْرٌ تَامٌّ، أَوْ لَمْ يَدُمْ ثَلَاثًا وَلَا تَقَدَّمَهُ طُهْرٌ تَامٌّ ح (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُدْرَ حَالُهُ إلَخْ) أَيْ لَا يَدْرِي أَمُسْتَبِينٌ هُوَ أَمْ لَا؟ بِأَنْ أَسْقَطَتْ فِي الْمَخْرَجِ وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ، فَإِذَا كَانَ مَثَلًا حَيْضُهَا عَشْرَةً وَطُهْرُهَا عِشْرِينَ وَنِفَاسُهَا أَرْبَعِينَ، فَإِنْ أَسْقَطَتْ مِنْ أَوَّلِ أَيَّامِ حَيْضِهَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ عَشْرَةً بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهَا إمَّا حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي عِشْرِينَ بِالشَّكِّ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا نُفَسَاءَ أَوْ طَاهِرَةً ثُمَّ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ عَشْرَةً بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهَا إمَّا نُفَسَاءُ أَوْ حَائِضٌ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي عِشْرِينَ بِيَقِينٍ لِاسْتِيفَاءِ الْأَرْبَعِينَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ دَأْبُهَا حَيْضُهَا عَشْرَةٌ وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ، وَإِنْ أَسْقَطَتْ بَعْدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا فَإِنَّهَا تُصَلِّي مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ قَدْرَ عَادَتِهَا فِي الطُّهْرِ بِالشَّكِّ ثُمَّ تَتْرُكُ قَدْرَ عَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ بِيَقِينٍ. وَحَاصِلُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِلشَّكِّ، وَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ. اهـ مِنْ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَتَمَامُ تَفَارِيعِ الْمَسْأَلَةِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَنَبَّهَ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ الْخُلَاصَةِ غَلَطًا فِي التَّصْوِيرِ مِنْ النُّسَّاخِ (قَوْلُهُ وَلَا عَدَدَ أَيَّامِ حَمْلِهَا) هَذَا زَادَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ: وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَلَمْ تَعْلَمْ عَدَدَ أَيَّامِ حَمْلِهَا بِانْقِطَاعِ الْحَيْضِ عَنْهَا، أَمَّا لَوْ لَمْ تَرَهُ مِائَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ أَسْقَطَتْهُ فِي الْمَخْرَجِ كَانَ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ. اهـ (قَوْلُهُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ حَيْضِهَا بِيَقِينٍ) أَيْ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي لَا تَتَيَقَّنُ فِيهَا بِالطُّهْرِ، فَيَشْمَلُ مَا يَحْتَمِلُ الْمَرْئِيُّ فِيهَا أَنَّهُ حَيْضٌ أَوْ نِفَاسٌ كَالْعَشَرَةِ الْأُولَى مِنْ الْأَرْبَعِينَ وَالْعَشَرَةِ الْأَخِيرَةِ وَمَا تَتَيَقَّنُ أَنَّهُ حَيْضٌ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ ثُمَّ تَغْتَسِلُ إلَخْ: أَيْ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي تَتَرَدَّدُ فِيهَا بَيْنَ النِّفَاسِ وَالطُّهْرِ أَوْ تَتَيَقَّنُ فِيهَا بِالطُّهْرِ فَقَطْ، فَلِلَّهِ دَرُّ هَذَا الشَّارِحِ فَقَدْ أَدَّى جَمِيعَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ مَعَ زِيَادَةِ مَا فِي النَّهْرِ وَأَنَّ صَلَاتَهَا صَلَاةُ الْمَعْذُورِ بِأَوْجَزِ عِبَارَةٍ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُحَدُّ إيَاسٌ بِمُدَّةٍ) هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي عُدَّةِ الْفَتْحِ عَنْ الْمُحِيطِ ح. ثُمَّ إنَّ الْإِيَاسَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْيَأْسِ وَهُوَ الْقُنُوطُ ضِدُّ الرَّجَاءِ. قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: أَصْلُهُ إيئَاسٌ عَلَى وَزْنِ إفْعَالٍ مِنْ أَيْأَسَهُ إذَا جَعَلَهُ يَائِسًا مُنْقَطِعَ الرَّجَاءِ، فَكَأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهَا مُنْقَطِعَةَ الرَّجَاءِ عَنْ رُؤْيَةِ الدَّمِ، حُذِفَتْ الْهَمْزَةُ الَّتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 فَإِذَا بَلَغَتْهُ وَانْقَطَعَ دَمُهَا حُكِمَ بِإِيَاسِهَا (فَمَا رَأَتْهُ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ حَيْضٌ) فَيَبْطُلُ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ وَتَفْسُدُ الْأَنْكِحَةُ. (وَقِيلَ: يُحَدُّ بِخَمْسِينَ سَنَةً وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ) وَالْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا مُجْتَبًى وَغَيْرُهُ (تَيْسِيرًا) وَحَدَّهُ فِي الْعُدَّةِ بِخَمْسٍ وَخَمْسِينَ. قَالَ فِي الضِّيَاءِ: وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ (وَمَا رَأَتْهُ بَعْدَهَا) أَيْ: الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ (فَلَيْسَ بِحَيْضٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) إلَّا إذَا كَانَ دَمًا خَالِصًا فَحَيْضٌ حَتَّى يَبْطُلَ بِهِ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ، لَكِنْ قَبْلَ تَمَامِهَا لَا بَعْدُ حَتَّى لَا تَفْسُدَ الْأَنْكِحَةُ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى جَوْهَرَةٌ وَغَيْرُهَا وَسَنُحَقِّقُهُ فِي الْعِدَّةِ.   [رد المحتار] هِيَ عَيْنُ الْكَلِمَةِ تَخْفِيفًا. اهـ. نُوحٌ (قَوْلُهُ: مِثْلُهَا) قَالَ فِي الْفَتْحِ فِي بَابِ الْعِدَّةِ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمُمَاثِلَةَ فِي تَرْكِيبِ الْبَدَنِ وَالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ. اهـ. وَيُقَالُ: لَا بُدَّ أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَ ذَلِكَ جِنْسُهَا لِمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ الْفَتْحِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَدَّرَهُ فِي الرُّومِيَّاتِ بِخَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَفِي غَيْرِهِنَّ بِسِتِّينَ، وَرُبَّمَا يُعْتَبَرُ الْقُطْرُ أَيْضًا، فَلْيُحَرَّرْ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: فَإِذَا بَلَغَتْهُ) فَلَوْ لَمْ تَبْلُغْهُ وَانْقَطَعَ دَمُهَا فَعِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ رَحْمَتِيٌّ. وَعَلَيْهِ فَالْمُرْضِعُ الَّتِي لَا تَرَى الدَّمَ فِي مُدَّةِ إرْضَاعِهَا، لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا إلَّا بِالْحَيْضِ كَمَا سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي بَابِ الْعِدَّةِ. وَقَالَ فِي السِّرَاجِ: سُئِلَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَنْ الْمُرْضِعَةِ إذَا لَمْ تَرَ حَيْضًا فَعَالَجَتْهُ حَتَّى رَأَتْ صُفْرَةً فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ قَالَ: هُوَ حَيْضٌ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَانْقَطَعَ دَمُهَا) أَمَّا لَوْ بَلَغَتْهُ وَالدَّمُ يَأْتِيهَا فَلَيْسَتْ بِآيِسَةٍ، وَمَعْنَاهُ: إذَا رَأَتْ الدَّمَ عَلَى الْعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ ذَلِكَ الْمُعْتَادُ، وَعَوْدُ الْعَادَةِ يُبْطِلُ الْإِيَاسَ، ثُمَّ فَسَّرَ بَعْضُهُمْ هَذَا بِأَنْ تَرَاهُ سَائِلًا كَثِيرًا احْتِرَازًا عَمَّا إذَا رَأَتْ بَلَّةً يَسِيرَةً وَنَحْوَهُ، وَقَيَّدُوهُ بِأَنْ يَكُونَ أَحْمَرَ أَوْ أَسْوَدَ، فَلَوْ أَصْفَرَ أَوْ أَخْضَرَ أَوْ تُرَبِيَّةً لَا يَكُونُ حَيْضًا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ فَقَالَ: إذَا رَأَتْهُ عَلَى الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا قَبْلَ الْإِيَاسِ أَصْفَرَ فَرَأَتْهُ كَذَلِكَ أَوْ عَلَقًا فَرَأَتْهُ كَذَلِكَ كَانَ حَيْضًا. اهـ. فَتْحٌ مِنْ الْعِدَّةِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ هُوَ الثَّانِي رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: حُكِمَ بِإِيَاسِهَا) فَائِدَةُ هَذَا الْحُكْمِ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ إذَا لَمْ تَرَ فِي أَثْنَائِهَا دَمًا إلَخْ (قَوْلُهُ: وَحَدَّهُ) أَيْ: الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْعِدَّةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ قَوْلُ مَشَايِخِ بُخَارَى وَخُوَارِزْمَ ح وَبِخَطِّ الشَّارِحِ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ. قَالَ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي نُكَتِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ عَنْ الْمُفِيدِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَيْضِ وَغَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ) وَهِيَ الْخَمْسُونَ أَوْ الْخَمْسَةُ وَالْخَمْسُونَ ط (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ بِحَيْضٍ) وَلَا يَبْطُلُ بِهِ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ ط (قَوْلُهُ: دَمًا خَالِصًا) أَيْ كَالْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ الْقَانِي دُرَرٌ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَتَقَدَّمَ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ خَالِصًا وَكَانَتْ عَادَتُهَا كَذَلِكَ قَبْلَ الْإِيَاسِ يَكُونُ حَيْضًا (قَوْلُهُ: حَتَّى يَبْطُلَ) تَفْرِيعٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ قَبْلَ تَمَامِهَا) أَيْ: تَمَامِ الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ لَا بَعْدَهُ أَيْ: بَعْدَ تَمَامِ الِاعْتِدَادِ ط (قَوْلُهُ: وَسَنُحَقِّقُهُ فِي الْعِدَّةِ) عِبَارَتُهُ هُنَاكَ: آيِسَةٌ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ عَادَ دَمُهَا عَلَى جَارٍ الْعَادَةِ أَوْ حَبِلَتْ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ بَطَلَتْ عِدَّتُهَا وَفَسَدَ نِكَاحُهَا وَاسْتَأْنَفَتْ بِالْحَيْضِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلِيفَةِ تَحَقُّقُ الْإِيَاسِ عَنْ الْأَصْلِ وَذَلِكَ بِالْعَجْزِ إلَى الْمَوْتِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْغَايَةِ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ حِكَايَةِ سِتَّةِ أَقْوَالٍ مُصَحَّحَةٍ. وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ، لَكِنْ اخْتَارَ الْبَهْنَسِيُّ مَا اخْتَارَهُ الشَّهِيدُ أَنَّهَا إنْ رَأَتْهُ قَبْلَ تَمَامِ الْأَشْهُرِ اسْتَأْنَفَتْ لَا بَعْدَهَا. قُلْت: وَهُوَ مَا اخْتَارَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَمُنْلَا خُسْرو وَالْبَاقَانِيُّ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْحَيْضِ، وَعَلَيْهِ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ، وَتَعْتَدُّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالْحَيْضِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا، وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَالْمُجْتَبَى أَنَّهُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ: وَهَذَا التَّصْحِيحُ أَوْلَى مِنْ تَصْحِيحِ الْهِدَايَةِ، وَفِي النَّهْرِ أَنَّهُ أَطَالَ الرِّوَايَاتِ. اهـ. ح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 (وَصَاحِبُ عُذْرٍ مَنْ بِهِ سَلَسٌ) بَوْلٍ لَا يُمْكِنُهُ إمْسَاكُهُ (أَوْ اسْتِطْلَاقُ بَطْنٍ أَوْ انْفِلَاتُ رِيحٍ أَوْ اسْتِحَاضَةٌ) أَوْ بِعَيْنِهِ رَمَدٌ أَوْ عَمَشٌ أَوْ غَرَبٌ، وَكَذَا كُلُّ مَا يَخْرُجُ بِوَجَعٍ وَلَوْ مِنْ أُذُنٍ وَثَدْيٍ وَسُرَّةٍ (إنْ اسْتَوْعَبَ عُذْرُهُ تَمَامَ وَقْتِ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ) بِأَنْ لَا يَجِدَ فِي جَمِيعِ وَقْتِهَا زَمَنًا يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي فِيهِ خَالِيًا عَنْ الْحَدَثِ (وَلَوْ حُكْمًا) لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ الْيَسِيرَ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ (وَهَذَا شَرْطُ) الْعُذْرِ (فِي حَقِّ الِابْتِدَاءِ، وَفِي) حَقِّ (الْبَقَاءِ كَفَى وُجُودُهُ فِي جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ) وَلَوْ مَرَّةً (وَفِي) حَقِّ الزَّوَالِ يُشْتَرَطُ (اسْتِيعَابُ الِانْقِطَاعِ) تَمَامَ الْوَقْتِ (حَقِيقَةً) لِأَنَّهُ الِانْقِطَاعُ الْكَامِلُ. (وَحُكْمُهُ الْوُضُوءُ) لَا غَسْلُ ثَوْبِهِ   [رد المحتار] [مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْمَعْذُورِ] ِ (قَوْلُهُ: وَصَاحِبُ عُذْرٍ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَقَوْلُهُ: مَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ وَالْأَوَّلُ نَكِرَةٌ فَافْهَمْ. قَالَ فِي النَّهْرِ: قِيلَ السَّلَسُ بِفَتْحِ اللَّامِ نَفْسُ الْخَارِجِ، وَبِكَسْرِهَا مَنْ بِهِ هَذَا الْمَرَضِ (قَوْلُهُ: لَا يُمْكِنُهُ إمْسَاكُهُ) أَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ صَاحِبَ عُذْرٍ كَمَا يَأْتِي ط. (قَوْلُهُ: أَوْ اسْتِطْلَاقُ بَطْنٍ) أَيْ: جَرَيَانُ مَا فِيهِ مِنْ الْغَائِطِ (قَوْلُهُ: أَوْ انْفِلَاتُ رِيحٍ) هُوَ مَنْ لَا يَمْلِكُ جَمْعَ مَقْعَدَتِهِ لِاسْتِرْخَاءٍ فِيهَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ: أَوْ بِعَيْنِهِ رَمَدٌ) أَيْ: وَيَسِيلُ مِنْهُ الدَّمْعُ، وَلَمْ يُقَيَّدْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ (قَوْلُهُ: أَوْ عَمَشٌ) ضَعْفُ الرُّؤْيَةِ مَعَ سَيَلَانِ الدَّمْعِ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ ح عَنْ الْقَامُوسِ. (قَوْلُهُ: أَوْ غَرَبٌ) قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: هُوَ عِرْقٌ فِي مَجْرَى الدَّمْعِ يَسْقِي فَلَا يَنْقَطِعُ مِثْلُ الْبَاسُورِ وَعَنْ الْأَصْمَعِيِّ: بِعَيْنِهِ غَرَبٌ إذَا كَانَتْ تَسِيلُ وَلَا تَنْقَطِعُ دُمُوعُهَا. وَالْغَرَبُ بِالتَّحْرِيكِ: وَرَمٌ فِي الْمَآقِيِ اهـ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا كُلُّ مَا يَخْرُجُ بِوَجَعٍ إلَخْ) ظَاهِرُهُ يَعُمُّ الْأَنْفَ إذَا زُكِمَ ط، لَكِنْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَاءَ فَمِ النَّائِمً طَاهِرٌ وَلَوْ مُنْتِنًا فَتَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمُنْيَةِ: كُلُّ مَا يَخْرُجُ بِعِلَّةٍ فَالْوَجَعُ غَيْرُ قَيْدٍ كَمَا مَرَّ. وَفِي الْمُجْتَبَى: الدَّمُ وَالْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ وَمَاءُ الْجُرْحِ وَالنَّفِطَةِ وَمَاءُ الْبَثْرَةِ وَالثَّدْيُ وَالْعَيْنِ وَالْأُذُنِ لِعِلَّةٍ سَوَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ. وَقَدَّمْنَا فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ عَنْ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْعِلَّةِ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مَاءً فَقَطْ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَيْحًا أَوْ صَدِيدًا، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَيْضًا بَقِيَّةَ الْمَبَاحِثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالدَّمْعِ فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ: مَفْرُوضَةٍ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْوَقْتِ الْمُهْمَلِ كَمَا بَيْنَ الطُّلُوعِ وَالزَّوَالِ فَإِنَّهُ وَقْتٌ لِصَلَاةٍ غَيْرِ مَفْرُوضَةٍ وَهِيَ الْعِيدُ وَالضُّحَى كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ، فَلَوْ اسْتَوْعَبَهُ لَا يَصِيرُ مَعْذُورًا وَكَذَا لَوْ اسْتَوْعَبَهُ الِانْقِطَاعُ لَا يَكُونُ بُرْءًا، أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حُكْمًا) أَيْ: وَلَوْ كَانَ الِاسْتِيعَابُ حُكْمًا بِأَنْ انْقَطَعَ الْعُذْرُ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ لَا يُمْكِنُهُ فِيهِ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ فَلَا يُشْتَرَطُ الِاسْتِيعَابُ الْحَقِيقِيُّ فِي حَقِّ الِابْتِدَاءِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ وَالدُّرَرِ، خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ الزَّيْلَعِيُّ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْبَحْرِ، قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: ثُمَّ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُمْكِنَا مَعَ سُنَنِهِمَا أَوْ الِاقْتِصَارُ عَلَى فَرْضِهِمَا؟ يُرَاجَعْ. اهـ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ الثَّانِي، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فِي حَقِّ الِابْتِدَاءِ) أَيْ: فِي حَقِّ ثُبُوتِهِ ابْتِدَاءً (قَوْلُهُ: فِي جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ) أَيْ: مِنْ كُلِّ وَقْتٍ بَعْدَ ذَلِكَ الِاسْتِيعَابِ إمْدَادٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَرَّةً) أَيْ: لِيُعْلَمَ بِهَا بَقَاؤُهُ إمْدَادٌ (قَوْلُهُ: وَفِي حَقِّ الزَّوَالِ) أَيْ: زَوَالِ الْعُذْرِ، وَخُرُوجِ صَاحِبِهِ عَنْ كَوْنِهِ مَعْذُورًا (قَوْلُهُ: تَمَامَ الْوَقْتِ حَقِيقَةً) أَيْ: بِأَنْ لَا يُوجَدَ الْعُذْرُ فِي جُزْءٍ مِنْهُ أَصْلًا فَيَسْقُطَ الْعُذْرُ مِنْ أَوَّلِ الِانْقِطَاعِ؛ حَتَّى لَوْ انْقَطَعَ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ الصَّلَاةِ وَدَامَ الِانْقِطَاعُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ الثَّانِي يُعِيدُ؛ وَلَوْ عَرَضَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ فَرْضٍ انْتَظَرَ إلَى آخِرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي ثُمَّ إنْ انْقَطَعَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ الثَّانِي يُعِيدُ تِلْكَ الصَّلَاةَ. وَإِنْ اسْتَوْعَبَ الْوَقْتَ الثَّانِيَ لَا يُعِيدُ لِثُبُوتِ الْعُذْرِ حِينَئِذٍ مِنْ وَقْتِ الْعُرُوضِ. اهـ. بِرْكَوِيَّةٌ، وَنَحْوُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالظَّهِيرِيَّةِ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ أَنَّهُ لَوْ انْقَطَعَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لَا يُعِيدُ لِزَوَالِ الْعُذْرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى الْمَاءَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ) أَيْ: الْعُذْرِ أَوْ صَاحِبِهِ (قَوْلُهُ: الْوُضُوءُ) أَيْ: مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالتَّيَمُّمُ (قَوْلُهُ: لَا غَسْلُ ثَوْبِهِ) أَيْ: إنْ لَمْ يُفِدْ كَمَا يَأْتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 وَنَحْوِهِ (لِكُلِّ فَرْضٍ) اللَّامُ لِلْوَقْتِ كَمَا فِي - {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78]- (ثُمَّ يُصَلِّي) بِهِ (فِيهِ فَرْضًا وَنَفْلًا) فَدَخَلَ الْوَاجِبُ بِالْأَوْلَى (فَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ بَطَلَ) أَيْ: ظَهَرَ حَدَثُهُ السَّابِقُ، حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ عَلَى الِانْقِطَاعِ وَدَامَ إلَى خُرُوجِهِ لَمْ يَبْطُلْ بِالْخُرُوجِ مَا لَمْ يَطْرَأْ حَدَثٌ آخَرُ أَوْ يَسِيلُ كَمَسْأَلَةِ مَسْحِ خُفِّهِ. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ بَعْدَ الطُّلُوعِ وَلَوْ لِعِيدٍ أَوْ ضُحًى لَمْ يَبْطُلْ إلَّا بِخُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ. (وَإِنْ سَالَ عَلَى ثَوْبِهِ) فَوْقَ الدِّرْهَمِ (جَازَ لَهُ أَنْ لَا يَغْسِلَهُ إنْ كَانَ لَوْ غَسَلَهُ تَنَجَّسَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا) أَيْ: الصَّلَاةِ (وَإِلَّا) يَتَنَجَّسْ قَبْلَ فَرَاغِهِ (فَلَا) يَجُوزُ تَرْكُ غَسْلِهِ، هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى،   [رد المحتار] مَتْنًا (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ) كَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ ط (قَوْلُهُ: اللَّامُ لِلْوَقْتِ) أَيْ: فَالْمَعْنَى لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ فَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ بَطَلَ، فَلَا يَجِبُ لِكُلِّ صَلَاةٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ «تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ» قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَفِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ رَوَى أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: تَوَضَّئِي لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ» وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُحْكَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ بِخِلَافِ حَدِيثِ " لِكُلِّ صَلَاةٍ " فَإِنَّ لَفْظَ الصَّلَاةِ شَاعَ اسْتِعْمَالُهُ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ فِي وَقْتِهَا فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْمُحْكَمِ وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ) أَيْ: بِالْوُضُوءِ فِيهِ أَيْ: فِي الْوَقْتِ (قَوْلُهُ: فَرْضًا) أَيْ: أَيَّ فَرْضٍ كَانَ نَهْرٌ أَيْ: فَرْضَ الْوَقْتِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْفَوَائِتِ (قَوْلُهُ: بِالْأَوْلَى) ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لَهُ النَّفَلُ وَهُوَ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِهِ يَجُوزُ لَهُ الْوَاجِبُ الْمُطَالَبُ بِهِ بِالْأَوْلَى، أَفَادَهُ ح، أَوْ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لَهُ الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى يَجُوزُ الْأَوْسَطُ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ: فَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ بَطَلَ) أَفَادَ أَنَّ الْوُضُوءَ إنَّمَا يَبْطُلُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فَقَطْ لَا بِدُخُولِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَلَا بِكُلٍّ مِنْهُمَا خِلَافًا لِلثَّانِي وَتَأْتِي ثَمَرَةُ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ: أَيْ: ظَهَرَ حَدَثُهُ السَّابِقُ) أَيْ: السَّابِقُ عَلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلْخُرُوجِ فِي الِانْتِقَاضِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا النَّاقِضُ هُوَ الْحَدَثُ السَّابِقُ بِشَرْطِ الْخُرُوجِ، فَالْحَدَثُ مَحْكُومٌ بِارْتِفَاعِهِ إلَى غَايَةٍ مَعْلُومَةٍ، فَيَظْهَرُ عِنْدَهَا مُقْتَصِرًا لَا مُسْتَنِدًا، كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ أَيْ: ظَهَرَ حَدَثُهُ السَّابِقُ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَظْهَرُ حَدَثُهُ الَّذِي قَارَنَ الْوُضُوءَ أَوْ الَّذِي طَرَأَ عَلَيْهِ بِأَنْ تَوَضَّأَ عَلَى السَّيَلَانِ أَوْ وَجَدَ السَّيَلَانَ بَعْدَهُ فِي الْوَقْتِ أَيْ: فَأَمَّا إذَا تَوَضَّأَ عَلَى الِانْقِطَاعِ وَدَامَ إلَى الْخُرُوجِ فَلَا حَدَثَ بَلْ هُوَ طَهَارَةٌ كَامِلَةٌ، فَلَا يَبْطُلُ بِالْخُرُوجِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَطْرَأْ إلَخْ) أَيْ: فَإِنَّهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ لَوْ طَرَأَ أَيْ: عَرَضَ لَهُ حَدَثٌ آخَرُ أَوْ سَالَ حَدَثُهُ يَبْطُلُ وُضُوءُهُ بِذَلِكَ الْحَدَثِ، فَهُوَ كَالصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: كَمَسْأَلَةِ مَسْحِ خُفِّهِ) أَيْ: الَّتِي قَدَّمَهَا فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ بِقَوْلِهِ: إنَّهُ أَيْ: الْمَعْذُورَ يَمْسَحُ فِي الْوَقْتِ فَقَطْ إلَّا إذَا تَوَضَّأَ وَلَبِسَ عَلَى الِانْقِطَاعِ فَكَالصَّحِيحِ. اهـ. وَقَدَّمْنَاهُ أَنَّهَا رُبَاعِيَةٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَلْبَسَ عَلَى الِانْقِطَاعِ أَوْ يُوجَدَ الْحَدَثُ مَعَ الْوُضُوءِ أَوْ مَعَ اللُّبْسِ أَوْ مَعَهُمَا، فَهُوَ كَالصَّحِيحِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَقَطْ الَّتِي اسْتَثْنَاهَا مِنْ الْمَسْحِ فِي الْوَقْتِ فَقَطْ وَهِيَ الْمُرَادَةُ هُنَا فَلَمَّا كَانَ حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعْلُومًا حَيْثُ صَرَّحَ فِيهَا بِأَنَّهُ كَالصَّحِيحِ أَيْ: إنَّهُ يَمْسَحُ فِي الْوَقْتِ وَخَارِجَهُ إلَى انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْمَسْحِ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى الِانْقِطَاعِ وَدَامَ إلَى خُرُوجِهِ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ أَيْضًا، فَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ لَا يَبْطُلُ وُضُوءُهُ مَا لَمْ يَطْرَأْ حَدَثٌ آخَرُ، فَتَشْبِيهُ مَسْأَلَةِ الْوُضُوءِ بِمَسْأَلَةِ الْمَسْحِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حُكْمُهُ كَالصَّحِيحِ. وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُمَا مُخْتَلِفًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِي الْأُولَى يَبْطُلُ وُضُوءُهُ بِطُرُوِّ الْحَدَثِ بَعْدَ الْوَقْتِ وَلَا يَبْطُلُ مَسْحُهُ بِذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْمَسْحِ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ نَزْعُ الْخُفِّ وَالْغَسْلُ بَعْدَ الْوَقْتِ، بِخِلَافِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَأَفَادَ) أَيْ: بِقَوْلِهِ فَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ بَطَلَ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَقْتُ الْفَرْضِ لَا الْمُهْمَلِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَبْطُلْ إلَّا بِخُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ) أَيْ: خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ حَيْثُ أَبْطَلَاهُ بِدُخُولِهِ وَإِنْ تَوَضَّأَ قَبْلَ الطُّلُوعِ بَطَلَ أَيْضًا بِالطُّلُوعِ خِلَافًا لِزُفَرَ فَقَطْ لِعَدَمِ الدُّخُولِ، وَإِنْ تَوَضَّأَ قَبْلَ الْعَصْرِ لَهُ بَطَلَ اتِّفَاقًا لِوُجُودِ الْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ وَالْأَصْلُ مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى) وَقِيلَ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ أَصْلًا، وَقِيلَ: إنْ كَانَ مُقَيَّدًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 وَكَذَا مَرِيضٌ لَا يَبْسُطُ ثَوْبَهُ إلَّا تَنَجَّسَ فَوْرًا لَهُ تَرْكُهُ (وَ) الْمَعْذُورُ (إنَّمَا تَبْقَى طَهَارَتُهُ فِي الْوَقْتِ) بِشَرْطَيْنِ (إذَا) تَوَضَّأَ لِعُذْرِهِ وَ (لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ حَدَثٌ آخَرُ، أَمَّا إذَا) تَوَضَّأَ لِحَدَثٍ آخَرَ وَعُذْرُهُ مُنْقَطِعٌ ثُمَّ سَالَ أَوْ تَوَضَّأَ لِعُذْرِهِ ثُمَّ (طَرَأَ) عَلَيْهِ حَدَثٌ آخَرُ، بِأَنْ سَالَ أَحَدُ مَنْخِرَيْهِ أَوْ جُرْحَيْهِ أَوْ قُرْحَتَيْهِ وَلَوْ مِنْ جُدَرِيٍّ ثُمَّ سَالَ الْآخَرُ (فَلَا) تَبْقَى طَهَارَتُهُ. (فُرُوعٌ) يَجِبُ رَدُّ عُذْرِهِ أَوْ تَقْلِيلُهُ بِقَدْرِ قُدْرَتِهِ وَلَوْ بِصَلَاتِهِ مُومِيًا،   [رد المحتار] بِأَنْ لَا يُصِيبَهُ مَرَّةً أُخْرَى يَجِبُ. وَإِنْ كَانَ يُصِيبُهُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْأُخْرَى فَلَا وَاخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ بَحْرٌ. قُلْت: بَلْ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ اخْتِيَارُ مَشَايِخِنَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِهِ عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ فَهُوَ أَوْسَعُ عَلَى الْمَعْذُورِينَ، وَيُؤَيِّدُ التَّوْفِيقَ مَا فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الزَّاهِدِيِّ عَنْ الْبَقَّالِيِّ: لَوْ عَلِمَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ أَنَّهَا لَوْ غَسَلَتْهُ يَبْقَى طَاهِرًا إلَى أَنْ تُصَلِّيَ يَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ. وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ يَعُودُ نَجِسًا غَسَلَتْهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ دُونَ مُحَمَّدٍ اهـ لَكِنْ فِيهَا عَنْ الزَّاهِدِيِّ أَيْضًا عَنْ قَاضِي صَدْرٍ أَنَّهُ لَوْ يَبْقَى طَاهِرًا إلَى أَنْ تَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَا يَبْقَى إلَى أَنْ يَخْرُجَ الْوَقْتُ، فَعِنْدَنَا تُصَلِّي بِدُونِ غَسْلِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ عِنْدَنَا مُقَدَّرَةٌ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَعِنْدَهُ بِالْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ. اهـ. لَكِنْ هَذَا قَوْلُ ابْنِ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ فَإِنَّهُ يَقُولُ: يَجِبُ غَسْلُهُ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ قِيَاسًا عَلَى الْوُضُوءِ. وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَدَثِ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَنَجَاسَةُ الثَّوْبِ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ فَلَا تَلْحَقُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا مَرِيضٌ إلَخْ) فِي الْخُلَاصَةِ مَرِيضٌ مَجْرُوحٌ تَحْتَهُ ثِيَابٌ نَجِسَةٌ، إنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يُبْسَطُ تَحْتَهُ شَيْءٌ إلَّا تَنَجَّسَ مِنْ سَاعَتِهِ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَالِهِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَتَنَجَّسْ الثَّانِي إلَّا أَنَّهُ يَزْدَادُ مَرَضُهُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ بَحْرٌ مِنْ بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ " مِنْ سَاعَتِهِ " أَنْ يَتَنَجَّسَ نَجَاسَةً مَانِعَةً قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَكَذَا (قَوْلُهُ: وَالْمَعْذُورُ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ مِنْ أَنَّ وُضُوءَهُ يَبْقَى مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَطْرَأْ) بِالْهَمْزِ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَطَرَأَ عَلَيْنَا فُلَانٌ: جَاءَ مِنْ بَعِيدٍ فَجْأَةً، مِنْ بَابِ مَنَعَ وَمَصْدَرُهُ الطُّرُوءُ، وَقَوْلُهُمْ: طَرِيَ الْجُنُونُ، وَالطَّارِي خِلَافُ الْأَصْلِ فَالصَّوَابُ الْهَمْزَةُ، وَأَمَّا الطَّرَيَانُ فَخَطَأٌ أَصْلًا اهـ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا تَوَضَّأَ لِحَدَثٍ آخَرَ) أَيْ: لِحَدَثٍ غَيْرِ الَّذِي صَارَ بِهِ مَعْذُورًا وَكَانَ حَدَثُهُ مُنْقَطِعًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: أَمَّا إذَا كَانَ حَدَثُهُ غَيْرَ مُنْقَطِعٍ وَأَحْدَثَ حَدَثًا آخَرَ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَلَا يَنْتَقِضُ بِسَيَلَانِ عُذْرِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ التَّقْيِيدِ؛ لِأَنَّ وُضُوءَهُ وَقَعَ لَهُمَا، ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ إذَا تَوَضَّأَ لِعُذْرِهِ. وَوَجْهُ النَّقْضِ فِيهِ بِالْعُذْرِ أَنَّ الْوُضُوءَ لَمْ يَقَعْ لَهُ فَكَانَ عَدَمًا فِي حَقِّهِ بَدَائِعُ. وَكَذَا لَوْ تَوَضَّأَ عَلَى الِانْقِطَاعِ وَدَامَ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ ثُمَّ جَدَّدَ الْوُضُوءَ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي ثُمَّ سَالَ انْتَقَضَ؛ لِأَنَّ تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَوَضَّأَ بَعْدَ السَّيَلَانِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَوَضَّأَ لِعُذْرِهِ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ حَدَثٌ آخَرُ، وَوَجْهُ النَّقْضِ فِيهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ هَذَا حَدَثٌ جَدِيدٌ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَ الطَّهَارَةِ، فَكَانَ هُوَ وَالْبَوْلُ وَالْغَائِطُ سَوَاءً. اهـ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ سَالَ أَحَدُ مَنْخِرَيْهِ) أَمَّا لَوْ سَالَ مِنْهُمَا جَمِيعًا ثُمَّ انْقَطَعَ أَحَدُهُمَا فَهُوَ عَلَى وُضُوئِهِ مَا بَقِيَ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ حَصَلَتْ لَهُمَا جَمِيعًا وَالطَّهَارَةُ مَتَى وَقَعَتْ لِعُذْرٍ لَا يَضُرُّهَا السَّيَلَانُ مَا بَقِيَ الْوَقْتُ، فَبَقِيَ هُوَ صَاحِبَ عُذْرٍ بِالْمَنْخِرِ الْآخَرِ، وَعَلَى هَذَا صَاحِبُ الْقُرُوحِ إذَا انْقَطَعَ السَّيَلَانُ عَنْ بَعْضِهَا بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ جُدَرِيٍّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ ط وَبِخَطِّ الشَّارِحِ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ. قَوْلُهُ: أَوْ قُرْحَتَيْهِ يَشْمَلُ مَنْ بِهِ جُدَرِيٌّ سَالَ مِنْهَا مَاءٌ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ سَالَ مِنْهَا قُرْحَةٌ أُخْرَى فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ؛ لِأَنَّ الْجُدَرِيَّ قُرُوحٌ مُتَعَدِّدَةٌ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ جُرْحَيْنِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْبَدَنِ أَحَدُهُمَا لَا يَرْقَأُ لَوْ تَوَضَّأَ لِأَجْلِهِ ثُمَّ سَالَ الْآخَرُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا تَبْقَى طَهَارَتُهُ) جَوَابُ أَمَّا (قَوْلُهُ: أَوْ تَقْلِيلُهُ) أَيْ: إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ رَدُّهُ بِالْكُلِّيَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِصَلَاتِهِ مُومِئًا) أَيْ: كَمَا إذَا سَالَ عِنْدَ السُّجُودِ وَلَمْ يَسِلْ بِدُونِهِ فَيُومِئُ قَائِمًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 وَبِرَدِّهِ لَا يَبْقَى ذَا عُذْرٍ بِخِلَافِ الْحَائِضِ. وَلَا يُصَلِّي مَنْ بِهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ خَلْفَ مَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ؛ لِأَنَّ مَعَهُ حَدَثًا وَنَجَسًا. بَابُ الْأَنْجَاسِ جَمْعُ نَجَسٍ بِفَتْحَتَيْنِ. وَهُوَ لُغَةً: يَعُمُّ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ. وَعُرْفًا يَخْتَصُّ بِالْأَوَّلِ.   [رد المحتار] أَوْ قَاعِدًا، وَكَذَا لَوْ سَالَ عِنْدَ الْقِيَامِ يُصَلِّي قَاعِدًا، بِخِلَافِ مَنْ لَوْ اسْتَلْقَى لَمْ يَسِلْ فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّي مُسْتَلْقِيًا. اهـ. بِرْكَوِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: وَبِرَدِّهِ لَا يَبْقَى ذَا عُذْرٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمَتَى قَدَرَ الْمَعْذُورُ عَلَى رَدِّ السَّيَلَانِ بِرِبَاطٍ أَوْ حَشْوٍ أَوْ كَانَ لَوْ جَلَسَ لَا يَسِيلُ وَلَوْ قَامَ سَالَ وَجَبَ رَدُّهُ، وَخَرَجَ بِرَدِّهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ عُذْرٍ، وَيَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا بِإِيمَاءٍ إنْ سَالَ بِالْمَيَلَانِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ أَهْوَنُ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ. اهـ. وَاسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا أَنَّ صَاحِبَ كَيِّ الْحِمَّصَةِ غَيْرُ مَعْذُورٍ لِإِمْكَانِ رَدِّ الْخَارِجِ بِرَفْعِهَا ط، وَهَذَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ مِنْهُ فِيهِ قُوَّةُ السَّيَلَانِ بِنَفْسِهِ لَوْ تُرِكَ وَكَانَ إذَا رَفَعَهَا يَنْقَطِعُ سَيَلَانُهُ أَوْ كَانَ يُمْكِنُهُ رَبْطُهُ بِمَا يَمْنَعُهُ مِنْ السَّيَلَانِ وَالنَّشِّ كَنَحْوِ جِلْدٍ، أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَنْقَطِعُ فِي الْوَقْتِ بِرَفْعِهَا وَلَا يُمْكِنُهُ الرَّبْطُ الْمَذْكُورُ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَقَدَّمْنَا بَقِيَّةَ الْكَلَامِ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْحَائِضِ) ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ دَمَ الْحَيْضِ كَالْخَارِجِ حَيْثُ جَعَلَهَا حَائِضًا وَكَانَ الْقِيَاسُ خِلَافَهُ لِانْعِدَامِ دَمِ الْحَيْضِ حِسًّا اهـ حِلْيَةٌ. وَهَذَا إذَا مَنَعَتْهُ بَعْدَ نُزُولِهِ إلَى الْفَرْجِ الْخَارِجِ كَمَا أَفَادَهُ الْبِرْكَوِيُّ، لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْحَيْضُ إلَّا بِالْبُرُوزِ لَا بِالْإِحْسَاسِ بِهِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، فَلَوْ أَحَسَّتْ بِهِ فَوَضَعَتْ الْكُرْسُفَ فِي الْفَرْجِ الدَّاخِلِ وَمَنَعَتْهُ مِنْ الْخُرُوجِ فَهِيَ طَاهِرَةٌ كَمَا لَوْ حَبَسَ الْمَنِيَّ فِي الْقَصَبَةِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ مَعَهُ حَدَثًا وَنَجَسًا) أَيْ: بِخِلَافِ الْمُقْتَدِي، فَإِنَّ مَعَهُ انْفِلَاتَ الرِّيحِ وَهُوَ حَدَثٌ فَقَطْ. وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ جَوَازُ عَكْسِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ، لَكِنْ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ هُنَاكَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ، وَبِأَنَّ مُجَرَّدَ اخْتِلَافِ الْعُذْرِ مَانِعٌ. أَقُولُ: وَيُوَافِقُهُ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي السِّرَاجِ وَالتَّبْيِينِ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهَا، مِنْ أَنَّ اقْتِدَاءَ الْمَعْذُورِ بِالْمَعْذُورِ صَحِيحٌ إنْ اتَّحَدَ عُذْرُهُمَا، وَأَوْضَحَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فَرَاجِعْهُ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي مَحَلِّهِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. [بَابُ الْأَنْجَاسِ] أَيْ: بَابُ بَيَانِهَا وَبَيَانِ أَحْكَامِهَا وَتَطْهِيرِ مَحَالِّهَا. وَقَدَّمَ الْحُكْمِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى، لِكَوْنِ قَلِيلِهَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ اتِّفَاقًا وَلَا يَسْقُطُ وُجُوبُ إزَالَتِهَا بِعُذْرٍ بَحْرٌ عَنْ النِّهَايَةِ. أَقُولُ فِيهِ: إنَّ الْحُكْمِيَّةَ لَا تَتَجَزَّأُ عَلَى الْأَصَحِّ، فَمَنْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ لُمْعَةٌ فَهُوَ مُحْدِثٌ فَلَا تُوصَفُ بِالْقِلَّةِ، وَقَدْ تَسْقُطُ بِعُذْرٍ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الطَّهَارَةِ فِيمَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَبِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِلَا وُضُوءٍ وَلَا تَيَمُّمٍ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: بِفَتْحَتَيْنِ) كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ كُلُّ مُسْتَقْذَرٍ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ اسْمًا اهـ لَكِنَّ الصَّحِيحَ مَا قَالَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ جَمْعُ نَجِسٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ، لِمَا فِي الْعُبَابِ: النَّجِسُ ضِدُّ الطَّاهِرِ، وَالنَّجَاسَةُ ضِدُّ الطَّهَارَةُ وَقَدْ نَجِسَ يَنْجَسُ كَسَمِعَ يَسْمَعُ وَكَرُمَ يَكْرُمُ، وَإِذَا قُلْت: رَجُلٌ نَجِسٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ ثَنَّيْت وَجَمَعْت وَبِفَتْحِهَا لَمْ تُثَنِّ وَلَمْ تَجْمَعْ وَتَقُولُ: رَجُلٌ وَرَجُلَانِ وَرِجَالٌ وَامْرَأَةٌ وَنِسَاءٌ نَجَسٌ اهـ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْعَيْنِيِّ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَنْجَاسَ لَيْسَ جَمْعًا لِمَفْتُوحِ الْجِيمِ بَلْ لِمَكْسُورِهَا. (قَوْلُهُ: يَعُمُّ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ) وَالْخَبَثُ يَخُصُّ الْأَوَّلَ وَالْحَدَثُ الثَّانِيَ بَحْرٌ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 (يَجُوزُ رَفْعُ نَجَاسَةٍ حَقِيقِيَّةٍ عَنْ مَحَلِّهَا) وَلَوْ إنَاءً أَوْ مَأْكُولًا عُلِمَ مَحَلُّهَا أَوْ لَا (بِمَاءٍ لَوْ مُسْتَعْمَلًا) بِهِ يُفْتَى (وَبِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ قَالِعٍ) لِلنَّجَاسَةِ يَنْعَصِرُ بِالْعَصْرِ (كَخَلٍّ وَمَاءِ وَرْدٍ) حَتَّى الرِّيقُ، فَتَطْهُرُ أُصْبُعٌ وَثَدْيٌ تَنَجَّسَ بِلَحْسٍ ثَلَاثًا (بِخِلَافِ نَحْوِ لَبَنٍ) كَزَيْتٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَالِعٍ، وَمَا قِيلَ إنَّ اللَّبَنَ وَبَوْلَ مَا يُؤْكَلُ مُزِيلٌ فَخِلَافُ الْمُخْتَارِ. (وَيَطْهُرُ خُفٌّ وَنَحْوُهُ) كَنَعْلٍ (تَنَجَّسَ بِذِي جِرْمٍ)   [رد المحتار] فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: رَفْعُ خَبَثٍ بَدَلَ قَوْلِهِ " رَفْعُ نَجَاسَةٍ حَقِيقِيَّةٍ " كَانَ أَخْصَرَ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: يَجُوزُ إلَخْ) عَبَّرَ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ عَنْ مَحَلِّهَا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِبَدَنِ الْمُصَلِّي وَثَوْبِهِ وَمَكَانِهِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ فَعَبَّرَ بِالْوُجُوبِ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ بَيَانُ جَوَازِ الطَّهَارَةِ بِمَا ذُكِرَ أَيْ: مِنْ الْمَاءِ وَكُلِّ مَائِعٍ إلَخْ لَا بَيَانُ وُجُوبِهَا حَالَةَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مِنْ مَسَائِلِ بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ اهـ. عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ كَمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ مُقَيَّدٌ بِالْإِمْكَانِ وَبِمَا إذَا لَمْ يَرْتَكِبْ مَا هُوَ أَشَدُّ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إزَالَتِهَا إلَّا بِإِبْدَاءِ عَوْرَتِهِ لِلنَّاسِ يُصَلِّي مَعَهَا؛ لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ أَشَدُّ، فَلَوْ أَبَدَاهَا لِلْإِزَالَةِ فَسَقَ؛ إذْ مَنْ اُبْتُلِيَ بَيْنَ مَحْظُورَيْنِ عَلَيْهِ أَنْ يَرْتَكِبَ أَهْوَنَهُمَا. اهـ. وَقَدَّمَ الشَّارِحُ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ أَنَّهُ لَا يَدَعُهُ وَإِنْ رَآهُ النَّاسُ، وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ هُنَاكَ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ إنَاءً أَوْ مَأْكُولًا) أَيْ: كَقَصْعَةٍ وَأَدْهَانٍ؛ وَهَذَا حَيْثُ أَمْكَنَ لِقَوْلِهِ آخِرَ الْبَابِ " حِنْطَةٌ طُبِخَتْ فِي خَمْرٍ " لَا تَطْهُرُ أَبَدًا. (قَوْلُهُ: أَوْ لَا) كَمَا لَوْ تَنَجَّسَ طَرَفٌ مِنْ ثَوْبِهِ وَنَسِيَهُ فَيَغْسِلُ طَرَفًا مِنْهُ وَلَوْ بِلَا تَحَرٍّ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْكَلَامِ. (قَوْلُهُ: بِمَاءٍ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَاءُ الْمَشْكُوكُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ كَمَا مَرَّ فِي الْأَسْآرِ. (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) أَيْ: خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجِيزُ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ بَحْرٌ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ الطَّهَارَةَ بِانْقِلَابِ الْعَيْنِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَبِكُلِّ مَائِعٍ) أَيْ: سَائِلٍ، فَخَرَجَ الْجَامِدُ كَالثَّلْجِ قَبْلَ ذَوْبِهِ أَفَادَهُ ط. [تَنْبِيهٌ] صَرَّحَ فِي الْحِلْيَةِ فِي بَحْثِ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَنَّهُ تُكْرَهُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِالْمَائِعِ الْمَذْكُورِ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ. (قَوْلُهُ: طَاهِرٍ) فَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَا يُطَهِّرُ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ اتِّفَاقًا، بَلْ وَلَا يُزِيلُ حُكْمَ الْغَلِيظَةِ فِي الْمُخْتَارِ، فَلَوْ غُسِلَ بِهِ الدَّمُ بَقِيَتْ نَجَاسَةُ الدَّمِ؛ لِأَنَّهُ مَا ازْدَادَ الثَّوْبُ بِهِ إلَّا شَرًّا؛ وَلَوْ حَلَفَ مَا فِيهِ دَمٌ أَيْ: نَجَاسَةُ دَمٍ يَحْنَثُ، وَعَلَى الضَّعِيفِ لَا وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: قَالِعٍ) أَيْ: مُزِيلٍ. (قَوْلُهُ: يَنْعَصِرُ بِالْعَصْرِ) تَفْسِيرٌ لِقَالِعٍ لَا قَيْدٌ آخَرُ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: فَتَطْهُرُ أُصْبُعٌ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ: وَعَلَى هَذَا فَرَّعُوا طَهَارَةَ الثَّدْيِ إذَا قَاءَ عَلَيْهِ الْوَلَدُ ثُمَّ رَضَعَهُ حَتَّى زَالَ أَثَرُ الْقَيْءِ، وَكَذَا إذَا لَحِسَ أُصْبُعَهُ مِنْ نَجَاسَةٍ حَتَّى ذَهَبَ الْأَثَرُ أَوْ شَرِبَ خَمْرًا ثُمَّ تَرَدَّدَ رِيقُهُ فِي فِيهِ مِرَارًا طَهُرَ، حَتَّى لَوْ صَلَّى صَحَّتْ. وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا. اهـ. وَقَدَّمْنَا فِي الْأَسْآرِ عَنْ الْحِلْيَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَزُولَ أَثَرُ الْخَمْرِ مِنْ الرِّيقِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ. وَفِي الْفَتْحِ: صَبِيٌّ ارْتَضَعَ ثُمَّ قَاءَ فَأَصَابَ ثِيَابَ الْأُمِّ إنْ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ فَنَجِسٌ، فَإِذَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَنَعَ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مَا لَمْ يَفْحُشْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ وَقَدَّمْنَا مَا يَقْتَضِي طَهَارَتَهُ. (قَوْلُهُ: مُزِيلٌ) لَمْ يَقُلْ مُطَهِّرٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ بَوْلَ الْمَأْكُولِ لَا يُطَهِّرُ اتِّفَاقًا؛ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي إزَالَتِهِ لِلنَّجَاسَةِ الْكَائِنَةِ. (قَوْلُهُ: فَخِلَافُ الْمُخْتَارِ) وَعَلَى ضَعْفِهِ فَالْمُرَادُ بِاللَّبَنِ مَا لَا دُسُومَةَ فِيهِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَيَطْهُرُ خُفٌّ وَنَحْوُهُ) احْتِرَازٌ عَنْ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ؛ فَلَا يَطْهُرَانِ بِالدَّلْكِ إلَّا فِي الْمَنِيِّ؛ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ؛ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَصَابَ النَّجَسُ مَوْضِعَ الْوَطْءِ وَمَا فَوْقَهُ؛ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ. (قَوْلُهُ: كَنَعْلٍ) وَمِثْلُهُ الْفَرْوُ. اهـ. ح عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْحَمَوِيِّ: أَيْ: مِنْ غَيْرِ جَانِبِ الشَّعْرِ؛ وَقَيَّدَ النَّعْلَ فِي النَّهْرِ بِغَيْرِ الرَّقِيقِ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْبَحْرِ: قَيَّدَهُ أَبُو يُوسُفَ بِغَيْرِ الرَّقِيقِ؛ فَالْمُرَادُ بِهِ النَّجَسُ ذُو الْجِرْمِ؛ وَمَثَّلَ لَهُ فِي الْمِعْرَاجِ بِالْخَمْرِ وَالْبَوْلِ، فَالضَّمِيرُ فِي عِبَارَةِ الْبَحْرِ لِلنَّجَسِ لَا لِلنَّعْلِ. (قَوْلُهُ: بِذِي جِرْمٍ) أَيْ: وَإِنْ كَانَ رَطْبًا عَلَى قَوْلِ الثَّانِي؛ وَعَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 هُوَ كُلُّ مَا يُرَى بَعْدَ الْجَفَافِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِهَا كَخَمْرٍ وَبَوْلٍ أَصَابَهُ تُرَابٌ بِهِ يُفْتَى بِدَلْكٍ يَزُولُ بِهِ أَثَرُهَا (وَإِلَّا) جِرْمٌ لَهَا كَبَوْلٍ (فَيُغْسَلْ وَ) يَطْهُرُ (صَقِيلٌ) لَا مَسَامَّ لَهُ (كَمِرْآةٍ) وَظُفْرٍ وَعَظْمٍ وَزُجَاجٍ وَآنِيَةٍ مَدْهُونَةٍ أَوْ خِرَاطِي وَصَفَائِحَ فِضَّةٍ غَيْرِ مَنْقُوشَةٍ بِمَسْحٍ يَزُولُ بِهِ أَثَرُهَا مُطْلَقًا بِهِ يُفْتَى.   [رد المحتار] أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ؛ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ؛ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِعُمُومِ الْبَلْوَى؛ وَلِإِطْلَاقِ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَنْظُرْ، فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلِهِ أَذًى أَوْ قَذَرًا فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا» كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: هُوَ كُلُّ مَا يُرَى بَعْدَ الْجَفَافِ) أَيْ: عَلَى ظَاهِرِ الْخُفِّ كَالْعَذِرَةِ وَالدَّمِ، وَمَا لَا يُرَى بَعْدَ الْجَفَافِ فَلَيْسَ بِذِي جِرْمٍ بَحْرٌ. وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ غَيْرِهَا) أَيْ: وَلَوْ كَانَ الْجِرْمُ الْمَرْئِيُّ مِنْ غَيْرِ النَّجَاسَةِ. (قَوْلُهُ: كَخَمْرٍ وَبَوْلٍ إلَخْ) أَيْ: بِأَنْ ابْتَلَّ الْخُفُّ بِخَمْرٍ فَمَشَى بِهِ عَلَى رَمْلٍ أَوْ رَمَادٍ فَاسْتَجْسَدَ فَمَسَحَهُ بِالْأَرْضِ حَتَّى تَنَاثَرَ طَهُرَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ بَحْرٌ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. أَقُولُ: وَمُفَادَهُ أَنَّ الْخَمْرَ وَالْبَوْلَ لَيْسَ بِذِي جِرْمٍ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُرَى أَثَرُهُ بَعْدَ الْجَفَافِ، فَالْمُرَادُ بِذِي الْجِرْمِ مَا تَكُونُ ذَاتُهُ مُشَاهَدَةً بِحِسِّ الْبَصَرِ، وَبِغَيْرِهِ مَا لَا تَكُونُ كَذَلِكَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَكَذَا يَطْهُرُ مَحَلُّ نَجَاسَةٍ مَرْئِيَّةٍ ". (قَوْلُهُ: بِدَلْكٍ) أَيْ: بِأَنْ يَمْسَحَهُ مَسْحًا قَوِيًّا ط وَمِثْلُ الدَّلْكِ الْحَكُّ وَالْحَتُّ عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَفِي الْمُغْرِبِ: الْحَتُّ الْقَشْرُ بِالْيَدِ أَوْ الْعُودِ. (قَوْلُهُ: يَزُولُ بِهِ أَثَرُهَا) أَيْ: إلَّا أَنْ يَشُقَّ زَوَالُهُ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا جِرْمٌ لَهَا) أَيْ: وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ الْمَفْهُومَةُ مِنْ الْمَقَامِ لَا جِرْمَ لَهَا. (قَوْلُهُ: فَيُغْسَلْ) أَيْ: الْخُفُّ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُغْسَلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيُتْرَكَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ حَتَّى يَنْقَطِعَ التَّقَاطُرُ وَتَذْهَبَ النَّدَاوَةُ، وَلَا يُشْتَرَطُ اللُّبْسُ. (قَوْلُهُ: صَقِيلٌ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ نَحْوِ الْحَدِيدِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ صَدَأٌ أَوْ مَنْقُوشًا، وَبِقَوْلِهِ " لَا مَسَامَّ لَهُ " عَنْ الثَّوْبِ الثَّقِيلِ فَإِنَّ لَهُ مَسَامًّا ح عَنْ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَآنِيَةٍ مَدْهُونَةٍ) أَيْ: كَالزُّبْدِيَّةِ الصِّينِيَّةِ حِلْيَةٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ خَرَّاطِيٍّ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ بَعْدَهَا أَلِفٌ وَكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ آخِرُهُ يَاءٌ مُشَدَّدَةٌ نِسْبَةً إلَى الْخَرَّاطِ، وَهُوَ خَشَبٌ يَخْرُطُهُ الْخَرَّاطُ فَيَصِيرُ صَقِيلًا كَالْمِرْآةِ ح (قَوْلُهُ: بِمَسْحٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيَطْهُرُ، وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِالْمَسْحِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَقْتُلُونَ الْكُفَّارَ بِسُيُوفِهِمْ ثُمَّ يَمْسَحُونَهَا وَيُصَلُّونَ مَعَهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَتَدَاخَلُهُ النَّجَاسَةُ، وَمَا عَلَى ظَهْرِهِ يَزُولُ بِالْمَسْحِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ أَصَابَهُ نَجَسٌ لَهُ جِرْمٌ أَوْ لَا، رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا عَلَى الْمُخْتَارِ لِلْفَتْوَى شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْبُرْهَانِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا لَوْ يَابِسَةً ذَاتَ جِرْمٍ تَطْهُرُ بِالْحَتِّ وَالْمَسْحِ بِمَا فِيهِ بَلَلٌ ظَاهِرٌ مِنْ خِرْقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا حَتَّى يَذْهَبَ أَثَرُهَا مَعَ عَيْنِهَا، وَلَوْ يَابِسَةً لَيْسَتْ بِذَاتِ جِرْمٍ كَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ فَبِالْمَسْحِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ لَا غَيْرُ، وَلَوْ رَطْبَةً ذَاتَ جِرْمٍ أَوْ لَا فَبِالْمَسْحِ بِخِرْقَةٍ مُبْتَلَّةٍ أَوْ لَا. [تَنْبِيهٌ] بَقِيَ مِمَّا يَطْهُرُ بِالْمَسْحِ مَوْضِعُ الْحِجَامَةِ، فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا مَسَحَهَا بِثَلَاثِ خِرَقٍ رَطَبَاتٍ نِظَافٍ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ، وَأَقَرَّهُ فِي الْفَتْحِ وَقَاسَ عَلَيْهِ مَا حَوْلَ مَحَلِّ الْفَصْدِ إذَا تَلَطَّخَ وَيُخَافُ مِنْ الْإِسَالَةِ السَّرَيَانُ إلَى الثَّقْبِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ يَقْتَضِي تَقْيِيدَ مَسْأَلَةِ الْمَحَاجِمِ بِمَا إذَا خَافَ مِنْ الْإِسَالَةِ ضَرَرًا وَالْمَنْقُولُ مُطْلَقٌ. اهـ. أَقُولُ: وَقَدْ نُقِلَ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ نَجْمِ الْأَئِمَّةِ الِاكْتِفَاءُ فِيهَا بِالْمَسْحِ مَرَّةً وَاحِدَةً إذَا زَالَ بِهَا الدَّمُ، لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ مَسَحَ مَوْضِعَ الْحِجَامَةِ بِثَلَاثِ خِرَقٍ مَبْلُولَةٍ يَجُوزُ إنْ كَانَ الْمَاءُ مُتَقَاطِرًا. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَسْأَلَةِ بِلُزُومِ الْغَسْلِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 (وَ) تَطْهُرُ (أَرْضٌ) بِخِلَافِ نَحْوِ بِسَاطٍ (بِيُبْسِهَا) أَيْ: جَفَافِهَا وَلَوْ بِرِيحٍ (وَذَهَابِ أَثَرِهَا كَلَوْنٍ) وَرِيحٍ (لِ) أَجْلِ (صَلَاةٍ) عَلَيْهَا (لَا لِتَيَمُّمٍ) بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ لَهَا الطَّهَارَةُ وَلَهُ الطَّهُورِيَّةُ. (وَ) حُكْمُ (آجُرٍّ) وَنَحْوِهِ كَلَبِنٍ (مَفْرُوشٍ وَخُصٍّ) بِالْخَاءِ تَحْجِيرَةُ سَطْحٍ (وَشَجَرٍ وَكَلَأٍ قَائِمَيْنِ فِي أَرْضٍ كَذَلِكَ)   [رد المحتار] مَا فِي الْخَانِيَّةِ قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ فَمَسَحَهَا بِخِرْقَةٍ مَبْلُولَةٍ ثَلَاثًا يَطْهُرُ لَوْ الْمَاءُ مُتَقَاطِرًا عَلَى بَدَنِهِ. اهـ. فَإِنَّهُ مَعَ التَّقَاطُرِ يَكُونُ غَسْلًا لَا مَسْحًا، لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَصَابَهُ نَجَاسَةٌ فَبَلَّ يَدَهُ ثَلَاثًا وَمَسَحَهَا، إنْ كَانَتْ الْبَلَّةُ مِنْ يَدِهِ مُتَقَاطِرَةً جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ غَسْلًا وَإِلَّا فَلَا. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ نَحْوِ بِسَاطٍ) أَيْ: وَحَصِيرٍ وَثَوْبٍ وَبَدَنٍ مِمَّا لَيْسَ أَرْضًا وَلَا مُتَّصِلًا بِهَا اتِّصَالَ قَرَارٍ. (قَوْلُهُ: بِيُبْسِهَا) لِمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بَابُ طَهُورِ الْأَرْضِ إذَا يَبِسَتْ وَسَاقَ بِسَنَدِهِ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنْت أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُنْت شَابًّا عَزَبًا، وَكَانَتْ الْكِلَابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ» اهـ وَلَوْ أُرِيدَ تَطْهِيرُهَا عَاجِلًا يُصَبُّ عَلَيْهَا الْمَاءُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَتُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِخِرْقَةٍ طَاهِرَةٍ، وَكَذَا لَوْ صُبَّ عَلَيْهَا الْمَاءُ بِكَثْرَةٍ حَتَّى لَا يَظْهَرَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ وَفَتْحٌ. وَهَلْ الْمَاءُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ نَجِسٌ أَمْ طَاهِرٌ؟ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْبَحْرِ " صَبَّ عَلَيْهَا الْمَاءَ كَثِيرًا ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى نَشَفَتْ طَهُرَتْ أَنَّهُ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَهَارَتَهَا بِنَشَافِهَا أَيْ: يُبْسِهَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْحُجَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَيَتَنَجَّسُ الْمَوْضِعُ الَّذِي انْتَقَلَ الْمَاءُ إلَيْهِ. وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا حَيْثُ لَمْ يَصِرْ الْمَاءُ جَارِيًا عُرْفًا، أَمَّا لَوْ جَرَى بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَنْ مَحَلِّهَا وَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ أَثَرُهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا؛ لِأَنَّ الْجَارِيَ لَا يَتَنَجَّسُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَدَدٌ مَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ الْأَثَرُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ: إذَا صُبَّ عَلَيْهَا الْمَاءُ فَجَرَى قَدْرَ ذِرَاعٍ طَهُرَتْ الْأَرْضُ وَالْمَاءُ طَاهِرٌ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي. وَفِي الْمُنْتَقَى أَصَابَهَا الْمَطَرُ غَالِبًا وَجَرَى عَلَيْهَا فَذَلِكَ مُطَهِّرٌ لَهَا، وَلَوْ قَلِيلًا لَمْ يَجْرِ عَلَيْهَا لَمْ تَطْهُرْ، فَيَغْسِلُ قَدَمَيْهِ وَخُفَّيْهِ يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَ الْمَطَرُ قَلِيلًا وَمَشَى عَلَيْهَا. اهـ. فَهَذَا نَصٌّ فِي الْمَقْصُودِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَسَنَذْكُرُ آخِرَ الْفَصْلِ تَمَامَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: أَيْ: جَفَافِهَا) الْمُرَادُ بِهِ ذَهَابُ النَّدْوَةِ، وَفَسَّرَ الشَّارِحُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَشْرُوطُ دُونَ الْيُبْسِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ عِبَارَاتُ الْفُقَهَاءِ قُهُسْتَانِيٌّ. وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْكَمَالِ عَنْ الذَّخِيرَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِرِيحٍ) أَشَارَ إلَى أَنَّ تَقْيِيدَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بِالشَّمْسِ اتِّفَاقِيٌّ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَفَافِ بِالشَّمْسِ أَوْ النَّارِ أَوْ الرِّيحِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: كَلَوْنٍ وَرِيحٍ) أَدْخَلَتْ الْكَافُ الطَّعْمَ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا. (قَوْلُهُ: وَلَهُ الطَّهُورِيَّةُ) ؛ لِأَنَّ الصَّعِيدَ عُلِمَ قَبْلَ التَّنَجُّسِ طَاهِرًا وَطَهُورًا وَبِالتَّنَجُّسِ عُلِمَ زَوَالُ الْوَصْفَيْنِ ثُمَّ ثَبَتَ بِالْجَفَافِ شَرْعًا أَحَدُهُمَا أَعْنِي التَّطْهِيرَ فَيَبْقَى الْآخَرُ عَلَى مَا عُلِمَ مِنْ زَوَالِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ طَهُورًا لَا يُتَيَمَّمُ بِهِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: مَفْرُوشٍ) أَمَّا لَوْ مَوْضُوعًا غَيْرَ مُثَبَّتٍ فِيهَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْجَفَافِ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي الْأَرْضِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُسَمَّى أَرْضًا عُرْفًا، وَلِذَا لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ حُكْمًا لِعَدَمِ اتِّصَالِهِ بِهَا عَلَى جِهَةِ الْقَرَارِ فَلَا يَلْحَقُ بِهَا. شَارِحُ الْمُنْيَةِ. زَادَ فِي الْحِلْيَةِ: وَإِذَا قُلِعَ الْمَفْرُوشُ بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ يَعُودُ نَجِسًا فِيهِ رِوَايَتَانِ. قُلْت: وَالْأَشْبَهُ عَدَمُ الْعَوْدِ. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ (قَوْلُهُ: بِالْخَاءِ) أَيْ: الْمُعْجَمَةِ الْمَضْمُومَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ. (قَوْلُهُ: تَحْجِيرَةُ سَطْحٍ) مِنْ الْحَجْرِ بِالْفَتْحِ: وَهُوَ الْمَنْعُ، وَفَسَّرَهُ فِي الدُّرَرِ تَبَعًا لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِالسُّتْرَةِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى السُّطُوحِ أَيْ: لِأَنَّهَا تَمْنَعُ مِنْ النَّظَرِ إلَى مَنْ هُوَ خَلْفَهَا، وَفَسَّرَهُ فِي الْمُغْرِبِ وَالصِّحَاحِ بِالْبَيْتِ مِنْ الْقَصَبِ. (قَوْلُهُ: وَكَلَأٍ) بِوَزْنِ جَبَلٍ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: هُوَ اسْمٌ لِمَا يَرْعَاهُ الدَّوَابُّ رَطْبًا كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 أَيْ: كَأَرْضٍ، فَيَطْهُرُ بِجَفَافٍ وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ ثَابِتًا فِيهَا لِأَخْذِهِ حُكْمَهَا بِاتِّصَالِهِ بِهَا فَالْمُنْفَصِلُ يُغْسَلُ لَا غَيْرُ، إلَّا حَجَرًا خَشِنًا كَرَحًى فَكَأَرْضٍ. (وَيَطْهُرُ مَنِيٌّ) أَيْ: مَحَلُّهُ (يَابِسٌ بِفَرْكٍ) وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ أَثَرِهِ (إنْ طَهُرَ رَأْسُ حَشَفَةٍ) كَأَنْ كَانَ مُسْتَنْجِيًا بِمَاءٍ. وَفِي الْمُجْتَبَى أَوْلَجَ فَنَزَعَ فَأَنْزَلَ لَمْ يَطْهُرْ إلَّا بِغَسْلِهِ لِتَلَوُّثِهِ بِالنَّجَسِ انْتَهَى   [رد المحتار] أَوْ يَابِسًا. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إلَخْ) وَمِثْلُهُ الْحَصَى إذَا كَانَ مُتَدَاخِلًا فِي الْأَرْضِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَا يَطْهُرُ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ التُّرَابَ لَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ، وَإِلَّا لَزِمَ تَقْيِيدُ الْأَرْضِ الَّتِي تَطْهُرُ بِالْيُبْسِ بِمَا لَا تُرَابَ عَلَيْهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إلَّا حَجَرًا خَشِنًا إلَخْ) فِي الْخَانِيَّةِ مَا نَصُّهُ: الْحَجَرُ إذَا أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ، إنْ كَانَ حَجَرًا يَتَشَرَّبُ النَّجَاسَةَ كَحَجَرِ الرَّحَى يَكُونُ يُبْسُهُ طَهَارَةً، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَشَرَّبُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ. وَبَحَثَ فِيهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فَقَالَ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ فِي الْأَرْضِ مَعْقُولُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَجْذِبُ النَّجَاسَةَ وَالْهَوَاءَ يُجَفِّفُهَا فَيُقَاسُ عَلَيْهِ مَا يُوجَدُ فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الِاجْتِذَابُ، وَلَكِنْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَطْهُرَ اللَّبِنُ وَالْآجُرُّ بِالْجَفَافِ وَذَهَابِ الْأَثَرِ وَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا عَنْ الْأَرْضِ لِوُجُودِ التَّشَرُّبِ وَالِاجْتِذَابِ. اهـ. وَعَلَى هَذَا اسْتَظْهَرَ فِي الْحِلْيَةِ حَمْلَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى الْحَجَرِ الْمَفْرُوشِ دُونَ الْمَوْضُوعِ، وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ عِبَارَةِ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْخَشِنِ وَغَيْرِهِ، فَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى الْمُنْفَصِلِ كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ وَالْبَحْرِ. وَيُجَابُ عَمَّا بَحَثَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِأَنَّ اللَّبِنَ وَالْآجُرَّ قَدْ خَرَجَا بِالطَّبْخِ وَالصَّنْعَةِ عَنْ مَاهِيَّتِهمَا الْأَصْلِيَّةِ بِخِلَافِ الْحَجَرِ فَإِنَّهُ عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ فَأَشْبَهَ الْأَرْضَ بِأَصْلِهِ، وَأَشْبَهَ غَيْرَهَا بِانْفِصَالِهِ عَنْهَا، فَقُلْنَا إذَا كَانَ خَشِنًا فَهُوَ فِي حُكْمِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَشَرَّبُ النَّجَاسَةَ، وَإِنْ كَانَ أَمْلَسَ فَهُوَ فِي حُكْمِ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَشَرَّبُ النَّجَاسَةَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - (قَوْلُهُ: بِفَرْكٍ) هُوَ الْحَكُّ بِالْيَدِ حَتَّى يَتَفَتَّتَ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ أَثَرِهِ) أَيْ: كَبَقَائِهِ بَعْدَ الْغَسْلِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: إنْ طَهُرَ رَأْسُ حَشَفَةٍ) قِيلَ هُوَ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يَسْبِقْهُ مَذْيٌ، فَإِنْ سَبَقَهُ فَلَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: مَسْأَلَةُ الْمَنِيِّ مُشْكِلَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَحْلٍ يَمْذِي ثُمَّ يُمْنِي إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مَغْلُوبٌ بِالْمَنِيِّ مُسْتَهْلَكٌ فِيهِ فَيُجْعَلُ تَبَعًا. اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ كُلُّ فَحْلٍ كَذَلِكَ وَقَدْ طَهَّرَهُ الشَّرْعُ بِالْفَرْكِ يَابِسًا يَلْزَمُ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ مُسْتَهْلَكًا لِلضَّرُورَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَالَ فَلَمْ يَسْتَنْجِ بِالْمَاءِ حَتَّى أَمْنَى لِعَدَمِ الْمُلْجِئِ اهـ فَتْحٌ. وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُتُونِ الْإِطْلَاقُ فَإِنَّ الْمَذْيَ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ إلَّا لِكَوْنِهِ مُسْتَهْلَكًا لَا لِلضَّرُورَةِ فَكَذَا الْبَوْلُ. رَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يُجْعَلَ النَّجَسَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَقَدْ قَامَ فِي الْمَذْيِ دُونَ الْبَوْلِ. اهـ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: وَهُوَ وَجِيهٌ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ: وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَذْيَ إنَّمَا عُفِيَ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ لَا لِلِاسْتِهْلَاكِ، ثُمَّ أَطَالَ فِي رَدِّ مَا فِي حَاشِيَةِ أَخِي جَلَبِي مِنْ أَنَّ اللَّائِقَ بِحَالِ الْمُسْلِمِ أَنْ لَا يَكْتَفِيَ بِالْفَرْكِ فِي الْمَنِيِّ أَبَدًا؛ لِأَنَّ الْقُيُودَ الْمُعْتَبَرَةَ فِيهِ مِمَّا يَسْتَحِيلُ رِعَايَتُهَا عَادَةً فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: كَأَنْ كَانَ مُسْتَنْجِيًا بِمَاءٍ) أَيْ: بَعْدَ الْبَوْلِ، وَاحْتَرَزَ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ؛ لِأَنَّهُ مُقَلِّلٌ لِلنَّجَاسَةِ لَا قَالِعٌ لَهَا كَمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَلَوْ بَالَ وَلَمْ يَسْتَنْجِ بِالْمَاءِ، قِيلَ لَا يَطْهُرُ الْمَنِيُّ الْخَارِجُ بَعْدَهُ بِالْفَرْكِ قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْحَافِظُ، وَهَكَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَصْحَابِنَا. وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَنْتَشِرْ الْبَوْلُ عَلَى رَأْسِ الذَّكَرِ وَلَمْ يُجَاوِزْ الثَّقْبَ يَطْهُرُ بِهِ وَكَذَا إنْ انْتَشَرَ وَلَكِنْ خَرَجَ الْمَنِيُّ دَفْقًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مُرُورُهُ عَلَى الْبَوْلِ الْخَارِجِ، وَلَا أَثَرَ لِمُرُورِهِ عَلَيْهِ فِي الدَّاخِلِ لِعَدَمِ الْحُكْمِ بِنَجَاسَتِهِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ كَمَا قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي: إمَّا أَنْ يَنْتَشِرَ كُلٌّ مِنْ الْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ أَوْ لَا، أَوْ الْبَوْلِ فَقَطْ، أَوْ الْمَنِيِّ فَقَطْ، فَفِي الْأَوَّلِ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ وَفِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ يَطْهُرُ. (قَوْلُهُ: لِتَلَوُّثِهِ بِالنَّجَسِ) قَدْ يُقَالُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْمَارِّ آنِفًا: إنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 أَيْ: بِرُطُوبَةِ الْفَرْجِ، فَيَكُونُ مُفَرَّعًا عَلَى قَوْلِهِمَا بِنَجَاسَتِهَا، أَمَّا عِنْدَهُ فَهِيَ طَاهِرَةٌ كَسَائِرِ رُطُوبَاتِ الْبَدَنِ جَوْهَرَةٌ (وَإِلَّا) يَكُنْ يَابِسًا أَوْ لَا رَأْسُهَا طَاهِرًا (فَيُغْسَلْ) كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ وَلَوْ دَمًا عَبِيطًا عَلَى الْمَشْهُورِ (بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ مَنِيِّهِ) وَلَوْ رَقِيقًا لِمَرَضٍ بِهِ (وَمَنِيِّهَا) وَلَا بَيْنَ مَنِيِّ آدَمِيٍّ وَغَيْرِهِ كَمَا بَحَثَهُ الْبَاقَانِيُّ (وَلَا بَيْنَ ثَوْبٍ) وَلَوْ جَدِيدًا أَوْ مُبَطَّنًا   [رد المحتار] إذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ وَلَمْ يَنْتَشِرْ عَلَى رَأْسِ الذَّكَرِ لَا تَلَوُّثَ فِيهِ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: بِرُطُوبَةِ الْفَرْجِ) أَيْ: الدَّاخِلِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَوْلَجَ. وَأَمَّا رُطُوبَةُ الْفَرْجِ الْخَارِجِ فَطَاهِرَةٌ اتِّفَاقًا اهـ ح. وَفِي مِنْهَاجِ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ رُطُوبَةُ الْفَرْجِ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ: وَهِيَ مَاءٌ أَبْيَضُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْمَذْيِ وَالْعَرَقِ يَخْرُجُ مِنْ بَاطِنِ الْفَرْجِ الَّذِي لَا يَجِبُ غَسْلُهُ، بِخِلَافِ مَا يَخْرُجُ مِمَّا يَجِبُ غَسْلُهُ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ قَطْعًا، وَمِنْ وَرَاءِ بَاطِنِ الْفَرْجِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ قَطْعًا كَكُلِّ خَارِجٍ مِنْ الْبَاطِنِ كَالْمَاءِ الْخَارِجِ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ قُبَيْلَهُ. اهـ. وَسَنَذْكُرُ فِي آخِرِ بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ أَنَّ رُطُوبَةَ الْوَلَدِ طَاهِرَةٌ وَكَذَا السَّخْلَةُ وَالْبَيْضَةُ. (قَوْلُهُ: أَمَّا عِنْدَهُ) أَيْ: عِنْدَ الْإِمَامِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الْآتِي أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ. (قَوْلُهُ: أَوْ لَا رَأْسُهَا طَاهِرًا) أَوْ مَانِعَةُ الْخُلُوِّ مُجَوِّزَةٌ الْجَمْعَ، فَيَصْدُقُ بِمَا إذَا كَانَ يَابِسًا وَرَأْسُهَا غَيْرُ طَاهِرٍ، أَوْ رَطْبًا وَرَأْسُهَا طَاهِرٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ يَابِسًا وَلَا رَأْسُهَا طَاهِرًا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْوَاوِ بَدَلَ أَوْ، وَهُوَ سَهْوٌ مِنْ النَّاسِخِ. اهـ. ح. أَقُولُ: لَا سَهْوَ بَلْ غَايَةُ مَا يَلْزَمُهُ أَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِبَعْضِ الصُّوَرِ وَهُوَ صُورَةُ الْجَمْعِ دُونَ صُورَتَيْ الِانْفِرَادِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ دَمًا عَبِيطًا) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ: طَرِيًّا مُغْرِبٌ وَقَامُوسٌ أَيْ: وَلَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ دَمًا عَبِيطًا فَإِنَّهَا لَا تَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ طَهَارَةَ الثَّوْبِ بِالْفَرْكِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَنِيِّ لَا فِي غَيْرِهِ بَحْرٌ، فَمَا فِي الْمُجْتَبَى لَوْ أَصَابَ الثَّوْبَ دَمٌ عَبِيطٌ فَيَبِسَ فَحَتَّهُ طَهُرَ كَالْمَنِيِّ فَشَاذٌّ نَهْرٌ، وَكَذَا مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ النَّوَازِلِ أَنَّ الثَّوْبَ يَطْهُرُ عَنْ الْعَذِرَةِ الْغَلِيظَةِ بِالْفَرْكِ قِيَاسًا عَلَى الْمَنِيِّ. اهـ. نَعَمْ لَوْ خَرَجَ الْمَنِيُّ دَمًا عَبِيطًا فَالظَّاهِرُ طَهَارَتُهُ بِالْفَرْكِ. (قَوْلُهُ: بِلَا فَرْقٍ) أَيْ: فِي فَرْكِهِ يَابِسًا وَغَسْلِهِ طَرِيًّا (قَوْلُهُ: وَمَنِيِّهَا) أَيْ: الْمَرْأَةِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عِنْدَنَا كَمَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ وَجَزَمَ فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِهِ وَرَجَّحَهُ فِي الْحِلْيَةِ بِمَا حَاصِلُهُ: إنَّ كَلَامَهُمْ مُتَظَافِرٌ عَلَى أَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِالْفَرْكِ فِي الْمَنِيِّ اسْتِحْسَانٌ بِالْأَثَرِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، فَلَا يَلْحَقُ بِهِ إلَّا مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالنَّصُّ وَرَدَ فِي مَنِيِّ الرَّجُلِ وَمَنِيُّ الْمَرْأَةِ لَيْسَ مِثْلَهُ لِرِقَّتِهِ وَغِلَظِ مَنِيِّ الرَّجُلِ، وَالْفَرْكُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ زَوَالَ الْمَفْرُوكِ أَوْ تَقْلِيلَهُ وَذَلِكَ فِيمَا لَهُ جِرْمٌ، وَالرَّقِيقُ الْمَائِعُ لَا يَحْصُلُ مِنْ فَرْكِهِ هَذَا الْغَرَضُ فَيَدْخُلُ مَنِيُّ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَ غَلِيظًا وَيَخْرُجُ مَنِيُّ الرَّجُلِ إذَا كَانَ رَقِيقًا لِعَارِضٍ اهـ أَقُولُ: وَقَدْ يُؤَيِّدُ مَا صَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بِمَا صَحَّ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كُنْت أَحُكُّ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي» وَلَا خَفَاءَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ جِمَاعٍ؛ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا تَحْتَلِمُ، فَيَلْزَمُ اخْتِلَاطُ مَنِيِّ الْمَرْأَةِ بِهِ، فَيَدُلُّ عَلَى طَهَارَةِ مَنِيِّهَا بِالْفَرْكِ بِالْأَثَرِ لَا بِالْإِلْحَاقِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: كَمَا بَحَثَهُ الْبَاقَانِيُّ) لَعَلَّهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى النُّقَايَةِ. وَأَمَّا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى فَلَمْ أَجِدْهُ فِيهِ، وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْقُهُسْتَانِيُّ فَقَالَ: وَالْمَنِيُّ شَامِلٌ لِكُلِّ حَيَوَانٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَطْهُرَ بِهِ اهـ أَيْ: بِالْفَرْكِ. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ: لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنِيِّ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي الْفَيْضِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ أَيْضًا، خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الْحَمَوِيُّ عَنْ السَّمَرْقَنْدِيِّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَنِيِّ الْآدَمِيِّ. اهـ. أَقُولُ: الْمَنْقُولُ فِي الْبَحْرِ والتتارخانية أَنَّ مَنِيَّ كُلِّ حَيَوَانٍ نَجِسٌ، وَأَمَّا عَدَمُ الْفَرْقِ فِي التَّطْهِيرِ فَمُحْتَاجٌ إلَى نَقْلٍ، وَمَا مَرَّ عَنْ السَّمَرْقَنْدِيِّ مُتَّجَهٌ وَلِذَا قَالَ: ح إنَّ الرُّخْصَةَ وَرَدَتْ فِي مَنِيِّ الْآدَمِيِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الْحَقَّ دَلَالَةً يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ أَنَّ مَنِيَّ غَيْرِ الْآدَمِيِّ خُصُوصًا مَنِيَّ الْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ وَالْفِيلِ الدَّاخِلَ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ فِي مَعْنَى مَنِيِّ الْآدَمِيِّ وَدُونَهُ خَرْطُ الْقَتَادِ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 فِي الْأَصَحِّ (وَبَدَنٍ عَلَى الظَّاهِرِ) مِنْ الْمَذْهَبِ، ثُمَّ هَلْ يَعُودُ نَجِسًا بِبَلِّهِ بَعْدَ فَرْكِهِ؟ ؟ الْمُعْتَمَدُ لَا، وَكَذَا كُلُّ مَا حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ بِغَيْرِ مَائِعٍ. وَقَدْ أَنْهَيْت فِي الْخَزَائِنِ الْمُطَهِّرَاتِ إلَى نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ، وَغَيَّرْت نَظْمَ ابْنِ وَهْبَانَ فَقُلْت:   [رد المحتار] وَرَأَيْت فِي بَعْضِ الْهَوَامِشِ عَنْ شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْبُرْجُنْدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي تَطْهِيرِ الثَّوْبِ مِنْ الْمَنِيِّ بِالْفَرْكِ عُمُومُ الْبَلْوَى وَعَدَمُ تَدَاخُلِهِ الثَّوْبَ، فَبِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ حُكْمُ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ كَذَلِكَ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] نَجَاسَةُ الْمَنِيِّ عِنْدَنَا مُغَلَّظَةٌ سِرَاجٌ وَالْعَلَقَةُ وَالْمُضْغَةُ نَجِسَانِ كَالْمَنِيِّ نِهَايَةٌ وَزَيْلَعِيٌّ. وَكَذَا الْوَلَدُ إذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ. لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ سَقَطَ فِي الْمَاءِ أَفْسَدَهُ وَإِنْ غُسِلَ، وَكَذَا لَوْ حَمَلَهُ الْمُصَلِّي لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ بَحْرٌ. وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ الْعَلَقَةَ إذَا صَارَتْ مُضْغَةً تَطْهُرُ فَمُشْكِلٌ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا نُفِخَتْ فِيهَا الرُّوحُ وَاسْتَمَرَّتْ الْحَيَاةُ إلَى الْوِلَادَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ مَائِعٍ) أَيْ: كَالدَّلْكِ فِي الْخُفِّ، وَالْجَفَافِ فِي الْأَرْضِ، وَالدِّبَاغَةِ الْحُكْمِيَّةِ فِي الْجِلْدِ، وَغَوَرَانِ الْمَاءِ فِي الْبِئْرِ، وَالْمَسْحِ فِي الصَّقِيلِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ سَوْقِ عِبَارَاتِهِمْ فِيهَا: فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّصْحِيحَ وَالِاخْتِيَارَ قَدْ اخْتَلَفَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْهَا كَمَا تَرَى فَالْأَوْلَى اعْتِبَارُ الطَّهَارَةِ فِي الْكُلِّ كَمَا يُفِيدُهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ حَيْثُ صَرَّحُوا بِالطَّهَارَةِ فِي كُلٍّ وَاخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ. وَلَا يَرِدُ الْمُسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ إذَا دَخَلَ الْمَاءُ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَائِعِ لَمْ يُعْتَبَرْ مُطَهِّرًا فِي الْبَدَنِ إلَّا فِي الْمَنِيِّ اهـ أَيْ: فَالْحَجَرُ لَا يُطَهِّرُ مَحَلَّ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْ الْبَدَنِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُقَلِّلٌ فَلِذَا نَجُسَ الْمَاءُ بِخِلَافِ الدَّلْكِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ مُطَهِّرٌ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْخُفَّ لَوْ وَقَعَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ لَا يُنَجِّسُهُ. ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّجْنِيسِ قَالَ: وَلَوْ أُلْقِيَ تُرَابَ هَذِهِ الْأَرْضِ بَعْدَ مَا جَفَّ فِي الْمَاءِ هَلْ يَنْجُسُ؟ هُوَ عَلَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ اهـ أَيْ: فَعَلَى رِوَايَةِ الطَّهَارَةِ لَا يَنْجُسُ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْآجُرَّةَ إذَا تَنَجَّسَتْ فَجَفَّتْ ثُمَّ قُلِعَتْ فَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْعَوْدِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ أَنْهَيْت فِي الْخَزَائِنِ إلَخْ) وَنَصُّهَا ذَكَرُوا أَنَّ التَّطْهِيرَ يَكُونُ بِغَسْلٍ وَجَرْيِ الْمَاءِ عَلَى نَحْوِ بِسَاطٍ، وَدُخُولِهِ مِنْ جَانِبٍ وَخُرُوجِهِ مِنْ آخَرَ بِحَيْثُ يُعَدُّ جَارِيًا، وَغَسْلِ طَرَفِ ثَوْبٍ نُسِيَ مَحَلُّ نَجَاسَتِهِ، وَمَسْحِ صَقِيلٍ، وَمَسْحِ نَطْعٍ، وَمَوْضِعِ مِحْجَمَةٍ وَفَصْدٍ بِثَلَاثِ خِرَقٍ، وَجَفَافِ أَرْضٍ، وَدَلْكِ خُفٍّ، وَفَرْكِ مَنِيٍّ، وَاسْتِنْجَاءٍ بِنَحْوِ حَجَرٍ، وَنَحْتِ مِلْحٍ وَخَشَبَةٍ، وَتَقَوُّرِ نَحْوِ سَمْنٍ جَامِدٍ بِأَنْ لَا يَسْتَوِيَ مِنْ سَاعَتِهِ، وَذَكَاةٍ وَدَبْغٍ وَنَارٍ وَنَدْفِ قُطْنٍ تَنَجَّسَ أَقَلُّهُ، وَقِسْمَةِ مِثْلِيٍّ، وَغَسْلٍ وَبَيْعٍ وَهِبَةٍ، وَأَكْلٍ لِبَعْضِهِ وَانْقِلَابِ عَيْنٍ، وَقَلْبِهَا بِجَعْلِ أَعْلَى الْأَرْضِ أَسْفَلَ، وَنَزْحِ بِئْرٍ وَغَوَرَانِهَا، وَغَوَرَانِ قَدْرِ الْوَاجِبِ وَجَرَيَانِهَا، وَتَخَلُّلِ خَمْرٍ، وَكَذَا تَخْلِيلُهَا عِنْدَنَا، وَغَلْيِ اللَّحْمِ عِنْدَ الثَّانِي وَنَضْحِ بَوْلِ صَغِيرٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، فَهَذِهِ نَيِّفٌ وَثَلَاثُونَ وَفِي بَعْضِهَا مُسَامَحَةٌ اهـ. وَوَجْهُ الْمُسَامَحَةِ مَا أَوْضَحَهُ فِي النَّهْرِ، مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي عَدُّ التَّقَوُّرِ؛ لِأَنَّ السَّمْنَ الْجَامِدَ لَمْ يَتَنَجَّسْ كُلُّهُ، بَلْ مَا أُلْقِيَ مِنْهُ فَقَطْ وَلَا قَلْبِ الْأَرْضِ لِبَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِي الْأَسْفَلِ، وَكَذَا الْقِسْمَةُ وَالْأَرْبَعَةُ بَعْدَهَا؛ وَإِنَّمَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي بَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِي الْمَوْجُودِ وَكَذَا النَّدْفُ، وَمَنْ عَدَّهُ شَرَطَ كَوْنَ النَّجَسِ مِقْدَارًا قَلِيلًا يَذْهَبُ بِالنَّدْفِ وَإِلَّا فَلَا يَطْهُرُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. اهـ. أَقُولُ: وَمِثْلُ التَّقَوُّرِ النَّحْتُ، عَلَى أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ تَدَاخُلًا، وَلَا يَنْبَغِي ذِكْرُ نَضْحِ بَوْلِ الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَذْهَبَنَا. هَذَا وَقَدْ زَادَ بَعْضُهُمْ نَفْخَ الرُّوحِ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ التَّمْوِيهَ كَالسِّكِّينِ إذَا مُوِّهَ: أَيْ: سُقِيَ بِمَاءٍ نَجِسٍ يُمَوَّهُ بِمَاءٍ طَاهِرٍ ثَلَاثًا فَيَطْهُرُ، وَكَذَا لَحْسُ الْيَدِ وَنَحْوِهَا. (قَوْلُهُ: وَغَيَّرْت نَظْمَ ابْنِ وَهْبَانَ) حَيْثُ قَالَ: فَصْلُ الْمُعَايَاةِ مُلْغِزًا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 وَغَسْلٌ وَمَسْحٌ وَالْجَفَافُ مُطَهِّرُ ... وَنَحْتٌ وَقَلْبُ الْعَيْنِ وَالْحَفْرُ يُذَكِّرُ وَدَبْغٌ وَتَخْلِيلٌ ذَكَاةٌ تَخَلُّلُ ... وَفَرْكٌ وَدَلْكٌ وَالدُّخُولُ التَّغَوُّرُ تَصَرُّفُهُ فِي الْبَعْضِ نَدْفٌ وَنَزْحُهَا ... وَنَارٌ وَغَلْيٌ غَسْلُ بَعْضٍ تَقَوُّرُ (وَ) يَطْهُرُ (زَيْتٌ) تَنَجَّسَ (بِجَعْلِهِ صَابُونًا) بِهِ يُفْتَى لِلْبَلْوَى. كَتَنُّورٍ رُشَّ بِمَاءٍ نَجِسٍ   [رد المحتار] وَآخَرُ دُونَ الْفَرْكِ وَالنَّدْفِ وَالْجَفَا ... فِ وَالنَّحْتِ قَلْبُ الْعَيْنِ وَالْغَسْلُ يُطَوَّرُ وَلَا دَبْغٌ تَخْلِيلٌ ذَكَاةٌ تَخَلُّلُ ... وَلَا الْمَسْحُ وَالنَّزْحُ الدُّخُولُ التَّغَوُّرُ وَزَادَ شَارِحُهَا بَيْتًا فَقَالَ: وَأَكْلٌ وَقَسْمٌ غَسْلُ بَعْضٍ وَنَحْلُهُ ... وَنَدْفٌ وَغَلْيٌ بَيْعُ بَعْضٍ تَقَوُّرُ اهـ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ وَآخَرُ الْحَفْرَ أَيْ: مَا شَيْءٌ آخَرُ مِنْ الْمُطَهِّرَاتِ غَيْرُ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ. (قَوْلُهُ: وَقَلْبُ الْعَيْنِ) كَانْقِلَابِ الْخِنْزِيرِ مِلْحًا كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا. (قَوْلُهُ: الْحَفْرُ) أَيْ: قَلْبُ الْأَرْضِ يُجْعَلُ الْأَعْلَى أَسْفَلَ (قَوْلُهُ: وَتَخْلِيلٌ) أَيْ: تَخْلِيلُ الْخَمْرِ بِالتَّاءِ شَيْءٌ فِيهَا وَهُوَ كَالتَّخَلُّلِ بِنَفْسِهَا، وَهُمَا دَاخِلَانِ فِي انْقِلَابِ الْعَيْنِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْبَحْرِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَوْ صُبَّ مَاءٌ فِي خَمْرٍ أَوْ بِالْعَكْسِ ثُمَّ صَارَ خَلًّا طَهُرَ فِي الصَّحِيحِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَعَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ ثُمَّ أُخْرِجَتْ بَعْدَمَا تَخَلَّلَتْ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهَا تَنَجَّسَتْ بَعْدَ التَّخَلُّلِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أُخْرِجَتْ قَبْلَهُ. اهـ. وَكَذَا لَوْ وَقَعَتْ فِي الْعَصِيرِ أَوْ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ ثُمَّ تَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ لَا يَطْهُرُ هُوَ الْمُخْتَارُ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: خَمْرٌ صُبَّ فِي قِدْرِ الطَّعَامِ ثُمَّ صُبَّ فِيهِ الْخَلُّ وَصَارَ حَامِضًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ لِحُمُوضَتِهِ حُمُوضَةَ الْخَلِّ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا صُبَّ فِيهِ الْخَلُّ وَصَارَ خَلًّا، وَكَذَا لَوْ وَقَعَتْ فَأْرَةٌ فِي خَمْرٍ وَاسْتُخْرِجَتْ قَبْلَ التَّفَسُّخِ ثُمَّ صَارَتْ خَلًّا؛ فَلَوْ بَعْدَهُ لَا يَحِلُّ. وَالْخَلُّ النَّجِسُ إذَا صُبَّ فِي خَمْرٍ فَصَارَ خَلًّا يَكُونُ نَجِسًا؛ لِأَنَّ النَّجَسَ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَإِذَا أُلْقِيَ فِي الْخَمْرِ رَغِيفٌ أَوْ بَصَلٌ ثُمَّ صَارَ الْخَمْرُ خَلًّا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ طَاهِرٌ. اهـ. . وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ آخِرَ الْفَصْلِ الْآتِي. (قَوْلُهُ: ذَكَاةٌ) أَيْ: ذَبْحُ حَيَوَانٍ فَإِنَّهُ يُطَهِّرُ الْجِلْدَ، كَذَا اللَّحْمُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ عَلَى أَحَدِ التَّصْحِيحَيْنِ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ. (قَوْلُهُ: وَالدُّخُولُ) أَيْ: دُخُولُ الْمَاءِ الطَّاهِرِ فِي الْحَوْضِ الصَّغِيرِ النَّجِسِ مَعَ خُرُوجِهِ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ وَإِنْ قَلَّ فِي الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: التَّغَوُّرُ) أَيْ: غَوْرَانِ مَاءِ الْبِئْرِ قَدْرَ مَا يَجِبُ نَزْحُهُ مِنْهَا مُطَهِّرٌ لَهَا كَالنَّزْحِ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: تَصَرُّفُهُ فِي الْبَعْضِ) أَيْ: مِنْ نَحْوِ حِنْطَةٍ تَنَجَّسَ بَعْضُهَا، وَالتَّصَرُّفُ يَعُمُّ الْأَكْلَ وَالْبَيْعَ وَالْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ أَفَادَهُ ح وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ سَتَأْتِي مَتْنًا، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ التَّصَرُّفِ بِأَنْ يَكُونَ بِمِقْدَارِ مَا تَنَجَّسَ مِنْهَا أَوْ أَكْثَرَ لَا أَقَلَّ، كَمَا يُقَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي النَّدْفِ عَنْ النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَنَزْحُهَا) أَيْ: نَزْحُ الْبِئْرِ. (قَوْلُهُ: وَنَارٌ) كَمَا لَوْ أَحْرَقَ مَوْضِعَ الدَّمِ مِنْ رَأْسِ الشَّاةِ بَحْرٌ وَلَهُ نَظَائِرُ تَأْتِي قَرِيبًا وَلَا تَظُنُّ أَنَّ كُلَّ مَا دَخَلَتْهُ النَّارُ يَطْهُرُ كَمَا بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ تَوَهَّمَ ذَلِكَ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ مَا اسْتَحَالَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ بِالنَّارِ أَوْ زَالَ أَثَرُهَا بِهَا يَطْهُرُ، وَلِذَا قَيَّدَ ذَلِكَ فِي الْمُنْيَةِ بِقَوْلِهِ فِي مَوَاضِعَ. (قَوْلُهُ: وَغَلْيٌ) أَيْ: بِالنَّارِ كَغَلْيِ الدُّهْنِ أَوْ اللَّحْمِ ثَلَاثًا عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. (قَوْلُهُ: غَسْلُ بَعْضٍ) أَيْ: بَعْضِ نَحْوِ ثَوْبٍ تَنَجَّسَ شَيْءٌ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: تَقَوُّرُ) أَيْ: تَقْوِيرُ نَحْوِ سَمْنٍ جَامِدٍ مِنْ جَوَانِبِ النَّجَاسَةِ. فَهُوَ مِنْ اسْتِعْمَالِ مَصْدَرِ اللَّازِمِ فِي الْمُتَعَدِّي كَالطَّهَارَةِ بِمَعْنَى التَّطْهِيرِ كَمَا أَفَادَهُ الْحَمَوِيُّ. وَخَرَجَ بِالْجَامِدِ الْمَائِعُ، وَهُوَ مَا يَنْضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ فَإِنَّهُ يَنْجُسُ كُلُّهُ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْقَدْرَ الْكَثِيرَ عَلَى مَا مَرَّ. اهـ. فَتْحٌ. أَيْ: بِأَنْ كَانَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ وَسَيَأْتِي كَيْفِيَّةُ تَطْهِيرِهِ إذَا تَنَجَّسَ (قَوْلُهُ: وَيَطْهُرُ زَيْتٌ إلَخْ) قَدْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 لَا بَأْسَ بِالْخَبْزِ فِيهِ (كَطِينٍ تَنَجَّسَ فَجُعِلَ مِنْهُ كُوزٌ بَعْدَ جَعْلِهِ عَلَى النَّارِ) يَطْهُرُ إنْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ أَثَرُ النَّجَسِ بَعْدَ الطَّبْخِ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ. (وَعَفَا) الشَّارِعُ (عَنْ قَدْرِ دِرْهَمٍ) وَإِنْ كُرِهَ تَحْرِيمًا، فَيَجِبُ غَسْلُهُ، وَمَا دُونَهُ تَنْزِيهًا فَيُسَنُّ، وَفَوْقَهُ مُبْطِلٌ   [رد المحتار] ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوَاهُ، وَكَذَا مَا سَيَأْتِي مَتْنًا وَشَرَحَهَا مِنْ مَسَائِلِ التَّطْهِيرِ بِانْقِلَابِ الْعَيْنِ، وَذَكَرَ الْأَدِلَّةَ عَلَى ذَلِكَ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، وَحَقَّقَ وَدَقَّقَ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَلْيُرَاجَعْ. ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ فَرَّعُوهَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِالطَّهَارَةِ بِانْقِلَابِ الْعَيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِمَا. وَعِبَارَةُ الْمُجْتَبَى: جَعْلُ الدُّهْنِ النَّجِسِ فِي صَابُونٍ يُفْتَى بِطَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ وَالتَّغَيُّرُ يُطَهِّرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَيُفْتَى بِهِ لِلْبَلْوَى. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ دُهْنَ الْمَيْتَةِ كَذَلِكَ لِتَعْبِيرِهِ بِالنَّجِسِ دُونَ الْمُتَنَجِّسِ إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ خَاصٌّ بِالنَّجِسِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الصَّابُونِ وَضْعُ الزَّيْتِ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَدْهَانِ تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مَا يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ حَيْثُ قَالَ: وَعَلَيْهِ يَتَفَرَّعُ مَا لَوْ وَقَعَ إنْسَانٌ أَوْ كَلْبٌ فِي قِدْرِ الصَّابُونِ فَصَارَ صَابُونًا يَكُونُ طَاهِرًا لِتَبَدُّلِ الْحَقِيقَةِ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ التَّغَيُّرُ وَانْقِلَابُ الْحَقِيقَةِ وَأَنَّهُ يُفْتَى بِهِ لِلْبَلْوَى كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ اخْتِصَاصِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِالصَّابُونِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَا كَانَ فِيهِ تَغَيُّرٌ وَانْقِلَابُ حَقِيقَةٍ وَكَانَ فِيهِ بَلْوَى عَامَّةٌ، فَيُقَالُ: كَذَلِكَ فِي الدِّبْسِ الْمَطْبُوخِ إذَا كَانَ زَبِيبُهُ مُتَنَجِّسًا وَلَا سِيَّمَا أَنَّ الْفَأْرَ يَدْخُلُهُ فَيَبُولُ وَيَبْعَرُ فِيهِ وَقَدْ يَمُوتُ فِيهِ، وَقَدْ بَحَثَ كَذَلِكَ بَعْضُ شُيُوخِ مَشَايِخِنَا فَقَالَ: وَعَلَى هَذَا إذَا تَنَجَّسَ السِّمْسِمُ ثُمَّ صَارَ طَحِينَةً يَطْهُرُ، خُصُوصًا وَقَدْ عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى وَقَاسَهُ عَلَى مَا إذَا وَقَعَ عُصْفُورٌ فِي بِئْرٍ حَتَّى صَارَ طِينًا لَا يَلْزَمُ إخْرَاجُهُ لِاسْتِحَالَتِهِ. قُلْت: لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ الدِّبْسَ لَيْسَ فِيهِ انْقِلَابُ حَقِيقَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَصِيرٌ جَمَدَ بِالطَّبْخِ؛ وَكَذَا السِّمْسِمُ إذَا دُرِسَ وَاخْتَلَطَ دُهْنُهُ بِأَجْزَائِهِ فَفِيهِ تَغَيُّرُ وَصْفٍ فَقَطْ؛ كَلَبَنٍ صَارَ جُبْنًا، وَبُرٍّ صَارَ طَحِينًا، وَطَحِينٍ صَارَ خُبْزًا؛ بِخِلَافِ نَحْوِ خَمْرٍ صَارَ خَلًّا وَحِمَارٍ وَقَعَ فِي مَمْلَحَةٍ فَصَارَ مِلْحًا، وَكَذَا دُرْدِيُّ خَمْرٍ صَارَ طِرْطِيرًا وَعَذِرَةٌ صَارَتْ رَمَادًا أَوْ حَمْأَةً، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ انْقِلَابُ حَقِيقَةٍ إلَى حَقِيقَةٍ أُخْرَى لَا مُجَرَّدُ انْقِلَابِ وَصْفٍ كَمَا سَيَأْتِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. (قَوْلُهُ: رُشَّ بِمَاءٍ نَجِسٍ) أَيْ: أَوْ بَالَ فِيهِ صَبِيٌّ أَوْ مُسِحَ بِخِرْقَةٍ مُبْتَلَّةٍ نَجِسَةٍ حِلْيَةٌ. (قَوْلُهُ: لَا بَأْسَ بِالْخَبْزِ فِيهِ) أَيْ: بَعْدَ ذَهَابِ الْبَلَّةِ النَّجِسَةِ بِالنَّارِ وَإِلَّا تَنَجَّسَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ) وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ لِاضْمِحْلَالِ النَّجَاسَةِ بِالنَّارِ وَزَوَالِ أَثَرِهَا (قَوْلُهُ: وَعَفَا الشَّارِعُ) فِيهِ تَغْيِيرٌ لِلَفْظِ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ، لَكِنَّهُ قَصَدَ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَرْوِيٌّ لَا مَحْضُ قِيَاسٍ فَقَطْ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَلَنَا أَنَّ الْقَلِيلَ عَفْوٌ إجْمَاعًا، إذْ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَجَرِ كَافٍ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ لَا يَسْتَأْصِلُ النَّجَاسَةَ، وَالتَّقْدِيرُ بِالدِّرْهَمِ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِالرَّأْيِ فَيُحْمَلُ عَلَى السَّمَاعِ. اهـ. وَفِي الْحِلْيَةِ: التَّقْدِيرُ بِالدِّرْهَمِ وَقَعَ عَلَى سَبِيلِ الْكِنَايَةِ عَنْ مَوْضِعِ خُرُوجِ الْحَدَثِ مِنْ الدُّبُرِ كَمَا أَفَادَهُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ بِقَوْلِهِ: إنَّهُمْ اسْتَكْرَهُوا ذِكْرَ الْمَقَاعِدِ فِي مَجَالِسِهِمْ فَكَنُّوا عَنْهُ بِالدِّرْهَمِ، وَيُعَضِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْقَلِيلِ مِنْ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ فَقَالَ: إذَا كَانَ مِثْلَ ظُفْرِي هَذَا لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ، قَالُوا وَظُفْرُهُ كَانَ قَرِيبًا مِنْ كَفِّنَا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كُرِهَ تَحْرِيمًا) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْعَفْوَ عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِهِ، فَلَا يُنَافِي الْإِثْمَ كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 فَيُفْرَضُ، وَالْعِبْرَةُ لِوَقْتِ الصَّلَاةِ لَا الْإِصَابَةِ عَلَى الْأَكْثَرِ نَهْرٌ   [رد المحتار] اسْتَنْبَطَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ عِبَارَةِ السِّرَاجِ، وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَقَدْ نَقَلَهُ أَيْضًا فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْيَنَابِيعِ، لَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ: وَالْأَقْرَبُ أَنَّ غَسْلَ الدِّرْهَمِ وَمَا دُونَهُ مُسْتَحَبٌّ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى غَسْلِهِ، فَتَرْكُهُ حِينَئِذٍ خِلَافُ الْأَوْلَى، نَعَمْ الدِّرْهَمُ غَسْلُهُ آكَدُ مِمَّا دُونَهُ، فَتَرْكُهُ أَشَدُّ كَرَاهَةً كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ غَيْرِ مَا كِتَابٍ مِنْ مَشَاهِيرِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ. فَفِي الْمُحِيطِ: يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَمَعَهُ قَدْرُ دِرْهَمٍ أَوْ دُونَهُ مِنْ النَّجَاسَةِ عَالِمًا بِهِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهِ. زَادَ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ قَادِرًا عَلَى إزَالَتِهِ وَحَدِيثُ «تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنْ الدَّمِ» لَمْ يَثْبُتْ، وَلَوْ ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْإِعَادَةِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ عَلَى سُقُوطِ غَسْلِ الْمَخْرَجِ بَعْدَ الِاسْتِجْمَارِ مِنْ سُقُوطِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنْ النَّجَاسَةِ مُطْلَقًا اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الْفَتْحِ: وَالصَّلَاةُ مَكْرُوهَةٌ مَعَ مَا لَا يَمْنَعُ، حَتَّى قِيلَ لَوْ عَلِمَ قَلِيلَ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ يَرْفُضُهَا مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْوَقْتِ أَوْ الْجَمَاعَةِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُحِيطِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ الدِّرْهَمِ وَمَا دُونَهُ فِي الْكَرَاهَةِ وَرَفْضِ الصَّلَاةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا دُونَهُ لَا يُكْرَهُ تَحْرِيمًا إذْ لَا قَائِلَ بِهِ، فَالتَّسْوِيَةُ فِي أَصْلِ الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ فِيهِمَا، وَيُؤَيِّدُهُ تَعْلِيلُ الْمُحِيطِ لِلْكَرَاهَةِ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهِ إذْ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّحْرِيمَ. وَفِي النُّتَفِ مَا نَصُّهُ: فَالْوَاجِبَةُ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، وَالنَّافِلَةُ إذَا كَانَتْ مِقْدَارَ الدِّرْهَمِ وَمَا دُونَهُ. وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ قَوْلِهِ " وَقَدْرُ الدِّرْهَمِ لَا يَمْنَعُ، وَيَكُونُ مُسِيئًا وَإِنْ قَلَّ، فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَغْسِلَهَا وَلَا يَكُونُ مُسِيئًا. اهـ. لَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ فِي الدِّرْهَمِ لِقَوْلِ الْأُصُولِيِّينَ: إنَّ الْإِسَاءَةَ دُونَ الْكَرَاهَةِ، نَعَمْ يَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِ إزَالَتِهِ عَلَى مَا دُونَهُ فَيُوَافِقُ مَا مَرَّ عَنْ الْحِلْيَةِ وَلَا يُخَالِفُ مَا فِي الْفَتْحِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَيُؤَيِّدُ إطْلَاقَ أَصْحَابِ الْمُتُونِ قَوْلُهُمْ " وَعُفِيَ قَدْرُ الدِّرْهَمِ " فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِعَدَمِ الْإِثْمِ فَتُقَدَّمُ هَذِهِ النُّقُولُ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْيَنَابِيعِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -. (قَوْلُهُ: وَالْعِبْرَةُ لِوَقْتِ الصَّلَاةِ) أَيْ: لَوْ أَصَابَ ثَوْبَهُ دُهْنٌ نَجِسٌ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ ثُمَّ انْبَسَطَ وَقْتَ الصَّلَاةِ فَزَادَ عَلَى الدِّرْهَمِ، قِيلَ: يَمْنَعُ. وَبِهِ أَخَذَ الْأَكْثَرُونَ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ. وَفِي الْمُنْيَةِ وَبِهِ يُؤْخَذُ، وَقَالَ شَارِحُهَا: وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمِقْدَارِ مِنْ النَّجَاسَةِ الرَّقِيقَةِ لَيْسَ جَوْهَرُ النَّجَاسَةِ بَلْ جَوْهَرُ الْمُتَنَجِّسِ عَكْسُ الْكَثِيفَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. وَقِيلَ: لَا يَمْنَعُ اعْتِبَارُ الْوَقْتِ الْإِصَابَةَ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَبِهِ يُفْتَى. وَظَاهِرُ الْفَتْحِ اخْتِيَارُهُ أَيْضًا. وَفِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ عِنْدِي، وَإِلَيْهِ مَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ وَقَالَ: فَلَوْ كَانَتْ أَزْيَدَ مِنْ الدِّرْهَمِ وَقْتَ الْإِصَابَةِ ثُمَّ جَفَّتْ فَخَفَّتْ فَصَارَتْ أَقَلَّ مَنَعَتْ. هَذَا وَفِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ: وَلَا يُعْتَبَرُ نُفُوذُ الْمِقْدَارِ إلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ لَوْ الثَّوْبُ وَاحِدًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَا طَاقَيْنِ كَدِرْهَمٍ مُتَنَجِّسِ الْوَجْهَيْنِ اهـ. وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ الْمَنْعِ فِي الدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ. وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: الْحَقُّ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ مَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لَا يَنْفُذُ إلَى الْآخَرِ، فَلَمْ تَكُنْ النَّجَاسَةُ مُتَّحِدَةً بَلْ مُتَعَدِّدَةً وَهُوَ الْمَنَاطُ. اهـ. [تَتِمَّةٌ] قَالَ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ: ثُمَّ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْمَانِعُ مُضَافًا إلَى الْمُصَلِّي، فَلَوْ جَلَسَ الصَّبِيُّ أَوْ الْحَمَامُ الْمُتَنَجِّسُ فِي حِجْرِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ لَوْ الصَّبِيُّ مُسْتَمْسِكًا بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْحَامِلُ لَهَا، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُسْتَمْسِكِ كَالرَّضِيعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ يَصِيرُ مُضَافًا إلَيْهِ، وَبَحَثَ فِيهِ فِي الْحِلْيَةِ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ فِيمَا يَظْهَرُ لِلِاسْتِمْسَاكِ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي الْمَعْنَى حَامِلٌ لِلنَّجَاسَةِ، وَمَنْ ادَّعَاهُ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ. أَقُولُ: وَهُوَ قَوِيٌّ، لَكِنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ. وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ «أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ رَأَيْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 (وَهُوَ مِثْقَالٌ) عِشْرُونَ قِيرَاطًا (فِي) نَجِسٍ (كَثِيفٍ) لَهُ جِرْمٌ (وَعَرْضِ مُقَعَّرِ الْكَفِّ) وَهُوَ دَاخِلُ مَفَاصِلِ أَصَابِعِ الْيَدِ (فِي رَقِيقٍ مِنْ مُغَلَّظَةٍ كَعَذِرَةِ) آدَمِيٍّ، وَكَذَا كُلُّ مَا خَرَجَ مِنْهُ مُوجِبًا لِوُضُوءٍ أَوْ غَسْلِ مُغَلَّظٍ (وَبَوْلِ غَيْرِ مَأْكُولٍ وَلَوْ مِنْ صَغِيرٍ لَمْ يَطْعَمْ) إلَّا بَوْلَ الْخُفَّاشِ وَخُرْأَهُ   [رد المحتار] رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَالْحَسَنُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا سَجَدَ نَحَّاهُ» وَلَا يَخْفَى أَنَّ الصَّغِيرَ لَا يَخْلُو عَنْ النَّجَاسَةِ عَادَةً، فَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِلْمَنْقُولِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مِثْقَالٌ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ زَمَانٍ دِرْهَمُهُ بَحْرٌ. وَأَفَادَ أَنَّ الدِّرْهَمَ هُنَا غَيْرُهُ فِي بَابِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ هُنَاكَ مَا كَانَ كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْهُ وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ. (قَوْلُهُ: فِي نَجِسٍ كَثِيفٍ) لَمَّا اخْتَلَفَ تَفْسِيرُ مُحَمَّدٍ لِلدِّرْهَمِ، فَتَارَةً فَسَّرَهُ بِعَرْضِ الْكَفِّ وَتَارَةً بِالْمِثْقَالِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، وَوَفَّقَ الْهِنْدُوَانِيُّ بَيْنَهُمَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَصَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالزَّاهِدِيُّ، وَأَقَرَّهُ فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّ إعْمَالَ الرِّوَايَتَيْنِ إذَا أَمْكَنَ أَوْلَى، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ قَدْرَ الدِّرْهَمِ مِنْ الْكَثِيفَةِ لَوْ كَانَ مُنْبَسِطًا فِي الثَّوْبِ أَكْثَرُ مِنْ عَرْضِ الْكَفِّ لَا يَمْنَعُ كَمَا ذَكَرَهُ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ. (قَوْلُهُ: لَهُ جِرْمٌ) تَفْسِيرٌ لِلْكَثِيفِ، وَعَدَّ مِنْهُ فِي الْهِدَايَةِ الدَّمَ، وَعَدَّهُ قَاضِي خَانْ مِمَّا لَيْسَ لَهُ جِرْمٌ، وَوَفَّقَ فِي الْحِلْيَةِ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا كَانَ غَلِيظًا، وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا كَانَ رَقِيقًا. قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَنِيُّ كَذَلِكَ. اهـ. فَالْمُرَادُ بِذِي الْجِرْمِ مَا تُشَاهَدُ بِالْبَصَرِ ذَاتَهُ لَا أَثَرَهُ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَهُوَ دَاخِلُ مَفَاصِلِ أَصَابِعِ الْيَدِ) قَالَ مُنْلَا مِسْكِينٍ: وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ تَغْرِفَ الْمَاءَ بِالْيَدِ ثُمَّ تَبْسُطَ، فَمَا بَقِيَ مِنْ الْمَاءِ فَهُوَ مِقْدَارُ الْكَفِّ. (قَوْلُهُ: مِنْ مُغَلَّظَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ عُفِيَ ط أَوْ بِمَحْذُوفِ صِفَةٍ لِكَثِيفٍ وَرَقِيقٍ أَيْ: كَائِنَيْنِ مِنْ نَجَاسَةٍ مُغَلَّظَةٍ. وَقَالَ فِي الدُّرَرِ مُتَعَلِّقٌ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُغَلَّظَ مِنْ النَّجَاسَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ مَا وَرَدَ فِيهِ نَصٌّ لَمْ يُعَارَضْ بِنَصٍّ آخَرَ، فَإِنْ عُورِضَ بِنَصٍّ آخَرَ فَمُخَفَّفٌ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، فَإِنَّ حَدِيثَ «اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ» يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ وَحَدِيثَ الْعُرَنِيِّينَ يَدُلُّ عَلَى طَهَارَتِهِ. وَعِنْدَهُمَا مَا اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي نَجَاسَتِهِ فَهُوَ مُخَفَّفٌ، فَالرَّوْثُ مُغَلَّظٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَمَّاهُ رِكْسًا وَلَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ آخَرُ. وَعِنْدَهُمَا مُخَفَّفٌ، لِقَوْلِ مَالِكٍ بِطَهَارَتِهِ لِعُمُومِ الْبَلْوَى، وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ. (قَوْلُهُ: كَعَذِرَةٍ) تَمْثِيلٌ لِلْمُغَلَّظَةِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إلَخْ) يَرُدُّ عَلَيْهِ الرِّيحُ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ ط أَيْ: عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْكَلَامَ فِي الْكَثِيفِ وَالرَّقِيقِ وَالرِّيحُ لَيْسَ مِنْهُمَا فَلْيُتَأَمَّلْ، أَوْ يُقَالُ: " مَا " فِي " كُلِّ مَا " وَاقِعَةٌ عَلَى النَّجَسِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ التَّغْلِيظِ. مَطْلَبٌ فِي طَهَارَةِ بَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[تَنْبِيهٌ] صَحَّحَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ طَهَارَةَ بَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَائِرِ فَضَلَاتِهِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنْيَّةِ عَنْ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِلْعَيْنِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ الْبِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: تَظَافَرَتْ الْأَدِلَّةُ عَلَى ذَلِكَ. وَعَدَّ الْأَئِمَّةُ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ شَرْحِ الْمِشْكَاةِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي أَنَّهُ قَالَ: اخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَأَطَالَ فِي تَحْقِيقِهِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الشَّمَائِلِ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي تَعَطُّرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. (قَوْلُهُ: مُغَلَّطٍ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ كَذَا ط (قَوْلُهُ: لَمْ يَطْعَمْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ: لَمْ يَأْكُلْ فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ، وَاكْتَفَى الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ بِالنَّضْحِ فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ ط، وَالْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ. (قَوْلُهُ: إلَّا بَوْلَ الْخُفَّاشِ) بِوَزْنِ رُمَّانٍ: وَهُوَ الْوَطْوَاطُ؛ سُمِّيَ بِهِ لِصِغَرِ عَيْنِهِ وَضَعْفِ بَصَرِهِ قَامُوسٌ. وَفِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ: بَوْلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 فَطَاهِرٌ، وَكَذَا بَوْلُ الْفَأْرَةِ لِتَعَذُّرِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَسَيَجِيءُ آخِرَ الْكِتَابِ أَنَّ خُرْأَهَا لَا يُفْسِدُ مَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ. وَفِي الْأَشْبَاهِ بَوْلُ السِّنَّوْرِ فِي غَيْرِ أَوَانِي الْمَاءِ عَفْوٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (وَدَمٍ) مَسْفُوحٍ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ إلَّا دَمَ شَهِيدٍ مَا دَامَ عَلَيْهِ وَمَا بَقِيَ فِي لَحْمِ مَهْزُولٍ وَعُرُوقٍ وَكَبِدٍ وَطِحَالٍ وَقَلْبٍ وَمَا لَمْ يَسِلْ، وَدَمِ سَمَكٍ   [رد المحتار] الْخَفَافِيشِ وَخُرْؤُهَا لَيْسَ بِنَجَسٍ لِتَعَذُّرِ صِيَانَةِ الثَّوْبِ وَالْأَوَانِي عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا تَبُولُ مِنْ الْهَوَاءِ وَهِيَ فَأْرَةٌ طَيَّارَةٌ فَلِهَذَا تَبُولُ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ سُقُوطَ النَّجَاسَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ، كَمَا عَزَاهُ فِي الذَّخِيرَةِ إلَى بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ لَهُ نَابًا وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْخَانِيَّةِ، لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ ذَا النَّابِ إنَّمَا يُنْهَى عَنْهُ إذَا كَانَ يَصْطَادُ بِنَابِهِ أَيْ: وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ. وَفِي الْمُبْتَغَى: قِيلَ: يُؤْكَلُ. وَقِيلَ: لَا. وَنَقَلَ الْعَبَّادِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ حَلَالٌ، وَعَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ فِي طَهَارَةِ بَوْلِهِ وَخُرْئِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ. أَقُولُ: وَعَلَيْهِ يَتَمَشَّى قَوْلُ الشَّارِحِ فَطَاهِرٌ وَإِلَّا كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَمَعْفُوٌّ عَنْهُ فَافْهَمْ. مَبْحَثٌ فِي بَوْلِ الْفَأْرَةِ وَبَعْرِهَا وَبَوْلِ الْهِرَّةِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا بَوْلُ الْفَأْرَةِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ بَوْلَ الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَخُرْأَهَا نَجِسٌ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَاتِ يُفْسِدُ الْمَاءَ وَالثَّوْبَ. وَلَوْ طُحِنَ بَعْرُ الْفَأْرَةِ مَعَ الْحِنْطَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ يُعْفَى عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: إذَا بَالَتْ الْهِرَّةُ فِي الْإِنَاءِ أَوْ عَلَى الثَّوْبِ تَنَجَّسَ، وَكَذَا بَوْلُ الْفَأْرَةِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: يَنْجُسُ الْإِنَاءُ دُونَ الثَّوْبِ. اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ حَسَنٌ لِعَادَةِ تَخْمِيرِ الْأَوَانِي، وَبَوْلُ الْفَأْرَةِ فِي رِوَايَةٍ لَا بَأْسَ بِهِ، وَالْمَشَايِخُ عَلَى أَنَّهُ نَجِسٌ لِخِفَّةِ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ خُرْئِهَا، فَإِنَّ فِيهِ ضَرُورَةً فِي الْحِنْطَةِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ نَجَاسَةُ الْكُلِّ. لَكِنَّ الضَّرُورَةَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي بَوْلِ الْهِرَّةِ فِي غَيْرِ الْمَائِعَاتِ كَالثِّيَابِ، وَكَذَا فِي خُرْءِ الْفَأْرَةِ فِي نَحْوِ الْحِنْطَةِ دُونَ الثِّيَابِ وَالْمَائِعَاتِ. وَأَمَّا بَوْلُ الْفَأْرَةِ فَالضَّرُورَةُ فِيهِ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ إلَّا عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ الْمَارَّةِ الَّتِي ذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ عَلَيْهَا الْفَتْوَى، لَكِنَّ عِبَارَةَ التَّتَارْخَانِيَّة: بَوْلُ الْفَأْرَةِ وَخُرْؤُهَا نَجِسٌ، وَقِيلَ بَوْلُهَا مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْحُجَّةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ نَجِسٌ. اهـ. وَلَفْظُ الْفَتْوَى وَإِنْ كَانَ آكَدُ مِنْ لَفْظِ الصَّحِيحِ إلَّا أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ هُنَا تَأَيَّدَ بِكَوْنِهِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ فَافْهَمْ، لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الْبِئْرِ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُنَجِّسُهُ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الضَّرُورَةَ فِي الْبِئْرِ مُتَحَقِّقَةٌ، بِخِلَافِ الْأَوَانِي؛ لِأَنَّهَا تُخَمَّرُ كَمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: إلَّا دَمَ شَهِيدٍ) أَيْ: وَلَوْ مَسْفُوحًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ وَكَلَامُ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: مَا دَامَ عَلَيْهِ) فَلَوْ حَمَلَهُ الْمُصَلِّي جَازَتْ صَلَاتُهُ إلَّا إذَا أَصَابَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ زَالَ عَنْ الْمَكَانِ الَّذِي حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ حَمَوِيٌّ، وَنَحْوُهُ فِي الْحِلْيَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَا بَقِيَ فِي لَحْمٍ إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّ هَذِهِ الدِّمَاءَ طَاهِرَةٌ وَلَوْ كَانَتْ مَسْفُوحَةً وَلَيْسَ بِمُرَادٍ. فَهِيَ خَارِجَةٌ بِقَيْدِ الْمَسْفُوحِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الْبَحْرِ. وَأَفَادَهُ ح. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَكَذَا الدَّمُ الْبَاقِي فِي عُرُوقِ الْمُذَكَّاةِ بَعْدَ الذَّبْحِ. وَعَنْ الْإِمَامِ الثَّانِي أَنَّهُ يُفْسِدُ الثَّوْبَ إذَا فَحَشَ وَلَا يُفْسِدُ الْقِدْرَ لِلضَّرُورَةِ أَوْ الْأَثَرِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَرَى فِي بُرْمَةِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - صُفْرَةَ دَمِ الْعُنُقِ وَالدَّمَ الْخَارِجَ مِنْ الْكَبِدِ، لَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَنَجِسٌ، وَإِنْ مِنْهُ فَطَاهِرٌ، وَكَذَا الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ اللَّحْمِ الْمَهْزُولِ عِنْدَ الْقَطْعِ. إنْ مِنْهُ فَطَاهِرٌ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا دَمُ مُطْلَقِ اللَّحْمِ وَدَمُ الْقَلْبِ. قَالَ الْقَاضِي: الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ طَاهِرَانِ قَبْلَ الْغَسْلِ، حَتَّى لَوْ طُلِيَ بِهِ وَجْهُ الْخُفِّ وَصُلِّيَ بِهِ جَازَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَا لَمْ يَسِلْ) أَيْ: مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ بَحْرٌ، لَكِنْ فِي حَوَاشِي الْحَمَوِيِّ: إنَّ التَّقْيِيدَ بِالْإِنْسَانِ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ غَيْرَهُ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَدَمَ سَمَكٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ إذَا يَبِسَ يَبْيَضُّ وَالدَّمُ يَسْوَدُّ، وَشَمِلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 وَقَمْلٍ وَبُرْغُوثٍ وَبَقٍّ. زَادَ فِي السِّرَاجِ وَكَتَّانٍ وَهِيَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ كَرُمَّانٍ: دُوَيْبَّةٌ حَمْرَاءُ لَسَّاعَةٌ، فَالْمُسْتَثْنَى اثْنَا عَشَرَ (وَخَمْرٍ) وَفِي بَاقِي الْأَشْرِبَةِ رِوَايَاتُ التَّغْلِيظِ وَالتَّخْفِيفِ وَالطَّهَارَةِ. وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ الْأَوَّلَ. وَفِي النَّهْرِ الْأَوْسَطَ. (وَخُرْءِ) كُلِّ طَيْرٍ لَا يَذْرِقُ فِي الْهَوَاءِ كَبَطٍّ أَهْلِيٍّ (وَدَجَاجٍ) أَمَّا مَا يَذْرِقُ فِيهِ، فَإِنْ مَأْكُولًا فَطَاهِرٌ وَإِلَّا فَمُخَفَّفٌ (وَرَوْثٍ وَخِثْيٍ) أَفَادَ بِهِمَا نَجَاسَةَ خُرْءِ كُلِّ حَيَوَانٍ غَيْرِ الطُّيُورِ. وَقَالَا: مُخَفَّفَةٌ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قَوْلُهُمَا أَظْهَرُ،   [رد المحتار] السَّمَكَ الْكَبِيرَ إذَا سَالَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَقَمْلٍ وَبُرْغُوثٍ وَبَقٍّ) أَيْ: وَإِنْ كَثُرَ بَحْرٌ وَمُنْيَةٌ. وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِمَا عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْ الْكَثِيرِ مِنْهُ، وَشَمِلَ مَا كَانَ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ تَعَمَّدَ إصَابَتَهُ أَوْ لَا. اهـ. حِلْيَةٌ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ قَتَلَ الْقَمْلَ فِي ثَوْبِهِ يُعْفَى عَنْهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ. وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي زَيْتٍ وَنَحْوِهِ لَا يُنَجِّسُهُ لِمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ أَنَّ مَوْتَ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ فِي الْإِنَاءِ لَا يُنَجِّسُهُ. وَفِي الْحِلْيَةِ الْبُرْغُوثُ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحُ قَلِيلٌ. (قَوْلُهُ: كَرُمَّانٍ) هُوَ الثَّمَرُ الْمَعْرُوفُ. (قَوْلُهُ: دُوَيْبَّةٌ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَسُكُونٍ لِلْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ وَتَشْدِيدٍ لِلْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ تَصْغِيرُ دَابَّةٍ. (قَوْلُهُ: لَسَّاعَةٌ) أَيْ: شَدِيدَةُ اللَّسْعِ: وَهُوَ الْعَضُّ وَتَمَامُهُ فِي ح (قَوْلُهُ: وَخَمْرٍ) هَذَا مَا فِي عَامَّةِ الْمُتُونِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ فَتَاوَى الدِّينَارِيِّ قَالَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ: الْخَمْرُ تَمْنَعُ الصَّلَاةَ وَإِنْ قَلَّتْ، بِخِلَافِ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي بَاقِي الْأَشْرِبَةِ) أَيْ: الْمُسْكِرَةِ وَلَوْ نَبِيذًا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ ط. (قَوْلُهُ: وَفِي النَّهْرِ الْأَوْسَطَ) وَاسْتَدَلَّ بِمَا فِي الْمُنْيَةِ: صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ دُونَ الْكَثِيرِ الْفَاحِشِ مِنْ السَّكَرِ أَوْ الْمُنَصَّفِ تَجْزِيهِ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ ح: وَهُوَ نَصٌّ فِي التَّخْفِيفِ، فَكَانَ هُوَ الْحَقَّ؛ لِأَنَّ فِيهِ الرُّجُوعَ إلَى الْفَرْعِ الْمَنْصُوصِ فِي الْمَذْهَبِ. وَأَمَّا تَرْجِيعُ صَاحِبِ الْبَحْرِ فَبَحْثٌ مِنْهُ. اهـ. . قُلْت: لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَأَمَّا سِوَى الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ فَغَلِيظَةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خَفِيفَةٌ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا. اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ التَّخْفِيفَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِمَا أَيْ: لِثُبُوتِ اخْتِلَافِ الْأَئِمَّةِ، فَإِنَّ السَّكَرَ وَالْمُنَصَّفَ وَهُوَ الْبَاذَقُ قَالَ بِحِلِّهِمَا الْإِمَامُ الْأَوْزَاعِيُّ. وَيَظْهَرُ لِي التَّوْفِيقُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ بِأَنَّ رِوَايَةَ التَّغْلِيظِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، وَرِوَايَةَ التَّخْفِيفِ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَرِوَايَةَ الطَّهَارَةِ خَاصَّةٌ بِالْأَشْرِبَةِ الْمُبَاحَةِ. وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ التَّغْلِيظِ فِي الْجَمِيعِ. يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ مِنْ كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ حَيْثُ قَالَ: وَهَذِهِ الْأَشْرِبَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَمُوَافِقِيهِ كَخَمْرٍ بِلَا تَفَاوُتٍ فِي الْأَحْكَامِ وَبِهَذَا يُفْتَى فِي زَمَانِنَا. اهـ. فَقَوْلُهُ: بِلَا تَفَاوُتٍ فِي الْأَحْكَامِ يَقْتَضِي أَنَّهَا مُغَلَّظَةٌ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: لَا يَذْرِقُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَوْ بِالزَّايِ ح عَنْ الْقَامُوسِ. (قَوْلُهُ: كَبَطٍّ أَهْلِيٍّ) أَمَّا إنْ كَانَ يَطِيرُ وَلَا يَعِيشُ بَيْنَ النَّاسِ فَكَالْحَمَامَةِ بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ، وَجَعْلُهُ كَالْحَمَامَةِ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَدَجَاجٍ) بِتَثْلِيثِ الدَّالِ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى حِلْيَةٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ مَأْكُولًا) كَحَمَامٍ وَعُصْفُورٍ. (قَوْلُهُ: فَطَاهِرٌ) وَقِيلَ: مَعْفُوٌّ عَنْهُ لَوْ قَلِيلًا لِعُمُومِ الْبَلْوَى، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْبَدَائِعِ وَالْخَانِيَّةِ حِلْيَةٌ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَمُخَفَّفٌ) أَيْ: وَإِلَّا يَكُنْ مَأْكُولًا كَالصَّقْرِ وَالْبَازِي وَالْحَدَأَةِ، فَهُوَ نَجِسٌ مُخَفَّفٌ عِنْدَهُ مُغَلَّظٌ عِنْدَهُمَا، وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْهِنْدُوَانِيُّ. وَرَوَى الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُمَا مُغَلَّظٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَرَوْثٍ وَخِثْيٍ) قَدَّمْنَا فِي فَصْلِ الْبِئْرِ أَنَّ الرَّوْثَ لِلْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، وَالْخِثْيَ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ لِلْبَقَرِ وَالْفِيلِ، وَالْبَعْرَ لِلْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، وَالْخُرْءَ لِلطُّيُورِ، وَالنَّجْوَ لِلْكَلْبِ، وَالْعَذِرَةَ لِلْإِنْسَانِ. (قَوْلُهُ: أَفَادَ بِهِمَا نَجَاسَةَ خُرْءِ كُلِّ حَيَوَانٍ) أَرَادَ بِالنَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا وَلِانْصِرَافِ الْإِطْلَاقِ إلَيْهَا كَمَا يَأْتِي، وَلِقَوْلِهِ وَقَالَا مُخَفَّفَةٌ، وَأَرَادَ بِالْحَيَوَانِ مَا لَهُ رَوْثٌ أَوْ خِثْيٌ: أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ مَأْكُولًا كَالْفَرَسِ وَالْبَقَرِ، أَوْ لَا كَالْحَمَامِ وَإِلَّا فَخُرْءُ الْآدَمِيِّ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ مُتَّفَقٌ عَلَى تَغْلِيظِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَخْ) عَزَاهُ فِيهَا إلَى [مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ] لَكِنْ فِي النُّكَتِ لِلْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ بِالتَّغْلِيظِ رَجَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ اهـ وَلِذَا جَرَى عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 وَطَهَّرَهُمَا مُحَمَّدٌ آخِرًا لِلْبَلْوَى، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. (وَلَوْ أَصَابَهُ مِنْ) نَجَاسَةٍ (غَلِيظَةٍ وَ) نَجَاسَةٍ (خَفِيفَةٍ جُعِلَتْ الْخَفِيفَةُ تَبَعًا لِلْغَلِيظَةِ) احْتِيَاطًا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، ثُمَّ مَتَى أَطْلَقُوا النَّجَاسَةَ فَظَاهِرُهُ التَّغْلِيظُ. (وَعُفِيَ دُونُ رُبْعِ) جَمِيعِ بَدَنٍ وَ (ثَوْبٍ) وَلَوْ كَبِيرًا هُوَ الْمُخْتَارُ، ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ وَرَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ عَلَى التَّقْدِيرِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ: وَطَهَّرَهُمَا مُحَمَّدٌ آخِرًا) أَيْ: فِي آخِرِ أَمْرِهِ حِينَ دَخَلَ الرِّيَّ مَعَ الْخَلِيفَةِ وَرَأَى بَلْوَى النَّاسِ مِنْ امْتِلَاءِ الطُّرُقِ وَالْخَانَاتِ بِهَا، وَقَاسَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِهِ هَذَا طِينَ بُخَارَى فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ) فِيهِ أَنَّهُ يَقُولُ: مَا أُكِلَ لَحْمُهُ فَبَوْلُهُ وَرَجِيعُهُ طَاهِرٌ فَقَطْ؛ فَلَا يَقُولُ بِطَهَارَةِ رَوْثِ الْحِمَارِ ط (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ) وَنَصُّهَا عَلَى مَا فِي الْبَحْرِ: وَإِنْ أَصَابَهُ بَوْلُ الشَّاةِ وَبَوْلُ الْآدَمِيِّ تُجْعَلُ الْخَفِيفَةُ تَبَعًا لِلْغَلِيظَةِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ الْخَفِيفَةُ أَكْثَرَ مِنْ الْغَلِيظَةِ كَمَا قَالَهُ ط. قُلْت: لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ: تُجْمَعُ النَّجَاسَةُ الْمُتَفَرِّقَةُ فَتُجْعَلُ الْخَفِيفَةُ غَلِيظَةً إذَا كَانَتْ نِصْفًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ الْغَلِيظَةِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ. اهـ. وَنَحْوُهُ مَا فِي الْقُنْيَةِ: نِصْفُ النَّجَاسَةِ الْخَفِيفَةِ وَنِصْفُ الْغَلِيظَةِ يُجْمَعَانِ. اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَطَتْ الْخَفِيفَةُ بِالْغَلِيظَةِ جُعِلَتْ تَبَعًا لِلْغَلِيظَةِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى الدِّرْهَمِ مَنَعَتْ الصَّلَاةَ كَمَا لَوْ اخْتَلَطَتْ الْغَلِيظَةُ بِمَاءٍ طَاهِرٍ؛ وَمَعْنَى الثَّانِي أَنَّهُ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي مَوْضِعٍ وَلَمْ يَبْلُغْ كُلٌّ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ الْقَدْرَ الْمَانِعَ، فَتُرَجَّحُ الْغَلِيظَةُ لَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ أَوْ مُسَاوِيَةً لِلْخَفِيفَةِ، فَإِذَا زَادَ مَجْمُوعُهُمَا عَلَى الدِّرْهَمِ مَنَعَ، وَلَوْ كَانَتْ الْخَفِيفَةُ أَكْثَرَ تَرَجَّحَتْ فَإِذَا بَلَغَ مَجْمُوعُهُمَا رُبْعَ الثَّوْبِ مَنَعَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ اخْتَلَطَا تُرَجَّحُ الْغَلِيظَةُ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَإِنْ تَسَاوَيَا أَوْ زَادَتْ الْغَلِيظَةُ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا تُرَجَّحْ الْخَفِيفَةُ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَتَى أَطْلَقُوا النَّجَاسَةَ إلَخْ) أَيْ: كَإِطْلَاقِهِمْ النَّجَاسَةَ فِي الْأَسْآرِ النَّجِسَةِ وَفِي جِلْدِ الْحَيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ مَذْبُوحَةً؛ لِأَنَّ جِلْدَهَا لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَةَ. اهـ. بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: فَظَاهِرُهُ التَّغْلِيظُ) هُوَ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُغَلَّظَةٌ وَأَنَّهَا الْمُرَادَةُ عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ (قَوْلُهُ: دُونُ) بِالرَّفْعِ نَائِبُ فَاعِلِ عُفِيَ. (قَوْلُهُ: وَثَوْبٍ) أَيْ: وَنَحْوِهِ كَالْخُفِّ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَدْرُ الرُّبْعِ، وَالْمُرَادُ رُبْعُ مَا دُونَ الْكَعْبَيْنِ لَا مَا فَوْقَهُمَا؛ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى الْخُفِّ اهـ خَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَبِيرًا إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ اعْتِبَارِ الرُّبْعِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَقِيلَ رُبْعُ طَرَفٍ أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ، كَالذَّيْلِ وَالْكُمِّ وَالدِّخْرِيصِ إنْ كَانَ الْمُصَابُ ثَوْبًا، وَرُبْعُ الْعُضْوِ الْمُصَابِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ إنْ كَانَ بَدَنًا وَصَحَّحَهُ فِي التُّحْفَةِ وَالْمُحِيطِ وَالْمُجْتَبَى وَالسِّرَاجِ. وَفِي الْحَقَائِقِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقِيلَ رُبْعُ جَمِيعِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَقِيلَ: رُبْعُ أَدْنَى ثَوْبٍ تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَالْمِئْزَرِ. قَالَ الْأَقْطَعُ: وَهَذَا أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِيهِ اهـ لَكِنَّهُ قَاصِرٌ عَلَى الثَّوْبِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ كَمَا نَرَى، لَكِنْ تَرَجَّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ، وَوَفَّقَ فِي الْفَتْحِ بَيْنَ الْأَخِيرَيْنِ بِأَنَّ الْمُرَادَ اعْتِبَارُ رُبْعِ الثَّوْبِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ سَاتِرًا لِجَمِيعِ الْبَدَنِ أَوْ أَدْنَى مَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ. اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ جِدًّا، وَلَمْ يَنْقُلْ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَصْلًا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ) أَيْ: بِأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْكَنْزِ وَبِتَصْحِيحِ الْمَبْسُوطِ لَهُ، وَبِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الْكَثِيرُ الْفَاحِشُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ رُبْعَ الْمُصَابِ لَيْسَ كَثِيرًا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ فَاحِشًا. اهـ. أَقُولُ: تَصْحِيحُ الْمَبْسُوطِ مُعَارَضٌ بِتَصْحِيحِ غَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْكَثِيرِ الْفَاحِشِ مَا كَثُرَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُصَابِ؛ فَرُبْعُ الثَّوْبِ كَثِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّوْبِ، وَرُبْعُ الذَّيْلِ أَوْ الْكُمِّ مَثَلًا كَثِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الذَّيْلِ أَوْ الْكُمِّ، وَكَذَا رُبْعُ أَدْنَى ثَوْبٍ تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَثِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْفَتْوَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 بِرُبْعِ الْمُصَابِ كَيَدٍ وَكُمٍّ وَإِنْ قَالَ فِي الْحَقَائِقِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (مِنْ) نَجَاسَةٍ (مُخَفَّفَةٍ كَبَوْلِ مَأْكُولٍ) وَمِنْهُ الْفَرَسُ، وَطَهَّرَهُ مُحَمَّدٌ (وَخُرْءِ طَيْرٍ) مِنْ السِّبَاعِ أَوْ غَيْرِهَا (غَيْرِ مَأْكُولٍ) وَقِيلَ: طَاهِرٌ وَصُحِّحَ، ثُمَّ الْخِفَّةُ إنَّمَا تَظْهَرُ فِي غَيْرِ الْمَاءِ فَلْيُحْفَظْ (وَ) عُفِيَ (دَمُ سَمَكٍ وَلُعَابُ بَغْلٍ وَحِمَارٍ) وَالْمَذْهَبُ طَهَارَتُهَا (وَبَوْلٌ انْتَضَحَ كَرُءُوسِ إبَرٍ) وَكَذَا   [رد المحتار] آكَدُ مِنْ لَفْظِ الْأَصَحِّ وَنَحْوِهِ مِنَحٌ، وَمُفَادُهُ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِرُبْعِ الْمُصَابِ وَهُوَ مُفَادُ مَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ، لَكِنْ اعْتَرَضَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُؤَدِّي إلَى التَّشْدِيدِ لَا إلَى التَّخْفِيفِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَبْلُغُ رُبْعُ الْمُصَابِ الدِّرْهَمَ فَيَلْزَمُ جَعْلُهُ مَانِعًا فِي الْمُخَفَّفَةِ مَعَ أَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِي الْمُغَلَّظَةِ إذْ لَوْ كَانَ الْمُصَابُ الْأُنْمُلَةَ مِنْ الْبَدَنِ يَلْزَمُ الْقَوْلُ بِمَنْعِ رُبْعِهَا عَلَى الْقَوْلِ بِمَنْعِ رُبْعِ الْمُصَابِ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ اعْتِبَارُ كُلٍّ مِنْ الْيَدِ وَالرِّجْلِ بِتَمَامِهِ عُضْوًا وَاحِدًا فَلَا يَلْزَمُ مَا قَالَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الْفَرَسُ) أَيْ: مِنْ الْمَأْكُولِ، وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَيَكُونُ مُغَلَّظًا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا كَرِهَ لَحْمَهُ تَنْزِيهًا أَوْ تَحْرِيمًا عَلَى اخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ؛ لِأَنَّهُ آلَةُ الْجِهَادِ، لَا لِأَنَّ لَحْمَهُ نَجِسٌ بِدَلِيلِ أَنَّ سُؤْرَهُ طَاهِرٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَطَهَّرَهُ مُحَمَّدٌ) الضَّمِيرُ لِبَوْلِ الْمَأْكُولِ الشَّامِلِ لِلْفَرَسِ ح. (قَوْلُهُ: وَصُحِّحَ) صَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْكَرْخِيِّ كَمَا مَرَّ، وَرَوَى الْهِنْدُوَانِيُّ النَّجَاسَةَ وَصَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْأَوْلَى اعْتِمَادُهُ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْمُتُونِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: إنَّهُ أَوْجَهُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْخِفَّةُ إنَّمَا تَظْهَرُ فِي غَيْرِ الْمَاءِ) اقْتَصَرَ فِي الْكَافِي عَلَى ظُهُورِهَا فِي الثِّيَابِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْبَدَنُ كَالثِّيَابِ فَلِذَا عَمَّمَ الشَّارِحُ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِ الْكَافِي الِاحْتِرَازُ عَنْ الْمَائِعَاتِ لَا عَنْ خُصُوصِ الْمَاءِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَائِعَ مَتَى أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ خَفِيفَةٌ أَوْ غَلِيظَةٌ وَإِنْ قَلَّتْ تَنَجَّسَ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ رُبْعٌ وَلَا دِرْهَمٌ، نَعَمْ تَظْهَرُ الْخِفَّةُ فِيمَا إذَا أَصَابَ هَذَا الْمَائِعُ ثَوْبًا أَوْ بَدَنًا فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الرُّبْعُ كَمَا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ، وَاسْتَثْنَى ح خُرْءَ طَيْرٍ لَا يُؤْكَلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبِئْرِ فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّسُهَا لِتَعَذُّرِ صَوْنِهَا عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبِئْرِ (قَوْلُهُ: وَعُفِيَ دَمُ سَمَكٍ) صَرَّحَ بِالْفِعْلِ إشَارَةً إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَدَمُ سَمَكٍ إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ دُونُ رُبْعِ ثَوْبٍ. (قَوْلُهُ: وَالْمَذْهَبُ طَهَارَتُهَا) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَتْنَ يَقْتَضِي نَجَاسَتَهَا بِنَاءً عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ " نَجَاسَةُ دَمِ السَّمَكِ الْكَبِيرِ نَجَاسَةٌ غَلِيظَةٌ وَسُؤْرُ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ نَجَاسَةٌ خَفِيفَةٌ " كَمَا ذَكَرَهُ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّ دَمَ السَّمَكِ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ صُورَةً لَا حَقِيقَةً وَأَنَّ سُؤْرَ هَذَيْنِ طَاهِرٌ قَطْعًا، وَالشَّكُّ فِي طُهُورِيَّتِهِ فَيَكُونُ لُعَابُهُمَا طَاهِرًا (قَوْلُهُ: وَبَوْلٌ اُنْتُضِحَ) أَيْ: تُرُشِّشَ، وَشَمِلَ بَوْلَهُ وَبَوْلَ غَيْرِهِ بَحْرٌ. وَكَالْبَوْلِ الدَّمُ عَلَى ثَوْبِ الْقَصَّابِ حِلْيَةٌ عَنْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ. وَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِالْقَصَّابِ أَيْ: اللَّحَّامِ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي ثَوْبِ غَيْرِ الْقَصَّابِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الضَّرُورَةُ وَلَا ضَرُورَةَ لِغَيْرِهِ، وَتَأَمَّلْهُ مَعَ قَوْلِ الْبَحْرِ الْمَارِّ وَشَمِلَ بَوْلَهُ وَبَوْلَ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: كَرُءُوسِ إبَرٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ إبْرَةٍ احْتِرَازٌ عَنْ الْمِسَلَّةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا جَانِبُهَا الْآخَرُ) أَيْ: خِلَافًا لِأَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ حَيْثُ مَنَعَ بِالْجَانِبِ الْآخَرِ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ قَالُوا: لَا يُعْتَبَرُ الْجَانِبَانِ وَاخْتَارَهُ فِي الْكَافِي حِلْيَةٌ؛ فَرُءُوسُ الْإِبَرِ تَمْثِيلٌ لِلتَّقْلِيلِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الطَّلَبَةِ، لَكِنَّ فِيهِ أَيْضًا عَنْ الْكَرْمَانِيِّ أَنَّ هَذَا مَا لَمْ يُرَ عَلَى الثَّوْبِ وَإِلَّا وَجَبَ غَسْلُهُ إذَا صَارَ بِالْجَمْعِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ. اهـ. وَكَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فَقَالَ: وَالتَّقْيِيدُ بِعَدَمِ إدْرَاكِ الطَّرْفِ ذَكَرَهُ الْمُعَلَّى فِي نَوَادِرِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. مَطْلَبٌ إذَا صَرَّحَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ بِقَيْدٍ لَمْ يُصَرِّحْ غَيْرُهُ بِخِلَافِهِ وَجَبَ اتِّبَاعُهُ وَإِذَا صَرَّحَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ بِقَيْدٍ لَمْ يَرِدْ عَنْ غَيْرِهِ مِنْهُمْ تَصْرِيحٌ بِخِلَافِهِ يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ سِيَّمَا وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ احْتِيَاطٍ وَلَا حَرَجَ فِي التَّحَرُّزِ عَنْ مِثْلِهِ، بِخِلَافِ مَا لَا يُرَى كَمَا فِي أَثَرِ أَرْجُلِ الذُّبَابِ، فَإِنَّ فِي التَّحَرُّزِ عَنْهُ حَرَجًا ظَاهِرًا. اهـ. أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْهِنْدُوَانِيُّ، وَقَدْ عَلِمْت تَصْرِيحَ غَيْرِهِ مِنْ الْمَشَايِخِ بِخِلَافِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 جَانِبُهَا الْآخَرُ وَإِنْ كَثُرَ بِإِصَابَةِ الْمَاءِ لِلضَّرُورَةِ، لَكِنْ لَوْ وَقَعَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ نَجَّسَهُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ الْمَاءِ   [رد المحتار] ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْجَانِبِ الْآخَرِ مِنْ الْإِبْرَةِ يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْحِلْيَةِ ذَكَرَ أَنَّ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِرُءُوسِ الْإِبَرِ احْتِرَازٌ عَنْ رُءُوسِ الْمَسَالِّ هُوَ بِمَا عَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ أَشْبَهُ، وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ بِمَا فِي نَوَادِرِ الْمُعَلَّى. اهـ. وَهَذَا عَيْنُ مَا فَهِمْته - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ -. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ مَبْنِيَّيْنِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَرُءُوسِ الْإِبَرِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَيْدٌ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ رَأْسِهَا مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَعَنْ رُءُوسِ الْمَسَالِّ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ التَّقْيِيدِ بِمَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ. ثَانِيهِمَا أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَمْثِيلٌ لِلتَّقْلِيلِ، فَيُعْفَى عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ مِقْدَارَ رَأْسِهَا مِنْ جَانِبِ الْخَرَزِ أَوْ مِنْ جَانِبِ الثَّقْبِ، وَمِثْلُهُ مَا كَانَ كَرَأْسِ الْمِسَلَّةِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ فِي الْكَافِي اخْتَارَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ، وَلَكِنَّ ظَاهِرَ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ اخْتِيَارُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الضَّرُورَةُ قِيَاسًا عَلَى مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى مِمَّا عَلَى أَرْجُلِ الذُّبَابِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى النَّجَاسَةِ ثُمَّ يَقَعُ عَلَى الثِّيَابِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَلَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَلَا يُسْتَحْسَنُ لِأَحَدٍ اسْتِعْدَادُ ثَوْبٍ لِدُخُولِ الْخَلَاءِ. وَرُوِيَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ زِيَنِ الْعَابِدِينَ تَكَلَّفَ لِبَيْتِ الْخَلَاءِ ثَوْبًا ثُمَّ تَرَكَهُ، وَقَالَ: لَمْ يَتَكَلَّفْ لِهَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ قَوْلَ الْمُتُونِ كَرُءُوسِ الْإِبَرِ اتِّبَاعٌ لِعِبَارَةِ مُحَمَّدٍ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَلِذَا لَمْ يَجْعَلْهُ لِلِاحْتِرَازِ إلَّا الْهِنْدُوَانِيُّ، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ مُعَلَّلِينَ بِدَفْعِ الْحَرَجِ، وَلَا شَكَّ فِي وُجُودِ الْحَرَجِ فِي ذَلِكَ فَلِذَا اخْتَارَهُ فِي الْكَافِي اتِّبَاعًا لِمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ. وَقَالَ فِي مَتْنِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ: وَعُفِيَ عَنْ رَشَاشِ بَوْلٍ كَرُءُوسِ الْإِبَرِ، وَقِيلَ: يَعْتَبِرُهُ أَيْ: أَبُو يُوسُفَ إنْ رُئِيَ أَثَرُهُ، فَأَفَادَ بِقِيلَ ضَعْفَ اعْتِبَارِ مَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْمُعَلَّى السَّابِقَةُ؛ وَقَدْ ظَهَرَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا يُرَى أَثَرُهُ وَهُوَ مَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ، وَأَنَّ الْأَرْجَحَ الْعَفْوُ عَنْهُ وَعَدَمُ اعْتِبَارِهِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ، وَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا كَانَ مِثْلَ رَأْسِ الْإِبْرَةِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ لَا أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ مَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ مَا كَانَ مِثْلَ رُءُوسِ الْإِبَرِ وَأَرْجُلِ الذُّبَابِ فَإِنَّهُ لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ الْمُعْتَدِلُ مَا لَمْ يَقْرَبْ إلَيْهِ جِدًّا أَيْ: مَعَ مُغَايَرَةِ لَوْنِ الرَّشَاشِ لِلَوْنِ الثَّوْبِ، وَإِلَّا فَقَدْ لَا يُرَى أَصْلًا. وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ شَكَّ أَنَّهُ يُدْرِكُهُ بِالطَّرْفِ أَمْ لَا أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَةُ الثَّوْبِ وَشَكٌّ فِيمَا يُنَجِّسُهُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَحَلِّ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. (قَوْلُهُ: نَجَّسَهُ فِي الْأَصَحِّ) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: ثُمَّ لَوْ وَقَعَ هَذَا الثَّوْبُ الْمُنْتَضَحُ عَلَيْهِ الْبَوْلُ مِثْلُ رُءُوسِ الْإِبَرِ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ هَلْ يَنْجُسُ؟ فَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَنْجُسُ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَنْجُسُ، وَهَذَا فَرْعُ مَسْأَلَةِ الِاسْتِنْجَاءِ؛ يَعْنِي لَوْ اسْتَنْجَى بِغَيْرِ الْمَاءِ ثُمَّ ابْتَلَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ ثُمَّ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ ثَوْبَهُ أَوْ بَدَنَهُ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَتَنَجَّسُ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ. اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْكِفَايَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يُرَى أَثَرُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ الْمُتَّجَهُ. اهـ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اخْتِيَارِ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ عَدَمَ اعْتِبَارِ رُءُوسِ الْإِبَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ خِلَافًا لِلْهِنْدُوَانِيِّ. وَقَوْلُ الْخُلَاصَةِ الْمَارُّ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَنْجُسُ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يُنَجِّسُهُ مَا قَلَّ وَكَثُرَ، فَإِذَا لَمْ يَنْجُسْ بِأَقَلَّ مِنْ الدِّرْهَمِ لَا يَنْجُسُ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ وُقُوعَ الرَّشَاشِ فِي الْمَاءِ ابْتِدَاءً مِثْلُ وُقُوعِ هَذَا الثَّوْبِ فِيهِ كَمَا فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ. هَذَا، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ التُّمُرْتَاشِيِّ: إنْ اسْتَبَانَ أَثَرُهُ عَلَى الثَّوْبِ بِأَنْ تُدْرِكَهُ الْعَيْنُ أَوْ عَلَى الْمَاءِ بِأَنْ يَنْفَرِجَ أَوْ يَتَحَرَّكَ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ. وَعَنْ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ اعْتِبَارِ مَا ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي الثَّوْبِ وَالْمَاءِ، وَفِي ذَلِكَ تَأْيِيدٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فَافْهَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 آكَدُ جَوْهَرَةٌ. وَفِي الْقُنْيَةِ: لَوْ اتَّصَلَ وَانْبَسَطَ وَزَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالدُّهْنِ النَّجِسِ إذَا انْبَسَطَ. وَطِينُ شَارِعٍ   [رد المحتار] قَوْلُهُ: جَوْهَرَةٌ) وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَيْضِ أَيْضًا خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلدُّرَرِ فِي فَصْلِ الْبِئْرِ فَافْهَمْ. نَعَمْ يُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ آنِفًا عَنْ التُّمُرْتَاشِيِّ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. (قَوْلُهُ: لَوْ اتَّصَلَ وَانْبَسَطَ) أَيْ: مَا يُصِيبُ الثَّوْبَ مِثْلُ رُءُوسِ الْإِبَرِ كَمَا هُوَ عِبَارَةُ الْقُنْيَةِ وَنَقَلَهَا فِي الْبَحْرِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالدُّهْنِ إلَخْ) أَيْ: فَيَكُونُ مَانِعًا لِلصَّلَاةِ. وَوَجْهُ إلْحَاقِهِ بِالدُّهْنِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ أَوَّلًا غَيْرَ مَانِعٍ ثُمَّ مَنَعَ بَعْدَ زِيَادَتِهِ عَلَى الدِّرْهَمِ، لَكِنْ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْبَوْلَ الَّذِي كَرُءُوسِ الْإِبَرِ اُعْتُبِرَ كَالْعَدَمِ لِلضَّرُورَةِ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فِيهِ قَدْرَ الدِّرْهَمِ بِدَلِيلِ مَا فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ امْتَلَأَ الثَّوْبُ. اهـ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا يَمْلَأُ الثَّوْبَ يَزِيدُ عَلَى الدِّرْهَمِ، وَكَذَا قَوْلُ الشَّارِحِ وَإِنْ كَثُرَ بِإِصَابَةِ الْمَاءِ، فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَثْرَتِهِ بِالْمَاءِ وَبَيْنَ اتِّصَالِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ. وَنَظِيرُهُ مَا لَيْسَ فِيهِ قُوَّةُ السَّيَلَانِ مِنْ الْخَارِجِ مِنْ الْجَسَدِ فَإِنَّهُ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ وَإِنْ كَثُرَ وَعَمَّ الثَّوْبَ. وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْحِلْيَةِ بِعَيْنِ مَا قُلْنَا فَقَالَ: مَا لَيْسَ بِكَثِيرٍ مِنْ النَّجَاسَةِ مِنْهُ مَا هُوَ مُهْدَرُ الِاعْتِبَارِ فَلَا يُجْمَعُ بِحَالٍ. وَعَلَيْهِ مَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ أَنَّ مَا أَصَابَ مِنْ رَشِّ الْبَوْلِ مِثْلُ رُءُوسِ الْإِبَرِ، وَنَحْوُهُ الدَّمُ عَلَى ثَوْبِ الْقَصَّابِ وَمَا لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مِنْ بَلَّةِ الْجُرْحِ أَوْ الْقَيْءِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَإِنْ كَثُرَ. وَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ مَوْضِعَ ذَلِكَ الرَّشِّ مَاءٌ فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّسُهُ. اهـ. نَعَمْ لَوْ كَانَ الرَّشُّ مِمَّا يُدْرَكُ بِالطَّرْفِ بِأَنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْ رُءُوسِ الْإِبَرِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ عَلَى مَا مَرَّ فَإِنَّهُ يُجْمَعُ وَيَمْنَعَ وَإِنْ كَانَ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَيْضًا. لَوْ أَصَابَ قَدْرُ مَا يُرَى مِنْ النَّجَاسَةِ أَثْوَابًا عِمَامَةً وَقَمِيصًا وَسَرَاوِيلَ مَثَلًا مَنَعَ الصَّلَاةَ إذَا كَانَ بِحَيْثُ إذَا جُمِعَ صَارَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ اهـ. لَكِنَّ كَلَامَ الْقُنْيَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الَّذِي يُجْمَعُ وَيَمْنَعُ مَا كَانَ مِثْلَ رُءُوسِ الْإِبَرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، فَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا عَلِمْته مِنْ أَنَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُهْدَرُ الِاعْتِبَارِ وَلَا يَنْفَعُهُ هَذَا التَّأْوِيلُ، فَافْهَمْ وَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ. مَطْلَبٌ فِي الْعَفْوِ عَنْ طِينِ الشَّارِعِ (قَوْلُهُ: وَطِينُ شَارِعٍ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: عَفْوٌ وَالشَّارِعُ الطَّرِيقُ ط. وَفِي الْفَيْضِ: طِينُ الشَّوَارِعِ عَفْوٌ وَإِنْ مَلَأَ الثَّوْبَ لِلضَّرُورَةِ وَلَوْ مُخْتَلِطًا بِالْعَذِرَاتِ وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهُ. اهـ. . وَقَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا قَاسَهُ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ آخِرًا بِطَهَارَةِ الرَّوْثِ وَالْخِثْيِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ لَكِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: أَيْ: لَا يَقْبَلُ كَوْنَهُ طَاهِرًا وَهُوَ مُتَّجَهٌ، بَلْ الْأَشْبَهُ الْمَنْعُ بِالْقَدْرِ الْفَاحِشِ مِنْهُ إلَّا لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ بِحَيْثُ يَجِيءُ وَيَذْهَبُ فِي أَيَّامِ الْأَوْحَالِ فِي بِلَادِنَا الشَّامِيَّةِ لِعَدَمِ انْفِكَاكِ طُرُقِهَا مِنْ النَّجَاسَةِ غَالِبًا مَعَ عُسْرِ الِاحْتِرَازِ، بِخِلَافِ مَنْ لَا يَمُرُّ بِهَا أَصْلًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يُعْفَى فِي حَقِّهِ حَتَّى إنَّ هَذَا لَا يُصَلِّي فِي ثَوْبِ ذَاكَ. اهـ. أَقُولُ: وَالْعَفْوُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ أَثَرُ النَّجَاسَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ التَّجْنِيسِ. وَقَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ، لَكِنْ حَكَى فِي الْقُنْيَةِ قَوْلَيْنِ وَارْتَضَاهُمَا؛ فَحَكَى عَنْ أَبِي نَصْرٍ الدَّبُوسِيُّ أَنَّهُ طَاهِرٌ إلَّا إذَا رَأَى عَيْنَ النَّجَاسَةِ، وَقَالَ: وَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ وَقَرِيبٌ مِنْ حَيْثُ الْمَنْصُوصُ؛ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ غَيْرِهِ فَقَالَ: إنْ غَلَبَتْ النَّجَاسَةُ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ غَلَبَ الطِّينُ فَطَاهِرٌ. ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّهُ حَسَنٌ عِنْدَ الْمُنْصِفِ دُونَ الْمُعَانِدِ اهـ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ إذَا اخْتَلَطَ مَاءٌ وَتُرَابٌ وَأَحَدُهُمَا نَجِسٌ فَالْعِبْرَةُ لِلْغَالِبِ، وَفِيهِ أَقْوَالٌ سَتَأْتِي فِي الْفُرُوعِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْعَفْوُ لِلضَّرُورَةِ، وَعَدَمُ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ أَنْ يُقَالَ بِالْعَفْوِ وَإِنْ غَلَبَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 وَبُخَارُ نَجِسٍ، وَغُبَارُ سِرْقِينٍ، وَمَحَلُّ كِلَابٍ، وَانْتِضَاحُ غُسَالَةٍ لَا تَظْهَرُ مَوَاقِعُ قَطْرِهَا فِي الْإِنَاءِ عَفْوٌ . (وَمَاءٌ) بِالْمَدِّ (وَرَدَ) أَيْ: جَرَى (عَلَى نَجَسٍ نَجِسٌ) إذَا وَرَدَ كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ وَلَوْ أَقَلُّهُ،   [رد المحتار] النَّجَاسَةُ مَا لَمْ يَرَ عَيْنَهَا لَوْ أَصَابَهُ بِلَا قَصْدٍ وَكَانَ مِمَّنْ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ، وَإِلَّا فَلَا ضَرُورَةَ. وَقَدْ حَكَى فِي الْقُنْيَةِ أَيْضًا قَوْلَيْنِ فِيمَا لَوْ ابْتَلَّتْ قَدَمَاهُ مِمَّا رُشَّ فِي الْأَسْوَاقِ الْغَالِبَةِ النَّجَاسَةِ، ثُمَّ نَقَلَ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ ثَوْبَهُ طِينُ السُّوقِ أَوْ السِّكَّةِ ثُمَّ وَقَعَ الثَّوْبُ فِي الْمَاءِ تَنَجَّسَ. (قَوْلُهُ: وَبُخَارُ نَجَسٍ) فِي الْفَتْحِ مَرَّتْ الرِّيحُ بِالْعَذِرَاتِ وَأَصَابَ الثَّوْبَ، إنْ وُجِدَتْ رَائِحَتُهَا تَنَجَّسَ، لَكِنْ نَقَلَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ؛ وَمَا يُصِيبُ الثَّوْبَ مِنْ بِخَارَّاتِ النَّجَاسَةِ، قِيلَ يُنَجِّسُهُ، وَقِيلَ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْحِلْيَةِ: اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ وَخَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ لَا يَنْجُسُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَكَذَا إذَا كَانَ سَرَاوِيلُهُ مُبْتَلًّا. وَفِي الْخَانِيَّةِ مَاءُ الطَّابَقِ نَجِسٌ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا. وَصُورَتُهُ: إذَا أُحْرِقَتْ الْعَذِرَةُ فِي بَيْتٍ فَأَصَابَ مَاءُ الطَّابَقِ ثَوْبَ إنْسَانٍ لَا يُفْسِدُهُ اسْتِحْسَانًا مَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَكَذَا الْإِصْطَبْلُ إذَا كَانَ حَارًّا، وَعَلَى كُوَّتِهِ طَابَقٌ أَوْ كَانَ فِيهِ كُوزٌ مُعَلَّقٌ فِيهِ مَاءٌ فَتَرَشَّحَ،، وَكَذَا الْحَمَّامُ لَوْ فِيهَا نَجَاسَاتٌ فَعَرِقَ حِيطَانُهَا وَكُوَّاتُهَا وَتَقَاطَرَ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَالظَّاهِرُ الْعَمَلُ بِالِاسْتِحْسَانِ، وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالطَّابَقُ: الْغِطَاءُ الْعَظِيمُ مِنْ الزَّجَّاجِ أَوْ اللَّبِنِ. اهـ. مَطْلَبٌ: الْعَرَقِيُّ الَّذِي يُسْتَقْطَرُ مِنْ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ نَجِسٌ حَرَامٌ، بِخِلَافِ النُّوشَادِرِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ فِيهِ الضَّرُورَةُ لِتَعَذُّرِ التَّحَرُّزِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ اُسْتُقْطِرَتْ النَّجَاسَةُ فَمَائِيَّتُهَا نَجِسَةٌ لِانْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ فَبَقِيَ الْقِيَاسُ بِلَا مُعَارِضٍ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَا يُسْتَقْطَرُ مِنْ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْعِرْقِيِّ فِي وِلَايَةِ الرُّومِ نَجِسٌ حَرَامٌ كَسَائِرِ أَصْنَافِ الْخَمْرِ اهـ. أَقُولُ: وَأَمَّا النُّوشَادِرُ الْمُسْتَجْمَعُ مِنْ دُخَانِ النَّجَاسَةِ فَهُوَ طَاهِرٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ، وَأَوْضَحَهُ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي رِسَالَةٍ سَمَّاهَا (إتْحَافَ مَنْ بَادَرَ إلَى حُكْمِ النُّوشَادِرِ) . (قَوْلُهُ: وَغُبَارُ سِرْقِينٍ) بِكَسْرِ السِّينِ: أَيْ: زِبْلٍ وَيُقَالُ سِرْجِينٌ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ رَاقِمًا: لَا عِبْرَةَ لِلْغُبَارِ النَّجِسِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ إنَّمَا الْعِبْرَةُ لِلتُّرَابِ اهـ وَنَظَمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أُرْجُوزَتِهِ وَعَلَّلَهُ فِي شَرْحِهَا بِالضَّرُورَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ كِلَابٍ) فِي الْمُنْيَةِ مَشَى كَلْبٌ عَلَى الطِّينِ فَوَضَعَ رَجُلٌ قَدَمَهُ عَلَى ذَلِكَ الطِّينِ تَنَجَّسَ، وَكَذَا إذَا مَشَى عَلَى ثَلْجٍ رَطْبٍ وَلَوْ جَامِدًا فَلَا. اهـ. قَالَ فِي شَرْحِهَا: وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَلْبَ نَجِسُ الْعَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ اهـ، وَمِثْلُهُ فِي الْحِلْيَةِ. (قَوْلُهُ: وَانْتِضَاحُ غُسَالَةٍ إلَخْ) ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الصَّغِيرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَقَدْ رَأَيْتهَا فِي الْخَانِيَّةِ ذَكَرَهَا فِي بَحْثِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، لَكِنَّ غُسَالَةَ النَّجَاسَةِ كَغُسَالَةِ الْحَدَثِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَيَدُلُّ لَهَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ التُّمُرْتَاشِيِّ. وَفِي الْفَتْحِ: وَمَا تَرَشَّشَ عَلَى الْغَاسِلِ مِنْ غُسَالَةِ الْمَيِّتِ مِمَّا لَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ مَا دَامَ فِي عِلَاجِهِ لَا يُنَجِّسُهُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى، بِخِلَافِ الْغَسْلَاتِ الثَّلَاثِ إذَا اسْتَنْقَعَتْ فِي مَوْضِعٍ فَأَصَابَتْ شَيْئًا نَجَّسَتْهُ اهـ أَيْ: بِنَاءً عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ مِنْ أَنَّ نَجَاسَةَ الْمَيِّتِ نَجَاسَةُ خَبَثٍ لَا حَدَثٍ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الْبِئْرِ، وَاحْتُرِزَ بِالثَّلَاثِ عَنْ الْغُسَالَةِ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ (قَوْلُهُ: وَمَاءٌ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: نَجِسٌ بِالْكَسْرِ وَنَجَسٌ الْأَوَّلُ بِالْفَتْحِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَيَجُوزُ فِيهِ الْكَسْرُ. (قَوْلُهُ: أَيْ: جَرَى) فُسِّرَ الْوُرُودُ بِهِ لِيَتَأَتَّى لَهُ التَّفْصِيلُ وَالْخِلَافُ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا، وَإِلَّا فَالْوُرُودُ أَعَمُّ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَا إذَا جَرَى عَلَيْهَا وَهِيَ عَلَى أَرْضٍ أَوْ سَطْحٍ وَمَا إذَا صُبَّ فَوْقَهَا فِي آنِيَةٍ بِدُونِ جَرَيَانٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجَرَيَانَ أَبْلَغُ مِنْ الصَّبِّ الْمَذْكُورِ فَصَرَّحَ بِهِ مَعَ عِلْمِ حُكْمِ الصَّبِّ مِنْهُ بِالْأَوْلَى دَفْعًا لِتَوَهُّمِ عَدَمِ إرَادَتِهِ فَافْهَمْ. نَعَمْ كَانَ الْأَوْلَى إبْقَاءَ الْمَتْنِ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ حَيْثُ حَكَمَ بِطَهَارَةِ الْوَارِدِ دُونَ الْمَوْرُودِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجَارِيَ فِيهِ تَفْصِيلٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 لَا كَجِيفَةٍ فِي نَهْرٍ أَوْ نَجَاسَةٍ عَلَى سَطْحٍ، لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْإِبَرِ (كَعَكْسِهِ) أَيْ: إذَا وَرَدَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى الْمَاءِ تَنَجَّسَ الْمَاءُ إجْمَاعًا، لَكِنْ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ إذَا لَاقَى الْمُتَنَجِّسَ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ فَلْيُحْفَظْ . (لَا) يَكُونُ نَجِسًا (رَمَادٍ قَذَرٍ) وَإِلَّا لَزِمَ نَجَاسَةُ الْخُبْزِ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ (وَ) لَا (مِلْحٍ كَانَ حِمَارًا) أَوْ خِنْزِيرًا وَلَا قَذَرٌ وَقَعَ فِي بِئْرٍ فَصَارَ   [رد المحتار] وَهُوَ أَنَّهُ إذَا جَرَى عَلَى نَجَاسَةٍ فَأَذْهَبَهَا وَاسْتَهْلَكَهَا وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهَا فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْجُسُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي طَهَارَةِ الْأَرْضِ الْمُتَنَجِّسَةِ. ، وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْمِيَاهِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى تَعْرِيفِ الْمَاءِ الْجَارِي، وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أَنَّ الْجَارِيَ لَا يَنْجُسُ مَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ أَثَرُ النَّجَاسَةِ، وَأَنَّهُ يُسَمَّى جَارِيًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَدَدٌ، وَأَنَّهُ لَوْ صُبَّ مَاءٌ فِي مِيزَابٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ حَالَ جَرَيَانِهِ لَا يَنْجُسُ عَلَى رِوَايَةِ نَجَاسَةِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَأَنَّهُ لَوْ سَالَ دَمُ رِجْلِهِ مَعَ الْعَصِيرِ لَا يَنْجُسُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَقَدَّمْنَا عَنْ الْخِزَانَةِ وَالْخُلَاصَةِ: إنَاءَانِ مَاءُ أَحَدِهِمَا طَاهِرٌ وَالْآخَرُ نَجِسٌ فَصُبَّا مِنْ مَكَان عَالٍ فَاخْتَلَطَا فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ نَزَلَا طَهُرَ كُلُّهُ، وَلَوْ أُجْرِيَ مَاءُ الْإِنَاءَيْنِ فِي الْأَرْضِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ مَاءٍ جَارٍ. اهـ. وَقَالَ فِي الضِّيَاءِ مِنْ فَصْلِ الِاسْتِنْجَاءِ: ذَكَرَ فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ لَوْ أَخَذَ الْإِنَاءَ فَصَبَّ الْمَاءَ عَلَى يَدِهِ لِلِاسْتِنْجَاءِ فَوَصَلَتْ قَطْرَةُ بَوْلٍ إلَى الْمَاءِ النَّازِلِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى يَدِهِ، قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: لَا يَنْجُسُ؛ لِأَنَّهُ جَارٍ فَلَا يَتَأَثَّرُ بِذَلِكَ. قَالَ حُسَامُ الدِّينِ: هَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ غُسَالَةُ الِاسْتِنْجَاءِ غَيْرَ نَجِسَةٍ. قَالَ فِي الْمُضْمَرَاتِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَاءَ عَلَى كَفِّ الْمُسْتَنْجِي لَيْسَ بِجَارٍ، وَلَئِنْ سَلِمَ فَأَثَرُ النَّجَاسَةِ يَظْهَرُ فِيهِ وَالْجَارِي إذَا ظَهَرَ فِيهِ أَثَرُ النَّجَاسَةِ صَارَ نَجِسًا وَالْمَاءُ النَّازِلُ مِنْ الْإِنَاءِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى الْكَفِّ جَارٍ وَلَا يَظْهَرُ فِيهِ أَثَرُ الْقَطْرَةِ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِيرَ نَجِسًا، وَمَا قَالَهُ حُسَامُ الدِّينِ احْتِيَاطٌ اهـ. وَيُؤَيِّدُ عَدَمَ التَّنَجُّسِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْفُرُوعِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. وَهَذَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْجِيفَةِ فَإِنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ عَلَيْهَا لَمْ يَذْهَبْ بِالنَّجَاسَةِ وَلَمْ يَسْتَهْلِكْهَا، بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ فِي مَحَلِّهَا وَعَيْنُهَا قَائِمَةٌ عَلَى أَنَّ فِيهَا اخْتِلَافًا، وَلِهَذَا اسْتَدْرَكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ " وَلَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأَثَرِ، فَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّك لَا تَجِدُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَلِكِ الْوَهَّابِ -. (قَوْلُهُ: كَجِيفَةٍ فِي نَهْرٍ إلَخْ) أَيْ: فَإِنَّهَا إذَا وَرَدَ عَلَيْهَا كُلُّ الْمَاءِ أَوْ أَكْثَرُهُ فَهُوَ نَجِسٌ، وَلَوْ أَقَلُّهُ فَطَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ قَدَّمْنَا إلَخْ) أَيْ: فِي بَحْثِ الْمِيَاهِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فَتَذَكَّرْهُ بِالْمُرَاجَعَةِ. (قَوْلُهُ: أَيْ: إذَا وَرَدَتْ النَّجَاسَةُ) سَوَاءٌ كَانَتْ مُجَرَّدَةً أَوْ مَصْحُوبَةً بِثَوْبٍ ح. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَاءِ) أَيْ: الْقَلِيلِ. (قَوْلُهُ: إجْمَاعًا) أَيْ: مِنَّا وَمِنْ الشَّافِعِيِّ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَمَا يَظْهَرُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: لَكِنْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ تَنَجَّسَ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَنَجُّسَ الْمَاءِ بِمُجَرَّدِ وَضْعِ الثَّوْبِ مَثَلًا فِيهِ كَمَا يَتَنَجَّسُ بِمُجَرَّدِ وُقُوعِ الْعَذِرَةِ مَثَلًا، فَاحْتَرَزَ بِالْمُتَنَجِّسِ عَنْ عَيْنِ النَّجَاسَةِ كَالْعَذِرَةِ أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَنْفَصِلْ) أَيْ: الْمَاءُ أَوْ الشَّيْءُ الْمُتَنَجِّسُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: اعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي تَنَجُّسَ الْمَاءِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ لِلنَّجَاسَةِ، لَكِنْ سَقَطَ لِلضَّرُورَةِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّوْبُ فِي إجَّانَةٍ وَأُورِدَ الْمَاءُ عَلَيْهِ أَوْ بِالْعَكْسِ عِنْدَنَا، فَهُوَ طَاهِرٌ فِي الْمَحَلِّ نَجِسٌ إذَا انْفَصَلَ، سَوَاءٌ تَغَيَّرَ أَوْ لَا، وَهَذَا فِي الْمَاءَيْنِ اتِّفَاقًا، أَمَّا الثَّالِثُ فَهُوَ نَجِسٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ فِي الْمَحَلِّ ضَرُورَةُ تَطْهِيرِهِ وَقَدْ زَالَتْ طَاهِرٌ عِنْدَهُمَا إذَا انْفَصَلَ. وَالْأَوْلَى فِي غَسْلِ الثَّوْبِ النَّجِسِ وَضْعُهُ فِي الْإِجَّانَةِ مِنْ غَيْرِ مَاءٍ ثُمَّ صَبُّ الْمَاءِ عَلَيْهِ لَا وَضْعُ الْمَاءِ أَوَّلًا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ. اهـ. وَلَا فَرْقَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بَيْنَ الثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ وَالْعُضْوِ. اهـ. ط (قَوْلُهُ: قَذَرٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَذِرَةُ وَالرَّوْثُ كَمَا عَبَّرَ فِي الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَا نُقِلَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ نَجِسًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعِلَّةَ الضَّرُورَةُ، وَصَرِيحُ الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ انْقِلَابُ الْعَيْنِ كَمَا يَأْتِي، لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّ الْعِلَّةَ هَذِهِ وَأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِلْبَلْوَى، فَمُفَادُهُ أَنَّ عُمُومَ الْبَلْوَى عِلَّةُ اخْتِيَارِ الْقَوْلِ بِالطَّهَارَةِ الْمُعَلَّلَةِ بِانْقِلَابِ الْعَيْنِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: كَانَ حِمَارًا أَوْ خِنْزِيرًا) أَفَادَ أَنَّ الْحِمَارَ مِثَالٌ لَا قَيْدٌ احْتِرَازِيٌّ. وَأَشَارَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 حَمْأَةً لِانْقِلَابِ الْعَيْنِ بِهِ يُفْتَى . (وَغَسْلُ طَرَفِ ثَوْبٍ) أَوْ بَدَنٍ (أَصَابَتْ نَجَاسَةٌ مَحَلًّا مِنْهُ وَنُسِيَ) الْمَحَلُّ (مُطَهِّرٌ لَهُ وَإِنْ) وَقَعَ الْغَسْلُ (بِغَيْرِ تَحَرٍّ) وَهُوَ الْمُخْتَارُ. ثُمَّ لَوْ ظَهَرَ وَأَنَّهَا فِي طَرَفٍ آخَرَ هَلْ يُعِيدُ؟ فِي الْخُلَاصَةِ نَعَمْ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ إلَّا الصَّلَاةَ الَّتِي هُوَ   [رد المحتار] بِإِطْلَاقِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ وُقُوعُهُ وَهُوَ حَيٌّ، فَإِنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَمْلَحَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: حَمْأَةً) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِهَاءِ التَّأْنِيثِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الطِّينُ الْأَسْوَدُ الْمُنْتِنُ ح. (قَوْلُهُ: لِانْقِلَابِ الْعَيْنِ) عِلَّةٌ لِلْكُلِّ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَذَكَرَ مَعَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ أَبَا حَنِيفَةَ حِلْيَةٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ اخْتَارُوهُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ رَتَّبَ وَصْفَ النَّجَاسَةِ عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ وَتَنْتَفِي الْحَقِيقَةُ بِانْتِفَاءِ بَعْضِ أَجْزَاءِ مَفْهُومِهَا فَكَيْفَ بِالْكُلِّ؟ فَإِنَّ الْمِلْحَ غَيْرُ الْعَظْمِ وَاللَّحْمِ، فَإِذَا صَارَ مِلْحًا تَرَتَّبَ حُكْمُ الْمِلْحِ. وَنَظِيرُهُ فِي الشَّرْعِ النُّطْفَةُ نَجِسَةٌ وَتَصِيرُ عَلَقَةً وَهِيَ نَجِسَةٌ وَتَصِيرُ مُضْغَةً فَتَطْهُرُ، وَالْعَصِيرُ طَاهِرٌ فَيَصِيرُ خَمْرًا فَيَنْجُسُ وَيَصِيرُ خَلًّا فَيَطْهُرُ، فَعَرَفْنَا أَنَّ اسْتِحَالَةَ الْعَيْنِ تَسْتَتْبِعُ زَوَالَ الْوَصْفِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهَا. اهـ. [تَنْبِيهٌ] يَجُوزُ أَكْلُ ذَلِكَ الْمِلْحِ وَالصَّلَاةُ عَلَى ذَلِكَ الرَّمَادِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهَا، وَمَا فِيهَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ الرَّمَادُ فِي الْمَاءِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْجُسُ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحَانِ. [تَنْبِيهٌ آخَرُ] مُقْتَضَى مَا مَرَّ ثُبُوتُ انْقِلَابِ الشَّيْءِ عَنْ حَقِيقَتِهِ كَالنُّحَاسِ إلَى الذَّهَبِ، وَقِيلَ: إنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ؛ لِأَنَّ قَلْبَ الْحَقَائِقِ مُحَالٌ وَالْقُدْرَةُ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُحَالِ، وَالْحَقُّ الْأَوَّلُ بِمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ بَدَلَ النُّحَاسِ ذَهَبًا عَلَى مَا هُوَ رَأْيُ الْمُحَقِّقِينَ، أَوْ بِأَنْ يَسْلُبَ عَنْ أَجْزَاءِ النُّحَاسِ الْوَصْفَ الَّذِي بِهِ صَارَ نُحَاسًا، وَيَخْلُقَ فِيهِ الْوَصْفَ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ ذَهَبًا عَلَى مَا هُوَ رَأْيُ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ تَجَانُسِ الْجَوَاهِرِ وَاسْتِوَائِهَا فِي قَبُولِ الصِّفَاتِ، وَالْمُحَالُ إنَّمَا هُوَ انْقِلَابُهُ ذَهَبًا مَعَ كَوْنِهِ نُحَاسًا لِامْتِنَاعِ كَوْنِ الشَّيْءِ فِي الزَّمَنِ الْوَاحِدِ نُحَاسًا وَذَهَبًا، وَيَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الِاعْتِبَارَيْنِ كَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} [طه: 20] وَإِلَّا لَبَطَلَ الْإِعْجَازُ. وَيَبْتَنِي عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ عِلْمَ الْكِيمْيَاءِ الْمُوصِلَ إلَى ذَلِكَ الْقَلْبِ يَجُوزُ لِمَنْ عَلِمَهُ عِلْمًا يَقِينِيًّا أَنْ يُعَلِّمَهُ وَيَعْمَلَ بِهِ. أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَلَا؛ لِأَنَّهُ غِشٌّ، وَتَمَامُهُ فِي تُحْفَةِ ابْنِ حَجَرٍ وَقَدَّمْنَا فِي صَدْرِ الْكِتَابِ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَنُسِيَ الْمَحَلُّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، ثُمَّ إنَّ النِّسْيَانَ يَقْتَضِي سَبْقَ الْعِلْمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ وَأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ أَصَابَ الثَّوْبَ نَجَاسَةٌ وَجَهِلَ مَحَلَّهَا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلِذَا عَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ " وَاشْتَبَهَ مَحَلُّهَا " تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: هُوَ الْمُخْتَارُ) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْفَيْضِ وَجَزَمَ بِهِ فِي النُّقَايَةِ وَالْوِقَايَةِ وَالدُّرَرِ وَالْمُلْتَقَى، وَمُقَابِلُهُ الْقَوْلُ بِالتَّحَرِّي وَالْقَوْلُ بِغَسْلِ الْكُلِّ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمُنْيَةِ الْمُفْتِي وَاخْتَارَهُ فِي الْبَدَائِعِ احْتِيَاطًا قَالَ: لِأَنَّ مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَلَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَهُ نُوحٌ أَفَنْدِي عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ مَا قَالُوهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. اهـ. وَعَلَّلُوا الْقَوْلَ الْمُخْتَارَ بِوُقُوعِ الشَّكِّ بَعْدَ الْغَسْلِ فِي بَقَاءِ النَّجَاسَةِ وَقَاسُوهُ عَلَى مَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ " إذَا فَتَحْنَا حِصْنًا وَفِيهِمْ ذِمِّيٌّ لَا يُعْرَفُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ لِقِيَامِ الْمَانِعِ بِيَقِينٍ، فَلَوْ قُتِلَ الْبَعْضُ أَوْ أُخْرِجَ حَلَّ قَتْلُ الْبَاقِي لِلشَّكِّ فِي قِيَامِ الْمُحَرِّمِ. فَكَذَا هُنَا. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الشَّكَّ الطَّارِئَ لَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْيَقِينِ السَّابِقِ وَأَطَالَ فِي تَحْقِيقِهِ. وَأَجَابَ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَأَطَالَ فِي تَحْقِيقِهِ أَيْضًا وَيَأْتِي مُلَخَّصُهُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) هَذَا سَهْوٌ مِنْ الشَّارِحِ تَبِعَ فِيهِ النَّهْرَ، وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ هَكَذَا: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا رَأَى عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةً وَلَا يَدْرِي مَتَى أَصَابَتْهُ، فَفِيهِ تَقَاسِيمُ وَاخْتِلَافَاتٌ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 فِيهَا (كَمَا لَوْ بَالَ حُمُرٌ) خَصَّهَا لِتَغْلِيظِ بَوْلِهَا اتِّفَاقًا (عَلَى) نَحْوِ (حِنْطَةٍ تَدُوسُهَا فَقُسِمَ أَوْ غُسِلَ بَعْضُهُ) أَوْ ذَهَبَ بِهِبَةٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ بَيْعٍ كَمَا مَرَّ (حَيْثُ يَطْهُرُ الْبَاقِي) وَكَذَا الذَّاهِبُ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِ النَّجَسِ فِي كُلِّ طَرَفٍ كَمَسْأَلَةِ الثَّوْبِ (وَكَذَا يَطْهُرُ مَحَلُّ نَجَاسَةٍ) أَمَّا عَيْنُهَا فَلَا تَقْبَلُ الطَّهَارَةَ (مَرْئِيَّةٍ) بَعْدَ جَفَافٍ كَدَمٍ (بِقَلْعِهَا) أَيْ: بِزَوَالِ عَيْنِهَا وَأَثَرِهَا وَلَوْ بِمَرَّةٍ أَوْ بِمَا فَوْقَ ثَلَاثٍ فِي الْأَصَحِّ،   [رد المحتار] وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ إلَّا الصَّلَاةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: حُمُرٌ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ حِمَارٍ. (قَوْلُهُ: خَصَّهَا إلَخْ) أَيْ: فَيُعْلَمُ الْحُكْمُ فِي غَيْرِهَا بِالدَّلَالَةِ ابْنُ كَمَالٍ. (قَوْلُهُ: فَقُسِمَ إلَخْ) الظَّاهِرُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ الذَّاهِبُ مِنْهُ قَدْرَ مَا تَنَجَّسَ مِنْهُ إنْ عُلِمَ قَدْرُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ: فِي الْأَبْيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ حَيْثُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ تَصَرُّفُهُ فِي الْبَعْضِ وَهُوَ مُطْلَقٌ ط. (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ إلَخْ) أَيْ: إنَّهُ يُحْتَمَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْقِسْمَيْنِ أَعْنِي الْبَاقِيَ وَالذَّاهِبَ أَوْ الْمَغْسُولَ أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ فِيهِ فَلَمْ يُحْكَمْ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ بِبَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الطَّهَارَةَ كَانَتْ ثَابِتَةً يَقِينًا لِمَحَلٍّ مَعْلُومٍ وَهُوَ جَمِيعُ الثَّوْبِ مَثَلًا ثُمَّ ثَبَتَ ضِدُّهَا وَهُوَ النَّجَاسَةُ يَقِينًا لِمَحَلٍّ مَجْهُولٍ، فَإِذَا غُسِلَ بَعْضُهُ وَقَعَ الشَّكُّ فِي بَقَاءِ ذَلِكَ الْمَجْهُولِ وَعَدَمِهِ لِتَسَاوِي احْتِمَالَيْ الْبَقَاءِ وَعَدَمِهِ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِمَا كَانَ ثَابِتًا يَقِينًا لِلْمَحَلِّ الْمَعْلُومِ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ فِي مَحَلٍّ مَعْلُومٍ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، بِخِلَافِ الْيَقِينِ لِمَحَلٍّ مَجْهُولٍ. وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ. (قَوْلُهُ: أَمَّا عَيْنُهَا) أَشَارَ بِهِ إلَى فَائِدَةِ قَوْلِهِ " مَحَلُّ " حَيْثُ زَادَهُ عَلَى عِبَارَةِ الْكَنْزِ. وَلَا يَرُدُّ طَهَارَةُ الْخَمْرِ بِانْقِلَابِهَا خَلًّا وَالدَّمِ بِصَيْرُورَتِهِ مِسْكًا؛ لِأَنَّ عَيْنَ الشَّيْءِ حَقِيقَتُهُ وَحَقِيقَةُ الْخَمْرِ وَالدَّمِ ذَهَبَتْ وَخَلَفَتْهَا أُخْرَى، وَإِنَّمَا يُرَدُّ ذَلِكَ لَوْ قُلْنَا بِبَقَاءِ حَقِيقَةِ الْخَمْرِ وَالدَّمِ مَعَ الْحُكْمِ بِطَهَارَتِهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ جَفَافٍ) ظَرْفٌ لِمَرْئِيَّةٍ لِيَطْهُرَ ح، وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ النَّجَاسَاتِ تُرَى قَبْلَهُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَا لَهُ جِرْمٌ هُوَ مَا يُرَى بَعْدَ الْجَفَافِ فَهُوَ مُسَاوٍ لِلْمَرْئِيَّةِ، وَقَدْ عَدَّ مِنْهُ فِي الْهِدَايَةِ الدَّمَ، وَعَدَّهُ قَاضِي خَانْ مِمَّا لَا جِرْمَ لَهُ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْحِلْيَةِ التَّوْفِيقَ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا كَانَ غَلِيظًا وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا كَانَ رَقِيقًا. وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: الْمَرْئِيَّةُ مَا يَكُونُ مَرْئِيًّا بَعْدَ الْجَفَافِ كَالْعَذِرَةِ وَالدَّمِ، وَغَيْرُ الْمَرْئِيَّةِ مَا لَا يَكُونُ مَرْئِيًّا بَعْدَ الْجَفَافِ كَالْبَوْلِ وَنَحْوِهِ اهـ. وَفِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى وَغَيْرِهَا: الْمَرْئِيَّةُ مَا لَهَا جِرْمٌ، وَغَيْرُهَا مَا لَا جِرْمَ لَهَا كَانَ لَهَا لَوْنٌ أَمْ لَا. اهـ. وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ غَايَةِ الْبَيَانِ بِالْمَرْئِيِّ مَا يَكُونُ ذَاتُهُ مُشَاهَدَةً بِحِسِّ الْبَصَرِ، وَبِغَيْرِهِ مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، فَلَا يُخَالِفُ كَلَامَ غَيْرِهِ، وَيُرْشِدُ إلَيْهِ أَنَّ بَعْضَ الْأَبْوَالِ قَدْ يُرَى لَهُ لَوْنٌ بَعْدَ الْجَفَافِ أَفَادَهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَيُوَافِقُهُ التَّوْفِيقُ الْمَارُّ، لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الدَّمَ الرَّقِيقَ وَالْبَوْلَ الَّذِي يُرَى لَوْنُهُ مِنْ النَّجَاسَةِ الْغَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ وَأَنَّهُ يُكْتَفَى فِيهَا بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا بِلَا اشْتِرَاطِ زَوَالِ الْأَثَرِ مَعَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ غَيْرَ الْمَرْئِيَّةِ مَا لَا يُرَى لَهُ أَثَرٌ أَصْلًا لِاكْتِفَائِهِمْ فِيهَا بِمُجَرَّدِ الْغَسْلِ، بِخِلَافِ الْمَرْئِيَّةِ الْمَشْرُوطِ فِيهَا زَوَالُ الْأَثَرِ، فَالْمُنَاسِبُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَنَّ مُرَادَهُ بِالْبَوْلِ مَا لَا لَوْنَ لَهُ وَإِلَّا كَانَ مِنْ الْمَرْئِيَّةِ. . (قَوْلُهُ: بِقَلْعِهَا) فِيهِ إيمَاءٌ إلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعَصْرِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ ذَكَرَ بَعْدَ الْإِطْلَاقِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْعَصْرِ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَعَلَيْهِ فَمَا يَبْقَى فِي الْيَدِ مِنْ الْبَلَّةِ بَعْدَ زَوَالِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ طَاهِرٌ تَبَعًا لِطَهَارَةِ الْيَدِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ، وَلَهُ نَظَائِرُ كَعُرْوَةِ الْإِبْرِيقِ تَطْهُرُ بِطَهَارَةِ الْيَدَيْنِ، وَعَلَى هَذَا إذَا أَصَابَ خُفَّيْهِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ مِنْ الْمَاءِ الْمُتَنَجِّسِ فَإِنَّهُمَا يَطْهُرَانِ بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ تَبَعًا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بِهِمَا خَرْقٌ. اهـ. أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَيْخِهِ. (قَوْلُهُ: وَأَثَرِهَا) يَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِمَرَّةٍ) يَعْنِي إنْ زَالَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ تَطْهُرُ، سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الْغَسْلَةُ الْوَاحِدَةُ فِي مَاءٍ جَارٍ أَوْ رَاكِدٍ كَثِيرٍ أَوْ بِالصَّبِّ أَوْ فِي إجَّانَةٍ، أَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْإِجَّانَةُ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهَا فِي الدُّرَرِ حَيْثُ قَالَ: غَسَلَ الْمَرْئِيَّةَ عَنْ الثَّوْبِ فِي إجَّانَةٍ حَتَّى زَالَتْ طَهُرَ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: أَوْ بِمَا فَوْقَ ثَلَاثٍ) أَيْ: إنْ لَمْ تَزُلْ الْعَيْنُ وَالْأَثَرُ بِالثَّلَاثِ يَزِيدُ عَلَيْهَا إلَى أَنْ تَزُولَ مَا لَمْ يَشُقَّ زَوَالُ الْأَثَرِ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَلَوْ بِمَرَّةٍ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 وَلَمْ يَقُلْ بِغَسْلِهَا لِيَعُمَّ نَحْوَ دَلْكٍ وَفَرْكٍ. (وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ أَثَرٍ) كَلَوْنٍ وَرِيحٍ (لَازِمٍ) فَلَا يُكَلَّفُ فِي إزَالَتِهِ إلَى مَاءٍ حَارٍّ أَوْ صَابُونٍ وَنَحْوِهِ، بَلْ يَطْهُرُ مَا صُبِغَ أَوْ خُضِّبَ بِنَجِسٍ بِغَسْلِهِ ثَلَاثًا وَالْأَوْلَى غَسْلُهُ   [رد المحتار] وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَقِيلَ: يَغْسِلُ بَعْدَ زَوَالِهَا مَرَّةً، وَقِيلَ: مَرَّتَيْنِ، وَقِيلَ: ثَلَاثًا كَمَا فِي الْكَافِي. اهـ. (قَوْلُهُ: لِيَعُمَّ نَحْوَ دَلْكٍ وَفَرْكٍ) أَيْ: دَلْكِ خُفٍّ وَفَرْكِ مَنِيٍّ، وَأَرَادَ بِنَحْوِهِ نَظَائِرَ ذَلِكَ مِمَّا يُزِيلُ الْعَيْنَ مِنْ الْمُطَهِّرَاتِ بِدُونِ غَسْلٍ كَدَبْغِ جِلْدٍ، وَيُبْسِ أَرْضٍ، وَمَسْحِ سَيْفٍ؛ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ جَفَّتْ عَلَى الْبَدَنِ أَوْ الثَّوْبِ وَذَهَبَ أَثَرُهَا فَقَدْ زَالَتْ عَيْنُهَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَطْهُرُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ أَشَارَ إلَى اشْتِرَاطِ الْمُطَهِّرِ بِقَوْلِهِ يَطْهُرُ، فَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُطَهِّرٍ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ: كَلَوْنٍ وَرِيحٍ) الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَثَرِ هُوَ مَا ذُكِرَ فَقَطْ كَمَا فَسَّرَهُ فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا الطَّعْمُ فَلَا بُدَّ مِنْ زَوَالِهِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ، وَاقْتَصَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَلَى تَفْسِيرِ الْأَثَرِ بِالرِّيحِ فَقَطْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ الرَّائِحَةِ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَشُقَّ زَوَالُهَا. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ ظَاهِرُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. أَقُولُ: وَهُوَ صَرِيحُ مَا نَقَلَهُ نُوحٌ أَفَنْدِي عَنْ الْمُحِيطِ حَيْثُ قَالَ لَوْ غُسِلَ الثَّوْبُ عَنْ الْخَمْرِ ثَلَاثًا وَرَائِحَتُهَا بَاقِيَةٌ طَهُرَ وَقِيلَ لَا مَا لَمْ تَزُلْ الرَّائِحَةُ. (قَوْلُهُ: لَازِمٍ) أَيْ: ثَابِتٍ وَهُوَ نَعْتٌ لِأَثَرٍ. (قَوْلُهُ: حَارٍّ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ: مُسَخَّنٍ. (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ) أَيْ: كَحُرْضٍ وَأُشْنَانٍ. (قَوْلُهُ: بَلْ يَطْهُرُ إلَخْ) إضْرَابٌ انْتِقَالِيٌّ ط. (قَوْلُهُ: بِنَجِسٍ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ: مُتَنَجِّسٍ إذْ لَوْ كَانَ بِعَيْنِ النَّجَاسَةِ كَالدَّمِ وَجَبَ زَوَالُ عَيْنِهِ وَطَعْمِهِ وَرِيحِهِ وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَيْتَةِ أَفَادَهُ ح. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الصَّبْغِ وَالِاخْتِضَابِ بِالصِّبْغِ أَوْ الْحِنَّاءِ النَّجِسَيْنِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى غَسْلُهُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمُنْيَةِ أَنَّهُ لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الدُّهْنِ النَّجِسِ أَوْ اخْتَضَبَتْ الْمَرْأَةُ بِالْحِنَّاءِ النَّجِسِ أَوْ صُبِغَ الثَّوْبُ بِالصِّبْغِ النَّجِسِ ثُمَّ غُسِلَ كُلٌّ ثَلَاثًا طَهُرَ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَطْهُرُ إنْ غُسِلَ الثَّوْبُ حَتَّى يَصْفُوَ الْمَاءُ وَيَسِيلَ أَبْيَضَ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا وَقَعَتْ النَّجَاسَةُ فِي صِبْغٍ فَإِنَّهُ يُصْبَغُ بِهِ الثَّوْبُ ثُمَّ يُغْسَلُ ثَلَاثًا فَيَطْهُرُ كَالْمَرْأَةِ إذَا اخْتَضَبَتْ بِحِنَّاءٍ نَجِسٍ. اهـ. وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْحِنَّاءِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مُطْلَقَةً أَيْضًا، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَطْهُرَ مَا دَامَ يَخْرُجُ الْمَاءُ مُلَوَّنًا بِلَوْنِ الْحِنَّاءِ، فَعُلِمَ أَنَّ اشْتِرَاطَ صَفْوِ الْمَاءِ إمَّا قَوْلٌ ثَانٍ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ الْمُحِيطِ، أَوْ هُوَ تَقْيِيدٌ لِإِطْلَاقِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَبَيَانٌ لَهُ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُ الْخَانِيَّةِ وَيَنْبَغِي، وَعَلَى كُلٍّ فَكَلَامُ الْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ يُشْعِرُ بِاخْتِيَارِ ذَلِكَ الشَّرْطِ، وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِهِ فِي الْفَتْحِ. هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ كَلَامًا حَسَنًا سَبَقَهُ إلَيْهِ صَاحِبُ الْحِلْيَةِ، وَهُوَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الِاخْتِضَابِ أَوْ الصَّبْغِ بِالْحِنَّاءِ أَوْ الصِّبْغِ النَّجِسَيْنِ وَغَمْسِ الْيَدِ فِي الدُّهْنِ النَّجِسِ مَبْنِيَّةٌ فِي الْأَصْلِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ إمَّا عَلَى أَنَّ الْأَثَرَ الَّذِي يَشُقُّ زَوَالُهُ لَا يَضُرُّ بَقَاؤُهُ، وَإِمَّا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ أَنَّ الدُّهْنَ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا بِأَنْ يُجْعَلَ فِي إنَاءٍ فَيُصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ ثُمَّ يُرْفَعَ وَيُرَاقَ الْمَاءُ، وَهَكَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ؛ فَمَنْ بَنَى ذَلِكَ عَلَى الْأَوَّلِ اشْتَرَطَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَفْوَ الْمَاءِ لِيَكُونَ اللَّوْنُ الْبَاقِي أَثَرًا شَقَّ زَوَالُهُ فَيُعْفَى عَنْهُ وَإِنْ كَانَ رُبَّمَا نُفِضَ عَلَى ثَوْبٍ آخَرَ أَوْ ظَهَرَ فِي الْمَاءِ عِنْدَ غَسْلِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ. وَالْقَوْلُ بِاشْتِرَاطِ غَسْلِهِ ثَلَاثًا بَعْدَ صَفْوِ الْمَاءِ ضَعِيفٌ، وَمَنْ بَنَى عَلَى الثَّانِي اكْتَفَى بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الْحِنَّاءَ وَالصِّبْغَ وَالدُّهْنَ الْمُتَنَجِّسَاتِ تَصِيرُ طَاهِرَةً بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا فَلَا يُشْتَرَطُ بَعْدَ ذَلِكَ خُرُوجُ الْمَاءِ صَافِيًا. اهـ. وَقَدْ أَطَالَ فِي الْحِلْيَةِ فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ ثُمَّ جَنَحَ إلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْأَوَّلِ وَقَالَ: إنَّهُ الْأَشْبَهُ فَلْيَكُنْ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الْفَتْوَى اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَرْجِيحٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْفَتْحِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 إلَى أَنْ يَصْفُوَ الْمَاءُ وَلَا يَضُرُّ أَثَرُ دُهْنٍ إلَّا دُهْنَ وَدَكِ مَيْتَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَا يُدْبَغَ بِهِ جِلْدٌ   [رد المحتار] فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ الْجَزْمُ بِهِ إذْ لَمْ نَرَ مَنْ رَجَّحَ خِلَافَهُ فَافْهَمْ، ثُمَّ قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ: وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَصْبُوغِ بِالدَّمِ كَالثِّيَابِ الْحُمْرِ الَّتِي تُجْلَبُ فِي زَمَانِنَا مِنْ دِيَارِ بَكْرٍ، فَلَا تَطْهُرُ أَبَدًا مَا لَمْ يَخْرُجْ الْمَاءُ صَافِيًا وَيُعْفَى عَنْ اللَّوْنِ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الْمَصْبُوغُ بِالدُّودَةِ فَإِنَّهَا مَيْتَةٌ يَتَجَمَّدُ فِيهَا الدَّمُ النَّجِسُ مَا لَمْ تَكُنْ مِنْ دُودٍ يَتَوَلَّدُ فِي الْمَاءِ فَتَكُونُ طَاهِرَةً، لَكِنَّ بَيْعَهَا بَاطِلٌ، وَلَا يَضْمَنُ مُتْلِفُهَا، وَلَا يُمْلَكُ ثَمَنُهَا بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمَيْتَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الدُّودَةَ إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَائِيَّةِ الْمَوْلِدِ وَكَانَ لَهَا دَمٌ سَائِلٌ فَهِيَ نَجِسَةٌ وَإِلَّا فَطَاهِرَةٌ فَلَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا قَبْلَ الْعِلْمِ بِحَقِيقَتِهَا. وَأَمَّا حُكْمُ بَيْعِهَا فَيَنْبَغِي جَوَازُهُ كَمَا أَجَازُوا بَيْعَ السِّرْقِينِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ وَكَذَا بَيْعُ دُودِ الْقَزِّ وَبَيْضِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ يُضَنُّ بِهِ وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ. وَكَذَا بَيْعُ النَّحْلِ وَالْعَلَقِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْهَوَامِّ، وَهَذِهِ الدُّودَةُ عِنْدَ أَهْلِ زَمَانِنَا مِنْ أَعَزِّ الْأَمْوَالِ وَأَنْفَسِهَا وَالضِّنَّةُ بِهَا أَكْثَرُ مِنْ دُودِ الْقَزِّ. وَقَدْ سَمِعْت أَنَّ الدُّودَةَ نَوْعَانِ نَوْعٌ مِنْهَا حَيَوَانِيٌّ يُخْنَقُ بِالْخَلِّ أَوْ الْخَمْرِ، وَنَوْعٌ مِنْهَا نَبَاتِيٌّ وَالْأَجْوَدُ فِي الصَّبْغِ الْأَوَّلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْوَشْمِ [تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ] يُسْتَفَادُ مِمَّا مَرَّ حُكْمُ الْوَشْمِ فِي نَحْوِ الْيَدِ، وَهُوَ أَنَّهُ كَالِاخْتِضَابِ أَوْ الصَّبْغِ بِالْمُتَنَجِّسِ؛ لِأَنَّهُ إذَا غُرِزَتْ الْيَدُ أَوْ الشَّفَةُ مَثَلًا بِإِبْرَةٍ ثُمَّ حُشِيَ مَحَلُّهَا بِكُحْلٍ أَوْ نِيلَةٍ لِيَخْضَرَّ تَنَجَّسَ الْكُحْلُ بِالدَّمِ، فَإِذَا جَمَدَ الدَّمُ وَالْتَأَمَ الْجُرْحُ بَقِيَ مَحَلُّهُ أَخْضَرَ، فَإِذَا غُسِلَ طَهُرَ؛ لِأَنَّهُ أَثَرٌ يَشُقُّ زَوَالُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ إلَّا بِسَلْخِ الْجِلْدِ أَوْ جَرْحِهِ، فَإِذَا كَانَ لَا يُكَلَّفُ بِإِزَالَةِ الْأَثَرِ الَّذِي يَزُولُ بِمَاءٍ حَارٍّ أَوْ صَابُونٍ فَعَدَمُ التَّكْلِيفِ هُنَا أَوْلَى، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْقُنْيَةِ فَقَالَ: وَلَوْ اتَّخَذَ فِي يَدِهِ وَشْمًا لَا يَلْزَمُهُ السَّلْخُ اهـ. لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ أَعَادَ سِنَّهُ ثَانِيًا وَنَبَتَ وَقَوِيَ، فَإِنْ أَمْكَنَ قَلْعُهُ بِلَا ضَرَرٍ قَلَعَهُ وَإِلَّا فَلَا وَتَنَجَّسَ فَمُهُ، وَلَا يَؤُمُّ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ اهـ. أَيْ: بِنَاءً عَلَى نَجَاسَةِ السِّنِّ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ: وَمِنْهُ يُعْلَمُ حُكْمُ الْوَشْمَةِ، وَلَا رَيْبَ فِي عَدَمِ جَوَازِ كَوْنِهِ إمَامًا بِجَامِعِ النَّجَاسَةِ. ثُمَّ نُقِلَ عَنْ شَرْحِ الْمَشَارِقِ لِلْعَلَّامَةِ الْأَكْمَلِ أَنَّهُ قِيلَ: يَصِيرُ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ نَجِسًا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إزَالَتُهُ إلَّا بِالْجَرْحِ فَإِنْ خِيفَ مِنْهُ الْهَلَاكُ أَوْ فَوَاتُ عُضْوٍ لَمْ تَجِبْ وَإِلَّا وَجَبَتْ، وَبِتَأْخِيرِهِ يَأْثَمُ، وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِيهِ سَوَاءٌ اهـ. أَقُولُ: وَعَلَيْهِ لَوْ أَصَابَ مَاءً قَلِيلًا أَوْ مَائِعًا نَجَّسَهُ، لَكِنَّ تَعْبِيرَ الْأَكْمَلِ بِقِيلَ يُفِيدُ عَدَمَ اعْتِمَادِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْهُمْ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَشْمَةِ وَبَيْنَ السِّنِّ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ السِّنَّ عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَالْوَشْمَةَ أَثَرٌ، فَإِنْ اُدُّعِيَ أَنَّ بَقَاءَ اللَّوْنِ دَلِيلٌ عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ رُدَّ بِأَنَّ الصَّبْغَ وَالِاخْتِضَابَ كَذَلِكَ فَيَلْزَمُ عَدَمُ طَهَارَتِهِ، وَإِنْ فُرِّقَ بِأَنَّ الْوَشْمَةَ امْتَزَجَتْ بِاللَّحْمِ وَالْتَأَمَتْ مَعَهُ بِخِلَافِ الصَّبْغِ نَقُولُ: إنَّ مَا تَدَاخَلَ فِي اللَّحْمِ لَا يُؤْمَرُ بِغَسْلِهِ كَمَا لَوْ تَشَرَّبَتْ النَّجَاسَةُ فِي يَدِهِ مَثَلًا، وَمَا عَلَى سَطْحِ الْجِلْدِ مِثْلُ الْحِنَّاءِ وَالصَّبْغِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ نَجِسٍ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ «وَلَمَّا جُرِحَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أُحُدٍ جَاءَتْ فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَأَحْرَقَتْ حَصِيرًا وَكَمَّدَتْ بِهِ حَتَّى الْتَصَقَ بِالْجُرْحِ فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ» . وَفِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ مِنْ خِزَانَةِ الْفَتَاوَى: كُسِرَ عَظْمُهُ فَوُصِّلَ بِعَظْمِ الْكَلْبِ وَلَا يُنْزَعُ إلَّا بِضَرَرٍ جَازَتْ الصَّلَاةُ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ فِي يَدِهِ تَصَاوِيرُ وَيَؤُمُّ النَّاسَ لَا تُكْرَهُ إمَامَتُهُ اهـ. وَفِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ سُئِلَ فِي رَجُلٍ عَلَى يَدِهِ وَشْمٌ هَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَإِمَامَتُهُ مَعَهُ أَمْ لَا؟ أَجَابَ نَعَمْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَإِمَامَتُهُ بِلَا شُبْهَةٍ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا دُهْنَ وَدَكِ مَيْتَةٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إلَّا وَدَكَ دُهْنِ مَيْتَةٍ؛ لِأَنَّ الْوَدَكَ الدَّسَمُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يُدْبَغَ بِهِ جِلْدٌ) أَيْ: لَا يَحِلُّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَوْ دُبِغَ ثُمَّ غُسِلَ طَهُرَ. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: الْكِيمَخْتُ الْمَدْبُوغُ بِدُهْنِ الْخِنْزِيرِ إذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 بَلْ يُسْتَصْبَحُ بِهِ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ -. (وَ) يَطْهُرُ مَحَلُّ (غَيْرِهَا) أَيْ: غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ (بِغَلَبَةِ ظَنِّ غَاسِلٍ) لَوْ مُكَلَّفًا وَإِلَّا فَمُسْتَعْمَلٌ (طَهَارَةَ مَحَلِّهَا) بِلَا عَدَدٍ بِهِ يُفْتَى. (وَقُدِّرَ) ذَلِكَ لِمُوَسْوِسٍ (بِغَسْلٍ وَعَصْرٍ ثَلَاثًا) أَوْ سَبْعًا (فِيمَا يَنْعَصِرُ) مُبَالِغًا بِحَيْثُ لَا يَقْطُرُ، وَلَوْ كَانَ لَوْ عَصَرَهُ   [رد المحتار] غُسِلَ يَطْهُرُ، وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ الْأَثَرِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَإِذَا دُبِغَ الْجِلْدُ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ يُغْسَلُ بِالْمَاءِ وَيَطْهُرُ وَالتَّشَرُّبُ عَفْوٌ اهـ. (قَوْلُهُ: بَلْ يُسْتَصْبَحَ بِهِ إلَخْ) ظَاهِرُ مَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هَذَا فِي الدُّهْنِ الْمُتَنَجِّسِ فَقَطْ يُؤَيِّدُهُ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفَتْحِ يَقُولُ وَهُوَ بِمَكَّةَ: إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؛ قَالَ: لَا، هُوَ حَرَامٌ» الْحَدِيثَ " (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَمُسْتَعْمَلٌ) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْغَاسِلُ مُكَلَّفًا، بِأَنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا يُعْتَبَرُ ظَنُّ الْمُسْتَعْمِلِ لِلثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: طَهَارَةَ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ ظَنَّ. (قَوْلُهُ: بِلَا عَدَدٍ بِهِ يُفْتَى) كَذَا فِي الْمُنْيَةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُهُمَا بِمَرَّةٍ أَجْزَأَهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالثَّلَاثِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَفِي السِّرَاجِ اعْتِبَارُ غَلَبَةِ الظَّنِّ مُخْتَارُ الْعِرَاقِيِّينَ، وَالتَّقْدِيرُ بِالثَّلَاثِ مُخْتَارُ الْبُخَارِيِّينَ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُوَسْوِسًا وَإِنْ كَانَ مُوَسْوِسًا فَالثَّانِي اهـ بَحْرٌ. قَالَ فِي النَّهْرِ وَهُوَ تَوْفِيقٌ حَسَنٌ اهـ وَعَلَيْهِ جَرَى صَاحِبُ الْمُخْتَارِ، فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ غَلَبَةَ الظَّنِّ إلَّا فِي الْمُوَسْوِسِ، وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْحِلْيَةِ وَقَالَ: وَقَدْ مَشَى الْجَمُّ الْغَفِيرُ عَلَيْهِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ. أَقُولُ: وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَحَقُّقِ الْخِلَافِ، وَهُوَ أَنَّ الْقَوْلَ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ غَيْرُ الْقَوْلِ بِالثَّلَاثِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَهُوَ الْحَقُّ، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِكَلَامِ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَالْمُحِيطِ. أَقُولُ: وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْكَافِي مِمَّا يَقْتَضِي أَنَّهُمَا قَوْلٌ وَاحِدٌ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فَقَالَ: فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمَذْهَبَ اعْتِبَارُ غَلَبَةِ الظَّنِّ وَأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِالثَّلَاثِ لِحُصُولِهَا بِهِ فِي الْغَالِبِ وَقَطْعًا لِلْوَسْوَسَةِ وَأَنَّهُ مِنْ إقَامَةِ السَّبَبِ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ الَّذِي فِي الِاطِّلَاعِ عَلَى حَقِيقَتِهِ عُسْرٌ كَالسَّفَرِ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ اهـ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْإِمْدَادِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ حَيْثُ صَرَّحُوا بِالثَّلَاثِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. (قَوْلُهُ: لِمُوَسْوِسٍ) قَدَّرَهُ اخْتِيَارًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى تَحَقُّقِ الْخِلَافِ، وَإِلَّا فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ كَعِبَارَةِ الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا ظَاهِرٌ فِي خِلَافِهِ وَالْمُوَسْوِسُ بِكَسْرِ الْوَاوِ؛ لِأَنَّهُ مُحَدِّثٌ بِمَا فِي ضَمِيرِهِ، وَلَا يُقَالُ بِالْفَتْحِ وَلَكِنْ مُوَسْوَسٌ لَهُ أَوْ إلَيْهِ أَيْ: يُلْقَى إلَيْهِ الْوَسْوَسَةُ، وَهِيَ حَدِيثُ النَّفْسِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ. (قَوْلُهُ: ثَلَاثًا) قَيْدٌ لِلْغَسْلِ وَالْعَصْرِ مَعًا عَلَى سَبِيلِ التَّنَازُعِ أَوْ لِلْعَصْرِ فَقَطْ. وَيُفْهَمُ مِنْهُ تَثْلِيثُ الْغَسْلِ، فَإِنَّهُ إذَا عُصِرَ مَرَّةً بِحَيْثُ لَا يَبْقَى التَّقَاطُرُ لَا يُعْصَرُ مَرَّةً أُخْرَى إلَّا بَعْدَ أَنْ يُغْسَلَ. اهـ. نُوحٌ. ثُمَّ اشْتِرَاطُ الْعَصْرِ ثَلَاثًا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ يُكْتَفَى بِهِ فِي الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ سَبْعًا) ذَكَرَهُ فِي الْمُلْتَقَى وَالِاخْتِيَارِ، وَهَذَا عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَيُنْدَبُ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُنَّ بِتُرَابٍ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِهِ وَخِلَافِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا لَوْ النَّجَاسَةُ كَلْبِيَّةً. (قَوْلُهُ: فِيمَا يَنْعَصِرُ) أَيْ: تَقْيِيدُ الطَّهَارَةِ بِالْعَصْرِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يَنْعَصِرُ وَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ مَتْنًا. (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَا يَقْطُرُ) تَصْوِيرٌ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْعَصْرِ ط. وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِيهِ شَرْطٌ فِي جَمِيعِ الْمَرَّاتِ، وَجَعَلَهَا فِي الدُّرَرِ شَرْطًا لِلْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ فَقَطْ، وَكَذَا فِي الْإِيضَاحِ لِابْنِ الْكَمَالِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَكَافِي النَّسَفِيِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 غَيْرُهُ قَطَرَ طَهُرَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ دُونَ ذَلِكَ الْغَيْرِ، وَلَوْ لَمْ يُبَالِغْ لِرِقَّتِهِ هَلْ يَطْهُرُ؟ الْأَظْهَرُ نَعَمْ لِلضَّرُورَةِ. (وَ) قُدِّرَ (بِتَثْلِيثِ جَفَافٍ) أَيْ: انْقِطَاعِ تَقَاطُرٍ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ مُنْعَصِرٍ مِمَّا يَتَشَرَّبُ النَّجَاسَةَ وَإِلَّا فَبِقَلْعِهَا   [رد المحتار] وَعَزَاهُ فِي الْحِلْيَةِ إلَى فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: غَسَلَ الثَّوْبَ ثَلَاثًا وَعَصَرَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَقُوَّتُهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُبَالِغْ فِيهِ صِيَانَةً لِلثَّوْبِ لَا يَجُوزُ اهـ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: طَهُرَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مُكَلَّفٌ بِقُدْرَتِهِ وَوُسْعِهِ وَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يَطْلُبَ مَنْ هُوَ أَقْوَى لِيَعْصِرَ ثَوْبَهُ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ خُصُوصًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ قُدْرَةَ الْغَيْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ: الْأَظْهَرُ نَعَمْ لِلضَّرُورَةِ) كَذَا فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ. أَيْ: لِئَلَّا يَلْزَمَ إضَاعَةُ الْمَالِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَكِنْ اخْتَارَ فِي الْخَانِيَّةِ عَدَمَ الطَّهَارَةِ اهـ. قُلْت: وَبِهِ جَزَمَ فِي الدُّرَرِ، وَعَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْطَى حُكْمَ مَا لَا يَنْعَصِرُ مِنْ تَثْلِيثِ الْجَفَافِ. (قَوْلُهُ: بِتَثْلِيثِ جَفَافٍ) أَيْ: جَفَافِ كُلِّ غَسْلَةٍ مِنْ الْغَسْلَاتِ الثَّلَاثِ وَهَذَا شَرْطٌ فِي غَيْرِ الْبَدَنِ وَنَحْوِهِ، أَمَّا فِيهِ فَيَقُومُ مَقَامَهُ تَوَالِي الْغَسْلِ ثَلَاثًا قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ كُلًّا مِنْ التَّوَالِي وَالْجَفَافِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي النَّوَازِلِ وَفِي الذَّخِيرَةِ مَا يُوَافِقُهُ. اهـ. وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا جَرَى مَاءُ الِاسْتِنْجَاءِ تَحْتَ الْخُفِّ وَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَيَطْهُرُ الْخُفُّ تَبَعًا كَمَا قُلْنَا فِي عُرْوَةِ الْإِبْرِيقِ إذَا أَخَذَهَا بِيَدٍ نَجِسَةٍ وَغَسَلَ يَدَهُ ثَلَاثًا تَطْهُرُ الْعُرْوَة تَبَعًا لِلْيَدِ. (قَوْلُهُ: أَيْ: انْقِطَاعِ تَقَاطُرٍ) زَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَذَهَابِ النَّدَاوَةِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: حَدُّ التَّجْفِيفِ أَنْ يَصِيرَ بِحَالٍ لَا تَبَتُّلُ مِنْهُ الْيَدُ، وَلَا يُشْتَرَطُ صَيْرُورَتُهُ يَابِسًا جِدًّا. اهـ. ثُمَّ هَلْ يَلْزَمُ ذَهَابُ أَثَرٍ شَقَّ زَوَالُهُ؟ ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ مُفَادَ مَا فِي الْمُنْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ نَعَمْ بِخِلَافِ الثَّوْبِ. وَقَالَ: وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا لَا تَعْرَى عَنْ شَيْءٍ اهـ. وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، لَكِنْ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ تَعَقَّبَ مَا فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ قَالَ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ زَوَالَ الْأَثَرِ شَرْطٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَا لَمْ يَشُقَّ كَيْفَمَا كَانَ التَّطْهِيرُ وَبِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ فَلْيُحْفَظْ ذَلِكَ اهـ وَنَحْوُهُ فِي حَاشِيَةِ الْوَانِيِّ عَلَى الدُّرَرِ. (قَوْلُهُ: أَيْ: غَيْرِ مُنْعَصِرٍ) أَيْ: بِأَنْ تَعَذَّرَ عَصْرُهُ كَالْخَزَفِ أَوْ تَعَسَّرَ كَالْبِسَاطِ أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: مِمَّا يَتَشَرَّبُ النَّجَاسَةَ إلَخْ) حَاصِلُهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْمُتَنَجِّسَ إمَّا أَنْ لَا يَتَشَرَّبَ فِيهِ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ أَصْلًا كَالْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةَ مِنْ الْحَجَرِ وَالنُّحَاسِ وَالْخَزَفِ الْعَتِيقِ، أَوْ يَتَشَرَّبَ فِيهِ قَلِيلًا كَالْبَدَنِ وَالْخُفِّ وَالنَّعْلِ أَوْ يَتَشَرَّبَ كَثِيرًا؛ فَفِي الْأَوَّلِ طَهَارَتُهُ بِزَوَالِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ الْمَرْئِيَّةِ أَوْ بِالْعَدَدِ عَلَى مَا مَرَّ؛ وَفِي الثَّانِي كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَسْتَخْرِجُ ذَلِكَ الْقَلِيلَ فَيُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ، وَأَمَّا فِي الثَّالِثِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ عَصْرُهُ كَالثِّيَابِ فَطَهَارَتُهُ بِالْغَسْلِ وَالْعَصْرِ إلَى زَوَالِ الْمَرْئِيَّةِ وَفِي غَيْرِهَا بِتَثْلِيثِهِمَا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَنْعَصِرُ كَالْحَصِيرِ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْبَرْدِيِّ وَنَحْوِهِ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَتَشَرَّبْ فِيهِ بَلْ أَصَابَ ظَاهِرَهُ يَطْهُرُ بِإِزَالَةِ الْعَيْنِ أَوْ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا بِلَا عَصْرٍ، وَإِنْ عُلِمَ تَشَرُّبُهُ كَالْخَزَفِ الْجَدِيدِ وَالْجِلْدِ الْمَدْبُوغِ بِدُهْنٍ نَجِسٍ وَالْحِنْطَةِ الْمُنْتَفِخَةِ بِالنَّجِسِ؛ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَطْهُرُ أَبَدًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُنْقَعُ فِي الْمَاءِ ثَلَاثًا وَيُجَفَّفُ كُلَّ مَرَّةٍ، وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ، وَالثَّانِي أَوْسَعُ اهـ وَبِهِ يُفْتَى دُرَرٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْخَزَفِ الْعَتِيقِ بِمَا إذَا تَنَجَّسَ رَطْبًا وَإِلَّا فَهُوَ كَالْجَدِيدِ؛ لِأَنَّهُ يُشَاهَدُ اجْتِذَابُهُ اهـ وَقَالُوا فِي الْبِسَاطِ النَّجِسِ إذَا جُعِلَ فِي نَهْرٍ لَيْلَةً طَهُرَ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالتَّقْيِيدُ بِاللَّيْلَةِ لِقَطْعِ الْوَسْوَسَةِ وَإِلَّا فَالْمَذْكُورُ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ إذَا أَجْرَى عَلَيْهِ الْمَاءَ إلَى أَنْ يَتَوَهَّمَ زَوَالَهَا طَهُرَ؛ لِأَنَّ إجْرَاءَ الْمَاءِ يَقُومُ مَقَامَ الْعَصْرِ اهـ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِاللَّيْلَةِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الشُّمُنِّيِّ وَابْنِ الْكَمَالِ، وَلَوْ مُوِّهَ الْحَدِيدُ بِالْمَاءِ النَّجِسِ يُمَوَّهُ بِالطَّاهِرِ ثَلَاثًا فَيَطْهُرُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، فَعِنْدَهُ لَا يَطْهُرُ أَبَدًا وَهَذَا فِي الْحَمْلِ فِي الصَّلَاةِ أَمَّا لَوْ غُسِلَ ثَلَاثًا ثُمَّ قُطِعَ بِهِ نَحْوُ بِطِّيخٍ أَوْ وَقَعَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ لَا يُنَجِّسُهُ فَالْغَسْلُ يُطَهِّرُ ظَاهِرَهُ إجْمَاعًا، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَبِقَلْعِهَا) الْمُنَاسِبُ فَبِغَسْلِهَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ أَيْ: مَا لَا يَتَشَرَّبُ النَّجَاسَةَ مِمَّا لَا يَنْعَصِرُ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا وَلَوْ بِدَفْعَةٍ بِلَا تَجْفِيفٍ كَالْخَزَفِ وَالْآجُرِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 كَمَا مَرَّ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا غُسِلَ فِي إجَّانَةٍ، أَمَّا لَوْ غُسِلَ فِي غَدِيرٍ أَوْ صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ كَثِيرٌ، أَوْ جَرَى عَلَيْهِ الْمَاءُ طَهُرَ مُطْلَقًا بِلَا شَرْطِ عَصْرٍ وَتَجْفِيفٍ وَتَكْرَارِ غَمْسٍ هُوَ الْمُخْتَارُ.   [رد المحتار] الْمُسْتَعْمَلَيْنِ كَمَا مَرَّ وَكَالسَّيْفِ وَالْمِرْآةِ وَمِثْلُهُ مَا يُتَشَرَّبُ فِيهِ شَيْءٌ قَلِيلٌ كَالْبَدَنِ وَالنَّعْلِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا. (قَوْلُهُ: وَهَذَا كُلُّهُ) أَيْ: الْغَسْلُ وَالْعَصْرُ ثَلَاثَةً فِيمَا يَنْعَصِرُ وَتَثْلِيثُ الْجَفَافِ فِي غَيْرِهِ ط. (قَوْلُهُ: فِي إجَّانَةٍ) بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ: إنَاءٌ تُغْسَلُ فِيهِ الثِّيَابُ وَالْجَمْعُ أَجَاجِينُ مِصْبَاحٌ أَيْ: إنَّ هَذَا الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ إذَا غُسِلَ ثَلَاثًا فِي إجَّانَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي ثَلَاثِ إجَّانَاتٍ. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَالْمِيَاهُ الثَّلَاثَةُ مُتَفَاوِتَةٌ فِي النَّجَاسَةِ، فَالْأُولَى يَطْهُرُ مَا أَصَابَتْهُ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا، وَالثَّانِيَةُ بِثِنْتَيْنِ وَالثَّالِثَةُ بِوَاحِدَةٍ، وَكَذَا الْأَوَانِي الثَّلَاثَةُ الَّتِي غُسِلَ فِيهَا وَاحِدَةٌ بَعْدَ وَاحِدَةٍ، وَقِيلَ يَطْهُرُ الْإِنَاءُ الثَّالِثُ بِمُجَرَّدِ الْإِرَاقَةِ وَالثَّانِي بِوَاحِدَةٍ، وَالْأَوَّلُ بِثِنْتَيْنِ اهـ. بَقِيَ لَوْ غُسِلَ فِي إجَّانَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ فِي الْفَيْضِ: تُغْسَلُ الْإِجَّانَةُ بَعْدَ الثَّلَاثِ مَرَّةً اهـ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ غَسَلَ الْعُضْوَ فِي الْإِجَّانَةِ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَطْهُرُ مَا لَمْ يُصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ أَدْخَلَهُ فِي حَبَابِ الْمَاءِ وَلَوْ فِي خَوَابِي خَلٍّ يَخْرُجُ مِنْ الثَّالِثَةِ طَاهِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ خِلَافًا لَهُمَا، لِاشْتِرَاطِ مُحَمَّدٍ فِي غَسْلِ النَّجَاسَةِ الْمَاءَ، وَاشْتِرَاطِ أَبِي يُوسُفَ الصَّبَّ بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ غُسِلَ إلَخْ) نَقَلَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ وَتَابَعَهُ مَنْ بَعْدَهُ حَتَّى الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْجُنُبَ إذَا اتَّزَرَ فِي الْحَمَّامِ وَصَبَّ الْمَاءَ عَلَى جَسَدِهِ ثُمَّ عَلَى الْإِزَارِ يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْإِزَارِ، وَإِنْ لَمْ يُعْصَرْ. وَفِي الْمُنْتَقَى: شَرَطَ الْعَصْرَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِمَا نَصُّهُ: تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ، وَلَوْ غَمَسَ الثَّوْبَ فِي نَهْرٍ جَارٍ مَرَّةً وَعَصَرَهُ يَطْهُرُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَذُكِرَ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يُغْسَلُ ثَلَاثًا وَيُعْصَرُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَغْسِلُهَا أَيْ: النَّجَاسَةَ الْغَيْرَ الْمَرْئِيَّةِ ثَلَاثًا وَيَعْصِرُ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ رِوَايَةِ الْأُصُولِ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْإِزَارِ لِضَرُورَةِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، فَلَا يُلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ، وَلَا تُتْرَكُ الرِّوَايَاتُ الظَّاهِرَةُ فِيهِ. اهـ. أَقُولُ: لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَطْهِيرِ النَّجَاسَةِ الْمَرْئِيَّةِ زَوَالُ عَيْنِهَا وَلَوْ بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَوْ فِي إجَّانَةٍ كَمَا مَرَّ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَثْلِيثُ غَسْلٍ وَلَا عَصْرٍ، وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ غَلَبَةُ الظَّنِّ فِي تَطْهِيرِ غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ بِلَا عَدَدٍ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ أَوْ مَعَ شَرْطِ التَّثْلِيثِ عَلَى مَا مَرَّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْغَسْلَ بِالْمَاءِ الْجَارِي وَمَا فِي حُكْمِهِ مِنْ الْغَدِيرِ أَوْ الصَّبَّ الْكَثِيرَ الَّذِي يَذْهَبُ بِالنَّجَاسَةِ أَصْلًا وَيَخْلُفُهُ غَيْرُهُ مِرَارًا بِالْجَرَيَانِ أَقْوَى مِنْ الْغَسْلِ فِي الْإِجَّانَةِ الَّتِي عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ فِيهَا تُلَاقِي الْمَاءَ وَتَسْرِي مَعَهُ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الثَّوْبِ فَيَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي اشْتِرَاطِ التَّثْلِيثِ، وَلَيْسَ اشْتِرَاطُهُ حُكْمًا تَعَبُّدِيًّا حَتَّى يُلْتَزَمَ وَإِنْ لَمْ يُعْقَلْ مَعْنَاهُ، وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي إزَارِ الْحَمَّامِ: إنَّهُ لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ دَمًا أَوْ بَوْلًا وَصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ كَفَاهُ، وَقَوْلُ الْفَتْحِ إنَّ ذَلِكَ لِضَرُورَةِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ كَمَا مَرَّ رَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا فِي السِّرَاجِ، وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: فِي غَدِيرٍ) أَيْ: مَاءٍ كَثِيرٍ لَهُ حُكْمُ الْجَارِي. (قَوْلُهُ: أَوْ صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ كَثِيرٌ) أَيْ: بِحَيْثُ يَخْرُجُ الْمَاءُ وَيَخْلُفُهُ غَيْرُهُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الْجَرَيَانَ بِمَنْزِلَةِ التَّكْرَارِ وَالْعَصْرُ هُوَ الصَّحِيحُ سِرَاجٌ. (قَوْلُهُ: بِلَا شَرْطِ عَصْرٍ) أَيْ: فِيمَا يَنْعَصِرُ، وَقَوْلُهُ " وَتَجْفِيفٍ " أَيْ: فِي غَيْرِهِ، وَهَذَا بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ. (قَوْلُهُ: هُوَ الْمُخْتَارُ) عِبَارَةُ السِّرَاجِ: وَأَمَّا حُكْمُ الْغَدِيرِ: فَإِنْ غُمِسَ الثَّوْبُ فِيهِ ثَلَاثًا وَقُلْنَا بِقَوْلِ الْبَلْخِيِّينَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ أَنَّهُ يَطْهُرُ وَإِنْ لَمْ يُعْصَرْ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ الْعَصْرُ كُلَّ مَرَّةٍ، وَقِيلَ: مَرَّةً وَاحِدَةً. اهـ. وَحَاصِلُهُ: اشْتِرَاطُ الْغَمْسِ فِي الْغَدِيرِ ثَلَاثًا عِنْدَهُمْ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْعَصْرِ فَتَنَبَّهْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 وَيَطْهُرُ لَبَنٌ وَعَسَلٌ وَدِبْسٌ وَدُهْنٌ يُغْلَى ثَلَاثًا وَلَحْمٌ طُبِخَ بِخَمْرٍ يُغْلَى وَتَبْرِيدٌ ثَلَاثًا، وَكَذَا دَجَاجَةٌ مُلْقَاةٌ حَالَّةٌ عَلَى الْمَاءِ لِلنَّتْفِ قَبْلَ شَقِّهَا فَتْحٌ. وَفِي التَّجْنِيسِ: حِنْطَةٌ طُبِخَتْ فِي خَمْرٍ لَا تَطْهُرُ أَبَدًا بِهِ يُفْتَى. وَلَوْ انْتَفَخَتْ مِنْ بَوْلٍ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي تَطْهِيرِ الدُّهْنِ وَالْعَسَلِ (قَوْلُهُ: وَيَطْهُرُ لَبَنٌ وَعَسَلٌ إلَخْ) قَالَ فِي الدُّرَرِ: لَوْ تَنَجَّسَ الْعَسَلُ فَتَطْهِيرُهُ أَنْ يُصَبَّ فِيهِ مَاءٌ بِقَدْرِهِ فَيُغْلَى حَتَّى يَعُودَ إلَى مَكَانِهِ، وَالدُّهْنُ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَيُغْلَى فَيَعْلُو الدُّهْنُ الْمَاءَ فَيُرْفَعُ بِشَيْءٍ هَكَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ اهـ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَهُوَ أَوْسَعُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى. وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخُلَاصَةِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ التَّثْلِيثِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ مُجْزِئَةٌ عَنْ التَّثْلِيثِ وَفِيهِ اخْتِلَافُ تَصْحِيحٍ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ لَفْظَةَ: فَيُغْلَى ذُكِرَتْ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مِنْ زِيَادَةِ النَّاسِخِ، فَإِنَّا لَمْ نَرَ مَنْ شَرَطَ لِتَطْهِيرِ الدُّهْنِ الْغَلَيَانَ مَعَ كَثْرَةِ النَّقْلِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَالتَّتَبُّعِ لَهَا إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ التَّحْرِيكُ مَجَازًا، فَقَدْ صَرَّحَ فِي مَجْمَعِ الرِّوَايَةِ وَشَرْحِ الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ يُصَبُّ عَلَيْهِ مِثْلُهُ مَاءً وَيُحَرَّكَ فَتَأَمَّلْ. اهـ. أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا جَمَدَ الدُّهْنُ بَعْدَ تَنَجُّسِهِ. ثُمَّ رَأَيْت الشَّارِحَ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْخَزَائِنِ فَقَالَ: وَالدُّهْنُ السَّائِلُ يُلْقَى فِيهِ الْمَاءُ، وَالْجَامِدُ يُغْلَى بِهِ حَتَّى يَعْلُوَ إلَخْ. ثُمَّ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْمَاءِ مِثْلَ الْعَسَلِ أَوْ الدُّهْنِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْكَافِي، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ. وَذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمُفْتِينَ الِاكْتِفَاءَ فِي الْعَسَلِ وَالدِّبْسِ بِالْخُمُسِ قَالَ: لِأَنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ قَدْرًا مِنْ الْمَاءِ. قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنَّ قَدْرًا مُصَحَّفٌ عَنْ قَدْرِهِ بِالضَّمِيرِ فَيُوَافِقُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَبِهِ يَسْقُطُ مَا نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ الْمُفْتِينَ. هَذَا وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ رُكْنِ الْأَئِمَّةِ الصَّبَّاغِيِّ أَنَّهُ جَرَّبَ تَطْهِيرَ الْعَسَلِ بِذَلِكَ فَوَجَدَهُ مُرًّا. وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَتْ الْفَأْرَةُ فِي دَنِّ النَّشَاءِ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ إنْ تَنَاهَى أَمْرُهُ وَإِلَّا فَلَا. (قَوْلُهُ: وَلَحْمٌ طُبِخَ إلَخْ) فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ صُبَّتْ الْخَمْرَةُ فِي قِدْرٍ فِيهَا لَحْمٌ إنْ كَانَ قَبْلَ الْغَلَيَانِ يَطْهُرُ اللَّحْمُ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا، وَإِنْ بَعْدَهُ فَلَا. وَقِيلَ يُغْلَى ثَلَاثًا كُلَّ مَرَّةٍ بِمَاءٍ طَاهِرٍ وَيُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَتَجْفِيفُهُ بِالتَّبْرِيدِ. اهـ. بَحْرٌ. قُلْت: لَكِنْ يَأْتِي قَرِيبًا أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ الْأَوَّلُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: إذَا صَبَّ الطَّبَّاخُ فِي الْقِدْرِ مَكَانَ الْخَلِّ خَمْرًا غَلَطًا فَالْكُلُّ نَجِسٌ لَا يَطْهُرُ أَبَدًا، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُغْلَى ثَلَاثًا لَا يُؤْخَذُ بِهِ، وَكَذَا الْحِنْطَةُ إذَا طُبِخَتْ فِي الْخَمْرِ لَا تَطْهُرُ أَبَدًا. وَعِنْدِي إذَا صُبَّ فِيهِ الْخَلُّ وَتُرِكَ حَتَّى صَارَ الْكُلُّ خَلًّا لَا بَأْسَ بِهِ. اهـ. فَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ هُنَا ضَعِيفٌ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا دَجَاجَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّهَا لَا تَطْهُرُ أَبَدًا لَكِنْ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تَطْهُرُ، وَالْعِلَّةُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - تَشَرُّبُهَا النَّجَاسَةَ بِوَاسِطَةِ الْغَلَيَانِ، وَعَلَيْهِ اُشْتُهِرَ أَنَّ اللَّحْمَ السَّمِيطَ بِمِصْرَ نَجِسٌ، لَكِنَّ الْعِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ لَا تَثْبُتُ مَا لَمْ يَمْكُثْ اللَّحْمُ بَعْدَ الْغَلَيَانِ زَمَانًا يَقَعُ فِي مِثْلِهِ التَّشَرُّبُ وَالدُّخُولُ فِي بَاطِنِ اللَّحْمِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا غَيْرُ مُحَقَّقٍ فِي السَّمِيطِ حَيْثُ لَا يَصِلُ إلَى حَدِّ الْغَلَيَانِ، وَلَا يُتْرَكُ فِيهِ إلَّا مِقْدَارُ مَا تَصِلُ الْحَرَارَةُ إلَى ظَاهِرِ الْجِلْدِ لِتَنْحَلَّ مَسَامُّ الصُّوفِ، بَلْ لَوْ تُرِكَ يَمْنَعُ انْقِلَاعَ الشَّعْرِ؛ فَالْأَوْلَى فِي السَّمِيطِ أَنْ يُطَهَّرَ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا فَإِنَّهُمْ لَا يَتَحَرَّسُونَ فِيهِ عَنْ النَّجِسِ، وَقَدْ قَالَ شَرَفُ الْأَئِمَّةِ بِهَذَا فِي الدَّجَاجَةِ وَالْكِرْشِ وَالسَّمِيطِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَفِي التَّجْنِيسِ) هُوَ اسْمُ كِتَابٍ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ قَالَ فِيهِ: إنَّ هَذَا الْكِتَابَ لِبَيَانِ مَا اسْتَنْبَطَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَلَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُونَ وَعِبَارَتُهُ هُنَا: وَلَوْ طُبِخَتْ الْحِنْطَةُ فِي الْخَمْرِ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُطْبَخُ ثَلَاثًا بِالْمَاءِ وَتُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَكَذَلِكَ اللَّحْمُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا طُبِخَتْ فِي الْخَمْرِ لَا تَطْهُرُ أَبَدًا وَبِهِ يُفْتَى. اهـ. أَيْ: إلَّا إذَا جَعَلَهَا فِي خَلٍّ كَمَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ انْتَفَخَتْ مِنْ بَوْلٍ إلَخْ) إنْ كَانَ هَذَا قَوْلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 نُقِعَتْ وَجُفِّفَتْ ثَلَاثًا. وَلَوْ عُجِنَ خُبْزٌ بِخَمْرٍ صُبَّ فِيهِ خَلٌّ حَتَّى يَذْهَبَ أَثَرُهُ فَيَطْهُرَ. فَصْلُ الِاسْتِنْجَاءِ إزَالَةُ نَجَسٍ عَنْ سَبِيلٍ فَلَا يُسَنُّ مِنْ رِيحٍ وَحَصَاةٍ وَنَوْمٍ وَفَصْدٍ (وَهُوَ سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ مُطْلَقًا، وَمَا قِيلَ مِنْ افْتِرَاضِهِ لِنَحْوِ حَيْضٍ وَمُجَاوَزَةِ مَخْرَجٍ فَتَسَامُحٌ   [رد المحتار] أَبِي يُوسُفَ، فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ قَوْلَ الْإِمَامِ، فَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَبْخِهَا بِالْخَمْرِ بِزِيَادَةِ التَّشَرُّبِ بِالطَّبْخِ، ثُمَّ لَا يُمْكِنُ هُنَا تَطْهِيرُهَا بِجَعْلِهَا فِي الْخَلِّ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ لَا يَنْقَلِبُ خَلًّا بِخِلَافِ الْخَمْرِ. (قَوْلُهُ: وَجُفِّفَتْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّجْفِيفُ إلَى أَنْ يَزُولَ الِانْتِفَاخُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ. (قَوْلُهُ: فَيَطْهُرُ) لِانْقِلَابِ مَا فِيهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْخَمْرِ خَلًّا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. [فَصْلُ الِاسْتِنْجَاءِ] بِإِضَافَةِ فَصْلُ إلَى الِاسْتِنْجَاءِ، وَهُوَ خَبَرٌ لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَنْجَاسِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ نَجَاسَةٍ عَيْنِيَّةٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: إزَالَةُ نَجَسٍ إلَخْ) عَرَّفَهُ فِي الْمُغْرِبِ بِأَنَّهُ مَسْحُ مَوْضِعِ النَّجْوِ: وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَطْنِ أَوْ غَسْلُهُ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يَشْمَلُ الِاسْتِنْجَاءَ مِنْ الْحَصَاةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي السِّرَاجِ، فَلِذَا عَدَلَ عَنْهُ الشَّارِحُ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَشْمَلُ مَا لَوْ أَصَابَ الْمَخْرَجَ نَجَاسَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ أَكْثَرُ مِنْ الدِّرْهَمِ مَعَ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالْحَجَرِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِيمَا يَأْتِي؛ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِمْدَادِ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: فَلَا يُسَنُّ مِنْ رِيحٍ) لِأَنَّ عَيْنَهَا طَاهِرَةٌ، وَإِنَّمَا نَقَضَتْ لِانْبِعَاثِهَا عَنْ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ اهـ ح؛ وَلِأَنَّ بِخُرُوجِ الرِّيحِ لَا يَكُونُ عَلَى السَّبِيلِ شَيْءٌ فَلَا يُسَنُّ مِنْهُ بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَحَصَاةٍ) لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا بَلَلٌ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَتَلَوَّثْ مِنْهُ الدُّبُرُ فَهِيَ خَارِجَةٌ بِقَوْلِهِ عَنْ سَبِيلٍ وَإِنْ تَلَوَّثَ مِنْهَا فَالِاسْتِنْجَاءُ حِينَئِذٍ لِلنَّجَاسَةِ لَا لِلْحَصَاةِ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: وَنَوْمٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسٍ أَيْضًا اهـ ح. (قَوْلُهُ: وَفَصْدٍ) أَيْ: الدَّمِ الَّذِي عَلَى مَوْضِعِ الْفَصْدِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا لَكِنَّهُ لَيْسَ عَلَى السَّبِيلِ لِيُزَالَ عَنْهُ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ النِّهَايَةِ ثُمَّ عَزَاهُ أَيْضًا إلَى الْأَصْلِ وَعَلَّلَهُ فِي الْكَافِي بِمُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَنَقَلَ فِي الْحِلْيَةِ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ وَمَا يَصْرِفُهَا عَنْ الْوُجُوبِ فَرَاجِعْهُ. وَعَلَيْهِ فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ مُسْتَدْرَكًا عَلَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ نَفْيِ الْكَرَاهَةِ، وَنَحْوُهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَأَوْضَحَ الْمَقَامَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الدُّرَرِ فَرَاجِعْهُ. ثُمَّ رَأَيْته فِي الْبَدَائِعِ صَرَّحَ بِالْكَرَاهَةِ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ الْخَارِجُ مُعْتَادًا أَمْ لَا رَطْبًا أَمْ لَا ط وَسَوَاءٌ كَانَ بِالْمَاءِ أَوْ بِالْحَجَرِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ مُحْدِثٍ أَوْ جُنُبٍ أَوْ حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ هُنَا. (قَوْلُهُ: وَمَا قِيلَ إلَخْ) دَفْعٌ لِمَا يُخَالِفُ الْإِطْلَاقَ الْمَذْكُورَ، وَالْقَائِلُ بِذَلِكَ صَاحِبُ السِّرَاجِ وَالِاخْتِيَارِ وَخِزَانَةِ الْفِقْهِ وَالْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَالزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَأَقَرَّهُمْ فِي الْحِلْيَةِ، وَاعْتَرَضَهُمْ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إزَالَةِ الْحَدَثِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَخْرَجِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ فَهُوَ مِنْ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 (وَأَرْكَانُهُ) أَرْبَعَةٌ شَخْصٌ (مُسْتَنْجٍ، وَ) شَيْءٌ (مُسْتَنْجًى بِهِ) كَمَاءٍ وَحَجَرٍ (وَ) نَجَسٌ (خَارِجٌ) مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ، وَكَذَا لَوْ أَصَابَهُ مِنْ خَارِجٍ وَإِنْ قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ   [رد المحتار] أَقُولُ: لَا شَكَّ أَنَّ غَسْلَ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ فِي الْجَنَابَةِ يُسَمَّى إزَالَةَ نَجَسٍ عَنْ سَبِيلٍ، فَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الِاسْتِنْجَاءِ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا. وَأَمَّا إذَا تَجَاوَزَتْ النَّجَاسَةُ مَخْرَجَهَا، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ غَسْلَ الْمُتَجَاوِزِ إذَا زَادَ عَلَى الدِّرْهَمِ، فَكَوْنُهُ تَسَامُحًا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ غَسْلَ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ عِنْدَ التَّجَاوُزِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْآتِي فَلَا تَسَامُحَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الِاخْتِيَارِ مِنْ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: اثْنَانِ وَاجِبَانِ: أَحَدُهُمَا: غَسْلُ نَجَاسَةِ الْمَخْرَجِ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ كَيْ لَا تَشِيعَ فِي بَدَنِهِ. وَالثَّانِي: إذَا تَجَاوَزَتْ مَخْرَجَهَا يَجِبُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَهُوَ الْأَحْوَطُ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ إذَا جَاوَزَتْ قَدْرَ الدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ، وَالْمُعْتَبَرُ مَا وَرَاءَهُ. وَالثَّالِثُ: سُنَّةٌ، وَهُوَ إذَا لَمْ تَتَجَاوَزْ النَّجَاسَةُ مَخْرَجَهَا. وَالرَّابِعُ: مُسْتَحَبٌّ، وَهُوَ مَا إذَا بَالَ وَلَمْ يَتَغَوَّطْ فَيَغْسِلُ قُبُلَهُ. وَالْخَامِسُ: بِدْعَةٌ، وَهُوَ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ الرِّيحِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَرْكَانُهُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ وَلَمْ أُسْبَقْ إلَى بَيَانِهَا فِيمَا عَلِمْت اهـ وَفِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ شُرُوطٌ لِلْوُجُودِ فِي الْخَارِجِ لَا أَرْكَانٌ، لِمَا فِي الْحِلْيَةِ: رُكْنُ الشَّيْءِ جَانِبُهُ الْأَقْوَى. وَفِي الِاصْطِلَاحِ: مَاهِيَّةُ الشَّيْءِ أَوْ جَزْءٌ مِنْهَا يَتَوَقَّفُ تَقَوُّمُهَا عَلَيْهِ، فَالشَّرْطُ وَالرُّكْنُ مُتَبَايِنَانِ، لِاعْتِبَارِ الْخُرُوجِ عَنْ مَاهِيَّةِ الْمَشْرُوطِ فِي مَاهِيَّةِ الشَّرْطِ؛ وَكَوْنِ الرُّكْنِ نَفْسَ الشَّيْءِ أَوْ جُزْأَهُ الدَّاخِلَ فِيهِ. اهـ. قَالَ ح: وَحَقِيقَةُ الِاسْتِنْجَاءِ الَّذِي هُوَ إزَالَةُ نَجَسٍ عَنْ سَبِيلٍ لَا تَتَقَوَّمُ وَلَا بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ. فَإِنْ قُلْت: قَدْ ذَكَرَ النَّجَسَ فِي التَّعْرِيفِ فَهُوَ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاهِيَّةِ قُلْت: أَجْزَاءُ التَّعْرِيفِ الْإِزَالَةُ وَإِضَافَتُهَا إلَى النَّجَسِ لَا نَفْسُ النَّجَسِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي قَوْلِهِمْ: الْعَمَى عَدَمُ الْبَصَرِ، فَإِنَّ أَجْزَاءَ التَّعْرِيفِ الْعَدَمُ وَإِضَافَتُهُ إلَى الْبَصَرِ لَا نَفْسُ الْبَصَرِ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ عَنْ سَبِيلٍ، فَإِنَّ جَزْءَ التَّعْرِيفِ الْإِزَالَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسَّبِيلِ لَا السَّبِيلُ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الذَّوَاتُ أَجْزَاءً مِنْ الْمَعْنَى، وَلَلَزِمَ أَنْ يُقَالَ: أَرْكَانُ التَّيَمُّمِ مُتَيَمِّمٌ، مُتَيَمَّمٌ بِهِ إلَخْ، وَكَذَا فِي الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَنَجَسٌ خَارِجٌ إلَخْ) أَيْ: وَلَوْ غَيْرَ مُعْتَادٍ كَدَمٍ أَوْ قَيْحٍ خَرَجَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ فَيَطْهُرُ بِالْحِجَارَةِ عَلَى الصَّحِيحِ زَيْلَعِيٌّ. وَقِيلَ: لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْمَاءِ وَبِهِ جَزَمَ فِي السِّرَاجِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ أَصَابَهُ مِنْ خَارِجٍ) أَيْ: فَيَطْهُرُ بِالْحِجَارَةِ. وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ زَيْلَعِيٌّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ نَقَلُوا هَذَا التَّصْحِيحَ هُنَا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ فَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ اهـ. قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي: وَيُوهَمُ أَنَّهُمْ نَقَلُوهُ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ بِهَا مَعَ أَنَّ شَارِحَ الْمَجْمَعِ وَالنُّقَايَةِ نَقَلَاهُ عَنْ الْقُنْيَةِ بِدُونِهَا اهـ. أَقُولُ: يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِالْحِجَارَةِ وَارِدٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلضَّرُورَةِ، وَالضَّرُورَةُ فِيمَا يَكْثُرُ لَا فِيمَا يَنْدُرُ كَهَذِهِ الصُّورَةِ، ثُمَّ رَأَيْت مَا بَحَثْته فِي الْحِلْيَةِ حَيْثُ نَقَلَ مَا فِي الْقُنْيَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ الْأَحْسَنُ؛ لِأَنَّ مَا وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى الْوَارِدِ اهـ. لَكِنْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ زَادِ الْفَقِيرِ أَنَّ مَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْقُنْيَةِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهَا، وَأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى وَمُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ أَنَّ الْأَصَحَّ طَهَارَتُهُ بِالْمَسْحِ، وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَامَ) أَيْ: الْمُسْتَنْجِي مِنْ مَوْضِعِهِ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِالْحَجَرِ أَيْضًا قَالَ فِي السِّرَاجِ: قِيلَ إنَّمَا يُجْزِئُ الْحَجَرُ إذَا كَانَ الْغَائِطُ رَطْبًا لَمْ يَجِفَّ وَلَمْ يَقُمْ مِنْ مَوْضِعِهِ، أَمَّا إذَا قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ أَوْ جَفَّ الْغَائِطُ فَلَا يَجْزِيهِ إلَّا الْمَاءُ؛ لِأَنَّهُ بِقِيَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْحَجَرِ يَزُولُ الْغَائِطُ عَنْ مَوْضِعِهِ وَيَتَجَاوَزُ مَخْرَجَهُ، وَبِجَفَافِهِ لَا يُزِيلُهُ الْحَجَرُ فَوَجَبَ الْمَاءُ فِيهِ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 عَلَى الْمُعْتَمَدِ (وَمَخْرَجٌ) دُبُرٌ أَوْ قُبُلٌ (بِنَحْوِ حَجَرٍ) مِمَّا هُوَ عَيْنٌ طَاهِرَةٌ قَالِعَةٌ لَا قِيمَةَ لَهَا كَمَدَرٍ (مُنَقٍّ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، فَيَخْتَارُ الْأَبْلَغَ وَالْأَسْلَمَ عَنْ التَّلْوِيثِ، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِإِقْبَالٍ وَإِدْبَارٍ شِتَاءً وَصَيْفًا (وَلَيْسَ الْعَدَدُ) ثَلَاثًا (بِمَسْنُونٍ فِيهِ) بَلْ مُسْتَحَبٌّ (وَالْغَسْلُ) بِالْمَاءِ إلَى أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ   [رد المحتار] أَقُولُ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إنْ تَجَاوَزَ عَنْ مَوْضِعِهِ بِالْقِيَامِ أَكْثَرَ مِنْ الدِّرْهَمِ أَوْ جَفَّ بِحَيْثُ لَا يُزِيلُهُ الْحَجَرُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمَاءِ إذَا أَرَادَ إزَالَتَهُ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُعْتَمَدِ) كَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ جَزْمِهِ بِهِ فِي الْبَحْرِ، وَتَعْبِيرِ السِّرَاجِ عَنْ مُقَابِلِهِ بِقِيلَ. (قَوْلُهُ: مِمَّا هُوَ عَيْنٌ طَاهِرَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: السُّنَّةُ هُوَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ مِنْ الْأَحْجَارِ وَالْأَمْدَادِ وَالتُّرَابِ وَالْخِرَقِ الْبَوَالِي اهـ. (قَوْلُهُ: لَا قِيمَةَ لَهَا) يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَاءُ كَمَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ. (قَوْلُهُ: كَمَدَرٍ) بِالتَّحْرِيكِ: قِطَعُ الطِّينِ الْيَابِسِ قَامُوسٌ وَمِثْلُهُ الْجِدَارُ إلَّا جِدَارَ غَيْرِهِ كَالْوَقْفِ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْقَارِي، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هُنَا جَوَازَهُ بِالْجِدَارِ مُطْلَقًا، وَذَكَرَ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحَائِطِ وَلَوْ الدَّارُ مُسَبَّلَةً. اهـ. قَالَ شَيْخُنَا: وَتَزُولُ الْمُخَالَفَةُ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَأْجِرًا أَبُو السُّعُودِ. مَطْلَبٌ إذَا دَخَلَ الْمُسْتَنْجِي فِي مَاءٍ قَلِيلٍ (قَوْلُهُ: مُنَقٍّ) بِتَشْدِيدِ الْقَافِ مَعَ فَتْحِ النُّونِ أَوْ تَخْفِيفِهَا مَعَ سُكُونِهَا مِنْ التَّنْقِيَةِ أَوْ الْإِنْقَاءِ: أَيْ: مُنَظِّفٍ غُرَرُ الْأَفْكَارِ. قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَلَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ الْإِنْقَاءِ بَلْ تَقْلِيلَ النَّجَاسَةِ اهـ وَلِذَا يَتَنَجَّسُ الْمَاءُ الْقَلِيلُ إذَا دَخَلَهُ الْمُسْتَنْجِي. وَلِقَائِلٍ مَنْعُهُ لِجَوَازِ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ طَهَارَتَهُ بِالْمَسْحِ كَالنَّعْلِ وَقَدَّمْنَا حِكَايَةَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي نَحْوِ الْمَنِيِّ إذَا فُرِكَ ثُمَّ أَصَابَهُ الْمَاءُ، وَأَنَّ الْمُخْتَارَ عَدَمُ عَوْدِهِ نَجِسًا وَقِيَاسُهُ أَنْ يَجْرِيَا أَيْضًا هُنَا، وَأَنْ لَا يَتَنَجَّسَ الْمَاءُ عَلَى الرَّاجِحِ. وَأَجْمَعَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنْ لَا يَتَنَجَّسَ بِالْعَرَقِ، حَتَّى لَوْ سَالَ مِنْهُ وَأَصَابَ الثَّوْبَ أَوْ الْبَدَنَ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا يَمْنَعُ، وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الشَّرْعِ طَهَارَتَهُ بِالْحَجَرِ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُسْتَنْجَى بِرَوْثٍ أَوْ عَظْمٍ، وَقَالَ: إنَّهُمَا لَا يُطَهِّرَانِ» اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْفَتْحِ، وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَا فِي الْكِتَابِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَنَقَلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ، لَكِنْ قَدَّمْنَا قُبَيْلَ بَحْثِ الدِّبَاغَةِ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْكُتُبِ تَصْحِيحُ النَّجَاسَةِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ) أَيْ: لِأَنَّ الْإِنْقَاءَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَقَيَّدُ إلَخْ) أَيْ: بِنَاءً عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْإِنْقَاءُ، فَلَيْسَ لَهُ كَيْفِيَّةٌ خَاصَّةٌ، وَهَذَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ. وَقِيلَ: كَيْفِيَّتُهُ فِي الْمَقْعَدَةِ فِي الصَّيْفِ لِلرَّجُلِ إدْبَارُ الْحَجَرِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَإِقْبَالُ الثَّانِي، وَفِي الشِّتَاءِ بِالْعَكْسِ، وَهَكَذَا تَفْعَلُ الْمَرْأَةُ فِي الزَّمَانَيْنِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَهُ كَيْفِيَّاتٌ أُخَرُ فِي النَّظْمِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي الذَّكَرِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِشِمَالٍ وَيُمِرَّهُ عَلَى حَجَرٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ مَدَرٍ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ. اهـ. قُهُسْتَانِيٌّ. وَاخْتَارَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْمُجْتَبَى وَالْفَتْحِ وَالْبَحْرِ. وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ: إنَّهُ الْأَوْجَهُ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَلَمْ أَرَ لِمَشَايِخِنَا فِي حَقِّ الْقُبُلِ لِلْمَرْأَةِ كَيْفِيَّةً مُعَيَّنَةً فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ. اهـ. قُلْت: بَلْ صَرَّحَ فِي الْغَزْنَوِيَّةِ بِأَنَّهَا تَفْعَلُ كَمَا يَفْعَلُ الرَّجُلُ إلَّا فِي الِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّهَا لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا، بَلْ كَمَا فَرَغَتْ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ تَصْبِرُ سَاعَةً لَطِيفَةً ثُمَّ تَمْسَحُ قُبُلَهَا وَدُبُرَهَا بِالْأَحْجَارِ ثُمَّ تَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: بَلْ مُسْتَحَبٌّ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ لَا أَصْلِهَا، لِمَا وَرَدَ مِنْ الْأَمْرِ بِالِاسْتِنْجَاءِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، وَلَمْ نَقُلْ إنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، فَمَنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ. فَحُمِلَ الْأَمْرُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ تَوْفِيقًا، وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي الْحِلْيَةِ وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْعَيْنِيِّ. (قَوْلُهُ: وَالْغَسْلُ بِالْمَاءِ) أَيْ: الْمُطْلَقِ وَإِنْ صَحَّ عِنْدَنَا بِمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ مُزِيلٍ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ بِلَا ضَرُورَةٍ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ. (قَوْلُهُ: إلَى أَنْ يَقَعَ إلَخْ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 أَنَّهُ طَهُرَ مَا لَمْ يَكُنْ مُوَسْوِسًا فَيُقَدَّرُ بِثَلَاثٍ كَمَا مَرَّ (بَعْدَهُ) أَيْ: الْحَجَرِ (بِلَا كَشْفِ عَوْرَةٍ) عِنْدَ أَحَدٍ، أَمَّا مَعَهُ فَيَتْرُكُهُ كَمَا مَرَّ؛ فَلَوْ كَشَفَ لَهُ صَارَ فَاسِقًا لَا لَوْ كَشَفَ لِاغْتِسَالٍ أَوْ تَغَوُّطٍ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ (سُنَّةٌ) مُطْلَقًا بِهِ يُفْتَى سِرَاجٌ (وَيَجِبُ) أَيْ: يُفْرَضُ غَسْلُهُ (إنْ جَاوَزَ الْمَخْرَجَ نَجَسٌ) مَائِعٌ   [رد المحتار] هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ الصَّبُّ ثَلَاثًا، وَقِيلَ: سَبْعًا، وَقِيلَ: عَشْرًا، وَقِيلَ: فِي الْإِحْلِيلِ ثَلَاثًا، وَفِي الْمَقْعَدَةِ خَمْسًا خُلَاصَةٌ. (قَوْلُهُ: فَيُقَدَّرُ بِثَلَاثٍ) وَقِيلَ: بِسَبْعٍ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ مِعْرَاجٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ. (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ: فِي تَطْهِيرِ النَّجَاسَةِ الْغَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: لِأَنَّ الْبَوْلَ غَيْرُ مَرْئِيٍّ، وَالْغَائِطُ وَإِنْ كَانَ مَرْئِيًّا فَالْمُسْتَنْجِي لَا يَرَاهُ، فَكَانَ بِمَنْزِلَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَحَدٍ) أَيْ: مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ جِمَاعُهُ وَلَوْ أَمَتَهُ الْمَجُوسِيَّةَ أَوْ الَّتِي زَوَّجَهَا لِلْغَيْرِ أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ: أَمَّا مَعَهُ) أَيْ: مَعَ الْكَشْفِ الْمَذْكُورِ أَوْ مَعَ الْأَحَدِ. (قَوْلُهُ: فَيَتْرُكُهُ) أَيْ: الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ وَإِنْ تَجَاوَزَتْ الْمَخْرَجَ وَزَادَتْ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَلَمْ يَجِدْ سَاتِرًا أَوْ لَمْ يَكُفُّوا بَصَرَهُمْ عَنْهُ بَعْدَ طَلَبِهِ مِنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يُقَلِّلُهَا بِنَحْوِ حَجَرٍ وَيُصَلِّي. وَهَلْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ؟ الْأَشْبَهُ نَعَمْ، كَمَا إذَا مُنِعَ عَنْ الِاغْتِسَالِ بِصُنْعِ عَبْدٍ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى كَمَا مَرَّ، أَفَادَهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَذَكَرْنَا خِلَافَهُ فِي بَحْثِ الْغُسْلِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ: قُبَيْلَ سُنَنِ الْغُسْلِ، حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ فَيَتْرُكُهُ مُطْلَقًا اهـ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، بَيْنَ رِجَالٍ أَوْ نِسَاءٍ أَوْ خَنَاثَى، أَوْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، أَوْ رِجَالٍ وَخَنَاثَى، أَوْ نِسَاءٍ وَخَنَاثَى، أَوْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَخَنَاثَى، فَهِيَ إحْدَى وَعِشْرُونَ صُورَةً. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: فَلَوْ كَشَفَ لَهُ إلَخْ) أَيْ: لِلِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي: لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ وَمُرْتَكِبُ الْحَرَامِ فَاسِقٌ، سَوَاءٌ تَجَاوَزَ النَّجَسُ الْمَخْرَجَ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُجَاوِزُ أَكْثَرَ مِنْ الدِّرْهَمِ أَوْ أَقَلَّ، وَمَنْ فَهِمَ غَيْرَ هَذَا فَقَدْ سَهَا لِمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ النَّهْيَ رَاجِعٌ عَلَى الْأَمْرِ. (قَوْلُهُ: لَا لَوْ كَشَفَ إلَخْ) أَمَّا التَّغَوُّطُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ ضَرُورِيٌّ لَا انْفِكَاكَ عَنْهُ، وَأَمَّا الِاغْتِسَالُ فَقَدْ ذَكَرَهُ قُبَيْلَ سُنَنِ الْغُسْلِ، وَبَيَّنَّا هُنَاكَ أَنَّ الصُّوَرَ إحْدَى وَعِشْرُونَ لَا يُغْتَسَلُ فِيهَا إلَّا فِي صُورَتَيْنِ: وَهُمَا رَجُلٌ بَيْنَ رِجَالٍ وَامْرَأَةٌ بَيْنَ نِسَاءٍ، فَيَجِبُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَيْهِمَا فَقَطْ اهـ ح أَيْ: لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَخَفُّ وَقَدْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ لُزُومَ الِاغْتِسَالِ فِي الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ عَنْ شَرْحِ النُّقَايَةِ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ نَقْلَهُ عَنْ الْقُنْيَةِ وَأَنَّ شَارِحَ الْمُنْيَةِ قَالَ: إنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْمَنْهِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ وَلِلْغُسْلِ خَلَفٌ وَهُوَ التَّيَمُّمُ. وَقَدْ مَرَّ تَمَامُهُ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: سُنَّةٌ مُطْلَقًا) أَيْ: فِي زَمَانِنَا وَزَمَانِ الصَّحَابَةِ « {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108] قِيلَ: لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا أَهْلَ قُبَاءَ إنَّ اللَّهَ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فَمَاذَا تَصْنَعُونَ عِنْدَ الْغَائِطِ؟ قَالُوا: نُتْبِعُ الْغَائِطَ الْأَحْجَارَ ثُمَّ نُتْبِعُ الْأَحْجَارَ الْمَاءَ» فَكَانَ الْجَمْعُ سُنَّةً عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقِيلَ: ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَبْعَرُونَ اهـ إمْدَادٌ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ أَفْضَلُ، وَيَلِيهِ فِي الْفَضْلِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَاءِ، وَيَلِيهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْحَجَرِ وَتَحْصُلُ السُّنَّةُ بِالْكُلِّ وَإِنْ تَفَاوَتَ الْفَضْلُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْإِمْدَادِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ أَيْ: يُفْرَضُ غَسْلُهُ) أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى الْغَسْلِ دُونَ الِاسْتِنْجَاءِ؛ لِأَنَّ غَسْلَ مَا عَدَا الْمَخْرَجَ لَا يُسَمَّى اسْتِنْجَاءً، وَفُسِّرَ الْوُجُوبُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُجَاوَزَةِ مَا زَادَ مِنْ الدِّرْهَمِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ، وَلِقَوْلِهِ فِي الْمُجْتَبَى " لَا يَجِبُ الْغَسْلُ بِالْمَاءِ إلَّا إذَا تَجَاوَزَ مَا عَلَى نَفْسِ الْمَخْرَجِ وَمَا حَوْلَهُ مِنْ مَوْضِعِ الشَّرْجِ وَكَانَ الْمُجَاوِزُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ ". اهـ. وَلِذَا قَيَّدَ الشَّارِحُ النَّجَسَ بِقَوْلِهِ مَائِعٌ. وَالشَّرَجُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْجِيمِ: مَجْمَعُ حَلَقَةِ الدُّبُرِ الَّذِي يَنْطَبِقُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. (قَوْلُهُ: إنْ جَاوَزَ الْمَخْرَجَ) يَشْمَلُ الْإِحْلِيلَ، فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِذَا أَصَابَ طَرَفَ الْإِحْلِيلِ مِنْ الْبَوْلِ أَكْثَرُ مِنْ الدِّرْهَمِ يَجِبُ غَسْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ. وَلَوْ مَسَحَهُ بِالْمَدَرِ، قِيلَ يُجْزِئُهُ قِيَاسًا عَلَى الْمَقْعَدَةِ، وَقِيلَ: لَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 وَيُعْتَبَرُ الْقَدْرُ الْمَانِعُ لِصَلَاةٍ (فِيمَا وَرَاءَ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ) ؛ لِأَنَّ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ سَاقِطٌ شَرْعًا وَإِنْ كَثُرَ، وَلِهَذَا لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَهُ. (وَكُرِهَ) تَحْرِيمًا (بِعَظْمٍ وَطَعَامٍ وَرَوْثٍ)   [رد المحتار] أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ قُلْفَةَ الْأَقْلَفِ الْقَدْرُ الْمَانِعُ فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ. [تَنْبِيهٌ] مُقْتَضَى اقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْمَخْرَجِ أَيْ: وَمَا حَوْلَهُ مِنْ مَوْضِعِ الشَّرْجِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الْمُجَاوِزِ لِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْغَائِطُ الصَّفْحَةَ وَهِيَ مَا يَنْضَمُّ مِنْ الْأَلْيَتَيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ وَالْبَوْلُ الْحَشَفَةَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ حَيْثُ اكْتَفَوْا بِالْحَجَرِ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ إلَخْ) أَيْ: خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا جَاوَزَ الْمَخْرَجَ إنْ زَادَ عَلَى الدِّرْهَمِ فِي نَفْسِهِ يُفْتَرَضُ غَسْلُهُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ زَادَ بِضَمِّ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ إلَيْهِ لَا يُفْرَضُ عِنْدَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ عِنْدَهُمَا فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ مُطْلَقًا حَتَّى لَا يُضَمَّ إلَى مَا عَلَى بَدَنِهِ مِنْ النَّجَسِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُفْرَضُ غَسْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ عِنْدَهُ فَلَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ وَيُضَمُّ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْهُ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ غَسْلِهِ فِي الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ، وَفِيمَا لَوْ أَصَابَهُ نَجَسٌ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ. نُوحٌ عَنْ الْبُرْهَانِ. وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا قَاسِمٌ. قُلْت: وَعَلَيْهِ الْكَنْزُ وَالْمُصَنِّفُ، وَاسْتَوْجَبَهُ فِي الْحِلْيَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَأَيَّدَهُ بِكَلَامِ الْفَتْحِ حَيْثُ بَحَثَ فِي دَلِيلِهِمَا، وَبِقَوْلِ الْغَزْنَوِيِّ فِي مُقَدِّمَتِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا: مَنْ اسْتَجْمَرَ بِالْأَحْجَارِ وَأَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ يَسِيرَةٌ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا جُمِعَ زَادَ عَلَى الدِّرْهَمِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا عَنْ الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ الْأَحْوَطُ، وَعَلَيْهِ فَالْوَاجِبُ لَيْسَ غَسْلَ الْمُتَجَاوِزِ بِعَيْنِهِ وَلَا الْجَمِيعِ، بَلْ الْمُتَجَاوِزِ أَوْ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْحِلْيَةِ أَيْ: لِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ دِرْهَمٌ أَوْ أَقَلُّ كَانَ عَفْوًا، ثُمَّ قَالَ: إنَّ قَوْلَهُمْ بِوُجُوبِ غَسْلِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لِقُرْبِهِ مِنْ الْفَرْضِ وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ تَصَرُّفَاتِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَأْثُورٍ عَنْ أَصْحَابِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا عَنْهُ فِي الْأَنْجَاسِ نَحْوَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لِصَلَاةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَانِعِ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا إلَخْ) اسْتِدْلَالٌ عَلَى سُقُوطِ اعْتِبَارِ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ، وَفِيهِ أَنَّ تَرْكَ غَسْلِ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ إنَّمَا لَا يُكْرَهُ بَعْدَ الِاسْتِجْمَارِ كَمَا عَرَفْته لَا مُطْلَقًا، فَالدَّلِيلُ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ تَحْرِيمًا إلَخْ) كَذَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْبَحْرِ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ أَيْ: فِيمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ " لَا بِعَظْمٍ وَرَوْثٍ وَطَعَامٍ وَيَمِينٍ. أَقُولُ: أَمَّا الْعَظْمُ وَالرَّوْثُ فَالنَّهْيُ وَرَدَ فِيهِمَا صَرِيحًا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «لَمَّا سَأَلَهُ الْجِنُّ الزَّادَ فَقَالَ: لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا كَانَ لَحْمًا وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إخْوَانِكُمْ» وَعَلَّلَ فِي الْهِدَايَةِ لِلرَّوْثِ بِالنَّجَاسَةِ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثٍ آخَرَ «إنَّهَا رِكْسٌ» لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا لَا يُفِيدُ التَّحْرِيمَ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِحَجَرٍ اُسْتُنْجِيَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَهْيٌ أَيْضًا. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَإِذَا ثَبَتَ النَّهْيُ فِي مَطْعُومِ الْجِنِّ وَعَلَفِ دَوَابِّهِمْ فَفِي مَطْعُومِ الْإِنْسِ وَعَلَفِ دَوَابِّهِمْ بِالْأَوْلَى. وَأَمَّا الْيَمِينُ فَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا «إذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَأْخُذَنَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلَا يَسْتَنْجِي بِيَمِينِهِ» . وَأَمَّا الْآجُرُّ وَالْخَزَفُ فَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ يَضُرُّ الْمَقْعَدَةَ، فَإِنْ تَيَقَّنَ الضَّرَرَ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: لَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ يُفِيدُ النَّهْيَ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِمَا. وَأَمَّا الشَّيْءُ الْمُحْتَرَمُ فَلِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. وَأَمَّا حَقُّ الْغَيْرِ وَلَوْ جِدَارَ مَسْجِدٍ أَوْ مِلْكَ آدَمِيٍّ فَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَدِّي الْمُحَرَّمِ. وَأَمَّا الْفَحْمُ فَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ يَضُرُّ الْمَقْعَدَةَ كَالزُّجَاجِ وَالْخَزَفِ، وَفِيهِ مَا عَلِمْته، نَعَمْ فِي الْحِلْيَةِ رَوَى أَبُو دَاوُد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 يَابِسٍ كَعَذِرَةٍ يَابِسَةٍ وَحَجَرٍ اُسْتُنْجِيَ بِهِ إلَّا بِحَرْفٍ آخَرَ (وَآجُرٍّ وَخَزَفٍ وَزُجَاجٍ وَ) شَيْءٍ مُحْتَرَمٍ (كَخِرْقَةِ دِيبَاجٍ وَيَمِينٍ) وَلَا عُذْرَ بِيُسْرَاهُ، فَلَوْ مَشْلُولَةً وَلَمْ يَجِدْ مَاءً جَارِيًا وَلَا صَابًّا تَرَكَ الْمَاءَ، وَلَوْ شُلَّتَا   [رد المحتار] عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «قَدِمَ وَفْدُ الْجِنِّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ انْهَ أُمَّتَك أَنْ يَسْتَنْجُوا بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثَةٍ أَوْ حُمَمَةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - جَعَلَ لَنَا فِيهَا رِزْقًا، قَالَ: فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْحُمَمُ: الْفَحْمُ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] اُسْتُفِيدَ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَظْمَ مَيْتَةٍ لَا يُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: يَابِسٍ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ صَحَّ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُجَفِّفُ مَا عَلَى الْبَدَنِ مِنْ النَّجَاسَةِ الرَّطْبَةِ بَحْرٌ. أَيْ: بِخِلَافِ الرَّطْبِ فَإِنَّهُ لَا يُجَفِّفُ فَلَا يَصِحُّ بِهِ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: اُسْتُنْجِيَ بِهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ. (قَوْلُهُ: إلَّا بِحَرْفٍ آخَرَ) أَيْ: لَمْ تُصِبْهُ النَّجَاسَةُ. (قَوْلُهُ: وَآجُرٍّ) بِالْمَدِّ الطُّوبُ الْمَشْوِيُّ. (قَوْلُهُ: وَخَزَفٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالزَّايِ بَعْدَهَا فَاءٌ. فِي الْقَامُوسِ: هُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْ طِينٍ يُشْوَى بِالنَّارِ حَتَّى يَكُونَ فَخَّارًا حِلْيَةٌ، وَفَسَّرَهُ فِي الْإِمْدَادِ بِصِغَارِ الْحَصَى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الْخَذْفَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ السَّاكِنَةِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ: الرَّمْيُ بِحَصَاةٍ أَوْ نَوَاةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا بِالسِّبَابَتَيْنِ، فَيَكُونُ أَطْلَقَ الْمَصْدَرَ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَشَيْءٍ مُحْتَرَمٍ) أَيْ: مَا لَهُ احْتِرَامٌ وَاعْتِبَارٌ شَرْعًا، فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مُتَقَوِّمٍ إلَّا الْمَاءَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَصْدُقُ بِمَا يُسَاوِي فَلْسًا لِكَرَاهَةِ إتْلَافِهِ كَمَا مَرَّ، وَيَدْخُلُ فِيهِ جَزْءُ الْآدَمِيِّ وَلَوْ كَافِرًا أَوْ مَيِّتًا وَلِذَا لَا يَجُوزُ كَسْرُ عَظْمِهِ، وَصَرَّحَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ مِنْ الْمُحْتَرَمِ جَزْءُ حَيَوَانٍ مُتَّصِلٍ بِهِ وَلَوْ فَأْرَةً، بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ عَنْ حَيَوَانٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ كُنَاسَةُ مَسْجِدٍ، وَلِذَا لَا تُلْقَى فِي مَحَلٍّ مُمْتَهَنٍ، وَدَخَلَ أَيْضًا مَاءُ زَمْزَمَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ فَصْلِ الْمِيَاهِ، وَيَدْخُلُ أَيْضًا الْوَرَقُ. قَالَ فِي السِّرَاجِ: قِيلَ: إنَّهُ وَرَقُ الْكِتَابَةِ، وَقِيلَ: وَرَقُ الشَّجَرِ وَأَيُّهُمَا كَانَ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ اهـ. وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَانْظُرْ مَا الْعِلَّةُ فِي وَرَقِ الشَّجَرِ، وَلَعَلَّهَا كَوْنُهُ عَلَفًا لِلدَّوَابِّ أَوْ نُعُومَتُهُ فَيَكُونُ مُلَوِّثًا غَيْرَ مُزِيلٍ، وَكَذَا وَرَقُ الْكِتَابَةِ لِصِقَالَتِهِ وَتَقَوُّمِهِ، وَلَهُ احْتِرَامٌ أَيْضًا لِكَوْنِهِ آلَةً لِكِتَابَةِ الْعِلْمِ، وَلِذَا عَلَّلَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِأَنَّ تَعْظِيمَهُ مِنْ أَدَبِ الدِّينِ. وَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يَجُوزُ بِمَا كُتِبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْعِلْمِ الْمُحْتَرَمِ كَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَمَا كَانَ آلَةً لِذَلِكَ. أَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَرَمِ كَفَلْسَفَةٍ وَتَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ عُلِمَ تَبَدُّلُهُمَا وَخُلُوُّهُمَا عَنْ اسْمٍ مُعَظَّمٍ فَيَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ. اهـ. وَنَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ الْجَوَازَ بِكُتُبِ الْحُكْمِيَّاتِ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَأَقَرَّهُ. قُلْت: لَكِنْ نَقَلُوا عِنْدَنَا أَنَّ لِلْحُرُوفِ حُرْمَةً وَلَوْ مُقَطَّعَةً. وَذَكَرَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ أَنَّ حُرُوفَ الْهِجَاءِ قُرْآنٌ أُنْزِلَتْ عَلَى هُودٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَمُفَادُهُ الْحُرْمَةُ بِالْمَكْتُوبِ مُطْلَقًا، وَإِذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي الْأَبْيَضِ كَوْنُهُ آلَةً لِلْكِتَابَةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِيمَا لَا يَصْلُحُ لَهَا إذَا كَانَ قَالِعًا لِلنَّجَاسَةِ غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ جَوَازِهِ بِالْخِرَقِ الْبَوَالِي، وَهَلْ إذَا كَانَ مُتَقَوِّمًا ثُمَّ قَطَعَ مِنْهُ قِطْعَةً لَا قِيمَةَ لَهَا بَعْدَ الْقَطْعِ يُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهَا أَمْ لَا؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَنْجِ بِمُتَقَوِّمٍ، نَعَمْ قَطْعُهُ لِذَلِكَ الظَّاهِرُ كَرَاهَتُهُ لَوْ بِلَا عُذْرٍ، بِأَنْ وُجِدَ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَطْعِ إتْلَافٌ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -. [تَنْبِيهٌ] يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْكَرَاهَةِ فِيمَا لَهُ قِيمَةٌ بِمَا إذَا أَدَّى إلَى إتْلَافِهِ، أَمَّا لَوْ اسْتَنْجَى بِهِ مِنْ بَوْلٍ أَوْ مَنِيٍّ مَثَلًا وَكَانَ يُغْسَلُ بَعْدَهُ فَلَا كَرَاهَةَ إلَّا إذَا كَانَ شَيْئًا ثَمِينًا تَنْقُصُ قِيمَتُهُ بِغَسْلِهِ كَمَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا بِخِرْقَةِ الْمَنِيِّ لَيْلَةَ الْعُرْسِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَا صَابًّا) أَمَّا لَوْ وَجَدَ صَابًّا كَخَادِمٍ وَزَوْجَةٍ لَا يَتْرُكُهُ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ وَتَقَدَّمَ فِي التَّيَمُّمِ الْكَلَامُ عَلَى الْقَادِرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 سَقَطَ أَصْلًا كَمَرِيضٍ وَمَرِيضَةٍ لَمْ يَجِدَا مَنْ يَحِلُّ جِمَاعُهُ (وَفَحْمٍ وَعَلَفِ حَيَوَانٍ) وَحَقِّ غَيْرٍ وَكُلِّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ (فَلَوْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ) مَعَ الْكَرَاهَةِ لِحُصُولِ الْإِنْقَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ سُنَّةٌ لَا غَيْرُ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مُقِيمًا لَهَا بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ (كَمَا كُرِهَ) تَحْرِيمًا (اسْتِقْبَالُ قِبْلَةٍ وَاسْتِدْبَارُهَا لِ) أَجْلِ (بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ) فَلَوْ لِلِاسْتِنْجَاءِ لَمْ يُكْرَهْ (وَلَوْ فِي بُنْيَانٍ) لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ (فَإِنْ جَلَسَ مُسْتَقْبِلًا لَهَا) غَافِلًا (ثُمَّ ذَكَرَهُ انْحَرَفَ) نَدْبًا لِحَدِيثِ الطَّبَرِيِّ «مَنْ جَلَسَ   [رد المحتار] بِقُدْرَةِ الْغَيْرِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: سَقَطَ أَصْلًا) أَيْ: بِالْمَاءِ وَالْحَجَرِ. (قَوْلُهُ: كَمَرِيضٍ إلَخْ) فِي التَّتَارْخَانِيَّة: الرَّجُلُ الْمَرِيضُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ وَلَا أَمَةٌ وَلَهُ ابْنٌ أَوْ أَخٌ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ قَالَ يُوَضِّئُهُ ابْنُهُ أَوْ أَخُوهُ غَيْرَ الِاسْتِنْجَاءِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَمَسُّ فَرْجَهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ وَالْمَرْأَةُ الْمَرِيضَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَهِيَ لَا تَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ وَلَهَا بِنْتٌ أَوْ أُخْتٌ تُوَضِّئُهَا وَيَسْقُطُ عَنْهَا الِاسْتِنْجَاءُ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ يَجْرِي فِيمَنْ شُلَّتْ يَدَاهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَرِيضِ. (قَوْلُهُ: وَحَقِّ غَيْرٍ) أَيْ: كَحَجَرِهِ وَمَائِهِ الْمُحْرَزِ لَوْ بِلَا إذْنِهِ وَمِنْهُ الْمُسَبَّلُ لِلشُّرْبِ فَقَطْ وَجِدَارٌ وَلَوْ لِمَسْجِدٍ أَوْ دَارٌ وَقْفٌ لَمْ يَمْلِكْ مَنَافِعَهَا كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَكُلِّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ) أَيْ: لِإِنْسِيٍّ أَوْ جِنِّيٍّ أَوْ دَوَابِّهِمَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مِمَّا لَا يَتْلَفُ بِأَنْ كَانَ يُمْكِنُ غَسْلُهُ. (قَوْلُهُ: مَعَ الْكَرَاهَةِ) أَيْ: التَّحْرِيمِيَّةِ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَالتَّنْزِيهِيَّةِ فِي غَيْرِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَوَّلًا، وَمَا ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ عَنْ النَّظْمِ مِنْ أَنَّهُ يَسْتَنْجِي بِثَلَاثَةِ أَمَدَارٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِالْأَحْجَارِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِثَلَاثَةِ أَكُفٍّ مِنْ تُرَابٍ لَا بِمَا سِوَاهَا مِنْ الْخِرْقَةِ وَالْقُطْنِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُورِثُ الْفَقْرَ. اهـ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: إِنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرِ الْوَجْهِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: لَا بِمَا سِوَاهَا إلَخْ. فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ الْمُتَقَوِّمُ لَا مُطْلَقًا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحَدِيثِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) كَذَا فِي الْبَحْرِ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمَسْنُونَ إنَّمَا هُوَ الْإِزَالَةُ، وَنَحْوُ الْحَجَرِ لَمْ يُقْصَدْ بِذَاتِهِ بَلْ؛ لِأَنَّهُ مُزِيلٌ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْإِزَالَةَ بِهَذَا الْخَاصِّ مَنْهِيٌّ وَذَا لَا يَنْفِي كَوْنَهُ مُزِيلًا. وَنَظِيرُهُ لَوْ صَلَّى السُّنَّةَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ كَانَ آتِيًا بِهَا مَعَ ارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. اهـ. قُلْت: وَأَصْلُ الْجَوَابِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كَافِي النَّسَفِيِّ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ النَّهْيَ فِي غَيْرِهِ، فَلَا يَنْفِي مَشْرُوعِيَّتَهُ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ مَغْصُوبٍ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَشْرُوعِيَّةِ الصِّحَّةَ، لَكِنْ يُقَالُ عَلَيْهِ: إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ السُّنَّةِ الثَّوَابُ وَهُوَ مُنَافٍ لِلنَّهْيِ، بِخِلَافِ الْفَرْضِ فَإِنَّهُ مَعَ النَّهْيِ يَحْصُلُ بِهِ سُقُوطُ الْمُطَالَبَةِ، كَمَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ وَإِنْ أَثِمَ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَدَّدَ بِهِ الْوُضُوءَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَإِنْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوَابٌ (قَوْلُهُ: اسْتِقْبَالُ قِبْلَةٍ) أَيْ: جِهَتِهَا كَمَا فِي الصَّلَاةِ فِيمَا يَظْهَرُ. وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَلَهَا بِصَدْرِهِ وَحَوَّلَ ذَكَرَهُ عَنْهَا وَبَالَ لَمْ يُكْرَهْ بِخِلَافِ عَكْسِهِ. اهـ. أَيْ: فَالْمُعْتَبَرُ الِاسْتِقْبَالُ بِالْفَرْجِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ " وَهَلْ يَلْزَمُهُ التَّحَرِّي لَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ، وَلَوْ هَبَّتْ رِيحٌ عَنْ يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَيَسَارِهَا وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَوْدُ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ اسْتِدْبَارُ الْقِبْلَةِ حَيْثُ أَمْكَنَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ أَفْحَشُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. (قَوْلُهُ: وَاسْتِدْبَارُهَا) هُوَ الصَّحِيحُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَحِلُّ الِاسْتِدْبَارُ. (قَوْلُهُ: لَمْ يُكْرَهْ) أَيْ: تَحْرِيمًا، لِمَا فِي الْمُنْيَةِ أَنَّ تَرْكَهُ أَدَبٌ، وَلِمَا مَرَّ فِي الْغُسْلِ أَنَّ مِنْ آدَابِهِ أَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ غَالِبًا مَعَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ مَسْتُورَةً لَا بَأْسَ بِهِ، وَلِقَوْلِهِمْ يُكْرَهُ مَدُّ الرِّجْلَيْنِ إلَى الْقِبْلَةِ فِي النَّوْمِ وَغَيْرِهِ عَمْدًا، وَكَذَا فِي حَالَ مُوَاقَعَةِ أَهْلِهِ. مَطْلَبٌ الْقَوْلُ الْمُرَجَّحُ عَلَى الْفِعْلِ (قَوْلُهُ: لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ) وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» رَوَاهُ السِّتَّةُ، وَفِيهِ رَدٌّ لِرِوَايَةِ حِلِّ الِاسْتِدْبَارِ، وَلِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ فِي الْبُنْيَانِ أَخْذًا مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 يَبُولُ قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ فَذَكَرَهَا فَانْحَرَفَ عَنْهَا إجْلَالًا لَهَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ» (إنْ أَمْكَنَهُ وَإِلَّا فَلَا) بَأْسَ. (وَكَذَا يُكْرَهُ) هَذِهِ تَعُمُّ التَّحْرِيمِيَّةَ وَالتَّنْزِيهِيَّةَ (لِلْمَرْأَةِ إمْسَاكُ صَغِيرٍ لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) وَكَذَا مَدُّ رِجْلِهِ إلَيْهَا (وَاسْتِقْبَالُ شَمْسٍ وَقَمَرٍ لَهُمَا) أَيْ: لِأَجْلِ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ (وَبَوْلٌ وَغَائِطٍ فِي مَاءٍ وَلَوْ جَارِيًا) فِي الْأَصَحِّ وَفِي الْبَحْرِ   [رد المحتار] «قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - رَقِيتُ يَوْمًا عَلَى بَيْتِ حَفْصَةَ فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ قَوْلٌ وَهَذَا فِعْلٌ، وَالْقَوْلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَحْتَمِلُ الْخُصُوصِيَّةَ وَالْعُذْرَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَبِأَنَّهُ مُحَرِّمٌ وَهَذَا مُبِيحٌ، وَالْمُحَرِّمُ مُقَدَّمٌ. وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: قُبَالَةَ) بِضَمِّ الْقَافِ بِمَعْنَى تُجَاهَ قَامُوسٌ. اهـ. ط. (قَوْلُهُ: فَانْحَرَفَ عَنْهَا) أَيْ: بِجُمْلَتِهِ أَوْ بِقُبُلِهِ حَتَّى خَرَجَ عَنْ جِهَتِهَا وَالْكَلَامُ مَعَ الْإِمْكَانِ، فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَنْهِيَّ اسْتِقْبَالُ الْعَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ) أَيْ: تَقْصِيرُهُ فِي عَدَمِ تَثَبُّتِهِ حَتَّى غَفَلَ وَاسْتَقْبَلَهَا، أَوْ الْمُرَادُ غُفْرَانُ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذُنُوبِهِ الصَّغَائِرِ {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] . (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَلَا بَأْسَ، وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْكَرَاهَةِ أَصْلًا. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يَنْحَرِفْ مَعَ الْإِمْكَانِ فَلَا بَأْسَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ بِهِ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا هُوَ الشَّائِعُ فِي اسْتِعْمَالِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الشَّارِحُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ نَدْبًا (قَوْلُهُ: هَذِهِ إلَخْ) الْإِشَارَةُ إلَى الْكَرَاهَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَشْيَاءِ الْآتِيَةِ. أَيْ: بِخِلَافِ كَرَاهَةِ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ فَإِنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَوَّلًا، وَأَرَادَ دَفْعَ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْآتِيَةِ مِثْلُهَا بِمُقْتَضَى ظَاهِرِ التَّشْبِيهِ. (قَوْلُهُ: إمْسَاكُ صَغِيرٍ) هَذِهِ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ الْفِعْلُ مِنْ الْمَرْأَةِ ط. (قَوْلُهُ: وَكَذَا مَدُّ رِجْلِهِ) هِيَ كَرَاهَةٌ تَنْزِيهِيَّةٌ ط، لَكِنْ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ بِمَدِّ الرِّجْلِ إلَيْهَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ فَلْيُحَرَّرْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَاسْتِقْبَالُ شَمْسٍ وَقَمَرٍ) لِأَنَّهُمَا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الْبَاهِرَةِ، وَقِيلَ لِأَجْلِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُمَا سِرَاجٌ. وَنَقَلَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ عَنْ الْمِفْتَاحِ: وَلَا يَقْعُدْ مُسْتَقْبِلًا لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَلَا مُسْتَدْبِرًا لَهُمَا لِلتَّعْظِيمِ. اهـ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ هُنَا تَنْزِيهِيَّةٌ مَا لَمْ يَرِدْ نَهْيٌ، وَهَلْ الْكَرَاهَةُ هُنَا فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبُنْيَانِ كَمَا فِي الْقِبْلَةِ أَمْ فِي الصَّحْرَاءِ فَقَطْ؟ وَهَلْ اسْتِقْبَالُ الْقَمَرِ نَهَارًا كَذَلِكَ؟ لَمْ أَرَهُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِقْبَالُ عَيْنِهِمَا مُطْلَقًا لَا جِهَتِهِمَا وَلَا ضَوْئِهِمَا، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ سَاتِرٌ يَمْنَعُ عَنْ الْعَيْنِ وَلَوْ سَحَابًا فَلَا كَرَاهَةَ، وَأَنَّ الْكَرَاهَةَ إذَا لَمْ يَكُونَا فِي كَبِدِ السَّمَاءِ وَإِلَّا فَلَا اسْتِقْبَالَ لِلْعَيْنِ، وَلَمْ أَرَهُ أَيْضًا فَلْيُحَرَّرْ نَقْلًا. ثُمَّ رَأَيْت فِي نُورِ الْإِيضَاحِ قَالَ: وَاسْتِقْبَالُ عَيْنِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ. (قَوْلُهُ: فِي مَاءٍ وَلَوْ جَارِيًا إلَخْ) لِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَعَنْهُ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الْجَارِي» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ يُقَذِّرُهُ، وَرُبَّمَا أَدَّى إلَى تَنْجِيسِهِ. وَأَمَّا الرَّاكِدُ الْقَلِيلُ فَيَحْرُمُ الْبَوْلُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُنَجِّسُهُ وَيُتْلِفُ مَالِيَّتَهُ وَيَغُرُّ غَيْرَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ وَالتَّغَوُّطُ فِي الْمَاءِ أَقْبَحُ مِنْ الْبَوْلِ، وَكَذَا إذَا بَالَ فِي إنَاءٍ ثُمَّ صَبَّهُ فِي الْمَاءِ أَوْ بَالَ بِقُرْبِ النَّهْرِ فَجَرَى إلَيْهِ، فَكُلُّهُ مَذْمُومٌ قَبِيحٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَأَمَّا انْغِمَاسُ الْمُسْتَنْجِي بِحَجَرٍ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ، فَهُوَ حَرَامٌ لِتَنْجِيسِ الْمَاءِ وَتَلَطُّخِهِ بِالنَّجَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ جَارِيًا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ رَاكِدًا فَلَا تَظْهَرُ كَرَاهَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْبَوْلِ وَلَا يُقَارِبُهُ، لَكِنَّ اجْتِنَابَهُ أَحْسَنُ اهـ. كَذَا فِي الضِّيَاءِ الْمَعْنَوِيِّ شَرْحِ مُقَدِّمَةِ الْغَزْنَوِيِّ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَحْرِ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي بَحْثِ الْمِيَاهِ تَوْفِيقًا بِصِيغَةِ يَنْبَغِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 أَنَّهَا فِي الرَّاكِدِ تَحْرِيمِيَّةٌ، وَفِي الْجَارِي تَنْزِيهِيَّةٌ (وَعَلَى طَرَفِ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ حَوْضٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ أَوْ فِي زَرْعٍ أَوْ فِي ظِلٍّ) يُنْتَفَعُ بِالْجُلُوسِ فِيهِ (وَبِجَنْبِ مَسْجِدٍ وَمُصَلَّى عِيدٍ، وَفِي مَقَابِرَ، وَبَيْنَ دَوَابَّ، وَفِي طَرِيقِ) النَّاسِ (وَ) فِي (مَهَبِّ رِيحٍ وَجُحْرِ فَأْرَةٍ أَوْ حَيَّةٌ أَوْ نَمْلَةٍ وَثَقْبٍ) زَادَ الْعَيْنِيُّ: وَفِي مَوْضِعٍ يَعْبُرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ أَوْ يَقْعُدُ عَلَيْهِ، وَبِجَنْبِ طَرِيقٍ أَوْ قَافِلَةٍ أَوْ خَيْمَةٍ وَفِي أَسْفَلِ الْأَرْضِ إلَى أَعْلَاهَا، وَالتَّكَلُّمُ عَلَيْهِمَا   [رد المحتار] تَنْبِيهٌ] يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ فِي سَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ، فَلَا يُكْرَهُ لَهُ الْبَوْلُ وَالتَّغَوُّطُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ وَمِثْلُهُ بُيُوتُ الْخَلَاءِ فِي دِمَشْقَ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ مَاءَهَا يَجْرِي دَائِمًا، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ مَنْعُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ بِهَا، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ بِهَا بَعْدَ نُزُولِهِ مِنْ الْجُرْنِ إلَى الْأَسْفَلِ لَمْ تَبْقَ لَهُ حُرْمَةُ الْمَاءِ الْجَارِي لِقُرْبِ اتِّصَالِهِ بِالنَّجَاسَةِ فَلَا تَظْهَرُ فِيهِ الْعِلَّةُ الْمَارَّةُ لِلْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مُعَدًّا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ نَعَمْ ذَكَرَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي شَرْحِ الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ أَنَّهُ يَظْهَرُ الْمَنْعُ مِنْ اتِّخَاذِ بُيُوتِ الْخَلَاءِ فَوْقَ الْأَنْهَارِ الطَّاهِرَةِ، وَكَذَا إجْرَاءُ مِيَاهِ الْكُنُفِ إلَيْهَا بِخِلَافِ إجْرَائِهَا إلَى النَّهْرِ الَّذِي هُوَ مَجْمَعُ الْمِيَاهِ النَّجِسَةِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمَالِحِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -. (قَوْلُهُ: وَعَلَى طَرَفِ نَهْرٍ إلَخْ) أَيْ: وَإِنْ لَمْ تَصِلْ النَّجَاسَةُ إلَى الْمَاءِ لِعُمُومِ نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبَرَازِ فِي الْمَوَارِدِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ الْمَارِّينَ بِالْمَاءِ، وَخَوْفِ وُصُولِهَا إلَيْهِ، كَذَا فِي الضِّيَاءِ عَنْ النَّوَوِيِّ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ) أَيْ: لِإِتْلَافِ الثَّمَرِ وَتَنْجِيسِهِ إمْدَادٌ. وَالْمُتَبَادِرُ أَنَّ الْمُرَادَ وَقْتُ الثَّمَرَةِ، وَيَلْحَقُ بِهِ مَا قَبْلَهُ بِحَيْثُ لَا يَأْمَنُ زَوَالَ النَّجَاسَةِ بِمَطَرٍ أَوْ نَحْوِهِ، كَجَفَافِ أَرْضٍ مِنْ بَوْلٍ. وَيَدْخُلُ فِيهِ الثَّمَرُ الْمَأْكُولُ وَغَيْرُهُ وَلَوْ مَشْمُومًا لِاحْتِرَامِ الْكُلِّ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْغَزْنَوِيَّةِ: وَلَا عَلَى خَضِرَةٍ يَنْتَفِعُ النَّاسُ بِهَا. (قَوْلُهُ: أَوْ فِي ظِلٍّ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةَ الطَّرِيقِ، وَالظِّلَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. (قَوْلُهُ: يُنْتَفَعُ بِالْجُلُوسِ فِيهِ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلِاجْتِمَاعِ عَلَى مُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ وَإِلَّا فَقَدْ يُقَالُ يُطْلَبُ ذَلِكَ لِدَفْعِهِمْ عَنْهُ وَيَلْحَقُ بِالظِّلِّ فِي الصَّيْفِ مَحَلُّ الِاجْتِمَاعِ فِي الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ. (قَوْلُهُ: وَفِي مَقَابِرَ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ يَتَأَذَّى بِمَا يَتَأَذَّى بِهِ الْحَيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْمُرُورَ فِي سِكَّةٍ حَادِثَةٍ فِيهَا حَرَامٌ، فَهَذَا أَوْلَى ط. (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ دَوَابَّ) لِخَشْيَةِ حُصُولِ أَذِيَّةٍ مِنْهَا وَلَوْ بِتَنَجُّسٍ بِنَحْوِ مَشْيِهَا. (قَوْلُهُ: وَفِي مَهَبِّ رِيحٍ) لِئَلَّا يَرْجِعَ الرَّشَاشُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَجُحْرٍ) بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ عَلَى الْمُهْمَلَةِ هُوَ مَا يَحْتَفِرُهُ الْهَوَامُّ وَالسِّبَاعُ لِأَنْفُسِهَا قَامُوسٌ، لِقَوْلِ قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَالَ فِي الْجُحْرِ، قَالُوا لِقَتَادَةَ مَا يُكْرَهُ مِنْ الْبَوْلِ فِي الْجُحْرِ؟ قَالَ: يُقَالُ إنَّهُ مَسَاكِنُ الْجِنِّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَقَدْ يَخْرُجُ عَلَيْهِ مِنْ الْجُحْرِ مَا يَلْسَعُهُ أَوْ يَرُدُّ عَلَيْهِ بَوْلَهُ. وَنُقِلَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ الْخَزْرَجِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَتَلَتْهُ الْجِنُّ؛ لِأَنَّهُ بَالَ فِي جُحْرٍ بِأَرْضِ حَوْرَانَ، وَتَمَامُهُ فِي الضِّيَاءِ. (قَوْلُهُ: وَثَقْبٍ) الْخَرْقُ النَّافِذُ قَامُوسٌ، وَهُوَ بِالْفَتْحِ وَاحِدُ الثُّقُوبِ، وَبِالضَّمِّ جَمْعُ ثُقْبَةٍ كَالثَّقْبِ بِفَتْحِ الْقَافِ. اهـ. مُخْتَارٌ، ثُمَّ هَذَا يُغْنِي عَنْهُ مَا قَبْلَهُ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ لِذَلِكَ كَبَالُوعَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ. (قَوْلُهُ: زَادَ الْعَيْنِيُّ إلَخْ) أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ أَيْضًا الْبَوْلُ عَلَى مَا مُنِعَ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ لِاحْتِرَامِهِ كَالْعَظْمِ وَنَحْوِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ. (قَوْلُهُ: يَعْبُرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ) هَذَا أَعَمُّ مِنْ طَرِيقِ النَّاسِ. (قَوْلُهُ: وَبِجَنْبِ طَرِيقٍ أَوْ قَافِلَةٍ) قَيَّدَ ذَلِكَ فِي الْغَزْنَوِيَّةِ بِقَوْلِهِ: وَالْهَوَاءُ يَهَبُ مِنْ صَوْبِهِ إلَيْهَا. قَالَ فِي الضِّيَاءِ: أَيْ: إلَى الطَّرِيقِ أَوْ الْقَافِلَةِ، وَالْوَاوُ لِلْحَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي أَسْفَلِ الْأَرْضِ إلَخْ) أَيْ: بِأَنْ يَقْعُدَ فِي أَسْفَلِهَا وَيَبُولَ إلَى أَعْلَاهَا فَيَعُودَ الرَّشَاشُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّكَلُّمُ عَلَيْهِمَا) أَيْ: عَلَى الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَخْرُجْ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَيَضْرِبَانِ الْغَائِطَ أَيْ: يَأْتِيَانِهِ وَالْمَقْتُ وَهُوَ الْبُغْضُ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَجْمُوعِ أَيْ: مَجْمُوعِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَالتَّحَدُّثِ فَبَعْضُ مُوجِبَاتِ الْمَقْتِ مَكْرُوهٌ إمْدَادٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 (وَأَنْ يَبُولَ قَائِمًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ مُجَرَّدًا مِنْ ثَوْبِهِ بِلَا عُذْرٍ أَوْ) يَبُولَ (فِي مَوْضِعٍ يَتَوَضَّأُ) هُوَ (أَوْ يَغْتَسِلُ فِيهِ) لِحَدِيثِ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ» . [فُرُوعٌ] يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِمَشْيٍ   [رد المحتار] تَنْبِيهٌ] عِبَارَةُ الْغَزْنَوِيَّةِ وَلَا يَتَكَلَّمْ فِيهِ أَيْ: فِي الْخَلَاءِ. وَفِي الضِّيَاءِ عَنْ بُسْتَانِ أَبِي اللَّيْثِ: يُكْرَهُ الْكَلَامُ فِي الْخَلَاءِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِحَالِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ. وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَهُمْ، وَزَادَ فِي الْإِمْدَادِ وَلَا يَتَنَحْنَحُ أَيْ: إلَّا بِعُذْرٍ، كَمَا إذَا خَافَ دُخُولَ أَحَدٍ عَلَيْهِ. اهـ. وَمِثْلُهُ بِالْأَوْلَى مَا لَوْ خَشِيَ وُقُوعَ مَحْذُورٍ بِغَيْرِهِ؟ وَلَوْ تَوَضَّأَ فِي الْخَلَاءِ لِعُذْرٍ هَلْ يَأْتِي بِالْبَسْمَلَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَدْعِيَتِهِ مُرَاعَاةً لِسُنَّةِ الْوُضُوءِ أَوْ يَتْرُكُهَا مُرَاعَاةً لِلْمَحَلِّ؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الثَّانِي لِتَصْرِيحِهِمْ بِتَقْدِيمِ النَّهْيِ عَلَى الْأَمْرِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَبُولَ قَائِمًا) لِمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْهُ «وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ، مَا كَانَ يَبُولُ إلَّا قَاعِدًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَقَدْ رُوِيَ فِي النَّهْيِ أَحَادِيثُ لَا تَثْبُتُ وَلَكِنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ ثَابِتٌ فَلِذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ يُكْرَهُ إلَّا لِعُذْرٍ، وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ. وَأَمَّا «بَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السُّبَاطَةِ الَّتِي بِقُرْبِ الدُّورِ» فَقَدْ ذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّهُ لَعَلَّهُ طَالَ عَلَيْهِ مَجْلِسٌ حَتَّى حَفَزَهُ الْبَوْلُ فَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّبَاعُدُ اهـ. أَوْ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَالَ قَائِمًا لِجُرْحٍ بِمَأْبِضِهِ» بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ: وَهُوَ بَاطِنُ الرُّكْبَةِ، أَوْ لِوَجَعٍ كَانَ بِصُلْبِهِ وَالْعَرَبُ كَانَتْ تَسْتَشْفِي بِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا لِلْقُعُودِ، أَوْ فَعَلَهُ بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَتَمَامُهُ فِي الضِّيَاءِ. (قَوْلُهُ: أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ مُجَرَّدًا) لِأَنَّهُمَا مِنْ عَمَلِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى غَزْنَوِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: بِلَا عُذْرٍ) يَرْجِعُ إلَى جَمِيعِ مَا قَبْلَهُ ط. (قَوْلُهُ: يَتَوَضَّأُ هُوَ) قَدَّرَ هُوَ لِيُوَافِقَ الْحَدِيثَ وَيَثْبُتَ حُكْمُ غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ إلَخْ) لَفْظُهُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ عَنْ أَبِي دَاوُد «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ أَوْ يَتَوَضَّأُ فِيهِ، فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ» وَالْمَعْنَى مَوْضِعُهُ الَّذِي يَغْتَسِلُ فِيهِ بِالْحَمِيمِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْمَاءُ الْحَارُّ، ثُمَّ قِيلَ لِلِاغْتِسَالِ بِأَيِّ مَكَانِ اسْتِحْمَامٍ؛ وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْلَكٌ يَذْهَبُ فِيهِ الْبَوْلُ أَوْ كَانَ الْمَكَانُ صُلْبًا فَيُوهَمُ الْمُغْتَسِلُ أَنَّهُ أَصَابَهُ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَحْصُلُ بِهِ الْوَسْوَاسُ كَمَا فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ. اهـ. مَدَنِيٌّ. [فُرُوعٌ فِي الِاسْتِبْرَاء] مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِبْرَاءِ وَالِاسْتِنْقَاءِ وَالِاسْتِنْجَاءِ (قَوْلُهُ: يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إلَخْ) هُوَ طَلَبُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْخَارِجِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ بِزَوَالِ الْأَثَرِ. وَأَمَّا الِاسْتِنْقَاءُ هُوَ طَلَبُ النَّقَاوَةِ: وَهُوَ أَنْ يُدَلِّكَ الْمَقْعَدَةَ بِالْأَحْجَارِ أَوْ بِالْأَصَابِعِ حَالَةَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ. وَأَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ: فَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْأَحْجَارِ أَوْ الْمَاءِ، هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي الْغَزْنَوِيَّةِ. وَفِيهَا أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالرَّجُلِ إلَّا فِي الِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّهُ لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا، بَلْ كَمَا فَرَغَتْ تَصْبِرُ سَاعَةً لَطِيفَةً ثُمَّ تَسْتَنْجِي، وَمِثْلُهُ فِي الْإِمْدَادِ. وَعَبَّرَ بِالْوُجُوبِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ وَغَيْرِهَا، وَبَعْضُهُمْ عَبَّرَ بِأَنَّهُ فَرْضٌ وَبَعْضُهُمْ بِلَفْظِ يَنْبَغِي وَعَلَيْهِ فَهُوَ مَنْدُوبٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَمَحَلُّهُ إذَا أَمِنَ خُرُوجَ شَيْءٍ بَعْدَهُ فَيُنْدَبُ ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي الِاسْتِبْرَاءِ أَوْ الْمُرَادُ الِاسْتِبْرَاءُ بِخُصُوصِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ نَحْوِ الْمَشْيِ وَالتَّنَحْنُحِ، أَمَّا نَفْسُ الِاسْتِبْرَاءِ حَتَّى يَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ بِزَوَالِ الرَّشْحِ فَهُوَ فَرْضٌ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ، وَلِذَا قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: يَلْزَمُ الرَّجُلَ الِاسْتِبْرَاءُ حَتَّى يَزُولَ أَثَرُ الْبَوْلِ وَيَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ. وَقَالَ: عَبَّرْت بِاللُّزُومِ لِكَوْنِهِ أَقْوَى مِنْ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُفَوِّتُ الْجَوَازَ لِفَوْتِهِ فَلَا يَصِحُّ لَهُ الشُّرُوعُ فِي الْوُضُوءِ حَتَّى يَطْمَئِنَّ بِزَوَالِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 أَوْ تَنَحْنُحٍ أَوْ نَوْمٍ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ، وَيَخْتَلِفُ بِطِبَاعِ النَّاسِ. وَمَعَ طَهَارَةِ الْمَغْسُولِ تَطْهُرُ الْيَدُ؛ وَيُشْتَرَطُ إزَالَةُ الرَّائِحَةِ عَنْهَا وَعَنْ الْمَخْرَجِ إلَّا إذَا عَجَزَ، وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ، اسْتَنْجَى الْمُتَوَضِّئُ، إنْ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ بِأَنْ أَرْخَى انْتَقَضَ وَإِلَّا لَا. نَامَ أَوْ مَشَى عَلَى نَجَاسَةٍ، إنْ ظَهَرَ عَيْنُهَا تَنَجَّسَ وَإِلَّا لَا. وَلَوْ وَقَعَتْ فِي نَهْرٍ فَأَصَابَ ثَوْبَهُ، إنْ ظَهَرَ أَثَرُهَا تَنَجَّسَ وَإِلَّا لَا.   [رد المحتار] الرَّشْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَنَحْنُحٍ) لِأَنَّ الْعُرُوقَ مُمْتَدَّةٌ مِنْ الْحَلْقِ إلَى الذَّكَرِ وَبِالتَّنَحْنُحِ تَتَحَرَّكُ وَتَقْذِفُ مَا فِي مَجْرَى الْبَوْلِ. اهـ. ضِيَاءٌ. (قَوْلُهُ: وَيَخْتَلِفُ إلَخْ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فَمَنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ صَارَ طَاهِرًا جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ أَعْلَمُ بِحَالِهِ ضِيَاءٌ. قُلْت: وَمَنْ كَانَ بَطِيءَ الِاسْتِبْرَاءِ فَلْيَفْتِلْ نَحْوَ وَرَقَةٍ مِثْلَ الشَّعِيرَةِ وَيَحْتَشِي بِهَا فِي الْإِحْلِيلِ فَإِنَّهَا تَتَشَرَّبُ مَا بَقِيَ مِنْ أَثَرِ الرُّطُوبَةِ الَّتِي يَخَافُ خُرُوجُهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُغَيِّبَهَا فِي الْمَحَلِّ لِئَلَّا تَذْهَبَ الرُّطُوبَةُ إلَى طَرَفِهَا الْخَارِجِ، وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ. وَقَدْ جُرِّبَ ذَلِكَ فَوُجِدَ أَنْفَعَ مِنْ رَبْطِ الْمَحَلِّ لَكِنَّ الرَّبْطَ أَوْلَى إذَا كَانَ صَائِمًا لِئَلَّا يَفْسُدَ صَوْمُهُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ. (قَوْلُهُ: وَمَعَ طَهَارَةِ الْمَغْسُولِ تَطْهُرُ الْيَدُ) هَذَا مُخْتَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَقِيلَ: يَجِبُ غَسْلُهَا؛ لِأَنَّهَا تَتَنَجَّسُ بِالِاسْتِنْجَاءِ، وَقِيلَ: يُسَنُّ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا مَرَّ فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ نُوحٌ. وَنُقِلَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ وَبِيَدِهِ خَيْطٌ مَشْدُودٌ لَا يَطْهُرُ بِطَهَارَةِ الْيَدِ مَا لَمْ يُمِرَّ الْيَدَ بِالْخَيْطِ إمْرَارًا بَلِيغًا. (قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ إلَخْ) قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَهَابُ الرَّائِحَةِ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ، فَعَلَى هَذَا لَا يُقَدَّرُ بِالْمَرَّاتِ بَلْ يُسْتَعْمَلُ الْمَاءُ حَتَّى تَذْهَبَ الْعَيْنُ وَالرَّائِحَةُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يُسْتَعْمَلُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ قَدْ طَهُرَ وَقَدَّرُوهُ بِالثَّلَاثِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ شَمُّ يَدِهِ حَتَّى يَعْلَمَ زَوَالَ الرَّائِحَةِ وَعَلَى الثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ بَلْ يَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ أَرْخَى إلَخْ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِإِرْخَائِهِ نَفْسَهُ الشَّرْجُ الدَّاخِلُ وَهُوَ لَا يَخْلُو عَنْ رُطُوبَةِ النَّجَاسَةِ ثُمَّ رَأَيْتُهُ مَنْقُولًا عَنْ خَطِّ الْبَزَّازِيِّ فِي هَامِشِ نُسْخَتَيْ الْبَزَّازِيَّةِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِوَجْهِ السُّنَّةِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْإِرْخَاءِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فَهِمَهُ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ بِنَاءِ الْقَوْلِ بِالنَّقْضِ، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِوَجْهِ السُّنَّةِ هُوَ إدْخَالُ الْإِصْبَعِ فِي الدُّبُرِ، فَرُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَعْيَانِ الْمَشَايِخِ الْكِبَارِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُدْخِلُ الْإِصْبَعَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ. [تَتِمَّةٌ] إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ قَبْلَ أَنْ يَغْلِبَهُ الْخَارِجُ وَلَا يَصْحَبَهُ شَيْءٌ عَلَيْهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ وَلَا حَاسِرَ الرَّأْسِ وَلَا مَعَ الْقَلَنْسُوَةِ بِلَا شَيْءٍ عَلَيْهَا، فَإِذَا وَصَلَ إلَى الْبَابِ يَبْدَأُ بِالتَّسْمِيَةِ قَبْلَ الدُّعَاءِ هُوَ الصَّحِيحُ فَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ» ، ثُمَّ يَدْخُلُ بِالْيُسْرَى وَلَا يَكْشِفُ قَبْلَ أَنْ يَدْنُوَ إلَى الْقُعُودِ، ثُمَّ يُوَسِّعُ بَيْنَ رِجْلَيْهِ وَيَمِيلُ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَلَا يُفَكِّرُ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ كَالْفِقْهِ وَالْعِلْمِ، فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ يَمْنَعُ مِنْهُ شَيْءٌ أَعْظَمُ مِنْهُ وَلَا يَرُدُّ سَلَامًا وَلَا يُجِيبُ مُؤَذِّنًا، فَإِنْ عَطَسَ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى بِقَلْبِهِ، وَلَا يَنْظُرُ إلَى عَوْرَتِهِ وَلَا إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَلَا يَبْزُقُ فِي الْبَوْلِ، وَلَا يُطِيلُ الْقُعُودَ فَإِنَّهُ يُوَلِّدُ الْبَاسُورَ، وَلَا يَمْتَخِطُ، وَلَا يَتَنَحْنَحُ، وَلَا يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ وَلَا يَعْبَثُ بِبَدَنِهِ، وَلَا يَرْفَعُ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ وَيُنَكِّسُ رَأْسَهُ حَيَاءً مِمَّا اُبْتُلِيَ بِهِ وَيَدْفِنُ الْخَارِجَ، وَيَجْتَهِدُ فِي الِاسْتِفْرَاغِ مِنْهُ، فَإِذَا فَرَغَ يَعْصِرُ ذَكَرَهُ مِنْ أَسْفَلِهِ إلَى الْحَشَفَةِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ ثُمَّ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ قَائِمًا ثُمَّ يَخْرُجُ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ: «غُفْرَانَك، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي مَا يُؤْذِينِي، وَأَمْسَكَ عَلَيَّ مَا يَنْفَعُنِي» ثُمَّ يَسْتَبْرِئُ فَإِذَا اسْتَيْقَنَ بِانْقِطَاعِ أَثَرِ الْبَوْلِ يَقْعُدُ لِلِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ مَوْضِعًا آخَرَ، وَيَبْدَأُ بِغَسْلِ يَدَيْهِ ثَلَاثًا. وَيَقُولُ قَبْلَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ: «بِسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ بِالْيُمْنَى عَلَى فَرْجِهِ، وَيُعْلِي الْإِنَاءَ، وَيَغْسِلُ فَرْجَهُ بِالْيُسْرَى، وَيَبْدَأُ بِالْقُبُلِ ثُمَّ الدُّبُرِ، وَيُرْخِي مَقْعَدَتَهُ ثَلَاثًا، وَيُدَلِّكُ كُلَّ مَرَّةٍ، وَيُبَالِغُ فِيهِ مَا لَمْ يَكُنْ صَائِمًا فَيُنَشِّفُ بِخِرْقَةٍ قَبْلَ أَنْ يَجْمَعَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 لُفَّ طَاهِرٌ فِي نَجِسٍ مُبْتَلٍّ بِمَاءٍ   [رد المحتار] كَيْ لَا يَصِلَ الْمَاءُ إلَى جَوْفِهِ فَيُفْطِرَ، ثُمَّ يُدَلِّكُ يَدَهُ عَلَى حَائِطٍ أَوْ أَرْضٍ طَاهِرَةٍ ثُمَّ يَغْسِلُهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ يَقُومُ وَيُنَشِّفُ فَرْجَهُ بِخِرْقَةٍ نَظِيفَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعَهُ يَمْسَحُ بِيَدِهِ مِرَارًا حَتَّى لَا تَبْقَى إلَّا بَلَّةٌ يَسِيرَةٌ، وَيَلْبَسُ سَرَاوِيلَهُ وَيَرُشُّ فِيهِ الْمَاءَ أَوْ يَحْشُو بِقُطْنَةٍ إنْ كَانَ يُرِيبُهُ الشَّيْطَانُ وَيَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْمَاءَ طَهُورًا وَالْإِسْلَامَ نُورًا، وَقَائِدًا وَدَلِيلًا إلَى اللَّهِ وَإِلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ اللَّهُمَّ حَصِّنْ فَرْجِي، وَطَهِّرْ قَلْبِي، وَمَحِّصْ ذُنُوبِي» اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْغَزْنَوِيَّةِ وَالضِّيَاءِ (قَوْلُهُ: نَامَ) أَيْ: فَعَرِقَ، وَقَوْلُهُ: أَوْ مَشَى: أَيْ: وَقَدَمُهُ مُبْتَلَّةٌ. (قَوْلُهُ: عَلَى نَجَاسَةٍ) أَيْ: يَابِسَةٍ لِمَا فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى لَوْ وَضَعَ ثَوْبًا رَطْبًا عَلَى مَا طِينَ بِطِينٍ نَجِسٍ جَافٍّ لَا يَنْجُسُ، قَالَ الشَّارِحُ: لِأَنَّ بِالْجَفَافِ تَنْجَذِبُ رُطُوبَةُ الثَّوْبِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الطِّينُ رَطْبًا. اهـ. (قَوْلُهُ: إنْ ظَهَرَ عَيْنُهَا) الْمُرَادُ بِالْعَيْنِ مَا يَشْمَلُ الْأَثَرَ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِهَا لَوْ عَبَّرَ بِهِ كَمَا فِي نُورِ الْإِيضَاحِ لَكَانَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: تَنَجَّسَ) أَيْ: فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَدْرُ الْمَانِعُ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَقَعَتْ) أَيْ: النَّجَاسَةُ فِي نَهْرٍ: أَيْ: مَاءٍ جَارٍ، بِأَنْ بَالَ فِيهِ حِمَارٌ فَأَصَابَ الرَّشَاشُ ثَوْبَ إنْسَانٍ اُعْتُبِرَ الْأَثَرُ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَالَ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ فَإِنَّهُ إذَا أَصَابَهُ مِنْ الرَّشَاشِ أَكْثَرُ مِنْ الدِّرْهَمِ مَنَعَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ لَوْ أُلْقِيَتْ عَذِرَةٌ فِي الْمَاءِ فَأَصَابَهُ مِنْهُ اُعْتُبِرَ الْأَثَرُ، فَأَطْلَقَ وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ الْجَارِي وَغَيْرِهِ. وَلَعَلَّ إطْلَاقَهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي التَّفْصِيلِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ بِأَنَّهُ إذَا أَصَابَ الْبَوْلُ الْمَاءَ الرَّاكِدَ يَتَرَجَّحُ الظَّنُّ بِأَنَّ الرَّشَاشَ مِنْ الْبَوْلِ لِصَدْمِهِ الْمَاءَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ جَارِيًا فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصْدِمُ الْآخَرَ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ الْمَاءِ فَلِذَا اُعْتُبِرَ الْأَثَرُ. وَأَمَّا فِي الْعَذِرَةِ فَالرَّشَاشُ الْمُتَطَايِرُ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْمَاءِ قَطْعًا سَوَاءٌ كَانَ رَاكِدًا أَوْ جَارِيًا، وَلَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي أَصَابَ الْعَذِرَةَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ تَطَايَرَ بِقُوَّةِ وَقْعِهَا فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَثَرُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -. هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ ابْنِ الْفَضْلِ التَّنْجِيسَ فِي الْجَارِي وَغَيْرِهِ، وَأَنَّ اخْتِيَارَ أَبِي اللَّيْثِ عَدَمُهُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: أَيْ: فِي الْجَارِي وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ؛ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الرَّشَاشَ الْمُتَصَاعِدَ إنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاءِ لَا مِنْ أَجْزَاءِ الشَّيْءِ الصَّادِمِ، فَيُحْكَمُ بِالْغَالِبِ مَا لَمْ يَظْهَرْ خِلَافُهُ اهـ فَتَأَمَّلْ، فَإِنَّ كَوْنَ ذَلِكَ هُوَ الْغَالِبُ مَحَلُّ نَظَرٍ. بَقِيَ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ الْمُرَادُ بِالرَّاكِدِ الْقَلِيلُ أَوْ الْكَثِيرُ؟ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا. وَقَالَ ح: الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ مَعْنًى لِتَفْصِيلِ قَاضِي خَانْ. وَيُفْهَمُ مِنْ تَعْلِيلِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْأَصَحِّ أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ لَا يَتَنَجَّسُ فِي آنِ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ أُخِذَ مَاءٌ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ عَقِبَ الْوُقُوعِ بِلَا فَاصِلٍ يَكُونُ طَاهِرًا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْكُمُوا بِسَرَيَانِ النَّجَاسَةِ إلَى الرَّشَاشِ لِعَدَمِ زَمَانٍ تَسْرِي فِيهِ مَعَ قُرْبِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ، فَعَدَمُ نَجَاسَةِ الطَّرَفِ الْمُقَابِلِ لِطَرَفِ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِي آنِ الْوُقُوعِ أَوْلَى تَأَمَّلْ تَظْفَرْ. اهـ. قُلْت: وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْفَرْقِ يَظْهَرُ لِتَفْصِيلِ الْخَانِيَّةِ مَعْنًى، فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّاكِدِ الْقَلِيلُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لُفَّ طَاهِرٌ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا لُفَّ طَاهِرٌ جَافٌّ فِي نَجِسٍ مُبْتَلٍّ وَاكْتَسَبَ الطَّاهِرُ مِنْهُ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 إنْ بِحَيْثُ لَوْ عُصِرَ قَطَرَ تَنَجَّسَ وَإِلَّا لَا. وَلَوْ لُفَّ فِي مُبْتَلٍّ بِنَحْوِ بَوْلٍ، إنْ ظَهَرَ نَدَاوَتُهُ أَوْ أَثَرُهُ تَنَجَّسَ وَإِلَّا لَا. فَأْرَةٌ وُجِدَتْ فِي خَمْرٍ فَرُمِيَتْ فَتَخَلَّلَ، إنْ مُتَفَسِّخَةً تَنَجَّسَ وَإِلَّا لَا وَقَعَ خَمْرٌ فِي خَلٍّ، إنْ قَطْرَةً لَمْ يَحِلَّ إلَّا بَعْدَ سَاعَةٍ، وَإِنْ كُوزًا حَلَّ فِي الْحَالِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ.   [رد المحتار] فَقِيلَ: يَتَنَجَّسُ الطَّاهِرُ. وَاخْتَارَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ إنْ كَانَ الطَّاهِرُ بِحَيْثُ لَا يَسِيلُ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا يَتَقَاطَرُ لَوْ عُصِرَ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ مُتُونًا وَشُرُوحًا، وَفَتَاوَى فِي بَعْضِهَا بِلَا ذِكْرِ خِلَافٍ، وَفِي بَعْضِهَا بِلَفْظِ الْأَصَحِّ، وَقَيَّدَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِمَا إذَا كَانَ النَّجِسُ مَبْلُولًا بِالْمَاءِ لَا بِنَحْوِ الْبَوْلِ، وَبِمَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ فِي الثَّوْبِ الطَّاهِرِ أَثَرُ النَّجَاسَةِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يَنْبُعْ مِنْ الطَّاهِرِ شَيْءٌ عِنْدَ عَصْرِهِ لِيَكُونَ مَا اكْتَسَبَهُ مُجَرَّدَ نَدْوَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ بِلَيِّ الثَّوْبِ وَعَصْرِهِ نَبْعُ رُءُوسٍ صِغَارٍ لَيْسَ لَهَا قُوَّةُ السَّيَلَانِ ثُمَّ تَرْجِعُ إذَا حُلَّ الثَّوْبُ، وَيَبْعُدُ فِي مِثْلِهِ الْحُكْمُ بِالطَّهَارَةِ مَعَ وُجُودِ الْمُخَالَطَةِ حَقِيقَةً. قَالَ فِي الْبُرْهَانِ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا فِي الْفَتْحِ: وَلَا يَخْفَى مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ بِأَنَّهُ مُجَرَّدُ نَدْوَةٍ إلَّا إذَا كَانَ النَّجِسُ الرَّطْبَ هُوَ الَّذِي لَا يَتَقَاطَرُ بِعَصْرِهِ إذْ يُمْكِنُ أَنْ يُصِيبَ الثَّوْبَ الْجَافَّ قَدْرٌ كَثِيرٌ مِنْ النَّجَاسَةِ وَلَا يَنْبُعُ مِنْهُ شَيْءٌ بِعَصْرِهِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ عِنْدَ الْبِدَايَةِ بِغَسْلِهِ. فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُفْتَى بِخِلَافِ مَا صَحَّحَهُ الْحَلْوَانِيُّ اهـ وَأَقَرَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ. وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْحَلْوَانِيُّ: الْعِبْرَةُ لِلطَّاهِرِ الْمُكْتَسَبِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ انْعَصَرَ قَطَرَ تَنَجَّسَ وَإِلَّا لَا، سَوَاءٌ كَانَ النَّجِسُ الْمُبْتَلُّ يَقْطُرُ بِالْعَصْرِ أَوْ لَا. وَعَلَى مَا فِي الْبُرْهَانِ الْعِبْرَةُ لِلنَّجِسِ الْمُبْتَلِّ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ عُصِرَ قَطَرَ تَنَجَّسَ الطَّاهِرُ سَوَاءٌ كَانَ الطَّاهِرُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَمْ يَقْطُرْ لَمْ يَتَنَجَّسْ الطَّاهِرُ وَهَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ، مَعَ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ هُنَاكَ كَالْكَنْزِ وَغَيْرِهِ خِلَافُهُ، بَلْ كَلَامُ الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا صَرِيحٌ بِخِلَافِهِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ هُنَاكَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -. (قَوْلُهُ: إنْ بِحَيْثُ لَوْ عُصِرَ إلَخْ) الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ عَوْدُ الضَّمَائِرِ الثَّلَاثِ إلَى الطَّاهِرِ، فَيُوَافِقُ مَا صَحَّحَهُ الْحَلْوَانِيُّ، وَيُحْتَمَلُ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي عُصِرَ وَقَطَرَ إلَى النَّجِسِ، وَالضَّمِيرِ فِي تَنَجَّسَ إلَى الطَّاهِرِ فَيُوَافِقُ مَا فِي الْبُرْهَانِ وَالشُّرُنْبُلاليُّ ةِ وَالزَّيْلَعِيِّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لُفَّ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ مُبْتَلٍّ بِمَاءٍ، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَقَالَ: لِأَنَّ النَّدَاوَةَ حِينَئِذٍ عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْطُرْ بِالْعَصْرِ. أَقُولُ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمَاءَ الْمُجَاوِرَ لِلنَّجَاسَةِ حُكْمُهُ حُكْمُهَا مِنْ تَغْلِيظٍ أَوْ تَخْفِيفٍ، فَلَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُبْتَلِّ بِبَوْلٍ أَوْ بِمَاءٍ أَصَابَهُ بَوْلٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إنْ مُتَفَسِّخَةً تَنَجَّسَ) لِأَنَّهُ يَنْفَصِلُ مِنْهَا أَجْزَاءٌ بِسَبَبِ الِانْتِفَاخِ، وَانْقِلَابُ الْخَمْرِ خَلًّا لَا يُوجِبُ انْقِلَابَ الْأَجْزَاءِ النَّجِسَةِ طَاهِرَةً اهـ ح. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَكَذَا الْكَلْبُ إذَا وَقَعَ فِي عَصِيرٍ ثُمَّ تَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ لُعَابَ الْكَلْبِ أَقَامَ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا يَصِيرُ خَلًّا. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ: لَا يَتَنَجَّسُ الْخَلُّ لِعَدَمِ بَقَاءِ شَيْءٍ بَعْدَ التَّخَلُّلِ، وَالْفَأْرَةُ وَإِنْ كَانَتْ نَجِسَةً قَبْلَ التَّخَلُّلِ مِثْلُ الْخَمْرِ، لَكِنَّ النَّجِسَ لَا يُؤَثِّرُ فِي مِثْلِهِ. فَإِذَا أُلْقِيَتْ ثُمَّ تَخَلَّلَ الْخَمْرُ طَهُرَ بِانْقِلَابِ الْعَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ فَإِنَّهَا تُنَجِّسُهُ لِمُلَاقَاتِهَا الْمَاءَ الطَّاهِرَ فَتُؤَثِّرُ فِيهِ وَيَجِبُ النَّزْحُ وَإِنْ لَمْ تَتَفَسَّخْ. وَلَا يَرُدُّ مَا إذَا تَفَسَّخَتْ فِي الْخَمْرِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ ذَلِكَ الْأَثَرَ بَعْدَ التَّخَلُّلِ لَا يَنْقَلِبُ خَلًّا فَيُؤَثِّرُ فِي طَهَارَةِ الْخَلِّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَقَعَ خَمْرٌ فِي خَلٍّ إلَخْ) وَجْهُهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ فِي الْكُوزِ لَمَّا زَالَتْ الرَّائِحَةُ عُرِفَ التَّغَيُّرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 فَأْرَةٌ وُجِدَتْ فِي قُمْقُمَةٍ وَلَمْ يُدْرَ هَلْ مَاتَتْ فِيهَا أَوْ فِي جَرَّةٍ أَوْ فِي بِئْرٍ يُحْمَلُ عَلَى الْقُمْقُمَةِ. ثَلَاثُ قِرَبٍ مِنْ سَمْنٍ وَعَسَلٍ وَدِبْسٍ أُخِذَ مِنْ كُلٍّ حِصَّةٌ وَخُلِطَ فَوُجِدَ فِيهِ فَأْرَةٌ نَضَعُهَا فِي الشَّمْسِ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا الدُّهْنُ فَسَمْنٌ، وَإِلَّا فَإِنْ بَقِيَ بِحَالِ الْجَمَدِ فَالْعَسَلُ أَوْ مُتَلَطِّخًا فَالدِّبْسُ. يُعْمَلُ بِخَبَرِ الْحُرْمَةِ فِي الذَّبِيحَةِ، وَبِخَبَرِ الْحِلِّ فِي مَاءٍ وَطَعَامٍ. يُتَحَرَّى فِي ثِيَابٍ أَقَلُّهَا طَاهِرٌ وَفِي أَوَانٍ أَكْثَرُهَا طَاهِرٌ لَا أَقَلُّهَا، بَلْ يُحْكَمُ بِالْأَغْلَبِ إلَّا لِضَرُورَةِ شُرْبٍ. يَحْرُمُ أَكْلُ لَحْمٍ أَنْتَنَ لَا نَحْوُ سَمْنٍ وَلَبَنٍ.   [رد المحتار] وَعُرِفَ أَنَّهُ صَارَ خَلًّا. وَأَمَّا فِي الْقَطْرَةِ فَإِنَّهَا لَا رَائِحَةَ لَهَا فَلَا يُعْرَفُ التَّغَيُّرُ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ فِي الْحَالِ فَلَا يُحْكَمُ بِحِلِّهِ. قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ يُحَكِّمُ ظَنَّهُ إنْ كَانَ غَالِبُ ظَنِّهِ أَنَّهُ صَارَ خَلًّا طَهُرَ وَإِلَّا فَلَا اهـ (قَوْلُهُ: فَأْرَةٌ وُجِدَتْ إلَخْ) صُورَتُهُ مَلَأَ جَرَّةً مِنْ بِئْرٍ ثُمَّ مَلَأَ قُمْقُمَةً مِنْ تِلْكَ الْجَرَّةِ ثُمَّ وُجِدَتْ فِي الْقُمْقُمَةِ فَأْرَةٌ، وَفِي نِهَايَةِ الْحَدِيثِ الْقُمْقُمَةُ مَا يُسَخَّنُ فِيهِ الْمَاءُ مِنْ نُحَاسٍ وَغَيْرِهِ وَيَكُونُ ضَيِّقَ الرَّأْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُحْمَلُ عَلَى الْقُمْقُمَةِ) هَذَا مِنْ بَابِ الْحَوَادِثِ تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ. اهـ. ح. وَفِي الْفَتْحِ: أَخَذَ مِنْ حُبٍّ ثُمَّ مِنْ حُبٍّ آخَرَ مَاءً وَجَعَلَ فِي إنَاءٍ ثُمَّ وَجَدَ فِي الْإِنَاءِ فَأْرَةً، فَإِنْ غَابَ سَاعَةً فَالنَّجَاسَةُ لِلْإِنَاءِ، وَإِلَّا فَإِنْ تَحَرَّى وَوَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى أَحَدِ الْحُبَّيْنِ عَمِلَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ عَلَى شَيْءٍ فَلِلْحُبِّ الْأَخِيرِ، وَهَذَا إذَا كَانَا لِوَاحِدٍ، فَلَوْ لِاثْنَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا يَقُولُ مَا كَانَتْ فِي حُبِّي فَكِلَاهُمَا طَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا الدُّهْنُ) أَيْ: مِنْ جَوْفِهَا، أَوْ الْمُرَادُ مِمَّا يُلَاقِي جِلْدَهَا. (قَوْلُهُ: فَقِرْبَتُهُ) أَيْ: هِيَ النَّجِسَةُ، وَكَذَا يُقَدَّرُ فِيمَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا الدُّهْنُ، فَإِنْ بَقِيَ مَا عَلَيْهَا بِحَالِ الْجَمَدِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمِيمِ أَيْ: جَامِدًا فَهُوَ دَلِيلُ أَنَّهُ عَسَلٌ؛ لِأَنَّ الْعَسَلَ إذَا أَصَابَتْهُ الشَّمْسُ تَلَاحَمَتْ أَجْزَاؤُهُ وَتَمَاسَكَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، بِخِلَافِ الدِّبْسِ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ بِحَرَارَةِ الشَّمْسِ أَفَادَهُ ح. بَقِيَ مَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ الْحَالُ بِذَلِكَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَصَّلَ فِيهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ. . (قَوْلُهُ: يُعْمَلُ بِخَبَرِ الْحُرْمَةِ إلَخْ) أَيْ: إذَا أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِأَنَّ هَذَا اللَّحْمَ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ أَوْ مَيْتَةٌ وَعَدْلٌ آخَرُ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَهَاتَرَ الْخَبَرَانِ بَقِيَ عَلَى الْحُرْمَةِ الْأَصْلِيَّةِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّكَاةِ، وَلَوْ أَخْبَرَا عَنْ مَاءٍ وَتَهَاتَرَا بَقِيَ عَلَى الطَّهَارَةِ الْأَصْلِيَّةِ. اهـ. إمْدَادٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بَعْدَ التَّهَاتُرِ فِي الصُّورَتَيْنِ لَا يُعْتَبَرُ التَّحَرِّي، وَسَنَذْكُرُ مَا يُخَالِفُهُ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ قَبْلَ فَصْلِ اللُّبْسِ عَنْ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَرَاجِعْهُ هُنَاكَ. (قَوْلُهُ: أَقَلُّهَا طَاهِرٌ) كَمَا لَوْ اخْتَلَطَ ثَوْبٌ طَاهِرٌ مَعَ ثَوْبَيْنِ نَجِسَيْنِ وَكَذَا بِالْعَكْسِ بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: لَا أَقَلُّهَا) مِثْلُهُ التَّسَاوِي فَإِنَّهُ لَا يُتَحَرَّى فِيهِ أَيْضًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، وَذَكَرَ هُنَاكَ أَنَّ اخْتِلَاطَ الذَّبِيحَةِ الذَّكِيَّةِ وَالْمَيْتَةِ كَحُكْمِ الْأَوَانِي. ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الثِّيَابِ وَالْأَوَانِي كَمَا فِي الْإِمْدَادِ أَنَّ الثَّوْبَ لَا خَلَفَ لَهُ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ، بِخِلَافِ الْمَاءِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَإِنَّهُ يَخْلُفُهُ التَّيَمُّمُ. وَأَمَّا فِي حَقِّ الشُّرْبِ فَيُتَحَرَّى مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا خَلَفَ لَهُ، وَلِهَذَا قَالَ إلَّا لِضَرُورَةِ شُرْبٍ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا فِي مَسْأَلَتَيْ الثِّيَابِ وَالْأَوَانِي مُوَافِقٌ لِمَا فِي نُورِ الْإِيضَاحِ وَمَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ غَلَبَ الطَّاهِرُ فِي الْأَوَانِي أَوْ الثِّيَابِ أَوْ الذَّبَائِحِ تَحَرَّى فِي حَالَتَيْ الِاخْتِيَارِ وَالِاضْطِرَارِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ، وَإِلَّا فَفِي الِاخْتِيَارِ لَا يَتَحَرَّى فِي الْكُلِّ، وَفِي الِاضْطِرَارِ يَتَحَرَّى فِي الْكُلِّ إلَّا فِي الْأَوَانِي لِغَيْرِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَسَيَأْتِي بَسْطُهُ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَ مِنْ نِسَائِهِ امْرَأَةً أَوْ أَعْتَقَ مِنْ إمَائِهِ أَمَةً فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَحَرَّى لِوَطْءٍ وَلَا بَيْعٍ وَإِنْ كَانَتْ الْغِيبَةُ لِلْحَلَالِ، وَتَمَامُهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كِتَابِ التَّحَرِّي فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: يَحْرُمُ أَكْلُ لَحْمٍ أَنْتَنَ) عَزَاهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إلَى مُشْكِلِ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 شَعِيرٌ فِي بَعْرٍ أَوْ رَوْثٍ صُلْبٌ يُؤْكَلُ بَعْدَ غَسْلِهِ، وَفِي خِثْيٍ لَا. مَرَارَةُ كُلِّ حَيَوَانٍ كَبَوْلِهِ وَجِرَّتُهُ كَزِبْلِهِ. حُكْمُ الْعَصِيرِ حُكْمُ الْمَاءِ. رُطُوبَةُ الْفَرْجِ طَاهِرَةٌ خِلَافًا لَهُمَا الْعِبْرَةُ لِلطَّاهِرِ مِنْ تُرَابٍ أَوْ مَاءٍ اخْتَلَطَا بِهِ يُفْتَى.   [رد المحتار] قَالَ ح: أَيْ: لِأَنَّهُ يَضُرُّ لَا لِأَنَّهُ نَجِسٌ. وَأَمَّا نَحْوُ اللَّبَنِ الْمُنْتِنِ فَلَا يَضُرُّ ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِ كَرَاهِيَةِ الْوَهْبَانِيَّةِ. اهـ. قُلْت: وَنَقَلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ صَلَاةِ الْجَلَّابِي أَنَّهُ إذَا اشْتَدَّ تَغَيُّرُهُ تَنَجَّسَ، ثُمَّ نَقَلَ التَّوْفِيقَ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَشْتَدَّ، وَمِثْلُهُ فِي الْقُنْيَةِ، لَكِنْ فِي الْحَمَوِيِّ عَنْ النِّهَايَةِ أَنَّ الِاسْتِحَالَةَ إلَى فَسَادٍ لَا تُوجِبُ النَّجَاسَةَ لَا مَحَالَةَ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: دُودُ لَحْمٍ وَقَعَ فِي مَرَقَةٍ لَا يُنَجِّسُ وَلَا تُؤْكَلُ الْمَرَقَةُ إنْ تَفَسَّخَ الدُّودُ فِيهَا اهـ أَيْ: لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا. قُلْت: وَبِهِ يُعْلَمُ حُكْمُ الدُّودِ فِي الْفَوَاكِهِ وَالثِّمَارِ. (قَوْلُهُ: شَعِيرٌ إلَخْ) فِي التَّتَارْخَانِيَّة: إذَا وُجِدَ الشَّعِيرُ فِي بَعْرِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ يُغْسَلُ وَيُجَفَّفُ ثَلَاثًا وَيُؤْكَلُ وَفِي أَخْثَاءِ الْبَقَرِ لَا يُؤْكَلُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: لِأَنَّهُ لَا صَلَابَةَ فِيهِ. . ثُمَّ نَقَلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْكُبْرَى أَنَّ الصَّحِيحَ التَّفْصِيلُ بِالِانْتِفَاخِ وَعَدَمِهِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْبَعْرُ وَالْخِثْيُ اهـ أَيْ: إنْ انْتَفَخَ لَا يُؤْكَلُ فِيهِمَا وَإِلَّا أُكِلَ فِيهِمَا، وَبَحَثَ نَحْوَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَبِمَا ذَكَرْنَا عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ صُلْبٌ مَرْفُوعٌ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِ " شَعِيرٌ " فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: مَرَارَةُ كُلِّ حَيَوَانٍ كَبَوْلِهِ) أَيْ: فَإِنْ كَانَ بَوْلُهُ نَجِسًا مُغَلَّظًا أَوْ مُخَفَّفًا فَهِيَ كَذَلِكَ خِلَافًا وَوِفَاقًا. وَمِنْ فُرُوعِهِ مَا ذَكَرُوا: لَوْ أَدْخَلَ فِي إصْبَعِهِ مَرَارَةَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ يُكْرَهُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبِيحُ التَّدَاوِي بِبَوْلِهِ، لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ يُبِيحُهُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ أَنَّ الْفَقِيهَ أَبَا اللَّيْثِ أَخَذَ بِالثَّانِي لِلْحَاجَةِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. قُلْت: وَقِيَاسُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يُكْرَهُ مُطْلَقًا لِطَهَارَةِ بَوْلِهِ عِنْدَهُ. اهـ. حِلْيَةٌ. (قَوْلُهُ: وَجِرَّتُهُ كَزِبْلِهِ) أَيْ: كَسِرْقِينِهِ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْجِيمِ. وَقَدْ تُفْتَحُ: مَا يَجُرُّهُ أَيْ: يُخْرِجُهُ الْبَعِيرُ مِنْ جَوْفِهِ إلَى فَمِهِ فَيَأْكُلُهُ ثَانِيًا كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَالْقَامُوسِ، وَعَلَّلَهُ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّهُ وَارَاهُ جَوْفُهُ، أَلَا تَرَى إلَى مَا يُوَارِي جَوْفَ الْإِنْسَانِ بِأَنْ كَانَ مَاءً ثُمَّ قَاءَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ بَوْلِهِ اهـ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَذَلِكَ وَإِنْ قَاءَ مِنْ سَاعَتِهِ؛ لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ فِي الصَّبِيِّ: ارْتَضَعَ ثُمَّ قَاءَ فَأَصَابَ ثِيَابَ الْأُمِّ، إنْ زَادَ عَلَى الدِّرْهَمِ مَنَعَ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مَا لَمْ يَفْحُشْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَأَنَّ نَجَاسَتَهُ دُونَ نَجَاسَةِ الْبَوْلِ؛ لِأَنَّهَا مُتَغَيِّرَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَظَاهِرُهُ الْمَيْلُ إلَى إعْطَاءِ الْجَرَّةِ حُكْمَ هَذَا الْقَيْءِ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ. (قَوْلُهُ: حُكْمُ الْعَصِيرِ حُكْمُ الْمَاءِ) أَيْ: فِي أَنَّهُ تُزَالُ بِهِ النَّجَاسَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَأَنَّهُ إذَا كَانَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ لَا يَنْجُسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ كَمَا فِي الْمَاءِ اهـ ح، فِي أَنَّهُ لَوْ عُصِرَ الْعِنَبُ وَهُوَ يَسِيلُ فَأَدْمَى رِجْلَهُ وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ الدَّمِ لَا يَنْجُسُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: رُطُوبَةُ الْفَرْجِ طَاهِرَةٌ) وَلِذَا نُقِلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ رُطُوبَةَ الْوَلَدِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ طَاهِرَةٌ، وَكَذَا السَّخْلَةُ إذَا خَرَجَتْ مِنْ أُمِّهَا، وَكَذَا الْبَيْضَةُ فَلَا يَتَنَجَّسُ بِهَا الثَّوْبُ وَلَا الْمَاءُ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ، لَكِنْ يُكْرَهُ التَّوَضُّؤُ بِهِ لِلِاخْتِلَافِ، وَكَذَا الْإِنْفَحَةُ هُوَ الْمُخْتَارُ. وَعِنْدَهُمَا يَتَنَجَّسُ، وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ. اهـ. قُلْت: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ دَمٌ وَلَمْ يُخَالِطْ رُطُوبَةَ الْفَرْجِ مَذْيٌ أَوْ مَنِيٌّ مِنْ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ. (قَوْلُهُ: الْعِبْرَةُ لِلطَّاهِرِ إلَخْ) هَذَا مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ فَتْحٌ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ بَزَّازِيَّةٌ؛ وَقِيلَ: الْعِبْرَةُ لِلْمَاءِ إنْ كَانَ نَجِسًا فَالطِّينُ نَجِسٌ وَإِلَّا فَطَاهِرٌ؛ وَقِيلَ: الْعِبْرَةُ لِلتُّرَابِ، وَقِيلَ: لِلْغَالِبِ، وَقِيلَ: أَيُّهُمَا كَانَ نَجِسًا فَالطِّينُ نَجِسٌ؛ وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ وَصَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَقَوَّاهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَحَكَمَ بِفَسَادِ بَقِيَّةِ الْأَقْوَالِ تَأَمَّلْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَزُولُ عَنْ أَحَدِهِمَا بِالِاخْتِلَاطِ، بِخِلَافِ السِّرْقِينِ إذَا جُعِلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 مَشَى فِي حَمَّامٍ وَنَحْوِهِ لَا يَنْجُسُ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ غُسَالَةُ نَجِسٍ. لَا يَنْبَغِي أَخْذُ الْمَاءِ مِنْ الْأُنْبُوبَةِ؛ لِأَنَّهُ يُصَيِّرُ الْمَاءَ رَاكِدًا. التَّبْكِيرُ إلَى الْحَمَّامِ لَيْسَ مِنْ الْمُرُوءَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ مَقْلُوبِ الْكِنَايَةِ. ثِيَابُ الْفَسَقَةِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ طَاهِرَةٌ. دِيبَاجُ أَهْلِ فَارِسَ نَجِسٌ، لِجَعْلِهِمْ فِي الْبَوْلِ لِبَرِيقِهِ. رَأَى فِي ثَوْبِ غَيْرِهِ نَجَسًا مَانِعًا، إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ أَزَالَهَا وَجَبَ وَإِلَّا لَا، فَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ عَلَى هَذَا. حَمْلُ السَّجَّادَةِ فِي زَمَانِنَا أَوْلَى احْتِيَاطًا، لِمَا وَرَدَ «أَوَّلُ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ فِي الْقَبْرِ الطَّهَارَةُ وَفِي الْمَوْقِفِ الصَّلَاةُ» .   [رد المحتار] فِي الطِّينِ لِلتَّطْيِينِ لَا يُنَجِّسُ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً إلَى إسْقَاطِ نَجَاسَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ إلَّا بِهِ حِلْيَةٌ. (قَوْلُهُ: مَشَى فِي حَمَّامٍ وَنَحْوِهِ) أَيْ: كَمَا لَوْ مَشَى عَلَى أَلْوَاحٍ مُشْرَعَةٍ بَعْدَ مَشْيِ مَنْ بِرِجْلِهِ قَذَرٌ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ رِجْلِهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ وَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى مَوْضِعِهِ لِلضَّرُورَةِ فَتْحٌ. وَفِيهِ عَنْ التَّنْجِيسِ: مَشَى فِي طِينٍ أَوْ أَصَابَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ وَصَلَّى تَجْزِيهِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَثَرُ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّهُ الْمَانِعُ إلَّا أَنْ يَحْتَاطَ، وَأَمَّا فِي الْحُكْمِ فَلَا يَجِبُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُصَيِّرُ الْمَاءَ رَاكِدًا) أَيْ: لِأَنَّهُ بِأَخْذِهِ لَهُ مِنْ الْأُنْبُوبَةِ يَمْنَعُ نُزُولَهُ إلَى الْحَوْضِ فَيَصِيرُ رَاكِدًا وَرُبَّمَا كَانَ عَلَى يَدِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ فَأَدْخَلَهَا فِي الْحَوْضِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَتَنَجَّسُ فَيَنْبَغِي إذَا أَرَادَ الْأَخْذَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْحَوْضِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ إذَا كَانَ نَازِلًا وَالْعُرْفُ مُتَدَارَكٌ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْجَارِي. (قَوْلُهُ: التَّبْكِيرُ إلَى الْحَمَّامِ) أَيْ: الدُّخُولُ إلَيْهِ أَوَّلَ الْغَدَاةِ بِلَا ضَرُورَةٍ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ مَقْلُوبِ الْكِنَايَةِ) أَرَادَ بِهِ النَّيْكَ أَيْ: الْجِمَاعَ، وَلَمْ يَقُلْ مَقْلُوبَ الْكَيْنِ مَعَ أَنَّهُ قَلْبٌ حَقِيقِيٌّ لِزِيَادَةِ التَّبَاعُدِ عَنْ التَّصْرِيحِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُطْلَبُ كِتْمَانُهُ، وَلِذَا كَانَ مِنْ أَسْمَائِهِ السِّرُّ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. وَعِبَارَةُ الْفَيْضِ إذْ فِيهِ إبْدَاءُ مَا يَجِبُ إخْفَاؤُهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحَبُّ بِالْحَاءِ، وَلِذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ: وَأَمَّا مَا نَهَى عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ السِّبَاعُ أَيْ: عَلَى وَزْنِ كِتَابٍ: وَهُوَ الْمُفَاخَرَةُ بِالْجِمَاعِ وَإِفْشَاءُ الرَّجُلِ مَا يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ فَذَاكَ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَلْ النَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثِيَابُ الْفَسَقَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي ثِيَابِ الْفَسَقَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَّقُونَ الْخُمُورَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ " يَعْنِي صَاحِبَ الْهِدَايَةِ ": الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ مِنْ ثِيَابِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَّا السَّرَاوِيلُ مَعَ اسْتِحْلَالِهِمْ الْخَمْرَ، فَهَذَا أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ: لِجَعْلِهِمْ فِيهِ الْبَوْلَ) إنْ كَانَ كَذَلِكَ لَا شَكَّ أَنَّهُ نَجِسٌ تَتَارْخَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ) عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ إنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ. مَطْلَبٌ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ (قَوْلُهُ: فَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ عَلَى هَذَا) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي فُصُولِ الْعَلَّامِيِّ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَتَّعِظُ وَلَا يَنْزَجِرُ بِالْقَوْلِ وَلَا بِالْفِعْلِ وَلَوْ بِإِعْلَامِ سُلْطَانٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ وَالِدٍ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْمَنْعِ لَا يَلْزَمُهُ وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ، لَكِنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ أَفْضَلُ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُضَرُّ بِهِ أَوْ يَقْتُلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ شَهِيدًا. قَالَ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان: 17] أَيْ: مِنْ ذُلٍّ أَوْ هَوَانٍ إذَا أَمَرْت {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [لقمان: 17] أَيْ: مِنْ حَقِّ الْأُمُورِ، وَيُقَالُ مِنْ وَاجِبِ الْأُمُورِ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ. مَطْلَبٌ فِي أَوَّلِ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ (قَوْلُهُ: لِمَا وَرَدَ إلَخْ) أَيْ: فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اتَّقُوا الْبَوْلَ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ فِي الْقَبْرِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَفِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 كِتَابُ الصَّلَاةِ شُرُوعٌ فِي الْمَقْصُودِ بَعْدَ بَيَانِ الْوَسِيلَةِ، وَلَمْ تَخْلُ عَنْهَا شَرِيعَةُ مُرْسَلٍ. وَلَمَّا صَارَتْ قُرْبَةً بِوَاسِطَةِ الْكَعْبَةِ كَانَتْ دُونَ الْإِيمَانِ لَا مِنْهُ، بَلْ مِنْ فُرُوعِهِ. وَهِيَ لُغَةً الدُّعَاءُ، فَنُقِلَتْ شَرْعًا إلَى الْأَفْعَالِ الْمَعْلُومَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، لِوُجُودِهَا بِدُونِ الدُّعَاءِ فِي الْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ (هِيَ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ)   [رد المحتار] قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ الصَّحِيحِ «إنَّ أَوَّلَ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ» لِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ، وَالثَّانِي عَلَى حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ. فَإِنْ قِيلَ: أَيُّهُمَا يُقَدَّمُ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ تَوْقِيفِيٌّ، وَظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَقَعُ أَوَّلًا الْمُحَاسَبَةُ عَلَى حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَكَذَا فِي شَرْحِ الْعَلْقَمِيِّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذِكْرِ الشَّارِحِ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ رِعَايَةِ التَّنَاسُبِ وَحُسْنِ الْخِتَامِ. [كِتَابُ الصَّلَاةِ] ِ (قَوْلُهُ شُرُوعٌ إلَخْ) بَيَانٌ لِوَجْهِ تَأْخِيرِهَا عَنْ الطَّهَارَةِ، وَتَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ وَجْهُ تَقْدِيمِهَا عَلَى غَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَخْلُ عَنْهَا شَرِيعَةُ مُرْسَلٍ) أَيْ عَنْ أَصْلِ الصَّلَاةِ. قِيلَ الصُّبْحُ صَلَاةُ آدَمَ، وَالظُّهْرُ لِدَاوُدَ، وَالْعَصْرُ لِسُلَيْمَانَ، وَالْمَغْرِبُ لِيَعْقُوبَ، وَالْعِشَاءُ لِيُونُسَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، وَجُمِعَتْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: بِوَاسِطَةِ الْكَعْبَةِ) أَيْ بِوَاسِطَةِ اسْتِقْبَالِهَا، وَانْظُرْ لِمَاذَا خُصِّصَ هَذَا الشَّرْطُ مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَصِرْ قُرْبَةً إلَّا بِاجْتِمَاعِ سَائِرِ شَرَائِطِهَا ط. وَقَدْ يُقَالُ: الْمُرَادُ أَنَّهَا صَارَتْ قُرْبَةً بِوَاسِطَةِ تَعْظِيمِ الْكَعْبَةِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِاسْتِقْبَالِهَا تَعْظِيمًا لَهَا، وَفِي ذَلِكَ تَعْظِيمٌ لَهُ سُبْحَانَهُ بِوَاسِطَةِ تَعْظِيمِهَا، أَفَادَهُ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: دُونَ الْإِيمَانِ) لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ بِلَا وَاسِطَةٍ. (قَوْلُهُ: لَا مِنْهُ بَلْ مِنْ فُرُوعِهِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ الْفِعْلِ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ لِحُكْمِهَا وَهُوَ الِافْتِرَاضُ فَهِيَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مِنْ مُتَعَلِّقِ التَّصْدِيقِ بِمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ط وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى خِلَافِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْأَعْمَالَ مِنْ الْإِيمَانِ كَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ لُغَةً الدُّعَاءُ) أَيْ حَقِيقَتُهَا ذَلِكَ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ الشَّائِعُ فِي كَلَامِهِمْ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ بِالْأَرْكَانِ الْمَخْصُوصَةِ، وَقِيلَ إنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي تَحَرُّكِ الصَّلَوَيْنِ بِالسُّكُونِ: الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ فِي أَعَالِي الْفَخِذَيْنِ اللَّذَانِ عَلَيْهِمَا الْأَلْيَتَانِ، مَجَازٌ لُغَوِيٌّ فِي الْأَرْكَانِ الْمَخْصُوصَةِ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يُحَرِّكُهُمَا فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ فِي الدُّعَاءِ تَشْبِيهًا لِلدَّاعِي فِي تَخَشُّعِهِ بِالرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: فَنُقِلَتْ إلَخْ) اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى مَعَانٍ شَرْعِيَّةٍ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، أَهِيَ مَنْقُولَةٌ عَنْ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ إلَى حَقَائِقَ شَرْعِيَّةٍ: أَيْ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ الْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ مَرْعِيًّا، أَمْ مُغَيَّرَةٌ: أَيْ بِأَنْ يَبْقَى وَيُزَادَ عَلَيْهِ قُيُودٌ شَرْعِيَّةٌ قِيلَ بِالْأَوَّلِ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الْغَايَةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهَا تُوجَدُ بِدُونِ الدُّعَاءِ فِي الْأُمِّيِّ وَقِيلَ بِالثَّانِي وَأَنَّهُ إنَّمَا زِيدَ عَلَى الدُّعَاءِ بَاقِي الْأَرْكَانِ الْمَخْصُوصَةِ، وَأُطْلِقَ الْجُزْءُ عَلَى الْكُلِّ كَمَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ) الضَّمِيرُ لِلنَّقْلِ الْمَفْهُومِ مِنْ نُقِلَتْ، وَقَوْلُهُ لِوُجُودِهَا عِلَّةُ الظُّهُورِ. اهـ. ح، وَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الدُّعَاءَ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَتِهَا شَرْعًا أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ خِلَافُ الْقِرَاءَةِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ مَمْنُوعٌ. قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي مِنْ حَقِيقَتِهَا قِرَاءَةُ آيَةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ دُعَاءً تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: هِيَ) أَيْ الصَّلَاةُ الْكَامِلَةُ، وَهِيَ الْخَمْسُ الْمَكْتُوبَةُ. (قَوْلُهُ: عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ) أَيْ بِعَيْنِهِ؛ وَلِذَا سُمِّيَ فَرْضَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 بِالْإِجْمَاعِ. فُرِضَتْ فِي الْإِسْرَاءِ لَيْلَةَ السَّبْتِ سَابِعَ عَشَرَ رَمَضَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ وَنِصْفٍ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ صَلَاتَيْنِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا شُمُنِّيٌّ. (وَإِنْ وَجَبَ ضَرْبُ ابْنِ عَشْرٍ عَلَيْهَا بِيَدٍ لَا بِخَشَبَةٍ) لِحَدِيثِ «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ» قُلْت وَالصَّوْمُ كَالصَّلَاةِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي صَوْمِ الْقُهُسْتَانِيِّ مَعْزِيًّا لِلزَّاهِدِيِّ وَفِي حَظْرِ الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَيُنْهَى عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ لِيَأْلَفَ الْخَيْرَ وَيَتْرُكَ الشَّرَّ (وَيَكْفُرُ جَاحِدُهَا) لِثُبُوتِهَا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ (وَتَارِكُهَا عَمْدًا مَجَانَةً) أَيْ تَكَاسُلًا فَاسِقٌ (يُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّيَ) لِأَنَّهُ يُحْبَسُ لِحَقِّ الْعَبْدِ فَحَقُّ الْحَقِّ أَحَقُّ، وَقِيلَ يُضْرَبُ حَتَّى يَسِيلَ مِنْهُ الدَّمُ.   [رد المحتار] عَيْنٍ، بِخِلَافِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى جُمْلَةِ الْمُكَلَّفِينَ كِفَايَةٌ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ قَامَ بِهِ بَعْضُهُمْ كَفَى عَنْ الْبَاقِينَ وَإِلَّا أَثِمُوا كُلُّهُمْ. ثُمَّ الْمُكَلَّفُ هُوَ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ وَلَوْ أُنْثَى أَوْ عَبْدًا. (قَوْلُهُ: بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ وَبِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. (قَوْلُهُ: فُرِضَتْ فِي الْإِسْرَاءِ إلَخْ) نَقَلَهُ أَيْضًا الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فِي الْأَحْكَامِ شَرْحُ دُرَرِ الْحُكَّامِ، ثُمَّ قَالَ: وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ الْبَكْرِيُّ نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِبَرَكَاتِهِ فِي الرَّوْضَةِ الزَّهْرَاءِ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي أَيِّ سَنَةٍ كَانَ الْإِسْرَاءُ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ. فَجَزَمَ جَمْعٌ بِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ، وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ بِخَمْسِ سِنِينَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَيِّ الشُّهُورِ كَانَ؟ فَجَزَمَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَالنَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهُ كَانَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَقِيلَ فِي رَبِيعِ الْآخَرِ، وَقِيلَ فِي رَجَبٍ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ، وَقِيلَ فِي شَوَّالٍ. وَجَزَمَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيَّ فِي سِيرَتِهِ بِأَنَّهُ لَيْلَةَ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْأَمْصَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ وَجَبَ إلَخْ) هَذَا مُبَالَغَةٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ: كُلِّ مُكَلَّفٍ، كَأَنَّهُ قَالَ وَلَا يُفْتَرَضُ عَلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَإِنْ وَجَبَ أَيْ عَلَى الْوَلِيِّ ضَرْبُ ابْنِ عَشْرٍ، وَذَلِكَ لِيَتَخَلَّقَ بِفِعْلِهَا وَيَعْتَادَهُ لَا لِافْتِرَاضِهَا ح. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَمْرَ لِابْنِ سَبْعٍ وَاجِبٌ كَالضَّرْبِ. وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّ الْوُجُوبَ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ لَا بِمَعْنَى الِافْتِرَاضِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ ظَنِّيٌّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: بِيَدٍ) أَيْ وَلَا يُجَاوِزُ الثَّلَاثَ، وَكَذَلِكَ الْمُعَلِّمُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُجَاوِزَهَا «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمِرْدَاسٍ الْمُعَلِّمِ إيَّاكَ أَنْ تَضْرِبَ فَوْقَ الثَّلَاثِ، فَإِنَّك إذَا ضَرَبْت فَوْقَ الثَّلَاثِ اقْتَصَّ اللَّهُ مِنْك» اهـ إسْمَاعِيلُ عَنْ أَحْكَامِ الصِّغَارِ للأستروشني، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُضْرَبُ بِالْعَصَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: لَا بِخَشَبَةٍ) أَيْ عَصًا، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ بِيَدٍ أَنْ يُرَادَ بِالْخَشَبَةِ مَا هُوَ الْأَعَمُّ مِنْهَا وَمِنْ السَّوْطِ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ إلَخْ) اسْتِدْلَالٌ عَلَى الضَّرْبِ الْمُطْلَقِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا بِخَشَبَةٍ فَلِأَنَّ الضَّرْبَ بِهَا وَرَدَ فِي جِنَايَةِ الْمُكَلَّفِ. اهـ. ح وَتَمَامُ الْحَدِيثِ «وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُهُ «عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلَاةَ ابْنَ سَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا ابْنَ عَشْرٍ» وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ. اهـ. إسْمَاعِيلُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوُجُوبَ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ السَّبْعِ وَالْعَشْرِ بِأَنْ يَكُونَ فِي أَوَّلِ الثَّامِنَةِ وَالْحَادِيَةَ عَشَرَ كَمَا قَالُوا فِي مُدَّةِ الْحَضَانَةِ. (قَوْلُهُ: قُلْت إلَخْ) مُرَادُهُ مِنْ هَذَيْنِ النَّقْلَيْنِ بَيَانُ أَنَّ الصَّبِيَّ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْمَرَ بِجَمِيعِ الْمَأْمُورَاتِ وَيُنْهَى عَنْ جَمِيعِ الْمَنْهِيَّاتِ. اهـ. ح. أَقُولُ: وَقَدْ صَرَّحَ فِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ بِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ إذَا جَامَعَ وَبِإِعَادَةِ مَا صَلَّاهُ بِلَا وُضُوءٍ لَا لَوْ أَفْسَدَ الصَّوْمَ لِمَشَقَّتِهِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: مَجَانَةً) بِالتَّخْفِيفِ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْمَاجِنُ الَّذِي لَا يُبَالِي مَا صَنَعَ وَمَا قِيلَ لَهُ، وَمَصْدَرُهُ الْمُجُونُ وَالْمَجَانَةُ اسْمٌ مِنْهُ وَالْفِعْلُ مِنْ بَابِ طَلَبَ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْ تَكَاسُلًا) تَفْسِيرٌ مُرَادٌ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: فَحَقُّ الْحَقِّ أَحَقُّ) لَا يُقَالُ: إنَّ حَقَّهُ تَعَالَى مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَسَامُحَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ. اهـ. إسْمَاعِيلُ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُضْرَبُ) قَائِلُهُ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ ح عَنْ الْمِنَحِ. وَظَاهِرُ الْحِلْيَةِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَقَالَ أَصْحَابُنَا فِي جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الزُّهْرِيُّ لَا يُقْتَلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَلُ بِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ حَدًّا، وَقِيلَ كُفْرًا (وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ فَاعِلِهَا) بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ (مَعَ جَمَاعَةٍ) مُؤْتَمًّا مُتَمِّمًا وَكَذَا لَوْ أَذَّنَ فِي الْوَقْتِ   [رد المحتار] بَلْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَلُ) وَكَذَا عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ، وَهِيَ الْمُخْتَارَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ يُقْتَلُ كُفْرًا، وَبُسِطَ ذَلِكَ فِي الْحِلْيَةِ. (قَوْلُهُ: وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ فَاعِلِهَا إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْكَافِرَ إذَا صَلَّى بِجَمَاعَةٍ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا لِوُجُودِهَا فِي سَائِرِ الْأُمَمِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا فَهُوَ مِنَّا» قَالُوا الْمُرَادُ صَلَاتُنَا بِالْجَمَاعَةِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ. اهـ. دُرَرٌ، وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ إذْ أَنَّهُ قَالَ فَهُوَ الْمُسْلِمُ إسْمَاعِيلُ. (قَوْلُهُ: بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ) قَيَّدَ الْإِمَامُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ كَوْنَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدٍ، وَعَلَيْهِ فَالشُّرُوطُ خَمْسَةٌ، لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: فِي الْوَقْتِ) لِأَنَّهَا صَلَاةُ الْمُؤْمِنِينَ الْكَامِلَةُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً لَا يَكْفِي لِعَدَمِ كَوْنِهَا فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَتْ أَدَاءً فَهِيَ غَيْرُ كَامِلَةٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْوَقْتِ الْأَدَاءَ، بَلْ الْأَخَصُّ مِنْهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: مُؤْتَمًّا) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ مَعَ جَمَاعَةٍ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ كَانَ إمَامًا قَالَ ط: لِأَنَّ الِائْتِمَامَ يَدُلُّ عَلَى اتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ إمَامًا فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ نِيَّةَ الِانْفِرَادِ فَلَا جَمَاعَةَ. اهـ. أَقُولُ: الِاحْتِمَالُ الْمَذْكُورُ مَوْجُودٌ فِي الْمُؤْتَمِّ أَيْضًا، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْإِمَامُ مَتْبُوعٌ غَيْرُ تَابِعٍ وَالْمُؤْتَمُّ تَابِعٌ لِإِمَامِهِ مُلْتَزِمٌ لِأَحْكَامِهِ، وَمَا قَيَّدَ بِهِ الشَّارِحُ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّظْمِ الْآتِي تَبَعًا لِلْمَجْمَعِ وَدُرَرِ الْبِحَارِ، وَصَرَّحَ بِمَفْهُومِهِ فِي عَقْدِ الْفَرَائِدِ فَقَالَ: صَلَّى إمَامًا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، نَقَلَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ. (قَوْلُهُ: مُتَمِّمًا) فَلَوْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ وَكَبَّرَ ثُمَّ أَفْسَدَ لَمْ يَكُنْ إسْلَامًا شَرْحُ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْمُنْتَقَى. مَطْلَبٌ فِيمَا يَصِيرُ الْكَافِرُ بِهِ مُسْلِمًا مِنْ الْأَفْعَالِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ أَذَّنَ فِي الْوَقْتِ) لَمَّا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الصَّلَاةِ، أَرَادَ تَتْمِيمَ الْأَفْعَالِ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا الْكَافِرُ مُسْلِمًا فَذَكَرَ أَنَّ مِنْهَا الْأَذَانَ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ دِينِنَا وَشِعَارِ شَرْعِنَا؛ وَلِذَا قَيَّدَهُ فِي الْمِنَحِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ بِكَوْنِ الْأَذَانِ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَيْسَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ لِإِتْيَانِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فِي ضِمْنِ الْأَذَانِ لِيَكُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ بِالْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الْوَقْتِ أَوْ خَارِجَهُ بَلْ هُوَ مِنْ الْإِسْلَامِ بِالْفِعْلِ؛ وَلِذَا صَرَّحَ ابْنُ الشِّحْنَةِ بِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِالْأَذَانِ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ عِيسَوِيًّا يُخَصِّصُ رِسَالَةَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْعَرَبِ؛ لِأَنَّ مَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا قِسْمَانِ: قَوْلٌ وَفِعْلٌ، فَالْقَوْلُ مِثْلُ كَلِمَتَيْ الشَّهَادَتَيْنِ، فَصَّلَ فِيهِ أَئِمَّتُنَا لِكَوْنِهِ مَحَلَّ اشْتِبَاهٍ وَاحْتِمَالٍ بَيْنَ الْعِيسَوِيِّ وَغَيْرِهِ، فَقَالُوا لَا بُدَّ مَعَ الشَّهَادَتَيْنِ، فِي الْعِيسَوِيِّ مِنْ أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْ دِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولُ اللَّهِ إلَى الْعَرَبِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّبَرِّي، وَأَمَّا الْفِعْلُ فَكَلَامُهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعِيسَوِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا حَقَّقَهُ الْإِمَامُ الطَّرَسُوسِيُّ أَيْضًا خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ ابْنُ وَهْبَانَ؛ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ أَيْضًا: وَأَمَّا الْأَذَانُ خَارِجَ الْوَقْتِ فَلَا يَكُونُ إسْلَامًا مِنْ الْعِيسَوِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ الْأَقْوَالِ، فَلَا بُدَّ فِيهِ حِينَئِذٍ مِنْ التَّبَرِّي مِنْ دِينِهِ. اهـ. قُلْت: وَكَذَا لَا يَكُونُ إسْلَامًا مِنْ غَيْرِ الْعِيسَوِيِّ أَيْضًا لِمَا نَقَلَهُ قَبْلَهُ عَنْ الْغَايَةِ وَغَيْرِهَا، مِنْ أَنَّ الْكَافِرَ لَوْ أَذَّنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 أَوْ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ أَوْ زَكَّى السَّائِمَةَ صَارَ مُسْلِمًا، لَا لَوْ صَلَّى فِي غَيْرِ الْوَقْتِ أَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامًا، أَوْ أَفْسَدَهَا أَوْ فَعَلَ بَقِيَّةَ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِشَرِيعَتِنَا، وَنَظَمَهَا صَاحِبُ النَّهْرِ فَقَالَ   [رد المحتار] فِي غَيْرِ الْوَقْتِ لَا يَصِيرُ بِهِ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْتَهْزِئًا، فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأَذَانَ فِي الْوَقْتِ مِنْ الْإِسْلَامِ بِالْفِعْلِ، فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَافِرٍ، وَالْأَذَانَ خَارِجَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ بِالْقَوْلِ، لَكِنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الِاسْتِهْزَاءَ لَمْ يَصِرْ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا مَعَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِيسَوِيًّا يَزِيدُ أَنَّهُ فَقَدَ شَرْطَهُ وَهُوَ التَّبَرِّي، فَافْهَمْ وَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ. بَقِيَ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْأَذَانِ فِي الْوَقْتِ الْمُدَاوَمَةُ أَمْ يَكْفِي مَرَّةً؟ يَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ) أَيْ عِنْدَ سَمَاعِ آيَةِ سَجْدَةٍ بَزَّازِيَّةٌ: أَيْ لِأَنَّهَا مِنْ خَصَائِصِنَا، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ الْكُفَّارِ بِأَنَّهُمْ {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] . (قَوْلُهُ: أَوْ زَكَّى السَّائِمَةَ) قَيَّدَهُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي نَظْمِ الْفَوَائِدِ بِزَكَاةِ الْإِبِلِ. وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِذَلِكَ، وَبِأَنَّهُ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ صَامَ الْكَافِرُ أَوْ حَجَّ أَوْ أَدَّى الزَّكَاةَ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ وَأَقَرَّهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَصَاحِبُ النَّهْرِ، فَعُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: لَا لَوْ صَلَّى إلَخْ) مُحْتَرَزُ الْقُيُودِ السَّابِقَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ. (قَوْلُهُ: أَوْ مُنْفَرِدًا) لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِشَرِيعَتِنَا ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ الْمُنْتَقَى. وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ نَفَى الْخِلَافَ بِحَمْلِ قَوْلِهِ عَلَى مَا إذَا صَلَّى وَحْدَهُ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ اتِّفَاقًا، وَحُمِلَ قَوْلُهُمَا عَلَى مَا إذَا صَلَّى وَحْدَهُ وَأَتَى بِهِمَا فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِشَرِيعَتِنَا. اهـ. قُلْت: لَكِنْ فِي هَذَا التَّوْفِيقِ نَظَرٌ لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ صَاحِبِ الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْعِبَادَةِ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ لِيَظْهَرَ الِاخْتِصَاصُ بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ اهـ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الِانْفِرَادَ نُقْصَانٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ إمَامًا) قَدَّمْنَا وَجْهَهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ فَعَلَ بَقِيَّةَ الْعِبَادَاتِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ: الْأَصْلُ أَنَّ الْكَافِرَ مَتَى فَعَلَ عِبَادَةً، فَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي سَائِرِ الْأَدْيَانِ لَا يَكُونُ بِهِ مُسْلِمًا كَالصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ الَّذِي لَيْسَ بِكَامِلٍ وَالصَّدَقَةِ. وَمَتَى فَعَلَ مَا اخْتَصَّ بِشَرْعِنَا، فَلَوْ مِنْ الْوَسَائِلِ كَالتَّيَمُّمِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ مِنْ الْمَقَاصِدِ أَوْ مِنْ الشَّعَائِرِ كَالصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ وَالْحَجِّ الْكَامِلِ وَالْأَذَانِ فِي الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ يَكُونُ بِهِ مُسْلِمًا إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ. اهـ. أَقُولُ: ذُكِرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ بِالْحَجِّ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا مَرَّ، ثُمَّ ذُكِرَ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ إنْ حَجَّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَفْعَلُهُ الْمُسْلِمُونَ يَكُونُ مُسْلِمًا، وَإِنْ لَبَّى وَلَمْ يَشْهَدْ الْمَنَاسِكَ أَوْ شَهِدَ الْمَنَاسِكَ وَلَمْ يُلَبِّ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَشَارَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ إلَى ضَعْفِهَا وَإِلَيْهِ يُشِيرُ إطْلَاقُ النَّظْمِ الْآتِي وَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْحَجَّ مَوْجُودٌ فِي غَيْرِ شَرِيعَتِنَا حَتَّى إنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يَحُجُّونَ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْحَجَّ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ الْخَاصَّةِ لَمْ يُوجَدْ فِي غَيْرِ شَرِيعَتِنَا فَصَارَ مِثْلَ الصَّلَاةِ إذَا وُجِدَتْ فِيهَا الشُّرُوطُ الْأَرْبَعَةُ السَّابِقَةُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ خَوَاصِّ شَرِيعَتِنَا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، فَكَذَا الْحَجُّ الْكَامِلُ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَبَيْنَ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إذَا جُعِلَتْ الثَّانِيَةُ مُفَسِّرَةً لِبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الْحَجُّ الْغَيْرُ الْكَامِلِ فَتَأَمَّلْ. وَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ قَاسِمٍ عَنْ خُلَاصَةِ النَّوَازِلِ لِأَبِي اللَّيْثِ قَالَ: وَكَذَا لَوْ رَآهُ يَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ أَوْ يَقْرَؤُهُ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ مُسْلِمًا. اهـ. قُلْت: وَهَذَا أَظْهَرُ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ لَمَّا قَالُوا لَا يُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ لَعَلَّهُ يَهْتَدِي فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَنَظَمَهَا صَاحِبُ النَّهْرِ إلَخْ) أَيْ قُبَيْلَ بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ. (قَوْلُهُ: صَلَّى بِاقْتِدَاءٍ) أَيْ بِجَمَاعَةٍ مُقْتَدِيًا. (قَوْلُهُ: وَأَذَّنَ أَيْضًا) بِإِسْقَاطِ هَمْزَةِ أَيْضًا لِلضَّرُورَةِ ح، ثُمَّ إنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي النَّهْرِ غَيْرُ هَذَا الْبَيْتِ، وَنَصُّهُ: أَوْ بِالْأَذَانِ مُعْلِنًا فِيهِ أَتَى ... أَوْ قَدْ سَجَدَ عِنْدَ سَمَاعِ مَا أَتَى اهـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 وَكَافِرٌ فِي الْوَقْتِ صَلَّى بِاقْتِدَا ... مُتَمِّمًا صَلَاتَهُ لَا مُفْسِدَا وَأَذَّنَ أَيْضًا مُعْلِنًا أَوْ زَكَّى ... سَوَائِمَا كَأَنْ سَجَدْ، تَزَكَّى فَمُسْلِمٌ لَا بِالصَّلَاةِ مُنْفَرِدْ ... وَلَا الزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ الْحَجَّ زِدْ (وَهِيَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ، فَلَا نِيَابَةَ فِيهَا أَصْلًا) أَيْ لَا بِالنَّفْسِ كَمَا صَحَّتْ فِي الصَّوْمِ بِالْفِدْيَةِ لِلْفَانِي؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا   [رد المحتار] وَمَعْنَى أَتَى الثَّانِي وَرَدَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا الْبَيْتُ أَحْسَنُ لِمَا فِيهِ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْأَذَانِ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ ضَمِيرَ فِيهِ عَائِدٌ عَلَى الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ، وَمِنْ أَنَّ الْمُرَادَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ، وَمِنْ إسْقَاطِ مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهَا خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَنَّ صَاحِبَ النَّهْرِ اعْتَرَضَ عَلَى الطَّرَسُوسِيِّ فِي ذِكْرِهَا وَقَالَ لَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِ بَلْ الْمَذْكُورُ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِالزَّكَاةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. (قَوْلُهُ: مُعْلِنًا) الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَسْمَعَهُ مَنْ تَصِحُّ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ لَا أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى صَوْمَعَةٍ أَوْ سَطْحٍ يَسْمَعُهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ؛ وَلِذَا لَوْ كَانَ فِي السَّفَرِ صَحَّ كَمَا فِي سِيَرِ الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى الذِّمِّيِّ أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ كَانَ مُسْلِمًا سَوَاءٌ كَانَ فِي السَّفَرِ أَوْ الْحَضَرِ وَإِنْ قَالُوا سَمِعْنَاهُ يُؤَذِّنُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا حَتَّى يَقُولُوا هُوَ مُؤَذِّنٌ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ فَيَكُونُ مُسْلِمًا. اهـ. وَعَزَاهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ إلَى مُحَمَّدٍ، ثُمَّ ظَاهِرُ هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَادَةً لَهُ، لَكِنْ قَالَ فِي أَذَانِ الْبَحْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْعِيسَوِيَّةِ أَمَّا غَيْرُهُمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا بِنَفْسِ الْأَذَانِ اهـ. قُلْت: لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْإِسْلَامَ بِالْأَفْعَالِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَافِرٍ وَكَافِرٍ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ ابْنُ وَهْبَانَ، فَإِمَّا أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ تَقْيِيدًا لِكَوْنِ الْأَذَانِ فِي الْوَقْتِ إسْلَامًا أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ فَقَطْ تَأَمَّلْ وَرَاجِعْ. (قَوْلُهُ: كَأَنْ سَجَدْ) بِسُكُونِ الدَّالِ لِلضَّرُورَةِ أَوْ لِلْوَصْلِ بِنِيَّةِ الْوَقْفِ وَأَنْ مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ كَسُجُودِهِ، وَالْمُرَادُ سُجُودُ التِّلَاوَةِ ح. (قَوْلُهُ: تَزَكَّى) تَكْمِلَةٌ لِلْوَزْنِ وَهُوَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ سَجَدَ: أَيْ كَسُجُودِهِ لِلتِّلَاوَةِ حَالَ كَوْنِهِ مُتَطَهِّرًا عَنْ أَرْجَاسِ الْكُفْرِ ح. (قَوْلُهُ: فَمُسْلِمٌ) خَبَرُ كَافِرٍ ح. وَزِيدَتْ الْفَاءُ لِوُقُوعِ الْمُبْتَدَأِ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً بِفِعْلٍ أُرِيدَ بِهَا الْعُمُومُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَيُّ كَافِرٍ كَانَ عِيسَوِيًّا أَوْ غَيْرَهُ كَمَا قَدَّمْنَا تَقْرِيرَهُ. وَهَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا زِيَادَةُ الْفَاءِ فِي الْخَبَرِ كَقَوْلِك: رَجُلٌ يَسْأَلُنِي فَلَهُ دِرْهَمٌ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: مُنْفَرِدْ) بِالسُّكُونِ عَلَى لُغَةِ رَبِيعَةَ ح وَسَكَتَ عَنْ بَقِيَّةِ مُحْتَرَزَاتِ قُيُودِ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: وَالزَّكَاةِ) أَيْ زَكَاةِ غَيْرِ السَّوَائِمِ وَعَلَى إنْشَاءِ الْبَيْتِ الثَّانِي عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنْ النَّهْرِ. فَالْمُرَادُ بِالزَّكَاةِ جَمِيعُ أَنْوَاعِهَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْخَانِيَّةِ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. (قَوْلُهُ: الْحَجَّ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ لِقَوْلِهِ زِدْ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ. (قَوْلُهُ: بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ) أَيْ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا مَالِيَّةٌ مَحْضَةٌ، وَبِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ بِالْبَدَنِ وَإِنْفَاقِ الْمَالِ. (قَوْلُهُ: فَلَا نِيَابَةَ فِيهَا أَصْلًا) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعِبَادَةِ الْبَدَنِيَّةِ إتْعَابُ الْبَدَنِ وَقَهْرُ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ وَلَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ النَّائِبِ، بِخِلَافِ الْمَالِيَّةِ فَتَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ مُطْلَقًا: أَيْ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ وَالِاضْطِرَارِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ إغْنَاءِ الْفَقِيرِ وَتَنْقِيصِ الْمَالِ بِفِعْلِ النَّائِبِ، وَبِخِلَافِ الْمُرَكَّبَةِ فَتَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ حَالَةَ الْعَجْزِ نَظَرًا إلَى مَعْنَى الْمَشَقَّةِ بِتَنْقِيصِ الْمَالِ لِإِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ نَظَرًا إلَى إتْعَابِ الْبَدَنِ كَمَا قَرَّرُوهُ فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ. (قَوْلُهُ: أَيْ لَا بِالنَّفْسِ إلَخْ) بَيَانٌ لِتَعْمِيمِ النَّفْيِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: فِي الْحَجِّ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ صَحَّتْ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الصَّوْمِ. (قَوْلُهُ: بِالْفِدْيَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِالضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي صَحَّتْ لِرُجُوعِهِ إلَى النِّيَابَةِ الَّتِي هِيَ مَصْدَرٌ: أَيْ كَمَا صَحَّتْ النِّيَابَةُ بِالْفِدْيَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَعَلُّقُ قَوْلِهِ بِالنَّفْسِ بِقَوْلِهِ نِيَابَةُ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ. وَاعْلَمْ أَنَّ صِحَّةَ الْفِدْيَةِ فِي الصَّوْمِ لِلْفَانِي مَشْرُوطَةٌ بِاسْتِمْرَارِ عَجْزِهِ إلَى الْمَوْتِ. فَلَوْ قُدِّرَ قَبْلَهُ قَضَى كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الصَّوْمِ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا) أَيْ الْفِدْيَةَ. وَقَوْلُهُ لَمْ يُوجَدْ: أَيْ إذْنُ الشَّرْعِ بِالْفِدْيَةِ فِي الصَّلَاةِ ح وَهَذَا تَعْلِيلٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 تَجُوزُ بِإِذْنِ الشَّرْعِ وَلَمْ يُوجَدْ (سَبَبُهَا) تَرَادُفُ النِّعَمِ ثُمَّ الْخِطَابِ ثُمَّ الْوَقْتِ أَيْ (الْجُزْءُ) (الْأَوَّلُ) مِنْهُ إنْ (اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ وَإِلَّا فَمَا) أَيْ جَزْءٌ مِنْ الْوَقْتِ (يَتَّصِلُ بِهِ) الْأَدَاءُ (وَإِلَّا) يَتَّصِلُ الْأَدَاءُ بِجُزْءٍ (فَالسَّبَبُ) هُوَ (الْجُزْءُ الْأَخِيرُ) وَلَوْ نَاقِصًا، حَتَّى تَجِبَ عَلَى مَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ أَفَاقَا، وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ طَهُرَتَا   [رد المحتار] لِعَدَمِ جَرَيَانِ النِّيَابَةِ فِي الصَّلَاةِ بِالْمَالِ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ وَقَدْ صَحَّتْ النِّيَابَةُ فِي الصَّوْمِ بِالْفِدْيَةِ لِلشَّيْخِ الْفَانِي دُونَ الصَّلَاةِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْفِدْيَةَ فِي الصَّوْمِ إنَّمَا أَثْبَتْنَاهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ؛ وَلِذَا سَمَّاهَا الْأُصُولِيُّونَ قَضَاءً بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُولَ قَضَاءُ الشَّيْءِ بِمِثْلِهِ، وَلَمْ نُثْبِتْهَا فِي الصَّلَاةِ لِعَدَمِ النَّصِّ، فَإِنْ قُلْت: قَدْ أَوْجَبْتُمْ الْفِدْيَةَ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الْإِيصَاءِ بِهَا مِنْ الْعَاجِزِ عَنْهَا، فَقَدْ أَجْرَيْتُمْ فِيهَا النِّيَابَةَ بِالْمَالِ مَعَ عَدَمِ النَّصِّ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ مَا خَالَفَ الْقِيَاسَ فَعَلَيْهِ غَيْرُهُ لَا يُقَاسُ. قُلْت: ثُبُوتُ الْفِدْيَةِ فِي الصَّوْمِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّلًا بِالْعَجْزِ وَأَنْ لَا يَكُونَ، فَبِاعْتِبَارِ تَعْلِيلِهِ بِهِ يَصِحُّ قِيَاسُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِمَا، وَبِاعْتِبَارِ عَدَمِهِ لَا يَصِحُّ، فَلَمَّا حَصَلَ الشَّكُّ فِي الْعِلَّةِ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ فِي الصَّلَاةِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهَا إنْ لَمْ تُجْزِهِ تَكُونُ حَسَنَةً مَاحِيَةً لِسَيِّئَةٍ، فَالْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ أَحْوَطُ؛ وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ تُجْزِئُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ كَانَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ لَمَا عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ بِالْقِيَاسِ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا أَوْضَحْنَاهُ فِي حَوَاشِينَا عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ لِلشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: سَبَبُهَا تَرَادُفُ النِّعَمِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ سَبَبَ الصَّلَاةِ الْحَقِيقِيَّ هُوَ تَرَادُفُ النِّعَمِ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ شُكْرَ الْمُنْعِمِ وَاجِبٌ شَرْعًا وَعَقْلًا. وَلَمَّا كَانَتْ النِّعَمُ وَاقِعَةً فِي الْوَقْتِ جُعِلَ الْوَقْتُ سَبَبًا بِجَعْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَخِطَابِهِ حَيْثُ جَعَلَهُ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78]- فَكَانَ الْوَقْتُ هُوَ السَّبَبُ الْمُتَأَخِّرُ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ الْأُصُولِيَّةِ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ إلَخْ) إذْ لَوْ كَانَ السَّبَبُ هُوَ الْكُلُّ لَزِمَ تَقَدُّمُ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ أَوْ وُجُوبُ الْأَدَاءِ بَعْدَ وَقْتِهِ فَتَعَيَّنَ الْبَعْضُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبَعْضُ أَوَّلَ الْوَقْتِ عَيْنًا لِلُزُومِ عَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَى مَنْ صَارَ أَهْلًا لِلصَّلَاةِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ بِقَدْرِ مَا يَسَعُهَا، وَلَا آخِرِ الْوَقْتِ عَيْنًا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ الْأَدَاءُ فِي أَوَّلِهِ لِامْتِنَاعِ التَّقَدُّمِ عَلَى السَّبَبِ، فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ الْجُزْءَ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ الْأَدَاءُ وَيَلِيهِ الشُّرُوعُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي السَّبَبِ هُوَ الِاتِّصَالُ بِالْمُسَبَّبِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ لِابْنِ نُجَيْمٍ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَمَا يَتَّصِلُ بِهِ) مَا هُنَا عَامَّةٌ شَامِلَةٌ لِلْجُزْءِ الْأَخِيرِ، فَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْجُزْءُ الْأَخِيرُ تَكْرَارٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ سَبَبُهَا جُزْءٌ أَوَّلٌ اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ. وَالْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ: سَبَبُهَا جُزْءٌ اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ مِنْ الْوَقْتِ وَإِلَّا فَجُمْلَتُهُ. اهـ. ح وَسَبَقَهُ إلَيْهِ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ. (قَوْلُهُ: هُوَ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ) وَهُوَ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ عَقْدِ التَّحْرِيمَةِ فَقَطْ عِنْدَنَا. وَعِنْدَ زُفَرَ مَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْأَدَاءِ فِيهِ، وَأَجْمَعُوا أَنَّ خِيَارَ التَّأْخِيرِ إلَى أَنْ لَا يَسَعَ إلَّا جَمِيعَ الصَّلَاةِ، حَتَّى لَوْ أَخَّرَ عَنْهُ يَأْثَمُ. اهـ. ابْنُ نُجَيْمٍ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَاقِصًا) أَيْ إذَا اتَّصَلَ الْأَدَاءُ بِآخِرِ الْوَقْتِ كَانَ هُوَ السَّبَبَ، وَلَوْ كَانَ نَاقِصًا كَوَقْتِ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ فَيَصِحُّ أَدَاءُ الْعَصْرِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اتَّصَلَ الْأَدَاءُ فِيهِ صَارَ هُوَ السَّبَبَ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِأَدَائِهِ فَيَكُونُ أَدَاؤُهُ كَمَا وَجَبَ بِخِلَافِ عَصْرِ أَمْسِهِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: حَتَّى تَجِبُ) بِالرَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ فَالسَّبَبُ هُوَ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ. (قَوْلُهُ: أَفَاقَا) أَيْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَوْ بِقَدْرِ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا. الثَّلَاثَةِ، خِلَافًا لِزُفَرَ كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ لِابْنِ أَمِيرٍ حَاجٍّ: أَيْ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ لِاحْتِيَاجِهِمَا إلَى الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْجُنُونَ أَوْ الْإِغْمَاءَ يَنْقُضُهُ وَلَيْسَ فِي الْوَقْتِ مَا يَسَعُهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَفَاقَا وَفِي الْوَقْتِ مَا يَسَعُ أَكْثَرَ مِنْ التَّحْرِيمَةِ تَجِبُ عَلَيْهِمَا صَلَاتُهُ بِالْأَوْلَى، وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمَا صَلَاتُهُ كَمَا مَرَّ فِي الْحَيْضِ إذَا انْقَطَعَ لِلْعَشَرَةِ. قَالَ ح: وَهَذَا إذَا زَادَ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ عَلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِمَا صَلَاةُ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ بَلْ وَمَا قَبْلَهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: طَهُرَتَا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارَ مَا يَسَعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 وَصَبِيٍّ بَلَغَ، وَمُرْتَدٍّ أَسْلَمَ وَإِنْ صَلَّيَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ (وَبَعْدَ خُرُوجِهِ يُضَافُ) السَّبَبُ (إلَى جُمْلَتِهِ) لِيَثْبُتَ الْوَاجِبُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَإِنَّهُ الْأَصْلُ حَتَّى يَلْزَمَهُمْ الْقَضَاءُ فِي كَامِلٍ هُوَ الصَّحِيحُ. (وَقْتُ) صَلَاةِ (الْفَجْرِ) قَدَّمَهُ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي طَرَفَيْهِ، وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّاهُ آدَم   [رد المحتار] التَّحْرِيمَةَ إذَا كَانَ الِانْقِطَاعُ عَلَى الْعَشَرَةِ أَوْ الْأَرْبَعِينَ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ وَالْبَاقِي قَدْرَ الْغُسْلِ مَعَ مُقَدِّمَاتِهِ كَالِاسْتِقَاءِ وَخَلْعِ الثَّوْبِ وَالتَّسَتُّرِ عَنْ الْأَعْيُنِ وَالتَّحْرِيمَةِ فَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. شَرْحُ التَّحْرِيرِ. (قَوْلُهُ: وَصَبِيٍّ بَلَغَ) أَيْ وَكَانَ بَيْنَ بُلُوغِهِ وَآخِرِ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْحَائِضِ الَّتِي طَهُرَتْ عَلَى الْعَشَرَةِ ح. (قَوْلُهُ: وَمُرْتَدٍّ أَسْلَمَ) أَيْ إذَا كَانَ بَيْنَ إسْلَامِهِ وَآخِرِ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ كَمَا فِي الْحَائِضِ الْمَذْكُورَةِ، وَحُكْمُ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ، وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِيَصِحَّ قَوْلُهُ وَإِنْ صَلَّيَا أَوَّلَ الْوَقْتِ. وَصُورَتُهَا فِي الْمُرْتَدِّ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوَّلَ الْوَقْتِ فَيُصَلِّيَ الْفَرْضَ ثُمَّ يَرْتَدَّ ثُمَّ يُسْلِمَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ ح. (قَوْلُهُ: وَإِنْ صَلَّيَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ) يَعْنِي أَنَّ صَلَاتَهُمَا فِي أَوَّلِهِ لَا تُسْقِطُ عَنْهُمَا الطَّلَبَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. أَمَّا فِي الصَّبِيِّ فَلِكَوْنِهَا نَفْلًا، وَأَمَّا فِي الْمُرْتَدِّ فَلِحُبُوطِهَا بِالِارْتِدَادِ ح. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: غُلَامٌ صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ احْتَلَمَ وَلَمْ يَنْتَبِهْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْعِشَاءِ هُوَ الْمُخْتَارُ، وَإِنْ انْتَبَهَ قَبْلَهُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْعِشَاءِ إجْمَاعًا، وَهِيَ وَاقِعَةُ مُحَمَّدٍ سَأَلَهَا أَبَا حَنِيفَةَ فَأَجَابَهُ بِمَا قُلْنَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَبَعْدَ خُرُوجِهِ) أَيْ خُرُوجِ الْوَقْتِ بِلَا صَلَاةٍ. (قَوْلُهُ: لِيَثْبُتَ الْوَاجِبُ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُضَفْ إلَى جُمْلَةِ الْوَقْتِ وَقُلْنَا بِتَعَيُّنِ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ لِلسَّبَبِيَّةِ لَزِمَ ثُبُوتُ الْوَاجِبِ بِصِفَةِ النَّقْصِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّهُ الْأَصْلُ) الْوَاوُ لِلْحَالِ وَهَمْزَةُ إنَّ مَكْسُورَةٌ ح وَالضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى ثُبُوتِ الْوَاجِبِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى كَوْنِ السَّبَبِ هُوَ جُمْلَةُ الْوَقْتِ ط. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَلْزَمَهُمْ) أَيْ الْمَجْنُونَ وَمَنْ ذُكِرَ بَعْدَهُ، وَكَذَا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ خَرَجَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ. (قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ) مُقَابِلُهُ مَا قِيلَ إنَّ الْمَجْنُونَ وَنَحْوَهُ لَوْ أَفَاقَ أَوْ طَهُرَ أَوْ أَسْلَمَ فِي نَاقِصٍ كَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ النَّاقِصُ هُوَ السَّبَبُ فِي حَقِّهِمْ، لِتَعَذُّرِ إضَافَةِ السَّبَبِ إلَى جُمْلَةِ الْوَقْتِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ لِلْوُجُوبِ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ فَيَجُوزُ لَهُمْ الْقَضَاءُ فِي نَاقِصٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ وَجَبَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا نُقْصَانَ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْأَدَاءِ فِيهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِعَبَدَةِ الشَّمْسِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي التَّحْرِيرِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي طَرَفَيْهِ) أَيْ الطَّرَفَيْنِ الْآتِيَيْنِ: قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: نَعَمْ فِي كَوْنِ الْعِبْرَةِ بِأَوَّلِ طُلُوعِهِ أَوْ اسْتِطَارَتِهِ أَوْ انْتِشَارِهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ. وَفِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى عَنْ شَرْحِ السَّرَخْسِيِّ عَلَى الْكَافِي وَذُكِرَ فِيهَا أَنَّ الْأَوَّلَ أَحْوَطُ وَالثَّانِيَ أَوْسَعُ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ الْأَخِيرُ لِتَعْرِيفِهِمْ الْفَجْرَ الصَّادِقَ بِهِ كَمَا يَأْتِي. وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ الْأَوَّلَ، لِمَا فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْبَابِ «ثُمَّ صَلَّى بِي الْفَجْرَ» يَعْنِي فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ «حِينَ بَرَقَ وَحَرُمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ» وَبَرَقَ: بِمَعْنَى بَزَغَ، وَهُوَ أَوَّلُ طُلُوعِهِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. وَزَادَ: وَلَا يُنَافِيهِ التَّعْرِيفُ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ الِانْتِشَارَ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى انْتِشَارِهِ بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ مُضِيِّ جَانِبٍ مِنْهُ بِدَلِيلِ لَفْظِ الْحَدِيثِ. قَالَ ح: وَأَظُنُّ أَنَّ الِاسْتِطَارَةَ وَالِانْتِشَارَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ الْآتِي فَهُمَا قَوْلَانِ لَا ثَلَاثَةٌ. اهـ. وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَوَّلِهِ وَهُوَ أَصْلُ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمُرَادِ مِنْ الطُّلُوعِ. وَأَمَّا عَدَمُ الْخِلَافِ فِي آخِرِهِ فَلَمَّا صَرَّحَ بِهِ الطَّحَاوِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ أَنَّ عَلَيْهِ اتِّفَاقَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا عَنْ الْإِصْطَخْرِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، مِنْ أَنَّهُ إذَا أَسْفَرَ الْفَجْرُ يَخْرُجُ الْوَقْتُ وَتَصِيرُ الصَّلَاةُ بَعْدَهُ إلَى الطُّلُوعِ قَضَاءً. اهـ. وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ الْقُهُسْتَانِيِّ: إنَّ نَفْيَ الْخِلَافِ فِي الطَّرَفَيْنِ مِنْ عَدَمِ التَّتَبُّعِ. (قَوْلُهُ: وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّاهُ آدَم) أَيْ حِينَ أُهْبِطَ مِنْ الْجَنَّةِ وَجَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ وَلَمْ يَكُنْ رَآهُ قَبْلُ فَخَافَ، فَلَمَّا انْشَقَّ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 وَأَوَّلُ الْخَمْسِ وُجُوبًا، وَقَدَّمَ مُحَمَّدٌ الظُّهْرَ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُهَا ظُهُورًا وَبَيَانًا، وَلَا يَخْفَى تَوَقُّفُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَى الْعِلْمِ بِالْكَيْفِيَّةِ فَلِذَا لَمْ يَقْضِ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفَجْرَ صَبِيحَةَ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ، ثُمَّ هَلْ كَانَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ مُتَعَبِّدًا بِشَرْعِ أَحَدٍ؟ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا لَا، بَلْ كَانَ يَعْمَلُ بِمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ الْكَشْفِ الصَّادِقِ مِنْ شَرِيعَةِ إبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ. وَصَحَّ تَعَبُّدُهُ فِي حِرَاءٍ بَحْرٌ   [رد المحتار] فَلِذَا قَدَّمَهُ فِي الذِّكْرِ عِنَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَأَوَّلُ الْخَمْسِ وُجُوبًا) قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّ أَوَّلَهَا وُجُوبًا الْعِشَاءُ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِآخِرِ الْوَقْتِ، وَالْإِسْرَاءُ كَانَ لَيْلًا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَوَّلُهَا ظُهُورًا) أَيْ أَوَّلُ الْخَمْسِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ إمَامَةَ جِبْرِيلَ إنَّمَا كَانَتْ فِي الظُّهْرِ صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ: وَأَنَّ إمَامَتَهُ لَهُ فِي الصُّبْحِ كَانَتْ فِي غَيْرِ صَبِيحَتِهَا، وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا رِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا الْبُدَاءَةُ بِالظُّهْرِ كَمَا فِي أَبِي السُّعُودِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ. حَاصِلُهُ أَنَّ الصُّبْحَ إذَا كَانَ أَوَّلُ الْخَمْسِ وُجُوبًا فَكَيْفَ تَرَكَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ مَعَ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ لَيْلًا. وَبَيَانُ الْجَوَابِ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا لَا يَجِبُ الْأَدَاءُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْكَيْفِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ بِالْمُجْمَلِ قَبْلَ الْبَيَانِ يُفِيدُ الِابْتِلَاءَ بِاعْتِقَادِ الْحَقِّيَّةِ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْعَمَلُ بَعْدَ الْبَيَانِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْوُجُوبِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ، وَنَظِيرُهُ يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى الْمَعْذُورِ بِلَا وُجُوبِ أَدَاءً. وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ نَائِمًا وَلَا وُجُوبَ عَلَى النَّائِمِ، فَفِي النَّهْرِ أَنَّهُ مَرْدُودٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمَعْذُورَ بِنَوْمٍ وَنَحْوِهِ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ. اهـ. [فَرْعٌ] لَا يَجِبُ انْتِبَاهُ النَّائِمِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَيَجِبُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ، نَقَلَهُ الْبِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ، وَقَالَ: وَلَمْ نَرَهُ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ فَاغْتَنِمْهُ اهـ. قُلْت: لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَدَاءُ عَلَى النَّائِمِ اتِّفَاقًا فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ الِانْتِبَاهُ: رَوَى مُسْلِمٌ فِي قِصَّةِ التَّعْرِيسِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إنَّمَا التَّفْرِيطُ أَنْ تُؤَخَّرَ صَلَاةٌ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْأُخْرَى» " وَأَصْلُ النُّسْخَةِ التَّنْبِيهُ بَدَلَ الِانْتِبَاهِ، وَسَنَذْكُرُ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ مَا أَخَّرَ صَلَاةً عَنْ وَقْتِهَا وَقَدْ نَامَ فَقَضَاهَا، قِيلَ لَا يَحْنَثُ وَاسْتَظْهَرَهُ الْبَاقَانِيُّ، لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ نَامَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَانْتَبَهَ بَعْدَهُ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ نَامَ بَعْدَ دُخُولِهِ حَنِثَ اهـ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ بِنَوْمِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ لَا يَكُونُ مُؤَخِّرًا وَعَلَيْهِ فَلَا يَأْثَمُ وَإِذَا لَمْ يَأْثَمْ لَا يَجِبُ انْتِبَاهُهُ إذْ لَوْ وَجَبَ لَكَانَ مُؤَخِّرًا لَهَا وَآثِمًا، بِخِلَافِ مَا إذَا نَامَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الْبِيرِيِّ عَلَيْهِ. مَطْلَبٌ فِي تَعَبُّدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَبْلَ الْبَعْثَةِ. (قَوْلُهُ: مُتَعَبِّدًا) بِكَسْرِ الْبَاءِ. فِي الْقَامُوسِ: تَعَبَّدَ تَنَسَّكَ. اهـ. ح. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ أَيْ مُكَلَّفًا أَنَّهُ بِالْفَتْحِ لَكِنَّ الْأَظْهَرَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ بِالْفَتْحِ يَقْتَضِي الْأَمْرَ، وَالْكَلَامُ فِيمَا قَبْلَ الْبَعْثَةِ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا لَا) نَسَبَهُ فِي التَّقْرِيرِ الْأَكْمَلِيِّ إلَى مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا قَالَ: لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَبْلَ الرِّسَالَةِ فِي مَقَامِ النُّبُوَّةِ لَمْ يَكُنْ مِنْ أُمَّةِ نَبِيٍّ قَطُّ إلَخْ، وَعَزَاهُ فِي النَّهْرِ أَيْضًا إلَى الْجُمْهُورِ وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ أَنَّهُ كَانَ مُتَعَبِّدًا بِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ شَرْعٌ يَعْنِي لَا عَلَى الْخُصُوصِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَقَدَّمْنَا تَمَامَهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّ تَعَبُّدُهُ فِي حِرَاءٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ يُصْرَفُ وَيُمْنَعُ مِنْ الصَّرْفِ، وَحُكِيَ فِيهِ الْفَتْحُ وَالْقَصْرُ وَكَذَلِكَ حُكْمُ قُبَاءَ وَنَظَمَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: حِرَا وَقُبَا ذَكِّرْ وَأَنِّثْهُمَا مَعًا ... وَمُدَّ أَوْ اقْصِرْ وَاصْرِفَنَّ وَامْنَعْ الصَّرْفَا . وَهُوَ جَبَلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ. قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ: وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ " أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 (مِنْ) أَوَّلِ (طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي) وَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُنْتَشِرُ الْمُسْتَطِيرُ لَا الْمُسْتَطِيلُ (إلَى) قُبَيْلِ (طُلُوعِ ذُكَاءَ) بِالضَّمِّ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ اسْمُ الشَّمْسِ. (وَوَقْتُ الظُّهْرِ مِنْ زَوَالِهِ) أَيْ مَيْلِ ذُكَاءَ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ (إلَى بُلُوغِ الظِّلِّ مِثْلَيْهِ) وَعَنْهُ مِثْلَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَزُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. قَالَ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ: وَبِهِ نَأْخُذُ. وَفِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ: وَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ. وَفِي الْبُرْهَانِ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ. لِبَيَانِ جِبْرِيلَ. وَهُوَ نَصٌّ فِي الْبَابِ. وَفِي الْفَيْضِ: وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ وَبِهِ يُفْتَى (سِوَى فَيْءٍ)   [رد المحتار] كَانَ يَخْرُجُ إلَى حِرَاءٍ فِي كُلِّ عَامٍ شَهْرًا يَتَنَسَّكُ فِيهِ " قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا التَّعَبُّدَ يَشْتَمِلُ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنْ الِانْعِزَالِ عَنْ النَّاسِ وَالِانْقِطَاعِ إلَى اللَّهِ وَالْأَفْكَارِ. وَعَنْ بَعْضِهِمْ: كَانَتْ عِبَادَتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حِرَاءٍ التَّفْكِيرَ، اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: مِنْ أَوَّلِ طُلُوعِ إلَخْ) زَادَ لَفْظَ أَوَّلِ اخْتِيَارًا لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْبَيَاضُ إلَخْ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَاللَّفْظُ لَهُ «لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سُحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ وَلَكِنْ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ» " فَالْمُعْتَبَرُ الْفَجْرُ الصَّادِقُ وَهُوَ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ فِي الْأُفُقِ: أَيْ الَّذِي يَنْتَشِرُ ضَوْءُهُ فِي أَطْرَافِ السَّمَاءِ لَا الْكَاذِبُ وَهُوَ الْمُسْتَطِيلُ الَّذِي يَبْدُو طَوِيلًا فِي السَّمَاءِ كَذَنَبِ السِّرْحَانِ أَيْ الذِّئْبِ ثُمَّ يَعْقُبُهُ ظُلْمَةٌ. [فَائِدَةٌ] ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْمَرْحُومُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ الْكَامِلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى رِسَالَةِ الأسطرلاب لِشَيْخِ مَشَايِخِنَا الْعَلَّامَةِ الْمُحَقِّقِ عَلِيٍّ أَفَنْدِي الدَّاغِسْتَانِيِّ أَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الْفَجْرَيْنِ وَكَذَا بَيْنَ الشَّفَقَيْنِ الْأَحْمَرِ وَالْأَبْيَضِ إنَّمَا هُوَ بِثَلَاثِ دُرَجٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَى قُبَيْلِ) كَذَا أَقْحَمَهُ فِي النَّهْرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى دُخُولِ الْغَايَةِ، لَكِنَّ التَّحْقِيقَ عَدَمُهُ لِكَوْنِهَا غَايَةَ مَدٍّ كَمَا سَبَقَ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ. اهـ. إسْمَاعِيلُ. (قَوْلُهُ: بِالضَّمِّ) أَيْ وَبِالْمَدِّ كَمَا فِي الْقَامُوسِ ح. (قَوْلُهُ مِنْ زَوَالِهِ) الْأَوْلَى مِنْ زَوَالِهَا ط. (قَوْلُهُ: عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ) أَيْ وَسَطِهَا بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَنَا ط. (قَوْلُهُ: إلَى بُلُوغِ الظِّلِّ مِثْلَيْهِ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ نِهَايَةٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ بَدَائِعُ وَمُحِيطٌ وَيَنَابِيعُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ غِيَاثِيَّةٌ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ وَعَوَّلَ عَلَيْهِ النَّسَفِيُّ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ تَصْحِيحَ قَاسِمٍ وَاخْتَارَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ، وَارْتَضَاهُ الشَّارِحُونَ، فَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ وَبِقَوْلِهِمَا نَأْخُذُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَمَا فِي الْفَيْضِ مِنْ أَنَّهُ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا فِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ مُسَلَّمٌ فِي الْعِشَاءِ فَقَطْ عَلَى مَا فِيهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ الْإِمَامِ ح. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ بِالْمِثْلِ يَخْرُجُ وَقْتُ الظُّهْرِ وَلَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ إلَّا بِالْمِثْلَيْنِ ذَكَرَهَا الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَعَلَيْهَا فَمَا بَيْنَ الْمِثْلِ وَالْمِثْلَيْنِ وَقْتٌ مُهْمَلٌ. (قَوْلُهُ: مِثْلَهُ) مَنْصُوبٌ بِبُلُوغِ الْمُقَدَّرِ وَالتَّقْدِيرُ وَعَنْ الْإِمَامِ إلَى بُلُوغِ الظِّلِّ مِثْلَهُ ح. (قَوْلُهُ: وَهُوَ نَصٌّ فِي الْبَابِ) فِيهِ أَنَّ الْأَدِلَّةَ تَكَافَأَتْ وَلَمْ يَظْهَرْ ضَعْفُ دَلِيلِ الْإِمَامِ، بَلْ أَدِلَّتُهُ قَوِيَّةٌ أَيْضًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ مُرَاجَعَةِ الْمُطَوَّلَاتِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَقَدْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَا يُعْدَلُ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ إلَى قَوْلِهِمَا أَوْ قَوْلِ أَحَدِهِمَا إلَّا لِضَرُورَةٍ مِنْ ضَعْفِ دَلِيلٍ أَوْ تَعَامُلٍ، بِخِلَافِهِ كَالْمُزَارَعَةِ وَإِنْ صَرَّحَ الْمَشَايِخُ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا هُنَا. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ) أَيْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْبِلَادِ، وَالْأَحْسَنُ مَا فِي السِّرَاجِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ الظُّهْرَ إلَى الْمِثْلِ، وَأَنْ لَا يُصَلِّيَ الْعَصْرَ حَتَّى يَبْلُغَ الْمِثْلَيْنِ لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا لِلصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ، وَانْظُرْ هَلْ إذَا لَزِمَ مِنْ تَأْخِيرِهِ الْعَصْرَ إلَى الْمِثْلَيْنِ فَوْتُ الْجَمَاعَةِ يَكُونُ الْأَوْلَى التَّأْخِيرَ أَمْ لَا، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ بَلْ يَلْزَمُ لِمَنْ اعْتَقَدَ رُجْحَانَ قَوْلِ الْإِمَامِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي آخِرِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ نَاقِلًا عَنْ بَعْضِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ إمَامُ مَحَلَّتِهِ يُصَلِّي الْعِشَاءَ قَبْلَ غِيَابِ الشَّفَقِ الْأَبْيَضِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا وَحْدَهُ بَعْدَ الْبَيَاضِ. (قَوْلُهُ: سِوَى فَيْءٍ) بِوَزْنِ شَيْءٍ: وَهُوَ الظِّلُّ بَعْدَ الزَّوَالِ، سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فَاءَ أَيْ رَجَعَ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ إلَى الْمَشْرِقِ، وَمَا قَبْلَ الزَّوَالِ إنَّمَا يُسَمَّى ظِلًّا، وَقَدْ يُسَمَّى بِهِ مَا بَعْدَهُ أَيْضًا وَلَا يُسَمَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 يَكُونُ لِلْأَشْيَاءِ قُبَيْلَ (الزَّوَالِ) وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يُغْرَزُ اعْتَبَرَ بِقَامَتِهِ وَهِيَ سِتَّةُ أَقْدَامٍ بِقَدَمِهِ مِنْ طَرَفِ إبْهَامِهِ. (وَوَقْتُ الْعَصْرِ مِنْهُ إلَى) قُبَيْلِ (الْغُرُوبِ) فَلَوْ غَرَبَتْ ثُمَّ عَادَتْ هَلْ يَعُودُ الْوَقْتُ بِالظَّاهِرِ، نَعَمْ   [رد المحتار] مَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَيْئًا أَصْلًا سِرَاجٌ وَنَهْرٌ. (قَوْلُهُ: يَكُونُ لِلْأَشْيَاءِ قُبَيْلَ الزَّوَالِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ إضَافَةَ الْفَيْءِ إلَى الزَّوَالِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ لِحُصُولِهِ عِنْدَ الزَّوَالِ فَلَا تُعَدُّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ تَسَامُحًا دُرَرٌ، أَيْ خِلَافًا لِشَرْحِ الْمَجْمَعِ مِنْ أَنَّهَا تَسَامُحٌ، وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ؛ لِأَنَّ التَّسَامُحَ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ لَا لِعَلَاقَةٍ، وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ مَجَازٌ فِي الْإِسْنَادِ؛ لِأَنَّ الْفَيْءَ إنَّمَا يُسْنَدُ حَقِيقَةً لِلْأَشْيَاءِ كَالشَّاخِصِ وَنَحْوِهِ لَا لِلزَّوَالِ. قُلْت: لَكِنْ يَرِدُ أَنَّ الظِّلَّ لَا يُسَمَّى فَيْئًا إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ كَمَا عَلِمْت، وَبِهِ اعْتَرَضَ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى التَّعْبِيرِ بِفَيْءِ الزَّوَالِ أَيْ فَهُوَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ عَنْ الظِّلِّ، وَإِسْنَادُهُ إلَى الزَّوَالِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ كَمَا عَلِمْت لَا لُغَوِيٌّ أَيْضًا. وَلَا تَسَامُحَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اسْتِعْمَالُ كَلِمَةٍ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَتْ لَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ جَعَلَ فِي الْكَلَامِ مَجَازَيْنِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ) أَيْ طُولًا وَقِصَرًا وَانْعِدَامًا بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا أَوْضَحَهُ ح. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يُغْرَزُ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ وَجَدَ خَشَبَةً يَغْرِزُهَا فِي الْأَرْضِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيَنْتَظِرُ الظِّلَّ مَا دَامَ مُتَرَاجِعًا إلَى الْخَشَبَةِ فَإِذَا أَخَذَ فِي الزِّيَادَةِ حِفْظَ الظِّلِّ الَّذِي قَبْلَهَا فَهُوَ ظِلُّ الزَّوَالِ ح: وَعَنْ مُحَمَّدٍ: يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَمَا دَامَتْ الشَّمْسُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْسَرِ فَالشَّمْسُ لَمْ تَزُلْ وَإِنْ صَارَتْ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ فَقَدْ زَالَتْ، وَعَزَاهُ فِي الْمِفْتَاحِ إلَى الْإِيضَاحِ قَائِلًا إنَّهُ أَيْسَرُ مِمَّا سَبَقَ عَنْ الْمَبْسُوطِ مِنْ غَرْزِ الْخَشَبَةِ إسْمَاعِيلُ. (قَوْلُهُ: اعْتَبَرَ بِقَامَتِهِ) أَيْ بِأَنْ يَقِفَ مُعْتَدِلًا فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ حَاسِرًا عَنْ رَأْسِهِ خَالِعًا نَعْلَيْهِ مُسْتَقْبِلًا لِلشَّمْسِ أَوْ لِظِلِّهِ وَيَحْفَظُ ظِلَّ الزَّوَالِ كَمَا مَرَّ، ثُمَّ يَقِفُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَيَأْمُرُ مَنْ يُعَلِّمُ لَهُ عَلَى مُنْتَهَى ظِلِّهِ عَلَامَةً، فَإِذَا بَلَغَ الظِّلُّ طُولَ الْقَامَةِ مَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّةً سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَإِنْ لَمْ يُعَلِّمْ عَلَامَةً يَكِيلُ بَدَلَهَا سِتَّةَ أَقْدَامٍ وَنِصْفًا بِقَدَمِهِ وَقِيلَ سَبْعَةً. (قَوْلُهُ: مِنْ طَرَفِ إبْهَامِهِ) حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ بِقَدَمِهِ، أَشَارَ بِهِ إلَى الْجَمِيعِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قِيلَ إنَّ قَامَةَ كُلِّ إنْسَانٍ سِتَّةُ أَقْدَامٍ وَنِصْفٌ بِقَدَمِهِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ: سَبْعَةُ أَقْدَامٍ: قَالَ الزَّاهِدِيُّ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُعْتَبَرَ سَبْعَةُ أَقْدَامٍ مِنْ طَرَفِ سَمْتِ السَّاقِ وَسِتَّةٌ وَنِصْفٌ مِنْ طَرَفِ الْإِبْهَامِ، وَإلَيْهِ أَشَارَ الْبَقَّالِيُّ. اهـ. حِلْيَةٌ: أَقُولُ: بَيَانُهُ إذَا وَقَفَ الْوَاقِفُ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى ثُمَّ نَقَلَ الْيُمْنَى وَوَضَعَ عَقِبَهَا عِنْدَ طَرَفِ إبْهَامِ الْيُسْرَى ثُمَّ نَقَلَ الْيُسْرَى كَذَلِكَ وَهَكَذَا سِتَّ مَرَّاتٍ، فَإِنْ بَدَأَ بِالِاعْتِبَارِ مِنْ طَرَفِ سَمْتِ السَّاقِ، يَعْنِي مِنْ طَرَفِ عَقِبِ الْيُسْرَى الَّتِي كَانَ وَاقِفًا عَلَيْهَا أَوَّلًا كَانَ سَبْعَةَ أَقْدَامٍ، وَإِنْ بَدَأَ بِالِاعْتِبَارِ مِنْ طَرَفِ إبْهَامِهَا كَانَ سِتَّةَ أَقْدَامٍ وَنِصْفَ قَدَمٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَخْذُ طُولِ ارْتِفَاعِ الْقَامَةِ، وَمَبْدَأُ ارْتِفَاعِهَا مِنْ جِهَةِ الْوَجْهِ عِنْدَ نِصْفِ الْقَدَمِ وَمِنْ جِهَةِ الْقَفَا عِنْدَ طَرَفِ الْعَقِبِ، فَمَنْ لَاحَظَ الْأَوَّلَ اعْتَبَرَ نِصْفَ الْقَدَمِ الَّتِي كَانَ وَاقِفًا عَلَيْهَا وَقَدْرَ الْقَامَةِ بِسِتَّةِ أَقْدَامٍ وَنِصْفٍ وَمَنْ لَاحَظَ الثَّانِيَ اعْتَبَرَ الْقَدَمَ الْمَذْكُورَةَ بِتَمَامِهَا وَقَدَّرَ بِسَبْعَةٍ، وَعَلَى كُلٍّ فَالْمُرَادُ وَاحِدٌ، وَهَذَا الَّذِي قَرَّرْنَاهُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا رَأَيْته فِي بَعْضِ كُتُبِ الْمِيقَاتِ. وَحَاصِلُهُ إنْ حَسَبَ كُلَّ الْقَدَمِ الَّتِي كَانَ وَاقِفًا عَلَيْهَا كَانَ سَبْعَةَ أَقْدَامٍ، وَإِنْ حَسَبَ نِصْفَهَا كَانَ سِتَّةَ أَقْدَامٍ وَنِصْفًا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: مِنْهُ) أَيْ مِنْ بُلُوغِ الظِّلِّ مِثْلَيْهِ عَلَى رِوَايَةِ الْمَتْنِ. مَطْلَبُ لَوْ رُدَّتْ الشَّمْسُ بَعْدَ غُرُوبِهَا. (قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ نَعَمْ) بَحْثٌ لِصَاحِبِ النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ: ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الْوَقْتَ يَعُودُ «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَامَ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ ذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ فَاتَتْهُ الْعَصْرُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنَّهُ كَانَ فِي طَاعَتِك وَطَاعَةِ رَسُولِك فَارْدُدْهَا عَلَيْهِ، فَرُدَّتْ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ» وَكَانَ ذَلِكَ بِخَيْبَرَ، وَالْحَدِيثُ صَحَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 وَهِيَ الْوُسْطَى عَلَى الْمَذْهَبِ (وَ) وَقْتُ (الْمَغْرِبِ مِنْهُ إلَى) غُرُوبِ (الشَّفَقِ وَهُوَ الْحُمْرَةُ) عِنْدَهُمَا، وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْإِمَامُ كَمَا فِي شُرُوحِ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهَا، فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ. (وَ) وَقْتُ (الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ مِنْهُ إلَى الصُّبْحِ، وَ) لَكِنْ   [رد المحتار] وَعِيَاضٌ، وَأَخْرَجَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، وَأَخْطَأَ مَنْ جَعَلَهُ مَوْضُوعًا كَابْنِ الْجَوْزِيِّ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ اهـ قَالَ ح: كَأَنَّهُ نَظِيرُ الْمَيِّتِ إذَا أَحْيَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فِي أَيْدِي وَرَثَتِهِ فَيُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْأَحْيَاءِ، وَانْظُرْ هَلْ هَذَا شَامِلٌ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا الَّذِي هُوَ مِنْ الْعَلَامَاتِ الْكُبْرَى لِلسَّاعَةِ؟ . اهـ. قَالَ ط: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعْطَى هَذَا الْحُكْمَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا أُعِيدَتْ فِي آنِ غُرُوبِهَا كَمَا هُوَ وَاقِعَةُ الْحَدِيثِ، أَمَّا طُلُوعُهَا مِنْ مَغْرِبِهَا فَهُوَ بَعْدَ مُضِيِّ اللَّيْلِ بِتَمَامِهِ. اهـ. قُلْت: عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ إسْمَاعِيلَ رَدَّ مَا بَحَثَهُ فِي النَّهْرِ تَبَعًا لِلشَّافِعِيَّةِ، بِأَنَّ صَلَاةَ الْعَصْرِ بِغَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ تَصِيرُ قَضَاءً وَرُجُوعُهَا لَا يُعِيدُهَا أَدَاءً، وَمَا فِي الْحَدِيثِ خُصُوصِيَّةٌ لِعَلِيٍّ كَمَا يُعْطِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّهُ كَانَ فِي طَاعَتِك وَطَاعَةِ رَسُولِك» . اهـ. قُلْت: وَيَلْزَمُ عَلَى الْأَوَّلِ بُطْلَانُ صَوْمِ مَنْ أَفْطَرَ قَبْلَ رَدِّهَا وَبُطْلَانُ صَلَاتِهِ الْمَغْرِبَ لَوْ سَلَّمْنَا عَوْدَ الْوَقْتِ بِعَوْدِهَا لِلْكُلِّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. مَطْلَبٌ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى. (قَوْلُهُ: وَهِيَ الْوُسْطَى عَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ الْمَنْقُولُ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ، وَسُمِّيَتْ وُسْطَى؛ لِأَنَّهَا بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَصَلَاتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ، وَتَمَامُ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مَبْسُوطٌ فِي أَوَّلِ الْحِلْيَةِ، قَالَ ح: وَهَذَا قَوْلٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ قَوْلًا مَذْكُورَةً فِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَشَرْحِهَا. (قَوْلُهُ: وإلَيْهِ رَجَعَ الْإِمَامُ) أَيْ إلَى قَوْلِهِمَا الَّذِي هُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ أَيْضًا، وَصَرَّحَ فِي الْمَجْمَعِ بِأَنَّ عَلَيْهَا الْفَتْوَى، وَرَدَّهُ الْمُحَقِّقُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ لَا يُسَاعِدُهُ رِوَايَةٌ وَلَا دِرَايَةٌ إلَخْ. وَقَالَ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ: إنَّ رُجُوعَهُ لَمْ يَثْبُتْ، لِمَا نَقَلَهُ الْكَافَّةُ مِنْ لَدُنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ إلَى الْيَوْمِ مِنْ حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ، وَدَعْوَى عَمَلِ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِهِ خِلَافُ الْمَنْقُولِ. قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: الشَّفَقُ الْبَيَاضُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الصِّدِّيقِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قُلْت: وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَلَمْ يَرْوِ الْبَيْهَقِيُّ الشَّفَقَ الْأَحْمَرَ إلَّا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْأَخْبَارُ وَالْآثَارُ فَلَا يَخْرُجُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ بِالشَّكِّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ: فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ هُوَ الْأَصَحُّ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ مُؤَيِّدًا لَهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ، مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْدَلُ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ إلَّا لِضَرُورَةٍ مِنْ ضَعْفِ دَلِيلٍ أَوْ تَعَامُلٍ بِخِلَافِهِ كَالْمُزَارَعَةِ، لَكِنَّ تَعَامُلَ النَّاسِ الْيَوْمَ فِي عَامَّةِ الْبِلَادِ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَقَدْ أَيَّدَهُ فِي النَّهْرِ تَبَعًا لِلنُّقَايَةِ وَالْوِقَايَةِ وَالدُّرَرِ وَالْإِصْلَاحِ وَدُرَرِ الْبِحَارِ وَالْإِمْدَادِ وَالْمَوَاهِبِ وَشَرْحِهِ الْبُرْهَانَ وَغَيْرِهِمْ مُصَرِّحِينَ بِأَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي السِّرَاجِ: قَوْلُهُمَا أَوْسَعُ وَقَوْلُهُ أَحْوَطُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ] قَدَّمْنَا قَرِيبًا أَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الشَّفَقَيْنِ بِثَلَاثِ دُرَجٍ كَمَا بَيْنَ الْفَجْرَيْنِ فَلْيُحْفَظْ (قَوْلُهُ: مِنْهُ) أَيْ مِنْ غُرُوبِ الشَّفَقِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ لِمَ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ. أَجَابَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَجُوزُ لِلتَّرْتِيبِ لَا لِكَوْنِ الْوَقْتِ لَمْ يَدْخُلْ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ، وَأَثَرُ الْخِلَافِ يَظْهَرُ فِيمَا لَوْ قَدَّمَ الْوِتْرَ عَلَيْهَا نَاسِيًا أَوْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ صَلَّاهَا فَقَطْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ لَا يُعِيدُهُ عِنْدَهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 (لَا) يَصِحُّ أَنْ (يُقَدِّمَ عَلَيْهَا الْوِتْرَ) إلَّا نَاسِيًا (لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ) لِأَنَّهُمَا فَرْضَانِ عِنْدَ الْإِمَامِ. (وَفَاقِدُ وَقْتِهِمَا) كَبُلْغَارَ، فَإِنَّ فِيهَا يَطْلُعُ الْفَجْرُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّفَقِ فِي أَرْبَعِينِيَّةِ الشِّتَاءِ (مُكَلَّفٌ بِهِمَا فَيُقَدِّرُ لَهُمَا)   [رد المحتار] وَعِنْدَهُمَا يُعِيدُ نَهْرٌ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمُسْقِطِ الثَّالِثِ وَهُوَ كَوْنُ الْفَوَائِتِ سِتًّا فَلْيُرَاجَعْ رَحْمَتِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ) أَيْ لُزُومِهِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ ط. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا فَرْضَانِ عِنْدَ الْإِمَامِ) لَكِنَّ الْعِشَاءَ قَطْعِيٌّ وَالْوِتْرَ عَمَلِيٌّ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِلْحُكْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْمَتْنِ: الْأَوَّلُ كَوْنُ مَا بَيْنَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ وَالْفَجْرِ وَقْتًا لَهُمَا مَعًا. الثَّانِي لَوْ صَلَّاهُ قَبْلَهَا، فَإِنْ نَاسِيًا سَقَطَ التَّرْتِيبُ، وَإِنْ عَامِدًا فَهُوَ بَاطِلٌ مَوْقُوفٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ ح. مَطْلَبٌ فِي فَاقِدِ وَقْتِ الْعِشَاءِ كَأَهْلِ بُلْغَارَ. (قَوْلُهُ: كَبُلْغَارَ) بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ فَسُكُونِ اللَّامِ وَأَلِفٍ بَيْنَ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ، لَكِنَّ ضَبْطَهُ فِي الْقَامُوسِ بِلَا أَلِفٍ. وَقَالَ: وَالْعَامَّةُ تَقُولُ بُلْغَارُ: وَهِيَ مَدِينَةُ الصَّقَالِبَةِ ضَارِبَةٌ فِي الشَّمَالِ شَدِيدَةُ الْبَرْدِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ فِيهَا يَطْلُعُ الْفَجْرُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّفَقِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ فُقِدَ وَقْتُ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ فَقَطْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ فُقِدَ وَقْتُ الْفَجْرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ وَقْتِ الصُّبْحِ طُلُوعُ الْفَجْرِ، وَطُلُوعُ الْفَجْرِ يَسْتَدْعِي سَبْقَ الظَّلَامِ وَلَا ظَلَامَ مَعَ بَقَاءِ الشَّفَقِ أَفَادَهُ ح. أَقُولُ: الْخِلَافُ الْمَنْقُولُ بَيْنَ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ إنَّمَا هُوَ فِي وُجُوبِ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ فَقَطْ، وَلَمْ نَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ تَعَرَّضَ لِقَضَاءِ الْفَجْرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَإِنَّمَا الْوَاقِعُ فِي كَلَامِهِمْ تَسْمِيَتُهُ فَجْرًا؛ لِأَنَّ الْفَجْرَ عِنْدَهُمْ اسْمٌ لِلْبَيَاضِ الْمُنْتَشِرِ فِي الْأُفُقِ مُوَافِقًا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ بِلَا تَقْيِيدٍ بِسَبْقِ ظَلَامٍ. عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الظَّلَامِ هُنَا، ثُمَّ رَأَيْت ط ذَكَرَ نَحْوَهُ. (قَوْلُهُ: فِي أَرْبَعِينِيَّةِ الشِّتَاءِ) صَوَابُهُ فِي أَرْبَعِينِيَّةِ الصَّيْفِ كَمَا فِي الْبَاقَانِيِّ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ: فِي أَقْصَرِ لَيَالِيِ السَّنَةِ وَتَمَامُهُ فِي ح. وَقَوْلُ النَّهْرِ: فِي أَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ سَبْقُ قَلَمٍ، وَهُوَ الَّذِي أَوْقَعَ الشَّارِحَ. (قَوْلُهُ: فَيُقَدِّرُ لَهُمَا) هَذَا مَوْجُودٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ الْمُجَرَّدَةِ سَاقِطٌ مِنْ الْمِنَحِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ سَبَقَهُ إلَيْهِ سِوَى صَاحِبِ الْفَيْضِ، حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ كَانُوا فِي بَلْدَةٍ يَطْلُعُ فِيهَا الْفَجْرُ قَبْلَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ لِعَدَمِ السَّبَبِ، وَقِيلَ يَجِبُ وَيُقَدَّرُ الْوَقْتُ. اهـ. بَقِيَ الْكَلَامُ فِي مَعْنَى التَّقْدِيرِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْفَيْضِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاءُ الْعِشَاءِ، بِأَنْ يُقَدِّرَ أَنَّ الْوَقْتَ أَعْنِي سَبَبَ الْوُجُوبِ قَدْ وُجِدَ كَمَا يُقَدَّرُ وُجُودُهُ فِي أَيَّامِ الدَّجَّالِ عَلَى مَا يَأْتِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِدُونِ السَّبَبِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَيُقَدَّرُ الْوَقْتُ جَوَابًا عَنْ قَوْلِهِ فِي الْأَوَّلِ لِعَدَمِ السَّبَبِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ وُجُودِ السَّبَبِ حَقِيقَةً بَلْ يَكْفِي تَقْدِيرُهُ كَمَا فِي أَيَّامِ الدَّجَّالِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ هُوَ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ وَقْتَ الْعِشَاءِ فِي حَقِّهِمْ بِقَدْرِ مَا يَغِيبُ فِيهِ الشَّفَقُ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ، وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَظْهَرُ، كَمَا يَظْهَرُ لَك مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ الْآتِي حَيْثُ أَلْحَقَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِمَسْأَلَةِ أَيَّامِ الدَّجَّالِ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ نَقَلُوا فِيهَا الِاخْتِلَافَ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ مِنْ مَشَايِخِنَا وَهُمْ الْبَقَّالِيُّ وَالْحَلْوَانِيُّ وَالْبُرْهَانُ الْكَبِيرُ فَأَفْتَى الْبَقَّالِيُّ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ، وَكَانَ الْحَلْوَانِيُّ يُفْتِي بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ ثُمَّ وَافَقَ الْبَقَّالِيَّ لَمَّا أَرْسَلَ إلَيْهِ الْحَلْوَانِيُّ مَنْ يَسْأَلُهُ عَمَّنْ أَسْقَطَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ أَيُكَفِّرُ؟ فَأَجَابَ السَّائِلَ بِقَوْلِهِ: مَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ أَوْ رِجْلَاهُ كَمْ فُرُوضُ وُضُوئِهِ؟ فَقَالَ لَهُ: ثَلَاثٌ، لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، قَالَ فَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ، فَبَلَغَ الْحَلْوَانِيُّ ذَلِكَ فَاسْتَحْسَنَهُ وَرَجَعَ إلَى قَوْلِ الْبَقَّالِيِّ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ. وَأَمَّا الْبُرْهَانُ الْكَبِيرُ فَقَالَ بِالْوُجُوبِ، لَكِنْ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا: لَا يَنْوِي الْقَضَاءَ فِي الصَّحِيحِ لِفَقْدِ وَقْتِ الْأَدَاءِ. وَاعْتَرَضَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ الْوُجُوبَ بِدُونِ السَّبَبِ لَا يُعْقَلُ، وَبِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الْقَضَاءَ يَكُونُ أَدَاءً ضَرُورَةً، وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 وَلَا يَنْوِي الْقَضَاءَ لِفَقْدِ وَقْتِ الْأَدَاءِ بِهِ أَفْتَى الْبُرْهَانُ الْكَبِيرُ وَاخْتَارَهُ الْكَمَالُ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي أَلْغَازِهِ فَصَحَّحَهُ، فَزَعَمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ (وَقِيلَ لَا) يُكَلَّفُ بِهِمَا لِعَدَمِ سَبَبِهِمَا، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْكَنْزِ وَالدُّرَرِ وَالْمُلْتَقَى وَبِهِ أَفْتَى الْبَقَّالِيُّ، وَوَافَقَهُ الْحَلْوَانِيُّ والمرغيناني وَرَجَّحَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَالْحَلَبِيُّ، وَأَوْسَعَا الْمَقَالَ وَمَنَعَا مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ   [رد المحتار] أَيْ الْأَدَاءُ فَرْضُ الْوَقْتِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، إذْ لَا يَبْقَى وَقْتُ الْعِشَاءِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إجْمَاعًا. اهـ. وَأَيْضًا فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ بِلَادِهِمْ مَا يَطْلُعُ فِيهَا الْفَجْرُ كَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ، فَلَمْ يُوجَدْ وَقْتٌ قَبْلَ الْفَجْرِ يُمْكِنُ فِيهِ الْأَدَاءُ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ يَقُولُ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْقَضَاءِ لَا الْأَدَاءِ، وَلَوْ كَانَ الِاعْتِبَارُ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ الَّذِي اعْتَبَرْنَاهُ لَهُمْ وَقْتًا لِلْعِشَاءِ حَقِيقَةً بِحَيْثُ تَكُونُ الْعِشَاءُ فِيهِ أَدَاءً مَعَ أَنَّ الْقَائِلِينَ عِنْدَنَا بِالْوُجُوبِ صَرَّحُوا بِأَنَّهَا قَضَاءٌ وَبِفَقْدِ وَقْتِ الْأَدَاءِ: وَأَيْضًا لَوْ فُرِضَ أَنَّ فَجْرَهُمْ يَطْلُعُ بِقَدْرِ مَا يَغِيبُ الشَّفَقُ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ لَزِمَ اتِّحَادُ وَقْتَيْ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ فِي حَقِّهِمْ، أَوْ أَنَّ الصُّبْحَ لَا يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ. إنْ قُلْنَا: إنَّ الْوَقْتَ لِلْعِشَاءِ فَقَطْ وَلَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْعِشَاءُ نَهَارِيَّةً لَا يَدْخُلُ وَقْتُهَا إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَقَدْ يُؤَدِّي أَيْضًا إلَى أَنَّ الصُّبْحَ إنَّمَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ بَعْدَ طُلُوعِ شَمْسِهِمْ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُعْقَلُ، فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى التَّقْدِيرِ مَا لَمْ يُوجَدْ نَقْلٌ صَرِيحٌ بِخِلَافِهِ. وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ فَلَا يَقْضِي عَلَى مَذْهَبِنَا، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْحِلْيَةِ ذِكْرَ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ ثُمَّ اعْتَرَضَهُ بِأَنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِ الدَّجَّالِ يُفِيدُ التَّقْدِيرَ فِي خُصُوصِ ذَلِكَ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَقْطَارِ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَنْوِي الْقَضَاءَ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت مَا أَوْرَدَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ نِيَّةِ الْقَضَاءِ أَنْ يَكُونَ أَدَاءً ضَرُورَةً إلَخْ، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْبُرْهَانِ الْكَبِيرِ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ كَمَا كَانَ يَقُولُ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ. وَقَدْ يُقَالُ: لَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِهَا لَا أَدَاءً وَلَا قَضَاءً كَمَا سَمَّى بَعْضُهُمْ مَا وَقَعَ بَعْضُهَا فِي الْوَقْتِ أَدَاءً وَقَضَاءً، لَكِنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاقِعَ بَعْضُهَا فِي الْوَقْتِ وَبَعْضَهَا خَارِجَهُ يُسَمَّى مَا وَقَعَ مِنْهَا فِي الْوَقْتِ أَدَاءً، وَمَا وَقَعَ خَارِجَهُ يُسَمَّى قَضَاءً اعْتِبَارًا لِكُلِّ جُزْءٍ بِزَمَانِهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: فَزَعَمَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ جَزَمَ بِهِ، وَعَبَّرَ عَنْ مُقَابِلِهِ بِقِيلِ؛ وَلِذَا نَسَبَهُ فِي الْإِمْدَادِ إلَى الْوَهْمِ. (قَوْلُهُ: وَأَوْسَعَا الْمَقَالَ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَالْبُرْهَانِ الْحَلَبِيِّ لَكِنَّ الشُّرُنْبُلَالِيُّ نَقَلَ كَلَامَ الْبُرْهَانِ الْحَلَبِيِّ بِرُمَّتِهِ فَلِذَا نُسِبَ إلَيْهِ الْإِيسَاعُ. (قَوْلُهُ: وَمَنَعَا مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ) أَمَّا الَّذِي ذَكَرَهُ الْكَمَالُ فَهُوَ قَوْلُهُ وَمَنْ لَا يُوجَدُ عِنْدَهُمْ وَقْتُ الْعِشَاءِ أَفْتَى الْبَقَّالِيُّ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ السَّبَبِ كَمَا يَسْقُطُ غَسْلُ الْيَدَيْنِ مِنْ الْوُضُوءِ عَنْ مَقْطُوعِهِمَا مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ، وَلَا يَرْتَابُ مُتَأَمِّلٌ فِي ثُبُوتِ الْفَرْقِ بَيْنَ عَدَمِ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَبَيْنَ عَدَمِ سَبَبِهِ الْجَعْلِيِّ الَّذِي جُعِلَ عَلَامَةً عَلَى الْوُجُوبِ الْخَفِيِّ الثَّابِتِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَجَوَازِ تَعَدُّدِ الْمُعَرَّفَاتِ لِلشَّيْءِ فَانْتِفَاءُ الْوَقْتِ الْمُعَرَّفِ، وَانْتِفَاءُ الدَّلِيلِ عَلَى الشَّيْءِ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَهُ لِجَوَازِ دَلِيلٍ آخَرَ وَقَدْ وُجِدَ، وَهُوَ مَا تَوَاطَأَتْ عَلَيْهِ أَخْبَارُ الْإِسْرَاءِ مِنْ فَرْضِ اللَّهِ تَعَالَى الصَّلَوَاتِ خَمْسًا بَعْدَ مَا أَمَرَ أَوَّلًا بِخَمْسِينَ، ثُمَّ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] الْخَمْسِ شَرْعًا عَامًّا لِأَهْلِ الْآفَاقِ لَا تَفْصِيلَ بَيْنَ قُطْرٍ وَقُطْرٍ، وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ الدَّجَّالَ، قُلْنَا: مَا لُبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: لَا، اُقْدُرُوا لَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَقَدْ أَوْجَبَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَثِمِائَةِ عَصْرٍ قَبْلَ صَيْرُورَةِ الظِّلِّ مِثْلًا أَوْ مِثْلَيْنِ وَقِسْ عَلَيْهِ، فَاسْتَفَدْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ خَمْسٌ عَلَى الْعُمُومِ، غَيْرَ أَنَّ تَوْزِيعَهَا عَلَى تِلْكَ الْأَوْقَاتِ عِنْدَ وُجُودِهَا وَلَا يَسْقُطُ بِعَدَمِهَا الْوُجُوبُ، وَكَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ» . اهـ. وَأَمَّا الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُرْهَانُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فَهُوَ قَوْلُهُ وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: كَمَا اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى أَنَّ الصَّلَوَاتِ خَمْسٌ، فَكَذَا اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى أَنَّ لِلْوُجُوبِ أَسْبَابًا وَشُرُوطًا لَا يُوجَدُ بِدُونِهَا، وَقَوْلُك شَرْعًا عَامًّا إلَخْ إنْ أَرَدْت أَنَّهُ عَامٌّ عَلَى كُلِّ مَنْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ شُرُوطُ الْوُجُوبِ وَأَسْبَابُهُ سَلَّمْنَاهُ وَلَا يُفِيدُك لِعَدَمِ بَعْضِ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ ذُكِرَ، وَإِنْ أَرَدْت أَنَّهُ عَامٌّ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمُكَلَّفِينَ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْأَيَّامِ مُطْلَقًا فَهُوَ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ، فَإِنَّ الْحَائِضَ لَوْ طَهُرَتْ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَمْ يَكُنْ الْوَاجِبُ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَّا أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ، وَبَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَّا ثَلَاثُ صَلَوَاتٍ وَهَكَذَا، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ إذَا طَهُرَتْ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ أَوْ فِي أَكْثَرِهِ مَثَلًا يَجِبُ عَلَيْهَا تَمَامُ صَلَوَاتِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ لِأَجْلِ أَنَّ الصَّلَوَاتِ فُرِضَتْ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ. فَإِنْ قُلْت: تَخَلَّفَ الْوُجُوبُ فِي حَقِّهَا لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَيْضِ. قُلْنَا لَك: كَذَلِكَ تَخَلَّفَ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَسَبَبِهِ وَهُوَ الْوَقْتُ، وَأَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ الْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الْيَوْمِ مَعَ أَنَّ عَدَمَ الشَّرْطِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ فِي حَقِّهِ مُضَافٌ إلَيْهِ لِتَقْصِيرِهِ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ يَجِبُ عَلَيْهِ تَمَامُ صَلَوَاتِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِافْتِرَاضِ الصَّلَوَاتِ خَمْسًا عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَالْقِيَاسُ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي وَضْعِ الْأَسْبَابِ، وَلَئِنْ سُلِّمَ فَإِنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَالْحَدِيثُ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، فَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا حُكْمٌ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ الزَّمَانِ شَرَعَهُ لَنَا صَاحِبُ الشَّرْعِ، وَلَوْ وُكِّلْنَا فِيهِ لِاجْتِهَادِنَا لَكَانَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ عِنْدَ الْأَوْقَاتِ الْمَعْرُوفَةِ وَاكْتَفَيْنَا بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ. اهـ. وَلَئِنْ سَلِمَ الْقِيَاسُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُسَاوَاةِ وَلَا مُسَاوَاةَ، فَإِنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يُوجَدْ زَمَانٌ يُقَدَّرُ لِلْعِشَاءِ فِيهِ وَقْتٌ خَاصٌّ. وَالْمُفَادُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُقَدَّرُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَقْتٌ خَاصٌّ بِهَا لَيْسَ هُوَ وَقْتًا لِصَلَاةٍ أُخْرَى، بَلْ لَا يَدْخُلُ وَقْتُ مَا بَعْدَهَا قَبْلَ مُضِيِّ وَقْتِهَا الْمُقَدَّرِ لَهَا، وَإِذَا مَضَى صَارَتْ قَضَاءً كَمَا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ فَكَأَنَّ الزَّوَالَ وَصَيْرُورَةَ الظِّلِّ مِثْلًا أَوْ مِثْلَيْنِ وَغُرُوبَ الشَّمْسِ وَغَيْبُوبَةَ الشَّفَقِ وَطُلُوعَ الْفَجْرِ مَوْجُودَةٌ فِي أَجْزَاءِ ذَلِكَ الزَّمَانِ تَقْدِيرًا بِحُكْمِ الشَّرْعِ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا إذْ الزَّمَانُ الْمَوْجُودُ إمَّا وَقْتٌ لِلْمَغْرِبِ فِي حَقِّهِمْ أَوْ وَقْتٌ لِلْفَجْرِ بِالْإِجْمَاعِ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْقِيَاسُ وَعُلِمَ بِمَا ذَكَرْنَا عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ أَوْ رِجْلَاهُ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَقَّالِيُّ. وَلِذَا سَلَّمَهُ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ وَرَجَعَ إلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ الْخَصْمُ فِيهِ - إنْصَافًا مِنْهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغُسْلَ سَقَطَ ثُمَّ لِعَدَمِ شَرْطِهِ لِأَنَّ الْمَحَالَّ شُرُوطٌ، فَكَذَا هُنَا سَقَطَتْ الصَّلَاةُ لِعَدَمِ شَرْطِهَا بَلْ وَسَبَبِهَا أَيْضًا، وَكَمَا لَمْ يَقُمْ هُنَاكَ دَلِيلٌ بِجَعْلِ مَا وَرَاءِ الْمِرْفَقِ إلَى الْإِبْطِ وَمَا فَوْقَ الْكَعْبِ بِمِقْدَارِ الْقَدَمِ خَلَفًا عَنْهُ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ، كَذَلِكَ لَمْ يَرِدْ دَلِيلٌ يَجْعَلُ جُزْءًا مِنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ أَوْ مِنْ وَقْتِ الْفَجْرِ أَوْ مِنْهُمَا خَلَفًا عَنْ وَقْتِ الْعِشَاءِ، وَكَمَا أَنَّ الصَّلَوَاتِ خَمْسٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ كَذَا فَرَائِضُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ لَا تَنْقُصُ عَنْ أَرْبَعٍ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ جَمِيعِ أَسْبَابِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 قُلْت: وَلَا يُسَاعِدُهُ حَدِيثُ الدَّجَّالِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ وَجَبَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَثِمِائَةِ ظُهْرٍ   [رد المحتار] الْوُجُوبِ وَشَرَائِطِهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، فَلْيَتَأَمَّلْ الْمُنْصِفُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ اهـ كَلَامُ الْبُرْهَانِ الْحَلَبِيِّ. وَقَدْ كَرَّ عَلَيْهِ الْفَاضِلُ الْمُحَشِّيُّ بِالنَّقْصِ، وَانْتَصَرَ لِلْمُحَقِّقِ بِمَا يَطُولُ، فَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ مَا فَعَلْنَاهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ بَلْ الْإِلْحَاقِ دَلَالَةً، وَقَوْلُ الْبُرْهَانِ الْحَلَبِيِّ إنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يُوجَدْ زَمَانٌ يُقَدَّرُ لِلْعِشَاءِ فِيهِ وَقْتٌ خَاصٌّ مَمْنُوعٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ يُقَدِّرُ يَجْعَلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَقْتًا يَخْتَصُّ بِهَا لَا يُشَارِكُهَا فِيهِ غَيْرُهَا. اهـ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ عِنْدَنَا لَمْ يَجْعَلُوا لِتِلْكَ الصَّلَاةِ وَقْتًا خَاصًّا بِهَا بِحَيْثُ يَكُونُ فِعْلُهَا فِيهِ أَدَاءً وَخَارِجَهَا قَضَاءً كَمَا هُوَ فِي أَيَّامِ الدَّجَّالِ؛ لِأَنَّ الْحَلْوَانِيَّ قَالَ بِوُجُوبِهَا قَضَاءً وَالْبُرْهَانُ الْكَبِيرُ قَالَ: لَا يَنْوِي الْقَضَاءَ لِعَدَمِ وَقْتِ الْأَدَاءِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا، فَأَيْنَ الْإِلْحَاقُ دَلَالَةً مَعَ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ؟ فَلَوْ كَانَ بِطَرِيقِ الْإِلْحَاقِ أَوْ الْقِيَاسِ لَجَعَلُوا لَهَا وَقْتًا خَاصًّا بِهَا تَكُونُ فِيهِ أَدَاءً، وَإِنَّمَا قَدَّرُوهُ مَوْجُودًا لِإِيجَابِ فِعْلِهَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَلَيْسَ مَعْنَى التَّقْدِيرِ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ كَمَا عَلِمْت وَإِلَّا لَزِمَ كَوْنُهَا فِيهِ أَدَاءً وَقَدْ عَلِمْت قَوْلَ الزَّيْلَعِيِّ إنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ: أَيْ بِكَوْنِهَا أَدَاءً؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى وَقْتُ الْعِشَاءِ بَعْدَ الْفَجْرِ. وَالْأَحْسَنُ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْمُحَقِّقِ الْكَمَالِ ابْنِ الْهُمَامِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ حَدِيثَ الدَّجَّالِ لِيَقِيسَ عَلَيْهِ مَسْأَلَتَنَا أَوْ يُلْحِقَهَا بِهِ دَلَالَةً، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ دَلِيلًا عَلَى افْتِرَاضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ السَّبَبُ افْتِرَاضًا عَامًّا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَمَا رُوِيَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَا تَوَاطَأَتْ عَلَيْهِ أَخْبَارُ الْإِسْرَاءِ، وَمَا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ الِافْتِرَاضِ عَلَى الْحَائِضِ وَالْكَافِرِ يُجَابُ عَنْهُ بِمَا قَالَهُ الْمُحَشِّيُّ مِنْ وُرُودِ النَّصِّ بِإِخْرَاجِهِمَا مِنْ الْعُمُومِ. هَذَا وَقَدْ أَقَرَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ تِلْمِيذَاهُ الْعَلَّامَتَانِ الْمُحَقِّقَانِ ابْنُ أَمِيرٍ حَاجٍّ وَالشَّيْخُ قَاسِمٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ، وَيَتَأَيَّدُ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ بِأَنَّهُ قَالَ بِهِ إمَامٌ مُجْتَهِدٌ وَهُوَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي عَنْهُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُسَاعِدُهُ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ ح. (قَوْلُهُ: حَدِيثُ الدَّجَّالِ) هُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي كَلَامِ الْكَمَالِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَيُسْتَثْنَى هَذَا الْيَوْمُ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْمَوَاقِيتِ، وَيُقَاسُ الْيَوْمَانِ التَّالِيَانِ لَهُ. قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: وَيَجْرِي ذَلِكَ فِيمَا لَوْ مَكَثَتْ الشَّمْسُ عِنْدَ قَوْمٍ مُدَّةً. اهـ. ح. قَالَ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ قُلْت: وَكَذَلِكَ يُقَدَّرُ لِجَمِيعِ الْآجَالِ كَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالْعِدَّةِ وَآجَالِ الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ وَالْإِجَارَةِ، وَيُنْظَرُ ابْتِدَاءُ الْيَوْمِ فَيُقَدَّرُ كُلُّ فَصْلٍ مِنْ الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ بِحَسَبِ مَا يَكُونُ كُلُّ يَوْمٍ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ كَذَا فِي كُتُبِ الْأَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِمِثْلِهِ إذْ أَصْلُ التَّقْدِيرِ مَقُولٌ بِهِ إجْمَاعًا فِي الصَّلَوَاتِ اهـ. مَطْلَبٌ فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا [تَنْبِيهٌ] وَرَدَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ «أَنَّ الشَّمْسَ إذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا تَسِيرُ إلَى وَسَطِ السَّمَاءِ ثُمَّ تَرْجِعُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَطْلُعُ مِنْ الْمَشْرِقِ كَعَادَتِهَا» . قَالَ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَدْخُلُ وَقْتُ الظُّهْرِ بِرُجُوعِهَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ زَوَالِهَا، وَوَقْتُ الْعَصْرِ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، وَالْمَغْرِبِ بِغُرُوبِهَا. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ لَيْلَةَ طُلُوعِهَا مِنْ مَغْرِبِهَا تَطُولُ بِقَدْرِ ثَلَاثِ لَيَالٍ، لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّهَا لِانْبِهَامِهَا عَلَى النَّاسِ، فَحِينَئِذٍ قِيَاسُ مَا مَرَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ قَضَاءُ الْخَمْسِ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ لَيْلَتَانِ فَيُقَدَّرَانِ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَوَاجِبُهُمَا الْخَمْسُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ وَإِنْ وَجَبَ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْمُسَاعَدَةِ ح. (قَوْلُهُ: أَكْثَرُ مِنْ ثَلَثِمِائَةِ ظُهْرٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْوَارِدَ أَنَّ الْيَوْمَ كَسَنَةٍ فَمَا قَبْلَ الزَّوَالِ نَحْوُ نِصْفِ سَنَةٍ وَلَا يَتَكَرَّرُ فِيهِ الظُّهْرُ هَذَا الْعَدَدَ، فَالْمُنَاسِبُ تَعْبِيرُ الْكَمَالِ بِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ فَقَدْ وَجَبَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَثِمِائَةِ عَصْرٍ قَبْلَ صَيْرُورَةِ الظِّلِّ مِثْلًا أَوْ مِثْلَيْنِ لَكِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْمِثْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ خَمْسَةِ أَسْدَاسِ النَّهَارِ بِخِلَافِ الْمِثْلِ، وَالْأَظْهَرُ قَوْلُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 مَثَلًا قَبْلَ الزَّوَالِ لَيْسَ كَمَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ الْمَفْقُودَ فِيهِ الْعَلَامَةُ لَا الزَّمَانُ، وَأَمَّا فِيهَا فَقَدْ فُقِدَ الْأَمْرَانِ. (وَالْمُسْتَحَبُّ) لِلرَّجُلِ (الِابْتِدَاءُ) فِي الْفَجْرِ (بِإِسْفَارٍ وَالْخَتْمُ بِهِ) هُوَ الْمُخْتَارُ بِحَيْثُ يُرَتِّلُ أَرْبَعِينَ آيَةً ثُمَّ يُعِيدُهُ بِطَهَارَةٍ لَوْ فَسَدَ. وَقِيلَ يُؤَخِّرُ حَدًّا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ مَوْهُومٌ (إلَّا لِحَاجٍّ بِمُزْدَلِفَةَ) فَالتَّغْلِيسُ أَفْضَلُ كَمَرْأَةٍ مُطْلَقًا. وَفِي غَيْرِ الْفَجْرِ الْأَفْضَلُ لَهَا انْتِظَارُ فَرَاغِ الْجَمَاعَةِ (وَتَأْخِيرُ ظُهْرِ الصَّيْفِ) بِحَيْثُ يَمْشِي فِي الظِّلِّ (مُطْلَقًا) كَذَا فِي الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ: أَيْ بِلَا اشْتِرَاطِ   [رد المحتار] فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَإِنْ وَجَبَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَثِمِائَةِ عِشَاءٍ مَثَلًا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. (قَوْلُهُ: مَثَلًا) أَيْ أَنَّ الصُّبْحَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْوِتْرَ كَذَلِكَ ح. (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ فِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِيهَا) أَيْ فِي مَسْأَلَتِنَا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِيهِمَا: أَيْ فِي الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ. (قَوْلُهُ: فَقَدْ فُقِدَ الْأَمْرَانِ) أَيْ الْعَلَامَةُ، وَهِيَ غَيْبُوبَةُ الشَّفَقِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَالزَّمَانُ الْمُعَلَّمُ وَهُوَ مَا تَقَعُ الصَّلَاةُ فِيهِ أَدَاءً ضَرُورَةَ أَنَّ الزَّمَانَ الْمَوْجُودَ قَبْلَ الْفَجْرِ هُوَ زَمَانُ الْمَغْرِبِ وَبَعْدَهُ هُوَ زَمَانُ الصُّبْحِ فَلَمْ يُوجَدْ الزَّمَانُ الْخَاصُّ بِالْعِشَاءِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ فَقْدَ أَصْلِ الزَّمَانِ كَمَا لَا يَخْفَى، نَعَمْ إذَا قُلْنَا بِالتَّقْدِيرِ هُنَا يَكُونُ الزَّمَانُ مَوْجُودًا تَقْدِيرًا كَمَا فِي يَوْمِ الدَّجَّالِ، فَلَا يُرَدُّ عَلَى الْمُحَقِّقِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [تَتِمَّةٌ] لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ عِنْدَنَا لِحُكْمِ صَوْمِهِمْ فِيمَا إذَا كَانَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ عِنْدَهُمْ كَمَا تَغِيبُ الشَّمْسُ أَوْ بَعْدَهُ بِزَمَانٍ لَا يَقْدِرُ فِيهِ الصَّائِمُ عَلَى أَكْلِ مَا يُقِيمُ بِنْيَتَهُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِوُجُوبِ مُوَالَاةِ الصَّوْمِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ. فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الصَّوْمِ يَلْزَمُ الْقَوْلُ بِالتَّقْدِيرِ، وَهَلْ يُقَدَّرُ لَيْلُهُمْ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ هُنَا أَيْضًا، أَمْ يُقَدَّرُ لَهُمْ بِمَا يَسَعُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ، أَمْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ فَقَطْ دُونَ الْأَدَاءِ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، فَلْيُتَأَمَّلْ. وَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ هُنَا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ أَصْلًا كَالْعِشَاءِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِيهَا عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ عَدَمُ السَّبَبِ، وَفِي الصَّوْمِ قَدْ وُجِدَ السَّبَبُ وَهُوَ شُهُودُ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ وَطُلُوعُ فَجْرِ كُلِّ يَوْمٍ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: لِلرَّجُلِ) يَأْتِي مُحْتَرَزُهُ. (قَوْلُهُ فِي الْفَجْرِ) أَيْ صَلَاةِ الْفَرْضِ. وَفِي صَلَاةِ السُّنَّةِ قَوْلَانِ كَمَا يَأْتِي لِلشَّارِحِ ط. (قَوْلُهُ: بِإِسْفَارِهِ) أَيْ فِي وَقْتِ ظُهُورِ النُّورِ وَانْكِشَافِ الظُّلْمَةِ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يُسْفِرُ: أَيْ يَكْشِفُ عَنْ الْأَشْيَاءِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ " مَا اجْتَمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَيْءٍ مَا اجْتَمَعُوا عَلَى التَّنْوِيرِ بِالْفَجْرِ " وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: أَرْبَعِينَ آيَةً) أَيْ إلَى سِتِّينَ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُعِيدُهُ بِطَهَارَةٍ) أَيْ يُعِيدُ الْفَجْرَ: أَيْ صَلَاتَهُ مَعَ تَرْتِيلِ الْقِرَاءَةِ الْمَذْكُورَةِ وَيُعِيدُ الطَّهَارَةَ لَوْ فَسَدَ بِفَسَادِهَا أَوْ ظَهَرَ فَسَادُهُ بِعَدَمِهَا نَاسِيًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِسْفَارَ أَنْ يُمْكِنَهُ إعَادَةُ الطَّهَارَةِ وَلَوْ مِنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ كَمَا فِي النَّهْرِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَإِعَادَةُ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى قَبْلَ الشَّمْسِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُؤَخِّرُ جِدًّا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْكِتَابِ أَيْ الْكَنْزِ، لَكِنْ لَا يُؤَخِّرُهَا بِحَيْثُ يَقَعُ الشَّكُّ فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ اهـ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ الْأَصَحُّ الْأَوَّلُ ح. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ فِي غَيْرِ مُزْدَلِفَةَ لِبِنَاءِ حَالِهِنَّ عَلَى السَّتْرِ وَهُوَ فِي الظَّلَامِ أَتَمُّ. (قَوْلُهُ: وَتَأْخِيرُ ظُهْرِ الصَّيْفِ) سَيَذْكُرُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ الْخَرِيفُ، وَسَنَذْكُرُ مَا يُخَالِفُهُ. (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يَمْشِي فِي الظِّلِّ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهِمَا: وَحَدُّهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ الْمِثْلِ وَهِيَ أَوْلَى لِمَا أَنَّ مِثْلَ حِيطَانِ مِصْرَ يَحْدُثُ الظِّلُّ فِيهَا سَرِيعًا لِعُلُوِّهَا ح. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ اعْتِبَارَ الْمَشْيِ فِي الظِّلِّ بَيَانٌ لِأَوَّلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ، وَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ بَيَانٌ لِمُنْتَهَاهُ وَفِي ط عَنْ الْحَمَوِيِّ عَنْ الْخِزَانَةِ: الْوَقْتُ الْمَكْرُوهُ فِي الظُّهْرِ أَنْ يَدْخُلَ فِي حَدِّ الِاخْتِلَافِ، وَإِذَا أَخَّرَهُ حَتَّى صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ فَقَدْ دَخَلَ فِي حَدِّ الِاخْتِلَافِ. (قَوْلُهُ: أَيْ بِلَا اشْتِرَاطِ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِلْإِطْلَاقِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ مَلَكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَحْدَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 شِدَّةِ حَرٍّ وَحَرَارَةِ بَلَدٍ وَقَصْدِ جَمَاعَةٍ، وَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ مَنْظُورٌ فِيهِ (وَجُمُعَةٍ كَظُهْرٍ أَصْلًا وَاسْتِحْبَابًا) فِي الزَّمَانَيْنِ؛ لِأَنَّهَا خَلَفُهُ (وَ) تَأْخِيرُ (عَصْرٍ) صَيْفًا وَشِتَاءً تَوْسِعَةً لِلنَّوَافِلِ (مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ ذُكَاءُ) بِأَنْ لَا تَحَارَ الْعَيْنُ فِيهَا فِي الْأَصَحِّ (وَ) تَأْخِيرُ (عِشَاءٍ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) قَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِالشِّتَاءِ، أَمَّا الصَّيْفُ فَيُنْدَبُ تَعْجِيلُهَا (فَإِنْ أَخَّرَهَا إلَى مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ) كُرِهَ لِتَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ، أَمَّا إلَيْهِ فَمُبَاحٌ. (وَ) أَخَّرَ (الْعَصْرَ إلَى اصْفِرَارِ ذُكَاءَ) فَلَوْ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ التَّغَيُّرِ فَمَدَّهُ إلَيْهِ لَا يُكْرَهُ.   [رد المحتار] أَوْ بِجَمَاعَةٍ اهـ أَيْ لِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ، وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ» " وَالْمُرَادُ الظُّهْرُ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا) كَالسِّرَاجِ حَيْثُ قَالَ فِيهِمَا وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الْإِبْرَادُ بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ: أَنْ يُصَلِّيَ بِجَمَاعَةٍ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ قَدَّمَهَا، وَإِنْ فِي الْمَسْجِدِ بِجَمَاعَةٍ أَخَّرَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: مَنْظُورٌ فِيهِ) تَبِعَ فِي التَّنْظِيرِ فِيهِ صَاحِبَ الْبَحْرِ اعْتِمَادًا عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَأَوْرَدَ الْمُحَشِّيُّ عَلَيْهِ: مَا لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ تُقَامُ الْجَمَاعَةُ فِيهِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ لَوْ قُلْنَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّأْخِيرُ يَلْزَمُ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ الَّتِي يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَجْلِ الْمُسْتَحَبِّ وَالْقَوَاعِدُ تَأْبَاهُ، وَيَدُلُّ لَهُ كَرَاهَتُهُمْ تَأْخِيرَ الْعِشَاءِ إلَى مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ، وَعَلَّلُوهُ بِتَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ، فَفِي مَسْأَلَتِنَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّأْخِيرُ حَرَامًا حَيْثُ تَحَقَّقَ فَوْتُ الْجَمَاعَةِ. اهـ. وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ مِثْلَهُ عَنْ شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ لِلشَّيْخِ مُوسَى الطَّرَابُلُسِيِّ وَقَالَ عَلَى أَنَّهُ صَرَّحَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ مَعَ نَجَاسَةِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَخَشِيَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ اهـ أَيْ مَعَ أَنَّ إزَالَتَهَا مَسْنُونَةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ وَلَمْ تُتْرَكْ الْجَمَاعَةُ لِأَجْلِهَا. أَقُولُ: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَ الْبَحْرِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ بِجَمَاعَةٍ أَوْ لَا، مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ التَّأْخِيرُ سَوَاءٌ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِجَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا بِأَنْ كَانَ لَا تَتَيَسَّرُ لَهُ الْجَمَاعَةُ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُؤَخِّرُ وَإِنْ لَزِمَ فَوْتُ الْجَمَاعَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَالتَّنْظِيرُ فِي كَلَامِ الْجَوْهَرَةِ وَالسِّرَاجِ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَاهُ مِنْ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ هِيَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، صَرَّحُوا بِهَا فِي كُتُبِهِمْ، نَعَمْ ذَكَرَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُمْ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ أَدَاءَ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ التَّأْخِيرُ فَضِيلَةً لَا تَحْصُلُ بِدُونِهِ كَتَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ؛ وَلِهَذَا كَانَ أَوْلَى لِلنِّسَاءِ أَنْ يُصَلِّينَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُنَّ لَا يَخْرُجْنَ إلَى الْجَمَاعَةِ كَذَا فِي مَبْسُوطَيْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ. اهـ. وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الصَّلَاةَ بِالْجَمَاعَةِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّأْخِيرُ هُنَا، إذْ لَيْسَ فِيهِ فَضِيلَةٌ، لَكِنْ اعْتَرَضَهُمْ هُنَاكَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ أَئِمَّتَنَا صَرَّحُوا بِاسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ بِلَا اشْتِرَاطِ جَمَاعَةٍ وَأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ فِي التَّيَمُّمِ مَفْهُومٌ وَالصَّرِيحُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ ثَمَّ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: أَصْلًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ أَصْلِ وَقْتِ الْجَوَازِ، وَمَا وَقَعَ فِي آخِرِهِ مِنْ الْخِلَافِ. (قَوْلُهُ: وَاسْتِحْبَابًا فِي الزَّمَانَيْنِ) أَيْ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ح، لَكِنْ جَزَمَ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ فَنِّ الْأَحْكَامِ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ لَهَا الْإِبْرَادُ. وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى لِقَارِئِ الْهِدَايَةِ: قِيلَ إنَّهُ مَشْرُوعٌ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَتَقُومُ مَقَامَهُ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ؛ لِأَنَّهَا تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ، فَتَأْخِيرُهَا مُفْضٍ إلَى الْحَرَجِ وَلَا كَذَلِكَ الظُّهْرُ وَمُوَافَقَةُ الْخَلَفِ لِأَصْلِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَيْسَ بِشَرْطٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا خَلَفُهُ) عَلِمْت جَوَابَهُ. عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهَا فَرْضٌ مُسْتَقِلٌّ آكَدُ مِنْ الظُّهْرِ (قَوْلُهُ: تَوْسِعَةً لِلنَّوَافِلِ) أَيْ لِكَرَاهَتِهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ. وَقَالَ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا رُوِيَ فِي التَّأْخِيرِ وَالتَّعْجِيلِ: لَمْ نَجِدْ فِي هَذِهِ الْآثَارِ مِمَّا صَحَّحْت إلَّا مَا يَدُلُّ عَلَى تَأْخِيرِ الْعَصْرِ: وَلَمْ نَجِدْ مَا يَدُلُّ مِنْهَا عَلَى التَّعْجِيلِ إلَّا مَا عَارَضَهُ غَيْرُهُ فَاسْتَحْبَبْنَا التَّأْخِيرَ. وَلَوْ خَلَّيْنَا النَّظَرَ لَكَانَ تَعْجِيلُ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا أَفْضَلَ وَلَكِنَّ اتِّبَاعَ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا تَوَاتَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ أَوْلَى، وَقَدْ رَوَى عَنْ أَصْحَابِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ثُمَّ سَاقَ ذَلِكَ. وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إنْ أَمْكَنَهُ إطَالَةُ النَّظَرِ فَقَدْ تَغَيَّرَتْ وَعَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 (وَ) أَخَّرَ (الْمَغْرِبَ إلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ) أَيْ كَثْرَتِهَا (كُرِهَ)   [رد المحتار] الْفَتْوَى. وَفِي النِّصَابِ وَغَيْرِهِ: وَبِهِ نَأْخُذُ، وَهُوَ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَمَشَايِخِ بَلْخٍ وَغَيْرِهِمْ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّوفِيَّةِ وَفِيهَا: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُؤَخِّرَ تَأْخِيرًا لَا يُمْكِنُ الْمَسْبُوقَ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ اهـ. وَقِيلَ حَدُّ التَّغَيُّرِ أَنْ يَبْقَى لِلْغُرُوبِ أَقَلُّ مِنْ رُمْحٍ، وَقِيلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ الشُّعَاعُ عَلَى الْحِيطَانِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ (قَوْلُهُ: وَتَأْخِيرُ عِشَاءٍ) أَطْلَقَهُ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ التَّقْيِيدُ بِعَدَمِ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي مَسْأَلَةِ يَوْمِ الْغَيْمِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) كَذَا فِي الْكَنْزِ وَالْمُخْتَارِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا. وَعِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ إلَى مَا قَبْلِ ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّوْفِيقِ بِمَا فِي الْبَحْرِ وَلَا بِمَا فِي الدُّرَرِ. (قَوْلُهُ: قَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) وَفِي الْهِدَايَةِ وَقِيلَ فِي الصَّيْفِ يُعَجِّلُ كَيْ لَا تَتَقَلَّلَ الْجَمَاعَةُ. (قَوْلُهُ: كُرِهَ) أَيْ تَحْرِيمًا كَمَا يَأْتِي تَقْيِيدُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ تَنْزِيهًا وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا نَذْكُرُهُ عَنْ الْحِلْيَةِ. (قَوْلُهُ: لِتَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ) يُفِيدُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ يُؤَخِّرُهَا لِعَدَمِ الْجَمَاعَةِ فِي حَقِّهِ، تَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ: أَيْ لَوْ أَخَّرَهَا لَا يُكْرَهُ. (قَوْلُهُ: أَمَّا إلَيْهِ فَمُبَاحٌ) أَيْ أَمَّا تَأْخِيرُهَا إلَى النِّصْفِ فَمُبَاحٌ لِتَعَارُضِ دَلِيلِ النَّدْبِ وَهُوَ قَطْعُ السَّمَرِ الْمَنْهِيِّ، وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ فَثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. قُلْت لَكِنْ نَقْلُ الْحِلْيَةِ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ اسْتِحْبَابُ التَّأْخِيرِ إلَى النِّصْفِ وَقَالَ إنَّهُ الْأَوْجَهُ دَلِيلًا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَسَاقَهَا، وَقَالَ: اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] أَشَرْنَا إلَى أَنَّ عِلَّةَ اسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ فِي الْعِشَاءِ هِيَ قَطْعُ السَّمَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَهُوَ الْكَلَامُ بَعْدَهَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: وَيُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُمَا إلَّا حَدِيثًا فِي خَيْرٍ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا سَمَرَ بَعْدَ الصَّلَاةِ» يَعْنِي الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ (إلَّا لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ: مُصَلٍّ أَوْ مُسَافِرٍ) وَفِي رِوَايَةٍ (أَوْ عِرْسٍ) . اهـ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنَّمَا كُرِهَ النَّوْمُ قَبْلَهَا لِمَنْ خُشِيَ عَلَيْهِ فَوْتُ وَقْتِهَا أَوْ فَوْتُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا، وَأَمَّا مَنْ وَكَّلَ نَفْسَهُ إلَى مَنْ يُوقِظُهُ فَيُبَاحُ لَهُ النَّوْمُ. اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَإِنَّمَا كُرِهَ الْحَدِيثُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى اللَّغْوِ أَوْ إلَى تَفْوِيتِ الصُّبْحِ أَوْ قِيَامِ اللَّيْلِ لِمَنْ لَهُ عَادَةٌ بِهِ، وَإِذَا كَانَ لِحَاجَةٍ مُهِمَّةٍ فَلَا بَأْسَ، وَكَذَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ وَالْفِقْهِ وَالْحَدِيثُ مَعَ الضَّيْفِ. اهـ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنْ يَكُونَ اخْتِتَامُ الصَّحِيفَةِ بِالْعِبَادَةِ، كَمَا جُعِلَ ابْتِدَاؤُهَا بِهَا لِيُمْحَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الزَّلَّاتِ، وَلِذَاكِرِهِ الْكَلَامُ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَتَمَامُهُ فِي الْإِمْدَادِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِحَاجَةٍ لَا يُكْرَهُ وَإِنْ خَشِيَ فَوْتَ الصُّبْحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ وَإِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا كَمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ، نَعَمْ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ تَفْوِيتُ الصُّبْحِ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَفْرِيطًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَأَخَّرَ الْعَصْرَ) مَعْطُوفٌ عَلَى فِعْلِ الشَّرْطِ، وَالْمُرَادُ بِاصْفِرَارِ ذُكَاءَ تَغَيُّرُهَا بِالْمَعْنَى السَّابِقِ. (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ فِي الْعَصْرِ بِمَعْنَى صَلَاتِهِ. (قَوْلُهُ: لَا يُكْرَهُ) لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْكَرَاهَةِ مَعَ الْإِقْبَالِ عَلَى الصَّلَاةِ مُتَعَذِّرٌ فَجُعِلَ عَفْوًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: إلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ) هُوَ الْأَصَحُّ. وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُكْرَهُ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ بَحْرٌ أَيْ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَيَقَعُ الشَّكُّ. وَفِي الْحِلْيَةِ بَعْدَ كَلَامٍ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ السُّنَّةَ فِعْلُ الْمَغْرِبِ فَوْرًا وَبَعْدَهُ مُبَاحٌ إلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ فَيُكْرَهُ بِلَا عُذْرٍ اهـ قُلْت أَيْ يُكْرَهُ تَحْرِيمًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الْمُبَاحَ مَا لَا يَمْنَعُ فَلَا يُنَافِي كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: أَيْ كَثْرَتِهَا) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَاشْتِبَاكُهَا أَنْ يَظْهَرَ صِغَارُهَا وَكِبَارُهَا حَتَّى لَا يَخْفَى مِنْهَا شَيْءٌ، فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كَثْرَتِهَا وَانْضِمَامِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: كُرِهَ) يَرْجِعُ إلَى الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ ط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 أَيْ التَّأْخِيرُ لَا الْفِعْلُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ (تَحْرِيمًا) إلَّا بِعُذْرٍ كَسَفَرٍ، وَكَوْنِهِ عَلَى أَكْلٍ. (وَ) تَأْخِيرُ (الْوِتْرِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ لِوَاثِقٍ بِالِانْتِبَاهِ) وَإِلَّا فَقَبْلَ النَّوْمِ، فَإِنْ فَاقَ وَصَلَّى نَوَافِلَ وَالْحَالُ أَنَّهُ صَلَّى الْوِتْرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ الْأَفْضَلُ. (وَالْمُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ ظُهْرِ شِتَاءٍ) يَلْحَقُ بِهِ الرَّبِيعُ، وَبِالصَّيْفِ الْخَرِيفُ (وَ) تَعْجِيلُ (عَصْرِ وَعِشَاءِ يَوْمِ غَيْمٍ، وَ) تَعْجِيلُ (مَغْرِبٍ مُطْلَقًا) وَتَأْخِيرُهُ قَدْرَ رَكْعَتَيْنِ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا   [رد المحتار] قَوْلُهُ: أَيْ التَّأْخِيرُ لَا الْفِعْلُ) فِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي. (قَوْلُهُ: تَحْرِيمًا) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ، لَكِنْ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ كَلَامَ الطَّحَاوِيِّ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ تَنْزِيهِيًّا وَهُوَ الْأَظْهَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا بِعُذْرٍ إلَخْ) ظَاهِرُهُ رُجُوعُهُ إلَى الثَّلَاثَةِ أَيْضًا لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْإِمْدَادِ فِي تَأْخِيرِ الْعَصْرِ إلَى الِاصْفِرَارِ عَنْ الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ التَّأْخِيرُ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْحِلْيَةِ وَاقْتَصَرَ فِي الْإِمْدَادِ وَغَيْرِهِ عَلَى ذِكْرِهِ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْمَغْرِبِ، وَعِبَارَتُهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ وَحُضُورِ مَائِدَةٍ أَوْ غَيْمٍ. اهـ. قُلْت وَيَنْبَغِي عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِي تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ لِمَنْ هُوَ فِي رَكْبِ الْحُجَّاجِ، ثُمَّ إنَّ لِلْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ تَأْخِيرَ الْمَغْرِبِ لِلْجَمْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ فِعْلًا كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَغَيْرِهَا: أَيْ بِأَنْ تُصَلَّى فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَالْعِشَاءُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَهُوَ مَحْمَلُ مَا رُوِيَ مِنْ جَمْعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا سَفَرًا كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَكَوْنِهِ عَلَى أَكْلٍ) أَيْ لِكَرَاهَةِ الصَّلَاةِ مَعَ حُضُورِ طَعَامٍ تَمِيلُ إلَيْهِ نَفْسُهُ وَلِحَدِيثِ «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَحَضَرَ الْعِشَاءُ فَابْدَءُوا بِالْعِشَاءِ» ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. (قَوْلُهُ: وَتَأْخِيرُ الْوِتْرِ إلَخْ) أَيْ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يُوتِرَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ وِتْرًا» وَالْأَمْرُ لِلنَّدْبِ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ فَاقَ إلَخْ) أَيْ إذَا أَوْتَرَ قَبْلَ النَّوْمِ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ، وَلَا يُعِيدُ الْوِتْرَ، لَكِنْ فَاتَهُ الْأَفْضَلُ الْمُفَادُ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ إمْدَادٌ. وَلَا يُقَالُ: إنَّ مَنْ لَا يَثِقُ بِالِانْتِبَاهِ فَالتَّعْجِيلُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، فَإِذَا انْتَبَهَ بَعْدَمَا عَجَّلَ يَتَنَفَّلُ وَلَا تَفُوتُهُ الْأَفْضَلِيَّةُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ بِالْأَفْضَلِيَّةِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ هِيَ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى خَتْمِ الصَّلَاةِ بِالْوِتْرِ وَقَدْ فَاتَتْ، وَاَلَّتِي حَصَّلَهَا هِيَ أَفْضَلِيَّةُ التَّعْجِيلِ عِنْدَ خَوْفِ الْفَوَاتِ عَلَى التَّأْخِيرِ فَافْهَمْ وَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: يَلْحَقُ بِهِ الرَّبِيعُ إلَخْ) قَالَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا، وَقَالَ لَمْ أَرَهُ. وَتَعَقَّبَهُ فِي الْإِمْدَادِ بِمَا فِي مَجْمَعِ الرِّوَايَاتِ مِنْ أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي الرَّبِيعِ وَالْخَرِيفِ، يُعَجِّلُ بِهَا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، فَبَحْثُ الْبَحْرِ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ. (قَوْلُهُ: يَوْمِ غَيْمٍ) أَيْ لِئَلَّا يَقَعَ الْعَصْرُ فِي التَّغَيُّرِ وَتَقِلَّ الْجَمَاعَةُ فِي الْعِشَاءِ عَلَى احْتِمَالِ الْمَطَرِ وَالطِّينِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُنْدَبُ التَّأْخِيرُ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ وَاخْتَارَهُ الْأَتْقَانِيُّ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَدُرَرِ الْبِحَارِ وَالضِّيَاءِ أَنَّهُ الْأَحْوَطُ لِجَوَازِ الْأَدَاءِ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا قَبْلَهُ: أَيْ وَفِي تَعْجِيلِهِ احْتِمَالُ وُقُوعِهِ قَبْلَهُ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْجِيلِ تَأْخِيرُهُمَا قَلِيلًا بَعْدَ الْعِلْمِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: الْمُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُمَا يَوْمَ غَيْمٍ عَلَى وَقْتِهِمَا الْمُسْتَحَبِّ يَوْمَ غَيْرِهِ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ شِتَاءً وَصَيْفًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْإِطْلَاقِ يَوْمَ غَيْمٍ أَمْ لَا وَإِنْ أَوْهَمَتْهُ عِبَارَتُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ط. (قَوْلُهُ: يُكْرَهُ تَنْزِيهًا) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْجِيلِ أَنْ لَا يُفْصَلَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ بِغَيْرِ جَلْسَةٍ أَوْ سَكْتَةٍ عَلَى الْخِلَافِ. وَأَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ اسْتِثْنَاءِ التَّأْخِيرِ الْقَلِيلِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا دُونَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْقَلِيلِ إلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا، وَمَا بَعْدَهُ تَحْرِيمًا إلَّا بِعُذْرٍ كَمَا مَرَّ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَاَلَّذِي اقْتَضَتْهُ الْأَخْبَارُ كَرَاهَةُ التَّأْخِيرِ إلَى ظُهُورِ النَّجْمِ وَمَا قَبْلَهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 (وَتَأْخِيرُ غَيْرِهِمَا فِيهِ) هَذَا فِي دِيَارٍ يَكْثُرُ شِتَاؤُهَا وَيَقِلُّ رِعَايَةُ أَوْقَاتِهَا، أَمَّا فِي دِيَارِنَا فَيُرَاعَى الْحُكْمُ الْأَوَّلُ وَحُكْمُ الْأَذَانِ كَالصَّلَاةِ تَعْجِيلًا وَتَأْخِيرًا. (وَكُرِهَ) تَحْرِيمًا، وَكُلُّ مَا لَا يَجُوزُ مَكْرُوهٌ (صَلَاةٌ) مُطْلَقًا (وَلَوْ) قَضَاءً أَوْ وَاجِبَةً أَوْ نَفْلًا أَوْ (عَلَى جِنَازَةٍ وَسَجْدَةَ تِلَاوَةٍ   [رد المحتار] فَهُوَ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَبُّ التَّعْجِيلَ. اهـ. وَنَحْوُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْحِلْيَةِ وَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ مَا فِي الْحِلْيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْأَصَحِّ: أَيْ الْمَذْكُورِ فِي الْمُبْتَغَى بِقَوْلِهِ يُكْرَهُ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ فِي رِوَايَةٍ. وَفِي أُخْرَى: لَا، مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ. وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ إلَّا لِعُذْرٍ اهـ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَصَحِّ التَّأْخِيرُ إلَى ظُهُورِ النَّجْمِ أَوْ إلَى غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ إلَى مَا قَبْلَ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا لِتَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ وَهُوَ التَّعْجِيلُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَتَأْخِيرُ غَيْرِهِمَا فِيهِ) أَيْ فِي يَوْمِ غَيْمٍ يُؤَخَّرُ الْفَجْرُ كَبَاقِي الْأَيَّامِ، وَيُؤَخَّرُ الظُّهْرُ وَالْمَغْرِبُ بِحَيْثُ يُتَيَقَّنُ وُقُوعُهُمَا بَعْدَ الْوَقْتِ قَبْلَ مَجِيءِ الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: أَمَّا الْفَجْرُ فَلِتَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلِمَخَافَةِ الْوُقُوعِ قَبْلَ الْوَقْتِ. (قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّعْجِيلِ فِي يَوْمِ غَيْمٍ وَالتَّأْخِيرِ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَيَقِلُّ رِعَايَةُ أَوْقَاتِهَا) أَيْ بِعَدَمِ ظُهُورِ الشَّمْسِ أَوْ التَّوْقِيتِ بِالسَّاعَاتِ الْفَلَكِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ط. (قَوْلُهُ: فَيُرَاعَى الْحُكْمُ الْأَوَّلُ) أَيْ الْمُتَقَدِّمُ، وَهُوَ تَأْخِيرُ الْعَصْرِ مُطْلَقًا وَالْعِشَاءِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَتَعْجِيلُ ظُهْرِ الشِّتَاءِ إلَخْ. قَالَ أَبُو السُّعُودِ: وَهَذَا الْبَحْثُ لِلْعَيْنِيِّ، وَأَقَرَّهُ صَاحِبُ النَّهْرِ ط. مَطْلَبُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ [تَتِمَّةٌ] يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ دُخُولُ الْوَقْتِ وَاعْتِمَادُ دُخُولِهِ كَمَا فِي نُورِ الْإِيضَاحِ وَغَيْرِهِ، فَلَوْ شَكَّ فِي دُخُولِ وَقْتِ الْعِبَادَةِ فَأَتَى بِهَا فَبَانَ أَنَّهُ فَعَلَهَا فِي الْوَقْتِ لَمْ يَجْزِهِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ فِي بَحْثِ النِّيَّةِ، وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ أَذَانُ الْوَاحِدِ لَوْ عَدْلًا، وَإِلَّا تَحَرَّى وَبَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ، لِمَا صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّتُنَا مِنْ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْعَدْلِ فِي الدِّيَانَاتِ، كَالْإِخْبَارِ بِجِهَةِ الْقِبْلَةِ وَالطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ وَالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ، حَتَّى لَوْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ أَمَةً، أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ، أَوْ حِلِّ الطَّعَامِ وَحُرْمَتِهِ قُبِلَ وَلَوْ فَاسِقًا، أَوْ مَسْتُورًا يُحَكِّمُ رَأْيَهُ فِي صِدْقِهِ أَوْ كَذِبِهِ وَيَعْمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ الرَّأْيِ بِمَنْزِلَةِ الْيَقِينِ، بِخِلَافِ خَبَرِ الذِّمِّيِّ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ اهـ وَمِثْلُهُ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ الْعَاقِلَانِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ دُخُولِ الْوَقْتِ مِنْ الْعِبَادَاتِ، فَيَجْرِي فِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ رَأَيْت فِي كِتَابِ الْقَوْلِ لِمَنْ عَنْ مُعِينِ الْحُكَّامِ مَا نَصُّهُ: الْمُؤَذِّنُ يَكْفِي إخْبَارُهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ إذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا عَالِمًا بِالْأَوْقَاتِ مُسْلِمًا ذَكَرًا وَيُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِهِ. اهـ. وَفِي صِيَامِ الْقُهُسْتَانِيِّ: وَأَمَّا الْإِفْطَارُ فَلَا يَجُوزُ بِقَوْلِ وَاحِدٍ بَلْ بِالْمُثَنَّى. وَظَاهِرُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ عَدْلًا صَدَّقَهُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُ الْأَذَانِ كَالصَّلَاةِ إلَخْ) لِأَنَّهُ سُنَّةٌ لَهَا فَيَتْبَعُهَا (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ إلَخْ) أُورِدَ أَنَّ بَعْضَ الصَّلَوَاتِ لَا تَنْعَقِدُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَلَا يُنَاسِبُهُ التَّعْبِيرُ بِالْكَرَاهَةِ. وَأَجَابَ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ تَبَعًا لِلْفَتْحِ بِجَوَابَيْنِ، حَيْثُ قَالَ: اسْتَعْمَلَ الْكَرَاهَةَ هُنَا بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَيَشْمَلُ عَدَمَ الْجَوَازِ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مَطْلُوبُ الْعَدَمِ، أَوْ هُوَ بِالْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ وَالْمُرَادُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ النَّهْيَ الظَّنِّيَّ الثُّبُوتِ غَيْرَ الْمَصْرُوفِ عَنْ مُقْتَضَاهُ يُفِيدُ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ. وَإِنْ كَانَ قَطْعِيَّ الثُّبُوتِ فَالتَّحْرِيمُ وَهُوَ فِي مُقَابَلَةِ الْفَرْضِ فِي الرُّتْبَةِ وَكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ فِي رُتْبَةِ الْوَاجِبِ وَالتَّنْزِيهُ فِي رُتْبَةِ الْمَنْدُوبِ، وَالنَّهْيُ الْوَارِدُ هُنَا مِنْ الْأَوَّلِ فَكَانَ الثَّابِتُ بِهِ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ، وَهِيَ إنْ كَانَتْ لِنُقْصَانٍ فِي الْوَقْتِ مَنَعَتْ الصِّحَّةَ فِيمَا سَبَبُهُ كَامِلٌ وَإِلَّا أَفَادَتْ الصِّحَّةَ مَعَ الْإِسَاءَةِ اهـ وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى الْجَوَابَيْنِ مُقَدِّمًا الثَّانِيَ مِنْهُمَا عَلَى الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) فَسَّرَهُ بِمَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى جِنَازَةٍ) أَيْ إذَا حَضَرَتْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَسَجْدَةَ تِلَاوَةٍ أَيْ إذَا تُلِيَتْ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: وَسَجْدَةَ تِلَاوَةٍ) مَنْصُوبٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 وَسَهْوٍ) لَا شُكْرٍ قُنْيَةٌ (مَعَ شُرُوقٍ) إلَّا الْعَوَّامَ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ فِعْلِهَا؛ لِأَنَّهُمْ يَتْرُكُونَهَا، وَالْأَدَاءُ الْجَائِزُ عِنْدَ الْبَعْضِ أَوْلَى مِنْ التَّرْكِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا (وَاسْتِوَاءٍ) إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى قَوْلِ الثَّانِي   [رد المحتار] عَطْفًا عَلَى الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ الَّذِي هُوَ خَبَرُ كَانَ الْمُقَدَّرَةِ ح. وَالْأَحْسَنُ رَفْعُهُ عَطْفًا عَلَى صَلَاةِ نَائِبِ فَاعِلِ كُرِهَ لِيَكُونَ مُقَابِلًا لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَيْسَتْ صَلَاةً حَقِيقِيَّةً فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَسَهْوٍ) حَتَّى لَوْ سَهَا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْ فِي قَضَاءِ فَائِتَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَطَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ احْمَرَّتْ عَقِبَ السَّلَامِ سَقَطَ عَنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ فِي الصَّلَاةِ فَجَرَى مَجْرَى الْقَضَاءِ وَقَدْ وَجَبَ كَامِلًا فَلَا يَتَأَدَّى فِي نَاقِصٍ حِلْيَةٌ. (قَوْلُهُ: لَا شُكْرٍ قُنْيَةٌ) هَذَا مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ. وَالْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ عَقِبَ قَوْلِهِ الْآتِي وَسَجْدَةَ تِلَاوَةٍ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْقُنْيَةِ يُكْرَهُ أَنْ يَسْجُدَ شُكْرًا بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُكْرَهُ فِيهِ النَّفَلُ وَلَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِهِ. اهـ. وَفِي النَّهْرِ أَنَّ سَجْدَةَ الشُّكْرِ لِنِعْمَةٍ سَابِقَةٍ يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ كَامِلَةً وَهَذِهِ لَمْ تَجِبْ اهـ فَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ النَّهْرِ مَعَ كَلَامِ الْقُنْيَةِ أَنَّهَا تَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ: أَيْ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ النَّافِلَةِ، ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ: وَأَمَّا مَا يُفْعَلُ عَقِبَ الصَّلَاةِ مِنْ السَّجْدَةِ فَمَكْرُوهٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْعَوَامَّ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ أَوْ سُنَّةٌ اهـ أَيْ وَكُلُّ جَائِزٍ أَدَّى إلَى اعْتِقَادِهِ ذَلِكَ كُرِهَ. (قَوْلُهُ: مَعَ شُرُوقٍ) وَمَا دَامَتْ الْعَيْنُ لَا تَحَارُ فِيهَا فِي حُكْمِ الشُّرُوقِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْغُرُوبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ ح. أَقُولُ: يَنْبَغِي تَصْحِيحُ مَا نَقَلُوهُ عَنْ الْأَصْلِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهُ مَا لَمْ تَرْتَفِعْ الشَّمْسُ قَدْرَ رُمْحٍ فَهِيَ فِي حُكْمِ الطُّلُوعِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْمُتُونِ مَشَوْا عَلَيْهِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ حَيْثُ جَعَلُوا أَوَّلَ أَوْقَاتِهَا مِنْ الِارْتِفَاعِ وَلِذَا جَزَمَ بِهِ هُنَا فِي الْفَيْضِ وَنُورِ الْإِيضَاحِ. (قَوْلُهُ: فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ فِعْلِهَا) أَفَادَ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى الْمَنْعُ لَا الْحُكْمُ بَعْدَ الصِّحَّةِ عِنْدَنَا فَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ وَالضَّمِيرُ لِلصَّلَاةِ وَالْمُرَادُ بِهَا صَلَاةُ الصُّبْحِ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْبَعْضِ) أَيْ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ كَالْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ هُنَا. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا) وَعَزَاهُ صَاحِبُ الْمُصَفَّى إلَى الْإِمَامِ حَمِيدِ الدِّينِ عَنْ شَيْخِهِ الْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ وَإِلَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ، وَعَزَاهُ فِي الْقُنْيَةِ إلَى الْحَلْوَانِيِّ وَالنَّسَفِيِّ فَسَقَطَ مَا قِيلَ إنَّ صَاحِبَ الْقُنْيَةِ بَنَاهُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ أَنَّ الْعَامِّيَّ لَهُ الْخِيَارُ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ مَا يَهْوَاهُ. وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ، وَأَنَّ تَتَبُّعَ الرُّخَصِ فِسْقٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَاسْتِوَاءٍ) التَّعْبِيرُ بِهِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِوَقْتِ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الزَّوَالِ لَا تُكْرَهُ فِيهِ الصَّلَاةُ إجْمَاعًا بَحْرٌ عَنْ الْحِلْيَةِ: أَيْ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ بِهِ وَقْتُ الظُّهْرِ كَمَا مَرَّ. وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْبُرْجُنْدِيِّ: وَقَدْ وَقَعَ فِي عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْوَقْتَ الْمَكْرُوهَ هُوَ عِنْدَ انْتِصَافِ النَّهَارِ إلَى أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ زَوَالَ الشَّمْسِ إنَّمَا هُوَ عَقِيبَ انْتِصَافِ النَّهَارِ بِلَا فَصْلٍ، وَفِي هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الزَّمَانِ لَا يُمْكِنُ أَدَاءُ صَلَاةٍ فِيهِ، فَلَعَلَّ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِحَيْثُ يَقَعُ جُزْءٌ مِنْهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ، أَوْ الْمُرَادُ بِالنَّهَارِ هُوَ النَّهَارُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ مِنْ أَوَّلِ طُلُوعِ الصُّبْحِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ نِصْفُ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ بِزَمَانٍ يُعْتَدُّ بِهِ. اهـ. إسْمَاعِيلُ وَنُوحٌ وَحَمَوِيٌّ. وَفِي الْقُنْيَةِ: وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الزَّوَالِ، فَقِيلَ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى الزَّوَالِ لِرِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ» ) قَالَ رُكْنُ الدِّينِ الصَّبَّاغِيُّ: وَمَا أَحْسَنَ هَذَا؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ يُعْتَمَدُ تَصَوُّرُهَا فِيهِ اهـ وَعَزَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْمُرَادَ انْتِصَافُ النَّهَارِ الْعُرْفِيِّ إلَى أَئِمَّةِ مَا رَوَاهُ النَّهْرُ، وَبِأَنَّ الْمُرَادَ انْتِصَافُ النَّهَارِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الضَّحْوَةُ الْكُبْرَى إلَى الزَّوَالِ إلَى أَئِمَّةِ جُوَارِزْمَ. (قَوْلُهُ: إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ) لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ «نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 الْمُصَحَّحِ الْمُعْتَمَدِ، كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ. وَنَقَلَ الْحَلَبِيُّ عَنْ الْحَاوِي أَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى (وَغُرُوبٍ، إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ) فَلَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ لِأَدَائِهِ كَمَا وَجَبَ   [رد المحتار] قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: فِي إسْنَادِهِ انْقِطَاعٌ، وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ لَهُ شَوَاهِدَ ضَعِيفَةً إذَا ضُمَّتْ قَوِيَ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْمُصَحَّحِ الْمُعْتَمَدِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمُتُونَ وَالشُّرُوحَ عَلَى خِلَافِهِ. (قَوْلُهُ: وَنَقَلَ الْحَلَبِيُّ) أَيْ صَاحِبُ الْحِلْيَةِ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرٍ حَاجٍّ عَنْ الْحَاوِي: أَيْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ كَمَا رَأَيْته فِيهِ، لَكِنَّ شُرَّاحَ الْهِدَايَةِ انْتَصَرُوا لِقَوْلِ الْإِمَامِ. وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِأَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ وَقْتَ الِاسْتِوَاءِ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ. وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَوَافَقَهُ فِي الْحِلْيَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ لَمْ يُعَوِّلْ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْإِمْدَادِ، عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُحْمَلُ فِيهَا الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ فَيُقَدَّمُ بِصِحَّتِهِ، وَاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ وَكَوْنِهِ حَاظِرًا، وَلِذَا مَنَعَ عُلَمَاؤُنَا عَنْ سُنَّةِ الْوُضُوءِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْحَاظِرَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُبِيحِ. [تَنْبِيهٌ] عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ الْمَنْعُ عِنْدَنَا وَإِنْ لَمْ أَرَهُ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فِي حَرَمِ مَكَّةَ اسْتِدْلَالًا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» ) فَهُوَ مُقَيَّدٌ عِنْدَنَا بِغَيْرِ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ، لِمَا عَلِمْته مِنْ مَنْعِ عُلَمَائِنَا عَنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فِيهَا وَإِنْ جَوَّزُوا نَفْسَ الطَّوَافِ فِيهَا خِلَافًا لِمَالِكٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِهِ اللُّبَابَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ رَأَيْت الْمَسْأَلَةَ عِنْدَنَا قَالَ فِي الضِّيَاءِ مَا نَصُّهُ: وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّ الصَّلَاةَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ مَمْنُوعٌ مِنْهَا بِمَكَّةَ وَغَيْرِهَا اهـ. وَرَأَيْت فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا مَا نَصُّهُ: مَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ إلَّا بِمَكَّةَ شَاذٌّ لَا يُقْبَلُ فِي مُعَارِضِهِ الْمَشْهُورِ، وَكَذَا رِوَايَةُ اسْتِثْنَاءِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ غَرِيبٌ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْمَشْهُورِ بِهِ اهـ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. (قَوْلُهُ: وَغُرُوبٍ) أَرَادَ بِهِ التَّغَيُّرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ عِنْدَ احْمِرَارِ الشَّمْسِ إلَى أَنْ تَغِيبَ بَحْرٌ وَقُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ عَصْرَ أَمْسِهِ لَا يَجُوزُ وَقْتَ التَّغَيُّرِ لِثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ كَامِلًا، لِاسْتِنَادِ السَّبَبِيَّةِ فِيهِ إلَى جَمِيعِ الْوَقْتِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: فَلَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ) لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ إثْبَاتُ الْكَرَاهَةِ لِلشَّيْءِ مَعَ الْأَمْرِ بِهِ، وَقِيلَ الْأَدَاءُ أَيْضًا مَكْرُوهٌ. اهـ. كَافِي النَّسَفِيِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْكَرَاهَةِ فِي التَّأْخِيرِ فَقَطْ دُونَ الْأَدَاءِ أَوْ فِيهِمَا، فَقِيلَ بِالْأَوَّلِ وَنَسَبَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْإِيضَاحِ إلَى مَشَايِخِنَا، وَقِيلَ بِالثَّانِي وَعَلَيْهِ مَشَى فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالتُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهَا عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ قَامَ يَنْقُرُ أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا» اهـ حِلْيَةٌ، وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ مَاشٍ عَلَى الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي، فَافْهَمْ، قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: وَيَسْتَوْفِي سُنَّةَ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي التَّأْخِيرِ لَا فِي الْوَقْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَدَائِهِ كَمَا وَجَبَ) لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْجُزْءُ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ الْأَدَاءُ، وَهُوَ هُنَا نَاقِصٌ فَقَدْ وَجَبَ نَاقِصًا فَيُؤَدَّى كَذَلِكَ. وَأَمَّا عَصْرُ أَمْسِهِ فَقَدْ وَجَبَ كَامِلًا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِيهِ جَمِيعُ الْوَقْتِ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ الْأَدَاءُ فِي جُزْءٍ مِنْهُ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ لَا نُقْصَانَ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ نَفْسِهِ بَلْ فِي الْأَدَاءِ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِعَبَدَةِ الشَّمْسِ، وَلَمَّا كَانَ الْأَدَاءُ وَاجِبًا فِيهِ تَحَمَّلَ ذَلِكَ النُّقْصَانَ، أَمَّا إذَا لَمْ يُؤَدِّ فِيهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا نَقْصَ فِي الْوَقْتِ أَصْلًا وَجَبَ الْكَامِلُ، وَلِهَذَا كَانَ الصَّحِيحُ وُجُوبَ الْقَضَاءِ فِي كَامِلٍ عَلَى مَنْ بَلَغَ وَأَسْلَمَ فِي نَاقِصٍ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَنَّ مَعْنَى نُقْصَانِ الْوَقْتِ نُقْصَانُ مَا اتَّصَلَ بِهِ فِعْلُ الْأَرْكَانِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلتَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 بِخِلَافِ الْفَجْرِ، وَالْأَحَادِيثُ تَعَارَضَتْ فَتَسَاقَطَتْ كَمَا بَسَطَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ. (وَيَنْعَقِدُ نَفْلٌ بِشُرُوعٍ فِيهَا) بِكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ (لَا) يَنْعَقِدُ (الْفَرْضُ) وَمَا هُوَ مُلْحَقٌ بِهِ كَوَاجِبٍ   [رد المحتار] فَالْوَقْتُ لَا نَقْصَ فِيهِ، بَلْ هُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْقَاتِ إنَّمَا النَّقْصُ فِي الْأَرْكَانِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهَا مَا وَجَبَ كَامِلًا، وَهَذَا أَيْضًا مُؤَيِّدٌ لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي التَّأْخِيرِ وَالْأَدَاءِ خِلَافُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا لِبَعْضِ الطَّلَبَةِ مَذْكُورٌ مَعَ جَوَابِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهِ، وَأَوْضَحْنَاهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْفَجْرِ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُؤَدِّي فَجْرَ يَوْمِهِ وَقْتَ الطُّلُوعِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْفَجْرِ كُلَّهُ كَامِلٌ فَوَجَبَتْ كَامِلَةً، فَتَبْطُلُ بِطُرُوِّ الطُّلُوعِ الَّذِي هُوَ وَقْتُ فَسَادٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَإِنْ قِيلَ: رَوَى الْجَمَاعَةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ» " أُجِيبَ بِأَنَّ التَّعَارُضَ لَمَّا وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ رَجَعْنَا إلَى الْقِيَاسِ كَمَا هُوَ حُكْمُ التَّعَارُضِ، فَرَجَّحْنَا حُكْمَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَحُكْمَ النَّهْيِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، كَذَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ. اهـ. عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ الطَّحَاوِيَّ قَالَ: إنَّ الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ بِالنُّصُوصِ النَّاهِيَةِ، وَادَّعَى أَنَّ الْعَصْرَ يَبْطُلُ أَيْضًا كَالْفَجْرِ وَإِلَّا لَزِمَ الْعَمَلُ بِبَعْضِ الْحَدِيثِ وَتَرْكُ بَعْضِهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِنَا طَرَأَ نَاقِصٌ عَلَى كَامِلٍ فِي الْفَجْرِ، بِخِلَافِ عَصْرِ يَوْمِهِ مَعَ أَنَّ النَّقْصَ قَارَنَ الْعَصْرَ ابْتِدَاءً وَالْفَجْرَ بَقَاءً فَيَبْطُلُ فِيهِمَا. وَأَجَابَ فِي الْبُرْهَانِ بِأَنَّ هَذَا الْوَقْتَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْعَصْرِ حَتَّى يَجِبَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ أَوْ بَلَغَ فِيهِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ وَلَا يَصِحُّ الْأَدَاءُ فِيهِ، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ (قَوْلُهُ: وَيَنْعَقِدُ نَفْلٌ إلَخْ) لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ وَكُرِهَ شَامِلًا لِلْمَكْرُوهِ حَقِيقَةً وَالْمَمْنُوعِ أَتَى بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ بَيَانًا لِمَا أَجْمَلَهُ ط. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا يُسَمَّى صَلَاةً وَلَوْ تَوَسُّعًا إمَّا فَرْضٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ نَفْلٌ، وَالْأَوَّلُ عَمَلِيٌّ وَقَطْعِيٌّ، فَالْعَمَلِيُّ الْوِتْرُ، وَالْقَطْعِيُّ كِفَايَةٌ وَعَيْنٌ، فَالْكِفَايَةُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ، وَالْعَيْنُ الْمَكْتُوبَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ وَالسَّجْدَةُ الصُّلْبِيَّةُ، وَالْوَاجِبُ إمَّا لِعَيْنِهِ، وَهُوَ مَا لَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَى فِعْلِ الْعَبْدِ، أَوْ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ؛ فَالْأَوَّلُ الْوِتْرُ فَإِنَّهُ يُسَمَّى وَاجِبًا كَمَا يُسَمَّى فَرْضًا عَمَلِيًّا وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ، وَالثَّانِي سَجْدَتَا السَّهْوِ وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ وَقَضَاءُ نَفْلٍ أَفْسَدَهُ وَالْمَنْذُورُ، وَالنَّفَلُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَغَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَوْقَاتَ الْمَكْرُوهَةَ نَوْعَانِ: الْأَوَّلُ الشُّرُوقُ وَالِاسْتِوَاءُ وَالْغُرُوبُ. وَالثَّانِي مَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ، وَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى الِاصْفِرَارِ، فَالنَّوْعُ الْأَوَّلُ لَا يَنْعَقِدُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَوَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا إذَا شَرَعَ بِهَا فِيهِ، وَتَبْطُلُ إنْ طَرَأَ عَلَيْهَا إلَّا صَلَاةَ جِنَازَةٍ حَضَرَتْ فِيهَا وَسَجْدَةٌ تُلِيَتْ آيَتُهَا فِيهَا وَعَصْرُ يَوْمِهِ وَالنَّفَلُ وَالنَّذْرُ الْمُقَيَّدُ بِهَا وَقَضَاءُ مَا شَرَعَ بِهِ فِيهَا ثُمَّ أَفْسَدَهُ، فَتَنْعَقِدُ هَذِهِ السِّتَّةُ بِلَا كَرَاهَةٍ أَصْلًا فِي الْأُولَى مِنْهَا، وَمَعَ الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ فِي الثَّانِيَةِ والتحريمية فِي الثَّالِثَةِ، وَكَذَا فِي الْبَوَاقِي، لَكِنْ مَعَ وُجُوبِ الْقَطْعِ وَالْقَضَاءِ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ: وَالنَّوْعُ الثَّانِي يَنْعَقِدُ فِيهِ جَمِيعُ الصَّلَوَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، إلَّا النَّفَلَ وَالْوَاجِبَ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، فَيَجِبُ الْقَطْعُ وَالْقَضَاءُ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ اهـ ح مَعَ بَعْضِ تَغْيِيرٍ. (قَوْلُهُ: لَا يَنْعَقِدُ الْفَرْضُ) أَشَارَ إلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ شَرَعَ فِي فَرِيضَةٍ عِنْدَ الطُّلُوعِ أَوْ الْغُرُوبِ سِوَى عَصْرِ يَوْمِهِ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ، فَلَا تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ بِالْقَهْقَهَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَوَاجِبٍ) عِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ: كَالْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ الْفَائِتَةِ، فَقُيِّدَ بِالْفَائِتَةِ احْتِرَازًا عَمَّا وَجَبَ فِيهَا كَالتِّلَاوَةِ وَالْجِنَازَةِ. بَقِيَ لَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ هَلْ يَكُونُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 لِعَيْنِهِ كَوِتْرٍ (وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ، وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ تُلِيَتْ) الْآيَةُ (فِي كَامِلٍ وَحَضَرَتْ) الْجِنَازَةُ (قَبْلُ) لِوُجُوبِهِ كَامِلًا فَلَا يَتَأَدَّى نَاقِصًا، فَلَوْ وَجَبَتَا فِيهَا لَمْ يُكْرَهْ فِعْلُهُمَا: أَيْ تَحْرِيمًا. وَفِي التُّحْفَةِ: الْأَفْضَلُ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ الْجِنَازَةُ. (وَصَحَّ) مَعَ الْكَرَاهَةِ (تَطَوُّعٌ بَدَأَ بِهِ فِيهَا وَنَذَرَ أَدَاءَ فِيهَا) وَقَدْ نَذَرَهُ فِيهَا (وَقَضَاءُ تَطَوُّعٍ بَدَأَ بِهِ فِيهَا فَأَفْسَدَهُ لِوُجُوبِهِ نَاقِصًا) ثُمَّ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وُجُوبُ الْقَطْعِ وَالْقَضَاءِ فِي كَامِلٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِيهِ عَنْ الْبُغْيَةِ: الصَّلَاةُ فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَكَأَنَّهُ لِأَنَّهَا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، فَالْأَوْلَى تَرْكُ مَا كَانَ رُكْنًا لَهَا. . (وَكُرِهَ نَفْلٌ) قَصْدًا   [رد المحتار] دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ نَفْلًا أَمْ لَا تَنْعَقِدُ أَصْلًا؟ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَسَيُصَرَّحُ بِهِ فِي بَابِهَا؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قَدْرَ رُمْحٍ فَقَبْلَ وَقْتِهَا لَمْ تَجِبْ فَتَكُونُ نَفْلًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِعَيْنِهِ) هَذَا التَّقْيِيدُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَاجِبَ لِغَيْرِهِ يَنْعَقِدُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَالنَّهْرِ خِلَافًا لِمَا فِي نُورِ الْإِيضَاحِ، أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ: وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى وِتْرٍ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَأَصْلُهُ الرَّفْعُ فِي عِبَارَةِ الْمَتْنِ عَطْفًا عَلَى الْفَرْضِ. قَالَ الشَّارِحُ فِي الْخَزَائِنِ: وَسُجُودُ السَّهْوِ كَالتِّلَاوَةِ، فَيَتْرُكُهُ لَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ اهـ وَقَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ) فِيهِ أَنَّهَا تَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ. اهـ. ح. قُلْت: لَكِنْ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ ح فِي الضَّابِطِ وَلِلتَّعْلِيلِ الْآتِي وَهُوَ ظَاهِرُ الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى وَالزَّيْلَعِيِّ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْوَافِي وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالنُّقَايَةِ وَغَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: فَلَوْ وَجَبَتَا فِيهَا) أَيْ بِأَنْ تُلِيَتْ الْآيَةُ فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ أَوْ حَضَرَتْ فِيهَا الْجِنَازَةُ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَحْرِيمًا) أَفَادَ ثُبُوتَ الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَفِي التُّحْفَةِ إلَخْ) هُوَ كَالِاسْتِدْرَاكِ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ أَيْ تَحْرِيمًا، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْأَفْضَلُ عَدَمَ التَّأْخِيرِ فِي الْجِنَازَةِ فَلَا كَرَاهَةَ أَصْلًا، وَمَا فِي التُّحْفَةِ أَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْفَتْحِ وَالْمِعْرَاجِ حَضَرَتْ " وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ تَّعْجِيلَ فِيهَا مَطْلُوبٌ مُطْلَقًا إلَّا لِمَانِعٍ، وَحُضُورُهَا فِي وَقْتٍ مُبَاحٍ مَانِعٌ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ، بِخِلَافِ حُضُورِهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ وَبِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّ التَّعْجِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا مُطْلَقًا اهـ أَيْ بَلْ يُسْتَحَبُّ فِي وَقْتٍ مُبَاحٍ فَقَطْ فَثَبَتَتْ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ دُونَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ (قَوْلُهُ: وَصَحَّ تَطَوُّعٌ بَدَأَ بِهِ فِيهَا) تَكْرَارٌ مَحْضٌ مَعَ قَوْلِهِ وَيَنْعَقِدُ نَفْلٌ بِشُرُوعٍ. اهـ. ح. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَصِحُّ أَدَاؤُهُ فِيهَا وَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَمَا مَرَّ بَيَانٌ لِأَصْلِ الِانْعِقَادِ وَصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهِ بِحَيْثُ لَوْ قَهْقَهَ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِخِلَافِ الْفَرْضِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ نَذَرَهُ فِيهَا) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ نَذَرَ إيقَاعَهُ فِيهَا: أَيْ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ: أَيْ فِي أَحَدِهَا، أَمَّا لَوْ نَذَرَهُ مُطْلَقًا فَلَا يَصِحُّ أَدَاؤُهُ فِيهَا. (قَوْلُهُ: لِوُجُوبِهِ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْبَحْرِ) وَقَالَ أَيْضًا: وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي غَيْرِهِ ضَعِيفٌ. (قَوْلُهُ: عَنْ الْبُغْيَةِ) بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِهَا: الشَّيْءُ الْمُبْتَغَى: أَيْ الْمَطْلُوبُ، وَهُوَ هُنَا عِلْمُ كِتَابٍ هُوَ مُخْتَصَرُ الْقُنْيَةِ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ ح. (قَوْلُهُ: الصَّلَاةُ فِيهَا) أَيْ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ وَكَالصَّلَاةِ الدُّعَاءُ وَالتَّسْبِيحُ كَمَا هُوَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبُغْيَةِ. (قَوْلُهُ: وَكَأَنَّهُ إلَخْ) مِنْ كَلَامِ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: فَالْأَوْلَى) أَيْ فَالْأَفْضَلُ لِيُوَافِقَ كَلَامَ الْبُغْيَةِ فَإِنَّ مُفَادَهُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ أَصْلًا؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْفَاضِلِ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ نَفْلٌ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ نَوْعَيْ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَفِيمَا يُكْرَهُ فِيهَا، وَالْكَرَاهَةُ هُنَا تَحْرِيمِيَّةٌ أَيْضًا كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْحِلْيَةِ وَلِذَا عُبِّرَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ، وَالْمُرَادُ عَدَمُ الْحِلِّ لَا عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: قَصْدًا) اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ صَلَّى تَطَوُّعًا فِي آخِرِ اللَّيْلِ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ إتْمَامُهَا؛ لِأَنَّ وُقُوعَهُ فِي التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْفَجْرِ لَا عَنْ قَصْدٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 وَلَوْ تَحِيَّةَ مَسْجِدٍ (وَكُلُّ مَا كَانَ وَاجِبًا) لَا لِعَيْنِهِ بَلْ (لِغَيْرِهِ) وَهُوَ مَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَى فِعْلِهِ (كَمَنْذُورٍ، وَرَكْعَتَيْ طَوَافٍ) وَسَجْدَتَيْ سَهْوٍ (وَاَلَّذِي شَرَعَ فِيهِ) فِي وَقْتٍ مُسْتَحَبٍّ أَوْ مَكْرُوهٍ (ثُمَّ أَفْسَدَهُ وَ) لَوْ سُنَّةَ الْفَجْرِ (بَعْدَ صَلَاةِ فَجْرٍ وَ) صَلَاةِ (عَصْرٍ) وَلَوْ الْمَجْمُوعَةُ بِعَرَفَةَ (لَا) يُكْرَهُ (قَضَاءُ فَائِتَةٍ وَ) لَوْ وِتْرًا أَوْ (سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ وَصَلَاةَ جِنَازَةٍ وَكَذَا) الْحُكْمُ مِنْ كَرَاهَةِ نَفْلٍ وَوَاجِبٍ لِغَيْرِهِ لَا فَرْضٍ وَوَاجِبٍ لِعَيْنِهِ (بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرٍ سِوَى سُنَّتِهِ) لِشَغْلِ الْوَقْتِ بِهِ   [رد المحتار] وَلَا يَنُوبَانِ عَنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ عَلَى الْأَصَحِّ (لِقَوْلِهِ وَلَوْ تَحِيَّةَ مَسْجِدٍ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا لَهُ سَبَبٌ أَوْ لَا كَمَا فِي الْبَحْرِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا لَهُ سَبَبٌ كَالرَّوَاتِبِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ ط. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَا كَانَ وَاجِبًا إلَخْ) أَيْ مَا كَانَ مُلْحَقًا بِالنَّفْلِ، بِأَنْ ثَبَتَ وُجُوبُهُ بِعَارِضٍ بَعْدَ مَا كَانَ نَفْلًا. (قَوْلُهُ: عَلَى فِعْلِهِ) أَيْ فِعْلِ الْعَبْدِ، وَالْأَوْلَى إظْهَارُهُ مَثَلًا الْمَنْذُورُ يُوقَفُ عَلَى النَّذْرِ وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ عَلَى الطَّوَافِ وَسَجْدَتَا السَّهْوِ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ مِنْ جِهَتِهِ. اهـ. ط. وَيَرِدُ عَلَيْهِ سُجُودُ التِّلَاوَةِ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَى التِّلَاوَةِ. وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ وُجُوبَهُ فِي التَّحْقِيقِ مُتَعَلِّقٌ بِالسَّمَاعِ لَا بِالِاسْتِمَاعِ وَلَا بِالتِّلَاوَةِ وَذَلِكَ لَيْسَ فِعْلًا مِنْ الْمُكَلَّفِ بَلْ وَصْفٌ خُلُقِيٌّ فِيهِ، بِخِلَافِ النَّذْرِ وَالطَّوَافِ وَالشُّرُوعِ فَإِنَّهَا فِعْلُهُ وَلَوْلَاهُ لَكَانَتْ الصَّلَاةُ نَفْلًا. اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ فِي حَقِّ التَّالِي التِّلَاوَةُ دُونَ السَّمَاعِ وَإِلَّا لَزِمَ عَدَمُ الْوُجُوبِ عَلَى الْأَصَمِّ بِتِلَاوَتِهِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْبَحْرِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ أَصْلُهُ نَفْلًا؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالسَّجْدَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَكَانَتْ وَاجِبَةً بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِالْتِزَامِ الْعَبْدِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: وَرَكْعَتَيْ طَوَافٍ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الطَّوَافُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ مُعَاذِ ابْنِ عَفْرَاءَ " أَنَّهُ طَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ أَوْ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَلَمْ يُصَلِّ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَلَاةٍ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَعَنْ صَلَاةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ» " ثُمَّ رَأَيْته مُصَرِّحًا بِهِ فِي الْحِلْيَةِ وَشَرْحِ اللُّبَابِ. (قَوْلُهُ: وَسَجْدَتَيْ سَهْوٍ) أَقُولُ: تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْمُجْتَبَى، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي مَعْنَاهُ هَلْ هُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ أَوْ مُقَيَّدٌ بِبَعْضِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهُ لَا وَجْهَ لِكَرَاهَةِ سُجُودِ السَّهْوِ فِيمَا لَوْ صَلَّى الْفَجْرَ أَوْ الْعَصْرَ وَسَهَا فِيهِمَا، وَكَذَا لَوْ قَضَى بَعْدَهُمَا فَائِتَةً وَسَهَا فِيهَا فَإِنَّهُ إذَا حَلَّ لَهُ أَدَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ كَيْفَ لَا يَحِلُّ لَهُ سُجُودُ السَّهْوِ الْوَاجِبِ فِيهَا؟ وَلَعَلَّهُ اشْتَبَهَ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْأَوْقَاتِ بِالنَّوْعِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ ذِكْرَ سُجُودِ السَّهْوِ نَحْوَ النَّوْعِ الْأَوَّلِ صَحِيحٌ وَقَدْ مَرَّ، بِخِلَافِ ذِكْرِهِ هُنَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مُقَيَّدٌ بِبَعْضِ الصَّلَوَاتِ وَهِيَ الَّتِي تُكْرَهُ فِي هَذَا النَّوْعِ كَالنَّفْلِ وَالْوَاجِبِ لِغَيْرِهِ، فَكَمَا يُكْرَهُ فِعْلُهَا يُكْرَهُ سُجُودُ السَّهْوِ فِيهَا، ثُمَّ رَأَيْت الرَّحْمَتِيَّ جَزَمَ بِأَنَّ ذَلِكَ سَهْوٌ، فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ سُنَّةَ الْفَجْرِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الَّذِي شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ سُنَّةَ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمَا قِيلَ مِنْ الْحِيَلِ مَرْدُودٌ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: بَعْدَ صَلَاةِ فَجْرٍ وَعَصْرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَكُرِهَ أَيْ وَكُرِهَ نَفْلٌ إلَخْ بَعْدَ صَلَاةِ فَجْرٍ وَعَصْرٍ: أَيْ إلَى مَا قُبَيْلَ الطُّلُوعِ وَالتَّغَيُّرِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ السَّابِقِ لَا يَنْعَقِدُ الْفَرْضُ إلَخْ، وَلِذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هُنَا: الْمُرَادُ بِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ قَبْلَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْقَضَاءُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِمَجْمُوعَةٍ بِعَرَفَةَ) عَزَاهُ فِي الْمِعْرَاجِ إلَى الْمُجْتَبَى. وَفِي الْقُنْيَةِ إلَى مَجْدِ الْأَئِمَّةِ التَّرْجُمَانِيِّ وَظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ، وَذَكَرَهُ فِي الْحِلْيَةِ بَحْثًا، وَقَالَ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا، وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وِتْرًا) لِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِ وَاجِبٌ يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ، وَهُوَ مَعْنَى الْفَرْضِ الْعَمَلِيِّ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا سُنَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِغَيْرِهَا مِنْ السُّنَنِ وَلِذَا قَالَا لَا تَصِحُّ مِنْ قَعُودٍ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: الْوِتْرُ يُقْضَى بَعْدَ الْفَجْرِ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ سَائِرِ السُّنَنِ. (قَوْلُهُ: أَوْ سَجْدَةِ تِلَاوَةٍ) لِوُجُوبِهَا بِإِيجَابِهِ تَعَالَى لَا بِفِعْلِ الْعَبْدِ كَمَا عَلِمْته فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى النَّفْلِ. (قَوْلُهُ: لِشَغْلِ الْوَقْتِ بِهِ) أَيْ بِالْفَجْرِ أَيْ بِصَلَاتِهِ، فَفِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامٌ ط أَيْ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَجْرِ الزَّمَنُ لَا الصَّلَاةُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 تَقْدِيرًا، حَتَّى لَوْ نَوَى تَطَوُّعًا كَانَ سُنَّةَ الْفَجْرِ بِلَا تَعْيِينٍ (وَقَبْلَ) صَلَاةِ (مَغْرِبٍ) لِكَرَاهَةِ تَأْخِيرِهِ إلَّا يَسِيرًا (وَعِنْدَ خُرُوجِ إمَامٍ)   [رد المحتار] ثُمَّ هَذَا عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَكُرِهَ. وَفِيهِ جَوَابٌ عَمَّا أُورِدَ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ يَعُمُّ النَّفَلَ وَغَيْرَهُ: وَجَوَابُهُ أَنَّ النَّهْيَ هُنَا لَا لِنُقْصَانٍ فِي الْوَقْتِ بَلْ لِيَصِيرَ الْوَقْتُ كَالْمَشْغُولِ بِالْفَرْضِ فَلَمْ يَجُزْ النَّفَلُ، وَلَا مَا أُلْحِقَ بِهِ مِمَّا ثَبَتَ وُجُوبُهُ بِعَارِضٍ بَعْدَ مَا كَانَ نَفْلًا دُونَ الْفَرَائِضِ. وَمَا فِي مَعْنَاهَا، بِخِلَافِ النَّهْيِ عَنْ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَنْسُوبًا لِلشَّيْطَانِ فَيُؤَثِّرُ فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ، وَتَمَامُهُ فِي شُرُوعِ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ نَوَى إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ: أَيْ وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ كَوْنَ الْوَقْتِ مَشْغُولًا بِالْفَرْضِ تَقْدِيرًا وَسُنَّتُهُ تَابِعَةٌ لَهُ، فَإِذَا تَطَوَّعَ انْصَرَفَ تَطَوُّعُهُ إلَى سُنَّتِهِ لِئَلَّا يَكُونَ آتِيًا بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بِلَا تَعْيِينٍ) لِأَنَّ الصَّحِيحَ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ فِي السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ، وَأَنَّهَا تَصِحُّ بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَبِمُطْلَقِ النِّيَّةِ، فَلَوْ تَهَجَّدَ بِرَكْعَتَيْنِ يَظُنُّ بَقَاءَ اللَّيْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُمَا بَعْدَ الْفَجْرِ كَانَتَا عَنْ السُّنَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَا يُصَلِّيهَا بَعْدَهُ لِلْكَرَاهَةِ أَشْبَاهٌ. (قَوْلُهُ: وَقَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ) عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ أَصْحَابُنَا وَمَالِكٌ، وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيِّ، لَمَّا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يُفِيدُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِأَصْحَابِهِ عَقِبَ الْغُرُوبِ» ، «وَلِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَا رَأَيْت أَحَدًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّيهِمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَكَتَ عَنْهُ وَالْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ أَنَّهُ سَأَلَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، قَالَ: فَنَهَى عَنْهَا، وَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَهَا. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ بَعْدَهُمْ، فَهَذَا يُعَارِضُ مَا رُوِيَ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ أَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَلَاتِهِمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ ضَعْفِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُشْتَهِرًا بَيْنَ الصَّحَابَةِ لَمَا خَفِيَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، أَوْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِتَعْجِيلِ الْمَغْرِبِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحَيْ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهِمَا. (قَوْلُهُ: لِكَرَاهَةِ تَأْخِيرِهِ) الْأَوْلَى تَأْخِيرُهَا أَيْ الصَّلَاةِ، وَقَوْلُهُ إلَّا يَسِيرًا أَفَادَ أَنَّهُ مَا دُونَ صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ بِقَدْرِ جَلْسَةٍ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهِ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا مَا لَمْ تَشْتَبِكْ النُّجُومُ، وَأَفَادَ فِي الْفَتْحِ وَأَقَرَّهُ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ أَنَّ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ إذًا تَجُوزُ فِيهَا لَا تَزِيدُ عَلَى الْيَسِيرِ فَيُبَاحُ فِعْلُهُمَا، وَقَدْ أَطَالَ فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ. [تَنْبِيهٌ] يَجُوزُ قَضَاءُ الْفَائِتَةِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَيَبْدَأُ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ ثُمَّ بِالْجِنَازَةِ ثُمَّ بِالسُّنَّةِ، وَلَعَلَّهُ لِبَيَانِ الْأَفْضَلِيَّةِ. وَفِي الْحِلْيَةِ: الْفَتْوَى عَلَى تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَنْ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ، فَعَلَى هَذَا تُؤَخَّرُ عَنْ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّهَا آكَدُ. اهـ. بَحْرٌ. وَصَرَّحَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ بِكَرَاهَةِ الْمَنْذُورَةِ وَقَضَاءِ مَا أَفْسَدَهُ وَالْفَائِتَةِ لِغَيْرِ صَاحِبِ تَرْتِيبٍ، وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ وَبَقِيَ رَكْعَتَا الطَّوَافِ فَتُكْرَهُ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحِلْيَةِ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا، فَإِنَّ قَوْلَهُ وَقِيلَ صَلَاةُ مَغْرِبٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرٍ، فَيُكْرَهُ فِي الثَّانِي جَمِيعُ مَا يُكْرَهُ فِي الْأَوَّلِ، نَعَمْ صَرَّحَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَنَّهُ لَوْ طَافَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْهِ قَبْلَ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ كَالْجِنَازَةِ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ خُرُوجِ إمَامٍ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت» " فَإِذَا نُهِيَ عَنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ فَرْضٌ فَمَا ظَنُّك بِالنَّفْلِ؟ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ بَطَّالٍ مِنْهُمْ أَصْحَابُنَا وَمَالِكٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ التَّابِعِينَ، فَمَا رُوِيَ مِمَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 مِنْ الْحُجْرَةِ أَوْ قِيَامِهِ لِلصُّعُودِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُجْرَةٌ (لِخُطْبَةٍ) مَا وَسَيَجِيءُ أَنَّهَا عَشْرٌ (إلَى تَمَامِ صَلَاتِهِ) بِخِلَافِ فَائِتَةٍ فَإِنَّهَا لَا تُكْرَهُ، وَقَيَّدَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْجُمُعَةِ بِوَاجِبَةِ التَّرْتِيبِ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ، وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامَيْ النِّهَايَةِ وَالصَّدْرِ (وَكَذَا يُكْرَهُ تَطَوُّعٌ عِنْدَ إقَامَةِ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ) أَيْ إقَامَةِ إمَامِ مَذْهَبِهِ   [رد المحتار] يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ كَانَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ فَلَا يُعَارِضُ أَدِلَّةَ الْمَنْعِ، وَتَمَامُ الْأَدِلَّةِ فِي شَرْحَيْ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهِمَا، ثُمَّ هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ فَيُكْرَهُ فِيهِ مَا يُكْرَهُ فِيهِ كَمَا بَيَّنَّا. (قَوْلُهُ: لِخُطْبَةٍ مَا) أَتَى بِمَا لِتَعْمِيمِ الْخُطْبَةِ، وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا، سَوَاءٌ أَمْسَكَ الْخَطِيبُ عَنْهَا أَمْ لَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ أَنَّهَا عَشْرٌ) أَيْ فِي بَابِ الْعِيدَيْنِ، وَهِيَ: خُطْبَةُ جُمُعَةٍ وَفِطْرٍ وَأَضْحَى، وَثَلَاثُ خُطَبِ الْحَجِّ، وَخَتْمٌ وَنِكَاحٌ، وَاسْتِسْقَاءٌ وَكُسُوفٌ، وَالْمُرَادُ تَعْدَادُ الْخُطَبِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِلَّا فَخُطْبَةُ الْكُسُوفِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ كَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ فِيهَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهَا عِنْدَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْحِلْيَةِ، وَكَذَا خُطْبَةُ الِاسْتِسْقَاءِ مَذْهَبُ الصَّاحِبَيْنِ، فَيُقَالُ فِيهَا كَذَلِكَ. وَقَدْ يُجَابُ بِمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ نَقَلَ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ بِمَشْرُوعِيَّةِ خُطْبَةِ الْكُسُوفِ، وَلَعَلَّ مَنْ ذَكَرَهَا كَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا جَنَحَ إلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، فَصَحَّ كَوْنُهَا عَشْرًا عِنْدَنَا. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ: خُرُوجِ إمَامٍ مِنْ الْحُجْرَةِ وَقِيَامِهِ لِلصَّلَاةِ قَيْدٌ فِيمَا يُنَاسِبُهُ مِنْهَا وَهُوَ مَا عَدَا خُطْبَةَ النِّكَاحِ وَخُطْبَةَ خَتْمِ الْقُرْآنِ فَافْهَمْ. وَعِلَّةُ الْكَرَاهَةِ فِي الْجَمِيعِ تَفْوِيتُ الِاسْتِمَاعِ الْوَاجِبِ فِيهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى. (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهَا) أَيْ قَيَّدَ الْفَائِتَةَ الَّتِي لَا تُكْرَهُ حَالَ الْخُطْبَةِ ط. (قَوْلُهُ: بَيْنَ كَلَامَيْ النِّهَايَةِ وَالصَّدْرِ) فَإِنَّ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ يَقُولُ تُكْرَهُ الْفَائِتَةُ، وَصَاحِبَ النِّهَايَةِ يَقُولُ لَا تُكْرَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ ح (قَوْلُهُ: عِنْدَ إقَامَةِ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ) أَطْلَقَهَا مَعَ أَنَّهُ قَيَّدَهَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ، وَأَقَرَّهُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرَّاحِ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَتَبِعَهُمْ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَقَالَ: وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَلَا يُكْرَهُ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ بِالْإِقَامَةِ مَا لَمْ يَشْرَعْ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ وَيَعْلَمْ أَنَّهُ يُدْرِكُهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَكَانَ غَيْرَ مُخَالِطٍ لِلصَّفِّ بِلَا حَائِلٍ: وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْجُمُعَةِ لِكَثْرَةِ الِاجْتِمَاعِ لَا يُمْكِنُ غَالِبًا بِلَا مُخَالَطَةٍ لِلصَّفِّ اهـ مُلَخَّصًا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ. مَطْلَبٌ فِي تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ وَالِاقْتِدَاءِ بِالْمُخَالِفِ. (قَوْلُهُ: أَيْ إقَامَةِ إمَامِ مَذْهَبِهِ) قَالَ الشَّارِحُ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ: نَصَّ عَلَى هَذَا مَوْلَانَا مُنْلَا عَلِيٌّ شَيْخُ الْقُرَّاءِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي شَرْحِهِ عَلَى لُبَابِ الْمَنَاسِكِ اهـ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَكْرَارُ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، وَسَيُذْكَرُ فِي الْأَذَانِ، وَكَذَا فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مَا يُخَالِفُهُ. وَقَدْ أَلَّفَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ رَسَائِلَ فِي كَرَاهَةِ مَا يُفْعَلُ فِي الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ تَعْدَادِ الْأَئِمَّةِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ أَوَّلِ إمَامٍ أَفْضَلُ، وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْمَنْسَكِ الْمَشْهُورِ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - السِّنْدِيُّ تِلْمِيذُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ. فَقَدْ نَقَلَ عَنْهُ الْعَلَّامَةُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ أَنَّ بَعْضَ مَشَايِخِنَا سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْهُمْ الشَّرِيفُ الْغَزْنَوِيُّ، وَأَنَّ بَعْضَ الْمَالِكِيَّةِ فِي سَنَةِ خَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ أَفْتَى بِمَنْعِ ذَلِكَ عَلَى الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَنُقِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَذَاهِبِ إنْكَارُ ذَلِكَ أَيْضًا اهـ لَكِنْ أَلَّفَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْبِيرِيُّ شَارِحُ الْأَشْبَاهِ رِسَالَةً سَمَّاهَا الْأَقْوَالُ الْمَرْضِيَّةُ أَثْبَتَ فِيهَا الْجَوَازَ وَكَرَاهَةَ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُخَالِفِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ رَاعَى مَوَاضِعَ الْخِلَافِ لَا يَتْرُكُ مَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِهِ مَكْرُوهَ مَذْهَبِهِ: كَالْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَالتَّأْمِينِ، وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ، وَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ، وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى، وَرُؤْيَتِهِ السَّلَامَ الثَّانِيَ سُنَّةً، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الْإِعَادَةُ عِنْدَنَا أَوْ تُسْتَحَبُّ، وَكَذَا أَلَّفَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَلِيُّ الْقَارِي رِسَالَةً سَمَّاهَا الِاهْتِدَاءُ فِي الِاقْتِدَاءِ أَثْبَتَ فِيهَا الْجَوَازَ، لَكِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 لِحَدِيثِ «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ» (إلَّا سُنَّةَ فَجْرٍ إنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ جَمَاعَتِهَا) وَلَوْ بِإِدْرَاكِ تَشَهُّدِهَا، فَإِنْ خَافَ تَرَكَهَا أَصْلًا، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْحِيَلِ مَرْدُودٌ، وَكَذَا يُكْرَهُ غَيْرُ الْمَكْتُوبَةِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ (وَقَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ مُطْلَقًا، وَبَعْدَهَا بِمَسْجِدٍ لَا بِبَيْتٍ) فِي الْأَصَحِّ (وَبَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ) وَكَذَا بَعْدَهُمَا كَمَا مَرَّ (وَعِنْدَ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ) أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ الرِّيحِ (وَوَقْتَ حُضُورِ طَعَامٍ تَاقَتْ نَفْسُهُ إلَيْهِ، وَ) كَذَا كُلُّ (مَا يَشْغَلُ بَالَهُ   [رد المحتار] نَفَى فِيهَا كَرَاهَةَ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُخَالِفِ إذَا رَاعَى فِي الشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ فَقَطْ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْإِمَامَةِ. (قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ إلَخْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. قَالَ ط: وَيُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِهِ الْفَائِتَةُ وَاجِبَةُ التَّرْتِيبِ فَإِنَّهَا تُصَلَّى مَعَ الْإِقَامَةِ. (قَوْلُهُ: إلَّا سُنَّةَ فَجْرٍ) لِمَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي الْمَسْجِدِ إلَى أُسْطُوَانَةٍ وَذَلِكَ بِمَحْضَرِ حُذَيْفَةَ وَأَبِي مُوسَى، وَمِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ كَمَا أَسْنَدَهُ الْحَافِظُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ، وَمِثْلُهُ عَنْ الْحَسَنِ وَمَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِإِدْرَاكِ تَشَهُّدِهَا) مَشَى فِي هَذَا عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشُّرُنْبُلالي تَبَعًا لِلْبَحْرِ، لَكِنْ ضَعَّفَهُ فِي النَّهْرِ، وَاخْتَارَ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي السُّنَّةَ إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ رَكْعَةً وَسَيَأْتِي فِي بَابِ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ ح. قُلْت: وَسَنَذْكُرُ هُنَاكَ تَقْوِيَةَ مَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ ابْنِ الْهُمَامِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: تَرَكَهَا أَصْلًا) أَيْ لَا يَقْضِيهَا قَبْلَ الطُّلُوعِ وَلَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى إلَّا مَعَ الْفَرْضِ إذَا فَاتَ، وَقَضَى قَبْلَ زَوَالِ يَوْمِهَا ح. (قَوْلُهُ: وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْحِيَلِ) وَهِيَ أَنْ يَشْرَعَ فِيهَا فَيَقْطَعَهَا قَبْلَ الطُّلُوعِ أَوْ يَشْرَعَ فِيهَا ثُمَّ يَشْرَعَ فِي الْفَرْضِ مِنْ غَيْرِ قَطْعِهَا ثُمَّ يَقْضِيَهَا قَبْلَ الطُّلُوعِ. وَرَدَّهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشُّرُوعِ لِلْقَطْعِ قَبِيحٌ شَرْعًا وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا قَطْعٌ. وَالثَّانِي أَنَّ فِيهِ فِعْلَ الْوَاجِبِ لِغَيْرِهِ فِي وَقْتِ الْفَجْرِ وَأَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا تَقَدَّمَ ح. (قَوْلُهُ: وَكَذَا يُكْرَهُ غَيْرُ الْمَكْتُوبَةِ) أَلْ فِيهِ لِلْعَهْدِ: أَيْ الْمَكْتُوبَةِ الْوَقْتِيَّةِ، فَشَمِلَتْ الْكَرَاهَةُ النَّفَلَ وَالْوَاجِبَ وَالْفَائِتَةَ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَقْتِيَّةِ تَرْتِيبٌ، وَكَذَلِكَ أَلْ فِي الْوَقْتِ لِلْعَهْدِ: أَيْ الْوَقْتِ الْمَعْهُودِ الْكَامِلِ وَهُوَ الْمُسْتَحَبُّ، لِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ مِنْ أَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ بِضِيقِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ، وَلَوْ قَالَ وَكَذَا يُكْرَهُ غَيْرُ الْوَقْتِيَّةِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ لَكَانَ أَوْلَى، أَفَادَهُ ح. [تَنْبِيهٌ] رَأَيْت بِخَطِّ الشَّارِحِ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ: وَلَوْ تَنَفَّلَ ظَانًّا سَعَةَ الْوَقْتِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ إنْ أَتَمَّ شَفْعًا يُفَوِّتُ الْفَرْضَ لَا يَقْطَعُ كَمَا لَوْ تَنَفَّلَ ثُمَّ خَرَجَ الْخَطِيبُ، كَذَا فِي آخِرِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ اهـ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي الْبَيْتِ بِقَرِينَةِ التَّفْصِيلِ فِي مُقَابِلِهِ ح. (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ لَا يُكْرَهُ فِي الْبَيْتِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا، وَعَلَى مَنْ يَقُولُ لَا يُكْرَهُ بَعْدَهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي الْبَيْتِ ح. (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ) أَيْ جَمْعِ الْعَصْرِ مَعَ الظُّهْرِ تَقْدِيمًا فِي عَرَفَةَ، وَجَمْعِ الْمَغْرِبِ مَعَ الْعِشَاءِ تَأْخِيرًا فِي مُزْدَلِفَةَ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا بَعْدَهُمَا) ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ رَاجِعٌ إلَى صَلَاتَيْ الْجَمْعِ الْكَائِنِ بِعَرَفَةَ فَقَطْ لَا بِمُزْدَلِفَةَ أَيْضًا وَإِنْ أَوْهَمَهُ كَلَامُهُ لِعَدَمِ كَرَاهَةِ النَّفْلِ بَعْدَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا مُرَادُهُ قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ: أَيْ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ وَلَوْ الْمَجْمُوعَةُ بِعَرَفَةَ، فَلَوْ قُدِّمَ قَوْلُهُ وَكَذَا بَعْدَهُمَا كَمَا مَرَّ عَلَى قَوْلِهِ وَمُزْدَلِفَةَ لَسَلِمَ مِنْ الْإِيهَامِ، وَلَوْ أُسْقِطَ أَصْلًا لَسَلِمَ مِنْ التَّكْرَارِ ح. وَذَكَرَ الرَّحْمَتِيُّ مَا يُفِيدُ ثُبُوتَ الْخِلَافِ عِنْدَنَا فِي كَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَ صَلَاتَيْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ، لَكِنَّ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَنَّهُ يُصَلِّي سُنَّةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ بَعْدَهُمَا وَقَالَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ مَوْلَانَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْجَامِيُّ فِي مَنْسَكِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: تَاقَتْ نَفْسُهُ إلَيْهِ) أَيْ اشْتَاقَتْ ح عَنْ الْقَامُوسِ، وَأَفْهَمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَشْتَقْ إلَيْهِ لَا كَرَاهَةَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ط. (قَوْلُهُ: وَمَا يَشْغَلُ بَالَهُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُعْجَمَةِ. وَالْبَالُ: الْقَلْبُ، وَهَذَا مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 عَنْ أَفْعَالِهَا وَيُخِلُّ بِخُشُوعِهَا) كَائِنًا مَا كَانَ. فَهَذِهِ نَيِّفٌ وَثَلَاثُونَ وَقْتًا، وَكَذَا تُكْرَهُ فِي أَمَاكِنَ كَفَوْقِ كَعْبَةٍ وَفِي طَرِيقٍ وَمَزْبَلَةٍ وَمَجْزَرَةٍ   [رد المحتار] لِشُمُولِهِ لِلْمُدَافَعَةِ وَحُضُورِ الطَّعَامِ، وَإِنَّمَا نُصَّ عَلَيْهِمَا لِوُقُوعِ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِمَا بِخُصُوصِهِمَا فِي الْأَحَادِيثِ، أَفَادَهُ فِي الْحِلْيَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَيُخِلُّ بِخُشُوعِهِمَا) عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ فَافْهَمْ. قَالَ ط: وَمَحَلُّ الْخُشُوعِ الْقَلْبُ، وَهُوَ فَرْضٌ عِنْدَ أَهْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَيْسَ لَهُ مِنْ صَلَاتِهِ إلَّا بِقَدْرِ مَا اسْتَحْضَرَ فِيهَا، فَتَارَةً يَكُونُ لَهُ عُشْرُهَا أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ. مَطْلَبٌ فِي إعْرَابِ كَائِنًا مَا كَانَ. (قَوْلُهُ: كَائِنًا مَا كَانَ) فِي هَذَا التَّرْكِيبِ أَعَارِيبُ ذَكَرْتُهَا فِي رِسَالَتِي الْمُسَمَّاةِ بِالْفَوَائِدِ الْعَجِيبَةِ فِي إعْرَابِ الْكَلِمَاتِ الْغَرِيبَةِ أَظْهَرُهَا أَنَّ كَائِنًا مَصْدَرُ النَّاقِصَةِ حَالٌ وَفِيهِ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الشَّاغِلِ هُوَ اسْمُهَا وَمَا خَبَرُهَا وَهِيَ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ بِكَانَ التَّامَّةِ: أَيْ حَالَ كَوْنِ الشَّاغِلِ شَيْئًا مُتَّصِفًا بِصِفَةِ الْوُجُودِ، وَالْمَعْنَى تَعْلِيقُ الْكَرَاهَةِ عَلَى أَيِّ شَاغِلٍ وُجِدَ، لَا بِقَيْدٍ زَائِدٍ عَلَى قَيْدِ الْوُجُودِ. (قَوْلُهُ: فَهَذِهِ نَيِّفٌ وَثَلَاثُونَ وَقْتًا) النَّيِّفُ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُشَدَّدَةً وَقَدْ تُخَفَّفُ وَفِي آخِرِهِ فَاءٌ: مَا زَادَ عَلَى الْعَقْدِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْعَقْدَ الثَّانِيَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَالْمُرَادُ هُنَا ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ عَلَى مَا يَظْهَرُ، وَهِيَ: الشُّرُوقُ، الِاسْتِوَاءُ، الْغُرُوبُ، بَعْدَ صَلَاةِ فَجْرٍ أَوْ عَصْرٍ، قَبْلَ صَلَاةِ فَجْرٍ أَوْ مَغْرِبٍ، عِنْدَ الْخُطَبِ الْعَشَرَةِ، عِنْدَ إقَامَةِ مَكْتُوبَةٍ وَضِيقِ وَقْتِهَا، قَبْلَ صَلَاةِ عِيدِ فِطْرٍ وَبَعْدَهَا فِي مَسْجِدٍ، وَقَبْلَ صَلَاةِ عِيدِ أَضْحَى، وَبَعْدَهَا فِي مَسْجِدٍ بَيْنَ صَلَاتَيْ جَمْعِ عَرَفَةَ وَبَعْدَهُمَا بَيْنَ جَمْعِ مُزْدَلِفَةَ، عِنْدَ مُدَافَعَةِ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ رِيحٍ، عِنْدَ طَعَامٍ يَتُوقُهُ، عِنْدَ كُلِّ مَا يَشْغَلُ الْبَالَ وَمَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ لِأَدَاءِ الْعِشَاءِ لَا غَيْرُ، عِنْدَ اشْتِبَاكِ نُجُومٍ لِأَدَاءِ الْمَغْرِبِ فَقَطْ وَاعْلَمْ أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ النَّهْيَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ، وَلِهَذَا أَثَرٌ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَفِي الْبَوَاقِي لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ، وَلِهَذَا أَثَرٌ فِي النَّوَافِلِ دُونَ الْفَرَائِضِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا، لَكِنَّ كَوْنَ النَّهْيِ فِي الْبَوَاقِي مُؤَثِّرًا فِي النَّوَافِلِ إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِخُصُوصِ صَلَاةِ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْأَخِيرَيْنِ، فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ فِيهِمَا الصَّلَاةُ الْوَقْتِيَّةُ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهَا، فَإِنَّ فِي تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إلَى مَا بَعْدَ النِّصْفِ تَقْلِيلَ الْجَمَاعَةِ، وَفِي تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ إلَى الِاشْتِبَاكِ تَشَبُّهًا بِالْيَهُودِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَذَلِكَ خَاصٌّ بِهِمَا، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ، وَأَنَّ الْأَوْجَهَ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْحِلْيَةِ كَوْنُ الْكَرَاهَةِ فِي كُلٍّ مِنْ التَّأْخِيرِ وَالْأَدَاءِ لَا فِي التَّأْخِيرِ فَقَطْ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا تُكْرَهُ إلَخْ) لَمَّا ذَكَرَ الْكَرَاهَةَ فِي الزَّمَانِ اسْتَطْرَدَ ذِكْرَ الْكَرَاهَةِ فِي الْمَكَانِ، وَإِلَّا فَمَحَلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهَاتُ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: كَفَوْقِ كَعْبَةٍ إلَخْ) أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ تَعْظِيمِهَا الْمَأْمُورِ بِهِ، وَقَوْلُهُ وَفِي طَرِيقٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْعَ النَّاسِ مِنْ الْمُرُورِ وَشَغْلَهُ بِمَا لَيْسَ لَهُ؛ لِأَنَّهَا حَقُّ الْعَامَّةِ لِلْمُرُورِ، وَلِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: وَفِي الْمَزْبَلَةِ، وَالْمَجْزَرَةِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَفِي الْحَمَّامِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 وَمَقْبَرَةٍ وَمُغْتَسَلٍ وَحَمَّامٍ وَبَطْنِ وَادٍ وَمَعَاطِنِ إبِلٍ وَغَنَمٍ   [رد المحتار] وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ، وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ» " اهـ. وَمَعَاطِنُ الْإِبِلِ: مَبَارِكُهَا جَمْعُ مَعْطِنٍ: اسْمُ مَكَان وَالْمَزْبَلَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَعَ فَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا: مَلْقَى الزِّبْلِ وَالْمَجْزَرَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَعَ فَتْحِ الزَّايِ وَضَمِّهَا أَيْضًا: مَوْضِعُ الْجِزَارَةِ أَيْ فِعْلِ الْجَزَّارِ أَيْ الْقَصَّابِ إمْدَادٌ. (قَوْلُهُ: وَمَقْبَرَةٍ) مُثَلَّثُ الْبَاءِ ح. وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّتِهِ، فَقِيلَ لِأَنَّ فِيهَا عِظَامَ الْمَوْتَى وَصَدِيدَهُمْ وَهُوَ نَجِسٌ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقِيلَ لِأَنَّ أَصْلَ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ اتِّخَاذُ قُبُورِ الصَّالِحِينَ مَسَاجِدَ، وَقِيلَ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِيهَا إذَا كَانَ فِيهَا مَوْضِعٌ أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِيهِ قَبْرٌ وَلَا نَجَاسَةٌ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا قِبْلَتُهُ إلَى قَبْرٍ حِلْيَةٌ. (قَوْلُهُ: وَمُغْتَسَلٍ) أَيْ مَوْضِعِ الِاغْتِسَالِ فِي بَيْتِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَحَمَّامٍ) لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَصَبُّ الْغُسَالَاتِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ بَيْتُ الشَّيَاطِينِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا غَسَلَ مِنْهُ مَوْضِعًا لَا تُكْرَهُ، وَعَلَى الثَّانِي تُكْرَهُ، وَهُوَ الْأَوْلَى لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ إلَّا لِخَوْفِ فَوْتِ الْوَقْتِ وَنَحْوِهِ إمْدَادٌ، لَكِنْ فِي الْفَيْضِ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ خَارِجَهُ أَيْ مَوْضِعِ جُلُوسِ الْحَمَّامِيِّ، فَفِي الْخَانِيَّةِ لَا بَأْسَ بِهَا. وَفِي الْحِلْيَةِ أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي الْكَرَاهَةُ خَارِجَهُ أَيْضًا، وَفِيهَا أَيْضًا: لَوْ هُجِرَ الْحَمَّامُ، قِيلَ يَحْتَمِلُ بَقَاءَ الْكَرَاهَةِ اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ، وَيَحْتَمِلُ زَوَالَهَا؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ يَأْلَفُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ، وَلَوْ لَمْ يُسَقْ إلَيْهِ الْمَاءُ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فَالْأَشْبَهُ عَدَمُهَا؛ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَمِيمِ: وَهُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ. وَعَلَيْهِ لَوْ اتَّخَذَ دَارًا لِلسَّكَنِ كَهَيْئَةِ الْحَمَّامِ لَمْ تُكْرَهْ الصَّلَاةُ أَيْضًا. اهـ. مَطْلَبُ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي الْكَنِيسَةِ [تَنْبِيهٌ] يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ مَحَلُّ الشَّيَاطِينِ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ فِي مَعَابِدِ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّهَا مَأْوَى الشَّيَاطِينِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ. وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرُوهُ عِنْدَنَا، فَفِي الْبَحْرِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ: وَلَا يَحْلِفُونَ فِي بَيْتِ عِبَادَاتِهِمْ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ الدُّخُولُ فِي الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَجْمَعُ الشَّيَاطِينِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الدُّخُولِ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا الْمُرَادَةُ عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ، وَقَدْ أَفْتَيْت بِتَعْزِيرِ مُسْلِمٍ لَازَمَ الْكَنِيسَةَ مَعَ الْيَهُودِ اهـ فَإِذَا حَرُمَ الدُّخُولُ فَالصَّلَاةُ أَوْلَى، وَبِهِ ظَهَرَ جَهْلُ مَنْ يَدْخُلُهَا لِأَجْلِ الصَّلَاةِ فِيهَا. (قَوْلُهُ: وَبَطْنِ وَادٍ) أَيْ مَا انْخَفَضَ مِنْ الْأَرْضِ، فَإِنَّ الْغَالِبَ احْتِوَاؤُهُ عَلَى نَجَاسَةٍ يَحْمِلُهَا إلَيْهِ السَّيْلُ أَوْ تُلْقَى فِيهِ ط. (قَوْلُهُ: وَمَعَاطِنِ إبِلٍ وَغَنَمٍ) كَذَا فِي الْأَحْكَامِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْخِزَانَةِ السَّمَرْقَنْدِيَّة، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْمُلْتَقَطِ أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ إذَا كَانَ بَعِيدًا عَنْ النَّجَاسَةِ. وَفِي الْحِلْيَةِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ؟ فَقَالَ: لَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا مِنْ الشَّيَاطِينِ وَسُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ فَقَالَ: صَلُّوا فِيهَا فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ بَرَكَةٍ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا. وَمَعَاطِنُ الْإِبِلِ: وَطَنُهَا ثُمَّ غَلَبَ عَلَى مَبْرَكِهَا حَوْلَ الْمَاءِ. وَالْأَوْلَى الْإِطْلَاقُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ. وَمَرَابِضُ الْغَنَمِ: مَوَاضِعُ مَبِيتِهَا. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِ الْإِبِلِ مِنْ الشَّيَاطِينِ أَنَّهَا خُلِقَتْ عَلَى صِفَةٍ تُشْبِهُهُمْ مِنْ النُّفُورِ وَالْإِيذَاءِ، فَلَا يَأْمَنُ الْمُصَلِّي مِنْ أَنْ تَنْفِرَ وَتَقْطَعَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَيْ فَيَبْقَى بَالُهُ مَشْغُولًا خُصُوصًا حَالَ سُجُودِهِ، وَبِهَذَا فَارَقَتْ الْغَنَمُ. وَيَظْهَرُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ الطَّاهِرَةِ حَالَ غَيْبَتِهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 وَبَقَرٍ. زَادَ فِي الْكَافِي: وَمَرَابِطِ دَوَابَّ وَإِصْطَبْلٍ وَطَاحُونٍ وَكَنِيفٍ وَسُطُوحِهَا وَمَسِيلِ وَادٍ وَأَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ أَوْ لِلْغَيْرِ لَوْ مَزْرُوعَةٍ أَوْ مَكْرُوبَةٍ وَصَحْرَاءَ فَلَا سُتْرَةَ لِمَارٍّ. وَيُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْكَلَامُ الْمُبَاحُ بَعْدَهَا وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى أَدَائِهِ، ثُمَّ لَا بَأْسَ بِمَشْيِهِ لِحَاجَتِهِ، وَقِيلَ يُكْرَهُ إلَى طُلُوعِ ذُكَاءَ، وَقِيلَ إلَى ارْتِفَاعِهَا فَيْضٌ. (وَلَا جَمْعَ بَيْنَ فَرْضَيْنِ فِي وَقْتٍ بِعُذْرِ) سَفَرٍ وَمَطَرٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَمَا رَوَاهُ   [رد المحتار] [تَنْبِيهٌ] اسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ التَّعْلِيلَ بِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ بِمَا ثَبَتَ «أَنَّ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي النَّافِلَةَ عَلَى بَعِيرِهِ» . وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَكَوْنِهَا مُجْتَمِعَةً بِمَا طُبِعَتْ عَلَيْهِ مِنْ النِّفَارِ الْمُفْضِي إلَى تَشْوِيشِ الْقَلْبِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَرْكُوبِ مِنْهَا. اهـ. شَبْرَامَلِّسِيٌّ عَلَى شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلرَّمْلِيِّ. (قَوْلُهُ: وَبَقَرٍ) لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ عِنْدَنَا، نَعَمْ ذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ نَحْوَ الْبَقَرِ كَالْغَنَمِ، وَخَالَفَهُ بَعْضُهُمْ. (قَوْلُهُ: وَمَرَابِطِ دَوَابَّ إلَخْ) ذَكَرَ هَذِهِ السَّبْعَةَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ. (قَوْلُهُ: وَإِصْطَبْلٍ) مَوْضِعُ الْخَيْلِ، وَعَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ ط. (قَوْلُهُ: وَطَاحُونٍ) لَعَلَّ وَجْهَهُ شَغْلُ الْبَالِ بِصَوْتِهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَسُطُوحِهَا) يَحْتَمِلُ عَوْدَ الضَّمِيرِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ عَلَى الْكَنِيفِ وَحْدَهُ، وَأَنَّثَهُ بِاعْتِبَارِ الْبُقْعَةِ الْمُعَدَّةِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ السُّطُوحَ لَهُ حُكْمُ مَا تَحْتَهُ مِنْ بَعْضِ الْجِهَاتِ وَكَسُطُوحِ الْمَسْجِدِ. (قَوْلُهُ: وَمَسِيلِ وَادٍ) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ وَبَطْنِ وَادٍ؛ لِأَنَّ الْمَسِيلَ يَكُونُ فِي بَطْنِ الْوَادِي غَالِبًا ط. مَطْلَبٌ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَدُخُولِ الْبَسَاتِينِ وَبِنَاءِ الْمَسْجِدِ فِي أَرْضِ الْغَصْبِ. (قَوْلُهُ: وَأَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ أَوْ لِلْغَيْرِ) لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ أَوْ لِلْغَيْرِ إذْ الْغَصْبُ يَسْتَلْزِمُهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ الْإِذْنِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ غَاصِبٍ، أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ ط. وَعِبَارَةُ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَالْأَرْضُ الْمَغْصُوبَةُ، فَإِنْ اُضْطُرَّ بَيْنَ أَرْضِ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ يُصَلِّي فِي أَرْضِ الْمُسْلِمِ إذَا لَمْ تَكُنْ مَزْرُوعَةً. فَلَوْ مَزْرُوعَةً أَوْ لِكَافِرٍ يُصَلِّي فِي الطَّرِيقِ اهـ أَيْ لِأَنَّ لَهُ فِي الطَّرِيقِ حَقًّا كَمَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ، وَفِيهَا: تُكْرَهُ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ لَوْ مَزْرُوعَةً أَوْ مَكْرُوبَةً إلَّا إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا صَدَاقَةٌ أَوْ رَأَى صَاحِبَهَا لَا يَكْرَهُهُ فَلَا بَأْسَ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] نَقَلَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ عَنْ الْأَحْكَامِ لِوَالِدِهِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ أَنَّ النُّزُولَ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ، إنْ كَانَ لَهَا حَائِطٌ أَوْ حَائِلٌ يُمْنَعُ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا، وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْعُرْفُ اهـ قَالَ يَعْنِي عُرْفَ النَّاسِ بِالرِّضَا وَعَدَمِهِ، فَلَا يَجُوزُ الدُّخُولُ فِي أَيَّامِ الرَّبِيعِ إلَى بَسَاتِينِ الْوَادِي بِدِمَشْقَ إلَّا بِإِذْنِ أَصْحَابِهَا، فَمَا يَفْعَلُهُ الْعَامَّةُ مِنْ هَدْمِ الْجُدْرَانِ وَخَرْقِ السِّيَاجِ فَهُوَ أَمْرٌ مُنْكَرٌ حَرَامٌ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْحَلَبِيِّ: بَنَى مَسْجِدًا فِي أَرْضِ غَصْبٍ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِيهِ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ بَنَى مَسْجِدًا عَلَى سُورِ الْمَدِينَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَقِّ الْعَامَّةِ فَلَمْ يَخْلُصْ لِلَّهِ تَعَالَى كَالْمَبْنِيِّ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ اهـ ثُمَّ قَالَ: وَمَدْرَسَةُ السُّلَيْمَانِيَّةِ فِي دِمَشْقَ مَبْنِيَّةٌ فِي أَرْضِ الْمَرْجَةِ الَّتِي وَقَفَهَا السُّلْطَانُ نُورُ الدِّينِ الشَّهِيدُ عَلَى أَبْنَاءِ السَّبِيلِ بِشَهَادَةِ عَامَّةِ أَهْلِ دِمَشْقَ وَالْوَقْفُ يَثْبُتُ بِالشُّهْرَةِ، فَتِلْكَ الْمَدْرَسَةُ خُولِفَ فِي بِنَائِهَا شَرْطُ وَقْفِ الْأَرْضِ الَّذِي هُوَ كَنَصِّ الشَّارِعِ، فَالصَّلَاةُ فِيهَا مَكْرُوهَةٌ تَحْرِيمًا فِي قَوْلٍ، وَغَيْرُ صَحِيحَةٍ لَهُ فِي قَوْلٍ آخَرَ كَمَا نَقَلَهُ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى، وَكَذَا مَاؤُهَا مَأْخُوذٌ مِنْ نَهْرٍ مَمْلُوكٍ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ حُجْرَةُ الْيَمَانِيِّينَ فِي الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِلَا سُتْرَةٍ لِمَارٍّ) أَيْ سَاتِرٍ يَسْتُرُ الْمَارَّ عَنْ الْمُصَلِّي وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ ح. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ النَّوْمُ إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: إلَى ارْتِفَاعِهَا) أَيْ قَدْرَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ (قَوْلُهُ: وَمَا رَوَاهُ) أَيْ مِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّأْخِيرِ كَحَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا عَجَّلَ السَّيْرَ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ» وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 مَحْمُولٌ عَلَى الْجَمْعِ فِعْلًا لَا وَقْتًا (فَإِنْ جَمَعَ فَسَدَ لَوْ قَدَّمَ) الْفَرْضَ عَلَى وَقْتِهِ (وَحَرُمَ لَوْ عَكَسَ) أَيْ أَخَّرَهُ عَنْهُ (وَإِنْ صَحَّ) بِطَرِيقِ الْقَضَاءِ (إلَّا لِحَاجٍّ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ) كَمَا سَيَجِيءُ. وَلَا بَأْسَ بِالتَّقْلِيدِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لَكِنْ بِشَرْطِ   [رد المحتار] وَمِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّقْدِيمِ وَلَيْسَ فِيهَا صَرِيحٌ سِوَى حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ آخَرَ الظُّهْرَ إلَى الْعَصْرِ فَيُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا، وَإِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ سَارَ، وَكَانَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا مَعَ الْمَغْرِبِ» . (قَوْلُهُ: مَحْمُولٌ إلَخْ) أَيْ مَا رَوَاهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى التَّأْخِيرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَمْعِ فِعْلًا لَا وَقْتًا: أَيْ فِعْلُ الْأُولَى فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَالثَّانِيَةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَيُحْمَلُ تَصْرِيحُ الرَّاوِي بِخُرُوجِ وَقْتِ الْأُولَى عَلَى التَّجَوُّزِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 234]- أَيْ قَارَبْنَ بُلُوغَ الْأَجَلِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ ظَنٌّ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَا صَحَّ «عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ نَزَلَ فِي آخِرِ الشَّفَقِ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَقَامَ الْعِشَاءَ وَقَدْ تَوَارَى الشَّفَقُ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا عَجَّلَ بِهِ السَّيْرَ صَنَعَ هَكَذَا» " وَفِي رِوَايَةٍ " ثُمَّ انْتَظَرَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ وَصَلَّى الْعِشَاءَ " كَيْفَ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقِظَةِ، بِأَنْ تُؤَخَّرَ صَلَاةٌ إلَى وَقْتِ الْأُخْرَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَهَذَا قَالَهُ وَهُوَ فِي السَّفَرِ وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ، لِئَلَّا تُحْرَجَ أُمَّتُهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «وَلَا سَفَرٍ» وَالشَّافِعِيُّ لَا يَرَى الْجَمْعَ بِلَا عُذْرٍ، فَمَا كَانَ جَوَابُهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَهُوَ جَوَابُنَا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الطُّفَيْلِ الدَّالُّ عَلَى التَّقْدِيمِ فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ إنَّهُ غَرِيبٌ، وَقَالَ الْحَاكِمُ إنَّهُ مَوْضُوعٌ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ فِي تَقْدِيمِ الْوَقْتِ حَدِيثٌ قَائِمٌ، وَقَدْ أَنْكَرَتْ عَائِشَةُ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِالْجَمْعِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةً قَطُّ إلَّا لِوَقْتِهَا إلَّا صَلَاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ» " وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ النُّصُوصُ الْوَارِدَةُ بِتَعْيِينِ الْأَوْقَاتِ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ، وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي الْمُطَوَّلَاتِ كَالزَّيْلَعِيِّ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَقَالَ سُلْطَانُ الْعَارِفِينَ سَيِّدِي مُحْيِي الدِّينِ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ: وَاَلَّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي غَيْرِ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ؛ لِأَنَّ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ قَدْ ثَبَتَتْ بِلَا خِلَافٍ، وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ صَلَاةٍ عَنْ وَقْتِهَا إلَّا بِنَصٍّ غَيْرِ مُحْتَمَلٍ؛ إذْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْرَجَ عَنْ أَمْرٍ ثَابِتٍ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ، هَذَا لَا يَقُولُ بِهِ مَنْ شَمَّ رَائِحَةَ الْعِلْمِ، وَكُلُّ حَدِيثٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ فَمُحْتَمِلٌ أَنَّهُ يُتَكَلَّمُ فِيهِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّهُ صَحِيحٌ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِنَصٍّ اهـ كَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ سَيِّدِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الشَّعْرَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكِبْرِيتُ الْأَحْمَرُ فِي بَيَانِ عُلُومِ الشَّيْخِ الْأَكْبَرِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ جَمَعَ إلَخْ) تَفْصِيلٌ أَجْمَلَهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: وَلَا جَمْعَ الصَّادِقِ بِالْفَسَادِ أَوْ الْحُرْمَةِ فَقَطْ ط. (قَوْلُهُ: إلَّا لِحَاجٍّ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا جَمْعَ ط. (قَوْلُهُ: بِعَرَفَةَ) بِشَرْطِ الْإِحْرَامِ وَالسُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ وَالْجَمَاعَةِ فِي الصَّلَاتَيْنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ كُلُّ ذَلِكَ فِي جَمْعِ الْمُزْدَلِفَةِ ط. قُلْت: إلَّا الْإِحْرَامَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ الضَّرُورَةِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِهَا لَا يَجُوزُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ. وَالْمُخْتَارُ جَوَازُهُ مُطْلَقًا وَلَوْ بَعْدَ الْوُقُوعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ ط. وَأَيْضًا عِنْدَ الضَّرُورَةِ لَا حَاجَةَ إلَى التَّقْلِيدِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ مُسْتَنِدًا لِمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ: الْمُسَافِرُ إذَا خَافَ اللُّصُوصَ أَوْ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ وَلَا يَنْتَظِرُهُ الرُّفْقَةُ جَازَ لَهُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ بِعُذْرٍ، وَلَوْ صَلَّى بِهَذَا الْعُذْرِ بِالْإِيمَاءِ وَهُوَ يَسِيرٌ جَازَ. اهـ. لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالضَّرُورَةِ مَا فِيهِ نَوْعُ مَشَقَّةٍ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ بِشَرْطِ إلَخْ) فَقَدْ شَرَطَ الشَّافِعِيُّ لِجَمْعِ التَّقْدِيمِ ثَلَاثَةَ شُرُوطٍ: تَقْدِيمُ الْأُولَى، وَنِيَّةُ الْجَمْعِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا، وَعَدَمُ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِمَا يُعَدُّ فَاصِلًا عُرْفًا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي جَمْعِ التَّأْخِيرِ سِوَى نِيَّةِ الْجَمْعِ قَبْلَ خُرُوجِ الْأُولَى نَهْرٌ. وَيُشْتَرَطُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 أَنْ يَلْتَزِمَ جَمِيعَ مَا يُوجِبُهُ ذَلِكَ الْإِمَامُ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْحُكْمَ الْمُلَفَّقَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ. بَابُ الْأَذَانِ (هُوَ) لُغَةً الْإِعْلَامُ. وَشَرْعًا (إعْلَامٌ مَخْصُوصٌ) لَمْ يَقُلْ بِدُخُولِ الْوَقْتِ لِيَعُمَّ الْفَائِتَةَ وَبَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ (عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ بِأَلْفَاظٍ كَذَلِكَ) أَيْ مَخْصُوصَةٍ (سَبَبُهُ ابْتِدَاءُ أَذَانِ جِبْرِيلَ) لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَإِقَامَتُهُ حِينَ إمَامَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، ثُمَّ رُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَذَانَ الْمَلَكِ النَّازِلِ مِنْ السَّمَاءِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ. وَهَلْ هُوَ جِبْرِيلُ؟   [رد المحتار] أَيْضًا أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ مُقْتَدِيًا وَأَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ أَوْ أَجْنَبِيَّةً وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْأَذَانِ] ِ لَمَّا كَانَ الْوَقْتُ سَبَبًا كَمَا مَرَّ قَدَّمَهُ. وَذَكَرَ الْأَذَانَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ إعْلَامٌ بِدُخُولِهِ. (قَوْلُهُ: هُوَ لُغَةً الْإِعْلَامُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: آذَنَهُ الْأَمْرَ وَبِهِ: أَعْلَمَهُ، وَأَذَّنَ تَأْذِينًا: أَكْثَرَ الْإِعْلَامَ اهـ فَالْأَذَانُ اسْمُ مَصْدَرٍ؛ لِأَنَّ الْمَاضِيَ هُنَا أَذَّنَ الْمُضَاعَفُ وَمَصْدَرُهُ التَّأْذِينُ ح. (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا إعْلَامٌ مَخْصُوصٌ) أَيْ إعْلَامٌ بِالصَّلَاةِ. قَالَ فِي الدُّرَرِ: وَيُطْلَقُ عَلَى الْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ اهـ أَيْ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْإِعْلَامُ، مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ إسْمَاعِيلُ. وَإِنَّمَا لَمْ يُعَرِّفْهُ بِالْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْأَذَانُ لِلصَّلَاةِ، وَلَوْ عَرَّفَ بِهَا لَدَخَلَ الْأَذَانُ لِلْمَوْلُودِ وَنَحْوِهِ عَلَى مَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: لِيَعُمَّ الْفَائِتَةَ إلَخْ) أَيْ لِيَعُمَّ الْأَذَانُ أَذَانَ الْفَائِتَةِ وَالْأَذَانَ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ، وَلِيُعْلَمَ أَيْضًا الْأَذَانُ فِي آخِرِ ظُهْرِ الصَّيْفِ أَفَادَهُ ح أَيْ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْوَقْتِ فِيهَا سَابِقٌ عَلَيْهِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَوْ صَرَّحَ كَغَيْرِهِ بِالْوَقْتِ لَمْ يَرِدْ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْأَذَانِ الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، فَيَكُونُ التَّعْرِيفُ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ أَوْ بَيْنَ جَمَاعَةٍ مَخْصُوصِينَ أَرَادُوا الصَّلَاةَ عَالِمِينَ بِدُخُولِ الْوَقْتِ لَا يُسَمَّى أَذَانًا شَرْعًا لِعَدَمِ الْإِعْلَامِ أَصْلًا مَعَ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ) أَيْ مِنْ التَّرَسُّلِ وَالِاسْتِدَارَةِ وَالِالْتِفَافِ وَعَدَمِ التَّرْجِيحِ وَاللَّحْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ الْآتِيَةِ. (قَوْلُهُ: بِأَلْفَاظٍ كَذَلِكَ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالْفَارِسِيَّةِ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ أَذَانٌ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي السِّرَاجِ. (قَوْلُهُ: أَذَانِ جِبْرِيلَ إلَخْ) فِي حَاشِيَةِ الشبراملسي عَلَى شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلرَّمْلِيِّ عَنْ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ شُرِعَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ: مِنْهَا لِلطَّبَرَانِيِّ «أَنَّهُ لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ الْأَذَانَ فَنَزَلَ بِهِ فَعَلَّمَهُ بِلَالًا» وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْإِفْرَادِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَذَانِ حِينَ فُرِضَتْ الصَّلَاةُ» وَلِلْبَرَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ «لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُعَلِّمَ رَسُولَهُ الْأَذَانَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ بِدَابَّةٍ يُقَالُ لَهَا الْبُرَاقُ فَرَكِبَهَا فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَفِي آخِرِهِ: ثُمَّ أَخَذَ الْمَلَكُ بِيَدِهِ فَأَمَّ أَهْلَ السَّمَاءِ» وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ. اهـ. وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَدِيثَ الْبَزَّارِ ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ غَرِيبٌ وَمُعَارِضٌ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ أَنَّ بَدْءَ الْأَذَانِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى مَا فِي مُسْلِمٍ «كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ وَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَاةَ وَلَيْسَ يُنَادِي لَهَا أَحَدٌ فَتَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَنْصِبُ رَايَةً» الْحَدِيثَ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ رُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ إلَخْ) ذَكَرَ الْقِصَّةَ بِتَمَامِهَا ح عَنْ السِّرَاجِ وَسَاقَهَا فِي الْفَتْحِ بِأَسَانِيدِهَا. وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأَى تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِثْلَ مَا رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ. وَاسْتَشْكَلَ إثْبَاتَهُ بِالرُّؤْيَا بِأَنَّ رُؤْيَا غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ. وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ مُقَارَنَةِ الْوَحْيِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 قِيلَ وَقِيلَ (وَ) سَبَبُهُ (بَقَاءُ دُخُولِ الْوَقْتِ وَهُوَ سُنَّةٌ) لِلرِّجَالِ فِي مَكَان عَالٍ (مُؤَكَّدَةٌ) هِيَ كَالْوَاجِبِ فِي لُحُوقِ الْإِثْمِ (لِلْفَرَائِضِ) الْخَمْسِ (فِي وَقْتِهَا وَلَوْ قَضَاءً) لِأَنَّهُ سُنَّةٌ لِلصَّلَاةِ حَتَّى يُبْرَدَ بِهِ   [رد المحتار] لِذَلِكَ: قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْمِنْهَاجِ عَنْ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ «أَنَّ عُمَرَ لَمَّا رَأَى الْأَذَانَ جَاءَ لِيُخْبِرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدَ الْوَحْيَ قَدْ وَرَدَ بِذَلِكَ، فَمَا رَاعَهُ إلَّا أَذَانُ بِلَالٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَقَك بِذَلِكَ الْوَحْيُ» ) ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ حَدِيثِ إنَّ جِبْرِيلَ أَرَادَ أَنْ يُعَلِّمَهُ الْأَذَانَ أَتَاهُ بِالْبُرَاقِ إلَخْ فَيُمْكِنُ أَنَّهُ عَلَّمَهُ لِيَأْتِيَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْطِنِ، وَلَا يَلْزَمُ مَشْرُوعِيَّتُهُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ. اهـ. وَأَجَابَ ح بِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ تِلْكَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: وَسَبَبُهُ بَقَاءُ) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ: أَيْ سَبَبُ بَقَائِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ ط أَيْ الَّذِي يَتَجَدَّدُ طَلَبُ الْأَذَانِ عِنْدَ تَجَدُّدِهِ. (قَوْلُهُ: لِلرِّجَالِ) أَمَّا النِّسَاءُ فَيُكْرَهُ لَهُنَّ الْأَذَانُ وَكَذَا الْإِقَامَةُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ مِنْ كَرَاهَتِهِمَا لَهُنَّ؛ وَلِأَنَّ مَبْنَى حَالِهِنَّ عَلَى السَّتْرِ، وَرَفْعُ صَوْتِهِنَّ حَرَامٌ إمْدَادٌ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُسَنُّ لِلصَّبِيِّ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ كَمَا يُسَنُّ لِلْبَالِغِ وَإِنْ كَانَ فِي كَرَاهَةِ أَذَانِهِ لِغَيْرِهِ كَلَامٌ كَمَا سَيَأْتِي فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: فِي مَكَان عَالٍ) فِي الْقُنْيَةِ: وَيُسَنُّ الْأَذَانُ فِي مَوْضِعٍ عَالٍ وَالْإِقَامَةُ عَلَى الْأَرْضِ، وَفِي أَذَانِ الْمَغْرِبِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُسَنُّ الْمَكَانُ الْعَالِي فِي الْمَغْرِبِ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي. وَفِي السِّرَاجِ: وَيَنْبَغِي لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ أَسْمَعَ لِلْجِيرَانِ، وَيَرْفَعَ صَوْتَهُ، وَلَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ. اهـ. بَحْرٌ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي مُؤَذِّنِ الْحَيِّ، أَمَّا مَنْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِجَمَاعَةٍ حَاضِرِينَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ لَهُ الْمَكَانُ الْعَالِي لِعَدَمِ الْحَاجَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: هِيَ كَالْوَاجِبِ) بَلْ أَطْلَقَ بَعْضُهُمْ اسْمَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ: لَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلْدَةٍ عَلَى تَرْكِهِ قَاتَلْتهمْ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَرَكَهُ وَاحِدٌ ضَرَبْته وَحَبَسْته. وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْقِتَالُ عَلَيْهِ، لِمَا أَنَّهُ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ وَفِي تَرْكِهِ اسْتِخْفَافٌ ظَاهِرٌ بِهِ. قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ: وَالْقَوْلَانِ مُتَقَارِبَانِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَكَّدَةَ فِي حُكْمِ الْوَاجِبِ فِي لُحُوقِ الْإِثْمِ بِالتَّرْكِ، يَعْنِي وَإِنْ كَانَ مَقُولًا بِالتَّشْكِيكِ نَهْرٌ. وَاسْتَدَلَّ فِي الْفَتْحِ عَلَى الْوُجُوبِ بِأَنَّ عَدَمَ التَّرْكِ مَرَّةً دَلِيلُ الْوُجُوبِ. قَالَ: وَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ وَإِلَّا لَمْ يَأْثَمْ أَهْلُ بَلَدِهِ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى تَرْكِهِ إذَا قَامَ بِهِ غَيْرُهُمْ: أَيْ مِنْ أَهْلِ بَلْدَةٍ أُخْرَى. وَاسْتَظْهَرَ فِي الْبَحْرِ كَوْنَهُ سُنَّةً عَلَى الْكِفَايَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ أَهْلِ بَلْدَةٍ، بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا فُعِلَ فِي بَلْدَةٍ سَقَطَتْ الْمُقَاتَلَةُ عَنْ أَهْلِهَا. قَالَ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْكِفَايَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى لَكَانَ سُنَّةً فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ أَذَانُ الْحَيِّ يَكْفِينَا كَمَا سَيَأْتِي. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْبَلْدَةِ الْوَاحِدَةِ إذَا اتَّسَعَتْ أَطْرَافُهَا كَمِصْرٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَهْلَ كُلِّ مَحَلَّةٍ سَمِعُوا الْأَذَانَ وَلَوْ مِنْ مَحَلَّةٍ أُخْرَى يَسْقُطُ عَنْهُمْ لَا إنْ لَمْ يَسْمَعُوا اهـ. (قَوْلُهُ: لِلْفَرَائِضِ الْخَمْسِ إلَخْ) دَخَلَتْ الْجُمُعَةُ بَحْرٌ، وَشَمِلَ حَالَةَ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَالِانْفِرَادِ وَالْجَمَاعَةِ. قَالَ فِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ وَنُورِ الْإِيضَاحِ وَلَوْ مُنْفَرِدًا أَدَاءً أَوْ قَضَاءً سَفَرًا أَوْ حَضَرًا. اهـ. لَكِنْ لَا يُكْرَهُ تَرْكُهُ لِمُصَلٍّ فِي بَيْتِهِ فِي الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ أَذَانَ الْحَيِّ يَكْفِيهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَفِي الْإِمْدَادِ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِ نَدْبًا وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فَافْهَمْ، وَيُسْتَثْنَى ظُهْرُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي الْمِصْرِ لِمَعْذُورٍ وَمَا يَقْضِي مِنْ الْفَوَائِتِ فِي مَسْجِدٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَضَاءً) قَالَ فِي الدُّرَرِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْقَضَاءِ وَإِنْ فَاتَ وَقْتُ الْأَدَاءِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا» أَيْ وَقْتُ قَضَائِهَا. اهـ. وَهَذَا إذَا لَمْ يَقْضِهَا فِي الْمَسْجِدِ عَلَى مَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِشُمُولِ الْقَضَاءِ، وَيَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ وَقْتِهَا وَقْتُ فِعْلِهَا وَبِهِ صَرَّحَ الْقُهُسْتَانِيُّ، لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة يَنْبَغِي أَنْ يُؤَذِّنَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَيُقِيمَ فِي وَسَطِهِ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُتَوَضِّئُ مِنْ وُضُوئِهِ وَالْمُصَلِّي مِنْ صَلَاتِهِ وَالْمُعْتَصِرُ مِنْ قَضَاءِ حَاجَتِهِ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَوَّلَ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ لِمَا يَأْتِي قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُبْرَدَ بِهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَأَشْمَلُ مِنْهُ قَوْلُهُ الْمَارُّ فِي الْأَوْقَاتِ، وَحُكْمُ الْأَذَانِ كَالصَّلَاةِ تَعْجِيلًا وَتَأْخِيرًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 لَا لِلْوَقْتِ (لَا) يُسَنُّ (لِغَيْرِهَا) كَعِيدٍ (فَيُعَادُ أَذَانٌ وَقَعَ) بَعْضُهُ (قَبْلَهُ) كَالْإِقَامَةِ خِلَافًا لِلثَّانِي فِي الْفَجْرِ (بِتَرْبِيعِ تَكْبِيرٍ فِي ابْتِدَائِهِ) وَعَنْ الثَّانِي اثْنَتَيْنِ وَبِفَتْحِ رَاءِ أَكْبَرَ وَالْعَوَامُّ يَضُمُّونَهَا رَوْضَةٌ، لَكِنَّ فِي الطُّلْبَةِ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْأَذَانُ جَزْمٌ» أَيْ مَقْطُوعُ الْمَدِّ، فَلَا تَقُولُ آللَّهُ أَكْبَرُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ وَإِنَّهُ لَحْنٌ شَرْعِيٌّ، أَوْ مَقْطُوعُ حَرَكَةِ   [رد المحتار] قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي: وَفِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْمُجَرَّدِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُؤَذِّنُ لِلْفَجْرِ بَعْدَ طُلُوعِهِ، وَفِي الظُّهْرِ فِي الشِّتَاءِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَفِي الصَّيْفِ يُبْرِدُ، وَفِي الْعَصْرِ يُؤَخِّرُ مَا لَمْ يَخَفْ تَغَيُّرَ الشَّمْسِ، وَفِي الْعِشَاءِ يُؤَخِّرُ قَلِيلًا بَعْدَ ذَهَابِ الْبَيَاضِ. اهـ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ بَعْدَهُ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بَيَانُ الِاسْتِحْبَابِ وَإِلَّا فَوَقْتُ الْجَوَازِ جَمِيعُ الْوَقْتِ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ بَلْ هِيَ الْأَفْضَلُ، فَلَوْ أَذَّنَ أَوَّلَهُ وَصَلَّى آخِرَهُ أَتَى بِالسُّنَّةِ تَأَمَّلْ: مَطْلَبٌ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُنْدَبُ لَهَا الْأَذَانُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: لَا يُسَنُّ لِغَيْرِهَا) أَيْ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَإِلَّا فَيُنْدَبُ لِلْمَوْلُودِ. وَفِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ الرَّمْلِيِّ: رَأَيْت فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ قَدْ يُسَنُّ الْأَذَانُ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ، كَمَا فِي أَذَانِ الْمَوْلُودِ، وَالْمَهْمُومِ، وَالْمَصْرُوعِ، وَالْغَضْبَانِ، وَمَنْ سَاءَ خُلُقُهُ مِنْ إنْسَانٍ أَوْ بَهِيمَةٍ، وَعِنْدَ مُزْدَحَمِ الْجَيْشِ، وَعِنْدَ الْحَرِيقِ، قِيلَ وَعِنْدَ إنْزَالِ الْمَيِّتِ الْقَبْرَ قِيَاسًا عَلَى أَوَّلِ خُرُوجِهِ لِلدُّنْيَا، لَكِنْ رَدَّهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ، وَعِنْدَ تَغَوُّلِ الْغِيلَانِ: أَيْ عِنْدَ تَمَرُّدِ الْجِنِّ لِخَبَرٍ صَحِيحٍ فِيهِ. أَقُولُ: وَلَا بُعْدَ فِيهِ عِنْدَنَا. اهـ. أَيْ لِأَنَّ مَا صَحَّ فِيهِ الْخَبَرُ بِلَا مُعَارِضٍ فَهُوَ مَذْهَبٌ لِلْمُجْتَهِدِ وَإِنْ لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ عَنْ الْحَافِظِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْعَارِفِ الشَّعْرَانِيِّ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي، عَلَى أَنَّهُ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ كِتَابِ الطَّهَارَةِ، هَذَا، وَزَادَ ابْنُ حَجَرٍ فِي التُّحْفَةِ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ خَلْفَ الْمُسَافِرِ. قَالَ الْمَدَنِيُّ: أَقُولُ وَزَادَ فِي شِرْعَةِ الْإِسْلَامِ لِمَنْ ضَلَّ الطَّرِيقَ فِي أَرْضٍ قَفْرٍ: أَيْ خَالِيَةٍ مِنْ النَّاسِ. وَقَالَ الْمُنْلَا عَلِيٌّ فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ قَالُوا: يُسَنُّ لِلْمَهْمُومِ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي أَذَانِهِ فَإِنَّهُ يُزِيلُ الْهَمَّ، كَذَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَقَلَ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَعِيدٍ) أَيْ وَوِتْرٍ وَجِنَازَةٍ وَكُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ وَتَرَاوِيحَ وَسُنَنٍ رَوَاتِبَ؛ لِأَنَّهَا اتِّبَاعٌ لِلْفَرَائِضِ وَالْوِتْرِ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا عِنْدَهُ لَكِنَّهُ يُؤَدَّى فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ فَاكْتُفِيَ بِأَذَانِهِ لَا لِكَوْنِ الْأَذَانِ لَهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. اهـ. بَحْرٌ فَافْهَمْ، لَكِنْ فِي التَّعْلِيلِ قُصُورٌ لِاقْتِضَائِهِ سُنِّيَّةَ الْأَذَانِ لِمَا لَيْسَ تَبَعًا لِلْفَرَائِضِ كَالْعِيدِ وَنَحْوِهِ، فَالْمُنَاسِبُ التَّعْلِيلُ بِعَدَمِ وُرُودِهِ فِي السُّنَّةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَقَعَ بَعْضُهُ) وَكَذَا كُلُّهُ بِالْأَوْلَى، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْبَعْضَ لَتُوُهِّمَ خُرُوجُهُ فَقَصَدَ بِذِكْرِهِ التَّعْمِيمَ لَا التَّخْصِيصَ. (قَوْلُهُ: كَالْإِقَامَةِ) أَيْ فِي أَنَّهَا تُعَادُ إذَا وَقَعَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا تُعَادُ مَا لَمْ يَبْطُلْ الْفَصْلُ أَوْ يُوجَدْ قَاطِعٌ كَأَكْلٍ عَلَى مَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْفُرُوعِ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلثَّانِي) هَذَا رَاجِعٌ إلَى الْأَذَانِ فَقَطْ، فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ يُجَوِّزُ الْأَذَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ ح. (قَوْلُهُ: وَعَنْ الثَّانِي اثْنَتَيْنِ) أَيْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي ابْتِدَائِهِ تَكْبِيرَتَيْنِ كَبَقِيَّةِ كَلِمَاتِهِ، فَيَكُونُ الْأَذَانُ عِنْدَهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الزَّاهِدِيِّ، وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَبِفَتْحِ رَاءِ أَكْبَرَ إلَى قَوْلِهِ وَلَا تَرْجِيعَ) نُقِلَ أَنَّهُ مُلْحَقٌ بِخَطِّ الشَّارِحِ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 الْآخِرِ لِلْوَقْفِ، فَلَا يَقِفُ بِالرَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ لَحْنٌ لُغَوِيٌّ فَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ مِنْ الْبَابِ السَّادِسِ وَالثَّلَاثِينَ (وَلَا تَرْجِيعَ)   [رد المحتار] هَامِشِ نُسْخَتِهِ الْأُولَى، وَفِي مَجْمُوعَةِ الْحَفِيدِ الْهَرَوِيِّ مَا نَصُّهُ: فَائِدَةٌ: فِي رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: عَوَامُّ النَّاسِ يَضُمُّونَ الرَّاءَ فِي أَكْبَرَ، وَكَانَ الْمُبَرِّدُ يَقُولُ الْأَذَانُ سُمِعَ مَوْقُوفًا فِي مَقَاطِيعِهِ، وَالْأَصْلُ فِي أَكْبَرَ تَسْكِينُ الرَّاءِ فَحُوِّلَتْ حَرَكَةُ أَلِفِ اسْمِ اللَّهِ إلَى الرَّاءِ كَمَا فِي {الم - اللَّهُ} [آل عمران: 1 - 2] وَفِي الْمُغْنِي: حَرَكَةُ الرَّاءِ فَتْحَةٌ وَإِنْ وُصِلَ بِنِيَّةِ الْوَقْفِ، ثُمَّ قِيلَ هِيَ حَرَكَةُ السَّاكِنَيْنِ وَلَمْ يُكْسَرْ حِفْظًا لِتَفْخِيمِ اللَّهِ، وَقِيلَ نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ وَكُلُّ هَذَا خُرُوجٌ عَنْ الظَّاهِرِ؛ وَالصَّوَابُ أَنَّ حَرَكَةَ الرَّاءِ ضَمَّةُ إعْرَابٍ، وَلَيْسَ لِهَمْزَةِ الْوَصْلِ ثُبُوتٌ فِي الدَّرْجِ فَتُنْقَلُ حَرَكَتُهَا، وَبِالْجُمْلَةِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَذَانِ. وَبَيْنَ الم اللَّهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِ - الم اللَّهُ - حَرَكَةُ إعْرَابٍ أَصْلًا، وَقَدْ كَانَتْ لِكَلِمَاتِ الْأَذَانِ إعْرَابًا إلَّا أَنَّهُ سُمِعَتْ مَوْقُوفَةً. اهـ. مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ «الْأَذَانُ جَزْمٌ» وَفِي الْإِمْدَادِ: وَيَجْزِمُ الرَّاءَ أَيْ يُسَكِّنُهَا فِي التَّكْبِيرِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: يَعْنِي عَلَى الْوَقْفِ، لَكِنْ فِي الْأَذَانِ حَقِيقَةً، وَفِي الْإِقَامَةِ يَنْوِي الْوَقْفَ اهـ أَيْ لِلْحَدْرِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّخَعِيّ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَمَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْأَذَانُ جَزْمٌ، وَالْإِقَامَةُ جَزْمٌ، وَالتَّكْبِيرُ جَزْمٌ» ) . اهـ. قُلْت: وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّكْبِيرَةَ الثَّانِيَةَ فِي الْأَذَانِ سَاكِنَةُ الرَّاءِ لِلْوَقْفِ وَرَفْعُهَا خَطَأٌ، وَأَمَّا التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى مِنْ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ مِنْهُ وَجَمِيعِ تَكْبِيرَاتِ الْإِقَامَةِ، فَقِيلَ مُحَرَّكَةُ الرَّاءِ بِالْفَتْحَةِ عَلَى نِيَّةِ الْوَقْفِ، وَقِيلَ بِالضَّمَّةِ إعْرَابًا، وَقِيلَ سَاكِنَةٌ بِلَا حَرَكَةٍ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمْدَادِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَالْبَدَائِعِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْإِعْرَابُ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ الطَّلَبَةِ، وَلِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلِمَا فِي الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَهَرَةِ لِلْجِرَاحِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ السُّيُوطِيّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: هُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَمَعْنَاهُ كَمَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ وَابْنُ الْأَثِيرِ أَنَّهُ لَا يُمَدُّ. وَأَغْرَبَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فَقَالَ: مَعْنَاهُ لَا يُمَدُّ وَلَا يُعْرَبُ آخِرُهُ، وَهَذَا الثَّانِي مَرْدُودٌ بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: مُخَالَفَتُهُ لِتَفْسِيرِ الرَّاوِي عَنْ النَّخَعِيّ، وَالرُّجُوعُ إلَى تَفْسِيرِهِ أَوْلَى كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ. ثَانِيهَا: مُخَالَفَتُهُ لِمَا فَسَّرَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ. ثَالِثُهَا: إطْلَاقُ الْجَزْمِ عَلَى حَذْفِ الْحَرَكَةِ الْإِعْرَابِيَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا هُوَ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ فَلَا يَصِحُّ الْحَمْلُ عَلَيْهِ. اهـ. وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ، عَلَى أَنَّ الْجَزْمَ فِي الِاصْطِلَاحِ الْحَادِثِ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ حَذْفُ حَرَكَةِ الْإِعْرَابِ لِلْجَازِمِ فَقَطْ لَا مُطْلَقًا. ثُمَّ رَأَيْت لِسَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ رِسَالَةً فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَمَّاهَا تَصْدِيقَ مَنْ أَخْبَرْ بِفَتْحِ رَاءِ اللَّهُ أَكْبَرْ أَكْثَرَ فِيهَا النَّقْلَ. وَحَاصِلُهَا أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُسَكِّنَ الرَّاءَ مِنْ " اللَّهُ أَكْبَرُ " الْأَوَّلِ أَوْ يَصِلَهَا بِ " اللَّهُ أَكْبَرُ " الثَّانِيَةِ، فَإِنْ سَكَّنَهَا كَفَى وَإِنْ وَصَلَهَا نَوَى السُّكُونَ فَحَرَّكَ الرَّاءَ بِالْفَتْحَةِ، فَإِنْ ضَمَّهَا خَالَفَ السُّنَّةَ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْوَقْفِ عَلَى " أَكْبَرُ " الْأَوَّلِ صَيَّرَهُ كَالسَّاكِنِ أَصَالَةً فَحُرِّكَ بِالْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَلَا تَرْجِيعَ) التَّرْجِيعُ أَنْ يَخْفِضَ صَوْتَهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعَ فَيَرْفَعَهُ بِهِمَا لِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَلَى أَنَّ بِلَالًا لَمْ يَكُنْ يُرَجِّعُ، وَمَا قِيلَ إنَّهُ رَجَّعَ لَمْ يَصِحَّ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي أَذَانِ الْمَلَكِ النَّازِلِ بِجَمِيعِ طُرُقِهِ، وَلِمَا فِي أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «إنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً» ) الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَمَا رُوِيَ مِنْ التَّرْجِيعِ فِي أَذَانِ أَبِي مَحْذُورَةً يُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «أَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَذَانَ حَرْفًا حَرْفًا: اللَّهُ أَكْبَرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ مُلْتَقًى (وَلَا لَحْنَ فِيهِ) أَيْ تَغَنِّي بِغَيْرِ كَلِمَاتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ وَسَمَاعُهُ كَالتَّغَنِّي بِالْقُرْآنِ وَبِلَا تَغْيِيرٍ حَسَنٌ، وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ (وَيَتَرَسَّلُ فِيهِ) بِسَكْتَةٍ بَيْنَ كُلِّ كَلِمَتَيْنِ. وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ، وَتُنْدَبُ إعَادَتُهُ (وَيَلْتَفِتُ فِيهِ) وَكَذَا فِيهَا مُطْلَقًا، وَقِيلَ إنَّ الْمَحَلَّ مُتَّسِعًا (يَمِينًا وَيَسَارًا) فَقَطْ؛ لِئَلَّا يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ (بِصَلَاةٍ وَفَلَاحٍ) وَلَوْ وَحْدَهُ أَوْ لِمَوْلُودٍ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةُ الْأَذَانِ مُطْلَقًا (وَيَسْتَدِيرُ فِي الْمَنَارَةِ) لَوْ مُتَّسِعَةً وَيُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنْهَا (وَيَقُولُ) نَدْبًا   [رد المحتار] اللَّهُ أَكْبَرُ» إلَخْ " وَلَمْ يَذْكُرْ تَرْجِيعًا، وَبَقِيَ مَا قَدَّمْنَاهُ بِلَا مُعَارِضٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ مُلْتَقًى) وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، خِلَافًا لِمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَا سُنَّةٌ وَلَا مَكْرُوهٌ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَظْهَرُ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى. وَأَمَّا التَّرْجِيعُ بِمَعْنَى التَّغَنِّي فَلَا يَحِلُّ فِيهِ اهـ وَحِينَئِذٍ فَالْكَرَاهَةُ الْمَذْكُورَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: أَيْ تَغَنِّي) لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى الْفَتْحِ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ أَيْ التَّفْسِيرِيَّةِ عَطْفُ بَيَانٍ، وَعَطْفُ الْبَيَانِ لَا يَجُوزُ بِنَاؤُهُ عَلَى الْفَتْحِ تَرْكِيبًا مَعَ اسْمِ لَا، بَلْ يَجُوزُ فِيهِ الرَّفْعُ اتِّبَاعًا لِمَحَلِّ لَا مَعَ اسْمِهَا وَالنَّصْبُ اتِّبَاعًا لِمَحَلِّ اسْمِهَا، لَكِنْ يَمْنَعُ هُنَا مِنْ النَّصْبِ مَانِعٌ وَهُوَ عَدَمُ رَسْمِهِ بِالْأَلِفِ، فَتَعَيَّنَ الرَّفْعُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ الْيَاءِ الَّذِي هُوَ مَرْجُوحٌ، فَإِنَّ الْمَنْقُوصَ الْمُجَرَّدَ عَنْ أَلْ يَتَرَجَّحُ حَذْفُ يَائِهِ فِي الرَّسْمِ كَالْوَقْفِ إذَا كَانَ مَرْفُوعًا أَوْ مَجْرُورًا، وَفِي الْمُحَلَّى بِهَا بِالْعَكْسِ. اهـ. ح. قُلْت: وَيَمْنَعُ أَيْضًا مِنْ بِنَائِهِ عَلَى الْفَتْحِ وُجُودُ الْفَاصِلِ، وَهُوَ أَيْ، وَقَدْ عَلَّلُوا امْتِنَاعَ الْفَتْحِ فِي عَطْفِ النَّسَقِ فِي نَحْوِ: لَا رَجُلَ وَامْرَأَةً بِوُجُودِ الْفَاصِلِ وَهُوَ الْوَاوُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ كَلِمَاتِهِ) أَيْ بِزِيَادَةِ حَرَكَةٍ أَوْ حَرْفٍ أَوْ مَدٍّ أَوْ غَيْرِهَا فِي الْأَوَائِلِ وَالْأَوَاخِرِ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَبِلَا تَغْيِيرٍ حَسَنٌ) أَيْ وَالتَّغَنِّي بِلَا تَغْيِيرٍ حَسَنٌ، فَإِنَّ تَحْسِينَ الصَّوْتِ مَطْلُوبٌ، وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا بَحْرٌ وَفَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ) أَيْ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: لَا بَأْسَ بِإِدْخَالِ الْمَدِّ فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ ذِكْرٍ، وَتَعْبِيرُهُ بِلَا بَأْسَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى عَدَمُهُ. (قَوْلُهُ: وَيَتَرَسَّلُ) أَيْ يَتَمَهَّلُ. (قَوْلُهُ: بِسَكْتَةٍ) أَيْ تَسَعُ الْإِجَابَةَ مَدَنِيٌّ عَنْ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي، وَهَذِهِ السَّكْتَةُ بَعْدَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ لَا بَيْنَهُمَا كَمَا أَفَادَهُ فِي الْإِمْدَادِ أَخْذًا مِنْ الْحَدِيثِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ: وَتُنْدَبُ إعَادَتُهُ) أَيْ لَوْ تَرَكَ التَّرَسُّلَ. (قَوْلُهُ: وَيَلْتَفِتُ) أَيْ يُحَوِّلُ وَجْهَهُ لَا صَدْرَهُ قُهُسْتَانِيٌّ، وَلَا قَدَمَيْهِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا فِيهَا مُطْلَقًا) أَيْ فِي الْإِقَامَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَحَلُّ مُتَّسِعًا أَوْ لَا. (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَسْتَدْبِرَ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فَقَطْ: أَيْ انْتَهِ عَنْ الْقَوْلِ بِالِالْتِفَاتِ خَلْفًا لِئَلَّا يَسْتَدْبِرَ الْمُؤَذِّنُ أَوْ الْمُقِيمُ الْقِبْلَةَ ح. (قَوْلُهُ: بِصَلَاةٍ وَفَلَاحٍ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، يَعْنِي يَلْتَفِتُ فِيهِمَا يَمِينًا بِالصَّلَاةِ وَيَسَارًا بِالْفَلَاحِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُنْيَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالتَّبْيِينِ. وَقَالَ مَشَايِخُ مَرْوَ: يَمْنَةً وَيَسْرَةً فِي كُلٍّ، كَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ ح. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالثَّانِي أَوْجَهُ. وَرَدَّهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ خِلَافُ الصَّحِيحِ الْمَنْقُولِ عَنْ السَّلَفِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَحْدَهُ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى رَدِّ قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ: إنَّهُ لَا يَلْتَفِتُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ح. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ أَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الْأَذَانِ، فَلَا يُخِلُّ الْمُنْفَرِدُ بِشَيْءٍ مِنْهَا، حَتَّى قَالُوا فِي الَّذِي يُؤَذِّنُ لِلْمَوْلُودِ يَنْبَغِي أَنْ يُحَوِّلَ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) لِلْمُنْفَرِدِ وَغَيْرِهِ وَالْمَوْلُودِ وَغَيْرِهِ ط. (قَوْلُهُ: وَيَسْتَدِيرُ فِي الْمَنَارَةِ) يَعْنِي إنْ لَمْ يَتِمَّ الْإِعْلَامُ بِتَحْوِيلِ وَجْهِهِ مَعَ ثَبَاتِ قَدَمَيْهِ، وَلَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِئْذَنَةٌ بَحْرٌ. مَطْلَبٌ فِي أَوَّلِ مَنْ بَنَى الْمَنَائِرَ لِلْأَذَانِ قُلْت: وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْأَوَائِلِ لِلسُّيُوطِيِّ: إنَّ أَوَّلَ مَنْ رَقَى مَنَارَةَ مِصْرَ لِلْأَذَانِ شُرَحْبِيلُ بْنُ عَامِرٍ الْمُرَادِيُّ وَبَنَى سَلِمَةُ الْمَنَائِرَ لِلْأَذَانِ بِأَمْرِ مُعَاوِيَةَ وَلَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ بِالسَّنَدِ إلَى أُمِّ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ كَانَ بَيْتِي أَطْوَلَ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، فَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ فَوْقَهُ مِنْ أَوَّلِ مَا أَذَّنَ إلَى أَنْ بَنَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسْجِدَهُ فَكَانَ يُؤَذِّنُ بَعْدُ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ وَقَدْ رُفِعَ لَهُ شَيْءٌ فَوْقَ ظَهْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَيُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 (بَعْدَ فَلَاحِ أَذَانِ الْفَجْرِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ) لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ (وَيَجْعَلُ) نَدْبًا (أُصْبُعَيْهِ فِي) صِمَاخِ (أُذُنَيْهِ) فَأَذَانُهُ بِدُونِهِ حَسَنٌ، وَبِهِ أَحْسَنُ (وَالْإِقَامَةُ كَالْأَذَانِ) فِيمَا مَرَّ (لَكِنْ هِيَ) أَيْ الْإِقَامَةُ وَكَذَا الْإِمَامَةُ (أَفْضَلُ مِنْهُ) فَتْحٌ (وَلَا يَضَعُ)   [رد المحتار] كُوَّتِهَا الْيُمْنَى آتِيًا بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ يَذْهَبُ وَيُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنْ الْكُوَّةِ الْيُسْرَى آتِيًا بِالْفَلَاحِ دُرَرٌ وَغَيْرُهَا، وَهَذَا إذَا كَانَتْ بِكُوَّاتٍ، أَمَّا مَنَارَاتُ الرُّومِ وَنَحْوُهَا فَالْجَانِبُ كَالْكُوَّةِ إسْمَاعِيلُ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ فَلَاحٍ إلَخْ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّ مَحَلَّهُ بَعْدَ الْأَذَانِ بِتَمَامِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَضْلِيِّ بَحْرٌ عَنْ الْمُسْتَصْفَى. (قَوْلُهُ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ) إنَّمَا كَانَ النَّوْمُ مُشَارِكًا لِلصَّلَاةِ فِي أَصْلِ الْخَيْرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عِبَادَةً، كَمَا إذَا كَانَ وَسِيلَةً إلَى تَحْصِيلِ طَاعَةٍ أَوْ تَرْكِ مَعْصِيَةٍ، أَوْ لِأَنَّ النَّوْمَ رَاحَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالصَّلَاةَ رَاحَةٌ فِي الْآخِرَةِ، فَتَكُونُ أَفْضَلَ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ) أَيْ فَخُصَّ بِزِيَادَةِ إعْلَامٍ دُونَ الْعِشَاءِ، فَإِنَّ النَّوْمَ قَبْلَهَا مَكْرُوهٌ وَنَادِرٌ ط. (قَوْلُهُ: وَيَجْعَلُ أُصْبُعَيْهِ إلَخْ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبِلَالٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «اجْعَلْ أُصْبُعَيْك فِي أُذُنَيْك فَإِنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك» وَإِنْ جَعَلَ يَدَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ فَحَسَنٌ؛ لِأَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضَمَّ أَصَابِعَهُ الْأَرْبَعَةَ وَوَضَعَهَا عَلَى أُذُنَيْهِ وَكَذَا إحْدَى يَدَيْهِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ إمْدَادٌ وَقُهُسْتَانِيٌّ عَنْ التُّحْفَةِ. (قَوْلُهُ: فَأَذَانُهُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ نَدْبًا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْأَمْرُ أَيْ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ لِلنَّدْبِ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ، فَلِذَا لَوْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ حَسَنًا. فَإِنْ قِيلَ: تَرَكَ السُّنَّةَ فَكَيْفَ يَكُونُ حَسَنًا؟ . قُلْنَا: إنَّ الْأَذَانَ مَعَهُ أَحْسَنُ، فَإِذَا تَرَكَهُ بَقِيَ الْأَذَانُ حَسَنًا كَذَا فِي الْكَافِي اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: فِيمَا مَرَّ) قَيَّدَ بِهِ لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ أَنَّ تَرْكَ الْإِقَامَةِ يُكْرَهُ لِلْمُسَافِرِ دُونَ الْأَذَانِ، وَأَنَّ الْمَرْأَةَ تُقِيمُ وَلَا تُؤَذِّنُ، وَأَنَّ الْأَذَانَ آكَدُ فِي السُّنِّيَّةِ مِنْهَا كَمَا يَأْتِي، وَأَرَادَ بِمَا مَرَّ أَحْكَامَ الْأَذَانِ الْعَشَرَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْمَتْنِ، وَهِيَ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِلْفَرَائِضِ، وَأَنَّهُ يُعَادُ إنْ قُدِّمَ عَلَى الْوَقْتِ، وَأَنَّهُ يَبْدَأُ بِأَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ، وَعَدَمُ التَّرْجِيعِ، وَعَدَمُ اللَّحْنِ وَالتَّرَسُّلُ وَالِالْتِفَاتُ وَالِاسْتِدَارَةُ وَزِيَادَةُ " الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ " فِي أَذَانِ الْفَجْرِ، وَجَعْلُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةَ أَحْكَامٍ لَا تَكُونُ فِي الْإِقَامَةِ فَأَبْدَلَ التَّرَسُّلَ بِالْحَدْرِ وَالصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ بِقَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَضَعُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، فَبَقِيَتْ الْأَحْكَامُ السَّبْعَةُ مُشْتَرَكَةً، وَيَرِدُ عَلَيْهِ الِاسْتِدَارَةُ فِي الْمَنَارَةِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ فِي الْمَنَارَةِ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِذَلِكَ. اهـ. ح. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِقَامَةَ تُخَالِفُ الْأَذَانَ فِي الْأَرْبَعَةِ مَا مَرَّ، وَتُخَالِفُهُ أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ سَتَأْتِي مُفَرَّقَةً. (قَوْلُهُ: لَكِنْ هِيَ أَفْضَلُ مِنْهُ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ بِلَا ذِكْرِ خِلَافٍ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا أَنَّهُ صَرَّحَ ظَهِيرُ الدِّينِ فِي الْحَوَاشِي نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ الْأَذَانِ: أَيْ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ فِي مَوَاضِعَ دُونَ الْإِقَامَةِ كَمَا فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَمَا بَعْدَ أُولَى الْفَوَائِتِ وَثَانِيَةِ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ، وَقَوْلُهُ وَكَذَا الْإِمَامَةُ عَلَّلَهُ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ لِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَقَوْلُ عُمَرَ: لَوْلَا الْخِلَافَةُ لَأَذَّنْت، لَا يَسْتَلْزِمُ تَفْضِيلَهُ عَلَيْهَا بَلْ مُرَادُهُ لَأَذَّنْت مَعَ الْإِمَامَةِ لَا مَعَ تَرْكِهَا، فَيُفِيدُ أَنَّ الْأَفْضَلَ كَوْنُ الْإِمَامِ هُوَ الْمُؤَذِّنُ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَعَلَيْهِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ. اهـ. أَقُولُ: وَهُوَ قَوْلُ أَحَدِ قَوْلَيْنِ مُصَحَّحَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالثَّانِي أَنَّ الْأَذَانَ أَفْضَلُ، وَبَقِيَ قَوْلٌ بِتَسَاوِيهِمَا، وَقَدْ حَكَى الثَّلَاثَةَ فِي السِّرَاجِ. ثُمَّ إنَّ مَا اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْإِمَامَةِ عَلَى الْأَذَانِ يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهَا أَيْضًا عَلَى الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُقِيمَ الْمُؤَذِّنُ فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] مُقْتَضَى أَفْضَلِيَّةِ الْإِقَامَةِ عَلَى الْأَذَانِ كَوْنُهَا وَاجِبَةً عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِهِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِهِ لِمَا أَنَّهُ مِنْ الشَّعَائِرِ بِخِلَافِهَا، عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ قَدْ تَفْضُلُ الْوَاجِبَ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ كِتَابِ الطَّهَارَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 الْمُقِيمُ (أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ) لِأَنَّهَا أَخْفَضُ (وَيَحْدُرُ) بِضَمِّ الدَّالِ: أَيْ يُسْرِعُ فِيهَا، فَلَوْ تَرَسَّلَ لَمْ يُعِدْهَا فِي الْأَصَحِّ (وَيَزِيدُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ بَعْدَ فَلَاحِهَا مَرَّتَيْنِ) وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ هِيَ فُرَادَى. (وَيَسْتَقْبِلُ) غَيْرُ الرَّاكِبِ (الْقِبْلَةَ بِهِمَا) وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ تَنْزِيهًا، وَلَوْ قَدَّمَ فِيهِمَا مُؤَخَّرًا أَعَادَ مَا قَدَّمَ فَقَطْ (وَلَا يَتَكَلَّمُ فِيهِمَا) أَصْلًا وَلَوْ رَدَّ سَلَامٍ، فَإِنْ تَكَلَّمَ اسْتَأْنَفَهُ (وَيُثَوِّبُ) بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي الْكُلِّ لِلْكُلِّ بِمَا تَعَارَفُوهُ (وَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا) بِقَدْرِ مَا يَحْضُرُ الْمُلَازِمُونَ مُرَاعِيًا لِوَقْتِ النَّدْبِ (إلَّا فِي الْمَغْرِبِ)   [رد المحتار] فَتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْبَدَائِعِ عَدَّ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ. (قَوْلُهُ: الْمُقِيمُ) أَيْ الَّذِي يُقِيمُ الصَّلَاةَ. (قَوْلُهُ: لَمْ يُعِدْهَا فِي الْأَصَحِّ) بِخِلَافِ مَا لَوْ حَدَرَ فِي الْأَذَانِ حَيْثُ تُنْدَبُ إعَادَتُهُ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْأَذَانِ مَشْرُوعٌ أَيْ كَمَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ. وَعَلَيْهِ فَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يُعِيدُ الْإِقَامَةَ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْأَصَحِّ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: مَرَّتَيْنِ) رَاجِعٌ إلَى: قَدْ قَامَتْ، وَإِلَى الْفَلَاحِ ط. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ هِيَ فُرَادَى) أَيْ الْإِقَامَةُ، وَالْأَوْلَى ذِكْرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَهِيَ كَالْأَذَانِ ح. وَدَلِيلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ «أَمَرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ» " وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى إيتَارِ صَوْتِهَا بِأَنْ يَحْدُرَ فِيهَا تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النُّصُوصِ الْغَيْرِ مُحْتَمَلَةٍ. وَقَدْ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: تَوَاتَرَتْ الْآثَارُ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ كَانَ يُثَنِّي الْإِقَامَةَ حَتَّى مَاتَ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: غَيْرُ الرَّاكِبِ) عِبَارَةُ الْإِمْدَادِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا مُسَافِرًا لِضَرُورَةِ السَّيْرِ؛ لِأَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ وَهُوَ رَاكِبٌ ثُمَّ نَزَلَ وَأَقَامَ عَلَى الْأَرْضِ. وَيُكْرَهُ الْأَذَانُ رَاكِبًا فِي الْحَضَرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِهِمَا) أَيْ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، لَكِنْ مَعَ الِالْتِفَاتِ بِصَلَاةٍ وَفَلَاحٍ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: تَنْزِيهًا) لِقَوْلِ الْمُحِيطِ: الْأَحْسَنُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بَحْرٌ وَنَهْرٌ. (قَوْلُهُ: أَعَادَ مَا قَدَّمَ فَقَطْ) كَمَا لَوْ قَدَّمَ الْفَلَاحَ عَلَى الصَّلَاةِ يُعِيدُهُ فَقَطْ أَيْ وَلَا يَسْتَأْنِفُ الْأَذَانَ مِنْ أَوَّلِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ رَدَّ سَلَامٍ) أَوْ تَشْمِيتَ عَاطِسٍ أَوْ نَحْوَهُمَا لَا فِي نَفْسِهِ، وَلَا بَعْدَ الْفَرَاغِ عَلَى الصَّحِيحِ سِرَاجٌ وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَمِنْهُ التَّنَحْنُحُ إلَّا لِتَحْسِينِ صَوْتِهِ. (قَوْلُهُ: اسْتَأْنَفَهُ) إلَّا إذَا كَانَ الْكَلَامُ يَسِيرًا خَانِيَةٌ. (قَوْلُهُ: وَيُثَوِّبُ) التَّثْوِيبُ: الْعَوْدُ إلَى الْإِعْلَامِ بَعْدَ الْإِعْلَامِ دُرَرٌ، وَقَيَّدَ بِتَثْوِيبِ الْمُؤَذِّنِ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ عَنْ الْمُلْتَقَطِ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ فَوْقَهُ فِي الْعِلْمِ وَالْجَاهِ حَانَ وَقْتُ الصَّلَاةِ سِوَى الْمُؤَذِّنِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِفْضَالٌ لِنَفْسِهِ. اهـ. بَحْرٌ. قُلْت، وَهَذَا خَاصٌّ بِالتَّثْوِيبِ لِلْأَمِيرِ وَنَحْوِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ) فَسَّرَهُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بِأَنْ يَمْكُثَ بَعْدَ الْأَذَانِ قَدْرَ عِشْرِينَ آيَةً ثُمَّ يُثَوِّبُ ثُمَّ يَمْكُثُ كَذَلِكَ ثُمَّ يُقِيمُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: فِي الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الصَّلَوَاتِ لِظُهُورِ التَّوَانِي فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: أَحْدَثَ الْمُتَأَخِّرُونَ التَّثْوِيبَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ عَلَى حَسَبِ مَا تَعَارَفُوهُ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ سِوَى الْمَغْرِبِ مَعَ إبْقَاءِ الْأَوَّلِ يَعْنِي الْأَصْلَ وَهُوَ تَثْوِيبُ الْفَجْرِ وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِلْكُلِّ) أَيْ كُلِّ أَحَدٍ، وَخَصَّهُ أَبُو يُوسُفَ بِمَنْ يَشْتَغِلُ بِمَصَالِحِ الْعَامَّةِ كَالْقَاضِي وَالْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسِ وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: بِمَا تَعَارَفُوهُ) كَتَنَحْنُحٍ، أَوْ قَامَتْ قَامَتْ، أَوْ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، وَلَوْ أَحْدَثُوا إعْلَامًا مُخَالِفًا لِذَلِكَ جَازَ نَهْرٌ عَنْ الْمُجْتَبَى. (قَوْلُهُ: وَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا) لَوْ قَدَّمَهُ عَلَى التَّثْوِيبِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّ الْجُلُوسَ بَعْدَهُ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْمَغْرِبِ) قَالَ فِي الدُّرَرِ: هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ يُثَوِّبُ وَيَجْلِسُ؛ لِأَنَّ التَّثْوِيبَ لِإِعْلَامِ الْجَمَاعَةِ وَهُمْ فِي الْمَغْرِبِ حَاضِرُونَ لِضِيقِ الْوَقْتِ. اهـ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ مُنَافٍ لِقَوْلِ الْكُلِّ فِي الْكُلِّ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِمَا مَرَّ عَنْ الْعِنَايَةِ مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْمَغْرِبِ فِي التَّثْوِيبِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ وَالنِّهَايَةِ وَالْبُرْجُنْدِيِّ وَابْنِ مَلَكٍ وَغَيْرِهِمَا. اهـ. قُلْت: قَدْ يُقَالُ: مَا فِي الدُّرَرِ مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ مِنْ أَنَّهُ يَمْكُثُ قَدْرَ عِشْرِينَ آيَةً ثُمَّ يُثَوِّبُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 فَيَسْكُتُ قَائِمًا قَدْرَ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ، وَيُكْرَهُ الْوَصْلُ إجْمَاعًا: [فَائِدَةٌ] التَّسْلِيمُ بَعْدَ الْأَذَانِ حَدَثَ فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ سَبْعِمِائَةٍ وَإِحْدَى وَثَمَانِينَ فِي عِشَاءِ لَيْلَةِ الِاثْنَيْنِ، ثُمَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ حَدَثَ فِي الْكُلِّ إلَّا الْمَغْرِبَ، ثُمَّ فِيهَا مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ. (وَ) يُسَنُّ أَنْ (يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ لِفَائِتَةٍ) رَافِعًا صَوْتَهُ لَوْ بِجَمَاعَةٍ أَوْ صَحْرَاءَ لَا بِبَيْتِهِ مُنْفَرِدًا (وَكَذَا) يُسَنَّانِ (لِأَوْلَى الْفَوَائِتِ) لَا لِفَاسِدَةٍ   [رد المحتار] أَمَّا لَوْ ثَوَّبَ فِي الْمَغْرِبِ بِلَا فَاصِلٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي النَّهْرِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: فَيَسْكُتُ قَائِمًا) هَذَا عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَفْصِلُ بِجَلْسَةٍ كَجَلْسَةِ الْخَطِيبِ، وَالْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ، فَلَوْ جَلَسَ لَا يُكْرَهُ عِنْدَهُ، وَيُسْتَحَبُّ التَّحَوُّلُ لِلْإِقَامَةِ إلَى غَيْرِ مَوْضِعِ الْأَذَانِ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ [فَائِدَةٌ التَّسْلِيمُ بَعْدَ الْأَذَانِ] (قَوْلُهُ: سَنَةَ 781) كَذَا فِي النَّهْرِ عَنْ حُسْنِ الْمُحَاضَرَةِ لِلسُّيُوطِيِّ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْقَوْلِ الْبَدِيعِ لِلسَّخَاوِيِّ أَنَّهُ فِي سَنَةِ 791 وَأَنَّ ابْتِدَاءَهُ كَانَ فِي أَيَّامِ السُّلْطَانِ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ بِأَمْرِهِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ فِيهَا مَرَّتَيْنِ) أَيْ فِي الْمَغْرِبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَزَائِنِ، لَكِنْ لَمْ يَنْقُلْهُ فِي النَّهْرِ، وَلَمْ أَرَهُ فِي غَيْرِهِ، وَكَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَوْجُودًا فِي زَمَنِ الشَّارِحِ، أَوْ الْمُرَادُ بِهِ مَا يُفْعَلُ عَقِبَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ ثُمَّ بَعْدَهُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَالِاثْنَيْنِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي دِمَشْقَ تَذْكِيرًا كَاَلَّذِي يُفْعَلُ قَبْلَ أَذَانِ الظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَهُوَ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْقَوْلِ الْبَدِيعِ: وَالصَّوَابُ مِنْ الْأَقْوَالِ أَنَّهَا بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ. وَحَكَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ الْخِلَافَ أَيْضًا فِي تَسْبِيحِ الْمُؤَذِّنِينَ فِي الثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ وَأَنَّ بَعْضَهُمْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ مُلَخَّصًا. مَطْلَبٌ فِي أَذَانِ الْجَوْقِ [فَائِدَةٌ أُخْرَى] ذَكَرَ السُّيُوطِيّ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَ أَذَانَ اثْنَيْنِ مَعًا بَنُو أُمَيَّةَ. اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ نَصًّا صَرِيحًا فِي جَمَاعَةِ الْأَذَانِ الْمُسَمَّى فِي دِيَارِنَا بِأَذَانِ الْجَوْقِ هَلْ هُوَ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ أَوْ سَيِّئَةٌ؟ وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ: وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِحْبَابِهِ وَكَرَاهَتِهِ. وَأَمَّا الْأَذَانُ الْأَوَّلُ فَقَدْ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ الْمُتَوَارَثُ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ تَرَكَ النَّاسُ الْبَيْعَ، ذَكَرَ الْمُؤَذِّنِينَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ إخْرَاجًا لِلْكَلَامِ مَخْرَجَ الْعَادَةِ، فَإِنَّ الْمُتَوَارَثَ فِيهِ اجْتِمَاعُهُمْ لِتَبْلُغَ أَصْوَاتُهُمْ إلَى أَطْرَافِ الْمِصْرِ الْجَامِعِ اهـ. فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَارَثَ لَا يَكُونُ مَكْرُوهًا، وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي الْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ فَيَكُونُ بِدْعَةً حَسَنَةً إذْ مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ حَسَنٌ اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: وَقَدْ ذَكَرَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمَسْأَلَةَ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ النِّهَايَةِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْجُمُعَةِ إذْ الْفُرُوضُ الْخَمْسَةُ تَحْتَاجُ لِلْإِعْلَامِ (قَوْلُهُ: لَوْ بِجَمَاعَةٍ إلَخْ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ بِقَرِينَةِ مَا يَذْكُرُهُ قَرِيبًا مِنْ أَنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ فِيهِ لِلْفَائِتَةِ، ثُمَّ هَذَا قَيْدٌ لِقَوْلِهِ رَافِعًا صَوْتَهُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا وَقَالَ وَلَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِ أَئِمَّتِنَا. وَاسْتُدِلَّ لِرَفْعِ الْمُنْفَرِدِ فِي الصَّحْرَاءِ بِحَدِيثِ الصَّحِيحِ «إذَا كُنْت فِي غَنَمِك أَوْ فِي بَادِيَتِك فَأَذَّنْت لِلصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَك بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ إنْسٌ وَلَا جِنٌّ وَلَا مَدَرٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ. أَقُولُ: يُخَالِفُهُ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ يَعْنِي يَلْزَمُ الْجَهْرُ بِالْأَذَانِ لِإِعْلَامِ النَّاسِ، فَلَوْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ خَافَتَ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي كَشْفِ الْمَنَارِ. اهـ. عَلَى أَنَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ يُفِيدُ رَفْعَ الصَّوْتِ لِلْمُنْفَرِدِ فِي بَيْتِهِ أَيْضًا لِتَكْثِيرِ الشُّهُودِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ الْمُبَالَغَةُ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ، وَالْمُؤَذِّنُ فِي بَيْتِهِ يَرْفَعُ دُونَ ذَلِكَ فَوْقَ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لَا لِفَاسِدَةٍ) أَيْ إذَا أُعِيدَتْ فِي الْوَقْتِ، وَإِلَّا كَانَتْ فَائِتَةً ط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 (وَيُخَيَّرُ فِيهِ لِلْبَاقِي) لَوْ فِي مَجْلِسٍ وَفِعْلُهُ أَوْلَى، وَيُقِيمُ لِلْكُلِّ (وَلَا يُسَنُّ) ذَلِكَ (فِيمَا تُصَلِّيهِ النِّسَاءُ أَدَاءً وَقَضَاءً) وَلَوْ جَمَاعَةً كَجَمَاعَةِ صِبْيَانٍ وَعَبِيدٍ، وَلَا يُسَنَّانِ أَيْضًا لِظُهْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي مِصْرٍ (وَلَا فِيمَا يَقْضِي مِنْ الْفَوَائِتِ فِي مَسْجِدٍ) فِيمَا لِأَنَّ فِيهِ تَشْوِيشًا وَتَغْلِيطًا (وَيُكْرَهُ قَضَاؤُهَا فِيهِ) لِأَنَّ التَّأْخِيرَ مَعْصِيَةٌ فَلَا يُظْهِرُهَا بَزَّازِيَّةٌ. . (وَيَجُوزُ) بِلَا كَرَاهَةٍ (أَذَانُ صَبِيٍّ مُرَاهِقٍ وَعَبْدٍ)   [رد المحتار] وَفِي الْمُجْتَبَى: قَوْمٌ ذَكَرُوا فَسَادَ صَلَاةٍ صَلَّوْهَا فِي الْمَسْجِدِ فِي الْوَقْتِ قَضَوْهَا بِجَمَاعَةٍ فِيهِ وَلَا يُعِيدُونَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ، وَإِنْ قَضَوْهَا بَعْدَ الْوَقْتِ قَضَوْهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ. اهـ. لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّ الْإِقَامَةَ تُعَادُ لَوْ طَالَ الْفَصْلُ. (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ فِي الْأَذَانِ. (قَوْلُهُ: لَوْ فِي مَجْلِسٍ) أَمَّا لَوْ فِي مَجَالِسَ، فَإِنْ صَلَّى فِي مَجْلِسٍ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا أَذَّنَ وَأَقَامَ لَهَا. (قَوْلُهُ: وَفِعْلُهُ أَوْلَى) لِأَنَّهُ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي قَضَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا فَاتَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ لِلْكُلِّ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِقَامَةِ فِيمَا بَعْدَ الْأُولَى، فَالْأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ أَوْلَى خُصُوصًا فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ، وَتَمَامُهُ فِي الْإِمْدَادِ. (قَوْلُهُ: وَيُقِيمُ لِلْكُلِّ) أَيْ لَا يُخَيَّرُ فِي الْإِقَامَةِ لِلْبَاقِي، بَلْ يُكْرَهُ تَرْكُهَا كَمَا فِي نُورِ الْإِيضَاحِ. [تَتِمَّةٌ] يَأْتِي فِي صَلَاتَيْ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَبِمُزْدَلِفَةٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَاخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ كَعَرَفَةَ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْهُمَامِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَبَقِيَ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ فَائِتَةٍ وَمُؤَدَّاةٍ لَمْ أَرَهُ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَأْتِي بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَمْعِ بِمُزْدَلِفَةَ لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: وَلَا يُسَنُّ ذَلِكَ) أَيْ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ، وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ ح، وَأَرَادَ بِنَفْيِ السُّنِّيَّةِ الْكَرَاهَةَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْإِمْدَادِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَمَاعَةً) أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْفَتْحِ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ أَمَّتْهُنَّ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ حِينَ كَانَتْ جَمَاعَتُهُنَّ مَشْرُوعَةً وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُنْفَرِدَةَ أَيْضًا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُمَا لَمَّا كَانَ هُوَ السُّنَّةَ حَالَ شَرْعِيَّةِ الْجَمَاعَةِ كَانَ حَالَ الِانْفِرَادِ أَوْلَى اهـ قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي السِّرَاجِ أَيْضًا، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ وَلَوْ مُنْفَرِدَةً؛ لِأَنَّ جَمَاعَتَهُنَّ الْآنَ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ فَتَفَطَّنْ. (قَوْلُهُ: كَجَمَاعَةِ صِبْيَانٍ وَعَبِيدٍ) لِأَنَّهَا غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ، فَلَا يُشْرَعَانِ فِيهَا كَتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ عَقِبَهَا بَحْرٌ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. (قَوْلُهُ: فِي مِصْرَ) شَمِلَ الْمَعْذُورَ وَغَيْرَهُ زَيْلَعِيٌّ، وَفِي الْقُرَى لَا يُكْرَهُ بِكُلِّ حَالٍ ظَهِيرِيَّةٌ: أَيْ لَا قَبْلَ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ فِي غَيْرِهَا وَلَا بَعْدَهُ، لِقَوْلِهِ وَقِيلَ بَعْدَ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ لَا يُكْرَهُ فِي الْمِصْرِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِيهِ تَشْوِيشًا إلَخْ) إنَّمَا يَظْهَرُ أَنْ لَوْ كَانَ الْأَذَانُ لِجَمَاعَةٍ، أَمَّا إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا وَيُؤَذِّنُ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ فَلَا ط. وَفِي الْإِمْدَادِ أَنَّهُ إذَا كَانَ التَّفْوِيتُ لِأَمْرٍ عَامٍّ فَالْأَذَانُ فِي الْمَسْجِدِ لَا يُكْرَهُ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ كَفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ التَّعْرِيسِ اهـ لَكِنَّ لَيْلَةَ التَّعْرِيسِ كَانَتْ فِي الصَّحْرَاءِ لَا فِي الْمَسْجِدِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّأْخِيرَ مَعْصِيَةٌ) إنَّمَا يَظْهَرُ أَيْضًا فِي الْجَمَاعَةِ لَا الْمُنْفَرِدِ ط أَيْ لِأَنَّ الْمُنْفَرِدَ يُخَافِتُ فِي أَذَانِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ. عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ التَّفْوِيتُ لِأَمْرٍ عَامٍّ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْجَمَاعَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذَا التَّأْخِيرَ غَيْرُ مَعْصِيَةٍ. هَذَا وَيَظْهَرُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمَكْرُوهَ قَضَاؤُهَا مَعَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا وَلَوْ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمِنَحِ فِي بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ (قَوْلُهُ: بِلَا كَرَاهَةٍ) أَيْ تَحْرِيمِيَّةٍ لِأَنَّ التَّنْزِيهِيَّةَ ثَابِتَةٌ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّ غَيْرَهُمْ أَوْلَى مِنْهُمْ. اهـ. ح. أَقُولُ: وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ كِتَابِ الطَّهَارَةِ الْكَلَامَ فِي أَنَّ خِلَافَ الْأَوْلَى مَكْرُوهٌ أَوَّلًا فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: صَبِيٍّ مُرَاهِقٍ) الْمُرَادُ بِهِ الْعَاقِلُ وَإِنْ لَمْ يُرَاهِقْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ يُكْرَهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ وَغَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ تَقْرِيرُهُ فِي وَظِيفَةِ الْأَذَانِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَعَبْدٍ وَأَعْمَى إلَخْ) إنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ أَذَانُهُمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ مَقْبُولٌ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ فَيَكُونُ مُلْزِمًا فَيَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ، بِخِلَافِ الْفَاسِقِ. اهـ. زَيْلَعِيٌّ. قُلْت: يَرِدُ عَلَيْهِ الصَّبِيُّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِإِذْنٍ كَأَجِيرٍ خَاصٍّ (وَأَعْمَى وَوَلَدِ زِنًى وَأَعْرَابِيٍّ) وَإِنَّمَا يُسْتَحَقُّ صَوَابُ الْمُؤَذِّنِينَ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالسُّنَّةِ وَالْأَوْقَاتِ وَلَوْ غَيْرَ مُحْتَسِبٍ بَحْرٌ. (وَيُكْرَهُ أَذَانُ جُنُبٍ وَإِقَامَتُهُ وَإِقَامَةُ مُحْدِثٍ لَا أَذَانُهُ) عَلَى الْمَذْهَبِ (وَ) أَذَانُ (امْرَأَةٍ) وَخُنْثَى (وَفَاسِقٍ) وَلَوْ عَالِمًا، لَكِنَّهُ أَوْلَى بِإِمَامَةٍ وَأَذَانٍ مِنْ جَاهِلٍ تَقِيٍّ (وَسَكْرَانٍ) وَلَوْ بِمُبَاحٍ   [رد المحتار] فَإِنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ الْبَابِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَحْصُلَ بِهِ الْإِعْلَامُ كَالْفَاسِقِ تَأَمَّلْ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِإِذْنٍ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا فَقَالَ: وَيَنْبَغِي أَنَّ الْعَبْدَ إنْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ سَيِّدِهِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنًا لِلْجَمَاعَةِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِخِدْمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مُرَاعَاةِ الْأَوْقَاتِ، وَلَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَأَجِيرٍ خَاصٍّ) هُوَ بَحْثٌ لِصَاحِبِ النَّهْرِ، حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ كَذَلِكَ لَا يَحِلُّ أَذَانُهُ إلَّا بِإِذْنِ مُسْتَأْجِرِهِ اهـ. قُلْت: بَلْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ النَّوَافِلَ اتِّفَاقًا. وَاخْتَلَفُوا فِي السُّنَنِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْإِجَارَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِبَحْثِ الْبَحْرِ أَيْضًا، فَإِنَّ الْعَبْدَ مَمْلُوكُ الْمَنَافِعِ وَالرَّقَبَةِ أَيْضًا بِخِلَافِ الْأَجِيرِ. (قَوْلُهُ: وَأَعْمَى) لَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَذَانُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى، فَإِنَّهُ مَنْ كَانَ مَعَهُ مَنْ يَحْفَظُ عَلَيْهِ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ، وَمَتَى كَانَ ذَلِكَ يَكُونُ تَأْذِينُهُ وَتَأْذِينُ الْبَصِيرِ سَوَاءً، ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مِعْرَاجٌ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْكَرَاهَةِ فِيهِ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا وُرُودَ. (قَوْلُهُ: عَالِمًا بِالسُّنَّةِ وَالْأَوْقَاتِ) أَيْ سُنَّةِ الْأَذَانِ وَأَوْقَاتِهِ الْمَطْلُوبَةِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ. مَطْلَبٌ فِي الْمُؤَذِّنِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُحْتَسِبٍ فِي أَذَانِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ غَيْرَ مُحْتَسِبٍ) رَدٌّ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ ثَوَابَ الْمُؤَذِّنِينَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، فَفِي أَخْذِ الْأُجْرَةِ أَوْلَى، وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ بِأَنَّ فِي أَذَانِ الْجَاهِلِ جَهَالَةً مُوقِعَةً فِي الْغَرَرِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُحْتَسِبِ عَلَى أَنَّ عَدَمَ حِلِّ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ رَأْيُ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَالْمُتَأَخِّرُونَ يُجَوِّزُونَ ذَلِكَ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْإِجَارَاتِ. اهـ. . أَقُولُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ حِلِّ الْأُجْرَةِ الْمُعَلَّلِ بِالضَّرُورَةِ حُصُولُ الثَّوَابِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ لَوْلَا الْأُجْرَةُ لَا يُؤَذِّنُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَمَلَهُ لِلدُّنْيَا وَهُوَ رِيَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَسِبْ عَمَلَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ كَمُهَاجِرِ أُمِّ قَيْسٍ، وَإِذَا كَانَ الْجَاهِلُ الْمُحْتَسِبُ لَا يَنَالُ ذَلِكَ الْأَجْرَ فَهَذَا بِالْأَوْلَى. كَيْفَ وَقَدْ وَرَدَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ التَّقْيِيدُ بِالْمُحْتَسِبِ: مِنْهَا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ كَمَا فِي الْفَتْحِ «ثَلَاثَةٌ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يُهَوِّلُهُمْ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ، وَلَا يَفْزَعُونَ حِينَ يَفْزَعُ النَّاسُ: رَجُلٌ عَلِمَ الْقُرْآنَ فَقَامَ بِهِ يَطْلُبُ وَجْهَ اللَّهِ وَمَا عِنْدَهُ. وَرَجُلٌ يُنَادِي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسَ صَلَوَاتٍ يَطْلُبُ وَجْهَ اللَّهِ وَمَا عِنْدَهُ. وَمَمْلُوكٌ لَمْ يَمْنَعْهُ رِقُّ الدُّنْيَا عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ» نَعَمْ قَدْ يُقَالُ: إنْ كَانَ قَصْدُهُ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنَّهُ بِمُرَاعَاتِهِ لِلْأَوْقَاتِ وَالِاشْتِغَالِ بِهِ يَقِلُّ اكْتِسَابُهُ عَمَّا يَكْفِيهِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، فَيَأْخُذُ الْأُجْرَةَ لِئَلَّا يَمْنَعَهُ الِاكْتِسَابُ عَنْ إقَامَةِ هَذِهِ الْوَظِيفَةِ الشَّرِيفَةِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَأْخُذْ أَجْرًا فَلَهُ الثَّوَابُ الْمَذْكُورُ، بَلْ يَكُونُ جَمَعَ بَيْنَ عِبَادَتَيْنِ: وَهُمَا الْأَذَانُ، وَالسَّعْيُ عَلَى الْعِيَالِ، وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ أَذَانُ جُنُبٍ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ دَاعِيًا إلَى مَا لَا يُجِيبُ إلَيْهِ، وَإِقَامَتُهُ أَوْلَى بِالْكَرَاهَةِ. وَصَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنَّهُ تَجِبُ الطَّهَارَةُ فِيهِ عَنْ أَغْلَظِ الْحَدَثَيْنِ. وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَإِقَامَةُ مُحْدِثٍ لَا أَذَانُهُ. وَأَمَّا الْجُنُبُ فَيُكْرَهَانِ مِنْهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: بِإِمَامَةٍ وَأَذَانٍ) الْأَوَّلُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَلْحَقَهُ بِهِ فِي النَّهْرِ بَحْثًا. (قَوْلُهُ: مِنْ جَاهِلٍ تَقِيٍّ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ عَالِمٌ تَقِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِمُبَاحٍ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 كَمَعْتُوهٍ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ (وَقَاعِدٍ إلَّا إذَا أَذَّنَ لِنَفْسِهِ) وَرَاكِبٍ إلَّا لِمُسَافِرٍ. (وَيُعَادُ أَذَانُ جُنُبٍ) نَدْبًا، وَقِيلَ وُجُوبًا (لَا إقَامَتُهُ) لِمَشْرُوعِيَّةِ تَكْرَارِهِ فِي الْجُمُعَةِ دُونَ تَكْرَارِهَا (وَكَذَا) يُعَادُ (أَذَانُ امْرَأَةٍ وَمَجْنُونٍ وَمَعْتُوهٍ وَسَكْرَانِ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ) لَا إقَامَتُهُمْ لِمَا مَرَّ، وَيَجِبُ اسْتِقْبَالُهُمَا لِمَوْتِ مُؤَذِّنٍ وَغُشْيِهِ وَخَرَسِهِ وَحَصَرِهِ، وَلَا مُلَقِّنَ وَذَهَابِهِ لِلْوُضُوءِ لِسَبْقِ حَدَثٍ خُلَاصَةٌ، لَكِنْ عَبَّرَ فِي السِّرَاجِ بِيُنْدَبُ وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ صِحَّةِ أَذَانِ مَجْنُونٍ وَمَعْتُوهٍ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ. قُلْت: وَكَافِرٍ وَفَاسِقٍ لِعَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي الدِّيَانَاتِ.   [رد المحتار] كَشُرْبِهِ الْخَمْرَ لِإِسَاغَةِ لُقْمَةٍ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ السُّكْرِ الْفِسْقُ فَلَا تَكْرَارَ. (قَوْلُهُ: كَمَعْتُوهٍ) وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ ح (قَوْلُهُ: وَيُعَادُ أَذَانُ جُنُبٍ إلَخْ) زَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَالْفَاجِرِ وَالرَّاكِبِ وَالْقَاعِدِ وَالْمَاشِي، وَالْمُنْحَرِفِ عَنْ الْقِبْلَةِ. وَعَلَّلَ الْوُجُوبَ فِي الْكُلِّ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ وَالنَّدْبُ بِأَنَّهُ مُعْتَدٌّ بِهِ إلَّا أَنَّهُ نَاقِصٌ، قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ. (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِمَشْرُوعِيَّةِ تَكْرَارِهِ. (قَوْلُهُ: لِمَوْتِ مُؤَذِّنٍ) لَمْ يَقُلْ وَمُقِيمٍ؛ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ هُوَ الْمُقِيمُ شَرْعًا كَمَا يَأْتِي فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَغُشْيِهِ) بِضَمِّ الْغَيْنِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ: تَعَطُّلُ الْقُوَى الْمُحَرِّكَةِ وَالْحَاسَّةِ لِضَعْفِ الْقَلْبِ مِنْ الْجُوعِ وَغَيْرِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْوُضُوءِ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ ح. (قَوْلُهُ: وَحَصْرِهِ) مَصْدَرٌ مِنْ بَابِ فَرِحَ: الْعِيُّ فِي الْمَنْطِقِ ح عَنْ الْقَامُوسِ. (قَوْلُهُ: وَلَا مُلَقِّنَ) الْوَاوُ لِلْحَالِ ح. (قَوْلُهُ: وَذَهَابِهِ لِلْوُضُوءِ) لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُتَمِّمَهُمَا ثُمَّ يَتَوَضَّأَ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُمَا مَعَ الْحَدَثِ جَائِزٌ، فَالْبِنَاءُ أَوْلَى، بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ: خُلَاصَةٌ) وَنَحْوُهُ فِي الْخَانِيَّةِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِنْ حُمِلَ الْوُجُوبُ عَلَى ظَاهِرِهِ اُحْتِيجَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ نَفْسِ الْأَذَانِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ وَبَيْنَ اسْتِقْبَالِهِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ. وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ: إذَا شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ قَطَعَ تَبَادَرَ إلَى ظَنِّ السَّامِعِينَ أَنَّ قَطْعَهُ لِلْخَطَأِ فَيَنْتَظِرُونَ الْأَذَانَ الْحَقَّ، وَقَدْ تَفُوتُ بِذَلِكَ الصَّلَاةُ إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْإِعَادَةِ فِيمَنْ مَرَّ أَنَّهُ يُعَادُ أَذَانُهُمْ إلَّا الْجُنُبَ أَيْ لِعَدَمِ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِمْ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ فِيهِمْ إنْ عَلِمَ النَّاسُ حَالَهُمْ وَجَبَتْ وَلَا اُسْتُحِبَّتْ لِيَقَعَ فِعْلُ الْأَذَانِ مُعْتَبَرًا وَعَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ لَمْ يَبْعُدْ، وَعَكْسُهُ فِي الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْخُلَاصَةِ. اهـ. أَقُولُ: يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ اللُّزُومُ فِي تَحْصِيلِ سُنَّةِ الْأَذَانِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا عَرَضَ لِلْمُؤَذِّنِ مَا يَمْنَعُهُ عَنْ الْإِتْمَامِ وَأَرَادَ آخَرُ أَنْ يُؤَذِّنَ يَلْزَمُهُ اسْتِقْبَالُ الْأَذَانِ مِنْ أَوَّلِهِ إنْ أَرَادَ إقَامَةَ سُنَّةِ الْأَذَانِ، فَلَوْ بَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْ أَذَانِ الْأَوَّلِ لَمْ يَصِحَّ فَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ عَجَزَ عَنْ الْإِتْمَامِ اسْتَقْبَلَ غَيْرَهُ. اهـ. أَيْ لِئَلَّا يَكُونَ آتِيًا بِبَعْضِ الْأَذَانِ. (قَوْلُهُ: وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ قَالَ مَرَّ قَيْدُنَا بِالْمُرَاهِقِ؛ لِأَنَّ أَذَانَ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ غَيْرُ صَحِيحٍ كَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ اهـ فَافْهَمْ، وَهَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا فَتَرَجَّحَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فَجَزَمَ بِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ إعَادَةُ أَذَانِ السَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ غَيْرِ الْعَاقِلِ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ لِعَدَمِ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: قُلْت وَكَافِرٍ وَفَاسِقٍ) ذِكْرُ الْفَاسِقِ هُنَا غَيْرُ مُنَاسِبٍ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ جَعَلَ الْعَقْلَ وَالْإِسْلَامَ شَرْطَ صِحَّةٍ، وَالْعَدَالَةَ وَالذُّكُورَةَ وَالطَّهَارَةَ شَرْطَ كَمَالٍ. وَقَالَ: فَأَذَانُ الْفَاسِقِ وَالْمَرْأَةِ وَالْجُنُبِ صَحِيحٌ، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ أَذَانُ الْفَاسِقِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَبُولِ خَبَرِهِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ فَلَمْ يُوجَدْ الْإِعْلَامُ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ أَذَانُ الْفَاسِقِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْإِعْلَامُ: أَيْ الِاعْتِمَادُ عَلَى قَبُولِ قَوْلِهِ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ وَغَيْرِ الْعَاقِلِ فَلَا يَصِحُّ أَصْلًا، فَتَسْوِيَةُ الشَّارِحِ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ غَيْرُ مُنَاسِبَةٍ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مِنْ سُنَنِ الْمُؤَذِّنِ: كَوْنُهُ رَجُلًا عَاقِلًا، صَالِحًا، عَالِمًا بِالسُّنَنِ وَالْأَوْقَاتِ، مُوَاظِبًا عَلَيْهِ، مُحْتَسِبًا، ثِقَةً مُتَطَهِّرًا مُسْتَقْبِلًا، وَذَكَرَ نَحْوَهُ فِي الْإِمْدَادِ؛ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْعَقْلَ غَيْرُ شَرْطٍ لِصِحَّةِ الْأَذَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 (وَكُرِهَ تَرْكُهُمَا) مَعًا (لِمُسَافِرٍ) وَلَوْ مُنْفَرِدًا (وَكَذَا تَرْكُهَا) لَا تَرْكُهُ   [رد المحتار] فَيَصِحُّ أَذَانُ غَيْرِ الْعَاقِلِ كَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ وَالسَّكْرَانِ، كَمَا يَصِحُّ أَذَانُ الْفَاسِقِ وَالْمَرْأَةِ وَالْجُنُبِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَذَانُ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ وَأَنَّ الْأَحَبَّ إعَادَتُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَنَّهُ يُكْرَهُ أَذَانُ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، وَيُجْزِي حَتَّى لَا يُعَادَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ. وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ تُسْتَحَبُّ إعَادَةُ أَذَانِ الْمَرْأَةِ اهـ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَشَى الزَّيْلَعِيُّ. وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا أَنَّ أَذَانَ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ لَا يُجْزِي وَيُعَادُ؛ لِأَنَّ مَا يَصْدُرُ لَا عَنْ عَقْلٍ لَا يُعْتَدُّ بِهِ كَصَوْتِ الطُّيُورِ اهـ. فَحَصَلَتْ الْمُنَافَاةُ بَيْنَ مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ، وَكَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ أَذَانِ غَيْرِ الْعَاقِلِ كَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ وَالسَّكْرَانِ، وَبَيْنَ مَا فِي الْحَاوِي وَالْبَدَائِعِ مِنْ صِحَّةِ أَذَانِ الْكُلِّ سِوَى صَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي التَّوْفِيقِ: هُوَ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْ الْأَذَانِ فِي الشَّرْعِ الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ ثُمَّ صَارَ مِنْ شِعَارِ الْإِسْلَامِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ أَوْ نَاحِيَةٍ مِنْ الْبِلَادِ الْوَاسِعَةِ عَلَى مَا مَرَّ، فَمِنْ حَيْثُ الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَقَبُولِ قَوْلِهِ لَا بُدَّ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْعَدَالَةِ، وَقَدَّمْنَا قَبْلَ هَذَا الْبَابِ عَنْ مُعِينِ الْحُكَّامِ مَا نَصُّهُ: الْمُؤَذِّنُ يَكْفِي إخْبَارُهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ إذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا عَالِمًا بِالْأَوْقَاتِ مُسْلِمًا ذَكَرًا وَيُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِهِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ ذَكَرًا غَيْرُ قَيْدٍ لِقَبُولِ خَبَرِ الْمَرْأَةِ، فَحِينَئِذٍ يُقَالُ إذَا اتَّصَفَ الْمُؤَذِّنُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ يَصِحُّ أَذَانُهُ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ وَقَدَّمْنَا أَيْضًا قَبْلَ هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ فِي الْفَاسِقِ وَالْمَسْتُورِ يُحَكِّمُ رَأْيَهُ فِي صِدْقِهِ وَكَذِبِهِ وَيَعْمَلُ بِهِ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ أَصْلًا. وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ إقَامَةُ الشِّعَارِ النَّافِيَةِ لِلْإِثْمِ عَنْ أَهْلِ الْبَلْدَةِ فَيَصِحُّ أَذَانُ الْكُلِّ سِوَى الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ؛ لِأَنَّ مَنْ سَمِعَهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُؤَذِّنٌ بَلْ يَظُنُّهُ يَلْعَبُ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ؛ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ الرِّجَالِ، وَلِذَا عَبَّرَ عَنْهُ الشَّارِحُ بِالْمُرَاهِقِ وَكَذَا الْمَرْأَةُ فَإِنَّ بَعْضَ الرِّجَالِ قَدْ يُشْبِهُ صَوْتُهُ صَوْتَ الْمُرَاهِقِ وَالْمَرْأَةِ، فَإِذَا أَذَّنَ الْمُرَاهِقُ أَوْ الْمَرْأَةُ وَسَمِعَهُ السَّامِعُ يَعْتَدُّ بِهِ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ أَوْ الْمَعْتُوهُ أَوْ السَّكْرَانُ فَإِنَّهُ رَجُلٌ مِنْ الرِّجَالِ، فَإِذَا أَذَّنَ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَشْرُوعَةِ قَامَتْ بِهِ الشَّعِيرَةُ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَمِعَهُ غَيْرُ الْعَالِمِ بِحَالِهِ يَعُدُّهُ مُؤَذِّنًا، وَكَذَا الْكَافِرُ، فَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ صَارَتْ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ كُلُّهَا شُرُوطَ كَمَالٍ؛ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ الْكَامِلَ هُوَ الَّذِي تُقَامُ بِأَذَانِهِ الشَّعِيرَةُ وَيَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ، فَيُعَادُ أَذَانُ الْكُلِّ نَدْبًا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ. ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِعَادَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ، أَمَّا لَوْ حَضَرَ جَمَاعَةٌ عَالِمُونَ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَأَذَّنَ لَهُمْ فَاسِقٌ أَوْ صَبِيٌّ يَعْقِلُ لَا يُكْرَهُ وَلَا يُعَادُ أَصْلًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ تَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] يُؤْخَذُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْإِعْلَامُ مِنْ غَيْرِ الْعَدْلِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْمُبَلِّغِ الْفَاسِقِ خَلْفَ الْإِمَامِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، فَتَنَبَّهْ لِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: لِمُسَافِرٍ) أَيْ سَفَرًا لُغَوِيًّا أَوْ شَرْعِيًّا كَمَا فِي أَبِي السُّعُودِ ط. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُنْفَرِدًا) لِأَنَّهُ إنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ صَلَّى خَلْفَهُ مِنْ جُنُودِ اللَّهِ مَا لَا يَرَى طَرَفَاهُ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ. وَبِهَذَا وَنَحْوِهِ عُرِفَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي الْإِعْلَامِ، بَلْ كُلٌّ مِنْهُ وَمِنْ الْإِعْلَانِ بِهَذَا الذِّكْرِ نَشْرًا لِذِكْرِ اللَّهِ وَدِينِهِ فِي أَرْضِهِ، وَتَذْكِيرِ الْعِبَادِ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ الَّذِينَ لَا يُرَى شَخْصُهُمْ فِي الْفَلَوَاتِ فَتْحٌ وَفِي تَعْبِيرِ الشَّارِحِ بِالْمُنْفَرِدِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْإِمَامِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ وَلِذَا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْفَتَاوَى وَالْعَتَّابِيَّةِ: وَلَوْ أَذَّنَ وَأَقَامَ فِي الصَّحْرَاءِ وَهُوَ مُنْفَرِدٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُنْفَرِدِ فِي أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ التَّسْمِيعِ وَالتَّحْمِيدِ، وَكَذَا فِي الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا تَرْكُهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْكَرَاهَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْإِسَاءَةِ، وَإِلَّا فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْكَنْزِ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَدْبِهِ لِلْمُسَافِرِ وَلِلْمُصَلِّي فِي بَيْتِهِ فِي الْمِصْرِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ اهـ وَلِمَا عَلِمْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 لِحُضُورِ الرُّفْقَةِ (بِخِلَافِ مُصَلٍّ) وَلَوْ بِجَمَاعَةٍ (وَفِي بَيْتِهِ بِمِصْرٍ) أَوْ قَرْيَةٍ لَهَا مَسْجِدٌ؛ فَلَا يُكْرَهُ تَرْكُهُمَا إذْ أَذَانُ الْحَيِّ يَكْفِيهِ (أَوْ) مُصَلٍّ (فِي مَسْجِدٍ بَعْدَ صَلَاةِ جَمَاعَةٍ فِيهِ) بَلْ يُكْرَهُ فِعْلُهُمَا وَتَكْرَارُ الْجَمَاعَةِ إلَّا فِي مَسْجِدٍ عَلَى طَرِيقٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ جَوْهَرَةٌ. (أَقَامَ غَيْرُ مَنْ أَذَّنَ بِغَيْبَتِهِ) أَيْ الْمُؤَذِّنِ (لَا يُكْرَهُ مُطْلَقًا) وَإِنْ بِحُضُورِهِ كُرِهَ إنْ لَحِقَهُ وَحْشَةٌ،   [رد المحتار] مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِعْلَامَ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: لِحُضُورِ الرُّفْقَةِ) أَيْ إنْ كَانَ ثَمَّ جَمَاعَةٌ وَإِلَّا فَالْأَمْرُ أَظْهَرُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِجَمَاعَةٍ) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَوْ اكْتَفَوْا بِأَذَانِ النَّاسِ أَجْزَأَهُمْ وَقَدْ أَسَاءُوا فَفُرِّقَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: فِي بَيْتِهِ) أَيْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَلَدِ مِنْ الدَّارِ وَالْكَرْمِ وَغَيْرِهِمَا قُهُسْتَانِيٌّ. وَفِي التَّفَارِيقِ: وَإِنْ كَانَ فِي كَرْمٍ أَوْ ضَيْعَةٍ يَكْتَفِي بِأَذَانِ الْقَرْيَةِ أَوْ الْبَلْدَةِ إنْ كَانَ قَرِيبًا وَإِلَّا فَلَا. وَحَدُّ الْقُرْبِ أَنْ يَبْلُغَ الْأَذَانُ إلَيْهِ مِنْهَا اهـ إسْمَاعِيلُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُهُ بِالْفِعْلِ، تَأَمَّلْ. . (قَوْلُهُ: لَهَا مَسْجِدٌ) أَيْ فِيهِ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ، وَإِلَّا فَحُكْمُهُ كَالْمُسَافِرِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ. (قَوْلُهُ: إذْ أَذَانُ الْحَيِّ يَكْفِيهِ) لِأَنَّ أَذَانَ الْمَحَلَّةِ وَإِقَامَتَهَا كَأَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ نَائِبُ أَهْلِ الْمِصْرِ كُلِّهِمْ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ حِينَ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، حَيْثُ قَالَ: أَذَانُ الْحَيِّ يَكْفِينَا، وَمِمَّنْ رَوَاهُ سِبْطُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَتْحٌ: أَيْ فَيَكُونُ قَدْ صَلَّى بِهِمَا حُكْمًا، بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ صَلَّى بِدُونِهِمَا حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي هُوَ فِيهِ لَمْ يُؤَذَّنْ فِيهِ أَصْلًا لِتِلْكَ الصَّلَاةِ كَافِي. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْفِيهِ أَذَانُ الْحَيِّ وَإِقَامَتُهُ وَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ فِيهِ آخِرَ الْوَقْتِ تَأَمَّلْ، وَقَدْ عَلِمْت تَصْرِيحَ الْكَنْزِ بِنَدْبِهِ لِلْمُسَافِرِ وَلِلْمُصَلِّي فِي بَيْتِهِ فِي الْمِصْرِ، فَالْمَقْصُودُ مِنْ كِفَايَةِ أَذَانِ الْحَيِّ نَفْيُ الْكَرَاهَةِ الْمُؤْثَمَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤَذِّنُوا فِي الْحَيِّ يُكْرَهُ تَرْكُهُمَا لِلْمُصَلِّي فِي بَيْتِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُجْتَبَى، وَأَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ بَعْضُ الْمُسَافِرِينَ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: وَتَكْرَارُ الْجَمَاعَةِ) لِمَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ لِيُصْلِحَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ فَرَجَعَ وَقَدْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ بِجَمَاعَةٍ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَنْزِلِ بَعْضِ أَهْلِهِ فَجَمَعَ أَهْلَهُ فَصَلَّى بِهِمْ جَمَاعَةً» وَلَوْ لَمْ يُكْرَهْ تَكْرَارُ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ لَصَلَّى فِيهِ. وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ " أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا إذَا فَاتَتْهُمْ الْجَمَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ صَلَّوْا فِي الْمَسْجِدِ فُرَادَى " وَلِأَنَّ التَّكْرَارَ يُؤَدِّي إلَى تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إذَا عَلِمُوا أَنَّهُمْ تَفُوتُهُمْ الْجَمَاعَةُ يَتَعَجَّلُونَ فَتَكْثُرُ وَإِلَّا تَأَخَّرُوا. اهـ. بَدَائِعُ. وَحِينَئِذٍ فَلَوْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ الْمَسْجِدَ بَعْدَ مَا صَلَّى أَهْلُهُ فِيهِ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ وُحْدَانًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ظَهِيرِيَّةٌ. وَفِي آخِرِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ يُكْرَهُ التَّكْرَارُ وَإِلَّا فَلَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا لَمْ تَكُنْ عَلَى الْهَيْئَةِ الْأُولَى لَا تُكْرَهُ وَإِلَّا تُكْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَبِالْعُدُولِ عَنْ الْمِحْرَابِ تَخْتَلِفُ الْهَيْئَةُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَبِهِ نَأْخُذُ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْإِمَامَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ زِيَادَةُ كَلَامٍ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي مَسْجِدٍ عَلَى طَرِيقٍ) هُوَ مَا لَيْسَ لَهُ إمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ رَاتِبٌ فَلَا يُكْرَهُ التَّكْرَارُ فِيهِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ خَانِيَةٌ. (قَوْلُهُ: فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ الْأَفْضَلُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: جَوْهَرَةٌ) لَمْ أَرَهُ فِيهَا وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ لَحِقَهُ وَحْشَةٌ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ: كُرِهَ إنْ لَحِقَهُ وَحْشَةٌ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ خُوَاهَرْ زَادَهْ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الدُّرَرِ وَالْخَانِيَّةِ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ: إنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ يُكْرَهُ، وَجَوَابُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ مُطْلَقًا. اهـ. قُلْت: وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ فِي مَجْمَعِ الْآثَارِ مَعْزِيًّا إلَى أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ قَوْلِ الْمَجْمَعِ: وَلَا نَكْرَهُهَا مِنْ غَيْرِهِ، فَمَا فِي شَرْحِهِ لِابْنِ مَلَكٍ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ وَلَمْ يَرْضَ يُكْرَهُ اتِّفَاقًا فِيهِ نَظَرٌ. اهـ. وَكَذَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الْكَافِي مُعَلِّلًا بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ ذَكَرٌ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْتِيَ بِكُلِّ وَاحِدٍ رَجُلٌ آخَرُ، وَلَكِنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 كَمَا كُرِهَ مَشْيُهُ فِي إقَامَتِهِ. (وَيُجِيبُ) وُجُوبًا، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ نَدْبًا، وَالْوَاجِبُ الْإِجَابَةُ بِالْقَدَمِ (مَنْ سَمِعَ الْأَذَانَ) وَلَوْ جُنُبًا لَا حَائِضًا وَنُفَسَاءَ وَسَامِعَ خُطْبَةٍ وَفِي صَلَاةِ جِنَازَةٍ وَجِمَاعٍ، وَمُسْتَرَاحٍ وَأَكْلٍ وَتَعْلِيمِ عِلْمٍ وَتَعَلُّمِهِ،   [رد المحتار] الْأَفْضَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ هُوَ الْمُقِيمُ اهـ أَيْ لِحَدِيثِ «مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ» وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ. (قَوْلُهُ: كَمَا كُرِهَ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي رَوْضَةِ النَّاطِفِيِّ. وَاخْتَلَفُوا عِنْدَ إتْمَامِهَا: أَيْ عِنْدَ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، فَقِيلَ يُتِمُّهَا مَاشِيًا، وَقِيلَ فِي مَكَانِهِ إمَامًا كَانَ الْمُؤَذِّنُ أَوْ غَيْرَهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَقَصَرَ فِي السِّرَاجِ الْخِلَافَ عَلَى مَا إذَا كَانَ إمَامًا، فَلَوْ غَيْرَهُ يُتِمُّهَا فِي مَوْضِعِ الْبُدَاءَةِ بِلَا خِلَافٍ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ نَدْبًا إلَخْ) أَيْ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: إنَّ الْإِجَابَةَ بِاللِّسَانِ مَنْدُوبَةٌ وَالْوَاجِبَةُ هِيَ الْإِجَابَةُ بِالْقَدَمِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَقَوْلُهُ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ بِالْقَدَمِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَفِي الْمَسْجِدِ إذْ لَا مَعْنَى لِإِيجَابِ الذَّهَابِ دُونَ الصَّلَاةِ وَمَا فِي شَهَادَاتِ الْمُجْتَبَى: سَمِعَ الْأَذَانَ وَانْتَظَرَ الْإِقَامَةَ فِي بَيْتِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مُخَرَّجٌ عَلَى قَوْلِهِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَقَدْ سَأَلْت شَيْخَنَا الْأَخَ عَنْ هَذَا فَلَمْ يُبْدِ جَوَابًا اهـ. مَطْلَبٌ فِي كَرَاهَةِ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ أَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا كَانَ فِي زَمَنِ السَّلَفِ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَعَدَمِ تَكْرَارِهَا كَمَا هُوَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَمَنِ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ تَكْرَارَهَا مَكْرُوهٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ الْإِمَامِ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا، وَسَيَأْتِي أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْجَمَاعَةِ وَأَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَفْوِيتِهَا اتِّفَاقًا. وَحِينَئِذٍ يَجِبُ السَّعْيُ بِالْقَدَمِ لَا لِأَجْلِ الْأَدَاءِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ، بَلْ لِأَجْلِ إقَامَةِ الْجَمَاعَةِ وَإِلَّا لَزِمَ فَوْتُهَا أَصْلًا أَوْ تَكْرَارُهَا فِي مَسْجِدٍ إنْ وَجَدَ جَمَاعَةً أُخْرَى وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَكْرُوهٌ فَلِذَا قَالَ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ بِالْقَدَمِ. لَا يُقَالُ: يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْمَعَ بِأَهْلِهِ فِي بَيْتِهِ: فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ الْمَحْذُورِينَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ بِذَلِكَ لَا يَنَالُ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ وَأَنَّهُ يَكُونُ بِدْعَةً وَمَكْرُوهًا بِلَا عُذْرٍ، نَعَمْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَكْرَارُ الْجَمَاعَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ عَلَى الْهَيْئَةِ الْأُولَى وَسَيَأْتِي فِي الْإِمَامَةِ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَوْ جَمَعَ بِأَهْلِهِ لَا يُكْرَهُ وَيَنَالُ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ لَكِنَّ جَمَاعَةَ الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْفَرِيدَ، وَيَأْتِي لَهُ قَرِيبًا بَعْضُ مَزِيدٍ. (قَوْلُهُ: مَنْ سَمِعَ الْأَذَانَ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْمَعْ لِصَمَمٍ أَوْ لِبُعْدٍ أَنَّهُ لَا يُجِيبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْآتِي إذَا سَمِعْتُمْ الْأَذَانَ حَيْثُ عُلِّقَ عَلَى السَّمَاعِ، وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهُ الظَّاهِرُ، وَبِأَنَّهُ يُجِيبُ فِي جَمِيعِهِ إذَا لَمْ يَسْمَعْ إلَّا بَعْضَهُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ جُنُبًا) لِأَنَّ إجَابَةَ الْمُؤَذِّنِ لَيْسَتْ بِأَذَانٍ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ: لَا حَائِضًا وَنُفَسَاءَ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْإِجَابَةِ بِالْفِعْلِ فَكَذَا بِالْقَوْلِ إمْدَادٌ: أَيْ بِخِلَافِ الْجُنُبِ فَإِنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّ حَدَثَهُ أَخَفُّ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ لِإِمْكَانِ إزَالَتِهِ سَرِيعًا. (قَوْلُهُ: وَسَامِعَ خُطْبَةٍ) أَيِّ خُطْبَةٍ كَانَتْ ط، وَهَذَا وَمَا بَعْدَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ حَائِضًا. (قَوْلُهُ: وَفِي صَلَاةِ جِنَازَةٍ) سَقَطَ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ لَفْظُ صَلَاةٍ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى، وَعِبَارَةُ الْإِمْدَادِ: وَصَلَاةٍ وَلَوْ جِنَازَةً. (قَوْلُهُ: وَمُسْتَرَاحٍ) أَيْ بَيْتِ الْخَلَاءِ. (قَوْلُهُ: وَتَعْلِيمِ عِلْمٍ) أَيْ شَرْعِيٍّ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلِذَا عَبَّرَ فِي الْجَوْهَرَةِ بِقِرَاءَةِ الْفِقْهِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ قُرْآنٍ) لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ، جَوْهَرَةٌ، وَلَعَلَّهُ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْقِرَاءَةِ إنَّمَا هُوَ لِلْأَجْرِ فَلَا يَفُوتُ بِالْإِجَابَةِ، بِخِلَافِ التَّعَلُّمِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ يَقْرَأُ تَعْلِيمًا أَوْ تَعَلُّمًا لَا يَقْطَعُ سَائِحَانِيٌّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 بِخِلَافِ قُرْآنٍ (بِأَنْ يَقُولَ) بِلِسَانِهِ (كَمَقَالَتِهِ) إنْ سَمِعَ الْمَسْنُونَ مِنْهُ، وَهُوَ مَا كَانَ عَرَبِيًّا لَا لَحْنَ فِيهِ، وَلَوْ تَكَرَّرَ أَجَابَ الْأَوَّلَ (إلَّا فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ) فَيُحَوْقِلُ (وَفِي الصَّلَاةِ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ) فَيَقُولُ: صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ. وَيُنْدَبُ الْقِيَامُ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ بَزَّازِيَّةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ   [رد المحتار] [تَنْبِيهٌ] هَلْ يُجِيبُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ أَمْ لَا؟ يَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ فَنَعَمْ، وَإِنْ طَالَ فَلَا، أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي، لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْفَيْضِ أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ عَلَى الْمُؤَذِّنِ أَوْ الْمُصَلِّي أَوْ الْقَارِئِ أَوْ الْخَطِيبِ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ، بَلْ يَرُدُّ فِي نَفْسِهِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: يَرُدُّ بَعْدَهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا يَرُدُّ مُطْلَقًا، هُوَ الصَّحِيحُ، وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمُتَغَوِّطَ لَا يَلْزَمُهُ مُطْلَقًا اهـ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَمَقَالَتِهِ) أَيْ مِثْلِهَا فِي الْقَوْلِ لَا فِي الصِّفَةِ مِنْ رَفْعِ صَوْتٍ وَنَحْوِهِ. (قَوْلُهُ: إنْ سَمِعَ الْمَسْنُونَ مِنْهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا كَانَ مَسْنُونًا جَمِيعُهُ، فَمِنْ لِبَيَانِ الْجِنْسِ لَا لِلتَّبْعِيضِ، فَلَوْ كَانَ بَعْضُ كَلِمَاتِهِ غَيْرَ عَرَبِيٍّ أَوْ مَلْحُونًا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ أَذَانًا مَسْنُونًا، كَمَا لَوْ كَانَ كُلُّهُ كَذَلِكَ، أَوْ كَانَ قَبْلَ الْوَقْتِ، أَوْ مِنْ جُنُبٍ أَوْ امْرَأَةٍ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا كَانَ مَسْنُونًا مِنْ أَفْرَادِ كَلِمَاتِهِ، فَيُجِيبُ الْمَسْنُونَ مِنْهَا دُونَ غَيْرِهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ تَأَمَّلْ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ اسْتِمَاعَهُ وَالْإِصْغَاءَ إلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ سَمَاعُ الْمُؤَذِّنِ إذَا لَحَنَ كَالْقَارِئِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالْفَارِسِيَّةِ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ أَذَانٌ فِي الْأَصَحِّ بَقِيَ هَلْ يُجِيبُ أَذَانَ غَيْرِ الصَّلَاةِ كَالْأَذَانِ لِلْمَوْلُودِ؟ لَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا، وَالظَّاهِرُ نَعَمْ؛ وَلِذَا يَلْتَفِتُ فِي حَيْعَلَتِهِ كَمَا مَرَّ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ أَلْ فِيهِ لِلْعَهْدِ، وَهَلْ يُجِيبُ التَّرْجِيعَ إذَا سَمِعَهُ مِنْ شَافِعِيٍّ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ سُنَّةٌ؟ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ كَمَا تَرَدَّدَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فِيمَنْ سَمِعَ الْإِقَامَةَ مِنْ حَنَفِيٍّ يُثَنِّيهَا، وَاسْتَوْجَبَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يُجِيبُ فِي الزِّيَادَةِ كَمَا لَوْ زَادَ فِي الْأَذَانِ تَكْبِيرًا، لَكِنَّ قِيَاسَهُ عَلَى الزِّيَادَةِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِهَا، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَكَرَّرَ) أَيْ بِأَنْ أَذَّنَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، أَمَّا لَوْ سَمِعَهُمْ فِي آنٍ وَاحِدٍ مِنْ جِهَاتٍ فَسَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: أَجَابَ الْأَوَّلَ) سَوَاءٌ كَانَ مُؤَذِّنَ مَسْجِدِهِ أَوْ غَيْرَهُ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ بَحْثًا. وَيُفِيدُهُ مَا فِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَنْ التَّفَارِيقِ: إذَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَكْثَرُ مِنْ مُؤَذِّنٍ أَذَّنُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، فَالْحُرْمَةُ لِلْأَوَّلِ اهـ لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْإِجَابَةَ بِالْقَدَمِ، أَوْ عَلَى أَنَّ تَكْرَارَهُ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي غَيْرَ مَسْنُونٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ مَحَلَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ تَأَمَّلْ. وَيَظْهَرُ لِي إجَابَةُ الْكُلِّ بِالْقَوْلِ لِتَعَدُّدِ السَّبَبِ وَهُوَ السَّمَاعُ كَمَا اعْتَمَدَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ. (قَوْلُهُ: فَيُحَوْقِلُ) أَيْ يَقُولُ " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " وَزَادَ فِي عُمْدَةِ الْمُفْتِي " مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ " وَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا فِي الْكَافِي. وَفَصَّلَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِالْحَوْقَلَةِ مَكَانَ الصَّلَاةِ، وَبِالْمَشِيئَةِ مَكَانَ الْفَلَاحِ إسْمَاعِيلُ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ نُوحٌ أَفَنْدِي. ثُمَّ إنَّ الْإِتْيَانَ بِالْحَوْقَلَةِ وَإِنْ خَالَفَ ظَاهِرَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ» لَكِنَّهُ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ مُفَسِّرٌ لِذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَاخْتَارَ فِي الْفَتْحِ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا عَمَلًا بِالْأَحَادِيثِ، قَالَ: فَإِنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِهَا صَرِيحًا «إذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ إلَخْ» وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِهْزَاءَ لَا يَتِمُّ، إذْ لَا مَانِعَ مِنْ اعْتِبَارِهِ مُجِيبًا بِهِمَا دَاعِيًا نَفْسَهُ مُخَاطِبًا لَهَا، وَقَدْ رَأَيْنَا مِنْ مَشَايِخِ السُّلُوكِ مَنْ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَيَدْعُو نَفْسَهُ ثُمَّ يَتَبَرَّأُ مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ لِيَعْمَلَ بِالْحَدِيثَيْنِ، وَقَدْ أَطَالَ فِي ذَلِكَ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهِمَا. قُلْت: وَهُوَ مَذْهَبُ سُلْطَانِ الْعَارِفِينَ سَيِّدِي مُحْيِي الدِّينِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ. (قَوْلُهُ: فَيَقُولُ صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ الْأُولَى وَحُكِيَ فَتْحُهَا: أَيْ صِرْت ذَا بِرٍّ: أَيْ خَيْرٍ كَثِيرٍ، قِيلَ يَقُولُ لِلْمُنَاسَبَةِ، وَلِوُرُودِ خَبَرٍ فِيهِ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ. وَنَقَلَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ زِيَادَةٌ " وَبِالْحَقِّ نَطَقْتَ ". (قَوْلُهُ: بَزَّازِيَّةٌ) كَذَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ وَلَمْ أَرَهُ فِيهَا، فَلْتُرَاجَعْ نُسْخَةٌ أُخْرَى، نَعَمْ رَأَيْت فِيهَا سَمِعَ وَهُوَ يَمْشِي، فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقِفَ لِلْإِجَابَةِ لِيَكُونَ فِي مَكَان وَاحِدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ إلَخْ) هُوَ لِصَاحِبِ النَّهْرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 هَلْ يَسْتَمِرُّ إلَى فَرَاغِهِ أَوْ يَجْلِسُ، وَلَوْ لَمْ يُجِبْهُ حَتَّى فَرَغَ لَمْ أَرَهُ. وَيَنْبَغِي تَدَارُكُهُ إنْ قَصُرَ الْفَصْلُ، وَيَدْعُو عِنْدَ فَرَاغِهِ بِالْوَسِيلَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ حِينَ سَمِعَهُ لَيْسَ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ، وَلَوْ كَانَ خَارِجَهُ أَجَابَ) بِالْمَشْيِ إلَيْهِ (بِالْقَدَمِ، وَلَوْ أَجَابَ بِاللِّسَانِ لَا بِهِ لَا يَكُونُ مُجِيبًا) وَهَذَا (بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجَابَةَ الْمَطْلُوبَةَ بِقَدَمِهِ لَا بِلِسَانِهِ) كَمَا هُوَ قَوْلُ الْحَلْوَانِيِّ، وَعَلَيْهِ (فَيَقْطَعُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ لَوْ) كَانَ يَقْرَأُ (بِمَنْزِلِهِ، وَيُجِيبُ) لَوْ أَذَانَ مَسْجِدِهِ كَمَا يَأْتِي (وَلَوْ بِمَسْجِدٍ لَا)   [رد المحتار] قُلْت: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالْقِيَامِ الْإِجَابَةُ بِالْقَدَمِ. وَقَدْ أَخْرَجَ السُّيُوطِيّ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ بِسَنَدٍ فِيهِ مَقَالٌ «إذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُومُوا فَإِنَّهَا عَزْمَةٌ مِنْ اللَّهِ» " قَالَ شَارِحُهُ الْمُنَاوِيِّ: أَيْ اسْعَوْا إلَى الصَّلَاةِ، أَوْ الْمُرَادُ بِالنِّدَاءِ الْإِقَامَةُ. وَالْعَزْمَةُ بِالْفَتْحِ: الْأَمْرُ. (قَوْلُهُ: لَمْ أَرَهُ إلَخْ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ، حَيْثُ قَالَ: فَلَوْ سَكَتَ حَتَّى فَرَغَ كُلُّ الْأَذَانِ ثُمَّ أَجَابَ قَبْلَ فَاصِلٍ طَوِيلٍ كَفَى فِي أَصْلِ سُنَّةِ الْإِجَابَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. وَاسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُجِيبَ لَا يَسْبِقُ الْمُؤَذِّنَ بَلْ يُعَقِّبُ كُلَّ جُمْلَةٍ مِنْهُ بِجُمْلَةٍ مِنْهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ التَّنْصِيصُ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. قُلْت: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا تَكْفِي الْمُقَارَنَةُ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ يَعْقُبُ الْكَلَامَ بِخِلَافِ مُتَابَعَةِ الْمُقْتَدِي لِلْإِمَامِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَيَدْعُو إلَخْ) أَيْ بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ» " وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبِّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْته حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ فِي آخِرِهِ «إنَّك لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ» وَتَمَامُهُ فِي الْإِمْدَادِ وَالْفَتْحِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: وَزِيَادَةُ وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ وَخَتْمُهُ بِيَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ لَا أَصْلَ لَهُمَا. اهـ. [تَتِمَّةٌ] يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ عِنْدَ سَمَاعِ الْأُولَى مِنْ الشَّهَادَةِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَعِنْدَ الثَّانِيَةِ مِنْهَا: قَرَّتْ عَيْنِي بِك يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ بَعْدَ وَضْعِ ظُفْرَيْ الْإِبْهَامَيْنِ عَلَى الْعَيْنَيْنِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَكُونُ قَائِدًا لَهُ إلَى الْجَنَّةِ، كَذَا فِي كَنْزِ الْعِبَادِ. اهـ. قُهُسْتَانِيٌّ، وَنَحْوُهُ فِي الْفَتَاوَى الصُّوفِيَّةِ. وَفِي كِتَابِ الْفِرْدَوْسِ «مَنْ قَبَّلَ ظُفْرَيْ إبْهَامِهِ عِنْدَ سَمَاعِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فِي الْأَذَانِ أَنَا قَائِدُهُ وَمُدْخِلُهُ فِي صُفُوفِ الْجَنَّةِ» وَتَمَامُهُ فِي حَوَاشِي الْبَحْرِ لِلرَّمْلِيِّ عَنْ الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ لِلسَّخَاوِيِّ، وَذَكَرَ ذَلِكَ الْجِرَاحِيُّ وَأَطَالَ، ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْمَرْفُوعِ مِنْ كُلِّ هَذَا شَيْءٌ. وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْقُهُسْتَانِيَّ كَتَبَ عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ أَنَّ هَذَا مُخْتَصٌّ بِالْأَذَانِ، وَأَمَّا فِي الْإِقَامَةِ فَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ الِاسْتِقْصَاءِ التَّامِّ وَالتَّتَبُّعِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ إلَخْ) هُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ بِأَنْ يَقُولَ كَمَقَالَتِهِ ط. (قَوْلُهُ: أَجَابَ بِالْمَشْيِ إلَيْهِ) أَيْ لِئَلَّا تَفُوتَهُ الْجَمَاعَةُ فَيَأْثَمُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ إلَخْ ح. (قَوْلُهُ: الْمَطْلُوبَةَ) أَيْ طَلَبَ إيجَابٍ كَمَا قَدَّمَهُ. (قَوْلُهُ: لَا بِلِسَانِهِ) أَيْ لِأَنَّ الْإِجَابَةَ بِهِ مَنْدُوبَةٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: فَيَقْطَعُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُسَارَعَةُ لِلْإِجَابَةِ وَعَدَمُ الْقُعُودِ لِأَجْلِ الْقِرَاءَةِ لِإِخْلَالِ الْقُعُودِ بِالسَّعْيِ الْوَاجِبِ. وَإِلَّا فَلَا مَانِعَ مِنْ الْقِرَاءَةِ مَاشِيًا، إلَّا أَنْ يُرَادَ يَقْطَعُهَا نَدْبًا لِلْإِجَابَةِ بِاللِّسَانِ أَيْضًا، لَكِنْ لَا يُنَاسِبُهُ التَّفْرِيعُ وَلَا قَوْلُهُ وَلَوْ بِمَسْجِدٍ لَا. لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْحَلْوَانِيَّ قَائِلٌ بِنَسَبِهَا بِاللِّسَانِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَيُجِيبُ) أَيْ بِالْقَدَمِ. (قَوْلُهُ: لَوْ أَذَانَ مَسْجِدِهِ كَمَا يَأْتِي) أَيْ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة، هَذَا سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِمَسْجِدٍ لَا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 لِأَنَّهُ أَجَابَ بِالْحُضُورِ، وَهَذَا مُتَفَرِّعٌ عَلَى قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَيَقْطَعُ وَيُجِيبُ بِلِسَانِهِ مُطْلَقًا، وَالظَّاهِرُ وُجُوبُهَا بِاللِّسَانِ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ فِي حَدِيثِ «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ» كَمَا بَسَطَ فِي الْبَحْرِ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَوَّاهُ فِي النَّهْرِ نَاقِلًا عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ لَا يَرُدُّ السَّلَامَ وَلَا يُسَلِّمُ وَلَا يَقْرَأُ بَلْ يَقْطَعُهَا وَيُجِيبُ، وَلَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِ الْإِجَابَةِ. قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجِيبَ بِلِسَانِهِ اتِّفَاقًا فِي الْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ، وَأَنْ يُجِيبَ بِقَدَمِهِ اتِّفَاقًا فِي الْأَذَانِ الْأَوَّلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِوُجُوبِ السَّعْيِ بِالنَّصِّ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إنَّمَا يُجِيبُ أَذَانَ مَسْجِدِهِ. وَسَأَلَ ظَهِيرُ الدِّينِ عَمَّنْ سَمِعَهُ فِي آنٍ مِنْ جِهَاتٍ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ؟   [رد المحتار] أَيْ لَا يَجِبُ قَطْعُهَا بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، فَلَا يُنَافِي مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ إجَابَةَ اللِّسَانِ مَنْدُوبَةٌ عِنْدَ الْحَلْوَانِيِّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا مُتَفَرِّعٌ عَلَى قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ) تَكْرَارٌ مَحْضٌ مَعَ قَوْلِهِ وَعَلَيْهِ فَيَقْطَعُ إلَخْ ط. (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ وُجُوبُهَا بِاللِّسَانِ إلَخْ) كَذَا قَالَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَمْ تَظْهَرْ قَرِينَةٌ تَصْرِفُ الْأَمْرَ عَنْ الْوُجُوبِ. وَنَازَعَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِمَا فِي آخِرِ الْحَدِيثِ، مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ إلَخْ " لِأَنَّ مِثْلَهُ مِنْ التَّرْغِيبَاتِ فِي الثَّوَابِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمُسْتَحَبِّ غَالِبًا. اهـ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ إنَّمَا هُوَ لِلصَّلَاةِ وَسُؤَالُ الْوَسِيلَةِ لِإِجَابَةِ الْمُدَّعِي وُجُوبَهَا وَالْقِرَانُ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِدُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، نَعَمْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ شَرْحُ الْآثَارِ بِسَنَدِهِ إلَى «عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَسَمِعَ مُنَادِيًا وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْفِطْرَةِ، فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ مِنْ النَّارِ» " فَابْتَدَرْنَاهُ فَإِذَا صَاحِبُ مَاشِيَةٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَنَادَى بِهَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ غَيْرُ مَا قَالَ الْمُنَادِي، فَدَلَّ أَنَّ الْأَمْرَ لِلِاسْتِحْبَابِ وَالنَّدْبَ كَأَمْرِهِ بِالدُّعَاءِ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ وَنَحْوِهِ اهـ فَهَذِهِ قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ لِلْأَمْرِ عَنْ الْوُجُوبِ، وَبِهِ تَأَيَّدَ مَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ بِاللِّسَانِ وَأَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي تَرْجِيحِ قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْخَانِيَّةِ وَالْفَيْضِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا سَمِعْت النِّدَاءَ فَأَجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ» وَفِي رِوَايَةٍ " فَأَجِبْ، وَعَلَيْك السَّكِينَةُ " وَيَكْفِي فِي تَرْجِيحِهِ الْأَدِلَّةُ عَلَى وُجُوبِ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّك عَلِمْت أَنَّ قَوْلَ الْحَلْوَانِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْإِجَابَةَ لِقَصْدِ الْجَمَاعَةِ. وَاَلَّذِي يَنْبَغِي تَحْرِيرُهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ أَنَّ الْإِجَابَةَ بِاللِّسَانِ مُسْتَحَبَّةٌ وَأَنَّ الْإِجَابَةَ بِالْقَدَمِ وَاجِبَةٌ إنْ لَزِمَ مِنْ تَرْكِهَا تَفْوِيتُ الْجَمَاعَةِ، وَإِلَّا بِأَنْ أَمْكَنَهُ إقَامَتُهَا بِجَمَاعَةٍ ثَانِيَةٍ فِي الْمَسْجِدِ أَوَّلَ بَيْتِهِ لَا تَجِبُ، بَلْ تُسْتَحَبُّ مُرَاعَاةً لِأَوَّلِ الْوَقْتِ وَالْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ فِي الْمَسْجِدِ بِلَا تَكْرَارٍ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوَّاهُ، وَلَوْ قَالَ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى ط. أَقُولُ: نَعَمْ قَوَّاهُ فِي النَّهْرِ بِمَا أَوْرَدَهُ عَلَى قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ مِنْ الْإِشْكَالِ بِلُزُومِ الْأَدَاءِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَفِي الْمَسْجِدِ، وَقَدْ عَلِمْت انْدِفَاعَهُ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ بِاللِّسَانِ. (قَوْلُهُ: لَا يَرُدُّ السَّلَامَ) لَمْ أَرَهُ فِي النَّهْرِ، وَإِنَّمَا رَأَيْته فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: وَفِي التُّحْفَةِ: وَيَنْبَغِي لِلسَّامِعِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ وَلَا يَشْتَغِلَ بِشَيْءٍ فِي حَالَةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا يَرُدَّ السَّلَامَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُخِلُّ بِالنَّظْمِ. اهـ. أَقُولُ: يَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَرُدُّ السَّلَامَ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ، أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَإِلَّا لَزِمَ وُجُوبُ ذَلِكَ فِي الْإِقَامَةِ مَعَ أَنَّ أَصْلَ إجَابَةِ الْإِقَامَةِ مُسْتَحَبَّةٌ كَمَا يَأْتِي فَضْلًا عَنْ وُجُوبِ مَا ذُكِرَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي الْإِجَابَةَ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجِيبَ ثُمَّ يَرُدَّ السَّلَامَ، أَوْ يُسَلِّمَ مَثَلًا عِنْدَ سَكَتَاتِ الْمُؤَذِّنِ، لَكِنَّهُ لَا يَنْبَغِي؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالنَّظْمِ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 قَالَ: إجَابَةُ أَذَانِ مَسْجِدِهِ بِالْفِعْلِ. (وَيُجِيبُ الْإِقَامَةَ) نَدْبًا إجْمَاعًا (كَالْأَذَانِ) وَيَقُولُ عِنْدَ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ: أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا (وَقِيلَ لَا) يُجِيبُهَا، وَبِهِ جَزَمَ الشُّمُنِّيُّ. [فُرُوعٌ] صَلَّى السُّنَّةَ بَعْدَ الْإِقَامَةِ أَوْ حَضَرَ الْإِمَامُ بَعْدَهَا لَا يُعِيدُهَا بَزَّازِيَّةٌ. وَيَنْبَغِي إنْ طَالَ الْفَصْلُ أَوْ وَجَدَ مَا يُعَدُّ قَاطِعًا كَأَكْلٍ أَنْ تُعَادَ. دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْمُؤَذِّنُ يُقِيمُ قَعَدَ إلَى قِيَامِ الْإِمَامِ فِي مُصَلَّاهُ. رَئِيسُ الْمَحَلَّةِ لَا يَنْتَظِرُ مَا لَمْ يَكُنْ شِرِّيرًا وَالْوَقْتُ مُتَّسِعٌ. يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي مَسْجِدَيْنِ وِلَايَةُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِبَانِي الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا وَكَذَا الْإِمَامَةُ لَوْ عَدْلًا.   [رد المحتار] إجَابَةٌ لَا حَشْوَ فِيهَا، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا لَمْ يَجِبْ رَدُّ السَّلَامِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يَنَالُ الْإِجَابَةَ أَوْ قُلْنَا بِعَدَمِ وُجُوبِهَا؛ لِأَنَّ السَّلَامَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ كَالسَّلَامِ عَلَى الْقَارِئِ وَالْمُؤَذِّنِ، فَلِذَا لَمْ يَجِبْ رَدُّهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: قَالَ) أَيْ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: إنَّمَا يُجِيبُ أَذَانَ مَسْجِدِهِ) أَيْ بِالْقَدَمِ، وَهُوَ مُتَفَرِّعٌ عَلَى قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ سَابِقًا بِقَوْلِهِ كَمَا يَأْتِي ط. (قَوْلُهُ: قَالَ إجَابَةُ أَذَانِ مَسْجِدِهِ بِالْفِعْلِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ إذْ مَقْصُودُ السَّائِلِ: أَيُّ مُؤَذِّنٍ يُجِيبُ بِاللِّسَانِ اسْتِحْبَابًا أَوْ وُجُوبًا، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي إجَابَةُ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ كَانَ مُؤَذِّنَ مَسْجِدِهِ أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنْ سَمِعَهُمْ مَعًا أَجَابَ مُعْتَبِرًا كَوْنَ إجَابَتِهِ لِمُؤَذِّنِ مَسْجِدِهِ، وَلَوْ لَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ جَازَ، وَإِنَّمَا فِيهِ مُخَالَفَةُ الْأَوْلَى اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ عُدُولَ الْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ إلَى مَا قَالَ مِنْ بَابِ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ مَيْلًا مِنْهُ إلَى مَذْهَبِ الْحَلْوَانِيِّ، ثُمَّ رَأَيْت الرَّحْمَتِيَّ أَجَابَ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: إجْمَاعًا) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ نَدْبًا: أَيْ إنَّ الْقَائِلِينَ بِإِجَابَتِهَا أَجْمَعُوا عَلَى النَّدْبِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالْوُجُوبِ كَمَا قِيلَ فِي الْأَذَانِ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ وَقِيلَ لَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَيَقُولُ إلَخْ) أَيْ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِزِيَادَةِ «مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَجَعَلَنِي مِنْ صَالِحِي أَهْلِهَا» . (قَوْلُهُ: وَبِهِ جَزَمَ الشُّمُنِّيُّ) حَيْثُ قَالَ: وَمَنْ سَمِعَ الْإِقَامَةَ لَا يُجِيبُ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالدُّعَاءِ. اهـ. وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْخُلَاصَةِ. لَيْسَ عَلَيْهِ جَوَابُ الْإِقَامَةِ أَوْ الْمُرَادُ إذَا سَمِعَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ لَا يُجِيبُ بِلَفْظِهَا، أَفَادَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي إلَخْ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ. أَقُولُ: قَالَ فِي آخِرِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ: أَقَامَ الْمُؤَذِّنُ وَلَمْ يُصَلِّ الْإِمَامُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ يُصَلِّيهِمَا وَلَا تُعَادُ الْإِقَامَةُ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ إذَا لَمْ يَقْطَعْهَا قَاطِعٌ مِنْ كَلَامٍ كَثِيرٍ أَوْ عَمَلٍ كَثِيرٍ مِمَّا يَقْطَعُ الْمَجْلِسَ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ اهـ (قَوْلُهُ: قَعَدَ) وَيُكْرَهُ لَهُ الِانْتِظَارُ قَائِمًا، وَلَكِنْ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ إذَا بَلَغَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ انْتَهَى هِنْدِيَّةٌ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ. (قَوْلُهُ: فِي مَسْجِدَيْنِ) لِأَنَّهُ إذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ يَكُونُ مُتَنَفِّلًا بِالْأَذَانِ فِي الْمَسْجِدِ الثَّانِي وَالتَّنَفُّلُ بِالْأَذَانِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ؛ وَلِأَنَّ الْأَذَانَ لِلْمَكْتُوبَةِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ الثَّانِي يُصَلِّي النَّافِلَةَ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ النَّاسَ إلَى الْمَكْتُوبَةِ وَهُوَ لَا يُسَاعِدُهُمْ فِيهَا. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ عَدْلًا أَوْ لَا. وَفِي الْأَشْبَاهِ: وَلَدُ الْبَانِي وَعَشِيرَتُهُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ اهـ وَسَيَجِيءُ فِي الْوَقْفِ أَنَّ الْقَوْمَ إذَا عَيَّنُوا مُؤَذِّنًا وَإِمَامًا وَكَانَ أَصْلَحَ مِمَّا نَصَّبَهُ الْبَانِي فَهُوَ أَوْلَى، وَذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ النَّوَازِلِ وَأَقَرَّهُ. اهـ. مَدَنِيٌّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 الْأَفْضَلُ كَوْنُ الْإِمَامِ هُوَ الْمُؤَذِّنُ. وَفِي الضِّيَاءِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَذَّنَ فِي سَفَرٍ بِنَفْسِهِ وَأَقَامَ وَصَلَّى الظُّهْرَ» وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِي الْخَزَائِنِ. بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ هِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: شَرْطُ انْعِقَادٍ: كَنِيَّةٍ، وَتَحْرِيمَةٍ، وَوَقْتٍ، وَخُطْبَةٍ: وَشُرُوطُ دَوَامٍ، كَطَهَارَةٍ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ، وَاسْتِقْبَالِ قِبْلَةٍ. وَشَرْطُ بَقَاءٍ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَقَدُّمٌ وَلَا مُقَارَنَةٌ بِابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ، فَإِنَّهُ رُكْنٌ فِي نَفْسِهِ شَرْطٌ فِي غَيْرِهِ   [رد المحتار] مَطْلَبُ هَلْ بَاشَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَذَانَ بِنَفْسِهِ؟ . (قَوْلُهُ: الْأَفْضَلُ إلَخْ) أَيْ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَوْلَا الْخِلَافَةُ لَأَذَّنْت: أَيْ مَعَ الْإِمَامَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَفِي السِّرَاجِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يُبَاشِرُ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ بِنَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِي الْخَزَائِنِ) حَيْثُ قَالَ بَعْدَمَا هُنَا: هَذَا وَفِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِابْنِ حَجَرٍ وَمِمَّا يَكْثُرُ السُّؤَالُ عَنْهُ: هَلْ بَاشَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَذَانَ بِنَفْسِهِ. وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَذَّنَ فِي سَفَرٍ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ» وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَقَوَّاهُ، وَلَكِنْ وُجِدَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ «فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ» فَعُلِمَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ اخْتِصَارًا، وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ، أَذَّنَ أَمَرَ بِلَالًا كَمَا يُقَالُ أَعْطَى الْخَلِيفَةُ الْعَالِمَ الْفُلَانِيَّ كَذَا وَإِنَّمَا بَاشَرَ الْعَطَاءَ غَيْرُهُ اهـ. [بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ] أَيْ شُرُوطِ جَوَازِهَا وَصِحَّتِهَا، لَا شُرُوطِ الْوُجُوبِ: كَالتَّكْلِيفِ وَالْقُدْرَةِ وَالْوَقْتِ، وَلَا شَرْطِ الْوُجُودِ كَالْقُدْرَةِ الْمُقَارِنَةِ لِلْفِعْلِ، وَالْمُرَادُ أَيْضًا الشُّرُوطُ الشَّرْعِيَّةُ لَا الْعَقْلِيَّةُ كَالْحَيَاةِ لِلْعِلْمِ، وَلَا الْجَعْلِيَّةُ كَدُخُولِ الدَّارِ الْمُعَلَّقِ بِهِ الطَّلَاقُ (قَوْلُهُ هِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ إلَخْ) كَذَا قَرَّرَهُ فِي السِّرَاجِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ شَرْطَ الِانْعِقَادِ مَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهَا أَوْ مُقَارِنًا لَهَا سَوَاءٌ اسْتَمَرَّ إلَى آخِرِهَا أَمْ لَا، فَالْوَقْتُ وَالْخُطْبَةُ مُتَقَدِّمَانِ عَلَيْهَا، وَالنِّيَّةُ وَالتَّحْرِيمَةُ مُقَارِنَانِ لَهَا. وَأَمَّا شَرْطُ الدَّوَامِ فَهُوَ مَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ مُسْتَمِرًّا إلَى آخِرِهَا. وَأَمَّا شَرْطُ الْبَقَاءِ فَقَدْ فَسَّرَهُ فِي السِّرَاجِ بِمَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ حَالَةَ الْبَقَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَدُّمُ وَلَا الْمُقَارَنَةُ اهـ أَيْ فَقَدْ يُوجَدُ فِيهِ التَّقَدُّمُ وَالْمُقَارَنَةُ، وَقَدْ لَا يُوجَدُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْأَقْسَامَ مُتَدَاخِلَةٌ وَبَيْنَهَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ، فَتَجْتَمِعُ فِي الطَّهَارَةِ وَالسَّتْرِ وَالِاسْتِقْبَالِ فَإِنَّهَا مِنْ حَيْثُ اشْتِرَاطُ وُجُودِهَا فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ شَرْطُ انْعِقَادٍ، وَمِنْ حَيْثُ اشْتِرَاطُ دَوَامِهَا أَيْضًا شَرْطُ دَوَامٍ، وَمِنْ حَيْثُ اشْتِرَاطُ وُجُودِهَا فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ شَرْطُ بَقَاءٍ، وَتَجْتَمِعُ أَيْضًا فِي الْوَقْتِ بِالنِّسْبَةِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي ابْتِدَائِهَا وَانْتِهَائِهَا وَحَالَةِ الْبَقَاءِ، حَتَّى لَوْ خَرَجَ قَبْلَ تَمَامِهَا بَطَلَتْ. وَيَنْفَرِدُ شَرْطُ الِانْعِقَادِ عَنْ شَرْطِ الدَّوَامِ وَعَنْ شَرْطِ الْبَقَاءِ فِي الْوَقْتِ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهُ شَرْطُ انْعِقَادٍ فَقَطْ إذْ لَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهُ وَلَا وُجُودُهُ حَالَةَ الْبَقَاءِ. وَيَنْفَرِدُ شَرْطُ الْبَقَاءِ فِي الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ يَحْدُثُ فِي أَثْنَائِهَا وَيَسْتَمِرُّ إلَى انْتِهَائِهَا، وَمِثْلُهَا رِعَايَةُ التَّرْتِيبِ فِي فِعْلٍ غَيْرِ مُكَرَّرٍ كَالْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ، حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً أَوْ تِلَاوِيَّةً فَأَتَى بِهَا بَعْدَ الْقَعْدَةِ لَزِمَهُ إعَادَتُهَا (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ رُكْنٌ فِي نَفْسِهِ إلَخْ) كَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الرُّكْنَ مَا كَانَ دَاخِلَ الْمَاهِيَّةِ، وَالشَّرْطَ مَا كَانَ خَارِجًا عَنْهَا وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ. وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ كَوْنِهِ شَرْطًا فِي غَيْرِهِ بِسَبَبِ وُجُودِهِ فِي كُلِّ الْأَرْكَانِ تَقْدِيرًا، لِأَنَّ كُلَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 لِوُجُودِهِ فِي كُلِّ الْأَرْكَانِ تَقْدِيرًا، وَلِذَا لَمْ يَجُزْ اسْتِخْلَافُ الْأُمِّيِّ. ثُمَّ الشَّرْطُ لُغَةً الْعَلَامَةُ اللَّازِمَةُ. وَشَرْعًا مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ (هِيَ) سِتَّةٌ (طَهَارَةُ بَدَنِهِ) أَيْ جَسَدِهِ لِدُخُولِ الْأَطْرَافِ فِي الْجَسَدِ دُونَ الْبَدَنِ فَلْيُحْفَظْ (مِنْ حَدَثٍ) بِنَوْعَيْهِ، وَقَدَّمَهُ لِأَنَّهُ أَغْلَظُ (وَخَبَثٍ) مَانِعٍ كَذَلِكَ (وَثَوْبِهِ) وَكَذَا مَا يَتَحَرَّك بِحَرَكَتِهِ أَوْ يُعَدُّ حَامِلًا لَهُ كَصَبِيٍّ عَلَيْهِ نَجَسٌ إنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ بِنَفْسِهِ مَنَعَ وَإِلَّا لَا   [رد المحتار] رُكْنٍ كَذَلِكَ، نَعَمْ قَسَّمُوا الرُّكْنَ إلَى أَصْلِيٍّ وَزَائِدٍ، وَهُوَ مَا قَدْ يَسْقُطُ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَمَثَّلُوا لَهُ بِالْقِرَاءَةِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ عَنْ الْمُقْتَدِي فَسُمِّيَتْ رُكْنًا فِي حَالَةٍ أُخْرَى وَزَائِدًا فِي حَالَةٍ أُخْرَى، لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَاهِيَّةٌ اعْتِبَارِيَّةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَعْتَبِرَهَا الشَّارِعُ تَارَةً بِأَرْكَانٍ وَأُخْرَى بِأَقَلَّ مِنْهَا (قَوْلُهُ لِوُجُودِهِ) أَيْ الْقِرَاءَةِ وَذُكِرَ بِاعْتِبَارِ الشَّرْطِ، وَهُوَ عِلَّةٌ لِكَوْنِهِ شَرْطًا ط (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ اسْتِخْلَافُ الْأُمِّيِّ) أَيْ وَلَوْ فِي التَّشَهُّدِ لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرْطِ فِيهِ. وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ مَفْقُودٌ فِي الْمَأْمُومِ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ حُكْمًا، لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ ط (قَوْلُهُ ثُمَّ الشَّرْطُ إلَخْ) أَيْ بِالسُّكُونِ وَجَمْعُهُ شُرُوطٌ، وَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَجَمْعُهُ أَشْرَاطٌ، وَمِنْهُ - {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18]- وَقَدْ فُسِّرَ الْأَوَّلُ فِي الْقَامُوسِ بِإِلْزَامِ الشَّيْءِ وَالْتِزَامِهِ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَالثَّانِي بِالْعَلَامَةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُفَسَّرُ لُغَةً بِالْعَلَامَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الصِّحَاحِ أَيْضًا، وَالْمَنْقُولُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ عَنْ اللُّغَةِ خِلَافُهُ، وَلَعَلَّ الْفُقَهَاءَ وَقَفُوا عَلَى تَفْسِيرِهِ بِذَلِكَ، وَبَعْضُهُمْ عَبَّرَ بِالشَّرَائِطِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ جَمْعُ شَرِيطَةٍ: وَهِيَ مَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ. وَوَقَعَ فِي النَّهْرِ هُنَا وَهْمٌ فَاجْتَنِبْهُ (قَوْلُهُ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالشَّيْءِ إمَّا أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي مَاهِيَّةٍ فَيُسَمَّى رُكْنًا كَالرُّكُوعِ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ خَارِجًا عَنْهُ، فَإِمَّا أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ كَعَقْدِ النِّكَاحِ لِلْحِلِّ فَيُسَمَّى عِلَّةً، أَوْ لَا يُؤَثِّرُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُوَصِّلًا إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ كَالْوَقْتِ فَيُسَمَّى سَبَبًا، أَوْ لَا يُوَصِّلُ إلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ يَتَوَقَّفَ الشَّيْءُ عَلَيْهِ كَالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ فَيُسَمَّى شَرْطًا أَوْ لَا يَتَوَقَّفُ كَالْأَذَانِ فَيُسَمَّى عَلَامَةً كَمَا بَسَطَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ وَلَا يُؤَثِّرَ فِيهِ وَلَا يُوَصِّلَ إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ هِيَ سِتَّةٌ) ذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ: فَإِنَّ مِنْهَا الْقِرَاءَةَ عَلَى مَا مَرَّ، وَتَقْدِيمَهَا عَلَى الرُّكُوعِ، وَالرُّكُوعَ عَلَى السُّجُودِ، وَمُرَاعَاةَ مَقَامِ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي، وَعَدَمَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ لِذِي تَرْتِيبٍ، وَعَدَمَ مُحَاذَاةِ امْرَأَةٍ. اهـ. قُلْت: وَكَذَا مِنْهَا الْوَقْتُ كَمَا مَرَّ. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَقَدْ تُرِكَ ذِكْرُهُ فِي عِدَّةٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ كَالْقُدُورِيِّ وَالْمُخْتَارِ وَالْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ مَعَ ذِكْرِهِمْ لَهُ أَوَّلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ ذِكْرُهُ هُنَا لِيَتَنَبَّهَ الْمُتَعَلِّمُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الشُّرُوطِ كَمَا فِي مُقَدِّمَةِ أَبِي اللَّيْثِ وَمُنْيَةِ الْمُصَلِّي، وَكَذَا يُشْتَرَطُ اعْتِقَادُ دُخُولِهِ، فَلَوْ شَكَّ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ. اهـ. (قَوْلُهُ لِدُخُولِ الْأَطْرَافِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِتَفْسِيرِ الْبَدَنِ بِالْجَسَدِ تَفْسِيرَ مُرَادٍ، لِأَنَّ الْبَدَنَ اسْمٌ لِمَا سِوَى الرَّأْسِ وَالْأَطْرَافِ كَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَغْلَظُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَلِيلٌ يُعْفَى عَنْهُ بِخِلَافِ الْخَبَثِ. قَالَ ط: وَإِنَّمَا صَرْفُ الْمَاءِ الْكَافِي لِأَحَدِهِمَا لِلْخَبَثِ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ الطَّهَارَتَيْنِ: الْمَائِيَّةِ فِي الْخَبَثِ، وَالتُّرَابِيَّةِ فِي الْحَدَثِ (قَوْلُهُ كَذَلِكَ) أَيْ بِنَوْعَيْهِ: وَهُمَا الْغَلِيظَةُ وَالْخَفِيفَةُ ح (قَوْلُهُ وَثَوْبِهِ) أَرَادَ مَا لَابَسَ الْبَدَنَ، فَدَخَلَ الْقَلَنْسُوَةُ وَالْخُفُّ وَالنَّعْلُ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ وَكَذَا مَا) أَيْ شَيْءٌ مُتَّصِلٌ بِهِ يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ كَمِنْدِيلٍ طَرَفُهُ عَلَى عُنُقِهِ وَفِي الْآخَرِ نَجَاسَةٌ مَانِعَةٌ إنْ تَحَرَّكَ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ بِحَرَكَاتِ الصَّلَاةِ مَنَعَ وَإِلَّا، بِخِلَافِ مَا لَمْ يَتَّصِلْ كَبِسَاطٍ طَرَفُهُ نَجَسٌ وَمَوْضِعُ الْوُقُوفِ وَالْجَبْهَةِ طَاهِرٌ فَلَا يَمْنَعُ مُطْلَقًا أَفَادَهُ ح عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ (قَوْلُهُ كَصَبِيٍّ) أَيْ وَكَسَقْفٍ وَظُلَّةٍ وَخَيْمَةٍ نَجِسَةٍ تُصِيبُ رَأْسَهُ إذَا وَقَفَ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ) الْأَوْلَى حَذْفُ إنْ وَجَوَابِهَا لِأَنَّهُ تَمْثِيلٌ لِلْمَحْمُولِ، فَحَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ كَصَبِيٍّ عَلَيْهِ نَجَسٌ لَا يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ ط (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 كَجُنُبٍ وَكَلْبٍ إنْ شَدَّ فَمَه فِي الْأَصَحِّ (وَمَكَانِهِ) أَيْ مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا إنْ رَفَعَ الْأُخْرَى وَمَوْضِعِ سُجُودِهِ اتِّفَاقًا فِي الْأَصَحِّ، لَا مَوْضِعِ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ عَلَى الظَّاهِرِ إلَّا إذَا سَجَدَ عَلَى كَفِّهِ كَمَا سَيَجِيءُ (مِنْ الثَّانِي) أَيْ الْخَبَثِ، - {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4]- فَبَدَنُهُ وَمَكَانُهُ أَوْلَى   [رد المحتار] وَإِنْ كَانَ يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ لَا يَمْنَعُ لِأَنَّ حَمْلَ النَّجَاسَةِ حِينَئِذٍ يُنْسَبُ إلَيْهِ لَا إلَى الْمُصَلِّي (قَوْلُهُ كَجُنُبٍ) تَنْظِيرٌ لَا تَمْثِيلٌ، أَيْ فَإِنَّ الْجَنَابَةَ أَيْضًا تُنْسَبُ إلَى الْمَحْمُولِ لَا إلَى الْمُصَلِّي، وَلَوْ كَانَ تَمْثِيلًا لَلَزِمَ اشْتِرَاطُ أَنْ يَكُونَ الْجُنُبُ مُسْتَمْسِكًا بِنَفْسِهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ زَمِنًا مَثَلًا مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ نَجَسٍ حَقِيقَةً، فَلَوْ حَمَلَ الْمُصَلِّي جُنُبًا لَا يَمْنَعُ صَلَاتَهُ مُطْلَقًا لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ حُكْمِيَّةٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَكَلْبٍ إنْ شَدَّ فَمَه) لَوْ قَالَ وَكَلْبٍ إنْ لَمْ يَسِلْ مِنْهُ مَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ عَدَمَ السَّيَلَانِ أَوْ سَالَ مِنْهُ دُونَ الْقَدْرِ الْمَانِعِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَإِنْ لَمْ يَشُدَّ فَمَه أَفَادَهُ ح وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ قُبَيْلَ فَصْلِ الْبِئْرِ عَنْ الْحِلْيَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ جَلَسَ عَلَى الْمُصَلِّي صَبِيٌّ ثَوْبُهُ نَجَسٌ وَهُوَ يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ أَوْ حَمَامٌ نَجَسٌ جَازَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الَّذِي عَلَى الْمُصَلِّي مُسْتَعْمِلٌ لِلنَّجَسِ، فَلَمْ يَصِرْ الْمُصَلِّي حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ اهـ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْكَلْبِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَرْجَحِ التَّصْحِيحَيْنِ، مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ، بَلْ هُوَ طَاهِرُ الظَّاهِرِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ سِوَى الْخِنْزِيرِ فَلَا يَنْجُسُ إلَّا بِالْمَوْتِ وَنَجَاسَةُ بَاطِنِهِ فِي مَعْدِنِهَا فَلَا يَظْهَرُ حُكْمُهَا كَنَجَاسَةِ بَاطِنِ الْمُصَلِّي، كَمَا لَوْ صَلَّى حَامِلًا بَيْضَةً مَذِرَةٍ صَارَ مُحُّهَا دَمًا جَازَ لِأَنَّهُ فِي مَعْدِنِهِ، وَالشَّيْءُ مَا دَامَ فِي مَعْدِنِهِ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَمَلَ قَارُورَةً مَضْمُومَةً فِيهَا بَوْلٌ فَلَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَعْدِنِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) رَدٌّ لِمَنْ يَقُولُ بِمَنْعِ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَكَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى نَجَاسَةِ عَيْنِهِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَمَكَانِهِ) فَلَا تَمْنَعُ النَّجَاسَةُ فِي طَرَفِ الْبِسَاطِ وَلَوْ صَغِيرًا فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ كَانَ رَقِيقًا وَبَسَطَهُ عَلَى مَوْضِعٍ نَجَسٍ، إنْ صَلُحَ سَاتِرًا لِلْعَوْرَةِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ. وَفِي الْقُنْيَةِ: لَوْ صَلَّى عَلَى زُجَاجٍ يَصِفُ مَا تَحْتَهُ قَالُوا جَمِيعًا يَجُوزُ. اهـ. وَأَمَّا لَوْ صَلَّى عَلَى لَبِنَةٍ أَوْ آجُرَّةٍ أَوْ خَشَبَةٍ غَلِيظَةٍ أَوْ ثَوْبٍ مَخِيطٍ مُضَرَّبٍ أَوْ غَيْرِ مُضَرَّبٍ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ أَيْ مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ) هَذَا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ بَحْرٌ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ تَقَعُ ثِيَابُهُ عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ عِنْدَ السُّجُودِ لَا يَضُرُّ (قَوْلُهُ إنْ رَفَعَ الْأُخْرَى) أَيْ الَّتِي تَحْتَهَا نَجَاسَةٌ مَانِعَةٌ (قَوْلُهُ اتِّفَاقًا فِي الْأَصَحِّ) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الْإِمَامِ: لَا يُشْتَرَطُ طَهَارَةُ مَوْضِعِ السُّجُودِ. اهـ ح أَيْ بِنَاءً عَلَى رِوَايَةِ جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَنْفِ فِي السُّجُودِ، فَلَا يُشْتَرَطُ طَهَارَةُ مَوْضِعِ الْأَنْفِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ الدِّرْهَمِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، لَكِنْ لَوْ سَجَدَ عَلَى نَجَسٍ، فَعِنْدَهُمَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَفْسُدُ السَّجْدَةُ، فَإِذَا أَعَادَهَا عَلَى طَاهِرٍ صَحَّتْ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا، وَالْأَوْلَى ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي: قَالَ فِي الْعُيُونِ: هَذِهِ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ اهـ. وَفِي الْبَحْرِ: وَاخْتَارَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ، وَصَحَّحَهُ فِي الْعُيُونِ اهـ. وَفِي النَّهْرِ: وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِإِطْلَاقِ عَامَّةِ الْمُتُونِ، وَأَيَّدَهُ بِكَلَامِ الْخَانِيَّةِ. قُلْت: وَصَحَّحَهُ فِي مَتْنِ الْمَوَاهِبِ وَنُورِ الْإِيضَاحِ وَالْمُنْيَةِ وَغَيْرِهَا، فَكَانَ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ اتِّصَالَ الْعُضْوِ بِالنَّجَاسَةِ بِمَنْزِلَةِ حَمْلِهَا وَإِنْ كَانَ وَضْعُ ذَلِكَ الْعُضْوِ لَيْسَ بِفَرْضٍ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا سَجَدَ عَلَى كَفِّهِ) فَيُشْتَرَطُ طَهَارَةُ مَا تَحْتَهُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ يَدِهِ بَلْ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ السُّجُودِ ط أَيْ كَمَا إذَا سَجَدَ عَلَى كُمِّهِ وَتَحْتَهُ نَجَاسَةٌ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ ح (قَوْلُهُ مِنْ الثَّانِي) زِيَادَةُ تَوْضِيحٍ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَمْ يَذْكُرْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 لِأَنَّهُمَا أَلْزَمُ (وَ) الرَّابِعُ (سَتْرُ عَوْرَتِهِ) وَوُجُوبُهُ عَامٌّ وَلَوْ فِي الْخَلْوَةِ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَلَهُ لُبْسُ ثَوْبٍ نَجَسٍ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ (وَهِيَ لِلرَّجُلِ مَا تَحْتَ سُرَّتِهِ إلَى مَا تَحْتَ رُكْبَتِهِ) وَشَرَطَ أَحْمَدُ سَتْرَ أَحَدِ مَنْكِبَيْهِ أَيْضًا. وَعَنْ مَالِكٍ هِيَ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ فَقَطْ (وَمَا هُوَ عَوْرَةٌ مِنْهُ عَوْرَةٌ مِنْ الْأَمَةِ) وَلَوْ خُنْثَى أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ (مَعَ ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا؛   [رد المحتار] فِي الْكَنْزِ لِأَنَّ طَهَارَةَ الثَّوْبِ وَالْمَكَانِ مِنْ حَدَثٍ لَا يَخْطِرُ بِبَالٍ، وَلِذَا قَدَّمَ قَوْلَهُ مِنْ حَدَثٍ وَخَبَثٍ: إذْ لَوْ أَخَّرَهُ لَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ قَيْدًا فِي الْكُلِّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا أَلْزَمُ) أَيْ أَشَدُّ مُلَازَمَةً لِلْمُصَلِّي مِنْ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُصَلِّيَ بِدُونِهِ. [مَطْلَبٌ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ] ِ (قَوْلُهُ وَالرَّابِعُ سَتْرُ عَوْرَتِهِ) أَيْ وَلَوْ بِمَا لَا يَحِلُّ لُبْسُهُ كَثَوْبِ حَرِيرٍ وَإِنْ أَثِمَ بِلَا عُذْرٍ، كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، وَسَيَذْكُرُ شُرُوطَ السَّتْرِ وَالسَّاتِرِ (قَوْلُهُ وَوُجُوبُهُ عَامٌّ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي الْخَلْوَةِ) أَيْ إذَا كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ يَجِبُ السَّتْرُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ إجْمَاعًا وَفِي الْخَلْوَةِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَأَمَّا لَوْ صَلَّى فِي الْخَلْوَةِ عُرْيَانَا وَلَوْ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَلَهُ ثَوْبٌ طَاهِرٌ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْبَحْرِ. ثُمَّ إنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا يَجِبُ سَتْرُهُ فِي الْخَلْوَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ هُوَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَقَطْ، حَتَّى إنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُ مَا عَدَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَوْرَةً يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي بَابِ الْكَرَاهِيَةِ مِنْ الْقُنْيَةِ، حَيْثُ قَالَ: وَفِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ يُرَخَّصُ لِلْمَرْأَةِ كَشْفُ الرَّأْسِ فِي مَنْزِلِهَا وَحْدَهَا فَأَوْلَى لَهَا لُبْسُ خِمَارٍ رَقِيقٍ يَصِفُ مَا تَحْتَهُ عِنْدَ مَحَارِمِهَا اهـ لَكِنْ هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا يَحِلُّ نَظَرُهُ لِلْمَحَارِمِ أَمَّا غَيْرُهُ كَبَطْنِهَا وَظَهْرِهَا هَلْ يَجِبُ سَتْرُهُ فِي الْخَلْوَةِ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ نَعَمْ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ يَرَى الْمَسْتُورَ كَمَا يَرَى الْمَكْشُوفَ لَكِنَّهُ يَرَى الْمَكْشُوفَ تَارِكًا لِلْأَدَبِ وَالْمَسْتُورَ مُتَأَدِّبًا، وَهَذَا الْأَدَبُ وَاجِبُ مُرَاعَاتِهِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. هَذَا، وَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّ عَامَّتَهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا السَّتْرَ عَنْ نَفْسِهِ فَذَاكَ فِي الصَّلَاةِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ لَهُ، فَلَيْسَ فِيهِ تَصْحِيحٌ لِخِلَافِ مَا هُنَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ) كَتَغَوُّطٍ وَاسْتِنْجَاءٍ. وَحَكَى فِي الْقُنْيَةِ أَقْوَالًا إلَّا فِي تَجَرُّدِهِ لِلِاغْتِسَالِ مُنْفَرِدًا: مِنْهَا أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَمِنْهُ أَنَّهُ يُعْذَرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَمِنْهَا لَا بَأْسَ بِهِ، وَمِنْهَا يَجُوزُ فِي الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ، وَمِنْهَا يَجُوزُ فِي بَيْتِ الْحَمَّامِ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ وَلَهُ لُبْسُ ثَوْبٍ نَجَسٍ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ فِي الْبُغْيَةِ تَلْخِيصِ الْقُنْيَةِ ذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا. قَالَ ط: وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِحُكْمِ تَلْوِيثِهِ بِالنَّجَاسَةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ، وَإِذَا كَانَ مُفْسِدًا لِلثَّوْبِ حَرُمَ، وَمَا فِي ح لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ اهـ وَقَدْ مَرَّ فِي الِاسْتِنْجَاءِ كَرَاهَتُهُ بِخِرْقَةٍ مُتَقَوِّمَةٍ فَبِالثَّوْبِ أَوْلَى، فَتَلْوِيثُهُ بِلَا حَاجَةٍ أَشَدُّ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ (قَوْلُهُ لِلرَّجُلِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمَرْأَةِ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ، وَعَنْ الصَّبِيِّ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ مَا تَحْتَ سُرَّتِهِ) هُوَ مَا تَحْتَ الْخَطِّ الَّذِي يَمُرُّ بِالسُّرَّةِ وَيَدُورُ عَلَى مُحِيطِ بَدَنِهِ بِحَيْثُ يَكُونُ بُعْدُهُ عَنْ مَوَاقِعِهِ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهِ عَلَى السَّوَاءِ، كَذَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ. اهـ. إسْمَاعِيلُ؛ فَالسُّرَّةُ لَيْسَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ إلَى مَا تَحْتَ رُكْبَتِهِ) نَادِمًا، لِمَا قِيلَ: إنَّ (تَحْتَ) مِنْ الظُّرُوفِ الَّتِي لَا تَتَصَرَّفُ حَمَوِيٌّ، فَالرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ لِرِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيّ «مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ مِنْ الْعَوْرَةِ» لَكِنَّهُ مُحْتَمَلٌ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي دُخُولِ الرُّكْبَةِ، وَلِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ» وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَشَرَطَ أَحْمَدُ إلَخْ) هُوَ شَرْطٌ عِنْدَهُ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ لِرِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يُصَلِّي الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» " وَعِنْدَنَا سَتْرُ الْمَنْكِبَيْنِ مُسْتَحَبٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ خُنْثَى) قَالَ فِي النَّهْرِ: الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ الرَّقِيقُ كَالْأَمَةِ، وَالْحُرُّ كَالْحُرَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ مُكَاتَبَةً) وَمِثْلُهَا الْمُسْتَسْعَاةُ الَّتِي أُعْتِقَ بَعْضُهَا عِنْدَ الْإِمَامِ ح (قَوْلُهُ مَعَ ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا) الْبَطْنُ: مَا لَانَ مِنْ الْمُقَدَّمِ، وَالظَّهْرُ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمُؤَخَّرِ كَذَا فِي الْخَزَائِنِ. وَقَالَ الرَّحْمَتِيُّ: الظَّهْرُ مَا قَابَلَ الْبَطْنَ مِنْ تَحْتِ الصَّدْرِ إلَى السُّرَّةِ جَوْهَرَةٌ: أَيْ فَمَا حَاذَى الصَّدْرَ لَيْسَ مِنْ الظَّهْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 وَ) أَمَّا (جَنْبُهَا) فَتَبَعٌ لَهُمَا، وَلَوْ أَعْتَقَهَا مُصَلِّيَةً، إنْ اسْتَتَرَتْ كَمَا قَدَرَتْ صَحَّتْ وَإِلَّا لَأُعْلِمَتْ بِعِتْقِهِ أَوَّلًا عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ: إنْ صَلَّيْت صَلَاةً صَحِيحَةً فَأَنْتِ حُرَّةٌ قَبْلَهَا فَصَلَّتْ بِلَا قِنَاعٍ يَنْبَغِي إلْغَاءُ الْقَبْلِيَّةَ وَوُقُوعُ الْعِتْقِ كَمَا رَجَّحُوهُ فِي الطَّلَاقِ الدَّوْرِيِّ (وَلِلْحُرَّةِ) وَلَوْ خُنْثَى (جَمِيعُ بَدَنِهَا) حَتَّى شَعْرُهَا النَّازِلُ فِي الْأَصَحِّ (خَلَا الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ) فَظَهْرُ الْكَفِّ عَوْرَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَالْقَدَمَيْنِ)   [رد المحتار] الَّذِي هُوَ عَوْرَةٌ. اهـ. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الصَّدْرَ وَمَا قَابَلَهُ مِنْ الْخَلْفِ لَيْسَ مِنْ الْعَوْرَةِ وَأَنَّ الثَّدْيَ أَيْضًا غَيْرُ عَوْرَةٍ وَسَيَأْتِي فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ أَمَةِ غَيْرِهِ مَا يَنْظُرُ مِنْ مَحْرَمِهِ، وَلَا شُبْهَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى صَدْرِ مَحْرَمِهِ وَثَدْيِهَا، فَلَا يَكُونُ عَوْرَةً مِنْهَا وَلَا مِنْ الْأَمَةِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عَوْرَةً فِي الصَّلَاةِ أَيْضًا، لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَوْ صَلَّتْ الْأَمَةُ وَرَأْسُهَا مَكْشُوفَةٌ جَازَتْ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ صَلَّتْ وَصَدْرُهَا وَثَدْيُهَا مَكْشُوفٌ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ صَدْرَ الْأَمَةِ عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ لَا خَارِجَهَا، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَذْكُورِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى ذِكْرِ الْبَطْنِ وَالظَّهْرِ، وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُمَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الصَّدْرَ غَيْرُهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ وَأَمَّا جَنْبُهَا) مَجْرُورٌ فِي الْمَتْنِ، فَجَعَلَهُ الشَّارِحُ بِإِدْخَالِ أَمَّا مَرْفُوعًا عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مُفْرَدٌ لَا مُثَنًّى كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَإِلَّا لَقَالَ الشَّارِحُ وَأَمَّا جَنْبَاهَا. اهـ. ح (قَوْلُهُ فَتَبَعٌ لَهُمَا) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: الْجَنْبُ تَبَعُ الْبَطْنِ، ثُمَّ رَمَزَ وَقَالَ: الْأَوْجَهُ أَنَّ مَا يَلِي الْبَطْنَ تَبَعٌ لَهُ، وَمَا يَلِي الظَّهْرَ تَبَعٌ لَهُ اهـ وَقَصَدَ الشَّارِحُ إصْلَاحَ عِبَارَةِ الْمَتْنِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْجَنْبَ عُضْوٌ مُسْتَقِلٌّ مَعَ أَنَّهُ تَبَعٌ لِغَيْرِهِ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ أَيْضًا قَبْلَ مَا مَرَّ: لَوْ رَفَعَتْ يَدَيْهَا لِلشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَانْكَشَفَ مِنْ كُمَّيْهَا رُبْعُ بَطْنِهَا أَوْ جَنْبُهَا لَا يَصِحُّ شُرُوعُهَا اهـ وَمُقْتَضَاهَا أَنَّ الْجَنْبَ عُضْوٌ مُسْتَقِلٌّ، فَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا قَدَرَتْ) أَيْ فَوْرًا قَبْلَ أَدَاءِ رُكْنٍ بِعَمَلٍ قَلِيلٍ؛ وَقَيَّدَ بِالْقُدْرَةِ، إذَا لَوْ عَجَزَتْ عَنْ السَّتْرِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) بِأَنْ سَتَرَتْ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ أَوْ بَعْدَ رُكْنٍ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) رَدٌّ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ تَبَعًا لِلظَّهِيرِيَّةِ حَيْثُ قَيَّدَ الْفَسَادَ بِأَدَاءِ رُكْنٍ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعِتْقِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ فُرُوعِ الْمَذْهَبِ مِنْ نَظَائِرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي إلَخْ) أَصْلُ الْبَحْثِ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ أَخُوهُ صَاحِبُ النَّهْرِ (قَوْلُهُ كَمَا رَجَّحُوهُ فِي الطَّلَاقِ الدَّوْرِيِّ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، فَإِذَا نَجَّزَ عَلَيْهَا طَلَاقًا فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ قَبْلَهُ، وَوُقُوعُهَا قَبْلَهُ يَقْتَضِي عَدَمَ وُقُوعِهِ، فَالْقَوْلُ بِوُقُوعِهِ بَاطِلٌ؛ فَإِذَا أَلْغَيْنَا الْقَبْلِيَّةَ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنَّ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَإِذَا طَلَّقَ وَقَعَ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ بِتَنْجِيزِهِ وَثِنْتَانِ مِنْ الثَّلَاثِ بِتَعْلِيقِهِ ح (قَوْلُهُ حَتَّى شَعْرُهَا) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى جَمِيعٍ ح (قَوْلُهُ النَّازِلُ) أَيْ عَنْ الرَّأْسِ، بِأَنْ جَاوَزَ الْأُذُنَ، وَقَيَّدَ بِهِ إذَا لَا خِلَافَ فِيمَا عَلَى الرَّأْسِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُحِيطِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهَا، وَصَحَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ خِلَافَهُ مَعَ تَصْحِيحِهِ لِحُرْمَةِ النَّظَرِ إلَيْهِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْمُنْتَقَى وَاخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَحْوَطُ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ فَظَهْرُ الْكَفِّ عَوْرَةٌ) قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَا نَصُّهُ: اُعْتُرِضَ بِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكَفِّ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ظَهْرَ الْكَفِّ عَوْرَةٌ لِأَنَّ الْكَفَّ لُغَةً يَتَنَاوَلُ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ، وَلِهَذَا يُقَالُ ظَهَرَ الْكَفُّ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْكَفَّ عُرْفًا وَاسْتِعْمَالًا لَا يَتَنَاوَلُ ظَهْرَهُ اهـ فَظَهَرَ أَنَّ التَّفْرِيعَ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْعُرْفِيِّ لَا اللُّغَوِيِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي مُخْتَلِفَاتِ قَاضِي خَانْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَصَوْتُهَا عَلَى الرَّاجِحِ وَذِرَاعَيْهَا عَلَى الْمَرْجُوحِ (وَتُمْنَعُ) الْمَرْأَةُ الشَّابَّةُ (مِنْ كَشْفِ الْوَجْهِ بَيْنَ رِجَالٍ) لَا لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ بَلْ (لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ) كَمَسِّهِ وَإِنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ لِأَنَّهُ أَغْلَظُ، وَلِذَا ثَبَتَ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ كَمَا يَأْتِي   [رد المحتار] وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَأَيَّدَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. وَقَالَ: فَكَانَ هُوَ الْأَصَحَّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَكَذَا أَيَّدَهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَقَالَ: مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ. اهـ. وَاعْتَمَدَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ) أَيْ مِنْ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ مُصَحَّحَةٍ، ثَانِيهَا عَوْرَةٌ مُطْلَقًا، ثَالِثهَا عَوْرَةٌ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَا فِيهَا. أَقُولُ: وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِظَهْرِ الْقَدَمِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْخُلَاصَةِ: اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي بَطْنِ الْقَدَمِ اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي ظَاهِرِهِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي مُقَدِّمَةِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ الْمُسَمَّاةِ بِزَادِ الْفَقِيرِ قَالَ بَعْدَ تَصْحِيحِ أَنَّ انْكِشَافَ رُبْعِ الْقَدَمِ مَانِعٌ، وَلَوْ انْكَشَفَ ظَهْرُ قَدَمِهَا لَمْ تَفْسُدْ، وَعَزَاهُ الْمُصَنِّفُ التُّمُرْتَاشِيُّ فِي شَرْحِهَا الْمُسَمَّى إعَانَةَ الْحَقِيرِ إلَى الْخُلَاصَةِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْخُلَاصَةِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ فِي بَاطِنِ الْقَدَمِ رِوَايَتَيْنِ، وَأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ عَوْرَةٌ ثُمَّ قَالَ: أَقُولُ: فَاسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِ الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي بَاطِنِ الْقَدَمِ؛ وَأَمَّا ظَاهِرُهُ فَلَيْسَ بِعَوْرَةٍ بِلَا خِلَافٍ وَلِهَذَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ الْفَسَادِ بِانْكِشَافِهِ، لَكِنْ فِي كَلَامِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ فِيهِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ: إنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ انْكِشَافَ رُبْعِ الْقَدَمِ يَمْنَعُ الصَّلَاةَ، قَالَ لِأَنَّ ظَهْرَ الْقَدَمِ مَحِلُّ الزِّينَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْ إبْدَائِهَا، قَالَ تَعَالَى - {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31]- اهـ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ وَصَوْتِهَا) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُسْتَثْنَى يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ ح (قَوْلُهُ عَلَى الرَّاجِحِ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ عَنْ الْحِلْيَةِ أَنَّهُ الْأَشْبَهُ. وَفِي النَّهْرِ وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ. وَمُقَابِلُهُ مَا فِي النَّوَازِلِ: نَغْمَةُ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ، وَتَعَلُّمُهَا الْقُرْآنَ مِنْ الْمَرْأَةِ أَحَبُّ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يَسْمَعَهَا الرَّجُلُ. اهـ. وَفِي الْكَافِي: وَلَا تُلَبِّي جَهْرًا لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ فِي بَابِ الْأَذَانِ بَحْرٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعَلَى هَذَا لَوْ قِيلَ إذَا جَهَرَتْ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ فَسَدَتْ كَانَ مُتَّجَهًا، وَلِهَذَا مَنَعَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ التَّسْبِيحِ بِالصَّوْتِ لِإِعْلَامِ الْإِمَامِ بِسَهْوِهِ إلَى التَّصْفِيقِ اهـ وَأَقَرَّهُ الْبُرْهَانُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ، وَكَذَا فِي الْإِمْدَادِ؛ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ خَطِّ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ: ذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي السَّمَاعِ: وَلَا يَظُنُّ مَنْ لَا فِطْنَةَ عِنْدَهُ أَنَّا إذَا قُلْنَا صَوْتُ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ أَنَّا نُرِيدُ بِذَلِكَ كَلَامَهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِذًا نُجِيزُ الْكَلَامَ مَعَ النِّسَاءِ لِلْأَجَانِبِ وَمُحَاوَرَتِهِنَّ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَلَا نُجِيزُ لَهُنَّ رَفْعَ أَصْوَاتِهِنَّ وَلَا تَمْطِيطَهَا وَلَا تَلْيِينَهَا وَتَقْطِيعَهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ اسْتِمَالَةِ الرِّجَالِ إلَيْهِنَّ وَتَحْرِيكِ الشَّهَوَاتِ مِنْهُمْ، وَمِنْ هَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تُؤَذِّنَ الْمَرْأَةُ. اهـ. قُلْت: وَيُشِيرُ إلَى هَذَا تَعْبِيرُ النَّوَازِلِ بِالنَّغْمَةِ (قَوْلُهُ وَذِرَاعَيْهَا) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُسْتَثْنَى ح (قَوْلُهُ عَلَى الْمَرْجُوحِ) قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: وَفِي الذِّرَاعِ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا عَوْرَةٌ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ لَا خَارِجَهَا وَالْمَذْهَبُ مَا فِي الْمُتُونِ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ وَتُمْنَعُ الْمَرْأَةُ إلَخْ) أَيْ تُنْهَى عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَوْرَةً (قَوْلُهُ بَلْ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ) أَيْ الْفُجُورِ بِهَا قَامُوسٌ أَوْ الشَّهْوَةِ. وَالْمَعْنَى تُمْنَعُ مِنْ الْكَشْفِ لِخَوْفِ أَنْ يَرَى الرِّجَالُ وَجْهَهَا فَتَقَعُ الْفِتْنَةُ لِأَنَّهُ مَعَ الْكَشْفِ قَدْ يَقَعُ النَّظَرُ إلَيْهَا بِشَهْوَةٍ (قَوْلُهُ كَمَسِّهِ) أَيْ كَمَا يُمْنَعُ الرَّجُلُ مِنْ مَسِّ وَجْهِهَا وَكَفِّهَا وَإِنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ إلَخْ. قَالَ الشَّارِحُ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ: وَهَذَا فِي الشَّابَّةِ، أَمَّا الْعَجُوزُ الَّتِي لَا تُشْتَهَى فَلَا بَأْسَ بِمُصَافَحَتِهَا وَمَسِّ يَدِهَا إنْ أَمِنَ. اهـ. ثُمَّ كَانَ الْمُنَاسِبُ فِي التَّعْبِيرِ ذِكْرَ مَسْأَلَةِ الْمَسِّ بَعْدَ مَسْأَلَةِ النَّظَرِ، بِأَنْ يَقُولَ: وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ بِشَهْوَةٍ كَمَسِّهِ وَإِنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ إلَخْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ النَّظَرِ وَالْمَسِّ مِمَّا يُمْنَعُ الرَّجُلُ عَنْهُ، وَالْكَلَامُ فِيمَا تُمْنَعُ هِيَ عَنْهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَغْلَظُ) أَيْ مِنْ النَّظَرِ وَهُوَ عِلَّةٌ لِمَنْعِ الْمَسِّ عِنْدَ أَمْنِ الشَّهْوَةِ أَيْ بِخِلَافِ النَّظَرِ فَإِنَّهُ عِنْدَ الْأَمْنِ لَا يُمْنَعُ ط (قَوْلُهُ ثَبَتَ بِهِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 فِي الْحَظْرِ (وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ بِشَهْوَةٍ كَوَجْهِ أَمْرَدَ) فَإِنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا وَوَجْهِ الْأَمْرَدِ إذَا شَكَّ فِي الشَّهْوَةِ، أَمَّا بِدُونِهَا فَيُبَاحُ وَلَوْ جَمِيلًا كَمَا اعْتَمَدَهُ الْكَمَالُ: قَالَ: فَحِلُّ النَّظَرِ مَنُوطٌ بِعَدَمِ خَشْيَةِ الشَّهْوَةِ مَعَ عَدَمِ الْعَوْرَةِ. وَفِي السِّرَاجِ: لَا عَوْرَةَ لِلصَّغِيرِ جِدًّا، ثُمَّ مَا دَامَ لَمْ يَشْتَهِ فَقُبُلٌ وَدُبُرٌ   [رد المحتار] أَيْ بِالْمَسِّ الْمُقَارِنِ لِلشَّهْوَةِ، بِخِلَافِ النَّظَرِ لِغَيْرِ الْفَرْجِ الدَّاخِلِ، فَلَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ مُطْلَقًا ط (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ بِشَهْوَةٍ) أَيْ إلَّا لِحَاجَةٍ كَقَاضٍ أَوْ شَاهِدٍ بِحُكْمٍ أَوْ يَشْهَدُ عَلَيْهَا لَا لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ، وَكَخَاطِبٍ يُرِيدُ نِكَاحَهَا فَيَنْظُرُ وَلَوْ عَنْ شَهْوَةٍ بِنِيَّةِ السُّنَّةِ لَا قَضَاءِ الشَّهْوَةِ، وَكَذَا مُرِيدُ شِرَائِهَا أَوْ مُدَاوَاتِهَا إلَى مَوْضِعِ الْمَرَضِ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحَظْرِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالشَّهْوَةِ يُفِيدُ جَوَازَهُ بِدُونِهَا، لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْحَظْرِ تَقْيِيدُهُ بِالضَّرُورَةِ وَظَاهِرُهُ الْكَرَاهَةُ بِلَا حَاجَةٍ دَاعِيَةٍ. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَفِي شَرْحِ الْكَرْخِيِّ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ الْحُرَّةِ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ بِشَهْوَةٍ) لَمْ أَرَ تَفْسِيرَهَا هُنَا، وَالْمَذْكُورُ فِي الْمُصَاهَرَةِ أَنَّهُ فِيمَنْ يَنْتَشِرُ بِالِانْتِشَارِ أَوْ زِيَادَتِهِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا، وَفِي الْمَرْأَةِ وَالْفَانِي بِمَيْلِ الْقَلْبِ. وَاَلَّذِي تُفِيدُهُ عِبَارَةُ مِسْكِينٍ فِي الْحَظْرِ أَنَّهَا مَيْلُ الْقَلْبِ مُطْلَقًا، وَلَعَلَّهُ الْأَنْسَبُ هُنَا. اهـ. ط. قُلْت: يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْقَوْلِ الْمُعْتَبَرِ فِي بَيَانِ النَّظَرِ لِسَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ بَيَانُ الشَّهْوَةِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْحُرْمَةِ أَنْ يَتَحَرَّكَ قَلْبُ الْإِنْسَانِ وَيَمِيلُ بِطَبْعِهِ إلَى اللَّذَّةِ، وَرُبَّمَا انْتَشَرَتْ آلَتُهُ إنْ كَثُرَ ذَلِكَ الْمَيَلَانُ؛ وَعَدَمُ الشَّهْوَةِ أَنْ لَا يَتَحَرَّكَ قَلْبُهُ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ نَظَرَ إلَى ابْنِهِ الصَّبِيحِ الْوَجْهُ وَابْنَتِهِ الْحَسْنَاءِ اهـ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ. مَطْلَبٌ فِي النَّظَرِ إلَى وَجْهِ الْأَمْرَدِ (قَوْلُهُ كَوَجْهِ أَمْرَدَ) هُوَ الشَّابُّ الَّذِي طَرَّ شَارِبُهُ وَلَمْ تَنْبُتْ لِحْيَتُهُ قَامُوسٌ. قَالَ فِي الْمُلْتَقَطِ: الْغُلَامُ إذَا بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ وَلَمْ يَكُنْ صَبِيحًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الرِّجَالِ، وَإِنْ كَانَ صَبِيحًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ النِّسَاءِ، وَهُوَ عَوْرَةٌ مِنْ فَوْقِهِ إلَى قَدَمِهِ. قَالَ السَّيِّدُ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ: يَعْنِي لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ عَنْ شَهْوَةٍ. وَأَمَّا الْخَلْوَةُ وَالنَّظَرُ إلَيْهِ لَا عَنْ شَهْوَةٍ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلِهَذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالنِّقَابِ. اهـ. أَقُولُ: وَهَذَا شَامِلٌ لِمَنْ نَبَتَ عَذَارُهُ، بَلْ بَعْضُ الْفَسَقَةِ يُفَضِّلُهُ عَلَى الْأَمْرَدِ خَالِي الْعِذَارِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ طُرُورَ الشَّارِبِ وَبُلُوغَهُ مَبْلَغَ الرِّجَالِ غَيْرُ قَيْدٍ، بَلْ هُوَ بَيَانٌ لِغَايَتِهِ وَأَنَّ ابْتِدَاءَهُ مِنْ حِينِ بُلُوغِهِ سِنًّا تَشْتَهِيهِ النِّسَاءُ، أَوْ لَوْ كَانَ صَغِيرَةً لَاشْتُهِيَتْ فِيهِ لِلرِّجَالِ، وَالْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهِ صَبِيحًا أَنْ يَكُونَ جَمِيلًا بِحَسَبِ طَبْعِ النَّاظِرِ وَلَوْ كَانَ أَسْوَدَ لِأَنَّ الْحُسْنَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الطَّبَائِعِ. وَيُسْتَفَادُ مِنْ تَشْبِيهِ وَجْهِ الْمَرْأَةِ بِوَجْهِ الْأَمْرَدِ أَنَّ حُرْمَةَ النَّظَرِ إلَيْهِ بِشَهْوَةٍ أَعْظَمُ إثْمًا لِأَنَّ خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ بِهِ أَعْظَمُ مِنْهَا وَلِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِحَالٍ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ كَمَا قَالُوا فِي الزِّنَى وَاللُّوَاطَةِ، وَلِذَا بَالَغَ السَّلَفُ فِي التَّنْفِيرِ مِنْهُمْ وَسَمَّوْهُمْ الْأَنْتَانُ لِاسْتِقْذَارِهِمْ شَرْعًا. قَالَ بَعْضُهُمْ: قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى غَيْرِ الْمُلْتَحِي بِقَصْدِ التَّلَذُّذِ بِالنَّظَرِ وَتَمَتُّعِ الْبَصَرِ بِمَحَاسِنِهِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهِ بِغَيْرِ قَصْدِهِ اللَّذَّةَ وَالنَّاظِرُ مَعَ ذَلِكَ آمِنٌ الْفِتْنَةَ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ إلَخْ) أَتَى بِالْفَاءِ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الْمَتْنِ لِأَنَّهُ إذَا حَرُمَ مَعَ الشَّكِّ فِي وُجُودِهَا فَفِي وُجُودِهَا بِالْفِعْلِ أَوْلَى ح (قَوْلُهُ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْكَمَالُ) أَيْ بِنَاءً عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ عِبَارَتِهِ الْمَنْقُولَةِ عَقِبَ هَذَا بِقَوْلِهِ قَالَ إلَخْ، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ حَيْثُ قَالَ (قَوْلُهُ لَا عَوْرَةَ لِلصَّغِيرِ جِدًّا) وَكَذَا الصَّغِيرَةُ كَمَا فِي السِّرَاجِ، فَيُبَاحُ النَّظَرُ وَالْمَسُّ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ. قَالَ ح: وَفَسَّرَهُ شَيْخُنَا بِابْنِ أَرْبَعٍ فَمَا دُونَهَا، وَلَمْ أَدْرِ لِمَنْ عَزَاهُ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 ثُمَّ تُغَلَّظُ إلَى عَشْرِ سِنِينَ، ثُمَّ كَبَالِغٍ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: يَدْخُلُ عَلَى النِّسَاءِ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ سَنَةً حُسِبَ (وَيُمْنَعُ) حَتَّى انْعِقَادَهَا (كَشْفُ رُبْعِ عُضْوٍ) قَدْرَ أَدَاءِ رُكْنٍ بِلَا صُنْعِهِ (مِنْ) عَوْرَةٍ غَلِيظَةٍ أَوْ خَفِيفَةٍ   [رد المحتار] أَقُولُ: قَدْ يُؤْخَذُ مِمَّا فِي جَنَائِزِ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَنَصُّهُ: وَإِذَا لَمْ يَبْلُغْ الصَّغِيرُ وَالصَّغِيرَةُ حَدَّ الشَّهْوَةِ يُغَسِّلُهُمَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَقَدَّرَهُ فِي الْأَصْلِ بِأَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ تُغَلَّظُ) قِيلَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الدُّبُرُ وَمَا حَوْلَهُ مِنْ الْأَلْيَتَيْنِ، وَالْقُبُلِ وَمَا حَوْلَهُ، يَعْنِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي عَوْرَتِهِ مَا غَلُظَ مِنْ الْكَبِيرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الْمُخَفَّفِ فَالنَّظَرُ إلَيْهِمَا عِنْدَ عَدَمِ الِاشْتِهَاءِ أَخَفُّ إلَيْهِمَا مِنْ النَّظَرِ بَعْدُ، وَلْيُحَرَّرْ ط (قَوْلُهُ ثُمَّ كَبَالِغٍ) أَيْ عَوْرَتُهُ تَكُونُ بَعْدَ الْعَشَرَةِ كَعَوْرَةِ الْبَالِغِينَ. وَفِي النَّهْرِ: كَانَ يَنْبَغِي اعْتِبَارُ السَّبْعِ لِأَمْرِهِمَا بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَا هَذَا السِّنَّ. اهـ. ط. أَقُولُ: سَيَأْتِي فِي الْحَظْرِ أَنَّ الْأَمَةَ إذَا بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ لَا تُعْرَضُ عَلَى الْبَيْعِ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ يَسْتُرُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لِأَنَّ ظَهْرَهَا وَبَطْنَهَا عَوْرَةٌ اهـ فَقَدْ أَعْطَوْهَا حُكْمَ الْبَالِغَةِ مِنْ حِينِ بُلُوغِ حَدِّ الشَّهْوَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِ حَدِّ الشَّهْوَةِ، فَقِيلَ سَبْعٌ، وَقِيلَ تِسْعٌ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْإِمَامَةِ تَصْحِيحُ عَدَمِ اعْتِبَارِهِ بِالسِّنِّ بَلْ الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَصْلُحَ لِلْجِمَاعِ، بِأَنْ تَكُونَ عَبْلَةً ضَخْمَةً، وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ اعْتِبَارُهُ هُنَا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ) صَوَابُهُ خَمْسَ عَشَرَةَ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ مُؤَنَّثٌ مَذْكُورٌ. اهـ. ح. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْغَايَةَ غَيْرُ دَاخِلَةٍ وَإِلَّا فَهُوَ بَالِغٌ بِالسِّنِّ فَلَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ وَالدُّخُولُ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ كَمَا لَوْ بَلَغَ بِالِاحْتِلَامِ وَلَوْ فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ. [تَتِمَّةٌ] سَيَأْتِي فِي الْحَظْرِ أَنَّ الذِّمِّيَّةَ كَالرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ فِي الْأَصَحِّ، فَلَا تَنْظُرُ إلَى بَدَنِ الْمُسْلِمَةِ، وَإِنْ كُلُّ عُضْوٍ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ لَا يَجُوزُ بَعْدَهُ كَشَعْرِ عَانَتِهِ وَشَعْرِ رَأْسِهَا، وَعَظْمِ ذِرَاعِ حُرَّةٍ مَيْتَةٍ، وَسَاقِهَا وَقُلَامَةِ ظُفْرِ رَجُلِهَا دُونَ يَدِهَا، وَأَنَّ النَّظَرَ إلَى مُلَاءَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِشَهْوَةٍ حَرَامٌ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْفَوَائِدِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِذَلِكَ هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَيُمْنَعُ إلَخْ) هَذَا تَفْصِيلُ مَا أَجْمَلَهُ بِقَوْلِهِ وَسَتْرُ عَوْرَتِهِ ح (قَوْلُهُ حَتَّى انْعِقَادَهَا) مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ وَيَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ حَتَّى انْعِقَادَهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَمْنَعُ الصَّلَاةَ فِي الِابْتِدَاءِ. وَيَرْفَعُهَا فِي الْبَقَاءِ ح (قَوْلُهُ قَدْرَ أَدَاءِ رُكْنٍ) أَيْ بِسُنَّتِهِ مُنْيَةٌ. قَالَ شَارِحُهَا: وَذَلِكَ قَدْرُ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ اهـ وَكَأَنَّهُ قَيَّدَ بِذَلِكَ حَمْلًا لِلرُّكْنِ عَلَى الْقَصِيرِ مِنْهُ لِلِاحْتِيَاطِ، وَإِلَّا فَالْقُعُودُ الْأَخِيرُ وَالْقِيَامُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَسْنُونَةِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَاعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ أَدَاءَ الرُّكْنِ حَقِيقَةً، وَالْأَوَّلُ الْمُخْتَارُ لِلِاحْتِيَاطِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَاحْتُرِزَ عَمَّا إذَا انْكَشَفَ رُبْعُ عُضْوٍ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ أَدَاءِ رُكْنٍ فَلَا يُفْسِدُ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الِانْكِشَافَ الْكَثِيرَ فِي الزَّمَانِ الْقَلِيلِ عَفْوٌ كَالِانْكِشَافِ الْقَلِيلِ فِي الزَّمَنِ الْكَثِيرِ، وَعَمَّا إذَا أَدَّى مَعَ الِانْكِشَافِ رُكْنًا فَإِنَّهَا تَفْسُدُ اتِّفَاقًا قَالَ ح: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الِانْكِشَافِ الْحَادِثِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، أَمَّا الْمُقَارِنُ لِابْتِدَائِهَا فَإِنَّهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَهَا مُطْلَقًا اتِّفَاقًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمَكْشُوفُ رُبْعَ الْعُضْوِ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُوهِمُ أَنَّ قَوْلَهُ قَدْرَ أَدَاءِ رُكْنٍ قَيْدٌ فِي مَنْعِ الِانْعِقَادِ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ بِلَا صُنْعِهِ) فَلَوْ بِهِ فَسَدَتْ فِي الْحَالِ عِنْدَهُمْ قُنْيَةٌ قَالَ ح: أَيْ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَدَاءِ رُكْنٍ. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا طُرِحَ الْمُقْتَدِي فِي الزَّحْمَةِ أَمَامَ الْإِمَامِ، أَوْ فِي صَفِّ النِّسَاءِ أَوْ مَكَان نَجَسٍ، أَوْ حَوَّلُوهُ عَنْ الْقِبْلَةِ أَوْ طَرَحُوا إزَارَهُ، أَوْ سَقَطَ عَنْهُ ثَوْبُهُ، أَوْ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ، فَفِيمَا إذَا تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ قَلَّ، وَإِلَّا فَإِنْ أَدَّى رُكْنًا فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا فَإِنْ مَكَثَ بِعُذْرٍ لَا تَفْسُدُ فِي قَوْلِهِمْ، وَإِلَّا فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ تَفْسُدُ اهـ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ قَوْلِهِ بِلَا صُنْعٍ، فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ تَحَوَّلَ إلَى مَكَان نَجَسٍ، إنْ لَمْ يَمْكُثْ عَلَى النَّجَاسَةِ قَدْرَ أَدْنَى رُكْنٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي. قَالَ: وَكَذَا إنْ رَفَعَ نَعْلَيْهِ وَعَلَيْهِمَا قَذَرٌ مَانِعٌ إنْ أَدَّى مَعَهُمَا رُكْنًا فَسَدَتْ وَذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِمَا. ثُمَّ قَالَ: وَالْأَشْبَهُ الْفَسَادُ مَعَ التَّعَمُّدِ إلَّا لِحَاجَةٍ كَرَفْعِ نَعْلِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 عَلَى الْمُعْتَمَدِ (وَالْغَلِيظَةُ قُبُلٌ وَدُبُرٌ وَمَا حَوْلَهُمَا، وَالْخَفِيفَةُ مَا عَدَا ذَلِكَ) مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَتُجْمَعُ بِالْأَجْزَاءِ لَوْ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ، وَإِلَّا فَبِالْقَدْرِ؛ فَإِنْ بَلَغَ رُبْعَ أَدْنَاهَا كَأُذُنٍ مُنِعَ (وَالشَّرْطُ سَتْرُهَا عَنْ غَيْرِهِ) وَلَوْ حُكْمًا كَمَكَانٍ مُظْلِمٍ   [رد المحتار] لِخَوْفِ الضَّيَاعِ مَا لَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ) رَدٌّ عَلَى الْكَرْخِيِّ حَيْثُ قَالَ: الْمَانِعُ فِي الْغَلِيظَةِ مَا زَادَ عَلَى الدِّرْهَمِ قِيَاسًا عَلَى النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالْغَلِيظَةُ إلَخْ) لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخَفِيفَةِ إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ حُرْمَةَ النَّظَرِ إلَيْهَا أَشَدُّ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: حُكْمُ الْعَوْرَةِ فِي الرُّكْبَةِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْفَخِذِ، فَلَوْ رَأَى غَيْرَهُ مَكْشُوفَ الرُّكْبَةِ يُنْكِرُ عَلَيْهِ بِرِفْقٍ وَلَا يُنَازِعُهُ إنْ لَجَّ. وَفِي الْفَخِذِ بِعُنْفٍ وَلَا يَضْرِبُهُ إنْ لَجَّ. وَفِي السَّوْأَةِ يُؤَدِّبُهُ عَلَى ذَلِكَ إنْ لَجَّ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ التَّعْزِيرَ بِالضَّرْبِ فَإِنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْقَاضِي (قَوْلُهُ مَا عَدَا ذَلِكَ) أَفْرَدَ اسْمَ الْإِشَارَةِ وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ. [تَتِمَّةٌ] أَعْضَاءُ عَوْرَةِ الرَّجُلِ ثَمَانِيَةٌ: الْأَوَّلُ الذَّكَرُ وَمَا حَوْلَهُ. الثَّانِي الْأُنْثَيَانِ وَمَا حَوْلَهُمَا. الثَّالِثُ الدُّبُرُ وَمَا حَوْلَهُ. الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ الْأَلْيَتَانِ. السَّادِسُ وَالسَّابِعُ الْفَخِذَانِ مَعَ الرُّكْبَتَيْنِ. الثَّامِنُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ إلَى الْعَانَةِ مَعَ مَا يُحَاذِي ذَلِكَ مِنْ الْجَنْبَيْنِ وَالظَّهْرِ وَالْبَطْنِ. وَفِي الْأَمَةِ ثَمَانِيَةٌ أَيْضًا: الْفَخِذَانِ مَعَ الرُّكْبَتَيْنِ، وَالْأَلْيَتَانِ وَالْقُبُلُ مَعَ مَا حَوْلَهُ، وَالدُّبُرُ كَذَلِكَ، وَالْبَطْنُ وَالظَّهْرُ مَعَ مَا يَلِيهِمَا مِنْ الْجَنْبَيْنِ. وَفِي الْحُرَّةِ هَذِهِ الثَّمَانِيَةُ، وَيُزَادُ فِيهَا سِتَّةَ عَشَرَ: السَّاقَانِ مَعَ الْكَعْبَيْنِ، وَالثَّدْيَانِ الْمُنْكَسِرَانِ، وَالْأُذُنَانِ، وَالْعَضُدَانِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ، وَالذِّرَاعَانِ مَعَ الرُّسْغَيْنِ وَالصَّدْرُ، وَالرَّأْسُ، وَالشَّعْرُ، وَالْعُنُقُ، وَظَهْرُ الْكَفَّيْنِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِيهَا أَيْضًا الْكَتِفَانِ وَلَا يُجْعَلَانِ مَعَ الظَّهْرِ عُضْوًا وَاحِدًا، بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا ظَهْرَ الْأَمَةِ عَوْرَةً دُونَ كَتِفَيْهَا وَكَذَلِكَ بَطْنَا الْقَدَمَيْنِ عَوْرَةٌ فِي رِوَايَةٍ أَيْ وَهِيَ الْأَصَحُّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ إعَانَةِ الْحَقِيرِ لِلْمُصَنِّفِ، فَتَصِيرُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ كَذَا حَرَّرَهُ ح. قُلْت: وَقَدَّمْنَا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ صَدْرَ الْأَمَةِ وَثَدْيَيْهَا عَوْرَةٌ، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّ جَنْبَيْهَا عَوْرَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ، وَعَلَيْهِ فَتُزَادُ الْأَمَةُ خَمْسَةً عَلَى الثَّمَانِيَةِ الْمَارَّةِ فَتَصِيرُ أَعْضَاؤُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ بِالْأَجْزَاءِ) الْمُرَادُ بِهَا الْكُسُورُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهَا فِي الْحِسَابِ وَهِيَ النِّصْفُ وَالرُّبْعُ وَالثُّلُثُ إلَخْ. مِثَالُهُ انْكَشَفَ ثُمُنُ فَخِذِهِ مِنْ مَوْضِعٍ وَثُمُنُ ذَلِكَ الْفَخِذِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ يُجْمَعُ الثُّمُنُ إلَى الثُّمُنِ حِسَابًا فَيَكُونُ رُبْعًا فَيَمْنَعُ، وَلَوْ انْكَشَفَ ثُمُنٌ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْ فَخِذِهِ وَنِصْفُ ثُمُنِ ذَلِكَ الْفَخِذِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يَمْنَعُ ح (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَبِالْقَدْرِ) أَيْ الْمِسَاحَةِ، فَإِنْ بَلَغَ الْمَجْمُوعُ بِالْمِسَاحَةِ رُبْعَ أَدْنَاهَا: أَيْ أَدْنَى الْأَعْضَاءِ الْمُنْكَشِفِ بَعْضُهَا، كَمَا لَوْ انْكَشَفَ نِصْفُ ثُمُنِ الْفَخِذِ وَنِصْفُ ثُمُنِ الْأُذُنِ مِنْ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ مَجْمُوعَهُمَا بِالْمِسَاحَةِ أَكْثَرُ مِنْ رُبْعِ الْأُذُنِ الَّتِي هِيَ أَدْنَى الْعُضْوَيْنِ الْمُنْكَشِفَيْنِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ ذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مُوَافِقًا لِمَا فِي الزِّيَادَاتِ، وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ تَفْصِيلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ كَمَا حَقَّقَهُ فِي النَّهْرِ ح. قُلْت: وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ أَعْنِي اعْتِبَارَ رُبْعِ أَدْنَى الْأَعْضَاءِ الْمُنْكَشِفَةِ لَا رُبْعِ مَجْمُوعِهَا مَشَى فِي الْقُنْيَةِ وَالْحِلْيَةِ وَشَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَالْإِمْدَادِ وَشَرْحِ زَادِ الْفَقِيرِ لِلْمُصَنِّفِ، خِلَافًا لِلزَّيْلَعِيِّ وَإِنْ تَبِعَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ فَتَدَبَّرْ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ (قَوْلُهُ عَنْ غَيْرِهِ) أَيْ عَنْ رُؤْيَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْجَوَانِبِ لَا مِنْ أَسْفَلَ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ حُكْمًا: أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الرُّؤْيَةُ حَكِيمَةً؛ كَمَا فِي الْمَكَانِ الْمُظْلِمِ أَوْ الْمَكَانِ الْخَالِي فَإِنَّ الْعَوْرَةَ فِيهَا مَرْئِيَّةٌ حُكْمًا؛ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا سَتْرُهَا فِيهِ، وَلَا يَصِحُّ كَوْنُ الْمَعْنَى وَلَوْ كَانَ السَّتْرُ حُكْمًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى يُشْتَرَطُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَلَوْ كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 (لَا) سَتْرُهَا (عَنْ نَفْسِهِ) بِهِ يُفْتَى، فَلَوْ رَآهَا مِنْ زِيقِهِ لَمْ تَفْسُدْ وَإِنْ كُرِهَ. (وَعَادِمُ سَاتِرٍ) لَا يَصِفُ مَا تَحْتَهُ، وَلَا يَضُرُّ الْتِصَاقُهُ وَتَشَكُّلُهُ وَلَوْ حَرِيرًا أَوْ طِينًا يَبْقَى إلَى تَمَامِ صَلَاةٍ أَوْ مَاءً كَدِرًا إلَّا صَافِيًا إنْ وَجَدَ غَيْرَهُ.   [رد المحتار] ذَلِكَ السَّتْرُ الْمَشْرُوطُ حُكْمًا، وَإِذَا سَتَرَ الْعَوْرَةَ فِي الظُّلْمَةِ بِثَوْبٍ كَانَ ذَلِكَ سَتْرًا حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَا فِي حُكْمِ الشَّرْعِ فَقَطْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ نَصًّا أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ فَلَوْ رَآهَا مِنْ زِيقِهِ) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ نَظَرَ رَآهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَزِيقُ الْقَمِيصِ بِالْكَسْرِ: مَا أَحَاطَ بِالْعُنُقِ مِنْهُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ كُرِهَ) لِقَوْلِهِ فِي السِّرَاجِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَزُرَّهُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ «سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أُصَلِّي فِي قَمِيصٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ: زُرَّهُ عَلَيْك وَلَوْ بِشَوْكَةٍ» بَحْرٌ. وَمُفَادَةُ الْوُجُوبُ الْمُسْتَلْزِمُ تَرْكَهُ لِلْكَرَاهَةِ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ مِنْ نَصِّهِمَا عَلَى أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ، فَكَانَ هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ، كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لَا يَصِفُ مَا تَحْتَهُ) بِأَنْ لَا يُرَى مِنْهُ لَوْنُ الْبَشَرَةِ احْتِرَازًا عَنْ الرَّقِيقِ وَنَحْوِ الزُّجَاجِ (قَوْلُهُ وَلَا يَضُرُّ الْتِصَاقُهُ) أَيْ بِالْأَلْيَةِ مَثَلًا، وَقَوْلُهُ وَتَشَكُّلُهُ مِنْ عَطْفِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمُنْيَةِ: أَمَّا لَوْ كَانَ غَلِيظًا لَا يُرَى مِنْهُ لَوْنُ الْبَشَرَةِ إلَّا أَنَّهُ الْتَصَقَ بِالْعُضْوِ وَتَشَكَّلَ بِشَكْلِهِ فَصَارَ شَكْلُ الْعُضْوِ مَرْئِيًّا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْنَعَ جَوَازَ الصَّلَاةِ لِحُصُولِ السَّتْرِ. اهـ. قَالَ ط: وَانْظُرْ هَلْ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى ذَلِكَ الْمُتَشَكِّلِ مُطْلَقًا أَوْ حَيْثُ وُجِدَتْ الشَّهْوَةُ؟ . اهـ. قُلْت: سَنَتَكَلَّمُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَظْرِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ هُنَاكَ هُوَ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَرِيرًا) تَعْمِيمٌ لِلسَّاتِرِ. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ لِأَنَّ فَرْضَ السَّتْرِ أَقْوَى مِنْ مَنْعِ لُبْسِ الْحَرِيرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (قَوْلُهُ أَوْ مَاءً كَدِرًا) أَيْ بِحَيْثُ لَا تُرَى مِنْهُ الْعَوْرَةُ (قَوْلُهُ إنْ وُجِدَ غَيْرُهُ) قَيْدٌ فِي عَدَمِ إجْزَاءِ السَّتْرِ بِالصَّافِي، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَجَبَ السَّتْرُ بِهِ، وَكَأَنَّهُ لِأَنَّ فِيهِ تَقْلِيلَ الِانْكِشَافِ اهـ ح. قُلْت: وَمَفْهُومُهُ أَيْضًا كَمَا اقْتَضَاهُ سِيَاقُ الْكَلَامِ فِي عَادِمِ السَّاتِرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْمَاءِ الْكَدِرِ إذَا وَجَدَ سَاتِرًا مَعَ أَنَّ كَلَامَ السِّرَاجِ وَالْبَحْرِ يُفِيدُ الْجَوَازَ مُطْلَقًا، ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ النَّهْرِ صَرَّحَ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّافِي وَغَيْرِهِ يُؤْذِنُ بِأَنَّ لَهُ ثَوْبًا، إذَا الْعَادِمُ لَهُ يَسْتَوِي فِي حَقِّهِ الصَّافِي وَغَيْرُهُ اهـ لَكِنْ قَوْلُهُ يَسْتَوِي فِيهِ الصَّافِي وَغَيْرُهُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ السَّتْرُ بِالْمَاءِ الْكَدِرِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى سَاتِرٍ غَيْرِهِ صَارَ سَاتِرًا حَقِيقَةً فَيَتَعَيَّنُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ سَاتِرٍ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَاءَ الصَّافِيَ غَيْرُ سَاتِرٍ وَإِلَّا لَجَازَ عِنْدَ عَدَمِ الْعَجْزِ. هَذَا، وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَصْوِيرُ الصَّلَاةِ فِي الْمَاءِ إلَّا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَعَلَّلَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ ثَوْبٌ وَصَلَّى فِي الْمَاءِ الْكَدِرِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِيمَاءُ لِلْفَرْضِ: أَيْ لِقُدْرَتِهِ عَلَى أَنْ يُصَلِّيَ خَارِجَ الْمَاءِ بِالثَّوْبِ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ، لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: وَلِي فِي الْكَلَامَيْنِ نَظَرٌ لِإِمْكَانِ تَصْوِيرِ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ فِي الْمَاءِ الْكَدِرِ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ مِنْ بَدَنِهِ شَيْءٌ إذَا سَدَّ مَنَافِذَهُ، بَلْ مَا يَفْعَلُهُ الْغَطَّاسُ فِي اسْتِخْرَاجِ الْغَرِيقِ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. أَقُولُ: إنْ فُرِضَ إمْكَانُ ذَلِكَ فَقَدْ يُقَالُ لَا يَبْقَى ذَلِكَ سَاتِرًا لِأَنَّهُ حِينَ سُجُودِهِ وَارْتِفَاعِ الْمَاءِ فَوْقَهُ لَا يَصِيرُ مَسْتُورًا، وَيَصِيرُ كَمَا لَوْ صَلَّى عُرْيَانَا تَحْتَ خَيْمَةٍ مَسْتُورَةِ الْجَوَانِبِ كُلِّهَا أَوْ فِي مَكَان مُظْلِمٍ، أَوْ كَمَا لَوْ دَخَلَ فِي كِيسٍ مَثَلًا وَصَلَّى فِيهِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنْ الْكِيسِ وَصَلَّى لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَسْتُورًا، كَمَا لَوْ وَقَفَ فِي الْمَاءِ الْكَدِرِ وَرَأْسُهُ خَارِجٌ وَصَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْحَاوِي وَالزَّاهِدِيِّ مِنْ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ مَا نَصُّهُ: وَالْمَرِيضُ إذَا لَمْ يُخْرِجْ رَأْسَهُ مِنْ اللِّحَافِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ كَالْعَارِي اهـ أَيْ إذَا صَلَّى تَحْتَ اللِّحَافِ وَهُوَ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ بِالْإِيمَاءِ لَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَسْتُورِ الْعَوْرَةِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا بَحَثْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِيسِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 وَهَلْ تَكْفِيهِ الظُّلْمَةُ؟ فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ بَحْثًا، نَعَمْ فِي الِاضْطِرَارِ لَا الِاخْتِيَارِ (يُصَلِّي قَاعِدًا) كَمَا فِي الصَّلَاةِ، وَقِيلَ مَادًّا رِجْلَيْهِ (مُومِيًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ) قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَ (قَائِمًا) بِإِيمَاءٍ أَوْ (بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ) لِأَنَّ السَّتْرَ أَهَمُّ مِنْ أَدَاءِ الْأَرْكَانِ (وَلَوْ أُبِيحَ لَهُ ثَوْبٌ) وَلَوْ بِإِعَارَةٍ (ثَبَتَتْ قُدْرَتُهُ) هُوَ الْأَصَحُّ، وَلَوْ وُعِدَ بِهِ يَنْتَظِرُ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْوَقْتِ هُوَ الْأَظْهَرُ كَرَاجِي مَاءٍ   [رد المحتار] وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ سَتْرُ عَوْرَةِ الْمُصَلِّي لَا سَتْرُ ذَاتِ الْمُصَلِّي، فَمَنْ اخْتَفَى فِي خَلْوَةٍ أَوْ ظُلْمَةٍ أَوْ خَيْمَةٍ وَهُوَ عُرْيَانٌ فَذَاتُهُ مَسْتُورَةٌ وَعَوْرَتُهُ مَكْشُوفَةٌ وَذَلِكَ لَا يُسَمَّى سَاتِرًا، وَمِثْلُهُ لَوْ غَطَسَ فِي مَاءٍ كَدِرٍ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَهَلْ تَكْفِيهِ الظُّلْمَةُ إلَخْ) لَا يَظْهَرُ لِهَذَا الْكَلَامِ ثَمَرَةٌ لِأَنَّهُ حَيْثُ فَقَدَ السَّاتِرَ صَلَّى كَيْفَ كَانَ أَيْ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ فِي ضَوْءٍ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ. وَعِبَارَتُهُ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا بِبَيْتٍ أَوْ صَحْرَاءَ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ. قَالَ: وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ خَصَّهُ بِالنَّهَارِ، أَمَّا بِاللَّيْلِ فَيُصَلِّي قَائِمًا لِأَنَّ ظُلْمَةَ اللَّيْلِ تَسْتُرُ عَوْرَتَهُ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهَا. وَرُدَّ بِالْفَرْقِ بَيْنَ حَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَالِاضْطِرَارِ اهـ ط (قَوْلُهُ فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ) هُوَ شَرْحُ الْمُلْتَقَى لِشَيْخَيْ زَادَهْ ح (قَوْلُهُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ) كَذَا قَالَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَعَلَيْهِ يَخْتَلِفُ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، فَهُوَ يَفْتَرِشُ وَهِيَ تَتَوَرَّكُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ مَادًّا رِجْلَيْهِ) أَيْ وَيَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى عَوْرَتِهِ الْغَلِيظَةِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَكْثَرُ سَتْرًا مَعَ مَا فِي هَذَا مِنْ مَدِّ الرِّجْلَيْنِ إلَى الْقِبْلَةِ بَحْرٌ وَحِلْيَةٌ، لَكِنْ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ أَنَّ الثَّانِيَ أَوْلَى لِزِيَادَةِ السَّتْرِ فِيهِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. اهـ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ مَنْ جَعَلَ مَقْعَدَتَهُ عَلَى رِجْلَيْهِ كَمَا فِي تَشَهُّدِ الصَّلَاةِ تَظْهَرُ عَوْرَتُهُ الْغَلِيظَةُ حَالَةَ الْإِيمَاءِ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَكْثَرَ مِمَّنْ جَعَلَ مَقْعَدَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا هُوَ مَحْسُوسٌ مُشَاهَدٌ، وَلَوْ جَلَسَ مُتَرَبِّعًا يَظْهَرُ مِنْهُ الْقُبُلُ فَلِذَا اغْتَفَرُوا مَدَّ رِجْلَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ، فَلَا جَرَمَ أَنَّهُ مَشَى عَلَيْهِ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمْ كَصَاحِبِ الذَّخِيرَةِ وَالسِّرَاجِ وَالدُّرَرِ وَالتَّبْيِينِ وَنُورِ الْإِيضَاحِ وَالْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَقَائِمًا بِإِيمَاءٍ) كَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الزَّاهِدِيِّ، وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ مُلْتَقَى الْبِحَارِ. وَقَالَ: وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ نَحْوِ وَرَقَةٍ بَحْثًا رَجَّحَ بِهِ مَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْبَحْثُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحِلْيَةِ فَرَاجِعْهُ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا دُونَ الرَّابِعِ فِي الْفَضْلِ: أَيْ دُونَ الْقِيَامِ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ لِلِاخْتِلَافِ فِي صِحَّتِهِ وَإِنْ كَانَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي الرَّابِعِ أَكْثَرَ. اهـ. قُلْت: فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ تَأْخِيرُهُ عَنْ الرَّابِعِ لِيَكُونَ الذِّكْرُ فِي الْأَرْبَعَةِ عَلَى وَفْقِ التَّرْتِيبِ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ السَّتْرَ أَهَمُّ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ فَرْضٌ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا، وَالْأَرْكَانُ فَرَائِضُ الصَّلَاةِ لَا غَيْرُ وَقَدْ أَتَى بِبَدَلِهَا وَإِنَّمَا جَازَ الْقِيَامُ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَرَكَ فَرْضَ السَّتْرِ فَقَدْ كَمَّلَ الْأَرْكَانَ الثَّلَاثَةَ بَدَائِعُ، وَأَرَادَ بِالْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِيمَاءُ قَائِمًا لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ فَرْضِ السَّتْرِ بِلَا تَكْمِيلٍ لِلثَّلَاثَةِ، وَمِنْ هُنَا نَشَأَ تَرْجِيحُ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ لِظَاهِرِ مَا مَرَّ عَنْ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أُبِيحَ لَهُ ثَوْبٌ إلَخْ) فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَوْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ لَهُ ثَوْبٌ يَسْأَلُهُ، فَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ صَلَّى عُرْيَانًا، وَلَوْ وَجَدَ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ ثَوْبًا اسْتَقْبَلَ اهـ وَظَاهِرُهُ لُزُومُ السُّؤَالِ، لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ الْمَنْعِ كَمَا فِي الْمُتَيَمِّمِ (قَوْلُهُ هُوَ الْأَظْهَرُ) كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الصَّغِيرِ وَقَدَّمْنَا فِي التَّيَمُّمِ عَنْ الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ وُعِدَ بِدَلْوٍ أَوْ ثَوْبٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّأْخِيرُ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْوَقْتِ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ وَإِنْ خَافَ فَوْتَهُ؛ كَمَا لَوْ وُعِدَ بِالْمَاءِ فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ اتِّفَاقًا، وَقَدَّمْنَا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُ قَوْلِ الْإِمَامِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْمُنْيَةِ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ يُنْدَبُ لِرَاجِي الْمَاءِ أَنْ يُؤَخِّرَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ (قَوْلُهُ كَرَاجِي مَاءٍ) أَيْ كَمَنْ رَجَا حُصُولَ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ كَمَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ، وَهَذَا تَنْظِيرٌ لَا قِيَاسٌ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 وَطَهَارَةِ مَكَان، وَهَلْ يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ؟ يَنْبَغِي ذَلِكَ (وَلَوْ وَجَدَ مَا) أَيْ سَاتِرًا (كُلُّهُ نَجَسٌ) لَيْسَ بِأَصْلِيٍّ كَجِلْدِ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ (فَإِنَّهُ لَا يَسْتُرُ بِهِ فِيهَا) اتِّفَاقًا بَلْ خَارِجَهَا؛ ذَكَرَهُ الْوَانِيُّ (أَوْ أَقَلُّ مِنْ رُبْعِهِ طَاهِرٌ نُدِبَ صَلَاتُهُ فِيهِ) وَجَازَ الْإِيمَاءُ كَمَا مَرَّ، وَحَتَّمَ مُحَمَّدٌ لُبْسَهُ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْأَسْرَارِ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ (وَلَوْ) كَانَ (رُبْعُهُ طَاهِرًا صَلَّى فِيهِ حَتْمًا) إذْ الرُّبْعُ كَالْكُلِّ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ أَوْ يُقَلِّلُهَا؛ فَيَتَحَتَّمُ لُبْسُ أَقَلِّ ثَوْبَيْهِ نَجَاسَةً. وَالضَّابِطُ أَنَّ مَنْ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ فَإِنْ تَسَاوَيَا خُيِّرَ وَإِنْ اخْتَلَفَا اخْتَارَ الْأَخَفَّ.   [رد المحتار] حَتَّى يَرِدَ أَنَّ الظَّاهِرَ قِيَاسُ مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ عَلَى الْمَاءِ الْمَوْعُودِ فَيَجِبُ الِانْتِظَارُ وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَثَوْبٍ وَمَكَانٍ) فَإِنَّهُ إذَا رَجَا وُجُوبَ الثَّوْبِ يُؤَخِّرُ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْوَقْتِ كَطَهَارَةِ الْمَكَانِ قُنْيَةٌ: أَيْ كَمَا إذَا كَانَ مَحْبُوسًا مَثَلًا فِي مَكَان نَجَسٍ وَيَرْجُو رَجَاءً قَوِيًّا الْخُرُوجَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ مَا لَمْ يَخَفْ الْفَوْتَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا التَّأْخِيرَ مُسْتَحَبٌّ أَيْضًا كَنَظَائِرِهِ الْمَارَّةِ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي ذَلِكَ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى الْمَاءِ، وَالْبَحْثُ لِلْبَحْرِ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ وَقَالَ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ. وَأَقُولُ: قَدَّمْنَا الْمَسْأَلَةَ مَنْقُولَةً عَنْ السِّرَاجِ وَأَنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ. وَفِي تَيَمُّمِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ: وَيَجِبُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَاءَ وَالثَّوْبَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ إنْ فَضَلَ عَنْ نَفَقَتِهِ لَا بِزِيَادَةِ غَبْنٍ فَاحِشٍ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (قَوْلُهُ لَيْسَ بِأَصْلِيٍّ إلَخْ) أَيْ لَيْسَ بِأَصْلِيِّ النَّجَاسَةِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَا نَجَاسَتُهُ عَارِضَةٌ كَالْبَوْلِ وَالدَّمِ كَمَا فِي النَّهْرِ، لَكِنْ فِي كَوْنِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ نَجِسَ الْأَصْلِ نَظَرٌ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ عَارِضَةٌ بِالْمَوْتِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْتُرُ بِهِ فِيهَا) لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ أَغْلَظُ لِعَدَمِ زَوَالِهَا بِالْمَاءِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بَلْ خَارِجَهَا) ظَاهِرُهُ وُجُوبُ السَّتْرِ بِهِ حَيْثُ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَقَدْ مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّ لَهُ لُبْسَ ثَوْبٍ نَجَسٍ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ (قَوْلُهُ نُدِبَ صَلَاتُهُ فِيهِ) أَيْ بِالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ح (قَوْلُهُ وَجَازَ الْإِيمَاءُ كَمَا مَرَّ) أَيْ عَارِيًّا بِأَنْ فَعَلَ إحْدَى الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ السَّابِقَةِ وَلَوْ قَالَ وَجَازَ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا مَرَّ لَكَانَ أَوْلَى ط أَيْ لِأَنَّ بَعْضَ تِلْكَ الصُّوَرِ لَا إيمَاءَ فِيهَا (قَوْلُهُ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْأَسْرَارِ) لَكِنْ نَازَعَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ إذْ الرُّبْعُ كَالْكُلِّ) أَيْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي مَوَاضِعَ كَمَا فِي حَلْقِ الْمُحْرِمِ رُبْعَ رَأْسِهِ، وَكَمَا فِي كَشْفِ الْعَوْرَةِ (قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَجِدْ إلَخْ) فَإِنْ وَجَدَ فِي الصُّورَتَيْنِ وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَيَتَحَتَّمُ لُبْسُ أَقَلِّ ثَوْبَيْهِ نَجَاسَةً) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ النَّهْرِ: وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا فِي الْحِلْيَةِ إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا غَلِيظَةً فَقَالُوا: إنْ لَمْ تَبْلُغْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الرُّبْعَ تَخَيَّرَ، وَالْمُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ فِي أَقَلِّهِمَا نَجَاسَةً، وَإِنْ بَلَغَتْ الرُّبْعَ فِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ تَعَيَّنَ الْآخَرُ، وَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَمْ تَبْلُغْ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعٍ تَخَيَّرَ، وَإِنْ بَلَغَتْهَا فِي أَحَدِهِمَا وَاسْتَوْعَبَتْ الْآخَرَ تَعَيَّنَ مَا رُبْعُهُ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ خَفِيفَةً لَمْ أَرَهُ، وَمُقْتَضَى التَّخْرِيجِ عَلَى مَا مَرَّ أَنْ يَتَخَيَّرَ مَا لَمْ تَزِدْ فِي أَحَدِهِمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ أَوْ تَسْتَوْعِبُهُ وَإِلَّا تَعَيَّنَ مَا رُبْعُهُ فَصَاعِدًا طَاهِرٌ. اهـ. وَذَكَرَ نَحْوَهُ ح عَنْ الْهِنْدِيَّةِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَالْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ بِبَلِيَّتَيْنِ) أَيْ بِفِعْلِ إحْدَاهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ لَا بِفِعْلِهِمَا مَعًا (قَوْلُهُ فَإِنْ تَسَاوَيَا) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ بِلَا مُرَجِّحٍ مُعْتَبَرٍ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَوِيَا فِي قَدْرِ النَّجَاسَةِ، وَقَوْلُهُ أَوْ اخْتَلَفَا: أَيْ بِأَنْ كَانَ مَا فِي أَحَدِهِمَا مَانِعًا دُونَ مَا فِي الْآخَرِ أَوْ كَانَ مَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَانِعًا لَكِنْ وُجِدَ فِي أَحَدِهِمَا مُرَجِّحٌ يُقِيمُهُ مَقَامَ الْكُلِّ كَطَهَارَةِ الرُّبْعِ أَوْ نَجَاسَتِهِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْطَبِقُ الضَّابِطُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْفُرُوعِ فَإِذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَكِنْ لَمْ تَبْلُغْ الرُّبْعَ تَخَيَّرَ، وَإِنْ كَانَتْ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ لِتَسَاوِيهَا فِي الْمَنْعِ بِلَا مُرَجِّحٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَلَغَتْ رُبْعَ أَحَدِهِمَا لِتَرَجُّحِهِ بِإِقَامَتِهِمْ الرُّبْعَ مَقَامَ الْكُلِّ، وَتَقْرِيرُ الْبَاقِي ظَاهِرٌ مِمَّا قُلْنَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ اخْتَارَ الْأَخَفَّ) نَظِيرُهُ جَرِيحٌ لَوْ سَجَدَ سَالَ جُرْحُهُ وَإِلَّا لَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي قَاعِدًا مُومِيًا لِأَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ أَهْوَنُ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ لِجَوَازِ تَرْكِهِ اخْتِيَارًا فِي التَّنَفُّلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 (وَلَوْ وَجَدَتْ) الْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ (سَاتِرًا يَسْتُرُ بَدَنَهَا مَعَ رُبْعِ رَأْسِهَا يَجِبُ سَتْرُهُمَا) فَلَوْ تَرَكَتْ سَتْرَ رَأْسِهَا أَعَادَتْ بِخِلَافِ الْمُرَاهِقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ بِعُذْرِ الرِّقِّ فَبِعُذْرِ الصِّبَا أَوْلَى (وَلَوْ) كَانَ يَسْتُرُ (أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ الرَّأْسِ لَا) يَجِبُ بَلْ يُنْدَبُ، لَكِنْ قَوْلُهُ (وَلَوْ وَجَدَ) الْمُكَلَّفُ (وَمَا يَسْتُرُ بِهِ بَعْضَ الْعَوْرَةِ وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ) ذَكَرَهُ الْكَمَالُ: زَادَ الْحَلَبِيُّ: وَإِنْ قَلَّ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ مُطْلَقًا فَتَأَمَّلْ (وَيَسْتُرُ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ) أَوَّلًا (فَإِنْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ أَحَدَهُمَا) قِيلَ (يَسْتُرُ الدُّبُرَ) لِأَنَّهُ أَفْحَشُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَقِيلَ الْقُبُلَ حَكَاهُمَا فِي الْبَحْرِ بِلَا تَرْجِيحٍ. وَفِي النَّهْرِ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ وَالتَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى بِالْإِيمَاءِ تَعَيَّنَ سَتْرُ الْقُبُلِ ثُمَّ فَخِذِهِ ثُمَّ بَطْنِ الْمَرْأَةِ وَظَهْرِهَا ثُمَّ الرُّكْبَةِ ثُمَّ الْبَاقِي عَلَى السَّوَاءِ. (وَإِذَا لَمْ يَجِدْ) الْمُكَلَّفُ الْمُسَافِرُ (مَا يُزِيلُ بِهِ نَجَاسَتَهُ) أَوْ يُقَلِّلُهَا لِبُعْدِهِ مِيلًا أَوْ لِعَطَشٍ (صَلَّى مَعَهَا) أَوْ عَارِيًّا (وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ) وَيَنْبَغِي لُزُومُهَا لَوْ الْعَجْزُ عَنْ مُزِيلٍ وَعَنْ سَاتِرٍ بِفِعْلِ الْعِبَادِ كَمَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ؛ ثُمَّ هَذَا لِلْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّ لِلْمُقِيمِ يُشْتَرَطُ طَهَارَةُ السَّاتِرِ وَإِنْ لَمْ يُهْلِكْهُ. قُهُسْتَانِيٌّ   [رد المحتار] عَلَى الدَّابَّةِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ إلَخْ) الْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُصَلِّي حَائِضٌ بِغَيْرِ قِنَاعٍ» لِأَنَّ تَعْلِيلَهُ يُفْهِمُ أَنَّ كُلَّ مَا سَقَطَ سَتْرُهُ بِعُذْرِ الرِّقِّ كَالْكَتِفَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ يَسْقُطُ بِالصِّبَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَفَادَهُ ح تَأَمَّلْ. وَفِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ لِلْأُسْرُوشَنِيِّ: وَجَوَازُ صَلَاةِ الصَّغِيرَةِ بِغَيْرِ قِنَاعٍ اسْتِحْسَانٌ لِأَنَّهُ لَا خِطَابَ مَعَ الصِّبَا. وَالْأَحْسَنُ أَنْ تُصَلِّيَ بِقِنَاعٍ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ لِلتَّعَوُّدِ، فَتُؤْمَرُ عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ أَدَاؤُهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ، ثُمَّ قَالَ: الْمُرَاهِقَةُ إذَا صَلَّتْ بِغَيْرِ قِنَاعٍ لَا تُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ صَلَّتْ بِغَيْرِ وُضُوءٍ تُؤْمَرُ، وَلَوْ صَلَّتْ عُرْيَانَةً تُعِيدُ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ تُعِيدُ الْبَالِغَةُ الصَّلَاةَ فَهِيَ تُعِيدُ عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِيَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ) لِأَنَّ مَا دُونَ الرُّبْعِ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ، وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ تَقْلِيلًا لِلِانْكِشَافِ زَيْلَعِيٌّ، وَمِثْلُهُ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي (قَوْلُهُ زَادَ الْحَلَبِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ ح (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ يَسْتُرُ الرُّبْعَ أَوْ الْأَقَلَّ ط (قَوْلُهُ فَتَأَمَّلْ) أَشَارَ إلَى إمْكَانِ الْجَوَابِ بِحَمْلِ كَلَامِ الْكَمَالِ عَلَى غَيْرِ الرَّأْسِ لِأَنَّهُ أَخَفُّ بِدَلِيلِ صِحَّةِ صَلَاةِ الْمُرَاهِقَةِ مَعَ كَشْفِ الرَّأْسِ دُونَ غَيْرِهِ أَفَادَهُ ح. أَقُولُ: وَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِحَمْلِ أَلْ فِي الْعَوْرَةِ عَلَى جِنْسِ الْأَفْرَادِ لَا جِنْسِ الْأَجْزَاءِ: أَيْ إذَا وُجِدَ مَا يَسْتُرُ بَعْضَ أَفْرَادِ الْعَوْرَةِ، بِأَنْ كَانَ يَسْتُرُ أَصْغَرَهَا كَالْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ دُونَ أَكْبَرِهَا وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ وَيَسْتُرُ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ إلَخْ، وَقَوْلُهُ فِي الْمِعْرَاجِ: وَلَوْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ بِهِ بَعْضَ الْعَوْرَةِ سَتَرَ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ بِالِاتِّفَاقِ اهـ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُبْتَغَى إنْ كَانَ عِنْدَهُ قِطْعَةٌ يَسْتُرُ بِهَا أَصْغَرَ الْعَوْرَاتِ فَسَدَتْ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. وَحِينَئِذٍ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِهِمْ، إذْ لَيْسَ فِيهِ عَلَى هَذَا الْحَمْلِ مَا يَقْتَضِي وُجُوبَ سَتْرِ مَا دُونَ رُبْعِ عُضْوٍ مِنْ الْعَوْرَةِ حَتَّى يُخَالِفَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالْمُحِيطِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي مِنْ أَنَّ مَا دُونَ الرُّبْعِ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ. وَأَمَّا قَوْلُ الْحَلَبِيِّ وَإِنْ قَلَّ فَيَحْتَاجُ لِنَقْلٍ وَإِلَّا فَلَا يُعَارِضُ كَلَامَ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ مَا يَسْتُرُ عُضْوًا كَامِلًا كَالدُّبُرِ مَثَلًا، وَإِلَّا فَلَوْ وَجَدَتْ الْمَرْأَةُ مَا يَسْتُرُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَعِنْدَهَا خِرْقَةٌ قَدْرَ الظُّفْرِ مَثَلًا يَبْعُدُ كُلُّ الْبُعْدِ إلْزَامُهَا بِالسَّتْرِ بِهَا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي مِنْ فَيْضِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ الْقُبُلَ) لِأَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهِ الْقِبْلَةَ وَلِأَنَّهُ لَا يُسْتَرُ بِغَيْرِهِ وَالدُّبُرُ يُسْتَرُ بِالْأَلْيَتَيْنِ بَحْرٌ عَنْ السِّرَاجِ (قَوْلُهُ وَالتَّعْلِيلُ) أَيْ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ أَفْحَشُ إلَخْ وَهُوَ مُرَادُ صَاحِبِ النَّهْرِ بِقَوْلِهِ وَالتَّعْلِيلُ الثَّانِي لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَوَّلًا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ ثَانِيًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِالْإِيمَاءِ) عِبَارَةُ النَّهْرِ قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ (قَوْلُهُ تَعَيَّنَ سَتْرُ الْقُبُلِ) لِعَدَمِ الْعِلَّةِ، وَهِيَ زِيَادَةُ الْفُحْشِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. أَقُولُ: وَهَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ لَوْ قَعَدَ مُتَرَبِّعًا؛ أَمَّا لَوْ قَعَدَ مَادًّا رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ قَعَدَ كَالْمُتَشَهِّدِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِيمَا مَرَّ يَتَعَيَّنُ سَتْرُ الدُّبُرِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ جَعْلُ الذَّكَرِ وَالْخُصْيَتَيْنِ تَحْتَ الْفَخِذَيْنِ. وَأَمَّا الدُّبُرُ فَإِنَّهُ يَنْكَشِفُ حَالَةَ الْإِيمَاءِ فَيَتَعَيَّنُ سَتْرُهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ثُمَّ فَخِذَهُ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِ الْمَتْنِ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَيُقَدَّمُ فِي السَّتْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 (وَ) الْخَامِسُ (النِّيَّةُ) بِالْإِجْمَاعِ (وَهِيَ الْإِرَادَةُ) الْمُرَجِّحَةُ لِأَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ أَيْ إرَادَةُ الصَّلَاةِ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ   [رد المحتار] مَا هُوَ أَغْلَظُ كَالسَّوْأَتَيْنِ ثُمَّ الْفَخِذُ ثُمَّ الرُّكْبَةُ. وَفِي الْمَرْأَةِ بَعْدَ الْفَخِذِ الْبَطْنُ وَالظَّهْرُ ثُمَّ الرُّكْبَةُ ثُمَّ الْبَاقِي عَلَى السَّوَاءِ. اهـ. وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ كَالسَّوْأَتَيْنِ أَنَّ سَتْرَ نَحْوِ الْأَلْيَةِ وَالْعَانَةِ مِثْلُهُمَا، فَيُقَدَّمُ عَلَى الْفَخِذِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ يُقَلِّلُهَا) كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالظَّاهِرُ تَقْيِيدُهُ بِمَا يُقَلِّلُهَا عَنْ الدِّرْهَمِ أَوْ عَنْ رُبْعِ الثَّوْبِ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الدِّرْهَمِ وَدُونَ الرُّبْعِ وَإِذَا قَلَّلَهَا تَبْقَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّرْهَمِ لَا يَجِبُ التَّقْلِيلُ لِمَا مَرَّ عَنْ الْحِلْيَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ لَهُ ثَوْبَانِ لَمْ تَبْلُغْ نَجَاسَةُ كُلٍّ الرُّبْعَ يَتَخَيَّرُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لِبُعْدِهِ مِيلًا) صَرَّحَ بِهِ فِي السِّرَاجِ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ عَدَمَ الْوُجُودِ يَكُونُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا (قَوْلُهُ أَوْ لِعَطَشٍ) أَيْ خَوْفِهِ حَالًا أَوْ مَآلًا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إزَالَةُ تِلْكَ النَّجَاسَةِ شُرَّاحُ الْمُنْيَةِ، وَمِثْلُهُ خَوْفُ الْعَدُوِّ وَعَدَمُ وُجُودِ ثَمَنِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْأَحْكَامِ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ (قَوْلُهُ صَلَّى مَعَهَا أَوْ عَارِيًّا) أَيْ إنْ كَانَ الطَّاهِرُ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ الثَّوْبِ وَإِلَّا تَعَيَّنَتْ صَلَاتُهُ بِهِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ) أَيْ إذَا وَجَدَ الْمُزِيلَ وَإِنْ بَقِيَ الْوَقْتُ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ الْحِلْيَةِ، وَقَالَ: وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ هُنَا لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ، وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَنْ مُزِيلٍ) أَيْ لِلنَّجَاسَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا، وَقَوْلُهُ وَعَنْ سَاتِرٍ أَيْ لِلْعَوْرَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مِمَّا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ ثُمَّ هَذَا لِلْمُسَافِرِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَقَيَّدْنَا بِالْمُسَافِرِ وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بِهَذَا إلَى رَدِّ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمُسَافِرِ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ، إذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ لِلْمُقِيمِ إلَخْ) اسْمُ أَنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفٌ، وَلِلْمُقِيمِ يَتَعَلَّقُ بِيُشْتَرَطُ. وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ أَنَّ، وَضَمِيرُ يَمْلِكُهُ لِلسَّاتِرِ. وَعِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ هَكَذَا: وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُسَافِرِ لِأَنَّ لِلْمُقِيمِ اشْتِرَاطَ طَهَارَةِ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ كَمَا فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ اهـ ح قُلْت: فَأَسْقَطَ الشَّارِحُ لَفْظَ طَهَارَةٍ. وَحَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمُقِيمِ بِسَاتِرٍ نَجَسٍ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الطَّاهِرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُقِيمَ لَا يَتَحَقَّقُ عَجْزُهُ عَنْ الْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ الْمُزِيلَةِ لِأَنَّ الْمِصْرَ وَنَحْوِهِ مَظِنَّةُ وُجُودِ ذَلِكَ وَلِذَا لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ فِي الْمِصْرِ، لَكِنْ هَذَا قَوْلُهُمَا وَالْمُفْتَى بِهِ قَوْلُهُ حَيْثُ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ كَمَا مَرَّ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ فَافْهَمْ. بَحْثُ النِّيَّةِ (قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ لَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]- فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْعِبَادَةِ هُنَا التَّوْحِيدُ، وَلَا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» لِأَنَّ الْمُرَادَ ثَوَابُهَا وَلَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِلصِّحَّةِ وَتَمَامُهُ فِي ح (قَوْلُهُ وَهِيَ الْإِرَادَةُ) النِّيَّةُ: لُغَةً الْعَزْمُ، وَالْعَزْمُ هُوَ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ الْقَاطِعَةُ، وَالْإِرَادَةُ صِفَةٌ تُوجِبُ تَخْصِيصَ الْمَفْعُولِ بِوَقْتٍ وَحَالٍ دُونَ غَيْرِهِمَا: أَيْ تُرَجِّحُ أَحَدَ الْمُسْتَوِيَيْنِ وَتُخَصِّصُهُ بِوَقْتٍ وَحَالٍ أَيْ كَيْفِيَّةٍ وَحَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ النِّيَّةَ لَيْسَتْ مُطْلَقَ الْإِرَادَةِ، بَلْ هِيَ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ (قَوْلُهُ الْمُرَجِّحَةُ) نَعْتٌ لِلْإِرَادَةِ قَصَدَ بِهِ تَفْسِيرَهَا ح (قَوْلُهُ أَيْ إرَادَةُ الصَّلَاةِ إلَخْ) لَمَّا عَرَّفَ مُطْلَقَ النِّيَّةِ بَيَّنَ الْمَعْنَى الْمُرَادَ بِهَا هُنَا الَّذِي هُوَ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ، وَإِلَّا فَالنِّيَّةُ غَيْرُ خَاصَّةٍ بِالصَّلَاةِ. قَالَ ط: وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَلَى الْخُلُوصِ الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يُشْرَكُ مَعَهُ غَيْرُهُ فِي الْعِبَادَةِ اهـ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 (لَا) مُطْلَقُ (الْعِلْمِ) فِي الْأَصَحِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ عَلِمَ الْكُفْرَ لَا يَكْفُرُ، وَلَوْ نَوَاهُ يَكْفُرُ (وَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا عَمَلُ الْقَلْبِ اللَّازِمِ لِلْإِرَادَةِ) فَلَا عِبْرَةَ لِلذِّكْرِ بِاللِّسَانِ إنْ خَالَفَ الْقَلْبَ لِأَنَّهُ كَلَامٌ لَا نِيَّةَ إلَّا إذَا عَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ لِهُمُومٍ أَصَابَتْهُ فَيَكْفِيهِ اللِّسَانُ مُجْتَبَى (وَهُوَ) أَيْ عَمَلُ الْقَلْبِ (أَنْ يَعْلَمَ) عِنْدَ الْإِرَادَةِ (بَدَاهَةً) بِلَا تَأَمُّلٍ (أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي) فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا بِتَأَمُّلٍ لَمْ يَجُزْ. (وَالتَّلَفُّظُ) عِنْدَ الْإِرَادَةِ (بِهَا مُسْتَحَبٌّ) هُوَ الْمُخْتَارُ،   [رد المحتار] أَقُولُ: هَذَا يُوهِمُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مَعَ الرِّيَاءِ مَعَ أَنَّ الْإِخْلَاصَ شَرْطٌ لِلثَّوَابِ لَا لِلصِّحَّةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ لِشَخْصٍ صَلِّ الظُّهْرَ وَلَك دِينَارٌ فَصَلَّى بِهَذِهِ النِّيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِيَهُ وَأَنَّهُ لَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْوَاجِبِ، فَهَذَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الشُّرُوعِ مَعَ عَدَمِ الْإِخْلَاصِ فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت الْحَمَوِيَّ فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ اعْتَرَضَهُ بِقَوْلِهِ: فِيهِ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي عِبَادَةٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا ثَوَابٌ لَا الْمَنْهِيَّاتِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا عِقَابٌ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا مُطْلَقُ الْعِلْمِ إلَخْ) أَيْ لَيْسَتْ النِّيَّةُ مُطْلَقَ الْعِلْمِ بِالْمَنْوِيِّ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ قَصْدٍ وَإِرَادَةٍ جَازِمَةٍ أَوْ لَا، وَهَذَا رَدٌّ عَلَى مَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ عِنْدَ الشُّرُوعِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي فَهَذَا الْقَدْرُ نِيَّةٌ، وَكَذَا فِي الصَّوْمِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الدُّرَرِ: قَالَ فِي الْأَحْكَامِ: لَكِنْ فِي الْمِفْتَاحِ وَشَرْحِ ابْنِ مَالِكٍ أَنَّ مُرَادَ ذَلِكَ الْقَائِلِ أَنَّ مَنْ قَصَدَ صَلَاةً فَعَلِمَ أَنَّهَا ظُهْرٌ أَوْ عَصْرٌ أَوْ نَفْلٌ أَوْ قَضَاءٌ يَكُونُ ذَلِكَ نِيَّةً فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ أُخْرَى لِلتَّعْيِينِ إذَا وَصَلَهَا بِالتَّحْرِيمَةِ، وَفِيمَا أَوْرَدَهُ لَمْ يُوجَدْ قَصْدٌ إلَى الْكُفْرِ، وَهَذَا الْقَائِلُ لَمْ يَدَّعِ أَنَّ مُطْلَقَ الْعِلْمِ بِشَيْءٍ يَكُونُ نِيَّةً، فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الِاعْتِرَاضُ. اهـ. قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّ النِّيَّةَ الَّتِي هِيَ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ لَمَّا كَانَتْ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِتَصَوُّرِ الْمُرَادِ وَعِلْمِهِ وَكَانَ ذَلِكَ شَرْطًا لِصِحَّتِهَا شَرْعًا وَلَازِمًا لَهَا لُغَةً اُقْتُصِرَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا عَمَلُ الْقَلْبِ) أَيْ أَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي تَتَحَقَّقُ بِهِ النِّيَّةُ وَيُعْتَبَرُ فِيهَا شَرْعًا الْعِلْمُ بِالشَّيْءِ بَدَاهَةً النَّاشِئُ ذَلِكَ الْعِلْمُ عَنْ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ لَا مُطْلَقُ الْعِلْمِ وَلَا مُجَرَّدُ الْقَوْلِ بِاللِّسَانِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَعْنَى النِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَ فِي الشَّرْعِ هُوَ الْعِلْمُ الْمَذْكُورُ، وَهَذَا مَعْنَى مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ سَلَمَةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَا يَصِحُّ تَفْسِيرُ النِّيَّةِ بِالْعِلْمِ فَالْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْعِلْمِ الْخَالِي عَنْ الْقَصْدِ بِقَرِينَةِ الِاعْتِرَاضِ الْمَارِّ فَافْهَمْ، لَكِنْ فِي جَعْلِهِ الْعِلْمَ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّ الْعِلْمَ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ النَّفْسَانِيَّةِ كَمَا حُقِّقَ فِي مَوْضِعِهِ (قَوْلُهُ إنْ خَالَفَ الْقَلْبَ) فَلَوْ قَصَدَ الظُّهْرَ وَتَلَفَّظَ بِالْعَصْرِ سَهْوًا أَجْزَأَهُ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَكْفِيهِ اللِّسَانُ) أَيْ بَدَلًا عَنْ النِّيَّةِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْحِلْيَةِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ نَصْبُ الْإِبْدَالِ بِالرَّأْيِ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ الشَّرْطُ لِلْعَجْزِ فَقَدْ يَسْقُطُ إلَى بَدَلٍ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ أَوْ بِلَا بَدَلٍ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَقَدْ يَسْقُطُ الْمَشْرُوطُ كَمَا فِي الْعَاجِزِ عَنْ الطَّهُورَيْنِ فَإِثْبَاتُ أَحَدِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ، وَأَيْنَ هُوَ هُنَا فَلَا يَجُوزُ اهـ مُوَضَّحًا وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْآتِي مِنْ أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ النُّطْقِ لَا يَلْزَمُهُ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ لِلتَّكْبِيرِ أَوْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّحِيحِ لِتَعَذُّرِ الْأَصْلِ فَلَا يَلْزَمُ غَيْرُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ. اهـ. وَأَجَابَ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّهُ صَارَ أَصْلًا لَا بَدَلًا. وَأَقُولُ نَصْبُ الْأَصْلِ أَبْلَغُ مِنْ الْبَدَلِ فَلَا يَجُوزُ بِالرَّأْيِ بِالْأَوْلَى، وَلَا يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِسُقُوطِ الْأَدَاءِ عَمَّنْ وَصَلَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، فَإِنَّ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ مَعْرِفَةُ أَيِّ صَلَاةٍ يُصَلِّي بِمَنْزِلَةِ الْمَجْنُونِ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَبَهَ عَلَى الْمَرِيضِ أَعْدَادُ الرَّكَعَاتِ أَوْ السَّجَدَاتِ لِنُعَاسٍ يَلْحَقُهُ لَا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ (قَوْلُهُ أَنْ يَعْلَمَ عِنْدَ الْإِرَادَةِ إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَأَدْنَاهُ أَنْ يَصِيرَ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلَ عَنْهَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُجِيبَ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ. اهـ وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ هَذَا قَوْلُ ابْنِ سَلَمَةَ وَمُقْتَضَاهُ لُزُومُ الِاسْتِحْضَارِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَعِنْدَ الشُّرُوعِ. وَالْمَذْهَبُ جَوَازُهَا بِنِيَّةٍ مُتَقَدِّمَةٍ بِشَرْطِهَا الْمُتَقَدِّمِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْجَوَابِ بِلَا تَفَكُّرٍ اهـ. أَقُولُ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِمَا قَدَّمْنَاهُ بِأَنَّ قَوْلَ ابْنِ سَلَمَةَ هُوَ لُزُومُ الِاسْتِحْضَارِ عِنْدَ الشُّرُوعِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ، بَلْ هُوَ بَيَانٌ لِأَدْنَى الْعِلْمِ الْمُعْتَبَرِ فِي النِّيَّةِ اللَّازِمِ لَهَا سَوَاءٌ تَقَدَّمَتْ أَوْ قَارَنَتْ الشُّرُوعَ، وَلِدَفْعِ هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 وَتَكُونُ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَلَوْ فَارِسِيًّا لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ فِي الْإِنْشَاءَاتِ، وَتَصِحُّ بِالْحَالِ قُهُسْتَانِيٌّ (وَقِيلَ سُنَّةٌ) يَعْنِي أَحَبَّهُ السَّلَفُ أَوْ سَنَّهُ عُلَمَاؤُنَا، إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الْمُصْطَفَى وَلَا الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ، بَلْ قِيلَ بِدْعَةٌ. وَفِي الْمُحِيطِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ صَلَاةَ كَذَا فَيَسِّرْهَا لِي وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي، وَسَيَجِيءُ فِي الْحَجِّ (وَجَازَ تَقْدِيمُهَا عَلَى التَّكْبِيرَةِ) وَلَوْ قَبْلَ الْوَقْتِ: وَفِي الْبَدَائِعِ: خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ يُرِيدُ الْجَمَاعَةَ فَلَمَّا انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ كَبَّرَ وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ جَازَ،   [رد المحتار] التَّوَهُّمِ قَالَ الشَّارِحُ عِنْدَ الْإِرَادَةِ أَيْ النِّيَّةِ ثُمَّ رَأَيْت ط نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَتَكُونُ بِلَفْظِ الْمَاضِي) مِثْلَ نَوَيْت صَلَاةَ كَذَا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَاضِيَ (قَوْلُهُ فِي الْإِنْشَاءَاتِ) كَالْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ ط (قَوْلُهُ وَتَصِحُّ بِالْحَالِ) أَيْ الْمُضَارِعِ الْمَنْوِيِّ بِهِ الْحَالَ مِثْلَ أُصَلِّي صَلَاةَ كَذَا (قَوْلُهُ وَقِيلَ سُنَّةٌ) عَزَاهُ فِي التُّحْفَةِ وَالِاخْتِيَارِ إلَى مُحَمَّدٍ، وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ فِي الصَّلَاةِ بَلْ فِي الْحَجِّ فَحَمَلُوا الصَّلَاةَ عَلَى الْحَجِّ، وَاعْتَرَضَهُمْ فِي الْحِلْيَةِ بِمَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِنَا مِنْ أَنَّ الْحَجَّ لَمَّا كَانَ مِمَّا يَمْتَدُّ وَتَقَعُ فِيهِ الْعَوَارِضُ وَالْمَوَانِعُ وَيَحْصُلُ بِأَفْعَالٍ شَاقَّةٍ اُسْتُحِبَّ فِيهِ طَلَبُ التَّيْسِيرِ وَالتَّسْهِيلِ، وَلَمْ يُشْرَعْ مِثْلُهُ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ وَقْتَهَا يَسِيرٌ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي نَفْيِ قِيَاسِ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَجِّ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ يَعْنِي إلَخْ) أَشَارَ بِهِ لِلِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ مَعْنَى الْقَوْلَيْنِ وَاحِدٌ سُمِّيَ مُسْتَحَبًّا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَحَبَّهُ عُلَمَاؤُنَا، وَسُنَّةً بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ طَرِيقَةٌ حَسَنَةٌ لَهُمْ لَا طَرِيقَةٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ إذْ لَمْ يُنْقَلْ إلَخْ) فِي الْفَتْحِ عَنْ بَعْضِ الْحُفَّاظِ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ أُصَلِّي كَذَا وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، زَادَ فِي الْحِلْيَةِ: وَلَا عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعِ، بَلْ الْمَنْقُولُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ» (قَوْلُهُ بَلْ قِيلَ بِدْعَةٌ) نَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ: وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَلَعَلَّ الْأَشْبَهَ أَنَّهُ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ عِنْدَ قَصْدِ جَمْعِ الْعَزِيمَةِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ تَفَرُّقُ خَاطِرِهِ، وَقَدْ اسْتَفَاضَ ظُهُورُ الْعَمَلِ بِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ فِي عَامَّةِ الْأَمْصَارِ فَلَا جَرَمَ أَنَّهُ ذَهَبَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْهِدَايَةِ وَالْكَافِي إلَى أَنَّهُ إنْ فَعَلَهُ لِيَجْمَعَ عَزِيمَةَ قَلْبِهِ فَحَسَنٌ، فَيَنْدَفِعُ مَا قِيلَ إنَّهُ يُكْرَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ يَقُولُ إلَخْ) هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ وَيَكُونُ بِلَفْظِ الْمَاضِي إلَخْ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْحَجِّ أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَقُولُ فِيهِ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي إلَى أَنَّ ذَلِكَ مَقِيسٌ عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَا عَلِمْت: وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ ذَلِكَ يُفِيدُ اسْتِنَانَهَا فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يُفِيدُ كَوْنَهَا بِهَذَا اللَّفْظِ لَا بِنَحْوِ نَوَيْت أَوْ أَنْوِي كَمَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمُتَلَفِّظِينَ بِهَا مَا بَيْنَ عَامِّيٍّ وَغَيْرِهِ اهـ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ خِلَافُ الْمُسْتَفِيضِ فَلَا يُقْبَلُ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَبْلَ الْوَقْتِ) ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ أَبِي هُبَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ لِلصَّلَاةِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَقَبْلَ التَّكْبِيرِ مَا لَمْ يَقْطَعْهَا بِعَمَلٍ اهـ ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى التَّصْرِيحِ بِاشْتِرَاطِ الْوَقْتِ، وَهُوَ إنْ صَحَّ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ لَا يُشْتَرَطُ مُقَارَنَتُهَا فَلَا يَضُرُّ إيجَادُهَا قَبْلَ الْوَقْتِ وَاسْتِصْحَابُهَا إلَى وَقْتِ الشُّرُوعِ بَعْدَ دُخُولِهِ كَغَيْرِهَا مِنْ الشُّرُوطِ اهـ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. أَقُولُ: إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِاسْتِصْحَابِهَا عَدَمَ عُزُوبِهَا عَنْ قَلْبِهِ إلَى وَقْتِ الشُّرُوعِ كَمَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ وَاسْتِصْحَابُهَا إلَى وَقْتِ الشُّرُوعِ، فَفِيهِ أَنَّ هَذِهِ نِيَّةٌ مُقَارِنَةٌ، وَالْكَلَامُ فِي النِّيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِلَا اشْتِرَاطِ اسْتِصْحَابِهَا إلَى وَقْتِ الشُّرُوعِ كَمَا اقْتَضَاهُ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَهَذِهِ لَا تَصِحُّ إذَا عَزَبْت عَنْهُ قَبْلَ الْوَقْتِ لِأَنَّ النِّيَّةَ وَإِنْ لَمْ تُشْتَرَطْ مُقَارَنَتُهَا لِلشُّرُوعِ يُشْتَرَطُ عَدَمُ الْمُنَافِي لَهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَدَمَ دُخُولِ الْوَقْتِ مُنَافٍ لِنِيَّةِ فَرْضِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ لَا يُفْرَضُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ جَازَ) وَأَمَّا اشْتِرَاطُهُمْ عَدَمَ الْفَاصِلِ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا كَانَ مِنْ أَعْمَالِ الدُّنْيَا كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَفِي الْبَحْرِ: الْمُرَادُ بِهِ الْفَاصِلُ الْأَجْنَبِيُّ، وَهُوَ مَا لَا يَلِيقُ بِالصَّلَاةِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْكَلَامِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ تُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَتُبْطِلُ النِّيَّةَ، وَأَمَّا الْمَشْيُ وَالْوُضُوءُ فَلَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ فِي صَلَاتِهِ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 وَمُفَادُهُ جَوَازُ تَقْدِيمِ الِاقْتِدَاءِ أَيْضًا فَلْيُحْفَظْ (مَا يُوجَدُ) بَيْنَهُمَا (قَاطِعًا مِنْ عَمَلٍ غَيْرِ لَائِقٍ بِصَلَاةٍ) وَهُوَ كُلُّ مَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ وَشَرَطَ الشَّافِعِيُّ قِرَانَهَا فَيُنْدَبُ عِنْدَنَا (وَلَا عِبْرَةَ بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْهَا) عَلَى الْمَذْهَبِ، وَجَوَّزَهُ الْكَرْخِيُّ إلَى الرُّكُوعِ (وَكَفَى مُطْلَقُ نِيَّةِ الصَّلَاةِ) وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ (لِنَفْلٍ وَسُنَّةٍ) رَاتِبَةٍ (وَتَرَاوِيحَ) عَلَى الْمُعْتَمَدِ، إذْ تَعْيِينُهَا بِوُقُوعِهَا وَقْتَ   [رد المحتار] أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْبِنَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ مَا فِي الْبَدَائِعِ جَوَازُ تَقْدِيمِ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ عَلَى الْوَقْتِ كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ، أَوْ الْمُرَادُ تَقْدِيمُهَا عَلَى شُرُوعِ الْإِمَامِ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ إنَّ هَذَا الْمُفَادَ ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا وَقَالَ: وَلَمْ أَرَ فِيهِ غَيْرَ مَا عَلِمْت: أَيْ لَمْ يَرَ فِيهِ نَقْلًا صَرِيحًا غَيْرَ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ كُلُّ مَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ) أَيْ يَمْنَعُ الَّذِي سَبَقَهُ الْحَدَثُ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى مَا صَلَّى احْتِرَازًا عَنْ الْمَشْيِ وَالْوُضُوءِ، لَكِنْ فِي هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ تَمْنَعُ الْبِنَاءَ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَفْصِلُ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرَةِ فَالْأَوْلَى ذِكْرُ مَنْعِ الْبِنَاءِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِيضَاحِ كَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ آنِفًا (قَوْلُهُ وَشَرَطَ الشَّافِعِيُّ قِرَانَهَا) أَيْ جَمْعَهَا مَعَ التَّكْبِيرِ وَبِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ. مَطْلَبٌ فِي حُضُورِ الْقَلْبِ وَالْخُشُوعِ وَفِي شَرْحِ الْمُقَدِّمَةِ الْكَيْدَانِيَّةِ لِلْعَلَّامَةِ الْقُهُسْتَانِيِّ: يَجِبُ حُضُورُ الْقَلْبِ عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ، فَلَوْ اشْتَغَلَ قَلْبُهُ بِتَفَكُّرِ مَسْأَلَةٍ مَثَلًا فِي أَثْنَاءِ الْأَرْكَانِ فَلَا تُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ: وَقَالَ الْبَقَّالِيُّ: لَمْ يَنْقُصْ أَجْرُهُ إلَّا إذَا قَصَّرَ، وَقِيلَ يَلْزَمُ فِي كُلِّ رُكْنٍ وَلَا يُؤَاخَذُ بِالسَّهْوِ لِأَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ ثَوَابًا كَمَا فِي الْمُنْيَةِ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ قَوْلُ مَنْ قَالَ لَا قِيمَةَ لِصَلَاةِ مَنْ لَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ فِيهَا مَعَهُ، كَمَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَالْخِزَانَةِ وَالسِّرَاجِيَّةِ وَغَيْرِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ حُضُورَ الْقَلْبِ فَرَاغُهُ عَنْ غَيْرِ مَا هُوَ مُلَابِسٌ لَهُ، وَهُوَ هَاهُنَا الْعِلْمُ بِالْعَمَلِ بِالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ الصَّادِرَيْنِ عَنْ الْمُصَلِّي وَهُوَ غَيْرُ التَّفَهُّمِ؛ فَإِنَّ الْعِلْمَ بِنَفْسِ اللَّفْظِ غَيْرُ الْعِلْمِ بِمَعْنَى اللَّفْظِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا عِبْرَةَ بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ) لِأَنَّ الْجُزْءَ الْخَالِيَ عَنْ النِّيَّةِ لَا يَقَعُ عِبَادَةً فَلَا يَنْبَنِي الْبَاقِي عَلَيْهِ، وَفِي الصَّوْمِ جُوِّزَتْ لِلضَّرُورَةِ بَهْنَسِيٌّ، حَتَّى لَوْ نَوَى عِنْدَ قَوْلِهِ اللَّهُ قَبْلَ أَكْبَرُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الشُّرُوعَ يَصِحُّ بِقَوْلِهِ اللَّهُ فَكَأَنَّهُ نَوَى بَعْدَ التَّكْبِيرِ حِلْيَةٌ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ إلَى الرُّكُوعِ) فِيهِ أَنَّ الْكَرْخِيَّ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الرُّكُوعِ وَلَا غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي التَّخْرِيجِ عَلَى قَوْلِهِ فِي أَنَّهُ يَنْتَهِي إلَى الثَّنَاءِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ الرَّفْعِ مِنْهُ أَوْ الْقُعُودِ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ وَكَفَى إلَخْ) أَيْ بِأَنْ يَقْصِدَ الصَّلَاةَ بِلَا قَيْدِ نَفْلٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ عَدَدٍ (قَوْلُهُ لِنَفْلٍ) هَذَا بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ وَسُنَّةٍ) وَلَوْ سُنَّةَ فَجْرٍ، حَتَّى لَوْ تَهَجَّدَ بِرَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا بَعْدَ الْفَجْرِ نَابَتَا عَنْ السُّنَّةِ، وَكَذَا لَوْ صَلَّى أَرْبَعًا وَوَقَعَتْ الْأُخْرَيَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَبِهِ يُفْتَى خُلَاصَةٌ، وَكَذَا الْأَرْبَعُ الْمَنْوِيُّ بِهَا آخِرُ ظُهْرٍ أَدْرَكْته عِنْدَ الشَّكِّ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ، فَإِذَا تَبَيَّنَ صِحَّتُهَا وَلَا ظُهْرَ عَلَيْهِ نَابَتْ عَنْ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهُ يَلْغُو الْوَصْفُ وَيَبْقَى الْأَصْلُ، وَبِهِ تَتَأَدَّى السُّنَّةُ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْفَتْحِ، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَامَ فِي الظُّهْرِ لِلْخَامِسَةِ فَضَمَّ سَادِسَةً لَا تَنُوبَانِ عَنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ لِعَدَمِ كَوْنِ الشُّرُوعِ مَقْصُودًا (قَوْلُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ) أَيْ مِنْ قَوْلَيْنِ مُصَحَّحَيْنِ، وَإِنَّمَا اعْتَمَدَ هَذَا لِمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَجَعَلَهُ فِي الْمُحِيطِ قَوْلَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ وَنَسَبَهُ إلَى الْمُحَقِّقِينَ (قَوْلُهُ أَوْ تَعَيُّنُهَا إلَخْ) لِأَنَّ السُّنَّةَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَحِلٍّ مَخْصُوصٍ، فَإِذَا أَوْقَعهَا الْمُصَلِّي فِيهِ فَقَدْ فَعَلَ الْفِعْلَ الْمُسَمَّى سُنَّةً، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَنْوِي السُّنَّةَ بَلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 الشُّرُوعِ، وَالتَّعْيِينُ أَحْوَطُ (وَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ عِنْدَ النِّيَّةِ) فَلَوْ جَهِلَ الْفَرْضِيَّةَ لَمْ يَجُزْ؛ وَلَوْ عَلِمَ وَلَمْ يُمَيِّزْ الْفَرْضَ مِنْ غَيْرِهِ، إنْ نَوَى الْفَرْضَ فِي الْكُلِّ جَازَ، وَكَذَا لَوْ أَمَّ غَيْرَهُ فِيمَا لَا سُنَّةَ قَبْلَهَا (لِفَرْضٍ) أَنَّهُ ظُهْرٌ أَوْ عَصْرٌ قَرَنَهُ بِالْيَوْمِ أَوْ الْوَقْتِ أَوْ لَا   [رد المحتار] الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَالتَّعْيِينُ) أَيْ بِالنِّيَّةِ أَحْوَطُ: أَيْ لِاخْتِلَافِ الصَّحِيحِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ إلَخْ) فَلَوْ فَاتَتْهُ عَصْرٌ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ عَمَّا عَلَيْهِ وَهُوَ يَرَى أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ صَلَّاهَا قَضَاءً عَمَّا عَلَيْهِ وَقَدْ جَهِلَهُ، وَلِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ وَاشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ إنَّهُ يُصَلِّي الْخَمْسَ لِيَتَيَقَّنَ اهـ فَتْحٌ أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَعْيِينُ هَذِهِ الْفَائِتَةِ إلَّا بِذَلِكَ: وَفِي الْأَشْبَاهِ: وَلَا يَسْقُطُ التَّعْيِينُ بِضِيقِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِيهِ مُنْتَقِلًا صَحَّ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا اهـ (قَوْلُهُ عِنْدَ النِّيَّةِ) أَيْ سَوَاءٌ تَقَدَّمَتْ عَلَى الشُّرُوعِ أَوْ قَارَنَتْهُ، فَلَوْ نَوَى فَرْضًا مُعَيَّنًا وَشَرَعَ فِيهِ نَسِيَ فَظَنَّهُ تَطَوُّعًا فَأَتَمَّهُ عَلَى ظَنِّهِ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَلَوْ جَهِلَ الْفَرْضِيَّةَ) أَيْ فَرْضِيَّةَ الْخَمْسِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا فِي مَوَاقِيتِهَا لَمْ يَجُزْ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ إلَّا إذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ وَنَوَى صَلَاةَ الْإِمَامِ بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلِمَ إلَخْ) أَيْ عَلِمَ فَرْضِيَّةَ الْخَمْسِ لَكِنَّهُ لَا يُمَيِّزُ الْفَرْضَ مِنْ السُّنَّةِ وَالْوَاجِبِ (قَوْلُهُ جَازَ) أَيْ صَحَّ فِعْلُهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ أَمَّ غَيْرَهُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ لَا يُمَيِّزُ الْفَرْضَ مِنْ غَيْرِهِ إذَا نَوَى الْفَرْضَ فِي الْكُلِّ جَازَ كَوْنُهُ إمَامًا أَيْضًا فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، لَكِنْ فِي صَلَاةٍ لَا سُنَّةَ قَبْلَهَا: أَيْ فِي صَلَاةٍ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا مِثْلَهَا فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى قَبْلَهَا مِثْلَهَا سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ وَصَارَ مَا بَعْدَهُ نَفْلًا فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِهِ (قَوْلُهُ لِفَرْضٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّعْيِينِ: قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ نِيَّةِ الْفَرْضِ الْعَيْنِ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ وَفَرْضِ الْكِفَايَةِ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَأَمَّا الْمُعَادَةُ لِتَرْكِ وَاجِبٍ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا جَابِرَةٌ لَا فَرْضٌ، فَعَلَيْهِ يَنْوِي كَوْنَهَا جَابِرَةً. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِهَا فَلَا خَفَاءَ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ. اهـ. وَنَقَلَ الْبِيرِيُّ عَنْ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ أَنَّ الْأَصَحَّ الْقَوْلُ الثَّانِي (قَوْلُهُ أَنَّهُ ظُهْرٌ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مَفْعُولُ التَّعْيِينِ أَوْ عَلَى حَذْفُ الْجَارِ: أَيْ بِأَنَّهُ (قَوْلُهُ قَرَنَهُ بِالْيَوْمِ أَوْ الْوَقْتِ أَوَّلًا) أَيْ لَمْ يَقْرِنْهُ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا؛ وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ أَوْ خَارِجَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِخُرُوجِهِ أَوْ مَعَ الْجَهْلِ، فَالْمَسَائِلُ تِسْعٌ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي ثَلَاثَةٍ، أَمَّا إنْ قَرَنَهُ بِالْيَوْمِ بِأَنْ نَوَى ظُهْرَ الْيَوْمِ فَيَصِحُّ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ. وَأَمَّا إنْ قَرَنَهُ بِالْوَقْتِ بِأَنْ نَوَى ظُهْرَ الْوَقْتِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ صَحَّ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ خَارِجَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِخُرُوجِهِ فَيَصِحُّ أَيْضًا عَلَى مَا فَهِمَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ مِنْ عِبَارَةِ الدُّرَرِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهَا لِأَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ لَيْسَ لَهُ ظُهْرٌ فَيُرَادُ بِهِ الظُّهْرُ الَّذِي يُقْضَى فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ خَارِجَهُ مَعَ الْجَهْلِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا، وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ الَّذِي فَهِمَهُ فِي النَّهْرِ مِنْ عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ مِنْهَا فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الشَّارِحِ هُنَا مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ. وَنَقَلَ فِي الْمُنْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ، لَكِنْ رَدَّهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، بَلْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ إنَّهُ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ مَا فِي الْمَشَاهِيرِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْرِنْهُ بِشَيْءٍ بِأَنْ نَوَى الظُّهْرَ وَأَطْلَقَ، فَإِنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ فَفِيهِ قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ قِيلَ لَا يَصِحُّ لِقَبُولِ الْوَقْتِ ظُهْرَ يَوْمٍ آخَرَ، وَقِيلَ يَصِحُّ لِتَعَيُّنِ الْوَقْتِ لَهُ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ وَالْمِعْرَاجِ وَالْأَشْبَاهِ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَأَقُولُ الشَّرْطُ الْمُتَقَدِّمُ، وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي يَحْسِمُ مَادَّةَ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّ الْعُمْدَةَ عَلَيْهِ لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِهِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ اهـ وَإِنْ كَانَ خَارِجَهُ مَعَ الْجَهْلِ بِخُرُوجِهِ. فَفِي النَّهْرِ أَنَّ ظَاهِرَ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى الْأَرْجَحِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 هُوَ الْأَصَحُّ (وَلَوْ) الْفَرْضُ (قَضَاءً) لَكِنَّهُ يُعَيِّنُ ظُهْرَ يَوْمِ كَذَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَالْأَسْهَلُ نِيَّةُ أَوَّلِ ظُهْرٍ عَلَيْهِ أَوْ آخِرِ ظُهْرٍ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُنْيَةِ: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ وَسَيَجِيءُ آخِرَ الْكِتَابِ (وَوَاجِبٍ) أَنَّهُ وِتْرٌ أَوْ نَذْرٌ أَوْ سُجُودُ تِلَاوَةٍ وَكَذَا شُكْرٍ، بِخِلَافِ سَهْوٍ   [رد المحتار] وَإِنْ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ فَبَحَثَ ح أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَخَالَفَهُ ط. قُلْت: وَهُوَ الْأَظْهَرُ، لِمَا مَرَّ عَنْ الْعِنَايَةِ. وَأَمَّا إذَا نَوَى فَرْضَ الْيَوْمِ أَوْ فَرْضَ الْوَقْتِ فَسَيَأْتِي بِأَقْسَامِهِ التِّسْعِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ هُوَ الْأَصَحُّ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا: أَيْ إذَا نَوَى الظُّهْرَ وَلَمْ يَقْرِنْهُ بِالْيَوْمِ أَوْ الْوَقْتِ وَكَانَ فِي الْوَقْتِ فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَكَذَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهُوَ رَدٌّ عَلَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ لَا عَلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يُعَيِّنُ إلَخْ) أَيْ يُعَيِّنَ الصَّلَاةَ وَيَوْمَهَا أَشْبَاهٌ، وَهَذَا عِنْدَ وُجُودِ الْمُزَاحِمِ، أَمَّا عِنْدَ عَدَمِهِ فَلَا كَمَا لَوْ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ ظُهْرٌ وَاحِدٌ فَائِتٌ فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الظُّهْرِ الْفَائِتِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ أَيِّ يَوْمٍ حِلْيَةٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ) مُقَابِلُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ إذَا سَقَطَ التَّرْتِيبُ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ تَكْفِيهِ نِيَّةُ الظُّهْرِ لَا غَيْرُ اهـ أَيْ لَا يَلْزَمُ تَعْيِينُ الْيَوْمِ قِيَاسًا عَلَى الصَّوْمِ (قَوْلُهُ وَالْأَسْهَلُ إلَخْ) أَيْ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْمُزَاحِمُ كَظُهْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ جَهِلَ تَعْيِينَهُمَا (قَوْلُهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ) أَيْ نِيَّةُ أَوَّلِ ظُهْرٍ أَوْ آخِرَهُ بَلْ تَكْفِيهِ نِيَّةُ الظُّهْرِ لَا غَيْرُ كَمَا مَرَّ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ مَا صَحَّحَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى مَتْنًا تَبَعًا لِمَتْنِ الْكَنْزِ. وَنَقَلَ الشَّارِحُ هُنَاكَ عَنْ الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ مُشْكِلٌ وَمُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا كَقَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ وَالْأَصَحُّ الِاشْتِرَاطُ. قُلْت: وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى هُنَاكَ، فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَالِاشْتِرَاطُ أَحْوَطُ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْفَتْحِ هُنَا (قَوْلُهُ وَوَاجِبٍ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ لِفَرْضٍ، وَقَدْ عَدَّ مِنْهُ فِي الْبَحْرِ قَضَاءَ مَا أَفْسَدَهُ مِنْ النَّفْلِ وَالْعِيدَيْنِ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، وَزَادَ فِي الدُّرَرِ الْجِنَازَةَ، وَلَكِنْ فِي الْأَشْبَاهِ وَالْخُطْبَةُ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ وَإِنْ شَرَطْنَا لَهَا النِّيَّةَ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَقَّلُ بِهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فَرْضًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَلِذَا لَا تُعَادُ نَفْلًا اهـ وَيُؤَيِّدُهُ نَصُّهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَنْوِي فِيهَا الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ وَلَمْ يَذْكُرُوا تَعْيِينَ الْفَرْضِيَّةِ (قَوْلُهُ إنَّهُ وِتْرٌ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْوِي فِيهِ أَنَّهُ وَاجِبٌ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ زَيْلَعِيٌّ: أَيْ لَا يَلْزَمُهُ تَعْيِينُ الْوُجُوبِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَنْعُهُ مِنْ أَنْ يَنْوِيَ وُجُوبَهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ حَنَفِيًّا يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَهُ لِيُطَابِقَ اعْتِقَادَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ لَا تَضُرُّهُ تِلْكَ، ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ الْوِتْرِ. ثُمَّ اعْلَمْ مَا فِي شَرْحِ الْعَيْنِيِّ مِنْ قَوْلِهِ: وَأَمَّا الْوِتْرُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكْفِيهِ مُطْلَقُ النِّيَّةِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ يَكْفِيهِ نِيَّةُ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ كَالنَّفْلِ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ إطْلَاقِ نِيَّةِ الْوِتْرِ، وَلِذَا قَالَ يَكْفِيهِ مُطْلَقُ النِّيَّةِ، وَلَمْ يَقُلْ مُطْلَقُ نِيَّةِ الصَّلَاةِ، وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ دَقِيقٌ، فَفِيهِ إشَارَةٌ خَفِيَّةٌ إلَى مَا قُلْنَا فَتَدَبَّرَ (قَوْلُهُ أَوْ نَذْرٌ) هُوَ قَدْ يَكُونُ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا عَلَى نَحْوِ شِفَاءِ مَرِيضٍ أَوْ قُدُومِ غَائِبٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ بِذَلِكَ لِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهِ وَاخْتِلَافِ أَنْوَاعِ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ فِي الْفَرْضِ بِدُونِ تَخْصِيصِهِ بِنَحْوِ الظُّهْرِ أَفَادَهُ ح. قُلْت: هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ وُجُودِ الْمُزَاحِمِ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ مُنَجَّزٌ وَمُعَلَّقٌ أَوْ نَذْرَانِ عُلِّقَا عَلَى أَمْرَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْحِلْيَةِ فِي قَضَاءِ الْفَائِتَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ سُجُودُ تِلَاوَةٍ) إلَّا إذَا تَلَاهَا فِي الصَّلَاةِ وَسَجَدَهَا فَوْرًا، وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ السَّجَدَاتِ التِّلَاوِيَّةِ لَوْ تَكَرَّرَتْ التِّلَاوَةُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَكَذَا شُكْرٌ بِخِلَافِ سَهْوٍ) الَّذِي رَأَيْته فِي النَّهْرِ بَحْثًا عَكْسُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَلَعَلَّ الْأَوْجَهَ مَا هُنَا بِالنِّسْبَةِ إلَى سُجُودِ الشُّكْرِ فَقَطْ لِأَنَّ السُّجُودَ قَدْ يَكُونُ لِسَبَبٍ كَالتِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ، وَقَدْ يَكُونُ بِدُونِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَوَّامُ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الزَّاهِدِيُّ، فَلَمَّا وُجِدَ الْمُزَاحِمُ لَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ لِبَيَانِ السَّبَبِ وَإِلَّا كَانَ مَكْرُوهًا اتِّفَاقًا. وَيُبْتَنَى عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ نَامَ فِي ذَلِكَ السُّجُودِ أَوْ تَيَمَّمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 (دُونَ) تَعْيِينِ (عَدَدِ رَكَعَاتِهِ) لِحُصُولِهَا ضِمْنًا، فَلَا يَضُرُّ الْخَطَأُ فِي عَدَدِهَا (وَيَنْوِي) الْمُقْتَدِي (الْمُتَابَعَةَ) لَمْ يَقُلْ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ أَوْ الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الصَّلَاةَ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا لِجَعْلِهِ نَفْسَهُ تَبَعًا لِصَلَاةِ الْإِمَامِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى صَلَاةَ الْإِمَامِ وَإِنْ انْتَظَرَ تَكْبِيرَهُ فِي الْأَصَحِّ لِعَدَمِ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ إلَّا فِي جُمُعَةٍ وَجِنَازَةٍ وَعِيدٍ عَلَى الْمُخْتَارِ   [رد المحتار] لِأَجْلِهِ، فَإِنْ كَانَ سُجُودًا مَشْرُوعًا تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا ذَكَرُوهُ فِي ثَمَرَةِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ سَجْدَةِ الشُّكْرِ وَعَدَمِهَا، فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهَا لِيَتَمَيَّزَ الْمَشْرُوعُ عَنْ غَيْرِهِ لَا يُقَالُ: إنَّ النَّفَلَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعْيِينُ كَمَا مَرَّ، وَسَجْدَةُ الشُّكْرِ عَلَى الْقَوْلِ بِمَشْرُوعِيَّتِهَا نَفْلٌ فَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهَا أَيْضًا. لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا خَارِجٌ عَنْ هَذَا الْحُكْمِ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّلَاةَ عِبَادَةٌ فِي ذَاتِهَا وَلَا تَنْتَفِي عَنْهَا الْمَشْرُوعِيَّةُ إلَّا بِسَبَبٍ عَارِضٍ، بِخِلَافِ السُّجُودِ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عِبَادَةً فِي نَفْسِهِ بَلْ بِعَارِضِ شُكْرٍ أَوْ تِلَاوَةٍ مَثَلًا، فَمُطْلَقُ الصَّلَاةِ يَنْصَرِفُ إلَى النَّفْلِ الْمَشْرُوعِ فَلِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ تَعْيِينُهُ بِخِلَافِ مُطْلَقِ السُّجُودِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا بِسَبَبٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ ذَلِكَ السَّبَبِ لِيَكُونَ مَشْرُوعًا وَلِيَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْمُزَاحَمَاتِ لَهُ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ مِنْ تِلَاوَةٍ وَسَهْوٍ فَافْهَمْ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ. وَأَمَّا سُجُودُ السَّهْوِ فَأَفَادَ ح أَنَّهُ لَمَّا كَانَ جَابِرُ النَّقْصِ وَاجِبًا فِي الصَّلَاةِ كَانَ بَدَلَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ أَبْعَاضِ الصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ بَدَلُهُ. اهـ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْأَشْبَاهِ قَالَ: وَلَا تَصِحُّ صَلَاةٌ مُطْلَقًا إلَّا بِنِيَّةٍ ثُمَّ قَالَ: وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ كَالصَّلَاةِ، وَكَذَا سَجْدَةُ الشُّكْرِ وَسُجُودُ السَّهْوِ اهـ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ. [تَتِمَّةٌ] لَمْ يَذْكُرْ السَّجْدَةَ الصُّلْبِيَّةَ، وَحُكْمُهَا أَنَّهُ يَجِبُ نِيَّتُهَا إذَا فَصَلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَحِلِّهَا بِرَكْعَةٍ، فَلَوْ بِأَقَلَّ فَلَا كَمَا فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَلَا يَضُرُّ الْخَطَأُ فِي عَدَدِهَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْخَطَأَ غَيْرُ قَيْدٍ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: الْخَطَأُ فِيمَا لَا يُشْتَرَطُ لَهُ التَّعْيِينُ لَا يَضُرُّ، كَتَعْيِينِ مَكَانِ الصَّلَاةِ وَزَمَانِهَا وَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَمِنْهُ إذَا عَيَّنَ الْأَدَاءَ فَبَانَ أَنَّ الْوَقْتَ قَدْ خَرَجَ أَوْ الْقَضَاءَ فَبَانَ أَنَّهُ بَاقٍ اهـ: وَنُقِلَ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَنْوِيَ أَعْدَادَ الرَّكَعَاتِ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ يُكْرَهُ التَّلَفُّظُ بِالْعَدَدِ لِأَنَّهُ عَبَثٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ اهـ وَلَا يَخْلُو الْقَوْلُ الثَّانِي عَنْ تَأَمُّلٍ (قَوْلُهُ وَيَنْوِي الْمُقْتَدِي) أَمَّا الْإِمَامُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْإِمَامَةِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ لَمْ يَقُلْ أَيْضًا) أَيْ كَمَا فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ) كَذَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ بَحْرٌ. قُلْت: لَكِنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى فِي الْخَانِيَّةِ وَقَالَ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ كَمَا يَكُونُ فِي الْفَرْضِ يَكُونُ فِي النَّفْلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ اهـ: قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: فَظَهَرَ أَنَّ الْجَوَازَ قَوْلُ الْبَعْضِ وَعَدَمَهُ هُوَ الْمُخْتَارُ. أَقُولُ: يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمُتُونِ يَنْوِي الْمُتَابَعَةَ أَيْضًا، وَكَذَا قَوْلُ الْهِدَايَةِ يَنْوِي الصَّلَاةَ وَمُتَابَعَةَ الْإِمَامِ، وَمِثْلُهُ فِي الْمَجْمَعِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، بَلْ قَالَ فِي الْمَنْبَعِ إنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَلَا تُخَالِفُ مَا فِي الْمُتُونِ لِأَنَّ فِيهَا التَّعْيِينَ مَعَ الْمُتَابَعَةِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ صَارَ كَأَنَّهُ نَوَى فَرْضَ الْإِمَامِ مُقْتَدِيًا بِهِ اهـ فَتَدَبَّرْ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ صَحَّ شُرُوعُهُ وَصَارَ مُقْتَدِيًا وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِنِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ، لَكِنْ فِي الْفَتْحِ إذَا نَوَى الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ عَلَى هَذَا وَاقْتَدَيْت بِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا) أَيْ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ تَبَعًا لِصَلَاةِ الْإِمَامِ) الْأَوْلَى تَبَعًا لِلْإِمَامِ كَمَا عَبَّرَ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ بِخِلَافِ. . . إلَخْ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ إنَّمَا عَيَّنَ الصَّلَاةَ فَقَطْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الِانْتِظَارَ قَدْ يَكُونُ لِلِاقْتِدَاءِ وَقَدْ يَكُونُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ فَلَا يَصِيرُ مُقْتَدِيًا بِالشَّكِّ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَقِيلَ إذَا انْتَظَرَ ثُمَّ كَبَّرَ صَحَّ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ النِّيَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 لِاخْتِصَاصِهَا بِالْجَمَاعَةِ. (وَلَوْ نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ) مَعَ بَقَائِهِ (جَازَ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ) لِأَنَّهَا بَدَلٌ (إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ) فِي اعْتِقَادِهِ (أَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ) كَمَا هُوَ رَأْيُ الْبَعْضِ فَتَصِحُّ. (وَلَوْ نَوَى ظُهْرَ الْوَقْتِ فَلَوْ مَعَ بَقَائِهِ) أَيْ الْوَقْتِ (جَازَ) وَلَوْ فِي الْجُمُعَةِ (وَلَوْ مَعَ عَدَمِهِ) بِأَنْ كَانَ قَدْ خَرَجَ   [رد المحتار] قُلْت: لَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَ عَدَمِ خُطُورِ الِاقْتِدَاءِ فِي قَلْبِهِ وَقَصْدِهِ لَهُ وَإِلَّا كَانَتْ النِّيَّةُ مَوْجُودَةً حَقِيقِيَّةً (قَوْلُهُ إلَّا فِي جُمُعَةٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْمَتْنِ: أَيْ فَيَكْفِيهِ التَّعْيِينُ عَنْ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ أَوْ مِنْ قَوْلِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى صَلَاةَ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ وَجِنَازَةٍ وَعِيدٍ) نَقَلَهُمَا فِي الْأَحْكَامِ عَنْ عُمْدَةِ الْمُفْتِي (قَوْلُهُ لِاخْتِصَاصِهَا) أَيْ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ بِالْجَمَاعَةِ فَتَكُونُ نِيَّتُهَا مُتَضَمِّنَةً لِنِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ. قَالَ فِي الْأَحْكَامِ: لَكِنْ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بَحْثٌ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَتْ لَا تَتَكَرَّرُ وَكَانَ الْحَقُّ لِلْوَلِيِّ فِي الْإِمَامَةِ لَمْ تَكُنْ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ اهـ فَعَلَى هَذَا يُقَيَّدُ ذَلِكَ بِغَيْرِ الْوَلِيِّ، فَلَوْ أَمَّ بِهَا مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ ثُمَّ حَضَرَ الْوَلِيُّ لَا بُدَّ لَهُ مَعَ التَّعْيِينِ مِنْ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِذَلِكَ الْإِمَامِ وَإِلَّا كَانَ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ لِأَنَّ لَهُ الْإِعَادَةَ وَلَوْ مُنْفَرِدًا فَلَا اخْتِصَاصَ فِي حَقِّهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ يَتَأَتَّى هُنَا تِسْعُ مَسَائِلَ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَاهُ سَابِقًا لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَقْرِنَ الْفَرْضَ بِالْوَقْتِ أَوْ بِالْيَوْمِ أَوْ يُطْلِقَ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْوَقْتِ أَوْ خَارِجَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِخُرُوجِهِ أَوْ مَعَ عَدَمِهِ، فَإِنْ قَرَنَهُ بِالْيَوْمِ بِأَنْ نَوَى فَرْضَ الْيَوْمِ لَا يَصِحُّ بِأَقْسَامِهِ الثَّلَاثِ لِأَنَّ فَرْضَ الْيَوْمِ مُتَنَوِّعٌ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَطْلَقَ، وَإِنْ قَرَنَهُ بِالْوَقْتِ، فَإِنْ فِي الْوَقْتِ جَازَ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِنْ خَارِجَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِخُرُوجِهِ فَقَالَ ح لَا يَجُوزُ. قُلْت: وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِ الْأَشْبَاهِ عَنْ الْبِنَايَةِ لَوْ نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ بَعْدَمَا خَرَجَ الْوَقْتُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ شَكَّ فِي خُرُوجِهِ جَازَ اهـ لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ الْآتِي وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَإِنْ كَانَ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِخُرُوجِهِ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ: يَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ ظُهْرَ الْوَقْتِ مَثَلًا أَوْ فَرْضَ الْوَقْتِ وَالْوَقْتُ بَاقٍ لِوُجُودِ التَّعْيِينِ، وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ قَدْ خَرَجَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ الظُّهْرِ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِنْ صَلَّى بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ فَنَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، لَكِنْ يُخَالِفُهُ قَوْلُ الْأَشْبَاهِ الْمَارُّ آنِفًا وَإِنْ شَكَّ فِي خُرُوجِهِ جَازَ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الصَّحِيحِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الشَّكِّ وَعَدَمِ الْعِلْمِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ خُرُوجَ وَقْتِ الظُّهْرِ مَثَلًا وَنَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ يَكُونُ مُرَادُهُ وَقْتَ الظُّهْرِ لِأَنَّهُ يَظُنُّ بَقَاءَهُ وَمَعَ هَذَا قُلْنَا الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، فَمَنْ شَكَّ فِي بَقَائِهِ وَخُرُوجِهِ يَكُونُ أَوْلَى بِعَدَمِ الْجَوَازِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا بَدَلٌ) أَيْ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ عِنْدَنَا الظُّهْرُ لَا الْجُمُعَةُ، وَلَكِنْ قَدْ أُمِرَ بِالْجُمُعَةِ لِإِسْقَاطِ الظُّهْرِ، وَلِذَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ أَنْ تَفُوتَهُ الْجُمُعَةُ صَحَّتْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالثَّلَاثَةِ وَإِنْ حَرُمَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا شَرْحُ الْمُنْيَةِ، لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ اعْتِمَادُ أَنَّهَا أَصْلٌ لَا بَدَلٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ فِي اعْتِقَادِهِ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ عِنْدَهُ، فَهُوَ عَلَى حَذْفِ أَيْ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي الْجُمُعَةِ) كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُهُ. اهـ. ح. أَقُولُ: لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْمَعْذُورُ ظُهْرَ الْوَقْتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ جَازَ: أَيْ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اعْتِقَادُهُ أَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ أَوْ لَا، فَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذِكْرِهِ هُنَا. وَأَمَّا نِيَّةُ الظُّهْرِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَلَا تَصِحُّ كَمَا فِي الْأَحْكَامِ عَنْ النَّافِعِ. وَفِيهِ عَنْ فَيْضِ الْغَفَّارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ: لَوْ نَوَى ظُهْرَ الْوَقْتِ غَيْرَ الْجُمُعَةِ إنْ فِي الْوَقْتِ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ، فَقَوْلُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 (وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ لَا) يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ وَمِثْلُهُ فَرْضُ الْوَقْتِ، فَالْأَوْلَى نِيَّةُ ظُهْرِ الْيَوْمِ لِجَوَازِهِ مُطْلَقًا لِصِحَّةِ الْقَضَاءِ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ كَعَكْسِهِ هُوَ الْمُخْتَارُ   [رد المحتار] فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ احْتِرَازٌ عَنْ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ) أَيْ لَا يَعْلَمُ خُرُوجَهُ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَهُ يَصِحُّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ) بَلْ قَدَّمْنَا عَنْ الْحِلْيَةِ أَنَّهُ هُوَ الصَّوَابُ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ وَإِنْ رَجَّحَهُ الْمُحَشِّي (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ فَرْضُ الْوَقْتِ) أَيْ مِثْلُ ظُهْرِ الْوَقْتِ فِي أَنَّهُ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ لَا يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَالزَّيْلَعِيِّ، خِلَافًا لِمَا فِي الْأَشْبَاهِ فَإِنَّهُ خِلَافُ الْأَصَحِّ كَمَا عَلِمْت فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِجَوَازِهِ مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ قَدْ خَرَجَ لِأَنَّهُ نَوَى مَا عَلَيْهِ، وَهُوَ مُخَلِّصٌ لِمَنْ يَشُكُّ فِي خُرُوجِ الْوَقْتِ. اهـ. زَيْلَعِيٌّ أَيْ بِخِلَافِ ظُهْرِ الْوَقْتِ لِأَنَّ الظُّهْرَ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ ظُهْرَ الْيَوْمِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ ظُهْرَ الْوَقْتِ بِخُرُوجِهِ لِصِحَّةِ تَسْمِيَتِهِ ظُهْرَ الْيَوْمِ لَا ظُهْرَ الْوَقْتِ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَيْسَ لَهُ إذْ اللَّامُ لِلْعَهْدِ لَا لِلْجِنْسِ فَلَا يُضَافُ إلَيْهِ. اهـ. شَرْحُ الْمُنْيَةِ. مَطْلَبٌ، يَصِحُّ الْقَضَاءُ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ وَعَكْسِهِ (قَوْلُهُ لِصِحَّةِ الْقَضَاءِ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا نَوَى الْأَدَاءَ، أَمَّا إذَا تَجَرَّدَتْ نِيَّتُهُ فَلَا. اهـ ط وَالْمُنَاسِبُ مَا فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْفَتْحِ: لَوْ نَوَى الْأَدَاءَ عَلَى ظَنِّ بَقَاءِ الْوَقْتِ فَتَبَيَّنَ خُرُوجُهُ أَجْزَأَهُ وَكَذَا عَكْسُهُ، ثُمَّ مَثَّلَ لَهُ نَاقِلًا عَنْ كَشْفِ الْأَسْرَارِ بِقَوْلِهِ: كَنِيَّةِ مَنْ نَوَى أَدَاءَ ظُهْرِ الْيَوْمِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْوَقْتَ بَاقٍ، وَكَنِيَّةِ الْأَسِيرِ الَّذِي اشْتَبَهَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَتَحَرَّى شَهْرًا وَصَامَهُ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ فَوَقَعَ صَوْمُهُ بَعْدَ رَمَضَانَ، وَعَكْسُهُ كَنِيَّةِ مَنْ نَوَى قَضَاءَ الظُّهْرِ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْوَقْتَ قَدْ خَرَجَ وَلَمْ يَخْرُجْ بَعْدُ، وَكَنِيَّةِ الْأَسِيرِ الَّذِي صَامَ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ قَدْ مَضَى وَالصِّحَّةُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَتَى بِأَصْلِ النِّيَّةِ، وَلَكِنْ أَخْطَأَ فِي الظَّنِّ وَالْخَطَأُ فِي مِثْلِهِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ. اهـ. أَقُولُ: وَمَعْنَى كَوْنِهِ أَتَى بِأَصْلِ النِّيَّةِ أَنَّهُ قَدْ عَيَّنَ فِي قَلْبِهِ ظُهْرَ الْيَوْمِ الَّذِي يُرِيدُ صَلَاتَهُ فَلَا يَضُرُّ وَصْفُهُ لَهُ بِكَوْنِهِ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً، بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى صَلَاةَ الظُّهْرِ قَضَاءً وَهُوَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَلَمْ يَنْوِ صَلَاةَ هَذَا الْيَوْمِ لَا يَصِحُّ عَنْ الْوَقْتِيَّةِ لِأَنَّهُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ صَرَفَهُ عَنْ هَذَا الْيَوْمِ وَلَمْ تُوجَدْ مِنْهُ نِيَّةُ الْوَقْتِيَّةِ حَتَّى يَلْغُوَ وَصْفُهُ بِالْقَضَاءِ فَلَمْ يُوجَدْ التَّعْيِينُ، وَكَذَا لَوْ نَوَاهُ أَدَاءً وَكَانَتْ عَلَيْهِ ظُهْرٌ فَائِتَةٌ لَا يَصِحُّ عَنْهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى الْوَقْتِيَّةَ لِمَا قُلْنَا. مَطْلَبٌ، مَضَى عَلَيْهِ سَنَوَاتٌ وَهُوَ يُصَلِّي الظُّهْرَ قَبْلَ وَقْتِهَا وَبِهَذَا ظَهَرَ الْجَوَابُ عَنْ مَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَهِيَ: لَوْ مَضَى عَلَيْهِ سَنَوَاتٌ وَهُوَ يُصَلِّي الظُّهْرَ قَبْلَ وَقْتِهَا فَهَلْ عَلَيْهِ قَضَاءُ ظُهْرٍ وَاحِدَةٍ أَوْ الْكُلِّ؟ فَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْقَضَاءِ فَتَكُونُ صَلَاةُ كُلِّ يَوْمٍ قَضَاءً لِمَا قَبْلَهُ، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ. وَوَفَّقَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ إنْ نَوَى كُلَّ يَوْمٍ صَلَاةَ ظُهْرٍ مَفْرُوضَةٍ عَلَيْهِ بِلَا تَقْيِيدٍ بِاَلَّتِي ظَنَّ دُخُولَ وَقْتِهَا الْآنَ تَعَيَّنَ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ نَوَاهَا عَنْ الَّتِي ظَنَّ دُخُولَ وَقْتِهَا الْآنَ وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالْأَدَاءِ أَوَّلًا تَعَيَّنَ الثَّانِي لِصَرْفِهِ لَهَا عَنْ الْفَائِتَةِ بِقَصْدِهِ الْوَقْتِيَّةَ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِ مَذْهَبِنَا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ فِيمَنْ نَوَى ظُهْرَ الْيَوْمِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ نَوَى مَا عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ الْمُزَاحِمُ هُنَا حَتَّى يَلْزَمَهُ تَعْيِينُ يَوْمِ الْفَائِتَةِ فَيَكْفِيهِ نِيَّةُ مَا فِي ذِمَّتِهِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْحِلْيَةِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلَمَّا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا. ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ عِنْدَنَا فِي الصَّوْمِ، وَهُوَ مَا لَوْ صَامَ الْأَسِيرُ بِالتَّحَرِّي سِنِينَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَامَ فِي كُلِّ سَنَةٍ قَبْلَ شَهْرِ رَمَضَانَ فَقِيلَ يَجُوزُ صَوْمُهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَمَّا قَبْلَهَا، وَقِيلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 (وَمُصَلِّي الْجِنَازَةِ يَنْوِي الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَ) يَنْوِي أَيْضًا (الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ) لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ أُصَلِّي لِلَّهِ دَاعِيًا لِلْمَيِّتِ (وَإِنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ) ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى (يَقُولُ نَوَيْت أَنْ أُصَلِّيَ مَعَ الْإِمَامِ عَلَى مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ) الْإِمَامُ، وَأَفَادَ فِي الْأَشْبَاهِ بَحْثًا أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْمَيِّتَ الذَّكَرَ فَبَانَ أَنَّهُ أُنْثَى أَوْ عَكْسُهُ لَمْ يَجُزْ،   [رد المحتار] لَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ إنْ نَوَى صَوْمَ رَمَضَانَ مُبْهَمًا يَجُوزُ عَنْ الْقَضَاءِ، وَإِنْ نَوَى عَنْ السَّنَةِ مُفَسَّرًا فَلَا. اهـ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَمَثَّلَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ بِمَنْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو صَحَّ، وَلَوْ اقْتَدَى بِزَيْدٍ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ إلَّا أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي ظَنِّهِ فَلَا يُقْدَحُ: وَفِي الثَّانِي اقْتَدَى بِزَيْدٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ زَيْدًا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَقْتَدِ بِأَحَدٍ فَكَذَا هُنَا إذَا نَوَى صَوْمَ كُلِّ سَنَةٍ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ تَعَلَّقَتْ نِيَّةُ الْوَاجِبِ بِمَا عَلَيْهِ لَا بِالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ إلَّا أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ لِلثَّانِيَةِ فَأَخْطَأَ فِي ظَنِّهِ فَيَقَعُ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ لَا عَمَّا ظَنَّ انْتَهَى. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا نَوَى الصَّوْمَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ عَنْ سَنَةٍ مَخْصُوصَةٍ صَحَّ عَنْ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ وَإِنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ لِمَا بَعْدَهَا فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ (قَوْلُهُ وَمُصَلِّي الْجِنَازَةِ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ التَّعْيِينِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ ط (قَوْلُهُ يَنْوِي الصَّلَاةَ لِلَّهِ إلَخْ) كَذَا فِي الْمُنْيَةِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ وَفِي الْمُحِيطِ الرَّضَوِيِّ وَالتُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ: يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ وَصَلَاةَ الْعِيدَيْنِ وَصَلَاةَ الْجِنَازَةِ وَصَلَاةَ الْوِتْرِ لِأَنَّ التَّعْيِينَ يَحْصُلُ بِهَذَا اهـ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَيْسَ بِضَرْبَةِ لَازِبٍ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يَنْوِي الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ فَقَطْ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ لَا رُكُوعَ فِيهَا وَلَا سُجُودَ وَلَا قِرَاءَةَ وَلَا تَشَهُّدَ. اهـ. أَقُولُ: وَهَذَا أَظْهَرُ مِمَّا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى، مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ ذَكَرًا فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ الْأُنْثَى وَالصَّبِيُّ وَالصَّبِيَّةُ، وَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى يَقُولُ: نَوَيْت أَنْ أُصَلِّيَ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَيَأْتِي قَرِيبًا مَا يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ. وَهَذَا، وَذَكَرَ ح بَحْثًا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ السَّبَبِ وَهُوَ الْمَيِّتُ أَوْ الْأَكْثَرُ، فَإِنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ عَلَى جِنَازَتَيْنِ نَوَاهُمَا مَعًا أَوْ عَلَى إحْدَاهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ عَنْ الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَوَجْهُهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ حَيْثُ قَالُوا: الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ أَرْكَانَهَا الدُّعَاءُ وَالْقِيَامُ وَالتَّكْبِيرُ، لِقَوْلِهِمْ إنَّ حَقِيقَتَهَا هِيَ الدُّعَاءُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا. اهـ. وَفِي النُّتَفِ هِيَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ دُعَاءٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَلَيْسَتْ بِصَلَاةٍ لِأَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ فِيهَا وَلَا رُكُوعَ وَلَا سُجُودَ اهـ فَحَيْثُ كَانَ حَقِيقَتُهَا الدُّعَاءَ كَانَ وُجُوبُهَا بِاعْتِبَارِ الدُّعَاءِ فِيهَا وَإِنْ قُلْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ فِيهَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجَنَائِزِ، وَحِينَئِذٍ فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ يَعُودُ عَلَى الدُّعَاءِ. أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالرُّكْنِيَّةِ فَظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا خُصَّ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ أَرْكَانِهَا لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْهَا، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ فَلِأَنَّ الْمُرَادَ بِالدُّعَاءِ مَاهِيَّةُ الصَّلَاةِ لَا نَفْسُ الدُّعَاءِ الْمَوْجُودِ فِيهَا، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ حَقِيقَتَهَا الدُّعَاءُ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ شَافِعٌ لِلْمَيِّتِ، فَهُوَ دَاعٍ لَهُ بِنَفْسِ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِالدُّعَاءِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ هِيَ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ، هَكَذَا يَنْبَغِي حِلُّ هَذَا الْمَحِلِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَيَقُولُ إلَخْ) بَيَانٌ لِلنِّيَّةِ الْكَامِلَةِ. اهـ. ح. قُلْت: وَفِي جَنَائِزِ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ أَنَّ الْإِمَامَ وَالْقَوْمَ يَنْوُونَ وَيَقُولُونَ نَوَيْت أَدَاءَ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ عِبَادَةً لِلَّهِ تَعَالَى مُتَوَجِّهًا إلَى الْكَعْبَةِ مُقْتَدِيًا بِالْإِمَامِ، وَلَوْ تَفَكَّرَ الْإِمَامُ بِالْقَلْبِ أَنَّهُ يُؤَدِّي صَلَاةَ الْجِنَازَةِ يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ الْمُقْتَدِي اقْتَدَيْت بِالْإِمَامِ يَجُوزُ اهـ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الصِّيغَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ غَيْرُ لَازِمَةٍ فِي نِيَّتِهَا بَلْ يَكْفِي مُجَرَّدُ نِيَّتِهِ فِي قَلْبِهِ أَدَاءَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْحِلْيَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَعْيِينُ الْمَيِّتِ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى خِلَافًا لِمَا مَرَّ عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ كَالْإِمَامِ، فَالْخَطَأُ فِي تَعْيِينِهِ كَالْخَطَأِ فِي تَعْيِينِ الْإِمَامِ. اهـ. ح أَيْ لِأَنَّهُ لَمَّا عَيَّنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ تَعْيِينُ عَدَدِ الْمَوْتَى إلَّا إذَا بَانَ أَنَّهُمْ أَكْثَرُ لِعَدَمِ نِيَّةِ الزَّائِدِ (وَالْإِمَامُ يَنْوِي صَلَاتَهُ فَقَطْ) وَ (لَا) يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ نِيَّةُ (إمَامَةِ الْمُقْتَدِي) بَلْ لِنَيْلِ الثَّوَابِ عِنْدَ اقْتِدَاءِ أَحَدٍ بِهِ قَبْلَهُ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْأَشْبَاهِ (لَوْ أَمَّ رِجَالًا) فَلَا يَحْنَثُ   [رد المحتار] لَزِمَ مَا عَيَّنَهُ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ التَّعَيُّنِ غَيْرَ لَازِمٍ عَلَى مَا عَرَفْته آنِفًا. وَفِي ط عَنْ الْبَحْرِ: وَلَوْ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَيْهِ يَظُنُّهُ فُلَانًا فَإِذَا هُوَ غَيْرُهُ يَصِحُّ، وَلَوْ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى فُلَانٍ فَإِذَا هُوَ غَيْرُهُ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ الَّذِي هُوَ فُلَانٌ فَإِذَا هُوَ غَيْرُهُ جَازَ لِأَنَّهُ عَرَفَهُ بِالْإِشَارَةِ فَلَغَتْ التَّسْمِيَةُ. اهـ. وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ عَدَمِ الْجَوَازِ فِي مَسْأَلَتِنَا بِمَا إذَا لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَخْ) أَيْ إذَا عَيَّنَ عَدَدَهُمْ لَا يَضُرُّهُ التَّعْيِينُ الْمَذْكُورُ فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ سَوَاءٌ وَافَقَ مَا عَيَّنَ أَوْ خَالَفَهُ إلَّا إذَا كَانُوا أَكْثَرَ مِمَّا عَيَّنَ، وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ لِهَذَا التَّرْكِيبِ لَا شَيْءَ سِوَى التَّغْيِيرِ فِي وُجُودِ الْحِسَانِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا بَانَ إلَخْ) هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ إمَامًا، فَلَوْ مُقْتَدِيًا وَقَالَ أُصَلِّي عَلَى مَا صَلَّى عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَهُمْ عَشَرَةٌ فَظَهَرَ أَنَّهُمْ أَكْثَرُ لَا يَضُرُّهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ بِمَا إذَا قَالَ: أَيْ الْإِمَامُ أُصَلِّي عَلَى الْعَشَرَةِ الْمَوْتَى مَثَلًا، أَمَّا إذَا قَالَ أُصَلِّي عَلَى هَؤُلَاءِ الْعَشَرَةِ فَبَانَ أَنَّهُمْ أَكْثَرُ فَلَا كَلَامَ فِي الْجَوَازِ لِوُجُودِ الْإِشَارَةِ. اهـ. بِيرِيّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ نِيَّةِ الزَّائِدِ) لَا يُقَالُ: مُقْتَضَاهُ أَنْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي عَيَّنَهُ عَدَدًا. لِأَنَّا نَقُولُ: لَمَّا كَانَ كُلٌّ يُوصَفُ بِكَوْنِهِ زَائِدًا عَلَى الْمُعَيَّنِ بَطَلَتْ ط (قَوْلُهُ وَالْإِمَامُ يَنْوِي صَلَاتَهُ فَقَطْ إلَخْ) لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بَحْرٌ: أَيْ فَيُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ مِنْ نِيَّةِ صَلَاتِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَارِّ بِلَا شَيْءٍ زَائِدٍ بِخِلَافِ الْمُقْتَدِي، فَالْمَقْصُودُ دَفْعُ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّهُ كَالْمُقْتَدِي يُشْتَرَطُ لَهُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ كَمَا يُشْتَرَطُ لِلْمُقْتَدِي نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَلْزَمُهُ الْفَسَادُ مِنْ جِهَةِ إمَامِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ كَمَا يُشْتَرَطُ لِلْإِمَامِ نِيَّةُ إمَامَةِ النِّسَاءِ لِذَلِكَ كَمَا يَأْتِي. وَالْحَاصِلُ مَا قَالَهُ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ إلَّا بِنِيَّتِهِ، وَتَصِحُّ الْإِمَامَةُ بِدُونِ نِيَّتِهَا خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَأَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ اهـ لَكِنْ يُسْتَثْنَى مَنْ كَانَتْ إمَامَتُهُ بِطَرِيقِ الِاسْتِخْلَافِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ إمَامًا مَا لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمِعْرَاجِ فِي بَابِ الِاسْتِخْلَافِ وَسَيَأْتِي هُنَاكَ (قَوْلُهُ بَلْ لِنَيْلِ الثَّوَابِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ أَيْ بَلْ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ إمَامَةِ الْمُقْتَدِي لِنَيْلِ الْإِمَامِ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ، وَقَوْلُهُ عِنْدَ اقْتِدَاءِ أَحَدٍ بِهِ مُتَعَلِّقٌ بِنِيَّتِهِ الَّتِي هِيَ نَائِبُ فَاعِلِ يُشْتَرَطُ الْمُقَدَّرُ بَعْدُ، بَلْ وَقَوْلُهُ لَا قَبْلَهُ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ: أَيْ لَا يُشْتَرَطُ لِنَيْلِهِ الثَّوَابَ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ، بَلْ يَحْصُلُ بِالنِّيَّةِ عِنْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ، فَقَوْلُهُ لَا قَبْلَهُ نَفْيٌ لِاشْتِرَاطِ نَيْلِ الثَّوَابِ بِوُجُودِ النِّيَّةِ قَبْلَهُ لَا نَفْيٌ لِلْجَوَازِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ نَفْيَ الِاشْتِرَاطِ لَا يُنَافِي الْجَوَازَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَوْ أَمَّ رِجَالًا) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ إلَخْ (قَوْلُهُ فَلَا يَحْنَثُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ أَنْ يَقْصِدَ الْإِمَامَةَ وَلَمْ يُوجَدْ مَا لَمْ يَنْوِهَا اهـ لَكِنْ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا فَاقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ، وَهَلْ يَحْنَثُ؟ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: يَحْنَثُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً إلَّا إذَا أَشْهَدَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَلَا حِنْثَ قَضَاءً، وَكَذَا لَوْ أَمَّ النَّاسَ هَذَا الْحَالِفُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ صَحَّتْ وَحَنِثَ قَضَاءً، وَلَا يَحْنَثُ أَصْلًا إذَا أَمَّهُمْ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجَدَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَؤُمَّ فُلَانًا فَأَمَّ النَّاسَ نَاوِيًا أَنْ لَا يَؤُمَّهُ وَيَؤُمَّ غَيْرَهُ فَاقْتَدَى بِهِ فُلَانٌ حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ إمَامًا لِغَيْرِهِ كَانَ إمَامًا لَهُ أَيْضًا إلَّا إذَا نَوَى أَنْ يَؤُمَّ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ فَلَا يَجْزِيهِنَّ كَمَا فِي النُّتَفِ. بَقِيَ وَجْهُ حِنْثِهِ قَضَاءً فِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَنَّ الْإِمَامَةَ تَصِحُّ بِدُونِ نِيَّةٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلِذَا صَحَّتْ مِنْهُ الْجُمُعَةُ مَعَ أَنَّ شَرْطَهَا الْجَمَاعَةُ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ لَا يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ بِدُونِ الْتِزَامِهِ لَمْ يَحْنَثْ دِيَانَةً إلَّا بِنِيَّةِ الْإِمَامَةِ، كَذَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 فِي لَا يَؤُمُّ أَحَدًا مَا لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ (وَإِنْ أَمَّ نِسَاءً، فَإِنْ اقْتَدَتْ بِهِ) الْمَرْأَةُ (مُحَاذِيَةً لِرَجُلٍ فِي غَيْرِ صَلَاةِ جِنَازَةٍ، فَلَا بُدَّ) لِصِحَّةِ صَلَاتِهَا (مِنْ نِيَّةِ إمَامَتِهَا) لِئَلَّا يَلْزَمَ الْفَسَادُ بِالْمُحَاذَاةِ بِلَا الْتِزَامٍ (وَإِنْ لَمْ تَقْتَدِ مُحَاذِيَةً اُخْتُلِفَ فِيهِ) فَقِيلَ يُشْتَرَطُ وَقِيلَ لَا كَجِنَازَةٍ إجْمَاعًا، وَكَجُمُعَةٍ وَعِيدٍ عَلَى الْأَصَحِّ خُلَاصَةٌ وَأَشْبَاهٌ، وَعَلَيْهِ إنْ لَمْ تُحَاذِ أَحَدًا تَمَّتْ صَلَاتُهَا وَإِلَّا لَا (وَنِيَّةُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ مُطْلَقًا) عَلَى الرَّاجِحِ، فَمَا قِيلَ: لَوْ نَوَى بِنَاءَ الْكَعْبَةِ أَوْ الْمَقَامَ أَوْ مِحْرَابَ مَسْجِدِهِ لَمْ يَجُزْ مُفَرَّعٌ عَلَى الْمَرْجُوحِ (كَنِيَّةِ تَعْيِينِ الْإِمَامِ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ) فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ؛ فَلَوْ ائْتَمَّ بِهِ يَظُنُّهُ زَيْدًا فَإِذَا هُوَ بَكْرٌ صَحَّ إلَّا إذَا عَيَّنَهُ بِاسْمِهِ فَبَانَ غَيْرُهُ إلَّا إذَا عَرَفَهُ بِمَكَانٍ كَالْقَائِمِ فِي الْمِحْرَابِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ فِي غَيْرِ صَلَاةِ جِنَازَةٍ) أَمَّا فِيهَا فَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ إمَامَتِهَا إجْمَاعًا كَمَا يَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ لِصِحَّةِ صَلَاتِهَا) الْأَنْسَبُ بِالْمَقَامِ لِصِحَّةِ اقْتِدَائِهَا (قَوْلُهُ مِنْ نِيَّةِ إمَامِيَّتِهَا) أَيْ وَقْتَ الشُّرُوعِ، لَا بَعْدَهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ. وَيُشْتَرَطُ حُضُورُهَا عِنْدَ النِّيَّةِ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي أُخْرَى لَا: وَاسْتَظْهَرَهَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِلَا نِيَّةٍ لَزِمَ عَلَيْهِ إفْسَادُ صَلَاتِهِ إذَا حَاذَتْهُ بِدُونِ الْتِزَامِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَالْتِزَامُهُ إنَّمَا هُوَ بِنِيَّةِ إمَامَتِهَا (قَوْلُهُ بِالْمُحَاذَاةِ) أَيْ عِنْدَ وُجُودِ شَرَائِطِهَا الْآتِيَةِ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ (قَوْلُهُ كَجِنَازَةٍ) فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمَرْأَةِ فِيهَا نِيَّةُ إمَامَتِهَا إجْمَاعًا لِأَنَّ الْمُحَاذَاةَ فِيهَا لَا تُفْسِدُهَا (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) حَكَوْا مُقَابِلَهُ عَنْ الْجُمْهُورِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ اقْتِدَائِهَا نِيَّةُ إمَامَتِهَا فَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهَا لَكِنْ إنْ لَمْ تَتَقَدَّمْ بَعْدُ وَلَمْ تُحَاذِ أَحَدًا مِنْ إمَامٍ أَوْ مَأْمُومٍ بَقِيَ اقْتِدَاؤُهَا وَتَمَّتْ صَلَاتُهَا، وَإِلَّا: أَيْ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ وَحَاذَتْ أَحَدًا لَا يَبْقَى اقْتِدَاؤُهَا وَلَا تَتِمُّ صَلَاتُهَا كَمَا فِي الْحِلْيَةِ فَلَيْسَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ فَقَطْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ لِلْقَرِيبِ الْمُشَاهَدِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ إصَابَةَ الْجِهَةِ تَحْصُلُ بِلَا نِيَّةِ الْعَيْنِ وَهِيَ شَرْطٌ، فَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا النِّيَّةُ كَبَاقِي الشَّرَائِطِ (قَوْلُهُ عَلَى الرَّاجِحِ) مُقَابِلُهُ مَا قِيلَ إنَّ الْفَرْضَ إصَابَةُ الْعَيْنِ لِلْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ لِلْبَعِيدِ إلَّا مِنْ حَيْثُ النِّيَّةُ فَانْتَقَلَ ذَلِكَ إلَيْهَا (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَعْبَةِ الْعَرْصَةُ لَا الْبِنَاءُ وَالْمِحْرَابُ عَلَامَةٌ عَلَيْهَا وَالْمَقَامُ: هُوَ الْحَجَرُ الَّذِي كَانَ يَقُومُ عَلَيْهِ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عِنْدَ بِنَاءِ الْبَيْتِ (قَوْلُهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْمَرْجُوحِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحِلْيَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ مَنْ اشْتَرَطَ نِيَّةَ الْكَعْبَةِ لَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِهَا، فَإِذَا نَوَى غَيْرَهَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عِنْدَهُ بِالْأَوْلَى، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْكَعْبَةَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ، فَإِذَا نَوَى الْبِنَاءَ أَوْ الْمِحْرَابَ أَوْ الْمَقَامَ فَقَدْ نَوَى غَيْرَ الْكَعْبَةِ، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ مِنْ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ نِيَّتُهَا فَلَا يَضُرُّهُ نِيَّةُ غَيْرِهَا بَعْدَ وُجُودِ الِاسْتِقْبَالِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ، لَكِنْ اعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ لَا يَنْوِيَ الْكَعْبَةَ، لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تُحَاذِيَ هَذِهِ الْجِهَةُ الْكَعْبَةَ فَلَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ اهـ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَقْبَلَ غَيْرَ مَا نَوَى لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ، عَلَى أَنَّهُ إذَا نَوَى الْبِنَاءَ وَنَحْوَهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ عَدَمُ ذَلِكَ، فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ صَحِيحٌ فَافْهَمْ، نَعَمْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّ نِيَّةَ الْقِبْلَةِ وَإِنْ لَمْ تُشْتَرَطْ، لَكِنْ عَدَمُ نِيَّةِ الْإِعْرَاضِ عَنْهَا شَرْطٌ اهـ وَعَلَيْهِ فَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى الرَّاجِحِ (قَوْلُهُ صَحَّ) لِأَنَّهُ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ الْمَوْجُودِ فَلَا يَضُرُّهُ ظَنُّهُ، بِخِلَافِ اسْمِهِ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَا نَوَى لَا لِمَا يَرَى اهـ وَيَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ مِثْلَهُ مَا لَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ زَيْدٌ لِأَنَّهُ جَازِمٌ بِالِاقْتِدَاءِ بِهَذَا الْإِمَامِ فَافْهَمْ. مَطْلَبُ إذَا اجْتَمَعَتْ الْإِشَارَةُ وَالتَّسْمِيَةُ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا عَيَّنَهُ بِاسْمِهِ) أَيْ لَمْ يَنْوِ الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ الْمَوْجُودِ، وَإِنَّمَا نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ سَوَاءٌ تَلَفَّظَ بِاسْمِهِ أَوْ لَا، لِمَا فِي الْمُنْيَةِ إلَّا إذَا قَالَ اقْتَدَيْت بِزَيْدٍ أَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ اهـ فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ عَمْرٌو لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَا نَوَى حِلْيَةٌ: أَيْ وَهُوَ قَدْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِغَيْرِ هَذَا الْإِمَامِ الْحَاضِرِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا عَرَفَهُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا الِاسْتِثْنَاءُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ كَالْقَائِمِ فِي الْمِحْرَابِ) أَيْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ الْقَائِمِ فِي الْمِحْرَابِ الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 أَوْ إشَارَةٍ كَهَذَا الْإِمَامِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ، إلَّا إذَا أَشَارَ بِصِفَةٍ مُخْتَصَّةٍ كَهَذَا الشَّابِّ فَإِذَا هُوَ شَيْخٌ فَلَا يَصِحُّ وَبِعَكْسِهِ يَصِحُّ لِأَنَّ الشَّابَّ يُدْعَى شَيْخًا لِعِلْمِهِ. وَفِي الْمُجْتَبِي نَوَى أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا خَلَفَ مَنْ هُوَ عَلَى مَذْهَبِهِ فَإِذَا هُوَ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ. [فَائِدَةٌ] لَمَّا كَانَ الِاعْتِبَارُ لِلتَّسْمِيَةِ عِنْدَنَا لَمْ يُخْتَصَّ ثَوَابُ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ   [رد المحتار] هُوَ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ غَيْرُهُ جَازَ أَشْبَاهٌ لِأَنَّ (أَلْ) يُشَارُ بِهَا إلَى الْمَوْجُودِ فِي الْخَارِجِ أَوْ الذِّهْنِ، وَعَلَى كُلٍّ فَقَدْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ الْمَوْجُودِ فَلَغَتْ التَّسْمِيَةُ (قَوْلُهُ أَوْ إشَارَةٍ) أَيْ بِاسْمِهَا الْمَوْضُوعِ لَهَا حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا جَازَ لِأَنَّهُ عَرَّفَهُ بِالْإِشَارَةِ فَلَغَتْ التَّسْمِيَةُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَشَارَ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ إشَارَةٍ (قَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اجْتَمَعَتْ الْإِشَارَةُ مَعَ التَّسْمِيَةِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَلْغُوَ التَّسْمِيَةُ كَمَا لَغَتْ فِي هَذَا الْإِمَامِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ وَفِي هَذَا الشَّيْخِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ إلْغَاءَ التَّسْمِيَةِ لَيْسَ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ بَابِ الْمَهْرِ: الْأَصْلُ أَنَّ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَوْجُودٌ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ ذَاتًا وَالْوَصْفُ يَتْبَعُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسَمَّى لِأَنَّ الْمُسَمَّى مِثْلُ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِتَابِعٍ لَهُ، وَالتَّسْمِيَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُعَرِّفُ الْمَاهِيَّةَ وَالْإِشَارَةُ تُعَرِّفُ الذَّاتَ. اهـ. قَالَ الشَّارِحُونَ هَذَا الْأَصْلُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ. اهـ. إذَا عَرَفْت ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ زَيْدًا وَعَمْرًا جِنْسٌ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ وَإِنْ اخْتَلَفَا مِنْ حَيْثُ الْأَوْصَافُ وَالْمُشَخَّصَاتُ لِأَنَّ الْمَلْحُوظَ إلَيْهِ فِي الْعِلْمِ هُوَ الذَّاتُ، فَفِي قَوْلِهِ هَذَا الْإِمَامُ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ عَمْرٌو يَكُونُ قَدْ اخْتَلَفَ الْمُسَمَّى وَالْمُشَارُ إلَيْهِ، فَلَغَتْ التَّسْمِيَةُ وَبَقِيَتْ الْإِشَارَةُ مُعْتَبَرَةً لِكَوْنِهِمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَصَحَّ الِاقْتِدَاءُ. وَأَمَّا الشَّيْخُ وَالشَّابُّ فَهُمَا مِنْ الْأَوْصَافِ الْمَلْحُوظِ فِيهَا الصِّفَاتُ دُونَ الذَّاتِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ صِفَةَ الشَّيْخُوخَةِ تُبَايِنُ صِفَةَ الشَّبَابِ فَكَانَا جِنْسَيْنِ، فَإِذَا قَالَ هَذَا الشَّابُّ فَظَهَرَ أَنَّهُ شَيْخٌ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ لَا يُوصَفُ بِهَا مَنْ بَلَغَ سِنَّ الشَّيْخُوخَةِ، فَقَدْ خَالَفَتْ الْإِشَارَةُ التَّسْمِيَةَ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، فَلَغَتْ الْإِشَارَةُ وَاعْتُبِرَتْ التَّسْمِيَةُ بِالشَّابِّ، فَيَكُونُ قَدْ اقْتَدَى، بِغَيْرِ مَوْجُودٍ كَمَنْ اقْتَدَى بِزَيْدٍ فَبَانَ غَيْرُهُ. وَأَمَّا إذَا قَالَ هَذَا الشَّيْخُ فَظَهَرَ أَنَّهُ شَابٌّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّ الشَّيْخَ صِفَةٌ مُشْتَرَكَةٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ بَيْنَ الْكَبِيرِ وَفِي السِّنِّ الْكَبِيرُ فِي الْقَدْرِ كَالْعَالِمِ وَبِالنَّظَرِ إلَى الْمَعْنَى الثَّانِي يَصِحُّ أَنْ يُسَمِّيَ الشَّابَّ شَيْخًا، فَقَدْ اجْتَمَعَتْ الصِّفَتَانِ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ لِعَدَمِ تَخَالُفِهِمَا فَلَمْ يَلْغُ أَحَدُهُمَا فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ. وَنَظِيرُهُ لَوْ قَالَ هَذِهِ الْكَلْبَةُ طَالِقٌ أَوْ هَذَا الْحِمَارُ حُرٌّ تَطْلُقُ الْمَرْأَةُ وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ مَعَ أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ وَهُوَ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُسَمَّى وَهُوَ الْكَلْبَةُ وَالْحِمَارُ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي مَقَامِ الشَّتْمِ يُطْلَقُ الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ عَلَى الْإِنْسَانِ مَجَازًا لَمْ يَحْصُلْ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ فَلَمْ تُلْغَ الْإِشَارَةُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي السَّقِيمِ مِنْ فَيْضِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) وَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِإِمَامِ مَذْهَبِهِ فَإِذَا هُوَ غَيْرُهُ فَقَدْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِمَعْدُومٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُنْيَةِ فِيمَا إذَا نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ فَإِذَا هُوَ غَيْرُهُ. مَطْلَبُ مَا زِيدَ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ هَلْ يَأْخُذُ حُكْمَهُ؟ (قَوْلُهُ فَائِدَةٌ لَمَّا كَانَ إلَخْ) اسْتَنْبَطَ هَذِهِ الْفَائِدَةَ مِنْ مَسْأَلَةِ الِاقْتِدَاءِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ كَمَا فِي أَحْكَامِ الْإِشَارَةِ مِنْ الْأَشْبَاهِ. وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 فَلْيُحْفَظْ (وَ) السَّادِسُ (اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ) حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَعَاجِزٍ، وَالشَّرْطُ حُصُولُهُ لَا طَلَبُهُ، وَهُوَ شَرْطٌ زَائِدٌ لِلِابْتِلَاءِ يَسْقُطُ لِلْعَجْزِ، حَتَّى لَوْ سَجَدَ لِلْكَعْبَةِ نَفْسِهَا كَفَرَ (فَلِلْمَكِّيِّ) وَكَذَا الْمَدَنِيُّ   [رد المحتار] هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» " وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ قَدْ زِيدَ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ؛ فَقَدْ زَادَ فِيهِ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ الْوَلِيدُ ثُمَّ الْمَهْدِيُّ، وَالْإِشَارَةُ بِهَذَا إلَى الْمَسْجِدِ الْمُضَافِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا شَكَّ أَنَّ جَمِيعَ الْمَسْجِدِ الْمَوْجُودِ الْآنَ يُسَمَّى مَسْجِدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ اتَّفَقَتْ الْإِشَارَةُ وَالتَّسْمِيَةُ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، فَلَمْ تُلْغَ التَّسْمِيَةُ، فَتَحْصُلُ الْمُضَاعَفَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ فِيمَا زِيدَ فِيهِ. وَخَصَّهَا الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ بِمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَلًا بِالْإِشَارَةِ. وَأَمَّا حَدِيثُ «لَوْ مُدَّ مَسْجِدِي هَذَا إلَى صَنْعَاءَ كَانَ مَسْجِدِي» فَقَدْ اشْتَدَّ ضَعْفُ طُرُقِهِ، فَلَا يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ كَمَا ذَكَرَهُ السَّخَاوِيُّ فِي الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ، وَكَانَ وَجْهُهُ أَنَّهُ جَعَلَ الْإِشَارَةَ لِخُصُوصِ الْبُقْعَةِ الْمَوْجُودَةِ يَوْمئِذٍ فَلَمْ تَدْخُلْ فِيهَا الزِّيَادَةُ، وَلَا بُدَّ فِي دُخُولِهَا مِنْ دَلِيلٍ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ بِالدُّخُولِ عَنْ الْبَدَائِعِ: لَوْ قَالَ لَا أَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ فَزِيدَ فِيهِ حِصَّةٌ فَدَخَلَهَا لَمْ يَحْنَثْ مَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْإِضَافَةِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الزِّيَادَةِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ بِدُونِ اسْمِ الْإِشَارَةِ، وَعَلَى ذِكْرِهَا فَهِيَ لَا لِتَخْصِيصِ الْبُقْعَةِ بَلْ لِدَفْعِ أَنْ يُتَوَهَّمَ دُخُولُ غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْمَدَنِيِّ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي تُنْسَبُ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي ذَكَرَهَا أَصْحَابُ السِّيَرِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. مَبْحَثٌ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ (قَوْلُهُ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ) أَيْ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ، وَلَيْسَ مِنْهَا الْحِجْرُ بِالْكَسْرِ وَالشَّاذَرْوَانُ، لِأَنَّ ثُبُوتَهُمَا مِنْهَا ظَنِّيٌّ وَهُوَ لَا يُكْتَفَى بِهِ فِي الْقِبْلَةِ احْتِيَاطًا وَإِنْ صَحَّ الطَّوَافُ فِيهِ مَعَ الْحُرْمَةِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَجِّ (قَوْلُهُ كَعَاجِزٍ) أَيْ كَاسْتِقْبَالِ عَاجِزٍ عَنْهَا لِمَرَضٍ أَوْ خَوْفِ عَدُوٍّ أَوْ اشْتِبَاهٍ، فَجِهَةُ قُدْرَتِهِ أَوْ تَحَرِّيهِ قِبْلَةٌ لَهُ حُكْمًا (قَوْلُهُ وَالشَّرْطُ حُصُولُهُ لَا تَحْصِيلُهُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ السِّينَ وَالتَّاءَ فِيهِ لَيْسَتْ لِلطَّلَبِ، لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْمُقَابَلَةُ لَا طَلَبُهَا إلَّا إذَا تَوَقَّفَ حُصُولُهَا عَلَيْهِ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ شَرْطٌ زَائِدٌ) أَيْ لَيْسَ مَقْصُودًا لِأَنَّ الْمَسْجُودَ لَهُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى ط أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ قَدْ يَسْقُطُ بِلَا ضَرُورَةٍ كَمَا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ خَارِجَ الْمِصْرِ، وَنَظِيرُهُ مَا مَرَّ فِي تَفْسِيرِ الرُّكْنِ الزَّائِدِ كَالْقِرَاءَةِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ قَدْ يَسْقُطُ بِلَا عَجْزٍ بَدَلَ قَوْلِهِ يَسْقُطُ لِلْعَجْزِ، وَإِلَّا فَكُلُّ الشُّرُوطِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ لِلِابْتِلَاءِ) عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ شَرَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِاخْتِبَارِ الْمُكَلَّفِينَ لِأَنَّ فِطْرَةَ الْمُكَلَّفِ الْمُعْتَقِدِ اسْتِحَالَةَ الْجِهَةِ عَلَيْهِ تَعَالَى تَقْتَضِي عَدَمَ التَّوَجُّهِ فِي الصَّلَاةِ إلَى جِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ فَأَمَرَهُمْ عَلَى خِلَافِ مَا تَقْتَضِيهِ فِطْرَتُهُمْ اخْتِبَارًا لَهُمْ هَلْ يُطِيعُونَ أَوْ لَا كَمَا فِي الْبَحْرِ ح. قُلْت: وَهَذَا كَمَا ابْتَلَى اللَّهُ تَعَالَى الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ حَيْثُ جَعَلَهُ قِبْلَةً لِسُجُودِهِمْ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ سَجَدَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِ الِاسْتِقْبَالِ شَرْطًا زَائِدًا، يَعْنِي لَمَّا كَانَ الْمَسْجُودُ لَهُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَالتَّوَجُّهُ إلَى الْكَعْبَةِ مَأْمُورًا بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ كَانَ السُّجُودُ لِنَفْسِ الْكَعْبَةِ كُفْرًا ح (قَوْلُهُ فَلِلْمَكِّيِّ) أَيْ فَالشَّرْطُ لَهُ أَيْ لِصَلَاتِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 لِثُبُوتِ قِبْلَتِهَا بِالْوَحْيِ (إصَابَةُ عَيْنِهَا) يَعُمُّ الْمُعَايِنَ وَغَيْرَهُ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَائِلٌ كَالْغَائِبِ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ قَائِلًا: وَالْمُرَادُ بِقَوْلِي فَلِلْمَكِّيِّ مَكِّيٌّ يُعَايِنُ الْكَعْبَةَ (وَلِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مُعَايِنِهَا (إصَابَةُ جِهَتِهَا) بِأَنْ يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ سَطْحِ الْوَجْهِ مُسَامِتًا لِلْكَعْبَةِ أَوْ لِهَوَائِهَا، بِأَنْ يُفْرَضَ   [رد المحتار] وَكَذَا قَوْلُهُ وَلِغَيْرِهِ أَوْ اللَّامُ فِيهِمَا بِمَعْنَى " عَلَى أَنَّ " فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لِثُبُوتِ قِبْلَتِهَا) أَيْ قِبْلَةِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَكَذَا الْمَدَنِيُّ. وَأَوْرَدَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِهَا بِالْوَحْيِ أَنْ تَكُونَ عَلَى عَيْنِ الْكَعْبَةِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا عَلَى الْجِهَةِ (قَوْلُهُ يَعُمُّ الْمُعَايِنَ وَغَيْرَهُ) أَيْ الْمَكِّيَّ الْمَشَاهِدَ لِلْكَعْبَةِ وَاَلَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَائِلٌ كَجِدَارٍ وَنَحْوِهِ، فَيُشْتَرَطُ إصَابَةُ الْعَيْنِ، بِحَيْثُ لَوْ رُفِعَ الْحَائِلُ وَقَعَ اسْتِقْبَالُهُ عَلَى عَيْنِ الْكَعْبَةِ (قَوْلُهُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي الْمِنَحِ، لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِهِ عَلَى زَادِ الْفَقِيرِ إطْلَاقُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ الرَّاجِحَ عَدَمُ الْفَرْقِ بِينَ مَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ أَوْ لَا. اهـ. وَفِي الْفَتْحِ: وَعِنْدِي فِي جَوَازِ التَّحَرِّي مَعَ إمْكَانِ صُعُودِهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ وَتَرْكُ الْقَاطِعِ مَعَ إمْكَانِهِ لَا يَجُوزُ، وَقَدْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالِاسْتِخْبَارُ فَوْقَ التَّحَرِّي فَإِذَا امْتَنَعَ الْمَصِيرُ إلَى ظَنِّيٍّ لِإِمْكَانِ ظَنِّيٍّ أَقْوَى مِنْهُ فَكَيْفَ يُتْرَكُ الْيَقِينُ مَعَ الظَّنِّ اهـ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَبْقَى إلَخْ) فِي كَلَامِهِ إيجَازٌ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْمُرَادُ، فَاعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ السَّطْحَ فِي اصْطِلَاحِ عُلَمَاءِ الْهَنْدَسَةِ مَا لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ لَا عُمْقٌ، وَالزَّاوِيَةُ الْقَائِمَةُ هِيَ إحْدَى الزَّاوِيَتَيْنِ الْمُتَسَاوِيَتَيْنِ الْحَادِثَتَيْنِ عَنْ جَنْبَيْ خَطٍّ مُسْتَقِيمٍ قَامَ عَلَى خَطٍّ مُسْتَقِيمٍ هَكَذَا قَائِمَةٌ قَائِمَةٌ، وَكِلْتَاهُمَا قَائِمَتَانِ، وَيُسَمَّى الْخَطُّ الْقَائِمُ عَلَى الْآخَرِ عَمُودًا، فَإِنْ لَمْ تَتَسَاوَيَا فَمَا كَانَتْ أَصْغَرَ مِنْ الْقَائِمَةِ تُسَمَّى زَاوِيَةً حَادَّةً، وَمَا كَانَتْ أَكْبَرَ تُسَمَّى زَاوِيَةً مُنْفَرِجَةً هَكَذَا حَادَّةٌ مُنْفَرِجَةٌ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ شَيْخِهِ أَنَّ جِهَةَ الْكَعْبَةِ هِيَ الْجَانِبُ الَّذِي إذَا تَوَجَّهَ إلَيْهِ الْإِنْسَانُ يَكُونُ مُسَامِتًا لِلْكَعْبَةِ أَوْ هَوَائِهَا تَحْقِيقًا أَوْ تَقْرِيبًا، وَمَعْنَى التَّحْقِيقِ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ خَطٌّ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ عَلَى زَاوِيَةٍ قَائِمَةٍ إلَى الْأُفُقِ يَكُونُ مَارًّا عَلَى الْكَعْبَةِ أَوْ هَوَائِهَا؛ وَمَعْنَى التَّقْرِيبِ أَنْ يَكُونَ مُنْحَرِفًا عَنْهَا أَوْ عَنْ هَوَائِهَا بِمَا لَا تَزُولُ بِهِ الْمُقَابَلَةُ بِالْكُلِّيَّةِ، بِأَنْ يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ سَطْحِ الْوَجْهِ مُسَامِتًا لَهَا أَوْ لِهَوَائِهَا. وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمُقَابَلَةَ فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ تَزُولُ بِانْتِقَالٍ قَلِيلٍ مِنْ الْيَمِينِ أَوْ الشِّمَالِ مُنَاسِبٍ لَهَا، وَفِي الْبَعِيدَةِ لَا تَزُولُ إلَّا بِانْتِقَالٍ كَثِيرٍ مُنَاسِبٍ لَهَا فَإِنَّهُ لَوْ قَابَلَ إنْسَانٌ آخَرُ فِي مَسَافَةِ ذِرَاعٍ مَثَلًا تَزُولُ تِلْكَ الْمُقَابَلَةُ بِانْتِقَالِ أَحَدِهِمَا يَمِينًا بِذِرَاعٍ وَإِذَا وَقَعَتْ بِقَدْرِ مِيلٍ أَوْ فَرْسَخٍ لَا تَزُولُ إلَّا بِمِائَةِ ذِرَاعٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَلَمَّا بَعُدَتْ مَكَّةُ عَنْ دِيَارِنَا بُعْدًا مُفْرِطًا تَتَحَقَّقُ الْمُقَابَلَةُ إلَيْهَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ فِي مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، فَلَوْ فَرَضْنَا خَطًّا مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِ مُسْتَقْبِلِ الْكَعْبَةِ عَلَى التَّحْقِيقِ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ ثُمَّ فَرَضْنَا خَطًّا آخَرَ يَقْطَعُهُ عَلَى زَاوِيَتَيْنِ قَائِمَتَيْنِ مِنْ جَانِبِ يَمِينِ الْمُسْتَقْبِلِ وَشِمَالِهِ لَا تَزُولُ تِلْكَ الْمُقَابَلَةُ وَالتَّوَجُّهُ بِالِانْتِقَالِ إلَى الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ عَلَى ذَلِكَ الْخَطِّ بِفَرَاسِخَ كَثِيرَةٍ، فَلِذَا وَضَعَ الْعُلَمَاءُ الْقِبْلَةَ فِي بِلَادٍ قَرِيبَةٍ عَلَى سَمْتٍ وَاحِدٍ اهـ وَنَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا وَشُرُوحِ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهَا، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي زَادِ الْفَقِيرِ. وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ هَكَذَا: وَجِهَتُهَا أَنْ يَصِلَ الْخَطُّ الْخَارِجُ مِنْ جَبِينِ الْمُصَلِّي إلَى الْخَطِّ الْمَارِّ بِالْكَعْبَةِ عَلَى اسْتِقَامَةٍ بِحَيْثُ يَحْصُلُ قَائِمَتَانِ. أَوْ نَقُولُ: هُوَ أَنْ تَقَعَ الْكَعْبَةُ فِيمَا بَيْنَ خَطَّيْنِ يَلْتَقِيَانِ فِي الدِّمَاغِ فَيَخْرُجَانِ إلَى الْعَيْنَيْنِ كَسَاقَيْ مُثَلَّثٍ، كَذَا قَالَ النِّحْرِيرُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْكَشَّافِ، فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ انْحَرَفَ عَنْ الْعَيْنِ انْحِرَافًا لَا تَزُولُ مِنْهُ الْمُقَابَلَةُ بِالْكُلِّيَّةِ جَازَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: إذَا تَيَامَنَ أَوَتَيَاسَرَ تَجُوزُ لِأَنَّ وَجْهَ الْإِنْسَانِ مُقَوَّسٌ لِأَنَّ عِنْدَ التَّيَامُنِ أَوْ التَّيَاسُرِ يَكُونُ أَحَدُ جَوَانِبِهِ إلَى الْقِبْلَةِ اهـ كَلَامُ الدُّرَرِ، وَقَوْلُهُ فِي الدُّرَرِ عَلَى اسْتِقَامَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَصِلُ لِأَنَّهُ لَوْ وُصِّلَ إلَيْهِ مُعْوَجًّا لَمْ تَحْصُلْ قَائِمَتَانِ بَلْ تَكُونُ إحْدَاهُمَا حَادَّةً وَالْأُخْرَى مُنْفَرِجَةً كَمَا بَيَّنَّا. ثُمَّ إنَّ الطَّرِيقَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِ مُسْتَقْبِلِهَا حَقِيقَةً فِي بَعْضِ الْبِلَادِ خَطٌّ عَلَى زَوَايَا قَائِمَةٍ إلَى الْأُفُقِ مَارًّا عَلَى الْكَعْبَةِ، وَخَطٌّ آخَرُ يَقْطَعُهُ عَلَى زَاوِيَتَيْنِ قَائِمَتَيْنِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً مِنَحٌ. قُلْت: فَهَذَا مَعْنَى التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ   [رد المحتار] الَّتِي فِي الْمِعْرَاجِ هِيَ الطَّرِيقَةُ الْأُولَى الَّتِي فِي الدُّرَرِ، إلَّا أَنَّهُ فِي الْمِعْرَاجِ جَعَلَ الْخَطَّ الثَّانِيَ مَارًّا عَلَى الْمُصَلِّي عَلَى مَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ عِبَارَتِهِ، وَفِي الدُّرَرِ جَعَلَهُ مَارًّا عَلَى الْكَعْبَةِ، وَتَصْوِيرُ الْكَيْفِيَّاتِ الثَّلَاثِ عَلَى التَّرْتِيبِ هَكَذَا: (قَوْلُهُ مِنَحٌ) فِيهِ أَنَّ عِبَارَةَ الْمِنَحِ هِيَ حَاصِلُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ، وَلَيْسَ فِيهَا قَوْلُهُ مَارًّا عَلَى الْكَعْبَةِ، بَلْ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي صُورَةِ الدُّرَرِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ مَارٌّ عَلَيْهَا طُولًا لَا عَرْضًا فَيَكُونُ هُوَ الْخَطُّ الْخَارِجُ مِنْ جَبِينِ الْمُصَلِّي وَالْخَطُّ الْآخَرُ الَّذِي يَقْطَعُهُ هُوَ الْمَارُّ عَرْضًا عَلَى الْمُصَلِّي أَوْ عَلَى الْكَعْبَةِ فَيَصْدُقُ بِمَا صَوَّرْنَاهُ أَوَّلًا وَثَانِيًا ثُمَّ إنَّ اقْتِصَارَهُ عَلَى بَعْضِ عِبَارَةِ الْمِنَحِ أَدَّى إلَى قَصْرِ بَيَانِهِ عَلَى الْمُسَامَتَةِ تَحْقِيقًا وَهِيَ اسْتِقْبَالُ الْعَيْنِ دُونَ الْمُسَامَتَةِ تَقْدِيرًا، وَهِيَ اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ الثَّانِيَةُ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْذِفَ قَوْلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِ مُسْتَقْبِلِهَا حَقِيقَةً فِي بَعْضِ الْبِلَادِ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ شَخْصٌ مُسْتَقْبِلًا مِنْ بَلَدِهِ لِعَيْنِ الْكَعْبَةِ حَقِيقَةً، بِأَنْ يُفْرَضَ الْخَطُّ الْخَارِجُ مِنْ جَبِينِهِ وَاقِعًا عَلَى عَيْنِ الْكَعْبَةِ فَهَذَا مُسَامِتٌ لَهَا تَحْقِيقًا، وَلَوْ أَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى جِهَةِ يَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ بِفَرَاسِخَ كَثِيرَةٍ وَفَرَضْنَا خَطًّا مَارًّا عَلَى الْكَعْبَةِ مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ وَكَانَ الْخَطُّ الْخَارِجُ مِنْ جَبِينِ الْمُصَلِّي يَصِلُ عَلَى اسْتِقَامَةٍ إلَى هَذَا الْخَطِّ الْمَارِّ عَلَى الْكَعْبَةِ فَإِنَّهُ بِهَذَا الِانْتِقَالِ لَا تَزُولُ الْمُقَابَلَةُ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّ وَجْهَ الْإِنْسَانِ مُقَوَّسٌ، فَمَهْمَا تَأَخَّرَ يَمِينًا أَوْ يَسَارًا عَنْ عَيْنِ الْكَعْبَةِ يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ جَوَانِبِ وَجْهِهِ مُقَابِلًا لَهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا عِنْدَ زِيَادَةِ الْبُعْدِ؛ أَمَّا عِنْدَ الْقُرْبِ فَلَا يُعْتَبَرُ كَمَا مَرَّ؛ فَقَوْلُ الشَّارِحِ هَذَا مَعْنَى التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ: أَيْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ بِأَنْ يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ سَطْحِ الْوَجْهِ إلَخْ مَعَ فَرْضِ الْخَطِّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ هُوَ الْمُرَادُ بِمَا فِي الدُّرَرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ: أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يُجْعَلَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ، إذْ لَا شَكَّ حِينَئِذٍ فِي خُرُوجِهِ عَنْ الْجِهَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، بَلْ الْمَفْهُومُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ وَالدُّرَرِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِحُصُولِ زَاوِيَتَيْنِ قَائِمَتَيْنِ عِنْدَ انْتِقَالِ الْمُسْتَقْبِلِ لِعَيْنِ الْكَعْبَةِ يَمِينًا أَوْ يَسَارًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا حَادَّةً وَالْأُخْرَى مُنْفَرِجَةً بِهَذِهِ الصُّورَةِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ الِانْتِقَالُ عَنْ عَيْنِ الْكَعْبَةِ إلَى جِهَةِ الْيَمِينِ أَوْ الْيَسَارِ لَا الِانْحِرَافُ، لَكِنْ وَقَعَ فِي كَلَامِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِانْحِرَافَ لَا يَضُرُّ؛ فَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَلَا بَأْسَ بِالِانْحِرَافِ انْحِرَافًا لَا تَزُولُ بِهِ الْمُقَابَلَةُ بِالْكُلِّيَّةِ، بِأَنْ يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ سَطْحِ الْوَجْهِ مُسَامِتًا لِلْكَعْبَةِ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 فِي عِبَارَةِ الدُّرَرِ، فَتَبَصَّرْ وَتَعَرَّفَ بِالدَّلِيلِ؛ وَهُوَ فِي الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ مَحَارِيبُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَفِي الْمَفَاوِزِ وَالْبِحَارِ النُّجُومُ كَالْقُطْبِ   [رد المحتار] وَقَالَ فِي شَرْحِ زَادِ الْفَقِيرِ: وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ إلَى الْجِهَةِ أَقَاوِيلُ كَثِيرَةٌ وَأَقْرَبُهَا إلَى الصَّوَابِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ أَنْ يُنْظَرَ فِي مَغْرِبِ الصَّيْفِ فِي أَطْوَلِ أَيَّامِهِ وَمَغْرِبِ الشِّتَاءِ فِي أَقْصَرِ أَيَّامِهِ فَلْيَدَعْ الثُّلُثَيْنِ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَالثُّلُثَ فِي الْأَيْسَرِ وَالْقِبْلَةَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ هَكَذَا وَصَلَّى فِيمَا بَيْنَ الْمَغْرِبَيْنِ يَجُوزُ، وَإِذَا وَقَعَ خَارِجًا مِنْهَا لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي عَنْ أَمَالِي الْفَتَاوَى: حَدُّ الْقِبْلَةِ فِي بِلَادِنَا يَعْنِي سَمَرْقَنْدَ: مَا بَيْنَ الْمَغْرِبَيْنِ مَغْرِبِ الشِّتَاءِ وَمَغْرِبِ الصَّيْفِ، فَإِنْ صَلَّى إلَى جِهَةٍ خَرَجَتْ مِنْ الْمَغْرِبَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ اهـ وَسَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ أَنَّهَا تَفْسُدُ بِتَحْوِيلِ صَدْرِهِ عَنْ الْقِبْلَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَعُلِمَ أَنَّ الِانْحِرَافَ الْيَسِيرَ لَا يَضُرُّ، وَهُوَ الَّذِي يَبْقَى مَعَهُ الْوَجْهُ أَوْ شَيْءٌ مِنْ جَوَانِبِهِ مُسَامِتًا لِعَيْنِ الْكَعْبَةِ أَوْ لِهَوَائِهَا، بِأَنْ يَخْرُجَ الْخَطُّ مِنْ الْوَجْهِ أَوْ مِنْ بَعْضِ جَوَانِبِهِ وَيَمُرَّ عَلَى الْكَعْبَةِ أَوْ هَوَائِهَا مُسْتَقِيمًا، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْخَطُّ الْخَارِجُ عَلَى اسْتِقَامَةٍ خَارِجًا مِنْ جَبْهَةِ الْمُصَلِّي بَلْ مِنْهَا أَوْ مِنْ جَوَانِبِهَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ الدُّرَرِ مِنْ جَبِينِ الْمُصَلِّي، فَإِنَّ الْجَبِينَ طَرَفُ الْجَبْهَةِ وَهُمَا جَبِينَانِ، وَعَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ يُحْمَلُ مَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ عَنْ الْفَتَاوَى مِنْ أَنَّ الِانْحِرَافَ الْمُفْسِدَ أَنْ يُجَاوِزَ الْمَشَارِقَ إلَى الْمَغَارِبَ اهـ فَهَذَا غَايَةُ مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَحِلِّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فَتَبَصَّرْ) أَشَارَ إلَى دِقَّةِ مَلْحَظِهِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ وَإِلَى عَدَمِ الِاسْتِعْجَالِ بِالِاعْتِرَاضِ وَمَعَ هَذَا نَسَبُوهُ إلَى عَدَمِ الْفَهْمِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مَحَارِيبُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ) فَلَا يَجُوزُ التَّحَرِّي مَعَهَا زَيْلَعِيٌّ، بَلْ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُمْ خَانِيَةٌ وَلَا يُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِ الْفَلَكِيِّ الْعَالِمِ الْبَصِيرِ الثِّقَةِ إنَّ فِيهَا انْحِرَافًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَنْظُرَ إلَى مَا يُقَالُ إنَّ قِبْلَةَ أُمَوِيِّ دِمَشْقَ وَأَكْثَرِ مَسَاجِدِهَا الْمَبْنِيَّةِ عَلَى سَمْتِ قِبْلَتِهِ فِيهَا بَعْضُ انْحِرَافٍ وَإِنَّ أَصَحَّ قِبْلَةً فِيهَا قِبْلَةُ جَامِعِ الْحَنَابِلَةِ الَّذِي فِي سَفْحِ الْجَبَلِ. إذْ لَا شَكَّ أَنَّ قِبْلَةَ الْأُمَوِيِّ مِنْ حِينِ فَتْحِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ صَلَّى مِنْهُمْ إلَيْهَا وَكَذَا مَنْ بَعْدَهُمْ أَعْلَمُ وَأَوْثَقُ وَأَدْرَى مِنْ فَلَكِيٍّ لَا نَدْرِي هَلْ أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ، بَلْ ذَلِكَ يُرَجِّحُ خَطَأَهُ وَكُلُّ خَيْرٍ فِي اتِّبَاعِ مَنْ سَلَفَ (قَوْلُهُ كَالْقُطْبِ) هُوَ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ، وَهُوَ نَجْمٌ صَغِيرٌ فِي بَنَاتِ نَعْشٍ الصُّغْرَى بَيْنَ الْفَرْقَدَيْنِ وَالْجَدْيِ، إذَا جَعَلَهُ الْوَاقِفُ خَلَفَ أُذُنِهِ الْيُمْنَى كَانَ مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ إنْ كَانَ بِنَاحِيَةِ الْكُوفَةِ وَبَغْدَادَ وَهَمْدَانَ، وَيَجْعَلُهُ مَنْ بِمِصْرَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ، وَمَنْ بِالْعِرَاقِ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْمَنِ؛ وَمَنْ بِالْيَمَنِ قُبَالَتَهُ مِمَّا يَلِي جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ، وَمَنْ بِالشَّامِ وَرَاءَهُ بَحْرٌ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقِيلَ يَنْحَرِفُ بِدِمَشْقَ وَمَا قَارَبَهَا إلَى الشَّرْقِ قَلِيلًا. اهـ. وَذَكَرَ الشُّرَّاحُ لِلْقِبْلَةِ عَلَامَاتٍ أُخَرَ غَالِبُهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى سَمْتِ بِلَادِهِمْ، مِنْهَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ زَادِ الْفَقِيرِ وَالْمُنْيَةِ فَإِنَّهَا عَلَامَةٌ لِقِبْلَةِ سَمَرْقَنْدَ وَمَا كَانَ عَلَى سَمْتِهَا. وَفِي حَاشِيَةِ الْفَتَّالِ قَالَ الْبُرْجَنْدِيُّ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقِبْلَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِقَاعِ؛ وَمَا ذَكَرُوهُ يَصِحُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى بُقْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَأَمْرُ الْقِبْلَةِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِقَوَاعِدِ الْهَنْدَسَةِ وَالْحِسَابِ، بِأَنْ يُعْرَفَ بُعْدُ مَكَّةَ عَنْ خَطِّ الِاسْتِوَاءِ وَعَنْ طَرَفِ الْمَغْرِبِ ثُمَّ بُعْدُ الْبَلَدِ الْمَفْرُوضِ كَذَلِكَ ثُمَّ يُقَاسُ بِتِلْكَ الْقَوَاعِدِ لِيَتَحَقَّقَ سَمْتُ الْقِبْلَةِ اهـ لَكِنْ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَمِنْهُمْ مَنْ بَنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْعُلُومِ الْحُكْمِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْعَلَّامَةَ الْبُخَارِيَّ قَالَ فِي الْكَشْفِ إنَّ أَصْحَابَنَا لَمْ يَعْتَبِرُوهُ. اهـ. وَأَفَادَ فِي النَّهْرِ أَنَّ دَلَائِلَ النُّجُومِ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ قَوْمٍ وَعِنْدَ آخَرِينَ لَيْسَتْ بِمُعْتَبَرَةٍ قَالَ: وَعَلَيْهِ إطْلَاقُ عَامَّةِ الْمُتُونِ. اهـ. أَقُول: لَمْ أَرَ فِي الْمُتُونِ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهَا، وَلَنَا تَعَلُّمُ مَا نَهْتَدِي بِهِ عَلَى الْقِبْلَةِ مِنْ النُّجُومِ. وَقَالَ تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 وَإِلَّا فَمِنْ الْأَهْلِ الْعَالِمِ بِهَا مِمَّنْ لَوْ صَاحَ بِهِ سَمِعَهُ   [رد المحتار] {لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا} [الأنعام: 97]- عَلَى أَنَّ مَحَارِيبَ الدُّنْيَا كُلّهَا نُصِبَتْ بِالتَّحَرِّي حَتَّى مِنًى كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ النُّجُومُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي عَدَمِ اعْتِبَارِهَا إنَّمَا هُوَ عِنْدَ وُجُودِ الْمَحَارِيبِ الْقَدِيمَةِ، إذْ لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي مَعَهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، لِئَلَّا يَلْزَمَ تَخْطِئَةُ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَجَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْمَفَازَةِ فَيَنْبَغِي وُجُوبُ اعْتِبَارِ النُّجُومِ وَنَحْوِهَا فِي الْمَفَازَةِ لِتَصْرِيحِ عُلَمَائِنَا وَغَيْرِهِمْ بِكَوْنِهَا عَلَامَةً مُعْتَبَرَةً، فَيَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَفِي الْقِبْلَةِ، عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ الثِّقَاتُ فِي كُتُبِ الْمَوَاقِيتِ، وَعَلَى مَا وَضَعُوهُ لَهَا مِنْ الْآلَاتِ كَالرَّبَعِ والأسطرلاب فَإِنَّهَا إنْ لَمْ تَفْدِ الْيَقِينَ تَفْدِ غَلَبَةَ الظَّنِّ لِلْعَالِمِ بِهَا، وَغَلَبَةُ الظَّنِّ كَافِيَةٌ فِي ذَلِكَ. وَلَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ مَا صَرَّحَ بِهِ عُلَمَاؤُنَا مِنْ عَدَمِ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ النُّجُومِ فِي دُخُولِ رَمَضَانَ لِأَنَّ ذَاكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ مُعَلَّقٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، لِحَدِيثِ «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَتَوْلِيدُ الْهِلَالِ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى الرُّؤْيَةِ بَلْ عَلَى قَوَاعِدَ فَلَكِيَّةٍ، وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فِي نَفْسِهَا، لَكِنْ إذَا كَانَتْ وِلَادَتُهُ فِي لَيْلَةِ كَذَا فَقَدْ يُرَى فِيهَا الْهِلَالُ وَقَدْ لَا يُرَى؛ وَالشَّارِعُ عَلَّقَ الْوُجُوبَ عَلَى الرُّؤْيَةِ بِالْقِبْلَةِ لَا عَلَى الْوِلَادَةِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَمِنْ الْأَهْلِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَحَارِيبُ قَدِيمَةٌ فَيَسْأَلُ مَنْ يَعْلَمُ بِالْقِبْلَةِ مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ مِمَّنْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ بِأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ صَاحَ بِهِ سَمِعَهُ، أَمَّا غَيْرُ الْعَالِمِ بِهَا فَلَا فَائِدَةَ فِي سُؤَالِهِ، وَأَمَّا غَيْرُ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ كَالْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ وَالصَّبِيِّ فَلِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِإِخْبَارِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَيُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ؛ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ فَلِأَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ اجْتِهَادٍ فَلَا يَتْرُكُ اجْتِهَادَهُ بِاجْتِهَادٍ وَغَيْرِهِ؛ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ أَحَدٌ فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَرْعُ الْأَبْوَابِ كَمَا سَيَأْتِي؛ وَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِالْأَهْلِ أَنَّ وُجُوبَ السُّؤَالِ خَاصٌّ بِالْحَضَرِ، فَلَوْ فِي مَفَازَةٍ لَا يَجِبُ: وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا بِالِاشْتِبَاهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَفَازَةِ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِالْأَمَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى الْقِبْلَةِ، فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْهَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَحَرَّى، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَسْأَلَ لِمَا قُلْنَا أَيْ مِنْ أَنَّ السُّؤَالَ أَقْوَى مِنْ التَّحَرِّي اهـ وَشَرَطَ فِي الذَّخِيرَةِ كَوْنَ الْمُخْبِرِ فِي الْمَفَازَةِ عَالِمًا حَيْثُ نَقَلَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ فِي الْمَفَازَةِ فَأَخْبَرَهُ رَجُلَانِ أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي جَانِبٍ وَوَقَعَ تَحَرِّيه إلَى جَانِبٍ آخَرَ، فَقَالَ: إنْ كَانَ فِي رَأْيِهِ أَنَّهُمَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ يَأْخُذُ بِقَوْلِهِمَا لَا مَحَالَةَ وَإِلَّا فَلَا اهـ وَشَرَطَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالتَّجْنِيسِ كَوْنَهُمَا مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَهُمَا مُسَافِرَانِ مِثْلُهُ لَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُمَا يَقُولَانِ بِالِاجْتِهَادِ، فَلَا يَتْرُكُ اجْتِهَادَهُ بِاجْتِهَادِ غَيْرِهِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِمَا مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَوْنُهُمَا عَالِمَيْنِ بِالْقِبْلَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَفَازَةِ وَلَا أَهْلَ لَهَا، إلَّا أَنْ يُرَادَ كَوْنُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْأَخْبِيَةِ فَهُمَا مِنْ أَهْلِهِ وَالْأَهْلُ لَهُ عِلْمٌ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ عَنْ الذَّخِيرَةِ، حَتَّى لَوْ كَانَا مِنْ أَهْلِهِ وَلَا عِلْمَ لَهُمَا لَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِهِمَا، فَالْمَنَاطُ إنَّمَا هُوَ الْعِلْمُ، فَقَدْ يَكُونَانِ مُسَافِرَيْنِ مِثْلَهُ وَلَكِنْ لَهُمَا مَعْرِفَةٌ بِالْقِبْلَةِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ بِكَثْرَةِ التَّكْرَارِ أَوْ بِطَرِيقٍ آخَرَ مِنْ طُرُقِ الْعِلْمِ مِمَّا يَفُوقُ عَلَى تَحَرِّي الْمُتَحَرِّي. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالنُّجُومِ فِي الْمَفَازَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى السُّؤَالِ الْمُقَدَّمِ عَلَى التَّحَرِّي، فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى الْقِبْلَةِ فِي الْحَضَرِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْمَحَارِيبِ الْقَدِيمَةِ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فَبِالسُّؤَالِ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَفِي الْمَفَازَةِ بِالنُّجُومِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِوُجُودِ غَيْمٍ أَوْ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِهَا فَبِالسُّؤَالِ مِنْ الْعَالِمِ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَيَتَحَرَّى، وَكَذَا يَتَحَرَّى لَوْ سَأَلَهُ عَنْهَا فَلَمْ يُخْبِرْهُ، حَتَّى لَوْ أَخْبَرَهُ بَعْدَمَا صَلَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 (وَالْمُعْتَبَرُ) فِي الْقِبْلَةِ (الْعَرْصَةُ لَا الْبِنَاءُ) فَهِيَ مِنْ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ إلَى الْعَرْشِ (وَقِبْلَةُ الْعَاجِزِ عَنْهَا) لِمَرَضٍ وَإِنْ وَجَدَ مُوَجِّهًا عِنْدَ الْإِمَامِ أَوْ خَوْفِ مَالٍ: وَكَذَا كُلُّ مَنْ سَقَطَ عَنْهُ الْأَرْكَانُ   [رد المحتار] لَا يُعِيدُ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ. وَفِيهَا: لَوْ لَمْ يَسْأَلْهُ وَتَحَرَّى، إنْ أَصَابَ جَازَ وَإِلَّا لَا، وَكَذَا الْأَعْمَى. اهـ. وَمَسَائِلُ التَّحَرِّي سَتَأْتِي وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى فِي الْمَفَازَةِ بِالتَّحَرِّي وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ لَكِنَّهُ لَا يَعْرِفُ النُّجُومَ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي الْجَهْلِ بِالْأَدِلَّةِ الظَّاهِرَةِ كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَغَيْرِهِمَا. أَمَّا دَقَائِقُ عِلْمِ الْهَيْئَةِ وَصُوَرُ النُّجُومِ الثَّوَابِتِ فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي الْجَهْلِ بِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقِبْلَةِ إلَخْ) أَيْ أَنَّ الَّذِي يَجِبُ اسْتِقْبَالُهُ أَوْ اسْتِقْبَالُ جِهَتِهِ هُوَ الْعَرْصَةُ، وَهِيَ لُغَةً: كُلُّ بُقْعَةٍ بَيْنَ الدُّورِ وَاسِعَةٌ لَا بِنَاءَ فِيهَا كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا تِلْكَ الْبُقْعَةُ الشَّرِيفَةُ (قَوْلُهُ لَا الْبِنَاءُ) أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْقِبْلَةِ الْكَعْبَةُ الَّتِي هِيَ الْبِنَاءُ الْمُرْتَفِعُ عَلَى الْأَرْضِ، وَلِذَا لَوْ نُقِلَ الْبِنَاءُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ وَصَلَّى إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ، بَلْ تَجِبُ الصَّلَاةُ إلَى أَرْضِهَا كَمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّوفِيَّةِ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. مَطْلَبُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ ثَابِتَةٌ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ عِدَّةِ الْفَتَاوَى: الْكَعْبَةُ إذَا رُفِعَتْ عَنْ مَكَانِهَا لِزِيَارَةِ أَصْحَابِ الْكَرَامَةِ فَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ جَازَتْ الصَّلَاةُ إلَى أَرْضِهَا. اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى: وَقَدْ رُفِعَ الْبِنَاءُ فِي عَهْدِ ابْن الزُّبَيْرِ عَلَى قَوَاعِدِ الْخَلِيلِ وَفِي عَهْدِ الْحَجَّاجِ لِيُعِيدَهَا عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ. اهـ. فَتَّالٌ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ نَقَلَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَهَذَا صَرِيحٌ فِي كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ، فَيُرَدُّ بِهِ عَلَى مَنْ نَسَبَ إمَامَنَا إلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِهَا وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ (قَوْلُهُ فَهِيَ مِنْ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ إلَى الْعَرْشِ) صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْفَتَاوَى الصُّوفِيَّةِ مَعْزِيًّا لِلْحُجُنَّةِ، ثُمَّ قَالَ: فَلَوْ صَلَّى فِي الْجِبَالِ الْعَالِيَةِ وَالْآبَارِ الْعَمِيقَةِ السَّافِلَةِ جَازَ كَمَا جَازَ عَلَى سَطْحِهَا وَفِي جَوْفِهَا فَتَّالٌ، فَلَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ الْبِنَاءَ لَا الْعَرْصَةَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، فَالتَّفْرِيعُ صَحِيحٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ) لِأَنَّ الْقَادِرَ بِقُدْرَةِ الْغَيْرِ عَاجِزٌ عِنْدَهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ يُكَلَّفُ بِقُدْرَةِ نَفْسِهِ لَا بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ خِلَافًا لَهُمَا، فَيَلْزَمُهُ عِنْدَهُمَا التَّوَجُّهُ إنْ وَجَدَ مُوَجِّهًا، وَبِقَوْلِهِمَا جَزَمَ فِي الْمُنْيَةِ وَالْمِنَحِ وَالدُّرَرِ وَالْفَتْحِ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ عَجَزَ عَنْ الْوُضُوءِ وَوَجَدَ مَنْ يُوَضِّئُهُ حَيْثُ يَلْزَمُهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ اتِّفَاقًا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا، وَقَدَّمْنَا الْفَرْقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ فَرَاجِعْهُ. وَإِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ وَوَجَدَ أَجِيرًا بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ عِنْدَهُمَا كَمَا قَالُوهُ فِي التَّيَمُّمِ أَمْ لَا: لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ وَيَنْبَغِي اللُّزُومُ، ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الرَّوْضَةِ، لَكِنْ بِتَقْيِيدِ كَوْنِ الْأُجْرَةِ دُونَ نِصْفِ دِرْهَمٍ، فَلَوْ طَلَبَ نِصْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَلْزَمُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَجْرُ الْمِثْلِ كَمَا فَسَّرُوهُ بِذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ أَوْ خَوْفِ مَالٍ) أَيْ خَوْفِ ذَهَابِهِ بِسَرِقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا إنْ اسْتَقْبَلَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ مِلْكًا لَهُ أَوْ أَمَانَةً قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا ط وَلَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ فَلْيُرَاجَعْ، نَعَمْ سَيَأْتِي فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ يَجُوزُ قَطْعُ الصَّلَاةِ لِضَيَاعِ مَا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا عَلَى مَنْ سَقَطَ عَنْهُ الْأَرْكَانُ) أَيْ تَكُونُ قِبْلَتُهُ جِهَةَ قُدْرَتِهِ أَيْضًا: فَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَشْمَلُ أَيْ الْعُذْرُ مَا إذَا كَانَ عَلَى لَوْحٍ فِي السَّفِينَةِ يُخَالِفُ الْغَرَقَ إذَا انْحَرَفَ إلَيْهَا، وَمَا إذَا كَانَ فِي طِينٍ وَرَدْغَةٍ لَا يَجِدُ عَلَى الْأَرْضِ مَكَانًا يَابِسًا أَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ جُمُوحًا لَوْ نَزَلَ لَا يُمْكِنُهُ الرُّكُوبُ إلَّا بِمُعِينٍ أَوْ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْكَبَ إلَّا بِمُعِينٍ وَلَا يَجِدُهُ فَكَمَا تَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الدَّابَّةِ وَلَوْ كَانَتْ فَرْضًا وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْأَرْكَانُ كَذَلِكَ يَسْقُطُ عَنْهُ التَّوَجُّهُ إلَى الْقِبْلَةِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إذَا قَدَرَ اهـ فَيُشْتَرَطُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عَدَمُ إمْكَانِ الِاسْتِقْبَالِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ إيقَافُهَا إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا بِأَنْ خَافَ الضَّرَرَ كَأَنْ تَذْهَبَ الْقَافِلَةُ وَيَنْقَطِعَ فَلَا يَلْزَمُهُ إيقَافُهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 (جِهَةُ قُدْرَتِهِ) وَلَوْ مُضْطَجِعًا بِإِيمَاءٍ لِخَوْفِ رُؤْيَةِ عَدُوٍّ وَلَمْ يُعِدْ لِأَنَّ الطَّاعَةَ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ (وَيَتَحَرَّى) هُوَ بَذْلَ الْمَجْهُودِ لِنَيْلِ الْمَقْصُودِ (عَاجِزٌ عَنْ مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ) بِمَا مَرَّ (فَإِنْ ظَهَرَ خَطَؤُهُ لَمْ يُعِدْ) لِمَا مَرَّ (وَإِنْ عَلِمَ بِهِ فِي صَلَاتِهِ أَوْ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ) وَلَوْ فِي سُجُودِ سَهْوٍ (اسْتَدَارَ وَبَنَى) حَتَّى لَوْ صَلَّى كُلَّ رَكْعَةٍ لِجِهَةٍ جَازَ وَلَوْ بِمَكَّةَ أَوْ مَسْجِدٍ مُظْلِمٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَرْعُ أَبْوَابٍ   [رد المحتار] وَلَا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَأَوْضَحَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ وَالْحِلْيَةِ، وَقَيَّدَ فِي الْحِلْيَةِ مَسْأَلَةَ الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ لِلطِّينِ بِمَا إذَا عَجَزَ عَنْ النُّزُولِ، فَإِنْ قَدَرَ نَزَلَ وَصَلَّى وَاقِفًا بِالْإِيمَاءِ زَادَ الزَّيْلَعِيُّ: وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ دُونَ السُّجُودِ أَوْمَأَ قَاعِدًا، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ نَدِيَّةً مُبْتَلَّةً بِحَيْثُ لَا يَغِيبُ وَجْهُهُ فِي الطِّينِ صَلَّى عَلَى الْأَرْضِ وَسَجَدَ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَلَوْ مُضْطَجِعًا إلَخْ) تَعْمِيمٌ لِقُدْرَةٍ: أَيْ يَتَوَجَّهُ الْعَاجِزُ إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ وَلَوْ كَانَ مُضْطَجِعًا. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَيَسْتَوِي فِيهِ: أَيْ فِي الْعَجْرِ الْخَوْفُ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ لِصٍّ، حَتَّى إذَا خَافَ أَنْ يَرَاهُ إنْ تَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ، وَلَوْ خَافَ أَنْ يَرَاهُ الْعَدُوُّ إنْ قَعَدَ صَلَّى مُضْطَجِعًا بِالْإِيمَاءِ، وَكَذَا الْهَارِبُ مِنْ الْعَدُوِّ رَاكِبًا يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يُعِدْ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْذَارَ سَمَاوِيَّةٌ حَتَّى الْخَوْفُ مِنْ عَدُوٍّ لِأَنَّ الْخَوْفَ لَمْ يَحْصُلْ بِمُبَاشَرَةِ أَحَدٍ، بِخِلَافِ الْمُقَيَّدِ إذَا صَلَّى قَاعِدًا فَإِنَّهُ يُعِيدُ عِنْدَهُمَا أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الشَّرْحِ الْمُنْيَةِ وَمَرَّ تَحْقِيقُ ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَ هُنَا أَيْضًا، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا أَوْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ لِأَنَّ الْقَيْدَ عُذْرٌ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ بِمُبَاشَرَةِ الْمَخْلُوقِ تَأَمَّلْ. مَطْلَبُ مَسَائِلِ التَّحَرِّي فِي الْقِبْلَةِ (قَوْلُهُ هُوَ) أَيْ التَّحَرِّي الْمَفْهُومُ مِنْ فِعْلِهِ (قَوْلُهُ بِمَا مَرَّ) مُتَعَلِّقٌ بِمَعْرِفَةٍ، وَاَلَّذِي مَرَّ هُوَ الِاسْتِدْلَال بِالْمَحَارِيبِ وَالنُّجُومِ وَالسُّؤَالِ مِنْ الْعَالِمِ بِهَا، فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَتَحَرَّى مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ، حَتَّى لَوْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ فَتَحَرَّى وَلَمْ يَسْأَلْهُ إنْ أَصَابَ الْقِبْلَةَ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ قِبْلَةَ التَّحَرِّي مَبْنِيَّةٌ عَلَى مُجَرَّدِ شَهَادَةِ الْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ أَمَارَةٍ وَأَهْلُ الْبَلَدِ لَهُمْ عِلْمٌ بِجِهَةِ الْقِبْلَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْأَمَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهَا مِنْ النُّجُومِ وَغَيْرِهَا فَكَانَ فَوْقَ الثَّابِتِ بِالتَّحَرِّي، وَكَذَا إذَا وَجَدَ الْمَحَارِيبَ الْمَنْصُوبَةَ فِي الْبَلْدَةِ أَوْ كَانَ فِي الْمَفَازَةِ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ وَلَهُ عِلْمٌ بِالِاسْتِدْلَالِ بِالنُّجُومِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي لِأَنَّ ذَلِكَ فَوْقَهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ وَغَيْرِهَا. وَاسْتُفِيدَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَدِلَّةِ الْمَارَّةِ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَرَّى وَلَا يُقَلِّدَ مِثْلَهُ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ؟ لَمْ أَرَهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ ظَهَرَ خَطَؤُهُ) أَيْ بَعْدَمَا صَلَّى (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) وَهُوَ كَوْنُ الطَّاعَةِ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ عَلِمَ بِهِ) أَيْ بِخَطَئِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ) أَيْ بِأَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الصَّوَابَ فِي جِهَةٍ أُخْرَى فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادُهُ الثَّانِي أَرْجَحَ، إذْ الْأَضْعَفُ كَالْعَدَمِ، وَكَذَا الْمُسَاوِي فِيمَا يَظْهَرُ تَرْجِيحًا لِلْأَوَّلِ بِالْعَمَلِ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ اسْتَدَارَ وَبَنَى) أَيْ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ كَانُوا مُتَوَجِّهِينَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَأُخْبِرُوا بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ فَاسْتَدَارُوا إلَى الْقِبْلَةِ، وَأَقَرَّهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ» وَأَمَّا إذَا تَحَوَّلَ رَأْيُهُ فَلِأَنَّ الِاجْتِهَادَ الْمُتَجَدِّدَ لَا يَنْسَخُ حُكْمَ مَا قَبْلَهُ فِي حَقِّ مَا مَضَى شَرْحُ الْمُنْيَةِ، وَيَنْبَغِي لُزُومُ الِاسْتِدَارَةِ عَلَى الْفَوْرِ، حَتَّى لَوْ مَكَثَ قَدْرَ رُكْنٍ فَسَدَتْ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِمَكَّةَ) بِأَنْ كَانَ مَحْبُوسًا وَلَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُ فَصَلَّى بِالتَّحَرِّي ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ بَحْرٌ، وَهَذَا هُوَ الْأَوْجَهُ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْخَانِيَّةِ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ قَرْعُ أَبْوَابٍ) فِي الْخُلَاصَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 وَمَسُّ جُدْرَانٍ وَلَوْ أَعْمَى، فَسِوَاهُ رَجُلٌ بَنَى وَلَمْ يَقْتَدِ الرَّجُلُ بِهِ وَلَا بِمُتَحَرٍّ تَحَرَّى؛ وَلَوْ ائْتَمَّ بِمُتَحَرٍّ بِلَا تَحَرٍّ لَمْ يَجُزْ إنْ أَخْطَأَ الْإِمَامُ، وَلَوْ سَلَّمَ فَتَحَوَّلَ رَأْيُ مَسْبُوقٍ وَلَاحِقٍ اسْتَدَارَ الْمَسْبُوقُ وَاسْتَأْنَفَ اللَّاحِقُ، وَمَنْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى   [رد المحتار] قَوْمٌ وَالْمَسْجِدُ فِي مِصْرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، قَالَ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ فِي فَتَاوَاهُ جَازَ. اهـ. وَفِي الْكَافِي: وَلَا يَسْتَخْرِجُهُمْ مِنْ مَنَازِلِهِمْ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ لِلْمَسْجِدِ قَوْمًا مِنْ أَهْلِهِ مُقِيمِينَ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا حَاضِرِينَ فِيهِ وَقْتَ دُخُولِهِ وَهُمْ حَوْلَهُ فِي الْقَرْيَةِ وَجَبَ طَلَبُهُمْ لِيَسْأَلهُمْ قَبْلَ التَّحَرِّي لِأَنَّ التَّحَرِّيَ مُعَلَّقٌ بِالْعَجْزِ عَنْ تَعَرُّفِ الْقِبْلَةِ بِغَيْرِهِ. اهـ. وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا مَرَّ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي، لِأَنَّ الْمُرَادَ إذَا لَمْ يَكُونُوا دَاخِلَ الْمَنَازِلِ وَلَمْ يَلْزَمْ الْحَرَجُ مِنْ طَلَبِهِمْ بِتَعَسُّفِ الظُّلْمَةِ وَالْمَطَرِ وَنَحْوِهِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَمَسُّ جُدْرَانٍ) لِأَنَّ الْحَائِطَ لَوْ كَانَتْ مَنْقُوشَةً لَا يُمْكِنُهُ تَمْيِيزُ الْمِحْرَابِ مِنْ غَيْرِهِ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ ثَمَّ هَامَةٌ مُؤْذِيَةٌ فَجَازَ لَهُ التَّحَرِّي بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ فِي بَعْضِ الْمَسَاجِدِ، فَأَمَّا فِي الْأَكْثَرِ فَيُمْكِنُ تَمْيِيزُ الْمِحْرَابِ مِنْ غَيْرِهِ فِي الظُّلْمَةِ بِلَا إيذَاءٍ، فَلَا يَجُوزُ التَّحَرِّي إسْمَاعِيلُ عَنْ الْمِفْتَاحِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَعْمَى إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَلَوْ صَلَّى الْأَعْمَى رَكْعَةً إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَسَوَّاهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَاقْتَدَى بِهِ، إنْ وَجَدَ الْأَعْمَى وَقْتَ الشُّرُوعِ مَنْ يَسْأَلُهُ فَلَمْ يَسْأَلْهُ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُمَا وَإِلَّا جَازَتْ صَلَاةُ الْأَعْمَى دُونَ الْمُقْتَدِي لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ إمَامَهُ بَنَى صَلَاتَهُ عَلَى الْفَاسِدِ وَهُوَ الرَّكْعَةُ الْأُولَى اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَيْضِ وَالسِّرَاجِ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الْأَعْمَى لَا يَلْزَمُهُ إمْسَاسُ الْمِحْرَابِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْأَلُهُ، وَأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ السُّؤَالَ مَعَ إمْكَانِهِ وَأَصَابَ الْقِبْلَةَ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَلَا بِمُتَحَرٍّ تَحَوَّلَ) أَيْ إلَى الْقِبْلَةِ مَعَ الْمُقْتَدَى بِحَالَتِهِ الْأُولَى: وَعِبَارَتُهُ فِي الْخَزَائِنِ. كَمَنْ تَحَرَّى فَأَخْطَأَ ثُمَّ عَلِمَ فَتَحَوَّلَ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ مَنْ عَلِمَ بِحَالِهِ اهـ أَيْ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ الْإِمَامَ كَانَ عَلَى الْخَطَأِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ بَحْرٌ. وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ تَحَوَّلَ بِالتَّحَرِّي أَيْضًا إلَى جِهَةٍ ظَنَّهَا الْقِبْلَةَ جَازَ لِلْآخَرِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ إنْ تَحَرَّى مِثْلَهُ وَإِلَّا فَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِمُتَحَرٍّ) مُتَعَلِّقٌ بِائْتَمَّ، وَقَوْلُهُ بِلَا تَحَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفِ حَالٍ مِنْ فَاعِلِ ائْتَمَّ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) أَيْ اقْتِدَاؤُهُ إنْ ظَهَرَ أَنَّ الْإِمَامَ مُخْطِئٌ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ إنَّمَا تَجُوزُ عِنْدَ ظُهُورِ الْإِصَابَةِ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي، وَأَمَّا صَلَاةُ الْإِمَامِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ لِتَحَرِّيهِ، وَإِنْ أَصَابَ الْإِمَامُ جَازَتْ صَلَاتُهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ اسْتَدَارَ الْمَسْبُوقُ إلَخْ) لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَقْضِيهِ، بِخِلَافِ اللَّاحِقِ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ فِيمَا يَقْضِيهِ وَالْمُقْتَدِي إذَا ظَهَرَ لَهُ وَهُوَ وَرَاءَ الْإِمَامِ أَنَّ الْقِبْلَةَ غَيْرُ الْجِهَةِ الَّتِي يُصَلِّي إلَيْهَا الْإِمَامُ لَا يُمْكِنُهُ إصْلَاحُ صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ إنْ اسْتَدَارَ خَالَفَ إمَامَهُ فِي الْجِهَةِ قَصْدًا وَهُوَ مُفْسِدٌ وَإِلَّا كَانَ مُتِمًّا صَلَاتَهُ إلَى مَا هُوَ غَيْرُ الْقِبْلَةِ عِنْدَهُ وَهُوَ مُفْسِدٌ أَيْضًا فَكَذَلِكَ اللَّاحِقُ شَرْحُ الْمُنْيَةِ: بَقِيَ مَا إذَا كَانَ لَاحِقًا وَمَسْبُوقًا: وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنْ قَضَى مَا لَحِقَ بِهِ أَوَّلًا ثُمَّ مَا سَبَقَ بِهِ، فَإِنْ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ فِي قَضَاءِ مَا لَحِقَ بِهِ اسْتَأْنَفَ، وَإِنْ تَحَوَّلَ فِي قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ اسْتَدَارَ، وَأَمَّا إنْ قَضَى مَا سَبَقَ بِهِ أَوَّلًا ثُمَّ مَا لَحِقَ بِهِ، فَإِنْ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ فِيمَا لَحِقَ بِهِ اسْتَأْنَفَ، وَإِنْ تَحَوَّلَ فِيمَا سَبَقَ بِهِ، فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى رَأْيِهِ إلَى شُرُوعِهِ فِيمَا لَحِقَ بِهِ اسْتَأْنَفَ وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَسْتَمِرَّ إلَى شُرُوعِهِ فِيمَا لَحِقَ بِهِ بِأَنْ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ قَبْلَ قَضَاءِ مَا لَحِقَ بِهِ إلَى جِهَةِ إمَامِهِ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْتَدِيرُ تَأَمَّلْ ح وَأَقَرَّهُ ط وَالرَّحْمَتِيُّ (قَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ تَحَرَّى فَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ، قِيلَ يُؤَخِّرُ، وَقِيلَ يُصَلِّي إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ. اهـ. وَرَجَّحَ فِي زَادِ الْفَقِيرِ الْأَوَّلَ حَيْثُ جَزَمَ بِهِ، وَعَبَّرَ عَنْ الْأَخِيرَيْنِ بِقِيلَ وَاخْتَارَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْوَسَطَ وَقَالَ إنَّهُ الْأَحْوَطُ، وَنَقَلَ ح عَنْ الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ أَنَّهُ الْأَصْوَبُ، فَلِهَذَا اخْتَارَهُ الشَّارِحُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقُهُسْتَانِيِّ تَرْجِيحُ الْأَخِيرِ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِي فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ تَحَرَّى وَلَمْ يَتَيَقَّنْ بِشَيْءٍ فَصَلَّى إلَى أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ كَانَتْ جَائِزَةً وَلَوْ أَخْطَأَ فِيهِ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ أَخَّرَ الصَّلَاةَ، وَقِيلَ يُصَلِّي إلَى الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ اهـ وَمُفَادُهُ أَنَّ مَعْنَى التَّخْيِيرِ أَنَّهُ يُصَلِّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 شَيْءٍ صَلَّى لِكُلِّ جِهَةٍ مَرَّةً احْتِيَاطًا، وَمَنْ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ لِجِهَتِهِ الْأُولَى اسْتَدَارَ، وَمَنْ تَذَكَّرَ تَرْكَ سَجْدَةٍ مِنْ الْأُولَى اسْتَأْنَفَ (وَإِنْ شَرَعَ بِلَا تَحَرٍّ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ أَصَابَ) لِتَرْكِهِ فَرْضَ التَّحَرِّي إلَّا إذَا عَلِمَ إصَابَتَهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ فَلَا يُعِيدُ اتِّفَاقًا، بِخِلَافِ   [رد المحتار] مَرَّةً وَاحِدَةً إلَى أَيِّ جِهَةٍ أَرَادَ مِنْ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ، وَبِهِ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ. وَأَمَّا مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ مِنْ تَفْسِيرِهِ بِقَوْلِهِ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَخَّرَ وَإِنْ شَاءَ صَلَّى الصَّلَاةَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ لِأَنَّ عِبَارَةَ فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ السَّابِقَةِ لَيْسَ فِيهَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا صَلَّى إلَى الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ يَقِينًا، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَتَرْكُ الْمَنْهِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ وَلِذَا يُصَلِّي بِالنَّجَاسَةِ إذَا لَزِمَ مِنْ غَسْلِهَا كَشْفُ الْعَوْرَةِ عِنْدَ الْأَجَانِبِ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُنَا سَاقِطٌ لِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَى الْقِبْلَةِ إنَّمَا يُؤْمَرُ بِهِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَقِبْلَةُ الْمُتَحَرِّي هِيَ جِهَةُ تَحَرِّيهِ. وَلَمَّا لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ اسْتَوَتْ فِي حَقِّهِ الْجِهَاتُ الْأَرْبَعُ فَيَخْتَارُ وَاحِدَةً مِنْهَا وَيُصَلِّي إلَيْهَا وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ وَإِنْ ظَهَرَ خَطَؤُهُ فِيهَا لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ، وَهَذَا الْوَجْهُ يُقَوِّي الْقَوْلَ الْأَخِيرَ وَهُوَ التَّخْيِيرُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ. وَيُضَعِّفُ مَا اخْتَارَهُ الشَّارِحُ وَادَّعَى أَنَّهُ الِاحْتِيَاطُ فَتَدَبَّرْ ذَلِكَ بِإِنْصَافٍ، وَلِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ الَّذِي اخْتَارَهُ الْكَمَالُ فِي زَادِ الْفَقِيرِ وَجْهٌ ظَاهِرٌ أَيْضًا، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْقِبْلَةُ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَيْهَا هِيَ جِهَةُ التَّحَرِّي وَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ صَارَ فَاقِدًا لِشَرْطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ فَيُؤَخِّرُهَا كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ. لَكِنَّ الْقَوْلَ الْأَخِيرَ وَهُوَ وُجُوبُ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ مَعَ التَّخْيِيرِ إلَى أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ أَحْوَطُ كَمَا لَوْ وَجَدَ ثَوْبًا أَقَلَّ مِنْ رُبْعِهِ طَاهِرٌ، وَلِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى - {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]- فَإِنَّهُ قِيلَ نَزَلَ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِبَاهِ الْقِبْلَةِ، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ اخْتِيَارُهُ وَبِهِ يُشْعِرُ كَلَامُ الْبَحْرِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ كَمَا مَرَّ. مَطْلَبُ إذَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَالْأَرْجَحُ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّالِثُ لَا الْوَسَطُ وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْكِتَابِ عَنْ الْمُسْتَصْفَى أَنَّهُ إذَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَالْأَرْجَحُ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّالِثُ لَا الْوَسَطُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ اسْتَدَارَ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيمَا إذَا تَحَوَّلَ رَأْيُهُ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ إلَى الْجِهَةِ الْأُولَى، قِيلَ يُتِمُّ الصَّلَاةَ، وَقِيلَ يَسْتَقْبِلُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ اهـ وَلِذَا قَدَّمَهُ فِي الْخَانِيَّةِ لِأَنَّهُ يُقَدِّمُ الْأَشْهَرَ، وَجَزَمَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ اسْتَأْنَفَ) لِأَنَّهُ إنْ سَجَدَهَا إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ فَقَدْ سَجَدَهَا إلَى غَيْرِ قِبْلَةٍ لِأَنَّهَا جَزْءٌ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالْجِهَةُ الثَّانِيَةُ لَيْسَتْ قِبْلَةً لِلرَّكْعَةِ الْأُولَى بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَإِنْ سَجَدَهَا إلَى الْجِهَةِ الْأُولَى فَقَدْ انْحَرَفَ عَمَّا هُوَ قِبْلَتُهُ الْآنَ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَإِنْ شَرَعَ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْعَاجِزِ: أَيْ إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ وَعَجَزَ عَنْ مَعْرِفَتِهَا بِالْأَدِلَّةِ الْمَارَّةِ فَقِبْلَتُهُ جِهَةُ تَحَرِّيهِ، فَلَوْ شَرَعَ بِلَا تَحَرٍّ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ بَعْدَ فَرَاغِهِ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاسْتِقْبَالِ اسْتِصْحَابًا لِلْحَالِ، فَإِذَا تَبَيَّنَ يَقِينًا أَنَّهُ أَصَابَ ثَبَتَ الْجَوَازُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَبَطَلَ الِاسْتِصْحَابُ، حَتَّى لَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ أَصَابَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ تَيَقَّنَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ لَا يَجُوزُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ بَعْدَ الْعِلْمِ أَقْوَى وَبِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ إلَخْ) أَيْ لَوْ وَقَعَ تَحَرِّيه عَلَى جِهَةٍ وَصَلَّى إلَى غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهُ أَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ. وَعَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 مُخَالِفِ جِهَةِ تَحَرِّيه فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ مُطْلَقًا كَمُصَلٍّ عَلَى أَنَّهُ مُحْدِثٌ أَوْ ثَوْبُهُ نَجِسٌ أَوْ الْوَقْتُ لَمْ يَدْخُلْ فَبَانَ بِخِلَافِهِ لَمْ يَجُزْ. (صَلَّى جَمَاعَةٌ عِنْدَ اشْتِبَاهِ الْقِبْلَةِ) فَلَوْ لَمْ تَشْتَبِهْ إنْ أَصَابَ جَازَ (بِالتَّحَرِّي) مَعَ إمَامٍ (وَتَبَيَّنَ أَنَّهُمْ صَلَّوْا إلَى جِهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَمَنْ تَيَقَّنَ) مِنْهُمْ (مُخَالَفَةَ إمَامِهِ فِي الْجِهَةِ) أَوْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ (حَالَةَ الْأَدَاءِ) أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَضُرُّ (لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ) لِاعْتِقَادِهِ خَطَأَ إمَامِهِ وَلِتَرْكِهِ فَرْضَ الْمَقَامِ (وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ) كَمَا لَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْإِمَامُ، بِأَنْ رَأَى رَجُلَيْنِ يُصَلِّيَانِ فَائْتَمَّ بِوَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ.   [رد المحتار] أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ. وَعَنْ الثَّانِي يَجْزِيهِ إنْ أَصَابَ، وَبِالْأَوَّلِ يُفْتَى فَيْضٌ. وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ مَا فُرِضَ لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ حُصُولُهُ لَا تَحْصِيلُهُ لَكِنْ مَعَ عَدَمِ اعْتِقَادِ الْفَسَادِ وَعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ، وَمُخَالَفَةُ جِهَةِ تَحَرِّيهِ اقْتَضَتْ اعْتِقَادَ فَسَادِ صَلَاتِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ صَلَّى وَعِنْدَهُ أَنَّهُ مُحْدِثٌ أَوْ أَنَّ ثَوْبَهُ نَجِسٌ أَوْ أَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَدْخُلْ فَبَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَا يَجْزِيهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ مَا فَعَلَهُ غَيْرُ جَائِزٍ بِخِلَافِ صُورَةِ عَدَمِ التَّحَرِّي فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتَقِدْ الْفَسَادَ بَلْ هُوَ شَاكٌّ فِيهِ وَفِي عَدَمِهِ فَإِذَا ظَهَرَتْ قَبْلَ التَّمَامِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ أَوْ ثَوْبَهُ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى اسْمِ أَنَّ وَمِثْلُهُ الْوَقْتَ ح (قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ تَشْتَبِهْ إلَخْ) ذَكَرَهُ هُنَا اسْتِطْرَادًا، كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ شَرَعَ بِلَا تَحَرٍّ، لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ تَشْتَبِهْ بَيَانًا لِمَفْهُومِهِ. ثُمَّ إنَّ مَسَائِلَ التَّحَرِّي تَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارِ الْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ إلَى عِشْرِينَ قِسْمًا، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ لَا يَشُكَّ وَلَا يَتَحَرَّى أَوْ شَكَّ وَتَحَرَّى أَوْ لَمْ يَتَحَرَّ أَوْ تَحَرَّى بِلَا شَكٍّ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى خَمْسَةٍ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَظْهَرَ صَوَابُهُ أَوْ خَطَؤُهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا أَوْ لَا يَظْهَرُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنْ ظَهَرَ خَطَؤُهُ فَسَدَتْ مُطْلَقًا أَوْ صَوَابُهُ قَبْلَ الْفَرَاغِ قِيلَ هُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَوَّى وَالْأَصَحُّ لَا، وَلَوْ بَعْدَهُ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ أَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ الْإِصَابَةَ فَكَذَلِكَ لَا تَفْسُدُ، وَحُكْمُ الثَّانِي الصِّحَّةُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَحُكْمُ الثَّالِثِ الْفَسَادُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، أَوْ لَوْ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ أَصَابَ عَلَى الْأَصَحِّ إلَّا إذَا عَلِمَ يَقِينًا بِالْإِصَابَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ. وَالرَّابِعُ لَا وُجُودَ لَهُ خَارِجًا كَذَا فِي النَّهْرِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ: وَيَتَحَرَّى عَاجِزٌ، وَالثَّالِثُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ شَرَعَ بِلَا تَحَرٍّ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ: فَلَوْ لَمْ تَشْتَبِهْ إلَخْ لَكِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ إنْ ظَهَرَ خَطَؤُهُ فَسَدَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ حَذَفَ الرَّابِعَ لِعَدَمِ وُجُودِهِ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحِلِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مَعَ إمَامٍ) أَمَّا لَوْ صَلَّوْا مُنْفَرِدِينَ صَحَّتْ صَلَاةُ الْكُلِّ، وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ التَّفْصِيلُ (قَوْلُهُ فَمَنْ تَيَقَّنَ مِنْهُمْ) التَّيَقُّنُ غَيْرُ قَيْدٍ، بَلْ غَلَبَةُ الظَّنِّ كَافِيَةٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْفَيْضِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ صَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ تَجْزِيهِمْ إلَّا صَلَاةَ مَنْ تَقَدَّمَ عَلَى إمَامِهِ أَوْ عَلِمَ بِمُخَالَفَةِ إمَامِهِ فِي صَلَاتِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ تَقَدَّمَ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ صَلَّى إلَى جَانِبٍ آخَرَ غَيْرِ مَا صَلَّى إلَيْهِ إمَامُهُ اهـ (قَوْلُهُ حَالَةَ الْأَدَاءِ) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ تَيَقَّنَ مُخَالَفَةَ إمَامِهِ فِي الْجِهَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قَوْلِهِ أَوْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إذَا تَقَدَّمَ عَلَى إمَامِهِ لَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ عَلِمَ بِذَلِكَ حَالَةَ الْأَدَاءِ أَوْ بَعْدَهُ بِخِلَافِ مُخَالَفَتِهِ لِإِمَامِهِ فِي الْجِهَةِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَّا إذَا عَلِمَ بِهَا حَالَةَ الْأَدَاءِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْفَيْضِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا، وَمِثْلُهَا قَوْلُهُ فِي الْمُلْتَقَى جَازَتْ صَلَاةُ مَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ، بِخِلَافِ مَنْ تَقَدَّمَهُ أَوْ عَلِمَ وَخَالَفَهُ اهـ. وَفِي مَتْنِ الْغُرُرِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ مُخَالَفَةَ إمَامِهِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْهُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ لِاعْتِقَادِهِ إلَخْ) نَشْرٌ رُتِّبَ ح (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْإِمَامُ إلَخْ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ النَّهْرُ عَنْ الْمِعْرَاجِ. وَنَصُّ عِبَارَةِ الْمِعْرَاجِ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ أَيْ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ فِي اعْتِقَادِهِمْ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْخَطَأِ وَالصَّوَابِ، وَلَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْإِمَامُ بِأَنْ رَأَى رَجُلَيْنِ يُصَلِّيَانِ فَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِوَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ فِعْلُ الْإِمَامِ اهـ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْمُنَاسِبَ حَذْفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْكُلِّيَّةِ إذْ لَا مَدْخَلَ لَهَا هُنَا إلَّا عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ جَهِلَ حَالَ إمَامِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ جَهِلَ عَيْنَهُ فَافْهَمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 [فُرُوعٌ] النِّيَّةُ عِنْدَنَا شَرْطٌ مُطْلَقًا وَلَوْ عَقَّبَهَا بِمَشِيئَةٍ، فَلَوْ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَقْوَالٍ كَطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ بَطَلَ وَإِلَّا لَا. لَيْسَ لَنَا مَنْ يَنْوِي خِلَافَ مَا يُؤَدِّي إلَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْجُمُعَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ.   [رد المحتار] [فُرُوعٌ فِي النِّيَّةِ] ِ (قَوْلُهُ فُرُوعٌ) كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرُ هَذِهِ الْفُرُوعِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ قُبَيْلَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ كَمَا فَعَلَ فِي الْخَزَائِنِ (قَوْلُهُ النِّيَّةُ عِنْدَنَا شَرْطٌ مُطْلَقًا) أَيْ فِي كُلِّ الْعِبَادَاتِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا رُكْنٌ وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا شَرْطٌ كَالنِّيَّةِ، وَقِيلَ بِرُكْنِيَّتِهَا أَشْبَاهٌ وَإِنَّمَا قَالَ مُطْلَقًا لِيَشْمَلَ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ بِخِلَافِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهَا رُكْنٌ فِيهَا اتِّفَاقًا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ ح وَاسْتَثْنَى فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْإِيمَانَ وَالتِّلَاوَةَ وَالْأَذْكَارَ وَالْأَذَانَ فَإِنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِلْعَيْنِيِّ وَكُلُّ مَا لَا يَكُونُ إلَّا عِبَادَةً لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ كَمَا فِي شَرْحِ ابْنِ وَهْبَانَ قَالَ وَكَذَا النِّيَّةُ لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ اهـ وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا كَانَ شَرْطًا لِلْعِبَادَةِ إلَّا التَّيَمُّمَ وَلَا اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ الْمُشْتَرِطِ نِيَّتَهُ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ وَكَذَا مَا كَانَ جَزْءَ عِبَادَةٍ كَمَسْحِ الْخُفِّ وَالرَّأْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ فَلَوْ مِمَّا يَتَعَلَّقُ) أَيْ فَلَوْ كَانَ هُوَ أَيْ الْمَنْوِيُّ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِالنِّيَّةِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَقْوَالِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ بَطَلَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ أَوْ الْعِتْقَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّيَّةِ بَلْ بِالْقَوْلِ، حَتَّى لَوْ نَوَى طَلَاقَهَا أَوْ عِتْقَهُ لَا يَصِحُّ بِدُونِ لَفْظٍ. قَالَ ح. فَإِنْ قُلْت: وُقُوعُ الطَّلَاقِ مُتَعَلِّقٌ بِلَفْظِ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَا عِبْرَةَ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ. قُلْت هَذَا مُسَلَّمٌ فِي الْقَضَاءِ. وَأَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ، حَتَّى إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ مِنْ وَثَاقٍ لَا يَقَعُ دِيَانَةً. اهـ. أَقُولُ: وَكَذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْبَحْرِ وَالْأَشْبَاهِ، وَعَلَيْهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ فِي الْقَضَاءِ فَقَطْ وَيَحْتَاجُ إلَيْهَا دِيَانَةً، وَالثَّانِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِيهِمَا، لَكِنْ احْتِيَاجُ الْأَوَّلِ إلَى النِّيَّةِ دِيَانَةً مَعْنَاهُ أَنْ لَا يَنْوِيَ بِهِ غَيْرَ مَعْنَاهُ الْعُرْفِيِّ، فَلَوْ نَوَى الطَّلَاقَ مِنْ الْوِثَاقِ: أَيْ الْقَيْدِ لَا يَقَعُ لِصَرْفِهِ اللَّفْظَ عَنْ مَعْنَاهُ. أَمَّا إذَا قَصَدَ التَّلَفُّظَ بِأَنْتِ طَالِقٌ مُخَاطِبًا بِهِ زَوْجَتَهُ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ الطَّلَاقَ وَلَا غَيْرَهُ فَالظَّاهِرُ الْوُقُوعُ قَضَاءً وَدِيَانَةً لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ فِيهِ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالْعَدَدِ لَا يَدِينُ كَمَا لَوْ نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ الْعَمَلِ فَيَقَعُ قَضَاءً وَدِيَانَةً (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ الْمَنْوِيُّ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَقْوَالِ كَالصَّوْمِ لَا يَبْطُلُ بِالْمَشِيئَةِ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ الْقَلْبِيَّةِ بِدُونِ قَوْلٍ، فَلَوْ نَوَى الصَّوْمَ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَبْطُلُ. قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَلَوْ عَلَّقَهَا أَيْ نِيَّةَ الصَّوْمِ بِالْمَشِيئَةِ صَحَّتْ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُبْطِلُ الْأَقْوَالَ وَالنِّيَّةُ لَيْسَتْ مِنْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْجُمُعَةِ) فَعِنْدَهُ لَا يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ إلَّا بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ مَعَ الْإِمَامِ؛ فَلَوْ اقْتَدَى بَعْدَمَا رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ يَنْوِي جُمُعَةً وَيُتِمُّهَا ظُهْرًا عِنْدَهُ، فَقَدْ نَوَى الْجُمُعَةَ وَلَمْ يُؤَدِّهَا، وَأَدَّى الظُّهْرَ وَلَمْ يَنْوِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَعِنْدَنَا يُتِمُّهَا جُمُعَةً مَتَى صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِالْإِمَامِ وَلَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ عَلَى الْقَوْلِ بِفِعْلِهِ فِيهَا. وَنَقَضَ الْحَمَوِيُّ الْحَصْرَ بِمَسَائِلَ يَنْوِي فِيهَا خِلَافَ مَا يُؤَدِّي مِنْهَا مَا لَوْ طَافَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ، وَمَا لَوْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ تَطَوُّعًا فَظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ كَانَ مِنْهُ، وَمَا لَوْ تَهَجَّدَ بِرَكْعَتَيْنِ فَظَهَرَ أَنَّ الْفَجْرَ طَالِعٌ يَنُوبَانِ عَنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ. وَمَا لَوْ صَامَ عَنْ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ أَوْ إفْطَارٍ فَقَدَرَ عَلَى الْعِتْقِ يَمْضِي فِي صَوْمِ النَّفْلِ. وَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَصَامَهُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ يَقَعُ عَنْ النَّذْرِ كَمَا فِي جَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ. اهـ. أَقُولُ: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ النِّيَّةُ الَّتِي هِيَ شَرْطُ الصِّحَّةِ، فَالْمَعْنَى لَيْسَ لَنَا مَنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْوِيَ خِلَافَ مَا يُؤَدِّي إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَيْسَ فِيهَا الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الْمَنْوِيِّ وَالْمُؤَدَّى إلَّا مِنْ حَيْثُ الصِّفَةُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْعِبَادَةَ ذَاتَ الْأَفْعَالِ تَنْسَحِبُ نِيَّتُهَا عَلَى كُلِّهَا. افْتَتَحَ خَالِصًا ثُمَّ خَالَطَهُ الرِّيَاءُ اُعْتُبِرَ السَّابِقُ، وَالرِّيَاءُ أَنَّهُ لَوْ خَلَا عَنْ النَّاسِ لَا يُصَلِّي فَلَوْ مَعَهُمْ يُحْسِنُهَا وَوَحْدَهُ لَا فَلَهُ ثَوَابُ أَصْلِ الصَّلَاةِ، وَلَا يَتْرُكُ لِخَوْفِ دُخُولِ الرِّيَاءِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَوْهُومٌ، لَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْوَاجِبِ. قِيلَ لِشَخْصٍ صَلِّ الظُّهْرَ وَلَك دِينَارٌ فَصَلَّى بِهَذِهِ النِّيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ تُجْزِئَهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الدِّينَارَ. الصَّلَاةُ لِإِرْضَاءِ الْخُصُومِ لَا تُفِيدُ، بَلْ يُصَلِّي لِلَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْفُ خَصْمُهُ أُخِذَ مِنْ حَسَنَاتِهِ جَاءَ «أَنَّهُ يُؤْخَذُ لِدَانَقٍ ثَوَابُ سَبْعِمِائَةِ صَلَاةٍ بِالْجَمَاعَةِ»   [رد المحتار] فَإِنَّهَا مُخَالَفَةٌ لِلظُّهْرِ ذَاتًا وَصِفَةً فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْعِبَادَةَ إلَخْ) مُقَابِلُهُ مَا فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْمُجْتَبَى، مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْعِبَادَةِ فِي كُلِّ رُكْنٍ فَافْهَمْ. وَاحْتُرِزَ بِذَاتِ الْأَفْعَالِ عَمَّا هِيَ فِعْلٌ وَاحِدٌ كَالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ فِي أَوَّلِهِ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَإِنَّهُ ذُو أَفْعَالٍ مِنْهَا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَصْلِ نِيَّةِ الطَّوَافِ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ عَنْ الْفَرْضِ، حَتَّى لَوْ طَافَ نَفْلًا فِي أَيَّامِهِ وَقَعَ عَنْهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الطَّوَافَ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فِي ذَاتِهِ كَمَا هُوَ رُكْنٌ لِلْحَجِّ، فَبِاعْتِبَارِ رُكْنِيَّتِهِ يَنْدَرِجُ فِي نِيَّةِ الْحَجِّ فَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ، وَبِاعْتِبَارِ اسْتِقْلَالِهِ اُشْتُرِطَ فِيهِ أَصْلُ نِيَّةِ الطَّوَافِ، حَتَّى لَوْ طَافَ هَارِبًا أَوْ طَالِبًا لِغَرِيمٍ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ إلَّا فِي ضِمْنِ الْحَجِّ فَيَدْخُلُ فِي نِيَّتِهِ، وَعَلَى هَذَا الرَّمْيُ وَالْحَلْقُ وَالسَّعْيُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ يَقَعُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ بِالْحَلْقِ حَتَّى إنَّهُ يَحِلُّ لَهُ سِوَى النِّسَاءِ، وَبِذَلِكَ يَخْرُجُ مِنْ الْحَجِّ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَاعْتُبِرَ فِيهِ الشَّبَهَانِ (قَوْلُهُ اُعْتُبِرَ السَّابِقُ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الصَّلَاةَ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ فَالنَّظَرُ فِيهَا إلَى ابْتِدَائِهَا فَإِذَا شَرَعَ فِيهَا خَالِصًا ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهِ الرِّيَاءُ فَهِيَ بَاقِيَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا لَهُ وَبَعْضُهَا لِغَيْرِهِ مَعَ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ، نَعَمْ لَوْ حَسُنَ بَعْضُهَا رِيَاءً فَالتَّحْسِينُ وَصْفٌ زَائِدٌ لَا يُثَابُ بِهِ وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَوْ افْتَتَحَهَا مُرَائِيًا ثُمَّ أَخْلَصَ اُعْتُبِرَ السَّابِقُ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ عِبَادَةً يُمْكِنُ تَجْزِئَتُهَا كَقِرَاءَةٍ وَاعْتِكَافٍ، فَإِنَّ الْجُزْءَ الَّذِي دَخَلَهُ الرِّيَاءُ لَهُ حُكْمُهُ وَالْخَالِصُ لَهُ حُكْمُهُ (قَوْلُهُ وَالرِّيَاءُ أَنَّهُ إلَخْ) أَيْ الرِّيَاءُ الْكَامِلُ الْمُحْبِطُ لِلثَّوَابِ عَنْ أَصْلِ الْعِبَادَةِ أَوْ لِتَضْعِيفِهِ وَإِلَّا فَالتَّحْسِينُ لِأَجْلِ النَّاسِ رِيَاءٌ أَيْضًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُثَابُ عَلَى أَصْلِ الْعِبَادَةِ وَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ إذَا أَرَادَ الشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَوْ أَطَالَ الرُّكُوعَ لِإِدْرَاكِ الْجَائِي، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَخَاف عَلَيْهِ أَمْرًا عَظِيمًا يَعْنِي الشِّرْكَ الْخَفِيَّ وَهُوَ الرِّيَاءُ كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ، وَقَوْلُهُ وَلَا يَتْرُكُ إلَخْ: أَيْ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ يَقْرَأَ فَخَافَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ الرِّيَاءُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَوْهُومٌ أَشْبَاهٌ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ. وَقَدْ سُئِلَ الْعَارِفُ الْمُحَقِّقُ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ السُّهْرَوَرْدِيِّ عَمَّا نَصُّهُ: يَا سَيِّدِي إنْ تَرَكْت الْعَمَلَ أَخْلَدْت إلَى الْبَطَالَةِ وَإِنْ عَمِلْت دَاخَلَنِي الْعَجَبُ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى؟ فَكَتَبَ جَوَابُهُ: اعْمَلْ وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ مِنْ الْعُجْبِ اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْوَاجِبِ) أَيْ أَنَّ الرِّيَاءَ لَا يُبْطِلُ الْفَرْضَ وَإِنْ كَانَ الْإِخْلَاصُ مِنْ جُمْلَةِ الْفَرَائِضِ. قَالَ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ: وَإِذَا صَلَّى رِيَاءً وَسُمْعَةً تَجُوزُ صَلَاتُهُ فِي الْحُكْمِ لِوُجُودِ شَرَائِطِهِ وَأَرْكَانِهِ وَلَكِنْ لَا يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ وَاَلَّذِي فِي الذَّخِيرَةِ خِلَافُهُ، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الرِّيَاءُ لَا يَدْخُلُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْفَرَائِضِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُسْتَقِيمُ أَنَّ الرِّيَاءَ لَا يُفَوِّتُ أَصْلَ الثَّوَابِ، وَإِنَّمَا يُفَوِّتُ تَضَاعُفَ الثَّوَابِ. اهـ. بِيرِيّ عَلَى الْأَشْبَاهِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ (قَوْلُهُ قِيلَ لِشَخْصٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مَنْصُوصَةً فِي مَذْهَبِنَا، وَصَرَّحَ بِهَا النَّوَوِيُّ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهَا، أَمَّا الْإِجْزَاءُ فَلِأَنَّهُ لَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْوَاجِبِ، وَأَمَّا عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الدِّينَارِ فَلِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى وَاجِبٍ، وَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْأُجْرَةَ كَالْأَبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 وَلَوْ أَدْرَكَ الْقَوْمَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَدْرِ أَفَرْضٌ أَمْ تَرَاوِيحُ يَنْوِي الْفَرْضَ، فَإِنْ هُمْ فِيهِ صَحَّ وَإِلَّا تَقَعْ نَفْلًا، وَلَوْ نَوَى فَرْضَيْنِ كَمَكْتُوبَةٍ وَجِنَازَةٍ فَلِلْمَكْتُوبَةِ، وَلَوْ مَكْتُوبَتَيْنِ فَلِلْوَقْتِيَّةِ وَلَوْ فَائِتَتَيْنِ فَلِلْأُولَى لَوْ مِنْ أَهْلِ التَّرْتِيبِ وَإِلَّا لَغَا فَلْيُحْفَظْ، وَلَوْ فَائِتَةً وَوَقْتِيَّةً فَلِلْفَائِتَةِ لَوْ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا، وَلَوْ فَرْضًا وَنَفْلًا   [رد المحتار] إذَا اسْتَأْجَرَ ابْنَهُ لِلْخِدْمَةِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ لِأَنَّ خِدْمَتَهُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ الصَّلَاةُ لِإِرْضَاءِ الْخُصُومِ لَا تُفِيدُ إلَخْ) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِ ذَلِكَ جَائِزًا، وَظَاهِرُ مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ حَيْثُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ مِنْ إلْقَاءِ الْمُبْطِلِينَ اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: إذَا صَلَّى لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ لَهُ خَصْمٌ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَفْوٌ أُخِذَ مِنْ حَسَنَاتِهِ وَدُفِعَ إلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَصْمٌ أَوْ كَانَ وَجَرَى بَيْنَهُمَا عَفْوٌ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْءٌ، نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ. اهـ. بِيرِيّ. وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ يَنْوِيَ الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى لِأَجْلِ أَنْ يَرْضَى عَنْهُ أَخْصَامُهُ وَعَدَمُ جَوَازِهِ لِكَوْنِهِ بِدْعَةً بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ أَوْ نَحْوِهَا مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ. وَأَمَّا لَوْ صَلَّى وَوَهَبَ ثَوَابَهَا لِلْخُصُومِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّ الْعَامِلَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ عِنْدَنَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ جَاءَ) أَيْ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَشْبَاهٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهَا الْكُتُبُ السَّمَاوِيَّةِ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ حَدِيثًا نَقَلَهُ الْعُلَمَاءُ فِي كُتُبِهِمْ: وَالدَّانَقُ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا: سُدُسُ الدِّرْهَمِ، وَهُوَ قِيرَاطَانِ، وَالْقِيرَاطُ خَمْسُ شَعِيرَاتٍ، وَيُجْمَعُ عَلَى دَوَانِقَ وَدَوَانِيقَ؛ كَذَا فِي الْأَخْسَتْرِيِّ حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ ثَوَابُ سَبْعِمِائَةِ صَلَاةٍ بِالْجَمَاعَةِ) أَيْ مِنْ الْفَرَائِضِ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا: وَاَلَّذِي فِي الْمَوَاهِبِ عَنْ الْقُشَيْرِيِّ سَبْعُمِائَةِ صَلَاةٍ مَقْبُولَةٍ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْجَمَاعَةِ. قَالَ شَارِحُ الْمَوَاهِبِ: مَا حَاصِلُهُ هَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْفُو عَنْ الظَّالِمِ وَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ ط مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَإِلَّا تَقَعْ نَفْلًا) أَيْ غَيْرَ نَائِبٍ فِي حَقِّهِ عَنْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ التَّرَاوِيحِ لِوُقُوعِهَا قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَوَقْتُ التَّرَاوِيحِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ط (قَوْلُهُ فَلِلْمَكْتُوبَةِ) أَيْ لِقُوَّتِهَا لِفَرْضِيَّتِهَا عَيْنًا وَلِكَوْنِهَا صَلَاةً حَقِيقَةً وَالْجِنَازَةُ كِفَايَةٌ وَلَيْسَتْ بِصَلَاةٍ مُطْلَقَةً (قَوْلُهُ وَلَوْ مَكْتُوبَتَيْنِ) أَيْ إحْدَاهُمَا وَقْتِيَّةٌ وَالْأُخْرَى لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا كَمَا لَوْ نَوَى فِي وَقْتِ الظُّهْرِ ظُهْرَ هَذَا الْيَوْمِ وَعَصْرَهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَشَرْحِ الْأَشْبَاهِ لِلْبِيرِيِّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي وَلَوْ فَائِتَةً وَوَقْتِيَّةً إلَخْ (قَوْلُهُ فَلِلْوَقْتِيَّةِ) عَلَّلَ لَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ الْوَقْتِيَّةَ وَاجِبَةٌ لِلْحَالِ وَغَيْرَهَا لَا اهـ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَاحِبِ تَرْتِيبٍ وَإِلَّا فَالْفَائِتَةُ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى بَحْرٌ. أَقُولُ: هَذِهِ الْإِفَادَةُ إنَّمَا تَتِمُّ لَوْ أُرِيدَ بِالْمَكْتُوبَتَيْنِ مَا يَشْمَلُ الْوَقْتِيَّةَ مَعَ الْفَائِتَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِمَا الْوَقْتِيَّةُ مَعَ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ وَلَوْ فَائِتَتَيْنِ فَلِلْأُولَى) وَكَذَا لَوْ وَقْتِيَّتَيْنِ كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي عَرَفَةَ كَمَا بَحَثَهُ الْبِيرِيُّ. وَقَالَ ح: لِأَنَّ الْعَصْرَ وَإِنْ صَحَّتْ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَّا أَنَّ الظُّهْرَ وَاجِبَةُ التَّقْدِيمِ عَلَيْهَا لِلتَّرْتِيبِ فَكَانَتَا بِمَنْزِلَةِ فَائِتَتَيْنِ لَمْ يَسْقُطْ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ لَوْ مِنْ أَهْلِ التَّرْتِيبِ إلَخْ) تَبِعَ فِيهِ الْبَحْرَ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِ الْمُحِيطِ لِلْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الْأُولَى. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ إنَّمَا يَتِمُّ فِيمَا إذَا كَانَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا وَاجِبًا. اهـ. أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحِلْيَةِ، لَكِنَّهُ فِي الْحِلْيَةِ قَالَ بَعْدَهُ: بَقِيَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا وَاجِبًا وَيُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا لِلْأُولَى لِأَنَّ تَقْدِيمَهَا أَوْلَى اهـ. وَجَزَمَ بِذَلِكَ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ فَلِلْأُولَى مِنْهُمَا لِتَرَجُّحِهَا بِالسَّبْقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ تَرْتِيبٍ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلِلْفَائِتَةِ لَوْ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا) وَأَمَّا إذَا خَافَ ذَهَابَ وَقْتِ الْحَاضِرَةِ فَإِنَّهُ يَجْزِيهِ عَنْهَا حَتَّى يَكُونَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْفَائِتَةِ كَمَا فِي الْأَجْنَاسِ بِيرِيّ. هَذَا، وَقَالَ ح بَعْدَ قَوْلِهِ لَوْ الْوَقْتُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 فَلِلْفَرْضِ، وَلَوْ نَافِلَتَيْنِ كَسُنَّةِ فَجْرٍ وَتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ فَعَنْهُمَا،   [رد المحتار] مُتَّسِعًا أَيْ وَكَانَ بَيْنَهُمَا تَرْتِيبٌ إذْ لَوْ كَانَ مُتَّسِعًا وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَرْتِيبٌ لَغَتْ نِيَّتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ اهـ وَأَقُولُ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ فِي الْبَحْرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَعَمْ صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بَحْثًا وَبَحَثَ فِي الْحِلْيَةِ خِلَافَهُ فَافْهَمْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ قَوْلِهِ فَلِلْفَائِتَةِ إلَخْ عَزَاهُ فِي الْفَتْحِ إلَى الْمُنْتَقَى، وَمِثْلُهُ فِي السِّرَاجِ، وَعَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْمُنْيَةِ وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ: وَأَفَادَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ. اهـ. أَقُولُ: وَكَذَا ذَكَرَ أَوَّلًا فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثُمَّ قَالَ وَفِي الْمُنْتَقَى يَصِيرُ شَارِعًا فِي الْأُولَى اهـ فَتَكُونُ رِوَايَةً. وَقَالَ الْإِمَامُ الْفَارِسِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْخَلَّاطِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: نَاوِي الْفَرْضَيْنِ مَعًا لَاغٍ فِي الصَّلَاةِ إلْحَاقًا لِلدَّفْعِ بِالرَّفْعِ فِي التَّنَافِي مُتَنَفِّلٌ فِي غَيْرِهَا إلَخْ: أَيْ نِيَّةُ الْفَرْضَيْنِ مَعًا إنْ كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ كَانَتْ لَغْوًا عِنْدَهُمَا، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ. وَصُورَتُهُ لَوْ كَبَّرَ يَنْوِي ظُهْرًا وَعَصْرًا عَلَيْهِ مِنْ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ عَالِمًا بِأَوَّلِهِمَا أَوَّلًا فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّنَافِي بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ رَفَعَهُ وَأَبْطَلَهُ أَصْلًا، حَتَّى لَوْ شَرَعَ فِي الظُّهْرِ يَنْوِي عَصْرًا عَلَيْهِ بَطَلَتْ الظُّهْرُ وَصَحَّ شُرُوعُهُ فِي الْعَصْرِ، فَإِذَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قُوَّةٌ رَفْعُ الْأُخْرَى بَعْدَ ثُبُوتِهَا يَكُونُ لَهَا قُوَّةُ دَفْعِهَا عَنْ الْمَحِلِّ قَبْلَ اسْتِقْرَارِهَا بِالْأُولَى لِأَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الدَّفْعِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ، وَكَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ عِنْدَهُ إمَّا بِالْحَاجَةِ إلَى التَّعْيِينِ وَإِمَّا بِالْقُوَّةِ وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الْأَمْرَيْنِ، ثُمَّ إطْلَاقُ الْفَرْضَيْنِ يَتَنَاوَلُ مَا وَجَبَ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمَكْتُوبَةِ، أَوْ بِإِيجَابِ الْعَبْدِ كَالْمَنْذُورِ أَدَاءً وَقَضَاءً، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ كَفَاسِدِ النَّفْلِ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالظُّهْرَيْنِ وَالْجِنَازَتَيْنِ وَالْمَنْذُورَتَيْنِ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ كَالظُّهْرِ مَعَ الْعَصْرِ أَوْ مَعَ النَّذْرِ أَوْ مَعَ الْجِنَازَةِ، وَقِيلَ إنَّ نَاوِيَ الْفَرْضَيْنِ فِي الصَّلَاةِ مُتَنَفِّلٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَتْ نِيَّةُ الْفَرْضَيْنِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ كَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْكَفَّارَةِ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً وَيَكُونُ مُتَنَفِّلًا إلَّا فِي كَفَّارَتَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ مُفْتَرِضًا اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ، فَعُلِمَ أَنَّ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَةِ الْمُنْتَقَى فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ أَصْلًا إذَا جَمَعَ فِي النِّيَّةِ بَيْنَ فَرْضَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا قَضَاءٌ أَوْ أَحَدُهُمَا أَدَاءٌ وَالْآخَرُ قَضَاءٌ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ أَوْ جِنَازَةٌ أَوْ مَنْذُورٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ، وَقِيلَ يَصِيرُ مُتَنَفِّلًا فَلَمْ تُعْتَبَرْ الْقُوَّةُ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ إلَّا فِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ فَرْضٍ وَتَطَوُّعٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُفْتَرِضًا عِنْدَهُمَا لِقُوَّتِهِ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ تَلْغُو فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِيهِمَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي صَوْمٍ أَوْ زَكَاةٍ أَوْ حَجٍّ نَذْرٌ مَعَ تَطَوُّعٍ يَكُونُ مُتَنَفِّلًا، بِخِلَافِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالتَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ مُفْتَرَضٌ اتِّفَاقًا كَمَا أَوْضَحَهُ الْفَارِسِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فَلِلْفَرْضِ) أَيْ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا عَلِمْته آنِفًا (قَوْلُهُ وَلَوْ نَافِلَتَيْنِ) قَدْ تُطْلَقُ النَّافِلَةُ عَلَى مَا يَشْمَلُ السُّنَّةَ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا (قَوْلُهُ فَعَنْهُمَا) ذَكَرَهُ فِي الْأَشْبَاهِ ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا نَوَى سُنَّتَيْنِ كَمَا إذَا نَوَى فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ صَوْمَهُ عَنْهُ وَعَنْ يَوْمِ عَرَفَةَ إذَا وَافَقَهُ فَإِنَّ مَسْأَلَةَ التَّحِيَّةِ إنَّمَا كَانَتْ ضِمْنًا لِلسُّنَّةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ اهـ أَيْ فَكَذَا الصَّوْمُ عَنْ الْيَوْمَيْنِ وَأَيَّدَهُ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ بِأَنَّهُ يَجْزِيهِ الصَّوْمُ فِي الْوَاجِبَيْنِ، فَفِي غَيْرِهِمَا أَوْلَى لِمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ رَجَبًا ثُمَّ صَامَ عَنْ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَحَدُهُمَا رَجَبٌ أَجْزَأَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا رَمَضَانَ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ جَمِيعِ عُمْرِهِ ثُمَّ وَجَبَ صَوْمُ شَهْرَيْنِ عَنْ ظِهَارٍ أَوْ أَوْجَبَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ قَضَى فِيهِ صَوْمَ رَمَضَانَ جَازَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْحَقَهُ شَيْءٌ اهـ لَكِنْ لَيْسَ فِي هَذَا جَمْعٌ بَيْنَ نِيَّتَيْنِ بَلْ هُوَ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ أَجْزَأَتْ عَنْ صَوْمَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا تَتَأَتَّى فِيهَا. وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ فِيمَا لَوْ نَوَى سُنَّةَ الْعِشَاءِ وَالتَّهَجُّدِ بِنَاءً عَلَى مَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْهُمَامِ مِنْ أَنَّ التَّهَجُّدَ فِي حَقِّنَا سُنَّةٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 وَلَوْ نَافِلَةً وَجِنَازَةً فَنَافِلَةٌ، وَلَا تَبْطُلُ بِنِيَّةِ التَّطَلُّعِ مَا لَمْ يُكَبِّرْ بِنِيَّةٍ مُغَايِرَةٍ، وَلَوْ نَوَى فِي صَلَاتِهِ الصَّوْمَ صَحَّ. بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ شُرُوعٌ فِي الْمَشْرُوطِ بَعْدَ بَيَانِ الشَّرْطِ: هِيَ لُغَةً: مَصْدَرٌ. وَعُرْفًا: كَيْفِيَّةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى فَرْضٍ وَوَاجِبٍ وَسُنَّةٍ وَمَنْدُوبٍ   [رد المحتار] لَا مُسْتَحَبٌّ (قَوْلُهُ فَنَافِلَةٌ) لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُطْلَقَةٌ وَتِلْكَ دُعَاءٌ (قَوْلُهُ وَلَا تَبْطُلُ بِنِيَّةِ الْقَطْعِ) وَكَذَا بِنِيَّةِ الِانْتِقَالِ إلَى غَيْرِهَا ط (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُكَبِّرْ بِنِيَّةٍ مُغَايِرَةٍ) بِأَنْ يُكَبِّرَ نَاوِيًا النَّفَلَ بَعْدَ شُرُوعِ الْفَرْضِ وَعَكْسَهُ، أَوْ الْفَائِتَةَ بَعْدَ الْوَقْتِيَّةِ وَعَكْسَهُ، أَوْ الِاقْتِدَاءَ بَعْدَ الِانْفِرَادِ وَعَكْسَهُ. وَأَمَّا إذَا كَبَّرَ بِنِيَّةِ مُوَافَقَةٍ كَأَنْ نَوَى الظُّهْرَ بَعْدَ رَكْعَةِ الظُّهْرِ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ بِالنِّيَّةِ فَإِنَّ النِّيَّةَ الْأُولَى لَا تَبْطُلُ وَيَبْنِي عَلَيْهَا. وَلَوْ بَنَى عَلَى الثَّانِيَةِ فَسَدَتْ الصَّلَاةُ ط (قَوْلُهُ الصَّوْمَ) وَنَحْوُهُ الِاعْتِكَافُ وَلَكِنْ الْأَوْلَى عَدَمُ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِ مَا هُوَ فِيهِ ط، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ] (قَوْلُهُ شُرُوعٌ فِي الْمَشْرُوطِ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّفَةِ الْأَوْصَافُ النَّفْسِيَّةُ لِلصَّلَاةِ وَهِيَ الْأَجْزَاءُ الْعَقْلِيَّةُ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْهُوِيَّةِ مِنْ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَشْرُوطُ؛ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْأَوْلَى خِلَافُهُ ط (قَوْلُهُ هِيَ لُغَةً مَصْدَرٌ) يُقَالُ: وَصَفَ الشَّيْءَ وَصْفًا وَصِفَةً نَعَتَهُ، وَالصِّفَةُ كَالْعَلَمِ وَالسَّوَادِ قَامُوسٌ. وَفِي تَعْرِيفَاتِ السَّيِّدِ: الْوَصْفُ عِبَارَةٌ عَمَّا دَلَّ عَلَى الذَّاتِ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ جَوْهَرِ حُرُوفِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ بِصِيغَتِهِ كَأَحْمَرَ، فَإِنَّهُ بِجَوْهَرِ حُرُوفِهِ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى مَقْصُودٍ وَهُوَ الْحُمْرَةُ، فَالْوَصْفُ وَالصِّفَةُ مَصْدَرَانِ كَالْوَعْدِ وَالْعِدَةِ. وَالْمُتَكَلِّمُونَ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فَقَالُوا، الْوَصْفُ يَقُومُ بِالْوَاصِفِ، وَالصِّفَةُ تَقُومُ بِالْمَوْصُوفِ اهـ لَكِنَّ كَلَامَ الْقَامُوسِ يَدُلُّ عَلَى إطْلَاقِ الصُّفَّةِ عَلَى مَا قَامَ بِالْمَوْصُوفِ لُغَةً أَيْضًا، فَالصِّفَةُ تَكُونُ مَصْدَرًا وَاسْمًا وَالْوَصْفُ مَصْدَرٌ فَقَطْ. قَالَ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ. وَلَا يُنْكَرُ أَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ الْوَصْفُ وَيُرَادُ الصِّفَةُ، وَبِهَذَا لَا يَلْزَمُ الِاتِّحَادُ لُغَةً إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْوَصْفَ مَصْدَرٌ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَصْفَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ اسْمًا بِمَعْنَى الصِّفَةِ مَجَازًا لَا لُغَةً فَلَا يَلْزَمُ اتِّحَادُهُمَا، خِلَافًا لِمَا قِيلَ إنَّهُمَا فِي اللُّغَةِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ وَعُرْفًا كَيْفِيَّةٌ إلَخْ) مَبْنِيٌّ عَلَى عُرْفِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الصِّفَةَ تَكُونُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرًا وَاسْمًا وَهَذَا تَعْرِيفٌ لِصِفَةِ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ خَاصَّةً لَا لِمُطْلَقِ الصِّفَةِ. قَالَ ح: فَيَكُونُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ صِفَةُ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ، فَبَعْضُ الْأَجْزَاءِ صِفَتُهُ الْفَرْضِيَّةُ كَالْقِيَامِ، وَبَعْضُهَا الْوُجُوبُ كَالتَّشَهُّدِ، وَبَعْضُهَا السُّنِّيَّةُ كَالثَّنَاءِ، وَبَعْضُهَا النَّدْبُ كَنَظَرِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ فِي الْقِيَامِ، وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا الْمُضَافَ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ بَيَانِ صِفَةِ الْأَجْزَاءِ لَا صِفَةِ نَفْسِ الصَّلَاةِ اهـ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّفَةِ هُنَا الْأَوْصَافُ النَّفْسِيَّةُ لَهَا وَهِيَ الْأَجْزَاءُ الْعَقْلِيَّةُ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْهُوِيَّةِ الْخَارِجِيَّةِ مِنْ الْقِيَامِ الْجُزْئِيِّ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَذَا فِي النَّهْرِ. قَالَ ط: وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنَ وَالْمَنْدُوبَاتِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْوَاجِبَاتِ وَغَيْرَهَا مِمَّا يُطْلَبُ مِنْ الْمُصَلِّي فِعْلُهُ أَجْزَاءُ الصَّلَاةِ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَجْزَاءِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهَا، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ الصِّفَةَ مَا قَامَ بِالْمَوْصُوفِ وَالْأَجْزَاءُ هِيَ الَّتِي قَامَتْ بِهَا صِفَةُ الْفَرْضِيَّةِ وَالْوُجُوبِ وَنَحْوِهِمَا فَلَيْسَتْ هِيَ الصِّفَةَ بَلْ الْمَوْصُوفُ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَذِهِ الْأَجْزَاءَ هِيَ أَوْصَافُ الْمُصَلِّي وَتُنْسَبُ إلَى الصَّلَاةِ لِكَوْنِهَا أَجْزَاءَ الْهُوِيَّةِ الْخَارِجِيَّةِ الَّتِي صَارَتْ بِهَا الصَّلَاةُ فِي الْخَارِجِ هِيَ هِيَ، وَعَلَيْهِ فَالْإِضَافَةُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ بَيَانِيَّةٌ، أَوْ الْمُرَادُ بِالصِّفَةِ الْجُزْءُ مَجَازًا لِقِيَامِهِ بِالْكُلِّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ إنَّ الْإِضَافَةَ فِيهِ مِنْ إضَافَةِ الْجُزْءِ إلَى الْكُلِّ لِأَنَّ كُلَّ صِفَةٍ مِمَّا يَأْتِي جَزْءُ الصَّلَاةِ إلَخْ فَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْبَابِ بَيَانُ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 (مِنْ فَرَائِضُهَا) الَّتِي لَا تَصِحُّ بِدُونِهَا (التَّحْرِيمَةُ) قَائِمًا (وَهِيَ شَرْطٌ) فِي غَيْرِ جِنَازَةٍ عَلَى الْقَادِرِ بِهِ يُفْتَى، فَيَجُوزُ بِنَاءُ النَّفْلِ عَلَى النَّفْلِ وَعَلَى الْفَرْضِ وَإِنْ كُرِهَ لَا فَرْضٌ عَلَى فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ عَلَى الظَّاهِرِ وَلِاتِّصَالِهَا بِالْأَرْكَانِ رُوعِيَ لَهَا الشُّرُوطُ   [رد المحتار] الْمُتَنَوِّعَةِ إلَى فَرْضٍ وَوَاجِبٍ وَسُنَّةٍ لَا بَيَانُ نَفْسِ الْفَرْضِيَّةِ وَالْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ الَّتِي هِيَ صِفَاتُ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ إذْ بَيَانُهَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ لَا الْفُرُوعِ تَأَمَّلْ. [فَرَائِض الصَّلَاة] [مَطْلَبٌ قَدْ يُطْلَقُ الْفَرْضُ عَلَى مَا يُقَابِلُ الرُّكْنَ وَعَلَى مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ] (قَوْلُهُ مِنْ فَرَائِضِهَا) جَمْعُ فَرِيضَةٍ أَعَمُّ مِنْ الرُّكْنِ الدَّاخِلِ الْمَاهِيَّةِ وَالشَّرْطِ الْخَارِجِ عَنْهَا، فَيَصْدُقُ عَلَى التَّحْرِيمَةِ وَالْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَالْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَكَثِيرًا مَا يُطْلِقُونَ الْفَرْضَ عَلَى مَا يُقَابِلُ الرُّكْنَ كَالتَّحْرِيمَةِ وَالْقَعْدَةِ، وَقَدَّمْنَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ الْفَرْضُ عَلَى مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ كَتَرْتِيبِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقَعْدَةِ، وَأَشَارَ بِمِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ إلَى أَنَّ لَهَا فَرَائِضَ أُخَرَ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الشَّارِحِ وَبَقِيَ مِنْ الْفُرُوضِ إلَخْ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ الَّتِي لَا تَصِحُّ بِدُونِهَا) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ إذْ لَا شَيْءَ مِنْ الْفُرُوضِ مَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ بِلَا عُذْرٍ (قَوْلُهُ التَّحْرِيمَةُ) الْمُرَادُ بِهَا جُمْلَةُ ذِكْرٍ خَالِصٍ. مِثْلُ: اللَّهُ أَكْبَرُ. كَمَا سَيَأْتِي مَعَ بَيَانِ شُرُوطِهَا الْعِشْرِينَ نَظْمًا. وَالتَّحْرِيمُ جَعْلُ الشَّيْءِ مُحَرَّمًا، سُمِّيَتْ بِهَا لِتَحْرِيمِهَا الْأَشْيَاءَ الْمُبَاحَةَ قَبْلَ الشُّرُوعِ بِخِلَافِ سَائِرِ التَّكْبِيرَاتِ وَالتَّاءُ فِيهَا لِلْمُبَالَغَةِ قُهُسْتَانِيٌّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ بُرْجُنْدِيٌّ، وَقِيلَ لِلْوَحْدَةِ، وَقِيلَ لِلنَّقْلِ مِنْ الْوَصْفِيَّةِ إلَى الِاسْمِيَّةِ (قَوْلُهُ قَائِمًا) هُوَ أَحَدُ شُرُوطِهَا الْعِشْرِينَ الْآتِيَةِ، وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَهُوَ شَرْطٌ) وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا مَعَ الشُّرُوطِ الْمَارَّةِ لِاتِّصَالِهَا بِهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَابِ لِلدَّارِ أَفَادَهُ فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ جِنَازَةٍ) أَمَّا فِيهَا فَهِيَ رُكْنٌ اتِّفَاقًا كَبَقِيَّةِ تَكْبِيرَاتِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ ح. (قَوْلُهُ عَلَى الْقَادِرِ) مُتَعَلِّقٌ بِشَرْطٍ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْفَرْضِ: أَيْ وَهِيَ شَرْطٌ مُفْتَرَضٌ عَلَيْهِ ح. أَمَّا الْأُمِّيُّ وَالْأَخْرَسُ لَوْ افْتَتَحَا بِالنِّيَّةِ جَازَ لِأَنَّهُمَا أَتَيَا بِأَقْصَى مَا فِي وُسْعِهِمَا بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْحُكْمِ عَلَيْهَا بِالشَّرْطِيَّةِ، وَهُوَ مَضْمُونُ النِّسْبَةِ الْإِيقَاعِيَّةِ فِي قَوْلِهِ وَهِيَ شَرْطٌ (قَوْلُهُ فَيَجُوزُ بِنَاءُ النَّفْلِ عَلَى النَّفْلِ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِ التَّحْرِيمَةِ شَرْطًا، لَكِنَّ كَوْنَهَا شَرْطًا يَقْتَضِي صِحَّةَ بِنَاءِ أَيِّ صَلَاةٍ عَلَى تَحْرِيمَةِ أَيِّ صَلَاةٍ، كَمَا يَجُوزُ بِنَاءُ أَيِّ صَلَاةٍ عَلَى طَهَارَةِ أَيِّ صَلَاةٍ، وَكَذَا بَقِيَّةُ الشُّرُوطِ، لَكِنْ مَنَعْنَا بِنَاءَ الْفَرْضِ عَلَى غَيْرِهِ، لَا لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ رُكْنٌ، بَلْ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي الْفَرْضِ تَعْيِينُهُ وَتَمْيِيزُهُ عَنْ غَيْرِهِ بِأَخَصِّ أَوْصَافِهِ وَجَمِيعِ أَفْعَالِهِ وَأَنْ يَكُونَ عِبَادَةً عَلَى حِدَةٍ، وَلَوْ بُنِيَ عَلَى غَيْرِهِ لَكَانَ مَعَ ذَلِكَ الْغَيْرِ عِبَادَةً وَاحِدَةً كَمَا فِي بِنَاءِ النَّفْلِ عَلَى النَّفْلِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَإِنَّهُ يَكُونُ صَلَاةً وَاحِدَةً بِدَلِيلِ أَنَّ الْقُعُودَ لَا يُفْتَرَضُ إلَّا فِي آخِرِهَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَوْلُهُمْ إنَّ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ النَّفْلِ صَلَاةٌ لَا يُعَارِضُهُ لِأَنَّهُ فِي أَحْكَامٍ دُونَ أُخْرَى اهـ ح (قَوْلُهُ وَعَلَى الْفَرْضِ) لِأَنَّ الْفَرْضَ أَقْوَى فَيَسْتَتْبِعُ النَّفَلَ لِضَعْفِهِ ط (قَوْلُهُ وَإِنْ كُرِهَ) يَعْنِي أَنَّهُ مَعَ صِحَّتِهِ مَكْرُوهٌ لِأَنَّ فِيهِ تَأْخِيرَ السَّلَامِ وَعَدَمَ كَوْنِ النَّفَل بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ ح وَهَذَا فِي الْعَمْدِ، إذْ لَوْ سَهَا بَعْدَ قَعْدَةِ الْفَرْضِ فَزَادَ خَامِسَةً يَضُمُّ سَادِسَةً بِلَا كَرَاهِيَةٍ (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِصَدْرِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ قَالَ بِالْجَوَازِ فِيهِمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ بَعْدَ عَزْوِهِ الْجَوَازَ فِي بِنَاءِ الْفَرْضِ عَلَى مِثْلِهِ إلَى صَدْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ بِنَاءَ الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ لَمْ نَجِدْ فِيهِ رِوَايَةً، ثُمَّ قَالَ: وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ حَتَّى عَلَى قَوْلِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ جَوَّزَ بِنَاءَ الْمِثْلِ، فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْأَقْوَى عَلَى الْأَدْنَى وَلِأَنَّ الشَّيْءَ يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ لَا مَا هُوَ أَقْوَى إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ، وَتَبِعَهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَالْعِنَايَةِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ قَوْلِ النَّهْرِ. وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ بِنَاءِ النَّفْلِ عَلَى النَّفْلِ وَالْفَرْضِ عَلَيْهِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ وَلِاتِّصَالِهَا إلَخْ) عِلَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَعْلُولِ، وَهُوَ قَوْلُهُ رَوْعِي لَهَا الشُّرُوطُ. وَهَذَا حَاصِلُ عِبَارَةِ الْبُرْهَانِ الْآتِيَةِ، وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 وَقَدْ مَنَعَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَلَئِنْ سَلَّمَ، نَعَمْ فِي التَّلْوِيحِ تَقْدِيمُ الْمَنْعِ عَلَى التَّسْلِيمِ أَوْلَى، لَكِنْ نَقُولُ الِاحْتِيَاطُ   [رد المحتار] سُؤَالٍ مُقَدَّرِ، وَهُوَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ شَرْطًا فَلِمَ رُوعِيَ لَهَا الشُّرُوطُ وَالشُّرُوطُ تُرَاعَى لِلْأَرْكَانِ. وَالْجَوَابُ إنَّمَا رُوعِيَتْ الشُّرُوطُ لَهَا مِنْ الطَّهَارَةِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَنَحْوِهِمَا لَا لِكَوْنِهَا رُكْنًا لِلصَّلَاةِ بَلْ لِاتِّصَالِهَا بِالْقِيَامِ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَقَدْ مَنَعَهُ الزَّيْلَعِيُّ) أَيْ مَنَعَ مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ رُوعِيَ لَهَا الشُّرُوطُ حَيْثُ قَالَ فِي الرَّدِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ الْقَائِلِ بِرُكْنِيَّةِ التَّحْرِيمَةِ، وَقَوْلُهُ يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ فَأَلْقَاهَا عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا أَوْ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ فَسَتْرُهَا عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ التَّكْبِيرِ بِعَمَلٍ يَسِيرٍ أَوْ شَرَعَ فِي التَّكْبِيرِ قَبْلَ ظُهُورِ الزَّوَالِ مَثَلًا ثُمَّ ظَهَرَ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا أَوْ مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ فَاسْتَقْبَلَهَا عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا جَازَ، وَلَئِنْ سُلِّمَ فَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ لِمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الْأَدَاءِ، لَا لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ مِنْ الصَّلَاةِ اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْقَوْلِ بِمُرَاعَاةِ الشُّرُوطِ لَهَا بِقَوْلِهِ وَلَئِنْ سُلِّمَ إلَخْ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّلِ مَعَ الْخَصْمِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ فَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ لِمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الْأَدَاءِ إلَخْ صَرِيحٌ فِي لُزُومِ مُرَاعَاةِ الشُّرُوطِ وَقْتهَا لَا لَهَا بَلْ لِاتِّصَالِهَا بِالْقِيَامِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ اتِّفَاقًا وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُك لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَرَكَةَ تَجْتَمِعُ مَعَ السُّكُونِ، وَلَئِنْ سُلِّمَ يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ، فَقَوْلُك وَلَئِنْ سُلِّمَ كَلَامٌ فَرَضِيَ بِهِ مَا بَعْدَهُ، فَعُلِمَ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ أَرَادَ بِهَذَا الْكَلَامِ لُزُومَ مُرَاعَاةِ الشُّرُوطِ وَقْتَ التَّحْرِيمَةِ لِاتِّصَالِهَا بِالْقِيَامِ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الصَّلَاةِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَحْرَمَ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ فَأَلْقَاهَا عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ التَّحْرِيمَةِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِاتِّصَالِ النَّجَاسَةِ بِجُزْءٍ مِنْ الْقِيَامِ، وَكَذَا بَقِيَّةُ الْمَسَائِلِ الْمَارَّةِ فِي عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيُّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ تَفْرِيعُهُ عَلَى فَرْضِ التَّسْلِيمِ الْمَذْكُورِ، فَثَبَتَ أَنَّ مَا مَنَعَهُ أَوَّلًا رَجَعَ إلَيْهِ ثَانِيًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ نَعَمْ) تَصْدِيقٌ لِمَا فَعَلَهُ الزَّيْلَعِيَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْمَنْعِ عَلَى التَّسْلِيمِ جَرَيَا عَلَى قَوَاعِدِ عُلَمَاءِ الْمُنَاظَرَةِ، وَقَوْلُهُ فِي التَّلْوِيحِ إلَخْ تَأْيِيدٌ لَهُ، وَقَصَدَ بِذَلِكَ الرَّدّ عَلَى مَنْ قَدَّمَ التَّسْلِيمَ عَلَى الْمَنْعِ عَكْسَ مَا فَعَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْبَحْرِ، فَرَاجِعْهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَكِنْ نَقُولُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْمَنْعِ وَتَأْيِيدٌ لِمَا رَجَعَ إلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ الِاحْتِيَاطُ، وَقَوْلُهُ وَعِبَارَةُ الْبُرْهَانِ إلَخْ تَقْوِيَةٌ لِلِاسْتِدْرَاكِ لِأَنَّ قَوْلَ الْبُرْهَانِ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ لَهَا إلَخْ صَرِيحٌ فِي مُرَاعَاةِ الشُّرُوطِ لَهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُكْنًا لِاتِّصَالِهَا بِالْقِيَامِ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الصَّلَاةِ. وَقَالَ الشَّارِحُ فِي خَزَائِنِ الْأَسْرَارِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَشُرُوحِ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهَا صَرِيحٌ فِي اشْتِرَاطِ وُجُودِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ حِينَ التَّحْرِيمَةِ لِكَوْنِهَا رُكْنًا بَلْ لِاتِّصَالِهَا بِالْأَرْكَانِ، وَقَدْ مَنَعَ الزَّيْلَعِيُّ الِاشْتِرَاطَ أَوَّلًا إلَخْ. بَحْثُ الْقِيَامِ وَحَاصِلُ كَلَامِ الشَّارِحِ اخْتِيَارُ مُرَاعَاةِ الشُّرُوطِ وَقْتَ التَّحْرِيمَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُكْنًا لِقَوْلِهِمْ فِي الْجَوَابِ عَنْ اسْتِدْلَالِ الشَّافِعِيِّ عَلَى رُكْنِيَّتِهَا بِمُرَاعَاةِ الشُّرُوطِ لَهَا إنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لَمْ تُرَاعَ لِأَجْلِهَا بَلْ لَمَّا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ الْقِيَامِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُمْ سَلَّمُوا لُزُومَ الْمُرَاعَاةِ وَقْتَهَا، لَكِنْ مَنَعُوا أَنْ تَكُونَ الْمُرَاعَاةُ لِأَجْلِهَا، وَعَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ لَوْ شَرَعَ بِالتَّحْرِيمَةِ حَامِلًا لِنَجَاسَةٍ فَأَلْقَاهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا، وَكَذَا فِي بَقِيَّةِ الْفُرُوعِ الْمَارَّةِ. وَأَقُولُ: هَذَا خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِينَ مِنْ تَصْرِيحِهِمْ بِصِحَّةِ الشُّرُوع فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ، حَتَّى إنَّ الْعَلَّامَةَ الْكَاكِيَّ صَرَّحَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِأَنَّ ثِمْرَةَ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي التَّحْرِيمَةِ تَظْهَرُ فِي جَوَازِ بِنَاءِ النَّفْلِ عَلَى الْفَرْضِ. وَتَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَا إذَا كَبَّرَ وَفِي يَدِهِ نَجَاسَةٌ فَأَلْقَاهَا عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا إلَى آخِرِ الْفُرُوعِ الْمَارَّةِ وَقَالَ. آخِرَهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا، وَنَحْوُهُ فِي السِّرَاجِ، لَكِنَّهُ جَعَلَ الْخِلَافَ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ وَمُحَمَّدٍ، وَلَعَلَّهُ رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْقَائِلَ بِرُكْنِيَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 خِلَافُهُ. وَعِبَارَةُ الْبُرْهَانِ: وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ لَهَا مَا اُشْتُرِطَ لِلصَّلَاةِ لَا بِاعْتِبَارِ رُكْنِيَّتِهَا، بَلْ بِاعْتِبَارِ اتِّصَالِهَا بِالْقِيَامِ الَّذِي هُوَ رُكْنُهَا. (وَمِنْهَا الْقِيَامُ) بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَيْهِ لَا يَنَالُ رُكْبَتَيْهِ وَمَفْرُوضَةٌ وَوَاجِبَةٌ وَمَسْنُونَةٌ وَمَنْدُوبَةٌ بِقَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ، فَلَوْ   [رد المحتار] التَّحْرِيمَةِ هُوَ الشَّافِعِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَعِبَارَةُ فَتْحِ الْقَدِيرِ هَكَذَا: قَوْلُهُ وَمُرَاعَاةُ الشَّرَائِطِ إلَخْ يَتَضَمَّنُ مَنْعَ قَوْلِهِ يُشْتَرَطُ لَهَا، فَيُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا بَلْ هُوَ لِمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ الْأَرْكَانِ لَا لِنَفْسِهَا، وَلِذَا قُلْنَا لَوْ تَحَرَّمَ حَامِلُ نَجَاسَةٍ أَوْ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ أَوْ قَبْلَ ظُهُورِ الزَّوَالِ أَوْ مُنْحَرِفًا فَأَلْقَاهَا وَاسْتَتَرَ بِعَمَلٍ يَسِيرٍ وَظَهَرَ الزَّوَالُ وَاسْتَقْبَلَ مَعَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ التَّحْرِيمَةِ جَازَ. وَذَكَر فِي الْكَافِي أَنَّهَا عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا رُكْنٌ اهـ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ، فَيَجِبُ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَنْ لَا تَصِحَّ هَذِهِ الْفُرُوعُ اهـ كَلَامُ الْفَتْحِ، فَانْظُرْ كَيْفَ فُهِمَ أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ تَسْلِيمُ صِحَّةِ هَذِهِ الْفُرُوعِ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَقْتَ التَّحْرِيمَةِ وَأَنَّ عَدَمَ صِحَّتِهَا إنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَوْلِ بِرُكْنِيَّتِهَا وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ مِنْ كَلَامِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَزَائِنِ، وَكَذَا كَلَامُ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ هَذِهِ الْفُرُوعِ، فَحَيْثُ كَانَ هَذَا هُوَ الْمَنْقُولَ فَلَيْسَ لَنَا عَنْهُ عُدُولٌ، وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى قَوْلِهِمْ فِي الْجَوَابِ إنَّ مُرَاعَاةَ الشُّرُوطِ لَيْسَتْ لَهَا بَلْ لِمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ الْقِيَامِ أَنَّ شُرُوطَ الصَّلَاةِ مِنْ الطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا لَا تَجِبُ لِلتَّحْرِيمَةِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا تَجِبُ لِلْقِيَامِ الْمُتَّصِلِ بِهَا أَيْ الْمُتَّصِلِ بِآخِرِهَا عِنْدَ انْتِهَاءِ التَّلَفُّظِ بِهَا لَا لِلْقِيَامِ الْمُتَّصِلِ بِابْتِدَائِهَا إلَى انْتِهَائِهَا حَتَّى يَلْزَمَ مُرَاعَاةُ الشُّرُوطِ لَهَا فِي ضِمْنِ الْقِيَامِ الْمَذْكُورِ كَمَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ مِنْ قَوْلِ الْبُرْهَانِ: وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ لَهَا، فَإِنَّ قَوْلَهُ لَهَا يُفِيدُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الْفُرُوعِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَنَا، أَوْ يُقَالُ: مَعْنَاهُ أَنَّ الشُّرُوطَ الَّتِي يُرَاعِيهَا الْمُصَلِّي وَقْتَ التَّحْرِيمَةِ لَيْسَتْ لَهَا، بَلْ لِمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ الْأَرْكَانِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ مِنْ حَالِ الْمُصَلِّي مُرَاعَاةُ الشُّرُوطِ وَقْتَهَا صَارَ مَنْشَأً لِتَوَهُّمِ أَنَّ ذَلِكَ لِلتَّحْرِيمَةِ فَبَيَّنُوا أَوَّلًا أَنَّ ذَلِكَ لِلْقِيَامِ الْمُتَّصِلِ بِهَا ثُمَّ حَقَّقُوا ذَلِكَ بِأَنْ ذَكَرُوا صُوَرًا يُمْكِنُ فِيهَا عَدَمُ اقْتِرَانِ التَّحْرِيمَةِ بِالشُّرُوطِ. وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ: وَمُرَاعَاةُ الشَّرَائِطِ لِمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ الْقِيَامِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَالدَّلِيلُ أَنَّ مَنْ وَقَعَ فِي الْبَحْرِ وَلَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَى أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ فَكَبَّرَ وَغُمِسَ فِي الْمَاءِ وَرُفِعَ وَصَلَّى بِالْإِيمَاءِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ حَالَ التَّكْبِيرِ غَيْرَ مُتَوَضِّئٍ اهـ فَهَذَا أَيْضًا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشُّرُوطَ إنَّمَا تَجِبُ مُرَاعَاتُهَا مَعَ الْفَرَاغِ مِنْهَا عِنْدَ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الْقِيَامِ الْمُتَّصِلِ بِآخِرِ التَّحْرِيمَةِ فَالشُّرُوطُ تُرَاعَى لَهُ فِي وَقْتِهِ لَا لَهَا تَبَعًا لَهُ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ الْمَارِّ عَلَى هَذَا أَيْضًا بِأَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: لِمَا يَتَّصِلُ مُتَعَلِّقًا. بِقَوْلِهِ: يُشْتَرَطُ صِلَةٌ لَهُ لَا عِلَّةٌ حَتَّى يَكُونَ الْمَعْنَى يُشْتَرَطُ فِي التَّحْرِيمَةِ لِأَجْلِ مَا يَتَّصِلُ إلَخْ، وَحِينَئِذٍ فَيَتَوَافَقُ كَلَامُهُمْ وَيَتَّضِحُ مَرَامَهُمْ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْمَقَامِ. وَالسَّلَامُ. (قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْقِيَامُ) يَشْمَلُ التَّامَّ مِنْهُ وَهُوَ الِانْتِصَابُ مَعَ الِاعْتِدَالِ وَغَيْرَ التَّامِّ وَهُوَ الِانْحِنَاءُ الْقَلِيلُ بِحَيْثُ لَا تَنَالُ يَدَاهُ رُكْبَتَيْهِ، وَقَوْلُهُ بِحَيْثُ إلَخْ صَادِقٌ بِالصُّورَتَيْنِ أَفَادَهُ ط. وَيُكْرَهُ الْقِيَامُ عَلَى أَحَدِ الْقَدَمَيْنِ فِي الصَّلَاةِ بِلَا عُذْرٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مِقْدَارُ أَرْبَعِ أَصَابِعِ الْيَدِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي نَصْرٍ الدَّبُوسِيِّ إنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ كَذَا فِي الْكُبْرَى. وَمَا رُوِيَ أَنَّهُمْ أَلْصَقُوا الْكِعَابَ بِالْكِعَابِ أُرِيدَ بِهَا الْجَمَاعَةُ أَيْ قَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بِجَانِبِ الْآخَرِ كَذَا فِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ، وَلَوْ قَامَ عَلَى أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ أَوْ عَقِبَيْهِ بِلَا عُذْرٍ يَجُوزُ، وَقِيلَ لَا، حُكِيَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْقُنْيَةِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ (قَوْلُهُ بِقَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ) ذَكَرَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بَحْثًا، لَكِنْ عَزَاهُ فِي الْخَزَائِنِ إلَى الْحَاوِي. وَحِينَئِذٍ فَهُوَ بِقَدْرِ آيَةٍ فَرْضٌ وَبِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ وَاجِبٌ وَبِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَأَوْسَاطِهِ وَقِصَارِهِ فِي مَحَالِّهَا مَسْنُونٌ وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فِي نَحْوِ تَهَجُّدٍ مَنْدُوبٍ، لَكِنْ فِي أَوَاخِرِ الْفَنِّ الثَّالِثِ مِنْ الْأَشْبَاهِ. قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي الصَّلَاةِ وَقَعَ فَرْضًا، وَلَوْ أَطَالَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فِيهَا وَقَعَ فَرْضًا اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ أَطَالَ الْقِيَامَ يَقَعُ فَرْضًا أَيْضًا، فَيُنَافِي هَذَا التَّقْدِيرَ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 كَبَّرَ قَائِمًا فَرَكَعَ وَلَمْ يَقِفْ صَحَّ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ الْقِيَامُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الرُّكُوعَ يَكْفِيهِ قُنْيَةٌ (فِي فَرْضٍ) وَمُلْحَقٍ بِهِ كَنَذْرٍ وَسُنَّةِ فَجْرٍ فِي الْأَصَحِّ (لِقَادِرٍ عَلَيْهِ) وَعَلَى السُّجُود، فَلَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ دُونَ السُّجُودِ نُدِبَ إيمَاؤُهُ قَاعِدًا، وَكَذَا مَنْ يَسِيلُ جُرْحُهُ لَوْ سَجَدَ. وَقَدْ يَتَحَتَّمُ الْقُعُودُ كَمَنْ يَسِيلُ جُرْحُهُ إذَا قَامَ أَوْ يَسْلَسُ بَوْلُهُ أَوْ يَبْدُو رُبْعُ عَوْرَتِهِ أَوْ يَضْعُفُ   [رد المحتار] قَبْلَ إيقَاعِهِ أَمَّا بَعْدَهُ فَالْكُلُّ فَرْضٌ، كَمَا أَنَّ الْقِرَاءَةَ قَبْلَ إيقَاعِهَا نُوِّعَتْ إلَى فَرْضٍ وَوَاجِبٍ وَسُنَّةٍ وَبَعْدَهُ يَكُونُ الْكُلُّ فَرْضًا. وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ ذَلِكَ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، فَإِذَا قَرَأَ أَكْثَرَ مِنْ آيَةٍ يُثَابُ ثَوَابَ الْفَرْضِ، وَإِذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ لَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ الزَّائِدِ عَلَى الْآيَةِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ فَرَكَعَ) أَيْ وَقَرَأَ فِي هُوِيِّهِ قَدْرَ الْفَرْضِ أَوْ كَانَ أَخْرَسَ أَوْ مُقْتَدِيًا أَوْ أَخَّرَ الْقِرَاءَةَ (قَوْلُهُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الرُّكُوعَ) أَيْ يَبْلُغَ أَقَلَّ الرُّكُوعِ بِحَيْثُ تَنَالُ يَدَاهُ رُكْبَتَيْهِ. وَعِبَارَتُهُ فِي الْخَزَائِنِ عَنْ الْقُنْيَةِ إلَى أَنْ يَصِيرَ أَقْرَبَ إلَى الرُّكُوعِ (قَوْلُهُ كَنَذْرٍ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ النَّذْرَ الْمُطْلَقَ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُعَيَّنْ فِيهِ الْقِيَامُ وَلَا الْقُعُودُ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ وَالثَّانِي التَّخْيِيرُ ط وَأَبْدَلَ النَّذْرَ فِي الْخَزَائِنِ بِالْوَاجِبِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ قَضَاءُ مَا أَفْسَدَهُ مِنْ النَّوَافِلِ فَهَلْ يُفْتَرَضُ فِيهِ الْقِيَامُ لِوُجُوبِهِ أَمْ لَا إلْحَاقًا لَهُ بِأَصْلِهِ؟ تَوَقَّفَ فِيهِ ط وَالرَّحْمَتِيُّ. (قَوْلُهُ وَسُنَّةُ فَجْرٍ فِي الْأَصَحِّ) أَمَّا عَنْ الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهَا فَمُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ. وَنُقِلَ فِي مَرَاقِي الْفَلَاحِ أَنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُهَا مِنْ قُعُودٍ ط. أَقُولُ: لَكِنْ فِي الْحِلْيَةِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ لَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ، قِيلَ لَا تَجُوزُ قِيَاسًا عَلَى سُنَّةِ الْفَجْرِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَسُنَّةُ الْفَجْرِ لَا تَجُوزُ قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بِإِجْمَاعِهِمْ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ فَكَذَا التَّرَاوِيحُ، وَقِيلَ يَجُوزُ وَالْقِيَاسُ عَلَى سُنَّةِ الْفَجْرِ غَيْرٍ تَامّ فَإِنَّ التَّرَاوِيحَ دُونَهَا فِي التَّأْكِيدِ فَلَا تَجُوزُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ. قَالَ قَاضِي خَانْ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. (قَوْلُهُ الْقَادِرُ عَلَيْهِ) فَلَوْ عَجَزَ عَنْهُ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ حُكْمًا كَمَا لَوْ حَصَلَ لَهُ بِهِ أَلَمٌ شَدِيدٌ أَوْ خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ وَكَالْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ فِي قَوْلِهِ وَقَدْ يَتَحَتَّمُ الْقُعُودُ إلَخْ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ، وَقَدْ يَسْقُطُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فِيمَا لَوْ عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ. وَيُزَادُ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى وَهِيَ الصَّلَاةُ فِي السَّفِينَةِ الْجَارِيَةِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِيهَا قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ عِنْدَ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ فَلَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقِيَامِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الرُّكُوعِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ نُدِبَ إيمَاؤُهُ قَاعِدًا) أَيْ لِقُرْبِهِ مِنْ السُّجُودِ، وَجَازَ إيمَاؤُهُ قَائِمًا كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَأَوْجَبَ الثَّانِيَ زَفَرُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لِأَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ فَلَا يُتْرَكُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. وَلَنَا أَنَّ الْقِيَامَ وَسِيلَةٌ إلَى السُّجُودِ لِلْخَرُورِ، وَالسُّجُودُ أَصْلٌ لِأَنَّهُ شُرِعَ عِبَادَةً بِلَا قِيَامٍ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالْقِيَامُ لَمْ يُشْرَعْ عِبَادَةً وَحْدَهُ، حَتَّى لَوْ سَجَدَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى يَكْفُرُ بِخِلَافِ الْقِيَامِ. وَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْأَصْلِ سَقَطَتْ الْوَسِيلَةُ كَالْوُضُوءِ مَعَ الصَّلَاةِ وَالسَّعْيِ مَعَ الْجُمُعَةِ، وَمَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الْهُمَامِ أَجَابَ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قِيلَ إنَّ الْإِيمَاءَ أَفْضَلُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ لَكَانَ مُوَجَّهًا وَلَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ. (قَوْلُهُ وَكَذَا) أَيْ يُنْدَبُ إيمَاؤُهُ قَاعِدًا مَعَ جَوَازِ إيمَائِهِ قَائِمًا لِعَجْزِهِ عَنْ السُّجُودِ حُكْمًا لِأَنَّهُ لَوْ سَجَدَ لَزِمَ فَوَاتُ الطَّهَارَةِ بِلَا خُلْفٍ، وَلَوْ أَوْمَأَ كَانَ الْإِيمَاءُ خَلَفًا عَنْ السُّجُودِ. (قَوْلُهُ وَقَدْ يَتَحَتَّمُ الْقُعُودُ إلَخْ) أَيْ يَلْزَمُهُ الْإِيمَاءُ قَاعِدًا لِخَلْفِيَّتِهِ عَنْ الْقِيَامِ الَّذِي عَجَزَ عَنْهُ حُكْمًا إذْ لَوْ قَامَ لَزِمَ فَوْتُ الطَّهَارَةِ أَوْ السَّتْرِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَوْ الصَّوْمِ بِلَا خُلْفٍ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِيمَاءِ قَاعِدًا كَمَا كَانَ بِحَالٍ لَوْ صَلَّى قَاعِدًا يَسِيلُ بَوْلُهُ أَوْ جُرْحُهُ، وَلَوْ صَلَّى مُسْتَلْقِيًا لَا يَسِيلُ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِنَّهُ يُصَلِّي قَائِمًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُنْيَةِ. قَالَ شَارِحُهَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِالِاسْتِلْقَاءِ لَا تَجُوزُ بِلَا عُذْرٍ كَالصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ فَيَتَرَجَّحُ مَا فِيهِ الْإِتْيَانُ بِالْأَرْكَانِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُصَلِّي مُضْطَجِعًا وَلَا إعَادَةَ فِي شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ إجْمَاعًا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِسَلَسٍ) مِنْ بَابِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 عَنْ الْقِرَاءَةِ أَصْلًا أَوْ عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ، وَلَوْ أَضْعَفَهُ عَنْ الْقِيَامِ الْخُرُوجُ لِجَمَاعَةٍ صَلَّى فِي بَيْتِهِ قَائِمًا بِهِ يُفْتَى خِلَافًا لِلْأَشْبَاهِ (وَمِنْهَا الْقِرَاءَةُ) لِقَادِرٍ عَلَيْهَا كَمَا سَيَجِيءُ وَهُوَ رُكْنٌ زَائِدٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ لِسُقُوطِهِ بِالِاقْتِدَاءِ بِلَا خُلْفٍ (وَمِنْهَا   [رد المحتار] تَعِبَ ط. (قَوْلُهُ أَصْلًا) أَمَّا لَوْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْقِرَاءَةِ إذَا قَامَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْرَأَ مِقْدَارَ قُدْرَتِهِ وَالْبَاقِي قَاعِدًا شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ الْخُرُوجُ لِجَمَاعَةٍ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَتَيَسَّرْ لَهُ الْجَمَاعَةُ فِي بَيْتِهِ، أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ ط (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) وَجْهُهُ أَنَّ الْقِيَامَ فَرْضٌ بِخِلَافِ الْجَمَاعَةِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، خِلَافًا لِأَحْمَدَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ فَرْضٌ عِنْدَهُ، وَقِيلَ يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ قَاعِدًا عِنْدَنَا لِأَنَّهُ عَاجِزٌ إذْ ذَاكَ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَصَحَّحَهُ الزَّاهِدِيُّ شَرْحُ الْمُنْيَةِ، وَثُمَّ قَالَ ثَالِثٌ مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُنْيَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَشْرَعُ مَعَ الْإِمَامِ قَائِمًا ثُمَّ يَقْعُدُ فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ الرُّكُوعِ يَقُومُ وَيَرْكَعُ أَيْ إنْ قَدَرَ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلنَّهْرِ جَعَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ أَصَحَّ وَبِهِ يُفْتَى. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَلَعَلَّهُ أَشْبَهُ لِأَنَّ الْقِيَامَ فَرْضٌ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لِلْجَمَاعَةِ الَّتِي هِيَ سُنَّةٌ بَلْ يُعَدُّ هَذَا عُذْرًا فِي تَرْكِهَا اهـ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ. مَبْحَثُ الْقِرَاءَةِ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْقِرَاءَةُ) أَيْ قِرَاءَةُ آيَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ، وَهِيَ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ وَفِي رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ. وَأَمَّا تَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَقِيلَ سُنَّةٌ لَا فَرْضٌ كَمَا سَنُحَقِّقُهُ فِي الْوَاجِبَاتِ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ أَوْ ثَلَاثِ آيَاتٍ فَهِيَ وَاجِبَةٌ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي. [فَرْعٌ] قَدْ تُفْرَضُ الْقِرَاءَةُ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ الْفَرْضِ الرُّبَاعِيِّ كَمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ مَسْبُوقًا بِرَكْعَتَيْنِ وَأَشَارَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الِاسْتِخْلَافِ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي الْفَصْلِ الْآتِي مَعَ بَيَانِ حُكْمِ الْقِرَاءَةِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ أَوْ بِالشَّوَاذِّ أَوْ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ. مَبْحَثٌ الرُّكْنِ الْأَصْلِيِّ وَالرُّكْنِ الزَّائِدِ (قَوْلُهُ لِسُقُوطِهِ بِالِاقْتِدَاءِ بِلَا خُلْفٍ) فِي هَذَا التَّعْلِيلِ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الرُّكْنَ الزَّائِدَ هُوَ مَا يَسْقُطُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ ضَرُورَةٍ، وَالرُّكْنُ الْأَصْلِيُّ مَا لَا يَسْقُطُ إلَّا لِضَرُورَةٍ. وَأُورِدَ عَلَى تَسْمِيَةِ الرُّكْنِ زَائِدًا أَنَّ الرُّكْنَ مَا كَانَ دَاخِلَ الْمَاهِيَّةِ فَكَيْفَ يُوصَفُ بِالزِّيَادَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ حَيْثُ قِيَامُ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِهِ فِي حَالَةٍ وَانْتِفَاؤُهُ بِانْتِفَائِهِ، وَزَائِدٌ مِنْ حَيْثُ قِيَامُهُ بِدُونِهِ فِي حَالَةٍ أُخْرَى، فَالصَّلَاةُ مَاهِيَّةٌ اعْتِبَارِيَّةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَعْتَبِرَهَا الشَّارِعُ تَارَةً بِأَرْكَانٍ وَأُخْرَى بِأَقَلَّ مِنْهَا. وَأُورِدَ عَلَى تَفْسِيرِ الرُّكْنِ الزَّائِدِ بِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَسْمِيَةُ غَسْلِ الرِّجْلِ رُكْنًا زَائِدًا فِي الْوُضُوءِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الزَّائِدَ مَا إذَا سَقَطَ لَا يَخْلُفُهُ بَدَلٌ وَالْمَسْحُ بَدَلُ الْغَسْلِ وَمِثْلُهُ بَقِيَّةُ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ إلَى خَلَفٍ فَلَيْسَتْ بِزَوَائِدَ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ. وَأُورِدَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ خَلَفٌ عَنْ قِرَاءَةِ الْمُقْتَدِي، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» وَأَجَابَ ح بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَلَفِ: خَلَفٌ يَأْتِي بِهِ مَنْ فَاتَهُ الْأَصْلُ. وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ اهـ وَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّا فِي ط مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ الْخَلْفِيَّةَ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الشَّارِعَ مَنَعَهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَاكْتَفَى بِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ عَنْهُ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ سُقُوطَ الْقِرَاءَةِ بِلَا ضَرُورَةٍ لِيَلْزَمَ كَوْنُهَا زَائِدًا إذْ سُقُوطُهَا لِضَرُورَةِ الِاقْتِدَاءِ وَمِنْ هُنَا ادَّعَى ابْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ رُكْنٌ أَصْلِيٌّ. اهـ. أَقُولُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ ضَرُورَةٌ إذْ الضَّرُورَةُ الْعَجْزُ الْمُبِيحُ لِتَرْكِ أَدَاءِ الرُّكْنِ وَالْمُقْتَدِي قَادِرٌ عَلَى الْقِرَاءَةِ غَيْرَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْهَا شَرْعًا وَالْمَنْعُ لَا يُسَمَّى عَجْزًا إلَّا بِتَأْوِيلٍ. وَقَدْ خَالَفَ ابْنُ مَالِكٍ الْجَمَّ الْغَفِيرَ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ فَلَا تُعْتَبَرُ مُخَالَفَتُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 الرُّكُوعُ) بِحَيْثُ لَوْ مَدّ يَدَيْهِ نَالَ رُكْبَتَيْهِ (وَمِنْهَا السُّجُودُ) بِجَبْهَتِهِ وَقَدَمَيْهِ، وَوَضْعُ إصْبَعٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا شَرْطٌ، وَتَكْرَارُهُ تَعَبُّدٌ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ كَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ   [رد المحتار] بَحْثُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (قَوْلُهُ بِحَيْثُ لَوْ مَدّ يَدَيْهِ إلَخْ) كَذَا فِي السِّرَاجِ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: هُوَ طَأْطَأَةُ الرَّأْسِ أَيْ خَفْضُهُ، لَكِنْ مَعَ انْحِنَاءِ الظَّهْرِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ مَوْضُوعِ اللُّغَةِ، فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى {ارْكَعُوا} [الحج: 77] وَأَمَّا كَمَالُهُ فَبِانْحِنَاءِ الصُّلْبِ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرَّأْسُ بِالْعَجْزِ وَهُوَ حَدُّ الِاعْتِدَالِ فِيهِ اهـ لَكِنْ ضَعَّفَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ حَيْثُ قَالَ: الرُّكُوعُ يَتَحَقَّقُ بِمَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الِانْحِنَاءِ، وَقِيلَ إنْ كَانَ إلَى حَالِ الْقِيَامِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ إلَى حَالِ الرُّكُوعِ أَقْرَبَ جَازَ. اهـ. وَتَمَامُهُ فِي الْإِمْدَادِ وَمَا اخْتَارَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَرَّرَهُ عُلَمَاؤُنَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ. وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْمُحِيطِ وَإِنْ طَأْطَأَ رَأْسَهُ فِي الرُّكُوعِ قَلِيلًا وَلَمْ يَعْتَدِلْ فَظَاهِرُ الْجَوَابِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ. وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ إنْ كَانَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبَ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الْفَتَّالِ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ: وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي قَاعِدًا يَنْبَغِي أَنْ يُحَاذِيَ جَبْهَتَهُ قُدَّامَ رُكْبَتَيْهِ لِيَحْصُلَ الرُّكُوعُ. اهـ. قُلْت: وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى تَمَامِ الرُّكُوعِ، وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمْت حُصُولَهُ بِأَصْلِ طَأْطَأَةِ الرَّأْسِ أَيْ مَعَ انْحِنَاءِ الظَّهْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا السُّجُودُ) هُوَ لُغَةً: الْخُضُوعُ قَامُوسٌ، وَفَسَّرَهُ فِي الْمُغْرِبِ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ فِي الْأَرْضِ. وَفِي الْبَحْرِ: حَقِيقَةُ السُّجُودِ وَضْعُ بَعْضِ الْوَجْهِ عَلَى الْأَرْضِ مِمَّا لَا سُخْرِيَةَ فِيهِ، فَدَخَلَ الْأَنْفُ وَخَرَجَ الْخَدُّ وَالذَّقَنُ، وَأَمَّا إذَا رَفَعَ قَدَمَيْهِ فِي السُّجُودِ فَإِنَّهُ مَعَ رَفْعِ الْقَدَمَيْنِ بِالتَّلَاعُبِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ اهـ وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ بِجَبْهَتِهِ) أَيْ حَيْثُ لَا عُذْرَ بِهَا. وَأَمَّا جَوَازُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَنْفِ فَشَرْطُهُ الْعُذْرُ عَلَى الرَّاجِحِ كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ ح: ثُمَّ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْجَبْهَةِ فَوَضَعَ جُزْءًا مِنْهَا وَإِنْ قَلَّ فَرْضٌ وَوَضَعَ أَكْثَرَهَا وَاجِبٌ (قَوْلُهُ وَقَدَمَيْهِ) يَجِبُ إسْقَاطُهُ لِأَنَّ وَضْعَ إصْبَعٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يَكْفِي كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ ح. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَضَعْ شَيْئًا مِنْ الْقَدَمَيْنِ لَمْ يَصِحَّ السُّجُودُ وَهُوَ مُقْتَضَى مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَحْرِ، وَفِيهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَتَكْرَارُهُ تَعَبُّدٌ) أَيْ تَكْرَارُ السُّجُودِ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ: أَيْ لَمْ يُعْقَلْ مَعْنَاهُ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ تَحْقِيقًا لِلِابْتِلَاءِ، وَقِيلَ ثَنَى تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ حَيْثُ لَمْ يَسْجُدْ مَرَّةً فَنَحْنُ نَسْجُدُ مَرَّتَيْنِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. مَطْلَبٌ هَلْ الْأَمْرُ التَّعَبُّدِيُّ أَفْضَلُ أَوْ الْمَعْقُولُ الْمَعْنَى؟ [فَائِدَةٌ] سُئِلَ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ فَتَاوَاهُ التُّمُرْتَاشِيَّةِ: هَلْ التَّعَبُّدِيُّ أَفْضَلُ أَوْ مَعْقُولُ الْمَعْنَى؟ أَجَابَ لَمْ أَقِف عَلَيْهِ لِعُلَمَائِنَا سِوَى قَوْلِهِمْ فِي الْأُصُولِ: الْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ التَّعْلِيلُ، فَإِنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَفْضَلِيَّةِ الْمَعْقُولِ، وَوَقَفْت عَلَى ذَلِكَ فِي فَتَاوَى ابْنِ حَجَرٍ. قَالَ: قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ التَّعَبُّدِيَّ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ بِمَحْضِ الِانْقِيَادِ، بِخِلَافِ مَا ظَهَرَتْ عِلَّتُهُ فَإِنَّ مُلَابِسَهُ قَدْ يَفْعَلُهُ لِتَحْصِيلِ فَائِدَتِهِ، وَخَالَفَهُ الْبُلْقِينِيُّ فَقَالَ: لَا شَكَّ أَنَّ مَعْقُولَ الْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ أَفْضَلُ لِأَنَّ أَكْثَرَ الشَّرِيعَةِ كَذَلِكَ، وَبِالنَّظَرِ لِلْجُزْئِيَّاتِ قَدْ يَكُونُ التَّعَبُّدِيُّ أَفْضَلَ كَالْوُضُوءِ وَغُسْلِ الْجَنَابَةِ فَإِنَّ الْوُضُوءَ أَفْضَلُ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَعْقُولُ أَفْضَلَ كَالطَّوَافِ وَالرَّمْيِ فَإِنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ. اهـ. وَفِي الْحِلْيَةِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى فَرَائِضِ الْوُضُوءِ: وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الْأُمُورَ التَّعَبُّدِيَّةَ هَلْ شُرِعَتْ لِحِكْمَةٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَخَفَتْ عَلَيْنَا أَوْ لَا؟ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُتَّجَهُ لِدَلَالَةِ اسْتِقْرَاءِ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كَوْنِهِ سُبْحَانَهُ جَالِبًا لِلْمَصَالِحِ دَارِئًا لِلْمَفَاسِدِ، فَمَا شَرَعَهُ إنْ ظَهَرَتْ حِكْمَتُهُ لَنَا قُلْنَا إنَّهُ مَعْقُولٌ وَإِلَّا قُلْنَا إنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (قَوْلُهُ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ) أَيْ وَبِالْإِجْمَاعِ بَحْرٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالسُّجُودِ فِي الْآيَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَكْرَارِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 (وَمِنْهَا الْقُعُودُ الْأَخِيرُ) وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ شَرْطٌ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْخُرُوجِ كَالتَّحْرِيمَةِ لِلشُّرُوعِ وَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ رُكْنٌ زَائِدٌ لِحِنْثِ مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي بِالرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ لَا يَكْفُرُ مُنْكَرُهُ (قَدْرَ) أَدْنَى قِرَاءَةِ (التَّشَهُّدِ) إلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ بِلَا شَرْطِ مُوَالَاةٍ وَعَدَمِ فَاصِلٍ؛ لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: صَلَّى أَرْبَعًا وَجَلَسَ لَحْظَةً فَظَنَّهَا ثَلَاثًا فَقَامَ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَجَلَسَ ثُمَّ تَكَلَّمَ، فَإِنَّ كِلَا الْجِلْسَتَيْنِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ صَحَّتْ وَإِلَّا لَا (وَمِنْهَا الْخُرُوجُ بِصُنْعِهِ)   [رد المحتار] (قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْقُعُودُ الْأَخِيرُ) عَبَّرَ بِالْأَخِيرِ دُونَ الثَّانِيَ لِيَشْمَلَ قَعْدَةَ الْفَجْرِ وَقَعْدَةَ الْمُسَافِرِ لِأَنَّهَا أَخِيرَةٌ وَلَيْسَتْ ثَانِيَةً كَذَا فِي الدِّرَايَةِ، وَالْمُرَادُ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ وَاقِعٌ آخِرَ الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَالْأَخِيرُ يَقْتَضِي سَبْقَ غَيْرِهِ. وَعَلَيْهِ لَوْ قَالَ آخِرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَ عَبْدًا لَمْ يَعْتِقْ فَلْيُتَأَمَّلْ إمْدَادٌ. بَحْثُ الْقُعُودِ الْأَخِيرِ (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ إلَخْ) اخْتَلَفَ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ رُكْنٌ أَصْلِيٌّ. وَفِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لَا فَرْضٌ، لَكِنَّ الْوَاجِبَ هُنَا فِي قُوَّةِ الْفَرْضِ فِي الْعَمَلِ كَالْوِتْرِ. وَفِي الْخِزَانَةِ أَنَّهَا فَرْضٌ وَلَيْسَتْ بِرُكْنٍ أَصْلِيٍّ بَلْ هِيَ شَرْطٌ لِلتَّحْلِيلِ وَجَزَمَ بِأَنَّهَا فَرْضٌ فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ. وَفِي الْيَنَابِيعِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ، وَأَشَارَ إلَى الْفَرْضِيَّةِ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ فِي مَنَاسِكِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلِذَلِكَ مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي يَحْنَثُ بِالرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَعْدَةِ، فَهِيَ فَرْضٌ لَا رُكْنٌ، إذْ الرُّكْنُ هُوَ الدَّاخِلُ فِي الْمَاهِيَّةِ. وَمَاهِيَّةُ الصَّلَاةِ تَتِمُّ بِدُونِ الْقَعْدَةِ، ثُمَّ قَالَ: فَعُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَتْ لِأَجْلِ الِاسْتِرَاحَةِ وَالْفَرْضُ أَدْنَى حَالًا مِنْ الرُّكْنِ لِأَنَّ الرُّكْنَ يَتَكَرَّرُ، فَعَدَمُ التَّكْرَارِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الرُّكْنِيَّةِ، وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْعَالٌ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّعْظِيمِ، وَأَصْلُ التَّعْظِيمِ بِالْقِيَامِ، وَيُزَادُ بِالرُّكُوعِ وَيَتَنَاهَى بِالسُّجُودِ، فَكَانَتْ الْقَعْدَةُ مُرَادَةً لِلْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ، فَكَانَتْ لِغَيْرِهَا لَا لِعَيْنِهَا فَلَمْ تَكُنْ مِنْ الرُّكْنِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِثَمَرَةِ الْخِلَافِ: أَيْ فِي أَنَّهَا رُكْنٌ أَوْ لَا، وَبَيَّنَ فِي الْإِمْدَادِ الثَّمَرَةَ بِأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالْقَعْدَةِ نَائِمًا تُعْتَبَرُ عَلَى الْقَوْلِ بِشَرْطِيَّتِهَا لَا رُكْنِيَّتِهَا. وَعَزَاهُ إلَى التَّحْقِيقِ. وَالْأَصَحُّ عَدَمُ اعْتِبَارِهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. قُلْت: وَهَذَا يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا رُكْنٌ زَائِدٌ لَا شَرْطٌ. خِلَافًا لِمَا مَشْي عَلَيْهِ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلنَّهْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْخُرُوجِ) فِيهِ أَنَّ مَا شُرِعَ لِغَيْرِهِ قَدْ يَكُونُ رُكْنًا كَالْقِيَامِ فَإِنَّهُ شُرِعَ وَسِيلَةً لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، حَتَّى لَوْ عَجَزَ عَنْهُمَا يُومِئُ قَاعِدًا وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ (قَوْلُهُ لَحَنِثَ مَنْ حَلَفَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ زَائِدٌ مَعَ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي وَصَلَّى رَكْعَةً بِلَا قِرَاءَةٍ لَا يَحْنَثُ. فَلَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقَعْدَةَ رُكْنٌ زَائِدٌ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا شَرْطٌ، فَالْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَعْكِسَ بِأَنْ يَذْكُرَ هَذَا دَلِيلًا لِلشَّرْطِيَّةِ، وَيَذْكُرَ مَا قَبْلَهُ هُنَا دَلِيلًا لِلرُّكْنِيَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا يَكْفُرُ مُنْكَرُهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مُنْكَرُ فَرْضِيَّتِهِ. لِأَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَأَمَّا مُنْكِرُ أَصْلِ مَشْرُوعِيَّتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْفُرَ لِثُبُوتِهِ بِالْإِجْمَاعِ، بَلْ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَفَادَهُ ح وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالُوا فِي السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ مَنْ لَمْ يَرَهَا حَقًّا كَفَرَ (قَوْلُهُ قَدْرَ أَدْنَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ) أَيْ أَدْنَى زَمَنٍ يَقْرَأُ فِيهِ، بِأَنْ يَكُونَ قَدْرَ أَسْرَعَ مَا يَكُونُ مِنْ التَّلَفُّظِ بِهِ مَعَ تَصْحِيحِ الْأَلْفَاظِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَهُ فِي نَفْسِهِ أَدْنَى وَأَعْلَى ط (قَوْلُهُ إلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّشَهُّدُ الْوَاجِبُ بِتَمَامِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْمُرَادُ مِنْ التَّشَهُّدِ التَّحِيَّاتُ إلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ هُوَ الصَّحِيحُ، لَا مَا زَعَمَ الْبَعْضُ أَنَّهُ لَفْظُ الشَّهَادَتَيْنِ فَقَطْ اهـ (قَوْلُهُ وَعَدَمُ فَاصِلٍ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ. بَحْثُ الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْخُرُوجُ بِصُنْعِهِ إلَخْ) أَيْ بِصُنْعِ الْمُصَلِّي أَيْ فِعْلِهِ الِاخْتِيَارَ، بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يُنَافِي الصَّلَاةَ بَعْدَ تَمَامِهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ؛ وَذَلِكَ بِأَنْ يَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ صَلَاةً مَا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، أَوْ يَضْحَكُ قَهْقَهَةً، أَوْ يُحْدِثُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 كَفِعْلِهِ الْمُنَافِي لَهَا بَعْدَ تَمَامِهَا وَإِنْ كُرِهَ تَحْرِيمًا: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ اتِّفَاقًا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَعَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ: وَبَقِيَ مِنْ الْفُرُوضِ تَمْيِيزُ الْمَفْرُوضِ، وَتَرْتِيبُ الْقِيَامِ عَلَى الرُّكُوعِ،   [رد المحتار] عَمْدًا، أَوْ يَتَكَلَّمُ، أَوْ يَذْهَبُ، أَوْ يُسَلِّمُ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَمِنْهُ مَا لَوْ حَاذَتْهُ امْرَأَةٌ لِأَنَّ الْمُحَاذَاةَ مُفَاعَلَةٌ فَكَانَ الْفِعْلُ مَوْجُودًا مِنْ الرَّجُلِ بِصُنْعِهِ كَوُجُودِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلرَّجُلِ فِيهِ اخْتِيَارٌ، وَتَمَامُهُ فِي النِّهَايَةِ، وَاحْتُرِزَ بِصُنْعِهِ عَمَّا لَوْ كَانَ سَمَاوِيًّا كَأَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ (قَوْلُهُ كَفِعْلِهِ الْمُنَافِي لَهَا) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْبَاءِ بَدَلَ الْكَافِ لِيَكُونَ تَفْسِيرًا نَقُولُهُ بِصُنْعِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ الْخُرُوجَ بِلَفْظِ السَّلَامِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْكَمَالِ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ، وَبِقَوْلِهِ كَفِعْلِهِ إلَخْ مَا عَدَاهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَإِنْ كُرِهَ تَحْرِيمًا فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ إلَّا فِيمَا عَدَا السَّلَامَ فَافْهَمْ؛ وَاحْتُرِزَ بِالْمُنَافِي عَنْ نَحْوِ قِرَاءَةٍ وَتَسْبِيحٍ (قَوْلُهُ بَعْدَ تَمَامِهَا) أَيْ بَعْدَ قُعُودِهِ الْأَخِيرِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، وَقُيِّدَ بِهِ لِأَنَّ إتْيَانَهُ بِالْمُنَافِي قَبْلَهُ يُبْطِلُهَا اتِّفَاقًا ح (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ فَرْضًا غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَنْ الْإِمَامِ، وَإِنَّمَا اسْتَنْبَطَهُ الْبَرْدَعِيُّ عَنْ الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ الْآتِيَةِ قُبَيْلَ بَابِ مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ لَمَّا قَالَ فِيهَا بِالْبُطْلَانِ مَعَ أَنَّ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ تَمَّتْ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْخُرُوجُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ فَرْضٌ، وَصَاحِبَاهُ لَمَّا قَالَا فِيهَا بِالصِّحَّةِ كَانَ الْخُرُوجُ بِالصُّنْعِ لَيْسَ فَرْضًا عِنْدَهُمَا. وَرَدَّهُ الْكَرْخِيُّ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ، وَأَنْ هَذَا الِاسْتِنْبَاطَ غَلَطٌ مِنْ الْبَرْدَعِيِّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا كَمَا زَعَمَهُ لَاخْتَصَّ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ وَهُوَ السَّلَامُ؛ وَإِنَّمَا حَكَمَ الْإِمَامُ بِالْبُطْلَانِ فِي الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ لِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْعَوَارِضَ فِيهَا مُغَيِّرَةٌ لِلْفَرْضِ، فَاسْتَوَى فِي حُدُوثِهَا أَوَّلُ الصَّلَاةِ وَآخِرُهَا، فَإِنَّ رُؤْيَةَ الْمُتَيَمِّمِ بَعْدَ الْقَعْدَةِ الْمَاءَ مُغَيِّرَةٌ لِلْفَرْضِ لِأَنَّهُ كَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمَ فَتَغَيَّرَ فَرْضُهُ إلَى الْوُضُوءِ وَكَذَا بَقِيَّةُ الْمَسَائِلِ، بِخِلَافِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ قَاطِعٌ لَا مُغَيِّرٌ، وَالْحَدَثُ الْعَمْدُ وَالْقَهْقَهَةُ وَنَحْوُهُمَا مُبْطِلَةٌ لَا مُغَيِّرَةٌ، وَتَمَامُهُ فِي ح. هَذَا، وَقَدْ انْتَصَرَ الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ لِلْبَرْدَعِيِّ فِي رِسَالَةِ الْمَسَائِلِ الْبَهِيَّةِ الزَّكِيَّةِ عَلَى الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ بِأَنَّهُ قَدْ مَشَى عَلَى افْتِرَاضِ الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَأَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ وَالْإِمَامُ النَّسَفِيُّ فِي الْوَافِي وَالْكَافِي وَالْكَنْزِ وَشُرُوحِهِ وَإِمَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ الْمُقَابِلُ لِقَوْلِ الْبَرْدَعِيِّ. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا فِيمَا إذَا سَبَقَهُ حَدَثٌ بَعْدَ قُعُودِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ إذَا لَمْ يَتَوَضَّأْ وَيَبْنِ وَيَخْرُجْ بِصُنْعِهِ، بَطَلَتْ عَلَى تَخْرِيجِ الْبَرْدَعِيِّ، وَصَحَّتْ عَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ ط (قَوْلُهُ تَمْيِيزُ الْمَفْرُوضِ) فَسَّرَهُ ط بِأَنْ يُمَيِّزَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ عَنْ الْأُولَى بِأَنْ يَرْفَعَ وَلَوْ قَلِيلًا، أَوْ يَكُونَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ قَوْلَانِ مُصَحِّحَانِ. وَنَقَلَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَصِحِّيَّةَ الثَّانِي، وَفَسَّرَهُ ح بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّمْيِيزِ تَمْيِيزُ مَا فُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ عَمَّا لَمْ يُفْرَضْ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَرْضِيَّةَ الْخَمْسِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا لَا يُجْزِيهِ؛ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الْبَعْضَ فَرْضٌ وَالْبَعْضُ سُنَّةٌ وَنَوَى الْفَرْضَ فِي الْكُلِّ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَنَوَى صَلَاةَ الْإِمَامِ عِنْدَ اقْتِدَائِهِ فِي الْفَرْضِ جَازَ؛ وَلَوْ عَلِمَ الْفَرْضَ دُونَ مَا فِيهِ مِنْ فَرَائِضَ وَسُنَنٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ أَيْضًا كَذَا فِي الْبَحْرِ؛ فَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمَفْرُوضَ مِنْ أَجْزَاءِ كُلِّ صَلَاةٍ أَيْ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِيهَا فَرْضٌ وَأَنَّ التَّسْبِيحَ سُنَّةٌ وَهَكَذَا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ مَا فِي مَتْنِ نُورِ الْإِيضَاحِ وَإِنْ كَانَ فِي شَرْحِهِ فَسَّرَهُ بِمَا يَرْفَعُ الْإِيهَامَ. أَقُولُ: كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ عَدَمُ ذِكْرِهِ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَ فِي الْخَزَائِنِ لِأَنَّهُ عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ يَكُونُ بِمَعْنَى افْتِرَاضِ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا لَا تَتَحَقَّقُ بِدُونِ رَفْعٍ، وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُ السُّجُودِ. وَعَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي يَرْجِعُ إلَى اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ فِي النِّيَّةِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي بَحْثِ النِّيَّةِ (قَوْلُهُ وَتَرْتِيبُ الْقِيَامِ عَلَى الرُّكُوعِ إلَخْ) أَيْ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ رَكَعَ ثُمَّ قَامَ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ الرُّكُوعُ، فَإِنْ رَكَعَ ثَانِيًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ التَّرْتِيبِ الْمَفْرُوضِ وَلَزِمَهُ سُجُودُ السَّهْوِ لِتَقْدِيمِهِ الرُّكُوعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 وَالرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ، وَالْقُعُودِ الْأَخِيرِ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَإِتْمَامِ الصَّلَاةِ، وَالِانْتِقَالُ مِنْ رُكْنٍ إلَى آخَرَ وَمُتَابَعَتُهُ لِإِمَامِهِ فِي الْفُرُوضِ وَصِحَّةُ صَلَاةِ إمَامِهِ فِي رَأْيِهِ، وَعَدَمُ تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ، وَعَدَمُ مُخَالَفَتِهِ فِي الْجِهَةِ، وَعَدَمُ تَذَكُّرِ فَائِتَةٍ وَعَدَمُ مُحَاذَاةِ امْرَأَةٍ بِشَرْطِهِمَا، وَتَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ عِنْدَ الثَّانِي وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ   [رد المحتار] الْمَفْرُوضَ، وَكَذَا تَقْدِيمُ الرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ؛ حَتَّى لَوْ سَجَدَ ثُمَّ رَكَعَ، فَإِنْ سَجَدَ ثَانِيًا صَحَّتْ لِمَا قُلْنَا، وَقَوْلُهُ وَالْقُعُودُ الْأَخِيرُ إلَخْ أَيْ يُفْتَرَضُ إيقَاعُهُ بَعْدَ جَمِيعِ الْأَرْكَانِ؛ حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَهُ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً سَجَدَهَا وَأَعَادَ الْقُعُودَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَلَوْ رُكُوعًا قَضَاهُ مَعَ مَا بَعْدَهُ مِنْ السُّجُودِ، أَوْ قِيَامًا أَوْ قِرَاءَةً صَلَّى رَكْعَةً كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَتَرْتِيبُ الْقُعُودِ إلَخْ كَمَا فَعَلَ فِي الْخَزَائِنِ، لِيُعْلَمَ أَنَّهُ فَرْضٌ آخَرُ. وَلِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِيهِ بِمَعْنَى التَّأْخِيرِ عَكْسَ مَا قَبْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ تَقْدِيمَ الْقِرَاءَةِ عَلَى الرُّكُوعِ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُهُ فِي الْوَاجِبَاتِ، وَسَيَأْتِي هُنَاكَ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ (قَوْلُهُ وَإِتْمَامُ الصَّلَاةِ وَالِانْتِقَالِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ عَدَّ مِنْ الْفَرَائِضِ إتْمَامَهَا وَالِانْتِقَالَ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ، قِيلَ لِأَنَّ النَّصَّ الْمُوجِبَ لِلصَّلَاةِ يُوجِبُ ذَلِكَ إذْ لَا وُجُودَ لِلصَّلَاةِ بِدُونِ إتْمَامِهَا وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي الْأَمْرَيْنِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِتْمَامِ عَدَمُ الْقَطْعِ، وَبِالِانْتِقَالِ الْمَذْكُورِ الِانْتِقَالُ عَنْ الرُّكْنِ لِلْإِتْيَانِ بِرُكْنٍ بَعْدَهُ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ مَا بَعْدَهُ إلَّا بِذَلِكَ. وَأَمَّا الِانْتِقَالُ مِنْ رُكْنٍ إلَى آخَرَ بِلَا فَاصِلٍ بَيْنَهُمَا فَوَاجِبٌ، حَتَّى لَوْ رَكَعَ ثُمَّ رَكَعَ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ مِنْ الْفَرْضِ وَهُوَ الرُّكُوعُ إلَى السُّجُودِ بَلْ أَدْخَلَ بَيْنَهُمَا أَجْنَبِيًّا وَهُوَ الرُّكُوعُ الثَّانِي كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَيَنْبَغِي إبْدَالُ الرُّكْنِ بِالْفَرْضِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْمُنْيَةِ لِيَشْمَلَ الِانْتِقَالَ مِنْ السُّجُودِ إلَى الْقَعْدَةِ بِنَاءً عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ مِنْ أَنَّهَا شَرْطٌ لَا رُكْنٌ زَائِدٌ، لَكِنْ قَدَّمْنَا تَرْجِيحَ خِلَافِهِ فَافْهَمْ، ثُمَّ إنَّ عَدَّ الْإِتْمَامِ وَالِانْتِقَالِ الْمَذْكُورَيْنِ مِنْ الْفُرُوضِ يُغْنِي عَنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْفُرُوضِ. (قَوْلُهُ وَمُتَابَعَتُهُ لِإِمَامِهِ فِي الْفُرُوضِ) أَيْ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ، حَتَّى لَوْ رَكَعَ إمَامُهُ وَرَفَعَ فَرَكَعَ هُوَ بَعْدَهُ صَحَّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَكَعَ قَبْلَ إمَامِهِ وَرَفَعَ ثُمَّ رَكَعَ إمَامُهُ وَلَمْ يَرْكَعْ ثَانِيًا مَعَ إمَامِهِ أَوْ بَعْدَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، فَالْمُرَادُ بِالْمُتَابَعَةِ عَدَمُ الْمُسَابَقَةِ، نَعَمْ مُتَابَعَتُهُ لِإِمَامِهِ بِمَعْنَى مُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي الْفَرَائِضِ مَعَهُ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَاجِبَةٌ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ مِمَّا يُبْتَنَى عَلَى لُزُومِ الْمُتَابَعَةِ إلَخْ، وَاحْتُرِزَ بِالْفُرُوضِ عَنْ الْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ، فَإِنَّ الْمُتَابَعَةَ فِيهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا (قَوْلُهُ وَصِحَّةُ صَلَاةِ إمَامِهِ فِي رَأْيِهِ) لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِرَأْيِ الْمَأْمُومِ صِحَّةً وَفَسَادًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ فَلَوْ اقْتَدَى بِشَافِعِيٍّ مَسَّ ذَكَرَهُ أَوْ امْرَأَةٍ صَحَّتْ لَا لَوْ خَرَجَ مِنْهُ دَمٌ ط وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ الْوِتْرِ. (قَوْلُهُ وَعَدَمُ تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ) أَيْ بِالْعَقِبِ، فَيَصْدُقُ بِمَا لَوْ حَاذَاهُ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ وَإِلَّا فَسَدَتْ (قَوْلُهُ وَعَدَمُ مُخَالَفَتِهِ فِي الْجِهَةِ) عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ عَدَمُ عِلْمِهِ مُخَالَفَةِ إمَامِهِ فِي الْجِهَةِ حَالَةِ التَّحَرِّي وَالشَّرْطُ عَدَمُ الْعِلْمِ فِي وَقْتِ الِاقْتِدَاءِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الصَّلَاةِ صَحَّتْ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ، وَقَيَّدْنَا بِحَالَةِ التَّحَرِّي لِأَنَّهُ يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ لِجِهَةِ إمَامِهِ قَصْدًا فِي دَاخِلِ الْكَعْبَةِ أَوْ خَارِجَهَا، كَمَا لَوْ حَلَّقُوا حَوْلَهَا. مَطْلَبٌ قَصْدُهُمْ بِإِطْلَاقِ الْعِبَارَاتِ أَنْ لَا يَدَّعِيَ عِلْمَهُمْ إلَّا مَنْ زَاحَمَهُمْ عَلَيْهِ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَأَطْلَقَ اعْتِمَادًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيَأْتِي كَمَا هُوَ عَادَتُهُمْ فِي الْإِطْلَاقِ اعْتِمَادًا عَلَى التَّقْيِيدِ فِي مَحَلِّهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَصْدُهُمْ بِذَلِكَ أَنْ لَا يَدَّعِيَ عِلْمَهُمْ إلَّا مَنْ زَاحَمَهُمْ عَلَيْهِ بِالرُّكَبِ، وَلِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِكَثْرَةِ الْمُرَاجَعَةِ وَتَتَبُّعِ عِبَارَاتِهِمْ وَالْأَخْذِ عَنْ الْأَشْيَاخِ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِشَرْطِهِمَا) أَمَّا الْأَوْلَى، فَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ تَرْتِيبٍ وَفِي الْوَقْتِ سَعَةٌ. وَأَمَّا الثَّانِي، فَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْمُحَاذَاةُ فِي صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ مُشْتَرَكَةٍ تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً وَنَوَى الْإِمَامُ إمَامَتَهَا عَلَى مَا سَيَأْتِي ح: وَالشَّرْطُ وَإِنْ وَقَعَ فِي كَلَامِهِ مُفْرَدًا إلَّا أَنَّهُ مُضَافٌ فَيَعُمُّ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ وَتَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ) سَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ عِنْدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 وَبَسَطْنَاهُ فِي الْخَزَائِنِ. (وَشُرِطَ فِي أَدَائِهَا) أَيْ هَذِهِ الْفَرَائِضِ قُلْت: وَبِهِ بَلَغَتْ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ: وَقَدْ نَظَمَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْوَهْبَانِيَّةِ لِلتَّحْرِيمَةِ عِشْرِينَ شَرْطًا وَلِغَيْرِهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَقَالَ:   [رد المحتار] ذِكْرِهِ لَهُ فِي وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَبَسَطْنَاهُ فِي الْخَزَائِنِ) حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. قُلْت: لَكِنَّهُ غَرِيبٌ لَمْ أَرَ مَنْ عَرَّجَ عَلَيْهِ. وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ الْجَمُّ الْوُجُوبُ وَحُمِلَ فِي الْفَتْحِ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ قَوْلُ الثَّانِي عَلَى الْفَرْضِ الْعَمَلِيِّ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ قُلْت: أَنَّى يَرْتَفِعُ وَقَدْ صَرَّحَ فِي السَّهْوِ بِفَسَادِ الصَّلَاةِ بِتَرْكِهِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا فَتَنَبَّهْ اهـ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّهْرِ. أَقُولُ: وَاَلَّذِي دَعَا صَاحِبَ الْبَحْرِ إلَى هَذَا الْحَمْلِ هُوَ التَّقَصِّي عَنْ إشْكَالٍ قَوِيٍّ، وَهُوَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ أَثْبَتَ الْفَرْضِيَّةَ بِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ وَهُوَ خَبَرٌ آحَادٌ، وَالدَّلِيلُ الْقَطْعِيُّ أَمْرٌ بِمُطْلَقِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَيَلْزَمُ الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ الْخَاصِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَأَبُو يُوسُفَ لَا يَقُولُ بِهِ، وَإِذَا حُمِلَ قَوْلُهُ بِفَرْضِيَّةِ تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ عَلَى الْفَرْضِ الْعَمَلِيِّ الَّذِي هُوَ أَعْلَى قِسْمَيْ الْوَاجِبِ انْدَفَعَ الْإِشْكَالُ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ. وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا عَلِمْتَهُ. وَبَيَانُهُ أَنَّ الْفَرْضَ الْعَمَلِيَّ هُوَ الَّذِي يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ كَتَقْدِيرِ مَسْحِ الرَّأْسِ بِالرُّبْعِ فَيَلْزَمُ فَسَادُ الصَّلَاةِ بِتَرْكِ التَّعْدِيلِ الْمَذْكُورِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُمَا لَا يَقُولَانِ بِهِ، فَالْخِلَافُ بَاقٍ، وَيَلْزَمُ الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ أَيْضًا لِأَنَّ مُقْتَضَى النَّصِّ الِاكْتِفَاءُ بِمُسَمَّى رُكُوعٍ وَسُجُودٍ فَالْإِشْكَالُ بَاقٍ أَيْضًا، لَكِنْ أَجَابَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ عَنْ الْإِشْكَالِ بِجَوَابٍ حَسَنٍ ذَكَرْتُهُ فِيمَا عَلَّقْتُهُ عَلَى الْبَحْرِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الْآيَةِ عِنْدَهُمَا مَعْنَاهُمَا اللُّغَوِيُّ، وَهُوَ مَعْلُومٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ. فَلَوْ قُلْنَا بِافْتِرَاضِ التَّعْدِيلِ لَزِمَ الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَعْنَاهُمَا الشَّرْعِيُّ وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَيَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ. مَطْلَبٌ مُجْمَلُ الْكِتَابِ إذَا بُيِّنَ بِالظَّنِّيِّ فَالْحُكْمُ بَعْدَهُ مُضَافٌ إلَى الْكِتَابِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْمُجْمَلَ مِنْ الْكِتَابِ إذَا لَحِقَهُ الْبَيَانُ بِالظَّنِّيِّ كَانَ الْحُكْمُ بَعْدَهُ مُضَافًا إلَى الْكِتَابِ لَا إلَى الْبَيَانِ فِي الصَّحِيحِ، وَلِذَا قُلْنَا بِفَرْضِيَّةِ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ الْمُبَيَّنَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَلَمْ نَقُلْ بِفَرْضِيَّةِ الْفَاتِحَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ أَيْضًا، لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل: 20] خَاصٌّ لَا مُجْمَلٌ اهـ مُلَخَّصًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ خَاصَّانِ عِنْدَهُمَا مُجْمَلَانِ عِنْدَهُ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ مِنْ أَصْلِهِ، لَكِنْ يَبْقَى الْخِلَافُ عَلَى حَالِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ أَيْ هَذِهِ الْفَرَائِضُ) أَيْ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ، لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَاجِعٌ إلَيْهَا، وَيَشْمَلُ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ عَلَى الْقَوْلِ بِرُكْنِيَّتِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ ثَمَرَةِ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ قُلْت وَبِهِ) أَيْ وَبِذِكْرِ هَذَا الْفَرْضِ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ الْآتِي فِي الْمَتْنِ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلَهَا وَاجِبَاتٌ فَيَسْلَمُ مِنْ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ الْمُوجِبِ لِرَكَاكَةِ التَّرْكِيبِ ح (قَوْلُهُ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ) النَّيِّفُ بِالتَّشْدِيدِ كَهَيِّنٍ وَيُخَفَّفُ: مَا زَادَ عَلَى الْعَقْدِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْعَقْدَ الثَّانِيَ، وَأَرَادَ هُنَا أَحَدًا وَعِشْرِينَ ثَمَانِيَةً تَقَدَّمَتْ فِي الْمَتْنِ وَهَذَا تَاسِعُهَا وَاثْنَيْ عَشَرَ فِي الشَّرْحِ يُجْعَلُ تَرْتِيبُ الْقُعُودِ فَرْضًا مُسْتَقِلًّا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فِي شَرْحِهِ لِلْوَهْبَانِيَّةِ) وَكَذَا فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ دُرِّ الْكُنُوزِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهَا هَذَا النَّظْمَ وَزَادَ عَلَيْهِ نَظْمَ الْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ وَالْمَنْدُوبَاتِ وَمَسَائِلَ أُخَرَ وَشَرَحَ الْجَمِيعَ. بَحْثُ شُرُوطِ التَّحْرِيمَةِ (قَوْلُهُ لِلتَّحْرِيمَةِ عِشْرِينَ شَرْطًا) بَعْضُهَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِلَفْظِهَا، وَبَاقِيهَا شُرُوطٌ لِلصَّلَاةِ اُشْتُرِطَتْ لَهَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ الشَّارِحُ لِاتِّصَالِهَا بِالْأَرْكَانِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلِغَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ التَّحْرِيمَةِ وَهُوَ الصَّلَاةُ وَالْكُلُّ فِي الْحَقِيقَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 شُرُوطٌ لِتَحْرِيمٍ حَظِيت بِجَمْعِهَا ... مُهَذَّبَةً حُسْنًا مَدَى الدَّهْرِ تَزْهَرُ دُخُولٌ لِوَقْتٍ وَاعْتِقَادُ دُخُولِهِ ... وَسَتْرٌ وَطُهْرٌ وَالْقِيَامُ الْمُحَرَّرُ وَنِيَّةُ إتْبَاعِ الْإِمَامِ وَنُطْقِهِ ... وَتَعْيِينُ فَرْضٍ أَوْ وُجُوبٍ فَيُذْكَرُ بِجُمْلَةِ ذِكْرٍ خَالِصٍ عَنْ مُرَادِهِ ... وَبَسْمَلَةٍ عَرْبَاءَ إنْ هُوَ يَقْدِرُ وَعَنْ تَرْكِ هَاوٍ أَوْ لِهَاءِ جَلَالَةٍ ... وَعَنْ مَدِّ هَمْزَاتٍ وَبَاءٍ بِأَكْبَرُ وَعَنْ فَاصِلٍ فِعْلٍ كَلَامٍ مُبَايِنٍ ... وَعَنْ سَبْقِ تَكْبِيرٍ وَمِثْلُك يُعْذَرُ فَدُونَك هَذِي مُسْتَقِيمًا لِقِبْلَةٍ ... لَعَلَّك تَحْظَى بِالْقَبُولِ وَتُشْكَرُ فَجُمْلَتُهَا الْعِشْرُونَ بَلْ زِيدَ غَيْرُهَا ... وَنَاظِمُهَا يَرْجُو الْجُوَادَ فَيَغْفِرُ وَأَزْكَى صَلَاةٍ مَعْ سَلَامٍ لِمُصْطَفًى ... ذَخِيرَةِ خَلْقِ اللَّهِ لِلدِّينِ يَنْصُرُ وَأَلْحَقْتهَا مِنْ بَعْدِ ذَاكَ لِغَيْرِهَا ... ثَلَاثَةَ عَشَرَ لِلْمُصَلِّينَ تَظْهَرُ قِيَامُك فِي الْمَفْرُوضِ مِقْدَارَ آيَةٍ ... وَتَقْرَأُ فِي ثِنْتَيْنِ مِنْهُ تُخَيَّرُ وَفِي رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ فَرْضُهَا ... وَمَنْ كَانَ مُؤْتَمًّا فَعَنْ تِلْكَ يُحْظَرُ وَشَرْطُ سُجُودٍ فَالْقَرَارُ لِجَبْهَةٍ ... وَقُرْبُ قُعُودٍ حَدُّ فَصْلٍ مُحَرَّرُ وَبَعْدَ قِيَامٍ فَالرُّكُوعُ فَسَجْدَةٌ ... وَثَانِيَةٌ قَدْ صَحَّ عَنْهَا تُؤَخَّرُ عَلَى ظَهْرِ كَفٍّ أَوْ عَلَى فَضْلِ ثَوْبِهِ ... إذَا تَطْهُرُ الْأَرْضُ الْجَوَازُ مُقَرَّرُ سُجُودُك فِي عَالٍ فَظُهْرٌ مُشَارِكٌ ... لِسَجْدَتِهَا عِنْدَ ازْدِحَامِك يَغْفِرُ أَدَاؤُك أَفْعَالَ الصَّلَاةِ بِيَقْظَةٍ ... وَتَمْيِيزُ مَفْرُوضٍ عَلَيْك مُقَرَّرُ وَيَخْتِمُ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ قُعُودُهُ ... وَفِي صُنْعِهِ عَنْهَا الْخُرُوجُ مُحَرَّرُ   [رد المحتار] شُرُوطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ، إلَّا أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ لَا مَدْخَلَ فِيهَا لِلتَّحْرِيمَةِ فَلِذَا فَصَلَهَا عَمَّا قَبْلَهَا (قَوْلُهُ شُرُوطُ) مُبْتَدَأٌ سَوَّغَ الِابْتِدَاءَ بِهِ وَصْفُهُ بِقَوْلِهِ (لِتَحْرِيمٍ) وَبِقَوْلِهِ (حُظِيَتْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَتَاءُ الْخِطَابِ أَوْ التَّكَلُّمِ أَيْ أُعْطِيت حُظْوَةً بِالضَّمِّ أَوْ الْكَسْرِ: أَيْ مَكَانَةً أَوْ حَظًّا (بِجَمْعِهَا مُهَذَّبَةً) مُنَقَّاةً مُصْلَحَةً مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ الْهَاءِ (حَسْنَا) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مَمْدُودًا قُصِرَ لِلضَّرُورَةِ حَالٌ أَيْضًا أَوْ مَرْفُوعٌ عَلَى الْوَصْفِيَّةِ أَيْضًا، أَوْ بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ (مَدَى الدَّهْرِ) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ (تَزْهَرُ) مِنْ بَابِ مَنَعَ: أَيْ تَتَلَأْلَأُ وَتُضِيءُ (دُخُولٌ) خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ (لِوَقْتٍ) أَيْ وَقْتِ الْمَكْتُوبَةِ إنْ كَانَتْ التَّحْرِيمَةُ لَهَا (وَاعْتِقَادُ دُخُولِهِ) أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الِاعْتِقَادِ مِنْ غَلَبَةِ الظَّنِّ. فَلَوْ شَرَعَ شَاكًّا فِيهِ لَا تُجْزِيه وَإِنْ تَبَيَّنَ دُخُولَهُ (وَسَتْرٌ) الْعَوْرَةِ (وَطُهْرٌ) مِنْ حَدَثٍ وَنَجَاسَةٍ مَانِعَةٍ فِي بَدَنٍ وَثَوْبٍ وَمَكَانٍ وَكَذَا يُشْتَرَطُ اعْتِقَادُ ذَلِكَ؛ فَلَوْ صَلَّى عَلَى أَنَّهُ مُحْدِثٌ أَوْ أَنَّ ثَوْبَهُ مَثَلًا نَجَسٌ فَبَانَ خِلَافُهُ لَمْ يَجُزْ كَمَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ شَرَعَ بِلَا تَحَرٍّ إلَخْ: قَالَ ح: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ السَّتْرُ كَذَلِكَ (وَالْقِيَامُ) لِقَادِرٍ فِي غَيْرِ نَفْلٍ وَفِي سُنَّةِ فَجْرٍ (الْمُحَرَّرُ) بِأَنْ لَا تَنَالَ يَدَاهُ رُكْبَتَيْهِ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَكَبَّرَ مُنْحَنِيًا لَمْ تَصِحَّ تَحْرِيمَتُهُ (وَنِيَّةُ إتْبَاعِ الْإِمَامِ) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ لَا لِصِحَّةِ التَّحْرِيمَةِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الْمُتَابَعَةَ صَحَّ شَرْعُهُ مُنْفَرِدًا، لَكِنَّهُ إذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ أَصْلًا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، نَعَمْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّحْرِيمَةِ نِيَّةُ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَنِيَّتُهُ أَصْلُ الصَّلَاةِ. إلَّا أَنْ يُقَالَ إتْبَاعٌ بِالرَّفْعِ بِإِسْقَاطِ الْعَاطِفِ فَيَكُونُ بَيَانًا لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِتَحْرِيمَتِهِ تَابِعًا لِإِمَامِهِ لَا سَابِقًا عَلَيْهِ (وَنُطْقِهِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ النُّطْقَ رُكْنُ التَّحْرِيمَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ شَرْطًا؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ نُطْقُهُ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ، وَهُوَ أَنْ يُسْمِعَ بِهَا نَفْسَهُ، فَمَنْ هَمَسَ بِهَا أَوْ أَجْرَاهَا عَلَى قَلْبِهِ لَا تُجْزِيه، وَكَذَا جَمِيعُ أَقْوَالِ الصَّلَاةِ مِنْ ثَنَاءٍ وَتَعَوُّذٍ وَبَسْمَلَةٍ وَقِرَاءَةٍ وَتَسْبِيحٍ وَصَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَعَتَاقٍ وَطَلَاقٍ وَيَمِينٍ كَمَا أَفَادَهُ النَّاظِمُ ط (وَتَعْيِينُ فَرْضٍ) أَيْ أَنَّهُ ظُهْرٌ أَوْ عَصْرٌ مَثَلًا (أَوْ وُجُوبٌ) كَرَكْعَتِي الطَّوَافِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْوِتْرِ وَالْمَنْذُورِ وَقَضَاءِ نَفْلٍ أَفْسَدَهُ؛ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ النَّفْلِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ حَتَّى التَّرَاوِيحِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا مَرَّ فِي بَحْثِ النِّيَّةِ (فَيُذْكَرُ) أَيْ يَنْطَلِقُ، وَأَعَادَهُ لِيُعَلِّقَ بِهِ قَوْلَهُ (بِجُمْلَةِ ذِكْرٍ) كَ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا بِأَحَدِهِمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْآتِي (خَالِصٍ عَنْ مُرَادِهِ) أَيْ غَيْرِ مَشُوبٍ بِحَاجَتِهِ، فَلَا يَصِحُّ بِاسْتِغْفَارٍ نَحْوُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي؛ بِخِلَافِ اللَّهُمَّ فَقَطْ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ كَيَا اللَّهُ كَمَا سَيَأْتِي (وَبَسْمَلَةٍ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مُرَادِهِ: أَيْ وَخَالِصٍ عَنْ بَسْمَلَةٍ: فَلَا يَصِحُّ الِافْتِتَاحُ بِهَا فِي الصَّحِيحِ كَمَا نَقَلَهُ النَّاظِمُ عَنْ الْعِنَايَةِ، وَكَذَا بِتَعَوُّذٍ وَحَوْقَلَةٍ كَمَا سَيَأْتِي (عَرْبَاءَ) نَعْتٌ لِجُمْلَةٍ: أَيْ بِجُمْلَةٍ عَرَبِيَّةٍ (إنْ هُوَ يَقْدِرُ) عَلَى الْجُمْلَةِ الْعَرَبِيَّةِ، فَلَا يَصِحُّ شُرُوعُهُ بِغَيْرِهَا إلَّا إذَا عَجَزَ فَيَصِحُّ بِالْفَارِسِيَّةِ كَالْقِرَاءَةِ لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّهُ يَصِحُّ الشُّرُوعُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] اتِّفَاقًا بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ. وَأَنَّ هَذَا مِمَّا يَشْتَبِهُ عَلَى كَثِيرِينَ حَتَّى الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي كُلِّ كُتُبِهِ (وَعَنْ تَرْكِ هَاوٍ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ عَنْ مُرَادِهِ، وَكَذَا الْمَجْرُورَاتُ بِعَنْ الْآتِيَةِ (أَوْ لِهَاءِ جَلَالَةٍ) قَالَ النَّاظِمُ: الْمُرَادُ بِالْهَاوِي الْأَلِفُ النَّاشِئُ بِالْمَدِّ الَّذِي فِي اللَّامِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْجَلَالَةِ، فَإِذَا حَذَفَهُ الْحَالِفُ أَوْ الذَّابِحُ أَوْ الْمُكَبِّرُ لِلصَّلَاةِ أَوْ حَذَفَ الْهَاءَ مِنْ الْجَلَالَةِ اُخْتُلِفَ فِي انْعِقَادِ يَمِينِهِ وَحِلِّ ذَبِيحَتِهِ وَصِحَّةِ تَحْرِيمَتِهِ، فَلَا يُتْرَكُ احْتِيَاطًا (وَعَنْ مَدِّ هَمْزَاتٍ) أَيْ هَمْزَةِ اللَّهِ وَهَمْزَةِ أَكْبَرُ إطْلَاقًا لِلْجَمْعِ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ اسْتِفْهَامًا، وَتَعَمُّدُهُ كُفْرٌ، فَلَا يَكُونُ ذِكْرًا، فَلَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ بِهِ، وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ لَوْ حَصَلَ فِي أَثْنَائِهَا فِي تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ (وَبَاءٍ بِ أَكْبَرُ) أَيْ وَخَالِصٍ عَنْ مَدِّ بَاءِ أَكْبَرُ لِأَنَّهُ يَكُونُ جَمْعَ كَبَرٍ وَهُوَ الطَّبْلُ، فَيَخْرُجُ عَنْ مَعْنَى التَّكْبِيرِ، أَوْ هُوَ اسْمُ لِلْحَيْضِ أَوْ لِلشَّيْطَانِ، فَتَثْبُتُ الشَّرِكَةُ، فَتُعْدَمُ التَّحْرِيمَةُ قَالَهُ النَّاظِمُ. (وَعَنْ فَاصِلٍ) بَيْنَ النِّيَّةِ وَالتَّحْرِيمَةِ (فِعْلٍ كَلَامٍ) بَدَلَانِ مِنْ فَاصِلٍ عَلَى حَذْفِ الْعَاطِفِ مِنْ الثَّانِي (مُبَايِنٍ) نَعْتٌ لِفَاصِلٍ، فَإِذَا نَوَى ثُمَّ عَبِثَ بِثِيَابِهِ أَوْ بَدَنِهِ كَثِيرًا، أَوْ أَكَلَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَهُوَ قَدْرُ الْحِمَّصَةِ، أَوْ تَنَاوَلَ مِنْ خَارِجٍ وَلَوْ قَلِيلًا، أَوْ شَرِبَ، أَوْ تَكَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يُفْهَمْ، أَوْ تَنَحْنَحَ بِلَا عُذْرٍ ثُمَّ كَبَّرَ وَقَدْ غَابَتْ النِّيَّةُ عَنْ قَلْبِهِ لَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ. وَاحْتُرِزَ عَنْ غَيْرِ الْمُبَايِنِ، كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ وَمَشَى إلَى الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّيَّةِ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ (وَعَنْ سَبْقِ تَكْبِيرٍ) عَلَى النِّيَّةِ خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ كَمَا مَرَّ، أَوْ سَبْقِ الْمُقْتَدِي الْإِمَامَ بِهِ، فَلَوْ فَرَغَ مِنْهُ قَبْلَ فَرَاغِ إمَامِهِ لَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِمَا مَرَّ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِهِ إتْبَاعُ الْإِمَامِ (وَمِثْلُك يَعْذِرُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَالِثِهِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، يَعْنِي أَنْتَ تَعْذِرُ إذَا رَأَيْت مَعْنًى بَعِيدَ الْمَأْخَذِ مِنْ اللَّفْظِ فَإِنَّك مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، وَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ يَعْذِرُ، فَالْمُرَادُ الْتِمَاسُ الْعُذْرِ مِنْ الْمُطَّلِعِ عَلَى نَظْمِهِ ط: أَيْ لِأَنَّ ضِيقَ النَّظْمِ يُلْجِئُ إلَى التَّعْبِيرِ بِبَعِيدِ الْمَعْنَى (فَدُونَك) أَيْ خُذْ (هَذِي) الْمَذْكُورَاتِ (مُسْتَقِيمًا لِقِبْلَةٍ) إلَّا لِعُذْرٍ أَوْ لِتَنَفُّلِ رَاكِبٍ خَارِجَ مِصْرَ (لَعَلَّك تَحْظَى بِالْقَبُولِ وَتَشْكُرُ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ (فَجُمْلَتُهَا الْعِشْرُونَ بَلْ زِيدَ غَيْرُهَا) كَنِيَّةِ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ وَتَمْيِيزِ الْمَفْرُوضِ كَمَا مَرَّ وَاعْتِقَادِ طَهَارَتِهِ مِنْ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ. (وَنَاظِمُهَا يَرْجُو الْجَوَادَ) كَجَرَادٍ: كَثِيرَ الْجُودِ (فَيَغْفِرُ) أَيْ فَهُوَ يَغْفِرُ لِرَاجِيهِ (وَأَلْحَقْتهَا مِنْ بَعْدِ ذَاكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الْبَيَانِ (لِغَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ التَّحْرِيمَةِ وَهُوَ الصَّلَاةُ (ثَلَاثَةَ عَشَرَ) بِإِسْكَانِ الشِّينِ لُغَةً فِي فَتْحِهَا وَبِالتَّنْوِينِ لِلضَّرُورَةِ ط (لِلْمُصَلِّينَ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ (تَظْهَرُ) وَهِيَ (قِيَامُك) عِنْدَ عَدَمِ عُذْرٍ (فِي الْمَفْرُوضِ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَكَذَا مَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ الْوَاجِبِ وَسُنَّةِ الْفَجْرِ، وَذُكِرَ الضَّمِيرُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الصَّلَاةِ فِعْلًا (مِقْدَارُ آيَةٍ) عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْمُعْتَمَدِ ط (وَتُقْرَأُ فِي ثِنْتَيْنِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَفْرُوضِ: أَيْ رَكَعَاتِهِ (تُخَيَّرُ) أَيْ مُتَخَيِّرًا فِي إيقَاعِ الْقِرَاءَةِ فِي أَيِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْهُ، وَالْمَقَامُ لِبَيَانِ الْفَرَائِضِ. فَلَا يَرِدُ أَنَّ تَعْيِينَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ وَاجِبٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] وَفِي رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ فَرْضُهَا) أَيْ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ كَائِنٌ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ لِأَنَّ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلَاةٍ عَلَى حِدَةٍ وَالْوِتْرُ لِأَنَّهُ شَابَهُ السُّنَنَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ لَهُ وَلَا يُقَامُ. وَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْمَنْذُورِ حُكْمُ النَّفْلِ، حَتَّى لَوْ نَذَرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لَزِمَهُ الْقِرَاءَةُ فِي أَرْبَعِهَا لِأَنَّهُ نَفْلٌ فِي نَفْسِهِ وَوُجُوبُهُ عَارِضٌ ح (وَمَنْ كَانَ مُؤْتَمًّا فَهُنَّ تِلْكَ) الْقِرَاءَةُ الَّتِي قُلْنَا إنَّهَا فَرْضٌ (يُحْظَرُ) أَيْ يُمْنَعُ، فَتُكْرَهُ لَهُ تَحْرِيمًا لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ، فَالْقِرَاءَةُ فَرْضٌ عَلَى غَيْرِ الْمُؤْتَمِّ، فَهَذَا فِي مَوْقِعِ الِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا قَبْلَهُ (وَشَرْطُ سُجُودٍ) مُبْتَدَأٌ وَمُضَافٌ إلَيْهِ (فَالْقَرَارُ) خَبَرٌ بِزِيَادَةِ الْفَاءِ (لِجَبْهَةٍ) أَيْ يُفْتَرَضُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى مَا يَجِدُ حَجْمَهُ بِحَيْثُ إنَّ السَّاجِدَ لَوْ بَالَغَ لَا يَتَسَفَّلُ رَأْسَهُ أَبْلَغَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ حَالُ الْوَضْعِ، فَلَا يَصِحُّ عَلَى نَحْوِ الْأُرْزِ وَالذُّرَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي نَحْوِ جَوَالِقَ، وَلَا عَلَى نَحْوِ الْقُطْنِ وَالثَّلْجِ وَالْفُرُشِ إلَّا إنْ وُجِدَ حَجْمُ الْأَرْضِ بِكَبْسِهِ (وَقُرْبُ قُعُودٍ حَدُّ فَصْلٍ مُحَرَّرُ) يَعْنِي الْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ وَهُوَ الرَّابِعُ مِنْ الثَّلَاثَةِ عَشْرَ، هَذَا الْبَيْتُ سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ. وَذَكَرَهُ النَّاظِمُ فِي دُرِّ الْكُنُوزِ مُؤَخَّرًا عَنْ الَّذِي بَعْدَهُ، وَهُوَ الْأَنْسَبُ (وَبَعْدَ قِيَامٍ فَالرُّكُوعُ فَسَجْدَةٌ) أَيْ يُفْتَرَضُ بَعْدَ الْقِيَامِ الرُّكُوعُ، وَكَذَا السُّجُودُ، وَكَذَا التَّرْتِيبُ الْمُفَادُ بِالْبَعْدِيَّةِ وَبِالْفَاءِ. أَيْ يُفْتَرَضُ تَرْتِيبُ الْقِيَامِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالرُّكُوعُ عَلَى السُّجُودِ كَمَا مَرَّ (وَثَانِيَةٌ) مُبْتَدَأٌ (قَدْ صَحَّ) جُمْلَةٌ مُعْتَرَضَةٌ (عَنْهَا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ (تُؤَخَّرُ) وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ، يَعْنِي وَالسَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ يَصِحُّ أَنْ تُؤَخَّرَ الْأُولَى إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا وَاجِبَةٌ كَمَا سَيَأْتِي. وَالْأَوْضَحُ فِي إفَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يُقَالَ وَثَانِيَةٌ قَدْ صَحَّ فِيهَا التَّأَخُّرُ. وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْمُتَكَرِّرِ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ فَرْضٌ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، بِخِلَافِ الْمُتَكَرِّرِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالسَّجْدَتَيْنِ (عَلَى ظَهْرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَسَجْدَةٌ، كَذَا قَالَهُ النَّاظِمُ. وَالْأَوْلَى تَعَلُّقُهُ بِقَوْلِهِ الْآتِي الْجَوَازِ (كَفَّ) أَيْ كَفَّ نَفْسَهُ (أَوْ عَلَى فَضْلِ ثَوْبِهِ أَوْ عَلَى كُورِ عِمَامَتِهِ إذَا تَظْهَرُ الْأَرْضُ) الَّتِي تَحْتَ الْكَفِّ أَوْ فَاضِلِ الثَّوْبِ (الْجَوَازُ مُقَرَّرُ) لَكِنْ يُكْرَهُ إنْ كَانَ بِلَا عُذْرٍ كَمَا سَيَأْتِي. وَحَاصِلُ الْبَيْتِ أَنَّ الْفَرْضَ الثَّامِنَ طَهَارَةُ مَوْضِعِ السُّجُودِ وَلَوْ كَانَ عَلَى شَيْءٍ مُتَّصِلٍ بِالْمُصَلِّي كَكَفِّهِ وَثَوْبِهِ لِأَنَّهُ بِاتِّصَالِهِ لَا يُعَدُّ حَائِلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّجَاسَةِ (سُجُودُك) مُبْتَدَأٌ (فِي) أَيْ عَلَى مَكَان (عَالٍ) أَيْ مُرْتَفِعٍ عَنْ حَدِّ الْجَوَازِ الْمُقَدَّرِ بِنِصْفِ ذِرَاعٍ الَّذِي لَا يُغْتَفَرُ بِلَا ضَرُورَةِ السُّجُودِ عَلَى أَرْفَعَ مِنْهُ (فَظَهْرٌ) الْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِالْوَاوِ، وَتَكُونُ بِمَعْنَى أَوْ أَيْ وَسُجُودُك عَلَى ظَهْرِ مُصَلِّي صَلَاتُك (مُشَارِكٍ) لَك (وَلِسَجْدَتِهَا) اللَّامُ بِمَعْنَى فِي: أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ سَاجِدًا مِثْلَك، لَكِنَّ سُجُودَهُ عَلَى الْأَرْضِ (عِنْدَ ازْدِحَامِك) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ سُجُودُك أَوْ بِقَوْلِهِ أ (يُغْفَرُ) وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ. وَحَاصِلُ الْبَيْتِ بَيَانُ الْفَرْضِ التَّاسِعِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ سُجُودُهُ عَلَى مُرْتَفِعٍ عَنْ نِصْفِ ذِرَاعٍ إلَّا لِضَرُورَةِ زَحْمَةٍ (أَدَاؤُك) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ الْآتِي (أَفْعَالُ الصَّلَاةِ) أَيْ أَرْكَانُهَا (بِيَقْظَةٍ) وَسَيَأْتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 (الِاخْتِيَارُ) أَيْ الِاسْتِيقَاظُ، أَمَّا لَوْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ ذَاهِلًا كُلَّ الذُّهُولِ أَجْزَأَهُ (فَإِنْ أَتَى بِهَا) أَوْ بِأَحَدِهَا بِأَنْ قَامَ أَوْ قَرَأَ أَوْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ أَوْ قَعَدَ الْأَخِيرَ (نَائِمًا لَا يُعْتَدُّ) بِمَا أَتَى (بِهِ) بَلْ يُعِيدُهُ وَلَوْ الْقِرَاءَةَ أَوْ الْقَعْدَةَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْهُ تَفْسُدْ لِصُدُورِهِ لَا عَنْ اخْتِيَارٍ، فَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَالنَّاسُ مِنْهُ غَافِلُونَ،   [رد المحتار] الْكَلَامُ عَلَيْهِ قَرِيبًا. (وَتَمْيِيزُ مَفْرُوضٍ) مُبْتَدَأٌ أَيْ تَمْيِيزُ الْخَمْسِ الْمَفْرُوضَةِ عَنْ غَيْرِهَا وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ فِي شُرُوطِ التَّحْرِيمَةِ (عَلَيْك) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ أَوْ بِقَوْلِهِ (مُقَرَّرُ) وَهُوَ الْخَبَرُ (وَيَخْتِمُ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ قُعُودُهُ) فَاعِلُ يَخْتِمُ (وَفِي صُنْعِهِ) وَفِي بِمَعْنَى الْبَاءِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْخُرُوجِ، وَكَذَا قَوْلُهُ (عَنْهَا) أَيْ عَنْ الصَّلَاةِ (الْخُرُوجُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ (مُحَرَّرُ) قَالَ النَّاظِمُ: وَالْخُرُوجُ بِصُنْعِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، وَهُوَ الْمُحَرَّرُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَئِمَّتِنَا، وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي رِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا [الْمَسَائِلَ الْبَهِيَّةَ الزَّكِيَّةَ عَلَى الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ] اهـ وَتَقَدَّمَ بَعْضُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (قَوْلُهُ الِاخْتِيَارُ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ نَائِبُ فَاعِلِ شُرِطَ السَّابِقِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ أَيْ الِاسْتِيقَاظِ) تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الِاسْتِيقَاظِ الِاخْتِيَارُ ح، وَإِنَّمَا فُسِّرَ بِهِ لِيُشِيرَ إلَى أَنَّ مَا يَحْصُلُ مَعَ الْغَفْلَةِ وَالسَّهْوِ لَا يُنَافِي الِاخْتِيَارَ فَلِذَا قَالَ أَمَّا لَوْ رَكَعَ إلَخْ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ ذَاهِلًا كُلَّ الذُّهُولِ) بِأَنْ كَانَ قَلْبُهُ مَشْغُولًا بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ أَتَى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِاخْتِيَارِهِ وَلَكِنَّهُ غَافِلٌ عَنْهُمَا وَنَظِيرُهُ الْمَاشِي، فَإِنَّ رِجْلَيْهِ وَكَثِيرًا مِنْ أَعْضَائِهِ يَتَحَرَّكُ بِمَشْيِهِ الْمُخْتَارِ لَهُ وَلَا شُعُورَ لَهُ بِذَلِكَ قَالَ ح: وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّاعِسَ كَالذَّاهِلِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ أَوْ قَعَدَ الْأَخِيرُ) صِفَةٌ لِمَفْعُولٍ مُطْلَقٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أَوْ قَعَدَ الْقُعُودَ الْأَخِيرَ ح (قَوْلُهُ بَلْ يُعِيدُهُ) وَهَلْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِتَأْخِيرِ الرُّكْنِ: الظَّاهِرُ نَعَمْ، فَرَاجِعْهُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) أَمَّا فِي الْقِرَاءَةِ فَهُوَ مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُمَا وَنَصَّ فِي الْمُحِيطِ وَالْمُبْتَغَى عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ شَرْطُ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ وَلَمْ يُوجَدْ حَالَةَ النَّوْمِ. وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: يَعْتَدُّ بِهَا لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ النَّائِمَ كَالْمُسْتَيْقِظِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ، وَالْقِرَاءَةُ رُكْنٌ زَائِدٌ يَسْقُطُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، فَجَازَ أَنْ يَعْتَدَّ بِهَا فِي حَالَةِ النَّوْمِ، وَاسْتَوْجَهَهُ فِي الْفَتْحِ: وَأَجَابَ عَنْ تَعْلِيلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ وَالِاخْتِيَارُ الْمَشْرُوطَةُ قَدْ وُجِدَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ كَافٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ ذَاهِلًا عَنْ فِعْلِهِ كُلَّ الذُّهُولِ أَنَّهُ تُجْزِيهِ. اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْجَوَابُ أَنَّا نَمْنَعُ كَوْنَ الِاخْتِيَارِ فِي الِابْتِدَاءِ كَافِيًا، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الذَّاهِلَ غَيْرُ مُخْتَارٍ. اهـ. عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالِاخْتِيَارِ فِي الِابْتِدَاءِ أَنَّهُ لَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ حَالَةَ النَّوْمِ يُجْزِيهِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُبْتَغَى: رَكَعَ وَهُوَ نَائِمٌ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا وَصَرِيحُ كَلَامِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي الْحِلْيَةِ تَرْجِيحُ كَلَامِ الْفَقِيهِ لِلْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ شَيْخُهُ فِي الْفَتْحِ حَتَّى رَدَّ بِهِ مَا فِي الْمُبْتَغَى، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ عُرِفَ مِنْ هَذَا أَيْضًا جَوَازُ الْقِيَامِ فِي حَالَةِ النَّوْمِ أَيْضًا وَإِنْ نَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ. اهـ. وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ قَدْ عَلِمْت مَا فِي كَلَامِ الْفَتْحِ بِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ فَالْأَوْلَى اتِّبَاعُ الْمَنْقُولِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا فِي الْقَعْدَةِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ التَّحْقِيقِ لِلشَّيْخِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهَا عَنْ مُحَمَّدٍ، وَأَنَّهُ قِيلَ إنَّهَا يُعْتَدُّ بِهَا، وَقِيلَ لَا. وَرَجَّحَ فِي الْحِلْيَةِ الْأَوَّلَ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ جَوَابِ شَيْخِهِ وَقَالَ إنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى اهـ وَاقْتَصَرَ عَلَى الثَّانِي فِي الْمُنْيَةِ. وَقَالَ شَارِحُهَا الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ: إنَّهُ الْأَصَحُّ. وَفِي الْمِنَحِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ جَزَمَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي نَظْمِهِ الْمَارِّ وَفِي نُورِ الْإِيضَاحِ (قَوْلُهُ تَفْسُدُ) أَيْ الصَّلَاةُ (قَوْلُهُ لِصُدُورِهِ) أَيْ مَا أَتَى بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 فَلَوْ أَتَى النَّائِمُ بِرَكْعَةٍ تَامَّةٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ رَكْعَةً وَهِيَ لَا تَقْبَلُ الرَّفْضَ. وَلَوْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ فَنَامَ فِيهِ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الرَّفْعِ (مِنْهُ) وَالْوَضْعُ بِالِاخْتِيَارِ (وَلَهَا وَاجِبَاتٌ) لَا تَفْسُدُ بِتَرْكِهَا وَتُعَادُ وُجُوبًا فِي الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ إنْ لَمْ يَسْجُدْ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْهَا يَكُونُ فَاسِقًا   [رد المحتار] قَوْلُهُ فَلَوْ أَتَى) أَيْ فِي حَالَةِ النَّوْمِ (قَوْلُهُ وَلَوْ رَكَعَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ فَإِنْ أَتَى بِهَا نَائِمًا لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ نَامَ بَعْدَمَا رَكَعَ أَوْ سَجَدَ اعْتَدَّ بِهِ (قَوْلُهُ لِحُصُولِ الرَّفْعِ وَالْوَضْعِ) كَذَا فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَالْأَظْهَرُ ذِكْرُ الِانْحِنَاءِ بَدَلَ الرَّفْعِ. وَقَالَ ط: هَذَا بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الرَّفْعِ فِي الرُّكُوعِ، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ فَلَا يَظْهَرُ. [وَاجِبَات الصَّلَاة] مَطْلَبُ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَلَهَا وَاجِبَاتٌ) قَدَّمْنَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَتَقْسِيمَ الْوَاجِبِ إلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ أَعْلَاهُمَا يُسَمَّى فَرْضًا عَمَلِيًّا، وَهُوَ مَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ كَالْوِتْرِ: وَالْآخَرُ مَا لَا يَفُوتُ بِفَوْتِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَحُكْمُهُ اسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ بِتَرْكِهِ، وَعَدَمُ إكْفَارِ جَاحِدِهِ، وَالثَّوَابِ بِفِعْلِهِ. وَحُكْمُهُ فِي الصَّلَاةِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ: وَالْوَاجِبُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْفَرْضِ كَ صَوْمُ رَمَضَانَ وَاجِبٌ (قَوْلُهُ لَا تَفْسُدُ بِتَرْكِهَا) أَشَارَ بِهِ إلَى الرَّدِّ عَلَى الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ قَالَ: تَفْسُدُ وَلَا تَبْطُلُ اهـ. قَالَ الْحَمَوِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْفَاسِدَ مَا فَاتَ عَنْهُ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ، وَالْبَاطِلُ مَا فَاتَ عَنْهُ شَرْطٌ أَوْ رُكْنٌ. وَقَدْ يُطْلَقُ الْفَاسِدُ بِمَعْنَى الْبَاطِلِ مَجَازًا. اهـ. وَوَجْهُ الرَّدِّ أَنَّ أَئِمَّتَنَا لَمْ يُفَرِّقُوا فِي الْعِبَادَاتِ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا فَرَّقُوا فِي الْمُعَامَلَاتِ ح (قَوْلُهُ وَتُعَادُ وُجُوبًا) أَيْ بِتَرْكِ هَذِهِ الْوَاجِبَاتِ أَوْ وَاحِدٍ مِنْهَا: وَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالدُّرَرِ وَالْمُجْتَبَى مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ لَا لَوْ تَرَكَ السُّورَةَ رَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْفَاتِحَةَ وَإِنْ كَانَتْ آكَدَ فِي الْوُجُوبِ لِلِاخْتِلَافِ فِي رُكْنِيَّتِهَا دُونَ السُّورَةِ لَكِنَّ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ حُكْمُ تَرْكِ الْوَاجِبِ مُطْلَقًا لَا الْوَاجِبِ الْمُؤَكَّدِ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ الْآكَدِيَّةُ فِي الْإِثْمِ لِأَنَّهُ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ. اهـ. قُلْت: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ التَّرْكُ لِعُذْرٍ كَالْأُمِّيِّ أَوْ مَنْ أَسْلَمَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَصَلَّى قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْفَاتِحَةَ فَلَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَسْجُدْ لَهُ) أَيْ لِلسَّهْوِ، وَهَذَا قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَالسَّهْوُ، إذْ لَا سُجُودَ فِي الْعَمْدِ، قِيلَ إلَّا فِي أَرْبَعَةٍ لَوْ تَرَكَ الْقَعْدَةَ الْأُولَى عَمْدًا أَوْ شَكَّ فِي بَعْضِ الْأَفْعَالِ فَتَفَكَّرَ عَمْدًا حَتَّى شَغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ رُكْنٍ أَوْ أَخَّرَ إحْدَى سَجْدَتَيْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ عَمْدًا أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى عَمْدًا. وَزَادَ بَعْضُهُمْ خَامِسًا وَهُوَ: لَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ عَمْدًا فَيَسْجُدُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَيُسَمَّى سُجُودَ عُذْرٍ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ الشَّارِحُ ذَلِكَ لِمَا سَيَأْتِي تَضْعِيفُهُ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ. وَرَدَّهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ أَيْضًا بِأَنَّا لَا نَعْلَمُ لَهُ أَصْلًا فِي الرِّوَايَةِ وَلَا وَجْهًا فِي الدِّرَايَةِ وَهَلْ تَجِبُ الْإِعَادَةُ بِتَرْكِ سُجُودِ السَّهْوِ لِعُذْرٍ، كَمَا لَوْ نَسِيَهُ أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي الْفَجْرِ؟ لَمْ أَرَهُ فَلْيُرَاجَعْ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْوُجُوبُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الشَّارِحِ لِأَنَّ النُّقْصَانَ لَمْ يَنْجَبِرْ بِجَابِرٍ، وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ بِتَرْكِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ: مَطْلَبٌ الْمَكْرُوهُ تَحْرِيمًا مِنْ الصَّغَائِرِ، وَلَا تَسْقُطُ بِهِ الْعَدَالَةُ إلَّا بِالْإِدْمَانِ (قَوْلُهُ يَكُونُ فَاسِقًا) أَقُولُ: صَرَّحَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ نَجِيمٍ فِي رِسَالَتِهِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي بَيَانِ الْمَعَاصِي: بِأَنَّ كُلَّ مَكْرُوهٍ تَحْرِيمًا مِنْ الصَّغَائِرِ، وَصَرَّحَ أَيْضًا بِأَنَّهُمْ شَرَطُوا لِإِسْقَاطِ الْعَدَالَةِ بِالصَّغِيرَةِ الْإِدْمَانَ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَشْرِطُوهُ فِي فِعْلِ مَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا: وَقَالَ أَيْضًا إنَّهُمْ أَسْقَطُوهَا بِالْأَكْلِ فَوْقَ الشِّبَعِ مَعَ أَنَّهُ صَغِيرَةٌ، فَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ الْإِصْرَارِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 آثِمًا وَكَذَا كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ تَجِبُ إعَادَتُهَا. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ جَابِرٌ لِلْأَوَّلِ،   [رد المحتار] عَلَيْهِ. قَالَ: وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُسْقِطَ لَهَا بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ ذَنْبٍ يُسْقِطُهَا وَلَوْ صَغِيرَةً بِلَا إدْمَانٍ، كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَلَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ اهـ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْمُعْتَمَدِ. مَطْلَبٌ كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ تَجِبُ إعَادَتُهَا (قَوْلُهُ وَكَذَا كُلُّ صَلَاةٍ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَشْمَلُ نَحْوَ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ مِمَّا لَمْ يُوجِبْ سُجُودًا أَصْلًا، وَأَنَّ النَّقْصَ إذَا دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَمْ يُجْبَرْ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمُقْتَدِي أَيْضًا وَأَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْجُمُعَةُ وَالْعِيدُ إذَا أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ إلَّا إذَا أَعَادَهَا الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ جَمِيعًا فَلْيُرَاجَعْ ح. أَقُولُ: وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْإِمْدَادِ بَحْثًا أَنَّ كَوْنَ الْإِعَادَةِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَاجِبَةً لَا يَمْنَعُ أَنْ تَكُونَ الْإِعَادَةُ مَنْدُوبَةً بِتَرْكِ سُنَّةٍ اهـ وَنَحْوِهِ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، بَلْ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ بَيْنَ كَوْنِ تِلْكَ الْكَرَاهَةِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ أَوْ تَنْزِيهٍ فَتُسْتَحَبُّ اهـ. بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى الرَّاجِحِ فِي الْمَذْهَبِ أَوْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي حُكْمِ الْوَاجِبِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَصَرَّحُوا بِفِسْقِ تَارِكِهَا وَتَعْزِيرِهِ، وَأَنَّهُ يَأْثَمُ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ صَلَّى مُفْرَدًا يُؤْمَرُ بِإِعَادَتِهَا بِالْجَمَاعَةِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ مِنْ الظُّهْرِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْجَمَاعَةُ يُتِمُّ وَيَقْتَدِي مُتَطَوِّعًا، فَإِنَّهُ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إعَادَةُ الظُّهْرِ بِالْجَمَاعَةِ مَعَ أَنَّ صَلَاتَهُ مُنْفَرِدًا مَكْرُوهَةٌ تَحْرِيمًا أَوْ قَرِيبَةٌ مِنْ التَّحْرِيمِ، فَيُخَالِفُ تِلْكَ الْقَاعِدَةَ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ تَخْصِيصَهَا بِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ الَّتِي تُعَادُ بِتَرْكِهِ مَا كَانَ مِنْ مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ وَأَجْزَائِهَا فَلَا يَشْمَلُ الْجَمَاعَةَ لِأَنَّهَا وَصْفٌ لَهَا خَارِجٌ عَنْ مَاهِيَّتِهَا، أَوْ يَدَّعِي تَقْيِيدَ قَوْلِهِمْ يُتِمُّ وَيَقْتَدِي مُتَطَوِّعًا بِمَا إذَا كَانَتْ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا لِعُذْرٍ كَعَدَمِ وُجُودِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ شُرُوعِهِ فَلَا تَكُونُ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا مَكْرُوهَةً وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرُوا الْجَمَاعَةَ مِنْ جُمْلَةِ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا وَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ خَارِجٌ عَنْ مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّهُمْ قَالُوا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي سُوَرِ الْقُرْآنِ، فَلَوْ قَرَأَ مَنْكُوسًا أَثِمَ لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ وَاجِبَاتِ الْقِرَاءَةِ لَا مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ السَّهْوِ، لَكِنَّ قَوْلَهُمْ كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ يَشْمَلُ تَرْكَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ بِالصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ فِيهِ صُورَةٌ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلُ الصَّنَمِ. [تَنْبِيهٌ] قَيَّدَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ فِي أَدَاءِ الصَّلَاةِ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ بِمَا قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَتُسْتَحَبُّ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ بَيَانِ الِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَعَدَمِهِ، وَتَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ) أَيْ الْفِعْلَ الثَّانِيَ جَابِرٌ لِلْأَوَّلِ بِمَنْزِلَةِ الْجَبْرِ بِسُجُودِ السَّهْوِ وَبِالْأَوَّلِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، كَذَا فِي شَرْحِ الْأَكْمَلِ عَلَى أُصُولِ الْبَزْدَوِيِّ، وَمُقَابِلُهُ مَا نَقَلُوهُ عَنْ أَبِي الْيُسْرِ مِنْ أَنَّ الْفَرْضَ هُوَ الثَّانِي وَاخْتَارَ ابْنُ الْهُمَامِ الْأَوَّلَ قَالَ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ، وَجَعْلُهُ الثَّانِيَ يَقْتَضِي عَدَمَ سُقُوطِهِ بِالْأَوَّلِ إذْ هُوَ لَازِمٌ تَرْكِ الرُّكْنِ لَا الْوَاجِبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ امْتِنَانٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إذْ يَحْتَسِبُ الْكَامِلَ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْفَرْضِ لَمَّا عَلِمَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ سَيُوقِعُهُ اهـ يَعْنِي أَنَّ الْقَوْلَ بِكَوْنِ الْفَرْضِ هُوَ الثَّانِيَ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَكْرَارُ الْفَرْضِ لِأَنَّ كَوْنَ الْفَرْضِ هُوَ الثَّانِيَ دُونَ الْأَوَّلِ يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ سُقُوطِهِ بِالْأَوَّلِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ عَدَمَ سُقُوطِهِ بِالْأَوَّلِ إنَّمَا يَكُونُ بِتَرْكِ فَرْضٍ لَا بِتَرْكِ وَاجِبٍ، وَحَيْثُ اسْتَكْمَلَ الْأَوَّلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ (وَهِيَ) عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ (قِرَاءَةُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ) فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بِتَرْكِ أَكْثَرِهَا لَا أَقَلِّهَا، لَكِنْ فِي الْمُجْتَبَى يَسْجُدُ بِتَرْكِ آيَةٍ مِنْهَا وَهُوَ أَوْلَى قُلْت: وَعَلَيْهِ فَكُلُّ آيَةٍ وَاجِبَةٌ كَكُلِّ تَكْبِيرَةِ عِيدٍ وَتَعْدِيلُ رُكْنٍ وَإِتْيَانُ كُلٍّ وَتَرْكُ تَكْرِيرِ كُلٍّ كَمَا يَأْتِي فَلْيُحْفَظْ (وَضَمُّ) أَقْصَرِ (سُورَةٍ) كَالْكَوْثَرِ أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهَا، هُوَ ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ، نَحْوُ {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} [المدثر: 22] {ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ} [المدثر: 23] وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْآيَةُ أَوْ الْآيَتَانِ تَعْدِلُ ثَلَاثًا قِصَارًا ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ   [رد المحتار] فَرَائِضَهُ لَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ مُجْزِئًا فِي الْحُكْمِ وَسُقُوطُ الْفَرْضِ بِهِ وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ، فَإِذَا كَانَ الثَّانِي فَرْضًا يَلْزَمُ مِنْهُ تَكْرَارُ الْفَرْضِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إلَخْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ) وَإِلَّا فَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ قِرَاءَةُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ) هَذَا إذَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْوَقْتِ وَإِلَّا اكْتَفَى بِآيَةٍ وَاحِدَةٍ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ وَخَصَّ الْبَزْدَوِيُّ الْفَجْرَ بِهِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ بِتَرْكِ أَكْثَرِهَا) يُفِيدُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَكْثَرُ، وَلَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ بَحْرٌ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّهَا بِتَمَامِهَا وَاجِبَةٌ عِنْدَهُ؛ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَأَكْثَرُهَا، وَلِذَا لَا يَجِبُ السَّهْوُ بِنِسْيَانِ الْبَاقِي كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ، فَكَلَامُ الشَّارِحِ جَارٍ عَلَى قَوْلِهِمَا ط (قَوْلُهُ وَهُوَ أَوْلَى) لَعَلَّهُ لِلْمُوَاظَبَةِ الْمُفِيدَةِ لِلْوُجُوبِ ط (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ وَبِنَاءً عَلَى مَا فِي الْمُجْتَبَى فَكُلُّ آيَةٍ وَاجِبَةٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا فِي الْمُجْتَبَى مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ بِأَنَّهَا بِتَمَامِهَا وَاجِبَةٌ وَذِكْرُ الْآيَةِ تَمْثِيلٌ لَا تَقْيِيدٌ إذْ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْهَا آيَةٍ أَوْ أَقَلَّ وَلَوْ حَرْفًا لَا يَكُونُ آتِيًا بِكُلِّهَا الَّذِي هُوَ الْوَاجِبُ، كَمَا أَنَّ الْوَاجِبَ ضَمُّ ثَلَاثِ آيَاتٍ، فَلَوْ قَرَأَ دُونَهَا كَانَ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ. (قَوْلُهُ كَكُلِّ تَكْبِيرَةِ عِيدٍ) وَهِيَ سِتُّ تَكْبِيرَاتٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ ح (قَوْلُهُ وَتَعْدِيلُ رُكْنٍ) عُطِفَ عَلَى تَكْبِيرَةٍ: أَيْ وَكَكُلِّ تَعْدِيلِ رُكْنٍ وَمِثْلُهُ تَعْدِيلُ الْقَوْمَةِ وَتَعْدِيلُ الْجِلْسَةِ عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا ح (قَوْلُهُ وَإِتْيَانُ كُلٍّ إلَخْ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى كُلٍّ الْأَوَّلِ أَوْ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى كُلٍّ الثَّانِي، وَالْمُرَادُ أَنَّ مِنْ الْوَاجِبَاتِ إتْيَانَ كُلِّ فَرْضٍ أَوْ وَاجِبٍ فِي مَحَلِّهِ، وَتَرْكُ تَكْرِيرِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَأَفَادَ هَذَا الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ كَمَا يَأْتِي أَيْ فِي آخِرِ الْوَاجِبَاتِ (قَوْلُهُ وَتَرْكُ تَكْرِيرِ كُلٍّ) هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَعَلِمْت الْمُرَادَ مِنْهُ. وَاَلَّذِي فِي عَامَّةِ النُّسَخِ: وَتَرْكُ كُلٍّ بِإِسْقَاطِ تَكْرِيرٍ. وَتَوْجِيهُهُ بِأَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ كَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ تَنْظِيرَ الْآيَةِ فِي قَوْلِهِ يَسْجُدُ بِتَرْكِ آيَةٍ، وَالْمَعْنَى كَمَا يَسْجُدُ بِتَرْكِ كُلِّ تَكْبِيرَةِ عِيدٍ بِمُفْرَدِهَا، وَتَرْكِ كُلِّ تَعْدِيلِ رُكْنٍ بِمُفْرَدِهِ، وَتَرْكِ إتْيَانِ كُلٍّ مِنْ التَّكْبِيرَاتِ أَوْ التَّعْدِيلَاتِ جُمْلَةً، وَكَذَا بِتَرْكِ كُلِّ هَذِهِ الْمَذْكُورَةِ جُمْلَةً، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. (قَوْلُهُ تَعْدِلُ ثَلَاثًا قِصَارًا) أَيْ مِثْلُ - {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21]- إلَخْ وَهِيَ ثَلَاثُونَ حَرْفًا، فَلَوْ قَرَأَ آيَةً طَوِيلَةً قَدْرَ ثَلَاثِينَ حَرْفًا يَكُونُ قَدْ أَتَى بِقَدْرِ ثَلَاثِ آيَاتٍ، لَكِنْ سَيَأْتِي فِي فَصْلِ يَجْهَرُ الْإِمَامُ أَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ آيَةٌ وَأَنَّ الْآيَةَ عُرْفًا طَائِفَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ مُتَرْجَمَةٌ أَقَلُّهَا سِتَّةُ أَحْرُفٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا كَلَمْ يَلِدْ إلَّا إذَا كَانَتْ كَلِمَةً فَالْأَصَحُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ آيَةً طَوِيلَةً قَدْرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَرْفًا يَكُونُ قَدْ أَتَى بِقَدْرِ ثَلَاثِ آيَاتٍ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمَشْرُوعَ ثَلَاثُ آيَاتٍ مُتَوَالِيَةٌ عَلَى النَّظْمِ الْقُرْآنِيِّ مِثْلَ {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] إلَخْ وَلَا يُوجَدُ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَةٌ أَقْصَرُ مِنْهَا، فَالْوَاجِبُ إمَّا هِيَ أَوْ مَا يَعْدِلُهَا مِنْ غَيْرِهَا لَا مَا يَعْدِلُ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِ أَقْصَرِ آيَةٍ وُجِدَتْ فِي الْقُرْآنِ، وَلِذَا قَالَ تَعْدِلُ ثَلَاثًا قِصَارًا وَلَمْ يَقُلْ تَعْدِلُ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِ أَقْصَرِ آيَةٍ. عَلَى أَنَّ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ تَعْدِلُ أَقْصَرَ سُورَةٍ فَلْيُتَأَمَّلْ وَسَنَذْكُرُ فِي فَصْلِ الْجَهْرِ زِيَادَةً فِي هَذَا الْبَحْثِ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَنْ الْمُنْيَةِ. وَعِبَارَتُهُ: وَإِنْ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ قِصَارًا أَوْ كَانَتْ الْآيَةُ أَوْ الْآيَتَانِ تَعْدِلُ ثَلَاثَ آيَاتٍ قِصَارٍ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهَةِ الْمَذْكُورَةِ يَعْنِي كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ. قَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ عَنْ الْمُلْتَقَى: وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مُهِمٌّ فِيهِ يُسْرٌ عَظِيمٌ لِدَفْعِ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 (فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ) وَهَلْ يُكْرَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ؟ الْمُخْتَارُ لَا (وَ) فِي (جَمِيعِ) رَكَعَاتِ (النَّفْلِ) لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ (وَ) كُلُّ (الْوِتْرِ) احْتِيَاطًا وَتَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ (فِي الْأُولَيَيْنِ) مِنْ الْفَرْضِ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَتَقْدِيمُ الْفَاتِحَةِ)   [رد المحتار] قُلْت: قَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الدُّرَرِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: وَثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٌ تَقُومُ مَقَامَ الصُّورَةِ وَكَذَا الْآيَةُ الطَّوِيلَةُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَيْضِ وَغَيْرِهِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَوْ قَرَأَ آيَةً طَوِيلَةً كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ أَوْ الْمُدَايَنَةِ الْبَعْضَ فِي رَكْعَةٍ وَالْبَعْضَ فِي رَكْعَةٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، قِيلَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَا قَرَأَ آيَةٌ تَامَّةٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْآيَاتِ يَزِيدُ عَنْ ثَلَاثٍ قِصَارٍ أَوْ يَعْدِلُهَا فَلَا تَكُونُ قِرَاءَتُهُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ آيَاتٍ اهـ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ بَعْضَ الْآيَةِ كَالْآيَةِ فِي أَنَّهُ إذَا بَلَغَ قَدْرَ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ يَكْفِي (قَوْلُهُ فِي الْأُولَيَيْنِ) تَنَازَعَ فِيهِ قِرَاءَةٌ وَضَمٌّ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قِرَاءَةُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَضَمُّ سُورَةٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْأُولَيَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَهَلْ يُكْرَهُ) أَيْ ضَمُّ السُّورَةِ (قَوْلُهُ الْمُخْتَارُ لَا) أَيْ لَا يُكْرَهُ تَحْرِيمًا بَلْ تَنْزِيهًا لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ. قَالَ فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا: فَإِنْ ضَمَّ السُّورَةَ إلَى الْفَاتِحَةِ سَاهِيًا يَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِتَأْخِيرِ الرُّكُوعِ عَنْ مَحَلِّهِ وَفِي أَظْهَرِ الرِّوَايَاتِ لَا يَجِبُ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا مَشْرُوعَةٌ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْفَاتِحَةِ مَسْنُونٌ لَا وَاجِبٌ. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ السُّورَةَ مَشْرُوعَةٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ نَقْلًا. وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ. وَفِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ نَفْلًا الْجَوَازُ، وَالْمَشْرُوعِيَّةُ بِمَعْنَى عَدَمِ الْحُرْمَةِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ خِلَافَ الْأَوْلَى كَمَا أَفَادَهُ فِي الْحِلْيَةِ. مَطْلَبٌ كُلُّ شَفْعٍ مِنْ النَّفْلِ صَلَاةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ) كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْخُرُوجِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ، فَإِذَا قَامَ إلَى شَفْعٍ آخَرَ كَانَ بَانِيًا صَلَاةً عَلَى تَحْرِيمَةِ صَلَاةٍ، وَمِنْ ثَمَّةَ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ نَوَى أَرْبَعًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِتَحْرِيمَتِهَا سِوَى الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَأَنَّ الْقِيَامَ إلَى الثَّالِثَةِ بِمَنْزِلَةِ تَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ، حَتَّى أَنَّ فَسَادَ الشَّفْعِ الثَّانِي لَا يُوجِبُ فَسَادَ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ، وَقَالُوا: يُسْتَحَبُّ الِاسْتِفْتَاحُ فِي الثَّالِثَةِ وَالتَّعَوُّذُ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ وَسَيَأْتِي أَيْضًا فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ. قَالَ ح: وَلَا يُنَافِيهِ عَدَمُ افْتِرَاضِ الْقَعْدَةِ الْأُولَى فِيهِ الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْكُلَّ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَعْدَة كَمَا فِي الْبَحْرِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ فَرْضُهَا التَّحْرِيمَةُ (قَوْلُهُ احْتِيَاطًا) أَيْ لَمَّا ظَهَرَتْ آثَارُ السُّنِّيَّةِ فِيهِ، مِنْ أَنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ لَهُ وَلَا يُقَامُ، أَعْطَيْنَاهُ حُكْمَ السُّنَّةِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ احْتِيَاطًا ح (قَوْلُهُ وَتَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ) لَا يَتَكَرَّرُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ قَبْلَهُ الْأُولَيَيْنِ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْقِرَاءَةُ وَلَوْ آيَةً فَتَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا فِيهِمَا وَاجِبٌ وَضَمُّ السُّورَةِ مَعَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبٌ آخَرُ ط. (قَوْلُهُ مِنْ الْفَرْضِ) أَيْ الرُّبَاعِيِّ أَوْ الثُّلَاثِيِّ، وَكَذَا فِي جَمِيعِ الْفَرْضِ الثُّنَائِيِّ كَالْفَجْرِ وَالْجُمُعَةِ وَمَقْصُورَةِ السَّفَرِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) اعْلَمْ أَنَّ فِي مَحَلِّ الْقِرَاءَةِ الْمَفْرُوضَةِ فِي الْفَرْضِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ مَحَلَّهَا الرَّكْعَتَانِ الْأُولَيَانِ عَيْنًا وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ. وَالثَّانِي أَنَّ مَحَلَّهَا رَكْعَتَانِ مِنْهَا غَيْرُ عَيْنٍ: أَيْ فَيَكُونُ تَعْيِينُهَا فِي الْأُولَيَيْنِ وَاجِبًا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. الثَّالِثُ أَنَّ تَعْيِينَهَا فِيهِمَا أَفْضَلُ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَقَطْ يَصِحُّ، وَيَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ لَوْ سَاهِيًا لَكِنَّ سَبَبَهُ عَلَى الْأَوَّلِ تَغْيِيرُ الْفَرْضِ عَنْ مَحَلِّهِ وَتَكُونُ قِرَاءَتُهُ قَضَاءً عَنْ قِرَاءَتِهِ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَسَبَبُهُ عَلَى الثَّانِي تَرْكُ الْوَاجِبِ وَتَكُونُ قِرَاءَتُهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَدَاءً كَذَا فِي نَوَافِلِ الْبَحْرِ وَفِيهِ مِنْ سُجُودِ السَّهْوِ. وَاخْتَلَفُوا فِي قِرَاءَتِهِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ: هَلْ هِيَ قَضَاءٌ أَوْ أَدَاءُ، فَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهَا أَدَاءٌ لِأَنَّ الْفَرْضَ الْقِرَاءَةُ فِي رَكْعَتَيْنِ غَيْرُ عَيْنٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَنَّهَا قَضَاءٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ اسْتِدْلَالًا بِعَدَمِ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَرَأَ الْإِمَامُ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ وَلَوْ كَانَتْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَدَاءً لَجَازَ لِأَنَّهُ يَكُونُ اقْتِدَاءَ الْمُفْتَرِضِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 عَلَى كُلِّ (السُّورَةِ) وَكَذَا تَرْكُ تَكْرِيرِهَا قَبْلَ سُورَةِ الْأَوَّلِيَّيْنِ (وَرِعَايَةُ التَّرْتِيبِ)   [رد المحتار] بِالْمُفْتَرِضِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ عُلِمَ أَنَّهَا قَضَاءٌ وَأَنَّ الْأُخْرَيَيْنِ خَلَتَا عَنْ الْقِرَاءَةِ وَبِوُجُوبِ الْقِرَاءَةِ عَلَى مَسْبُوقٍ أَدْرَكَ إمَامَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. اهـ. أَقُولُ: لِي هَاهُنَا إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي تَعْيِينِ مَحَلِّهَا وَحَاصِلُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ أَنَّ تَعْيِينَهَا فِي الْأُولَيَيْنِ فَرْضٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ، وَقَدْ عَلِمْت تَصْحِيحَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ فَرْضٌ قَطْعِيٌّ أَوْ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ وَهُوَ مَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ. وَعَلَى كُلٍّ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ فَسَادُ الصَّلَاةِ كَمَا لَوْ أَخَّرَ الرُّكُوعَ عَنْ السُّجُودِ وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ عِنْدَنَا فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُتُونُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ فَقَطْ، وَأَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ وَاحِدٌ، فَقَوْلُهُمْ مَحَلُّهَا الرَّكْعَتَانِ الْأُولَيَانِ عَيْنًا مَعْنَاهُ أَنَّ التَّعْيِينَ فِيهِمَا وَاجِبٌ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْقَوْلِ الثَّانِي، فَيَكُونُ تَأْخِيرُ الْقِرَاءَةِ إلَى الْأُخْرَيَيْنِ قَضَاءً مِثْلَ تَأْخِيرِ السَّجْدَةِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ، وَيُقَابَلُ ذَلِكَ الْقَوْلُ بِأَنَّ تَعْيِينَ الْأُولَيَيْنِ أَفْضَلُ، وَعَلَيْهِ فَالْقِرَاءَةُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَدَاءٌ لَا قَضَاءٌ، وَهُمَا الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْمُنْيَةِ ذَكَرَ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ تَعْيِينَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ فَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَهَذَا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ مَحَلَّهَا الرَّكْعَتَانِ الْأُولَيَانِ عَيْنًا، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَأَمَّا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ مَحَلَّهَا رَكْعَتَانِ مِنْهَا بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا فَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ أَفْضَلُ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ سُجُودِ السَّهْوِ إذَا تَرَكَهَا فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ فِي إحْدَاهُمَا سَهْوًا لِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ سَهْوًا عَنْ مَحَلِّهِ، وَعَلَى السُّنَّةِ لَا يَجِبُ اهـ مُلَخَّصًا، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْأَقْوَالَ اثْنَانِ لَا ثَلَاثَةٌ، وَفِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَوْلِ بِأَنَّ مَحَلَّ الْقِرَاءَةِ الْأُولَيَانِ عَيْنًا هُوَ الْوُجُوبُ لَا الِافْتِرَاضُ، وَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ لَمْ يُصِبْ فِي بَيَانِ الْأَقْوَالِ وَلَا فِي التَّفْرِيعِ عَلَيْهَا كَمَا لَمْ يُصِبْ مَنْ نَقَلَ عِبَارَتَهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ وَاتَّضَحَ الْحَالُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قِيلَ إنَّ مَحَلَّ الْقِرَاءَةِ رَكْعَتَانِ مِنْ الْفَرْضِ غَيْرُ عَيْنٍ، وَكَوْنُهُمَا فِي الْأُولَيَيْنِ أَفْضَلُ، وَقِيلَ إنَّ مَحَلَّهَا الْأُولَيَانِ مِنْهُ عَيْنًا فَيَجِبُ كَوْنُهَا فِيهِمَا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُتُونُ وَهُوَ الْمُصَحَّحُ، وَعَلِمْت تَأْيِيدَهُ بِمَا مَرَّ فِي عِبَارَةِ الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُسَافِرِ وَالْمَسْبُوقِ. وَقَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا فَلَا جَرَمَ قَالَ الشَّارِحُ عَلَى الْمَذْهَبِ فَافْهَمْ. الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى التَّوْفِيقِ، وَالْهِدَايَةِ إلَى أَقْوَمِ طَرِيقٍ. (قَوْلُهُ عَلَى كُلِّ السُّورَةِ) حَتَّى قَالُوا لَوْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ السُّورَةِ سَاهِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ السُّورَةَ، وَيَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ بَحْرٌ، وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْحَرْفِ حَقِيقَتُهُ أَوْ الْكَلِمَةُ، يُرَاجَعُ ثُمَّ رَأَيْت فِي سَهْوِ الْبَحْرِ قَالَ بَعْدَ مَا مَرَّ: وَقَيَّدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنْ يَكُونَ مِقْدَارُ مَا يَتَأَدَّى بِهِ رُكْنٌ. اهـ. أَيْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ تَأْخِيرُ الِابْتِدَاءِ بِالْفَاتِحَةِ وَالتَّأْخِيرِ الْيَسِيرِ، وَهُوَ مَا دُونَ رُكْنٍ مَعْفُوٍّ عَنْهُ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْحِلْيَةِ أَيَّدَ مَا بَحَثَهُ شَيْخُهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ بِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى الْمُوجِبَةِ لِلسَّهْوِ بِسَبَبِ تَأْخِيرِ الْقِيَامِ عَنْ مَحَلِّهِ، وَأَنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ قَدَّرَهَا بِمِقْدَارِ أَدَاءِ رُكْنٍ (قَوْلُهُ وَكَذَا تَرْكُ تَكْرِيرِهَا إلَخْ) فَلَوْ قَرَأَهَا فِي رَكْعَةٍ مِنْ الْأُولَيَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَجَبَ سُجُودُ السَّهْوِ لِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ وَهُوَ السُّورَةُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَا لَوْ قَرَأَ أَكْثَرَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، أَمَّا لَوْ قَرَأَهَا قَبْلَ السُّورَةِ مَرَّةً وَبَعْدَهَا مَرَّةً فَلَا يَجِبُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَصَحَّحَهُ الزَّاهِدِيُّ لِعَدَمِ لُزُومِ التَّأْخِيرِ لِأَنَّ الرُّكُوعَ لَيْسَ وَاجِبًا بِإِثْرِ السُّورَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ سُوَرٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ و (فِيمَا يَتَكَرَّرُ) أَمَّا فِيمَا لَا يَتَكَرَّرُ فَفَرْضٌ كَمَا مَرَّ   [رد المحتار] هُنَا وَفِي سُجُودِ السَّهْوِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَقُيِّدَ بِالْأُولَيَيْنِ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَرَّةٍ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَكْرَارِ الْفَاتِحَةِ فِيهِمَا سَهْوًا، وَلَوْ تَعَمَّدَهُ لَا يُكْرَهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى التَّطْوِيلِ عَلَى الْجَمَاعَةِ أَوْ إطَالَةِ الرَّكْعَةِ عَلَى مَا قَبْلَهَا. اهـ (قَوْلُهُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ) يَعْنِي فِي الْفَرْضِ الْغَيْرِ الثُّنَائِيِّ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ وَاجِبًا أَنَّهُ لَوْ رَكَعَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ صَحَّ رُكُوعُ هَذِهِ الرَّكْعَةِ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الرُّكُوعِ أَنْ يَكُونَ مُتَرَتِّبًا عَلَى قِرَاءَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، بِخِلَافِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَثَلًا فَإِنَّهُ فَرْضٌ، حَتَّى لَوْ سَجَدَ قَبْلَ الرُّكُوعِ لَمْ يَصِحَّ سُجُودُ هَذِهِ الرَّكْعَةِ، لِأَنَّ أَصْلَ السُّجُودِ يُشْتَرَطُ تَرَتُّبُهُ عَلَى الرُّكُوعِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَتَرَتُّبِ الرُّكُوعِ عَلَى الْقِيَامِ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَمْ تُفْرَضْ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ الْفَرْضِ، بَلْ فِي رَكْعَتَيْنِ مِنْهُ بِلَا تَعْيِينٍ، أَمْ الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَإِنَّهَا مُعَيَّنَةٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ نَعَمْ الْقِرَاءَةُ فَرْضٌ وَمَحَلُّهَا الْقِيَامُ مِنْ حَيْثُ هُوَ، فَإِذَا ضَاقَ وَقْتُهَا بِأَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ صَارَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرُّكُوعِ فَرْضًا لِعَدَمِ إمْكَانِ تَدَارُكِهِ، وَلَكِنَّ فَرْضِيَّةَ هَذَا التَّرْتِيبِ عَارِضَةٌ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ، فَلِذَا لَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهِ، وَاقْتَصَرُوا عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَهَا وَاجِبٌ لِأَنَّ إيقَاعَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ وَاجِبٌ، هَذَا تَوْضِيحُ مَا حَقَّقَهُ فِي الدُّرَرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّرْتِيبَ الْمَذْكُورَ وَاجِبٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَثَمَرَتُهُ فِيمَا لَوْ أَخَّرَ الْقِرَاءَةَ إلَى الْأُخْرَيَيْنِ وَرَكَعَ فِي كُلٍّ مِنْ الْأُولَيَيْنِ بِلَا قِرَاءَةٍ أَصْلًا، أَمَّا لَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ صَارَ التَّرْتِيبُ فَرْضًا حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ السُّورَةَ رَاكِعًا فَعَادَ وَقَرَأَهَا لَزِمَ إعَادَةُ الرُّكُوعِ لِأَنَّ السُّورَةَ الْتَحَقَتْ بِمَا قَبْلَهَا وَصَارَتْ الْقِرَاءَةُ كُلُّهَا فَرْضًا فَيَلْزَمُ تَأْخِيرُ الرُّكُوعِ عَنْهَا، وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ قَبْلَ وُجُودِ الْقِرَاءَةِ فَرْضٌ بَعْدَهَا نَظِيرُهُ قِرَاءَةُ السُّورَةِ فَإِنَّهَا قَبْلَ قِرَاءَتِهَا تُسَمَّى وَاجِبًا وَبَعْدَهَا تُسَمَّى فَرْضًا، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْأَصْلُ فِي هَذَا التَّرْتِيبِ الْوُجُوبَ، وَفَرْضِيَّتُهُ عَارِضَةٌ كَعُرُوضِهَا فِيمَا لَوْ أَخَّرَ الْقِرَاءَةَ إلَى الْأُخْرَيَيْنِ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ يُغْنِي عَنْهُ وُجُوبُ تَعْيِينِ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ هَذَا التَّعْيِينُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهَذَا التَّرْتِيبِ جَعَلُوهُ وَاجِبًا آخَرَ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ أَمَّا فِيمَا لَا يَتَكَرَّرُ) أَيْ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ أَوْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَفَرْضٌ، وَذَلِكَ كَتَرْتِيبِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقُعُودِ الْأَخِيرِ كَمَا عَلِمْته آنِفًا، وَمَرَّ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ وَبَقِيَ مِنْ الْفُرُوضِ، وَبَيَّنَّاهُ هُنَاكَ. وَلَا يَرُدُّ عَلَى إطْلَاقِهِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَعَ أَنَّ تَرْتِيبَهَا عَلَى الرُّكُوعِ غَيْرُ فَرْضٍ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِمَا لَا يَتَكَرَّرُ مَا عَدَاهَا بِقَرِينَةِ تَصْرِيحِهِ قُبَيْلَهُ بِوُجُوبِ تَرْتِيبِهَا فَلَا مُنَاقَضَةَ فِي كَلَامِهِ فَافْهَمْ. فَإِنْ قُلْت: ذَكَرَ فِي الْكَافِي النَّسَفِيُّ مِنْ بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ أَنَّهُ يَجِبُ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا تَقْدِيمُ رُكْنٍ بِأَنْ رَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ أَوْ سَجَدَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، فَإِذَا تَرَكَ التَّرْتِيبَ فَقَدْ تَرَكَ الْوَاجِبَ. اهـ. وَوَقَعَ نَظِيرُهُ فِي الذَّخِيرَةِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْكَافِي ذَكَرَ هُنَا أَنَّ تَرْتِيبَ الْقِيَامِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ فَرْضٌ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُوجَدُ إلَّا بِذَلِكَ. اهـ. قُلْت: أَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا إنَّ التَّرْتِيبَ شَرْطٌ، مَعْنَاهُ أَنَّ الرُّكْنَ الَّذِي قَدَّمَهُ يَلْغُو وَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ مُرَتَّبًا، حَتَّى إذَا سَجَدَ قَبْلَ الرُّكُوعِ لَا يُعْتَدُّ بِهَذَا السُّجُودِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ فَيُشْتَرَطُ إعَادَتُهُ، وَقَوْلُهُمْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ إنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ، مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّلَاةَ بَعْدَ إعَادَةِ مَا قَدَّمَهُ لَا تَفْسُدُ بِتَرْكِ التَّرْتِيبِ صُورَةً الْحَاصِلِ بِزِيَادَةِ مَا قَدَّمَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ افْتِرَاضَ التَّرْتِيبِ بِمَعْنَى افْتِرَاضِ إعَادَةِ مَا قَدَّمَهُ وَوُجُوبِهِ بِمَعْنَى إيجَابِ عَدَمِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّ زِيَادَةَ مَا دُونَ رَكْعَةٍ لَا تُفْسِدُ الصَّلَاةَ فَكَانَ وَاجِبًا لَا فَرْضًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ خَفِيَ هَذَا عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ حَتَّى ظَنَّ أَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالسَّجْدَةِ) أَوْ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ كَعَدَدِ رَكَعَاتِهَا،   [رد المحتار] التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ مُطْلَقًا إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَالْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ، وَهُوَ عَجِيبٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ كَلَامِ النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ كَالسَّجْدَةِ) الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ إذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ فِي الرَّكْعَةِ سِوَاهَا وَمِثْلُهُ الْكَافُ فِي قَوْلِهِ كَعَدَدٍ ح، وَالْمُرَادُ بِهَا السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ، فَالتَّرْتِيبُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا بَعْدَهَا وَاجِبٌ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ ثُمَّ تَذَكَّرَهَا فِيمَا بَعْدَهَا مِنْ قِيَامٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ فَإِنَّهُ يَقْضِيهَا وَلَا يَقْضِي مَا فَعَلَهُ قَبْلَ قَضَائِهَا مِمَّا هُوَ بَعْدَ رَكْعَتِهَا مِنْ قِيَامٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ، بَلْ يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ فَقَطْ، لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي لُزُومِ قَضَاءِ مَا تَذَكَّرَهَا فَقَضَاهَا فِيهِ، كَمَا لَوْ تَذَكَّرَ وَهُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فَإِنَّهُ يَسْجُدُهَا، وَهَلْ يُعِيدُ الرُّكُوعَ أَوْ السُّجُودَ الْمُتَذَكَّرَ فِيهِ، فَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ إعَادَتُهُ بَلْ تُسْتَحَبُّ مُعَلَّلًا بِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ بِفَرْضٍ بَيْنَ مَا يَتَكَرَّرُ مِنْ الْأَفْعَالِ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يُعِيدُهُ وَإِلَّا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ ارْتَفَضَ بِالْعَوْدِ إلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ لِأَنَّهُ قَبْلَ الرَّفْعِ مِنْهُ يَقْبَلُ الرَّفْضَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَذَكَّرَ السَّجْدَةَ بَعْدَ مَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَا تَمَّ بِالرَّفْعِ لَا يَقْبَلُ الرَّفْضَ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَعُلِمَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْإِعَادَةِ لَيْسَ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ وَعَدَمِهِ، بَلْ عَلَى أَنَّ الرُّكْنَ الْمُتَذَكَّرَ فِيهِ هَلْ يَرْتَفِضُ بِالْعَوْدِ إلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ أَوْ لَا اهـ تَأَمَّلْ وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْهِدَايَةِ، فَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ فِي آخِرِ بَابِ الِاسْتِخْلَافِ وَصَرَّحَ فِي الْبَحْرِ بِضَعْفِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ. هَذَا، وَالتَّقْيِيدُ بِالتَّرْتِيبِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا بَعْدَهَا لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا قَبْلَهَا مِنْ رَكْعَتِهَا، فَإِنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مِنْ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ شَرْطٌ كَمَا مَرَّ؛ وَنَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ كَعَدَدِ رَكَعَاتِهَا) أَيْ أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ وَاجِبٌ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَإِنَّ مَا يَقْضِيهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ أَوَّلَ صَلَاتِهِ عِنْدَنَا، وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ فَرْضًا لَكَانَ آخِرًا. اهـ. وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ التَّرْتِيبِ الْوَاجِبِ، إذْ لَا شَيْءَ عَلَى الْمَسْبُوقِ وَلَا نَقْصَ فِي صَلَاتِهِ أَصْلًا، فَلِذَا اقْتَصَرَ فِي الْكَافِي عَلَى الْمُتَكَرِّرِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ اهـ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ مُرَادَ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ التَّرْتِيبَ الْمَذْكُورَ وَاجِبٌ عَلَى الْمَسْبُوقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مُرَادُهُ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى غَيْرِهِ بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الْمَسْبُوقِ: وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى فِي ثَالِثَةِ الرَّبَاعِيَةِ مَثَلًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ أَوَّلَ صَلَاةِ إمَامِهِ الَّذِي فَاتَهُ، وَلَوْ فَعَلَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِانْفِرَادِهِ فِي مَوْضِعِ الِاقْتِدَاءِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ مُتَابَعَتُهُ فِيمَا أَدْرَكَهُ، ثُمَّ إذَا سَلَّمَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ وَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْقَعَدَاتُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَى الْمَسْبُوقِ عَكْسُ التَّرْتِيبِ، وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ فَرْضًا لَكَانَ مَا يَقْضِيهِ آخِرَ صَلَاتِهِ حَقِيقَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَقْرَأُ السُّورَةَ وَلَا يَجْهَرُ. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ مُرَادَ الزَّيْلَعِيِّ وُجُوبُ التَّرْتِيبِ عَلَى غَيْرِ الْمَسْبُوقِ مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ أَوْ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ كَالرَّكَعَاتِ إلَّا لِضَرُورَةِ الِاقْتِدَاءِ حَيْثُ يَسْقُطُ بِهِ التَّرْتِيبُ فَإِنَّ الْمَسْبُوقَ يُصَلِّي آخِرَ الرَّكَعَاتِ قَبْلَ أَوَّلِهَا اهـ فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ كَلَامَ الْفَتْحِ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ فَقَدْ وَهَمَ، نَعَمْ كَلَامُ الْفَتْحِ أَظْهَرُ فِي الْمُرَادِ فَافْهَمْ. فَإِنْ قُلْت: وُجُوبُ الشَّيْءِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا أَمْكَنَ ضِدُّهُ وَعَدَمُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَإِنَّ الْمُصَلِّيَ كُلُّ رَكْعَةٍ أَتَى بِهَا أَوَّلًا فَهِيَ الْأَوَّلُ وَثَانِيًا فَهِيَ الثَّانِيَةُ وَهَكَذَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 حَتَّى لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى قَضَاهَا وَلَوْ بَعْدَ السَّلَامِ قَبْلَ الْكَلَامِ لَكِنَّهُ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْعَوْدِ إلَى الصُّلْبِيَّةِ وَالتِّلَاوِيَّةِ،   [رد المحتار] قُلْت: يُمْكِنُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الِاعْتِبَارِيَّةِ الَّتِي تَبْتَنِي عَلَيْهَا أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ إذَا وُجِدَ مَعَهَا مَا يَقْتَضِيهَا، فَإِذَا صَلَّى مِنْ الْفَرْضِ الرُّبَاعِيِّ رَكْعَتَيْنِ وَقَصَدَ أَنْ يَجْعَلَهُمَا الْأَخِيرَتَيْنِ فَهُوَ لَغْوٌ إلَّا إذَا حُقِّقَ قَصْدُهُ، بِأَنْ تَرَكَ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ وَقَرَأَ فِيمَا بَعْدَهُمَا، فَحِينَئِذٍ يُبْتَنَى عَلَيْهِ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ وَهِيَ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَالْإِثْمُ لِوُجُودِ مَا يَقْتَضِي تِلْكَ الْأَحْكَامَ وَلِهَذَا اعْتَبَرَ الشَّارِعُ صَلَاةَ الْمَسْبُوقِ غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ مِنْ حَيْثُ الْأَقْوَالُ فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ عَكْسَ التَّرْتِيبِ مَعَ أَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ أَتَى بِهَا أَوَّلًا فَهِيَ الْأُولَى صُورَةً لَكِنَّهَا فِي الْحَكَمِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ فَكَمَا أَوْجَبَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ عَكْسَ التَّرْتِيبِ بِأَنْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَفْعَلَ مَا يَبْتَنِي عَلَى ذَلِكَ مِنْ قِرَاءَةٍ وَجَهْرٍ كَذَلِكَ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالتَّرْتِيبِ بِأَنْ يَفْعَلَ مَا يَقْتَضِيهِ، بِأَنْ يَقْرَأَ أَوَّلًا وَيُجْهِرُ وَيُسِرُّ، وَإِذَا خَالَفَ يَكُونُ قَدْ عَكَسَ التَّرْتِيبَ حُكْمًا، وَلِهَذَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ كَالْكَنْزِ وَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ وَرِعَايَةُ التَّرْتِيبِ: أَيْ مُلَاحَظَتُهُ بِاعْتِبَارِ الْإِتْيَانِ بِمَا يَجِبُ أَوَّلًا فِي الْأَوَّلِ أَوْ آخِرًا فِي الْآخِرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إمَّا مُنْفَرِدٌ أَوْ إمَامٌ أَوْ مَأْمُومٌ، فَالْأَوَّلَانِ يَظْهَرُ فِيهِمَا ثَمَرَةُ التَّرْتِيبِ بِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ سَلَّمْنَا عَدَمَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ فِيهِمَا تَظْهَرُ فِي الْمَأْمُومِ، فَإِنَّهُ إمَّا مُدْرِكٌ أَوْ مَسْبُوقٌ فَقَطْ أَوْ لَاحِقٌ فَقَطْ أَوْ مُرَكَّبٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَحَلِّهِ. أَمَّا الْمُدْرِكُ فَهُوَ تَابِعٌ لِإِمَامِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُ. وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ اللَّازِمَ عَلَيْهِ عَكْسُ التَّرْتِيبِ. وَأَمَّا اللَّاحِقُ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ التَّرْتِيبُ بِعَكْسِ الْمَسْبُوقِ: وَعِنْدَ زَفَرَ التَّرْتِيبُ فَرْضٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَدْرَكَ بَعْضَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَنَامَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ أَوَّلًا مَا نَامَ فِيهِ بِلَا قِرَاءَةٍ ثُمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ، فَلَوْ تَابَعَهُ أَوَّلًا ثُمَّ صَلَّى مَا نَامَ فِيهِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ جَازَ عِنْدَنَا وَأَثِمَ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ. وَعِنْدَ زَفَرَ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ: قَالَ فِي السِّرَاجِ مِنْ الْفَتَاوَى: الْمَسْبُوقُ إذَا بَدَأَ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ فَإِنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَاللَّاحِقُ إذَا تَابَعَ الْإِمَامَ قَبْلَ قَضَاءِ مَا فَاتَهُ لَا تَفْسُدُ خِلَافًا لِزُفَرَ. اهـ. وَأَمَّا الْمُرَكَّبُ كَمَا لَوْ اقْتَدَى فِي ثَانِيَةِ الْفَجْرِ فَنَامَ إلَى أَنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ، فَهَذَا لَاحِقٌ وَمَسْبُوقٌ وَلَمْ يُصَلِّ شَيْئًا فَيُصَلِّي أَوَّلًا الرَّكْعَةَ الَّتِي نَامَ فِيهَا بِلَا قِرَاءَةٍ ثُمَّ الَّتِي سُبِقَ بِهَا بِقِرَاءَةٍ، وَإِنْ عَكَسَ صَحَّ وَأَثِمَ لِتَرْكِهِ التَّرْتِيبَ الْوَاجِبَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ، سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا لِأَدَائِهَا مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ أَوْ سَاهِيًا لِعَدَمِ إمْكَانِ الْجَبْرِ بِسُجُودِ السَّهْوِ لِأَنَّ خِتَامِ صَلَاتِهِ وَقَعَ بِمَا لَحِقَ فِيهِ، وَاللَّاحِقُ مَمْنُوعٌ عَنْ سُجُودِ السَّهْوِ لِأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ حُكْمًا فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ اللَّاحِقَ بِنَوْعَيْهِ قَدْ أَوْجَبُوا عَلَيْهِ التَّرْتِيبَ كَمَا أَلْزَمُوا الْمَسْبُوقَ بِعَكْسِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا مِنْ حَيْثُ الِاعْتِبَارُ وَالْحُكْمُ لَا مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ نَسِيَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ كَالسَّجْدَةِ (قَوْلُهُ مِنْ الْأُولَى) لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَخَصَّهَا لِبُعْدِهَا مِنْ الْآخَرِ ط (قَوْلُهُ قَبْلِ الْكَلَامِ) الْمُرَادُ قَبْلَ إتْيَانِهِ بِمُفْسِدٍ ط (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يَتَشَهَّدُ) أَيْ يَقْرَأُ التَّشَهُّدَ إلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ فَقَطْ وَيُتِمُّهُ بِالصَّلَوَاتِ وَالدَّعَوَاتِ فِي تَشَهُّدِ السَّهْوِ عَلَى الْأَصَحِّ ط (قَوْلُهُ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ) أَيْ وُجُوبًا، وَسَكَتَ عَنْ الْقَعْدَةِ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ يَسْتَلْزِمُهَا لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ إلَّا فِيهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ يَعْنِي مَعَ الْقَعْدَةِ بِقَرِينَةِ قَوْلُهُ أَمَّا السَّهْوِيَّةُ فَتَرْفَعُ التَّشَهُّدَ لَا الْقَعْدَةَ ح. أَمَّا بُطْلَانُ الْقَعْدَةِ بِالْعَوْدِ إلَى الصُّلْبِيَّةِ: أَيْ السَّجْدَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ صُلْبِ الصَّلَاةِ أَيْ جَزْءٌ مِنْهَا، فَلِاشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْقَعْدَةِ وَمَا قَبْلَهَا لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ أَخِيرَةً إلَّا بِإِتْمَامِ سَائِرِ الْأَرْكَانِ وَأَمَّا بُطْلَانُهَا بِالْعَوْدِ إلَى التِّلَاوِيَّةِ فَقَالَ ط لِأَنَّ التِّلَاوِيَّةَ لَمَّا وَقَعَتْ فِي الصَّلَاةِ أُعْطِيت حُكْمَ الصُّلْبِيَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 أَمَّا السَّهْوِيَّةُ فَتَرْفَعُ التَّشَهُّدَ لَا الْقَاعِدَةَ، حَتَّى لَوْ سَلَّمَ بِمُجَرَّدِ رَفْعِهِ مِنْهَا لَمْ تَفْسُدْ، بِخِلَافِ تِلْكَ السَّجْدَتَيْنِ. (وَتَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ) أَيْ تَسْكِينُ الْجَوَارِحِ قَدْرَ تَسْبِيحَةٍ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَكَذَا فِي الرَّفْعِ مِنْهُمَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْكَمَالُ،   [رد المحتار] أَصْلًا. وَقَالَ الرَّحْمَتِيُّ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْقِرَاءَةِ الَّتِي هِيَ رُكْنٌ فَأَخَذَتْ حُكْمَ الْقِرَاءَةِ فَلَزِمَ تَأْخِيرُ الْقَعْدَةِ عَنْهَا (قَوْلُهُ أَمَّا السَّهْوِيَّةُ) أَيْ السَّجْدَةُ السَّهْوِيَّةُ، وَالْمُرَادُ الْجِنْسُ لِأَنَّهَا سَجْدَتَانِ ط (قَوْلُهُ فَتَرْفَعُ التَّشَهُّدَ) أَيْ تُبْطِلُهُ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مِثْلُهَا فَتَجِبُ إعَادَتُهُ، وَإِنَّمَا لَا تَرْفَعُ الْقَعْدَةَ لِأَنَّهَا رُكْنٌ فَهِيَ أَقْوَى مِنْهَا (قَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ رَفْعِهِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ السَّهْوِيَّةِ بِلَا قُعُودٍ وَلَا تَشَهُّدٍ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ الرُّكْنَ لَمْ تَرْتَفِعْ فَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِتَرْكِ التَّشَهُّدِ الْوَاجِبِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ تِلْكَ السَّجْدَتَيْنِ) أَيْ الصُّلْبِيَّةِ وَالتِّلَاوِيَّةِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ سَلَّمَ بِمُجَرَّدِ رَفْعِهِ مِنْهُمَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِرَفْعِهِمَا الْقَعْدَةَ. مَطْلَبٌ قَدْ يُشَارُ إلَى الْمُثَنَّى بِاسْمِ الْإِشَارَةِ الْمَوْضُوعِ لِلْمُفْرَدِ [تَنْبِيهٌ] قَدْ يُشَارُ إلَى الْمُثَنَّى بِاسْمِ الْإِشَارَةِ الْمَوْضُوعِ لِلْمُفْرَدِ كَمَا هُنَا وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى - {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68]- أَيْ بَيْنَ الْفَارِضِ وَالْبِكْرِ، وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: إنَّ لِلْخَيْرِ وَلِلشَّرِّ مَدًى ... وَكِلَا ذَلِكَ وَجْهٌ وَقُبُلْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَتَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ) هُوَ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا فِي تَخْرِيجِ الْجُرْجَانِيِّ، وَفِي تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ، وَاجِبٌ حَتَّى تَجِبَ سَجْدَتَا السَّهْوِ بِتَرْكِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَجَزَمَ بِالثَّانِي فِي الْكَنْزِ وَالْوِقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى، وَهُوَ مُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ كَمَا يَأْتِي قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَبِهَذَا يُضَعَّفُ قَوْلُ الْجُرْجَانِيِّ (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي الرَّفْعِ مِنْهُمَا) أَيْ يَجِبُ التَّعْدِيلُ أَيْضًا فِي الْقَوْمَةِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالْجَلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَتَضَمَّنَ كَلَامُهُ وُجُوبَ نَفْسِ الْقَوْمَةِ وَالْجَلْسَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ التَّعْدِيلِ فِيهِمَا وُجُوبُهُمَا (قَوْلُهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْكَمَالُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ وُجُوبُ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الْأَرْبَعَةِ أَيْ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَفِي الْقَوْمَةِ وَالْجَلْسَةِ، وَوُجُوبُ نَفْسِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لِلْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَلِلْأَمْرِ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، وَلِمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ مِنْ لُزُومِ سُجُودِ السَّهْوِ بِتَرْكِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ سَاهِيًا وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ، فَيَكُونُ حُكْمُ الْجَلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِمَا وَاحِدٌ، وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْكُلِّ هُوَ مُخْتَارُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ وَتِلْمِيذِهِ ابْنِ أَمِيرِ الْحَاجِّ، حَتَّى قَالَ إنَّهُ الصَّوَابُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. اهـ. مَطْلَبٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْدِلَ عَنْ الدِّرَايَةِ إذَا وَافَقَتْهَا رِوَايَةٌ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْدِل عَنْ الدِّرَايَةِ أَيْ الدَّلِيلِ إذَا وَافَقَتْهَا رِوَايَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَمِثْلُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْقُنْيَةِ مِنْ قَوْلِهِ: وَقَدْ شَدَّدَ الْقَاضِي الصَّدْرُ فِي شَرْحِهِ فِي تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ جَمِيعِهَا تَشْدِيدًا بَلِيغًا فَقَالَ: وَإِكْمَالُ كُلِّ رُكْنٍ وَاجِبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ فَرِيضَةٌ، فَيَمْكُثُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَفِي الْقَوْمَةِ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَطْمَئِنَّ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ، هَذَا هُوَ الْوَاجِبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا أَوْ شَيْئًا مِنْهَا سَاهِيًا يَلْزَمُهُ السَّهْوُ وَلَوْ عَمْدًا يُكْرَهُ أَشَدَّ الْكَرَاهَةِ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ وَتَكُونَ مُعْتَبَرَةً فِي حَقِّ سُقُوطِ التَّرْتِيبِ وَنَحْوِهِ كَمَنْ طَافَ جُنُبًا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْأَوَّلُ كَذَا هَذَا. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَصَحَّ رِوَايَةً وَدِرَايَةً وُجُوبُ تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ، وَأَمَّا الْقَوْمَةُ وَالْجَلْسَةُ وَتَعْدِيلُهُمَا فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ السُّنِّيَّةُ، وَرُوِيَ وُجُوبُهَا، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَدِلَّةِ، وَعَلَيْهِ الْكَمَالُ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَدْ عَلِمْت قَوْلَ تِلْمِيذِهِ إنَّهُ الصَّوَابُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بِفَرْضِيَّةِ الْكُلِّ وَاخْتَارَهُ فِي الْمَجْمَعِ وَالْعَيْنِيِّ وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 لَكِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ مُكَمِّلَ الْفَرْضِ وَاجِبٌ وَمُكَمِّلُ الْوَاجِبِ سُنَّةٌ، وَعِنْدَ الثَّانِي الْأَرْبَعَةُ فَرْضٌ (وَالْقُعُودُ الْأَوَّلُ) وَلَوْ فِي نَفْلٍ فِي الْأَصَحِّ وَكَذَا تَرْكُ الزِّيَادَةِ فِيهِ عَلَى التَّشَهُّدِ، وَأَرَادَ بِالْأَوَّلِ غَيْرَ الْأَخِيرِ.   [رد المحتار] أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ فِي الْفَيْضِ إنَّهُ الْأَحْوَطُ اهـ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَلِلْعَلَّامَةِ الْبِرْكِلِيِّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا مَعْدِلَ الصَّلَاةِ أَوْضَحَ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا غَايَةَ الْإِيضَاحِ، وَبَسَطَ فِيهَا أَدِلَّةَ الْوُجُوبِ، وَذَكَرَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ مِنْ الْآفَاتِ وَأَوْصَلَهَا إلَى ثَلَاثِينَ آفَةً وَمِنْ الْمَكْرُوهَاتِ الْحَاصِلَةِ فِي صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَأَوْصَلَهَا إلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلَثِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ مَكْرُوهًا، فَيَنْبَغِي مُرَاجَعَتُهَا وَمُطَالَعَتُهَا (قَوْلُهُ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَكَذَا فِي الرَّفْعِ مِنْهُمَا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ وُجُوبَ تَعْدِيلِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ظَاهِرٌ مُوَافِقٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ مُكَمِّلٌ لَهُمَا، أَمَّا وُجُوبُ تَعْدِيلِ الْقَوْمَةِ وَالْجِلْسَةِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ الْقَوْمَةَ وَالْجِلْسَةَ إذَا كَانَتَا وَاجِبَتَيْنِ عَلَى مَا أَخْتَارهُ الْكَمَالُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ التَّعْدِيلُ فِيهِمَا سُنَّةً لِأَنَّ مُكَمِّلَ الْوَاجِبِ يَكُونُ سُنَّةً، فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ لَا تُوَافِقُ مُخْتَارَ الْكَمَالِ لِأَنَّهُ الْوُجُوبُ فِي الْكُلِّ، وَلَا مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُمْ لِأَنَّهُ الْفَرْضُ فِي الْكُلِّ، وَلَا مَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا السُّنِّيَّةُ فِي الْكُلِّ عَلَى تَخْرِيجِ الْجُرْجَانِيِّ أَوْ الْوُجُوبُ فِي تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ، وَالسُّنِّيَّةُ فِي الْبَاقِي عَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ لِأَنَّهُ فَصَلَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهِ بَيْنَ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَبَيْنَ الْقَوْمَةِ وَالْجِلْسَةِ، بِأَنَّ الْأُولَى مُكَمِّلَةٌ لِلرُّكْنِ الْمَقْصُودِ لِذَاتِهِ وَهُوَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَالْأَخِيرَتَيْنِ مُكَمِّلَتَانِ لِلرُّكْنِ الْمَقْصُودُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الِانْتِقَالُ فَكَانَا سُنَّتَيْنِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْمُكَمِّلَيْنِ اهـ فَافْهَمْ. وَأَجَابَ ح بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ مُخَالَفَةُ الْقَاعِدَةِ حَيْثُ اقْتَضَاهَا الدَّلِيلُ. أَقُولُ: عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْقَاعِدَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ الدُّرَرِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَجْهُ صِحَّةٍ، قَالَ: وَلَعَلَّ مَنْشَأَهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ إكْمَالٌ لِلْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ إكْمَالٌ لِلْوَاجِبَاتِ وَالْآدَابِ إكْمَالٌ لِلسُّنَنِ، وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَاهُ ذَلِكَ فَلْيُتَدَبَّرْ اهـ أَيْ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَاجِبَ شُرِعَ لِإِكْمَالٍ الْفَرَائِضِ إلَخْ لَا أَنَّ كُلَّ مَا يُكَمِّلُ الْفَرْضَ يَكُونُ وَاجِبًا وَهَكَذَا (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الثَّانِي الْأَرْبَعَةُ فَرْضٌ) أَيْ عَمَلِيٌّ يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ فِي آخِرِ بَحْثِ الْفَرَائِضِ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي نَفْلٍ) لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ كُلُّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةً عَلَى حِدَةٍ حَتَّى افْتَرَضَتْ الْقِرَاءَةُ فِي جَمِيعِهِ، لَكِنَّ الْقَعْدَةَ إنَّمَا فُرِضَتْ لِلْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ، فَإِذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا قَبْلَهَا لَمْ يَكُنْ أَوَانَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَمْ تَبْقَ الْقَعْدَةُ فَرِيضَةً؛ وَتَمَامُهُ فِي ح عَنْ وِتْرٍ الْبَحْرُ. (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي افْتِرَاضِهِ عَنْ قَعْدَةِ كُلِّ شَفْعٍ نَفْلٍ وَلِلطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ فِي قَوْلِهِمَا إنَّهَا فِي غَيْرِ النَّفْلِ سُنَّةٌ، لَكِنْ فِي النَّهْرِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ اسْمَ السُّنَّةِ إمَّا لِأَنَّ وُجُوبَهُ عُرِفَ بِهَا أَوْ لِأَنَّ الْمُؤَكَّدَةَ فِي مَعْنَى الْوَاجِبِ، وَهَذَا يَقْتَضِي رَفْعَ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ وَكَذَا تَرْكُ الزِّيَادَةِ فِيهِ عَلَى التَّشَهُّدِ) ضَمِيرُ فِيهِ لَا يَصِحُّ إرْجَاعُهُ لِلتَّشَهُّدِ خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ وَإِنْ كَانَ تَرْكُ الزِّيَادَةِ فِيهِ أَيْ فِي أَثْنَاءِ كَلِمَاتِهِ وَاجِبًا أَيْضًا كَتَرْكِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ أَيْ بَعْدَ تَمَامِهِ كَمَا سَيَأْتِي فَيَتَعَيَّنُ مَا قَالَهُ ح مِنْ إرْجَاعِهِ لِلْقُعُودِ الْأَوَّلِ: أَيْ فِي الْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ لِأَنَّهَا فِي النَّفْلِ مَطْلُوبَةٌ، وَأَقَلُّ الزِّيَادَةِ الْمُفَوِّتَةِ لِلْوَاجِبِ مِقْدَارُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ فَقَطْ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْآتِي. (قَوْلُهُ وَأَرَادَ بِالْأَوَّلِ غَيْرَ الْأَخِيرِ) لِيَشْمَلَ مَا إذَا صَلَّى أَلْفَ رَكْعَةٍ مِنْ النَّفْلِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّ مَا عَدَا الْقُعُودَ الْأَخِيرَ وَاجِبٌ، وَمَفْهُومُهُ فَرِيضَةُ كُلِّ قُعُودٍ أَخِيرٍ فِي أَيِّ صَلَاةٍ كَانَتْ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْقُعُودُ الَّذِي بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ، لِمَا سَيَأْتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ لَوْ اسْتَخْلَفَ مُسَافِرٌ سَبَقَهُ الْحَدَثُ مُقِيمًا فَإِنَّ الْقُعُودَ الْأَوَّلَ فَرْضٌ عَلَيْهِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ عَارِضٌ (وَالتَّشَهُّدَانِ) وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بِتَرْكِ بَعْضِهِ كَكُلِّهِ وَكَذَا فِي كُلِّ قَعْدَةٍ فِي الْأَصَحِّ إذْ قَدْ يَتَكَرَّرُ عَشْرًا؛ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي تَشَهُّدَيْ الْمَغْرِبِ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ فَسَجَدَ مَعَهُ وَتَشَهَّدَ ثُمَّ تَذَكَّرَ سُجُودَ تِلَاوَةٍ فَسَجَدَ مَعَهُ وَتَشَهَّدَ ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَتَشَهَّدَ مَعَهُ ثُمَّ قَضَى الرَّكْعَتَيْنِ بِتَشَهُّدَيْنِ وَوَقَعَ لَهُ كَذَلِكَ. قُلْت: وَمِثْلُ التِّلَاوَةِ تَذَكُّرُ الصُّلْبِيَّةِ؛ فَلَوْ فَرَضْنَا تَذَكُّرَهَا أَيْضًا لَهُمَا زِيدَ أَرْبَعٌ   [رد المحتار] مِنْ أَنَّهُ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ لَا الْقَعْدَةَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّشَهُّدَ يَسْتَلْزِمُ الْقَعْدَةَ فَهِيَ وَاجِبَةٌ ح (قَوْلُهُ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ عَارِضٌ) أَيْ بِسَبَبِ الِاسْتِخْلَافِ، فَإِنَّ الْمُسَافِرَ يُفْتَرَضُ قُعُودُهُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ آخِرُ صَلَاتِهِ وَالْمُقِيمُ بِالِاسْتِخْلَافِ قَامَ مَقَامَهُ فَتُفْرَضُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْقَعْدَةُ كَالْقَعْدَةِ الثَّانِيَةِ، قِيلَ وَيُجَابُ بِهَذَا أَيْضًا عَنْ الْمَسْبُوقِ، كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ فِي ثَانِيَةِ الْمَغْرِبِ فَإِنَّ الْقُعُودَ الثَّانِيَ مِمَّا عَدَا الْأَخِيرَ فَرْضٌ عَلَيْهِ بِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ قُعُودَ الْإِمَامِ الْأَخِيرَ يُفْتَرَضُ عَلَى الْمَسْبُوقِ بِمُتَابَعَتِهِ لِإِمَامِهِ فَهُوَ عَارِضٌ بِالِاقْتِدَاءِ. وَأَقُولُ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِمَا أَرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا لَيْسَ بِآخِرٍ إذْ الْمَسْبُوقُ بِثَلَاثٍ فِي الرُّبَاعِيَّةِ يَقْعُدُ ثَلَاثَ قَعَدَاتٍ وَالْوَاجِبُ مِنْهَا مَا عَدَا الْأَخِيرَةَ اهـ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي فِي الْإِمَامَةِ مِنْ أَنَّ الْمَسْبُوقَ لَوْ قَامَ قَبْلَ السَّلَامِ قَبْلَ قُعُودِ إمَامِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، فَإِنْ قَرَأَ فِي قِيَامِهِ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّشَهُّدِ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَسَيَأْتِي تَمَامُ بَيَانِهِ، فَلَوْ كَانَ الْقُعُودُ فَرْضًا عَلَيْهِ لَمَا صَحَّ هَذَا التَّفْصِيلُ وَلَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ مُطْلَقًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالتَّشَهُّدَانِ) أَيْ تَشَهُّدُ الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَتَشَهُّدُ الْأَخِيرَةِ وَالتَّشَهُّدُ الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ لَا يَجِبُ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَرْوِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ بِتَرْكِ بَعْضِهِ كَكُلِّهِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: مِنْ بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ فَإِنَّهُ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهِ وَلَوْ قَلِيلًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَاحِدٌ مَنْظُومٌ، فَتَرْكُ بَعْضِهِ كَتَرْكِ كُلِّهِ اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي كُلِّ قَعْدَةٍ) أَشَارَ بِهِ إلَى التَّوَرُّكِ عَلَى الْمَتْنِ فِي تَعْبِيرِهِ بِالتَّثْنِيَةِ، إذْ لَوْ أُفْرِدَ لَكَانَ اسْمَ جِنْسٍ شَامِلًا لِكُلِّ تَشَهُّدٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبَحْرِ ح. (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ مَا قِيلَ إنَّهُ فِيمَا عَدَا الْأَخِيرَةَ سُنَّةٌ (قَوْلُهُ فِي تَشَهُّدَيْ الْمَغْرِبِ) أَيْ اقْتَدَى بِهِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مِنْ تَشَهُّدَيْ الْمَغْرِبِ فَيَكُونُ قَدْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدَيْنِ، وَقَوْلُهُ وَعَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْإِمَامِ سَهْوٌ فَسَجَدَ أَيْ الْمَأْمُومُ مَعَهُ أَيْ مَعَ الْإِمَامِ لِوُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ عَلَيْهِ وَتَشَهَّدَ أَيْ الْمَأْمُومُ مَعَ الْإِمَامِ لِأَنَّ سُجُودِ السَّهْوِ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ ثُمَّ تَذَكَّرَ: أَيْ الْإِمَامُ سُجُودَ تِلَاوَةٍ فَسَجَدَ أَيْ الْمَأْمُومُ مَعَ الْإِمَامِ لِأَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ يَرْفَعُ الْقَعْدَةَ ثُمَّ سَجَدَ أَيْ الْمَأْمُومُ مَعَ الْإِمَامِ لِلسَّهْوِ لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ إلَّا إذَا وَقَعَ خَاتِمًا لِأَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَتَشَهَّدَ أَيْ الْمَأْمُومُ مَعَ الْإِمَامِ لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ ثُمَّ قَضَى أَيْ الْمَأْمُومُ الرَّكْعَتَيْنِ بِتَشَهُّدَيْنِ، لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْمَسْبُوقَ يَقْضِي آخِرَ صَلَاتِهِ مِنْ حَيْثُ الْأَفْعَالُ، فَمِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ مَا صَلَّاهُ مَعَ الْإِمَامِ آخِرُ صَلَاتِهِ، فَإِذَا أَتَى بِرَكْعَةٍ مِمَّا عَلَيْهِ كَانَتْ ثَانِيَةَ صَلَاتِهِ فَيَقْعُدُ ثُمَّ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ وَيَقْعُدُ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَوَقَعَ لَهُ) أَيْ لِلْمَأْمُومِ كَذَلِكَ أَيْ مِثْلُ مَا وَقَعَ لِلْإِمَامِ بِأَنْ سَهَا فِيمَا يَقْضِيهِ فَسَجَدَ لَهُ وَتَشَهَّدَ ثُمَّ تَذَكَّرَ سُجُودَ تِلَاوَةٍ فَسَجَدَهُ وَتَشَهَّدَ ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَتَشَهَّدَ لِمَا ذَكَرْنَا ح. (قَوْلُهُ وَمِثْلُ التِّلَاوِيَّةِ تَذَكُّرُ الصُّلْبِيَّةِ) أَيْ فِي إبْطَالِ الْقَعْدَةِ قَبْلَهَا وَإِعَادَةِ سُجُودِ السَّهْوِ ط (قَوْلُهُ لَهُمَا) أَيْ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ (قَوْلُهُ زِيدَ أَرْبَعٌ) وَذَلِكَ بِأَنْ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ الصُّلْبِيَّةَ بَعْدَ الْقَعْدَةِ الْخَامِسَةِ فَسَجَدَهَا الْمَأْمُومُ مَعَهُ وَتَشَهَّدَ لِارْتِفَاعِ الْقَعْدَةِ ثُمَّ سَجَدَ مَعَهُ لِلسَّهْوِ وَتَشَهَّدَ لِمَا قَدَّمْنَا، وَوَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ لِلْمَأْمُومِ فَتَصِيرُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ قَعْدَةً، لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا تَرَاخَى تَذَكُّرُ الصُّلْبِيَّةِ عَنْ التِّلَاوِيَّةِ كَمَا هُوَ الْمَفْرُوضُ، أَوْ بِالْعَكْسِ بِأَنْ تَرَاخَى تَذَكُّرُ التِّلَاوِيَّةِ عَنْ الصُّلْبِيَّةِ؛ وَأَمَّا إذَا تَذَكَّرَهُمَا مَعًا؛ فَإِمَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ قَبْلَ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ تَشَهُّدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 أُخِّرَ لِمَا مَرَّ، وَلَوْ فَرَضْنَا تَعَدُّدَ التِّلَاوِيَّةِ وَالصُّلْبِيَّةِ لَهُمَا أَيْضًا زِيدَ سِتٌّ أَيْضًا، وَلَوْ فَرَضْنَا إدْرَاكَهُ لِلْإِمَامِ سَاجِدًا وَلَمْ يَسْجُدْهُمَا مَعَهُ فَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ يَقْضِيهِمَا   [رد المحتار] سُجُودِ السَّهْوِ أَوْ بَعْدَهُ. فَإِنْ تَذَكَّرَهُمَا قَبْلَ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَلَيْسَ هُنَاكَ إلَّا ثَلَاثُ قَعَدَاتٍ، وَإِنْ تَذَكَّرَهُمَا بَعْدَهَا قَبْلَ تَشَهُّدِ سُجُودِ السَّهْوِ فَأَرْبَعٌ، وَإِنْ بَعْدَهُ فَخَمْسٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْمَأْمُومِ فَتَكُونُ عَشْرَةً ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تَذَكَّرَهُمَا مَعًا يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَتْ التِّلَاوِيَّةُ مِنْ رَكْعَةٍ وَالصُّلْبِيَّةُ مِنْ تِلْكَ الرَّكْعَةِ أَوْ مِمَّا بَعْدَهَا وَجَبَ تَقْدِيمُ التِّلَاوِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ رَكْعَةٍ قَبْلَهَا قَدَّمَ الصُّلْبِيَّةَ كَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ ح (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بَعْدَ التِّلَاوِيَّةِ ح (قَوْلُهُ تَعَدُّدَ التِّلَاوِيَّةِ وَالصُّلْبِيَّةِ) يَعْنِي مَرَّتَيْنِ فَقَطْ الْمَرَّةَ الْمُتَقَدِّمَةَ وَهَذِهِ ح (قَوْلُهُ زِيدَ سِتٌّ أَيْضًا) صُورَتُهُ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْقَعْدَةِ السَّابِعَةِ صُلْبِيَّةً أُخْرَى فَسَجَدَهَا وَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ، تَذَكَّرَ تِلَاوِيَّةً أُخْرَى أَيْضًا فَسَجَدَهَا وَتَشَهَّدَ ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَتَشَهَّدَ فَهَذِهِ ثَلَاثٌ، وَمِثْلُهُ الْمَأْمُومُ فَهَذِهِ سِتٌّ، أَمَّا إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ التِّلَاوِيَّةِ إلَّا بَعْدَ تَشَهُّدِ سُجُودِ السَّهْوِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ ثَمَانِي صُوَرٍ. اهـ. ح. أَقُولُ: وَاَلَّذِي فِي غَالِبِ النُّسَخِ زِيدَ سِتُّونَ. صُورَتُهُ: أَنْ يَتَذَكَّرَ بَعْدَ الْقَعْدَةِ السَّابِعَةِ صُلْبِيَّتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ عَلَى التَّعَاقُبِ وَيَسْجُدُ بَعْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَهَذِهِ أَرْبَعٌ، ثُمَّ يَتَذَكَّرُ بَقِيَّةَ آيَاتِ السَّجْدَةِ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ وَهِيَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ آيَةً، وَيَسْجُدُ بَعْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَهَذِهِ سِتٌّ وَعِشْرُونَ، فَالْمَجْمُوعُ ثَلَاثُونَ. وَإِذَا وَقَعَ مِثْلُهُ لِلْمَأْمُومِ تَصِيرُ سِتِّينَ ثُمَّ إذَا ضَمَّ إلَيْهَا الْأَرْبَعَ عَشْرَةَ الَّتِي قَدَّمَهَا الشَّارِحُ وَالْأَرْبَعَ الْآتِيَةَ فِي قَوْلِهِ عَقِيبَهُ وَلَوْ فَرَضْنَا تَبْلُغُ ثَمَانِيَةً وَسَبْعِينَ وَهِيَ الْمُشَارُ إلَيْهَا فِي قَوْلِهِ الْآتِي فِي ثَمَانِيَةٍ وَسَبْعِينَ كَمَا مَرَّ فَالصَّوَابُ مَا فِي غَالِبِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ وَلَوْ فَرَضْنَا إدْرَاكَهُ إلَخْ) صُورَتُهُ أَدْرَكَ الْإِمَامَ وَهُوَ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَقَعَدَ مِنْ غَيْرِ سُجُودٍ مَعَهُ ح (قَوْلُهُ فَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ يَقْضِيهِمَا) مُرَادُهُ بِالْقَوَاعِدِ الْوَاحِدَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَلْ الْجِنْسِيَّةَ تُبْطِلُ الْجَمْعِيَّةَ، وَتِلْكَ الْقَاعِدَةُ هِيَ أَنَّ مَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ اقْتِدَائِهِ أَعَادَهُ كَاللَّاحِقِ وَهَذَا فِي حُكْمِهِ ح. أَقُولُ: عُمُومُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، نَعَمْ وُجُوبُ فِعْلِ هَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ مُسَلَّمٌ لِوُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ وَإِنْ لَمْ تُحْسَبَا لَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي يَقْضِيهَا. وَأَمَّا لُزُومُ قَضَائِهِمَا، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِمَا فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي يَقْضِيهَا فَمُسَلَّمٌ أَيْضًا، وَأَمَّا إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِمَا زِيَادَةً عَلَى الرَّكْعَةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ، وَالْمَنْقُولُ وُجُوبُ الْمُتَابَعَةِ وَأَنَّهُ يَقْضِي رَكْعَةً تَامَّةً فَقَطْ. قَالَ فِي الْبَحْرِ قُبَيْلَ بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ: وَصَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ فِيهِمَا وَاجِبَةٌ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُمَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَقَدْ تَوَقَّفْنَا فِي ذَلِكَ مُدَّةً حَتَّى رَأَيْته فِي التَّجْنِيسِ. وَعِبَارَتُهُ: رَجُلٌ انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ وَقَدْ سَجَدَ سَجْدَةً فَكَبَّرَ وَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَمَكَثَ قَائِمًا حَتَّى قَامَ الْإِمَامُ وَلَمْ يُتَابِعْهُ فِي السَّجْدَةِ ثُمَّ تَابَعَهُ فِي بَقِيَّةِ الصَّلَاةِ فَلَمَّا فَرَغَ الْإِمَامُ قَامَ وَقَضَى مَا سَبَقَ بِهِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ إلَّا أَنَّهُ يُصَلِّي تِلْكَ الرَّكْعَةَ الْفَائِتَةَ بِسَجْدَتِهَا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَتْ الْمُتَابَعَةُ حِينَ يَشْرَعُ وَاجِبَةً فِي تِلْكَ السَّجْدَةِ اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ. فَقَدْ صَرَّحُوا بِوُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَةً تَامَّةً وَيَسْجُدَ فِيهَا ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ أَوْ أَرْبَعًا قَضَاءً عَمَّا لَمْ يُتَابِعْ فِيهِ، عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْمُتَابَعَةُ وَهِيَ لَا يُمْكِنُ قَضَاؤُهَا بَعْدَ فَوَاتِهَا لِأَنَّ السُّجُودَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ لِذَاتِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ مِنْ صَلَاتِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُخَالِفَ إمَامَهُ، نَعَمْ صَرَّحُوا بِوُجُوبِ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ فِيمَا لَوْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ عَلَيْهِ سَهْوٌ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ وَلَمْ يُتَابِعْ إمَامَهُ فِيهِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالسَّجْدَتَيْنِ بَعْدَ فَرَاغِهِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ فِي تَحْرِيمَتِهِ نُقْصَانًا لَا يَنْجَبِرُ إلَّا بِسَجْدَتَيْنِ، وَبَقِيَ النُّقْصَانُ لِانْعِدَامِ الْجَابِرِ كَذَا قَالُوا، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ لَا تُوجَدُ هُنَا، إذْ لَا نُقْصَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 فَيُزَادُ أَرْبَعٌ أُخَرُ فَتَدَبَّرْ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَلَفْظُ السَّلَامِ) مَرَّتَيْنِ فَالثَّانِي وَاجِبٌ عَلَى الْأَصَحِّ بُرْهَانٌ، دُونَ عَلَيْكُمْ؛ وَتَنْقَضِي قُدْوَةً بِالْأَوَّلِ قَبْلَ عَلَيْكُمْ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَنَا وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ خِلَافًا لِلتَّكْمِلَةِ (وَ) قِرَاءَةُ (قُنُوتِ الْوِتْرِ) وَهُوَ مُطْلَقُ الدُّعَاءِ وَكَذَا تَكْبِيرُ قُنُوتِهِ وَتَكْبِيرَةُ رُكُوعِ الثَّالِثَةِ زَيْلَعِيٌّ   [رد المحتار] فِي تَحْرِيمَتِهِ هُنَا لِأَنَّ النُّقْصَانَ جَاءَهُ هُنَاكَ مِنْ قِبَلِ إمَامِهِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَيُزَادُ أَرْبَعٌ أُخَرُ) وَهَذَا أَيْضًا مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا تَذَكَّرَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ تَشَهُّدِ السَّهْوِ فَسَجَدَهَا وَتَشَهَّدَ ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَتَشَهَّدَ ثُمَّ تَذَكَّرَ الْأُخْرَى فَسَجَدَهَا وَتَشَهَّدَ ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَتَشَهَّدَ، وَأَمَّا إذَا تَذَكَّرَهُمَا مَعًا فَعَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ فِي التِّلَاوِيَّةِ وَالصُّلْبِيَّةِ، فَصَارَ مَجْمُوعُ الْقَعَدَاتِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ، وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الثَّمَانِ فِي تَعَدُّدِ التِّلَاوِيَّةِ وَالصُّلْبِيَّةِ سِتًّا وَعِشْرِينَ ح. أَقُولُ: هَذَا عَلَى نُسْخَةِ زِيدَ سِتٌّ، أَمَّا عَلَى نُسْخَةِ زِيدَ سِتُّونَ فَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ عَلَى وَفْقِ كَلَامِهِ الْآتِي، لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ زِيَادَةَ الْأَرْبَعِ الْأَخِيرَةِ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ لِعَدَمِ وُجُوبِ قَضَاءِ السَّجْدَتَيْنِ مَا لَمْ يُوجَدْ نَقْلٌ صَرِيحٌ، فَالْبَاقِي أَرْبَعٌ وَسَبْعُونَ، نَعَمْ عَلَى مَا قَرَّرَهُ ح مِنْ الثَّمَانِ فِي تَعَدُّدِ التِّلَاوِيَّةِ وَالصُّلْبِيَّةِ يُزَادُ سَجْدَتَانِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، فَيَكُونُ الْحَاصِلُ سِتًّا وَسَبْعِينَ (قَوْلُهُ وَلَفْظُ السَّلَامِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ لَفْظًا آخَرَ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَلَوْ كَانَ بِمَعْنَاهُ حَيْثُ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الْعَرَبِيِّ، بَلْ يَجُوزُ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْعَرَبِيِّ، وَلِذَا لَمْ يَقُلْ، لَفْظُ التَّشَهُّدِ وَقَالَ وَلَفْظُ السَّلَامِ، لَكِنَّ هَذِهِ الْإِشَارَةَ يُخَالِفُهَا صَرِيحُ الْمَنْقُولِ، فَإِنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الزَّيْلَعِيُّ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ أَنَّ السَّلَامَ لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الْعَرَبِيِّ؛ كَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) وَقِيلَ سُنَّةٌ فَتْحٌ (قَوْلُهُ دُونَ عَلَيْكُمْ) فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ: فَلَوْ ائْتَمَّ بِهِ. . إلَى قَوْلِهِ ذَكَرَهُ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ) وُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَيْسَ فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ الَّتِي رَجَعَ إلَيْهَا فَتَالٍ (قَوْلُهُ وَتَنْقَضِي قُدْوَةٌ بِالْأَوَّلِ) أَيْ بِالسَّلَامِ الْأَوَّلِ. قَالَ فِي التَّجْنِيسِ: الْإِمَامُ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلَمَّا قَالَ السَّلَامُ جَاءَ رَجُلٌ وَاقْتَدَى بِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ عَلَيْكُمْ لَا يَصِيرُ دَاخِلًا فِي صَلَاتِهِ لِأَنَّ هَذَا سَلَامٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى أَحَدٍ فِي صَلَاتِهِ سَاهِيًا فَقَالَ السَّلَامُ ثُمَّ عَلِمَ فَسَكَتَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ. اهـ. رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلتَّكْمِلَةِ) أَيْ لِشَارِحِ التَّكْمِلَةِ حَيْثُ صَحَّحَ أَنَّ التَّحْرِيمَةَ إنَّمَا تَنْقَطِعُ بِالسَّلَامِ الثَّانِي كَمَا وُجِدَ قَبْلَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ وَقِرَاءَةُ قُنُوتِ الْوِتْرِ) أَقْحَمَ لَفْظَ (قِرَاءَةُ) إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُنُوتِ الدُّعَاءَ لَا طُولَ الْقِيَامِ كَمَا قِيلَ، وَحَكَاهُمَا فِي الْمُجْتَبَى، وَسَيَجِيءُ فِي مَحَلِّهِ. ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: ثُمَّ وُجُوبُ الْقُنُوتِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ: وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَسُنَّةٌ، فَالْخِلَافُ فِيهِ كَالْخِلَافِ فِي الْوِتْرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُطْلَقُ الدُّعَاءِ) أَيْ الْقُنُوتِ الْوَاجِبُ يَحْصُلُ بِأَيِّ دُعَاءٍ كَانَ فِي النَّهْرِ، وَأَمَّا خُصُوصُ: «اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ» فَسُنَّةٌ فَقَطْ، حَتَّى لَوْ أَتَى بِغَيْرِهِ جَازَ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ وَكَذَا تَكْبِيرُ قُنُوتِهِ) أَيْ الْوِتْرِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ: وَمِمَّا أُلْحِقَ بِهِ: أَيْ بِالْقُنُوتِ تَكْبِيرُهُ؛ وَجَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ بِوُجُوبِ السُّجُودِ بِتَرْكِهِ: وَذَكَرَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَقِيلَ يَجِبُ السُّجُودُ اعْتِبَارًا بِتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ، وَقِيلَ لَا. اهـ. وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ عَدَمِ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ اِ هـ (قَوْلُهُ وَتَكْبِيرُهُ رُكُوعِ الثَّالِثَةِ زَيْلَعِيٌّ) كَذَا عَزَاهُ إلَى الزَّيْلَعِيُّ فِي النَّهْرِ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ. قَالَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ: قَالَ شَيْخُنَا: هَذَا سَهْوٌ لِعَدَمِ وُجُودِهِ فِي الزَّيْلَعِيِّ، لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي السَّهْوِ، وَلَعَلَّهُ سَبَقَ نَظَرُهُ إلَى مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِقَوْلِهِ وَلَوْ تَرَكَ التَّكْبِيرَةَ الَّتِي بَعْدَ الْقِرَاءَةِ قَبْلَ الْقُنُوتِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ، فَتُوُهِّمَ أَنَّ هَذِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 (وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ) وَكَذَا أَحَدُهَا وَتَكْبِيرُ رُكُوعِ رَكْعَتِهِ الثَّانِيَةِ كَلَفْظِ التَّكْبِيرِ فِي افْتِتَاحِهِ لَكِنَّ الْأَشْبَهَ وُجُوبُهُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ بَحْرٌ، فَلْيُحْفَظْ (وَالْجَهْرُ) لِلْإِمَامِ (وَالْإِسْرَارُ) لِلْكُلِّ (فِيمَا يَجْهَرُ) فِيهِ (وَيُسِرُّ) وَبَقِيَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ إتْيَانُ كُلِّ وَاجِبٍ أَوْ فَرْضٍ فِي مَحَلِّهِ، فَلَوْ أَتَمَّ الْقِرَاءَةَ فَمَكَثَ مُتَفَكِّرًا سَهْوًا ثُمَّ رَكَعَ أَوْ تَذَكَّرَ السُّورَةَ رَاكِعًا فَضَمَّهَا قَائِمًا أَعَادَ الرُّكُوعَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَتَرَكَ تَكْرِيرَ رُكُوعٍ وَتَثْلِيثَ   [رد المحتار] تَكْبِيرَةُ الثَّالِثَةِ مِنْ الْوِتْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَإِنَّمَا هِيَ تَكْبِيرَةُ الْقُنُوتِ اهـ وَكَذَا نَبَّهَ الرَّحْمَتِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ) هِيَ سِتُّ تَكْبِيرَاتٍ فِي كُلٍّ رَكْعَةٍ ثَلَاثَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا أَحَدُهَا) أَفَادَ أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ وَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ ط (قَوْلُهُ كَلَفْظِ التَّكْبِيرِ فِي افْتِتَاحِهِ) أَيْ افْتِتَاحِ الْعِيدِ دُونَ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَنُورِ الْإِيضَاحِ (قَوْلُهُ لَكِنَّ الْأَشْبَهَ وُجُوبُهُ) أَيْ وُجُوبُ لَفْظِ التَّكْبِيرِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يُكْرَهَ تَحْرِيمًا الشُّرُوعُ بِغَيْرِ اللَّهُ أَكْبَرُ، كَذَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ وَالْجَهْرُ لِلْإِمَامِ) اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى، مِثْلُ - {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7]- وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْمُنْفَرِدِ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ، وَقَوْلُهُ وَالْإِسْرَارُ لِلْكُلِّ: أَيْ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ، وَقَوْلُهُ فِيمَا يُجْهَرُ وَيُسَرُّ لَفٌّ وَنَشْرٌ، يَعْنِي أَنَّ الْجَهْرَ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ وَهُوَ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَالْأُولَيَانِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ وَالتَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ فِي رَمَضَانَ وَالْإِسْرَارُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ فِيمَا يُسَرّ فِيهِ وَهُوَ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالثَّالِثَةِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْأُخْرَيَانِ مِنْ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلَكِنَّ وُجُوبَ الْإِسْرَارِ عَلَى الْإِمَامِ بِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا عَلَى الْمُنْفَرِدِ فَقَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ الْأَصَحُّ وَذَكَرَ فِي الْفَصْلِ الْآتِي أَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَفِيهِ كَلَامٌ سَتَعْرِفُهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَتَمَّ الْقِرَاءَةَ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: فَلَوْ أَتَمَّ الْفَاتِحَةَ؛ وَهَذَا مِثَالٌ لِتَأْخِيرِ الْفَرْضِ وَهُوَ الرُّكُوعُ هُنَا عَنْ مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ أَوْ تَذَكَّرَ السُّورَةَ إلَخْ) مِثَالٌ لِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ وَهُوَ السُّورَةُ عَنْ مَحَلِّهِ لِفَصْلِهِ بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ بِأَجْنَبِيٍّ وَهُوَ الرُّكُوعُ الْمَرْفُوضُ لِوُقُوعِهِ فِي أَثْنَاءِ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَرَأَ السُّورَةَ الْتَحَقَتْ بِالْفَرْضِ وَبَعْدَ وُجُودِ الْقِرَاءَةِ يَصِيرُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرُّكُوعِ فَرْضًا؛ بِخِلَافِهِ قَبْلَ وُجُودِهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ وَاجِبًا كَمَا قَدَّمْنَا تَحْقِيقَهُ فِي بَحْثِ الْقِيَامِ؛ وَسَيَأْتِي لَهُ زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ آخَرَ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَبَيْنَ الْقُنُوتِ حَيْثُ لَا يَعُودُ لَهُ، وَقُيِّدَ بِتَذَكُّرِ السُّورَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَرَأَهَا ثُمَّ عَادَ فَقَرَأَ سُورَةً أُخْرَى لَا يَنْتَقِضُ رُكُوعُهُ كَمَا فِي سَهْوِ الْحِلْيَةِ عَنْ الزَّاهِدِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ أَعَادَ الرُّكُوعَ) مُخْتَصٌّ بِالْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَقَوْلُهُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ، وَفِي التَّرْكِيبِ حَزَازَةٌ؛ وَلَوْ قَالَ فَضَمَّهَا قَائِمًا وَأَعَادَ الرُّكُوعَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ لَسَلِمَ مِنْ هَذَا ح. (قَوْلُهُ وَتَرْكُ تَكْرِيرِ رُكُوعٍ إلَخْ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى إتْيَانٍ لِأَنَّ فِي زِيَادَةِ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ تَغْيِيرَ الْمَشْرُوعِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعٌ وَاحِدٌ وَسَجْدَتَانِ فَقَطْ، فَإِذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ تَرَكَ الْوَاجِبَ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ تَرْكُ وَاجِبٍ آخَرَ وَهُوَ مَا مَرَّ، أَعْنِي إتْيَانِ الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّ تَكْرِيرَ الرُّكُوعِ فِيهِ تَأْخِيرُ السُّجُودِ عَنْ مَحَلِّهِ وَتَثْلِيثُ السُّجُودِ فِيهِ تَأْخِيرُ الْقِيَامِ، أَوْ الْقَعْدَةِ وَكَذَا الْقَعْدَةُ فِي آخِرِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّالِثَةِ فَيَجِبُ تَرْكُهَا، وَيَلْزَمُ مِنْ فِعْلِهَا أَيْضًا تَأْخِيرُ الْقِيَامِ إلَى الثَّانِيَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ عَنْ مَحَلِّهِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْقَعْدَةُ طَوِيلَةً، أَمَّا الْجِلْسَةُ الْخَفِيفَةُ الَّتِي اسْتَحَبَّهَا الشَّافِعِيُّ فَتَرْكُهَا غَيْرَ وَاجِبٍ عِنْدَنَا، بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ كَمَا سَيَأْتِي وَهَكَذَا كُلُّ زِيَادَةٍ بَيْنَ فَرْضَيْنِ يَكُونُ فِيهَا تَرْكُ وَاجِبٍ بِسَبَبِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ؛ وَيَلْزَمُ مِنْهَا تَرْكُ وَاجِبٍ آخَرَ وَهُوَ تَأْخِيرُ الْفَرْضِ الثَّانِي عَنْ مَحَلِّهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَرْكَ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَاجِبٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ إتْيَانُ كُلِّ وَاجِبٍ أَوْ فَرْضٍ فِي مَحَلِّهِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوَّلًا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْوَاجِبَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِتَرْكِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فَكَانَ تَرْكُهَا وَاجِبًا لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْإِخْلَالِ بِهَذَا الْوَاجِبِ الْإِخْلَالُ بِذَاكَ الْوَاجِبِ، فَهُوَ نَظِيرُ عَدِّهِمْ مِنْ الْفَرَائِضِ الِانْتِقَالُ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ فَإِنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 سُجُودٍ وَتَرْكُ قُعُودٍ قَبْلَ ثَانِيَةٍ أَوْ رَابِعَةٍ وَكُلُّ زِيَادَةٍ تَتَخَلَّلُ بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ وَإِنْصَاتِ الْمُقْتَدِي وَمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ   [رد المحتار] فَرْضٌ لِغَيْرِهِ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ؛ فَلَا تَكْرَارَ فِي كَلَامِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَكُلُّ زِيَادَةٍ إلَخْ) بِجَرِّ كُلٍّ عَطْفًا عَلَى تَكْرِيرِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَيَدْخُلُ فِي الزِّيَادَةِ السُّكُوتُ؛ حَتَّى لَوْ شَكَّ فَتَفَكَّرَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ غَيْرُ قَيْدٍ، فَتَدْخُلُ الزِّيَادَةُ بَيْنَ فَرْضٍ وَوَاجِبٍ كَالزِّيَادَةِ بَيْنَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالْقِيَامِ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ كَمَا مَرَّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْهُ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ بِلَا تَأْخِيرٍ، حَتَّى لَوْ رَفَعَ مِنْ السَّجْدَة وَقَعَدَ سَاكِتًا يَلْزَمُهُ السَّهْوُ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ حِينَ يُمِدُّ الْمُبَلِّغُ تَكْبِيرَ الْقَعْدَةِ فَلَا يَشْرَعُونَ بِقِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ إلَّا بَعْدَ سُكُوتِهِ فَلْيُتَنَبَّهْ، قَالَ ط: اُسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَطَالَ قِيَامَ الرُّكُوعِ أَوْ الرَّفْعِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ تَسْبِيحَةٍ بِقَدْرِ تَسْبِيحَةٍ سَاهِيًا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ اهـ وَلَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ، نَعَمْ ذَكَرَ نَحْوَهُ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي شَرْحِهِ عَلَى هَذَا الشَّرْحِ فَقَالَ كَإِطَالَةِ وُقُوفِهِ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ اهـ وَلَمْ يَعْزُهُ أَيْضًا، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمَا، وَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ، نَعَمْ رَأَيْت فِي سُجُودِ السَّهْوِ مِنْ الْحِلْيَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَالتَّتِمَّةِ نَقْلًا عَنْ غَرِيبِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْبَلْخِيّ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَأَطَالَ تَفَكُّرَهُ فِي قِيَامِهِ أَوْ رُكُوعِهِ أَوْ قَوْمَتِهِ أَوْ سُجُودِهِ أَوْ قَعْدَتِهِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ، وَإِنْ فِي جُلُوسِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَعَلَيْهِ السَّهْوُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُطِيلَ اللُّبْثَ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا إلَّا فِيمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَفِي الْقُعُودِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ اهـ وَقَوْلُهُ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ مُخَالِفٌ لِلْمَشْهُورِ فِي كُتُبِ الْمُذَهَّبِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ غَرِيبَةٌ نَادِرَةٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَرَأَيْت فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ الْوِتْرِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَيَتَّبِعُ الْمُؤْتَمُّ قَانِتَ الْوِتْرِ لَا الْفَجْرِ إنْ طَوَّلَ الْقِيَامَ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ (قَوْلُهُ وَإِنْصَاتُ الْمُقْتَدِي) فَلَوْ قَرَأَ خَلْفَ إمَامِهِ كُرِهَ تَحْرِيمًا وَلَا تَفْسُدُ فِي الْأَصَحِّ كَمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ بَابِ الْإِمَامَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ سُجُودُ سَهْوٍ لَوْ قَرَأَ سَهْوًا لِأَنَّهُ لَا سَهْوَ عَلَى الْمُقْتَدِي، وَهَلْ يَلْزَمُ الْمُتَعَمِّدَ الْإِعَادَةُ جَزَمَ ح وَتَبِعَهُ ط بِوُجُوبِهَا، وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلِ الْوَاجِبَات. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي تَحْقِيقِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ وَمُتَابَعَةُ الْإِمَامِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: لَا خِلَافَ فِي لُزُومِ الْمُتَابَعَةِ فِي الْأَرْكَانِ الْفِعْلِيَّةِ إذْ هِيَ مَوْضُوعُ الِاقْتِدَاءِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمُتَابَعَةِ فِي الرُّكْنِ الْقَوْلِيِّ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ؛ فَعِنْدَنَا لَا يُتَابِعُ فِيهَا بَلْ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ وَفِيمَا عَدَا الْقِرَاءَةَ مِنْ الْأَذْكَارِ يُتَابِعُهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِي الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ وَاجِبَةٌ، فَإِنْ عَارَضَهَا وَاجِبٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفُوتَهُ بَلْ يَأْتِي بِهِ ثُمَّ يُتَابِعُ، كَمَا لَوْ قَامَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمُقْتَدِي التَّشَهُّدَ فَإِنَّهُ يُتِمُّهُ ثُمَّ يَقُومُ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِهِ لَا يُفَوِّتُ الْمُتَابَعَةَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنَّمَا يُؤَخِّرُهَا، وَالْمُتَابَعَةُ مَعَ قَطْعِهِ تُفَوِّتُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَكَانَ تَأْخِيرُ أَحَدِ الْوَاجِبَيْنِ مَعَ الْإِتْيَانِ بِهِمَا أَوْلَى مِنْ تَرْكِ أَحَدِهِمَا بِالْكُلِّيَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَارَضَهَا سُنَّةٌ كَمَا لَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ تَسْبِيحِ الْمُقْتَدِي ثَلَاثًا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ لِأَنَّ تَرْكَ السُّنَّةِ أَوْلَى مِنْ تَأْخِيرِ الْوَاجِبِ اهـ مُلَخَّصًا. ثُمَّ ذَكَرَ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ تَجِبُ مُتَابَعَتُهُ لِلْإِمَامِ فِي الْوَاجِبَاتِ فِعْلًا، وَكَذَا تَرْكًا إنْ لَزِمَ مِنْ فِعْلِهِ مُخَالَفَتُهُ الْإِمَامَ فِي الْفِعْلِ كَتَرْكِهِ الْقُنُوتَ أَوْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ أَوْ الْقَعْدَةَ الْأُولَى أَوْ سُجُودَ السَّهْوِ أَوْ التِّلَاوَةَ فَيَتْرُكُهُ الْمُؤْتَمُّ أَيْضًا، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُتَابِعَهُ فِي الْبِدْعَةِ وَالْمَنْسُوخِ، وَمَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالصَّلَاةِ فَلَا يُتَابِعُهُ لَوْ زَادَ سَجْدَةً أَوْ زَادَ عَلَى أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ أَوْ عَلَى أَرْبَعٍ فِي تَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ أَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ سَاهِيًا، وَأَنَّهُ لَا تَجِبُ الْمُتَابَعَةُ فِي السُّنَنِ فِعْلًا وَكَذَا تَرْكًا فَلَا يُتَابِعُهُ فِي تَرْكِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي التَّحْرِيمَةِ وَالثَّنَاءِ وَتَكْبِيرِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتَّسْبِيحِ فِيهِمَا وَالتَّسْمِيعِ، وَكَذَا لَا يُتَابِعُهُ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ الْقَوْلِيِّ الَّذِي لَا يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِهِ الْمُخَالَفَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] فِي وَاجِبٍ فِعْلِيٍّ كَالتَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ وَتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ، بِخِلَافِ الْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ إذْ يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِهِمَا الْمُخَالَفَةُ فِي الْفِعْلِ وَهُوَ الْقِيَامُ مَعَ رُكُوعِ الْإِمَامِ. اهـ. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُتَابَعَةَ لَيْسَتْ فَرْضًا، بَلْ تَكُونُ وَاجِبَةً فِي الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ الْفِعْلِيَّةِ، وَتَكُونُ سُنَّةً فِي السُّنَنِ وَكَذَا فِي غَيْرِهَا عِنْدَ مُعَارَضَةِ سُنَّةٍ، وَتَكُونُ خِلَافُ الْأَوْلَى إذَا عَارَضَهَا وَاجِبٌ آخَرُ أَوْ كَانَتْ فِي تَرْكٍ لَا يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِهِ مُخَالَفَةُ الْإِمَامِ فِي وَاجِبٍ فِعْلِيٍّ كَرَفْعِ الْيَدَيْنِ لِلتَّحْرِيمَةِ وَنَظَائِرِهِ، وَتَكُونُ غَيْرَ جَائِزَةٍ إذَا كَانَتْ فِي فِعْلِ بِدْعَةٍ أَوْ مَنْسُوخٍ أَوْ مَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالصَّلَاةِ أَوْ فِي تَرْكِ مَا يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِهِ مُخَالَفَةُ الْإِمَامِ فِي وَاجِبٍ فِعْلِيٍّ وَيُشْكَلُ عَلَى هَذَا مَا فِي شَرْحِ الْقُهُسْتَانِيِّ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ الْكَيْدَانِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ الْمُتَابَعَةَ فَرْضٌ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَأَنَّهَا شَرْطٌ فِي الْأَفْعَالِ دُونَ الْأَذْكَارِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ اهـ وَكَذَا مَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ مِنْ أَنَّ الْمُؤْتَمَّ لَوْ قَامَ سَاهِيًا فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى يَعُودُ وَيَقْعُدُ لِأَنَّ الْقُعُودَ فَرْضٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمُتَابَعَةِ، حَتَّى قَالَ فِي الْبَحْرِ: ظَاهِرَةٌ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعُدْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِتَرْكِ الْفَرْضِ. وَقَالَ فِي النَّهْرِ: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْوَاجِبِ فَرْضٌ فِي الْفَرْضِ. اهـ. أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْفَرْضِ الْوَاجِبَ، وَكَوْنُ الْمُتَابَعَةِ فَرْضًا لَا يَصِحُّ عَلَى إطْلَاقِهِ، لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ الْمَسْبُوقَ لَوْ قَامَ قَبْلَ قُعُودِ إمَامِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ تَصِحُّ صَلَاتُهُ إنْ قَرَأَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ بَعْدَ قُعُودِ الْإِمَامِ قَدْرِ التَّشَهُّدِ وَإِلَّا لَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُتَابِعْ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ، فَلَوْ كَانَتْ الْمُتَابَعَةُ فَرْضًا فِي الْفَرْضِ مُطْلَقًا لَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ مُطْلَقًا، نَعَمْ تَكُونُ الْمُتَابَعَةُ فَرْضًا؛ بِمَعْنَى أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَرْضِ مَعَ إمَامِهِ أَوْ بَعْدَهُ، كَمَا لَوْ رَكَعَ إمَامُهُ فَرَكَعَ مَعَهُ مُقَارِنًا أَوْ مُعَاقِبًا وَشَارَكَهُ فِيهِ أَوْ بَعْدَ مَا رَفَعَ مِنْهُ، فَلَوْ لَمْ يَرْكَعْ أَصْلًا أَوْ رَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ إمَامُهُ وَلَمْ يُعِدْهُ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَابَعَةَ فِي ذَاتِهَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: مُقَارِنَةٌ لِفِعْلِ الْإِمَامِ مِثْلَ أَنْ يُقَارِنَ إحْرَامُهُ لِإِحْرَامِ إمَامِهِ وَرُكُوعُهُ لِرُكُوعِهِ وَسَلَامُهُ لِسَلَامِهِ، وَيَدْخُلُ فِيهَا مَا لَوْ رَكَعَ قَبْلَ إمَامِهِ وَدَامَ حَتَّى أَدْرَكَهُ إمَامُهُ فِيهِ. وَمُعَاقَبَةً لِابْتِدَاءِ فِعْلِ إمَامِهِ مَعَ الْمُشَارَكَةِ فِي بَاقِيهِ. وَمُتَرَاخِيَةٌ عَنْهُ، فَمُطْلَقُ الْمُتَابَعَةِ الشَّامِلُ لِهَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ يَكُونُ فَرْضًا فِي الْفَرْضِ، وَوَاجِبًا فِي الْوَاجِبِ، وَسُنَّةً فِي السُّنَّةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ أَوْ عَدَمِ لُزُومِ الْمُخَالَفَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَلَا يُشْكِلُ مَسْأَلَةُ الْمَسْبُوقِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ وَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا لَكِنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي آخِرِ صَلَاتِهِ الَّتِي يَقْضِيهَا بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ، فَقَدْ وُجِدَتْ الْمُتَابَعَةُ الْمُتَرَاخِيَةُ فَلِذَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَالْمُتَابَعَةُ الْمُقَيَّدَةُ بِعَدَمِ التَّأْخِيرِ وَالتَّرَاخِي الشَّامِلَةُ لِلْمُقَارَنَةِ وَالْمُعَاقَبَةِ لَا تَكُونُ فَرْضًا بَلْ تَكُونُ وَاجِبَةً فِي الْوَاجِبِ وَسُنَّةً فِي السُّنَّةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَارَضَةِ وَعَدَمِ لُزُومِ الْمُخَالَفَةِ أَيْضًا، وَالْمُتَابَعَةُ الْمُقَارِنَةُ بِلَا تَعْقِيبٍ وَلَا تَرَاخٍ سُنَّةٌ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا، وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْمُقَدِّمَةِ الْكَيْدَانِيَّةِ حَيْثُ ذَكَرَ الْمُتَابَعَةَ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ ثُمَّ ذَكَرَهَا فِي السُّنَنِ، وَمُرَادُهُ بِالثَّانِيَةِ الْمُقَارِنَةُ كَمَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي شَرْحِهَا. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُتَابَعَةَ فَرْضٌ أَوْ شَرْطٌ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ أَرَادَ بِهِ مُطْلَقًا بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَمَنْ قَالَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهِ أَرَادَ بِهِ الْمُقَيَّدَةَ بِعَدَمِ التَّأْخِيرِ، وَمَنْ قَالَ إنَّهَا سُنَّةٌ أَرَادَ بِهِ الْمُقَارِنَةَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى تَوْفِيقِهِ، وَأَسْأَلُهُ هِدَايَةَ طَرِيقِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 يَعْنِي فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ لَا فِي الْمَقْطُوعِ بِنَسْخِهِ أَوْ بِعَدَمِ سُنِّيَّتِهِ كَقُنُوتِ فَجْرٍ وَإِنَّمَا تَفْسُدُ بِمُخَالَفَتِهِ فِي الْفُرُوضِ كَمَا بَسَطْنَاهُ فِي الْخَزَائِنِ. قُلْت: فَبَلَغَتْ أُصُولُهَا   [رد المحتار] مَطْلَبُ الْمُرَادِ بِالْمُجْتَهَدِ فِيهِ (قَوْلُهُ يَعْنِي فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ) الْمُرَادُ بِالْمُجْتَهِدِ فِيهِ مَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى دَلِيلٍ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا بِحَيْثُ يُسَوَّغُ لِلْمُجْتَهِدِ بِسَبَبِهِ مُخَالَفَةُ غَيْرِهِ، حَتَّى لَوْ كَانَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحَكَمِ وَحَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ يَرَاهُ نَفَذَ حُكْمُهُ، وَإِذَا رَفَعَ حُكْمَهُ إلَى حَاكِمٍ آخَرَ لَا يَرَاهُ وَجَبَ عَلَيْهِ إمْضَاؤُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ كَحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا أَوْ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ كَالِاكْتِفَاءِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا سَيَجِيءُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى مُجْتَهَدًا فِيهِ، حَتَّى إذَا رَفَعَ حُكْمَهُ إلَى مَنْ لَا يَرَاهُ يَنْقُضُهُ وَلَا يُمْضِيهِ. وَأَفَادَ وُجُوبَ الْمُتَابَعَةِ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بِالْأَوْلَى وَعَدَمُ جَوَازِهَا فِيمَا كَانَ بِدْعَةً أَوْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالصَّلَاةِ كَمَا لَوْ زَادَ سَجْدَةً أَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ سَاهِيًا كَمَا مَرَّ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَمِثَالُ مَا تَجِبُ فِيهِ الْمُتَابَعَةُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ مَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي شَرْحِ الْكَيْدَانِيَّةِ عَنْ الْجُلَابِيِّ بِقَوْلِهِ كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَسَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ وَالْقُنُوتِ بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي الْوِتْرِ. اهـ. وَالْمُرَادُ بِتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِمَّا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ؛ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِمَنْ يَرَاهَا خَمْسًا مَثَلًا كَشَافِعِيٍّ، وَمَثَّلَ لِمَا لَا يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ فِي شَرْحِ الْكَيْدَانِيَّةِ عَنْ الْجُلَابِيِّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: كَالْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ وَالتَّكْبِيرِ الْخَامِسِ فِي الْجِنَازَةِ وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرِ الرُّكُوعِ وَتَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ، قَالَ فَالْمُتَابَعَةُ فِيهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ اهـ لَكِنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ قَالَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَائِنَا كَأَئِمَّةِ بَلْخٍ، فَكَوْنُهُ مِمَّا لَا يُسَوَّغُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَلِهَذَا قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ فِي بَابِ الْجِنَازَةِ: إنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا: أَيْ مِمَّا قَالَهُ أَئِمَّةُ بَلْخٍ أَنَّ الْأَوْلَى مُتَابَعَةُ الْحَنَفِيِّ لِلشَّافِعِيِّ بِالرَّفْعِ إذَا اقْتَدَى بِهِ، وَلَمْ أَرَهُ. اهـ. أَيْ فَإِنَّ اخْتِلَافَ أَئِمَّتِنَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ فَتَأَمَّلْ، وَقَالَ الْأَوْلَى وَلَمْ يَقُلْ يَجِبُ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْوَاجِبِ أَوْ الْفَرْضِ وَهَذَا الرَّفْعُ غَيْرُ وَاجِبٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ لَا فِي الْمَقْطُوعِ بِنَسْخِهِ) كَمَا لَوْ كَبَّرَ فِي الْجِنَازَةِ خَمْسًا، فَإِنَّ الْآثَارَ اخْتَلَفَتْ فِي فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَوَى الْخَمْسَ وَالسَّبْعَ وَالتِّسْعَ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّ آخِرَ فِعْلِهِ كَانَ أَرْبَعًا، فَكَانَ نَاسِخًا لِمَا قَبْلَهُ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ كَقُنُوتِ فَجْرٍ) فَإِنَّهُ إمَّا مَقْطُوعٌ بِنَسْخِهِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ كَانَ سُنَّةً أَوْ بَعْدَ سُنِّيَّتِهِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ كَانَ دُعَاءً عَلَى قَوْمٍ شَهْرًا كَمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ النَّوَافِلِ، فَهُوَ مِثَالٌ لِلْمَقْطُوعِ بِنَسْخِهِ أَوْ بِعَدَمِ سُنِّيَّتِهِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ ح (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تَفْسُدُ) أَيْ الصَّلَاةُ بِمُخَالَفَتِهِ فِي الْفُرُوضِ الْمُرَادُ بِالْمُخَالَفَةِ هُنَا عَدَمُ الْمُتَابَعَةِ أَصْلًا بِأَنْوَاعِهَا الثَّلَاثِ الْمَارَّةِ، وَالْفَسَادُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ بِتَرْكِ الْفَرْضِ لَا بِتَرْكِ الْمُتَابَعَةِ، لَكِنْ أُسْنِدَ إلَيْهَا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهَا تَرْكُهُ، وَخَصَّ الْفَرْضَ لِأَنَّهُ لَا فَسَادَ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ أَوْ السُّنَّةِ (قَوْلُهُ فِي الْخَزَائِنِ) وَنَصُّهُ: وُجُوبُ الْمُتَابَعَةِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ هِيَ تَارَةً تُفْرَضُ وَتَارَةً تَجِبُ وَتَارَةً لَا تَجِبُ، فَفِي وِتْرِ الْفَتْحِ إنَّمَا تَجِبُ الْمُتَابَعَةُ فِي الْفِعْلِ الْمُجْتَهَدِ فِيهِ لَا فِي الْمَقْطُوعِ بِنَسْخِهِ أَوْ بِعَدَمِ كَوْنِهِ سُنَّةً مِنْ الْأَصْلِ كَقُنُوتِ الْفَجْرِ. وَفِي الْعِنَايَةِ إنَّمَا يَتَّبِعُهُ فِي الْمَشْرُوعِ دُونَ غَيْرِهِ. وَفِي الْبَحْرِ: الْمُخَالَفَةُ فِيمَا هُوَ مِنْ الْأَرْكَانِ أَوْ الشَّرَائِطُ مُفْسِدَةٌ لَا فِي غَيْرِهَا. اهـ. مَطْلَبُ سُنَنِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ قُلْت فَبَلَغَتْ أُصُولَهَا إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا زَادَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ فِي الْفَاتِحَةِ سِتَّ آيَاتٍ، وَقَدْ عَدَّهَا فِي الْمَتْنِ وَاجِبًا وَاحِدًا، وَكَذَا تَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ سِتٌّ وَعَدَّهَا وَاحِدًا فَيُزَادُ عَلَيْهِ عَشْرَةٌ، وَتَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ عَدَّهُ وَاحِدًا وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالرَّفْعِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيُزَادُ ثَلَاثَةً فَهِيَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَالرَّابِعَ عَشَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ، وَبِالْبَسْطِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ إذْ أَحَدُهَا يُنْتِجُ 390 مِنْ ضَرْبِ خَمْسَةٍ قَعْدَةَ الْمَغْرِبِ بِتَشَهُّدِهَا وَتَرْكِ نَقْصٍ مِنْهُ أَوْ زِيَادَةٍ فِيهِ أَوْ عَلَيْهِ فِي 78 كَمَا مَرَّ، التَّتَبُّعُ يَنْفِي الْحَصْرَ فَتَبَصَّرْ، فَيُلْغَزُ أَيُّ وَاجِبِ يَسْتَوْجِبُ 390 وَاجِبًا (وَسُنَنُهَا) تَرْكُ السُّنَّةِ   [رد المحتار] تَرْكُ تَكْرِيرِ الْفَاتِحَةِ قَبْلَ سُورَةِ الْأُولَيَيْنِ، وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ رِعَايَةُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَفِيمَا تَكَرَّرَ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ، وَالسَّابِعَ عَشَرَ تَرْكُ الزِّيَادَةِ عَلَى التَّشَهُّدِ، وَالثَّامِنَ عَشَرَ وَالتَّاسِعَ عَشَرَ تَكْبِيرَةُ الْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَةُ رُكُوعِهِ، وَالْعِشْرُونَ وَالْحَادِي وَالْعِشْرُونَ تَكْبِيرَةُ رُكُوعِ ثَانِيَةِ الْعِيدِ وَلَفْظًا التَّكْبِيرُ فِي الِافْتِتَاحِ. ثُمَّ ذَكَرَ سَبْعَةً تَحْتَ قَوْلِهِ وَبَقِيَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ إلَخْ فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ كُلُّهَا صَرِيحَةٌ فِي كَلَامِهِ زِيَادَةً عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ مِنْ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ، فَتَبْلُغُ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَاجِبًا بِدُونِ ضَرْبٍ وَبَسْطٍ فَلِذَا سَمَّاهَا أُصُولًا (قَوْلُهُ وَبِالْبَسْطِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ) أَقُولُ: أَكْثَرُهَا صُوَرٌ عَقْلِيَّةٌ لَا خَارِجِيَّةٌ كَمَا سَتَعْرِفُهُ (قَوْلُهُ إذْ أَحَدُهَا) الْمُرَادُ بِهِ التَّشَهُّدُ، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ جِهَةِ النَّوْعِ: أَيْ إنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ نَوْعِ الْوَاجِبَاتِ النَّيِّفِ وَأَرْبَعِينَ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مُتَعَدِّدٌ لِأَنَّ هَذَا الْوَاحِدَ هُوَ الْمَضْرُوبُ فِيهِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ تَشَهُّدًا (قَوْلُهُ مِنْ ضَرْبِ خَمْسَةٍ) أَيْ خَمْسِ وَاجِبَاتٍ هِيَ قَعْدَةُ الْمَغْرِبِ الْأُولَى مَعَ تَشَهُّدِهَا وَتَرْكُ نَقْصٍ مِنْ كَلِمَاتِهِ وَتَرْكُ زِيَادَةٍ فِيهِ: أَيْ فِي أَثْنَاءِ كَلِمَاتِهِ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَنْظُومٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ فِيهِ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ وَتَرْكُ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ أَيْ بَعْدَ تَمَامِهِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ وَاجِبًا إلَّا فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى مِنْ غَيْرِ النَّوَافِلِ (قَوْلُهُ فِي ثَمَانِيَةٍ وَسَبْعِينَ) مُتَعَلِّقٌ بِضَرَبَ، وَقَوْلُهُ كَمَا مَرَّ: أَيْ فِي كَلَامِهِ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ التَّشَهُّدَ قَدْ يَتَكَرَّرُ عَشْرًا ثُمَّ زَادَ أَرْبَعًا ثُمَّ سِتِّينَ ثُمَّ أَرْبَعًا فَبَلَغَتْ ثَمَانِيَةً وَسَبْعِينَ تَشَهُّدًا كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِيمَا مَرَّ، وَإِذَا ضَرَبْتهَا فِي الْخَمْسَةِ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا هُنَا بَلَغَتْ ثَلَثَمِائَةٍ وَتِسْعِينَ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ التَّشَهُّدَ فِي نَفْسِهِ وَاجِبٌ وَيَجِبُ لَهُ الْقَعْدَةُ وَأَنْ يَتْرُكَ نَقْصًا مِنْهُ أَوْ زِيَادَةً فِيهِ أَوْ عَلَيْهِ فَهَذِهِ خَمْسُ وَاجِبَاتٍ تَجِبُ فِي كُلِّ صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ الثَّمَانِيَةِ وَالسَّبْعِينَ الْمَارَّةِ فَتَبْلُغُ مَا ذُكِرَ، وَأَرَادَ بِالْوَاجِبِ مَا يَشْمَلُ الْفَرْضَ لِأَنَّ هَذِهِ الصُّوَرَ لَيْسَتْ كُلَّ قَعَدَاتِهَا وَاجِبَةً بَلْ الْوَاجِبُ مِنْهَا مَا كَانَ قَعْدَةً أُولَى أَوْ بَعْدَ سُجُودِ سَهْوٍ، أَمَّا مَا كَانَ قَعْدَةً أَخِيرَةً أَوْ بَعْدَ سَجْدَةٍ صُلْبِيَّةً أَوْ تِلَاوِيَّةٍ فَإِنَّهَا فَرْضٌ وَالْفَرْضُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْوَاجِبِ، فَهَذَا وَاجِبٌ وَاحِدٌ مِنْ نَوْعِ الْوَاجِبَاتِ النَّيِّفِ وَأَرْبَعِينَ الْمَارَّةِ وَهُوَ التَّشَهُّدُ اسْتَلْزَمَ ثَلَثَمِائَةٍ وَتِسْعِينَ وَاجِبًا فَيَصْلُحُ لُغْزًا، ثُمَّ هَذِهِ الْوَاجِبَاتُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ سَجْدَةٍ مَا بَيْنَ سَهْوِيَّةٍ وَصُلْبِيَّةٍ وَتِلَاوِيَّةٍ كُلُّ سَجْدَةٍ مِنْهَا يَجِبُ فِيهَا ثَلَاثُ وَاجِبَاتٍ: الطُّمَأْنِينَةُ وَوَضْعُ الْيَدَيْنِ وَوَضْعُ الرُّكْبَتَيْنِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْكَمَالُ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا ضَرَبْت ثَلَاثَةً فِي مِائَةٍ تَبْلُغُ ثَلَثَمِائَةٍ، وَكَذَا يَجِبُ بَيْنَ كُلِّ سَجْدَتَيْ سَهْوٍ الرَّفْعُ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ فَتَبْلُغُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَثِمِائَةٍ، وَإِذَا ضُمَّ ذَلِكَ إلَى مَا مَرَّ تَبْلُغُ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِمِائَةٍ، وَإِذَا ضَرَبْتهَا فِي بَقِيَّةِ النَّيِّفِ وَأَرْبَعِينَ الْمَارَّةِ تَبْلُغُ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا وَسَبْعِمِائَةٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَسْتَلْزِمُ تَرْكُهُ سَجْدَتَيْ سَهْوٍ وَتَشَهُّدًا وَقَعْدَةً، وَكُلُّ سَجْدَةٍ يَجِبُ فِيهَا الطُّمَأْنِينَةُ وَالرَّفْعُ بَيْنَهُمَا وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ، وَالتَّشَهُّدُ لِلسَّهْوِ يَجِبُ فِيهِ تَرْكُ نَقْصٍ مِنْهُ وَزِيَادَةٍ فِيهِ، أَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ فَتَجُوزُ فَهَذِهِ عَشْرُ وَاجِبَاتٍ. فَإِذَا ضَرَبْتهَا فِي ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا وَسَبْعِمِائَةٍ بَلَغَتْ مِائَتِي أَلْفٍ وَسَبْعَةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا، وَإِذَا نَظَرْت إلَى أَنَّ مُتَابَعَةَ الْمُقْتَدِي لِإِمَامِهِ وَاجِبَةٌ فِي الْفَرَائِضِ النَّيِّفِ وَعِشْرِينَ وَفِي الْوَاجِبَاتِ النَّيِّفِ وَأَرْبَعِينَ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ نَيِّفٌ وَسِتُّونَ، فَإِذَا ضَرَبْتهَا فِيمَا مَرَّ بَلَغَتْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفِ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا، وَبَقِيَ وَاجِبَاتٌ أُخَرُ لَمْ يَذْكُرْهَا؛ كَالسُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ، وَعَدَمِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ، وَعَدَمِ الْقِيَامِ قَبْلَ التَّشَهُّدِ أَوْ قَبْلَ السَّلَامِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَبْلُغُ جُمْلَتُهُ بِالضَّرْبِ عَدَدًا كَثِيرًا أَكْثَرُهَا صُوَرٌ عَقْلِيَّةٌ كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ لِمَنْ أَرَادَ ضَيَاعَ وَقْتِهِ، وَلَوْلَا ضَرُورَةُ بَيَانِ كَلَامِ الشَّارِحِ لَكَانَ الْإِعْرَاضُ عَنْ ذَلِكَ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَسُنَنُهَا) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْوُضُوءِ عَلَى السُّنَّةِ وَتَعْرِيفِهَا وَتَقْسِيمِهَا إلَى سُنَّةِ هَدْيٍ وَسَنَةِ زَوَائِدَ؛ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّانِيَةِ وَبَيْنَ الْمُسْتَحَبِّ وَالْمَنْدُوبِ، وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَسْئِلَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَرَاجِعْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 لَا يُوجِبُ فَسَادًا وَلَا سَهْوًا بَلْ إسَاءَةً لَوْ عَامِدًا غَيْرَ مُسْتَخِفٍّ. وَقَالُوا الْإِسَاءَةُ أَدْوَنُ مِنْ الْكَرَاهَةِ، ثُمَّ هِيَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ (رَفْعُ الْيَدَيْنِ لِلتَّحْرِيمَةِ) فِي الْخُلَاصَةِ إنْ اعْتَادَ تَرْكَهُ أَثِمَ (وَنَشْرُ الْأَصَابِعِ) أَيْ تَرْكُهَا بِحَالِهَا   [رد المحتار] (قَوْلُهُ لَا يُوجِبُ فَسَادًا وَلَا سَهْوًا) أَيْ بِخِلَافِ تَرْكِ الْفَرْضِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْفَسَادَ، وَتَرْكُ الْوَاجِبِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ (قَوْلُهُ لَوْ عَامِدًا غَيْرَ مُسْتَخِفٍّ) فَلَوْ غَيْرَ عَامِدٍ فَلَا إسَاءَةَ أَيْضًا بَلْ تُنْدَبُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ بَحْثِ الْوَاجِبَاتِ، وَلَوْ مُسْتَخِفًّا كَفَرَ، لِمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ لَمْ يَرَ السُّنَّةَ حَقًّا كَفَرَ لِأَنَّهُ اسْتِخْفَافٌ. اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّ السُّنَّةَ أَحَدُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُتَّفَقِ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا عِنْدَ عُلَمَاءِ الدِّينِ، فَإِذَا أَنْكَرَ ذَلِكَ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا ثَابِتًا وَمُعْتَبَرًا ثَابِتًا فِي الدِّينِ يَكُونُ قَدْ اسْتَخَفَّ بِهَا وَاسْتَهَانَهَا وَذَلِكَ كُفْرٌ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ فِي قَوْلِهِمْ الْإِسَاءَةُ دُونَ الْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ وَقَالُوا إلَخْ) نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي التَّحْقِيقِ وَفِي التَّقْرِيرِ الْأَكْمَلِيِّ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ، لَكِنْ صَرَّحَ ابْنُ نَجِيمٍ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ بِأَنَّ الْإِسَاءَةَ أَفْحَشُ مِنْ الْكَرَاهَةِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ هُنَا لِقَوْلِ التَّحْرِيرِ: وَتَارِكُهَا يَسْتَوْجِبُ إسَاءَةً: أَيْ التَّضْلِيلَ وَاللَّوْمَ. وَفِي التَّلْوِيحِ تَرْكُ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ قَرِيبٌ مِنْ الْحَرَامِ، وَقَدْ يُوَفَّقُ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةُ وَالْمُرَادُ بِهَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ التَّنْزِيهِيَّةُ، فَهِيَ دُونَ الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا وَفَوْقَ الْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْكَشْفِ الْكَبِيرِ مَعْزِيًّا إلَى أُصُولِ أَبِي الْيُسْرِ: حُكْمُ السُّنَّةِ أَنْ يُنْدَبَ إلَى تَحْصِيلِهَا وَيُلَامَ عَلَى تَرْكِهَا مَعَ لُحُوقِ إثْمٍ يَسِيرٍ اهـ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْإِثْمَ مَنُوطٌ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ أَوْ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِإِثْمِ مَنْ تَرَكَ سُنَنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَتَصْرِيحُهُمْ بِإِثْمِ مَنْ تَرَكَ الْجَمَاعَةَ مَعَ أَنَّهَا سُنَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِثْمَ بَعْضُهُ أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ فَالْإِثْمُ لِتَارِكِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ أَخَفُّ مِنْهُ لِتَارِكِ الْوَاجِبِ اهـ مُلَخَّصًا. وَظَاهِرُهُ حُصُولُ الْإِثْمِ بِالتَّرْكِ مَرَّةً، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ التَّرْكُ بِلَا عُذْرٍ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ، وَكَذَا مَا يَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْخُلَاصَةِ، وَكَذَا مَا مَرَّ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اكْتَفَى بِالْغُسْلِ مَرَّةً، إنْ اعْتَادَهُ أَثِمَ وَإِلَّا لَا، وَكَذَا مَا فِي شَرْحِ الْكَيْدَانِيَّةِ عَنْ الْكَشْفِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمِصْرَيْنِ عَلَى تَرْكِ السُّنَّةِ بِالْقِتَالِ وَأَبُو يُوسُفَ بِالتَّأْدِيبِ اهـ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ التَّرْكِ فِيمَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ عَلَى التَّرْكِ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ (قَوْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ) وَإِلَّا فَهِيَ أَكْثَرُ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَدْ عَدَّ مِنْهَا الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي مُقَدَّمَتِهِ نُورِ الْإِيضَاحِ إحْدَى وَخَمْسِينَ (قَوْلُهُ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ) أَنَّثَ لَفْظَ الْعَدَدِ لِحَذْفِ الْمَعْدُودِ ح (قَوْلُهُ لِلتَّحْرِيمَةِ) أَيْ قَبْلَهَا، وَقِيلَ مَعَهَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) حَكَى فِي الْخُلَاصَةِ أَوَّلًا خِلَافًا، قِيلَ يَأْثَمُ، وَقِيلَ لَا. ثُمَّ قَالَ: وَالْمُخْتَارُ إنْ اعْتَادَهُ أَثِمَ لَا إنْ كَانَ أَحْيَانًا. اهـ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَيْضِ وَكَذَا فِي الْمُنْيَةِ. قَالَ شَارِحُهَا: يَأْثَمُ لَا لِنَفْسِ التَّرْكِ، بَلْ لِأَنَّهُ اسْتِخْفَافٌ وَعَدَمُ مُبَالَاةٍ بِسُنَّةٍ وَاظَبَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُدَّةَ عُمْرِهِ، وَهَذَا مُطَّرِدٌ فِي جَمِيعِ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ اهـ وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ. وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ بَعْدَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَائِلَ بِالْإِثْمِ فِي تَرْكِ الرَّفْعِ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى فَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَالْقَائِلُ بِعَدَمِهِ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الزَّوَائِدِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَبِّ إلَخْ. قُلْت: لَكِنَّ كَوْنَهُ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِثْمَ بِتَرْكِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً بِلَا عُذْرٍ، فَيَتَعَيَّنُ تَقْيِيدُ التَّرْكِ بِالِاعْتِيَادِ وَالْإِصْرَارِ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْإِصْرَارِ عَلَى التَّرْكِ هُوَ الِاسْتِخْفَافُ بِمَعْنَى التَّهَاوُنِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ، لَا بِمَعْنَى الِاسْتِهَانَةِ وَالِاحْتِقَارِ، وَإِلَّا كَانَ كُفْرًا كَمَا مَرَّ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي النَّهْرِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ أَيْ تَرَكَهَا بِحَالِهَا) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ أَرَادَ بِالنَّشْرِ تَفْرِيجَ الْأَصَابِعِ وَهُوَ غَلَطٌ، بَلْ أَرَادَ بِهِ النَّشْرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 (وَأَنْ لَا يُطَأْطِئَ رَأْسَهُ عِنْدَ التَّكْبِيرِ) فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ (وَجَهْرُ الْإِمَامِ بِالتَّكْبِيرِ) بِقَدْرِ حَاجَتِهِ لِلْإِعْلَامِ بِالدُّخُولِ وَالِانْتِقَالِ. وَكَذَا بِالتَّسْمِيعِ وَالسَّلَامِ. وَأَمَّا الْمُؤْتَمُّ وَالْمُنْفَرِدُ فَيُسْمِعُ نَفْسَهُ (وَالثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ وَالتَّسْمِيَةِ وَالتَّأْمِينِ)   [رد المحتار] عَنْ الطَّيِّ يَعْنِي بِرَفْعِهِمَا مَنْصُوبَتَيْنِ لَا مَضْمُومَتَيْنِ حَتَّى تَكُونَ الْأَصَابِعُ مَعَ الْكَشْفِ مُسْتَقْبِلَةً لِلْقِبْلَةِ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا تَتَوَقَّفُ السُّنَّةُ عَلَى ضَمِّ الْأَصَابِعِ أَوَّلًا، بَلْ لَوْ كَانَتْ مَنْشُورَةً غَيْرَ مُتَفَرِّجَةٍ كُلَّ التَّفْرِيجِ وَلَا مَضْمُومَةً كُلَّ الضَّمِّ ثُمَّ رَفَعَهَا كَذَلِكَ مُسْتَقْبِلًا بِهِمَا الْقِبْلَةَ فَقَدْ أَتَى بِالسُّنَّةِ اهـ (قَوْلُهُ وَأَنْ لَا يُطَأْطِئَ رَأْسَهُ) أَيْ لَا يَخْفِضَهُ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ لِلْإِعْلَامِ إلَخْ) وَإِنْ زَادَ كُرِهَ ط. قُلْت: هَذَا إنْ لَمْ يَفْحُشْ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ بَابِ الْإِمَامَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَقَائِمٌ بِقَاعِدٍ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَالِانْتِقَالُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّكْبِيرِ هُنَا مَا يَشْمَلُ تَكْبِيرَ الْإِحْرَامِ وَغَيْرَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الضِّيَاءِ. مَطْلَبٌ فِي التَّبْلِيغِ خَلْفَ الْإِمَامِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا كَبَّرَ لِلِافْتِتَاحِ فَلَا بُدَّ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِ مِنْ قَصْدِهِ بِالتَّكْبِيرِ الْإِحْرَامَ، وَإِلَّا فَلَا صَلَاةَ لَهُ إذَا قَصَدَ الْإِعْلَامَ فَقَطْ، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ بِأَنْ قَصَدَ الْإِحْرَامَ وَالْإِعْلَانَ لِلْإِعْلَامِ فَذَلِكَ هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ شَرْعًا، وَكَذَلِكَ الْمُبَلِّغُ إذَا قَصَدَ التَّبْلِيغَ فَقَطْ خَالِيًا عَنْ قَصْدِ الْإِحْرَامِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ وَلَا لِمَنْ يُصَلِّي بِتَبْلِيغِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّهُ اقْتَدَى بِمَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنْ قَصَدَ بِتَكْبِيرِهِ الْإِحْرَامَ مَعَ التَّبْلِيغِ لِلْمُصَلِّينَ فَذَلِكَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ شَرْعًا، كَذَا فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْغَزِّيِّ الْمُلَقَّبِ بِشَيْخِ الشُّيُوخِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ شَرْطٌ أَوْ رُكْنٌ فَلَا بُدَّ فِي تَحَقُّقِهَا مِنْ قَصْدِ الْإِحْرَامِ أَيْ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ. وَأَمَّا التَّسْمِيعُ مِنْ الْإِمَامِ وَالتَّحْمِيدُ مِنْ الْمُبَلِّغِ وَتَكْبِيرَاتُ الِانْتِقَالَاتِ مِنْهُمَا إذَا قُصِدَ بِمَا ذُكِرَ الْإِعْلَامُ فَقَطْ فَلَا فَسَادَ لِلصَّلَاةِ، كَذَا فِي [الْقَوْلِ الْبَلِيغِ فِي حُكْمِ التَّبْلِيغِ] لِلسَّيِّدِ أَحْمَدَ الْحَمَوِيُّ، وَأَقَرَّهُ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ أَبُو السُّعُودِ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ. وَالْفَرْقُ أَنَّ قَصْدَ الْإِعْلَامِ غَيْرُ مُفْسِدٍ كَمَا لَوْ سَبَّحَ لِيَعْلَمَ غَيْرُهُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ. وَلَمَّا كَانَ الْمَطْلُوبُ هُوَ التَّكْبِيرَ عَلَى قَصْدِ الذِّكْرِ وَالْإِعْلَامِ، فَإِذَا مَحَضَ قَصْدَ الْإِعْلَامِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ، وَعَدَمُ الذِّكْرِ فِي غَيْرِ التَّحْرِيمَةِ غَيْرُ مُفْسِدٍ. وَقَدْ أَشْبَعْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ تَنْبِيهَ ذَوِي الْأَفْهَامِ عَلَى حُكْمِ التَّبْلِيغِ خَلْفَ الْإِمَامِ هَذَا وَسَيَأْتِي فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ لَغَتْ نِيَّتُهُ وَصَحَّ شُرُوعُهُ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَهُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِهَا الْإِعْلَامَ صَحَّ أَيْضًا، عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا شَرْطٌ لَا رُكْنٌ، وَالشَّرْط يَلْزَمُ حُصُولُهُ لَا تَحْصِيلُهُ، لَكِنْ سَيَأْتِي جَوَابُهُ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إذَا قَصَدَ الْإِعْلَامَ بِنَفْسِ التَّكْبِيرَةِ، أَمَّا إذَا قَصَدَ بِهَا التَّحْرِيمَةَ وَقَصَدَ بِالْجَهْرِ بِهَا الْإِعْلَامَ، بِأَنْ كَانَ لَوْلَا الْإِعْلَامُ لَمْ يَجْهَرْ وَأَنَّهُ يَأْتِي بِهَا وَلَوْ لَمْ يَجْهَرْ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ كَمَا مَرَّ، وَالزَّائِدُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ كَمَا هُوَ مَكْرُوهٌ لِلْإِمَامِ يُكْرَهُ لِلْمُبَلِّغِ. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ: وَاعْلَمْ أَنَّ التَّبْلِيغَ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِأَنْ بَلَغَهُمْ صَوْتُ الْإِمَامِ مَكْرُوهٌ. وَفِي السِّيرَةِ الْحَلَبِيَّةِ: اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى أَنَّ التَّبْلِيغَ حِينَئِذٍ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ أَيْ مَكْرُوهَةٌ وَأَمَّا عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ فَمُسْتَحَبٌّ، وَمَا نُقِلَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ: إذَا بَلَغَ الْقَوْمَ صَوْتُ الْإِمَامِ فَبَلَّغَ الْمُؤَذِّنُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ فَلَا وَجْهَ لَهُ إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ رَفَعَ صَوْتَهُ بِمَا هُوَ ذِكْرٌ بِصِيغَتِهِ. وَقَالَ الْحَمَوِيُّ: وَأَظُنُّ أَنَّ هَذَا النَّقْلَ مَكْذُوبٌ عَلَى الطَّحَاوِيِّ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ اهـ (قَوْلُهُ وَالتَّسْمِيَةُ) وَقِيلَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَعَلَى بَقِيَّةِ السُّنَنِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْله وَالتَّأْمِينُ) أَيْ عَقِبَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، قَالَ فِي الْمُنْيَةِ: وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ آمِينَ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 وَكَوْنُهُنَّ (سِرًّا، وَوَضْعُ يَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ) وَكَوْنُهُ (تَحْتَ السُّرَّةِ) لِلرِّجَالِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «مِنْ السُّنَّةِ وَضْعُهُمَا تَحْتَ السُّرَّةِ» وَلِخَوْفِ اجْتِمَاعِ الدَّمِ. رُءُوسِ الْأَصَابِعِ (وَتَكْبِيرُ الرُّكُوعِ و) كَذَا (الرَّفْعُ مِنْهُ) بِحَيْثُ يَسْتَوِي قَائِمًا (وَالتَّسْبِيحُ فِيهِ ثَلَاثًا) وَإِلْصَاقُ كَعْبَيْهِ (وَأَخْذُ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ) فِي الرُّكُوعِ (وَتَفْرِيجُ أَصَابِعِهِ) لِلرَّجُلِ، وَلَا يُنْدَبُ التَّفْرِيجُ إلَّا هُنَا، لَا الضَّمُّ إلَّا فِي السُّجُودِ (وَتَكْبِيرُ السُّجُودِ و) كَذَا نَفْسُ (الرَّفْعِ مِنْهُ) بِحَيْثُ يَسْتَوِي جَالِسًا (وَ) كَذَا (تَكْبِيرُهُ، وَالتَّسْبِيحُ فِيهِ ثَلَاثًا، وَوَضْعُ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ) فِي السُّجُودِ، فَلَا تَلْزَمُ طَهَارَةُ مَكَانِهِمَا عِنْدَنَا مَجْمَعٌ،   [رد المحتار] لِكُلِّ أَحَدٍ، فَمَا قِيلَ لَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ وَقَرَأَ نَحْوَ - {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا} [البقرة: 286]- الْآيَةَ هَلْ يُسَنُّ التَّعَوُّذُ وَالتَّسْمِيَةُ وَالتَّأْمِينُ اهـ فَفِيهِ نَظَرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى تَوَقُّفِهِ فِي التَّأْمِينِ، فَإِنَّ الْوَارِدَ فِي التَّأْمِينِ عَقِبَ الْقِرَاءَةِ خَاصٌّ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَأَمَّا التَّعَوُّذُ وَالتَّسْمِيَةُ فَغَيْرُ خَاصَّيْنِ بِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِمَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَوْنُهُنَّ سِرًّا) جَعَلَ سِرًّا خَبَرَ الْكَوْنِ الْمَحْذُوفِ، لِيُفِيدَ أَنَّ الْإِسْرَارَ بِهَا سُنَّةٌ أُخْرَى، فَعَلَى هَذَا سُنِّيَّةُ الْإِتْيَانِ بِهَا تَحْصُلُ وَلَوْ مَعَ الْجَهْرِ بِهَا ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ وَكَوْنُهُ إلَخْ) قَدَّرَ الْكَوْنَ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ لِلرِّجَالِ) سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ بَيَانُ مُحْتَرِزِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ (قَوْلُهُ وَلِخَوْفٍ إلَخْ) بَيَانٌ لِحِكْمَةِ عَدَمِ الْإِرْسَالِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الرَّفْعُ مِنْهُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الرَّفْعَ مَرْفُوعٌ بِالْعَطْفِ عَلَى تَكْبِيرٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يَجُوزُ جَرُّهُ لِأَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ فِيهِ وَإِنَّمَا يَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ اهـ لَكِنْ سَنَذْكُرُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي الْقَوْلَ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ فِيهِ أَيْضًا لِحَدِيثِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ رَفْعٍ وَخَفْضٍ» وَعَلَى تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّكْبِيرِ ذِكْرٌ فِيهِ تَعْظِيمٌ يُقَالُ مِثْلُهُ هُنَا فَيَجُوزُ الْجَرُّ لِئَلَّا يَفُوتَ الْمُصَنِّفَ ذِكْرُ التَّسْمِيعِ فِي السُّنَنِ، لَكِنْ يَفُوتُهُ ذِكْرُ نَفْسِ الرَّفْعِ، فَالتَّأْوِيلُ فِي عِبَارَةِ الْكَنْزِ أَظْهَرُ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي حَوَاشِينَا عَلَى الْبَحْرِ. هَذَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مُخْتَارَ الْكَمَالِ وَغَيْرِهِ رِوَايَةُ وُجُوبِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالطُّمَأْنِينَةِ فِيهِمَا، وَأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِلْأَدِلَّةِ وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ رِوَايَةَ السُّنِّيَّةِ (قَوْلُهُ وَالتَّسْبِيحُ فِيهِ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَتَكْبِيرُ الرُّكُوعِ كَمَا لَا يَخْفَى وَنَظِيرُهُ مَا يَأْتِي فِي السُّجُودِ ح (قَوْلُهُ ثَلَاثًا) فَلَوْ تَرَكَهُ أَوْ نَقَصَهُ كُرِهَ تَنْزِيهًا كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَإِلْصَاقُ كَعْبَيْهِ) أَيْ حَيْثُ لَا عُذْرَ (قَوْلُهُ لِلرَّجُلِ) أَيْ سُنَّةٌ لِلرَّجُلِ فَقَطْ، وَهَذَا قَيْدٌ لِلْأَخْذِ وَالتَّفْرِيجِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَضَعُ يَدَيْهَا عَلَى رُكْبَتَيْهَا وَضْعًا وَلَا تُفَرِّجُ أَصَابِعَهَا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ فَافْهَمْ وَسَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ أَنَّهَا تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ (قَوْلُهُ وَكَذَا نَفْسُ الرَّفْعِ مِنْهُ) زَادَ لَفْظَةَ نَفْسٍ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ تَكْبِيرُ الرَّفْعِ، فَيَتَكَرَّرُ مَعَ قَوْلِهِ وَكَذَا تَكْبِيرُهُ أَوْ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ أَصْلَ الرَّفْعِ سُنَّةٌ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، حَتَّى إنَّهُ لَوْ سَجَدَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ نَزَعَ مِنْ تَحْتِ جَبْهَتِهِ وَسَجَدَ ثَانِيًا عَلَى الْأَرْضِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ، لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ إلَى السُّجُودِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاجِدًا، وَإِذَا كَانَ إلَى الْجُلُوسِ أَقْرَبَ جَازَ لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا اهـ. وَإِذَا كَانَ الرَّفْعُ الْمَذْكُورُ فَرْضًا فَالْمَسْنُونُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَسْتَوِي جَالِسًا فَلِذَا قَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِذَلِكَ، لَكِنَّهُ يَتَكَرَّرُ مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي وَالْجِلْسَةُ فَالْأَصْوَبُ إسْقَاطُ قَوْلِهِ بِحَيْثُ يَسْتَوِي جَالِسًا، وَيَكُونُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالرَّفْعِ أَصْلُهُ بِدُونِ اسْتِوَاءٍ جَرْيًا عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهِ، وَبِالْجِلْسَةِ الْآتِيَةِ الِاسْتِوَاءَ فَلَا تَكْرَارَ، وَقَدْ مَرَّ تَصْحِيحُ وُجُوبِهَا وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَوَضْعُ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ) هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الِافْتِرَاضَ، وَمَشَى عَلَيْهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَالْفَتْوَى عَلَى عَدَمِهِ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَالْخُلَاصَةِ وَاخْتَارَ فِي الْفَتْحِ الْوُجُوبَ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ مَعَ الْمُوَاظَبَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ لِمُوَافَقَتِهِ الْأُصُولَ. اهـ. وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَهُوَ حَسَنٌ مَاشٍ عَلَى الْقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِيَّةِ ثُمَّ ذُكِرَ مَا يُؤَيِّدُهُ. (قَوْلُهُ فَلَا تَلْزَمُ) لِأَنَّ وَضْعَهُمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ فَإِذَا وَضَعَهُمَا عَلَى نَجَسٍ كَانَ كَعَدَمِ الْوَضْعِ أَصْلًا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 لَا إذَا سَجَدَ عَلَى كَفِّهِ كَمَا مَرَّ (وَافْتِرَاشُ رِجْلِهِ الْيُسْرَى) فِي تَشَهُّدِ الرَّجُلِ (وَالْجَلْسَةُ) بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَوَضْعُ يَدَيْهِ فِيهَا عَلَى فَخِذَيْهِ كَالتَّشَهُّدِ لِلتَّوَارُثِ، وَهَذَا مِمَّا أَغْفَلَهُ أَهْلُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ كَمَا فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ. قُلْت: وَيَأْتِي مَعْزِيًّا لِلْمُنْيَةِ فَافْهَمْ (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ) فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ. وَفَرَضَ الشَّافِعِيُّ قَوْلَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَنَسَبُوهُ إلَى الشُّذُوذِ وَمُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ (وَالدُّعَاءُ) بِمَا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَبَقِيَ بَقِيَّةُ تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ حَتَّى تَكْبِيرَاتِ الْقُنُوتِ عَلَى قَوْلٍ، وَالتَّسْمِيعُ لِلْإِمَامِ، وَالتَّحْمِيدُ لِغَيْرِهِ، وَتَحْوِيلُ الْوَجْهِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً لِلسَّلَامِ (وَلَهَا آدَابٌ) تَرْكُهُ لَا يُوجِبُ إسَاءَةً وَلَا عِتَابًا كَتَرْكِ سُنَّةِ الزَّوَائِدِ، لَكِنَّ فِعْلَهُ أَفْضَلُ (نَظَرَهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ حَالَ قِيَامِهِ، وَإِلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ حَالَ رُكُوعِهِ،   [رد المحتار] فَلَا يَضُرُّ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ عَنْ الْمُنْيَةِ أَنَّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ طَهَارَةِ مَكَانِهِمَا رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ، وَأَنْ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ كَمَا فِي مَتْنِ الْمَوَاهِبِ وَنُورِ الْإِيضَاحِ وَالْمُنْيَةِ. وَفِي النَّهْرِ: وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِإِطْلَاقِ عَامَّةِ الْمُتُونِ، وَأَيَّدَهُ بِكَلَامِ الْخَانِيَّةِ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ اتِّصَالَ الْعُضْوِ بِالنَّجَاسَةِ بِمَنْزِلَةِ حَمْلِهَا وَإِنْ كَانَ وَضْعُ ذَلِكَ الْعُضْوِ لَيْسَ بِفَرْضٍ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا سَجَدَ عَلَى كَفِّهِ) أَيْ عَلَى مَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ كَكَفِّهِ وَفَاضِلِ ثَوْبِهِ، لَا لِاشْتِرَاطِ طَهَارَةِ مَا تَحْتَ الْكَفِّ أَوْ الثَّوْبِ بَلْ لِاشْتِرَاطِ طَهَارَةِ مَحَلِّ السُّجُودِ، وَمَا اتَّصَلَ بِهِ لَا يَصْلُحُ فَاصِلًا فَكَأَنَّهُ سَجَدَ عَلَى النَّجَاسَةِ (قَوْلُهُ وَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى) أَيْ مَعَ نَصْبِ الْيُمْنَى سَوَاءٌ كَانَ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى أَوْ الْأُخْرَى لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُ كَذَلِكَ، وَمَا وَرَدَ مِنْ تَوَرُّكِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ كِبَرِهِ وَضَعْفِهِ، وكَذَا يَفْتَرِشُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَمَا فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ قَاسِمٍ عَنْ أَبِي السُّعُودِ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ الْبُرْجَنْدِيِّ (قَوْلُهُ فِي تَشَهُّدِ الرَّجُلِ) أَيْ هُوَ سُنَّةٌ فِيهِ؛ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا تَتَوَرَّكُ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَوَضْعُ يَدَيْهِ فِيهَا) أَيْ فِي الْجِلْسَةِ (قَوْلُهُ فَافْهَمْ) لَعَلَّهُ يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَيْضًا لِأَنَّ هَذِهِ الْجِلْسَةَ مِثْلُ جِلْسَةِ التَّشَهُّدِ، وَلَوْ كَانَ فِيهَا مُخَالَفَةٌ لَهَا لَبَيَّنُوا ذَلِكَ كَمَا بَيَّنُوا أَنَّ الْجِلْسَةَ الْأَخِيرَةَ تُخَالِفُ الْأُولَى فِي التَّوَرُّكِ، فَلَمَّا أَطْلَقُوهَا عُلِمَ أَنَّهَا مِثْلُهَا، وَلِهَذَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ هُنَا: وَيَجْلِسُ أَيْ الْجُلُوسَ الْمَعْهُودَ. (قَوْلُهُ وَنَسَبُوهُ) أَيْ نَسَبَهُ قَوْمٌ مِنْ الْأَعْيَانِ مِنْهُمْ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْخَطَّابِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مَا يُوَافِقُ الشَّافِعِيَّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَالدُّعَاءُ إلَخْ) أَيْ قَبْلَ السَّلَامِ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْفَصْلِ الْآتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ قِرَاءَةٍ وَتَسْبِيحٍ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِمُؤْتَمٍّ وَمُنْفَرِدٍ، لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَجْمَعُ بَيْنَ التَّسْمِيعِ وَالتَّحْمِيدِ وَكَذَا الْإِمَامُ عِنْدَهُمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ جَزَمَ بِهَا الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي مُقَدَّمَتِهِ (قَوْلُهُ وَتَحْوِيلُ الْوَجْهِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً لِلسَّلَامِ) وَيُسَنُّ الْبُدَاءَةُ بِالْيَمِينِ، وَنِيَّةُ الْإِمَامِ الرِّجَالَ وَالْحَفَظَةَ وَصَالِحِي الْجِنِّ إلَى آخِرِ مَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ، وَخَفْضُ الثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى، وَمُقَارَنَتُهُ لِسَلَامِ الْإِمَامِ وَانْتِظَارُ الْمَسْبُوقِ سَلَامَ الْإِمَامِ كَذَا فِي نُورِ الْإِيضَاحِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ أَوْصَلَ السُّنَنَ إلَى إحْدَى وَخَمْسِينَ لَكِنْ عَدَّ بَعْضَهَا فِي الضِّيَاءِ مِنْ الْمُسْتَحَبَّاتِ. [آدَابُ الصَّلَاةِ] (قَوْلُهُ وَلَهَا آدَابٌ) جَمْعُ أَدَبٍ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَلَمْ يُوَاظِب عَلَيْهِ كَالزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ فِي تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمَا. وَعَرَّفَهُ فِي أَوَّلِ الْحِلْيَةِ بِتَعَارِيفَ مُتَعَدِّدَةٍ، وَقَالَ: وَالظَّاهِرُ مُسَاوَاتُهُ لِلْمَنْدُوبِ (قَوْلُهُ تَرَكَهُ) أَيْ تَرَكَ الْأَدَبَ الَّذِي تَضَمَّنَهُ لَفْظُ جَمْعِهِ (قَوْلُهُ كَتَرْكِ سُنَّةِ الزَّوَائِدِ) هِيَ السُّنَنُ الْغَيْرُ الْمُؤَكَّدَةِ؛ كَسَيْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي لِبَاسِهِ وَقِيَامِهِ وَقُعُودِهِ وَتَرَجُّلِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 وَإِلَى أَرْنَبَةِ أَنْفِهِ حَالَ سُجُودِهِ، وَإِلَى حِجْرِهِ حَالَ قُعُودِهِ. وَإِلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَالْأَيْسَرِ عِنْدَ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ) لِتَحْصِيلِ الْخُشُوعِ (وَإِمْسَاكُ فَمِهِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ) فَائِدَةٌ لِدَفْعِ التَّثَاؤُبِ مُجَرَّبَةٌ وَلَوْ بِأَخْذِ شَفَتَيْهِ بِسِنِّهِ (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ غَطَّاهُ) بِظَهْرِ (يَدِهِ) الْيُسْرَى، وَقِيلَ بِالْيُمْنَى لَوْ قَائِمًا وَإِلَّا فَيُسْرَاهُ مُجْتَبَى (أَوْ كُمِّهِ) لِأَنَّ التَّغْطِيَةَ بِلَا ضَرُورَةٍ مَكْرُوهَةٌ (وَإِخْرَاجُ كَفَّيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ) لِلرَّجُلِ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَبَرْدٍ (وَدَفْعِ السُّعَالِ مَا اسْتَطَاعَ)   [رد المحتار] وَتَنَعُّلِهِ، وَيُقَابِلُهَا سُنَنُ الْهَدْيِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ كَالْأَذَانِ وَالْجَمَاعَةِ، وَيُقَابِلُ النَّوْعَيْنِ النَّفَلُ، وَمِنْهُ الْمَنْدُوبُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالْأَدَبُ، وَقَدَّمْنَا تَحْقِيقَ ذَلِكَ فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ. (قَوْلُهُ وَإِلَى أَرْنَبَةِ أَنْفِهِ) أَيْ طَرَفِهِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَإِلَى حِجْرِهِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَالْجِيمِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ: مَا بَيْنَ يَدَيْك مِنْ ثَوْبِك قَامُوسٌ. وَقَالَ أَيْضًا: الْحِجْرُ مُثَلَّثَةٌ الْمَنْعُ، وَحِضْنُ الْإِنْسَانِ؛ وَالْمُنَاسِبُ هُنَا الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ فَسَّرَ الْحِضْنَ بِمَا دُونَ الْإِبِطِ إلَى الْكَشْحِ أَوْ الصَّدْرِ وَالْعَضُدَانِ، وَفَسَّرَ الْكَشْحَ بِمَا بَيْنَ الْخَاصِرَةِ إلَى الضِّلَعِ الْجَنْبِ وَاسْتَظْهَرَ فِي الْعَزْمِيَّةِ ضَبْطَهُ بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَزَايٍ مُعْجَمَةٍ: جَمْعُ حُجْزَةٍ، وَهِيَ مَقْعَدُ الْإِزَارِ، وَلَا يَخْفَى بَعْدَهُ (قَوْلُهُ لِتَحْصِيلِ الْخُشُوعِ) عِلَّةٌ لِلْجَمِيعِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْخُشُوعُ وَتَرْكُ التَّكْلِيفِ، فَإِذَا تَرَكَهُ صَارَ نَاظِرًا إلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ قَصَدَ أَوْ لَا، وَفِي ذَلِكَ حِفْظٌ لَهُ عَنْ النَّظَرِ إلَى مَا يَشْغَلُهُ، وَفِي إطْلَاقِهِ شُمُولُ الْمُشَاهِدِ لِلْكَعْبَةِ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مَا يُلْهِيهِ، وَإِذَا كَانَ فِي الظَّلَامِ أَوْ كَانَ بَصِيرًا يُحَافِظُ عَلَى عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَيْهَا، وَتَمَامُهُ فِي الْإِمْدَادِ وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الْخُشُوعَ، فَإِذَا كَانَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مَا يُنَافِيهِ يَعْدِلُ إلَى مَا يُحَصِّلُهُ فِيهَا. [تَنْبِيهٌ] الْمَنْقُولُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنْ يَكُونَ مُنْتَهَى بَصَرِهِ فِي صَلَاتِهِ إلَى مَحَلِّ سُجُودِهِ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ، وَعَلَيْهِ اُقْتُصِرَ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْمَشَايِخِ كَالطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ وَغَيْرِهِمَا، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْمُطَوَّلَاتِ (قَوْلُهُ وَإِمْسَاكُ فَمِهِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ) بِالْهَمْزِ، وَأَمَّا الْوَاوُ فَغَلَطٌ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ أَوْ يُكْرَهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ وَلَوْ خَارِجَهَا لِأَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَالْأَنْبِيَاءُ مَحْفُوظُونَ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِأَخْذِ شَفَتَيْهِ بِسِنِّهِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ شَفَتَهُ بِصِيغَةِ الْمُفْرَدِ وَهِيَ أَحْسَنُ لِأَنَّ الْمُتَيَسِّرَ لِدَفْعِ التَّثَاؤُبِ هُوَ أَخْذُ الشَّفَةِ السُّفْلَى وَحْدَهَا ثُمَّ رَأَيْت التَّقْيِيدَ بِهَا فِي الضِّيَاءِ (قَوْلُهُ بِظُهْرِ يَدِهِ الْيُسْرَى) كَذَا فِي الضِّيَاءِ الْمَعْنَوِيِّ، وَمِثْلُهُ فِي الْحِلْيَةِ فِي بَابِ السُّنَنِ وَالشَّارِحُ عَزَا الْمَسْأَلَةَ إلَى الْمُجْتَبَى مَعَ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّهُ يُغَطِّي فَاهُ بِيَمِينِهِ، وَقِيلَ بِيَمِينِهِ فِي الْقِيَامِ وَفِي غَيْرِهِ بِيَسَارِهِ اهـ وَهَكَذَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ. وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ فِي الْخَزَائِنِ: أَيْ بِظُهْرِ يَدِهِ الْيُمْنَى إلَخْ فَالْمُنَاسِبُ إبْدَالُ الْيُسْرَى بِالْيُمْنَى (قَوْلُهُ وَقِيلَ إلَخْ) كَأَنَّهُ لِأَنَّ التَّغْطِيَةَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِالْيُسْرَى كَالِامْتِخَاطِ، فَإِذَا كَانَ قَاعِدًا يَسْهُلُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ حَرَكَةُ الْيَدَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَائِمًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ التَّغْطِيَةِ بِالْيُسْرَى حَرَكَةُ الْيَمِينِ أَيْضًا لِأَنَّهَا تَحْتَهَا. اهـ. ح (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّغْطِيَةَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِكَوْنِهِ لَا يُغَطِّي بِيَدِهِ أَوْ كُمِّهِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ إمْكَانِ كَظْمِ فِيهِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: أَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ يَأْخُذُ شَفَتَيْهِ بِسِنِّهِ فَلَمْ يَفْعَلْ وَغَطَّى فَاهُ بِيَدِهِ أَوْ ثَوْبِهِ يُكْرَهُ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. [فَائِدَةٌ] رَأَيْت فِي شَرْحِ تُحْفَةِ الْمُلُوكِ الْمُسَمَّى بِهَدِيَّةِ الصُّعْلُوكِ مَا نَصُّهُ: قَالَ الزَّاهِدِيُّ: الطَّرِيقُ فِي دَفْعِ التَّثَاؤُبِ أَنْ يَخْطِرَ بِبَالِهِ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا تَثَاءَبُوا قَطُّ. قَالَ الْقُدُورِيُّ: جَرَّبْنَاهُ مِرَارًا فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ. اهـ. قُلْت: وَقَدْ جَرَّبْته أَيْضًا فَوَجَدْته كَذَلِكَ (قَوْلُهُ عِنْدَ التَّكْبِيرِ) أَيْ تَكْبِيرِ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ وَدَفَعَ السُّعَالَ مَا اسْتَطَاعَ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ السُّعَالَ الْمُضْطَرَّ إلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ أَوْ غَيْرَهُ، فَدَفْعُهُ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ مُفْسِدٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 لِأَنَّهُ بِلَا عُذْرٍ مُفْسِدٍ فَيَجْتَنِبُهُ (وَالْقِيَامُ) لِإِمَامٍ وَمُؤْتَمٍّ (حِينَ قِيلَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ) خِلَافًا لِزُفَرَ؛ فَعِنْدَهُ عِنْدَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ابْنُ كَمَالٍ (إنْ كَانَ الْإِمَامُ بِقُرْبِ الْمِحْرَابِ وَإِلَّا فَيَقُومُ كُلُّ صَفُّ يَنْتَهِي إلَيْهِ الْإِمَامُ عَلَى الْأَظْهَرِ وَإِنْ) دَخَلَ مِنْ قُدَّامٍ حِينِ يَقَعُ بَصَرُهُمْ عَلَيْهِ إلَّا إذَا أَقَامَ الْإِمَامُ بِنَفْسِهِ فِي مَسْجِدٍ فَلَا يَقِفُوا حَتَّى يُتِمَّ إقَامَتَهُ ظَهِيرِيَّةٌ، وَإِنْ خَارِجَهُ قَامَ كُلُّ صُفْ يَنْتَهِي إلَيْهِ بَحْرُ (وَشُرُوع الْإِمَام) فِي الصَّلَاة (مُذْ قِيلَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاة) وَلَوْ أَخَّرَ حَتَّى أُتِمَّهَا لَا بَأْسَ بِهِ إجْمَاعًا، وَهُوَ قَوْلُ الثَّانِي وَالثَّلَاثَةِ؛ وَهُوَ أَعْدَلُ الْمَذَاهِبِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِمُصَنَّفِهِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَعْزِيًّا لِلْخُلَاصَةِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ. [فَرْعٌ] لَوْ لَمْ يَعْلَمْ مَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ فَرَائِضَ وَسُنَنٍ أَجْزَأَهُ قُنْيَةٌ. فَصْلٌ (وَإِذَا أَرَادَ الشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ) لَوْ قَادِرًا (لِلِافْتِتَاحِ) أَيْ قَالَ وُجُوبًا اللَّهُ أَكْبَرُ   [رد المحتار] وَقَدْ يُقَالُ: الْمُرَادُ بِهِ مَا تَدْعُو إلَيْهِ الطَّبِيعَةُ مِمَّا يُظَنُّ إمْكَانُ دَفْعِهِ، فَهَذَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْفَعَهُ مَا أَمْكَنَ إلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ بِلَا صُنْعِهِ أَوْ يَنْدَفِعَ عَنْهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْته فِي الْحِلْيَةِ أَجَابَ بِحَمْلِهِ عَلَى غَيْرِ الْمُضْطَرِّ إلَيْهِ إذَا كَانَ عُذْرٌ يَدْعُو إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ ذَا حُرُوفٍ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ الْخِلَافِ اهـ وَالْمُرَادُ بِالْعُذْرِ تَحْسِينُ الصَّوْتِ أَوْ إعْلَامُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ فَسَيَأْتِي فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ أَنَّ التَّنَحْنُحَ لِأَجْلِ ذَلِكَ لَا يُفْسِدُ فِي الصَّحِيحِ، وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالسُّعَالِ التَّنَحْنُحُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ حِينَ قِيلَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ) كَذَا فِي الْكَنْزِ وَنُورِ الْإِيضَاحِ وَالْإِصْلَاحِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا. وَاَلَّذِي فِي الدُّرَرِ مَتْنًا وَشَرْحًا عِنْدَ الْحَيْعَلَةِ الْأُولَى، يَعْنِي حِينَ يُقَالُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ اهـ وَعَزَاهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فِي شَرْحِهِ إلَى عُيُونِ الْمَذَاهِبِ وَالْفَيْضِ وَالْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَالْحَاوِي وَالْمُخْتَارِ. اهـ. قُلْت: وَاعْتَمَدَهُ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى، وَحَكَى الْأَوَّلَ بِ قِيلَ، لَكِنْ نَقَلَ ابْن الْكَمَالُ تَصْحِيحَ الْأَوَّلِ. وَنَصُّ عِبَارَتِهِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: يَقُومُ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةُ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ وَزُفَرُ: إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ قَامُوا إلَى الصَّفِّ وَإِذَا قَامَ مَرَّةً ثَانِيَةً كَبَّرُوا وَالصَّحِيحُ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ إلَخْ) هَذَا النَّقْلُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَغَيْرُ مُوَافِقٍ لِعِبَارَةِ ابْنِ كَمَالٍ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَقَدْ رَاجَعْت الذَّخِيرَةَ رَأَيْته حَكَى الْخِلَافَ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ كَمَالٍ عَنْهَا، وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ بِقُرْبِ الْمِحْرَابِ، بِأَنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَهُ وَدَخَلَ مِنْ خَلْفٍ ح (قَوْلُهُ فِي مَسْجِدٍ) الْأَوْلَى تَعْرِيفُهُ بِاللَّامِ (قَوْلُهُ فَلَا يَقِفُوا) الْأَنْسَبُ فَلَا يَقِفُونَ بِإِثْبَاتِ النُّونِ عَلَى أَنْ لَا نَافِيَةٌ لَا نَاهِيَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ خَارِجَهُ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ فِي مَسْجِدٍ (قَوْلُهُ بَحْرٌ) لَمْ أَرَهُ فِيهِ بَلْ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَشُرُوعُ الْإِمَامِ) وَكَذَا الْقَوْمُ، لِأَنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُقَارَنَتُهُمْ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِهِ إجْمَاعًا) أَيْ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ فَنَفْيُ الْبَأْسِ أَيْ الشِّدَّةِ ثَابِتٌ فِي كِلَا الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ أَوْلَى فِي أَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ التَّأْخِيرُ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ أَخَّرَ (قَوْلُهُ إنَّهُ الْأَصَحُّ) لِأَنَّ فِيهِ مُحَافَظَةً عَلَى فَضِيلَةِ مُتَابَعَةِ الْمُؤَذِّنِ وَإِعَانَةً لَهُ عَلَى الشُّرُوعِ مَعَ الْإِمَامِ [فَرْع لَوْ لَمْ يَعْلَمْ مَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ فَرَائِضَ وَسُنَنٍ] (قَوْلُهُ فَرْعٌ إلَخْ) تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَحْثِ النِّيَّةِ، وَكَذَا فِي هَذَا الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبَقِيَ مِنْ الْفُرُوضِ إلَخْ (قَوْلُهُ قُنْيَةٌ) يَعْنِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الزَّاهِدِيُّ فِي قُنْيَةٌ الْفَتَاوَى، وَنَقَلَ ط عِبَارَتَهُ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي بَيَان تَأْلِيف الصَّلَاة إلَى انتهائها] فَصْلٌ أَيْ فِي بَيَانِ تَأْلِيفِ الصَّلَاةِ إلَى انْتِهَائِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَوَارَثِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ غَالِبًا لِوَصْفِ أَفْعَالِهَا بِفَرِيضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا مَرَّ (قَوْلُهُ لَوْ قَادِرًا) سَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ فِي قَوْلِهِ وَيَلْزَمُ الْعَاجِزَ إلَخْ (قَوْلُهُ لِلِافْتِتَاحِ) فَلَوْ قَصَدَ الْإِعْلَامَ فَقَطْ لَمْ يَصِرْ شَارِعًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ أَيْ قَالَ وُجُوبًا اللَّهُ أَكْبَرُ) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُنْيَةِ: وَلَا دُخُولَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا بِالْمُبْتَدَأِ فَقَطْ كَ (اللَّهُ) وَلَا بِ (أَكْبَرُ) فَقَطْ هُوَ الْمُخْتَارُ، فَلَوْ قَالَ اللَّهُ مَعَ الْإِمَامِ وَأَكْبَرُ قَبْلَهُ أَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَقَالَ اللَّهُ قَائِمًا وَأَكْبَرُ رَاكِعًا لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ؛ كَمَا لَوْ فَرَغَ مِنْ (اللَّهُ) قَبْلَ الْإِمَامِ؛ وَلَوْ ذَكَرَ الِاسْمَ بِلَا صِفَةٍ صَحَّ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (بِالْحَذْفِ) إذْ مَدُّ أَحَدِ الْهَمْزَتَيْنِ مُفْسِدٌ، وَتَعَمُّدُهُ كُفْرٌ وَكَذَا الْبَاءُ فِي الْأَصَحِّ. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ (قَائِمًا) فَلَوْ وَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَكَبَّرَ مُنْحَنِيًا، إنْ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبُ صَحَّ   [رد المحتار] فِي الصَّلَاةِ إلَّا بِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، أَوْ اللَّهُ الْأَكْبَرُ، أَوْ اللَّهُ الْكَبِيرُ، أَوْ اللَّهُ كَبِيرٌ إلَخْ، وَعَيَّنَ مَالِكٌ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ الْمُتَوَارَثُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُفِيدُ السُّنِّيَّةَ أَوْ الْوُجُوبَ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِافْتِتَاحُ بِغَيْرِ اللَّهُ أَكْبَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي التُّحْفَةِ وَالذَّخِيرَةِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ؛ وَعَلَيْهِ فَلَوْ افْتَتَحَ بِأَحَدِ الْأَلْفَاظِ الْأَخِيرَةِ لَا يَحْصُلُ الْوَاجِبُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا بِالْمُبْتَدَأِ) لِأَنَّ الشَّرْطَ الْإِتْيَانُ بِجُمْلَةٍ تَامَّةٍ كَمَا مَرَّ فِي النَّظْمِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْوَاوِ أَحْسَنُ مِنْ الْفَاءِ التَّفْرِيعِيَّةِ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ وَهَذَا بَيَانٌ لِلشَّرْطِ فَلَا يَصِحُّ التَّفْرِيعُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ) وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِمَا الْخَمْسَةِ ح (قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ إلَخْ) بَيَانٌ لِثَمَرَةِ الْخِلَافِ وَتَفْرِيعٌ عَلَى الْمُخْتَارِ (قَوْلُهُ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ فَرَاغِهِ ح (قَوْلُهُ قَائِمًا) أَيْ حَقِيقَةً وَهُوَ الِانْتِصَابُ، أَوْ حُكْمًا وَهُوَ الِانْحِنَاءُ الْقَلِيلُ بِأَنْ لَا تَنَالَ يَدَاهُ رُكْبَتَيْهِ ح (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) أَيْ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَفَادَ أَنَّهُ كَمَا لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ أَيْضًا وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ. (قَوْلُهُ قَبْلَ الْإِمَامِ) أَيْ قَبْلَ شُرُوعِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ ذَكَرَ الِاسْمَ) مُكَرَّرٌ بِمَا قَبْلَهُ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالصِّفَةِ الْخَبَرُ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ ضَعِيفٌ مَبْنِيٌّ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ إذْ مَدُّ أَحَدِ الْهَمْزَتَيْنِ مُفْسِدٌ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَدَّ إنْ كَانَ فِي اللَّهُ، فَإِمَّا فِي أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِهِ لَمْ يَصِرْ بِهِ شَارِعًا وَأَفْسَدَ الصَّلَاةَ لَوْ فِي أَثْنَائِهَا، وَلَا يَكْفُرُ إنْ كَانَ جَاهِلًا لِأَنَّهُ جَازِمٌ وَالْإِكْفَارُ لِلشَّكِّ فِي مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ؛ وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهِ، فَإِنْ بَالَغَ حَتَّى حَدَثَ أَلِفٌ ثَانِيَةٌ بَيْنَ اللَّامِ وَالْهَاءِ كُرِهَ، قِيلَ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا لَا تُفْسِدُ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ فَهُوَ خَطَأٌ وَلَا يُفْسِدُ أَيْضًا وَقِيَاسُ عَدَمِ الْفَسَادِ فِيهِمَا صِحَّةُ الشُّرُوعِ بِهِمَا؛ وَإِنْ كَانَ الْمَدُّ فِي أَكْبَرُ، فَإِنْ فِي أَوَّلِهِ فَهُوَ خَطَأٌ مُفْسِدٌ، وَإِنْ تَعَمَّدَهُ قِيلَ يَكْفُرُ لِلشَّكِّ، وَقِيلَ لَا. وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ فِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ بِهِ، وَإِنْ فِي وَسَطِهِ أَفْسَدَ، وَلَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ بِهِ. وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: يَصِحُّ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْمُخَالَفَةَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ. وَفِي الْمُبْتَغَى: لَا يُفْسِدُ لِأَنَّهُ إشْبَاعٌ وَهُوَ لُغَةُ قَوْمٍ، وَقِيلَ يُفْسِدُ لِأَنَّ (أَكْبَارُ) اسْمُ وَلَدِ إبْلِيسَ. اهـ.؛ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ لُغَةٌ فَالْوَجْهُ الصِّحَّةُ؛ وَإِنْ فِي آخِرِهِ فَقَدْ قِيلَ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَقِيَاسُهُ أَنْ لَا يَصِحَّ الشُّرُوعُ بِهِ أَيْضًا كَذَا فِي الْحِلْيَةِ مُلَخَّصًا. وَتَمَامُ أَبْحَاثِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَكَبَّرَ بِلَا مَدٍّ وَرَكَعَ. أَقُولُ: وَيَنْبَغِي الْفَسَادُ بِمَدِّ الْهَاءِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَمْعُ لَاهٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَتَعَمَّدَهُ) أَيْ تَعَمَّدَ مَدَّ الْهَمْزَةِ مِنْ لَفْظِ الْجَلَالَةِ أَوْ أَكْبَرُ كَفَرَ لِكَوْنِهِ اسْتِفْهَامًا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَثْبُتَ عِنْدَهُ كِبْرِيَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتُهُ، كَذَا فِي الْكِفَايَةِ. وَالْأَحْسَنُ قَوْلُ الْمَبْسُوطِ خِيفَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ إنْ كَانَ قَاصِدًا، عَلَى أَنَّ الْأَكْمَلَ اعْتَرَضَهُمْ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّقْرِيرِ فَلَا كُفْرَ وَلَا فَسَادَ. لَكِنْ يُجَابُ بِأَنَّ قَصْدَ التَّقْرِيرِ لَا يَدْفَعُ الْفَسَادَ، لِمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُقَرِّرَ نَفْسَهُ، وَإِنْ قَرَّرَ غَيْرَهُ لَزِمَ الْفَسَادُ لِأَنَّهُ خِطَابٌ. اهـ. وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ تَعَمَّدَ الْمَدَّ لَا يَكْفُرُ إلَّا إذَا قَصَدَ بِهِ الشَّكَّ لِانْتِفَاءِ احْتِمَالِ التَّقْرِيرِ. وَأَمَّا الْفَسَادُ وَعَدَمُ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فَثَابِتَانِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْمَدَّ أَوْ الشَّكَّ لِأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِمُحْتَمَلٍ لِلْكُفْرِ فَصَارَ خَطَأً شَرْعًا، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحِلْيَةِ إنَّ مَنَاطَ الْفَسَادِ ذِكْرُ الصُّورَةِ الِاسْتِفْهَامِيَّة فَلَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ كَوْنِهِ عَالِمًا بِمَعْنَاهَا أَوْ لَا بِدَلِيلِ الْفَسَادِ بِكَلَامِ النَّائِمِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْبَاءُ فِي الْأَصَحِّ) صَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ قَائِمًا) أَيْ فِي الْفَرْضِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ ح. (قَوْلُهُ إنْ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ) بِأَنْ لَا تَنَالَ يَدَاهُ رُكْبَتَيْهِ كَمَا مَرَّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 وَلَغَتْ نِيَّةُ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ. . [فُرُوعٌ] كَبَّرَ غَيْرَ عَالِمٍ بِتَكْبِيرِ إمَامِهِ، إنْ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَبَّرَ قَبْلَهُ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ مُحِيطٌ؛ وَلَوْ أَرَادَ بِتَكْبِيرِهِ التَّعَجُّبَ أَوْ مُتَابَعَةَ الْمُؤَذِّنِ لَمْ يَصِرْ شَارِعًا، وَيَجْزِمُ الرَّاءَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَذَانُ جَزْمٌ، وَالْإِقَامَةُ جَزْمٌ، وَالتَّكْبِيرُ جَزْمٌ» مِنَحٌ وَمَرَّ فِي الْأَذَانِ (وَ) إنَّمَا (يَصِيرُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ لَا بِهِ) وَحْدَهُ وَلَا بِهَا وَحْدَهَا بَلْ بِهِمَا (وَلَا يَلْزَمُ الْعَاجِزَ عَنْ النُّطْقِ) كَأَخْرَسَ وَأُمِّيٍّ (تَحْرِيكُ لِسَانِهِ) وَكَذَا فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ هُوَ الصَّحِيحُ   [رد المحتار] وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْحُجَّةِ: إذَا كَبَّرَ فِي التَّطَوُّعِ حَالَةَ الرُّكُوعِ لِلِافْتِتَاحِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ التَّطَوُّعُ يَجُوزُ قَاعِدًا. اهـ. قُلْت: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ كَبَّرَ لِلتَّطَوُّعِ قَاعِدًا أَنَّ الْقُعُودَ الْجَائِزَ خَلَفٌ عَنْ الْقِيَامِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، أَمَّا الرُّكُوعُ فَلَهُ حُكْمُ الْقِيَامِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَلِذَا لَوْ قَرَأَ فِيهِ لَمْ يَجُزْ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَغَتْ نِيَّةُ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ) أَيْ لَوْ نَوَى بِهَذِهِ التَّكْبِيرَةِ الرُّكُوعَ وَلَمْ يَنْوِ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ لَغَتْ نِيَّتُهُ وَانْصَرَفَتْ إلَى تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَصَدَ بِهَا الذِّكْرَ الْخَالِصَ دُونَ شَيْءٍ خَارِجٍ عَنْ الصَّلَاةِ وَكَانَتْ التَّحْرِيمَةُ هِيَ الْمَفْرُوضَةُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا شَرْطًا انْصَرَفَتْ إلَى الْفَرْضِ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَهُ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ النَّفْلِ؛ كَمَا لَوْ نَوَى بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ الذِّكْرَ وَالثَّنَاءَ كَمَا لَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ جُنُبًا وَلِلصَّدْرِ طَاهِرًا انْصَرَفَ الثَّانِي إلَى الرُّكْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ بِالتَّكْبِيرَةِ الْإِعْلَامَ فَقَطْ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ قَاصِدًا لِلذِّكْرِ، فَصَارَ كَلَامًا أَجْنَبِيًّا عَنْ الصَّلَاةِ فَلَا يَصِحُّ شُرُوعُهُ كَمَا مَرَّ [فُرُوعٌ كَبَّرَ غَيْرَ عَالِمٍ بِتَكْبِيرِ إمَامِهِ] (قَوْلُهُ وَإِلَّا جَازَ) أَيْ بِأَنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ أَصْلًا، وَالْجَوَازُ فِي الثَّالِثَةِ لِحَمْلِ أَمْرِهِ عَلَى الصَّوَابِ، وَلَكِنَّ الْأَحْوَطَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنْ يُكَبِّرَ ثَانِيًا لِيَقْطَعَ الشَّكَّ بِالْيَقِينِ. وَوَقَعَ فِي الْفَتْحِ هُنَا سَهْوٌ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَرَادَ إلَخْ) ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى فِي أَلْغَازِ الْأَشْبَاهِ، وَالثَّانِيَةُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ مَتْنًا فِي الذَّبَائِحِ (قَوْلُهُ لَمْ يَصِرْ شَارِعًا) لِأَنَّ التَّعَجُّبَ وَالْإِجَابَةَ أَجْنَبِيَّانِ عَنْ الصَّلَاةِ مُفْسِدَانِ لَهَا؛ فَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ: لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ أَوْ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَأَرَادَ بِهِ الْجَوَابَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ أَجَابَ الْمُؤَذِّنَ تَفْسُدُ أَيْضًا، وَإِنْ أَذَّنَ فِي صَلَاتِهِ تَفْسُدُ إذَا أَرَادَ الْأَذَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَجْزِمُ الرَّاءَ إلَخْ) أَيْ يُسَكِّنُهَا. مَطْلَبٌ فِي حَدِيثِ الْأَذَانِ جَزْمٌ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَسْنُونَ جَزْمُ التَّكْبِيرِ سَوَاءٌ كَانَ لِلِافْتِتَاحِ أَوْ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، قَالُوا: لِحَدِيثِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا «الْأَذَانُ جَزْمٌ، وَالْإِقَامَةُ جَزْمٌ، وَالتَّكْبِيرُ جَزْمٌ» قَالَ فِي الْكَافِي: وَالْمُرَادُ الْإِمْسَاكُ عَنْ إشْبَاعِ الْحَرَكَةِ وَالتَّعَمُّقِ فِيهَا وَالْإِضْرَابُ عَنْ الْهَمْزِ الْمُفْرِطِ وَالْمَدِّ الْفَاحِشِ، ثُمَّ الْهَاءُ تُرْفَعُ بِلَا خِلَافٍ، وَأَمَّا الرَّاءُ فَفِي الْمُضْمَرَاتِ عَنْ الْمُحِيطِ إنْ شَاءَ بِالرَّفْعِ أَوْ بِالْجَزْمِ. وَفِي الْمُبْتَغَى الْأَصْلُ فِيهِ الْجَزْمُ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّكْبِيرُ جَزْمٌ، وَالتَّسْمِيعُ جَزْمٌ» اهـ (قَوْلُهُ وَمَرَّ فِي الْأَذَانِ) وَقَدَّمْنَا بَقِيَّةَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَصِيرُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ حَجٍّ الزَّيْلَعِيِّ وَالْمُرَادُ بِالتَّكْبِيرِ مُطْلَقُ الذِّكْرِ. وَالْمَعْنَى أَنَّ النِّيَّةَ لَمَّا كَانَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَكَانَتْ التَّحْرِيمَةُ شَرْطًا أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ وَكَانَتْ النِّيَّةُ سَابِقَةً عَلَى التَّحْرِيمَةِ مُدَامَةً إلَى وُجُودِهَا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، بِأَنْ عَزَبَتْ عَنْ قَلْبِهِ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَهَا فَاصِلٌ أَجْنَبِيٌّ رُبَّمَا تَوَهَّمَ أَنَّ الشُّرُوعَ يَكُونُ بِهَا وَحْدَهَا، فَبَيَّنَ أَنَّ الشُّرُوعَ إنَّمَا يَكُونُ بِهَا عِنْدَ وُجُودِ التَّحْرِيمَةِ (قَوْلُهُ بَلْ بِهِمَا) أَيْ إنَّهُ لَمَّا لَمْ تَسْتَقِلَّ النِّيَّةُ بِكَوْنِ الشُّرُوعِ بِهَا وَحْدَهَا بَلْ تُوقَفُ عَلَى التَّحْرِيمَةِ صَارَ الشُّرُوعُ بِهِمَا لَا بِأَحَدِهِمَا كَمَا أَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْحَجِّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 لِتَعَذُّرِ الْوَاجِبِ، فَلَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ إلَّا بِدَلِيلٍ فَتَكْفِي النِّيَّةُ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهَا الْقِيَامُ وَعَدَمُ تَقْدِيمِهَا لِقِيَامِهَا مَقَامَ التَّحْرِيمَةِ وَلَمْ أَرَهُ. ثُمَّ فِي الْأَشْبَاهِ فِي قَاعِدَةِ التَّابِعِ تَابِعٌ فَالْمُفْتَى بِهِ لُزُومُهُ فِي تَكْبِيرِهِ وَتَلْبِيَةً لَا قِرَاءَةً (وَرَفَعَ يَدَيْهِ) قَبْلَ التَّكْبِيرِ، وَقِيلَ مَعَهُ (مَاسًّا بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ) هُوَ الْمُرَادُ بِالْمُحَاذَاةِ لِأَنَّهَا لَا تُتَيَقَّنُ إلَّا بِذَلِكَ، وَيَسْتَقْبِلُ بِكَفَّيْهِ الْقِبْلَةَ، وَقِيلَ خَدَّيْهِ (وَالْمَرْأَةُ) وَلَوْ أَمَةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ لَكِنْ فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ أَنَّهَا هُنَا كَالرَّجُلِ   [رد المحتار] إذَا نَوَى الْحَجَّ لَا يَصِيرُ شَارِعًا بِهِ مَا لَمْ يُلَبِّ، فَلَوْ نَوَى وَلَمْ يُلَبِّ أَوْ لَبَّى وَلَمْ يَنْوِ لَمْ يَصِرْ مُحْرِمًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِتَعَذُّرِ الْوَاجِبِ) وَهُوَ التَّحْرِيكُ بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ (قَوْلُهُ لَكِنْ يَنْبَغِي إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّ النِّيَّةَ إذَا كَانَتْ تَكْفِي عَنْ التَّحْرِيمَةِ اقْتَضَى ذَلِكَ قِيَامَ النِّيَّةِ مَقَامَ التَّحْرِيمَةِ، وَإِذَا قَامَتْ مَقَامَهَا لَزِمَ مُرَاعَاةُ شُرُوطِ التَّحْرِيمَةِ فِي النِّيَّةِ فَيُشْتَرَطُ فِي النِّيَّةِ حِينَئِذٍ الْقِيَامُ وَعَدَمُ تَقْدِيمِهَا لِقِيَامِهَا مَقَامَ التَّحْرِيمَةِ لَا لِذَاتِهَا لِأَنَّ غَيْرَ الْعَاجِزِ عَنْ النُّطْقِ لَوْ نَوَى الصَّلَاةَ قَاعِدًا ثُمَّ قَامَ وَأَحْرَمَ صَحَّ وَكَذَا لَوْ قَدَّمَ النِّيَّةَ، كَمَا قَالُوا: لَوْ تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ قَاصِدًا الصَّلَاةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ ثُمَّ خَرَجَ وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ وَقْتَ الدُّخُولِ مَعَ الْإِمَامِ صَحَّتْ مَا لَمْ يُوجَدْ فَاصِلٌ أَجْنَبِيٌّ مِنْ كَلَامٍ وَنَحْوِهِ، وَيُغْتَفَرُ ذَلِكَ الْمَشْيُ، هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِهِ، وَهُوَ مُتَابَعٌ فِي هَذَا الْبَحْثِ لِصَاحِبِ النَّهْرِ، وَقَدْ أَقَرَّهُ الْمُحَشُّونَ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ مُسْتَقِلٌّ وَالتَّحْرِيمَةَ شَرْطٌ آخَرُ كَبَقِيَّةِ الشُّرُوطِ، وَإِذَا سَقَطَ شَرْطٌ لِعُذْرٍ وَاكْتَفَى بِمَا سِوَاهُ مِنْ الشُّرُوطِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أُقِيمَ شَرْطٌ آخَرُ مَقَامَهُ لِأَنَّ الشُّرُوطَ لَا تُنْصَبُ بِالرَّأْيِ، وَلِذَا قَالَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ: فَلَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ إلَّا بِدَلِيلٍ. وَذَلِكَ كَمَا إذَا عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ أَوْ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أُقِيمَ الْقُعُودُ وَالتُّرَابُ مَقَامَهُمَا لِلدَّلِيلِ، بِخِلَافِ الْعَجْزِ عَنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى إقَامَةِ شَيْءٍ مَقَامَهُ، فَسَقَطَ بِالْكُلِّيَّةِ وَاكْتَفَى بِمَا سِوَاهُ. وَإِذَا كَانَ تَحْرِيكُ اللِّسَانِ غَيْرَ قَائِمٍ مَقَامَ النُّطْقِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ فَكَيْفَ تُقَامُ النِّيَّةُ مَقَامَهُ بِلَا دَلِيلٍ مَعَ أَنَّ التَّحْرِيكَ أَقْرَبُ إلَى النُّطْقِ مِنْ النِّيَّةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ فِي الْأَشْبَاهِ) أَقُولُ: عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ عَلَى مَا رَأَيْته فِي عِدَّةِ نُسَخٍ: وَمِمَّا خَرَجَ أَيْ عَنْ الْقَاعِدَةِ الْأَخْرَسُ يَلْزَمُهُ تَحْرِيكُ اللِّسَانِ فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَالتَّلْبِيَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ، وَأَمَّا بِالْقِرَاءَةِ فَلَا عَلَى الْمُخْتَارِ. اهـ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ بَدَلَ قَوْلِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ: وَالْأُولَى أَحْسَنُ، لِمُوَافَقَتِهَا لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْأَشْبَاهِ فِي بَحْرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ فَرْضُهَا التَّحْرِيمَةُ، حَيْثُ نَقَلَ تَصْحِيحَ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي التَّحْرِيمَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ؛ وَلَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ التَّحْرِيمَةِ وَالتَّلْبِيَةِ، فَإِنَّهُ نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ فِي التَّلْبِيَةِ. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: يُسْتَحَبُّ كَمَا فِي الصَّلَاةِ، كَذَا فِي شَرْحِ لُبَابِ الْمَنَاسِكِ، ثُمَّ قَالَ قُلْت: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ فِي الْحَجِّ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ قَطْعِيٌّ وَالتَّلْبِيَةُ أَمْرٌ ظَنِّيٌّ (قَوْلُهُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ وَقِيلَ مَعَهُ) الْأَوَّلُ نَسَبَهُ فِي الْمَجْمَعِ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى عَامَّةِ عُلَمَائِنَا. وَفِي الْمَبْسُوطِ إلَى أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَالثَّانِي اخْتَارَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ، بِأَنْ يَبْدَأَ بِالرَّفْعِ عِنْدَ بُدَاءَتِهِ التَّكْبِيرَ وَيَخْتِمُ بِهِ عِنْدَ خَتْمِهِ، وَعَزَاهُ الْبَقَّالِيُّ إلَى أَصْحَابِنَا جَمِيعًا وَرَجَّحَهُ فِي الْحِلْيَةِ. وَثَمَّةَ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّهُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ، وَالْكُلُّ مَرْوِيٌّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَوْلَى كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَلِذَا اعْتَمَدَهُ الشَّارِحُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ هُوَ الْمُرَادُ بِالْمُحَاذَاةِ) أَيْ الْوَاقِعَةِ فِي كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَبَعْضِ رِوَايَاتِ الْأَحَادِيثِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَوَفَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رِوَايَاتِ الرَّفْعِ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ، بِأَنَّ الثَّانِي إذَا كَانَتْ الْيَدَانِ فِي الثِّيَابِ لِلْبَرْدِ كَمَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ أَخْذًا مِنْ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ، وَاعْتَمَدَ ابْنُ الْهُمَامِ التَّوْفِيقَ بِأَنَّهُ عِنْدَ مُحَاذَاةِ الْيَدَيْنِ لِلْمَنْكِبَيْنِ مِنْ الرُّسْغِ تَحْصُلُ الْمُحَاذَاةُ لِلْأُذُنَيْنِ بِالْإِبْهَامَيْنِ، وَهُوَ صَرِيحُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَمَشَى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْجَمَاهِيرِ (قَوْلُهُ وَيَسْتَقْبِلُ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا (قَوْلُهُ أَنَّهَا) أَيْ الْأَمَةُ هُنَا (أَيْ) فِي الرَّفْعِ، وَهَذَا حَكَاهُ فِي الْقُنْيَةِ بِقِيلِ فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْبَحْرِ تَبَعًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 وَفِي غَيْرِهِ كَالْحُرَّةِ (تَرْفَعُ) بِحَيْثُ يَكُونُ رُءُوسُ أَصَابِعِهَا (حِذَاءَ مَنْكِبَيْهَا) وَقِيلَ كَالرَّجُلِ (وَصَحَّ شُرُوعُهُ) أَيْضًا مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ (بِتَسْبِيحٍ وَتَهْلِيلٍ) وَتَحْمِيدٍ وَسَائِرِ كَلِمِ التَّعْظِيمِ الْخَالِصَةِ لَهُ تَعَالَى وَلَوْ مُشْتَرَكَةً كَرَحِيمِ وَكَرِيمٍ فِي الْأَصَحِّ، وَخَصَّهُ الثَّانِي بِأَكْبَرُ وَكَبِيرٌ مُنَكَّرًا وَمُعَرَّفًا. زَادَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْكُبَارُ مُخَفَّفًا وَمُثَقَّلًا (كَمَا صَحَّ لَوْ شَرَعَ بِغَيْرِ عَرَبِيَّةٍ) أَيِّ لِسَانٍ كَانَ، وَخَصَّهُ الْبَرْدَعِيُّ بِالْفَارِسِيَّةِ لِمَزِيَّتِهَا بِحَدِيثِ «لِسَانُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْعَرَبِيَّةُ وَالْفَارِسِيَّةُ الدَّرِّيَّةُ» بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ قُهُسْتَانِيٌّ وَشَرَطَا عَجْزَهُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْخُطْبَةُ وَجَمِيعُ أَذْكَارِ الصَّلَاةِ.   [رد المحتار] لِلْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ وَفِي غَيْرِهِ) كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقُعُودِ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ كَالرَّجُلِ) رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَة أَنَّهَا: أَيْ الْمَرْأَةَ تَرْفَعُ يَدَيْهَا حَذْوَ أُذُنَيْهَا كَالرَّجُلِ لِأَنَّ كَفَّيْهَا لَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ حِلْيَةٌ، وَمَا فِي الْمَتْنِ صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَقَالَ: وَعَلَى هَذَا تَكْبِيرُ الْقُنُوتِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْجِنَازَةِ (قَوْلُهُ أَيْضًا إلَخْ) أَيْ كَمَا صَحَّ شُرُوعُهُ بِالتَّكْبِيرِ السَّابِقِ صَحَّ أَيْضًا بِالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ، لَكِنْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّ الشُّرُوعَ بِالتَّكْبِيرِ وَاجِبٌ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ لَفْظُ اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ بَيْنِ أَلْفَاظِ التَّكْبِيرِ الْآتِيَةِ. وَقَالَ فِي الْخَزَائِنِ هُنَا، وَهَلْ يُكْرَهُ الشُّرُوعُ بِغَيْرِ اللَّهُ أَكْبَرُ؟ تَصْحِيحَانِ. وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، وَأَنْ وُجُوبَهُ عَامٌّ لَا خَاصٌّ بِالْعَبْدِ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ لِلْمُوَاظَبَةِ الَّتِي لَمْ تَقْتَرِنْ بِتَرْكٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسَائِرُ كَلِمِ التَّعْظِيمِ) كَاَللَّهِ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ، أَوْ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ، أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَوْ تَبَارَكَ اللَّهُ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ الْوَارِدَ فِي الْأَدِلَّةِ مِثْلُ - {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3]- مَعْنَاهُ التَّعْظِيمُ وَالْإِجْلَالُ فِيهِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ الْخَالِصَةِ) أَيْ عَنْ شَائِبَةِ الدُّعَاءِ وَحَاجَةِ نَفْسِهِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ لَهُ تَعَالَى) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّعْظِيمِ لَا بِالْخَالِصَةِ وَإِلَّا نَاقَضَ قَوْلَهُ وَلَوْ مُشْتَرَكَةً وَالْأَوْلَى حَذْفُهُ بِالْكُلِّيَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) خِلَافًا لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِالْخَاصِّ، وَالْخِلَافُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَقْرُنْهُ بِمَا يُزِيلُ الِاشْتِرَاكَ، أَمَّا إذَا قَرَنَهُ بِهِ كَالرَّحِيمِ بِعِبَادِهِ صَحَّ اتِّفَاقًا، كَمَا إذَا قَرَنَهُ بِمَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا كَالْعَالِمِ بِالْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ أَوْ بِأَحْوَالِ الْخَلْقِ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، أَفَادَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. (قَوْلُهُ وَخَصَّهُ الثَّانِي) فَلَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ عِنْدَهُ إلَّا بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَقَّةِ مِنْ التَّكْبِيرِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا كَمَا فِي النَّهْرِ وَالْحِلْيَةِ عَنْ التُّحْفَةِ وَالزَّادِ (قَوْلُهُ وَالْكُبَارُ) أَيْ بِضَمِّ الْكَافِ بِمَعْنَى الْكَبِيرِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَنْكِيرُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا جَازَ فِي الْأَكْبَرِ وَالْكَبِيرِ، فَلْيُرَاجَعْ ح (قَوْلُهُ وَخَصَّهُ الْبَرْدَعِيُّ إلَخْ) ضَعِيفٌ. وَالْبَرْدَعِيُّ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْأَكْثَرِ: أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ وَفَارِسٌ: اسْمُ قَلْعَةٍ نُسِبَ إلَيْهَا قَوْمٌ، وَالْمُرَادُ بِهَا لُغَتُهُمْ، وَهِيَ أَشْرَفُ اللُّغَاتِ وَأَشْهَرُهَا بَعْدَ الْعَرَبِيَّةِ وَأَقْرَبُهَا إلَيْهَا أَبُو السُّعُودِ ط (قَوْلُهُ بِحَدِيثِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَزِيَّتِهَا (قَوْلُهُ وَالْفَارِسِيَّةُ الدَّرِّيَّةُ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْفَارِسِيَّةُ الدَّرِّيَّةُ الْفَصِيحَةُ نُسِبَتْ إلَى دَرِّ وَهُوَ الْبَابُ بِالْفَارِسِيَّةِ. اهـ. وَهُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ السَّاكِنَةِ، وَإِذَا نُسِبَتْ إلَى ثُنَائِيٍّ وَضْعًا إنْ كَانَ ثَانِيهِ حَرْفًا صَحِيحًا جَازَ فِيهِ التَّضْعِيفُ وَعَدَمُهُ، فَتَقُولُ فِي كَمْ كَمِّيٌّ وَكَمِيٌّ بِالتَّخْفِيفِ أَوْ التَّشْدِيدِ، وَإِنْ كَانَ حَرْفَ لِينٍ لَزِمَ تَضْعِيفُهُ كَمَا أَوْضَحَهُ الْأُشْمُونِيُّ فِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ فَافْهَمْ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ ضَبْطَ الْقُهُسْتَانِيِّ الدَّرِّيَّةَ بِالتَّشْدِيدِ غَيْرُ لَازِمٍ. مَطْلَبٌ الْفَارِسِيَّةُ وَأَفَادَ ح عَنْ ابْنِ كَمَالٍ أَنَّ الْفَارِسِيَّةَ خَمْسُ لُغَاتٍ: فَهْلَوِيَّةٌ، كَانَ يَتَكَلَّمُ بِهَا الْمُلُوكُ فِي مَجَالِسِهِمْ: وَدَرِّيَّةٌ يَتَكَلَّمُ بِهَا مَنْ بِبَابِ الْمَلِكِ. وَفَارِسِيَّةٌ يَتَكَلَّمُ بِهَا الْمَوَابِذَةُ. وَمَنْ كَانَ مُنَاسِبًا لَهُمْ. وَخُورْسِيَّةٌ، وَهِيَ لُغَةُ خُوزِسْتَانَ، يَتَكَلَّمُ بِهَا الْمُلُوكُ وَالْأَشْرَافُ فِي الْخَلَاءِ وَمَوْضِعِ الِاسْتِفْرَاغِ وَعِنْدَ التَّعَرِّي لِلْحَمَّامِ. وَسُرْيَانِيَّةٌ مَنْسُوبَةٌ إلَى سُورْيَانَ، وَهُوَ الْعِرَاقُ اهـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ آمَنَ أَوْ لَبَّى أَوْ سَلَّمَ أَوْ سَمَّى عِنْدَ ذَبْحٍ) أَوْ شَهِدَ عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ رَدَّ سَلَامًا وَلَمْ أَرَ لَوْ شَمَّتَ عَاطِسًا (أَوْ قَرَأَ بِهَا عَاجِزًا) فَجَائِزٌ إجْمَاعًا، قَيَّدَ الْقِرَاءَةَ بِالْعَجْزِ لِأَنَّ الْأَصَحَّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. قُلْت: وَجَعْلُ الْعَيْنِيِّ الشُّرُوعَ كَالْقِرَاءَةِ لَا سَلَفَ لَهُ فِيهِ وَلَا سَنَدَ لَهُ يُقَوِّيهِ، بَلْ جَعَلَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة كَالتَّلْبِيَةِ يَجُوزُ اتِّفَاقًا، فَظَاهِرُهُ كَالْمَتْنِ رُجُوعُهُمَا إلَيْهِ لَا هُوَ إلَيْهِمَا فَاحْفَظْهُ، فَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْقَاصِرِينَ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَشَرَطَا عَجْزَهُ) أَيْ عَنْ التَّكْبِيرِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْمُعْتَمَدُ قَوْلُهُ ط بَلْ سَيَأْتِي مَا يُفِيدُ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْعَجْزَ غَيْرُ شَرْطٍ عَلَى مَا فِيهِ (قَوْلُهُ وَجَمِيعُ أَذْكَارِ الصَّلَاةِ) فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ سَبَّحَ بِالْفَارِسِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ دَعَا أَوْ أَثْنَى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ تَعَوَّذَ أَوْ هَلَّلَ أَوْ تَشَهَّدَ أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفَارِسِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ أَيْ يَصِحُّ عِنْدَهُ، لَكِنْ سَيَأْتِي كَرَاهَةُ الدُّعَاءِ بِالْأَعْجَمِيَّةِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ إلَخْ) أَيْ مِمَّا هُوَ خَارِجٌ عَنْ أَذْكَارِ الصَّلَاةِ، وَجَوَابُ أَمَّا قَوْلُهُ الْآتِي فَجَائِزٌ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ أَوْ آمَنَ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ مِنْ الْإِيمَانِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ح، وَقَوْلُهُ أَوْ سَلَّمَ أَيْ سَلَّمَ عَلَى غَيْرِهِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَسْلَمَ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَعَلَيْهِ يَكُونُ أَمَّنَ بِالتَّشْدِيدِ مِنْ التَّأْمِينِ، وَالنُّسْخَةُ الْأُولَى أَوْلَى لِأَنَّهَا الْمُوَافَقَةُ لِمَا رَأَيْته بِخَطِّ الشَّارِحِ فِي الْخَزَائِنِ وَلِأَنَّ التَّأْمِينَ مِنْ أَذْكَارِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَمَانِ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُ سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْجِهَادِ مَتْنًا أَنَّهُ يَصِحُّ بِأَيِّ لُغَةٍ كَانَ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ إلَخْ) لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَدِّ السَّلَامِ ح (قَوْلُهُ قَيَّدَ الْقِرَاءَةَ بِالْعَجْزِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ عَاجِزًا حَالٌ مِنْ فَاعِلِ قَرَأَ فَقَطْ دُونَ مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) وَفِي الْهِدَايَةِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ لِمُصَنِّفِهِ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ (قَوْلُهُ وَجَعْلُ) بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ لَا سَلَفَ لَهُ فِيهِ إلَخْ (قَوْلُهُ كَالْقِرَاءَةِ) أَيْ فِي اشْتِرَاطِ الْعَجْزِ فِيهِ أَيْضًا وَفِي أَنَّ الْإِمَامَ رَجَعَ بِذَلِكَ إلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّ الْعَجْزَ عِنْدَهُمَا شَرْطٌ فِي جَمِيعِ أَذْكَارِ الصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لَا سَلَفَ لَهُ فِيهِ) أَيْ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا الْمَنْقُولُ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا فِي اشْتِرَاطِ الْقِرَاءَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الشُّرُوعِ فَالْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ حِكَايَةُ الْخِلَافِ فِيهَا بِلَا ذِكْرِ رُجُوعٍ أَصْلًا، وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ كَالْكَنْزِ وَغَيْرِهِ كَالصَّرِيحَةِ فِي ذَلِكَ حَيْثُ اُعْتُبِرَ الْعَجْزُ قَيْدًا فِي الْقِرَاءَةِ فَقَطْ (قَوْلُهُ وَلَا سَنَدَ لَهُ يُقَوِّيهِ) أَيْ لَيْسَ لَهُ دَلِيلٌ يُقَوِّي مُدَّعَاهُ لِأَنَّ الْإِمَامَ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا فِي اشْتِرَاطِ الْقِرَاءَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ. لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْمُنَزَّلِ بِاللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ الْمَنْظُومِ هَذَا النَّظْمِ الْخَاصِّ، الْمَكْتُوبِ فِي الْمَصَاحِفِ، الْمَنْقُولِ إلَيْنَا نَقْلًا مُتَوَاتِرًا. وَالْأَعْجَمِيُّ إنَّمَا يُسَمَّى قُرْآنًا مَجَازًا، وَلِذَا يَصِحُّ نَفْيُ اسْمِ الْقُرْآنِ عَنْهُ فَلِقُوَّةِ دَلِيلِ قَوْلِهِمَا رَجَعَ إلَيْهِ. أَمَّا الشُّرُوعُ بِالْفَارِسِيَّةِ فَالدَّلِيلُ فِيهِ لِلْإِمَامِ أَقْوَى، وَهُوَ كَوْنُ الْمَطْلُوبِ فِي الشُّرُوعِ الذِّكْرَ وَالتَّعْظِيمَ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ وَأَيِّ لِسَانٍ كَانَ، نَعَمْ لَفْظُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَاجِبٌ لِلْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ لَا فَرْضٌ (قَوْلُهُ بَلْ جَعَلَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة كَالتَّلْبِيَةِ) نَصُّ عِبَارَتِهَا: وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَلَوْ كَبَّرَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ سَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ عِنْدَ الذَّبْحِ أَوْ لَبَّى عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ بِأَيِّ لِسَانٍ سَوَاءٌ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ لَا جَازَ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْمَتْنِ) حَيْثُ لَمْ يُقَيِّدْ الشُّرُوعَ بِالْعَجْزِ كَمَا قَيَّدَ بِهِ الْقِرَاءَةَ (قَوْلُهُ رُجُوعُهُمَا إلَيْهِ إلَخْ) أَيْ أَنَّهُمَا رَجَعَا إلَى قَوْلِهِ بِصِحَّةِ الشُّرُوعِ بِالْفَارِسِيَّةِ بِلَا عَجْزٍ كَمَا رَجَعَ هُوَ إلَى قَوْلِهِمَا بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الْقِرَاءَةِ فَقَطْ، لَا فِي الشُّرُوعِ أَيْضًا كَمَا تَوَهَّمَهُ الْعَيْنِيُّ، لَكِنَّ كَوْنَهُمَا رَجَعَا إلَى قَوْلِهِ فِي الشُّرُوعِ لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا الْمَنْقُولُ حِكَايَةُ الْخِلَافِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 حَتَّى الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي كُلِّ كُتُبِهِ فَتَنَبَّهْ (لَا) يَصِحُّ (إنْ أَذَّنَ بِهَا عَلَى الْأَصَحِّ) وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَذَانٌ ذَكَرَهُ الْحَدَّادِيُّ، وَاعْتَبَرَ الزَّيْلَعِيُّ التَّعَارُفَ. [فُرُوعٌ] قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ التَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ، إنْ قِصَّةً تُفْسِدُ، وَإِنْ ذِكْرًا لَا؛ وَأُلْحِقَ بِهِ فِي الْبَحْرِ الشَّاذِّ، لَكِنْ فِي النَّهْرِ: الْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ وَلَا يُجْزِئُ   [رد المحتار] كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَمَّا مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَغَيْرُ صَرِيحٍ فِي تَكْبِيرِ الشُّرُوعِ، بَلْ هُوَ مُحْتَمِلٌ لِتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ أَوْ الذَّبْحِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ قَرَنَهُ مَعَ الْأَذْكَارِ الْخَارِجَةِ عَنْ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا عِبَارَةُ الْمَتْنِ فَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ؛ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا أَوْرَدَهُ عَلَى الْعَيْنِيِّ فِي دَعْوَى رُجُوعِهِ إلَى قَوْلِهِمَا يُرَدُّ عَلَيْهِ فِي دَعْوَاهُ رُجُوعَهُمَا إلَى قَوْلِهِ. (قَوْلُهُ حَتَّى الشُّرُنْبُلَالِيُّ) أَيْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَيْضًا، فَحَتَّى ابْتِدَائِيَّةٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ لَا عَاطِفَةٌ، لِأَنَّا لَمْ نَعْهَدْ مِنْ هَذَا الشَّارِحِ الْفَاضِلِ قِلَّةَ الْأَدَبِ مَعَ الْعُلَمَاءِ حَتَّى يَجْعَلَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ مِنْ الْقَاصِرِينَ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّارِحَ نَفْسَهُ خَفِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَتَبِعَ الْعَيْنِيَّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى. وَفِي الْخَزَائِنِ: بَلْ خَفِيَ أَيْضًا عَلَى الْبُرْهَانِ الطَّرَابُلُسِيِّ فِي مَتْنِهِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ حَيْثُ قَالَ: وَالْأَصَحُّ رُجُوعُهُ إلَيْهِمَا فِي عَدَمِ جَوَازِ الشُّرُوعِ وَالْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ لِغَيْرِ الْعَاجِزِ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ (قَوْلُهُ وَاعْتَبَرَ الزَّيْلَعِيُّ التَّعَارُفَ) وَبِهِ جَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ، وَأَقَرَّهُ الشُّرَّاحُ، وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالنَّاسُ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَذَانٌ جَازَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الْإِعْلَامُ لَمْ يَحْصُلْ [فُرُوعٌ قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ التَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ] (قَوْلُهُ قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ) أَيْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ التَّوْرَاةَ إلَخْ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى مَفْعُولِ قَرَأَ الْمَحْذُوفِ وَهُوَ الْقُرْآنُ ح (قَوْلُهُ إنْ قِصَّةً إلَخْ) اخْتَارَ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الْفَتْحِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَهُمَا مَا قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الْفَسَادِ إذَا قَرَأَ مَعَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ. وَمَا قَالَهُ النَّجْمُ النَّسَفِيُّ وَقَاضِي خَانْ مِنْ أَنَّهَا تُفْسِدُ عِنْدَهُمَا فَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْوَجْهُ إذَا كَانَ الْمَقْرُوءُ مِنْ مَكَانِ الْقَصَصِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ أَنْ تَفْسُدَ بِمُجَرَّدِ قِرَاءَتِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ غَيْرِ قُرْآنٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذِكْرًا أَوْ تَنْزِيهًا فَإِنَّهَا تَفْسُدُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ بِسَبَبِ إخْلَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ الْقِرَاءَةِ اهـ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ وَقَوَّاهُ فِي النَّهْرِ فَلِذَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْقِرَاءَةِ بِالشَّاذِّ (قَوْلُهُ وَأُلْحِقَ بِهِ فِي الْبَحْرِ الشَّاذِّ) أَيْ فَجَعَلَهُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْقَوْلِ بِالْفَسَادِ بِهِ وَالْقَوْلِ بِعَدَمِهِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي النَّهْرِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: عِنْدِي بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْفَارِسِيَّ لَيْسَ قُرْآنًا أَصْلًا لِانْصِرَافِهِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ إلَى الْعَرَبِيِّ، فَإِذَا قَرَأَ قِصَّةً صَارَ مُتَكَلِّمًا بِكَلَامِ النَّاسِ، بِخِلَافِ الشَّاذِّ فَإِنَّهُ قُرْآنٌ إلَّا أَنَّ فِي قُرْآنِيَّتِهِ شَكًّا فَلَا تَفْسُدُ بِهِ وَلَوْ قِصَّةً، وَحَكَوْا الِاتِّفَاقَ فِيهِ عَلَى عَدَمِهِ فَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ تَأْوِيلِهِ قَوْلَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ بِالْفَسَادِ بِمَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ اهـ أَيْ فَيَكُونُ الْفَسَادُ لِتَرْكِهِ الْقِرَاءَةَ بِالْمُتَوَاتِرِ لَا لِلْقِرَاءَةِ بِالشَّاذِّ، لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ مَا لَا شَكَّ فِيهِ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ يُمْنَعُ فِيهَا عَنْ غَيْرِ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ قَطْعًا، وَمَا كَانَ قِصَّةً وَلَمْ تَثْبُتْ قُرْآنِيَّتُهُ لَمْ يَكُنْ قِرَاءَةً وَلَا ذِكْرًا فَيُفْسِدُ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذِكْرًا فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ قُرْآنِيَّتُهُ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا لِكَوْنِهِ ذِكْرًا، لَكِنْ إنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ تُفْسِدُ، وَإِنْ قَرَأَ مَعَهُ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فَلَا، فَهَذَا مَا وَفَّقَ بِهِ فِي الْبَحْرِ، وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُحِيطِ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ، وَفِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 كَالتَّهَجِّي. وَتَجُوزُ كِتَابَةُ آيَةٍ أَوْ آيَتَيْنِ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا أَكْثَرَ، وَيُكْرَهُ كَتْبُ تَفْسِيرِهِ تَحْتَهُ بِهَا (وَلَوْ شَرَعَ بِ) مَشُوبٍ بِحَاجَتِهِ كَتَعَوُّذٍ وَبَسْمَلَةٍ وَحَوْقَلَةٍ وَ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ ذَكَرَهَا عِنْدَ الذَّبْحِ لَمْ يَجُزْ، بِخِلَافِ اللَّهُمَّ) فَقَطْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهِمَا فِي الْأَصَحِّ كَيَا اللَّهُ.   [رد المحتار] وَإِنْ قَرَأَ الْمَكْتُوبَ فِي الصُّحُفِ الْأُلَى ... إذَا كَانَ كَالتَّسْبِيحِ لَيْسَ يُغَيِّرُ وَالصُّحُفُ الْأُولَى جَمْعُ صَحِيفَةٍ: الْمُرَادُ بِهَا التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي شُرُوحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مَطْلَبٌ بَيَانُ الْمُتَوَاتِرِ وَالشَّاذِّ. [تَتِمَّةٌ] الْقُرْآنُ الَّذِي تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ بِالِاتِّفَاقِ هُوَ الْمَضْبُوطُ فِي مَصَاحِفِ الْأَئِمَّةِ الَّتِي بَعَثَ بِهَا عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى الْأَمْصَارِ، وَهُوَ الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْعَشَرَةُ، وَهَذَا هُوَ الْمُتَوَاتِرُ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، فَمَا فَوْقَ السَّبْعَةِ إلَى الْعَشَرَةِ غَيْرُ شَاذٍّ، وَإِنَّمَا الشَّاذُّ مَا وَرَاءَ الْعَشَرَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ (قَوْلُهُ كَالتَّهَجِّي) قَالَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَلَيْسَ التَّهَجِّي فِي الصَّلَاةِ بِمُفْسِدٍ ... وَلَا مُجْزِئٍ عَنْ وَاجِبِ الذِّكْرِ فَاذْكُرُوا وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْقُنْيَةِ: قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهَا: صُورَتُهَا شَخْصٌ قَالَ فِي صَلَاتِهِ: س ب ح ان ال ل هـ بِالتَّهَجِّي أَوْ قَالَ أع وذ ب ال ل هـ م ن ال ش ي ط ان لَا تَفْسُدُ، لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ خِلَافُهُ حَيْثُ قَالَ: تَفْسُدُ بِتَهَجِّيهِ قَدْرَ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ اهـ وَهَذَا ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ. قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ نَحْوَ مَا فِي الْقُنْيَةِ اهـ. وَنَصَّ فِي الْإِمْدَادِ فِي بَابِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ عَنْ التَّجْنِيسِ وَالْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ السُّجُودُ وَلَا يُجْزِئُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ الْقُرْآنَ وَلَا يَفْسُدُ لِأَنَّهُ الْحُرُوفُ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ. اهـ. وَظَاهِرُ الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمُرَادَ قِرَاءَةُ مُسَمَّيَاتِ الْحُرُوفِ لَا أَسْمَاؤُهَا، مِثْلُ سِينٍ بَاء حَاءٍ أَلِفٍ نُونٍ، وَهَلْ حُكْمُهَا كَذَلِكَ؟ لَمْ أَرَهُ (قَوْلُ وَيَجُوزُ إلَخْ) فِي الْفَتْحِ عَنْ الْكَافِي: إنْ اعْتَادَ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ مُصْحَفًا بِهَا يُمْنَعُ، وَإِنْ فَعَلَ فِي آيَةٍ أَوْ آيَتَيْنِ لَا، فَإِنْ كَتَبَ الْقُرْآنَ وَتَفْسِيرَ كُلِّ حَرْفٍ وَتَرْجَمَتَهُ جَازَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ آنِفًا، لَكِنْ رَأَيْت بِخَطِّ الشَّارِحِ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ عَنْ حَظْرِ الْمُجْتَبَى: وَيُكْرَهُ كَتْبُ التَّفْسِيرِ بِالْفَارِسِيَّةِ فِي الْمُصْحَفِ كَمَا يَعْتَادُهُ الْبَعْضُ، وَرَخَّصَ فِيهِ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَارِسِيَّةَ غَيْرُ قَيْدٍ (قَوْلُهُ بِمَشُوبٍ) أَيْ مَخْلُوطٍ (قَوْلُهُ وَبَسْمَلَةٍ) عَلَّلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ لِلتَّبَرُّكِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: بَارِكْ فِي هَذَا الْأَمْرِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ تَرْجِيحُهُ: وَفِي الْحِلْيَةِ أَنَّهُ الْأَشْبَهُ. وَنُقِلَ فِي النَّهْرِ تَصْحِيحُهُ عَنْ السِّرَاجِ وَفَتَاوَى الْمَرْغِينَانِيِّ. وَنُقِلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى وَالْمُبْتَغَى الْجَوَازُ وَرَجَّحَهُ بِأَنَّهَا ذِكْرٌ خَالِصٌ بِدَلِيلِ جَوَازِهَا عَلَى الذَّبِيحَةِ الْمَشْرُوطِ فِيهَا الذِّكْرُ الْخَالِصُ. اهـ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَنْظُومَةِ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَعَزَاهُ إلَى الْإِمَامِ وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِهَا عَنْ الْإِمَامِ الْحَلْوَانِيِّ وَظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وَشِهَابِ الْإِمَامِيِّ، وَجَعَلَ الْأَوَّلَ قَوْلَ الصَّاحِبَيْنِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَحَوْقَلَةٍ) أَيْ لِأَنَّهَا دُعَاءٌ فِي الْمَعْنَى، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوِّلْنِي عَنْ مَعْصِيَتِك وَقَوِّنِي عَلَى طَاعَتِك، لِأَنَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِك يَا اللَّهُ (قَوْلُ أَوْ ذَكَرَهَا) أَيْ ذَكَرَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) كَذَا فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا، خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ. وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ مِنْ أَنَّ أَصْلَهُ يَا اللَّهُ فَحُذِفَتْ يَا وَعُوِّضَ عَنْهَا الْمِيمُ. وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ أَصْلُهُ يَا اللَّهُ أُمَّنَا بِخَيْرٍ فَحُذِفَتْ الْجُمْلَةُ إلَّا الْمِيمَ فَيَكُونُ دُعَاءً لَا ثَنَاءً. وَرُدَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ} [الأنفال: 32] الْآيَةَ، وَتَمَامُهُ فِي ح (قَوْلُهُ كَيَا اللَّهُ) فَإِنَّ بِهِ يَصِحُّ الشُّرُوعُ اتِّفَاقًا خَزَائِنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 (وَوَضَعَ) الرَّجُلُ (يَمِينَهُ عَلَى يَسَارِهِ تَحْتَ سُرَّتِهِ آخِذًا رُسْغَهَا بِخِنْصَرِهِ وَإِبْهَامِهِ) هُوَ الْمُخْتَارُ، وَتَضَعُ الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى الْكَفَّ عَلَى الْكَفِّ تَحْتَ ثَدْيِهَا (كَمَا فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ) بِلَا إرْسَالٍ فِي الْأَصَحِّ (وَهُوَ سُنَّةُ قِيَامٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَاعِدَ لَا يَضَعُ وَلَمْ أَرَهُ. ثُمَّ رَأَيْت فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ: الْمُرَادُ مِنْ الْقِيَامِ مَا هُوَ الْأَعَمُّ لِأَنَّ الْقَاعِدَ يَفْعَلُ كَذَلِكَ   [رد المحتار] قَوْلُهُ آخِذًا رُسْغَهَا) أَيْ مَفْصِلَهَا وَهُوَ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَوْ بِضَمَّتَيْنِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ بِخِنْصَرِهِ وَإِبْهَامِهِ) أَيْ يُحَلِّقُ الْخِنْصَرَ وَالْإِبْهَامَ عَلَى الرُّسْغِ وَيَبْسُطُ الْأَصَابِعَ الثَّلَاثَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَنَحْوِهِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِعْرَاجِ وَالْكِفَايَةِ وَالْفَتْحِ وَالسِّرَاجِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَيُحَلِّقُ إبْهَامَهُ وَخِنْصَرَهُ وَبِنْصِرَه وَيَضَعُ الْوُسْطَى وَالْمُسَبِّحَةَ عَلَى مِعْصَمِهِ، وَتَبِعَهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ) كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ، وَهَذَا اسْتَحْسَنَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ لِيَكُونَ جَامِعًا بَيْنَ الْأَخْذِ وَالْوَضْعِ الْمَرْوِيَّيْنِ فِي الْأَحَادِيثِ وَعَمَلًا بِالْمَذْهَبِ احْتِيَاطًا كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ. قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي شَرْحِ هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِالْوَضْعِ يُرِيدُ وَضْعَ الْجَمِيعِ، وَالْقَائِلَ بِالْأَخْذِ يُرِيدُ أَخْذَ الْجَمِيعِ، فَأَخْذُ الْبَعْضِ وَوَضْعُ الْبَعْضِ لَيْسَ أَخْذًا وَلَا وَضْعًا، بَلْ الْمُخْتَارُ عِنْدِي وَاحِدٌ مِنْهُمَا مُوَافِقَةً لِلسُّنَّةِ. اهـ. قُلْت: وَهَذَا الْبَحْثُ مَنْقُولٌ؛ فَفِي الْمِعْرَاجِ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا مَرَّ عَنْ الْمُجْتَبَى وَالْمَبْسُوطِ وَالظَّهِيرِيَّةِ: وَقِيلَ هَذَا خَارِجٌ عَنْ الْمَذَاهِبِ وَالْأَحَادِيثِ فَلَا يَكُونُ الْعَمَلُ بِهِ احْتِيَاطًا اهـ. ثُمَّ رَأَيْت الشُّرُنْبُلَالِيُّ ذَكَرَ فِي الْإِمْدَادِ هَذَا الِاعْتِرَاضَ، ثُمَّ قَالَ: قُلْت: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ بِصِفَةِ أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ فِي وَقْتٍ وَبِصِفَةِ الْآخَرِ فِي غَيْرِهِ لِيَكُونَ جَامِعًا بَيْنَ الْمَرْوِيَّيْنِ حَقِيقَةً. اهـ. أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ عَمِلَ بِأَحَدِهِمَا يَكُونُ تَارِكًا فِيهِ الْعَمَلَ بِالْآخَرِ وَالْوَارِدُ فِي الْأَحَادِيثِ ذُكِرَ فِي بَعْضِهَا الْوَضْعُ وَفِي بَعْضِهَا الْأَخْذُ بِلَا بَيَانِ الْكَيْفِيَّةِ. وَاَلَّذِي اسْتَحْسَنَهُ الْمَشَايِخُ فِيهِ الْعَمَلَ بِهِمَا جَمِيعًا؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ فِي الْأَخْذِ وَضْعًا وَزِيَادَةً. وَالْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُتَعَارِضَيْنِ ظَاهِرًا لَا يُعْدَلُ عَنْ أَحَدِهِمَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ الْكَفَّ عَلَى الْكَفِّ) عَزَاهُ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ إلَى الْغَزْنَوِيَّةِ (قَوْلُهُ تَحْتَ ثَدْيِهَا) كَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُنْيَةِ، وَفِي بَعْضِهَا عَلَى ثَدْيِهَا. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَى صَدْرِهَا كَمَا قَالَهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ لَا عَلَى ثَدْيِهَا وَإِنْ كَانَ الْوَضْعُ عَلَى الصَّدْرِ قَدْ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ بِأَنْ يَقَعَ بَعْضُ سَاعِدِ كُلِّ يَدٍ عَلَى الثَّدْيِ، لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْإِفَادَةِ (قَوْلُهُ كَمَا فَرَغَ) هَذِهِ كَافُ الْمُبَادَرَةِ تَتَّصِلُ بِمَا نَحْوُ: سَلِّمْ كَمَا تَدْخُلُ، نَقَلَهَا فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ. (قَوْلُهُ بِلَا إرْسَالٍ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ: وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ يُرْسِلُهُمَا حَالَةَ الثَّنَاءِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ يَضَعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَضْعَ سُنَّةُ الْقِيَامِ الَّذِي لَهُ قَرَارٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَسُنَّةُ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ) وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي، كَمَا نَقَلَهُ فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ (قَوْلُهُ مَا هُوَ الْأَعَمُّ) أَيْ مِنْ الْقِيَامِ الْحَقِيقِيِّ وَالْحُكْمِيِّ، فَإِنَّ الْقُعُودَ فِي النَّافِلَةِ وَفِي الْفَرِيضَةِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا لِعُذْرٍ كَالْقِيَامِ ط: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْقِيَامِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ قَرَارٌ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ جَعَلَ فِي الْبَدَائِعِ الْأَصْلَ عَلَى قَوْلِهِمَا الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَضْعَ سُنَّةُ قِيَامٍ لَهُ قَرَارٌ كَمَا مَرَّ. وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ الْأَصْلَ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنَّهُ سُنَّةُ قِيَامٍ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَلْوَانِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ جَمَعَ فِي الْبَحْرِ بَيْنَ الْأَصْلَيْنِ فَجَعَلَهُمَا أَصْلًا وَاحِدًا، وَتَبِعَهُ تِلْمِيذُهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الْحِلْيَةِ نَقَلَ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا يُرْسِلُ فِي قَوْمَةِ الرُّكُوعِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ يَضَعُ، ثُمَّ وَفَّقَ بِأَنَّ مَنْشَأَ ذَلِكَ اخْتِلَافُ الْأَصْلَيْنِ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْقَوْمَةِ ذِكْرًا مَسْنُونًا وَهُوَ التَّسْمِيعُ أَوْ التَّحْمِيدُ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُلْتَقَطِ. اهـ. فَهَذَا كَمَا تَرَى يَقْتَضِي تَغَايُرَهُمَا، وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُ السِّرَاجِ الْآتِي كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَلِهَذَا أَيْضًا لَمَّا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيُرْسِلُ فِي الْقَوْمَةِ اعْتَرَضَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا قِيلَ بِأَنَّ التَّحْمِيدَ وَالتَّسْمِيعَ لَيْسَ سُنَّةً فِيهَا، بَلْ فِي الِانْتِقَالِ إلَيْهَا، لَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 (لَهُ قَرَارٌ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فَيَضَعُ حَالَةَ الثَّنَاءِ، وَفِي الْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ لَا) يُسَنُّ (فِي قِيَامٍ بَيْنَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ) لِعَدَمِ الْقَرَارِ (وَ) لَا بَيْنَ (تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ) لِعَدَمِ الذِّكْرِ مَا لَمْ يُطِلْ الْقِيَامَ فَيَضَعُ سِرَاجِيَّةٌ (وَقَرَأَ) كَمَا كَبَّرَ (سُبْحَانَك اللَّهُمَّ تَارِكًا) وَجَلَّ ثَنَاؤُك إلَّا فِي الْجِنَازَةِ (مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ) فَلَا يُضَمُّ: وَجَّهْت وَجْهِي إلَّا فِي النَّافِلَةِ، وَلَا تَفْسُدُ بِقَوْلِهِ - {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 163]- فِي الْأَصَحِّ (إلَّا إذَا) شَرَعَ الْإِمَامُ فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءٌ (كَانَ مَسْبُوقًا) أَوْ مُدْرِكًا (وَ) سَوَاءٌ كَانَ (إمَامُهُ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ) أَوْ لَا (فَ) إنَّهُ (لَا يَأْتِي بِهِ) لِمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الصُّغْرَى: أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الْقِيَامِ يُثْنِي مَا لَمْ يَبْدَأْ بِالْقِرَاءَةِ، وَقِيلَ فِي الْمُخَافَتَةِ يُثْنِي،   [رد المحتار] النُّصُوصِ إلَخْ، نَعَمْ قَيَّدَ مُنْلَا مِسْكِينٌ الذِّكْرَ بِالطَّوِيلِ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ عَنْ الْهِدَايَةِ، لَكِنْ إذَا كَانَ الذِّكْرُ طَوِيلًا يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ الْقِيَامِ لَهُ قَرَارٌ فَيُرْجَعُ إلَى مَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ) أَيْ مَشْرُوعٌ فَرْضًا كَانَ أَوْ وَاجِبًا أَوْ سُنَّةً إسْمَاعِيلُ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْقَرَارِ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، لِقَوْلِهِمْ إنَّ مُصَلِّيَ النَّافِلَةِ وَلَوْ سُنَّةً يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَ التَّحْمِيدِ بِالْأَدْعِيَةِ الْوَارِدَةِ نَحْوُ " مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " إلَخْ وَاَللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ نَهْرٌ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ فِي النَّافِلَةِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ تَأَمَّلْ لَكِنَّهُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْأَصْلَيْنِ الْمَارَّيْنِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَعْتَمِدُ أَيْضًا فِي صَلَاةِ التَّسَابِيحِ، ثُمَّ رَأَيْته ذَكَرَهُ ط وَالرَّحْمَتِيُّ وَالسَّائِحَانِيُّ بَحْثًا (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُطِلْ الْقِيَامَ فَيَضَعُ) أَيْ فَإِنْ أَطَالَهُ لِكَثْرَةِ الْقَوْمِ فَإِنَّهُ يَضَعُ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ سُنَّةُ قِيَامٍ لَهُ قَرَارٌ لَا عَلَى أَنَّهُ سُنَّةُ قِيَامٍ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ، وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا أَصْلَانِ لَا أَصْلٌ وَاحِدٌ كَمَا ذَكَرْنَا (قَوْلُهُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ) شَرَحَ أَلْفَاظَهُ فِي الْبَحْرِ وَالْإِمْدَادِ وَغَيْرِهِمَا. (قَوْلُهُ تَارِكًا إلَخْ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ بَدَائِعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِي الْمَشَاهِيرِ كَافِي فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ مُحَافَظَةً عَلَى الْمَرْوِيِّ بِلَا زِيَادَةٍ وَإِنْ كَانَ ثَنَاءً عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بَحْرٌ وَحِلْيَةٌ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْهِدَايَةِ لَا يَأْتِي بِهِ فِي الْفَرَائِضِ لَا مَفْهُومَ لَهُ، لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِهِ مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ: وَقَوْلُهُ " وَجَلَّ ثَنَاؤُك " لَمْ يُنْقَلْ فِي الْفَرَائِضِ فِي الْمَشَاهِيرِ، وَمَا رُوِيَ فِيهِ فَهُوَ فِي صَلَاةِ التَّهَجُّدِ اهـ (قَوْلُهُ إلَّا فِي الْجِنَازَةِ) ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ سِوَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ وَمُخْتَارَات النَّوَازِلِ (قَوْلُهُ مُقْتَصِرًا) اسْمُ فَاعِلٍ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ قَرَأَ أَوْ اسْمُ مَفْعُولٍ حَالٌ مِنْ مَفْعُولِهِ وَهُوَ سُبْحَانَك إلَخْ ح (قَوْلُهُ إلَّا فِي النَّافِلَةِ) لِحَمْلِ مَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ عَلَيْهَا فَيَقْرَؤُهُ فِيهَا إجْمَاعًا وَاخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَقُولُهُ قَبْلَ الِافْتِتَاحِ مِعْرَاجٌ. وَفِي الْمُنْيَةِ: وَعِنْدَهُمَا يَقُولُهُ قَبْلَ الِافْتِتَاحِ يَعْنِي قَبْلَ النِّيَّةِ وَلَا يَقُولُهُ بَعْدَ النِّيَّةِ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. لَكِنْ فِي الْحِلْيَةِ: الْحَقُّ أَنَّ قِرَاءَتَهُ قَبْلَ النِّيَّةِ أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ التَّكْبِيرِ لَمْ تَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ. اهـ. وَفِي الْخَزَائِنِ: وَمَا وَرَدَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّافِلَةِ بَعْدَ الثَّنَاءِ فِي الْأَصَحِّ. اهـ. وَقَالَ فِي هَامِشِهِ: صَحَّحَهُ فِي الزَّاهِدِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ تَفْسُدُ لِأَنَّهُ كَذِبٌ. وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْحِلْيَةِ بِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَبِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ كَذِبًا إذَا كَانَ مُخْبِرًا عَنْ نَفْسِهِ لَا تَالِيًا، فَلَوْ مُخْبِرًا فَالْفَسَادُ عِنْدَ الْكُلِّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِمَا فِي النَّهْرِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِتَحْوِيلِ الشَّارِحِ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ، لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْمَتْنِ الْإِتْيَانُ بِالثَّنَاءِ فِي الْمُخَافَتَةِ وَإِنْ بَدَأَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِتَعْبِيرِ الصُّغْرَى عَنْهُ بِقِيلَ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَبِالْأَوْلَى أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الثَّنَاءِ. وَأَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ جَزَمَ بِهِ فِي الدُّرَرِ. وَقَالَ فِي الْمِنَحِ وَصَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَالشَّارِحُ فِي الْخَزَائِنِ وَشَرْحِ الْمُلْتَقَى. وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ مَا اشْتَغَلَ بِالْقِرَاءَةِ قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ لَا يُثْنِي. وَقَالَ غَيْرُهُ يُثْنِي وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ، إنْ كَانَ الْإِمَامُ يَجْهَرُ لَا يُثْنِي، وَإِنْ كَانَ يُسِرُّ يُثْنِي. اهـ. وَهُوَ مُخْتَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ، وَعَلَّلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الِاسْتِمَاعَ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْجَهْرِ لَيْسَ بِفَرْضٍ بَلْ يُسَنُّ تَعْظِيمًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 وَلَوْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، إنْ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ يُدْرِكُهُ أَتَى بِهِ. (وَ) كَمَا اسْتَفْتَحَ (تَعَوَّذَ) بِلَفْظِ أَعُوذُ عَلَى الْمَذْهَبِ (سِرًّا) قُيِّدَ لِلِاسْتِفْتَاحِ أَيْضًا فَهُوَ كَالتَّنَازُعِ (لِقِرَاءَةٍ) فَلَوْ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ تَرَكَهُ، وَلَوْ قَبْلَ إكْمَالِهَا تَعَوَّذَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَأْنِفَهَا ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ. وَلَا يَتَعَوَّذُ التِّلْمِيذُ إذَا قَرَأَ عَلَى أُسْتَاذِهِ ذَخِيرَةٌ: أَيْ لَا يُسَنُّ، فَلْيُحْفَظْ (فَيَأْتِي بِهِ الْمَسْبُوقُ عِنْدَ قِيَامِهِ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ) لِقِرَاءَتِهِ (لَا الْمُقْتَدِي) لِعَدَمِهَا (وَيُؤَخِّرُ) الْإِمَامُ التَّعَوُّذَ (عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ) لِقِرَاءَتِهِ بَعْدَهَا   [رد المحتار] لِلْقِرَاءَةِ فَكَانَ سُنَّةً غَيْرَ مَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا وَعَدَمُ قِرَاءَةِ الْمُؤْتَمِّ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْجَهْرِ لَا لِوُجُوبِ الْإِنْصَاتِ بَلْ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ. وَأَمَّا الثَّنَاءُ فَهُوَ سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ لِذَاتِهَا وَلَيْسَ ثَنَاءُ الْإِمَامِ ثَنَاءً لِلْمُؤْتَمِّ، فَإِذَا تَرَكَهُ يَلْزَمُ تَرْكُ سُنَّةٍ مَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا لِلْإِنْصَاتِ الَّذِي هُوَ سُنَّةٌ تَبَعًا بِخِلَافِ تَرْكِهِ حَالَةَ الْجَهْرِ. اهـ. فَكَانَ الْمُعْتَمَدُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ سَاجِدًا) أَيْ السَّجْدَةَ الْأُولَى كَمَا فِي الْمُنْيَةِ، وَأَشَارَ بِالتَّقْيِيدِ بِرَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا إلَى أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَهُ فِي إحْدَى الْقَعْدَتَيْنِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُثْنِيَ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ زِيَادَةِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْقُعُودِ وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ بِلَفْظِ أَعُوذُ) أَيْ لَا بِلَفْظِ أَسْتَعِيذُ وَإِنْ مَشَى عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَالزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ فَهُوَ كَالتَّنَازُعِ) لِأَنَّ سِرًّا حَالٌ مِنْ الثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ فَكَانَا مُتَعَلِّقَيْنِ بِهِ فَأَشْبَهَ التَّنَازُعَ الَّذِي هُوَ تَعَلُّقُ عَامِلَيْنِ فَأَكْثَرَ بِاسْمٍ وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِ النَّهْرِ فَهُوَ مِنْ التَّنَازُعِ، لِمَا فِي هَمْعِ الْهَوَامِعِ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ فِي كُلِّ مَعْمُولٍ إلَّا الْمَفْعُولَ لَهُ وَالتَّمْيِيزَ وَكَذَا الْحَالُ خِلَافًا لِابْنِ مُعْطِي أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِقَوْلِهِ وَالتَّعَوُّذُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، فَلَوْ نَسِيَهُ حَتَّى قَرَأَ الْفَاتِحَةَ لَا يَتَعَوَّذُ بَعْدَ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ قَبْلَ إكْمَالِهَا يَتَعَوَّذُ، وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَأْنِفَهَا اهـ. وَهَذَا الْفَهْمُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِأَنَّ قَوْلَ الْخُلَاصَةِ حَتَّى قَرَأَ الْفَاتِحَةَ مَعْنَاهُ شَرَعَ فِي قِرَاءَتِهَا، إذْ بِالشُّرُوعِ فَاتَ مَحَلُّ التَّعَوُّذِ، وَإِلَّا لَزِمَ رَفْضُ الْفَرْضِ لِلسُّنَّةِ، وَلَزِمَ أَيْضًا تَرْكُ الْوَاجِبِ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ أَوْ أَكْثَرَهَا مَرَّةً ثَانِيَةً مُوجِبَةٌ لِلسَّهْوِ. عَلَى أَنَّهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَيْضًا بَعْدَ مَا مَرَّ بِنَحْوِ وَرَقَةٍ وَنِصْفٍ قَالَ: وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي النَّوَادِرِ إنْ كَبَّرَ وَتَعَوَّذَ وَنَسِيَ الثَّنَاءَ لَا يُعِيدُ، كَذَا إنْ كَبَّرَ وَبَدَأَ بِالْقِرَاءَةِ وَنَسِيَ الثَّنَاءَ وَالتَّعَوُّذَ وَالتَّسْمِيَةَ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا، وَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ. اهـ. فَقَوْلُهُ وَبَدَأَ بِالْقِرَاءَةِ إلَخْ مُؤَيِّدًا لِمَا قُلْنَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَعَوَّذُ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ لِقِرَاءَةٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقُيِّدَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ التِّلْمِيذَ لَا يَتَعَوَّذُ إذَا قَرَأَ عَلَى أُسْتَاذِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ فِي الصَّلَاةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَقُولُ لَيْسَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَعَدَمِهَا بَلْ فِي الِاسْتِنَانِ وَعَدَمِهِ اهـ أَيْ فَتُسَنُّ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَقَطْ وَإِنْ كَانَتْ تُشْرَعُ فِي غَيْرِهَا فِي جَمِيعِ مَا يُخْشَى فِيهِ الْوَسْوَسَةُ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ أَيْ لَا يُسَنُّ، لَكِنْ فِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ فَإِنَّهَا تُسَنُّ أَيْضًا قَبْلَ دُخُولِ الْخَلَاءِ لَكِنْ بِلَفْظِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ إنَّ عِبَارَةَ الذَّخِيرَةِ هَكَذَا إذَا قَالَ الرَّجُلُ - بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - فَإِنْ أَرَادَ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ يَتَعَوَّذُ قَبْلَهُ لِلْآيَةِ. وَإِنْ أَرَادَ افْتِتَاحَ الْكَلَامِ كَمَا يَقْرَأُ التِّلْمِيذُ عَلَى الْأُسْتَاذِ لَا يَتَعَوَّذُ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ؛ أَلَا يَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَشْكُرَ فَيَقُولُ - الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعَوُّذِ قَبْلَهُ، وَعَلَى هَذَا، الْجُنُبُ إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْقِرَاءَةَ لَمْ يَجُزْ أَوْ افْتِتَاحَ الْكَلَامِ جَازَ. اهـ. مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ كَالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْقِرَاءَةَ تَعَوَّذَ قَبْلَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَكَمَا لَوْ أَتَى بِالْبَسْمَلَةِ فِي افْتِتَاحِ الْكَلَامِ كَالتِّلْمِيذِ حِينَ يُبَسْمِلُ فِي أَوَّلِ دَرْسِهِ لِلْعِلْمِ فَلَا يَتَعَوَّذُ، وَكَمَا لَوْ قَصَدَ بِالْحَمْدَلَةِ الشُّكْرَ، وَكَذَا إذَا تَكَلَّمَ بِغَيْرِ مَا هُوَ مِنْ الْقُرْآنِ فَلَا يُسَنُّ التَّعَوُّذُ بِالْأَوْلَى فَكَلَامُ الذَّخِيرَةِ فِي التَّعَوُّذِ قَبْلَ الْكَلَامِ لَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ، فَلَا يُنَافِي اسْتِنَانَهُ قَبْلَ الْخَلَاءِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَيَأْتِي بِهِ الْمَسْبُوقُ إلَخْ) فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَ مَسَائِلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 (وَ) كَمَا تَعَوَّذَ (سَمَّى) غَيْرُ الْمُؤْتَمِّ بِلَفْظِ الْبَسْمَلَةِ، لَا مُطْلَقُ الذِّكْرِ كَمَا فِي ذَبِيحَةٍ وَوُضُوءٍ (سِرًّا فِي) أَوَّلِ (كُلِّ رَكْعَةٍ) وَلَوْ جَهْرِيَّةً (لَا) تُسَنُّ (بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ مُطْلَقًا) وَلَوْ سِرِّيَّةً، وَلَا تُكْرَهُ اتِّفَاقًا، وَمَا صَحَّحَهُ الزَّاهِدِيُّ مِنْ وُجُوبِهَا   [رد المحتار] تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِهِ لِقِرَاءَةٍ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ التَّعَوُّذَ تَبَعٌ لِلْقِرَاءَةِ. أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَهُوَ تَبَعٌ لِلثَّنَاءِ، فَعِنْدَهُ يَأْتِي بِهِ الْمَسْبُوقُ بَعْدَ الثَّنَاءِ مَرَّتَيْنِ حَالَ اقْتِدَائِهِ وَعِنْدَ قِيَامِهِ لِلْقَضَاءِ؛ وَيَأْتِي بِهِ الْمُقْتَدِي الْمُدْرِكُ لِأَنَّهُ يُثْنِي كَمَا يَأْتِي بِهِ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ، وَيَأْتِي بِهِ الْإِمَامُ وَالْمُقْتَدِي فِي الْعِيدِ بَعْدَ الثَّنَاءِ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُنْيَةِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ، لَكِنَّ مُخْتَارَ قَاضِي خَانْ وَالْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَالْكَافِي وَالِاخْتِيَارِ وَأَكْثَرِ الْكُتُبِ هُوَ قَوْلُهُمَا إنَّهُ تَبَعٌ لِلْقِرَاءَةِ وَبِهِ نَأْخُذُ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ وَكَمَا تَعَوَّذَ سَمَّى) فَلَوْ سَمَّى قَبْلَ التَّعَوُّذِ أَعَادَهُ بَعْدَهُ لِعَدَمِ وُقُوعِهَا فِي مَحَلِّهَا، وَلَوْ نَسِيَهَا حَتَّى فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ لَا يُسَمِّي لِأَجْلِهَا لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا حِلْيَةٌ وَبَحْرٌ، وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ حَتَّى فَرَغَ كَمَا تَقَدَّمَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ غَيْرُ الْمُؤْتَمِّ) هُوَ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ، إذْ لَا دَخْلَ لِلْمُقْتَدِي لِأَنَّهُ لَا يَقْرَأُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَتَعَوَّذُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَمَا فِي ذَبِيحَةٍ وَوُضُوءٍ) فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالتَّسْمِيَةِ فِيهِمَا مُطْلَقُ الذِّكْرِ فَهُوَ تَمْثِيلٌ لِلْمَنْفِيِّ (قَوْلُهُ سِرًّا فِي أَوَّلِ كُلِّ رَكْعَةٍ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَسَقَطَ سِرًّا مِنْ بَعْضِهَا وَلَا بُدَّ مِنْهُ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمُجْتَبَى: وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَفِي خَارِجِ الصَّلَاةِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ وَالْمَشَايِخِ فِي التَّعَوُّذِ وَالتَّسْمِيَةِ، قِيلَ يُخْفِي التَّعَوُّذَ دُونَ التَّسْمِيَةِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ فِيهِمَا وَلَكِنْ يَتْبَعُ إمَامَهُ مِنْ الْقُرَّاءِ وَهُمْ يَجْهَرُونَ بِهِمَا إلَّا حَمْزَةَ فَإِنَّهُ يُخْفِيهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ جَهْرِيَّةً) رَدٌّ عَلَى مَا فِي الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَأْتِي بِهَا إذَا جَهَرَ، بَلْ إذَا خَافَتْ فَإِنَّهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ بَحْرٌ، وَأَوَّلُهُ فِي شَرْحِهَا بِأَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَا جَهْرًا (قَوْلُهُ لَا تُسَنُّ) مُقْتَضَى كَلَامِ الْمَتْنِ أَنْ يُقَالَ لَا يُسَمِّي، لَكِنَّهُ عَدَلَ عَنْهُ لِإِبْهَامِهِ الْكَرَاهَةَ، بِخِلَافِ نَفْيِ السُّنِّيَّةِ. ثُمَّ إنَّ هَذَا قَوْلُهُمَا وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تُسَنُّ إنْ خَافَتْ لَا إنْ جَهَرَ بَحْرٌ، وَنَسَبَ ابْنُ الضِّيَاءِ فِي شَرْحِ الْغَزْنَوِيَّةِ الْأَوَّلَ إلَى أَبِي يُوسُفَ فَقَطْ فَقَالَ: وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَذُكِرَ فِي الْمُصَفَّى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُسَمِّي فِي أَوَّلِ كُلِّ رَكْعَةٍ وَيُخْفِيهَا. وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ: الْمُخْتَارُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ أَنْ يُسَمِّيَ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ وَقَبْلَ كُلِّ سُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. مَطْلَبٌ: لَفْظَةُ الْفَتْوَى آكَدُ وَأَبْلَغُ مِنْ لَفْظَةِ الْمُخْتَارِ: وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ يُسَمِّي فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى لَا غَيْرُ، وَإِنَّمَا اُخْتِيرَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ لَفْظَةَ الْفَتْوَى آكَدُ وَأَبْلَغُ مِنْ لَفْظَةِ الْمُخْتَارِ وَلِأَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَسَطٌ وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا كَذَا فِي شَرْحِ عُمْدَةِ الْمُصَلِّي. اهـ. مَا فِي شَرْحِ الْغَزْنَوِيَّةِ. وَوَقَعَ فِي النَّهْرِ هُنَا خَطَأٌ وَخَلَلٌ فِي النَّقْلِ أَيْضًا عَنْ شَرْحِ الْغَزْنَوِيَّةِ فَاجْتَنِبْهُ فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ قِرَاءَةُ الْبَسْمَلَةِ بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ حَسَنٌ: (قَوْلُهُ وَلَا تُكْرَهُ اتِّفَاقًا) وَلِهَذَا صَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُجْتَبَى بِأَنَّهُ إنْ سَمَّى بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ الْمَقْرُوءَةِ سِرًّا أَوْ جَهْرًا كَانَ حَسَنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَجَّحَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ وَتِلْمِيذُهُ الْحَلَبِيُّ لِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِهَا آيَةً مِنْ كُلِّ سُورَةٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَمَا صَحَّحَهُ الزَّاهِدِيُّ مِنْ وُجُوبِهَا) يَعْنِي فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ، وَقَدْ صَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا فِي سُجُودِ السَّهْوِ، وَنَقَلَ فِي الْكِفَايَةِ عِبَارَةَ الزَّاهِدِيِّ وَأَقَرَّهَا. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ إنَّهُ الْأَحْوَطُ، لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ تَدُلُّ عَلَى مُوَاظَبَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَيْهَا، وَجَعَلَهُ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ قَوْلَ الْأَكْثَرِينَ: أَيْ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ إنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 ضَعَّفَهُ فِي الْبَحْرِ (وَهِيَ آيَةٌ) وَاحِدَةٌ (مِنْ الْقُرْآنِ) كُلِّهِ (أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّوَرِ) فَمَا فِي النَّمْلِ بَعْضُ آيَةٍ إجْمَاعًا (وَلَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَلَا مِنْ كُلِّ سُورَةٍ) فِي الْأَصَحِّ، فَتَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ (وَلَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهَا) احْتِيَاطًا (وَلَمْ يَكْفُرْ جَاحِدُهَا لِشُبْهَةِ) اخْتِلَافِ مَالِكٍ (فِيهَا، وَ) كَمَا سَمَّى. (قَرَأَ الْمُصَلِّي لَوْ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا الْفَاتِحَةَ.   [رد المحتار] أَكْثَرَ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ، فَإِذَا كَانَتْ مِنْهَا تَجِبُ مِثْلُهَا لَكِنْ لَمْ يُسَلَّمْ كَوْنُهُ قَوْلَ الْأَكْثَرِ (قَوْلُهُ ضَعَّفَهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ إنَّ هَذَا كُلَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى مِنْ أَنَّهَا سُنَّةٌ لَا وَاجِبٌ فَلَا يَجِبُ بِتَرْكِهَا شَيْءٌ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ إلَّا أَنَّ الْمُتُونَ عَلَى الْأَوَّلِ. اهـ. أَقُولُ: أَيْ إنَّ الْأَوَّلَ مُرَجَّحٌ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ، وَالثَّانِي مِنْ حَيْثُ الدِّرَايَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَهِيَ آيَةٌ) أَيْ خِلَافًا لِقَوْلِ مَالِكٍ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا إنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ أَصْلًا. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَوَاشِي الْكَشَّافِ وَالتَّلْوِيحِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ أَيْ بَلْ هُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ) وَذُكِرَتْ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ لِلتَّبَرُّكِ (قَوْلُهُ فَمَا فِي النَّمْلِ بَعْضُ آيَةٍ) وَأَوَّلُهَا {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} [النمل: 30] وَآخِرُهَا {وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 31] وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ ط (قَوْلُهُ وَلَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: فِيهِ رَدٌّ لِقَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ بِوُجُوبِهَا، وَجَعَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ رِوَايَةَ الثَّانِي عَنْ الْإِمَامِ، وَبِهِ أَخَذَ وَهُوَ أَحْوَطُ. اهـ. وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَلَا مِنْ كُلِّ سُورَةٍ) أَيْ خِلَافًا لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّهَا آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ مَا عَدَا بَرَاءَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَلَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ عَقِبَهُ لِيَكُونَ إشَارَةً إلَى قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ الْمُتَقَدِّمِ لَا إلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، إذْ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ بِذِكْرِ التَّصْحِيحِ لِلْإِشَارَةِ إلَى مَذْهَبِ الْغَيْرِ بَلْ إلَى الْمَرْجُوعِ فِي الْمَذْهَبِ، وَلَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنْ مَشَايِخِنَا الْقَوْلَ بِأَنَّهَا آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ، وَإِنَّمَا عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ إلَى الشَّافِعِيِّ فَقَطْ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ فَتَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ) أَيْ وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، وَهَذَا لَوْ عَلَى قَصْدِ التِّلَاوَةِ (قَوْلُهُ احْتِيَاطًا) عِلَّةً لِلْمَسْأَلَتَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ لِتَوَاتُرِهَا فِي مَحَلِّهَا، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ مَالِكٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ حُرْمَتَهَا عَلَى الْجُنُبِ نَظَرًا إلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ، وَعَدَمُ جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ نَظَرًا إلَى شُبْهَةِ الْخِلَافِ لِأَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ فَلَا يَسْقُطُ بِمَا فِيهِ شُبْهَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَكْفُرْ جَاحِدُهَا إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قِيلَ مِنْ الْإِشْكَالِ فِي التَّسْمِيَةِ إنَّهَا إنْ كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً لَزِمَ تَكْفِيرُ مُنْكِرِهَا وَإِلَّا فَلَيْسَتْ قُرْآنًا. وَالْجَوَابُ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ أَنَّ الْقَطْعِيَّ إنَّمَا يَكْفُرُ مُنْكِرُهُ إذَا لَمْ تَثْبُتْ فِيهِ شُبْهَةٌ قَوِيَّةٌ كَإِنْكَارِ رُكْنٍ، وَهُنَا قَدْ وُجِدَتْ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ أَنْكَرَهَا كَمَالِكٍ ادَّعَى عَدَمَ تَوَاتُرِ كَوْنِهَا قُرْآنًا فِي الْأَوَائِلِ وَأَنَّ كِتَابَتَهَا فِيهَا لِشُهْرَةِ اسْتِنَانِ الِافْتِتَاحِ بِهَا فِي الشَّرْعِ. وَالْمُثْبِتُ يَقُولُ: إجْمَاعُهُمْ عَلَى كِتَابَتِهَا مَعَ أَمْرِهِمْ بِتَجْرِيدِ الْمَصَاحِفِ يُوجِبُ كَوْنَهَا قُرْآنًا، وَالِاسْتِنَانُ لَا يُسَوِّغُ الْإِجْمَاعَ لِتَحَقُّقِهِ فِي الِاسْتِعَاذَةِ. وَالْحَقُّ أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ لِتَوَاتُرِهَا فِي الْمُصْحَفِ، وَهُوَ دَلِيلُ كَوْنِهَا قُرْآنًا، وَلَا نُسَلِّمُ تَوَقُّفَ ثُبُوتِ الْقُرْآنِيَّةِ عَلَى تَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ بِكَوْنِهَا قُرْآنًا، بَلْ الشَّرْطُ فِيمَا هُوَ قُرْآنٌ تَوَاتُرُهَا فِي مَحَلِّهِ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ كَوْنُهُ فِي مَحَلِّهِ مِنْ الْقُرْآنِ اهـ وَقَوْلُهُ وَلَا نُسَلِّمُ إلَخْ رَدٌّ لِمَا تَضَمَّنَهُ كَلَامُ الْمُنْكِرِ مِنْ أَنَّ تَوَاتُرَهَا فِي مَحَلِّهَا لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهَا قُرْآنًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ بِقُرْآنِيَّتِهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَوَاتُرَهَا فِي مَحَلِّهَا أَثْبَتَ أَصْلَ قُرْآنِيَّتِهَا، وَأَمَّا كَوْنُهَا قُرْآنًا مُتَوَاتِرًا فَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ بِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَكْفُرْ مُنْكِرُهَا، بِخِلَافِ غَيْرِهَا لِتَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ بِقُرْآنِيَّتِهِ. وَوَقَعَ فِي الْبَحْرِ هُنَا اضْطِرَابٌ وَخَلَلٌ بَيَّنْته فِيمَا عَلَّقْته عَلَيْهِ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يُبْقِيَ الْمَتْنَ عَلَى حَالِهِ وَيُسْقِطَ قَوْلَهُ اخْتِلَافُ مَالِكٍ لِيَكُونَ جَوَابًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 وَ) قَرَأَ بَعْدَهَا وُجُوبًا (سُورَةً أَوْ ثَلَاثَ آيَاتٍ) وَلَوْ كَانَتْ الْآيَةُ أَوْ الْآيَتَانِ تَعْدِلُ ثَلَاثَ آيَاتٍ قِصَارًا انْتَفَتْ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ، وَلَا تَنْتَفِي التَّنْزِيهِيَّةُ إلَّا بِالْمَسْنُونِ (وَأَمَّنَ) بِمَدٍّ وَقَصْرٍ وَإِمَالَةٍ وَلَا تَفْسُدُ بِمَدٍّ مَعَ تَشْدِيدٍ أَوْ حَذْفِ يَاءٍ بَلْ بِقَصْرٍ مَعَ أَحَدِهِمَا أَوْ بِمَدٍّ مَعَهُمَا، وَهَذَا مِمَّا تَفَرَّدْت بِتَحْرِيرِهِ (الْإِمَامُ سِرًّا كَمَأْمُومٍ وَمُنْفَرِدٍ) وَلَوْ فِي السِّرِّيَّةِ إذَا سَمِعَهُ   [رد المحتار] عَنْ إنْكَارِ مَالِكٍ أَيْضًا قُرْآنِيَّتَهَا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَمْ تَثْبُتْ بِإِنْكَارِهِ، بَلْ هِيَ ثَابِتَةٌ قَبْلَهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَقَرَأَ بَعْدَهَا وُجُوبًا) الْوُجُوبُ يَرْجِعُ إلَى الْقِرَاءَةِ وَالْبَعْدِيَّةِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ بِتَرْكِهَا الْإِعَادَةُ لَوْ عَامِدًا كَالْفَاتِحَةِ خِلَافًا لِمَا فِي التَّبْيِينِ وَالدُّرَرِ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ وَإِنْ كَانَتْ آكَدُ لِلِاخْتِلَافِ فِي رُكْنِيَّتِهَا إلَّا أَنَّهُ يَظْهَرُ فِي الْإِثْمِ لَا فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ بَحْثِ الْوَاجِبَاتِ (قَوْلُهُ سُورَةً) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ قِرَاءَةُ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ؛ فَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى: رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَا أُحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ سُورَتَيْنِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْمَكْتُوبَاتِ، وَلَوْ فَعَلَ لَا يُكْرَهُ، وَفِي النَّوَافِلِ لَا بَأْسَ بِهِ (قَوْلُهُ إلَّا بِالْمَسْنُونِ) وَهُوَ الْقِرَاءَةُ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ، وَأَوْسَاطِهِ فِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ، وَقِصَارِهِ فِي الْمَغْرِبِ ط (قَوْلُهُ وَأَمَّنَ) هُوَ سُنَّةٌ لِلْحَدِيثِ الْآتِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهِ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقُرْآنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بِمَدٍّ) هِيَ أَشْهَرُهَا وَأَفْصَحُهَا وَقَصْرٍ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ، وَمَعْنَاهُ اسْتَجِبْ ط (قَوْلُهُ وَإِمَالَةٍ) أَيْ فِي الْمَدِّ لِعَدَمِ تَأَتِّيهَا فِي الْقَصْرِ ح، وَحَقِيقَةُ الْإِمَالَةِ أَنْ يُنَحِّيَ بِالْفَتْحَةِ نَحْوَ الْكَسْرِ فَتَمِيلُ الْأَلِفُ إنْ كَانَ بَعْدَهَا أَلِفٌ نَحْوُ الْيَاءِ أَشْمُونِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا تَفْسُدُ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي نَفْيِ الْفَسَادِ لَا فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ، فَإِنَّ السُّنَّةَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ كَمَا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ بِمَدٍّ مَعَ تَشْدِيدٍ أَوْ حَذْفِ يَاءٍ) أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْمَدِّ مُصَاحِبًا لِأَحَدِهِمَا لَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَفِيهِ صُورَتَانِ: الْأُولَى: الْمَدُّ، مَعَ التَّشْدِيدِ بِلَا حَذْفٍ، فَلَا يَفْسُدُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ لُغَةً فِيهَا حَكَاهَا الْوَاحِدِيُّ وَلِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ وَلِأَنَّ لَهُ وَجْهًا، كَمَا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: إنَّ مَعْنَاهُ نَدْعُوك قَاصِدِينَ إجَابَتَك لِأَنَّ مَعْنَى آمِينَ قَاصِدِينَ. وَأَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِنَا كَوْنَهَا لُغَةً وَحُكِمَ بِفَسَادِ الصَّلَاةِ بَحْرٌ. وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: الْمَدُّ مَعَ حَذْفِ الْيَاءِ بِلَا تَشْدِيدٍ لِوُجُودِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَيْلَكَ آمِنْ} [الأحقاف: 17] كَمَا فِي الْإِمْدَادِ، فَأَوْفَى كَلَامَهُ لِمَنْعِ الْجَمْعِ فَقَطْ لِأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالْمَدِّ جَامِعًا بَيْنَ التَّشْدِيدِ وَالْحَذْفِ تَفْسُدُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْدُ، وَلَوْ كَانَتْ لِمَنْعِ الْخُلُوِّ أَيْضًا بِأَنْ أَتَى بِالْمَدِّ خَالِيًا عَنْ التَّشْدِيدِ وَالْحَذْفِ لَزِمَ التَّكْرَارُ لِأَنَّهُ اللُّغَةُ الْفُصْحَى الْمُتَقَدِّمَةُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بَلْ يَقْصُرُ مَعَ أَحَدِهِمَا) أَيْ مَعَ التَّشْدِيدِ بِلَا حَذْفِ الْيَاءِ وَهُوَ آمِينَ لِعَدَمِ وُجُودِهِ فِي الْقُرْآنِ أَوْ مَعَ حَذْفِ الْيَاءِ بِلَا تَشْدِيدٍ وَهُوَ أَمِنَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِوُجُودِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَمِنَ} [البقرة: 283] ح أَيْ وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. هَذَا. وَذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ الْأَوَّلَ. لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ فَقَالَ: وَقَصْرُهَا وَتَشْدِيدُ الْمِيمِ حَكَاهَا بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ وَاسْتُضْعِفَتْ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْأَشْبَهَ فَسَادُ الصَّلَاةِ بِهَا اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِمَدٍّ مَعَهُمَا) أَيْ مَعَ التَّشْدِيدِ وَحَذْفِ الْيَاءِ وَهُوَ آمِنَ فَإِنَّهُ مُفْسِدٌ لِعَدَمِ وُجُودِهِ فِي الْقُرْآنِ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ ثَمَانِيَةُ أَوْجُهٍ: خَمْسَةٌ صَحِيحَةٌ، وَثَلَاثَةٌ مُفْسِدَةٌ، وَبَقِيَ تَاسِعٌ وَهُوَ أَمِّنْ بِالْقَصْرِ مَعَ التَّشْدِيدِ وَالْحَذْفِ، وَهُوَ مُفْسِدٌ لِعَدَمِ وُجُودِهِ فِي الْقُرْآنِ، وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ وَبِمَدٍّ أَوْ قَصْرٍ مَعَهُمَا لَاسْتَوْفَى ح. قُلْت: وَقَدْ ذُكِرَ هَذَا التَّاسِعُ مَعَ الثَّامِنِ فِي الْبَحْرِ، وَقَالَ: وَلَا يَبْعُدُ فَسَادُ الصَّلَاةِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ الْإِمَامُ سِرًّا) أَشَارَ بِالْأَوَّلِ إلَى خِلَافِ مَالِكٍ فِي تَخْصِيصِ الْمُؤْتَمِّ بِالتَّأْمِينِ دُونَ الْإِمَامِ. وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ، وَبِالثَّانِي إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا كُلٌّ مِنْهُمَا جَهْرًا، وَقَوْلُهُ كَمَأْمُومٍ وَمُنْفَرِدٍ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ فَلِذَا أَتَى بِالْكَافِ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي السِّرِّيَّةِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 وَلَوْ مِنْ مِثْلِهِ فِي نَحْوِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» فَمِنْ التَّعْلِيقِ بِمَعْلُومِ الْوُجُودِ، فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَمَاعِهِ مِنْهُ، بَلْ يَحْصُلُ بِتَمَامِ الْفَاتِحَةِ بِدَلِيلِ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ» (ثُمَّ) كَمَا فَرَغَ (يُكَبِّرُ) مَعَ الِانْحِطَاطِ (لِلرُّكُوعِ) . وَلَا يُكْرَهُ وَصْلُ الْقِرَاءَةِ بِتَكْبِيرَةٍ، وَلَوْ بَقِيَ حَرْفٌ أَوْ كَلِمَةٌ فَأَتَمَّهُ حَالَ الِانْحِنَاءِ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْبَعْضِ. مُنْيَةُ الْمُصَلِّي (وَيَضَعُ يَدَيْهِ) مُعْتَمِدًا بِهِمَا (عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيُفَرِّجُ أَصَابِعَهُ) لِلتَّمَكُّنِ. وَيُسَنُّ أَنْ يُلْصِقَ كَعْبَيْهِ.   [رد المحتار] أَيْ لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي، وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى الْمَأْمُومِ، وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ عَقِبَهُ، وَقِيلَ لَا يُؤَمِّنُ الْمَأْمُومُ فِي السِّرِّيَّةِ وَلَوْ سَمِعَ الْإِمَامَ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَهْرَ لَا عِبْرَةَ بِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ مِثْلِهِ) أَيْ مِنْ مُقْتَدٍ مِثْلِهِ، بِأَنْ كَانَ مِثْلُهُ قَرِيبًا مِنْ الْإِمَامِ يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ فَأَمَّنَ ذَلِكَ الْمُقْتَدِي تَأْمِينَ مِثْلِهِ الْقَرِيبِ مِنْ الْإِمَامِ فَيُؤَمِّنُ لِأَنَّ الْمَنَاطَ الْعِلْمُ بِتَأْمِينِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ فِي نَحْوِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ) أَشَارَ بِنَحْوٍ إلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ كَمَا وَقَعَ فِي الْجَوْهَرَةِ غَيْرُ قَيْدٍ كَمَا بَحَثَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِقَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِهِمَا بَلْ الْحُكْمُ فِي الْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ أَمَّا حَدِيثُ إلَخْ) هُوَ مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَهُوَ مُفِيدُ تَأْمِينِهِمَا، لَكِنْ فِي حَقِّ الْإِمَامِ بِالْإِشَارَةِ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُسَقْ لَهُ، وَفِي حَقِّ الْمَأْمُومِ بِالْعِبَارَةِ لِأَنَّهُ سِيقَ لِأَجْلِهِ بَحْرٌ، ثُمَّ مُرَادُ الشَّارِحِ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إنَّ الْحَدِيثَ دَلِيلٌ عَلَى جَهْرِ الْإِمَامِ بِالتَّأْمِينِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ تَأْمِينَهُمْ بِتَأْمِينِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَوْضِعَ التَّأْمِينِ مَعْلُومٌ فَإِذَا سَمِعَ لَفْظَةَ - {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]- كَفَى لِأَنَّ الشَّارِعَ طَلَبَ مِنْ الْإِمَامِ التَّأْمِينَ بَعْدَهُ، فَصَارَ مِنْ التَّعْلِيقِ بِمَعْلُومِ الْوُجُودِ، وَتَمَامِ الْأَدِلَّةِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ. وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ الْإِمَامِ لَا يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ أَصْلًا لَا يُؤَمِّنُ كَمَا فِي الْبَحْرِ: أَيْ لِعَدَمِ سَمَاعِهِ مَوْضِعَ التَّأْمِينِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَسْمَعَ مِنْ مِثْلِهِ كَمَا مَرَّ فِي السِّرِّيَّةِ (قَوْلُهُ فَقُولُوا آمِينَ) تَمَامُ الْحَدِيثِ «فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ آمِينَ، فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ حِلْيَةٌ. وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ: الصَّحِيحُ الصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُوَافَقَةُ لِلْمَلَائِكَةِ فِي وَقْتِ التَّأْمِينِ، وَقِيلَ فِي الصِّفَةِ وَالْخُشُوعِ وَالْإِخْلَاصِ، ثُمَّ قِيلَ هُمْ الْحَفَظَةُ، وَقِيلَ غَيْرُهُمْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «فَوَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ» (قَوْلُهُ مَعَ الِانْحِطَاطِ) أَفَادَ أَنَّ السُّنَّةَ كَوْنُ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ عِنْدَ الْخُرُورِ وَانْتِهَائِهِ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الظَّهْرِ، وَقِيلَ إنَّهُ يُكَبِّرُ قَائِمًا، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ وَتَمَامُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ وَلَا يُكْرَهُ إلَخْ) مِثَالُهُ أَنْ تَقُولَ - {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11]- اللَّهُ أَكْبَرُ بِكَسْرِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ ح. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَفِي قَوْلِهِ ثُمَّ يُكَبِّرُ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِلُ التَّكْبِيرَ بِالْقِرَاءَةِ وَهَذَا رُخْصَةٌ وَالْأَفْضَلُ الْوَصْلُ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ رُبَّمَا وَصَلْت وَرُبَّمَا تَرَكْت. اهـ. وَذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة تَفْصِيلًا حَسَنًا؛ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ آخِرُ السُّورَةِ ثَنَاءً مِثْلُ - {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء: 111]- فَالْوَصْلُ أَوْلَى وَإِلَّا فَالْفَصْلُ أَوْلَى مِثْلُ - {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]- فَيَقِفُ وَيَفْصِلُ ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ (قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْبَعْضِ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا ثُمَّ كَمَا فَرَغَ يُكَبِّرُ مَعَ الِانْحِطَاطِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يُتِمُّ الْقِرَاءَةَ جَمِيعَهَا وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا يَنْحَطُّ لِلرُّكُوعِ مُكَبِّرًا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ فَيَكُونُ الشَّارِحُ قَدْ نَبَّهَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالثَّانِي ضَعِيفٌ بِأَوْجَزِ عِبَارَةٍ وَأَلْطَفِ إشَارَةٍ؛ فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ إهْمَالٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الْكَمَالِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَيُسَنُّ أَنْ يُلْصِقَ كَعْبَيْهِ) قَالَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ وَكَذَا فِي السُّجُودِ أَيْضًا وَسَبَقَ فِي السُّنَنِ أَيْضًا. اهـ. وَاَلَّذِي سَبَقَ هُوَ قَوْلُهُ وَإِلْصَاقُ كَعْبَيْهِ فِي السُّجُودِ سُنَّةٌ دُرٌّ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا سَبْقُ نَظَرٍ، فَإِنَّ شَارِحَنَا لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ لَا فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَلَا فِي الدُّرَرِ الْمُنْتَقَى وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ أَيْضًا فَافْهَمْ، نَعَمْ رُبَّمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ السُّنَّةُ فِي الرُّكُوعِ إلْصَاقَ الْكَعْبَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرُوا تَفْرِيجَهُمَا بَعْدَهُ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُمَا مُلْصَقَيْنِ فِي حَالَةِ السُّجُودِ أَيْضًا تَأَمَّلْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ (وَيَبْسُطَ ظَهْرَهُ) وَيُسَوِّيَ ظَهْرَهُ بِعَجُزِهِ (غَيْرَ رَافِعٍ وَلَا مُنَكِّسَ رَأْسِهِ وَيُسَبِّحُ فِيهِ) وَأَقَلُّهُ (ثَلَاثًا) فَلَوْ تَرَكَهُ أَوْ نَقَصَهُ كُرِهَ تَنْزِيهًا؛ وَكُرِهَ تَحْرِيمًا   [رد المحتار] هَذَا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ لَفْظَ يُسَنُّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَضَعُ يَدَيْهِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْوَضْعَ وَالِاعْتِمَادَ وَالتَّفْرِيجَ وَالْإِلْصَاقَ وَالنَّصْبَ وَالْبَسْطَ وَالتَّسْوِيَةَ كُلَّهَا سُنَنٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ مُجَافِيًا عَضُدَيْهِ مُسْتَقْبِلًا أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُمَا سُنَّةٌ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ. اهـ. قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي الْمُجْتَبَى: هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَنْحَنِي فِي الرُّكُوعِ يَسِيرًا وَلَا تُفَرِّجُ وَلَكِنْ تَضُمُّ وَتَضَعُ يَدَيْهَا عَلَى رُكْبَتَيْهَا وَضْعًا وَتَحْنِي رُكْبَتَيْهَا وَلَا تُجَافِي عَضُدَيْهَا لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهَا. وَفِي شَرْحِ الْوَجِيزِ: الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَيَنْصِبُ سَاقَيْهِ) فَجَعْلُهُمَا شِبْهَ الْقَوْسِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ مَكْرُوهٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثًا) أَيْ أَقَلُّهُ يَكُونُ ثَلَاثًا أَوْ أَقَلُّهُ تَسْبِيحُهُ ثَلَاثًا، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِ ثَلَاثًا خَبَرًا عَنْ أَقَلِّهِ بِنَزْعِ الْخَافِضِ: أَيْ فِي ثَلَاثٍ لِأَنَّ نَزْعَ الْخَافِضِ سَمَاعِيٌّ وَمَعَ هَذَا فَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا فَافْهَمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَقَلُّهُ خَبَرًا لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ وَالتَّقْدِيرُ وَيُسَبِّحُ فِيهِ ثَلَاثًا وَهُوَ أَقَلُّهُ: أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الثَّلَاثَ أَقَلُّهُ، وَسَوَّغَ مَجِيءَ الْحَالِ مِنْ النَّكِرَةِ تَقْدِيمُهَا عَلَى صَاحِبِهَا وَهَذَا الْوَجْهُ أَفَادَهُ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ كُرِهَ تَنْزِيهًا) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّسْبِيحِ لِلِاسْتِحْبَابِ بَحْرٌ، وَفِي الْمِعْرَاجِ وَقَالَ أَبُو مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ تِلْمِيذُ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّ الثَّلَاثَ فَرْضٌ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ يَجِبُ مَرَّةً كَتَسْبِيحِ السُّجُودِ وَالتَّكْبِيرَاتِ وَالتَّسْمِيعِ وَالدُّعَاءِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَلَوْ تَرَكَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ، وَلَوْ سَهْوًا لَا. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَقِيلَ يَجِبُ. اهـ. وَهَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ عِنْدَنَا، وَذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ الْأَمْرَ بِهِ وَالْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهِ مُتَظَافِرَانِ عَلَى الْوُجُوبِ، فَيَنْبَغِي لُزُومُ سُجُودِ السَّهْوِ أَوْ الْإِعَادَةِ لَوْ تَرَكَهُ سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا، وَوَافَقَهُ عَلَى هَذَا الْبَحْثِ الْعَلَّامَةُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَيْضًا. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَذْكُرْهُ لِلْأَعْرَابِيِّ حِينَ عَلَّمَهُ، فَهَذَا صَارِفٌ لِلْأَمْرِ عَنْ الْوُجُوبِ، لَكِنْ اسْتَشْعَرَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وُرُودَ هَذَا فَأَجَابَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّلَاةِ وَاجِبٌ خَارِجٌ عَمَّا عَلَّمَهُ الْأَعْرَابِيُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ تَعْيِينُ الْفَاتِحَةِ وَضَمِّ السُّورَةِ أَوْ ثَلَاثِ آيَاتٍ لَيْسَ مِمَّا عَلَّمَهُ لِلْأَعْرَابِيِّ، بَلْ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ آخَرَ فَلِمَ لَا يَكُونُ هَذَا كَذَلِكَ؟ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي تَثْلِيثِ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ عِنْدَنَا، أَرْجَحُهَا مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ الْوُجُوبُ تَخْرِيجًا عَلَى الْقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِيَّةِ، فَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ كَمَا اعْتَمَدَ ابْنُ الْهُمَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ رِوَايَةَ وُجُوبِ الْقَوْمَةِ وَالْجِلْسَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ فِيهِمَا كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ فَالْأَرْجَحُ السُّنِّيَّةُ لِأَنَّهَا الْمُصَرَّحُ بِهَا فِي مَشَاهِيرِ الْكُتُبِ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُنْقِصَ عَنْ الثَّلَاثِ وَأَنَّ الزِّيَادَةَ مُسْتَحَبَّةٌ بَعْدَ أَنْ يَخْتِمَ عَلَى وِتْرِ خَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ أَوْ تِسْعٍ مَا لَمْ يَكُنْ إمَامًا فَلَا يُطَوِّلُ وَقَدَّمْنَا فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ عَنْ أُصُولِ أَبِي الْيُسْرِ أَنَّ حُكْمَ السُّنَّةِ أَنْ يُنْدَبَ إلَى تَحْصِيلِهَا وَيُلَامَ عَلَى تَرْكِهَا مَعَ حُصُولِ إثْمٍ يَسِيرٍ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ كَرَاهَةَ تَرْكِهَا فَوْقَ التَّنْزِيهِ وَتَحْتَ الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا. وَبِهَذَا يَضْعُفُ قَوْلُ الْبَحْرِ إنَّ الْكَرَاهَةَ هُنَا لِلتَّنْزِيهِ لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَإِنْ تَبِعَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ فَتَدَبَّرْ. [تَنْبِيهٌ] السُّنَّةُ فِي تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ إلَّا إنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ الظَّاءَ فَيُبَدِّلُ بِهِ الْكَرِيمَ لِئَلَّا يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ الْعَزِيمُ فَتَفْسُدُ بِهِ الصَّلَاةُ كَذَا فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ، فَلْيُحْفَظْ فَإِنَّ الْعَامَّةَ عَنْهُ غَافِلُونَ حَيْثُ يَأْتُونَ بَدَلَ الظَّاءِ بِزَايٍ مُفَخَّمَةٍ. مَطْلَبٌ فِي إطَالَةِ الرُّكُوعِ لِلْجَائِي (قَوْلُهُ وَكُرِهَ تَحْرِيمًا) لِمَا فِي الْبَدَائِعِ وَالذَّخِيرَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ وَابْنَ أَبِي لَيْلَى عَنْ ذَلِكَ فَكَرِهَاهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَخْشَى عَلَيْهِ أَمْرًا عَظِيمًا يَعْنِي الشِّرْكَ. وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ أَيْضًا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 إطَالَةُ رُكُوعٍ أَوْ قِرَاءَةٍ لِإِدْرَاكِ الْجَائِي: أَيْ إنْ عَرَفَهُ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَلَوْ أَرَادَ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يُكْرَهْ اتِّفَاقًا لَكِنَّهُ نَادِرٌ وَتُسَمَّى مَسْأَلَةَ الرِّيَاءِ، فَيَنْبَغِي التَّحَرُّزُ عَنْهَا. (وَ) اعْلَمْ أَنَّهُ مِمَّا يُبْتَنَى عَلَى لُزُومِ الْمُتَابَعَةِ فِي الْأَرْكَانِ أَنَّهُ (لَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ) مِنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ (قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمَأْمُومُ التَّسْبِيحَاتِ) الثَّلَاثَ   [رد المحتار] وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ، وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَصِيرُ مُشْرِكًا فَأَفْتَى بِإِبَاحَةِ دَمِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الشِّرْكَ فِي الْعَمَلِ لِأَنَّ أَوَّلَ الرُّكُوعِ كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى وَآخِرَهُ لِلْجَائِي وَلَا يَكْفُرُ لِأَنَّهُ مَا أَرَادَ التَّذَلُّلَ وَالْعِبَادَةَ لَهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ إطَالَةُ رُكُوعٍ أَوْ قِرَاءَةٍ) وَكَذَا الْقُعُودُ الْأَخِيرُ قَبْلَ السَّلَامِ. وَذُكِرَ فِي السِّرَاجِ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُصَلِّي، فَلَوْ انْتَظَرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَفِي أَذَانِ الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ انْتَظَرَ الْإِقَامَةَ لِيُدْرِكَ النَّاسُ الْجَمَاعَةَ يَجُوزُ لِوَاحِدٍ بَعْدَ الِاجْتِمَاعِ لَا إذَا كَانَ دَاعِرًا شِرِّيرًا اهـ (قَوْلُهُ أَيْ إنْ عَرَفَهُ) عَزَاهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ إلَى أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَيْ لِأَنَّ انْتِظَارَهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ لِلتَّوَدُّدِ إلَيْهِ لَا لِلتَّقَرُّبِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْخَيْرِ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الطَّاعَةِ، لَكِنْ يُطَوِّلُ مِقْدَارَ مَا لَا يُثْقِلُ عَلَى الْقَوْمِ، بِأَنْ يَزِيدَ تَسْبِيحَةً أَوْ تَسْبِيحَتَيْنِ عَلَى الْمُعْتَادِ، وَلَفْظَةُ لَا بَأْسَ تُقَيِّدُ فِي الْغَالِبِ أَنَّ تَرْكَهُ أَفْضَلُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ الْعِبَادَةَ لِأَمْرٍ فِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ إخْلَاصِهَا لِلَّهِ تَعَالَى لَا شَكَّ أَنَّ تَرْكَهُ أَفْضَلُ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» وَلِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ إعَانَةً عَلَى إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ فَفِيهِ إعَانَةٌ عَلَى التَّكَاسُلِ وَتَرْكِ الْمُبَادَرَةِ وَالتَّهَيُّؤِ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ حُضُورِ وَقْتِهَا فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَرَادَ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَالَجَ قَلْبُهُ شَيْءٌ سِوَى التَّقَرُّبِ حَتَّى وَلَا الْإِعَانَةِ عَلَى إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ هُوَ الْأَفْضَلُ، لَكِنَّهُ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالتَّقَرُّبِ الْإِعَانَةُ عَلَى إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إعَانَةِ عِبَادِ اللَّهِ عَلَى طَاعَتِهِ فَيَكُونُ الْأَفْضَلُ تَرْكَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الشُّبْهَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا شَرْحُ الْمُنْيَةِ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: قَصْدُ الْإِعَانَةِ عَلَى إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ مَطْلُوبٌ، فَقَدْ شُرِعَتْ إطَالَةُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فِي الْفَجْرِ اتِّفَاقًا وَكَذَا فِي غَيْرِهِ عَلَى الْخِلَافِ إعَانَةً لِلنَّاسِ عَلَى إدْرَاكِهَا لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ كَمَا فَهِمَ الصَّحَابَةُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَفِي الْمُنْيَةِ: وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعَجِّلَهُمْ عَنْ إكْمَالِ السُّنَّةِ. وَنُقِلَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقَ وَإِبْرَاهِيمَ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُسَبِّحَ خَمْسَ تَسْبِيحَاتٍ لِيُدْرِكَ مَنْ خَلْفَهُ الثَّلَاثَ. اهـ. فَعَلَى هَذَا إذَا قَصَدَ إعَانَةَ الْجَائِي فَهُوَ أَفْضَلُ بَعْدَ أَنْ لَا يَخْطِرَ بِبَالِهِ التَّوَدُّدَ إلَيْهِ وَلَا الْحَيَاءَ مِنْهُ وَنَحْوَهُ، وَلِهَذَا نَقَلَ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ أَنَّهُ مَأْجُورٌ، - {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]- وَفِي أَذَانِ التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ: وَفِي الْمُنْتَقَى أَنَّ تَأْخِيرَ الْمُؤَذِّنِ وَتَطْوِيلَ الْقِرَاءَةِ لِإِدْرَاكِ بَعْضِ النَّاسِ حَرَامٌ، هَذَا إذَا مَالَ لِأَهْلِ الدُّنْيَا تَطْوِيلًا وَتَأْخِيرًا يَشُقُّ عَلَى النَّاسِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّأْخِيرَ الْقَلِيلَ لِإِعَانَةِ أَهْلِ الْخَيْرِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ. اهـ. قَالَ ط: وَيَظْهَرُ أَنَّ مِنْ التَّقَرُّبِ إطَالَةَ الْإِمَامِ الرُّكُوعَ لِإِدْرَاكِ مُكَبِّرٍ لَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ يَظُنُّ أَنَّهُ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، كَمَا يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْعَوَامّ فَيُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ بِنَاءً عَلَى ظَنِّهِ وَلَا يَتَمَكَّنُ الْإِمَامُ مِنْ أَمْرِهِ بِالْإِعَادَةِ أَوْ الْإِتْمَامِ (قَوْلُهُ وَاعْلَمْ إلَخْ) قَدَّمْنَا فِي بَحْثِ الْوَاجِبَاتِ الْكَلَامُ عَلَى الْمُتَابَعَةِ بِمَا لَا مَزِيدُ عَلَيْهِ، وَحَقَّقْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْمُتَابَعَةَ بِمَعْنَى عَدَمِ التَّأْخِيرِ وَاجِبَةٌ فِي الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ وَسُنَّةٌ فِي السُّنَنِ، فَالتَّقْيِيدُ بِالْأَرْكَانِ هُنَا فِيهِ نَظَرٌ، عَلَى أَنَّ الرَّفْعَ مِنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُتَابَعَةَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا حَتَّى يَكُونَ كَلَامُهُ مَبْنِيًّا عَلَيْهَا، بَلْ كَانَ يَنْبَغِي بِنَاءُ قَوْلِهِ وَجَبَ مُتَابَعَتُهُ عَلَى قَوْلِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 (وَجَبَ مُتَابَعَتُهُ) وَكَذَا عَكْسُهُ فَيَعُودُ وَلَا يَصِيرُ ذَلِكَ رُكُوعَيْنِ (بِخِلَافِ سَلَامِهِ) أَوْ قِيَامِهِ لِثَالِثَةٍ (قَبْلَ تَمَامِ الْمُؤْتَمِّ التَّشَهُّدَ) فَإِنَّهُ لَا يُتَابِعُهُ بَلْ يُتِمُّهُ لِوُجُوبِهِ، وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ جَازَ؛ وَلَوْ سَلَّمَ وَالْمُؤْتَمُّ فِي أَدْعِيَةِ التَّشَهُّدِ تَابَعَهُ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ. (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِهِ مُسَمِّعًا) فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ أَبْدَلَ النُّونَ لَامًا يَفْسُدُ وَهَلْ يَقِفُ بِجَزْمٍ أَوْ تَحْرِيكٍ؟   [رد المحتار] وَيُسَبِّحُ فِيهِ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ سُنَّةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ لَا فَرْضٌ وَلَا وَاجِبٌ كَمَا مَرَّ، فَلَا يَتْرُكُ الْمُتَابَعَةَ الْوَاجِبَةَ لِأَجْلِهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَجَبَ مُتَابَعَتُهُ) أَيْ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَكَذَا عَكْسُهُ) وَهُوَ أَنْ يَرْفَعَ الْمَأْمُومُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْإِمَامُ التَّسْبِيحَاتِ ح (قَوْلُهُ فَيَعُودُ) أَيْ الْمُقْتَدِي لِوُجُوبِ مُتَابَعَتِهِ لِإِمَامِهِ فِي إكْمَالِ الرُّكُوعِ وَكَرَاهَةِ مُسَابَقَتِهِ لَهُ: فَلَوْ لَمْ يُعِدْ ارْتَكَبَ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ (قَوْلُهُ وَلَا يَصِيرُ ذَلِكَ رُكُوعَيْنِ) لِأَنَّ عَوْدَهُ تَتْمِيمٌ لِلرُّكُوعِ الْأَوَّلِ لَا رُكُوعٌ مُسْتَقِلٌّ ح (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يُتَابِعُهُ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ الثَّالِثَةُ مَعَ الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَشَمِلَ بِإِطْلَاقِهِ مَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي أَثْنَاءِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَوْ الْأَخِيرِ، فَحِينَ قَعَدَ قَامَ إمَامُهُ أَوْ سَلَّمَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُتِمُّ التَّشَهُّدَ ثُمَّ يَقُومُ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا، ثُمَّ رَأَيْته فِي الذَّخِيرَةِ نَاقِلًا عَنْ أَبِي اللَّيْثِ: الْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنَّهُ يُتِمُّ التَّشَهُّدَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْزَأَهُ اهـ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (قَوْلُهُ لِوُجُوبِهِ) أَيْ لِوُجُوبِ التَّشَهُّدِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَمُقْتَضَاهُ سُقُوطُ وُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَإِلَّا لَمْ يُنْتَجْ الْمَطْلُوبُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ جَازَ) أَيْ صَحَّ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ كَمَا أَفَادَهُ ح، وَنَازَعَهُ ط وَالرَّحْمَتِيُّ، وَهُوَ مُفَادُ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِي الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ وَاجِبَةٌ فَإِنَّ عَارَضَهَا وَاجِبٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفُوتَهُ بَلْ يَأْتِيَ بِهِ ثُمَّ يُتَابِعَهُ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِهِ لَا يُفَوِّتُ الْمُتَابَعَةَ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنَّمَا يُؤَخِّرُهَا، وَالْمُتَابَعَةُ مَعَ قَطْعِهِ تَفُوتُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَكَانَ تَأْخِيرُ أَحَدِ الْوَاجِبَيْنِ مَعَ الْإِتْيَانِ بِهِمَا أَوْلَى مِنْ تَرْكِ أَحَدِهِمَا بِالْكُلِّيَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَارَضَتْهَا سُنَّةٌ لِأَنَّ تَرْكَ السُّنَّةِ أَوْلَى مِنْ تَأْخِيرِ الْوَاجِبِ. اهـ. أَقُولُ: ظَاهِرُهُ أَنَّ إتْمَامَ التَّشَهُّدِ أَوْلَى لَا وَاجِبٌ، لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمُتَابَعَةَ الْوَاجِبَةَ هُنَا مَعْنَاهَا عَدَمُ التَّأْخِيرِ فَيَلْزَمُ مِنْ إتْمَامِ التَّشَهُّدِ تَرْكُهَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَيَنْبَغِي التَّعْلِيلُ بِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ الْمَذْكُورَةَ إنَّمَا تَجِبُ إذَا لَمْ يُعَارِضْهَا وَاجِبٌ، كَمَا أَنَّ رَدَّ السَّلَامِ وَاجِبٌ، وَيَسْقُطُ إذَا عَارَضَهُ وُجُوبُ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ يَجِبُ إتْمَامُ التَّشَهُّدِ، لَكِنْ قَدْ يَدَّعِي عَكْسَ التَّعْلِيلِ فَيُقَالُ إتْمَامُ التَّشَهُّدِ وَاجِبٌ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ وُجُوبُ الْمُتَابَعَةِ نَعَمْ قَوْلُهُمْ لَا يُتَابِعُهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ وُجُوبِ الْإِتْمَامِ وَسُقُوطِ الْمُتَابَعَةِ لِتَأَكُّدِ مَا شُرِعَ فِيهِ عَلَى مَا يُعْرَضُ بَعْدَهُ، وَكَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُمْ وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ جَازَ مَعْنَاهُ صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا تَعْلِيلُهُمْ بِوُجُوبِ التَّشَهُّدِ إذْ لَوْ كَانَتْ الْمُتَابَعَةُ وَاجِبَةً أَيْضًا لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيلُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ فِي أَدْعِيَةِ التَّشَهُّدِ) يَشْمَلُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ مُسَمِّعًا) أَيْ قَائِلًا سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ حَالَةَ الرَّفْعِ خِلَافًا لِمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَإِنْ ادَّعَى الطَّحَاوِيُّ تَوَاتُرَ الْعَمَلِ بِهِ، لِمَا رُوِيَ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا وَأَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانُوا يُكَبِّرُونَ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ " فَقَدْ أَجَابَ فِي الْمِعْرَاجِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّكْبِيرِ الذِّكْرُ الَّذِي فِيهِ تَعْظِيمٌ لِلَّهِ تَعَالَى جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَالْآثَارِ وَالْأَخْبَارِ اهـ (قَوْلُهُ لَوْ أَبْدَلَ النُّونَ لَامًا) بِأَنْ قَالَ لِمَلْ حَمِدَهُ تَفْسُدُ، لَكِنْ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي فِي بَحْثِ زَلَّةِ الْقَارِئِ يُرْجَى أَنْ لَا تَفْسُدَ قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهَا لِقُرْبِ الْمَخْرَجِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْأَلْثَغِ. اهـ. وَاسْتَحْسَنَهُ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ، بَلْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَقَدْ ذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ لُغَةُ بَعْضُ الْعَرَبِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْحَدَّادِيِّ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 قَوْلَانِ (وَيَكْتَفِي بِهِ الْإِمَامُ) ، وَقَالَا يَضُمُّ التَّحْمِيدَ سِرًّا (وَ) يَكْتَفِي (بِالتَّحْمِيدِ الْمُؤْتَمُّ) وَأَفْضَلُهُ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، ثُمَّ حَذْفُ الْوَاوِ، ثُمَّ حَذْفُ اللَّهُمَّ فَقَطْ (وَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا لَوْ مُنْفَرِدًا) عَلَى الْمُعْتَمَدِ يُسَمِّعُ رَافِعًا وَيَحْمَدُ مُسْتَوِيًا (وَيَقُومُ مُسْتَوِيًا) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ فَرْضٌ (ثُمَّ يُكَبِّرُ) مَعَ الْخُرُورِ (وَيَسْجُدُ وَاضِعًا رُكْبَتَيْهِ) أَوَّلًا لِقُرْبِهِمَا مِنْ الْأَرْضِ (ثُمَّ يَدَيْهِ) إلَّا لِعُذْرٍ (ثُمَّ وَجْهَهُ)   [رد المحتار] فِي الْفَسَادِ بِإِبْدَالِ النُّونِ لَامًا فِي - أَنْعَمْت - وَفِي - دِينِكُمْ - وَفِي - الْمَنْفُوشِ - (قَوْلُهُ قَوْلَانِ) فَمَنْ قَالَ إنَّ الْهَاءَ فِي حَمِدَهُ لِلسَّكْتِ يَقِفُ بِالْجَزْمِ، أَوْ أَنَّهَا كِنَايَةٌ أَيْ ضَمِيرٌ يَقُولُهَا بِالتَّحْرِيكِ وَالْإِشْبَاعِ. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّوفِيَّةِ: الْمُسْتَحَبُّ الثَّانِي اهـ خَزَائِنُ: وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِي مُخْتَصَرِ الْفَتَاوَى الصُّوفِيَّةِ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُحِيطِ التَّخْيِيرُ، ثُمَّ قَالَ أَوْ هِيَ اسْمٌ لَا ضَمِيرٌ فَلَا تُسَكَّنُ بِحَالٍ، وَهَذَا الْوَجْهُ أَبْلَغُ لِأَنَّ الْإِظْهَارَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَفْخَمُ مِنْ الْإِضْمَارِ، كَذَا فِي تَفْسِيرِ الْبُسْتِيِّ. زَادَ فِي الْمُحِيطِ وَلِأَنَّ تَحْرِيكَ الْهَاءِ أَثْقَلُ وَأَشَقُّ، وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ أَشَقُّهَا. اهـ. مُلَخَّصًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَوَاعِدَ تَقْتَضِي إسْكَانَهَا إذَا كَانَتْ لِلسَّكْتِ، وَإِنْ كَانَتْ ضَمِيرًا فَلَا تُحَرَّكُ إلَّا فِي الدَّرَجِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْقَائِلِ بِتَحْرِيكِهَا فِي الْوَقْفِ الرَّوْمَ الْمَشْهُورَ عِنْدَ الْقُرَّاءِ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ لَا يَصِحُّ إسْكَانُ الْهَاءِ بِحَالٍ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ضَمِّهَا وَإِشْبَاعِهَا لِتَظْهَرَ الْوَاوُ السَّاكِنَةُ. وَلِسَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ رِسَالَةٌ حَقَّقَ فِيهَا مَذْهَبَ السَّادَةِ الصُّوفِيَّةِ فِي أَنَّ هُوَ عَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ فِي اصْطِلَاحِهِمْ عَلَيْهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ اسْمٌ ظَاهِرٌ لَا ضَمِيرٌ، وَنَقَلَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْعِصَامُ فِي حَاشِيَةِ الْبَيْضَاوِيِّ وَالْفَاسِيُّ فِي شَرْحِ الدَّلَائِلِ وَالْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ وَالْعَارِفُ الْجِيلِيُّ وَغَيْرُهُمْ، لَكِنَّ كَوْنَهُ الْمُرَادَ هُنَا خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْفَوَائِدِ الْحَمِيدِيَّةِ الْهَاءُ فِي حَمِدَهُ لِلسَّكْتِ وَالِاسْتِرَاحَةِ لَا لِلْكِنَايَةِ كَذَا نُقِلَ عَنْ الثِّقَاتِ. وَفِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّهَا لِلْكِنَايَةِ. وَقَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَفِي الْأَنْفَعِ الْهَاءُ لِلسَّكْتِ وَالِاسْتِرَاحَةِ. وَفِي الْحُجَّةِ أَنَّهُ يَقُولُهَا بِالْجَزْمِ وَلَا يُبَيِّنُ الْحَرَكَةَ وَلَا يَقُولُ هُوَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَا يَضُمُّ التَّحْمِيدَ) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَيْضًا، وَإِلَيْهِ مَالَ الْفَضْلِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِعْرَاجٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ، لَكِنَّ الْمُتُونَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ ثُمَّ حَذَفَ اللَّهُمَّ) أَيْ مَعَ إثْبَاتِ الْوَاوِ، وَبَقِيَ رَابِعَةٌ وَهِيَ حَذْفُهُمَا وَالْأَرْبَعَةُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ كَمَا أَفَادَهُ بِالْعَطْفِ بِثُمَّ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ) أَيْ مِنْ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ مُصَحَّحَةٍ. قَالَ فِي الْخَزَائِنِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَجْمَعِ وَالْمُلْتَقَى وَصُحِّحَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ كَالْمُؤْتَمِّ وَصُحِّحَ فِي السِّرَاجِ مَعْزِيًّا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ كَالْإِمَامِ. قَالَ الْبَاقَانِيُّ: وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ اهـ. (قَوْلُهُ يُسَمِّعُ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ كَمَا فِي يَحْمَدُ ح أَيْ لِكَوْنِهِمَا مِنْ التَّسْمِيعِ وَالتَّحْمِيدِ. قَالَ ط وَلَا يَتَعَيَّنُ التَّشْدِيدُ فِي الثَّانِي بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، إذْ لَوْ خَفَّفَ لَأَفَادَ خِلَافَ الْمُرَادِ (قَوْلُهُ مُسْتَوِيًا) هُوَ لِلتَّأْكِيدِ، فَإِنَّ مُطْلَقَ الْقِيَامِ إنَّمَا يَكُونُ بِاسْتِوَاءِ الشِّقَّيْنِ، وَإِنَّمَا أَكَّدَ لِغَفْلَةِ الْأَكْثَرِينَ عَنْهُ فَلَيْسَ بِمُسْتَدْرَكٍ كَمَا ظَنَّ قُهُسْتَانِيٌّ، أَوْ لِلتَّأْسِيسِ وَالْمُرَادِ مِنْهُ التَّعْدِيلُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ سُنَّةٌ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِمَا، أَوْ وَاجِبٌ أَيْ مَا اخْتَارَهُ الْكَمَالُ وَتِلْمِيذُهُ، أَوْ فَرْضٌ أَيْ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ، وَنَقَلَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ الثَّلَاثَةِ ط (قَوْلُهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ) أَتَى بِثُمَّ لِلْإِشْعَارِ بِالِاطْمِئْنَانِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ مَعَ الْخُرُورِ) بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْخُرُورِ وَانْتِهَاؤُهُ عِنْدَ انْتِهَائِهِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ، وَيَخِرُّ لِلسُّجُودِ قَائِمًا مُسْتَوِيًا لَا مُنْحَنِيًا لِئَلَّا يَزِيدَ رُكُوعًا آخَرَ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَوْ صَلَّى فَلَمَّا تَكَلَّمَ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ رُكُوعًا، فَإِنْ كَانَ صَلَّى صَلَاةَ الْعُلَمَاءِ الْأَتْقِيَاءِ أَعَادَ، وَإِنْ صَلَّى صَلَاةَ الْعَوَامّ فَلَا لِأَنَّ الْعَالِمَ التَّقِيَّ يَنْحَطُّ لِلسُّجُودِ قَائِمًا مُسْتَوِيًا وَالْعَامِّيَّ يَنْحَطُّ مُنْحَنِيًا وَذَلِكَ رُكُوعٌ لِأَنَّ قَلِيلَ الِانْحِنَاءِ مَسْحُوبٌ مِنْ الرُّكُوعِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَاضِعًا رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ) قَدَّمْنَا الْخِلَافَ فِي أَنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ فَرْضٌ أَوْ وَاجِبٌ وَأَنَّ الْأَخِيرَ أَعْدَلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 مُقَدِّمًا أَنْفَهُ لِمَا مَرَّ (بَيْنَ كَفَّيْهِ) اعْتِبَارًا لِآخِرِ الرَّكْعَةِ بِأَوَّلِهَا ضَامًّا أَصَابِعَ يَدَيْهِ لِتَتَوَجَّهَ لِلْقِبْلَةِ (وَيَعْكِسُ نُهُوضَهُ وَسَجَدَ بِأَنْفِهِ) أَيْ عَلَى مَا صَلُبَ مِنْهُ (وَجَبْهَتِهِ) حَدُّهَا طُولًا مِنْ الصُّدْغِ إلَى الصُّدْغِ، وَعَرْضًا مِنْ أَسْفَلِ الْحَاجِبَيْنِ إلَى الْقِحْفِ؛ وَوَضْعُ أَكْثَرِهَا وَاجِبٌ. وَقِيلَ فَرْضٌ كَبَعْضِهَا وَإِنْ قَلَّ. (وَكُرِهَ اقْتِصَارُهُ) فِي السُّجُودِ (عَلَى أَحَدِهِمَا) وَمَنَعَا الِاكْتِفَاءَ بِالْأَنْفِ بِلَا عُذْرٍ وَإِلَيْهِ صَحَّ رُجُوعُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى   [رد المحتار] الْأَقْوَالِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَمَالِ، وَيَضَعُ الْيُمْنَى مِنْهُمَا أَوَّلًا ثُمَّ الْيُسْرَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، لَكِنَّ الَّذِي فِي الْخَزَائِنِ وَاضِعًا رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ إلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ خُفٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَيَبْدَأُ بِالْيَدَيْنِ وَيُقَدِّمُ الْيُمْنَى. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ والتتارخانية وَالْمِعْرَاجِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهَا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ تَقْدِيمَ الْيُمْنَى إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْعُذْرِ الدَّاعِي إلَى وَضْعِ الْيَدَيْنِ أَوَّلًا، وَإِنَّهُ لَا تَيَامُنَ فِي وَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِعُسْرِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ مُقَدِّمًا أَنْفَهُ) أَيْ عَلَى جَبْهَتِهِ، وَقَوْلُهُ لِمَا مَرَّ: أَيْ لِقُرْبِهِ مِنْ الْأَرْضِ، وَمَا ذَكَرَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْبَحْرِ، لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ: وَمِنْهَا أَيْ السُّنَنُ أَنْ يَضَعَ جَبْهَتَهُ ثُمَّ أَنْفَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَنْفُهُ ثُمَّ جَبْهَتُهُ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْمِعْرَاجِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَمُقْتَضَاهُ اعْتِمَادُ تَقْدِيمِ الْجَبْهَةِ وَأَنَّ الْعَكْسَ قَوْلُ الْبَعْضِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ) أَيْ بِحَيْثُ يَكُونُ إبْهَامَاهُ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَضَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ. وَالْأَوَّلُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. وَالثَّانِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ. وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ سُنِّيَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ كُلًّا أَحْيَانًا قَالَ: إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ الْمُجَافَاةِ الْمَسْنُونَةِ. اهـ. وَأَقَرَّهُ شُرَّاحُ الْمُنْيَةِ وَالشُّرُنْبُلالي (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا لِآخِرِ الرَّكْعَةِ بِأَوَّلِهَا) فَكَمَا يَجْعَلُ رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ فَكَذَا عِنْدَ السُّجُودِ سِرَاجٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَبَاقِي الرَّكَعَاتِ مُلْحَقَةٌ بِأُولَاهَا الَّتِي فِيهَا التَّحْرِيمَةُ (قَوْلُهُ ضَامًّا أَصَابِعَ يَدَيْهِ) أَيْ مُلْصِقًا جَنَبَاتِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ قُهُسْتَانِيٌّ وَغَيْرُهُ، وَلَا يُنْدَبُ الضَّمُّ إلَّا هُنَا وَلَا التَّفْرِيجُ إلَّا فِي الرُّكُوعِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ لِتَتَوَجَّهَ لِلْقِبْلَةِ) فَإِنَّهُ لَوْ فَرَّجَهَا يَبْقَى الْإِبْهَامُ وَالْخِنْصَرُ غَيْرَ مُتَوَجِّهَيْنِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ عَزَاهُ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ إلَى الشُّمُنِّيِّ وَغَيْرِهِ. قَالَ: وَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ فِي السُّجُودِ تُنَزَّلُ الرَّحْمَةُ وَبِالضَّمِّ يَنَالُ أَكْثَرَ (قَوْلُهُ وَيَعْكِسُ نُهُوضَهُ) أَيْ يَرْفَعُ فِي النُّهُوضِ مِنْ السَّجْدَةِ وَجْهَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ وَهَلْ يَرْفَعُ الْأَنْفَ قَبْلَ الْجَبْهَةِ: أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَضَعُهُ قَبْلَهَا قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: لَمْ أَقِفْ عَلَى صَرِيحٍ فِيهِ (قَوْلُهُ أَيْ عَلَى مَا صَلُبَ مِنْهُ) وَأَمَّا مَا لَانَ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعِهِمْ بَحْرٌ (قَوْلُهُ حَدُّهَا طُولًا إلَخْ) الصُّدْغُ: بِضَمِّ الصَّادِ مَا بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ وَالْقِحْفُ: بِالْكَسْرِ الْعَظْمُ فَوْقَ الدِّمَاغِ قَامُوسٌ، وَهَذَا الْحَدُّ عَزَاهُ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ إلَى شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ التَّجْنِيسِ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ هِيَ مَا اكْتَنَفَهُ الْجَبِينَانِ، وَقِيلَ هِيَ مَا فَوْقَ الْحَاجِبَيْنِ إلَى قُصَاصِ الشَّعْرِ وَهَذَا أَوْضَحُ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَوَضْعُ أَكْثَرِهَا وَاجِبٌ إلَخْ) اُخْتُلِفَ هَلْ الْفَرْضُ وَضْعُ أَكْثَرِ الْجَبْهَةِ أَمْ بَعْضِهَا وَإِنْ قَلَّ؟ قَوْلَانِ أَرْجَحُهُمَا الثَّانِي، نَعَمْ وَضْعُ أَكْثَرِ الْجَبْهَةِ وَاجِبٌ لِلْمُوَاظَبَةِ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْمِعْرَاجِ: وَضْعُ جَمِيعِ أَطْرَافِ الْجَبْهَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ إجْمَاعًا، فَإِذَا اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ الْجَبْهَةِ جَازَ وَإِنْ قَلَّ، كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو جَعْفَرٍ خَزَائِنُ (قَوْلُهُ كَبَعْضِهَا وَإِنْ قَلَّ) لَمَّا كَانَ وَضْعُ مَا دُونَ الْأَكْثَرِ مُتَّفِقًا عَلَى فَرْضِيَّتِهِ جَعَلَهُ مُشَبَّهًا بِهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْقِيلِ أَلْحَقَ الْأَكْثَرَ بِمَا دُونَهُ فِي الْفَرْضِيَّةِ (قَوْلُهُ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى) حَيْثُ قَالَ وَإِلَيْهِ صَحَّ رُجُوعُ الْإِمَامِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمَجْمَعِ وَشُرُوحِهِ وَالْوِقَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَالْجَوْهَرَةِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَالْعَيْنِيِّ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهَا. اهـ. وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ أَنَّ قَوْلَهُمَا رِوَايَةٌ عَنْهُ وَأَنَّ عَلَيْهَا الْفَتْوَى. هَذَا، وَقَدْ اسْتَشْكَلَهُ الْمُحَقِّقُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَنْفِ يَلْزَمُ مِنْهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 وَفِيهِ يُفْتَرَضُ وَضْعُ أَصَابِعِ الْقَدَمِ   [رد المحتار] بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، يَعْنِي حَدِيثَ «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» وَقَالَ: الْحَقُّ أَنَّ مُقْتَضَاهُ وَمُقْتَضَى الْمُوَاظَبَةِ الْوُجُوبُ فَلَوْ حُمِلَ قَوْلُهُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَقَوْلُهُمَا عَلَى وُجُوبِ الْجَمْعِ لَارْتَفَعَ الْخِلَافُ، وَأَقَرَّهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَكَذَا فِي الْبَحْرِ وَزَادَ أَنَّ الدَّلِيلَ يَقْتَضِي وُجُوبَ السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ أَيْضًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْكَنْزِ وَالْمُصَنِّفِ، فَإِنَّ الْكَرَاهَةَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلتَّحْرِيمِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ، فَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ وَالِاخْتِيَارِ مِنْ عَدَمِ كَرَاهَةِ تَرْكِ السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ ضَعِيفٌ. اهـ. وَهَذَا الَّذِي حُطَّ عَلَيْهِ كَلَامُ صَاحِبِ الْحِلْيَةِ فَقَالَ بَعْدَمَا أَطَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ: فَالْأَشْبَهُ وُجُوبُ وَضْعِهِمَا مَعًا، وَكَرَاهَةُ تَرْكِ وَضْعِ كُلٍّ تَحْرِيمًا، وَإِذَا كَانَ الدَّلِيلُ نَاهِضًا بِهِ فَلَا بَأْسَ بِالْقَوْلِ بِهِ. اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَفِيهِ إلَخْ) أَيْ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى، وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ. وَأَمَّا وَضْعُ الْقَدَمَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ فَرْضٌ فِي السُّجُودِ. اهـ. فَإِذَا سَجَدَ وَرَفَعَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ لَا يَجُوزُ، كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَالْجَصَّاصُ، وَلَوْ وَضَعَ إحْدَاهُمَا جَازَ. قَالَ قَاضِي خَانْ: وَيُكْرَهُ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّ الْيَدَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الْفَرْضِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ، وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ. قَالَ فِي الْمُجْتَبَى: قُلْت ظَاهِرُ مَا فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَالْمُحِيطِ وَالْقُدُورِيِّ أَنَّهُ إذَا رَفَعَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى لَا يَجُوزُ. وَقَدْ رَأَيْت فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِيهِ رِوَايَتَانِ. اهـ. وَمَشَى عَلَى رِوَايَةِ الْجَوَازِ بِرَفْعِ إحْدَاهُمَا فِي الْفَيْضِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا، فَصَارَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ: الْأُولَى فَرْضِيَّةُ وَضْعِهِمَا. الثَّانِيَةُ فَرْضِيَّةُ إحْدَاهُمَا. الثَّالِثَةُ عَدَمُ الْفَرْضِيَّةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّ وَضْعَهُمَا سُنَّةٌ فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةً اهـ. وَقَدْ اخْتَارَ فِي الْعِنَايَةِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الثَّالِثَةَ وَقَالَ إنَّهَا الْحَقُّ، وَأَقَرَّهُ فِي الدُّرَرِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ السُّجُودَ لَا يَتَوَقَّفُ تَحَقُّقُهُ عَلَى وَضْعِ الْقَدَمَيْنِ فَيَكُونُ افْتِرَاضُ وَضْعِهِمَا زِيَادَةً عَلَى الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، لَكِنْ رَدَّهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَقَالَ إنَّ قَوْلَهُ هُوَ الْحَقُّ بَعِيدٌ عَنْ الْحَقِّ وَبِضِدِّهِ أَحَقُّ، إذْ لَا رِوَايَةَ تُسَاعِدُهُ وَالدِّرَايَةُ تَنْفِيهِ لِأَنَّ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ فَهُوَ فَرْضٌ. وَحَيْثُ تَظَافَرَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَئِمَّتِنَا بِأَنَّ وَضْعَ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ سُنَّةٌ، وَلَمْ تَرِدْ رِوَايَةٌ بِأَنَّهُ فَرْضٌ تَعَيَّنَ وَضْعُ الْقَدَمَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا لِلْفَرْضِيَّةِ، ضَرُورَةُ التَّوَصُّلِ إلَى وَضْعِ الْجَبْهَةِ، وَهَذَا لَوْ لَمْ تَرِدْ بِهِ عَنْهُمْ رِوَايَةٌ كَيْفَ وَالرِّوَايَاتُ فِيهِ مُتَوَافِرَةٌ. اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِمُصَنِّفِهِ حَيْثُ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ سُنَّةٌ بِأَنَّ مَاهِيَّةَ السَّجْدَةِ حَاصِلَةٌ بِوَضْعِ الْوَجْهِ وَالْقَدَمَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ إلَخْ وَكَذَا مَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الزَّاهِدِيِّ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ مَا ذُكِرَ فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ، وَبِهِ جَزَمَ فِي السِّرَاجِ فَقَالَ: لَوْ رَفَعَهُمَا فِي حَالِ سُجُودِهِ لَا يُجْزِيهِ، وَلَوْ رَفَعَ إحْدَاهُمَا جَازَ. وَقَالَ فِي الْفَيْضِ: وَبِهِ يُفْتَى. هَذَا، وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَالْأَوْجَهُ عَلَى مِنْوَالِ مَا سَبَقَ هُوَ الْوُجُوبُ لِمَا سَبَقَ مِنْ الْحَدِيثِ اهـ أَيْ عَلَى مِنْوَالِ مَا حَقَّقَهُ شَيْخُهُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى وُجُوبِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ أَعْدَلُ الْأَقْوَال فَكَذَا هُنَا، فَيَكُونُ وَضْعُ الْقَدَمَيْنِ كَذَلِكَ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا فِي الْبَحْرِ والشُّرُنبُلالِيَّة. قُلْت: وَيُمْكِنُ حَمْلُ كُلٍّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ عَلَيْهِ بِحَمْلِ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ بِرَفْعِهِمَا عَلَى عَدَمِ الْحِلِّ لَا عَدَمِ الصِّحَّةِ، وَكَذَا نَفْيُ التُّمُرْتَاشِيِّ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ فَرْضِيَّةَ وَضْعِهِمَا لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ، وَتَصْرِيحُ الْقُدُورِيِّ بِالْفَرْضِيَّةِ يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ فَإِنَّ الْفَرْضَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاجِبِ تَأَمَّلْ، وَمَا مَرَّ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْبَحْثِ فِيهِ مَجَالٌ، لِأَنَّ وَضْعَ الْجَبْهَةِ لَا يَتَوَقَّفُ تَحَقُّقُهُ عَلَى وَضْعِ الْقَدَمَيْنِ، بَلْ تَوَقُّفُهُ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَالْيَدَيْنِ أَبْلَغُ، فَدَعْوَى فَرْضِيَّةِ وَضْعِ الْقَدَمَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَالرِّوَايَاتُ الْمُتَظَافِرَةُ إنَّمَا هِيَ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْفَرْضِيَّةِ، وَعَدَمُ الْجَوَازِ صَادِقٌ بِالْوُجُوبِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَلَمْ يُنْقَلْ التَّعْبِيرُ بِالْفَرْضِيَّةِ إلَّا عَنْ الْقُدُورِيِّ، وَلِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 وَلَوْ وَاحِدَةً نَحْوَ الْقِبْلَةِ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ، وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ (كَمَا يُكْرَهُ تَنْزِيهًا بِكَوْرِ عِمَامَتِهِ) إلَّا بِعُذْرٍ (وَإِنْ صَحَّ) عِنْدَنَا (بِشَرْطِ كَوْنِهِ عَلَى جَبْهَتِهِ) كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا كَمَا مَرَّ. (أَمَّا إذَا كَانَ) الْكَوْرُ (عَلَى رَأْسِهِ فَقَطْ وَسَجَدَ عَلَيْهِ مُقْتَصِرًا) أَيْ وَلَمْ تُصِبْ الْأَرْضُ جَبْهَتَهُ وَلَا أَنْفَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ (لَا) يَصِحُّ لِعَدَمِ السُّجُودِ عَلَى مَحَلِّهِ وَبِشَرْطِ طَهَارَةِ الْمَكَانِ وَأَنْ يَجِدَ حَجْمَ الْأَرْضِ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ:   [رد المحتار] قَالَ فِي الْبَحْرِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ وَضْعَهُمَا فَرْضٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ اعْتِمَادُ الْفَرْضِيَّةِ وَالْأَرْجَحُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ وَالْقَوَاعِدُ عَدَمُ الْفَرْضِيَّةِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَالدُّرَرِ: إنَّهُ الْحَقُّ. ثُمَّ الْأَوْجَهُ حَمْلُ عَدَمِ الْفَرْضِيَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَاحِدَةً) صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَيْضِ (قَوْلُهُ نَحْوُ الْقِبْلَةِ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَالْمُرَادُ بِوَضْعِ الْقَدَمِ هُنَا وَضْعُ الْأَصَابِعِ أَوْ جُزْءٍ مِنْ الْقَدَمِ وَإِنْ وَضَعَ أُصْبُعًا وَاحِدَةً أَوْ ظَهْرَ الْقَدَمِ بِلَا أَصَابِعَ، إنْ وَضَعَ مَعَ ذَلِكَ إحْدَى قَدَمَيْهِ صَحَّ وَإِلَّا لَا. اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ: وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِوَضْعِ الْأَصَابِعِ تَوْجِيهُهَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ لِيَكُونَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَهُوَ وَضْعُ ظَهْرِ الْقَدَمِ، وَقَدْ جَعَلُوهُ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ، وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ التَّنَبُّهُ لَهُ، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ عَنْهُ غَافِلُونَ. اهـ. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ قَالَ فِي الْفَيْضِ: وَلَوْ وَضَعَ ظَهْرَ الْقَدَمِ دُونَ الْأَصَابِعِ، بِأَنْ كَانَ الْمَكَانُ ضَيِّقًا أَوْ وَضَعَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى لِضِيقِهِ جَازَ كَمَا لَوْ قَامَ عَلَى قَدَمٍ وَاحِدٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَكَانُ ضَيِّقًا يُكْرَهُ. اهـ. فَهَذَا صَرِيحٌ فِي اعْتِبَارِ وَضْعِ ظَاهِرِ الْقَدَمِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْكَرَاهَةِ بِلَا عُذْرٍ، لَكِنْ رَأَيْت فِي الْخُلَاصَةِ إنْ وَضَعَ إحْدَاهُمَا بِإِنْ الشَّرْطِيَّةِ بَدَلَ أَوْ الْعَاطِفَةِ. اهـ. لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ صَرِيحًا فِي اشْتِرَاطِ تَوْجِيهِ الْأَصَابِعِ، بَلْ الْمُصَرَّحُ بِهِ أَنَّ تَوْجِيهَهَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ سُنَّةٌ يُكْرَهُ تَرْكُهَا، كَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ عِنْدَ تَعَرُّضِ الْمُصَنِّفِ لَهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ تَنْزِيهًا) لَمَّا كَانَ فِي الْمَتْنِ اشْتِبَاهٌ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْكَرَاهَةَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِهِمَا. وَفِي السُّجُودِ عَلَى الْكَوْرِ وَاحِدَةً، وَهِيَ فِي الْأُولَى تَحْرِيمِيَّةٌ وَفِي الثَّانِيَةِ تَنْزِيهِيَّةٌ، أَشَارَ إلَى تَوْضِيحِهِ، وَقَدْ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ ط (قَوْلُهُ بِكَوْرِ) الْبَاءُ بِمَعْنَى عَلَى كَمَا فِي أَبِي السُّعُودِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. وَاَلَّذِي فِي الشبراملسي عَلَى الْمَوَاهِبِ عَنْ عِصَامٍ أَنَّهُ بِالضَّمِّ، وَبِالْفَتْحِ شَاذٌّ، وَهُوَ دَوْرُ الْعِمَامَةِ ط (قَوْلُهُ بِشَرْطِ كَوْنِهِ) أَيْ كَوْنِ الْكَوْرِ الَّذِي سَجَدَ عَلَيْهِ عَلَى الْجَبْهَةِ لَا فَوْقَهَا. وَلَمَّا كَانَ الْكَوْرُ مُفْرَدًا مُضَافًا يُعَمُّ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْعِمَامَةُ ذَاتَ أَكْوَارٍ: كَوْرٌ مِنْهَا عَلَى الْجَبْهَةِ، وَكَوْرٌ مِنْهَا أَرْفَعُ مِنْهُ عَلَى الرَّأْسِ، وَهَكَذَا إنَّهُ يَصِحُّ السُّجُودُ عَلَى أَيِّ كَوْرٍ مِنْهَا نَبَّهَ عَلَى دَفْعِهِ بِقَوْلِهِ بِشَرْطِ إلَخْ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَيِّ دَوْرٍ مِنْ أَدْوَارِهَا نَزَلَ عَلَى جَبْهَتِهِ، لَا جُمْلَتِهَا كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ. اهـ.، فَقَوْلُهُ لَا جُمْلَتَهَا مَعْنَاهُ مَا قُلْنَاهُ. وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى الْجَبْهَةِ أَكْثَرُ مِنْ كَوْرٍ وَاحِدٍ لَا يَصِحُّ السُّجُودُ عَلَيْهِ حَتَّى يُعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ وِجْدَانُ الْحَجْمِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِكَوْرٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَوَهَّمُهُ أَحَدٌ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ مَا قُلْنَاهُ آخِرَ عِبَارَتِهِ حَيْثُ قَالَ قَدْ نَبَّهْنَا بِمَا ذَكَرْنَا تَنْبِيهًا حَسَنًا، وَهُوَ أَنَّ صِحَّةَ السُّجُودِ عَلَى الْكَوْرِ إذَا كَانَ عَلَى الْجَبْهَةِ أَوْ بَعْضِهَا، أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى الرَّأْسِ فَقَطْ وَسَجَدَ عَلَيْهِ وَلَمْ تُصِبْ جَبْهَتُهُ الْأَرْضَ عَلَى الْقَوْلِ بِتَعْيِينِهَا وَلَا أَنْفُهُ عَلَى مُقَابِلِهِ لَا تَصِحُّ. اهـ. فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ قَوْلُهُ وَقِيلَ فَرْضٌ كَبَعْضِهَا وَإِنْ قَلَّ ح (قَوْلُهُ أَيْ وَلَمْ تُصِبْ) الْأَوْلَى حَذْفُ الْوَاوِ لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ مُقْتَصِرًا ط (قَوْلُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ) أَيْ بِجَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَنْفِ (قَوْلُهُ عَلَى مَحَلِّهِ) أَيْ مَحَلِّ السُّجُودِ الَّذِي هُوَ الْجَبْهَةُ وَالْأَنْفُ (قَوْلُهُ وَبِشَرْطٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِشَرْطٍ (قَوْلُهُ وَأَنْ يَجِدَ حَجْمَ الْأَرْضِ) تَفْسِيرُهُ أَنَّ السَّاجِدَ لَوْ بَالَغَ لَا يَتَسَفَّلُ رَأْسَهُ أَبْلَغَ مِنْ ذَلِكَ، فَصَحَّ عَلَى طُنْفُسَةٍ وَحَصِيرٍ وَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَسَرِيرٍ وَعَجَلَةٍ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْأَرْضِ لَا عَلَى ظَهْرِ حَيَوَانٍ كَبِسَاطٍ مَشْدُودٍ بَيْنَ أَشْجَارٍ، وَلَا عَلَى أُرْزٍ أَوْ ذُرَةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 (وَلَوْ سَجَدَ عَلَى كُمِّهِ أَوْ فَاضِلِ ثَوْبِهِ صَحَّ لَوْ الْمَكَانُ) الْمَبْسُوطُ عَلَيْهِ ذَلِكَ (طَاهِرًا) وَإِلَّا لَا، مَا لَمْ يُعِدْ سُجُودَهُ عَلَى طَاهِرٍ فَيَصِحُّ اتِّفَاقًا وَكَذَا حُكْمُ كُلِّ مُتَّصِلٍ وَلَوْ بَعْضَهُ   [رد المحتار] إلَّا فِي جَوَالِقَ أَوْ ثَلْجٍ إنْ لَمْ يُلَبِّدْهُ وَكَانَ يَغِيبُ فِيهِ وَجْهُهُ وَلَا يَجِدُ حَجْمُهُ، أَوْ حَشِيشٍ إلَّا إنْ وَجَدَ حَجْمَهُ، وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ الْجَوَازُ عَلَى الطُّرَّاحَةِ الْقُطْنِ، فَإِنْ وَجَدَ الْحَجْمَ جَازَ وَإِلَّا فَلَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ) أَيْ عَنْ اشْتِرَاطِ وُجُودِ الْحَجْمِ فِي السُّجُودِ عَلَى نَحْوِ الْكَوْرِ وَالطَّرَّاحَةِ، كَمَا يَغْفُلُونَ عَنْ اشْتِرَاطِ السُّجُودِ عَلَى الْجَبْهَةِ فِي كَوْرِ الْعِمَامَةِ. (قَوْلُهُ صَحَّ) أَيْ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْكُمِّ تَبَعًا لِلْمُصَلِّي يَقْتَضِي عَدَمَ اعْتِبَارِهِ حَائِلًا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ سَجَدَ بِلَا حَائِلٍ. وَلَا يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِكُمِّهِ كَمَا لَا يَجُوزُ بِكَفِّهِ (قَوْلُهُ الْمَبْسُوطُ عَلَيْهِ ذَلِكَ) الْإِشَارَةُ إلَى الْكُمِّ أَوْ فَاضِلِ الثَّوْبِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَاهِرًا فَلَا يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ الْمَرْغِينَانِيُّ صَحَّحَ الْجَوَازَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَيَصِحُّ اتِّفَاقًا) أَيْ إنْ أَعَادَ سُجُودَهُ عَلَى طَاهِرٍ صَحَّ اتِّفَاقًا، وَلَمْ أَرَ نَقْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِخُصُوصِهَا، وَإِنَّمَا رَأَيْت فِي السِّرَاجِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا حَيْثُ قَالَ: إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ؛ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَجُوزُ لِأَنَّ السُّجُودَ رُكْنٌ كَالْقِيَامِ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لِأَنَّ وَضْعَ الْجَبْهَةِ عِنْدَهُمْ فَرْضٌ وَالْجَبْهَةُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، فَإِذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَجُزْ، وَإِنْ أَعَادَ تِلْكَ السَّجْدَةَ عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ جَازَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ. وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِاسْتِئْنَافِ الصَّلَاةِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ صَلَاتَهُ جَائِزَةٌ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ فِي السُّجُودِ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى طَرَفِ أَنْفِهِ وَذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ اهـ. فَقَوْلُهُ وَإِنْ أَعَادَ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ هَذَا فِي السُّجُودِ عَلَى النَّجِسِ بِلَا حَائِلٍ، لَكِنْ فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا مَا يُخَالِفُهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَوْ سَجَدَ عَلَى شَيْءٍ نَجِسٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ أَعَادَ سُجُودَهُ عَلَى طَاهِرٍ أَوْ لَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ أَعَادَهُ عَلَى طَاهِرٍ لَا تَفْسُدُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ بِالسُّجُودِ عَلَى النَّجِسِ تَفْسُدُ السَّجْدَةُ لَا الصَّلَاةُ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ لِفَسَادِ جُزْئِهَا وَكَوْنُهُ لَا تُجْزِئُ. اهـ. مُلَخَّصًا. وَفِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ: لَا يَصِحُّ لَوْ أَعَادَهُ عَلَى طَاهِرٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْجَوَازُ. اهـ. وَالْخِلَافُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَجْمَعِ وَالْمَنْظُومَةِ وَالْكَافِي وَالدُّرَرِ وَالْمَوَاهِبِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَا فِي بَحْثِ النَّهْيِ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ كَالْمَنَارِ وَالتَّحْرِيرِ وَأُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ فَقَدْ عَزَاهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ إلَى شَرْحِ الْقُدُورِيِّ عَلَى مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ، وَعَزَاهُ فِي الْحِلْيَةِ إلَى الزَّاهِدِيِّ وَالْمُحِيطِ عَنْ النَّوَادِرِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْوَضْعَ لَيْسَ بِاسْتِعْمَالٍ لِلنَّجَاسَةِ حَقِيقَةً، فَانْحَطَّتْ دَرَجَتُهُ عَنْ الْحَمْلِ فَلَمْ يَفْسُدْ لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ مُعْتَدًّا بِهِ. اهـ. لَكِنْ يَكْفِينَا كَوْنُ مَا فِي السِّرَاجِ رِوَايَةَ النَّوَادِرِ، وَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْإِمْدَادِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَدَائِعِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ بِلَا نَقْلِ خِلَافٍ مَنْ اشْتِرَاطِ طَهَارَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ، فَلَوْ وَقَفَ ابْتِدَاءً عَلَى مَكَان نَجِسٍ لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: إذَا وَقَفَ الْمُصَلِّي عَلَى مَكَان طَاهِرٍ ثُمَّ تَحَوَّلَ إلَى مَكَان نَجِسٍ ثُمَّ عَادَ إلَى الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَمْكُثْ عَلَى النَّجَاسَةِ مِقْدَارَ مَا يُمْكِنُهُ فِيهِ أَدَاءُ أَدْنَى رُكْنٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ السُّجُودُ أَوْ الْقِيَامُ عَلَى النَّجَاسَةِ بِلَا حَائِلٍ مُنْفَصِلٍ. وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ عَدَمَ اعْتِبَارِهِمْ الْحَائِلَ الْمُتَّصِلَ حَائِلًا لِتَبَعِيَّتِهِ لِلْمُصَلِّي، وَلِذَا لَوْ قَامَ عَلَى النَّجَاسَةِ وَهُوَ لَابِسٌ خُفًّا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَكَذَلِكَ السُّجُودُ وَلَوْ اُعْتُبِرَ حَائِلًا لَصَحَّتْ سَجْدَتُهُ بِدُونِ إعَادَتِهَا عَلَى طَاهِرٍ؛ فَعُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فِي السِّرَاجِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ مَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَخِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَكَذَا حُكْمُ كُلِّ مُتَّصِلٍ) أَيْ يَصِحُّ السُّجُودُ عَلَيْهِ بِشَرْطِ طَهَارَةِ مَا تَحْتَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْضَهُ إلَخْ) كَذَا أَطْلَقْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 كَكَفِّهِ فِي الْأَصَحِّ وَفَخِذِهِ لَوْ بِعُذْرٍ لَا رُكْبَتِهِ، لَكِنْ صَحَّحَ الْحَلَبِيُّ أَنَّهَا كَفَخِذِهِ (وَكُرِهَ) بَسْطُ ذَلِكَ (إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ تُرَابٌ أَوْ حَصَاةٌ) أَوْ حَرٌّ أَوْ بَرْدٌ لِأَنَّهُ تَرَفُّعٌ (وَإِلَّا) يَكُنْ تَرَفُّعًا، فَإِذَا لَمْ يَخَفْ أَذًى (لَا) بَأْسَ بِهِ فَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا، وَإِنْ خَافَهُ كَانَ مُبَاحًا. وَفِي الزَّيْلَعِيِّ: إنْ لِدَفْعِ تُرَابٍ عَنْ وَجْهِهِ كُرِهَ، وَعَنْ عِمَامَتِهِ لَا، وَصَحَّحَ الْحَلَبِيُّ عَدَمَ كَرَاهَةِ بَسْطِ الْخِرْقَةِ وَلَوْ بَسَطَ الْقَبَاءَ جَعَلَ كَتِفَهُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ وَسَجَدَ عَلَى ذَيْلِهِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلتَّوَاضُعِ (وَإِنْ سَجَدَ لِلزِّحَامِ عَلَى ظَهْرِ) هَلْ هُوَ قَيْدٌ احْتِرَازِيٌّ لَمْ أَرَهُ (مُصَلٍّ صَلَاتَهُ) الَّتِي هُوَ فِيهَا (جَازَ) لِلضَّرُورَةِ (وَإِنْ لَمْ يُصَلِّهَا) بَلْ صَلَّى غَيْرَهَا أَوْ لَمْ يُصَلِّ أَصْلًا   [رد المحتار] الصِّحَّةَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ. وَزَادَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْمَأْثُورِ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: يَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْفَسَادِ عَلَى الْكَفِّ وَالْفَخِذِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَمَا فِي الْقُنْيَةِ هُوَ الْوَسَطُ أَيْ وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا (قَوْلُهُ وَفَخِذُهُ لَوْ بِعُذْرٍ) أَيْ بِزَحْمَةٍ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ بِالْعُذْرِ الشَّرْعِيِّ الْمُجَوِّزِ لِلْإِيمَاءِ بِهِ بِاعْتِبَارِ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنْ الْإِيمَاءِ بِهِ، كَمَا قُلْنَا فِيمَا لَوْ رَفَعَ إلَى وَجْهِهِ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ وَخَفَضَ رَأْسَهُ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الزِّحَامَ لَيْسَ بِعُذْرٍ مُجَوِّزٍ لِلْإِيمَاءِ بِالسُّجُودِ. اهـ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُجَوِّزٌ لَهُ، فَإِنَّ مَا يَأْتِي مِنْ تَجْوِيرِهِ عَلَى ظَهْرِ مُصَلٍّ صَلَاتَهُ يُفِيدُهُ تَأَمَّلْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ الْإِمْكَانِ، وَإِلَّا فَالسُّجُودُ عَلَى الْفَخِذِ غَيْرُ مُمْكِنٍ عَادَةً (قَوْلُهُ لَا رُكْبَتِهِ) أَيْ بِعُذْرٍ أَوْ بِدُونِهِ، لَكِنْ يَكْفِيهِ الْإِيمَاءُ لَوْ بِعُذْرٍ زَيْلَعِيٌّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ إنَّهَا كَفَخِذِهِ) أَيْ فَيَصِحُّ بِعُذْرٍ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ فِي السُّجُودِ وَضْعُ أَكْثَرِ الْجَبْهَةِ أَوْ بَعْضِهَا وَإِنْ قَلَّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرُّكْبَةَ لَا تَسْتَوْعِبُ أَكْثَرَ الْجَبْهَةِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْأَصَحَّ هُوَ الثَّانِي فَلِذَا صَحَّحَ الْحَلَبِيُّ الْجَوَازَ ح (قَوْلُهُ وَكُرِهَ بَسْطُ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحَائِلِ الْمُتَّصِلِ بِهِ، أَمَّا الْمُنْفَصِلُ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَرَفُّعٌ) أَيْ تَكَبُّرٌ فَيُكْرَهُ تَحْرِيمًا إنْ قَصَدَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَإِلَّا يَكُنْ تَرَفُّعًا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصَدَ بِذَلِكَ تَرَفُّعًا، وَكَانَ يَنْبَغِي التَّصْرِيحُ فِيمَا قَبْلَهُ بِقَصْدِ التَّرَفُّعِ حَتَّى تَظْهَرَ الْمُقَابَلَةُ، ثُمَّ مُرَادُ الشَّارِحِ بِهَذَا وَمَا بَعْدَهُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ عِبَارَاتِهِمْ، فَفِي بَعْضِهَا يُكْرَهُ، وَفِي بَعْضِهَا لَا بَأْسَ بِهِ، وَفِي بَعْضِهَا لَا يُكْرَهُ فَأَشَارَ إلَى حَمْلِ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى حَالَةٍ كَمَا وَفَّقَ بِهِ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْحِلْيَةِ. (قَوْلُهُ كُرِهَ) أَيْ لِأَنَّهُ دَلِيلُ قَصْدِ التَّرَفُّعِ، بِخِلَافِهِ عَنْ الْعِمَامَةِ فَإِنَّهُ لِصِيَانَةِ الْمَالِ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَ الْحَلَبِيُّ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ وَأَمَّا عَلَى الْخِرْقَةِ وَنَحْوِهَا فَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ تُحْمَلُ لَهُ الْخِمْرَةُ فَيَسْجُدُ عَلَيْهَا» وَهِيَ حَصِيرٌ صَغِيرَةٌ مِنْ الْخُوصِ؟ وَيُحْكَى عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ سَجَدَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى الْخِرْقَةِ فَنَهَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ الْإِمَامُ مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ فَقَالَ: مِنْ خُوَارِزْمَ، فَقَالَ الْإِمَامُ: جَاءَ التَّكْبِيرُ مِنْ وَرَائِي: أَيْ تَتَعَلَّمُونَ مِنَّا ثُمَّ تُعَلِّمُونَا، هَلْ تُصَلُّونَ عَلَى الْبَوَارِي فِي بِلَادِكُمْ؟ قَالَ نَعَمْ، فَقَالَ: تُجَوِّزُ الصَّلَاةَ عَلَى الْحَشِيشِ وَلَا تُجَوِّزُهَا عَلَى الْخِرْقَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي السُّجُودِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا فُرِشَ عَلَى الْأَرْضِ مِمَّا لَا يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَةِ الْمُصَلِّي بِالْإِجْمَاعِ إلَخْ. اهـ. وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدَنَا السُّجُودُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى مَا تُنْبِتُهُ كَمَا فِي نُورِ الْإِيضَاحِ وَمُنْيَةِ الْمُصَلِّي (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلتَّوَاضُعِ) أَيْ لِقُرْبِهِ مِنْ الْأَرْضِ. وَعُلِّلَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا بِأَنَّ الذَّيْلَ فِي مَسَاقِطِ الزِّبْلِ وَطَهَارَةُ مَوْضِعِ الْقَدَمَيْنِ فِي الْقِيَامِ شَرْطٌ وِفَاقًا، وَمَوْضِعُ السَّجْدَةِ مُخْتَلِفٌ لِأَنَّهَا تَتَأَتَّى بِالْأَنْفِ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ الدِّرْهَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ أَرَهُ) أَصْلُ التَّوَقُّفِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الشَّارِطِ أَنْ يَكُونَ السُّجُودُ عَلَى ظَهْرِ مُصَلٍّ صَلَاتَهُ، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 أَوْ كَانَ فُرْجَةً (لَا) يَصِحُّ، وَشَرَطَ فِي الْكِفَايَةِ كَوْنَ رُكْبَتَيْ السَّاجِدِ عَلَى الْأَرْضِ. وَشَرَطَ فِي الْمُجْتَبَى سُجُودَ الْمَسْجُودِ عَلَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ فَالشُّرُوطُ خَمْسَةٌ، لَكِنْ نَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ الْجَوَازَ وَلَوْ الثَّانِي عَلَى ظَهْرِ الثَّالِثِ وَعَلَى ظَهْرِ غَيْرِ الْمُصَلِّي بَلْ عَلَى ظَهْرِ كُلِّ مَأْكُولٍ بَلْ عَلَى غَيْرِ الظَّهْرِ كَالْفَخِذَيْنِ لِلْعُذْرِ (وَلَوْ كَانَ مَوْضِعُ سُجُودِهِ أَرْفَعَ مِنْ مَوْضِعِ الْقَدَمَيْنِ بِمِقْدَارِ لَبِنَتَيْنِ مَنْصُوبَتَيْنِ جَازَ) سُجُودُهُ (وَإِنْ أَكْثَرَ لَا) إلَّا لِزَحْمَةٍ كَمَا مَرَّ، وَالْمُرَادُ لَبِنَةُ بُخَارَى، وَهِيَ رُبْعُ ذِرَاعٍ عَرْضُ سِتَّةِ أَصَابِعَ، فَمِقْدَارُ ارْتِفَاعِهِمَا نِصْفُ ذِرَاعٍ ثِنْتَا عَشْرَةَ أُصْبُعًا، ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ (وَيُظْهِرُ عَضُدَيْهِ) فِي غَيْرِ زَحْمَةٍ (وَيُبَاعِدُ بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ) لِيَظْهَرَ كُلُّ عُضْوٍ بِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ الصُّفُوفِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ اتِّحَادُهُمْ حَتَّى كَأَنَّهُمْ جَسَدٌ وَاحِدٌ (وَيَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ، وَيُكْرَهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ) ذَلِكَ،   [رد المحتار] فِي الْمَتْنِ كَالْوِقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَالْكَمَالِ وَابْنِ الْكَمَالِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَاقِعَاتِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَفَاهِيمَ الْكُتُبِ مُعْتَبَرَةٌ وَأَمَّا مَا سَيَأْتِي عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الظَّهْرِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُشَارَكَةِ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الظَّهْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَشَرَطَ فِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) عَبَّرَ عَنْهُ فِي الْمِعْرَاجِ بِقِيلِ (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْمُجْتَبَى. وَعِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ: هَذَا إذَا كَانَ رُكْبَتَاهُ عَلَى الْأَرْضِ وَإِلَّا فَلَا يُجْزِيهِ وَقِيلَ لَا يُجْزِيهِ وَإِنْ كَانَ سُجُودُ الثَّانِي عَلَى ظَهْرِ الثَّالِثِ كَمَا فِي جُمُعَةِ الْكِفَايَةِ. وَفِي الْكَلَامِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ التَّأْخِيرُ إلَى أَنْ يَزُولَ الزِّحَامُ كَمَا فِي الْجَلَّابِيِّ، وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُ الظَّهْرِ، لَكِنْ فِي الزَّاهِدِيِّ: يَجُوزُ عَلَى الْفَخِذَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ بِعُذْرٍ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَعَلَى الْيَدَيْنِ وَالْكُمَّيْنِ مُطْلَقًا، وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى ظَهْرِ غَيْرِ الْمُصَلِّي كَمَا قَالَ الْحَسَنُ، لَكِنْ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَجُوزُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي تَيَمُّمِ الزَّاهِدِيِّ: يَجُوزُ عَلَى ظَهْرِ كُلِّ مَأْكُولٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى ظَهْرِ الْمُصَلِّي) أَيْ بِأَنْ سَجَدَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ أَوْ عَلَى عَقِبِ رِجْلِهِ، لَكِنْ لَيْسَ هَذَا مَوْجُودًا فِي عِبَارَةِ الْقُهُسْتَانِيِّ كَمَا عَلِمْته (قَوْلُهُ بَلْ عَلَى غَيْرِ الظَّهْرِ كَالْفَخِذَيْنِ) أَيْ فَخِذَيْ نَفْسِهِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ إلَخْ) الْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي عَامَّةِ الْمُتَدَاوَلَاتِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْحِلْيَةِ، وَعَزَاهَا فِي الْمِعْرَاجِ إلَى مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، لِأَنَّ تِلْكَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ هَذِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ مَنْصُوبَتَيْنِ) أَيْ مَوْضُوعَةً إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى (قَوْلُهُ جَازَ سُجُودُهُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمَأْثُورِ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي السُّجُودِ عَلَى الظَّهْرِ فَإِنَّهُ أَرْفَعُ مِنْ نِصْفِ ذِرَاعٍ ح (قَوْلُهُ عَرْضُهُ سِتَّةُ أَصَابِعَ) أَيْ مُقَدَّرٌ بِعَرْضِ سِتَّةِ أَصَابِعَ مَضْمُومٌ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ لَا بِطُولِهَا (قَوْلُهُ ثِنْتَا عَشَرَةَ أُصْبُعًا) بَدَلٌ مِنْ نِصْفِ ذِرَاعٍ ح، فَالْمُرَادُ بِالذِّرَاعِ ذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ وَهُوَ ذِرَاعُ الْيَدِ شِبْرَانِ تَقْرِيبًا كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي بَحْثِ الْمِيَاهِ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ) أَيْ ذَكَرَ تَحْدِيدَ نِصْفِ الذِّرَاعِ بِذَلِكَ. وَقَدْ تَوَقَّفَ فِي الْحِلْيَةِ فِي مِقْدَارِهِ وَفِي وَجْهِ التَّحْدِيدِ بِهِ فَقَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ زَحْمَةٍ) جَعَلَهُ قَيْدًا لِإِظْهَارِ الْعَضُدَيْنِ فَقَطْ تَبَعًا لِلْمُجْتَبَى قَالَ فِي الْبَحْرِ أَخْذًا مِنْ الْحِلْيَةِ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الصَّفِّ لَا يُجَافِي بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ لِأَنَّ الْإِيذَاءَ لَا يَحْصُلُ مِنْ مُجَرَّدِ الْمُحَاذَاةِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ إظْهَارِ الْعَضُدَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ) كَذَا فِي التَّجْنِيسِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي زَادِ الْفَقِيرِ اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 كَمَا يُكْرَهُ لَوْ وَضَعَ قَدَمًا وَرَفَعَ أُخْرَى بِلَا عُذْرٍ (وَيُسَبِّحُ فِيهِ ثَلَاثًا) كَمَا مَرَّ (وَالْمَرْأَةُ تَنْخَفِضُ) فَلَا تُبْدِي عَضُدَيْهَا (وَتُلْصِقُ بَطْنَهَا بِفَخِذَيْهَا) لِأَنَّهُ أَسْتَرُ، وَحَرَّرْنَا فِي الْخَزَائِنِ أَنَّهَا تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ.   [رد المحتار] قُلْت: وَنَقَلَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ وَالْحَاوِي، وَمِثْلُهُ فِي الضِّيَاءِ الْمَعْنَوِيِّ وَالْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْجَلَّابِيِّ. وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ وَمِنْ سُنَنِ السُّجُودِ أَنْ يُوَجِّهَ أَصَابِعَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ، لِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ» . اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ فِي وَضْعِ الْقَدَمِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ: الْفَرْضِيَّةُ وَالْوُجُوبُ، وَالسُّنِّيَّةُ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِوَضْعِ الْقَدَمِ وَضْعُ أَصَابِعِهَا وَلَوْ وَاحِدَةً، وَأَنَّ الْمَشْهُورَ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ الرِّوَايَةُ الْأُولَى، وَأَنَّ ابْنَ أَمِيرِ حَاجٍّ رَجَحَ فِي الْحِلْيَةِ الثَّانِيَةِ، وَصَرَّحَ هُنَا بِأَنَّ تَوْجِيهَ الْأَصَابِعِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ سُنَّةٌ، فَثَبَتَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ السَّابِقَ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ لَا فِي التَّوْجِيهِ، وَأَنَّ التَّوْجِيهَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا قَوْلًا وَاحِدًا، خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ تَبَعًا لِشَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ أَنَّ الْمُحَقِّقَ ابْنَ الْهُمَامِ قَالَ فِي زَادِ الْفَقِيرِ وَمِنْهَا: أَيْ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ تَوْجِيهُ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَوَضْعُ الرُّكْبَتَيْنِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْقَدَمَيْنِ. اهـ. فَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ حَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّ تَوْجِيهَ الْأَصَابِعِ سُنَّةٌ، وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي أَصْلِ وَضْعِ الْقَدَمَيْنِ: أَيْ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَوْ فَرْضٌ أَوْ وَاجِبٌ؟ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. [تَنْبِيهٌ] تَقَدَّمَ فِي الرُّكُوعِ أَنَّهُ يُسَنُّ إلْصَاقُ الْكَعْبَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ فِي السُّجُودِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ رُبَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ السُّجُودَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَذْكُرُوا تَفْرِيجَهُمَا بَعْدَ الرُّكُوعِ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُمَا هُنَا كَذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ مِنْ أَقَلُّهُ ثَلَاثٌ، وَأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ أَوْ نَقَصَهُ كُرِهَ تَنْزِيهًا، وَقَدَّمْنَا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ فَلَا تُبْدِي عَضُدَيْهَا) كَتَبَ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ أَنَّ هَذَا رَدٌّ عَلَى الْحَلَبِيِّ، حَيْثُ جَعَلَ الثَّانِي تَفْسِيرًا لِلِانْخِفَاضِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَطْفِ الْمُغَايَرَةُ تَنَبَّهْ اهـ (قَوْلُهُ وَحَرَّرْنَا فِي الْخَزَائِنِ إلَخْ) وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ تَنْبِيهٌ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهَا تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي عَشْرٍ، وَقَدْ زِدْت أَكْثَرَ مِنْ ضِعْفِهَا: تَرْفَعُ يَدَيْهَا حِذَاءَ مَنْكِبَيْهَا، وَلَا تُخْرِجُ يَدَيْهَا مِنْ كُمَّيْهَا، وَتَضَعُ الْكَفَّ عَلَى الْكَفِّ تَحْتَ ثَدْيِهَا، وَتَنْحَنِي فِي الرُّكُوعِ قَلِيلًا، وَلَا تَعْقِدُ وَلَا تُفَرِّجُ فِيهِ أَصَابِعَهَا بَلْ تَضُمُّهَا وَتَضَعُ يَدَيْهَا عَلَى رُكْبَتَيْهَا، وَلَا تَحْنِي رُكْبَتَيْهَا، وَتَنْضَمُّ فِي رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا، وَتَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْهَا، وَتَتَوَرَّكُ فِي التَّشَهُّدِ وَتَضَعُ فِيهِ يَدَيْهَا تَبْلُغُ رُءُوسُ أَصَابِعِهَا رُكْبَتَيْهَا، وَتَضُمُّ فِيهِ أَصَابِعَهَا، وَإِذَا نَابَهَا شَيْءٌ فِي صَلَاتِهَا تُصَفِّقُ وَلَا تُسَبِّحُ، وَلَا تَؤُمُّ الرَّجُلَ، وَتُكْرَهُ جَمَاعَتُهُنَّ، وَيَقِفُ الْإِمَامُ وَسَطَهُنَّ، وَيُكْرَهُ حُضُورُهَا الْجَمَاعَةَ. وَتُؤَخَّرُ مَعَ الرِّجَالِ، وَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهَا، لَكِنْ تَنْعَقِدُ بِهَا، وَلَا عِيدَ، وَلَا تَكْبِيرَ تَشْرِيقٍ، وَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ تُسْفِرَ بِالْفَجْرِ، وَلَا تَجْهَرُ فِي الْجَهْرِيَّةِ، بَلْ لَوْ قِيلَ بِالْفَسَادِ بِجَهْرِهَا لَأَمْكَنَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ. وَأَفَادَهُ الْحَدَّادِيُّ أَنَّ الْأَمَةَ كَالْحُرَّةِ إلَّا فِي الرَّفْعِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهَا كَالرَّجُلِ. اهـ. أَقُولُ: وَقَوْلُهُ وَلَا تَحْنِي رُكْبَتَيْهَا صَوَابُهُ وَتَحْنِي بِدُونِ لَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ فِي الرُّكُوعِ وَيُسَنُّ أَنْ يُلْصِقَ كَعْبَيْهِ، وَقَوْلُهُ تَبْلُغُ رُءُوسُ أَصَابِعِهَا رُكْبَتَيْهَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الرَّجُلَ يَضَعُ يَدَيْهِ فِي التَّشَهُّدِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَقَوْلُهُ لَكِنْ تَنْعَقِدُ بِهَا، صَوَابُهُ لَكِنْ تَصِحُّ مِنْهَا إذْ لَا عِبْرَةَ بِالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي جَمَاعَةِ الْجُمُعَةِ وَالشَّرْطُ فِيهِمْ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا عَنْ الْمِعْرَاجِ عَنْ شَرْحِ الْوَجِيزِ أَنَّ الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي سِتٍّ وَعِشْرِينَ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهَا لَا تَنْصِبُ أَصَابِعَ الْقَدَمَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا وَيَكْفِي فِيهِ) مَعَ الْكَرَاهَةِ (أَدْنَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّفْعِ) كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ لِتَعَلُّقِ الرُّكْنِيَّةِ بِالْأَدْنَى كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ، بَلْ لَوْ سَجَدَ عَلَى لَوْحٍ فَنَزَعَ فَسَجَدَ بِلَا رَفْعٍ أَصْلًا صَحَّ وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ صَحَّ وَإِلَّا لَا وَرَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ والشُّرُنبُلالِيَّة ثُمَّ السَّجْدَةُ الصَّلَاتِيَّةِ تَتِمُّ بِالرَّفْعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَالتِّلَاوِيَّةِ اتِّفَاقًا مَجْمَعٌ (وَيَجْلِسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مُطْمَئِنًّا) لِمَا مَرَّ، وَيَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ كَالتَّشَهُّدِ مُنْيَةُ الْمُصَلِّي (وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ، وَكَذَا) لَيْسَ (بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ) دُعَاءٌ، وَكَذَا لَا يَأْتِي فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ بِغَيْرِ التَّسْبِيحِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَمَا وَرَدَ.   [رد المحتار] فِي الْمُجْتَبَى، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الصَّلَاةِ، وَإِلَّا فَالْمَرْأَةُ تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ مَذْكُورَةٍ فِي إحْكَامَاتِ الْأَشْبَاهِ فَرَاجِعْهَا. (قَوْلُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ) أَيْ أَشَدُّ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ بَلْ لَوْ سَجَدَ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ هُنَا التَّفْرِيعُ لِأَنَّ هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الرَّفْعَ سُنَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ فَرْضًا لِتَحَقُّقِهَا بِدُونِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَكَذَا يَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ الَّذِي رَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْحِلْيَةِ، بِخِلَافِ الْقَوْلِ بِالْفَرْضِيَّةِ الَّذِي صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ صَحَّ وَإِلَّا لَا) عَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ يُعْطَى حُكْمَهُ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَزَائِنِ: وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ عَنْ الْإِمَامِ. وَفِي النَّهْرِ أَنَّهُ الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْبَاقَانِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ تُتِمُّ بِالرَّفْعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِالْوَضْعِ؛ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ أَحْدَثَ وَهُوَ سَاجِدٌ فَذَهَبَ وَتَوَضَّأَ يُعِيدُ السَّجْدَةَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَفِيمَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ عَلَى الرَّابِعَةِ وَأَحْدَثَ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى مِنْ الْخَامِسَةِ تَوَضَّأَ وَقَعَدَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَبَطَلَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ح. أَقُولُ: وَانْظُرْ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ الْمَذْكُورَ مَعَ قَوْلِهِ بِفَرْضِيَّةِ الْقَعْدَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالطُّمَأْنِينَةِ فِيهَا فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ فَرْضِيَّةَ الرَّفْعِ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الرَّفْعَ الْمَذْكُورَ فَرْضٌ مُسْتَقِلٌّ عِنْدَهُ لَا مُتَمِّمٌ لِلسَّجْدَةِ، كَذَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ كَالتِّلَاوِيَّةِ) حَتَّى لَوْ تَكَلَّمَ فِيهَا أَوْ أَحْدَثَ فَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا ابْنُ مَلَكٍ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ مُطْمَئِنًّا) أَيْ بِقَدْرِ تَسْبِيحَةٍ كَمَا فِي مَتْنِ الدُّرَرِ وَالسِّرَاجِ، وَهَلْ هَذَا بَيَانٌ لِأَكْثَرِهِ أَوْ لِأَقَلِّهِ؟ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ وَقَدَّمْنَا فِي الْوَاجِبَاتِ عَنْ ط أَنَّهُ لَوْ أَطَالَ هَذِهِ الْجِلْسَةَ أَوْ قَوْمَةَ الرُّكُوعِ أَكْثَرَ مِنْ تَسْبِيحَةٍ بِقَدْرِ تَسْبِيحَةٍ سَاهِيًا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ فَرْضٌ ح (قَوْلُهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ) قَالَ أَبُو يُوسُفَ: سَأَلْت الْإِمَامَ أَيَقُولُ الرَّجُلُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي؟ قَالَ: يَقُولُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَسَكَتَ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ فِي الْجَوَابِ إذْ لَمْ يَنْهَ عَنْ الِاسْتِغْفَارِ نَهْرٌ وَغَيْرُهُ. أَقُولُ: بَلْ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ إذْ لَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَنَهَى عَنْهُ كَمَا يَنْهَى عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَعَدَمِ كَوْنِهِ مَسْنُونًا لَا يُنَافِي الْجَوَازَ كَالتَّسْمِيَةِ بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُنْدَبَ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِإِبْطَالِهِ الصَّلَاةَ بِتَرْكِهِ عَامِدًا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ عِنْدَنَا، لَكِنْ صَرَّحُوا بِاسْتِحْبَابِ مُرَاعَاهُ الْخِلَافِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَمَا وَرَدَ إلَخْ) فَمِنْ الْوَارِدِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا رَكَعَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَك رَكَعْت وَبِك آمَنْت وَلَك أَسْلَمْت خَشَعَ لَك سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي، وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَك سَجَدْت وَبِك آمَنْت وَلَك أَسْلَمْت، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 مَحْمُولٌ عَلَى النَّفْلِ (وَيُكَبِّرُ وَيَسْجُدُ) ثَانِيَةً (مُطْمَئِنًّا وَيُكَبِّرُ لِلنُّهُوضِ) عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ (بِلَا اعْتِمَادٍ وَقُعُودِ) اسْتِرَاحَةٍ وَلَوْ فَعَلَ لَا بَأْسَ. وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُ إحْدَى رِجْلَيْهِ عِنْدَ النُّهُوضِ (وَالرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ كَالْأُولَى) فِيمَا مَرَّ (غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِثَنَاءٍ وَلَا تَعَوُّذٍ فِيهَا) إذْ لَمْ يُشْرَعَا إلَّا مَرَّةً. (وَلَا يُسَنُّ) مُؤَكَّدًا (رَفْعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي) سَبْعِ مَوَاطِنَ كَمَا وَرَدَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ وَاحِدًا نَظَرًا لِلسَّعْيِ   [رد المحتار] خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ» وَالْوَارِدُ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ أَنَّهُ كَانَ يَزِيدُ «مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا. وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَحَسَّنَهُ النَّوَوِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، كَذَا فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّفْلِ) أَيْ تَهَجُّدًا أَوْ غَيْرَهُ خَزَائِنُ. وَكَتَبَ فِي هَامِشِهِ: فِيهِ رَدٌّ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ خَصَّهُ بِالتَّهَجُّدِ. اهـ. ثُمَّ الْحَمْلُ الْمَذْكُورُ صَرَّحَ بِهِ الْمَشَايِخُ فِي الْوَارِدِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْحِلْيَةِ فِي الْوَارِدِ فِي الْقَوْمَةِ وَالْجِلْسَةِ وَقَالَ عَلَى أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ فِي الْمَكْتُوبَةِ فَلْيَكُنْ فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ، أَوْ الْجَمَاعَةِ وَالْمَأْمُومُونَ مَحْصُورُونَ لَا يَتَثَقَّلُونَ بِذَلِكَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ، وَلَا ضَرَرَ فِي الْتِزَامِهِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ مَشَايِخُنَا فَإِنَّ الْقَوَاعِدَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَنْبُو عَنْهُ، كَيْفَ وَالصَّلَاةُ وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَالْقِرَاءَةُ كَمَا ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِلَا اعْتِمَادٍ إلَخْ) أَيْ عَلَى الْأَرْضِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: أَشَارَ بِهِ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا يَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ عَلَى الْأَرْضِ. وَالثَّانِي الْجِلْسَةُ الْخَفِيفَةُ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: الْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ حَتَّى لَوْ فَعَلَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَلَوْ فَعَلَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَنَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ، فَيُكْرَهُ فِعْلُهُ تَنْزِيهًا لِمَنْ لَيْسَ بِهِ عُذْرٌ. اهـ. وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُهُمْ لَا بَأْسَ فَإِنَّهُ يَغْلِبُ فِيمَا تَرْكُهُ أَوْلَى. أَقُولُ: وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي الْوَاجِبَاتِ حَيْثُ ذَكَرَ مِنْهَا تَرْكَ قُعُودٍ قَبْلَ ثَانِيَةٍ وَرَابِعَةٍ لِأَنَّ ذَاكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقُعُودِ الطَّوِيلِ وَلِذَا قُيِّدَتْ الْجِلْسَةُ هُنَا بِالْخَفِيفَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الْأَرْكَانِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُسَنُّ مُؤَكَّدًا) قُيِّدَ بِهِ لِئَلَّا يَرِدَ الرَّفْعُ فِي الدُّعَاءِ وَالِاسْتِسْقَاءِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ (قَوْلُهُ إلَّا فِي سَبْعٍ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ عِنْدَ تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، فَيُكْرَهُ عِنْدَنَا وَلَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ إلَّا فِي رِوَايَةِ مَكْحُولٍ عَنْ الْإِمَامِ، وَقَدْ أَوْضَحَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْفَتْحِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ وَاحِدٌ إلَخْ) ذَكَرَ ذَلِكَ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالنَّظْمِ الْآتِي حَيْثُ عَدَّهَا ثَمَانِيَةً، وَبَيْنَ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ عَدِّهَا سَبْعَةً بِأَنَّ الْوَارِدَ نُظِرَ فِيهِ إلَى السَّعْيِ الْمُتَضَمِّنِ لِلصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَعُدَّا فِيهِ وَاحِدًا وَالْمُصَنِّفُ وَالنَّاظِمُ نَظَرَا إلَى أَنَّهُمَا اثْنَانِ فَصَارَتْ ثَمَانِيَةً، وَالْوَارِدُ هُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَةِ الْقُنُوتِ، وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ» وَذَكَرَ الْأَرْبَعَ فِي الْحَجِّ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْأَرْبَعُ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَعِنْدَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَعِنْدَ الْمَوْقِفَيْنِ، وَعِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَى وَالْوُسْطَى كَذَا فِي الْكِفَايَةِ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَالْحَدِيثُ غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: حِينَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ، وَحِينَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَيَنْظُرُ إلَى الْبَيْتِ، وَحِينَ يَقُومُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 ثَلَاثَةٌ فِي الصَّلَاةِ (تَكْبِيرَةِ افْتِتَاحٍ وَقُنُوتٍ وَعِيدٍ، وَ) خَمْسَةٌ فِي الْحَجِّ (اسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَالصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ، وَعَرَفَاتٍ، وَالْجَمَرَاتِ) وَيَجْمَعُهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ بِالنَّثْرِ " فقعس صمعج " وَبِالنَّظْمِ لِابْنِ الْفَصِيحِ: فَتْحٌ قُنُوتٌ عِيدٌ اسْتَلَمَ الصَّفَا ... مَعَ مَرْوَةَ عَرَفَاتٌ الْجَمَرَاتُ. (وَالرَّفْعُ بِحِذَاءِ أُذُنَيْهِ) كَالتَّحْرِيمَةِ (فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَ) أَمَّا (فِي الِاسْتِلَامِ) وَالرَّمْيِ (عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ) الْأُولَى وَالْوُسْطَى فَإِنَّهُ (يَرْفَعُ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ وَيَجْعَلُ بَاطِنَهُمَا نَحْوَ) الْحَجَرِ وَ (الْكَعْبَةِ، وَ) أَمَّا (عِنْدَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَعَرَفَاتٍ) فَ (يَرْفَعُهُمَا كَالدُّعَاءِ) وَالرَّفْعُ فِيهِ، وَفِي الِاسْتِسْقَاءِ مُسْتَحَبٌّ (فَيَبْسُطُ يَدَيْهِ) حِذَاءَ صَدْرِهِ (نَحْوَ السَّمَاءِ) لِأَنَّهَا قِبْلَةَ الدُّعَاءِ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ وَالْإِشَارَةُ بِمُسَبِّحَتِهِ لِعُذْرٍ كَبَرْدٍ يَكْفِي وَالْمَسْحُ بَعْدَهُ عَلَى وَجْهِهِ سُنَّةٌ فِي الْأَصَحِّ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. وَفِي وِتْرِ الْبَحْرِ: الدُّعَاءُ أَرْبَعَةٌ: دُعَاءُ رَغْبَةٍ يُفْعَلُ كَمَا مَرَّ. وَدُعَاءُ رَهْبَةٍ يَجْعَلُ كَفَّيْهِ لِوَجْهِهِ كَالْمُسْتَغِيثِ مِنْ الشَّيْءِ   [رد المحتار] عَلَى الصَّفَا، وَحِينَ يَقُومُ عَلَى الْمَرْوَةِ، وَحِينَ يَقِفُ مَعَ النَّاسِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَيَجْمَعُ، وَالْمَقَامَيْنِ حِينَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ» . اهـ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ تَفْسِيرَ مَا وَرَدَ بِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الشَّارِحِ، بِخِلَافِ مَا فِي الْفَتْحِ، إذْ لَيْسَ فِيهِ عُدَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَاحِدًا بَلْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْقُنُوتِ وَالْعِيدِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَخَمْسَةٌ فِي الْحَجِّ) أَيْ بِنَاءً عَلَى عَدِّ الْمُصَنِّفِ وَالنَّاظِمِ، وَأَمَّا بِنَاءً عَلَى مَا فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْهِدَايَةِ فَهِيَ أَرْبَعٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَبِالنَّظْمِ) أَيْ مِنْ بَحْرِ الْكَامِلِ، وَذُكِرَتْ فِيهِ عَلَى تَرْتِيبِ حُرُوفِ " فقعس صمعج " وَلِبَعْضِهِمْ: ارْفَعْ يَدَيْك لَدَى التَّكْبِيرِ مُفْتَتِحًا ... وَقَانِتًا وَبِهِ الْعِيدَانِ قَدْ وُصِفَا وَفِي الْوُقُوفَيْنِ ثُمَّ الْجَمْرَتَيْنِ مَعًا ... وَفِي اسْتِلَامٍ كَذَا فِي مَرْوَةَ وَصَفَا (قَوْلُهُ كَالتَّحْرِيمَةِ) الْأُولَى إسْقَاطُهُ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الثَّلَاثَةِ، فَفِيهِ تَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِبَعْضِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ الْأُولَى وَالْوُسْطَى) أَمَّا الْأَخِيرَةُ فَلَا يَدْعُو بَعْدَهَا لِأَنَّ الدُّعَاءَ بَعْدَ كُلِّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ، وَلِذَا لَا يَدْعُو فِي رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ (قَوْلُهُ نَحْوَ الْحَجَرِ) رَاجِعٌ لِلِاسْتِلَامِ، وَقَوْلُهُ وَالْكَعْبَةُ رَاجِعٌ لِلرَّمْيِ، وَفِي رِوَايَةٍ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الرَّمْيِ نَحْوَ السَّمَاءِ (قَوْلُهُ كَالدُّعَاءِ) أَيْ كَمَا يَرْفَعُهُمَا لِمُطْلَقِ الدُّعَاءِ فِي سَائِرِ الْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ عَلَى طِبْقِ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَمِنْهُ الرَّفْعُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْقُنْيَةِ خَزَائِنُ (قَوْلُهُ فَيَبْسُطُ يَدَيْهِ حِذَاءَ صَدْرِهِ) كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُنْيَةٌ عَنْ تَفْسِيرِ السَّمَّانِ: وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الْمُسْتَخْلَصِ لِلْإِمَامِ أَبِي الْقَاسِمِ السَّمَرْقَنْدِيِّ أَنَّ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ أَنْ يَدْعُوَ مُسْتَقْبِلًا وَيَرْفَعَ يَدَيْهِ بِحَيْثُ يُرَى بَيَاضُ إبِطَيْهِ لِإِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى حَالَةِ الْمُبَالَغَةِ وَالْجَهْدِ، وَزِيَادَةِ الِاهْتِمَامِ كَمَا فِي الِاسْتِسْقَاءِ لِعَوْدِ النَّفْعِ إلَى الْعَامَّةِ. وَهَذَا عَلَى مَا عَدَاهَا، وَلِذَا قَالَ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «وَكَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبِطَيْهِ» أَيْ لَا يَرْفَعُ كُلَّ الرَّفْعِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا قِبْلَةُ الدُّعَاءِ) أَيْ كَالْقِبْلَةِ لِلصَّلَاةِ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمَدْعُوَّ جَلَّ وَعَلَا فِي جِهَةِ الْعُلُوِّ ط (قَوْلُهُ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ) أَيْ وَإِنْ قَلَّتْ قُنْيَةٌ (قَوْلُهُ الدُّعَاءُ أَرْبَعَةٌ إلَخْ) هَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا عَزَاهُ إلَيْهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ النِّهَايَةِ، وَكَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ دُعَاءُ رَغْبَةٍ) نَحْوُ طَلَبِ الْجَنَّةِ فَيَفْعَلُ كَمَا مَرَّ: أَيْ يَبْسُطُ يَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ ح (قَوْلُهُ وَدُعَاءُ رَهْبَةٍ) نَحْوُ طَلَبِ النَّجَاةِ مِنْ النَّارِ ح (قَوْلُهُ يَجْعَلُ كَفَّيْهِ لِوَجْهِهِ) الَّذِي فِي الْبَحْرِ يَجْعَلُ ظَهْرَ كَفَّيْهِ لِوَجْهِهِ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، فَكَلِمَةُ ظَهْرٍ سَقَطَتْ مِنْ قَلَمِ الشَّارِحِ، وَهَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ أَنَّهُ يُسَنُّ لِكُلِّ دَاعٍ رَفْعُ بَطْنِ يَدَيْهِ لِلسَّمَاءِ إنْ دَعَا بِتَحْصِيلِ شَيْءٍ، وَظَهْرَهُمَا إنْ دَعَا بِرَفْعِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 وَدُعَاءُ تَضَرُّعٍ يَعْقِدُ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ وَيُحَلِّقُ وَيُشِيرُ بِمُسَبِّحَتِهِ. وَدُعَاءُ الْخُفْيَةِ مَا يَفْعَلُهُ فِي نَفْسِهِ. (وَبَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ سَجْدَتَيْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يَفْتَرِشُ) الرَّجُلُ (رِجْلَهُ الْيُسْرَى) فَيَجْعَلُهَا بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ (وَيَجْلِسُ عَلَيْهَا وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَيُوَجِّهُ أَصَابِعَهُ) فِي الْمَنْصُوبَةِ (نَحْوَ الْقِبْلَةِ) هُوَ السُّنَّةُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ (وَيَضَعُ يُمْنَاهُ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَيُسْرَاهُ عَلَى الْيُسْرَى، وَيَبْسُطُ أَصَابِعَهُ) مُفَرَّجَةً قَلِيلًا (جَاعِلًا أَطْرَافَهَا عِنْدَ رُكْبَتَيْهِ) وَلَا يَأْخُذُ الرُّكْبَةَ هُوَ الْأَصَحُّ لِتَتَوَجَّهَ لِلْقِبْلَةِ (وَلَا يُشِيرُ بِسَبَّابَتِهِ عِنْدَ الشَّهَادَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالتَّجْنِيسِ وَعُمْدَةِ الْمُفْتِي وَعَامَّةِ الْفَتَاوَى، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا صَحَّحَهُ الشُّرَّاحُ وَلَا سِيَّمَا الْمُتَأَخِّرُونَ كَالْكَمَالِ وَالْحَلَبِيِّ وَالْبَهْنَسِيِّ وَالْبَاقَانِيِّ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ الْجَدِّ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ يُشِيرُ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَنَسَبُوهُ لِمُحَمَّدٍ وَالْإِمَامِ. بَلْ فِي مَتْنِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَشَرْحِهِ غُرَرِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَدُعَاءُ تَضَرُّعٍ) أَيْ إظْهَارِ الْخُضُوعِ وَالذِّلَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ طَلَبِ جَنَّةٍ وَلَا خَوْفٍ مِنْ نَارٍ، نَحْوُ: إلَهِي أَنَا عَبْدُك الْبَائِسُ الْفَقِيرُ الْمِسْكِينُ الْحَقِيرُ ح (قَوْلُهُ وَيُحَلِّقُ) أَيْ يُحَلِّقُ الْإِبْهَامَ وَالْوُسْطَى (قَوْلُهُ مَا يَفْعَلُهُ فِي نَفْسِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: يَعْنِي لَيْسَ فِيهِ رَفْعٌ لِأَنَّ فِي الرَّفْعِ إعْلَانًا. (قَوْلُهُ بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ) الْأَظْهَرُ تَحْتَ أَلْيَتَيْهِ (قَوْلُهُ فِي الْمَنْصُوبَةِ) أَيْ الْأَصَابِعِ الْكَائِنَةِ فِي الرِّجْلِ الْمَنْصُوبَةِ. قَالَ فِي السِّرَاجِ: يَعْنِي رِجْلَهُ الْيُمْنَى لِأَنَّ مَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُوَجِّهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ فَهُوَ أَوْلَى. اهـ. وَصَرَّحَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْيُمْنَى فِي الْمِفْتَاحِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْخِزَانَةِ، فَقَوْلُهُ فِي الدُّرَرِ رِجْلَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ فِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ تَوْجِيهَ أَصَابِعِ الْيُسْرَى الْمُفْتَرَشَةِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ تَكَلُّفٌ زَائِدٌ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ، لَكِنْ نَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ مِثْلَ مَا فِي الدُّرَرِ عَنْ الْكَافِي وَالتُّحْفَةِ، ثُمَّ قَالَ فَيُوَجِّهُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى إلَى الْيُمْنَى وَأَصَابِعَهَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ بِقَدْرِ الِاسْتِطَاعَةِ. اهـ. تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ هُوَ السُّنَّةُ) فَلَوْ تَرَبَّعَ أَوْ تَوَرَّكَ خَالَفَ السُّنَّةَ ط (قَوْلُهُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقِيلَ فِي النَّفْلِ يَقْعُدُ كَيْفَ شَاءَ كَالْمَرِيضِ (قَوْلُهُ وَلَا يَأْخُذُ الرُّكْبَةَ) أَيْ كَمَا يَأْخُذُهَا فِي الرُّكُوعِ لِأَنَّ الْأَصَابِعَ تَصِيرُ مُوَجَّهَةً إلَى الْأَرْضِ خِلَافًا لِلطَّحَاوِيِّ، وَالنَّفْيُ لِلْأَفْضَلِيَّةِ لَا لِعَدَمِ الْجَوَازِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ مُتَوَرِّكَةً) بِأَنْ تُخْرِجَ رِجْلَهَا الْيُسْرَى مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، وَلَا تَجْلِسُ عَلَيْهَا بَلْ عَلَى الْأَرْضِ (قَوْلُهُ وَنَسَبُوهُ لِمُحَمَّدٍ وَالْإِمَامِ) وَكَذَا نَقَلُوهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِيِّ كَمَا يَأْتِي، فَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ بَلْ فِي مَتْنِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَشَرْحِهِ إلَخْ) إضْرَابٌ انْتِقَالِيٌّ لِأَنَّ فِي هَذَا النَّقْلِ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ مَا صَحَّحَهُ الشُّرَّاحُ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ لَكِنَّ الصَّوَابَ إسْقَاطُ قَوْلِهِ بَاسِطًا أَصَابِعَهُ كُلَّهَا فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا رَأَيْته فِي دُرَرِ الْبِحَارِ وَشَرْحِهِ. وَنَصُّ عِبَارَةِ دُرَرِ الْبِحَارِ: وَلَا تَعْقِدُ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ، وَلَا تُشِيرُ وَالْفَتْوَى خِلَافُهُ. وَعِبَارَةُ شَرْحِهِ غُرَرُ الْأَفْكَارِ: وَلَا تَعْقِدُ يَا فَقِيهُ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ كَمَا عَقَدَهَا أَحْمَدُ مُوَافِقًا لِلشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ، وَنَحْنُ لَا نُشِيرُ عِنْدَ التَّهْلِيلِ بِالسَّبَّابَةِ مِنْ الْيُمْنَى، بَلْ نَبْسُطُ الْأَصَابِعَ وَالْفَتْوَى: أَيْ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَنَا خِلَافُهُ: أَيْ خِلَافُ عَدَمِ الْإِشَارَةِ، وَهُوَ الْإِشَارَةُ عَلَى كَيْفِيَّةِ عَقْدِ ثَلَاثَةٍ وَخَمْسِينَ كَمَا قَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهَا سُنَّةٌ، يَرْفَعُهَا عِنْدَ النَّفْيِ، وَيَضَعُهَا عِنْدَ الْإِثْبَاتِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَكَثُرَتْ بِهِ الْآثَارُ وَالْأَخْبَارُ فَالْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى. اهـ. فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ هُوَ الْإِشَارَةُ بِالْمُسَبِّحَةِ مَعَ عَقْدِ الْأَصَابِعِ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ لَا مَعَ بَسْطِهَا فَإِنَّهُ لَا إشَارَةَ مَعَ الْبَسْطِ عِنْدَنَا، وَلِذَا قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي: فَإِنْ أَشَارَ يَعْقِدُ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ وَيُحَلِّقُ الْوُسْطَى بِالْإِبْهَامِ وَيُقِيمُ السَّبَّابَةَ. وَقَالَ فِي شَرْحِهَا الصَّغِيرِ: وَهَلْ يُشِيرُ عِنْدَ الشَّهَادَةِ عِنْدَنَا؟ فِيهِ اخْتِلَافٌ، صَحِيحٌ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُشِيرُ وَصَحَّحَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يُشِيرُ، وَكَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَغَيْرِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 الْأَذْكَارِ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُشِيرُ بَاسِطًا أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُشِيرُ بِمُسَبِّحَتِهِ وَحْدَهَا، يَرْفَعُهَا عِنْدَ النَّفْيِ وَيَضَعُهَا عِنْدَ الْإِثْبَاتِ. وَاحْتُرِزَ بِالصَّحِيحِ عَمَّا قِيلَ لَا يُشِيرُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الدِّرَايَةِ وَالرِّوَايَةِ وَبِقَوْلِنَا بِالْمُسَبِّحَةِ عَمَّا قِيلَ يَعْقِدُ عِنْدَ الْإِشَارَةِ. اهـ. وَفِي الْعَيْنِيِّ عَنْ التُّحْفَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ.   [رد المحتار] وَصِفَتُهَا: أَنْ يُحَلِّقَ مِنْ يَدِهِ الْيُمْنَى عِنْدَ الشَّهَادَةِ الْإِبْهَامَ وَالْوُسْطَى، وَيَقْبِضُ الْبِنْصِرَ وَالْخِنْصَرَ، وَيُشِيرُ بِالْمُسَبِّحَةِ، أَوْ يَعْقِدُ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ بِأَنْ يَقْبِضَ الْوُسْطَى وَالْبِنْصِرَ وَالْخِنْصَرَ، وَيَضَعُ رَأْسَ إبْهَامِهِ عَلَى حَرْفِ مَفْصِلِ الْوُسْطَى الْأَوْسَطِ. وَيَرْفَعُ الْأُصْبُعَ عِنْدَ النَّفْيِ وَيَضَعُهَا عِنْدَ الْإِثْبَاتِ اهـ. وَقَالَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: قَبْضُ الْأَصَابِعِ عِنْدَ الْإِشَارَةِ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِشَارَةِ وَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِيِّ وَهَذَا فَرْعُ تَصْحِيحِ الْإِشَارَةِ. وَعَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ لَا يُشِيرُ أَصْلًا، وَهُوَ خِلَافُ الدِّرَايَةِ وَالرِّوَايَةِ، فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِشَارَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَعَنْ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا أَنَّهُ سُنَّةٌ، فَيُحَلِّقُ إبْهَامَ الْيُمْنَى وَوُسْطَاهَا مُلْصِقًا رَأْسَهَا بِرَأْسِهَا، وَيُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ. اهـ. فَهَذِهِ النُّقُولُ كُلُّهَا صَرِيحَةٌ بِأَنَّ الْإِشَارَةَ الْمَسْنُونَةَ إنَّمَا هِيَ عَلَى كَيْفِيَّةٍ خَاصَّةٍ وَهِيَ الْعَقْدُ أَوْ التَّحْلِيقُ، وَأَمَّا رِوَايَةُ بَسْطِ الْأَصَابِعِ فَلَيْسَ فِيهَا إشَارَةٌ أَصْلًا، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَهَذَا أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَيْفِيَّةِ فَرْعُ تَصْحِيحِ الْإِشَارَةِ: أَيْ مُفَرَّعٌ عَلَى تَصْحِيحِ رِوَايَةِ الْإِشَارَةِ، فَلَيْسَ لَنَا قَوْلٌ بِالْإِشَارَةِ بِدُونِ تَحْلِيقٍ، وَلِهَذَا فُسِّرَتْ الْإِشَارَةُ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ كَالْبَدَائِعِ وَالنِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَالذَّخِيرَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَشَرْحَيْ الْمُنْيَةِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَالْحِلْيَةِ وَالنَّهْرِ وَشَرْحِ الْمُلْتَقَى لِلْبَهْنَسِيِّ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ النُّقَايَةِ وَشَرْحَيْ دُرَرِ الْبِحَارِ وَغَيْرِهَا كَمَا ذَكَرْت عِبَارَاتِهِمْ فِي رِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا [رَفْعُ التَّرَدُّدِ فِي عَقْدِ الْأَصَابِعِ عِنْدَ التَّشَهُّدِ] وَحُرِّرَتْ فِيهَا أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا سِوَى قَوْلَيْنِ: الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ بَسْطُ الْأَصَابِعِ بِدُونِ إشَارَةٍ. الثَّانِي بَسْطُ الْأَصَابِعِ إلَى حِينِ الشَّهَادَةِ، فَيَعْقِدُ عِنْدَهَا وَيَرْفَعُ السَّبَّابَةَ عِنْدَ النَّفْيِ وَيَضَعُهَا عِنْدَ الْإِثْبَاتِ، وَهَذَا مَا اعْتَمَدَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ لِثُبُوتِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلِصِحَّةِ نَقْلِهِ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ، فَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ الْأَوَّلَ خِلَافُ الدِّرَايَةِ وَالرِّوَايَةِ. وَأَمَّا مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ النَّاسِ فِي زَمَانِنَا مِنْ الْإِشَارَةِ مَعَ الْبَسْطِ بِدُونِ عَقْدٍ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا قَالَ بِهِ سِوَى الشَّارِحِ تَبَعًا لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ عَنْ الْبُرْهَانِ لِلْعَلَّامَةِ إبْرَاهِيمَ الطَّرَابُلُسِيِّ صَاحِبِ الْإِسْعَافِ مِنْ أَهْلِ الْقَرْنِ الْعَاشِرِ. وَإِذَا عَارَضَ كَلَامُهُ كَلَامَ جُمْهُورِ الشَّارِحِينَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ ذِكْرِ الْقَوْلَيْنِ فَقَطْ فَالْعَمَلُ عَلَى مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَا جُمْهُورُ الْعَوَامّ، فَأَخْرِجْ نَفْسَك مِنْ ظُلْمَةِ التَّقْلِيدِ وَحِيرَةِ الْأَوْهَامِ، وَاسْتَضِئْ بِمِصْبَاحِ التَّحْقِيقِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَإِنَّهُ مِنْ مِنَحِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ (قَوْلُهُ بِمُسَبِّحَتِهِ وَحْدَهَا) فَيُكْرَهُ أَنْ يُشِيرَ بِالْمُسْبَحَتَيْنِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي عَقْدِ الْأَصَابِعِ عِنْدَ التَّشَهُّدِ (قَوْلُهُ وَبِقَوْلِنَا إلَخْ) هَذَا الِاحْتِرَازُ إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ كَانَ الْقَائِلُ بِالْعَقْدِ قَائِلًا بِأَنَّهُ لَا يُشِيرُ بِمُسَبِّحَتِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ قَوْلِهِ يَعْقِدُ عِنْدَ الْإِشَارَةِ. وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ الْبُرْهَانِ قَوْلٌ مُلَفَّقٌ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ الْإِشَارَةُ مَعَ بَسْطِ الْأَصَابِعِ بِدُونِ عَقْدٍ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَأَنَّ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ دُرَرِ الْبِحَارِ وَشَرْحِهِ خِلَافُ الْوَاقِعِ وَلَعَلَّهُ قَوْلٌ غَرِيبٌ لَمْ نَرَ مَنْ قَالَهُ، فَتَبِعَهُ فِي الْبُرْهَانِ وَمَشَى عَلَيْهِ النَّاسُ فِي عَامَّةِ الْبُلْدَانِ. وَأَمَّا الْمَشْهُورُ الْمَنْقُولُ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 وَفِي الْمُحِيطِ سُنَّةٌ (وَيَقْرَأُ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ) وُجُوبًا كَمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ، لَكِنَّ كَلَامَ غَيْرِهِ يُفِيدُ نَدْبَهُ وَجَزَمَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْجَدُّ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ وَنَحْوِهِ فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ (وَيَقْصِدُ بِأَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ) مَعَانِيَهَا مُرَادَةً لَهُ عَلَى وَجْهٍ (الْإِنْشَاءَ) كَأَنَّهُ يُحَيِّي اللَّهَ تَعَالَى وَيُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّهِ وَعَلَى نَفْسِهِ وَأَوْلِيَائِهِ (لَا الْإِخْبَارَ) عَنْ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّ ضَمِيرَ عَلَيْنَا لِلْحَاضِرِينَ لَا حِكَايَةَ سَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى. وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ فِيهِ إنِّي رَسُولُ اللَّهِ (وَلَا يَزِيدُ) فِي الْفَرْضِ (عَلَى التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى) إجْمَاعًا (فَإِنْ زَادَ عَامِدًا كُرِهَ) فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ (أَوْ سَاهِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ إذَا قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ) فَقَطْ   [رد المحتار] فَهُوَ مَا سَمِعْته. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ سُنَّةٌ) يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّهَا غَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ ط (قَوْلُهُ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ ثُمَّ وَقَعَ لِبَعْضِ الشَّارِحِينَ أَنَّهُ قَالَ: وَالْأَخْذُ بِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْلَى فَيُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ، لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا التَّشَهُّدَ وَاجِبًا وَعَيَّنُوهُ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَكَانَ وَاجِبًا، وَلِهَذَا قَالَ فِي السِّرَاجِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّشَهُّدِ حَرْفًا أَوْ يَبْتَدِئَ بِحَرْفٍ قَبْلَ حَرْفٍ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَلَوْ نَقَصَ مِنْ تَشَهُّدِهِ أَوْ زَادَ فِيهِ كَانَ مَكْرُوهًا لِأَنَّ أَذْكَارَ الصَّلَاةِ مَحْصُورَةٌ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا. اهـ. وَالْكَرَاهَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلتَّحْرِيمِ (قَوْلُهُ وَجَزَمَ إلَخْ) وَكَذَا جَزَمَ بِهِ فِي النَّهْرِ وَالْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِي الْبَحْرِ، حَيْثُ قَالَ: أَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ التَّشَهُّدُ وَاجِبٌ: أَيْ التَّشَهُّدُ الْمَرْوِيُّ عَلَى الِاخْتِلَافِ لَا وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ. وَقَوَاعِدُنَا تَقْتَضِيهِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي النَّهْرِ قَرِيبًا مِمَّا قُلْته. وَعَلَيْهِ فَالْكَرَاهَةُ السَّابِقَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ. اهـ. أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْحِلْيَةِ حَيْثُ ذَكَرَ أَلْفَاظَ التَّشَهُّدِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ التَّشَهُّدَ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَكَذَا لِمَا وَرَدَ مِنْ نَظَائِرِهَا، سُمِّيَ بِهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ إلَخْ (قَوْلُهُ لَا الْإِخْبَارَ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ لَا يَقْصِدُ الْإِخْبَارَ، وَالْحِكَايَةَ عَمَّا وَقَعَ فِي الْمِعْرَاجِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -. وَتَمَامُ بَيَانِ الْقِصَّةِ مَعَ شَرْحِ أَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ فِي الْإِمْدَادِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ لِلْحَاضِرِينَ) أَيْ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمَلَائِكَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ. وَاسْتَحْسَنَهُ السُّرُوجِيُّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لَا حِكَايَةَ سَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى) الصَّوَابُ: لَا حِكَايَةَ سَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ط (قَوْلُهُ يَقُولُ فِيهِ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ) نَقَلَ ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ. وَرَدَّهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِهِ بِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لِذَلِكَ، بَلْ أَلْفَاظُ التَّشَهُّدِ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَعَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ". اهـ. ط عَنْ الزَّرْقَانِيِّ. قَالَ فِي التُّحْفَةِ: نَعَمْ إنْ أَرَادَ تَشَهُّدَ الْأَذَانِ صَحَّ " لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَّنَ مَرَّةً فِي سَفَرٍ فَقَالَ ذَلِكَ ". اهـ. قُلْت: وَكَذَلِكَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ " خِفْت أَزْوَادَ الْقَوْمِ " الْحَدِيثَ وَفِيهِ " فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ» وَهَذَا كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ، قَالَهُ لَمَّا ظَهَرَتْ الْمُعْجِزَةُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ الْبَرَكَةِ فِي الزَّادِ (قَوْلُهُ وَلَا يَزِيدُ فِي الْفَرْضِ) أَيْ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ كَالْوِتْرِ وَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ وَإِنْ نَظَرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِيهَا وَلِيَنْظُرَ حُكْمَ الْمَنْذُورِ وَقَضَاءِ النَّفْلِ الَّذِي أَفْسَدَهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا فِي حُكْمِ النَّفْلِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِيهِمَا عَارِضٌ ط (قَوْلُهُ إجْمَاعًا) وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ فِيهَا لِلْجُمْهُورِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «ثُمَّ إنْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ نَهَضَ حِينَ فَرَغَ مِنْ تَشَهُّدِهِ» قَالَ الطَّحَاوِيُّ: مَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ بَحْرٌ، وَعَلَيْهِ فَمُرَادُ الشَّارِحِ أَنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ فَقَطْ) وَقِيلَ لَا يَجِبُ مَا لَمْ يَقُلْ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ، وَقِيلَ مَا لَمْ يُؤَخِّرْ مِقْدَارَ أَدَاءِ رُكْنٍ، وَقِيلَ يَجِبُ وَلَوْ زَادَ حَرْفًا وَاحِدًا وَرَدَ الْكُلُّ فِي الْبَحْرِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 (عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمُفْتَى بِهِ لَا لِخُصُوصِ الصَّلَاةِ بَلْ لِتَأْخِيرِ الْقِيَامِ. وَلَوْ فَرَغَ الْمُؤْتَمُّ قَبْلَ إمَامِهِ سَكَتَ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ فَيَتَرَسَّلُ لِيَفْرُغَ عِنْدَ سَلَامِ إمَامِهِ، وَقِيلَ يُتِمُّ، وَقِيلَ يُكَرِّرُ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ (وَاكْتَفَى) الْمُفْتَرِضُ (فِيمَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ بِالْفَاتِحَةِ) فَإِنَّهَا سُنَّةٌ عَلَى الظَّاهِرِ، وَلَوْ زَادَ لَا بَأْسَ بِهِ (وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ قِرَاءَةِ) الْفَاتِحَةِ وَصَحَّحَ الْعَيْنِيُّ وُجُوبَهَا (وَتَسْبِيحٍ ثَلَاثًا) وَسُكُوتِ قَدْرِهَا، وَفِي النِّهَايَةِ قَدْرُ تَسْبِيحَةٍ، فَلَا يَكُونُ مُسِيئًا بِالسُّكُوتِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِثُبُوتِ التَّخْيِيرِ   [رد المحتار] وَذَكَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَاخْتَارَهُ فِي الْخَانِيَّةِ. اهـ. وَصَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ فِي السَّهْوِ بِأَنَّهُ الْأَصَحُّ، وَكَلَامُ الْحَلَبِيِّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ أَيْضًا، لَكِنْ ذَكَرَ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ كَمَا تَرَى، وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ. اهـ. تَأَمَّلْ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِلَّا فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْحَاوِي أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَجِبُ السَّهْوُ مَا لَمْ يَبْلُغْ إلَى قَوْلِهِ " حَمِيدٌ مَجِيدٌ " (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُفْتَى بِهِ) لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهَذَا اللَّفْظِ سِوَى الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ، وَإِنَّمَا الَّذِي رَأَيْته مَا عَلِمْته آنِفًا (قَوْلُهُ بَلْ لِتَأْخِيرِ الْقِيَامِ) فَيَجِبُ عَلَيْهِ السَّهْوُ وَلَوْ سَكَتَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ سَكَتَ اتِّفَاقًا) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى التَّشَهُّدِ فِي الْقُعُودِ الْأَوَّلِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ كَمَا مَرَّ؛ فَلَا يَأْتِي بِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَالدُّعَاءِ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ تَأْخِيرُ الْقِيَامِ عَنْ مَحَلِّهِ، إذْ الْقُعُودُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ مُتَابَعَةً لِإِمَامِهِ (قَوْلُهُ فَيَتَرَسَّلُ) أَيْ يَتَمَهَّلُ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ فِي بَحْثِ الْمَسْبُوقُ مِنْ بَابِ السَّهْوِ وَبَاقِي الْأَقْوَالِ مُصَحَّحٌ أَيْضًا. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِمَا فِي الْخَانِيَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ كَمَا فِي النَّهْرِ أَنَّهُ يَقْضِي آخِرَ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ التَّشَهُّدِ وَيَأْتِي فِيهِ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ، وَهَذَا لَيْسَ آخِرًا. قَالَ ح: وَهَذَا فِي قَعْدَةِ الْإِمَامِ الْأَخِيرَةِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ قَوْلِهِ لِيَفْرُغَ عِنْدَ سَلَامِ إمَامِهِ، وَأَمَّا فِيمَا قَبْلَهَا مِنْ الْقَعَدَاتِ فَحُكْمُهُ السُّكُوتُ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُكَرِّرُ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ) كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَاَلَّذِي فِي الْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ وَالذَّخِيرَةِ يُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَاكْتَفَى الْمُفْتَرِضُ) قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّهُ فِي النَّفْلِ وَالْوَاجِبِ تَجِبُ الْفَاتِحَةُ وَالسُّورَةُ أَوْ نَحْوِهَا (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَلَوْ زَادَ لَا بَأْسَ) أَيْ لَوْ ضَمَّ إلَيْهَا سُورَةً لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مَشْرُوعَةٌ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْفَاتِحَةِ مَسْنُونٌ لَا وَاجِبٌ فَكَانَ الضَّمُّ خِلَافَ الْأَوْلَى وَذَلِكَ لَا يُنَافِي الْمَشْرُوعِيَّةَ، وَالْإِبَاحَةُ بِمَعْنَى عَدَمِ الْإِثْمِ فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَائِلِ بَحْثِ الْوَاجِبَاتِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ فِي النَّهْرِ هُنَا عَلَى الْبَحْرِ مِنْ دَعْوَى الْمُنَافَاةِ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَ الْعَيْنِيُّ وُجُوبَهَا) هَذَا مُقَابِلُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ وَصَحَّحَهَا ابْنُ الْهُمَامِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ. وَمَشَى عَلَيْهَا فِي الْمُنْيَةِ فَأَوْجَبَ سُجُودَ السَّهْوِ بِتَرْكِ قِرَاءَتِهَا سَاهِيًا وَالْإِسَاءَةُ بِتَرْكِهَا عَمْدًا، لَكِنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُهُ لِتَعَارُضِ الْأَخْبَارِ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَاعْتَمَدَهُ فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ وَسُكُوتُ قَدْرِهَا) أَيْ قَدْرُ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ (قَوْلُهُ وَفِي النِّهَايَةِ قَدْرُ تَسْبِيحَةٍ) قَالَ شَيْخُنَا: وَهُوَ أَلْيَقُ بِالْأُصُولِ حِلْيَةٌ: أَيْ لِأَنَّ رُكْنَ الْقِيَامِ يَحْصُلُ بِهَا لِمَا مَرَّ أَنَّ الرُّكْنِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالْأَدْنَى (قَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ مُسِيئًا بِالسُّكُوتِ عَلَى الْمَذْهَبِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ أَفْضَلُ، وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى التَّسْبِيحِ لَا يَكُونُ مُسِيئًا. وَأَمَّا لَوْ سَكَتَ فَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِالْإِسَاءَةِ وَقَالَ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا شُرِعَتْ عَلَى سَبِيلِ الذِّكْرِ وَالثَّنَاءِ، وَلِهَذَا تَعَيَّنَتْ الْفَاتِحَةُ لِلْقِرَاءَةِ لِأَنَّ كُلَّهَا ذِكْرٌ وَثَنَاءٌ، وَإِنْ سَكَتَ عَمْدًا أَسَاءَ لِتَرْكِ السُّنَّةِ، وَلَوْ سَاهِيًا لَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ وَصَرَّحَ غَيْرُهُ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَدَمِ الْإِسَاءَةِ بِالسُّكُوتِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا رَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ الْمُصَلِّي بِالْخِيَارِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، إنْ شَاءَ قَرَأَ، وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ، وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ، وَهَذَا بَابٌ لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ، فَالْمَرْوِيُّ عَنْهُمَا كَالْمَرْوِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَفِي الذَّخِيرَةِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَةِ. وَرَجَّحَ ذَلِكَ فِي الْحِلْيَةِ بِمَا لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ فَارْجِعْ إلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ الصَّارِفُ لِلْمُوَاظَبَةِ عَنْ الْوُجُوبِ (وَيَفْعَلُ فِي الْقُعُودِ الثَّانِي) الِافْتِرَاشَ (كَالْأَوَّلِ وَتَشَهَّدَ) أَيْضًا (وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَصَحَّ زِيَادَةُ فِي الْعَالَمِينَ   [رد المحتار] وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُحِيطِ يُكْرَهُ السُّكُوتُ لِتَرْكِ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ، فَالْقِرَاءَةُ عِنْدَهُ سُنَّةٌ، لَكِنْ لَمَّا شُرِعَتْ عَلَى وَجْهِ الذِّكْرِ حَصَلَتْ السُّنَّةُ بِالتَّسْبِيحِ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، فَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ بِالنَّظَرِ إلَى التَّسْبِيحِ، وَسُنَّةٌ بِالنَّظَرِ إلَى السُّكُوتِ، حَتَّى لَوْ سَبَّحَ تَرَكَ الْأَفْضَلَ؛ وَلَوْ سَكَتَ أَسَاءَ لِتَرْكِ السُّنَّةِ، وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ فَلَا يُكْرَهُ السُّكُوتُ لِثُبُوتِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، فَصَارَتْ الْقِرَاءَةُ أَفْضَلَ بِالنَّظَرِ إلَى التَّسْبِيحِ. وَإِلَى السُّكُوتِ، فَقَدْ اتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْقِرَاءَةِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي سُنِّيَّتِهَا بِنَاءً عَلَى كَرَاهَةِ السُّكُوتِ وَعَدَمِهَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الصَّحِيحَ الْمُعْتَمَدَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ أَوَّلًا: إنَّ الْفَاتِحَةَ سُنَّةٌ عَلَى الظَّاهِرِ، فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ؛ ثُمَّ مَشَى عَلَى خِلَافِهِ حَيْثُ اعْتَمَدَ التَّخْيِيرَ الثَّلَاثَةُ، فَزَادَ عَلَى الْمُصَنِّفِ السُّكُوتَ وَقَالَ إنَّهُ لَا يَكُونُ مُسِيئًا بِهِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْفَرِيدَ، وَمَا نَقَلْته عَنْ الْبَدَائِعِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ رَأَيْته فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا، وَذَكَرْت نُصُوصَهَا فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْبَحْرِ، فَلَا تَعْتَمِدُ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهَا مُخَالِفًا لِذَلِكَ فَافْهَمْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْفَاتِحَةِ لَا يُنَافِي التَّخْيِيرَ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْفَاضِلِ وَالْأَفْضَلِ كَالْحَلْقِ مَعَ التَّقْصِيرِ. [تَنْبِيهٌ] ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتُونِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْفَاتِحَةَ مَقْرُوءَةٌ عَلَى وَجْهِ الْقُرْآنِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ قَالَ عُلَمَاؤُنَا إنَّهَا تُقْرَأُ بِنِيَّةِ الثَّنَاءِ لَا الْقِرَاءَةِ. اهـ. وَنُقِلَ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ لَكِنْ فِي النِّهَايَةِ قَالَ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُسَبِّحُ: وَلَا يَسْكُتُ، وَإِذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فَعَلَى وَجْهِ الثَّنَاءِ لَا الْقِرَاءَةِ، وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. اهـ. وَفِي الْحِلْيَةِ: لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ الْفَاتِحَةَ لَا تَخْرُجُ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ بِالنِّيَّةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الصَّارِفُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ حَدِيثَ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» يُفِيدُ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَهِيَ بِلَا تَرْكِ دَلِيلِ الْوُجُوبِ أَنَّ التَّخْيِيرَ الْمَرْوِيَّ صَارِفٌ لَهَا عَنْ الْوُجُوبِ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ الْمَرْفُوعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَبِهَذَا يُرَدُّ عَلَى الْعَيْنِيِّ وَابْنِ الْهُمَامِ (قَوْلُهُ الِافْتِرَاشَ) إنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِلْإِشَارَةِ إلَى نَفْيِ الْقَوْلِ بِالتَّوَرُّكِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَإِلَّا فَأَحْكَامُ الْقُعُودِ لَا تَخْتَصُّ بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْمُخْتَارُ فِي صِفَتِهَا مَا فِي الْكِفَايَةِ وَالْقُنْيَةِ وَالْمُجْتَبَى قَالَ: سُئِلَ مُحَمَّدٌ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَهِيَ الْمُوَافِقَةُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ وَصَحَّ زِيَادَةُ فِي الْعَالَمِينَ) أَيْ مَرَّةً وَاحِدَةً بَعْدَ قَوْلِهِ كَمَا بَارَكْت إلَخْ. وَأَمَّا بَعْدَ قَوْلِهِ كَمَا صَلَّيْت فَلَمْ تَثْبُتْ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ وَفِي إفْصَاحِ ابْنِ هُبَيْرَةَ حِكَايَةُ الصَّلَاةِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ بِزِيَادَةِ فِي الْعَالَمِينَ بَعْدَ قَوْلِهِ كَمَا بَارَكْت، وَهُوَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِمْ. وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ الْإِفْصَاحِ زِيَادَةُ فِي الْعَالَمِينَ بَعْدَ كَمَا صَلَّيْت أَيْضًا، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي بَعْضِ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ، لَكِنْ لَا يَحْضُرُنِي الْآنَ مَنْ رَوَاهَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مَنْ خَرَّجَهَا مِنْ الْحُفَّاظِ وَلَا ثُبُوتُهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ اهـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 وَتَكْرَارُ " إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ " وَعَدَمُ كَرَاهَةِ التَّرَحُّمِ وَلَوْ ابْتِدَاءً. وَنُدِبَ السِّيَادَةُ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْإِخْبَارِ بِالْوَاقِعِ عَيْنُ سُلُوكِ الْأَدَبِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ، ذَكَرَهُ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ؛   [رد المحتار] وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى هَذَا حَيْثُ عَبَّرَ بِالزِّيَادَةِ لَا بِالتَّكْرَارِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَتَكْرَارُ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ مَرَّةً فِي آخِرِهَا فَقَطْ مَعَ أَنَّهُ فِي الذَّخِيرَةِ نَقَلَهَا عَنْ مُحَمَّدٍ مُكَرَّرَةً وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ كَذَلِكَ. مَطْلَبٌ فِي جَوَازِ التَّرَحُّمِ عَلَى النَّبِيِّ ابْتِدَاءً (قَوْلُهُ وَعَدَمُ كَرَاهَةِ التَّرَحُّمِ) عَطْفٌ عَلَى فَاعِلِ صَحَّ؛ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ نَدْبُهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ فِي صَلَاةِ التَّشَهُّدِ، وَلِذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْإِتْيَانُ بِمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَوْلَى. وَقَالَ فِي الْفَيْضِ: فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ احْتِيَاطًا، وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلرَّمْلِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ: وَزِيَادَةُ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ كَمَا رَحِمْت عَلَى إبْرَاهِيمَ بِدْعَةٌ. وَاعْتُرِضَ بِوُرُودِهَا فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ صَحَّحَ الْحَاكِمُ بَعْضَهَا " وَتَرَحَّمَ عَلَى مُحَمَّدٍ " وَرَدَّهُ بَعْضُ مُحَقِّقِي أَهْلِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ مَا وَقَعَ لِلْحَاكِمِ وَهْمٌ، وَبِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً لَكِنَّهَا شَدِيدَةُ الضَّعْفِ فَلَا يُعْمَلُ بِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ أَبِي زُرْعَةَ وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَنِّ بَعْدَ أَنْ سَاقَ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ وَبَيَّنَ ضَعْفَهَا؛ وَلَعَلَّ الْمَنْعَ أَرْجَحُ لِضَعْفِ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ: أَيْ لِشِدَّةِ ضَعْفِهَا. وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ سَبَبَ الْإِنْكَارِ كَوْنُ الدُّعَاءِ بِالرَّحْمَةِ لَمْ يَثْبُتْ هُنَا مِنْ طَرِيقٍ يُعْتَدُّ بِهِ، وَالْبَابُ بَابُ اتِّبَاعٍ، لَا مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُدْعَى لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَفْظِ الرَّحْمَةِ، فَإِنْ أَرَادَ النَّافِي امْتِنَاعَ ذَلِكَ مُطْلَقًا فَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ صَرِيحَةٌ فِي رَدِّهِ فَقَدْ صَحَّ فِي سَائِرِ رِوَايَاتِ التَّشَهُّدِ " السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ " وَصَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّ مَنْ قَالَ " ارْحَمْنِي وَارْحَمْ مُحَمَّدًا " وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ سِوَى قَوْلِهِ " وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا " وَحُصُولُهَا لَا يَمْنَعُ طَلَبَهَا لَهُ كَالصَّلَاةِ وَالْوَسِيلَةِ وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ لِمَا فِيهِ مِنْ عَوْدِ الْفَائِدَةِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِزِيَادَةِ تَرَقِّيه الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا وَالدَّاعِي بِزِيَادَةِ ثَوَابِهِ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّرَحُّمَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ لَمْ يَثْبُتْ وَإِنْ كَانَ قَدْ ثَبَتَ فِي غَيْرِهِ، فَكَانَ جَائِزًا فِي نَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ ابْتِدَاءً) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَبَعِيَّتِهِ لِصَلَاةٍ أَوْ سَلَامٍ. وَذُكِرَ فِي الْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الِابْتِدَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَتَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ عِبَارَةَ الزَّيْلَعِيِّ فِي آخِرِ الْكِتَابِ تَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْكُلِّ، فَإِنَّهُ قَالَ اخْتَلَفُوا فِي التَّرَحُّمِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا. قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ كَالصَّلَاةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ مِنْ أَشْوَقِ الْعِبَادِ إلَى مَزِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ لِوُرُودِهِ فِي الْأَثَرِ وَلَا عَتْبَ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَنَا أَقُولُ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا لِلتَّوَارُثِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ. وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِتَفْسِيرِهِمْ الصَّلَاةَ بِالرَّحْمَةِ؛ وَاللَّفْظَانِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الدَّلَالَةِ صَحَّ قِيَامُ أَحَدِهِمَا مَقَامَ الْآخَرِ، وَلِذَا أَقَرَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْأَعْرَابِيُّ عَلَى قَوْلِهِ " اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا ". اهـ. فَافْهَمْ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِهِ عَلَى مِنْهَاجِ النَّوَوِيِّ. وَنَصُّهُ: وَالْأَفْضَلُ الْإِتْيَانُ بِلَفْظِ السِّيَادَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ ظَهِيرِيَّةٍ، وَصَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ، وَبِهِ أَفْتَى الشَّارِحُ لِأَنَّ فِيهِ الْإِتْيَانَ بِمَا أُمِرْنَا بِهِ، وَزِيَادَةُ الْإِخْبَارِ بِالْوَاقِعِ الَّذِي هُوَ أَدَبٌ، فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ وَإِنْ تَرَدَّدَ فِي أَفْضَلِيَّتِهِ الْإِسْنَوِيُّ. وَأَمَّا حَدِيثُ: لَا تُسَيِّدُونِي فِي الصَّلَاةِ فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، كَمَا قَالَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْحُفَّاظِ، وَقَوْلُ الطُّوسِيِّ إنَّهَا مُبْطِلَةٌ غَلَطٌ. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 وَمَا نُقِلَ: لَا تُسَوِّدُونِي فِي الصَّلَاةِ فَكَذِبٌ، وَقَوْلُهُمْ لَا تُسَيِّدُونِي بِالْيَاءِ لَحْنٌ أَيْضًا وَالصَّوَابُ بِالْوَاوِ؛ وَخُصَّ إبْرَاهِيمُ لِسَلَامِهِ عَلَيْنَا، أَوْ لِأَنَّهُ سَمَّانَا الْمُسْلِمِينَ، أَوْ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ صَلَاةٌ يَتَّخِذُهُ بِهَا خَلِيلًا، وَعَلَى الْأَخِيرِ فَالتَّشْبِيهُ ظَاهِرٌ أَوْ رَاجِعٌ لِآلِ مُحَمَّدٍ، أَوْ الْمُشَبَّهُ بِهِ قَدْ يَكُونُ أَدْنَى مِثْلُ - {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} [النور: 35]   [رد المحتار] وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِنَا لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ زَادَ فِي تَشَهُّدِهِ أَوْ نَقَصَ فِيهِ كَانَ مَكْرُوهًا. قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ زَائِدَةٌ عَلَى التَّشَهُّدِ لَيْسَتْ مِنْهُ، نَعَمْ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا عَدَمُ ذِكْرِهَا فِي " وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ " وَأَنَّهُ يَأْتِي بِهَا مَعَ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (قَوْلُهُ لَحْنٌ أَيْضًا) أَيْ مَعَ كَوْنِهِ كَذِبًا (قَوْلُهُ وَالصَّوَابُ بِالْوَاوِ) لِأَنَّهُ وَاوِيُّ الْعَيْنِ مِنْ سَادَ يَسُودُ، قَالَ الشَّاعِرُ: وَمَا سَوَّدَتْنِي عَامِرٌ عَنْ وِرَاثَةٍ ... أَبَى اللَّهُ أَنْ أَسْمُوَ بِأُمٍّ وَلَا أَبِ مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّشْبِيهِ فِي كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ (قَوْلُهُ وَخُصَّ إبْرَاهِيمُ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ لِمَ خُصَّ التَّشْبِيهُ بِإِبْرَاهِيمَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الرُّسُلِ الْكِرَامِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؟ فَأَجَابَ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ سَلَّمَ عَلَيْنَا لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ حَيْثُ قَالَ «أَبْلِغْ أُمَّتَك مِنِّي السَّلَامَ» وَالثَّانِي أَنَّهُ سَمَّانَا الْمُسْلِمِينَ كَمَا أَخْبَرَنَا عَنْهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج: 78]- أَيْ بِقَوْلِهِ - {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} [البقرة: 128]- وَالْعَرَبُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَذُرِّيَّةِ إسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، فَقَصَدْنَا إظْهَارَ فَضْلِهِ مُجَازَاةً عَلَى هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ مِنْهُ. وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ صَلَاةٌ يَتَّخِذُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَلِيلًا، وَقَدْ اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَ عِبَادِهِ، فَاِتَّخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى خَلِيلًا أَيْضًا؛ فَفِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ» وَأُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ أُخَرَ: مِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ لِأُبُوَّتِهِ، وَالتَّشْبِيهُ فِي الْفَضَائِلِ بِالْآبَاءِ مَرْغُوبٌ فِيهِ وَلِرِفْعَةِ شَأْنِهِ فِي الرُّسُلِ، وَكَوْنِهِ أَفْضَلَ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الرَّاجِحِ وَلِمُوَافَقَتِنَا إيَّاهُ فِي مَعَالِمِ الْمِلَّةِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] وَلِدَوَامِ ذِكْرِهِ الْجَمِيلِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} [الشعراء: 84] وَلِلْأَمْرِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123] (قَوْلُهُ وَعَلَى الْأَخِيرِ إلَخْ) أَيْ الْوَجْهِ الثَّالِثِ، وَهَذَا أَيْضًا جَوَابٌ عَنْ السُّؤَالِ الْمَشْهُورِ الَّذِي يُورِدُهُ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. وَهُوَ: أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ أَعْلَى مِنْ الْمُشَبَّهِ فِي وَجْهِ الشَّبَهِ مَعَ أَنَّ الْقَدْرَ الْحَاصِلَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْبَرَكَةِ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِآلِهِ أَعْلَى مِنْ الْحَاصِلِ لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَآلِهِ بِدَلَالَةِ رِوَايَةِ النَّسَائِيّ «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحُطَّ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ» . وَلَمْ يَرِدْ فِي حَقِّ إبْرَاهِيمَ أَوْ غَيْرِهِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ صَلَاةٌ خَاصَّةٌ يَكُونُ بِهَا نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلِيلًا كَمَا اُتُّخِذَ إبْرَاهِيمُ خَلِيلًا، أَوْ التَّشْبِيهُ رَاجِعٌ لِقَوْلِنَا «وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ» أَوْ أَنَّ هَذَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ فَإِنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ قَدْ يَكُونُ مُسَاوِيًا لِلْمُشَبَّهِ أَوْ أَدْنَى مِنْهُ لَكِنَّهُ يَكُونُ أَوْضَحَ لِكَوْنِهِ حِسِّيًّا مُشَاهَدًا، أَوْ لِكَوْنِهِ مَشْهُورًا فِي وَجْهِ الشَّبَهِ، فَالْأَوَّلُ نَحْوُ {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} [النور: 35] وَأَيْنَ يَقَعُ نُورُ الْمِشْكَاةِ مِنْ نُورِهِ تَعَالَى؟ وَالثَّانِي كَمَا هُنَا، فَإِنَّ تَعْظِيمَ إبْرَاهِيمَ وَآلِهِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَاضِحٌ بَيْنَ أَهْلِ الْمِلَلِ، فَحَسُنَ التَّشْبِيهُ لِذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ خَتْمُ هَذَا الطَّلَبِ بِقَوْلِهِ: «فِي الْعَالَمِينَ» ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ. وَأُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ أُخَرَ: مِنْ أَحْسَنِهَا أَنَّ التَّشْبِيهَ فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ لَا فِي الْقَدْرِ كَمَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 (وَهِيَ فَرْضٌ) عَمَلًا بِالْأَمْرِ فِي شَعْبَانَ ثَانِي الْهِجْرَةِ (مَرَّةً وَاحِدَةً) اتِّفَاقًا (فِي الْعُمْرِ) فَلَوْ بَلَغَ فِي صَلَاتِهِ نَابَتْ عَنْ الْفَرْضِ نَهْرٌ بَحْثًا. وَفِي الْمُجْتَبَى: لَا يَجِبُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى نَفْسِهِ   [رد المحتار] قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} [النساء: 163] وَ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77] وَفَائِدَةُ التَّشْبِيهِ تَأْكِيدُ الطَّلَبِ: أَيْ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَقِيلَ الْكَافُ لِلتَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ عَمَلًا) مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ لَا تَمْيِيزٌ: أَيْ قُلْنَا بِفَرْضِيَّتِهَا لِأَجْلِ الْعَمَلِ بِالْأَمْرِ الْقَطْعِيِّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ، فَهِيَ فَرْضٌ عِلْمًا وَعَمَلًا لَا عَمَلًا فَقَطْ كَالْوِتْرِ. وَأَمَّا مَا قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ لِلِاسْتِحْبَابِ، وَادَّعَى الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ فَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ كَمَا ذَكَرَهُ الْفَاسِيُّ فِي شَرْحِ دَلَائِلِ الْخَيْرَاتِ (قَوْلُهُ ثَانِي الْهِجْرَةِ) وَقِيلَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ ط (قَوْلُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً اتِّفَاقًا) وَالْخِلَافُ فِيمَا زَادَ إنَّمَا هُوَ فِي الْوُجُوبِ كَمَا يَأْتِي أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ فَلَوْ بَلَغَ فِي صَلَاتِهِ إلَخْ) أَيْ بَلَغَ بِالسِّنِّ وَإِلَّا بَطَلَتْ، عَلَى أَنَّ عِبَارَةَ النَّهْرِ هَكَذَا: لَوْ صَلَّى فِي أَوَّلِ بُلُوغِهِ صَلَاةً أَجْزَأَتْهُ الصَّلَاةُ فِي تَشَهُّدِهِ عَنْ الْفَرْضِ وَوَقَعَتْ فَرْضًا، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الِابْتِدَاءِ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ. اهـ. أَيْ حَيْثُ يَنُوبُ الْغُسْلُ الْمَسْنُونُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ أَوْ الْوُضُوءِ. أَقُولُ: وَرَأَيْت التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي الْمَنْبَعِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ، حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ أَصْحَابُنَا: هِيَ فَرْضُ الْعُمْرِ إمَّا فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي خَارِجِهَا. . اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَالذَّخِيرَةِ. قَالَ ح: بَقِيَ مَا إذَا صَلَّى فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى أَوْ فِي أَثْنَاءِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُصَلِّ فِي الْقَعْدَةِ، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَكُونُ مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ وَإِنْ أَثِمَ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ. اهـ. لَكِنْ ذَكَرَ الرَّحْمَتِيُّ عَنْ الْعَلَّامَةِ النِّحْرِيرِيِّ أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْفَرْضِ إلَّا بِنِيَّتِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُصَلَّى بِنِيَّةِ أَدَائِهَا عَنْهُ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ، كَمَا قَالُوا مِنْ شُرُوطِ النِّيَّةِ فِي الْفَرْضِ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لَهُ، حَتَّى لَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ لَا يَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ مَا لَمْ يَنْوِهِ. اهـ. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا عَلِمْت أَنَّهَا فَرْضُ الْعُمْرِ: أَيْ يُفْتَرَضُ فِعْلُهَا فِي الْعُمْرِ مَرَّةً كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَالشَّرْطُ الْقَصْدُ إلَى فِعْلِهِ، فَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْفَرْضِيَّةَ لِتَعَيُّنِهِ بِنَفْسِهِ كَالْحَجِّ الْفَرْضِ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْفَرْضِيَّةَ، وَقَدْ صَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَصِحُّ بِلَا نِيَّةٍ: أَيْ لِأَنَّهُ فَرِيضَةُ الْعُمْرِ فَالْقِيَاسُ عَلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ، فَتَدَبَّرْ. مَطْلَبٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى نَفْسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِخِطَابِ صَلُّوا. وَلَا دَاخِلٌ تَحْتَ ضَمِيرِهِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ تَرْكِيبِ {صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] وَقَالَ فِي النَّهْرِ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 104]- لَا يَتَنَاوَلُ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ - {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} [البقرة: 21] {يَا عِبَادِيَ} [العنكبوت: 56] كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ اهـ. وَالْحِكْمَةُ فِيهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّهَا دُعَاءٌ، وَكُلُّ شَخْصٍ مَجْبُولٌ عَلَى الدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ وَطَلَبِ الْخَيْرِ لَهَا، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ كُلْفَةٌ، وَالْإِيجَابُ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ لَا يَكُونُ إلَّا فِيمَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ عَلَى النَّفْسِ وَمُنَافَرَةٌ لِطَبْعِهَا لِيَتَحَقَّقَ الِابْتِلَاءُ كَمَا قُرِّرَ فِي الْأُصُولِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى - {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]- وَنَحْوُهُ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِيجَابَ وَلِذَلِكَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْته فَوْقَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ» ح مُلَخَّصًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 (وَاخْتَلَفَ) الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ (فِي وُجُوبِهَا) عَلَى السَّامِعِ وَالذَّاكِرِ (كُلَّمَا ذُكِرَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَالْمُخْتَارُ) عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ (تَكْرَارُهُ) أَيْ الْوُجُوبُ (كُلَّمَا ذُكِرَ) وَلَوْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ فِي الْأَصَحِّ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ كُلَّمَا ذُكِرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (قَوْلُهُ فِي وُجُوبِهَا) أَيْ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَذْكُرْ السَّلَامَ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَسَلِّمُوا} [الأحزاب: 56] أَيْ لِقَضَائِهِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: أَيْ فَالْمُرَادُ بِالسَّلَامِ الِانْقِيَادُ، وَعَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى الْأَكْثَرِينَ (قَوْلُهُ وَالذَّاكِرِ) أَيْ ذَاكِرِ اسْمِهِ الشَّرِيفِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْتِدَاءً لَا فِي ضِمْنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي (قَوْلُهُ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ) قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْمَذْهَبِ الِاسْتِحْبَابُ، وَتَبِعَ الطَّحَاوِيَّ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَلِيمِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَحَكَى عَنْ اللَّخْمِيِّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَابْنِ بَطَّةَ مِنْ الْحَنَابِلَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ: إنَّهُ الْأَحْوَطُ، كَذَا فِي شَرْحِ الْفَاسِيِّ عَلَى الدَّلَائِلِ، وَيَأْتِي أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ. (قَوْلُهُ تَكْرَارُهُ أَيْ الْوُجُوبُ) قَيَّدَ الْقَرْمَانِيُّ فِي شَرْحِ مُقَدِّمَةِ أَبِي اللَّيْثِ وُجُوبَ التَّكْرَارِ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ بِكَوْنِهِ عَلَى سَبِيلِ الْكِفَايَةِ لَا الْعَيْنِ، وَقَالَ: فَإِذَا صَلَّى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ يَسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَعْظِيمُهُ وَإِظْهَارُ شَرَفِهِ عِنْدَ ذِكْرِ اسْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. وَتَمَامُهُ فِي ح (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) صَحَّحَهُ الزَّاهِدِيُّ فِي الْمُجْتَبَى، لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْكَافِي وُجُوبَ الصَّلَاةِ مَرَّةً فِي كُلِّ مَجْلِسٍ كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ حَيْثُ قَالَ فِي بَابِ التِّلَاوَةِ: وَهُوَ كَمَنْ سَمِعَ اسْمَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِرَارًا لَمْ تَلْزَمْهُ الصَّلَاةُ إلَّا مَرَّةً فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ تَكْرَارَ اسْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحِفْظِ سُنَّتِهِ الَّتِي بِهَا قِوَامُ الشَّرِيعَةِ، فَلَوْ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ بِكُلِّ مَرَّةٍ لَأَفْضَى إلَى الْحَرَجِ، غَيْرَ أَنَّهُ يُنْدَبُ تَكْرَارُ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ السُّجُودِ وَالتَّشْمِيتِ كَالصَّلَاةِ، وَقِيلَ يَجِبُ التَّشْمِيتُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إلَى الثَّلَاثِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوُجُوبَ يَتَدَاخَلُ فِي الْمَجْلِسِ فَيَكْتَفِي بِمَرَّةٍ لِلْحَرَجِ كَمَا فِي السُّجُودِ إلَّا أَنَّهُ يُنْدَبُ تَكْرَارُ الصَّلَاةِ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ، بِخِلَافِ السُّجُودِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي شَرْحِهِ عَنْ شَرْحِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْجَامِعِ الْكَبِيرِ جَازِمًا بِهِ، لَكِنْ بِدُونِ لَفْظِ التَّصْحِيحِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ تَصْحِيحَ الزَّاهِدِيِّ لَا يُعَارِضُ تَصْحِيحَ النَّسَفِيِّ صَاحِبِ الْكَافِي، عَلَى أَنَّ الزَّاهِدِيَّ خَالَفَ نَفْسَهُ حَيْثُ قَالَ فِي كَرَاهِيَةِ الْقُنْيَةِ: وَقِيلَ يَكْفِي فِي الْمَجْلِسِ مَرَّةً كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَبِهِ يُفْتَى. اهـ. وَأَوْرَدَ الشَّارِحُ فِي الْخَزَائِنِ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا فِي الْكَافِي مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ. اهـ. وَهَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْكَرْخِيُّ قَائِلًا بِوُجُوبِ التَّكْرَارِ كُلَّمَا ذُكِرَ إلَّا فِي الْمَجْلِسِ الْمُتَّحِدِ فَيَجِبُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَأَنَّهُ لَا يَبْقَى الْخِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّحَاوِيِّ إلَّا فِيمَا إذَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ، وَالْمَنْقُولُ خِلَافُهُ. وَأَوْرَدَ ابْنُ مَلَكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ أَنَّ التَّدَاخُلَ يُوجَدُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقُّهُ. اهـ. وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ الْوُجُوبَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَنْوِي امْتِثَالَ الْأَمْرِ. مَطْلَبٌ هَلْ نَفْعُ الصَّلَاةِ عَائِدٌ لِلْمُصَلِّي أَمْ لَهُ وَلِلْمُصَلِّي عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ نَفْعَ الصَّلَاةِ غَيْرُ عَائِدٍ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ لِلْمُصَلِّي فَقَطْ، وَكَذَا قَالَ السَّنُوسِيُّ فِي شَرْحِ وُسْطَاهُ: إنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا كَسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا نَفْعُ الْمَدْعُوِّ لَهُ. اهـ. وَذَهَبَ الْقُشَيْرِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ إلَى أَنَّ النَّفْعَ لَهُمَا، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَهِيَ عِبَادَةٌ يُتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالْعِبَادَةُ لَا تَكُونُ حَقَّ عَبْدٍ؛ وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّهَا حَقُّ عَبْدٍ فَيَسْقُطُ الْوُجُوبُ لِلْحَرَجِ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ الْحَرَجَ سَاقِطٌ بِالنَّصِّ، وَلَا حَرَجَ فِي إبْقَاءِ النَّدْبِ. وَقَدْ جَزَمَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 لَا لِأَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، بَلْ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ وُجُوبُهَا بِسَبَبٍ مُتَكَرِّرٍ وَهُوَ الذِّكْرُ، فَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ وَتَصِيرُ دَيْنًا بِالتَّرْكِ، فَتُقْضَى لِأَنَّهَا حَقُّ عَبْدٍ كَالتَّشْمِيتِ بِخِلَافِ ذِكْرِهِ تَعَالَى (وَالْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُهُ) أَيْ التَّكْرَارُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ وَالْمُعْتَمَدُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ، كَذَا ذَكَرَهُ الْبَاقَانِيُّ تَبَعًا لِمَا صَحَّحَهُ الْحَلَبِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَحَادِيثِ الْوَعِيدِ: كَرَغْمٍ وَإِبْعَادٍ وَشَقَاءٍ   [رد المحتار] زَادِ الْفَقِيرِ فَقَالَ: مُقْتَضَى الدَّلِيلِ افْتِرَاضُهَا فِي الْعُمْرِ مَرَّةً، وَإِيجَابُهَا كُلَّمَا ذُكِرَ، إلَّا أَنْ يَتَّحِدَ الْمَجْلِسُ فَيُسْتَحَبُّ التَّكْرَارُ بِالتَّكْرَارِ، فَعَلَيْك بِهِ اتَّفَقَتْ الْأَقْوَالُ أَوْ اخْتَلَفَتْ. اهـ. فَقَدْ اتَّضَحَ لَك أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا فِي الْكَافِي. وَسَمِعْت قَوْلَ الْقُنْيَةِ إنَّهُ بِهِ يُفْتَى، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْفَتْوَى آكَدُ أَلْفَاظِ التَّصْحِيحِ. [فَرْعٌ] السَّلَامُ يُجْزِئُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِنْدِيَّةٌ عَنْ الْغَرَائِبِ (قَوْلُهُ لَا لِأَنَّ الْأَمْرَ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَالْمُخْتَارُ تَكْرَارُهُ إلَخْ. وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ. تَقْرِيرُهُ أَنَّهُ قَوْله تَعَالَى - {صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56]- أَمْرٌ. وَالْأَصْلُ أَنَّ الْأَمْرَ عِنْدَنَا لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَلَا يَحْتَمِلُهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّكْرَارَ لَمْ يَجِبْ بِالْآيَةِ وَإِلَّا كَانَ فَرْضًا وَخَالَفَ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ، وَإِنَّمَا وَجَبَ بِأَحَادِيثِ الْوَعِيدِ الْآتِيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى سَبَبِيَّةِ الذِّكْرِ لِلْوُجُوبِ وَالْوُجُوبُ يَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِ سَبَبِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا حَقُّ عَبْدٍ) عَلِمْت آنِفًا مَا فِيهِ (قَوْلُهُ كَالتَّشْمِيتِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَقْضِي كَالصَّلَاةِ وَحَرِّرْهُ نَقْلًا، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْكَافِي أَنَّهُ كَالصَّلَاةِ يَجِبُ فِي الْمَجْلِسِ مَرَّةً، وَقِيلَ إلَى ثَلَاثٍ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ. وَفِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ لَا يُشَمِّتُهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ التَّشْمِيتُ إذَا حَمِدَ الْعَاطِسُ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ بِخِلَافِ ذِكْرِهِ تَعَالَى) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى إذَا فَاتَ لِأَنَّهُ حَقُّ الرَّبِّ تَعَالَى كَمَا يُفْهَمُ مِنْ تَعْلِيلِ الشَّارِحِ فِي مُقَابِلِهِ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ حَقَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِدَلِيلِ الصَّوْمِ وَنَحْوِهِ ح. قَالَ الزَّاهِدِيُّ: وَفِي النَّظْمِ إذَا تَكَرَّرَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَجَالِسَ يَجِبُ لِكُلِّ مَجْلِسٍ ثَنَاءٌ عَلَى حِدَةٍ، وَلَوْ تَرَكَهُ لَا يَبْقَى دَيْنًا عَلَيْهِ وَكَذَا فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنْ لَوْ تَرَكَهَا تَبْقَى دَيْنًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ تَجَدُّدِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُوجِبَةِ لِلثَّنَاءِ فَلَا يَكُونُ وَقْتٌ لِلْقَضَاءِ كَقَضَاءِ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ ثَنَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبًا كُلَّ وَقْتٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ مَا يَفْعَلُهُ ثَانِيًا قَضَاءً عَمَّا تَرَكَهُ أَوَّلًا لِأَنَّ الشَّيْءَ فِي مَحَلِّهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُضَايِقَهُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ، بِأَنَّ جَمِيعَ الْأَوْقَاتِ وَإِنْ كَانَ وَقْتًا لِلْأَدَاءِ لَكِنْ لَيْسَ مُطَالَبًا بِالْأَدَاءِ لِأَنَّهُ رُخِّصَ لَهُ فِي التَّرْكِ. اهـ. أَيْ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُطَالَبًا بِالْأَدَاءِ يُجْعَلُ مَا يَأْتِي بِهِ قَضَاءً لِأَجْلِ تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إذَا كَانَ التَّرْكُ رُخْصَةً يَكُونُ عَدَمُهُ عَزِيمَةً، وَإِذَا أَتَى بِالْعَزِيمَةِ يَكُونُ آتِيًا بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَيَكُونُ أَدَاءً لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ كَالْمُسَافِرِ يُرَخَّصُ لَهُ الْإِفْطَارُ، فَإِذَا صَامَ يَكُونُ آتِيًا بِالْعَزِيمَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ وَمِثْلُهُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ الرُّبَاعِيِّ يُرَخَّصُ لَهُ فِي تَرْكِهَا، وَإِذَا قَرَأَهَا لَا تَقَعُ قَضَاءً عَمَّا فَاتَهُ فِي الْأُولَيَيْنِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) عَزَاهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ. وَفِي الْخَزَائِنِ وَرَجَّحَهُ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّهُ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى، وَجَعَلَهُ ابْنُ السَّاعَاتِيِّ قَوْلَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَمَدُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ) قَالَ فِي الْخَزَائِنِ: وَصَحَّحَهُ فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا، وَجَعَلَهُ فِي الْحَاوِي قَوْلَ الْأَكْثَرِ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ. وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَهُوَ مَذْهَبِي. وَقَالَ الْبَاقَانِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ) أَيْ تَبَعًا لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ عَنْ التُّحْفَةِ وَالْمُحِيطِ الرَّضَوِيُّ ح (قَوْلُهُ كَرَغْمٍ وَإِبْعَادٍ وَشَقَاءٍ) أَخْرَجَ كَثِيرُونَ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ صَحِيحُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 وَبُخْلٍ وَجَفَاءٍ، ثُمَّ قَالَ: فَتَكُونُ فَرْضًا فِي الْعُمْرِ، وَوَاجِبًا كُلَّمَا ذُكِرَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَحَرَامًا عِنْدَ فَتْحِ التَّاجِرِ مَتَاعَهُ وَنَحْوِهِ، وَسُنَّةٌ فِي الصَّلَاةِ، وَمُسْتَحَبَّةٌ فِي كُلِّ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ، وَمَكْرُوهَةٌ فِي صَلَاةِ غَيْرِ تَشَهُّدٍ أَخِيرٍ   [رد المحتار] الْإِسْنَادِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُحْضُرُوا الْمِنْبَرَ فَحَضَرْنَا، فَلَمَّا ارْتَقَى دَرَجَةً قَالَ آمِينَ، ثُمَّ ارْتَقَى الثَّانِيَةَ وَقَالَ آمِينَ، ثُمَّ ارْتَقَى الثَّالِثَةَ وَقَالَ آمِينَ، فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ سَمِعْنَا مِنْك شَيْئًا مَا كُنَّا نَسْمَعُهُ، فَقَالَ: إنَّ جِبْرِيلَ عَرَضَ عَلَيَّ فَقَالَ: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَقُلْت آمِينَ، فَلَمَّا رَقِيت أَيْ بِكَسْرِ الْقَافِ الثَّانِيَةِ قَالَ بَعُدَ مَنْ ذُكِرْت عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْك، فَقُلْت آمِينَ، فَلَمَّا رَقِيت الثَّالِثَةَ، قَالَ: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ الْكِبَرُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ، قُلْت آمِينَ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْك فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ» وَفِي أُخْرَى صَحَّحَهَا الْحَاكِمُ «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ» وَفِي أُخْرَى سَنَدُهَا حَسَنٌ «شَقِيٌّ عَبْدٌ ذُكِرْت عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْك» مِنْ الدُّرِّ الْمَنْضُودِ لِابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ وَبُخْلٍ وَجَفَاءٍ) أَيْ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْت عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ شَرْحُ الْمُنْيَةِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ الْجَفَاءِ أَنْ أُذْكَرَ عِنْدَ الرَّجُلِ فَلَا يُصَلِّي عَلَيَّ» رَوَاهُ السُّيُوطِيّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. (قَوْلُهُ وَحَرَامًا إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ، لِمَا فِي كَرَاهِيَةِ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ إذَا فَتَحَ التَّاجِرُ الثَّوْبَ فَسَبَّحَ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ بِهِ إعْلَامَ الْمُشْتَرِي جَوْدَةَ ثَوْبِهِ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَكَذَا الْحَارِسُ لَأَنْ يَأْخُذَ لِذَلِكَ ثَمَنًا، وَكَذَا الْفُقَّاعَيْ إذَا قَالَ ذَلِكَ عِنْدَ فَتْحِ فُقَّاعَةٍ عَلَى قَصْدِ تَرْوِيجِهِ وَتَحْسِينِهِ يَأْثَمُ، وَعَنْ هَذَا يُمْنَعُ إذَا قَدِمَ وَاحِدٌ مِنْ الْعُظَمَاءِ إلَى مَجْلِسٍ فَسَبَّحَ أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إعْلَامًا بِقُدُومِهِ حَتَّى يُفَرِّجَ لَهُ النَّاسُ أَوْ يَقُومُوا لَهُ يَأْثَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسُنَّةٌ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ فِي قُعُودٍ أَخِيرٍ مُطْلَقًا، وَكَذَا فِي قُعُودٍ أَوَّلٍ فِي النَّوَافِلِ غَيْرِ الرَّوَاتِبِ تَأَمَّلْ وَفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ. مَطْلَبٌ نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَوَاضِعَ (قَوْلُهُ وَمُسْتَحَبَّةٌ فِي كُلِّ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ) أَيْ حَيْثُ لَا مَانِعَ. وَنَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا فِي مَوَاضِعَ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَهَا، وَزِيدَ يَوْمُ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ وَالْخَمِيسِ، لِمَا وَرَدَ فِي كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَعِنْدَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ، وَعِنْدَ زِيَارَةِ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَفِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا، وَعَقِبَ إجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ، وَعِنْدَ الْإِقَامَةِ، وَأَوَّلُ الدُّعَاءِ وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ، وَعَقِبَ دُعَاءِ الْقُنُوتِ، وَعِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّلْبِيَةِ، وَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ، وَعِنْدَ الْوُضُوءِ، وَعِنْدَ طَنِينِ الْأُذُنِ، وَعِنْدَ نِسْيَانِ الشَّيْءِ، وَعِنْدَ الْوَعْظِ وَنَشْرِ الْعُلُومِ، وَعِنْدَ قِرَاءَةِ الْحَدِيثِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، وَعِنْدَ كِتَابَةِ السُّؤَالِ وَالْفُتْيَا، وَلِكُلِّ مُصَنِّفٍ وَدَارِسٍ وَمُدَرِّسٍ وَخَطِيبٍ وَخَاطِبٍ وَمُتَزَوِّجٍ وَمُزَوِّجٍ. وَفِي الرَّسَائِلِ: وَبَيْنَ يَدَيْ سَائِرِ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ، وَعِنْدَ ذِكْرٍ أَوْ سَمَاعِ اسْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ كِتَابَتِهِ عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِوُجُوبِهَا، كَذَا فِي شَرْحِ الْفَاسِيِّ عَلَى دَلَائِلِ الْخَيْرَاتِ مُلَخَّصًا، وَغَالِبُهَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي كُتُبِنَا (قَوْلُهُ وَمَكْرُوهَةٌ فِي صَلَاةِ غَيْرِ تَشَهُّدٍ أَخِيرٍ) أَيْ وَغَيْرِ قُنُوتِ وِتْرٍ فَإِنَّهَا مَشْرُوعَةٌ فِي آخِرِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ فَالْأَوْلَى اسْتِثْنَاؤُهُ أَيْضًا ح وَكَذَا فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَتُسَنُّ فِيهَا. مَطْلَبٌ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[تَنْبِيهٌ] تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ: الْجِمَاعِ، وَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَشُهْرَةِ الْمَبِيعِ وَالْعَثْرَةِ، وَالتَّعَجُّبِ، وَالذَّبْحِ، وَالْعُطَاسِ عَلَى خِلَافٍ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ شَرْحُ الدَّلَائِلِ، وَنَصَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ عِنْدَنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 فَلِذَا اسْتَثْنَى فِي النَّهْرِ مِنْ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ مَا فِي تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ وَضَمِنَ صَلَاةً عَلَيْهِ لِئَلَّا يَتَسَلْسَلَ، بَلْ خَصَّهُ فِي دُرَرِ الْبِحَارِ بِغَيْرِ الذَّاكِرِ لِحَدِيثِ «مَنْ ذُكِرْت عِنْدَهُ فَلْيَحْفَظْ» وَإِزْعَاجُ الْأَعْضَاءِ بِرَفْعِ الصَّوْتِ جَهْلٌ وَإِنَّمَا هِيَ دُعَاءٌ لَهُ، وَالدُّعَاءُ يَكُونُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ. كَذَا اعْتَمَدَهُ الْبَاجِيَّ فِي كَنْزِ الْعُفَاةِ، وَحَرَّرَ أَنَّهَا قَدْ تُرَدُّ كَكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ مَعَ أَنَّهَا   [رد المحتار] فِي الشِّرْعَةِ فَقَالَ: وَلَا يَذْكُرُهُ عِنْدَ الْعُطَاسِ، وَلَا عِنْدَ ذَبْحِ الذَّبِيحَةِ، وَلَا عِنْدَ التَّعَجُّبِ (قَوْلُهُ فَلِذَا اسْتَثْنَى فِي النَّهْرِ إلَخْ) أَقُولُ: يُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا لَوْ ذَكَرَهُ أَوْ سَمِعَهُ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ وَقْتَ الْخُطْبَةِ لِوُجُوبِ الْإِنْصَاتِ وَالِاسْتِمَاعِ فِيهِمَا. وَفِي كَرَاهِيَةِ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَلَوْ سَمِعَ اسْمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقْرَأُ لَا يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَسَنٌ، كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ، وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَمَرَّ عَلَى اسْمِ نَبِيٍّ فَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى تَأْلِيفِهِ وَنَظْمِهِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِنْ فَرَغَ فَفَعَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ. اهـ. (قَوْلُهُ مَا فِي تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ) أَيْ فِي غَيْرِ النَّوَافِلِ فَإِنَّهُ وَإِنْ ذُكِرَ فِيهِ اسْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالصَّلَاةُ فِيهِ تُكْرَهُ تَحْرِيمًا فَضْلًا عَنْ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَتَسَلْسَلَ) عِلَّةً لِلثَّانِي: أَيْ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ لَا تَخْلُو مِنْ ذِكْرِهِ، فَلَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِهَا اسْتَدْعَتْ صَلَاةً أُخْرَى وَهَلُمَّ جَرَّا وَفِيهِ حَرَجٌ: أَمَّا عِلَّةُ الْأَوَّلِ فَهِيَ مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ وَلِهَذَا اسْتَثْنَى: أَيْ وَلِكَرَاهَتِهَا فِي تَشَهُّدٍ غَيْرِ أَخِيرٍ اسْتَثْنَى إلَخْ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ وَضِمْنِ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى تَشَهُّدٍ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ عِلَّتِهِ بِدَلِيلِ الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهَا لِلثَّانِي فَقَطْ، وَإِلَّا لَقَالَ وَلِئَلَّا يَتَسَلْسَلَ بِالْعَطْفِ عَلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى، وَبِدَلِيلِ أَنَّ الْعِلَّةَ الْأُولَى لَا تَصْلُحُ لِلْحُكْمِ الثَّانِي (قَوْلُهُ بَلْ خَصَّهُ فِي دُرَرِ الْبِحَارِ إلَخْ) أَيْ خُصَّ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ بِالْوُجُوبِ بِمَا عَدَا الذَّاكِرَ، دَفْعًا لِمَا أَوْرَدَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الطَّحَاوِيِّ مِنْ اسْتِلْزَامِ التَّسَلْسُلِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ لَا تَخْلُو عَنْ ذِكْرِهِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ تَخْصِيصُ الْوُجُوبِ عَلَى السَّامِعِ فَقَطْ لِأَنَّ أَحَادِيثَ الْوَعِيدِ الْمَارَّةِ تُفِيدُ ذَلِكَ، فَإِنَّ لَفْظَ «الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْت عِنْدَهُ» لَا يَشْمَلُ الذَّاكِرَ لِأَنَّ مَنْ الْمَوْصُولَةَ بِمَعْنَى الشَّخْصِ الَّذِي وَقَعَ الذِّكْرُ فِي حَضْرَتِهِ فَيَسْتَدْعِي أَنْ يَكُونَ الذَّاكِرُ غَيْرَهُ، وَإِلَّا لَقِيلَ مَنْ ذَكَرَنِي. وَأَجَابَ ح بِأَنَّ الذَّاكِرَ دَاخِلٌ بِدَلَالَةِ الْمُسَاوَاةِ، وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعْظِيمُهُ وَالذَّاكِرُ لَهُ لَا يَذْكُرُهُ إلَّا فِي مَقَامِ التَّعْظِيمِ، فَلَا تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ، بَلْ تَلْزَمُ السَّامِعَ لِئَلَّا يُخِلَّ بِالتَّعْظِيمِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تَأَمَّلْ، لَكِنَّ هَذَا يَشْمَلُ الذَّاكِرَ ابْتِدَاءً أَوْ فِي ضِمْنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهِ صَرَّحَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ، فَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ مُخَالِفٌ لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ أَوَّلًا مِنْ الْوُجُوبِ عَلَى الذَّاكِرِ وَالسَّامِعِ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ السَّاعَاتِيِّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مَجْمَعِهِ، وَلِمَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ مَلَكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ عَلَى زَادِ الْفَقِيرِ مِنْ تَخْصِيصِهِ الْوُجُوبَ عَلَى الذَّاكِرِ بِالذَّاكِرِ ابْتِدَاءً لَا فِي ضِمْنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا أَقْرَبُ، وَلَا حَاجَةَ فِي دَفْعِ التَّسَلْسُلِ إلَى تَعْمِيمِ الذَّاكِرِ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَكْرَارِ الْوُجُوبِ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ، وَقَدَّمْنَا تَرْجِيحَ التَّدَاخُلِ وَالِاكْتِفَاءِ بِمَرَّةٍ، وَعَلَيْهِ فَإِيرَادُ التَّسَلْسُلِ مِنْ أَصْلِهِ مَدْفُوعٌ (قَوْلُهُ وَإِزْعَاجُ الْأَعْضَاءِ) قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: رَفْعُ الصَّوْتِ عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَالْوَعْظِ مَكْرُوهٌ، وَمَا يَفْعَلُهُ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الْوَجْدَ وَالْمَحَبَّةَ لَا أَصْلَ لَهُ، وَيُمْنَعُ الصُّوفِيَّةُ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ وَتَخْرِيقِ الثِّيَابِ، كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَحَرِّرْ أَنَّهَا قَدْ تُرَدُّ) أَيْ لَا تُقْبَلُ. وَالْقَبُولُ تَرَتُّبُ الْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ مِنْ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ كَتَرْتِيبِ الثَّوَابِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الطَّاعَةِ شُرُوطَهَا وَأَرْكَانَهَا الْقَبُولُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، قَالَ لِأَنَّ الْقَبُولَ لَهُ شَرْطٌ صَعْبٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] أَيْ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى صِدْقِ الْعَزِيمَةِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَتَفَضَّلُ الْمَوْلَى تَعَالَى بِالثَّوَابِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ بِمَحْضِ فَضْلِهِ لَا بِإِيجَابٍ عَلَيْهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ وَاَللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ، نَعَمْ حَيْثُ وَعَدَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالثَّوَابِ عَلَى الطَّاعَةِ وَنَحْوِ الْأَلَمِ حَتَّى الشَّوْكَةَ يُشَاكُهَا بِمَحْضِ فَضْلِهِ تَعَالَى لَا بُدَّ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] وُجُودِهِ لِوَعْدِهِ الصَّادِقِ. قَالَ تَعَالَى {أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ} [آل عمران: 195] وَعَلَى هَذَا فَعَدَمُ الْقَبُولِ لِبَعْضِ الْأَعْمَالِ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ اسْتِيفَاءِ شُرُوطِ الْقَبُولِ: كَعَدَمِ الْخُشُوعِ فِي نَحْوِ الصَّلَاةِ، أَوْ عَدَمِ حِفْظِ الْجَوَارِحِ فِي الصَّوْمِ، أَوْ عَدَمِ طِيبِ الْمَالِ فِي الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ، أَوْ عَدَمِ الْإِخْلَاصِ مُطْلَقًا، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْعَوَارِضِ. وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ تُرَدُّ عَدَمُ إثَابَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهَا لِعَارِضٍ كَاسْتِعْمَالِهَا عَلَى مُحَرَّمٍ كَمَا مَرَّ، أَوْ لِإِتْيَانِهِ بِهَا مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ أَوْ لِرِيَاءٍ وَسُمْعَةٍ؛ كَمَا أَنَّ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ مِنْهَا لَوْ أَتَى بِهَا نِفَاقًا أَوْ رِيَاءً لَا تُقْبَلُ: وَأَمَّا إذَا خَلَتْ مِنْ هَذِهِ الْعَوَارِضِ وَنَحْوِهَا فَالظَّاهِرُ الْقَبُولُ حَتْمًا إنْجَازًا لِلْوَعْدِ الصَّادِقِ كَغَيْرِهَا مِنْ الطَّاعَاتِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنْ وَقَعَ فِي كَلَامِ كَثِيرِينَ مَا يَقْتَضِي الْقَبُولَ مُطْلَقًا؛ فَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِمُصَنِّفِهِ أَنَّ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الدُّعَاءِ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ لِمَا بَعْدَهَا مِنْ الدُّعَاءِ فَإِنَّ الْكَرِيمَ لَا يَسْتَجِيبُ بَعْضَ الدُّعَاءِ وَيَرُدُّ بَعْضَهُ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِهِ لِابْنِ مَلَكٍ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْفَاسِيُّ فِي شَرْحِ الدَّلَائِلِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ فِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ: الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجَابَةٌ عَلَى الْقَطْعِ، فَإِذَا اقْتَرَنَ بِهَا السُّؤَالُ شُفِعَتْ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ فَقُبِلَ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَذْكُورٌ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ الصَّالِحِ. وَاسْتَشْكَلَ كَلَامَهُ هَذَا الشَّيْخُ السَّنُوسِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَمْ يَجِدُوا لَهُ مُسْتَنِدًا، وَقَالُوا: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَطْعٌ فَلَا مِرْيَةَ فِي غَلَبَةِ الظَّنِّ وَقُوَّةِ الرَّجَاءِ. اهـ. وَذُكِرَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ دَلَائِلِ الْخَيْرَاتِ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ حَاجَتَهُ فَلْيُكْثِرْ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ حَاجَتَهُ، وَلْيَخْتِمْ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ الصَّلَاتَيْنِ، وَهُوَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَدَعَ مَا بَيْنَهُمَا. اهـ. مَطْلَبٌ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ تُرَدُّ أَمْ لَا قَالَ الْفَاسِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَمِنْ تَمَامِ كَلَامِ أَبِي سُلَيْمَانَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ: وَكُلُّ الْأَعْمَالِ فِيهَا الْمَقْبُولُ وَالْمَرْدُودُ إلَّا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهَا مَقْبُولَةٌ غَيْرُ مَرْدُودَةٍ: وَرَوَى الْبَاجِيَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: إذَا دَعَوْت اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَاجْعَلْ فِي دُعَائِك الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مَقْبُولَةٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَقْبَلَ بَعْضًا وَيَرُدَّ بَعْضًا، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي طَالِبٍ الْمَكِّيِّ وَحُجَّةِ الْإِسْلَامِ الْغَزَالِيِّ: وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ: لَمْ أَجِدْهُ مَرْفُوعًا، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ: وَمَنْ أَرَادَ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ إلَى شَرْحِ الدَّلَائِلِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَبُولِهَا قَطْعًا أَنَّهَا لَا تُرَدُّ أَصْلًا مَعَ أَنَّ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ قَدْ تُرَدُّ فَلِذَا اسْتَشْكَلَهُ السَّنُوسِيُّ وَغَيْرُهُ. وَاَلَّذِي يَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ السَّلَفِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ دُعَاءً وَالدُّعَاءُ مِنْهُ الْمَقْبُولُ وَمِنْهُ الْمَرْدُودُ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يُجِيبُ السَّائِلَ بِعَيْنِ مَا دَعَاهُ وَقَدْ يُجِيبُهُ بِغَيْرِهِ لِمُقْتَضَى حِكْمَتِهِ خَرَجَتْ الصَّلَاةُ مِنْ عُمُومِ الدُّعَاءِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ الْمُفِيدِ لِلِاسْتِمْرَارِ التَّجَدُّدِيِّ مَعَ الِافْتِتَاحِ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الْمُفِيدَةِ لِلتَّوْكِيدِ وَابْتِدَائِهَا بِإِنَّ لِزِيَادَةِ التَّوْكِيدِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَزَالُ مُصَلِّيًا عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ امْتَنَّ سُبْحَانَهُ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ حَيْثُ أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ أَيْضًا لِيَحْصُلَ لَهُمْ بِذَلِكَ زِيَادَةُ فَضْلٍ وَشَرَفٍ وَإِلَّا فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَغْنٍ بِصَلَاةِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِ، فَيَكُونُ دُعَاءُ الْمُؤْمِنِ بِطَلَبِ الصَّلَاةِ مِنْ رَبِّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 أَعْظَمُ مِنْهَا وَأَفْضَلُ؛ لِحَدِيثِ الْأَصْبَهَانِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً وَاحِدَةً فَتُقُبِّلَتْ مِنْهُ مَحَا اللَّهُ عَنْهُ ذُنُوبَ ثَمَانِينَ سَنَةً» فَقَيَّدَ الْمَأْمُولَ بِالْقَبُولِ (وَدَعَا) بِالْعَرَبِيَّةِ، وَحَرُمَ بِغَيْرِهَا نَهْرٌ لِنَفْسِهِ وَأَبَوَيْهِ وَأُسْتَاذِهِ الْمُؤْمِنِينَ.   [رد المحتار] تَعَالَى مَقْبُولًا قَطْعًا أَيْ مَجَّانًا لِإِخْبَارِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِأَنَّهُ يُصَلِّي عَلَيْهِ، بِخِلَافِ سَائِرِ أَنْوَاعِ الدُّعَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُؤْمِنَ يُثَابُ عَلَيْهَا أَوْ لَا يُثَابُ، بَلْ مَعْنَاهُ وَأَنَّ الطَّلَبَ وَالدُّعَاءَ مَقْبُولٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ. وَأَمَّا الثَّوَابُ فَهُوَ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الْعَوَارِضِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِي كَلَامِ السَّلَفِ، وَأَنَّ لَهُ سَنَدًا قَوِيًّا وَهُوَ إخْبَارُهُ تَعَالَى الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْعَظِيمَ الَّذِي هُوَ مِنْ فَيْضِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ، ثُمَّ رَأَيْت الرَّحْمَتِيَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ (قَوْلُهُ فَقَيَّدَ الْمَأْمُولَ) أَيْ قَيَّدَ الثَّوَابَ الَّذِي يُؤَمِّلُهُ الْعَبْدُ وَيَرْجُوهُ، وَهُوَ هُنَا مَحْوُ الذُّنُوبِ بِالْقَبُولِ: أَيْ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى صِدْقِ الْعَزِيمَةِ وَعَدَمِ الْمَوَانِعِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَ هَذَا الدُّعَاءِ مُجَابًا قَطْعًا. مَطْلَبٌ فِي الدُّعَاءِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ (قَوْلُهُ وَحَرُمَ بِغَيْرِهَا) أَقُولُ: نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْإِمَامِ الْقَرَافِيِّ الْمَالِكِيِّ مُعَلِّلًا بِاحْتِمَالِهِ عَلَى مَا يُنَافِي التَّعْظِيمَ. ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ اللَّقَانِيَّ الْمَالِكِيَّ نَقَلَ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَلَى مَنْظُومَتِهِ الْمُسَمَّاةِ جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ كَلَامَ الْقَرَافِيِّ، وَقَيَّدَ الْأَعْجَمِيَّةَ بِالْمَجْهُولَةِ الْمَدْلُولِ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِهِ بِجَوَازِ اشْتِمَالِهَا عَلَى مَا يُنَافِي جَلَالَ الرُّبُوبِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَاحْتَرَزْنَا بِذَلِكَ عَمَّا إذَا عُلِمَ مَدْلُولُهَا، فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ مُطْلَقًا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31] {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] . اهـ. لَكِنَّ الْمَنْقُولَ عِنْدَنَا الْكَرَاهَةُ؛ فَقَدْ قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ: وَكُرِهَ الدُّعَاءُ بِالْعَجَمِيَّةِ، لِأَنَّ عُمَرَ نَهَى عَنْ رَطَانَةِ الْأَعَاجِمِ. اهـ. وَالرَّطَانَةُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ: الْكَلَامُ بِالْأَعْجَمِيَّةِ. وَرَأَيْت فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ فِي بَحْثِ التَّكْبِيرِ بِالْفَارِسِيَّةِ أَنَّ التَّكْبِيرَ عِبَادَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يُحِبُّ غَيْرَ الْعَرَبِيَّةِ، وَلِهَذَا كَانَ الدُّعَاءُ بِالْعَرَبِيَّةِ أَقْرَبَ إلَى الْإِجَابَةِ، فَلَا يَقَعُ غَيْرُهَا مِنْ الْأَلْسُنِ فِي الرِّضَا وَالْمَحَبَّةِ لَهَا مَوْقِعَ كَلَامِ الْعَرَبِ. اهـ. وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ أَنَّ الدُّعَاءَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهِ تَنْزِيهِيَّةٌ. هَذَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْفَصْلِ أَنَّ الْإِمَامَ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا بِعَدَمِ جَوَازِ الصَّلَاةِ بِالْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ. وَأَمَّا صِحَّةُ الشُّرُوعِ بِالْفَارِسِيَّةِ وَكَذَا جَمِيعُ أَذْكَارِ الصَّلَاةِ فَهِيَ عَلَى الْخِلَافِ؛ فَعِنْدَهُ تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِهَا مُطْلَقًا خِلَافًا لَهُمَا كَمَا حَقَّقَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصِّحَّةَ عِنْدَهُ لَا تَنْفِي الْكَرَاهَةَ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِهَا فِي الشُّرُوعِ. وَأَمَّا بَقِيَّةُ أَذْكَارِ الصَّلَاةِ فَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ فِيهَا بِالْكَرَاهَةِ سِوَى مَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ بِالْفَارِسِيَّةِ مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا فِي الصَّلَاةِ وَتَنْزِيهًا خَارِجَهَا، فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ لِنَفْسِهِ وَأَبَوَيْهِ وَأُسْتَاذِهِ الْمُؤْمِنِينَ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا إذَا كَانُوا كُفَّارًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ كَمَا يَأْتِي، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَعَا لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ لَوْ كَانُوا أَحْيَاءً، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ وَلِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كَمَا فَعَلَ فِي الْمُنْيَةِ لِأَنَّ السُّنَّةَ التَّعْمِيمُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19] وَلِلْحَدِيثِ «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَدْعُ فِيهَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فَهِيَ خِدَاجٌ» ، كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلِخَبَرِ الْمُسْتَغْفِرِيِّ «مَا مِنْ دُعَاءٍ أَحَبَّ إلَى اللَّهِ مِنْ قَوْلِ الْعَبْدِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ مَغْفِرَةً عَامَّةً» وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، فَقَالَ: وَيْحَك لَوْ عَمَّمْت لَاسْتُجِيبَ لَك» وَفِي أُخْرَى «أَنَّهُ ضَرَبَ مَنْكِبَ مَنْ قَالَ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، ثُمَّ قَالَ لَهُ: عَمِّمْ فِي دُعَائِك، فَإِنَّ بَيْنَ الدُّعَاءِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: مِنْ سُنَنِ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ الدُّعَاءُ بِمَا شَاءَ مِنْ صَلَاحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا لِنَفْسِهِ وَلِوَالِدَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 وَيَحْرُمُ سُؤَالُ الْعَافِيَةِ مَدَى الدَّهْرِ، أَوْ خَيْرَ الدَّارَيْنِ وَدَفْعَ شَرِّهِمَا، أَوْ الْمُسْتَحِيلَاتِ الْعَادِيَّةِ كَنُزُولِ الْمَائِدَةِ، قِيلَ وَالشَّرْعِيَّةِ. وَالْحَقُّ حُرْمَةُ   [رد المحتار] وَأُسْتَاذِهِ وَجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ. اهـ. قَالَ: وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَأُسْتَاذِي لَا يُفْسِدُ مَعَ أَنَّ الْأُسْتَاذَ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ، فَيُقْضَى عَدَمُ الْفَسَادِ فِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِزَيْدٍ (قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ سُؤَالُ الْعَافِيَةِ مَدَى الدَّهْرِ إلَى قَوْلِهِ وَالْحَقُّ) هُوَ أَيْضًا مِنْ كَلَامِ الْقَرَافِيِّ الْمَالِكِيِّ، نَقَلَهُ عَنْهُ فِي النَّهْرِ، وَنَقَلَهُ أَيْضًا الْعَلَّامَةُ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِ جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ فَقَالَ: الثَّانِي مِنْ الْمُحَرَّمِ أَنْ يَسْأَلَ الْمُسْتَحِيلَاتِ الْعَادِيَّةِ وَلَيْسَ نَبِيًّا وَلَا وَلِيًّا فِي الْحَالِ: كَسُؤَالِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ التَّنَفُّسِ فِي الْهَوَاء لِيَأْمَنَ الِاخْتِنَاقَ، أَوْ الْعَافِيَةَ مِنْ الْمَرَضِ أَبَدَ الدَّهْرِ لِيَنْتَفِعَ بِقُوَاهُ وَحَوَاسِّهِ أَبَدًا. إذَا دَلَّتْ الْعَادَةُ عَلَى اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ، أَوْ وَلَدًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، أَوْ ثِمَارًا مِنْ غَيْرِ أَشْجَارٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ اللَّهُمَّ أَعْطِنِي خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِأَنَّهُ مُحَالٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُرَادَ الْخُصُوصُ بِغَيْرِ مَنَازِلِ الْأَنْبِيَاءِ وَمَرَاتِبِ الْمَلَائِكَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُدْرِكَهُ بَعْضُ الشُّرُورِ وَلَوْ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَوَحْشَةِ الْقَبْرِ، فَكُلُّهُ حَرَامٌ. الثَّالِثُ أَنْ يَطْلُبَ نَفْيَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ عَلَى نَفْيِهِ، كَقَوْلِهِ {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] إلَخْ مَعَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» فَهِيَ مَرْفُوعَةٌ، فَيَكُونُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَهُوَ سُوءُ أَدَبٍ، مِثْلُ: أَوْجِبْ عَلَيْنَا الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْخَطَإِ الْعَمْدَ وَبِمَا لَا يُطَاقُ لِلرَّزَايَا وَالْمِحَنِ فَيَجُوزُ. اهـ. مُلَخَّصًا. قَالَ اللَّقَانِيُّ: وَرَدَّ هَذَا بَعْضُهُمْ بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِمَا عَلِمْت السَّلَامَةَ مِنْهُ. اهـ. وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ: قِيلَ وَالشَّرْعِيَّةُ أَيْ لِأَنَّ أَحْسَنَ الدُّعَاءِ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَمِنْهُ {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا} [البقرة: 286] الْآيَةَ فَكَيْفَ يُنْهَى عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ الدُّعَاءُ بِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مَنْهِيًّا لَمَا سَاغَ الدُّعَاءُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا الدُّعَاءِ لَهُ بِالْوَسِيلَةِ، وَلَا بِقَوْلِ الْمُؤْمِنِ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] وَلَا بِلَعْنِ الشَّيَاطِينِ وَالْكَافِرِينَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ إظْهَارُ الْعَجْزِ وَالْعُبُودِيَّةِ، أَوْ الرَّغْبَةِ بِحُبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ حُبِّ الدِّينِ، أَوْ النُّفْرَةِ عَنْ فِعْلِ الْكَافِرِينَ وَنَحْوِهِمْ؛ بِخِلَافِ قَوْلِ الرَّجُلِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي رَجُلًا وَنَحْوَهُ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، أَوْ مَا فِيهِ تَحَكُّمٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كَطَلَبِ مَا لَيْسَ أَهْلًا لِنَيْلِهِ، أَوْ مَا كَانَ مُسْتَحِيلًا فَإِنَّهُ مِنْ الِاعْتِدَاءِ فِي الدُّعَاءِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55] . وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ إذَا دَخَلْتهَا، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ سَلْ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنْ النَّارِ، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ» . مَطْلَبٌ فِي الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ (قَوْلُهُ وَالْحَقُّ إلَخْ) رَدٌّ عَلَى الْإِمَامِ الْقَرَافِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الدُّعَاءَ بِالْمَغْفِرَةِ لِلْكَافِرِ كُفْرٌ لِطَلَبِهِ تَكْذِيبَ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ وَإِنَّ الدُّعَاءَ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ بِمَغْفِرَةِ جَمِيعِ ذُنُوبِهِمْ حَرَامٌ لِأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبًا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْذِيبِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّارِ بِذُنُوبِهِمْ وَخُرُوجِهِمْ مِنْهَا بِشَفَاعَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا، وَلَيْسَ بِكُفْرٍ لِلْفَرْقِ بَيْنَ تَكْذِيبِ خَبَرِ الْآحَادِ وَالْقَطْعِيِّ، وَوَافَقَهُ عَلَى الْأَوَّلِ صَاحِبُ الْحِلْيَةِ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ، وَخَالَفَهُ فِي الثَّانِي وَحُقِّقَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَةٍ شَهِيرَةٍ، وَهِيَ أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ الْخُلْفُ فِي الْوَعِيدِ؟ فَظَاهِرُ مَا فِي الْمَوَاقِفِ وَالْمَقَاصِدِ أَنَّ الْأَشَاعِرَةَ قَائِلُونَ بِجَوَازِهِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ نَقْصًا بَلْ جُودًا وَكَرَمًا. وَصَرَّحَ التَّفْتَازَانِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ، وَصَرَّحَ النَّسَفِيُّ بِأَنَّهُ الصَّحِيحُ لِاسْتِحَالَتِهِ عَلَيْهِ تَعَالَى، لِقَوْلِهِ {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} [ق: 28] {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: 29] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 الدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ لِلْكَافِرِ لَا لِكُلِّ الْمُؤْمِنِينَ كُلَّ ذُنُوبِهِمْ بَحْرٌ (بِالْأَدْعِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. لَا بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ) اضْطَرَبَ فِيهِ كَلَامُهُمْ وَلَا سِيَّمَا الْمُصَنِّفُ؛ وَالْمُخْتَارُ كَمَا قَالَهُ الْحَلَبِيُّ أَنَّ مَا هُوَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ فِي الْحَدِيثِ لَا يُفْسِدُ،   [رد المحتار] وقَوْله تَعَالَى {وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} [الحج: 47] أَيْ وَعِيدَهُ، وَإِنَّمَا يُمْدَحُ بِهِ الْعِبَادُ خَاصَّةً، فَهَذَا الدُّعَاءُ يَجُوزُ عَلَى الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي مَطْلَبٌ فِي خُلْفِ الْوَعِيدِ وَحُكْمِ الدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ لِلْكَافِرِ وَلِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْأَشْبَهُ تَرَجُّحُ جَوَازِ الْخُلْفِ فِي الْوَعِيدِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً دُونَ الْكُفَّارِ تَوْفِيقًا بَيْنَ أَدِلَّةِ الْمَانِعِينَ الْمُتَقَدِّمَةِ وَأَدِلَّةِ الْمُثْبِتِينَ الَّتِي مِنْ نَصِّهَا قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} [النساء: 48] وَقَوْلُهُ، عَنْ إبْرَاهِيمَ {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: 41] وَأَمَرَ بِهِ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19] وَفَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهَا وَمَا تَأَخَّرَ، مَا أَسَرَّتْ وَمَا أَعْلَنَتْ، ثُمَّ قَالَ: إنَّهَا لِدُعَائِي لِأُمَّتِي فِي كُلِّ صَلَاةٍ» . وَحَاصِلُ هَذَا الْقَوْلِ جَوَازُ التَّخْصِيصِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ بِوَضْعِهِ، اللُّغَوِيِّ مِنْ الْعُمُومِ فِي نُصُوصِ الْوَعِيدِ، وَلَا يُنَافِي النُّصُوصَ الصَّحِيحَةَ الْمُصَرِّحَةَ بِأَنَّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ وَيُعَاقَبُ فِيهَا عَلَى ذُنُوبِهِ لِأَنَّ الْغَرَضَ جَوَازُ مَغْفِرَةِ جَمِيعِ الذُّنُوبِ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ لَا الْجَزْمُ بِوُقُوعِهَا لِلْجَمِيعِ، وَجَوَازُ الدُّعَاءِ بِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ وُقُوعِهَا لَا عَلَى الْجَزْمِ بِوُقُوعِهَا، هَذَا خُلَاصَةُ مَا أَطَالَ بِهِ فِي الْحِلْيَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا دَلَّ مِنْ النُّصُوصِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ خُلْفِ الْوَعِيدِ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ جَائِزٌ عَقْلًا فَيَجُوزُ الدُّعَاءُ بِشُمُولِ الْمَغْفِرَةِ لَهُمْ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَاقِعٍ لِلنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْذِيبِ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ، وَجَوَازُ الدُّعَاءِ يُبْتَنَى عَلَى الْجَوَازِ عَقْلًا، لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ مَا ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ لَا يَجُوزُ عَدَمُهُ شَرْعًا. وَقَدْ نَقَلَ اللَّقَانِيُّ عَنْ الْأَبِيِّ وَالنَّوَوِيِّ انْعِقَادَ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نُفُوذِ الْوَعِيدِ فِي طَائِفَةٍ مِنْ الْعُصَاةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَكُونُ الدُّعَاءُ بِهِ مِثْلَ قَوْلِنَا اللَّهُمَّ لَا تُوجِبْ عَلَيْنَا الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ، وَأَيْضًا يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ الدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ لِمَنْ مَاتَ كَافِرًا أَيْضًا؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّمَا جَازَ الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ إظْهَارًا لِفَرْطِ الشَّفَقَةِ عَلَى إخْوَانِهِ، بِخِلَافِ الْكَافِرِينَ، وَبِخِلَافِ لَا تُوجِبْ عَلَيْنَا الصَّوْمَ لِقُبْحِ الدُّعَاءِ لِأَعْدَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِظْهَارِ التَّضَجُّرِ مِنْ الطَّاعَةِ، فَيَكُونُ. عَاصِيًا بِذَلِكَ لَا كَافِرًا عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ إنَّهُ الْحَقُّ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، لَكِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ الْعَفْوِ عَنْ الشِّرْكِ عَقْلًا، وَعَلَيْهِ يُبْتَنَى الْقَوْلُ بِجَوَازِ الْخُلْفِ فِي الْوَعِيدِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ؛ فَالدُّعَاءُ بِهِ كُفْرٌ لِعَدَمِ جَوَازِهِ عَقْلًا وَلَا شَرْعًا وَلِتَكْذِيبِهِ النُّصُوصَ الْقَطْعِيَّةَ بِخِلَافِ الدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ كَمَا عَلِمْت، فَالْحَقُّ مَا فِي الْحِلْيَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنْهَا لَا عَلَى مَا نَقَلَهُ ح فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَدَعَا بِالْأَدْعِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ الْكَنْزِ بِمَا يُشْبِهُ الْقُرْآنَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزٌ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْمُشَابَهَةَ لِإِرَادَتِهِ نَفْسَ الدُّعَاءِ لَا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ اهـ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يَنْوِي الْقِرَاءَةَ وَفِي الْمِعْرَاجِ أَوَّلَ الْبَابِ: وَتُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نُهِيت أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. اهـ. تَأَمَّلْ. هَذَا، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْإِمْدَادِ فِي بَحْثِ السُّنَنِ جُمْلَةٌ مِنْ الْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ، فَيَكْفِي سُهُولَةُ مُرَاجَعَتِهَا عَنْ ذِكْرِهَا هُنَا. [تَتِمَّةٌ] يَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ فِي صَلَاتِهِ بِدُعَاءٍ مَحْفُوظٍ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ بِمَا يَحْضُرُهُ، وَلَا يَسْتَظْهِرُ الدُّعَاءَ لِأَنَّ حِفْظَهُ يُذْهِبُ بِرِقَّةِ الْقَلْبِ هِنْدِيَّةٌ عَنْ الْمُحِيطِ؛ وَاسْتِظْهَارُهُ حِفْظَهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ (قَوْلُهُ لَا يُفْسِدُ) أَيْ مُطْلَقًا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 وَمَا لَيْسَ فِي أَحَدِهِمَا إنْ اسْتَحَالَ طَلَبُهُ مِنْ الْخَلْقِ لَا يُفْسِدُ وَإِلَّا يُفْسِدُ لَوْ قَبْلَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ، وَإِلَّا تَتِمُّ بِهِ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ سَجْدَةً فَلَا تَفْسُدُ بِسُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ مُطْلَقًا وَلَوْ لِعَمِّي أَوْ لِعَمْرٍو، وَكَذَا الرِّزْقُ مَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَالٍ وَنَحْوِهِ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْعِبَادِ مَجَازًا. (ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ) حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ؛ وَلَوْ عَكَسَ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ فَقَطْ، وَلَوْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ أُخْرَى، وَلَوْ نَسِيَ الْيَسَارَ أَتَى بِهِ مَا لَمْ يَسْتَدْبِرْ الْقِبْلَةَ   [رد المحتار] سَوَاءٌ اسْتَحَالَ طَلَبُهُ مِنْ الْعِبَادِ كَاغْفِرْ لِي أَوْ لَا كَارْزُقْنِي مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا. وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْفَضْلِيِّ فِي اخْتِيَارِهِ الْفَسَادَ بِمَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مُطْلَقًا، وَعَلَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ تَقْيِيدِهِ عَدَمَ الْفَسَادِ بِالْمُسْتَحِيلِ مِنْ الْعِبَادِ بِمَا إذَا كَانَ مَأْثُورًا، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْفَضْلِيِّ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْمَذْهَبُ الْإِطْلَاقُ (قَوْلُهُ إنْ اسْتَحَالَ طَلَبُهُ مِنْ الْخَلْقِ) كَاغْفِرْ لِعَمِّي أَوْ لِعَمْرٍو فَلَا يُفْسِدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْقُرْآنِ خِلَافًا لِلْفَضْلِيِّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا يُفْسِدْ) مِثْلُ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي بَقْلًا وَقِثَّاءً وَعَدَسًا وَبَصَلًا، أَوْ اُرْزُقْنِي فُلَانَةَ (قَوْلُهُ وَإِلَّا تَتِمَّ بِهِ) أَيْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ ط (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ سَجْدَةً) أَيْ صُلْبِيَّةً، فَتَفْسُدُ الصَّلَاةُ لِوُجُودِ الْقَاطِعِ الْمَانِعِ مِنْ إعَادَتِهَا وَهُوَ الدُّعَاءُ الْمَذْكُورُ، بِخِلَافِ التِّلَاوِيَّةِ وَالسَّهْوِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى سُجُودِهِمَا، فَتَتِمُّ الصَّلَاةُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا لِأَنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ وَالصُّلْبِيَّةُ رُكْنٌ، بَلْ لَوْ سَجَدَهُمَا فَهُوَ لَغْوٌ لِأَنَّهُ بَعْدَ قَطْعِ الصَّلَاةِ، كَمَا لَوْ سَلَّمَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِسَجْدَةٍ تِلَاوِيَّةٍ أَوْ سَهْوِيَّةٍ تَمَّتْ صَلَاتُهُ لِخُرُوجِهِ مِنْهَا بَعْدَ تَمَامِ الْأَرْكَانِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ التِّلَاوِيَّةَ كَالصُّلْبِيَّةِ فِي أَنَّهَا تَرْفَعُ الْقَعْدَةَ وَالتَّشَهُّدَ، فَذَاكَ فِيمَا إذَا فَعَلَهُمَا قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الصَّلَاةِ بِسَلَامٍ أَوْ كَلَامٍ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَذِكْرُ التِّلَاوِيَّةِ هُنَا خَطَأٌ صَرِيحٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّحْمَتِيُّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلَا تَفْسُدُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْمُخْتَارِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْقُرْآنِ كَاغْفِرْ لِي أَوْ لَا كَاغْفِرْ لِعَمِّي أَوْ لِعَمْرٍو لِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ يَسْتَحِيلُ طَلَبُهَا مِنْ الْعِبَادِ {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: 135] وَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الْفَسَادِ بِهِ اتِّفَاقًا مُؤَوَّلٌ بِاتِّفَاقِ مَنْ اخْتَارَ قَوْلَ الْفَضْلِيِّ، أَوْ مَمْنُوعٌ بِدَلِيلِ مَا فِي الْمُجْتَبَى، وَفِي أَقْرِبَائِي وَأَعْمَامِي اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الرِّزْقُ) أَيْ لَا يُفْسِدُ إذَا قَيَّدَهُ بِمَا يَسْتَحِيلُ مِنْ الْعِبَادِ كَارْزُقْنِي الْحَجَّ أَوْ رُؤْيَتَك بِخِلَافِ فُلَانَةَ، وَجَعَلَ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الْخُلَاصَةِ هُوَ الْأَصَحُّ. وَفِي النَّهْرِ: وَهَذَا التَّخْرِيجُ يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ اهـ. قُلْت: وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَهُ لِأَنَّهُ فِي الْقُرْآنِ {وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [المائدة: 114] وَجَعَلَ فِي الْهِدَايَةِ اُرْزُقْنِي مُفْسِدًا لِقَوْلِهِمْ رَزَقَ الْأَمِيرُ الْجُنْدَ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَرُجِّحَ عَدَمُ الْفَسَادِ لِأَنَّ الرَّازِقَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَنِسْبَتُهُ إلَى الْأَمِيرِ مَجَازٌ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: لِأَنَّ الرِّزْقَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مَا يَكُونُ غِذَاءً لِلْحَيَوَانِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِ الْمَخْلُوقِ إلَّا إيصَالَ سَبَبِهِ كَالْمَالِ، وَلِذَا لَوْ قَيَّدَهُ بِهِ فَقَالَ اُرْزُقْنِي مَالًا تَفْسُدُ بِلَا خِلَافٍ، وَعَلَيْهِ فَأَكْرِمْنِي أَوْ أَنْعِمْ عَلَيَّ يَنْبَغِي أَنْ يُفْسِدَ، إذْ يُقَالُ أَكْرَمَ فُلَانٌ فُلَانًا وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّهُ فِي الْمُحِيطِ ذُكِرَ عَنْ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ فِي الْقُرْآنِ: {إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ} [الفجر: 15] وَكَذَا لَوْ قَالَ أَمْدِدْنِي بِمَالٍ لَا يُفْسِدُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ أَصْلِحْ أَمْرِي فَبِالنَّظَرِ إلَى إطْلَاقِ الْأَمْرِ يَسْتَحِيلُ طَلَبُهُ مِنْ الْعِبَادِ. اهـ. مُلَخَّصًا. [تَنْبِيهٌ] فِي الْبَحْرِ عَنْ فَتَاوَى الْحُجَّةِ: لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ الْعَنْ الظَّالِمِينَ لَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ، وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا يَعْنِي ظَالِمَهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ. اهـ. أَيْ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِمُحَرَّمٍ وَإِنْ اسْتَحَالَ مِنْ الْعِبَادِ فَصَارَ كَلَامًا، أَوْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ بِدَلِيلِ - {أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [آل عمران: 87]- وَأَمَّا اللَّعْنَةُ عَلَى الظَّالِمِينَ فَهِيَ فِي الْقُرْآنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ) أَيْ حَتَّى يَرَاهُ مَنْ يُصَلِّي خَلْفَهُ أَفَادَهُ ح. وَفِي الْبَدَائِعِ: يُسَنُّ أَنْ يُبَالِغَ فِي تَحْوِيلِ الْوَجْهِ فِي التَّسْلِيمَتَيْنِ، وَيُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَكَسَ) بِأَنْ سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ أَوَّلًا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَقَطْ) أَيْ فَلَا يُعِيدُ التَّسْلِيمَ عَنْ يَسَارِهِ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَسْتَدْبِرْ الْقِبْلَةَ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 فِي الْأَصَحِّ، وَتَنْقَطِعُ بِهِ التَّحْرِيمَةُ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ بُرْهَانٌ وَقَدْ مَرَّ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مَا شُرِعَ فِي الصَّلَاةِ مَثْنًى فَلِلْوَاحِدِ حُكْمُ الْمَثْنَى، فَيَحْصُلُ التَّحْلِيلُ بِسَلَامٍ وَاحِدٍ كَمَا يَحْصُلُ بِالْمَثْنَى وَتَتَقَيَّدُ الرَّكْعَةُ بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا تَتَقَيَّدُ بِسَجْدَتَيْنِ (مَعَ الْإِمَامِ) إنْ أَتَمَّ التَّشَهُّدَ كَمَا مَرَّ. وَلَا يَخْرُجُ الْمُؤْتَمُّ بِنَحْوِ سَلَامِ الْإِمَامِ بَلْ بِقَهْقَهَتِهِ وَحَدَثِهِ عَمْدًا لِانْتِفَاءِ حُرْمَتِهَا فَلَا يُسَلِّمُ؛ وَلَوْ أَتَمَّهُ قَبْلَ إمَامِهِ فَتَكَلَّمَ جَازَ وَكُرِهَ، فَلَوْ عَرَضَ مُنَافٍ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَقَطْ (كَتَحْرِيمَةٍ) مَعَ الْإِمَامِ. وَقَالَا: الْأَفْضَلُ فِيهِمَا بَعْدَهُ   [رد المحتار] أَيْ أَوْ يَتَكَلَّمُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ: أَيْ وَإِنْ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ. وَعَدَلَ عَنْهُ الشَّارِحُ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ الْأَوَّلُ، وَعَبَّرَ الشَّارِحُ بِالْأَصَحِّ بَدَلَ الصَّحِيحِ وَالْخَطْبُ فِيهِ سَهْلٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ مَرَّ) أَيْ فِي الْوَاجِبَاتِ، حَيْثُ قَالَ: وَتَنْقَضِي قُدْوَةٌ بِالْأَوَّلِ قَبْلَ عَلَيْكُمْ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلتَّكْمِلَةِ. اهـ. أَيْ فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ بَعْدَهَا لِانْقِضَاءِ حُكْمِ الصَّلَاةِ. وَهَذَا فِي غَيْرِ السَّاهِي أَمَّا هُوَ إذَا سَجَدَ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ يَعُودُ إلَى حُرْمَتِهَا ط (قَوْلُهُ مَثْنَى) أَيْ اثْنَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى هَذَا كَثِيرًا، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: - {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى} [النساء: 3]- أَوْ يُرَادُ التَّكْرَارُ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ الَّذِي شُرِعَ فِيهَا مَثْنَى مَعَ الْمُوَالَاةِ السَّلَامُ وَالسُّجُودُ ط. وَأَمَّا الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ فَإِنَّهُ وَإِنْ تَكَرَّرَ فِي الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ مَعَ الْفَاصِلِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ هُنَا (قَوْلُهُ وَتَتَقَيَّدُ الرَّكْعَةُ بِالسَّجْدَةِ) حَتَّى لَوْ سَهَا فِي الْفَرْضِ فَقَامَ قَبْلَ الْقُعُودِ الْأَخِيرِ يَبْطُلُ فَرْضُهُ إذَا قَيَّدَ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ (قَوْلُهُ إنْ أَتَمَّ) أَيْ الْمُؤْتَمُّ لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِي السَّلَامِ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فَلَيْسَتْ بِأَوْلَى مِنْ تَمَامِ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ فِيهِ ح. وَهَلْ إتْمَامُ التَّشَهُّدِ وَاجِبٌ أَوْ أَوْلَى قَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فِيمَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمَأْمُومُ التَّسْبِيحَاتِ (قَوْلُهُ وَلَا يَخْرُجُ الْمُؤْتَمُّ) أَيْ عَنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ، حَتَّى لَوْ قَهْقَهَ قَبْلَهُ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ بِنَحْوِ سَلَامِ الْإِمَامِ إلَخْ) أَيْ مِمَّا هُوَ مُتَمِّمٌ لَهَا لَا مُفْسِدٌ، فَإِنَّهُ لَوْ سَلَّمَ بَعْدَ الْقَعْدَةِ أَوْ تَكَلَّمَ انْتَهَتْ صَلَاتُهُ وَلَمْ تَفْسُدْ، بِخِلَافِ الْقَهْقَهَةِ أَوْ الْحَدَثِ الْعَمْدِ لِانْتِفَاءِ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بِهِ لِأَنَّهُ مُفْسِدٌ لِلْجُزْءِ الْمُلَاقِي لَهُ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَفْسُدُ مُقَابِلُهُ مِنْ صَلَاةِ الْمُؤْتَمِّ، لَكِنَّهُ إنْ كَانَ مُدْرِكًا فَقَدْ حَصَلَ الْمُفْسِدُ بَعْدَ تَمَامِ الْأَرْكَانِ فَلَا يَضُرُّهُ كَالْإِمَامِ، بِخِلَافِ اللَّاحِقِ أَوْ الْمَسْبُوقِ. (قَوْلُهُ عَمْدًا) أَمَّا لَوْ كَانَ بِلَا صُنْعِهِ فَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ فَيَتَوَضَّأَ ثُمَّ يُسَلِّمَ وَيَتْبَعَهُ الْمُؤْتَمُّ (قَوْلُهُ فَلَا يُسَلِّمُ) أَيْ الْإِمَامُ أَوْ الْمُؤْتَمُّ بِهِ لِخُرُوجِهِ مِنْهَا اتِّفَاقًا؛ حَتَّى لَوْ قَهْقَهَ الْمُؤْتَمُّ لَا تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ (قَوْلُهُ لَوْ أَتَمَّهُ إلَخْ) أَيْ لَوْ أَتَمَّ الْمُؤْتَمُّ التَّشَهُّدَ، بِأَنْ أَسْرَعَ فِيهِ وَفَرَغَ مِنْهُ قَبْلَ إتْمَامِ إمَامَهُ فَأَتَى بِمَا يُخْرِجُهُ مِنْ الصَّلَاةِ كَسَلَامٍ أَوْ كَلَامٍ أَوْ قِيَامٍ جَازَ: أَيْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِحُصُولِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْأَرْكَانِ لِأَنَّ الْإِمَامَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَتَمَّ التَّشَهُّدَ لَكِنَّهُ قَعَدَ قَدْرَهُ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ مِنْ الْقَعْدَةِ قَدْرُ أَسْرَعَ مَا يَكُونُ مِنْ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ وَقَدْ حَصَلَ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لِلْمُؤْتَمِّ ذَلِكَ لِتَرْكِهِ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ بِلَا عُذْرٍ، فَلَوْ بِهِ كَخَوْفِ حَدَثٍ أَوْ خُرُوجِ وَقْتِ جُمُعَةٍ أَوْ مُرُورِ مَارٍّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ بَابِ الِاسْتِخْلَافِ (قَوْلُهُ فَلَوْ عَرَضَ مُنَافٍ) أَيْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ كَالْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ وَإِلَّا بِأَنْ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ عَمْدًا فَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَيْضًا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَقَطْ) أَيْ لَا صَلَاةُ الْمَأْمُومِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ خَرَجَ عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ قَبْلَ عُرُوضِ الْمُنَافِي لَهَا (قَوْلُهُ مَعَ الْإِمَامِ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّحْرِيمَةِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا هُنَا الْمَصْدَرُ أَيْ كَمَا يَحْرُمُ مَعَ الْإِمَامِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ التَّحْرِيمَةَ مُشَبَّهًا بِهَا لِأَنَّ الْمَعِيَّةَ فِيهَا رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْ الْإِمَامِ، بِخِلَافِ السَّلَامِ فَإِنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَصَحُّهُمَا الْمَعِيَّةُ ح (قَوْلُهُ وَقَالَا الْأَفْضَلُ فِيهِمَا بَعْدَهُ) أَفَادَ أَنَّ خِلَافَ الصَّاحِبَيْنِ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ نَهْرٌ. وَقِيلَ فِي الْجَوَازِ حَتَّى لَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ بِالْمُقَارَنَةِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَيَكُونُ مُسِيئًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: إنَّ قَوْلَهُ أَدَقُّ وَأَجْوَدُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 (قَائِلًا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ) هُوَ السُّنَّةُ، وَصَرَّحَ الْحَدَّادِيُّ بِكَرَاهَةِ: عَلَيْكُمْ السَّلَامُ (وَ) أَنَّهُ (لَا يَقُولُ) هُنَا (وَبَرَكَاتُهُ) وَجَعَلَهُ النَّوَوِيُّ بِدْعَةً، وَرَدَّهُ الْحَلَبِيُّ. وَفِي الْحَاوِي أَنَّهُ حَسَنٌ. (وَسُنَّ جَعْلُ الثَّانِي أَخْفَضَ مِنْ الْأَوَّلِ) خَصَّهُ فِي الْمُنْيَةِ بِالْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ (وَيَنْوِي) الْإِمَامُ بِخِطَابِهِ (السَّلَامَ عَلَى مَنْ فِي يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ) مِمَّنْ مَعَهُ فِي صَلَاتِهِ، وَلَوْ جِنًّا   [رد المحتار] وَقَوْلَهُمَا أَرْفَقُ وَأَحْوَطُ. وَفِي عَوْنِ الْمَرْوَزِيِّ: الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى فِي صِحَّةِ الشُّرُوعِ قَوْلُهُ وَفِي الْأَفْضَلِيَّةِ قَوْلُهُمَا. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُنْتَقَى الْمُقَارَنَةُ عَلَى قَوْلِهِ كَمُقَارَنَةِ حَلْقَةِ الْخَاتَمِ وَالْأُصْبُعِ. وَالْبَعْدِيَّةِ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنْ يُوصِلَ الْمُقْتَدِي هَمْزَةَ اللَّهُ بِرَاءِ أَكْبَرُ. مَطْلَبٌ فِي وَقْتِ إدْرَاكِ فَضِيلَةِ الِافْتِتَاحِ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي وَقْتِ إدْرَاكِ فَضِيلَةِ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ؛ فَعِنْدَهُ بِالْمُقَارَنَةِ، وَعِنْدَهُمَا إذَا كَبَّرَ فِي وَقْتِ الثَّنَاءِ، وَقِيلَ بِالشُّرُوعِ قَبْلَ قِرَاءَةِ ثَلَاثِ آيَاتٍ لَوْ كَانَ الْمُقْتَدِي حَاضِرًا، وَقِيلَ سَبْعٌ لَوْ غَائِبًا، وَقِيلَ بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَهَذَا أَوْسَعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. وَقِيلَ بِإِدْرَاكِ الْفَاتِحَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ خُلَاصَةٌ، وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ التَّحْرِيمَةِ وَالسَّلَامِ، فَأَفَادَ أَنَّ الْمُقَارَنَةَ فِي الْأَفْعَالِ أَفْضَلُ بِالْإِجْمَاعِ، وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ الْحَقَائِقِ (قَوْلُهُ هُوَ السُّنَّةُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ عَلَى وَجْهِ الْأَكْمَلِ أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ السَّلَامُ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَجْزَأَهُ وَكَانَ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ، وَصَرَّحَ فِي السِّرَاجِ بِكَرَاهَةِ الْأَخِيرِ. اهـ. قُلْت: تَصْرِيحُهُ بِذَلِكَ لَا يُنَافِي كَرَاهَةَ غَيْرِهِ أَيْضًا مِمَّا خَالَفَ السُّنَّةَ (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِكَرَاهَةٍ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ الْحَدَّادِيُّ أَيْضًا (قَوْلُهُ هُنَا) أَيْ فِي سَلَامِ التَّحَلُّلِ، بِخِلَافِ الَّذِي فِي التَّشَهُّدِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَرَدَّهُ الْحَلَبِيُّ) يَعْنِي الْمُحَقِّقَ ابْنَ أَمِيرِ حَاجٍّ حَيْثُ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ قَوْلَ النَّوَوِيِّ إنَّهَا بِدْعَةٌ وَلَمْ يَصِحَّ فِيهَا حَدِيثٌ بَلْ صَحَّ فِي تَرْكِهَا غَيْرُ مَا حَدِيثٍ مَا نَصُّهُ: لَكِنَّهُ مُتَعَقَّبٌ فِي هَذَا فَإِنَّهَا جَاءَتْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِشُذُوذِهَا وَإِنْ صَحَّ مَخْرَجُهَا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْحَاوِي أَنَّهُ حَسَنٌ) أَيْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ. وَعِبَارَتُهُ: وَزَادَ بَعْضُهُمْ وَبَرَكَاتُهُ وَهُوَ حَسَنٌ اهـ. وَقَالَ أَيْضًا فِي مَحَلٍّ آخَرَ: وَرُوِيَ وَبَرَكَاتُهُ (قَوْلُهُ أَخْفَضُ مِنْ الْأَوَّلِ) أَفَادَ أَنَّهُ يَخْفِضُ صَوْتَهُ بِالْأَوَّلِ أَيْضًا أَيْ عَنْ الزَّائِدِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ فِي الْإِعْلَامِ فَهُوَ خَفْضٌ نِسْبِيٌّ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ جَهْرٌ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِهِمَا إلَّا أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ إنَّهُ يَخْفِضُ الثَّانِي: أَيْ لَا يَجْهَرُ بِهِ أَصْلًا. وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ لِحَاجَةِ الْمُقْتَدِي إلَى سَمَاعِ الثَّانِي أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ بَعْدَ الْأَوَّلِ يَأْتِي بِهِ أَوْ يَسْجُدُ قَبْلَهُ لِسَهْوٍ حَصَلَ لَهُ، أَفَادَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: وَمِنْهَا أَيْ السُّنَنِ أَنْ يَجْهَرَ بِالتَّسْلِيمِ لَوْ إمَامًا لِأَنَّهُ لِلْخُرُوجِ عَنْ الصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعْلَامِ. اهـ. فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَيَنْوِي إلَخْ) أَيْ لِيَكُونَ مُقِيمًا لِلسُّنَّةِ، فَيَنْوِي ذَلِكَ كَسَائِرِ السُّنَنِ، وَلِذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ عَلَى أَحَدٍ خَارِجَ الصَّلَاةِ يَنْوِي السُّنَّةَ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلْإِمَامِ إلَى النِّيَّةِ لِأَنَّهُ يَجْهَرُ وَيُشِيرُ إلَيْهِمْ فَهُوَ فَوْقَ مُنْيَةٌ. اهـ. بَحْرٌ مُلَخَّصًا. وَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِشَارَةِ إلَيْهِمْ بِالْخِطَابِ حُصُولُ النِّيَّةِ بِإِقَامَةِ الْقُرْبَةِ فَلَا بُدَّ مِنْهَا. أَقُولُ: وَأَيْضًا فَإِنَّ التَّحَلُّلَ مِنْ الصَّلَاةِ لِمَا وَجَبَ بِالسَّلَامِ كَانَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْهُ التَّحَلُّلَ لَا خِطَابَ الْمُصَلِّينَ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الْخِطَابُ مَقْصُودًا أَصَالَةً لَزِمَتْ النِّيَّةُ لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ الزَّائِدَةِ عَلَى التَّحَلُّلِ الْوَاجِبِ، إذْ لَوْلَاهَا لَبَقِيَ السَّلَامُ لِمُجَرَّدِ التَّحَلُّلِ دُونَ التَّحِيَّةِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ السَّلَامَ) مَفْعُولُ يَنْوِي وَهُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ (قَوْلُهُ مِمَّنْ مَعَهُ فِي صَلَاتِهِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 أَوْ نِسَاءً، أَمَّا سَلَامُ التَّشَهُّدِ فَيَعُمُّ لِعَدَمِ الْخِطَابِ (وَالْحَفَظَةُ فِيهِمَا) بِلَا نِيَّةِ عَدَدٍ كَالْإِيمَانِ بِالْأَنْبِيَاءِ. وَقَدَّمَ الْقَوْلَ لِأَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ خَوَاصَّ بَنِي آدَمَ وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ الْمَلَائِكَةِ.؛ وَعَوَامُّ بَنِي آدَمَ وَهُمْ الْأَتْقِيَاءُ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْمَلَائِكَةِ؛ وَالْمُرَادُ بِالْأَتْقِيَاءِ مَنْ اتَّقَى الشِّرْكَ فَقَطْ كَالْفَسَقَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الرَّوْضَةِ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ قُلْت: وَفِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ تَبَعًا لِلْقُهُسْتَانِيِّ: خَوَاصُّ الْبَشَرِ وَأَوْسَاطُهُ أَفْضَلُ مِنْ خَوَاصِّ الْمَلَائِكَةِ وَأَوْسَاطِهِ عِنْدَ   [رد المحتار] هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ مَنْ مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَقِيلَ إنَّهُ يَعُمُّ كَسَلَامِ التَّشَهُّدِ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ نِسَاءً) صَرَّحَ بِهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ، وَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْوِيهِنَّ فِي زَمَانِنَا مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ حُضُورِهِنَّ الْجَمَاعَةَ، فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْحُضُورِ وَعَدَمِهِ، حَتَّى لَوْ حَضَرَ خَنَاثَى أَوْ صِبْيَانٌ نَوَاهُمْ أَيْضًا حِلْيَةٌ وَبَحْرٌ، لَكِنْ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ لَا يَنْوِي النِّسَاءَ وَإِنْ حَضَرْنَ لِكَرَاهَةِ حُضُورِهِنَّ (قَوْلُهُ فَيَعُمُّ إلَخْ) وَلِذَا وَرَدَ «إذَا قَالَ الْعَبْدُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» (قَوْلُهُ وَالْحَفَظَةِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَنْ، وَلَمْ يَقُلْ الْكَتَبَةَ لِيَشْمَلَ مَنْ يَحْفَظُ أَعْمَالَ الْمُكَلَّفِ وَهُمْ الْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ، وَمَنْ يَحْفَظُهُ مِنْ الْجِنِّ وَهُمْ الْمُعَقِّبَاتُ، وَيَشْمَلُ كُلَّ مُصَلٍّ فَإِنَّ الْمُمَيِّزَ لَا كَتَبَةَ لَهُ، أَفَادَهُ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ، وَفِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي الْإِمَامِ وَلَا يَكُونُ صَبِيًّا (قَوْلُهُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ (قَوْلُهُ بِلَا نِيَّةِ عَدَدٍ) أَيْ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ، فَقِيلَ مَعَ كُلِّ مُؤْمِنٍ اثْنَانِ، وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ، وَقِيلَ خَمْسَةٌ، وَقِيلَ عَشْرَةٌ، وَقِيلَ مِائَةٌ وَسِتُّونَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَتَمَامُهُ فِي شُرُوحِ الْمُنْيَةِ. مَطْلَبٌ فِي عَدَدِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (قَوْلُهُ كَالْإِيمَانِ بِالْأَنْبِيَاءِ) لِأَنَّ عَدَدَهُمْ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ قَطْعًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ آمَنْت بِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ أَوَّلُهُمْ آدَم وَآخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِعْرَاجٌ؛ فَلَا يَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، وَأَنَّ الرُّسُلَ مِنْهُمْ ثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ لِأَنَّهُ خَبَرُ آحَادٍ (قَوْلُهُ وَقَدَّمَ الْقَوْلَ) أَيْ الْمُعَبَّرَ عَنْهُمْ بِمَنْ بِدَلِيلِ عَطْفِ الْحَفَظَةِ عَلَيْهِمْ وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ وَعَبَّرَ بِالْقَوْمِ لِيَخْرُجَ الْجِنُّ فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا أَفْضَلَ مِنْ الْمَلَكِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَا قَالَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّ لِلْبُدَاءَةِ أَثَرًا فِي الِاهْتِمَامِ وَلِذَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الْوَصَايَا بِالنَّوَافِلِ: إنَّهُ يَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمَيِّتُ (قَوْلُهُ مَنْ اتَّقَى الشِّرْكَ فَقَطْ) الْأَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ لَفْظُ فَقَطْ، فَيَصِيرُ الْمَعْنَى مَنْ اتَّقَى الشِّرْكَ سَوَاءٌ اتَّقَى الْمَعَاصِي أَيْضًا أَوْ لَا. ح (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الرَّوْضَةِ) أَيْ رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ للزندوستي حَيْثُ قَالَ: أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَفْضَلُ الْخَلِيقَةِ وَأَنَّ نَبِيَّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَفْضَلُهُمْ وَأَنَّ أَفْضَلَ الْخَلَائِقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ الْمَلَائِكَةُ الْأَرْبَعَةُ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ وَالرُّوحَانِيُّونَ وَرَضْوَانُ وَمَالِكٌ؛ وَأَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ وَالشُّهَدَاءَ وَالصَّالِحِينَ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الْمَلَائِكَةِ. وَاخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ الْإِمَامُ: سَائِرُ النَّاسِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الْمَلَائِكَةِ وَقَالَا: سَائِرُ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ. اهـ. مُلَخَّصًا. مَطْلَبٌ فِي تَفْضِيلِ الْبَشَرِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قَسَّمَ الْبَشَرَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: خَوَاصُّ كَالْأَنْبِيَاءِ وَأَوْسَاطٌ كَالصَّالِحِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَعَوَامُّ كَبَاقِي النَّاسِ. وَقَسَّمَ الْمَلَائِكَةَ إلَى قِسْمَيْنِ: خَوَاصُّ كَالْمَلَائِكَةِ الْمَذْكُورِينَ وَغَيْرِهِمْ كَبَاقِي الْمَلَائِكَةِ. وَجَعَلَ خَوَاصَّ الْبَشَرِ أَفْضَلَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ خَاصِّهِمْ وَعَامِّهِمْ، وَبَعْدَهُمْ فِي الْفَضْلِ خَوَاصُّ الْمَلَائِكَةِ فَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ بَاقِي الْبَشَرِ أَوْسَاطِهِمْ وَعَوَامِّهِمْ وَبَعْدَهُمْ أَوْسَاطُ الْبَشَرِ فَهُمْ أَفْضَلُ مِمَّنْ عَدَا خَوَاصَّ الْمَلَائِكَةِ؛ وَكَذَلِكَ عَوَامُّ الْبَشَرِ عِنْدَ الْإِمَامِ كَأَوْسَاطِهِمْ فَالْأَفْضَلُ عِنْدَهُ خَوَاصُّ الْبَشَرِ، ثُمَّ خَوَاصُّ الْمَلَكِ، ثُمَّ بَاقِي الْبَشَرِ. وَعِنْدَهُمَا خَوَاصُّ الْبَشَرِ ثُمَّ خَوَاصُّ الْمَلَكِ، ثُمَّ أَوْسَاطُ الْبَشَرِ، ثُمَّ بَاقِي الْمَلَكِ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْقُهُسْتَانِيَّ جَعَلَ كُلًّا مِنْ الْبَشَرِ وَالْمَلَكِ قِسْمَيْنِ: خَوَاصُّ وَأَوْسَاطٌ، وَجَعَلَ خَوَاصَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ. وَهَلْ تَتَغَيَّرُ الْحَفَظَةُ؟ قَوْلَانِ، وَيُفَارِقُهُ كَاتِبُ السَّيِّئَاتِ عِنْدَ جِمَاعٍ وَخَلَاءٍ وَصَلَاةٍ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّ كَيْفِيَّةَ الْكِتَابَةِ وَالْمَكْتُوبِ فِيهِ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ، نَعَمْ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ تُكْتَبُ فِي رَقٍّ بِلَا حَرْفٍ كَثُبُوتِهَا فِي الْعَقْلِ؛   [رد المحتار] الْبَشَرِ أَفْضَلَ مِنْ خَوَاصِّ الْمَلَكِ، وَأَوْسَاطَ الْبَشَرِ أَفْضَلَ مِنْ أَوْسَاطِ الْمَلَكِ، فَفِي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، وَسَكَتَ عَنْ عَوَامِّ الْبَشَرِ لِلْخِلَافِ السَّابِقِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ، نَعَمْ قَوْلُهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ دَعْوَى الِاتِّفَاقِ، وَمَا هُنَا أَوْلَى، إذْ الْمَسْأَلَةُ خِلَافِيَّةٌ، وَهِيَ ظَنِّيَّةٌ أَيْضًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ النَّسَفِيَّةِ، بَلْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَقَدْ رُوِيَ التَّوَقُّفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْ مَسْأَلَةِ تَفْضِيلِ الْبَشَرِ عَلَى الْمَلَكِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ لِعَدَمِ الْقَاطِعِ، وَتَفْوِيضِ عِلْمِ مَا لَمْ يَحْصُلْ لَنَا الْجَزْمُ بِعِلْمِهِ إلَى عَالِمِهِ أَسْلَمُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. مَطْلَبٌ هَلْ تَتَغَيَّرُ الْحَفَظَةُ (قَوْلُهُ هَلْ تَتَغَيَّرُ الْحَفَظَةُ قَوْلَانِ) فَقِيلَ نَعَمْ. لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، فَيَصْعَدُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: أَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَتَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» فَنَقَلَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمْ الْحَفَظَةُ أَيْ الْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ. وَاسْتَظْهَرَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُمْ غَيْرُهُمْ، وَقِيلَ لَا يَتَغَيَّرَانِ مَا دَامَ حَيًّا، لِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَكَّلَ بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مَلَكَيْنِ يَكْتُبَانِ عَمَلَهُ. فَإِذَا مَاتَ قَالَا رَبَّنَا قَدْ مَاتَ فُلَانٌ فَتَأْذَنُ لَنَا فَنَصْعَدُ إلَى السَّمَاءِ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: سَمَائِي مَمْلُوءَةٌ مِنْ مَلَائِكَتِي يُسَبِّحُونِي؛ فَيَقُولَانِ: فَنُقِيمُ فِي الْأَرْضِ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى. أَرْضِي مَمْلُوءَةٌ مِنْ خَلْقِي يُسَبِّحُونِي، فَيَقُولَانِ: فَأَيْنَ نَكُونُ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: قُومَا عَلَى قَبْرِ عَبْدِي فَكَبِّرَانِي وَهَلِّلَانِي وَاذْكُرَانِي وَاكْتُبَا ذَلِكَ لِعَبْدِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ وَيُفَارِقُهُ كَاتِبُ السَّيِّئَاتِ عِنْدَ جِمَاعٍ وَخَلَاءٍ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ صَاحِبَ الْبَحْرِ. وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي شَرْحِ الْجَوْهَرَةِ الْكَبِيرِ لِلَّقَانِيِّ أَنَّ الْمُفَارِقَ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْمَلَكَانِ؛ وَزَادَ أَنَّهُمَا يَكْتُبَانِ مَا حَصَلَ مِنْهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ بِعَلَامَةٍ يَجْعَلُهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ فِي ذَلِكَ إلَى دَلِيلٍ. وَذُكِرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ الْجَزْمَ بِهِ يَحْتَاجُ إلَى ثُبُوتٍ سَمْعِيٍّ يُفِيدُهُ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الْخَلَاءِ يَبْسُطُ رِدَاءَهُ وَيَقُولُ: أَيُّهَا الْمَلَكَانِ الْحَافِظَانِ عَلَيَّ اجْلِسَا هَاهُنَا فَإِنِّي عَاهَدْت اللَّهَ تَعَالَى أَنْ لَا أَتَكَلَّمَ فِي الْخَلَاءِ، فَذَكَرَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ. اهـ. ح مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَصَلَاةٍ) يَعْنِي أَنَّ كَاتِبَ السَّيِّئَاتِ يُفَارِقُ الْإِنْسَانَ فِي صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَا يَكْتُبُهُ، ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ. وَرَدَّهُ فِي الْحِلْيَةِ كَمَا نَقَلَهُ ح (قَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ إلَخْ) مُقَابِلُهُ مَا يَأْتِي عَنْ حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ وَكَذَا مَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ الْقَلَمَ اللِّسَانُ، وَالْمِدَادُ الرِّيقُ (قَوْلُهُ اسْتَأْثَرَ) أَيْ اخْتَصَّ (قَوْلُهُ نَعَمْ إلَخْ) لَا يَحْسُنُ الِاسْتِدْرَاكُ بِهِ بَعْدَ تَصْرِيحِهِ بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ تُكْتَبُ فِي رَقٍّ) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: ثُمَّ قِيلَ إنَّ الَّذِي يَكْتُبُ فِيهِ الْحَفَظَةُ دَوَاوِينُ مِنْ رَقٍّ، كَمَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْله تَعَالَى - {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور: 2] {فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} [الطور: 3]- فِي أَحَدِ الْأَقْوَالِ، لَكِنَّ الْمَأْثُورَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " إنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَنْزِلُونَ بِشَيْءٍ يَكْتُبُونَ فِيهِ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ " فَلَمْ يُعَيِّنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِلَا حَرْفٍ كَثُبُوتِهَا فِي الْعَقْلِ) يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الْغَزَّالُ فِي الْمَكْتُوبِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَيْضًا إنَّهُ لَيْسَ حُرُوفًا، وَإِنَّمَا هُوَ ثُبُوتُ الْمَعْلُومَاتِ فِيهِ كَثُبُوتِهَا فِي الْعَقْلِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: لَكِنَّ صَرْفَ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ يَحْتَاجُ إلَى وُجُودِ صَارِفٍ مَعَ كَثْرَةِ مَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِمَّا يُؤَيِّدُ الظَّاهِرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 29]- {وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف: 80]-. وَكَذَا مَا ثَبَتَ فِي الْإِسْرَاءِ مِنْ سَمَاعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَرِيفَ الْأَقْلَامِ: أَيْ تَصْوِيتَهَا فَيُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ، لَكِنْ كَيْفَ ذَلِكَ وَصُورَتُهُ وَجِنْسُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 وَهُوَ أَحَدُ مَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى - {وَالطُّورِ} [الطور: 1] {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور: 2] {فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} [الطور: 3]- وَصَحَّحَ النَّيْسَابُورِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُمَا يَكْتُبَانِ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَنِينَهُ. قُلْت: وَفِي تَفْسِيرِ الدِّمْيَاطِيِّ يَكْتُبُ الْمُبَاحَ كَاتِبُ السَّيِّئَاتِ وَيُمْحَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَفِي تَفْسِيرِ الْكَازَرُونِيِّ الْمَعْرُوفِ بِالْأَخَوَيْنِ: الْأَصَحُّ أَنَّ الْكَافِرَ أَيْضًا تُكْتَبُ أَعْمَالُهُ إلَّا أَنَّ كَاتِبَ الْيَمِينِ كَالشَّاهِدِ عَلَى كَاتِبِ الْيَسَارِ. وَفِي الْبُرْهَانِ أَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ غَيْرُ مَلَائِكَةِ النَّهَارِ، وَأَنَّ إبْلِيسَ مَعَ ابْنِ آدَمَ بِالنَّهَارِ وَوَلَدَهُ بِاللَّيْلِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا قَدْ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ قَرِينَهُ مِنْ الْجِنِّ وَقَرِينَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَإِيَّايَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ» رُوِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا (وَيَزِيدُ) الْمُؤْتَمُّ (السَّلَامَ عَلَى إمَامِهِ فِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى إنْ كَانَ) الْإِمَامُ (فِيهَا وَإِلَّا فَفِي الثَّانِيَةِ، وَنَوَاهُ فِيهِمَا لَوْ مُحَاذِيًا وَيَنْوِي الْمُنْفَرِدُ الْحَفَظَةَ فَقَطْ) . لَمْ يَقُلْ الْكَتَبَةُ لِيَعُمَّ الْمُمَيِّزَ، إذْ لَا كَتَبَةَ مَعَهُ؛   [رد المحتار] مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى أَوْ مَنْ أَطْلَعَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. مُلَخَّصًا، وَتَمَامُهُ فِي ح (قَوْلُهُ وَهُوَ أَحَدُ مَا قِيلَ إلَخْ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ تُكْتَبُ فِي رَقٍّ فَقَطْ كَمَا أَفَادَهُ ح، فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَ النَّيْسَابُورِيُّ) نَقْلَهُ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَغَيْرِهِمْ. وَذَكَرَ قَبْلَهُ عَنْ الِاخْتِيَارِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَوَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْمَلَائِكَةُ لَا تَكْتُبُ إلَّا مَا فِيهِ أَجْرٌ أَوْ وِزْرٌ (قَوْلُهُ حَتَّى أَنِينَهُ) هُوَ الصَّوْتُ الصَّادِرُ عَنْ طَبِيعَةِ الشَّخْصِ فِي مَرَضِهِ لِعُسْرِهِ أَوْ لِضَجِرِهِ أَوْ لِتَأَسُّفِهِ عَلَى مَا فَرَّطَ فِي جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَشَارَ بِهَذِهِ الْغَايَةِ إلَى أَنَّهُمَا يَكْتُبَانِ جَمِيعَ الضَّرُورِيَّاتِ أَيْضًا كَالتَّنَفُّسِ وَحَرَكَةِ النَّبْضِ وَسَائِرِ الْعُرُوقِ وَالْأَعْضَاءِ، أَفَادَهُ ح عَنْ اللَّقَانِيِّ (قَوْلُهُ يَكْتُبُ الْمُبَاحَ كَاتِبُ السَّيِّئَاتِ) تَفْسِيرٌ لِمَا أُجْمِلَ فِي الْعِبَارَةِ السَّابِقَةِ حَيْثُ نَسَبَ فِيهَا كِتَابَةَ كُلِّ شَيْءٍ إلَيْهِمَا، فَأَشَارَ هُنَا إلَى تَفْصِيلِهِ وَبَيَانِهِ لِأَنَّ الْمَكْتُوبَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مَا فِيهِ أَجْرٌ، وَمَا فِيهِ وِزْرٌ، وَمَا لَا وَلَا فَمَا فِيهِ أَجْرٌ لِكَاتِبِ الْحَسَنَاتِ، وَالْبَاقِي لِكَاتِبِ السَّيِّئَاتِ (قَوْلُهُ وَيُمْحَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وَقِيلَ فِي آخِرِ النَّهَارِ، وَقِيلَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْكَلْبِيِّ وَذُكِرَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الِاخْتِيَارِ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى الْأَوَّلِ. وَعَنْ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ فَلِذَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ الْأَصَحُّ أَنَّ الْكَافِرَ أَيْضًا تُكْتَبُ أَعْمَالُهُ إلَخْ) أَيْ السَّيِّئَةُ، إذْ لَا حَسَنَةَ لَهُ، وَهُوَ مُكَلَّفٌ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ وَالْعُقُوبَاتِ اتِّفَاقًا، وَبِالْعِبَادَاتِ أَدَاءً وَاعْتِقَادًا، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَنَا، فَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ الْأَمْرَيْنِ، وَتَمَامُهُ فِي ح. وَنُقِلَ عَنْ اللَّقَانِيِّ أَنَّ أَعْمَالَ الْكَافِرِ الَّتِي يَظُنُّ هُوَ أَنَّهَا حَسَنَةٌ لَا تُكْتَبُ لَهُ إلَّا إذَا أَسْلَمَ فَيُكْتَبُ لَهُ ثَوَابُهُ مِنْ الْكُفْرِ انْتَهَى. وَفِي حِفْظِي أَنَّ مَذْهَبَنَا خِلَافُهُ فَلْيُرَاجَعْ. مَطْلَبٌ هَلْ يُفَارِقُهُ الْمَلَكَانِ (قَوْلُهُ وَفِي الْبُرْهَانِ إلَخْ) لِحَدِيثِ " يَتَعَاقَبُونَ " الْمُتَقَدِّمِ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ الْحَفَظَةُ الَّذِينَ هُمْ الْمُعَقِّبَاتُ لَا الْحَفَظَةُ الَّذِينَ هُمْ الْكَتَبَةُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ ح (قَوْلُهُ وَأَنَّ إبْلِيسَ مَعَ ابْنِ آدَمَ بِالنَّهَارِ) أَيْ مَعَ جَمِيعِهِمْ إلَّا مَنْ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَأَقْدَرَهُ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا أَقْدَرَ مَلَكَ الْمَوْتِ عَلَى نَظِيرِ ذَلِكَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ الْقَرِينِ الْآتِي لِأَنَّهُ لَا يُفَارِقُ الْآدَمِيَّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ رُوِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ) بِمَعْنَى آمَنَ الْقَرِينُ فَصَارَ لَا يَأْمُرُ إلَّا بِخَيْرٍ كَالْقَرِينِ الْمَلَكِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ وَضَمُّهَا) فَيَكُونُ فِعْلًا مُضَارِعًا مُفِيدًا لِلسَّلَامَةِ مِنْ الْقَرِينِ الْكَافِرِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِمْرَارِ التَّجَدُّدِيِّ ح. وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَرَجَّحَهَا. وَفِي رِوَايَةٍ " فَاسْتَسْلَمَ " كَمَا فِي الشِّفَاءِ (قَوْلُهُ وَيَزِيدُ الْمُؤْتَمُّ إلَخْ) أَيْ يَزِيدُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ نِيَّةِ الْقَوْمِ وَالْحَفَظَةِ نِيَّةَ إمَامِهِ. (قَوْلُهُ إنْ كَانَ الْإِمَامُ فِيهَا) أَيْ فِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى: أَيْ فِي جِهَتِهَا (قَوْلُهُ وَإِلَّا) صَادَقَ بِالْمُحَاذَاةِ وَلَيْسَتْ مُرَادَةً لِذِكْرِهَا بَعْدُ ح (قَوْلُهُ إذْ لَا كَتَبَةَ مَعَهُ) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَفَظَةِ حَفَظَةُ ذَاتِهِ مِنْ الْأَسْوَاءِ لَا حَفَظَةُ الْأَعْمَالِ، وَهُمَا قَوْلَانِ كَمَا مَرَّ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ حَسَنَاتِ الصَّبِيِّ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ ثَوَابُ التَّعْلِيمِ، وَلِذَا ذَكَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 وَلَعَمْرِي لَقَدْ صَارَ هَذَا كَالشَّرِيعَةِ الْمَنْسُوخَةِ لَا يَكَادُ يَنْوِي أَحَدٌ شَيْئًا إلَّا الْفُقَهَاءُ، وَفِيهِمْ نَظَرٌ. وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ السُّنَّةِ إلَّا بِقَدْرِ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ إلَخْ. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: لَا بَأْسَ بِالْفَصْلِ بِالْأَوْرَادِ وَاخْتَارَهُ الْكَمَالُ. قَالَ الْحَلَبِيُّ: إنْ أُرِيدَ بِالْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةُ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ قُلْت: وَفِي حِفْظِي حَمَلَهُ عَلَى الْقَلِيلَةِ؛ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَغْفِرَ ثَلَاثًا وَيَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَالْمُعَوِّذَاتِ وَيُسَبِّحُ وَيَحْمَدُ وَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ؛ وَيُهَلِّلُ تَمَامَ الْمِائَةِ وَيَدْعُو وَيَخْتِمُ بِسُبْحَانَ رَبِّك.   [رد المحتار] اللَّقَانِيُّ أَنَّهُ تُكْتَبُ حَسَنَاتُهُ، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ لَهُ كَاتِبَ حَسَنَاتٍ (قَوْلُهُ وَلَعَمْرِي) قَسَمٌ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ النِّيَّةِ. وَفِي الْحِلْيَةِ عَنْ صَدْرِ الْإِسْلَامِ: هَذَا شَيْءٌ تَرَكَهُ جَمِيعُ النَّاسِ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَنْوِي أَحَدٌ شَيْئًا. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَهَذَا حَقٌّ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِي الْإِسْلَامِ صَارَتْ كَالشَّرِيعَةِ الْمَنْسُوخَةِ، وَلِهَذَا لَوْ سَأَلْت أُلُوفَ أُلُوفٍ مِنْ النَّاسِ: أَيُّ شَيْءٍ نَوَيْت بِسَلَامِك لَا يَكَادُ يُجِيبُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِمَا فِيهِ طَائِلٌ إلَّا الْفُقَهَاءُ؛ وَفِيهِمْ نَظَرٌ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا بِقَدْرِ اللَّهُمَّ إلَخْ) لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقْعُدُ إلَّا بِمِقْدَارِ مَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ تَبَارَكْت يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي الْأَذْكَارِ عَقِيبَ الصَّلَاةِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا قَبْلَ السُّنَّةِ، بَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ مِنْ لَوَاحِقِ الْفَرِيضَةِ وَتَوَابِعِهَا وَمُكَمِّلَاتِهَا فَلَمْ تَكُنْ أَجْنَبِيَّةً عَنْهَا، فَمَا يُفْعَلُ بَعْدَهَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَقِيبَ الْفَرِيضَةِ. وَقَوْلُ عَائِشَةَ بِمِقْدَارٍ لَا يُفِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ، بَلْ كَانَ يَقْعُدُ بِقَدْرِ مَا يَسَعُهُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْقَوْلِ تَقْرِيبًا، فَلَا يُنَافِي مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ» وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَكَذَا فِي الْفَتْحِ مِنْ بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ (قَوْلُهُ وَاخْتَارَهُ الْكَمَالُ) فِيهِ أَنَّ الَّذِي اخْتَارَهُ الْكَمَالُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ قَوْلُ الْبَقَّالِيُّ. وَرُدَّ مَا فِي شَرْحِ الشَّهِيدِ مِنْ أَنَّ الْقِيَامَ إلَى السُّنَّةِ مُتَّصِلًا بِالْفَرْضِ مَسْنُونٌ، ثُمَّ قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ قَوْلَ الْحَلْوَانِيِّ لَا بَأْسَ لَا يُعَارِضُ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ كَوْنُ خِلَافِهِ أَوْلَى، فَكَانَ مَعْنَاهَا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَقْرَأَ قَبْلَ السُّنَّةِ، وَلَوْ فَعَلَ لَا بَأْسَ، فَأَفَادَ عَدَمَ سُقُوطِ السُّنَّةِ بِذَلِكَ، حَتَّى إذَا صَلَّى بَعْد الْأَوْرَادِ تَقَعُ سُنَّةً لَا عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ، وَلِذَا قَالُوا: لَوْ تَكَلَّمَ بَعْدَ الْفَرْضِ لَا تَسْقُطُ لَكِنَّ ثَوَابَهَا أَقَلُّ، فَلَا أَقَلَّ مِنْ كَوْنِ قِرَاءَةِ الْأَوْرَادِ لَا تُسْقِطُهَا اهـ. وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ تِلْمِيذُهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَقَالَ: فَتُحْمَلُ الْكَرَاهَةُ فِي قَوْلِ الْبَقَّالِيِّ عَلَى التَّنْزِيهِيَّةِ لِعَدَمِ دَلِيلِ التَّحْرِيمِيَّةِ، حَتَّى لَوْ صَلَّاهَا بَعْدَ الْأَوْرَادِ تَقَعُ سُنَّةً مُؤَدَّاةً، لَكِنْ لَا فِي وَقْتِهَا الْمَسْنُونِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَفَادَ شَيْخُنَا أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا صَلَّى السُّنَّةَ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ لِاتِّفَاقِ كَلِمَةِ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي السُّنَنِ حَتَّى سُنَّةَ الْمَغْرِبِ الْمُنَزَّلُ أَيْ فَلَا يُكْرَهُ الْفَصْلُ بِمَسَافَةِ الطَّرِيقِ (قَوْلُهُ قَالَ الْحَلَبِيُّ إلَخْ) هُوَ عَيْنُ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ فِي كَلَامِ الْحَلْوَانِيِّ مِنْ عَدَمِ الْمُعَارَضَةِ ط (قَوْلُهُ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَكْرُوهَةً تَنْزِيهًا كَانَتْ خِلَافَ الْأَوْلَى الَّذِي هُوَ مَعْنَى لَا بَأْسَ (قَوْلُهُ وَفِي حِفْظِي إلَخْ) تَوْفِيقٌ آخَرُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، الْمَذْكُورَيْنِ، وَذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ فِي قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ لَا بَأْسَ بِالْفَصْلِ بِالْأَوْرَادِ: أَيْ الْقَلِيلَةِ الَّتِي بِمِقْدَارِ " اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ إلَخْ " لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ ذَلِكَ، بَلْ هُوَ أَوْ مَا قَارَبَهُ فِي الْمِقْدَارِ بِلَا زِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ فَتَأَمَّلْ. وَعَلَيْهِ فَالْكَرَاهَةُ عَلَى الزِّيَادَةِ تَنْزِيهِيَّةٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ عَدَمِ دَلِيلِ التَّحْرِيمِيَّةِ فَافْهَمْ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ مَا لَوْ تَكَلَّمَ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْفَرْضِ أَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ، وَأَنَّهُ لَا يُسَنُّ عِنْدَنَا الْفَصْلُ بَيْنَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَفَرْضِهِ بِالضَّجْعَةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا الشَّافِعِيَّةُ (قَوْلُهُ وَالْمُعَوِّذَاتِ) فِيهِ تَغْلِيبٌ، فَإِنَّ الْمُرَادَ الْإِخْلَاصُ وَالْمُعَوِّذَتَانِ ط (قَوْلُهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) تَنَازَعَ فِيهِ كُلٌّ مِنْ الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ قَبْلُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 وَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ التَّنَفُّلُ فِي مَكَانِهِ لَا لِلْمُؤْتَمِّ، وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ كَسْرُ الصُّفُوفِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ التَّحَوُّلُ لِيَمِينِ الْقِبْلَةِ يَعْنِي يَسَارَ الْمُصَلِّي لِتَنَفُّلٍ أَوْ وِرْدٍ. وَخَيَّرَهُ فِي الْمُنْيَةِ بَيْنَ تَحْوِيلِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَأَمَامًا وَخَلْفًا وَذَهَابِهِ لِبَيْتِهِ، وَاسْتِقْبَالِهِ النَّاسَ بِوَجْهِهِ وَلَوْ دُونَ عَشَرَةٍ،   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ زَادَ عَلَى الْعَدَدِ الْوَارِدِ فِي التَّسْبِيحِ عَقِبَ الصَّلَاةِ [تَنْبِيهٌ] لَوْ زَادَ عَلَى الْعَدَدِ، قِيلَ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ سُوءُ أَدَبٍ، وَأُيِّدَ بِأَنَّهُ كَدَوَاءِ زَيْدٍ عَلَى قَانُونِهِ أَوْ مِفْتَاحُ زَيْدِ عَلَى أَسْنَانِهِ، وَقِيلَ لَا بَلْ يَحْصُلُ لَهُ الثَّوَابُ الْمَخْصُوصُ مَعَ الزِّيَادَةِ، بَلْ قِيلَ لَا يَحِلُّ اعْتِقَادُ الْكَرَاهَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]- وَالْأَوْجَهُ إنْ زَادَ لِنَحْوِ شَكِّ عُذْرٍ أَوْ لِتَعَبُّدٍ فَلَا لِاسْتِدْرَاكِهِ عَلَى الشَّارِعِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ. اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ تُحْفَةِ ابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ التَّنَفُّلُ فِي مَكَانِهِ) بَلْ يَتَحَوَّلُ مُخَيَّرًا كَمَا يَأْتِي عَنْ الْمُنْيَةِ، وَكَذَا يُكْرَهُ مُكْثُهُ قَاعِدًا فِي مَكَانِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فِي صَلَاةٍ لَا تَطَوُّعَ بَعْدَهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ الْخُلَاصَةِ، وَالْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ لَا لِلْمُؤْتَمِّ) وَمِثْلُهُ الْمُنْفَرِدُ، لِمَا فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا: أَمَّا الْمُقْتَدِي وَالْمُنْفَرِدُ فَإِنَّهُمَا إنْ لَبِثَا أَوْ قَامَا إلَى التَّطَوُّعِ فِي مَكَانِهِمَا الَّذِي صَلَّيَا فِيهِ الْمَكْتُوبَةَ جَازَ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَتَطَوَّعَا فِي مَكَان آخَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ كَسْرُ الصُّفُوفِ) لِيَزُولَ الِاشْتِبَاهُ عَنْ الدَّاخِلِ الْمُعَايِنِ لِلْكُلِّ فِي الصَّلَاةِ الْبَعِيدِ عَنْ الْإِمَامِ، وَذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالذَّخِيرَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَنَصَّ فِي الْمُحِيطِ عَلَى أَنَّهُ السُّنَّةُ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُنْيَةِ: وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَتَطَوَّعَا فِي مَكَان آخَرَ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ. وَأَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ يَتَطَوَّعَ فِي مَنْزِلِهِ إنْ لَمْ يَخَفْ مَانِعًا (قَوْلُهُ لِتَنَفُّلٍ أَوْ وِرْدٍ) أَقُولُ: عِبَارَتُهُ فِي الْخَزَائِنِ قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِأَجْلِ التَّنَفُّلِ أَوْ الْوَرْدِ. اهـ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ. وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْخَانِيَّةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لِلتَّنَفُّلِ (قَوْلُهُ وَخَيَّرَهُ إلَخْ) الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ لِلْإِمَامِ، لَكِنَّ التَّخْيِيرَ الَّذِي فِي الْمُنْيَةِ هُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ لَا تَطَوُّعَ بَعْدَهَا، فَإِنْ شَاءَ انْحَرَفَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَوْ ذَهَبَ إلَى حَوَائِجِهِ وَاسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا تَطَوُّعٌ وَقَامَ يُصَلِّيهِ يَتَقَدَّمُ أَوْ يَتَأَخَّرُ أَوْ يَنْحَرِفُ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا أَوْ يَذْهَبُ إلَى بَيْتِهِ فَيَتَطَوَّعُ ثَمَّةَ. اهـ. وَهَذَا التَّخْيِيرُ لَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ لِأَنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَذَاكَ لِبَيَانِ الْأَفْضَلِ، وَلِذَا عَلَّلَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ لِلْيَمِينِ فَضْلًا عَلَى الْيَسَارِ، لَكِنَّ هَذَا لَا يَخُصُّ يَمِينَ الْقِبْلَةِ، بَلْ يُقَالُ مِثْلُهُ فِي يَمِينِ الْمُصَلِّي، بَلْ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّ انْحِرَافَهُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْلَى، وَأَيَّدَهُ بِحَدِيثٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَصُحِّحَ فِي الْبَدَائِعِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا وَقَالَ: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِانْحِرَافِ وَهُوَ زَوَالُ الِاشْتِبَاهِ أَيْ اشْتِبَاهِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ يَحْصُلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْحِلْيَةِ أَنَّ الْأَحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ تَطَوُّعُهُ فِي مَنْزِلِهِ، لِمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» قُلْت: وَإِلَّا التَّرَاوِيحَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ مَعَ زِيَادَاتٍ أُخَرَ، ثُمَّ إذَا شَاءَ الذَّهَابَ انْصَرَفَ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ، فَقَدْ صَحَّ الْأَمْرَانِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ. وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الْجِهَتَيْنِ فِي الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا، فَالْيَمِينُ أَفْضَلُ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ بِفَضْلِ الْيَمِينِ فِي بَابِ الْمَكَارِمِ وَنَحْوِهَا كَمَا فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ دُونَ عَشْرَةٍ) أَيْ أَنَّ الِاسْتِقْبَالَ مُطْلَقٌ لَا تَفْصِيلَ فِيهِ بَيْنَ عَدَدٍ وَعَدَدٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا. وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمُقَدِّمَةِ، مِنْ أَنَّ الْجَمَاعَةَ إنْ كَانُوا عَشْرَةً يُلْتَفَتُ إلَيْهِمْ لِتَرَجُّحِ حُرْمَتِهِمْ عَلَى حُرْمَةِ الْقِبْلَةِ، وَإِلَّا فَلَا لِتَرَجُّحِ حُرْمَةِ الْقِبْلَةِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْفِقْهِ، وَهُوَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَا تُشْبِهُ أَلْفَاظُهُ أَلْفَاظَ أَهْلِ الْفِقْهِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقَلَّدَ فِيمَا لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ. وَاَلَّذِي رَوَاهُ مَوْضِعُ كَذِبٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ حُرْمَةُ الْمُسْلِمِ الْوَاحِدِ أَرْجَحُ مِنْ حُرْمَةِ الْقِبْلَةِ، غَيْرَ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ خَلْفَ الْإِمَامِ حَتَّى يُلْتَفَتَ إلَيْهِ، بَلْ هُوَ عَنْ يَمِينِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 مَا لَمْ يَكُنْ بِحِذَائِهِ مُصَلٍّ وَلَوْ بَعِيدًا عَلَى الْمَذْهَبِ. فَصْلٌ (وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ) وُجُوبًا بِحَسَبِ الْجَمَاعَةِ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ أَسَاءَ، وَلَوْ ائْتَمَّ بِهِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ أَوْ بَعْضِهَا سِرًّا أَعَادَهَا جَهْرًا بَحْرٌ، لَكِنْ فِي آخِرِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ ائْتَمَّ بِهِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، يَجْهَرُ بِالسُّورَةِ إنْ قَصَدَ الْإِمَامَةَ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ الْجَهْرُ   [رد المحتار] فَلَوْ كَانَا اثْنَيْنِ كَانَا خَلْفَهُ فَلْيَلْتَفِتْ إلَيْهِمَا لِلْإِطْلَاقِ الْمَذْكُورِ. اهـ. وَنَازَعَهُ فِي الْإِمْدَادِ بِأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَجْمَعِ الرِّوَايَاتِ شَرْحِ الْقُدُورِيِّ عَنْ حَاشِيَةِ الْبَدْرِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعِيدًا عَلَى الْمَذْهَبِ) صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ أَخْذًا مِنْ إطْلَاقِ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِحِذَائِهِ رَجُلٌ يُصَلِّي؛ ثُمَّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ وَجْهُهُ مُقَابِلُ وَجْهِ الْإِمَامِ فِي حَالَةِ قِيَامِهِ يُكْرَهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا صُفُوفٌ. وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي الْحِلْيَةِ خِلَافَ هَذَا فَقَالَ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمُصَلِّي بِحِذَائِهِ رَجُلٌ جَالِسٌ ظَهْرُهُ إلَى الْمُصَلِّي لَا يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ اسْتِقْبَالُ الْقَوْمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ سُتْرَةً لِلْمُصَلِّي لَا يُكْرَهُ الْمُرُورُ وَرَاءَهُ فَكَذَا هُنَا؛ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى إلَى وَجْهِ إنْسَانٍ وَبَيْنَهُمَا ثَالِثٌ ظَهْرُهُ إلَى وَجْهِ الْمُصَلِّي لَمْ يُكْرَهْ، وَلَعَلَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُقَيِّدْ بِذَلِكَ لِلْعِلْمِ بِهِ اهـ مُلَخَّصًا فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَة] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَكَيْفِيَّتِهَا وَفَرَائِضِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْقِرَاءَةِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ لِزِيَادَةِ أَحْكَامٍ تَعَلَّقَتْ بِهَا دُونَ سَائِرِ الْأَرْكَانِ (قَوْلُهُ وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ وُجُوبًا) أَيْ جَهْرًا وَاجِبًا عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ، وَقَوْلُهُ بِحَسَبِ الْجَمَاعَةِ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِلْجَهْرِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اتِّصَافِ الْجَهْرِ بِهَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ أَنْ يَتَّصِفَ كَوْنُهُ بِحَسَبِ الْجَمَاعَةِ بِالْوُجُوبِ أَيْضًا، نَعَمْ لَوْ جُعِلَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ وُجُوبًا الْمُؤَوَّلِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ يَلْزَمُ ذَلِكَ، وَلَا دَاعِيَ إلَى حَمْلِ الْكَلَامِ عَلَى مَا يُفْسِدُ الْمَعْنَى مَعَ تَبَادُرِ غَيْرِهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ أَسَاءَ) وَفِي الزَّاهِدِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: لَوْ زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ، إلَّا إذَا أَجْهَدَ نَفْسَهُ أَوْ آذَى غَيْرَهُ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَعَادَهَا جَهْرًا) لِأَنَّ الْجَهْرَ فِيمَا بَقِيَ صَارَ وَاجِبًا بِالِاقْتِدَاءِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ شَنِيعٌ بَحْرٌ. وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ ائْتَمَّ بَعْدَ قِرَاءَةِ بَعْضِ السُّورَةِ أَنَّهُ يُعِيدُ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ، فَلْيُرَاجَعْ ح (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ ائْتَمَّ بِهِ، وَهَذَا قَوْلٌ آخَرُ. وَقَدْ حَكَى الْقَوْلَيْنِ الْقُهُسْتَانِيُّ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْإِمَامَ لَوْ خَافَتَ بِبَعْضِ الْفَاتِحَةِ أَوْ كُلِّهَا أَوْ الْمُنْفَرِدُ ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ أَعَادَهَا جَهْرًا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَقِيلَ لَمْ يُعِدْ وَجَهَرَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ بَعْضِ الْفَاتِحَةِ أَوْ السُّورَةِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا كَمَا فِي الْمُنْيَةِ اهـ وَعَزَا فِي الْقُنْيَةِ الْقَوْلَ الثَّانِيَ إلَى الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وَفَتَاوَى السَّعْدِيِّ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ فِيهِ التَّحَرُّزَ عَنْ تَكْرَارِ الْفَاتِحَةِ فِي رَكْعَةٍ وَتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ عَنْ مَحَلِّهِ، وَهُوَ مُوجِبٌ لِسُجُودِ السَّهْوِ فَكَانَ مَكْرُوهًا، وَهُوَ أَسْهَلُ مِنْ لُزُومِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ فِي رَكْعَةٍ. عَلَى أَنَّ كَوْنَ ذَلِكَ الْجَمْعِ شَنِيعًا غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِمَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ سَهَا فَخَافَتَ فِي الْجَهْرِيَّةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ يَجْهَرُ بِالسُّورَةِ وَلَا يُعِيدُ، وَلَوْ خَافَتَ بِآيَةٍ أَوْ أَكْثَرَ يُتِمُّهَا جَهْرًا وَلَا يُعِيدُ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا جَهَرَ بِأَكْثَرِ الْفَاتِحَةِ يُتِمُّهَا مُخَافَتَةً كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ اهـ أَيْ فِي الصَّلَاةِ السَّرِيَّةِ، وَكَوْنُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ نَقَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَالْأَصْلُ مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ الثَّانِي لَمْ يُذْكَرْ فِي كِتَابٍ آخَرَ مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَدَعْوَى أَنَّهُ ضَعِيفٌ رِوَايَةً وَدِرَايَةً غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إنْ قَصَدَ الْإِمَامَةَ إلَخْ) عَزَاهُ فِي الْقُنْيَةِ إلَى فَتَاوَى الْكَرْمَانِيِّ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْإِمَامَ مُنْفَرِدٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 (فِي الْفَجْرِ وَأُولَى الْعِشَاءَيْنِ أَدَاءً وَقَضَاءً وَجُمُعَةٍ وَعِيدَيْنِ وَتَرَاوِيحَ وَوِتْرٍ بَعْدَهَا) أَيْ فِي رَمَضَانَ فَقَطْ لِلتَّوَارُثِ: قُلْت: فِي تَقْيِيدِهِ بِبَعْدِهَا نَظَرٌ لِجَهْرِهِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ التَّرَاوِيحَ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ، نَعَمْ فِي الْقُهُسْتَانِيُّ تَبَعًا لِلْقَاعِدِيِّ لَا سَهْوَ بِالْمُخَافَتَةِ فِي غَيْرِ الْفَرَائِضِ كَعِيدٍ وَوِتْرٍ، نَعَمْ الْجَهْرُ أَفْضَلُ (وَيُسِرُّ فِي غَيْرِهَا) «وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَجْهَرُ فِي الْكُلِّ ثُمَّ تَرَكَهُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لِدَفْعِ أَذَى الْكُفَّارِ» كَافِي (كَمُتَنَفِّلٍ بِالنَّهَارِ) فَإِنَّهُ يُسِرُّ (وَيُخَيَّرُ الْمُنْفَرِدُ فِي الْجَهْرِ) وَهُوَ أَفْضَلُ وَيُكْتَفَى بِأَدْنَاهُ (إنْ أَدَّى) وَفِي السَّرِيَّةِ يُخَافِتُ حَتْمًا عَلَى الْمَذْهَبِ كَمُتَنَفِّلٍ بِاللَّيْلِ مُنْفَرِدًا؛ فَلَوْ أَمَّ جَهَرَ لِتَبَعِيَّةِ النَّفْلِ لِلْفَرْضِ زَيْلَعِيٌّ (وَيُخَافِتُ) الْمُنْفَرِدُ (حَتْمًا) أَيْ وُجُوبًا (إنْ قَضَى) الْجَهْرِيَّةَ فِي وَقْتِ الْمُخَافَتَةِ، كَأَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ عَدِّ الْوَاجِبَاتِ.   [رد المحتار] فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَلِذَا لَا يَحْنَثُ فِي لَا يَؤُمُّ أَحَدًا مَا لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ، وَلَا يَحْصُلُ ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِمُحَاذَاةِ الْمَرْأَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ كَمَا مَرَّ فِي بَحْثِ النِّيَّةِ، وَسَيَذْكُرُ فِي بَابِ الْوِتْرِ عِنْدَ ذِكْرِ كَرَاهَةِ الْجَمَاعَةِ فِي التَّطَوُّعِ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ عَلَى الْإِمَامِ لَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ تَلْزَمُهُ أَحْكَامُ الْإِمَامَةِ بِدُونِ الْتِزَامٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَأُولَى الْعِشَاءَيْنِ) بِفَتْحِ الْيَاءِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ قُهُسْتَانِيٌّ. وَالْعِشَاءَانِ: الْمَغْرِبُ وَالْعَتَمَةُ (قَوْلُهُ أَيْ فِي رَمَضَانَ فَقَطْ) مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ، حَيْثُ قَالَ: وَقَيَّدْنَا الْوِتْرَ بِكَوْنِهِ بَعْدَ التَّرَاوِيحِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجْهَرُ فِي الْوِتْرِ إذَا كَانَ فِي رَمَضَانَ لَا فِي غَيْرِهِ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي بَحْرِهِ، وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى إطْلَاقِ الزَّيْلَعِيِّ الْجَهْرَ فِي الْوِتْرِ إذَا كَانَ إمَامًا اهـ فَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ فِي مَتْنِهِ بِقَوْلِهِ بَعْدَهَا كَوْنُهُ فِي رَمَضَانَ هُوَ الْمَسْنُونُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ التَّرَاوِيحِ أَوْ لَا، وَبِهِ سَقَطَ مَا يَأْتِي عَنْ مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الْوِتْرَ جَمَاعَةً فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لَا يَجْهَرُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي، وَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ، وَإِطْلَاقُ الزَّيْلَعِيِّ يُخَالِفُهُ، وَكَذَا مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمُتَنَفِّلَ بِاللَّيْلِ لَوْ أَمَّ جَهَرَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) عَلِمْت أَنَّهُ غَيْرُ وَارِدٍ (قَوْلُهُ نَعَمْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ) فِيهِ أَنَّ الْقُهُسْتَانِيَّ صَرَّحَ بَعْدَهُ بِتَصْحِيحِ خِلَافِهِ (قَوْلُهُ وَيُسِرُّ فِي غَيْرِهَا) وَهُوَ الثَّالِثَةُ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْأُخْرَيَانِ مِنْ الْعِشَاءِ، وَكَذَا جَمِيعُ رَكَعَاتِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِنْ كَانَ بِعَرَفَةَ خِلَافًا لِمَالِكٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَفْضَلُ) لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ، وَلِهَذَا كَانَ أَدَاؤُهُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ أَفْضَلُ. وَرُوِيَ فِي الْخَبَرِ «أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ صَلَّتْ بِصَلَاتِهِ صُفُوفٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ» مِنَحٌ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ رَادًّا عَلَى مَا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ. أَقُولُ: مَا فِي الْعِنَايَةِ صَرَّحَ بِهِ أَيْضًا فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ. وَنَقَلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا، وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ بِأَنَّ الْجَهْرَ وَالْمُخَافَتَةَ مِنْ خَصَائِصِ الْجَمَاعَةِ. وَقَالَ الشُّرَّاحُ: إنَّهُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَأَمَّا جَوَابُ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ السَّهْوُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ عَلَيْهِ السَّهْوُ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ، نَعَمْ صَحَّحَ فِي الدُّرَرِ تَبَعًا لِلْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ وُجُوبَ الْمُخَافَتَةِ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: فَحَيْثُ كَانَتْ الْمُخَافَتَةُ وَاجِبَةً عَلَى الْمُنْفَرِدِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بِتَرْكِهَا السُّجُودُ اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَمَّ) أَيْ فَلَوْ صَلَّى الْمُتَنَفِّلُ بِاللَّيْلِ إمَامًا جَهَرَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْوِتْرَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تُكْرَهُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي، وَبِدُونِهِ لَا. وَإِذَا وَجَبَ الْجَهْرُ فِي النَّفْلِ يَجِبُ فِي الْوِتْرِ كَمَا أَفْهَمَتْهُ عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ. مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ (قَوْلُهُ وَيُخَافِتُ الْمُنْفَرِدُ إلَخْ) أَمَّا الْإِمَامُ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يَجْهَرُ أَدَاءً وَقَضَاءً (قَوْلُهُ فِي وَقْتِ الْمُخَافَتَةِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ إنْ قَضَى فِي وَقْتِ الْجَهْرِ خُيِّرَ كَمَا لَا يَخْفَى ح (قَوْلُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا وَقْتُ جَهْرٍ فَيُخَيَّرُ فِيهِ، لَكِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 قُلْت: وَهَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلِكِ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ مِنْ بَحْثِ الْقَضَاءِ (عَلَى الْأَصَحِّ) كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، لَكِنْ تَعَقَّبَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَرَجَّحُوا تَخْيِيرَهُ كَمَنْ سُبِقَ بِرَكْعَةٍ مِنْ الْجُمُعَةِ فَقَامَ يَقْضِيهَا يُخَيَّرُ (وَ) أَدْنَى (الْجَهْرِ إسْمَاعُ غَيْرِهِ وَ) أَدْنَى   [رد المحتار] فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ) قَالَ فِيهَا لِأَنَّ الْجَهْرَ مُخْتَصٌّ، إمَّا بِالْجَمَاعَةِ حَتْمًا أَوْ بِالْوَقْتِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا (قَوْلُهُ لَكِنْ تَعَقَّبَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ) قَالَ فِي الْخَزَائِنِ: هَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَلَمْ يُوَافِقْ عَلَيْهِ، بَلْ تَعَقَّبَهُ فِي الْغَايَةِ وَنَظَرَ فِيهِ فِي الْفَتْحِ، وَبَحَثَ فِيهِ فِي النِّهَايَةِ، وَحَرَّرَ خُسْرو أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ رِوَايَةً وَلَا دِرَايَةً. وَقَدْ اخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْقَضَاءَ كَالْأَدَاءِ. قَالَ قَاضِي خَانْ: هُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْكَافِي وَالنَّهْرِ: هُوَ الْأَصَحُّ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: إنَّهُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ وَذَكَرَ وَجْهَهُ. اهـ. وَأُجِيبَ عَنْ اسْتِدْلَالِ الْهِدَايَةِ بِمَنْعِ الْحَصْرِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلْجَهْرِ الْمُخَيَّرِ سَبَبٌ آخَرُ وَهُوَ مُوَافَقَةُ الْأَدَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَنْ سُبِقَ بِرَكْعَةٍ مِنْ الْجُمُعَةِ إلَخْ) أَيْ أَنَّهُ إذَا قَامَ لِيَقْضِيَهَا لَا يَلْزَمُهُ الْمُخَافَتَةُ، بَلْ لَهُ أَنْ يَجْهَرَ فِيهَا لِيُوَافِقَ الْقَضَاءُ الْأَدَاءَ مَعَ أَنَّهُ قَضَاهَا فِي وَقْتِ الْمُخَافَتَةِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْجَهْرَ لَمْ يَخْتَصَّ سَبَبُهُ بِالْجَمَاعَةِ أَوْ بِالْوَقْتِ، بَلْ لَهُ سَبَبٌ آخَرُ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ لِمَا رَجَّحَهُ الْجَمَاعَةُ؛ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ وَجْهُ اقْتِصَارِهِ عَلَى الْجُمُعَةِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ لَوْ سُبِقَ بِرَكْعَةٍ مِنْ الْعِشَاءِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ الْجَهْرِ فِي الْقَضَاءِ فِي وَقْتِ الْمُخَافَتَةِ لَا مُطْلَقًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَأَدْنَى الْجَهْرِ إسْمَاعُ غَيْرِهِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ وُجُودِ الْقِرَاءَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَشَرَطَ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالْفَضْلِيُّ لِوُجُودِهَا خُرُوجَ صَوْتٍ يَصِلُ إلَى أُذُنِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَشَرَطَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ وَأَحْمَدُ خُرُوجَ الصَّوْتِ مِنْ الْفَمِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى أُذُنِهِ، لَكِنْ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مَسْمُوعًا فِي الْجُمْلَةِ، حَتَّى لَوْ أَدْنَى أَحَدٌ صِمَاخَهُ إلَى فِيهِ يَسْمَعُ. وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْكَرْخِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ السَّمَاعَ، وَاكْتَفَيَا بِتَصْحِيحِ الْحُرُوفِ. وَاخْتَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ وَالْحَلْوَانِيُّ قَوْلَ الْهِنْدُوَانِيُّ، وَكَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. وَنَقَلَ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ مَا لَمْ تَسْمَعْ أُذُنَاهُ وَمَنْ بِقُرْبِهِ، وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ عَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ لِأَنَّ مَا كَانَ مَسْمُوعًا لَهُ يَكُونُ مَسْمُوعًا لِمَنْ فِي قُرْبِهِ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ. ثُمَّ إنَّهُ اخْتَارَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ قَوْلَ الْهِنْدُوَانِيُّ وَبِشْرٍ مُتَّحِدَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ سَمَاعُهُ بَعْدَ وُجُودِ الصَّوْتِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْحِلْيَةِ أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، بَلْ الْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ. وَأَيَّدَ الْعَلَّامَةُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ فِي فَتَاوَاهُ كَلَامَ الْفَتْحِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، فَارْجِعْ إلَيْهِ. وَذَكَرَ أَنَّ كُلًّا مِنْ قَوْلَيْ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالْكَرْخِيِّ مُصَحَّحَانِ، وَأَنَّ مَا قَالَهُ الْهِنْدُوَانِيُّ أَصَحُّ وَأَرْجَحُ لِاعْتِمَادِ أَكْثَرِ عُلَمَائِنَا عَلَيْهِ. وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا فِي تَعْرِيفِ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ، وَمِثْلُهُ فِي سَهْوِ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْهِنْدُوَانِيُّ لِأَنَّ أَدْنَى الْحَدِّ الَّذِي تُوجَدُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ عِنْدَهُ خُرُوجُ صَوْتٍ يَصِلُ إلَى أُذُنِهِ أَيْ وَلَوْ حُكْمًا. كَمَا لَوْ كَانَ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ صَمَمٍ أَوْ جَلَبَةِ أَصْوَاتٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ أَدْنَى الْمُخَافَتَةِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ وَمَنْ بِقُرْبِهِ تَصْرِيحٌ بِاللَّازِمِ عَادَةً كَمَا مَرَّ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ أَوْ مَنْ بِقُرْبِهِ بِأَوْ، وَهُوَ أَوْضَحُ، وَيُبْتَنَى عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَدْنَى الْجَهْرِ إسْمَاعُ غَيْرِهِ: أَيْ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ بِقُرْبِهِ بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إنَّ الْإِمَامَ إذَا قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ بِحَيْثُ سَمِعَ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ لَا يَكُونُ جَهْرًا، وَالْجَهْرُ أَنْ يَسْمَعَ الْكُلُّ اهـ أَيْ كُلُّ الصَّفِّ الْأَوَّلِ لَا كُلُّ الْمُصَلِّينَ: بِدَلِيلِ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمَسْعُودِيَّةِ إنَّ جَهْرَ الْإِمَامِ إسْمَاعُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِي كَلَامِ الْخُلَاصَةِ، وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي كَلَامَ الْهِنْدُوَانِيُّ، بَلْ هُوَ مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ فِي الْمِعْرَاجِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 (الْمُخَافَتَةِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ) وَمَنْ بِقُرْبِهِ؛ فَلَوْ سَمِعَ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ فَلَيْسَ بِجَهْرٍ، وَالْجَهْرُ أَنْ يَسْمَعَ الْكُلُّ خُلَاصَةٌ (وَيَجْرِي ذَلِكَ) الْمَذْكُورُ (فِي كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِنُطْقٍ، كَتَسْمِيَةٍ عَلَى ذَبِيحَةٍ وَوُجُوبِ سَجْدَةِ تِلَاوَةِ وَعَتَاقٍ وَطَلَاقٍ وَاسْتِثْنَاءٍ) وَغَيْرِهَا؛ فَلَوْ طَلَّقَ أَوْ اسْتَثْنَى وَلَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ؛ وَقِيلَ فِي نَحْوِ الْبَيْعِ يُشْتَرَطُ سَمَاعُ الْمُشْتَرِي. (وَلَوْ تَرَكَ سُورَةَ أُولَيَيْ الْعِشَاءِ) مَثَلًا وَلَوْ عَمْدًا (قَرَأَهَا وُجُوبًا) وَقِيلَ نَدْبًا   [رد المحتار] نَقَلَهُ عَنْ الْفَضْلِيِّ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْفَضْلِيَّ قَائِلٌ بِقَوْلِ الْهِنْدُوَانِيُّ. فَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ أَدْنَى الْمُخَافَتَةِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ أَوْ مَنْ بِقُرْبِهِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ رَجُلَيْنِ مَثَلًا، وَأَعْلَاهَا تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْكَرْخِيِّ، وَلَا تُعْتَبَرُ هُنَا فِي الْأَصَحِّ. وَأَدْنَى الْجَهْرِ إسْمَاعُ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَيْسَ بِقُرْبِهِ كَأَهْلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَأَعْلَاهُ لَا حَدَّ لَهُ فَافْهَمْ، وَاغْنَمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَقَامِ فَقَدْ اضْطَرَبَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَفْهَامِ (قَوْلُهُ وَيَجْرِي ذَلِكَ الْمَذْكُورُ) يَعْنِي كَوْنَ أَدْنَى مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْكَلَامُ إسْمَاعُ نَفْسِهِ أَوْ مَنْ بِقُرْبِهِ (قَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ) أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْهِنْدُوَانِيُّ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ فَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ لِاكْتِفَائِهِ بِتَصْحِيحِ الْحُرُوفِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْقَاضِي عَلَاءِ الدِّينِ فِي شَرْحِ مُخْتَلِفَاتِهِ: الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّ بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ يُكْتَفَى بِسَمَاعِهِ، وَفِي بَعْضِهَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُ غَيْرِهِ مَثَلًا فِي الْبَيْعِ لَوْ أَدْنَى الْمُشْتَرِي صِمَاخَهُ إلَى فَمِ الْبَائِعِ وَسَمِعَ يَكْفِي، وَلَوْ سَمَّعَ الْبَائِعُ نَفْسَهُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ الْمُشْتَرِي لَا يَكْفِي؛ وَفِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَنَادَاهُ مِنْ بَعِيدٍ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ وُجُودُ الْكَلَامِ مَعَهُ وَلَمْ يُوجَدْ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي كُلِّ مَا يَتَوَقَّفُ تَمَامُهُ عَلَى الْقَبُولِ وَلَوْ غَيْرَ مُبَادَلَةٍ كَالنِّكَاحِ اهـ وَلَمْ يُعَوِّلْ الشَّارِحُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِقِيلِ تَبَعًا لِلْفَتْحِ، حَيْثُ قَالَ: قِيلَ الصَّحِيحُ فِي الْبَيْعِ إلَخْ وَكَذَا عَبَّرَ عَنْهُ فِي الْكَافِي إشَارَةً إلَى ضَعْفِهِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، لَكِنْ الْأَوَّلُ ارْتَضَاهُ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ، وَهُوَ أَوْجَهُ بِدَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الْمَنْصُوصَةِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ لِأَنَّ (الْكَلَامَ) مِنْ الْكَلْمِ وَهُوَ الْجُرْحُ؛ سُمَيٌّ بِهِ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي نَفْسِ السَّامِعِ فَتَكْلِيمُهُ فُلَانًا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِسَمَاعِهِ وَكَذَا اشْتِرَاطُ سَمَاعِ الشُّهُودِ كَلَامَ الْعَاقِدِينَ فِي النِّكَاحِ وَسَمَاعِ التِّلَاوَةِ فِي وُجُوبِ السَّجْدَةِ عَلَى السَّامِعِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا اُشْتُرِطَ فِيهِ سَمَاعُ الْغَيْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مَثَلًا) زَادَهُ لِيَعُمَّ مَا لَوْ تَرَكَهَا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهَلْ يَأْتِي بِهَا فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ؟ يُحَرَّرُ، وَلِيَعُمَّ غَيْرَ الْعِشَاءِ كَالْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا فِي إحْدَى أُولَيَيْهَا يَأْتِي بِهَا فِي الثَّالِثَةِ، وَلَوْ فِيهِمَا مَعًا أَتَى فِي الثَّالِثَةِ بِفَاتِحَةٍ وَسُورَةٍ وَفَاتَتْ الْأُخْرَى، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لَوْ سَاهِيًا؛ وَلِيَعُمَّ الرَّبَاعِيَةَ السِّرِّيَّةَ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَيْضًا أَفَادَهُ ط، وَإِنَّمَا خَصَّ الْمُصَنِّفُ الْعِشَاءَ بِالذِّكْرِ لِمَكَانِ قَوْلِهِ جَهْرًا فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِهِ، فَلِذَا أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى التَّعْمِيمِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ عَمْدًا) هَذَا ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ، وَلَمْ يَعُزْهُ إلَى أَحَدٍ، كَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ الْإِطْلَاقِ، وَإِلَّا فَصَنِيعُ الْفَتَاوَى وَالشُّرُوحِ يَقْتَضِي أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي النِّسْيَانِ تَأَمُّلٌ، أَفَادَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ وُجُوبًا وَقِيلَ نَدْبًا) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْأَصَحَّ الْوُجُوبُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مُحَمَّدًا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، حَيْثُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ قَرَأَهَا بِلَفْظِ الْخَبَرِ، وَهُوَ آكَدُ مِنْ الْأَمْرِ فِي الْوُجُوبِ، وَصَرَّحَ فِي الْأَصْلِ بِالِاسْتِحْبَابِ. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَالْأَصَحُّ مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ آخِرُ التَّصْنِيفَيْنِ. وَرَدَّهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ مَا فِي الْأَصْلِ أَصْرَحُ فَيَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ، وَكَوْنُ الْإِخْبَارِ آكَدَ رَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ فِي إخْبَارِ الشَّارِعِ لَا فِي غَيْرِهِ، فَكَانَ الْمَذْهَبُ الِاسْتِحْبَابَ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَمْرَ الْمُجْتَهِدِ نَاشِئٌ عَنْ أَمْرِ الشَّارِعِ فَكَذَا إخْبَارُهُ، نَعَمْ قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ إنَّمَا يَكُونُ دَلِيلًا إذَا كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي الْأَمْرِ الْإِيجَابِيِّ وَهُوَ مَمْنُوعٌ. وَأَقُولُ: لَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 (مَعَ الْفَاتِحَةِ جَهْرًا فِي الْأُخْرَيَيْنِ) لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ جَهْرٍ وَمُخَافَتَةٍ فِي رَكْعَةٍ شَنِيعٌ، وَلَوْ تَذَكَّرَهَا فِي رُكُوعِهِ قَرَأَهَا وَأَعَادَ الرُّكُوعَ (وَلَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ) فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ (لَا) يَقْضِيهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِلُزُومِ تَكْرَارِهَا،   [رد المحتار] لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الِاسْتِحْبَابَ وَتَكُونَ الْقَرِينَةُ عَلَيْهِ مَا فِي الْأَصْلِ كَمَا أُرِيدَ بِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ افْتَرَشَ رَجُلَهُ الْيُسْرَى وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ اخْتِيَارَ صَاحِبِ الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ النَّدْبَ لِأَنَّهُ صَرِيحُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ مَعَ الْفَاتِحَةِ) أَشَارَ بِهِ إلَى شَيْئَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْفَاتِحَةَ لِأَنَّ مَعَ تَدْخُلُ عَلَى الْمَتْبُوعِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ: وَالثَّانِي أَنَّ الْفَاتِحَةَ وَاجِبَةٌ أَيْضًا، وَفِيهِ قَوْلَانِ أَيْضًا، وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ عَدَمِ الْوُجُوبِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهَا، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْجَمْعَ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ جَهْرًا رَاجِعٌ إلَى الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ مَعًا، وَجَعَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَصَحَّحَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالسُّورَةِ فَقَطْ، وَجَعَلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَ مِنْ الْجَوَابِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ الصَّوَابَ، وَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ الشَّنِيعُ لِأَنَّ السُّورَةَ تَلْتَحِقُ بِمَوْضِعِهَا تَقْدِيرًا بَحْرٌ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فِي رَكْعَةٍ مَكْرُوهٌ اتِّفَاقًا إذَا كَانَتْ الْقِرَاءَةُ فِي مَحَلِّهَا غَيْرَ مُلْتَحِقَةٍ بِمَا قَبْلَهَا. وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْفُرُوعِ أَوَّلَ الْفَصْلِ فَتَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ تَحْقِيقٌ مُهِمٌّ فِيمَا لَوْ تَذَكَّرَ فِي رُكُوعِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ فَعَادَ تَقَعُ الْقِرَاءَةُ فَرْضًا وَفِي مَعْنَى كَوْنِ الْقِرَاءَةِ فَرْضًا وَوَاجِبًا وَسَنَةً (قَوْلُهُ وَلَوْ تَذَكَّرَهَا) أَيْ السُّورَةَ (قَوْلُهُ قَرَأَهَا) أَيْ بَعْدَ عَوْدِهِ إلَى الْقِيَامِ (قَوْلُهُ وَأَعَادَ الرُّكُوعَ) لِأَنَّ مَا يَقَعُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ يَكُونُ فَرْضًا فَيُرْتَفَضُ الرُّكُوعُ وَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ فَرْضٌ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْوَاجِبَاتِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يُعِدْهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، بَلْ لَوْ قَامَ لِأَجْلِ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَسَجَدَ وَلَمْ يَقْرَأْ وَلَمْ يُعِدْ الرُّكُوعَ، قِيلَ تَفْسُدُ، وَقِيلَ لَا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَبَيْنَ الْقُنُوتِ حَيْثُ لَا يَعُودُ لِأَجْلِهِ لَوْ تَذَكَّرَهُ فِي رُكُوعِهِ، وَلَوْ عَادَ لَا يُرْتَفَضُ هُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ تَقَعُ فَرْضًا، أَمَّا الْقُنُوتُ إذَا أُعِيدَ يَقَعُ وَاجِبًا. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ وَإِنْ انْقَسَمَتْ إلَى فَرْضٍ وَوَاجِبٍ وَسُنَّةٍ إلَّا أَنَّهُ مَهْمَا أَطَالَ يَقَعُ فَرْضًا، وَكَذَا إذَا أَطَالَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ عَلَى مَا هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَالْأَصَحُّ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل: 20] لِوُجُوبِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْآيَةَ، فَمَا فَوْقَهَا مُطْلَقًا، لِصِدْقِ مَا تَيَسَّرَ عَلَى كُلِّ فَرْضٍ، فَمَهْمَا قَرَأَ يَكُونُ الْفَرْضُ، وَمَعْنَى الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ جَعْلَ الْفَرْضِ مِقْدَارَ كَذَا وَاجِبٌ، وَجَعْلَهُ دُونَ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَجَعْلَهُ فَوْقَ ذَلِكَ إلَى حَدِّ كَذَا سُنَّةٌ، لَا أَنَّهُ يَقَعُ أَوَّلَ آيَةٍ يَقْرَؤُهَا فَرْضًا وَمَا بَعْدَهَا إلَى حَدِّ كَذَا وَاجِبًا وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى حَدِّ كَذَا سُنَّةٌ. لِأَنَّا إنْ اعْتَبَرْنَا الْوَاجِبَ مَا بَعْدَ الْآيَةِ الْأَوْلَى مُنْضَمًّا إلَيْهَا انْقَلَبَ الْفَرْضُ وَاجِبًا، وَإِنْ اعْتَبَرْنَاهُ مُنْفَرِدًا كَانَ الْوَاجِبُ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ. وَقَالُوا: الْفَاتِحَةُ وَاجِبٌ، وَكَذَا الْكَلَامُ فِيمَا بَعْدَ الْوَاجِبِ إلَى حَدِّ السُّنَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ، وَنَحْوُهُ فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ تَحْقِيقٌ دَقِيقٌ فَاغْتَنِمْهُ (قَوْلُهُ لِلُزُومِ تَكْرَارِهَا) أَيْ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَهَذَا لَوْ قَرَأَهَا مَرَّتَيْنِ، فَلَوْ مَرَّةً لَا تَكُونُ قَضَاءً كَمَا فِي النِّهَايَةِ لِأَنَّهَا فِي مَحَلِّهَا، لَكِنْ كَتَبَ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمُفْتِي أَبُو السُّعُودِ. قُلْت: لَا يَخْفَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، بَلْ ذَاكَ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، فَعَلَى هَذَا إذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ مَرَّةً لَمْ يَتَعَيَّنْ انْصِرَافُهَا إلَى تِلْكَ الرَّكْعَةِ؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 وَلَوْ تَذَكَّرَهَا قَبْلَ الرُّكُوعِ قَرَأَهَا وَأَعَادَ السُّورَةَ (وَفَرْضُ الْقِرَاءَةِ آيَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ) هِيَ لُغَةً: الْعَلَامَةُ. وَعُرْفًا: طَائِفَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ مُتَرْجِمَةٌ، أَقَلُّهَا سِتَّةُ أَحْرُفٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا، ك (لَمْ يَلِدْ) ، إلَّا إذَا كَانَ كَلِمَةً فَالْأَصَحُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَإِنْ كَرَّرَهَا مِرَارًا إلَّا إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ فَيَجُوزُ ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ. وَلَوْ قَرَأَ آيَةً طَوِيلَةً فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ قَالَهُ الْحَلَبِيُّ.   [رد المحتار] وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ بِنَاءَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: أَيْ الَّذِي هُوَ عَدَمُ إعَادَةِ الْفَاتِحَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ غَيْرُ حَسَنٍ اهـ أَيْ بِخِلَافِ السُّورَةِ فَإِنَّ الشَّفْعَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِأَدَاءِ السُّورَةِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلْقَضَاءِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَذَكَّرَهَا) أَيْ الْفَاتِحَةَ (قَوْلُهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَهَا فِي الرُّكُوعِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ السُّورَةَ فِي الرُّكُوعِ أَعَادَهَا وَأَعَادَ الرُّكُوعَ فَالْفَاتِحَةُ أَوْلَى لِأَنَّهَا آكَدُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُ وَأَعَادَ السُّورَةَ) لِأَنَّهَا شُرِعَتْ تَابِعَةً لِلْفَاتِحَةِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْقُرْآنِ وَلَمْ يُشْبِهْ قَصْدَ خِطَابِ أَحَدٍ. وَجَزَمَ الْقُدُورِيُّ بِأَنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ وَرَجَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَدْنَى. وَفِي الْبَحْرِ: فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ. قُلْت: وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْكَامِلِ وَإِلَّا لَزِمَ فَرْضِيَّةُ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يُجْزِئُ عِنْدَهُ نَحْوُ - ثُمَّ نَظَرَ - أَيْ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ قَصْدَ الْخِطَابِ وَالْإِخْبَارِ تَأَمَّلْ وَفِي رِوَايَةٍ ثَالِثَةٍ عَنْهُ وَهِيَ قَوْلُهُمَا ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ (قَوْلُهُ وَعُرْفًا طَائِفَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ مُتَرْجِمَةٌ إلَخْ) أَيْ اُعْتُبِرَ لَهَا مَبْدَأٌ وَمَقْطَعٌ، وَهَذَا التَّعْرِيفُ نَقَلَهُ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ لِعَلَاءِ الدِّينِ الْبَهْلَوَانِيِّ. وَنَقَلَ فِي النَّهْرِ عَنْ شَرْحِ الشَّاطِبِيَّةِ لِلْجَعْبَرِيِّ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّهَا قُرْآنٌ مُرَكَّبٌ مِنْ جُمَلٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا ذُو مَبْدَإٍ وَمَقْطَعٍ مُنْدَرِجٍ فِي سُورَةٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَقْدِيرًا إلَخْ) أَشَارَ إلَى الرَّدِّ عَلَى الْبَحْرِ، حَيْثُ اعْتَرَضَ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ بِأَنَّ - {لَمْ يَلِدْ} [الإخلاص: 3]- آيَةٌ، وَلِذَا جَوَّزَ الْإِمَامُ بِهَا الصَّلَاةَ، وَهِيَ خَمْسَةُ أَحْرُفٍ. وَوَجْهُ الرَّدِّ أَنَّ - {لَمْ يَلِدْ} [الإخلاص: 3]- أَصْلُهُ لَمْ يَوْلِدْ فَهُوَ سِتَّةٌ تَقْدِيرًا، لَكِنْ الَّذِي رَأَيْته فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ عَنْ الْحَوَاشِي الْمَذْكُورَةِ أَقَلُّهَا سِتَّةُ أَحْرُفٍ صُورَةً، فَالرَّدُّ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، نَعَمْ فِي النَّهْرِ: قُلْ إنَّ الْآيَةَ هِيَ وَمَا بَعْدَهَا وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: الْإِخْلَاصُ أَرْبَعٌ، وَقِيلَ خَمْسٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا فِي الْحَوَاشِي بِنَاءً عَلَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَتْ كَلِمَةً) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْمَتْنِ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنًى تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِآيَةٍ (قَوْلُهُ فَالْأَصَحُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ) كَذَا فِي الْمُنْيَةِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِمِثْلِ - {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64]- وَمِثْلُ - ص - وَ - ق - وَن - لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ أَنَّ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَصَاحِبِ الْبَدَائِعِ الْجَوَازُ فِي - {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64]- عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ) صُورَتُهُ: عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِصَلَاتِهِ صَلَاةً صَحِيحَةً فَصَلَّى بِمُدْهَامَّتَانِ غَيْرَ مُكَرَّرَةٍ أَوْ مُكَرَّرَةً فَتَرَافَعَا إلَى حَاكِمٍ يَرَى صِحَّةَ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ، فَقَضَى بِعِتْقِهِ، فَيَكُونُ قَضَاءً بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ ضِمْنًا، فَتَصِحُّ اتِّفَاقًا لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ) تَعْلِيلٌ لِلْمَذْهَبَيْنِ لِأَنَّ نِصْفَ الْآيَةِ الطَّوِيلَةِ إذَا كَانَ يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ يَصِحُّ عَلَى قَوْلِهِمَا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُكْتَفِي بِالْآيَةِ أَوْلَى ح. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَعُلِمَ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ أَنَّ كَوْنَ الْمَقْرُوءِ. فِي كُلِّ رَكْعَةٍ النِّصْفَ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ أَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ يَبْلُغُ مَا يُعَدُّ بِقِرَاءَتِهِ قَارِئًا عُرْفًا. اهـ. أَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الِاكْتِفَاءُ بِمَا دُونَ الْآيَةِ مُفَرَّعًا عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْإِمَامِ، لِأَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى الَّتِي تَقَدَّمَ أَنَّهَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا بُدَّ مِنْ آيَةٍ تَامَّةٍ تَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] لَمْ أَرَ مَنْ قَدَّرَ أَدْنَى مَا يَكْفِي بِحَدٍّ مُقَدَّرٍ مِنْ الْآيَةِ الطَّوِيلَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْبَحْرِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَوْكُولٌ إلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 (وَحِفْظُهَا فَرْضُ عَيْنٍ) مُتَعَيِّنٌ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ (وَحِفْظُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ) وَسُنَّةُ عَيْنٍ أَفْضَلُ مِنْ التَّنَفُّلِ وَتَعَلُّمُ الْفِقْهِ أَفْضَلُ مِنْهُمَا (وَحِفْظُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) وَيُكْرَهُ نَقْصُ شَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبِ (وَيُسَنُّ فِي السَّفَرِ مُطْلَقًا) أَيْ حَالَةَ قَرَارٍ أَوْ فِرَارٍ، كَذَا أَطْلَقَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ:   [رد المحتار] الْعُرْفِ لَا إلَى عَدَدِ حُرُوفِ أَقْصَرِ آيَةٍ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ قِرَاءَةَ قَدْرِ ثَلَاثِ آيَاتٍ الَّتِي هِيَ وَاجِبَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ لَا بُدَّ أَنْ يَقْرَأَ مِنْ الْآيَةِ الطَّوِيلَةِ مِقْدَارَ ثَلَاثَةِ أَمْثَالِ مِمَّا يُسَمَّى بِقِرَاءَتِهِ قَارِئًا عُرْفًا، وَلِذَا فَرَضُوا الْمَسْأَلَةَ بِآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَآيَةِ الْمُدَايَنَةِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِمَا: لَوْ قَرَأَ آيَةً طَوِيلَةً كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ. أَوْ الْمُدَايَنَةِ الْبَعْضَ فِي رَكْعَةٍ وَالْبَعْضَ فِي رَكْعَةٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، قِيلَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَا قَرَأَ آيَةً تَامَّةً فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْآيَاتِ يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثٍ قِصَارٍ أَوْ يَعْدِلُهَا فَلَا تَكُونُ قِرَاءَتُهُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ آيَاتٍ. اهـ. لَكِنَّ التَّعْلِيلَ الْأَخِيرَ رُبَّمَا يُفِيدُ اعْتِبَارَ الْعَدَدِ فِي الْكَلِمَاتِ أَوْ الْحُرُوفِ، وَيُفِيدُ قَوْلَهُمْ: لَوْ قَرَأَ آيَةً تَعْدِلُ أَقْصَرَ سُورَةٍ جَازَ، وَفِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ تَعْدِلُ ثَلَاثًا قِصَارًا أَيْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} [المدثر: 22] {ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ} [المدثر: 23]- وَقَدْرُهَا مِنْ حَيْثُ الْكَلِمَاتُ عَشْرٌ، وَمِنْ حَيْثُ الْحُرُوفُ ثَلَاثُونَ، فَلَوْ قَرَأَ - {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة: 255]- يَبْلُغُ مِقْدَارَ هَذِهِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ، فَعَلَى مَا قُلْنَاهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَفَى عَنْ الْوَاجِبِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ فَرْضِ الْعَيْنِ وَفَرْضِ الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ وَحِفْظُهَا) أَيْ الْآيَةِ فَرْضُ عَيْنٍ: أَيْ فَرْضٌ ثَابِتٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ بِعَيْنِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ حَيْثُ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ، بِأَنَّ الثَّانِيَ مُتَحَتِّمٌ مَقْصُودُ حُصُولِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ مَنْظُورٌ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ حَيْثُ قَصَدَ حُصُولَهُ مِنْ عَيْنٍ مَخْصُوصَةٍ، كَالْمَفْرُوضِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ أُمَّتِهِ، أَوْ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ عَيْنٍ: أَيْ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِيهِمَا مِنْ إضَافَةِ الِاسْمِ إلَى صِفَتِهِ: كَمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَحَبَّةِ الْحَمْقَاءِ: أَيْ فَرْضٌ مُتَعَيِّنٌ: أَيْ ثَابِتٌ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ بِعَيْنِهِ، وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ: مَعْنَاهُ فَرْضٌ ذُو كِفَايَةٍ: أَيْ يُكْتَفَى بِحُصُولِهِ مِنْ أَيِّ فَاعِلٍ كَانَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَحِفْظُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ إلَخْ) أَقُولُ: لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُقَالَ جَمِيعُ الْقُرْآنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ يُسَمَّى فَرْضَ كِفَايَةٍ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ فَرْضَ عَيْنٍ وَبَعْضُهُ وَاجِبًا؛ كَمَا أَنَّ حِفْظَ الْفَاتِحَةِ يُسَمَّى وَاجِبًا وَإِنْ كَانَتْ الْآيَةُ مِنْهَا فَرْضًا أَيْ يَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ السُّنَّةُ تَكُونُ سُنَّةَ عَيْنٍ وَسُنَّةَ كِفَايَةٍ (قَوْلُهُ وَسُنَّةَ عَيْنٍ) أَيْ يُسَنُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ بِعَيْنِهِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ السُّنَّةَ قَدْ تَكُونُ سُنَّةَ عَيْنٍ وَسُنَّةَ كِفَايَةٍ؛ وَمِثَالُهُ مَا قَالُوا فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ إنَّهَا سُنَّةُ عَيْنٍ وَصَلَاتُهَا بِجَمَاعَةٍ فِي كُلِّ مَحَلَّةٍ سُنَّةُ كِفَايَةٍ (قَوْلُهُ وَتَعَلُّمُ الْفِقْهِ أَفْضَلُ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ حِفْظِ بَاقِي الْقُرْآنِ بَعْدَ قِيَامِ الْبَعْضِ بِهِ وَمِنْ التَّنَفُّلِ؛ وَمُرَادُهُ بِالْفِقْهِ مَا زَادَ عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي دِينِهِ وَإِلَّا فَهُوَ فَرْضُ عَيْنٍ ح (قَوْلُهُ وَسُورَةٍ) أَيْ أَقْصَرِ سُورَةٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ إلَخْ) أَيْ تَحْرِيمًا، كَمَا أَنَّهُ يُكْرَهُ نَقْصُ شَيْءٍ مِنْ السُّنَّةِ تَنْزِيهًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى ط (قَوْلُهُ أَيْ حَالَةَ قَرَارٍ أَوْ فِرَارٍ) أَيْ حَالَةَ أَمَنَةٍ أَوْ عَجَلَةٍ، وَعَبَّرَ عَنْ الْعَجَلَةِ بِالْفِرَارِ بِالْفَاءِ لِأَنَّهَا فِي السَّفَرِ تَكُونُ غَالِبًا مِنْ الْخَوْفِ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ (قَوْلُهُ كَذَا أَطْلَقَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ عِبَارَةَ الْجَامِعِ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهَا بِقَوْلِهِ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِيهَا السَّفَرَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ فَيُفْهَمُ مِنْهَا الْإِطْلَاقُ كَسَائِرِ عِبَارَاتِ الْمُتُونِ وَإِلَّا لَمْ يَتَأَتَّ ادِّعَاءُ تَقْيِيدِهَا بِمَا سَيَأْتِي مِنْ التَّفْصِيلِ وَإِنَّمَا صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِالْإِطْلَاقِ اخْتِيَارًا لِمَا رَجَّحَهُ شَيْخُهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 وَرَدَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ التَّفْصِيلِ، وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ، وَحَرَّرَ أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ هُوَ الْمُحَرَّرُ (الْفَاتِحَةَ) وُجُوبًا (وَأَيَّ سُورَةٍ شَاءَ) وَفِي الضَّرُورَةِ بِقَدْرِ الْحَالِ (وَ) يُسَنُّ (فِي الْحَضَرِ)   [رد المحتار] فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْمُسَافِرَ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَأَيُّ سُورَةٍ شَاءَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ السَّيْرِ، فَإِنْ كَانَ فِي أَمَنَةٍ وَقَرَارٍ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ نَحْوَ سُورَةِ الْبُرُوجِ وَانْشَقَّتْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ. وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَا أَصْلَ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ وَالدِّرَايَةِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ إطْلَاقَ الْمُتُونِ تَبَعًا لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَعُمُّ حَالَةَ الْأَمْنِ أَيْضًا، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى أَمْنٍ صَارَ كَالْمُقِيمِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاعَى السُّنَّةُ وَالسَّفَرُ وَإِنْ كَانَ مُؤَثِّرًا فِي التَّخْفِيفِ لَكِنَّ التَّحْدِيدَ بِقَدْرِ سُورَةِ الْبُرُوجِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ وَلَمْ يُنْقَلْ اِ هـ وَهُوَ مُلَخَّصٌ مِنْ الْحِلْيَةِ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ السُّنَّةَ لِلْمُقِيمِ فِي قِرَاءَةِ الْفَجْرِ أَنْ تَكُونَ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَأَنْ لَا يَنْقُصَ مِقْدَارَ الْآيَةِ الْمَقْرُوءَةِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ عَنْ أَرْبَعِينَ آيَةً فِي الرَّكْعَتَيْنِ، بَلْ تَكُونُ مِنْ أَرْبَعِينَ إلَى مِائَةٍ كَمَا سَيَأْتِي مَعَ مَا لَنَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ، وَالْمُسَافِرُ إذَا كَانَ فِي أَمَنَةٍ وَقَرَارٍ وَإِنْ كَانَ مِثْلَ الْمُقِيمِ لَكِنْ لِلسَّفَرِ تَأْثِيرٌ فِي التَّخْفِيفِ عَنْهُ مُطْلَقًا، وَلِذَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ وَإِنْ كَانَ فِي أَمَنَةٍ فَنَاسَبَ أَنْ يَقْرَأَ نَحْوَ سُورَةِ الْبُرُوجِ وَالِانْشِقَاقِ مِمَّا هُوَ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْمِقْدَارَ الْخَاصَّ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْهِدَايَةِ لِإِمْكَانِ مُرَاعَاةِ السُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ: أَيْ التَّخْفِيفِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْعَدَدِ الْخَاصِّ بَعْدَ حُصُولِ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ، فَلَيْسَ مُرَادُهُ التَّحْدِيدَ بِعَدَدِ آيَاتِ السُّورَتَيْنِ، بَلْ كَوْنُهُمَا مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ أَيْ وَسُنِّيَّةُ الْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ مُسَلَّمَةٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ. ثُمَّ إنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ قَدْ أَقَرَّهُ عَلَيْهِ شُرَّاحُهَا وَالزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى تَقْيِيدِ إطْلَاقِ مَا فِي الْمُتُونِ وَالْجَامِعِ اهـ. أَقُولُ: هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ قَوْلُ الْهِدَايَةِ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ نَحْوَ سُورَةِ الْبُرُوجِ وَانْشَقَّتْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَاحِدَةً مِنْهُمَا لَا كُلًّا مِنْهُمَا، وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ تَخْفِيفٌ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ لِأَنَّ الِانْشِقَاقَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ آيَةً وَالْبُرُوجَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الْمُنْيَةِ يَقْرَأُ سُورَةَ الْبُرُوجِ أَوْ مِثْلَهَا فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْبُرُوجِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، لَكِنْ كَوْنُ سُورَةِ الْبُرُوجِ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ كَلَامٌ سَتَعْرِفُهُ، فَلِذَا حُمِلَ التَّخْفِيفُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَلَى جَعْلِ الْأَوْسَطِ فِي الْحَضَرِ طَوِيلًا فِي السَّفَرِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَجْمَعِ فِي شَرْحِهِ فَيَقْرَأُ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ رِعَايَةً لِلسُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، لَكِنْ هَذَا الْحَمْلُ لَا يُنَاسَبُ مَا فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّ الِانْشِقَاقَ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ التَّخْفِيفَ مِنْ جِهَةِ الِاكْتِفَاءِ بِسُورَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كَمَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُنْيَةِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الْحَضَرِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سُورَةٌ تَامَّةٌ كَمَا يَأْتِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وُجُوبًا) أَشَارَ بِهِ إلَى دَفْعِ مَا أَوْرَدَهُ فِي النَّهْرِ، بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ أَيَّ سُورَةٍ شَاءَ لَكَانَ أَوْلَى، لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ سُنَّةٌ فَصَرَّحَ بِقَوْلِهِ وُجُوبًا لِدَفْعِ التَّوَهُّمِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ سُنَّةَ الْقِرَاءَةِ فِي السَّفَرِ أَيُّ سُورَةٍ شَاءَ مَضْمُومَةٌ إلَى الْفَاتِحَةِ الْوَاجِبَةِ، فَالْمَقْصُودُ بَيَانُ التَّخْيِيرِ فِي السُّوَرِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، وَإِلَّا وَرَدَ أَنَّ السُّورَةَ وَاجِبَةٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَفِي الضَّرُورَةِ بِقَدْرِ الْحَالِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَضَرِ أَوْ السَّفَرِ وَإِطْلَاقُهُ يَشْمَلُ الْفَاتِحَةَ وَغَيْرَهَا، لَكِنْ فِي الْكَافِي: فَإِنْ كَانَ فِي السَّفَرِ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ بِأَنْ كَانَ عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ السَّيْرِ أَوْ خَائِفًا مِنْ عَدُوٍّ أَوْ لِصٍّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَأَيُّ سُورَةٍ شَاءَ؛ وَفِي الْحَضَرِ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ بِأَنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ يَقْرَأُ مَا لَا يُفَوِّتُهُ الْوَقْتُ اهـ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا يَخْتَصُّ التَّخْفِيفُ لِلضَّرُورَةِ بِالسُّورَةِ فَقَطْ بَلْ كَذَلِكَ الْفَاتِحَةُ، كَمَا إذَا اشْتَدَّ خَوْفُهُ مِنْ عَدُوٍّ فَقَرَأَ آيَةً مَثَلًا وَلَا يَكُونُ مُسِيئًا، كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 لِإِمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ، ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ، وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ (طِوَالُ الْمُفَصَّلِ) مِنْ الْحُجُرَاتِ إلَى آخَرِ الْبُرُوجِ (فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ، وَ) مِنْهَا إلَى آخِرِ - لَمْ يَكُنْ - (أَوْسَاطُهُ فِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ، وَ) بَاقِيَةُ (قِصَارِهِ فِي الْمَغْرِبِ) أَيْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سُورَةٌ مِمَّا ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ،   [رد المحتار] أَقُولُ: وَقَوْلُ الْكَافِي بِقَدْرِ مَا لَا يَفُوتُهُ الْوَقْتُ يَشْمَلُ الْفَاتِحَةَ، فَلَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِآيَةٍ إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ بِالزِّيَادَةِ، وَهَلْ هُوَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أَوْ خَاصٌّ بِالْفَجْرِ؟ فِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ فِي الْقُنْيَةِ. وَقَالَ فِي آخِرِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَقِيلَ يُرَاعِي سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ الْفَجْرِ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ. وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُرَاعِيَ قَدْرَ الْوَاجِبِ فِي غَيْرِهَا لِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِهِ مُفْسِدٌ عِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِ خُرُوجِ الْوَقْتِ اهـ أَيْ فَإِنَّهُ فِي غَيْرِ الْفَجْرِ مُفْسِدٌ اتِّفَاقًا ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ لَهُ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَتَسْبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ وَتَرْكَ الثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ أَوْ الظُّهْرِ لَوْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ تَرْكُ السُّنَّةِ لِإِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ فَتَرْكُ سُنَّةِ السُّنَّةِ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ) وَنَقَلَهُ الزَّاهِدِيُّ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ الْمُجَرَّدِ بِقَوْلِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَاَلَّذِي يُصَلِّي وَحْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِمَامِ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا مِنْ الْقِرَاءَةِ سِوَى الْجَهْرِ. قَالَ الزَّاهِدِيُّ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ الْمَسْنُونَةَ يَسْتَوِي فِيهَا الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ (قَوْلُهُ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ جَمْعُ طَوِيلٍ كَكَرِيمٍ وَكِرَامٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الصِّحَاحِ. وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَالرَّجُلُ الطَّوِيلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ مَالِكٍ فِي مُثَلَّثِهِ وَالْمُفَصَّلُ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ السُّبْعُ السَّابِعُ مِنْ الْقُرْآنِ؛ سُمِّيَ بِهِ لِكَثْرَةِ فَصْلِهِ بِالْبَسْمَلَةِ أَوْ لِقِلَّةِ الْمَنْسُوخِ مِنْهُ، وَلِهَذَا يُسَمَّى بِالْمُحْكَمِ أَيْضًا. وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ مِنْ الْحُجُرَاتِ. اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: نَظَمَ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ الْأَقْوَالَ فِيهِ بِقَوْلِهِ: مُفَصَّلٌ قُرْآنٌ بِأَوَّلِهِ أَتَى ... خِلَافٌ فَصَافَّاتٌ وَقَافٌ وَسَبِّحْ وَجَاثِيَةٌ مُلْكٌ وَصَفٌّ قِتَالُهَا ... وَفَتْحٌ ضُحًى حُجُرَاتُهَا ذَا الْمُصَحَّحُ وَزَادَ السُّيُوطِيّ فِي الْإِتْقَانِ قَوْلَيْنِ فَأَوْصَلَهَا إلَى اثْنَيْ عَشَرَ قَوْلًا: الرَّحْمَنُ، وَالْإِنْسَانُ (قَوْلُهُ إلَى آخِرِ الْبُرُوجِ) عَزَاهُ فِي الْخَزَائِنِ إلَى شَرْحِ الْكَنْزِ لِلشَّيْخِ بَاكِيرٍ، وَقَالَ بَعْدَهُ: وَفِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى دُخُولُ الْغَايَةِ فِي الْمُغَيَّا هُنَا اهـ فَالْبُرُوجُ مِنْ الطِّوَالِ، وَهُوَ مُفَادُ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا، لَكِنْ مُفَادُ مَا نَقَلْنَاهُ بَعْدَهَا عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ أَنَّهَا مِنْ الْأَوْسَاطِ، وَنَقَلَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْكَافِي بَلْ نَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْكَافِي خُرُوجَ الْغَايَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، وَعَلَيْهِ فَسُورَةُ - لَمْ يَكُنْ - مِنْ الْقِصَارِ، وَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ صَاحِبُ الْحِلْيَةِ وَقَالَ: الْعِبَارَةُ لَا تُفِيدُ ذَلِكَ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى ثَبْتٍ فِي ذَلِكَ مِنْ خَارِجٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيْ لِأَنَّ الْغَايَةَ تَحْتَمِلُ الدُّخُولَ وَالْخُرُوجَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي نِيَّةِ الْمُصَلِّي مِنْ أَنَّ الظُّهْرَ كَالْعَصْرِ، لَكِنْ الْأَكْثَرُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَاقِيهِ) أَيْ بَاقِي الْمُفَصَّلِ (قَوْلُهُ أَيْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سُورَةٌ مِمَّا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الطِّوَالِ وَالْأَوْسَاطِ وَالْقِصَارِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا نَظَرَ إلَى مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ مِنْ حَيْثُ عَدَدُ الْآيَاتِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ مِنْ الْمُفَصَّلِ سُنَّةٌ وَالْمِقْدَارُ الْمُعَيَّنُ سُنَّةٌ أُخْرَى. ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ وَقَدْرَ أَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسِينَ وَاقْتَصَرَ فِي الْأَصْلِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَفِي الْمُجَرَّدِ: مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ، وَالْكُلُّ ثَابِتٌ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَيَقْرَأُ فِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ يَقْرَأُ عِشْرِينَ وَفِي الْمَغْرِبِ آيَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. اهـ. أَقُولُ: كَوْنُ الْمَقْرُوءِ مِنْ سُوَرِ الْمُفَصَّلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُتُونِ كَالْقُدُورِيِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 وَاخْتَارَ فِي الْبَدَائِعِ عَدَمَ التَّقْدِيرِ، وَأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالْوَقْتِ وَالْقَوْمِ وَالْإِمَامِ. وَفِي الْحُجَّةِ: يَقْرَأُ فِي الْفَرْضِ بِالتَّرَسُّلِ حَرْفًا حَرْفًا، وَفِي التَّرَاوِيحِ بَيْنَ بَيْنَ، وَفِي النَّفْلِ لَيْلًا لَهُ أَنْ يُسْرِعَ بَعْدَ أَنْ يَقْرَأَ كَمَا يَفْهَمُ، وَيَجُوزُ بِالرِّوَايَاتِ السَّبْعِ، لَكِنْ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَقْرَأَ بِالْغَرِيبَةِ عِنْدَ الْعَوَامّ صِيَانَةً لِدِينِهِمْ (وَتُطَالُ أُولَى الْفَجْرِ عَلَى ثَانِيَتِهَا)   [رد المحتار] وَالْكَنْزِ وَالْمَجْمَعِ وَالْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَحَصْرُ الْمَقْرُوءِ بِعَدَدٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ وَالْبَحْرِ مِمَّا عَلِمْته مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُتُونِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْحِلْيَةِ فَإِنَّهُ لَوْ قَرَأَ فِي الْفَجْرِ أَوْ الظُّهْرِ سُورَتَيْنِ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ يَزِيدَانِ عَلَى مِائَةِ آيَةٍ كَالرَّحْمَنِ وَالْوَاقِعَةِ، أَوْ قَرَأَ فِي الْعَصْرِ أَوْ الْعِشَاءِ سُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ تَزِيدَانِ عَلَى عِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ آيَةً كَالْغَاشِيَةِ وَالْفَجْرِ يَكُونُ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ عَلَى مَا فِي الْمُتُونِ لَا عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَا تَحْصُلُ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ إلَّا إذَا كَانَتْ السُّورَتَانِ مُوَافِقًا لِلْعَدَدِ الْمَذْكُورِ، وَيَلْزَمُ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ مِنْ أَنَّ الْمِقْدَارَ الْمُعَيَّنَ سُنَّةٌ أُخْرَى أَنْ تَكُونَ قِرَاءَةُ السُّورَتَيْنِ الزَّائِدَتَيْنِ عَلَى ذَلِكَ الْمِقْدَارِ خَارِجَةً عَنْ السُّنَّةِ إلَّا أَنْ يَقْتَصِرَ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ مِنْهُمَا عَلَى ذَلِكَ الْمِقْدَارِ مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْأَفْضَلَ فِي رَكْعَةٍ الْفَاتِحَةُ وَسُورَةٌ تَامَّةٌ، فَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْمَصِيرُ إلَيْهِ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ مُتَخَالِفَتَانِ اخْتَارَ أَصْحَابُ الْمُتُونِ إحْدَاهُمَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْفَجْرِ حَضَرًا أَرْبَعُونَ آيَةً أَوْ سِتُّونَ، ثُمَّ قَالَ: وَاسْتَحْسَنُوا طِوَالَ الْمُفَصَّلِ فِيهَا وَفِي الظُّهْرِ إلَخْ. فَذَكَرَ أَنَّ الثَّانِيَ اسْتِحْسَانٌ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى لِتَأَيُّدِهِ بِالْأَثَرِ الْوَارِدِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَنْ اقْرَأْ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَهُوَ كَالْمَرْوِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَاخْتَارَ فِي الْبَدَائِعِ عَدَمَ التَّقْدِيرِ إلَخْ) وَعَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الْبَدَائِعِ رَمْلِيٌّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ التَّقْدِيرِ بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ لِكُلِّ أَحَدٍ وَفِي كُلِّ وَقْتٍ، كَمَا يُفِيدُهُ تَمَامُ الْعِبَارَةِ، بَلْ تَارَةً يَقْتَصِرُ عَلَى أَدْنَى مَا وَرَدَ كَأَقْصَرِ سُورَةٍ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ فِي الْفَجْرِ، أَوْ أَقْصَرِ سُورَةٍ مِنْ قِصَارِهِ عِنْدَ ضِيقِ وَقْتٍ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ، «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي الْفَجْرِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ لَمَّا سَمِعَ بُكَاءَ صَبِيٍّ خَشْيَةَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ» وَتَارَةً يَقْرَأُ أَكْثَرَ مَا وَرَدَ إذَا لَمْ يَمَلَّ الْقَوْمُ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ إلْغَاءَ الْوَارِدِ وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ: وَالْجُمْلَةُ فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْرَأَ مِقْدَارَ مَا يَخِفُّ عَلَى الْقَوْمِ وَلَا يَثْقُلُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّمَامِ، وَهَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْإِمَامُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ حُسْنُ صَوْتِهِ وَقُبْحُهُ (قَوْلُهُ وَفِي الْحُجَّةِ) اسْمُ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْفَتَاوَى (قَوْلُهُ بَيْنَ بَيْنَ) أَيْ بِأَنْ تَكُونَ بَيْنَ التَّرَسُّلِ وَالْإِسْرَاعِ (قَوْلُهُ لَيْلًا) لَعَلَّ وَجْهَ التَّقَيُّدُ بِهِ أَنَّ عَادَةَ الْمُتَهَجِّدِينَ كَثْرَةُ الْقِرَاءَةِ فِي تَهَجُّدِهِمْ فَلَهُمْ الْإِسْرَاعُ لِيُحَصِّلُوا وِرْدَهُمْ مِنْ الْقِرَاءَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا يُفْهَمُ) أَيْ بَعْدَ أَنْ يَمُدَّ أَقَلَّ مَدٍّ قَالَ بِهِ الْقُرَّاءُ وَإِلَّا حَرُمَ لِتَرْكِ التَّرْتِيلِ الْمَأْمُورِ بِهِ شَرْعًا ط (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بِالرِّوَايَاتِ السَّبْعِ) بَلْ يَجُوزُ بِالْعَشْرِ أَيْضًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَهْلُ الْأُصُولِ ط (قَوْلُهُ بِالْغَرِيبَةِ) أَيْ بِالرِّوَايَاتِ الْغَرِيبَةِ وَالْإِمَالَاتِ لِأَنَّ بَعْضَ السُّفَهَاءِ يَقُولُونَ مَا لَا يَعْلَمُونَ فَيَقَعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالشَّقَاءِ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْأَئِمَّةِ أَنْ يَحْمِلُوا الْعَوَامَّ عَلَى مَا فِيهِ نُقْصَانُ دِينِهِمْ، وَلَا يَقْرَأْ عِنْدَهُ قِرَاءَةَ أَبِي جَعْفَرٍ وَابْنِ عَامِرٍ وَعَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ صِيَانَةً لِدِينِهِمْ فَلَعَلَّهُمْ يَسْتَخِفُّونَ أَوْ يَضْحَكُونَ وَإِنْ كَانَ كُلُّ الْقِرَاءَاتِ وَالرِّوَايَاتِ صَحِيحَةً فَصَيْحَةً، وَمَشَايِخُنَا اخْتَارُوا قِرَاءَةَ أَبِي عَمْرٍو وَحَفْصٍ عَنْ عَاصِمٍ اهـ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ فَتَاوَى الْحُجَّةِ (قَوْلُهُ وَتُطَالُ إلَخْ) أَيْ يُطِيلُهَا الْإِمَامُ وَهِيَ مَسْنُونَةٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَقِيلَ النِّصْفِ نَدْبًا؛ فَلَوْ فَحُشَ لَا بَأْسَ بِهِ (فَقَطْ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَلِي الْكُلُّ حَتَّى التَّرَاوِيحُ؛ قِيلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (وَإِطَالَةُ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى يُكْرَهُ) تَنْزِيهًا (إجْمَاعًا إنْ بِثَلَاثِ آيَاتٍ) إنْ تَقَارَبَتْ طُولًا وَقِصَرًا، وَإِلَّا اُعْتُبِرَ الْحُرُوفُ وَالْكَلِمَاتُ.   [رد المحتار] إجْمَاعًا إعَانَةً عَلَى إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى لِأَنَّ وَقْتَ الْفَجْرِ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْإِمَامِ وَمِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يُسَوِّي بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْجَمِيعِ اتِّفَاقًا شَرْحُ الْمُنْيَةِ. أَقُولُ: وَبِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْإِطَالَةَ الْمَذْكُورَةَ مَسْنُونَةٌ إجْمَاعًا، وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عُلِمَ أَنَّ مَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى لِلْبَهْنَسِيِّ مِنْ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ إجْمَاعًا غَرِيبٌ أَوْ سَبْقُ قَلَمٍ. وَقَالَ تِلْمِيذُهُ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: لَمْ أَجِدْهُ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ) بِأَنْ تَكُونَ زِيَادَةُ مَا فِي الْأُولَى عَلَى مَا فِي الثَّانِيَةِ بِقَدْرِ ثُلُثِ مَجْمُوعِ مَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ كَمَا فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ الثُّلُثَانِ فِي الْأُولَى وَالثُّلُثُ فِي الثَّانِيَةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ وَالدُّرَرِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ النِّصْفُ) كَذَا فِي الْحِلْيَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَحْبُوبِيِّ؛ وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ، لَكِنَّ عِبَارَةَ الْخُلَاصَةِ لَا تُفِيدُهُ لِأَنَّ عِبَارَتَهَا هَكَذَا وَحَدُّ الْإِطَالَةِ فِي الْفَجْرِ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ عِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ وَفِي الْأُولَى مِنْ ثَلَاثِينَ إلَى سِتِّينَ. اهـ. وَأَرْجَعَ الْمُحَشِّي الْقَوْلَ بِالنِّصْفِ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ نِصْفُ الْمَقْرُوءِ فِي الْأُولَى وَهُوَ ثُلُثُ الْمَجْمُوعِ، فَلَا وَجْهَ لِعَدِّهِ مُقَابِلًا لَهُ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ مُرَادَ الْخُلَاصَةِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ جَعْلِ الزِّيَادَةِ بِقَدْرِ نِصْفِ مَا فِي الْأُولَى أَوْ نِصْفِ مَا فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنَّهُ إذَا قَرَأَ فِي الْأُولَى ثَلَاثِينَ وَفِي الثَّانِيَةِ عِشْرِينَ فَالزِّيَادَةُ بِقَدْرِ نِصْفِ مَا فِي الثَّانِيَةِ. وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَى سِتِّينَ وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثِينَ فَالزِّيَادَةُ بِقَدْرِ نِصْفِ مَا فِي الْأُولَى، وَبِهَذَا يُغَايِرُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ نَدْبًا) رَاجِعٌ لِلْقَوْلَيْنِ يَعْنِي أَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ فِي كُلٍّ بَيَانٌ لِلْأَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يُرَاعِهِ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِهِ ح (قَوْلُهُ فَلَوْ فَحُشَ) بِأَنْ قَرَأَ فِي الْأُولَى بِأَرْبَعِينَ وَفِي الثَّانِيَةِ بِثَلَاثِ آيَاتٍ لَا بَأْسَ بِهِ، وَبِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ فَقَطْ) لِمَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْفَجْرُ مُجَرَّدَ مِثَالٍ لَا لِلتَّقْيِيدِ أَرْدَفَهُ بِقَوْلِهِ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ حَتَّى التَّرَاوِيحُ) عَزَاهُ فِي الْخَزَائِنِ إلَى الْخَانِيَّةِ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا فِي جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ، لَكِنْ فِي نَظْمِ الزندويستي الِاتِّفَاقُ عَلَى تَسْوِيَةِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا، وَأَيَّدَهُ فِي الْحِلْيَةِ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِعَدَمِ إطَالَةِ الْأُولَى عَلَى؛ الثَّانِيَةِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ قِيلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) قَائِلُهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْمُجْتَبَى. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْحُجَّةِ: وَهُوَ الْمَأْخُوذُ لِلْفَتْوَى. وَفِي الْخُلَاصَةِ إنَّهُ أَحَبُّ، وَجَنَحَ إلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى: أَيْ مِنْ الظُّهْرِ مَا لَا يُطَوِّلُ فِي الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ» وَنَازَعَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِطَالَةِ مِنْ حَيْثُ الثَّنَاءُ وَالتَّعَوُّذُ، وَبِمَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ، ضَرُورَةَ التَّوْفِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ حَيْثُ قَالَ: فَحُزِرَ قِيَامُهُ فِي الظُّهْرِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً فَإِنَّهُ أَفَادَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ اهـ. وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ بَعْدَ أَنْ حَقَّقَ دَلِيلَهُمَا: فَيَظْهَرُ عَلَى هَذَا أَنَّ قَوْلَهُمَا أَحَبُّ لَا قَوْلُهُ، وَأَنَّ الْأَوْلَى كَوْنُ الْفَتْوَى عَامَّةَ قَوْلِهِمَا لَا قَوْلِهِ، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ والشرنبلالية، وَاعْتَمَدَ قَوْلَهُمَا فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى وَالْمُخْتَارِ وَالْهِدَايَةِ فَلِذَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا (قَوْلُهُ إنْ تَقَارَبَتْ إلَخْ) ذَكَرَ هَذَا فِي الْكَافِي فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ، وَاعْتَبَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي فِي عِبَارَتِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 وَاعْتَبَرَ الْحَلَبِيُّ فُحْشَ الطُّولِ لَا عَدَدَ الْآيَاتِ، وَاسْتَثْنَى فِي الْبَحْرِ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَاسْتَظْهَرَ فِي النَّفْلِ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا (وَإِنْ بِأَقَلَّ لَا) يُكْرَهُ، «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -   [رد المحتار] وَالْحَاصِلُ أَنَّ سُنِّيَّةَ إطَالَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ وَكَرَاهِيَةَ الْعَكْسِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ عَدَدُ الْآيَاتِ إنْ تَقَارَبَتْ الْآيَاتُ طُولًا وَقِصَرًا فَإِنْ تَفَاوَتَتْ تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ الْكَلِمَاتُ، فَإِذَا قَرَأَ فِي الْأُولَى مِنْ الْفَجْرِ عِشْرِينَ آيَةً طَوِيلَةً وَفِي الثَّانِيَةِ مِنْهَا عِشْرِينَ أَيَّةً قَصِيرَةً تَبْلُغُ كَلِمَاتُهَا قَدْرَ نِصْفِ كَلِمَاتِ الْأُولَى فَقَدْ حَصَّلَ السُّنَّةَ، وَلَوْ عَكَسَ يُكْرَهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْحُرُوفَ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مُقَابَلَةُ كُلِّ كَلِمَةٍ بِمِثْلِهَا فِي عَدَدِ الْحُرُوفِ، فَالْمُعْتَبَرُ عَدَدُ الْحُرُوفِ لَا الْكَلِمَاتُ فَلَوْ اقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى الْحُرُوفِ أَوْ عَطَفَهَا عَلَى الْكَلِمَاتِ كَمَا فَعَلَ فِي الْكَافِي لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَاعْتَبَرَ الْحَلَبِيُّ فُحْشَ الطُّولِ إلَخْ) كَمَا لَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَى وَالْعَصْرِ وَفِي الثَّانِيَةِ الْهُمَزَةَ فَرَمَزَ فِي الْقُنْيَةِ أَوَّلًا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ثُمَّ رَمَزَ ثَانِيًا أَنَّهُ يُكْرَهُ وَقَالَ لِأَنَّ الْأُولَى ثَلَاثُ آيَاتٍ وَالثَّانِيَةَ تِسْعٌ، وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ الْكَثِيرَةُ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَرَأَ فِي الْأُولَى مِنْ الْجُمُعَةِ بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] » فَزَادَ عَلَى الْأُولَى بِسَبْعٍ لَكِنْ السَّبْعُ فِي السُّوَرِ الطِّوَالِ يَسِيرٌ دُونَ الْقِصَارِ لِأَنَّ السِّتَّ هُنَا ضِعْفُ الْأَصْلِ وَالسَّبْعُ ثَمَّةَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِهِ اهـ أَيْ أَنَّ السِّتَّ الزَّائِدَةَ فِي الْهُمَزَةِ ضِعْفُ سُورَةِ الْعَصْرِ بِخِلَافِ السَّبْعِ الزَّائِدَةِ فِي الْغَاشِيَةِ فَإِنَّهَا أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ سُورَةِ الْأَعْلَى فَكَانَتْ يَسِيرَةً. قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْقُنْيَةِ أَنَّ ثَلَاثَ آيَاتٍ إنَّمَا تُكْرَهُ فِي السُّوَرِ الْقِصَارِ لِظُهُورِ الطُّولِ فِيهَا بِذَلِكَ ظُهُورًا بَيِّنًا وَهُوَ حَسَنٌ إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ أَنَّهُ مَتَى كَانَتْ الزِّيَادَةُ بِمَا دُونَ النِّصْفِ لَا تُكْرَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ الزِّيَادَةَ إذَا كَانَتْ ظَاهِرَةً ظُهُورًا تَامًّا تُكْرَهُ وَإِلَّا فَلَا لِلُزُومِ الْحَرَجِ فِي التَّحَرُّزِ عَنْ الْخَفِيَّةِ وَلِوُرُودِ مِثْلِ هَذَا فِي الْحَدِيثِ. وَلَا تَغْفُلْ عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْآيَاتِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ تَقَارُبِهَا، وَأَمَّا عِنْدَ تَفَاوُتِهَا فَالْمُعْتَبَرُ التَّقْدِيرُ بِالْكَلِمَاتِ أَوْ الْحُرُوفِ عَمَّا إلَّا فَأَلَمْ نَشْرَحْ ثَمَانِي آيَاتٍ - و - لَمْ يَكُنْ - ثَمَانِي آيَاتٍ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ الْأُولَى فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا قُلْنَا مِنْ ظُهُورِ الزِّيَادَةِ وَالطُّولِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَيْثُ الْآيُ لَكِنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْكَلِمُ وَالْحُرُوفُ وَقِسْ عَلَى هَذَا اهـ كَلَامُ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْحَلَبِيِّ. وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِهِ وَكَلَامِ الْقُنْيَةِ أَنَّ إطْلَاقَ كَرَاهَةِ إطَالَةِ الثَّانِيَةِ بِثَلَاثِ آيَاتٍ مُقَيَّدٌ بِالسُّوَرِ الْقَصِيرَةِ الْمُتَقَارِبَةِ الْآيَاتِ لِظُهُورِ الْإِطَالَةِ حِينَئِذٍ فِيهَا أَمَّا السُّوَرُ الطَّوِيلَةُ أَوْ الْقَصِيرَةُ الْمُتَفَاوِتَةُ فَلَا يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ فِيهِمَا بَلْ يُعْتَبَرُ ظُهُورُ الْإِطَالَةِ مِنْ حَيْثُ الْكَلِمَاتُ وَإِنْ اتَّحَدَتْ آيَاتُ السُّورَتَيْنِ عَدَدًا هَذَا مَا فَهِمْته، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى فِي الْبَحْرِ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ) أَيْ كَقِرَاءَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى بِالْأَعْلَى وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْغَاشِيَةِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَعَ أَنَّ الْأُولَى تِسْعَ عَشْرَةَ آيَةً وَالثَّانِيَةَ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ. وَعَلَى مَا مَرَّ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ طَوِيلَتَانِ، وَلَا تَفَاوُتَ ظَاهِرٌ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْكَلِمَاتُ وَالْحُرُوفُ، بَلْ هُمَا مُتَقَارِبَتَانِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ أَوَّلًا بِقَرِينَةِ مَا قَبْلَهُ، وَلِأَنَّ عِبَارَةَ الْبَحْرِ هَكَذَا: وَقَيَّدَ بِالْفَرْضِ لِأَنَّهُ يُسَوَّى فِي السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ رَكَعَاتُهَا فِي الْقِرَاءَةِ إلَّا فِيمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ أَوْ الْأَثَرُ، كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي. وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِكَرَاهَةِ تَطْوِيلِ رَكْعَةٍ مِنْ التَّطَوُّعِ وَنَقْصِ أُخْرَى، وَأَطْلَقَ فِي جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ عَدَمَ كَرَاهَةِ إطَالَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ لِأَنَّ أَمْرَهَا سَهْلٌ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْيُسْرِ. وَمَشَى عَلَيْهِ فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى فَكَانَ الظَّاهِرُ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ اهـ. فَقَوْلُ الْبَحْرِ: وَأَطْلَقَ فِي جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ إلَخْ وَاسْتِظْهَارٌ لَهُ قَرِينَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ خِلَافَ مَا فِي الْمُنْيَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ نَعَمْ كَلَامُهُ فِي إطَالَةِ الْأَوْلَى عَلَى الثَّانِيَةِ دُونَ الْعَكْسِ، فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ ذِكْرُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَتُطَالُ أَوْلَى الْفَجْرِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْأَصَحُّ كَرَاهَةُ إطَالَةِ الثَّانِيَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 صَلَّى بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ» (وَلَا يَتَعَيَّنُ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ لِصَلَاةٍ عَلَى طَرِيقِ الْفَرْضِيَّةِ) بَلْ تَعَيُّنُ الْفَاتِحَةُ عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ (وَيُكْرَهُ التَّعْيِينُ) كَالسَّجْدَةِ وَ - {هَلْ أَتَى} [الإنسان: 1]- لِفَجْرِ كُلِّ جُمُعَةٍ، بَلْ يُنْدَبُ قِرَاءَتُهُمَا أَحْيَانًا (وَالْمُؤْتَمُّ لَا يَقْرَأُ مُطْلَقًا) وَلَا الْفَاتِحَةَ فِي السَّرِيَّةِ اتِّفَاقًا، وَمَا نُسِبَ لِمُحَمَّدٍ ضَعِيفٌ كَمَا بَسَطَهُ الْكَمَالُ (فَإِنْ قَرَأَ كُرِهَ تَحْرِيمًا) وَتَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ. وَفِي دُرَرِ الْبِحَارِ عَنْ مَبْسُوطِ خُوَاهَرْ زَادَهْ   [رد المحتار] عَلَى الْأُولَى فِي النَّفْلِ أَيْضًا إلْحَاقًا لَهُ بِالْفَرْضِ فِيمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ تَخْصِيصٌ مِنْ التَّوَسُّعَةِ كَجَوَازِهِ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ وَنَحْوِهِ. وَأَمَّا إطَالَةُ الثَّالِثَةِ عَلَى الثَّانِيَةِ وَالْأُولَى فَلَا تُكْرَهُ، لِمَا أَنَّهُ شَفْعٌ آخَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ صَلَّى بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ) يَعْنِي فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالسُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَطْوَلُ مِنْ الْأُولَى بِآيَةٍ. وَفِي الِاحْتِرَازِ عَنْ هَذَا التَّفَاوُتِ حَرَجٌ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ شَرْعًا فَتُجْعَلُ زِيَادَةُ مَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ أَوْ نُقْصَانُهُ كَالْعَدَمِ فَلَا يُكْرَهُ ح عَنْ الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ عَلَى طَرِيقِ الْفَرْضِيَّةِ) أَيْ بِحَيْثُ لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ بِدُونِهِ كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ فِي الْفَاتِحَةِ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ التَّعَيُّنُ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُفَرَّعَةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا لِأَنَّ الشَّارِعَ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ عَلَيْهِ شَيْئًا تَيْسِيرًا عَلَيْهِ كُرِهَ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ، وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ: لِمَا فِيهِ مِنْ هَجْرِ الْبَاقِي وَإِيهَامِ التَّفْضِيلِ (قَوْلُهُ بَلْ يُنْدَبُ قِرَاءَتُهُمَا أَحْيَانًا) قَالَ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى: وَهَذَا إذَا صَلَّى الْوِتْرَ بِجَمَاعَةٍ، وَإِنْ صَلَّى وَحْدَهُ يَقْرَأُ كَيْفَ شَاءَ اهـ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: لِأَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ عَدَمُ الْمُدَاوَمَةِ لَا الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْعَدَمِ كَمَا يَفْعَلُهُ حَنَفِيَّةُ الْعَصْرِ، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ ذَلِكَ أَحْيَانًا تَبَرُّكًا بِالْمَأْثُورِ، فَإِنَّ لُزُومَ الْإِيهَامِ يَنْتَفِي بِالتَّرْكِ أَحْيَانًا، وَلِذَا قَالُوا: السُّنَّةُ أَنْ يَقْرَأَ فِي رَكْعَتِي الْفَجْرِ بِالْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ. وَظَاهِرُ هَذَا إفَادَةُ الْمُوَاظَبَةِ، إذْ الْإِيهَامُ الْمَذْكُورُ مُنْتَفٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُصَلِّي نَفْسِهِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ اخْتِصَاصُ الْكَرَاهَةِ بِالْإِمَامِ. وَنَازَعَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ إيهَامُ التَّفْصِيلِ وَالتَّعْيِينِ، أَمَّا عَلَى مَا عَلَّلَ بِهِ الْمَشَايِخُ مِنْ هَجْرِ الْبَاقِي فَلَا فَرْقَ فِي كَرَاهَةِ الْمُدَاوَمَةِ بَيْنَ الْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ وَالسُّنَّةِ وَالْفَرْضِ، فَتُكْرَهُ الْمُدَاوَمَةُ مُطْلَقًا، لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ كَرَاهَةِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى قِرَاءَةِ السُّوَرِ الثَّلَاثِ فِي الْوِتْرِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ فِي رَمَضَانَ إمَامًا أَوْ لَا. اهـ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ قَدْ عَلَّلَ بِهِمَا الْمَشَايِخُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ لَا عِلَّتَانِ، فَيُتَّجَهُ مَا فِي الْفَتْحِ. أَقُولُ: عَلَى أَنَّهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّعْمِيمِ الْمَذْكُورِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ إيهَامَ هَجْرِ الْبَاقِي يَزُولُ بِقِرَاءَتِهِ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى. وَأَيْضًا ذَكَرَ فِي وِتْرِ الْبَحْرِ عَنْ النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً مُتَعَيِّنَةً عَلَى الدَّوَامِ لِئَلَّا يَظُنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ وَاجِبٌ اهـ فَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا فِي الْفَتْحِ أَيْضًا. هَذَا، وَقَيَّدَ الطَّحَاوِيُّ والإسبيجابي الْكَرَاهَةَ بِمَا إذَا رَأَى ذَلِكَ حَتْمًا لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ؛ أَمَّا لَوْ قَرَأَهُ لِلتَّيْسِيرِ عَلَيْهِ أَوْ تَبَرُّكًا بِقِرَاءَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا كَرَاهَةَ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَقْرَأَ غَيْرَهَا أَحْيَانًا لِئَلَّا يَظُنَّ الْجَاهِلُ أَنَّ غَيْرَهَا لَا يَجُوزُ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ لَا تَحْرِيرَ فِيهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُدَاوَمَةِ. اهـ. وَأَقُولُ: حَاصِلُ مَعْنَى كَلَامِ هَذَيْنِ الشَّيْخَيْنِ بَيَانُ وَجْهِ الْكَرَاهَةِ فِي الْمُدَاوَمَةِ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ رَأَى ذَلِكَ حَتْمًا يُكْرَهُ مِنْ حَيْثُ تَغْيِيرُ الْمَشْرُوعِ وَإِلَّا يُكْرَهُ مِنْ حَيْثُ إيهَامُ الْجَاهِلِ، وَبِهَذَا الْحَمْلِ يَتَأَيَّدُ أَيْضًا كَلَامُ الْفَتْحِ السَّابِقِ: وَيَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُهُ اللَّاحِقُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَلَا الْفَاتِحَةَ) بِالنَّصْبِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ لَا غَيْرَ الْفَاتِحَةِ وَلَا الْفَاتِحَةَ، وَقَوْلُهُ فِي السَّرِيَّةِ يُعْلَمُ مِنْهُ نَفْيُ الْقِرَاءَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ بِالْأَوْلَى، وَالْمُرَادُ التَّعْرِيضُ، بِخِلَافِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَيَرِدُ مَا نُسِبَ لِمُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ اتِّفَاقًا) أَيْ بَيْنَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ. (قَوْلُهُ وَمَا نُسِبَ لِمُحَمَّدٍ) أَيْ مِنْ اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي السَّرِيَّةِ احْتِيَاطًا (قَوْلُهُ كَمَا بَسَطَهُ الْكَمَالُ) حَاصِلُهُ أَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي كِتَابِهِ الْآثَارِ: لَا نَرَى الْقِرَاءَةَ خَلَفَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ يَجْهَرُ فِيهِ أَوْ يُسِرُّ، وَدَعْوَى الِاحْتِيَاطِ مَمْنُوعَةٌ، بَلْ الِاحْتِيَاطُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ. وَقَدْ رُوِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 أَنَّهَا تَفْسُدُ وَيَكُونُ فَاسِقًا، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَالْمَنْعُ أَحْوَطُ (بَلْ يَسْتَمِعُ) إذَا جَهَرَ (وَيُنْصِتُ) إذَا أَسَرَّ «لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كُنَّا نَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فَنَزَلَ - {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204]-» (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (قَرَأَ الْإِمَامُ آيَةَ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ) وَكَذَا الْإِمَامُ لَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ، وَمَا وَرَدَ حُمِلَ عَلَى النَّفْلِ مُنْفَرِدًا كَمَا مَرَّ (كَذَا الْخُطْبَةُ) فَلَا يَأْتِي بِمَا يُفَوِّتُ الِاسْتِمَاعَ وَلَوْ كِتَابَةً أَوْ رَدَّ سَلَامٍ (وَإِنْ صَلَّى الْخَطِيبُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا إذَا قَرَأَ - {صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56]- فَيُصَلِّي الْمُسْتَمِعُ سِرًّا) بِنَفْسِهِ وَيُنْصِتُ بِلِسَانِهِ عَمَلًا بِأَمْرَيْ - {صَلُّوا} [الأحزاب: 56]- {وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204]- (وَالْبَعِيدُ) عَنْ الْخَطِيبِ (وَالْقَرِيبُ سِيَّانِ) فِي افْتِرَاضِ الْإِنْصَاتِ.   [رد المحتار] الْفَسَادُ بِالْقِرَاءَةِ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَأَقْوَاهُمَا الْمَنْعُ (قَوْلُهُ أَنَّهَا تَفْسُدُ) هَذَا مُقَابِلُ الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الْفَسَادُ الْمَفْهُومُ مِنْ تَفْسُدُ (قَوْلُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ) قَالَ فِي الْخَزَائِنِ: وَفِي الْكَافِي: وَمَنْعُ الْمُؤْتَمِّ مِنْ الْقِرَاءَةِ مَأْثُورٌ عَنْ ثَمَانِينَ نَفَرًا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ الْمُرْتَضَى وَالْعَبَادِلَةُ وَقَدْ دَوَّنَ أَهْلُ الْحَدِيثِ أَسَامِيَهُمْ (قَوْلُهُ وَيُنْصِتُ إذَا أَسَرَّ) وَكَذَا إذَا جَهَرَ بِالْأَوْلَى. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَحَاصِلُ الْآيَةِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِهَا أَمْرَانِ الِاسْتِمَاعُ وَالسُّكُوتُ، فَيَعْمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْأَوَّلُ يَخُصُّ الْجَهْرِيَّةَ، وَالثَّانِي لَا فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فَيَجِبُ السُّكُوتُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا اهـ (قَوْلُهُ آيَةُ تَرْغِيبٍ) أَيْ فِي ثَوَابِهِ تَعَالَى أَوْ تَرْهِيبٍ: أَيْ تَخْوِيفٍ مِنْ عِقَابِهِ تَعَالَى، فَلَا يَسْأَلُ الْأَوَّلَ وَلَا يَسْتَعِيذُ مِنْ الثَّانِي. قَالَ فِي الْفَتْحِ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَهُ بِالرَّحْمَةِ إذَا اسْتَمَعَ، وَوَعْدُهُ حَتْمٌ، وَإِجَابَةُ دُعَاءِ الْمُتَشَاغِلِ عَنْهُ غَيْرُ مَجْزُومٍ بِهَا (قَوْلُهُ وَمَا وَرَدَ) أَيْ عَنْ «حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ لَيْلَةٍ إلَى أَنْ قَالَ: وَمَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا فَسَأَلَ، وَلَا بِآيَةِ عَذَابٍ إلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا وَتَعَوَّذَ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ حُمِلَ عَلَى النَّفْلِ مُنْفَرِدًا) أَفَادَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي فِي الْفَرْضِ أَوْ النَّفْلِ سَوَاءٌ، قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: أَمَّا الْإِمَامُ فِي الْفَرَائِضِ فَلَمَّا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْهُ فِيهَا، وَكَذَا الْأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا، فَكَانَ مِنْ الْمُحْدَثَاتِ وَلِأَنَّهُ تَثْقِيلٌ عَلَى الْقَوْمِ فَيُكْرَهُ. وَأَمَّا فِي التَّطَوُّعِ فَإِنْ كَانَ فِي التَّرَاوِيحِ فَكَذَلِكَ؛ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا مِنْ نَوَافِلِ اللَّيْلِ الَّتِي اقْتَدَى بِهِ فِيهَا وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ فَلَا يَتِمُّ تَرْجِيحُ التَّرْكِ عَلَى الْفِعْلِ، لِمَا رَوَيْنَا: أَيْ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ السَّابِقِ، اللَّهُمَّ إلَّا إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ تَثْقِيلٌ عَلَى الْمُقْتَدِي، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ. وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَلِأَنَّ وَظِيفَتَهُ الِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ فَلَا يَشْتَغِلُ بِمَا يُخِلُّهُ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّمَا يَتِمُّ ذَلِكَ فِي الْمُقْتَدِي فِي الْفَرَائِضِ وَالتَّرَاوِيحِ؛ أَمَّا الْمُقْتَدِي فِي النَّافِلَةِ الْمَذْكُورَةِ إذَا كَانَ إمَامُهُ يَفْعَلُهُ فَلَا لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِمَا ذُكِرَ، فَلْيُحْمَلْ عَلَى مَا عَدَا هَذِهِ الْحَالَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي فَصْلِ تَرْتِيبِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ مِنْ حَمْلِ مَا وَرَدَ مِنْ الْأَدْعِيَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَفِي السَّجْدَتَيْنِ وَالْجَلْسَةِ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمُتَنَفِّلُ، وَأَمَّا مَسْأَلَتُنَا هَذِهِ فَلَمْ تَمُرَّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلَا يَأْتِي بِمَا يُفَوِّتُ الِاسْتِمَاعَ إلَخْ) سَيَأْتِي فِي بَابِ الْجُمُعَةِ أَنَّ كُلَّ مَا حَرُمَ فِي الصَّلَاةِ حَرُمَ فِي الْخُطْبَةِ؛ فَيَحْرُمُ أَكْلٌ وَشُرْبٌ وَكَلَامٌ وَلَوْ تَسْبِيحًا أَوْ رَدَّ سَلَامٍ أَوْ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ إلَّا مِنْ الْخَطِيبِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مِنْهَا بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ فِي الْأَصَحِّ وَلَا يَرِدُ تَحْذِيرُ مَنْ خِيفَ هَلَاكُهُ لِأَنَّهُ يَجِبُ لِحَقِّ آدَمِيٍّ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَالْإِنْصَاتُ لِحَقِّهِ تَعَالَى، وَمَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ، بِأَنْ يُشِيرَ بِرَأْسِهِ أَوْ يَدِهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ مُنْكَرٍ، وَكَذَا الِاسْتِمَاعُ لِسَائِرِ الْخُطَبِ كَخِطْبَةِ نِكَاحٍ وَخَتْمٍ وَعِيدٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُنْصِتُ بِلِسَانِهِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِقَوْلِهِ بِنَفْسِهِ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي جُمُعَةِ الْفَتْحِ أَنَّهُ (الصَّوَابُ) (قَوْلُهُ فِي افْتِرَاضِ الْإِنْصَاتِ) عَبَّرَ بِالِافْتِرَاضِ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ. وَعَبَّرَ فِي النَّهْرِ بِالْوُجُوبِ قَالَ ط وَهُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّ تَرْكَهُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 فُرُوعٌ] يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ لِلْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ. لَا بَأْسَ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً وَيُعِيدَهَا فِي الثَّانِيَةِ، وَأَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى مِنْ مَحَلٍّ وَفِي الثَّانِيَةِ مِنْ آخَرَ وَلَوْ مِنْ سُورَةٍ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا آيَتَانِ فَأَكْثَرَ. وَيُكْرَهُ الْفَصْلُ بِسُورَةٍ قَصِيرَةٍ وَأَنْ يَقْرَأَ مَنْكُوسًا   [رد المحتار] [فُرُوعٌ يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ لِلْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا] فُرُوعٌ فِي الْقِرَاءَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ لِلْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا لِأَنَّ الْآيَةَ وَإِنْ كَانَتْ وَارِدَةً فِي الصَّلَاةِ عَلَى مَا مَرَّ فَالْعِبْرَةُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ، ثُمَّ هَذَا حَيْثُ لَا عُذْرَ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: صَبِيٌّ يَقْرَأُ فِي الْبَيْتِ وَأَهْلُهُ مَشْغُولُونَ بِالْعَمَلِ يُعْذَرُونَ فِي تَرْكِ الِاسْتِمَاعِ إنْ افْتَتَحُوا الْعَمَلَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا قِرَاءَةُ الْفِقْهِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. وَفِي الْفَتْحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: رَجُلٌ يَكْتُبُ الْفِقْهَ وَبِجَنْبِهِ رَجُلٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَلَا يُمْكِنُهُ اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ فَالْإِثْمُ عَلَى الْقَارِئِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَرَأَ عَلَى السَّطْحِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ يَأْثَمُ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ يَكُونُ سَبَبًا لِإِعْرَاضِهِمْ عَنْ اسْتِمَاعِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ يُؤْذِيهِمْ بِإِيقَاظِهِمْ تَأَمَّلْ مَطْلَبٌ الِاسْتِمَاعُ لِلْقُرْآنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْأَصْلُ أَنَّ الِاسْتِمَاعَ لِلْقُرْآنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِأَنَّهُ لِإِقَامَةِ حَقِّهِ بِأَنْ يَكُونَ مُلْتَفَتًا إلَيْهِ غَيْرَ مُضَيَّعٍ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِإِنْصَاتِ الْبَعْضِ؛ كَمَا فِي رَدِّ السَّلَامِ حِينَ كَانَ لِرِعَايَةِ حَقِّ الْمُسْلِمِ كَفَى فِيهِ الْبَعْضُ عَنْ الْكُلِّ، إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَارِئِ احْتِرَامُهُ بِأَنْ لَا يَقْرَأَهُ فِي الْأَسْوَاقِ وَمَوَاضِعِ الِاشْتِغَالِ، فَإِذَا قَرَأَهُ فِيهَا كَانَ هُوَ الْمُضَيَّعَ لِحُرْمَتِهِ، فَيَكُونُ الْإِثْمُ عَلَيْهِ دُونَ أَهْلِ الِاشْتِغَالِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَتَمَامُهُ فِي ط. وَنَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ أُسْتَاذِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ يَحْيَى الشَّهِيرِ بِمِنْقَارِي زَادَهْ أَنَّ لَهُ رِسَالَةً حَقَّقَ فِيهَا أَنَّ اسْتِمَاعَ الْقُرْآنِ فَرْضُ عَيْنٍ (قَوْلُهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ جَزْمُ الْقُنْيَةِ بِالْكَرَاهَةِ، وَيُحْمَلُ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِذَلِكَ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ، هَذَا إذَا لَمْ يُضْطَرَّ، فَإِنْ اُضْطُرَّ بِأَنْ قَرَأَ فِي الْأُولَى - {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1]- أَعَادَهَا فِي الثَّانِيَةِ إنْ لَمْ يَخْتِمْ نَهْرٌ لِأَنَّ التَّكْرَارَ أَهْوَنُ مِنْ الْقِرَاءَةِ مَنْكُوسًا بَزَّازِيَّةٌ، وَأَمَّا لَوْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ فَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّهُ يَقْرَأُ مِنْ الْبَقَرَةِ. (قَوْلُهُ وَأَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى مِنْ مَحَلِّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكَّتَيْنِ آخِرَ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ لَا آخِرَ سُورَتَيْنِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ اهـ لَكِنْ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ الْمَنْفِيَّةِ التَّحْرِيمِيَّةُ، فَلَا يُنَافِي كَلَامَ الْأَكْثَرِ وَلَا قَوْلَ الشَّارِحِ لَا بَأْسَ تَأَمَّلْ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَقِبَ مَا مَرَّ، وَكَذَا لَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَى مِنْ وَسَطِ سُورَةٍ أَوْ مِنْ سُورَةٍ أَوَّلَهَا ثُمَّ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ وَسَطِ سُورَةِ أُخْرَى أَوْ مِنْ أَوَّلِهَا أَوْ سُورَةً قَصِيرَةً الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، لَكِنْ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ سُورَةٍ إلَخْ) وَاصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ أَيْ لَوْ قَرَأَ مِنْ مَحَلَّيْنِ، بِأَنْ انْتَقَلَ مِنْ آيَةٍ إلَى أُخْرَى مِنْ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا آيَتَانِ فَأَكْثَرُ، لَكِنْ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ بِلَا ضَرُورَةٍ لِأَنَّهُ يُوهِمُ الْإِعْرَاضَ وَالتَّرْجِيحَ بِلَا مُرَجِّحٍ شَرْحُ الْمُنْيَةِ؛ وَإِنَّمَا فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ آيَةٍ إلَى آيَةٍ يُكْرَهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا آيَاتٌ بِلَا ضَرُورَةٍ؛ فَإِنْ سَهَا ثُمَّ تَذَكَّرَ يَعُودُ مُرَاعَاةً لِتَرْتِيبِ الْآيَاتِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ الْفَصْلُ بِسُورَةٍ قَصِيرَةٍ) أَمَّا بِسُورَةٍ طَوِيلَةٍ بِحَيْثُ يَلْزَمُ مِنْهُ إطَالَةُ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ إطَالَةً كَثِيرَةً فَلَا يُكْرَهُ شَرْحُ الْمُنْيَةِ: كَمَا إذَا كَانَتْ سُورَتَانِ قَصِيرَتَانِ، وَهَذَا لَوْ فِي رَكْعَتَيْنِ أَمَّا فِي رَكْعَةٍ فَيُكْرَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ سُورَتَيْنِ بَيْنَهُمَا سُوَرٌ أَوْ سُورَةٌ فَتْحٌ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: إذَا جَمَعَ بَيْنَ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ رَأَيْت فِي مَوْضِعٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: الْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ فِي الْفَرْضِ وَلَوْ فَعَلَ لَا يُكْرَهُ إلَّا أَنْ يَتْرُكَ بَيْنَهُمَا سُورَةً أَوْ أَكْثَرَ (قَوْلُهُ وَأَنْ يَقْرَأَ مَنْكُوسًا) بِأَنْ يَقْرَأَ الثَّانِيَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 إلَّا إذَا خَتَمَ فَيَقْرَأُ مِنْ الْبَقَرَةِ. وَفِي الْقُنْيَةِ قَرَأَ فِي الْأُولَى الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّانِيَةِ - أَلَمْ تَرَ - أَوْ - تَبَّتْ - ثُمَّ ذَكَرَ يُتِمُّ وَقِيلَ يَقْطَعُ وَيَبْدَأُ، وَلَا يُكْرَهُ فِي النَّفْلِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَثَلَاثٌ تَبْلُغُ قَدْرَ أَقْصَرِ سُورَةٍ أَفْضَلُ مِنْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ، وَفِي سُورَةٍ وَبَعْضِ سُورَةٍ الْعِبْرَةُ لِلْأَكْثَرِ، وَبَسَطْنَاهُ فِي الْخَزَائِنِ: بَابُ الْإِمَامَةِ   [رد المحتار] سُورَةً أَعْلَى مِمَّا قَرَأَ فِي الْأُولَى لِأَنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ فِي الْقِرَاءَةِ مِنْ وَاجِبَاتِ التِّلَاوَةِ؛ وَإِنَّمَا جُوِّزَ لِلصِّغَارِ تَسْهِيلًا لِضَرُورَةِ التَّعْلِيمِ ط (قَوْلُهُ إلَّا إذَا خَتَمَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: مَنْ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي الصَّلَاةِ إذَا فَرَغَ مِنْ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى يَرْكَعُ ثُمَّ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ بِالْفَاتِحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَيْرُ النَّاسِ الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ» أَيْ الْخَاتِمُ الْمُفْتَتِحُ اهـ (قَوْلُهُ وَفِي الثَّانِيَةِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَبَدَأَ فِي الثَّانِيَةِ، وَالْمَعْنَى عَلَيْهَا (قَوْلُهُ أَلَمْ تَرَ أَوْ تَبَّتْ) أَيْ نَكَّسَ أَوْ فَصَلَ بِسُورَةٍ قَصِيرَةٍ ط (قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ يُتِمُّ) أَفَادَ أَنَّ التَّنْكِيسَ أَوْ الْفَصْلَ بِالْقَصِيرَةِ إنَّمَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ عَنْ قَصْدٍ، فَلَوْ سَهْوًا فَلَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَإِذَا انْتَفَتْ الْكَرَاهَةُ فَإِعْرَاضُهُ عَنْ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا لَا يَنْبَغِي. وَفِي الْخُلَاصَةِ افْتَتَحَ سُورَةً وَقَصْدُهُ سُورَةً أُخْرَى فَلَمَّا قَرَأَ آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ أَرَادَ أَنْ يَتْرُكَ تِلْكَ السُّورَةَ وَيَفْتَتِحَ الَّتِي أَرَادَهَا يُكْرَهُ اهـ. وَفِي الْفَتْحِ: وَلَوْ كَانَ أَيْ الْمَقْرُوءُ حَرْفًا وَاحِدًا (قَوْلُهُ وَلَا يُكْرَهُ فِي النَّفْلِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ) عَزَاهُ فِي الْفَتْحِ إلَى الْخُلَاصَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَعِنْدِي فِي هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ نَظَرٌ؛ «فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى بِلَالًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الِانْتِقَالِ مِنْ سُورَةٍ إلَى سُورَةٍ وَقَالَ لَهُ: إذَا ابْتَدَأْتَ سُورَةً فَأَتِمَّهَا عَلَى نَحْوِهَا حِينَ سَمِعَهُ يَتَنَقَّلُ مِنْ سُورَةٍ إلَى سُورَةٍ فِي التَّهَجُّدِ» . اهـ. وَاعْتَرَضَ ح أَيْضًا بِأَنَّهُمْ نَصُّوا بِأَنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَى التَّرْتِيبِ مِنْ وَاجِبَاتِ الْقِرَاءَةِ؛ فَلَوْ عَكَسَهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ يُكْرَهُ فَكَيْفَ لَا يُكْرَهُ فِي النَّفْلِ؟ تَأَمَّلْ وَأَجَابَ ط بِأَنَّ النَّفَلَ لِاتِّسَاعِ بَابِهِ نَزَلَتْ كُلُّ رَكْعَةٍ مِنْهُ فِعْلًا مُسْتَقِلًّا فَيَكُونُ كَمَا لَوْ قَرَأَ إنْسَانٌ سُورَةً ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قَرَأَ مَا فَوْقَهَا، فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَثَلَاثٌ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرٌ: أَيْ وَقِرَاءَةُ ثَلَاثِ آيَاتٍ إلَخْ، وَفِي بَعْضِهَا وَبِثَلَاثٍ بِزِيَادَةِ الْبَاءِ قَالَ ح: أَيْ وَالصَّلَاةُ بِثَلَاثِ آيَاتٍ إلَخْ (قَوْلُهُ أَفْضَلُ إلَخْ) لَعَلَّهُ لِأَنَّ التَّحَدِّيَ وَالْإِعْجَازَ وَقَعَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ لَا بِالْآيَةِ، وَالْأَفْضَلِيَّةُ تَرْجِعُ إلَى كَثْرَةِ الثَّوَابِ (قَوْلُهُ وَفِي سُورَةٍ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَقَوْلُهُ الْعِبْرَةُ لِلْأَكْثَرِ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ: أَيْ الْأَكْثَرُ آيَاتٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَبَسَطْنَاهُ فِي الْخَزَائِنِ) أَيْ بَسَطَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ هَذِهِ الْفُرُوعِ مَعَ زِيَادَةٍ عَلَيْهَا ذَكَرْنَاهَا فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ، وَتَمَامُ مَسَائِلِ أَحْكَامِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا مَبْسُوطٌ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَبَعْضُهَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْإِمَامَةِ] ِ هِيَ مَصْدَرُ قَوْلِك فُلَانٌ أَمَّ النَّاسَ، صَارَ لَهُمْ إمَامًا يَتَّبِعُونَ فِي صَلَاتِهِ فَقَطْ أَوْ فِيهَا وَفِي أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، وَالْأَوَّلُ ذُو الْإِمَامَةِ الصُّغْرَى، وَالثَّانِي ذُو الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى ، وَالْبَابُ هُنَا مَعْقُودٌ لِلْأُولَى. وَلَمَّا كَانَتْ الثَّانِيَةُ مِنْ الْمَبَاحِثِ الْفِقْهِيَّةِ حَقِيقَةً لِأَنَّ الْقِيَامَ بِهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَكَانَتْ الْأُولَى تَابِعَةً لَهَا وَمَبْنِيَّةً عَلَيْهَا تَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ مَبَاحِثِهَا هُنَا، وَبُسِطَتْ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْهُ بَلْ مِنْ مُتَمِّمَاتِهِ لِظُهُورِ اعْتِقَادَاتٍ فَاسِدَةٍ فِيهَا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ كَالطَّعْنِ فِي الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 هِيَ صُغْرَى وَكُبْرَى؛ فَالْكُبْرَى اسْتِحْقَاقُ تَصَرُّفٍ عَامٍّ عَلَى الْأَنَامِ، وَتَحْقِيقُهُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ، وَنَصْبُهُ أَهَمُّ الْوَاجِبَاتِ، فَلِذَا قَدَّمُوهُ عَلَى دَفْنِ صَاحِبِ الْمُعْجِزَاتِ: وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا حُرًّا ذَكَرًا عَاقِلًا بَالِغًا قَادِرًا، قُرَشِيًّا لَا هَاشِمِيًّا عَلَوِيًّا، مَعْصُومًا. وَيُكْرَهُ تَقْلِيدُ الْفَاسِقِ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ شُرُوطُ الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى (قَوْلُهُ فَالْكُبْرَى اسْتِحْقَاقُ تَصَرُّفٍ عَامٍّ عَلَى الْأَنَامِ) أَيْ عَلَى الْخَلْقِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِتَصَرُّفٍ لَا بِاسْتِحْقَاقٍ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ طَاعَةُ الْإِمَامِ لَا تَصَرُّفُهُ، وَلَا بِعَامٍّ إذْ الْمُتَعَارَفُ أَنْ يُقَالَ عَامٌّ بِكَذَا لَا عَلَيْهِ. وَعَرَّفَهَا فِي الْمَقَاصِدِ بِأَنَّهَا رِيَاسَةٌ عَامَّةٌ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا خِلَافَةً عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَخْرُجَ النُّبُوَّةُ، لَكِنَّ النُّبُوَّةَ فِي الْحَقِيقَةِ غَيْرُ دَاخِلَةٍ لِأَنَّهَا بَعْثَةٌ بِشَرْعٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ تَعْرِيفِ النَّبِيِّ، وَاسْتِحْقَاقُ النَّبِيِّ التَّصَرُّفَ الْعَامَّ إمَامَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى النُّبُوَّةِ، فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي التَّعْرِيفِ دُونَ مَا تَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ أَعْنِي النُّبُوَّةَ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْعُمُومِ مِثْلُ الْقَضَاءِ وَالْإِمَارَةِ. وَلَمَّا كَانَتْ الرِّيَاسَةُ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَيْسَتْ إلَّا اسْتِحْقَاقَ التَّصَرُّفِ، إذْ مَعْنَى نَصْبِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ لِلْإِمَامِ لَيْسَ إلَّا إثْبَاتَ هَذَا الِاسْتِحْقَاقِ عَبَّرَ بِالِاسْتِحْقَاقِ، كَذَا أَفَادَهُ الْعَلَّامَةُ الْكَمَالُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى كِتَابِ الْمُسَايَرَةِ لِشَيْخِهِ الْمُحَقِّقِ الْكَمَالِ ابْنِ الْهُمَامِ (قَوْلُهُ وَنَصْبُهُ) أَيْ الْإِمَامِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْمَقَامِ (قَوْلُهُ أَهَمُّ الْوَاجِبَاتِ) أَيْ مِنْ أَهَمِّهَا لِتَوَقُّفِ كَثِيرٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَيْهِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْعَقَائِدِ النَّسَفِيَّةِ: وَالْمُسْلِمُونَ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ إمَامٍ، يَقُومُ بِتَنْفِيذِ أَحْكَامِهِمْ؛ وَإِقَامَةِ حُدُودِهِمْ، وَسَدِّ ثُغُورِهِمْ، وَتَجْهِيزِ جُيُوشِهِمْ؛ وَأَخْذِ صَدَقَاتِهِمْ، وَقَهْرِ الْمُتَغَلِّبَةِ وَالْمُتَلَصِّصَةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَإِقَامَةِ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ، وَقَبُولِ الشَّهَادَاتِ الْقَائِمَةِ عَلَى الْحُقُوقِ؛ وَتَزْوِيجِ الصِّغَارِ وَالصَّغَائِرِ الَّذِينَ لَا أَوْلِيَاءَ لَهُمْ، وَقِسْمَةِ الْغَنَائِمِ اهـ (قَوْلُهُ فَلِذَا قَدَّمُوهُ إلَخْ) فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ أَوْ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ أَوْ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ ح عَنْ الْمَوَاهِبِ، وَهَذِهِ السُّنَّةُ بَاقِيَةٌ إلَى الْآنَ لَمْ يُدْفَنْ خَلِيفَةٌ حَتَّى يُوَلَّى غَيْرُهُ ط (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَلِي عَلَى الْمُسْلِمِ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَكَيْفَ تَكُونُ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى غَيْرِهِ؟ وَالْوِلَايَةُ الْمُتَعَدِّيَةُ فَرْعٌ لِلْوِلَايَةِ الْقَائِمَةِ وَمِثْلُهُ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَلِأَنَّ النِّسَاءَ أُمِرْنَ بِالْقَرَارِ فِي الْبُيُوتِ فَكَانَ مَبْنَى حَالِهِنَّ عَلَى السِّتْرِ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ قَالَ «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمْ امْرَأَةٌ» وَقَوْلُهُ قَادِرًا: أَيْ عَلَى تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ وَإِنْصَافِ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ، وَسَدِّ الثُّغُورِ؛ وَحِمَايَةِ الْبَيْضَةِ وَحِفْظِ حُدُودِ الْإِسْلَامِ؛ وَجَرِّ الْعَسَاكِرِ؛ وَقَوْلُهُ قُرَشِيًّا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» وَقَدْ سَلَّمَتْ الْأَنْصَارُ الْخِلَافَةَ لِقُرَيْشٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَبِهِ يَبْطُلُ قَوْلُ الضِّرَارِيَّةِ إنَّ الْإِمَامَةَ تَصْلُحُ فِي غَيْرِ قُرَيْشٍ وَالْكَعْبِيَّةِ إنَّ الْقُرَشِيَّ أَوْلَى بِهَا اهـ الْكُلُّ مِنْ ح عَنْ شَرْحِ عُمْدَةِ النَّسَفِيِّ (قَوْلُهُ لَا هَاشِمِيًّا إلَخْ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ هَاشِمِيًّا: أَيْ مِنْ أَوْلَادِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ كَمَا قَالَتْ الشِّيعَةُ نَفْيًا لِإِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -؛ وَلَا عَلَوِيًّا: أَيْ مِنْ أَوْلَادِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُ الشِّيعَةِ نَفْيًا لِخِلَافَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ؛ وَلَا مَعْصُومًا كَمَا قَالَتْ الْإِسْمَاعِيلِيَّة وَالِاثْنَا عَشَرِيَّةَ: أَيْ الْإِمَامِيَّةُ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُكَرِّرَ لَا لِيَظْهَرَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ قَوْلٌ عَلَى حِدَةٍ؛ فَإِنَّ عِبَارَتَهُ تُوهِمُ أَنَّهَا قَوْلٌ وَاحِدٌ ح (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ تَقْلِيدُ الْفَاسِقِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُ، وَعَدَّهَا فِي الْمُسَايَرَةِ مِنْ الشُّرُوطِ، وَعَبَّرَ عَنْهَا تَبَعًا لِلْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ بِالْوَرَعِ. وَزَادَ فِي الشُّرُوطِ الْعِلْمَ وَالْكِفَايَةَ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا أَيْ الْكَفَاءَةَ أَعَمُّ مِنْ الشُّجَاعَةِ تَنْتَظِمُ كَوْنَهُ ذَا رَأْيٍ وَشَجَاعَةٍ كَيْ لَا يَجْبُنَ عَنْ الِاقْتِصَاصِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْحُرُوبِ الْوَاجِبَةِ وَتَجْهِيزِ الْجُيُوشِ؛ وَهَذَا الشَّرْطُ يَعْنِي الشَّجَاعَةَ مِمَّا شَرَطَهُ الْجُمْهُورُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 وَيُعْزَلُ بِهِ إلَّا لِفِتْنَةٍ. وَيَجِبُ أَنْ يُدْعَى لَهُ بِالصَّلَاحِ وَتَصِحُّ سَلْطَنَةُ مُتَغَلِّبٍ لِلضَّرُورَةِ، وَكَذَا صَبِيٌّ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَوِّضَ أُمُورَ التَّقْلِيدِ عَلَى وَالٍ تَابِعٍ لَهُ وَالسُّلْطَانُ فِي الرَّسْمِ هُوَ الْوَلَدُ، وَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْوَالِي لِعَدَمِ صِحَّةِ إذْنِهِ بِقَضَاءٍ وَجُمُعَةٍ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِيهَا لَوْ بَلَغَ السُّلْطَانُ أَوْ الْوَالِي يَحْتَاجُ إلَى تَقْلِيدٍ جَدِيدٍ: وَالصُّغْرَى رَبْطُ صَلَاةِ الْمُؤْتَمِّ بِالْإِمَامِ   [رد المحتار] ثُمَّ قَالَ: وَزَادَ كَثِيرٌ الِاجْتِهَادَ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ؛ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَلَا الشَّجَاعَةُ لِنُدْرَةِ اجْتِمَاعِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي وَاحِدٍ وَيُمْكِنُ تَفْوِيضُ مُقْتَضَيَاتِ الشَّجَاعَةِ وَالْحُكْمِ إلَى غَيْرِهِ أَوْ بِالِاسْتِفْتَاءِ لِلْعُلَمَاءِ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَيْسَتْ الْعَدَالَةُ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ فَيَصِحُّ تَقْلِيدُ الْفَاسِقِ الْإِمَامَةَ مَعَ الْكَرَاهَةِ؛ وَإِذَا قُلِّدَ عَدْلًا ثُمَّ جَارَ وَفَسَقَ لَا يَنْعَزِلُ؛ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْعَزْلُ إنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ فِتْنَةً؛ وَيَجِبُ أَنْ يُدْعَى لَهُ؛ وَلَا يَجِبُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ؛ كَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَلِمَتُهُمْ قَاطِبَةً فِي تَوْجِيهِهِ هُوَ أَنَّ الصَّحَابَةَ صَلَّوْا خَلْفَ بَعْضِ بَنِي أُمَيَّةَ وَقَبِلُوا الْوِلَايَةَ عَنْهُمْ. وَفِي هَذَا نَظَرٌ؛ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ أُولَئِكَ كَانُوا مُلُوكًا تَغَلَّبُوا وَالْمُتَغَلِّبُ تَصِحُّ مِنْهُ هَذِهِ الْأُمُورُ لِلضَّرُورَةِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ إمَامِ عَدَالَتُهُ؛ وَصَارَ الْحَالُ عِنْدَ التَّغَلُّبِ كَمَا لَمْ يُوجَدْ أَوْ وُجِدَ وَلَمْ نَقْدِرْ عَلَى تَوْلِيَتِهِ لِغَلَبَةِ الْجَوَرَةِ اهـ كَلَامُ الْمُسَايَرَةِ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ (قَوْلُهُ وَيُعْزَلُ بِهِ) أَيْ بِالْفِسْقِ لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ؛ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ كَمَا عَمِلْت آنِفًا. وَلِذَا لَمْ يَقُلْ يَنْعَزِلُ (قَوْلُهُ وَتَصِحُّ سَلْطَنَةُ مُتَغَلِّبٍ) أَيْ مَنْ تَوَلَّى بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ بِلَا مُبَايَعَةِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَإِنْ اسْتَوْفَى الشُّرُوطَ الْمَارَّةَ. وَأَفَادَ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا أَنْ تَكُونَ بِالتَّقْلِيدِ. قَالَ فِي الْمُسَايَرَةِ: وَيَثْبُتُ عَقْدُ الْإِمَامَةِ إمَّا بِاسْتِخْلَافِ الْخَلِيفَةِ إيَّاهَا كَمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِمَّا بِبَيْعَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ. وَعِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ: يَكْفِي الْوَاحِدُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ مِنْ أُولِي الرَّأْيِ، بِشَرْطِ كَوْنِهِ بِمَشْهَدِ شُهُودٍ لِدَفْعِ الْإِنْكَارِ إنْ وَقَعَ. وَشَرَطَ الْمُعْتَزِلَةُ خَمْسَةً. وَذَكَرَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ اشْتِرَاطَ جَمَاعَةٍ دُونَ عَدَدٍ مَخْصُوصٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لِلضَّرُورَةِ) هِيَ دَفْعُ الْفِتْنَةِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَلَوْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ أَجْدَعُ» ح (قَوْلُهُ وَكَذَا صَبِيٌّ) أَيْ تَصِحُّ سَلْطَنَتُهُ لِلضَّرُورَةِ، لَكِنْ فِي الظَّاهِرِ لَا حَقِيقَةً. قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: تَصِحُّ سَلْطَنَتُهُ ظَاهِرًا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: مَاتَ السُّلْطَانُ وَاتَّفَقَتْ الرَّعِيَّةُ عَلَى سَلْطَنَةِ ابْنٍ صَغِيرٍ لَهُ يَنْبَغِي أَنْ تُفَوَّضَ أُمُورُ التَّقْلِيدِ عَلَى وَالٍ، وَيُعِدُّ هَذَا الْوَالِي نَفْسَهُ تَبَعًا لِابْنِ السُّلْطَانِ لِشَرَفِهِ وَالسُّلْطَانُ فِي الرَّسْمِ هُوَ الِابْنُ، وَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْوَالِي لِعَدَمِ صِحَّةِ الْإِذْنِ بِالْقَضَاءِ وَالْجُمُعَةِ مِمَّنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ اهـ أَيْ لِأَنَّ هَذَا الْوَالِيَ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ السُّلْطَانَ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يَصِحَّ إذْنُهُ بِالْقَضَاءِ وَالْجُمُعَةِ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّهُ سُلْطَانٌ إلَى غَايَةٍ وَهِيَ بُلُوغُ الِابْنِ، لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى عَزْلِهِ عِنْدَ تَوْلِيَةِ ابْنِ السُّلْطَانِ إذَا بَلَغَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَنْ يُفَوَّضَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَالْفَاعِلُ: هُمْ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ، لَا الصَّبِيُّ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ وَضُمِّنَ يُفَوَّضُ مَعْنَى يُلْقَى فَعُدِّيَ بِعَلَى وَإِلَّا فَهُوَ يَتَعَدَّى بِإِلَى (قَوْلُهُ فِي الرَّسْمِ) أَيْ فِي الظَّاهِرِ وَالصُّورَةِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ) أَيْ فِي أَحْكَامِ الصِّبْيَانِ، وَعَلِمْت عِبَارَتَهُ (قَوْلُهُ وَفِيهَا) أَيْ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا، وَذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا مَرَّ بِنَحْوِ وَرَقَةٍ فَافْهَمْ. وَذَكَرَ الْحَمَوِيُّ أَنَّ تَجْدِيدَ تَقْلِيدِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَا يَكُونُ إلَّا إذَا عَزَلَ ذَلِكَ الْوَالِي نَفْسَهُ لِأَنَّ السُّلْطَانَ لَا يَنْعَزِلُ إلَّا بِعَزْلِ نَفْسِهِ وَهَذَا غَيْرُ وَاقِعٍ. اهـ. قُلْت قَدْ يُقَالُ: إنَّ سَلْطَنَةَ ذَلِكَ الْوَلِيِّ لَيْسَتْ مُطْلَقَةً بَلْ هِيَ مُقَيَّدَةٌ بِمُدَّةِ صِغَرِ ابْنِ السُّلْطَانِ، فَإِذَا بَلَغَ انْتَهَتْ سَلْطَنَةُ ذَلِكَ الْوَلِيِّ كَمَا قُلْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ رَبْطُ إلَخْ) هَكَذَا نَقَلَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ عَنْ أَخِيهِ صَاحِبِ الْبَحْرِ، وَلَا يَظْهَرُ إلَّا تَعْرِيفًا لِلِاقْتِدَاءِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ مَصْدَرُ الْمَبْنِيِّ لِلْمَجْهُولِ لِأَنَّ الْإِمَامَ هُوَ الْمُتَّبَعُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَعْرِيفُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 بِشُرُوطٍ عَشَرَةٍ: نِيَّةُ الْمُؤْتَمِّ الِاقْتِدَاءَ، وَاتِّحَادُ مَكَانِهِمَا وَصَلَاتِهِمَا،   [رد المحتار] ابْنِ عَرَفَةَ لَهَا بِأَنَّهَا اتِّبَاعُ الْإِمَامِ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ: أَيْ أَنْ يُتْبَعَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ. وَأَمَّا الرَّبْطُ الْمَذْكُورُ، إنْ كَانَ مَصْدَرَ رَبَطَ الْمَبْنِيِّ لِلْمَعْلُومِ فَهُوَ صِفَةُ الْمُؤْتَمِّ فَيَكُونُ بِمَعْنَى الِائْتِمَامِ أَيْ الِاقْتِدَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَصْدَرَ الْمَبْنِيِّ لِلْمَجْهُولِ فَهُوَ صِفَةُ صَلَاةِ الْمُؤْتَمِّ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَرْبُوطَةُ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يَصْلُحُ تَعْرِيفًا لِلْإِمَامَةِ بَلْ لِلِاقْتِدَاءِ. اهـ. ط عَنْ ح. وَأَقُولُ: بَقِيَ لِلرَّبْطِ مَعْنًى ثَالِثٌ هُوَ الْمُرَادُ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِيرَادُ، وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَعْنَى الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ الِارْتِبَاطُ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَصِيرُ إمَامًا إلَّا إذَا رَبَطَ الْمُقْتَدِي صَلَاتَهُ بِصَلَاتِهِ، فَنَفْسُ هَذَا الِارْتِبَاطِ هُوَ حَقِيقَةُ الْإِمَامَةِ، وَهُوَ غَايَةُ الِاقْتِدَاءِ الَّذِي هُوَ الرَّبْطُ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ لِأَنَّهُ إذَا رَبَطَ صَلَاتَهُ بِصَلَاةِ إمَامِهِ حَصَلَ لَهُ صِفَةُ الِاقْتِدَاءِ وَالِائْتِمَامِ وَحَصَلَ لِإِمَامِهِ صِفَةُ الْإِمَامَةِ الَّتِي هِيَ الِارْتِبَاطُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ بِشُرُوطٍ عَشَرَةٍ) هَذِهِ الشُّرُوطُ فِي الْحَقِيقَةِ شُرُوطُ الِاقْتِدَاءِ، وَأَمَّا شُرُوطُ الْإِمَامَةِ فَقَدْ عَدَّهَا فِي نُورِ الْإِيضَاحِ عَلَى حِدَةٍ فَقَالَ: وَشُرُوطُ الْإِمَامَةِ لِلرِّجَالِ الْأَصِحَّاءِ سِتَّةُ أَشْيَاءَ: الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالذُّكُورَةُ وَالْقِرَاءَةُ وَالسَّلَامَةُ مِنْ الْأَعْذَارِ كَالرُّعَافِ وَالْفَأْفَأَةِ وَالتَّمْتَمَةِ وَاللَّثَغِ وَفَقْدِ شَرْطٍ كَطَهَارَةٍ وَسِتْرِ عَوْرَةٍ. اهـ. احْتَرَزَ بِالرِّجَالِ الْأَصِحَّاءِ عَنْ النِّسَاءِ الْأَصِحَّاءِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي إمَامِهِنَّ الذُّكُورَةُ؛ وَعَنْ الصِّبْيَانِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي إمَامِهِمْ الْبُلُوغُ، وَعَنْ غَيْرِ الْأَصِحَّاءِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي إمَامِهِمْ الصِّحَّةُ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ حَالُ الْإِمَامِ أَقْوَى مِنْ حَالَ الْمُؤْتَمِّ أَوْ مُسَاوِيًا ح. أَقُولُ: قَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْإِمَامَةَ غَايَةُ الِاقْتِدَاءِ، فَمَا لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ لَمْ تَثْبُتْ الْإِمَامَةُ، فَتَكُونُ الشُّرُوطُ الْعَشَرَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ شُرُوطًا لِلْإِمَامَةِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ تَوَقُّفُ الْإِمَامَةِ عَلَيْهَا، كَمَا أَنَّ السُّنَّةَ الْمَذْكُورَةَ تَصْلُحُ شُرُوطًا لِلِاقْتِدَاءِ أَيْضًا، إذْ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِدُونِهَا، فَالسِّتَّةَ عَشَرَ كُلُّهَا شُرُوطٌ لِكُلٍّ مِنْ الْإِمَامَةِ وَالِاقْتِدَاءِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْعَشَرَةُ قَائِمَةً بِالْمُقْتَدِي وَالسِّتَّةُ قَائِمَةً بِالْإِمَامِ حَسُنَ جَعْلُ الْعَشَرَةِ شُرُوطًا لِلِاقْتِدَاءِ وَالسِّتَّةِ شُرُوطًا لِلْإِمَامَةِ فَافْهَمْ وَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَقَامِ، وَقَدْ نَظَمْت هَذِهِ الشُّرُوطَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَقُلْت: شُرُوطُ اقْتِدَاءٍ عَشَرَةٌ قَدْ نَظَمْتهَا ... بِشَعْرٍ كَعِقْدِ الدُّرِّ جَاءَ مُنَضَّدَا تَأَخُّرُ مُؤْتَمٍّ وَعِلْمُ انْتِقَالِ مَنْ ... بِهِ ائْتَمَّ مَعَ كَوْنِ الْمَكَانَيْنِ وَاحِدَا وَكَوْنُ إمَامٍ لَيْسَ دُونَ تَبْعُهُ ... بِشَرْطٍ وَأَرْكَانٍ وَنِيَّةِ الِاقْتِدَا مُشَارَكَةٌ فِي كُلِّ رُكْنٍ وَعِلْمُهُ ... بِحَالِ إمَامٍ حَلَّ أَمْ سَارَ مُبْعَدًا وَأَنْ لَا تُحَاذِيَهُ الَّتِي مَعَهُ اقْتَدَتْ ... وَصِحَّةُ مَا صَلَّى الْإِمَامُ مِنْ ابْتِدَا كَذَاكَ اتِّحَادُ الْفَرْضِ هَذَا تَمَامُهَا ... وَسِتُّ شُرُوطٍ لِلْإِمَامَةِ فِي الْمَدَا بُلُوغٌ وَإِسْلَامٌ وَعَقْلٌ ذُكُورَةٌ ... قِرَاءَةُ مُجْزٍ فَقَدْ حَذَّرَ بِهِ بَدَا (قَوْلُهُ نِيَّةُ الْمُؤْتَمِّ) أَيْ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ، أَوْ الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي صَلَاتِهِ أَوْ الشُّرُوعِ فِيهَا أَوْ الدُّخُولِ فِيهَا بِخِلَافِ نِيَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ. وَشَرْطُ النِّيَّةِ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِلتَّحْرِيمَةِ أَوْ مُتَقَدِّمَةً عَلَيْهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّحْرِيمَةِ فَاصِلٌ أَجْنَبِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي النِّيَّةِ ح (قَوْلُهُ وَاتِّحَادُ مَكَانِهِمَا) فَلَوْ اقْتَدَى رَاجِلٌ بِرَاكِبٍ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ رَاكِبٌ بِرَاكِبٍ دَابَّةً أُخْرَى لَمْ يَصِحَّ لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ؛ فَلَوْ كَانَا عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ صَحَّ لِاتِّحَادِهِ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ، وَسَيَأْتِي. وَأَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهَا حَائِطٌ فَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُعْتَمَدَ اعْتِبَارُ الِاشْتِبَاهِ لَا اتِّحَادُ الْمَكَانِ، فَيَخْرُجُ بِقَوْلِهِ وَعِلْمُهُ بِانْتِقَالَاتِهِ، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَصَلَاتِهِمَا) أَيْ وَاتِّحَادُ صَلَاتِهِمَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالِاتِّحَادُ أَنْ يُمْكِنَهُ الدُّخُولُ فِي صَلَاتِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 وَصِحَّةُ صَلَاةِ إمَامِهِ، وَعَدَمُ مُحَاذَاةِ امْرَأَةٍ، وَعَدَمُ تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ بِعَقِبِهِ، وَعِلْمُهُ بِانْتِقَالَاتِهِ وَبِحَالِهِ مِنْ إقَامَةٍ وَسَفَرٍ، وَمُشَارَكَتُهُ فِي الْأَرْكَانِ، وَكَوْنُهُ مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ فِيهَا، وَفِي الشَّرَائِطِ كَمَا بُسِطَ فِي الْبَحْرِ، قِيلَ وَثُبُوتُهَا بِ - {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43]- وَمِنْ حِكَمِهَا نِظَامُ الْأُلْفَةِ وَتَعَلُّمُ الْجَاهِلِ مِنْ الْعَالِمِ (هِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذَانِ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ،   [رد المحتار] بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَتَكُونُ صَلَاةُ الْإِمَامِ مُتَضَمَّنَةً لِصَلَاةِ الْمُقْتَدِي. اهـ. فَدَخَلَ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ لِأَنَّ مَنْ لَا فَرْضَ عَلَيْهِ لَوْ نَوَى صَلَاةَ الْإِمَامِ الْمُفْتَرِضِ صَحَّتْ نَفْلًا وَلِأَنَّ النَّفَلَ مُطْلَقٌ وَالْفَرْضَ مُقَيَّدٌ، وَالْمُطْلَقُ جَزْءُ الْمُقَيَّدِ فَلَا يُغَايِرُهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَعَبَّرَ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ بِقَوْلِهِ: وَأَنْ لَا يَكُونَ مُصَلِّيًا فَرْضًا غَيْرَ فَرْضِهِ اهـ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَصِحَّةُ صَلَاةِ إمَامِهِ) فَلَوْ تَبَيَّنَ فَسَادُهَا فِسْقًا مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نِسْيَانًا لِمُضِيِّ مُدَّةِ الْمَسْحِ أَوْ لِوُجُودِ الْحَدَثِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبِنَاءِ؛ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً فِي زَعْمِ الْإِمَامِ فَاسِدَةً فِي زَعْمِ الْمُقْتَدَى لِبِنَائِهِ الْفَاسِدَ فِي زَعْمِهِ فَلَا يَصِحُّ، وَفِيهِ خِلَافٌ وَصُحِّحَ كُلٌّ. أَمَّا لَوْ فَسَدَتْ فِي زَعْمِ الْإِمَامِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ وَعَلِمَهُ الْمُقْتَدِي صَحَّتْ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَرَى جَوَازَ صَلَاةِ إمَامِهِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ رَأْيُ نَفْسِهِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَدَمُ مُحَاذَاةِ امْرَأَةٍ) أَيْ بِشُرُوطِهَا الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ وَعَدَمُ تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ بِعَقِبِهِ) فَلَوْ سَاوَاهُ جَازَ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ أَصَابِعُ الْمُقْتَدِي لِكِبَرِ قَدَمِهِ عَلَى قَدَمِ الْإِمَامِ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ أَكْثَرُ الْقَدَمِ كَمَا سَيَأْتِي. وَفِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ: وَتَقَدُّمُ الْإِمَامِ بِعَقِبِهِ عَنْ عَقِبِ الْمُقْتَدِي شَرْطٌ لِصِحَّةِ اقْتِدَائِهِ، حَتَّى لَوْ كَانَ عَقِبَ الْمُقْتَدِي غَيْرَ مُتَقَدِّمٍ عَلَى عَقِبِ الْإِمَامِ لَكِنْ قَدَمُهُ أَطْوَلُ فَتَكُونُ أَصَابِعُهُ قُدَّامَ أَصَابِعِ إمَامِهِ تَجُوزُ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُقْتَدِي أَطْوَلَ مِنْ إمَامِهِ فَيَسْجُدُ أَمَامَهُ اهـ وَقَوْلُهُ حَتَّى إلَخْ يَشْمَلُ الْمُسَاوَاةَ، فَلَفْظُ التَّقَدُّمِ الْوَاقِعُ فِي الْمَتْنِ غَيْرُ مَقْصُودٍ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَعِلْمُهُ بِانْتِقَالَاتِهِ) أَيْ بِسَمَاعٍ أَوْ رُؤْيَةٍ لِلْإِمَامِ أَوْ لِبَعْضِ الْمُقْتَدِينَ رَحْمَتِيٌّ وَإِنْ لَمْ يَتَّحِدْ الْمَكَانُ (قَوْلُهُ وَبِحَالِهِ إلَخْ) أَيْ عِلْمُهُ بِحَالِ إمَامِهِ مِنْ إقَامَةٍ أَوْ سَفَرٍ قَبْلَ الْفَرَاغِ أَوْ بَعْدَهُ، وَهَذَا فِيمَا لَوْ صَلَّى الرَّبَاعِيَةَ رَكْعَتَيْنِ فِي مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ، فَلَوْ خَارِجَهَا لَا تَفْسُدُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مُسَافِرٌ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى السَّهْوِ، وَكَذَا لَوْ أَتَمَّ مُطْلَقًا، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ (قَوْلُهُ وَمُشَارَكَتِهِ فِي الْأَرْكَانِ) أَيْ فِي أَصْلِ فِعْلِهَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ لَا قَبْلَهُ، إلَّا إذَا أَدْرَكَهُ إمَامُهُ فِيهَا، فَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ، وَالثَّانِي كَمَا لَوْ رَكَعَ إمَامُهُ وَرَفَعَ ثُمَّ رَكَعَ هُوَ فَيَصِحُّ، وَالثَّالِثُ عَكْسُهُ فَلَا يَصِحُّ إلَّا إذَا رَكَعَ وَبَقِيَ رَاكِعًا حَتَّى أَدْرَكَهُ إمَامُهُ، فَيَصِحُّ لِوُجُودِ الْمُتَابَعَةِ الَّتِي هِيَ حَقِيقَةُ الِاقْتِدَاءِ وَقَدْ حَقَّقْنَا الْكَلَامَ عَلَى الْمُتَابَعَةِ فِي أَوَاخِرِ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَكَوْنُهُ مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ فِيهَا) أَيْ فِي الْأَرْكَانِ؛ مِثَالُ الْأَوَّلِ اقْتِدَاءُ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ بِمِثْلِهِ وَالْمُومِئِ بِهِمَا بِمِثْلِهِ؛ وَمِثَالُ الثَّانِي اقْتِدَاءُ الْمُومِئِ بِالرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ كَوْنِهِ أَقْوَى حَالًا مِنْهُ فِيهَا كَاقْتِدَاءِ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ بِالْمُومِئِ بِهِمَا ح. (قَوْلُهُ وَفِي الشَّرَائِطِ) عَطْفٌ عَلَى فِيهَا: أَيْ وَكَوْنُ الْمُؤْتَمِّ مِثْلَ الْإِمَامِ أَوْ دُونَهُ فِي الشَّرَائِطِ؛ مِثَالُ الْأَوَّلِ اقْتِدَاءُ مُسْتَجْمِعِ الشَّرَائِطِ بِمِثْلِهِ وَالْعَارِي بِمِثْلِهِ، وَمِثَالُ الثَّانِي اقْتِدَاءُ الْعَارِي بِالْمُكْتَسِي، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ كَوْنِهِ أَقْوَى حَالًا مِنْهُ فِيهَا كَاقْتِدَاءِ الْمُكْتَسِي بِالْعَارِي ح. أَقُولُ: وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ تَأْسِيسِ النَّظَرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ اقْتِدَاءُ الْحُرَّةِ بِالْأَمَةِ الْحَاسِرَةِ الرَّأْسِ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ غَيْرُ عَوْرَةٍ فِي حَقِّ الْأَمَةِ فَهُوَ كَرَأْسِ الرَّجُلِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا بُسِطَ فِي الْبَحْرِ) الْمُرَادُ بِهِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الشُّرُوطِ الْعَشَرَةِ، لَكِنْ لَيْسَ هَذَا مَوْجُودًا فِي أَصْلِ نُسَخِ الْبَحْرِ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ بِهَامِشِ بَعْضِ نُسَخِهِ مَعْزِيًّا إلَى خَطِّ مُؤَلَّفِهِ (قَوْلُهُ قِيلَ وَثُبُوتُهَا إلَخْ) وَقِيلَ مَعْنَاهُ اخْضَعُوا مَعَ الْخَاضِعِينَ كَمَا فِي الْبَيْضَاوِيِّ ح (قَوْلُهُ نِظَامُ الْأُلْفَةِ) بِتَحْصِيلِ التَّعَاهُدِ بِاللِّقَاءِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ بَيْنَ الْجِيرَانِ بَحْرٌ. وَالْأُلْفَةُ: بِضَمِّ الْهَمْزَةِ اسْمُ الِائْتِلَافِ ح عَنْ الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ هِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذَانِ) أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، وَقِيلَ بِالْمُسَاوَاةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) قَدَّمْنَا فِي الْأَذَانِ عَنْ مَذْهَبِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 وَقَوْلُ عُمَرَ: لَوْلَا الْخِلَافَةُ لَأَذَّنْت أَيْ مَعَ الْإِمَامَةِ، إذْ الْجَمْعُ أَفْضَلُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَخَاف إنْ تَرَكْت الْفَاتِحَةَ أَنْ يُعَاتِبَنِي الشَّافِعِيُّ أَوْ قَرَأْتهَا يُعَاتِبُنِي أَبُو حَنِيفَةَ فَاخْتَرْت الْإِمَامَةَ. (وَالْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِلرِّجَالِ) قَالَ الزَّاهِدِي: أَرَادُوا بِالتَّأْكِيدِ الْوُجُوبَ إلَّا فِي جُمُعَةٍ وَعِيدٍ فَشَرْطٌ. وَفِي التَّرَاوِيحِ سُنَّةُ كِفَايَةٍ، وَفِي وِتْرِ رَمَضَانَ مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى قَوْلٍ. وَفِي وِتْرِ غَيْرِهِ وَتَطَوُّعٍ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي مَكْرُوهَةٌ، وَسَنُحَقِّقُهُ. وَيُكْرَهُ تَكْرَارُ الْجَمَاعَةِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ فِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ لَا فِي مَسْجِدِ طَرِيقٍ أَوْ مَسْجِدٍ لَا إمَامَ لَهُ وَلَا مُؤَذِّنَ   [رد المحتار] قَوْلَيْنِ مُصَحَّحَيْنِ: الْأَوَّلُ كَقَوْلِنَا، وَالثَّانِي عَكْسُهُ (قَوْلُهُ وَقَوْلُ عُمَرَ إلَخْ) أَيْ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْأَذَانِ لِأَنَّ مُرَادَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، لَكِنْ اشْتِغَالُ الْخَلِيفَةِ بِأُمُورِ الْعَامَّةِ يَمْنَعُهُ عَنْ مُرَاقَبَةِ الْأَوْقَاتِ فَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْإِمَامَةِ (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) ذَكَرَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ كُنْت أَخْتَارُهَا لِهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى هَذَا النَّقْلِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ قُلْت: وَمُفَادُهُ أَنَّهَا أَفْصِلُ مِنْ الِاقْتِدَاءِ (قَوْلُهُ قَالَ الزَّاهِدِيُّ إلَخْ) تَوْفِيقٌ بَيْنَ الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ وَالْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ الْآتِي، وَبَيَانٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا وَاحِدٌ أَخْذًا مِنْ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ بِتَرْكِ الْجَمَاعَةِ. وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْمُفِيدِ: الْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ، وَسُنَّةٌ لِوُجُوبِهَا بِالسُّنَّةِ اهـ وَهَذَا كَجَوَابِهِمْ عَنْ رِوَايَةِ سُنِّيَّةِ الْوِتْرِ بِأَنَّ وُجُوبَهَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ قَالَ فِي النَّهْرِ: إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ تَرْكَهَا مَرَّةً بِلَا عُذْرٍ يُوجِبُ إثْمًا مَعَ أَنَّهُ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ. والْخرَاسانِيُّون نَ عَلَى أَنَّهُ يَأْثَمُ إذَا اعْتَادَ التَّرْكَ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ. اهـ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْأَحْكَامُ تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، مِنْ أَنَّ تَارِكَهَا بِلَا عُذْرٍ يُعَزَّرُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَيَأْثَمُ الْجِيرَانُ بِالسُّكُوتِ عَنْهُ، وَقَدْ يُوَفَّقُ بِأَنَّ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَى التَّرْكِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ» وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ» كَمَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُ إسْنَادِ الْمُضَارِعِ نَحْوُ بَنُو فُلَانٍ يَأْكُلُونَ الْبُرَّ: أَيْ عَادَتُهُمْ، فَالْوَاجِبُ الْحُضُورُ أَحْيَانًا، وَالسُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ الَّتِي تَقْرُبُ مِنْهُ الْمُوَاظَبَةُ. اهـ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ قَوْلَ الْعِرَاقِيِّينَ يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا مَرَّةً مَبْنِيًّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا كَمَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ، أَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ وَجَمَاعَةٍ، فَإِذَا تَرَكَهَا الْكُلُّ مَرَّةً بِلَا عُذْرٍ أَثِمُوا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَشُرِطَ) بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْعِيدِ؛ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهَا فَتُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ؛ ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ الصِّحَّةِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ اهـ أَيْ شَرْطٌ لِصِحَّةِ وُقُوعِهَا وَاجِبَةً أَوْ سُنَّةً فَافْهَمْ (قَوْلُهُ سُنَّةُ كِفَايَةٍ) أَيْ عَلَى كُلِّ أَهْلِ مَحَلَّةٍ، لِمَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مِنْ بَحْثِ التَّرَاوِيحِ، مِنْ أَنَّ إقَامَتَهَا بِالْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ عَلَى سَبِيلِ الْكِفَايَةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ أَهْلُ مَحَلَّةٍ، كُلُّهُمْ الْجَمَاعَةَ فَقَدْ تَرَكُوا السُّنَّةَ وَأَسَاءُوا فِي ذَلِكَ، وَإِنْ تَخَلَّفَ مِنْ أَفْرَادِ النَّاسِ وَصَلَّى فِي بَيْتِهِ فَقَدْ تَرَكَ الْفَضِيلَةَ اهـ (قَوْلُهُ عَلَى قَوْلٍ) وَغَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ عَلَى قَوْلٍ آخَرَ بَلْ يُصَلِّيهَا وَحْدَهُ فِي بَيْتِهِ، وَهُمَا قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ وَسَيَأْتِي قَبِيلَ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ تَرْجِيحُ الثَّانِي بِأَنَّهُ الْمَذْهَبُ (قَوْلُهُ وَفِي وِتْرِ غَيْرِهِ إلَخْ) كَرَاهَةُ الْجَمَاعَةِ فِيهِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَذَكَرَ فِي غَيْرِهِ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ، وَوَفَّقَ فِي الْحِلْيَةِ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ وَالثَّانِي عَلَى الْفِعْلِ أَحْيَانًا، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي) بِأَنْ يَقْتَدِيَ أَرْبَعَةٌ فَأَكْثَرُ بِوَاحِدٍ (قَوْلُهُ وَسَنُحَقِّقُهُ) أَيْ قَبِيلَ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ. [تَتِمَّةٌ] قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ كَرَاهَتُهَا. وَفِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ: وَقِيلَ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ) أَيْ تَحْرِيمًا لِقَوْلِ الْكَافِي لَا يَجُوزُ وَالْمَجْمَعُ لَا يُبَاحُ وَشَرْحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّهُ بِدْعَةٌ كَمَا فِي رِسَالَةِ السِّنْدِيِّ (قَوْلُهُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ إلَخْ) عِبَارَتُهُ فِي الْخَزَائِنِ: أَجْمَعُ مِمَّا هُنَا وَنَصُّهَا: يُكْرَهُ تَكْرَارُ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 (وَأَقَلُّهَا اثْنَانِ) وَاحِدٌ مَعَ الْإِمَامِ وَلَوْ مُمَيِّزًا أَوْ مَلَكًا   [رد المحتار] بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، إلَّا إذَا صَلَّى بِهِمَا فِيهِ أَوَّلًا غَيْرُ أَهْلِهِ، لَوْ أَهْلَهُ لَكِنْ بِمُخَافَتَةِ الْأَذَانِ، وَلَوْ كَرَّرَ أَهْلُهُ بِدُونِهِمَا أَوْ كَانَ مَسْجِدَ طَرِيقٍ جَازَ إجْمَاعًا؛ كَمَا فِي مَسْجِدٍ لَيْسَ لَهُ إمَامٌ وَلَا مُؤَذِّنٌ وَيُصَلِّي النَّاسُ فِيهِ فَوْجًا فَوْجًا، فَإِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُصَلِّيَ كُلُّ فَرِيقٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ عَلَى حِدَةٍ كَمَا فِي أَمَالِي قَاضِي خَانْ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الدُّرَرِ، وَالْمُرَادُ بِمَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ مَا لَهُ إمَامٌ وَجَمَاعَةٌ مَعْلُومُونَ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا. قَالَ فِي الْمَنْبَعِ: وَالتَّقْيِيدُ بِالْمَسْجِدِ الْمُخْتَصِّ بِالْمَحَلَّةِ احْتِرَازٌ مِنْ الشَّارِعِ، وَبِالْأَذَانِ الثَّانِي احْتِرَازًا عَمَّا إذَا صَلَّى فِي مَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ جَمَاعَةٌ بِغَيْرِ أَذَانٍ حَيْثُ يُبَاحُ إجْمَاعًا. اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ النَّافِي لِلْكَرَاهَةِ مَا نَصُّهُ: وَلَنَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ خَرَجَ لِيُصْلِحَ بَيْنَ قَوْمٍ فَعَادَ إلَى الْمَسْجِدِ وَقَدْ صَلَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَرَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ فَجَمَعَ أَهْلَهُ وَصَلَّى» وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَمَا اخْتَارَ الصَّلَاةَ فِي بَيْتِهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَلِأَنَّ فِي الْإِطْلَاقِ هَكَذَا تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ مَعْنًى، فَإِنَّهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ إذَا عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَا تَفُوتُهُمْ. وَأَمَّا مَسْجِدُ الشَّارِعِ فَالنَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِفَرِيقٍ دُونَ فَرِيقٍ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا، وَمُقْتَضَى هَذَا الِاسْتِدْلَالِ كَرَاهَةُ التَّكْرَارِ فِي مَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ وَلَوْ بِدُونِ أَذَانٍ؛ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ الْمَسْجِدَ بَعْدَ مَا صَلَّى فِيهِ أَهْلُهُ يُصَلُّونَ وُحْدَانًا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اهـ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِحِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ الْمَارَّةِ، وَعَنْ هَذَا ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ السِّنْدِيُّ تِلْمِيذُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ فِي رِسَالَتِهِ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ الصَّلَاةِ بِأَئِمَّةٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَجَمَاعَاتٍ مُتَرَتِّبَةٍ مَكْرُوهٌ اتِّفَاقًا. وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا إنْكَارُهُ صَرِيحًا حِينَ حَضَرَ الْمَوْسِمَ بِمَكَّةَ سَنَةَ 551 مِنْهُمْ الشَّرِيفُ الْغَزْنَوِيُّ. وَذَكَرَ أَنَّهُ أَفْتَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِعَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ الْأَرْبَعَةِ. وَنُقِلَ إنْكَارُ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ حَضَرُوا الْمَوْسِمَ سَنَةَ 551 اهـ وَأَقَرَّهُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ نَحْوَ الْمَسْجِدِ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ لَيْسَ لَهُ جَمَاعَةٌ مَعْلُومُونَ، فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَسْجِدُ مَحَلَّةٍ، بَلْ هُوَ كَمَسْجِدِ شَارِعٍ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ إجْمَاعًا فَلْيُتَأَمَّلْ، هَذَا وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الْأَذَانِ عَنْ آخِرِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ الْجَمَاعَةُ عَلَى الْهَيْئَةِ الْأُولَى لَا تُكْرَهُ وَإِلَّا تُكْرَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَبِالْعُدُولِ عَنْ الْمِحْرَابِ تَخْتَلِفُ الْهَيْئَةُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ انْتَهَى. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَبِهِ نَأْخُذُ (قَوْلُهُ وَأَقَلُّهَا اثْنَانِ) لِحَدِيثِ «اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» أَخْرَجَهُ السُّيُوطِيّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَرَمَزَ لِضَعْفِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الِاجْتِمَاعِ، وَهُمَا أَقَلُّ مَا تَتَحَقَّقُ بِهِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ اهـ أَيْ فَإِنَّ أَقَلَّهَا فِيهَا ثَلَاثَةٌ صَالِحُونَ لِلْإِمَامَةِ سِوَى الْإِمَامِ، مِثْلُهَا الْعِيدُ لِقَوْلِهِمْ: يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِلْجُمُعَةِ صِحَّةً وَأَدَاءً سِوَى الْخُطْبَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُمَيِّزًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْوَاحِدُ الْمُقْتَدِي صَبِيًّا مُمَيِّزًا. قَالَ فِي السِّرَاجِ: لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي جَمَاعَةً وَأَمَّ صَبِيًّا يَعْقِلُ حَنِثَ اهـ وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْعَاقِلِ بَحْرٌ. قَالَ ط: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَحْصُلُ ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ بِاقْتِدَاءِ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ لِأَنَّ الصَّبِيَّ مُتَنَقِّلٌ، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ اقْتِدَاءِ الْمُتَنَفِّلِ بِمِثْلِهِ هَلْ يَزِيدُ ثَوَابُهُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ فَلْيُحَرَّرْ اهـ. قُلْت: الظَّاهِرُ نَعَمْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا لِأُصَلِّيَ بِكُمْ فَقُمْت إلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لَبِثَ فَنَضَحْته بِمَاءٍ، فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَفَفْت أَنَا وَالْيَتِيمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 أَوْ جِنِّيًّا فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَتَصِحُّ إمَامَةُ الْجِنِّيِّ أَشْبَاهٌ (وَقِيلَ وَاجِبَةٌ وَعَلَيْهِ الْعَامَّةُ) أَيْ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا وَبِهِ جَزَمَ فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ (فَتُسَنُّ أَوْ تَجِبُ) ثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِي الْإِثْمِ بِتَرْكِهَا مَرَّةً (عَلَى الرِّجَالِ الْعُقَلَاءِ الْبَالِغِينَ الْأَحْرَارِ الْقَادِرِينَ عَلَى الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ)   [رد المحتار] وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا. فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ» فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الِاقْتِدَاءُ أَفْضَلَ لَمَا أَمَرَهُمْ بِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إقَامَتِهَا فِي الْبَيْتِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا كَإِقَامَتِهَا فِي الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْأَفْضَلِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَتَصِحُّ إمَامَةُ الْجِنِّيِّ) لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ. بِخِلَافِ إمَامَةِ الْمَلَكِ فَإِنَّهُ مُتَنَفِّلٌ وَإِمَامَةُ جِبْرِيلَ لِخُصُوصِ التَّعْلِيمِ مَعَ احْتِمَالِ الْإِعَادَةِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ط (قَوْلُهُ أَشْبَاهٌ) عِبَارَتُهَا فِي بَحْثِ أَحْكَامِ الْجَانِّ: وَمِنْهَا انْعِقَادُ الْجَمَاعَةِ بِالْجِنِّ، ذَكَرَهُ الْأَسْيُوطِيُّ عَنْ صَاحِبِ [آكَامِ الْمَرْجَانِ] مِنْ أَصْحَابِنَا، مُسْتَدِلًّا بِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قِصَّةِ الْجِنِّ، وَفِيهِ «فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي أَدْرَكَهُ شَخْصَانِ مِنْهُمْ، فَقَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا نُحِبُّ أَنْ تَؤُمَّنَا فِي صَلَاتِنَا، قَالَ: فَصَفَّهُمَا خَلْفَهُ ثُمَّ صَلَّى بِنَا ثُمَّ انْصَرَفَ» وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ أَنَّ الْجَمَاعَةَ تَحْصُلُ بِالْمَلَائِكَةِ، وَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ لَوْ صَلَّى فِي فَضَاءٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ مُنْفَرِدًا ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ لَمْ يَحْنَثْ، وَمِنْهَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْجِنِّيِّ، ذَكَرَهُ فِي آكَامِ الْمَرْجَانِ اهـ أَقُولُ: وَمَا نَقَلَهُ عَنْ السُّبْكِيّ مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ «إنَّ الْمُسَافِرَ إذَا أَذَّنَ وَأَقَامَ صَلَّى خَلْفَهُ مِنْ جُنُودِ اللَّهِ مَا لَا يُرَى طَرَفَاهُ» رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَمُقْتَضَاهُ وُجُوبُ الْجَهْرِ عَلَيْهِ؛ لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ الْأَذَانِ التَّصْرِيحَ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة بِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُنْفَرِدِ فِي الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِحَلِفِهِ أَنَّهُ صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ عِنْدَنَا وَلَا سِيَّمَا وَالْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ عِنْدَنَا، وَهُوَ مُنْفَرِدٌ عُرْفًا وَشَرْعًا وَإِلَّا لَأَخَذَ أَحْكَامَ الْإِمَامِ عَلَى أَنَّهُ مَرَّ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْجَهْرُ إلَّا إذَا نَوَى الْإِمَامَةَ، وَكَذَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي: لَا يَؤُمُّ أَحَدًا مَا لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ التَّصْرِيحُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ، فَلَعَلَّ انْعِقَادَ الْجَمَاعَةِ بِاقْتِدَاءِ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ أَحْكَامَهَا إذَا كَانُوا عَلَى صُورَةٍ ظَاهِرَةٍ وَلِهَذَا لَوْ جَامَعَ جِنِّيٌّ امْرَأَةً وَوَجَدَتْ لَذَّةً لَا يَلْزَمُهَا الِاغْتِسَالُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَّا إذَا أَنْزَلَتْ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَوْ جَاءَهَا عَلَى صُورَةِ آدَمِيٍّ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَكَذَا يُقَالُ فِي إمَامَةِ الْجِنِّيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ إلَخْ) وَقَالَ فِي النَّهْرِ: هُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَأَقْوَاهَا وَلِذَا قَالَ فِي الْأَجْنَاسِ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَرَكَهَا اسْتِخْفَافًا وَمَجَانَةً، إمَّا سَهْوًا أَوْ بِتَأْوِيلٍ كَكَوْنِ الْإِمَامِ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَوْ لَا يُرَاعِي مَذْهَبَ الْمُقْتَدِي فَتُقْبَلُ. اهـ. ط. (قَوْلُهُ ثَمَرَتُهُ إلَخْ) هَذَا بِنَاءً عَلَى تَحْقِيقِ الْخِلَافِ، أَمَّا عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الزَّاهِدِيِّ فَلَا خِلَافَ (قَوْلُهُ بِتَرْكِهَا مَرَّةً) أَيْ بِلَا عُذْرٍ، وَهَذَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ، وَعِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ إنَّمَا يَأْثَمُ إذَا اعْتَادَهُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَقَدْ مَرَّ (قَوْلُهُ الْبَالِغِينَ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الذَّكَرِ بَالِغًا أَوْ غَيْرَهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا} [النساء: 176]- وَكَمَا فِي حَدِيثِ «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا أَبْقَتْ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» ، وَلِذَا قَيَّدَ بِذَكَرٍ لِدَفْعِ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْبَالِغُ بِنَاءً عَلَى مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ عَدَمِ تَوْرِيثِهِمْ إلَّا مَنْ اسْتَعَدَّ لِلْحَرْبِ دُونَ الصِّغَارِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ الْأَحْرَارِ) فَلَا تَجِبُ عَلَى الْقِنِّ وَسَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ لَوْ أَذَّنَ لَهُ مَوْلَاهُ وَجَبَتْ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ اهـ: قُلْت: وَيَنْبَغِي جَرَيَان الْخِلَافُ هُنَا أَيْضًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ) قَيْدُ لِكَوْنِهَا سُنَّةً مُؤَكَّدَةً أَوْ وَاجِبَةً، فَبِالْحَرَجِ يَرْتَفِعُ الْإِثْمُ وَيُرَخَّصُ فِي تَرْكِهَا وَلَكِنَّهُ يَفُوتُهُ الْأَفْضَلُ بِدَلِيلِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى لَمَّا اسْتَأْذَنَهُ فِي الصَّلَاةِ فِي بَيْتِهِ: مَا أَجِدُ لَك رُخْصَةً» قَالَ فِي الْفَتْحِ: أَيْ تَحْصُلُ لَك فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِهَا لَا الْإِيجَابُ عَلَى الْأَعْمَى، «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَخَّصَ لِعِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ فِي تَرْكِهَا» اهـ لَكِنْ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ: وَإِذَا انْقَطَعَ عَنْ الْجَمَاعَةِ لِعُذْرٍ مِنْ أَعْذَارِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 وَلَوْ فَاتَتْهُ نُدِبَ طَلَبُهَا فِي مَسْجِدٍ آخَرَ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَنَحْوَهُ (فَلَا تَجِبُ عَلَى مَرِيضٍ وَمُقْعَدٍ وَزَمِنٍ وَمَقْطُوعِ يَدٍ وَرِجْلٍ مِنْ خِلَافٍ) أَوْ رِجْلٍ فَقَطْ، ذَكَرَهُ الْحَدَّادِيُّ (وَمَفْلُوجٍ وَشَيْخٍ كَبِيرٍ عَاجِزٍ وَأَعْمَى) وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا (وَلَا عَلَى مَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَطَرٌ وَطِينٌ   [رد المحتار] وَكَانَتْ نِيَّتُهُ حُضُورَهَا لَوْلَا الْعُذْرُ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُهَا اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعُذْرُ الْمَانِعُ كَالْمَرَضِ وَالشَّيْخُوخَةِ وَالْفَلَجِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الْمَطَرِ وَالطِّينِ وَالْبَرْدِ وَالْعَمَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ فَاتَتْهُ نُدِبَ طَلَبُهَا) فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ فِي الْمَسَاجِدِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، بَلْ إنْ أَتَى مَسْجِدًا لِلْجَمَاعَةِ آخَرَ فَحَسَنٌ، وَإِنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ مُنْفَرِدًا فَحَسَنٌ. وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ: يَجْمَعُ بِأَهْلِهِ وَيُصَلِّي بِهِمْ، يَعْنِي وَيَنَالُ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَاعْتَرَضَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِأَنَّ هَذَا يُنَافِي وُجُوبَ الْجَمَاعَةِ. وَأَجَابَ ح بِأَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَ عَدَمِ الْحَرَجِ، وَفِي تَتَبُّعِهَا فِي الْأَمَاكِنِ الْقَاصِيَةِ حَرَجٌ لَا يَخْفَى مَعَ مَا فِي مُجَاوَزَةِ مَسْجِدِ حَيِّهِ مِنْ مُخَالَفَةِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» . اهـ. وَفِيهِ أَنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِهِ النَّدْبُ وَلَوْ إلَى مَكَان قَرِيبٍ، وَقَوْلُهُ مَعَ مَا فِي مُجَاوَزَةِ إلَخْ. قَدْ يُقَالُ: مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ فِيهِ جَمَاعَةٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَسْجِدَ الْحَيِّ إذَا لَمْ تُقَمْ فِيهِ الْجَمَاعَةُ وَتُقَامُ فِي غَيْرِهِ لَا يَرْتَابُ أَحَدٌ أَنَّ مَسْجِدَ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ. عَلَى أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ هَلْ جَمَاعَةُ مَسْجِدِ حَيِّهِ أَوْ جَمَاعَةُ الْمَسْجِدِ. الْجَامِعِ؟ كَمَا فِي الْبَحْرِ ط. قُلْت: لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِمَسْجِدِ مَنْزِلِهِ مُؤَذِّنٌ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ فِيهِ وَيُصَلِّي وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا لِأَنَّ لِمَسْجِدِ مَنْزِلِهِ حَقًّا عَلَيْهِ، فَيُؤَدِّي حَقَّهُ مُؤَذِّنُ مَسْجِدٍ لَا يَحْضُرُ مَسْجِدَهُ أَحَدٌ. قَالُوا: هُوَ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ وَيُصَلِّي وَحْدَهُ، وَذَاكَ أَحَبُّ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ. اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ، وَلَعَلَّ مَا مَرَّ فِيمَا إذَا صَلَّى فِيهِ النَّاسُ فَيُخَيَّرُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُصَلِّي فِيهِ أَحَدٌ لِأَنَّ الْحَقَّ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ. وَعَلَى كُلٍّ فَقَوْلُ ط قَدْ يُقَالُ إلَخْ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمَسْجِدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَزَاهُ فِي آخِرِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ إلَى مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَثْنِيَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى أَيْضًا لِأَنَّهَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَفِي مَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَلْفٍ، وَفِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِخَمْسِمِائَةٍ اهـ وَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ مَسْجِدِ الْحَيِّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ وَمُقْعَدٍ وَزَمِنٍ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْمُقْعَدُ الَّذِي لَا حَرَاك بِهِ مِنْ دَاءٍ فِي جَسَدِهِ كَأَنَّ الدَّاءَ أَقْعَدَهُ. وَعِنْدَ الْأَطِبَّاءِ: هُوَ الزَّمِنُ، وَبَعْضُهُمْ فَرَّقَ وَقَالَ: الْمُقْعَدُ الْمُتَشَنِّجُ الْأَعْضَاءِ. وَالزَّمِنُ الَّذِي طَالَ مَرَضُهُ. وَقَالَ فِي فَصْلِ الزَّايِ: الزَّمِنُ الَّذِي طَالَ مَرَضُهُ زَمَانًا، وَقِيلَ الزَّمِنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُقْعَدُ وَالْأَعْمَى وَالْمَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا. وَالْمَفْلُوجُ وَالْأَعْرَجُ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ وَالْأَشَلُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَفْلُوجٍ) وَهُوَ مَنْ بِهِ فَالِجٌ، وَهُوَ اسْتِرْخَاءٌ لِأَحَدِ شِقَّيْ الْإِنْسَانِ لِانْصِبَابِ خَلْطٍ بَلْغَمِيٍّ تَنْسَدُّ مِنْهُ مَسَالِكُ الرُّوحِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا) وَكَذَا الزَّمِنُ لَوْ كَانَ غَنِيًّا لَهُ مَرْكَبٌ وَخَادِمٌ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا حِلْيَةٌ عَنْ الْمُحِيطِ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ اتِّفَاقٌ، وَالْخِلَافُ فِي الْجُمُعَةِ لَا فِي الْجَمَاعَةِ اهـ لَكِنْ الْمَسْطُورُ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ خِلَافُهُ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا عَلَى مَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَطَرٌ وَطِينٌ) أَشَارَ بِالْحَيْلُولَةِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَطَرُ الْكَثِيرُ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ. وَكَذَا الطِّينُ وَفِي الْحِلْيَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي طِينٍ وَرَدْغَةٍ، فَقَالَ: لَا أُحِبُّ تَرْكَهَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّأِ: الْحَدِيثُ رُخْصَةٌ، يَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا ابْتَلَّتْ النِّعَالُ فَالصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ» وَالنِّعَالُ: هُنَا الْأَرَاضِي الصِّلَابُ وَفِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ عَنْ شَرْحِ التُّمُرْتَاشِيِّ: وَاخْتُلِفَ فِي كَوْنِ الْأَمْطَارِ وَالثُّلُوجِ وَالْأَوْحَالِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ عُذْرًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ اشْتَدَّ التَّأَذِّي بِعُذْرٍ قَالَ الْحَسَنُ: أَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَنَّ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 وَبَرْدٌ شَدِيدٌ وَظُلْمَةٌ كَذَلِكَ) وَرِيحٌ لَيْلًا لَا نَهَارًا، وَخَوْفٌ عَلَى مَالِهِ، أَوْ مِنْ غَرِيمٍ أَوْ ظَالِمٍ، أَوْ مُدَافَعَةُ أَحَدِ الْأَخْبَثَيْنِ، وَإِرَادَةُ سَفَرٍ، وَقِيَامُهُ بِمَرِيضٍ، وَحُضُورُ طَعَامٍ (تَتَوَقَّهُ) نَفْسُهُ ذَكَرَهُ الْحَدَّادِيُّ، وَكَذَا اشْتِغَالُهُ بِالْفِقْهِ لَا بِغَيْرِهِ، كَذَا جَزَمَ بِهِ الْبَاقَانِيُّ تَبَعًا لِلْبَهْنَسِيِّ: أَيْ إلَّا إذَا وَاظَبَ تَكَاسُلًا فَلَا يُعْذَرُ، وَيُعَزَّرُ وَلَوْ بِأَخْذِ الْمَالِ يَعْنِي بِحَبْسِهِ عَنْهُ مُدَّةً وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إلَّا بِتَأْوِيلِ بِدْعَةِ الْإِمَامِ   [رد المحتار] لَيْسَ عَلَى مَا ظَنَّهُ الْبَعْضُ أَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ فِي الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ لَا فِي الْجُمُعَةِ لِأَنَّهَا مِنْ آكَدِ الْفَرَائِضِ اهـ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ ابْنِ الْمُلَقِّنِ الشَّافِعِيِّ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ النِّعَالَ جَمْعُ نَعْلٍ: وَهُوَ مَا غَلُظَ مِنْ الْأَرْضِ فِي صَلَابَةٍ، وَإِنَّمَا خَصَّهَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ أَدْنَى بَلَلٍ يُنَدِّيهَا، بِخِلَافِ الرَّخْوَةِ فَإِنَّهَا تُنَشِّفُ الْمَاءَ. وَقِيلَ النِّعَالُ الْأَحْذِيَةُ (قَوْلُهُ وَبَرْدٌ شَدِيدٌ) لَمْ يَذْكُرْ الْحَرَّ الشَّدِيدَ أَيْضًا، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ عُلَمَائِنَا، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْحَرَّ الشَّدِيدَ إنَّمَا يَحْصُلُ غَالِبًا فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَقَدْ كُفِينَا مُؤْنَتَهُ بِسُنِّيَّةِ الْإِبْرَادِ، نَعَمْ قَدْ يُقَالُ: لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ هَذِهِ السُّنَّةَ وَصَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ كَانَ الْحَرُّ الشَّدِيدُ عُذْرًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَظُلْمَةٌ كَذَلِكَ) أَيْ شَدِيدَةٌ، فِي الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ إلَى إيقَادِ نَحْوِ سِرَاجٍ وَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِشِدَّةِ الظُّلْمَةِ كَوْنُهُ لَا يُبْصِرُ طَرِيقَهُ إلَى الْمَسْجِدِ فَيَكُونُ كَالْأَعْمَى. (قَوْلُهُ وَرِيحٌ) أَيْ شَدِيدٌ أَيْضًا فِيمَا يَظْهَرُ تَأَمَّلْ؛ وَإِنَّمَا كَانَ عُذْرًا لَيْلًا فَقَطْ لِعِظَمِ مَشَقَّتِهِ فِيهِ دُونَ النَّهَارِ (قَوْلُهُ وَخَوْفٌ عَلَى مَالِهِ) أَيْ مِنْ لِصٍّ وَنَحْوِهِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ غَلْقُ الدُّكَّانِ أَوْ الْبَيْتِ مَثَلًا، وَمِنْهُ خَوْفُهُ عَلَى تَلَفِ طَعَامٍ فِي قِدْرٍ أَوْ خُبْزٍ فِي تَنُّورٍ تَأَمَّلْ، وَانْظُرْ هَلْ التَّقْيِيدُ بِمَالِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ؟ وَالظَّاهِرُ عَدَمُهُ: لِأَنَّ لَهُ قَطْعَ الصَّلَاةِ لَهُ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ أَمَانَةً عِنْدَهُ كَوَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ رَهْنٍ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ مِنْ غَرِيمٍ) أَيْ إذَا كَانَ مُعْسِرًا لَيْسَ عِنْدَهُ مَا يُوَفِّي غَرِيمَهُ وَإِلَّا كَانَ ظَالِمًا (قَوْلُهُ أَوْ ظَالِمٍ) يَخَافُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ (قَوْلُهُ الْأَخْبَثَيْنِ) وَكَذَا الرِّيحُ (قَوْلُهُ وَإِرَادَةُ سَفَرٍ) أَيْ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَيَخْشَى أَنْ تَفُوتَهُ الْقَافِلَةُ بَحْرٌ؛ وَأَمَّا السَّفَرُ نَفْسُهُ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَقِيَامُهُ بِمَرِيضٍ) أَيْ يَحْصُلُ لَهُ بِغَيْبَتِهِ الْمَشَقَّةُ وَالْوَحْشَةُ، كَذَا فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ تَتُوقُهُ نَفْسُهُ) أَيْ تَشْتَاقُهُ وَتُنَازِعُهُ إلَيْهِ مِصْبَاحٌ، سَوَاءٌ كَانَ عَشَاءً أَوْ غَيْرَهُ لِشَغْلِ بَالِهِ إمْدَادٌ، وَمِثْلُهُ الشَّرَابُ، وَقُرْبُ حُضُورِهِ كَحُضُورِهِ فِيمَا يَظْهَرُ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ، وَبِهِ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ (قَوْلُهُ وَكَذَا اشْتِغَالُهُ بِالْفِقْهِ إلَخْ) عِبَارَةُ نُورِ الْإِيضَاحِ: وَتَكْرَارُ فِقَةٍ بِجَمَاعَةٍ تَفُوتُهُ، وَلَمْ أَرَ هَذَا الْقَيْدَ لِغَيْرِهِ، وَرَمَزَ فِي الْقُنْيَةِ لِنَجْمِ الْأَئِمَّةِ فِيمَنْ لَا يَحْضُرُهَا لِاسْتِغْرَاقِ أَوْقَاتِهِ فِي تَكْرِيرِ الْفِقْهِ لَا يُعْذَرُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، ثُمَّ رَمَزَ لَهُ ثَانِيًا أَنَّهُ يُعْذَرُ، بِخِلَافِ مُكَرَّرِ اللُّغَةِ ثُمَّ وَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمُوَاظِبِ عَلَى التَّرْكِ تَهَاوُنًا، وَالثَّانِي عَلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِي قَوْلِهِ أَيْ إلَّا إلَخْ (قَوْلُهُ فَلَا يُعْذَرُ وَيُعَزَّرُ) الْأَوَّلُ بِالذَّالِ وَالثَّانِي بِالزَّايِ (قَوْلُهُ يَعْنِي بِحَبْسِهِ عَنْهُ إلَخْ) صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ قَالُوا: هَذَا مِمَّا يُعْلَمُ وَيُكْتَمُ لِأَنَّ الظَّلَمَةَ صَيَّادُونَ لِأَخْذِ الْمَالِ مَتَى وَقَعَ فِي شَرَكِهِمْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ، وَرُبَّمَا يُحْدِثُونَ لِلْإِنْسَانِ ذَنْبًا لَمْ يَفْعَلْهُ تَوَصُّلًا إلَى مَالِهِ اهـ. [تَتِمَّةٌ] مَجْمُوعُ الْأَعْذَارِ الَّتِي مَرَّتْ مَتْنًا وَشَرْحًا عِشْرُونَ، وَقَدْ نَظَمْتهَا بِقَوْلِي: أَعْذَارُ تَرْكِ جَمَاعَةٍ عِشْرُونَ قَدْ ... أَوْدَعْتهَا فِي عَقْدِ نَظْمٍ كَالدُّرَرِ مَرَضٌ وَإِقْعَادٌ عَمًى وَزَمَانَةٌ ... مَطَرٌ وَطِينٌ ثُمَّ بَرْدٌ قَدْ أَضَرَّ قَطْعٌ لِرِجْلٍ مَعَ يَدٍ أَوْ دُونَهَا ... فَلَجٌ وَعَجْزُ الشَّيْخِ قَصْدٌ لِلسَّفَرِ خَوْفٌ عَلَى مَالٍ كَذَا مِنْ ظَالِمٍ ... أَوْ دَائِنٍ وَشُهِيَ أَكْلٌ قَدْ حَضَرَ وَالرِّيحُ لَيْلًا ظُلْمَةٌ تَمْرِيضُ ذِي ... أَلَمٍ مُدَافَعَةٌ لِبَوْلٍ أَوْ قَذَرٍ ثُمَّ اشْتِغَالٌ لَا بِغَيْرِ الْفِقْهِ فِي ... بَعْضٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ عُذْرٌ مُعْتَبَرٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 أَوْ عَدَمِ مُرَاعَاتِهِ. (وَالْأَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ) تَقْدِيمًا بَلْ نَصْبًا مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ (الْأَعْلَمُ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ) فَقَطْ صِحَّةً وَفَسَادًا بِشَرْطِ اجْتِنَابِهِ لِلْفَوَاحِشِ الظَّاهِرَةِ، وَحِفْظِهِ قَدْرَ فَرْضٍ، وَقِيلَ وَاجِبٍ، وَقِيلَ سُنَّةٍ (ثُمَّ الْأَحْسَنُ تِلَاوَةً) وَتَجْوِيدًا (لِلْقِرَاءَةِ، ثُمَّ الْأَوْرَعُ) أَيْ الْأَكْثَرُ اتِّقَاءً لِلشُّبُهَاتِ. وَالتَّقْوَى: اتِّقَاءَ الْمُحَرَّمَاتِ (ثُمَّ الْأَسَنُّ) أَيْ الْأَقْدَمُ إسْلَامًا، فَيُقَدَّمُ شَابٌّ عَلَى شَيْخٍ أَسْلَمَ، وَقَالُوا: يُقَدَّمُ الْأَقْدَمُ وَرَعًا. وَفِي النَّهْرِ عَنْ الزَّادِ: وَعَلَيْهِ يُقَاسُ سَائِرُ الْخِصَالِ، فَيُقَالُ: يُقَدَّمُ أَقْدَمُهُمْ عِلْمًا وَنَحْوَهُ، وَحِينَئِذٍ فَقَلَّمَا يُحْتَاجُ لِلْقُرْعَةِ (ثُمَّ الْأَحْسَنُ خُلُقًا) بِالضَّمِّ أُلْفَةً بِالنَّاسِ (ثُمَّ الْأَحْسَنُ وَجْهًا) أَيْ أَكْثَرُهُمْ تَهَجُّدًا؛ زَادَ فِي الزَّادِ:   [رد المحتار] قَوْلُهُ أَوْ عَدَمُ مُرَاعَاتِهِ) أَيْ لِمَذْهَبِ الْمُقْتَدِي فِيمَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الصَّلَاةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ تَقْدِيمًا) أَيْ عَلَى مَنْ حَضَرَ مَعَهُ (قَوْلُهُ بَلْ نَصْبًا) أَيْ لِلْإِمَامِ الرَّاتِبِ (قَوْلُهُ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ فَقَطْ) أَيْ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَبَحِّرٍ فِي بَقِيَّةِ الْعُلُومِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْمُتَبَحِّرِ، كَذَا فِي زَادَ الْفَقِيرِ عَنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ اجْتِنَابِهِ إلَخْ) كَذَا فِي الدِّرَايَةِ عَنْ الْمُجْتَبَى. وَعِبَارَةُ الْكَافِي وَغَيْرِهِ: الْأَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ أَوْلَى، إلَّا أَنْ يُطْعَنَ عَلَيْهِ فِي دِينِهِ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَرْغَبُونَ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ (قَوْلُهُ قَدْرَ فَرْضٍ) أَخَذَهُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ مِنْ قَوْلِ الْكَافِي قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ، بِنَاءً عَلَى أَنْ تَجُوزَ بِمَعْنَى تَصِحُّ لَا بِمَعْنَى تَحِلُّ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ وَاجِبٌ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا لَكِنْ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ كَلَامِ الْكَافِي لِأَنَّ الْجَوَازَ يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْحِلِّ؛ بَلْ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: يَنْبَغِي حَمْلُ الْجَوَازِ الْمَذْكُورِ عَلَى مَا يَشْمَلُ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَرْجِعُ إلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ سُنَّةٌ) قَائِلُهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَبْسُوطِ كَمَا فِي النَّهْرِ؛ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ. قَالَ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ هَذَا التَّقْدِيمُ عَلَى سَبِيلِ الْأَوْلَوِيَّةِ؛ فَالْأَنْسَبُ لَهُ مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَحْسَنُ تِلَاوَةً وَتَجْوِيدًا) أَفَادَ بِذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ أَقْرَأُ: أَيْ أَجْوَدُ، لَا أَكْثَرُهُمْ حِفْظًا وَإِنْ جَعَلَهُ فِي الْبَحْرِ مُتَبَادِرًا، وَمَعْنَى الْحَسَنِ فِي التِّلَاوَة أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِكَيْفِيَّةِ الْحُرُوفِ وَالْوَقْفِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْ الْأَكْثَرُ اتِّقَاءً لِلشُّبُهَاتِ) الشُّبْهَةُ: مَا اشْتَبَهَ حِلُّهُ وَحُرْمَتُهُ، وَيَلْزَمُ مِنْ الْوَرَعِ التَّقْوَى بِلَا عَكْسٍ. وَالزُّهْدُ: تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ الْحَلَالِ خَوْفَ الْوُقُوعِ فِي الشُّبْهَةِ، فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْوَرَعِ، وَلَيْسَ فِي السُّنَّةِ ذِكْرُ الْوَرَعِ، بَلْ الْهِجْرَةُ عَنْ الْوَطَنِ. فَلَمَّا نُسِخَتْ أُرِيدَ بِهَا هِجْرَةُ الْمَعَاصِي بِالْوَرَعِ، فَلَا تَجِبُ هِجْرَةٌ إلَّا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ ط (قَوْلُهُ أَيْ الْأَقْدَمُ إسْلَامًا) اسْتَنْبَطَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ مِنْ تَعْلِيلِ الْبَدَائِعِ، بِأَنَّ مَنْ امْتَدَّ عُمْرُهُ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ أَكْثَرَ طَاعَةً. أَقُولُ: بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَسَنِّ الْأَكْبَرُ سِنًّا كَمَا هُوَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ «فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا» وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ أَكْثَرِ الْكُتُبِ فَيَكُونُ الْكَلَامُ فِي الْمُسْلِمِ الْأَصْلِيِّ، نَعَمْ أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ «فَأَقْدَمُهُمْ إسْلَامًا» وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا آخَرَ لِلتَّرْجِيحِ فِيمَنْ عَرَضَ إسْلَامُهُ فَيُقَدَّمُ شَابٌّ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى شَيْخٍ أَسْلَمَ، أَمَّا لَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ مِنْ الْأَصْلِ أَوْ أَسْلَمَا مَعًا يُقَدَّمُ الْأَكْبَرُ سِنًّا، لِمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّ الْأَكْبَرَ سِنًّا يَكُونُ أَخْشَعَ قَلْبًا عَادَةً وَأَعْظَمَ حُرْمَةً وَرَغْبَةُ النَّاسِ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ أَكْثَرُ فَيَكُونُ فِي تَقْدِيمِهِ تَكْثِيرُ الْجَمَاعَةِ. اهـ. هَذَا: وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَوْرَعِ عَلَى الْأَسَنِّ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُتُونِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَعَكَسَ فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ عَنْ الزَّادِ) أَيْ زَادِ الْفَقِيرِ لِابْنِ الْهُمَامِ (قَوْلُهُ بِالضَّمِّ) أَيْ ضَمِّ الْخَاءِ، أَمَّا بِفَتْحِهَا فَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ أَكْثَرُهُمْ تَهَجُّدًا) تَفْسِيرٌ بِالْمَلْزُومِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَثْرَةِ التَّهَجُّدِ حُسْنُ الْوَجْهِ، لِحَدِيثِ «مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ» وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ، بَلْ يَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّ صَبَاحَةَ الْوَجْهِ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ زَادَ فِي الزَّادِ إلَخْ) أَقُولُ: لَيْسَ فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 ثُمَّ أَصْبَحُهُمْ: أَيْ أَسْمَحُهُمْ وَجْهًا، ثُمَّ أَكْثَرُهُمْ حَسَبًا (ثُمَّ الْأَشْرَفُ نَسَبًا) زَادَ فِي الْبُرْهَانِ: ثُمَّ الْأَحْسَنُ صَوْتًا. وَفِي الْأَشْبَاهِ قَبِيلَ ثَمَنِ الْمِثْلِ: ثُمَّ الْأَحْسَنُ زَوْجَةً. ثُمَّ الْأَكْثَرُ مَالًا، ثُمَّ الْأَكْثَرُ جَاهًا (ثُمَّ الْأَنْظَفُ ثَوْبًا) ثُمَّ الْأَكْبَرُ رَأْسًا وَالْأَصْغَرُ عُضْوًا، ثُمَّ الْمُقِيمُ عَلَى الْمُسَافِرِ، ثُمَّ الْحُرُّ الْأَصْلِيُّ عَلَى الْعَتِيقِ. ثُمَّ الْمُتَيَمِّمُ عَنْ حَدَثٍ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ عَنْ جَنَابَةٍ. [فَائِدَةٌ] لَا يُقَدَّمُ أَحَدٌ فِي التَّزَاحُمِ إلَّا بِمُرَجِّحٍ، وَمِنْهُ السَّبْقُ إلَى الدَّرْسِ وَالْإِفْتَاءِ وَالدَّعْوَى، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْمَجِيءِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ اهـ كَلَامُ الْأَشْبَاهِ. وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ مِنْ حَظْرِ التَّتَارْخَانِيَّة: وَفِي طَلَبَةِ الْعِلْمِ يُقَدَّمُ السَّابِقُ؛ فَإِنْ اخْتَلَفُوا وَثَمَّةَ بَيِّنَةٌ فِيهَا، وَإِلَّا أُقْرِعَ كَمَجِيئِهِمْ مَعًا كَمَا فِي الْحَرْقَى وَالْغَرْقَى إذَا لَمْ يُعْرَفْ الْأَوَّلُ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُمْ مَاتُوا مَعًا. اهـ. وَفِي مَحَاسِنِ الْقُرَّاءِ لِابْنِ وَهْبَانَ: وَقِيلَ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلشَّيْخِ مَعْلُومٌ جَازَ أَنْ يُقَدِّمَ مَنْ شَاءَ، وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى تَقْدِيمِ الْأَسْبَقِ، وَأَوَّلُ مَنْ سَنَّهُ ابْنُ كَثِيرٍ (فَإِنْ اسْتَوَوْا يُقْرَعُ) بَيْنَ الْمُسْتَوِيَيْنِ (أَوْ الْخِيَارُ إلَى الْقَوْمِ) فَإِنْ اخْتَلَفُوا   [رد المحتار] زِيَادَةٌ. وَنَصُّ عِبَارَةِ الزَّادِ بَعْدَ الْخَلْقِ هَكَذَا: فَإِنْ تُسَاوَوْا فَأَصْبَحُهُمْ وَجْهًا. وَقَيَّدَهُ فِي الْكَافِي بِمَنْ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ، فَإِنْ تُسَاوَوْا فَأَشْرَفُهُمْ نَسَبًا إلَخْ (قَوْلُهُ أَيْ أَسْمَحُهُمْ وَجْهًا) عِبَارَةٌ عَنْ بَشَاشَتِهِ فِي وَجْهِ مَنْ يَلْقَاهُ وَابْتِسَامِهِ لَهُ، وَهَذَا يُغَايِرُ الْحُسْنَ الَّذِي هُوَ تَنَاسُبُ الْأَعْضَاءِ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ ثُمَّ أَكْثَرُهُمْ حَسَبًا) الظَّاهِرُ أَنَّ [الْحَسَبَ] بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ لَا بِالنُّونِ، وَهُوَ الَّذِي كَتَبَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدَّمَ فِي الْفَتْحِ الْحَسَبَ عَلَى صَبَاحَةِ الْوَجْهِ. اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْحَسَبُ مَا تَعُدُّهُ مِنْ مَفَاخِرِ آبَائِك، أَوْ الْمَالُ، أَوْ الدِّينُ، أَوْ الْكَرَمُ، أَوْ الشَّرَفُ فِي الْفِعْلِ إلَخْ. (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَحْسَنُ زَوْجَةً) لِأَنَّهُ غَالِبًا يَكُونُ أَحَبَّ لَهَا وَأَعَفَّ لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِغَيْرِهَا. وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بَيْنَ الْأَصْحَابِ أَوْ الْأَرْحَامِ أَوْ الْجِيرَانِ، إذْ لَيْسَ الْمُرَادَ أَنْ يَذْكُرَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَوْصَافَ زَوْجَتِهِ حَتَّى يَعْلَمَ مَنْ هُوَ أَحْسَنُ زَوْجَةً (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَكْثَرُ مَالًا) إذْ بِكَثْرَتِهِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَوْصَافِ يَحْصُلُ لَهُ الْقَنَاعَةُ وَالْعِفَّةُ فَيَرْغَبُ النَّاسُ فِيهِ أَكْثَرَ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَكْبَرُ رَأْسًا إلَخْ) لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كِبَرِ الْعَقْلِ يَعْنِي مَعَ مُنَاسَبَةِ الْأَعْضَاءِ لَهُ، وَإِلَّا فَلَوْ فَحُشَ الرَّأْسُ كِبَرًا وَالْأَعْضَاءُ صِغَرًا كَانَ دَلَالَةً عَلَى اخْتِلَالِ تَرْكِيبِ مِزَاجِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِعَدَمِ اعْتِدَالِ عَقْلِهِ اهـ ح. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ؛ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَا لَا يَلِيقُ أَنْ يُذْكَرَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُكْتَبَ اهـ وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى مَا قِيلَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُضْوِ الذَّكَرُ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْمُقِيمُ عَلَى الْمُسَافِرِ) وَقِيلَ هُمَا سَوَاءٌ بَحْرٌ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْجَمَاعَةُ مُسَافِرِينَ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَهَذَا مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ فِي الرَّبَاعِيَةِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ ثُمَّ الْمُتَيَمِّمُ عَنْ حَدَثٍ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ عَنْ جَنَابَةٍ) كَذَا أَجَابَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَيْضِ وَجَامِعِ الْفَتَاوَى. كَذَا فِي الْأَحْكَامِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ، وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْحَدَثَ أَخَفُّ مِنْ الْجَنَابَةِ، لَكِنْ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي: الْمُتَيَمِّمُ عَنْ الْجَنَابَةِ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ مِنْ الْمُتَيَمِّمِ عَنْ حَدَثٍ. وَنَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْهَا مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ طَهَارَتَهُ أَقْوَى لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْغُسْلِ لَا يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُرَجَّحِ (قَوْلُهُ وَالْإِفْتَاءِ) الْأَوْلَى وَالِاسْتِفْتَاءِ (قَوْلُهُ وَالدَّعْوَى) أَيْ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي (قَوْلُهُ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ) أَيْ إذَا تَنَازَعُوا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْأَوْلَوِيَّةِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْحَرْقَى وَالْغَرْقَى) التَّشْبِيهُ فِي أَنَّ التَّرْتِيبَ إذَا لَمْ يُعْلَمْ كَانَ كَالْمَعِيَّةِ لَا فِي الْقُرْعَةِ أَيْضًا، فَإِنَّهَا لَا تَتَأَتَّى فِي الْحَرْقَى وَالْغَرْقَى ح (قَوْلُهُ مَعْلُومٌ) أَيْ وَظِيفَةٌ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ أَوْ مِنْ الطَّلَبَةِ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ جَازَ أَنْ يُقَدِّمَ مَنْ شَاءَ) لِأَنَّهُ لَهُ أَنْ لَا يُقْرِئَهُمْ أَصَلَاحٌ (قَوْلُهُ وَأَوَّلُ مَنْ سَنَّهُ ابْنُ كَثِيرٍ) قَالَ السَّمْهُودِيُّ فِي جَوْهَرِ الْعِقْدَيْنِ. رُوِيَ «أَنَّ أَنْصَارِيًّا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُهُ. وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا أَخَا ثَقِيفٍ إنَّ الْأَنْصَارِيَّ قَدْ سَبَقَك بِالْمَسْأَلَةِ فَاجْلِسْ كَيْمَا نَبْدَأُ بِحَاجَةِ الْأَنْصَارِيِّ قَبْلَ حَاجَتِك» اهـ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 اُعْتُبِرَ أَكْثَرُهُمْ؛ وَلَوْ قَدَّمُوا غَيْرَ الْأَوْلَى أَسَاءُوا بِلَا إثْمٍ. (وَ) اعْلَمْ أَنَّ (صَاحِبَ الْبَيْتِ) وَمِثْلُهُ إمَامِ الْمَسْجِدِ الرَّاتِبُ (أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ مِنْ غَيْرِهِ) مُطْلَقًا (إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ سُلْطَانٌ أَوْ قَاضٍ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ) لِعُمُومِ وِلَايَتِهِمَا، وَصَرَّحَ الْحَدَّادِيُّ بِتَقْدِيمِ الْوَالِي عَلَى الرَّاتِبِ (وَالْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ أَحَقُّ مِنْ الْمَالِكِ) لِمَا مَرَّ. (وَلَوْ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، إنْ) الْكَرَاهَةُ (لِفَسَادٍ فِيهِ أَوْ لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِنْهُ كُرِهَ) لَهُ ذَلِكَ تَحْرِيمًا لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ مَنْ تَقَدَّمَ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ» (وَإِنْ هُوَ أَحَقَّ لَا) وَالْكَرَاهَةُ عَلَيْهِمْ. (وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا (إمَامَةُ عَبْدٍ) وَلَوْ مُعْتَقًا قُهُسْتَانِيٌّ. عَنْ الْخُلَاصَةِ، وَلَعَلَّهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَقَدُّمِ الْحَرِّ الْأَصْلِيِّ، إذْ الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ فَتَنَبَّهْ (وَأَعْرَابِيٌّ)   [رد المحتار] وَابْنُ كَثِيرٍ تَابِعٌ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ لَهُ مَعْلُومٌ وَغَيْرُهُ، نَعَمْ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ ذِي الْمَعْلُومِ وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا حَضَرَا مَعًا رَحْمَتِيٌّ: أَيْ فَيُقْرَعُ لَوْ لَهُ مَعْلُومٌ وَإِلَّا يُقَدِّمُ مَنْ شَاءَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ اُعْتُبِرَ أَكْثَرُهُمْ) لَا يَظْهَرُ هَذَا إلَّا فِي الْمَنْصِبِ، وإلَّا فَكُلٌّ يُصَلِّي خَلْفَ مَنْ يَخْتَارُهُ ط لَكِنْ فِيهِ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ وَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ. (قَوْلُهُ أَسَاءُوا بِلَا إثْمٍ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ فِي الْفِقْهِ وَالصَّلَاحِ سَوَاءٌ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَقْرَأُ فَقَدَّمَ الْقَوْمُ الْآخَرَ فَقَدْ أَسَاءُوا وَتَرَكُوا السُّنَّةَ وَلَكِنْ لَا يَأْثَمُونَ، لِأَنَّهُمْ قَدَّمُوا رَجُلًا صَالِحًا، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْإِمَارَةِ وَالْحُكُومَةِ، أَمَّا الْخِلَافَةُ وَهِيَ الْإِمَامَةُ الْكُبْرَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكُوا الْأَفْضَلَ، وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ الْحَاضِرِينَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ وَأَقْرَأُ مِنْهُ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: جَمَاعَةٌ أَضْيَافٌ فِي دَارٍ نُرِيدُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَحَدُهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَدَّمَ الْمَالِكُ، فَإِنْ قَدَّمَ وَاحِدًا مِنْهُمْ لِعِلْمِهِ وَكِبَرِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَإِذَا تَقَدَّمَ أَحَدُهُمْ جَازَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَالِكَ يَأْذَنُ لِضَيْفِهِ إكْرَامًا لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَصَرَّحَ الْحَدَّادِيُّ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ خَاصٍّ بِالسُّلْطَانِ الْعَامِّ الْوِلَايَةِ، وَلَا بِالْقَاضِي الْخَاصِّ الْوِلَايَةِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، بَلْ مِثْلُهَا الْوَالِي، وَأَنَّ الْإِمَامَ الرَّاتِبَ كَصَاحِبِ الْبَيْتِ فِي ذَلِكَ. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَأَمَّا إذَا اجْتَمَعُوا فَالسُّلْطَانُ مُقَدَّمٌ، ثُمَّ الْأَمِيرُ، ثُمَّ الْقَاضِي، ثُمَّ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ وَلَوْ مُسْتَأْجِرًا، وَكَذَا يُقَدَّمُ الْقَاضِي عَلَى إمَامِ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ أَحَقُّ) لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ، وَالْمُعِيرُ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ، بِخِلَافِ الْمُؤَجِّرِ، لَكِنَّهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ يَبْقَى الْمُسْتَعِيرُ أَحَقَّ، وَالْكَلَامُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ لَمْ تَبْقَ الْعَارِيَّةُ وَخَرَجَتْ الْمَسْأَلَةُ عَنْ مَوْضُوعِهَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِمَا وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِعُمُومِ الْوِلَايَةِ عُمُومُهَا لِلنَّاسِ، وَهَذَانِ لَيْسَا كَذَلِكَ: فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُمَا فِي هَذَا الْحَالَةِ دُونَ الْمَالِكِ ح (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إلَخْ) هَكَذَا رَوَاهُ فِي النَّهْرِ بِالْمَعْنَى، وَعَزَاهُ إلَى الْحَلَبِيِّ صَاحِبِ الْحِلْيَةِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْحِلْيَةِ ذَكَرَهُ مُطَوَّلًا، وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْهَا (قَوْلُهُ وَالْكَرَاهَةُ عَلَيْهِمْ) جَزَمَ فِي الْحِلْيَةِ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ الْأَوْلَى تَحْرِيمِيَّةٌ لِلْحَدِيثِ، وَتَرَدَّدَ فِي هَذِهِ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا إلَخْ) لِقَوْلِهِ فِي الْأَصْلِ: إمَامَةُ غَيْرِهِمْ أَحَبُّ إلَيَّ بَحْرٌ عَنْ الْمُجْتَبَى وَالْمِعْرَاجِ، ثُمَّ قَالَ: فَيُكْرَهُ لَهُمْ التَّقَدُّمُ؛ وَيُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ تَنْزِيهًا؛ فَإِنْ أَمْكَنَ الصَّلَاةُ خَلْفَ غَيْرِهِمْ فَهُوَ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَالِاقْتِدَاءُ أَوْلَى مِنْ الِانْفِرَادِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُعْتَقًا) يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ؛ فَإِنَّ الْمُعْتَقَ عَبْدٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ؛ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ عُمُومِ الْمَجَازِ بِأَنْ يُرَادَ بِالْعَبْدِ مَنْ اتَّصَفَ بِالرِّقِّ وَقْتًا مَا، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَالِ أَوْ فِيمَا مَضَى ح (قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُ) أَيْ وَلَعَلَّ سَبَبَ كَرَاهَةِ الْمُعْتَقِ مَا قَدَّمْنَاهُ إلَخْ فَإِنَّ تَقْدِيمَ الْحُرِّ الْأَصْلِيِّ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَتَرْكُهُ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا، فَلِذَا قَالَ: إذْ الْكَرَاهَةُ إلَخْ. وَفِي نُسْخَةٍ: وَالْعِلَّةُ أَيْ وَالْعِلَّةُ فِي كَرَاهَةِ إمَامَةِ الْمُعْتَقِ أَنَّ الْحُرَّ الْأَصْلِيَّ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ مِنْهُ لِأَنَّهُ نَشَأَ فِي الرِّقِّ مُشْتَغِلًا بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى لَمْ يَتَفَرَّغْ لِلتَّعَلُّمِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَعْرَابِيٍّ) نِسْبَةُ إلَى الْأَعْرَابِ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 وَمِثْلُهُ تُرْكُمَانٌ وَأَكْرَادٌ وَعَامِّيٌّ (وَفَاسِقٌ وَأَعْمَى) وَنَحْوُهُ الْأَعْشَى نَهْرٌ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) أَيْ غَيْرُ الْفَاسِقِ (أَعْلَمَ الْقَوْمِ) فَهُوَ أَوْلَى (وَمُبْتَدِعٌ) أَيْ صَاحِبُ بِدْعَةٍ وَهِيَ اعْتِقَادُ خِلَافِ الْمَعْرُوفِ عَنْ الرَّسُولِ   [رد المحتار] وَلَبِسَ جَمْعًا لِعَرَبٍ كَمَا فِي الصِّحَاحِ، لَكِنْ فِي الرِّضَى الظَّاهِرُ أَنَّهُ جَمْعٌ قُهُسْتَانِيٌّ وَهُوَ مَنْ يَسْكُنُ الْبَادِيَةَ عَرَبِيًّا أَوْ عَجَمِيًّا بَحْرٌ، وَخَصَّهُ فِي الْمِصْبَاحِ بِأَهْلِ الْبَدْوِ مِنْ الْعَرَبِ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ إلَخْ) مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَعْرَابِيَّ لَا يَشْمَلُ الْأَعْجَمِيَّ، وَإِلَّا فَالْمُنَاسِبُ: وَمِنْهُ. وَالْعِلَّةُ فِي الْكُلِّ غَلَبَةُ الْجَهْلِ (قَوْلُهُ وَفَاسِقٌ) مِنْ الْفِسْقِ: وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ الِاسْتِقَامَةِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ يَرْتَكِبُ الْكَبَائِرَ كَشَارِبِ الْخَمْرِ، وَالزَّانِي وَآكِلِ الرِّبَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ إسْمَاعِيلُ. وَفِي الْمِعْرَاجِ قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْفَاسِقِ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِهَا يَجِدُ إمَامًا غَيْرَهُ. اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ فَيُكْرَهُ فِي الْجُمُعَةِ إذَا تَعَدَّدَتْ إقَامَتُهَا فِي الْمِصْرِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ إلَى التَّحَوُّلِ (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ الْأَعْشَى) هُوَ سَيِّئُ الْبَصَرِ لَيْلًا وَنَهَارًا قَامُوسٌ، وَهَذَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِ الْأَعْمَى بِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ (قَوْلُهُ أَيْ غَيْرُ الْفَاسِقِ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ صَاحِبَ الْبَحْرِ: حَيْثُ قَالَ: قَيَّدَ كَرَاهَةَ إمَامَةِ الْأَعْمَى فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ أَفْضَلَ الْقَوْمِ، فَإِنْ كَانَ أَفْضَلَهُمْ فَهُوَ أَوْلَى اهـ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَنْبَغِي جَرَيَانُ هَذَا الْقَيْدِ فِي الْعَبْدِ وَالْأَعْرَابِيِّ وَوَلَدِ الزِّنَا، وَنَازَعَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ فِي الْهِدَايَةِ عَلَّلَ لِلْكَرَاهَةِ بِغَلَبَةِ الْجَهْلِ فِيهِمْ، وَبِأَنَّ فِي تَقْدِيمِهِمْ تَنْفِيرَ الْجَمَاعَةِ، وَمُقْتَضَى الثَّانِيَةِ ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ مَعَ انْتِفَاءِ الْجَهْلِ، لَكِنْ وَرَدَ فِي الْأَعْمَى نَصٌّ خَاصٌّ هُوَ «اسْتِخْلَافُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَعِتْبَانَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَكَانَا أَعْمَيَيْنِ» ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الرِّجَالِ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ مِنْهُمَا، وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِإِطْلَاقِهِمْ وَاقْتِصَارِهِمْ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْأَعْمَى. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ الْقَوْمِ خَاصٌّ بِالْأَعْمَى، أَمَّا غَيْرُهُ فَلَا تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ بِعِلْمِهِ، لَكِنْ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ صَرَّحَ بِهِ فِي الِاخْتِيَارِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ عُدِمَتْ أَيْ عِلَّةُ الْكَرَاهَةِ بِأَنْ كَانَ الْأَعْرَابِيُّ أَفْضَلَ مِنْ الْحَضَرِيِّ، وَالْعَبْدُ مِنْ الْحُرِّ، وَوَلَدُ الزِّنَا مِنْ وَلَدِ الرِّشْدَةِ، وَالْأَعْمَى مِنْ الْبَصِيرِ فَالْحُكْمُ بِالضِّدِّ اهـ وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى لِلْبَهْنَسِيِّ وَشَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ تَنْفِيرَ الْجَمَاعَةِ بِتَقْدِيمِهِ يَزُولُ إذَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، بَلْ التَّنْفِيرُ يَكُونُ فِي تَقَدُّمِ غَيْرِهِ. وَأَمَّا الْفَاسِقُ فَقَدْ عَلَّلُوا كَرَاهَةَ تَقْدِيمِهِ بِأَنَّهُ لَا يُهْتَمُّ لِأَمْرِ دِينِهِ، وَبِأَنَّ فِي تَقْدِيمِهِ لِلْإِمَامَةِ تَعْظِيمَهُ، وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ إهَانَتُهُ شَرْعًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ أَعْلَمَ مِنْ غَيْرِهِ لَا تَزُولُ الْعِلَّةُ، فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ فَهُوَ كَالْمُبْتَدِعِ تُكْرَهُ إمَامَتُهُ بِكُلِّ حَالٍ، بَلْ مَشَى فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَلَى أَنَّ كَرَاهَةَ تَقْدِيمِهِ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ: وَلِذَا لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ أَصْلًا عِنْدَ مَالِكٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، فَلِذَا حَاوَلَ الشَّارِحُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَحَمَلَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى غَيْرِ الْفَاسِقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مَطْلَبٌ الْبِدْعَةُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ (قَوْلُهُ أَيْ صَاحِبُ بِدْعَةٍ) أَيْ مُحَرَّمَةٍ، وَإِلَّا فَقَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً، كَنَصْبِ الْأَدِلَّةِ لِلرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْفِرَقِ الضَّالَّةِ، وَتَعَلُّمِ النَّحْوِ الْمُفْهِمِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَنْدُوبَةً كَإِحْدَاثِ نَحْوِ رِبَاطٍ وَمَدْرَسَةٍ وَكُلِّ إحْسَانٍ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَمَكْرُوهَةٍ كَزَخْرَفَةِ الْمَسَاجِدِ. وَمُبَاحَةٍ كَالتَّوَسُّعِ بِلَذِيذِ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالثِّيَابِ كَمَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْمُنَاوِيِّ عَنْ تَهْذِيبِ النَّوَوِيِّ، وَبِمِثْلِهِ فِي الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ لِلْبِرْكِلِيِّ (قَوْلُهُ وَهِيَ اعْتِقَادُ إلَخْ) عَزَاهُ هَذَا التَّعْرِيفِ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ إلَى الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ فِي شَرْحِ النُّخْبَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاعْتِقَادَ يَشْمَلُ مَا كَانَ مَعَهُ عَمَلٌ أَوْ لَا، فَإِنَّ مَنْ تَدَيَّنَ بِعَمَلٍ لَا بُدَّ أَنْ يَعْتَقِدَهُ كَمَسْحِ الشِّيعَةِ عَلَى الرِّجْلَيْنِ وَإِنْكَارِهِمْ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَيُسَاوِي تَعْرِيفَ الشُّمُنِّيِّ لَهَا بِأَنَّهَا مَا أُحْدِثَ عَلَى خِلَافِ الْحَقِّ الْمُتَلَقَّى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِلْمٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ حَالٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 لَا بِمُعَانَدَةٍ بَلْ بِنَوْعِ شُبْهَةٍ وَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ قِبْلَتِنَا (لَا يَكْفُرُ بِهَا) حَتَّى الْخَوَارِجُ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا وَسَبَّ الرَّسُولِ، وَيُنْكِرُونَ صِفَاتِهِ تَعَالَى وَجَوَازَ رُؤْيَتِهِ لِكَوْنِهِ عَنْ تَأْوِيلٍ وَشُبْهَةٍ بِدَلِيلِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ، إلَّا الْخَطَّابِيَّةِ وَمِنَّا مَنْ كَفَّرَهُمْ (وَإِنْ) أَنْكَرَ بَعْضَ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً (كَفَرَ بِهَا) كَقَوْلِهِ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى جِسْمٌ كَالْأَجْسَامِ وَإِنْكَارُهُ صُحْبَةَ الصِّدِّيقِ   [رد المحتار] بِنَوْعِ شُبْهَةٍ وَاسْتِحْسَانٍ، وَجُعِلَ دَيْنًا قَوِيمًا وَصِرَاطًا مُسْتَقِيمًا اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَا بِمُعَانِدَةٍ) أَمَّا لَوْ كَانَ مُعَانِدًا لِلْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ الَّتِي لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهَا أَصْلًا كَإِنْكَارِ الْحَشْرِ أَوْ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهُوَ كَافِرٌ قَطْعًا (قَوْلُهُ بَلْ بِنَوْعِ شُبْهَةٍ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً كَقَوْلِ مُنْكِرِ الرُّؤْيَةِ بِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يُرَى لِجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ قِبْلَتِنَا لَا يَكْفُرُ بِهَا) أَيْ بِالْبِدْعَةِ الْمَذْكُورَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى شُبْهَةٍ إذْ لَا خِلَافَ فِي كُفْرِ الْمُخَالِفِ فِي ضَرُورِيَّاتِ الْإِسْلَامِ مِنْ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَحَشْرِ الْأَجْسَادِ وَنَفْيِ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّاتِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ الْمُوَاظِبِ طُولَ عُمْرِهِ عَلَى الطَّاعَاتِ كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ (قَوْلُهُ حَتَّى الْخَوَارِجُ) أَرَادَ بِهِمْ مَنْ خَرَجَ عَنْ مُعْتَقَدِ أَهْلِ الْحَقِّ لَا خُصُوصَ الْفِرْقَةِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى الْإِمَامِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَكَفَّرُوهُ، فَيَشْمَلُ الْمُعْتَزِلَةَ وَالشِّيعَةَ وَغَيْرَهُمْ (قَوْلُهُ وَسَبَّ الرَّسُولِ) هَكَذَا فِي غَالِبِ النُّسَخِ، وَرَأَيْته كَذَلِكَ فِي الْخَزَائِنِ بِخَطِّ الشَّارِحِ، وَفِيهِ أَنَّ سَابَّ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَافِرٌ قَطْعًا، فَالصَّوَابُ وَسَبَّ أَصْحَابِ الرَّسُولِ، وَقَيَّدَهُمْ الْمُحَشِّي بِغَيْرِ الشَّيْخَيْنِ لِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ أَنَّ سَابَّهُمَا أَوْ أَحَدِهِمَا كَافِرٌ. أَقُولُ: مَا سَيَأْتِي مَحْمُولٌ عَلَى سَبِّهِمَا بِلَا شُبْهَةٍ، لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّ سَابَّهُمَا أَوْ مُنْكِرُ خِلَافَتِهِمَا إذَا بَنَاهُ عَلَى شُبْهَةٍ لَهُ لَا يَكْفُرُ وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ كُفْرًا فِي حَدِّ ذَاتِهِ لِأَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ حُجِّيَّةَ الْإِجْمَاعِ بِإِتْهَامِهِمْ الصَّحَابَةَ، فَكَانَ شُبْهَةً فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلَةً، بِخِلَافِ مَنْ ادَّعَى أَنَّ عَلِيًّا إلَهٌ وَأَنَّ جِبْرِيلَ غَلِطَ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ شُبْهَةٍ وَاسْتِفْرَاغِ وُسْعٍ فِي الِاجْتِهَادِ، بَلْ مَحْضُ هَوًى، وَتَمَامُهُ فِيهِ فَرَاجِعْهُ: وَقَدْ أَوْضَحْت هَذَا الْمَقَامَ فِي كِتَابِي: [تَنْبِيهُ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ عَلَى أَحْكَامِ شَاتِمِ خَيْرِ الْأَنَامِ أَوْ أَحَدِ أَصْحَابِهِ الْكِرَامِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ] (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ عَنْ تَأْوِيلٍ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا يَكْفُرُ بِهَا. قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي أَوَاخِرِ التَّحْرِيرِ: وَجَهْلُ الْمُبْتَدِعِ كَالْمُعْتَزِلَةِ مَانِعِي ثُبُوتِ الصِّفَاتِ الزَّائِدَةِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَالشَّفَاعَةِ وَخُرُوجِ مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ وَالرُّؤْيَةِ لَا يَصْلُحُ عُذْرًا، لِوُضُوحِ الْأَدِلَّةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، لَكِنْ لَا يَكْفُرُ، إذْ تَمَسُّكُهُ بِالْقُرْآنِ أَوْ الْحَدِيثِ أَوْ الْعَقْلِ، وَلِلنَّهْيِ عَنْ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ وَلَا شَهَادَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ، وَعَدَمُهُ فِي الْخَطَابِيَّةِ لَيْسَ لِكُفْرِهِمْ: أَيْ بَلْ لِتَدَيُّنِهِمْ شَهَادَةَ الزُّورِ لِمَنْ كَانَ عَلَى رَأْيِهِمْ أَوْ حَلَفَ أَنَّهُ مُحِقٌّ. وَأَوْرَدَ أَنَّ اسْتِبَاحَةَ الْمَعْصِيَةِ كُفْرٌ. وَأُجِيبَ إذَا كَانَ عَنْ مُكَابَرَةٍ وَعَدَمِ دَلِيلٍ، بِخِلَافِ مَا عَنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَالْمُبْتَدِعُ مُخْطِئٌ فِي تَمَسُّكِهِ لَا مُكَابِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِسَرَائِرِ عِبَادِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمِنَّا مَنْ كَفَّرَهُمْ) أَيْ مِنَّا مَعْشَرَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مَنْ كَفَّرَ الْخَوَارِجَ: أَيْ أَصْحَابَ الْبِدَعِ؛ أَوْ الْمُرَادُ مِنَّا مَعْشَرَ الْحَنَفِيَّةِ. وَأَفَادَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَنَا خِلَافُهُ، فَقَدْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ فُرُوعًا تَدُلُّ عَلَى كُفْرِ بَعْضِهِمْ. ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ تَكْفِيرِ أَحَدٍ مِنْ الْمُخَالِفِينَ فِيمَا لَيْسَ مِنْ الْأُصُولِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً إلَخْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ جِسْمٌ كَالْأَجْسَامِ) وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقُلْ كَالْأَجْسَامِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَا كَالْأَجْسَامِ فَلَا يَكْفُرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إطْلَاقُ لَفْظِ الْجِسْمِ الْمُوهِمِ لِلنَّقْصِ فَرَفَعَهُ بِقَوْلِهِ لَا كَالْأَجْسَامِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدَ الْإِطْلَاقِ وَذَلِكَ مَعْصِيَةٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَإِنْكَارُهُ صُحْبَةَ الصِّدِّيقِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ قَوْله تَعَالَى - {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} [التوبة: 40]- ح. وَفِي الْفَتْحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: وَمَنْ أَنْكَرَ خِلَافَةَ الصِّدِّيقِ أَوْ عُمَرَ فَهُوَ كَافِرٌ اهـ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إنْكَارُ اسْتِحْقَاقِهِمَا الْخِلَافَةَ، فَهُوَ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لَا إنْكَارُ وُجُودِهَا لَهُمَا بَحْرٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 (فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ أَصْلًا) فَلْيُحْفَظْ (وَوَلَدُ الزِّنَا) هَذَا إنْ وُجِدَ غَيْرُهُمْ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ بَحْرٌ بَحْثًا. وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: صَلَّى خَلَفَ فَاسِقٍ أَوْ مُبْتَدَعٍ نَالَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ، وَكَذَا تُكْرَهُ خَلْفَ أَمْرَدَ وَسَفِيهٍ وَمَفْلُوجٍ، وَأَبْرَصَ شَاعَ بَرَصُهُ، وَشَارِبِ الْخَمْرِ وَآكِلِ الرِّبَا وَنَمَّامٍ، وَمُرَاءٍ وَمُتَصَنِّعٍ وَمَنْ أَمَّ بِأُجْرَةٍ قُهُسْتَانِيٌّ زَادَ ابْنُ مَلِكٍ: وَمُخَالِفٌ كَشَافِعِيٍّ؟   [رد المحتار] وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْكُفْرِ بِإِنْكَارِ الْخِلَافَةِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ شُبْهَةٍ كَمَا مَرَّ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ، بِخِلَافِ إنْكَارِ صُحْبَةِ الصِّدِّيقِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَصْلًا) تَأْكِيدٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ فِي حَالَةِ كَذَا وَلَا فِي حَالَةِ كَذَا إذْ لَيْسَ هُنَا أَحْوَالٌ ح (قَوْلُهُ وَوَلَدُ الزِّنَا) إذْ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُرَبِّيهِ وَيُؤَدِّبُهُ وَيُعَلِّمُهُ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ بَحْرٌ، أَوْ لِنُفْرَةِ النَّاسِ عَنْهُ (قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ كَرَاهَةِ إمَامَةِ الْمَذْكُورِينَ (قَوْلُهُ إنْ وُجِدَ غَيْرُهُمْ) أَيْ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ بَحْرٌ بَحْثًا) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْمَنْقُولِ عَنْ الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ نَالَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ) أَفَادَ أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَهُمَا أَوْلَى مِنْ الِانْفِرَادِ، لَكِنْ لَا يَنَالُ كَمَا يَنَالُ خَلْفَ تَقِيٍّ وَرَعٍ لِحَدِيثِ «مَنْ صَلَّى خَلْفَ عَالِمٍ تَقِيٍّ فَكَأَنَّمَا صَلَّى خَلْفَ نَبِيٍّ» قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَلَمْ يَجِدْهُ الْمُخَرِّجُونَ نَعَمْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مَرْفُوعًا «إنْ سَرَّكُمْ أَنْ يَقْبَلَ اللَّهُ صَلَاتَكُمْ فَلْيَؤُمَّكُمْ خِيَارُكُمْ، فَإِنَّهُمْ وَفْدُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ» . اهـ. مَطْلَبٌ فِي إمَامَةِ الْأَمْرَدِ (قَوْلُهُ وَكَذَا تُكْرَهُ خَلْفَ أَمْرَدَ) الظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ أَيْضًا. وَالظَّاهِرُ أَيْضًا كَمَا قَالَ الرَّحْمَتِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الصَّبِيحُ الْوَجْهِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْفِتْنَةِ، وَهَلْ يُقَالُ هُنَا أَيْضًا: إذَا كَانَ أَعْلَمَ الْقَوْمِ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ: فَإِنْ كَانَتْ عِلَّةُ الْكَرَاهَةِ خَشْيَةَ الشَّهْوَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فَلَا، وَإِنْ كَانَتْ غَلَبَةَ الْجَهْلِ أَوْ نُفْرَةَ النَّاسِ مِنْ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ فَنَعَمْ فَتَأَمَّلْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَا الْعِذَارِ الصَّبِيحَ الْمُشْتَهَى كَالْأَمْرَدِ تَأَمَّلْ هَذَا، وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَنْ الْفَتَاوَى الْعَفِيفِيَّةِ: سُئِلَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عِيسَى الْمُرْشِدِيُّ عَنْ شَخْصٍ بَلَغَ مِنْ السِّنِّ عِشْرِينَ سَنَةً وَتَجَاوَزَ حَدَّ الْإِنْبَاتِ وَلَمْ يَنْبُتْ عِذَارُهُ، فَهَلْ يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ حَدِّ الْأَمْرَدِيَّةِ، وَخُصُوصًا وَقَدْ نَبَتَ لَهُ شَعَرَاتٌ فِي ذَقَنِهِ تُؤْذِنُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُسْتَدِيرِي اللِّحَى، فَهَلْ حُكْمُهُ فِي الْإِمَامَةِ كَالرِّجَالِ الْكَامِلِينَ أَمْ لَا أَجَابَ: سُئِلَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الشَّلَبِيِّ مِنْ مُتَأَخِّرِي عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. فَأَجَابَ بِالْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَنَاهِيك بِهِ قُدْوَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَلِكَ عَنْهَا الْمُفْتِي مُحَمَّدُ تَاجُ الدِّينِ الْقَلَعِيُّ فَأَجَابَ كَذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسَفِيهٍ) هُوَ الَّذِي لَا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ عَلَى مُقْتَضَى الشَّرْعِ أَوْ الْعَدْلِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْحَجْرِ ط (قَوْلُهُ وَمَفْلُوجٍ وَأَبْرَصَ شَاعَ بَرَصُهُ) وَكَذَلِكَ أَعْرَجُ يَقُومُ بِبَعْضِ قَدَمِهِ، فَالِاقْتِدَاءُ بِغَيْرِهِ أَوْلَى تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَكَذَا أَجْذَمُ بُرْجُنْدِيٌّ، وَمَجْبُوبٌ وَحَاقِنٌ، وَمَنْ لَهُ يَدٌ وَاحِدَةٌ فَتَاوَى الصُّوفِيَّةِ عَنْ التُّحْفَةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعِلَّةَ النُّفْرَةُ، وَلِذَا قَيَّدَ الْأَبْرَصَ بِالشُّيُوعِ لِيَكُونَ ظَاهِرًا وَلِعَدَمِ إمْكَانِ إكْمَالِ الطَّهَارَةِ أَيْضًا فِي الْمَفْلُوجِ وَالْأَقْطَعِ وَالْمَجْبُوبِ، وَلِكَرَاهَةِ صَلَاةِ الْحَاقِنِ أَيْ بِبَوْلٍ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ وَشَارِبِ الْخَمْرِ إلَى قَوْلِهِ وَمُتَصَنِّعٍ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِ الْمَتْنِ فَاسِقٌ ح. وَالنَّمَّامُ: مَنْ يَنْقُلُ الْكَلَامَ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى جِهَةِ الْإِفْسَادِ، وَهِيَ مِنْ الْكَبَائِرِ. وَيَحْرُمُ عَلَى الْإِنْسَانِ قَبُولُهَا. وَالْمُرَائِي: مَنْ يَقْصِدُ أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ، سَوَاءٌ تَكَلَّفَ تَحْسِينَ الطَّاعَاتِ أَوْ لَا. وَالْمُتَصَنِّعُ: مَنْ يَتَكَلَّفُ تَحْسِينَهَا فَهُوَ أَخَصُّ مِمَّا قَبْلَهُ ط (قَوْلُهُ وَمَنْ أَمَّ بِأُجْرَةٍ) بِأَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِيُصَلِّيَ إمَامًا سَنَةً أَوْ شَهْرًا بِكَذَا، وَلَيْسَ مِنْهُ مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ صَدَقَةٌ وَمَعُونَةٌ لَهُ رَحْمَتِيٌّ: أَيْ يُشْبِهُ الصَّدَقَةَ، وَيُشْبِهُ الْأُجْرَةَ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْوَقْفِ. عَلَى أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ مَذْهَبُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ لِلضَّرُورَةِ؛ بِخِلَافِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 لَكِنْ فِي وِتْرِ الْبَحْرِ إنْ تَيَقَّنَ الْمُرَاعَاةَ لَمْ يُكْرَهْ، أَوْ عَدَمَهَا لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ شَكَّ كُرِهَ (وَ)   [رد المحتار] الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التِّلَاوَةِ الْمُجَرَّدَةِ وَبَقِيَّةِ الطَّاعَاتِ مِمَّا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَصْلًا كَمَا سَنُحَقِّقُهُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي وِتْرِ الْبَحْرِ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، لِأَنَّ الْمُحَقِّقِينَ جَنَحُوا إلَيْهِ، وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ شَاهِدَةٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ: إنْ كَانَ عَادَتُهُ مُرَاعَاةَ مَوَاضِعِ الْخِلَافِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، ذَكَرَهُ السِّنْدِيُّ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ ح. قُلْت: وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِرَأْيِ الْمُقْتَدِي وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ لِرَأْيِ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهُوَ أَقْيَسُ وَعَلَيْهِ فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ كَانَ لَا يُحْتَاطُ كَمَا يَأْتِي فِي الْوِتْرِ (قَوْلُهُ إنْ تَيَقَّنَ الْمُرَاعَاةَ لَمْ يُكْرَهْ إلَخْ) أَيْ الْمُرَاعَاةُ فِي الْفَرَائِضِ مِنْ شُرُوطٍ وَأَرْكَانٍ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ يُرَاعِ الْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ كَلَامِ الْبَحْرِ. مَطْلَبٌ فِي الِاقْتِدَاءِ بِشَافِعِيٍّ وَنَحْوِهِ هَلْ يُكْرَهُ أَمْ لَا؟ وَظَاهِرُ كَلَامِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا الِاقْتِدَاءُ بِالْمُخَالِفِ فِي الْفُرُوعِ كَالشَّافِعِيِّ فَيَجُوزُ مَا لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ عَلَى اعْتِقَادِ الْمُقْتَدِي عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، إنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي الْكَرَاهَةِ. اهـ فَقَيَّدَ بِالْمُفْسِدِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا تَرَى. وَفِي رِسَالَةِ [الِاهْتِدَاءِ فِي الِاقْتِدَاءِ] لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِئُ: ذَهَبَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا إلَى الْجَوَازِ إذَا كَانَ يُحْتَاطُ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَإِلَّا فَلَا. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمُرَاعِي بِلَا كَرَاهَةٍ وَفِي غَيْرِهِ مَعَهَا. ثُمَّ الْمَوَاضِعُ الْمُهْمَلَةُ لِلْمُرَاعَاةِ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَالْقَيْءِ وَالرُّعَافِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَا فِيمَا هُوَ سُنَّةٌ عِنْدَهُ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا؛ كَرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الِانْتِقَالَاتِ، وَجَهْرِ الْبَسْمَلَةِ وَإِخْفَائِهَا، فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْخِلَافِ، فَكُلُّهُمْ يَتَّبِعُ مَذْهَبَهُ وَلَا يُمْنَعُ مَشْرَبَهُ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ: الَّذِي يَمِيلُ إلَيْهِ خَاطِرِي الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ، إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ مُفْسِدٌ. اهـ. وَبَحَثَ الْمُحَشِّي أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ رَاعَى فِي الْفُرُوضِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ فَلَا كَرَاهَةَ، وَإِنْ عَلِمَ تَرْكَهَا فِي الثَّلَاثَةِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ لَمْ يَدْرِ شَيْئًا كُرِهَ لِأَنَّ بَعْضَ مَا يَجِبُ تَرْكُهُ عِنْدَنَا يُسَنُّ فِعْلُهُ عِنْدَهُ فَالظَّاهِرُ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَإِنْ عَلِمَ تَرْكَهَا فِي الْأَخِيرَيْنِ فَقَطْ يَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ لِأَنَّهُ إذَا كُرِهَ عِنْدَ احْتِمَالِ تَرْكِ الْوَاجِبِ فَعِنْدَ تَحَقُّقِهِ بِالْأَوْلَى، وَإِنْ عَلِمَ تَرْكَهَا فِي الثَّالِثِ فَقَطْ يَنْبَغِي أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ وَاجِبَةٌ فَتُقَدَّمُ عَلَى تَرْكِهِ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ اهـ وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ فِي رِسَالَتِهِ، حَيْثُ ادَّعَى أَنَّ الِانْفِرَادَ أَفْضَلُ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِهِ قَالَ: إذْ لَا رَيْبَ أَنَّهُ يَأْتِي فِي صَلَاتِهِ بِمَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ بِهِ عِنْدَنَا أَوْ تُسْتَحَبُّ، لَكِنْ رَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ غَيْرُهُ فِي رِسَالَةٍ أَيْضًا، وَقَدْ أَسْمَعْنَاك مَا يُؤَيِّدُ الرَّدَّ، نَعَمْ نَقَلَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ عَنْ الرَّمْلِيِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَشَى عَلَى كَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُخَالِفِ حَيْثُ أَمْكَنَهُ غَيْرُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ هِيَ أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ، وَيَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ، وَبِهِ أَفْتَى الرَّمْلِيُّ الْكَبِيرُ، وَاعْتَمَدَهُ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا، وَكُلُّ مَا كَانَ لَهُمْ عِلَّةٌ فِي الِاقْتِدَاءِ بِنَا صِحَّةً وَفَسَادًا وَأَفْضَلِيَّةً كَانَ لَنَا مِثْلُهُ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ سَمِعْت مَا اعْتَمَدَهُ الرَّمْلِيُّ وَأَفْتَى بِهِ، وَالْفَقِيرُ أَقُولُ مِثْلَ قَوْلِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِاقْتِدَاءِ الْحَنَفِيِّ بِالشَّافِعِيِّ وَالْفَقِيهُ الْمُنْصِفُ يُسَلِّمُ ذَلِكَ: وَأَنَا رَمْلِيُّ فِقْهُ الْحَنَفِيِّ ... لَا مِرَا بَعْدَ اتِّفَاقِ الْعَالِمَيْنِ اهـ مُلَخَّصًا أَيْ لَا جِدَالَ بَعْدَ اتِّفَاقِ عَالِمَيْ الْمَذْهَبَيْنِ وَهُمَا رَمْلِيُّ الْحَنَفِيَّةِ يَعْنِي بِهِ نَفْسَهُ وَرَمْلِيُّ الشَّافِعِيَّةِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، فَتَحَصَّلَ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِالْمُخَالِفِ الْمُرَاعَى فِي الْفَرَائِضِ أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ إذْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَإِلَّا فَالِاقْتِدَاءُ بِالْمُوَافِقِ أَفْضَلُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 يُكْرَهُ تَحْرِيمًا (تَطْوِيلُ الصَّلَاةِ) عَلَى الْقَوْمِ زَائِدًا عَلَى قَدْرِ السُّنَّةِ فِي قِرَاءَةٍ وَأَذْكَارٍ رَضِيَ الْقَوْمُ أَوْ لَا لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ بِالتَّخْفِيفِ نَهْرٌ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ ظَاهِرُ حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى صَلَاةِ أَضْعَفِهِمْ مُطْلَقًا. وَلِذَا قَالَ الْكَمَالُ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ إذَا صَلَّى الشَّافِعِيُّ قَبْلَ الْحَنَفِيِّ هَلْ الْأَفْضَلُ الصَّلَاةُ مَعَ الشَّافِعِيِّ أَمْ لَا؟ بَقِيَ مَا إذَا تَعَدَّدَتْ الْجَمَاعَاتُ فِي الْمَسْجِدِ وَسَبَقَتْ جَمَاعَةُ الشَّافِعِيَّةِ مَعَ حُضُورِ نَقْلٍ ط عَنْ رِسَالَةٍ لِابْنِ نُجَيْمٍ أَنَّ الْأَفْضَلَ الِاقْتِدَاءُ بِالشَّافِعِيِّ، بَلْ يُكْرَهُ التَّأْخِيرُ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، إلَّا إذَا كَانَتْ الْجَمَاعَةُ الْأَوْلَى غَيْرَ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، أَوْ أُدِّيَتْ الْجَمَاعَةُ عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو الْحَنَفِيُّ حَالَةَ صَلَاةِ الشَّافِعِيِّ، إمَّا أَنْ يَشْتَغِلَ بِالرَّوَاتِبِ لِيَنْتَظِرَ الْحَنَفِيَّ وَذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» ، وَإِمَّا أَنْ يَجْلِسَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا لِإِعْرَاضِهِ عَنْ الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فِي جَمَاعَتِهِمْ عَلَى الْمُخْتَارِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَنْ الشَّيْخِ وَالِدِهِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ أَكْرَمَ وَخَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ السَّيِّدِ مُحَمَّدِ أَمِينٍ مِيزْبَادْ شَاهْ وَالشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ الشِّرْوَانِيِّ، فَإِنَّهُمْ رَجَّحُوا أَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ أَوَّلِ جَمَاعَةٍ أَفْضَلُ. قَالَ: وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْعَفِيفُ فِي فَتَاوَاهُ الْعَفِيفِيَّةِ عَنْ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُرْشِدِيِّ: وَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُفْتِي بَلَدِ اللَّهِ الْحَرَامِ الشَّيْخُ عَلِيُّ بْنُ جَارِ اللَّهِ ابْنِ ظَهِيرَةَ الْحَنَفِيُّ لَا يَزَالُ يُصَلِّي مَعَ الشَّافِعِيَّةِ عِنْدَ تَقَدُّمِ جَمَاعَتِهِمْ وَكُنْت أَقْتَدِي بِهِ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ اهـ وَخَالَفَهُمْ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْبِيرِيُّ بِنَاءً عَلَى كَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ لِعَدَمِ مُرَاعَاتِهِمْ فِي الْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ، وَأَنَّ الِانْفِرَادَ أَفْضَلُ لَوْ لَمْ يُدْرِكْ إمَامَ مَذْهَبِهِ، وَخَالَفَهُمْ أَيْضًا الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ السِّنْدِيُّ تِلْمِيذُ ابْنِ الْهُمَامِ فَقَالَ: الِاحْتِيَاطُ فِي عَدَمِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَلَوْ مُرَاعِيًا، وَكَذَا الْعَلَّامَةُ الْمُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِئُ فَقَالَ بَعْدَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ مِنْ عَدَمِ كَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ: وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ مَذْهَبٍ إمَامٌ كَمَا فِي زَمَانِنَا فَالْأَفْضَلُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمُوَافِقِ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ، عَلَى مَا اسْتَحْسَنَهُ عَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَعَمِلَ بِهِ جُمْهُورُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ وَالْقُدْسِ وَمِصْرَ وَالشَّامِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَنْ شَذَّ مِنْهُمْ. اهـ. وَاَلَّذِي يَمِيلُ إلَيْهِ الْقَلْبُ عَدَمُ كَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُخَالِفِ مَا لَمْ يَكُنْ غَيْرَ مُرَاعٍ فِي الْفَرَائِضِ، لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَانُوا أَئِمَّةً مُجْتَهِدِينَ وَهُمْ يُصَلُّونَ خَلْفَ إمَامٍ وَاحِدٍ مَعَ تَبَايُنِ مَذَاهِبِهِمْ، وَأَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَ إمَامَ مَذْهَبِهِ بَعِيدًا عَنْ الصُّفُوفِ لَمْ يَكُنْ إعْرَاضًا عَنْ الْجَمَاعَةِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ يُرِيدُ جَمَاعَةً أَكْمَلَ مِنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ. وَأَمَّا كَرَاهَةُ تَعَدُّدِ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَقَدْ ذَكَرْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا أَوَّلَ الْبَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (قَوْلُهُ تَحْرِيمًا) أَخَذَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ الْأَمْرِ بِالتَّخْفِيفِ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي قَالَ: وَهُوَ لِلْوُجُوبِ إلَّا لِصَارِفٍ وَلِإِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَى الْغَيْرِ اهـ وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ زَائِدًا عَلَى قَدْرِ السُّنَّةِ) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى السِّرَاجِ وَالْمُضْمَرَاتِ. قَالَ: وَذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ بَحْثًا لَا كَمَا يَتَوَهَّمُهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ فَيَقْرَأُ يَسِيرًا فِي الْفَجْرِ كَغَيْرِهَا اهـ (قَوْلُهُ لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ بِالتَّخْفِيفِ) وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» ، وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ فِي ذَلِكَ صَاحِبَ الْبَحْرِ. وَاعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ بِأَنَّ تَعْلِيلَ الْأَمْرِ بِمَا ذُكِرَ يُفِيدُ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ إذَا رَضِيَ الْقَوْمُ: أَيْ إذَا كَانُوا مَحْصُورِينَ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْبَحْرِ عَلَى غَيْرِ الْمَحْصُورِينَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَخْ) مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ زَائِدًا عَلَى قَدْرِ السُّنَّةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَقْرَأُ بِقَدْرِ حَالِ الْقَوْمِ مُطْلَقًا: أَيْ وَلَوْ دُونَ الْقَدْرِ الْمَسْنُونِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ عَنْ السِّرَاجِ وَالْمُضْمَرَاتِ كَمَا مَرَّ؛ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْقَدْرَ الْمَسْنُونَ لَا يَزِيدُ عَلَى صَلَاةِ أَضْعَفِهِمْ لِأَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ يَقْتَدِي بِهِ الضَّعِيفُ وَالسَّقِيمُ وَلَا يَتْرُكُهُ إلَّا وَقْتَ الضَّرُورَةِ؛ وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ قِرَاءَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَصَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَرَأَ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي الْفَجْرِ حِينَ سَمِعَ بُكَاءَ صَبِيٍّ» (وَ) يُكْرَهُ تَحْرِيمًا (جَمَاعَةُ النِّسَاءِ) وَلَوْ التَّرَاوِيحَ فِي غَيْرِ صَلَاةِ جِنَازَةٍ (لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ مُكَرَّرَةً) ، فَلَوْ انْفَرَدْنَ تَفُوتُهُنَّ بِفَرَاغِ إحْدَاهُنَّ؛ وَلَوْ أَمَّتْ فِيهَا رِجَالًا لَا تُعَادُ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِصَلَاتِهَا إلَّا إذَا اسْتَخْلَفَهَا الْإِمَامُ وَخَلْفُهُ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ فَتَفْسُدُ صَلَاةُ الْكُلِّ (فَإِنْ فَعَلْنَ تَقِفُ الْإِمَامُ   [رد المحتار] «مُعَاذٍ لَمَّا شَكَاهُ قَوْمُهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ» إنَّمَا كَانَتْ زَائِدَةً عَلَى الْقَدْرِ الْمَسْنُونِ. قَالَ الْكَمَالُ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ بَحَثْنَا أَنَّ التَّطْوِيلَ: هُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَسْنُونَةِ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهُ وَقِرَاءَتُهُ هِيَ الْمَسْنُونَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ مَا نَهَى عَنْهُ غَيْرَ مَا كَانَ دَأْبَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَقِرَاءَةُ مُعَاذٍ لَمَّا قَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالَ كَانَتْ بِالْبَقَرَةِ عَلَى مَا فِي مُسْلِمٍ «أَنَّ مُعَاذًا افْتَتَحَ بِالْبَقَرَةِ فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَمْت بِالنَّاسِ فَاقْرَأْ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا - وَسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى - وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك - وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى» - " لِأَنَّهَا كَانَتْ الْعِشَاءَ، وَإِنَّ قَوْمَ مُعَاذٍ كَانَ الْعُذْرُ مُتَحَقِّقًا فِيهِمْ لَا كَسَلًا مِنْهُمْ فَأَمَرَ فِيهِمْ بِذَلِكَ لِذَلِكَ، كَمَا ذُكِرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي الْفَجْرِ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالُوا لَهُ أَوْجَزْت، قَالَ: سَمِعْت بُكَاءَ صَبِيٍّ فَخَشِيت أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ» اهـ مُلَخَّصًا. فَقَدْ ظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْ الْمَسْنُونِ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَقِرَاءَتِهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ لِبُكَاءِ الصَّبِيِّ، وَظَهَرَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْ الْمَسْنُونِ لِضَعْفِ الْجَمَاعَة لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ دُونَ الْمَسْنُونِ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ بَلْ نَهَاهُ عَنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ مَعَ تَحَقُّقِ الْعُذْرِ فِي قَوْمِهِ، فَمَا اسْتَظْهَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ مِنْ الْحَدِيثِ وَحَمَلَ عَلَيْهِ كَلَامَ الْكَمَالِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، نَعَمْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى التَّرَاوِيحِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُجْتَبَى أَنَّ الْحَسَنَ رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ فِي الْمَكْتُوبَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ثَلَاثَ آيَاتٍ فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَمْ يُسِئْ اهـ لَكِنَّهُ لَا يُنَافِي مَا قُلْنَا لِأَنَّهُ أَحْسَنَ بِقِرَاءَةِ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ وَلَمْ يُسِئْ: أَيْ لَمْ يَصِلْ إلَى كَرَاهَةٍ شَدِيدَةٍ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ تَحْرِيمًا) صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي التَّرَاوِيحِ) أَفَادَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي كُلِّ مَا تُشْرَعُ فِيهِ جَمَاعَةُ الرِّجَالِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ مُكَرَّرَةً إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَاعْلَمْ أَنَّ جَمَاعَتَهُنَّ لَا تُكْرَهُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ وَتَرْكُ التَّقَدُّمِ مَكْرُوهٌ فَدَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ فِعْلِ الْمَكْرُوهِ لِفِعْلِ الْفَرْضِ أَوْ تَرْكِ الْفَرْضِ لِتَرْكِهِ فَوَجَبَ الْأَوَّلُ، بِخِلَافِ جَمَاعَتِهِنَّ فِي غَيْرِهَا، وَلَوْ صَلَّيْنَ فُرَادَى فَقَدْ تَسْبِقُ إحْدَاهُنَّ فَتَكُونُ صَلَاةُ الْبَاقِيَاتِ نَفْلًا وَالتَّنَفُّلُ بِهَا مَكْرُوهٌ، فَيَكُونُ فَرَاغُ تِلْكَ مُوجِبًا لِفَسَادِ الْفَرْضِيَّةِ لِصَلَاةِ الْبَاقِيَاتِ كَتَقْيِيدِ الْخَامِسَةِ بِالسَّجْدَةِ لِمَنْ تَرَكَ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. وَمُفَادُهُ أَنَّ جَمَاعَتَهُنَّ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَاجِبَةٌ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُنَّ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ فَسَادِ فَرْضِيَّةِ صَلَاةِ الْبَاقِيَاتِ إذَا سَبَقَتْ إحْدَاهُنَّ. وَفِيهِ أَنَّ الرِّجَالَ لَوْ صَلَّوْا مُنْفَرِدِينَ يَلْزَمُ فِيهَا مِثْلُ ذَلِكَ، فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ وُجُوبُ جَمَاعَتِهِمْ فِيهَا مَعَ أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا تُعَادُ) لِأَنَّهَا لَوْ أُعِيدَتْ لَوَقَعَتْ نَفْلًا مَكْرُوهًا ط (قَوْلُهُ بِصَلَاتِهَا) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ الرِّجَالَ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُمْ ح (قَوْلُهُ إلَّا إذَا اسْتَخْلَفَهَا) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَا تُعَادُ، وَهَذَا لَيْسَ خَاصًّا بِالْجِنَازَةِ بَلْ غَيْرُهَا مِثْلُهَا (قَوْلُهُ فَتَفْسُدُ صَلَاةُ الْكُلِّ) أَمَّا الرِّجَالُ وَالْإِمَامُ فَلِعَدَمِ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الرِّجَالِ بِالْمَرْأَةِ، وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالْمُقَدَّمَةُ فَلِأَنَّهُنَّ دَخَلْنَ فِي تَحْرِيمَةٍ كَامِلَةٍ فَإِذَا انْتَقَلْنَ إلَى تَحْرِيمَةٍ نَاقِصَةٍ لَمْ يَجُزْ، كَأَنَّهُنَّ انْتَقَلْنَ مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ آخَرَ كَمَا فِي الْبَحْرِ ح. وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَلَوْ كُنَّ نِسَاءً خُلَّصًا، أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ ط. وَالْأَظْهَرُ التَّعْلِيلُ بِأَنَّ الْإِمَامَ يَصِيرُ مُقْتَدِيًا بِخَلِيفَتِهِ فَتَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ، بَلْ بِاسْتِخْلَافِهِ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَكَذَا مَنْ خَلْفَهُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ تَقِفُ الْإِمَامُ) بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ لِأَنَّ فَاعِلَهُ الْإِمَامُ هُوَ هُنَا مُؤَنَّثٌ حَقِيقِيٌّ. اهـ. وَقَالَ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِئُ: يَجُوزُ التَّذْكِيرُ لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 وَسَطَهُنَّ) فَلَوْ قُدِّمَتْ أَثِمَتْ إلَّا الْخُنْثَى فَيَتَقَدَّمُهُنَّ (كَالْعُرَاةِ) فَيَتَوَسَّطُهُمْ إمَامُهُمْ. وَيُكْرَهُ جَمَاعَتُهُمْ تَحْرِيمًا فَتْحٌ. (وَيُكْرَهُ حُضُورُهُنَّ الْجَمَاعَةَ) وَلَوْ لِجُمُعَةٍ وَعِيدٍ وَوَعْظٍ (مُطْلَقًا) وَلَوْ عَجُوزًا لَيْلًا (عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمُفْتَى بِهِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ، وَاسْتَثْنَى الْكَمَالُ بَحْثًا الْعَجَائِزَ وَالْمُتَفَانِيَةَ (كَمَا تُكْرَهُ إمَامَةُ الرَّجُلِ لَهُنَّ فِي بَيْتٍ لَيْسَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ غَيْرُهُ وَلَا مَحْرَمٌ مِنْهُ) كَأُخْتِهِ (أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ، أَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُنَّ وَاحِدٌ مِمَّنْ ذُكِرَ أَوْ أَمَّهُنَّ فِي الْمَسْجِدِ لَا) يُكْرَهُ بَحْرٌ (وَيَقِفُ الْوَاحِدُ) وَلَوْ صَبِيًّا، أَمَّا الْوَاحِدَةُ فَتَتَأَخَّرُ (مُحَاذِيًا) أَيْ مُسَاوِيًا (لِيَمِينِ إمَامِهِ)   [رد المحتار] مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ: أَيْ الْمُقْتَدَى بِهِ. اهـ. وَفِي النَّهْرِ: هُوَ مَنْ يُؤْتَمُّ بِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْإِمَامَةُ وَتَرْكُ الْهَاءِ هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ اسْمٌ لَا وَصْفٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسَطَهُنَّ) فِي الْمُغْرِبِ الْوَسَطُ بِالتَّحَرُّكِ اسْمٌ لِعَيْنِ مَا بَيْنَ طَرَفَيْ الشَّيْءِ كَمَرْكَزِ الدَّائِرَةِ، وَبِالسُّكُونِ اسْمٌ مُبْهَمٌ لِدَاخِلِ الدَّائِرَةِ مَثَلًا، وَلِذَا كَانَ ظَرْفًا وَالْأَوَّلُ يُجْعَلُ مُبْتَدَأً وَفَاعِلًا وَمَفْعُولًا بِهِ إلَخْ. وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ: الْوَسْطُ بِالسُّكُونِ ظَرْفُ مَكَان وَبِالْفَتْحِ اسْمٌ تَقُولُ وَسْطَ رَأْسِهِ دُهْنٌ بِالسُّكُونِ وَفَتْحِ الطَّاءِ فَهَذَا ظَرْفٌ، وَإِذَا فَتَحْت السِّينَ رَفَعْت الطَّاءَ وَقُلْت وَسَطُ رَأْسِهِ دُهْنٌ فَهَذَا اسْمٌ اهـ. قُلْت: وَعَلَيْهِ فَيَجُوزُ هُنَا الْفَتْحُ وَالسُّكُونُ لِأَنَّهَا إذَا وَقَفَتْ فِي الصَّفِّ صَدَقَ أَنَّهَا فِي الْوَسْطِ بِالسُّكُونِ وَأَنَّهَا عَيْنُ الْوَسَطِ بِالتَّحْرِيكِ، وَيَكُونُ نَصْبُهُ فِي الْأَوَّلِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَفِي الثَّانِي عَلَى الْحَالِيَّةِ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى مُتَوَسِّطَةٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلَوْ تَقَدَّمَتْ) أَثِمَتْ. أَفَادَ أَنَّ وُقُوفَهَا وَسَطَهُنَّ وَاجِبٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ، وَأَنَّهَا إذَا تَوَسَّطَتْ لَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ، وَإِنَّمَا أَرْشَدُوا إلَى التَّوَسُّطِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ كَرَاهِيَةً مِنْ التَّقَدُّمِ كَمَا فِي السِّرَاجِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَيَتَقَدَّمُهُنَّ) إذْ لَوْ صَلَّى وَسْطَهُنَّ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ بِمُحَاذَاتِهِنَّ لَهُ عَلَى تَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ ح أَيْ وَتَفْسُدُ صَلَاتُهُنَّ أَيْضًا (قَوْلُهُ فَيَتَوَسَّطُهُمْ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ التَّشْبِيهَ بَيْنَ الْعُرَاةِ وَالنِّسَاءِ لَيْسَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ فِي الِانْفِرَادِ وَقِيَامِ الْإِمَامِ فِي الْوَسَطِ وَإِلَّا فَالْعُرَاةُ يُصَلُّونَ قُعُودًا وَهُوَ أَفْضَلُ وَالنِّسَاءُ قَائِمَاتٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَجُوزًا لَيْلًا) بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ: أَيْ شَابَّةً أَوْ عَجُوزًا نَهَارًا أَوْ لَيْلًا (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُفْتَى بِهِ) أَيْ مَذْهَبِ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ يُقَالُ هَذِهِ الْفَتْوَى الَّتِي اعْتَمَدَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ مُخَالِفَةٌ لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ، فَإِنَّهُمْ نَقَلُوا أَنَّ الشَّابَّةَ تُمْنَعُ مُطْلَقًا اتِّفَاقًا. وَأَمَّا الْعَجُوزُ فَلَهَا حُضُورُ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَّا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْجُمُعَةِ أَيْ وَعِنْدَهُمَا مُطْلَقًا، فَالْإِفْتَاءُ بِمَنْعِ الْعَجَائِزِ فِي الْكُلِّ مُخَالِفٌ لِلْكُلِّ، فَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا مَنَعَهَا لِقِيَامِ الْحَامِلِ وَهُوَ فَرْطُ الشَّهْوَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَسَقَةَ لَا يَنْتَشِرُونَ فِي الْمَغْرِبِ لِأَنَّهُمْ بِالطَّعَامِ مَشْغُولُونَ وَفِي الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ نَائِمُونَ؛ فَإِذَا فُرِضَ انْتِشَارُهُمْ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِغَلَبَةِ فِسْقِهِمْ كَمَا فِي زَمَانِنَا بَلْ تَحَرِّيهِمْ إيَّاهَا كَانَ الْمَنْعُ فِيهَا أَظْهَرَ مِنْ الظُّهْرِ. اهـ. قُلْت: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّوْرِيَةِ اللَّطِيفَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ إلَى الْغَايَةِ (قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الْكَمَالُ إلَخْ) أَيْ مِمَّا أَفْتَى بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ السَّابِقَةِ فَيَبْقَى الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَيْسَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ غَيْرَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخَلْوَةَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ لَا تَنْتَفِي بِوُجُودِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ أُخْرَى وَتَنْتَفِي بِوُجُودِ رَجُلٍ آخَرَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَأُخْتِهِ) مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ كَمَا رَأَيْته فِي عِدَّةِ نُسَخٍ، وَكَذَا بِخَطِّهِ فِي الْخَزَائِنِ كَتَبَهُ بِالْأَسْوَدِ وَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَحْرَمِ مَا كَانَ مِنْ الرَّحِمِ، لِمَا قَالُوا مِنْ كَرَاهَةِ الْخَلْوَةِ بِالْأُخْتِ رَضَاعًا وَالصِّهْرَةِ الشَّابَّةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَوْ زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى رَجُلٌ أَوْ مَحْرَمٌ لَا بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى أُخْتِهِ؛ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَتْنِ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى تَغَلُّبِ الْمَحْرَمِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ) لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْخَلْوَةِ فِيهِ، وَلِذَا لَوْ اجْتَمَعَ بِزَوْجَتِهِ فِيهِ لَا يُعَدُّ خَلْوَةً كَمَا يَأْتِي رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ أَمَّا الْوَاحِدَةُ فَتَتَأَخَّرُ) فَلَوْ كَانَ مَعَهُ رَجُلٌ أَيْضًا يُقِيمُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَرْأَةَ خَلْفَهُمَا وَلَوْ رَجُلَانِ يُقِيمُهُمَا خَلْفَهُ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُمَا بَحْرٌ، وَتَأَخُّرُ الْوَاحِدَةِ مَحَلُّهُ إذَا اقْتَدَتْ بِرَجُلٍ لَا بِامْرَأَةٍ مِثْلِهَا ط عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالرَّأْسِ بَلْ بِالْقَدَمِ، فَلَوْ صَغِيرًا فَالْأَصَحُّ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ أَكْثَرُ قَدَمِ الْمُؤْتَمِّ لَا تَفْسُدُ، فَلَوْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ كُرِهَ (اتِّفَاقًا وَكَذَا) يُكْرَهُ (خَلْفُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ (وَالزَّائِدُ) يَقِفُ (خَلْفَهُ) فَلَوْ تَوَسَّطَ اثْنَيْنِ كُرِهَ تَنْزِيهًا وَتَحْرِيمًا لَوْ أَكْثَرَ، وَلَوْ قَامَ وَاحِدٌ بِجَنْبِ الْإِمَامِ وَخَلْفَهُ صَفٌّ   [رد المحتار] قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) خِلَافًا لِمَا مَرَّ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهُ يَجْعَلُ أَصَابِعَهُ عِنْدَ عَقِبِ الْإِمَامِ بَحْرٌ، وَيَأْمُرُهُ الْإِمَامُ بِذَلِكَ: أَيْ بِالْوُقُوفِ عَنْ يَمِينِهِ وَلَوْ بَعْدَ الشُّرُوعِ أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدِهِ لِحَدِيثِ «ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَامَ عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ» سِرَاجٌ (قَوْلُهُ بَلْ بِالْقَدَمِ) فَلَوْ حَاذَاهُ بِالْقَدَمِ وَوَقَعَ سُجُودُهُ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ لِكَوْنِ الْمُقْتَدِي أَطْوَلَ مِنْ إمَامِهِ لَا يَضُرُّ؛ وَمَعْنَى الْمُحَاذَاةِ بِالْقَدَمِ الْمُحَاذَاةُ بِعَقِبِهِ، فَلَا يَضُرُّ تَقَدُّمُ أَصَابِعِ الْمُقْتَدِي عَلَى الْإِمَامِ حَيْثُ حَاذَاهُ بِالْعَقِبِ مَا لَمْ يَفْحُشْ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ، حَتَّى لَوْ فَحُشَ بِحَيْثُ تَقَدَّمَ أَكْثَرُ قَدَمِ الْمُقْتَدِي لِعِظَمِ قَدَمِهِ لَا يَصِحُّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَخْ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ إنَّمَا هُوَ لِلْقَدَمِ لَا لِلرَّأْسِ، فَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ أَقْصَرَ مِنْ الْمُقْتَدِي يَقَعُ رَأْسُ الْمُقْتَدِي قُدَّامَ الْإِمَامِ يَجُوزُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُحَاذِيًا بِقَدَمِهِ أَوْ مُتَأَخِّرًا قَلِيلًا، وَكَذَا فِي مُحَاذَاةِ الْمَرْأَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ الْأَقْدَامُ صِغَرًا وَكِبَرًا فَالْعِبْرَةُ لِلسَّاقِ وَالْكَعْبِ وَالْأَصَحُّ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ أَكْثَرُ قَدَمِ الْمُقْتَدِي لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى انْتَهَى، فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لَيْسَ مُخَالِفًا لِمَا تَقَدَّمَ كَمَا تَوَهَّمَ رَحْمَتِيٌّ فَافْهَمْ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: هَذَا فِي غَيْرِ الْمُومِئِ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْمُومِئِ لِلرَّأْسِ حَتَّى لَوْ كَانَ رَأْسُهُ خَلْفَ إمَامِهِ وَرِجْلَاهُ قُدَّامَ رِجْلَيْهِ صَحَّ، وَعَلَى الْعَكْسِ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ وَغَيْرِهِ انْتَهَى. أَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ قَوْلُهُ رَأْسُهُ خَلْفَ إمَامِهِ قَيْدًا، بَلْ كَذَلِكَ إذَا سَاوَاهُ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ. وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي الْمُومِئِ الْمُقْتَدِي بِصَحِيحٍ أَوْ بِمُومٍ مِثْلِهِ وَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَاعِدًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ، أَمَّا لَوْ عَلَى جَنْبِهِ فَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُؤْتَمِّ مُضْطَجِعًا خَلْفَ ظَهْرِ إمَامِهِ، وَلَا عِبْرَةَ لِلرَّأْسِ أَصْلًا. [تَنْبِيهٌ] إفْرَادُ الْقَدَمِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ كَغَيْرِهِ يُفِيدُ أَنَّ الْمُحَاذَاةَ تُعْتَبَرُ بِوَاحِدَةٍ، وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعْتَمَدًا عَلَى قَدَمٍ وَاحِدٍ فَالْعِبْرَةُ لَهَا؛ وَلَوْ عَلَى الْقَدَمَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُحَاذِيَةً وَالْأُخْرَى مُتَأَخِّرَةً فَلَا كَلَامَ فِي الصِّحَّةِ وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى مُتَقَدِّمَةً فَهَلْ يَصِحُّ نَظَرًا لِلْمُحَاذِيَةِ أَوْ لَا نَظَرًا لِلْمُتَقَدِّمَةِ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ. وَالظَّاهِرُ الثَّانِي تَرْجِيحًا لِلْحَاظِرِ عَلَى الْمُبِيحِ كَمَا قَالُوا فِيمَا لَوْ كَانَتْ إحْدَى قَوَائِمِ الصَّيْدِ فِي الْحِلِّ وَالْأُخْرَى فِي الْحَرَمِ، وَقَدْ رَأَيْت فِيهِ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ اخْتِلَافُ تَرْجِيحٍ. [فَرْعٌ] قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي: اقْتَدَى عَلَى سَطْحٍ وَقَامَ بِحِذَاءِ رَأْسِ الْإِمَامِ، ذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَالسَّرَخْسِيُّ يَجُوزُ. مَطْلَبٌ هَلْ الْإِسَاءَةُ دُونَ الْكَرَاهَةِ أَوْ أَفْحَشُ مِنْهَا؟ (قَوْلُهُ كُرِهَ اتِّفَاقًا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ لِتَعْلِيلِهَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَلِقَوْلِهِ فِي الْكَافِي جَازَ وَأَسَاءَ، وَكَذَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ، لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ بَحْثِ سُنَنِ الصَّلَاةِ اخْتِلَافَ عِبَارَتِهِمْ فِي أَنَّ الْإِسَاءَةَ دُونَ الْكَرَاهَةِ أَوْ أَفْحَشُ مِنْهَا، وَوَفَّقْنَا بَيْنَهَا بِأَنَّهَا دُونَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ، وَأَفْحَشُ مِنْ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَالزَّائِدُ خَلْفَهُ) عَدَلَ تَبَعًا لِلْوِقَايَةِ عَنْ قَوْلِ الْكَنْزِ وَالِاثْنَانِ خَلْفَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ خَاصٍّ بِالِاثْنَيْنِ، بَلْ الْمُرَادُ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ، نَعَمْ يُفْهَمُ حُكْمُ الْأَكْثَرِ بِالْأَوْلَى. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَقِفَ أَحَدُهُمَا بِحِذَائِهِ وَالْآخَرُ بِيَمِينِهِ إذَا كَانَ الزَّائِدُ اثْنَيْنِ، وَلَوْ جَاءَ ثَالِثٌ وَقَفَ عَنْ يَسَارِ الْأَوَّلِ، وَالرَّابِعُ عَنْ يَمِينِ الثَّانِي وَالْخَامِسُ عَنْ يَسَارِ الثَّالِثِ، وَهَكَذَا. اهـ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الزَّائِدَ لَوْ جَاءَ بَعْدَ الشُّرُوعِ يَقُومُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَيَتَأَخَّرُ الْمُقْتَدِي الْأَوَّلُ وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ كُرِهَ تَنْزِيهًا) وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُكْرَهُ، وَالْأُولَى أَصَحُّ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ وَتَحْرِيمًا لَوْ أَكْثَرَ) أَفَادَ أَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 كُرِهَ إجْمَالًا (وَيَصُفُّ) أَيْ يَصُفُّهُمْ الْإِمَامُ بِأَنْ يَأْمُرَهُمْ بِذَلِكَ. قَالَ الشُّمُنِّيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِأَنْ يَتَرَاصُّوا وَيَسُدُّوا الْخَلَلَ وَيُسَوُّوا مَنَاكِبَهُمْ وَيَقِفُ وَسَطًا،   [رد المحتار] تَقَدُّمَ الْإِمَامِ أَمَامَ الصَّفِّ وَاجِبٌ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْفَتْحِ (قَوْلُهُ كُرِهَ إجْمَاعًا) أَيْ لِلْمُؤْتَمِّ، وَلَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَيَتَخَلَّصُ مِنْ الْكَرَاهَةِ بِالْقَهْقَرَى إلَى خَلْفٍ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَحَلُّ ضَيِّقًا عَلَى الظَّاهِرِ، وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِمْ: لَوْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ وَاحِدٌ عَلَى الدُّكَّانِ وَالْبَاقِي دُونَهُ لَا يُكْرَهُ، وَقَدْ تَزُولُ الْمُخَالَفَةُ بِأَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ مَوْضُوعُهَا إذَا كَانَ الْمُؤْتَمُّ خَلْفَهُ ط. أَقُولُ: لَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِالْوَاحِدِ، وَإِنَّمَا صَرَّحُوا بِكَرَاهَةِ انْفِرَادِ الْإِمَامِ عَلَى الدُّكَّانِ؛ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ لَا يُكْرَهُ، فَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ الْبَعْضِ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْقَوْمِ، فَلَا يُنَافِي مَا هُنَا. وَأَيْضًا قَدْ صَرَّحُوا بِكَرَاهَةِ قِيَامِ الْوَاحِدِ وَحْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فُرْجَةً تَأَمَّلْ. [تَتِمَّةٌ] إذَا اقْتَدَى بِإِمَامٍ فَجَاءَ آخَرُ يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ مَوْضِعَ سُجُودِهِ كَذَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْجَلَّابِيِّ أَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَتَأَخَّرُ عَنْ الْيَمِينِ إلَى خَلْفٍ إذَا جَاءَ آخَرُ. اهـ. وَفِي الْفَتْحِ: وَلَوْ اقْتَدَى وَاحِدٌ بِآخَرَ فَجَاءَ ثَالِثٌ يَجْذِبُ الْمُقْتَدِيَ بَعْدَ التَّكْبِيرِ وَلَوْ جَذَبَهُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ لَا يَضُرُّهُ، وَقِيلَ يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الثَّالِثَ يَقْتَدِي مُتَأَخِّرًا وَمُقْتَضَى الْقَوْلِ بِتَقَدُّمِ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَقُومُ بِجَنْبِ الْمُقْتَدِي الْأَوَّلِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُقْتَدِي التَّأَخُّرُ إذَا جَاءَ ثَالِثٌ فَإِنْ تَأَخَّرَ وَإِلَّا جَذَبَهُ الثَّالِثُ إنْ لَمْ يَخْشَ إفْسَادَ صَلَاتِهِ، فَإِنْ اقْتَدَى عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ يُشِيرُ إلَيْهِمَا بِالتَّأَخُّرِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَقَدُّمِهِ لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ وَلِأَنَّ الِاصْطِفَافَ خَلْفَ الْإِمَامِ مِنْ فِعْلِ الْمُقْتَدِينَ لَا الْإِمَامِ، فَالْأَوْلَى ثَبَاتُهُ فِي مَكَانِهِ وَتَأَخُّرُ الْمُقْتَدِي، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْفَتْحِ عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ «قَالَ جَابِرٌ سِرْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةٍ فَقَامَ يُصَلِّي فَجِئْت حَتَّى قُمْت عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَجَاءَ ابْنُ صَخْرٍ حَتَّى قَامَ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا فَدَفَعْنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ» اهـ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْمُمْكِنُ. وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَإِلَّا اقْتَدَى الثَّالِثُ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ وَلَا تَقَدَّمَ وَلَا تَأَخَّرَ (قَوْلُهُ الْخَلَلَ) هُوَ انْفِرَاجُ مَا بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ قَامُوسٌ، وَهُوَ عَلَى وَزْنِ جَبَلٍ ط (قَوْلُهُ وَيَقِفُ وَسَطًا) قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: وَفِي مَبْسُوطِ بَكْرٍ: السُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ فِي الْمِحْرَابِ لِيَعْتَدِلَ الطَّرَفَانِ، وَلَوْ قَامَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ الصَّفِّ يُكْرَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ الصَّيْفِيُّ بِجَنْبِ الشِّتْوِيِّ وَامْتَلَأَ الْمَسْجِدُ يَقُومُ الْإِمَامُ فِي جَانِبِ الْحَائِطِ لِيَسْتَوِيَ الْقَوْمُ مِنْ جَانِبَيْهِ وَالْأَصَحُّ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ يَقُومَ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ أَوْ فِي زَاوِيَةٍ أَوْ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ إلَى سَارِيَةٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ عَمَلِ الْأُمَّةِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَوَسَّطُوا الْإِمَامَ وَسُدُّوا الْخَلَلَ» وَمَتَى اسْتَوَى جَانِبَاهُ يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ إنْ أَمْكَنَهُ وَإِنْ وَجَدَ فِي الصَّفِّ فُرْجَةً سَدَّهَا وَإِلَّا انْتَظَرَ حَتَّى يَجِيءَ آخَرُ فَيَقِفَانِ خَلْفَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِئْ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ يَخْتَارُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيَجْذِبُهُ وَيَقِفَانِ خَلْفَهُ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ عَالِمًا يَقِفُ خَلْفَ الصَّفِّ بِحِذَاءِ الْإِمَامِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ وَقَفَ مُنْفَرِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ تَصِحُّ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَحْمَدَ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي الْكَرَاهَةِ قِيَامُ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ الْمِحْرَابِ [تَنْبِيهٌ] يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ إلَى سَارِيَةٍ كَرَاهَةُ قِيَامِ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ الْمِحْرَابِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ قَبْلَهُ السُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ فِي الْمِحْرَابِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: السُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ إزَاءَ وَسَطِ الصَّفِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَحَارِيبَ مَا نُصِبَتْ إلَّا وَسَطَ الْمَسَاجِدِ وَهِيَ قَدْ عُيِّنَتْ لِمَقَامِ الْإِمَامِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي الْإِمَامِ الرَّاتِبِ لِجَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ لِئَلَّا يَلْزَمَ عَدَمُ قِيَامِهِ فِي الْوَسَطِ، فَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ تَأَمَّلْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 وَخَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا   [رد المحتار] [فَرْعٌ] ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ فِي بَحْثِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ أَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ فِي مَقَامِ إبْرَاهِيمَ (قَوْلُهُ وَخَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا) لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ " إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَنْزَلَ الرَّحْمَةَ عَلَى الْجَمَاعَةِ يُنَزِّلُهَا أَوَّلًا عَلَى الْإِمَامِ، ثُمَّ تَتَجَاوَزُ عَنْهُ إلَى مَنْ بِحِذَائِهِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ إلَى الْمَيَامِنِ، ثُمَّ إلَى الْمَيَاسِرِ، ثُمَّ إلَى الصَّفِّ الثَّانِي " وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ: [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: الْأَفْضَلُ أَنْ يَقِفَ فِي الصَّفِّ الْآخَرِ إذَا خَافَ إيذَاءَ أَحَدٍ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ الصَّفَّ الْأَوَّلَ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْذِيَ مُسْلِمًا أُضْعِفَ لَهُ أَجْرُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ» وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ، وَفِي كَرَاهَةِ تَرْكِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ مَعَ إمْكَانِهِ خِلَافٌ اهـ أَيْ لَوْ تَرَكَهُ مَعَ عَدَمِ خَوْفِ الْإِيذَاءِ، وَهَذَا لَوْ قَبْلَ الشُّرُوعِ؛ فَلَوْ شَرَعُوا وَفِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فُرْجَةٌ لَهُ خَرْقُ الصُّفُوفِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا. مَطْلَبٌ فِي جَوَازِ الْإِيثَارِ بِالْقُرْبِ وَفِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلْحَمَوِيِّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ عَنْ النِّصَابِ: وَإِنْ سَبَقَ أَحَدٌ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَدَخَلَ رَجُلٌ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا أَوْ أَهْلُ عِلْمٍ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَخَّرَ وَيُقَدِّمَهُ تَعْظِيمًا لَهُ اهـ فَهَذَا يُفِيدُ جَوَازَ الْإِيثَارِ بِالْقُرْبِ بِلَا كَرَاهَةٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: لَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا. وَنَقَلَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ فُرُوعًا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] وَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ أَصْغَرُ الْقَوْمِ وَهُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَنْ يَسَارِهِ أَشْيَاخٌ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْغُلَامِ: أَتَأْذَنُ لِي فِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ الْغُلَامُ لَا وَاَللَّهِ، فَأَعْطَاهُ الْغُلَامَ» إذْ لَا رَيْبَ أَنَّ مُقْتَضَى طَلَبِ الْإِذْنِ مَشْرُوعِيَّةُ ذَلِكَ بِلَا كَرَاهَةٍ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ أَفْضَلَ. اهـ. أَقُولُ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا عَارَضَ تِلْكَ الْقُرْبَةَ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا؛ كَاحْتِرَامِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْأَشْيَاخِ، كَمَا أَفَادَهُ الْفَرْعُ السَّابِقُ وَالْحَدِيثُ فَإِنَّهُمَا يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِيَامِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَمِنْ إعْطَاءِ الْإِنَاءِ لِمَنْ لَهُ الْحَقُّ وَهُوَ مَنْ عَلَى الْيَمِينِ، فَيَكُونُ الْإِيثَارُ بِالْقُرْبَةِ انْتِقَالًا مِنْ قُرْبَةٍ إلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا وَهُوَ الِاحْتِرَامُ الْمَذْكُورُ. أَمَّا لَوْ آثَرَهُ عَلَى مَكَانِهِ فِي الصَّفِّ مَثَلًا مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ يَكُونُ أَعْرَضَ عَنْ الْقُرْبَةِ بِلَا دَاعٍ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ مَا فِي النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ ذَكَرُوا أَنَّ الْإِيثَارَ بِالْقُرَبِ مَكْرُوهٌ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَلَمَّا أُقِيمَتْ آثَرَ بِهِ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ [تَنْبِيهٌ آخَرُ] قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي آخِرِ بَابِ الْجُمُعَةِ: تَكَلَّمُوا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، قِيلَ هُوَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الْمَقْصُورَةَ، وَقِيلَ مَا يَلِي الْمَقْصُورَةَ، وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ الْعَامَّةُ عَنْ الدُّخُولِ فِي الْمَقْصُورَةِ فَلَا تَتَوَصَّلُ الْعَامَّةُ إلَى نَيْلِ فَضِيلَةِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ. اهـ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَقْصُورَةَ فِي زَمَانِهِمْ اسْمٌ لِبَيْتٍ فِي دَاخِلِ الْجِدَارِ الْقِبْلِيِّ مِنْ الْمَسْجِدِ كَانَ يُصَلِّي فِيهَا الْأُمَرَاءُ الْجُمُعَةَ وَيَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنْ دُخُولِهَا خَوْفًا مِنْ الْعَدُوِّ، فَعَلَى هَذَا اُخْتُلِفَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، هَلْ هُوَ مَا يَلِي الْإِمَامَ مِنْ دَاخِلِهَا أَمْ مَا يَلِي الْمَقْصُورَةَ مِنْ خَارِجِهَا؟ فَأَخَذَ الْفَقِيهُ بِالثَّانِي تَوْسِعَةً عَلَى الْعَامَّةِ كَيْ لَا تَفُوتَهُمْ الْفَضِيلَةُ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ بِالْأَوْلَى أَنَّ مِثْلَ مَقْصُورَةِ دِمَشْقَ الَّتِي هِيَ فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ خَارِجَ الْحَائِطِ الْقِبْلِيِّ يَكُونُ الصَّفُّ بِبِنَائِهَا، كَمَا لَا يَنْقَطِعُ بِالْمِنْبَرِ الَّذِي هُوَ دَاخِلُهَا فِيمَا يَظْهَرُ، وَصَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ وَقَفَ فِي الصَّفِّ الثَّانِي دَاخِلَهَا قَبْلَ اسْتِكْمَالِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 فِي غَيْرِ جِنَازَةٍ ثُمَّ وَثُمَّ؛ وَلَوْ صَلَّى عَلَى رُفُوفِ الْمَسْجِدِ إنْ وَجَدَ فِي صَحْنِهِ مَكَانًا كُرِهَ كَقِيَامَةِ فِي صَفٍّ خَلْفَ صَفٍّ فِيهِ فُرْجَةٌ. قُلْت: وَبِالْكَرَاهَةِ أَيْضًا صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ. قَالَ السُّيُوطِيّ فِي [بَسْطِ الْكَفِّ فِي إتْمَامِ الصَّفِّ] : وَهَذَا الْفِعْلُ مُفَوِّتٌ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ الَّذِي هُوَ التَّضْعِيفُ لَا لِأَصْلِ بَرَكَةِ الْجَمَاعَةِ، فَتَضْعِيفُهَا غَيْرُ بَرَكَتِهَا، وَبَرَكَتُهَا هِيَ عَوْدُ بَرَكَةِ الْكَامِلِ مِنْهُمْ عَلَى النَّاقِصِ. اهـ. وَلَوْ وَجَدَ فُرْجَةً فِي الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي لَهُ خَرْقُ الثَّانِي لِتَقْصِيرِهِمْ، وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ سَدَّ فُرْجَةً غُفِرَ لَهُ» وَصَحَّ «خِيَارُكُمْ أَلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ فِي الصَّلَاةِ» وَبِهَذَا يُعْلَمُ جَهْلُ مَنْ يَسْتَمْسِكُ عِنْدَ دُخُولِ دَاخِلٍ بِجَنْبِهِ فِي الصَّفِّ وَيَظُنُّ أَنَّهُ رِيَاءٌ كَمَا بُسِطَ فِي الْبَحْرِ،   [رد المحتار] الصَّفِّ الْأَوَّلِ مِنْ خَارِجِهَا يَكُونُ مَكْرُوهًا. وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْرِيفِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ بِمَا هُوَ خَلْفَ الْإِمَامِ أَيْ لَا خَلْفَ مُقْتَدٍ آخَرَ أَنَّ مَنْ قَامَ فِي الصَّفِّ الثَّانِي بِحِذَاءِ بَابِ الْمِنْبَرِ يَكُونُ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ خَلْفَ مُقْتَدٍ آخَرَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ جِنَازَةٍ) أَمَّا فِيهَا فَآخِرُهَا إظْهَارًا لِلتَّوَاضُعِ لِأَنَّهُمْ شُفَعَاءُ فَهُوَ أَحْرَى بِقَبُولِ شَفَاعَتِهِمْ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِيهَا تَعَدُّدُ الصُّفُوفِ، فَلَوْ فَضَلَ الْأَوَّلُ امْتَنَعُوا عَنْ التَّأَخُّرِ عِنْدَ قِلَّتِهِمْ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ وَثُمَّ) أَيْ ثُمَّ الصَّفُّ الثَّانِي أَفْضَلُ مِنْ الثَّالِثِ، وَفِي الْجِنَازَةِ مَا يَلِي الْأَخِيرَ أَفْضَلُ مِمَّا تَقَدَّمَهُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ كُرِهَ) لِأَنَّ فِيهِ تَرْكًا لِإِكْمَالِ الصُّفُوفِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى فِيهِ الْمُبَلِّغُ فِي مِثْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِأَجْلِ أَنْ يَصِلَ صَوْتُهُ إلَى أَطْرَافِ الْمَسْجِدِ لَا يُكْرَهُ (قَوْلُهُ كَقِيَامِهِ فِي صَفٍّ إلَخْ) هَلْ الْكَرَاهَةُ فِيهِ تَنْزِيهِيَّةٌ أَوْ تَحْرِيمِيَّةٌ، وَيُرْشِدُ إلَى الثَّانِي قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَمَنْ قَطَعَهُ قَطَعَهُ اللَّهُ " ط. بَقِيَ مَا إذَا رَأَى الْفُرْجَةَ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ هَلْ يَمْشِي إلَيْهَا؟ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا. وَظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ نَعَمْ، وَيُفِيدُهُ مَسْأَلَةُ مَنْ جَذَبَ غَيْرَهُ مِنْ الصَّفِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُجِيبَهُ لِتَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ عَنْ الْجَاذِبِ، فَمَشْيُهُ لِنَفْيِ الْكَرَاهَةِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ مِنْ الْحِلْيَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ إنْ كَانَ فِي صَفِّ الثَّانِي فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْأَوَّلِ فَمَشَى إلَيْهَا لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْمُرَاصَّةِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَرَاصُّوا فِي الصُّفُوفِ» وَلَوْ كَانَ فِي الصَّفِّ الثَّالِثِ تَفْسُدُ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ. وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ بِالْأَمْرِ أَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ الْمَشْيُ إلَيْهَا تَأَمَّلْ. [فَائِدَةٌ] قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَشُرُوعُهُ لِتَحْصِيلِ الرَّكْعَةِ فِي الصَّفِّ الْأَخِيرِ أَفْضَلُ مِنْ وَصْلِ الصَّفِّ. اهـ. أَمَّا لَوْ لَمْ يُدْرِكْ الصَّفَّ الْأَخِيرَ فَلَا يَقِفُ وَحْدَهُ، بَلْ يَمْشِي إلَيْهِ إنْ كَانَ فِيهِ فُرْجَةٌ، وَإِنْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ كَمَا فِي آخِرِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ تَرْكَ الْمَكْرُوهِ أَوْلَى مِنْ إدْرَاكِ الْفَضِيلَةِ تَأَمَّلْ، وَيَشْهَدُ لَهُ «أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ دَبَّ إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: زَادَك اللَّهُ حِرْصًا، وَلَا تَعُدْ» (قَوْلُهُ وَهَذَا الْفِعْلُ مُفَوِّتٌ إلَخْ) هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّ شَرْطَ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَهُمْ أَنْ تُؤَدَّى بِلَا كَرَاهَةٍ، وَعِنْدَنَا يَنَالُ التَّضْعِيفَ وَيَلْزَمُهُ مُقْتَضَى الْكَرَاهَةِ أَوْ الْحُرْمَةِ كَمَا لَوْ صَلَّاهَا فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ رَحْمَتِيٌّ وَنَحْوُهُ فِي ط (قَوْلُهُ لِتَقْصِيرِهِمْ) يُفِيدُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا شَرَعُوا. وَفِي الْقُنْيَةِ قَامَ فِي آخِرِ صَفٍّ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الصُّفُوفِ مَوَاضِعُ خَالِيَةٌ فَلِلدَّاخِلِ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَصِلَ الصُّفُوفَ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حُرْمَةَ نَفْسِهِ فَلَا يَأْثَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، دَلَّ عَلَيْهِ مَا فِي الْفِرْدَوْسِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَظَرَ إلَى فُرْجَةٍ فِي صَفٍّ فَلْيَسُدَّهَا بِنَفْسِهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَمَرَّ مَارٌّ فَلْيَتَخَطَّ عَلَى رَقَبَتِهِ فَإِنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ» أَيْ فَلْيَتَخَطَّ الْمَارُّ عَلَى رَقَبَةِ مَنْ لَمْ يَسُدَّ الْفُرْجَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ أَلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ فِي الصَّلَاةِ) الْمَعْنَى إذَا وَضَعَ مَنْ يُرِيدُ الدُّخُولَ فِي الصَّفِّ يَدَهُ عَلَى مَنْكِبِ الْمُصَلِّي لِأَنَّ لَهُ ط عَنْ الْمُنَاوِيِّ (قَوْلُهُ كَمَا بُسِطَ فِي الْبَحْرِ) أَيْ نَقْلًا عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَيَظُنُّ أَنَّ فَسْحَهُ لَهُ رِيَاءٌ بِسَبَبِ أَنْ يَتَحَرَّكَ لِأَجْلِهِ، بَلْ ذَاكَ إعَانَةٌ عَلَى إدْرَاكِ الْفَضِيلَةِ وَإِقَامَةٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 لَكِنْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَنْ الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا مَا يُخَالِفُهُ، ثُمَّ نَقَلَ تَصْحِيحَ عَدَمِ الْفَسَادِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ جَذَبَ مِنْ الصَّفِّ فَتَأَخَّرَ، فَهَلْ ثَمَّ فَرْقٌ؟ فَلْيُحَرَّرْ (الرِّجَالُ) ظَاهِرُهُ يَعُمُّ الْعَبْدَ (ثُمَّ الصِّبْيَانُ) ظَاهِرُهُ تَعَدُّدُهُمْ، فَلَوْ وَاحِدًا دَخَلَ الصَّفَّ (ثُمَّ الْخَنَاثِي ثُمَّ النِّسَاءُ) قَالُوا: الصُّفُوفُ الْمُمْكِنَةُ اثْنَا عَشَرَ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ   [رد المحتار] لِسَدِّ الْفُرُجَاتِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي الصَّفِّ، وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا شَهِيرَةٌ كَثِيرَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ لَكِنْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا اسْتَنْبَطَهُ فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ مِنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ بَعْدَ أَنَّ ذَكَرَ: لَوْ جَذَبَهُ آخَرُ فَتَأَخَّرَ الْأَصَحُّ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ. وَفِي الْقُنْيَةِ: قِيلَ لِمُصَلٍّ مُنْفَرِدٍ تَقَدَّمَ بِأَمْرِهِ أَوْ دَخَلَ رَجُلٌ فُرْجَةَ الصَّفِّ فَتَقَدَّمَ الْمُصَلِّي حَتَّى وَسِعَ الْمَكَانُ عَلَيْهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَمْكُثَ سَاعَةً ثُمَّ يَتَقَدَّمَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ، وَعَلَّلَهُ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ بِأَنَّهُ امْتِثَالٌ لِغَيْرِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. أَقُولُ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَصْحِيحِ صَلَاةِ مَنْ تَأَخَّرَ رُبَّمَا يُفِيدُ تَصْحِيحَ عَدَمِ الْفَسَادِ فِي مَسْأَلَةِ الْقُنْيَةِ لِأَنَّهُ مَعَ تَأَخُّرِهِ بِجَذْبِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ كَوْنِ ذَلِكَ بِأَمْرِهِ أَمْ لَا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا تَأَخَّرَ لَا بِأَمْرِهِ فَتَكُونُ مَسْأَلَةً أُخْرَى فَتَأَمَّلْ اهـ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ حَمْلَ الْأُولَى عَلَى مَا إذَا تَأَخَّرَ بِمُجَرَّدِ الْجَذْبِ بِدُونِ أَمْرٍ، وَالثَّانِيَةُ عَلَى مَا إذَا فَسَخَ لَهُ بِأَمْرِهِ، فَتَفْسُدُ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ اُمْتُثِلَ أَمْرَ الْمَخْلُوقِ وَهُوَ فِعْلٌ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْأُولَى (قَوْلُهُ فَهَلْ ثَمَّ فَرْقٌ) قَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ تَأَخَّرَ بِدُونِ أَمْرٍ فِيهِمَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ التَّصْحِيحُ وَارِدًا فِيهِمَا وَإِنْ تَأَخَّرَ بِالْأَمْرِ فِي إحْدَاهُمَا فَهُنَاكَ فَرْقٌ وَهُوَ إجَابَتُهُ أَمْرَ الْمَخْلُوقِ فَيَكُونُ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَتَيْنِ مُخْتَلِفًا. هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مَا مَرَّ عَنْ الْقُنْيَةِ وَشَرْحِ الْقُدُورِيِّ، ثُمَّ رَدَّهُ بِأَنَّ امْتِثَالَهُ إنَّمَا هُوَ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَضُرُّ اهـ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ تَبْقَى الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ ظَاهِرَةً، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَجْزِمْ بِصِحَّةِ الْفَرْقِ الَّذِي أَبْدَاهُ الْمُصَنِّفُ فَلِذَا قَالَ فَلْيُحَرَّرْ، وَجَزَمَ فِي مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ وَفِي مُفْسِدَاتِهَا بِمَا فِي الْقُنْيَةِ تَبَعًا لِشَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَقَالَ ط: لَوْ قِيلَ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ كَوْنِهِ اُمْتُثِلَ أَمْرَ الشَّارِعِ فَلَا تَفْسُدُ وَبَيْنَ كَوْنِهِ امْتَثَلَ أَمْرَ الدَّاخِلِ مُرَاعَاةً لَخَاطَرَهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِأَمْرِ الشَّارِعِ فَتَفْسُدُ لَكَانَ حَسَنًا (قَوْلُهُ ظَاهِرُهُ يَعُمُّ الْعَبِيدَ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْبُلُوغَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحُرِّيَّةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» أَيْ الْبَالِغُونَ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ حَيْثُ قَدَّمَ الصِّبْيَانَ الْأَحْرَارَ عَلَى الْعَبِيدِ الْبَالِغِينَ. اهـ. ح عَنْ الْبَحْرِ، نَعَمْ يُقَدَّمُ الْبَالِغُ الْحُرُّ عَلَى الْبَالِغِ الْعَبْدِ، وَالصَّبِيُّ الْحُرُّ عَلَى الصَّبِيِّ الْعَبْدِ، وَالْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ عَلَى الْأَمَةِ الْبَالِغَةِ، وَالصَّبِيَّةُ الْحُرَّةُ عَلَى الصَّبِيَّةِ الْأَمَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ وَاحِدًا دَخَلَ الصَّفَّ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا، قَالَ: وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُقْتَدِي رَجُلًا وَصَبِيًّا يَصُفُّهُمَا خَلْفَهُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ «فَصَفَفْت أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا» وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِنَّهَا تَتَأَخَّرُ مُطْلَقًا كَالْمُتَعَدِّدَاتِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ اثْنَا عَشَرَ) لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ إمَّا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا بَالِغٌ أَوْ لَا، وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا حُرٌّ أَوْ لَا. اهـ. ح. فَيُقَدَّمُ الْأَحْرَارُ الْبَالِغُونَ ثُمَّ صِبْيَانُهُمْ، ثُمَّ الْعَبِيدُ الْبَالِغُونَ ثُمَّ صِبْيَانُهُمْ، ثُمَّ الْأَحْرَارُ الْخَنَاثِي الْكِبَارُ ثُمَّ صِغَارُهُمْ، ثُمَّ الْأَرِقَّاءُ الْخَنَاثِي الْكِبَارُ ثُمَّ صِغَارُهُمْ، ثُمَّ الْحَرَائِرُ الْكِبَارُ ثُمَّ صِغَارُهُنَّ، ثُمَّ الْإِمَاءُ الْكِبَارُ ثُمَّ صِغَارُهُنَّ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْحِلْيَةِ مِنْ جَعْلِ الْخَنَاثَى أَرْبَعَةَ صُفُوفٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ الصُّفُوفِ الْمُمْكِنَةِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ كُلُّهَا، لِمَا فِي الْإِمْدَادِ مِنْ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ مُحَاذَاةُ الْخُنْثَى مِثْلُهُ وَلَا تَأَخُّرُهُ عَنْهُ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَةِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَحَدِ الْمُتَحَاذِيَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: فَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْخَنَاثَى صَفًّا وَاحِدًا بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ فُرْجَةٌ أَوْ حَائِلٌ لِيَمْنَعَ الْمُحَاذَاةَ، وَهَذَا مِمَّا مَنَّ اللَّهُ بِالتَّنْبِيهِ لَهُ اهـ فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ جَوَابٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 صِحَّةُ كُلِّهَا لِمُعَامَلَةِ الْخَنَاثِي بِالْأَضَرِّ (وَإِذَا حَاذَتْهُ) وَلَوْ بِعُضْوٍ وَاحِدٍ، وَخَصَّهُ الزَّيْلَعِيُّ بِالسَّاقِ   [رد المحتار] لَا اعْتِرَاضٌ فَافْهَمْ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الصُّفُوفَ الصَّحِيحَةَ تِسْعَةٌ لَكِنْ ذَكَرَ ح أَنَّهُ سَيَأْتِي اشْتِرَاطُ التَّكْلِيفِ فِي إفْسَادِ صَلَاةِ مَنْ حَاذَتْهُ امْرَأَةٌ، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ، وَالتَّقَدُّمُ فِي حُكْمِ الْمُحَاذَاةِ بَلْ هُوَ مِنْ أَفْرَادِهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ فَحِينَئِذٍ فَلَا يُشْتَرَطُ جَعْلُ الْخَنَاثَى صَفًّا وَاحِدًا إلَّا إذَا كَانُوا بَالِغِينَ فَيَجْعَلُهُمْ صَفًّا وَاحِدًا الْأَحْرَارُ وَالْعَبِيدُ سَوَاءٌ بِشَرْطِ الْفُرْجَةِ أَوْ الْحَائِلِ. أَمَّا الصِّبْيَانُ مِنْهُمْ فَيَجْعَلُ أَحْرَارَهُمْ صَفًّا آخَرَ ثُمَّ أَرِقَّاءَهُمْ صَفًّا ثَالِثًا تَرْجِيحًا لِلْحُرِّيَّةِ، لِانْعِدَامِ الْفَسَادِ بِمُحَاذَاةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ أَوْ بِالتَّقَدُّمِ، بِخِلَافِ الْبَالِغِينَ مِنْهُمْ؛ وَعَلَيْهِ فَتَكُونُ الصُّفُوفُ أَحَدَ عَشَرَ، هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُحَشِّي فَافْهَمْ. أَقُولُ: وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنَّ اقْتِدَاءَ الْخُنْثَى بِمِثْلِهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَأَنَّ رِوَايَةَ الْجَوَازِ اسْتِحْسَانٌ لَا قِيَاسٌ. اهـ. وَيَلْزَمُ مِنْ رِوَايَةِ الْجَوَازِ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِمُحَاذَاتِهِ لِمِثْلِهِ وَلَا بِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ بَالِغًا أَوْ غَيْرَهُ، وَعَلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا مَرَّ عَنْ الْإِمْدَادِ، نَعَمْ جَزَمَ الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي تَبَعًا لِلْبَحْرِ بِرِوَايَةِ عَدَمِ الْجَوَازِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَخَصَّهُ الزَّيْلَعِيُّ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْمُحَاذَاةِ السَّاقُ وَالْكَعْبُ فِي الْأَصَحِّ، وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْقَدَمَ اهـ فَعَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ لَوْ تَأَخَّرَتْ عَنْ الرَّجُلِ بِبَعْضِ الْقَدَمِ تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ سَاقَهَا وَكَعْبُهَا مُتَأَخِّرًا عَنْ سَاقِهِ وَكَعْبِهِ، وَعَلَى الْأَصَحِّ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ قَدَمِهَا مُحَاذِيًا لِبَعْضِ قَدَمِهِ بِأَنْ كَانَ أَصَابِعُ قَدَمِهَا عِنْدَ كَعْبِهِ مَثَلًا تَأَمَّلْ. هَذَا، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ وَخَصَّهُ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَوْ بَعْضُ وَاحِدٍ خَارِجٌ عَمَّا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فَيَكُونُ قَوْلًا ثَالِثًا فِي الْمَسْأَلَةِ كَمَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَإِلَّا لَذَكَرَهُ، بَلْ الْمُرَادُ بِالْعُضْوِ مِنْ الْمَرْأَةِ قَدَمُهَا، وَمِنْ الرَّجُلِ أَيُّ عُضْوٍ كَانَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ؛ وَنَصُّهُ: شَرَطْنَا الْمُحَاذَاةَ مُطْلَقًا لِتَتَنَاوَلَ كُلَّ الْأَعْضَاءِ أَوْ بَعْضَهَا، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ مُحَالًا عَلَى فَوَائِدِ الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْمُحَاذَاةُ أَنْ يُحَاذِيَ عُضْوٌ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ الرَّجُلِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الظُّلَّةِ وَرَجُلٌ بِحِذَائِهَا أَسْفَلَ مِنْهَا، إنْ كَانَ يُحَاذِي الرَّجُلُ شَيْئًا مِنْهَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِنَّمَا عَيَّنَ هَذِهِ الصُّورَةَ لِتَكُونَ قَدَمُ الْمَرْأَةِ مُحَاذِيَةً لِلرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ أَنْ يُحَاذِيَ عُضْوٌ مِنْهَا هُوَ قَدَمُ الْمَرْأَةِ لَا غَيْرُ، فَإِنَّ مُحَاذَاةَ غَيْرُ قَدَمِهَا لِشَيْءٍ مِنْ الرَّجُلِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ صَلَاتِهِ، نَصَّ عَلَى هَذَا فِي فَتَاوَى الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ فِي أَوَاسِطِ فَصْلِ مَنْ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَمَنْ لَا يَصِحُّ. وَقَالَ: الْمَرْأَةُ إذَا صَلَّتْ مَعَ زَوْجِهَا فِي الْبَيْتِ، إنْ كَانَ قَدَمُهَا بِحِذَاءِ قَدَمِ الزَّوْجِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُمَا بِالْجَمَاعَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدَمَاهَا خَلْفَ قَدَمِ الزَّوْجِ إلَّا أَنَّهَا طَوِيلَةٌ تَقَعُ رَأْسُ الْمَرْأَةِ فِي السُّجُودِ قِبَلَ رَأْسِ الزَّوْجِ جَازَتْ صَلَاتُهُمَا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْقَدَمِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ صَيْدَ الْحَرَمِ إذَا كَانَ رِجْلَاهُ خَارِجَ الْحَرَمِ وَرَأْسُهُ فِي الْحَرَمِ يَحِلُّ أَخْذُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ لَا يَحِلُّ انْتَهَى كَلَامُ النِّهَايَةِ، وَنَقَلَهُ فِي السِّرَاجِ وَأَقَرَّهُ؛ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: الْمُحَاذَاةُ أَنْ تُسَاوِيَ قَدَمُ الْمَرْأَةِ شَيْئًا مِنْ أَعْضَاءِ الرَّجُلِ، فَالْقَدَمُ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِهِ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الْمُطَرِّزِيُّ؛ فَمُسَاوَاةُ غَيْرِ قَدَمِهَا لِعُضْوِهِ غَيْرُ مُفْسِدَةٍ اهـ. فَقَدْ ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وُجُودُ الْمُحَاذَاةِ بِالْقَدَمِ فِي مَسْأَلَةِ الظُّلَّةِ الْمَذْكُورَةِ خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ فِي الْبَحْرِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّعْبِيرِ بِالْعُضْوِ وَبِالْقَدَمِ، خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا، وَأَنَّهُ لَوْ اقْتَدَتْ بِهِ مُتَأَخِّرَةً عَنْهُ بِقَدَمِهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ مُحَاذَاةُ بَعْضِ أَعْضَائِهَا لِقَدَمِهِ أَوْ غَيْرِهِ فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ لِأَنَّ الْمَانِعَ لَيْسَ مُحَاذَاةُ أَيِّ عُضْوٍ مِنْهَا لِأَيِّ عُضْوٍ مِنْهُ، وَلَا مُحَاذَاةُ قَدَمِهِ لِأَيِّ عُضْوٍ مِنْهَا، بَلْ الْمَانِعُ مُحَاذَاةُ قَدَمِهَا فَقَطْ لِأَيِّ عُضْوٍ مِنْهُ. [تَنْبِيهٌ] اعْتَرَضَ فِي الْبَحْرِ تَفْسِيرَ الْمُحَاذَاةِ بِمَا ذُكِرَ هُنَا الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ قَاصِرٌ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ التَّقَدُّمَ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ تُفْسِدُ صَلَاةَ ثَلَاثَةٍ إذَا وَقَفَتْ فِي الصَّفِّ، مَنْ عَنْ يَمِينِهَا، وَمَنْ عَنْ يَسَارِهَا، وَمَنْ خَلْفَهَا؛ فَالتَّفْسِيرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 وَالْكَعْبِ (امْرَأَةٌ) وَلَوْ أَمَةً (مُشْتَهَاةً) حَالًا كَبِنْتِ تِسْعٍ مُطْلَقًا وَثَمَانٍ وَسَبْعٍ لَوْ ضَخْمَةً أَوْ مَاضِيًا كَعَجُوزٍ (وَلَا حَائِلَ بَيْنَهُمَا) أَقَلُّهُ قَدْرُ ذِرَاعٍ فِي غِلَظِ أُصْبُعٍ، أَوْ فُرْجَةٌ تَسَعُ رَجُلًا (فِي صَلَاةٍ) وَإِنْ لَمْ تَتَّحِدْ   [رد المحتار] الصَّحِيحُ لِلْمُحَاذَاةِ مَا فِي الْمُجْتَبَى: الْمُحَاذَاةُ الْمُفْسِدَةُ أَنْ تَقُومَ بِجَنْبِ الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ أَوْ قُدَّامَهُ. اهـ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ إنَّمَا تُفْسِدُ صَلَاةَ مَنْ خَلْفَهَا إذَا كَانَ مُحَاذِيًا لَهَا، كَمَا قَيَّدَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ، وَذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ أَيْضًا، وَصَرَّحَ بِهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي كَافِيهِ اهـ وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ امْرَأَةٌ) مَفْهُومُهُ أَنَّ مُحَاذَاةَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ لَا تُفْسِدُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ وَلَوْ أَمَةً) وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْإِمْدَادِ ح، وَلَا وَجْهَ لِلْمُبَالَغَةِ بِالْأَمَةِ وَلَعَلَّهَا وَلَوْ أُمَّهُ بِهَاءِ الضَّمِيرِ ط. وَعِبَارَتُهُ فِي الْخَزَائِنِ: وَلَوْ مَحْرَمَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ، وَخَرَجَ بِهِ الْأَمْرَدُ. اهـ. (قَوْلُهُ كَبِنْتِ تِسْعٍ مُطْلَقًا) يُفَسِّرُهُ لَاحِقُهُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْمُشْتَهَاةِ وَصَحَّحَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالسِّنِّ مِنْ السَّبْعِ عَلَى مَا قِيلَ أَوْ التِّسْعِ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَصْلُحَ لِلْجِمَاعِ بِأَنْ تَكُونَ عَبْلَةً ضَخْمَةً. وَالْعَبْلَةُ: الْمَرْأَةُ التَّامَّةُ الْخَلْقِ اهـ فَكَلَامُ الشَّارِحِ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ بِنْتُ تِسْعٍ لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ ط (قَوْلُهُ أَوْ فُرْجَةٌ تَسَعُ رَجُلًا) مَعْطُوفٌ عَلَى حَائِلٍ لَكِنَّهُ مُنَوَّنٌ لِوَصْفِهِ بِالْجُمْلَةِ. اهـ. ح. وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ تَسَعُ الرَّجُلَ أَوْ أُسْطُوَانَةٌ، قِيلَ لَا تَفْسُدُ، وَكَذَا إذَا قَامَتْ أَمَامَهُ وَبَيْنَهُمَا هَذِهِ الْفُرْجَةُ. اهـ. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا اتَّفَقُوا عَلَى نَقْلِهِ عَنْ أَصْحَابِنَا، مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُفْسِدُ صَلَاةَ رَجُلَيْنِ مِنْ جَانِبَيْهَا، وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهَا، وَوَاحِدٌ عَنْ يَسَارِهَا، وَكَذَا الْمَرْأَتَانِ وَالثَّلَاثُ؛ وَكَذَا تُفْسِدُ صَلَاةَ مَنْ خَلْفَهَا، فَالْوَاحِدَةُ تُفْسِدُ مِنْ خَلْفِهَا صَلَاةَ رَجُلٍ، وَلَوْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَصَلَاةَ رَجُلَيْنِ، وَلَوْ ثَلَاثًا فَصَلَاةَ ثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةٍ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ، وَلَوْ كُنَّ صَفًّا بَيْنَ الرِّجَالِ وَالْإِمَامِ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الرِّجَالِ. قَالَ: وَوَجْهُ إشْكَالِهِ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي هُوَ خَلْفَهَا أَوْ الصَّفُّ الَّذِي هُوَ خَلْفَهُنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فُرْجَةٌ قَدْرُ مَقَامِ الرَّجُلِ، وَقَدْ جَعَلُوا الْفُرْجَةَ كَالْحَائِلِ فِيمَنْ عَنْ جَانِبِهَا أَوْ خَلْفَهَا، فَتَعَيَّنَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ خَلْفَهَا مِنْ غَيْرِ فُرْجَةٍ مُحَاذِيًا لَهَا بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا قَدْرُ مَقَامِ رَجُلٍ، وَلِهَذَا قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَلَوْ قَامَتْ وَسْطَ الصَّفِّ تُفْسِدُ صَلَاةَ وَاحِدٍ عَنْ يَمِينِهَا وَوَاحِدٍ عَنْ يَسَارِهَا وَوَاحِدٍ خَلْفَهَا بِحِذَائِهَا دُونَ الْبَاقِينَ، فَقَدْ شُرِطَ أَنْ يَكُونَ مَنْ خَلْفَهَا مُحَاذِيًا لَهَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ وُجُودِ الْفُرْجَةِ، وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَالْحَاكِمُ الشَّهِيدُ اهـ مُلَخَّصًا، وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ قَرِيبًا عَنْ النَّهْرِ. وَأَفَادَ فِي النَّهْرِ أَيْضًا أَنَّ اشْتِرَاطَ الْمُحَاذَاةِ لِلْفَسَادِ لَيْسَ خَاصًّا بِتَقَدُّمِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ بَلْ الصَّفُّ مِنْ النِّسَاءِ كَذَلِكَ، أَيْ فَحَيْثُ لَمْ يُحَاذِهِنَّ صُفُوفُ الرِّجَالِ فَلَا فَسَادَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ إفْسَادِ صَلَاةِ مَنْ خَلْفَهَا أَنْ يَكُونَ مُحَاذِيًا لَهَا مِنْ خَلْفِهَا: أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مُسَامِتًا لَهَا غَيْرَ مُنْحَرِفٍ عَنْهَا يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً قَدْرَ مَقَامِ الرَّجُلِ لَا مُطْلَقُ كَوْنِهِ خَلْفَهَا، وَمُرَادُ الْبَحْرِ مِنْ تَعْيِينِ الْحَمْلِ عَلَى الْمُحَاذَاةِ مَا ذَكَرْنَا، وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِالْمُحَاذَاةِ مَا فَهِمَهُ الْمُحَشِّي مِنْ قِيَامِ الرَّجُلِ خَلْفَهَا، بِأَنْ يَكُونَ وَجْهُهُ إلَى ظَهْرِهَا قَرِيبًا مِنْهَا بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا قَدْرُ مَقَامِ الرَّجُلِ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّهَا تَفْسُدُ صَلَاةُ رَجُلٍ مِنْ الصَّفِّ الَّذِي خَلْفَهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ فُرْجَةٍ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ مَقَامِ الرَّجُلِ، وَهَذَا مَنْشَأُ الْإِشْكَالِ؛ وَقَدْ اسْتَشْهَدَ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَلَى جَوَابِهِ بِعِبَارَةِ السِّرَاجِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فِيهِ التَّصْرِيحُ بِالصُّفُوفِ، فَعُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ اشْتِرَاطُ مُحَاذَاتِهَا لِمَنْ خَلْفَهَا فِي الصَّفِّ الْمُتَأَخِّرِ، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يُفْسِدَ الصَّفُّ سِوَى صَلَاةِ صَفٍّ وَاحِدٍ مِنْ الرِّجَالِ، وَلَا الثَّلَاثُ سِوَى صَلَاةِ ثَلَاثَةِ رِجَالٍ مِنْ الصَّفِّ الَّذِي خَلْفَهُنَّ فَقَطْ دُونَ بَاقِي الصُّفُوفِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فِي صَلَاةٍ وَإِنْ لَمْ تَتَّحِدْ) أَشَارَ إلَى تَعْمِيمِ الصَّلَاةِ بِمَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ بِقَوْلِهِ: فَرِيضَةٌ أَوْ نَافِلَةٌ، وَاجِبَةٌ أَوْ سُنَّةٌ: أَيْ تَطَوُّعٌ أَوْ فَرِيضَةٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ تَطَوُّعٌ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِينَ. قَالَ: وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُحَاذَاةَ الْمَجْنُونَةِ لَا تُفْسِدُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهَا لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ فِي الْحَقِيقَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 كَنِيَّتِهَا ظُهْرًا بِمُصَلِّي عَصْرٍ عَلَى الصَّحِيحِ سِرَاجٌ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ نَفْلًا عَلَى الْمَذْهَبِ بَحْرٌ، وَسَيَجِيءُ (مُطْلَقَةً) خَرَجَ الْجِنَازَةُ (مُشْتَرَكَةً) فَمُحَاذَاةُ الْمُصَلِّيَةِ لِمُصَلٍّ لَيْسَ فِي صَلَاتِهَا مَكْرُوهَةٌ لَا مُفْسِدٌ فَتْحٌ (تَحْرِيمَةً) وَإِنْ سَبَقَتْ بِبَعْضِهَا (وَأَدَاءً) وَلَوْ حُكْمًا   [رد المحتار] (قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمَا. اهـ. ح وَهَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا إنَّهُ لَا يَبْطُلُ أَصْلُ الصَّلَاةِ بِبُطْلَانِ وَصْفِهَا، فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهَا ظُهْرًا صَحَّتْ نَفْلًا، فَهِيَ مُتَّحِدَةٌ مِنْ حَيْثُ أَصْلُ الصَّلَاةِ وَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا الْإِمَامُ بِوَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ، فَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَتَّحِدْ يَعْنِي صُورَةً بِاعْتِبَارِ نِيَّتِهَا. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ يَبْطُلُ الْأَصْلُ بِبُطْلَانِ الْوَصْفِ فَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ حَاذَتْهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُصَلِّيَةٍ، وَقَدْ جَعَلَهُ فِي الْبَحْرِ خِلَافَ الْمَذْهَبِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ. وَأَمَّا مَا فِي الْمِنَحِ مِنْ قَوْلِهِ إنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى بَقَاءِ أَصْلِ الصَّلَاةِ عِنْدَ فَسَادِ الِاقْتِدَاءِ فَكَأَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا فَسَدَتْ نِيَّتُهَا الْفَرْضِيَّةَ وَبَقِيَ اقْتِدَاؤُهَا أَصْلُ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَهُوَ النَّفَلُ وَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا الْإِمَامُ بِوَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ كَمَا قُلْنَا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَإِذَا فَسَدَ الِاقْتِدَاءُ لَا يَصِحُّ بِشُرُوعِهِ فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ مُطْلَقَةً) وَهِيَ مَا عَهْدُهَا مُنَاجَاةٌ لِلرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهِيَ ذَاتُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، أَوْ الْإِيمَاءِ لِلْعُذْرِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ خَرَجَ الْجِنَازَةُ) وَكَذَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ، كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهِ. وَيَنْبَغِي إخْرَاجُهَا بِقَوْلِهِ فِي صَلَاةٍ، وَيَنْبَغِي إلْحَاقُ سَجْدَةِ الشُّكْرِ بِهَا؛ وَكَذَا سُجُودُ السَّهْوِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُحَاذَاةِ فِيهِ بِالْقَدَمِ وَالسَّاقِ حَالَةَ الْقِيَامِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَمُحَاذَاةٌ إلَخْ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ تَحْرِيمَةٌ كَمَا فَعَلَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ هَذِهِ الصُّورَةِ بِتَقْيِيدِ الِاشْتِرَاكِ بِالتَّحْرِيمَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ لَا بِمُطْلَقِ الِاشْتِرَاكِ؛ وَإِلَّا فَالِاشْتِرَاكُ فِي اتِّحَادِ الصَّلَاةِ مَثَلًا مَوْجُودٌ فِيهَا (قَوْلُهُ لَيْسَ فِي صَلَاتِهَا) بِأَنْ صَلَّيَا مُنْفَرِدَيْنِ أَوْ مُقْتَدِيًا أَحَدُهُمَا بِإِمَامٍ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ الْآخَرُ شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ مَكْرُوهَةٌ) الظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الشَّهْوَةِ وَالْكَرَاهَةِ عَلَى الطَّارِئِ ط. قُلْت: وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مَكَانَ الْكَرَاهَةِ الْإِسَاءَةَ وَالْكَرَاهَةُ أَفْحَشُ. اهـ. (قَوْلُهُ تَحْرِيمَةً) الِاشْتِرَاكُ فِي التَّحْرِيمَةِ أَنْ تَبْنِيَ صَلَاتَهَا عَلَى صَلَاةِ مَنْ حَاذَتْهُ أَوْ عَلَى صَلَاةِ إمَامِ مَنْ حَاذَتْهُ بَحْرٌ، وَعَلِمْت مُحْتَرَزَهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ وَإِنْ سُبِقَتْ بِبَعْضِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ، فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تُدْرِكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ فِي الصُّبْحِ، بَلْ لَوْ سَبَقَهَا بِرَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ فَحَاذَتْهُ فِيمَا أَدْرَكَتْ تَفْسُدُ عَلَيْهِ بَحْرٌ، وَسَوَاءٌ كَبَّرَتْ قَبْلَ الْمُحَاذِي أَوْ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ ح (قَوْلُهُ وَأَدَاءً) بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا إمَامُهُ لِلْآخَرِ، أَوْ يَكُونَ لَهُمَا إمَامٌ فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ حَقِيقَةً كَالْمُدْرِكِ، أَوْ حُكْمًا كَاللَّاحِقِ ح. وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَتَأْدِيَةً، لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مُقَابَلَتُهُ لِلْقَضَاءِ مَعَ أَنَّهَا تَفْسُدُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ نَهْرٌ. وَأَوْرَدَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ هُنَا شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ ذِكْرَ الْأَدَاءِ يَعْنِي عَنْ التَّحْرِيمَةِ، إذْ لَا تُوجَدُ الشَّرِكَةُ فِي الْأَدَاءِ بِدُونِ الشَّرِكَةِ فِي التَّحْرِيمَةِ. ثَانِيهمَا أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي التَّحْرِيمَةِ غَيْرُ شَرْطٍ، فَإِنَّ الْإِمَامَ إذَا اسْتَخْلَفَ رَجُلًا فَاقْتَدَتْ الْمَرْأَةُ بِالْخَلِيفَةِ وَحَاذَتْ رَجُلًا مِمَّنْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ الْأَوَّلِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ أَنَّهُ لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِي التَّحْرِيمَةِ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْأَوَّلِ، بِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا الشَّرِكَةَ فِي التَّحْرِيمَةِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْأَدَاءِ تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا. وَفَرَّقَ بَيْنَ التَّنْصِيصِ عَلَى الشَّيْءِ وَبَيْنَ كَوْنِهِ لَازِمًا لِشَيْءٍ. وَأَجَابَ عَنْهُ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِأَنَّهُ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ اقْتَدَى كُلٌّ مِنْهُمَا بِإِمَامٍ غَيْرِ الَّذِي اقْتَدَى بِهِ الْآخَرُ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا أَدَاءً لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِمَا أَنَّ لَهُمَا إمَامًا فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ لَكِنَّهُمَا لَمْ يَشْتَرِكَا تَحْرِيمَةً. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 كَلَاحِقَيْنِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ، بِخِلَافِ الْمَسْبُوقَيْنِ وَالْمُحَاذَاةِ فِي الطَّرِيقِ (وَاتَّحَدَتْ الْجِهَةُ) فَلَوْ اخْتَلَفَتْ كَمَا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ وَلَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَلَا فَسَادَ (فَسَدَتْ صَلَاتُهُ) لَوْ مُكَلَّفًا وَإِلَّا لَا (إنْ نَوَى) الْإِمَامُ وَقْتَ شُرُوعِهِ لَا بَعْدَهُ (إمَامَتَهَا) وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً عَلَى الظَّاهِرِ، وَلَوْ نَوَى امْرَأَةً مُعَيَّنَةً أَوْ النِّسَاءَ إلَّا هَذِهِ عَمِلَتْ نِيَّتُهُ (وَإِلَّا) يَنْوِهَا (فَسَدَتْ صَلَاتُهَا)   [رد المحتار] أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا إمَامٌ وَاحِدٌ تَأَمَّلْ. وَأُجِيبَ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الشَّرِكَةَ ثَابِتَةٌ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ تَقْدِيرًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَةَ الْخَلِيفَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ فَتَحْصُلُ الْمُشَارَكَةُ بَيْنَهُمَا تَحْرِيمَةً (قَوْلُهُ كَلَاحِقَيْنِ) أَيْ أَحَدُهُمَا امْرَأَةٌ، فَلَوْ حَاذَتْهُ فِي حَالِ الْأَدَاءِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الصَّلَاةِ أَدَاءً حُكْمًا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِينَ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَأَدَاءً فَإِنَّهُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَا تَحْرِيمَةً لَمْ يَشْتَرِكَا أَدَاءً لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ الْمُنْفَرِدَ فِيمَا يَقْضِي إلَّا فِي مَسَائِلَ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَسْبُوقًا وَالْآخَرُ لَاحِقًا كَمَا أَفَادَهُ ح. وَأَمَّا لَوْ كَانَا مَسْبُوقَيْنِ لَاحِقَيْنِ، فَقَالَ فِي الْفَتْحِ: فِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنَّهُمَا لَوْ اقْتَدَيَا فِي الثَّالِثَةِ فَأَحْدَثَا فَذَهَبَا فَتَوَضَّآ ثُمَّ حَاذَتْهُ فِي الْقَضَاءِ، إنْ كَانَ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ وَهِيَ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ لِلْإِمَامِ تُفْسِدُ لِوُجُودِ الشَّرِكَةِ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا فِيهِمَا لَاحِقَانِ، وَإِنْ حَاذَتْهُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ فَلَا لِعَدَمِهَا لِأَنَّهُمَا مَسْبُوقَانِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّاحِقَ الْمَسْبُوقَ يَقْضِي وُجُوبًا أَوَّلًا مَا لَحِقَ بِهِ ثُمَّ مَا سُبِقَ بِهِ، وَبِاعْتِبَارِهِ تَفْسُدُ وَإِنْ صَحَّ عَكْسُهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ نَوَى قَضَاءَ مَا سُبِقَ بِهِ أَوَّلًا أَنْ يَنْعَكِسَ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْمُحَاذَاةُ فِي الطَّرِيقِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَسْبُوقَيْنِ: أَيْ لَا تَفْسُدُ أَيْضًا إذَا حَاذَتْهُ فِي الطَّرِيقِ لِلطَّهَارَةِ فِيمَا إذَا سَبَقَهُمَا الْحَدَثُ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُشْتَغِلَيْنِ بِالْقَضَاءِ بَلْ بِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ لَا بِحَقِيقَتِهَا وَإِنْ كَانَا فِي حُرْمَتِهَا، إذْ حَقِيقَتُهَا قِيَامٌ وَقِرَاءَةٌ إلَخْ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ثَابِتًا فَلَمْ تُوجَدْ الشَّرِكَةُ أَدَاءً، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ) قَيَّدَ بِهِ إذْ لَا تُمْكِنُ الْمُحَاذَاةُ اخْتِلَافُ الْجِهَةِ فِي خَارِجٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ) بِأَنْ صَلَّيَا بِالتَّحَرِّي كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى جِهَةٍ (قَوْلُهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ) جَوَابُ قَوْلِهِ وَإِذَا حَاذَتْهُ: أَيْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ دُونَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا نَهْرٌ، فَلَوْ كَانَ إمَامًا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ إلَّا إذَا أَشَارَ إلَيْهَا بِالتَّأْخِيرِ كَمَا يَأْتِي. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ إلَى أَنَّهَا لَوْ اقْتَدَتْ بِهِ مُقَارِنَةً لِتَكْبِيرِهِ مُحَاذِيَةً لَهُ وَقَدْ نَوَى إمَامَتَهَا لَمْ تَنْعَقِدْ تَحْرِيمَتُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ لِلصَّلَاةِ إذَا قَارَنَ الشُّرُوعَ مَنَعَ مِنْ الِانْعِقَادِ (قَوْلُهُ لَوْ مُكَلَّفًا) لِأَنَّ فَسَادَ صَلَاةِ الرَّجُلِ لِكَوْنِهِ هُوَ الْمُخَاطَبَ بِتَأْخِيرِهَا، فَإِذَا لَمْ يُؤَخِّرْهَا فَقَدْ تَرَكَ فَرْضَ الْمَقَامِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِيهِ أَيْ فِي هَذَا التَّعْلِيلِ إشَارَةٌ إلَى اشْتِرَاطِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ، فَإِنَّ الْخِطَابَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، كَذَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْجَامِعِ، فَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الصَّبِيِّ بِالْمُحَاذَاةِ عَلَى هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ نَوَى إمَامَتَهَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: هَذَا الْقَيْدُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِذِكْرِ الِاشْتِرَاكِ السَّابِقِ. وَأَقُولُ: غَيْرُ خَافٍ أَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ وَإِنْ اسْتَلْزَمَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لَا بَعْدَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ صَلَاتَهَا مَعَ الْمُحَاذِي صَحِيحَةٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْبَقَاءِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ ط. أَقُولُ: وَفِي الْقُنْيَةِ رَامِزًا إلَى شَرَفِ الْأَئِمَّةِ: وَنِيَّةُ الْإِمَامِ إمَامَةَ النِّسَاءِ، تُعْتَبَرُ وَقْتَ الشُّرُوعِ لَا بَعْدَهُ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي مُدَّةٍ اقْتِدَائِهِنَّ، فَلَوْ نَوَى إمَامَةَ الْمَرْأَةِ بَعْدَ شُرُوعِهِ لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهَا فَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ حَاذَتْهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) هُوَ اسْتِظْهَارٌ مِنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ رِوَايَتَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْفَارِسِيَّ فِي شَرْحِهِ عَلَى تَلْخِيصِ الْجَامِعِ حَكَى الِاشْتِرَاطَ بِقِيلَ (قَوْلُهُ عَمِلَتْ نِيَّتُهُ) فَلَا تَفْسُدُ الْمُسْتَثْنَاةُ وَلَا غَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ لِعَدَمِ صِحَّةِ اقْتِدَائِهِمَا (قَوْلُهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهَا) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ شَارِعَةً فِي الْفَرْضِ وَلَا فِي نَفْلٍ أَيْضًا. وَحَكَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَيْهَا بِالتَّأْخِيرِ فَلَمْ تَتَأَخَّرْ لِتَرْكِهَا فَرْضَ الْمَقَامِ فَتْحٌ. وَشَرَطُوا كَوْنَهَا عَاقِلَةً، وَكَوْنَهُمَا فِي مَكَان وَاحِدٍ فِي رُكْنٍ كَامِلٍ، فَالشُّرُوطُ عَشَرَةٌ (وَمُحَاذَاةُ الْأَمْرَدِ الصَّبِيحِ) الْمُشْتَهَى (لَا يُفْسِدُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ) تَضْعِيفٌ لِمَا فِي جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ وَدُرَرِ الْبِحَارِ مِنْ الْفَسَادِ. لِأَنَّهُ فِي الْمَرْأَةِ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِالشَّهْوَةِ، بَلْ بِتَرْكِ فَرْضِ الْمَقَامِ كَمَا حَقَّقَهُ ابْنُ الْهُمَامِ. (وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ)   [رد المحتار] فِي الْقُنْيَةِ فِي الثَّانِي رِوَايَتَيْنِ: أَيْ بِنَاءً عَلَى مَا سَيَأْتِي، مِنْ أَنَّهُ إذَا فَسَدَ الِاقْتِدَاءُ هَلْ يَصِحُّ شُرُوعُهُ فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ أَمْ لَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ. [تَنْبِيهٌ] ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا بِلَا نِيَّةِ الْإِمَامِ إمَامَتَهَا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ أَيْضًا، فَالنِّيَّةُ شَرْطٌ فِيهِمَا أَيْضًا. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَبِهِ قَالَ كَثِيرٌ إلَّا أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى عَدَمِهِ فِيهِمَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَجَعَلَ الزَّيْلَعِيُّ الْأَكْثَرَ عَلَى الِاشْتِرَاطِ وَأَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِهِ فِي الْجِنَازَةِ اهـ. وَظَاهِرٌ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي صَلَاتِهَا عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُحَاذِيَةِ أَيْ لِإِمَامٍ أَوْ لِمُقْتَدٍ أَنَّهَا لَوْ اقْتَدَتْ غَيْرَ مُحَاذِيَةٍ لِأَحَدٍ اقْتِدَاؤُهَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا إلَّا إذَا نَفَى إمَامَةَ النِّسَاءِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمَرْأَةِ نِيَّةُ الْإِمَامِ إمَامَتَهَا إلَّا إذَا كَانَتْ مُحَاذِيَةً وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ، وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ فِي بَحْثِ النِّيَّةِ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ الْحِلْيَةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا تَتَقَدَّمَ بَعْدُ وَتُحَاذِيَ أَحَدًا مِنْ إمَامٍ أَوْ مَأْمُومٍ، فَإِنْ تَقَدَّمَتْ وَحَاذَتْ لَا يَبْقَى اقْتِدَاؤُهَا وَلَا تُتِمُّ صَلَاتُهَا. اهـ. وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ هُنَا أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ قَوْلَهُ الْأَخِيرَ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ مُطْلَقًا وَالْعَمَلُ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلِهَذَا أَطْلَقَ فِي مَتْنِ الْمُخْتَارِ تَرْكَهُ؛ وَلَا تَدْخُلُ الْمَرْأَةُ فِي صَلَاةِ الرِّجَالِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا الْإِمَامُ؛ وَمِثْلُهُ فِي الْمَتْنِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَيْهَا بِالتَّأْخِيرِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ: إذَا حَاذَتْهُ بَعْدَ مَا شَرَعَ وَنَوَى إمَامَتَهَا فَلَا يُمْكِنُهُ التَّأْخِيرُ بِالتَّقَدُّمِ خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ لِلْكَرَاهَةِ فِي ذَلِكَ، فَتَأْخِيرُهَا بِالْإِشَارَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِذَا فَعَلَ فَقَدْ أَخَّرَ فَيَلْزَمُهَا التَّأَخُّرُ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَقَدْ تَرَكَتْ حِينَئِذٍ فَرْضُ الْمَقَامِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهَا دُونَهُ. اهـ. وَاسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَ مَا شَرَعَ أَنَّهَا لَوْ حَضَرَتْ قَبْلَ شُرُوعِهِ وَنَوَى إمَامَتَهَا مُحَاذِيًا لَهَا وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهَا بِالتَّأَخُّرِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، فَالْإِشَارَةُ بِالتَّأَخُّرِ إنَّمَا تَنْفَعُ إذَا حَضَرَتْ بَعْدَ الشُّرُوعِ نَاوِيًا إمَامَتَهَا. قَالَ ط: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ بِقَيْدٍ اهـ أَيْ فَلَوْ حَاذَتْ الْمُقْتَدِيَ بَعْدَ الشُّرُوعِ وَأَشَارَ إلَيْهَا بِالتَّأَخُّرِ وَلَمْ تَتَأَخَّرْ فَسَدَتْ صَلَاتُهَا دُونَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ هَذَا فِي الشُّرُوطِ، بِأَنْ يُقَالَ: وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهَا بِالتَّأَخُّرِ إذَا حَضَرَتْ بَعْدَ شُرُوعِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي الْمَرْأَةِ الْبَالِغَةِ، أَمَّا غَيْرُهَا فَغَيْرُ مُكَلَّفَةٍ بِفَرْضِيَّةِ الْمَقَامِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَشَرَطُوا كَوْنَهَا عَاقِلَةً) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ فِي صَلَاةٍ لِأَنَّ الْمَجْنُونَةَ لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهَا نَهْرٌ، وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ وَكَوْنُهُمَا فِي مَكَان وَاحِدٍ) حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى دُكَّانٍ عُلْوِ قَامَةٍ وَالْآخَرُ عَلَى الْأَرْضِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ شَرْحُ الْمُنْيَةِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا مِنْ الْمُحَاذَاةِ إلَّا أَنَّ الْمَشَايِخَ ذَكَرُوهُ إيضَاحًا نَهْرٌ عَنْ الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ فِي رُكْنٍ كَامِلٍ) أَيْ فِي أَدَاءِ رُكْنٍ بِالْفِعْلِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مِقْدَارُ الرُّكْنِ. وَاَلَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ الْمُحَاذَاةُ مُفْسِدَةٌ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ اخْتِيَارُهُ (قَوْلُهُ فَالشُّرُوطُ عَشَرَةٌ) بَلْ أَكْثَرُ بِزِيَادَةِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ كَوْنِ الَّذِي حَاذَتْهُ مُكَلَّفًا وَبِزِيَادَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ عَدَمِ الْإِشَارَةِ إلَيْهَا بِالتَّأَخُّرِ إذَا حَضَرَتْ بَعْدَ شُرُوعِهِ (قَوْلُهُ وَالصَّبِيحُ الْمُشْتَهَى) إنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ، وَإِلَّا فَغَيْرُهُ لَا يُفْسِدُ بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِالشَّهْوَةِ) أَيْ لَيْسَتْ عِلَّةُ الْفَسَادِ الشَّهْوَةَ، وَلِذَا أَفْسَدْنَا بِالْعَجُوزِ الشَّوْهَاءِ وَبِالْمَحْرَمِ كَأُمِّهِ وَبِنْتِهِ؛ وَأَمَّا عَدَمُ الْفَسَادِ فِيمَنْ لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ كَبِنْتِ سَبْعٍ فَلِقُصُورِهَا عَنْ دَرَجَةِ النِّسَاءِ، فَكَانَ الْأَمْرُ بِتَأْخِيرِهِنَّ غَيْرُ شَامِلٍ لَهَا ظَاهِرًا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْمَرْأَةِ الْأُنْثَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 وَخُنْثَى (وَصَبِيٍّ مُطْلَقًا) وَلَوْ فِي جِنَازَةٍ   [رد المحتار] الشَّامِلُ لِلْبَالِغَةِ وَغَيْرِهَا؛ كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخُنْثَى مَا يَشْمَلُهُمَا أَيْضًا. وَأَمَّا الرَّجُلُ، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْبَالِغَ اقْتَضَى بِمَفْهُومِهِ صِحَّةَ اقْتِدَاءِ الصَّبِيِّ بِالْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الذَّكَرُ أَفَادَ عَدَمَ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الصَّبِيِّ بِالصَّبِيِّ، وَكِلَاهُمَا غَيْرُ وَاقِعٍ؛ فَالصَّوَابُ فِي الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ: وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ ذَكَرٍ بِأُنْثَى وَخُنْثَى، وَلَا رَجُلٍ بِصَبِيٍّ ح عَنْ شَيْخِهِ السَّيِّدِ عَلِيٍّ الْبَصِيرِ. أَقُولُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي إمَّا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا بَالِغٌ أَوْ غَيْرُهُ؛ فَالذَّكَرُ الْبَالِغُ تَصِحُّ إمَامَتُهُ لِلْكُلِّ، وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ إلَّا بِمِثْلِهِ؛ وَالْأُنْثَى الْبَالِغَةُ تَصِحُّ إمَامَتُهَا لِلْأُنْثَى مُطْلَقًا فَقَطْ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَتَصِحُّ اقْتِدَاؤُهَا بِالرَّجُلِ وَبِمِثْلِهَا وَبِالْخُنْثَى الْبَالِغِ، وَيُكْرَهُ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ وَالْخُنْثَى الْبَالِغُ تَصِحُّ إمَامَتُهُ لِلْأُنْثَى مُطْلَقًا فَقَطْ لَا لِرَجُلٍ وَلَا لِمِثْلِهِ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ وَذُكُورَةِ الْمُقْتَدِي، وَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِالرَّجُلِ لَا بِمِثْلِهِ، وَلَا بِأُنْثَى مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْبَالِغِ؛ فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا تَصِحُّ إمَامَتُهُ لِمِثْلِهِ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَخُنْثَى، وَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِالذَّكَرِ مُطْلَقًا فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى تَصِحُّ إمَامَتُهَا لِمِثْلِهَا فَقَطْ. أَمَّا الصَّبِيُّ فَمُحْتَمَلٌ، وَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهَا بِالْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ خُنْثَى تَصِحُّ إمَامَتُهُ لِأُنْثَى مِثْلِهِ لَا لِبَالِغَةٍ وَلَا لِذَكَرٍ أَوْ خُنْثَى مُطْلَقًا، وَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِالذَّكَرِ مُطْلَقًا فَقَطْ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي أَخْذًا مِنْ الْقَوَاعِدِ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي جِنَازَةٍ) بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ الرَّاجِعِ إلَى الِاقْتِدَاءِ بِالصَّبِيِّ. مَطْلَبٌ الْوَاجِبُ كِفَايَةً هَلْ يَسْقُطُ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ وَحْدَهُ؟ قَالَ الْأُسْرُوشَنِيُّ: الصَّبِيُّ إذَا أَمَّ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَدَاءِ الْفَرْضِ، وَلَكِنْ يُشْكِلُ بِرَدِّ السَّلَامِ إذَا سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ فَرَدَّ صَبِيٌّ جَوَابَ السَّلَامِ. اهـ. أَقُولُ: مُقْتَضَى تَعْلِيلِهِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ عَنْ الْبَالِغِينَ بِصَلَاتِهِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَحْدَهُ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ إمَامًا، وَقَدْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى هَذَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا ظَاهِرُ أُصُولِ الْمَذْهَبِ عَدَمُ السُّقُوطِ اهـ أَيْ لِقَوْلِهِمْ: إنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ. أَقُولُ: وَيُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ مَا مَرَّ مِنْ مَسْأَلَةِ السَّلَامِ وَتَصْرِيحُهُمْ بِجَوَازِ أَذَانِ الصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ بِلَا كَرَاهَةٍ مَعَ أَنَّهُ قِيلَ بِأَنَّ الْأَذَانَ وَاجِبٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ الْوَاجِبِ فِي لُحُوقِ الْإِثْمِ وَتَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ خَطَبَ صَبِيٌّ لَهُ مَنْشُورٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَصَلَّى بِالنَّاسِ بَالِغٌ جَازَ وَتَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّهُ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الذَّبْحَ وَالتَّسْمِيَةَ أَيْ يَعْلَمُ أَنَّهَا مَأْمُورٌ بِهَا، وَكَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ الْأُسْرُوشَنِيُّ مِنْ أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا غَسَّلَ الْمَيِّتَ جَازَ اهـ أَيْ يَسْقُطُ بِهِ الْوُجُوبُ. فَسُقُوطُ الْوُجُوبِ بِصَلَاتِهِ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْلَى لِأَنَّهَا دُعَاءٌ وَهُوَ أَقْرَبُ لِلْإِجَابَةِ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ. وَلَعَلَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِهِ. وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ وُقُوعَهُ وَاجِبًا. وَسُقُوطُ الْوُجُوبِ عَنْ الْمُكَلَّفِينَ بِفِعْلِهِ، يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ مِنْ بَابِ الْمُرْتَدِّ، مِنْ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ لَوْ أَقَرَّ بِالشَّهَادَتَيْنِ يَقَعُ فَرْضًا وَيَلْزَمُهُ تَجْدِيدُ إقْرَارٍ آخَرَ بَعْدَ الْبُلُوغِ حَتَّى عَلَى قَوْلِ مَنْ يَنْفِي وُجُوبَ الْإِيمَانِ عَلَى الصَّبِيِّ، فَصَارَ كَالْمُسَافِرِ لَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ صَلَّاهَا سَقَطَ فَرْضُهُ. اهـ. وَلَا يُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ بِهِ فَلَا يَقَعُ إلَّا فَرْضًا. لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ إثْبَاتُ إنَّهُ مِنْ أَهْلِ أَدَاءِ الْفَرْضِ، وَقَدْ ثَبَتَ بِذَلِكَ فَيُقَالُ مِثْلُهُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ بِهَا أَيْضًا، وَالِاكْتِفَاءُ بِأَذَانِهِ وَخُطْبَتِهِ وَتَسْمِيَتِهِ وَرَدِّهِ السَّلَامَ دَلِيلٌ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِصَلَاتِهِ عَلَى الْجِنَازَةِ، نَعَمْ يُشْكِلُ مَا لَوْ صَلَّى فِي الْوَقْتِ ثُمَّ بَلَغَ فِيهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا لِوُقُوعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 وَنَفْلٍ عَلَى الْأَصَحِّ (وَكَذَا لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِمَجْنُونٍ مُطْبِقٍ أَوْ مُتَقَطِّعٍ فِي غَيْرِ حَالَةِ إفَاقَتِهِ وَسَكْرَانَ) أَوْ مَعْتُوهٍ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ (وَلَا طَاهِرٍ بِمَعْذُورٍ) هَذَا (إنْ قَارَنَ الْوُضُوءُ الْحَدَثَ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ) بَعْدَهُ (وَصَحَّ لَوْ تَوَضَّأَ عَلَى الِانْقِطَاعِ وَصَلَّى كَذَلِكَ) كَاقْتِدَاءٍ بِمُفْتَصِدٍ أَمِنَ خُرُوجَ الدَّمِ؛ وَكَاقْتِدَاءِ امْرَأَةٍ بِمِثْلِهَا، وَصَبِيٍّ بِمِثْلِهِ، وَمَعْذُورٍ بِمِثْلِهِ وَذِي عُذْرَيْنِ بِذِي عُذْرٍ، لَا عَكْسِهِ كَذِي انْفِلَاتِ رِيحٍ بِذِي سَلَسٍ لِأَنَّ مَعَ الْإِمَامِ حَدَثًا وَنَجَاسَةً.   [رد المحتار] الْأُولَى نَفْلًا. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُعْتَبَرُ آخَرَ الْوَقْتِ وَهُوَ فِيهِ بَالِغٌ لَزِمَهُ إعَادَتُهَا لِوُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ، وَالْوَقْتُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ لَيْسَ سَبَبًا لِلْوُجُودِ فَكَأَنَّهُ صَلَّى قَبْلَ سَبَبِ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِ فَلَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهَا فَرْضًا. أَمَّا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَإِنَّ سَبَبَهَا حُضُورُهَا وَهُوَ مَوْجُودٌ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَأَمْكَنَ وُقُوعُهَا فَرْضًا مِنْهُ تَأَمَّلْ، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْبُلُوغُ، فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَوْ حَجَّ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ ثَانِيًا بَعْدَ الْبُلُوغِ لِأَنَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ مِنْ شَرْطِهَا الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ، بِخِلَافِ الْحَجِّ النَّفْلِ: وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ فِي الْجِنَازَةِ أَيْضًا وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ صَلَاتِهِ وَسُقُوطِ الْوَاجِبِ بِهَا عَنْ الْمُكَلَّفِينَ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ لِلْبَالِغِينَ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا الْبُلُوغُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ، فَاغْتَنِمْهُ فَإِنَّك لَا تَظْفَرُ بِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَلِكِ الْوَهَّابِ (قَوْلُهُ وَنَفْلٍ عَلَى الْأَصَحِّ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَفِي التَّرَاوِيحِ وَالسُّنَنِ الْمُطْلَقَةِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَشَايِخُنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا. اهـ. وَالْمُرَادُ بِالسُّنَنِ الْمُطْلَقَةِ السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ وَالْعِيدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَكَذَا الْوِتْرُ وَالْكُسُوفَانِ وَالِاسْتِسْقَاءُ عِنْدَهُمَا فَتْحٌ. (قَوْلُهُ بِمَجْنُونٍ مُطْبِقٍ) بِكَسْرِ الْبَاءِ وَالنِّسْبَةُ مَجَازِيَّةٌ لِأَنَّ الْمُطْبِقَ هُوَ الْجُنُونُ لَا الْمَجْنُونُ، فَهُوَ كَقَوْلِك ضَرْبٌ مُؤْلِمٌ، فَإِنَّ الْمُؤْلِمَ هُوَ الضَّارِبُ لَا الضَّرْبُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا صَلَاةَ لَهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ النِّيَّةِ وَلِعَدَمِ الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ حَالَةِ إفَاقَتِهِ) وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْإِفَاقَةِ فَيَصِحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ إفَاقَتُهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ، حَتَّى لَوْ عُلِمَ مِنْهُ جُنُونٌ وَإِفَاقَةٌ وَلَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ وَقْتَ الصَّلَاةِ لَا يَصِحُّ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ عُلِمَتْ إفَاقَتُهُ بَعْدَ جُنُونِهِ أَنْ يَصِحَّ، وَلَا عِبْرَةَ بِاحْتِمَالِ عَوْدِ الْجُنُونِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ وَهُوَ الصِّحَّةُ لِأَنَّ الْجُنُونَ مَرَضٌ عَارِضٌ (قَوْلُهُ أَوْ (مَعْتُوهٌ)) هُوَ النَّاقِصُ الْعَقْلِ، وَقِيلَ الْمَدْهُوشُ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَقَدْ جَعَلُوهُ فِي حُكْمِ الصَّبِيِّ (قَوْلُهُ وَمَعْذُورٌ بِمِثْلِهِ إلَخْ) أَيْ إنْ اتَّحَدَ عُذْرُهُمَا، وَإِنْ اخْتَلَفَ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِمَا. وَفِي السِّرَاجِ مَا نَصُّهُ: وَيُصَلِّي مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ خَلْفَ مِثْلِهِ. وَأَمَّا إذَا صَلَّى خَلْفَ مَنْ بِهِ السَّلَسُ وَانْفِلَاتُ رِيحٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْإِمَامَ صَاحِبُ عُذْرَيْنِ وَالْمُؤْتَمَّ صَاحِبُ عُذْرٍ وَاحِدٍ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ. وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ اتِّحَادِ الْعُذْرِ اتِّحَادُ الْأَثَرِ لَا اتِّحَادُ الْعَيْنِ، وَإِلَّا لَكَانَ يَكْفِيهِ فِي التَّمْثِيلِ أَنْ يَقُولَ وَأَمَّا إذَا صَلَّى خَلْفَ مَنْ بِهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ، وَلَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ فِي التَّعْلِيلِ لِاخْتِلَافِ عُذْرِهِمَا، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ سَلَسَ الْبَوْلِ وَالْجُرْحَ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَّحِدِ، وَكَذَا سَلَسُ الْبَوْلِ وَاسْتِطْلَاقُ الْبَطْنِ. اهـ. أَيْ لِاتِّحَادِهِمَا فِي الْأَثَرِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَدَثٌ وَنَجَاسَةٌ وَإِنْ كَانَ السَّلَسُ لَيْسَ عَيْنَ الْجُرْحِ، لَكِنْ اعْتَرَضَ فِي النَّهْرِ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي جَوَازَ اقْتِدَاءِ ذِي سَلَسٍ بِذِي انْفِلَاتٍ، وَلَيْسَ بِالْوَاقِعِ لِاخْتِلَافِ عُذْرِهِمَا اهـ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاتِّحَادِ اتِّحَادُ الْعَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ، وَكَذَا صَرَّحَ فِي الْحِلْيَةِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ ذِي سَلَسٍ بِذِي جُرْحٍ لَا يَرْقَأُ أَوْ بِالْعَكْسِ. وَقَالَ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ اقْتِدَاءُ مَعْذُورٍ بِمِثْلِهِ إذَا اتَّحَدَ عُذْرُهُمَا لَا إنْ اخْتَلَفَ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْأَحْسَنَ مَا فِي النَّهْرِ وَأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ مُتَابَعَتُهُ عَلَى عَادَتِهِ، وَأَنَّ مَا قَالَهُ هُنَا تَابَعَ فِيهِ صَاحِبَ الْبَحْرِ، وَكَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْخَزَائِنِ حَيْثُ قَالَ: اقْتِدَاءُ الْمَعْذُورِ بِمِثْلِهِ صَحِيحٌ إنْ اتَّحَدَ عُذْرُهُمَا كَذِي سَلَسٍ بِمِثْلِهِ أَوْ بِذِي جُرْحٍ أَوْ انْطِلَاقٍ، لَا إنْ اخْتَلَفَ كَذِي انْفِلَاتٍ بِذِي سَلَسٍ لِأَنَّ مَعَ الْإِمَامِ حَدَثًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 وَمَا فِي الْمُجْتَبَى الِاقْتِدَاءُ بِالْمُمَاثِلِ صَحِيحٌ إلَّا ثَلَاثَةً: الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ وَالضَّالَّةُ وَالْمُسْتَحَاضَةُ: أَيْ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ؛ فَلَوْ انْتَفَى صَحَّ (وَ) لَا (حَافِظِ آيَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ بِغَيْرِ حَافِظٍ لَهَا) وَهُوَ الْأُمِّيُّ، وَلَا أُمِّيِّ بِأَخْرَسَ لِقُدْرَةِ الْأُمِّيِّ عَلَى التَّحْرِيمَةِ فَصَحَّ عَكْسُهُ (وَ) لَا (مَسْتُورِ عَوْرَةٍ بِعَارٍ) . فَلَوْ أَمَّ الْعَارِيَ عُرْيَانَا وَلَابِسَيْنِ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ وَمُمَاثِلُهُ جَائِزَةٌ اتِّفَاقًا، وَكَذَا ذُو جُرْحٍ بِمِثْلِهِ وَبِصَحِيحٍ (وَ) لَا (قَادِرٍ عَلَى رُكُوعٍ وَسُجُودٍ بِعَاجِزٍ عَنْهُمَا) لِبِنَاءِ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ (وَ) لَا (مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ وَبِمُفْتَرِضٍ فَرْضًا آخَرَ) لِأَنَّ اتِّحَادَ الصَّلَاتَيْنِ شَرْطٌ عِنْدَنَا. وَصَحَّ «أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ   [رد المحتار] وَنَجَاسَةً اهـ فَإِنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ كَمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ وَمَا فِي الْمُجْتَبَى) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي: أَيْ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ أَيْ مَا فِي الْمُجْتَبَى مُفَسَّرٌ بِكَذَا (قَوْلُهُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمُخَالِفِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَسَقَطَ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ لَفْظَةُ الِاقْتِدَاءِ (قَوْلُهُ أَيْ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ) أَيْ وَاحْتِمَالِ ذُكُورَةِ الْمُقْتَدِيَةِ وَأُنُوثَةِ الْإِمَامِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا فِي الضَّالَّةِ ظَاهِرٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْقُنْيَةِ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ جَوَّزَ اقْتِدَاءَ الضَّالَّةِ بِالضَّالَّةِ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا لِاحْتِمَالِ اقْتِدَائِهَا بِالْحَائِضِ. اهـ. وَأَمَّا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ فَمُشْكِلٌ لِأَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ حَقِيقَةً لَا تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ حَائِضًا كَمَنْ تَجَاوَزَ دَمُهَا عَلَى عَشَرَةٍ فِي الْحَيْضِ أَوْ أَرْبَعِينَ فِي النِّفَاسِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا نَحْوُ الْمُبْتَدَأَةِ قَبْلَ تَمَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهَا الدَّمَ، فَإِنْ تَمَّ ثَلَاثَةٌ فِيهَا وَإِلَّا قَضَتْ، فَهِيَ الثَّلَاثُ يَحْتَمِلُ حَالُهَا الْحَيْضَ وَالِاسْتِحَاضَةَ، وَكَذَا الْمُعْتَادَةُ إذَا تَجَاوَزَ الدَّمُ عَلَى عَادَتِهَا فَإِنَّهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَنْقَطِعَ لِعَشَرَةٍ فَتَكُونَ حَائِضًا أَوْ لِأَكْثَرَ فَتَكُونَ مُسْتَحَاضَةً، فَلَا يَجُوزُ لِمِثْلِهَا الِاقْتِدَاءُ بِهَا. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ الَّذِي رَأَيْته فِي الْمُجْتَبَى: وَاقْتِدَاءُ الْمُسْتَحَاضَةِ بِالْمُسْتَحَاضَةِ يَجُوزُ وَالضَّالَّةِ بِالضَّالَّةِ لَا يَجُوزُ كَالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بِالْمُشْكِلِ اهـ وَهَذِهِ لَا إشْكَالَ فِيهَا، وَلَعَلَّ نُسْخَةَ صَاحِبِ الْبَحْرِ مُحَرَّفَةٌ وَتَبِعُوهُ عَلَيْهَا تَأَمَّلْ اهـ لَكِنَّ الَّذِي فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مُوَافِقٌ لِمَا هُنَا. هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ رِوَايَتَيْنِ فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ (قَوْلُهُ فَلَوْ انْتَفَى) أَيْ الِاحْتِمَالُ ح. (قَوْلُهُ بِغَيْرِ حَافِظٍ لَهَا) شَمَلَ مَنْ يَحْفَظُهَا أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا، لَكِنْ بِلَحْنٍ مُفْسِدٍ لِلْمَعْنَى لِمَا فِي الْبَحْرِ: الْأُمِّيُّ عِنْدَنَا مَنْ لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ (قَوْلُهُ وَلَا أُمِّيٌّ بِأَخْرَسَ) أَمَّا اقْتِدَاءُ أَخْرَسَ بِأَخْرَسَ أَوْ أُمِّيٍّ بِأُمِّيٍّ فَصَحِيحٌ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ فَصَحَّ عَكْسُهُ) تَفْرِيعٌ عَلَى التَّعْلِيلِ لِأَنَّ قُدْرَةَ الْأُمِّيِّ عَلَى التَّحْرِيمَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَقْوَى حَالًا مِنْ الْأَخْرَسِ فَصَحَّ اقْتِدَاءُ الْأَخْرَسِ بِهِ دُونَ عَكْسِهِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ صَحَّ اقْتِدَاءُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ اتِّفَاقًا) بِخِلَافِ الْأُمِّيِّ إذَا أَمَّ أُمِّيًّا وَقَارِئًا فَإِنَّ صَلَاةَ الْكُلِّ فَاسِدَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ صَلَاتَهُ بِقِرَاءَةٍ إذَا اقْتَدَى بِقَارِئٍ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ وَلَيْسَتْ طَهَارَةُ الْإِمَامِ وَسِتْرُهُ طَهَارَةً وَسِتْرًا لِلْمَأْمُومِ حُكْمًا فَافْتَرَقَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا ذُو جُرْحٍ بِمِثْلِهِ وَبِصَحِيحٍ) تَبِعَ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ صَاحِبَ الْبَحْرِ، وَالْأَوْلَى: مِثْلُهُ وَصَحِيحًا، فَإِنَّ التَّقْدِيرَ. وَكَذَا لَوْ أَمَّ ذُو جُرْحٍ مِثْلَهُ وَصَحِيحًا، وَأَمَّ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ ح (قَوْلُهُ بِعَاجِزٍ عَنْهُمَا) أَيْ بِمَنْ يُومِئُ بِهِمَا قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمْكَنَاهُ قَاعِدًا فَصَحِيحٌ كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ ط: وَالْعِبْرَةُ لِلْعَجْزِ عَنْ السُّجُودِ، حَتَّى لَوْ عَجَزَ عَنْهُ وَقَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ أَوْمَأَ (قَوْلُهُ وَبِمُفْتَرِضٍ فَرْضًا آخَرَ) سَوَاءٌ تَغَايَرَ الْفَرْضَانِ اسْمًا أَوْ صِفَةً كَمُصَلِّي ظُهْرَ أَمْسِ بِمُصَلِّي ظُهْرِ الْيَوْمِ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا فَاتَتْهُمْ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ وَكَذَا لَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَاقْتَدَى بِهِ آخَرُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ هَذَا قَضَاءٌ لِلْمُقْتَدِي جَوْهَرَةٌ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ اتِّحَادَ الصَّلَاتَيْنِ إلَخْ) قَدَّمْنَا أَوَّلَ الْبَابِ مَعْنَى اتِّحَادِهِمَا (قَوْلُهُ وَصَحَّ أَنَّ مُعَاذًا إلَخْ) أَيْ صَحَّ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا وَتَرَجَّحَ، وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَلَى جَوَازِ الْفَرْضِ بِالنَّفْلِ وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِشَاءَ الْآخِرَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفْلًا وَبِقَوْمِهِ فَرْضًا» (وَ) لَا (نَاذِرٍ) بِمُتَنَفِّلٍ، وَلَا بِمُفْتَرِضٍ، وَلَا (بِنَاذِرٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَمُفْتَرِضٍ فَرْضًا آخَرَ إلَّا إذَا نَذَرَ أَحَدُهُمَا عَيْنَ مَنْذُورِ الْآخَرِ لِلِاتِّحَادِ (وَ) لَا (نَاذِرٍ بِحَالِفٍ) لِأَنَّ الْمَنْذُورَةَ أَقْوَى فَصَحَّ عَكْسُهُ، وَبِحَالِفٍ وَمُتَنَفِّلٍ، وَمُصَلِّيًا رَكْعَتَيْ طَوَافٍ كَنَاذِرَيْنِ؛ وَلَوْ اشْتَرَكَا فِي نَافِلَةٍ فَأَفْسَدَاهَا صَحَّ الِاقْتِدَاءُ لَا إنْ أَفْسَدَاهَا مُنْفَرِدَيْنِ؛ وَلَوْ صَلَّيَا الظُّهْرَ وَنَوَى كُلٌّ إمَامَةَ الْآخَرِ صَحَّتْ لَا إنْ نَوَيَا الِاقْتِدَاءَ، وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى (وَ) لَا (لَاحِقٍ وَ) لَا (مَسْبُوقٍ بِمِثْلِهِمَا) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ فِي مَوْضِعِ الِانْفِرَادِ   [رد المحتار] وَالْجَوَابُ «أَنَّ مُعَاذًا لَمَّا شَكَاهُ قَوْمُهُ قَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا مُعَاذُ لَا تَكُنْ فَتَّانًا، إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي، وَإِمَّا أَنْ تُحَفِّفَ عَلَى قَوْمِك» رَوَاهُ أَحْمَدُ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَنْعِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَتَى صَلَّى مَعَهُ امْتَنَعَتْ إمَامَتُهُ وَبِالْإِجْمَاعِ لَا تَمْتَنِعُ إمَامَتُهُ بِصَلَاةِ النَّفْلِ مَعَهُ، فَعُلِمَ أَنَّ الَّذِي كَانَ يُصَلِّيهِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفْلٌ. اهـ. وَقَالَ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ: الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ مُعَاذٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ نَافِلَةً وَكَانَتْ صَلَاتُهُ بِقَوْمِهِ هِيَ الْفَرِيضَةَ، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي وَفَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَلَا نَاذِرٍ بِمُتَنَفِّلٍ) لِأَنَّ النَّذْرَ وَاجِبٌ فَيَلْزَمُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ ح (قَوْلُهُ لِأَنَّ كُلًّا إلَخْ) عِلَّةٌ لِلْأَخِيرَيْنِ، فَإِنَّ الْمَنْذُورَ فَرْضٌ أَوْ وَاجِبٌ. وَرَجَّحَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ الْأُولَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا نَذَرَ أَحَدَهُمَا إلَخْ) بِأَنْ قَالَ بَعْدَ نَذْرِ صَاحِبِهِ نَذَرْت تِلْكَ الْمَنْذُورَةَ الَّتِي نَذَرَهَا فُلَانٌ شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ لِلِاتِّحَادِ) لِأَنَّهُ لَمَّا نَذَرَ مَنْذُورَةَ صَاحِبِهِ فَكَأَنَّهُمَا نَذَرَا صَلَاةً بِعَيْنِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا نَذَرَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا صَلَاةً لِأَنَّ مَا أَوْجَبَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنَذْرِهِ غَيْرُ مَا أَوْجَبَهُ الْآخَرُ، وَلَيْسَ مَنْذُورُ أَحَدِهِمَا أَقْوَى مِنْ الْآخَرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَنْذُورَةَ أَقْوَى) أَيْ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا لَا تَخْرُجُ بِالْحَلِفِ عَنْ كَوْنِهَا نَافِلَةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى التَّخْيِيرِ، إنْ شَاءَ صَلَّى وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَكَفَّرَ، وَلِذَا جَازَ اقْتِدَاءُ الْحَالِفِ بِالْحَالِفِ وَبِالْمُتَنَفِّلِ، وَمَا وَقَعَ فِي الْمِنَحِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْوُجُوبَ فِيهَا عَارِضٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلِذَا أَضْرَبَ عَنْهُ الشَّارِحُ رَحْمَتِيٌّ. أَقُولُ: يُؤَيِّدُ هَذَا مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فَرْضًا وَجَبَ الْبِرُّ، أَوْ مَعْصِيَةً وَجَبَ الْحِنْثُ، أَوْ غَيْرُهُ خَيْرٌ تَرَجَّحَ الْحِنْثُ، وَإِنْ تَسَاوَيَا تَرَجَّحَ الْبِرُّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَصَحَّ عَكْسُهُ) لِأَنَّ فِيهِ بِنَاءَ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ وَهُوَ جَائِزٌ ط (قَوْلُهُ وَبِحَالِفٍ) عَطْفٌ عَلَى النَّاذِرِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ عَكْسُهُ، وَالتَّقْدِيرُ: فَصَحَّ اقْتِدَاءُ حَالِفٍ بِنَاذِرٍ وَبِحَالِفٍ ح. وَصُورَةُ الْحَلِفِ بِهَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَأُصَلِّيَن رَكْعَتَيْنِ بَحْرٌ، وَإِنَّمَا صَحَّ اقْتِدَاءُ حَالِفٍ بِحَالِفٍ لِمَا عَلِمْته مِنْ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ بِالْحَلِفِ عَنْ كَوْنِهَا نَافِلَةً، فَكَانَ اقْتِدَاءُ مُتَنَفِّلٍ بِمِثْلِهِ، وَعَلَّلَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْبِرُّ فَبَقِيَتْ الصَّلَاتَانِ نَفْلًا فِي نَفْسِهِمَا اهـ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَبِمُتَنَفِّلٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِحَالِفٍ أَيْ صَحَّ اقْتِدَاءُ الْحَالِفِ بِالْمُتَنَفِّلِ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا نَفْلٌ ح وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ يُقَالُ إنَّهَا وَاجِبَةٌ لِتَحْقِيقِ الْبِرِّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ اهـ عَلِمْت جَوَابَهُ (قَوْلُهُ وَمُصَلِّيَا) تَثْنِيَةُ مُصَلٍّ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ كَنَاذِرَيْنِ، يَعْنِي فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ، فَإِنَّ طَوَافَ أَحَدِهِمَا غَيْرُ طَوَافِ الْآخَرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ح. وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ بِمَنْزِلَةِ اقْتِدَاءِ الْمُتَطَوِّعِ بِالْمُتَطَوِّعِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهِمَا (قَوْلُهُ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ) أَيْ لِلِاتِّحَادِ، فَكَانَ كَنَذْرِ أَحَدِهِمَا عَيْنَ مَا نَذَرَهُ الْآخَرُ ح (قَوْلُهُ لَا إنْ أَفْسَدَاهَا مُنْفَرِدَيْنِ) لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ كَالنَّاذِرَيْنِ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى) هُوَ أَنَّ الْإِمَامَ مُنْفَرِدٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَلَا يَصِيرُ إمَامًا إلَّا بِاقْتِدَاءِ غَيْرِهِ بِهِ فَبَقِيَا مُنْفَرِدَيْنِ، وَأَمَّا الْمُقْتَدِي فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ إلَّا بِنِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَالِاقْتِدَاءُ يَصِحُّ لِمَنْ نَوَى بِنَاءَ صَلَاتِهِ عَلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ بِمِثْلِهِمَا) وَكَذَا لَاحِقٌ بِمَسْبُوقٍ وَعَكْسُهُ ح (قَوْلُهُ الِاقْتِدَاءُ فِي مَوْضِعِ الِانْفِرَادِ) هَذَا يَجْرِي فِي اقْتِدَاءِ الْمَسْبُوقِ بِمَسْبُوقٍ أَوْ لَاحِقٍ، وَقَوْلُهُ كَعَكْسِهِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 مُفْسِدٌ كَعَكْسِهِ. (وَ) لَا (مُسَافِرٍ بِمُقِيمٍ بَعْدَ الْوَقْتِ فِيمَا يَتَغَيَّرُ بِالسَّفَرِ) كَالظُّهْرِ، سَوَاءٌ أَحْرَمَ الْمُقِيمُ بَعْدَ الْوَقْتِ أَوْ فِيهِ، فَخَرَجَ فَاقْتَدِي الْمُسَافِرُ (بَلْ) إنْ أَحْرَمَ (فِي الْوَقْتِ) فَخَرَجَ صَحَّ (وَأَتَمَّ) تَبَعًا لِإِمَامِهِ، أَمَّا بَعْدَ الْوَقْتِ فَلَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ فَيَكُونُ اقْتِدَاءً بِمُتَنَفِّلٍ فِي حَقِّ قَعْدَةٍ أَوْ قِرَاءَةٍ بِاقْتِدَائِهِ فِي شَفْعٍ أَوَّلٍ أَوْ ثَانٍ (وَ) لَا (نَازِلٍ بِرَاكِبٍ) وَلَا رَاكِبٍ بِرَاكِبٍ دَابَّةً أُخْرَى، فَلَوْ مَعَهُ صَحَّ (وَ) لَا (غَيْرِ الْأَلْثَغِ بِهِ) أَيْ بِالْأَلْثَغِ (عَلَى الْأَصَحِّ) كَمَا فِي الْبَحْرِ   [رد المحتار] يَعْنِي الِانْفِرَادَ فِي مَوْضِعِ الِاقْتِدَاءِ يَجْرِي فِي اقْتِدَاءِ اللَّاحِقِ بِلَاحِقٍ أَوْ مَسْبُوقٍ، فَإِنَّ اللَّاحِقَ إذَا قَصَدَ الِاقْتِدَاءَ بِغَيْرِ إمَامه فَكَأَنَّهُ انْفَرَدَ أَوَّلًا عَنْ إمَامِهِ ثُمَّ اقْتَدَى فَصَحَّ أَنَّهُ انْفَرَدَ فِي مَوْضِعِ الِاقْتِدَاءِ ح. (قَوْلُهُ وَلَا مُسَافِرٍ بِمُقِيمٍ إلَخْ) أَيْ وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ مُسَافِرٍ بِمُقِيمٍ إلَخْ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ قَابِلَةٌ لِلْإِتْمَامِ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا، بِأَنْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ، أَوْ بِأَنْ يَقْتَدِيَ بِمُقِيمٍ فَيَصِيرَ تَبَعًا لِإِمَامِهِ وَيُتِمُّ لِبَقَاءِ السَّبَبِ وَهُوَ الْوَقْتُ. أَمَّا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ فَقَدْ تَقَرَّرَتْ فِي ذِمَّتِهِ رَكْعَتَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ إتْمَامُهَا بِإِقَامَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، حَتَّى إنَّهُ يَقْضِيهَا فِي بَلَدِهِ رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا اقْتَدِي بَعْدَ الْوَقْتِ بِمُقِيمٍ أَحْرَمَ بَعْدَ الْوَقْتِ أَوْ فِيهِ لَا يَصِحُّ، لِمَا قُلْنَا وَلِمَا يَأْتِي، بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَدَى بِهِ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ لِمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ فِيمَا يَتَغَيَّرُ بِالسَّفَرِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ لِعَدَمِ تَغَيُّرِهِ (قَوْلُهُ فَخَرَجَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ فِيهِ لِأَنَّ أَوْ الْعَاطِفَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْعَامِلِ وَهُوَ أَحْرَمَ، وَقَوْلُهُ فَاقْتَدَى مَعْطُوفٌ عَلَى أَحْرَمَ (قَوْلُهُ بَلْ إنْ أَحْرَمَ) أَيْ الْمُسَافِرُ الْمُقْتَدِي بِالْمُقِيمِ، وَعَبَّرَ بِأَحْرَمَ بَدَلَ اقْتَدَى لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ إدْرَاكِ التَّحْرِيمَةِ فِي الْوَقْتِ كَافٍ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَلُزُومِ الْإِتْمَامِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ فَيَكُونُ) تَفْرِيعٌ عَلَى عَدَمِ التَّغَيُّرِ ح (قَوْلُهُ بِاقْتِدَائِهِ) الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ (قَوْلُهُ فِي شَفْعٍ أَوَّلَ أَوْ ثَانٍ) نَشْرٌ مُرَتَّبٌ: أَيْ أَنَّهُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُقِيمِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ يَكُونُ اقْتِدَاءَ مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ الْأُولَى، فَإِنَّهَا فَرْضٌ عَلَى الْمُسَافِرِ لِأَنَّهَا آخِرُ صَلَاتِهِ نَفْلٌ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ لِأَنَّهَا أَوْلَى فِي حَقِّهِ، وَأَطْلَقُوا النَّفَلَ هُنَا عَلَى مَا لَيْسَ بِفَرْضٍ وَهُوَ الْوَاجِبُ لِأَنَّ النَّفَلَ الزِّيَادَةُ وَالْوَاجِبُ زَائِدٌ عَلَى الْفَرْضِ، وَإِذَا اقْتَدَى بِهِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي يَكُونُ اقْتِدَاءَ مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ أَيْضًا فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّهَا فَرْضٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى صَلَاةِ الْمُسَافِرِ نَفْلٌ لِلْمُقِيمِ، سَوَاءٌ قَرَأَ الْمُقِيمُ فِي الْأُولَيَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، أَوْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَقَطْ لِأَنَّ مَحَلَّهَا الْأُولَيَانِ فَتُلْتَحَقُ بِهِمَا فَتَخْلُو الْأُخْرَيَانِ عَنْهَا حُكْمًا. وَلَا يَرِدُ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ لِمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّهَا أَخَذَتْ حُكْمَ الْفَرْضِ تَبَعًا لِصَلَاةِ الْإِمَامِ؛ وَلِذَا لَوْ أَفْسَدَهَا بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ يَقْضِيهَا أَرْبَعًا. [تَنْبِيهٌ] يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى مُقِيمُونَ بِمُسَافِرٍ وَأَتَمَّ بِهِمْ بِلَا نِيَّةِ إقَامَةٍ وَتَابَعُوهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ لِكَوْنِهِ مُتَنَفِّلًا فِي الْأُخْرَيَيْنِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ فِي الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشَرِيَّةَ؛ وَذَكَرَ أَنَّهَا وَقَعَتْ لَهُ وَلَمْ يَرَهَا فِي كِتَابٍ. قُلْت: وَقَدْ نَقَلَهَا الرَّمْلِيُّ فِي بَابِ الْمُسَافِرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، وَسَنَذْكُرُهَا هُنَاكَ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَلَا نَازِلٍ بِرَاكِبٍ إلَخْ) وَكَذَا عَكْسُهُ، وَالْعِلَّةُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ اخْتِلَافُ الْمَكَانِ، وَإِنَّمَا صَحَّ لَوْ كَانَ مَعَهُ عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ لِاتِّحَادِهِ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ أَيْضًا؛ فَفِي اقْتِدَاءِ النَّازِلِ بِالرَّاكِبِ مَانِعٌ آخَرُ وَهُوَ كَوْنُهُ اقْتِدَاءَ مَنْ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ بِمَنْ يُومِئُ بِهِمَا إلَّا إذَا كَانَ النَّازِلُ مُومِيًا أَيْضًا. ثُمَّ إنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَكَانِ مَانِعٌ مِنْ الِاقْتِدَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ اشْتِبَاهُ حَالِ الْإِمَامِ لِأَنَّ الِاشْتِبَاهَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْحَائِلِ لَا فِي اخْتِلَافِ الْمَكَانِ كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَا غَيْرِ الْأَلْثَغِ بِهِ) هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ بَعْدَ اللَّامِ مِنْ اللَّثَغِ بِالتَّحْرِيكِ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: هُوَ الَّذِي يَتَحَوَّلُ لِسَانُهُ مِنْ السِّينِ إلَى الثَّاءِ، وَقِيلَ مِنْ الرَّاءِ إلَى الْغَيْنِ أَوْ اللَّامِ أَوْ الْيَاءِ. زَادَ فِي الْقَامُوسِ أَوْ مِنْ حَرْفٍ إلَى حَرْفٍ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) أَيْ خِلَافًا لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْفَضْلِيِّ مِنْ أَنَّهَا جَائِزَةٌ لِأَنَّ مَا يَقُولُهُ صَارَ لُغَةً لَهُ، وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 عَنْ الْمُجْتَبَى، وَحَرَّرَ الْحَلَبِيُّ وَابْنُ الشِّحْنَةَ أَنَّهُ بَعْدَ بَذْلِ جَهْدِهِ دَائِمًا حَتْمًا كَالْأُمِّيِّ، فَلَا يَؤُمُّ إلَّا مِثْلَهُ، وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ إذَا أَمْكَنَهُ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ يُحْسِنُهُ أَوْ تَرَكَ جُهْدَهُ أَوْ وَجَدَ قَدْرَ الْفَرْضِ مِمَّا لَا لَثَغَ فِيهِ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ فِي حُكْمِ الْأَلْثَغِ، وَكَذَا مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّلَفُّظِ بِحَرْفٍ مِنْ الْحُرُوفِ أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِ الْفَاءِ إلَّا بِتَكْرَارٍ. (وَ) اعْلَمْ أَنَّهُ (إذَا فَسَدَ الِاقْتِدَاءُ)   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي الْأَلْثَغِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِمَامَةُ الْأَلْثَغِ لِغَيْرِهِ تَجُوزُ، وَقِيلَ لَا، وَنَحْوُهُ فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ الْفَضْلِيِّ. وَظَاهِرُهُ اعْتِمَادُهُمْ الصِّحَّةَ، وَكَذَا اعْتَمَدَهَا صَاحِبُ الْحِلْيَةِ، قَالَ لَمَّا أَطْلَقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَؤُمَّ غَيْرَهُ، وَلِمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: وَتُكْرَهُ إمَامَةُ الْفَأْفَاءِ اهـ وَلَكِنْ الْأَحْوَطُ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَنَظَمَهُ فِي مَنْظُومَتِهِ تُحْفَةِ الْأَقْرَانِ، وَأَفْتَى بِهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَقَالَ فِي فَتَاوَاهُ: الرَّاجِحُ الْمُفْتَى بِهِ عَدَمُ صِحَّةِ إمَامَةِ الْأَلْثَغِ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ لَيْسَ بِهِ لُثْغَةٌ. وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَبْيَاتٍ، مِنْهَا قَوْلُهُ: إمَامَةُ الْأَلْثَغِ لِلْمُغَايِرِ ... تَجُوزُ عِنْدَ الْبَعْضِ مِنْ أَكَابِرِ وَقَدْ أَبَاهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ... لِمَا لِغَيْرِهِ مِنْ الصَّوَابِ وَقَالَ أَيْضًا: إمَامَةُ الْأَلْثَغِ لِلْفَصِيحِ ... فَاسِدَةٌ فِي الرَّاجِحِ الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ دَائِمًا) أَيْ فِي آنَاءِ اللَّيْلِ وَأَطْرَافِ النَّهَارِ، فَمَا دَامَ فِي التَّصْحِيحِ وَالتَّعَلُّمِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ، وَإِنْ تَرَكَ جُهْدَهُ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَإِنَّهُ مُشْكِلٌ عِنْدِي لِأَنَّ مَا كَانَ خِلْقَةً فَالْعَبْدُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِهِ اهـ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ حَتْمًا) أَيْ بَذْلًا حَتْمًا فَهُوَ مَفْرُوضٌ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ فَلَا يَؤُمُّ إلَّا مِثْلَهُ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ الْمِثْلِيَّةُ فِي مُطْلَقِ اللَّثَغِ فَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ مَنْ يُبَدَّلُ الرَّاءَ الْمُهْمَلَةَ غَيْنًا مُعْجَمَةً بِمَنْ يُبَدِّلُهَا لَامًا، وَأَنْ يُرَادَ مِثْلِيَّةٌ فِي خُصُوصِ اللَّثَغِ، فَلَا يَقْتَدِي مَنْ يُبَدِّلُهَا غَيْنًا إلَّا بِمَنْ يُبَدِّلُهَا غَيْنًا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَاخْتِلَافِ الْعُذْرِ، فَلْيُرَاجَعْ ح. (قَوْلُهُ إذَا أَمْكَنَهُ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ يُحْسِنُهُ) أَيْ يُحْسِنُ مَا يَلْثَغُ هُوَ بِهِ أَوْ يُحْسِنُ الْقُرْآنَ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأُمِّيَّ إذَا أَمْكَنَهُ الِاقْتِدَاءُ يَلْزَمُهُ، وَفِيهِ كَلَامٌ سَتَعْرِفُهُ. وَعَلَى مَا إذَا تَرَكَ جَهْدَهُ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ مَا دَامَ فِي التَّصْحِيحِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ وَإِنْ تَرْكَ جَهْدَهُ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ، وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قِرَاءَةِ قَدْرِ الْفَرْضِ مِمَّا لَا لَثَغَ فِيهِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَقَرَأَهُ لَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِدَاءُ وَلَا بَذْلُ الْجَهْدِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ أَوْ تَرَكَ جَهْدَهُ) أَيْ وَصَلَّى غَيْرَ مُؤْتَمٍّ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قِرَاءَةِ الْمَفْرُوضِ مِمَّا لَا لَثَغَ فِيهِ؛ أَمَّا لَوْ اقْتَدَى أَوْ قَرَأَ مَا لَا لَثَغَ فِيهِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ وَإِنْ تَرَكَ جَهْدَهُ (قَوْلُهُ أَوْ وَجَدَ قَدْرَ الْفَرْضِ إلَخْ) أَيْ وَصَلَّى غَيْرَ مُؤْتَمٍّ وَلَمْ يَقْرَأْهُ وَإِلَّا صَحَّتْ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ الْقُرْآنِ آيَاتٍ لَيْسَ فِيهَا تِلْكَ الْحُرُوفُ يَتَّخِذُ إلَّا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا يَدَعُ قِرَاءَتَهَا فِي الصَّلَاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّلَفُّظِ بِحَرْفٍ مِنْ الْحُرُوفِ) عَطَفَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّثَغَ خَاصٌّ بِالسِّينِ وَالرَّاءِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ عَنْ الْمُغْرِبِ، وَذَلِكَ كَالرَّهْمَنِ الرَّهِيمِ وَالشَّيْتَانِ الرَّجِيمِ وَالْآلَمِينَ وَإِيَّاكَ نَأْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَئِينُ السِّرَاتَ أَنْأَمْتَ، فَكُلُّ ذَلِكَ حُكْمُهُ مَا مَرَّ مِنْ بَذْلِ الْجَهْدِ دَائِمًا وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِهِ. مَطْلَبٌ إذَا كَانَتْ اللُّثْغَةُ يَسِيرَةً [تَتِمَّةٌ] سُئِلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ عَمَّا إذَا كَانَتْ اللُّثْغَةُ يَسِيرَةً. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَهَا لِأَئِمَّتِنَا، وَصَرَّحَ بِهَا الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ يَسِيرَةً بِأَنْ يَأْتِيَ بِالْحَرْفِ غَيْرَ صَافٍ لَمْ تُؤَثِّرْ. قَالَ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ اهـ وَبِمِثْلِهِ أَفْتَى تِلْمِيذُ الشَّارِحِ الْمَرْحُومِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ (لَا يَصِحُّ شُرُوعُهُ فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ قَصَدَ الْمُشَارَكَةَ وَهِيَ غَيْرُ صَلَاةِ الِانْفِرَادِ (عَلَى) الصَّحِيحِ مُحِيطٌ، وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ (الْمَذْهَبُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَكِنْ كَلَامُ الْخُلَاصَةِ يُفِيدُ أَنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً. قُلْت: وَقَدْ ادَّعَى فِيمَا مَرَّ بَعْدَ تَصْحِيحِ السِّرَاجِ بِخِلَافِهِ أَنَّ الْمَذْهَبَ انْقِلَابُهَا نَفْلًا فَتَأَمَّلْ، وَحِينَئِذٍ فَالْأَشْبَهُ   [رد المحتار] الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ الْحَائِكِ مُفْتِي دِمَشْقَ وَالشَّامِ (قَوْلُهُ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لِفَقْدِ أَهْلِيَّةِ الْإِمَامِ لِلْإِمَامَةِ كَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ، أَوْ لِفَقْدِ شَرْطٍ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُقْتَدِي كَالْمَعْذُورِ وَالْعَارِي، أَوْ لِفَقْدِ رُكْنٍ فِيهِ كَذَلِكَ كَالْمُومِي وَالْأُمِّيِّ، أَوْ لِاخْتِلَافِ الصَّلَاتَيْنِ كَالْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَارَّةِ (قَوْلُهُ فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ) أَيْ فِي صَلَاةِ مُسْتَقِلٍّ بِهَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ غَيْرِ تَابِعٍ فِيهَا لِلْإِمَامِ لَا فَرْضًا وَنَفْلًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَفْصِيلُ الزَّيْلَعِيِّ كَمَا أَفَادَهُ ح، وَكَذَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُ الشَّارِحِ وَحِكَايَتُهُ لِلْقَوْلِ بِانْقِلَابِهَا نَفْلًا. (قَوْلُهُ وَهِيَ غَيْرُ صَلَاةِ الِانْفِرَادِ) لِأَنَّ لَهَا أَحْكَامًا غَيْرَ الْأَحْكَامِ الَّتِي قَصَدَهَا وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ فِيمَا نَوَى لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ) أَيْ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَتْنِهِ (قَوْلُهُ لَكِنْ كَلَامُ الْخُلَاصَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ: وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ هَلْ يَصِيرُ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ؟ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا. وَعِنْدَهُمَا يَصِيرُ شَارِعًا. اهـ. (قَوْلُهُ قُلْت وَقَدْ ادَّعَى) أَيْ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِيمَا مَرَّ: أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْمُحَاذَاةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ فِي صَلَاةٍ وَقَوْلُهُ بَعْدَ تَصْحِيحِ السِّرَاجِ بِخِلَافِهِ: أَيْ خِلَافِ مَا ادَّعَى فِي الْبَحْرِ هُنَا أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَالْأَوْلَى حَذْفُ الْبَاءِ أَوْ إبْدَالُهَا فَاللَّامُ التَّقْوِيَةِ لِأَنَّهُ مَفْعُولُ تَصْحِيحِ؛ وَقَوْلُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ مَفْعُولُ ادَّعَى. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ نَقَلَ فِيمَا مَرَّ عَنْ السِّرَاجِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ فِي الظُّهْرِ وَهُوَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَحَاذَتْهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَالَ: لِأَنَّ اقْتِدَاءَهَا وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَرْضًا يَصِحُّ نَفْلًا عَلَى الْمَذْهَبِ، فَكَانَ بِنَاءَ النَّفْلِ عَلَى الْفَرْضِ اهـ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ إذَا فَسَدَ الِاقْتِدَاءُ بِالْفَرْضِ لَمْ يَفْسُدْ الشُّرُوعُ، بَلْ بَقِيَ الِاقْتِدَاءُ بِالنَّفْلِ وَإِلَّا لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ بِمُحَاذَاتِهَا لَهُ، وَتَصْرِيحُهُ بِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ مُنَاقِضٌ لِمَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَذْهَبَ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ فَالْأَشْبَهُ إلَخْ) أَيْ حِينَ إذْ اخْتَلَفَ كَلَامُ الْبَحْرِ فِي نَقْلِ مَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَلَا يُمْكِنُ إهْمَالُ أَحَدِ النَّقْلَيْنِ، فَالْأَشْبَهُ بِالْقَوَاعِدِ مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ مِمَّا يُنَاسِبُ كُلًّا مِنْهُمَا وَيَحْصُلُ بِهِ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا، بِحَمْلِ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ وَأَصْلًا عَلَى مَا إذَا كَانَ فَسَادُ الِاقْتِدَاءِ لِفَقْدِ شَرْطٍ أَيْ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَلْزَمُ بِهِ فَسَادُ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي وَبِحَمْلِ مَا صَحَّحَهُ فِي السِّرَاجِ مِنْ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالنَّفْلِ وَفَسَادِ الْوَصْفِ أَعْنِي الْفَرْضِيَّةَ فَقَطْ عَلَى مَا إذَا كَانَ لِاخْتِلَافِ الصَّلَاتَيْنِ؛ فَلَوْ قَهْقَهَ فِي صَلَاتِهِ هَذِهِ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَيَنْتَقِضُ فِي الثَّانِي. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ادَّعَى الشَّارِحُ أَنَّهُ الْأَشْبَهُ قَدْ رَدَّهُ فِي الْبَحْرِ، حَيْثُ قَالَ: وَيَرُدُّ هَذَا التَّفْصِيلَ مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي كَافِيهِ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا نَوَتْ الْعَصْرَ خَلْفَ مُصَلِّي الظُّهْرِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهَا وَلَمْ تَفْسُدْ عَلَى الْإِمَامِ صَلَاتُهُ اهـ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ صِحَّةِ شُرُوعِهَا لِاخْتِلَافِ الصَّلَاتَيْنِ. وَقَالَ: أَيْ الْحَاكِمُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: رَجُلٌ قَارِئٌ دَخَلَ فِي صَلَاةِ أُمِّيٍّ تَطَوُّعًا أَوْ فِي صَلَاةِ امْرَأَةٍ أَوْ جُنُبٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ ثُمَّ أَفْسَدَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي صَلَاةٍ تَامَّةٍ اهـ مَطْلَبٌ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ فِي كُتُبِهِ الَّتِي هِيَ ظَاهِرُ الرَّاوِيَةِ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمَذْهَبَ تَصْحِيحُ الْمُحِيطِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ لِأَنَّ الْكَافِيَ جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ فِي كُتُبِهِ الَّتِي هِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ. أَقُولُ: نَعَمْ ظَاهِرُ الْفَرْعِ الْأَوَّلِ مُؤَيِّدٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَمُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ عَنْ السِّرَاجِ، وَأَمَّا الْفَرْعُ الثَّانِي فَلَا، بَلْ الْأَمْرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ مَتَى فَسَدَ لِفَقْدِ شَرْطٍ كَطَاهِرٍ بِمَعْذُورٍ لَمْ تَنْعَقِدْ أَصْلًا، وَإِنْ لِاخْتِلَافِ الصَّلَاتَيْنِ تَنْعَقِدُ نَفْلًا غَيْرَ مَضْمُونٍ، وَثَمَرَتُهُ الِانْتِقَاضُ بِالْقَهْقَهَةِ (وَيَمْنَعُ مِنْ الِاقْتِدَاءِ) صَفٌّ مِنْ النِّسَاءِ بِلَا حَائِلٍ قَدْرُ ذِرَاعٍ أَوْ ارْتِفَاعُهُنَّ قَدْرَ قَامَةِ الرَّجُلِ مِفْتَاحُ السَّعَادَةِ أَوْ (طَرِيقٌ   [رد المحتار] فِيهِ بِالْعَكْسِ لِأَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ أَفْسَدَهَا صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ الشُّرُوعِ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي صَلَاةٍ تَامَّةٍ مُؤَيِّدٌ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُفِيدُ دُخُولَهُ فِي صَلَاةٍ نَاقِصَةٍ أَيْ فِي نَفْلٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ، وَلِذَا قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا، وَفِي هَذَا الْفَرْعِ رَدٌّ عَلَى مَا فَصَّلَهُ الزَّيْلَعِيُّ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهِ لِفَقْدِ شَرْطٍ مَعَ أَنَّهُ صَحَّ شُرُوعُهُ كَمَا عَلِمْت. ثُمَّ رَأَيْت الرَّحْمَتِيَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا ذَكَرْته وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا صِحَّةُ الشُّرُوعِ فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا مَا فِي السِّرَاجِ. وَالْفَرْعُ الثَّانِي مِنْ فَرْعَيْ الْكَافِي وَالثَّانِيَةُ عَدَمُ الصِّحَّةِ أَصْلًا، وَعَلَيْهَا مَا فِي الْمُحِيطِ، وَالْفَرْعُ الْأَوَّلُ وَهِيَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ. وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ مَا فِي السِّرَاجِ جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ صَفٌّ مِنْ النِّسَاءِ) الْمُرَادُ بِهِ مَا زَادَ عَلَى ثَلَاثِ نِسْوَةٍ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ اقْتِدَاءَ جَمِيعِ مَنْ خَلْفَهُ وَإِلَّا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَا حَاصِلَهُ عَنْ الْبَحْرِ، وَهُوَ مَا اتَّفَقُوا عَلَى نَقْلِهِ عَنْ أَصْحَابِنَا، مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ تُفْسِدُ صَلَاةَ رَجُلَيْنِ مِنْ جَانِبَيْهَا وَرَجُلٍ خَلْفَهَا، وَالثِّنْتَيْنِ صَلَاةَ اثْنَيْنِ مِنْ جَانِبَيْهِمَا وَاثْنَيْنِ خَلْفَهُمَا، وَالثَّلَاثُ صَلَاةَ اثْنَيْنِ مِنْ جَانِبَيْهِنَّ وَصَلَاةَ ثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةٍ مِنْ خَلْفِهِنَّ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ، وَلَوْ كَانَ صَفٌّ مِنْ النِّسَاءِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالْإِمَامِ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الرِّجَالِ بِالْإِمَامِ وَيُجْعَلُ حَائِلًا (قَوْلُهُ بِلَا حَائِلٍ) قَيْدٌ لِلْمَنْعِ، وَقَوْلُهُ أَوْ ارْتِفَاعِهِنَّ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى حَائِلٍ. وَعِبَارَةُ مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ: وَفِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ كَانَ صَفُّ الرِّجَالِ عَلَى الْحَائِطِ وَصَفُّ النِّسَاءِ أَمَامَهُنَّ أَوْ كَانَ صَفُّ النِّسَاءِ عَلَى الْحَائِطِ وَصَفُّ الرِّجَالِ خَلْفَهُنَّ، إنْ كَانَ الْحَائِطُ مِقْدَارَ قَامَةِ الرَّجُلِ جَازَتْ صَلَاتُهُمْ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَلَا، وَإِنْ كَانَ صَفٌّ تَامٌّ مِنْ النِّسَاءِ وَلَيْسَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ حَائِلٌ تَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُنَّ وَلَوْ عِشْرِينَ صَفًّا، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الرِّجَالِ فَاصِلٌ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ وَذَلِكَ الْحَائِلُ مِقْدَارُ مُؤْخِرِ الرَّحْلِ أَوْ مِقْدَارُ خَشَبَةٍ مَنْصُوبَةٍ أَوْ حَائِطٍ قَدْرُ ذِرَاعٍ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ صَفُّ النِّسَاءِ أَمَامَ صَفِّ الرِّجَالِ يَمْنَعُ إلَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الصَّفَّيْنِ عَلَى حَائِطٍ مُرْتَفِعٍ قَدْرَ قَامَةٍ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ مِقْدَارُ مُؤْخِرِ رَحْلِ الْبَعِيرِ أَوْ خَشَبَةٍ مَنْصُوبَةٍ أَوْ حَائِطٍ قَدْرَ ذِرَاعٍ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا. وَهُوَ قَوْمٌ صَلَّوْا عَلَى ظَهْرِ ظُلَّةٍ فِي الْمَسْجِدِ وَبِحِذَائِهِمْ مِنْ تَحْتِهِمْ نِسَاءٌ أَجْزَأَتْهُمْ صَلَاتُهُمْ لِعَدَمِ اتِّحَادِ الْمَكَانِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قُدَّامَهُمْ نِسَاءٌ فَإِنَّهَا فَاسِدَةٌ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ صَفٌّ مِنْ النِّسَاءِ وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ الِاقْتِدَاءِ اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: قَوْمٌ صَلَّوْا عَلَى ظُهُورِ ظُلَّةِ الْمَسْجِدِ وَتَحْتَهُمْ قُدَّامَهُمْ نِسَاءٌ لَا تَجْزِيهِمْ صَلَاتُهُمْ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ صَفٌّ مِنْ النِّسَاءِ فَمَنَعَ اقْتِدَاءَهُمْ وَكَذَا الطَّرِيقُ اهـ فَهَذَا بِإِطْلَاقِهِ صَرِيحٌ بِأَنَّ الِارْتِفَاعَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي صَفِّ النِّسَاءِ وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: فَإِنْ كَانَ صَفٌّ تَامٌّ مِنْ النِّسَاءِ وَوَرَاءَهُنَّ صُفُوفُ الرِّجَالِ فَسَدَتْ تِلْكَ الصُّفُوفُ كُلُّهَا اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَفْسُدَ إلَّا صَلَاةُ صَفٍّ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ اُسْتُحْسِنَ لِحَدِيثِ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا عَلَيْهِ «مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ نَهْرٌ أَوْ طَرِيقٌ أَوْ صَفٌّ مِنْ النِّسَاءِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ» اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَائِلَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي صَفِّ النِّسَاءِ وَإِلَّا لَفَسَدَتْ صَلَاةُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ مِنْ الرِّجَالِ فَقَطْ لِكَوْنِهِ صَارَ حَائِلًا بَيْنَ مَنْ خَلْفَهُ وَبَيْنَ صَفِّ النِّسَاءِ كَمَا هُوَ الْقِيَاسُ؛ فَظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ اعْتِبَارِ الْحَائِلِ أَوْ الِارْتِفَاعِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا دُونَ الصَّفِّ التَّامِّ مِنْ النِّسَاءِ كَالْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ، أَمَّا الصَّفُّ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْقِيَاسِ اتِّبَاعًا لِلْأَثَرِ، هَذَا مَا ظَهَرَ فَتَدَبَّرْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ أَوْ طَرِيقٌ) أَيْ نَافِذٌ أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَيْخِهِ ط. قُلْت: وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ التَّعْبِيرِ عَنْهُ فِي عِدَّةِ كُتُبٍ بِالطَّرِيقِ الْعَامِّ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 تَجْرِي فِيهِ عَجَلَةٌ) آلَةٌ يَجُرُّهَا الثَّوْرُ (أَوْ نَهْرٌ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ) وَلَوْ زَوْرَقًا وَلَوْ فِي الْمَسْجِدِ (أَوْ خَلَاءٌ) أَيْ فَضَاءٌ (فِي الصَّحْرَاءِ) أَوْ فِي مَسْجِدٍ كَبِيرٍ جِدًّا كَمَسْجِدِ الْقُدْسِ (يَسَعُ صَفَّيْنِ) فَأَكْثَرَ إلَّا إذَا اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ   [رد المحتار] الطَّرِيقُ فِي مَسْجِدِ الرِّبَاطِ وَالْخَانِ لَا يَمْنَعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَرِيقٍ عَامٍّ (قَوْلُهُ تَجْرِي فِيهِ عَجَلَةٌ) أَيْ تَمُرُّ، وَبِهِ عَبَّرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ. وَالْعَجَلَةُ بِفَتْحَتَيْنِ. وَفِي الدُّرَرِ: هُوَ الَّذِي تَجْرِي فِيهِ الْعَجَلَةُ وَالْأَوْقَارُ اهـ وَهُوَ جَمْعُ وِقْرٍ بِالْقَافِ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ فِي حِمْلِ الْبَغْلِ أَوْ الْحِمَارِ كَالْوَسْقِ فِي حِمْلِ الْبَعِيرِ (قَوْلُهُ أَوْ نَهْرٌ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ) أَيْ يُمْكِنُ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ تَمُرُّ فِيهِ عَجَلَةٌ ط. وَأَمَّا الْبِرْكَةُ أَوْ الْحَوْضُ، فَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ وَقَعَتْ النَّجَاسَةُ فِي جَانِبٍ تَنَجَّسُ الْجَانِبُ الْآخَرُ، لَا يَمْنَعُ وَإِلَّا مَنَعَ، كَذَا ذَكَرَهُ الصَّفَّارُ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْمُحِيطِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَوْضَ الْكَبِيرَ الْمَذْكُورَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ يَمْنَعُ أَيْ مَا لَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ حَوْلَهُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَوْ (زَوْرَقًا)) بِتَقْدِيمِ الزَّايِ: السَّفِينَةُ الصَّغِيرَةُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. وَفِي الْمُلْتَقَطِ: إذَا كَانَ كَأَضْيَقِ الطَّرِيقِ يَمْنَعُ، وَإِنْ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ طَرِيقٌ مِثْلَهُ لَا يَمْنَعُ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ مَاءٌ أَوْ لَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: النَّهْرُ الَّذِي يَمْشِي فِي بَطْنِهِ جَمَلٌ وَفِيهِ مَاءٌ يَمْنَعُ، وَإِنْ كَانَ يَابِسًا وَاتَّصَلَتْ بِهِ الصُّفُوفُ جَازَ. اهـ. إسْمَاعِيلُ (قَوْلُ وَلَوْ فِي الْمَسْجِدِ) صَرَّحَ بِهِ فِي الدُّرَرِ وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ أَوْ خَلَاءٌ) بِالْمَدِّ: الْمَكَانُ الَّذِي لَا شَيْءَ بِهِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ أَوْ فِي مَسْجِدٍ كَبِيرٍ جِدًّا إلَخْ) قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَالْفَاصِلُ فِي مُصَلَّى الْعِيدِ لَا يَمْنَعُ وَإِنْ كَثُرَ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمُتَّخَذِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ. وَفِي النَّوَازِلِ: جَعَلَهُ كَالْمَسْجِدِ، وَالْمَسْجِدُ وَإِنْ كَبِرَ لَا يَمْنَعُ الْفَاصِلَ إلَّا فِي الْجَامِعِ الْقَدِيمِ بِخَوَارِزْمِ، فَإِنَّ رُبْعَهُ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافِ أُسْطُوَانَةٍ وَجَامِعُ الْقُدْسِ الشَّرِيفِ أَعْنِي مَا يَشْتَمِلُ عَلَى الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ الْأَقْصَى وَالصَّخْرَةِ وَالْبَيْضَاءِ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الدُّرَرِ: لَا يَمْنَعُ مِنْ الِاقْتِدَاءِ الْفَضَاءُ الْوَاسِعُ فِي الْمَسْجِدِ، وَقِيلَ يَمْنَعُ اهـ فَإِنَّهُ وَإِنْ أَفَادَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ الْمَنْعِ لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ جِدًّا كَجَامِعِ خَوَارِزْمِ وَالْقُدْسِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَكَوْنُ الرَّاجِحِ عَدَمَ الْمَنْعِ مُطْلَقًا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ فَافْهَمْ. [تَتِمَّةٌ] فِي الْقُهُسْتَانِيِّ: الْبَيْتُ كَالصَّحْرَاءِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كَالْمَسْجِدِ وَلِهَذَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ فِيهِ بِلَا اتِّصَالِ الصُّفُوفِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ اهـ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الدَّارِ فَلْيُرَاجَعْ، لَكِنْ ظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِالصَّحْرَاءِ وَالْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ جِدًّا أَنَّ الدَّارَ كَالْبَيْتِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى أَنَّ قَاضِي خَانْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِسِتِّينَ ذِرَاعًا، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: إنْ كَانَتْ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا فَهِيَ كَبِيرَةٌ وَإِلَّا فَصَغِيرَةٌ، هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الدَّارَ الْكَبِيرَةَ كَالصَّحْرَاءِ وَالصَّغِيرَةَ كَالْمَسْجِدِ، وَأَنَّ الْمُخْتَارَ فِي تَقْدِيرِ الْكَبِيرَةِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّ فِنَاءَ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ قَالَ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ مِنْ صَحْنِ الْخَانْقَاهْ الشَّيْخُونِيَّةِ بِالْإِمَامِ فِي الْمِحْرَابِ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ لِأَنَّ الصَّحْنَ فِنَاءُ الْمَسْجِدِ، وَكَذَا اقْتِدَاءُ مَنْ بِالْخَلَاوِي السُّفْلِيَّةِ صَحِيحٌ لِأَنَّ أَبْوَابَهَا فِي فِنَاءِ الْمَسْجِدِ إلَخْ، وَيَأْتِي تَمَامُ عِبَارَتِهِ. وَفِي الْخَزَائِنِ: فِنَاءُ الْمَسْجِدِ هُوَ مَا اتَّصَلَ بِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ طَرِيقٌ. اهـ. قُلْت: يَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَدْرَسَةَ الْكَلَّاسَة وَالْكَامِلِيَّةِ مِنْ فِنَاءِ الْمَسْجِدِ الْأُمَوِيِّ فِي دِمَشْقَ لِأَنَّ بَابَهُمَا فِي حَائِطِهِ وَكَذَا الْمَشَاهِدُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي فِيهِ بِالْأَوْلَى، وَكَذَا سَاحَةُ بَابِ الْبَرِيدِ وَالْحَوَانِيتِ الَّتِي فِيهَا (قَوْلُهُ يَسَعُ صَفَّيْنِ) نَعْتٌ لِقَوْلِهِ خَلَاءٌ، وَالتَّقْيِيدُ بِالصَّفَّيْنِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْفَيْضِ وَالْمُبْتَغَى. وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ وَخِزَانَةِ الْفَتَاوَى: وَبِهِ يَفْتِي إسْمَاعِيلُ، فَمَا فِي الدُّرَرِ مِنْ تَقْيِيدِهِ الْخَلَاءَ بِمَا يُمْكِنُ الِاصْطِفَافُ فِيهِ غَيْرُ الْمُفْتَى بِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ) الِاسْتِثْنَاءُ عَائِدٌ إلَى الطَّرِيقِ وَالنَّهْرِ دُونَ الْخَلَاءِ لِأَنَّ الصُّفُوفَ إذَا اتَّصَلَتْ فِي الصَّحْرَاءِ لَمْ يُوجَدْ الْخَلَاءُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 فَيَصِحُّ مُطْلَقًا، كَأَنْ قَامَ فِي الطَّرِيقِ ثَلَاثَةٌ، وَكَذَا اثْنَانِ عِنْدَ الثَّانِي لَا وَاحِدٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لِكَرَاهَةِ صَلَاتِهِ صَارَ وُجُودُهُ. كَعَدَمِهِ فِي حَقِّ مَنْ خَلْفَهُ. (وَالْحَائِلُ لَا يَمْنَعُ) الِاقْتِدَاءَ (إنْ لَمْ يَشْتَبِهْ حَالُ إمَامِهِ) بِسَمَاعٍ أَوْ رُؤْيَةٍ وَلَوْ مِنْ بَابٍ مُشَبَّكٍ يَمْنَعُ الْوُصُولَ فِي الْأَصَحِّ (وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ) حَقِيقَةً كَمَسْجِدٍ وَبَيْتٍ فِي الْأَصَحِّ قُنْيَةٌ، وَلَا حُكْمًا عِنْدَ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ؛ وَلَوْ اقْتَدَى مِنْ سَطْحِ دَارِهِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ   [رد المحتار] تَأَمَّلْ، وَكَذَا لَوْ اصْطَفُّوا عَلَى طُولِ الطَّرِيقِ صَحَّ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ مِقْدَارُ مَا تَمُرُّ فِيهِ الْعَجَلَةُ، وَكَذَا بَيْنَ كُلِّ صَفٍّ وَصَفٍّ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا. [فَرْعٌ] لَوْ أَمَّ فِي الصَّحْرَاءِ وَخَلْفَهُ صُفُوفٌ فَكَبَّرَ الصَّفُّ الثَّالِثُ قَبْلَ الْأَوَّلِ يَجُوزُ قُنْيَةٌ مِنْ بَابِ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ طَرِيقٌ أَوْ نَهْرٌ ح (قَوْلُهُ كَأَنْ قَامَ فِي الطَّرِيقِ ثَلَاثَةٌ) وَصُورَةُ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ فِي النَّهْرِ أَنْ يَقِفُوا عَلَى جِسْرٍ مَوْضُوعٍ فَوْقَهُ أَوْ عَلَى سُفُنٍ مَرْبُوطَةٍ فِيهِ ح. أَقُولُ: وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُحَاذِيًا لِلْجِسْرِ؛ أَمَّا لَوْ كَانَ مُحَاذِيًا لَهُ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّفِّ الْآخَرِ فَضَاءٌ كَثِيرٌ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ. ثُمَّ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى النَّهْرِ جِسْرٌ فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ، وَلَوْ كَانَ النَّهْرُ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا فِي جَامِعِ دُنْقُزَ الَّذِي فِي دِمَشْقَ (قَوْلُهُ وَكَذَا اثْنَانِ عِنْدَ الثَّانِي) وَالْأَصَحُّ قَوْلُهُمَا كَمَا فِي السِّرَاجِ، وَكَذَا الِاثْنَانِ كَالْجَمْعِ عِنْدَ الثَّانِي فِي الْجُمُعَةِ، وَفِي الْمُحَاذَاةِ حَتَّى لَوْ كُنَّ ثِنْتَيْنِ تُفْسِدَانِ صَلَاةَ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ خَلْفَهُمَا إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ. قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ النَّسَفِيَّةِ فِي مَقَالَاتِ أَبِي يُوسُفَ: وَاثْنَانِ فِي الْجُمُعَةِ جَمْعٌ وَكَذَا ... سَدُّ الطَّرِيقِ وَمُحَاذَاةُ النَّسَا [تَتِمَّةٌ] صَلَّوْا فِي الصَّحْرَاءِ وَفِي وَسْطِ الصُّفُوفِ فُرْجَةٌ لَمْ يَقُمْ فِيهَا أَحَدٌ مِقْدَارُ حَوْضٍ كَثِيرٍ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ، إنْ كَانَتْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً حَوَالَيْ الْفُرْجَةِ تَجُوزُ صَلَاةُ مَنْ كَانَ وَرَاءَهَا، أَمَّا لَوْ كَانَتْ مِقْدَارَ حَوْضٍ صَغِيرٍ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ كَذَا فِي الْفَيْضِ، وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ بِسَمَاعٍ) أَيْ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ الْمُكَبِّرِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ أَوْ رُؤْيَةٍ) يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَةُ كَالسَّمَاعِ، لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ أَنْ يَرَى انْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ أَوْ أَحَدَ الْمُقْتَدِينَ ح (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الِاشْتِبَاهُ وَعَدَمُهُ كَمَا يَأْتِي، لَا إمْكَانُ الْوُصُولِ إلَى الْإِمَامِ وَعَدَمُهُ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ) أَيْ مَكَانُ الْمُقْتَدِي وَالْإِمَامِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ اشْتَرَطَ عَدَمَ الِاشْتِبَاهِ وَعَدَمَ اخْتِلَافِ الْمَكَانِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ كُلٌّ مِنْ الِاشْتِبَاهِ وَالِاخْتِلَافِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ مَنَعَ الِاقْتِدَاءَ، لَكِنْ الْمَنْعُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ فَقَطْ فِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي (قَوْلُهُ كَمَسْجِدٍ وَبَيْتٍ) فَإِنَّ الْمَسْجِدَ مَكَانٌ وَاحِدٌ، وَلِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْفَصْلُ بِالْخَلَاءِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ كَبِيرًا جِدًّا وَكَذَا الْبَيْتُ حُكْمُهُ حُكْمِ الْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ لَا حُكْمُ الصَّحْرَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ: ذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْحَائِطِ الْعَرِيضِ بَابٌ وَلَا ثُقْبٌ؛ فَفِي رِوَايَةٍ يَمْنَعُ لِاشْتِبَاهِ حَالِ الْإِمَامِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَمْنَعُ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ بِمَكَّةَ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقِفُ فِي مَقَامِ إبْرَاهِيمَ، وَبَعْضُ النَّاسِ وَرَاءَ الْكَعْبَةِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ الْكَعْبَةُ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمِنْبَرَ إذَا كَانَ مَسْدُودًا لَا يَمْنَعُ اقْتِدَاءَ مَنْ يُصَلِّي بِجَنْبِهِ عِنْدَ عَدَمِ الِاشْتِبَاهِ، خِلَافًا لِمَنْ أَفْتَى بِالْمَنْعِ وَأَمَرَ بِفَتْحِ بَابٍ فِيهِ مِنْ عُلَمَاءِ الرُّومِ (قَوْلُهُ عِنْدَ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ) أَيْ فِي الطَّرِيقِ أَوْ عَلَى جِسْرِ النَّهْرِ، فَإِنَّهُ مَعَ وُجُودِ النَّهْرِ أَوْ الطَّرِيقِ يَخْتَلِفُ الْمَكَانُ، وَعِنْدَ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ يَصِيرُ الْمَكَانُ وَاحِدًا حُكْمًا فَلَا يَمْنَعُ كَمَا مَرّ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْحَائِلِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَشْمَلُ الْحَائِطَ وَغَيْرَهُ كَالطَّرِيقِ وَالنَّهْرِ، إذْ لَوْ أُرِيدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 دُرَرٌ وَبَحْرٌ وَغَيْرُهُمَا وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ لَكِنْ تَعَقَّبَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَنَقَلَ عَنْ الْبُرْهَانِ وَغَيْرِهِ   [رد المحتار] بِهِ الْحَائِطُ فَقَطْ لَمْ يُنَاسِبْ ذِكْرُ هَذَا الْكَلَامِ هُنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ دُرَرٌ) عِبَارَتُهَا: الْحَائِلُ بَيْنَهُمَا لَوْ بِحَيْثُ يُشْتَبَهُ بِهِ حَالُ الْإِمَامِ يَمْنَعُ وَإِلَّا فَلَا، إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ الْمَكَانُ. قَالَ قَاضِي خَانْ: إذَا قَامَ عَلَى الْجِدَارِ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ دَارِهِ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ وَلَا يُشْتَبَهُ حَالُ الْإِمَامِ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ، وَإِنْ قَامَ عَلَى سَطْحِ دَارِهِ وَدَارُهُ مُتَّصِلَةٌ بِالْمَسْجِدِ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ حَالُ الْإِمَامِ لِأَنَّ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَبَيْنَ سَطْحِ دَارِهِ كَثِيرَ التَّخَلُّلِ فَصَارَ الْمَكَانُ مُخْتَلِفًا. أَمَّا فِي الْبَيْتِ مَعَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَتَخَلَّلْ إلَّا الْحَائِطُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ، وَعِنْدَ اتِّحَادِ الْمَكَانِ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ إلَّا إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ حَالُ الْإِمَامِ. اهـ. أَقُولُ: حَاصِلُ كَلَامِ الدُّرَرِ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَكَانِ مَانِعٌ مُطْلَقًا. وَأَمَّا إذَا اتَّحَدَ، فَإِنْ حَصَلَ اشْتِبَاهٌ مَنَعَ وَإِلَّا فَلَا، وَمَا نَقَلَهُ عَنْ قَاضِي خَانْ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ لَكِنْ تَعَقَّبَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَخْ) حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَامَ عَلَى سَطْحِ دَارِهِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْمَسْجِدِ لَا يَصِحُّ إلَخْ خِلَافُ الصَّحِيحِ، لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَصِحُّ؛ وَلِمَا فِي الْبُرْهَانِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ كَبِيرٌ لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَى الْإِمَامِ وَلَكِنْ لَا يَشْتَبِهُ حَالُهُ عَلَيْهِ بِسَمَاعٍ أَوْ رُؤْيَةٍ لِانْتِقَالَاتِهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ فِي الصَّحِيحِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ. اهـ. وَحَاصِلُ كَلَامِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الِاشْتِبَاهُ وَعَدَمُهُ فَقَطْ دُونَ اخْتِلَافِ الْمَكَانِ، فَإِنْ حَصَلَ الِاشْتِبَاهُ مَنَعَ سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْمَكَانُ أَوْ لَا، وَإِلَّا فَلَا. وَاعْتَرَضَهُ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي بِأَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِ النُّعْمَانِ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمَكَانِ وَالْمَكَانُ فِي مَسْأَلَةِ الظَّهِيرِيَّةِ مُخْتَلِفٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. اهـ. أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الشُّرُنْبُلَالِيُّ نَفْسَهُ صَرَّحَ فِي الْإِمْدَادِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الرَّاجِلِ بِالرَّاكِبِ وَعَكْسُهُ، وَلَا الرَّاكِبِ بِالرَّاكِبِ لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ إلَّا إذَا كَانَ رَاكِبًا دَابَّةَ إمَامِهِ، وَكَذَا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ ثُمَّ تَوَضَّأَ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَى مَكَانِهِ لِيُتِمَّ مَعَ خَلِيفَتِهِ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَا يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ لِئَلَّا يَخْتَلِفَ الْمَكَانُ. وَأَمَّا مَا صَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ السَّطْحِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِنَاءً عَلَى مَا إذَا كَانَ السَّطْحُ مُتَّصِلًا بِالْمَسْجِدِ، فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَيَكُونُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مَبْنِيًّا عَلَى عَدَمِ الِاتِّصَالِ الْمَذْكُورِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ عَلَّلَ لِلْمَنْعِ بِكَثْرَةِ التَّخَلُّلِ وَاخْتِلَافِ الْمَكَانِ: أَيْ لِكَوْنِ صَحْنِ الدَّارِ فَاصِلًا بَيْنَ السَّطْحِ وَالْمَسْجِدِ فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ لَصَحَّ الِاقْتِدَاءُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ كَانَ عَلَى سَطْحٍ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ مُتَّصِلٍ بِهِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ فَاقْتَدَى بِهِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِهِ صَارَ تَبَعًا لِسَطْحِ الْمَسْجِدِ وَسَطْحُ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ، فَهُوَ كَاقْتِدَائِهِ فِي جَوْفِ الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ حَالُ الْإِمَامِ. اهـ. فَأَنْتَ تَرَى كَيْفَ عَلَّلَ الصِّحَّةَ بِالِاتِّصَالِ كَمَا عَلَّلَ فِي الْخَانِيَّةِ لِعَدَمِهَا بِعَدَمِهِ. وَقَدْ جَزَمَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلِاشْتِبَاهِ؛ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَإِنْ قَامَ عَلَى سَطْحِ دَارِهِ وَاقْتَدَى بِالْإِمَامِ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ وَلَا شَارِعٌ يَصِحُّ اهـ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَائِلٌ كَمَا قُلْنَا، فَيَصِحُّ لِاتِّحَادِ الْمَكَانِ وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ الْبُرْهَانِ فَلَيْسَ فِيهِ تَصْحِيحُ الِاقْتِدَاءِ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَكَانِ لِأَنَّهُ بِتَخَلُّلِ الْحَائِطِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَكَانُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ قَاضِي خَانْ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِنْ صَلَّى عَلَى سَطْحِ بَيْتِهِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَسْجِدِ، ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْمَسْجِدِ لَا يَكُونُ أَشَدَّ حَالًا مِنْ مَنْزِلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ حَائِطٌ وَلَوْ صَلَّى رَجُلٌ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَنْزِلِ وَهُوَ يَسْمَعُ التَّكْبِيرَ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ الْمُكَبِّرِ يَجُوزُ فَكَذَلِكَ الْقِيَامُ عَلَى السَّطْحِ اهـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 أَنَّ الصَّحِيحَ اعْتِبَارُ الِاشْتِبَاهِ فَقَطْ. قُلْت: وَفِي الْأَشْبَاهِ وَزَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ وَمِفْتَاحِ السَّعَادَةِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ. وَفِي النَّهْرِ عَنْ الزَّادِ أَنَّهُ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. (وَصَحَّ اقْتِدَاءُ مُتَوَضِّئٍ) لَا مَاءِ مَعَهُ (بِمُتَيَمِّمٍ) وَلَوْ مَعَ مُتَوَضِّئٍ بِسُؤْرِ حِمَارٍ مُجْتَبًى (وَغَاسِلٍ بِمَاسِحٍ) وَلَوْ عَلَى جَبِيرَةٍ (وَقَائِمٍ بِقَاعِدٍ) يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ؛ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى آخِرَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا وَهُمْ قِيَامٌ وَأَبُو بَكْرٍ يُبَلِّغُهُمْ   [رد المحتار] فَقَدْ تَحَرَّرَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَكَانِ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَلَوْ بِلَا اشْتِبَاهٍ، وَأَنَّهُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ اتَّحَدَ الْمَكَانُ: ثُمَّ رَأَيْت الرَّحْمَتِيَّ قَرَّرَ كَذَلِكَ فَاغْتَنِمْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَنَّ الصَّحِيحَ اعْتِبَارُ الِاشْتِبَاهِ فَقَطْ) أَيْ وَلَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُرَادٍ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَكَانِ مَانِعٌ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْحَائِطَ يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ وَرِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ، فَقِيلَ إنَّهُ بِإِمْكَانِ الْوُصُولِ مِنْهُ وَعَدَمُهُ. وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ اعْتِبَارَ الِاشْتِبَاهِ وَعَدَمِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَدَّمْنَاهُ أَيْضًا عَنْ مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ وَالْبَدَائِعِ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ مُتَابَعَةٌ وَمَعَ الِاشْتِبَاهِ لَا يُمْكِنُهُ الْمُتَابَعَةُ. وَاَلَّذِي يُصَحِّحُ هَذَا الِاخْتِيَارَ مَا رَوَيْنَاهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ» وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ مَا كَانُوا مُتَمَكِّنِينَ مِنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ فِي الْحُجْرَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَمِفْتَاحِ السَّعَادَةِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ زِيَادَةُ: وَمَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَالنِّصَابِ وَالْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَصَحَّ اقْتِدَاءُ مُتَوَضِّئٍ بِمُتَيَمِّمٍ) أَيْ عِنْدَهُمَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخَلِيفَةَ عِنْدَهُمَا بَيْنَ الْآلَتَيْنِ وَهُمَا الْمَاءُ وَالتُّرَابُ وَالطَّهَارَتَانِ سَوَاءٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخَلِيفَةَ عِنْدَهُ بَيْنَ الطَّهَارَتَيْنِ، فَيَلْزَمُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ، وَتَمَامُهُ فِي الْأُصُولِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا مَاءَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْمُقْتَدِي؛ أَمَّا لَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ، وَهَذَا الْقَيْدُ مَبْنِيٌّ عَلَى فَرْعٍ إذَا رَأَى الْمُتَوَضِّئُ الْمُقْتَدِيَ بِمُتَيَمِّمٍ مَاءً فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَرَهُ الْإِمَامُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِاعْتِقَادِهِ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ لِوُجُودِ الْمَاءِ. وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تَفْسُدُ، وَيَنْبَغِي حَمْلُ الْفَسَادِ عَلَى مَا إذَا ظَنَّ عِلْمَ إمَامِهِ بِهِ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ بِذَلِكَ، كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَأَقَرَّهُ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ، وَنَازَعَهُ فِي النَّهْرِ، وَتَبِعَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ بِأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ عَلَّلَ الْبُطْلَانَ بِأَنَّ إمَامَهُ قَادِرٌ عَلَى الْمَاءِ بِإِخْبَارِهِ اهـ أَيْ فَكَانَ اعْتِقَادُهُ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ مَبْنِيًّا عَلَى الْقُدْرَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ فِي الْحِلْيَةِ تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا كَانَ تَيَمُّمُهُ لِفَقْدِ الْمَاءِ، أَمَّا لَوْ كَانَ لِعَجْزِهِ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ مُطْلَقًا لِأَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ حِينَئِذٍ لَا يُبْطِلُ تَيَمُّمَهُ. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَسَادِ هُنَا فَسَادُ الْوَصْفِ، حَتَّى لَوْ قَهْقَهَةَ الْمُقْتَدِي انْتَقَضَ وُضُوءُهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ قَالَ: وَيَنْبَغِي عَلَى مَا اخْتَارَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَنْ يَبْطُلَ الْأَصْلُ أَيْضًا إذْ الْفَسَادُ بِفَقْدِ شَرْطٍ وَهُوَ الطَّهَارَةُ اهـ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَعَ مُتَوَضِّئٍ بِسُؤْرِ حِمَارٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُتَيَمِّمُ جَامِعًا بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ بِسُؤْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ، وَلَا وَجْهَ لِلْمُبَالَغَةِ هُنَا، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ أَدَّاهَا بِالْوُضُوءِ أَوَّلًا لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي أَدَائِهَا ثَانِيًا بِالتَّيَمُّمِ وَحْدَهُ، لِعَدَمِ تَحَقُّقِ أَدَاءِ الْفَرْضِ بِهِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَى جَبِيرَةٍ) الْأَوْلَى قَوْلُهُ فِي الْخَزَائِنِ عَلَى خُفٍّ أَوْ جَبِيرَةٍ، إذْ لَا وَجْهَ لِلْمُبَالَغَةِ هُنَا أَيْضًا، لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ، لِأَنَّهُ كَالْغُسْلِ لِمَا تَحْتَهُ. عَلَى أَنَّهُ اسْتَبْعَدَ فِي النَّهْرِ شُمُولَ مَاسِحٍ لَهُ فَجَعَلَهُ مَفْهُومًا بِالْأَوْلَى: أَيْ فَيَدْخُلُ دَلَالَةً لَا مَنْطُوقًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَائِمٍ بِقَاعِدٍ) أَيْ قَائِمٍ رَاكِعٍ سَاجِدٍ أَوْ مُومٍ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَقَيَّدَ الْقَاعِدَ بِكَوْنِهِ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُومِيًا لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا، وَالْخِلَافُ أَيْضًا فِيمَا عَدَا النَّفَلَ؛ أَمَّا فِيهِ فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا وَلَوْ فِي التَّرَاوِيحِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 تَكْبِيرَهُ» ، وَبِهِ عُلِمَ جَوَازُ رَفْعِ الْمُؤَذِّنِينَ أَصْوَاتَهُمْ فِي جُمُعَةٍ وَغَيْرِهَا يَعْنِي أَصْلَ الرَّفْعِ، أَمَّا مَا تَعَارَفُوهُ فِي زَمَانِنَا فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ مُفْسِدٌ، إذْ الصِّيَاحُ مُلْحَقٌ بِالْكَلَامِ فَتْحٌ (وَقَائِمٍ بِأَحْدَبَ) وَإِنْ بَلَغَ حَدَبُهُ الرُّكُوعَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَكَذَا بِأَعْرَجَ   [رد المحتار] الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي الْفَتْحِ وَحَاشِيَةِ نُوحٍ وَغَيْرِهِمَا، وَالْغَرَضُ لَنَا مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ. مَطْلَبٌ فِي رَفْعِ الْمُبَلِّغِ صَوْتَهُ زِيَادَةً عَلَى الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ إذْ الصِّيَاحُ مُلْحَقٌ بِالْكَلَامِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَهُ: وَسَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا ارْتَفَعَ بُكَاؤُهُ لِمُصِيبَةٍ بَلَغَتْهُ تَفْسُدُ لِأَنَّهُ تَعَرَّضَ لِإِظْهَارِهَا؛ وَلَوْ صَرَّحَ بِهَا فَقَالَ: وَامُصِيبَتَاهُ فَسَدَ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ، وَهُنَا مَعْلُومٌ أَنَّ قَصْدَهُ إعْجَابُ النَّاسِ بِهِ، وَلَوْ قَالَ: اعْجَبُوا مِنْ حُسْنِ صَوْتِي وَتَحْرِيرِي فِيهِ أَفْسَدَ، وَحُصُولُ الْحُرُوفِ لَازِمٌ مِنْ التَّلْحِينِ اهـ مُلَخَّصًا، وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ. وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْحِلْيَةِ فَقَالَ: وَقَدْ أَجَادَ فِيمَا أَوْضَحَ وَأَفَادَ اهـ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَقَّبَهُ سِوَى السَّيِّدِ أَحْمَدَ الْحَمَوِيِّ فِي رِسَالَتِهِ [الْقَوْلُ الْبَلِيغُ فِي حُكْمِ التَّبْلِيغِ] بِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي السِّرَاجِ بِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا جَهَرَ فَوْقَ الْحَاجَةِ فَقَدْ أَسَاءَ اهـ وَالْإِسَاءَةُ دُونَ الْكَرَاهَةِ وَلَا تُوجِبُ الْإِفْسَادَ وَقِيَاسُهُ عَلَى الْبُكَاءِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّ هَذَا ذُكِرَ بِصِيغَتِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ وَالْمُفْسِدُ لِلصَّلَاةِ الْمَلْفُوظُ لَا عَزِيمَةُ الْقَلْبِ. مَطْلَبٌ الْقِيَاسِ بَعْدَ عَصْرِ الْأَرْبَعِمِائَةِ مُنْقَطِعٌ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقِيسَ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ مُنْقَطِعٌ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَهَا أَنْ يَقِيسَ مَسْأَلَةً عَلَى مَسْأَلَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي رَسَائِلِهِ. اهـ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْكَمَالَ لَمْ يَجْعَلْ الْفَسَادَ مَبْنِيًّا عَلَى مُجَرَّدِ الرَّفْعِ حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ مَا فِي السِّرَاجِ، بَلْ بَنَاهُ عَلَى زِيَادَةِ الرَّفْعِ الْمُلْحَقِ بِالصِّيَاحِ، حَيْثُ قَالَ: فَإِنَّهُمْ يُبَالِغُونَ فِي الصِّيَاحِ زِيَادَةً عَلَى حَاجَةِ الْإِبْلَاغِ، وَالِاشْتِغَالُ بِتَحْرِيرَاتِ النَّغَمِ إظْهَارًا لِلصِّنَاعَةِ النَّغَمِيَّةِ لَا إقَامَةً لِلْعِبَادَةِ، وَالصِّيَاحُ مُلْحَقٌ بِالْكَلَامِ، وَقَوْلُهُ وَقِيَاسُهُ إلَخْ كَلَامٌ سَاقِطٌ، لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، حَيْثُ بَنَى عَلَيْهِ عَدَمَ الْفَسَادِ؛ فِيمَا لَوْ فَتَحَ الْمُصَلِّي عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ، أَوْ أَجَابَ الْمُؤَذِّنَ، أَوْ أُخْبِرَ بِمَا يُسِرُّهُ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَوْ بِمَا يُعْجِبُهُ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ عَلَى قَصْدِ الْجَوَابِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ. وَالْمَذْهَبُ الْفَسَادُ فِي الْكُلِّ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّهُ تَعْلِيمٌ وَتَعَلُّمٌ فِي الْأُولَى، وَفِيمَا بَقِيَ قَدْ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْجَوَابِ وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ، فَإِنَّ مَنَاطَ كَوْنِهِ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ عِنْدَهُمَا كَوْنُهُ لَفْظًا أُفِيدَ بِهِ مَعْنًى لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ لَا كَوْنُهُ وُضِعَ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ، وَكَوْنُهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِعَزِيمَتِهِ مَمْنُوعٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْجُنُبَ إذَا قَرَأَ عَلَى قَصْدِ الثَّنَاءِ جَازَ. وَقَدْ أَوْرَدُوا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمَذْكُورَ أَشْيَاءَ، كَمَا لَوْ قَالَ - {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} [مريم: 12]- لِمَنْ اسْمُهُ يَحْيَى وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ، وَحَيْثُ كَانَ مَنَاطُ الْفَسَادِ عِنْدَهُمَا كَوْنَ اللَّفْظِ أُفِيدَ بِهِ مَعْنًى لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ كَانَ ذَلِكَ قَاعِدَةً كُلِّيَّةً يَنْدَرِجُ تَحْتَهَا أَفْرَادٌ جُزْئِيَّةٌ مِنْهَا مَسْأَلَتُنَا هَذِهِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الذِّكْرَ بَلْ بَالَغَ فِي الصِّيَاحِ لِأَجْلِ تَحَرُّرِ النَّغَمِ وَالْإِعْجَابِ بِذَلِكَ يَكُونُ قَدْ أَفَادَ بِهِ مَعْنًى لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْقِيَاسِ بَلْ هُوَ تَصْرِيحٌ بِمَا تَضَمَّنَهُ كَلَامُ الْمُجْتَهِدِ أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ دَلَالَةَ الْمُسَاوَاةِ. فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ الْأَعْلَامِ كَمَا بَسَطْت ذَلِكَ قَدِيمًا فِي رِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا تَنْبِيهَ ذَوِي الْأَفْهَامِ عَلَى حُكْمِ التَّبْلِيغِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَافْهَمْ، وَقَدَّمْنَا مَسَائِلَ مُتَعَلِّقَةً بِالتَّبْلِيغِ أَيْضًا فِي أَوَّلِ بَحْثِ سُنَنِ الصَّلَاةِ فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ وَقَائِمٍ بِأَحْدَبَ) الْقَائِمُ هُنَا أَيْضًا صَادِقٌ بِالرَّاكِعِ السَّاجِدِ وَبِالْمُومِي ح. وَفِيهِ عَنْ الْقَامُوسِ: وَالْحَدَبُ خُرُوجُ الظُّهْرِ وَدُخُولُ الصَّدْرِ وَالْبَطْنُ مِنْ بَابِ فَرِحَ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ) هُوَ قَوْلُهُمَا وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَصَحَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَوْلَهُ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْقَاعِدِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 وَغَيْرُهُ أَوْلَى (وَمُومٍ بِمِثْلِهِ) إلَّا أَنْ يُومِيَ الْإِمَامُ مُضْطَجِعًا وَالْمُؤْتَمُّ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا هُوَ الْمُخْتَارُ (وَمُتَنَقِّلٍ بِمُفْتَرِضٍ فِي غَيْرِ التَّرَاوِيحِ) فِي الصَّحِيحِ خَانِيَّةٌ، وَكَأَنَّهُ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ عَلَى هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ، فَيُرَاعَى وَضْعُهَا الْخَاصُّ لِلْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ. [فُرُوعٌ] صَحَّ اقْتِدَاءُ مُتَنَفِّلٍ بِمُتَنَفِّلٍ، وَمَنْ يَرَى الْوِتْرَ وَاجِبًا بِمَنْ يَرَاهُ سُنَّةً وَمَنْ اقْتَدَى فِي الْعَصْرِ وَهُوَ مُقِيمٌ بَعْدَ الْغُرُوبِ بِمَنْ أَحْرَمَ قَبْلَهُ لِلِاتِّحَادِ   [رد المحتار] وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ أَوْلَى) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ: أَيْ غَيْرُ الْأَعْرَجِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخُصُّ الْأَعْرَجَ بَلْ غَيْرُ كُلٌّ مِنْ الْمُتَيَمِّمِ وَالْقَاعِدِ وَالْأَحْدَبِ كَذَلِكَ ح (قَوْلُهُ وَمُومٍ بِمِثْلِهِ) سَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامُ يُومِئُ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُومِئَ إلَخْ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِقُوَّةٍ حَالِ الْمَأْمُومِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَمُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضٍ) لَا يُقَالُ: النَّفَلُ يُغَايِرُ الْفَرْضَ لِأَنَّ النَّفَلَ مُطْلَقٌ وَالْفَرْضُ مُقَيَّدٌ، وَالْمُطْلَقُ جَزْءُ الْمُقَيَّدِ فَلَا يُغَايِرُهُ شَرْحُ الْمُنْيَةِ، وَالْقِرَاءَةُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا فِي النَّفْلِ وَنَفْلًا فِي الْفَرْضِ إلَّا أَنَّ صَلَاتَهُ بِالِاقْتِدَاءِ أَخَذَتْ حُكْمَ الْفَرْضِ تَبَعًا لِصَلَاةِ الْإِمَامِ، وَلِذَا لَوْ أَفْسَدَهَا بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ يَقْضِيهَا أَرْبَعًا قَدَّمْنَاهُ عَنْ النِّهَايَةِ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَفِي قَوْلِهِ وَمُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تُكْرَهُ جَمَاعَةُ النَّفْلِ إذَا أَدَّى الْإِمَامُ الْفَرْضَ وَالْمُقْتَدِي النَّفَلَ، وَإِنَّمَا الْمَكْرُوهُ مَا إذَا أَدَّى الْكُلَّ نَفْلًا. اهـ. قُلْت: وَيَدُلُّ لَهُ مَا مَرَّ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ التَّرَاوِيحِ) مَا فِيهَا فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِالْمُفْتَرِضِ عَلَى أَنَّهَا تَرَاوِيحُ، بَلْ يَصِحُّ عَلَى أَنَّهَا نَفْلٌ مُطْلَقٌ ح (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ خَانِيَّةٌ) أَقُولُ: ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْخَانِيَّةِ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ فَقَالَ: إنْ نَوَى التَّرَاوِيحَ أَوْ سُنَّةَ الْوَقْتِ أَوْ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ جَازَ، وَإِنْ نَوَى الصَّلَاةَ أَوْ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي سُنَنِ الْمَكْتُوبَاتِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ أَدَاءُ السُّنَنِ بِذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَخْصُوصَةٌ فَيَجِبُ مُرَاعَاةُ الصِّفَةِ لِلْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْوِيَ السُّنَّةَ أَوْ مُتَابَعَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الْمَكْتُوبَةِ، فَعَلَى هَذَا إذَا صَلَّى التَّرَاوِيحَ مُقْتَدِيًا بِمَنْ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ أَوْ بِمَنْ يُصَلِّي نَافِلَةً غَيْرَ التَّرَاوِيحِ اخْتَلَفُوا فِيهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ. وَاسْتَشْكَلَ فِي الْبَحْرِ قَوْلَهُ مُقْتَدِيًا بِمَنْ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ بِأَنَّهُ بِنَاءُ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ أَيْ وَمُقْتَضَاهُ الْجَوَازُ. وَأَجَابَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ. قُلْت: وَكَأَنَّهُ لَيْسَ فِي نُسْخَتِهِ لِإِسْقَاطِ الْكَاتِبِ، وَإِلَّا فَقَدْ رَأَيْته فِيهَا. وَأَجَابَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ نَفْيِ الْجَوَازِ نَفْيُ الْكَمَالِ. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ، بَلْ الْجَوَابُ أَنَّهُ بَنَى تَصْحِيحَ عَدَمِ الْجَوَازِ عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ نِيَّةِ التَّعْيِينِ فِي السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ وَالتَّرَاوِيحِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ قَوْلِهِ فَعَلَى هَذَا إلَخْ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِمَامَ حَيْثُ كَانَ مُفْتَرِضًا أَوْ مُتَنَفِّلًا نَفْلًا آخَرَ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ نِيَّةُ التَّرَاوِيحِ فَلَا تَتَأَدَّى بِنِيَّتِهِ وَإِنْ عَيَّنَهَا الْمُقْتَدِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوَاهُ. وَعَلَى هَذَا بَاقِي سُنَنِ الرَّوَاتِبِ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهَا بِمُفْتَرِضٍ أَوْ بِمُتَنَفِّلٍ نَفْلًا آخَرَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ تَخْصِيصَ التَّرَاوِيحِ بِالذِّكْرِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَإِنَّمَا خَصَّصَهَا فِي الْخَاصِّيَّةِ لِكَوْنِ الْبَابِ مَعْقُودًا لَهَا تَأَمَّلْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ وَكَفَى مُطْلَقُ نِيَّةِ الصَّلَاةِ لِنَفْلٍ وَسُنَّةٍ وَتَرَاوِيحَ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَاكَ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ، وَنَقَلْنَا هُنَاكَ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ. وَنَسَبَهُ إلَى الْمُحَقِّقِينَ. قُلْت: فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ فِي التَّرَاوِيحِ وَغَيْرِهَا بِمُفْتَرِضٍ وَغَيْرِهِ، وَمِثْلُهَا سَائِرُ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَأَنَّهُ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ إلَخْ) تَابَعَ فِي ذَلِكَ الْمُصَنِّفَ فِي مِنَحِهِ، وَتَقَدَّمَ هَذَا التَّعْلِيلُ فِي كَلَامِ الْخَانِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ عِلَّةٌ لِاشْتِرَاطِ نِيَّةِ التَّعْيِينِ فِي التَّرَاوِيحِ وَغَيْرِهَا مِنْ السُّنَنِ، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ أَرَادَ بِمُرَاعَاةِ الصِّفَةِ تَعْيِينَهَا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 590 (وَإِذَا ظَهَرَ حَدَثُ إمَامِهِ) وَكَذَا كُلُّ مُفْسِدٍ فِي رَأْيِ مُقْتَدٍ (بَطَلَتْ فَيَلْزَمُ إعَادَتُهَا) لِتَضَمُّنِهَا صَلَاةَ الْمُؤْتَمِّ صِحَّةً وَفَسَادًا (كَمَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ إخْبَارُ الْقَوْمِ إذَا أَمَّهُمْ وَهُوَ مُحْدِثٌ أَوْ جُنُبٌ) أَوْ فَاقِدُ شَرْطٍ   [رد المحتار] لِقَوْلِهِ بِأَنْ يَنْوِيَ السُّنَّةَ أَوْ مُتَابَعَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَافْهَمْ [فُرُوعٌ اقْتِدَاءُ مُتَنَفِّلٍ بِمُتَنَفِّلٍ وَمَنْ يَرَى الْوِتْرَ وَاجِبًا بِمَنْ يَرَاهُ سُنَّةً] (قَوْلُهُ بِمَنْ يَرَاهُ سُنَّةً) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يُصَلِّيَهُ بِسَلَامٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّ الصَّحِيحَ اعْتِبَارُ رَأْيِ الْمُقْتَدِي، وَعَلَى مُقَابِلِهِ يَصِحُّ مُطْلَقًا. وَبَقِيَ قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا وَتَمَامُهُ فِي ح (قَوْلُهُ وَهُوَ مُقِيمٌ) لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ بِمُقِيمٍ فِي الرُّبَاعِيَّةِ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْغُرُوبِ ظَرْفٌ لَاقْتَدَى، وَقَوْلُهُ بِمَنْ مُتَعَلِّقٌ بِاقْتَدَى، وَقَوْلُهُ أَحْرَمَ قَبْلَهُ: أَيْ قَبْلَ الْغُرُوبِ مُقِيمًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا اهـ ح. وَنَظِيرُ هَذَا مَنْ يَقْتَدِي فِي الظُّهْرِ مُعْتَقِدًا قَوْلَ الصَّاحِبَيْنِ بِمَنْ يُصَلِّيهِ مُعْتَقِدًا قَوْلَ الْإِمَامِ، وَلَا يَضُرُّ التَّخَالُفُ بِالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ ط (قَوْلُهُ لِلِاتِّحَادِ) أَيْ اتِّحَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ مَعَ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ؛ أَمَّا فِي الْأُولَى فَظَاهِرٌ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ الْوِتْرُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَاعْتِقَادُ أَحَدِهِمَا سُنِّيَّتَهُ وَالْآخَرُ وُجُوبَهُ أَمْرٌ عَارِضٌ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الصَّلَاتَيْنِ. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَصْرُ يَوْمٍ وَاحِدٍ، نَعَمْ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَدَاءً حَيْثُ أَحْرَمَ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَصَلَاةُ الْمُقْتَدِي قَضَاءً حَيْثُ أَحْرَمَ بَعْدَهُ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الِاخْتِلَافِ لَا يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ الْأَدَاءُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ وَبِالْعَكْسِ ح (قَوْلُهُ وَإِذَا ظَهَرَ حَدَثُ إمَامِهِ) أَيْ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ أَنَّهُ أَحْدَثَ وَصَلَّى قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ أَوْ بِإِخْبَارِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَكَانَ عَدْلًا وَإِلَّا نُدِبَ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ. مَطْلَبٌ الْمَوَاضِعُ الَّتِي تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ دُونَ الْمُؤْتَمِّ (قَوْلُهُ وَكَذَا كُلُّ مُفْسِدٍ فِي رَأْيِ مُقْتَدٍ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْحَدَثَ لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَمَا فِي النَّهْرِ: وَلَوْ ظَهَرَ أَنَّ بِإِمَامِهِ مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ لَكَانَ أَوْلَى، لِيَشْمَلَ مَا لَوْ أَخَلَّ بِشَرْطٍ أَوْ رُكْنٍ، وَإِلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِرَأْيِ الْمُقْتَدِي حَتَّى لَوْ عَلِمَ مِنْ إمَامِهِ مَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مَانِعٌ وَالْإِمَامُ خِلَافُهُ أَعَادَ، وَفِي عَكْسِهِ لَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ؛ وَلَوْ اقْتَدَى بِآخَرَ فَإِذَا قَطْرَةُ دَمٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهَا مِنْ صَاحِبِهِ أَعَادَ الْمُقْتَدِي لِفَسَادِ صَلَاتِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ بَطَلَتْ) أَيْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ إنْ كَانَ الْحَدَثُ سَابِقًا عَلَى تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ أَوْ مُقَارِنًا لِتَكْبِيرَةِ الْمُقْتَدِي أَوْ سَابِقًا عَلَيْهَا بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ تَكْبِيرَةِ الْمُقْتَدِي فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ أَوَّلًا، ثُمَّ تَبْطُلُ عِنْدَ وُجُودِ الْحَدَثِ ح (قَوْلُهُ فَيَلْزَمُ إعَادَتُهَا) الْمُرَادُ بِالْإِعَادَةِ الْإِتْيَانُ بِالْفَرْضِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَطَلَتْ، لَا الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهَا وَهِيَ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِ الْمُؤَدِّي لِخَلَلٍ غَيْرِ الْفَسَادِ (قَوْلُهُ لِتَضَمُّنِهَا) أَيْ تَضَمُّنِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَالْأَوْلَى التَّصْرِيحُ بِهِ وَأَشَارَ بِهِ إلَى حَدِيثِ «الْإِمَامُ ضَامِنٌ» إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْكَفَالَةَ، بَلْ التَّضَمُّنَ بِمَعْنَى أَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ مُتَضَمَّنَةٌ لِصَلَاةِ الْمُقْتَدِي وَلِذَا اشْتَرَطَ عَدَمَ مُغَايِرَتِهِمَا، فَإِذَا صَحَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ صَحَّتْ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي إلَّا لِمَانِعٍ آخَرَ، وَإِذَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي لِأَنَّهُ مَتَى فَسَدَ الشَّيْءُ فَسَدَ مَا فِي ضِمْنِهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُحْدِثٌ إلَخْ) أَيْ فِي اعْتِقَادِهِ، أَمَّا لَوْ كَانَ حَدَثُهُ وَنَحْوُهُ عَلَى اعْتِقَادِ الْمُقْتَدِينَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِخْبَارُ. نَعَمْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْحُجَّةِ: يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْتَرِزَ عَنْ مُلَامَسَةِ النِّسَاءِ وَمَوَاضِعِ الِاخْتِلَافِ مَا اسْتَطَاعَ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ فَاقِدُ شَرْطٍ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَقَيَّدْنَا ظُهُورَ الْبُطْلَانِ بِفَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ رُكْنٍ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ الْمُفْسِدُ لَا يُعِيدُ الْمُقْتَدِي فِي صَلَاتِهِ؛ كَمَا لَوْ ارْتَدَّ الْإِمَامُ أَوْ سَعَى إلَى الْجُمُعَةِ بَعْدَمَا صَلَّى الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ وَسَعَى هُوَ دُونَهُمْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَقَطْ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ، وَكَذَا لَوْ عَادَ إلَى سُجُودِ التِّلَاوَةِ بَعْدَ مَا تَفَرَّقُوا كَمَا سَنَذْكُرُهُ اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 أَوْ رُكْنٍ. وَهَلْ عَلَيْهِمْ إعَادَتُهَا إنْ عَدْلًا، نَعَمْ وَإِلَّا نُدِبَتْ، وَقِيلَ لَا لِفِسْقِهِ بِاعْتِرَافِهِ؛ وَلَوْ زَعَمَ أَنَّهُ كَافِرٌ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ دَلِيلُ الْإِسْلَامِ وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ (بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ) بِلِسَانِهِ أَوْ (بِكِتَابٍ أَوْ رَسُولٍ عَلَى الْأَصَحِّ) لَوْ مُعَيَّنِينَ وَإِلَّا لَا يَلْزَمُهُ بَحْرٌ عَنْ الْمِعْرَاجِ وَصَحَّحَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى عَدَمَهُ مُطْلَقًا لِكَوْنِهِ عَنْ خَطَأٍ مَعْفُوٍّ عَنْهُ، لَكِنْ الشُّرُوحُ مُرَجَّحَةٌ عَلَى الْفَتَاوَى. (وَإِذَا اقْتَدَى أُمِّيٌّ وَقَارِئٌ بِأُمِّيٍّ) تَفْسُدُ صَلَاةُ الْكُلِّ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِالِاقْتِدَاءِ بِالْقَارِئِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَا نَوَاهُ أَوْ لَا عَلَى الْمَذْهَبِ (أَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ أُمِّيًّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ) وَلَوْ فِي التَّشَهُّدِ أَمَّا بَعْدَهُ فَتَصِحُّ لِخُرُوجِهِ بِصُنْعِهِ (تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ) لِأَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ صَلَاةٌ   [رد المحتار] قُلْت: وَمِثْلُهُ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ: لَوْ سَلَّمَ الْقَوْمُ قَبْلَ الْإِمَامِ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهَا فَإِنَّهَا تُبْطِلُ صَلَاتَهُ وَحْدَهُ، وَكَذَا إذَا سَجَدَ هُوَ لِلسَّهْوِ وَلَمْ يَسْجُدْ الْقَوْمُ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ فَهَذِهِ جُمْلَةُ مَسَائِلَ تَفْسُدُ فِيهَا صَلَاةُ الْإِمَامِ مَعَ صِحَّةِ صَلَاةِ الْمُؤْتَمِّ، وَلَا تَنْتَقِضُ الْقَاعِدَةُ السَّابِقَةُ بِذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا الْفَسَادَ طَارِئٌ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامَةِ، فَلَا إمَامَ وَلَا مُؤْتَمَّ فِي الْحَقِيقَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَهَلْ عَلَيْهِمْ إعَادَتُهَا إلَخْ) أَيْ لَوْ ظَهَرَ بُطْلَانُهَا بِإِخْبَارِهِ، وَهَذَا تَفْصِيلٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَيَلْزَمُ إعَادَتُهَا (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا لِفِسْقِهِ) أَيْ وَخَبَرُ الْفَاسِقِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي الدِّيَانَاتِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ عَامِدًا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ بِاعْتِرَافِهِ وَقَوْلُهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ احْتَمَلَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ تَوَرُّعًا أَعَادُوا. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ دَلِيلُ الْإِسْلَامِ) أَيْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا وَأَنَّهُ كَذَبَ بِقَوْلِهِ إنَّهُ صَلَّى بِهِمْ وَهُوَ كَافِرٌ، وَكَانَ ذَلِكَ الْكَلَامُ مِنْهُ رِدَّةً فَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا مَرَّ أَوَّلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِالصَّلَاةِ إلَّا إذَا صَلَّاهَا فِي الْوَقْتِ مُقْتَدِيًا مُتَمِّمًا، بِخِلَافِ مَا إذَا صَلَّاهَا إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا لِأَنَّ ذَاكَ فِي الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ الْمَعْلُومِ كُفْرُهُ، وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ مَنْ جَهِلْنَا نَشْهَدُ لَهُ بِالْإِسْلَامِ إذَا اسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا كَمَا فِي الْحَدِيثِ، بَلْ بِمُجَرَّدِ إلْقَاءِ السَّلَامِ كَمَا فِي الْآيَةِ، وَلِذَا قَالَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ دَلِيلُ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَقُلْ لِأَنَّهُ صَارَ بِهَا مُسْلِمًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِخْبَارِ، وَقَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ مُتَعَلِّقٌ بِيَلْزَمُ (قَوْلُهُ لَوْ مُعَيَّنِينَ) أَيْ مَعْلُومِينَ. وَقَالَ ح: وَإِنْ تَعَيَّنَ بَعْضُهُمْ لَزِمَهُ إخْبَارُهُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُعَيَّنِينَ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ لَا يَلْزَمُهُ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى) وَكَذَا صَحَّحَهُ الزَّاهِدِيُّ فِي الْقُنْيَةِ وَالْحَاوِي وَقَالَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو يُوسُفَ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْفَسَادُ مُخْتَلَفًا فِيهِ أَوْ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْحَاوِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ عَنْ خَطَأٍ مَعْفُوٍّ عَنْهُ) أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ فَصَلَاتُهُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَيَلْزَمُهُ فِعْلُهَا ثَانِيًا لِعِلْمِهِ بِالْمُفْسِدِ. وَأَمَّا صَلَاتُهُمْ فَإِنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ أَيْضًا، لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُمْ إعَادَتُهَا لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ وَلَا يَلْزَمُهُ إخْبَارُهُمْ لِعَدَمِ تَعَمُّدِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَكِنْ الشُّرُوحُ إلَخْ) أَيْ كَالْمِعْرَاجِ فَإِنَّهُ شَرَحَ الْهِدَايَةَ، وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَنْ الْمُجْتَبَى شَرْحُ الْقُدُورِيِّ لِلزَّاهِدَيَّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْكُلِّ) أَيْ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا صَلَاةُ الْقَارِئِ فَقَطْ لِأَنَّهُ تَارِكٌ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَلَهُ أَنَّ الْأُمِّيَّيْنِ أَيْضًا تَرَكَاهَا مَعَ الْقُدْوَةِ عَلَيْهَا، إذْ كَانَا قَادِرَيْنِ عَلَى تَقْدِيمِ الْقَارِئِ حَيْثُ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ فِي الصَّلَاةِ وَالرَّغْبَةُ فِي الْجَمَاعَةِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ تَفْسُدُ إلَى مَا قِيلَ إنَّ الْقَارِئَ صَحَّ شُرُوعُهُ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَإِذَا جَاءَ أَوَانُ الْقِرَاءَةِ تَفْسُدُ وَصَحَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ عَدَمَهُ فَلَا تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ بِالْقَهْقَهَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَجْهُهُ أَنَّ الْفَرَائِضَ لَا يَخْتَلِفُ فِيهَا الْحَالُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ بَحْرٌ، وَإِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ الْعِلْمُ فَالنِّيَّةُ أَوْلَى زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ) أَيْ سَوَاءٌ قَرَأَ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ أَوْ فِي إحْدَاهُمَا أَوْ لَا وَلَا. وَفِي الْأُولَى خِلَافُ زُفَرَ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَخِيرَتَانِ اتِّفَاقًا كَمَا لَوْ اسْتَخْلَفَهُ فِي الْأُولَيَيْنِ ذَكَرَهُ ح فِي الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ لِخُرُوجِهِ بِصُنْعِهِ) وَهُوَ الِاسْتِخْلَافُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 فَلَا تَخْلُو عَنْ الْقِرَاءَةِ وَلَوْ تَقْدِيرًا (وَصَحَّتْ لَوْ صَلَّى كُلٌّ مِنْ الْأُمِّيِّ وَالْقَارِئِ وَحْدَهُ) فِي الصَّحِيحِ (بِخِلَافِ حُضُورِ الْأُمِّيِّ بَعْدَ افْتِتَاحِ الْقَارِئِ إذَا لَمْ يَقْتَدِ بِهِ وَصَلَّى مُنْفَرِدًا فَإِنَّهَا تَفْسُدُ فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ.   [رد المحتار] تَفْسُدُ عِنْدَهُ، وَهِيَ مِنْ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ ح عَنْ الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَقْدِيرًا) أَيْ وَلَا تَقْدِيرَ فِي حَقِّ الْأُمِّيِّ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ فَقَدْ اسْتَخْلَفَ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ. أَمَّا صَلَاةُ الْإِمَامِ فَلِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَصَحَّتْ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَإِذَا اقْتَدَى إلَخْ، وَاحْتَرَزَ بِالصَّحِيحِ عَنْ قَوْلِ أَبِي حَازِمٍ: لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْأُمِّيِّ قِيَاسًا عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِالِاقْتِدَاءِ بِالْقَارِئِ وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ الْأَوَّلَ وَقَالَ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمَا رَغْبَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ قُدْرَتُهُ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِالِاقْتِدَاءِ حَيْثُ ظَهَرَتْ مِنْهُمَا رَغْبَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكِفَايَةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الرَّغْبَةِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، حَتَّى لَوْ حَصَلَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا تَكْفِي، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي ح مِنْ أَنَّ مَا ذُكِرَ عَنْ الْهِدَايَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى أُمِّيٌّ بِمِثْلِهِ وَصَلَّى قَارِئٌ وَحْدَهُ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْأُمِّيَّيْنِ لِظُهُورِ رَغْبَتِهِمَا فِي الْجَمَاعَةِ اهـ وَيَدْفَعُهُ أَيْضًا مَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْكَافِي: إذَا كَانَ بِجِوَارِهِ قَارِئٌ لَيْسَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ وَانْتِظَارُهُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ لِيَلْزَمهُ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْقُدْرَةُ إذَا صَادَفَهُ حَاضِرًا مُطَاوِعًا. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ: إذَا كَانَ الْقَارِئُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ بِجِوَارِ الْمَسْجِدِ وَالْأُمِّيُّ فِي الْمَسْجِدِ يُصَلِّي وَحْدَهُ جَازَتْ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْقَارِئُ فِي صَلَاةٍ غَيْرِ صَلَاةِ الْأُمِّيِّ جَازَتْ، وَلَا يَنْتَظِرُ فَرَاغَ الْقَارِئِ بِالِاتِّفَاقِ أَمَّا لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ وَصَلَاتُهُمَا مُتَوَافِقَةٌ، فَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَفِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ الْقَارِئِ رَغْبَةٌ فِي أَدَاءِ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ اهـ فَإِذَا رَغِبَ الْأُمِّيُّ فِي الْجَمَاعَةِ دُونَ الْقَارِئِ لَا يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ فَيُصَلِّي وَحْدَهُ أَوْ يَقْتَدِي بِأُمِّيٍّ آخَرَ رَاغِبٍ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَغْبَةِ الْقَارِئِ أَيْضًا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ الَّتِي مَرَّ تَصْحِيحُهَا عَنْ الْهِدَايَةِ فَافْهَمْ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا صَحَّحَهُ الشَّارِحُ هُنَا مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ لَهُ فِي الْأَلْثَغِ مِنْ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَهُ الِاقْتِدَاءُ لَزِمَهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَإِنَّهَا تَفْسُدُ فِي الْأَصَحِّ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِالِاقْتِدَاءِ بِالْقَارِئِ، وَتَصْحِيحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهُ الَّذِي صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، فَإِنَّ مَا قَبْلَهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا شَرَعَا مَعًا أَوْ افْتَتَحَ الْأُمِّيُّ أَوَّلًا ثُمَّ الْقَارِئُ أَوْ بِالْعَكْسِ. وَوَفَّقَ فِي الْفَتْحِ بِحَمْلِ مَا فِي الْهِدَايَةِ عَلَى الصُّورَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ تَعْلِيلَ الْهِدَايَةِ بِعَدَمِ ظُهُورِ الرَّغْبَةِ فِي الْجَمَاعَةِ يَشْمَلُ صُورَةَ الْعَكْسِ أَيْضًا فَيُخَالِفُ مَا فِي النِّهَايَةِ الْمَبْنِيَّ عَنْ اعْتِبَارِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِالِاقْتِدَاءِ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُمَا الرَّغْبَةُ فِي الْجَمَاعَةِ. وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ: وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي بَعْدَ كَلَامٍ. أَقُولُ: الَّذِي تَحَصَّلَ لَنَا مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْمُوجِبَ لِفَسَادِ صَلَاةِ الْأُمِّيِّ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا بَعْدَ ظُهُورِ الرَّغْبَةِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَإِلَيْهِ جَنَحَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُ، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْمُوجِبَ لِفَسَادِهَا تَرْكُ الْقِرَاءَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا بِالِاقْتِدَاءِ بِالْقَارِئِ سَوَاءٌ ظَهَرَتْ الرَّغْبَةُ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَوْ لَا، وَإِلَيْهِ مَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُ. مَطْلَبٌ الْأَخْذُ بِالصَّحِيحِ أَوْلَى مِنْ الْأَصَحِّ وَالتَّحْقِيقُ الْأَوَّلُ الَّذِي فِي الْهِدَايَةِ، وَلِهَذَا انْحَطَّ كَلَامُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَيَّدَهُ بِمَا مَرَّ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّ الْأَخْذَ بِالصَّحِيحِ أَوْلَى مِنْ الْأَصَحِّ لِأَنَّ مُقَابِلَ الْأَوَّلِ فَاسِدٌ، وَمُقَابِلُ الثَّانِي صَحِيحٌ، فَقَائِلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 (وَ) اعْلَمْ أَنَّ (الْمُدْرِكَ مَنْ صَلَّاهَا كَامِلَةً مَعَ الْإِمَامِ، وَاللَّاحِقَ مَنْ فَاتَتْهُ) الرَّكَعَاتُ (كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا) لَكِنْ (بَعْدَ اقْتِدَائِهِ) بِعُذْرٍ كَغَفْلَةٍ وَرَحْمَةٍ وَسَبْقِ حَدَثٍ وَصَلَاةِ خَوْفٍ وَمُقِيمٍ ائْتَمَّ بِمُسَافِرٍ، وَكَذَا بِلَا عُذْرٍ؛ بِأَنْ سَبَقَ إمَامَهُ فِي رُكُوعٍ وَسُجُودٍ فَإِنَّهُ يَقْضِي رَكْعَةً،   [رد المحتار] الْأَصَحِّ مُوَافِقٌ قَائِلَ الصَّحِيحِ دُونَ الْعَكْسِ، وَالْأَخْذُ بِمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ صَحِيحٌ أَوْلَى. [تَتِمَّةٌ] تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ أُمِّيٍّ بِأَخْرَسَ لِقُدْرَةِ الْأُمِّيِّ عَلَى التَّحْرِيمَةِ وَيَصِحُّ عَكْسُهُ، فَالْأَخْرَسُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْأُمِّيِّ، فَتَجْرِي فِيهِ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ. [فَرْعٌ] سُئِلَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوَاهُ عَنْ رَجُلٍ أَخْرَسَ أَدْرَكَ بَعْضَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَفَاتِهِ الْبَعْضُ. فَأَجَابَ بِأَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ، جَائِزَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَوْلُ الْإِمَامِ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ ثُمَّ رَأَيْت الْمَسْأَلَةَ فِي الذَّخِيرَةِ وَفَرْضُهَا فِي الْأُمِّيِّ مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْمَسْبُوقِ وَالْمُدْرِكِ اللَّاحِقِ (قَوْلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُدْرِكَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُقْتَدِيَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: مُدْرِكٌ، وَلَاحِقٌ فَقَطْ، وَمَسْبُوقٌ فَقَطْ، وَلَاحِقٌ مَسْبُوقٌ؛ فَالْمُدْرِكُ لَا يَكُونُ لَاحِقًا وَلَا مَسْبُوقًا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى تَعْرِيفِهِ الْمُدْرِكَ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَالدُّرَرِ بِمَنْ صَلَّاهَا كَامِلَةً مَعَ الْإِمَامِ: أَيْ أَدْرَكَ جَمِيعَ رَكَعَاتِهَا مَعَهُ، سَوَاءٌ أَدْرَكَ مَعَهُ التَّحْرِيمَةَ أَوْ أَدْرَكَهُ فِي جُزْءٍ مِنْ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى إلَى أَنْ قَعَدَ مَعَهُ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ، سَوَاءٌ سَلَّمَ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ؛ وَأَمَّا عَلَى مَا فِي النَّهْرِ مِنْ تَعْرِيفِهِ الْمُدْرِكَ بِمَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَاحِقًا، وَعَلَيْهِ فَيُقَالُ: الْمُقْتَدِي إمَّا مُدْرِكٌ أَوْ مَسْبُوقٌ، وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا لَاحِقٌ أَوْ لَا. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْمُدْرِكِ وَاللَّاحِقِ اصْطِلَاحِيَّةٌ. وَفِي اللُّغَةِ: يَصْدُقُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ. مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ أَتَى بِالرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ بِهِمَا مَعَ الْإِمَامِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ مَنْ فَاتَتْهُ الرَّكَعَاتُ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْفَوَاتِ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ جَمِيعُ صَلَاتِهِ مَعَ الْإِمَامِ بِأَنْ لَمْ يَصِلْ مَعَهُ شَيْئًا مِنْهَا أَوْ صَلَّى بَعْضَهَا، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُقِيمُ الْمُقْتَدِي بِمُسَافِرٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُفْتِهِ شَيْءٌ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ بَعْدَ اقْتِدَائِهِ بِهِ وَلَكِنَّهُ صَلَّى مَعَهُ بَعْضَ صَلَاةِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ لَاحِقًا فِي بَاقِيهَا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ بَعْدَ اقْتِدَائِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَاتَتْهُ. ثُمَّ إنْ كَانَ اقْتِدَاؤُهُ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ فَقَدْ يَفُوتُهُ كُلُّهَا، بِأَنْ نَامَ عَقِبَ اقْتِدَائِهِ إلَى آخِرِهَا، وَقَدْ يَفُوتُهُ بَعْضُهَا، وَإِنْ كَانَ اقْتِدَاؤُهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مَثَلًا فَقَدْ فَاتَهُ بَعْضُهَا وَيَكُونُ لَاحِقًا مَسْبُوقًا وَالْأَوَّلُ لَاحِقٌ فَقَطْ، نَعَمْ عَلَى تَعْرِيفِ النَّهْرِ الْمَارِّ يَكُونُ مُدْرِكًا لَاحِقًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِعُذْرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِفَاتَتْهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَزَحْمَةٍ) بِأَنْ زَحَمَهُ النَّاسُ فِي الْجُمُعَةِ مَثَلًا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَدَاءِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ وَقَدَرَ عَلَى الْبَاقِي، فَيُصَلِّيهَا ثُمَّ يُتَابِعُهُ (قَوْلُهُ وَسَبْقِ حَدَثٍ) أَيْ لِمُؤْتَمٍّ، وَكَذَا الْإِمَامُ إذَا أَدَّى الْمُسْتَخْلِفُ بَعْضَهَا حَالَ الذَّهَابِ إلَى الْوُضُوءِ ط (قَوْلُهُ وَصَلَاةِ خَوْفٍ) أَيْ فِي الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَمَسْبُوقَةٌ اهـ ح (قَوْلُهُ وَمُقِيمٍ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ لَاحِقٌ بِالنَّظَرِ لِلْأَخِيرَتَيْنِ، وَقَدْ يَكُونُ مَسْبُوقًا أَيْضًا كَمَا إذَا فَاتَهُ أَوَّلُ صَلَاةِ إمَامِهِ الْمُسَافِرِ ط (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي رَكْعَةً) لِأَنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ قَبْلَ الْإِمَامِ لَغْوٌ، فَيَنْتَقِلُ مَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ إلَى الْأُولَى، وَمَا فِي الثَّالِثَةِ إلَى الثَّانِيَةِ، وَمَا فِي الرَّابِعَةِ إلَى الثَّالِثَةِ، فَبَقِيَتْ عَلَيْهِ رَكْعَةٌ هُوَ لَاحِقٌ فِيهَا. هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا الْمَسْأَلَةَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ قَبْلَ الْإِمَامِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 وَحُكْمُهُ كَمُؤْتَمٍّ فَلَا يَأْتِي بِقِرَاءَةٍ وَلَا سَهْوٍ وَلَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ بِنِيَّةِ إقَامَةٍ، وَيَبْدَأُ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ عَكْسُ الْمَسْبُوقِ ثُمَّ يُتَابِعُ إمَامَهُ إنْ أَمْكَنَهُ إدْرَاكُهُ وَإِلَّا تَابَعَهُ، ثُمَّ صَلَّى مَا نَامَ فِيهِ بِلَا قِرَاءَةٍ، ثُمَّ مَا سُبِقَ بِهِ بِهَا إنْ كَانَ   [رد المحتار] الثَّانِي: أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا بَعْدَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. الثَّالِثُ: أَنْ يَرْكَعَ مَعَهُ وَيَسْجُدَ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ يَلْتَحِقُ سَجَدَتَاهُ فِي الثَّانِيَةِ بِرُكُوعِهِ فِي الْأُولَى لِأَنَّهُ كَانَ مُعْتَبَرًا، وَيَلْغُو رُكُوعُهُ فِي الثَّانِيَةِ لِوُقُوعِهِ عَقِبَ رُكُوعِهِ الْأَوَّلِ بِلَا سُجُودٍ بَقِيَ عَلَيْهِ رَكْعَةٌ، ثُمَّ رُكُوعُهُ فِي الثَّالِثَةِ مَعَ الْإِمَامِ مُعْتَبَرٌ، وَيُلْتَحَقُ بِهِ سُجُودُهُ فِي رَابِعَةِ الْإِمَامِ فَيَصِيرُ عَلَيْهِ الثَّانِيَةُ وَالرَّابِعَةُ فَيَقْضِيهِمَا رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ سُجُودَهُ فِي الْأُولَى لَغْوٌ، فَيَنْتَقِلُ سُجُودُ الثَّانِيَةِ إلَى الْأُولَى، وَتَبْقَى الثَّانِيَةُ بِلَا سُجُودٍ فَتَبْطُلُ لِأَنَّهَا بَقِيَتْ قِيَامًا وَرُكُوعًا بِلَا سُجُودٍ ثُمَّ لَمَّا رَكَعَ فِي الثَّالِثَةِ مَعَهُ وَسَجَدَ قَبْلَهُ لَغَا سُجُودُهَا، فَإِذَا فَعَلَ فِي الرَّابِعَةِ كَذَلِكَ انْتَقَلَ سُجُودُهَا إلَى الثَّالِثَةِ وَبَطَلَتْ الرَّابِعَةُ، فَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَيَقْضِي رَكْعَتَيْنِ بِلَا قِرَاءَةٍ. الرَّابِعُ: أَنْ يَرْكَعَ قَبْلَهُ وَيَسْجُدَ مَعَهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِلَا قِرَاءَةٍ لِأَنَّ السُّجُودَ مَعَ الْإِمَامِ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُ رُكُوعٌ مَعَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ. الْخَامِسُ: أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا قَبْلَهُ وَيُدْرِكَهُ الْإِمَامُ فِيهِمَا، وَهُوَ جَائِزٌ لَكِنَّهُ اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَنْقُلْ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ سُجُودَ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ إلَى الثَّانِيَةِ بَلْ بَطَلَتْ لِأَنَّهَا لَمْ يَبْقَ فِيهَا سِوَى قِيَامٌ وَرُكُوعٌ حَصَلَا قَبْلَ تَمَامِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، فَلِذَا بَطَلَتْ وَلَمْ تَكْمُلْ بِسُجُودِ الثَّالِثَةِ؛ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ فَرْعٍ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْحُجَّةِ: لَوْ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ حَتَّى قَامَ الْإِمَامُ فَصَلَّى مَعَهُ الثَّانِيَةَ وَسَجَدَ فِيهَا أَرْبَعًا فَإِنَّهُ يَكُونُ سَجْدَتَانِ مِنْهُنَّ لِلْأُولَى وَيُعِيدُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ لِأَنَّ الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ الثَّانِيَ لَا يُحْسَبَانِ مِنْ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُمَا حَصَلَا قَبْلَ تَمَامِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى (قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ) أَيْ اللَّاحِقُ (قَوْلُهُ عَكْسُ الْمَسْبُوقِ) أَيْ فِي الْفُرُوعِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنَّهُ إذَا قَضَى مَا فَاتَهُ يَقْرَأُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إذَا سَهَا فِيهِ، وَيَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا وَنَوَى الْإِقَامَةَ وَيُتَابِعُ إمَامَهُ قَبْلَ قَضَاءِ مَا فَاتَهُ فَافْهَمْ، وَيُخَالِفُ اللَّاحِقُ فِي صُوَرٍ أُخْرَى مَذْكُورَةٍ فِي النَّهْرِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ تَوَضَّأَ اللَّاحِقُ وَقَدْ فَرَغَ إمَامُهُ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ لَا يَقْعُدُ فِيهَا مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ فِيمَا هُوَ أَعْلَى مِنْ الْقَعْدَةِ وَهُوَ الْقِيَامُ لِأَنَّهُ خَلَفَهُ تَقْدِيرًا. (قَوْلُهُ ثُمَّ يُتَابِعُ) عَطْفٌ عَلَى يَبْدَأُ (قَوْلُهُ إنْ أَمْكَنَهُ إدْرَاكُهُ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَيَبْدَأُ ثُمَّ يُتَابِعُ، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا تَابَعَهُ إلَخْ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ هَذَا الشَّرْطِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَالصَّوَابُ إبْدَالُ قَوْلِهِ إنْ أَمْكَنَهُ إدْرَاكُهُ بِقَوْلِهِ إنْ أَدْرَكَهُ مَعَ إسْقَاطِ مَا بَعْدَهُ؛ وَحَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ وَيَبْدَأُ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ بِلَا قِرَاءَةٍ عَكْسُ الْمَسْبُوقِ ثُمَّ يُتَابِعُ إمَامَهُ إنْ أَدْرَكَهُ ثُمَّ مَا سُبِقَ بِهِ إلَخْ. فَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ إنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ فَرَغَ. اهـ. وَفِي النُّتَفِ: إذَا تَوَضَّأَ وَرَجَعَ يَبْدَأُ بِمَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِهِ، ثُمَّ إنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ يُصَلِّيهِ مَعَهُ. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ: وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ بِالْعُذْرِ ثُمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ إنْ لَمْ يَفْرُغْ وَهَذَا وَاجِبٌ لَا شَرْطٌ، حَتَّى لَوْ عَكَسَهُ يَصِحُّ، فَلَوْ نَامَ فِي الثَّالِثَةِ وَاسْتَيْقَظَ فِي الرَّابِعَةِ. فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالثَّالِثَةِ بِلَا قِرَاءَةٍ. فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ الرَّابِعَةَ، وَإِنْ فَرَغَ مِنْهَا الْإِمَامُ صَلَّاهَا وَحْدَهُ بِلَا قِرَاءَةٍ أَيْضًا؛ فَلَوْ تَابَعَ الْإِمَامَ ثُمَّ قَضَى الثَّالِثَةَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ صَحَّ وَأَثِمَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَشَرْحِ الْمُلْتَقَى لِلْبَاقَانِيِّ، وَهَذَا الْمَحَلُّ مِمَّا أَغْفَلَ التَّنْبِيهَ عَلَيْهِ جَمِيعُ مِحَشِّي هَذَا الْكِتَابِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مُلْهِمِ الصَّوَابِ (قَوْلُهُ ثُمَّ مَا سُبِقَ بِهِ بِهَا إلَخْ) أَيْ ثُمَّ صَلَّى اللَّاحِقَ مَا سُبِقَ بِهِ بِقِرَاءَةٍ إنْ كَانَ مَسْبُوقًا أَيْضًا، بِأَنْ اقْتَدَى فِي أَثْنَاءِ صَلَاةِ الْإِمَامِ ثُمَّ نَامَ مَثَلًا. وَهَذَا بَيَانٌ لِلْقِسْمِ الرَّابِعِ وَهُوَ الْمَسْبُوقُ اللَّاحِقُ. وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُصَلِّي إذَا اسْتَيْقَظَ مَثَلًا مَا نَامَ فِيهِ ثُمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِيمَا أَدْرَكَ ثُمَّ يَقْضِي مَا فَاتَهُ. اهـ. بَيَانُهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ أَنَّهُ لَوْ سُبِقَ بِرَكْعَةٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَنَامَ فِي رَكْعَتَيْنِ يُصَلِّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 مَسْبُوقًا أَيْضًا، وَلَوْ عُكِسَ صَحَّ وَأَثِمَ لِتَرْكِ التَّرْتِيبِ. (وَالْمَسْبُوقُ مَنْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا وَهُوَ مُنْفَرِدٌ) حَتَّى يُثْنِيَ وَيَتَعَوَّذَ وَيَقْرَأَ، وَإِنْ قَرَأَ مَعَ الْإِمَامِ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهَا لِكَرَاهَتِهَا مِفْتَاحُ السَّعَادَةِ (فِيمَا يَقْضِيهِ) أَيْ بَعْدَ مُتَابَعَتِهِ لِإِمَامِهِ، فَلَوْ قَبِلَهَا فَالْأَظْهَرُ الْفَسَادُ، وَيَقْضِي أَوَّلَ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ قِرَاءَةٍ، وَآخِرَهَا فِي حَقِّ تَشَهُّدٍ؛ فَمُدْرِكُ رَكْعَةٍ   [رد المحتار] أَوَّلًا مَا نَامَ فِيهِ ثُمَّ مَا أَدْرَكَهُ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ مَا سُبِقَ بِهِ فَيُصَلِّي رَكْعَةً مِمَّا نَامَ فِيهِ مَعَ الْإِمَامِ وَيَقْعُدُ مُتَابَعَةً لَهُ لِأَنَّهَا ثَانِيَةُ إمَامِهِ ثُمَّ يُصَلِّي الْأُخْرَى مِمَّا نَامَ فِيهِ، وَيَقْعُدُ لِأَنَّهَا ثَانِيَتُهُ ثُمَّ يُصَلِّي الَّتِي انْتَبَهَ فِيهَا، وَيَقْعُدُ مُتَابَعَةً لِإِمَامِهِ لِأَنَّهَا رَابِعَةٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ ثُمَّ يُصَلِّي الرَّكْعَةَ الَّتِي سُبِقَ بِهَا بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ وَالْأَصْلُ أَنَّ اللَّاحِقَ يُصَلِّي عَلَى تَرْتِيبِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَالْمَسْبُوقُ يَقْضِي مَا سُبِقَ بِهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ عُكِسَ) أَيْ بِأَنْ يَبْتَدِئَ بِمَا نَامَ فِيهِ ثُمَّ بِمَا سُبِقَ ثُمَّ بِمَا أَدْرَكَ، أَوْ يَبْتَدِئَ بِمَا سُبِقَ ثُمَّ بِمَا أَدْرَكَ ثُمَّ بِمَا نَامَ أَوْ يَبْتَدِئُ بِمَا سُبِقَ ثُمَّ بِمَا نَامَ ثُمَّ بِمَا أَدْرَكَ، كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. قُلْت: وَبَقِيَ صُورَتَانِ مِنْ صُوَرِ الْعَكْسِ أَيْضًا: أَنْ يَبْتَدِئَ بِمَا أَدْرَكَ ثُمَّ بِمَا نَامَ ثُمَّ بِمَا سُبِقَ، أَوْ يَبْتَدِئُ بِمَا أَدْرَكَ ثُمَّ بِمَا سُبِقَ ثُمَّ بِمَا نَامَ (قَوْلُهُ صَحَّ وَأَثِمَ) أَيْ خِلَافًا لِزُفَرَ؛ فَعِنْدَهُ لَا يَصِحُّ، وَعِنْدَنَا يَصِحُّ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ لَيْسَ بِفَرْضٍ لِأَنَّهَا فِعْلٌ مُكَرَّرٌ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَاجِبٌ (قَوْلُهُ وَالْمَسْبُوقُ مَنْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِهَا) أَيْ بِكُلِّ الرَّكَعَاتِ، بِأَنْ اقْتَدَى بِهِ بَعْدَ رُكُوعِ الْأَخِيرَةِ، وَقَوْلُهُ أَوْ بِبَعْضِهَا: أَيْ بَعْضِ الرَّكَعَاتِ (قَوْلُهُ حَتَّى يُثَنِّيَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَقْضِيهِ بَعْدَ فَرَاغِ إمَامِهِ، فَيَأْتِي بِالثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ لِأَنَّهُ لِلْقِرَاءَةِ وَيَقْرَأُ لِأَنَّهُ يَقْضِي أَوَّلَ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ كَمَا يَأْتِي؛ حَتَّى لَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فَسَدَتْ. وَمِنْ أَحْكَامِهِ أَيْضًا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَاذَتْهُ. مَسْبُوقَةٌ مَعَهُ فِي قَضَاءِ مَا سُبِقَا بِهِ لَا تُفْسِدُ صَلَاتَهُ، وَأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ، وَيَلْزَمُهُ السُّجُودُ إذَا سَهَا فِيمَا يَقْضِيهِ كَمَا يَأْتِي، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي مَتْنًا وَشَرْحًا؛ وَقَدْ أَوْضَحَ أَحْكَامَهُ فِي الْبَحْرِ فِي الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ أَيْ بَعْدَ مُتَابَعَتِهِ لِإِمَامِهِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَقْضِيهِ: أَيْ أَنَّ مَحَلَّ قَضَائِهِ لِمَا سُبِقَ بِهِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ مُتَابَعَتِهِ لِإِمَامِهِ فِيمَا أَدْرَكَهُ عَكْسُ اللَّاحِقِ كَمَا مَرَّ. لَكِنْ هُنَا لَوْ عَكَسَ بِأَنْ قَضَى مَا سُبِقَ بِهِ ثُمَّ تَابَعَ إمَامَهُ فَفِيهِ قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ. وَاسْتَظْهَرَ فِي الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ الْقَوْلَ بِالْفَسَادِ قَالَ لِمُوَافَقَتِهِ الْقَاعِدَةَ: أَيْ قَوْلُهُمْ الِانْفِرَادُ فِي مَوْضِعِ الِاقْتِدَاءِ مُفْسِدٌ كَعَكْسِهِ. لَكِنْ فِي حَاشِيَةٍ لِلْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الْأَوَّلَ أَيْ عَدَمَ الْفَسَادِ أَقْوَى لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ. وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى وَيَجُوزُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْفَيْضِ (قَوْلُهُ وَيَقْضِي أَوَّلَ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ قِرَاءَةٍ إلَخْ) هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ والإسبيجابي وَالْفَتْحِ وَالدُّرَرِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمْ وَذَكَرَ الْخِلَافَ كَذَلِكَ فِي السِّرَاجِ لَكِنْ فِي صَلَاةِ الْجَلَّابِيِّ أَنَّ هَذَا قَوْلُهُمَا وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ إسْمَاعِيلَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 مِنْ غَيْرِ فَجْرٍ يَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ بِفَاتِحَةٍ وَسُورَةٍ وَتَشَهُّدٍ بَيْنَهُمَا، وَبِرَابِعَةٍ الرُّبَاعِيِّ بِفَاتِحَةٍ فَقَطْ، وَلَا يَقْعُدُ قَبْلَهَا (إلَّا فِي أَرْبَعٍ) فَكَمُقْتَدٍ أَخَذَهَا (لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ) وَإِنْ صَحَّ اسْتِخْلَافُهُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لِإِحَالَةِ الْقَضَاءِ، فَلَا اسْتِثْنَاءَ أَصْلًا كَمَا زَعَمَ فِي الْأَشْبَاهِ، نَعَمْ لَوْ نَسِيَ أَحَدُ الْمَسْبُوقِينَ يَقْضِي مُلَاحِظًا لِلْآخَرِ بِلَا اقْتِدَاءٍ صَحَّ (وَ) ثَانِيهِمَا (يَأْتِي بِتَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ إجْمَاعًا وَ) ثَالِثُهُمَا (لَوْ كَبَّرَ يَنْوِي اسْتِئْنَافَ صَلَاتِهِ وَقَطَعَهَا يَصِيرُ مُسْتَأْنِفًا وَقَاطِعًا) لِلْأُولَى، بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ كَمَا سَيَجِيءُ (وَ) رَابِعُهَا (لَوْ قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ وَعَلَى الْإِمَامِ سَجْدَتَا سَهْوٍ) وَلَوْ قَبْلَ اقْتِدَائِهِ (فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يَفْهَمَ أَنَّهُ لَا سَهْوَ عَلَى الْإِمَامِ، وَلَوْ قَامَ قَبْلَ السَّلَامِ هَلْ يَعْتَدُّ بِأَدَائِهِ،   [رد المحتار] وَفِي الْفَيْضِ عَنْ الْمُسْتَصْفَى: لَوْ أَدْرَكَهُ فِي رَكْعَةِ الرُّبَاعِيِّ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ بِفَاتِحَةٍ وَسُورَةٍ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَأْتِي بِالثَّالِثَةِ بِفَاتِحَةٍ خَاصَّةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: رَكْعَةٌ بِفَاتِحَةٍ وَسُورَةٍ وَتَشَهُّدٍ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ أُولَاهُمَا بِفَاتِحَةٍ وَسُورَةٍ وَثَانِيَتُهُمَا بِفَاتِحَةٍ خَاصَّةٍ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اعْتِمَادُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ وَتَشَهَّدَ بَيْنَهُمَا) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَلَوْ لَمْ يَقْعُدْ جَازَ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا، وَلَمْ يَلْزَمْهُ سُجُودُ السَّهْوِ لِكَوْنِ الرَّكْعَةِ أَوْلَى مِنْ وَجْهٍ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا فِي أَرْبَعٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَقْضِيهِ (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ) وَكَذَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُ بِغَيْرِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى زِيَادَتِهِ لِأَنَّ الْمُنْفَرِدَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَإِنْ صَحَّ اسْتِخْلَافُهُ إلَخْ) أَيْ إذَا سَبَقَ إمَامُهُ حَدَثٌ فَاسْتَخْلَفَهُ يَصِحُّ. وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الدُّرَرِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَسْبُوقِ حَالَةَ الْقَضَاءِ، وَيُتَصَوَّرُ اسْتِخْلَافُهُ فِيهَا. وَأَجَابَ عَنْهُ فِي النَّهْرِ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ إلَخْ يَعْنِي أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ صَحَّ اسْتِخْلَافُهُ عَائِدٌ إلَى الْمَسْبُوقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ فِي حَالَةِ الْقَضَاءِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ لِأَنَّهُ فِي حَالَةِ الْقَضَاءِ لَا يُمْكِنُ اسْتِخْلَافُهُ. (قَوْلُهُ فَلَا اسْتِثْنَاءَ أَصْلًا إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ مَا فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمَسْبُوقِ يُسْتَثْنَى مِنْهُ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِخْلَافُهُ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّ صِحَّةَ اسْتِخْلَافِهِ إنَّمَا هِيَ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ وَعَدَمُ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ بَعْدَهُ فَلَا اسْتِثْنَاءَ. وَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ اعْتَرَضَ عَلَى الدُّرَرِ بِمَا مَرَّ، وَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي أَشْبَاهِهِ (قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ نَسِيَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى اثْنَانِ مَعًا بِإِمَامٍ قَدْ صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ فَلَمَّا قَامَا إلَى الْقَضَاءِ نَسِيَ أَحَدُهُمَا عَدَدَ مَا سُبِقَ بِهِ فَقَضَى مُلَاحِظًا لِلْآخَرِ بِلَا اقْتِدَاءٍ بِهِ صَحَّ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْفَتْحِ، خِلَافًا لِظَاهِرِ الْقُنْيَةِ، وَلِمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ مِنْ الْفَسَادِ وَجَزَمَ بِهِ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى، وَوَفَّقَ ابْنُ الشِّحْنَةِ بِحَمْلِ الثَّانِي عَلَى الِاقْتِدَاءِ أَوْ بِكَوْنِهِ قَوْلًا شَاذًّا لَا يُعْمَلُ بِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إجْمَاعًا) أَيْ مَعَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ لَا يَأْتِي بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ح (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ) فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَأْنَفًا لِأَنَّ الثَّانِيَةَ عَيْنُ الْأُولَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ أَمَّا الْمَسْبُوقُ فَيَكُونُ قَدْ انْتَقَلَ عَنْ صَلَاةٍ هُوَ مُنْفَرِدٌ فِيهَا مِنْ وَجْهٍ إلَى صَلَاةٍ وَهُوَ مُنْفَرِدٍ فِيهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَغَايَرَتْ الْأُولَى (قَوْلُهُ وَلَوْ قَبْلَ اقْتِدَائِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِسَهْوٍ: أَيْ وَلَوْ كَانَ سَهْوُ إمَامِهِ حَصَلَ اقْتِدَائِهِ بِهِ لِأَنَّ السَّهْوَ أَوْرَثَ نُقْصَانًا فِي تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ، وَهُوَ قَدْ بَنَى تَحْرِيمَتَهُ عَلَيْهَا، فَدَخَلَ النُّقْصَانُ فِي صَلَاتِهِ أَيْضًا، وَلِذَا لَوْ لَمْ يَسْجُدْ مَعَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ كَمَا يَأْتِي لِأَنَّ ذَلِكَ النُّقْصَانَ لَا يَرْفَعُهُ سِوَاهُ. (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ) أَيْ مَا لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ كَمَا يَأْتِي، وَإِذَا عَادَ إلَى الْمُتَابَعَةِ ارْتَفَضَ مَا فَعَلَهُ مِنْ قِيَامٍ وَقِرَاءَةٍ وَرُكُوعٍ لِوُقُوعِهِ قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ مُنْفَرِدًا حَتَّى لَوْ بَنَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إعَادَتِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصْبِرَ) أَيْ لَا يَقُومُ بَعْدَ التَّسْلِيمَةِ أَوْ التَّسْلِيمَتَيْنِ، بَلْ يَنْتَظِرُ فَرَاغَ الْإِمَامِ بَعْدَهُمَا كَمَا فِي الْفَيْضِ وَالْفَتْحِ وَالْبَحْرِ. قَالَ الزندويستي فِي النَّظْمِ يَمْكُثُ حَتَّى يَقُومَ الْإِمَامُ إلَى تَطَوُّعِهِ أَوْ يَسْتَنِدَ إلَى الْمِحْرَابِ إنْ كَانَ لَا تَطَوُّعَ بَعْدَهَا. اهـ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَلَيْسَ هَذَا بِلَازِمٍ، بَلْ الْمَقْصُودُ مَا يُفْهِمُ أَنْ لَا سَهْوَ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ يُوجَدَ لَهُ مَا يَقْطَعُ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ. اهـ. وَقَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ بَحْثًا بِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 إنْ قَبْلَ قُعُودِ الْإِمَامِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لَا، وَإِنْ بَعْدَهُ نَعَمْ. وَكُرِهَ تَحْرِيمًا إلَّا لِعُذْرٍ: كَخَوْفِ حَدَثٍ، وَخُرُوجِ وَقْتِ فَجْرٍ وَجُمُعَةٍ وَعِيدٍ وَمَعْذُورٍ، وَتَمَامِ مُدَّةِ مَسْحٍ، وَمُرُورِ مَارٍّ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ فَإِنْ فَرَغَ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ ثُمَّ تَابَعَهُ فِيهِ صَحَّتْ (وَلَوْ لَمْ يَعُدْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ) لِلسَّهْوِ (فِي آخِرِ صَلَاتِهِ) اسْتِحْسَانًا، قَيَّدَ بِالسَّهْوِ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَوْ تَذَكَّرَ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً أَوْ تِلَاوِيَّةً فُرِضَتْ الْمُتَابَعَةُ، وَهَذَا كُلُّهُ قَبْلَ تَقْيِيدِ مَا قَامَ إلَيْهِ بِسَجْدَةٍ، أَمَّا بَعْدَهُ فَتَفْسُدُ فِي صُلْبِيَّةٍ مُطْلَقًا، وَكَذَا فِي تِلَاوِيَّةٍ، وَسَهْوٍ إنْ تَابِع وَإِلَّا لَا.   [رد المحتار] إذَا اقْتَدَى بِمَنْ يَرَى سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ، أَمَّا إذَا اقْتَدَى بِمَنْ يَرَاهُ قَبْلَهُ فَلَا. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ، فَرُبَّمَا اخْتَارَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَسْجُدَ بَعْدَ السَّلَامِ عَمَلًا بِالْجَائِزِ فَلِذَا أَطْلَقُوا اسْتِنْظَارَهُ. اهـ. وَفِيهِ بُعْدٌ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ مُرَاعَاتُهُ الْمُسْتَحَبَّ فِي مَذْهَبِهِ (قَوْلُهُ إنْ قَبْلَ قُعُودِ الْإِمَامِ إلَخْ) قَيَّدَ بِقُعُودِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ قَبْلَ إمَامِهِ وَقَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَقَامَ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ إمَامُهُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لَمْ يُعْتَبَرْ قُعُودُهُ، حَتَّى لَوْ كَانَ مُدْرِكًا وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِقَدْرِ التَّشَهُّدِ قَدْرُ قِرَاءَتِهِ إلَى عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ بِأَسْرَعَ مَا يَكُونُ لَا قِرَاءَتُهُ بِالْفِعْلِ كَمَا مَرَّ فِي فَرَائِضِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ لَا) أَيْ لَا يُعْتَدُّ بِمَا أَدَّاهُ قَبْلَ قُعُودِ إمَامِهِ مِنْ قِيَامٍ وَقِرَاءَةٍ، وَإِنَّمَا يَعْتَدُّ بِمَا أَدَّاهُ بَعْدَهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَوْ قَامَ قَبْلَهُ: أَيْ قَبْلَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ، قَالَ فِي النَّوَازِلِ إنْ قَرَأَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّشَهُّدِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، هَذَا فِي الْمَسْبُوقِ بِرَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ بِثَلَاثٍ، فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ قِيَامٌ بَعْدَ تَشَهُّدِ الْإِمَامِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ لِأَنَّهُ سَيَقْرَأُ فِي الْبَاقِيَتَيْنِ وَالْقِرَاءَةُ فَرْضٌ فِي رَكْعَتَيْنِ اهـ وَتَمَامُهُ فِي سَهْوِ الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا وَمَبْنَى هَذَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِقِيَامِهِ قَبْلَ فَرَاغِ إمَامِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ وَبَعْدَهُ يُعْتَبَرُ قَائِمًا، فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ حِينَئِذٍ الْقِرَاءَةُ وَالْقِيَامُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الرَّمْلِيِّ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ تَحْرِيمًا) أَيْ قِيَامُهُ بَعْدَ قُعُودِ إمَامِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لِوُجُوبِ مُتَابَعَتِهِ فِي السَّلَامِ (قَوْلُهُ كَخَوْفِ حَدَثٍ) أَيْ خَوْفِ سَبْقِ الْحَدَثِ (قَوْلُهُ وَخُرُوجِ) عَطْفٌ عَلَى حَدَثٍ (قَوْلُهُ وَجُمُعَةٍ وَعِيدٍ وَمَعْذُورٍ) مَعْطُوفَاتٌ عَلَى فَجْرٍ ح (قَوْلُهُ وَتَمَامِ) عَطْفٌ عَلَى حَدَثٍ وَكَذَا مُرُورِ ح (قَوْلُهُ فَإِنْ فَرَغَ إلَخْ) أَيْ إذَا قَامَ بَعْدَ قُعُودِ إمَامِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَقَضَى مَا سُبِقَ بِهِ وَفَرَغَ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ ثُمَّ تَابَعَهُ فِي السَّلَامِ، قِيلَ تَفْسُدُ، وَقِيلَ لَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ اقْتِدَاؤُهُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ مُفْسِدًا، لَكِنْ هَذَا مُفْسِدٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَهُوَ كَتَعَمُّدِ الْحَدَثِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَتْحٌ وَبَحْرٌ. وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمُتَابَعَةَ إنَّمَا كَانَتْ فِي السَّلَامِ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَيْضًا: فَلَوْ قَصَدَ مُتَابَعَتَهُ فِي الْقَعْدَةِ وَالتَّشَهُّدِ تَفْسُدُ لِأَنَّهُ يَكُونُ اقْتِدَاءً قَبْلَ الْفَرَاغِ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَعُدْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِالسَّهْوِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَعَلَى الْإِمَامِ سَجْدَتَا سَهْوٍ. (قَوْلُهُ فُرِضَتْ الْمُتَابَعَةُ) لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ فِي الْفَرْضِ فَرْضٌ؛ أَمَّا فِي الصُّلْبِيَّةِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي التِّلَاوِيَّةِ فَلِأَنَّهَا تَرْفَعُ الْقَعْدَةَ وَالْقَعْدَةُ فَرْضٌ فَالْمُتَابَعَةُ فِيهَا فَرْضٌ اهـ ح. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُقَيِّدْ مَا قَامَ إلَيْهِ بِسَجْدَةٍ لَمْ يَصِرْ مُنْفَرِدًا وَيَرْتَفِضُ، فَلَوْ لَمْ يُتَابِعْ إمَامَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْفَسَادَ هُنَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فَصَّلَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي تَذَكُّرِ التِّلَاوِيَّةِ بِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُتَابِعْ الْإِمَامَ فِيهَا يَنْظُرُ إنْ وُجِدَ مِنْهُ قِيَامٌ وَقِرَاءَةٌ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الْقَعْدَةِ الثَّانِيَةِ مِقْدَارَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ بِعَوْدِ إمَامِهِ إلَى التِّلَاوِيَّةِ ارْتَفَعَتْ الْقَعْدَةُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّشَهُّدِ اهـ وَلَمْ يَذْكُرْ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الصُّلْبِيَّةِ لِأَنَّهَا رُكْنٌ فَعَدَمُ الْمُتَابَعَةِ فِيهَا مُفْسِدٌ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ التِّلَاوِيَّةِ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَهَذَا كُلُّهُ) أَيْ عَوْدُ الْمَسْبُوقِ وَمُتَابَعَتُهُ لِإِمَامِهِ فِي السَّهْوِيَّةِ وَالصُّلْبِيَّةِ وَالتِّلَاوِيَّةِ ح. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ تَابَعَ أَوْ لَمْ يُتَابِعْ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ وَعَلَيْهِ رُكْنَانِ السَّجْدَةُ وَالْقَعْدَةُ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ مُتَابَعَتِهِ بَعْدَ إكْمَالِ الرَّكْعَةِ فَتْحٌ وَبَحْرٌ (قَوْلُهُ إنْ تَابَعَ) لِمَا فِي الْمُتَابَعَةِ مِنْ رَفْضِ مَا لَا يَقْبَلُ الرَّفْضَ ح (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْ فِيهِمَا لَا تَفْسُدُ؛ أَمَّا فِي السَّهْوِيَّةِ فَلِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَلَا تَرْفَعُ الْقَعْدَةَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 وَلَوْ سَلَّمَ سَاهِيًا إنْ بَعْدَ إمَامِهِ لَزِمَهُ السَّهْوُ وَإِلَّا لَا. وَلَوْ قَامَ إمَامُهُ لِخَامِسَةٍ فَتَابَعَهُ، إنْ بَعْدَ الْقُعُودِ تَفْسُدُ وَإِلَّا لَا حَتَّى يُقَيِّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ. وَلَوْ ظَنَّ الْإِمَامُ السَّهْوَ فَسَجَدَ لَهُ فَتَابَعَهُ فَبَانَ أَنْ لَا سَهْوَ فَالْأَشْبَهُ الْفَسَادُ لِاقْتِدَائِهِ فِي مَوْضِعِ الِانْفِرَادِ. بَابُ الِاسْتِخْلَافِ اعْلَمْ أَنَّ لِجَوَازِ الْبِنَاءِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَرْطًا: كَوْنُ الْحَدَثِ سَمَاوِيًّا مِنْ بَدَنِهِ، غَيْرَ مُوجِبٍ لِغُسْلٍ، وَلَا نَادِرَ وُجُودٍ   [رد المحتار] وَإِنَّمَا تَرْفَعُ التَّشَهُّدَ وَهُوَ وَاجِبٌ أَيْضًا، وَتَرْكُ الْمُتَابَعَةِ فِي الْوَاجِبِ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ؛ وَأَمَّا فِي التِّلَاوِيَّةِ فَلِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَرَفْعُهَا الْقَعْدَةَ كَانَ بَعْدَ اسْتِحْكَامِ انْفِرَادِ الْمَسْبُوقِ فَلَا يَلْزَمُهُ اهـ ح أَيْ لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِمَامِ فِي رَفْعِ الْقَعْدَةِ، كَمَا لَوْ ارْتَدَّ إمَامُهُ بَعْدَ إتْمَامِهَا أَوْ رَاحَ إلَى الْجُمُعَةِ بَعْدَمَا صَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ ارْتَفَضَ فِيهِ حَقُّهُ لَا حَقُّهُمْ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَسَهْوِ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَلَّمَ سَاهِيًا) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَهُ فَهُوَ سَلَامٌ عَمْدٌ فَتَفْسُدُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ السَّهْوُ) لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ح. (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ سَلَّمَ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ إنْ سَلَّمَ فِي الْأُولَى مُقَارَنًا لِسَلَامِهِ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ بِهِ، وَبَعْدَهُ يَلْزَمُ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ اهـ. ثُمَّ قَالَ: فَعَلَى هَذَا يُرَادُ بِالْمَعِيَّةِ حَقِيقَتُهَا وَهُوَ نَادِرُ الْوُقُوعِ. اهـ. قُلْت: يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْغَالِبَ لُزُومُ السُّجُودِ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ عَدَمُ الْمَعِيَّةِ، وَهَذَا مِمَّا يَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَلْيَتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ أَنَّ بَعْدَ الْقُعُودِ) أَيْ قُعُودِ الْإِمَامِ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ (قَوْلُهُ تَفْسُدُ) أَيْ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ لِأَنَّهُ اقْتِدَاءٌ فِي مَوْضِعِ الِانْفِرَادِ وَلِأَنَّ اقْتِدَاءَ الْمَسْبُوقِ بِغَيْرِهِ مُفْسِدٌ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ وَتَابَعَهُ الْمَسْبُوقُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ مَا قَامَ إلَيْهِ الْإِمَامُ عَلَى شَرَفِ الرَّفْضِ وَلِعَدَمِ تَمَامِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ انْقَلَبَتْ صَلَاتُهُ نَفْلًا، فَإِنْ ضَمَّ إلَيْهَا سَادِسَةً يَنْبَغِي لِلْمَسْبُوقِ أَنْ يُتَابِعَهُ ثُمَّ يَقْضِيَ مَا سُبِقَ بِهِ وَتَكُونُ لَهُ نَافِلَةً كَالْإِمَامِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لَوْ أَفْسَدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ قَصْدًا رَحْمَتِيٌّ. (قَوْلُهُ فَالْأَشْبَهُ الْفَسَادُ) وَفِي الْفَيْضِ: وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ وَبِهِ يُفْتِيَ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: فِي زَمَانِنَا لَا تَفْسُدُ لِأَنَّ الْجَهْلَ فِي الْقُرَّاءِ غَالِبٌ. اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الِاسْتِخْلَافِ] مُنَاسَبَتُهُ لِإِمَامَةٍ ظَاهِرَةٌ، وَلِذَا تَرْجَمَ بِهِ عَادِلًا عَمَّا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ التَّرْجَمَةِ بِبَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا تَرْجَمَةٌ بِالسَّبَبِ لَا بِالْحُكْمِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ تَرْجَمَةٌ بِالْحُكْمِ. وَلَمَّا كَانَ الِاسْتِخْلَافُ مَشْرُوطًا بِكَوْنِ الْحَدَثِ غَيْرُ مَانِعٍ لِلْبِنَاءِ ذَكَرَ الشَّارِحُ شُرُوطَ الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ بِنَاءٌ مِنْ الْخَلِيفَةِ عَلَى مَا صَلَّاهُ الْإِمَامُ (قَوْلُهُ كَوْنُ الْحَدَثِ سَمَاوِيًّا) هُوَ مَا لَا اخْتِيَارَ لِلْعَبْدِ فِيهِ وَلَا فِي سَبَبِهِ كَمَا يَأْتِي فِي الشَّرْحِ فَخَرَجَ بِالْأَوَّلِ مَا لَوْ أَحْدَثَ عَمْدًا، وَبِالثَّانِي مَا لَوْ كَانَ بِسَبَبِ شَجَّةٍ أَوْ عَضَّةٍ أَوْ سُقُوطِ حَجَرٍ مِنْ رَجُلٍ مَشَى عَلَى نَحْوِ سَطْحٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مِنْ بَدَنِهِ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا أَصَابَهُ مِنْ خَارِجٍ نَجَاسَةٌ مَانِعَةٌ. وَفِيهِ إطْلَاقُ الْحَدِّ عَلَى النَّجَسِ وَهُوَ تَسَامُحٌ، عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ الْمَانِعَةَ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ حَدَثٍ تَمْنَعَ الْبِنَاءَ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ بَدَنِهِ أَوْ مِنْ خَارِجٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَأَيْضًا النَّجَاسَةُ غَيْرُ دَاخِلَةٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحَدَثِ. وَقَدْ يُقَالُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْجُنُونِ فَإِنَّهُ حَدَثَ مِنْ غَيْرِ الْبَدَنِ إذَا كَانَ مِنْ الْجِنِّ لَا مِنْ مَرَضٍ، وَإِلَّا كَانَ مِنْ الْبَدَنِ الْإِغْمَاءُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ غَيْرُ مُوجِبِ لِغُسْلٍ) خَرَجَ مَا إذَا أَنْزَلَ بِتَفَكُّرٍ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ وَلَا نَادِرَ وُجُودٍ) خَرَجَ نَحْوُ الْقَهْقَهَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 وَلَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا مَعَ حَدَثٍ أَوْ مَشَى، وَلَمْ يَفْعَلْ مُنَافِيًا أَوْ فِعْلًا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، وَلَمْ يَتَرَاخَ بِلَا عُذْرٍ كَزَحْمَةٍ، وَلَمْ يَظْهَرْ حَدَثُهُ السَّابِقُ كَمُضِيِّ مُدَّةِ مَسْحِهِ، وَلَمْ يَتَذَكَّرْ فَائِتَةً وَهُوَ ذُو تَرْتِيبٍ وَلَمْ يُتِمَّ الْمُؤْتَمُّ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ، وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ الْإِمَامُ غَيْرَ صَالِحٍ لَهَا (سَبَقَ الْإِمَامَ حَدَثٌ) سَمَاوِيٌّ، لَا اخْتِيَارَ لِلْعَبْدِ فِيهِ وَلَا فِي سَبَبِهِ كَسَفَرْجَلَةٍ مِنْ شَجَرَةٍ، وَكَحَدَثِهِ مِنْ نَحْوِ عُطَاسٍ عَلَى الصَّحِيحِ (غَيْرِ مَانِعٍ لِلْبِنَاءِ) كَمَا قَدَّمْنَاهُ (وَلَوْ بَعْدَ التَّشَهُّدِ)   [رد المحتار] وَالْإِغْمَاءِ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا مَعَ حَدَثٍ) خَرَجَ مَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ سَاجِدًا فَرَفَعَ رَأْسَهُ قَاصِدًا الْأَدَاءَ أَوْ قَرَأَ ذَاهِبًا (قَوْلُهُ أَوْ مَشَى) خَرَجَ مَا إذَا قَرَأَ آيَاتٍ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَفْعَلْ مُنَافِيًا) خَرَجَ مَا إذَا أَحْدَثَ عَمْدًا بَعْدَ السَّمَاوِيِّ (قَوْلُهُ أَوْ فِعْلًا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ) خَرَجَ مَا لَوْ تَجَاوَزَ مَاءُ غَيْرِ بِئْرٍ إلَى أَبْعَدَ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ صَفَّيْنِ بِلَا عُذْرٍ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَرَاخَ) أَمَّا لَوْ تَرَاخَى قَدْرَ أَدَاءِ رُكْنٍ بِعُذْرٍ كَزَحْمَةٍ أَوْ نُزُولِ دَمٍ فَإِنَّهُ يُبْنَى وَكَذَا لَوْ كَانَ حَدَثُهُ بِالنَّوْمِ فَمَكَثَ زَمَانًا ثُمَّ نَبَّهَ لِأَنَّ فَسَادَهَا بِالْمُكْثِ لِوُجُودِ أَدَاءِ جُزْءٍ مِنْهَا مَعَ الْحَدَثِ وَالنَّائِمُ حَالَ نَوْمِهِ غَيْرُ مُؤَدٍّ شَيْئًا شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ كَمُضِيِّ مُدَّةِ مَسْحِهِ) وَكَرُؤْيَةِ الْمُتَيَمِّمِ مَاءً، وَخُرُوجِ وَقْتِ الْمُسْتَحَاضَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ فَائِتَةً إلَخْ) أَمَّا لَوْ تَذَكَّرَهَا فَلَا يَصِحُّ بِنَاؤُهُ حَتْمًا، بَلْ قَدْ وَقَدْ لِأَنَّهُ إنْ قَضَاهَا عَقِبَ التَّذَكُّرِ كَمَا هُوَ الْمَشْرُوعُ فَسَدَتْ الْوَقْتِيَّةُ، وَإِنْ أَخَّرَهَا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ السَّادِسَةِ لَمْ يَبْقَ صَاحِبَ تَرْتِيبِ فَصَحَّ الْبِنَاءُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُتِمَّ الْمُؤْتَمُّ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ) الْمُؤْتَمُّ يَشْمَلُ الْإِمَامَ الَّذِي سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَاسْتَخْلَفَ فَإِنَّهُ مُؤْتَمٌّ بِخَلِيفَتِهِ، فَإِذَا تَوَضَّأَ وَكَانَ إمَامُهُ لَمْ يَفْرُغْ مِنْ صَلَاتِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ وَيُتِمَّ صَلَاتَهُ خَلْفَ إمَامِهِ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَا يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ؛ حَتَّى لَوْ أَتَمَّ فِي مَكَانِهِ فَسَدَتْ، وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْعَوْدِ وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ غَيْرَ صَالِحٍ لَهَا) كَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَأُمِّيٍّ، فَإِذَا اسْتَخْلَفَ أَحَدُهُمْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ كُلِّهَا. (قَوْلُهُ سَبَقَ الْإِمَامَ حَدَثٌ) أَيْ حَقِيقَةً أَمَّا لَوْ ظَنَّ سَبْقَ الْحَدَثِ ثُمَّ ظَهَرَ عَدَمُهُ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ إذَا اسْتَخْلَفَ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ (قَوْلُهُ لَا اخْتِيَارَ لِلْعَبْدِ فِيهِ إلَخْ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لِقَوْلِهِ سَمَاوِيٌّ ح. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَبْدِ عِنْدَهُمَا مَا يَشْمَلُ الْمُصَلِّيَ وَغَيْرَهُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْمُرَادُ بِهِ الْمُصَلِّي فَفِي حَاشِيَةِ نُوحٍ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ أَصَابَ الْمُصَلِّيَ حَدَثٌ بِغَيْرِ فِعْلِهِ بِأَنْ أَصَابَهُ بُنْدُقَةٌ أَيْ مِنْ طِينٍ فَشَجَّتْهُ لَا يَبْنِي عِنْدَهُمَا وَيَبْنِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ فَصَارَ كَالسَّمَاوِيِّ. وَلَهُمَا أَنَّهُ حَدَثٌ حَصَلَ بِصُنْعِ الْعِبَادِ وَلَا يَغْلِبُ وُجُودُهُ، فَلَا يُلْحَقُ بِالسَّمَاوِيِّ، وَلَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ مَدَرٌ مِنْ سَطْحٍ أَوْ كَانَ يُصَلِّي تَحْتَ شَجَرَةٍ فَوَقَعَ عَلَيْهِ الْكُمَّثْرَى أَوْ السَّفَرْجَلُ فَشَجَّهُ أَوْ أَصَابَهُ شَوْكُ الْمَسْجِدِ فَأَدْمَاهُ، قِيلَ يَبْنِي لِأَنَّهُ حَصَلَ لَا بِصُنْعِ الْعِبَادِ، وَقِيلَ عَلَى هَذَا الْخِلَافُ لِأَنَّ السُّقُوطَ بِسَبَبِ الْوَضْعِ وَالْإِنْبَاتِ. وَقَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ سَقَطَ مِنْ السَّطْحِ مَدَرٌ فَشَجَّ رَأْسَهُ، إنْ كَانَ بِمُرُورِ مَارٍّ اسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ كَانَ لَا بِمُرُورِ مَارٍّ، قِيلَ يَبْنِي بِلَا خِلَافٍ، وَقِيلَ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بَعْدَ كَلَامِ الظَّهِيرِيَّةِ: أَقُولُ عُلِمَ بِهِ أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ الْبِنَاءِ مُطْلَقًا وَيُقَاسُ عَلَيْهِ وُقُوعُ السَّفَرْجَلَةِ، فَإِنْ كَانَ بِهَزِّهَا فَعَلَى الْخِلَافِ، وَإِلَّا فَقِيلَ يَبْنِي بِلَا خِلَافٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ اهـ (قَوْلُهُ كَسَفَرْجَلَةٍ إلَخْ) تَمْثِيلٌ لِلْمَنْفِيِّ وَهُوَ مَا فِيهِ اخْتِيَارٌ لِلْعَبْدِ، فَقَدْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ الِاخْتِلَافَ فِي وُقُوعِ سَفَرْجَلَةٍ أَوْ طُوبَةٍ مِنْ سَطْحٍ، ثُمَّ نَقَلَ تَصْحِيحَ عَدَمِ الْبِنَاءِ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ مِنْ عُطَاسِهِ أَوْ تَنَحْنُحِهِ. وَنَقَلَ الرَّمْلِيُّ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّ الْأَظْهَرَ عَدَمُ الْبِنَاءِ فِي التَّنَحْنُحِ دُونَ الْعُطَاسِ. وَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَتَبِعَهُ الْمُحْشِي مِنْ أَنَّهُ فِي الْبَحْرِ صَحَّحَ الْبِنَاءَ فِيهِمَا لَيْسَ بِالْوَاقِعِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ غَيْرَ مَانِعٍ لِلْبِنَاءِ) نَعْتٌ لِحَدَثٍ، وَخَرَجَ بِهِ مَا إذَا كَانَ الْحَدَثُ مَانِعًا لِلْبِنَاءِ، بِأَنْ كَانَ الْحَدَثُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 لِيَأْتِيَ بِالسَّلَامِ (اسْتَخْلَفَ) أَيْ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ فِي جِنَازَةٍ بِإِشَارَةٍ أَوْ جَرٍّ لِمِحْرَابٍ، وَلَوْ لِمَسْبُوقٍ، وَيُشِيرُ بِأُصْبُعٍ لِبَقَاءِ رَكْعَةٍ، وَبِأُصْبُعَيْنِ لِرَكْعَتَيْنِ وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتِهِ لِتَرْكِ رُكُوعٍ، وَعَلَى جَبْهَتِهِ لِسُجُودٍ، وَعَلَى فَمِهِ لِقِرَاءَةٍ، وَعَلَى جَبْهَتِهِ وَلِسَانِهِ لِسُجُودِ تِلَاوَةٍ أَوْ صَدْرِهِ لِسَهْوٍ (مَا لَمْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ لَوْ فِي الصَّحْرَاءِ) مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ، فَحَدُّهُ السُّتْرَةُ أَوْ مَوْضِعُ السُّجُودِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَالْمُنْفَرِدِ (وَمَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ)   [رد المحتار] وَاحِدًا مِنْ أَضْدَادِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ، وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ ح (قَوْلٌ لِيَأْتِيَ بِالسَّلَامِ) قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا خِلَافَ لِلْإِمَامَيْنِ هُنَا إذْ لَا خِلَافَ لَهُمَا فِي وُجُوبِ التَّسْلِيمِ. اهـ. وَأَرَادَ بِهِ الرَّدَّ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَمُنْلَا خُسْرو، حَيْثُ عَلَّلَا بِأَنَّهُ لَمْ تَتِمَّ صَلَاتُهُ، لِأَنَّ الْخُرُوجَ بِصُنْعِهِ فَرْضٌ عِنْدَهُ وَلَمْ يُوجَدْ. وَعِنْدَهُمَا تَمَّتْ: أَيْ فَلَا يَسْتَخْلِفُ وَرَدَّهُ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ أَيْضًا بِأَنَّ هَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ، وَهُوَ أَنَّ الْخُرُوجَ بِصُنْعِهِ لَيْسَ بِفَرْضٍ اتِّفَاقًا (قَوْلٌ اسْتَخْلَفَ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ حَقُّ الْإِمَامِ؛ حَتَّى لَوْ اسْتَخْلَفَ الْقَوْمُ فَالْخَلِيفَةُ خَلِيفَتُهُ، فَمَنْ اقْتَدَى بِخَلِيفَتِهِمْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ وَلَوْ قَدَّمَ الْخَلِيفَةُ غَيْرَهُ، إنْ قَبِلَ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَهُوَ: أَيْ الْأَوَّلُ فِي الْمَسْجِدِ جَازَ، وَإِنْ قَدَّمَ الْقَوْمُ وَاحِدًا أَوْ تَقَدَّمَ بِنَفْسِهِ لِعَدَمِ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ جَازَ إنْ قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ؛ وَلَوْ خَرَجَ مِنْهُ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ دُونَ الْإِمَامِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ تَقَدَّمَ رَجُلَانِ فَالْأَسْبَقُ أَوْلَى، وَلَوْ قَدَّمَهُمَا الْقَوْمُ فَالْعِبْرَةُ لِلْأَكْثَرِ، وَلَوْ اسْتَوَيَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ أَيْ جَازَ لَهُ ذَلِكَ) حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي، وَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِخْلَافِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ فَالْأَفْضَلُ الِاسْتِخْلَافُ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى: وَظَاهِرُ الْمُتُونِ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ الْكُلِّ، فَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلِكِ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ الِاسْتِخْلَافُ صِيَانَةً لِصَلَاةِ الْقَوْمِ فِيهِ نَظَرٌ بَحْرٌ. وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِمَا فِي النَّهْرِ، مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي وُجُوبُهُ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ (قَوْلٌ وَلَوْ فِي جِنَازَةٍ) هُوَ الْأَصَحُّ نَهْرٌ عَنْ السِّرَاجِ (قَوْلُهُ بِإِشَارَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ اسْتَخْلَفَ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالسُّنَّةُ أَنْ يَفْعَلَهُ مُحْدَوْدِبَ الظَّهْرِ آخِذًا بِأَنْفِهِ يُوهِمُ أَنَّهُ رَعَفَ (قَوْلُهُ وَلَوْ لِمَسْبُوقٍ) أَشَارَ إلَى أَنَّ اسْتِخْلَافَ الْمُدْرِكِ أَوْلَى كَمَا يَأْتِي مَعَ بَيَانِ مَا يَفْعَلُهُ الْمَسْبُوقُ (قَوْلُهُ وَيُشِيرُ إلَخْ) هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْخَلِيفَةُ، أَمَّا إذَا عَلِمَ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِسُجُودٍ) أَيْ لِتَرْكِ سُجُودٍ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ، مِنْ الْمَعْطُوفِ ح (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَخْ) تَخْصِيصٌ لِمَا فِي الْمَتْنِ كَالْهِدَايَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ حَدَّهُ الصُّفُوفُ إنْ ذَهَبَ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً أَوْ خَلْفًا. وَأَمَّا إنْ ذَهَبَ أَمَامًا فَحَدُّهُ السُّتْرَةُ أَوْ مَوْضِعُ السُّجُودِ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ سُتْرَةٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّهُ الْأَوْجَهُ. وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ فَالْمُعْتَبَرُ مَشْيُهُ مِقْدَارَ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ ضَعِيفٌ اهـ لَكِنْ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: إنَّ أَغْلَبَ الْكُتُبِ عَلَى اعْتِمَادِ مَا فِي الْهِدَايَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ ضَعِيفًا (قَوْلُهُ كَالْمُنْفَرِدِ) فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ مَوْضِعُ سُجُودِهِ مِنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعِ، إلَّا إذَا مَشَى أَمَامَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ فَيُعْطَى لِدَاخِلِهَا حُكْمَ الْمَسْجِدِ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَمَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ) فَإِذَا خَرَجَ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ فَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِخْلَافُ وَلَوْ كَانَتْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً وَهُوَ فِي أَثْنَائِهَا لِأَنَّ الْمَنَاطَ الْخُرُوجُ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَصِحُّ الِاسْتِخْلَافُ مِنْ خَارِجٍ، وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ وَغَيْرُهُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: جَعْلُ الصِّحَّةِ قَوْلُهُمَا وَعَدَمُهَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ ح، وَالْمُرَادُ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْقَوْمِ، وَالْخَلِيفَةُ دُونَ الْإِمَامِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الْمُنْفَرِدِ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْقُنْيَةِ عَنْ شَرْحِ بَكْرٍ وَغَيْرِهِ الْمَسَاجِدُ الْعِظَامُ، كَمَسْجِدِ الْمَنْصُورِيَّةِ، وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حُكْمُهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 أَوْ الْجَبَّانَةِ أَوْ الدَّارِ (لَوْ كَانَ يُصَلِّي فِيهِ) لِأَنَّهُ عَلَى إمَامَتِهِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ هَذَا الْحَدَّ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ أَحَدٌ وَلَوْ بِنَفْسِهِ مَقَامَهُ نَاوِيًا الْإِمَامَةَ وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ، حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً أَوْ تَكَلَّمَ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاةُ الْقَوْمِ لِأَنَّهُ صَارَ   [رد المحتار] حُكْمُ الصَّحْرَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ الْجَبَّانَةُ) هِيَ الْمُصَلَّى الْعَامُّ فِي الصَّحْرَاءِ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ أَوْ الدَّارُ) كَذَا أَطْلَقَهَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْبَحْرِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا الصَّغِيرَةُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَوَانِعِ الِاقْتِدَاءِ أَنَّ الصَّغِيرَةَ كَالْمَسْجِدِ وَالْكَبِيرَةَ كَالصَّحْرَاءِ وَأَنَّ الْمُخْتَارَ فِي تَقْدِيرِ الْكَبِيرَةِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَوْ كَانَ يُصَلِّي فِيهِ) أَيْ فِي أَحَدِ الْمَذْكُورَاتِ ح (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ هَذَا الْحَدَّ) أَيْ الصَّحْرَاءَ أَوْ الْمَسْجِدَ وَنَحْوَهُ: أَيْ فَإِذَا تَجَاوَزَهُ خَرَجَ الْإِمَامُ عَنْ الْإِمَامَةِ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ ابْنُ الْمَلِكِ: حَتَّى لَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الصُّفُوفِ قَبْلَ الْوُضُوءِ جَازَ اهـ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ أَحَدٌ وَلَوْ بِنَفْسِهِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَصِيرُ خَلِيفَةً إذَا قَدَّمَهُ الْإِمَامُ أَوْ أَحَدُ الْقَوْمِ أَوْ تَقَدَّمَ بِنَفْسِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ النَّهْرِ. (قَوْلُهُ مَقَامَهُ) مَعْمُولٌ لِمَحْذُوفٍ: أَيْ قَائِمًا مَقَامَهُ لَا لِقَوْلِهِ يَتَقَدَّمُ، إذْ لَا يُقَالُ تَقَدَّمْتُ مَقَامَ زَيْدٍ وَلَا قَعَدْتُ مَجْلِسَ عَمْرٍو لِعَدَمِ اتِّحَادِ مَادَّتِهِمَا. هَذَا، وَقَيَّدَ بِقِيَامِهِ مَقَامَهُ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ خَلِيفَةً قَبْلَ ذَلِكَ لَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْخَلِيفَةُ الْإِمَامَةَ مِنْ سَاعَتِهِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا: إمَامٌ أَحْدَثَ فَقَدَّمَ رَجُلًا مِنْ آخِرِ الصُّفُوفِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إنْ نَوَى الْخَلِيفَةُ الْإِمَامَةَ مِنْ سَاعَتِهِ صَارَ إمَامًا فَتَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ فَقَطْ، وَإِنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ إمَامَهُ إذَا قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَخَرَجَ الْأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْخَلِيفَةُ إلَى مَكَانِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ لِخُلُوِّ مَكَانِ الْإِمَامِ عَنْ إمَامٍ، وَشَرْطُ جَوَازِ صَلَاةِ الْخَلِيفَةِ وَالْقَوْمِ أَنْ يَصِلَ الْخَلِيفَةُ إلَى الْمِحْرَابِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَإِذَا نَوَى الْخَلِيفَةُ الْإِمَامَةَ مِنْ سَاعَتِهِ وَخَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْخَلِيفَةُ إلَى الْمِحْرَابِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُمْ لِأَنَّهُ مَا خَلَا الْمَسْجِدُ عَنْ الْإِمَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ نَاوِيًا الْإِمَامَةَ) قَيَّدَ بِهِ لِمَا فِي الدِّرَايَةِ: اتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّ الْخَلِيفَةَ لَا يَكُونُ إمَامًا مَا لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي قِيَامُهُ مَقَامَ الْأَوَّلِ بِدُونِ النِّيَّةِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْهُ إلَخْ) أَيْ يُجَاوِزْ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ وَهَذَا مُبَالَغَةٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ أَحَدٌ إلَخْ، يَعْنِي أَنَّهُ عَلَى إمَامَتِهِ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ أَحَدٌ إلَى مَقَامِهِ نَاوِيًا الْإِمَامَةَ، فَإِذَا تَقَدَّمَ فَقَدْ خَرَجَ الْأَوَّلُ عَنْ الْإِمَامَةِ وَصَارَ مُقْتَدِيًا بِهِ وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَفْهُومِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا تَقَدَّمَ أَحَدٌ إلَى مَقَامِهِ فَقَدْ خَرَجَ الْأَوَّلُ عَنْ الْإِمَامَةِ وَصَارَ مُقْتَدِيًا بِالْخَلِيفَةِ، سَوَاءٌ تَجَاوَزَ الْمَسْجِدَ وَنَحْوَهُ أَوْ لَا، وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ صَارَ مُقْتَدِيًا عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاةُ الْقَوْمِ: أَيْ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ إمَامَهُ لَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَضُرُّهُمْ كَلَامُهُ أَوْ حَدَثُهُ الْعَمْدُ وَنَحْوُهُ. وَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ بِمَا ذَكَرُوا مِنْ أَنَّهُ إذَا اسْتَخْلَفَ لَا يَخْرُجُ الْإِمَامُ عَنْ الْإِمَامَةِ بِمُجَرَّدِهِ، وَلِهَذَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ مِنْ سَاعَتِهِ قَبْلَ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ: إنَّ الْإِمَامَ لَوْ تَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ وَخَلِيفَتُهُ قَائِمٌ فِي الْمِحْرَابِ وَلَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا فَإِنَّهُ يَتَأَخَّرُ الْخَلِيفَةُ وَيَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ، وَلَوْ خَرَجَ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمَسْجِدِ وَخَلِيفَتُهُ لَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا فَالْإِمَامُ هُوَ الثَّانِي. اهـ. وَوَفَّقَ فِي النَّهْرِ بِحَمْلِ مَا ذَكَرُوا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقُمْ الْخَلِيفَةُ مَقَامَ الْأَوَّلِ نَاوِيًا الْإِمَامَةَ، وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا قَامَ مَقَامَهُ وَنَوَى الْإِمَامَةَ اهـ قُلْت: لَكِنَّهُ يُخَالِفُهُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْإِمَامَةِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ مَا لَمْ يَقُمْ الثَّانِي مَقَامَهُ، فَإِنْ قَامَ مَقَامَهُ نَاوِيًا لَهَا صَارَ إمَامَهُ، لَكِنَّهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا لَمْ تَتَأَكَّدْ إمَامَتُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، حَتَّى إذَا تَوَضَّأَ الْأَوَّلُ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ تَنْتَقِلُ الْإِمَامَةُ إلَيْهِ لِعَدَمِ تَأْكِيدِ إمَامَةِ الْخَلِيفَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ مُنَافِيًا أَوْ أَدَّى الثَّانِي رُكْنًا فَإِنَّ الْإِمَامَةَ تَثْبُتُ لِلثَّانِي قَطْعًا بِلَا انْتِقَالٍ. [تَنْبِيهٌ] عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ شُرُوطَ الِاسْتِخْلَافِ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ اسْتِجْمَاعُ شَرَائِطِ الْبِنَاءِ الْمَارَّةِ. الثَّانِي أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 602 مُقْتَدِيًا. وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَحْتَجْ لِلِاسْتِخْلَافِ (وَاسْتِئْنَافُهُ أَفْضَلُ) تَحَرُّزًا عَنْ الْخِلَافِ (وَيَتَعَيَّنُ) الِاسْتِئْنَافُ إنْ لَمْ يَكُنْ تَشَهَّدَ (لِجُنُونٍ أَوْ حَدَثٍ عَمْدًا) أَوْ خُرُوجِهِ مِنْ مَسْجِدٍ بِظَنِّ حَدَثٍ (أَوْ احْتِلَامٍ) بِنَوْمٍ أَوْ تَفَكُّرٍ أَوْ نَظَرٍ   [رد المحتار] مُجَاوَزَةِ الْإِمَامِ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ. الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْخَلِيفَةُ صَالِحًا لِلْخِلَافَةِ، وَأَنَّ حُكْمَ الِاسْتِخْلَافِ صَيْرُورَةُ الثَّانِي إمَامًا وَخُرُوجُ الْأَوَّلِ عَنْ الْإِمَامَةِ وَصَيْرُورَتُهُ فِي حُكْمِ الْمُقْتَدِي بِالثَّانِي، وَأَنَّ الثَّانِيَ إنَّمَا يَصِيرُ إمَامًا وَيَخْرُجُ الْأَوَّلُ عَنْ الْإِمَامَةِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا بِقِيَامِ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ يَنْوِي صَلَاةَ الْإِمَامِ، أَوْ بِخُرُوجِ الْأَوَّلِ عَنْ الْمَسْجِدِ؛ حَتَّى لَوْ اسْتَخْلَفَ رَجُلًا وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدُ وَلَمْ يَقُمْ الْخَلِيفَةُ مَقَامَهُ فَهُوَ عَلَى إمَامَتِهِ، حَتَّى لَوْ جَاءَ رَجُلٌ فَاقْتَدَى بِهِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ، وَلَوْ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَدَائِعِ. [فَرْعٌ] فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ لَوْ أَمَّ قَوْمًا عَلَى شَاهِقِ جَبَلٍ فَأَلْقَتْهُ الرِّيحُ وَلَمْ يُدْرَ أَحَيٌّ أَمْ مَيِّتٌ وَلَمْ يَسْتَخْلِفُوا أَحَدًا فِي الْحَالِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ (قَوْلُهُ لَمْ يَحْتَجْ لِلِاسْتِخْلَافِ) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ جَائِزٌ لَا مُتَعَيِّنٌ وَلِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى إمَامَتِهِ فَلَمْ يَخْلُ الْمَسْجِدُ عَنْ إمَامٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَإِنَّ صَلَاةَ الْقَوْمِ تَفْسُدُ لِخُلُوِّ مَقَامِهِ عَنْ إمَامٍ. وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ زِيَادَةٌ، وَهِيَ: فَلَوْ اسْتَحْلَفَ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ (قَوْلُهُ وَاسْتِئْنَافُهُ أَفْضَلُ) أَيْ بِأَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ ثُمَّ يَشْرَعَ بَعْدَ الْوُضُوءِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْكَافِي وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ شَيْخِهِ: فَلَوْ لَمْ يَعْمَلْ مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ بَلْ ذَهَبَ عَلَى الْفَوْرِ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ كَبَّرَ يَنْوِي الِاسْتِئْنَافَ لَمْ يَكُنْ مُسْتَأْنِفًا بَلْ بَانِيًا. اهـ. قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمُنْفَرِدِ لِأَنَّ مَا نَوَاهُ هُوَ عَيْنُ صَلَاتِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِخِلَافِ الْإِمَامِ أَوْ الْمُقْتَدِي تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ تَشَهَّدَ) يَعْنِي إنْ لَمْ يَكُنْ قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، فَلَوْ حَصَلَتْ بَعْدَهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهَا قَدْ تَمَّتْ حَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِفَرْضِيَّةِ الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ؛ أَمَّا فِي الْحَدَثِ الْعَمْدِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَالِاحْتِلَامِ فَلِأَنَّ الْمَوْصُوفَ بِهَا لَا يَخْلُو عَنْ اضْطِرَابٍ أَوْ مُكْثٍ يَصِيرُ بِهِ مُؤَدِّيًا جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ، وَكَيْفَمَا كَانَ فَالصُّنْعُ مِنْهُ مَوْجُودٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ اعْتَرَضَ بِأَنَّ الْمُرَادَ وُجُودُ عَمَلٍ يُنَافِي الصَّلَاةَ عَمْدًا وَلَا عَمْدَ مِنْ هَؤُلَاءِ كَمَا فِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ (قَوْلُهُ أَوْ خُرُوجِهِ مِنْ مَسْجِدٍ) الْمُرَادُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ الْمُتَقَدِّمِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي صَحْرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ جَبَّانَةٍ أَوْ دَارٍ (قَوْلُهُ بِظَنِّ حَدَثٍ) بِأَنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ فَظَنَّ أَنَّهُ دَمٌ مَثَلًا. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلظَّنِّ دَلِيلٌ، بِأَنْ شَكَّ فِي خُرُوجِ رِيحٍ وَنَحْوِهِ يَسْتَقْبِلُ مُطْلَقًا بِالِانْحِرَافِ عَمَلًا بِمَا هُوَ الْقِيَاسُ لَكِنْ لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا بَحْرٌ، وَقَيَّدَ بِظَنِّ الْحَدَثِ لِأَنَّهُ لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ افْتَتَحَ بِلَا وُضُوءٍ، أَوْ أَنَّ مُدَّةَ مَسْحِهِ انْقَضَتْ، أَوْ أَنَّ عَلَيْهِ فَائِتَةً أَوْ رَأَى سَرَابًا فَظَنَّهُ مَاءً وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ أَوْ حُمْرَةً فِي ثَوْبِهِ فَظَنَّهَا نَجَاسَةً فَانْصَرَفَ تَفْسُدُ بِالِانْحِرَافِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ انْصَرَفَ عَلَى سَبِيلِ الرَّفْضِ وَلِهَذَا لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ يَسْتَقْبِلُ. وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَالِاسْتِخْلَافُ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ فَتَبْطُلُ بَحْرٌ: أَيْ لَوْ اسْتَخْلَفَ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ لِوُجُودِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ مِنْ الْعُذْرِ فَإِنَّ الْعَمَلَ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِقِيَامِ الْعُذْرِ فَكَانَ الِاسْتِخْلَافُ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ يَحْتَاجُ لِصِحَّتِهِ قَصْدُ الْإِصْلَاحِ وَقِيَامُ الْعُذْرِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلٌ أَوْ احْتِلَامٍ إلَخْ) الْأَحْسَنُ أَوْ مُوجِبِ غُسْلٍ لِيَشْمَلَ الْحَيْضَ قُهُسْتَانِيٌّ وَأَرَادَ بِالِاحْتِلَامِ الْإِمْنَاءَ لِأَنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ بِغَيْرِ نَوْمٍ لَا يُسَمَّى احْتِلَامًا، وَأَفَادَ أَنَّ النَّوْمَ نَفْسَهُ غَيْرُ مُفْسِدٍ لَكِنْ هَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ عَمْدٍ لِمَا فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي: النَّوْمُ إمَّا عَمْدًا أَوْ لَا فَالْأَوَّلُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَيَمْنَعُ الْبِنَاءَ. وَالثَّانِي قِسْمَانِ: مَا لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ: كَالنَّوْمِ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا. وَمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ؛ كَالْمَرِيضِ إذَا صَلَّى مُضْطَجِعًا فَنَامَ يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَهُ الْبِنَاءُ فَغَيْرُ الْعَمْدِ لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ اتِّفَاقًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 أَوْ مَسٍّ بِشَهْوَةٍ (أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ قَهْقَهَةٍ) لِنُدْرَتِهَا (وَكَذَا) يَجُوزُ لَهُ أَنْ (يَسْتَخْلِفَ إذَا حُصِرَ عَنْ قِرَاءَةِ قَدْرِ الْمَفْرُوضِ) لِحَدِيثِ «أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فَإِنَّهُ لَمَّا أَحَسَّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُصِرَ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَتَأَخَّرَ فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَتَمَّ الصَّلَاةَ» ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا لَمَا فَعَلَهُ بَدَائِعُ وَقَالَا: تَفْسُدُ، وَبِعَكْسِ الْخِلَافِ لَوْ حُصِرَ بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ، وَلَوْ عَجَزَ عَنْ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ هَلْ يَسْتَخْلِفُ كَالْقِرَاءَةِ؟ لَمْ أَرَهُ (لِخَجَلٍ) أَيْ لِأَجْلِ خَجَلٍ أَوْ خَوْفٍ اعْتَرَاهُ. (وَلَا) يَسْتَخْلِفُ إجْمَاعًا (لَوْ نَسِيَ الْقِرَاءَةَ أَصْلًا) لِأَنَّهُ صَارَ أُمِّيًّا (أَوْ أَصَابَهُ) عُطِفَ عَلَى الْمَنْفِيِّ (بَوْلٌ كَثِيرٌ) أَيْ نَجَسٌ مَانِعٌ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ حَدَثِهِ،   [رد المحتار] سَوَاءٌ نَقَضَ الْوُضُوءَ أَوْ لَا، بِخِلَافِ الْعَمْدِ اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ لِنُدْرَتِهَا) أَيْ وَلِفِعْلِ الْمُنَافِي فِي صُورَةِ الْحَدَثِ الْعَمْدِ (قَوْلُهُ إذَا حَصِرَ) بِكَسْرِ ثَانِيهِ وَبِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَوْ ضَمَّهُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ أَوْ لِلْمَفْعُولِ، وَبَيَانُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ عَنْ قِرَاءَةِ قَدْرِ الْمَفْرُوضِ) فَلَوْ قَرَأَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالدُّرَرِ وَكَثِيرٍ مِنْ كُتُبٍ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ بِصِيغَةِ: قِيلَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْإِطْلَاقُ، وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي فَتْحِ الْمُصَلِّي عَلَى إمَامِهِ بِأَنَّهَا لَا تَفْسُدُ عَلَى الصَّحِيحِ، سَوَاءٌ قَرَأَ الْإِمَامُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ أَوْ لَا فَكَذَا هُنَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ مُطْلَقًا. اهـ. وَأَيَّدَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِمَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ هُنَا لَا يَفْسُدُ كَالْفَتْحِ، وَالْفَتْحُ لَوْ أَفْسَدَ فَلَيْسَ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ، بَلْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَهُنَا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ. اهـ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَالِاحْتِيَاجُ لِلْإِتْيَانِ بِالْوَاجِبِ أَوْ بِالْمَسْنُونِ. اهـ. وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا فِي النَّهْرِ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ هُنَا عَمَلٌ كَثِيرٌ بِلَا حَاجَةٍ. قُلْت: وَقَدْ يُقَالُ: الْحَاجَةُ مُسَلَّمَةٌ فِي الْوَاجِبِ وَلِذَا يَسْتَخْلِفُ لِلْإِتْيَانِ بِالسَّلَامِ؛ أَمَّا الْمَسْنُونُ فَلَا. وَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْوَاجِبَ كَمَا قَدَّمْنَا أَوَّلَ بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ حَمْلِ قَوْلِ الْكَافِي بِتَقْدِيمِ الْأَعْلَمِ بِشَرْطِ حِفْظِهِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ عَلَى مَا يَشْمَلُ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَمَّا أَحَسَّ) عِبَارَةُ الْبَدَائِعِ «فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِجَمَاعَةٍ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَوَجَدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِفَّةً فَحَضَرَ فَلَمَّا أَحَسَّ» إلَخْ " (قَوْلُهُ لَمَا فَعَلَهُ) أَيْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا كَانَ جَائِزًا لَهُ يَكُونُ جَائِزًا لِأُمَّتِهِ هُوَ الْأَصْلُ لِكَوْنِهِ قُدْوَةً لَهُمْ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَقَالَا تَفْسُدُ) أَيْ لِأَنَّهُ يَنْدُرُ وُجُودُهُ، فَكَانَ كَالْجَنَابَةِ، وَقِيلَ إنَّهُ يُتِمُّهَا بِلَا قِرَاءَةٍ عِنْدَهُمَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَنْهُمَا رِوَايَتَيْنِ (قَوْلُهُ وَبِعَكْسِ الْخِلَافِ) أَيْ فَيَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَ الْإِمَامِ ط (قَوْلُهُ لَوْ حُصِرَ) أَيْ مُنِعَ عَنْ الْمُضِيِّ فِي الصَّلَاةِ بِسَبَبِ بَوْلٍ إلَخْ (قَوْلُهُ لَمْ أَرَهُ) كَذَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى لِلْبَاقَانِيِّ عَنْ بَعْضِ الْأَفَاضِلِ بِلَفْظِ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ لَمْ نَظْفَرْ بِنَقْلِهَا. اهـ. وَرَأَيْت بِهَامِشِ الْخَزَائِنِ بِخَطِّ الشَّارِحِ قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا لِتَعْلِيلِهِمْ بِوُرُودِهِ يَعْنِي الِاسْتِخْلَافَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. اهـ. أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَقَيَّدَ بِالْمَنْعِ عَنْهَا أَيْ عَنْ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ لَوْ أَصَابَ الْإِمَامَ وَجَعٌ فِي الْبَطْنِ فَاسْتَخْلَفَ رَجُلًا لَمْ يَجُزْ، فَلَوْ قَعَدَ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ جَازَ اهـ. فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ أَوْ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِوَجَعٍ يُتِمُّ قَاعِدًا لِجَوَازِ اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِخْلَافِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَا يَسْتَخْلِفُ إلَخْ) أَيْ وَلَا يَبْنِي لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا لِأَنَّهُ صَارَ أُمِّيًّا فَبَطَلَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ ط عَنْ الْبَحْرِ. أَقُولُ: لَمْ أَرَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي الْبَحْرِ، وَكَتَبْتُ فِيمَا عَلَّقْتُهُ عَلَيْهِ: لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ صَلَاةِ الْقَوْمِ وَلَا حُكْمَ صَلَاتِهِ، أَمَّا صَلَاتُهُمْ فَفَسَادُهَا ظَاهِرٌ لِأَنَّ إمَامَهُمْ صَارَ أُمِّيًّا. وَأَمَّا صَلَاةُ الْإِمَامِ فَفِي الْفَصْلِ السَّابِعِ مِنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْقَارِئَ إذَا صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ فَنَسِيَ الْقِرَاءَةَ وَصَارَ أُمِّيًّا فَسَدَتْ عِنْدَهُ وَيَسْتَقْبِلُهَا. وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا تَفْسُدُ، وَيَبْنِي عَلَيْهَا اسْتِحْسَانًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ عُطِفَ عَلَى الْمَنْفِيِّ) أَيْ عَلَى مَا دَخَلَ عَلَيْهِ حَرْفُ النَّفْيِ فِي الْمَتْنِ، وَهُوَ قَوْلُهُ لَوْ نَسِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 فَلَوْ مِنْهُ فَقَطْ بَنَى (أَوْ كَشَفَ عَوْرَتَهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ) أَوْ الْمَرْأَةُ ذِرَاعَهَا لِلْوُضُوءِ (إذَا لَمْ يَضْطَرَّ لَهُ) فَلَوْ اُضْطُرَّ لَمْ تَفْسُدْ (أَوْ قَرَأَ فِي حَالَةِ الذَّهَابِ أَوْ الرُّجُوعِ) لِأَدَائِهِ رُكْنًا مَعَ حَدَثٍ أَوْ مَشَى، بِخِلَافِ تَسْبِيحٍ فِي الْأَصَحِّ (أَوْ طَلَبَ الْمَاءَ بِالْإِشَارَةِ، أَوْ شِرَاءً بِالْمُعَاطَاةِ) لِلْمُنَافَاةِ أَوْ جَاوَزَ مَاءً إلَى آخَرَ إلَّا قَدْرَ صَفَّيْنِ أَوْ لِنِسْيَانٍ أَوْ زَحْمَةٍ أَوْ كَوْنِهِ بِئْرًا لِأَنَّ الِاسْتِقَاءَ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ عَلَى الْمُخْتَارِ (أَوْ مَكَثَ قَدْرَ أَدَاءِ رُكْنٍ) وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْأَدَاءَ (بَعْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ) إلَّا لِعُذْرٍ كَنَوْمٍ وَرُعَافٍ (وَإِذَا سَاغَ لَهُ الْبِنَاءُ تَوَضَّأَ)   [رد المحتار] قَوْلُهُ فَلَوْ مِنْهُ) أَيْ مَنْ سُبِقَ حَدَثُهُ فَقَطْ بَنَى، أَمَّا لَوْ كَانَ مِنْهُ وَمِنْ خَارِجٍ فَلَا يَبْنِي بَحْرٌ (قَوْلُ إذَا لَمْ يَضْطَرَّ لَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ: إنْ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ. وَإِلَّا بِأَنْ تَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ وَغُسْلِ النَّجَاسَةِ تَحْتَ الْقَمِيصِ فَسَدَتْ وَكَذَا الْمَرْأَةُ لَهَا أَنْ تَكْشِفَ عَوْرَتَهَا وَأَعْضَاءَهَا فِي الْوُضُوءِ إذَا لَمْ تَجِدْ بُدًّا مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا كَشَفَ عَوْرَتَهُ فِي الْوُضُوءِ لَا يَبْنِي وَكَذَا الْمَرْأَةُ. وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ جَوَازَ الْبِنَاءِ لِلْمَرْأَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهَا تَكْشِفُ عَوْرَتَهَا فِي الْوُضُوءِ ظَاهِرًا. اهـ. قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي: وَصَحَّحَ الزَّيْلَعِيُّ الثَّانِيَ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى تَصْحِيحِ قَاضِي خَانْ أَوْلَى، وَلِهَذَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الدُّرَرِ اهـ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ الْفَسَادَ مُطْلَقًا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ لِأَدَائِهِ رُكْنًا) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحَدَثَ سَبَقَهُ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَكُونُ رُكْنًا فِي غَيْرِهِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُجْتَبَى: أَحْدَثَ فِي قِيَامِهِ فَسَبَّحَ ذَاهِبًا أَوْ جَائِيًا لَمْ تَفْسُدْ، وَلَوْ قَرَأَ فَسَدَتْ وَلَوْ أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ لَا تَفْسُدُ بِالْقِرَاءَةِ. اهـ. وَرَأَيْت مِثْلَهُ فِي كَافِي النَّسَفِيِّ فَلْيُحْفَظْ (قَوْلُهُ مَعَ حَدَثٍ أَوْ مَشَى) نَشْرٌ مُرَتَّبٌ ح (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ قَرَأَ، وَبِقَوْلِهِ بِخِلَافِ تَسْبِيحٍ؛ وَمُقَابِلُهُ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ ذَاهِبًا تَفْسُدُ وَآيِبًا لَا، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ وَقِيلَ لَوْ أَحْدَثَ رَاكِعًا وَرَفَعَ رَأْسَهُ قَائِلًا سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَا يَبْنِي اهـ يَعْنِي وَإِنْ أَرَادَ بِهَذَا الرَّفْعِ الِانْصِرَافَ لَا الْأَدَاءَ وَإِلَّا فَسَدَتْ وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ أَوْ طَلَبَ الْمَاءَ بِالْإِشَارَةِ) كَذَا فِي مَتْنِ الدُّرَرِ، وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالسِّرَاجِ. وَاسْتَشْكَلَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِمَسْأَلَةِ دَرْءِ الْمَارِّ بِالْإِشَارَةِ وَبِمَسْأَلَةِ مَا إذَا طُلِبَ مِنْ الْمُصَلِّي شَيْءٌ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَوْ رَأْسِهِ بِنَعَمْ أَوْ بِلَا لَا تَفْسُدُ، وَبِأَنَّ ابْنَ أَمِيرِ حَاجٍّ ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْفَسَادِ فِي رَدِّ الْمُصَلِّي السَّلَامَ بِيَدِهِ لَمْ يُعْرَفْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ بَلْ الْمَنْقُولُ عَنْهُمْ عَدَمُهُ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّهُ الْحَقُّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ اسْتِنْبَاطًا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي. قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْفَسَادِ بِطَلَبِ الْمَاءِ بِالْإِشَارَةِ كَرَدِّ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ بِهَا. وَأَجَابَ الرَّحْمَتِيُّ بِأَنَّ طَلَبَ الْمَاءِ بِالْإِشَارَةِ وَقَبُولَهُ مِنْهُ يَصِيرُ بِمَجْمُوعِ ذَلِكَ عَمَلًا كَثِيرًا لِأَنَّهُ عَقْدُ هِبَةٍ أَوْ إجَارَةٍ وَهُوَ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ كَالشِّرَاءِ بِالْمُعَاطَاةِ، وَلَيْسَ هَذَا كَرَدِّ السَّلَامِ بِالْإِشَارَةِ لِمَنْ تَدَبَّرَ. (قَوْلُهُ بِالْمُعَاطَاةِ) قَيَّدَ بِهِ لِظُهُورِ الْفَسَادِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ لِلْمُنَافَاةِ) عِلَّةٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ تَفْسِيرَيْ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ اهـ وَهُوَ مَا لَوْ رَآهُ رَاءٍ مِنْ بَعِيدٍ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ أَوْ لِنِسْيَانٍ) هُوَ وَمَا بَعْدَهُ عُطِفَ عَلَى الْمُسْتَثْنَى وَهُوَ قَدْرُ. اهـ. ح. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَلَوْ وَجَدَ فِي الْحَوْضِ مَوْضِعًا لِلتَّوَضُّؤِ فَتَجَاوَزَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، إنْ لِعُذْرٍ كَضِيقِ مَكَانِ الْأَوَّلِ بَنَى وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ قَصَدَ الْحَوْضَ وَفِي مَنْزِلِهِ مَاءٌ أَقْرَبُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْبُعْدُ قَدْرَ صَفَّيْنِ لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ أَكْثَرَ فَسَدَتْ، وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُ التَّوَضُّؤَ مِنْ الْحَوْضِ وَنَسِيَ الْمَاءَ الَّذِي فِي بَيْتِهِ وَذَهَبَ إلَى الْحَوْضِ بَنَى، وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ بَعِيدًا وَبِقُرْبِهِ بِئْرٌ يَتْرُكُ الْبِئْرَ، لِأَنَّ النَّزْحَ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ لَا يَمْنَعُ إنْ عَدِمَ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُخْتَارِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَاءٌ غَيْرَهُ كَمَا عَلِمْتَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ إلَّا لِعُذْرٍ) وَكَذَا لَوْ تَفَكَّرَ فِيمَنْ يُقَدِّمُهُ لِلصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَنْوِ بِقِيَامِهِ حَالَ تَفَكُّرِهِ الْأَدَاءَ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ تَوَضَّأَ) أَيْ إنْ وَجَدَ مَاءً وَإِلَّا تَيَمَّمَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 فَوْرًا بِكُلِّ سُنَّةٍ (وَبَنَى عَلَى مَا مَضَى) بِلَا كَرَاهَةٍ (وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ ثَمَّةَ) وَهُوَ أَوْلَى تَقْلِيلًا لِلْمَشْيِ (أَوْ يَعُودُ إلَى مَكَانِهِ) لِيَتَّحِدَ مَكَانُهَا (كَمُنْفَرِدٍ) فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ، وَهَذَا كُلُّهُ (إنْ فَرَغَ خَلِيفَتُهُ وَإِلَّا عَادَ إلَى مَكَانِهِ) حَتْمًا لَوْ بَيْنَهُمَا مَا يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ (كَالْمُقْتَدِي إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ) . (وَ) اعْلَمْ أَنَّهُ (إنْ تَعَمَّدَ عَمَلًا يُنَافِيهَا بَعْدَ جُلُوسِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ) وَلَوْ بَعْدَ سَبْقِ حَدَثِهِ (تَمَّتْ) لِتَمَامِ فَرَائِضِهَا، نَعَمْ تُعَادُ لِتَرْكِ وَاجِبِ السَّلَامِ (وَلَوْ) وُجِدَ الْمُنَافِي (بِلَا صُنْعِهِ) قَبْلَ الْقُعُودِ بَطَلَتْ اتِّفَاقًا، وَلَوْ (بَعْدَهُ بَطَلَتْ) فِي الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ عِنْدَهُ. وَقَالَا: صَحَّتْ،   [رد المحتار] كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي التَّيَمُّمِ أُعِيدَ وَلَوْ بِنَاءً رَمْلِيٌّ. قُلْت: بَلْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ هُنَا، وَقَالَ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ جَائِزٌ فَالْبِنَاءُ أَوْلَى، فَإِنْ تَيَمَّمَ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ، فَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَمَا عَادَ إلَى مَقَامِهِ اسْتَقْبَلَ، وَإِنْ قَبْلَهُ فِي الطَّرِيقِ فَالْقِيَاسُ كَذَلِكَ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي. اهـ. (قَوْلُهُ فَوْرًا) أَيْ بِلَا مُكْثِ قَدْرِ أَدَاءِ رُكْنٍ بِلَا عُذْرٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ بِكُلِّ سُنَّةٍ) أَيْ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ إكْمَالِهِ فَكَانَ مِنْ تَوَابِعِهِ فَيُتَحَمَّلُ كَمَا يُتَحَمَّلُ الْأَصْلُ بَدَائِعُ، فَلَوْ غَسَلَ أَرْبَعًا لَا يَبْنِي تَتَارْخَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ بِلَا كَرَاهَةٍ) لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ الِاسْتِئْنَافَ أَفْضَلُ (قَوْلُهُ كَمُنْفَرِدٍ) أَفَادَ أَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ فِي الْإِمَامِ، وَأَمَّا الْمُقْتَدِي فَذَكَرَهُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَهَذَا كُلُّهُ) أَيْ تَخْيِيرُ الْإِمَامِ بَيْنَ الْعَوْدِ إلَى مَكَانِهِ وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا عَادَ إلَى مَكَانِهِ) أَيْ الَّذِي كَانَ فِيهِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ مِمَّا يَصِحُّ فِيهِ الِاقْتِدَاءُ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِخْلَافِ خَرَجَ عَنْ الْإِمَامَةِ وَصَارَ مُقْتَدِيًا بِالْخَلِيفَةِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لَوْ بَيْنَهُمَا مَا يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ) لِأَنَّ شَرْطَ الِاقْتِدَاءِ اتِّحَادُ الْبُقْعَةِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ كَالْمُقْتَدِي) أَيْ أَصَالَةً (قَوْلُهُ إنْ تَعَمَّدَ عَمَلًا يُنَافِيهَا) أَيْ يُنَافِي الصَّلَاةَ كَالْقَهْقَهَةِ؛ فَلَوْ تَعَمَّدَهَا بَعْدَ جُلُوسِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَإِنْ بَطَلَ وُضُوءُهُ لِوُجُودِهَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ دُونَ وُضُوءِ الْقَوْمِ لِخُرُوجِهِمْ مِنْهَا بِحَدَثِ إمَامِهِمْ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْدَ سَبْقِ حَدَثِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا، فَفِيهِ رَدٌّ لِمَا فِي الْحِلْيَةِ مِنْ أَنَّهَا تَبْطُلُ عِنْدَهُ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ لَا عِنْدَهُمَا. وَوَجْهُ الرَّدِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ إذَا أَتَى بِمُنَافٍ بَعْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْهَا بِصُنْعِهِ (قَوْلُهُ تَمَّتْ) أَيْ صَحَّتْ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّهَا نَاقِصَةٌ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ ط (قَوْلُهُ نَعَمْ تُعَادُ) أَيْ وُجُوبًا ط (قَوْلُهُ وَلَوْ وُجِدَ الْمُنَافِي) أَيْ سِوَى الْحَدَثِ السَّمَاوِيِّ الْمُتَقَدِّمِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُنَافِيًا قِيَاسًا، لَكِنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَهُ غَيْرَ مُنَافٍ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ بِلَا صُنْعِهِ) مُقَابِلُ: قَوْلِهِ أَنْ تَعْتَمِدَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْدَهُ بَطَلَتْ) أَيْ بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَشَمَلَ مَا لَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ فَعَرَضَ وَاحِدٌ مِمَّا سَيَجِيءُ، فَإِنْ سَجَدَ بَطَلَتْ وَإِلَّا فَلَا؛ وَلَوْ سَلَّمَ الْقَوْمُ قَبْلَ الْإِمَامِ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ دُونَ الْقَوْمِ وَكَذَا إذَا سَجَدَ هُوَ لِلسَّهْوِ وَلَمْ يَسْجُدْ الْقَوْمُ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ بَحْرٌ. الْمَسَائِلُ الِاثْنَا عَشْرِيَّةَ (قَوْلُهُ فِي الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ) اشْتَهَرَتْ هَذِهِ النِّسْبَةُ، وَهِيَ خَطَأٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّ الْعَدَدَ الْمُرَكَّبَ الْعَلَمِيِّ إنَّمَا يُنْسَبُ إلَى صَدْرِهِ فَتَقُولُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ عَلَمًا لِرَجُلٍ أَوْ غَيْرِهِ خَمْسِيٌّ وَغَيْرُ الْعَلَمِيِّ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ بَحْرٌ وَنَهْرٌ (قَوْلُهُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَجْهُ بُطْلَانِهَا عِنْدَهُ عَلَى مَا خَرَّجَهُ الْبَرْدَعِيُّ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِصُنْعِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَدَاءُ فَرْضٍ آخَرَ إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ الْأُولَى. وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْخُرُوجَ قَدْ يَكُونُ بِمَعْصِيَةٍ كَالْحَدَثِ الْعَمْدِ، وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَاخْتَصَّ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ وَهُوَ السَّلَامُ، فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ الْخُرُوجَ بِصُنْعِهِ لَيْسَ فَرْضًا. وَإِنَّمَا قَالَ الْإِمَامُ بِالْبُطْلَانِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِمَعْنًى آخَرَ. وَهُوَ أَنَّ الْعَوَارِضَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَالْأَظْهَرُ قَوْلُهُمَا بِالصِّحَّةِ فِي الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ، وَهِيَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (كَمَا تَبْطُلُ) لَوْ فَرَّعَ بِالْفَاءِ كَمَا فِي الدُّرَرِ لَكَانَ أَوْلَى (بِقُدْرَةِ الْمُتَيَمِّمِ عَلَى الْمَاءِ) وَأَمَّا مَسْأَلَةُ رُؤْيَةِ الْمُتَوَضِّئِ الْمُؤْتَمِّ بِمُتَيَمِّمٍ الْمَاءَ فَفِيهَا خِلَافُ زُفَرَ فَقَطْ وَتَنْقَلِبُ نَفْلًا (وَمَضَى مُدَّةُ مَسْحِهِ إنْ وَجَدَ مَاءً) وَلَمْ يَخَفْ تَلَفَ رِجْلِهِ مِنْ بَرْدٍ، وَإِلَّا فَيَمْضِي (عَلَى الْأَصَحِّ) كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (وَتَعَلُّمُ أَيِّ أُمِّيٍّ آيَةً) أَيْ تَذَكُّرُهُ أَوْ حِفْظُهُ بِلَا صُنْعٍ (وَلَوْ كَانَ) الْأُمِّيُّ (مُقْتَدِيًا بِقَارِئٍ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ) لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: صَحَّحَ الصِّحَّةَ. قَالَ الْفَقِيهُ: وَبِهِ نَأْخُذُ (وَوُجُودُ الْعَارِي سَاتِرًا)   [رد المحتار] الْآتِيَةَ مُغَيِّرَةٌ لِلْفَرْضِ كَرُؤْيَةِ الْمُتَيَمِّمِ مَاءً، فَإِنَّهُ كَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمَ فَتَغَيَّرَ إلَى الْوُضُوءِ. وَكَذَا بَقِيَّةُ الْمَسَائِلِ، بِخِلَافِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ قَاطِعٌ لَا مُغَيِّرٌ وَالْحَدَثُ الْعَمْدُ وَالْقَهْقَهَةُ وَنَحْوُهُمَا مُبْطِلَةٌ لَا مُغَيِّرَةٌ. وَأَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا فِي الْمُجْتَبَى بِأَنَّ عَلَيْهِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَبِأَنَّهُ صَحَّحَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي فَرَائِضِ الصَّلَاةِ عَنْ الْمَسَائِلِ الْبَهِيَّةِ الزَّكِيَّةِ عَلَى الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ لِلْعَلَّامَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ تَأْيِيدَ كَلَامِ الْبَرْدَعِيِّ بِأَنَّهُ قَدْ مَشَى عَلَى افْتِرَاضِ الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَتَبِعَهُ الشُّرَّاحُ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَأَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ وَالْإِمَامُ النَّسَفِيُّ فِي الْوَافِي الْكَافِي وَالْكَنْزِ وَشُرُوحِهِ وَصَاحِبُ الْمَجْمَعِ وَإِمَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ إلَخْ) أَقُولُ: إنَّ الْكَمَالَ لَمْ يُرَجِّحْ قَوْلَهُمَا صَرِيحًا وَإِنَّمَا بَحَثَ فِي تَوْجِيهِ كَلَامِ الْإِمَامِ عَلَى مَا قَالَهُ كُلٌّ مِنْ الْبَرْدَعِيِّ وَالْكَرْخِيِّ كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِيمَا عَلَّقْتُهُ عَلَى الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَالْأَظْهَرُ قَوْلُهُ إلَخْ) أَقُولُ: عَزَا ذَلِكَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ إلَى الْبُرْهَانِ ثُمَّ رَدَّهُ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِظُهُورِهِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ أَظْهَرَ لِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بَعْدَمَا أَطَالَ فِي رَدِّهِ: وَمِنْ الْمُقَرَّرِ طَلَبُ الِاحْتِيَاطِ فِي صِحَّةِ الْعِبَادَةِ لِتَبْرَأَ ذِمَّةُ الْمُكَلَّفِ بِهَا وَلَيْسَ الِاحْتِيَاطُ إلَّا بِقَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ إنَّهَا تَبْطُلُ. اهـ. قُلْت: وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ (قَوْلُهُ لَكَانَ أَوْلَى) لِأَنَّ كَلَامَهُ يُوهِمُ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَوْ بِلَا صُنْعِهِ بَعْدَهُ بَطَلَتْ، مَفْرُوضٌ فِي غَيْرِ الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ مَعَ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِهَا وَبِمَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ الْمُزَايَدَاتِ الْآتِيَةِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا أَوْرَدَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى الْكَنْزِ مِنْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمُتَيَمِّمِ غَيْرُ مُفِيدٍ لِأَنَّ الْمُتَوَضِّئَ خَلْفَ الْمُتَيَمِّمِ لَوْ رَأَى الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ أَيْضًا لِعِلْمِهِ أَنَّ إمَامَهُ قَادِرٌ عَلَى الْمَاءِ بِإِخْبَارِهِ وَصَلَاةُ الْإِمَامِ تَامَّةٌ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ، فَلَوْ قَالَ: وَالْمُقْتَدِي بِهِ لِعِلْمِهِ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ أَصْلًا بَلْ وَصْفًا وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَعْمَلَ الْبُطْلَانَ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَهُوَ إعْدَامُ الْفَرْضِ بَقِيَ الْأَصْلُ أَوَّلًا ثُمَّ قَالَ: فَالْأَوْلَى مَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ: إنَّ مَسْأَلَةَ الْمُقْتَدِي بِمُتَيَمِّمٍ لَيْسَ فِيهَا إلَّا خِلَافُ زُفَرَ، وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَفْرُوضٌ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ اهـ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَتَنْقَلِبُ نَفْلًا نَاظِرٌ لِجَوَابِ الْبَحْرِ أَيْضًا، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فِيهِ أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ فَفِيهَا خِلَافُ زُفَرَ) أَيْ حَيْثُ قَالَ بِعَدَمِ الْفَسَادِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ) وَمَرَّ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً لِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ بَعْدَ تَمَامِ مُدَّةِ الْمَسْحِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَالْأَشْبَهُ الْفَسَادُ لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الرِّجْلِ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ لَا يَمْنَعُ السِّرَايَةَ، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لَهُ وَيُصَلِّي قَالَ الزَّيْلَعِيُّ، وَتَبِعَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ وَقَدَّمْنَا أَيْضًا هُنَاكَ فِيمَا إذَا خَافَ تَلَفَ رِجْلَيْهِ مِنْ الْبَرْدِ بُطْلَانَ الْمَسْحِ السَّابِقِ وَلُزُومَ اسْتِئْنَافِ مَسْحٍ آخَرَ يَعُمُّ الْخُفَّ كَالْجَبِيرَةِ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ عَدَمَ التَّقْيِيدِ بِشَيْءٍ مِنْ الْقَيْدَيْنِ (قَوْلُهُ بِلَا صُنْعٍ) بِأَنْ سَمِعَ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ مَثَلًا مِنْ قَارِئٍ فَحَفِظَهَا بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ حَفِظَهَا بِتَعْلِيمٍ مِنْ الْقَارِئِ لِأَنَّهُ يَكُونُ عَمَلًا كَثِيرًا، وَبِهِ يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِصُنْعِهِ فَلَا يَتَأَتَّى الْخِلَافُ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْأُمِّيُّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُمِّيِّ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ مُقْتَدِيًا بِأُمِّيٍّ أَوْ قَارِئٍ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ) لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِالْقِرَاءَةِ حَقِيقَةً فَوْقَ الصَّلَاةِ بِالْقِرَاءَةِ حُكْمًا، فَلَا يُمْكِنُهُ الْبِنَاءُ بَحْرٌ. وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّهَا مِنْ الْمُقْتَدِي الْقَارِئِ لَيْسَتْ إلَّا حُكْمًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ قَالَ الْفَقِيهُ إلَخْ) هُوَ الْإِمَامُ أَبُو اللَّيْثِ، وَصَرَّحَ بِمِثْلِ مَا هُنَا فِي خَزَائِنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ وَمِثْلُهُ لَوْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ فَوَجَدَ مَا يُزِيلُهَا أَوْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ وَلَمْ تَتَقَنَّعْ فَوْرًا (وَنَزَعَ الْمَاسِحُ خُفَّهُ) الْوَاحِدَ (بِعَمَلٍ يَسِيرٍ) فَلَوْ بِكَثِيرٍ تَتِمُّ اتِّفَاقًا (وَقُدْرَةُ مَأْمُومٍ عَلَى الْأَرْكَانِ، وَتَذَكُّرُ فَائِتَةٍ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى إمَامِهِ وَهُوَ صَاحِبُ تَرْتِيبٍ) وَالْوَقْتُ مُتَّسِعٌ (وَتَقْدِيمُ الْقَارِئِ أُمِّيًّا مُطْلَقًا، وَقِيلَ لَا فَسَادَ لَوْ كَانَ) اسْتِخْلَافُهُ (بَعْدَ التَّشَهُّدِ بِالْإِجْمَاعِ،   [رد المحتار] السُّرُوجِيِّ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: لَا تَبْطُلُ إجْمَاعًا رَمْلِيٌّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إسْمَاعِيلُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَوَجْهُهُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لَهُ، فَقَدْ تَكَامَلَ أَوَّلُ الصَّلَاةِ وَآخِرُهَا وَبِنَاءُ الْكَامِلِ عَلَى الْكَامِلِ جَائِزٌ. اهـ. (قَوْلُهُ تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ) بِأَنْ يَكُونَ طَاهِرًا أَوْ نَجَسًا، وَعِنْدَهُ مَا يُطَهِّرُهُ بِهِ، أَوْ لَيْسَ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّ رُبْعَهُ طَاهِرٌ نَهْرٌ، فَلَوْ كَانَ الطَّاهِرُ أَقَلَّ أَوْ كَانَ كُلُّهُ نَجَسًا لَا تَبْطُلُ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ السِّتْرُ بِالطَّاهِرِ، فَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. وَلَوْ قَالَ (تَجِبُ) بَدَلَ (تَصِحُّ) لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ عِبَارَتَهُ تَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ كُلُّهُ نَجَسًا إذْ الصَّلَاةُ تَصِحُّ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى عَارِيًّا لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ فِيهِ بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ أَبُو السُّعُودِ ط (قَوْلُهُ أَوْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ) فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ قَالَ شَيْخُنَا الْمَرْحُومُ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ أَمِينٌ مِيرْغَنِيٌّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ: أَقُولُ ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُلْحَقَةً بِالْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ فَرْضَ السِّتْرِ إنَّمَا يَلْزَمُهَا مُقْتَصِرًا مِنْ وَقْتِ عِتْقِهَا لَا مُسْتَنِدًا فَيَكُونُ عَدَمُ السِّتْرِ قَاطِعًا وَالْقَاطِعُ فِي أَوَانِهِ مِنْهُ وَفِي غَيْرِ أَوَانِهِ مُبْطِلٌ، وَهَاهُنَا فِي أَوَانِهِ لِأَنَّهُ بَعْدَ تَمَامِ الْأَرْكَانِ فَصَحَّتْ صَلَاتُهَا وَإِنْ لَمْ تُسْتَرْ مِنْ سَاعَتِهَا، بِخِلَافِ الْعَارِي إذَا وَجَدَ ثَوْبًا لِأَنَّ فَرْضَ السِّتْرِ لَزِمَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ، فَكَانَ وُجُودُ الثَّوْبِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُغَيِّرًا لِمَا قَبْلَهُ، فَكَانَ مُبْطِلًا. وَقَدْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ خِلَافَ مَا هُنَا، حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ فِي صَلَاتِهَا أَوْ بَعْدَمَا أَحْدَثَتْ فِيهَا قَبْلَ أَنْ تَتَوَضَّأَ أَوْ بَعْدَهُ تَقَنَّعَتْ بِعَمَلٍ رَفِيقٍ مِنْ سَاعَتِهَا وَبَنَتْ عَلَى صَلَاتِهَا، وَإِنْ أَدَّتْ رُكْنًا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعِتْقِ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا. وَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْضًا كَالْعُرْيَانِ إذَا وَجَدَ ثَوْبًا فِي صَلَاتِهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ فَرْضَ السِّتْرِ لَزِمَهَا فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ أَتَتْ بِهِ، وَالْعُرْيَانُ لَزِمَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا فَيَسْتَقْبِلُ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ فِيهَا مَاءً انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ صِحَّةُ صَلَاتِهَا لَوْ أُعْتِقَتْ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَلَمْ تَسْتَتِرْ. اهـ. أَقُولُ: وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ كُلَّ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ إذَا وُجِدَ فِي أَثْنَائِهَا بِصُنْعِ الْمُصَلِّي يُفْسِدُهَا إذَا وُجِدَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ بِلَا صُنْعِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ. لَا يُقَالُ: إنَّ تَرْكَ التَّقَنُّعِ فِي الْحَالِ مُفْسِدٌ لِصَلَاتِهَا بِصُنْعِهَا. لِأَنَّا نَقُولُ: الْفَسَادُ مُسْتَنِدٌ إلَى سَبَبِهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ لُزُومُ السِّتْرِ بِالْعِتْقِ كَمَا فِي نَزْعِ الْخُفِّ بِعَمَلٍ يَسِيرٍ فَإِنَّهُ بِصُنْعِ الْمُصَلِّي. مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوهُ بَلْ اعْتَبَرُوا السَّبَبَ السَّابِقَ وَهُوَ لُزُومُ الْغُسْلِ بِالْحَدَثِ السَّابِقِ: هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ خُفَّهُ الْوَاحِدَ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: هُوَ أَوْلَى مِمَّا وَقَعَ فِي الْكَنْزِ بِلَفْظِ الْمُثَنَّى، لِأَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فِي الْوَاحِدِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ نَزْعَ الْخُفِّ نَاقِضٌ. (قَوْلُهُ بِعَمَلٍ يَسِيرٍ) بِأَنْ كَانَ وَاسِعًا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْمُعَالَجَةِ بِالنَّزْعِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ تَتِمُّ اتِّفَاقًا) لِأَنَّهُ خُرُوجٌ بِصُنْعِهِ (قَوْلُهُ وَقُدْرَةُ مَأْمُومٍ عَلَى الْأَرْكَانِ) لِأَنَّ آخِرَ صَلَاتِهِ أَقْوَى، فَلَا يَجُوزُ بِنَاؤُهُ عَلَى الضَّعِيفِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَتَذَكُّرُ فَائِتَةٍ إلَخْ) أَيْ تَذَكَّرَ الْمُصَلِّي فَائِتَةً عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامًا أَوْ عَلَى إمَامِهِ إنْ كَانَ مُقْتَدِيًا، وَقَوْلُهُ وَهُوَ: أَيْ مَنْ عَلَيْهِ الْفَائِتَةُ مُطْلَقًا. وَفِي السِّرَاجِ: ثُمَّ هَذِهِ الصَّلَاةُ لَا تَبْطُلُ قَطْعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، بَلْ تَبْقَى مَوْقُوفَةً إنْ صَلَّى بَعْدَهَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ وَهُوَ يَذْكُرُ الْفَائِتَةَ تَنْقَلِبُ جَائِزَةً. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَذِكْرُ الْمُصَنِّفِ لَهَا فِي سِلْكِ الْبُطْلَانِ اعْتِمَادٌ عَلَى مَا يَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْفَوَائِتِ (قَوْلُهُ وَتَقْدِيمُ الْقَارِئِ أُمِّيًّا) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَارِئُ إمَامًا فَسَبَقَهُ الْحَدَثُ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ قَبْلَهُ بِقَرِينَةِ الْقَوْلِ الْآخَرِ. وَفِيهِ أَنَّ اسْتِخْلَافَهُ قَبْلَ التَّشَهُّدِ مُفْسِدٌ اتِّفَاقًا، سَوَاءٌ كَانَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ أَوْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَلَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا، وَكَذَا لَوْ قَرَأَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، خِلَافًا لِزُفَرَ وَرِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا مَرَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 وَهُوَ الْأَصَحُّ) كَمَا فِي الْكَافِي لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ (وَطُلُوعُ الشَّمْسِ فِي الْفَجْرِ) وَزَوَالُهَا فِي الْعِيدِ، وَدُخُولُ وَقْتٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ عَلَى مُصَلِّي الْقَضَاءِ (وَدُخُولُ وَقْتِ الْعَصْرِ) بِأَنْ بَقِيَ فِي قَعْدَتِهِ إلَى أَنْ صَارَ الظِّلُّ مِثْلَيْهِ (فِي الْجُمُعَةِ) بِخِلَافِ الظُّهْرِ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ. (وَزَوَالُ عُذْرِ الْمَعْذُورِ) بِأَنْ لَمْ يَعُدْ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي وَكَذَا خُرُوجُ وَقْتِهِ (وَسُقُوطُ جَبِيرَةٍ عَنْ بُرْءٍ) (وَ) اعْلَمْ أَنَّهُ (لَا تَنْقَلِبُ الصَّلَاةُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ) الْعِشْرِينَ (نَفْلًا إذَا بَطَلَتْ إلَّا) فِي ثَلَاثٍ (فِيمَا إذَا تَذَكَّرَ فَائِتَةً أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ فِي الْجُمُعَةِ) كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ. زَادَ فِي الْحَاوِي: وَالْمُومِئُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْأَرْكَانِ   [رد المحتار] قَبْلَ هَذَا الْبَابِ، وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ مَنْصُوبٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ، وَذَلِكَ فِيمَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ فَقَطْ فَالصَّوَابُ حَذْفُ الْإِطْلَاقِ وَأَنْ يَقُولَ وَقِيلَ لَا فَسَادَ بِالْإِجْمَاعِ اهـ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَاخْتَارَهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ) أَيْ وَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ هُنَا لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى إمَامٍ لَا يَصْلُحُ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ مِنْ الثَّلَاثَةِ) وَهِيَ الطُّلُوعُ وَالِاسْتِوَاءُ وَالْغُرُوبُ (قَوْلُهُ بِأَنْ بَنَى إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ مَا أَوْرَدَهُ فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ قَبْلَ بُلُوغِ الظِّلِّ مِثْلَهُ ثُمَّ بَلَغَ بَعْدَ الْقُعُودِ لَمْ تَبْطُلْ اتِّفَاقًا؛ أَمَّا عِنْدَهُ فَلِعَدَمِ دُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِعَدَمِ قَوْلِهِمَا بِالْفَسَادِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ. فَأَجَابَ بِتَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا ذَكَرَهُ لِيَتَحَقَّقَ الْخِلَافُ (قَوْلُهُ بِأَنْ لَمْ يَعُدْ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْأَمْرَ مَوْقُوفٌ، فَإِذَا انْقَطَعَ بَعْدَ الْقُعُودِ وَدَامَ وَقْتًا كَامِلًا بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ يَظْهَرُ أَنَّهُ انْقِطَاعٌ هُوَ بُرْءٌ فَيَظْهَرُ الْفَسَادُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَقْضِيهَا، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الِانْقِطَاعِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ عَادَ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي فَهِيَ صَحِيحَةٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا خُرُوجُ وَقْتِهِ) لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ طَهَارَةَ الْمَعْذُورِ تَبْطُلُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ (قَوْلُهُ الْعِشْرِينَ) لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى الِاثْنَيْ عَشَرَ ثَمَانِيَةَ مَسَائِلَ، وَهِيَ: وُجُودُ مَاءٍ يُزِيلُ بِهِ نَجَاسَةَ الثَّوْبِ، وَتَقَنُّعُ الْأَمَةِ، وَتَذَكُّرُ فَائِتَةٍ عَلَى إمَامِهِ، وَزَوَالُ الشَّمْسِ فِي الْعِيدِ، وَدُخُولُ وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ فِي الْقَضَاءِ، وَالثَّامِنَةُ خُرُوجُ وَقْتِ الْمَعْذُورِ. وَقَدْ حَاوَلَ فِي الْبَحْرِ فَأَرْجَعَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ إلَى مَسْأَلَةِ الْعَارِي وَمَسَائِلِ دُخُولِ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ إلَى مَسْأَلَةِ الطُّلُوعِ، وَالْأَخِيرَةَ إلَى ظُهُورِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي مَسْأَلَةِ مُضِيِّ مُدَّةِ الْمَسْحِ. وَبَقِيَ مَسْأَلَةُ تَذَكُّرِ فَائِتَةٍ عَلَى إمَامِهِ، وَأَرْجَعَهَا الْمُحَشِّي إلَى تَذَكُّرِ فَائِتَةٍ عَلَيْهِ، وَمَسْأَلَةُ زَوَالِ الشَّمْسِ فِي الْعِيدِ وَأَرْجَعَهَا إلَى مَسْأَلَةِ الطُّلُوعِ. وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّكَلُّفِ. عَلَى أَنَّ الْفَسَادَ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ لِوُجُودِ الْمَاءِ وَزَوَالِ الرِّقِّ لَا لِوُجُودِ الثَّوْبِ، فَإِنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلُ؛ وَلَوْ سَلِمَ اعْتِبَارُ التَّدَاخُلِ بِمِثْلِ مَا ذُكِرَ لَزِمَ أَنْ لَا تُعَدَّ مَسْأَلَةُ دُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ مَعَ مَسْأَلَةِ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإِنَّ إحْدَاهُمَا تُغْنِي عَنْ الْأُخْرَى، وَأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى إحْدَى الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَهِيَ قُدْرَةُ الْمُتَيَمِّمِ عَلَى الْمَاءِ، وَمُضِيِّ مُدَّةِ الْمَسْحِ وَنَزْعِ الْخُفِّ، فَإِنَّ فِي كُلٍّ مِنْهَا ظَهَرَ الْحَدَثُ السَّابِقُ بَلْ يُمْكِنُ التَّدَاخُلُ فِي غَيْرِهَا أَيْضًا كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ، فَعُلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوا ذَلِكَ، فَلِذَا زَادَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْضَ الْمَسَائِلِ عَلَى مَا ذَكَرُوا، وَتَبِعَهُ فِي الْفَتْحِ وَالدُّرَرِ وَالشَّيْخِ شَعْبَانَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَكَذَا صَنَعَ فِي الذَّخِيرَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ، وَزَادَ عَلَيْهَا نَحْوًا مِنْ مِائَةِ مَسْأَلَةٍ لِوُجُودِ الْجَامِعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا ذَكَرُوهُ، وَوُجُودِ الْأَصْلِ الَّذِي يُبْتَنَى عَلَيْهِ الْبُطْلَانُ فِي الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ إذَا وُجِدَ فِي أَثْنَائِهَا بِصُنْعِ الْمُصَلِّي يُفْسِدُهَا أَيْضًا إذَا وُجِدَ بَعْدَ الْجُلُوسِ الْأَخِيرِ بِلَا صُنْعِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ لَا عِنْدَهُمَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ إذَا بَطَلَتْ) الْمُرَادُ بِالْبُطْلَانِ كَمَا مَرَّ مَا يَشْمَلُ بُطْلَانَ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ أَوْ الْوَصْفِ فَقَطْ (قَوْلُهُ فِيمَا إذَا تَذَكَّرَ فَائِتَةً) أَيْ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى إمَامِهِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْأَمْرَ مَوْقُوفٌ فِي تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ وَلَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا لِلْحَالِ ح (قَوْلُهُ زَادَ فِي الْحَاوِي إلَخْ) أَيْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ قُبَيْلَ بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ. أَقُولُ: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ وَغَيْرُهُمْ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ بِإِيمَاءٍ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ وَذَكَرَ الشُّرَّاحُ أَنَّ ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 وَيُزَادُ مَسْأَلَةُ الْمُؤْتَمِّ بِمُتَيَمِّمٍ كَمَا قَدَّمْنَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ زَوَالَهَا فِي الْعِيدِ وَدُخُولِ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فِي الْقَضَاءِ كَذَلِكَ وَلَمْ أَرَهُ (وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ مَسْبُوقًا) أَوْ لَاحِقًا أَوْ مُقِيمًا وَهُوَ مُسَافِرٌ (صَحَّ) وَالْمُدْرِكُ أَوْلَى، وَلَوْ جَهِلَ الْكَمْيَّة قَعَدَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ احْتِيَاطًا وَلَوْ مَسْبُوقًا بِرَكْعَتَيْنِ فَرَضْنَا الْقَعْدَتَيْنِ، وَلَوْ أَشَارَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ فُرِضَتْ الْقِرَاءَةُ فِي الْأَرْبَعِ. (فَلَوْ أَتَمَّ) الْمَسْبُوقُ (صَلَاةً قَدَّمَ مُدْرِكًا لِلسَّلَامِ،   [رد المحتار] بِاتِّفَاقِ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَنَّ هَذَا الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ اقْتِدَاءِ الرَّاكِعِ السَّاجِدِ بِالْمُومِئِ فَعِنْدَنَا لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ فَكَذَا الْبِنَاءُ هُنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ يَجُوزُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ لُزُومَ الِاسْتِئْنَافِ يَقْتَضِي فَسَادَ الصَّلَاةِ مِنْ أَصْلِهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ يَسْتَأْنِفُ لَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْفَرْضِ لَكِنَّ إطْلَاقَهُمْ لُزُومَ الِاسْتِئْنَافِ يَشْمَلُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ بِنَاءُ الْخِلَافِ عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُومِئِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الْفَرْضِ وَلَا فِي النَّفْلِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَيُزَادُ) أَيْ عَلَى مَا يَنْقَلِبُ نَفْلًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ ح. أَقُولُ: حَيْثُ كَانَ مُرَادُ الشَّارِحِ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُتَمِّمَ ذِكْرَ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَنْقَلِبُ فِيهَا الصَّلَاةُ نَفْلًا فَإِنَّ مِنْهَا كَمَا فِي الْحَاوِي تَرْكَ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَرُكُوعَ الْمَسْبُوقِ وَسُجُودَهُ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ مُتَابَعَتِهِ فِيهَا (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ إلَخْ) مَا اسْتَظْهَرَهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْأَوْقَاتَ الْمَكْرُوهَةَ لَا تُنَافِي انْعِقَادَ النَّفْلِ ابْتِدَاءً فَكَيْفَ بِالْبَقَاءِ أَفَادَهُ ح وَطَّ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُسَافِرٌ) أَيْ الْإِمَامُ وَهَذَا قَيْدٌ لِقَوْلِهِ أَوْ مُقِيمًا (قَوْلُهُ صَحَّ) أَيْ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي التَّحْرِيمَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَالْمُدْرِكُ أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِ صَلَاتِهِ بَحْرٌ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَسْتَخْلِفَ غَيْرَ مُدْرِكٍ وَلِذَلِكَ الْغَيْرِ أَنْ لَا يَقْبَلَ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَهِلَ الْكَمْيَّةَ إلَخْ) فِيهِ إجْمَالٌ. وَبَيَانُهُ كَمَا فِي النَّهْرِ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ كَمْيَّةَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَكَانُوا كُلُّهُمْ كَذَلِكَ أَيْ مَسْبُوقِينَ ابْتَدَأَ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى إلَيْهِ الْإِمَامُ وَإِلَّا أَتَمَّ رَكْعَةً وَقَعَدَ ثُمَّ قَامَ وَأَتَمَّ صَلَاةَ نَفْسِهِ وَلَا يُتَابِعُهُ الْقَوْمُ بَلْ يَصْبِرُونَ إلَى فَرَاغِهِ فَيُصَلُّونَ مَا عَلَيْهِمْ وُحْدَانًا وَيَقْعُدُ هَذَا الْخَلِيفَةُ عَلَى كُلِّ رَكْعَةٍ احْتِيَاطًا، وَقَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِمَا إذَا سَبَقَ الْإِمَامَ الْحَدَثُ وَهُوَ قَائِمٌ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ يُبَيِّنُوا مَا إذَا سَبَقَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَلَمْ يَعْلَمْ الْخَلِيفَةُ مَا كَمْيَّةُ صَلَاتِهِ. وَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ مَا قَالُوهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْخَلِيفَةُ رَكْعَتَيْنِ وَحْدَهُ وَهُمْ جُلُوسٌ، فَإِذَا فَرَغَ قَامُوا وَصَلَّى كُلٌّ أَرْبَعًا وَحْدَهُ وَالْخَلِيفَةُ مَا بَقِيَ، وَلَا يَشْتَغِلُونَ بِالْقَضَاءِ قَبْلَ فَرَاغِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّاحِقَ يُشِيرُ إلَيْهِمْ أَنْ لَا يُتَابِعُوهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِمَّا فَاتَهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا فَاتَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يُتَابِعُونَهُ فَيُسَلِّمُ بِهِمْ، فَلَوْ تَرَكَ الْوَاجِبَ قُدِّمَ غَيْرُهُ لِيُسَلِّمَ. وَأَمَّا الْمُقِيمُ فَيُقَدِّمُ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ مُسَافِرًا يُسَلِّمُ بِهِمْ ثُمَّ يَقْضِي الْمُقِيمُونَ رَكْعَتَيْنِ مُنْفَرِدِينَ بِلَا قِرَاءَةٍ، حَتَّى لَوْ اقْتَدُوا بِهِ بَعْدَ قِيَامِهِ بَطَلَتْ. (قَوْلُهُ احْتِيَاطًا) أَيْ لِلِاحْتِمَالِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَنَّهَا آخِرُ صَلَاةِ الْإِمَامِ ح (قَوْلُهُ فَرَضْنَا الْقَعْدَتَيْنِ) لِأَنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى فَرْضٌ عَلَى إمَامِهِ وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَالثَّانِيَةَ فَرْضٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فُرِضَتْ الْقِرَاءَةُ فِي الْأَرْبَعِ) لِأَنَّهُ لَمَّا قَرَأَ الرَّكْعَتَيْنِ نِيَابَةً عَنْ الْإِمَامِ الْتَحَقَتْ بِالْأُولَيَيْنِ فَخَلَتْ الْأُخْرَيَانِ عَنْ الْقِرَاءَةِ، فَصَارَ كَأَنَّ الْخَلِيفَةَ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَيَلْزَمُهُ الْقِرَاءَةُ فِيمَا سَبَقَ بِهِ أَيْضًا كَمَا هُوَ حُكْمُ الْمَسْبُوقِ مِنْ أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَقْضِيهِ، وَفِيهَا يُلْغَزُ أَيُّ مُصَلٍّ تُفْرَضُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتِ الْفَرْضِ. (قَوْلُهُ قُدِّمَ مُدْرِكًا لِلسَّلَامِ) أَيْ لِيُسَلِّمَ بِالْقَوْمِ، وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ أَوَّلًا، فَلَوْ فَعَلَ فَفِي فَسَادِ صَلَاتِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 ثُمَّ) لَوْ (أَتَى بِمَا يُنَافِيهَا) كَضَحِكٍ (تَفْسُدُ صَلَاتُهُ دُونَ الْقَوْمِ الْمُدْرِكِينَ) لِتَمَامِ أَرْكَانِهَا (وَكَذَا تَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ حَالُهُ كَحَالِهِ) لِلْمُنَافِي فِي خِلَالِهَا (وَكَذَا) تَفْسُدُ (صَلَاةُ الْإِمَامِ) الْأَوَّلِ (الْمُحْدِثِ إنْ لَمْ يَفْرُغْ، فَإِنْ فَرَغَ) بِأَنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَفُتْهُ شَيْءٌ لَا تَفْسُدُ فِي الْأَصَحِّ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ كَمُؤْتَمٍّ (وَتَفْسُدُ صَلَاةُ مَسْبُوقٍ) عِنْدَ الْإِمَامِ (بِقَهْقَهَةِ إمَامِهِ وَحَدَثِهِ الْعَمْدِ فِي) أَيْ بَعْدَ (قُعُودِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ) إلَّا إذَا قَيَّدَ رَكْعَتَهُ بِسَجْدَةٍ لِتَأَكُّدِ انْفِرَادِهِ (وَلَوْ تَكَلَّمَ) إمَامُهُ (أَوْ خَرَجَ مِنْ مَسْجِدِهِ لَا) تَفْسُدُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُمَا مَنْهِيَّانِ لَا مُفْسِدَانِ، وَلِذَا يَلْزَمُ الْمُدْرِكِينَ السَّلَامُ وَيَقُومُونَ فِي الْقَهْقَهَةِ بِلَا سَلَامٍ (بِخِلَافِ الْمُدْرِكِ) فَإِنَّهُ كَالْإِمَامِ اتِّفَاقًا (وَلَوْ لَاحِقًا، فَفِي فَسَادِ صَلَاتِهِ تَصْحِيحَانِ) صَحَّحَ فِي السِّرَاجِ الْفَسَادَ.   [رد المحتار] اخْتِلَافُ تَصْحِيحٍ وَقَدَّمَ الشَّارِحُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ أَنَّ الْأَظْهَرَ الْفَسَادُ (قَوْلُهُ ثُمَّ لَوْ أَتَى إلَخْ) أَيْ بَعْدَمَا أَتَمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ سَوَاءٌ قُدِّمَ مُدْرِكًا أَوْ لَا (قَوْلُهُ لِتَمَامِ أَرْكَانِهَا) أَيْ أَرْكَانِ صَلَاةِ الْمُدْرِكِينَ فَلَا يَضُرُّهَا الْمُنَافِي، بِخِلَافِ ذَلِكَ الْمَسْبُوقِ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ مَا سَبَقَ بِهِ فَوَقَعَ الْمُنَافِي فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ (قَوْلُ الْأَصَحُّ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِ إنْ لَمْ يَفْرُغْ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ. وَالْإِمَامُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ فَرَغَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْرُغْ تَفْسُدُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. وَاحْتَرَزَ بِالْأَصَحِّ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّ صَلَاتَهُ تَامَّةٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ أَوَّلَ الصَّلَاةِ، وَكَأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ غَلَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ لِأَنَّهُ فَصَّلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا إنَّهَا تَامَّةٌ، وَظَاهِرُ التَّفْصِيلِ الْمُخَالَفَةُ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ قُبَيْلَ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ ح. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَخْلَفَهُ صَارَ مُقْتَدِيًا بِهِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِفَسَادِ صَلَاةِ إمَامِهِ، وَلِهَذَا لَوْ صَلَّى مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَنْزِلِهِ قَبْلَ فَرَاغِ هَذَا الْمُسْتَخْلِفِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ انْفِرَادَهُ قَبْلَ فَرَاغُ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ. اهـ. وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْهُ (قَوْلُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ) وَعِنْدَهُمَا لَا تَفْسُدُ قِيَاسًا عَلَى الْكَلَامِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَنْهِيّ وَالْمُفْسِدِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ أَيْ بَعْدَ) بَيَانٌ لِلْمُرَادِ، وَإِلَّا فَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّ " فِي " تَأْتِي بِمَعْنَى بَعْدَ وَالْأَظْهَرُ جَعْلُهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ فِي آخِرِ قُعُودِهِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا قَيَّدَ إلَخْ) بِأَنْ قَامَ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا جَارٍ أَيْضًا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهُ فَيُقَيَّدُ بِهِ قَوْلُهُ وَكَذَا تَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ حَالُهُ كَحَالِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا مُنْهِيَانِ إلَخْ) أَيْ مُتَمِّمَانِ لِلصَّلَاةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْعِنَايَةِ: الْمَنْهِيّ مَا اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ رَافِعًا لِلتَّحْرِيمَةِ عِنْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ كَالتَّسْلِيمِ وَالْخُرُوجِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي. اهـ. وَأَمَّا الْقَهْقَهَةُ وَالْحَدَثُ الْعَمْدُ فَإِنَّهُمَا مُفْسِدَانِ لِتَفْوِيتِهِمَا شَرْطَ الصَّلَاةِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ، فَيُفْسِدَانِ الْجُزْءَ الَّذِي يُلَاقِيَانِهِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَفْسُدُ مِثْلُهُ مِنْ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي الْمَسْبُوقِ، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ فُرُوضٌ فَلَا يُمْكِنُهُ بِنَاؤُهَا عَلَى الْفَاسِدِ، بِخِلَافِ الْإِمَامِ الْمُدْرِكِ (قَوْلُهُ وَلِذَا إلَخْ) أَيْ لِكَوْنِ الْكَلَامِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ مُنْهِيَيْنِ لَا مُفْسِدَيْنِ يَجِبُ عَلَى الْمُقْتَدِينَ الْمُدْرِكِينَ السَّلَامُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَهْقَهَ إمَامُهُمْ أَوْ أَحْدَثَ عَمْدًا فَإِنَّهُمْ يَقُومُونَ بِلَا سَلَامٍ لِأَنَّهُمَا مُفْسِدَانِ. وَفِيهَا يُلْغَزُ أَيُّ مُصَلٍّ لَا سَلَامَ عَلَيْهِ. وَفِي الْبَحْرِ: لَوْ قَهْقَهَ الْقَوْمُ بَعْدَ الْإِمَامِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ دُونَهُمْ لِخُرُوجِهِمْ مِنْهَا بِحَدَثِهِ، بِخِلَافِ قَهْقَهَتِهِمْ بَعْدَ سَلَامِهِ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِسَلَامِهِ فَيُطْلَبُ طَهَارَتُهُمْ، وَإِنْ قَهْقَهُوا مَعًا أَوْ الْقَوْمُ ثُمَّ الْإِمَامُ فَعَلَيْهِمْ الْوُضُوءُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنْ الصَّلَاةِ بِحَدَثِ الْإِمَامِ عَمْدًا اتِّفَاقًا، وَلِهَذَا لَا يُسَلِّمُونَ وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِسَلَامَةٍ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَأَمَّا بِكَلَامِهِ؛ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ كَالسَّلَامِ فَيُسَلِّمُونَ وَتُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُمْ بِالْقَهْقَهَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ كَالْحَدَثِ الْعَمْدِ، فَلَا سَلَامَ وَلَا نَقْضَ بِهَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ لَوْ قَهْقَهَ بَعْدَ كَلَامِ الْإِمَامِ عَمْدًا فَسَدَتْ طَهَارَتُهُ وَكَسِلَامِهِ عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا، وَمَشَى الشَّارِحُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُدْرِكِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَتَفْسُدُ صَلَاةُ مَسْبُوقٍ بِقَهْقَهَةِ إمَامِهِ وَحَدَثِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 611 وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ عَدَمَهُ: وَظَاهِرُ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ تَأْيِيدُ الْأَوَّلِ (وَلَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ) لَا خُصُوصِيَّةَ لَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ (فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ تَوَضَّأَ وَبَنَى وَأَعَادَهُمَا) فِي الْبِنَاءِ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ (مَا لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ) مِنْهُمَا (مُرِيدًا لِلْأَدَاءِ، أَمَّا إذَا رَفَعَ) رَأْسَهُ (مُرِيدًا بِهِ أَدَاءَ رُكْنٍ فَلَا) يَبْنِي بَلْ تَفْسُدُ وَلَوْ لَمْ يُرِدْ الْأَدَاءَ فَرِوَايَتَانِ كَمَا فِي الْكَافِي. وَفِي الْمُجْتَبَى: وَيَتَأَخَّرُ مُحْدَوْدِبًا وَلَا يَرْفَعُ مُسْتَوِيًا فَتَفْسُدُ (وَلَوْ تَذَكَّرَ) الْمُصَلِّي (فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ) أَنَّهُ تَرَكَ (سَجْدَةً) صُلْبِيَّةً أَوْ تِلَاوِيَّةً فَانْحَطَّ مِنْ رُكُوعِهِ بِلَا رَفْعٍ أَوْ رَفَعَ مِنْ سُجُودِهِ (فَسَجَدَهَا) عَقِبَ التَّذَكُّرِ (أَعَادَهُمَا) أَيْ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ (نَدْبًا) لِسُقُوطِهِ بِالنِّسْيَانِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ   [رد المحتار] الْعَمْدِ (قَوْلُهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ عَدَمُهُ) قَالَ لِأَنَّ النَّائِمَ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَالْإِمَامُ قَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ فَكَذَلِكَ صَلَاةُ النَّائِمِ تَقْدِيرًا اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِخِلَافِ اللَّاحِقِ (قَوْلُهُ تَأْيِيدُ الْأَوَّلِ) أَقُولُ: يُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ هَذَا مِنْ فَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ الْمُحْدِثِ إنْ لَمْ يَفْرُغْ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ كَمَا مَرَّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَاحِقٌ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي النَّهْرِ ذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لَهُ) أَيْ لِلْإِمَامِ بَلْ الْمُقْتَدِي وَالْمُنْفَرِدُ حُكْمُهُمَا كَذَلِكَ، فَلَوْ عَبَّرَ بِالْمُصَلِّي كَمَا فِي النَّهْرِ وَالْعَيْنِيِّ وَالْمِسْكِينِ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ) لِأَنَّ إتْمَامَ الرُّكْنِ بِالِانْتِقَالِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَمَعَ الْحَدَثِ لَا يَتَحَقَّقُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ تَمَّ قَبْلَ الِانْتِقَالِ، لَكِنَّ الْجِلْسَةَ وَالْقَوْمَةَ فَرْضٌ عِنْدَهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعَادَةِ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يُعِدْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ح عَنْ الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَرْفَعْ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ بَنَى، وَهُوَ صَادِقٌ بِثَلَاثِ صُوَرٍ: بِأَنْ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ أَصْلًا بَلْ مَشَى مُحْدَوْدِبًا، أَوْ رَفَعَ مُرِيدًا لِلِانْصِرَافِ، أَوْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا أَصْلًا، فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ يَبْنِي وَلَا تَفْسُدُ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَمْ يُرِدْ الْأَدَاءَ) أَيْ بِرَفْعِهِ رَأْسَهُ مُسَمِّعًا أَوْ مُكَبِّرًا لِأَنَّ عِبَارَةَ الْكَافِي هَكَذَا: وَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الرُّكُوعِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ قَائِلًا سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَسَدَتْ، وَلَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ وَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ مُرِيدًا بِهِ أَدَاءَ رُكْنٍ فَسَدَتْ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْأَدَاءَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَلَوْ أَحْدَثَ رَاكِعًا فَرَفَعَ مُسَمِّعًا لَا يَبْنِي لِأَنَّ الرَّفْعَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِلِانْصِرَافِ، فَمُجَرَّدُهُ لَا يَمْنَعُ، فَلَمَّا اقْتَرَنَ بِهِ التَّسْمِيعُ ظَهَرَ قَصْدُ الْأَدَاءِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ أَحْدَثَ فِي سُجُودِهِ فَرَفَعَ مُكَبِّرًا نَاوِيًا لِتَمَامِهِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَسَدَتْ؛ لَا إنْ نَوَى الِانْصِرَافَ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُسَمِّعًا أَوْ مُكَبِّرًا تَفْسُدُ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ، سَوَاءٌ أَرَادَ بِهِ الْأَدَاءَ أَوْ لَا، إلَّا إذَا نَوَى الِانْصِرَافَ لِأَنَّ التَّسْمِيعَ أَوْ التَّكْبِيرَ الَّذِي هُوَ أَمَارَةُ قَصْدِ الْأَدَاءِ لَا يُعَارِضُ صَرِيحَ قَصْدِ الِانْصِرَافِ، وَأَنَّ مُجَرَّدَ الرَّفْعِ بِلَا تَسْمِيعٍ أَوْ تَكْبِيرٍ وَلَا نِيَّةِ أَدَاءً غَيْرُ مُفْسِدٍ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ (قَوْلُهُ فَتَفْسُدُ) أَيْ إنْ قَصَدَ الْأَدَاءَ أَوْ رَفَعَ مُكَبِّرًا، وَإِلَّا خَالَفَ مَا نَقَلْنَاهُ تَأَمَّلْ. الظَّاهِرُ تَقْيِيدُهُ أَيْضًا بِمَا إذَا رَفَعَ مُسْتَوِيًا قَبْلَ أَنْ يَنْحَرِفَ عَنْ الْقِبْلَةِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ تَذَكَّرَ إلَخْ) قَيَّدَ بِالرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ السَّجْدَةَ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَسَجَدَهَا أَعَادَ الْقَعْدَةَ نَهْرٌ لِأَنَّهَا مَا شُرِعَتْ إلَّا خَاتِمَةً لِأَفْعَالِ الصَّلَاةِ. وَاحْتَرَزَ بِالسَّجْدَةِ عَمَّا لَوْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ السُّورَةَ فَعَادَ إلَيْهَا أَعَادَهُ، لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِيهِ فَرْضٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَانْحَطَّ مِنْ رُكُوعِهِ) هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الرُّكُوعَ عَلَى سَبِيلِ الِافْتِرَاضِ لِمَا أَنَّ الْقَوْمَةَ فَرْضٌ عِنْدَهُ ح (قَوْلُهُ أَوْ رَفَعَ مِنْ سُجُودِهِ) قَيَّدَ بِالرَّفْعِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ السُّجُودَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالرَّفْعِ حَتَّى يَصِلَ إلَى قُرْبِ الْجُلُوسِ رَحْمَتِيٌّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَسَجَدَهَا) أَفَادَ أَنَّ سُجُودَهَا عَقِبَ التَّذَكُّرِ غَيْرُ وَاجِبٍ، لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ: لَهُ أَنْ يَقْضِيَ السَّجْدَةَ الْمَتْرُوكَةَ عَقِبَ التَّذَكُّرِ، وَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ فَيَقْضِيَهَا هُنَاكَ. اهـ. (قَوْلُهُ لِسُقُوطِهِ) أَيْ سُقُوطِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ الْمَبْنِيِّ عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ؛ فَإِنَّ التَّرْتِيبَ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَاجِبٌ؛ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ عَمْدًا. وَيَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ، وَيَنْجَبِرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 وَلَوْ أَخَّرَهَا لِآخِرِ صَلَاتِهِ قَضَاهَا فَقَطْ. (وَلَوْ أَمَّ وَاحِدًا) فَقَطْ (فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ) أَيْ وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى إمَامَتِهِ كَمَا مَرَّ (تَعَيَّنَ الْمَأْمُومُ لِلْإِمَامَةِ لَوْ صَلَحَ لَهَا) أَيْ لِإِمَامَةِ الْإِمَامِ (بِلَا نِيَّةٍ) لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ (وَإِلَّا) يَصْلُحْ كَصَبِيٍّ (فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي) اتِّفَاقًا (دُونَ الْإِمَامِ عَلَى الْأَصَحِّ) لِبَقَاءِ الْإِمَامِ إمَامًا وَالْمُؤْتَمِّ بِلَا إمَامٍ (هَذَا إذَا لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ، فَإِنْ اسْتَخْلَفَهُ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْمُسْتَخْلِفِ) كِلَيْهِمَا (بَاطِلَةٌ) اتِّفَاقًا (وَلَوْ أَمَّ) رَجُلٌ (رَجُلًا فَأَحْدَثَا وَخَرَجَا مِنْ الْمَسْجِدِ تَمَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ وَفَسَدَتْ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي) لِمَا مَرَّ (أَخَذَهُ رُعَافٌ يَمْكُثُ إلَى انْقِطَاعِهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي) لِمَا مَرَّ بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا عَقَّبَ الْعَارِضَ الِاضْطِرَارِيَّ بِالِاخْتِيَارِيِّ (يُفْسِدُهَا التَّكَلُّمُ) هُوَ النُّطْقُ بِحَرْفَيْنِ أَوْ حَرْفٌ مُفْهِمٌ: كع وَقِ أَمْرًا   [رد المحتار] بِسُجُودِ السَّهْوِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَخَّرَهَا) هُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ عَقِبَ التَّذَكُّرِ كَمَا فِي النَّهْرِ ح (قَوْلُهُ قَضَاهَا فَقَطْ) يَعْنِي مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ رُكُوعٍ وَلَا سُجُودٍ، لَا افْتِرَاضًا، وَلَا وُجُوبًا، وَلَا نَدْبًا، بَلْ إنْ سَجَدَهَا فِي أَثْنَاءِ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْ بَعْدَهَا أَعَادَهَا افْتِرَاضًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ ح وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ لِتَرْكِ التَّرْتِيبِ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا ط (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ قُبَيْلَ قَوْلِهِ: وَاسْتِئْنَافُهُ أَفْضَلُ (قَوْلُهُ تَعَيَّنَ الْمَأْمُومُ لِلْإِمَامَةِ) حَتَّى لَوْ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاةُ هَذَا الثَّانِي، وَلَوْ أَفْسَدَهَا الثَّانِي تَفْسُدُ صَلَاةُ الْأَوَّلِ لِتَحَوُّلِ الْإِمَامَةِ إلَيْهِ، فَإِنْ جَاءَ ثَالِثٌ وَاقْتَدَى بِهَذَا الثَّانِي ثُمَّ أَحْدَثَ الثَّانِي صَارَ الثَّالِثُ إمَامًا لِنَفْسِهِ، فَإِنْ أَحْدَثَ الثَّالِثُ قَبْلَ رُجُوعِهِمَا أَوْ رُجُوعِ أَحَدِهِمَا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْأَوَّلَيْنِ لِأَنَّهُمَا صَارَا مُقْتَدِيَيْنِ بِهِ، فَإِذَا خَرَجَ إمَامُهُمَا مِنْ الْمَسْجِدِ تَحَقَّقَ تَبَايُنُ الْمَكَانِ، فَيَفْسُدُ الِاقْتِدَاءُ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَهُوَ اتِّحَادُ الْبُقْعَةِ؛ وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ ثُمَّ خَرَجَ الثَّالِثُ جَازَتْ صَلَاتُهُمْ لِأَنَّ الرَّاجِعَ صَارَ إمَامًا لَهُمْ لِتَعَيُّنِهِ وَلَوْ رَجَعَا فَإِنْ قَدَّمَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ قَبْلَ خُرُوجِ الثَّالِثِ مِنْ الْمَسْجِدِ صَارَ هُوَ الْإِمَامَ وَإِلَّا فَسَدَتْ صَلَاتُهُمَا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَصِرْ إمَامًا لِلتَّعَارُضِ بِلَا مُرَجِّحٍ، فَبَقِيَ الثَّالِثُ إمَامًا، فَإِذَا خَرَجَ فَاتَ شَرْطُ الِاقْتِدَاءِ وَهُوَ اتِّحَادُ الْبُقْعَةِ فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُمَا بَدَائِعُ (قَوْلُهُ بِلَا نِيَّةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَعَيَّنَ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) وَقِيلَ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَقَطْ، وَقِيلَ صَلَاتُهُمَا ح (قَوْلُهُ لِبَقَاءِ الْإِمَامِ إمَامًا إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: لِأَنَّ تَعَيُّنَ الْوَاحِدِ لِلْإِمَامَةِ إنَّمَا كَانَ لِلْحَاجَةِ إلَى إصْلَاحِ الصَّلَاةِ، وَفِي جَعْلِهِ إمَامًا هَاهُنَا إفْسَادُهَا، فَبَقِيَ الْمُقْتَدِي لَا إمَامَ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ اسْتَخْلَفَهُ) أَيْ قَبْلَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، وَإِلَّا كَانَ خَارِجًا بِصُنْعِهِ ط (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) هُوَ قَوْلٌ لِبَقَاءِ الْإِمَامِ إلَخْ ح (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ مَكَثَ قَدْرَ أَدَاءِ رُكْنٍ بَعْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا لِعُذْرٍ كَنَوْمٍ وَرُعَافٍ ح [بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا] بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ، وَمَا وَيُكْرَهُ فِيهَا الْفَسَادُ وَالْبُطْلَانُ فِي الْعِبَادَاتِ سَوَاءٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا خُرُوجُ الْعِبَادَةِ عَنْ كَوْنِهَا عِبَادَةً بِسَبَبِ فَوَاتِ بَعْضِ الْفَرَائِضِ، وَعَبَّرُوا عَمَّا يُفَوِّتُ الْوَصْفَ مَعَ بَقَاءِ الْفَرَائِضِ مِنْ الشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ بِالْكَرَاهَةِ، بِخِلَافِ الْمُعَامَلَاتِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ عَقَّبَ الْعَارِضَ إلَخْ) أَيْ إنَّ الْمُفْسِدَاتِ عَوَارِضُ عَلَى الصِّحَّةِ، لَكِنْ مِنْهَا اضْطِرَارِيٌّ كَسَبْقِ الْحَدَثِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ السَّابِقِ، وَمِنْهَا اخْتِيَارِيٌّ كَالتَّكَلُّمِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَأْتِي هُنَا، فَلِذَا عُقِّبَ أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ تَقْدِيمِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي؛ وَبَيَّنَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الِاضْطِرَارَ أَعْرَفُ فِي الْعَارِضِيَّةِ أَيْ إنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْعُرُوضِ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ يُفْسِدُهَا التَّكَلُّمُ) أَيْ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ، وَمِثْلُهَا سُجُودُ السَّهْوِ وَالتِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ عَلَى الْقَوْلِ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ هُوَ النُّطْقُ بِحَرْفَيْنِ إلَخْ) أَيْ أَدْنَى مَا يَقَعُ اسْمُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ الْمُرَكَّبُ مِنْ حَرْفَيْنِ كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 وَلَوْ اسْتَعْطَفَ كَلْبًا أَوْ هِرَّةً أَوْ سَاقَ حِمَارًا لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ صَوْتٌ لَا هِجَاءَ لَهُ (عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ قَبْلَ قُعُودِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ سِيَّانِ) وَسَوَاءٌ كَانَ نَاسِيًا أَوْ نَائِمًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُخْطِئًا أَوْ مُكْرَهًا   [رد المحتار] فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْجَلَّابِي. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَفِي الْمُحِيطِ: وَالنَّفْخُ الْمَسْمُوعُ الْمُهَجَّى مُفْسِدٌ عِنْدَهُمَا، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. لَهُمَا أَنَّ الْكَلَامَ اسْمٌ لِحُرُوفٍ مَنْظُومَةٍ مَسْمُوعَةٍ مِنْ مَخْرَجِ الْكَلَامِ لِأَنَّ الْإِفْهَامَ بِهَذَا يَقَعُ، وَأَدْنَى مَا يَقَعُ بِهِ انْتِظَامُ الْحُرُوفِ حَرْفَانِ انْتَهَى. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّ أَدْنَاهُ حَرْفَانِ أَوْ حَرْفٌ مُفْهِمٌ كَ عِ أَمْرًا، وَكَذَا قِ، فَإِنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ بِهِمَا ظَاهِرٌ اهـ. أَقُولُ: وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ نَحْوَ عِ، وَقِ أَمْرٌ مُنْتَظِمٌ مِنْ حُرُوفٍ تَقْدِيرًا غَيْرَ أَنَّهَا حُذِفَتْ لِأَسْبَابٍ صِنَاعِيَّةٍ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي تَعْرِيفِ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ بَلْ هُوَ كَلَامٌ نَحْوِيٌّ، وَلَعَلَّ الشَّارِحَ جَزَمَ بِهِ لِذَلِكَ؛ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى أَنَّهُ بَحْثٌ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ فَتَدَبَّرْ. وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحَرْفَ الْوَاحِدَ الْمُهْمَلَ لَا يُسَمَّى كَلَامًا، فَلَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِ الْهِنْدِيَّةِ وَالزَّيْلَعِيِّ أَنَّ الْكَلَامَ مُفْسِدٌ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَعْطَفَ كَلْبًا إلَخْ) أَيْ بِمَا لَيْسَ لَهُ حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ تَعْلِيلُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ صَوْتٌ لَا هِجَاءَ لَهُ. اهـ. ح، لَكِنْ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّ الْكَلَامَ الْمُفْسِدَ مَا يُعْرَفُ فِي مُتَفَاهَمِ النَّاسِ، سَوَاءٌ حَصَلَتْ بِهِ حُرُوفٌ أَمْ لَا، حَتَّى لَوْ قَالَ مَا يُسَاقُ بِهِ الْحِمَارُ فَسَدَتْ. اهـ. وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِيهِ خِلَافًا حَيْثُ قَالَ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَالتَّنَحْنُحِ بِلَا عُذْرٍ. وَلَوْ نَفَخَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنْ كَانَ مَسْمُوعًا تَبْطُلُ وَإِلَّا فَلَا، وَالْمَسْمُوعُ مَا لَهُ حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ نَحْوَ أُفٍّ وَتَفٍّ، وَغَيْرُ الْمَسْمُوعِ بِخِلَافِهِ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْحَلْوَانِيُّ: وَبَعْضُهُمْ لَا يَشْتَرِطُ لِلنَّفْخِ الْمَسْمُوعِ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ خُوَاهَرْ زَادَهُ. وَعَلَى هَذَا إذَا نَفَّرَ طَيْرًا أَوْ غَيْرَهُ أَوْ دَعَاهُ بِمَا هُوَ مَسْمُوعٌ اهـ لَكِنْ مَا مَرَّ مِنْ تَعْرِيفِ الْكَلَامِ عِنْدَهُمَا يُؤَيِّدُ أَنَّ الْمَسْمُوعَ مَا لَهُ حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْفَيْضِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْخُلَاصَةِ، نَعَمْ اسْتَشْكَلَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَدَمَ الْفَسَادِ بِمَا يُسَاقُ بِهِ الْحِمَارُ بِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ الْآتِي (قَوْلُهُ عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا بَعْدَ الْقُعُودِ مَعَ أَنَّهُمَا سِيَّانِ أَيْضًا فِي أَنَّهُمَا لَا يُفْسِدَانِ الصَّلَاةَ؛ وَلَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ سِيَّانِ فَيَكُونُ عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ بَدَلًا مِنْ التَّكَلُّمِ لَسَلِمَ مِنْ هَذَا ح (قَوْلُهُ أَوْ نَاسِيًا) أَيْ بِأَنْ قَصَدَ كَلَامَ النَّاسِ نَاسِيًا أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ نَهْرٌ. مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ وَاخْتُلِفَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ، فَفِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ: ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ وَأَهْلُ اللُّغَةِ إلَى عَدَمِ الْفَرْقِ. وَفَرَّقَ الْحُكَمَاءُ بِأَنَّ السَّهْوَ زَوَالُ الصُّورَةِ عَنْ الْمُدْرِكَةِ مَعَ بَقَائِهَا فِي الْحَافِظَةِ، وَالنِّسْيَانُ زَوَالُهَا عَنْهُمَا مَعًا، فَيَحْتَاجُ فِي حُصُولِهَا إلَى سَبَبٍ جَدِيدٍ. وَقِيلَ النِّسْيَانُ عَدَمُ ذِكْرِ مَا كَانَ مَذْكُورًا. وَالسَّهْوُ غَفْلَةٌ عَمَّا كَانَ مَذْكُورًا أَوْ مَا لَمْ يَكُنْ، فَالنِّسْيَانُ أَخَصُّ مِنْهُ مُطْلَقًا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ نَائِمًا) هَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الَّتِي جَعَلُوا فِيهَا النَّائِمَ فِي حُكْمِ الْيَقْظَانِ، وَهِيَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى نَظْمًا (قَوْلُهُ أَوْ جَاهِلًا) بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ التَّكَلُّمَ مُفْسِدٌ ح (قَوْلُهُ أَوْ مُخْطِئًا) بِأَنْ أَرَادَ قِرَاءَةً أَوْ ذِكْرًا فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ كَلَامُ النَّاسِ وَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَسْأَلَةِ زَلَّةِ الْقَارِئِ (قَوْلُهُ أَوْ مُكْرَهًا) أَيْ بِأَنْ أَكْرَهَهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقُلْ أَوْ مُضْطَرًّا كَمَا لَوْ غَلَبَهُ سُعَالٌ أَوْ عُطَاسٌ أَوْ جُشَاءٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَدَخَلَ فِي التَّكَلُّمِ الْمَذْكُورِ قِرَاءَةُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ لَمْ يُجْزِهِ. وَعَنْ الثَّانِي: إنْ أَشْبَهَ التَّسْبِيحَ جَازَ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 هُوَ الْمُخْتَارُ، وَحَدِيثُ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ» مَحْمُولٌ عَلَى رَفْعِ الْإِثْمِ وَحَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» (إلَّا السَّلَامَ سَاهِيًا) لِلتَّحْلِيلِ: أَيْ لِلْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ (قَبْلَ إتْمَامِهَا عَلَى ظَنِّ إكْمَالِهَا) فَلَا يُفْسِدُ (بِخِلَافِ السَّلَامِ عَلَى إنْسَانٍ) لِلتَّحِيَّةِ، أَوْ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا تَرْوِيحَةٌ مَثَلًا، أَوْ سَلَّمَ قَائِمًا فِي غَيْرِ جِنَازَةٍ (فَإِنَّهُ يُفْسِدُهَا) مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَيْكُمْ (وَلَوْ سَاهِيًا) فَسَلَامُ التَّحِيَّةِ مُفْسِدٌ مُطْلَقًا، وَسَلَامُ التَّحْلِيلِ إنْ عَمْدًا (وَرَدُّ السَّلَامِ) وَلَوْ سَهْوًا (بِلِسَانِهِ)   [رد المحتار] وَأَقُولُ: يَجِبُ حَمْلُ مَا فِي الْمُجْتَبَى عَلَى الْمُبْدَلِ مِنْهَا إنْ لَمْ يَكُنْ ذِكْرًا أَوْ تَنْزِيهًا، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ غَيْرَ الْمُبْدَلِ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ قِرَاءَتُهُ اهـ (قَوْلُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ) رَاجِعٌ إلَى التَّعْمِيمِ الْمَذْكُورِ، لَكِنْ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى جَمِيعِ أَفْرَادِهِ بَلْ إلَى قَوْلِهِ أَوْ نَائِمًا، فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا عِنْدَنَا، قَالَ فِي النَّهْرِ: وَبِالْفَسَادِ بِهِ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ خِلَافًا لِمَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ. اهـ. وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْمَسَائِلِ فَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ فِيهَا خِلَافًا عِنْدَنَا، بَلْ فِيهَا خِلَافُ غَيْرِنَا (قَوْلُهُ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ» ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَمْ يُوجَدْ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ، بَلْ الْمَوْجُودُ فِيهَا " «إنَّ اللَّه وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا ح. (قَوْلُهُ عَلَى رَفْعِ الْإِثْمِ) وَهُوَ الْحُكْمُ الْأُخْرَوِيُّ، فَلَا يُرَادُ الدُّنْيَوِيُّ وَهُوَ الْفَسَادُ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَعْمِيمُ الْمُقْتَضَى ح عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَحَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ) اسْمُهُ الْخِرْبَاقُ، وَكَانَ فِي يَدَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا طُولٌ، وَلَفْظُهُ «أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ؟ قَالَ: لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تَقْصُرْ، قَالَ: بَلْ نَسِيت يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ، فَقَالَ: أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَأَوْمَئُوا أَيْ نَعَمْ» زَيْلَعِيٌّ ط (قَوْلُهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ إلَخْ) هُوَ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ قَالَ «بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، فَقُلْت لَهُ: يَرْحَمُك اللَّهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْت: وَاثُكْلَ أُمَّاهُ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونِي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَانِي، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْت مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاَللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» " كَذَا فِي الْفَتْحِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَمُنِعَ النَّسْخُ بِأَنَّ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ. وَأُجِيبَ بِجَوَازِ أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ حَاضِرًا، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ " بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَسَاقَ الْوَاقِعَةَ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي حُضُورِهِ، وَلَمْ أَرَ عَنْهُ جَوَابًا شَافِيًا. اهـ. أَقُولُ: أَظُنُّ أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ مَعَ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ سَاهِيًا) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ عَلَى ظَنِّ إكْمَالِهَا (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى ظَنِّ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى إنْسَانٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إنَّهَا تَرْوِيحَةٌ مَثَلًا) أَيْ بِأَنْ كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ فَظَنَّ أَنَّهَا التَّرَاوِيحُ؛ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ فَسَلَّمَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مُسَافِرٌ أَوْ أَنَّهَا جُمُعَةٌ أَوْ فَجْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ سَلَّمَ قَائِمًا) أَيْ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُفْسِدُهَا) أَيْ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ؛ أَمَّا السَّلَامُ عَلَى إنْسَانٍ فَظَاهِرٌ؛ وَأَمَّا السَّلَامُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا تَرْوِيحَةٌ فَلِأَنَّهُ قَصَدَ الْقَطْعَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّ إكْمَالَهَا فَإِنَّهُ قَصَدَ الْقَطْعَ عَلَى أَرْبَعٍ بِاعْتِبَارِ ظَنِّهِ. وَأَمَّا السَّلَامُ قَائِمًا فَلِأَنَّهُ إنَّمَا اُغْتُفِرَ سَهْوُهُ فِي الْقُعُودِ لِأَنَّ الْقُعُودَ مَظِنَّتُهُ بِخِلَافِ الْقِيَامِ، وَلِذَلِكَ اُغْتُفِرَ سَهْوُهُ قَائِمًا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِأَنَّ الْقِيَامَ فِيهَا مَظِنَّةُ السَّلَامِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) فَسَّرَهُ قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَيْكُمْ وَقَوْلُهُ وَلَوْ سَاهِيًا ح. (قَوْلُهُ فَسَلَامُ التَّحِيَّةِ إلَخْ) هَذَا مَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا ثُمَّ رَآهُ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَوَفَّقَ بِهِ بَيْنَ مَا فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مِنْ إطْلَاقِ الْفَسَادِ بِالسَّلَامِ وَبَيْنَ مَا فِي الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 لَا بِيَدِهِ بَلْ يُكْرَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. نَعَمْ لَوْ صَافَحَ بِنِيَّةِ السَّلَامِ قَالُوا تَفْسُدُ، كَأَنَّهُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ: وَفِي النَّهْرِ عَنْ صَدْرِ الدِّينِ الْغَزِّيِّ: سَلَامُك مَكْرُوهٌ عَلَى مَنْ سَتَسْمَعُ ... وَمَنْ بَعْدَ مَا أُبْدِي يُسَنُّ وَيُشْرَعُ مُصَلٍّ وَتَالٍ ذَاكِرٍ وَمُحَدِّثٍ ... خَطِيبٍ وَمَنْ يُصْغِي إلَيْهِمْ وَيَسْمَعُ مُكَرِّرِ فِقْهٍ جَالِسٍ لِقَضَائِهِ ... وَمَنْ بَحَثُوا فِي الْفِقْهِ دَعْهُمْ لِيَنْفَعُوا مُؤَذِّنٍ أَيْضًا أَوْ مُقِيمٍ مُدَرِّسٍ ... كَذَا الْأَجْنَبِيَّاتُ الْفَتِيَّاتُ امْنَعْ وَلُعَّابُ شِطْرَنْجٍ وَشِبْهٌ بِخُلُقِهِمْ ... وَمَنْ هُوَ مَعَ أَهْلٍ لَهُ يَتَمَتَّعُ وَدَعْ كَافِرًا أَيْضًا وَمَكْشُوفَ عَوْرَةٍ ... وَمَنْ هُوَ فِي حَالِ التَّغَوُّطِ أَشْنَعُ وَدَعْ آكِلًا إلَّا إذَا كُنْت جَائِعًا ... وَتَعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ يَمْنَعُ   [رد المحتار] مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْعَمْدِ، بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عَلَى الثَّانِي، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ إنْ عَمْدًا مَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهَا تَرْوِيحَةٌ مَثَلًا فَسَلَّمَ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ السَّلَامَ كَمَا مَرَّ خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ (قَوْلُهُ لَا بِيَدِهِ) أَيْ لَا يُفْسِدُهَا رَدُّ السَّلَامِ بِيَدِهِ، خِلَافًا لِمَنْ عَزَا إلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُفْسِدٌ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ نَقْلُهُ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا يَذْكُرُونَ عَدَمَ الْفَسَادِ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ، بَلْ صَرِيحُ كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ، وَكَأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِمْ وَلَا يَرُدُّ بِالْإِشَارَةِ أَنَّهُ مُفْسِدٌ كَذَا فِي الْحِلْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ الْحَاجِّ الْحَلَبِيِّ، وَاسْتَدْرَكَ فِي الْبَحْرِ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ إلَخْ بِأَنَّهُ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَمَعَ هَذَا فَالْحَقُّ أَنَّ الْفَسَادَ لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي الْمَذْهَبِ؛ وَإِنَّمَا اسْتَنْبَطَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مِمَّا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَافَحَ بِنِيَّةِ التَّسْلِيمِ فَسَدَتْ فَقَالَ: فَعَلَى هَذَا تَفْسُدُ أَيْضًا إذَا رَدَّ بِالْإِشَارَةِ، وَيَدُلُّ لِعَدَمِ الْفَسَادِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ فِي التِّرْمِذِيِّ. وَصَرَّحَ فِي الْمُنْيَةِ بِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ: أَيْ تَنْزِيهًا، وَفَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِتَعْلِيمِ الْجَوَازِ فَلَا يُوصَفُ فِعْلُهُ بِالْكَرَاهَةِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْحِلْيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ قَالُوا تَفْسُدُ) فِيهِ إيمَاءٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا مِنْ أَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِوَاءُ حُكْمِ الرَّدِّ بِالْمُصَافَحَةِ وَبِالْيَدِ وَهُوَ عَدَمُ الْفَسَادِ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ كَأَنَّهُ إلَخْ فِيهِ إيمَاءٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ أَوْلَى مِنْ تَعْلِيلِ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ كَلَامٌ مَعْنًى لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْيَدِ كَلَامٌ مَعْنًى أَيْضًا فَتَدَبَّرْ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، كَذَا رَأَيْته بِخَطِّ الشَّارِحِ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ. مَطْلَبُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُكْرَهُ فِيهَا السَّلَامُ (قَوْلُهُ سَلَامُك مَكْرُوهٌ) ظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ ط وَسَيَجِيءُ التَّصْرِيحُ بِالْإِثْمِ فِي بَعْضِهَا (قَوْلُهُ وَمِنْ بَعْدَ مَا أُبْدِي إلَخْ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ رُبَاعِيٌّ: أَيْ أُظْهِرُ؛ وَالْمَعْنَى وَغَيْرُ الَّذِي أَذْكُرُهُ هُنَا يُسَنُّ، وَلَا يُنَاقِضُهُ قَوْلُهُ وَالزِّيَادَةُ تَنْفَعُ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ النَّهْرِ كَمَا سَتَعْرِفُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ ذَاكِرٍ) فَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِالْوَاعِظِ لِأَنَّهُ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُذَكِّرُ النَّاسَ بِهِ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَعَمُّ، فَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى مُشْتَغِلٍ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ رَحْمَتِي (قَوْلُهُ خَطِيبٍ) يَعُمُّ جَمِيعَ الْخُطَبِ ط (قَوْلُهُ وَمَنْ يُصْغِي إلَيْهِمْ) أَيْ إلَى مَنْ ذُكِرَ وَلَوْ إلَى الْمُصَلِّي إذَا جَهَرَ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي التَّالِي ط (قَوْلُهُ مُكَرِّرِ فِقْهٍ) أَيْ لِيَحْفَظَهُ أَوْ يَفْهَمَهُ (قَوْلُهُ جَالِسٍ لِقَضَائِهِ) قَاسَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْوُلَاةَ وَالْأُمَرَاءَ عَلَى الْقَاضِي. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: الصَّحِيحُ الْفَرْقُ، فَالرَّعِيَّةُ يُسَلِّمُونَ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَالْوُلَاةِ، وَالْخُصُومُ لَا يُسَلِّمُونَ عَلَى الْقُضَاةِ؛ وَالْفَرْقُ أَنَّ السَّلَامَ تَحِيَّةُ الزَّائِرِينَ وَالْخُصُومُ مَا تَقَدَّمُوا إلَى الْقَاضِي زَائِرِينَ بِخِلَافِ الرَّعِيَّةِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ جَلَسَ الْقَاضِي لِلزِّيَارَةِ فَالْخُصُومُ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَلَسَ الْأَمِيرُ لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ لَا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الثَّامِنِ مِنْ كَرَاهِيَةٍ التَّتَارْخَانِيَّة، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْخُصُومَ إذَا دَخَلُوا عَلَى الْمُفْتِي لَا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَحَثُوا فِي الْفِقْهِ) عِبَارَةُ النَّهْرِ فِي الْعِلْمِ، وَفِي الضِّيَاءِ مُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ، فَيَعُمُّ كُلَّ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ (قَوْلُهُ أَيْضًا) بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ لِلضَّرُورَةِ ط (قَوْلُهُ مُدَرِّسٍ) أَيْ شَيْخِ دَرْسِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ بِقَرِينَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ الْفَتِيَّاتُ) جَمْعُ فَتِيَّةٌ: الْمَرْأَةُ الشَّابَّةُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 616 وَقَدْ زِدْتُ عَلَيْهِ: الْمُتَفَقِّهَ عَلَى أُسْتَاذِهِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَالْمُغَنِّيَ، وَمُطَيِّرَ الْحَمَامِ، وَأَلْحَقَتْهُ فَقُلْت: كَذَلِكَ أُسْتَاذٌ مُغَنٍّ مُطَيِّرٌ ... فَهَذَا خِتَامٌ وَالزِّيَادَةُ تَنْفَعُ   [رد المحتار] وَمَفْهُومُهُ جَوَازُهُ عَلَى الْعَجُوزِ، بَلْ صَرَّحُوا بِجَوَازِ مُصَافَحَتِهَا عِنْدَ أَمْنِ الشَّهْوَةِ (قَوْلُهُ وَلُعَّابُ) بِضَمِّ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ لَاعِبٍ (قَوْلُهُ وَشِبْهٌ) بِكَسْرِ الشِّينِ: أَيْ مُشَابِهٌ لِخُلُقِهِمْ بِالضَّمِّ، وَالْمُرَادُ مَنْ يُشَابِهُهُمْ فِي فِسْقِهِمْ مِنْ سَائِرِ أَرْبَابِ الْمَعَاصِي؛ كَمَنْ يَلْعَبُ بِالْقِمَارِ، أَوْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، أَوْ يَغْتَابُ النَّاسَ، أَوْ يُطَيِّرُ الْحَمَامَ أَوْ يُغَنِّي فَقَدْ نَبَّهَ بِلَعِبِ الشِّطْرَنْجِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ عَلَى أَنَّ مَا فَوْقَهُ مِثْلُهُ بِالْأَوْلَى وَسَيَأْتِي فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْفَاسِقِ لَوْ مُعْلِنًا وَإِلَّا لَا اهـ وَفِي فُصُولِ الْعَلَامِيِّ: وَلَا يُسَلِّمُ عَلَى الشَّيْخِ الْمُمَازِحِ وَالْكَذَّابِ وَاللَّاغِي، وَلَا عَلَى مَنْ يَسُبُّهُ النَّاسُ أَوْ يَنْظُرُ وُجُوهَ الْأَجْنَبِيَّاتِ، وَلَا عَلَى الْفَاسِقِ الْمُعْلِنِ، وَلَا عَلَى مَنْ يُغْنِي أَوْ يُطَيِّرُ الْحَمَامَ مَا لَمْ تُعْرَفْ تَوْبَتُهُمْ. وَيُسَلِّمُ عَلَى قَوْمٍ فِي مَعْصِيَةٍ وَعَلَى مَنْ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ نَاوِيًا أَنْ يُشْغِلَهُمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَكُرِهَ عِنْدَهُمَا تَحْقِيرًا لَهُمْ. اهـ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ مَا لَمْ تُعْرَفْ تَوْبَتُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ كَرَاهَةُ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ حَالَةِ مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ، أَمَّا فِي حَالَةِ مُبَاشَرَتِهَا فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ (قَوْلُهُ يَتَمَتَّعُ) الظَّاهِرُ مِنْهُ مَا يَعُمُّ مُقَدَّمَاتِ الْجِمَاعِ ط (قَوْلُهُ وَدَعْ كَافِرًا) أَيْ إلَّا إذَا كَانَ لَك حَاجَةٌ إلَيْهِ فَلَا يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ (قَوْلُهُ وَمَكْشُوفَ عَوْرَةٍ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ الْكَشْفُ لِضَرُورَةٍ ط (قَوْلُهُ حَالَ التَّغَوُّطِ) مُرَادُهُ مَا يَعُمُّ الْبَوْلَ ط (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كُنْت إلَخْ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ ذَلِكَ؟ مَعَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا هِيَ فِي حَالَةِ وَضْعِ اللُّقْمَةِ فِي الْفَمِ، كَمَا يَظْهَرُ مِمَّا فِي حَظْرِ الْمُجْتَبَى: يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْ الْجَوَابِ حَقِيقَةً كَالْمَشْغُولِ بِالْأَكْلِ أَوْ الِاسْتِفْرَاغِ، أَوْ شَرْعًا كَالْمَشْغُولِ بِالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَلَوْ سَلَّمَ لَا يَسْتَحِقُّ الْجَوَابَ اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ زِدْتُ عَلَيْهِ الْمُتَفَقِّهَ عَلَى أُسْتَاذِهِ) كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْمُغْنِيَ وَمُطَيِّرَ الْحَمَامِ، وَأَلْحَقَتْهُ فَقُلْت كَذَلِكَ أُسْتَاذٌ إلَخْ، هَكَذَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَهُوَ مِنْ تَتِمَّةِ عِبَارَةِ صَاحِبِ النَّهْرِ، وَالْبَيْتُ الْمَذْكُورُ مِنْ نَظْمِهِ (قَوْلُهُ كَذَلِكَ أُسْتَاذٌ) فِيهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ح عَنْ شَيْخِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ السَّلَامُ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ اشْتِغَالِهِ بِالتَّعْلِيمِ كَمَا يَأْتِي، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي النَّظْمِ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ مُدَرِّسٌ، وَكَذَا الْمُغَنِّي وَمُطَيِّرُ الْحَمَامِ دَاخِلَانِ فِي قَوْلِهِ وَشِبْهٌ بِخُلُقِهِمْ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ الْغَرَضَ ذِكْرُ مَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي كَلَامِهِ، وَإِلَّا فَفِي النَّظْمِ السَّابِقِ أَشْيَاءُ مُتَدَاخِلَةٌ يُغْنِي ذِكْرُ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ، وَعَنْ هَذَا زَادَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الشِّهَابُ أَحْمَدُ الْمَنِينِيُّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الرَّحْمَتِيُّ أَشْيَاءَ أُخَرَ نَظَمَهَا بِقَوْلِهِ: وَزِدْ عَدَّ زِنْدِيقٍ وَشَيْخٍ مُمَازِحٍ ... وَلَاغٍ وَكَذَّابٍ لِكَذِبٍ يُشَيِّعُ وَمَنْ يَنْظُرُ النِّسْوَانَ فِي السُّوقِ عَامِدًا ... وَمَنْ دَأْبُهُ سَبُّ الْأَنَامِ وَيُرْدَعُ وَمَنْ جَلَسُوا فِي مَسْجِدٍ لِصَلَاتِهِمْ ... وَتَسْبِيحِهِمْ هَذَا عَنْ الْبَعْضِ يُسْمَعُ وَلَا تَنْسَ مَنْ لَبَّى هُنَالِكَ صَرَّحُوا ... فَكُنْ عَارِفًا يَا صَاحِ تَحْظَى وَتُرْفَعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 617 وَصَرَّحَ فِي الضِّيَاءِ بِوُجُوبِ الرَّدِّ فِي بَعْضِهَا وَبِعَدَمِهِ فِي قَوْلِهِ سَلَّامٍ عَلَيْكُمْ بِجَزْمِ الْمِيمِ (وَالتَّنَحْنُحُ) بِحَرْفَيْنِ (بِلَا عُذْرٍ)   [رد المحتار] (قَوْلُهُ وَصَرَّحَ فِي الضِّيَاءِ إلَخْ) أَيْ نَقْلًا عَنْ رَوْضَةِ الزَّنْدَوَسْتِيِّ، وَذَكَرَ ح عِبَارَتَهُ. وَحَاصِلُهَا: أَنَّهُ يَأْثَمُ بِالسَّلَامِ عَلَى الْمَشْغُولِينَ بِالْخُطْبَةِ أَوْ الصَّلَاةِ أَوْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ مُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ أَوْ الْآذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ الرَّدُّ فِي الْأَوَّلَيْنِ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَالْخُطْبَةَ كَالصَّلَاةِ، وَيَرُدُّونَ فِي الْبَاقِي لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ فَضِيلَتَيْ الرَّدِّ، وَمَا هُمْ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى قَطْعِ شَيْءٍ تَجِبُ إعَادَتُهُ. قَالَ ح: وَيُعْلَمُ مِنْ التَّعْلِيلِ الْحُكْمُ فِي بَقِيَّةِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي النَّظْمِ. اهـ. قُلْت: لَكِنَّ فِي الْبَحْرِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُصَلِّي وَالْقَارِئِ، وَالْجَالِسِ لِلْقَضَاءِ أَوْ الْبَحْثِ فِي الْفِقْهِ أَوْ التَّخَلِّي وَلَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الرَّدُّ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ. اهـ. وَمُفَادُهُ أَنَّ كُلَّ مَحَلِّ لَا يُشْرَعُ فِيهِ السَّلَامُ لَا يَجِبُ رَدُّهُ. مَطْلَبٌ الْمَوَاضِعُ الَّتِي لَا يَجِبُ فِيهَا رَدُّ السَّلَامِ وَفِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ: صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الرَّدِّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ: الْقَاضِي إذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ الْخَصْمَانِ، وَالْأُسْتَاذُ الْفَقِيهُ إذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ تِلْمِيذُهُ أَوْ غَيْرُهُ أَوَانَ الدَّرْسِ، وَسَلَامُ السَّائِلِ، وَالْمُشْتَغِلِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَالدُّعَاءِ حَالَ شُغْلِهِ، وَالْجَالِسِينَ فِي الْمَسْجِدِ لِتَسْبِيحٍ أَوْ قِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ حَالَ التَّذْكِيرِ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَا يَجِبُ الرَّدُّ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْخَطِيبِ عِنْدَ الثَّانِي، وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ وَيَنْبَغِي وُجُوبُ الرَّدِّ عَلَى الْفَاسِقِ لِأَنَّ كَرَاهَةَ السَّلَامِ عَلَيْهِ لِلزَّجْرِ فَلَا تُنَافِي الْوُجُوبَ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ. هَذَا، وَقَدْ نَظَمَ الْجَلَالُ الْأَسْيُوطِيُّ الْمَوَاضِعَ الَّتِي لَا يَجِبُ فِيهَا رَدُّ السَّلَامِ وَنَقَلَهَا عَنْهُ الشَّارِحُ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ فَقَالَ: رَدُّ السَّلَامِ وَاجِبٌ إلَّا عَلَى ... مَنْ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بِأَكْلٍ شُغِلَا أَوْ شُرْبٍ أَوْ قِرَاءَةٍ أَوْ أَدْعِيَهْ ... أَوْ ذِكْرٍ أَوْ فِي خُطْبَةٍ أَوْ تَلْبِيَهْ أَوْ فِي قَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ ... أَوْ فِي إقَامَةٍ أَوْ الْآذَانِ أَوْ سَلَّمَ الطِّفْلُ أَوْ السَّكْرَانُ ... أَوْ شَابَّةٌ يُخْشَى بِهَا افْتِتَانٌ أَوْ فَاسِقٌ أَوْ نَاعِسٌ أَوْ نَائِمٌ ... أَوْ حَالَةَ الْجِمَاعِ أَوْ تَحَاكُمٍ أَوْ كَانَ فِي الْحَمَّامِ أَوْ مَجْنُونًا ... فَوَاحِدٌ مِنْ بَعْدِهَا عِشْرُونَا. (قَوْله بِجَزْمِ الْمِيمِ) كَأَنَّهُ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ فَعَلَى هَذَا لَوْ رَفَعَ الْمِيمَ بِلَا تَنْوِينٍ وَلَا تَعْرِيفٍ كَانَ كَجَزْمِ الْمِيمِ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ أَيْضًا. اهـ. ح. قُلْت: وَقَدْ سُمِعَ مِنْ الْعَرَبِ سَلَامُ عَلَيْكُمْ بِلَا تَنْوِينٍ، وَخَرَّجَهُ فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ عَلَى حَذْفِ أَلْ أَوْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ سَلَامُ اللَّهِ لَكِنْ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَفْظُ السَّلَامِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِالتَّنْوِينِ، وَبِدُونِ هَذَيْنِ كَمَا يَقُولُ الْجُهَّالُ لَا يَكُونُ سَلَامًا اهـ وَذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ دُعَاءٌ لَا تَحِيَّةَ وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّةَ أَبْحَاثِ السَّلَامِ فِي كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ (قَوْلُهُ وَالتَّنَحْنُحُ) هُوَ أَنْ يَقُولَ أَحْ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِحَرْفَيْنِ) يُعْلَمُ حُكْمُ الزَّائِدِ عَلَيْهِمَا بِالْأَوْلَى، لَكِنْ يُوهِمُ أَنَّ الزَّائِدَ لَوْ كَانَ بِعُذْرٍ يُفْسِدُ، وَيُخَالِفُهُ ظَاهِرُ مَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمُحِيطِ، مِنْ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفُوعًا إلَيْهِ بَلْ لِإِصْلَاحِ الْحَلْقِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْقِرَاءَةِ إنْ ظَهَرَ لَهُ حُرُوفٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 618 أَمَّا بِهِ بِأَنْ نَشَأَ مِنْ طَبْعِهِ فَلَا (أَوْ) بِلَا (غَرَضٍ صَحِيحٍ) فَلَوْ لِتَحْسِينِ صَوْتِهِ أَوْ لِيَهْتَدِيَ إمَامُهُ أَوْ لِلْإِعْلَامِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ فَلَا فَسَادَ عَلَى الصَّحِيحِ (وَالدُّعَاءُ بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَنَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَالْأَنِينُ) هُوَ قَوْلُهُ " أُهْ " بِالْقَصْرِ (وَالتَّأَوُّهُ) هُوَ قَوْلُهُ آه بِالْمَدِّ (وَالتَّأْفِيفُ) أُفٍّ أَوْ تَفٍّ (وَالْبُكَاءُ بِصَوْتٍ) يَحْصُلُ بِهِ حُرُوفٌ (لِوَجَعٍ أَوْ مُصِيبَةٍ) قَيْدٌ لِلْأَرْبَعَةِ إلَّا لِمَرِيضٍ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ عَنْ أَنِينٍ وَتَأَوُّهٍ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَعُطَاسٍ وَسُعَالٍ وَجُشَاءٍ وَتَثَاوُبٍ وَإِنْ حَصَلَ حُرُوفٌ لِلضَّرُورَةِ (لَا لِذِكْرِ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ) فَلَوْ أَعْجَبَتْهُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ بَلَى أَوْ نَعَمْ   [رد المحتار] نَحْوَ قَوْلِ أَحْ أَحْ وَتَكَلَّفَ لِذَلِكَ كَانَ الْفَقِيهُ إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ يَقُولُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهَا حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ اهـ أَيْ وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ بِأَنْ نَشَأَ مِنْ طَبْعِهِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ مَدْفُوعًا إلَيْهِ (قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ لِإِصْلَاحِ الْقِرَاءَةِ فَيَكُونُ مِنْ الْقِرَاءَةِ مَعْنًى كَالْمَشْيِ لِلْبِنَاءِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الصَّلَاةِ لَكِنَّهُ لِإِصْلَاحِهَا فَصَارَ مِنْهَا مَعْنًى شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ الْكِفَايَةِ، لَكِنَّهُ لَا يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ لِإِعْلَامِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لِيَهْتَدِيَ إمَامُهُ إلَى الصَّوَابِ. وَالْقِيَاسُ الْفَسَادُ فِي الْكُلِّ إلَّا فِي الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ كَلَامٌ، وَالْكَلَامُ مُفْسِدٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَمَا مَرَّ وَكَأَنَّهُمْ عَدَلُوا بِذَلِكَ عَنْ الْقِيَاسِ وَصَحَّحُوا عَدَمَ الْفَسَادِ بِهِ إذَا كَانَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ لِوُجُودِ نَصٍّ، وَلَعَلَّهُ مَا فِي الْحِلْيَةِ عَنْ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ «عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ كَانَ لِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَدْخَلَانِ: مَدْخَلٌ بِاللَّيْلِ وَمَدْخَلٌ بِالنَّهَارِ، فَكُنْت إذَا أَتَيْتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي تَنَحْنَحَ لِي» وَفِي رِوَايَةٍ «سَبَّحَ» وَحَمَلَهُمَا فِي الْحِلْيَةِ عَلَى اخْتِلَافِ الْحَالَاتِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَالدُّعَاءُ بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَنَا) هُوَ مَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ وَلَا يَسْتَحِيلُ طَلَبُهُ مِنْ الْعِبَادِ، فَإِنْ وَرَدَ فِيهِمَا أَوْ اسْتَحَالَ طَلَبُهُ لَمْ يَفْسُدْ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ؛ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) أَشَارَ إلَى أَنَّ فَائِدَةَ ذِكْرِ الدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ مَعَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْكَلَامِ هِيَ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ وَالتَّأَوُّهُ إلَخْ) قَالَ شَرْحُ الْمُنْيَةِ: بِأَنْ قَالَ أَوَّهَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ مَفْتُوحَةً، وَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ، أَوْ قَالَ آهْ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ فِيهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ لُغَةً سَاقَهَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالتَّأْفِيفُ إلَخْ) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ أُفٍّ اسْمُ فِعْلٍ لِأَتَضَجَّرَ، وَفِيهِ لُغَاتٌ انْتَهَتْ إلَى أَرْبَعِينَ مِنْهَا ضَمُّ الْهَمْزَةِ مَعَ تَثْلِيثِ الْفَاءِ مُخَفَّفَةً وَمُشَدَّدَةً مُنَوَّنَةً وَغَيْرَ مُنَوَّنَةٍ، وَقَدْ تَأْتِي مَصْدَرًا يُرَادُ بِهِ الدُّعَاءُ بِتَاءٍ فِي آخِرِهِ وَبِغَيْرِ تَاءٍ فَتُنْصَبُ بِفِعْلٍ وَاجِبِ الْإِضْمَارِ، وَقَدْ تُرْدَفُ حِينَئِذٍ بِتَفٍّ عَلَى الْإِتْبَاعِ لَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْقَائِلِ: أُفًّا وَتَفًّا لِمَنْ مَوَدَّتُهُ ... إنْ غِبْت عَنْهُ سُوَيْعَةً زَالَتْ إنْ مَالَتْ الرِّيحُ هَكَذَا وَكَذَا ... مَالَتْ مَعَ الرِّيحِ أَيْنَمَا مَالَتْ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ تَفَّ لَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ التَّأْفِيفِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْبُكَا) بِالْقَصْرِ: خُرُوجُ الدَّمْعِ، وَبِالْمَدِّ: صَوْتٌ مَعَهُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ؛ فَقَوْلُهُ بِصَوْتٍ لِلتَّقْيِيدِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلِلتَّوْضِيحِ عَلَى الثَّانِي إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ يَحْصُلُ بِهِ حُرُوفٌ) كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالنِّهَايَةِ وَالسِّرَاجِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: أَمَّا خُرُوجُ الدَّمْعِ بِلَا صَوْتٍ أَوْ صَوْتٍ لَا حَرْفَ مَعَهُ فَغَيْرُ مُفْسِدٍ (قَوْلُهُ إلَّا لِمَرِيضٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: ثُمَّ إنْ كَانَ الْأَنِينُ مَعَ وَجَعٍ مِمَّا يُمْكِنُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ، فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ لَا يَقْطَعُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَ الْمَرَضُ خَفِيفًا يَقْطَعُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقُعُودُ إلَّا بِالْأَنِينِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْمَحْبُوبِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ حَصَلَ حُرُوفٌ) أَيْ لِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ كُلِّهَا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ، لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَتَكَلَّفْ إخْرَاجَ حُرُوفٍ زَائِدَةٍ عَلَى مَا تَقْتَضِيه طَبِيعَةُ الْعَاطِسِ وَنَحْوِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ فِي تَثَاؤُبِهِ هَاه هَاه مُكَرِّرًا لَهَا فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِالْحَدِيثِ تَأَمَّلْ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ حُرُوفٌ لَا تَفْسُدُ مُطْلَقًا، كَمَا لَوْ سَعَلَ وَظَهْرَ مِنْهُ صَوْتٌ مِنْ نَفَسٍ يَخْرُجُ مِنْ الْأَنْفِ بِلَا حُرُوفٍ. (قَوْلُهُ لَا لِذِكْرِ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ) لِأَنَّ الْأَنِينَ، وَنَحْوَهُ إذَا كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 أَوْ آرِيُّ لَا تَفْسُدُ سِرَاجِيَّةٌ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْخُشُوعِ (وَ) يُفْسِدُهَا (تَشْمِيتُ عَاطِسٍ) لِغَيْرِهِ (بِيَرْحَمُكَ اللَّهُ وَلَوْ مِنْ الْعَاطِسِ لِنَفْسِهِ لَا) وَبِعَكْسِهِ التَّأْمِينُ بَعْدَ التَّشْمِيتِ (وَجَوَابُ خَبَرِ) سُوءٍ   [رد المحتار] يَذْكُرُهُمَا صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِك مِنْ النَّارِ، وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ وَجَعٍ أَوْ مُصِيبَةٍ صَارَ كَأَنَّهُ يَقُولُ أَنَا مُصَابٌ فَعَزُّونِي، وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ تَفْسُدُ، كَذَا فِي الْكَافِي دُرَرٌ (قَوْلُهُ أَوْ آرِيْ) هِيَ لَفْظَةٌ فَارِسِيَّة بِمَعْنَى نَعَمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مَمْدُودَةٌ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ ح (قَوْلُهُ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْخُشُوعِ) أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ اسْتِلْذَاذًا بِحُسْنِ النَّغْمَةِ يَكُونُ مُفْسِدًا ط (قَوْلُهُ وَتَشْمِيتُ) بِالسِّينِ وَالشَّيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَالثَّانِي أَفْصَحُ دُرَرٌ (قَوْلُهُ لِغَيْرِهِ) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ النَّهْرِ، وَالْأَصْوَبُ إسْقَاطُهُ لِأَنَّ تَشْمِيتَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ الْمُصَلِّي، وَلَكِنْ زَادَهُ لِيُقَابِلَهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ الْعَاطِسُ لِنَفْسِهِ، وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ لِغَيْرِهِ بَدَلٌ مِنْ عَاطِسٍ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ فِيهِ عَلَى مَعْنَى اللَّامِ: أَيْ تَشْمِيتُهُ لِعَاطِسٍ، فَصَارَ الْمَعْنَى تَشْمِيتُ الْمُصَلِّي لِغَيْرِهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ بِيَرْحَمُكَ اللَّهُ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ السَّامِعَ لَوْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَإِنْ عَنَى الْجَوَابَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ، أَوْ التَّعْلِيمَ فَسَدَتْ، أَوْ لَمْ يُرِدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَا تَفْسُدُ اتِّفَاقًا نَهْرٌ. وَصَحَّحَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَدَمَ الْفَسَادِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَمْ يُتَعَارَفْ جَوَابًا. قَالَ: بِخِلَافِ الْجَوَابِ السَّارِّ بِهَا أَيْ بِالْحَمْدِ لَهُ لِلتَّعَارُفِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ الْعَاطِسِ لِنَفْسِهِ لَا) أَيْ لَوْ قَالَ لِنَفْسِهِ يَرْحَمُك اللَّهُ يَا نَفْسِي لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ خِطَابًا لِغَيْرِهِ لَمْ يُعْتَبَرْ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ كَمَا إذَا قَالَ يَرْحَمُنِي اللَّهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَبِعَكْسِهِ التَّأْمِينُ إلَخْ) صُورَتُهُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ: رَجُلَانِ يُصَلِّيَانِ فَعَطَسَ أَحَدُهُمَا فَقَالَ رَجُلٌ خَارِجُ الصَّلَاةِ يَرْحَمُك اللَّهُ فَقَالَا جَمِيعًا آمِينَ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْعَاطِسِ دُونَ الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْعُ لَهُ اهـ أَيْ لَمْ يُجِبْهُ. وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ: إذَا أَمَّنَ الْمُصَلِّي لِدُعَاءِ رَجُلٍ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ وَهُوَ يُفِيدُ فَسَادَ صَلَاةِ الْمُؤَمِّنِ الَّذِي لَيْسَ بِعَاطِسٍ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ كَمَا لَا يُخْفِي بَحْرٌ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الثَّانِيَ تَأْمِينٌ لِدُعَائِهِ لِانْقِطَاعِهِ بِالْأَوَّلِ وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ التَّعْلِيلُ اهـ وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الدُّعَاءُ لِلْعَاطِسِ تَعَيَّنَ تَأْمِينُهُ جَوَابًا لِلدَّاعِي فَلَمْ يَكُنْ تَأْمِينُ الْمُصَلِّي الْآخَرِ جَوَابًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُؤَمِّنُ وَاحِدًا فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ تَأْمِينُهُ جَوَابًا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الذَّخِيرَةِ. وَأَجَابَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ بِحَمْلِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ عَلَى مَا إذَا دَعَا لَهُ لِيَكُونَ جَوَابًا، أَمَّا إذَا دَعَا لِغَيْرِهِ فَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ جَوَابًا فَلَا تَفْسُدُ اهـ لَكِنْ يُنَافِيه مَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ لَوْ دَعَا لِأَحَدٍ أَوْ عَلَيْهِ فَقَالَ أَيْ الْمُصَلِّي آمِينَ تَفْسُدُ، وَكَذَا مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُبْتَغَى: لَوْ سَمِعَ الْمُصَلِّي مِنْ مُصَلٍّ آخَرَ وَلَا الضَّالِّينَ فَقَالَ آمِينَ لَا تَفْسُدُ، وَقِيلَ تَفْسُدُ وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ اهـ فَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا أَجَابَ بِهِ فِي النَّهْرِ لِأَنَّ الْمُؤَمِّنَ وَاحِدٌ فَتَعَيَّنَ تَأْمِينُهُ جَوَابًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدُّعَاءُ لَهُ فَلِذَا لَمْ يُعَرِّجْ الشَّارِحُ عَلَى مَا فِي الْبَحْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَجَوَابٌ خَبَرِ سُوءٍ) السُّوءُ بِضَمِّ السِّين صِفَةُ خَبَرٍ وَهُوَ مِنْ سَاءَ يَسُوءُ سُوءًا نَقِيضُ سُرَّ، وَالِاسْتِرْجَاعُ قَوْلُ - {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156]- ثُمَّ الْفَسَادُ بِذَلِكَ قَوْلُهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي، لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّ مَا كَانَ ثَنَاءً أَوْ قُرْآنًا لَا يَتَغَيَّرُ بِالنِّيَّةِ. وَعِنْدَهُمَا يَتَغَيَّرُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَقِيلَ إنَّهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَنَسَبُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى عَامَّةِ الْمَشَايِخِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ الظَّاهِرُ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ بِخَبَرٍ يَسُرُّهُ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ ثُمَّ قَالَ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّ الِاسْتِرْجَاعَ لِإِظْهَارِ الْمُصِيبَةِ وَمَا شُرِعَتْ الصَّلَاةُ لِأَجْلِهِ وَالتَّحْمِيدُ لِإِظْهَارِ الشُّكْرِ وَالصَّلَاةُ شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ. اهـ. قُلْت: وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحِلْيَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَوْ صَحَّ هَذَا الْفَرْقُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَانْتَقَضَ الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ، فَالْأَوْلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ الْفَرْعَ الْأَوَّلَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا، وَلِذَا مَشَى عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 (بِالِاسْتِرْجَاعِ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ بِقَصْدِ الْجَوَابِ صَارَ كَكَلَامِ النَّاسِ (وَكَذَا) يُفْسِدُهَا (كُلُّ مَا قُصِدَ بِهِ الْجَوَابُ) كَأَنْ قِيلَ أَمَعَ اللَّهِ إلَهٌ فَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَوْ مَا مَالُكَ فَقَالَ - الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ - أَوْ مِنْ أَيْنَ جِئْت فَقَالَ - {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} [الحج: 45]- (أَوْ الْخِطَابُ ك) قَوْلِهِ لِمَنْ اسْمُهُ يَحْيَى أَوْ مُوسَى {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12] أَوْ - {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: 17]- (مُخَاطِبًا لِمَنْ اسْمُهُ ذَلِكَ) أَوْ لِمَنْ بِالْبَابِ - {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] . -[فُرُوعٌ] سَمِعَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ جَلَّ جَلَالُهُ أَوْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى عَلَيْهِ، أَوْ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ فَقَالَ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ تَفْسُدُ إنْ قَصَدَ جَوَابَهُ، لَوْ سَمِعَ ذِكْرَ الشَّيْطَانِ فَلَعَنَهُ تَفْسُدُ وَقِيلَ لَا، وَلَوْ حَوْقَلَ لِدَفْعِ الْوَسْوَسَةِ إنْ لِأُمُورِ الدُّنْيَا تَفْسُدُ لَا لِأُمُورِ الْآخِرَةِ، وَلَوْ سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ السَّطْحِ   [رد المحتار] الْكَبِيرِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) رَدٌّ عَلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ الْفَسَادِ فَإِنَّهُ تَصْحِيحٌ مُخَالِفٌ لِلْمَشْهُورِ وَعَلَى مَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ أَنَّهُ لَا فَسَادَ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَذْكَارِ الَّتِي يَقْصِدُ بِهَا الْجَوَابَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى، كَذَا فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إلَخْ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الْفَسَادِ عِنْدَهُمَا، فَإِنَّ الْمَنَاطَ كَوْنُهُ لَفْظًا أُفِيدَ بِهِ مَعْنًى لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ لَا كَوْنُهُ وُضِعَ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ كُلُّ مَا قُصِدَ بِهِ الْجَوَابُ) أَيْ عِنْدَهُمَا لِصَيْرُورَةِ الثَّنَاءِ كَلَامَ النَّاسِ بِالْقَصْدِ كَخُرُوجِ الْقِرَاءَةِ بِقَصْدِ الْخِطَابِ، وَالْجَوَابُ بِمَا لَيْسَ بِثَنَاءٍ مُفْسِدٌ اتِّفَاقًا، كَذَا فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ، وَمِثْلُهُ فِي الدُّرَرِ حَيْثُ قَالَ: قَيَّدَ بِالتَّحْمِيدِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْجَوَابَ بِمَا لَيْسَ بِثَنَاءٍ مُفْسِدٌ اتِّفَاقًا. اهـ. قُلْت: وَالْمُرَادُ بِمَا لَيْسَ بِثَنَاءٍ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْقُرْآنِ، أَمَّا مَا كَانَ مِنْهُ إذَا قَصَدَ بِهِ الْجَوَابَ فَإِنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَنَاءً كَقَوْلِهِ {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ} [النحل: 8] بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَا كَانَ ثَنَاءً أَوْ قُرْآنًا لَا يَتَغَيَّرُ بِالنِّيَّةِ. وَعِنْدَهُمَا يَتَغَيَّرُ، فَلَوْ قِيلَ مَا مَالُك؟ فَقَالَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْعَبِيدُ مَثَلًا فَسَدَتْ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ قُرْآنًا وَلَا ثَنَاءً. أَمَّا لَوْ أَجَابَ عَنْ خَبَرٍ سَارٍّ. بِالتَّحْمِيدِ أَوْ مُعْجِبٍ بِالتَّسْبِيحِ أَوْ التَّهْلِيلِ لَا تَفْسُدُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُرْآنًا. وَاحْتُرِزَ بِقَصْدِ الْجَوَابِ عَمَّا لَوْ سَبَّحَ لِمَنْ اسْتَأْذَنَهُ فِي الدُّخُولِ عَلَى قَصْدِ إعْلَامِهِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا يَأْتِي، أَوْ سَبَّحَ لِتَنْبِيهِ إمَامِهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَزِمَ تَغْيِيرُهُ بِالنِّيَّةِ عِنْدَهُمَا إلَّا أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْقِيَاسِ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «إذَا نَابَتْ أَحَدُكُمْ نَائِبَةً وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيُسَبِّحْ» ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمِمَّا أُلْحِقَ بِالْجَوَابِ مَا فِي الْمُجْتَبَى: لَوْ سَبَّحَ أَوْ هَلَّلَ يُرِيدُ زَجْرًا عَنْ فِعْلٍ أَوْ أَمْرًا بِهِ فَسَدَتْ عِنْدَهُمَا اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُسَبِّحْ وَلَكِنْ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ قَاصِدٌ الْقِرَاءَةَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الزَّجْرَ أَوْ الْأَمْرَ بِمُجَرَّدِ رَفْعِ الصَّوْتِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ الْخِطَابَ إلَخْ) هَذَا مُفْسِدٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ مِمَّا أُورِدَ نَقْضًا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ قُرْآنٌ لَمْ يُوضَعْ خِطَابًا لِمَنْ خَاطَبَهُ الْمُصَلِّي وَقَدْ أَخْرَجَهُ بِقَصْدِ الْخِطَابِ عَنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا وَجَعَلَهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ (قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ لِمَنْ اسْمُهُ يَحْيَى أَوْ مُوسَى) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مُخَاطِبًا لِمَنْ اسْمُهُ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَفْسُدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُخَاطَبُ مُسَمًّى بِهَذَا الِاسْمِ إذَا قَصَدَ خِطَابَهُ (قَوْلُهُ أَوْ لِمَنْ بِالْبَابِ إلَخْ) لَعَلَّ وَجْهَ جَعْلِهِ مِنْ الْخِطَابِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَدَاةُ نِدَاءٍ وَلَا خِطَابٍ أَنَّهُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ اُدْخُلْ [فُرُوعٌ سَمِعَ المصلي اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ جَلَّ جَلَالُهُ أَوْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى عَلَيْهِ] (قَوْلُهُ تَفْسُدُ إنْ قَصَدَ جَوَابَهُ) ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ، إنْ أَرَادَ جَوَابَهُ تَفْسُدُ وَكَذَا لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْإِجَابَةَ، وَكَذَلِكَ إذَا سَمِعَ اسْمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى عَلَيْهِ فَهَذَا إجَابَةٌ. اهـ. وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا كُلِّهِ مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ فِيمَنْ سَمِعَ الْعَاطِسَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ تَأَمَّلْ وَاسْتُفِيدَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْصِدْ الْجَوَابَ بَلْ قَصَدَ الثَّنَاءَ وَالتَّعْظِيمَ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّ نَفْسَ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُنَافَى الصَّلَاةَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا) جَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْجَوَابَ وَإِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 فَبَسْمَلَ أَوْ دَعَا لِأَحَدٍ أَوْ عَلَيْهِ فَقَالَ آمِينَ تَفْسُدُ وَلَا يَفْسُدُ الْكُلُّ عِنْدَ الثَّانِي. وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا عَمَلًا بِقَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ، حَتَّى لَوْ امْتَثَلَ أَمْرَ غَيْرِهِ فَقِيلَ لَهُ تَقَدَّمْ فَتَقَدَّمَ أَوْ دَخَلَ فُرْجَةَ الصَّفِّ أَحَدٌ فَوَسَّعَ لَهُ فَسَدَتْ، بَلْ يَمْكُثُ سَاعَةً ثُمَّ يَتَقَدَّمُ بِرَأْيِهِ قُهُسْتَانِيٌّ مَعْزِيًّا لِلزَّاهِدِيِّ وَمَرَّ وَيَأْتِي قُنْيَةٌ. وَقَيَّدَ بِقَصْدِ الْجَوَابِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُرِدْ جَوَابَهُ بَلْ أَرَادَ إعْلَامَهُ بِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَا تَفْسُدُ اتِّفَاقًا ابْنُ مَلَكٍ وَمُلْتَقَى (وَفَتْحُهُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ) إلَّا إذَا أَرَادَ التِّلَاوَةَ وَكَذَا الْأَخْذُ، إلَّا إذَا تَذَكَّرَ فَتَلَا قَبْلَ تَمَامِ الْفَتْحِ (بِخِلَافِ فَتْحِهِ عَلَى إمَامِهِ) فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُ (مُطْلَقًا) لِفَاتِحٍ وَآخِذٍ بِكُلِّ حَالٍ، إلَّا إذَا سَمِعَهُ الْمُؤْتَمُّ مِنْ غَيْرِ مُصَلٍّ فَفَتَحَ بِهِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْكُلِّ، وَيَنْوِي الْفَتْحَ لَا الْقِرَاءَةَ.   [رد المحتار] أَشْكَلَ عَلَيْهِ مَا مَرَّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَبَسْمَلَ) يَشْكُلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَحْرِ: لَوْ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ أَوْ أَصَابَهُ وَجَعٌ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ قِيلَ تَفْسُدُ لِأَنَّهُ كَالْأَنِينِ، وَقِيلَ لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَفِي النِّصَابِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَجَزَمَ بِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ يَا رَبِّ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ فَقَالَ آمِينَ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِيهِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَلَا يَفْسُدُ الْكُلُّ) أَيْ إلَّا إذَا قَصَدَ الْخِطَابَ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ امْتَثَلَ إلَخْ) هَذَا امْتِثَالٌ بِالْفِعْلِ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ امْتَثَلَ بِالْقَوْلِ، وَهُوَ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: مَسْجِدٌ كَبِيرٌ يَجْهَرُ الْمُؤَذِّنُ فِيهِ بِالتَّكْبِيرَاتِ فَدَخَلَ فِيهِ رَجُلٌ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَجْهَرَ بِالتَّكْبِيرِ وَرَكَعَ الْإِمَامُ لِلْحَالِ فَجَهَرَ الْمُؤَذِّنُ. إنْ قَصَدَ جَوَابَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ (قَوْلُهُ أَوْ دَخَلَ فُرْجَةً إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ فِيهِ عَدَمُ الْفَسَادِ ط (قَوْلُهُ وَمَرَّ) أَيْ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَصُفُّ الرِّجَالُ وَقَدَّمْنَا عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَدَمَ الْفَسَادِ، وَتَقَدَّمَ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ هُنَاكَ. (قَوْلُهُ وَيَأْتِي) أَيْ فِي هَذَا الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَرَدُّ. السَّلَامِ بِيَدِهِ (قَوْلُهُ وَفَتْحُهُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ) لِأَنَّهُ تَعَلُّمٌ وَتَعْلِيمٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ بَحْرٌ. وَهُوَ شَامِلٌ لِفَتْحِ الْمُقْتَدِي عَلَى مِثْلِهِ وَعَلَى الْمُنْفَرِدِ وَعَلَى غَيْرِ الْمُصَلِّي وَعَلَى إمَامٍ آخَرَ، لِفَتْحِ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ عَلَى أَيِّ شَخْصٍ كَانَ إنَّ أَرَادَ بِهِ التَّعْلِيمَ لَا التِّلَاوَةَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْأَخْذُ) أَيْ أَخْذُ الْمُصَلِّي غَيْرَ الْإِمَامِ بِفَتْحِ مَنْ فَتَحَ عَلَيْهِ مُفْسِدٌ أَيْضًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ. أَوْ أَخْذُ الْإِمَامِ بِفَتْحِ مَنْ لَيْسَ فِي صَلَاتِهِ كَمَا فِيهِ عَنْ الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا تَذَكَّرَ إلَخْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: اُرْتُجَّ عَلَى الْإِمَامِ فَفَتَحَ عَلَيْهِ مَنْ لَيْسَ فِي صَلَاتِهِ وَتَذَكَّرَ، فَإِنْ أَخَذَ فِي التِّلَاوَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْفَتْحِ لَمْ تَفْسُدْ وإلَّا تَفْسُدُ لِأَنَّ تَذَكُّرَهُ يُضَافُ إلَى الْفَتْحِ اهـ بَحْرٌ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنْ حَصَلَ التَّذَكُّرُ وَالْفَتْحُ مَعًا لَمْ يَكُنْ التَّذَكُّرُ نَاشِئًا عَنْ الْفَتْحِ. وَلَا وَجْهَ لِإِفْسَادِ الصَّلَاةِ بِتَأَخُّرِ شُرُوعِهِ فِي الْقِرَاءَةِ عَنْ تَمَامِ الْفَتْحِ، وَإِنْ حَصَلَ التَّذَكُّرُ بَعْدَ الْفَتْحِ قَبْلَ إتْمَامِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّذَكُّرَ نَاشِئٌ عَنْهُ وَوَجَبَتْ إضَافَةُ التَّذَكُّرِ إلَيْهِ فَتَفْسُدُ بِلَا تَوَقُّفٍ لِلشُّرُوعِ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى إتْمَامِهِ اهـ مُلَخَّصًا قُلْت: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ حَصَلَ التَّذَكُّرُ بِسَبَبِ الْفَتْحِ تَفْسُدُ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ شَرَعَ فِي التِّلَاوَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْفَتْحِ أَوْ بَعْدَهُ لِوُجُودِ التَّعَلُّمِ، وَإِنْ حَصَلَ تَذَكُّرُهُ مِنْ نَفْسِهِ لَا بِسَبَبِ الْفَتْحِ لَا تَفْسُدُ مُطْلَقًا، وَكَوْنُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ حَصَلَ بِالْفَتْحِ لَا يُؤَثِّرُ بَعْدَ تَحَقُّقِ أَنَّهُ مِنْ نَفْسِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ الدِّيَانَةِ لَا الْقَضَاءِ حَتَّى يُبْنَى عَلَى الظَّاهِرِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ فَتَحَ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ قَاصِدًا الْقِرَاءَةَ لَا التَّعْلِيمَ لَا تَفْسُدُ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ حَالِهِ التَّعْلِيمُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ وَلَمْ يَقْصِدْ الْإِجَابَةَ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) فَسَّرَهُ بِمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ بِكُلِّ حَالٍ) أَيْ سَوَاءٌ قَرَأَ الْإِمَامُ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ أَمْ لَا، انْتَقَلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى أَمْ لَا تَكَرَّرَ الْفَتْحُ أَمْ لَا، هُوَ الْأَصَحُّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا سَمِعَهُ الْمُؤْتَمُّ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: وَلَوْ سَمِعَهُ الْمُؤْتَمُّ مِمَّنْ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ فَفَتَحَ بِهِ عَلَى إمَامِهِ يَجِبُ أَنْ تَبْطُلَ صَلَاةُ الْكُلِّ لِأَنَّ التَّلْقِينَ مِنْ خَارِجٍ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُؤْتَمَّ لَمَّا تَلَقَّنَ مِنْ خَارِجٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، فَإِذَا فَتَحَ عَلَى إمَامِهِ وَأَخَذَ مِنْهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، لَكِنْ قَالَ ح: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ سَمِعَهُ مِنْ مُصَلٍّ وَلَوْ غَيْرَ صَلَاتِهِ فَفَتَحَ بِهِ لَا تَبْطُلُ، وَهُوَ بَاطِلٌ فِي كَمَا لَا يَخْفَى، إلَّا أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ مُصَلٍّ أَيْ صَلَاتَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَنْوِي الْفَتْحَ لَا الْقِرَاءَةَ) هُوَ الصَّحِيحُ. لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْمُقْتَدِي مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَالْفَتْحُ عَلَى إمَامِهِ، غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ بَحْرٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 622 (وَلَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ نَعَمْ) أَوْ آرِي (إنْ كَانَ يَعْتَادُهَا فِي كَلَامِهِ تَفْسُدُ) لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِهِ (وَإِلَّا لَا) لِأَنَّهُ قُرْآنٌ (وَأَكْلُهُ وَشُرْبُهُ مُطْلَقًا) وَلَوْ سِمْسِمَةً نَاسِيًا (إلَّا إذَا كَانَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ مَأْكُولٌ) دُونَ الْحِمَّصَةِ كَمَا فِي الصَّوْمِ هُوَ الصَّحِيحُ قَالَهُ الْبَاقَانِيُّ (فَابْتَلَعَهُ) أَمَّا الْمَضْغُ فَمُفْسِدٌ كَسُكَّرِ فِي فِيهِ يَبْتَلِعُ ذَوْبَهُ (وَ) يُفْسِدُهَا (انْتِقَالُهُ مِنْ صَلَاةٍ إلَى مُغَايِرَتِهَا) وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ، حَتَّى لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَكَبَّرَ يَنْوِي الِاقْتِدَاءَ أَوْ عَكْسَهُ صَارَ مُسْتَأْنِفًا بِخِلَافِ نِيَّةِ الظُّهْرِ بَعْدَ رَكْعَةِ الظُّهْرِ إلَّا إذَا تَلَفَّظَ بِالنِّيَّةِ فَيَصِيرُ مُسْتَأْنِفًا مُطْلَقًا (وَقِرَاءَتُهُ مِنْ مُصْحَفٍ)   [رد المحتار] تَتِمَّةٌ] يُكْرَهُ أَنْ يُفْتَحَ مِنْ سَاعَتِهِ كَمَا يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلْجِئَهُ إلَيْهِ، بَلْ يَنْتَقِلُ إلَى آيَةٍ أُخْرَى لَا يَلْزَمُ مِنْ وَصْلِهَا مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ أَوْ إلَى سُورَةٍ أُخْرَى أَوْ يَرْكَعُ إذَا قَرَأَ قَدْرَ الْفَرْضِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِي رِوَايَةٍ قَدْرَ الْمُسْتَحَبِّ كَمَا رَجَّحَهُ الْكَمَالُ بِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ الدَّلِيلِ، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَنَازَعَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَرَجَّحَ قَدْرَ الْوَاجِبِ لِشِدَّةِ تَأَكُّدِهِ (قَوْلُهُ أَوْ آرِي) كَلِمَةٌ فَارِسِيَّةٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَهِيَ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ: بِمَعْنَى نَعَمْ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِهِ) بِدَلِيلِ الِاعْتِيَادِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قُرْآنٌ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي نَعَمْ، وَكَذَا فِي آرِي عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ الْقُرْآنَ اسْمٌ لِلْمَعْنَى؛ أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ اسْمٌ لِلنَّظْمِ وَالْمَعْنَى فَلَا. [تَنْبِيهٌ] وَقَعَ فِي أَلْغَازِ الْأَشْبَاهِ: أَيُّ مُصَلٍّ قَالَ نَعَمْ وَلَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ فَقُلْ مَنْ اعْتَادَهُ فِي كَلَامِهِ. اهـ. قَالَ فِي الْخَزَائِنِ: وَفِيهِ اشْتِبَاهٌ أَيْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ إنْ لَمْ يَكُنْ سَبْقَ قَلَمٍ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ وَقَعَ فِي فِيهِ قَطْرَةُ مَطَرٍ فَابْتَلَعَهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ الْحِمَّصَةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَكْسُورَةً وَمَفْتُوحَةً ح (قَوْلُهُ قَالَ الْبَاقَانِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى وَنَصُّهُ: وَقَالَ الْبَقَّالِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ مَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ تَفْسُدُ بِهِ الصَّلَاةُ. اهـ. وَعَلَيْهِ مَشَى الزَّيْلَعِيُّ تَبَعًا لِلْخُلَاصَةِ وَالْبَدَائِعِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَجَعَلَ فِي الْخَانِيَّةِ هَذَا قَوْلَ الْبَعْضِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا دُونَ مِلْءِ الْفَمِ لَا يُفْسِدُ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ أَوْلَى. (قَوْلُهُ أَمَّا الْمَضْغُ فَمُفْسِدٌ) أَيْ إنْ كَثُرَ وَتَقْدِيرُهُ بِالثَّلَاثِ الْمُتَوَالِيَاتِ كَمَا فِي غَيْرِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ: وَلَوْ مَضَغَ الْعِلْكَ كَثِيرًا فَسَدَتْ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي فِيهِ إهْلِيلَجَةٌ فَلَاكَهَا، فَإِنْ دَخَلَ فِي حَلْقِهِ مِنْهَا شَيْءٌ يَسِيرٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلُوكَهَا لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ كَثُرَ ذَلِكَ فَسَدَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ كَسُكَّرٍ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْمُفْسِدَ إمَّا الْمَضْغُ الْكَثِيرُ أَوْ وُصُولُ عَيْنِ الْمَأْكُولِ إلَى الْجَوْفِ بِخِلَافِ الطَّعْمِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ أَكَلَ شَيْئًا مِنْ الْحَلَاوَةِ وَابْتَلَعَ عَيْنَهَا فَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَدَ حَلَاوَتَهَا فِي فِيهِ وَابْتَلَعَهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَلَوْ أَدْخَلَ الْفَانِيدَ أَوْ السُّكَّرَ فِي فِيهِ وَلَمْ يَمْضُغْهُ لَكِنْ يُصَلِّي وَالْحَلَاوَةُ تَصِلُ إلَى جَوْفِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُفْسِدُهَا انْتِقَالُهُ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ يَنْوِيَ بِقَلْبِهِ مَعَ التَّكْبِيرَةِ الِانْتِقَالَ الْمَذْكُورَ. قَالَ فِي النَّهْرِ: بِأَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ مَثَلًا ثُمَّ افْتَتَحَ الْعَصْرَ أَوْ التَّطَوُّعَ بِتَكْبِيرَةٍ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ تَرْتِيبٍ كَانَ شَارِعًا فِي التَّطَوُّعِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَمُحَمَّدٍ، أَوْ لَمْ يَكُنْ بِأَنْ سَقَطَ لِلضَّيِّقِ أَوْ لِلْكَثْرَةِ صَحَّ شُرُوعُهُ فِي الْعَصْرِ لِأَنَّهُ نَوَى تَحْصِيلَ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ فَخَرَجَ عَنْ الْأَوَّلِ، فَمَنَاطُ الْخُرُوجِ عَنْ الْأَوَّلِ صِحَّةُ الشُّرُوعِ فِي الْمُغَايِرِ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ، فَلِذَا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَكَبَّرَ يَنْوِي الِاقْتِدَاءَ أَوْ عَكْسَهُ أَوْ إمَامَةَ النِّسَاءِ فَسَدَ الْأَوَّلُ وَكَانَ شَارِعًا فِي الثَّانِي، وَكَذَا لَوْ نَوَى نَفْلًا أَوْ وَاجِبًا أَوْ شَرَعَ فِي جِنَازَةٍ فَجِيءَ بِأُخْرَى فَكَبَّرَ يَنْوِيهِمَا أَوْ الثَّانِيَةَ يَصِيرُ مُسْتَأْنِفًا عَلَى الثَّانِيَةِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ عَكْسَهُ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى مُنْفَرِدًا ح (قَوْلُهُ بِخِلَافِ نِيَّةِ الظُّهْرِ إلَخْ) أَيْ نِيَّتِهِ مَعَ التَّكْبِيرَةِ كَمَا مَرَّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: يَعْنِي لَوْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ فَكَبَّرَ يَنْوِي الِاسْتِئْنَافَ لِلظُّهْرِ بِعَيْنِهَا لَا يَفْسُدُ مَا أَدَّاهُ وَيَحْتَسِبُ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ، حَتَّى لَوْ صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بَعْدَهَا وَلَمْ يَقْعُدْ فِي آخِرِهَا حَتَّى صَلَّى رَابِعَةً فَسَدَتْ الصَّلَاةُ وَلَغَتْ النِّيَّةُ الثَّانِيَةُ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ انْتَقَلَ إلَى الْمُغَايِرَةِ أَوْ الْمُتَّحِدَةِ لِأَنَّ التَّلَفُّظَ بِالنِّيَّةِ كَلَامٌ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ الْأُولَى، فَصَحَّ الشُّرُوعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 623 أَيْ مَا فِيهِ قُرْآنٌ (مُطْلَقًا) لِأَنَّهُ تَعَلُّمٌ إلَّا إذَا كَانَ حَافِظًا لِمَا قَرَأَهُ وَقَرَأَ بِلَا حَمْلٍ، وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ إلَّا بِآيَةٍ: وَاسْتَظْهَرَهُ الْحَلَبِيّ وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ بِلَا كَرَاهَةٍ وَهُمَا بِهَا لِلتَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ: أَيْ إنْ قَصَدَهُ؛ فَإِنَّ التَّشَبُّهَ بِهِمْ لَا يُكْرَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، بَلْ فِي الْمَذْمُومِ وَفِيمَا يُقْصَدُ بِهِ التَّشَبُّهُ، كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَ) يُفْسِدُهَا (كُلُّ عَمَلٍ كَثِيرٍ) لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِهَا وَلَا لِإِصْلَاحِهَا، وَفِيهِ أَقْوَالٌ خَمْسَةٌ أَصَحُّهَا (مَا لَا يَشُكُّ) بِسَبَبِهِ (النَّاظِرُ) مِنْ بَعِيدٍ (فِي فَاعِلِهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا)   [رد المحتار] الثَّانِي (قَوْلُهُ أَيْ مَا فِيهِ قُرْآنٌ) عَمَّمَهُ لِيَشْمَلَ الْمِحْرَابَ، فَإِنَّهُ إذَا قَرَأَ مَا فِيهِ فَسَدَتْ فِي الصَّحِيحِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا، أُمِّيًّا لَا يُمْكِنُهُ الْقِرَاءَةُ إلَّا مِنْهُ أَوْ لَا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَعَلُّمٌ) ذَكَرُوا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي عِلَّةِ الْفَسَادِ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ حَمْلَ الْمُصْحَفِ وَالنَّظَرِ فِيهِ وَتَقْلِيبِ الْأَوْرَاقِ عَمَلٌ كَثِيرٌ. وَالثَّانِي أَنَّهُ تَلَقُّنٌ مِنْ الْمُصْحَفِ فَصَارَ كَمَا إذَا تَلَقَّنَ مِنْ غَيْرِهِ. وَعَلَى الثَّانِي لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْضُوعِ وَالْمَحْمُولِ عِنْدَهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَفْتَرِقَانِ وَصَحَّحَ الثَّانِي فِي الْكَافِي تَبَعًا لِتَصْحِيحِ السَّرَخْسِيِّ؛ وَعَلَيْهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى الْقِرَاءَةِ إلَّا مِنْ الْمُصْحَفِ فَصَلَّى بِلَا قِرَاءَةٍ ذَكَرَ الْفَضْلِيُّ أَنَّهَا تُجْزِيهِ وَصَحَّحَ فِي الظَّهِيرَةِ عَدَمَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الضَّعِيفِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ إلَخْ) لِأَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ مُضَافَةٌ إلَى حِفْظِهِ لَا إلَى تَلَقُّنِهِ مِنْ الْمُصْحَفِ، وَمُجَرَّدُ النَّظَرِ بِلَا حَمْلٍ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِعَدَمِ وَجْهَيْ الْفَسَادِ، وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ قَوْلُ الرَّازِيّ، وَتَبِعَهُ السَّرَخْسِيُّ وَأَبُو نَصْرِ الصَّفَّارِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَالنِّهَايَةِ وَالتَّبْيِينِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ وَجِيهٌ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ فَلِذَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إلَخْ) تَقْيِيدٌ آخَرُ لِإِطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ: وَعِبَارَةُ الْحَلَبِيِّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَلَمْ يُفَرِّقْ فِي الْكِتَابِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ مَا لَمْ يَقْرَأْ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ، وَقِيلَ مَا لَمْ يَقْرَأْ آيَةً، وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهُ مِقْدَارُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ وَهُمَا بِهَا) أَيْ وَجَوَّزَهُ الصَّاحِبَانِ بِالْكَرَاهَةِ. مَطْلَبٌ فِي التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّشَبُّهَ بِهِمْ لَا يُكْرَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ) فَإِنَّا نَأْكُلُ وَنَشْرَبُ كَمَا يَفْعَلُونَ بَحْرٌ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ قُبَيْلَ كِتَابِ التَّحَرِّي. قَالَ هِشَامٌ: رَأَيْت عَلَى أَبِي يُوسُفَ نَعْلَيْنِ مَخْصُوفِينَ بِمَسَامِيرَ، فَقُلْت: أَتَرَى بِهَذَا الْحَدِيدِ بَأْسًا؟ قَالَ لَا قُلْت: سُفْيَانُ وَثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ كَرِهَا ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِالرُّهْبَانِ؛ فَقَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِي لَهَا شَعْرٌ» وَإِنَّهَا مِنْ لِبَاسِ الرُّهْبَانِ. فَقَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّ صُورَةَ الْمُشَابَهَةِ فِيمَا تَعَلَّقَ بِهِ صَلَاحُ الْعِبَادِ لَا يَضُرُّ، فَإِنَّ الْأَرْضَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ فِيهَا إلَّا بِهَذَا النَّوْعِ. اهـ وَفِيهِ إشَارَةٌ أَيْضًا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّشَبُّهِ أَصْلُ الْفِعْلِ: أَيْ صُورَةُ الْمُشَابَهَةِ بِلَا قَصْدٍ. (قَوْلُهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِهَا) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ زَادَ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا مَثَلًا فَإِنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِكَوْنِهِ مِنْهَا غَيْرَ أَنَّهُ يُرْفَضُ لِأَنَّ هَذَا سَبِيلُ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ ط قُلْت: وَالظَّاهِرُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ هَذَا الْقَيْدِ عَلَى تَعْرِيفِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا لِإِصْلَاحِهَا) خَرَجَ بِهِ الْوُضُوءُ وَالْمَشْيُ لِسَبْقِ الْحَدَثِ فَإِنَّهُمَا لَا يُفْسِدَانِهَا ط. قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ وَلَا فَعَلَ لِعُذْرٍ احْتِرَازًا عَنْ قَتْلِ الْحَيَّةِ أَوْ الْعَقْرَبِ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ كَمَا يَأْتِي، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لِإِصْلَاحِهَا لِأَنَّ تَرْكَهُ قَدْ يُؤَدَّى إلَى إفْسَادِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِيهِ أَقْوَالٌ خَمْسَةٌ أَصَحُّهَا مَا لَا يَشُكُّ إلَخْ) صَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَتَابَعَهُ الزَّيْلَعِيُّ والْوَلْوَالِجِيُّ. وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ الْأَحْسَنُ. وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: إنَّهُ الصَّوَابُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ: إنَّهُ اخْتِيَارُ الْعَامَّةِ. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ: رَوَاهُ الثَّلْجِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا حِلْيَةٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 624 وَإِنْ شَكَّ أَنَّهُ فِيهَا أَمْ لَا فَقَلِيلٌ، لَكِنَّهُ يُشْكِلُ بِمَسْأَلَةِ الْمَسِّ وَالتَّقْبِيلِ فَتَأَمَّلْ (فَلَا تَفْسُدُ بِرَفْعِ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَمَا رُوِيَ مِنْ الْفَسَادِ فَشَاذٌّ (وَ) يُفْسِدُهَا (سُجُودُهُ عَلَى نَجِسٍ) وَإِنْ أَعَادَهُ عَلَى طَاهِرٍ فِي الْأَصَحِّ، بِخِلَافِ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ عَلَى الظَّاهِرِ (وَ) يُفْسِدُهَا (أَدَاءُ رُكْنٍ) حَقِيقَةً   [رد المحتار] الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ مَا يُعْمَلُ عَادَةً بِالْيَدَيْنِ كَثِيرٌ وَإِنْ عُمِلَ بِوَاحِدَةٍ كَالتَّعْمِيمِ وَشَدِّ السَّرَاوِيلِ وَمَا عُمِلَ بِوَاحِدَةٍ قَلِيلٌ وَإِنْ عُمِلَ بِهِمَا كَحَلِّ السَّرَاوِيلِ وَلُبْسِ الْقَلَنْسُوَةِ وَنَزْعِهَا إلَّا إذَا تَكَرَّرَ ثَلَاثًا مُتَوَالِيَةً وَضَعَّفَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ قَاصِرٌ عَنْ إفَادَةِ مَا لَا يُعْمَلُ بِالْيَدِ كَالْمَضْغِ وَالتَّقْبِيلِ. الثَّالِثُ الْحَرَكَاتُ الثَّلَاثُ الْمُتَوَالِيَةُ كَثِيرٌ وَإِلَّا فَقَلِيلٌ الرَّابِعُ مَا يَكُونُ مَقْصُودًا لِلْفَاعِلِ بِأَنْ يُفْرِدَ لَهُ مَجْلِسًا عَلَى حِدَةٍ. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَهَذَا الْقَائِلُ: يَسْتَدِلُّ بِامْرَأَةٍ صَلَّتْ فَلَمَسَهَا زَوْجُهَا أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ مَصّ صَبِيٌّ ثَدْيَهَا وَخَرَجَ اللَّبَنُ: تَفْسُدُ صَلَاتُهَا. الْخَامِسُ التَّفْوِيضُ إلَى رَأْيِ الْمُصَلِّي، فَإِنْ اسْتَكْثَرَهُ فَكَثِيرٌ وَإِلَّا فَقَلِيلٌ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَهُوَ شَامِلٌ لِلْكُلِّ وَأَقْرَبُ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُقَدَّرْ فِي مِثْلِهِ بَلْ يُفَوَّضْ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى. اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مَضْبُوطٍ، وَتَفْوِيضُ مِثْلِهِ إلَى رَأْيِ الْعَوَّامِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي، وَأَكْثَرُ الْفُرُوعِ أَوْ جَمِيعُهَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْأَوْلَيْنَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ ثَانِيَهُمَا لَيْسَ خَارِجًا عَنْ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ مَا يُقَامُ بِالْيَدَيْنِ عَادَةً يَغْلِبُ ظَنُّ النَّاظِرِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ، وَكَذَا قَوْلُ مَنْ اعْتَبَرَ التَّكْرَارَ ثَلَاثًا مُتَوَالِيَةً فَإِنَّهُ يَغْلِبُ الظَّنُّ بِذَلِكَ، فَلِذَا اخْتَارَهُ جُمْهُورُ الْمَشَايِخِ. اهـ. (قَوْلُهُ مَا لَا يَشُكُّ إلَخْ) أَيْ عَمَلٌ لَا يَشُكُّ أَيْ بَلْ يَظُنُّ ظَنًّا غَالِبًا شَرْحُ الْمُنْيَةِ وَمَا بِمَعْنَى عَمَلٍ، وَالضَّمِيرُ فِي بِسَبَبِهِ عَائِدٌ إلَيْهِ وَالنَّاظِرُ فَاعِلٌ يَشُكُّ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَيْسَ لَهُ عِلْمٌ بِشُرُوعِ الْمُصَلِّي بِالصَّلَاةِ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ. وَفِي قَوْلِ الشَّارِحِ مِنْ بَعِيدٍ تَبَعًا لِلْبَدَائِعِ وَالنَّهْرِ إشَارَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّ الْقَرِيبَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ الْحَالُ عَادَةً فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَكَّ) أَيْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ وَتَرَدَّدَ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يُشْكِلُ بِمَسْأَلَةِ الْمَسِّ وَالتَّقْبِيلِ) أَيْ مَا لَوْ مَسَّ الْمُصَلِّيَةَ بِشَهْوَةٍ أَوْ قَبَّلَهَا بِدُونِهَا فَإِنَّ صَلَاتَهَا تَفْسُدُ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهَا فِعْلٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ مَعَ جَوَابِهِ، وَأَصْلُ الِاسْتِشْكَالِ لِصَاحِبِ الْحِلْيَةِ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ صَلَاةُ الْمُقَبِّلِ وَالْمَاسِّ. فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى فَسَادُهَا عَلَى أَحَدِ مِنْ النَّاسِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلَا تَفْسُدُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ، خِلَافًا لِمَا رَوَى مَكْحُولٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ رَفَعَ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ تَفْسُدُ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ إنَّمَا هُوَ الْعَمَلُ الْكَثِيرُ وَهُوَ مَا يُظَنُّ أَنَّ فَاعِلَهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ، وَهَذَا الرَّفْعُ لَيْسَ كَذَلِكَ، كَذَا فِي الْكَافِي، نَعَمْ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ فِعْلٌ زَائِدٌ لَيْسَ مِنْ تَتِمَّاتِ الصَّلَاةِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ، وَتَسْمِيَتُهَا تَكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ خِلَافُ الِاصْطِلَاحِ لِأَنَّهَا فِي الِاصْطِلَاحِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ (قَوْلُهُ وَيُفْسِدُهَا سُجُودُهُ عَلَى نَجَسٍ) أَيْ بِدُونِ حَائِلٍ أَصْلًا، وَلَوْ سَجَدَ عَلَى كَفِّهِ أَوْ كُمِّهِ فَسَدَ السُّجُودُ لَا الصَّلَاةُ، حَتَّى لَوْ أَعَادَهُ عَلَى طَاهِرٍ جَازَ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي فَصْلٍ إذَا أَرَادَ الشُّرُوعَ، لَكِنْ قَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْحَائِلَ الْمُتَّصِلَ لَا يُعْتَبَرُ حَائِلًا لِتَبَعِيَّتِهِ لِلْمُصَلِّي، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ السُّجُودُ مَعَهُ وَلَوْ عَلَى طَاهِرٍ وَلَزِمَ صِحَّةُ الصَّلَاةِ مَعَ الْقِيَامِ عَلَى نَجَاسَةٍ تَحْتَ خُفِّهِ وَتَقَدَّمَ تَمَامُ الْكَلَامِ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَدَائِعِ وَالْإِمْدَادِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ أَعَادَهُ عَلَى طَاهِرٍ لَا تَفْسُدُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ بِالسُّجُودِ عَلَى النَّجَسِ تَفْسُدُ السَّجْدَةُ لَا الصَّلَاةُ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ لِفَسَادِ جُزْئِهَا، وَكَوْنُهَا لَا تَتَجَزَّأُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. ذَكَرَ فِي السِّرَاجِ رِوَايَةً ثَانِيَةً، وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ أَعَادَهُ عَلَى طَاهِرٍ جَازَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَقَدَّمْنَا فِي فَصْلِ الشُّرُوعِ أَنَّ هَذِهِ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ، وَأَنَّ عَامَّةَ كُتُبِ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّ وَضْعَ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ فِي السُّجُودِ غَيْرُ شَرْطٍ فَتَرْكُ وَضْعِهِمَا أَصْلًا غَيْرُ مُفْسِدٍ فَكَذَا وَضْعُهُمَا عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 625 اتِّفَاقًا (أَوْ تَمَكُّنُهُ) مِنْهُ بِسُنَّةٍ، وَهُوَ قَدْرُ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ (مَعَ كَشْفِ عَوْرَةٍ أَوْ نَجَاسَةٍ) مَانِعَةٍ أَوْ وُقُوعٍ لِزَحْمَةٍ فِي صَفِّ نِسَاءٍ أَوْ أَمَامَ إمَامٍ (عِنْدَ الثَّانِي) وَهُوَ الْمُخْتَارُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ قَالَهُ الْحَلَبِيُّ (وَصَلَاتُهُ عَلَى مُصَلَّى مُضْرَبٍ نَجِسِ الْبِطَانَةِ) بِخِلَافِ غَيْرِ مُضْرَبٍ وَمَبْسُوطٍ عَلَى نَجِسٍ إنْ لَمْ يَظْهَرْ لَوْنٌ أَوْ رِيحٌ (وَتَحْوِيلُ صَدْرِهِ عَنْ الْقِبْلَةِ) اتِّفَاقًا   [رد المحتار] نَجَاسَةٍ، لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ تَصْحِيحَ الْفَسَادِ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ. وَفِي النَّهْرِ أَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِإِطْلَاقِ عَامَّةِ الْمُتُونِ. وَعَلَّلَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِأَنَّ اتِّصَالَ الْعُضْوِ بِالنَّجَاسَةِ بِمَنْزِلَةِ حَمْلِهَا وَإِنْ كَانَ وَضْعُ ذَلِكَ الْعُضْوِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ هُنَا تَبَعًا لِلدُّرَرِ ضَعِيفٌ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ نُوحٌ أَفَنْدِي (قَوْلُهُ عِنْدَ الثَّانِي) أَيْ أَبِي يُوسُفَ. وَقِيلَ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مَعَ مُحَمَّدٍ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الْكَشْفِ وَمَا بَعْدَهُ، وَقَيَّدَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فِي أَوَاخِرِ الْكَلَامِ عَلَى الشَّرْطِ الثَّالِثِ بِمَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ. قَالَ: أَمَّا إذَا حَصَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِصُنْعِهِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَفْسُدُ فِي الْحَالِ عِنْدَهُمْ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ اهـ وَمَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِهِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَالْأَشْبَهُ الْأَوَّلُ، وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَصَلَاتُهُ عَلَى مُصَلَّى مُضْرَبٍ) أَيْ مَخِيطٍ، وَإِنَّمَا تَفْسُدُ إذَا كَانَ النَّجِسُ الْمَانِعُ فِي مَوْضِعِ قِيَامِهِ أَوْ جَبْهَتِهِ أَوْ فِي مَوْضِعِ يَدَيْهِ أَوْ رُكْبَتَيْهِ عَلَى مَا مَرَّ. ثُمَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ. وَوَفَّقَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى كَوْنِ الثَّوْبِ مَخِيطًا مُضْرَبًا، وَالثَّانِي عَلَى كَوْنِهِ مَخِيطًا فَقَطْ، وَهُوَ مَا كَانَ جَوَانِبُهُ مَخِيطَةٌ دُونَ وَسْطِهِ لِأَنَّهُ كَثَوْبَيْنِ أَسْفَلُهُمَا نَجَسٌ وَأَعْلَاهُمَا طَاهِرٌ، فَلَا خِلَافَ حِينَئِذٍ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمَعِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّقَ الِاخْتِلَافَ، فَقَالَ: عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ. وَفِي التَّجْنِيسِ: الْأَصَحُّ أَنَّ الْمَضْرَب عَلَى الْخِلَافِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْأَصَحَّ فِي غَيْرِ الْمُضْرَبِ الْجَوَازُ اتِّفَاقًا، وَهَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ. وَفِي الْبَدَائِعِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ الْقَوْلَ الثَّانِيَ: وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى عَلَى حَجَرِ الرَّحَى أَوْ بَابٍ أَوْ بِسَاطٍ غَلِيظٍ أَوْ مُكَعَّبٍ أَعْلَاهُ طَاهِرٌ وَبَاطِنُهُ نَجَسٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الْمَحَلِّ، فَاسْتَوَى ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ كَالثَّوْبِ الصَّفِيقِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ لِأَنَّهُ صَلَّى فِي مَوْضِعٍ طَاهِرٍ تَحْتَهُ ثَوْبٌ طَاهِرٌ تَحْتَهُ ثَوْبٌ نَجِسٌ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ الصَّفِيقِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ نَفَاذُ الرُّطُوبَةِ إلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْأَشْبَهُ. وَرَجَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ بِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ. وَذَكَرَ فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا: إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى بَاطِنِ اللَّبِنَةِ أَوْ الْآجِرَة وَصَلَّى عَلَى ظَاهِرِهَا جَازَ، وَكَذَا الْخَشَبَةُ إنْ كَانَتْ غَلِيظَةً بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ تُنْشَرَ بِصَفَّيْنِ فِيمَا بَيْنَ الْوَجْهِ الَّذِي فِيهِ النَّجَاسَةُ وَالْوَجْهِ الْآخَرِ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ مَسْأَلَةَ اللَّبِنَةِ وَالْآجُرَّةِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَارِّ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ جَزَمَ بِالْجَوَازِ، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى اخْتِيَارِهِ، وَهُوَ حَسَنٌ مُتَّجِهٌ، وَكَذَا مَسْأَلَةُ الْخَشَبَةِ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَأَنَّ الْأَشْبَهَ الْجَوَازُ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، ثُمَّ أَيَّدَهُ بِأَوْجُهٍ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ مَبْسُوطٍ عَلَى نَجِسٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُنْيَةِ: وَإِذَا أَصَابَتْ الْأَرْضُ نَجَاسَةً فَفَرَشَهَا بِطِينٍ أَوْ جِصٍّ فَصَلَّى عَلَيْهَا جَازَ وَلَيْسَ هَذَا كَالثَّوْبِ، وَلَوْ فَرَشَهَا بِالتُّرَابِ وَلَمْ يُطَيِّنْ، إنْ كَانَ التُّرَابُ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَوْ اسْتَشَمَّهُ يَجِدُ رَائِحَةَ النَّجَاسَةِ لَا تَجُوزُ وَإِلَّا تَجُوزُ. اهـ. قَالَ فِي شَرْحِهَا: وَكَذَا الثَّوْبُ إذَا فُرِشَ عَلَى النَّجَاسَةِ الْيَابِسَةِ؛ فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا يَشِفُّ مَا تَحْتَهُ أَوْ تُوجَدُ مِنْهُ رَائِحَةُ النَّجَاسَةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ لَهَا رَائِحَةً لَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَلِيظًا بِحَيْثُ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ جَازَتْ. اهـ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ تَحْتَ قَدَمِهِ أَوْ مَوْضِعَ سُجُودِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ قَائِمًا أَوْ سَاجِدًا عَلَى النَّجَاسَةِ لِعَدَمِ صُلُوحِ ذَلِكَ الثَّوْبِ لِكَوْنِهِ حَائِلًا، فَلَيْسَ الْمَانِعُ هُوَ نَفْسُ وُجُودِ الرَّائِحَةِ حَتَّى يُعَارَضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِقُرْبِهِ نَجَاسَةٌ يَشُمُّ رِيحَهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَتَحْوِيلُ صَدْرِهِ) أَمَّا تَحْوِيلُ وَجْهِهِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ فَمَكْرُوهٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 626 (بِغَيْرِ عُذْرٍ) فَلَوْ ظَنَّ حَدَثَهُ فَاسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ عَلِمَ عَدَمَهُ إنْ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ لَا تَفْسُدُ وَبَعْدَهُ فَسَدَتْ. [فُرُوعٌ] مَشَى مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ هَلْ تَفْسُدُ إنْ قَدْرَ صَفٍّ ثُمَّ وَقَفَ قَدْرَ رُكْنٍ ثُمَّ مَشَى وَوَقَفَ كَذَلِكَ وَهَكَذَا لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ كَثُرَ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ، وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ حَالَةَ الْعُذْرِ مَا لَمْ يَسْتَدْبِرْ الْقِبْلَةِ اسْتِحْسَانًا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ،   [رد المحتار] لَا مُفْسِدٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَكْرُوهَاتِ (قَوْله بِغَيْرِ عُذْرٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ إذَا حَوَّلَ صَدْرَهُ فَسَدَتْ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَمَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْكُتُبِ اهـ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا لَوْ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَهَذَا بِاخْتِيَارِهِ، وَإِلَّا فَإِنْ لَبِثَ مِقْدَارُ رُكْنٍ فَسَدَتْ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ فَصْلِ الْمَكْرُوهَاتِ (قَوْلُهُ فَلَوْ ظَنَّ حَدَثَهُ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ (قَوْلُهُ لَا تَفْسُدُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ شَرْحُ الْمُنْيَةِ، وَقَوْلُهُ وَبَعْدَهُ فَسَدَتْ: أَيْ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمَكَانِ مُبْطِلٌ إلَّا لِعُذْرٍ وَالْمَسْجِدُ مَعَ تَبَايُنِ أَكْنَافِهِ وَتَنَائِي أَطْرَافِهِ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ، فَلَا تَفْسُدُ مَادَامَ فِيهِ إلَّا إذَا كَانَ إمَامًا وَاسْتَخْلَفَ مَكَانَهُ آخَرَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فَتَفْسُدُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ، لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ مُنَافٍ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ الْعُذْرِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَكَذَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ افْتَتَحَ بِلَا وُضُوءٍ فَانْصَرَفَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ مُتَوَضِّئًا تَفْسُدُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ لِأَنَّ انْصِرَافَهُ عَلَى سَبِيلِ الرَّفْضِ وَمَكَانُ الصُّفُوفِ فِي الصَّحْرَاءِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فِي آخِرِ الشَّرْطِ الرَّابِعِ وَتَقَدَّمَ فِي الْبَابِ السَّابِقِ [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي الْمُنْيَةِ فِي بَابِ الْمُفْسِدَاتِ أَنْ لَوْ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ عَلَى ظَنِّ الْحَدَثِ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ فَسَدَتْ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَعَلَّلَهُ فِي شَرْحِهَا بِأَنَّ اسْتِدْبَارَهُ وَقَعَ لِغَيْرِ ضَرُورَةِ إصْلَاحِ الصَّلَاةِ فَكَانَ مُفْسِدًا اهـ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ عَنْ عَامَّةِ الْكُتُبِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى قَوْلِهِمَا أَوْ عَلَى الْإِمَامِ الْمُسْتَخْلِفِ تَأَمَّلْ [فُرُوعٌ مَشَى المصلي مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ هَلْ تَفْسُدُ صَلَاته] (قَوْلُهُ وَإِنْ كَثُرَ) أَيْ وَإِنْ مَشَى قَدْرَ صُفُوفٍ كَثِيرَةٍ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهُوَ مُسْتَدْرِكٌ بِقَوْلِهِ وَهَكَذَا (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ) أَيْ بِأَنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ تَجَاوَزَ الصُّفُوفَ، لَوْ الصَّلَاةُ فِي الصَّحْرَاءِ فَحِينَئِذٍ تَفْسُدُ كَمَا لَوْ مَشَى قَدْرَ صَفَّيْنِ دَفْعَةً وَاحِدَةً. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ الْقَلِيلَ غَيْرُ مُفْسِدٍ مَا لَمْ يَتَكَرَّرْ مُتَوَالِيًا، وَعَلَى أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَكَانِ مُبْطِلٌ مَا لَمْ يَكُنْ لِإِصْلَاحِهَا، وَهَذَا إذَا كَانَ قُدَّامَهُ صُفُوفٌ، أَمَّا إنْ كَانَ إمَامًا فَجَاوَزَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ، فَإِنْ بِقَدْرِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّفِّ الَّذِي يَلِيه لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ أَكْثَرَ فَسَدَتْ، وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَالْمُعْتَبَرُ مَوْضِعُ سُجُودِهِ، فَإِنْ جَاوَزَهُ فَسَدَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَالْبَيْتُ لِلْمَرْأَةِ كَالْمَسْجِدِ عِنْدَ أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ وَكَالصَّحْرَاءِ عِنْدَ غَيْرِهِ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي الْمَشْيِ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ حَالَةَ الْعُذْرِ) أَيْ وَإِنْ كَثُرَ وَاخْتَلَفَ الْمَكَانُ، لِمَا فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ رُوِيَ " أَنَّ أَبَا بَرْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ آخِذًا بِقِيَادِ فَرَسِهِ ثُمَّ انْسَلَّ مِنْ يَدِهِ، فَمَضَى الْفَرَسُ عَلَى الْقِبْلَةِ فَتَبِعَهُ حَتَّى أَخَذَ بِقِيَادِهِ ثُمَّ رَجَعَ نَاكِصًا عَلَى عَقِبَيْهِ حَتَّى صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ " قَالَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ ثُمَّ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَصْلٌ بَيْنَ الْمَشْيِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ جِهَةَ الْقِبْلَةِ؛ فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِالْفَسَادِ قَلَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 627 وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْمُفْسِدِ الِاخْتِيَارُ؟ فِي الْخَبَّازِيَّةِ نَعَمْ. وَقَالَ الْحَلَبِيُّ: لَا، فَإِنَّ مَنْ دُفِعَ أَوْ جَذَبَتْهُ الدَّابَّةُ خُطُوَاتٍ أَوْ وُضِعَ عَلَيْهَا أَوْ أُخْرِجَ مِنْ مَكَانِ الصَّلَاةِ أَوْ مَصَّ ثَدْيَهَا ثَلَاثًا أَوْ مَرَّةً وَنَزَلَ لَبَنُهَا أَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ قَبَّلَهَا بِدُونِهَا فَسَدَتْ لَا لَوْ قَبَّلَتْهُ وَلَمْ يَشْتَهِهَا: وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي تَقْبِيلِهِ مَعْنَى الْجِمَاعِ. - مَعَهُ حَجَرٌ فَرَمَى بِهِ طَائِرًا لَمْ تَفْسُدْ، وَلَوْ إنْسَانًا تَفْسُدْ كَضَرْبٍ لَوْ مَرَّةً، لِأَنَّهُ مُخَاصَمَةٌ أَوْ تَأْدِيبٌ أَوْ مُلَاعَبَةٌ، وَهُوَ عَمَلٌ كَثِيرٌ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ.   [رد المحتار] أَوْ كَثُرَ اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ الْفَسَادُ إذَا كَثُرَ، وَالْحَدِيثُ خَصَّ حَالَةَ الْعُذْرِ فَيُعْمَلُ بِالْقِيَاسِ فِي غَيْرِهَا. وَحَكَى عَنْ أُسْتَاذِهِ الْجَوَازَ فِيمَا إذَا مَشَى مُسْتَقْبِلًا وَكَانَ غَازِيًا، وَكَذَا الْخَارِجُ وَكُلُّ مُسَافِرٍ سَفَرُهُ عِبَادَةٌ. وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ أَوَّلُوا الْحَدِيثَ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقِيلَ تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ أَوْ مَوْضِعَ سُجُودِهِ وَإِلَّا فَسَدَتْ، وَقِيلَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَلَاحِقًا بَلْ خُطْوَةً ثُمَّ خُطْوَةً، فَلَوْ مُتَلَاحِقًا تَفْسُدُ إنْ لَمْ يَسْتَدْبِرْ الْقِبْلَةَ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ، وَقِيلَ تَأْوِيلُهُ إذَا مَشَى مِقْدَارَ مَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، كَمَا قَالُوا فِيمَنْ رَأَى فُرْجَةً فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَمَشَى إلَيْهَا فَسَدَّهَا، فَإِنْ كَانَ هُوَ فِي الصَّفِّ الثَّانِي لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّفِّ الثَّالِثِ فَسَدَتْ اهـ مُلَخَّصًا. وَنَصَّ فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ إذَا كَثُرَ تَفْسُدُ. هَذَا، وَذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَيْضًا فِي فَصْلِ الْمَكْرُوهَاتِ أَنَّ الَّذِي تَقْتَضِيه الْقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِيَّةُ الْمُسْتَنِدَةُ إلَى الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَوَقَعَ بِهِ التَّصْرِيحُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ الْجُزْئِيَّةِ أَنَّ الْمَشْيَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِلَا عُذْرٍ أَوْ بِعُذْرٍ، فَالْأَوَّلُ إنْ كَانَ كَثِيرًا مُتَوَالِيًا تَفْسُدُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَدْبِرْ الْقِبْلَةَ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا غَيْرَ مُتَوَالٍ بَلْ تَفَرَّقَ فِي رَكَعَاتٍ أَوْ كَانَ قَلِيلًا، فَإِنْ اسْتَدْبَرَهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِلْمُنَافِي بِلَا ضَرُورَةٍ وَإِلَّا فَلَا وَكُرِهَ، لِمَا عُرِفَ أَنَّ مَا أَفْسَدَ كَثِيرُهُ كُرِهَ قَلِيلُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ. وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ، فَإِنْ كَانَ لِلطَّهَارَةِ عِنْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ أَوْ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ لَمْ يُفْسِدْهَا وَلَمْ يُكْرَهْ قَلَّ أَوْ كَثُرَ اسْتَدْبَرَ أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ مَا ذُكِرَ، فَإِنْ اسْتَدْبَرَ مَعَهُ فَسَدَتْ قَلَّ أَوْ كَثُرَ. وَإِنْ لَمْ يَسْتَدْبِرْ، فَإِنْ قَلَّ لَمْ يَفْسُدْ وَلَمْ يُكْرَهْ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا مُتَلَاحِقًا أَفْسَدَ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَلَاحِقِ فَفِي كَوْنِهِ مُفْسِدًا أَوْ مَكْرُوهًا خِلَافٌ وَتَأَمَّلْ اهـ مُلَخَّصًا. وَقَالَ فِي هَذَا الْبَابِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْكَثِيرَ الْغَيْرَ الْمُتَلَاحِقِ غَيْرُ مُفْسِدٍ وَلَا مَكْرُوهٍ إذَا كَانَا لِعُذْرٍ مُطْلَقًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ - الْحَلَبِيُّ لَا) الظَّاهِرُ اعْتِمَادُهُ لِلتَّفْرِيعِ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ خُطُوَاتٍ) أَيْ وَمَشَى بِسَبَبِ الدَّفْعِ أَوْ الْجَذْبِ ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْلِكَ نَفْسَهُ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ جَذَبَتْهُ الدَّابَّةُ حَتَّى أَزَالَتْهُ عَنْ وَضْعِ سُجُودِهِ تَفْسُدُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ وُضِعَ عَلَيْهَا) أَيْ حَمَلَهُ رَجُلٌ وَوَضَعَهُ عَلَى الدَّابَّةِ تَفْسُدُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِكَوْنِهِ عَمَلًا كَثِيرًا تَأَمَّلْ. وَأَمَّا لَوْ رَفَعَهُ عَنْ مَكَانِهِ ثُمَّ وَضَعَهُ أَوْ أَلْقَاهُ ثُمَّ قَامَ وَوَقَفَ مَكَانَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْ الْقِبْلَةِ فَلَا تَفْسُدُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ أَوْ أُخْرِجَ مِنْ مَكَانِ الصَّلَاةِ) أَيْ مَعَ التَّحْوِيلِ عَنْ الْقِبْلَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ط. أَقُولُ: لَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ، وَأَيْضًا فَالتَّحْوِيلُ مُفْسِدٌ إذَا كَانَ قَدْرَ أَدَاءِ رُكْنٍ، وَلَوْ كَانَ فِي مَكَانِهِ فَالظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ وَأَنَّ الْعِلَّةَ اخْتِلَافُ الْمَكَانِ لَوْ كَانَ مُقْتَدِيًا أَوْ كَوْنُهُ عَمَلًا كَثِيرًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ مَصَّ ثَدْيَهَا ثَلَاثًا إلَخْ) هَذَا التَّفْصِيلُ مَذْكُورٌ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ الْكَثِيرِ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَى الثَّلَاثِ الْمُتَوَالِيَاتِ، وَلَيْسَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ. وَفِي الْمُحِيطِ: إنْ خَرَجَ اللَّبَنُ فَسَدَتْ لِأَنَّهُ يَكُونُ إرْضَاعًا وَإِلَّا فَلَا، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِعَدَدٍ وَصَحَّحَهُ فِي الْمِعْرَاجِ حِلْيَةٌ وَبَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ مَسَّهَا إلَخْ) حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ أَوْ مُسَّتْ أَوْ قُبِّلَتْ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ كَنَظَائِرِهِ السَّابِقَةِ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى دُفِعَ الْوَاقِعِ صِلَةً لِمَنْ. وَالْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ: لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي الصَّلَاةِ فَجَامَعَهَا زَوْجُهَا تَفْسُدُ صَلَاتُهَا وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ مَنِيٌّ، وَكَذَا لَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ أَوْ مَسَّهَا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ. أَمَّا لَوْ قَبَّلَتْ الْمَرْأَةُ الْمُصَلِّيَ وَلَمْ يَشْتَهِهَا لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ إلَخْ) قَدْ خَفِيَ وَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ. وَكَذَا عَلَى صَاحِبِ الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَأَشَارَ فِي الْخُلَاصَةِ إلَى الْفَرْقِ بِأَنَّ تَقْبِيلَهُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الْفَاعِلُ لِلْجِمَاعِ فَإِتْيَانُهُ بِدَوَاعِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 628 بَقِيَ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ ارْتِدَادٌ بِقَلْبِهِ وَمَوْتٌ وَجُنُونٌ وَإِغْمَاءٌ، وَكُلُّ مُوجِبٍ لِوُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ. وَتَرْكُ رُكْنٍ بِلَا قَضَاءٍ   [رد المحتار] فِي مَعْنَاهُ؛ وَلَوْ جَامَعَهَا وَلَوْ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ تَفْسُدُ صَلَاتُهَا فَكَذَا إذَا قَبَّلَهَا مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِيه، وَكَذَا لَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ فَاعِلَةً لِلْجِمَاعِ فَلَا يَكُونُ إتْيَانُ دَوَاعِيهِ مِنْهَا فِي مَعْنَاهُ مَا لَمْ يَشْتَهِ الزَّوْجُ. فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا بِشَهْوَةٍ يَصِيرُ مُرَاجِعًا وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، فِي رِوَايَةٍ هُوَ الْمُخْتَارُ، وَهَذَا يُشْكِلُ عَلَى الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا هُوَ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ وَلِذَا صَارَ مُرَاجِعًا، إلَّا أَنْ يُقَالَ فَسَادُ الصَّلَاةِ يَتَعَلَّقُ بِالدَّوَاعِي الَّتِي هِيَ فِعْلُ غَيْرِ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ وَأَمَّا النَّظَرُ وَالْفِكْرُ فَلَا يَفْسُدَانِ عَلَى مَا مَرَّ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُمَا بِخِلَافِ فِعْلِ سَائِرِ الْجَوَارِحِ اهـ هَذَا، وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَبَّلَ الْمُصَلِّيَةَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهَا، وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ) عِبَارَتُهُ مَعَ مَتْنِ الْمُنْيَةِ (وَلَوْ ضَرَبَ إنْسَانًا بِيَدٍ وَاحِدَةٍ) مِنْ غَيْرِ آلَةٍ (أَوْ) ضَرَبَهُ (بِسَوْطٍ) وَنَحْوِهِ (تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ) وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ مُخَاصَمَةٌ أَوْ تَأْدِيبٌ أَوْ مُلَاعَبَةٌ وَهُوَ عَمَلٌ كَثِيرٌ عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. اهـ. ثُمَّ قَالَ مَعَ الْمَتْنِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ (وَلَوْ أَخَذَ الْمُصَلِّي حَجَرًا فَرَمَى بِهِ طَائِرًا) وَنَحْوَهُ (تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ (وَلَوْ) كَانَ (مَعَهُ حَجَرٌ فَرَمَى بِهِ) الطَّائِرَ أَوْ نَحْوَهُ (لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ عَمَلٌ قَلِيلٌ (وَ) لَكِنْ قَدْ (أَسَاءَ) لِاشْتِغَالِهِ بِغَيْرِ الصَّلَاةِ؛ وَلَوْ رَمَى بِالْحَجَرِ الَّذِي مَعَهُ إنْسَانًا يَنْبَغِي أَنْ تَفْسُدَ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ أَوْ بِيَدِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُخَاصَمَةِ عَلَى مَا مَرَّ. اهـ. قُلْت: لَكِنَّ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ خِلَافُ مَا فِي الْأَصْلِ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ صَلَاتَهُ تَامَّةٌ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْحَجَرُ فِي يَدِهِ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْأَرْضِ. اهـ. وَفِي الْحِلْيَةِ أَنَّ ظَاهِرَ الْخَانِيَّةِ يُفِيدُ تَرْجِيحَهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْإِطْلَاقَ ثُمَّ حَكَى التَّفْصِيلَ بِقِيلَ (قَوْلُهُ بَقِيَ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ إلَخْ) قُلْت: بَقِيَ مِنْهَا أَيْضًا: مُحَاذَاةُ الْمَرْأَةِ بِشُرُوطِهَا، وَاسْتِخْلَافُهُ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ، وَخُرُوجُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ بِلَا اسْتِخْلَافٍ، وَوُقُوفُهُ بَعْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ قَدْرَ رُكْنٍ، وَأَدَاؤُهُ رُكْنًا مَعَ حَدَثٍ أَوْ مَشْي، وَإِتْمَامُ الْمُقْتَدَى الْمَسْبُوقِ بِالْحَدَثِ صَلَاتَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الِاقْتِدَاءِ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ وَكَذَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ تَذَكُّرُ فَائِتَةٍ لِذِي تَرْتِيبٍ، وَوُجُودُ الْمُنَافِي بِلَا صَنْعَةٍ قَبْلَ الْقَعْدَةِ اتِّفَاقًا، وَبَعْدَهَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فِي الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ، لَكِنَّ بَعْضَ هَذِهِ يُفْسِدُ وَصْفَ الْفَرْضِيَّةِ لَا أَصْلَ الصَّلَاةِ، كَمَا لَوْ قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ قَبْلَ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ. (قَوْلُهُ ارْتِدَادٌ بِقَلْبِهِ) بِأَنْ نَوَى الْكُفْرَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ أَوْ اعْتَقَدَ مَا يَكُونُ كُفْرًا ط (قَوْلُهُ وَمَوْتٌ) أَقُولُ: تَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِي الْإِمَامِ لَوْ مَاتَ بَعْدَ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمُقْتَدِينَ بِهِ، فَيَلْزَمُهُمْ اسْتِئْنَافُهَا، وَبُطْلَانُ الصَّلَاةِ بِالْمَوْتِ بَعْدَ الْقَعْدَةِ قَدْ ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ الَّتِي زَادَهَا عَلَى الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ. وَلَا تَظْهَرُ الثَّمَرَةُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيمَا لَوْ كَانَ أَوْصَى بِكَفَّارَةِ صَلَوَاتِهِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ آخِرُ الْوَقْتِ، وَهُوَ لَمْ يَكُنْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: سَافَرَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاةُ السَّفَرِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ إلَّا قَدْرُ مَا يَسَعُ فِيهِ بَعْضَ الصَّلَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ إغْمَاءً طَوِيلًا، أَوْ جُنَّ جُنُونًا مُطْبِقًا أَوْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ يَسْقُطُ كُلُّ الصَّلَاةِ، فَإِذَا سَافَرَ يَسْقُطُ بَعْضُ الصَّلَاةِ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلَهُ وَجُنُونٌ وَإِغْمَاءٌ) فَإِذَا أَفَاقَ فِي الْوَقْتِ وَجَبَ أَدَاؤُهَا، وَبَعْدَهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ مَا لَمْ يَزِدْ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ. (قَوْلُهُ وَكُلُّ مُوجِبٍ لِوُضُوءٍ) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ النَّهْرِ، وَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مُفْسِدٍ كَالْمَسْبُوقِ بِالْحَدَثِ كَمَا مَرَّ، فَالْأَوْلَى قَوْلُ الْبَحْرِ: وَكُلُّ حَدَثٍ عَمْدٍ ط (قَوْلُهُ وَتَرْكُ رُكْنٍ بِلَا قَضَاءٍ) كَمَا لَوْ تَرَكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 629 وَشَرْطٌ بِلَا عُذْرٍ وَمُسَابَقَةُ الْمُؤْتَمِّ بِرُكْنٍ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهِ إمَامُهُ كَأَنْ رَكَعَ وَرَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ إمَامِهِ وَلَمْ يُعِدْهُ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَسَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ وَمُتَابَعَةُ الْمَسْبُوقِ إمَامَهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ تَأَكُّدِ انْفِرَادِهِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَتَجِبُ مُتَابَعَتُهُ وَعَدَمُ إعَادَتِهِ الْجُلُوسَ الْأَخِيرَ بَعْدَ أَدَاءِ سَجْدَةٍ صُلْبِيَّةٍ أَوْ تِلَاوِيَّةٍ تَذَكَّرَهَا بَعْدَ الْجُلُوسِ، وَعَدَمُ إعَادَةِ رُكْنٍ أَدَّاهُ نَائِمًا وَقَهْقَهَةُ إمَامِ الْمَسْبُوقِ بَعْدَ الْجُلُوسِ الْأَخِيرِ، وَمِنْهَا مَدُّ الْهَمْزِ فِي التَّكْبِيرِ كَمَا مَرَّ وَمِنْهَا الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ إنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى وَإِلَّا لَا إلَّا فِي حَرْفِ مَدٍّ وَلِينٍ إذَا فَحُشَ وَإِلَّا لَا بَزَّازِيَّةٌ، وَمِنْهَا زَلَّةُ الْقَارِئِ   [رد المحتار] سَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِهَا، وَإِطْلَاقُ الْقَضَاءِ عَلَى ذَلِكَ مَجَازٌ (قَوْلُهُ بِلَا عُذْرٍ) أَمَّا بِهِ كَعَدَمِ وُجُودِ سَاتِرٍ أَوْ مُطَهِّرٍ لِلنَّجَاسَةِ وَعَدَمِ قُدْرَةٍ عَلَى اسْتِقْبَالٍ فَلَا فَسَادَ ط (قَوْلُهُ وَمُسَابَقَةُ الْمُؤْتَمِّ إلَخْ) دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ وَتَرْكُ رُكْنٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ أَتَى بِالرُّكْنِ صُورَةً وَلَكِنَّهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ لِأَجْلِ الْمُسَابَقَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَأَنْ رَكَعَ إلَخْ) هُنَا خَمْسُ صُوَرٍ وَهِيَ: مَا لَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ قَبْلَهُ فِي كُلِّ الرَّكَعَاتِ فَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَةٍ بِلَا قِرَاءَةٍ، وَلَوْ رَكَعَ مَعَهُ وَسَجَدَ قَبْلَهُ لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ، وَلَوْ رَكَعَ قَبْلَهُ وَسَجَدَ مَعَهُ يَقْضِي أَرْبَعًا بِلَا قِرَاءَةٍ. وَلَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ بَعْدَهُ صَحَّ، وَكَذَا لَوْ قَبْلَهُ وَأَدْرَكَهُ الْإِمَامُ فِيهِمَا لَكِنَّهُ يُكْرَهُ، وَبَيَانُهُ فِي الْإِمْدَادِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْإِمَامَةِ (قَوْلُهُ وَسَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ مَا يُنَافِي الصَّلَاةَ لَا يَظْهَرُ الْفَسَادُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ التَّرْكِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بَعْدَ تَأَكُّدِ انْفِرَادِهِ) وَذَلِكَ بِأَنْ قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا فَاتَهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ قَبْلَهُ بَعْدَ قُعُودِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَقَيَّدَ رَكْعَتَهُ بِسَجْدَةٍ، فَإِذَا تَذَكَّرَ الْإِمَامُ سُجُودَ سَهْوٍ فَتَابَعَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ (قَوْلُهُ فَتَجِبُ مُتَابَعَتُهُ) فَلَوْ لَمْ يُتَابِعْهُ جَازَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ تَرْكَ الْمُتَابَعَةِ فِي السُّجُودِ الْوَاجِبِ لَا يُفْسِدُ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ قَضَائِهِ (قَوْلُهُ وَعَدَمُ إعَادَتِهِ الْجُلُوسَ) يَرْجِعُ إلَى تَرْكِ الرُّكْنِ وَعَدَمُ إعَادَةِ رُكْنٍ أَدَّاهُ نَائِمًا يَرْجِعُ إلَى تَرْكِ الشَّرْطِ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ. ط (قَوْلُهُ وَقَهْقَهَةُ إمَامِ الْمَسْبُوقِ) أَيْ إذَا قَهْقَهَ الْإِمَامُ بَعْدَ قُعُودِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْمُدْرِكِ خَلْفَهُ، وَفَسَدَتْ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ خَلْفَهُ لِوُقُوعِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَمَامِ أَرْكَانِهِ إلَّا إذَا قَامَ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ وَقَيَّدَ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ، لِتَأَكُّدِ انْفِرَادِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ. (قَوْلُهُ فِي التَّكْبِيرِ) أَيْ تَكْبِيرِ الِانْتِقَالَاتِ، أَمَّا تَكْبِيرُ الْإِحْرَامِ فَلَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ بِهِ، وَالْفَسَادُ يَتَرَتَّبُ عَلَى صِحَّةِ الشُّرُوعِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ ح (قَوْلُهُ بِالْأَلْحَانِ) أَيْ بِالنَّغَمَاتِ، وَحَاصِلُهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ إشْبَاعُ الْحَرَكَاتِ لِمُرَاعَاةِ النَّغَمِ (قَوْلُهُ إنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى) كَمَا لَوْ قَرَأَ - {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]- وَأَشْبَعَ الْحَرَكَاتِ حَتَّى أَتَى بِوَاوٍ بَعْدَ الدَّالِ وَبِيَاءٍ بَعْدَ اللَّامِ وَالْهَاءِ وَبِأَلِفٍ بَعْدَ الرَّاءِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْمُبَلِّغِ رَابَّنَا لَك الْحَامِدُ بِأَلْفٍ بَعْدَ الرَّاءِ لِأَنَّ الرَّابَّ هُوَ زَوْجُ الْأُمِّ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَابْنُ الزَّوْجَةِ يُسَمَّى رَبِيبًا. (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى فَلَا فَسَادَ إلَّا فِي حَرْفِ مَدٍّ وَلِينٍ إنْ فَحُشَ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ، وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى، وَحُرُوفُ الْمَدِّ وَاللِّينِ وَهِيَ حُرُوفُ الْعِلَّةِ الثَّلَاثَةِ الْأَلْفُ وَالْوَاوُ وَالْيَاءُ إذَا كَانَتْ سَاكِنَةً وَقَبْلَهَا حَرَكَةٌ تُجَانِسُهَا، فَلَوْ لَمْ تُجَانِسْهَا فَهِيَ حُرُوفُ عِلَّةٍ وَلِينٍ لَا مَدٍّ. [تَتِمَّةٌ] فُهِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ أَنَّ الْقِرَاءَةِ بِالْأَلْحَانِ إذَا لَمْ تُغَيِّرْ الْكَلِمَةَ عَنْ وَضْعِهَا وَلَمْ يَحْصُلْ بِهَا تَطْوِيلُ الْحُرُوفِ حَتَّى لَا يَصِيرُ الْحَرْفُ حَرْفَيْنِ، بَلْ مُجَرَّدُ تَحْسِينِ الصَّوْتِ وَتَزْيِينِ الْقِرَاءَةِ لَا يَضُرُّ، بَلْ يُسْتَحَبُّ عِنْدَنَا فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. مَطْلَبُ مَسَائِلِ زَلَّةِ الْقَارِئِ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا زَلَّةُ الْقَارِئِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْفَصْلَ مِنْ الْمُهِمَّاتِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوَاعِدَ نَاشِئَةٍ عَنْ الِاخْتِلَافِ لَا كَمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَاعِدَةٌ يُبْنَى عَلَيْهَا، بَلْ إذَا عَلِمَتْ تِلْكَ الْقَوَاعِدُ عُلِمَ كُلُّ فَرْعٍ أَنَّهُ عَلَى أَيِّ قَاعِدَةٍ هُوَ مَبْنِيٌّ وَمُخَرَّجٌ، وَأَمْكَنَ تَخْرِيجُ مَا لَمْ يُذْكَرْ فَنَقُولُ: إنَّ الْخَطَأَ إمَّا فِي الْإِعْرَابِ أَيْ الْحَرَكَاتِ وَالسُّكُونِ وَيَدْخُلُ فِيهِ تَخْفِيفُ الْمُشَدَّدِ وَقَصْرُ الْمَمْدُودِ وَعَكْسُهُمَا أَوْ فِي الْحُرُوفِ بِوَضْعِ حَرْفٍ مَكَانَ آخَرَ، أَوْ زِيَادَتِهِ أَوْ نَقْصِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 630 فَلَوْ فِي إعْرَابٍ أَوْ تَخْفِيفِ مُشَدَّدٍ وَعَكْسِهِ، أَوْ بِزِيَادَةِ حَرْفٍ   [رد المحتار] أَوْ تَقْدِيمِهِ أَوْ تَأْخِيرِهِ أَوْ فِي الْكَلِمَاتِ أَوْ فِي الْجُمَلِ كَذَلِكَ أَوْ فِي الْوَقْفِ وَمُقَابِلِهِ. وَالْقَاعِدَةُ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّ مَا غَيَّرَ الْمَعْنَى تَغْيِيرًا يَكُونُ اعْتِقَادُهُ كُفْرًا يُفْسِدُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ لَا إلَّا مَا كَانَ مِنْ تَبْدِيلِ الْجُمَلِ مَفْصُولًا بِوَقْفٍ تَامٍّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّغْيِيرُ كَذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ وَالْمَعْنَى بَعِيدٌ مُتَغَيِّرٌ تَغَيُّرًا فَاحِشًا يُفْسِدُ أَيْضًا كَهَذَا الْغُبَارِ مَكَانَ هَذَا الْغُرَابِ. وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ وَلَا مَعْنَى لَهُ كَالسَّرَائِلِ بِاللَّامِ مَكَانَ السَّرَائِرِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ وَالْمَعْنَى بَعِيدٌ وَلَمْ يَكُنْ مُتَغَيِّرًا فَاحِشًا تَفْسُدُ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: لَا تَفْسُدُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ وَلَكِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهِ الْمَعْنَى نَحْوَ قَيَّامِينَ مَكَانَ قَوَّامِينَ فَالْخِلَافُ عَلَى الْعَكْسِ فَالْمُعْتَبَرُ فِي عَدَمِ الْفَسَادِ عِنْدَ عَدَمِ تَغَيُّرِ الْمَعْنَى كَثِيرًا وُجُودُ الْمِثْلِ فِي الْقُرْآنِ عِنْدَهُ وَالْمُوَافَقَةُ فِي الْمَعْنَى عِنْدَهُمَا، فَهَذِهِ قَوَاعِدُ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ كَابْنِ مُقَاتِلٍ وَابْنِ سَلَامٍ وَإِسْمَاعِيلَ الزَّاهِدِ وَأَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ وَالْهِنْدُوَانِي وَابْنِ الْفَضْلِ وَالْحَلْوَانِيِّ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْخَطَأَ فِي الْإِعْرَابِ لَا يُفْسِدُ مُطْلَقًا وَلَوْ اعْتِقَادُهُ كُفْرًا لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ. قَالَ قَاضِي خَانَ: وَمَا قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَوْسَعُ، وَمَا قَالَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ أَحْوَطُ؛ وَإِنْ كَانَ الْخَطَأُ بِإِبْدَالِ حَرْفٍ بِحَرْفٍ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِلَا كُلْفَةٍ كَالصَّادِ مَعَ الطَّاءِ بِأَنْ قَرَأَ الطَّالِحَاتِ مَكَانَ الصَّالِحَاتِ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مُفْسِدٌ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِمَشَقَّةٍ كَالظَّاءِ مَعَ الضَّادِ وَالصَّادِ مَعَ السِّينِ فَأَكْثَرُهُمْ عَلَى عَدَمِ الْفَسَادِ لِعُمُومِ الْبَلْوَى. وَبَعْضُهُمْ يَعْتَبِرُ عُسْرَ الْفَصْلِ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ وَعَدَمُهُ. وَبَعْضُهُمْ قُرْبَ الْمَخْرَجِ وَعَدَمَهُ، وَلَكِنَّ الْفُرُوعَ غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَالْأَوْلَى الْأَخْذُ فِيهِ بِقَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ لِانْضِبَاطِ قَوَاعِدِهِمْ وَكَوْنِ قَوْلِهِمْ أَحْوَطَ وَأَكْثَرُ الْفُرُوعِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفَتَاوَى مُنَزَّلَةٌ عَلَيْهِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْفَتْحِ سَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ فَلَوْ فِي إعْرَابٍ) كَكَسْرٍ قِوَامًا مَكَانَ فَتْحِهَا وَفَتْحِ بَاءِ نَعْبُدُ مَكَانَ ضَمِّهَا، وَمِثَالُ مَا يُغَيِّرُ - {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]- بِضَمِّ هَاءِ الْجَلَالَةِ وَفَتْحِ هَمْزَةِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ مُفْسِدٌ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ؛ فَذَهَبَ ابْنُ مُقَاتِلٍ وَمَنْ مَعَهُ إلَى أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ وَهَذَا أَوْسَعُ، كَذَا فِي زَادَ الْفَقِيرِ لِابْنِ الْهُمَامِ، وَكَذَا - {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ} [طه: 121]- بِنَصْبِ الْأَوَّلِ وَرَفْعِ الثَّانِي يُفْسِدُ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَكَذَا - {فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} [الشعراء: 173]- بِكَسْرِ الذَّالِ -، وَ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5]- بِكَسْرِ الْكَافِ وَ - الْمُصَوِّرُ - بِفَتْحِ الْوَاوِ إلَّا إذَا نَصَبَ الرَّاءَ أَوْ وَقَفَ عَلَيْهَا وَفِي النَّوَازِلِ: لَا تَفْسُدُ فِي الْكُلِّ وَبِهِ يُفْتِي بَزَّازِيَّةٌ وَخُلَاصَةٌ. (قَوْلُهُ أَوْ تَخْفِيفِ مُشَدَّدٍ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: إنْ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى نَحْوُ - {وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا} [الأحزاب: 61]- لَا يَفْسُدُ، وَإِنْ غَيَّرَ نَحْوُ - {بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1]- {وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ} [الأعراف: 160]- {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53]- وَاخْتَلَفُوا، وَالْعَامَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُفْسِدُ. اهـ. وَفِي الْفَتْحِ: عَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ كَالْخَطَإِ فِي الْإِعْرَابِ فَلِذَا قَالَ كَثِيرٌ بِالْفَسَادِ فِي تَخْفِيفِ - {رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]- وَ - {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5]- لِأَنَّ إيَّا مُخَفَّفًا الشَّمْسُ وَالْأَصَحُّ لَا يُفْسِدُ، وَهُوَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ فِي إيَّا الْمُشَدَّدَةِ، وَعَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا، وَبِنَاءً عَلَى هَذَا - أَفْسَدُوهَا - بِمَدِّ هَمْزَةٍ أَكْبَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَكْسُهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَحُكْمُ تَشْدِيدِ الْمُخَفَّفِ كَحُكْمِ عَكْسِهِ فِي الْخِلَافِ وَالتَّفْصِيلِ، فَلَوْ قَرَأَ - فَعَيِّينَا - بِالتَّشْدِيدِ أَوْ - {اهْدِنَا الصِّرَاطَ} [الفاتحة: 6]- بِإِظْهَارِ اللَّامِ لَا تَفْسُدُ. اهـ. أَقُولُ: وَجَزَمَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِالْفَسَادِ إذَا شَدَّدَ - {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7]- (قَوْلُهُ أَوْ بِزِيَادَةِ حَرْفٍ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَوْ زَادَ حَرْفًا لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى لَا تَفْسُدُ عِنْدَهُمَا. وَعَنْ الثَّانِي رِوَايَتَانِ، كَمَا لَوْ قَرَأَ و: انْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ - بِزِيَادَةِ الْيَاءِ، وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُمْ نَارًا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 631 فَأَكْثَرَ نَحْوُ الصِّرَاطِ الَّذِينَ، أَوْ بِوَصْلِ حَرْفٍ بِكَلِمَةٍ نَحْوُ إيَّاكَ نَعْبُدُ، أَوْ بِوَقْفٍ وَابْتِدَاءٍ لَمْ تَفْسُدْ وَإِنَّ غُيِّرَ الْمَعْنَى بِهِ يُفْتَى بَزَّازِيَّةٌ، إلَّا تَشْدِيدَ {رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] ، وَ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] فَبِتَرْكِهِ تَفْسُدُ؛ وَلَوْ زَادَ كَلِمَةً أَوْ نَقَصَ كَلِمَةً أَوْ نَقَصَ حَرْفًا،   [رد المحتار] وَإِنْ غَيَّرَ أَفْسَدَ مِثْلَ: وَزَرَابِيبُ مَكَانَ - زَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ - وَمَثَانِينَ مَكَانَ مَثَانِيَ، وَكَذَا - {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [يس: 2]- و - {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [يس: 3]- بِزِيَادَةِ الْوَاوِ تُفْسِدُ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ جَعَلَ جَوَابَ الْقَسَمِ قَسَمًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، لَكِنْ فِي الْمُنْيَةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَفْسُدَ. قَالَ فِي شَرْحِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَغْيِيرٍ فَاحِشٍ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ الْقُرْآنِ، وَيَصِحُّ جَعْلُهُ قَسَمًا. وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ كَمَا فِي - {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا} [النازعات: 1]- إلَخْ فَإِنَّ جَوَابَهُ مَحْذُوفٌ. اهـ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ زَرَابِيبَ وَمَثَانِينَ يُفْسِدُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَيْضًا إذَا لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ خِلَافًا (قَوْلُهُ أَوْ بِوَصْلِ حَرْفٍ بِكَلِمَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ اهـ. وَفِي الْمُنْيَةِ: لَا يُفْسِدُ عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ، وَعَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ يُفْسِدُ. وَبَعْضُهُمْ فَصَّلُوا بِأَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَيْفَ هُوَ إلَّا أَنَّهُ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ لَا تَفْسُدْ، وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَذَلِكَ تَفْسُدْ. قَالَ فِي شَرْحِهَا: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ السَّكْتِ عَلَى - إيَّا - وَنَحْوِهَا، وَإِلَّا فَلَا يَنْبَغِي لِعَاقِلٍ أَنْ يَتَوَهَّمَ فِيهِ الْفَسَادَ. اهـ. [تَتِمَّةٌ] وَأَمَّا قَطْعُ بَعْضِ الْكَلِمَةِ عَنْ بَعْضٍ، فَأَفْتَى الْحَلْوَانِيُّ بِأَنَّهُ مُفْسِدٌ. وَعَامَّتُهُمْ قَالُوا: لَا يُفْسِدُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى فِي انْقِطَاعِ النَّفَسِ وَالنِّسْيَانِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ فَعَلَهُ قَصْدًا يَنْبَغِي أَنْ يُفْسِدَ. وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: إنْ كَانَ ذِكْرُ الْكَلِمَةِ كُلِّهَا مُفْسِدًا فَذِكْرُ بَعْضِهَا كَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ قَاضِي خَانَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْأَوْلَى الْأَخْذُ بِهَذَا فِي الْعَمْدِ وَبِقَوْلِ الْعَامَّةِ فِي الضَّرُورَةِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ أَوْ بِوَقْفٍ وَابْتِدَاءٍ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: الِابْتِدَاءُ إنْ كَانَ لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى تَغْيِيرًا فَاحِشًا لَا يُفْسِدُ، نَحْوُ الْوَقْفِ عَلَى الشَّرْطِ قَبْلَ الْجَزَاءِ وَالِابْتِدَاءُ بِالْجَزَاءِ، وَكَذَا بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ؛ وَإِنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى نَحْوُ - {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ} [آل عمران: 18]- ثُمَّ ابْتَدَأَ - بِإِلَّا هُوَ - لَا يُفْسِدُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لِأَنَّ الْعَوَّامَ لَا يُمَيِّزُونَ؛ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى - {وَقَالَتِ الْيَهُودُ} [التوبة: 30]- ثُمَّ ابْتَدَأَ بِمَا بَعْدَهُ لَا تَفْسُدُ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْفَسَادِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى بِهِ يُفْتَى بَزَّازِيَّةٌ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْخَطَإِ فِي الْإِعْرَابِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا لَك عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ إلَّا تَشْدِيدَ رَبِّ إلَخْ) عَزَاهُ فِي الْخَانِيَّةِ إلَى أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ تَرْكَ التَّشْدِيدِ وَالْمَدِّ كَالْخَطَأِ فِي الْإِعْرَابِ لَا يُفْسِدُ فِي قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَوْ تَرَكَ التَّشْدِيدَ فِي - {إِيَّاكَ} [الفاتحة: 5]- أَوْ - {رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]- الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ اهـ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ، فَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ ضَعِيفٌ، عَلَى أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِذِكْرِهِ بَعْدَ مَشْيِهِ عَلَى عَدَمِ الْفَسَادِ فِيمَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى إذْ لَا فَرْقَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ زَادَ كَلِمَةً) اعْلَمْ أَنَّ الْكَلِمَةَ الزَّائِدَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ لَا، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ تُغَيِّرَ أَوْ لَا، فَإِنْ غَيَّرَتْ أَفْسَدَتْ مُطْلَقًا نَحْوُ - {وَعَمِلَ صَالِحًا} [البقرة: 62]- وَكَفَرَ - {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ} [البقرة: 62]- وَنَحْوُ - {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت: 17]- وَعَصَيْنَاهُمْ وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْ، فَإِنْ كَانَ فِي الْقُرْآنِ نَحْوُ - {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]- وَبِرًّا لَمْ تَفْسُدْ فِي قَوْلِهِمْ وَإِلَّا نَحْوَ - فَاكِهَةٍ وَنَخْلٍ - وَتُفَّاحٍ - وَرُمَّانٍ - وَكَمِثَالِ الشَّارِحِ الْآتِي لَا تَفْسُدُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَفْسُدُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْقُرْآنِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ أَوْ نَقَصَ كَلِمَةً) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَمْ يُمَثِّلْ لَهُ الشَّارِحُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَإِنْ تَرَكَ كَلِمَةً - مِنْ آيَةٍ - فَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْ الْمَعْنَى مِثْلَ - وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ - مِثْلُهَا - بِتَرْكِ سَيِّئَةٍ الثَّانِيَةِ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ غَيَّرَتْ، مِثْلَ - فَمَا لَهُمْ يُؤْمِنُونَ - بِتَرْكِ لَا، فَإِنَّهُ يُفْسِدُ. عِنْدَ الْعَامَّةِ؛ وَقِيلَ لَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ أَوْ نَقَصَ حَرْفًا) اعْلَمْ أَنَّ الْحَرْفَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أُصُولِ الْكَلِمَةِ أَوْ لَا، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يُغَيِّرَ الْمَعْنَى أَوْ لَا فَإِنْ غَيَّرَ نَحْوُ - خَلَقْنَا - بِلَا خَاءٍ أَوْ - جَعَلْنَا - بِلَا جِيمٍ تَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَنَحْوُ مَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى بِحَذْفِ الْوَاوِ قَبْلَ مَا خَلَقَ تَفْسُدُ، قَالُوا: وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّ الْمَقْرُوءَ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ خَانِيَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ كَالْحَذْفِ عَلَى وَجْهِ التَّرْخِيمِ بِشُرُوطِهِ الْجَائِزَةِ فِي الْعَرَبِيَّةِ، نَحْوُ يَا مَالِ - فِي - يَا مَالِكُ - لَا يُفْسِدُ إجْمَاعًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 أَوْ قَدَّمَهُ أَوْ بَدَّلَهُ بِآخَرَ نَحْوُ مِنْ ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ وَاسْتَحْصَدَ - تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا - انْفَرَجَتْ بَدَلُ - انْفَجَرَتْ - إيَابٌ بَدَلُ - أَوَّابٌ - لَمْ تَفْسُدْ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَعْنَى إلَّا مَا يَشُقُّ تَمْيِيزُهُ كَالضَّادِ وَالظَّاءِ فَأَكْثَرُهُمْ لَمْ يُفْسِدْهَا وَكَذَا لَوْ كَرَّرَ كَلِمَةً؛ وَصَحَّحَ الْبَاقَانِيِّ الْفَسَادَ إنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى نَحْوُ. رَبِّ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِلْإِضَافَةِ كَمَا لَوْ بَدَّلَ كَلِمَةً بِكَلِمَةٍ وَغَيَّرَ الْمَعْنَى نَحْوُ: إنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَنَّاتٍ؛ وَتَمَامُهُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ. -   [رد المحتار] مَطْلَبٌ إذَا قَرَأَ قَوْله تَعَالَى جَدُّك " بِدُونِ أَلْفٍ لَا تَفْسُدُ وَمِثْلُهُ حَذْفُ الْيَاءِ مِنْ (تَعَالَى) فِي - {تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} [الجن: 3]- لَا تَفْسُدُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِدُونِ حِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ أَوْ قَدَّمَهُ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِنْ غَيَّرَ نَحْوُ قَوْسَرَةٍ فِي - قَسْوَرَةٍ - فَسَدَتْ وَإِلَّا فَلَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ وَمِثْلُهُ انْفَرَجَتْ بَدَلُ - انْفَجَرَتْ - (قَوْلُهُ أَوْ بَدَّلَ بِآخَرَ) هَذَا إمَّا أَنْ يَكُونَ عَجْزًا كَالْأَلْثَغِ وَقَدَّمْنَا حُكْمَهُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَطَأً، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا لَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى، فَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ نَحْوُ (إنَّ الْمُسْلِمُونَ) لَا يَفْسُدُ، وَإِلَّا نَحْو (قَيَّامِينَ بِالْقِسْطِ) ، وَكَمِثَالِ الشَّارِحِ لَا تَفْسُدُ عِنْدَهُمَا، وَتَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ غَيَّرَ فَسَدَتْ عِنْدَهُمَا؛ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ، فَلَوْ قَرَأَ (أَصْحَابُ الشَّعِيرِ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ فَسَدَتْ اتِّفَاقًا وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُ نَحْوِ مِنْ ثَمَرِهِ إلَخْ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ (قَوْلُهُ إلَّا مَا يَشُقُّ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ: الْأَصْلُ فِيمَا إذَا ذَكَرَ حَرْفًا مَكَانَ حَرْفٍ وَغَيَّرَ الْمَعْنَى إنْ أَمْكَنَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِلَا مَشَقَّةٍ تَفْسُدُ، وَإِلَّا يُمْكِنْ إلَّا بِمَشَقَّةٍ كَالظَّاءِ مَعَ الضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَالصَّادِ مَعَ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالطَّاءِ مَعَ التَّاءِ قَالَ أَكْثَرُهُمْ لَا تَفْسُدُ. اهـ. وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو عَاصِمٍ: إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ تَفْسُدُ، وَإِنْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ أَوْ لَا يَعْرِفُ التَّمْيِيزَ لَا تَفْسُدُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ حِلْيَةٌ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقَاوِيلِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْحَاوِي: حَكَى عَنْ الصَّفَّارِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْخَطَأُ إذَا دَخَلَ فِي الْحُرُوفِ لَا يُفْسِدُ لِأَنَّ فِيهِ بَلْوَى عَامَّةِ النَّاسِ لِأَنَّهُمْ لَا يُقِيمُونَ الْحُرُوفَ إلَّا بِمَشَقَّةٍ. اهـ. وَفِيهَا: إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ اتِّحَادُ الْمَخْرَجِ وَلَا قُرْبُهُ إلَّا أَنَّ فِيهِ بَلْوَى الْعَامَّةِ كَالذَّالِ مَكَانَ الصَّادِ أَوْ الزَّاي الْمَحْضِ مَكَانَ الذَّالِ وَالظَّاءِ مَكَانَ الضَّادِ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ. اهـ. قُلْت: فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا عَدَمُ الْفَسَادِ فِي إبْدَالِ الثَّاءِ سِينًا وَالْقَافِ هَمْزَةً كَمَا هُوَ لُغَةُ عَوَامِّ زَمَانِنَا، فَإِنَّهُمْ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَهُمَا وَيَصْعُبُ عَلَيْهِمْ جِدًّا كَالذَّالِ مَعَ الزَّايِ وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي عَاصِمٍ وَقَوْلِ الصَّفَّارِ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ أَوْسَعُ وَأَنَّ قَوْلَ الْمُتَقَدِّمِينَ أَحْوَطُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَفَرَّعُوا عَلَيْهِ، فَاعْمَلْ بِمَا تَخْتَارُ، وَالِاحْتِيَاطُ أَوْلَى سِيَّمَا فِي أَمْرِ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ الْعَبْدُ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ كَرَّرَ كَلِمَةً إلَخْ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَإِنْ كَرَّرَ الْكَلِمَةَ، إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا الْمَعْنَى لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ تَغَيَّرَ نَحْوُ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَالِكِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. قَالَ: بَعْضُهُمْ لَا تَفْسُدُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَفْسُدُ، وَهَذَا فَصْلٌ يَجِبُ أَنْ يَتَأَتَّى فِيهِ لِأَنَّ فِيهِ دَقِيقَةً، وَإِنَّمَا تَقَعُ التَّفْرِقَةُ فِي هَذَا بِمَعْرِفَةِ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ اهـ. قُلْت: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَسَادَ مَنُوطٌ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ لَا يَعْرِفُهُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ مَعْنَى الْإِضَافَةِ وَإِنَّمَا سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى ذَلِكَ أَوْ قَصَدَ مُجَرَّدَ تَكْرِيرِ الْكَلِمَةِ لِتَصْحِيحِ مَخَارِجِ حُرُوفِهَا يَنْبَغِي عَدَمُ الْفَسَادِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ، وَيَحْتَمِلَ التَّأْكِيدُ، وَعَلَى احْتِمَالِ الْإِضَافَةِ يَحْتَمِلُ إضَافَةَ الْأَوَّلِ إلَى مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي قَوْلِهِمْ: يَا زَيْدُ زَيْدُ الْيَعْمُلَاتِ، وَعِنْدَ الِاحْتِمَالِ يَنْتَفِي الْفَسَادُ لِعَدَمِ تَيَقُّنِ الْخَطَأِ؛ نَعَمْ لَوْ قَصَدَ إضَافَةَ كُلٍّ إلَى مَا يَلِيه فَلَا شَكَّ فِي الْفَسَادِ بَلْ يَكْفُرُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ بَدَّلَ إلَخْ) هَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ لِأَنَّ الْكَلِمَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 633 (وَلَا يُفْسِدُهَا نَظَرُهُ إلَى مَكْتُوبٍ وَفَهْمُهُ) وَلَوْ مُسْتَفْهِمًا وَإِنْ كُرِهَ (وَمُرُورُ مَارٍّ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي مَسْجِدٍ كَبِيرٍ بِمَوْضِعِ سُجُودِهِ) فِي الْأَصَحِّ (أَوْ) مُرُورِهِ (بَيْنَ يَدَيْهِ) إلَى حَائِطِ الْقِبْلَةِ (فِي) بَيْتٍ و (مَسْجِدٍ) صَغِيرٍ، فَإِنَّهُ كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ (مُطْلَقًا) وَلَوْ امْرَأَةً أَوْ كَلْبًا (أَوْ) مُرُورُهُ (أَسْفَلَ مِنْ الدُّكَّانِ أَمَامَ الْمُصَلِّي لَوْ كَانَ يُصَلِّي عَلَيْهَا)   [رد المحتار] الَّتِي أَتَى بِهَا، إمَّا أَنْ تُغَيِّرَ الْمَعْنَى أَوْ لَا، وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ لَا، فَإِنْ غَيَّرَتْ أَفْسَدَتْ لَكِنْ اتِّفَاقًا فِي نَحْوِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْمُوَحِّدِينَ وَعَلَى الصَّحِيحِ فِي مِثَالِ الشَّارِحِ لِوُجُودِهِ فِي الْقُرْآنِ، وَقَيَّدَ الْفَسَادَ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَقِفْ وَقْفًا تَامًّا، أَمَّا لَوْ وَقَفَ ثُمَّ قَالَ - لَفِي جَنَّاتٍ - فَلَا تَفْسُدُ، وَإِذَا لَمْ تُغَيِّرْ لَا تَفْسُدُ، لَكِنْ اتِّفَاقًا فِي نَحْوِ الرَّحْمَنِ الْكَرِيمِ، وَخِلَافًا لِلثَّانِي فِي نَحْوِ إنَّ الْمُتَّقِينَ لَفِي بَسَاتِينَ عَلَى مَا مَرَّ، وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ تَغْيِيرُ النَّسَبِ نَحْوُ مَرْيَمَ ابْنَةَ غِيلَانَ فَتَفْسُدُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا عِيسَى بْنُ لُقْمَانَ لِأَنَّ تَعَمُّدَهُ كُفْرٌ؛ بِخِلَافِ مُوسَى بْنُ لُقْمَانَ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُسْتَفْهِمًا) أَشَارَ بِهِ إلَى نَفْيِ مَا قِيلَ إنَّهُ لَوْ مُسْتَفْهِمًا تَفْسُدُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالصَّحِيحُ عَدَمُهُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الْفِعْلِ مِنْهُ وَلِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ. قَالُوا: يَنْبَغِي لِلْفَقِيهِ أَنْ لَا يَضَعَ جَزْءَ تَعْلِيقِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى مَا فِيهِ فَيَفْهَمُهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ شُبْهَةُ الِاخْتِلَافِ اهـ أَيْ لَوْ تَعَمَّدْهُ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كُرِهَ) أَيْ لِاشْتِغَالِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ نَظَرُهُ بِلَا قَصْدٍ وَفَهِمَهُ فَلَا يُكْرَهُ ط (قَوْلُهُ بِمَوْضِعِ سُجُودِهِ) أَيْ مِنْ مَوْضِعِ قَدَمِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ كَمَا فِي الدُّرَرِ، وَهَذَا مَعَ الْقُيُودِ الَّتِي بَعْدَهُ إنَّمَا هُوَ لِلْإِثْمِ، وَإِلَّا فَالْفَسَادُ مُنْتَفٍ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) هُوَ مَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَقَاضِي خَانَ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْمُحِيطِ وَصَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَمُقَابِلُهُ مَا صَحَّحَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَاخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَرَجَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْفَتْحِ أَنَّهُ قَدْرُ مَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى الْمَارِّ لَوْ صَلَّى بِخُشُوعٍ أَيْ رَامِيًا بِبَصَرِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ؛ وَأَرْجِعُ فِي الْعِنَايَةِ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي بِحَمْلِ مَوْضِعِ السُّجُودِ عَلَى الْقَرِيبِ مِنْهُ. وَخَالَفَهُ فِي الْبَحْرِ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ، وَكَتَبْت فِيمَا عَلَّقْته عَلَيْهِ عَنْ التَّجْنِيسِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا فِي الْعِنَايَةِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ إلَى حَائِطِ الْقِبْلَةِ) أَيْ مِنْ مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ إلَى الْحَائِطِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سُتْرَةٌ، فَلَوْ كَانَتْ لَا يَضُرُّ الْمُرُورُ وَرَاءَهَا عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْله فِي بَيْتٍ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَبِيرًا. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ أَيْ فِي حُكْمِ الْمَسْجِدِ الصَّغِيرِ الدَّارُ وَالْبَيْتُ (قَوْلُهُ وَمَسْجِدِ صَغِيرٍ) هُوَ أَقَلُّ مِنْ سِتِّينَ ذِرَاعًا، وَقِيلَ مِنْ أَرْبَعِينَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْجَوَاهِرِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ الْفَاصِلَ فِيهِ بِقَدْرِ صَفَّيْنِ مَانِعًا مِنْ الِاقْتِدَاءِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ مَكَان وَاحِدٍ، بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ فَإِنَّهُ جُعِلَ فِيهِ مَانِعًا فَكَذَا هُنَا يُجْعَلُ جَمِيعُ مَا بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي إلَى حَائِطِ الْقِبْلَةِ مَكَانًا وَاحِدًا، بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ وَالصَّحْرَاءِ فَإِنَّهُ لَوْ جُعِلَ كَذَلِكَ لَزِمَ الْحَرَجُ عَلَى الْمَارَّةِ، فَاقْتُصِرَ عَلَى مَوْضِعِ السُّجُودِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ. (قَوْلُهُ وَلَوْ امْرَأَةً أَوْ كَلْبًا) بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى الرَّدِّ عَلَى الظَّاهِرِيَّةِ بِقَوْلِهِمْ: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ الْمَرْأَةِ وَالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ. وَعَلَى أَحْمَدَ فِي الْكَلْبِ الْأَسْوَد وَإِلَى أَنَّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ مَنْسُوخٌ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ أَوْ مُرُورُهُ إلَخْ) مَرْفُوعٌ بِالْعَطْفِ عَلَى مُرُورِ مَارٍّ: أَيْ لَا يُفْسِدُهَا أَيْضًا مُرُورُهُ ذَلِكَ وَإِنْ أَثِمَ الْمَارُّ، فَقَوْلُهُ بِشَرْطِ إلَخْ قَيْدٌ لِلْإِثْمِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَالدُّكَّانُ الْمَوْضِعُ الْمُرْتَفِعُ كَالسَّطْحِ وَالسَّرِيرِ وَهُوَ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ فِي الْأَصْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 634 أَيْ الدُّكَّانِ (بِشَرْطِ مُحَاذَاةِ بَعْضِ أَعْضَاءِ الْمَارِّ بَعْضَ أَعْضَائِهِ، وَكَذَا سَطْحٌ وَسَرِيرٌ وَكُلُّ مُرْتَفِعٍ) دُونَ قَامَةِ الْمَارِّ وَقِيلَ دُونَ السُّتْرَةِ كَمَا فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ (وَإِنْ أَثِمَ الْمَارُّ)   [رد المحتار] فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ كَمَا فِي الصِّحَاحِ، أَوْ عَرَبِيٌّ؛ مِنْ دَكَنْت الْمَتَاعَ: إذَا نُضْت بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ كَمَا فِي الْمَقَايِيسِ. اهـ. (قَوْلُهُ بَعْضِ أَعْضَاءِ الْمَارِّ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: لَا يَخْفَى أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ مُحَاذَاةَ أَعْضَاءِ الْمَارِّ جَمِيعَ أَعْضَاءِ الْمُصَلِّي فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا إذَا اتَّحَدَ مَكَانُ الْمُرُورِ وَمَكَانُ الصَّلَاةِ فِي الْعُلُوِّ وَالتَّسَفُّلِ بَلْ بَعْضُ الْأَعْضَاءِ بَعْضًا، وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى مُحَاذَاةِ رَأْسِ الْمَارِّ قَدَمَيْ الْمُصَلِّي اهـ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَمُحَاذَاةُ الْأَعْضَاءِ لِلْأَعْضَاءِ يَسْتَوِي فِيهِ جَمِيعُ أَعْضَاءِ الْمَارِّ هُوَ الصَّحِيحُ، كَمَا فِي التَّتِمَّةِ؛ وَأَعْضَاءُ الْمُصَلِّي كُلُّهَا كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ أَوْ أَكْثَرُهَا كَمَا قَالَهُ آخَرُونَ كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ. وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ حَاذَى أَقَلَّهَا أَوْ نِصْفَهَا لَمْ يُكْرَهْ وَفِي الزَّادِ أَنَّهُ يُكْرَهُ إذَا حَاذَى نِصْفُهُ الْأَسْفَلُ النِّصْفَ الْأَعْلَى مِنْ الْمُصَلِّي كَمَا إذَا كَانَ الْمَارُّ عَلَى فَرَسٍ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ دُونَ السُّتْرَةِ) أَيْ دُونَ ذِرَاعٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا كُرِهَ مُرُورُ الرَّاكِبِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَثِمَ الْمَارُّ) مُبَالَغَةً عَلَى عَدَمِ الْفَسَادِ لِأَنَّ الْإِثْمَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْفَسَادَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَأْثَمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُصَلِّي سُتْرَةٌ وَسَنَذْكُرُ مَا يُفِيدُهُ أَيْضًا، وَأَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَى الْمُصَلِّي لَكِنْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَقَدْ أَفَادَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ هُنَا صُوَرًا أَرْبَعًا: الْأُولَى: أَنْ يَكُونَ لِلْمَارِّ مَنْدُوحَةٌ عَنْ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَلِّي لِذَلِكَ، فَيَخْتَصُّ الْمَارُّ بِالْإِثْمِ إنْ مَرَّ. الثَّانِيَةُ مُقَابِلَتُهَا: وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْمُصَلِّي تَعَرَّضَ لِلْمُرُورِ وَالْمَارُّ لَيْسَ لَهُ مَنْدُوحَةٌ عَنْ الْمُرُورِ فَيَخْتَصُّ الْمُصَلِّي بِالْإِثْمِ دُونَ الْمَارِّ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَتَعَرَّضَ الْمُصَلِّي لِلْمُرُورِ وَيَكُونُ لِلْمَارِّ مَنْدُوحَةٌ فَيَأْثَمَانِ، أَمَّا الْمُصَلِّي فَلِتَعَرُّضِهِ، وَأَمَّا الْمَارُّ فَلِمُرُورِهِ مَعَ إمْكَانِ أَنْ لَا يَفْعَلَ. الرَّابِعَةُ: أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ الْمُصَلِّي وَلَا يَكُونُ لِلْمَارِّ مَنْدُوحَةٌ فَلَا يَأْثَمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْحِلْيَةِ أَنَّ قَوَاعِدَ مَذْهَبِنَا لَا تُنَافِيه حَيْثُ ذَكَرَهُ وَأَقَرَّهُ، وَعَزَا ذَلِكَ بَعْضُهُمْ إلَى الْبَدَائِعِ وَلَمْ أَرَهُ فِيهَا، وَلَوْ كَانَ فِيهَا لَمْ يَنْقُلْهُ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ فَافْهَمْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ مَا لَوْ صَلَّى عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ وَقْتَ إقَامَةِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ لِلْمَارِّ أَنْ يَمُرَّ عَلَى رَقَبَتِهِ كَمَا يَأْتِي، وَأَنَّهُ لَوْ صَلَّى فِي أَرْضِهِ مُسْتَقْبِلًا لِطَرِيقِ الْعَامَّةِ فَهُوَ مِنْ الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ لِأَنَّ الْمَارَّ مَأْمُورٌ بِالْوُقُوفِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا آخَرَ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ إطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ مَا لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا إلَى الْمُرُورِ، هَذَا إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمَنْدُوحَةِ إمْكَانُ الْوُقُوفِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا آخَرَ، أَمَّا إنْ أُرِيدَ بِهَا تَيَسُّرُ طَرِيقٍ آخَرَ أَوْ إمْكَانُ مُرُورِهِ مِنْ خَلْفِ الْمُصَلِّي أَوْ بَعِيدًا مِنْهُ وَبِعَدَمِهَا عَدَمُ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يُقَالُ إنْ كَانَ لِلْمَارِّ مَنْدُوحَةٌ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ أَيْضًا وَإِلَّا فَمِنْ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَيُؤَيِّدُ التَّفْسِيرَ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ وَأَمَّا الْمَارُّ فَلِمُرُورِهِ مَعَ إمْكَانِ أَنْ لَا يَفْعَلَ، وَكَذَا تَعْلِيلُهُمْ كَرَاهَةَ الصَّلَاةِ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ بِأَنَّ فِيهِ مَنْعَ النَّاسِ عَنْ الْمُرُورِ، فَإِنَّ مُفَادَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْمُرُورُ وَإِلَّا فَلَا مَنْعَ، إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَنْعُ الْحِسِّيُّ لَا الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَعَلَيْهِ فَلَوْ صَلَّى فِي نَفْسِ طَرِيقِ الْعَامَّةِ لَمْ تَكُنْ صَلَاتُهُ مُحْتَرَمَةٌ كَمَنْ صَلَّى خَلَفَ فُرْجَةِ الصَّفِّ فَلَا يَمْنَعُونَ مِنْ الْمُرُورِ لِتَعَدِّيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ لَا يُمْنَعُ الْمَارُّ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ وَخَلَفَ الْمَقَامِ وَحَاشِيَةِ الْمَطَافِ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَنْ «الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مِمَّا يَلِي بَابَ بَنِي سَهْمٍ وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 635 لِحَدِيثِ الْبَزَّارِ «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْوِزْرِ لَوَقَفَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا» (فِي ذَلِكَ) الْمُرُورِ لَوْ بِلَا حَائِلٍ وَلَوْ سِتَارَةً تَرْتَفِعُ إذَا سَجَدَ وَتَعُودُ إذَا قَامَ وَلَوْ كَانَ فُرْجَةً فَلِلدَّاخِلِ أَنْ يَمُرَّ عَلَى رَقَبَةِ مَنْ لَمْ يَسُدَّهَا لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حُرْمَةَ نَفْسِهِ فَتَنَبَّهْ (وَيَغْرِزُ) نَدْبًا بَدَائِعُ   [رد المحتار] وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ» وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّائِفِينَ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّ الطَّوَافَ صَلَاةٌ، فَصَارَ كَمَنْ بَيْنَ يَدَيْهِ صُفُوفٌ مِنْ الْمُصَلِّينَ انْتَهَى، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ، وَحَكَاهُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ عَنْ مُشْكِلَاتِ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ، وَنَقَلَهُ الْمُنْلَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ، وَنَقَلَهُ سِنَانُ أَفَنَدَى أَيْضًا. فِي مَنْسَكِهِ اهـ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَأْيِيدُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ الْبَزَّارِ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظِ «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» . قَالَ أَبُو النَّضْرِ أَحَدُ رُوَاتِهِ لَا أَدْرَى قَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً قَالَ وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَقَالَ «أَرْبَعِينَ خَرِيفًا» وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ «مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ» اهـ وَالْخَرِيفُ: السَّنَةُ؛ سُمِّيَتْ بِهِ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ الْفُصُولِ (قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ) لَفْظُ فِي هُنَا لِلسَّبَبِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ سِتَارَةً تَرْتَفِعُ) أَيْ تَزُولُ بِحَرَكَةِ رَأْسِهِ إذَا سَجَدَ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ ذَكَرَهَا سَعْدِيٌّ جَلَبِي جَوَابًا عَنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ اخْتَارَ أَنَّ الْحَدَّ مَوْضِعُ السُّجُودِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، فَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَعَ الْحَائِلِ كَجِدَارٍ أَوْ أُسْطُوَانَةٍ لَا يُكْرَهُ وَالْحَائِلُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ. فَأَجَابَ سَعْدِيٌّ جَلَبِي بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سِتَارَةً مُعَلَّقَةً إذَا رَكَعَ أَوْ سَجَدَ يُحَرِّكُهَا رَأْسُ الْمُصَلِّي وَيُزِيلُهَا مِنْ مَوْضِعِ سُجُودِهِ ثُمَّ تَعُودُ إذَا قَامَ أَوْ قَعَدَ. اهـ. وَصُورَتُهُ أَنْ تَكُونَ السِّتَارَةُ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ نَحْوِهِ مُعَلَّقَةً فِي سَقْفٍ مَثَلًا ثُمَّ يُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهَا فَإِذَا سَجَدَ تَقَعُ عَلَى ظَهْرِهِ وَيَكُونُ سُجُودُهُ خَارِجًا عَنْهَا وَإِذَا قَامَ أَوْ قَعَدَ سَبَلَتْ عَلَى الْأَرْضِ وَسُتْرَتُهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ فُرْجَةٌ إلَخْ) كَانَ تَامَّةٌ وَفُرْجَةٌ فَاعِلُهَا. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: قَامَ فِي آخِرِ الصَّفِّ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصُّفُوفِ مَوَاضِعُ خَالِيَةٌ فَلِلدَّاخِلِ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَصِلَ الصُّفُوفَ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حُرْمَةَ نَفْسِهِ فَلَا يَأْثَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، دَلَّ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي الْفِرْدَوْسِ بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ نَظَرَ إلَى فُرْجَةٍ فِي صَفٍّ فَلْيَسُدَّهَا بِنَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَمَرَّ مَارٌّ فَلْيَتَخَطَّ. عَلَى رَقَبَتِهِ فَإِنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ» أَيْ فَلْيَتَخَطَّ الْمَارُّ عَلَى رَقَبَةِ مَنْ لَمْ يَسُدَّ الْفُرْجَةَ. اهـ. قُلْت: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّخَطِّي الْوَطْءُ عَلَى رَقَبَتِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى قَتْلِهِ وَلَا يَجُوزُ، بَلْ الْمُرَادُ أَنْ يَخْطُوَ مِنْ فَوْقِ رَقَبَتِهِ، وَإِذَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَمُرَّ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ بِالْأَوْلَى فَافْهَمْ. ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ أَثِمَ الْمَارُّ، وَقَدْ عَلِمْت التَّفْصِيلَ الْمَارَّ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ دَاخِلِ الْكَعْبَةِ وَخَلْفَ الْمَقَامِ وَحَاشِيَةِ الْمَطَافِ. [تَتِمَّةٌ] فِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ: النَّهْرُ الْكَبِيرُ لَيْسَ بِسُتْرَةٍ وَكَذَا الْحَوْضُ الْكَبِيرُ وَالْبِئْرُ سُتْرَةٌ أَرَادَ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ يَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَمُرُّ وَيَأْخُذُهُ، وَلَوْ مَرَّ اثْنَانِ يَقُومُ أَحَدُهُمَا أَمَامَهُ وَيَمُرُّ الْآخَرُ وَيَفْعَلُ الْآخَرُ هَكَذَا يَمُرَّانِ، وَإِنْ مَعَهُ دَابَّةٌ فَمَرَّ رَاكِبًا أَثِمَ، وَإِنْ نَزَلَ وَتَسَتَّرَ بِالدَّابَّةِ وَمَرَّ لَمْ يَأْثَمْ، وَلَوْ مَرَّ رَجُلَانِ مُتَحَاذِيَيْنِ فَاَلَّذِي يَلِي الْمُصَلِّي هُوَ الْآثِمُ قُنْيَةٌ. أَقُولُ: وَإِذَا كَانَ مَعَهُ عَصَا لَا تَقِفُ عَلَى الْأَرْضِ بِنَفْسِهَا فَأَمْسَكَهَا بِيَدِهِ وَمَرَّ مِنْ خَلْفِهَا هَلْ يَكْفِي ذَلِكَ؟ لَمْ أَرَهُ (قَوْلُهُ نَدْبًا) لِحَدِيثِ " «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ، وَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا، وَصَرَّحَ فِي الْمُنْيَةِ بِكَرَاهَةِ تَرْكِهَا، وَهِيَ تَنْزِيهِيَّةٌ. وَالصَّارِفُ لِلْأَمْرِ عَنْ حَقِيقَتِهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ الْفَضْلِ وَالْعَبَّاسِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 636 (الْإِمَامُ) وَكَذَا الْمُنْفَرِدُ (فِي الصَّحْرَاءِ) وَنَحْوِهَا (سُتْرَةً بِقَدْرِ ذِرَاعٍ) طُولًا (وَغِلَظِ أُصْبُعٍ) لِتَبْدُوَ لِلنَّاظِرِ (بِقُرْبِهِ) دُونَ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ (عَلَى) حِذَاءٍ (أَحَدِ حَاجِبَيْهِ) مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَالْأَيْمَنُ أَفْضَلُ (وَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ وَلَا الْخَطُّ) وَقِيلَ يَكْفِي فَيَخُطُّ طُولًا، وَقِيلَ كَالْمِحْرَابِ (وَيَدْفَعُهُ) هُوَ رُخْصَةٌ، فَتَرْكُهُ أَفْضَلُ بَدَائِعُ. قَالَ الْبَاقَانِيُّ: فَلَوْ ضَرَبَهُ فَمَاتَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، خِلَافًا لَنَا عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ كُتُبِنَا (بِتَسْبِيحٍ)   [رد المحتار] «رَأَيْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَادِيَةٍ لَنَا يُصَلِّي فِي صَحْرَاءَ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ» " وَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ " أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ صَلَّى فِي فَضَاءٍ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمُنْفَرِدُ) أَمَّا الْمُقْتَدِي فَسُتْرَةُ الْإِمَامِ تَكْفِيه كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَنَحْوِهَا) أَيْ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ يَخَافُ فِيهِ الْمُرُورَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحِلْيَةِ: إنَّمَا قَيَّدَ بِالصَّحْرَاءِ لِأَنَّهَا الْمَحَلُّ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الْمُرُورُ غَالِبًا، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ كَرَاهَةُ تَرْكِ السُّتْرَةِ فِيمَا يُخَافُ فِيهِ الْمُرُورُ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ بِقَدْرِ ذِرَاعٍ) بَيَانٌ لِأَقَلِّهَا ط. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ذِرَاعُ الْيَدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ شِبْرَانِ (قَوْلُهُ وَغِلَظِ أُصْبُعٍ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، لَكِنْ جَعَلَ فِي الْبَدَائِعِ بَيَانَ الْغِلَظِ قَوْلًا ضَعِيفًا، وَأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْعَرْضِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ بَحْرٌ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَجْزِي مِنْ السُّتْرَةِ قَدْرُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ وَلَوْ بِدِقَّةِ شَعْرَةٍ» " وَمُؤَخِّرَةِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ: الْعُودُ الَّذِي فِي آخِرِ رَحْلِ الْبَعِيرِ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ. (قَوْلُ بِقُرْبِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَغْرِزُ أَوْ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٌ لِسُتْرَةٍ أَوْ حَالٍ مِنْهَا (قَوْلُهُ دُونَ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ) الْأَوْلَى أَنْ يُبَدِّلَ دُونَ بِقَدْرٍ، لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحِلْيَةِ: السُّنَّةُ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ ح. بَقِيَ هَلْ هَذَا شَرْطٌ لِتَحْصِيلِ سُنَّةِ الصَّلَاةِ إلَى السُّتْرَةِ، حَتَّى لَوْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ تَكُونُ صَلَاتُهُ إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ أَمْ هُوَ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، لَمْ أَرَهُ (قَوْلُهُ وَالْأَيْمَنُ أَفْضَلُ) صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ وَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ) أَيْ وَضْعُ السُّتْرَةِ عَلَى الْأَرْضِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ غَرْزُهَا، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَنَسَبُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ قَاضِي خَانَ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمَقْصُودَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَا الْخَطُّ) أَيْ الْخَطِّ فِي الْأَرْضِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَتَّخِذُهُ سُتْرَةٌ، وَهَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْنُونٍ، وَمَشَى عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ إذْ لَا يَظْهَرُ مِنْ بَعِيدٍ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَكْفِي) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْوَضْعِ وَالْخَطِّ: أَيْ يَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ، فَيُسَنُّ الْوَضْعُ كَمَا نَقَلَهُ الْقُدُورِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ قِيلَ يَضَعُهُ طُولًا لَا عَرْضًا لِيَكُونَ عَلَى مِثَالِ الْغَرْزِ. وَيُسَنُّ الْخَطُّ كَمَا هُوَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ مُحَمَّدٍ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا» وَهُوَ ضَعِيفٌ، لَكِنَّهُ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْفَضَائِل. وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَالسُّنَّةُ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مَعَ أَنَّهُ يَظْهَرُ فِي الْجُمْلَةِ إذْ الْمَقْصُودُ جَمْعُ الْخَاطِرِ بِرَبْطِ الْخَيَالِ بِهِ كَيْ لَا يَنْتَشِرَ، كَذَا فِي الْبَحْرِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَقَدْ يُعَارَضُ تَضْعِيفُهُ بِتَصْحِيحِ أَحْمَدَ وَابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِمَا لَهُ (قَوْلُهُ فَيَخُطُّ طُولًا إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَقَالَ أَبُو دَاوُد قَالُوا: الْخَطُّ بِالطُّولِ، وَقَالُوا بِالْعَرْضِ مِثْلُ الْهِلَالِ اهـ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ الْأَوَّلَ الْمُخْتَارُ لِيَصِيرَ شِبْهَ ظِلِّ السُّتْرَةِ بَحْرٌ. [تَنْبِيهٌ] لَمْ يَذْكُرُوا مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ سُتْرَةٌ وَمَعَهُ ثَوْبٌ أَوْ كِتَابٌ مَثَلًا هَلْ يَكْفِي وَضْعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ؟ وَالظَّاهِرُ نَعَمْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِ ابْنِ الْهُمَامِ الْمَارِّ آنِفًا؛ وَكَذَا لَوْ بَسَطَ ثَوْبَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ؛ ثُمَّ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ عِنْدَ إمْكَانِ الْغَرْزِ لَا يَكْفِي الْوَضْعُ، وَعِنْدَ إمْكَانِ الْوَضْعِ لَا يَكْفِي الْخَطُّ (قَوْلُهُ وَيَدْفَعُهُ) أَيْ إذَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ سُتْرَةٌ، أَوْ كَانَتْ وَمَرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ، وَمُفَادُهُ إثْمُ الْمَارِّ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سُتْرَةٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِذَا دَفَعَهُ رَجُلٌ آخَرُ لَا بَأْسَ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ فَلَوْ ضَرَبَهُ إلَخْ) أَيْ إذَا لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ إلَّا بِذَلِكَ، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّةَ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَلْزَمُ الدَّافِعَ تَحَرِّي الْأَسْهَلِ كَمَا فِي دَفْعِ الصَّائِلِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَنَا إلَخْ) أَيْ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 637 أَوْ جَهْرٍ بِقِرَاءَةٍ (أَوْ إشَارَةٍ) وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا عِنْدَنَا قُهُسْتَانِيٌّ (لَا بِهِمَا) فَإِنَّهُ يُكْرَهُ، وَالْمَرْأَةُ تُصَفِّقُ لَا بِبَطْنٍ عَلَى بَطْنٍ، وَلَوْ صَفَّقَ أَوْ سَبَّحَتْ لَمْ تَفْسُدْ وَقَدْ تَرَكَا السُّنَّةَ تَتَارْخَانِيَّةٌ (وَكَفَتْ سُتْرَةُ الْإِمَامِ) لِلْكُلِّ (وَلَوْ عُدِمَ الْمُرُورُ وَالطَّرِيقُ جَازَ تَرْكُهَا) وَفِعْلُهَا أَوْلَى (وَكُرِهَ) هَذِهِ   [رد المحتار] كَتَبَ مَذْهَبَنَا أَنَّ مَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ خِلَافُ قَوْلِنَا، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي كُتُبِنَا بِأَنَّهُ رُخْصَةٌ، وَالْعَزِيمَةُ عَدَمُ التَّعَرُّضِ لَهُ، فَحَيْثُ كَانَ رُخْصَةً يَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ، أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ بَلْ قَوْلُهُمْ: وَلَا يُزَادُ عَلَى الْإِشَارَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرُّخْصَةَ هِيَ الْإِشَارَةُ، وَأَنَّ الْمُقَاتَلَةَ غَيْرُ مَأْذُونٍ بِهَا أَصْلًا. وَأَمَّا الْأَمْرُ بِهَا فِي حَدِيثِ «فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ» فَهُوَ مَنْسُوخٌ، لِمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ عَنْ السَّرَخْسِيِّ أَنَّ الْأَمْرَ بِهَا مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ حِينَ كَانَ الْعَمَلُ فِي الصَّلَاةِ مُبَاحًا اهـ فَإِذَا كَانَتْ الْمُقَاتَلَةُ غَيْرَ مَأْذُونٍ بِهَا عِنْدَنَا كَانَ قَتْلُهُ جِنَايَةً يَلْزَمُهُ مُوجَبُهَا مِنْ دِيَةٍ أَوْ قَوَدٍ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ أَوْ جَهَرَ بِقِرَاءَةٍ) خَصَّهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا بِالصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ وَبِمَا يَجْهَرُ فِيهِ مِنْهَا، وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ زِيَادَةُ رَفْعِ الصَّوْتِ عَنْ أَصْلِ جَهْرِهِ، وَالظَّاهِرُ شُمُولُ السَّرِيَّةِ لِأَنَّ هَذَا الْجَهْرَ مَأْذُونٌ فِيهِ فَلَا يُكْرَهُ. عَلَى أَنَّ الْجَهْرَ الْيَسِيرَ عَفْوٌ، وَالْمَكْرُوهُ قَدْرُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي سَهْوِ الْبَحْرِ، فَإِذَا جَهَرَ فِي السَّرِيَّةِ بِكَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَلَمْ يَلْزَمْ الْمَحْذُورُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ أَوْ إشَارَةٍ) أَيْ بِالْيَدِ أَوْ الرَّأْسِ أَوْ الْعَيْنِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْإِشَارَةِ بِمَا ذُكِرَ، فَلَا يَدْرَأُ بِأَخْذِ الثَّوْبِ وَلَا بِالضَّرْبِ الْوَجِيعِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ التُّمُرْتَاشِيِّ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ فَسَادُ الصَّلَاةِ لَوْ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ، بِخِلَافِ قَتْلِ الْحَيَّةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ لَا بِهِمَا) أَيْ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ التَّسْبِيحِ وَالْإِشَارَةِ لِأَنَّ بِأَحَدِهِمَا كِفَايَةٌ فَيُكْرَهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ جَازِمًا بِهِ خِلَافًا لِمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فَإِنَّهُ تَحْرِيفٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ (قَوْلُهُ لَا بِبَطْنٍ عَلَى بَطْنٍ) أَيْ بَلْ بِظَهْرِ أَصَابِعِ الْيُمْنَى عَلَى صَفْحَةِ كَفِّ الْيُسْرَى كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ، لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُهُ إذْ بِبَطْنِ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ الْيُسْرَى أَقَلُّ عَمَلًا، فَكَأَنَّ هَذَا حَمَلَ الشَّارِحَ عَلَى تَغْيِيرِ الْعِبَارَةِ وَالتَّنْصِيصِ عَلَى مَحَلِّ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ الضَّرْبُ بِبَطْنٍ عَلَى بَطْنٍ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ لِلْكُلِّ) أَيْ لِلْمُقْتَدِينَ بِهِ كُلِّهِمْ؛ وَعَلَيْهِ فَلَوْ مَرَّ مَارٌّ فِي قِبْلَةِ الصَّفِّ فِي الْمَسْجِدِ الصَّغِيرِ لَمْ يُكْرَهْ إذَا كَانَ لِلْإِمَامِ سُتْرَةٌ وَظَاهِرُ التَّعْمِيمِ شُمُولُ الْمَسْبُوقِ وَبِهِ صَرَّحَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِهَا وَلَوْ بَعْدَ فَرَاغِ إمَامِهِ، وَإِلَّا فَمَا فَائِدَتُهُ؟ وَقَدْ يُقَالُ: فَائِدَتُهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ كَالْمُدْرِكِ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ نَصْبُ سُتْرَةٍ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ أَنْ يَصِيرَ مُنْفَرِدًا بِلَا سُتْرَةٍ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِوَقْتِ الشُّرُوعِ وَهُوَ وَقْتُهُ كَانَ مُسْتَتِرًا بِسُتْرَةِ إمَامِهِ تَأَمَّلْ مَطْلَبٌ مَكْرُوهَاتُ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عُدِمَ الْمُرُورُ إلَخْ) أَيْ لَوْ صَلَّى فِي مَكَان لَا يَمُرُّ فِيهِ أَحَدٌ وَلَمْ تُوَاجِهْ الطَّرِيقَ لَا يُكْرَهُ تَرْكُهَا لِأَنَّ اتِّخَاذَهَا لِلْحِجَابِ عَنْ الْمَارِّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحِلْيَةِ: وَيَظْهَرُ أَنَّ الْأَوْلَى اتِّخَاذُهَا فِي هَذَا الْحَالِ وَإِنْ لَمْ يُكْرَهْ التَّرْكُ لِمَقْصُودٍ آخَرَ وَهُوَ كَفُّ بَصَرِهِ عَمَّا وَرَاءَهَا وَجَمْعُ خَاطِرِهِ بِرَبْطِ الْخَيَالِ. اهـ. . وَقِيدُوا بِقَوْلِهِمْ وَلَمْ يُوَاجِهْ الطَّرِيقَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي نَفْسِ الطَّرِيقِ أَيْ طَرِيقِ الْعَامَّةِ مَكْرُوهَةٌ بِسُتْرَةٍ وَبِدُونِهَا لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِلْمُرُورِ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ شَغْلُهُ بِمَا لَيْسَ لَهُ حَقُّ الشَّغْلِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّحْرِيمِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 638 تَعُمُّ التَّنْزِيهِيَّةَ الَّتِي مَرْجِعُهَا خِلَافُ الْأَوْلَى فَالْفَارِقُ الدَّلِيلُ، فَإِنْ نَهْيًا ظَنِّيَّ الثُّبُوتِ وَلَا صَارِفَ فَتَحْرِيمِيَّةٌ وَإِلَّا فَتَنْزِيهِيَّةٌ (سَدْلُ) تَحْرِيمًا لِلنَّهْيِ (ثَوْبِهِ) أَيْ إرْسَالُهُ بِلَا لُبْسٍ مُعْتَادٍ، وَكَذَا لِقَبَاءٍ بِكُمٍّ إلَى وَرَاءَ. ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ؛ كَشَدٍّ وَمِنْدِيلٍ يُرْسِلُهُ مِنْ كَتِفَيْهِ، فَلَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يُكْرَهْ كَحَالَةِ عُذْرٍ وَخَارِجِ صَلَاتِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: إذَا لَمْ يُدْخِلْ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ وَالتَّنْزِيهِيَّة (قَوْلُهُ هَذِهِ تَعُمُّ التَّنْزِيهِيَّةَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْمَكْرُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ نَوْعَانِ. أَحَدُهُمَا: مَا يُكْرَهُ تَحْرِيمًا وَهُوَ الْمَحْمَلُ عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ كَمَا فِي زَكَاةِ الْفَتْحِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ فِي رُتْبَةِ الْوَاجِبِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْوَاجِبُ؛ يَعْنِي بِالنَّهْيِ الظَّنِّيِّ الثُّبُوتِ أَوْ الدَّلَالَةِ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ يَثْبُتُ بِالْأَمْرِ الظَّنِّيِّ الثُّبُوتِ أَوْ الدَّلَالَةِ. ثَانِيهمَا: الْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا، وَمَرْجِعُهُ إلَى مَا تَرْكُهُ أَوْلَى، وَكَثِيرًا مَا يُطْلِقُونَهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْحِلْيَةِ، فَحِينَئِذٍ إذَا ذَكَرُوا مَكْرُوهًا فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ فِي دَلِيلِهِ، فَإِنْ كَانَ نَهْيًا ظَنِّيَّا يُحْكَمُ بِكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ إلَّا لِصَارِفٍ لِلنَّهْيِ عَنْ التَّحْرِيمِ إلَى النَّدْبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّلِيلُ نَهْيًا بَلْ كَانَ مُفِيدًا لِلتَّرْكِ الْغَيْرِ الْجَازِمِ فَهِيَ تَنْزِيهِيَّةٌ اهـ. قُلْت: وَيُعْرَفُ أَيْضًا بِلَا دَلِيلِ نَهْيٍ خَاصٍّ، بِأَنْ تَضَمَّنَ تَرْكَ وَاجِبٍ أَوْ تَرْكَ سُنَّةٍ. فَالْأَوَّلُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، وَالثَّانِي تَنْزِيهًا؛ وَلَكِنْ تَتَفَاوَتُ التَّنْزِيهِيَّةُ فِي الشِّدَّةِ وَالْقُرْبِ مِنْ التَّحْرِيمِيَّةِ بِحَسَبِ تَأَكُّدِ السُّنَّةِ؛ فَإِنَّ مَرَاتِبَ الِاسْتِحْبَابِ مُتَفَاوِتَةٌ كَمَرَاتِبِ السُّنَّةِ وَالْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ، فَكَذَا أَضْدَادُهَا كَمَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْمَكْرُوهَاتِ تَمَامُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَتَنْزِيهِيَّةٌ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ فَإِنْ نَهْيًا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَهْيًا بَلْ كَانَ مُفِيدًا لِلتَّرْكِ الْغَيْرِ الْجَازِمِ، وَإِلَى قَوْلِهِ وَلَا صَارِفَ: أَيْ وَإِنْ كَانَ نَهْيًا وَلَكِنْ وُجِدَ الصَّارِفُ لَهُ عَنْ التَّحْرِيمِ فَهِيَ فِيهِمَا تَنْزِيهِيَّةٌ كَمَا عَلِمْته مِنْ عِبَارَةِ الْبَحْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ تَحْرِيمًا لِلنَّهْيِ) الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ ط (قَوْلُهُ أَيْ إرْسَالُهُ بِلَا لُبْسٍ مُعْتَادٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: السَّدْلُ هُوَ الْإِرْسَالُ مِنْ غَيْرِ لُبْسٍ، ضَرُورَةَ أَنَّ إرْسَالَ ذَيْلِ الْقَمِيصِ وَنَحْوِهِ لَا يُسَمَّى سَدْلًا اهـ وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ وَنَحْوِهِ عَذَبَةُ الْعِمَامَةِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفَسَّرَهُ الْكَرْخِيِّ بِأَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَلَى كَتِفَيْهِ وَيُرْسِلُ أَطْرَافَهُ مِنْ جَانِبِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَرَاوِيلُ اهـ فَكَرَاهَتُهُ لِاحْتِمَالِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ السَّرَاوِيلِ فَكَرَاهَتُهُ لِلتَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، فَهُوَ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا. وَسَوَاءٌ كَانَ لِلْخُيَلَاءِ أَوْ غَيْرِهِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ مَحْفُوظًا مِنْ الْوُقُوعِ أَوْ لَا، فَعَلَى هَذَا تُكْرَهُ فِي الطَّيْلَسَانِ الَّذِي يُجْعَلُ عَلَى الرَّأْسِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ اهـ أَيْ إذَا لَمْ يُدِرْهُ عَلَى عُنُقِهِ وَإِلَّا فَلَا سَدْلَ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْقَبَاءُ بِكُمٍّ إلَى وَرَاءَ) أَيْ كَالْأَقْبِيَةِ الرُّومِيَّةِ الَّتِي يُجْعَلُ لِأَكْمَامِهَا خُرُوقٌ عِنْدَ أَعْلَى الْعَضُدِ إذَا أَخْرَجَ الْمُصَلِّي يَدَهُ مِنْ الْخِرَقِ وَأَرْسَلَ الْكُمَّ إلَى وَرَائِهِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَيْضًا لِصِدْقِ السَّدْلِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إرْخَاءٌ مِنْ غَيْرِ لُبْسٍ لِأَنَّ لُبْسَ الْكُمِّ يَكُونُ بِإِدْخَالِ الْيَدِ فِيهِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ كَشَدٍّ) هُوَ شَيْءٌ يُعْتَادُ وَضْعُهُ عَلَى الْكَتِفَيْنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَذَلِكَ نَحْوُ الشَّالِ (قَوْلُهُ فَلَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يُكْرَهْ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ ذَكَرَ فِي الشَّدِّ أَنَّهُ إذَا أَرْسَلَ طَرَفًا مِنْهُ عَلَى صَدْرِهِ وَطَرَفًا عَلَى ظَهْرِهِ يُكْرَهُ (قَوْلُهُ وَخَارِجَ صَلَاتِهِ فِي الْأَصَحِّ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلتَّكَبُّرِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ. قَالَ فِي النَّهْرِ: أَيْ تَحْرِيمًا وَإِلَّا فَمُقْتَضَى مَا مَرَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا اهـ وَمَا مَرَّ هُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ صَنِيعُ أَهْلِ الْكِتَابِ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ تَخْصِيصَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِفِعْلِهِ مُعْتَبَرٌ فِيهِ كَوْنُهُ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَظْهَرُ التَّشَبُّهُ وَكَرَاهَتُهُ خَارِجَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَكَذَا الْقَبَاءِ إلَخْ ح لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ: الْمُصَلِّي إذَا كَانَ لَابِسًا شُقَّةً أَوْ فُرْجَى وَلَمْ يَدْخُلْ يَدَيْهِ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي الْكَرَاهَةِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 639 يَدَهُ فِي كُمِّ الْفَرَجِيِّ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ. وَهَلْ يُرْسِلُ الْكُمَّ أَوْ يُمْسِكُ؟ خِلَافٌ وَالْأَحْوَطُ الثَّانِي قُهُسْتَانِيٌّ (وَ) كُرِهَ (كَفُّهُ) أَيْ رَفْعُهُ وَلَوْ لِتُرَابٍ كَمُشَمِّرِ كُمٍّ أَوْ ذَيْلٍ (وَعَبَثُهُ بِهِ) أَيْ بِثَوْبِهِ (وَبِجَسَدِهِ) لِلنَّهْيِ إلَّا لِحَاجَةٍ وَلَا بَأْسَ بِهِ خَارِجَ صَلَاةٍ (وَصَلَاتُهُ فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ) يَلْبَسُهَا فِي بَيْتِهِ (وَمِهْنَةٍ) أَيْ خِدْمَةٍ، إنْ لَهُ غَيْرَهَا وَإِلَّا لَا (وَأَخْذُ دِرْهَمٍ)   [رد المحتار] وَلَمْ يُوَافِقْهُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ سِوَى الْبَزَّازِيِّ. وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ قَاضِي خَانَ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ السَّدْلِ لِأَنَّهُ إرْسَالٌ لِلثَّوْبِ بِدُونِ أَنْ يَلْبَسَهُ. اهـ. قَالَ فِي الْخَزَائِنِ: بَلْ ذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ لَوْ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ وَلَمْ يَشُدَّ وَسْطَهُ أَوْ لَمْ يَزُرَّ أَزْرَارَهُ فَهُوَ مُسِيءٌ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ السَّدْلَ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ تَحْتَهُ قَمِيصٌ: أَوْ نَحْوُهُ مِمَّا يَسْتُرُ الْبَدَنَ؛ بَلْ اُخْتُلِفَ فِي كَرَاهَةِ شَدِّ وَسْطِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ وَنَحْوُهُ؛ فَفِي الْعَتَّابِيَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ صَنِيعُ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ لَا يُكْرَهُ. اهـ. وَجَزَمَ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ وَالْأَحْوَطُ الثَّانِي) لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُهُ بَلْ فِيهِ كَفُّ الثَّوْبِ وَشَغْلُ الْيَدَيْنِ عَنْ السُّنَّةِ تَأَمَّلْ رَحْمَتِيٌّ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ اهـ بَلْ الْأَحْوَطُ لُبْسُهُ لِمَا مَرَّ عَنْ الْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ عَدَمَ إدْخَالِ يَدَيْهِ فِيهِ مَكْرُوهٌ (قَوْلُهُ أَيْ رَفْعُهُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أَوْ مِنْ خَلْفِهِ عِنْدَ الِانْحِطَاطِ لِلسُّجُودِ بَحْرٌ. وَحَرَّرَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهِ تَحْرِيمِيَّةُ (قَوْلُهُ وَلَوْ لِتُرَابٍ) وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِصَوْنِهِ عَنْ التُّرَابِ بَحْرٌ عَنْ الْمُجْتَبَى. (قَوْلُهُ كَمُشَمِّرِ كُمٍّ أَوْ ذَيْلٍ) أَيْ كَمَا لَوْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مُشَمِّرٌ كُمَّهُ أَوْ ذَيْلَهُ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْكَفِّ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ كَمَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ صَلَّى وَقَدْ شَمَّرَ كُمَّيْهِ لِعَمَلٍ كَانَ يَعْمَلُهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ هَيْئَتُهُ ذَلِكَ اهـ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ شَمَّرَ لِلْوُضُوءِ ثُمَّ عَجَّلَ لِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ مَعَ الْإِمَامِ. وَإِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَذَلِكَ وَقُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ فَهَلْ الْأَفْضَلُ إرْخَاءُ كُمَّيْهِ فِيهَا بِعَمَلٍ قَلِيلٍ أَوْ تَرْكِهِمَا؟ لَمْ أَرَهُ: وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي وَلَوْ سَقَطَتْ قَلَنْسُوَتُهُ فَإِعَادَتُهَا أَفْضَلُ تَأَمَّلْ. هَذَا، وَقَيَّدَ الْكَرَاهَةَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُنْيَةِ بِأَنْ يَكُونَ رَافِعًا كُمَّيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إلَى مَا دُونَهُمَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ لِصِدْقِ كَفِّ الثَّوْبِ عَلَى الْكُلِّ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَكَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ: إنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمِرْفَقَيْنِ اتِّفَاقِيٌّ. قَالَ: وَهَذَا لَوْ شَمَّرَهُمَا خَارِجَ الصَّلَاةِ ثُمَّ شَرَعَ فِيهَا كَذَلِكَ، أَمَّا لَوْ شَمَّرَ وَهُوَ فِيهَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ (قَوْلُهُ وَعَبَثُهُ) هُوَ فِعْلٌ لِغَرَضٍ غَيْرِ صَحِيحٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ هُوَ مُفِيدٌ لِلْمُصَلِّي فَلَا بَأْسَ بِهِ. أَصْلُهُ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرِقَ فِي صَلَاتِهِ فَسَلَتَ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِهِ» أَيْ مَسَحَهُ لِأَنَّهُ كَانَ يُؤْذِيه فَكَانَ مُفِيدًا. وَفِي زَمَنِ الصَّيْفِ كَانَ إذَا قَامَ مِنْ السُّجُودِ نَفَضَ ثَوْبَهُ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً لِأَنَّهُ كَانَ مُفِيدًا كَيْ لَا تَبْقَى صُورَةٌ. فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمُفِيدٍ فَهُوَ الْعَبَثُ اهـ وَقَوْلُهُ كَيْ لَا تَبْقَى صُورَةٌ يَعْنِي حِكَايَةُ صُورَةِ الْأَلْيَةِ كَمَا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ، فَلَيْسَ نَفْضُهُ لِلتُّرَابِ. فَلَا يَرُدُّ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحِلْيَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ يُكْرَهُ رَفْعَ الثَّوْبِ كَيْ لَا يَتَتَرَّبَ، لَا يَكُونُ نَفْضُهُ مِنْ التُّرَابِ عَمَلًا مُفِيدًا (قَوْلُهُ لِلنَّهْيِ) وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الْقُضَاعِيُّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: الْعَبَثَ فِي الصَّلَاةِ. وَالرَّفَثَ فِي الصِّيَامِ، وَالضَّحِكَ فِي الْمَقَابِرِ» " وَهِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ) كَحَكِّ بَدَنِهِ لِشَيْءٍ أَكَلَهُ وَأَضَرَّهُ وَسَلْتِ عَرَقٍ يُؤْلِمُهُ وَيَشْغَلُ قَلْبَهُ. وَهَذَا لَوْ بِدُونِ عَمَلٍ كَثِيرٍ. قَالَ فِي الْفَيْضِ: الْحَكُّ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ فِي رُكْنٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ إنْ رَفَعَ يَدَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ اهـ وَفِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْفَتَاوَى: اخْتَلَفُوا فِي الْحَكِّ. هَلْ الذَّهَابُ وَالرُّجُوعُ مَرَّةً أَوْ الذَّهَابُ مَرَّةً وَالرُّجُوعُ أُخْرَى (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِهِ خَارِجَ صَلَاةٍ) وَأَمَّا مَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ حَرَامٌ فَقَالَ السُّرُوجِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْعَبَثَ خَارِجَهَا بِثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَا يَحْرُمُ، وَالْحَدِيثُ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ فِي الصَّلَاةِ. اهـ. بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَصَلَاتُهُ فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 640 وَنَحْوُهُ (فِي فِيهِ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ) فَلَوْ مَنَعَهُ تَفْسُدُ (وَصَلَاتُهُ حَاسِرًا) أَيْ كَاشِفًا (رَأْسَهُ لِلتَّكَاسُلِ) وَلَا بَأْسَ بِهِ لِلتَّذَلُّلِ، وَأَمَّا لِلْإِهَانَةِ بِهَا فَكُفْرٌ وَلَوْ سَقَطَتْ قَلَنْسُوَتُهُ فَإِعَادَتُهَا أَفْضَلُ إلَّا إذَا احْتَاجَتْ لِتَكْوِيرٍ أَوْ عَمَلٍ كَثِيرٍ (وَصَلَاتُهُ مَعَ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ) أَوْ أَحَدِهِمَا (أَوْ لِرِيحٍ) لِلنَّهْيِ (وَعَقْصُ شَعْرِهِ) لِلنَّهْيِ عَنْ كَفِّهِ وَلَوْ بِجَمْعِهِ أَوْ إدْخَالِ أَطْرَافِهِ فِي أُصُولِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ؛ أَمَّا فِيهَا فَيَفْسُدُ (وَقَلْبُ الْحَصَا) لِلنَّهْيِ (إلَّا لِسُجُودِهِ) التَّامِّ فَيُرَخَّصُ (مَرَّةً) وَتَرْكُهَا أَوْلَى (وَفَرْقَعَةُ الْأَصَابِعِ) وَتَشْبِيكُهَا وَلَوْ مُنْتَظِرًا الصَّلَاةَ أَوْ مَاشِيًا إلَيْهَا لِلنَّهْيِ وَلَا يُكْرَهُ خَارِجَهَا لِحَاجَةٍ.   [رد المحتار] بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: الْخِدْمَةُ وَالِابْتِذَالُ، وَعَطْفُ الْمِهْنَةِ عَلَيْهَا عَطْفَ تَفْسِيرٍ؛ وَهِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا مَعَ سُكُونِ الْهَاءِ، وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الْكَسْرَ حِلْيَةٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ، وَفَسَّرَهَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ بِمَا يَلْبَسُهُ فِي بَيْتِهِ وَلَا يَذْهَبُ بِهِ إلَى الْأَكَابِرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ مِنْ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، حَتَّى لَوْ كَانَ لَا يُخِلُّ بِهَا لَا يُكْرَهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، ثُمَّ قَوْلُ قَاضِي خَانَ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ وَفِي فِيهِ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ لَا تَمْنَعُهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَوْ مَنَعَهُ) بِأَنْ سَكَتَ أَوْ تَلَفَّظَ بِأَلْفَاظٍ لَا تَكُونُ قُرْآنًا شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ لِلتَّكَاسُلِ) أَيْ لِأَجْلِ الْكَسَلِ، بِأَنْ اسْتَثْقَلَ تَغْطِيَتَهُ وَلَمْ يَرَهَا أَمْرًا مُهِمًّا فِي الصَّلَاةِ فَتَرَكَهَا لِذَلِكَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ تَهَاوُنًا بِالصَّلَاةِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الِاسْتِخْفَافُ بِهَا وَالِاحْتِقَارُ لِأَنَّهُ كُفْرٌ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَأَصْلُ الْكَسَلِ تَرْكُ الْعَمَلِ لِعَدَمِ الْإِرَادَةِ، فَلَوْ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ فَهُوَ الْعَجْزُ. مَطْلَبٌ فِي الْخُشُوعِ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِهِ لِلتَّذَلُّلِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَهُ وَأَنْ يَتَذَلَّلَ وَيَخْشَعَ بِقَلْبِهِ فَإِنَّهُمَا مِنْ أَفْعَالِ الْقَلْبِ. اهـ. وَتَعَقَّبَهُ فِي الْإِمْدَادِ بِمَا فِي التَّجْنِيسِ مِنْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى الْخُشُوعِ. اهـ. قُلْت: وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ الْخُشُوعَ مِنْ أَفْعَالِ الْقَلْبِ كَالْخَوْفِ أَوْ مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ كَالسُّكُونِ أَوْ مَجْمُوعِهِمَا قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَالْأَشْبَهُ الْأَوَّلُ، وَقَدْ حُكِيَ إجْمَاعُ الْعَارِفِينَ عَلَيْهِ وَأَنَّ مِنْ لَوَازِمِهِ: ظُهُورَ الذُّلِّ، وَغَضَّ الطَّرْفِ، وَخَفْضَ الصَّوْتِ، وَسُكُونَ الْأَطْرَافِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِحُسْنِ كَشْفِهِ إذَا كَانَ نَاشِئًا عَنْ تَحْقِيقِ الْخُشُوعِ بِالْقَلْبِ، وَنَصَّ فِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ لِعُذْرٍ لَا يُكْرَهُ وَإِلَّا فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ، وَهُوَ حَسَنٌ. وَعَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ لِأَجَلِ الْحَرَارَةِ وَالتَّخْفِيفُ مَكْرُوهٌ، فَلَمْ يَجْعَلْ الْحَرَارَةَ عُذْرًا وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَلَوْ سَقَطَتْ قَلَنْسُوَتُهُ إلَخْ) هِيَ مَا يُلْبَسُ فِي الرَّأْسِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَلَفْظُ قَلَنْسُوَتِهِ سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ، الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فِيمَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ عَنْ الْحُجَّةِ، وَفِي الدُّرَرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة: وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَفْضَلِيَّةَ إعَادَتِهَا حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ بِتَرْكِهَا التَّذَلُّلَ عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَصَلَاتُهُ مَعَ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ إلَخْ) أَيْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ. قَالَ فِي الْخَزَائِنِ: سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ شُرُوعِهِ أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنْ شَغَلَهُ قَطَعَهَا إنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْوَقْتِ، وَإِنْ أَتَمَّهَا أَثِمَ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ حَاقِنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ» ، أَيْ مُدَافِعُ الْبَوْلِ، وَمِثْلُهُ الْحَاقِبُ: أَيْ مُدَافِعُ الْغَائِطِ وَالْحَازِقُ: أَيْ مُدَافِعُهُمَا وَقِيلَ مُدَافِعُ الرِّيحِ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِثْمِ صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَقَالَ لِأَدَائِهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ. بَقِيَ مَا إذَا خَشِيَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ وَلَا يَجِدُ جَمَاعَةً غَيْرَهَا، فَهَلْ يَقْطَعُهَا كَمَا يَقْطَعُهَا إذَا رَأَى عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةً قَدْرَ الدِّرْهَمِ لِيَغْسِلَهَا أَوْ لَا، كَمَا إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ أَقَلَّ مِنْ الدِّرْهَمِ. وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ تَرْكَ سُنَّةِ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى مِنْ الْإِتْيَانِ بِالْكَرَاهَةِ: كَالْقَطْعِ لِغَسْلِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ، فَفِعْلُهُ أَوْلَى مِنْ فِعْلِ السُّنَّةِ، بِخِلَافِ غَسْلِ مَا دُونَهُ فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فَلَا يَتْرُكُ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ لِأَجْلِهِ، كَذَا حَقَّقَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 641 (وَالتَّخَصُّرُ) وَضْعُ   [رد المحتار] تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ بَحْثًا أَنَّ خَوْفَ فَوْتِ الْجِنَازَةِ كَخَوْفِ فَوْتِ الْوَقْتِ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَذَكَرَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ جَارِيَةٌ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَلَوْ تَطَوُّعًا (قَوْلُهُ وَعَقْصُ شَعْرِهِ إلَخْ) أَيْ ضَفْرُهُ وَفَتْلُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى هَامَتِهِ وَيَشُدُّهُ بِصَمْغٍ، أَوْ أَنْ يَلُفَّ ذَوَائِبَهُ حَوْلَ رَأْسِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ النِّسَاءُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، أَوْ يَجْمَعُ الشَّعْرَ كُلَّهُ مِنْ قِبَلِ الْقَفَا وَيَشُدُّهُ بِخَيْطٍ أَوْ خِرْقَةٍ كَيْ لَا يُصِيبُ الْأَرْضَ إذَا سَجَدَ؛ وَجَمِيعُ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَلِمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى أَنَّ يُصَلِّي الرَّجُلُ وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ» " وَأَخْرَجَ السِّتَّةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ، وَأَنْ لَا أَكُفَّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا» شَرْحُ الْمُنْيَةِ، وَنَقَلَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ النَّوَوِيِّ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالْأَشْبَهُ بِسِيَاقِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهَا تَحْرِيمٌ إلَّا إنْ ثَبَتَ عَلَى التَّنْزِيهِ إجْمَاعٌ فَيَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِهِ (قَوْلُهُ أَمَّا فِيهَا فَيَفْسُدُ) لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ بِالْإِجْمَاعِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ لِلنَّهْيِ) هُوَ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ «عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى سَأَلْتُهُ عَنْ مَسْحِ الْحَصَى، فَقَالَ وَاحِدَةً أَوْ دَعْ» وَرَوَى السِّتَّةُ عَنْ مُعَيْقِيبٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا تَمْسَحْ الْحَصَى وَأَنْتَ تُصَلِّي، فَإِنْ كُنْت وَلَا بُدَّ فَاعِلًا فَوَاحِدَةٌ» " شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ إلَّا لِسُجُودِهِ التَّامِّ إلَخْ) بِأَنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ تَمْكِينُ جَبْهَتِهِ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ إلَّا بِذَلِكَ، وَقَيَّدَ بِالتَّامِّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ وَضْعُ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ الْجَبْهَةِ إلَّا بِهِ تَعَيَّنَ وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ. مَطْلَبٌ إذَا تَرَدَّدَ الْحُكْمُ بَيْنَ سُنَّةٍ وَبِدْعَةٍ كَانَ تَرْكُ السُّنَّةِ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَتَرْكُهَا أَوْلَى) لِأَنَّهُ إذَا تَرَدَّدَ الْحُكْمُ بَيْنَ سُنَّةٍ وَبِدْعَةٍ كَانَ تَرْكُ السُّنَّةِ رَاجِحًا عَلَى فِعْلِ الْبِدْعَةِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ التَّسْوِيَةُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَفَرْقَعَةُ الْأَصَابِعِ) هُوَ غَمْزُهَا أَوْ مَدُّهَا حَتَّى تُصَوِّتَ وَتَشْبِيكُهَا هُوَ أَنْ يُدْخِلَ أَصَابِعَ إحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ أَصَابِعِ الْأُخْرَى بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِلنَّهْيِ) هُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا «لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك وَأَنْتَ تُصَلِّي» " وَرَوَى فِي الْمُجْتَبَى حَدِيثًا «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُفَرْقِعَ الرَّجُلُ أَصَابِعَهُ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ» وَفِي رِوَايَةٍ «وَهُوَ يَمْشِي إلَيْهَا» وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا مَرْفُوعًا «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يُشَبِّكْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ» " وَنَقَلَ فِي الْمِعْرَاجِ الْإِجْمَاعَ عَلَى كَرَاهَةِ الْفَرْقَعَةِ وَالتَّشْبِيكِ فِي الصَّلَاةِ. وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ تَحْرِيمِيَّةً لِلنَّهْيِ الْمَذْكُورِ حِلْيَةٌ وَبَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُكْرَهُ خَارِجَهَا لِحَاجَةٍ) الْمُرَادُ بِخَارِجِهَا مَا لَيْسَ مِنْ تَوَابِعِهَا لِأَنَّ السَّعْيَ إلَيْهَا وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ لِأَجْلِهَا فِي حُكْمِهَا كَمَا مَرَّ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةَ تَحْبِسُهُ» " وَأَرَادَ بِالْحَاجَةِ نَحْوَ إرَاحَةِ الْأَصَابِعِ، فَلَوْ لِدُونِ حَاجَةٍ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْعَبَثِ كُرِهَ تَنْزِيهًا وَالْكَرَاهَةُ فِي الْفَرْقَعَةِ خَارِجَهَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا، وَأَمَّا التَّشْبِيكُ فَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ: لَمْ أَقِفْ لِمَشَايِخِنَا فِيهِ عَلَى شَيْءٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ لِغَيْرِ عَبَثٍ بَلْ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَلَوْ لِإِرَاحَةِ الْأَصَابِعِ لَا يُكْرَهُ، فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْمُؤْمِنُ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ» فَإِنَّهُ لِإِفَادَةِ تَمْثِيلِ الْمَعْنَى، وَهُوَ التَّعَاضُدُ وَالتَّنَاصُرُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ الْحِسِّيَّةِ (قَوْلُهُ وَالتَّخَصُّرِ إلَخْ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْخَصْرِ فِي الصَّلَاةِ» وَفِي رِوَايَةٍ " عَنْ «الِاخْتِصَارِ» وَفِي أُخْرَى «عَنْ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا» وَفِيهِ تَأْوِيلَاتٌ أَشْهَرُهَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْبَحْرِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 642 الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ لِلنَّهْيِ (وَيُكْرَهُ خَارِجَهَا) تَنْزِيهًا (وَالِالْتِفَاتُ بِوَجْهِهِ) كُلِّهِ (أَوْ بَعْضِهِ) لِلنَّهْيِ وَبِبَصَرِهِ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا، وَبِصَدْرِهِ تَفْسُدُ كَمَا مَرَّ (وَقِيلَ) قَائِلُهُ قَاضِي خَانَ (تَفْسُدُ بِتَحْوِيلِهِ وَالْمُعْتَمَدُ لَا) (وَإِقْعَاؤُهُ) كَالْكَلْبِ لِلنَّهْيِ   [رد المحتار] تَحْرِيمِيَّةُ فِي الصَّلَاةِ لِلنَّهْيِ الْمَذْكُورِ. اهـ. وَلِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سُنَّةِ الْوَضْعِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، لَكِنَّ الْعِلَّةَ الثَّانِيَةَ لَا تَقْتَضِي كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ، نَعَمْ تَقْتَضِي كَرَاهَةَ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى عُضْوٍ آخَرَ غَيْرِ الْخَاصِرَةِ (قَوْلُهُ لِلنَّهْيِ) هُوَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إيَّاكَ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ هَلَكَةٌ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَفِي التَّطَوُّعِ لَا فِي الْفَرِيضَةِ» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ» وَقَيَّدَهُ فِي الْغَايَةِ بِأَنْ: يَكُونَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ تَحْرِيمِيَّةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَبِبَصَرِهِ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَحْوِيلِ الْوَجْهِ أَصْلًا. وَفِي الزَّيْلَعِيِّ وَشَرْحِ الْمُلْتَقَى لِلْبَاقَانِيِّ أَنَّهُ مُبَاحٌ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُلَاحِظُ أَصْحَابَهُ فِي صَلَاتِهِ بِمُوقِ عَيْنَيْهِ» اهـ وَلَا يُنَافِي مَا هُنَا بِحَمْلِهِ عَلَى عَدَمِ الْحَاجَةِ أَوْ أَرَادَ بِالْمُبَاحِ مَا لَيْسَ بِمَحْظُورٍ شَرْعًا، وَخِلَافُ الْأَوْلَى غَيْرُ مَحْظُورٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَبِصَدْرِهِ تَفْسُدُ) أَيْ إذَا كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إلَخْ) قَالَهُ فِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا. وَالْأَشْبَهُ مَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ مِنْ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لَا مُفْسِدٌ وَقَيَّدَ عَدَمَ الْفَسَادِ بِهِ فِي الْمُنْيَةِ وَالذَّخِيرَةِ بِمَا إذَا اسْتَقْبَلَ مِنْ سَاعَتِهِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَكَأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ مَا فِي الْفَتَاوَى وَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَسْتَقْبِلْ مِنْ سَاعَتِهِ، وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا اسْتَقْبَلَ مِنْ سَاعَتِهِ، وَكَأَنَّهُ نَاظِرٌ إلَى أَنَّ الْأَوَّلَ عَمَلٌ كَثِيرٌ، وَالثَّانِي قَلِيلٌ، وَهُوَ بَعِيدٌ فَإِنَّ الِاسْتِدَامَةَ عَلَى هَذَا الْقَلِيلِ لَا تَجْعَلُهُ كَثِيرًا، وَإِنَّمَا كَثِيرُهُ تَحْوِيلُ صَدْرِهِ. اهـ. أَقُولُ: يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ إذَا أَطَالَ الْتِفَاتَهُ بِجَمِيعِ وَجْهِهِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً وَرَأَى رَاءٍ مِنْ بَعِيدٍ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِقْعَاؤُهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إقْعَاءِ الْكَلْبِ وَفَسَّرَهُ الطَّحَاوِيُّ: بِأَنْ يَقْعُدَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ وَيَنْصِبَ فَخِذَيْهِ وَيَضُمَّ رُكْبَتَيْهِ إلَى صَدْرِهِ وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَالْكَرْخِيُّ: بِأَنْ يَنْصِبَ قَدَمَيْهِ وَيَقْعُدَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ. وَالْأَصَحُّ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَامَّةُ هُوَ الْأَوَّلُ: أَيْ كَوْنُ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ لَا أَنَّ مَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ غَيْرُ مَكْرُوهٍ؛ وَكَذَا فِي الْفَتْحِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةً عَلَى الْأَوَّلِ تَنْزِيهِيَّةٌ عَلَى الثَّانِي. أَقُولُ: إنَّمَا كَانَتْ تَنْزِيهِيَّةً عَلَى الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَيْسَ بِإِقْعَاءٍ، وَإِنَّمَا الْكَرَاهَةُ بِتَرْكِ الْجِلْسَةِ الْمَسْنُونَةِ كَمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ فَسَّرَ الْإِقْعَاءَ بِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ تَعَاكَسَتْ الْأَحْكَامُ اهـ كَلَامُ النَّهْرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِقْعَاءَ مَكْرُوهٌ لِشَيْئَيْنِ: لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَلِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْجِلْسَةِ الْمَسْنُونَةِ، فَإِنْ فُسِّرَ بِمَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَانَ مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا لِوُجُودِ النَّهْيِ عَنْهُ بِخُصُوصِهِ؛ وَكَانَ بِالْمَعْنَى الَّذِي قَالَهُ الْكَرْخِيِّ مَكْرُوهًا تَنْزِيهًا لِتَرْكِ الْجِلْسَةِ الْمَسْنُونَةِ لَا تَحْرِيمًا لِعَدَمِ النَّهْيِ عَنْهُ بِخُصُوصِهِ، وَإِنْ فُسِّرَ بِمَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ انْعَكَسَ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ. قُلْت: وَفِي الْمُغْرِبِ بَعْدَ مَا فَسَّرَهُ بِمَا مَرَّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ قَالَ: وَتَفْسِيرُ الْفُقَهَاءِ أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَهُوَ عَقِبُ الشَّيْطَانِ اهـ وَعَزَاهُ فِي الْبَدَائِعِ إلَى الْكَرْخِيِّ وَقَالَ: وَهُوَ عَقِبُ الشَّيْطَانِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ اهـ أَيْ فِيمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ، وَأَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ» وَفِي رِوَايَةٍ «عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ» ، بِضَمٍّ فَسُكُونٍ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمُ فِي فَتَاوَاهُ: وَأَمَّا نَصْبُ الْقَدَمَيْنِ وَالْجُلُوسِ عَلَى الْعَقِبَيْنِ فَمَكْرُوهٌ فِي جَمِيعِ الْجِلْسَاتِ بِلَا خِلَافٍ نَعْرِفُهُ إلَّا مَا ذَكَرَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 643 (وَافْتِرَاشُ) الرَّجُلِ (ذِرَاعَيْهِ) لِلنَّهْيِ (وَصَلَاتُهُ إلَى وَجْهِ إنْسَانٍ) كَكَرَاهَةِ اسْتِقْبَالِهِ، فَالِاسْتِقْبَالُ لَوْ مِنْ الْمُصَلِّي فَالْكَرَاهَةُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُسْتَقْبِلِ وَلَوْ بَعِيدًا وَلَا حَائِلَ (وَرَدُّ السَّلَامِ بِيَدِهِ) أَوْ بِرَأْسِهِ كَمَا مَرَّ. [فَرْعٌ] لَا بَأْسَ بِتَكْلِيمِ الْمُصَلِّي وَإِجَابَتِهِ بِرَأْسِهِ كَمَا لَوْ طُلِبَ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ أُرِيَ دِرْهَمًا وَقِيلَ أَجَيِّدٌ فَأَوْمَأَ بِنَعَمْ أَوْ لَا أَوْ قِيلَ كَمْ صَلَّيْتُمْ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنَّهُمْ صَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ، أَمَّا لَوْ قِيلَ لَهُ تَقَدَّمْ فَتَقَدَّمَ أَوْ دَخَلَ أَحَدٌ الصَّفَّ فَوَسَّعَ لَهُ فَوْرًا فَسَدَتْ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ وَغَيْرُهُ، خِلَافًا لِمَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ. (وَ) كُرِهَ (التَّرَبُّعُ) تَنْزِيهًا لِتَرْكِ الْجِلْسَةِ الْمَسْنُونَةِ (بِغَيْرِ عُذْرٍ) وَلَا يُكْرَهُ خَارِجَهَا «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -   [رد المحتار] النَّوَوِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ لَهُ إنَّهُ يُسْتَحَبُّ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ (قَوْلُهُ وَافْتِرَاشُ الرَّجُلِ ذِرَاعَيْهِ إلَخْ) أَيْ بَسْطُهُمَا فِي حَالَةِ السُّجُودِ، وَقَيَّدَ بِالرَّجُلِ اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ آنِفًا وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَفْتَرِشُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: قِيلَ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا صِفَةُ الْكَسْلَانِ وَالتَّهَاوُنُ بِحَالِهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالسِّبَاعِ وَالْكِلَابِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ لِلنَّهْيِ الْمَذْكُورِ مِنْ غَيْرِ صَارِفٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَصَلَاتُهُ إلَى وَجْهِ إنْسَانٍ) فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: وَكَرِهَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يُسْتَقْبَلَ الرَّجُلُ وَهُوَ يُصَلِّي، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضُ عَنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَهُوَ مَحْمَلُ مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ عَنْ عَلِيٍّ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي إلَى رَجُلٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ» وَيَكُونُ الْأَمْرُ بِالْإِعَادَةِ لِإِزَالَةِ الْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَلَيْسَ لِلْفَسَادِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، لِمَا ذُكِرَ، وَلِمَا فِي الْحِلْيَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: إنْ كَانَ جَاهِلًا عَلَّمْته، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا أَدَّبْته اهـ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَةَ الصُّورَةِ (قَوْلُهُ كَكَرَاهَةِ اسْتِقْبَالِهِ) الضَّمِيرُ لِلْمُصَلِّي، وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعِيدًا وَلَا حَائِلَ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا ثَالِثٌ ظَهْرُهُ إلَى وَجْهِ الْمُصَلِّي لَا يُكْرَهُ لِانْتِفَاءِ سَبَبِ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ التَّشَبُّهُ بِعِبَادَةِ الصُّورَةِ اهـ. وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَلَوْ كَانَتْ تَقَعُ الْمُوَاجَهَةُ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ كَمَا فِي النَّهْرِ وَالْحِلْيَةِ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الْحِلْيَةِ بِأَنَّ الْقَاعِدَ يَكُونُ سُتْرَةً لِلْمُصَلِّي بِحَيْثُ لَا يُكْرَهُ الْمُرُورُ وَرَاءَهُ فَكَذَا هُنَا يَكُونُ حَائِلًا. قُلْت: لَكِنَّ فِي الذَّخِيرَةِ نُقِلَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ: وَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِحِذَائِهِ رَجُلٌ يُصَلِّي، ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يَفْصِلْ أَيْ مُحَمَّدٌ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمُصَلِّي فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ الْأَخِيرِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ وَجْهُهُ مُقَابِلٌ وَجْهَ الْإِمَامِ فِي حَالَةِ قِيَامِهِ يُكْرَهُ وَلَوْ بَيْنَهُمَا صُفُوفٌ اهـ ثُمَّ رَأَيْت الْخَيْرَ الرَّمْلِيَّ أَجَابَ بِمَا لَا يَدْفَعُ الْإِيرَادَ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهِ تَنْزِيهِيَّةٌ [فَرْعٌ لَا بَأْسَ بِتَكْلِيمِ الْمُصَلِّي وَإِجَابَتِهِ بِرَأْسِهِ] (قَوْلُهُ وَإِجَابَتُهُ بِرَأْسِهِ) قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَبِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَكَذَا فِي تَكْلِيمِ الرَّجُلِ الْمُصَلِّيَ، قَالَ تَعَالَى - {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} [آل عمران: 39]- وَهَلْ يُجِيبُ السَّلَامَ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ؟ ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ» كَذَا فِي مَجْمَعِ الرِّوَايَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَمَّا لَوْ قِيلَ إلَخْ) هُوَ مَا وَعَدَ بِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَفَتْحِهِ عَلَى إمَامِهِ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ ضَعْفَهُ عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ ح (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ) أَيْ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ هُنَاكَ، فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ لِتَرْكِ الْجِلْسَةِ الْمَسْنُونَةِ) عِلَّةٌ لِكَوْنِهِ مَكْرُوهًا تَنْزِيهًا إذْ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ خَاصٌّ لِيَكُونَ تَحْرِيمًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ) أَمَّا بِهِ فَلَا، لِأَنَّ الْوَاجِبَ يُتْرَكُ مَعَ الْعُذْرِ فَالسُّنَّةُ أَوْلَى. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ «مِنْ صَلَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُتَرَبِّعًا» أَوْ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ ابْنِ الْهُمَامِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ صَاحِبِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ وَرَدَّ بِهِ عَلَى مَا قِيلَ فِي وَجْهِ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ فِعْلُ الْجَبَابِرَةِ، نَعَمْ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّ الْجُلُوسَ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ تَأَمَّلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 644 كَانَ جُلُّ جُلُوسِهِ مَعَ أَصْحَابِهِ التَّرَبُّعُ» وَكَذَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (وَالتَّثَاؤُبُ) وَلَوْ خَارِجَهَا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ لِأَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَالْأَنْبِيَاءُ مَحْفُوظُونَ مِنْهُ (وَتَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ) لِلنَّهْيِ إلَّا لِكَمَالِ الْخُشُوعِ (وَقِيَامُ الْإِمَامِ فِي الْمِحْرَابِ لَا سُجُودُهُ فِيهِ) وَقَدَّمَاهُ خَارِجَةً لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْقَدَمِ (مُطْلَقًا) وَإِنْ لَمْ يَتَشَبَّهْ حَالُ الْإِمَامِ إنْ عُلِّلَ بِالتَّشَبُّهِ وَإِنْ بِالِاشْتِبَاهِ وَلَا اشْتِبَاهَ   [رد المحتار] قَوْله وَالتَّثَاؤُبُ) فِي الْمِصْبَاحِ: التَّثَاؤُبُ بِالْمَدِّ وَبِالْوَاوِ عَامِّيٌّ. وَفِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ: تَثَاءَبْت بِالْمَدِّ وَلَا تَقُلْ تَثَاوَبْت، وَهُوَ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ: التَّنَفُّسُ الَّذِي يَنْفَتِحُ مِنْهُ الْفَمُ لِدَفْعِ الْبُخَارَاتِ الْمُنَفَّخَةِ فِي عَضَلَاتِ الْفَكِّ، وَهُوَ يَنْشَأُ مِنْ امْتِلَاءِ الْمَعِدَةِ وَثِقَلِ الْبَدَنِ. اهـ. قُلْت: وَلِهَذَا السَّبَبِ كَانَ مِنْ الشَّيْطَانِ كَمَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «التَّثَاؤُبُ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ» وَفِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ «فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُهُ» وَأُلْحِقَ بِالْيَدِ الْكُمُّ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ كَظْمُهُ: أَيْ رَدُّهُ وَحَبْسُهُ، فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ أَنْ يَأْخُذَ شَفَتَهُ بِسِنِّهِ فَلَمْ يَفْعَلْ وَغَطَّى فَاهُ بِيَدِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ يُكْرَهُ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَة. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَوَجْهُهُ أَنَّ تَغْطِيَةَ الْفَمِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَإِنَّمَا أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ إذَا أَمْكَنَهُ الدَّفْعُ، ثُمَّ فِي الْمُجْتَبَى: يُغَطِّي فَاهُ بِيَمِينِهِ، وَقِيلَ بِيَمِينِهِ فِي الْقِيَامِ وَفِي غَيْرِهِ بِيَسَارِهِ اهـ. قُلْت: وَوَجْهُ الْقِيلِ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ الشَّيْطَانِ كَمَا مَرَّ، فَهُوَ كَإِزَالَةِ الْخَبَثِ وَهِيَ بِالْيَسَارِ أَوْلَى، لَكِنْ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ لَمَّا كَانَ يَلْزَمُ مِنْ دَفْعِهِ بِالْيَسَارِ كَثْرَةُ الْعَمَلِ بِتَحْرِيكِ الْيَدَيْنِ كَانَتْ الْيُمْنَى أَوْلَى وَقَدَّمْنَا فِي آدَابِ الصَّلَاةِ عَنْ الضِّيَاءِ أَنَّهُ بِظَهْرِ الْيُسْرَى. وَفِي الْحِلْيَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا وَأَنَّهُ إنْ سَدَّ بِالْيُمْنَى يُخَيَّر فِيهِ بِظَاهِرِهَا أَوْ بَاطِنِهَا، وَإِنْ بِالْيُسْرَى فَبِظَاهِرِهَا. اهـ. وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِلْكَرَاهَةِ هُنَا هَلْ هِيَ تَحْرِيمِيَّةٌ أَوْ تَنْزِيهِيَّةٌ إلَّا أَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي آدَابِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ يُنْدَبُ كَظْمُ فَمِهِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ، وَحِينَئِذٍ فَتَرْكُ الْكَظْمِ مَنْدُوبٌ. وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ نَفْسُهُ فَإِنْ نَشَأَ مِنْ طَبِيعَتِهِ بِلَا صُنْعِهِ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ تَعَمَّدْهُ يَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ تَحْرِيمًا لِأَنَّهُ عَبَثٌ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْعَبَثَ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا فِي الصَّلَاةِ تَنْزِيهًا خَارِجَهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ خَارِجَهَا) أَيْ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمَارِّ، وَتَقْيِيدُهُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِالصَّلَاةِ لِكَوْنِ الْكَرَاهَةِ فِيهَا أَشَدَّ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْأَنْبِيَاءُ مَحْفُوظُونَ مِنْهُ) قَدَّمْنَا فِي آدَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ إخْطَارَ ذَلِكَ بِبَالِهِ مُجَرَّبٌ فِي دَفْعِ التَّثَاؤُبِ (قَوْلُهُ لِلنَّهْيِ) أَيْ فِي حَدِيثِ «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُغْمِضْ عَيْنَيْهِ» رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ إلَّا أَنَّ فِي سَنَدِهِ مَنْ ضُعِّفَ وَعَلَّلَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَرْمِيَ بِبَصَرِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، وَفِي التَّغْمِيضِ تَرْكُهَا. ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ، كَذَا فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ، وَكَأَنَّهُ لِأَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ مَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَهِيَ الصَّارِفُ لَهُ عَنْ التَّحْرِيمِ (قَوْلُهُ إلَّا لِكَمَالِ الْخُشُوعِ) بِأَنْ خَافَ فَوْتَ الْخُشُوعِ بِسَبَبِ رُؤْيَةِ مَا يُفَرِّقُ الْخَاطِرَ فَلَا يُكْرَهُ، بَلْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّهُ الْأَوْلَى، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ حِلْيَةٌ وَبَحْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْقَدَمِ) وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ طَهَارَةُ مَكَانِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، بِخِلَافِ مَكَانِ السُّجُودِ، إذْ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ يَحْنَثُ بِوَضْعِ الْقَدَمَيْنِ وَإِنْ كَانَ بَاقِي بَدَنِهِ خَارِجَهَا وَالصَّيْدُ إذَا كَانَ رِجْلَاهُ فِي الْحَرَمِ وَرَأْسُهُ خَارِجَهُ فَهُوَ صَيْدُ الْحَرَمِ فَفِيهِ الْجَزَاءُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَقِيَامُ الْإِمَامِ فِي الْمِحْرَابِ، وَفُسِّرَ الْإِطْلَاقُ بِمَا بَعْدَهُ وَكَذَا سَوَاءٌ كَانَ الْمِحْرَابُ مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ أَوْ لَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إنْ عُلِّلَ بِالتَّشَبُّهِ إلَخْ) قَيْدٌ لِلْكَرَاهَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ صَرَّحَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِالْكَرَاهَةِ وَلَمْ يُفَصِّلْ؛ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي سَبَبِهَا، فَقِيلَ كَوْنُهُ يَصِيرُ مُمْتَازًا عَنْهُمْ فِي الْمَكَانِ لِأَنَّ الْمِحْرَابَ فِي مَعْنَى بَيْتٍ آخَرَ وَذَلِكَ صَنِيعُ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 645 فَلَا اشْتِبَاهَ فِي نَفْيِ الْكَرَاهَةِ. (وَانْفِرَادُ الْإِمَامِ عَلَى الدُّكَّانِ) لِلنَّهْيِ، وَقُدِّرَ الِارْتِفَاعُ بِذِرَاعٍ، وَلَا بَأْسَ بِمَا دُونَهُ، وَقِيلَ مَا يَقَعُ بِهِ الِامْتِيَازُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ وَغَيْرُهُ (وَكُرِهَ عَكْسُهُ) فِي الْأَصَحِّ وَهَذَا كُلُّهُ (عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ) كَجُمُعَةٍ وَعِيدٍ، فَلَوْ قَامُوا عَلَى الرُّفُوفِ وَالْإِمَامُ عَلَى الْأَرْضِ   [رد المحتار] وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَقَالَ إنَّهُ الْأَوْجَهُ، وَقِيلَ اشْتِبَاهُ حَالِهِ عَلَى مَنْ فِي يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُكْرَهُ مُطْلَقًا، وَعَلَى الثَّانِي لَا يُكْرَهُ عِنْدَ عَدَمِ الِاشْتِبَاهِ، وَأَيَّدَ الثَّانِي فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ امْتِيَازَ الْإِمَامِ فِي الْمَكَانِ مَطْلُوبٌ، وَتَقَدُّمُهُ وَاجِبٌ وَغَايَتُهُ اتِّفَاقُ الْمِلَّتَيْنِ فِي ذَلِكَ، وَارْتَضَاهُ فِي الْحِلْيَةِ وَأَيَّدَهُ، لَكِنْ نَازَعَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ مُقْتَضَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا، وَبِأَنَّ امْتِيَازَ الْإِمَامِ الْمَطْلُوبِ حَاصِلٌ بِتَقَدُّمِهِ بِلَا وُقُوفٍ فِي مَكَان آخَرَ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا إذَا لَمْ يَضِقْ الْمَسْجِدُ بِمَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ تَبَايُنَ الْمَكَانَيْنِ انْتَهَى. يَعْنِي: وَحَقِيقَةُ اخْتِلَافِ الْمَكَانِ تَمْنَعُ الْجَوَازَ فَشُبْهَةُ الِاخْتِلَافِ تُوجِبُ الْكَرَاهَةَ وَالْمِحْرَابُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَصُورَتُهُ وَهَيْئَتُهُ اقْتَضَتْ شُبْهَةَ الِاخْتِلَافِ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: أَيْ لِأَنَّ الْمِحْرَابَ إنَّمَا بُنِيَ عَلَامَةً لِمَحَلِّ قِيَامِ الْإِمَامِ لِيَكُونَ قِيَامُهُ وَسْطَ الصَّفِّ كَمَا هُوَ السُّنَّةُ، لَا لَأَنْ يَقُومَ فِي دَاخِلِهِ، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مِنْ بِقَاعِ الْمَسْجِدِ لَكِنْ أَشْبَهَ مَكَانًا آخَرَ فَأَوْرَثَ الْكَرَاهَةَ، وَلَا يَخْفَى حُسْنُ هَذَا الْكَلَامِ فَافْهَمْ، لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّشَبُّهَ إنَّمَا يُكْرَهُ فِي الْمَذْمُومِ وَفِيمَا قُصِدَ بِهِ التَّشَبُّهُ لَا مُطْلَقًا، وَلَعَلَّ هَذَا مِنْ الْمَذْمُومِ تَأَمَّلَ. هَذَا وَفِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ لِلرَّمْلِيِّ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ تَأَمَّلْ اهـ[تَنْبِيهٌ] فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مِنْ بَابِ الْإِمَامَةِ: الْأَصَحُّ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُومَ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنٍ أَوْ زَاوِيَةٍ أَوْ نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ إلَى سَارِيَةٍ لِأَنَّهُ بِخِلَافِ عَمَلِ الْأُمَّةِ. اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا: السُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ إزَاءَ وَسْطِ الصَّفِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَحَارِيبَ مَا نُصِبَتْ إلَّا وَسْطَ الْمَسَاجِدِ وَهِيَ قَدْ عُيِّنَتْ لِمَقَامِ الْإِمَامِ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُومَ فِي غَيْرِ الْمِحْرَابِ إلَّا لِضَرُورَةٍ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ تَرَكَ الْمِحْرَابَ وَقَامَ فِي غَيْرِهِ يُكْرَهُ وَلَوْ كَانَ قِيَامُهُ وَسْطَ الصَّفِّ لِأَنَّهُ خِلَافُ عَمَلِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْإِمَامِ الرَّاتِبِ دُونَ غَيْرِهِ وَالْمُنْفَرِدِ، فَاغْتَنِمْ هَذِهِ الْفَائِدَةَ فَإِنَّهُ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَلَمْ يُوجَدْ نَصٌّ فِيهَا (قَوْلُهُ لِلنَّهْيِ) وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ فَوْقُ وَيَبْقَى النَّاسُ خَلْفَهُ» ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ لِإِمَامِهِمْ دُكَّانًا بَحْرٌ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ، وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ، إلَّا أَنْ يُوجَدَ صَارِفٌ تَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ. قُلْت: لَعَلَّ الصَّارِفَ تَعْلِيلُ النَّهْيِ بِمَا ذُكِرَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إلَخْ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّصْحِيحَ قَدْ اخْتَلَفَ وَالْأَوْلَى الْعَمَلُ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ اهـ وَكَذَا رَجَّحَهُ فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ لَكِنْ فِيهِ ازْدِرَاءٌ بِالْإِمَامِ حَيْثُ ارْتَفَعَ كُلُّ الْجَمَاعَةِ فَوْقَهُ، أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ أَخَذَ التَّصْحِيحَ تَبَعًا لِلدُّرَرِ مِنْ قَوْلِ الْبَدَائِعِ: جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ، وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ لِعَدَمِ التَّشَبُّهِ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْخَانِيَّةِ قَائِلًا: وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ قَالَ ط: وَلَعَلَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ (قَوْلُهُ وَهَذَا كُلُّهُ) أَيْ الْكَرَاهَةُ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ لَا كَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَوْلِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَكُرِهَ عَكْسُهُ فَقَطْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَجُمُعَةٍ وَعِيدٍ) مِثَالٌ لِلْعُذْرِ، وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ كَزَحْمَةِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ (قَوْلُهُ فَلَوْ قَامُوا إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الْعُذْرِ فِي جُمُعَةٍ وَعِيدٍ. قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّمَا يُكْرَهُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عُذْرٍ، أَمَّا إذَا كَانَ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ إذَا كَانَ الْقَوْمُ عَلَى الرَّفِّ، وَبَعْضُهُمْ عَلَى الْأَرْضِ لِضِيقِ الْمَكَانِ. وَحَكَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 646 أَوْ فِي الْمِحْرَابِ لِضِيقِ الْمَكَانِ لَمْ يُكْرَهْ لَوْ كَانَ مَعَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ فِي الْأَصَحِّ، وَبِهِ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي جَوَامِعِ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ الْعُذْرِ إرَادَةُ التَّعْلِيمِ أَوْ التَّبْلِيغِ كَمَا بُسِطَ فِي الْبَحْرِ وَقَدَّمْنَا كَرَاهَةَ الْقِيَامِ فِي صَفٍّ خَلْفَ صَفٍّ فِيهِ فُرْجَةٌ لِلنَّهْيِ، وَكَذَا الْقِيَامُ مُنْفَرِدًا وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فُرْجَةً بَلْ يَجْذِبُ أَحَدًا مِنْ الصَّفِّ ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ، لَكِنْ قَالُوا فِي زَمَانِنَا تَرْكُهُ أَوْلَى، فَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: يُكْرَهُ وَحْدَهُ إلَّا إذَا لَمْ يَجِدْ فُرْجَةً (وَلُبْسُ ثَوْبٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ) ذِي رُوحٍ،   [رد المحتار] الْحَلْوَانِيُّ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ: لَا يُكْرَهُ وَقِيَامُ الْإِمَامِ فِي الطَّاقِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِأَنْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ عَلَى الْقَوْمِ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْإِمَامُ عَلَى الْأَرْضِ أَيْ وَمَعَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ كَانَ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَانْفِرَادُ الْإِمَامِ عَلَى الدُّكَّانِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: قَيَّدَ بِالِانْفِرَادِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْضُ الْقَوْمِ مَعَ الْإِمَامِ، قِيلَ يُكْرَهُ وَالْأَصَحُّ لَا وَبِهِ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي جَوَامِعِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَغْلَبِ الْأَمْصَارِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ وَإِلَّا كَانَ دَاخِلًا فِيمَا قَبْلَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَمِنْ الْعُذْرِ إلَخْ) أَيْ فِي الِانْفِرَادِ فِي مَكَان مُرْتَفِعٍ، وَهَذَا حَكَاهُ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْحِلْيَةِ مَذْهَبًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَنَّهُ قِيلَ إنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. قُلْت: لَكِنَّ فِي الْمِعْرَاجِ مَا نَصُّهُ: وَبِقَوْلِنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَّا إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ تَعْلِيمَ الْقَوْمِ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ أَوْ أَرَادَ الْمَأْمُومُ تَبْلِيغَ الْقَوْمِ فَحِينَئِذٍ لَا يُكْرَهُ عِنْدَنَا اهـ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ كَمَا يُكْرَهُ انْفِرَادُ الْإِمَامِ فِي مَكَان عَالٍ بِلَا عُذْرٍ يُكْرَهُ انْفِرَادُ الْمَأْمُومِ وَإِنْ وُجِدَتْ طَائِفَةٌ مَعَ الْإِمَامِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا إلَخْ) أَيْ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَصُفُّ الرِّجَالُ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ صَلَّى عَلَى رُفُوفِ الْمَسْجِدِ إنْ وَجَدَ فِي صَحْنِهِ مَكَانًا كُرِهَ كَقِيَامِهِ فِي صَفٍّ خَلْفَ صَفٍّ فِيهِ فُرْجَةٌ اهـ وَلَعَلَّهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَوْلَا الْعُذْرُ الْمَذْكُورُ كَانَ انْفِرَادُ الْمَأْمُومِ مَكْرُوهًا (قَوْلُهُ لَكِنْ قَالُوا إلَخْ) الْقَائِلُ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ فَإِنَّهُ عَزَا إلَى بَعْضِ الْكُتُبِ أَتَى جَمَاعَةً وَلَمْ يَجِدْ فِي الصَّفِّ فُرْجَةً قِيلَ يَقُومُ وَحْدَهُ وَيُعْذَرُ، وَقِيلَ يَجْذِبُ وَاحِدًا مِنْ الصَّفِّ إلَى نَفْسِهِ فَيَقِفُ بِجَنْبِهِ. وَالْأَصَحُّ مَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ إلَى الرُّكُوعِ، فَإِنْ جَاءَ رَجُلٌ وَإِلَّا جَذَبَ إلَيْهِ رَجُلًا أَوْ دَخَلَ فِي الصَّفِّ، ثُمَّ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: وَالْقِيَامُ وَحْدَهُ أَوْلَى فِي زَمَانِنَا لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ عَلَى الْعَوَامّ فَإِذَا جَرَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ قَالَ فِي الْخَزَائِنِ قُلْت: وَيَنْبَغِي التَّفْوِيضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى، فَإِنْ رَأَى مَنْ لَا يَتَأَذَّى لِدِينٍ أَوْ صَدَاقَةٍ زَاحَمَهُ أَوْ عَالِمًا جَذَبَهُ وَإِلَّا انْفَرَدَ. اهـ. قُلْت: وَهُوَ تَوْفِيقٌ حَسَنٌ اخْتَارَهُ ابْنُ وَهْبَانَ فِي شَرْحِ مَنْظُومَتِهِ (قَوْلُهُ فَلِذَا قَالَ إلَخْ) أَيْ فَلَمْ يَذْكُرْ الْجَذْبَ لِمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلُبْسُ ثَوْبٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ غَيْرِهِ تَصَاوِيرُ لِمَا فِي الْمُغْرِبِ: الصُّورَةُ عَامٌّ فِي ذِي الرُّوحِ وَغَيْرِهِ، وَالتِّمْثَالُ خَاصٌّ بِمِثَالِ ذِي الرُّوحِ وَيَأْتِي أَنَّ غَيْرَ ذِي الرُّوحِ لَا يُكْرَهُ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا تُكْرَهُ صُورَةُ الرَّأْسِ، وَفِيهِ خِلَافٌ كَمَا فِي اتِّخَاذِهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْخُلَاصَةِ وَتُكْرَهُ التَّصَاوِيرُ عَلَى الثَّوْبِ صَلَّى فِيهِ أَوْ لَا انْتَهَى، وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةٌ. وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ تَصْوِيرِ الْحَيَوَانِ، وَقَالَ: وَسَوَاءٌ صَنَعَهُ لِمَا يُمْتَهَنُ أَوْ لِغَيْرِهِ، فَصَنْعَتُهُ حَرَامٌ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ فِيهِ مُضَاهَاةَ لِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي ثَوْبٍ أَوْ بِسَاطٍ أَوْ دِرْهَمٍ وَإِنَاءٍ وَحَائِطٍ وَغَيْرِهَا اهـ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَرَامًا لَا مَكْرُوهًا إنْ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ أَوْ قَطْعِيَّةُ الدَّلِيلِ بِتَوَاتُرِهِ اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ مُلَخَّصًا. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فَيَنْبَغِي الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْخُلَاصَةِ فِي تَسْمِيَتِهِ مَكْرُوهًا. قُلْت: لَكِنَّ مُرَادَ الْخُلَاصَةِ اللُّبْسُ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الْمُتُونِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ مَا مَرَّ: أَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَهُوَ يُصَلِّي لَا يُكْرَهُ وَكَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي فِعْلِ التَّصْوِيرِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَتِهِ حُرْمَةُ الصَّلَاةِ فِيهِ بِدَلِيلِ أَنَّ التَّصْوِيرَ يَحْرُمُ؛ وَلَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ صَغِيرَةً كَالَّتِي عَلَى الدِّرْهَمِ أَوْ كَانَتْ فِي الْيَدِ أَوْ مُسْتَتِرَةً أَوْ مُهَانَةً مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ بِذَلِكَ لَا تَحْرُمُ، بَلْ وَلَا تُكْرَهُ لِأَنَّ عِلَّةَ حُرْمَةِ التَّصْوِيرِ الْمُضَاهَاةُ لِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ. وَعِلَّةُ كَرَاهَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 647 وَأَنْ يَكُونَ فَوْقَ رَأْسِهِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ (بِحِذَائِهِ) يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً أَوْ مَحَلَّ سُجُودِهِ (تِمْثَالٌ) وَلَوْ فِي وِسَادَةٍ مَنْصُوبَةٍ لَا مَفْرُوشَةٍ (وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا كَانَ) التِّمْثَالُ (خَلْفَهُ وَالْأَظْهَرُ الْكَرَاهَةُ و) لَا يُكْرَهُ (لَوْ كَانَتْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ) أَوْ مَحَلَّ جُلُوسِهِ لِأَنَّهَا مُهَانَةٌ (أَوْ فِي يَدِهِ) عِبَارَةُ الشُّمُنِّيِّ بَدَنِهِ لِأَنَّهَا مَسْتُورَةٌ بِثِيَابِهِ (أَوْ عَلَى خَاتَمِهِ) بِنَقْشٍ غَيْرِ مُسْتَبِينٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَمُفَادُهُ كَرَاهَةُ الْمُسْتَبِينِ لَا الْمُسْتَتِرِ بِكِيسٍ أَوْ صُرَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ آخَرَ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ (أَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً) لَا تَتَبَيَّنُ تَفَاصِيلُ أَعْضَائِهَا لِلنَّاظِرِ قَائِمًا وَهِيَ عَلَى الْأَرْضِ، ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ (أَوْ مَقْطُوعَةَ الرَّأْسِ أَوْ الْوَجْهِ)   [رد المحتار] الصَّلَاةِ بِهَا التَّشَبُّهُ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا يَأْتِي، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ (قَوْلُهُ فَوْقَ رَأْسِهِ) أَيْ فِي السَّقْفِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ تِمْثَالٌ) أَيْ مَرْسُومٌ فِي جِدَارٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَوْضُوعٌ أَوْ مُعَلَّقٌ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا، أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ الصَّلِيبُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تِمْثَالَ ذِي رَوْحٍ لِأَنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِالنَّصَارَى. وَيُكْرَهُ التَّشَبُّهُ بِهِمْ فِي الْمَذْمُومِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ مَنْصُوبَةٍ) أَيْ بِحَيْثُ لَا تُوطَأُ وَلَا يُتَّكَأُ عَلَيْهَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ عَلَى وِسَادَةٍ مُلْقَاةٍ أَوْ عَلَى بِسَاطٍ مَفْرُوشٍ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهَا تُدَاسُ وَتُوطَأُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْوِسَادَةُ مَنْصُوبَةً أَوْ كَانَتْ عَلَى السِّتْرِ لِأَنَّهَا تَعْظِيمٌ لَهَا (قَوْلُهُ وَالْأَظْهَرُ الْكَرَاهَةُ) لَكِنَّهَا فِيهِ أَيْسَرُ لِأَنَّهُ لَا تَعْظِيمَ فِيهِ وَلَا تَشَبُّهَ مِعْرَاجٌ، وَفِي الْبَحْرِ قَالُوا: وَأَشَدُّهَا كَرَاهَةً مَا يَكُونُ عَلَى الْقِبْلَةِ أَمَامَ الْمُصَلِّي، ثُمَّ مَا يَكُونُ فَوْقَ رَأْسِهِ ثُمَّ مَا يَكُونُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ عَلَى الْحَائِطِ، ثُمَّ مَا يَكُونُ خَلْفَهُ عَلَى الْحَائِطِ أَوْ السِّتْرِ. اهـ. قُلْت: وَكَأَنَّ عَدَمَ التَّعْظِيمِ فِي الَّتِي خَلْفَهُ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى حَائِطٍ أَوْ سِتْرٍ أَنَّ فِي اسْتِدْبَارِهَا اسْتِهَانَةً لَهَا، فَيُعَارِضُ مَا فِي تَعْلِيقِهَا مِنْ التَّعْظِيمِ، بِخِلَافِ مَا عَلَى بِسَاطٍ مَفْرُوشٍ وَلَمْ يَسْجُدْ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا مُسْتَهَانَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ عِلَّةَ الْكَرَاهَةِ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا إمَّا التَّعْظِيمُ أَوْ التَّشَبُّهُ عَلَى خِلَافِ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَا يُكْرَهُ) قَدَّرَ لَا يُكْرَهُ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي لَا لِطُولِ الْفَصْلِ فَيَكُونُ الْآتِي تَأْكِيدًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ) وَكَذَا لَوْ كَانَتْ عَلَى بِسَاطٍ يُوطَأُ أَوْ مُرْفَقَةٍ يُتَّكَأُ عَلَيْهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْمُرْفَقَةُ وِسَادَةٌ الِاتِّكَاءِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ عِبَارَةُ الشُّمُنِّيِّ إلَخْ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَا فِي الْعِبَارَةِ الْأُولَى مِنْ الْإِشْكَالِ، وَهُوَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ تَمْنَعُهُ عَنْ سُنَّةِ الْوَضْعِ هُوَ مَكْرُوهٌ بِغَيْرِ الصُّورَةِ فَكَيْفَ بِهَا؟ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنْ لَا يُمْسِكَهَا بَلْ تَكُونَ مُعَلَّقَةً بِيَدِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَأَرَادَ بِنَحْوِ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَتْ مَرْسُومَةً فِي يَدِهِ وَفِي الْمِعْرَاجِ لَا تُكْرَهُ إمَامَةُ مَنْ فِي يَدِهِ تَصَاوِيرُ لِأَنَّهَا مَسْتُورَةُ بِالثِّيَابِ لَا تَسْتَبِينُ فَصَارَتْ كَصُورَةِ نَقْشِ خَاتَمٍ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَلَوْ كَانَتْ بِالْوَشْمِ وَيُفِيدُ عَدَمُ نَجَاسَتِهِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي آخِرِ بَابِ الْأَنْجَاسِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ غَيْرِ مُسْتَبِينٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَأْتِي فِي تَفْسِيرِ الصَّغِيرِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ التَّعْلِيلِ بِأَنَّهَا مَسْتُورَةٌ (قَوْلُهُ لَا الْمُسْتَتِرُ بِكِيسٍ أَوْ صُرَّةٍ) بِأَنْ صَلَّى وَمَعَهُ صُرَّةٌ أَوْ كِيسٌ فِيهِ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ فِيهَا صُوَرٌ صِغَارٌ فَلَا تُكْرَهُ لِاسْتِتَارِهَا بَحْرٌ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْشُوفَةً تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَ أَنَّ الصَّغِيرَةَ لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَهَا كَمَا يَأْتِي، لَكِنْ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ جَعْلُ الصُّورَةِ فِي الْبَيْتِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ ثَوْبٍ آخَرَ) بِأَنْ كَانَ فَوْقَ الثَّوْبِ الَّذِي فِيهِ صُورَةٌ ثَوْبٌ سَاتِرٌ لَهُ فَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ لِاسْتِتَارِهَا بِالثَّوْبِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا تَتَبَيَّنُ إلَخْ) هَذَا أَضْبَطُ مِمَّا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ قَالَ بِحَيْثُ لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ إلَّا بِتَبَصُّرٍ بَلِيغٍ كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ، أَوْ لَا تَبْدُو لَهُ مِنْ بَعِيدٍ كَمَا فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ قَالَ: لَكِنَّ فِي الْخِزَانَةِ: إنْ كَانَتْ الصُّورَةُ مِقْدَارَ طَيْرٍ يُكْرَهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَصْغَرَ فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ مَقْطُوعَةَ الرَّأْسِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَصْلِ أَوْ كَانَ لَهَا رَأْسٌ وَمُحِيَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَطْعُ بِخَيْطِ خِيطَ عَلَى جَمِيعِ الرَّأْسِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ، أَوْ بَطَلَيْهِ بِمَغْرَةٍ أَوْ بِنَحْتِهِ، أَوْ بِغَسْلِهِ لِأَنَّهَا لَا تُعْبَدُ بِدُونِ الرَّأْسِ عَادَةً وَأَمَّا قَطْعُ الرَّأْسِ عَنْ الْجَسَدِ بِخَيْطٍ مَعَ بَقَاءِ الرَّأْسِ عَلَى حَالِهِ فَلَا يَنْفِي الْكَرَاهَةَ لِأَنَّ مِنْ الطُّيُورِ مَا هُوَ مُطَوَّقٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْقَطْعُ بِذَلِكَ، وَقَيَّدَ بِالرَّأْسِ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِإِزَالَةِ الْحَاجِبِينَ أَوْ الْعَيْنَيْنِ لِأَنَّهَا تُعْبَدُ بِدُونِهَا وَكَذَا لَا اعْتِبَارَ بِقَطْعِ الْيَدَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 648 أَوْ مَمْحُوَّةَ عُضْوٍ لَا تَعِيشُ بِدُونِهِ (أَوْ لِغَيْرِ ذِي رُوحٍ لَا) يُكْرَهُ لِأَنَّهَا لَا تُعْبَدُ وَخَبَرُ جِبْرِيلَ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الْمُهَانَةِ كَمَا بَسَطَهُ ابْنُ الْكَمَالِ: وَاخْتَلَفَ الْمُحَدِّثُونَ فِي امْتِنَاعِ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ بِمَا عَلَى النَّقْدَيْنِ، فَنَفَاهُ عِيَاضٌ، وَأَثْبَتَهُ النَّوَوِيُّ. (وَ) كُرِهَ تَنْزِيهًا (عَدُّ الْآيِ وَالسُّوَرِ وَالتَّسْبِيحِ بِالْيَدِ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا) وَلَوْ نَفْلًا، أَمَّا خَارِجَهَا فَلَا يُكْرَهُ كَعَدِّهِ بِقَلْبِهِ أَوْ بِغَمْزِهِ أَنَامِلَهُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا جَاءَ مِنْ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ.   [رد المحتار] أَوْ الرِّجْلَيْنِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ مَمْحُوَّةَ عُضْوٍ إلَخْ) تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ، وَهَلْ مِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَتْ مَثْقُوبَةَ الْبَطْنِ مَثَلًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الثَّقْبُ كَبِيرًا يَظْهَرُ بِهِ نَقْصُهَا فَنَعَمْ وَإِلَّا فَلَا؛ كَمَا لَوْ كَانَ الثَّقْبُ لِوَضْعِ عَصَا تُمْسَكُ بِهَا كَمِثْلِ صُوَرِ الْخَيَّالِ الَّتِي يُلْعَبُ بِهَا لِأَنَّهَا تَبْقَى مَعَهُ صُورَةً تَامَّةً تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ لِغَيْرِ ذِي رُوحٍ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِلسَّائِلِ " فَإِنْ كُنْت لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاصْنَعْ الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَلَا فَرْقَ فِي الشَّجَرِ بَيْنَ الْمُثْمِرِ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِمُجَاهِدٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَا تُعْبَدُ) أَيْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَحْصُلُ التَّشَبُّهُ. فَإِنْ قِيلَ عُبِدَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْكَوَاكِبُ وَالشَّجَرَةُ الْخَضْرَاءُ. قُلْنَا عُبِدَ عَيْنُهُ لَا تِمْثَالُهُ، فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ اسْتِقْبَالُ عَيْنِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِعْرَاجٌ: أَيْ لِأَنَّهَا عَيْنُ مَا عُبِدَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَوَّرَهَا وَاسْتَقْبَلَ صُورَتَهَا (قَوْلُهُ وَخَبَرُ جِبْرِيلَ إلَخْ) هُوَ قَوْلُهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا يُقَالُ: إنْ كَانَتْ عِلَّةُ الْكَرَاهَةِ فِيمَا مَرَّ كَوْنَ الْمَحَلِّ الَّذِي تَقَعُ فِيهِ الصَّلَاةُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ لِأَنَّ شَرَّ الْبِقَاعِ بُقْعَةٌ لَا تَدْخُلُهَا الْمَلَائِكَةُ يَنْبَغِي أَنْ تُكْرَهَ وَلَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ مُهَانَةً لِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَا صُورَةٌ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ التَّشَبُّهَ بِعِبَادَتِهَا فَلَا تُكْرَهُ إلَّا إذَا كَانَتْ أَمَامَهُ أَوْ فَوْقَ رَأْسِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ؛ وَأَمَّا الثَّانِي فَيُفِيدُ أَشَدِّيَّةَ الْكَرَاهَةِ غَيْرَ أَنَّ عُمُومَ النَّصِّ الْمَذْكُورِ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الْمُهَانَةِ، لِمَا رَوَى ابْنُ حِبَّانَ وَالنَّسَائِيُّ «اسْتَأْذَنَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: اُدْخُلْ فَقَالَ: كَيْفَ أَدْخُلُ وَفِي بَيْتِك سِتْرٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ؟ فَإِنْ كُنْت لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاقْطَعْ رُءُوسَهَا أَوْ اقْطَعْهَا وَسَائِدَ أَوْ اجْعَلْهَا بُسُطًا» نَعَمْ يَرِدُ عَلَى هَذَا مَا إذَا كَانَتْ عَلَى بِسَاطٍ فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ مَعَ أَنَّهَا لَا تَمْنَعُ دُخُولَ الْمَلَائِكَةِ وَلَيْسَ فِيهَا تَشَبُّهٌ لِأَنَّ عَبَدَةَ الْأَصْنَامِ لَا يَسْجُدُونَ عَلَيْهَا، بَلْ يَنْصِبُونَهَا وَيَتَوَجَّهُونَ إلَيْهَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ فِيهَا صُورَةُ التَّشَبُّهِ بِعِبَادَتِهَا حَالَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَتَعْظِيمٌ لَهَا إنْ سَجَدَ عَلَيْهَا اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ، أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْعِلَّةَ إمَّا التَّعْظِيمُ أَوْ التَّشَبُّهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَالتَّعْظِيمُ أَعَمُّ؛ كَمَا لَوْ كَانَتْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَوْ مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَإِنَّهُ لَا تَشَبُّهَ فِيهَا بَلْ فِيهَا تَعْظِيمٌ، وَمَا كَانَ فِيهِ تَعْظِيمٌ وَتَشَبُّهٌ فَهُوَ أَشَدُّ كَرَاهَةً، وَلِهَذَا تَفَاوَتَتْ رُتْبَتُهَا كَمَا مَرَّ وَخَبَرُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعْلُولٌ بِالتَّعْظِيمِ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَغَيْرِهِ، فَعَدَمُ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ كَانَتْ الصُّورَةُ مُعَظَّمَةٌ، وَتَعْلِيلُ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ بِالتَّعْظِيمِ أَوْلَى مِنْ التَّعْلِيلِ بِعَدَمِ الدُّخُولِ لِأَنَّ التَّعْظِيمَ قَدْ يَكُونُ عَارِضًا لِأَنَّ الصُّورَةَ إذَا كَانَتْ عَلَى بِسَاطٍ مَفْرُوشٍ تَكُونُ مُهَانَةً لَا تَمْنَعُ مِنْ الدُّخُولِ، وَمَعَ هَذَا لَوْ صَلَّى عَلَى ذَلِكَ الْبِسَاطِ وَسَجَدَ عَلَيْهَا تُكْرَهُ لِأَنَّ فِعْلَهُ ذَلِكَ تَعْظِيمٌ لَهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَمْتَنِعُ مِنْ الدُّخُولِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ الْعَارِضِ؛ وَأَمَّا مَا فِي الْفَتْحِ عَنْ شَرْحِ عَتَّابٍ مِنْ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ خَلْفَهُ أَوْ تَحْتَ رِجْلَيْهِ لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ، وَلَكِنْ تُكْرَهُ كَرَاهَةَ جَعْلِ الصُّورَةِ فِي الْبَيْتِ لِلْحَدِيثِ، فَظَاهِرُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الدُّخُولِ وَلَوْ مُهَانَةً، وَكَرَاهَةُ جَعْلِهَا فِي بِسَاطٍ مَفْرُوشٍ، وَهُوَ خِلَافُ الْحَدِيثِ الْمُخَصِّصِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فِي امْتِنَاعِ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ) قَيَّدَ بِهِمْ إذْ الْحَفَظَةُ لَا يُفَارِقُونَ الْإِنْسَانَ إلَّا عِنْدَ الْجِمَاعِ وَالْخَلَاءِ كَذَا فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالْحَفَظَةِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ وَاَلَّذِينَ يَحْفَظُونَهُ مِنْ الْجِنِّ نَهْرٌ، وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ فَصْلِ الْقِرَاءَةِ (قَوْلُهُ فَنَفَاهُ عِيَاضٌ) أَيْ وَقَالَ: إنَّ الْأَحَادِيثَ مُخَصَّصَةٌ بَحْرٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ عُلَمَائِنَا، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ مَا لَا يُؤْثَرُ كَرَاهَةً فِي الصَّلَاةِ لَا يُكْرَهُ إبْقَاؤُهُ، وَقَدْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 649 فَرْعٌ] لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ الْمِسْبَحَةِ لِغَيْرِ رِيَاءٍ كَمَا بُسِطَ فِي الْبَحْرِ. (لَا) يُكْرَهُ (قَتْلُ حَيَّةً أَوْ عَقْرَبٍ) إنْ خَافَ الْأَذَى، إذْ الْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ لَنَا، فَالْأَوْلَى تَرْكُ الْحَيَّةِ الْبَيْضَاءِ لِخَوْفِ الْأَذَى (مُطْلَقًا) وَلَوْ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ عَلَى الْأَظْهَرِ، لَكِنْ صَحَّحَ الْحَلَبِيُّ الْفَسَادَ.   [رد المحتار] صَرَّحَ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ الصُّورَةَ الصَّغِيرَةَ لَا تُكْرَهُ فِي الْبَيْتِ. قَالَ: وَنُقِلَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى خَاتَمِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذُبَابَتَانِ اهـ وَلَوْ كَانَتْ تَمْنَعُ دُخُولَ الْمَلَائِكَةِ كُرِهَ إبْقَاؤُهَا فِي الْبَيْتِ لِأَنَّهُ يَكُونُ شَرَّ الْبِقَاعِ، وَكَذَا الْمُهَانَةُ كَمَا مَرَّ، وَهُوَ صَرِيحُ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ " أَوْ اقْطَعْهَا وَسَائِدَ، أَوْ اجْعَلْهَا بُسُطًا " وَأَمَّا مَا مَرَّ عَنْ شَرَحَ عَتَّابٍ، فَقَدْ عَلِمَتْ مَا فِيهِ. [تَنْبِيهٌ] هَذَا كُلُّهُ فِي اقْتِنَاءِ الصُّورَةِ، وَأَمَّا فِعْلُ التَّصْوِيرِ فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مُضَاهَاةٌ لِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا مَرَّ، [خَاتِمَةٌ] قَالَ فِي النَّهْرِ: جَوَّزَ فِي الْخُلَاصَةِ لِمَنْ رَأَى صُورَةً فِي بَيْتِ غَيْرِهِ أَنْ يُزِيلَهَا؛ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ؛ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مُصَوِّرًا فَلَا أَجْرَ لَهُ لِأَنَّ عَمَلَهُ مَعْصِيَةٌ كَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ، وَلَوْ هَدَمَ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ خَالِيًا عَنْهَا. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي بَابِ مُتَفَرِّقَاتِ الْبُيُوعِ مَتْنًا وَشَرْحًا مَا نَصُّهُ (اشْتَرَى ثَوْرًا أَوْ فَرَسًا مِنْ خَزَفٍ لِأَجْلِ اسْتِئْنَاسِ الصَّبِيِّ لَا يَصِحُّ) وَلَا قِيمَةَ لَهُ (فَلَا يَضْمَنُ مُتْلِفُهُ، وَقِيلَ بِخِلَافِهِ) يَصِحُّ وَيَضْمَنُ قُنْيَةٌ، وَفِي آخِرِ حَظْرِ الْمُجْتَبَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ: يَجُوزُ بَيْعُ اللُّعْبَةِ وَأَنْ يَلْعَبَ بِهَا الصِّبْيَانُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ تَنْزِيهًا) كَذَا عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْحِلْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ، ثُمَّ قَالَ: لَكِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ النِّهَايَةِ لَا يُبَاحُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمَكْرُوهَ تَنْزِيهًا غَيْرُ مُبَاحٍ: أَيْ غَيْرُ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ وَاعْتَرَضَهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ الْغَالِبَ إطْلَاقُهُمْ غَيْرَ الْمُبَاحِ عَلَى الْمُحَرَّمِ أَوْ الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ عَلَى مَا ذُكِرَ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الدُّرَرِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، لَكِنْ قَالَ مُحَشِّيَة نُوحٌ أَفَنْدِي: لَمْ أَجِدْ النَّهْيَ عَنْهُ صَرِيحًا فِيمَا عِنْدِي مِنْ الْكُتُبِ اهـ وَلِذَا اقْتَصَرَ غَيْرُهُ عَلَى التَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَلَوْ كَانَ فِيهِ نَهْيٌ خَاصٌّ لَذَكَرُوهُ، نَعَمْ ذُكِرَ فِي الْحِلْيَةِ فِيمَا رَوَاهُ الْأَصْبَهَانِيُّ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عَدِّ الْآيِ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَرَخَّصَ فِي السُّبْحَةِ» أَيْ النَّافِلَةِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: إنْ ثَبَتَ هَذَا تَرَجَّحَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ فِي النَّافِلَةِ، وَإِلَّا تَرَجَّحَ الْقَوْلُ بِعَدَمِهَا مُطْلَقًا مُرَادًا بِهَا التَّنْزِيهِيَّةُ اهـ وَحَيْثُ لَا نَهْيَ ثَابِتٌ يَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ مَا فِي النِّهَايَةِ بِمَا فِي النَّهْرِ، وَلِذَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ بِالْيَدِ) أَيْ بِأَصَابِعِهِ أَوْ بِسُبْحَةٍ يُمْسِكُهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَفْلًا) بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ الصَّاحِبَيْنِ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْفَرَائِضِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي النَّوَافِلِ اتِّفَاقًا، وَقِيلَ فِي النَّوَافِلِ وَلَا خِلَافَ فِي الْكَرَاهَةِ فِي الْفَرَائِضِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ فَلَا يُكْرَهُ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ نَهْرٌ. وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَ النَّوَوِيُّ إسْنَادَهُ عَنْ يُسَيْرَةَ قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَيْكُنَّ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ وَاعْقِدْنَ بِالْأَنَامِلِ فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ، وَلَا تَغْفُلْنَ فَتَنْسَيْنَ الرَّحْمَةَ» " وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ كَعَدِّهِ إلَخْ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ، وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِالْيَدِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: أَمَّا الْغَمْزُ بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ أَوْ الْحِفْظُ بِالْقَلْبِ فَهُوَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ اتِّفَاقًا، وَالْعَدُّ بِاللِّسَانِ مُفْسِد اتِّفَاقًا اهـ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ بِالْقَلْبِ لِإِخْلَالِهِ بِالْخُشُوعِ فَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ [فَرْعٌ لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ الْمِسْبَحَةِ لِغَيْرِ رِيَاءٍ] مَطْلَبٌ الْكَلَامُ عَلَى اتِّخَاذِ الْمِسْبَحَةِ (قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ الْمِسْبَحَةِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ: آلَةُ التَّسْبِيحِ، وَاَلَّذِي فِي الْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ وَالْخَزَائِنِ بِدُونِ مِيمٍ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: السُّبْحَةُ خَرَزَاتٌ مَنْظُومَةٌ، وَهُوَ يُقْتَضَى كَوْنَهَا عَرَبِيَّةً. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: كَلِمَةٌ مُوَلَّدَةٌ، وَجَمْعُهَا مِثْلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 650 (وَ) لَا يُكْرَهُ (صَلَاةٌ إلَى ظَهْرِ قَاعِدٍ) أَوْ قَائِمٍ وَلَوْ (يَتَحَدَّثُ) إلَّا إذَا خِيفَ الْغَلَطُ بِحَدِيثِهِ (و) لَا إلَى (مُصْحَفٍ   [رد المحتار] غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ. اهـ. وَالْمَشْهُورُ شَرْعًا إطْلَاقُ السُّبْحَةِ بِالضَّمِّ عَلَى النَّافِلَةِ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: لِأَنَّهُ يُسَبَّحُ فِيهَا. وَدَلِيلُ الْجَوَازِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحَ الْإِسْنَادِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ «أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى أَوْ حَصًى تُسَبِّحُ بِهِ فَقَالَ: أُخْبِرُك بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْك مِنْ هَذَا أَوْ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ؛ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مِثْل ذَلِكَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ مِثْلُ ذَلِكَ» : فَلَمْ يَنْهَهَا عَنْ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا أَرْشَدَهَا إلَى مَا هُوَ أَيْسَرُ وَأَفْضَلُ وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَبَيَّنَ لَهَا ذَلِكَ، وَلَا يَزِيدُ السُّبْحَةُ عَلَى مَضْمُونِ هَذَا الْحَدِيثِ إلَّا بِضَمِّ النَّوَى فِي خَيْطٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يَظْهَرُ تَأْثِيرُهُ فِي الْمَنْعِ، فَلَا جَرَمَ أَنْ نُقِلَ اتِّخَاذُهَا وَالْعَمَلُ بِهَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصُّوفِيَّةِ الْأَخْيَارِ وَغَيْرِهِمْ؛ اللَّهُمَّ إلَّا إذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ فَلَا كَلَامَ لَنَا فِيهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا يَشْهَدُ لِأَفْضَلِيَّةِ هَذَا الذِّكْرِ الْمَخْصُوصِ عَلَى ذِكْرٍ مُجَرَّدٍ عَنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ وَلَوْ تَكَرَّرَ يَسِيرًا كَذَا فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ لَا يُكْرَهُ قَتْلُ حَيَّةٍ أَوْ عَقْرَبٍ) لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «اُقْتُلُوا الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ الْحَيَّةُ وَالْعَقْرَبُ» " نَهْرٌ وَأَمَّا قَتْلُ الْقَمْلَةِ وَالْبُرْغُوثِ فَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ إنْ خَافَ الْأَذَى) أَيْ بِأَنْ مَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَخَافَ الْأَذَى وَإِلَّا فَيُكْرَهُ نِهَايَةٌ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْحِلْيَةِ: وَيُسْتَحَبُّ قَتْلُ الْعَقْرَبِ بِالنَّعْلِ الْيُسْرَى إنْ أَمْكَنَ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد كَذَلِكَ وَيُقَاسَ عَلَيْهِ الْحَيَّةُ (قَوْلُهُ إذْ الْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لِمَ لَمْ يَكُنْ قَتْلُهُمَا مُسْتَحَبًّا لِلْأَمْرِ بِالْقَتْلِ. ط (قَوْلُهُ فَالْأَوْلَى إلَخْ) أَيْ حَيْثُ كَانَ الْأَمْرُ بِالْقَتْلِ لِمَنْفَعَتِنَا، فَمَا يُخْشَى مِنْهُ الْأَذَى الْأَوْلَى تَرْكُهُ وَهُوَ قَتْلُ الْحَيَّةِ الْبَيْضَاءِ الَّتِي تَمْشِي مُسْتَوِيَةً لِأَنَّهَا جَانٌّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، «اُقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْحَيَّةَ الْبَيْضَاءَ فَإِنَّهَا مِنْ الْجِنِّ» ، كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الْكُلِّ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهِدَ مَعَ الْجِنِّ أَنْ لَا يَدْخُلُوا بُيُوتَ أُمَّتِهِ، فَإِذَا دَخَلُوا فَقَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ» وَالْأَوْلَى هُوَ الْإِعْذَارُ وَالْإِنْذَارُ، فَيُقَالُ: ارْجِعْ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَإِنْ أَبِي قَتَلَهُ اهـ يَعْنِي الْإِنْذَارَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ بَحْرٌ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَوَافَقَ الطَّحَاوِيَّ غَيْرُ وَاحِدٍ آخِرُهُمْ شَيْخُنَا، يَعْنِي ابْنُ الْهُمَامِ فَقَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّ الْحِلَّ ثَابِتٌ إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى الْإِمْسَاكُ عَمَّا فِيهِ عَلَامَةُ الْجِنِّ لَا لِلْحُرْمَةِ بَلْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْمُتَوَهَّمِ مِنْ جِهَتِهِمْ. اهـ. وَالطُّفْيَتَانِ: بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ الْخَطَّانِ الْأَسْوَدَانِ عَلَى ظَهْرِ الْحَيَّةِ وَالْأَبْتَرِ: الْأَفْعَى، قِيلَ هُوَ جِنْسُ كَأَنَّهُ مَقْطُوعُ الذَّنْبِ، وَقِيلَ صِنْفٌ أَزْرَقُ مَقْطُوعُ الذَّنْبِ إذَا نَظَرَتْ إلَيْهِ الْحَامِلُ أَلْقَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ) كَذَا قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ، وَقَالَ لِأَنَّهُ عَمَلٌ رُخِّصَ فِيهِ لِلْمُصَلِّي، فَهُوَ كَالْمَشْيِ بَعْدَ الْحَدَثِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَكِنْ صَحَّحَ الْحَلَبِيُّ الْفَسَادَ) حَيْثُ قَالَ تَبَعًا لِابْنِ الْهُمَامِ: فَالْحَقُّ فِيمَا يَظْهَرُ هُوَ الْفَسَادُ، وَالْأَمْرُ بِالْقَتْلِ لَا يَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ مَعَ وُجُودِهِ كَمَا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، بَلْ الْأَمْرُ فِي مِثْلِهِ لِإِبَاحَةِ مُبَاشَرَتِهِ وَإِنْ كَانَ مُفْسِدًا لِلصَّلَاةِ. اهـ. وَنُقِلَ كَلَامُ ابْنِ الْهُمَامِ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَأَقَرُّوهُ عَلَيْهِ، وَقَالُوا: إنَّ مَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ رَدَّهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ عَامَّةُ رُوَاةِ شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَمَبْسُوطُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّ الْكَثِيرَ لَا يُبَاحُ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَى ظَهْرِ قَاعِدٍ إلَخْ) قَيَّدَ بِالظَّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ الْوَجْهِ فَإِنَّهَا تُكْرَهُ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ، وَفِي قَوْلِهِ يَتَحَدَّثُ إيمَاءً إلَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ لَوْ لَمْ يَتَحَدَّثْ بِالْأَوْلَى، وَلِذَا زَادَ الشَّارِحُ " وَلَوْ " وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: أَفَادَ بِهِ نَفْيَ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ بِحَضْرَةِ الْمُتَحَدِّثِينَ، وَكَذَا بِحَضْرَةِ النَّائِمِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 651 أَوْ سَيْفٍ مُطْلَقًا أَوْ شَمَعٍ أَوْ سِرَاجٍ أَوْ نَارٍ تُوقَدُ) ، لِأَنَّ الْمَجُوسَ إنَّمَا تَعْبُدُ الْجَمْرَ لَا النَّارَ الْمُوقَدَةَ قُنْيَةٌ (أَوْ عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ إنْ لَمْ يَسْجُدْ عَلَيْهَا) لِمَا مَرَّ [فُرُوعٌ] يُكْرَهُ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ وَالِاعْتِجَارُ وَالتَّلَثُّمُ وَالتَّنَخُّمُ وَكُلُّ عَمَلٍ قَلِيلٍ بِلَا عُذْرٍ؛ كَتَعَرُّضٍ لِقَمْلَةٍ قَبْلَ الْأَذَى،   [رد المحتار] وَمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُصَلُّوا خَلَفَ نَائِمٍ وَلَا مُتَحَدِّثٍ» فَضَعِيفٌ. وَصَحَّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ كُلِّهَا وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ» ، رَوَيَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهَا كَانَتْ نَائِمَةً، وَمَا فِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «نُهِيتُ أَنْ أُصَلِّيَ إلَى النِّيَامِ وَالْمُتَحَدَّثِينَ» " فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ لَهُمْ أَصْوَاتٌ يُخَافُ مِنْهَا التَّغْلِيطُ أَوْ الشَّغْلُ، وَفِي النَّائِمِينَ إذَا خَافَ ظُهُورَ شَيْءٍ يُضْحِكُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ مُعَلَّقًا أَوْ غَيْرَ مُعَلَّقٍ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مُعَلَّقٌ غَيْرُ قَيْدٍ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَجْهُ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ أَنَّ كَرَاهَةَ اسْتِقْبَالِ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ بِاعْتِبَارِ التَّشَبُّهِ بِعُبَّادِهَا وَالْمُصْحَفُ وَالسَّيْفُ لَمْ يَعْبُدْهُمَا أَحَدٌ، وَاسْتِقْبَالُ أَهْلِ الْكِتَابِ لِلْمُصْحَفِ لِلْقِرَاءَةِ مِنْهُ لَا لِلْعِبَادَةِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُهُ لِلْقِرَاءَةِ، وَلِذَا قَيَّدَ بِكَوْنِهِ مُعَلَّقًا وَكَوْنُ السَّيْفِ آلَةُ الْحَرْبِ مُنَاسِبٌ لِحَالِ الِابْتِهَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهَا حَالُ الْمُحَارَبَةِ مَعَ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ، وَعَنْ هَذَا سُمِّيَ الْمِحْرَابُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ شَمَعٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى الْأَوْجَهِ وَالسُّكُونُ ضَعِيفٌ مَعَ أَنَّهُ الْمُسْتَعْمَلُ قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، وَعَدَمُ الْكَرَاهَةِ هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَيَنْبَغِي الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ فِيمَا لَوْ كَانَ عَلَى جَانِبَيْهِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ بَحْرٌ: أَيْ فِي حَقِّ الْإِمَامِ؛ أَمَّا الْمُقَابِلُ لَهَا مِنْ الْقَوْمِ فَتَلْحَقُهُ الْكَرَاهَةُ عَلَى مُقَابِلِ الْمُخْتَارِ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَجُوسَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِلثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ ط (قَوْلُهُ قُنْيَةٌ) ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الْقُنْيَةِ فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ. وَنَصُّهُ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ شَمَعٌ أَوْ سِرَاجٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْبُدْهُمَا أَحَدٌ وَالْمَجُوسُ يَعْبُدُونَ الْجَمْرَ لَا النَّارَ الْمُوقَدَةَ، حَتَّى قِيلَ لَا يُكْرَهُ إلَى النَّارِ الْمُوقَدَةِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُوقَدَةِ الَّتِي لَهَا لَهَبٌ، لَكِنْ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: تُكْرَهُ إلَى شَمَعٍ أَوْ سِرَاجٍ كَمَا لَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ كَانُونٌ فِيهِ جَمْرٌ أَوْ نَارٌ مُوقَدَةٌ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْمُوقَدَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا كَمَا فِي الْجَمْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ كَوْنُهَا مُهَانَةً ح [فُرُوعٌ اشْتِمَالُ الصَّلَاة عَلَى الصَّمَّاءِ وَالِاعْتِجَارُ وَالتَّلَثُّمُ وَالتَّنَخُّمُ وَكُلُّ عَمَلٍ قَلِيلٍ بِلَا عُذْرٍ] (قَوْلُهُ يُكْرَهُ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ) لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْهَا، وَهِيَ أَنْ يَأْخُذَ بِثَوْبِهِ فَيُخَلِّلَ بِهِ جَسَدَهُ كُلَّهُ مِنْ رَأْسِهِ إلَى قَدَمِهِ وَلَا يَرْفَعَ جَانِبًا يُخْرِجُ يَدَهُ مِنْهُ؛ سُمِّيَ بِهِ لِعَدَمِ مَنْفَذٍ يُخْرِجُ مِنْهُ يَدَهُ كَالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ وَقِيلَ أَنْ يَشْتَمِلَ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَيْهِ إزَارٌ، وَهُوَ اشْتِمَالُ الْيَهُودِ زَيْلَعِيٌّ. وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ بِالنَّهْيِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ كَمَا مَرَّ فِي نَظَائِرِهِ (قَوْلُهُ وَالِاعْتِجَارُ) لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ، وَهُوَ شَدُّ الرَّأْسِ، أَوْ تَكْوِيرُ عِمَامَتِهِ عَلَى رَأْسِهِ وَتَرْكُ وَسَطِهِ مَكْشُوفًا وَقِيلَ أَنْ يَتَنَقَّبَ بِعِمَامَتِهِ فَيُغَطِّيَ أَنْفَهُ إمَّا لِلْحَرِّ أَوْ لِلْبَرْدِ أَوْ لِلتَّكَبُّرِ إمْدَادٌ، وَكَرَاهَتُهُ تَحْرِيمِيَّةٌ أَيْضًا لِمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَالتَّلَثُّمُ) وَهُوَ تَغْطِيَةُ الْأَنْفِ وَالْفَمِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ فِعْلَ الْمَجُوسِ حَالَ عِبَادَتِهِمْ النِّيرَانَ زَيْلَعِيٌّ. وَنَقَلَ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَالتَّنَخُّمُ) هُوَ إخْرَاجُ النُّخَامَةِ بِالنَّفَسِ الشَّدِيدِ لِغَيْرِ عُذْرٍ. وَحُكْمُهُ كَالتَّنَحْنُحِ فِي تَفْصِيلِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَيْ فَإِنْ كَانَ بِلَا عُذْرٍ وَخَرَجَ بِهِ حَرْفَانِ أَوْ أَكْثَرُ أَفْسَدَ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالتَّخَتُّمُ، وَالْمُرَادُ بِهِ لَيْسَ الْخَاتَمُ فِي الصَّلَاةِ بِعَمَلٍ قَلِيلٍ (قَوْلُهُ وَكُلُّ عَمَلٍ قَلِيلٍ إلَخْ) تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَثِيرِ (قَوْلُهُ كَتَعَرُّضٍ. لِقَمْلَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيُكْرَهُ قَتْلُ الْقَمْلِ عِنْدَ الْإِمَامِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْقَتْلُ أَحَبُّ إلَيَّ، وَأَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَعَلَّ الْإِمَامَ إنَّمَا اخْتَارَ الدَّفْنَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنَزُّهِ عَنْ إصَابَةِ الدَّمِ يَدَ الْقَاتِلِ أَوْ ثَوْبَهُ وَإِنْ كَانَ مَعْفُوًّا عَنْهُ، هَذَا إذَا تَعَرَّضَتْ الْقَمْلَةُ وَنَحْوُهَا بِالْأَذَى وَإِلَّا كُرِهَ الْأَخْذُ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ؛ أَمَّا فِيهِ فَلَا بَأْسَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 وَتَرْكُ كُلِّ سُنَّةٍ وَمُسْتَحَبٍّ، وَحَمْلُ الطِّفْلِ، وَمَا وَرَدَ نُسِخَ بِحَدِيثِ «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» .   [رد المحتار] بِالْقَتْلِ بِشَرْطِ تَعَرُّضِهَا لَهُ بِالْأَذَى، وَلَا يَطْرَحُهَا فِي الْمَسْجِدِ بِطَرِيقِ الدَّفْنِ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَظْفَرُ بِهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَبِهَذَا التَّفْصِيلُ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا سَبَقَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَدْفِنُهَا فِي الصَّلَاةِ أَيْ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، وَبَيْنَ مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَوْ دَفَنَهَا فِي الْمَسْجِدِ أَسَاءَ. اهـ. وَفِي الْإِمْدَادِ عَنْ الْيَنْبُوعِ لِلسُّيُوطِيِّ عَنْ ابْنِ الْعِمَادِ طَرْحُ الْقَمْلِ فِي الْمَسْجِدِ، إنْ كَانَ مَيِّتًا حَرُمَ لِنَجَاسَتِهِ، وَإِنْ كَانَ حَيًّا فَفِي كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ كَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبًا لَهُ بِالْجُوعِ، بِخِلَافِ الْبُرْغُوثِ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ التُّرَابَ، وَعَلَى هَذَا يَحْرُمُ طَرْحُ الْقَمْلِ حَيًّا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَيْضًا. اهـ. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي كُتُبِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلْقَاءُ قِشْرِ الْقَمْلَةِ فِي الْمَسْجِدِ. اهـ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ الْعِلَّةَ تَقْذِيرُ الْمَسْجِدِ وَإِلَّا فَالْمُصَرَّحُ بِهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً إذَا مَاتَ فِي الْمَاءِ لَا يُنَجِّسُهُ. مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ السُّنَّةِ وَالْمُسْتَحَبِّ وَالْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَتَرْكُ كُلِّ سُنَّةٍ وَمُسْتَحَبٍّ) السُّنَّةُ قِسْمَانِ: سُنَّةُ هَدْيٍ وَهِيَ الْمُؤَكَّدَةُ وَسُنَّةُ زَوَائِدَ. وَالْمُسْتَحَبُّ غَيْرُهُ وَهُوَ الْمَنْدُوبُ، أَوْ هُمَا قِسْمَانِ. وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ سُنَّةً وَقَدَّمْنَا تَحْقِيقَ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَعَلَى بِسَاطٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ: الْحَاصِلُ أَنَّ السُّنَّةَ إنْ كَانَتْ مُؤَكَّدَةً قَوِيَّةً لَا يَبْعُدُ كَوْنُ تَرْكِهَا مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُؤَكَّدَةٍ فَتَرْكُهَا مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا. وَأَمَّا الْمُسْتَحَبُّ أَوْ الْمَنْدُوبُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ تَرْكُهُ أَصْلًا، لِقَوْلِهِمْ، يُسْتَحَبُّ يَوْمَ الْأَضْحَى أَنْ لَا يَأْكُلَ أَوَّلًا إلَّا مِنْ أُضْحِيَّتِهِ؛ وَلَوْ أَكَلَ مِنْ غَيْرِهَا لَمْ يُكْرَهْ، فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ الْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا مَرْجِعُهُ إلَى خِلَافِ الْأَوْلَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَرْكَ الْمُسْتَحَبِّ خِلَافُ الْأَوْلَى. اهـ. أَقُولُ: لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ عِنْدَ مَسْأَلَةِ الْأَكْلِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ إذْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ خَاصٍّ اهـ وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي التَّحْرِيرِ الْأُصُولِيِّ، بِأَنَّ خِلَافَ الْأَوْلَى مَا لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ نَهْيٍ كَتَرْكِ صَلَاةِ الضُّحَى بِخِلَافِ الْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ خِلَافَ الْأَوْلَى أَعَمُّ، فَكُلُّ مَكْرُوهٍ تَنْزِيهًا خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَا عَكْسَ لِأَنَّ خِلَافَ الْأَوْلَى قَدْ لَا يَكُونُ مَكْرُوهًا حَيْثُ لَا دَلِيلَ خَاصَّ كَتَرْكِ صَلَاةِ الضُّحَى. وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ كَوْنَ تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ رَاجِعًا إلَى خِلَافِ الْأَوْلَى لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا إلَّا بِنَهْيٍ خَاصٍّ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَحَمْلُ الطِّفْلِ) أَيْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ (قَوْلُهُ وَمَا وَرَدَ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ هُوَ أَنَّهُ: كَيْفَ يَكُونُ مَكْرُوهًا وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَاذَا قَامَ حَمَلَهَا» " وَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ: مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحَدِيثِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ حَدِيثَ «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَقِصَّةُ أُمَامَةَ بَعْدَهَا وَمِنْهَا مَا فِي الْبَدَائِعِ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُكْرَهْ مِنْهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لِعَدَمِ مَنْ يَحْفَظُهَا، أَوْ لِلتَّشْرِيعِ بِالْفِعْلِ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُفْسِدٍ، وَمِثْلُهُ أَيْضًا فِي زَمَانِنَا لَا يُكْرَهُ لِوَاحِدٍ مِنَّا فِعْلُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ، أَمَّا بِدُونِهَا فَمَكْرُوهٌ. اهـ. وَقَدْ أَطَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي الْحِلْيَةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ كَوْنَهُ لِلتَّشْرِيعِ بِالْفِعْلِ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يُعْدَلُ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ بِالْفِعْلِ أَقْوَى مِنْ الْقَوْلِ، فَفِعْلُهُ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَإِنَّ الْآدَمِيَّ طَاهِرٌ، وَمَا فِي جَوْفِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ لِكَوْنِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 وَيُبَاحُ قَطْعُهَا لِنَحْوِ قَتْلِ حَيَّةٍ، وَنَدِّ دَابَّةٍ، وَفَوْرِ قِدْرٍ، وَضَيَاعِ مَا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ. وَيُسْتَحَبُّ لِمُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ، وَلِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ إنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ وَقْتٍ أَوْ جَمَاعَةٍ وَيَجِبُ لِإِغَاثَةِ مَلْهُوفٍ وَغَرِيقٍ وَحَرِيقٍ، لَا لِنِدَاءِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ بِلَا اسْتِغَاثَةٍ   [رد المحتار] فِي مَعْدِنِهِ؛ وَأَنَّ ثِيَابَ الْأَطْفَالِ - وَأَجْسَادِهِمْ طَاهِرَةٌ حَتَّى تَتَحَقَّقَ نَجَاسَتُهَا، وَأَنَّ الْأَفْعَالَ إذَا لَمْ تَكُنْ مُتَوَالِيَةً لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَضْلًا عَنْ الْفِعْلِ الْقَلِيلِ - إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَتَمَامُهُ فِيهِ. [تَتِمَّةٌ] بَقِيَ فِي الْمَكْرُوهَاتِ أَشْيَاءُ أُخَرُ ذَكَرَهَا فِي الْمُنْيَةِ وَنُورِ الْإِيضَاحِ وَغَيْرِهِمَا: مِنْهَا الصَّلَاةُ بِحَضْرَةِ مَا يَشْغَلُ الْبَالَ وَيُخِلُّ بِالْخُشُوعِ كَزِينَةٍ وَلَهْوٍ وَلَعِبٍ، وَلِذَلِكَ كُرِهَتْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ تَمِيلُ إلَيْهِ نَفْسُهُ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْحَجِّ قُبَيْلَ بَابِ الْقُرْآنِ يُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي جَعْلُ نَحْوِ نَعْلِهِ خَلْفَهُ لِشَغْلِ قَلْبِهِ. وَمِنْهَا مَا فِي الْخَزَائِنِ تَغْطِيَةُ الْأَنْفِ وَالْفَمِ، وَالْهَرْوَلَةُ لِلصَّلَاةِ، وَالِاتِّكَاءُ عَلَى حَائِطٍ أَوْ عَصًا فِي الْفَرْضِ بِلَا عُذْرٍ لَا فِي النَّفْلِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَرَفْعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَالرَّفْعُ مِنْهُ، وَمَا رُوِيَ مِنْ الْفَسَادِ شَاذٌّ وَإِتْمَامُ الْقِرَاءَةِ رَاكِعًا وَالْقِرَاءَةُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْقِيَامِ؛ وَرَفْعِ الرَّأْسِ وَوَضْعِهِ قَبْلَ الْإِمَامِ، وَالصَّلَاةُ فِي مَظَانِّ النَّجَاسَةِ كَمَقْبَرَةٍ وَحَمَّامٍ؛ إلَّا إذَا غَسَلَ مَوْضِعًا مِنْهُ وَلَا تِمْثَالَ؛ أَوْ صَلَّى فِي مَوْضِعِ نَزْعِ الثِّيَابِ، أَوْ كَانَ فِي الْمَقْبَرَةِ مَوْضِعٌ أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ وَلَا قَبْرَ وَلَا نَجَاسَةَ فَلَا بَأْسَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. اهـ. وَتَقَدَّمَ تَمَامُ هَذَا فِي بَحْثِ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي جِهَةِ قَبْرٍ إلَّا إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى صَلَاةَ الْخَاشِعِينَ وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَيْهِ كَمَا فِي جَنَائِزِ الْمُضْمَرَاتِ. (قَوْلُهُ وَيُبَاحُ قَطْعُهَا) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ فَرْضًا كَمَا فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ لِنَحْوِ قَتْلِ حَيَّةٍ) أَيْ بِأَنْ يَقْتُلَهَا بِعَمَلٍ كَثِيرٍ، بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ تَصْحِيحِ الْفَسَادِ بِهِ (قَوْلُهُ وَنَدِّ دَابَّةٍ) أَيْ هَرَبِهَا، وَكَذَا لِخَوْفِ ذِئْبٍ عَلَى غَنْمٍ نُورُ الْإِيضَاحِ (قَوْلُهُ وَفَوْرِ قِدْرٍ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ فَوَاتِ مَا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ؛ سَوَاءٌ كَانَ مَا فِي الْقِدْرِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَضَيَاعِ مَا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الرِّوَايَاتِ: لِأَنَّ مَا دُونَهُ حَقِيرٌ فَلَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ لِأَجْلِهِ؛ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ فِي الْكَفَالَةِ أَنَّ الْحَبْسَ بِالدَّانَقِ يَجُوزُ، فَقَطْعُ الصَّلَاةِ أَوْلَى، وَهَذَا فِي مَالِ الْغَيْرِ، أَمَّا فِي مَالِهِ لَا يَقْطَعُ. وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ فِيهِمَا اهـ وَتَمَامُهُ فِي الْإِمْدَادِ وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ التَّقْيِيدُ بِالدِّرْهَمِ (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لِمُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ) كَذَا فِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ وَنُورِ الْإِيضَاحِ، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَزَائِنِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ، مِنْ أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ يَشْغَلُهُ أَيْ يَشْغَلُ قَلْبَهُ عَنْ الصَّلَاةِ وَخُشُوعِهَا فَأَتَمَّهَا يَأْثَمُ لِأَدَائِهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْقَطْعَ وَاجِبٌ لَا مُسْتَحَبٌّ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْمَارُّ «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ حَاقِنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ» اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَشْغَلْهُ. لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُسَوِّغًا فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت الشُّرُنْبُلَالِيُّ بَعْدَ مَا صَرَّحَ بِنَدْبِ الْقَطْعِ كَمَا هُنَا قَالَ: وَقَضِيَّةُ الْحَدِيثِ تُوجِبُهُ (قَوْلُهُ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ) عِبَارَتُهُ فِي الْخَزَائِنِ وَلِإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ غَيْرِ مَانِعَةٍ لِاسْتِحْبَابِ الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَمَا هُنَا أَعَمُّ لِشُمُولِهِ لِنَحْوِ مَا إذَا مَسَّتْهُ امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَخَفْ إلَخْ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ لِلْخُرُوجِ إلَخْ. وَأَمَّا قَطْعُهَا لِمُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ فَقَدَّمْنَا عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ يَقْطَعُهَا وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ كَمَا يَقْطَعُهَا لِغَسْلِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ) الظَّاهِرُ مِنْهُ الِافْتِرَاضُ ط (قَوْلُهُ لِإِغَاثَةِ مَلْهُوفٍ) سَوَاءٌ اسْتَغَاثَ بِالْمُصَلِّي أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا فِي اسْتِغَاثَتِهِ إذَا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ خَوْفُ تَرَدِّي أَعْمَى فِي بِئْرٍ مَثَلًا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ سُقُوطُهُ إمْدَادٌ (قَوْلُهُ لَا لِنِدَاءِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ إلَخْ) الْمُرَادُ بِهِمَا الْأُصُولُ وَإِنْ عَلَوَا، وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّهُ نَفْيٌ لِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ فَيَصْدُقُ مَعَ بَقَاءِ النَّدْبِ وَالْجَوَازِ ط. قُلْت: لَكِنَّ ظَاهِرَ الْفَتْحِ أَنَّهُ نَفْيٌ لِلْجَوَازِ. وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْإِمْدَادِ بِقَوْلِهِ أَيْ لَا قَطْعِهَا بِنِدَاءِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ مِنْ غَيْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 654 إلَّا فِي النَّفْلِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُصَلِّي لَا بَأْسَ أَنْ لَا يُجِيبَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَجَابَهُ (وَيُكْرَهُ) تَحْرِيمًا (اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ) وَلَوْ (فِي الْخَلَاءِ) بِالْمَدِّ: بَيْتُ التَّغَوُّطِ، وَكَذَا اسْتِدْبَارُهَا (فِي الْأَصَحِّ كَمَا كُرِهَ) لِبَالِغٍ (إمْسَاكُ صَبِيٍّ) لِيَبُولَ (نَحْوَهَا، و) كَمَا كُرِهَ (مَدُّ رِجْلَيْهِ فِي نَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَيْهَا) أَيْ عَمْدًا لِأَنَّهُ إسَاءَةُ أَدَبٍ قَالَهُ مُنْلَا نَاكِيرٌ (أَوْ إلَى مُصْحَفٍ أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ عَنْ   [رد المحتار] اسْتِغَاثَةٍ وَطَلَبِ إعَانَةً لِأَنَّ قَطْعَهَا لَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: هَذَا فِي الْفَرْضِ، وَإِنْ كَانَ فِي نَافِلَةٍ إنْ عَلِمَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ وَنَادَاهُ لَا بَأْسَ أَنْ لَا يُجِيبَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ يُجِيبُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا فِي النَّفْلِ) أَيْ فَيُجِيبُهُ وُجُوبًا وَإِنْ لَمْ يَسْتَغِثْ لِأَنَّهُ لِيمَ عَابِدُ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى تَرْكِهِ الْإِجَابَةَ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا مَعْنَاهُ. لَوْ كَانَ فَقِيهًا لَأَجَابَ أُمَّهُ، وَهَذَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يُصَلِّي. فَإِنْ عَلِمَ لَا تَجِبَ الْإِجَابَةُ. لَكِنَّهَا أَوْلَى كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ لَا بَأْسَ إلَخْ. فَقَوْلُهُ فَإِنْ عَلِمَ تَفْصِيلُ الْحُكْمِ الْمُسْتَثْنَى ط، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ (لَا بَأْس) هُنَا لِدَفْعِ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ عَلَيْهِ بَأْسًا فِي عَدَمِ الْإِجَابَةِ وَكَوْنُهُ عُقُوقًا فَلَا يُفِيدُ أَنَّ الْإِجَابَةَ أَوْلَى. وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي بَابِ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْكَرَاهَةِ فِي الصَّلَاةِ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا خَارِجَهَا مِمَّا هُوَ مِنْ تَوَابِعِهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ تَحْرِيمًا) لِمَا أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» " وَلِهَذَا كَانَ الْأَصَحُّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ كَرَاهَةَ الِاسْتِدْبَارِ كَالِاسْتِقْبَالِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ) يَعُمُّ قُبُلَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِبْلَةِ جِهَتُهَا كَمَا فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْمَارِّ وَأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْفَرْجِ يُفِيدُ مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَلَهَا بِصَدْرِهِ وَحَوَّلَ ذَكَرَهُ عَنْهَا لَمْ يُكْرَهْ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أَنَّ الْمَكْرُوهَ الِاسْتِقْبَالُ أَوْ الِاسْتِدْبَارُ لِأَجْلِ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ، فَلَوْ لِلِاسْتِنْجَاءِ لَمْ يُكْرَهْ: أَيْ تَحْرِيمًا. وَفِي النِّهَايَةِ: وَلَوْ غَفَلَ عَنْ ذَلِكَ وَجَلَسَ يَقْضِي حَاجَتَهُ ثُمَّ وَجَدَ نَفْسَهُ كَذَلِكَ فَلَا بَأْسَ، لَكِنْ إنْ أَمْكَنَهُ الِانْحِرَافُ يَنْحَرِفُ فَإِنَّهُ عَدَّ ذَلِكَ مِنْ مُوجِبَاتِ الرَّحْمَةِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا بَأْسَ. اهـ وَكَأَنَّهُ سَقَطَ الْوُجُوبُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ لِسُقُوطِهِ ابْتِدَاءً بِالنِّسْيَانِ وَلِخَشْيَةِ التَّلَوُّثِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أَيْضًا كَرَاهَةُ اسْتِقْبَالِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ أَيْ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْآيَاتِ الْبَاهِرَاتِ، وَلِمَا مَعَهُمَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ كَمَا فِي السِّرَاجِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهِ تَنْزِيهِيَّةٌ مَا لَمْ يَرِدْ نَهْيٌ خَاصٌّ وَأَنَّ الْمُرَادَ اسْتِقْبَالُ عَيْنِهِمَا لَا جِهَتِهِمَا وَلَا ضَوْئِهِمَا وَتَقَدَّمَ تَمَامُ ذَلِكَ كُلِّهِ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ كَمَا كُرِهَ لِبَالِغٍ) الظَّاهِرُ مِنْهُ التَّحْرِيمُ ط (قَوْلُهُ إمْسَاكُ صَبِيٍّ لِيَبُولَ نَحْوَهَا) أَيْ جِهَتَهَا لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْبَالِغِ أَنْ يَفْعَلَ بِالصَّغِيرِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الصَّغِيرِ فِعْلُهُ إذَا بَلَغَ، وَلِذَا يَحْرُمُ عَلَى أَبِيهِ أَنْ يُلْبِسَهُ حَرِيرًا أَوْ حُلِيًّا لَوْ كَانَ ذَكَرًا أَوْ يَسْقِيَهُ خَمْرًا وَنَحْوَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ مَدُّ رِجْلَيْهِ) أَوْ رِجْلٍ وَاحِدَةٍ وَمِثْلُ الْبَالِغِ الصَّبِيُّ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ ط (قَوْلُهُ أَيْ عَمْدًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَمَّا بِالْعُذْرِ أَوْ السَّهْوِ فَلَا ط. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إسَاءَةُ أَدَبٍ) أَفَادَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ ط، لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ الرَّحْمَتِيُّ فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ أَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ بِمَدِّ الرِّجْلِ إلَيْهَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ. قَالَ: وَهَذَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ) مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُصْحَفِ وَالْكُتُبِ؛ أَمَّا الْقِبْلَةُ فَهِيَ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ (قَوْلُهُ مُرْتَفِعٌ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الِارْتِفَاعُ قَلِيلًا ط قُلْت: أَيْ بِمَا تَنْتَفِي بِهِ الْمُحَاذَاةُ عُرْفًا، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ، فَإِنَّهُ فِي الْبُعْدِ لَا تَنْتَفِي بِالِارْتِفَاعِ الْقَلِيلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعَ الْبُعْدِ الْكَثِيرِ لَا كَرَاهَةَ مُطْلَقًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ غَلْقُ بَابِ الْمَسْجِدِ) الْأَفْصَحُ إغْلَاقُ، لِمَا فِي الْقَامُوسِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 655 الْمُحَاذَاةِ) فَلَا يُكْرَهُ قَالَهُ الْكَمَالُ (وَ) كَمَا كُرِهَ (غَلْقُ بَابِ الْمَسْجِدِ) إلَّا لِخَوْفٍ عَلَى مَتَاعِهِ بِهِ يُفْتَى. (وَ) كُرِهَ تَحْرِيمًا (الْوَطْءُ فَوْقَهُ، وَالْبَوْلُ وَالتَّغَوُّطُ) لِأَنَّهُ مَسْجِدٌ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ (وَاِتِّخَاذُهُ طَرِيقًا بِغَيْرِ عُذْرٍ) وَصَرَّحَ فِي الْقُنْيَةِ بِفِسْقِهِ بِاعْتِيَادِهِ (وَإِدْخَالُ نَجَاسَةٍ فِيهِ) وَعَلَيْهِ (فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِدُهْنٍ نَجِسٍ فِيهِ) وَلَا تَطْيِينُهُ بِنَجِسٍ (وَلَا الْبَوْلُ) وَالْفَصْدُ (فِيهِ وَلَوْ فِي إنَاءٍ) وَيَحْرُمُ إدْخَالُ صِبْيَانٍ وَمَجَانِينَ حَيْثُ غَلَبَ تَنْجِيسُهُمْ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ   [رد المحتار] غَلَقَ الْبَابَ يَغْلِقُهُ لُغَيَّةٌ رَدِيئَةٌ فِي أَغْلَقَهُ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنَّمَا كُرِهَ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَنْعَ مَعَ الصَّلَاةِ، قَالَ تَعَالَى - {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة: 114]- وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ جَهْلُ بَعْضِ مُدَرِّسِي زَمَانِنَا مِنْ مَنْعِهِمْ مَنْ يُدَرِّسُ فِي مَسْجِدٍ تَقَرَّرَ فِي تَدْرِيسِهِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ إلَّا لِخَوْفٍ عَلَى مَتَاعِهِ) هَذَا أَوْلَى مِنْ التَّقْيِيدِ بِزَمَانِنَا لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى خَوْفِ الضَّرَرِ، فَإِنْ ثَبَتَ فِي زَمَانِنَا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ ثَبَتَ كَذَلِكَ إلَّا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، أَوْ لَا فَلَا، أَوْ فِي بَعْضِهَا فَفِي بَعْضِهَا، كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْعِنَايَةِ: وَالتَّدَبُّرُ فِي الْغَلْقِ لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ، فَإِنَّهُمْ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَجَعَلُوهُ مُتَوَلِّيًا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي يَكُونُ مُتَوَلِّيًا انْتَهَى بَحْرٌ وَنَهْرٌ (قَوْلُهُ الْوَطْءُ فَوْقَهُ) أَيْ الْجِمَاعُ خَزَائِنُ؛ أَمَّا الْوَطْءُ فَوْقَهُ بِالْقَدَمِ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ إلَّا فِي الْكَعْبَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، لِقَوْلِهِمْ بِكَرَاهَةِ الصَّلَاةِ فَوْقَهَا. ثُمَّ رَأَيْت الْقُهُسْتَانِيُّ نَقَلَ عَنْ الْمُفِيدِ كَرَاهَةَ الصُّعُودِ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ اهـ وَيَلْزَمُهُ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ أَيْضًا فَوْقَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَسْجِدٌ) عِلَّةٌ لِكَرَاهَةِ مَا ذُكِرَ فَوْقَهُ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلِهَذَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ مَنْ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ بِمَنْ فِيهِ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَى الْإِمَامِ. وَلَا يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِالصُّعُودِ إلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ؛ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَوَقَفَ عَلَى سَطْحِهَا يَحْنَثُ اهـ (قَوْلُهُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَكَذَا إلَى تَحْتِ الثَّرَى كَمَا فِي الْبِيرِيِّ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ. بَقِيَ لَوْ جَعَلَ الْوَاقِفُ تَحْتَهُ بَيْتًا لِلْخَلَاءِ هَلْ يَجُوزُ كَمَا فِي مَسْجِدِ مَحَلَّةِ الشَّحْمِ فِي دِمَشْقَ؟ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا، نَعَمْ سَيَأْتِي مَتْنًا فِي كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ تَحْتَهُ سِرْدَابًا بِالْمُصَالَحَةِ جَازَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَاِتِّخَاذُهُ طَرِيقًا) فِي التَّعْبِيرِ بِالِاتِّخَاذِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَفْسُقُ بِمَرَّةٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَلِذَا عَبَّرَ فِي الْقُنْيَةِ بِالِاعْتِيَادِ نَهْرٌ. وَفِي الْقُنْيَةِ: دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمَّا تَوَسَّطَهُ نَدِمَ، قِيلَ يَخْرُجُ مِنْ بَابٍ غَيْرِ الَّذِي قَصَدَهُ، وَقِيلَ يُصَلِّي ثُمَّ يَتَخَيَّرُ فِي الْخُرُوجِ، وَقِيلَ إنْ كَانَ مُحْدِثًا يَخْرُجُ مِنْ حَيْثُ دَخَلَ إعْدَامًا لِمَا جَنَى اهـ. (قَوْلُهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ) فَلَوْ بِعُذْرٍ جَازَ، وَيُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ مَرَّةً بَحْرٌ عَلَى الْخُلَاصَةِ: أَيْ إذَا تَكَرَّرَ دُخُولُهُ تَكْفِيه التَّحِيَّةُ مَرَّةً (قَوْله بِفِسْقِهِ) يَخْرُجُ عَنْهُ بِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ وَإِنْ لَمْ يَمْكُثْ ط عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ (قَوْلُهُ وَإِدْخَالُ نَجَاسَةٍ فِيهِ) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ: وَإِدْخَالُ نَجَاسَةٍ فِيهِ يُخَافُ مِنْهَا التَّلْوِيثُ. اهـ. وَمُفَادُهُ الْجَوَازُ لَوْ جَافَّةً، لَكِنْ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: لَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ مَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ إلَخْ) زَادَ لَفْظُ عَلَيْهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ فَلَا يَجُوزُ لَيْسَ بِمُصَرَّحٍ بِهِ فِي كُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ؛ وَإِنَّمَا بَنَاهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ إدْخَالِ النَّجَاسَةِ الْمَسْجِدَ، وَجَعَلَهُ مُقَيِّدًا لِقَوْلِهِمْ: إنَّ الدُّهْنَ النَّجِسَ يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَا تُطَيِّبْنَهُ بِنَجِسٍ) فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: يُكْرَهُ أَنَّ يُطَيَّنَ الْمَسْجِدُ بِطِينٍ قَدْ بُلَّ بِمَاءٍ نَجِسٍ؛ بِخِلَافِ السِّرْقِينِ إذَا جُعِلَ فِيهِ الطِّينُ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرُورَةً، وَهُوَ تَحْصِيلُ غَرَضٍ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ، كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْفَصْدُ) ذَكَرَهُ فِي الْأَشْبَاهِ بَحْثًا، فَقَالَ: وَأَمَّا الْفَصْدُ فِيهِ فِي إنَاءٍ فَلَمْ أَرَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا فَرْقَ اهـ: أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَوْلِ، وَكَذَا لَا يُخْرِجُ فِيهِ الرِّيحَ مِنْ الدُّبُرِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ. وَاخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ؛ فَقِيلَ لَا بَأْسَ، وَقِيلَ يُخْرِجُ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ حَمَوِيٌّ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلتُّمُرْتَاشِيِّ (قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ إلَخْ) لِمَا أَخْرَجَهُ الْمُنْذِرِيُّ " مَرْفُوعًا «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ، وَبَيْعَكُمْ وَشِرَاءَكُمْ، وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ، وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ، وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ، وَجَمِّرُوهَا فِي الْجُمَعِ، وَاجْعَلُوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ» " بَحْرٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 656 وَيَنْبَغِي لِدَاخِلِهِ تَعَاهُدُ نَعْلِهِ وَخُفِّهِ، وَصَلَاتُهُ فِيهِمَا أَفْضَلُ (لَا) يُكْرَهُ مَا ذُكِرَ (فَوْقَ بَيْتٍ) جُعِلَ (فِيهِ مَسْجِدٌ) بَلْ وَلَا فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ شَرْعًا. (وَ) أَمَّا (الْمُتَّخَذُ لِصَلَاةِ جِنَازَةٍ أَوْ عِيدٍ) فَهُوَ (مَسْجِدٌ فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ) وَإِنْ انْفَصَلَ الصُّفُوفُ رِفْقًا بِالنَّاسِ (لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ) بِهِ يُفْتَى نِهَايَةٌ (فَحَلَّ دُخُولُهُ لِجُنُبٍ وَحَائِضٍ) كَفِنَاءِ مَسْجِدٍ وَرِبَاطٍ وَمَدْرَسَةٍ وَمَسَاجِدَ حِيَاضٍ وَأَسْوَاقٍ لَا قَوَارِعَ.   [رد المحتار] وَالْمَطَاهِرُ جَمْعُ مِطْهَرَةٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَالْفَتْحُ لُغَةٌ: وَهُوَ كُلُّ إنَاءٍ يُتَطَهَّرُ بِهِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَالْمُرَادُ بِالْحُرْمَةِ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ لِظَنِّيَّةِ الدَّلِيلِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى - {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [البقرة: 125]- الْآيَةُ فَيَحْتَمِلُ الطَّهَارَةَ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ تَأَمَّلْ؛ وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ أَيْ تَنْزِيهًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَصَلَاتُهُ فِيهِمَا) أَيْ فِي النَّعْلِ وَالْخُفِّ الطَّاهِرَيْنِ أَفْضَلُ مُخَالَفَةً لِلْيَهُودِ تَتَارْخَانِيَّةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ " «صَلُّوا فِي نِعَالِكُمْ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَامِزًا لِصِحَّتِهِ. وَأَخَذَ مِنْهُ جَمْعٌ مِنْ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَلَوْ كَانَ يَمْشِي بِهَا فِي الشَّوَارِعِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحْبَهُ كَانُوا يَمْشُونَ بِهَا فِي طُرُقِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ يُصَلُّونَ بِهَا قُلْت: لَكِنْ إذَا خَشِيَ تَلْوِيثَ فُرُشِ الْمَسْجِدِ بِهَا يَنْبَغِي عَدَمُهُ وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرَةً. وَأَمَّا الْمَسْجِدُ النَّبَوِيُّ فَقَدْ كَانَ مَفْرُوشًا بِالْحَصَى فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِهِ فِي زَمَانِنَا، وَلَعَلَّ ذَلِكَ مَحْمَلُ مَا فِي عُمْدَةِ الْمُفْتِي مِنْ أَنَّ دُخُولَ الْمَسْجِدِ مُتَنَعِّلًا مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا يُكْرَهُ مَا ذَكَرَ) أَيْ مِنْ الْوَطْءِ وَالْبَوْلِ وَالتَّغَوُّطِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَوْقَ بَيْتٍ إلَخْ) أَيْ فَوْقَ مَسْجِدِ الْبَيْتِ: أَيْ مَوْضِعِ أُعِدَّ لِلسُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ، بِأَنْ يُتَّخَذَ لَهُ مِحْرَابٌ وَيُنَظَّفُ وَيُطَيَّبُ كَمَا أَمَرَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذَا مَنْدُوبٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ وَغَيْرِهِ قُهُسْتَانِيٌّ، فَهُوَ كَمَا لَوْ بَال عَلَى سَطْحِ بَيْتٍ فِيهِ مُصْحَفٌ وَذَلِكَ لَا يُكْرَهُ كَمَا فِي جَامِعِ الْبُرْهَانِيِّ مِعْرَاجٌ. (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى. نِهَايَةٌ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ: وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنَّهُ مَسْجِدٌ فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ إلَخْ، لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْوَطْءُ وَالْبَوْلُ وَالتَّخَلِّي فِيهِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ الْبَانِيَ لَمْ يَعُدَّهُ لِذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ وَإِنْ حَكَمْنَا بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَسْجِدٍ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي حَقِّ بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ، وَحَلَّ دُخُولُهُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ. اهـ. وَمُقَابِلُ هَذَا الْمُخْتَارِ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ فِي مُصَلَّى الْجِنَازَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ أَصْلًا، وَمَا صَحَّحَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ أَنَّ مُصَلَّى الْعِيدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسَاجِدِ، وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ كَفِنَاءِ مَسْجِدٍ) هُوَ الْمَكَانُ الْمُتَّصِلُ بِهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ طَرِيقٌ، فَهُوَ كَالْمُتَّخَذِ لِصَلَاةِ جِنَازَةٍ أَوْ عِيدٍ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ وَحِلِّ دُخُولٍ لِجُنُبٍ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي آخِرِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَرِبَاطٍ) هُوَ مَا يُبْنَى لِسُكْنَى فُقَرَاءِ الصُّوفِيَّةِ، وَيُسَمَّى الْخَانْقَاهْ وَالتَّكِيَّةَ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَدْرَسَةٍ) مَا يُبْنَى لِسُكْنَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ وَيُجْعَلُ لَهَا مُدَرِّسُ وَمَكَانٌ لِلدَّرْسِ، لَكِنْ إذَا كَانَ فِيهَا مَسْجِدٌ فَحُكْمُهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ. فَفِي وَقْفِ الْقُنْيَةِ: الْمَسَاجِدُ الَّتِي فِي الْمَدَارِسِ مَسَاجِدُ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا، وَإِذَا أُغْلِقَتْ يَكُونُ فِيهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِهَا. اهـ وَفِي الْخَانِيَّةِ: دَارٌ فِيهَا مَسْجِدٌ لَا يَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ، إنْ كَانَتْ الدَّارُ لَوْ أُغْلِقَتْ كَانَ لَهُ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ فِيهَا فَهُوَ مَسْجِدُ جَمَاعَةٍ تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْمَسْجِدِ مِنْ حُرْمَةِ الْبَيْعِ وَالدُّخُولِ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَانُوا لَا يَمْعَنُونَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ اهـ (قَوْلُهُ وَمَسَاجِدِ حِيَاضٍ) مَسْجِدُ الْحَوْضِ مِصْطَبَةٌ يَجْعَلُونَهَا بِجَنْبِ الْحَوْضِ، حَتَّى إذَا تَوَضَّأَ أَحَدٌ مِنْ الْحَوْضِ صَلَّى فِيهَا. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَأَسْوَاقٍ) أَيْ غَيْرِ نَافِذَةٍ يَجْعَلُونَ مِصْطَبَةً لِلصَّلَاةِ فِيهَا ح وذَلِكَ كَالَّتِي تُجْعَلُ فِي خَانِ التُّجَّارِ (قَوْلُهُ قَوَارِعَ) أَيْ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ كَالْمَذْكُورَاتِ، قَالَ فِي أَوَاخِرِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْمَسَاجِدُ الَّتِي عَلَى قَوَارِعِ الطُّرُقِ لَيْسَ لَهَا جَمَاعَةٌ رَاتِبَةٌ فِي حُكْمِ الْمَسْجِدِ، لَكِنْ لَا يَعْتَكِفُ فِيهَا. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 (وَلَا بَأْسَ بِنَقْشِهِ خَلَا مِحْرَابَهُ) فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ يُلْهِي الْمُصَلِّي. وَيُكْرَه التَّكَلُّفُ بِدَقَائِقِ النُّقُوشِ وَنَحْوِهَا خُصُوصًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ قَالَهُ الْحَلَبِيُّ. وَفِي حَظْرِ الْمُجْتَبَى: وَقِيلَ يُكْرَهُ فِي الْمِحْرَابِ دُونَ السَّقْفِ وَالْمُؤَخَّرِ انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِحْرَابِ جِدَارُ الْقِبْلَةِ فَلْيُحْفَظْ (بِجِصٍّ وَمَاءِ ذَهَبٍ) لَوْ (بِمَالِهِ) الْحَلَالِ (لَا مِنْ مَالِ الْوَقْفِ) فَإِنَّهُ حَرَامٌ (وَضَمِنَ مُتَوَلِّيه لَوْ فَعَلَ) النَّقْشَ أَوْ الْبَيَاضَ إلَّا إذَا خِيفَ طَمَعُ الظُّلْمَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَافِي، وَإِلَّا إذَا كَانَ لِإِحْكَامِ الْبِنَاءِ أَوْ الْوَاقِفُ فَعَلَ مِثْلَهُ لِقَوْلِهِمْ: إنَّهُ يَعْمُرُ الْوَقْفَ كَمَا كَانَ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. [فُرُوعٌ] أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ مَكَّةُ، ثُمَّ الْمَدِينَةُ، -   [رد المحتار] مَطْلَبٌ: كَلِمَةُ (لَا بَأْسَ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ غَيْرُهُ لِأَنَّ الْبَأْسَ الشِّدَّةُ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ إلَخْ) فِي هَذَا التَّعْبِيرِ كَمَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُؤْجَرُ، وَيَكْفِيه أَنْ يَنْجُوَ رَأْسًا بِرَأْسٍ. اهـ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ لِأَنَّ لَفْظَ لَا بَأْسَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْبَأْسَ الشِّدَّةُ اهـ وَلِهَذَا قَالَ فِي حَظْرِ الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ: وَالصَّرْفُ إلَى الْفُقَرَاءِ أَفْضَلُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَقِيلَ يُكْرَهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُزَيَّنَ الْمَسَاجِدُ» ، الْحَدِيثُ. وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُلْهِي الْمُصَلِّي) أَيْ فَيُخِلُّ بِخُشُوعِهِ مِنْ النَّظَرِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَنَحْوِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ فِي مُسْتَحَبَّاتِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ يَنْبَغِي الْخُشُوعُ فِيهَا، وَيَكُونُ مُنْتَهَى بَصَرِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ إلَخْ وَكَذَا صَرَّحَ فِي الْأَشْبَاهِ أَنَّ الْخُشُوعَ فِي الصَّلَاةِ مُسْتَحَبٌّ. وَالظَّاهِرُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْكَرَاهَةَ هُنَا تَنْزِيهِيَّةٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ التَّكَلُّفُ إلَخْ) تَخْصِيصٌ لِمَا فِي الْمَتْنِ مِنْ نَفْيِ الْبَأْسِ بِالنَّقْشِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعِنْدَنَا لَا بَأْسَ بِهِ، وَمَحْمَلُ الْكَرَاهَةِ التَّكَلُّفُ بِدَقَائِقِ النُّقُوشِ وَنَحْوِهِ خُصُوصًا فِي الْمِحْرَابِ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهَا) كَأَخْشَابٍ ثَمِينَةٍ وَبَيَاضٍ بِنَحْوِ سِبِيدَاجَ اهـ ط (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ إلَخْ) أَيْ ظَاهِرُ التَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ يُلْهِي، وَكَذَا إخْرَاجُ السَّقْفِ وَالْمُؤَخَّرِ، فَإِنَّ سَبَبَهُ عَدَمُ الْإِلْهَاءِ، فَيُفِيدُ أَنَّ الْمَكْرُوهَ جِدَارُ الْقِبْلَةِ بِتَمَامِهِ لِأَنَّ عِلَّةَ الْإِلْهَاءِ لَا تَخُصُّ الْإِمَامَ، بَلْ بَقِيَّةُ أَهْلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ كَذَلِكَ، وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَكَرِهَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا النَّقْشَ عَلَى الْمِحْرَابِ وَحَائِطِ الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ يَشْغَلُ قَلْبَ الْمُصَلِّي اهـ وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي حَائِطِ الْمَيْمَنَةِ أَوْ الْمَيْسَرَةِ لِأَنَّهُ يُلْهِي الْقَرِيبَ مِنْهُ (قَوْلُهُ لَوْ بِمَالِهِ الْحَلَالِ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: أَمَّا لَوْ أَنْفَقَ فِي ذَلِكَ مَالًا خَبِيثًا وَمَالًا سَبَبُهُ الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ فَيُكْرَهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ إلَّا الطَّيِّبَ، فَيُكْرَهُ تَلْوِيثُ بَيْتِهِ بِمَا لَا يَقْبَلُهُ. اهـ. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا خِيفَ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ اجْتَمَعَتْ عِنْدَهُ أَمْوَالُ الْمَسْجِدِ وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْعِبَارَةِ، وَإِلَّا فَيَضْمَنُهَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ: وَقَيَّدُوا بِالْمَسْجِدِ إذْ نَقْشُ غَيْرِهِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ إلَّا إذَا كَانَ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ تَزِيدُ الْأُجْرَةُ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَأَرَادُوا مِنْ الْمَسْجِدِ دَاخِلَهُ فَيُفِيدُ أَنَّ تَزْيِينَ خَارِجِهِ مَكْرُوهٌ؛ وَأَمَّا مِنْ مَالِ الْوَقْفِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُتَوَلِّي فِعْلَهُ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ، خُصُوصًا إذَا قَصَدَ بِهِ حِرْمَانَ أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ كَمَا شَاهَدْنَا فِي زَمَانِنَا [فُرُوعٌ أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ] مَطْلَبٌ فِي أَفْضَلِ الْمَسَاجِدِ (قَوْلُهُ أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ مَكَّةُ) أَيْ مَسْجِدُ مَكَّةَ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ إلَى قَوْلِهِ الْأَقْدَمُ ح. وَفِي تَسْهِيلِ الْمَقَاصِدِ لِلْعَلَّامَةِ أَحْمَدْ بْنِ الْعِمَادِ أَنَّ أَفْضَلَ مَسَاجِدِ الْأَرْضِ الْكَعْبَةُ لِأَنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ، ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْمُحِيطُ بِهَا لِأَنَّهُ أَقْدَمُ مَسْجِدٍ بِمَكَّةَ ثُمَّ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا تَعْدِلُ أَلْفَ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» حَمَوِيٌّ مُلَخَّصًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 658 ثُمَّ الْقُدْسُ، ثُمَّ قُبَا، ثُمَّ الْأَقْدَمُ، ثُمَّ الْأَعْظَمُ؛ ثُمَّ الْأَقْرَبُ، وَمَسْجِدُ أُسْتَاذِهِ لِدَرْسِهِ أَوْ لِسَمَاعِ الْأَخْبَارِ أَفْضَلُ اتِّفَاقًا؛ وَمَسْجِدُ حَيِّهِ أَفْضَلُ مِنْ الْجَامِعِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَا أُلْحِقَ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ مُلْحَقٌ بِهِ فِي الْفَضِيلَةِ، نَعَمْ تَحَرِّي الْأَوَّلِ أَوْلَى، وَهُوَ مِائَةٌ فِي مِائَةِ ذِرَاعٍ، ذَكَرَهُ مُنْلَا عَلِيٌّ فِي شَرْحِ لُبَابِ الْمَنَاسِكِ. وَيَحْرُمُ فِيهِ السُّؤَالُ، وَيُكْرَهُ الْإِعْطَاءُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ إنْ تَخَطَّى   [رد المحتار] وَفِي الْبِيرِيِّ: وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي فِيهِ الْمُضَاعَفَةُ الْمَذْكُورَةُ؛ فَقِيلَ بِقَاعُ الْحَرَامِ، وَقِيلَ الْكَعْبَةُ وَمَا فِي الْحِجْرِ مِنْ الْبَيْتِ، وَقِيلَ الْكَعْبَةُ وَمَا حَوْلَهَا مِنْ الْمَسْجِدِ؛ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَقَالَ إنَّهُ الظَّاهِرُ. وَقَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ: وَلَا يَخْتَصُّ التَّضْعِيفُ بِالْمَسْجِدِ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَلْ يَشْمَلُ جَمِيعَ مَا زِيدَ فِيهِ، بَلْ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَعُمُّ جَمِيعَ مَكَّةَ بَلْ جَمِيعَ حَرَمِهَا الَّذِي يَحْرُمُ صَيْدُهُ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ انْتَهَى مَا أَفَادَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا مُحَمَّدُ بْنُ ظَهِيرَةَ الْقُرَشِيُّ الْحَنَفِيُّ الْمَكِّيُّ اهـ مُلَخَّصًا: [تَنْبِيهٌ] هَذِهِ الْمُضَاعَفَةُ خَاصَّةٌ بِالْفَرْضِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ أَحَدِكُمْ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَإِلَّا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنه وَبَيْنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، كَذَا حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ الْمَالِكِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ عَنْ غَايَةِ السُّرُوجِيِّ، وَتَمَامُهُ فِيهَا (قَوْلُهُ ثُمَّ الْقُدْسُ) لِأَنَّهُ أَحَدُ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي لَا تُشَدُّ الرِّحَالِ إلَّا إلَيْهَا وَالْمَنْصُوصُ عَلَى الْمُضَاعَفَةِ فِيهَا (قَوْلُهُ ثُمَّ قُبَا) بِالْقَصْرِ وَالْمَدِّ مُنْصَرِفٌ وَغَيْرُ مُنْصَرِفٍ وَالْقَافُ مَضْمُومَةٌ ط لِأَنَّهُ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَقْدَمُ ثُمَّ الْأَعْظَمُ) كَذَا فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْأَجْنَاسِ. وَاَلَّذِي فِي الْبَحْرِ بَعْدَ الْقُدْسِ: ثُمَّ الْجَوَامِعُ، ثُمَّ مَسَاجِدُ الْمَحَالِّ، ثُمَّ مَسَاجِدُ الشَّوَارِعِ لِأَنَّهَا أَخَفُّ رُتْبَةً لِأَنَّهُ لَا يُعْتَكَفُ فِيهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا إمَامٌ مَعْلُومٌ وَمُؤَذِّنٌ، ثُمَّ مَسَاجِدُ الْبُيُوتِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِيهَا إلَّا لِلنِّسَاءِ. اهـ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: مَسَاجِدُ الشَّوَارِعِ هِيَ الَّتِي بُنِيَتْ فِي الصَّحَارِي مِمَّا لَيْسَ لَهَا مُؤَذِّنٌ وَإِمَامٌ رَاتِبَانِ كَمَا فِي الْجَلَّابِي. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ بُعْدَ الْقُدْسِ الْجَوَامِعُ: أَيْ الْمَسَاجِدُ الْكَبِيرَةُ الْجَامِعَةُ لِلْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ، لَكِنَّ الْأَقْدَمَ مِنْهَا أَفْضَلُ كَمَسْجِدِ قُبَا، ثُمَّ الْأَعْظَمُ: أَيْ الْأَكْثَرُ جَمَاعَةً فَالْأَعْظَمُ، ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ. وَفِي آخِرِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا مَرَّ عَنْ الْأَجْنَاسِ: ثُمَّ الْأَقْدَمُ أَفْضَلُ لِسَبْقِهِ حُكْمًا، إلَّا إذَا كَانَ الْحَادِثُ أَقْرَبَ إلَى بَيْتِهِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ حِينَئِذٍ لِسَبْقِهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ. وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ وَمُنْيَةِ الْمُفْتِي وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْأَقْدَمَ أَفْضَلُ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقِدَمِ فَالْأَقْرَبُ؛ وَلَوْ اسْتَوَيَا فِيهِمَا وَقَوْمُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ، فَإِنْ كَانَ فَقِيهًا يُقْتَدَى بِهِ يَذْهَبُ لِلْأَقَلِّ جَمَاعَةً تَكْثِيرًا لَهَا بِسَبَبِهِ وَإِلَّا تَخَيَّرَ. وَالْأَفْضَلُ اخْتِيَارُ الَّذِي إمَامُهُ أَفْقَهُ وَأَصْلَحُ، وَمَسْجِدُ حَيِّهِ وَإِنْ قَلَّ جَمْعُهُ أَفْضَلُ مِنْ الْجَامِعِ وَإِنْ كَثُرَ جَمْعُهُ اهـ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِي تَقْدِيمِ الْأَقْدَمِ عَلَى الْأَقْرَبِ خِلَافًا، لَكِنَّ عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ هَكَذَا: وَإِذَا كَانَ فِي مَنْزِلِهِ مَسْجِدَانِ يَذْهَبُ إلَى مَا كَانَ أَقْدَمَ إلَخْ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي مَسْجِدِ الْحَيِّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَفْضَلُ اتِّفَاقًا) أَيْ مِنْ الْأَقْدَمِ وَمَا بَعْدَهُ لِإِحْرَازِهِ فَضِيلَتَيْ الصَّلَاةِ وَالسَّمَاعِ ط (قَوْلُهُ وَمَسْجِدُ حَيِّهِ أَفْضَلُ مِنْ الْجَامِعِ) أَيْ الَّذِي جَمَاعَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَسْجِدِ الْحَيِّ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَالثَّانِي الْعَكْسُ؛ وَمَا هُنَا جَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ كَمَا مَرَّ، وَكَذَا فِي الْمُصَفَّى وَالْخَانِيَّةِ، بَلْ فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لِمَسْجِدِ مَنْزِلِهِ مُؤَذِّنٌ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ فِيهِ وَيُصَلِّي وَلَوْ كَانَ وَحْدَهُ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا عَلَيْهِ فَيُؤَدِّيه (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ مُسْتَوْفًى عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ قُبَيْلَ بَحْثِ الْقِبْلَةِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إنْ تَخَطَّى) هُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِي الْحَظْرِ حَيْثُ قَالَ: فَرْعٌ يُكْرَهُ إعْطَاءُ سَائِلٍ الْمَسْجِدِ إلَّا إذَا لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ فِي الْمُخْتَارِ لِأَنَّ عَلِيًّا تَصَدَّقَ بِخَاتَمِهِ فِي الصَّلَاةِ فَمَدَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 659 وَإِنْشَادُ ضَالَّةٍ أَوْ شِعْرٍ إلَّا مَا فِيهِ ذِكْرٌ وَرَفْعُ صَوْتٍ بِذِكْرٍ إلَّا لِلْمُتَفَقِّهَةِ وَالْوُضُوءُ فِيمَا أُعِدَّ لِذَلِكَ وَغَرْسُ الْأَشْجَارِ إلَّا لِنَفْعٍ   [رد المحتار] {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55]- ط (قَوْلُهُ وَإِنْشَادُ ضَالَّةٍ) هِيَ الشَّيْءُ الضَّائِعُ وَإِنْشَادُهَا السُّؤَالُ عَنْهَا. وَفِي الْحَدِيثِ «إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ» . مَطْلَبٌ فِي إنْشَادِ الشِّعْرِ (قَوْلُهُ أَوْ شِعْرٍ إلَخْ) قَالَ فِي الضِّيَاءِ الْمَعْنَوِيِّ: الْعِشْرُونَ أَيْ مِنْ آفَاتِ اللِّسَانِ الشِّعْرُ سُئِلَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «كَلَامٌ حَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ» وَمَعْنَاهُ أَنَّ الشِّعْرَ كَالنَّثْرِ يُحْمَدُ حِينَ يُحْمَدُ وَيُذَمُّ حِينَ يُذَمُّ. وَلَا بَأْسَ بِاسْتِمَاعِ نَشِيدِ الْأَعْرَابِ، وَهُوَ إنْشَادُ الشِّعْرِ مِنْ غَيْرِ لَحْنٍ. وَيَحْرُمُ هَجْوُ مُسْلِمٍ وَلَوْ بِمَا فِيهِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» فَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْوَعْظِ وَالْحِكَمِ وَذِكْرِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَةِ الْمُتَّقِينَ فَهُوَ حَسَنٌ، وَمَا كَانَ مِنْ ذِكْرِ الْأَطْلَالِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأُمَمِ فَمُبَاحٌ، وَمَا كَانَ مِنْ هَجْوٍ وَسُخْفٍ فَحَرَامٌ، وَمَا كَانَ مِنْ وَصْفِ الْخُدُودِ وَالْقُدُودِ وَالشُّعُورِ فَمَكْرُوهٌ كَذَا فَصَّلَهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ، وَمَنْ كَثُرَ إنْشَادُهُ وَإِنْشَاؤُهُ حِينَ تَنْزِلُ بِهِ مُهِمَّاتُهُ وَيَجْعَلُهُ مَكْسَبَةً لَهُ تَنْقُصُ مُرُوءَتُهُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ. اهـ. وَقَدَّمْنَا بَقِيَّةَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ قَبْلَ رَسْمِ الْمُفْتِي، هَذَا، وَقَدْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ مَجْمَعِ الْآثَارِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ تُنْشَدَ الْأَشْعَارُ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنْ تُبَاعَ فِيهِ السِّلَعُ، وَأَنْ يُتَحَلَّقَ فِيهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ» ، ثُمَّ وَفَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا وَرَدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَ لِحَسَّانَ مِنْبَرًا يَنْشُدُ عَلَيْهِ الشِّعْرَ» ، بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَهْجُوهُ بِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا فِيهِ ضَرَرٌ، أَوْ عَلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ مَنْ فِيهِ مُتَشَاغِلًا بِهِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ النَّهْيُ عَنْ الْبَيْعِ فِيهِ هُوَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ كَالسُّوقِ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْهَ عَلِيًّا عَنْ خَصْفِ النَّعْلِ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ النَّاسُ لِخَصْفِ النِّعَالِ فِيهِ كَرِهَ فَكَذَلِكَ الْبَيْعُ وَإِنْشَادُ الشِّعْرِ، وَالتَّحَلُّقُ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَمَا غَلَبَ عَلَيْهِ كُرِهَ وَمَا لَا فَلَا. اهـ. مَطْلَبٌ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ (قَوْلُهُ وَرَفْعُ صَوْتٍ بِذِكْرٍ إلَخْ) أَقُولُ: اضْطَرَبَ كَلَامُ صَاحِبِ الْبَزَّازِيَّةِ فِي ذَلِكَ؛ فَتَارَةً قَالَ: إنَّهُ حَرَامٌ، وَتَارَةً قَالَ إنَّهُ جَائِزٌ. وَفِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ مِنْ الْكَرَاهِيَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ: جَاءَ فِي الْحَدِيثِ بِهِ اقْتَضَى طَلَبَ الْجَهْرِ بِهِ نَحْوُ " «وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَهُنَاكَ أَحَادِيثُ اقْتَضَتْ طَلَبَ الْإِسْرَارِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ كَمَا جُمِعَ بِذَلِكَ بَيْنَ أَحَادِيثِ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ بِالْقِرَاءَةِ وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ حَدِيثُ «خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ» لِأَنَّهُ حَيْثُ خِيفَ الرِّيَاءُ أَوْ تَأَذِّي الْمُصَلِّينَ أَوْ النِّيَامِ، فَإِنْ خَلَا مِمَّا ذُكِرَ؛ فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنَّ الْجَهْرَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَلِتَعَدِّي فَائِدَتِهِ إلَى السَّامِعِينَ، وَيُوقِظُ قَلْبَ الذَّاكِرِ فَيَجْمَعُ هَمَّهُ إلَى الْفِكْرِ، وَيَصْرِفُ سَمْعَهُ إلَيْهِ، وَيَطْرُدُ النَّوْمَ، وَيَزِيدُ النَّشَاطَ. اهـ. مُلَخَّصًا، وَتَمَامُ الْكَلَامِ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ. وَفِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ عَنْ الْإِمَامِ الشَّعْرَانِيِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ سَلَفًا وَخَلَفًا عَلَى اسْتِحْبَابِ ذِكْرِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يُشَوِّشَ جَهْرُهُمْ عَلَى نَائِمٍ أَوْ مُصَلٍّ أَوْ قَارِئٍ إلَخْ (قَوْلُهُ وَالْوُضُوءُ) لِأَنَّ مَاءَهُ مُسْتَقْذَرٌ طَبْعًا فَيَجِبُ تَنْزِيهُ الْمَسْجِدِ عَنْهُ، كَمَا يَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْ الْمُخَاطِ وَالْبَلْغَمِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ إلَّا فِيمَا أُعِدَّ. لِذَلِكَ) اُنْظُرْ هَلْ يُشْتَرَطُ إعْدَادُ ذَلِكَ مِنْ الْوَاقِفِ أَمْ لَا: وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَنْ الْفَتَاوَى الْعَفِيفِيَّةِ: وَلَا يُظَنُّ أَنَّ مَا حَوْلَ بِئْرِ زَمْزَمَ يَجُوزُ الْوُضُوءُ أَوْ الْغُسْلُ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 660 كَتَقْلِيلِ نَزٍّ، وَتَكُونُ لِلْمَسْجِدِ وَأَكْلٌ، وَنَوْمٌ إلَّا لِمُعْتَكِفٍ وَغَرِيبٍ، وَأَكْلُ نَحْوِ ثُومٍ، وَيُمْنَعُ مِنْهُ؛ وَكَذَا كُلُّ   [رد المحتار] الْجَنَابَةِ فِيهِ لِأَنَّ حَرِيمَ زَمْزَمَ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْمَسَاجِدِ، فَيُعَامَلُ بِمُعَامَلَتِهَا: مِنْ تَحْرِيمِ الْبُصَاقِ، وَالْمُكْثِ مَعَ الْجَنَابَةِ فِيهِ، وَمِنْ حُصُولِ الِاعْتِكَافِ فِيهِ، وَاسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِ الْيُمْنَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّاخِلَ مِنْ مَسْجِدٍ لِمَسْجِدٍ يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ كَتَقْلِيلِ نَزٍّ) النَّزُّ: بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا وَبِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ، مَا يَتَحَلَّبُ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ الْمَاءِ، يُقَالُ: نَزَّتْ الْأَرْضُ صَارَتْ ذَاتَ نَزٍّ، كَذَا فِي الصِّحَاحِ. مَطْلَبُ فِي الْغَرْسِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: غَرْسُ الْأَشْجَارِ فِي الْمَسْجِدِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ فِيهِ نَفْعٌ لِلْمَسْجِدِ، بِأَنْ كَانَ الْمَسْجِدُ ذَا نَزٍّ وَالْأُسْطُوَانَاتُ لَا تَسْتَقِرُّ بِدُونِهَا وَبِدُونِ هَذَا لَا يَجُوزُ. اهـ. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْغَرَائِبِ: إنْ كَانَ لِنَفْعِ النَّاسِ بِظِلِّهِ، وَلَا يُضَيِّقُ عَلَى النَّاسِ، وَلَا يُفَرِّقُ الصُّفُوفَ لَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لِنَفْعِ نَفْسِهِ بِوَرَقِهِ أَوْ ثَمَرِهِ أَوْ يُفَرِّقُ الصُّفُوفَ، أَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ تَقَعُ بِهِ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَ الْبِيعَةِ وَالْمَسْجِدِ يُكْرَهُ. اهـ. هَذَا، وَقَدْ رَأَيْت رِسَالَةً لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ بِخَطِّهِ مُتَعَلِّقَةً بِغِرَاسِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى رَدَّ فِيهَا عَلَى مَنْ أَفْتَى بِجَوَازِهِ فِيهِ، أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ غَرَسَ شَجَرَةً لِلْمَسْجِدِ فَثَمَرَتُهَا لِلْمَسْجِدِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ حِلُّ الْغَرْسِ إلَّا لِلْعُذْرِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ فِيهِ شَغْلَ مَا أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ وَاسِعًا أَوْ كَانَ فِي الْغَرْسِ نَفْعٌ بِثَمَرَتِهِ، وَإِلَّا لَزِمَ إيجَارُ قِطْعَةٍ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ إبْقَاؤُهُ أَيْضًا، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ» لِأَنَّ الظُّلْمَ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَهَذَا كَذَلِكَ إلَخْ مَا أَطَالَ بِهِ. وَرَأَيْت فِي آخِرِ الرِّسَالَةِ بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ الشَّافِعِيُّ (قَوْلُهُ وَأَكْلٌ وَنَوْمٌ إلَخْ) وَإِذَا أَرَادَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ، فَيَدْخُلَ وَيَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى بِقَدْرِ مَا نَوَى، أَوْ يُصَلِّيَ ثُمَّ يَفْعَلَ مَا شَاءَ فَتَاوَى هِنْدِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَأَكْلُ نَحْوِ ثُومٍ) أَيْ كَبَصَلٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي النَّهْيِ عَنْ قُرْبَانِ آكِلِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ الْمَسْجِدَ. قَالَ الْإِمَامُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قُلْت: عِلَّةُ النَّهْيِ أَذَى الْمَلَائِكَةِ وَأَذَى الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَخْتَصُّ بِمَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، بَلْ الْكُلُّ سَوَاءٌ لِرِوَايَةِ مَسَاجِدِنَا بِالْجَمْعِ، خِلَافًا لِمَنْ شَذَّ وَيَلْحَقُ بِمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ كُلُّ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ مَأْكُولًا أَوْ غَيْرَهُ، وَإِنَّمَا خَصَّ الثُّومَ هُنَا بِالذِّكْرِ وَفِي غَيْرِهِ أَيْضًا بِالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ لِكَثْرَةِ أَكْلِهِمْ لَهَا، وَكَذَلِكَ أَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ مَنْ بِفِيهِ بَخَرٌ أَوْ بِهِ جُرْحٌ لَهُ رَائِحَةٌ، وَكَذَلِكَ الْقَصَّابُ، وَالسَّمَّاكُ، وَالْمَجْذُومُ وَالْأَبْرَصُ أَوْلَى بِالْإِلْحَاقِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا أَرَى الْجُمُعَةَ عَلَيْهِمَا. وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ وَأَلْحَقَ بِالْحَدِيثِ كُلُّ مَنْ آذَى النَّاسَ بِلِسَانِهِ، وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ أَصْلٌ فِي نَفْيِ كُلِّ مَنْ يُتَأَذَّى بِهِ. وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُعْذَرَ الْمَعْذُورُ بِأَكْلِ مَا لَهُ رِيحٌ كَرِيهَةٌ، لِمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ «الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ انْتَهَيْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدَ مِنِّي رِيحَ الثُّومِ فَقَالَ: مَنْ أَكَلَ الثُّومَ، فَأَخَذْتُ يَدَهُ فَأَدْخَلْتهَا فَوَجَدَ صَدْرِي مَعْصُوبًا، فَقَالَ: إنَّ لَك عُذْرًا» وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ «اشْتَكَيْت صَدْرِي فَأَكَلْته» وَفِيهِ: فَلَمْ يُعَنِّفْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ» صَرِيحٌ فِي أَنَّ أَكْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عُذْرٌ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْجَمَاعَةِ. وَأَيْضًا هُنَا عِلَّتَانِ: أَذَى الْمُسْلِمِينَ وَأَذَى الْمَلَائِكَةِ؛ فَبِالنَّظَرِ إلَى الْأُولَى يُعْذَرُ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ وَحُضُورِ الْمَسْجِدِ، وَبِالنَّظَرِ إلَى الثَّانِيَةِ يُعْذَرُ فِي تَرْكِ حُضُورِ الْمَسْجِدِ وَلَوْ كَانَ وَحْدَهُ اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: كَوْنُهُ يُعْذَرُ بِذَلِكَ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا أَكَلَ ذَلِكَ بِعُذْرٍ أَوْ أَكَلَ نَاسِيًا قُرْبَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 661 مُؤْذٍ وَلَوْ بِلِسَانِهِ. وَكُلُّ عَقْدٍ إلَّا لِمُعْتَكِفٍ بِشَرْطِهِ، وَالْكَلَامُ الْمُبَاحُ؛ وَقَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنْ يَجْلِسَ لِأَجْلِهِ لَكِنْ فِي النَّهْرِ الْإِطْلَاقُ أَوْجُهُ وَتَخْصِيصُ مَكَان لِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ لَهُ إزْعَاجُ غَيْرِهِ مِنْهُ وَلَوْ مُدَرِّسًا، وَإِذَا ضَاقَ فَلِلْمُصَلِّي إزْعَاجُ الْقَاعِدِ وَلَوْ مُشْتَغِلًا بِقِرَاءَةٍ أَوْ دَرْسٍ بَلْ وَلِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ مَنْعُ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَلَهُمْ نَصْبُ مُتَوَلٍّ.   [رد المحتار] لِئَلَّا يَكُونَ مُبَاشِرًا لِمَا يَقْطَعُهُ عَنْ الْجَمَاعَةِ بِصُنْعِهِ (قَوْلُهُ وَكُلُّ عَقْدٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَقْدُ مُبَادَلَةٍ لِيَخْرُجَ نَحْوُ الْهِبَةِ تَأَمَّلْ، وَصَرَّحَ فِي الْأَشْبَاهِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ عَقْدُ النِّكَاحِ فِي الْمَسْجِدِ وَسَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ (قَوْلُهُ بِشَرْطِهِ) وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ، بَلْ يَكُونُ مَا يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ عِيَالِهِ بِدُونِ إحْضَارِ السِّلْعَةِ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَجْلِسَ لِأَجْلِهِ) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُبَاحُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَا بُنِيَ لِأُمُورِ الدُّنْيَا. وَفِي صَلَاةِ الْجَلَّابِي: الْكَلَامُ الْمُبَاحُ مِنْ حَدِيثِ الدُّنْيَا يَجُوزُ فِي الْمَسَاجِدِ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَشْتَغِلَ بِذَكَرِ اللَّهِ تَعَالَى، كَذَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ هِنْدِيَّةٌ وَقَالَ الْبِيرِيُّ مَا نَصُّهُ: وَفِي الْمَدَارِكِ - {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الْحَدِيثُ الْمُنْكَرُ كَمَا جَاءَ «الْحَدِيثُ فِي الْمَسْجِدِ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ الْبَهِيمَةُ الْحَشِيشَ» ، انْتَهَى. فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ الْمَنْعَ خَاصٌّ بِالْمُنْكَرِ مِنْ الْقَوْلِ، أَمَّا الْمُبَاحُ فَلَا. قَالَ فِي الْمُصَفَّى: الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْحَدِيثِ مَأْذُونٌ شَرْعًا لِأَنَّ أَهْلَ الصُّفَّةِ كَانُوا يُلَازِمُونَ الْمَسْجِدَ وَكَانُوا يَنَامُونَ، وَيَتَحَدَّثُونَ، وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مَنْعَهُ، كَذَا فِي الْجَامِعِ الْبُرْهَانِيِّ. أَقُولُ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأَمْرَ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ إذَا وُجِدَ بَعْدَ الدُّخُولِ بِقَصْدِ الْعِبَادَةِ لَا يَتَنَاوَلُهُ اهـ (قَوْلُهُ الْإِطْلَاقُ أَوْجَهُ) بَحْثٌ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرَجِ ط (قَوْلُهُ وَتَخْصِيصُ مَكَان لِنَفْسِهِ) لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْخُشُوعِ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ: أَيْ لِأَنَّهُ إذَا اعْتَادَهُ ثُمَّ صَلَّى فِي غَيْرِهِ يَبْقَى بَالُهُ مَشْغُولًا بِالْأَوَّلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَأْلَفْ مَكَانًا مُعَيَّنًا (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: لَهُ فِي الْمَسْجِدِ مَوْضِعٌ مُعَيَّنٌ يُوَاظِبُ عَلَيْهِ وَقَدْ شَغَلَهُ غَيْرُهُ. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَهُ أَنْ يُزْعِجَهُ، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَنَا اهـ أَيْ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَيْسَ مِلْكًا لِأَحَدٍ بَحْرٌ عَنْ النِّهَايَةِ قُلْت: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَقُمْ عَنْهُ عَلَى نِيَّةِ الْعَوْدِ بِلَا مُهْلَةٍ، كَمَا لَوْ قَامَ لِلْوُضُوءِ مَثَلًا وَلَا سِيَّمَا إذَا وَضَعَ فِيهِ ثَوْبَهُ لِتَحَقُّقِ سَبْقِ يَدِهِ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ فِيمَنْ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَى مُبَاحٍ وَفِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِلسَّرَخْسِيِّ: وَكَذَا كُلُّ مَا يَكُونُ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ سَوَاءٌ كَالنُّزُولِ فِي الرِّبَاطَاتِ، وَالْجُلُوسِ فِي الْمَسَاجِدِ لِلصَّلَاةِ، وَالنُّزُولِ بِمِنًى أَوْ عَرَفَاتٍ لِلْحَجِّ، حَتَّى لَوْ ضَرَبَ فُسْطَاطَه فِي مَكَان كَانَ يَنْزِلُ فِيهِ غَيْرُهُ فَهُوَ أَحَقُّ، وَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يُحَوِّلَهُ، فَإِنْ أَخَذَ مَوْضِعًا فَوْقَ مَا يَحْتَاجُهُ فَلِلْغَيْرِ أَخْذُ الزَّائِدِ مِنْهُ، فَلَوْ طَلَبَ ذَلِكَ مِنْهُ رَجُلَانِ فَأَرَادَ إعْطَاءَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَهُ ذَلِكَ؛ وَلَوْ نَزَلَ فِيهِ أَحَدُهُمَا فَأَرَادَ الَّذِي أَخَذَهُ أَوَّلًا وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهُ أَنْ يُنْزِلَ فِيهِ آخَرَ فَلَا لِأَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى يَدِهِ يَدٌ أُخْرَى مُحِقَّةٌ لِاحْتِيَاجِهَا، إلَّا إذَا قَالَ إنَّمَا كُنْت أَخَذْتُهُ لِهَذَا الْآخَرِ بِأَمْرِهِ لَا لِنَفْسِي. فَإِذَا حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ لَهُ إخْرَاجُهُ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ يَدَهُ فِيهِ كَانَتْ يَدًا آمِرَةً وَحَاجَةُ الْآمِرِ تَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ اهـ مُلَخَّصًا. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَمِثْلُ الْمَسْجِدِ مَقَاعِدُ الْأَسْوَاقِ الَّتِي يَتَّخِذُهَا الْمُحْتَرِفُونَ مَنْ سَبَقَ لَهَا فَهُوَ الْأَحَقُّ بِهَا، وَلَيْسَ لِمُتَّخِذِهَا أَنْ يُزْعِجَهُ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا مَا دَامَ فِيهَا، فَإِذَا قَامَ عَنْهَا اسْتَوَى هُوَ وَغَيْرُهُ فِيهَا. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ بِخِلَافِهِ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ فِي كُتُبِهِمْ اهـ وَالْمُرَادُ بِهَا الَّتِي لَا تَضُرُّ الْعَامَّةَ وَإِلَّا أُزْعِجَ الْقَاعِدُ فِيهَا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ وَإِذَا ضَاقَ إلَخْ) أَقُولُ: وَكَذَا إذَا لَمْ يَضِقْ، لَكِنَّ فِي قُعُودِهِ قَطْعٌ لِلصَّفِّ (قَوْلُهُ بَلْ وَلِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: وَكَذَا لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَنْ يَمْنَعُوا مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ إذَا ضَاقَ بِهِمْ الْمَسْجِدُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَهُمْ نَصْبُ مُتَوَلٍّ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 وَجَعْلُ الْمَسْجِدَيْنِ وَاحِدًا وَعَكْسُهُ لِصَلَاةٍ لَا لِدَرْسٍ، أَوْ ذُكِرَ فِي الْمَسْجِدِ عِظَةٌ وَقُرْآنٌ، فَاسْتِمَاعُ الْعِظَةِ أَوْلَى؛ وَلَا يَنْبَغِي الْكِتَابَةُ عَلَى جُدْرَانِهِ وَلَا بَأْسَ بِرَمْيِ عُشِّ خُفَّاشٍ وَحَمَامٍ لِتَنْقِيَتِهِ   [رد المحتار] أَيْ وَلَوْ بِلَا نَصْبِ قَاضٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ لَا لِدَرْسٍ أَوْ ذِكْرٍ) لِأَنَّهُ مَا بُنَيَّ لِذَلِكَ وَإِنْ جَازَ فِيهِ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ فَاسْتِمَاعُ الْعِظَةِ أَوْلَى) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِمَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى فَهْمِ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالتَّدَبُّرِ فِي مَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةِ وَالِاتِّعَاظِ بِمَوَاعِظِهَا الْحُكْمِيَّةِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مَنْ لَهُ قُدْرَةَ عَلَى ذَلِكَ يَكُونُ اسْتِمَاعُهُ أَوْلَى بَلْ أَوْجَبُ، بِخِلَافِ الْجَاهِلِ فَإِنَّهُ يَفْهَمُ مِنْ الْمُعَلِّمِ وَالْوَاعِظِ مَا لَا يَفْهَمُهُ مِنْ الْقَارِئِ فَكَانَ ذَلِكَ أَنْفَعُ لَهُ (قَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي الْكِتَابَةُ عَلَى جُدْرَانِهِ) أَيْ خَوْفًا مِنْ أَنْ تَسْقُطَ وَتُوطَأَ بَحْرٌ عَنْ النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ خُفَّاشٍ) كَرُمَّانٍ: الْوَطْوَاطُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ لِتَنْقِيَتِهِ) جَوَابُ سُؤَالٍ؛ حَاصِلُهُ أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مَكَانَتِهَا» فَإِزَالَةُ الْعُشِّ مُخَالَفَةٌ لِلْأَمْرِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لِلتَّنْقِيَةِ وَهِيَ مَطْلُوبَةٌ، فَالْحَدِيثُ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الْمَسَاجِدِ ط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ كُلُّ سُنَّةٍ نَافِلَةٌ وَلَا عَكْسَ (هُوَ فَرْضٌ عَمَلًا   [رد المحتار] [بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ] الْوَتْرُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا: ضِدُّ الشَّفْعِ. وَالنَّوَافِلُ جَمْعُ نَافِلَةٍ. وَالنَّفَلُ فِي اللُّغَةِ: الزِّيَادَةُ. وَفِي الشَّرِيعَةِ زِيَادَةُ عِبَادَةٍ شُرِعَتْ لَنَا لَا عَلَيْنَا ط (قَوْلُهُ كُلُّ سُنَّةٍ نَافِلَةٌ) قَدَّمْنَا قَبْلَ هَذَا الْبَابِ فِي آخِرِ الْمَكْرُوهَاتِ تَقْسِيمَ السُّنَّةِ إلَى مُؤَكَّدَةٍ وَغَيْرِهَا، وَبَسَطْنَا ذَلِكَ أَيْضًا فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ، وَالْكُلُّ يُسَمَّى نَافِلَةً لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْفَرْضِ لِتَكْمِيلِهِ، وَمُرَادُهُ الِاعْتِذَارُ عَنْ تَرْكِ التَّصْرِيحِ بِالسُّنَنِ فِي التَّرْجَمَةِ مَعَ أَنَّ الْبَابَ مَعْقُودٌ لِبَيَانِهَا أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَلَا عَكْسَ) أَيْ لُغَوِيًّا لِأَنَّ الْفَقِيهَ بِمَعْزِلٍ عَنْ النَّظَرِ إلَى الْقَوَاعِدِ الْمَنْطِقِيَّةِ، فَالْمُرَادُ: وَلَيْسَ كُلُّ نَافِلَةٍ سُنَّةً، فَإِنَّ كُلَّ صَلَاةٍ لَمْ تُطْلَبْ بِعَيْنِهَا نَافِلَةٌ وَلَيْسَتْ بِسُنَّةٍ، بِخِلَافِ مَا طُلِبَتْ بِعَيْنِهَا كَصَلَاةِ اللَّيْلِ وَالضُّحَى مَثَلًا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ هُوَ فَرْضٌ عَمَلًا) أَيْ يُفْتَرَضُ عَمَلُهُ أَيْ فِعْلُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْفَرَائِضِ فِي الْعَمَلِ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَيَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ، وَيَجِبُ تَرْتِيبُهُ وَقَضَاؤُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ فَقَوْلُهُ عَمَلًا تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْفَاعِلِ. مَطْلَبٌ فِي الْفَرْضِ الْعِلْمِيِّ وَالْعَمَلِيِّ وَالْوَاجِبِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَرْضَ نَوْعَانِ: فَرْضٌ عَمَلًا وَعِلْمًا، وَفَرْضٌ عَمَلًا فَقَطْ. فَالْأَوَّلُ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَإِنَّهَا فَرْضٌ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا وَيَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهَا؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهَا لَا يَصِحُّ فِعْلُ مَا بَعْدَهَا قَبْلَ قَضَاءِ الْمَتْرُوكَةِ، وَفَرْضٌ مِنْ جِهَةِ الْعِلْمِ وَالِاعْتِقَادِ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ اعْتِقَادُهَا حَتَّى يَكْفُرُ بِإِنْكَارِهَا وَالثَّانِي كَالْوِتْرِ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عَمَلًا كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ عِلْمًا: أَيْ لَا يُفْتَرَضُ اعْتِقَادُهُ، حَتَّى إنَّهُ لَا يَكْفُرُ مُنْكِرُهُ لِظَنِّيَّةِ دَلِيلِهِ وَشُبْهَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 وَوَاجِبٌ اعْتِقَادًا وَسُنَّةٌ ثُبُوتًا) بِهَذَا وَفَّقُوا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، وَعَلَيْهِ (فَلَا يُكْفَرُ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ: أَيْ لَا يُنْسَبُ إلَى الْكُفْرِ (جَاحِدُهُ   [رد المحتار] الِاخْتِلَافِ فِيهِ، وَلِذَا يُسَمَّى وَاجِبًا؛ وَنَظِيرُهُ مَسْحُ رُبُعِ الرَّأْسِ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ أَفَادَ أَصْلَ الْمَسْحِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ قَدْرَ الرُّبُعِ فَإِنَّهُ ظَنِّيٌّ، لَكِنَّهُ قَامَ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ مَا رَجَّحَ دَلِيلَهُ الظَّنِّيَّ حَتَّى صَارَ قَرِيبًا مِنْ الْقَطْعِيِّ فَسَمَّاهُ فَرْضًا أَيْ عَمَلِيًّا، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلْزَمُ عَمَلُهُ، حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ وَمَسَحَ شَعْرَةً مَثَلًا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِهِ وَلَيْسَ فَرْضًا عِلْمًا، حَتَّى لَوْ أَنْكَرَهُ لَا يَكْفُرُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْمَسْحِ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْوَاجِبَ نَوْعَانِ أَيْضًا لِأَنَّهُ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى هَذَا الْفَرْضِ الْغَيْرِ الْقَطْعِيِّ يُطْلَقُ عَلَى مَا هُوَ دُونَهُ فِي الْعَمَلِ وَفَوْقَ السُّنَّةِ وَهُوَ مَا لَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَقُنُوتِ الْوِتْرِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ، وَأَكْثَرُ الْوَاجِبَاتِ مِنْ كُلِّ مَا يُجْبَرُ بِسُجُودِ السَّهْوِ. وَقَدْ يُطْلَقُ الْوَاجِبُ أَيْضًا عَلَى الْفَرْضِ الْقَطْعِيِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّلْوِيحِ فِي بَحْثِ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ وَوَاجِبٌ اعْتِقَادًا) أَيْ يَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَجِبُ اعْتِقَادُ وُجُوبِهِ إذْ لَوْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ اعْتِقَادُ وُجُوبِهِ لَمَا أَمْكَنَ إيجَابُ فِعْلِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِعْلُ مَا لَا يَعْتَقِدُهُ وَاجِبًا، وَلِذَا أَشْكَلَ قَوْلُهُمَا بِسُنِّيَّتِهِ وَوُجُوبِ قَضَائِهِ كَمَا يَأْتِي. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ فِي الْوَاجِبِ إنَّ حُكْمَهُ اللُّزُومُ عَمَلًا لَا عِلْمًا عَلَى الْيَقِينِ؛ فَقَوْلُهُمْ عَلَى الْيَقِينِ يُفِيدُ أَنَّ حُكْمَهُ اللُّزُومُ عَمَلًا وَعِلْمًا عَلَى الظَّنِّ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَعْلَمَ ظَنِّيَّتَهُ: أَيْ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَإِلَّا لَغَا قَوْلُهُمْ عَلَى الْيَقِينِ، وَحِينَئِذٍ فَيُشْكِلُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: إنَّ اعْتِقَادَ الْوُجُوبِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْحَنَفِيِّ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ بِفَرْضٍ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ وُجُوبَهُ لَا يَكْفُرُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْفَرْضِ أَيْضًا كَمَا مَرَّ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَسُنَّةٌ ثُبُوتًا) أَيْ ثُبُوتُهُ عُلِمَ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ لَا الْقُرْآنِ وَهِيَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنِّي، قَالَهُ ثَلَاثًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ) أَيْ الثَّلَاثِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ فَرْضٌ وَأَنَّهُ وَاجِبٌ وَأَنَّهُ سُنَّةٌ، وَالتَّوْفِيقُ أَوْلَى مِنْ التَّفْرِيقِ، فَرَجَعَ الْكُلُّ إلَى الْوُجُوبِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ آخِرُ أَقْوَالِ الْإِمَامِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مُحِيطٌ وَالْأَصَحُّ خَانِيَّةٌ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِهِ مَبْسُوطٌ. اهـ. ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَسُنَّةٌ عَمَلًا وَاعْتِقَادًا وَدَلِيلًا، لَكِنَّهَا آكَدُ سَائِرِ السُّنَنِ الْمُؤَقَّتَةِ. (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ التَّوْفِيقِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ حُمِلَتْ رِوَايَةُ الْفَرْضِ عَلَى ظَاهِرِهَا لَزِمَ إكْفَارُ جَاحِدِهِ؛ وَلَوْ حُمِلَتْ رِوَايَةُ الْوَاجِبِ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَهُوَ كَوْنُ الْمُرَادِ بِالْوَاجِبِ مَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ، وَهُوَ مَا لَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ وَلَا يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْفَرْضِ لَزِمَ أَنْ لَا يَفْسُدَ الْفَجْرُ بِتَذَكُّرِهِ وَلَا عَكْسُهُ. وَلَوْ حُمِلَتْ رِوَايَةُ السُّنَّةِ عَلَى ظَاهِرِهَا لَزِمَ أَنْ لَا يَقْضِيَ وَأَنْ يَصِحَّ قَاعِدًا وَرَاكِبًا؛ فَفِي تَفْرِيعِ الْمُصَنِّفِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ فَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ) أَيْ جَاحِدُ أَصْلَ الْوِتْرِ اتِّفَاقًا لِأَنَّ عَدَمَ الْإِكْفَارِ لَازِمُ السُّنِّيَّةِ وَالْوُجُوبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ح. قُلْت: وَالْمُرَادُ الْجُحُودُ مَعَ رُسُوخِ الْأَدَبِ، كَأَنْ يَكُونَ لِشُبْهَةِ دَلِيلٍ أَوْ نَوْعِ تَأْوِيلٍ، فَلَا يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ السُّنَنَ فَإِنْ رَآهَا حَقًّا أَثِمَ وَإِلَّا كَفَرَ لِأَنَّهُمْ عَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ تَرَكَ اسْتِخْفَافًا كَمَا عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى التَّجْنِيسِ وَالنَّوَازِلِ وَالْمُحِيطِ، وَلِقَوْلِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ إلَّا إنْ اسْتَخَفَّ وَلَمْ يَرَهُ حَقًّا عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي مَرَّ فِي السُّنَنِ اهـ وَأَرَادَ بِمَا مَرَّ، هُوَ أَنْ: يَقُولَ هَذَا فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا لَا أَفْعَلُهُ. مَطْلَبٌ فِي مُنْكِرِ الْوِتْرِ وَالسُّنَنِ أَوْ الْإِجْمَاعِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَيَكْفُرُ بِإِنْكَارِ أَصْلِ الْوِتْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْقُنْيَةِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا جُحُودُ وُجُوبِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ تَعْلِيلُ الزَّيْلَعِيِّ بِثُبُوتِهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَإِنَّ الثَّابِتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وُجُوبُهُ لَا أَصْلُ مَشْرُوعِيَّتِهِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 وَتَذَكُّرُهُ فِي الْفَجْرِ مُفْسِدٌ لَهُ كَعَكْسِهِ) بِشَرْطٍ خِلَافًا لَهُمَا (وَ) لَكِنَّهُ (يُقْضَى) وَلَا يَصِحُّ قَاعِدًا وَلَا رَاكِبًا اتِّفَاقًا. (وَهُوَ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ) كَالْمَغْرِبِ؛ حَتَّى لَوْ نَسِيَ الْقُعُودَ لَا يَعُودُ وَلَوْ عَادَ يَنْبَغِي الْفَسَادُ كَمَا سَيَجِيءُ (وَ) لَكِنَّهُ (يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً) احْتِيَاطًا،   [رد المحتار] بَلْ هِيَ ثَابِتَةٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَمَعْلُومَةٌ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً. وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ مَنْ أَنْكَرَ مَشْرُوعِيَّةَ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ أَوْ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ يَكْفُرُ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَسَيَأْتِي فِي سُنَنِ الْفَجْرِ أَنَّهُ يُخْشَى الْكُفْرُ عَلَى مُنْكِرِهَا. قُلْت: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْإِنْكَارُ بِنَوْعِ تَأْوِيلٍ وَإِلَّا فَلَا خِلَافَ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا. وَقَدْ صَرَّحَ فِي التَّحْرِيرِ فِي بَابِ الْإِجْمَاعِ بِأَنَّ مُنْكِرَ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ يَكْفُرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَطَائِفَةٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا، وَصَرَّحَ أَيْضًا بِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ وَهُوَ مَا يَعْرِفُ الْخَوَاصُّ وَالْعَوَامُّ أَنَّهُ مِنْ الدِّينِ كَوُجُوبِ اعْتِقَادِ التَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَأَخَوَاتِهَا يَكْفُرُ مُنْكِرُهُ، وَمَا لَا فَلَا؛ كَفَسَادِ الْحَجِّ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الْوُقُوفِ، وَإِعْطَاءِ السُّدُسِ الْجَدَّةَ وَنَحْوِهِ أَيْ مِمَّا لَا يَعْرِفُ كَوْنَهُ مِنْ الدِّينِ إلَّا الْخَوَاصُّ. وَلَا شُبْهَةَ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الْوِتْرِ وَنَحْوِهِ يَعْلَمُ الْخَوَاصُّ وَالْعَوَامُّ أَنَّهَا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِتَكْفِيرِ مُنْكِرِهَا مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ تَأْوِيلٍ بِخِلَافِ تَرْكِهَا، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ عَنْ اسْتِخْفَافٍ كَمَا مَرَّ يَكْفُرُ وَإِلَّا بِأَنْ يَكُونَ كَسَلًا أَوْ فِسْقًا بِلَا اسْتِخْفَافٍ فَلَا. هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ مُفْسِدٌ لَهُ) أَيْ لِلْفَجْرِ وَالْفَجْرُ غَيْرُ قَيْدٍ، بَلْ هُوَ مِثَالٌ. (قَوْلُهُ كَعَكْسِهِ) وَهُوَ تَذَكُّرُ الْفَرْضِ فِيهِ ح (قَوْلُهُ بِشَرْطِهِ) وَهُوَ عَدَمُ ضِيقِ الْوَقْتِ وَعَدَمُ صَيْرُورَتِهَا سِتًّا، وَأَمَّا عَدَمُ النِّسْيَانِ فَلَا يَصِحُّ هُنَا لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا تَذَكَّرَهُ فِي الْفَجْرِ، أَوْ تَذَكَّرَ الْفَجْرَ فِيهِ رَحْمَتِيٌّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) فَلَا يَحْكُمَانِ بِالْفَسَادِ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا ط. (قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ يَقْضِي) لَا وَجْهَ لِلِاسْتِدْرَاكِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ اتِّفَاقًا بَعْدَ حِكَايَتِهِ الْخِلَافَ فِيمَا قَبْلَهُ: أَيْ إنَّهُ يَقْضِي وُجُوبًا اتِّفَاقًا، أَمَّا عِنْدَهُ فَظَاهِرٌ؛ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرٍ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إذَا ذَكَرَهُ» كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ بِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ فَرْعُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِمَا ذَكَرَ عَنْ الْمُحِيطِ. قُلْت: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّ دَلَالَةَ الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ مِمَّا يُقَوِّي الْإِشْكَالَ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُمَا لَمَّا ثَبَتَ عِنْدَهُمَا دَلِيلُ السُّنِّيَّةِ قَالَا بِهِ، وَلَمَّا ثَبَتَ دَلِيلُ الْقَضَاءِ قَالَا بِهِ أَيْضًا اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ وَإِنْ خَالَفَ الْقِيَاسَ. (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ إلَخْ) لِأَنَّ الْوَاجِبَاتِ لَا تَصِحُّ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِلَا عُذْرٍ. وَعِنْدَهُمَا وَإِنْ كَانَ سُنَّةً، لَكِنْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يَتَنَفَّلُ عَلَى رَاحِلَتِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فِي اللَّيْلِ، وَإِذَا بَلَغَ الْوِتْرَ نَزَلَ فَيُوتِرُ عَلَى الْأَرْضِ» بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ، وَالْقُعُودُ كَالرُّكُوبِ (قَوْلُهُ اتِّفَاقًا) رَاجِعٌ لِلْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ ح وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي خَمْسٍ: فِي تَذَكُّرِهِ فِي الْفَرْضِ، وَعَكْسِهِ، وَفِي قَضَائِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، وَإِعَادَتِهِ بِفَسَادِ الْعِشَاءِ خَزَائِنُ؛ أَيْ فَإِنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهِ لَا يَلْزَمُ فَسَادُ الْفَرْضِ وَلَا فَسَادُهُ بِالتَّذَكُّرِ، وَلَا يَقْضِي فِي الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَيُعَادُ لَوْ ظَهَرَ فَسَادُ الْعِشَاءِ دُونَهُ. (قَوْلُهُ كَالْمَغْرِبِ) أَفَادَ بِهِ أَنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى فِيهِ وَاجِبَةٌ، وَأَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ط. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ نَسِيَ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ كَالْمَغْرِبِ، وَلَوْ كَانَ كَالنَّفْلِ لَعَادَ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ مَا قَامَ إلَيْهِ بِالسُّجُودِ لِأَنَّ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ النَّفْلِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ ط. (قَوْلُهُ لَا يَعُودُ) أَيْ إذَا اسْتَتَمَّ قَائِمًا لِاشْتِغَالِهِ بِفَرْضِ الْقِيَامِ. (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ، لَكِنَّهُ رَجَّحَ هُنَاكَ عَدَمَ الْفَسَادِ وَنَقَلَ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّهُ الْحَقُّ. (قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ كَالْمَغْرِبِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ السُّورَةَ فِي ثَالِثَتِهِ. (قَوْلُهُ احْتِيَاطًا) أَيْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ تَرَدَّدَ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْفَرْضِ؛ فَبِالنَّظَرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 وَالسُّنَّةُ السُّوَرُ الثَّلَاثُ، وَزِيَادَةُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ لَمْ يَخْتَرْهَا الْجُمْهُورُ. (وَيُكَبِّرُ قَبْلَ رُكُوعِ ثَالِثَتِهِ رَافِعًا يَدَيْهِ) كَمَا مَرَّ ثُمَّ يَعْتَمِدُ، وَقِيلَ كَالدَّاعِي. (وَقَنَتَ فِيهِ) وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ الْمَشْهُورُ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   [رد المحتار] إلَى الْأَوَّلِ تَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي جَمِيعِهِ، وَبِالنَّظَرِ إلَى الثَّانِي لَا فَتَجِبُ احْتِيَاطًا شَرْحُ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ وَالسُّنَّةُ السُّوَرُ الثَّلَاثُ) أَيْ الْأَعْلَى وَالْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصُ، لَكِنْ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ التَّعْيِينَ عَلَى الدَّوَامِ يُفْضِي إلَى اعْتِقَادِ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، فَلَوْ قَرَأَ بِمَا وَرَدَ بِهِ الْآثَارُ أَحْيَانًا بِلَا مُوَاظَبَةٍ يَكُونُ حَسَنًا بَحْرٌ، وَهَلْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَقَطْ أَوْ إذَا رَأَى ذَلِكَ حَتْمًا لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ؟ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِيهِ قُبَيْلَ بَابِ الْإِمَامَةِ. (قَوْلُهُ وَزِيَادَةُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ إلَخْ) أَيْ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحِلْيَةِ: وَمَا وَقَعَ فِي السُّنَنِ وَغَيْرِهَا مِنْ زِيَادَةِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ أَنْكَرَهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَلَمْ يَخْتَرْهَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ وَيُكَبِّرُ) أَيْ وُجُوبًا وَفِيهِ قَوْلَانِ كَمَا مَرَّ فِي الْوَاجِبَاتِ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَرْجِيحُ عَدَمِهِ. (قَوْلُهُ رَافِعًا يَدَيْهِ) أَيْ سُنَّةً إلَى حِذَاءِ أُذُنَيْهِ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا كَمَا فِي الْإِمْدَادِ عَنْ مَجْمَعِ الرِّوَايَاتِ لَوْ فِي الْوَقْتِ، أَمَّا فِي الْقَضَاءِ عِنْدَ النَّاسِ فَلَا يَرْفَعُ حَتَّى لَا يَطَّلِعَ أَحَدٌ عَلَى تَقْصِيرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي فَصْلِ إذَا أَرَادَ الشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يُسَنُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ إلَّا فِي سَبْعٍ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يَعْتَمِدُ) أَيْ يَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى يَسَارِهِ كَمَا فِي حَالَةِ الْقِرَاءَةِ ح. (قَوْلُهُ وَقِيلَ كَالدَّاعِي) أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْفَعُهُمَا إلَى صَدْرِهِ وَبُطُونُهُمَا إلَى السَّمَاءِ إمْدَادٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُبْقِيهِمَا كَذَلِكَ إلَى تَمَامِ الدُّعَاءِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَقَنَتَ فِيهِ) أَيْ فِي الْوِتْرِ أَوْ الضَّمِيرُ إلَى مَا قَبْلَ الرُّكُوعِ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي حَقِيقَةِ الْقُنُوتِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عِنْدَهُ؛ فَنَقَلَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ طُولُ الْقِيَامِ دُونَ الدُّعَاءِ، وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْعَكْسُ، وَيَنْبَغِي تَصْحِيحُهُ بَحْرٌ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَوْلُهُمْ دُعَاءُ الْقُنُوتِ إضَافَةُ بَيَانٍ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْإِمْدَادِ. ثُمَّ الْقُنُوتُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا كَالْخِلَافِ فِي الْوِتْرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْبَدَائِعِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ مَا فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ عَدَمُ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ عِنْدَنَا، فَإِنَّهُ قَالَ: الْقُنُوتُ عِنْدَنَا وَاجِبٌ. وَعِنْدَ مَالِكٍ مُسْتَحَبٌّ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ الْأَبْعَاضِ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ سُنَّةٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ الْمَشْهُورُ) قَدَّمْنَا فِي بَحْثِ الْوَاجِبَاتِ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ عَنْ النَّهْرِ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّ الْقُنُوتَ لَيْسَ فِيهِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ أَدْعِيَةٌ مُخْتَلِفَةٌ وَلِأَنَّ الْمُؤَقَّتَ مِنْ الدُّعَاءِ يَذْهَبُ بِرِقَّةِ الْقَلْبِ. وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ لَيْسَ فِيهِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ مَا سِوَى: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَفْضَلُ التَّوْقِيتُ وَرَجَّحَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ تَبَرُّكًا بِالْمَأْثُورِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ مُتَّحِدَانِ، وَحَاصِلُهُمَا تَقْيِيدُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِغَيْرِ الْمَأْثُورِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ: يَعْنِي مِنْ غَيْرِ قَوْلِهِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك إلَخْ وَاَللَّهُمَّ اهْدِنَا إلَخْ اهـ فَلَفْظُ يَعْنِي بَيَانٌ لِمُرَادِ مُحَمَّدٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَلَا يَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ خَارِجًا عَنْهَا، وَلِذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَدَمَ التَّوْقِيتِ فِيمَا عَدَا الْمَأْثُورَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ مَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ إذَا لَمْ يُؤَقَّتْ ثُمَّ ذَكَرَ اخْتِلَافَ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك إلَخْ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ اللَّهُمَّ اهْدِنِي إلَخْ وَأَنَّ مَا عَدَا هَذَيْنِ فَلَا تَوْقِيتَ فِيهِ، وَمِنْهُ مَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ عَذَابَكَ الْجِدُّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّك وَعَدُوِّهِمْ. اللَّهُمَّ الْعَنْ كَفَرَةَ الْكِتَابِ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَك وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَك. اللَّهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ، وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ، وَأَنْزِلْ عَلَيْهِمْ بَأْسَك الَّذِي لَا يُرَدُّ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ " وَمِنْهُ مَا أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك، وَبِمُعَافَاتِك، مِنْ عُقُوبَتِك، وَأَعُوذُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 بِهِ يُفْتَى وَصَحَّ الْجِدُّ بِالْكَسْرِ بِمَعْنَى الْحَقِّ، مُلْحَقَةٌ بِمَعْنَى لَاحِقٍ، وَنَحْفِدُ بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ بِمَعْنَى نُسْرِعُ، فَإِنْ قَرَأَ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ فَسَدَتْ خَانِيَّةٌ كَأَنَّهُ كَلِمَةٌ مُهْمَلَةٌ (مُخَافِتًا عَلَى الْأَصَحِّ مُطْلَقًا) وَلَوْ إمَامًا، لِحَدِيثِ «خَيْرُ الدُّعَاءِ الْخَفِيُّ» . (وَصَحَّ الِاقْتِدَاءُ فِيهِ) فَفِي غَيْرِهِ أَوْلَى إنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ مَا يُفْسِدُهَا فِي الْأَصَحِّ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْبَحْرِ   [رد المحتار] بِك مِنْك، لَا أَحْصَى ثَنَاءً عَلَيْك، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَدْعِيَةِ الَّتِي لَا تُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ. وَمَنْ لَا يُحْسِنُ الْقُنُوتَ يَقُولُ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [البقرة: 201] الْآيَةَ. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يُكَرِّرُهَا ثَلَاثًا، وَقِيلَ يَقُولُ: يَا رَبِّ ثَلَاثًا، ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. اهـ. أَقُولُ: هَذَا يُفِيدُ أَنَّ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ قَوْلِهِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ مِقْدَارَ الْقِيَامِ فِي الْقُنُوتِ مِقْدَارُ سُورَةِ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] وَكَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ اهـ بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ، أَوْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقُنُوتَ الْوَاجِبَ هُوَ طُولُ الْقِيَامِ لَا الدُّعَاءُ تَأَمَّلْ. هَذَا، وَذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك» إلَخْ. جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ النَّسَائِيّ «أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهُ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَتَبَوَّأَ مَضْجَعَهُ» . (قَوْلُهُ وَصَحَّ الْجِدُّ) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ وَالْجِدُّ فِي «إنَّ عَذَابَك الْجِدُّ» ثَابِتٌ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ ثَابِتٌ فِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد، وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ الشُّمُنِّيِّ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ إنَّهُ لَا يَقُولُهُ. (قَوْلُهُ وَمُلْحِقٌ بِمَعْنَى لَاحِقٍ) مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرٌ وَهُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَنَصَّ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ، وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ. وَنَصَّ الْجَوْهَرِيُّ عَلَى أَنَّهُ صَوَابٌ، كَذَا فِي الْحِلْيَةِ. قُلْت: بَلْ فِي الْقَامُوسِ الْفَتْحُ أَحْسَنُ، أَوْ الصَّوَابُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ بِمَعْنَى لَاحِقٍ) أَيْ إنَّهُ مِنْ أَلْحَقَ الْمَزِيدِ بِمَعْنَى لَحِقَ الْمُجَرَّدِ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة أَنَّ الْمُطَرِّزِيَّ صَحَّحَ أَنَّ الْمُرَادَ مُلْحِقُ الْفُسَّاقِ بِالْكُفَّارِ الْأَوَّلُ أَوْلَى احْتِرَازًا عَنْ الْإِضْمَارِ، وَتَمَامُهُ فِيهَا. قُلْت: وَلَعَلَّ مَا صَحَّحَهُ الْمُطَرِّزِيُّ، وَهُوَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ تِلْمِيذُ الزَّمَخْشَرِيّ وَشَيْخُ صَاحِبِ الْقُنْيَةِ بَنَاهُ عَلَى مَذْهَبِهِمْ الْفَاسِدِ مَذْهَبِ الِاعْتِزَالِ، مِنْ أَنَّ عُصَاةَ الْمُؤْمِنِينَ مُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ كَالْكُفَّارِ (قَوْلُهُ كَأَنَّهُ لِأَنَّهُ كَلِمَةٌ مُهْمَلَةٌ) كَذَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ وَرَدَ فِي «صِفَةِ الْبُرَاقِ لَهُ جَنَاحَانِ يَحْفِذُ بِهِمَا» أَيْ يَسْتَعِينُ عَلَى السَّيْرِ ط (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَمُقَابِلُهُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَاسْتَحْسَنُوا الْجَهْرَ فِي بِلَادِ الْعَجَمِ لِلْإِمَامِ لِيَتَعَلَّمُوا، وَفَصَلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَهُ الْقَوْمُ فَالْأَفْضَلُ لِلْإِمَامِ الْإِخْفَاءُ وَإِلَّا فَالْجَهْرُ. اهـ. قُلْت: هَذَا التَّفْصِيلُ لَا يَخْرُجُ عَمَّا قَبْلَهُ. وَفِي الْمُنْيَةِ مَنْ اخْتَارَ الْجَهْرَ اخْتَارَهُ دُونَ الْقِرَاءَةِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ إمَامًا) قَالَ فِي الْخَزَائِنِ إمَامًا كَانَ أَوْ مُؤْتَمًّا أَوْ مُنْفَرِدًا، أَدَاءً أَوْ قَضَاءً، فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْمُخَافَتَةَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً ط (قَوْلُهُ فَفِي غَيْرِهِ أَوْلَى) وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ النِّيَّةَ مُتَّحِدَةٌ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، بِخِلَافِ الْوِتْرِ، فَهِيَ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ ط أَيْ لِأَنَّ إمَامَهُ يَنْوِيهِ سُنَّةً. (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ إلَخْ) فَلَوْ رَآهُ احْتَجَمَ ثُمَّ غَابَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَضَّأَ احْتِيَاطًا وَحُسْنُ الظَّنِّ بِهِ أَوْلَى بَحْرٌ عَنْ الزَّاهِدِيِّ. (قَوْلُهُ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ الْحَاصِلَ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ الِاحْتِيَاطَ مِنْهُ فِي مَذْهَبِنَا فَلَا كَرَاهَةَ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَهُ فَلَا صِحَّةَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا كُرِهَ. مَطْلَبٌ الِاقْتِدَاءُ بِالشَّافِعِيِّ ثُمَّ قَالَ: ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِاعْتِقَادِ الْمُقْتَدِي وَلَا اعْتِبَارَ لِاعْتِقَادِ الْإِمَامِ؛ حَتَّى لَوْ اقْتَدَى بِشَافِعِيٍّ رَآهُ مَسَّ امْرَأَةً وَلَمْ يَتَوَضَّأْ فَالْأَكْثَرُ عَلَى الْجَوَازِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ: لَا يَجُوزُ وَرَجَّحَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 (بِشَافِعِيٍّ) مَثَلًا (لَمْ يَفْصِلْهُ بِسَلَامٍ) لَا إنْ فَصَلَهُ (عَلَى الْأَصَحِّ) فِيهِمَا لِلِاتِّحَادِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الِاعْتِقَادُ (وَ) لِذَا (يَنُوبُ الْوِتْرُ لَا الْوِتْرُ الْوَاجِبُ كَمَا فِي الْعِيدَيْنِ) لِلِاخْتِلَافِ (وَيَأْتِي الْمَأْمُومُ بِقُنُوتِ الْوِتْرِ) وَلَوْ بِشَافِعِيٍّ يَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ   [رد المحتار] فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ أَقْيَسُ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ بِمُصَلٍّ فِي زَعْمِهِ وَهُوَ الْأَصْلُ فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي رَأْيُ نَفْسِهِ لَا غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي حَمْلُ حَالِ الْإِمَامِ عَلَى التَّقْلِيدِ لِئَلَّا تَلْزَمَ الْحُرْمَةُ بِصَلَاتِهِ بِلَا طَهَارَةٍ فِي زَعْمِهِ إنْ قَصَدَ ذَلِكَ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَعَلَى قَوْلِ الْهِنْدُوَانِيُّ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَطْ. اهـ. وَظَاهِرُهُ الْجَوَازُ وَإِنْ تَرَكَ بَعْضَ الشُّرُوطِ عِنْدَنَا، لَكِنْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي أَنَّ اعْتِبَارَ رَأْيِ الْمُقْتَدِي فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ الْمَارُّ فِي اعْتِبَارِ رَأْيِ الْإِمَامِ أَيْضًا؛ فَالْحَنَفِيُّ إذَا رَأَى فِي ثَوْبِ إمَامٍ شَافِعِيٍّ مَنِيًّا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ رَأَى نَجَاسَةً قَلِيلَةً جَازَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا عِنْدَ الْبَعْضِ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ عَلَى رَأْي الْإِمَامِ، وَالْمُعْتَبَرُ رَأْيُهُمَا اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ قَرِيبًا. هَذَا وَقَدْ بَسَطْنَا بَقِيَّةَ أَبْحَاثِ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُخَالِفِ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ. (قَوْلُهُ بِشَافِعِيٍّ مَثَلًا) دَخَلَ فِيهِ مَنْ يَعْتَقِدُ قَوْلَ الصَّاحِبَيْنِ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ يَقُولُ بِسُنِّيَّتِهِ. (قَوْلُ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا) أَيْ فِي جَوَازِ أَصْلِ الِاقْتِدَاءِ فِيهِ بِشَافِعِيٍّ وَفِي اشْتِرَاطِ عَدَمِ فَصْلِهِ، خِلَافًا لِمَا فِي الْإِرْشَادِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَصْلًا بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَخِلَافًا لِمَا قَالَهُ الرَّازِيّ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ فَصَلَهُ وَيُصَلِّي مَعَهُ بَقِيَّةَ الْوِتْرِ لِأَنَّ إمَامَهُ لَمْ يَخْرُجُ بِسَلَامِهِ عِنْدَهُ وَهُوَ مُجْتَهِدٌ فِيهِ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ قَدْ رَعَفَ. قُلْت: وَمَعْنَى كَوْنِهِ لَمْ يَخْرُجْ بِسَلَامِهِ أَنَّ سَلَامَهُ لَمْ يُفْسِدْ وِتْرَهُ لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ يُحْسَبُ مِنْ الْوِتْرِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى قَوْلِ الْهِنْدُوَانِيُّ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ كَمَا لَوْ اقْتَدَى إلَخْ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ رَأْيُ الْإِمَامِ فَقَطْ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ نُوحٍ أَفَنْدِي. (قَوْلُهُ لِلِاتِّحَادِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ. وَرَدٌّ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْإِرْشَادِ بِمَا نَقَلَهُ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى عَنْ ابْنِ الْفَضْلِ أَنَّهُ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ لِأَنَّ كُلًّا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْوِتْرِ، فَأُهْدِرَ اخْتِلَافُ الِاعْتِقَادِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَاعْتُبِرَ مُجَرَّدُ اتِّحَادِ النِّيَّةِ. اهـ. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ وَإِنْ لَمْ يَخْطِرْ بِخَاطِرِهِ عِنْدَ النِّيَّةِ صِفَةُ السُّنِّيَّةِ أَوْ غَيْرُهَا، بَلْ مُجَرَّدُ الْوِتْرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ التَّجْنِيسِ لِتَقَرُّرِ النَّفْلِيَّةِ فِي اعْتِقَادِهِ. وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّجْنِيسِ أَيْضًا مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ إنْ نَوَى الْوِتْرَ وَهُوَ يَرَاهُ سُنَّةً جَازَ الِاقْتِدَاءُ كَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ خَلْفَ مَنْ يَرَى أَنَّ الرُّكُوعَ سُنَّةٌ، وَإِنْ نَوَاهُ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ اقْتِدَاءَ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ اهـ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ تَعْلِيلَ اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْفَصْلِ بِسَلَامٍ اكْتِفَاءً بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَبْلَهُ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ اعْتِبَارُ اعْتِقَادِ الْمُقْتَدِي، وَالسَّلَامُ قَاطِعٌ فِي اعْتِقَادِهِ فَيَفْسُدُ اقْتِدَاؤُهُ وَإِنْ صَحَّ شُرُوعُهُ مَعَهُ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ فِي الِابْتِدَاءِ كَمَا أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ وَلِذَا يَنْوِي) أَيْ لِأَجْلِ الِاخْتِلَافِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الِاعْتِقَادُ ط. (قَوْلُهُ لَا الْوِتْرُ الْوَاجِبُ) الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّهُ لَا يَنْوِي أَنَّهُ وَاجِبٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَعْيِينُ الْوُجُوبِ لَا مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ حَنَفِيًّا يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَهُ لِيُطَابِقَ اعْتِقَادَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَلَا تَضُرُّهُ تِلْكَ النِّيَّةُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ لِلِاخْتِلَافِ) أَيْ فِي الْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ، وَهُوَ عِلَّةٌ لِلْعِيدَيْنِ فَقَطْ، وَعِلَّةُ الْوِتْرِ قَدَّمَهَا بِقَوْلِهِ وَلِذَا لَوْ حَذَفَ هَذَا مَا ضَرَّ لِفَهْمِهِ مِنْ الْكَافِ ط. (قَوْلُهُ وَيَأْتِي الْمَأْمُومُ إلَخْ) هَذَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ الْآتِيَةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا الْمُؤْتَمُّ إنْ فَعَلَهَا الْإِمَامُ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْكَنْزِ هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ. وَعِبَارَةُ الْمُحِيطِ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ الْمُقْتَدِي أَيْضًا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، لِأَنَّهُ دُعَاءٌ كَسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَقْرَأُ بَلْ يُؤَمِّنُ لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةَ الْقُرْآنِ احْتِيَاطًا اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ سُنَّةٌ لِلْمُقْتَدِي لَا وَاجِبٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْقُنُوتَ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا. (قَوْلُهُ وَلَوْ بِشَافِعِيٍّ إلَخْ) أَيْ وَيَقْنُتُ بِدُعَاءِ الِاسْتِعَانَةِ لَا دُعَاءِ الْهِدَايَةِ الَّذِي يَدْعُو بِهِ إمَامُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ (لَا الْفَجْرِ) لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ (بَلْ يَقِفُ سَاكِتًا عَلَى الْأَظْهَرِ) مُرْسِلًا يَدَيْهِ. (وَلَوْ نَسِيَهُ) أَيْ الْقُنُوتَ (ثُمَّ تَذَكَّرَهُ فِي الرُّكُوعِ لَا يَقْنُتُ) فِيهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ (وَلَا يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ) فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ فِيهِ رَفْضَ الْفَرْضِ لِلْوَاجِبِ (فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ وَقَنَتَ وَلَمْ يُعِدْ الرُّكُوعَ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ) لِكَوْنِ رُكُوعِهِ بَعْدَ قِرَاءَةٍ تَامَّةٍ   [رد المحتار] لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ فِي مُطْلَقِ الْقُنُوتِ لَا فِي خُصُوصِ الدُّعَاءِ كَمَا حَرَّرَهُ الشَّيْخُ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الشَّيْخِ عَبْدِ الْحَيِّ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ) قَدَّمْنَا مَعْنَى هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي آخِرِ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ وَمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ، يَعْنِي فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ لَا فِي الْمَقْطُوعِ بِنَسْخِهِ أَوْ بِعَدَمِ سُنِّيَّتِهِ كَقُنُوتِ فَجْرٍ. اهـ. وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُجْتَهَدِ فِيهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَقُنُوتِ الْوِتْرِ بَعْدَ الرُّكُوعِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ وُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ بَعْدَ الرُّكُوعِ الْمُتَابَعَةُ فِي الْقِيَامِ فِيهِ لَا فِي الدُّعَاءِ إنْ قُلْنَا إنَّهُ سُنَّةٌ لِلْمُقْتَدِي لَا وَاجِبٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ) فَصَارَ كَمَا لَوْ كَبَّرَ خَمْسًا فِي الْجِنَازَةِ حَيْثُ لَا يُتَابِعُهُ فِي الْخَامِسَةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ بَلْ يَقِفُ) وَقِيلَ يَقْعُدُ، وَقِيلَ يُطِيلُ الرُّكُوعَ، وَقِيلَ يَسْجُدُ إلَى أَنْ يُدْرِكَهُ فِيهِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ مُرْسِلًا يَدَيْهِ) لِأَنَّ الْوَضْعَ سُنَّةٌ قِيَامٌ طَوِيلٌ فِيهِ مَسْنُونٌ، وَهَذَا الذِّكْرُ لَيْسَ بِمَسْنُونٍ عِنْدَنَا. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: دَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّافِعِيَّةِ، وَإِذَا عَلِمَ الْمُقْتَدَى مِنْهُ مَا يَزْعُمُ بِهِ فَسَادَ صَلَاتِهِ كَالْفَصْدِ وَغَيْرِهِ لَا يُجْزِيهِ انْتَهَى. وَوَجْهُ دَلَالَتِهَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ لَمْ يَصِحَّ اخْتِلَافُ عُلَمَائِنَا فِي أَنَّهُ يَسْكُتُ أَوْ يُتَابِعُهُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي مَحْضِ الْقِيَامِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى مَا هُوَ قِيَامٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ الرُّكُوعُ. وَأَمَّا تَكْبِيرَةُ الْعِيدِ فَإِنَّهُ إذَا تَذَكَّرَهَا فِيهِ يَأْتِي بِهَا فِيهِ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْتَصَّ بِمَحْضِ الْقِيَامِ لِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ يُؤْتَى بِهَا فِي حَالِ الِانْحِطَاطِ، وَهِيَ مَحْسُوبَةٌ مِنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، فَإِذَا جَازَ وَاحِدَةٌ مِنْهَا فِي غَيْرِ مَحْضِ الْقِيَامِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ جَازَ أَدَاءُ الْبَاقِي مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ بِالْأَوْلَى بَحْرٌ. أَقُولُ: وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحِلْيَةِ، وَأَصْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ، لَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يَأْتِي بِتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ فِي الرُّكُوعِ وَإِنْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ نَفْسُهُ فِي فَصْلِ الْعِيدِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ تَذَكَّرَ فِي رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَنَّهُ لَمْ يُكَبِّرْ فَإِنَّهُ يَعُودُ وَيُكَبِّرُ وَيُنْتَقَضُ رُكُوعُهُ وَلَا يُعِيدُ الْقِرَاءَةَ، بِخِلَافِ الْمُقْتَدِي لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ وَخَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ فَإِنَّهُ يَرْكَعُ وَيُكَبِّرُ فِيهِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ مَحَلَّ التَّكْبِيرَاتِ فِي الْأَصْلِ الْقِيَامُ الْمَحْضُ، وَلَكِنْ أَلْحَقْنَا الرُّكُوعَ بِالْقِيَامِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي لِضَرُورَةِ وُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ اهـ فَانْظُرْ إلَى مَا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ مِنْ التَّدَافُعِ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ ثَانِيًا مَشَى فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ حَيْثُ يَرْفُضُ الرُّكُوعَ لِأَجْلِهِ وَبَيْنَ الْقُنُوتِ بِكَوْنِ تَكْبِيرِ الْعِيدِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ دُونَ الْقُنُوتِ. وَأَقُولُ: قَدْ صَرَّحَ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ، بِأَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ ثَانِيًا رِوَايَةُ النَّوَادِرِ وَأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ وَيَمْضِي فِي صَلَاتِهِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا هُنَاكَ؛ وَعَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ أَصْلًا، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقُنُوتِ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَلَا يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ) إنْ قُلْت: هُوَ وَإِنْ لَمْ يَقْنُتْ فَقَدْ حَصَلَ الْقِيَامُ بِرَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ. قُلْنَا هَذِهِ قَوْمَةٌ لَا قِيَامٌ فَيَكُونُ عَدَمُ الْعَوْدِ إلَى الْقِيَامِ كِنَايَةً عَنْ عَدَمِ الْقُنُوتِ بَعْدَ الرُّكُوعِ لِأَنَّ الْقِيَامَ لَازِمُ الْقُنُوتِ مَلْزُومٌ، فَأَطْلَقَ اللَّازِمَ لِيَنْتَقِلَ مِنْهُ إلَى الْمَلْزُومِ ح (قَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهِ رَفْضَ الْفَرْضِ لِلْوَاجِبِ) يَعْنِي وَهُوَ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ عَلَى قَوْلٍ، وَمُوجِبٌ لِلْإِسَاءَةِ عَلَى قَوْلٍ آخَرَ. وَالْحَقُّ الثَّانِي كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ ح. (قَوْلُهُ لِكَوْنِ رُكُوعِهِ بَعْدَ قِرَاءَةٍ تَامَّةٍ) أَيْ فَلَمْ يُنْتَقَضْ رُكُوعُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَذَكَّرَ الْفَاتِحَةَ أَوْ السُّورَةَ حَيْثُ يَعُودُ وَيُنْتَقَضُ رُكُوعُهُ لِأَنَّ بِعَوْدِهِ صَارَتْ قِرَاءَةُ الْكُلِّ فَرْضًا وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ فَرْضٌ فَارْتَفَضَ رُكُوعُهُ، فَلَوْ لَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 (وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ) قَنَتَ أَوَّلًا لِزَوَالِهِ عَنْ مَحَلِّهِ (رَكَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُقْتَدِي) مِنْ الْقُنُوتِ قَطَعَهُ وَ (تَابَعَهُ) وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ مِنْهُ شَيْئًا تَرَكَهُ إنْ خَافَ فَوْتَ الرُّكُوعِ مَعَهُ بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِيمَا هُوَ مِنْ الْأَرْكَانِ أَوْ الشَّرَائِطِ مُفْسِدَةٌ لَا فِي غَيْرِهَا دُرَرٌ (قَنَتَ فِي أُولَى الْوِتْرِ أَوْ ثَانِيَتِهِ سَهْوًا لَمْ يَقْنُتْ فِي ثَالِثَتِهِ) أَمَّا لَوْ شَكَّ أَنَّهُ فِي ثَانِيَتِهِ أَوْ ثَالِثَتِهِ كَرَّرَهُ مَعَ الْقُعُودِ فِي الْأَصَحِّ. وَالْفَرْقُ أَنَّ السَّاهِيَ قَنَتَ عَلَى أَنَّهُ مَوْضِعُ الْقُنُوتِ فَلَا يَتَكَرَّرُ، بِخِلَافِ الشَّاكِّ وَرَجَّحَ الْحَلَبِيُّ تَكْرَارَهُ لَهُمَا؛ وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ   [رد المحتار] يَرْكَعْ بَطَلَتْ، وَلَوْ رَكَعَ وَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي كَانَ مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ بَحْرٌ مُلَخَّصًا: أَيْ لِأَنَّ الرُّكُوعَ الثَّانِيَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ لِارْتِفَاضِ الْأَوَّلِ بِالْعَوْدِ إلَى الْقِرَاءَةِ بِخِلَافِ الْعَوْدِ إلَى الْقُنُوتِ؛ حَتَّى لَوْ عَادَ وَقَنَتَ ثُمَّ رَكَعَ فَاقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ لَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ لِأَنَّ هَذَا الرُّكُوعَ لَغْوٌ؛ وَمَا نَقَلَهُ ح عَنْ الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ ط فِيهِ اخْتِصَارُ مَحَلٍّ فَافْهَمْ وَقَدَّمْنَا فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ بَيَانَ كَوْنِ الْقِرَاءَةِ تَقَعُ فَرْضًا بِالْعَوْدِ فَرَاجِعْهُ. [فَرْعٌ] تَرَكَ السُّورَةَ دُونَ الْفَاتِحَةِ وَقَنَتَ ثُمَّ تَذَكَّرَ يَعُودُ وَيَقْرَأُ السُّورَةَ وَيُعِيدُ الْقُنُوتَ وَالرُّكُوعَ مِعْرَاجٌ وَخَانِيَّةٌ وَغَيْرُهُمَا (قَوْلُهُ لِزَوَالِهِ عَنْ مَحَلِّهِ) تَعْلِيلٌ لِمَا فُهِمَ قَبْلَهُ مِنْ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ؛ وَهِيَ مَا لَوْ قَنَتَ فِي الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ وَأَعَادَ الرُّكُوعَ أَوَّلًا وَمَا إذَا لَمْ يَقْنُتْ أَصْلًا كَمَا حَقَّقَهُ ح (قَوْلُهُ قَطَعَهُ وَتَابَعَهُ) لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُنُوتِ هُنَا الدُّعَاءُ الصَّادِقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَمَا أَتَى بِهِ مِنْهُ كَافٍ فِي سُقُوطِ الْوَاجِبِ، وَتَكْمِيلُهُ مَنْدُوبٌ وَالْمُتَابَعَةُ وَاجِبَةٌ فَيَتْرُكُ الْمَنْدُوبَ لِلْوَاجِبِ رَحْمَتِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ إلَخْ) أَيْ لَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَقْرَأْ الْمُقْتَدِي شَيْئًا مِنْ الْقُنُوتِ إنْ خَافَ فَوْتَ الرُّكُوعِ يَرْكَعْ وَإِلَّا يَقْنُتْ ثُمَّ يَرْكَعْ خَانِيَّةٌ وَغَيْرُهَا، وَهَلْ الْمُرَادُ مَا يُسَمَّى قُنُوتًا أَوْ خُصُوصَ الدُّعَاءِ؟ الْمَشْهُورُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ) أَيْ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَوْ سَلَّمَ أَوْ قَامَ لِلثَّالِثَةِ قَبْلَ إتْمَامِ الْمُؤْتَمِّ التَّشَهُّدَ فَإِنَّهُ لَا يُتَابِعُهُ بَلْ يُتِمُّهُ لِوُجُوبِهِ كَمَا قَدَّمَهُ فِي فَصْلِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ عَلِيلٌ لِاقْتِضَائِهِ فَرْضِيَّةَ الْمُتَابَعَةِ الْمَذْكُورَةِ وَقَدَّمْنَا عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِي الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ وَاجِبَةٌ مَا لَمْ يُعَارِضْهَا وَاجِبٌ، فَلَا يُفَوِّتُهُ بَلْ يَأْتِي بِهِ ثُمَّ يُتَابِعُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَارَضَهَا سُنَّةٌ لِأَنَّ تَرْكَ السُّنَّةِ أَوْلَى مِنْ تَأْخِيرِ الْوَاجِبِ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا، وَحِينَئِذٍ فَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقُنُوتِ وَالتَّشَهُّدِ هُوَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْمُقْتَدِي الْقُنُوتُ سُنَّةٌ كَمَا قَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَالْمُتَابَعَةِ فِي الرُّكُوعِ وَاجِبَةٌ؛ فَإِذَا خَافَ فَوْتَهَا يَتْرُكُ السُّنَّةَ لِلْوَاجِبِ. وَأَمَّا التَّشَهُّدُ فَإِتْمَامُهُ وَاجِبٌ لِأَنَّ بَعْضَ التَّشَهُّدِ لَيْسَ بِتَشَهُّدٍ فَيُتِمُّهُ وَإِنْ فَاتَتْ الْمُتَابَعَةُ فِي الْقِيَامِ أَوْ السَّلَامِ لِأَنَّهُ عَارَضَهَا وَاجِبٌ تَأَكَّدَ بِالتَّلَبُّسِ بِهِ قَبْلَهَا فَلَا يُفَوِّتُهُ لِأَجْلِهَا وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً. وَقَدْ صَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ يُتِمُّ التَّشَهُّدَ إذَا قَامَ الْإِمَامُ إلَى الثَّالِثَةِ وَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ مَعَهُ، وَإِذَا قُلْنَا إنَّ قِرَاءَةَ الْقُنُوتِ لِلْمُقْتَدِي وَاجِبَةٌ، فَإِنْ كَانَ قَرَأَ بَعْضَهُ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِهِ لِأَنَّ بَعْضَ الْقُنُوتِ قُنُوتٌ، وَإِلَّا فَلَمْ يَتَأَكَّدْ وَتَتَرَجَّحُ الْمُتَابَعَةُ فِي الرُّكُوعِ لِلِاخْتِلَافِ فِي أَنَّ الْمُقْتَدِي هَلْ يَقْرَأُ الْقُنُوتَ أَمْ يَسْكُتُ؟ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فِي ثَانِيَتِهِ أَوْ ثَالِثَتِهِ) وَكَذَا لَوْ شَكَّ أَنَّهُ فِي الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ كَرَّرَهُ مَعَ الْقُعُودِ) أَيْ فَيَقْنُتُ وَيَقْعُدُ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي حَصَلَ فِيهَا الشَّكُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا الثَّالِثَةُ، ثُمَّ يَفْعَلُ كَذَلِكَ فِي الَّتِي بَعْدَهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا هِيَ الثَّالِثَةُ وَتِلْكَ كَانَتْ ثَانِيَةً. (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ لَا يَقْنُتُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ الْقُنُوتَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ بِدْعَةٌ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقُنُوتَ وَاجِبٌ؛ وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْبِدْعَةِ يَأْتِي بِهِ احْتِيَاطًا بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ وَرَجَّحَ الْحَلَبِيُّ تَكْرَارَهُ لَهُمَا) حَيْثُ قَالَ: إلَّا أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ غَيْرُ مُفِيدٍ إذْ لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الَّذِي ظَهَرَ خَطَؤُهُ، وَإِذَا كَانَ الشَّاكُّ يُعِيدُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْوَاجِبَ لَمْ يَقَعْ فِي مَوْضِعِهِ فَكَيْفَ لَا يُعِيدُ السَّاهِي بَعْدَمَا تَيَقَّنَ ذَلِكَ. وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ بِأَنَّ السَّاهِيَ يَقْنُتُ ثَانِيًا، فَإِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 فَيَقْنُتُ مَعَ إمَامِهِ فَقَطْ وَيَصِيرُ مُدْرِكًا بِإِدْرَاكِ رُكُوعِ الثَّالِثَةِ (وَلَا يَقْنُتُ لِغَيْرِهِ) إلَّا النَّازِلَةَ فَيَقْنُتُ الْإِمَامُ فِي الْجَهْرِيَّةِ، وَقِيلَ فِي الْكُلِّ. [فَائِدَةٌ] خَمْسٌ يُتَّبَعُ فِيهَا الْإِمَامُ: قُنُوتٌ، وَقُعُودٌ أَوَّلُ، وَتَكْبِيرُ عِيدٍ، وَسَجْدَةُ تِلَاوَةٍ، وَسَهْوٌ.   [رد المحتار] كَانَ مَا مَرَّ رِوَايَةً فَهِيَ غَيْرُ مُوَافِقَةٍ لِلدِّرَايَةِ. اهـ. قُلْت: وَكَذَا رَجَّحَهُ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ بِنَحْوِ مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ فَيَقْنُتُ مَعَ إمَامِهِ فَقَطْ) لِأَنَّهُ آخِرُ صَلَاتِهِ، وَمَا يَقْضِيهِ أَوَّلُهُمَا حُكْمًا فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا وَهُوَ الْقُنُوتُ؛ وَإِذَا وَقَعَ قُنُوتُهُ فِي مَوْضِعِهِ بِيَقِينٍ لَا يُكَرِّرُ لِأَنَّ تَكْرَارَهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يَقْنُتُ لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْوِتْرِ، وَهَذَا نَفْيٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّهُ يَقْنُتُ لِلْفَجْرِ. مَطْلَبٌ فِي الْقُنُوتِ لِلنَّازِلَةِ (قَوْلُهُ إلَّا لِنَازِلَةٍ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ: النَّازِلَةُ الشَّدِيدَةُ مِنْ شَدَائِدِ الدَّهْرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الطَّاعُونَ مِنْ أَشَدِّ النَّوَازِلِ أَشْبَاهٌ. (قَوْلُهُ فَيَقْنُتُ الْإِمَامُ فِي الْجَهْرِيَّةِ) يُوَافِقُهُ مَا فِي الْبَحْرِ والشُّرُنبُلالِيَّة عَنْ شَرْحِ النِّقَابَةِ عَنْ الْغَايَةِ: وَإِنْ نَزَلَ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ قَنَتَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ اهـ وَكَذَا مَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْبَنَانِيَّةِ: إذَا وَقَعَتْ نَازِلَةٌ قَنَتَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ، لَكِنْ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْغَايَةِ: قَنَتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ: فَتَكُونُ شَرْعِيَّتُهُ: أَيْ شَرْعِيَّةُ الْقُنُوتِ فِي النَّوَازِلِ مُسْتَمِرَّةً، وَهُوَ مَحْمَلُ قُنُوتِ مَنْ قَنَتَ مِنْ الصَّحَابَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَعَلَيْهِ. الْجُمْهُورُ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ: إنَّمَا لَا يَقْنُتُ عِنْدَنَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ بَلِيَّةٍ، فَإِنْ وَقَعَتْ فِتْنَةٌ أَوْ بَلِيَّةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ، فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا الْقُنُوتُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِلنَّوَازِلِ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا الشَّافِعِيُّ، وَكَأَنَّهُمْ حَمَلُوا مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ قَنَتَ فِي الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ» كَمَا فِي مُسْلِمٍ، وَأَنَّهُ «قَنَتَ فِي الْمَغْرِبِ» أَيْضًا كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَلَى النُّسَخِ لِعَدَمِ وُرُودِ الْمُوَاظَبَةِ وَالتَّكْرَارِ الْوَارِدَيْنِ فِي الْفَجْرِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اهـ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ قُنُوتَ النَّازِلَةِ عِنْدَنَا مُخْتَصٌّ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْجَهْرِيَّةِ أَوْ السَّرِيَّةِ. وَمُفَادُهُ أَنَّ قَوْلَهُمْ بِأَنَّ الْقُنُوتَ فِي الْفَجْرِ مَنْسُوخٌ مَعْنَاهُ نَسْخُ عُمُومِ الْحُكْمِ لَا نَسْخُ أَصْلِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ نُوحٌ أَفَنْدِي، وَظَاهِرُ تَقْيِيدِهِمْ بِالْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يَقْنُتُ الْمُنْفَرِدُ، وَهَلْ الْمُقْتَدِي مِثْلُهُ أَمْ لَا؟ وَهَلْ الْقُنُوتُ هُنَا قَبْلَ الرُّكُوعِ أَمْ بَعْدَهُ؟ لَمْ أَرَهُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْمُقْتَدِيَ يُتَابِعُ إمَامَهُ إلَّا إذَا جَهَرَ فَيُؤَمِّنُ وَأَنَّهُ يَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ لَا قَبْلَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَلَى قُنُوتِ الْفَجْرِ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِالْقُنُوتِ بَعْدَ الرُّكُوعِ حَمَلَهُ عُلَمَاؤُنَا عَلَى الْقُنُوتِ لِلنَّازِلَةِ، ثُمَّ رَأَيْت الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي مَرَاقِي الْفَلَاحِ صَرَّحَ بِأَنَّهُ بَعْدَهُ؛ وَاسْتَظْهَرَ الْحَمَوِيُّ أَنَّهُ قَبْلَهُ وَالْأَظْهَرُ مَا قُلْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ فِي الْكُلِّ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا الشَّافِعِيُّ، وَعَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى جُمْهُورِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، فَكَانَ يَنْبَغِي عَزْوُهُ إلَيْهِمْ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّهُ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ. (قَوْلُهُ خَمْسٌ يُتْبَعُ فِيهَا الْإِمَامُ) أَيْ يَفْعَلُهَا الْمُؤْتَمُّ إنْ فَعَلَهَا الْإِمَامُ وَإِلَّا فَلَا ح؛ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْأَصْلُ فِي هَذَا النَّوْعِ وُجُوبُ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ فِي الْوَاجِبَاتِ فِعْلًا وَكَذَا تَرْكًا، إنْ كَانَتْ فِعْلِيَّةً أَوْ قَوْلِيَّةً يَلْزَمُ مَنْ فَعَلَهَا الْمُخَالَفَةَ فِي الْفِعْلِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ قُنُوتٌ) يُخَالِفُهُ مَا فِي الْفَتْحِ وَالظَّهِيرِيَّةُ وَالْفَيْضِ وَنُورِ الْإِيضَاحِ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الْقُنُوتَ يَأْتِي بِهِ الْمُؤْتَمُّ إنْ أَمْكَنَهُ مُشَارَكَةُ الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ وَإِلَّا تَابَعَهُ " وَقَدْ أَعَادَ فِي الْفَتْحِ ذِكْرَ هَذَا الْفَرْعِ قُبَيْلَ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا مَعْزِيًّا إلَى نَظْمِ الزَّنْدَوَسْتِيِّ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ التَّفْصِيلُ لِأَنَّ فِيهِ إحْرَازَ الْفَضِيلَتَيْنِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَقُعُودٌ أَوَّلُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ إمَامَهُ إلَى أَنْ يَصِيرَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ قَبْلَهُ ثُمَّ يُتَابِعُهُ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا عَادَ حِينَئِذٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَيَأْثَمُ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَلَيْسَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 وَأَرْبَعَةٌ لَا يُتَّبَعُ فِيهَا: زِيَادَةُ تَكْبِيرِ عِيدٍ، أَوْ جِنَازَةٍ، وَرُكْنٌ، وَقِيَامٌ لِخَامِسَةٍ. وَثَمَانِيَةٌ تُفْعَلُ مُطْلَقًا: الرَّفْعُ لِتَحْرِيمَةٍ وَالثَّنَاءُ، وَتَكْبِيرُ انْتِقَالٍ، وَتَسْمِيعٌ، وَتَسْبِيحٌ، وَتَشَهُّدٌ، وَسَلَامٌ، وَتَكْبِيرُ تَشْرِيقٍ. (وَسُنَّ) مُؤَكَّدًا (أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ وَ) أَرْبَعٌ قَبْلَ (الْجُمُعَةِ وَ) أَرْبَعٌ (بَعْدَهَا بِتَسْلِيمَةٍ) فَلَوْ بِتَسْلِيمَتَيْنِ   [رد المحتار] لِلْمُقْتَدِي أَنْ يَقْعُدَ ثُمَّ يُتَابِعَهُ لِأَنَّهُ يَكُونُ فَاعِلًا مَا يَحْرُمُ عَلَى الْإِمَامِ فِعْلُهُ وَمُخَالِفًا لَهُ فِي عَمَلٍ فِعْلِيٍّ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَامَ الْإِمَامُ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُقْتَدِي مِنْ التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يُتِمُّهُ ثُمَّ يُتَابِعُهُ لِأَنَّ فِي إتْمَامِهِ مُتَابَعَةً لِإِمَامِهِ فِيمَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَتَكْبِيرُ عِيدٍ) أَيْ إذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ الْإِمَامُ فِي الْقِيَامِ أَوْ فِي الرُّكُوعِ لَا يَأْتِي بِهِ الْمُؤْتَمُّ فَافْهَمْ. وَبَحَثَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الْمُؤْتَمُّ فِي الرُّكُوعِ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ فِيهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ فِي وَاجِبٍ فِعْلِيٍّ. ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ فِي الرُّكُوعِ لِلْمَسْبُوقِ تَحْصِيلًا لِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ فِيمَا أَتَى بِهِ، أَمَّا هُنَا فَفِيهِ تَحْصِيلٌ لِمُخَالَفَتِهِ. قَالَ: وَهَذَا فِي تَكْبِيرَاتِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا تَكْبِيرَاتُ الْأُولَى فَفِي الْإِتْيَانِ بِهَا تَرْكُ الِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ. (قَوْلُهُ وَأَرْبَعَةٌ لَا يُتْبَعُ) أَيْ إذَا فَعَلَهَا الْإِمَامُ لَا يَتْبَعُهُ فِيهَا الْقَوْمُ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا النَّوْعِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُتَابِعَهُ فِي الْبِدْعَةِ وَالْمَنْسُوخِ وَمَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالصَّلَاةِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ زِيَادَةُ تَكْبِيرِ عِيدٍ) أَيْ إذَا زَادَ عَلَى أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَكَانَ الْمُقْتَدِي يَسْمَعُ التَّكْبِيرَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَسْمَعُهُ مِنْ الْمُؤَذِّنِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْغَلَطَ مِنْهُ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ أَوْ جِنَازَةٍ) أَيْ بِأَنْ زَادَ عَلَى أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ. (قَوْلُهُ وَرُكْنٍ) كَزِيَادَةِ سَجْدَةٍ ثَالِثَةٍ. (قَوْلُهُ وَقِيَامٌ لِخَامِسَةٍ) دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ وَرُكْنٍ تَأَمَّلْ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: ثُمَّ فِي الْقِيَامِ إلَى الْخَامِسَةِ إنْ كَانَ قَعَدَ عَلَى الرَّابِعَةِ وَيَنْتَظِرُهُ الْمُقْتَدِي قَاعِدًا، فَإِنْ سَلَّمَ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ التَّشَهُّدِ سَلَّمَ الْمُقْتَدِي مَعَهُ وَإِنْ قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ سَلَّمَ الْمُقْتَدِي وَحْدَهُ؛ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْعُدْ عَلَى الرَّابِعَةِ. فَإِنْ عَادَ تَابَعَهُ الْمُقْتَدِي، وَإِنْ قَيَّدَ الْخَامِسَةَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا، وَلَا يَنْفَعُ الْمُقْتَدِيَ تَشَهُّدُهُ وَسَلَامُهُ وَحْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَثَمَانِيَةٌ تُفْعَلُ مُطْلَقًا) أَيْ فَعَلَهَا الْإِمَامُ أَوْ لَا. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا النَّوْعِ عَدَمُ وُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ فِي السُّنَنِ فِعْلًا فَكَذَا تَرْكًا، وَكَذَا الْوَاجِبُ الْقَوْلِيُّ الَّذِي لَا يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِهِ الْمُخَالَفَةُ فِي وَاجِبٍ فِعْلِيٍّ كَالتَّشَهُّدِ وَتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ، بِخِلَافِ الْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ، إذْ يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِهِمَا الْمُخَالَفَةُ فِي الْفِعْلِيِّ وَهُوَ الْقِيَامُ مَعَ رُكُوعِ الْإِمَامِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ الرَّفْعُ) أَيْ رَفْعُ الْيَدَيْنِ لِلتَّحْرِيمَةِ. (قَوْلُهُ وَالثَّنَاءُ) أَيْ فَيَأْتِي بِهِ مَا دَامَ الْإِمَامُ فِي الْفَاتِحَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السُّورَةِ فَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّهُ إذَا أَدْرَكَهُ فِي جَهْرِ الْقِرَاءَةِ لَا يُثْنِي، كَذَا فِي الْفَتْحِ: أَيْ بِخِلَافِ حَالَةِ السِّرِّ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ تَصْحِيحَهُ وَأَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَتَكْبِيرُ انْتِقَالٍ) أَيْ إلَى رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ رَفْعٍ مِنْهُ. (قَوْلُهُ وَتَسْمِيعٌ) أَيْ إذَا تَرَكَهُ الْإِمَامُ لَا يَتْرُكُ الْمُؤْتَمُّ التَّحْمِيدَ. (قَوْلُهُ وَتَسْبِيحٌ) أَيْ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَيَأْتِي بِهِ الْمُؤْتَمُّ مَا دَامَ الْإِمَامُ فِيهِمَا. (قَوْلُهُ وَتَشَهُّدٌ) أَيْ إذَا قَعَدَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَقْرَأْ التَّشَهُّدَ يَقْرَؤُهُ الْمُؤْتَمُّ، أَمَّا لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الْقَعْدَةَ الْأُولَى فَإِنَّهُ يُتَابِعُهُ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ وَسَلَامٌ) أَيْ إذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ يُسَلِّمُ الْمُؤْتَمُّ، أَمَّا إذَا أَحْدَثَ عَمْدًا أَوْ قَهْقَهَ فَإِنَّ الْمُؤْتَمَّ لَا يُسَلِّمُ لِفَسَادِ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ صَلَاتِهِمَا ط. مَطْلَبٌ فِي السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ (قَوْلُهُ وَسُنَّ مُؤَكَّدًا) أَيْ اسْتِنَانًا مُؤَكَّدًا؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ طُلِبَ طَلَبًا مُؤَكَّدًا زِيَادَةً عَلَى بَقِيَّةِ النَّوَافِلِ، وَلِهَذَا كَانَتْ السُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ قَرِيبَةً مِنْ الْوَاجِبِ فِي لُحُوقِ الْإِثْمِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَيَسْتَوْجِبُ تَارِكُهَا التَّضْلِيلَ وَاللَّوْمَ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ: أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ بِلَا عُذْرٍ كَمَا فِي شَرْحِهِ وَقَدَّمْنَا بَقِيَّةَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ. (قَوْلُهُ بِتَسْلِيمَةٍ) لِمَا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 لَمْ تَنُبْ عَنْ السُّنَّةِ، وَلِذَا لَوْ نَذَرَهَا لَا يَخْرُجُ عَنْهُ بِتَسْلِيمَتَيْنِ، وَبِعَكْسِهِ يَخْرُجُ (وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) شُرِعَتْ الْبَعْدِيَّةُ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ، وَالْقَبْلِيَّةُ لِقَطْعِ طَمَعِ الشَّيْطَانِ (وَيُسْتَحَبُّ أَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَقَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهَا بِتَسْلِيمَةٍ) وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ، وَكَذَا بَعْدَ الظُّهْرِ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ «مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» (وَسِتٌّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ) لِيُكْتَبَ مِنْ الْأَوَّابِينَ (بِتَسْلِيمَةٍ) أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ   [رد المحتار] ثِنْتَيْنِ، وَبَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ، وَقَبْلَ الْفَجْرِ رَكْعَتَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ حَنْبَلٍ. وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ «كَانَ يُصَلِّي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الزَّوَالِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَقُلْت: مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي تُدَاوِمُ عَلَيْهَا؟ فَقَالَ: هَذِهِ سَاعَةٌ تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ فِيهَا، فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ، فَقُلْت: أَفِي كُلِّهِنَّ قِرَاءَةٌ؟ قَالَ نَعَمْ، فَقُلْت: بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَمْ بِتَسْلِيمَتَيْنِ؟ فَقَالَ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ» رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالظُّهْرِ، فَيَكُونُ سُنَّةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَرْبَعًا. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْكَعُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ زَيْلَعِيٌّ. زَادَ فِي الْإِمْدَادِ: وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّيْتُمْ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَصَلُّوا أَرْبَعًا، فَإِنْ عَجَّلَ بِك شَيْءٌ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ وَرَكْعَتَيْنِ إذَا رَجَعْت» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ. (قَوْلُهُ لَمْ تَنُبْ عَنْ السُّنَّةِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ كَذَلِكَ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِعَدَمِ الْعُذْرِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ آنِفًا، كَذَا بَحَثَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَسَنَذْكُرُ مَا يُؤَيِّدُهُ بَعْدَ نَحْوِ وَرَقَتَيْنِ. (قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِتَسْلِيمَتَيْنِ لِمَا يَكُونُ بِتَسْلِيمَةٍ. (قَوْلُهُ لَوْ نَذَرَهَا) أَيْ الْأَرْبَعَ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهَا سُنَّةً. وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ: وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ فَصَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَتَيْنِ لَا يَخْرُجُ عَنْ النَّذْرِ، وَبِالْعَكْسِ يَخْرُجُ، كَذَا فِي الْكَافِي اهـ وَأَسْقَطَ الشَّارِحُ قَوْلَهُ بِتَسْلِيمَةٍ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ كَمَا يَظْهَرُ مِمَّا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقَضَى رَكْعَتَيْنِ لَوْ نَوَى أَرْبَعًا إلَخْ. (قَوْلُهُ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ) أَيْ لِيَقُومَ فِي الْآخِرَةِ مَقَامَ مَا تَرَكَ مِنْهَا لِعُذْرٍ كَنِسْيَانٍ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ أَنَّ فَرِيضَةَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمَا إذَا لَمْ تَتِمَّ تُكْمَلُ بِالتَّطَوُّعِ، وَأَوَّلَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ الْمُكْمَلَ بِالتَّطَوُّعِ هُوَ مَا نَقَصَ مِنْ سُنَّتِهَا الْمَطْلُوبَةِ فِيهَا: أَيْ فَلَا يَقُومُ مَقَامَ الْفَرْضِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ «صَلَاةٌ لَمْ يُتِمَّهَا زِيدَ عَلَيْهَا مِنْ سُبْحَتِهَا حَتَّى تَتِمَّ» فَجَعَلَ التَّتْمِيمَ مِنْ السُّبْحَةِ أَيْ النَّافِلَةِ لِفَرِيضَةٍ صُلِّيَتْ نَاقِصَةً لَا لِمَتْرُوكَةٍ مِنْ أَصْلِهَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ الِاحْتِسَابُ مُطْلَقًا، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ لِحَدِيثِ أَحْمَدَ الظَّاهِرِ فِي ذَلِكَ اهـ مِنْ تُحْفَةِ ابْنِ حَجَرٍ مُلَخَّصًا. وَذَكَرَ نَحْوَهُ فِي الضِّيَاءِ عَنْ السِّرَاجِ وَسَيَذْكُرُ فِي الْبَابِ الْآتِي أَنَّهَا فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِزِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ. (قَوْلُهُ لِقَطْعِ طَمَعِ الشَّيْطَانِ) بِأَنْ يَقُولَ إنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ مَا لَيْسَ بِفَرْضٍ فَكَيْفَ يَتْرُكُ مَا هُوَ فَرْضٌ ط. (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ) لَمْ يَجْعَلْ لِلْعَصْرِ سُنَّةً رَاتِبَةً لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَارِّ بَحْرٌ قَالَ فِي الْإِمْدَادِ وَخَيَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالْقُدُورِيُّ الْمُصَلِّيَ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا أَوْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ) كَذَا عَبَّرَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي. وَفِي الْإِمْدَادِ عَنْ الِاخْتِيَارِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ الْعِشَاءِ أَرْبَعًا وَقِيلَ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا وَقِيلَ رَكْعَتَيْنِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ غَيْرُ الْمُؤَكَّدَتَيْنِ. (قَوْلُهُ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) فَلَا يَدْخُلُهَا أَصْلًا، وَذُنُوبُهُ تُكَفَّرُ عَنْهُ، وَتَبِعَاتُهُ يُرْضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ خُصَمَاءَهُ فِيهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَدَمَ دُخُولِهِ بِسَبَبِ تَوْفِيقِهِ لِمَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ عِقَابٌ ط أَوْ هُوَ بِشَارَةٌ بِأَنَّهُ يُخْتَمُ لَهُ بِالسَّعَادَةِ فَلَا يَدْخُلُ النَّارَ. (قَوْلُهُ مِنْ الْأَوَّابِينَ) جَمْعُ أَوَّابٍ: أَيْ رَجَّاعٍ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ. (قَوْلُهُ بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ) جَزَمَ بِالْأَوَّلِ فِي الدُّرَرِ، وَبِالثَّانِي فِي الْغَزْنَوِيَّةِ، وَبِالثَّالِثِ فِي التَّجْنِيسِ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ، لَكِنَّ الَّذِي فِي الْغَزْنَوِيَّةِ مِثْلُ مَا فِي التَّجْنِيسِ، وَكَذَا فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ. وَأَفَادَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي وَجْهِ ذَلِكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 وَالْأَوَّلُ أَدْوَمُ وَأَشَقُّ وَهَلْ تُحْسَبُ الْمُؤَكَّدَةُ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ وَيُؤَدَّى الْكُلُّ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ؟ اخْتَارَ الْكَمَالُ: نَعَمْ. وَحَرَّرَ إبَاحَةَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ؛ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالْمُصَنِّفُ. (وَ) السُّنَنُ (آكَدُهَا سُنَّةُ الْفَجْرِ) اتِّفَاقًا، ثُمَّ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ فِي الْأَصَحِّ، لِحَدِيثِ «مَنْ تَرَكَهَا لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي» ثُمَّ الْكُلُّ سَوَاءٌ (وَقِيلَ بِوُجُوبِهَا، فَلَا تَجُوزُ صَلَاتُهَا قَاعِدًا) وَلَا رَاكِبًا اتِّفَاقًا (بِلَا عُذْرٍ) عَلَى الْأَصَحِّ،   [رد المحتار] أَنَّهَا لَمَّا زَادَتْ عَنْ الْأَرْبَعِ وَكَانَ جَمْعُهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ خِلَافَ الْأَفْضَلِ، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَفْضَلَ رُبَاعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى رَأْسِ الْأَرْبَعِ لَزِمَ أَنْ يُسَلِّمَ فِي الشَّفْعِ الثَّالِثِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ، فَيَكُونُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، فَكَانَ الْمُسْتَحَبُّ فِيهِ ثَلَاثَ تَسْلِيمَاتٍ لِيَكُونَ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ. قَالَ: هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِي. (قَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَدْوَمُ وَأَشَقُّ) لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ حَبْسِ النَّفْسِ بِالْقَبَاءِ عَلَى تَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَعَطْفُ أَشَقَّ عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ. وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى اخْتِيَارِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ (قَوْلُهُ وَهَلْ تُحْسَبُ الْمُؤَكَّدَةُ) أَيْ فِي الْأَرْبَعِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ وَالسِّتِّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ اخْتَارَ الْكَمَالُ) نَعَمْ ذَكَرَ الْكَمَالُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ وَقَعَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ عَصْرِهِ فِي أَنَّ الْأَرْبَعَ الْمُسْتَحَبَّةَ هَلْ هِيَ أَرْبَعٌ مُسْتَقِلَّةٌ غَيْرُ رَكْعَتَيْ الرَّاتِبَةِ أَوْ أَرْبَعٌ بِهِمَا؟ وَعَلَى الثَّانِي هَلْ تُؤَدَّى مَعَهُمَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ لَا، فَقَالَ جَمَاعَةٌ لَا وَاخْتَارَ هُوَ أَنَّهُ إذَا صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ تَسْلِيمَتَيْنِ وَقَعَ عَنْ السُّنَّةِ وَالْمَنْدُوبِ، وَحَقَّقَ ذَلِكَ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، وَأَقَرَّهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. (قَوْلُهُ وَحَرَّرَ إبَاحَةَ رَكْعَتَيْنِ إلَخْ) فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى نَدْبِ فِعْلِهِمَا، وَأَنَّهُ أَنْكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ وَأَصْحَابُنَا وَمَالِكٌ. وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِمَا حَقُّهُ أَنْ يُكْتَبَ بِسَوَادِ الْأَحْدَاقِ؛ ثُمَّ قَالَ: وَالثَّابِتُ بَعْدَ هَذَا هُوَ نَفْيُ الْمَنْدُوبِيَّةِ، أَمَّا ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ فَلَا إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ آخَرُ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ اسْتِلْزَامِ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ فَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْقُنْيَةِ اسْتِثْنَاءَ الْقَلِيلِ، وَالرَّكْعَتَانِ لَا يَزِيدُ عَلَى الْقَلِيلِ إذَا تُجُوِّزَ فِيهِمَا اهـ وَقَدَّمْنَا فِي مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ بَعْضَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ آكَدُهَا سُنَّةُ الْفَجْرِ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» وَفِي مُسْلِمٍ «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَفِي أَبِي دَاوُد «لَا تَدَعُوا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» بَحْرٌ. (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) اسْتَحْسَنَهُ فِي الْفَتْحِ فَقَالَ: ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي الْأَفْضَلِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: «رَكْعَتَا الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَدَعْهُمَا سَفَرًا وَلَا حَضَرًا» ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّهَا قِيلَ هِيَ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الْعِشَاءِ، ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ، ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الْعَصْرِ، ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الْعِشَاءِ. وَقِيلَ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَقَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَهُ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ كُلُّهَا سَوَاءٌ. وَقِيلَ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ آكَدُ وَصَحَّحَهُ الْحَسَنُ، وَقَدْ أَحْسَنَ، لِأَنَّ نَقْلَ الْمُوَاظَبَةِ الصَّرِيحَةِ عَلَيْهَا أَقْوَى مِنْ نَقْلِ مُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى غَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَكَذَا صَحَّحَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ لِأَنَّ فِيهَا وَعِيدًا مَعْرُوفًا: قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي» اهـ قَالَ ط: وَلَعَلَّهُ لِلتَّنْفِيرِ عَنْ التَّرْكِ، أَوْ شَفَاعَتُهُ الْخَاصَّةُ بِزِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ. وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى فَعَامَّةٌ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ بِوُجُوبِهَا) وَهُوَ ظَاهِرُ النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا خَزَائِنُ. قُلْت: وَإِلَيْهِ يَمِيلُ كَلَامُ الْبَحْرِ، حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ ذَكَرُوا مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا، ثُمَّ سَاقَ الْمَسَائِلَ الَّتِي فَرَّعَهَا الْمُصَنِّفُ، وَوَفَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ مِنْ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ بِأَنَّ الْمُؤَكَّدَةَ بِمَعْنَى الْوَاجِبِ. وَأَجَابَ عَمَّا يُنَافِيهِ وَكَتَبْنَاهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَيْهِ مَا فِيهِ. (قَوْلُهُ اتِّفَاقًا) أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ فَمُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ وَلِآكَدِيَّتِهَا ط. هَذَا: وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ الِاتِّفَاقَ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَأَقَرَّهُ، لَكِنْ نَازَعَ فِيهِ فِي الْإِمْدَادِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا لِعَالِمٍ صَارَ مَرْجِعًا فِي الْفَتَاوَى (بِخِلَافِ بَاقِي السُّنَنِ) فَلَهُ تَرْكُهَا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى فَتْوَاهُ (وَيُخْشَى الْكُفْرُ عَلَى مُنْكِرِهَا وَتُقْضَى) إذَا فَاتَتْ مَعَهُ، بِخِلَافِ الْبَاقِي. (وَلَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا مَعَ ظَنِّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَإِذَا هُوَ طَالِعٌ) أَوْ صَلَّى أَرْبَعًا فَوَقَعَ رَكْعَتَانِ بَعْدَ طُلُوعِهِ (لَا تُجْزِيهِ عَنْ رَكْعَتَيْهَا عَلَى الْأَصَحِّ) تَجْنِيسٌ لِأَنَّ السُّنَّةَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ. (وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ فِي نَفْلِ النَّهَارِ، وَعَلَى ثَمَانٍ لَيْلًا بِتَسْلِيمَةٍ)   [رد المحتار] جَازِمًا بِأَنَّ الْجَوَازَ عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ وَأَنَّ عَدَمَهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ، وَاسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ إلَى مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْبُرْهَانِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِبِنَاءِ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَخْفَى مَا فِي حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ وَلَيْسَ الْإِجْمَاعُ إلَّا عَلَى تَأَكُّدِهَا اهـ لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ التَّرَاوِيحِ، فِي أَنَّهَا لَا تَصِحُّ قَاعِدًا لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ بِلَا خِلَافٍ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ إلَى بَابِ التَّرَاوِيحِ مِنْ الْخَانِيَّةِ. أَقُولُ: وَاَلَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ هُنَاكَ: لَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ قَاعِدًا، قِيلَ لَا يَجُوزُ بِلَا عُذْرٍ، لِمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةُ: لَوْ صَلَّى سُنَّةَ الْفَجْرِ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ لَا يَجُوزُ فَكَذَا التَّرَاوِيحُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. وَقِيلَ يَجُوزُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ سُنَّةَ الْفَجْرِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَالتَّرَاوِيحُ دُونَهَا فِي التَّأَكُّدِ، فَلَا يَجُوزُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا. اهـ. فَأَنْتَ تَرَى أَنَّهُ إنَّمَا صَحَّحَ جَوَازَ التَّرَاوِيحِ قَاعِدًا لَا عَدَمَ جَوَازِ الْفَجْرِ، نَعَمْ مُقْتَضَى كَلَامِهِ تَسْلِيمُ عَدَمِ الْجَوَازِ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَلَهُ تَرْكُهَا إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَتْرُكُهَا وَقْتَ اشْتِغَالِهِ بِالْإِفْتَاءِ لِأَجْلِ حَاجَةِ النَّاسِ الْمُجْتَمَعِينَ عَلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ يُصَلِّيهَا إذَا فَرَغَ فِي الْوَقْتِ. وَظَاهِرُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَرْكُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهَا مِنْ الشَّعَائِرِ، فَهِيَ آكَدُ مِنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ، وَلِذَا يَتْرُكُهَا لَوْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ، وَأَفَادَ ط أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي وَطَالِبَ الْعِلْمِ كَذَلِكَ لَا سِيَّمَا الْمُدَرِّسُ. أَقُولُ: فِي الْمُدَرِّسِ نَظَرٌ، بِخِلَافِ الطَّالِبِ إذَا خَافَ فَوْتَ الدَّرْسِ أَوْ بَعْضِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَيُخْشَى الْكُفْرُ عَلَى مُنْكِرِهَا) أَيْ مُنْكِرِ مَشْرُوعِيَّتِهَا إنْ كَانَ إنْكَارُهُ لِشُبْهَةٍ أَوْ تَأْوِيلِ دَلِيلٍ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِكُفْرِهِ لِإِنْكَارِهِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ. (قَوْلُهُ وَتُقْضَى) أَيْ إلَى قُبَيْلِ الزَّوَالِ، وَقَوْلُهُ مَعَهُ تُنَازِعُهُ قَوْلُهُ تُقْضَى وَفَاتَتْ فَلَا تُقْضَى إلَّا مَعَهُ حَيْثُ فَاتَ وَقْتُهَا؛ أَمَّا إذَا فَاتَتْ وَحْدَهَا فَلَا تُقْضَى، وَلَا تُقْضَى قَبْلَ الطُّلُوعِ وَلَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَوْ تَبَعًا عَلَى الصَّحِيحِ أَفَادَهُ ح وَسَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ الْآتِي. صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا مَعَ ظَنِّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَإِذَا هُوَ طَالِعٌ (قَوْلُهُ تَجْنِيسٌ) فِيهِ أَنَّهُ فِي التَّجْنِيسِ صَحَّحَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْإِجْزَاءَ مُعَلِّلًا بِأَنَّ السُّنَّةَ تَطَوُّعٌ فَتَتَأَدَّى بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ وَصَحَّحَ فِي الثَّانِيَةِ عَدَمَهُ مُعَلِّلًا بِأَنَّ السُّنَّةَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمُوَاظَبَتُهُ كَانَتْ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ، نَعَمْ عَكَسَ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ فَصَحَّحَ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ فِي الْأُولَى وَالْإِجْزَاءَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّهُ إذَا أَجْزَأَتْ الثَّانِيَةُ يَلْزَمُ إجْزَاءُ الْأُولَى بِالْأَوْلَى، وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ: وَتَرْجِيحُ التَّجْنِيسِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَوْجَهُ. الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ فِي نَفْلِ النَّهَارِ، وَعَلَى ثَمَانٍ لَيْلًا بِتَسْلِيمَةٍ مَطْلَبٌ فِي لَفْظَةِ ثَمَانٍ (قَوْلُهُ وَعَلَى ثَمَانٍ) كَيَمَانٍ عَدَدٌ وَلَيْسَ بِنَسَبٍ، أَوْ فِي الْأَصْلِ مَنْسُوبٌ إلَى الثُّمُنِ لِأَنَّهُ الْجُزْءُ الَّذِي صَيَّرَ السَّبْعَةَ ثَمَانِيَةً فَهُوَ ثُمُنُهَا، ثُمَّ فَتَحُوا أَوَّلَهَا لِأَنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ فِي النَّسَبِ وَحَذَفُوا مِنْهَا إحْدَى يَاءَيْ النَّسَبِ وَعَوَّضُوا مِنْهَا الْأَلْفَ كَمَا فَعَلُوا فِي الْمَنْسُوبِ إلَى الْيَمِينِ، فَتَثْبُتُ يَاؤُهُ عِنْدَ الْإِضَافَةِ كَمَا تَثْبُتُ يَاءُ الْقَاضِي، فَتَقُولُ: ثَمَانِي نِسْوَةٍ وَثَمَانِي مِائَةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ (وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا الرُّبَاعُ بِتَسْلِيمَةٍ) وَقَالَا: فِي اللَّيْلِ الْمَثْنَى أَفْضَلُ، قِيلَ وَبِهِ يُفْتَى (وَلَا يُصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا) وَلَوْ صَلَّى نَاسِيًا فَعَلَيْهِ السَّهْوُ، وَقِيلَ لَا شُمُنِّيٌّ (وَلَا يَسْتَفْتِحُ إذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ مِنْهَا) لِأَنَّهَا لِتَأَكُّدِهَا أَشْبَهَتْ الْفَرِيضَةَ (وَفِي الْبَوَاقِي مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَيَسْتَفْتِحُ) وَيَتَعَوَّذُ وَلَوْ نَذْرًا لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ صَلَاةٌ (وَقِيلَ) لَا يَأْتِي   [رد المحتار] وَتَسْقُطُ مَعَ التَّنْوِينِ عِنْدَ الرَّفْعِ أَوْ الْجَرِّ، وَتَثْبُتُ عِنْدَ النَّصْبِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ) أَيْ لَمْ يَرِدْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ زَادَ عَلَى ذَلِكَ. وَالْأَصْلُ فِيهِ التَّوْقِيفُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: أَيْ فَمَا لَمْ يُوقَفْ عَلَى دَلِيلِ الْمَشْرُوعِيَّةِ لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ بَلْ يُكْرَهُ أَيْ اتِّفَاقًا كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَيْ مِنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ، نَعَمْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْمَشَايِخِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَانِيَةِ لَيْلًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُكْرَهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ الْكَرَاهَةَ. قَالَ: وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا) أَيْ فِي صَلَاتَيْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ الرُّبَاعُ. وَعِبَارَةُ الْكَنْزِ: رُبَاعُ بِدُونِ أَلْ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْوَصْفِيَّةِ وَالْعَدْلِ عَنْ أَرْبَعٍ أَرْبَعٍ أَيْ رَكَعَاتٌ رُبَاعُ: أَيْ كُلُّ أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ. (قَوْلُهُ قِيلَ وَبِهِ يُفْتَى) عَزَاهُ فِي الْمِعْرَاجِ إلَى الْعُيُونِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَرَدَّهُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمَشَايِخُ لِلْإِمَامِ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا لَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا» وَكَانَتْ التَّرَاوِيحُ ثِنْتَيْنِ تَخْفِيفًا، وَحَدِيثُ «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ شَفْعٌ لَا وِتْرٌ، وَتَرَجَّحَتْ الْأَرْبَعُ بِزِيَادَةٍ مُنْفَصِلَةٍ لِمَا أَنَّهَا أَكْثَرُ مَشَقَّةً عَلَى النَّفْسِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا أَجْرُك عَلَى قَدْرِ نَصَبِك» اهـ بِزِيَادَةٍ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَلَا يُصَلِّي إلَخْ) أَقُولُ: قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ: إنَّ مَا ذَكَرَ مُسَلَّمٌ فِيمَا قَبْلَ الظُّهْرِ، لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ شُفْعَةُ الشَّفِيعِ بِالِانْتِقَالِ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي مِنْهَا، وَلَوْ أَفْسَدَهَا قَضَى أَرْبَعًا، وَالْأَرْبَعُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ بِمَنْزِلَتِهَا. وَأَمَّا الْأَرْبَعُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّهَا كَغَيْرِهَا مِنْ السُّنَنِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا لَهَا تِلْكَ الْأَحْكَامَ الْمَذْكُورَةَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا بَحَثَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ مِنْ جَوَازِهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ لِعُذْرٍ. (قَوْلُهُ وَلَوْ نَذْرًا) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقُنْيَةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ نَفْلٌ عَرَضَ عَلَيْهِ الِافْتِرَاضُ أَوْ الْوُجُوبُ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ صَلَاةٌ) قَدَّمْنَا بَيَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ بَحْثِ الْوَاجِبَاتِ، وَالْمُرَادُ مِنْ بَعْضِ الْأَوْجُهِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. زَادَ فِي الْمِنَحِ وَمِنْ ثَمَّ عَوَّلْنَا عَلَيْهِ وَحَكَيْنَا مَا فِي الْقُنْيَةِ بِقِيلَ. مَطْلَبٌ قَوْلُهُمْ كُلُّ شَفْعٍ مِنْ النَّفْلِ صَلَاةٌ لَيْسَ مُفْرَدًا. [تَنْبِيهٌ] بَقِيَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ جَزَمَ بِهِ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ حَيْثُ قَالَ: أَمَّا إذَا كَانَتْ سُنَّةً أَوْ نَفْلًا فَيَبْتَدِئُ كَمَا ابْتَدَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، يَعْنِي يَأْتِي بِالثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ اهـ لَكِنْ قَالَ شَارِحُهَا: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي وَلَا يَسْتَفْتِحُ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ، وَكَوْنُ كُلِّ شَفْعٍ صَلَاةً عَلَى حِدَةٍ لَيْسَ مُطَّرِدًا فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ، وَلِذَا لَوْ تَرَكَ الْقَعْدَةَ الْأُولَى لَا تَفْسُدُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَلَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ عَلَى رَأْسِ شَفْعٍ لَا يُبْنَى عَلَيْهِ شَفْعًا آخَرَ لِئَلَّا يَبْطُلَ السُّجُودُ بِوُقُوعِهِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِصَيْرُورَةِ الْكُلِّ صَلَاةً وَاحِدَةً حَيْثُ حَكَمُوا بِوُقُوعِ السُّجُودِ وَسَطًا، فَيُقَالُ هُنَا أَيْضًا: لَا يُصَلِّي وَلَا يَسْتَفْتِحُ وَلَا يَتَعَوَّذُ لِوُقُوعِهِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ كَوْنُ الْكُلِّ صَلَاةً وَاحِدَةً لِلِاتِّصَالِ وَاتِّحَادِ التَّحْرِيمَةِ، وَمَسْأَلَةُ الِاسْتِفْتَاحِ وَنَحْوِهِ لَيْسَتْ مَرْوِيَّةً عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَإِنَّمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 فِي الْكُلِّ وَصَحَّحَهُ فِي الْقُنْيَةِ. (وَكَثْرَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَحَبُّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ) كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ فِي النَّهْرِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. وَنَقَلَ عَنْ الْمِعْرَاجِ أَنَّ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ، وَأَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَفْضَلِيَّةُ الْقِيَامِ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ. قُلْت: وَهَكَذَا رَأَيْته بِنُسْخَتَيْ الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا لِمُحَمَّدٍ فَقَطْ فَتَنَبَّهْ   [رد المحتار] هِيَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، نَعَمْ اعْتَبَرُوا كَوْنَ كُلِّ شَفْعٍ صَلَاةً عَلَى حِدَةٍ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ احْتِيَاطًا، وَكَذَا فِي عَدَمِ لُزُومِ الشَّفْعِ الثَّانِي قَبْلَ الْقِيَامِ إلَيْهِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ فَلَا يَلْزَمُ بِالشَّكِّ وَلِذَا يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الشَّفْعِ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَوْ خَرَجَ الْخَطِيبُ وَكَذَا فِي بُطْلَانِ الشُّفْعَةِ وَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ بِالشُّرُوعِ فِي الشَّفْعِ الْآخَرِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الشُّفْعَةِ وَالْخِيَارِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَعَدَمِهِ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ وَكَذَا فِي عَدَمِ سَرَيَانِ الْفَسَادِ مِنْ شَفْعٍ إلَى شَفْعٍ إذْ لَا يُحْكَمُ بِالْفَسَادِ مَعَ الشَّكِّ اهـ مُلَخَّصًا، لَكِنَّ قَوْلَهُ وَكَذَا فِي بُطْلَانِ الشُّفْعَةِ وَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِمَا عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ مِنْ أَنَّهُمَا لَا يَبْطُلَانِ بِالِانْتِقَالِ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي، وَقَدْ صَرَّحَ نَفْسُهُ بِذَلِكَ فِي مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَعَلِمْت أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا ذَكَرُوهُ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ وَلَمْ يُثْبِتُوهُ لِلْأَرْبَعِ الَّتِي بَعْدَ الْجُمُعَةِ. (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ جَزَمَ بِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ كَحَدِيثِ مُسْلِمٍ «عَلَيْك بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» وَحَدِيثِ «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» وَحَدِيثِ مُسْلِمٍ أَيْضًا «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ» أَيْ طُولُ الْقِيَامِ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد؛ ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّ كَثْرَةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْقِيَامَ إنَّمَا شُرِعَ وَسِيلَةً إلَيْهِمَا، وَلِذَا سَقَطَ عَمَّنْ عَجَزَ عَنْهُمَا، وَلَا تَكُونُ الْوَسِيلَةُ أَفْضَلَ مِنْ الْمَقْصُودِ وَلِأَنَّهُ وَإِنْ لَزِمَ فِيهِ كَثْرَةُ الْقِرَاءَةِ لَكِنَّهَا رُكْنٌ زَائِدٌ، بَلْ اُخْتُلِفَ فِي أَصْلِ رُكْنِيَّتِهَا. وَأَجْمَعُوا عَلَى رُكْنِيَّةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَصَالَتِهِمَا، وَلِتَخَلُّفِ الْقِيَامِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِيمَا بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَرْضِ اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ) الْأَوَّلُ أَنَّ الْقِيَامَ وَإِنْ كَانَ وَسِيلَةً إلَّا أَنَّ أَفْضَلِيَّةَ طُولِهِ لِكَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ وَهِيَ وَإِنْ بَلَغَتْ كُلَّ الْقُرْآنِ تَقَعُ فَرْضًا بِخِلَافِ التَّسْبِيحَاتِ. الثَّانِي أَنَّ كَوْنَ الْقِرَاءَةِ رُكْنًا زَائِدًا مِمَّا لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْفَضِيلَةِ. الثَّالِثُ أَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ النَّفَلُ، وَفِيهِ تَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي كُلِّهِ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَأَمَّا تَعَارُضُ الْأَدِلَّةِ، فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّجُودِ الصَّلَاةُ؛ وَأَقْوَى دَلِيلٍ أَيْضًا عَلَى أَفْضَلِيَّةِ طُولِ الْقِيَامِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ إلَّا قَلِيلًا، وَكَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً» كَمَا مَرَّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ (قَوْلُهُ وَنَقَلَ عَنْ الْمِعْرَاجِ إلَخْ) اعْتَرَضَ عَلَى الْبَحْرِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: اخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْآثَارِ أَنَّ طُولَ الْقِيَامِ أَحَبُّ. وَنَقَلَ فِي الْمُجْتَبَى عَنْهُ الْعَكْسَ. وَنَقَلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ فَصَّلَ فَقَالَ: إذَا كَانَ لَهُ وِرْدٌ مِنْ اللَّيْلِ بِقِرَاءَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُكْثِرَ عَدَدَ الرَّكَعَاتِ وَإِلَّا فَطُولُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْقِيَامَ فِي الْأَوَّلِ لَا يَخْتَلِفُ وَيَضُمُّ إلَيْهِ زِيَادَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ اهـ. وَوَجْهُ الِاعْتِرَاضِ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا قَوْلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِإِمَامِ الْمَذْهَبِ، بَلْ الْقَوْلَانِ فِيهَا لِمُحَمَّدٍ. أَقُولُ: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ رِوَايَةَ أَبِي يُوسُفَ مَحْمَلُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ) وَعِبَارَتُهُ. قَالَ أَصْحَابُنَا: طُولُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كَثْرَةُ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا. ثُمَّ قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ إلَّا لِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) تَأْيِيدٌ لِمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَأَمَرَ بِالتَّنَبُّهِ إشَارَةً إلَى مَا عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ، حَيْثُ تَابَعَ شَيْخَهُ صَاحِبَ الْبَحْرِ، وَعَدَلَ عَمَّا عَلَيْهِ الْمُتُونُ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الْمُصَحِّحِ، بَلْ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ كَمَا مَرَّ، وَلِذَا قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: كَيْفَ يُخَالِفُ الْجَهَابِذَةَ تَبَعًا لِشَيْخِهِ وَيَجْعَلُهُ مَتْنًا وَالْمُتُونُ مَوْضُوعَةٌ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ؟ اهـ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 وَهَلْ طُولُ قِيَامِ الْأَخْرَسِ أَفْضَلُ كَالْقَارِئِ؟ لَمْ أَرَهُ. (وَيُسَنُّ تَحِيَّةُ) رَبِّ (الْمَسْجِدِ، وَهِيَ رَكْعَتَانِ، وَأَدَاءُ الْفَرْضِ) أَوْ غَيْرُهُ، وَكَذَا دُخُولُهُ بِنِيَّةِ فَرْضٍ أَوْ اقْتِدَاءٍ (يَنُوبُ عَنْهَا) بِلَا نِيَّةٍ،   [رد المحتار] وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ طُولَ الْقِيَامِ أَحَبُّ، وَمَعْنَاهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ شَغْلَ حِصَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الزَّمَانِ بِصَلَاةٍ فَإِطَالَةُ الْقِيَامِ مَعَ تَقْلِيلِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ أَفْضَلُ مِنْ عَكْسِهِ، فَصَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ مَثَلًا فِي تِلْكَ الْحِصَّةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ أَرْبَعٍ فِيهَا، وَهَكَذَا الْقِيَاسُ. (قَوْلُهُ وَهَلْ إلَخْ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ كَثْرَةَ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ أَفْضَلُ لِأَنَّ أَفْضَلِيَّةَ الْقِيَامِ إنَّمَا كَانَتْ بِاعْتِبَارِ الْقِرَاءَةِ وَلَا قِرَاءَةَ لَهُ. اهـ. ح عَنْ بَعْضِ الْهَوَامِشِ. وَخَالَفَهُ الرَّحْمَتِيُّ بِأَنَّ الْأَخْرَسَ قَارِئٌ حُكْمًا وَلَهُ ثَوَابُ الْقَارِئِ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِيمَنْ قَصَدَ عِبَادَةً وَعَجَزَ عَنْهَا مَعَ أَنَّ الطَّرِيقَةَ أَنَّ الْعِلَّةَ إذَا وُجِدَتْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ تَطَّرِدُ فِي بَاقِيهَا تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ. (قَوْلُهُ وَيُسَنُّ تَحِيَّةُ) كَتَبَ الشَّارِحُ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ أَنَّ هَذَا رَدٌّ عَلَى صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ. (قَوْلُهُ رَبِّ الْمَسْجِدِ) أَفَادَ أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا إلَى الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا دَخَلَ بَيْتَ الْمَلِكِ يُحَيِّي الْمَلِكَ لَا بَيْتَهُ بَحْرٌ عَنْ الْحِلْيَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ حُكِيَ الْإِجْمَاعَ عَلَى سُنِّيَّتِهَا، غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَنَا يَكْرَهُونَهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ تَقْدِيمًا لِعُمُومِ الْحَاظِرِ عَلَى عُمُومِ الْمُبِيحِ اهـ. (قَوْلُهُ وَهِيَ رَكْعَتَانِ) فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَرَكْعَتَانِ أَوْ أَرْبَعٌ، وَهِيَ أَفْضَلُ لِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إلَّا إذَا دَخَلَ فِيهِ بَعْدَ الْفَجْرِ أَوْ الْعَصْرِ، فَإِنَّهُ يُسَبِّحُ وَيُهَلِّلُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُؤَدِّي حَقَّ الْمَسْجِدِ كَمَا إذَا دَخَلَ لِلْمَكْتُوبَةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهَا حِينَئِذٍ كَمَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَدَاءُ الْفَرْضِ أَوْ غَيْرِهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنُوبُ عَنْهَا كُلُّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا عِنْدَ الدُّخُولِ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ سُنَّةً. وَفِي الْبِنَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ أَنَّ دُخُولَهُ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ أَوْ الِاقْتِدَاءِ يَنُوبُ عَنْهَا وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهَا إذَا دَخَلَهُ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ اهـ كَلَامُ النَّهْرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ دَاخِلِ الْمَسْجِدِ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ تَحِيَّةً لِرَبِّهِ تَعَالَى: وَالظَّاهِرُ أَنَّ دُخُولَهُ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْفَرْضِ لِإِمَامٍ أَوْ مُنْفَرِدٍ أَوْ بِنِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ يَنُوبُ عَنْهَا إذَا صَلَّى عَقِبَ دُخُولِهِ، وَإِلَّا لَزِمَ فِعْلُهَا بَعْدَ الْجُلُوسِ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا يَأْتِي، فَلَوْ كَانَ دُخُولُهُ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ مَثَلًا لَكِنْ بَعْدَ زَمَانٍ يُؤْمَرُ بِهَا قَبْلَ جُلُوسِهِ كَمَا لَوْ كَانَ دُخُولُهُ لِغَيْرِ صَلَاةٍ كَدَرْسٍ أَوْ ذِكْرٍ. وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ مَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْبِنَايَةِ لَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ، غَايَتُهُ أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ الصَّلَاةِ بِنِيَّتِهَا بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ أَنَّ مَنْ دَخَلَ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ يُصَلِّي، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ النِّيَّةَ الْمَذْكُورَةَ تَكْفِيهِ عَنْ التَّحِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ كَمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ كَمَا أَفَادَهُ ح، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ يَنُوبُ عَنْهَا بِلَا نِيَّةٍ) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: لَوْ اشْتَغَلَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ بِالْفَرِيضَةِ غَيْرَ نَاوٍ لِلتَّحِيَّةِ قَامَتْ تِلْكَ الْفَرِيضَةُ مَقَامَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِحُصُولِ تَعْظِيمِ الْمَسْجِدِ، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ، فَلَوْ نَوَى التَّحِيَّةَ مَعَ الْفَرْضِ فَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ نَوَى الدُّخُولَ فِي الظُّهْرِ وَالتَّطَوُّعِ يَجُوزُ عَنْ الْفَرْضِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَرَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ دَاخِلًا لِأَنَّ الْفَرْضَ مَعَ النَّفْلِ فِي الصَّلَاةِ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ لَا رُجْحَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي التَّحْرِيمَةِ. فَمَتَى نَوَاهُمَا تَعَارَضَتْ النِّيَّتَانِ فَلَغَتَا. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْفَرْضَ أَقْوَى فَتَنْدَفِعُ نِيَّةُ الْأَدْنَى كَمَنْ نَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَالتَّطَوُّعِ اهـ مُلَخَّصًا، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 وَتَكْفِيهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً وَلَا تَسْقُطُ بِالْجُلُوسِ عِنْدَنَا بَحْرٌ. قُلْت: وَفِي الضِّيَاءِ عَنْ الْقُوتِ: مَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهَا لِحَدِيثٍ أَوْ غَيْرِهِ يَقُولُ نَدْبًا كَلِمَاتِ التَّسْبِيحِ الْأَرْبَعَ أَرْبَعًا. (وَلَوْ تَكَلَّمَ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْفَرْضِ لَا يُسْقِطُهَا وَلَكِنْ يَنْقُصُ ثَوَابُهَا)   [رد المحتار] أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ لَا يَجْرِي فِي مَسْأَلَتِنَا لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ إذَا قَامَتْ مَقَامَ التَّحِيَّةِ وَحَصَلَ الْمَقْصُودُ بِهَا لَمْ تَبْقَ التَّحِيَّةُ مَطْلُوبَةً لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْظِيمُ الْمَسْجِدِ بِأَيِّ صَلَاةٍ كَانَتْ، وَلَا يُؤْمَرُ بِتَحِيَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ إلَّا إذَا دَخَلَ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا نَوَاهَا مَعَ الْفَرِيضَةِ يَكُونُ قَدْ نَوَى مَا تَضَمَّنَتْهُ الْفَرِيضَةُ وَسَقَطَ بِهَا، فَلَمْ يَكُنْ نَاوِيًا جِنْسًا آخَرَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى فَرْضَ الظُّهْرِ وَسُنَّتَهُ مَثَلًا فَلْيُتَأَمَّلْ، بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَنْوِيَهَا بِذَلِكَ الْفَرْضِ لِيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُهَا أَيْ يَنْوِي بِإِيقَاعِ ذَلِكَ الْفَرْضِ فِي الْمَسْجِدِ تَحِيَّةَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ تَعْظِيمَ بَيْتِهِ لِأَنَّ سُقُوطَهَا بِهِ وَعَدَمَ طَلَبِهَا لَا يَسْتَلْزِمُ الثَّوَابَ بِلَا قَصْدِهَا. ثُمَّ رَأَيْت الْمُحَقِّقَ ابْنَ حَجَرٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ كَتَبَ عِنْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ: وَتَحْصُلُ بِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ آخَرَ مَا نَصُّهُ: وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا مَعَهُ. لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَهِكْ حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ الْمَقْصُودَةَ: أَيْ يَسْقُطُ طَلَبُهَا بِذَلِكَ، أَمَّا حُصُولُ ثَوَابِهَا فَالْوَجْهُ تَوَقُّفُهُ عَلَى النِّيَّةِ، لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَزَعَمَ أَنَّ الشَّارِعَ أَقَامَ فِعْلَ غَيْرِهَا مَقَامَ فِعْلِهَا فَيَحْصُلُ: أَيْ الثَّوَابُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بَعِيدٌ وَإِنْ قِيلَ إنَّ كَلَامَ الْمَجْمُوعِ يَقْتَضِيهِ؛ وَلَوْ نَوَى عَدَمَهَا لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ اتِّفَاقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَخْذًا مِمَّا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ فِي سُنَّةِ الطَّوَافِ، وَإِنَّمَا ضَرَبَ نِيَّةَ ظُهْرٍ وَسُنَّةٍ مَثَلًا لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ لِذَاتِهَا بِخِلَافِ التَّحِيَّةِ اهـ. وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا ضَرَبَ إلَخْ هُوَ عَيْنُ مَا بَحَثْته أَوَّلًا أَيْضًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، فَإِنَّ مَا قَالَهُ لَا يُخَالِفُ قَوَاعِدَ مَذْهَبِنَا (قَوْلُهُ وَتَكْفِيهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مَرَّةٌ) أَيْ إذَا تَكَرَّرَ دُخُولُهُ لِعُذْرٍ. وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُؤَدِّيَهَا فِي أَوَّلِ الْمَرَّاتِ أَوْ آخِرِهَا ط. (قَوْلُهُ وَلَا تَسْقُطُ بِالْجُلُوسِ عِنْدَنَا) فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي الْحَاكِمِ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِلْحُكْمِ إنْ شَاءَ صَلَّى التَّحِيَّةَ عِنْدَ دُخُولِهِ أَوْ عِنْدَ خُرُوجِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ كَمَا فِي الْغَايَةِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسُ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» فَهُوَ بَيَانٌ لِلْأَوْلَى لِحَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ «يَا أَبَا ذَرٍّ إنَّ لِلْمَسْجِدِ تَحِيَّةً، وَإِنَّ تَحِيَّتَهُ رَكْعَتَانِ، فَقُمْ فَارْكَعْهَا» وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ. (قَوْلُهُ وَفِي الضِّيَاءِ إلَخْ) عِبَارَتُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إمَّا لِحَدَثٍ أَوْ لِشَغْلٍ أَوْ نَحْوِهِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ " سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ " قَالَهُ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ فِي قُوتِ الْقُلُوبِ اهـ وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ. [خَاتِمَةٌ] يُسْتَثْنَى مِنْ الْمَسَاجِدِ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَوَّلِ دُخُولِ الْآفَاقِيِّ الْمُحْرِمِ، فَإِنْ تَحِيَّتَهُ الطَّوَافُ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ، كَذَا فِي الْحِلْيَةِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ التَّأَمُّلِ إطْلَاقُ الْمَسْجِدِ فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ. وَفِي النَّهْرِ: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ كَانَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ أَوْ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ أَنَّهُ يَتْرُكُهَا، وَأَنَّهُ يُقَدِّمُ الطَّوَافَ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ السَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. قُلْت: لَكِنْ فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ وَشَرْحِهِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِئِ: وَلَا يَشْتَغِلُ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ هِيَ الطَّوَافُ إنْ أَرَادَهُ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُرِدْهُ وَأَرَادَ أَنْ يَجْلِسَ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ مَكْرُوهًا. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي مُرِيدُ الطَّوَافِ لِلتَّحِيَّةِ أَصْلًا لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ انْدِرَاجُهَا فِي رَكْعَتَيْهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ تَكَلَّمَ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ فَصَلَ بِقِرَاءَةِ الْأَوْرَادِ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْفَصْلُ بِقَدْرِ " اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ إلَخْ " حَتَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 وَقِيلَ تَسْقُطُ (وَكَذَا كُلُّ عَمَلٍ يُنَافِي التَّحْرِيمَةَ عَلَى الْأَصَحِّ) قُنْيَةٌ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ اشْتَغَلَ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ أَكْلٍ أَعَادَهَا وَبِلُقْمَةٍ أَوْ شَرْبَةٍ لَا تَبْطُلُ؛ وَلَوْ جِيءَ بِطَعَامٍ، إنْ خَافَ ذَهَابَ حَلَاوَتِهِ أَوْ بَعْضِهَا تَنَاوَلَهُ ثُمَّ سَنَّنَ إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ؛ وَلَوْ أَخَّرَهَا لِآخِرِ الْوَقْتِ لَا تَكُونُ سُنَّةً وَقِيلَ تَكُونُ. [فُرُوعٌ] الْإِسْفَارُ بِسُنَّةِ الْفَجْرِ أَفْضَلُ وَقِيلَ لَا.   [رد المحتار] لَوْ زَادَ تَقَعُ سُنَّةً لَا فِي مَحَلِّهَا الْمَسْنُونِ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ فَصْلِ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ تَسْقُطُ) أَيْ فَيُعِيدُهَا لَوْ قَبْلِيَّةً، وَلَوْ كَانَتْ بَعْدِيَّةً فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَكُونُ تَطَوُّعًا، وَأَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الْمَتْنِ تَبَعًا لِلْقُنْيَةِ لِأَنَّ جَزْمَ الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ أَعَادَهَا يُفِيدُ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ لَا تَبْطُلُ: أَيْ لَا يَبْطُلُ كَوْنُهَا سُنَّةً فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْإِعَادَةَ لِبُطْلَانِ كَوْنِهِ سُنَّةً وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ الْمُقَابَلَةُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ جِيءَ بِطَعَامٍ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْعَمَلَ الْمُنَافِيَ إنَّمَا يُنْقِصُ ثَوَابَهَا أَوْ يُسْقِطُهَا لَوْ كَانَ بِلَا عُذْرٍ، أَمَّا لَوْ حَضَرَ الطَّعَامُ وَخَافَ ذَهَابَ لَذَّتِهِ لَوْ اشْتَغَلَ بِالسُّنَّةِ الْبَعْدِيَّةِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ ثُمَّ يُصَلِّيهَا لِأَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ، فَفِي تَأْخِيرِ السُّنَّةِ أَوْلَى إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَهَا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا ثُمَّ يَأْكُلُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَخَّرَهَا إلَخْ) أَيْ بِلَا عُذْرٍ بِقَرِينَةِ مَا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ تَكُونُ) حَكَى الْقَوْلَيْنِ الْقُنْيَةِ وَلَمْ يُعَبِّرْ عَنْ هَذَا الثَّانِي بِقِيلَ بَلْ أَخَّرَهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَضْعِيفُهُ. وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ الْأَصَحُّ، وَأَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالْعَمَلِ الْمُنَافِي، وَهُوَ مَا حَكَاهُ الشَّارِحُ بِقِيلَ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ تَخْصِيصَ الْخِلَافِ السَّابِقِ بِالسُّنَّةِ الْقَبْلِيَّةَ وَهَذَا بِالْبَعْدِيَّةِ، لَكِنْ يُبْعِدُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَصَحُّ فِي الْقَبْلِيَّةَ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ مَعَ إمْكَانِ تَدَارُكِهَا بِأَنْ تُعَادَ مُقَارِنَةً لِلْفَرْضِ تَكُونُ الْبَعْدِيَّةُ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّدَارُكِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا) يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: السُّنَّةُ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قِرَاءَةُ الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ، وَالْإِتْيَانُ بِهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ وَفِي بَيْتِهِ، وَإِلَّا فَعَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ إلَخْ. مَبْحَثٌ مُهِمٌّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الضَّجْعَةِ بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَهُوَ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَتَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرُ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ فَيَخْرُجُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ. [تَنْبِيهٌ] صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِسُنِّيَّةِ الْفَصْلِ بَيْنَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَفَرْضِهِ بِهَذِهِ الضَّجْعَةِ أَخْذًا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ عُلَمَائِنَا خِلَافُهُ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرُوهَا، بَلْ رَأَيْت فِي مُوَطَّإِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا نَصُّهُ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا رَكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ اضْطَجَعَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا شَأْنُهُ؟ فَقَالَ نَافِعٌ قُلْت: يَفْصِلُ بَيْنَ صَلَاتِهِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَأَيُّ فَصْلٍ أَفْضَلُ مِنْ السَّلَامِ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ نَأْخُذُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. وَقَالَ شَارِحُهُ الْمُحَقِّقُ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِئُ: وَذَلِكَ لِأَنَّ السَّلَامَ إنَّمَا وَرَدَ لِلْفَصْلِ، وَهُوَ لِكَوْنِهِ وَاجِبًا أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ مَا يُخْرِجُ مِنْ الصَّلَاةِ مِنْ الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا سَبَقَ مِنْ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَضْطَجِعُ فِي آخِرِ التَّهَجُّدِ، وَتَارَةً أُخْرَى بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي بَيْتِهِ لِلِاسْتِرَاحَةِ» اهـ ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ: رَوَى الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ» فَتُسَنُّ هَذِهِ الضُّجَعَةُ بَيْنَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَفَرْضِهِ لِذَلِكَ، وَلِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ، خِلَافًا لِمَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 نَذَرَ السُّنَنَ وَأَتَى بِالنُّذُورِ فَهُوَ السُّنَّةُ، وَقِيلَ لَا. أَرَادَ النَّوَافِلَ يَنْذُرُهَا ثُمَّ يُصَلِّيهَا، وَقِيلَ لَا. تَرَكَ السُّنَنَ، إنْ رَآهَا حَقًّا أَثِمَ وَإِلَّا كَفَرَ.   [رد المحتار] نَازَعَ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي نَدْبِهَا لِمَنْ بِالْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ، خِلَافًا لِمَنْ خَصَّ نَدْبَهَا بِالْبَيْتِ، وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ إنَّهَا بِدْعَةٌ " وَقَوْلُ النَّخَعِيّ إنَّهَا ضَجْعَةُ الشَّيْطَانِ وَإِنْكَارُ ابْنِ مَسْعُودٍ لَهَا فَهُوَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمْ ذَلِكَ. وَقَدْ أَفْرَطَ ابْنُ حَزْمٍ فِي قَوْلِهِ بِوُجُوبِهَا وَأَنَّهَا شَرْطٌ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى بَعْدَ عَدَمِ الْبُلُوغِ إلَى هَؤُلَاءِ الْأَكَابِرِ الَّذِينَ بَلَغُوا الْمَبْلَغَ الْأَعْلَى لَا سِيَّمَا ابْنُ مَسْعُودٍ الْمُلَازِمُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَضَرًا وَسَفَرًا وَابْنُ عُمَرَ الْمُتَفَحِّصُ عَنْ أَحْوَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَمَالِ التَّتَبُّعِ وَالِاتِّبَاعِ. فَالصَّوَابُ حَمْلُ إنْكَارِهِمْ عَلَى الْعِلَّةِ السَّابِقَةِ مِنْ الْفَصْلِ أَوْ عَلَى فِعْلِهِ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ أَهْلِ الْفَضْلِ، وَلَيْسَ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ صَرِيحًا وَلَا تَلْوِيحًا عَلَى فِعْلِهِ بِالْمَسْجِدِ، إذْ الْحَدِيثُ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ» فَالْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ. عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا فِي الْمَسْجِدِ شَائِعًا فِي زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَا كَانَ يَخْفَى عَلَى هَؤُلَاءِ الْأَكَابِرِ الْأَعْيَانِ اهـ وَأَرَادَ بِالْمُقَيَّدِ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي بَيْتِهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ اضْطِجَاعَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا كَانَ فِي بَيْتِهِ لِلِاسْتِرَاحَةِ لَا لِلتَّشْرِيعِ، وَإِنْ صَحَّ حَدِيثُ الْأَمْرِ بِهَا الدَّالِّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لِلتَّشْرِيعِ يُحْمَلُ عَلَى طَلَبِ ذَلِكَ فِي الْبَيْتِ فَقَطْ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ فَهُوَ السُّنَّةُ) لِأَنَّ النَّذْرَ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا سُنَّةً؛ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِيهَا ثُمَّ قَطَعَهَا ثُمَّ أَدَّاهَا كَانَتْ سُنَّةً وَزَادَتْ وَصْفَ الْوُجُوبِ بِالْقَطْعِ نَهْرٌ عَنْ عِقْدِ الْفَرَائِدِ. (قَوْلُهُ أَرَادَ النَّوَافِلَ) فِي الْقُنْيَةِ: أَدَاءُ النَّفْلِ بَعْدَ النَّذْرِ أَفْضَلُ مِنْ أَدَائِهِ بِدُونِ النَّذْرِ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ النَّذْرِ، وَهُوَ مُرَجِّحٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ لَا يَنْذُرُهَا، لَكِنَّ بَعْضَهُمْ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حُصُولُ الشَّرْطِ كَالْعِوَضِ لِلْعِبَادَةِ، فَلَمْ يَكُنْ مُخْلِصًا. وَوَجْهُ مَنْ قَالَ بِنَذْرِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَصِيرُ وَاجِبَةً بِالشُّرُوعِ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي النَّذْرِ يَكُونُ وَاجِبًا فَيَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ الْوَاجِبِ بِهِ بِخِلَافِ النَّفْلِ وَالْأَحْسَنُ عِنْدَ الْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنْ لَا يَنْذُرَهَا خُرُوجًا عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ بِيَقِينٍ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ النَّذْرِ أَقُولُ: لَفْظُ حَدِيثِ النَّهْيِ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ إنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» وَالْمُتَبَادِرُ مِنْهُ إرَادَةُ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ، كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا. وَوَجْهُ النَّهْيِ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُصْ مِنْ شَائِبَةِ الْعِوَضِ حَيْثُ جَعَلَ الْقُرْبَةَ فِي مُقَابَلَةِ الشِّفَاءِ وَلَمْ تَسْمَحْ نَفْسُهُ بِهَا بِدُونِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إيهَامِ اعْتِقَادِ التَّأْثِيرِ لِلنَّذْرِ فِي حُصُولِ الشِّفَاءِ، فَلِذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ «إنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا» إلَخْ فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ قَدْ وَقَعَ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِلنَّهْيِ، بِخِلَافِ النَّذْرِ الْمُنْجَزِ فَإِنَّهُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ بِالْقُرْبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِلْزَامٌ لِلنَّفْسِ بِمَا عَسَاهَا لَا تَفْعَلُهُ بِدُونِهِ فَيَكُونُ قُرْبَةً. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا النَّذْرَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا مَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْحَجِّ: لَوْ ارْتَدَّ عَقِيبَ نَذَرَ الِاعْتِكَافِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَلْزَمْهُ وُجُوبُ النَّذْرِ لِأَنَّ نَفْسَ النَّذْرِ بِالْقُرْبَةِ قُرْبَةٌ فَيَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ كَسَائِرِ الْقُرَبِ اهـ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّذْرُ الْمُنْجَزُ لِمَا قُلْنَا. عَلَى أَنَّ بَعْضَ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ حَمَلَ النَّهْيَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ النَّذْرَ مُؤَثِّرٌ فِي تَحْصِيلِ غَرَضِهِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَعَمُّ، لِقَوْلِهِ «وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ] قَيَّدَ بِالنَّوَافِلِ فَأَفَادَ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي السُّنَنِ عَدَمُ نَذْرِهَا، وَلَعَلَّ وَجْهَ أَنَّ السُّنَنَ هِيَ مَا كَانَ يَفْعَلُهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْفَرَائِضِ أَوْ بَعْدَهَا، وَالْمَطْلُوبُ مِنْ اتِّبَاعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ كَانَ يَنْذُرُهَا، وَلِذَا قِيلَ بِأَنَّهَا لَا تَكُونُ هِيَ السُّنَّةَ، فَالْأَفْضَلُ عَدَمُ نَذْرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا كَفَرَ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 وَالْأَفْضَلُ فِي النَّفْلِ غَيْرِ التَّرَاوِيحِ الْمَنْزِلُ إلَّا لِخَوْفِ شَغْلٍ عَنْهَا وَالْأَصَحُّ أَفْضَلِيَّةُ مَا كَانَ أَخْشَعَ وَأَخْلَصَ. (وَنُدِبَ رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْوُضُوءِ) يَعْنِي قَبْلَ الْجَفَافِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْمَوَاهِبِ. (وَ) نُدِبَ (أَرْبَعٌ فَصَاعِدًا فِي الضُّحَى) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ بَعْدِ الطُّلُوعِ إلَى الزَّوَالِ وَوَقْتُهَا الْمُخْتَارُ بَعْدَ رُبُعِ النَّهَارِ.   [رد المحتار] أَيْ بِأَنْ اسْتَخَفَّ فَيَقُولُ هِيَ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا لَا أَفْعَلُهُ شَرْحُ الْمُنْيَةِ وَغَيْرُهُ، وَهَذَا فِي التَّرْكِ؛ وَأَمَّا الْإِنْكَارُ فَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ أَوَّلَ الْبَابِ. (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ فِي النَّفْلِ إلَخْ) شَمِلَ مَا بَعْدَ الْفَرِيضَةِ وَمَا قَبْلَهَا لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «عَلَيْكُمْ الصَّلَاةَ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد «صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَحَيْثُ كَانَ هَذَا أَفْضَلَ يُرَاعَى مَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ خَوْفُ شُغْلٍ عَنْهَا لَوْ ذَهَبَ لِبَيْتِهِ، أَوْ كَانَ فِي بَيْتِهِ مَا يَشْغَلُ بَالَهُ وَيُقَلِّلُ خُشُوعَهُ، فَيُصَلِّيهَا حِينَئِذٍ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْخُشُوعِ أَرْجَحُ. (قَوْلُهُ غَيْرُ التَّرَاوِيحِ) أَيْ لِأَنَّهَا تُقَامُ بِالْجَمَاعَةِ وَمَحَلُّهَا الْمَسْجِدُ، وَاسْتَثْنَى فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَيْضًا تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. أَقُولُ: وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا رَكْعَتَا الْإِحْرَامِ وَالطَّوَافِ، فَإِنَّ الْأُولَى تُصَلَّى فِي مَسْجِدٍ عِنْدَ الْمِيقَاتِ إنْ كَانَ كَمَا فِي اللُّبَابِ وَالثَّانِيَةَ عِنْدَ الْمَقَامِ، وَكَذَا رَكْعَتَا الْقُدُومِ مِنْ السَّفَرِ بِخِلَافِ إنْشَائِهِ فَإِنَّهَا تُصَلَّى فِي الْبَيْتِ كَمَا يَأْتِي وَكَذَا نَفْلُ الْمُعْتَكِفِ وَكَذَا مَا يُخَافُ فَوْتُهَا بِالتَّأْخِيرِ وَكَذَا صَلَاةُ الْكُسُوفِ لِأَنَّهَا تُصَلَّى بِجَمَاعَةٍ. مَطْلَبٌ سُنَّةُ الْوُضُوءِ. (قَوْلُهُ وَنُدِبَ رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْوُضُوءِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «مَا مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يُقْبِلُ بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ عَلَيْهِمَا إلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» خَزَائِنُ، وَمِثْلُ الْوُضُوءِ الْغُسْلُ كَمَا نَقَلَهُ ط عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَيَقْرَأُ فِيهِمَا الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصَ كَمَا فِي الضِّيَاءِ، وَانْظُرْ هَلْ تَنُوبُ عَنْهُمَا صَلَاةُ غَيْرِهِمَا كَالتَّحِيَّةِ أَمْ لَا؟ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ لَبَابِ الْمَنَاسِكِ أَنَّ صَلَاةَ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ كَصَلَاةِ اسْتِخَارَةٍ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا تَنُوبُ الْفَرِيضَةُ مَنَابَهَا، بِخِلَافِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَشُكْرِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْحُجَّةِ. اهـ. مَطْلَبٌ سُنَّةُ الضُّحَى. (قَوْلُهُ وَنُدِبَ أَرْبَعٌ إلَخْ) نَدْبُهَا هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْغَزْنَوِيَّةِ وَالْحَاوِي وَالشِّرْعَةِ وَالْمِفْتَاحِ وَالتَّبْيِينِ وَغَيْرِهَا، وَقِيلَ لَا تُسْتَحَبُّ، لِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ إنْكَارِ ابْنِ عُمَرَ لَهَا اهـ إسْمَاعِيلُ، وَبَسْطُ الْأَدِلَّةِ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَيَقْرَأُ فِيهَا سُورَتَيْ الضُّحَى كَمَا فِي الشِّرْعَةِ أَيْ سُورَةَ - وَالشَّمْسِ - وَسُورَةَ - وَالضُّحَى - وَظَاهِرُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ صَلَّاهَا أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ. (قَوْلُهُ مِنْ بَعْدِ الطُّلُوعِ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ. (قَوْلُهُ وَوَقْتُهَا الْمُخْتَارُ) أَيْ الَّذِي يُخْتَارُ وَيُرَجَّحُ لِفِعْلِهَا وَهَذَا عَزَاهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ إلَى الْحَاوِي، وَقَالَ: لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 وَفِي الْمُنْيَةِ: أَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ وَأَكْثَرُهَا اثْنَيْ عَشَرَ، وَأَوْسَطُهَا ثَمَانٍ وَهُوَ أَفْضَلُهَا كَمَا فِي الذَّخَائِرِ الْأَشْرَفِيَّةِ، لِثُبُوتِهِ بِفِعْلِهِ وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَأَمَّا أَكْثَرُهَا فَبِقَوْلِهِ فَقَطْ، وَهَذَا لَوْ صَلَّى الْأَكْثَرَ بِسَلَامٍ وَاحِدٍ؛ أَمَّا لَوْ فَصَلَ فَكُلُّ مَا زَادَ أَفْضَلُ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ.   [رد المحتار] رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَتَرْمَضُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْمِيمِ: أَيْ تَبْرُكُ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي أَخِفَافِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْمُنْيَةِ أَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ) نَقَلَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ مِثْلَهُ عَنْ الْغَزْنَوِيَّةِ وَالْحَاوِي وَالشِّرْعَةِ وَالسَّمَرْقَنْدِيَّة، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَشَى عَلَيْهِ فِي التَّبْيِينِ وَالْمِفْتَاحِ وَالدُّرَرِ. وَدَلِيلُ الْأَوَّلِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْصَى أَبَا هُرَيْرَةَ بِرَكْعَتَيْنِ» كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ. وَدَلِيلُ الثَّانِي «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَالتَّوْفِيقُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ أَقَلُّ الْمَرَاتِبِ وَالْأَرْبَعُ أَدْنَى الْكَمَالِ (قَوْلُهُ وَأَكْثَرُهَا اثْنَا عَشَرَ) لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ ضَعْفٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا مِنْ ذَهَبٍ فِي الْجَنَّةِ» وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْفَضَائِلِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. وَقِيلَ أَكْثَرُهَا ثَمَانِيَةٌ، وَعَزَاهُ فِي الْحِلْيَةِ إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعَزَاهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إلَى الْأَكْثَرِينَ. (قَوْلُهُ كَمَا فِي الذَّخَائِرِ الْأَشْرَفِيَّةِ) اسْمُ كِتَابٍ لِابْنِ الشِّحْنَةِ مُؤَلَّفٍ فِي الْأَلْغَازِ الْفِقْهِيَّةِ. (قَوْلُهُ لِثُبُوتِهِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا أَوْرَدَ: فَكَيْفَ يَكُونُ أَوْسَطُهَا أَفْضَلَ مَعَ أَنَّ الْأَكْثَرَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَوْسَطِ وَزِيَادَةٍ وَفِيهِ زِيَادَةُ مَشَقَّةٍ؟ . (قَوْلُهُ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ حَجَرٍ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: وَلَا يُتَصَوَّرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَفْضَلِ وَالْأَكْثَرِ إلَّا فِيمَنْ صَلَّى الِاثْنَيْ عَشَرَ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهَا تَقَعُ نَفْلًا مُطْلَقًا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّ أَكْثَرَ سُنَّةِ الضُّحَى ثَمَانِي رَكَعَاتٍ، فَأَمَّا إذَا فَصَلَهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ صَلَّى الضُّحَى، وَمَا زَادَ عَلَى الثَّمَانِ يَكُونُ لَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا فَتَكُونُ صَلَاةُ اثْنَيْ عَشَرَ فِي حَقِّهِ أَفْضَلَ مِنْ ثَمَانٍ لِكَوْنِهِ أَتَى بِالْأَفْضَلِ وَزَادَ. اهـ. أَقُولُ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ أَكْثَرَهَا ثَمَانِي رَكَعَاتٍ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الزِّيَادَةِ عِنْدَهُ لَوْ صَلَّاهَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ بِتَسْلِيمَةٍ لَمْ تَقَعْ عَنْ سُنَّةِ الضُّحَى لِنِيَّتِهِ خِلَافَ الْمَشْرُوعِ فَالْأَفْضَلُ عِنْدَهُ صَلَاتُهَا ثَمَانِي رَكَعَاتٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ أَكْثَرُهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً لِجَوَازِ الْعَمَلِ بِالضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ كَمَا مَرَّ تَكُونُ هِيَ الْأَفْضَلَ، كَمَا لَوْ فَصَلَهَا كُلَّ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ عِنْدَ الْكُلِّ. وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ كَوْنَ الثَّمَانِيَةِ أَفْضَلَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا أَكْثَرُهَا لِعَدَمِ ثُبُوتِ الزِّيَادَةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَخْفَى عَلَيْك مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ حَيْثُ مَشَى عَلَى أَنَّ أَكْثَرَهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً وَجَعَلَ أَوْسَطَهَا أَفْضَلَ. عَلَى أَنَّا لَوْ قُلْنَا إنَّ الثَّمَانِيَةَ هِيَ الْأَكْثَرُ، فَتَقْيِيدُ أَفْضَلِيَّتُهَا عَلَى الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ بِمَا إذَا صَلَّى الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لِتَقَعَ نَفْلًا مُطْلَقًا لَا يُوَافِقُ قَوَاعِدَ مَذْهَبِنَا، بَلْ تَقَعُ عَمَّا نَوَى عَلَى قَوَاعِدِنَا؛ كَمَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ سِتَّ رَكَعَاتٍ مَثَلًا وَقَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّابِعَةِ فَإِنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الزَّائِدَتَيْنِ لَا تُغَيِّرُ مَا قَبْلَهَا عَنْ صِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ لِصِحَّةِ الْبِنَاءِ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ عِنْدَنَا، وَنِيَّةُ الْعَدَدِ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، فَإِذَا صَلَّى الضُّحَى أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ يَقَعُ الزَّائِدُ نَفْلًا مُطْلَقًا لَا الْكُلُّ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ وَصْلِهَا وَفَصْلِهَا، نَعَمْ فِي وَصْلِهَا كَرَاهَةُ الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فِي نَفْلِ النَّهَارِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى أَكْثَرِ الضُّحَى، فَلَا يَظْهَرُ حِينَئِذٍ كَوْنُ الثَّمَانِيَةِ أَفْضَلَ. وَقَدْ أَجَابَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ أَفْضَلِيَّةَ الثَّمَانِيَةِ لِلِاتِّبَاعِ أَيْ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَيَتَرَجَّحُ فِيهَا الِاتِّبَاعُ لِلشَّارِعِ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ لِضَعْفِ حَدِيثِهَا، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ صَلَاةَ الْأَكْثَرِ مُتَضَمِّنَةٌ لِلْأَوْسَطِ الَّذِي فِيهِ الِاتِّبَاعُ إلَّا أَنْ يُبْنَى أَيْضًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الثَّمَانِيَةَ هِيَ الْأَكْثَرُ. وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا أَكْثَرَ بِتَسْلِيمَةٍ تَقَعُ نَفْلًا مُطْلَقًا لَا عَمَّا نَوَى أَوْ يُقَالُ: مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْ الثَّمَانِيَةِ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ شَفْعٍ مِنْ الزَّائِدِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى الْمَجْمُوعِ فَهَذَا غَايَةُ مَا تَحَرَّرَ لِي هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ رَكْعَتَا السَّفَرِ وَالْقُدُومِ مِنْهُ. وَصَلَاةُ اللَّيْلِ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي رَكْعَتَيْ السَّفَرِ (قَوْلُهُ رَكْعَتَا السَّفَرِ وَالْقُدُومِ مِنْهُ) عَنْ مِقْطَمِ بْنِ الْمِقْدَامِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا خَلَّفَ أَحَدٌ عِنْدَ أَهْلِهِ أَفْضَلَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يَرْكَعُهُمَا عِنْدَهُمْ حِينَ يُرِيدُ سَفَرًا» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ. وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقْدَمُ مِنْ السَّفَرِ إلَّا نَهَارًا فِي الضُّحَى، فَإِذَا قَدِمَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. وَمُفَادُهُ اخْتِصَاصُ صَلَاةِ رَكْعَتَيْ السَّفَرِ بِالْبَيْتِ، وَرَكْعَتَيْ الْقُدُومِ مِنْهُ بِالْمَسْجِدِ وَبِهِ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ. مَطْلَبٌ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ. (قَوْلُهُ وَصَلَاةُ اللَّيْلِ) أَقُولُ: هِيَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَنُورِ الْإِيضَاحِ، وَقَدْ صَرَّحَتْ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ بِفَضْلِهَا وَالْحَثِّ عَلَيْهَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَمِنْهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا «لَا بُدَّ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَلَوْ حَلْبَ شَاةٍ، وَمَا كَانَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَهُوَ مِنْ اللَّيْلِ» وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ هَذِهِ السُّنَّةُ تَحْصُلُ بِالتَّنَفُّلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ قَبْلَ النَّوْمِ. اهـ. قُلْت: قَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْحِلْيَةِ، ثُمَّ قَالَ فِيهَا بَعْدَ كَلَامٍ: ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ الْمَحْثُوثَ عَلَيْهَا هِيَ التَّهَجُّدُ. وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ فِي الِاصْطِلَاحِ التَّطَوُّعُ بَعْدَ النَّوْمِ، وَأَيَّدَ بِمَا فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «يَحْسَبُ أَحَدُكُمْ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يُصَلِّي حَتَّى يُصْبِحَ أَنَّهُ قَدْ تَهَجَّدَ، إنَّمَا التَّهَجُّدُ الْمَرْءُ يُصَلِّي الصَّلَاةَ بَعْدَ رَقْدَةٍ» غَيْرَ أَنَّ فِي سَنَدِهِ ابْنَ لَهِيعَةَ وَفِيهِ مَقَالٌ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ رُجْحَانُ حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ تَشْرِيعٌ قَوْلِيٌّ مِنْ الشَّارِعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ هَذَا، وَبِهِ يَنْتَفِي مَا عَنْ أَحْمَدَ مِنْ قَوْلِهِ قِيَامُ اللَّيْلِ مِنْ الْمَغْرِبِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ حَدِيثَ الطَّبَرَانِيِّ الْأَوَّلَ بَيَانٌ لِكَوْنِ وَقْتِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، حَتَّى لَوْ نَامَ ثُمَّ تَطَوَّعَ قَبْلَهَا لَا يَحْصُلُ السُّنَّةُ، فَيَكُونُ حَدِيثُ الطَّبَرَانِيِّ الثَّانِي مُفَسِّرًا لِلْأَوَّلِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إثْبَاتِ التَّعَارُضِ وَالتَّرْجِيحِ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا وَلِأَنَّهُ يَكُونُ جَارِيًا عَلَى الِاصْطِلَاحِ وَلِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ إطْلَاقِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّ التَّهَجُّدَ إزَالَةُ النَّوْمِ بِتَكَلُّفٍ مِثْلَ: تَأَثَّمَ أَيْ تَحَفَّظَ عَنْ الْإِثْمِ؛ نَعَمْ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَقِيَامُ اللَّيْلِ أَعَمُّ مِنْ التَّهَجُّدِ، وَبِهِ يُجَابُ عَمَّا أُورِدَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ] ظَاهِرُ مَا مَرَّ أَنَّ التَّهَجُّدَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالتَّطَوُّعِ؛ فَلَوْ نَامَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى فَوَائِتَ لَا يُسَمَّى تَهَجُّدًا وَتَرَدَّدَ فِيهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَقْيِيدَهُ بِالتَّطَوُّعِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ وَأَنَّهُ يَحْصُلُ بِأَيِّ صَلَاةٍ كَانَتْ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ «وَمَا كَانَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَهُوَ مِنْ اللَّيْلِ» ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَهُ صَلَاةَ اللَّيْلِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ مَشَى عَلَيْهِ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ. وَقَدْ تَرَدَّدَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي كَوْنِهِ سُنَّةً أَوْ مَنْدُوبًا، لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الْقَوْلِيَّةَ تُفِيدُ النَّدْبَ؛ وَالْمُوَاظَبَةُ الْفِعْلِيَّةُ تُفِيدُ السُّنِّيَّةَ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا وَاظَبَ عَلَى تَطَوُّعٍ يَصِيرُ سُنَّةً؛ لَكِنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَانَ تَطَوُّعًا فِي حَقِّهِ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِ فَلَا تُفِيدُ مُوَاظَبَتُهُ عَلَيْهِ السُّنِّيَّةَ فِي حَقِّنَا لَكِنَّ صَرِيحَ مَا فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ فَرِيضَةً ثُمَّ نُسِخَ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا ذَكَرَهُ " وَمُفَادُهُ اعْتِمَادُ السُّنِّيَّةِ فِي حَقِّنَا لِأَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 وَأَقَلُّهَا عَلَى مَا فِي الْجَوْهَرَةِ ثَمَانٍ، وَلَوْ جَعَلَهُ أَثْلَاثًا فَالْأَوْسَطُ أَفْضَلُ، وَلَوْ أَنْصَافًا فَالْأَخِيرُ أَفْضَلُ. وَإِحْيَاءُ لَيْلَةِ الْعِيدَيْنِ، وَالنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَالْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَكُونُ بِكُلِّ عِبَادَةٍ تَعُمُّ اللَّيْلَ أَوْ أَكْثَرَهُ.   [رد المحتار] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَيْهِ بَعْدَ نَسْخِ الْفَرْضِيَّةِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ (قَوْلُهُ وَأَقَلُّهَا عَلَى مَا فِي الْجَوْهَرَةِ ثَمَانٍ) قَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَلَى مَا فِي الْجَوْهَرَةِ لِأَنَّهُ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ قَالَ: يُصَلِّي مَا سَهُلَ عَلَيْهِ وَلَوْ رَكْعَتَيْنِ وَالسُّنَّةُ فِيهَا ثَمَانِي رَكَعَاتٍ بِأَرْبَعِ تَسْلِيمَاتٍ اهـ وَالتَّقْيِيدُ بِأَرْبَعِ تَسْلِيمَاتٍ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَلَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى «أَنَّ أَقَلَّ تَهَجُّدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ رَكْعَتَيْنِ، وَأَنَّ مُنْتَهَاهُ كَانَ ثَمَانِي رَكَعَاتٍ» أَخْذًا مِمَّا فِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ. ثُمَّ سَاقَ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى مَا عَيَّنَهُ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ مُنْتَهَاهُ، وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُد الدَّالُّ عَلَى أَنَّ «أَقَلَّ تَهَجُّدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعٌ سِوَى ثَلَاثٍ الْوِتْرِ» ، وَتَمَامُ ذَلِكَ فِيهَا فَرَاجِعْهَا، لَكِنْ ذَكَرَ آخِرًا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اسْتَيْقَظَ مِنْ اللَّيْلِ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ كُتِبَا مِنْ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. اهـ. أَقُولُ: فَيَنْبَغِي الْقَوْلُ بِأَنَّ أَقَلَّ التَّهَجُّدِ رَكْعَتَانِ وَأَوْسَطُهُ أَرْبَعٌ وَأَكْثَرُهُ ثَمَانٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ جَعَلَهُ أَثْلَاثًا إلَخْ) أَيْ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُومَ ثُلُثَهُ وَيَنَامَ ثُلُثَيْهِ فَالثُّلُثُ الْأَوْسَطُ أَفْضَلُ مِنْ طَرَفَيْهِ لِأَنَّ الْغَفْلَةَ فِيهِ أَتَمُّ وَالْعِبَادَةُ فِيهِ أَثْقَلُ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُومَ نِصْفَهُ وَيَنَامَ نِصْفَهُ فَقِيَامُ نِصْفِهِ الْأَخِيرِ أَفْضَلُ لِقِلَّةِ الْمَعَاصِي فِيهِ غَالِبًا وَلِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «يَنْزِلُ رَبُّنَا إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ» وَمَعْنَى يَنْزِلُ رَبُّنَا يَنْزِلُ أَمْرُهُ كَمَا أَوَّلَهُ بِهِ الْخَلَفُ وَبَعْضُ أَكَابِرِ السَّلَفِ، وَتَمَامُهُ فِي تُحْفَةِ ابْنِ حَجَرٍ، وَذَكَرَ أَنَّ الْأَفْضَلَ مِنْ الثُّلُثِ الْأَوْسَطِ السُّدُسُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ لِلْخَبَرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى صَلَاةُ دَاوُد، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ» . اهـ. وَبِهِ جَزَمَ فِي الْحِلْيَةِ. [تَتِمَّةٌ] ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَيْضًا مَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ يُكْرَهُ تَرْكُ تَهَجُّدٍ اعْتَادَهُ بِلَا عُذْرٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ عُمَرَ «يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ ثُمَّ تَرَكَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَيَنْبَغِي لِلْمُكَلَّفِ الْأَخْذُ مِنْ الْعَمَلِ بِمَا يُطِيقُهُ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا. مَطْلَبٌ فِي إحْيَاءِ لَيَالِي الْعِيدَيْنِ وَالنِّصْفِ وَعَشْرِ الْحِجَّةِ وَرَمَضَانَ (قَوْلُهُ وَإِحْيَاءُ لَيْلَةِ الْعِيدَيْنِ) الْأَوْلَى لَيْلَتَيْ بِالتَّثْنِيَةِ: أَيْ لَيْلَةِ عِيدِ الْفِطْرِ، وَلَيْلَةِ عِيدِ الْأَضْحَى. (قَوْلُهُ وَالنِّصْفِ) أَيْ وَإِحْيَاءُ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ. (قَوْلُهُ وَالْأُوَل) أَيْ وَلَيَالِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ إلَخْ. وَقَدْ بَسَطَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي الْإِمْدَادِ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ هَذِهِ اللَّيَالِيِ كُلِّهَا فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ وَيَكُونُ بِكُلِّ عِبَادَةٍ تَعُمُّ اللَّيْلَ أَوْ أَكْثَرَهُ) نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ، قِيلَ هُوَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَنَّهُ فَسَّرَ ذَلِكَ بِنِصْفِ اللَّيْلِ وَقَالَ " مَنْ أَحْيَا نِصْفَ اللَّيْلِ فَقَدْ أَحْيَا اللَّيْلَ " وَذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ إطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ الِاسْتِيعَابُ، لَكِنْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " مَا أَعْلَمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحَ " فَيَتَرَجَّحُ إرَادَةُ الْأَكْثَرِ أَوْ النِّصْفِ، لَكِنَّ الْأَكْثَرَ أَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ مَا لَمْ يَثْبُتْ مَا يَقْتَضِي تَقْدِيمَ النِّصْفِ. اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 وَمِنْهَا رَكْعَتَا الِاسْتِخَارَةِ.   [رد المحتار] وَفِي الْإِمْدَادِ: وَيَحْصُلُ الْقِيَامُ بِالصَّلَاةِ نَفْلًا فُرَادَى مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ مَخْصُوصٍ، وَبِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَالْأَحَادِيثِ وَسَمَاعِهَا، وَبِالتَّسْبِيحِ وَالثَّنَاءِ، وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَاصِلُ ذَلِكَ فِي مُعْظَمِ اللَّيْلِ وَقِيلَ بِسَاعَةٍ مِنْهُ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ جَمَاعَةً، وَالْعَزْمِ عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ جَمَاعَةً، كَمَا قَالُوهُ فِي إحْيَاءِ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ» . اهـ. [تَتِمَّةٌ] أَشَارَ بِقَوْلِهِ فُرَادَى إلَى مَا ذَكَرَهُ بَعْدُ فِي مَتْنِهِ مِنْ قَوْلِهِ وَيُكْرَهُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى إحْيَاءِ لَيْلَةٍ مِنْ هَذِهِ اللَّيَالِي فِي الْمَسَاجِدِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِهِ، وَصَرَّحَ بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ. قَالَ: وَمَا رُوِيَ مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ يُصَلَّى فُرَادَى غَيْرَ التَّرَاوِيحِ. مَطْلَبٌ فِي صَلَاةِ الرَّغَائِبِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ كَرَاهَةُ الِاجْتِمَاعِ عَلَى صَلَاةِ الرَّغَائِبِ الَّتِي تُفْعَلُ فِي رَجَبٍ فِي أُولَى جُمُعَةٍ مِنْهُ وَأَنَّهَا بِدْعَةٌ، وَمَا يَحْتَالُهُ أَهْلُ الرُّومِ مِنْ نَذْرِهَا لِتَخْرُجَ عَنْ النَّفْلِ وَالْكَرَاهَةِ فَبَاطِلٌ اهـ. قُلْت: وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ آخِرَ الْبَابِ، وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ عَلَيْهَا شَارِحَا الْمُنْيَةِ، وَصَرَّحَا بِأَنَّ مَا رُوِيَ فِيهَا بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ، وَبَسَطَا الْكَلَامَ فِيهَا خُصُوصًا فِي الْحِلْيَةِ وَلِلْعَلَامَةِ نُورِ الدِّينِ الْمَقْدِسِيَّ فِيهَا تَصْنِيفٌ حَسَنٌ سَمَّاهُ رَدْعُ الرَّاغِبِ، عَنْ صَلَاةِ الرَّغَائِبِ، أَحَاطَ فِيهِ بِغَالِبِ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ. مَطْلَبٌ فِي رَكْعَتَيْ الِاسْتِخَارَةِ. (قَوْلُهُ وَمِنْهَا رَكْعَتَا الِاسْتِخَارَةِ) عَنْ «جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يَعْلَمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُك بِعِلْمِك، وَأَسْتَقْدِرُك بِقُدْرَتِك، وَأَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك الْعَظِيمِ، فَإِنَّك تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. اللَّهُمَّ إنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاقْدِرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدِرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ، قَالَ وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا شَرْحُ الْمُنْيَةِ. [تَتْمِيمٌ] مَعْنَى فَاقْدِرْهُ اقْضِهِ لِي وَهَيِّئْهُ، وَهُوَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَبِضَمِّهَا، وَقَوْلُهُ «أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي» شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي. قَالُوا: وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَيَقُولَ " وَعَاقِبَةِ أَمْرِي وَعَاجِلِهِ وَآجِلِهِ " وَقَوْلُهُ «وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ» قَالَ ط: أَيْ بَدَلَ قَوْلِهِ «هَذَا الْأَمْرَ» . اهـ. قُلْت: أَوْ يَقُولُ بَعْدَهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا، وَقَالُوا الِاسْتِخَارَةُ فِي الْحَجِّ وَنَحْوِهِ تُحْمَلُ عَلَى تَعْيِينِ الْوَقْتِ. وَفِي الْحِلْيَةِ: وَيُسْتَحَبُّ افْتِتَاحُ هَذَا الدُّعَاءِ وَخَتْمُهُ بِالْحَمْدَلَةِ وَالصَّلَاةِ. وَفِي الْأَذْكَارِ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى الْكَافِرُونَ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْإِخْلَاصَ. اهـ. وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ يَزِيدُ فِي الْأُولَى - {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 68] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 وَأَرْبَعُ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ بِثَلَاثِمِائَةِ تَسْبِيحَةٍ، وَفَضْلُهَا عَظِيمٌ. وَأَرْبَعُ صَلَاةِ الْحَاجَةِ، قِيلَ وَرَكْعَتَانِ. وَفِي الْحَاوِي أَنَّهَا اثْنَا عَشَرَ بِسَلَامٍ وَاحِدٍ، وَبَسَطْنَاهُ فِي الْخَزَائِنِ.   [رد المحتار] إلَى قَوْلِهِ - {يُعْلِنُونَ} [القصص: 69]- وَفِي الثَّانِيَةِ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ} [الأحزاب: 36] الْآيَةَ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُكَرِّرَهَا سَبْعًا، لِمَا رَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ «يَا أَنَسُ إذَا هَمَمْت بِأَمْرٍ فَاسْتَخِرْ رَبَّك فِيهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ اُنْظُرْ إلَى الَّذِي سَبَقَ إلَى قَلْبِك فَإِنَّ الْخَيْرَ فِيهِ» وَلَوْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ اسْتَخَارَ بِالدُّعَاءِ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ: الْمَسْمُوعُ مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَنَامَ عَلَى طَهَارَةٍ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بَعْدَ قِرَاءَةِ الدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ، فَإِنْ رَأَى مَنَامَهُ بَيَاضًا أَوْ خُضْرَةً فَذَلِكَ الْأَمْرُ خَيْرٌ، وَإِنْ رَأَى فِيهِ سَوَادًا أَوْ حُمْرَةً فَهُوَ شَرٌّ يَنْبَغِي أَنْ يُجْتَنَبَ اهـ. مَطْلَبٌ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ. (قَوْلُهُ وَأَرْبَعُ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ إلَخْ) يَفْعَلُهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، أَوْ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ مَرَّةً، وَإِلَّا فَفِي كُلِّ أُسْبُوعٍ أَوْ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ الْعُمُرِ، وَحَدِيثُهَا حَسَنٌ لِكَثْرَةِ طُرُقِهِ. وَوَهَمَ مَنْ زَعَمَ وَضْعَهُ، وَفِيهَا ثَوَابٌ لَا يَتَنَاهَى وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: لَا يَسْمَعُ بِعَظِيمِ فَضْلِهَا وَيَتْرُكُهَا إلَّا مُتَهَاوِنٌ بِالدِّينِ، وَالطَّعْنُ فِي نَدْبِهَا بِأَنَّ فِيهَا تَغْيِيرًا لِنُظُمِ الصَّلَاةِ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِهَا فَإِذَا ارْتَقَى إلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ أَثْبَتَهَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا ذَلِكَ، وَهِيَ أَرْبَعٌ بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ تَسْلِيمَتَيْنِ، يَقُولُ فِيهَا ثَلَثَمِائَةِ مَرَّةٍ «سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ» وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةُ «وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ» يَقُولُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ مَرَّةً؛ فَبَعْدَ الثَّنَاءِ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَفِي رُكُوعِهِ، وَالرَّفْعِ مِنْهُ، وَكُلٍّ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ، وَفِي الْجَلْسَةِ بَيْنَهُمَا عَشْرًا عَشْرًا بَعْدَ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ هِيَ الَّتِي رَوَاهَا التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَحَدِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي شَارَكَهُ فِي الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ وَالْوَرَعِ، وَعَلَيْهَا اقْتَصَرَ فِي الْقُنْيَةِ وَقَالَ إنَّهَا الْمُخْتَارُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقْتَصِرَ فِي الْقِيَامِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ مَرَّةً بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، وَالْعَشَرَةُ الْبَاقِيَةُ يَأْتِي بِهَا بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَالْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ، وَحَدِيثُهَا أَشْهَرُ، لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: إنَّ الصِّفَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ الْمُبَارَكِ هِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ، وَهِيَ الْمُوَافِقَةُ لِمَذْهَبِنَا لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ فِيهَا إلَى جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ إذْ هِيَ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَنَا. اهـ. قُلْت: وَلَعَلَّهُ اخْتَارَهَا فِي الْقُنْيَةِ لِهَذَا، لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ ثُبُوتَ حَدِيثِهَا يُثْبِتُهَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا ذَلِكَ، فَاَلَّذِي يَنْبَغِي فِعْلُ هَذِهِ مَرَّةً وَهَذِهِ مَرَّةً. [تَتِمَّةٌ] قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: هَلْ تَعْلَمُ لِهَذِهِ الصَّلَاةِ سُورَةً قَالَ: التَّكَاثُرُ وَالْعَصْرُ وَالْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَفْضَلُ نَحْوُ الْحَدِيدِ وَالْحَشْرِ وَالصَّفِّ وَالتَّغَابُنِ لِلْمُنَاسَبَةِ فِي الِاسْمِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ: يَبْدَأُ بِتَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ثُمَّ بِالتَّسْبِيحَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَقَالَ الْمُعَلَّى: يُصَلِّيهَا قَبْلَ الظُّهْرِ هِنْدِيَّةٌ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ. وَقِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: لَوْ سَهَا فَسَجَدَ هَلْ يُسَبِّحُ عَشْرًا عَشْرًا قَالَ: لَا إنَّمَا هِيَ ثَلَثُمِائَةِ تَسْبِيحَةٍ. قَالَ الْمُلَّا عَلِيٌّ فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ: مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ سَهَا وَنَقَصَ عَدَدًا مِنْ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ، يَأْتِي بِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ تَكْمِلَةً لِلْعَدَدِ الْمَطْلُوبِ اهـ. قُلْت: وَاسْتُفِيدَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي سَهَا فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا تَرَكَ فِيمَا يَلِيهِ إنْ كَانَ غَيْرَ قَصِيرٍ فَتَسْبِيحُ الِاعْتِدَالِ يَأْتِي بِهِ فِي السُّجُودِ، أَمَّا تَسْبِيحُ الرُّكُوعِ فَيَأْتِي بِهِ فِي السُّجُودِ أَيْضًا لَا فِي الِاعْتِدَالِ لِأَنَّهُ قَصِيرٌ. قُلْت: وَكَذَا تَسْبِيحُ السَّجْدَةِ الْأُولَى يَأْتِي بِهِ فِي الثَّانِيَةِ لَا فِي الْجِلْسَةِ لِأَنَّ تَطْوِيلَهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ عِنْدَنَا عَلَى مَا مَرَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 (وَتُفْرَضُ الْقِرَاءَةُ) عَمَلًا (فِي رَكْعَتَيْ الْفَرْضِ) مُطْلَقًا أَمَّا تَعْيِينُ الْأُولَيَيْنِ فَوَاجِبٌ   [رد المحتار] فِي الْوَاجِبَاتِ. وَفِي الْقُنْيَةِ: لَا يَعُدُّ التَّسْبِيحَاتِ بِالْأَصَابِعِ إنْ قَدَرَ أَنْ يَحْفَظَ بِالْقَلْبِ وَإِلَّا يَغْمِزُ الْأَصَابِعَ. وَرَأَيْت لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ طُولُونَ الدِّمَشْقِيِّ الْحَنَفِيِّ رِسَالَةً سَمَّاهَا [ثَمَرُ التَّرْشِيحِ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ] بِخَطِّهِ أَسْنَدَ فِيهَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: أَنَّهُ يُقَالُ فِيهَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك تَوْفِيقَ أَهْلِ الْهُدَى، وَأَعْمَالَ أَهْلِ الْيَقِينِ، وَمُنَاصَحَةَ أَهْلِ التَّوْبَةِ، وَعَزْمَ أَهْلِ الصَّبْرِ، وَجِدَّ أَهْلِ الْخَشْيَةِ، وَطَلَبَ أَهْلِ الرَّغْبَةِ، وَتَعَبُّدَ أَهْلِ الْوَرَعِ، وَعِرْفَانَ أَهْلِ الْعِلْمِ حَتَّى أَخَافَك. اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مَخَافَةً تَحْجِزُنِي عَنْ مَعَاصِيك حَتَّى أَعْمَلَ بِطَاعَتِك؛ وَعَمَلًا أَسْتَحِقُّ بِهِ رِضَاك، حَتَّى أُنَاصِحَكَ بِالتَّوْبَةِ خَوْفًا مِنْك، وَحَتَّى أُخْلِصَ لَك النَّصِيحَةَ حُبًّا لَك، وَحَتَّى أَتَوَكَّلَ عَلَيْك فِي الْأُمُورِ حُسْنَ ظَنٍّ بِك، سُبْحَانَ خَالِقِ النُّورِ ". اهـ. مَطْلَبٌ فِي صَلَاةِ الْحَاجَةِ. (قَوْلُهُ وَأَرْبَعُ صَلَاةِ الْحَاجَةِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ صَلَاةُ الْحَاجَةِ، ذَكَرَهَا فِي التَّجْنِيسِ وَالْمُلْتَقَطِ وَخِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَكَثِيرٍ مِنْ الْفَتَاوَى وَالْحَاوِي وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ. أَمَّا فِي الْحَاوِي فَذَكَرَ أَنَّهَا ثِنْتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَبَيَّنَ كَيْفِيَّتَهَا بِمَا فِيهِ كَلَامٌ. وَأَمَّا فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ، فَذَكَر أَنَّهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَأَنَّ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى الْفَاتِحَةَ مَرَّةً وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ ثَلَاثًا، وَفِي كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَالْإِخْلَاصَ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ مَرَّةً مَرَّةً كُنَّ لَهُ مِثْلَهُنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ. قَالَ مَشَايِخُنَا: صَلَّيْنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ فَقُضِيَتْ حَوَائِجُنَا مَذْكُورٌ فِي الْمُلْتَقَطِ وَالتَّجْنِيسِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْفَتَاوَى، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى. وَأَمَّا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فَذَكَرَ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ، وَالْأَحَادِيثُ فِيهَا مَذْكُورَةٌ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَتْ لَهُ إلَى اللَّهِ حَاجَةٌ أَوْ إلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُحْسِنْ الْوُضُوءَ ثُمَّ لِيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ لْيُثْنِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لْيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. أَسْأَلُك مُوجِبَاتِ رَحْمَتِك، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِك، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إثْمٍ، لَا تَدَعْ لِي ذَنْبًا إلَّا غَفَرْته، وَلَا هَمًّا إلَّا فَرَّجْته، وَلَا حَاجَةً هِيَ لَك رِضًا إلَّا قَضَيْتهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ» . اهـ. أَقُولُ: وَقَدْ عَقَدَ فِي آخِرِ الْحِلْيَةِ فَصْلًا مُسْتَقِلًّا لِصَلَاةِ الْحَاجَةِ، وَذَكَرَ مَا فِيهَا مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ وَالرِّوَايَاتِ وَالْأَدْعِيَةِ وَأَطَالَ وَأَطَابَ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ أَرَادَهُ. [خَاتِمَةٌ] يَنْبَغِي لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ. وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا اُبْتُلِيَ الْمُسْلِمُ بِالْقَتْلِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَهُمَا لِيَكُونَ آخِرُ عَمَلِهِ الصَّلَاةَ وَالِاسْتِغْفَارَ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ شَرْحِ الشِّرْعَةِ: مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ صَلَاةُ التَّوْبَةِ وَصَلَاةُ الْوَالِدَيْنِ وَصَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ وَرَكْعَتَيْنِ فِي السِّرِّ لِدَفْعِ النِّفَاقِ وَالصَّلَاةُ حِينَ يَدْخُلُ بَيْتَهُ وَيَخْرُجُ تَوَقِّيًا عَنْ فِتْنَةِ الْمَدْخَلِ وَالْمَخْرَجِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ عَمَلًا) أَيْ تُفْرَضُ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ لَا الِاعْتِقَادِ أَيْضًا، فَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُهَا لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِيهَا؛ فَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الْأَصَمِّ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَغَيْرِهِمَا سُنَّةٌ. وَعِنْدَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَزُفَرَ وَالْمُغِيرَةِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فَرْضٌ فِي رَكْعَةٍ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ: فَرْضٌ فِي ثَلَاثٍ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فَرْضٌ فِي الْأَرْبَعِ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ الْأُخْرَيَيْنِ أَوْ وَاحِدَةٍ وَوَاحِدَةٍ ط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 عَلَى الْمَشْهُورِ (وَكُلُّ النَّفْلِ) لِلْمُنْفَرِدِ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ صَلَاةٌ، لَكِنَّهُ لَا يَعُمُّ الرُّبَاعِيَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ، فَتَأَمَّلْ (وَ) كُلُّ (الْوِتْرِ) احْتِيَاطًا. (وَلَزِمَ نَفْلٌ شَرَعَ فِيهِ) بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَوْ بِقِيَامِ الثَّالِثَةِ شُرُوعًا صَحِيحًا (قَصْدًا)   [رد المحتار] قُلْت: وَقَدْ تُفْرَضُ الْقِرَاءَةُ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ الْفَرْضِ الرُّبَاعِيِّ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الِاسْتِخْلَافِ فِيمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ مَسْبُوقًا بِرَكْعَتَيْنِ، وَأَشَارَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ. (قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) رَدٌّ لِمَا قِيلَ إنَّهَا فِي الْأُولَيَيْنِ فَرْضٌ، وَمَا قِيلَ إنَّهَا فِيهِمَا أَفْضَلُ، لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْضِيَّةِ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فَهِمَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ بَعْضِ الْعِبَارَاتِ، وَقَدَّمْنَا تَحْقِيقَهُ هُنَاكَ فَافْهَمْ. (قَوْلُ لِلْمُنْفَرِدِ) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا كَالْإِمَامِ، لِانْفِرَادِهِ بِرَأْيِهِ، وَكَوْنِهِ غَيْرَ تَابِعٍ لِغَيْرِهِ، فَخَرَجَ الْمُقْتَدِي فَلَا تُفْرَضُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فِي النَّفْلِ وَلَوْ كَانَ مُقْتَدِيًا بِمُفْتَرِضٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ. (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ إلَخْ) أَيْ هَذَا التَّعْلِيلُ لِلُزُومِ الْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ النَّفْلِ قَاصِرٌ لَا يَعُمُّ الرَّبَاعِيَةَ الْمُؤَكَّدَةَ، لِمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى مِنْهَا وَلَا يَسْتَفْتِحُ إذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ. وَلَوْ كَانَ كُلُّ شَفْعٍ مِنْهَا صَلَاةً لَصَلَّى وَاسْتَفْتَحَ؛ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ. وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ هُنَاكَ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهَا لِتَأَكُّدِهَا أَشْبَهَتْ الْفَرِيضَةَ، يَعْنِي أَنَّ الْقِيَاسَ فِيهَا ذَلِكَ لَكِنْ لَمَّا أَشْبَهَتْ الْفَرِيضَةَ رُوعِيَ فِيهَا الْجَانِبَانِ فَأَوْجَبُوا الْقِرَاءَةَ فِي كُلِّ رَكَعَاتِهَا. وَالْعَوْدَ إلَى الْقَعْدَةِ إذَا تَذَكَّرَهَا بَعْدَ تَمَامِ الْقِيَامِ قَبْلَ السُّجُودِ، وَقَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ لَوْ أَفْسَدَهَا عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي نَظَرًا لِلْأَصْلِ، وَمَنَعُوا مِنْ الصَّلَاةِ وَالِاسْتِفْتَاحِ نَظَرًا لِلشَّبَهِ كَمَا فَعَلُوا فِي الْوِتْرِ. عَلَى أَنَّ كَوْنَ النَّفْلِ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ. بَلْ مِنْ بَعْضِ الْأَوْجُهِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا تَصِحَّ رَبَاعِيَةٌ بِتَرْكِ الْقَعْدَةِ الْأُولَى مِنْهَا مَعَ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ أَنَّهَا تَصِحُّ اعْتِبَارًا لَهَا بِالْفَرْضِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، نَعَمْ لَوْ تَطَوَّعَ بِسِتِّ رَكَعَاتٍ أَوْ ثَمَانٍ بِقَعْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْفَرَائِضِ سِتٌّ يَجُوزُ أَدَاؤُهَا بِقَعْدَةٍ، فَيَعُودُ الْأَمْرُ فِيهِ إلَى الْقِيَاسِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَسَيَأْتِي فِيهِ تَصْحِيحُ خِلَافِهِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَلَزِمَ نَفْلٌ إلَخْ) أَيْ لَزِمَ الْمُضِيُّ فِيهِ، حَتَّى إذَا أَفْسَدَهُ لَزِمَ قَضَاؤُهُ أَيْ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ عَلَى مَا يَأْتِي، ثُمَّ هَذَا غَيْرُ خَاصٍّ بِالصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ الْمَقَامُ لَهَا. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: اعْلَمْ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي نَفْلِ الْعِبَادَةِ الَّتِي تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ وَيَتَوَقَّفُ ابْتِدَاؤُهَا عَلَى مَا بَعْدَهُ فِي الصِّحَّةِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ إتْمَامِهِ وَقَضَائِهِ إنْ فَسَدَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَكَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَكْحُولٍ وَالنَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِمْ، فَخَرَجَ الْوُضُوءُ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَسَفَرُ الْغَزْوِ وَنَحْوُهَا مِمَّا لَا يَجِبُ بِالنَّذْرِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ، وَخَرَجَ مَا لَا يَتَوَقَّفُ ابْتِدَاؤُهُ عَلَى مَا بَعْدَهُ فِي الصِّحَّةِ نَحْوُ الصَّدَقَةِ وَالْقِرَاءَةِ، وَكَذَا الِاعْتِكَافُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَدَخَلَ فِيهِ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَالطَّوَافُ وَالِاعْتِكَافُ عَلَى قَوْلِهِمَا. اهـ. [تَنْبِيهٌ] ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْقَضَاءُ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ الصَّحِيحِ وَإِنْ أَفْسَدَهُ لِلْحَالِ وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الصُّغْرَى لَوْ أَفْسَدَ الصَّوْمَ النَّفَلَ فِي الْحَالِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، أَمَّا لَوْ اخْتَارَ الْمُضِيَّ ثُمَّ أَفْسَدَهُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. قُلْت: وَهَكَذَا فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ شَرَعَتْ فِي النَّفْلِ ثُمَّ حَاضَتْ وَجَبَ الْقَضَاءُ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَحَمَلَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ عَلَى النَّفْلِ الْمَظْنُونِ، وَكَلَامُ الْقُهُسْتَانِيِّ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَكَذَا كَلَامُ الْمِنَحِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ أَوْ بِقِيَامِ الثَّالِثَةِ) أَيْ وَقَدْ أَدَّى الشَّفْعَ الْأَوَّلَ صَحِيحًا، فَإِذَا أَفْسَدَ الثَّانِيَ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ فَقَطْ، وَلَا يَسْرِي إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ شُرُوعًا صَحِيحًا) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ اقْتِدَائِهِ مُتَنَفِّلًا بِنَحْوِ أُمِّيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ كَمَا يَأْتِي، وَقَوْلُهُ قَصْدًا احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ ظَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 إلَّا إذَا شَرَعَ مُتَنَفِّلًا خَلْفَ مُفْتَرِضٍ ثُمَّ قَطَعَهُ وَاقْتَدَى نَاوِيًا ذَلِكَ الْفَرْضَ بَعْدَ تَذَكُّرِهِ، أَوْ تَطَوُّعًا آخَرَ، أَوْ فِي صَلَاةِ ظَانٍّ، أَوْ أُمِّيٍّ، أَوْ امْرَأَةٍ، أَوْ مُحْدِثٍ يَعْنِي وَأَفْسَدَهُ فِي الْحَالِ؛ أَمَّا لَوْ اخْتَارَ الْمُضِيَّ ثُمَّ أَفْسَدَهُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ (وَلَوْ عِنْدَ غُرُوبٍ وَطُلُوعٍ وَاسْتِوَاءٍ) عَلَى الظَّاهِرِ (فَإِنْ أَفْسَدَهُ حَرُمَ) - {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]- (إلَّا بِعُذْرٍ،   [رد المحتار] أَنَّ عَلَيْهِ فَرْضًا ثُمَّ تَذَكَّرَ خِلَافَهُ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا شَرَعَ إلَخْ) أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا قَطَعَهُ. وَوَجْهُهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ مَا الْتَزَمَ إلَّا أَدَاءَ هَذِهِ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ وَقَدْ أَدَّاهَا. (قَوْلُهُ بَعْدَ تَذَكُّرِهِ) أَيْ تَذَكُّرِ ذَلِكَ الْفَرْضِ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ لَمْ يُصَلِّهِ. (قَوْلُهُ أَوْ تَطَوُّعًا آخَرَ) وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يَنْوِ قَضَاءَ مَا قَطَعَهُ وَلَا غَيْرَهُ. (قَوْلُهُ أَوْ فِي صَلَاةِ ظَانٍّ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مُتَنَفِّلًا فَهُوَ مُسْتَثْنًى أَيْضًا. وَصُورَتُهُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْعُيُونِ بِرِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: رَجُلٌ افْتَتَحَ الظُّهْرَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا فَدَخَلَ رَجُلٌ فِي صَلَاتِهِ يُرِيدُ بِهِ التَّطَوُّعَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ الظُّهْرُ فَرَفَضَ صَلَاتَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى مَنْ اقْتَدَى بِهِ اهـ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَفَسَدَ اقْتِدَاءُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ أَنَّ نَفَلَ الْمُقْتَدِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْإِفْسَادِ، حَتَّى يَلْزَمَهُ قَضَاؤُهُ بِخِلَافِ الْإِمَامِ اهـ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْإِفْسَادِ إفْسَادُ الْمُقْتَدِي صَلَاتَهُ فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِإِفْسَادِهِ دُونَ إفْسَادِ إمَامِهِ فَلَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ لَكِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ كَلَامِ السِّرَاجِ أَنَّ الْمُرَادَ إفْسَادُ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ قَالَ: فَلَوْ خَرَجَ الظَّانُّ مِنْهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا بِالْخُرُوجِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُقْتَدِي الْقَضَاءُ. اهـ. فَإِمَّا أَنْ يُؤَوَّلَ أَيْضًا بِمَا قُلْنَا وَإِلَّا فَهُوَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ غَيْرُ مَا مَشَى عَلَيْهَا الشَّارِحُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ أَوْ أُمِّيٌّ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ شُرُوعًا صَحِيحًا لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ مَنْ ذَكَرَ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَحِينَئِذٍ فَلَا مَحَلَّ لِاسْتِثْنَائِهِ إلَّا بِالنَّظَرِ إلَى مُجَرَّدِ الْمَتْنِ، إذْ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ الْقَيْدُ فَافْهَمْ. قَالَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ وَيَنْبَغِي فِي الْأُمِّيِّ وُجُوبُ الْقَضَاءِ بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الشُّرُوعَ يَصِحُّ ثُمَّ تَفْسُدُ إذَا جَاءَ أَوَانُ الْقِرَاءَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَعْنِي وَأَفْسَدَهُ فِي الْحَالِ) أَيْ حَالَ التَّذَكُّرِ، وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ الظَّانِّ فَقَطْ. قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ قَصْدًا عَنْ الشُّرُوعِ ظَنًّا، كَمَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ فَرْضًا فَشَرَعَ فِيهِ فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ قَدْ صَلَّاهُ صَارَ مَا شَرَعَ فِيهِ نَفْلًا لَا يَجِبُ إتْمَامُهُ حَتَّى لَوْ نَقَضَهُ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ. وَفِي الصُّغْرَى: هَذَا إذَا أَفْسَدَ الصَّوْمَ النَّفَلَ فِي الْحَالِ، أَمَّا إذَا اخْتَارَ الْمُضِيَّ ثُمَّ أَفْسَدَهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءَ. قَالَ: وَهَكَذَا فِي الصَّلَاةِ، كَذَا فِي الْمُجْتَبَى. اهـ. أَقُولُ: وَعَزَاهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ أَيْضًا إلَى شَرْحِ الْجَامِعِ لِلتُّمُرْتَاشِيِّ، لَكِنْ عَلَّلَ فِي التَّجْنِيسِ مَسْأَلَةَ الصَّوْمِ بِأَنَّهُ لَمَّا مَضَى عَلَيْهِ صَارَ كَأَنَّهُ نَوَى الْمُضِيَّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ، فَإِذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ صَارَ شَارِعًا فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ الْمُضِيَّ عَلَى الصَّوْمِ بَعْدَ التَّذَكُّرِ وَكَانَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ نِيَّةٍ جَدِيدَةٍ فَيَلْزَمُهُ وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي الصَّلَاةِ فَإِلْحَاقُهَا بِالصَّوْمِ مُشْكِلٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَمَّا لَوْ اخْتَارَ الْمُضِيَّ) الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِمُجَرَّدِ الْقَصْدِ، وَفِيهِ مَا عَلِمْته. وَنَقَلَ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْمُضِيِّ إلَّا إذَا قَيَّدَ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ. أَقُولُ: فَهِمَ الْحَمَوِيُّ ذَلِكَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ الْآتِي قَرِيبًا، وَفِيهِ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالشُّرُوعِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ اعْتِبَارًا بِالشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ. وَالْفَرْقُ عَلَى الظَّاهِرِ صِحَّةُ تَسْمِيَتِهِ صَائِمًا فِيهِ، وَفِي الصَّلَاةِ لَا إلَّا بِالسُّجُودِ، وَلِذَا حَنِثَ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِي لَا يَصُومُ، بِخِلَافِ لَا يُصَلِّي سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى نَهْرٌ (قَوْلُهُ إلَّا بِعُذْرٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ حَرُمَ: أَيْ إنَّهُ عِنْدَ الْعُذْرِ لَا يَحْرُمُ إفْسَادُهُ، بَلْ قَدْ يُبَاحُ، وَقَدْ يُسْتَحَبُّ، وَقَدْ يَجِبُ كَمَا قَدَّمَهُ فِي آخِرِ مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 وَوَجَبَ قَضَاؤُهُ) وَلَوْ فَسَادُهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ؛ كَمُتَيَمِّمٍ رَأْي مَاءً وَمُصَلِّيَةٍ أَوْ صَائِمَةٍ حَاضَتْ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ بِالْتِزَامِهِ نَوْعَانِ: مَا يَجِبُ بِالْقَوْلِ وَهُوَ النَّذْرُ وَسَيَجِيءُ. وَمَا يَجِبُ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ الشُّرُوعُ فِي النَّوَافِلِ، وَيَجْمَعُهَا قَوْلُهُ: مِنْ النَّوَافِلِ سَبْعٌ تَلْزَمُ الشَّارِعْ ... أَخْذًا لِذَلِكَ مِمَّا قَالَهُ الشَّارِعْ صَوْمٌ صَلَاةٌ طَوَافٌ حَجُّهُ رَابِعْ ... عُكُوفُهُ عُمْرَةٌ إحْرَامُهُ السَّابِعْ (وَقَضَى رَكْعَتَيْنِ لَوْ نَوَى أَرْبَعًا) غَيْرَ مُؤَكَّدَةٍ عَلَى اخْتِيَارِ الْحَلَبِيِّ وَغَيْرِهِ (وَنَقَصَ   [رد المحتار] وَمِنْ الْعُذْرِ مَا إذَا كَانَ شُرُوعُهُ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ. فَفِي الْبَدَائِعِ: الْأَفْضَلُ عِنْدَنَا أَنْ يَقْطَعَهَا وَإِنْ أَتَمَّ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ، فَإِذَا قَطَعَهَا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ وَاجِبًا خُرُوجًا عَنْ الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا، وَلَيْسَ بِإِبْطَالٍ لِلْعَمَلِ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِيُؤَدِّيَهُ عَلَى وَجْهٍ أَكْمَلَ فَلَا يُعَدُّ إبْطَالًا. (قَوْلُهُ وَوَجَبَ قَضَاؤُهُ) أَيْ وَلَوْ قَطَعَهُ بِعُذْرٍ وَلَوْ كَانَ لِكَرَاهَةِ الْوَقْتِ كَمَا عَلِمْت. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قَضَاهُ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ آخَرَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ نَاقِصَةً، وَأَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ فَيَجُوزُ كَمَا لَوْ أَتَمَّهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِهِ هُنَا فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ وَيَجْمَعُهَا) أَيْ النَّوَافِلَ الَّتِي تَجِبُ بِالشُّرُوعِ وَضَابِطُهَا كُلُّ عِبَادَةٍ تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ وَيَتَوَقَّفُ ابْتِدَاؤُهَا عَلَى مَا بَعْدَهُ فِي الصِّحَّةِ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ مِنْ النَّوَافِلِ إلَخْ) هَذَا النَّظْمُ عَزَاهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ إلَى صَدْرِ الدِّينِ بْنِ الْعِزِّ، وَهُوَ النَّوْعُ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْمُوَلَّدِينَ بِالْمَوَالِيَا، وَبَحْرُهُ بَحْرُ الْبَسِيطِ. (قَوْلُهُ قَالَهُ الشَّارِعُ) هُوَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ الَّذِي شَرَعَ الْأَحْكَامَ، وَفِيهِ مَعَ مَا قَبْلَهُ الْجِنَاسُ التَّامُّ (قَوْلُهُ طَوَافٌ) أَيْ يَلْزَمُهُ إتْمَامُ سَبْعَةِ أَشْوَاطٍ بِالشُّرُوعِ فِيهِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ إلَّا إذَا شَرَعَ فِيهِ يَظُنُّ أَنَّهُ عَلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ. (قَوْلُهُ عُكُوفُهُ) سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ نَقْلًا عَنْ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَا فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ مُفَرَّعٌ عَلَى الضَّعِيفِ: أَيْ عَلَى رِوَايَةِ تَقْدِيرِ الِاعْتِكَافِ النَّفْلِ بِيَوْمٍ، أَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّ أَقَلَّهُ سَاعَةٌ فَلَا يَلْزَمُ، بَلْ يَنْتَهِي بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ. قُلْت: لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الشُّرُوعَ فِيهِ مُلْزِمٌ بِقَدْرِ مَا اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ، وَلَمَّا خَرَجَ فَمَا وَجَبَ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرُ فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْهُ اهـ فَتَأَمَّلْ، نَعَمْ سَنَذْكُرُ فِي الِاعْتِكَافِ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ فِي رَمَضَانَ يَنْبَغِي لُزُومُهُ بِالشُّرُوعِ. (قَوْلُهُ إحْرَامُهُ) قَالَ فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ: لَوْ نَوَى الْإِحْرَامَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ حَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ صَحَّ وَلَزِمَهُ وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ لِأَيِّهِمَا شَاءَ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي أَعْمَالِ أَحَدِهِمَا اهـ وَبِهَذَا غَايَرَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَإِنْ اسْتَلْزَمَاهُ فَانْدَفَعَ التَّكْرَارُ كَمَا قَالَهُ ح. (قَوْلُهُ وَقَضَى رَكْعَتَيْنِ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَصَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ رُجُوعَ أَبِي يُوسُفَ عَنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا بِقَضَاءِ الْأَرْبَعِ إلَى قَوْلِهِمَا فَهُوَ بِاتِّفَاقِهِمْ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِسَبَبِ الشُّرُوعِ لَمْ يَثْبُتْ وَضْعًا بَلْ لِصِيَانَةِ الْمُؤَدَّى وَهُوَ حَاصِلٌ بِتَمَامِ الرَّكْعَتَيْنِ، فَلَا تَلْزَمُ الزِّيَادَةُ بِلَا ضَرُورَةٍ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ لَوْ نَوَى أَرْبَعًا) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي النَّفْلِ وَلَمْ يَنْوِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا رَكْعَتَانِ اتِّفَاقًا. وَقَيَّدَ بِالشُّرُوعِ لِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَلَاةً وَنَوَى أَرْبَعًا لَزِمَهُ أَرْبَعٌ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ فِيهِ هُوَ النَّذْرُ بِصِيغَتِهِ وَضْعًا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ عَلَى اخْتِيَارِ الْحَلَبِيِّ وَغَيْرِهِ) حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: أَمَّا إذَا شَرَعَ فِي الْأَرْبَعِ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ وَقَبْلَ الْجُمُعَةِ أَوْ بَعْدَهَا ثُمَّ قَطَعَ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ بِاتِّفَاقٍ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ إلَّا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّهَا لَمْ تُنْقَلْ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا كَذَلِكَ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَلِذَا لَا يُصَلِّي فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَلَا يَسْتَفْتِحُ فِي الثَّالِثَةِ. وَلَوْ أَخْبَرَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ وَهُوَ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ مِنْهَا فَأَكْمَلَ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَكَذَا الْمُخَيَّرَةُ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا وَكَذَا لَوْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَهُوَ فِيهِ فَأَكْمَلَ لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 فِي) خِلَالِ (الشَّفْعِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي) أَيْ وَتَشَهَّدَ لِلْأَوَّلِ وَإِلَّا يَفْسُدُ الْكُلُّ اتِّفَاقًا وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ شَفْعٍ صَلَاةٌ إلَّا بِعَارِضِ اقْتِدَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ تَرْكِ قُعُودٍ أَوَّلَ. (كَمَا) يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ (لَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ   [رد المحتار] يَلْزَمُهُ كَمَالُ الْمَهْرِ لَوْ طَلَّقَهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ نَفْلًا آخَرَ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ تَنْعَكِسُ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ اخْتَارَهُ الْفَضْلِيُّ وَقَالَ فِي النِّصَابِ إنَّهُ الْأَصَحُّ. لِأَنَّهُ بِالشُّرُوعِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْفَرْضِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالشُّرُوعِ فِيهَا إلَّا رَكْعَتَانِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهَا نَفْلٌ. قُلْت: وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا تَرْجِيحُهُ. (قَوْلُهُ فِي خِلَالِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ نَقَصَ بَيْنَ آخِرِ الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَبَيْنَ الْقِيَامِ إلَى الثَّالِثَةِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَدْ تَمَّ بِالْقَعْدَةِ، وَالثَّانِي لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ حِينَئِذٍ. وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ وَلَا قَضَاءَ لَوْ قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ نَقَضَ. (قَوْلُهُ أَوْ الثَّانِي) أَيْ وَكَذَا يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ لَوْ أَتَمَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ بِقَعْدَتِهِ ثُمَّ شَرَعَ فِي الثَّانِي فَنَقَضَهُ فِي خِلَالِهِ قَبْلَ الْقَعْدَةِ فَيَقْضِي الثَّانِيَ فَقَطْ لِتَمَامِ الْأَوَّلِ، لَكِنْ يَنْبَغِي وُجُوبُ إعَادَةِ الْأَوَّلِ لِتَرْكِ وَاجِبِ السَّلَامِ مَعَ عَدَمِ انْجِبَارِهِ بِسُجُودِ سَهْوٍ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ تَرْكِ وَاجِبٍ، وَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ كَلَامَهُمْ هُنَا، لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي لُزُومِ الْقَضَاءِ وَعَدَمِهِ بِنَاءً عَلَى الْفَسَادِ وَعَدَمِهِ وَالْإِعَادَةُ هِيَ فِعْلُ مَا أُدِّيَ صَحِيحًا مَعَ الْكَرَاهَةِ مَرَّةً ثَانِيَةً بِلَا كَرَاهَةٍ. (قَوْلُهُ أَيْ وَتَشَهَّدَ لِلْأَوَّلِ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ أَوْ الثَّانِي ح وَالْمُرَادُ بِالتَّشَهُّدِ الْقُعُودُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ سَوَاءً قَرَأَ التَّشَهُّدَ أَوْ لَا، فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ الْحَالِ عَلَى الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَشَهَّدْ لِلشَّفْعِ الْأَوَّلِ. وَنَقَضَهُ فِي خِلَالِ الشَّفْعِ الثَّانِي يَفْسُدُ الْكُلُّ لِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ إنَّمَا يَكُونُ صَلَاةً إنْ وُجِدَتْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى؛ أَمَّا إذَا لَمْ تُوجَدْ فَالْأَرْبَعُ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ بَحْرٌ وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ أَوْ تَرَكَ قُعُودَ أَوَّلٍ ح. (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ شَفْعٍ صَلَاةٌ) أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ بِتَحْرِيمَةِ النَّفْلِ أَكْثَرُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْهُمَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ إلَّا بِعَارِضِ اقْتِدَاءٍ) أَيْ اقْتِدَاءِ الْمُتَطَوِّعِ بِمَنْ تَلْزَمُهُ الْأَرْبَعُ؛ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِمُصَلِّي الظُّهْرِ ثُمَّ قَطَعَهَا فَإِنَّهُ يَقْضِي أَرْبَعًا، سَوَاءً اقْتَدَى بِهِ فِي أَوَّلِهَا أَوْ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَهِيَ أَرْبَعٌ. بَحْرٌ وَنَهْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ أَوْ نَذَرَ) أَيْ لَوْ نَذَرَ صَلَاةً وَنَوَى أَرْبَعًا لَزِمَتْهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ. وَعَلَّلَهُ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ لِتَنَاوُلِ اسْمِ الصَّلَاةِ لِلرَّكْعَتَيْنِ وَالْأَرْبَعِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. اهـ. وَقَدْ مَرَّ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ فَصَلَّاهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ لَا يَخْرُجُ عَنْ النَّذْرِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ، وَمُفَادُ مَا هُنَا أَنَّ نَذْرَ الْأَرْبَعِ يَكْفِي فِي لُزُومِهَا وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِتَسْلِيمَةٍ، فَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ بِصَلَاتِهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ. (قَوْلُهُ أَوْ تَرَكَ قُعُودَ أَوَّلٍ) لِأَنَّ كَوْنَ كُلِّ شَفْعٍ صَلَاةً عَلَى حِدَةٍ يَقْتَضِي افْتِرَاضَ الْقَعْدَةِ عَقِيبَهُ فَيَفْسُدُ بِتَرْكِهَا كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ، لَكِنْ عِنْدَهُمَا لَمَّا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ قَبْلَ الْقَعْدَةِ فَقَدْ جَعَلَ الصَّلَاةَ وَاحِدَةً شَبِيهَةً بِالْفَرْضِ وَصَارَتْ الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ هِيَ الْفَرْضَ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَعَلَيْهِ فَلَوْ تَطَوَّعَ بِثَلَاثٍ بِقَعْدَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ يَنْبَغِي الْجَوَازُ اعْتِبَارًا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُهُ لِأَنَّهُ قَدْ فَسَدَ مَا اتَّصَلَتْ بِهِ الْقَعْدَةُ وَهُوَ الرَّكْعَةُ الْأَخِيرَةُ. لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَيَفْسُدُ مَا قَبْلَهَا. وَلَوْ تَطَوَّعَ بِسِتِّ رَكَعَاتٍ بِقَعْدَةٍ وَاحِدَةٍ، قِيلَ يَجُوزُ وَالْأَصَحُّ لَا، فَإِنَّ الِاسْتِحْسَانَ جَوَازُ الْأَرْبَعِ بِقَعْدَةٍ اعْتِبَارًا بِالْفَرْضِ، وَلَيْسَ فِي الْفَرْضِ سِتُّ رَكَعَاتٍ تُؤَدَّى بِقَعْدَةٍ فَيَعُودُ الْأَمْرُ إلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. مَبْحَثُ الْمَسَائِلِ السِّتَّةَ عَشْرِيَّةَ [تَنْبِيهٌ] يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى أَيْضًا مِنْ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ الْمُؤَكَّدَةُ بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِ الْحَلَبِيِّ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ كَمَا يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي مَسَائِلِ فَسَادِ النَّفْلِ الرُّبَاعِيِّ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ بِهِ بَعْدَ ذِكْرِ فَسَادِهِ بِغَيْرِهِ وَهِيَ الْمَسَائِلُ الْمُلَقَّبَةُ بِالثَّمَانِيَةِ؛ وَبِالسِّتَّةِ عَشْرِيَّةَ. وَالْأَصْلُ فِيهَا أَنَّ صِحَّةَ الشُّرُوعِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ بِالتَّحْرِيمَةِ وَفِي الثَّانِي بِالْقِيَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 فِي شَفْعَيْهِ أَوْ تَرَكَهَا فِي الْأَوَّلِ) فَقَطْ (أَوْ الثَّانِي أَوْ إحْدَى) رَكْعَتَيْ (الثَّانِي أَوْ إحْدَى) رَكْعَتَيْ (الْأَوَّلِ أَوْ الْأَوَّلَ وَإِحْدَى الثَّانِي لَا غَيْرُ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا بَطَلَ لَمْ يَصِحَّ بِنَاءُ الثَّانِي عَلَيْهِ،   [رد المحتار] إلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ وَالتَّحْرِيمَةُ لَا تَبْقَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ تَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَتَيْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَلَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي حَتَّى لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ بِإِفْسَادِهِ، بَلْ يَقْضِي الْأَوَّلَ فَقَطْ لِفَسَادِ أَدَائِهِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ بِخِلَافِ التَّرْكِ فِي رَكْعَةٍ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ الْأَدَاءُ دُونَ التَّحْرِيمَةِ، حَتَّى وَجَبَ قَضَاءُ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ كَالتَّرْكِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَصَحَّ الشُّرُوعُ فِي الثَّانِي. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ التَّرْكُ فِي رَكْعَةٍ مِنْ الشَّفْعِ مُفْسِدٌ لِلتَّحْرِيمَةِ وَالْأَدَاءُ كَالتَّرْكِ فِي رَكْعَتَيْنِ، فَلَا يَصِحُّ شُرُوعُهُ فِي الثَّانِي فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ بِإِفْسَادِهِ، بَلْ قَضَاءُ الْأَوَّلِ فَقَطْ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ التَّرْكُ فِي رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ يُفْسِدُ الْأَدَاءَ فَقَطْ وَالتَّحْرِيمَةُ بَاقِيَةٌ فَيَصِحُّ شُرُوعُهُ فِي الثَّانِي مُطْلَقًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّحْرِيمَةَ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا، وَتَفْسُدُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ بِتَرْكِهَا مُطْلَقًا. وَعِنْدَ الْإِمَامِ تَفْسُدُ بِتَرْكِهَا أَصْلًا: أَيْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ لَا فِي رَكْعَةٍ، وَيَجْمَعُ الْأَقْوَالَ قَوْلُ الْإِمَامِ النَّسَفِيِّ: تَحْرِيمَةُ النَّفْلِ لَا تَبْقَى إذَا تُرِكَتْ ... فِيهَا الْقِرَاءَةُ أَصْلًا عِنْدَ نُعْمَانْ وَالتَّرْكُ فِي رَكْعَةٍ قَدْ عَدَّهُ زُفَرُ ... كَالتَّرْكِ أَصْلًا وَأَيْضًا شَيْخُ شَيْبَانُ وَقَالَ يَعْقُوبُ تَبْقَى كَيْفَمَا تُرِكَتْ ... فِيهَا الْقِرَاءَةُ فَاحْفَظْهُ بِإِتْقَانْ (قَوْلُهُ فِي شَفْعِيَّهٍ) فَيَقْضِي الشَّفْعَ الْأَوَّلَ عِنْدَهُمَا لِبُطْلَانِ التَّحْرِيمَةِ وَعَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فِي الثَّانِي، وَيَقْضِي أَرْبَعًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِبَقَائِهَا عِنْدَهُ وَإِفْسَادِ الْأَدَاءِ فِي الشَّفْعَيْنِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ (قَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ) أَيْ فَيَقْضِي رَكْعَتَيْنِ إجْمَاعًا، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِفَسَادِ التَّحْرِيمَةِ وَعَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فِي الثَّانِي؛ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ وَإِنْ صَحَّ الشُّرُوعُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْسُدْ لِوُجُودِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ؛ فَيَقْضِي الْأَوَّلَ فَقَطْ (قَوْلُهُ أَوْ الثَّانِي) أَيْ فَيَقْضِيهِ فَقَطْ إجْمَاعًا لِصِحَّةِ الْأَوَّلِ وَصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِي الثَّانِي، وَفَسَادِ أَدَائِهِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ (قَوْلُهُ أَوْ إحْدَى رَكْعَتَيْ الثَّانِي) أَيْ فَيَقْضِيهِ فَقَطْ إجْمَاعًا أَيْضًا لِمَا قُلْنَا. وَتَحْتَهُ صُورَتَانِ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ إمَّا أَوْلَى الثَّانِي أَوْ ثَانِيَتُهُ. (قَوْلُهُ أَوْ إحْدَى رَكْعَتَيْ الْأَوَّلِ) فِيهِ صُورَتَانِ أَيْضًا: أَيْ فَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ فَقَطْ إجْمَاعًا أَيْضًا لِإِفْسَادِهِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ مِنْهُ، وَلِفَسَادِ التَّحْرِيمَةِ، وَعَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فِي الثَّانِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَلِبَقَائِهَا مَعَ صِحَّةِ أَدَاءِ الثَّانِي عِنْدَهُمَا. (قَوْلُهُ أَوْ الْأَوَّلِ وَإِحْدَى الثَّانِي) تَحْتَهُ صُورَتَانِ أَيْضًا: أَيْ لَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ وَفِي رَكْعَةٍ مِنْ الثَّانِي: أَيْ أُولَاهُ أَوْ ثَانِيَتِهِ يَقْضِي الشَّفْعَ الْأَوَّلَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ لِفَسَادِ التَّحْرِيمَةِ، وَعَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فِي الثَّانِي. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي أَرْبَعًا لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِي الثَّانِي، وَإِفْسَادِ الْأَدَاءِ فِيهِمَا بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ. (قَوْلُهُ لَا غَيْرُ) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَإِحْدَى الثَّانِي. وَيَحْتَمِلُ كَوْنَهُ قَيْدًا لِهَذِهِ الصُّوَرِ: أَيْ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ لَا فِي غَيْرِهَا مِمَّا سَيَأْتِي. وَيَحْتَمِلُ كَوْنَهُ قَيْدَ الرَّكْعَتَيْنِ أَيْ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ لَا غَيْرُ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلُّزُومِ قَضَاءِ رَكْعَتَيْنِ لَا غَيْرُ وَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ بِالْإِشَارَةِ إلَى أَصْلِهِ فِيهَا، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا بَطَلَ الشَّفْعُ الْأَوَّلُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ أَصْلًا لَا يَصِحُّ بِنَاءُ الشَّفْعِ الثَّانِي عَلَيْهِ لِفَسَادِ التَّحْرِيمَةِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْطُلْ الْأَوَّلُ يَصِحُّ بِنَاءُ الثَّانِي عَلَيْهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ أَوْ فِي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ مُفْسِدٌ لِلْأَدَاءِ وَمُوجِبٌ لِلْقَضَاءِ، فَأَفَادَ بِمَنْطُوقِ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَجْهَ قَضَاءِ رَكْعَتَيْنِ لَا غَيْرُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي شَفْعَيْهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ تَرَكَهَا فِي الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ أَوْ الْأَوَّلِ وَإِحْدَى الثَّانِي لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 فَهَذِهِ تِسْعُ صُوَرٍ لِلُّزُومِ رَكْعَتَيْنِ (وَ) قَضَى (أَرْبَعًا) فِي سِتِّ صُوَرٍ (لَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي إحْدَى كُلِّ شَفْعٍ أَوْ فِي الثَّانِي وَإِحْدَى الْأَوَّلِ) وَبِصُورَةِ الْقِرَاءَةِ فِي الْكُلِّ تَبْلُغُ سِتَّةَ عَشَرَ،   [رد المحتار] الصُّوَرِ كُلِّهَا قَدْ أَفْسَدَ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ أَصْلًا فَبَطَلَتْ التَّحْرِيمَةُ وَلَمْ يَصِحَّ بِنَاءُ الشَّفْعِ الثَّانِي عَلَيْهِ، وَحَيْثُ لَمْ يَصِحَّ بِنَاؤُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهُ، بَلْ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْأَوَّلِ لَا غَيْرُ. وَأَفَادَ بِمَفْهُومِ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَجْهَ قَضَاءِ رَكْعَتَيْنِ لَا غَيْرُ فِي بَاقِي الصُّوَرِ، وَهِيَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ الثَّانِي أَوْ إحْدَى الثَّانِي أَوْ إحْدَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَمْ يَبْطُلْ الشَّفْعُ الْأَوَّلُ عِنْدَ الْإِمَامِ فَبَقِيَتْ التَّحْرِيمَةُ وَصَحَّ شُرُوعُهُ فِي الثَّانِي، لَكِنَّهُ لَمَّا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِيهِ أَوْ فِي رَكْعَةٍ مِنْهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ فَقَطْ، وَلَمَّا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي رَكْعَةٍ مِنْ الْأَوَّلِ فَقَطْ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ فَقَطْ لِصِحَّةِ بِنَاءِ الثَّانِي وَصِحَّةِ أَدَائِهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ فَهَذِهِ تِسْعُ صُوَرٍ) لِأَنَّ الْمَذْكُورَ صَرِيحًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ سِتٌّ، وَلَكِنَّ لَفْظَ إحْدَى فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ يَصْدُقُ عَلَى الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّفْعِ أَوْ الثَّانِيَةِ فَتَزِيدُ ثَلَاثُ صُوَرٍ أُخْرَى. (قَوْلُهُ لَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي إحْدَى كُلِّ شَفْعٍ) أَيْ فِي رَكْعَتَيْنِ مِنْ شَفْعَيْنِ كُلُّ رَكْعَةٍ مِنْ شَفْعٍ بِأَنْ تَرَكَهَا فِي الْأُولَى مَعَ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ، أَوْ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ، فَهَذِهِ أَرْبَعٌ، وَقَوْلُهُ وَإِحْدَى الْأَوَّلِ فِيهِ صُورَتَانِ لِأَنَّ هَذِهِ الْوَاحِدَةَ إمَّا أُولَاهُ أَوْ ثَانِيَتُهُ، فَفِي هَذِهِ السِّتِّ يَقْضِي أَرْبَعًا عِنْدَهُمَا، وَرَكْعَتَيْنِ فَقَطْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ الْمَارِّ مِنْ فَسَادِ التَّحْرِيمَةِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ؛ وَفِي هَذِهِ السِّتِّ قَدْ وُجِدَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي مِنْهَا؛ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا تَفْسُدُ التَّحْرِيمَةُ بِذَلِكَ فَصَحَّ الشُّرُوعُ، فَلَزِمَ قَضَاءُ كُلٍّ مِنْ الشَّفْعَيْنِ لِإِفْسَادِ أَدَائِهِمَا، وَكَوْنُ الْوَاجِبِ قَضَاءً أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُوَافِقٌ لِأَصْلِهِ الْمَارِّ، لَكِنْ أَنْكَرَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى مُحَمَّدٍ رِوَايَةَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ: رَوَيْت لَك عَنْهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ رِوَايَةِ ذَلِكَ عَنْهُ، وَنَسَبَ أَبَا يُوسُفَ إلَى النِّسْيَانِ. وَمَا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَاعْتَمَدَهُ الْمَشَايِخُ، وَهَذِهِ إحْدَى مَسَائِلَ سِتٍّ رَوَاهَا مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَنْكَرَهَا أَبُو يُوسُفَ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَبِصُورَةِ الْقِرَاءَةِ فِي الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الرَّكَعَاتِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرُوهَا لِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ، وَالْكَلَامُ فِيمَا يَلْزَمُ قَضَاؤُهُ لِلْفَسَادِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ، لَكِنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ هِيَ تَتِمَّةُ الْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَرَأَ فِي الْأَرْبَعِ أَوْ تَرَكَ فِي الْأَرْبَعِ أَوْ فِي ثَلَاثٍ، وَتَحْتَهُ أَرْبَعُ صُوَرٍ فَهَذِهِ سِتٌّ؛ أَوْ تَرَكَ فِي رَكْعَتَيْنِ أَيْ فِي الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ أَوْ مَعَ الثَّالِثَةِ أَوْ مَعَ الرَّابِعَةِ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ الثَّالِثَةِ أَوْ مَعَ الرَّابِعَةِ، أَوْ فِي الثَّالِثَةِ مَعَ الرَّابِعَةِ، فَهَذِهِ سِتٌّ أَيْضًا، أَوْ تَرَكَ فِي وَاحِدَةٍ فَقَطْ وَتَحْتَهُ أَرْبَعٌ، فَهَذِهِ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً. وَقَدْ رَسَمْتهَا فِي جَدْوَلٍ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ مُشِيرًا إلَى الْقِرَاءَةِ بِالْقَافِ، وَإِلَى عَدَمِهَا بِلَا، وَإِلَى عَدَدِ مَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ فِي جَانِبِ كُلِّ صُورَةٍ بِالْعَدَدِ الْهِنْدِيِّ عَلَى مَذَاهِبِ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ بِالتَّرْتِيبِ عَلَى أُصُولِهِمْ الْمَارَّةِ، فَإِنْ كُنْت أَتْقَنْتهَا يَسْهُلْ عَلَيْك اسْتِخْرَاجُهَا، وَصُورَتُهُ هَكَذَا: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 لَكِنْ بَقِيَ مَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ، أَوْ قَعَدَ وَلَمْ يَقُمْ لِثَالِثَةٍ، أَوْ قَامَ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِسَجْدَةٍ أَوْ قَيَّدَهَا فَتَنَبَّهْ وَمَيَّزَ الْمُتَدَاخِلَ وَحُكْمُ مُؤْتَمٍّ وَلَوْ فِي تَشَهُّدٍ كَإِمَامٍ. (وَلَا قَضَاءَ لَوْ) نَوَى أَرْبَعًا وَ (قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ نَقَضَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِي الثَّانِي (أَوْ شَرَعَ) فِي فَرْضٍ (ظَانًّا أَنَّهُ عَلَيْهِ) فَذَكَرَ أَدَاءَهُ انْقَلَبَ نَفْلًا   [رد المحتار] قَوْلُهُ لَكِنْ بَقِيَ مَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ) صُورَتُهَا قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَلَمْ يَقْعُدْ الْقَعْدَةَ الْأُولَى وَأَفْسَدَ الْأُخْرَيَيْنِ. وَحُكْمُهَا أَنَّهُ يَقْضِي أَرْبَعًا إجْمَاعًا، كَذَا فِي النَّهْرِ. وَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَرَّتَيْنِ: الْأُولَى قَوْلُهُ أَيْ وَتَشَهَّدَ لِلْأَوَّلِ وَإِلَّا يَفْسُدْ الْكُلُّ. الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ أَوْ تَرَكَ قُعُودَ أَوَّلَ ح. قُلْت: وَالْمُرَادُ إفْسَادُ الْأُخْرَيَيْنِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ مَا مَرَّ مِنْ قَضَاءِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعٍ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْعُدْ يَسْرِي فَسَادُ الشَّفْعِ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ أَوْ قَعَدَ وَلَمْ يَقُمْ لِثَالِثَةٍ) صُورَتُهَا: تَرَكَ الْقِرَاءَةَ وَقَعَدَ وَلَمْ يَقُمْ. وَحُكْمُهَا أَنَّهُ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ، كَذَا فِي النَّهْرِ ح. (قَوْلُهُ أَوْ قَامَ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِسَجْدَةٍ) صُورَتُهَا: تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ قَامَ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ ثُمَّ أَفْسَدَهَا قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ الثَّالِثَةَ بِسَجْدَةٍ، فَحُكْمُهَا أَنَّهُ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَرْبَعًا كَذَا فِي النَّهْرِ، وَمِثْلُهُ مَا إذَا أَفْسَدَهَا بَعْدَ التَّقَيُّدِ بِسَجْدَةٍ ح. أَقُولُ: وَمَا نَقَلَهُ ح فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَنْ النَّهْرِ مَوْجُودٌ فِيهِ وَكَأَنَّهُ سَاقِطٌ مِنْ نُسْخَةِ ط. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اسْتِدْرَاكَ الشَّارِحِ بِذِكْرِ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ لَا مَحَلَّ لَهُ هُنَا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي إفْسَادِ أَحَدِ الشَّفْعَيْنِ مِنْ الرَّبَاعِيَةِ أَوْ كُلٍّ مِنْهُمَا يَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ، أَمَّا إفْسَادُهُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَبْلُ بِقَوْلِهِ وَقَضَى رَكْعَتَيْنِ لَوْ نَوَى أَرْبَعًا إلَخْ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ هُنَاكَ، وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ دَاخِلَتَانِ فِيهِ، فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَتَنَبَّهْ) لَعَلَّهُ أَمَرَ بِالتَّنَبُّهِ إشَارَةً إلَى مَا قَرَّرْنَاهُ. (قَوْلُهُ وَمَيَّزَ الْمُتَدَاخِلَ) الْمُرَادُ بِهِ مَا اخْتَلَفَتْ صُورَتُهُ وَاتَّحَدَ حُكْمُهُ وَهِيَ عِبَارَةُ الْعِنَايَةِ، حَيْثُ جَعَلَ سَبْعًا مِنْ الصُّوَرِ دَاخِلَةً فِي الثَّمَانِيَةِ الْبَاقِيَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَتْنِ ثَمَانِيَةُ صُوَرٍ، سِتٌّ يَلْزَمُ فِيهَا رَكْعَتَانِ، وَاثْنَتَانِ يَلْزَمُ فِيهِمَا أَرْبَعٌ، لَكِنَّ السِّتَّ الْأُولَى تِسْعٌ فِي التَّفْصِيلِ وَالِاثْنَتَانِ سِتٌّ، فَهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَحُكْمُ مُؤْتَمٍّ إلَخْ) صُورَتُهُ: رَجُلٌ اقْتَدَى مُتَنَفِّلًا بِمُتَنَفِّلٍ فِي رُبَاعِيٍّ فَقَرَأَ الْإِمَامُ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ فَكَمَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ كَذَلِكَ يَلْزَمُ الْمُؤْتَمَّ وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي التَّشَهُّدِ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ ح. (قَوْلُهُ وَقَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ) أَيْ وَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ (قَوْلُهُ أَوْ شَرَعَ ظَانًّا إلَخْ) تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ سَابِقًا شَرَعَ فِيهِ قَصْدًا كَمَا أَفَادَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 غَيْرَ مَضْمُونٍ لِأَنَّهُ شَرَعَ مُسْقِطًا لَا مُلْتَزِمًا (أَوْ) صَلَّى أَرْبَعًا فَأَكْثَرَ وَ (لَمْ يَقْعُدْ بَيْنَهُمَا) اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ بِقِيَامِهِ جَعَلَهَا صَلَاةً وَاحِدَةً فَتَبْقَى وَاجِبَةً وَالْخَاتِمَةُ هِيَ الْفَرِيضَةُ. وَفِي التَّشْرِيحِ: صَلَّى أَلْفَ رَكْعَةٍ وَلَمْ يَقْعُدْ إلَّا فِي آخِرِهَا صَحَّ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَلَا يُثْنِي وَلَا يَتَعَوَّذُ فَلْيُحْفَظْ (وَيَتَنَفَّلُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ قَاعِدًا) لَا مُضْطَجِعًا إلَّا بِعُذْرٍ (ابْتِدَاءً وَ) كَذَا (بِنَاءً) بَعْدَ الشُّرُوعِ بِلَا كَرَاهَةٍ   [رد المحتار] الْمُصَنِّفُ ط (قَوْلُهُ غَيْرَ مَضْمُونٍ) أَيْ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ لَوْ أَفْسَدَهُ فِي الْحَالِ، أَمَّا لَوْ اخْتَارَ الْمُضِيَّ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ اقْتَدَى بِهِ فِيهِ مُتَطَوِّعًا كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِيهِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ شَرَعَ مُسْقِطًا إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ فَرْضًا يَشْرَعُ فِيهِ لِإِسْقَاطِ مَا فِي ذِمَّتِهِ لَا لِإِلْزَامِ نَفْسِهِ بِصَلَاةٍ أُخْرَى، فَإِذَا انْقَلَبَتْ صَلَاتُهُ نَفْلًا بِتَذَكُّرِ الْأَدَاءِ كَانَتْ صَلَاةً لَمْ يَلْتَزِمْهَا فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا لَوْ أَفْسَدَهَا. (قَوْلُهُ أَوْ صَلَّى أَرْبَعًا) أَيْ وَقَرَأَ فِي الْكُلِّ ح. (قَوْلُهُ فَأَكْثَرَ) هَذَا خِلَافُ الْأَصَحِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَالْخُلَاصَةِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَوْ صَلَّى التَّطَوُّعَ ثَلَاثًا وَلَمْ يَقْعُدْ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَفْسُدُ؛ وَلَوْ سِتًّا أَوْ ثَمَانِيًا بِقَعْدَةٍ وَاحِدَةٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَفْسُدُ اسْتِحْسَانًا وَقِيَاسًا اهـ لَكِنْ صَحَّحُوا فِي التَّرَاوِيحِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا كُلَّهَا بِقَعْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَتَسْلِيمَةٍ أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ رَكْعَتَيْنِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ فَسَادُ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ شَفْعٍ صَلَاةٌ فَتَكُونُ الْقَعْدَةُ فِيهِ فَرْضًا. (قَوْلُهُ فَتَبْقَى وَاجِبَةً إلَخْ) أَيْ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْفَرْضِ الرُّبَاعِيِّ، فَإِنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى فِيهِ وَاجِبَةٌ لَا يَبْطُلُ بِتَرْكِهَا وَالْفَرِيضَةُ الَّتِي يَبْطُلُ بِتَرْكِهَا إنَّمَا هِيَ الْأَخِيرَةُ. (قَوْلُهُ وَفِي التَّشْرِيحِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ التَّرْشِيحُ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ عَلَى الشَّيْنِ، وَفِي بَعْضِهَا التَّوْشِيحُ بِالْوَاوِ بَدَلَ الرَّاءِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ: اسْمُ كِتَابِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلسِّرَاجِ الْهِنْدِيِّ. (قَوْلُهُ صَحَّ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) لِأَنَّهُ يَقُولُ بِفَسَادِ الشَّفْعِ بِتَرْكِ قَعْدَتِهِ كَمَا هُوَ الْقِيَاسُ وَقَدْ مَرَّ، لَكِنَّ قَوْلَهُ صَحَّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ كَالْأَرْبَعِ فِي جَرَيَانِ الِاسْتِحْسَانِ فِيهِ وَهُوَ قَوْلٌ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَقَدْ عَلِمْت اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ) سَوَاءً تَرَكَ الْقَعْدَةَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، نَعَمْ فِي الْعَمْدِ يُسَمَّى سُجُودَ عُذْرٍ ح عَنْ النَّهْرِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ السُّجُودِ فِي الْعَمْدِ ط. (قَوْلُهُ وَلَا يُسَمِّي وَلَا يَتَعَوَّذُ) لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ إلَّا فِي ابْتِدَاءِ صَلَاةٍ، وَالشَّفْعُ لَا يَكُونُ صَلَاةً عَلَى حِدَةٍ إلَّا إذَا قَعَدَ لِلْأَوَّلِ، فَلَمَّا لَمْ يَقْعُدْ جَعَلَ الْكُلَّ صَلَاةً وَاحِدَةً ح. (قَوْلُهُ وَيَتَنَفَّلُ إلَخْ) أَيْ فِي غَيْرِ سُنَّةِ الْفَجْرِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، بِخِلَافِ سُنَّةِ التَّرَاوِيحِ لِأَنَّهَا دُونَهَا فِي التَّأَكُّدِ، فَتَصِحُّ قَاعِدًا وَإِنْ خَالَفَ الْمُتَوَارَثَ وَعَمَلَ السَّلَفِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَدَخَلَ فِيهِ النَّفَلُ الْمَنْذُورُ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْقِيَامِ لَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ فِي الصَّحِيحِ، كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ الْجَوَابِ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ وَاخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ قَاعِدًا) أَيْ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ كَانَتْ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ لَا مُضْطَجِعًا) وَكَذَا لَوْ شَرَعَ مُنْحَنِيًا قَرِيبًا مِنْ الرُّكُوعِ لَا يَصِحُّ بَحْرٌ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ التَّنَفُّلِ مُضْطَجِعًا عِنْدَنَا بِدُونِ عُذْرٍ، نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَكْمَلِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَشَارِقِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي النُّتَفِ. وَقَالَ الْكَمَالُ فِي الْفَتْحِ: لَا أَعْلَمُ الْجَوَازَ فِي مَذْهَبِنَا، وَإِنَّمَا يَسُوغُ فِي الْفَرْضِ حَالَةَ الْعَجْزِ عَنْ الْقُعُودِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْإِمْدَادِ أَنَّ فِي الْمِعْرَاجِ إشَارَةً إلَى أَنَّ فِي الْجَوَازِ خِلَافًا عِنْدَنَا كَمَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. (قَوْلُهُ ابْتِدَاءً وَبِنَاءً) مَنْصُوبَانِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ الزَّمَانِيَّةِ لِنِيَابَتِهِمَا عَنْ الْوَقْتِ: أَيْ وَقْتَ ابْتِدَاءٍ وَوَقْتَ بِنَاءٍ ط. (قَوْلُهُ وَكَذَا بِنَاءً إلَخْ) فَصَّلَهُ بِكَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ خِلَافِ الصَّاحِبَيْنِ. قَالَ فِي الْخَزَائِنِ: وَمَعْنَى الْبِنَاءِ أَنْ يَشْرَعَ قَائِمًا ثُمَّ يَقْعُدَ فِي الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ بِلَا عُذْرٍ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لَهُمَا. وَهَلْ يُكْرَهُ عِنْدَهُ؟ الْأَصَحُّ لَا. وَأَمَّا الْقُعُودُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي فَيَنْبَغِي جَوَازُهُ اتِّفَاقًا كَمَا لَوْ شَرَعَ قَاعِدًا ثُمَّ قَامَ، كَذَا قَالَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 فِي الْأَصَحِّ كَعَكْسِهِ بَحْرٌ. وَفِيهِ أَجْرُ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النِّصْفِ إلَّا بِعُذْرٍ (وَلَا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةٍ) مَفْرُوضَةٍ (مِثْلَهَا) فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ فِي الْجَمَاعَةِ أَوْ لَا تُعَادُ عِنْدَ تَوَهُّمِ الْفَسَادِ لِلنَّهْيِ. وَمَا نُقِلَ أَنَّ الْإِمَامَ قَضَى صَلَاةَ عُمُرِهِ، فَإِنْ صَحَّ نَقُولُ كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْوِتْرَ أَرْبَعًا بِثَلَاثِ قَعَدَاتٍ   [رد المحتار] الْحَلَبِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ وَكَتَبَ عِنْدَ قَوْلِهِ الْأَصَحُّ لَا فِي هَامِشِهِ: فِيهِ رَدٌّ عَلَى الدُّرَرِ وَالْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَغَيْرِهَا، حَيْثُ جَزَمُوا بِالْكَرَاهَةِ. (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ بِلَا كَرَاهَةٍ كَمَا عَلِمْته فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ كَعَكْسِهِ) وَهُوَ مَا لَوْ شَرَعَ قَاعِدًا ثُمَّ قَامَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَهُوَ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّهُ «كَانَ يَفْتَتِحُ التَّطَوُّعَ قَاعِدًا فَيَقْرَأُ وِرْدَهُ حَتَّى إذَا بَقِيَ عَشْرُ آيَاتٍ وَنَحْوُهَا قَامَ» إلَخْ، وَهَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ. وَفِي التَّجْنِيسِ: الْأَفْضَلُ أَنْ يَقُومَ فَيَقْرَأَ شَيْئًا ثُمَّ يَرْكَعَ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ؛ وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ وَلَكِنَّهُ اسْتَوَى قَائِمًا ثُمَّ رَكَعَ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَوِ قَائِمًا وَرَكَعَ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ رُكُوعًا قَائِمًا وَلَا رُكُوعًا قَاعِدًا. اهـ. بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ) أَيْ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ أَجْرُ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَمَّا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّ نَافِلَتَهُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ كَنَافِلَتِهِ قَائِمًا؛ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قُلْت: حُدِّثْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّك قُلْت: صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلَاةِ وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا، قَالَ: أَجَلْ، وَلَكِنِّي لَسْت كَأَحَدٍ مِنْكُمْ» بَحْرٌ مُلَخَّصًا: أَيْ لِأَنَّهُ تَشْرِيعٌ لِبَيَانِ الْجَوَازِ؛ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ عَلَى النِّصْفِ إلَّا بِعُذْرٍ) أَمَّا مَعَ الْعُذْرِ فَلَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ عَنْ ثَوَابِهِ قَائِمًا لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» فَتْحٌ. وَحَكَى فِي النِّهَايَةِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ. وَتَعَقَّبَهُ فِي الْبَحْرِ بِحِكَايَةِ النَّوَوِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ عَلَى النِّصْفِ مَعَ الْعُذْرِ أَيْضًا ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّ إيمَاءَ الْعَاجِزِ أَفْضَلُ مِنْ، صَلَاةِ الْقَائِمِ لِأَنَّهُ جُهْدُ الْمُقِلِّ. قَالَ: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، بَلْ الظَّاهِرُ الْمُسَاوَاةُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ. اهـ. لَكِنْ ذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ مَا فِي الْمُجْتَبَى، ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ فِي الْكَشْفِ أَنَّهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَعِينٍ النَّسَفِيُّ: جَمِيعُ عِبَادَاتِ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ كَالْمُومِي وَغَيْرِهِ تَقُومُ مَقَامَ الْعِبَادَاتِ الْكَامِلَةِ فِي حَقِّ إزَالَةِ الْمَأْثَمِ لَا فِي حَقِّ إحْرَازِ الْفَضِيلَةِ. اهـ. أَقُولُ: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْبَعْضِ الْمَارِّ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» فَإِنَّ الْعُمُومَ " مَنْ " يَدْخُلُ فِيهِ الْعَاجِزُ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ نَائِمًا لَا تَصِحُّ عِنْدَنَا بِلَا عُذْرٍ وَقَدْ جَعَلَ لَهُ نِصْفَ أَجْرِ الْقَاعِدِ، وَفِي هَذَا الْمَقَامِ زِيَادَةُ كَلَامٍ يُطْلَبُ مِمَّا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَا يُصَلِّي إلَخْ) هَذَا اللَّفْظُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُحَمَّدٌ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنَّا فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْقِرَاءَةِ إلَخْ) لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ غَيْرَ مُرَادٍ إجْمَاعًا لِأَنَّ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يُصَلَّيَانِ بَعْدَ سُنَّتِهِمَا وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ؛ فَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَرَادَ لَا يُصَلِّيَ بَعْدَ الظُّهْرِ نَافِلَةً رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا بِقِرَاءَةٍ وَرَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لِتَكُونَ مِثْلَ الْفَرْضِ. وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: لَوْ حُمِلَ عَلَى تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ لَهُ أَهْلٌ أَوْ عَلَى قَضَاءِ الصَّلَاةِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الْفَسَادِ لَكَانَ صَحِيحًا نَهْرٌ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ. ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ تَكْرَارَ الصَّلَاةِ إنْ كَانَ مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى هَيْئَتِهِ الْأُولَى فَمَكْرُوهٌ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ فِيهِ بَعْدَ الْفَرْضِ فَمَكْرُوهٌ كَمَا بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ؛ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ لِخَلَلٍ فِي الْمُؤَدَّى فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَلَلُ مُحَقَّقًا إمَّا بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ بِارْتِكَابِ مَكْرُوهٍ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ بَلْ وَاجِبٌ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَالَ إنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَلَلُ غَيْرَ مُحَقَّقٍ بَلْ نَشَأَ مِنْ وَسْوَسَةٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ. اهـ. (قَوْلُهُ لِلنَّهْيِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَلَا يُصَلِّي إلَخْ، وَالنَّهْيُ هُوَ لَفْظُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ وَمَا نُقِلَ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ وَارِدٍ عَلَى الْوَجْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 (وَيَقْعُدُ) فِي كُلِّ نَفْلِهِ (كَمَا فِي التَّشَهُّدِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَ) . (وَ) يَتَنَفَّلُ الْمُقِيمُ (رَاكِبًا خَارِجَ الْمِصْرِ) مَحَلَّ الْقَصْرِ   [رد المحتار] الثَّالِثِ، فَإِنَّ هَذَا الْمَنْقُولَ يُنَافِي حَمْلَ النَّهْيِ عَلَيْهِ، إذْ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَا صَلَّاهُ الْإِمَامُ أَوَّلًا مُشْتَمِلًا عَلَى خَلَلٍ مُحَقَّقٍ مِنْ مَكْرُوهٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَعَادَ مَا صَلَّاهُ لِمُجَرَّدِ الِاحْتِيَاطِ وَتَوَهُّمِ الْفَسَادِ، فَيُنَافِي حَمْلَ النَّهْيِ فِي مَذْهَبِهِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ. وَالْجَوَابُ أَوَّلًا أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ نَقْلُ ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ، وَثَانِيًا أَنَّهُ لَوْ صَحَّ نَقُولُ إنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْوِتْرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِثَلَاثِ قَعَدَاتٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ مَآلِ الْفَتَاوَى: أَيْ وَيَكُونُ حِينَئِذٍ إعَادَةُ الصَّلَاةِ لِمُجَرَّدِ تَوَهُّمِ الْفَسَادِ غَيْرَ مَكْرُوهٍ، وَيَكُونُ النَّهْيُ مَحْمُولًا عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ عَلَى هَذَا مُحْتَمِلَةً لِوُقُوعِهَا نَفْلًا وَالتَّنَفُّلُ بِالثَّلَاثِ مَكْرُوهٌ نَقُولُ إنَّهُ كَانَ يَضُمُّ إلَى الْمَغْرِبِ وَالْوِتْرِ رَكْعَةً، فَعَلَى احْتِمَالِ صِحَّةِ مَا كَانَ صَلَّاهُ أَوَّلًا تَقَعُ هَذِهِ الصَّلَاةُ نَفْلًا، وَزِيَادَةُ الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ الثَّالِثَةِ لَا تُبْطِلُهَا، وَعَلَى احْتِمَالِ فَسَادِهِ تَقَعُ هَذِهِ فَرْضًا مُقْتَضِيًا وَزِيَادَةُ رَكْعَةٍ عَلَيْهَا لَا تُبْطِلُهَا، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَا دَارَ بَيْنَ وُقُوعِهِ بِدْعَةً وَوَاجِبًا لَا يُتْرَكُ، بِخِلَافِ مَا دَارَ بَيْنَ وُقُوعِهِ سُنَّةً وَوَاجِبًا لَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الْجَوَابَ عَنْ الْإِيرَادِ هُوَ الْأَوَّلُ؛ وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ مُقَرِّرٌ لَهُ، لَكِنَّهُ لَا يُجْدِي لِعَدَمِ ثُبُوتِ صِحَّةِ النَّقْلِ، فَالْوَجْهُ حِينَئِذٍ كَرَاهَةُ الْقَضَاءِ لِتَوَهُّمِ الْفَسَادِ كَمَا قَالَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَوَّلِ، لَكِنْ رَأَيْتُ فِي فَصْلِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ هَذَا الْقَضَاءِ إلَّا بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ، وَقَدْ فَعَلَهُ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ لِشُبْهَةِ الْفَسَادِ اهـ وَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ. (قَوْلُهُ وَيَقْعُدُ فِي كُلِّ نَفْلِهِ إلَخْ) أَيْ لَا فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ فَقَطْ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ تَتِمَّةِ السَّابِقَةِ، فَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهَا قَبْلَ قَوْلِهِ وَلَا يُصَلِّي إلَخْ. (قَوْلُهُ كَمَا فِي التَّشَهُّدِ) أَيْ تَشَهُّدِ جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ عَلَى الْمُخْتَارِ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَرِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ الْقُعُودِ وَالتَّرَبُّعِ وَالِاحْتِبَاءِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. وَأَفَادَ فِي النَّهْرِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي تَعْيِينِ الْأَفْضَلِ وَأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي حُصُولِ الْجَوَازِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ. [تَنْبِيهٌ] قِيلَ ظَاهِرُ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ أَنَّهُ فِي حَالِ الْقِرَاءَةِ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ كَمَا فِي حَالِ التَّشَهُّدِ، لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي فَصْلِ إذَا أَرَادَ الشُّرُوعَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَوَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى يَسَارِهِ إلَخْ عَنْ مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْقِيَامِ مَا هُوَ الْأَعَمُّ لِأَنَّ الْقَاعِدَ يَفْعَلُ كَذَلِكَ: أَيْ يَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى يَسَارِهِ تَحْتَ سُرَّتِهِ. وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ مُلَّا عَلِيٍّ الْقَارِئِ عِنْدَ قَوْلِ النُّقَايَةِ فِي كُلِّ قِيَامٍ أَيْ حَقِيقِيٍّ أَوْ حُكْمِيٍّ كَمَا إذَا صَلَّى قَاعِدًا. مَطْلَبٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ (قَوْلُهُ وَيَتَنَفَّلُ الْمُقِيمُ رَاكِبًا إلَخْ) أَيْ بِلَا عُذْرٍ، أَطْلَقَ النَّفَلَ فَشَمِلَ السُّنَنَ الْمُؤَكَّدَةَ إلَّا سُنَّةَ الْفَجْرِ كَمَا مَرَّ، وَأَشَارَ بِذِكْرِ الْمُقِيمِ أَنَّ الْمُسَافِرَ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى؛ وَاحْتَرَزَ بِالنَّفْلِ عَنْ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ بِأَنْوَاعِهِ كَالْوِتْرِ وَالْمَنْذُورِ وَمَا لَزِمَ بِالشُّرُوعِ وَالْإِفْسَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةٍ تُلِيَتْ عَلَى الْأَرْضِ فَلَا يَجُوزُ عَلَى الدَّابَّةِ بِلَا عُذْرٍ لِعَدَمِ الْحَرَجِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ رَاكِبًا) فَلَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْمَاشِي بِالْإِجْمَاعِ بَحْرٌ عَنْ الْمُجْتَبَى. (قَوْلُهُ خَارِجَ الْمِصْرِ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي الْمِصْرِ، لَكِنْ بِكَرَاهَةٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ الْخُشُوعِ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ. (قَوْلُهُ مَحَلَّ الْقَصْرِ) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ خَارِجَ الْمِصْرِ. وَفَائِدَتُهُ شُمُولُ خَارِجَ الْقَرْيَةِ وَخَارِجَ الْأَخْبِيَةِ ح: أَيْ الْمَحَلِّ الَّذِي يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ قَصْرُ الصَّلَاةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 (مُومِئًا) فَلَوْ سَجَدَ اُعْتُبِرَ إيمَاءً لِأَنَّهَا إنَّمَا شُرِعَتْ بِالْإِيمَاءِ (إلَى أَيِّ جِهَةٍ تَوَجَّهَتْ دَابَّتُهُ) وَلَوْ ابْتِدَاءً عِنْدَنَا أَوْ عَلَى سَرْجِهِ نَجَسٌ كَثِيرٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَلَوْ سَيَّرَهَا بِعَمَلٍ قَلِيلٍ لَا بَأْسَ بِهِ (وَلَوْ افْتَتَحَ) النَّفَلَ (رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ بَنَى، وَفِي عَكْسِهِ لَا) لِأَنَّ الْأَوَّلَ أُدِّيَ أَكْمَلَ مِمَّا وَجَبَ وَالثَّانِي بِعَكْسِهِ (وَلَوْ افْتَتَحَهَا خَارِجَ الْمِصْرِ ثُمَّ دَخَلَ الْمِصْرَ أَتَمَّ عَلَى الدَّابَّةِ) بِإِيمَاءٍ (وَقِيلَ لَا) بَلْ يَنْزِلُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ قَالَهُ الْحَلَبِيُّ، وَقِيلَ يُتِمُّ رَاكِبًا مَا لَمْ يَبْلُغْ مَنْزِلَهُ قُهُسْتَانِيٌّ وَيَبْنِي قَائِمًا إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ قَاعِدًا؛ وَلَوْ رَكِبَ تَفْسُدُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ بِخِلَافِ النُّزُولِ   [رد المحتار] فِيهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ بَحْرٌ. وَقِيلَ إذَا جَاوَزَ مِيلًا، وَقِيلَ فَرْسَخَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ مُومِئًا) بِالْهَمْزِ فِي آخِرِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْيَاءِ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ تَقُولُ: أَوْمَأْت إلَيْهِ لَا أَوْمَيْت، وَقَدْ تَقُولُ الْعَرَبُ: أُومِي بِتَرْكِ الْهَمْزَةِ. (قَوْلُهُ فَلَوْ سَجَدَ) أَيْ عَلَى شَيْءٍ وَضَعَهُ عِنْدَهُ أَوْ عَلَى السَّرْجِ اُعْتُبِرَ إيمَاءً بَعْدَ أَنْ يَكُونَ سُجُودُهُ أَخَفَضَ. (قَوْلُهُ إلَى أَيِّ جِهَةٍ تَوَجَّهَتْ دَابَّتُهُ) فَلَوْ صَلَّى إلَى غَيْرِ مَا تَوَجَّهَتْ بِهِ دَابَّتُهُ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ بَحْرٌ عَنْ السِّرَاجِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ ابْتِدَاءً عِنْدَنَا) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي الِابْتِدَاءِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ الصَّلَاةُ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْكَعْبَةِ جَازَ الِافْتِتَاحُ إلَى غَيْرِ جِهَتِهَا بَحْرٌ. وَاحْتَرَزَ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَإِنَّهُ يَقُولُ: يُشْتَرَطُ فِي الِابْتِدَاءِ أَنْ يُوَجِّهَهَا إلَى الْقِبْلَةِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة ح. قُلْت: وَذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ غَايَةِ السُّرُوجِيِّ أَنَّ هَذَا رِوَايَةَ ابْنِ الْمُبَارَكِ ذَكَرَهَا فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ سِيَاقِهِ الْأَحَادِيثَ أَنَّ الْأَشْبَهَ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْحَرَجِ عَمَلًا بِحَدِيثِ أَنَسٍ ثُمَّ قَالَ: عَلَى أَنَّ ابْنَ الْمُلَقِّنِ الشَّافِعِيَّ قَالَ: وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ يَفْتَتِحُ أَوَّلًا إلَى الْقِبْلَةِ اسْتِحْبَابًا ثُمَّ يُصَلِّي كَيْفَ شَاءَ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى سَرْجِهِ إلَخْ) مِثْلُهُ الرِّكَابُ وَالدَّابَّةُ لِلضَّرُورَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى إبْقَائِهَا، فَسَقَطَ مَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْمَنْعِ بِمَا عَلَيْهِ اهـ ط. قُلْت: وَعَلَيْهِ فَيَخْلَعُ النَّعْلَ النَّجِسَ. (قَوْلُهُ وَلَوْ سَيَّرَهَا إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: إذَا حَرَّكَ رِجْلَهُ أَوْ ضَرَبَ دَابَّتَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا. قُلْت: وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا مَا فِي الذَّخِيرَةِ: إنْ كَانَتْ تَنْسَاقُ بِنَفْسِهَا لَيْسَ لَهُ سَوْقُهَا وَإِلَّا فَلَوْ سَاقَهَا هَلْ تَفْسُدُ؟ قَالَ: إنْ كَانَ مَعَهُ سَوْطٌ فَهَيَّبَهَا بِهِ وَنَخَسَهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ نَزَلَ) أَيْ بِعَمَلٍ قَلِيلٍ، بِأَنْ ثَنَى رِجْلَهُ فَانْحَدَرَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَفِي عَكْسِهِ) بِأَنْ رُفِعَ فَوُضِعَ عَلَى الدَّابَّةِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إلَخْ) وَذَلِكَ لِأَنَّ إحْرَامَ الرَّاكِبِ انْعَقَدَ مُجَوِّزًا لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى النُّزُولِ، فَإِذَا أَتَى بِهِمَا صَحَّ، وَإِحْرَامُ النَّازِلِ انْعَقَدَ مُوجِبًا لَهُمَا فَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ مَا لَزِمَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ أَتَمَّ عَلَى الدَّابَّةِ) لِأَنَّهُ صَحَّ شُرُوعُهُ فِيهَا رَاكِبًا فَصَارَ كَمَا إذَا افْتَتَحَهَا ثُمَّ تَغَيَّرَتْ الشَّمْسُ فَإِنَّهُ يُتِمُّهَا هَكَذَا تَجْنِيسٌ. (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ) عَبَّرَ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ بِالْكَثِيرِ. وَذَكَرَ الرَّحْمَتِيُّ أَنَّ الْأَوَّلَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِمَا بِجَوَازِهَا فِي الْمِصْرِ. وَالثَّانِي عَلَى قَوْلِهِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فِي التَّجْنِيسِ فِي فَصْلِ الْقَهْقَهَةِ: وَلَوْ افْتَتَحَ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ خَارِجَ الْمِصْرِ رَاكِبًا ثُمَّ دَخَلَ الْمِصْرَ ثُمَّ قَهْقَهَ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا لِلِابْتِدَاءِ بِالِانْتِهَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَبْنِي قَائِمًا إلَخْ) أَيْ إذَا نَزَلَ فِي مَسْأَلَتَيْ الْمَتْنِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ رَكِبَ إلَخْ) أَعَادَ مَسْأَلَةَ الْمَتْنِ السَّابِقَةَ لِيَذْكُرَ لَهَا تَعْلِيلًا آخَرَ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ رَدَّهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، بِأَنَّهُ لَوْ رُفِعَ الْمُصَلِّي وَوُضِعَ عَلَى السَّرْجِ لَا يَبْنِي أَنَّ الْعَمَلَ لَمْ يُوجَدْ فَضْلًا عَنْ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ. اهـ. وَحَمَلَ الْمُحَشِّي كَلَامَ الشَّارِحِ عَلَى صُورَةِ مَا إذَا افْتَتَحَ رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ أَيْ فَإِنَّهُ إذَا رَكِبَ بَعْدَ ذَلِكَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الرُّكُوبَ عَمَلٌ كَثِيرٌ. قَالَ: فَعَلَى هَذَا لَوْ حَمَلَهُ شَخْصٌ وَوَضَعَهُ عَلَى الدَّابَّةِ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْعَمَلُ اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 (وَلَوْ صَلَّى عَلَى دَابَّةٍ فِي) شِقِّ (مَحْمَلٍ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى النُّزُولِ) بِنَفْسِهِ (لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا إذَا كَانَتْ وَاقِفَةً إلَّا أَنْ تَكُونَ عِيدَانُ الْمَحْمَلِ عَلَى الْأَرْضِ) بِأَنْ رَكَّزَ تَحْتَهُ خَشَبَةً (وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْعَجَلَةِ إنْ كَانَ طَرَفَ الْعَجَلَةِ عَلَى الدَّابَّةِ وَهِيَ تَسِيرُ أَوْ لَا) تَسِيرُ (فَهِيَ صَلَاةٌ عَلَى الدَّابَّةِ، فَتَجُوزُ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ) الْمَذْكُورِ فِي التَّيَمُّمِ (لَا فِي غَيْرِهَا) وَمِنْ الْعُذْرِ الْمَطَرُ، وَطِينٌ يَغِيبُ فِيهِ الْوَجْهُ وَذَهَابُ الرُّفَقَاءِ، وَدَابَّةٌ لَا تُرْكَبُ إلَّا بِعَنَاءٍ أَوْ بِمُعِينٍ وَلَوْ مُحْرِمًا لِأَنَّ قُدْرَةَ الْغَيْرِ لَا تُعْتَبَرُ   [رد المحتار] قُلْت: لَكِنَّ قَوْلَهُ لَا تَفْسُدُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ فَلْيُرَاجَعْ. وَأَيْضًا فَقَوْلُ الشَّارِحِ بِخِلَافِ النُّزُولِ لَا مَحَلَّ لَهُ عَلَى هَذَا الْحَمْلِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ صَلَّى عَلَى دَابَّةٍ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ عَلَى الدَّابَّةِ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْفَرَائِضِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا عَدَا النَّوَافِلَ مِنْ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ بِأَنْوَاعِهِ لَا يَصِحُّ عَلَى الدَّابَّةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ؛ كَخَوْفِ لِصٍّ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ دَابَّتِهِ أَوْ ثِيَابِهِ لَوْ نَزَلَ، وَخَوْفِ سَبُعٍ وَطِينٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَأْتِي؛ وَالصَّلَاةُ عَلَى الْمَحْمَلِ الَّذِي عَلَى الدَّابَّةِ كَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا فَيُومِئُ عَلَيْهَا بِشَرْطِ إيقَافِهَا جِهَةَ الْقِبْلَةِ إنْ أَمْكَنَهُ، وَإِلَّا فَبِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. وَإِذَا كَانَتْ تَسِيرُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا إذَا قَدَرَ عَلَى إيقَافِهَا وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ خَوْفُهُ مِنْ عَدُوٍّ يُصَلِّي كَيْفَ قَدَرَ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ وَغَيْرِهِ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إذَا قَدَرَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ خَانِيَّةٌ. وَاسْتُفِيدَ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْإِيمَاءِ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَلِذَا نَقَلَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْمُحِيطِ: لَا تَجُوزُ عَلَى الْجَمَلِ الْوَاقِفِ أَوْ الْبَارِكِ وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْخَوْفِ فِي الْمَفَازَةِ بِالْإِيمَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِنَفْسِهِ) احْتِرَازًا عَمَّا إذَا لَمْ يَقْدِرْ إلَّا بِمُعِينٍ لِأَنَّ قُدْرَةَ الْغَيْرِ لَا تُعْتَبَرُ كَمَا سَيَأْتِي، لَكِنْ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْمُجْتَبَى: وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ النُّزُولِ عَنْ دَابَّتِهِ أَوْ الْوُضُوءِ إلَّا بِالْإِعَانَةِ وَلَهُ خَادِمٌ يَمْلِكُ مَنَافِعَهُ يَلْزَمُهُ فِي قَوْلِهِمَا. وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ نَظَرٌ. وَالْأَصَحُّ اللُّزُومُ فِي الْأَجْنَبِيِّ الَّذِي يُطِيعُهُ كَالْمَاءِ الَّذِي يَعْرِضُ لِلْوُضُوءِ اهـ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ فِيهِ. (قَوْلُهُ إذَا كَانَتْ وَاقِفَةً) وَكَذَا لَوْ سَائِرَةً بِالْأَوْلَى، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ عِيدَانُ الْمَحْمَلِ إلَخْ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ ط (قَوْلُهُ عِيدَانُ الْمَحْمَلِ) أَيْ أَرْجُلُهُ الَّتِي كَأَرْجُلِ السَّرِيرِ. (قَوْلُهُ بِأَنْ رَكَّزَ تَحْتَهُ خَشَبَةً) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْكَافِ فَإِنَّهُ تَنْظِيرٌ لَا تَصْوِيرٌ ط وَهَذَا لَوْ بِحَيْثُ يَبْقَى قَرَارُ الْمَحْمَلِ عَلَى الْأَرْضِ لَا عَلَى الدَّابَّةِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ زَيْلَعِيٌّ، فَتَصِحُّ الْفَرِيضَةُ فِيهِ قَائِمًا كَمَا فِي نُورِ الْإِيضَاحِ. (قَوْلُهُ عَلَى الْعَجَلَةِ) هِيَ مَا يُؤَلَّفُ مِثْلُ الْمِحَفَّةِ يُحْمَلُ عَلَيْهَا الْأَثْقَالُ مُغْرِبٌ. (قَوْلُهُ أَوْ لَا تَسِيرُ) كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْخَانِيَّةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ فَهِيَ صَلَاةٌ عَلَى الدَّابَّةِ) أَمَّا إذَا كَانَتْ تَسِيرُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تَسِيرُ وَكَانَتْ عَلَى الْأَرْضِ وَطَرَفُهَا عَلَى الدَّابَّةِ فَمُشْكِلٌ، لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمَحْمَلِ إذَا رَكَّزَ تَحْتَهُ خَشَبَةً، فَتَكُونُ كَالْأَرْضِ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهَا إذَا كَانَ أَحَدُ طَرَفَيْهَا عَلَى الْأَرْضِ وَالْآخَرُ عَلَى الدَّابَّةِ لَمْ يَصِرْ قَرَارُهَا عَلَى الْأَرْضِ فَقَطْ بَلْ عَلَيْهَا وَعَلَى الدَّابَّةِ، بِخِلَافِ الْمَحْمَلِ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ قَرَارُهُ عَلَى الْأَرْضِ فَقَطْ بِوَاسِطَةِ الْخَشَبَةِ لَا عَلَى الدَّابَّةِ تَأَمَّلْ وَسَيَأْتِي مَا لَوْ كَانَ كُلُّهَا عَلَى الْأَرْضِ. (قَوْلُهُ الْمَذْكُورُ فِي التَّيَمُّمِ) بِأَنْ يَخَافَ عَلَى مَالِهِ أَوْ نَفْسِهِ، أَوْ تَخَافَ الْمَرْأَةُ مِنْ فَاسِقٍ ط (قَوْلُهُ لَا فِي غَيْرِهَا) أَيْ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْعُذْرِ ح (قَوْلُهُ وَطِينٌ يَغِيبُ فِيهِ الْوَجْهُ) أَيْ أَوْ يُلَطِّخُهُ أَوْ يُتْلِفُ مَا يُبْسَطُ عَلَيْهِ، أَمَّا مُجَرَّدُ نَدَاوَةٍ فَلَا تُبِيحُ لَهُ ذَلِكَ، وَاَلَّذِي لَا دَابَّةَ لَهُ يُصَلِّي قَائِمًا فِي الطِّينِ بِالْإِيمَاءِ، كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ إمْدَادٌ. مَطْلَبٌ فِي الْقَادِرِ بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ قُدْرَةَ الْغَيْرِ لَا تُعْتَبَرُ) أَيْ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا تُعْتَبَرُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْكَافِي: وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ جَمُوحًا لَوْ نَزَلَ لَا يُمْكِنُهُ الرُّكُوبُ لَا بِمُعِينٍ، أَوْ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا لَوْ نَزَلَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْكَبَ وَلَا يَجِدُ مَنْ يُعِينُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 حَتَّى لَوْ كَانَ أُمَّهُ مَثَلًا فِي شِقَّيْ مَحْمَلٍ وَإِذَا نَزَلَ لَمْ تَقْدِرْ تَرْكَبُ وَحْدَهَا جَازَ لَهُ أَيْضًا كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ، فَلْيُحْفَظْ (إنْ لَمْ يَكُنْ طَرَفُ الْعَجَلَةِ عَلَى الدَّابَّةِ جَازَ) لَوْ وَاقِفَةً لِتَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّهَا كَالسَّرِيرِ   [رد المحتار] تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الدَّابَّةِ. اهـ. وَظَاهِرُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّهَا عَلَى قَوْلِهِ. وَظَاهِرُ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا عَلَى قَوْلِهِمَا إلَّا أَنْ يَرْجِعَ قَوْلُهُ وَلَا يَجِدَ مَنْ يُعِينُهُ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ فَيَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى قَوْلِهِمَا تَأَمَّلْ وَقَدَّمْنَا قَرِيبًا عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَهُ لُزُومُ النُّزُولِ لَوْ وَجَدَ أَجْنَبِيًّا يُطِيعُهُ فَهُوَ حِينَئِذٍ بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَيْضًا فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بِنَفْسِهِ لَوْ وَجَدَ مَنْ تَلْزَمُهُ طَاعَتُهُ كَعَبْدِهِ وَوَلَدِهِ وَأَجِيرِهِ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا غَيْرُهُ مِمَّنْ لَوْ اسْتَعَانَ بِهِ أَعَانَهُ كَزَوْجَتِهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ بِخِلَافِ الْعَاجِزِ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ أَوْ التَّحَوُّلِ عَنْ الْفِرَاشِ النَّجِسِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ عِنْدَهُ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهِ زِيَادَةُ الْمَرَضِ فِي إقَامَتِهِ وَتَحْوِيلِهِ لَا فِي الْوُضُوءِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ، فَرَاجِعْهُ مَعَ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ. وَعَلَى هَذَا فَلَا خِلَافَ فِي لُزُومِ النُّزُولِ عَنْ الدَّابَّةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْأَرْضِ لِمَنْ وَجَدَ مُعِينًا يُطِيعُهُ وَلَمْ يَكُنْ مَرِيضًا يَلْحَقُهُ بِنُزُولِهِ زِيَادَةُ مَرَضٍ. وَأَمَّا مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَمَلَ امْرَأَتَهُ إلَى الْقَرْيَةِ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الدَّابَّةِ إذَا كَانَتْ لَا تَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ اهـ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُنْزِلْهَا زَوْجُهَا، بِقَرِينَةِ مَا فِي الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَحْرَمٌ تَجُوزُ صَلَاتُهَا عَلَى الدَّابَّةِ إذَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى النُّزُولِ اهـ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي الْبَحْرِ مِنْ تَفْرِيعِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى قَوْلِهِ، وَمَا فِي الْمُنْيَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا لِكَوْنِهِ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَلِمُخَالَفَتِهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْعُذْرِ لَا عَلَى مَسْأَلَةِ الْقُدْرَةِ بِقُدْرَةِ الْغَيْرِ إلَّا بِتَكَلُّفٍ تَأَمَّلْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَعَتْ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ فِي سَفَرِ الْحَجِّ مَعَ أُمِّهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ حُكْمَهَا وَأَنَّهُ يَنْبَغِي الْجَوَازُ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَقَّبَهُ، وَكَتَبْت فِيمَا عَلَّقْته عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ بِخِلَافِهِ لِأَنَّ الرَّجُلَ هُنَا قَادِرٌ عَلَى النُّزُولِ وَالْعَجْزُ مِنْ الْمَرْأَةِ قَائِمٌ فِيهَا لَا فِيهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوبِ وَحْدَهَا يَلْزَمُ مِنْهُ سُقُوطُ الْمَحْمَلِ أَوْ عَقْرُ الدَّابَّةِ أَوْ مَوْتُ الْمَرْأَةِ، فَهُوَ عُذْرٌ رَاجِعٌ إلَيْهِ كَخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ. [تَنْبِيهٌ] بَقِيَ شَيْءٌ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، وَهُوَ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا عَجَزَ عَنْ النُّزُولِ عَنْ الدَّابَّةِ لِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمَارَّةِ وَكَانَ عَلَى رَجَاءِ زَوَالِ الْعُذْرِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ كَالْمُسَافِرِ مَعَ رَكْبِ الْحَاجِّ الشَّرِيفِ، هَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ مَثَلًا عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ الْمَحْمَلِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ إذَا خَافَ مِنْ النُّزُولِ، أَمْ يُؤَخِّرُ إلَى وَقْتِ نُزُولِ الْحُجَّاجِ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ إنَّمَا يُكَلَّفُ بِالْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ وَالشُّرُوعُ فِيهَا، وَلَيْسَ لِذَلِكَ وَقْتٌ خَاصٌّ، وَلِذَا جَازَ لَهُ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ يَرْجُو وُجُودَ الْمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِهِ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَدَّاهَا بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَ انْعِقَادِ سَبَبِهَا وَهُوَ مَا اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ اهـ وَمَسْأَلَتُنَا كَذَلِكَ، لَكِنْ رَأَيْت فِي الْقُنْيَةِ بِرَمْزِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ: رَاكِبُ السَّفِينَةِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا لِلسُّجُودِ لِلزَّحْمَةِ، وَلَوْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ تَقِلُّ الزَّحْمَةُ فَيَجِدُ مَوْضِعًا يُؤَخِّرُهَا وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَحْبُوسِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا نَظِيفًا اهـ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي التَّيَمُّمِ أَنَّ الْأَصَحَّ رُجُوعُ الْإِمَامِ إلَى قَوْلِهِمَا بِأَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُهَا بَلْ يَتَشَبَّهُ بِالْمُصَلِّينَ. وَرَأَيْت فِي تَيَمُّمِ الْحِلْيَةِ عَنْ الْمُبْتَغَى مُسَافِرٌ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْأَرْضِ لِنَجَاسَتِهَا وَقَدْ ابْتَلَّتْ الْأَرْضُ بِالْمَطَرِ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ إذَا خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ اهـ ثُمَّ قَالَ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْوَقْتِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الظَّاهِرُ الْجَوَازُ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْوَقْتِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ، نَعَمْ الْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ كَذَلِكَ إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ بِالتَّأْخِيرِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ اهـ وَهَذَا عَيْنُ مَا بَحَثْته أَوَّلًا فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ) كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ قَبْلَ بَيَانِ الْأَعْذَارِ. (قَوْلُهُ لَوْ وَاقِفَةً) كَذَا قَيَّدَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْعَجَلَةُ عَلَى الْأَرْضِ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى الدَّابَّةِ وَإِنَّمَا لَهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 (هَذَا) كُلُّهُ (فِي الْفَرْضِ) وَالْوَاجِبِ بِأَنْوَاعِهِ وَسُنَّةِ الْفَجْرِ بِشَرْطِ إيقَافِهَا لِلْقِبْلَةِ إنْ أَمْكَنَهُ، وَإِلَّا فَبِقَدْرِ الْإِمْكَانِ لِئَلَّا يَخْتَلِفَ بِسَيْرِهَا الْمَكَانُ (وَأَمَّا فِي النَّفْلِ فَتَجُوزُ عَلَى الْمَحْمَلِ وَالْعَجَلَةِ مُطْلَقًا) فُرَادَى لَا بِجَمَاعَةٍ إلَّا عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ. وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ نِيَّةِ فَرْضٍ وَنَفْلٍ وَلَوْ تَحِيَّةً (رَجَحَ الْفَرْضُ) لِقُوَّتِهِ. وَأَبْطَلَهَا مُحَمَّدٌ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ (وَلَوْ نَذَرَ رَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ طُهْرٍ لَزِمَاهُ بِهِ عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي يُوسُفَ.   [رد المحتار] حَبْلٌ مَثَلًا تَجُرُّهَا الدَّابَّةُ بِهِ تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ كَالسَّرِيرِ الْمَوْضُوعِ عَلَى الْأَرْضِ، وَمُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ سَائِرَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا بِلَا عُذْرٍ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّ جَرَّهَا بِالْحَبْلِ وَهِيَ عَلَى الْأَرْضِ لَا تَخْرُجُ بِهِ عَنْ كَوْنِهَا عَلَى الْأَرْضِ؛ وَيُفِيدُهُ عِبَارَةُ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ. وَهِيَ: لَوْ صَلَّى عَلَى الْعَجَلَةِ، إنْ كَانَ طَرَفُهَا عَلَى الدَّابَّةِ وَهِيَ تَسِيرُ تَجُوزُ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ لَا فِي غَيْرِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَرَفُهَا عَلَى الدَّابَّةِ جَازَتْ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ عَلَى السَّرِيرِ اهـ فَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ يُفِيدُ مَا قُلْنَا لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ قَيَّدَهَا بِقَوْلِهِ وَهِيَ تَسِيرُ وَلَوْ كَانَ الْجَوَازُ مُقَيَّدًا بِعَدَمِ السَّيْرِ لِقَيْدِهِ بِهِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ هَذَا كُلُّهُ) أَيْ اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّزُولِ، وَوَضْعُ خَشَبَةٍ تَحْتَ الْمَحْمَلِ، وَعَدَمُ كَوْنِ طَرَفِ الْعَجَلَةِ عَلَى الدَّابَّةِ ح. (قَوْلُهُ وَالْوَاجِبُ بِأَنْوَاعِهِ) أَيْ مَا كَانَ وَاجِبًا لِعَيْنِهِ عَيْنًا كَالْوِتْرِ، أَوْ كِفَايَةً كَالْجِنَازَةِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَوَجَبَ بِالْقَوْلِ كَالنَّذْرِ، أَوْ بِالْفِعْلِ كَنَفْلٍ شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ، وَكَسَجْدَةٍ آيَتُهَا تُلِيَتْ عَلَى الْأَرْضِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ إلَخْ) أَوْضَحْنَاهُ فِي مَا مَرَّ (قَوْلُهُ لِئَلَّا إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ بِشَرْطِ إيقَافِهَا ح. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ اتِّحَادِ الْمَكَانِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ شَرْطٌ فِي صَلَاةِ غَيْرِ النَّافِلَةِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِعُذْرٍ، فَلَوْ أَمْكَنَهُ إيقَافُهَا مُسْتَقْبِلًا فَعَلَ، وَلِذَا نَقَلَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ الْإِمَامِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ لَوْ انْحَرَفَتْ عَنْ الْقِبْلَةِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ. قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الِانْحِرَافُ مِقْدَارَ رُكْنٍ اهـ. قُلْت: بَقِيَ لَوْ أَمْكَنَهُ الْإِيقَافُ دُونَ الِاسْتِقْبَالِ فَلَا كَلَامَ فِي لُزُومِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْعِلَّةِ، وَلَوْ بِالْعَكْسِ هَلْ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ؟ لَمْ أَرَهُ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْحِلْيَةِ أَنْ يَلْزَمَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّارِحِ هُنَا، وَإِلَّا فَبِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ فِي طِينٍ وَرَدْغَةٍ يَخَافُ النُّزُولَ يُصَلِّي إلَى الْقِبْلَةِ. قَالَ وَعِنْدِي هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ وَاقِفَةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ سَائِرَةً يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ اهـ يَعْنِي إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُ إيقَافُهَا لِخَوْفِ فَوْتِ الرُّفْقَةِ مَثَلًا يُصَلِّي إلَى أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءً كَانَتْ وَاقِفَةً أَوْ سَائِرَةً عَلَى الْقِبْلَةِ أَوْ لَا، قَادِرٌ عَلَى النُّزُولِ أَوْ لَا، طَرَفُ الْعَجَلَةِ عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ لَا ح. (قَوْلُهُ لَا بِجَمَاعَةٍ إلَخْ) أَيْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَاسْتَحْسَنَ مُحَمَّدٌ الْجَوَازَ لَوْ دَوَابُّهُمْ بِالْقُرْبِ مِنْ دَابَّةِ الْإِمَامِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فُرْجَةٌ إلَّا بِقَدْرِ الصَّفِّ قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْأَرْضِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ اتِّحَادَ الْمَكَانِ شَرْطٌ، حَتَّى لَوْ كَانَا عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَحْمَلٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي شِقَّيْ مَحْمَلٍ جَازَ بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ جَمَعَ إلَخْ) تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ نَظَائِرِهَا قُبَيْلَ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَحِيَّةً) فِيهِ كَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ. (قَوْلُهُ لَزِمَاهُ بِهِ) أَيْ لَزِمَهُ الرَّكْعَتَانِ بِطُهْرٍ، وَهَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا قِيَاسًا عَلَى مَا قَالَ بِغَيْرِ وُضُوءٍ. أَقُولُ: وَلَا حَاجَةَ لِلْبَحْثِ، فَإِنَّ مَا فِي الْمَتْنِ مَذْكُورٌ فِي مَتْنِ الْمَجْمَعِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّاذِرَ لَمَّا أَوْجَبَ عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ أَوْجَبَهُمَا بِطَهَارَةٍ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِهَا، وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ بِغَيْرِ طُهْرٍ رُجُوعٌ عَمَّا الْتَزَمَهُ فَلَا يَصِحُّ ابْنُ مَلِكٍ (قَوْلُهُ أَيْ أَبِي يُوسُفَ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ التَّصْرِيحُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا مَرْجِعَ لِلضَّمِيرِ فِي عِنْدَهُ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ فِي مِثْلِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 كَمَا لَوْ نَذَرَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ أَوْ عُرْيَانَا أَوْ رَكْعَةً، وَكَذَا نِصْفُ رَكْعَةٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ (وَأَهْدَرَهُ الثَّالِثُ) أَيْ مُحَمَّدٌ (أَوْ) نَذَرَ عِبَادَةً (فِي مَكَانِ كَذَا فَأَدَّاهُ فِي أَقَلَّ مِنْ شَرَفِهِ جَازَ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْقُرْبَةُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالثَّلَاثَةِ (وَلَوْ نَذَرَتْ عِبَادَةً) كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ (فِي غَدٍ فَحَاضَتْ فِيهِ يَلْزَمُهَا قَضَاؤُهَا) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْأَدَاءَ لَا الْوُجُوبَ (وَلَوْ) نَذَرَتْهَا (يَوْمَ حَيْضِهَا لَا) لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِمَعْصِيَةٍ. (التَّرَاوِيحُ سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ لِمُوَاظَبَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ (لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) إجْمَاعًا (وَوَقْتُهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ) إلَى الْفَجْرِ (قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ) فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ فَاتَهُ بَعْضُهَا وَقَامَ الْإِمَامُ إلَى الْوِتْرِ أَوْتَرَ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّى مَا فَاتَهُ.   [رد المحتار] رُجُوعُهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ مَرْجِعٌ خَاصٌّ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ نَذَرَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ إلَخْ) لِأَنَّ الْتِزَامَ الشَّيْءِ الْتِزَامٌ لِمَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِقِرَاءَةٍ وَمَسْتُورَ الْعَوْرَةِ وَرَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ مَا لَمْ تَكُنْ شَفْعًا وَبِقِرَاءَةٍ وَبِثَوْبٍ وَكَذَا لَوْ نَذَرَ ثَلَاثًا يَلْزَمُهُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ، وَعَلَّلَهُ فِي شَرْحِهِ بِمَا قُلْنَا، وَأَشَارَ بِالْكَافِ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ الثَّلَاثَ لَا خِلَافَ فِيهَا لِمُحَمَّدٍ. وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي شُرُوحِ الْمَجْمَعِ، وَقَوْلُهُ وَكَذَا نِصْفُ رَكْعَةٍ: أَيْ يَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ، لِأَنَّ ذِكْرَ مَا لَا يَتَجَزَّى ذِكْرٌ لِكُلِّهِ فَكَأَنَّهُ نَذَرَ رَكْعَةً وَهُوَ الْتِزَامٌ لِأُخْرَى أَيْضًا كَمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ وَأَهْدَرَهُ الثَّالِثُ) أَيْ أَهْدَرَ النَّذْرَ بِغَيْرِ طُهْرٍ فَقَالَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِمَعْصِيَةٍ؛ وَمُقْتَضَى مَا فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْأَوَّلُ. [تَنْبِيهٌ] نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ ثَمَانِيَةً، أَوْ أَنْ يُزَكِّيَ النِّصَابَ عُشْرًا أَيْ بِضَمِّ الْعَيْنِ، أَوْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ مَرَّتَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ الزَّائِدُ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ غَيْرِ الْمَشْرُوعِ فَهُوَ نَذْرٌ بِمَعْصِيَةٍ بَحْرٌ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّلَاةَ بِلَا قِرَاءَةٍ أَوْ عُرْيَانًا تَكُونُ عِبَادَةً لِمَأْمُومٍ أَوْ أُمِّيٍّ وَلِعَادِمِ ثَوْبٍ وَكَذَا بِلَا طَهَارَةٍ، لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِمَشْرُوعِيَّتِهَا لِفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ؛ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. أَقُولُ: وَالتَّعْلِيلُ الْمَارُّ بِأَنَّ الْتِزَامَ الشَّيْءِ الْتِزَامٌ لِمَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِهِ يُغْنِي عَنْ إبْدَاءِ الْفَرْقِ مَعَ شُمُولِهِ لِلنَّذْرِ بِرَكْعَةٍ أَوْ نِصْفِهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَوْ نَذَرَ إلَخْ) كَمَا لَوْ نَذَرَ صَلَاةً بِمَسْجِدِ مَكَّةَ فَأَدَّاهَا فِي الْقُدْسِ مَثَلًا أَوْ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ جَازَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصَّلَاةِ الْقُرْبَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ فِي أَيِّ مَكَان، وَتَقَدَّمَ قُبَيْلَ بَابِ الْوِتْرِ أَفْضَلُ الْأَمَاكِنِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ الْحَيْضَ الْمَفْهُومَ مِنْ فِعْلِهِ السَّابِقِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِمَعْصِيَةٍ) لِأَنَّ يَوْمَ الْحَيْضِ مُنَافٍ لِلصَّوْمِ الْعِبَادَةِ، بِخِلَافِ صَوْمِ الْغَدِ فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ قَابِلٌ لِلْأَدَاءِ، وَلَكِنْ صَرَفَ عَنْهُ مَانِعٌ سَمَاوِيٌّ مَنَعَ الْأَدَاءَ فَوَجَبَ الْقَضَاءُ. مَبْحَثٌ صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ. (قَوْلُهُ التَّرَاوِيحُ) جَمْعُ تَرْوِيحَةٍ؛ سُمِّيَتْ الْأَرْبَعُ بِهَا لِلِاسْتِرَاحَةِ بَعْدَهَا خَزَائِنُ، وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا عَنْ النَّوَافِلِ لِكَثْرَةِ شُعَبِهَا وَاخْتِصَاصِهَا عَنْهَا بِأَدَائِهَا بِجَمَاعَةٍ وَأَحْكَامٍ أُخَرَ، وَلِذَا أَفْرَدَ لَهَا تَأْلِيفًا خَاصًّا بِأَحْكَامِهَا الْإِمَامُ حُسَامُ الدِّينِ، وَتَبِعَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ. (قَوْلُهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَذَكَرَ فِي الِاخْتِيَارِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ سَأَلَ أَبَا حَنِيفَةَ عَنْهَا وَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ، فَقَالَ: التَّرَاوِيحُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَلَمْ يَتَخَرَّجْهُ عُمَرُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مُبْتَدِعًا؛ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ إلَّا عَنْ أَصْلٍ لَدَيْهِ وَعَهْدٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ إنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ كَمَا فَهِمَهُ فِي الْهِدَايَةِ عَنْهُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاجْتِمَاعَ مُسْتَحَبٌّ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ التَّرَاوِيحَ مُسْتَحَبَّةٌ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي: وَحَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى سُنِّيَّتِهَا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ لِمُوَاظَبَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ) أَيْ أَكْثَرِهِمْ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهَا وَقَعَتْ فِي أَثْنَاءِ خِلَافَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى يَوْمِنَا هَذَا بِلَا نَكِيرٍ، وَكَيْفَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 (وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) أَوْ نِصْفِهِ، وَلَا تُكْرَهُ بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ (وَلَا تُقْضَى إذَا فَاتَتْ أَصْلًا)   [رد المحتار] لَا وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بَحْرٌ (قَوْلُهُ إجْمَاعًا) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِ الْمَتْنِ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا اعْتِدَادَ بِقَوْلِ الرَّوَافِضِ إنَّهَا سُنَّةُ الرِّجَالِ فَقَطْ عَلَى مَا فِي الدُّرَرِ وَالْكَافِي أَوْ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ أَصْلًا كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُمْ عَلَى مَا فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ بِدْعَةٍ يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ لَا يُعَوِّلُونَ عَلَى كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَيُنْكِرُونَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ (قَوْلُهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ) قَدَّرَ لَفْظَ صَلَاةٍ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِشَاءِ الصَّلَاةُ لَا وَقْتُهَا وَإِلَى مَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ مَا بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا حَتَّى لَوْ بَنَى التَّرَاوِيحَ عَلَيْهَا لَا يَصِحُّ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ وَكَذَا بِنَاؤُهَا عَلَى سُنَّتِهَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. قَالَ: فَكُلُّهُمْ أَلْحَقُوا السُّنَّةَ بِالْفَرْضِ. [تَتِمَّةٌ] تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ النِّيَّةِ الِاخْتِلَافُ فِي أَنَّ السُّنَنَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّعْيِينِ أَوْ يَكْفِي لَهَا مُطْلَقُ النِّيَّةِ وَالْأَصَحُّ الثَّانِي وَالْأَحْوَطُ الْأَوَّلُ وَتَقَدَّمَ تَمَامُ الْكَلَامِ فِيهِ فَرَاجِعْهُ. هَذَا وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُجَدِّدَ فِي التَّرَاوِيحِ لِكُلِّ شَفْعٍ نِيَّةً؟ فَفِي الْخُلَاصَةِ: الصَّحِيحُ نَعَمْ لِأَنَّهُ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَفِي الْخَانِيَّةِ: الْأَصَحُّ لَا، عَيَّنَ الْكُلَّ بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ وَيَظْهَرُ لِي التَّصْحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ بِالسَّلَامِ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ حَقِيقَةً فَلَا بُدَّ فِي دُخُولِهِ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ الْأَحْوَطُ؛ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، نَعَمْ رَجَّحَ فِي الْحِلْيَةِ الثَّانِيَ إنْ نَوَى التَّرَاوِيحَ كُلَّهَا عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ يُرِيدُ صَلَاةَ الْفَرْضِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ لِمَا انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ. (قَوْلُهُ إلَى الْفَجْرِ) هَذَا آخِرُ وَقْتِهَا، وَلَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) أَيْ مِنْ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ وَقْتَهَا اللَّيْلُ كُلُّهُ، قَبْلَ الْعِشَاءِ، وَبَعْدَهُ، وَقَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهَا قِيَامُ اللَّيْلِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَهُ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَدْخُلُ وَقْتُهَا مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ. الثَّانِي: أَنَّهُ مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَرَجَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ الْمَأْثُورُ الْمُتَوَارَثُ. الثَّالِثُ: مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْكَنْزِ، وَعَزَاهُ فِي الْكَافِي إلَى الْجُمْهُورِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْمُحِيطِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ فَلَوْ فَاتَهُ بَعْضُهَا إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْأَصَحِّ، لَكِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي الْوِتْرِ الْجَمَاعَةُ لَا الْمَنْزِلُ، وَفِيهِ خِلَافٌ سَيَأْتِي، فَقَوْلُهُ أَوْتَرَ مَعَهُ: أَيْ عَلَى وَجْهِ الْأَفْضَلِيَّةِ، وَكَذَا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَارَّةِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مِنْهَا فَإِنَّهُ يَأْتِي بِمَا فَاتَهُ وَعَلَّلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بَعْدَ الْوِتْرِ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ جَعْلِهِ التَّفْرِيعَ عَلَى الثَّالِثِ كَالثَّانِي صَوَابُهُ كَالْأَوَّلِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ هُنَا. وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ صَلَّاهَا بَعْدَ الْوِتْرِ أَوْ نَسِيَ بَعْضَهَا وَتَذَكَّرَ بَعْدَ الْوِتْرِ فَصَلَّى الْبَاقِيَ صَحَّ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ دُونَ الثَّانِي (قَوْلُهُ وَلَا تُكْرَهُ بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ تُكْرَهُ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ فَصَارَتْ كَسُنَّةِ الْعِشَاءِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ تَبَعًا لِلْعِشَاءِ لَكِنَّهَا صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالْأَفْضَلُ فِيهَا آخِرُهُ، فَلَا يُكْرَهُ تَأْخِيرُ مَا هُوَ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَلَكِنَّ الْأَحْسَنَ أَنْ لَا يُؤَخَّرَ إلَيْهِ خَشْيَةَ الْفَوَاتِ ح عَنْ الْإِمْدَادِ، وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّأْخِيرِ لَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ حَتَّى يُجَابَ عَنْ قَوْلِ الشَّارِحِ لَا يُكْرَهُ بِأَنَّ الْمَنْفِيَّ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ، لِأَنَّ كَلِمَةَ لَا بَأْسَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ خِلَافَهُ أَوْلَى، وَلَيْسَ كُلُّ مَا هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى مَكْرُوهًا تَنْزِيهًا لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ خَاصٍّ كَمَا قَرَّرْنَاهُ مِرَارًا، بَلْ فِي رِسَالَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 وَلَا وَحْدَهُ فِي الْأَصَحِّ (فَإِنْ قَضَاهَا كَانَتْ نَفْلًا مُسْتَحَبًّا وَلَيْسَ بِتَرَاوُحٍ) كَسُنَّةِ مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ (وَالْجَمَاعَةُ فِيهَا سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ) فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ تَرَكَهَا أَهْلُ مَسْجِدٍ أَثِمُوا إلَّا لَوْ تَرَكَ بَعْضُهُمْ، وَكُلُّ مَا شُرِعَ بِجَمَاعَةٍ فَالْمَسْجِدُ فِيهِ أَفْضَلُ قَالَهُ الْحَلَبِيُّ (وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً) حِكْمَتُهُ مُسَاوَاةُ الْمُكَمِّلِ لِلْمُكَمَّلِ (بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ) فَلَوْ فَعَلَهَا بِتَسْلِيمَةٍ؛ فَإِنْ قَعَدَ لِكُلِّ شَفْعٍ صَحَّتْ بِكَرَاهَةٍ وَإِلَّا نَابَتْ عَنْ شَفْعٍ وَاحِدٍ بِهِ يُفْتَى   [رد المحتار] الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ وَغَيْرِهَا: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَهُوَ الْمُسْتَحَبُّ وَالْأَفْضَلُ لِأَنَّهَا قِيَامُ اللَّيْلِ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَا وَحْدَهُ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ أَصْلًا: أَيْ لَا بِجَمَاعَةٍ وَلَا وَحْدَهُ ط (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ يَقْضِيهَا وَحْدَهُ مَا لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ تَرَاوِيحَ أُخْرَى، وَقِيلَ مَا لَمْ يَمْضِ الشَّهْرُ قَاسِمٌ. (قَوْلُهُ فَإِنْ قَضَاهَا) أَيْ مُنْفَرِدًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَسُنَّةِ مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ) أَيْ حُكْمُ التَّرَاوِيحِ فِي أَنَّهَا لَا تُقْضَى إذَا فَاتَتْ إلَخْ كَحُكْمِ بَقِيَّةِ رَوَاتِبِ اللَّيْلِ لِأَنَّهَا مِنْهَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ مِنْ خَوَاصِّ الْفَرْضِ وَسُنَّةُ الْفَجْرِ بِشَرْطِهَا (قَوْلُهُ وَالْجَمَاعَةُ فِيهَا سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ أَصْلَ التَّرَاوِيحِ سُنَّةُ عَيْنٍ، فَلَوْ تَرَكَهَا وَاحِدٌ كُرِهَ، بِخِلَافِ صَلَاتِهَا بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّهَا سُنَّةُ كِفَايَةٍ، فَلَوْ تَرَكَهَا الْكُلُّ أَسَاءُوا؛ أَمَّا لَوْ تَخَلَّفَ عَنْهَا رَجُلٌ مِنْ أَفْرَادِ النَّاسِ وَصَلَّى فِي بَيْتِهِ فَقَدْ تَرَكَ الْفَضِيلَةَ، وَإِنْ صَلَّى أَحَدٌ فِي الْبَيْتِ بِالْجَمَاعَةِ لَمْ يَنَالُوا فَضْلَ جَمَاعَةِ الْمَسْجِدِ وَهَكَذَا فِي الْمَكْتُوبَاتِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَهَلْ الْمُرَادُ أَنَّهَا سُنَّةُ كِفَايَةٍ لِأَهْلِ كُلِّ مَسْجِدٍ مِنْ الْبَلْدَةِ أَوْ مَسْجِدٍ وَاحِدٍ مِنْهَا أَوْ مِنْ الْمَحَلَّةِ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ الْأَوَّلُ. وَاسْتَظْهَرَ ط الثَّانِيَ. وَيَظْهَرُ لِي الثَّالِثُ، لِقَوْلِ الْمُنْيَةِ: حَتَّى لَوْ تَرَكَ أَهْلُ مَحَلَّةٍ كُلُّهُمْ الْجَمَاعَةَ فَقَدْ تَرَكُوا السُّنَّةَ وَأَسَاءُوا. اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّ الْمَسْنُونَ كِفَايَةً إقَامَتُهَا بِالْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى لَوْ أَقَامُوهَا جَمَاعَةً فِي بُيُوتِهِمْ وَلَمْ تَقُمْ فِي الْمَسْجِدِ أَثِمَ الْكُلُّ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُنْيَةِ فَهُوَ فِي حَقِّ الْبَعْضِ الْمُخْتَلِفِ عَنْهَا. وَقِيلَ إنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا سُنَّةُ عَيْنٍ فَمَنْ صَلَّاهَا وَحْدَهُ أَسَاءَ وَإِنْ صُلِّيَتْ فِي الْمَسَاجِدِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي ظَهِيرُ الدِّينِ. وَقِيلَ تُسْتَحَبُّ فِي الْبَيْتِ إلَّا لِفَقِيهٍ عَظِيمٍ يُقْتَدَى بِهِ، فَيَكُونُ فِي حُضُورِهِ تَرْغِيبُ غَيْرِهِ. وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ إنَّهَا سُنَّةُ كِفَايَةٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً) هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ شَرْقًا وَغَرْبًا. وَعَنْ مَالِكٍ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ كَوْنُ الْمَسْنُونِ مِنْهَا ثَمَانِيَةً وَالْبَاقِي مُسْتَحَبًّا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، وَذَكَرْت جَوَابَهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ الْمُكَمِّلِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ التَّرَاوِيحُ لِلْمُكَمَّلِ بِفَتْحِهَا وَهِيَ الْفَرَائِضُ مَعَ الْوِتْرِ، وَلَا مَانِعَ أَنْ تُكْمَلَ الْوِتْرُ وَإِنْ صُلِّيَتْ قَبْلَهُ. وَفِي النَّهْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الرَّوَاتِبَ وَإِنْ كَمُلَتْ أَيْضًا إلَّا أَنَّ هَذَا الشَّهْرَ لِمَزِيدِ كَمَالِهِ زِيدَ فِيهِ هَذَا الْمُكَمِّلُ فَتَكْمُلُ. اهـ. ط. (قَوْلُهُ وَصَحَّتْ بِكَرَاهَةٍ) أَيْ صَحَّتْ عَنْ الْكُلِّ. وَتُكْرَهُ إنْ تَعَمَّدَ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ عَنْ النِّصَابِ وَخِزَانَةِ الْفَتَاوَى، خِلَافًا لِمَا فِي الْمُنْيَةِ مِنْ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْمُتَوَارَثَ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِكَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَمَانٍ فِي مُطْلَقِ التَّطَوُّعِ لَيْلًا فَهُنَا أَوْلَى بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهَذَا اللَّفْظِ هُنَا، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّهْرِ عَنْ الزَّاهِدِيِّ فِيمَا لَوْ صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَقَعْدَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَمَّا إذَا صَلَّى الْعِشْرِينَ جُمْلَةً كَذَلِكَ فَقَدْ قَاسَهُ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ، نَعَمْ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّهُ الصَّحِيحُ مَعَ أَنَّا قَدَّمْنَا عَنْ الْبَدَائِعِ وَالْخُلَاصَةِ والتتارخانية أَنَّهُ لَوْ صَلَّى التَّطَوُّعَ ثَلَاثًا أَوْ سِتًّا أَوْ ثَمَانِيًا بِقَعْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَفْسُدُ اسْتِحْسَانًا وَقِيَاسًا وَقَدَّمْنَا وَجْهَهُ؛ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ بِتَسْلِيمَةٍ وَقَعْدَةٍ وَاحِدَةٍ هَلْ يَصِحُّ عَنْ شَفْعٍ وَاحِدٍ أَوْ يَفْسُدُ؟ فَلْيُتَنَبَّهْ. [فُرُوعٌ] شَكُّوا هَلْ صَلَّوْا تِسْعَ تَسْلِيمَاتٍ أَوْ عَشْرًا يُصَلُّونَ تَسْلِيمَةً أُخْرَى فُرَادَى فِي الْأَصَحِّ لِلِاحْتِيَاطِ فِي إكْمَالِ التَّرَاوِيحِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ التَّنَفُّلِ بِالْجَمَاعَةِ، وَكَذَا لَوْ تَذَكَّرُوا تَسْلِيمَةً بَعْدَ الْوِتْرِ عِنْدَ ابْنِ الْفَضْلِ. وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ تُصَلَّى جَمَاعَةً وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ فِي وَقْتِهَا، وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ عَلَى رَأْسِ رَكْعَةٍ سَاهِيًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 (يَجْلِسُ) نَدْبًا (بَيْنَ كُلِّ أَرْبَعَةٍ بِقَدْرِهَا وَكَذَا بَيْنَ الْخَامِسَةِ وَالْوِتْرِ) وَيُخَيَّرُونَ بَيْنَ تَسْبِيحٍ وَقِرَاءَةٍ وَسُكُوتٍ وَصَلَاةٍ فُرَادَى، نَعَمْ تُكْرَهُ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ (وَالْخَتْمُ) مَرَّةً سُنَّةٌ وَمَرَّتَيْنِ فَضِيلَةٌ وَثَلَاثًا أَفْضَلُ. (وَلَا يُتْرَكُ) الْخَتْمُ (لِكَسَلِ الْقَوْمِ)   [رد المحتار] فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ صَلَّى مَا بَقِيَ قِيلَ يَقْضِي الشَّفْعَ الْأَوَّلَ فَقَطْ لِصِحَّةِ شُرُوعِهِ فِيمَا بَعْدَهُ، وَقِيلَ يَقْضِي الْكُلَّ لِأَنَّ سَلَامَهُ الْأَوَّلَ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ لِكَوْنِهِ سَهْوًا، وَكَذَا كُلُّ سَلَامٍ بَعْدَهُ يَكُونُ سَهْوًا مَبْنِيًّا عَلَى السَّهْوِ الْأَوَّلِ فَقَدْ تَرَكَ الْقَعْدَةَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْأَشْفَاعِ كُلِّهَا فَتَفْسُدُ بِأَسْرِهَا إلَّا إذَا تَعَمَّدَ السَّلَامَ أَوْ فَعَلَ بَعْدَهُ مَا يُنَافِي الصَّلَاةَ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ سَهَا، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَيَظْهَرُ لِي أَرْجَحِيَّةُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ سَلَامَهُ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ لَكِنَّ تَكْبِيرَهُ عَلَى قَصْدِ الِانْتِقَالِ إلَى الشَّفْعِ الْآخَرِ يُخْرِجُهُ عَنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْحِلْيَةِ قَالَ إنَّهُ الْأَشْبَهُ (قَوْلُهُ يَجْلِسُ) لَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْجُلُوسِ، بَلْ الْمُرَادُ الِانْتِظَارُ لِأَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْجُلُوسِ ذَاكِرًا أَوْ سَاكِتًا وَبَيْنَ صَلَاتِهِ نَافِلَةً مُنْفَرِدًا كَمَا يَذْكُرُهُ، أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ نَدْبًا) وَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْكَنْزِ مِنْ أَنَّهُ سُنَّةٌ تَعَقَّبَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَا سُنَّةٌ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ بَيْنَ كُلِّ أَرْبَعَةٍ) الْأَوْضَحُ قَوْلُ الْكَنْزِ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعَةٍ أَوْ قَوْلُ الْمُنْيَةِ وَالدُّرِّ: بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ لِإِيهَامِهِ أَنَّ الْجِلْسَةَ بَعْدَ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعَةٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بَيْنَ كُلِّ أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعَةٍ فَحَذَفَ أَحَدَ الْمُتَعَدِّدَيْنِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285] أَيْ بَيْنَ أَحَدٍ وَأَحَدٍ، وَلَا فَسَادَ فِي ذَلِكَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَكَذَا بَيْنَ الْخَامِسَةِ وَالْوِتْرِ) صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ بِمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. أَقُولُ: هَذَا سَبْقُ نَظَرٍ، فَإِنَّ عِبَارَةَ الْخُلَاصَةِ هَكَذَا: وَالِاسْتِرَاحَةُ عَلَى خَمْسِ تَسْلِيمَاتٍ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ فَإِنَّ مُرَادَهُ بِخَمْسِ تَسْلِيمَاتٍ خَمْسُ أَشْفَاعٍ: أَيْ عَلَى الرَّكْعَةِ الْعَاشِرَةِ كَمَا فُسِّرَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لَا خَمْسُ تَرْوِيحَاتٍ كُلُّ تَرْوِيحَةٍ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، فَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَى صَاحِبِ النَّهْرِ التَّسْلِيمَةُ بِالتَّرْوِيحَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ بَيْنَ تَسْبِيحٍ) قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: فَيُقَالُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «سُبْحَانَ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ، سُبْحَانَ ذِي الْعِزَّةِ وَالْعَظَمَةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْجَبَرُوتِ، سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، نَسْأَلُك الْجَنَّةَ وَنَعُوذُ بِك مِنْ النَّارِ» كَمَا فِي مَنْهَجِ الْعِبَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَصَلَاةُ فُرَادَى) أَيْ صَلَاةُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَيُزَادُ سِتَّ عَشْرَةَ رَكْعَةً. قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ: إنْ زَادُوهَا مُنْفَرِدِينَ لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَإِنْ صَلَّوْهَا بِجَمَاعَةٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ كُرِهَ إلَخْ. وَفِي النَّهْرِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَقِيلَ مَكْرُوهَةٌ، وَقِيلَ سُنَّةٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي السِّرَاجِ وَأَهْلُ مَكَّةَ يَطُوفُونَ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يُصَلُّونَ أَرْبَعًا. اهـ. (قَوْلُهُ نَعَمْ تُكْرَهُ إلَخْ) لِأَنَّ الِاسْتِرَاحَةَ مَشْرُوعَةٌ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ لَا بَيْنَ كُلِّ شَفْعَيْنِ (قَوْلُهُ وَالْخَتْمُ مَرَّةً سُنَّةٌ) أَيْ قِرَاءَةُ الْخَتْمِ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ سُنَّةٌ وَصَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَعَزَاهُ فِي الْهِدَايَةِ إلَى أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ. وَفِي الْكَافِي إلَى الْجُمْهُورِ، وَفِي الْبُرْهَانِ: وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَنْقُولُ فِي الْآثَارِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَحَبَّ الْخَتْمَ فِي لَيْلَةِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ رَجَاءَ أَنْ يَنَالُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ، لِأَنَّ الْأَخْبَارَ تَظَاهَرَتْ عَلَيْهَا. وَقَالَ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرَ آيَاتٍ وَنَحْوَهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْخَتْمُ فِيهَا مَرَّةً وَهُوَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ مَعَ التَّخْفِيفِ لِأَنَّ عَدَدَ رَكَعَاتِ التَّرَاوِيحِ فِي الشَّهْرِ سِتُّمِائَةِ رَكْعَةٍ وَعَدَدَ آيِ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ وَشَيْءٌ. اهـ. وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرَ آيَاتٍ حَتَّى يَحْصُلَ الْخَتْمُ فِي لَيْلَةِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَنَحْوُهُ فِي الْفَيْضِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ تَوْزِيعَةَ عَشْرًا فَعَشْرًا يَقْتَضِي الْخَتْمَ فِي الثَّلَاثِينَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ ضَمِّ الْوِتْرِ، لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا مَا يُفِيدُ تَخْصِيصَ التَّرَاوِيحِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 لَكِنْ فِي الِاخْتِيَارِ: الْأَفْضَلُ فِي زَمَانِنَا قَدْرُ مَا لَا يَثْقُلُ عَلَيْهِمْ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَفِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْإِمَامِ: لَوْ قَرَأَ ثَلَاثًا قِصَارًا أَوْ آيَةً طَوِيلَةً فِي الْفَرْضِ فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَمْ يُسِئْ، فَمَا ظَنُّك بِالتَّرَاوِيحِ؟ وَفِي فَضَائِلِ رَمَضَانَ لِلزَّاهِدِيِّ: أَفْتَى أَبُو الْفَضْلِ الْكَرْمَانِيُّ وَالْوَبَرِيُّ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ فِي التَّرَاوِيحِ الْفَاتِحَةَ وَآيَةً أَوْ آيَتَيْنِ لَا يُكْرَهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِأَهْلِ زَمَانِهِ فَهُوَ جَاهِلٌ. (وَيَأْتِي الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ بِالثَّنَاءِ فِي كُلِّ شَفْعٍ، وَيَزِيدُ) الْإِمَامُ (عَلَى التَّشَهُّدِ، إلَّا أَنْ يَمَلَّ الْقَوْمُ فَيَأْتِي بِالصَّلَوَاتِ) وَيَكْتَفِي بِاللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ الْفَرْضُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ (وَيَتْرُكُ الدَّعَوَاتِ) وَيَجْتَنِبُ الْمُنْكَرَاتِ هَذْرَمَةَ الْقِرَاءَةِ، وَتَرْكَ تَعَوُّذٍ وَتَسْمِيَةٍ، وَطُمَأْنِينَةٍ، وَتَسْبِيحٍ، وَاسْتِرَاحَةٍ (وَتُكْرَهُ قَاعِدًا) لِزِيَادَةِ تَأَكُّدِهَا، حَتَّى قِيلَ لَا تَصِحُّ (مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ) كَمَا يُكْرَهُ تَأْخِيرُ الْقِيَامِ إلَى رُكُوعِ الْإِمَامِ لِلتَّشَبُّهِ بِالْمُنَافِقِينَ. (وَلَوْ تَرَكُوا الْجَمَاعَةَ فِي الْفَرْضِ لَمْ يُصَلُّوا التَّرَاوِيحَ جَمَاعَةً) لِأَنَّهَا تَبَعٌ فَمُصَلِّيهِ وَحْدَهُ يُصَلِّيهَا مَعَهُ. (وَلَوْ لَمْ يُصَلِّهَا) أَيْ التَّرَاوِيحَ (بِالْإِمَامِ) أَوْ صَلَّاهَا مَعَ غَيْرِهِ (لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْوِتْرَ مَعَهُ) بَقِيَ لَوْ تَرَكَهَا الْكُلُّ هَلْ يُصَلُّونَ الْوِتْرَ بِجَمَاعَةٍ؟ فَلْيُرَاجَعْ.   [رد المحتار] وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: ثُمَّ إذَا خَتَمَ قَبْلَ آخِرِ الشَّهْرِ قِيلَ لَا يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُ التَّرَاوِيحِ فِيمَا بَقِيَ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِأَجْلِ خَتْمِ الْقُرْآنِ مَرَّةً قَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ، وَقِيلَ يُصَلِّيهَا وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا شَاءَ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ اهـ. (قَوْلُهُ الْأَفْضَلُ فِي زَمَانِنَا إلَخْ) لِأَنَّ تَكْثِيرَ الْجَمْعِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ حِلْيَةٌ عَنْ الْمُحِيطِ. وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الزَّمَانِ، فَقَدْ تَتَغَيَّرُ الْأَحْكَامُ لِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ عَلَى حَسَبِ الْمَصَالِحِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَحَّحَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْخَتْمَ سُنَّةٌ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ تَرْكِهِ إذَا لَزِمَ مِنْهُ تَنْفِيرُ الْقَوْمِ وَتَعْطِيلُ كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا فَالظَّاهِرُ اخْتِيَارُ الْأَخَفِّ عَلَى الْقَوْمِ. (قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) عِبَارَتُهُ عَلَى مَا فِي الْبَحْرِ: وَالْمُتَأَخِّرُونَ كَانُوا يُفْتُونَ فِي زَمَانِنَا بِثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ حَتَّى لَا يَمَلَّ الْقَوْمُ وَلَا يَلْزَمُ تَعْطِيلُهَا، فَإِنَّ الْحَسَنَ رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ إنْ قَرَأَ فِي الْمَكْتُوبَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ثَلَاثَ آيَاتٍ فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَمْ يُسِئْ، هَذَا فِي الْمَكْتُوبَةِ فَمَا ظَنُّك فِي غَيْرِهَا؟ اهـ. (قَوْلُهُ وَآيَةً أَوْ آيَتَيْنِ) أَيْ بِقَدْرِ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ بِدَلِيلِ عِبَارَةِ الْمُجْتَبَى، وَإِلَّا فَلَوْ دُونَ ذَلِكَ كُرِهَ تَحْرِيمًا لِمَا فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا فِي بَحْثِ صِفَةِ الصَّلَاةِ: لَوْ قَرَأَ مَعَ الْفَاتِحَةِ آيَةً قَصِيرَةً أَوْ آيَتَيْنِ قَصِيرَتَيْنِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ، وَإِنْ قَرَأَ ثَلَاثًا قِصَارًا أَوْ كَانَتْ الْآيَةُ أَوْ الْآيَتَانِ تَعْدِلُ ثَلَاثَ آيَاتٍ قِصَارًا خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَكِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي حَدِّ الِاسْتِحْبَابِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ إلَخْ أَيْ لِأَنَّ السُّنَّةَ قِرَاءَةُ الْمُفَصَّلِ، فَقَوْلُهُ هُنَا لَا يُكْرَهُ أَيْ لَا تَحْرِيمًا وَلَا تَنْزِيهًا، وَإِنْ كُرِهَ فِي الْفَرَائِضِ تَنْزِيهًا فَافْهَمْ. هَذَا، وَفِي التَّجْنِيسِ: وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَبَعْضُهُمْ سُورَةَ الْفِيلِ: أَيْ الْبُدَاءَةَ مِنْهَا ثُمَّ يُعِيدُهَا، وَهَذَا أَحْسَنُ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ قَلْبُهُ بِعَدَدِ الرَّكَعَاتِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَعَلَى هَذَا اسْتَقَرَّ عَمَلُ أَئِمَّةِ أَكْثَرِ الْمَسَاجِدِ فِي دِيَارِنَا إلَّا أَنَّهُمْ يَبْدَءُونَ بِقِرَاءَةِ سُورَةِ التَّكَاثُرِ فِي الْأُولَى وَالْإِخْلَاصِ فِي الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا إلَى أَنْ تَكُونَ قِرَاءَتُهُمْ فِي التَّاسِعَةَ عَشَرَ بِسُورَةِ تَبَّتْ وَفِي الْعِشْرِينَ بِالْإِخْلَاصِ اهـ زَادَ فِي الْبَحْرِ: وَلَيْسَ فِيهِ كَرَاهَةٌ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّرْوِيحَةِ الْأَخِيرَةِ بِسَبَبِ الْفَصْلِ بِسُورَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالْفَرَائِضِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا. اهـ. قُلْت: لَكِنَّ الْأَحْوَطَ قِرَاءَةُ النَّصْرِ وَتَبَّتْ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّرْوِيحَةِ الْأَخِيرَةِ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي مِنْهَا، وَبَعْضُ أَئِمَّةِ زَمَانِنَا يَقْرَأُ بِالْعَصْرِ وَالْإِخْلَاصِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ مِنْ كُلِّ تَرْوِيحَةٍ، وَبِالْكَوْثَرِ وَالْإِخْلَاصِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي. (قَوْلُهُ وَيَزِيدُ الْإِمَامُ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ يَأْتِيَ بِالدَّعَوَاتِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَيَكْتَفِي بِاَللَّهُمِ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ) زَادَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الصَّغِيرِ: وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ لَا تُفْرَضُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، بَلْ تُسَنُّ عِنْدَهُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، وَقِيلَ تَجِبُ عِنْدَهُ. (قَوْلُهُ هَذْرَمَةَ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ: سُرْعَةُ الْكَلَامِ وَالْقِرَاءَةِ قَامُوسٌ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ، وَيَجُوزُ الْقَطْعُ ح. (قَوْلُهُ وَاسْتِرَاحَةٍ) هِيَ الْقَعْدَةُ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعٍ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُنْكَرَاتِ مَجْمُوعُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 (وَلَا يُصَلِّي الْوِتْرَ وَ) لَا (التَّطَوُّعَ بِجَمَاعَةٍ خَارِجَ رَمَضَانَ) أَيْ يُكْرَهُ ذَلِكَ   [رد المحتار] مَا ذَكَرَ، إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا مَا يُخَالِفُ الْمَشْرُوعَ. (قَوْلُهُ وَتُكْرَهُ قَاعِدًا) أَيْ تَنْزِيهًا، لِمَا فِي الْحِلْيَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ بِلَا عُذْرٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَوَارَثِ عَنْ السَّلَفِ. (قَوْلُهُ حَتَّى قِيلَ إلَخْ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. وَالصَّحِيحُ الْفَرْقُ بِأَنَّ سُنَّةَ الْفَجْرِ مُؤَكَّدَةٌ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ التَّرَاوِيحِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَدَّمْنَا عِبَارَتَهَا فِي بَحْثِ سُنَّةِ الْفَجْرِ. (قَوْلُهُ كَمَا يُكْرَهُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: يُكْرَهُ لِلْمُقْتَدِي أَنْ يَقْعُدَ فِي التَّرَاوِيحِ، فَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَرْكَعَ يَقُومُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ التَّكَاسُلِ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّشَبُّهَ بِالْمُنَافِقِينَ قَالَ تَعَالَى {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء: 142] ط. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِكَسَلٍ بَلْ لِكِبَرٍ وَنَحْوِهِ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَكَذَا إذَا غَلَبَهُ النَّوْمُ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بَلْ يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ. تَرَكُوا الْجَمَاعَةَ فِي الْفَرْضِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَبَعٌ) أَيْ لِأَنَّ جَمَاعَتَهَا تَبَعٌ لِجَمَاعَةِ الْفَرْضِ فَإِنَّهَا لَمْ تَقُمْ إلَّا بِجَمَاعَةِ الْفَرْضِ، فَلَوْ أُقِيمَتْ بِجَمَاعَةٍ وَحْدَهَا كَانَتْ مُخَالِفَةً لِلْوَارِدِ فِيهَا فَلَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً؛ أَمَّا لَوْ صَلَّيْت بِجَمَاعَةِ الْفَرْضِ وَكَانَ رَجُلٌ قَدْ صَلَّى الْفَرْضَ وَحْدَهُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ ذَلِكَ الْإِمَامِ لِأَنَّ جَمَاعَتَهُمْ مَشْرُوعَةٌ فَلَهُ الدُّخُولُ فِيهَا مَعَهُمْ لِعَدَمِ الْمَحْذُورِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي وَجْهِهِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ لَا يَشْمَلُ الْمُصَلِّيَ وَحْدَهُ، فَظَهَرَ صِحَّةُ التَّفْرِيعِ بِقَوْلِهِ فَمُصَلِّيهِ وَحْدَهُ إلَخْ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُصَلِّهَا إلَخْ) ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقَنِيَّةِ، وَكَذَا فِي مَتْنِ الدُّرَرِ، لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ سَأَلَ عَلِيَّ بْنَ أَحْمَدَ عَمَّنْ صَلَّى الْفَرْضَ وَالتَّرَاوِيحَ وَحْدَهُ أَوْ التَّرَاوِيحَ فَقَطْ هَلْ يُصَلِّي الْوِتْرَ مَعَ الْإِمَامِ؟ فَقَالَ لَا اهـ. ثُمَّ رَأَيْت الْقُهُسْتَانِيَّ ذَكَرَ تَصْحِيحَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، ثُمَّ قَالَ: لَكِنَّهُ إذَا لَمْ يُصَلِّ الْفَرْضَ مَعَهُ لَا يَتْبَعُهُ فِي الْوِتْرِ اهـ فَقَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُصَلِّهَا أَيْ وَقَدْ صَلَّى الْفَرْضَ مَعَهُ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْقُهُسْتَانِيِّ مَعَهُ احْتِرَازًا عَنْ صَلَاتِهَا مُنْفَرِدًا؛ أَمَّا لَوْ صَلَّاهَا جَمَاعَةً مَعَ غَيْرِهِ ثُمَّ صَلَّى الْوِتْرَ مَعَهُ لَا كَرَاهَةَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ بَقِيَ إلَخْ) الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ جَمَاعَةَ الْوِتْرِ تَبَعٌ لِجَمَاعَةِ التَّرَاوِيحِ وَإِنْ كَانَ الْوِتْرُ نَفْسُهُ أَصْلًا فِي ذَاتِهِ لِأَنَّ سُنَّةَ الْجَمَاعَةِ فِي الْوِتْرِ إنَّمَا عُرِفَتْ بِالْأَثَرِ تَابِعَةً لِلتَّرَاوِيحِ، عَلَى أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي أَفْضَلِيَّةِ صَلَاتِهَا بِالْجَمَاعَةِ بَعْدَ التَّرَاوِيحِ كَمَا يَأْتِي. مَطْلَبٌ فِي كَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ فِي النَّفْلِ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي وَفِي صَلَاةِ الرَّغَائِبِ (قَوْلُهُ أَيْ يُكْرَهُ ذَلِكَ) أَشَارَ إلَى مَا قَالُوا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ لَا يَجُوزُ الْكَرَاهَةُ لَا عَدَمُ أَصْلِ الْجَوَازِ، لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَأَيَّدَهُ فِي الْحِلْيَةِ بِمَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: دَفَنَّا أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَيْلًا فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنِّي لَمْ أُوتِرْ، فَقَامَ وَصَفّنَا وَرَاءَهُ فَصَلَّى بِنَا ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ لَمْ يُسَلِّمْ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ. ثُمَّ قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهِ غَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ، ثُمَّ إنْ كَانَ ذَلِكَ أَحْيَانًا كَمَا فَعَلَ عُمَرُ كَانَ مُبَاحًا غَيْرَ مَكْرُوهٍ، وَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاظَبَةِ كَانَ بِدْعَةً مَكْرُوهَةً لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَوَارَثِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي غَيْرِ مُخْتَصَرِهِ يُحْمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ الْجَمَاعَةَ فِي التَّطَوُّعِ لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ إلَّا فِي قِيَامِ رَمَضَانَ اهـ فَإِنَّ نَفْيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي، بِأَنْ يَقْتَدِيَ أَرْبَعَةٌ بِوَاحِدٍ كَمَا فِي الدُّرَرِ، وَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ إذْ لَا مَانِعَ نَهْرٌ. وَفِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ فِي صَلَاةِ رَغَائِبَ وَبَرَاءَةٍ وَقَدْرٍ، إلَّا إذَا قَالَ نَذَرْت كَذَا رَكْعَةً بِهَذَا الْإِمَامِ جَمَاعَةً. اهـ. قُلْت: وَتَتِمَّةُ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْإِمَامَةِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَكَلَّفَ كُلَّ هَذَا التَّكْلِيفِ لِأَمْرٍ مَكْرُوهٍ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ لَا كَرَاهَةَ عَلَى الْإِمَامِ فَلْيُحْفَظْ. (وَفِيهِ) أَيْ رَمَضَانَ (يُصَلِّي الْوِتْرَ وَقِيَامَهُ بِهَا) وَهَلْ الْأَفْضَلُ فِي الْوِتْرِ الْجَمَاعَةُ أَمْ الْمَنْزِلُ؟ تَصْحِيحَانِ، لَكِنْ نَقَلَ شَارِحُ الْوَهْبَانِيَّةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَذْهَبَ الثَّانِيَ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ.   [رد المحتار] السُّنِّيَّةِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْكَرَاهَةَ، نَعَمْ إنْ كَانَ مَعَ الْمُوَاظَبَةِ كَانَ بِدْعَةً فَيُكْرَهُ. وَفِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ لِلْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ: عَلَّلَ الْكَرَاهَةَ فِي الضِّيَاءِ وَالنِّهَايَةِ بِأَنَّ الْوِتْرَ نَفْلٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى وَجَبَتْ الْقِرَاءَةُ فِي جَمِيعِهَا، وَتُؤَدَّى بِغَيْرِ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَالنَّفَلُ بِالْجَمَاعَةِ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ لِأَنَّهُ لَمْ تَفْعَلْهُ الصَّحَابَةُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ اهـ وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ تَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي) هُوَ أَنْ يَدْعُوَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَفَسَّرَهُ الْوَانِيُّ بِالْكَثْرَةِ وَهُوَ لَازِمُ مَعْنَاهُ. (قَوْلُهُ أَرْبَعَةٌ بِوَاحِدٍ) أَمَّا اقْتِدَاءُ وَاحِدٍ بِوَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ فَلَا يُكْرَهُ، وَثَلَاثَةٍ بِوَاحِدٍ فِيهِ خِلَافٌ بَحْرٌ عَنْ الْكَافِي وَهَلْ يَحْصُلُ بِهَذَا الِاقْتِدَاءِ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ؟ ظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي التَّطَوُّعِ لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ يُفِيدُ عَدَمَهُ تَأَمَّلْ. بَقِيَ لَوْ اقْتَدَى بِهِ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ ثُمَّ جَاءَتْ جَمَاعَةٌ اقْتَدَوْا بِهِ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ عَلَى الْمُتَأَخِّرِينَ. اهـ. قُلْت: وَهَذَا كُلُّهُ لَوْ كَانَ الْكُلُّ مُتَنَفِّلِينَ، أَمَّا لَوْ اقْتَدَى مُتَنَفِّلُونَ بِمُفْتَرِضٍ فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا نَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي. (قَوْلُهُ فِي صَلَاةِ رَغَائِبَ) فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلْحَمَوِيِّ: هِيَ الَّتِي فِي رَجَبٍ فِي أَوَّلِ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ: وَقَدْ حَدَثَتْ بَعْدَ أَرْبَعَمِائَةٍ وَثَمَانِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَقَدْ صَنَّفَ الْعُلَمَاءُ كُتُبًا فِي إنْكَارِهَا وَذَمِّهَا وَتَسَفِّيهِ فَاعِلِهَا، وَلَا يُغْتَرَّ بِكَثْرَةِ الْفَاعِلِينَ لَهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا بَعْضَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِحْيَاءُ لَيْلَةِ الْعِيدَيْنِ. (قَوْلُهُ وَبَرَاءَةٍ) هِيَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ. (قَوْلُهُ وَقَدْرٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّ الْأَخْبَارَ تَظَاهَرَتْ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ إلَّا إذَا قَالَ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَا خُرُوجَ عَنْهَا حِينَئِذٍ إلَّا بِالْجَمَاعَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ النَّذْرَ مِنْ الْمُقْتَدِينَ دُونَ الْإِمَامِ وَإِلَّا كَانَ اقْتِدَاءُ النَّاذِرِ بِالنَّاذِرِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ ثُمَّ إنَّ بِنَاءَ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ إنَّمَا يُمْنَعُ إذَا كَانَتْ الْقُوَّةُ ذَاتِيَّةً، فَلَوْ عَرَضَتْ بِالنَّذْرِ كَمَا هُنَا فَلَا، وَمِنْ هُنَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: النَّذْرُ كَالنَّفْلِ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ. (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) لَمْ يَنْقُلْ عِبَارَةَ الْبَزَّازِيَّةِ بِتَمَامِهَا وَنَصُّهَا: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَكَلَّفَ لِالْتِزَامِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ كُلَّ هَذَا التَّكَلُّفِ لِإِقَامَةِ أَمْرٍ مَكْرُوهٍ وَهُوَ أَدَاءُ النَّفْلِ بِالْجَمَاعَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي، فَلَوْ تَرَكَ أَمْثَالَ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ تَارِكٌ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الشِّعَارِ فَحَسَنٌ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِالنَّذْرِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ أَدَاءَ النَّفْلِ بِالْجَمَاعَةِ. (قَوْلُهُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إلَخْ) عِبَارَتُهَا نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ: وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ فِيمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالتَّرَاوِيحَ وَالْوِتْرَ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أَمَّ قَوْمًا آخَرِينَ فِي التَّرَاوِيحِ وَنَوَى الْإِمَامَةَ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يُكْرَهُ لِلْمَأْمُومَيْنِ. وَلَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ وَشَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فَاقْتَدَى النَّاسُ بِهِ لَمْ يُكْرَهْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. اهـ. قَالَ ط: وَهَلْ إذَا اقْتَدَى حَنَفِيٌّ نَوَى سُنَّةَ الْجُمُعَةِ الْبَعْدِيَّةِ بِشَافِعِيٍّ يُصَلِّي الظُّهْرَ بَعْدَهَا يُكْرَهُ نَظَرًا لِاعْتِقَادِ الْحَنَفِيِّ لِأَنَّهَا نَفْلٌ عِنْدَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَوْ لَا يُكْرَهُ نَظَرًا لِاعْتِقَادِ الْإِمَامِ؟ حَرِّرْهُ. اهـ. وَيَظْهَرُ لِي الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْأَرْجَحَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِاعْتِقَادِ الْمُقْتَدِي، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ فِي اعْتِقَادِهِ مَكْرُوهَةٌ. (قَوْلُهُ تَصْحِيحَانِ) رَجَّحَ الْكَمَالُ الْجَمَاعَةَ «بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَوْتَرَ بِهِمْ ثُمَّ بَيَّنَ الْعُذْرَ فِي تَأَخُّرِهِ مِثْلَ مَا صَنَعَ فِي التَّرَاوِيحِ» فَالْوِتْرُ كَالتَّرَاوِيحِ؛ فَكَمَا أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا سُنَّةٌ فَكَذَلِكَ الْوِتْرُ بَحْرٌ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا أَفْضَلُ إلَّا أَنَّ سُنِّيَّتَهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ (شَرَعَ فِيهَا أَدَاءً) خَرَجَ النَّافِلَةُ وَالْمَنْذُورَةُ وَالْقَضَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُهَا (مُنْفَرِدًا ثُمَّ أُقِيمَتْ) أَيْ شُرِعَ فِي الْفَرِيضَةِ فِي مُصَلَّاهُ،   [رد المحتار] لَيْسَتْ كَسُنِّيَّةِ جَمَاعَةِ التَّرَاوِيحِ. اهـ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ النَّاسِ الْيَوْمَ اهـ وَقَوَّاهُ الْمُحَشِّي أَيْضًا بِأَنَّهُ مُقْتَضَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا شُرِعَ بِجَمَاعَةٍ فَالْمَسْجِدُ أَفْضَلُ فِيهِ. [بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ] ِ حَقِيقَةُ هَذَا الْبَابِ مَسَائِلُ شَتَّى تَتَعَلَّقُ بِالْفَرَائِضِ فِي الْأَدَاءِ الْكَامِلِ، وَكُلُّهُ مَسَائِلُ الْجَامِعِ بَحْرٌ وَفَتْحٌ وَمِعْرَاجٌ. أَقُولُ: وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَتْمِيمٌ لِبَابِ الْإِمَامَةِ، وَلِذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ عَقِبَهُ، وَتَرْجَمَهُ بِفَصْلِ إدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ وَفَضِيلَتِهَا. (قَوْلُهُ خَرَجَ النَّافِلَةُ إلَخْ) أَيْ خَرَجَ بِالْفَرِيضَةِ النَّافِلَةُ وَالنَّذْرُ، وَكَذَا بِالْأَدَاءِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي فِعْلُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ، فَالنَّفَلُ وَالنَّذْرُ لَا وَقْتَ لَهُمَا، وَالْقَضَاءُ فِعْلُهُ خَارِجَ وَقْتِهِ. قَالَ ح: فَقَوْلُهُ فِيمَا سَيَأْتِي: وَالشَّارِعُ فِي نَفْلٍ لَا يَقْطَعُ مُطْلَقًا تَصْرِيحٌ بِالْمَفْهُومِ. (قَوْلُهُ وَالْقَضَاءُ) يَعْنِي إذَا شَرَعَ فِي صَلَاةِ قَضَاءٍ ثُمَّ شَرَعَ الْإِمَامُ فِي الْأَدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ، وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى هَذَا لِأَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِي قَضَاءِ فَرْضٍ فَأُقِيمَتْ الْجَمَاعَةُ فِي ذَلِكَ الْفَرْضِ بِعَيْنِهِ يَقْطَعُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا وَجَزَمَ بِهِ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ. اهـ. ح. أَقُولُ: وَجَزَمَ بِهِ الْمَقْدِسِيَّ أَيْضًا؛ وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَحْرِ فَلَمْ أَرَهُ فِيهِ. وَاَلَّذِي رَأَيْته فِيهِ مَعْزِيًّا لِلْخُلَاصَةِ: لَوْ شَرَعَ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ ثُمَّ أُقِيمَتْ لَا يَقْطَعُ كَالنَّفْلِ وَالْمَنْذُورَةُ كَالْفَائِتَةِ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] لَوْ خَافَ فَوْتَ جَمَاعَةِ الْحَاضِرَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ تَرْتِيبٍ قَضَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهَلْ يَقْضِي لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى حَسَبِ مَا وَجَبَ، وَلِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ مَالِكٍ فَإِنَّ التَّرْتِيبَ لَا يَسْقُطُ عِنْدَهُ بِالْأَعْذَارِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَنَا، أَمْ يَقْتَدِي لِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ مَعَ جَوَازِ تَأْخِيرِ الْقَضَاءِ وَإِمْكَانِ تَلَافِيه. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: لَمْ أَرَهُ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ اخْتِلَافَ التَّرْجِيحِ فِيهِ. وَاسْتَظْهَرَ الثَّانِيَ. قُلْت: وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا أَوْ فِي حُكْمِ الْوَاجِبِ، وَلِذَا يَتْرُكُ لِأَجْلِهَا سُنَّةَ الْفَجْرِ الَّتِي قِيلَ عِنْدَنَا بِوُجُوبِهَا، وَمُرَاعَاةُ خِلَافِ الْإِمَامِ مَالِكٍ مُسْتَحَبَّةٌ، فَلَا يَنْبَغِي تَفْوِيتُ الْوَاجِبِ لِأَجْلِ الْمُسْتَحَبِّ. (قَوْلُهُ أَيْ شُرِعَ فِي الْفَرِيضَةِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَفِي الْفَرِيضَةِ نَائِبُ الْفَاعِلِ: أَيْ شَرَعَ فِيهَا الْإِمَامُ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الْإِمَامَةِ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِالْفَاسِقِ وَالْأَعْمَى وَنَحْوِهِمَا أَوْلَى مِنْ الِانْفِرَادِ، وَكَذَا بِالْمُخَالِفِ الَّذِي يُرَاعِي فِي الشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ. وَعَلَيْهِ فَيَقْطَعُ وَيَقْتَدِي بِهِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَحْصِيلُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، فَحَيْثُ حَصَلَتْ بِلَا كَرَاهَةٍ، بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُمْ كَانَ الْقَطْعُ وَالِاقْتِدَاءُ أَوْلَى وَقَدَّمْنَا اخْتِلَافَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيمَا لَوْ تَعَدَّدَتْ الْجَمَاعَاتُ وَسَبَقَتْ جَمَاعَةُ الشَّافِعِيَّةِ فَبَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ أَوَّلِ جَمَاعَةٍ أَفْضَلُ، وَبَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ انْتِظَارَ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُوَافِقِ أَفْضَلُ بِنَاءً عَلَى كَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُخَالِفِ لِعَدَمِ مُرَاعَاتِهِ فِي الْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ وَإِنْ رَاعَى فِي الْفُرُوضِ وَاسْتَظْهَرْنَا هُنَاكَ عَدَمَ كَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ مُفْسِدًا كَمَا مَال إلَيْهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ، وَأَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَ إمَامَ مَذْهَبِهِ بَعِيدًا عَنْ الصُّفُوفِ لَمْ يَكُنْ إعْرَاضًا عَنْ الْجَمَاعَةِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ يُرِيد جَمَاعَةً أَكْمَلَ مِنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ شَرَعَ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ يُتِمُّهَا أَرْبَعًا حَتَّى عَلَى قَوْلِ الْكَمَالِ الْآتِي. بَقِيَ لَوْ كَانَ مُقْتَدِيًا بِمَنْ يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ ثُمَّ شَرَعَ مَنْ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ هَلْ يَقْطَعُ وَيَقْتَدِي بِهِ؟ اسْتَظْهَرَ ط أَنَّ الْأَوَّلَ لَوْ فَاسِقًا لَا يَقْطَعُ، وَلَوْ مُخَالِفًا وَشَكَّ فِي مُرَاعَاتِهِ يَقْطَعُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 لَا إقَامَةُ الْمُؤَذِّنِ وَلَا الشُّرُوعُ فِي مَكَان وَهُوَ فِي غَيْرِهِ (يَقْطَعُهَا) لِعُذْرِ إحْرَازِ الْجَمَاعَةِ كَمَا لَوْ نَدَّتْ دَابَّتُهُ أَوْ فَارَ قِدْرُهَا، أَوْ خَافَ ضَيَاعَ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ، أَوْ كَانَ فِي النَّفْلِ فَجِيءَ بِجِنَازَةٍ وَخَافَ فَوْتَهَا قَطَعَهُ لِإِمْكَانِ قَضَائِهِ. وَيَجِبُ الْقَطْعُ لِنَحْوِ إنْجَاءِ غَرِيقٍ أَوْ حَرِيقٍ. وَلَوْ دَعَاهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ فِي الْفَرْضِ لَا يُجِيبُهُ إلَّا أَنْ يَسْتَغِيثَ بِهِ. وَفِي النَّفْلِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ فَدَعَاهُ لَا يُجِيبُهُ وَإِلَّا أَجَابَهُ (قَائِمًا) لِأَنَّ الْقُعُودَ مَشْرُوطٌ لِلتَّحَلُّلِ، وَهَذَا قَطْعٌ لَا تَحَلُّلٌ، وَيَكْتَفِي (بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ)   [رد المحتار] أَقُولُ: وَالْأَظْهَرُ الْعَكْسُ، لِأَنَّ الثَّانِيَ كَرَاهَتُهُ تَنْزِيهِيَّةٌ كَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَابِيِّ، بِخِلَافِ الْفَاسِقِ؛ فَإِنَّهُ اسْتَظْهَرَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ فِي تَقْدِيمِهِ لِلْإِمَامَةِ تَعْظِيمَهُ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْنَا إهَانَتُهُ، بَلْ عِنْدَ مَالِكٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ. (قَوْلُهُ لَا إقَامَةُ الْمُؤَذِّنِ إلَخْ) مَرْفُوعٌ عَطْفًا عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ شُرِعَ فِي الْفَرِيضَةِ فِي مُصَلَّاهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ الْمُرَادُ بِالْإِقَامَةِ الشُّرُوعِ فِي الْفَرِيضَةِ فِي مُصَلَّاهُ لَا إقَامَةُ الْمُؤَذِّنِ إلَخْ ح أَيْ فَلَا يَقْطَعُ إذَا أَقَامَ الْمُؤَذِّنُ وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ بَلْ يُتِمُّهَا رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ أُقِيمَتْ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ فِي الْبَيْتِ أَوْ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ لَا يَقْطَعُ مُطْلَقًا بَحْرٌ: أَيْ سَوَاءٌ قَيَّدَ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إحْرَازُ ثَوَابِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ مُخَالَفَةُ الْجَمَاعَةِ عِيَانًا مِعْرَاجٌ: أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ فِي عَدَمِ قَطْعِهَا مُخَالَفَةَ الْجَمَاعَةِ عِيَانًا. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ مَا أَوْرَدَهُ ط مِنْ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِطَلَبِ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ إنْ فَاتَتْهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ وَاجِبَةٌ وَلَمْ تُقَيَّدْ بِمَسْجِدِهِ وَأَنَّ الْقَطْعَ لِلْإِكْمَالِ إكْمَالٌ، فَلَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ. وَبَيَانُ الدَّفْعِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ وَإِنْ كَانَتْ مَطْلُوبَةً لَا وَاجِبَةً، لَكِنْ عَارَضَ وُجُوبَهَا حُرْمَةُ الْقَطْعِ فَسَقَطَ الْوُجُوبُ، وَتَرَجَّحَ الْقَطْعُ لِلْإِكْمَالِ إذَا كَانَ فِي عَدَمِ الْقَطْعِ مُخَالَفَةُ الْجَمَاعَةِ عِيَانًا لِأَنَّ هَذِهِ الْمُخَالَفَةَ مَنْهِيَّةٌ أَيْضًا فَصَارَ الْقَطْعُ أَوْلَى لِذَلِكَ. أَمَّا إذَا لَمْ تُوجَدْ الْمُخَالَفَةُ الْمَذْكُورَةُ يَبْقَى الْوُجُوبُ سَاقِطًا بِحُرْمَةِ الْقَطْعِ لِتَرَجُّحِ الْحَاظِرِ عَلَى الْمُبِيحِ وَعَدَمِ مَا يُرَجِّحُ جَانِبَ الْمُبِيحِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ. (قَوْلُهُ يَقْطَعُهَا) قَالَ فِي الْمِنَحِ: جَازَ نَقْضُ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا لِإِحْرَازِ الْجَمَاعَةِ. اهـ. وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ الِاسْتِحْبَابُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ إحْرَازَ الْجَمَاعَةِ وَاجِبٌ عَلَى أَعْدَلِ الْأَقْوَالِ فَيَقْتَضِي وُجُوبَ الْقَطْعِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ عَارَضَهُ الشُّرُوعُ فِي الْعَمَلِ ط. (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ نَدَّتْ إلَخْ) أَيْ هَرَبَتْ، وَأَشَارَ بِذِكْرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ هُنَا وَإِنْ تَقَدَّمَتْ فِي مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَكُرِهَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ إلَى مَا قَالُوا مِنْ أَنَّهُ إذَا جَازَ الْقَطْعُ فِيهَا لِحُطَامِ الدُّنْيَا ثُمَّ الْإِعَادَةُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ إحْسَانٍ فَجَوَازُهُ لِتَحْصِيلِهِ عَلَى وَجْهٍ أَكْمَلَ أَوْلَى، لِأَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَفِي رِوَايَةٍ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً. (قَوْلُهُ أَوْ خَافَ ضَيَاعَ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَمْ يَفْصِلْ فِي الْكِتَابِ بَيْنَ الْمَالِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ قَدَّرُوهُ بِدِرْهَمٍ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هَذَا حَسَنٌ لَوْلَا مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ أَنَّ لِلطَّالِبِ حَبْسَ غَرِيمِهِ بِالدَّانَقِ فَمَا فَوْقَهُ، فَإِذَا جَازَ حَبْسُ الْمُسْلِمِ بِالدَّانَقِ فَجَوَازُ قَطْعِ الصَّلَاةِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ قَضَائِهَا أَوْلَى. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَصْلَ بَيْنَ مَالِهِ وَمَالِ غَيْرِهِ اهـ. (قَوْلُهُ لِإِمْكَانِ قَضَائِهِ) هَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ جَوَازَ قَطْعِ الْفَرْضِ لِلْجِنَازَةِ ح عَنْ الْإِمْدَادِ. قُلْت: عَارَضَهُ: أَنَّ الْفَرْضَ أَقْوَى مِنْهَا بِخِلَافِ النَّفْلِ ط (قَوْلُهُ وَيَجِبُ) أَيْ يُفْتَرَضُ (قَوْلُهُ لَا يُجِيبُهُ) ظَاهِرُهُ الْحُرْمَةُ سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا ط. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَسْتَغِيثَ بِهِ) أَيْ يَطْلُبَ مِنْهُ الْغَوْثَ وَالْإِعَانَةَ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي أَمْرٍ غَيْرِ مُهْلِكٍ وَاسْتِغَاثَةُ غَيْرِ الْأَبَوَيْنِ كَذَلِكَ ط. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ مَتَى سَمِعَ أَحَدًا يَسْتَغِيثُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ بِالنِّدَاءِ، أَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا حَلَّ بِهِ أَوْ عَلِمَ وَكَانَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إغَاثَتِهِ وَتَخْلِيصِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إغَاثَتُهُ وَقَطَعَ الصَّلَاةَ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ لَا يُجِيبُهُ) عِبَارَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 هُوَ الْأَصَحُّ غَايَةٌ (وَيَقْتَدِي بِالْإِمَامِ) وَهَذَا (إنْ لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِسَجْدَةٍ أَوْ قَيَّدَهَا) بِهَا (فِي غَيْرِ رُبَاعِيَّةٍ أَوْ فِيهَا و) لَكِنْ (ضَمَّ إلَيْهَا) رَكْعَةً (أُخْرَى) وُجُوبًا ثُمَّ يَأْتَمُّ إحْرَازًا لِلنَّفْلِ وَالْجَمَاعَةِ (وَإِنْ صَلَّى ثَلَاثًا مِنْهَا) أَيْ الرُّبَاعِيَّةِ   [رد المحتار] التَّجْنِيسِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ: لَا بَأْسَ أَنْ لَا يُجِيبَهُ. قَالَ ح: وَهِيَ تَقْتَضِي أَنَّ الْإِجَابَةَ أَفْضَلُ تَأَمَّلْ اهـ. قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ إجَابَتَهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَاجِبَةٌ أَيْضًا بِالْأَوْلَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا تَأَذَّى مِنْهُ بِتَرْكِ الْإِجَابَةِ لِكَوْنِهِ عُقُوقًا تَأَمَّلْ. هَذَا، وَذَكَرَ الرَّحْمَتِيُّ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَاجِبًا وَكَانَ مَظِنَّةَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ إذَا نَادَاهُ أَحَدُهُمَا يَكُونُ عَلَيْهِ بَأْسٌ فِي عَدَمِ إجَابَتِهِ دُفِعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لَا بَأْسَ تَرْجِيحًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِعَدَمِ قَطْعِ الْعِبَادَةِ لِأَنَّ نِدَاءَهُ لَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ مَعْصِيَةٌ، وَلَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، فَلَا تَجُوزُ إجَابَتُهُ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُجِيبُهُ، لِمَا عُلِمَ فِي قِصَّةِ جُرَيْجٍ الرَّاهِبِ، وَدُعَاءِ أُمِّهِ عَلَيْهِ، وَمَا نَالَهُ مِنْ الْعَنَاءِ لِعَدَمِ إجَابَتِهِ لَهَا فَلَيْسَ كَلِمَةُ لَا بَأْسَ هُنَا لِخِلَافِ الْأَوْلَى لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ فِيهَا، بَلْ قَدْ تَأْتِي بِمَعْنَى يَجِبُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْهُ. مَطْلَبٌ قَطْعُ الصَّلَاةِ يَكُونُ حَرَامًا وَمُبَاحًا وَمُسْتَحَبًّا وَوَاجِبًا. [تَتِمَّةٌ] نُقِلَ عَنْ خَطِّ صَاحِبِ الْبَحْرِ عَلَى هَامِشِهِ أَنَّ الْقَطْعَ يَكُونُ حَرَامًا وَمُبَاحًا وَمُسْتَحَبًّا وَوَاجِبًا، فَالْحَرَامُ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَالْمُبَاحُ إذَا خَافَ فَوْتَ مَالٍ، وَالْمُسْتَحَبُّ الْقَطْعُ لِلْإِكْمَالِ، وَالْوَاجِبُ لِإِحْيَاءِ نَفْسٍ. (قَوْلُهُ هُوَ الْأَصَحُّ) وَقِيلَ يَقْعُدُ وَيُسَلِّمُ، لَكِنْ ذَكَرَ ط أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ هُنَا، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا الْخِلَافَ فِيمَا إذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِسَجْدَةٍ اهـ وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْلَى إرْجَاعُ التَّصْحِيحِ إلَى قَوْلِهِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، لَكِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَإِنَّمَا قَالَ: لَكِنْ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً، وَبِهِ صَرَّحَ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَإِنْ شَاءَ كَبَّرَ قَائِمًا. قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَهَذَا أَصَحُّ، فَإِذَا كَبَّرَ قَائِمًا يَنْوِي الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ تَنْقَطِعُ الْأُولَى فِي ضِمْنِ شُرُوعِهِ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ، ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ، كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ حُمَيْدُ الدِّينِ الضَّرِيرُ فِي شَرْحِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا إنْ لَمْ يُقَيِّدْ إلَخْ) حَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: شَرَعَ فِي فَرْضٍ فَأُقِيمَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لِلْأُولَى قَطَعَ وَاقْتَدَى، فَإِنْ سَجَدَ لَهَا، فَإِنْ فِي رُبَاعِيٍّ أَتَمَّ شَفْعًا وَاقْتَدَى مَا لَمْ يَسْجُدْ لِلثَّالِثَةِ، فَإِنْ سَجَدَ أَتَمَّ وَاقْتَدَى مُتَنَفِّلًا إلَّا فِي الْعَصْرِ، وَإِنْ فِي غَيْرِ رُبَاعِيٍّ قَطَعَ وَاقْتَدَى مَا لَمْ يَسْجُدْ لِلثَّانِيَةِ، فَإِنْ سَجَدَ لَهَا أَتَمَّ وَلَمْ يَقْتَدِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ أَوْ قَيَّدَهَا) عُطِفَ عَلَى لَمْ يُقَيِّدْ: أَيْ وَإِنْ قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ فِي غَيْرِ رُبَاعِيَّةٍ كَالْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ وَيَقْتَدِي أَيْضًا مَا لَمْ يُقَيِّدْ الثَّانِيَةَ بِسَجْدَةٍ، فَإِنْ قَيَّدَهَا أَتَمَّ، وَلَا يَقْتَدِي لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَبِالثَّلَاثِ فِي الْمَغْرِبِ، وَفِي جَعْلِهَا أَرْبَعًا مُخَالَفَةً لِإِمَامِهِ، فَإِنْ اقْتَدَى أَتَمَّهَا أَرْبَعًا لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بِالثَّلَاثِ تَحْرِيمًا، وَمُخَالَفَةُ الْإِمَامِ مَشْرُوعَةٌ فِي الْجُمْلَةِ كَالْمَسْبُوقِ فِيمَا يُقْضَى وَالْمُقْتَدِي بِمُسَافِرٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ أَوْ فِيهَا إلَخْ) أَيْ أَوْ قَيَّدَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِسَجْدَةٍ فِي الرُّبَاعِيَّةِ فَإِنَّهُ أَيْضًا يَقْتَدِي وَلَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهَا رَكْعَةً صِيَانَةً لِلرَّكْعَةِ الْمُؤَدَّاةِ عَنْ الْبُطْلَانِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. مَطْلَبٌ صَلَاةُ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ بَاطِلَةٌ، لَا صَحِيحَةٌ مَكْرُوهَةٌ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ صَلَاةَ رَكْعَةٍ فَقَطْ بَاطِلَةٌ لَا أَنَّهَا صَحِيحَةٌ مَكْرُوهَةٌ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ حَنَفِيَّةِ الْعَصْرِ. اهـ. وَفِي النَّهْرِ أَنَّ بُطْلَانَ هَذَا التَّوَهُّمِ غَنِيٌّ عَنْ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ صَلَّى ثَلَاثًا مِنْهَا) أَيْ بِأَنْ قَيَّدَ الثَّالِثَةَ بِسَجْدَةٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: قَيَّدَ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الثَّالِثَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِسَجْدَةٍ فَإِنَّهُ يَقْطَعُهَا لِأَنَّهُ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ. وَيَتَخَيَّرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 (أَتَمَّ) مُنْفَرِدًا (ثُمَّ اقْتَدَى) بِالْإِمَامِ (مُتَنَفِّلًا، وَيُدْرِكُ) بِذَلِكَ (فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ) حَاوِي (إلَّا فِي الْعَصْرِ) فَلَا يَقْتَدِي لِكَرَاهَةِ النَّفْلِ بَعْدَهُ (وَالشَّارِعُ فِي نَفْلٍ لَا يَقْطَعُ مُطْلَقًا) وَيُتِمُّهُ رَكْعَتَيْنِ (وَكَذَا سُنَّةُ الظُّهْرِ و) سُنَّةُ (الْجُمُعَةِ إذَا أُقِيمَتْ أَوْ خَطَبَ الْإِمَامُ) يُتِمُّهَا أَرْبَعًا (عَلَى) الْقَوْلِ (الرَّاجِحِ) لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَيْسَ الْقَطْعُ لِلْإِكْمَالِ بَلْ لِلْإِبْطَالِ خِلَافًا لِمَا رَجَّحَهُ الْكَمَالُ   [رد المحتار] إنْ شَاءَ عَادَ وَقَعَدَ وَسَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ كَبَّرَ قَائِمًا يَنْوِي الدُّخُولَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْمُحِيطِ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْطَعُ قَائِمًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْقُعُودَ مَشْرُوطٌ لِلتَّحَلُّلِ، وَهَذَا قَطْعٌ وَلَيْسَ بِتَحَلُّلٍ، فَإِنَّ التَّحَلُّلَ عَنْ الظُّهْرِ لَا يَكُونُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ، وَيَكْفِيهِ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْقَطْعِ انْتَهَى: وَهَكَذَا صَحَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى فَخْرِ الْإِسْلَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَتَمَّ) أَيْ وُجُوبًا؛ فَلَوْ قَطَعَ وَاقْتَدَى كَانَ آثِمًا رَمْلِيٌّ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ بِحِيلَةٍ، مِثْلَ أَنْ لَا يَقْعُدَ عَلَى الرَّابِعَةِ وَيُصَيِّرَهَا سِتًّا كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَمِثْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّابِعَةَ قَاعِدًا لِتَنْقَلِبَ نَفْلًا لِأَنَّ الْإِتْمَامَ فَرْضٌ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ اقْتَدَى مُتَنَفِّلًا) أَيْ إنْ شَاءَ، وَهُوَ أَفْضَلُ إمْدَادٍ. وَأُورِدَ أَنَّ التَّنَفُّلَ بِجَمَاعَةٍ مَكْرُوهٌ خَارِجَ رَمَضَانَ. وَأُجِيبَ بِنَعَمْ إذَا كَانَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ مُتَطَوِّعِينَ، أَمَّا إذَا أَدَّى الْإِمَامُ الْفَرْضَ وَالْقَوْمُ النَّفَلَ فَلَا «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلرَّجُلَيْنِ إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا صَلَاةَ قَوْمٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ وَاجْعَلَا صَلَاتَكُمَا مَعَهُمْ سُبْحَةً» أَيْ نَافِلَةً، كَذَا فِي الْكَافِي بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَيُدْرِكُ بِذَلِكَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُحَصِّلُ بِذَلِكَ الِاقْتِدَاءِ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ الَّتِي هِيَ الْمُضَاعَفَةُ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً؛ كَمَا لَوْ كَانَ صَلَّى الْفَرِيضَةَ مُقْتَدِيًا لِأَنَّ هَذِهِ جَمَاعَةٌ مَشْرُوعَةٌ أَيْضًا إمَّا لِاسْتِدْرَاكِ مَا فَاتَ أَوْ لِئَلَّا يَصِيرَ مُخَالِفًا لِلْجَمَاعَةِ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذِهِ الْمُضَاعَفَةَ مُضَاعَفَةُ ثَوَابِ النَّفْلِ لَا الْفَرْضِ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ حَاوِي) أَيْ حَاوِي الْقُدْسِيِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ، لَا حَاوِي الْحَصِيرِيِّ وَلَا حَاوِي الزَّاهِدِيِّ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ قَيَّدَ الْأُولَى بِسَجْدَةٍ أَوْ لَا (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا رَجَّحَهُ الْكَمَالُ) حَيْثُ قَالَ: وَقِيلَ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَضَائِهِ بَعْدَ الْفَرْضِ. وَلَا إبْطَالَ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ، فَلَا يَفُوتُ فَرْضُ الِاسْتِمَاعِ وَالْأَدَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ بِلَا سَبَبٍ. اهـ. أَقُولُ: وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ اخْتِيَارُهُ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْمُلْتَقَى وَنُورِ الْإِيضَاحِ وَالْمَوَاهِبِ وَجُمُعَةِ الدُّرَرِ وَالْفَيْضِ، وَعَزَاهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَى الْبُرْهَانِ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ السَّعْدِيِّ أَنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِ لَمَّا رَآهُ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَنَّهُ مَالَ إلَيْهِ السَّرَخْسِيُّ وَالْبَقَّالِيُّ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِ الْقَاضِي النَّسَفِيُّ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَقْدِسِيَّ الْمَيْلُ إلَيْهِ. وَنَقَلَ فِي الْحِلْيَةِ كَلَامَ شَيْخِهِ الْكَمَالِ. ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ كَمَا قَالَ. هَذَا، وَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الْوَلْوَالِجِيُّ وَصَاحِبُ الْمُبْتَغَى وَالْمُحِيطِ ثُمَّ الشُّمُنِّيُّ. وَفِي جُمُعَةِ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالظَّاهِرُ مَا صَحَّحَهُ الْمَشَايِخُ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ إبْطَالَ وَصْفِ السُّنِّيَّةِ لَا لِإِكْمَالِهَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَيَشْهَدُ لَهُمْ إثْبَاتُ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ لِلْأَرْبَعِ مِنْ عَدَمِ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ. أَقُولُ: لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ النَّوَافِلِ أَنَّهُ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ لَوْ نَوَى أَرْبَعًا وَأَفْسَدَهُ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ، وَأَنَّهُ صَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ رُجُوعَ أَبِي يُوسُفَ إلَيْهِ، وَصَرَّحَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يَشْمَلُ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ، حَتَّى لَوْ قَطَعَهَا قَضَى رَكْعَتَيْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ اخْتَارَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فِي السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْفَضْلِ وَصَحَّحَهُ فِي النِّصَابِ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ ظَاهِرَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا تَرْجِيحُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَحَيْثُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 (وَكُرِهَ) تَحْرِيمًا لِلنَّهْيِ (خُرُوجُ مَنْ لَمْ يُصَلِّ مِنْ مَسْجِدٍ أُذِنَّ فِيهِ) جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَالْمُرَادُ دُخُولُ الْوَقْتِ أُذِّنَ فِيهِ أَوْ لَا (إلَّا لِمَنْ يَنْتَظِمُ بِهِ أَمْرُ جَمَاعَةٍ أُخْرَى) أَوْ كَانَ الْخُرُوجُ لِمَسْجِدِ حَيِّهِ وَلَمْ يُصَلُّوا فِيهِ، أَوْ لِأُسْتَاذِهِ لِدَرْسِهِ، أَوْ لِسَمَاعِ الْوَعْظِ   [رد المحتار] كَانَتْ الْمُتُونُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالشُّرُوعِ فِي السُّنَنِ إلَّا رَكْعَتَانِ لَمْ تَكُنْ فِي حُكْمِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ إبْطَالًا لَهَا وَإِبْطَالَ وَصْفِ السُّنِّيَّةِ لِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ مَعَ إمْكَانِ تَدَارُكِهَا بِالْقَضَاءِ بَعْدَ الْفَرْضِ لَا مَحْذُورَ فِيهِ فَتَدَبَّرْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ حَيْثُ لَمْ يَقُمْ إلَى الثَّالِثَةِ، أَمَّا إنْ قَامَ إلَيْهَا وَقَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ، فَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ يُضِيفُ إلَيْهَا رَابِعَةً وَيُسَلِّمُ، وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِسَجْدَةٍ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَمْ يُذْكَرْ فِي النَّوَادِرِ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ يُتِمُّهَا أَرْبَعًا وَيُخَفِّفُ الْقِرَاءَةَ وَقِيلَ يَعُودُ إلَى الْقَعْدَةِ وَيُسَلِّمُ وَهَذَا أَشْبَهُ. اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُتِمَّهَا لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ صَلَاةً وَاحِدَةً فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَتْ كَغَيْرِهَا مِنْ النَّوَافِلِ كُلُّ شَفْعٍ صَلَاةٌ فَالْقِيَامُ إلَى الثَّالِثَةِ كَالتَّحْرِيمَةِ الْمُبْتَدَأَةِ، وَإِذَا كَانَ أَوَّلُ مَا تَحْرُمُ يُتِمُّ شَفْعًا فَكَذَا هُنَا اهـ. مَطْلَبٌ فِي كَرَاهَةِ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ تَحْرِيمًا لِلنَّهْيِ) وَهُوَ مَا فِي ابْنِ مَاجَهْ «مَنْ أَدْرَكَ الْأَذَانَ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يَخْرُجْ لِحَاجَةٍ وَهُوَ لَا يُرِيدُ الرُّجُوعَ فَهُوَ مُنَافِقٌ» وَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ " كُنَّا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ رَجُلٌ حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِلْعَصْرِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ " وَالْمَوْقُوفُ فِي مِثْلِهِ كَالْمَرْفُوعِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مِنْ مَسْجِدٍ أُذِّنَ فِيهِ) أَطْلَقَهُ، فَشَمِلَ مَا إذَا أُذِّنَ وَهُوَ فِيهِ أَوْ دَخَلَ بَعْدَ الْأَذَانِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ) بَحْثٌ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ مِنْ الْأَذَانِ فِيهِ هُوَ دُخُولُ الْوَقْتِ وَهُوَ دَاخِلَهُ، سَوَاءٌ أُذِّنَ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، كَمَا أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ عَدَمُ الصَّلَاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، سَوَاءٌ خَرَجَ أَوْ مَكَثَ بِلَا صَلَاةٍ كَمَا نُشَاهِدُهُ مِنْ بَعْضِ الْفَسَقَةِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ يُؤَخِّرُونَ لِدُخُولِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ كَالصُّبْحِ مَثَلًا فَخَرَجَ ثُمَّ رَجَعَ وَصَلَّى مَعَهُمْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْرَهَ، وَلَمْ أَرَهُ كُلَّهُ مَنْقُولًا اهـ وَجَزَمَ بِذَلِكَ كُلِّهِ فِي النَّهْرِ لِدَلَالَةِ كَلَامِهِمْ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ إلَّا لِمَنْ يَنْتَظِمُ بِهِ أَمْرُ جَمَاعَةٍ أُخْرَى) بِأَنْ كَانَ إمَامًا أَوْ مُؤَذِّنًا تَتَفَرَّقُ النَّاسُ بِغَيْبَتِهِ لِأَنَّهُ تَرَكَ صُورَةَ تَكْمِيلِ مَعْنَى، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى بَحْرٌ. وَظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ أَنَّ لَهُ الْخُرُوجَ وَلَوْ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْإِقَامَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي مَتْنِ الدُّرَرِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَشَرْحِ الْوِقَايَةِ. (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ الْخُرُوجُ لِمَسْجِدِ حَيِّهِ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا وَلَا مُؤَذِّنًا كَمَا فِي النِّهَايَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ خُرُوجُهُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا وَالصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ مَنْدُوبَةٌ، فَلَا يَرْتَكِبُ الْمَكْرُوهَ لِأَجْلِ الْمَنْدُوبِ وَلَا دَلِيلَ يَدُلُّ عَلَيْهِ. اهـ. قُلْت: لَكِنَّ تَتِمَّةَ عِبَارَةِ النِّهَايَةِ هَكَذَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ، وَلَوْ صَلَّى فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فَلَا بَأْسَ أَيْضًا لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِهِ. وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَخْرُجَ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمِعْرَاجِ فَتَأَمَّلْ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُصَلُّوا فِيهِ تَبَعًا لِمَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّوْا فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ لَا يَخْرُجُ نِهَايَةٌ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْمَسْجِدِ بِالدُّخُولِ. (قَوْلُهُ أَوْ لِأُسْتَاذِهِ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى حَيِّهِ أَيْ أَوْ لِمَسْجِدِ أُسْتَاذِهِ. قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ ثُمَّ لِلْمُتَفَقِّهِ جَمَاعَةُ مَسْجِدِ أُسْتَاذِهِ لِأَجْلِ دَرْسِهِ أَوْ لِسَمَاعِ الْأَخْبَارِ أَوْ لِسَمَاعِ مَجْلِسِ، الْعَامَّةِ أَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابَيْنِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَخْرُجُ إذَا خَشِيَ فَوَاتَ الدَّرْسِ أَوْ بَعْضِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الدَّرْسُ مِمَّا يَجِبُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 أَوْ لِحَاجَةٍ وَمِنْ عَزْمِهِ أَنْ يَعُودَ نَهْرٌ (وَ) إلَّا (لِمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعِشَاءَ) وَحْدَهُ (مَرَّةً) فَلَا يُكْرَهُ خُرُوجُهُ بَلْ تَرْكُهُ لِلْجَمَاعَةِ (إلَّا عِنْدَ) الشُّرُوعِ فِي (الْإِقَامَةِ) فَيُكْرَهُ لِمُخَالَفَتِهِ الْجَمَاعَةَ بِلَا عُذْرٍ. بَلْ يَقْتَدِي مُتَنَفِّلًا لِمَا مَرَّ (وَ) إلَّا (لِمَنْ صَلَّى الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ مَرَّةً) فَيَخْرُجُ مُطْلَقًا (وَإِنْ أُقِيمَتْ) لِكَرَاهَةِ النَّفْلِ بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ، وَفِي الْمَغْرِبِ أَحَدُ الْمَحْظُورَيْنِ الْبُتَيْرَاءُ أَوْ مُخَالَفَةُ الْإِمَامِ بِالْإِتْمَامِ. وَفِي النَّهْرِ: يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ خُرُوجُهُ لِأَنَّ كَرَاهَةَ مُكْثِهِ بِلَا صَلَاةٍ أَشَدُّ. قُلْت: أَفَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّ كَرَاهَةَ التَّنَفُّلِ بِالثَّلَاثِ تَنْزِيهِيَّةٌ.   [رد المحتار] تَعَلُّمُهُ عَلَيْهِ. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ أَنَّ مَا أَوْرَدَهُ فِي الْبَحْرِ فِي مَسْجِدِ الْحَيِّ وَارِدٌ هُنَا. (قَوْلُهُ أَوْ لِحَاجَةٍ إلَخْ) بَحْثٌ لِصَاحِبِ النَّهْرِ أَخَذَهُ مِنْ الْحَدِيثِ الْمَارِّ (قَوْلُهُ بَلْ تَرْكُهُ لِلْجَمَاعَةِ) يَعْنِي أَنَّ نَفْيَ الْكَرَاهَةِ الْمَفْهُومَ مِنْ الِاسْتِئْنَاءِ لَيْسَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ الْمُرَادُ نَفْيُ كَرَاهَةِ الْخُرُوجِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ؛ وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ سَبَبُهُ، وَهُوَ كَوْنُهُ قَدْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى وَحْدَهُ لِيَخْرُجَ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ تَرْكَ الْجَمَاعَةِ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ أَوْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْهُ. [تَنْبِيهٌ] يُعْلَمُ مِنْ هُنَا وَمِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ صَلَّى ثَلَاثًا مِنْهَا أَتَمَّ ثُمَّ اقْتَدَى مُتَنَفِّلًا أَنَّ مَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا لَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ جَمَاعَةً مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ تَجِبُ إعَادَتُهَا. وَزَادَ ابْنُ الْهُمَامِ وَغَيْرُهُ: وَمَعَ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ تُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ، وَلَا شَكَّ فِي كَرَاهَةِ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهَا أَوْ وُجُوبِهَا لِوُجُودِ الْإِثْمِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا تَرَكَهَا بِعُذْرٍ، وَهُوَ خِلَافُ مَا يَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي جَوَابٌ شَافٍ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ إلَّا عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْإِقَامَةِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ الْكَرَاهَةُ وَلَوْ كَانَ مُقِيمَ جَمَاعَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ فِي خُرُوجِهِ تُهْمَةً. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْفَتَاوَى، وَالتُّهْمَةُ هُنَا نَشَأَتْ مِنْ صَلَاتِهِ مُنْفَرِدًا، فَإِذَا خَرَجَ يُؤَيِّدُهَا، بِخِلَافِ مَا مَرَّ عَنْ الدُّرَرِ وَشَرْحِ الْوِقَايَةِ فَهُمَا مَسْأَلَتَانِ، فَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا كَانَ مُقِيمَ جَمَاعَةٍ أُخْرَى وَخَرَجَ عِنْدَ الْإِقَامَةِ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى، وَهُنَا فِيمَا إذَا كَانَ صَلَّى وَقَدْ اشْتَبَهَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ الشُّرَّاحِ، وَالْمُرَادُ بِمُقِيمِ الْجَمَاعَةِ مَنْ يَنْتَظِمُ بِهِ أَمْرُهَا نَحْوُ الْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ كَمَا مَرَّ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمُؤَذِّنُ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقِيمَ جَمَاعَةً أُخْرَى فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ إحْرَازٌ لِلنَّفْلِ وَالْجَمَاعَةِ ح (قَوْلُهُ وَإِنْ أُقِيمَتْ) بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ ط. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْخُرُوجُ بَعْدَ الْأَذَانِ لِمَنْ كَانَ صَلَّى وَحْدَهُ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ الْخُرُوجُ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْإِقَامَةِ فَقَطْ لَا قَبْلَهُ. [تَنْبِيهٌ] الْمُرَادُ بِالْإِقَامَةِ هُنَا شُرُوعُ الْمُؤَذِّنِ فِي الْإِقَامَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لَا بِمَعْنَى الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ الْبُتَيْرَاءُ) تَصْغِيرُ الْبَتْرَاءِ: وَهِيَ الرَّكْعَةُ الْوَاحِدَةُ الَّتِي لَا ثَانِيَةَ لَهَا، وَالثَّلَاثُ تَسْتَلْزِمُهَا، لَكِنْ إنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَقَطْ فَهِيَ بَاطِلَةٌ كَمَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ وَإِنْ كَانَتْ ثَلَاثًا بِأَنْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ؛ فَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَقِيلَ فَسَدَتْ، فَيَقْضِي أَرْبَعًا كَمَا لَوْ نَذَرَ ثَلَاثًا كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَقَدَّمْنَا عَنْهُ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى فِيهَا فَالْأَحْوَطُ أَنْ يُتِمَّهَا أَرْبَعًا وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُخَالَفَةُ الْإِمَامِ. (قَوْلُهُ أَشَدُّ) أَيْ مِنْ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ وَمِنْ الْبُتَيْرَاءِ، لِقَوْلِ الْمُحِيطِ: لِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْجَمَاعَةِ وِزْرٌ عَظِيمٌ. قُلْت: لَكِنْ صَرَّحَ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ بِأَنَّ الْخُرُوجَ أَوْلَى لِأَنَّ هَذِهِ الْمُخَالَفَةَ أَقَلُّ كَرَاهَةً تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ وَفِي الْمَغْرِبِ أَحَدُ الْمَحْظُورَيْنِ وَعَلَى قَوْلِهِ أَشَدُّ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي بِمَفْهُومِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ فِيهَا كَرَاهَةٌ شَدِيدَةٌ وَهِيَ التَّحْرِيمِيَّةُ، لَكِنْ قَالَ ح: مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَرْدُودٌ، لِأَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ صَرَّحَ بِالْكَرَاهَةِ وَصَاحِبُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 وَفِي الْمُضْمَرَاتِ: لَوْ اقْتَدَى فِيهِ لَأَسَاءَ (وَإِذَا خَافَ فَوْتَ) رَكْعَتَيْ (الْفَجْرِ لِاشْتِغَالِهِ بِسُنَّتِهَا تَرَكَهَا) لِكَوْنِ الْجَمَاعَةِ أَكْمَلَ (وَإِلَّا) بِأَنْ رَجَا إدْرَاكَ رَكْعَةٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ التَّشَهُّدُ وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشُّرُنْبُلالي تَبَعًا لِلْبَحْرِ، لَكِنْ ضَعَّفَهُ فِي النَّهْرِ (لَا) يَتْرُكُهَا بَلْ يُصَلِّيهَا عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ إنْ وَجَدَ مَكَانًا وَإِلَّا تَرَكَهَا لِأَنَّ تَرْكَ الْمَكْرُوهِ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِ السُّنَّةِ.   [رد المحتار] غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهَا بِدْعَةٌ وَقَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِأَنَّهَا حَرَامٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّ الْمَشَايِخَ يَسْتَدِلُّونَ «بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْبُتَيْرَاءِ» ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ ظَنِّيِّ الثُّبُوتِ قَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ فَيُفِيدُ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ عَلَى أُصُولِنَا (قَوْلُهُ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ إلَخْ) مِنْ كَلَامِ الْقُهُسْتَانِيِّ قَصَدَ بِهِ تَأْيِيدَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ كَوْنِ الْكَرَاهَةِ تَنْزِيهِيَّةً الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْإِسَاءَةِ اهـ ح. مَطْلَبٌ هَلْ الْإِسَاءَةُ دُونَ كَرَاهَةٍ أَوْ أَفْحَشُ قُلْت: لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْإِسَاءَةَ دُونَ الْكَرَاهَةِ أَوْ أَفْحَشُ، وَوَفَّقْنَا بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا دُونَ التَّحْرِيمِيَّةِ وَأَفْحَشُ مِنْ التَّنْزِيهِيَّةِ (قَوْلُهُ وَإِذَا خَافَ إلَخْ) عُلِمَ مِنْهُ مَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بِالْأَوْلَى نَهْرٌ. وَإِذَا تُرِكَتْ لِخَوْفِ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ فَالْأَوْلَى أَنْ تُتْرَكَ لِخَوْفِ خُرُوجِ الْوَقْتِ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ. (قَوْلُهُ تَرَكَهَا) أَيْ لَا يَشْرَعُ فِيهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَطْعِهَا لِمَا مَرَّ أَنَّ الشَّارِعَ فِي النَّفْلِ لَا يَقْطَعُهُ مُطْلَقًا، فَمَا فِي النَّهْرِ هُنَا مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ قَيَّدَ الثَّانِيَةَ مِنْهَا بِالسَّجْدَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ. (قَوْلُهُ لِكَوْنِ الْجَمَاعَةِ أَكْمَلَ) لِأَنَّهَا تَفْضُلُ الْفَرْدَ مُنْفَرِدًا بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ ضِعْفًا لَا تَبْلُغُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ ضِعْفًا وَاحِدًا مِنْهَا لِأَنَّهَا أَضْعَافُ الْفَرْضِ، وَالْوَعِيدُ عَلَى التَّرْكِ لِلْجَمَاعَةِ أَلْزَمُ مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ. (قَوْلُهُ بِأَنْ رَجَا إدْرَاكَ رَكْعَةٍ) تَحْوِيلٌ لِعِبَارَةِ الْمَتْنِ، وَإِلَّا فَالْمُتَبَادِرُ مِنْهَا الْقَوْلُ الثَّانِي. (قَوْلُهُ وَقِيلَ التَّشَهُّدُ) أَيْ إذَا رَجَا إدْرَاكَ الْإِمَامِ فِي التَّشَهُّدِ لَا يَتْرُكُهَا بَلْ يُصَلِّيهَا، وَإِنْ عَلِمَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَتَانِ مَعَهُ. (قَوْلُهُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ) فِيهِ أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ ذَكَرَ أَنَّ كَلَامَ الْكَنْزِ يَشْمَلُ التَّشَهُّدَ؛ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ ظَاهِرَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَوْ رَجَا إدْرَاكَ التَّشَهُّدِ فَقَطْ يَتْرُكُ السُّنَّةَ. وَنَقَلَ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَأَنَّهُ رَجَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ. وَنُقِلَ عَنْ الْكَافِي وَالْمُحِيطِ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، فَلَيْسَ فِيهِ سِوَى حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ، بَلْ ذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِهِ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ خَشِيَ فَوْتَ الرَّكْعَتَيْنِ أَحْرَزَ أَحَقَّهُمَا وَهُوَ الْجَمَاعَةُ. (قَوْلُهُ لَكِنْ ضَعَّفَهُ فِي النَّهْرِ) حَيْثُ قَالَ إنَّهُ تَخْرِيجٌ عَلَى رَأْيٍ ضَعِيفٍ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ قَوَّاهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِمَا سَيَأْتِي، مِنْ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ مَثَلًا فَقَدْ أَدْرَكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ وَأَحْرَزَ ثَوَابَهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ وِفَاقًا لِصَاحِبَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ يَكُونُ مُدْرِكًا لِفَضِيلَتِهَا عَلَى قَوْلِهِمْ. قَالَ: وَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا قِيلَ إنَّهُ لَوْ رَجَا إدْرَاكَ التَّشَهُّدِ لَا يَأْتِي بِسُنَّةِ الْفَجْرِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَالْحَقُّ خِلَافُهُ لِنَصِّ مُحَمَّدٍ عَلَى مَا يُنَاقِضُهُ اهـ أَيْ لِأَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى إدْرَاكِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى إدْرَاكِهِ بِإِدْرَاكِ التَّشَهُّدِ، فَيَأْتِي بِالسُّنَّةِ اتِّفَاقًا كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَيْضًا، وَأَقَرَّهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَشَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ وَحَاشِيَةِ الدُّرَرِ لِنُوحٍ أَفَنْدِي وَشَرَحَهَا لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَنَحْوِهِ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ فِي مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ) أَيْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا فِي الْمَسْجِدِ كَانَ مُتَنَفِّلًا فِيهِ عِنْدَ اشْتِغَالِ الْإِمَامِ بِالْفَرِيضَةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مَوْضِعٌ لِلصَّلَاةِ يُصَلِّيهَا فِي الْمَسْجِدِ خَلْفَ سَارِيَةٍ مِنْ سِوَارِي الْمَسْجِدِ، وَأَشَدُّهَا كَرَاهَةً أَنْ يُصَلِّيَهَا مُخَالِطًا لِلصَّفِّ مُخَالِفًا لِلْجَمَاعَةِ وَاَلَّذِي يَلِي ذَلِكَ خَلْفَ الصَّفِّ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ اهـ وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا تَرَكَهَا) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعَلَى هَذَا أَيْ عَلَى كَرَاهَةِ صَلَاتِهَا فِي الْمَسْجِدِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 ثُمَّ مَا قِيلَ يَشْرَعُ فِيهَا ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلْفَرِيضَةِ أَوْ ثُمَّ يَقْطَعُهَا وَيَقْضِيهَا مَرْدُودٌ بِأَنَّ دَرْءَ الْمَفْسَدَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ (وَلَا يَقْضِيهَا إلَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ ل) قَضَاءِ (فَرْضِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ   [رد المحتار] عِنْدَ بَابِهِ مَكَانٌ لِأَنَّ تَرْكَ الْمَكْرُوهِ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِ السُّنَّةِ. غَيْرَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَتَفَاوَتُ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّيْفِيِّ فَصَلَاتُهُ إيَّاهَا فِي الشِّتْوِيِّ أَخَفُّ مِنْ صَلَاتِهَا فِي الصَّيْفِيِّ وَعَكْسُهُ، وَأَشَدُّ مَا يَكُونُ كَرَاهَةً أَنْ يُصَلِّيَهَا مُخَالِطًا لِلصَّفِّ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْجَهَلَةِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ السُّنَّةَ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي بَيْتِهِ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ مَكَانٌ صَلَّاهَا فِيهِ، وَإِلَّا صَلَّاهَا فِي الشِّتْوِيِّ أَوْ الصَّيْفِيِّ إنْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ مَوْضِعَانِ، وَإِلَّا فَخَلْفَ الصُّفُوفِ عِنْدَ سَارِيَةٍ، لَكِنْ فِيمَا إذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ مَوْضِعَانِ وَالْإِمَامُ فِي أَحَدِهِمَا، ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ قِيلَ لَا يُكْرَهُ لِعَدَمِ مُخَالَفَةِ الْقَوْمِ، وَقِيلَ يُكْرَهُ لِأَنَّهُمَا كَمَكَانٍ وَاحِدٍ. قَالَ: فَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَفْعَلَ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِيهِ إفَادَةُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ اهـ. لَكِنْ فِي الْحِلْيَةِ قُلْت: وَعَدَمُ الْكَرَاهَةِ أَوْجَهُ لِلْآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا اهـ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ، أَمَّا قَبْلَ الشُّرُوعِ فَيَأْتِي بِهَا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَأَمَّا بَقِيَّةُ السُّنَنِ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ أَتَى بِهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ ثُمَّ اقْتَدَى، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ رَكْعَةٍ اقْتَدَى. (قَوْلُهُ ثُمَّ مَا قِيلَ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَا عَنْ الْفَقِيهِ إسْمَاعِيلَ الزَّاهِدِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَشْرَعَ فِيهَا ثُمَّ يَقْطَعَهَا فَيَجِبُ الْقَضَاءُ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَضَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، دَفَعَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالشُّرُوعِ لَيْسَ أَقْوَى مِمَّا وَجَبَ بِالنَّذْرِ. وَنَصَّ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْمَنْذُورَ لَا يُؤَدَّى بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ الطُّلُوعِ. وَأَيْضًا شُرُوعٌ فِي الْعِبَادَةِ بِقَصْدِ الْإِفْسَادِ. فَإِنْ قِيلَ: لِيُؤَدِّيَهَا مَرَّةً أُخْرَى. قُلْنَا إبْطَالُ الْعَمَلِ مَنْهِيٌّ وَدَرْءُ الْمَفْسَدَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ اهـ وَقَوْلُهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلْفَرِيضَةِ أَيْ يَنْوِي السُّنَّةَ أَوَّلًا وَيُكَبِّرُ، ثُمَّ يَنْوِي الْفَرِيضَةَ بِقَلْبِهِ وَيُكَبِّرُ بِلِسَانِهِ، فَيَصِيرُ مُنْتَقِلًا عَنْهَا إلَى الْفَرْضِ وَفِي هَذَا إبْطَالٌ لَهَا ضِمْنًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ أَيْضًا فَلَا يَظْهَرُ قَوْلُ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ كَذَلِكَ ثُمَّ قَضَاهَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ لَا يَرِدُ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ اهـ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ قَائِلًا: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْكَنْزِ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ: وَافْتِتَاحُ الْعَصْرِ أَوْ التَّطَوُّعِ بَعْدَ رَكْعَةِ الظُّهْرِ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ بِأَنَّ الظُّهْرَ يَفْسُدُ بِالشُّرُوعِ فِي غَيْرِهِ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: لَوْ خَافَ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى سُنَّةَ الْفَجْرِ بِوَجْهِهَا تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ، وَلَوْ اقْتَصَرَ فِيهَا بِالْفَاتِحَةِ وَتَسْبِيحَةٍ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يُدْرِكُهَا فَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهَا لِأَنَّ تَرْكَ السُّنَّةِ جَائِزٌ لِإِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ، فَسُنَّةِ السُّنَّةِ أَوْلَى. وَعَنْ الْقَاضِي الزَّرَنْجَرِيِّ: لَوْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَتَانِ يُصَلِّي السُّنَّةَ وَيَتْرُكُ الثَّنَاءَ وَالتَّعَوُّذَ وَسُنَّةَ الْقِرَاءَةِ، وَيَقْتَصِرُ عَلَى آيَةٍ وَاحِدَةٍ لِيَكُونَ جَمْعًا بَيْنَهُمَا وَكَذَا فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ. اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا: صَلَّى سُنَّةَ الْفَجْرِ وَفَاتَهُ الْفَجْرُ لَا يُعِيدُ السُّنَّةَ إذَا قَضَى الْفَجْرَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِيهَا إلَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ إلَخْ) أَيْ لَا يَقْضِي سُنَّةَ الْفَجْرِ إلَّا إذَا فَاتَتْ مَعَ الْفَجْرِ فَيَقْضِيهَا تَبَعًا لِقَضَائِهِ لَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ؛ وَمَا إذَا فَاتَتْ وَحْدَهَا فَلَا تُقْضَى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِالْإِجْمَاعِ، لِكَرَاهَةِ النَّفْلِ بَعْدَ الصُّبْحِ. وَأَمَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهَا إلَى الزَّوَالِ كَمَا فِي الدُّرَرِ. قِيلَ هَذَا قَرِيبٌ مِنْ الِاتِّفَاقِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَحَبُّ إلَيَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ لَا لَوْمَ عَلَيْهِ. وَقَالَا: لَا يَقْضِي، وَإِنْ قَضَى فَلَا بَأْسَ بِهِ، كَذَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ وَقَالَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ لَوْ قَضَى كَانَ نَفْلًا مُبْتَدَأً أَوْ سُنَّةً، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ يَعْنِي نَفْلًا عِنْدَهُمَا سُنَّةً عِنْدَهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ لِقَضَاءِ فَرْضِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّبَعِيَّةِ؛ وَأَشَارَ بِتَقْدِيرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 لَا بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ) لِوُرُودِ الْخَبَرِ بِقَضَائِهَا فِي الْوَقْتِ الْمُهْمَلِ، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَغَيْرُهُ عَلَيْهِ لَا يُقَاسُ (بِخِلَافِ سُنَّةِ الظُّهْرِ) وَكَذَا الْجُمُعَةُ (فَإِنَّهُ) إنْ خَافَ فَوْتَ رَكْعَةٍ (يَتْرُكُهَا) وَيَقْتَدِي (ثُمَّ يَأْتِي بِهَا) عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ (فِي وَقْتِهِ) أَيْ الظُّهْرِ (قَبْلَ شَفْعِهِ) عِنْدَ مُحَمَّدٍ،   [رد المحتار] الْمُضَافِ إلَى أَنَّ التَّبَعِيَّةَ فِي الْقَضَاءِ فَقَطْ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تُقْضَى بَعْدَهُ تَبَعًا لَهُ بَلْ تُقْضَى قَبْلَهُ تَبَعًا لِقَضَائِهِ. (قَوْلُهُ لَا بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ تُقْضَى بَعْدَ الزَّوَالِ تَبَعًا وَلَا تُقْضَى مَقْصُودَةً إجْمَاعًا كَمَا فِي الْكَافِي إسْمَاعِيلَ. (قَوْلُهُ لِوُرُودِ الْخَبَرِ) وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَاهَا مَعَ الْفَرْضِ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ» كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ. وَالتَّعْرِيسُ: نُزُولُ الْمُسَافِرِ آخِرَ اللَّيْلِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْرِبِ إسْمَاعِيلُ. (قَوْلُهُ فِي الْوَقْتِ الْمُهْمَلِ) هُوَ مَا لَيْسَ وَقْتَ فَرِيضَةٍ: وَهُوَ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا وَقْتٌ مُهْمَلٌ سِوَاهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ مِثْلُهُ مَا بَيْنَ بُلُوغِ الظِّلِّ مِثْلَهُ إلَى الْمِثْلَيْنِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ) مُتَعَلِّقٌ بِوُرُودٍ أَوْ بِقَضَائِهَا فَافْهَمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مُخْتَصٌّ بِالْوَاجِبِ لِأَنَّهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي فِعْلُ الْوَاجِبِ بَعْدَ وَقْتِهِ فَلَا يَقْضِي غَيْرَهُ إلَّا بِسَمْعِيٍّ، وَهُوَ قَدْ دَلَّ عَلَى قَضَاءِ سُنَّةِ الْفَجْرِ فَقُلْنَا بِهِ، وَكَذَا مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ فِي سُنَّةِ الظُّهْر كَمَا يَأْتِي، وَلِذَا نَقُولُ: لَا تُقْضَى سُنَّةُ الظُّهْرِ بَعْدَ الْوَقْتِ فَيَبْقَى مَا وَرَاءَ ذَلِكَ عَلَى الْعَدَمِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا الْجُمُعَةُ) أَيْ حُكْمُ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ كَالْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ كَمَا لَا يَخْفَى بَحْرٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ فِي الْبَحْرِ مَنْقُولًا صَرِيحًا، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، لَكِنْ لَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ. وَذَكَرَ السِّرَاجُ الْحَانُوتِيُّ أَنَّ هَذَا مُقْتَضَى مَا فِي الْمُتُونِ وَغَيْرِهَا، لَكِنْ قَالَ فِي رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ إنَّهَا تَسْقُطُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ " إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ " اهـ رَمْلِيٌّ. أَقُولُ: وَفِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تُصَلَّى بَعْدَ خُرُوجِهِ لَا عَلَى أَنَّهَا تَسْقُطُ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا تُقْضَى بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا تُقْضَى سُنَّةُ الظُّهْرِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ وَرَدَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» نَعَمْ قَدْ يُسْتَدَلُّ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِشَيْءٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي السُّنَنِ عَدَمُ الْقَضَاءِ كَمَا مَرَّ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ قَاضِي خَانْ لِقَضَاءِ سُنَّةِ الظُّهْرِ بِمَا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا فَاتَتْهُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ قَضَاهُنَّ بَعْدَهُ» فَيَكُونُ قَضَاؤُهَا ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَمَا فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ، فَالْمَقُولُ بِقَضَاءِ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ، وَعَلَيْهِ فَتَنْصِيصُ الْمُتُونِ عَلَى سُنَّةِ الظُّهْرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ إنْ خَافَ فَوْتَ رَكْعَةٍ إلَخْ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ سُنَّةِ الظُّهْرِ وَسُنَّةِ الْفَجْرِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا وَإِنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِطًا لِلصَّفِّ بِلَا حَائِلٍ كَمَا مَرَّ. وَيُشْكَلُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ مِنْ كَرَاهَةِ التَّطَوُّعِ عِنْدَ الْإِقَامَةِ لِلْمَكْتُوبَةِ، لَكِنْ نَقَلْنَا هُنَاكَ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ تَخْصِيصَ الْكَرَاهَةِ الْمَذْكُورَةِ بِإِقَامَةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّنَفُّلَ عِنْدَهَا لَا يَخْلُو غَالِبًا عَنْ مُخَالَطَةِ الصُّفُوفِ لِكَثْرَةِ الزِّحَامِ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ) أَيْ اتِّفَاقًا. وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهَا نَفْلٌ عِنْدَهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا فَهُوَ مِنْ تَصَرُّفِ الْمُصَنِّفِينَ، لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافُ فِي تَقْدِيمِهَا أَوْ تَأْخِيرِهَا، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى قَضَائِهَا؛ وَهُوَ اتِّفَاقٌ عَلَى وُقُوعِهَا سُنَّةً كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ فِي وَقْتِهِ) فَلَا تُقْضَى بَعْدَهُ لَا تَبَعًا وَلَا مَقْصُودًا بِخِلَافِ سُنَّةِ الْفَجْرِ. وَظَاهِرُ الْبَحْرِ الِاتِّفَاقُ عَلَى ذَلِكَ، لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ فِي قَضَائِهَا بَعْدَ الْوَقْتِ تَبَعًا لِلْفَرْضِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ، وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ: إنَّ مَا فِي الْبَحْرِ سَهْوٌ. وَأَجَابَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ بِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى الْأَصَحِّ. (قَوْلُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَعْدَهُ، كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْحُسَامِيِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 وَبِهِ يُفْتَى جَوْهَرَةٌ. وَأَمَّا مَا قَبْلَ الْعِشَاءِ فَمَنْدُوبٌ لَا يُقْضَى أَصْلًا (وَلَا يَكُونُ مُصَلِّيًا جَمَاعَةً) اتِّفَاقًا (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ) لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ بِبَعْضِهَا (لَكِنَّهُ أَدْرَكَ فَضْلَهَا) وَلَوْ بِإِدْرَاكِ التَّشَهُّدِ اتِّفَاقًا، لَكِنَّ ثَوَابَهُ دُونَ الْمُدْرِكِ لِفَوَاتِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، وَاللَّاحِقُ كَالْمُدْرِكِ لِكَوْنِهِ مُؤْتَمًّا حُكْمًا (وَكَذَا مُدْرِكُ الثَّلَاثِ) لَا يَكُونُ مُصَلِّيًا بِجَمَاعَةٍ (عَلَى الْأَظْهَرِ) . وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ، وَضَعَّفَهُ فِي الْبَحْرِ. (وَإِذَا أَمِنَ فَوْتَ الْوَقْتِ تَطَوَّعَ) مَا شَاءَ (قَبْلَ الْفَرْضِ وَإِلَّا لَا) بَلْ يَحْرُمُ التَّطَوُّعُ لِتَفْوِيتِهِ الْفَرْضَ (وَيَأْتِي بِالسُّنَّةِ) مُطْلَقًا (وَلَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا عَلَى الْأَصَحِّ) لِكَوْنِهَا مُكَمِّلَاتٍ؛ وَأَمَّا فِي حَقِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلِزِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ، ثُمَّ قَوْلُ الدُّرَرِ: وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ مُشْكِلٌ بِمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ.   [رد المحتار] وَفِي الْمَنْظُومَةِ وَشَرْحِهَا: الْخِلَافُ عَلَى الْعَكْسِ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْإِمَامَيْنِ رِوَايَتَانِ ح عَنْ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتَى) أَقُولُ: وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ، لَكِنْ رَجَّحَ فِي الْفَتْحِ تَقْدِيمَ الرَّكْعَتَيْنِ. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا فَاتَتْهُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ يُصَلِّيهِنَّ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ» وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ اهـ وَالْحَدِيثُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَأَمَّا مَا قَبْلَ الْعِشَاءِ فَمَنْدُوبٌ) يَعْنِي قَدْ عُلِمَ حُكْمُ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ النَّوَافِلِ الْقَبْلِيَّةَ إلَّا سُنَّةُ الْعَصْرِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهَا لَا تُقْضَى لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَكَذَا سُنَّةُ الْعِشَاءِ، لَكِنْ لَا تُقْضَى لِأَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ. أَقُولُ: وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ قَضَاءَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ لِسُنِّيَّتِهِمَا، وَلَوْ كَانَتَا مَنْدُوبَتَيْنِ لَمْ تُقْضَيَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ قَضَاءَهُمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ فَيَبْقَى مَا وَرَاءَ النَّصِّ عَلَى الْعَدَمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ حَتَّى لَوْ وَرَدَ نَصٌّ فِي قَضَاءِ الْمَنْدُوبِ نَقُولُ بِهِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ لَك مَا فِي قَوْلِ الْإِمْدَادِ: إنَّ الَّتِي قَبْلَ الْعِشَاءِ مَنْدُوبَةٌ فَلَا مَانِعَ مِنْ قَضَائِهَا بَعْدَ الَّتِي تَلِي الْعِشَاءَ. اهـ. نَعَمْ لَوْ قَضَاهَا لَا تَكُونُ مَكْرُوهَةً بَلْ تَقَعُ نَفْلًا مُسْتَحَبًّا، لَا عَلَى أَنَّهَا هِيَ الَّتِي فَاتَتْ عَنْ مَحَلِّهَا كَمَا قَالُوهُ فِي سُنَّةِ التَّرَاوِيحِ (قَوْلُهُ وَلَا يَكُونُ مُصَلِّيًا جَمَاعَةً إلَخْ) فَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ جَمَاعَةً لَا يَحْنَثُ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ اتِّفَاقًا؛ وَفِي الثَّلَاثِ الْخِلَافُ الْآتِي، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَوْضِعُهَا كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَذَكَرَهَا هُنَا كَالتَّوْطِئَةِ لِقَوْلِهِ بَلْ أَدْرَكَ فَضْلَهَا، إذْ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ بَيْنَ إدْرَاكِ الْفَضْلِ وَالْجَمَاعَةِ تَلَازُمًا، فَاحْتَاجَ إلَى دَفْعِهِ أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ) لَيْسَ قَيْدًا، إذْ الثُّنَائِيُّ وَالثُّلَاثِيُّ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ وَكَذَا مُدْرِكُ الثَّلَاثِ ح. (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ أَدْرَكَ فَضْلَهَا) أَيْ الْجَمَاعَةِ اتِّفَاقًا أَيْضًا لِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ آخِرَ الشَّيْءِ فَقَدْ أَدْرَكَهُ، وَلِذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُدْرِكُ الْجَمَاعَةَ حَنِثَ بِإِدْرَاكِ الْإِمَامِ وَلَوْ فِي التَّشَهُّدِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ اتِّفَاقًا) أَيْ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَشَيْخَيْهِ، وَإِنَّمَا خَصَّ فِي الْهِدَايَةِ مُحَمَّدًا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَوْ أَدْرَكَهُ فِي تَشَهُّدِ الْجُمُعَةِ لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ، فَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يُدْرِكَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ هُنَا لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ لِلْأَقَلِّ، فَدَفَعَ ذَلِكَ الْوَهْمَ بِذِكْرِ مُحَمَّدٍ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ دُونَ الْمُدْرِكِ) أَيْ الَّذِي أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَحَصَّلَ فَضْلَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ مَعَهُ؛ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِمَّنْ فَاتَتْهُ التَّكْبِيرَةُ، فَضْلًا عَمَّنْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ أَوْ أَكْثَرُ. وَقَدْ صَرَّحَ الْأُصُولِيُّونَ بِأَنَّ فِعْلَ الْمَسْبُوقِ أَدَاءٌ قَاصِرٌ بِخِلَافِ الْمُدْرِكِ فَإِنَّهُ أَدَاءٌ كَامِلٌ. (قَوْلُهُ وَاللَّاحِقُ كَالْمُدْرِكِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَمَّا اللَّاحِقُ فَصَرَّحُوا بِأَنَّ مَا يَقْضِيهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ أَدَاءٌ شَبِيهٌ بِالْقَضَاءِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ كَالْمُدْرِكِ لِكَوْنِهِ خَلَفَ الْإِمَامَ حُكْمًا وَلِهَذَا لَا يَقْرَأُ فَيَقْتَضِي أَنْ يَحْنَثَ فِي يَمِينِهِ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي بِجَمَاعَةٍ وَلَوْ فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ الْأَكْثَرُ. اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ فِي بَابِ الِاسْتِخْلَافِ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ عَمْدًا بَعْدَ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ لَا الْمُدْرِكِ، وَفِي اللَّاحِقِ تَصْحِيحَانِ. وَظَاهِرُ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ هُنَاكَ تَأْيِيدُ الْفَسَادِ، وَقَدَّمْنَا مَا يُقَوِّيهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَكَذَا مُدْرِكُ الثَّلَاثِ) وَمُدْرِكُ الثِّنْتَيْنِ مِنْ الثُّلَاثِيِّ كَذَلِكَ؛ وَأَمَّا مُدْرِكُ رَكْعَةً مِنْ الثُّنَائِيِّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا فِي مُدْرِكِ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيِّ. (قَوْلُهُ وَضَعَّفَهُ فِي الْبَحْرِ) أَيْ بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِي الْأَيْمَانِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 (وَلَوْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ رَاكِعٍ فَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ لَمْ يُدْرِكْ) الْمُؤْتَمُّ (الرَّكْعَةَ) لِأَنَّ الْمُشَارَكَةَ فِي جُزْءٍ مِنْ الرُّكْنِ شَرْطٌ وَلَمْ تُوجَدْ فَيَكُونُ مَسْبُوقًا فَيَأْتِي بِهَا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي الْقِيَامِ وَلَمْ يَرْكَعْ مَعَهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُدْرِكًا لَهَا فَيَكُونُ لَاحِقًا   [رد المحتار] هَذَا الرَّغِيفَ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ كُلِّهِ، فَإِنَّ الْأَكْثَرَ لَا يُقَامُ مَقَامَ الْكُلِّ (قَوْلُهُ وَإِذَا أَمِنَ فَوْتَ الْوَقْتِ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا لَا كَرَاهَةَ فِيهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ مُسَاوِيَةٌ لِعِبَارَةِ الْكَنْزِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهُوَ كَلَامٌ مُجْمَلٌ يَحْتَاجُ إلَى تَفْصِيلٍ فَنَقُولُ: إنَّ التَّطَوُّعَ عَلَى وَجْهَيْنِ: سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَهِيَ الرَّوَاتِبُ. وَغَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ وَهِيَ مَا زَادَ عَلَيْهَا؛ وَالْمُصَلِّي لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَرْضَ جَمَاعَةً أَوْ مُنْفَرِدًا؛ فَإِنْ كَانَ بِجَمَاعَةٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ قَطْعًا، فَلَا يُخَيَّرُ فِيهَا مَعَ الْإِمْكَانِ لِكَوْنِهَا مُؤَكَّدَةً، وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّيهِ مُنْفَرِدًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي رِوَايَةٍ. وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ قَبْلَ الْفَرْضِ لِقَطْعِ طَمَعِ الشَّيْطَانِ عَنْ الْمُصَلِّي وَبَعْدَهُ لِجَبْرِ نُقْصَانٍ تَمَكَّنَ فِي الْفَرْضِ، وَالْمُنْفَرِدُ أَحْوَجُ إلَى ذَلِكَ، وَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِيهَا لَمْ يُفَرِّقْ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ، إلَّا إذَا خَافَ الْفَوْتَ لِأَنَّ أَدَاءَ الْفَرْضِ فِي وَقْتِهِ وَاجِبٌ؛ وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ فَيَتَخَيَّرُ الْمُصَلِّي فِيهِ مُطْلَقًا اهـ أَيْ سَوَاءٌ صَلَّى الْفَرْضَ مُنْفَرِدًا أَوْ بِجَمَاعَةٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا رَأَى هَذَا الْإِجْمَالَ فِي عِبَارَةِ الْكَنْزِ زَادَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ وَيَأْتِي بِالسُّنَّةِ وَلَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا تَصْرِيحًا بِمَا أَجْمَلَهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ مُشْكِلٌ بِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ إذَا خَافَ فَوْتَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ مَعَ الْإِمَامِ يَتْرُكُ سُنَّتَهُ وَإِذَا خَافَ فَوْتَ رَكْعَةٍ مِنْ الظُّهْرِ يَتْرُكُ سُنَّتَهُ، فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهُ يَأْتِي بِالسُّنَّةِ وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ. وَقَدْ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ، وَكَذَا صَاحِبُ النَّهْرِ وَالشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْعَجَبِ، فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ أَيْ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَأَى الْإِمَامَ صَلَّى وَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ وَحْدَهُ لِفَوْتِ الْجَمَاعَةِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي السُّنَّةَ الرَّاتِبَةَ لِكَوْنِهَا مُكَمِّلَةً وَالْمُنْفَرِدُ أَحْوَجُ إلَى ذَلِكَ. وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ وَنَصُّهَا: مَنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ مُنْفَرِدًا فَهَلْ يَأْتِي بِالسُّنَنِ؟ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: لَا يَأْتِي بِهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا يُؤْتَى بِهَا إذَا أَدَّى الْفَرْضَ بِالْجَمَاعَةِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ فَحِينَئِذٍ يَتْرُكُ اهـ فَتَوَهُّمُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَأْتِي بِالسُّنَّةِ وَإِنْ لَزِمَ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهَا تَفْوِيتُ الْجَمَاعَةِ فِي غَايَةِ الْعَجَبِ، وَأَعْجَبُ مِنْهُ التَّعَجُّبُ مِنْ أَنَّ الشُّرُنْبُلَالِيُّ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الدُّرَرِ لِبَيَانِ هَذَا الْإِشْكَالِ. هَذَا، وَقَدْ قَرَّرَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ كَلَامَ الدُّرَرِ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ قَالَ فَافْهَمْ ذَلِكَ وَكُنْ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْهُ، فَإِنَّ صَاحِبَ النَّهْرِ وَالْمِنَحِ قَدْ خَلَطَا وَخَبَطَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَلْطًا فَاحِشًا (قَوْلُهُ فَوَقَفَ) وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقِفْ بَلْ انْحَطَّ فَرَفَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ رُكُوعِهِ لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لِهَذِهِ الرَّكْعَةِ مَعَ الْإِمَامِ فَتْحٌ. وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: فَوَقَفَ بِلَا عُذْرٍ أَيْ بِأَنْ أَمْكَنَهُ الرُّكُوعُ فَوَقَفَ وَلَمْ يَرْكَعْ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا خِلَافُ زُفَرَ؛ فَعِنْدَهُ إذَا أَمْكَنَهُ الرُّكُوعُ فَلَمْ يَرْكَعْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِيمَا لَهُ حُكْمُ الْقِيَامِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُشَارَكَةَ) أَيْ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ مُتَابَعَةٌ عَلَى وَجْهِ الْمُشَارَكَةِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْ هَذَا مُشَارَكَةٌ لَا فِي حَقِيقَةِ الْقِيَامِ وَلَا فِي الرُّكُوعِ فَلَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ الرَّكْعَةَ إذْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ مُسَمَّى الِاقْتِدَاءِ بَعْدُ، بِخِلَافِ مَنْ شَارَكَهُ فِي الْقِيَامِ ثُمَّ تَخَلَّفَ عَنْ الرُّكُوعِ لِتَحَقُّقِ مُسَمَّى الِاقْتِدَاءِ مِنْهُ بِتَحَقُّقِ جَزْءِ مَفْهُومِهِ، فَلَا يَنْتَقِضُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالتَّخَلُّفِ لِتَحَقُّقِ مُسَمَّى اللَّاحِقِ فِي الشَّرْعِ اتِّفَاقًا وَهُوَ بِذَلِكَ وَإِلَّا انْتَفَى هَذَا، وَكَذَلِكَ فِي الْفَتْحِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 فَيَأْتِي بِهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ، وَمَتَى لَمْ يُدْرِكْ الرُّكُوعَ مَعَهُ تَجِبُ الْمُتَابَعَةُ فِي السَّجْدَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ تُحْسَبَا لَهُ وَلَا تَفْسُدُ بِتَرْكِهِمَا، فَلَوْ لَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ وَلَمْ يُتَابِعْهُ لَكِنَّهُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَقَامَ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَقَدْ تَرَكَ وَاجِبًا نَهْرٌ عَنْ التَّجْنِيسِ. (وَلَوْ رَكَعَ) قَبْلَ الْإِمَامِ (فَلَحِقَهُ إمَامُهُ فِيهِ صَحَّ) رُكُوعُهُ، وَكُرِهَ تَحْرِيمًا إنْ قَرَأَ الْإِمَامُ قَدْرَ الْفَرْضِ (وَإِلَّا لَا) يُجْزِيهِ؛ وَلَوْ سَجَدَ الْمُؤْتَمُّ مَرَّتَيْنِ وَالْإِمَامُ فِي الْأُولَى لَمْ تُجْزِهِ سَجْدَتُهُ عَنْ الثَّانِيَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْخُلَاصَةِ.   [رد المحتار] وَحَاصِلُهُ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ لَا يَثْبُتُ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى وَجْهٍ يُدْرِكُ بِهِ الرَّكْعَةَ مَعَ الْإِمَامِ إلَّا بِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ الْقِيَامِ أَوْ مِمَّا فِي حُكْمِهِ وَهُوَ الرُّكُوعُ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي أَكْثَرِهَا فَإِذَا تَحَقَّقَ مِنْهُ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ التَّخَلُّفُ بَعْدَهُ، حَتَّى إذَا أَدْرَكَهُ فِي الْقِيَامِ فَوَقَفَ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ وَرَفَعَ فَرَكَعَ هُوَ صَحَّ لِتَحَقُّقِ مُسَمَّى الِاقْتِدَاءِ فِي الِابْتِدَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةُ اللَّاحِقِ وَإِلَّا لَزِمَ انْتِفَاءُ اللَّاحِقِ مَعَ أَنَّهُ مُحَقَّقٌ شَرْعًا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ فَيَأْتِي بِهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ) الْمُرَادُ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا قَبْلَ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ فِيمَا بَعْدَهَا، حَتَّى لَوْ تَابَعَ الْإِمَامَ ثُمَّ أَتَى بَعْدَ فَرَاغِ إمَامِهِ بِمَا فَاتَهُ صَحَّ وَأَثِمَ لِتَرْكِ وَاجِبِ التَّرْتِيبِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْفَرَاغِ لِمُقَابَلَتِهِ لِلْمَسْبُوقِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَأْتِي بِمَا سَبَقَ بِهِ بَعْدَ فَرَاغِ إمَامِهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَمَتَى لَمْ يُدْرِكْ الرُّكُوعَ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ لِعَدَمِ مُتَابَعَتِهِ لَهُ فِي الرُّكُوعِ أَوْ لِرَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْهُ قَبْلَ رُكُوعِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَطْعُ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْجَهَلَةِ لِصِحَّةِ شُرُوعِهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ مُتَابَعَتُهُ فِي السَّجْدَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ تُحْسَبَا لَهُ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ أَوْ وَهُوَ سَاجِدٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تُحْسَبَا لَهُ) أَيْ مِنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي فَاتَتْهُ، بَلْ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِهَا تَامَّةً بَعْدَ الْفَرَاغِ. (قَوْلُهُ وَلَا تَفْسُدُ بِتَرْكِهِمَا) أَيْ السَّجْدَتَيْنِ، لِأَنَّ وُجُوبَ الْإِتْيَانِ بِهِمَا إنَّمَا هُوَ لِوُجُوبِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ لِئَلَّا يَكُونَ مُخَالِفًا لَهُ كَمَا تَجِبُ مُتَابَعَةُ الْمَسْبُوقِ فِي الْقَعْدَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى تَرْتِيبِ صَلَاتِهِ وَإِلَّا فَهَاتَانِ السَّجْدَتَانِ لَيْسَتَا بَعْضَ الرَّكْعَةِ الَّتِي فَاتَتْهُ لِأَنَّ السُّجُودَ لَا يَصِحُّ إلَّا مُرَتَّبًا عَلَى رُكُوعٍ صَحِيحٍ، وَلِذَا لَزِمَهُ الْإِتْيَانُ بِرَكْعَةٍ تَامَّةٍ. (قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ يُدْرِكْ إلَخْ) الْأَخْصَرُ إسْقَاطُ هَذَا وَالِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ لَكِنَّهُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَقَامَ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ إلَخْ. (قَوْلُهُ وَقَدْ تَرَكَ وَاجِبًا) وَهُوَ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي السُّجُودِ عِنْدَ شُرُوعِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا أَتَى بِرَكْعَةٍ تَامَّةٍ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَقْضِ السَّجْدَتَيْنِ أَيْضًا يَكُونُ تَارِكًا وَاجِبًا كَمَا يُوهِمُهُ مَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ فِي وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ؛ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ يَقْضِيهِمَا، لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا عِبَارَةُ التَّجْنِيسِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِذَا لَمْ يُتَابِعْهُ فِي السَّجْدَةِ ثُمَّ تَابَعَهُ فِي بَقِيَّةِ الصَّلَاةِ فَلَمَّا فَرَغَ الْإِمَامُ قَامَ وَقَضَى مَا سُبِقَ بِهِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ إلَّا أَنَّهُ يُصَلِّي تِلْكَ الرَّكْعَةَ الْفَائِتَةَ بِسَجْدَتَيْهَا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَتْ الْمُتَابَعَةُ حِينَ شَرَعَ وَاجِبَةً فِي تِلْكَ السَّجْدَةِ اهـ وَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ صَحَّ رُكُوعُهُ) أَيْ لِتَحَقُّقِ الِاقْتِدَاءِ بِمُشَارَكَتِهِ فِي الِابْتِدَاءِ بِجُزْءٍ مِنْ الْقِيَامِ، فَلَا يَضُرُّ التَّخَلُّفُ بَعْدَهُ كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ تَحْرِيمًا) أَيْ لِلنَّهْيِ عَنْ مُسَابَقَةِ الْإِمَامِ. (قَوْلُهُ قَدْرَ الْفَرْضِ) الَّذِي فِي الذَّخِيرَةِ ثَلَاثُ آيَاتٍ: أَيْ قَدْرُ الْوَاجِبِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِقَدْرِ الْفَرْضِ كَمَا بَحَثَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ وَالْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ، وَتَبِعَهُمَا الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ إمَامُهُ فِيهِ بِأَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ أَوْ لَحِقَهُ وَلَكِنْ كَانَ رُكُوعُ الْمُقْتَدِي قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ الْإِمَامُ مِقْدَارَ الْفَرْضِ لَا يَجْزِيهِ. اهـ. ح أَيْ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْكَعَ ثَانِيًا وَإِلَّا بَطَلَتْ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ سَجَدَ الْمُؤْتَمُّ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الرُّكُوعَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ قَيْدٍ، بَلْ الْمُرَادُ كُلُّ رُكْنٍ سَبَقَهُ الْمَأْمُومُ بِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ عَنْ الثَّانِيَةِ) الْأَوْلَى حَذْفُ عَنْ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْخُلَاصَةِ) لَمْ أَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا، نَعَمْ مَا فِيهَا مَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْمُقْتَدِيَ لَوْ أَتَى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَبْلَ إمَامِهِ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: حَاصِلُهَا أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ بِالرُّكُوعِ مَعَهُ وَالسُّجُودِ قَبْلَهُ أَوْ عَكْسِهِ، أَوْ يَأْتِي بِهِمَا قَبْلَهُ وَيُدْرِكُ فِي كُلِّ الرَّكَعَاتِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ لَمْ يَقُلْ الْمَتْرُوكَاتِ ظَنًّا بِالْمُسْلِمِ خَيْرًا، إذْ التَّأْخِيرُ بِلَا عُذْرٍ كَبِيرَةٌ لَا تَزُولُ بِالْقَضَاءِ بَلْ بِالتَّوْبَةِ أَوْ الْحَجِّ، وَمِنْ الْعُذْرِ الْعَدُوُّ، وَخَوْفُ الْقَابِلَةِ مَوْتَ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَّرَهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ، ثُمَّ الْأَدَاءُ فِعْلُ الْوَاجِبِ   [رد المحتار] فَفِي الْأَوَّلِ يَقْضِي رَكْعَةً، وَفِي الثَّالِثِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الرَّابِعِ أَرْبَعًا بِلَا قِرَاءَةٍ فِي الْكُلِّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي وَالْخَامِسِ، وَفِيهَا أَيْضًا الْمُقْتَدِي إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ قَبْلَ إمَامِهِ فَلَمَّا أَطَالَ الْإِمَامُ ظَنَّ أَنَّهُ سَجَدَ ثَانِيَةً فَسَجَدَ مَعَهُ، إنْ نَوَى بِهَا الْأُولَى أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ كَانَتْ عَنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى؛ وَكَذَا إنْ نَوَى الثَّانِيَةَ وَالْمُتَابَعَةَ تَرْجِيحًا لِلْمُتَابَعَةِ، وَتَلْغُو نِيَّةُ غَيْرِهَا لِلْمُخَالَفَةِ؛ وَإِنْ نَوَى الثَّانِيَةَ لَا غَيْرُ كَانَتْ عَنْ الثَّانِيَةِ اهـ. وَذَكَرَ الْمُحَشِّي تَوْجِيهَ الْأُولَى، وَقَدَّمْنَاهُ مُوَضَّحًا فِي أَوَاخِرِ الْإِمَامَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ] ِ أَيْ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، وَالْأَحْكَامُ تَعُمُّ كَيْفِيَّةَ الْقَضَاءِ وَغَيْرَهَا ط. (قَوْلُهُ لَمْ يَقُلْ الْمَتْرُوكَاتِ إلَخْ) لِأَنَّ فِي التَّعْبِيرِ بِالْفَوَائِتِ إسْنَادَ الْفَوْتِ إلَيْهَا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا صُنْعَ لِلْمُكَلَّفِ فِيهِ بَلْ هُوَ مُلْجَأٌ لِعُذْرٍ مُبِيحٍ بِخِلَافِ الْمَتْرُوكَاتِ لِأَنَّ فِيهِ إسْنَادَ التَّرْكِ لِلْمُكَلَّفِ وَلَا يَلِيقُ بِهِ رَحْمَتِيٌّ، وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْكَلَامُ فِي حُكْمِ جَاحِدِهَا وَتَارِكِهَا وَإِسْلَامِ فَاعِلِهَا. (قَوْلُهُ إذْ التَّأْخِيرُ) عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ ط. (قَوْلُهُ لَا تَزُولُ بِالْقَضَاءِ) وَإِنَّمَا يَزُولُ إثْمُ التَّرْكِ، فَلَا يُعَاقَبُ عَلَيْهَا إذَا قَضَاهَا وَإِثْمُ التَّأْخِيرِ بَاقٍ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ بَلْ بِالتَّوْبَةِ) أَيْ بَعْدَ الْقَضَاءِ أَمَّا بِدُونِهِ فَالتَّأْخِيرُ بَاقٍ، فَلَمْ تَصِحَّ التَّوْبَةُ مِنْهُ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِهَا الْإِقْلَاعُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ أَوْ الْحَجُّ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَبْرُورَ مِنْهُ يُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ط. (قَوْلُهُ وَمِنْ الْعُذْرِ) أَيْ لِجَوَازِ تَأْخِيرِ الْوَقْتِيَّةِ عَنْ وَقْتِهَا، وَأَمَّا قَضَاءُ فَوَائِتَ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ لِلسَّعْيِ عَلَى الْعِيَالِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ. (قَوْلُهُ الْعَدُوُّ) كَمَا إذَا خَافَ الْمُسَافِرُ مِنْ اللُّصُوصِ أَوْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ جَازَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْوَقْتِيَّةَ لِأَنَّهُ بِعُذْرٍ بَحْرٌ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ. قُلْت: هَذَا حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْهُ فِعْلُهَا أَصْلًا، أَمَّا لَوْ كَانَ رَاكِبًا فَيُصَلِّي عَلَى الدَّابَّةِ وَلَوْ هَارِبًا، وَكَذَا لَوْ كَانَ يُمْكِنُهُ صَلَاتُهَا قَاعِدًا أَوْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ قَامَ أَوْ اسْتَقْبَلَ يَرَاهُ الْعَدُوُّ يُصَلِّي بِمَا قَدَرَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. (قَوْلُهُ وَخَوْفُ الْقَابِلَةِ إلَخْ) وَكَذَا خَوْفُ أُمِّهِ إذَا خَرَجَ رَأْسُهُ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهَا لَا يَجُوزُ لَهَا تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ وَتَضَعُ تَحْتَهَا طَسْتًا وَتُصَلِّي فَذَاكَ عِنْدَ عَدَمِ الْخَوْفِ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ) وَذَلِكَ «أَنَّ الْمُشْرِكِينَ شَغَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى ذَهَبَ مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ» ح عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ. مَطْلَبٌ فِي أَنَّ الْأَمْرَ يَكُونُ بِمَعْنَى اللَّفْظِ، وَبِمَعْنَى الصِّيغَةِ وَفِي تَعْرِيفِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَدَاءُ فِعْلُ الْوَاجِبِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْأَدَاءَ وَالْقَضَاءَ مِنْ أَقْسَامِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَالْأَمْرُ قَدْ يُرَادُ بِهِ لَفْظُهُ: أَعْنِي مَا تَرَكَّبَ مِنْ مَادَّةِ أم ر، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الصِّيغَةُ كَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ. وَهِيَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ حَقِيقَةٌ فِي الطَّلَبِ الْجَازِمِ مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ. وَأَمَّا لَفْظُ الْأَمْرِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَيْضًا. وَالتَّحْقِيقُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الطَّلَبِ الْجَازِمِ أَوْ الرَّاجِحِ. فَإِطْلَاقُ لَفْظِ أم ر عَلَى الصِّيغَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ حَقِيقَةٌ، فَالْمَنْدُوبُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 فِي وَقْتِهِ وَبِالتَّحْرِيمَةِ فَقَطْ بِالْوَقْتِ يَكُونُ أَدَاءً عِنْدَنَا، وَبِرَكْعَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْإِعَادَةُ فِعْلُ مِثْلِهِ فِي وَقْتِهِ لِخَلَلٍ غَيْرِ الْفَسَادِ   [رد المحتار] مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ اسْتِعْمَالُ الصِّيغَةِ فِيهِ مَجَازًا، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَكُونُ الْمَنْدُوبُ أَدَاءً وَقَضَاءً، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْقَضَاءُ خَاصًّا بِمَا كَانَ مَضْمُونًا وَالنَّفَلُ لَا يُضْمَنُ بِالتَّرْكِ اخْتَصَّ الْقَضَاءُ بِالْوَاجِبِ، وَمِنْهُ مَا شُرِعَ فِيهِ مِنْ النَّفْلِ فَأَفْسَدَهُ فَإِنَّهُ صَارَ بِالشُّرُوعِ وَاجِبًا فَيُقْضَى، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْأَدَاءَ يَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ، وَالْقَضَاءُ يَخْتَصُّ بِالْوَاجِبِ، وَلِهَذَا عَرَّفَهُمَا صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِأَنَّ الْأَدَاءَ تَسْلِيمُ عَيْنِ الثَّابِتِ بِالْأَمْرِ وَالْقَضَاءُ تَسْلِيمُ مِثْلِ الْوَاجِبِ بِهِ؛ وَالْمُرَادُ بِالثَّابِتِ بِالْأَمْرِ مَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ بِالْأَمْرِ فَيَشْمَلُ النَّفَلَ، لَا مَا ثَبَتَ وُجُوبُهُ بِهِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْوَقْتِ لِيَعُمَّ أَدَاءَ غَيْرِ الْمُوَقِّتِ كَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَالْأَمَانَاتِ وَالْمَنْذُورَاتِ؛ وَتَمَامُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي التَّلْوِيحِ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ أَنَّ تَعْرِيفَ الشَّارِحِ لِلْأَدَاءِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ خِلَافُ التَّحْقِيقِ. (قَوْلُهُ فِي وَقْتِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ الْعُمْرَ أَوْ غَيْرَهُ بَحْرٌ. وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ فِعْلُ الْوَاجِبِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ أَدَاءً إلَّا إذَا وَقَعَ كُلُّ الْوَاجِبِ فِي الْوَقْتِ مَعَ أَنَّ وُقُوعَ التَّحْرِيمَةِ فِيهِ كَافٍ أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ وَبِالتَّحْرِيمَةِ فَقَطْ بِالْوَقْتِ يَكُونُ أَدَاءً؛ فَقَوْلُهُ بِالتَّحْرِيمَةِ مُتَعَلِّقٌ بِيَكُونُ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ؛ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِالْوَقْتِ بِمَعْنَى فِي؛ وَلَوْ قَالَ ثُمَّ الْأَدَاءُ ابْتِدَاءَ فِعْلِ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ لَاسْتَغْنَى عَنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ. اهـ. ح وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ بِالتَّحْرِيمَةِ يَكُونُ أَدَاءً عِنْدَنَا هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْرِيرِ وَذَكَرَ شَارِحُهُ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ مَا فِي الْوَقْتِ أَدَاءٌ وَالْبَاقِي قَضَاءٌ، وَذَكَرَ ط عَنْ الشَّارِحِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فَرَاجِعْهُ مَطْلَبٌ فِي تَعْرِيفِ الْإِعَادَةِ. (قَوْلُهُ وَالْإِعَادَةُ فِعْلُ مِثْلِهِ) أَيْ مِثْلِ الْوَاجِبِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ النَّفَلُ بَعْدَ الشُّرُوعِ بِهِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ فِي وَقْتِهِ) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِأَنَّهُ خَارِجَ الْوَقْتِ يَكُونُ إعَادَةً أَيْضًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَنَدْبًا: أَيْ فَتُعَادُ نَدْبًا، وَقَوْلُهُ غَيْرِ الْفَسَادِ زَادَ فِي الْبَحْرِ وَعَدَمَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ يَعْنِي وَغَيْرِ عَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ، وَتَرَكَهُ الشَّارِحُ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْفَسَادِ مَا هُوَ الْأَعَمَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُنْعَقِدَةً ثُمَّ تَفْسُدُ أَوْ لَمْ تَنْعَقِدْ أَصْلًا، وَمِنْهُ قَوْلُ الْكَنْزِ وَفَسَدَ اقْتِدَاءُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ ح. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا فِي تَعْرِيفِ الْإِعَادَةِ هُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي التَّحْرِيرِ، وَذَكَرَ شَارِحُهُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْوَقْتِ قَوْلُ الْبَعْضِ، وَإِلَّا فَفِي الْمِيزَانِ الْإِعَادَةُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ إتْيَانٌ بِمِثْلِ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ بِأَنْ وَجَبَ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِعْلُ مَوْصُوفٍ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَأَدَّاهُ عَلَى وَجْهِ النُّقْصَانِ، وَهُوَ نُقْصَانٌ فَاحِشٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَهُوَ إتْيَانُ مِثْلِ الْأَوَّلِ ذَاتًا مَعَ صِفَةِ الْكَمَالِ اهـ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ مَا يُفْعَلُ خَارِجَ الْوَقْتِ يَكُونُ إعَادَةً أَيْضًا كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ، وَأَنَّ الْإِعَادَةَ لَا تَخْرُجُ عَنْ أَحَدِ قِسْمَيْ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ. اهـ. أَقُولُ: لَكِنَّ صَرِيحَ كَلَامِ الشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ عَلَى أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ عَدَمُ تَقْيِيدِهَا بِالْوَقْتِ، وَبِكَوْنِ الْخَلَلِ غَيْرَ الْفَسَادِ، وَبِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ خَارِجَةً عَنْ الْقِسْمَيْنِ لِأَنَّهُ عَرَّفَهَا بِأَنَّهَا فِعْلُ مَا فُعِلَ أَوَّلًا مَعَ ضَرْبٍ مِنْ الْخَلَلِ ثَانِيًا، ثُمَّ قَالَ: إنْ كَانَتْ وَاجِبَةً بِأَنْ وَقَعَ الْأَوَّلُ فَاسِدًا فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْأَدَاءِ أَوْ الْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً بِأَنْ وَقَعَ الْأَوَّلُ نَاقِصًا لَا فَاسِدًا فَلَا تَدْخُلُ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ لِأَنَّهُ تَقْسِيمُ الْوَاجِبِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 لِقَوْلِهِمْ: كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ تُعَادُ أَيْ وُجُوبًا فِي الْوَقْتِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَنَدْبًا،   [رد المحتار] وَبِالْأَوَّلِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْأَصَحِّ فَالْفِعْلُ الثَّانِي بِمَنْزِلَةِ الْجَبْرِ كَالْجَبْرِ بِسُجُودِ السَّهْوِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِمْ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ عَلِيلٌ، إذْ قَوْلُهُمْ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ أَنَّ مَا كَانَ فَاسِدًا لَا يُعَادُ وَلَا أَنَّ الْإِعَادَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْوَقْتِ بَلْ صَرَّحَ بَعْدَهُ بِأَنَّهَا بَعْدَ الْوَقْتِ إعَادَةٌ أَيْضًا. عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِمْ تُعَادُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ، فَالْمُنَاسِبُ مَا فَعَلَهُ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ جَعَلَ قَوْلَهُمْ ذَلِكَ نَقْضًا لِلتَّعْرِيفِ حَيْثُ قَيَّدَ فِي التَّعْرِيفِ بِالْوَقْتِ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُمْ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ مُطْلَقٌ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ التَّحْرِيرِ وَعَنْ شَرْحِ أُصُولِ الْبَزْدَوِيِّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِوُقُوعِهَا بَعْدَ الْوَقْتِ. (قَوْلُهُ أَيْ وُجُوبًا فِي الْوَقْتِ إلَخْ) لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ سِوَى صَاحِبِ الْبَحْرِ، حَيْثُ اسْتَنْبَطَهُ مِنْ كَلَامِ الْقُنْيَةِ، حَيْثُ ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ الْوَبَرِيِّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ لَا بَعْدَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ التَّرْجُمَانِيِّ أَنَّ الْإِعَادَةَ أَوْلَى فِي الْحَالَيْنِ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَا وُجُوبَ بَعْدَ الْوَقْتِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِهَا أَوْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا تَحْرِيمِيًّا لَزِمَهُ وُجُوبًا أَنْ يُعِيدَ فِي الْوَقْتِ، فَإِنْ خَرَجَ أَثِمَ وَلَا يَجِبُ جَبْرُ النُّقْصَانِ بَعْدَهُ. فَلَوْ فَعَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ. اهـ. أَقُولُ: مَا فِي الْقُنْيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّ الْإِعَادَةَ وَاجِبَةٌ أَوْ لَا، وَقَدَّمْنَا عَنْ شَرْحِ أُصُولِ الْبَزْدَوِيِّ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ لِخَلَلٍ غَيْرِ الْفَسَادِ لَا تَكُونُ وَاجِبَةً. وَعَنْ الْمِيزَانِ التَّصْرِيحُ بِوُجُوبِهَا. وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: وَفِي جَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ لَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ فِيهِ صُورَةٌ يُكْرَهُ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ. قَالَ أَبُو الْيُسْرِ: هَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ وَالِاسْتِحْبَابِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْقَوْمَةَ غَيْرُ رُكْنٍ عِنْدَهُمَا فَتَرْكُهَا لَا يُفْسِدُ، وَالْأَوْلَى الْإِعَادَةُ. اهـ. وَقَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَهَلْ تَكُونُ الْإِعَادَةُ وَاجِبَةً، فَصَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُرَّاحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ. وَأَنَّهُ بِالْأَوَّلِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَنَّ الثَّانِيَ بِمَنْزِلَةِ الْجَبْرِ. وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ؛ وَصَرَّحَ بِهِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا عَنْ السَّرَخْسِيِّ وَأَبِي الْيُسْرِ: مَنْ تَرَكَ الِاعْتِدَالَ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ. زَادَ أَبُو الْيُسْرِ: وَيَكُونُ الْفَرْضُ هُوَ الثَّانِيَ. وَقَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ: يَعْنِي ابْنَ الْهُمَامِ: لَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ إذْ هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ، وَيَكُونُ جَابِرًا لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ، وَجَعْلَهُ الثَّانِي يَقْتَضِي عَدَمَ سُقُوطِهِ بِالْأَوَّلِ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَازِمُ تَرْكِ الرُّكْنِ لَا الْوَاجِبِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ امْتِنَانٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، إذْ يَحْتَسِبُ الْكَامِلَ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْفَرْضِ لِمَا عَلِمَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ سَيُوقِعُهُ انْتَهَى. وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّا إذَا قُلْنَا الْفَرْضُ هُوَ الْأَوَّلُ فَالْإِعَادَةُ قِسْمٌ آخَرُ غَيْرُ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ، وَإِنْ قُلْنَا الثَّانِي فَهِيَ أَحَدُهُمَا. اهـ. أَقُولُ: فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْأَرْجَحَ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا عِنْدَ الْبَعْضِ خَاصَّةً بِالْوَقْتِ، وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي التَّحْرِيرِ، وَعَلَيْهِ فَوُجُوبُهَا فِي الْوَقْتِ وَلَا تُسَمَّى بَعْدَهُ إعَادَةً، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا مَرَّ عَنْ الْقُنْيَةِ عَنْ الْوَبَرِيِّ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَكُونُ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ التَّحْرِيرِ وَشَرْحِ الْبَزْدَوِيِّ، فَإِنَّهَا تَكُونُ وَاجِبَةً فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ أَيْضًا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِهَا الَّذِي هُوَ الْمَرْجُوحُ تَكُونُ مُسْتَحَبَّةً فِيهِمَا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا مَرَّ عَنْ الْقُنْيَةِ عَنْ التَّرْجُمَانِيِّ. وَأَمَّا كَوْنُهَا وَاجِبَةً فِي الْوَقْتِ مَنْدُوبَةً بَعْدَهُ كَمَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. وَقَدْ نَقَلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ عَنْ خَطِّ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ يَجِبُ أَنْ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِمْ: كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ سَبِيلُهَا الْإِعَادَةُ. اهـ. قُلْت: أَيْ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ وُجُوبَهَا فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ: أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِعَادَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْوَقْتِ. وَظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 وَالْقَضَاءُ فِعْلُ الْوَاجِبِ بَعْدَ وَقْتِهِ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ كَاَلَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ مَجَازٌ (التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفُرُوضِ الْخَمْسَةِ وَالْوِتْرِ أَدَاءٌ وَقَضَاءً لَازِمٌ) يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ،   [رد المحتار] عَنْ شَرْحِ التَّحْرِيرِ تَرْجِيحُهُ، وَقَدْ عَلِمْت أَيْضًا تَرْجِيحَ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ، فَيَكُونُ الْمُرَجَّحُ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمِيزَانِ مِنْ قَوْلِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَهُوَ إتْيَانُ مِثْلِ الْأَوَّلِ ذَاتًا مَعَ صِفَةِ الْكَمَالِ: أَيْ كَمَالِ مَا نَقَصَهُ مِنْهَا، وَذَلِكَ يَعُمُّ وُجُوبَ الْإِتْيَانِ بِهَا كَامِلَةً فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ كَمَا مَرَّ. ثُمَّ هَذَا حَيْثُ كَانَ النُّقْصَانُ بِكَرَاهَةِ تَحْرِيمٍ لِمَا فِي مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْحَقَّ التَّفْصِيلُ بَيْنَ كَوْنِ تِلْكَ الْكَرَاهَةِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ أَوْ تَنْزِيهٍ فَتُسْتَحَبُّ اهـ أَيْ تُسْتَحَبُّ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ أَيْضًا. [تَنْبِيهٌ] يُؤْخَذُ مِنْ لَفْظِ الْإِعَادَةِ وَمِنْ تَعْرِيفِهَا بِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَنْوِي بِالثَّانِيَةِ الْفَرْضَ لِأَنَّ مَا فُعِلَ أَوَّلًا هُوَ الْفَرْضُ فَإِعَادَتُهُ فِعْلُهُ ثَانِيًا؛ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ بِالثَّانِيَةِ فَظَاهِرٌ؛ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تَكْرِيرِهَا ثَانِيًا جَبْرُ نُقْصَانِ الْأُولَى، فَالْأُولَى فَرْضٌ نَاقِصٌ، وَالثَّانِيَةُ فَرْضٌ كَامِلٌ مِثْلُ الْأُولَى ذَاتًا مَعَ زِيَادَةِ وَصْفِ الْكَمَالِ، وَلَوْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ نَفْلًا لَزِمَ أَنْ تَجِبَ الْقِرَاءَةُ فِي رَكَعَاتِهَا الْأَرْبَعِ، وَأَنْ لَا تُشْرَعَ الْجَمَاعَةُ فِيهَا وَلَمْ يَذْكُرُوهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا فَرْضًا عَدَمُ سُقُوطِ الْفَرْضِ بِالْأُولَى لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا تَكُونُ فَرَضَا بَعْدَ الْوُقُوعِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَالْفَرْضُ هُوَ الْأُولَى. وَحَاصِلُهُ تَوَقُّفُ الْحُكْمِ بِفَرْضِيَّةِ الْأُولَى عَلَى عَدَمِ الْإِعَادَةِ، وَلَهُ نَظَائِرُ كَسَلَامِ مَنْ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ يُخْرِجُهُ خُرُوجًا مَوْقُوفًا، وَكَفَسَادِ الْوَقْتِيَّةِ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَكَتَوَقُّفِ الْحُكْمِ بِفَرْضِيَّةِ الْمَغْرِبِ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ عَلَى عَدَمِ إعَادَتِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ؛ وَأَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَهُمَا لَفْظِيٌّ لِأَنَّ الْقَائِلَ أَيْضًا بِأَنَّ الْفَرْضَ هُوَ الثَّانِيَةُ أَرَادَ بِهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ؛ وَإِلَّا لَزِمَ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ الْأُولَى بِتَرْكِ مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ كَمَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ، وَلَزِمَ أَيْضًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ فِي الثَّانِيَةِ لَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً، وَالْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ أَحَدٌ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْفَرْضَ مِنْهَا آيَةٌ وَالثَّلَاثُ وَاجِبَةٌ وَالزَّائِدُ سُنَّةٌ، وَمَا ذَاكَ إلَّا بِالنَّظَرِ إلَى مَا قَبْلَ الْوُقُوعِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي رَكْعَةٍ يَقَعُ الْكُلُّ فَرْضًا، وَكَذَا لَوْ أَطَالَ الْقِيَامَ أَوْ الرُّكُوعَ أَوْ السُّجُودَ، هَذَا نِهَايَةُ مَا تَحَرَّرَ لِي مِنْ فَتْحِ الْمَلِكِ الْوَهَّابِ، فَاغْتَنِمْهُ فَإِنَّهُ مِنْ مُفْرَدَاتِ هَذَا الْكِتَابِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (قَوْلُهُ وَالْقَضَاءُ فِعْلُ الْوَاجِبِ إلَخْ) وَقِيلَ فِعْلُ مِثْلِهِ بِنَاءً عَلَى الْمَرْجُوحِ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ لَا بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَكُتُبِ الْأُصُولِ (قَوْلُهُ وَإِطْلَاقُهُ إلَخْ) أَيْ كَمَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَقَضَاءُ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ إلَخْ؛ وَقَوْلُ الْكَنْزِ: وَقَضَى الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ فِي وَقْتِهِ قَبْلَ شَفْعِهِ، وَكَذَا إطْلَاقُ الْفُقَهَاءِ الْقَضَاءَ عَلَى الْحَجِّ بَعْدَ فَسَادِهِ مَجَازٌ، إذْ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ يَصِيرُ بِخُرُوجِهِ قَضَاءً كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَقَدَّمْنَا وَجْهَ كَوْنِ النَّفْلِ لَا يُسَمَّى قَضَاءً وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَأَنَّهُ يُسَمَّى أَدَاءً حَقِيقَةً، كَمَا إذَا أَتَى بِالْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ؛ أَمَّا إذَا أَتَى بِهَا بَعْدَهُ فَهِيَ قَضَاءٌ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ وَقْتَهَا وَإِنْ كَانَ وَقْتَ الظُّهْرِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ أَدَاءً وَقَضَاءً) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ مَانِعَةُ الْخُلُوِّ، فَيَشْمَلُ ثَلَاثَ صُوَرٍ: مَا إذَا كَانَ الْكُلُّ قَضَاءً، أَوْ الْبَعْضُ قَضَاءً وَالْبَعْضُ أَدَاءً، أَوْ الْكُلُّ أَدَاءً كَالْعِشَاءِ مَعَ الْوِتْرِ ط وَدَخَلَ فِيهِ الْجُمُعَةُ، فَإِنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لَازِمٌ، فَلَوْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْفَجْرَ يُصَلِّيهَا وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ إسْمَاعِيلُ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. (قَوْلُهُ يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ) الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الصِّحَّةُ لَا الْحِلُّ؛ وَأَفَادَ أَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ» وَبِهِ يَثْبُتُ الْفَرْضُ الْعَمَلِيُّ (وَقَضَاءُ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَسُنَّةٌ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، وَجَمِيعُ أَوْقَاتِ الْعُمْرِ وَقْتٌ لِلْقَضَاءِ إلَّا الثَّلَاثَةَ الْمَنْهِيَّةَ كَمَا مَرَّ (فَلَمْ يَجُزْ) تَفْرِيعٌ عَلَى اللُّزُومِ (فَجْرُ مَنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يُوتِرْ) لِوُجُوبِهِ عِنْدَهُ (إلَّا) اسْتِثْنَاءً مِنْ اللُّزُومِ فَلَا يَلْزَمُ التَّرْتِيبُ (إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ)   [رد المحتار] الْمُرَادَ بِلَازِمِ الْفَرْضِ الْعَمَلِيِّ الَّذِي هُوَ أَقْوَى قِسْمَيْ الْوَاجِبِ وَهُوَ مُرَادُ مَنْ سَمَّاهُ فَرْضًا كَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ، وَشَرْطًا كَالْمُحِيطِ، وَوَاجِبًا كَالْمِعْرَاجِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ» ) تَمَامُ الْحَدِيثِ «أَوْ نَسِيَهَا فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا وَهُوَ يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ لْيَقْضِ الَّتِي تَذَكَّرَهَا، ثُمَّ لْيُعِدْ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ» ح عَنْ الدُّرَرِ وَذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ بِاخْتِلَافٍ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ مَعَ بَيَانِ مَنْ خَرَّجَهُ، وَالِاخْتِلَافُ فِي تَوْثِيقِ بَعْضِ رُوَاتِهِ وَفِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، وَذَكَرَ أَنَّ دَعْوَى كَوْنِهِ مَشْهُورًا مَرْدُودَةٌ لِلْخِلَافِ فِي رَفْعِهِ فَضْلًا عَنْ شُهْرَتِهِ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ وَاَلَّذِي حَطَّ عَلَيْهِ كَلَامَهُ الْمَيْلُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ إلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ بِاسْتِحْبَابِ التَّرْتِيبِ وَرَدَّ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْبُرْهَانِ بِمَا لَخَصَّهُ نُوحٌ أَفَنْدِي، فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت. (قَوْلُهُ وَقَضَاءُ الْفَرْضِ إلَخْ) لَوْ قُدِّمَ ذَلِكَ أَوَّلَ الْبَابِ أَوْ آخِرَهُ عَنْ التَّفْرِيعِ الْآتِي لَكَانَ أَنْسَبَ. وَأَيْضًا قَوْلُهُ وَالسُّنَّةِ يُوهِمُ الْعُمُومَ كَالْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَلَوْ قَالَ وَمَا يُقْضَى مِنْ السُّنَّةِ لِرَفْعِ هَذَا الْوَهْمِ رَمْلِيٌّ. قُلْت: وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْوِتْرَ، فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ سُنَّةٌ، وَقَضَاؤُهُ وَاجِبٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، لَكِنْ يُجَابُ بِأَنَّ كَلَامَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ. (قَوْلُهُ وَالْوَاجِبُ) كَالْمَنْذُورَةِ وَالْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا وَقَضَاءِ النَّفْلِ الَّذِي أَفْسَدَهُ ط (قَوْلُهُ وَقْتٌ لِلْقَضَاءِ) أَيْ لِصِحَّتِهِ فِيهَا وَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ إلَّا لِعُذْرٍ ط وَسَيَأْتِي. (قَوْلُهُ إلَّا الثَّلَاثَةَ الْمَنْهِيَّةَ) وَهِيَ الطُّلُوعُ وَالِاسْتِوَاءُ وَالْغُرُوبُ ح وَهِيَ مَحَلٌّ لِلنَّفْلِ الَّذِي شَرَعَ بِهِ فِيهَا ثُمَّ أَفْسَدَهُ ط. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ فَلَمْ يَجُزْ) أَيْ بَلْ يَفْسُدُ فَسَادًا مَوْقُوفًا كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ مَنْ تَذَكَّرَ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَهَا. (قَوْلُهُ لِوُجُوبِهِ) أَيْ الْوِتْرِ عِنْدَهُ: أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ عِنْدَهُ. (قَوْلُهُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ) أَيْ عِنْدَ الْفَوَائِتِ وَالْوَقْتِيَّةِ، أَمَّا الْفَوَائِتُ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ فَلَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مَخْصُوصٌ حَتَّى يُقَالَ يَسْقُطُ تَرْتِيبُهَا بِضِيقِهِ ط وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَدَاءُ الْوَقْتِيَّةِ إلَّا مَعَ التَّخْفِيفِ فِي قَصْرِ الْقِرَاءَةِ وَالْأَفْعَالِ يُرَتِّبُ وَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ بَحْرٌ عَنْ الْمُجْتَبَى. وَفِي الْفَتْحِ: وَيُعْتَبَرُ الضِّيقُ عِنْدَ الشُّرُوعِ، حَتَّى لَوْ شَرَعَ فِي الْوَقْتِيَّةِ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ، وَأَطَالَ حَتَّى ضَاقَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقْطَعَهَا ثُمَّ يَشْرَعَ فِيهَا، وَلَوْ شَرَعَ نَاسِيًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَتَذَكَّرَ عِنْدَ ضِيقِهِ جَازَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ الْمُسْتَحَبُّ) أَيْ الَّذِي لَا كَرَاهَةَ فِيهِ قُهُسْتَانِيِّ. وَقِيلَ أَصْلُ الْوَقْتِ، وَنَسَبَهُ الطَّحَاوِيُّ إلَى الشَّيْخَيْنِ، وَالْأَوَّلُ إلَى مُحَمَّدٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ احْتَرَزَ عَنْ وَقْتِ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ فِي الْعَصْرِ، إذْ يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ إذَا لَزِمَ تَأْخِيرُ ظُهْرِ الشِّتَاءِ وَالْمَغْرِبِ مَثَلًا عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا ثُمَّ رَأَيْت الزَّيْلَعِيَّ خَصَّ الْخِلَافَ بِالْعَصْرِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَتَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِيمَا لَوْ تَذَكَّرَ الظُّهْرَ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ صَلَّاهُ يَقَعُ قَبْلَ التَّغَيُّرِ وَيَقَعُ الْعَصْرُ أَوْ بَعْضَهُ فِيهِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَعَلَى الثَّانِي يُصَلِّي الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ. وَاخْتَارَ الثَّانِي قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ أَكْثَرَ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ الْأَوَّلَ، وَرَجَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِمَا فِي الْمُنْتَقَى مِنْ أَنَّهُ إذَا افْتَتَحَ الْعَصْرَ فِي وَقْتِهَا ثُمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 حَقِيقَةً إذْ لَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ تَفْوِيتُ الْوَقْتِيَّةِ لِتَدَارُكِ الْفَائِتَةِ. وَلَوْ لَمْ يَسَعْ الْوَقْتُ كُلَّ الْفَوَائِتِ فَالْأَصَحُّ جَوَازُ الْوَقْتِيَّةِ مُجْتَبَى، وَفِيهِ ظَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الْعِشَاءُ ضِيقَ وَقْتِ الْفَجْرِ فَصَلَّاهَا وَفِيهِ سَعَةٌ يُكَرِّرُهَا إلَى الطُّلُوعِ وَفَرْضَهُ الْأَخِيرَ   [رد المحتار] احْمَرَّتْ الشَّمْسُ ثُمَّ تَذَكَّرَ الظُّهْرَ مَضَى فِي الْعَصْرِ. قَالَ: فَهَذَا نَصٌّ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَحِينَئِذٍ انْقَطَعَ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ حَيْثُ لَمْ تُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَثَبَتَتْ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى تَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهَا. اهـ. أَقُولُ: فِي هَذَا التَّرْجِيحِ نَظَرٌ، يُوَضِّحُهُ مَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ، حَيْثُ قَالَ: إنَّمَا وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْعَصْرِ لِمَعْرِفَةِ آخِرِ الْوَقْتِ، فَعِنْدَنَا آخِرُهُ فِي حُكْمِ التَّرْتِيبِ غُرُوبُ الشَّمْسِ، وَفِي حُكْمِ جَوَازِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ تَغَيُّرُ الشَّمْسِ. وَعَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ: آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ عِنْدَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ؛ فَعِنْدَهُ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاتَيْنِ قَبْلَ التَّغَيُّرِ لَزِمَهُ التَّرْتِيبُ وَإِلَّا فَلَا. وَعِنْدَنَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ أَدَاءِ الظُّهْرِ قَبْلَ التَّغَيُّرِ وَيَقَعُ الْعَصْرُ أَوْ بَعْضُهُ بَعْدَ التَّغَيُّرِ يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ أَدَاءُ الصَّلَاتَيْنِ قَبْلَ الْغُرُوبِ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ الْفَرَاغُ مِنْ الظُّهْرِ قَبْلَ التَّغَيُّرِ لَا يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ لِأَنَّ مَا بَعْدَ التَّغَيُّرِ لَيْسَ وَقْتًا لِأَدَاءِ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ اهـ مُلَخَّصًا. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْمُنْتَقَى لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَذَكَّرَ الظُّهْرَ بَعْدَ التَّغَيُّرِ لَا يُمْكِنُهُ صَلَاتُهُ فِيهِ، فَلِذَا لَمْ تَفْسُدْ الْعَصْرُ وَإِنْ كَانَ افْتَتَحَهَا قَبْلَ التَّغَيُّرِ نَاسِيًا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِوَقْتِ التَّذَكُّرِ، مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ فِيمَا لَوْ أَطَالَ الصَّلَاةَ ثُمَّ تَذَكَّرَ الْفَائِتَةَ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ، وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ بَلْ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فَاعْتِبَارُ أَصْلِ الْوَقْتِ هُوَ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَأَنَّ عَلَيْهِ أَكْثَرَ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُتُونِ، وَلِذَا جَزَمَ بِهِ فَقِيهُ النَّفْسِ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ بِلَفْظِ عِنْدَنَا، فَاقْتَضَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَلِذَا نُسِبَ الْقَوْلُ الْآخَرُ إلَى الْحَسَنِ، نَعَمْ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا مَرَّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ الْفَجْرَ عِنْدَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ يُصَلِّيهَا مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ حِينَئِذٍ مَكْرُوهَةٌ، بَلْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ يُصَلِّيهَا عِنْدَهُمَا وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُصَلِّي الْجُمُعَةَ ثُمَّ يَقْضِي الْفَجْرَ، فَلَمْ يَجْعَلَا فَوْتَ الْجُمُعَةِ عُذْرًا فِي تَرْكِ التَّرْتِيبِ وَمُحَمَّدٌ جَعَلَهُ عُذْرًا فَكَذَلِكَ هُنَا. اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عِبَارَةَ الْمُحِيطِ وَلَيْسَ فِيهَا التَّصْحِيحُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ، فَاَلَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَصْلُ الْوَقْتِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ حَقِيقَةً) تَمْيِيزٌ لِنِسْبَةِ ضَاقَ: أَيْ ضَاقَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا ظَنًّا، وَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ فِي قَوْلِهِ ظَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الْعِشَاءُ إلَخْ (قَوْلُهُ إذْ لَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فَلَا يَلْزَمُ التَّرْتِيبُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ، لَكِنَّهُ إنَّمَا يُنَاسِبُ اعْتِبَارَ أَصْلِ الْوَقْت. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ تَفْوِيتُ الْوَقْتِيَّةِ عَنْ وَقْتِهَا الْمُسْتَحَبِّ ح. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى تَفْوِيتًا، بَلْ هُوَ تَعْلِيلٌ ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ لِمَا هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا قَرَرْنَاهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَسَعْ الْوَقْتُ كُلَّ الْفَوَائِتِ) صُورَتُهُ عَلَيْهِ الْعِشَاءُ وَالْوِتْرُ مَثَلًا ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ الْفَجْرَ حَتَّى بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الْوِتْرَ مَثَلًا وَفَرْضَ الصُّبْحِ فَقَطْ وَلَمْ يَسَعْ الصَّلَوَاتِ الثَّلَاثَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الصُّبْحِ مَا لَمْ يُصَلِّ الْوِتْرَ. وَصَرَّحَ فِي الْمُجْتَبَى بِأَنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُ الْوَقْتِيَّةِ ح عَنْ الْبَحْرِ، لَكِنْ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: الَّذِي رَأَيْته فِي الْمُجْتَبَى الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ. اهـ. قُلْت: رَاجَعْت الْمُجْتَبَى فَرَأَيْت فِيهِ مِثْلَ مَا عَزَاهُ إلَيْهِ فِي الْبَحْرِ، وَكَذَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ جَازَتْ الْوَقْتِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ. (قَوْلُهُ يُكَرِّرُهَا إلَى الطُّلُوعِ) يَعْنِي يُعِيدُهَا ثَانِيًا وَثَالِثًا وَهَكَذَا إذَا كَانَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ظَنَّ أَنَّ الْوَقْتَ لَا يَسَعُهُمَا ثُمَّ ظَهَرَ فِيهِ سَعَةٌ إلَى أَنْ يَظْهَرَ بَعْدَ إعَادَةٍ مِنْ الْإِعَادَاتِ ضَيِّقَةٌ حَقِيقَةٌ فَيُعِيدُ الْوَقْتِيَّةَ ثُمَّ يُصَلِّي الْفَائِتَةَ، وَإِنْ ظَهَرَ بَعْدَ إعَادَتِهِ أَنَّهُ يَسَعُهُمَا صَلَّى الْفَائِتَةَ ثُمَّ الْوَقْتِيَّةَ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ أَوْ نُسِيَتْ الْفَائِتَةُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ ضَاقَ الْوَقْتُ. وَفِيهِ أَنَّ فَرْضَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 (أَوْ نُسِيَتْ الْفَائِتَةُ) لِأَنَّهُ عُذْرٌ (أَوْ فَاتَتْ سِتٌّ اعْتِقَادِيَّةٌ) لِدُخُولِهَا فِي حَدِّ التَّكْرَارِ الْمُقْتَضِي لِلْحَرَجِ (بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسَةِ) عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً   [رد المحتار] الْكَلَامِ فِيمَنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يُوتِرْ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ حَذْفُ التَّذَكُّرِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ إذَا نَسِيَ الْفَائِتَةَ وَصَلَّى مَا هُوَ مُرَتَّبٌ عَلَيْهَا مِنْ وَقْتِيَّةٍ أَوْ فَائِتَةٍ أُخْرَى وَكَذَا يَسْقُطُ بِنِسْيَانِ إحْدَى الْوَقْتِيَّتَيْنِ؛ كَمَا لَوْ صَلَّى الْوِتْرَ نَاسِيًا أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْعِشَاءَ ثُمَّ صَلَّاهَا لَا يُعِيدُ الْوِتْرَ، لِقَوْلِهِمْ إنَّهُ لَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ بِلَا وُضُوءٍ وَالْوِتْرَ وَالسُّنَّةَ بِهِ يُعِيدُ الْعِشَاءَ وَالسُّنَّةَ لَا الْوِتْرَ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ نَاسِيًا أَنَّ الْعِشَاءَ فِي ذِمَّتِهِ فَسَقَطَ التَّرْتِيبُ أَفَادَهُ ح. قُلْت: وَنَظِيرُهُ أَيْضًا مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِلَا وُضُوءٍ يُعِيدُ الظُّهْرَ فَقَطْ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّاسِي. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ) أَيْ لِأَنَّ النِّسْيَانَ عُذْرٌ سَمَاوِيٌّ مُسْقِطٌ لِلتَّكْلِيفِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ أَوْ فَاتَتْ سِتٌّ) يَعْنِي لَا يَلْزَمُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَائِتَةِ وَالْوَقْتِيَّةِ وَلَا بَيْنَ الْفَوَائِتِ إذَا كَانَتْ الْفَوَائِتُ سِتًّا، كَذَا فِي النَّهْرِ. أَمَّا بَيْنَ الْوَقْتِيَّتَيْنِ كَالْوِتْرِ وَالْعِشَاءِ فَلَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِهَذَا الْمُسْقِطِ كَمَا لَا يَخْفَى ح. وَأَطْلَقَ السِّتَّ فَشَمِلَ مَا إذَا فَاتَتْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْإِمْدَادِ. وَمِثَالُ الْحُكْمِيَّةِ مَا إذَا تَرَكَ فَرْضًا وَصَلَّى بَعْدَهُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ ذَاكِرًا لَهُ فَإِنَّ الْخَمْسَ تَفْسُدُ فَسَادًا مَوْقُوفًا كَمَا سَيَأْتِي؛ فَالْمَتْرُوكَةُ فَائِتَةٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَالْخَمْسَةُ الْمَوْقُوفَةُ فَائِتَةٌ حُكْمًا فَقَطْ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ مَثَلًا الظُّهْرَ مِنْ يَوْمٍ وَالْعَصْرَ مِنْ يَوْمٍ وَالْمَغْرِبَ مِنْ يَوْمٍ وَلَا يَدْرِي أَيَّتُهَا أُولَى. قِيلَ يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْمَتْرُوكَاتِ وَيُصَلِّيهَا سَبْعًا، بِأَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَا صَلَّاهُ أَوَّلًا هُوَ الْآخِرَ فَيُعِيدَهُ ثُمَّ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْمَغْرِبِ أَوَّلًا فَيُعِيدَ مَا صَلَّاهُ أَوَّلًا. وَقِيلَ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا فَيُصَلِّي ثَلَاثًا فَقَطْ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ إيجَابَ التَّرْتِيبِ فِيهَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ تَصِيرَ الْفَوَائِتُ كَسَبْعٍ مَعْنًى أَنَّهُ يَسْقُطُ بِسِتٍّ فَبِالسَّبْعِ أَوْلَى اهـ مُلَخَّصًا، وَتَمَامُهُ هُنَاكَ وُلِلشُّرُنْبُلَالِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِسَالَةٌ. (قَوْلُهُ اعْتِقَادِيَّةٌ) خَرَجَ الْفَرْضُ الْعَمَلِيُّ وَهُوَ الْوِتْرُ، فَإِنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ فَرَضَا لَكِنَّهُ لَا يُحْسَبُ مَعَ الْفَوَائِتِ. اهـ. ح أَيْ لِأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ بِهِ الْكَثْرَةُ الْمُفْضِيَةُ لِلسُّقُوطِ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ وَظِيفَةِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَالْكَثْرَةُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْأَوْقَاتُ أَوْ مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْوِتْرِ فِي ذَلِكَ إمْدَادٌ. (قَوْلُهُ لِدُخُولِهَا فِي حَدِّ التَّكْرَارِ إلَخْ) لِأَنَّهُ يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْ الْفُرُوضِ مُكَرَّرًا، فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ بِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ الْوَاجِبِ بَيْنَهَا أَنْفُسِهَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ أَغْيَارِهَا دُرَرٌ إذْ لَوْ وَجَبَ التَّرْتِيبُ حِينَئِذٍ لَأَفْضَى إلَى الْحَرَجِ. (قَوْلُهُ بِخُرُوجٍ) مُتَعَلِّقٌ بِفَائِتٍ. (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا صَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُ الْمُتَخَلِّلِ بَعْدَ الْفَائِتَةِ سِتَّةَ أَوْقَاتٍ لَا سِتَّ صَلَوَاتٍ؛ فَلَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ وَتَذَكَّرَهَا بَعْدَ شَهْرٍ فَصَلَّى بَعْدَهَا وَقْتِيَّةً ذَاكِرًا لِلْفَائِتَةِ أَجْزَأَتْهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَوْقَاتِ لِأَنَّ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ سِتِّ أَوْقَاتٍ، فَسَقَطَ التَّرْتِيبُ: أَيْ مَعَ صِحَّةِ الصَّلَوَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمَا لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ فِيهَا بِالنِّسْيَانِ وَعَلَى اعْتِبَارِ الصَّلَوَاتِ لَا تُجْزِيهِ لِأَنَّ الْفَائِتَةَ وَاحِدَةٌ وَلَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ إلَّا بِفَوْتِ سِتِّ صَلَوَاتٍ. وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْمُتُونِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا صَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، وَاحْتُرِزَ بِهِ أَيْضًا عَمَّا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ اعْتِبَارِ دُخُولِ وَقْتِ السَّادِسَةِ، وَعَمَّا فِي الْمِعْرَاجِ مِنْ اعْتِبَارِ دُخُولِ وَقْتِ السَّابِعَةِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً) أَيْ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِصَيْرُورَةِ الْفَوَائِتِ سِتًّا وَلَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 أَوْ قَدِيمَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهُ مَتَى اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ رُجِّحَ إطْلَاقُ الْمُتُونِ بَحْرٌ (أَوْ ظَنَّ ظَنًّا مُعْتَبَرًا) أَيْ يَسْقُطُ لُزُومُ التَّرْتِيبِ أَيْضًا بِالظَّنِّ الْمُعْتَبَرِ، كَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ ذَاكِرًا لِتَرْكِهِ الْفَجْرَ فَسَدَ ظُهْرُهُ، فَإِذَا قَضَى الْفَجْرَ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ ذَاكِرًا لِلظُّهْرِ جَازَ الْعَصْرُ، إذْ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ حَالَ أَدَاءِ الْعَصْرِ، وَهُوَ ظَنٌّ مُعْتَبَرٌ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ.   [رد المحتار] كَمَا لَوْ تَرَكَ صَلَاةَ صُبْحٍ مَثَلًا مِنْ سِتَّةِ أَيَّامٍ وَصَلَّى مَا بَيْنَهَا نَاسِيًا لِلْفَوَائِتِ. (قَوْلُهُ أَوْ قَدِيمَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ إلَخْ) كَمَا لَوْ تَرَكَ صَلَاةَ شَهْرٍ نَسَقًا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ تَرَكَ فَائِتَةً حَادِثَةً، فَإِنَّ الْوَقْتِيَّةَ جَائِزَةٌ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ الْحَادِثَةِ لِانْضِمَامِهَا إلَى الْفَوَائِتِ الْقَدِيمَةِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ فَلَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْمُسْقِطَ الْفَوَائِتُ الْحَدِيثَةُ لَا الْقَدِيمَةُ، وَيُجْعَلُ الْمَاضِي كَأَنْ لَمْ يَكُنْ زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّهَاوُنِ بِالصَّلَوَاتِ، فَلَا تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ مَعَ تَذَكُّرِهَا وَصَحَّحَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ. وَفِي التَّجْنِيسِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ، وَفِي الْكَافِي وَالْمِعْرَاجِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَالْفَتْوَى كَمَا رَأَيْت، وَالْعَمَلُ بِمَا وَافَقَ إطْلَاقَ الْمُتُونِ أَوْلَى بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ ظَنَّ ظَنًّا مُعْتَبَرًا إلَخْ) هَذَا مُسْقِطٌ رَابِعٌ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الدُّرَرِ، وَجَعَلَهُ فِي الْبَحْرِ مُلْحَقًا بِالنِّسْيَانِ وَقَالَ إنَّهُ لَيْسَ مُسْقِطًا رَابِعًا كَمَا يُتَوَهَّمُ، ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ شَارِحُو الْهِدَايَةِ أَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ إنْ كَانَ قَوِيًّا كَعَدَمِ الطَّهَارَةِ اسْتَتْبَعَ الصَّلَاةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا كَعَدَمِ التَّرْتِيبِ فَلَا، وَفَرَّعُوا عَلَيْهِ فَرَعَيْنَ. أَحَدُهُمَا: لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ بِلَا طَهَارَةٍ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ ذَاكِرًا لَهَا أَعَادَ الْعَصْرَ لِأَنَّ فَسَادَ الظُّهْرِ قَوِيٌّ فَأَوْجَبَ فَسَادَ الْعَصْرِ وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ. ثَانِيهِمَا: لَوْ صَلَّى هَذِهِ الظُّهْرَ بَعْدَ هَذِهِ الْعَصْرِ وَلَمْ يُعِدْ الْعَصْرَ حَتَّى صَلَّى الْمَغْرِبَ ذَاكِرًا لَهَا فَالْمَغْرِبُ صَحِيحَةٌ إذَا ظَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ لِأَنَّ فَسَادَ الْعَصْرِ ضَعِيفٌ لِقَوْلِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ بِعَدَمِهِ فَلَا يَسْتَتْبِعُ فَسَادَ الْمَغْرِبِ. وَذَكَرَ لَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَصْلًا وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ مَا صَلَّاهُ ذَاكِرًا لِلْفَائِتَةِ إنْ كَانَتْ الْفَائِتَةُ تَجِبُ إعَادَتُهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِلَّا فَلَا إنْ كَانَ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِيهِ. اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ مُجَرَّدَ كَوْنِ الْمَحَلِّ مُجْتَهَدًا فِيهِ لَا يَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارَ الظَّنِّ فِيهِ مِنْ الْجَاهِلِ، بَلْ إنْ كَانَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ ابْتِدَاءً لَا يُعْتَبَرُ الظَّنُّ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُبْتَنَى عَلَى الْمُجْتَهَدِ فِيهِ وَيَسْتَتْبِعُهُ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ الظَّنُّ لِزِيَادَةِ الضَّعْفِ، فَفَسَادُ الْعَصْرِ هُوَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ ابْتِدَاءً، وَفَسَادُ الْمَغْرِبِ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَاعْتُبِرَ اهـ أَيْ اُعْتُبِرَ فِيهِ الظَّنُّ مِنْ الْجَاهِلِ. وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ مَحَلَّ اعْتِبَارِ هَذَا الظَّنِّ وَعَدَمِهِ فِي الْجَاهِلِ لَا الْعَالِمِ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. هَذَا، وَقَدْ اعْتَرَضَ فِي الْبَحْرِ مَا مَرَّ مِنْ الْفَرْعَيْنِ بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ حَنَفِيًّا فَلَا عِبْرَةَ بِرَأْيِهِ الْمُخَالِفِ لِمَذْهَبِ إمَامِهِ فَيَلْزَمُهُ الْمَغْرِبُ أَيْضًا أَوْ شَافِعِيًّا فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَصْرُ أَيْضًا، أَوْ عَامِّيًّا فَلَا مَذْهَبَ لَهُ بَلْ مَذْهَبُهُ مَذْهَبُ مُفْتِيهِ فَإِنْ اسْتَفْتَى حَنَفِيًّا أَعَادَهُمَا أَوْ شَافِعِيًّا لَا يُعِيدُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَفْتِ أَحَدًا وَصَادَفَ الصِّحَّةَ عَلَى مَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بَحْثٌ فِي الْمَنْقُولِ، فَإِنَّ مَا مَرَّ عَنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ مِنْ حُكْمِ الْفَرْعَيْنِ مَذْكُورٌ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ قَاضِي خَانْ. وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَعَزَاهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إلَى الْأَصْلِ، وَقَدْ تَبِعَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ صَاحِبَ الْبَحْرِ، لَكِنْ قَالَ: إنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ فِي عَامِّيٍّ لَمْ يُقَلِّدْ مُجْتَهِدًا وَلَمْ يَسْتَفْتِ فَقِيهًا، فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ لِمُصَادَفَتِهَا مُجْتَهَدًا فِيهِ؛ أَمَّا لَوْ كَانَ حَنَفِيًّا فَلَا عِبْرَةَ بِظَنِّهِ الْمُخَالِفِ لِمَذْهَبِ إمَامِهِ إلَخْ. وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ لِمُصَادَفَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا الصِّحَّةَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَامِّيٍّ اسْتَفْتَى حَنَفِيًّا أَوْ الْتَزَمَ التَّعَبُّدَ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ مُعْتَقِدًا صِحَّتَهُ وَقَدْ جَهِلَ هَذَا الْحُكْمَ ثُمَّ عَلِمَ ذَلِكَ، وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ مَا مَعْنَاهُ: إنَّ قَوْلَ الْبَحْرِ لَا عِبْرَةَ بِرَأْيِهِ الْمُخَالِفِ إلَخْ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ إمَامَهُ قَدْ اعْتَبَرَ رَأْيَهُ وَأَسْقَطَ عَنْهُ التَّرْتِيبَ بِظَنِّهِ عَدَمَ وُجُوبِهِ، فَإِذَا كَانَ جَاهِلًا ذَلِكَ ثُمَّ عَلِمَ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْمَغْرِبِ؛ وَلَوْ اسْتَفْتَى حَنَفِيًّا فَأَفْتَاهُ بِالْإِعَادَةِ لَمْ تَصِحَّ فَتْوَاهُ اهـ. (قَوْلُهُ جَازَ الْعَصْرُ) أَيْ إنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ يُجْزِيهِ كَمَا مَرَّ، وَأَطْلَقَهُ لِعِلْمِهِ مِنْ التَّعْلِيلِ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ جَوَازُ الْعَصْرِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 وَفِي الْمُجْتَبِي: مَنْ جَهِلَ فَرْضِيَّةَ التَّرْتِيبِ يُلْحَقُ بِالنَّاسِي وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ بُخَارَى، وَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ مَا فِي الْقُنْيَةِ: صَبِيٌّ بَلَغَ وَقْتَ الْفَجْرِ وَصَلَّى الظُّهْرَ مَعَ تَذَكُّرِهِ جَازَ، وَلَا يَلْزَمُ التَّرْتِيبُ بِهَذَا الْعُذْرِ (وَلَا يَعُودُ) لُزُومُ التَّرْتِيبِ (بَعْدَ سُقُوطِهِ بِكَثْرَتِهَا) أَيْ الْفَوَائِتِ (بِعَوْدِ الْفَوَائِتِ إلَى الْقِلَّةِ ب) سَبَبِ (الْقَضَاءِ) لِبَعْضِهَا عَلَى الْمُعْتَمِدِ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ (وَكَذَا لَا يَعُودُ) التَّرْتِيبُ (بَعْدَ سُقُوطِهِ بِبَاقِي الْمُسْقِطَاتِ) السَّابِقَةِ مِنْ النِّسْيَانِ وَالضِّيقِ؛ حَتَّى لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ فِي خِلَالِ الْوَقْتِيَّةِ لَا تُفْسِدُ وَهُوَ مُؤَدٍّ، هُوَ الْأَصَحُّ مُجْتَبِي، لَكِنْ فِي النَّهْرِ وَالسِّرَاجِ عَنْ الدِّرَايَةِ: لَوْ سَقَطَ لِلنِّسْيَانِ وَالضِّيقِ ثُمَّ تَذَكَّرَ وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ يَعُودُ اتِّفَاقًا، وَنَحْوُهُ فِي الْأَشْبَاهِ فِي بَيَانِ السَّاقِطِ لَا يَعُودُ فَلْيُحَرَّرْ (وَفَسَادُ) أَصْلِ (الصَّلَاةِ بِتَرْكِ التَّرْتِيبِ مَوْقُوفٌ)   [رد المحتار] أَيْ يُبْتَنَى عَلَى الْمُجْتَهَدِ فِيهِ ابْتِدَاءً، وَهُوَ جَوَازُ الظُّهْرِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) لَيْسَ هَذَا مُسْقِطًا خَامِسًا، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الظَّنَّ السَّابِقَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ الْجَاهِلِ، بَلْ إنَّمَا نَقَلَ كَلَامَ الْمُجْتَبَى لِيُشِيرَ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الظَّنَّ الْمُعْتَبَرَ لَيْسَ مُسْقِطًا رَابِعًا، لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالنِّسْيَانِ، وَإِنَّمَا الْمُسْقِطَاتُ هِيَ الثَّلَاثُ الَّتِي اقْتَصَرَ عَلَيْهَا أَصْحَابُ الْمُتُونِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ مَا فِي الْقُنْيَةِ) إنَّمَا حُكِمَ عَلَى الصَّبِيِّ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ الْجَهْلُ كَمَا فِي النَّهْرِ ح. قُلْت: لَكِنْ فِي هَذَا التَّخْرِيجِ خَفَاءٌ فَإِنَّ الْفَجْرَ فَائِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَكَيْفَ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّرْتِيبُ اعْتِبَارًا لِجَهْلِهِ مَعَ أَنَّهَا نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى السَّابِقَةِ تَحْتَ قَوْلِهِ أَوْ ظَنَّ ظَنًّا مُعْتَبَرًا: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ ظَنِّ الْجَاهِلِ مُطْلَقًا كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ بِكَثْرَتِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِسُقُوطِهِ، وَقَوْلُهُ بِعَوْدِ الْفَوَائِتِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلَا يَعُودُ، وَقَوْلُهُ بِالْقَضَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بِعَوْدِ الْفَوَائِتِ إلَى الْقِلَّةِ ط. (قَوْلُهُ بِسَبَبِ الْقَضَاءِ لِبَعْضِهَا) كَمَا إذَا تَرَكَ رَجُلٌ صَلَاةَ شَهْرٍ مَثَلًا ثُمَّ قَضَاهَا إلَّا صَلَاةً ثُمَّ صَلَّى الْوَقْتِيَّةَ ذَاكِرًا لَهَا فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ اهـ بَحْرٌ وَقُيِّدَ بِقَضَاءِ الْبَعْضِ لِأَنَّهُ لَوْ قَضَى الْكُلَّ عَادَ التَّرْتِيبُ عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ) هُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا فِي الْكَافِي وَالْمُحِيطِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقِيلَ يَعُودُ التَّرْتِيبُ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَرَدَّهُ فِي الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ، وَأَطَالَ فِيهِ الْبَحْرُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ) وَأَمَّا إذَا قَضَى الْكُلَّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَرْتِيبٌ جَدِيدٌ فَلَا يُقَالُ: إنَّهُ عَادَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ مُجْتَبَى) عِبَارَتُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ لِضِيقِ الْوَقْتِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ لَا يَعُودُ عَلَى الْأَصَحِّ، حَتَّى لَوْ خَرَجَ فِي خِلَالِ الْوَقْتِيَّةِ لَا تَفْسُدُ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ مُؤَدٍّ عَلَى الْأَصَحِّ لَا قَاضٍ، وَكَذَا لَوْ سَقَطَ مَعَ النِّسْيَانِ ثُمَّ تَذَكَّرَ لَا يَعُودُ اهـ بِاخْتِصَارٍ. (قَوْلُهُ عَنْ الدِّرَايَةِ) اقْتِصَارٌ عَلَى بَعْضِ اسْمِ الْكِتَابِ لِلِاخْتِصَارِ، فَإِنَّ اسْمَهُ مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ، وَهُوَ شَرْحُ الْهِدَايَةِ لِلْكَاكِيِّ؛ وَكَثِيرًا مَا يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ لَفْظَ الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ فَلْيُحَرَّرْ) التَّحْرِيرُ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ فِي ضِيقِ الْوَقْتِ، فَإِنَّ مَا فِي الْمُجْتَبَى مُصَرِّحٌ بِأَنَّ عَدَمَ الْعَوْدِ فِيمَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ. وَمَا فِي الدِّرَايَةِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الْعَوْدَ فِيمَا إذَا اتَّسَعَ الْوَقْتُ أَيْ ظَهَرَ أَنَّ فِيهِ سَعَةً فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا فِي التَّذَكُّرِ بَعْدَ النِّسْيَانِ، فَإِنَّ مَا فِي الْمُجْتَبَى مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَذَكَّرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا فِي الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً وَهُوَ يُصَلِّي، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ بَطَلَتْ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ قَبْلَ السَّلَامِ بَطَلَتْ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا. وَمَا فِي الدِّرَايَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَذَكَّرَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا كَذَا أَفَادَهُ ح. ثُمَّ قَالَ: وَفِي التَّحْقِيقِ ضِيقُ الْوَقْتِ لَيْسَ بِمُسْقِطٍ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ الْوَقْتِيَّةُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِقُوَّتِهَا مَعَ بَقَاءِ التَّرْتِيبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّبْيِينِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي النِّسْيَانِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ بَيْنَ فَائِتَةٍ وَوَقْتِيَّةٍ لِضِيقِ وَقْتٍ أَوْ نِسْيَانٍ يَبْقَى فِيمَا بَعْدَ تِلْكَ الْوَقْتِيَّةِ. (قَوْلُهُ أَصْلُ الصَّلَاةِ) تَبِعَ فِيهِ النَّهْرَ. وَالصَّوَابُ وَصْفُ الصَّلَاةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقُيِّدَ بِفَسَادِ الْفَرِيضَةِ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ ظَنَّ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ أَوْ لَا (فَإِنْ كَثُرَتْ وَصَارَتْ الْفَوَائِتُ مَعَ الْفَائِتَةِ سِتًّا ظَهَرَ صِحَّتُهَا) بِخُرُوجِ وَقْتِ الْخَامِسَةِ الَّتِي هِيَ سَادِسَةُ الْفَوَائِتِ لِأَنَّ دُخُولَ وَقْتِ السَّادِسَةِ غَيْرُ شَرْطٍ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ فَجْرَ يَوْمٍ وَأَدَّى بَاقِيَ صَلَوَاتِهِ انْقَلَبَتْ صَحِيحَةً   [رد المحتار] عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُبْطِلُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ عُقِدَتْ لِلْفَرْضِ، فَإِذَا بَطَلَتْ الْفَرْضِيَّةُ بَطَلَتْ التَّحْرِيمَةُ أَصْلًا. وَلَهُمَا أَنَّهَا عُقِدَتْ لِأَصْلِ الصَّلَاةِ بِوَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورَةِ بُطْلَانِ الْوَصْفِ بُطْلَانُ الْأَصْلِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِالْقَهْقَهَةِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْفَسَادُ بَاتٌّ. (قَوْلُهُ سَوَاءٌ ظَنَّ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ أَوْ لَا) خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْمُحِيطِ، مِنْ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ مَا صَلَّاهُ إذَا كَانَ عِنْدَ الْمُصَلِّي أَنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَإِلَّا أَعَادَ الْكُلَّ؛ فَقَدْ نَصَّ فِي الْبَحْرِ عَلَى ضَعْفِهِ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ تَعْلِيلَ قَوْلِ الْإِمَامِ يَقْطَعُ بِالْإِطْلَاقِ، وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ. لَا يُقَالُ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ بِالظَّنِّ الْمُعْتَبَرِ. وَأَمَّا الْجَاهِلُ يُلْحَقُ بِالنَّاسِي. لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ مَا هُنَا مُصَوَّرٌ فِيمَا إذَا تَرَكَ صَلَاةً ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا خَمْسًا ذَاكِرًا لِلْمَتْرُوكَةِ، فَظَنُّهُ عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ هُنَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ الْفَسَادُ ضَعِيفًا كَمَا مَرَّ عَنْ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَثُرَتْ) أَيْ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّاهَا تَارِكًا فِيهَا التَّرْتِيبَ، بِأَنْ صَلَّاهَا قَبْلَ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ ذَاكِرًا لَهَا، وَهَذَا التَّفْرِيعُ لِبَيَانِ قَوْلِهِ مَوْقُوفٌ. وَتَوْضِيحُهُ أَنَّهُ إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ وَلَوْ وِتْرًا فَكُلَّمَا صَلَّى بَعْدَهَا وَقْتِيَّةً وَهُوَ ذَاكِرٌ لِتِلْكَ الْفَائِتَةِ فَسَدَتْ تِلْكَ الْوَقْتِيَّةُ فَسَادًا مَوْقُوفًا عَلَى قَضَاءِ تِلْكَ الْفَائِتَةِ، فَإِنْ قَضَاهَا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ صَارَ الْفَسَادُ بَاتًّا وَانْقَلَبَتْ الصَّلَوَاتُ الَّتِي صَلَّاهَا قَبْلَ قَضَاءِ الْمَقْضِيَّةِ نَفْلًا، وَإِنْ لَمْ يَقْضِهَا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ الْخَامِسَةِ وَصَارَتْ الْفَوَاسِدُ مَعَ الْفَائِتَةِ سِتًّا انْقَلَبَتْ صَحِيحَةً لِأَنَّهُ ظَهَرَتْ كَثْرَتُهَا وَدَخَلَتْ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ الْمُسْقِطِ لِلتَّرْتِيبِ، وَبَيَانُ وَجْهِ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ قَالَ ط: وَقَيَّدُوا أَدَاءَ الْخَمْسَةِ بِتَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ، فَلَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْهَا سَقَطَ لِلنِّسْيَانِ؛ وَلَوْ تَذَكَّرَ فِي الْبَعْضِ وَنَسِيَ فِي الْبَعْضِ يُعْتَبَرُ الْمَذْكُورُ فِيهِ، فَإِنْ بَلَغَ خَمْسًا صَحَّتْ وَلَا نَظَرَ لِمَا نُسِيَ فِيهِ لِمَا قُلْنَا. (قَوْلُهُ وَصَارَتْ الْفَوَائِتُ) أَيْ الْحُكْمِيَّةُ. وَفِي نُسْخَةٍ: الْفَوَاسِدُ: أَيْ الْمَوْقُوفَةُ (قَوْلُهُ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْخَامِسَةِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ كَالْمَبْسُوطِ وَالْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالتَّبْيِينِ وَغَيْرِهَا أَنَّ صِحَّةَ الْكُلِّ مَوْقُوفَةٌ عَلَى أَدَاء سِتِّ صَلَوَاتٍ بَعْدَ الْمَتْرُوكَةِ. وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ خَطَأٌ. وَحَقَّقَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الصِّحَّةَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى دُخُولِ وَقْتِ السَّادِسَةِ لَا عَلَى أَدَائِهَا. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ، بِأَنَّ دُخُولَ وَقْتِ السَّادِسَةِ بَعْدَ الْمَتْرُوكَةِ غَيْرُ شَرْطٍ، بَلْ الْمُعْتَبَرُ خُرُوجُ وَقْتِ الْخَامِسَةِ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ تَصِيرُ الْفَوَائِتُ سِتًّا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعَ بَيَانِ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ مِنْ أَدَاءِ السَّادِسَةِ إنَّمَا هُوَ لِتَصِيرَ الْفَوَائِتُ سِتًّا بِيَقِينٍ لَا لِكَوْنِهِ شَرْطًا أَلْبَتَّةَ، وَذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي الْإِمْدَادِ عَنْ الْمِعْرَاجِ أَيْضًا وَمَجْمَعِ الرِّوَايَاتِ والتتارخانية وَالسِّغْنَاقِيِّ وَقَاضِي خَانْ وَحَاصِلُ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا لَخَّصَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَصِرْ سِتًّا (لَا) تَظْهَرُ صِحَّتُهَا بَلْ تَصِيرُ نَفْلًا، وَفِيهَا يُقَالُ: صَلَاةٌ تُصَحِّحُ خَمْسًا وَأُخْرَى تُفْسِدُ خَمْسًا. (وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَوَاتٌ فَائِتَةٌ وَأَوْصَى بِالْكَفَّارَةِ يُعْطَى لِكُلِّ صَلَاةٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ) كَالْفِطْرَةِ   [رد المحتار] هَذَا، وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ: كَانَ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ أَدَّى الْخَامِسَةَ ثُمَّ قَضَى الْمَتْرُوكَةَ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا أَنْ لَا تُفْسِدَ الْمُؤَدَّيَاتِ بَلْ تَصِحُّ لِوُقُوعِهَا غَيْرَ جَائِزَةٍ، وَبِهَا تَصِيرُ الْفَوَائِتُ سِتًّا. وَالْجَوَابُ مَعَ كَوْنِهَا فَائِتَةً مَا بَقِيَ الْوَقْتُ إذْ احْتِمَالُ الْأَدَاءِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ قَائِمٌ. اهـ. (قَوْلُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى دُخُولِ وَقْتِ السَّادِسَةِ وَهِيَ الظُّهْرُ خِلَافًا لِمَا فِي الْفَتْحِ، وَلَا عَلَى أَدَائِهَا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ مَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ. (قَوْلُهُ بِأَنْ لَمْ تَصِرْ سِتًّا) أَيْ بِأَنْ قَضَى الْفَائِتَةَ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الْخَامِسَةِ. (قَوْلُهُ وَفِيهَا يُقَالُ إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ كَعَامَّةِ الْكُتُبِ مِنْ اشْتِرَاطِ أَدَاءِ السَّادِسَةِ، فَهَذِهِ السَّادِسَةُ إذَا أَدَّاهَا صَحَّتْ الْخَمْسَةُ الَّتِي قَبْلَهَا، فَهِيَ صَلَاةٌ تُصَحِّحُ خَمْسًا، وَالْفَائِتَةُ إذَا قَضَاهَا قَبْلَ أَدَاءِ السَّادِسَةِ فَسَدَتْ الْخَمْسَةُ الَّتِي قَبْلَهَا، فَهَذِهِ صَلَاةٌ أُخْرَى تُفْسِدُ خَمْسًا أَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ خُرُوجِ وَقْتِ الْخَامِسَةِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ فَالْمُصَحِّحُ وَالْمُفْسِدُ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْفَائِتَةُ، فَإِذَا قَضَاهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْخَامِسَةِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا أَفْسَدَتْ الْخَمْسَ الَّتِي قَبْلَهَا، وَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَلَمْ يَقْضِ صَحَّتْ الْخَمْسُ أَيْ تَحَقَّقَ بِهَا صِحَّةُ الْخَمْسِ، وَإِلَّا فَالْمُصَحِّحُ حَقِيقَةً هُوَ كَثْرَةُ الْفَوَائِتِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْخَامِسَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ صَلَوَاتٌ فَائِتَةٌ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا وَلَوْ بِالْإِيمَاءِ، فَيَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِهَا وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ وَإِنْ قَلَّتْ، بِأَنْ كَانَتْ دُونَ سِتِّ صَلَوَاتٍ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِقَبُولِ الْعُذْرِ مِنْهُ» وَكَذَا حُكْمُ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ إنْ أَفْطَرَ فِيهِ الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ وَمَاتَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ وَالصِّحَّةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْإِمْدَادِ. مَطْلَبٌ فِي إسْقَاطِ الصَّلَاةِ عَنْ الْمَيِّتِ. (قَوْلُهُ يُعْطَى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ: أَيْ يُعْطِي عَنْهُ وَلِيُّهُ: أَيْ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ بِوِصَايَةٍ أَوْ وِرَاثَةٍ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ إنْ أَوْصَى، وَإِلَّا فَلَا يُلْزَمُ الْوَلِيُّ ذَلِكَ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الِاخْتِيَارِ، فَإِذَا لَمْ يُوصِ فَاتَ الشَّرْطُ فَيَسْقُطُ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا لِلتَّعَذُّرِ، بِخِلَافِ حَقِّ الْعِبَادِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ وُصُولُهُ إلَى مُسْتَحَقِّهِ لَا غَيْرُ، وَلِهَذَا لَوْ ظَفِرَ بِهِ الْغَرِيمُ يَأْخُذُهُ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضَا، وَيَبْرَأُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ بِذَلِكَ إمْدَادٌ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِفِدْيَةِ الصَّوْمِ يُحْكَمُ بِالْجَوَازِ قَطْعًا لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يُوصِ فَتَطَوَّعَ بِهَا الْوَارِثُ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ إنَّهُ يُجْزِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَعَلَّقَ الْإِجْزَاءَ بِالْمَشِيئَةِ لِعَدَمِ النَّصِّ، وَكَذَا عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِفِدْيَةِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُمْ أَلْحَقُوهَا بِالصَّوْمِ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ كَوْنِ النَّصِّ فِيهِ مَعْلُولًا بِالْعَجْزِ فَتَشْمَلُ الْعِلَّةُ الصَّلَاةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُولًا تَكُونُ الْفِدْيَةُ بِرًّا مُبْتَدَأً يَصْلُحُ مَاحِيًا لِلسَّيِّئَاتِ فَكَانَ فِيهَا شُبْهَةٌ كَمَا إذَا لَمْ يُوصِ بِفِدْيَةِ الصَّوْمِ فَلِذَا جَزَمَ مُحَمَّدٌ بِالْأَوَّلِ وَلَمْ يَجْزِمْ بِالْأَخِيرَيْنِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوصِ بِفِدْيَةِ الصَّلَاةِ فَالشُّبْهَةُ أَقْوَى. وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ الْمَذْكُورَ فِيمَا رَأَيْته مِنْ كُتُبِ عُلَمَائِنَا فُرُوعًا وَأُصُولًا إذَا لَمْ يُوصِ بِفِدْيَةِ الصَّوْمِ يَجُوزُ أَنْ يَتَبَرَّعَ عَنْهُ وَلِيُّهُ. وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْوَلِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ مَالِ الْأَجْنَبِيِّ. وَنَظِيرُهُ مَا قَالُوهُ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِحَجَّةِ الْفَرْضِ فَتَبَرَّعَ الْوَارِثُ بِالْحَجِّ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ فَتَبَرُّعُ الْوَارِثِ إمَّا بِالْحَجِّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالْإِحْجَاجِ عَنْهُ رَجُلًا يُجْزِيهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ تَبَرَّعَ غَيْرُ الْوَارِثِ لَا يُجْزِيهِ، نَعَمْ وَقَعَ فِي شَرْحِ نُورِ الْإِيضَاحِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ التَّعْبِيرُ بِالْوَصِيِّ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ فَتَأَمَّلْ، وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي آخِرِ رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ شِفَاءَ الْعَلِيلِ فِي بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِالْخَتَمَاتِ وَالتَّهَالِيلِ. (قَوْلُهُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ) أَيْ أَوْ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 (وَكَذَا حُكْمُ الْوِتْرِ) وَالصَّوْمِ، وَإِنَّمَا يُعْطِي (مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ) وَلَوْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا يَسْتَقْرِضُ وَارِثُهُ نِصْفَ صَاعٍ مَثَلًا وَيَدْفَعُهُ لِفَقِيرٍ ثُمَّ يَدْفَعُهُ الْفَقِيرُ لِلْوَارِثِ ثُمَّ وَثُمَّ حَتَّى يَتِمَّ.   [رد المحتار] دَقِيقِهِ أَوْ سَوِيقِهِ، أَوْ صَاعِ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ قِيمَتِهِ، وَهِيَ أَفْضَلُ عِنْدَنَا لِإِسْرَاعِهَا بِسَدِّ حَاجَةِ الْفَقِيرِ إمْدَادٌ. ثُمَّ إنَّ نِصْفَ الصَّاعِ رُبُعُ مُدٍّ دِمَشْقِيٍّ مِنْ غَيْرِ تَكْوِيمٍ، بَلْ قَدْرُ مَسْحِهِ كَمَا سَنُوضِحُهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ (قَوْلُهُ وَكَذَا حُكْمُ الْوِتْرِ) لِأَنَّهُ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا ط. وَلَا رِوَايَةَ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ أَنَّهُ يَجِبُ أَوْ لَا يَجِبُ كَمَا فِي الْحِجَّةِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ كَمَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ إسْمَاعِيلُ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُعْطِي مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ) أَيْ فَلَوْ زَادَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى الثُّلُثِ لَا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ إخْرَاجُ الزَّائِدِ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ. وَفِي الْقُنْيَةِ: أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ إلَى صَلَوَاتِ عُمْرِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَأَجَازَ الْغَرِيمُ وَصِيَّتَهُ لَا تَجُوزُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الدَّيْنِ وَلَمْ يَسْقُطْ الدَّيْنُ بِإِجَازَتِهِ. اهـ. وَفِيهَا أَوْصَى بِصَلَوَاتِ عُمْرِهِ وَعُمْرُهُ لَا يُدْرَى فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، ثُمَّ رَمَزَ إنْ كَانَ الثُّلُثُ لَا يَفِي بِالصَّلَوَاتِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَفِي بِغَلَبَةِ الظَّنِّ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ أَنَّ عُمْرَهُ لَا يُدْرَى وَذَلِكَ كَأَنْ يَفِيَ الثُّلُثُ بِنَحْوِ عَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا وَعُمْرُهُ نَحْوُ الثَّلَاثِينَ. وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ الثَّانِي ظَاهِرٌ لِأَنَّ الثُّلُثَ إذَا كَانَ لَا يَفِي بِصَلَوَاتِ عُمْرِهِ تَكُونُ الْوَصِيَّةُ بِجَمِيعِ الثُّلُثِ يَقِينًا وَيَلْغُو الزَّائِدُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَفِي بِهَا وَيَزِيدُ عَلَيْهَا فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ لِجَهَالَةِ قَدْرِهَا بِسَبَبِ جَهَالَةِ قَدْرِ الصَّلَوَاتِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا إلَخْ) أَيْ أَصْلًا أَوْ كَانَ مَا أَوْصَى بِهِ لَا يَفِي. زَادَ فِي الْإِمْدَادِ: أَوْ لَمْ يُوصِ بِشَيْءٍ وَأَرَادَ الْوَلِيُّ التَّبَرُّعَ إلَخْ وَأَشَارَ بِالتَّبَرُّعِ إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْوَلِيِّ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ فَقَالَ: لَا يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ فِعْلُ الدَّوْرِ وَإِنْ أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتَ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ بِالتَّبَرُّعِ، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمَيِّتِ أَنْ يُوصِيَ بِمَا يَفِي بِمَا عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَضِقْ الثُّلُثُ عَنْهُ، فَإِنْ أَوْصَى بِأَقَلَّ وَأَمَرَ بِالدَّوْرِ وَتَرَكَ بَقِيَّةَ الثُّلُثِ لِلْوَرَثَةِ أَوْ تَبَرَّعَ بِهِ لِغَيْرِهِمْ فَقَدْ أَثِمَ بِتَرْكِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِالْخَتَمَاتِ وَالتَّهَالِيلِ وَبِهِ ظَهَرَ حَالُ وَصَايَا أَهْلِ زَمَانِنَا، فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ صَلَوَاتٌ كَثِيرَةٌ وَغَيْرُهَا مِنْ زَكَاةٍ وَأَضَاحٍ وَأَيْمَانٍ وَيُوصِي لِذَلِكَ بِدَرَاهِمَ يَسِيرَةٍ، وَيَجْعَلُ مُعْظَمَ وَصِيَّتِهِ لِقِرَاءَةِ الْخَتَمَاتِ وَالتَّهَالِيلِ الَّتِي نَصَّ عُلَمَاؤُنَا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِهَا، وَأَنَّ الْقِرَاءَةَ لِشَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا لَا تَجُوزُ، وَأَنَّ الْآخِذَ وَالْمُعْطِيَ آثِمَانِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى الْقِرَاءَةِ، وَنَفْسُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهَا لَا يَجُوزُ، فَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي عِدَّةِ كُتُبٍ مِنْ مَشَاهِيرِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ؛ وَإِنَّمَا أَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ لَا عَلَى التِّلَاوَةِ وَعَلَّلُوهُ بِالضَّرُورَةِ وَهِيَ خَوْفُ ضَيَاعِ الْقُرْآنِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التِّلَاوَةِ كَمَا أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي شِفَاءِ الْعَلِيلِ وَسَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ يَسْتَقْرِضُ وَارِثُهُ نِصْفَ صَاعٍ مَثَلًا إلَخْ) أَيْ أَوْ قِيمَةَ ذَلِكَ. وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَحْسِبَ مَا عَلَى الْمَيِّتِ وَيَسْتَقْرِضَ بِقَدْرِهِ، بِأَنْ يُقَدِّرَ عَنْ كُلِّ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ أَوْ يَحْتَسِبَ مُدَّةَ عُمْرِهِ بَعْدَ إسْقَاطِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً لِلذَّكَرِ وَتِسْعِ سِنِينَ لِلْأُنْثَى لِأَنَّهَا أَقَلُّ مُدَّةِ بُلُوغِهِمَا، فَيَجِبُ عَنْ كُلِّ شَهْرٍ نِصْفُ غِرَارَةِ قَمْحٍ بِالْمُدِّ الدِّمَشْقِيِّ مُدِّ زَمَانِنَا لِأَنَّ نِصْفَ الصَّاعِ أَقَلُّ مِنْ رُبْعِ مُدٍّ، فَتَبْلُغُ كَفَّارَةُ سِتِّ صَلَوَاتٍ لِكُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ نَحْوَ مُدٍّ وَثُلُثٍ، وَلِكُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعُونَ مُدًّا وَذَلِكَ نِصْفُ غِرَارَةٍ، وَلِكُلِّ سَنَةٍ شَمْسِيَّةٍ سِتُّ غَرَائِرَ، فَيَسْتَقْرِضُ قِيمَتَهَا وَيَدْفَعُهَا لِلْفَقِيرِ ثُمَّ يَسْتَوْهِبُهَا مِنْهُ وَيَتَسَلَّمُهَا مِنْهُ لِتَتِمَّ الْهِبَةُ ثُمَّ يَدْفَعُهَا لِذَلِكَ الْفَقِيرِ أَوْ لِفَقِيرٍ آخَرَ وَهَكَذَا، فَيُسْقِطُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ كَفَّارَةَ سَنَةٍ، وَإِنْ اسْتَقْرَضَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يُسْقِطُ بِقَدْرِهِ وَبَعْدَ ذَلِكَ يُعِيدُ الدَّوْرَ لِكَفَّارَةِ الصِّيَامِ ثُمَّ لِلْأُضْحِيَّةِ ثُمَّ لِلْأَيْمَانِ، لَكِنْ لَا بُدَّ فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ مِنْ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَدْفَعَ لِلْوَاحِدِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ فِي يَوْمٍ لِلنَّصِّ عَلَى الْعَدَدِ فِيهَا، بِخِلَافِ فِدْيَةِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إعْطَاءُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 (وَلَوْ قَضَاهَا وَرَثَتُهُ بِأَمْرِهِ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ (بِخِلَافِ الْحَجِّ) لِأَنَّهُ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ، وَلَوْ أَدَّى لِلْفَقِيرِ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ لَمْ يَجُزْ؛ وَلَوْ أَعْطَاهُ الْكُلَّ جَازَ، وَلَوْ فَدَى عَنْ صَلَاتِهِ فِي مَرَضِهِ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ الصَّوْمِ. (وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الْفَوَائِتِ) وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَى الْفَوْرِ (لِعُذْرِ السَّعْيِ عَلَى الْعِيَالِ؛ وَفِي الْحَوَائِجِ عَلَى الْأَصَحِّ) وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ   [رد المحتار] فِدْيَةِ صَلَوَاتٍ لِوَاحِدٍ كَمَا يَأْتِي. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِدُونِ وَصِيَّةٍ لِتَعْلِيلِهِمْ، لِعَدَمِ وُجُوبِهَا بِدُونِ وَصِيَّةٍ بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْفِعْلِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، بِأَنْ يُوصِيَ بِإِخْرَاجِهَا فَلَا يَقُومُ الْوَارِثُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ رَأَيْت فِي صَوْمِ السِّرَاجِ التَّصْرِيحَ بِجَوَازِ تَبَرُّعِ الْوَارِثِ بِإِخْرَاجِهَا، وَعَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِإِدَارَةِ الْوَلِيِّ لِلزَّكَاةِ، ثُمَّ يَنْبَغِي بَعْدَ تَمَامِ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ أَوْ بِمَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ إنْ كَانَ أَوْصَى. (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ الْإِجْزَاءِ؛ بِمَعْنَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَسْقُطُ عَنْ الْمَيِّتِ بِذَلِكَ وَكَذَا الصَّوْمُ؛ نَعَمْ لَوْ صَامَ أَوْ صَلَّى وَجَعَلَ ثَوَابَ ذَلِكَ لِلْمَيِّتِ صَحَّ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ ثَوَابُ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ عِنْدَنَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْبَدَنِ وَالْمَالِ، فَإِنَّ الْعِبَادَةَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: مَالِيَّةٌ، وَبَدَنِيَّةٌ، وَمُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا؛ فَالْعِبَادَةُ الْمَالِيَّةُ كَالزَّكَاةِ تَصِحُّ فِيهَا النِّيَابَةُ حَالَةَ الْعَجْزِ وَالْقُدْرَةِ. وَالْبَدَنِيَّةُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَا تَصِحُّ فِيهَا النِّيَابَةُ مُطْلَقًا. وَالْمُرَكَّبَةُ مِنْهُمَا كَالْحَجِّ، إنْ كَانَ نَفْلًا تَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ فَرْضًا لَا تَصِحُّ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ الدَّائِمِ إلَى الْمَوْتِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) هَذَا ثَانِي قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِدُونِ تَرْجِيحٍ. وَظَاهِرُ الْبَحْرِ اعْتِمَادُهُ، وَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. (قَوْلُهُ جَازَ) أَيْ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ تَتَارْخَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ فَدَى عَنْ صَلَاتِهِ فِي مَرَضِهِ لَا يَصِحُّ) فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّتِمَّةِ: سُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ الْفِدْيَةِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ هَلْ تَجُوزُ؟ فَقَالَ لَا. وَسُئِلَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ الشَّيْخِ الْفَانِي هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ عَنْ الصَّلَوَاتِ كَمَا تَجِبُ عَلَيْهِ عَنْ الصَّوْمِ وَهُوَ حَيٌّ؟ فَقَالَ لَا. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ: وَلَا فِدْيَةَ فِي الصَّلَاةِ حَالَةَ الْحَيَاةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ. اهـ. أَقُولُ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ النَّصَّ إنَّمَا وَرَدَ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي أَنَّهُ يُفْطِرُ وَيَفْدِي فِي حَيَاتِهِ، حَتَّى إنَّ الْمَرِيضَ أَوْ الْمُسَافِرَ إذَا أَفْطَرَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إذَا أَدْرَكَ أَيَّامًا أُخَرَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَدْرَكَ وَلَمْ يَصُمْ يَلْزَمُهُ الْوَصِيَّةُ بِالْفِدْيَةِ عَمَّا قَدَرَ، هَذَا مَا قَالُوهُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ غَيْرَ الشَّيْخِ الْفَانِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ عَنْ صَوْمِهِ فِي حَيَاتِهِ لِعَدَمِ النَّصِّ وَمِثْلُهُ الصَّلَاةُ؛ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ مُطَالَبٌ بِالْقَضَاءِ إذَا قَدَرَ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ إلَّا بِتَحْقِيقِ الْعَجْزِ عَنْهُ بِالْمَوْتِ فَيُوصِي بِهَا، بِخِلَافِ الشَّيْخِ الْفَانِي فَإِنَّهُ تَحَقَّقَ عَجْزُهُ قَبْلَ الْمَوْتِ عَنْ أَدَاءِ الصَّوْمِ وَقَضَائِهِ فَيَفْدِي فِي حَيَاتِهِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ عَجْزُهُ عَنْ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ يُصَلِّي بِمَا قَدَرَ وَلَوْ مُومِيًا بِرَأْسِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ سَقَطَتْ عَنْهُ إذَا كَثُرَتْ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا إذَا قَدَرَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ، وَبِمَا قَرَّرْنَا ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ أَيْ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ خَاصٌّ بِالشَّيْخِ الْفَانِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الْفَوَائِتِ) أَيْ الْكَثِيرَةِ الْمُسْقِطَةِ لِلتَّرْتِيبِ. (قَوْلُهُ لِعُذْرِ السَّعْيِ) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ ط أَيْ فَيَسْعَى وَيَقْضِي مَا قَدَرَ بَعْدَ فَرَاغِهِ ثُمَّ وَثُمَّ إلَى أَنْ تَتِمَّ. (قَوْلُهُ وَفِي الْحَوَائِجِ) أَعَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ أَيْ مَا يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ وَدَفْعِ ضُرِّهِ وَأَمَّا النَّفَلُ فَقَالَ فِي الْمُضْمَرَاتِ: الِاشْتِغَالُ بِقَضَاءِ الْفَوَائِتِ أَوْلَى وَأَهَمُّ مِنْ النَّوَافِلِ إلَّا سُنَنَ الْمَفْرُوضَةِ وَصَلَاةَ الضُّحَى وَصَلَاةَ التَّسْبِيحِ وَالصَّلَاةَ الَّتِي رُوِيَتْ فِيهَا الْأَخْبَارُ. اهـ. ط أَيْ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَالْأَرْبَعَ قَبْلَ الْعَصْرِ وَالسِّتَّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ. (قَوْلُهُ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ) أَيْ فِي خَارِجِ الصَّلَاةِ؛ أَمَّا فِيهَا فَعَلَى الْفَوْرِ وَفِي الْحِلْيَةِ مِنْ بَابِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ عَنْ شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ أَدَاءُ هَذِهِ السَّجْدَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْفَوْرِ، وَكَذَا خَارِجَهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى التَّرَاخِي، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنُّذُورِ الْمُطْلَقَةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 وَالنَّذْرُ الْمُطْلَقُ وَقَضَاءُ رَمَضَانَ مُوَسَّعٌ. وَضَيَّقَ الْحَلْوَانِيُّ، كَذَا فِي الْمُجْتَبَى (وَيُعْذَرُ بِالْجَهْلِ حَرْبِيٌّ أَسْلَمَ ثَمَّةَ وَمَكَثَ مُدَّةً فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْخِطَابَ إنَّمَا يَلْزَمُ بِالْعِلْمِ أَوْ دَلِيلِهِ وَلَمْ يُوجَدَا (كَمَا لَا يَقْضِي مُرْتَدٌّ مَا فَاتَهُ زَمَنَهَا) وَلَا مَا قَبْلَهَا إلَّا الْحَجَّ، لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ يَصِيرُ كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ (وَ) لِذَا (يُلْزَمُ بِإِعَادَةِ فَرْضٍ) أَدَّاهُ ثُمَّ (ارْتَدَّ عَقِبَهُ وَتَابَ) أَيْ أَسْلَمَ (فِي الْوَقْتِ) لِأَنَّهُ حَبِطَ بِالرِّدَّةِ. قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: 5] وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّ بِدَلِيلِ {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [البقرة: 217] قُلْنَا: أَفَادَتْ عَمَلَيْنِ وَجَزَاءَيْنِ إحْبَاطَ الْعَمَلِ وَالْخُلُودَ فِي النَّارِ؛ فَالْإِحْبَاطُ بِالرِّدَّةِ، وَالْخُلُودُ بِالْمَوْتِ عَلَيْهَا، فَلْيُحْفَظْ.   [رد المحتار] وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ، وَقِيلَ قَضَاءُ الصَّلَاةِ عَلَى التَّرَاخِي اتِّفَاقًا وَالْأَصَحُّ عَكْسُهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَالنَّذْرُ الْمُطْلَقُ) أَمَّا الْمُعَيَّنُ بِوَقْتٍ فَيَجِبُ أَدَاؤُهُ فِي وَقْتِهِ إنْ كَانَ مُعَلَّقًا، وَفِي غَيْرِ وَقْتِهِ يَكُونُ قَضَاءً ط (قَوْلُهُ وَضَيَّقَ الْحَلْوَانِيُّ) قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ مِنْ الصَّوْمِ: أَنَّ قَضَاءَ الصَّوْمِ عَلَى التَّرَاخِي، وَقَضَاءَ الصَّلَاةِ عَلَى الْفَوْرِ إلَّا لِعُذْرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ بِالْجَهْلِ) لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ كَوُجُوبِ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ. (قَوْلُهُ أَسْلَمَ ثَمَّةَ) أَيْ هُنَاكَ أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ. (قَوْلُهُ بِالْعِلْمِ) فَإِذَا بَلَّغَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ مَا تَرَكَهُ بَعْدَهُ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ عَدْلَانِ مُسْلِمَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ؛ وَأَمَّا الْعَدَالَةُ فَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهَا شَرْطٌ عِنْدَهُمَا. وَرَوَى أَبُو جَعْفَرٍ فِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا غَيْرُ شَرْطٍ عِنْدَهُمَا، حَتَّى إذَا أَخْبَرَهُ رَجُلٌ فَاسِقٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ عَبْدٌ فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَلْزَمُهُ تَتَارْخَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ أَوْ دَلِيلُهُ) أَيْ دَلِيلُ الْعِلْمِ وَهُوَ الْكَوْنُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِاشْتِهَارِ الْفَرَائِضِ فِيهَا، فَمَنْ أَسْلَمَ فِيهَا لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَ. (قَوْلُهُ زَمَنَهَا) مَنْصُوبٌ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ ح وَالضَّمِيرُ لِلرِّدَّةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ قَوْلِهِ مُرْتَدٌّ. (قَوْلُهُ وَلَا مَا قَبْلَهَا) عَطْفٌ عَلَى مَا فَاتَهُ، وَأَعَادَ لَا النَّافِيَةَ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ؛ وَعَلَى هَذَا يَصِيرُ الْمَعْنَى: وَلَا يُعِيدُهُ مَا أَدَّاهُ قَبْلَهَا بِدَلِيلِ الْعَطْفِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ مُقَابِلٌ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ إلَّا الْحَجَّ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إذَا أَدَّاهُ قَبْلَهَا يَقْضِيهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ قَبْلَهَا لَكَانَ حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ أَوْ قَبْلَهَا عَطْفًا عَلَى زَمَنِهَا الْعَامِلِ فِيهِ قَوْلُهُ فَاتَهُ وَلَخَالَفَ مَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ، وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ عَنْ الْخَانِيَّةِ بِقَوْلِهِ: إذَا كَانَ عَلَى الْمُرْتَدِّ قَضَاءُ صَلَوَاتٍ وَصِيَامَاتٍ تَرَكَهَا فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا تَرَكَ فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّ تَرْكَ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ مَعْصِيَةٌ، وَالْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ اهـ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ إلَّا الْحَجَّ) لِأَنَّ وَقْتَهُ الْعُمْرُ، فَلَمَّا حَبِطَ بِالرِّدَّةِ ثُمَّ أَدْرَكَ وَقْتَهُ مُسْلِمًا لَزِمَهُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلْمَتْنِ، وَلِقَوْلِهِ إلَّا الْحَجَّ: أَيْ فَإِنَّ الْكَافِرَ الْأَصْلِيَّ إذَا أَسْلَمَ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ زَمَنَ كُفْرِهِ لِعَدَمِ خِطَابِ الْكُفَّارِ بِالشَّرَائِعِ عِنْدَنَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، بَلْ يَلْزَمُهُ مَا أَدْرَكَ وَقْتَهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَالْحَجُّ وَقْتُهُ بَاقٍ فَتَلْزَمُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ أَدَاءُ صَلَاةٍ أَسْلَمَ فِي وَقْتِهَا فَكَذَا الْمُرْتَدُّ (قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِهِ كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ حَبِطَ) أَيْ بَطَلَ وَالْأَحْسَنُ عَطْفُهُ بِالْوَاوِ عَلَى قَوْلِهِ وَلِذَا، لِيَكُونَ عِلَّةً ثَانِيَةً لِلُزُومِ الْإِعَادَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ حَيْثُ قَالَ لَا يَلْزَمُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّ إحْبَاطَ الْعَمَلِ مُعَلَّقٌ فِي الْآيَةِ بِالْمَوْتِ عَلَى الرِّدَّةِ (قَوْلُهُ قُلْنَا إلَخْ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 [فُرُوعٌ] صَبِيٌّ احْتَلَمَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَاسْتَيْقَظَ بَعْدَ الْفَجْرِ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا. صَلَّى فِي مَرَضِهِ بِالتَّيَمُّمِ وَالْإِيمَاءِ مَا فَاتَهُ فِي صِحَّتِهِ صَحَّ وَلَا يُعِيدُ لَوْ صَحَّ. كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ نَوَى أَوَّلَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ أَوْ آخِرَهُ،   [رد المحتار] حَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217] فِيهِ ذِكْرُ عَمَلَيْنِ: أَحَدُهُمَا الرِّدَّةُ، وَالْآخَرُ الْمَوْتُ عَلَيْهَا: أَيْ الِاسْتِمْرَارُ عَلَيْهَا إلَى الْمَوْتِ، وَذَكَرَ جَزَاءَيْنِ، لِكُلِّ عَمَلٍ جَزَاءٌ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ، فَإِحْبَاطُ الْأَعْمَالِ جَزَاءُ الرِّدَّةِ، وَالْخُلُودُ فِي النَّارِ جَزَاءُ الْمَوْتِ عَلَيْهَا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى عَلَّقَ حَبْطَ الْعَمَلِ عَلَى مُجَرَّدِ الْكُفْرِ بِمَا آمَنَ بِهِ، وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88] . مَطْلَبٌ إذَا أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ هَلْ تَعُودُ حَسَنَاتُهُ أَمْ لَا؟ [تَنْبِيهٌ] مُقْتَضَى كَوْنِ حَبْطِ الْعَمَلِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ جَزَاءَ الرِّدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ عَلَيْهَا عِنْدَنَا أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ لَا تَعُودُ حَسَنَاتُهُ وَإِلَّا كَانَ جَزَاءً لَهَا وَلِلْمَوْتِ عَلَيْهَا مَعًا كَمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَفِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ مِنْ بَابِ الْمُرْتَدِّ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا إلَى التَّتِمَّةِ: لَوْ تَابَ الْمُرْتَدُّ، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو هَاشِمٍ مِنْ أَصْحَابِنَا تَعُودُ حَسَنَاتُهُ. وَقَالَ أَبُو قَاسِمٍ الْكَعْبِيُّ لَا تَعُودُ، وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهُ لَا يَعُودُ مَا بَطَلَ مِنْ ثَوَابِهِ، وَلَكِنْ تَعُودُ طَاعَتُهُ الْمُتَقَدِّمَةُ مُؤَثِّرَةً فِي الثَّوَابِ بَعْدُ اهـ وَلَعَلَّ مَعْنَى كَوْنِهَا مُؤَثِّرَةً فِي الثَّوَابِ بَعْدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُثِيبُهُ عَلَيْهَا ثَوَابًا جَدِيدًا بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى الْإِسْلَامِ غَيْرَ الثَّوَابِ الَّذِي بَطَلَ، أَوْ أَنَّ الثَّوَابَ بِمَعْنَى الِاعْتِدَادِ بِهَا وَعَدَمِ مُطَالَبَتِهِ بِفِعْلِهَا ثَانِيًا وَإِنْ حَكَمْنَا بِبُطْلَانِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ فَضْلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى تَأَمَّلْ. وَبَقِيَ هَلْ يَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِ مَا فَعَلَهُ مِنْ الْمَعَاصِي قَبْلَ الرِّدَّةِ؟ مُقْتَضَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ. وَعِنْدَ الْعَامَّةِ يَسْقُطُ كَمَا بَسَطَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، لِحَدِيثِ «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَشْمَلُ إسْلَامَ الْمُرْتَدِّ، لَكِنْ يَنْبَغِي عَدَمُ الْخِلَافِ فِي لُزُومِ قَضَاءِ مَا تَرَكَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي سُقُوطِ إثْمِ التَّأْخِيرِ وَالْمَطْلِ فِي الدَّيْنِ الَّذِي مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى [فُرُوعٌ فِي قَضَاء الْفَوَائِت] (قَوْلُهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى مَفْعُولِهِ: أَيْ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا) لِأَنَّهَا وَقَعَتْ نَافِلَةً، وَلَمَّا احْتَلَمَ فِي وَقْتِهَا صَارَتْ فَرْضًا عَلَيْهِ لِأَنَّ النَّوْمَ لَا يَمْنَعُ الْخِطَابَ فَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا فِي الْمُخْتَارِ، وَلِذَا لَوْ اسْتَيْقَظَ قَبْلَ الْفَجْرِ لَزِمَهُ إعَادَتُهَا إجْمَاعًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ عَنْ الْخُلَاصَةِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: حُكِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ جَاءَ إلَى الْإِمَامِ أَوَّلَ احْتِلَامِهِ فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي غُلَامٍ احْتَلَمَ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ مَا صَلَّى الْعِشَاءَ هَلْ يُعِيدُهَا؟ قَالَ نَعَمْ، فَقَامَ مُحَمَّدٌ إلَى زَاوِيَةِ الْمَسْجِدِ وَأَعَادَهَا، وَهِيَ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ تَعَلَّمَهَا مِنْ الْإِمَامِ، فَلَمَّا رَآهُ يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ تَفَرَّسَ فَقَالَ: إنَّ هَذَا الصَّبِيَّ يَصْلُحُ، فَكَانَ كَمَا قَالَ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ صَحَّ) لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِقَضَائِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا عَلَى قَدْرِ وُسْعِهِ؛ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْفَائِتَةِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي فَاتَتْ عَلَيْهَا، وَلِذَا يَقْضِي الْمُسَافِرُ فَائِتَةَ الْحَضَرِ الرُّبَاعِيَّةَ أَرْبَعًا، وَيَقْضِي الْمُقِيمُ فَائِتَةَ السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ إلَّا لِضَرُورَةٍ. (قَوْلُهُ كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ إلَخْ) مِثَالُهُ: لَوْ فَاتَهُ صَلَاةُ الْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ فَإِذَا قَضَاهَا لَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ لِأَنَّ فَجْرَ الْخَمِيسِ مَثَلًا غَيْرُ فَجْرِ الْجُمُعَةِ، فَإِنْ أَرَادَ تَسْهِيلَ الْأَمْرِ، يَقُولُ أَوَّلَ فَجْرٍ مَثَلًا، فَإِنَّهُ إذَا صَلَّاهُ يَصِيرُ مَا يَلِيهِ أَوَّلًا أَوْ يَقُولُ آخِرَ فَجْرٍ، فَإِنَّ مَا قَبْلَهُ يَصِيرُ آخِرًا، وَلَا يَضُرُّهُ عَكْسُ التَّرْتِيبِ لِسُقُوطِهِ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ. وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ التَّعْيِينُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 وَكَذَا الصَّوْمُ لَوْ مِنْ رَمَضَانَيْنِ هُوَ الْأَصَحُّ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُطْلِعَ غَيْرَهُ عَلَى قَضَائِهِ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ مَعْصِيَةٌ فَلَا يُظْهِرُهَا. بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ وَأَوْلَاهُ بِالْفَوَائِتِ لِأَنَّهُ لِإِصْلَاحِ مَا فَاتَ، وَهُوَ وَالنِّسْيَانُ وَالشَّكُّ وَاحِدٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالظَّنُّ الطَّرَفُ الرَّاجِحُ وَالْوَهْمُ الطَّرَفُ الْمَرْجُوحُ (يَجِبُ   [رد المحتار] أَيْضًا كَمَا فِي صَوْمِ أَيَّامٍ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ، وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ تَبَعًا لِلْكَنْزِ وَصَحَّحَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْمُنْيَةِ، لَكِنْ اسْتَشْكَلَهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَقَالَ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا كَقَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ وَالْأَصَحُّ الِاشْتِرَاطُ. اهـ. قُلْت: وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي الْمُلْتَقَى هُنَاكَ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْفَتْحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَحْثِ النِّيَّةِ وَجَزَمَ بِهِ هُنَا صَاحِبُ الدُّرَرِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ لَوْ مِنْ رَمَضَانَيْنِ) لِأَنَّ كُلَّ رَمَضَانَ سَبَبٌ لِصَوْمِهِ فَصَارَا كَظُهْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ بِخِلَافِ صَوْمِ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ فَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْقَضَاءَ عَنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي مِنْهُ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْأَذَانِ أَنَّهُ يُكْرَهُ قَضَاءُ الْفَائِتَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَعَلَّلَهُ الشَّارِحُ بِمَا هُنَا مِنْ أَنَّ التَّأْخِيرَ مَعْصِيَةٌ فَلَا يُظْهِرُهَا. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَمْنُوعَ هُوَ الْقَضَاءُ مَعَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمِنَحِ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنْ يَنْبَغِيَ هُنَا لِلْوُجُوبِ وَأَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ لِأَنَّ إظْهَارَ الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْجِهَارِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحُ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ فَيَقُولُ عَمِلْت الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ» وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ] ِ (قَوْلُهُ مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَهِيَ الْأَصْلُ فِي الْإِضَافَاتِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاخْتِصَاصِ، وَأَقْوَاهُ اخْتِصَاصُ الْمُسَبَّبِ بِالسَّبَبِ اهـ لَكِنَّ فِيهِ أَنَّ السُّجُودَ لَيْسَ حُكْمًا بَلْ هُوَ مُتَعَلِّقُهُ وَالْحُكْمُ هُنَا الْوُجُوبُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ وُجُوبُ سُجُودِ السَّهْوِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَأَوْلَاهُ بِالْفَوَائِتِ) أَيْ قَرَنَهُ بِهَا عَلَى طَرِيقِ التَّضْمِينِ وَلِذَا عَدَّاهُ بِالْبَاءِ، وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الْوَلِيِّ بِمَعْنَى الْقُرْبِ وَالدُّنُوِّ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، فَيُعَدَّى إلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي بِمِنْ لَا بِالْبَاءِ. يُقَالُ: أَوْلَيْتُ زَيْدًا مِنْ عَمْرٍو: أَيْ قَرَّبْتُهُ مِنْهُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لِإِصْلَاحِ مَا فَاتَ) أَيْ مَا تُرِكَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فِي مَحَلِّهِ، كَمَا أَنَّ قَضَاءَ الْفَوَائِتِ لِإِصْلَاحِ مَا فَاتَ وَقْتُهُ بِفِعْلِهِ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ السَّهْوُ. (قَوْلُهُ وَاحِدٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ) خَبَرٌ عَنْ هُوَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ: أَيْ مَعْنَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَاحِدٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. وَفِي ذِكْرِ الشَّكِّ نَظَرٌ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ التَّحْرِيرِ لَا فَرْقَ فِي اللُّغَةِ بَيْنَ النِّسْيَانِ وَالسَّهْوِ، وَهُوَ عَدَمُ اسْتِحْضَارِ الشَّيْءِ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَفِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ: السَّهْوُ الْغَفْلَةُ عَنْ الْمَعْلُومِ، فَيَتَنَبَّهُ لَهُ بِأَدْنَى تَنَبُّهٍ. وَالنِّسْيَانُ زَوَالُ الْمَعْلُومِ. وَقَالَ الْحُكَمَاءُ: السَّهْوُ زَوَالُ الصُّورَةِ عَنْ الْمُدْرِكَةِ مَعَ بَقَائِهَا فِي الْحَافِظَةِ. وَالنِّسْيَانُ: زَوَالُهَا عَنْهُمَا مَعًا فَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ فِي تَحْصِيلِهَا إلَى سَبَبٍ جَدِيدٍ. (قَوْلُهُ وَالظَّنُّ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ مَا يَخْطِرُ بِالْبَالِ وَلَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ الْيَقِينِ حَتَّى يُسَمَّى عِلْمًا، وَلَا تَسَاوَتْ جِهَتَاهُ حَتَّى يُسَمَّى شَكًّا، بَلْ تَرَجَّحَتْ فِيهِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، فَالْمَرْجُوحَةُ وَهْمٌ وَالرَّاجِحَةُ ظَنٌّ، فَإِنْ زَادَ الرُّجْحَانُ بِلَا جَزْمٍ فَهُوَ غَلَبَةُ الظَّنِّ. (قَوْلُهُ يَجِبُ لَهُ) أَيْ لِلسَّهْوِ الْآتِي بَيَانُهُ فِي قَوْلِهِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ سَهْوًا ح. وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْقُدُورِيِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 بَعْدِ سَلَامٍ وَاحِدٍ عَنْ يَمِينِهِ فَقَطْ) لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ، وَبِهِ يَحْصُلُ التَّحْلِيلُ وَهُوَ الْأَصَحُّ بَحْرٌ عَنْ الْمُجْتَبَى. وَعَلَيْهِ لَوْ أَتَى بِتَسْلِيمَتَيْنِ سَقَطَ عَنْهُ السُّجُودُ؛ وَلَوْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ جَازَ وَكُرِهَ تَنْزِيهًا. وَعِنْدَ مَالِكٍ قَبْلَهُ فِي النُّقْصَانِ وَبَعْدَهُ فِي الزِّيَادَةِ، فَيُعْتَبَرُ الْقَافُ بِالْقَافِ وَالدَّالُ بِالدَّالِ (سَجْدَتَانِ. و) يَجِبُ أَيْضًا (تَشَهُّدٌ وَسَلَامٌ) لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ   [رد المحتار] أَنَّهُ سُنَّةٌ. وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْوُجُوبُ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ لِجَبْرِ نُقْصَانٍ تَمَكَّنَ فِي الصَّلَاةِ فَيَجِبُ كَالدِّمَاءِ فِي الْحَجِّ، وَيَشْهَدُ لَهُ الْأَمْرُ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْجُدْ يَأْثَمُ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ، وَلِتَرْكِ سُجُودِ السَّهْوِ بَحْرٌ. وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ يَأْثَمُ لِتَرْكِ الْجَابِرِ فَقَطْ إذْ لَا إثْمَ عَلَى السَّاهِي، نَعَمْ هُوَ فِي صُورَةِ الْعَمْدِ ظَاهِرٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَرْتَفِعَ هَذَا الْإِثْمُ بِإِعَادَتِهَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ بَعْدَ سَلَامٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ يَجِبُ لَا بِيَجِبُ، لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ كُرِهَ تَنْزِيهًا، نَعَمْ يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِيَجِبُ بِالنَّظَرِ إلَى تَقْيِيدِ السَّلَامِ بِالْوَاحِدِ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ بَعْدَ التَّسْلِيمَتَيْنِ يَسْقُطُ السُّجُودُ. (قَوْلُهُ وَاحِدٍ) هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، مِنْهُمْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: إنَّهُ الصَّوَابُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْأَصْلِ اهـ إلَّا أَنَّ مُخْتَارَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ كَوْنُهُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ مِنْ غَيْرِ انْحِرَافٍ، وَقِيلَ يَأْتِي بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ أَخِي فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْمُفِيدِ وَالْيَنَابِيعِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَعَزَاهُ أَيْ الثَّانِي فِي الْبَدَائِعِ إلَى عَامَّتِهِمْ، فَقَدْ تَعَارَضَ النَّقْلُ عَنْ الْجُمْهُورِ اهـ. (قَوْلُهُ عَنْ يَمِينِهِ) احْتِرَازٌ عَمَّا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مِنْ أَصْحَابِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ كَمَا عَلِمْته. وَفِي الْحِلْيَةِ: اخْتَارَ الْكَرْخِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْإِيضَاحِ أَنْ يُسَلِّمَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً. وَنَصَّ فِي الْمُحِيطِ عَلَى أَنَّهُ الْأَصْوَبُ. وَفِي الْكَافِي عَلَى أَنَّهُ الصَّوَابُ. قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَنْحَرِفَ فِي هَذَا السَّلَامِ، يَعْنِي فَيَكُونُ سَلَامُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ. وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى أَنَّهُ يُسَلِّمُ مَرَّةً وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ خَاصَّةً. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِالتَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ قَائِلُونَ بِأَنَّهَا عَنْ الْيَمِينِ إلَّا فَخْرَ الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يَقُولُ إنَّهَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَهُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ أَيْضًا كَالْمِعْرَاجِ وَالْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ) تَعْلِيلٌ لِكَوْنِهِ عَنْ يَمِينِهِ، وَقَوْلُهُ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّحْلِيلُ تَعْلِيلٌ لِكَوْنِهِ وَاحِدًا، وَيَأْتِي وَجْهُهُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ بَحْرٌ عَنْ الْمُجْتَبَى) عِبَارَةُ الْبَحْرِ: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ تَصْحِيحُ الْمُجْتَبَى أَنَّهُ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ فَقَطْ. وَقَدْ ظَنَّ فِي الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ قَوْلٌ ثَالِثٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ جَمِيعَ أَصْحَابِ الْقَوْلِ الثَّانِي قَائِلُونَ بِأَنَّهُ يُسَلِّمُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ مَعَ أَنَّ الْقَائِلَ مِنْهُمْ بِذَلِكَ هُوَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فَقَطْ كَمَا عَلِمْته، وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى عَزْوِ هَذَا الْقَوْلِ إلَى الْمُجْتَبَى حَتَّى يَرِدَ مَا قِيلَ إنَّ تَصْحِيحَ الْمُجْتَبَى لَا يُوَازِي مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ الَّذِي هُوَ الْأَكْثَرُ تَصْحِيحًا وَالْأَصْوَبُ وَالصَّوَابُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ لَوْ أَتَى إلَخْ) هَذَا جَعَلَهُ فِي الْبَحْرِ قَوْلًا رَابِعًا. وَاسْتَظْهَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوَاحِدَةِ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَجَّهُوا بِهِ الْقَوْلَ بِالْوَاحِدَةِ مِنْ أَنَّ السَّلَامَ الْأَوَّلَ لِشَيْئَيْنِ: لِلتَّحْلِيلِ وَلِلتَّحِيَّةِ؛ وَالسَّلَامُ الثَّانِي لِلتَّحِيَّةِ فَقَطْ أَيْ تَحِيَّةِ بَقِيَّةِ الْقَوْمِ لِأَنَّ التَّحْلِيلَ لَا يَتَكَرَّرُ؛ وَهُنَا سَقَطَ مَعْنَى التَّحِيَّةِ عَنْ السَّلَامِ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الْإِحْرَامَ فَكَانَ ضَمُّ الثَّانِي إلَيْهِ عَبَثًا، وَلَوْ فَعَلَهُ فَاعِلٌ لَقَطَعَ الْإِحْرَامَ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ بَعْدَ عَزْوِهِ ذَلِكَ إلَى فَخْرِ الْإِسْلَامِ حَتَّى إنَّهُ لَا يَأْتِي بَعْدَهُ بِسُجُودِ السَّهْوِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: لَوْ سَلَّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ لَا يَأْتِي بِسُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَالْكَلَامِ. اهـ. قُلْت: وَعَلَيْهِ فَيَجِبُ تَرْكُ التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ جَازَ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ: وَرُوِيَ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُجْزِيه وَيُعِيدُهُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ فَيَعْتَبِرُ إلَخْ) أَيْ قَافٌ قَبْلُ لِقَافِ النُّقْصَانِ وَدَالٌ بَعْدُ لِدَالِ الزِّيَادَةِ. (قَوْلُهُ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ) أَيْ قِرَاءَتَهُ. حَتَّى لَوْ سَلَّمَ بِمُجَرَّدِ رَفْعِهِ مِنْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 دُونَ الْقَعْدَةِ لِقُوَّتِهَا، بِخِلَافِ الصُّلْبِيَّةِ فَإِنَّهَا تَرْفَعُهُمَا وَكَذَا التِّلَاوِيَّةُ عَلَى الْمُخْتَارِ؛ وَيَأْتِي بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدُّعَاءِ فِي الْقُعُودِ الْأَخِيرِ فِي الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ فِيهِمَا احْتِيَاطًا (إذَا كَانَ الْوَقْتُ صَالِحًا) فَلَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي الْفَجْرِ، أَوْ احْمَرَّتْ فِي الْقَضَاءِ، أَوْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يَقْطَعُ الْبِنَاءَ بَعْدَ السَّلَامِ سَقَطَ عَنْهُ فَتْحٌ. وَفِي الْقُنْيَةِ   [رد المحتار] وَيَكُونُ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ، وَكَذَا يَرْفَعُ السَّلَامَ إمْدَادٌ. (قَوْلُهُ لِقُوَّتِهَا) أَيْ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْهُ لِكَوْنِهَا فَرْضًا (قَوْلُهُ فَإِنَّهَا تَرْفَعُهُمَا) أَيْ الْقَعْدَةَ وَالتَّشَهُّدَ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْهُمَا لِكَوْنِهَا رُكْنًا، وَالْقَعْدَةُ لِخَتْمِ الْأَرْكَانِ إمْدَادٌ، أَوْ لِأَنَّ الصُّلْبِيَّةَ رُكْنٌ أَصْلِيٌّ وَالْقَعْدَةُ رُكْنٌ زَائِدٌ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ أَوْ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ لَا تَكُونُ إلَّا آخِرَ الْأَرْكَانِ، وَبِسُجُودِ الصُّلْبِيَّةِ بَعْدَهَا خَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا آخِرًا. (قَوْلُهُ وَكَذَا التِّلَاوِيَّةُ) لِأَنَّهَا أَثَرُ الْقِرَاءَةِ وَهِيَ رُكْنٌ فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا بَحْرٌ أَيْ تَأْخُذُ حُكْمَهَا بَعْدَ سُجُودِهَا أَمَّا قَبْلَهُ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ؛ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ وَلَمْ يَسْجُدْهَا فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، بِخِلَافِ الصُّلْبِيَّةِ فَإِنَّهَا رُكْنٌ أَصْلِيٌّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَنَظِيرُهَا فِيمَا ذَكَرْنَا مَا لَوْ نَسِيَ السُّورَةَ فَتَذَكَّرَهَا فِي الرُّكُوعِ فَعَادَ وَقَرَأَهَا أَخَذَتْ حُكْمَ الْفَرْضِ وَارْتَفَضَ الرُّكُوعُ فَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ الْعَوْدَ إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ إذَا نَسِيَهُ يَرْفَعُ الْقَعْدَةَ كَالْعَوْدِ إلَى التِّلَاوِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ. وَذَكَرَ ابْنُ الْفَضْلِ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُهَا. وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا كَانَ الْوَقْتُ صَالِحًا) أَيْ لِأَدَاءِ تِلْكَ الصَّلَاةِ فِيهِ (قَوْلُهُ أَوْ احْمَرَّتْ فِي الْقَضَاءِ) كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُؤَدِّي الْعَصْرَ فَاحْمَرَّتْ الشَّمْسُ لَا يَسْقُطُ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ صَالِحٌ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ نَفْسِهَا فَكَذَا لِسُجُودِ سَهْوِهَا، بِخِلَافِ الْفَائِتَةِ الْوَاجِبَةِ فِي كَامِلٍ، لَكِنْ فِي الْإِمْدَادِ عَنْ الدِّرَايَةِ التَّصْرِيحُ بِسُقُوطِهِ إذَا احْمَرَّتْ عَقِبَ السَّلَامِ مِنْ فَائِتَةٍ أَوْ حَاضِرَةٍ تَحَرُّزًا عَنْ الْكَرَاهَةِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْقَضَاءَ: هُنَا غَيْرُ قَيْدٍ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْقُنْيَةِ: لَوْ صَلَّى الْعَصْرَ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ فَاصْفَرَّتْ الشَّمْسُ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، ثُمَّ رَأَيْته فِي الْبَدَائِعِ عَلَّلَ هَذَا بِأَنَّ السَّجْدَةَ تَجْبُرُ النُّقْصَانَ الْمُتَمَكِّنَ فَجَرَى مَجْرَى الْقَضَاءِ وَقَدْ وَجَبَتْ كَامِلَةً فَلَا تُقْضَى بِالنَّاقِصِ اهـ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ مَا يَقْطَعُ الْبِنَاءَ) كَحَدَثِ عَمْدٍ وَعَمَلٍ مُنَافٍ إمْدَادٌ. (قَوْلُهُ بَعْدَ السَّلَامِ) تَنَازَعَ فِيهِ كُلٌّ مِنْ طَلَعَتْ وَاحْمَرَّتْ وَوُجِدَ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْإِمْدَادِ. (قَوْلُهُ سَقَطَ عَنْهُ) لِأَنَّهُ بِالْعَوْدِ إلَى السُّجُودِ يَعُودُ إلَى حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَقَدْ فَاتَ شَرْطُ صِحَّتِهَا بِطُلُوعِ الشَّمْسِ فِي الْفَجْرِ، وَمِثْلُهُ خُرُوجُ وَقْتِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ، وَكَذَا إذَا وَجَدَ مَا يَقْطَعُ الْبِنَاءَ. وَأَمَّا فِي احْمِرَارِ الشَّمْسِ فِي الْقَضَاءِ فَكَذَلِكَ. وَأَمَّا فِي الْأَدَاءِ فَلِئَلَّا يَعُودَ إلَى الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ بَعْدَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِلَا كَرَاهَةٍ تَأَمَّلْ. بَقِيَ إذَا سَقَطَ السُّجُودُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِكَوْنِ مَا أَدَّاهُ أَوَّلًا وَقَعَ نَاقِصًا بِلَا جَابِرٍ. وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ سَقَطَ بِصُنْعِهِ كَحَدَثِ عَمْدٍ مَثَلًا يَلْزَمُهُ وَإِلَّا فَلَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ إلَخْ) أَقُولُ: عِبَارَةُ الْقُنْيَةِ بِرَمْزِ نَجْمِ الْأَئِمَّةِ تَطَوَّعَ رَكْعَتَيْنِ وَسَهَا ثُمَّ بَنَى عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَلَوْ بَنَى عَلَى الْفَرْضِ تَطَوُّعًا وَقَدْ سَهَا فِي الْفَرْضِ لَا يَسْجُدُ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَرْقَ هُوَ أَنَّ بِنَاءَ النَّفْلِ عَلَى النَّفْلِ يُصَيِّرُهُ صَلَاةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ بِنَاءِ النَّفْلِ عَلَى الْفَرْضِ، وَلِذَا كَانَ الْبِنَاءُ فِيهِ مَكْرُوهًا لِأَنَّ النَّفَلَ صَلَاةٌ أُخْرَى غَيْرُ الْفَرْضِ؛ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ سُجُودُ السَّهْوِ لِصَلَاةٍ وَاقِعًا فِي صَلَاةٍ أُخْرَى مَقْصُودَةٍ وَإِنْ كَانَتْ تَحْرِيمَةُ الْفَرْضِ بَاقِيَةً فَلِذَا لَا يَسْجُدُ، أَوْ لِأَنَّهُ لَمَّا بَنَى النَّفَلَ عَمْدًا صَارَ مُؤَخِّرًا لِلسَّلَامِ عَنْ مَحَلِّهِ عَمْدًا، وَالْعَمْدُ لَا يَجْبُرُهُ سُجُودُ السَّهْوِ بَلْ تَلْزَمُ فِيهِ الْإِعَادَةُ؛ وَحَيْثُ كَانَتْ الْإِعَادَةُ وَاجِبَةً لَمْ يَبْقَ السُّجُودُ وَاجِبًا عَنْ سَهْوِهِ فِي الْفَرْضِ لِأَنَّهُ بِالْإِعَادَةِ يَأْتِي بِمَا سَهَا فِيهِ، وَالسُّجُودُ جَابِرٌ عَمَّا فَاتَ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِعَادَةِ، فَإِذَا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ سَقَطَ السُّجُودُ، فَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ ثُمَّ قَامَ وَسَجَدَ لِلْخَامِسَةِ ضَمَّ إلَيْهَا سَادِسَةً لِتَصِيرَ لَهُ الرَّكْعَتَانِ نَفْلًا لِأَنَّ هَذَا النَّفَلَ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَكَأَنَّهُ لَيْسَ صَلَاةً أُخْرَى وَلِأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ سَلَامَ الْفَرْضِ عَنْ مَحَلِّهِ عَمْدًا فَلَمْ تَكُنْ الْإِعَادَة عَلَيْهِ وَاجِبَةً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 لَوْ بَنَى النَّفَلَ عَلَى فَرْضٍ سَهَا فِيهِ لَمْ يَسْجُدْ: (بِتَرْكِ) مُتَعَلِّقٍ بِيَجِبُ (وَاجِبٍ) مِمَّا مَرَّ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ (سَهْوًا) فَلَا سُجُودَ فِي الْعَمْدِ، قِيلَ إلَّا فِي أَرْبَعٍ: تَرْكِ الْقَعْدَةِ الْأُولَى، وَصَلَاتُهُ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَفَكُّرُهُ عَمْدًا حَتَّى شَغَلَهُ عَنْ رُكْنٍ، وَتَأْخِيرُ سَجْدَةِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ نَهْرٌ (وَإِنْ تَكَرَّرَ) لِأَنَّ تَكْرَارَهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ (كَرُكُوعٍ) مُتَعَلِّقٌ بِتَرْكِ وَاجِبٍ (قَبْلَ قِرَاءَةٍ) الْوَاجِبِ لِوُجُوبِ تَقْدِيمِهَا، ثُمَّ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ التَّرْكُ بِالسُّجُودِ؛ فَلَوْ تَذَكَّرَ وَلَوْ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ عَادَ ثُمَّ أَعَادَ الرُّكُوعَ، إلَّا أَنَّهُ فِي تَذَكُّرِ الْفَاتِحَةِ   [رد المحتار] فَلَزِمَهُ سُجُودُ السَّهْوِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ بِتَرْكِ وَاجِبٍ) أَيْ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ الْأَصْلِيَّةِ لَا كُلِّ وَاجِبٍ إذْ لَوْ تَرَكَ تَرْتِيبَ السُّوَرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مَعَ كَوْنِهِ وَاجِبًا بَحْرٌ. وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ أَخَّرَ التِّلَاوِيَّةَ عَنْ مَوْضِعِهَا فَإِنَّ عَلَيْهِ سُجُودَ السَّهْوِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ جَازِمًا بِأَنَّهُ لَا اعْتِمَادَ عَلَى مَا يُخَالِفُهُ وَصَحَّحَهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَيْضًا. وَقَدْ يُجَابُ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ أَثَرَ الْقِرَاءَةِ أَخَذَتْ حُكْمَهَا تَأَمَّلْ. وَاحْتُرِزَ بِالْوَاجِبِ عَنْ السُّنَّةِ كَالثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ وَنَحْوِهِمَا وَعَنْ الْفَرْضِ. (قَوْلُهُ قِيلَ إلَّا فِي أَرْبَعٍ) أَشَارَ إلَى ضَعْفِهِ تَبَعًا لِنُورِ الْإِيضَاحِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمَشْهُورِ فِي تَسْمِيَتِهِ سُجُودَ سَهْوٍ وَإِنْ سَمَّاهُ الْقَائِلُ بِهِ سُجُودَ عُذْرٍ. وَقَدْ رَدَّهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ بِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ لَهُ أَصْلٌ فِي الرِّوَايَةِ وَلَا وَجْهٌ فِي الدِّرَايَةِ اهـ. وَأَجَابَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ وُجُوبِ السُّجُودِ فِي مَسْأَلَةِ التَّفَكُّرِ عَمْدًا بِأَنَّهُ وَجَبَ لِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ مِنْ تَرْكِ وَاجِبٍ هُوَ تَأْخِيرُ الرُّكْنِ أَوْ الْوَاجِبِ عَمَّا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ نَوْعُ سَهْوٍ، فَلَمْ يَكُنْ السُّجُودُ لِتَرْكِ وَاجِبٍ عَمْدًا (قَوْلُهُ وَتَأْخِيرُ سَجْدَةِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ اتِّفَاقِيٌّ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ، وَإِلَّا فَالْفَرْقُ بَيْنَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَغَيْرِهَا تَحَكُّمٌ، وَكَذَا لَا يَظْهَرُ لِقَوْلِهِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ وَجْهٌ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لَكَانَ كَذَلِكَ عِنْدَهُ عَلَى مَا يَظْهَرُ ط. (قَوْلُهُ وَإِنْ تَكَرَّرَ) حَتَّى لَوْ تَرَكَ جَمِيعَ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ سَهْوًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا سَجْدَتَانِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ تَكْرَارَهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ) سَيَأْتِي أَنَّ الْمَسْبُوقَ يُتَابِعُ إمَامَهُ فِيهِ ثُمَّ إذَا قَامَ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ فَسَهَا فِيهِ يَسْجُدُ أَيْضًا، فَقَدْ تَكَرَّرَ. وَأَجَابَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ الْمَسْبُوقَ فِيمَا يَقْضِي كَالْمُنْفَرِدِ فَهُمَا صَلَاتَانِ حُكْمًا وَإِنْ كَانَتْ التَّحْرِيمَةُ وَاحِدَةً، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ مُتَعَلِّقٌ بِتَرْكِ وَاجِبٍ) أَيْ مُرْتَبِطٍ بِهِ عَلَى وَجْهِ التَّمْثِيلِ لَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ التَّعَلُّقَ النَّحْوِيَّ ط أَيْ بَلْ هُوَ خَبَرٌ لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَذَلِكَ كَرُكُوعٍ. (قَوْلُهُ لِوُجُوبِ تَقْدِيمِهَا) أَيْ تَقْدِيمِ قِرَاءَةِ الْوَاجِبِ. أَمَّا قِرَاءَةُ الْفَرْضِ فَتَقْدِيمُهَا عَلَى الرُّكُوعِ فَرْضٌ لَا يَنْجَبِرُ بِسُجُودِ السَّهْوِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ تَقْدِيمَ الرُّكُوعِ عَلَى الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا مُوجِبٌ لِسُجُودِ السَّهْوِ، لَكِنْ إذَا رَكَعَ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ، فَإِنْ أَعَادَ الرُّكُوعَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَسَدَتْ. أَمَّا إذَا رَكَعَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ أَصْلًا فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا إذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ مَثَلًا ثُمَّ رَكَعَ فَتَذَكَّرَ السُّورَةَ فَعَادَ فَقَرَأَهَا وَلَمْ يُعِدْ الرُّكُوعَ فَلِأَنَّ مَا قَرَأَهُ ثَانِيًا الْتَحَقَ بِالْقِرَاءَةِ الْأُولَى فَصَارَ الْكُلُّ فَرْضًا فَارْتَفَضَ الرُّكُوعَ فَإِذَا لَمْ يُعِدْهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، نَعَمْ إذَا كَانَ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ ثُمَّ عَادَ لِقِرَاءَةِ سُورَةٍ أُخْرَى لَا يَرْتَفِضُ رُكُوعُهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الزَّاهِدِيِّ وَغَيْرِهِ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ إيقَاعَ الرُّكُوعِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ أَصْلًا أَوْ قَبْلَ قِرَاءَةِ الْوَاجِبِ يَلْزَمُ بِهِ سُجُودُ السَّهْوِ، لَكِنْ إذَا لَمْ يُعِدْ الرُّكُوعَ يَسْقُطُ سُجُودِ السَّهْوِ لِفَسَادِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ أَعَادَهُ صَحَّتْ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ فَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فِي وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ حَيْثُ عَدَّ مِنْهَا التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ نَاظِرٌ إلَى مُجَرَّدِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ لُزُومِ إعَادَةِ مَا قَدَّمَهُ، وَمَا صَرَّحَ بِهِ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الرُّكُوعَ عَلَى الْقِرَاءَةِ تَفْسُدُ الصَّلَاةُ نَاظِرٌ إلَى الِاكْتِفَاءِ بِمَا قَدَّمَهُ وَعَدَمِ إعَادَتِهِ، فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ كَلَامِهِمْ (قَوْلُهُ ثُمَّ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ التَّرْكُ) أَيْ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ بِمَعْنَى فَوَاتِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّدَارُكُ. (قَوْلُهُ عَادَ) أَيْ إلَى الْقِيَامِ لِيَقْرَأَ. (قَوْلُهُ ثُمَّ أَعَادَ الرُّكُوعَ) لِأَنَّهُ لَمَّا عَادَ وَقَرَأَ وَقَعَتْ الْقِرَاءَةُ فَرْضًا؛ وَلَا يُنَافِيهِ كَوْنُ الْفَرْضِ فِيهَا آيَةً وَاحِدَةً وَالزَّائِدُ وَاجِبٌ وَسُنَّةٌ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ أَقَلَّ الْفَرْضِ آيَةٌ وَيَجِبُ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ الْفَرْضُ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ. وَيُسَنُّ أَنْ تَكُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 يُعِيدُ السُّورَةَ أَيْضًا (وَتَأْخِيرِ قِيَامٍ إلَى الثَّالِثَةِ بِزِيَادَةٍ عَلَى التَّشَهُّدِ بِقَدْرِ رُكْنٍ) وَقِيلَ بِحَرْفٍ. وَفِي الزَّيْلَعِيِّ: الْأَصَحُّ وُجُوبُهُ بِاللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ (وَالْجَهْرِ فِيمَا يُخَافِتُ فِيهِ) لِلْإِمَامِ (وَعَكْسُهُ) لِكُلِّ مُصَلٍّ فِي الْأَصَحِّ وَالْأَصَحُّ تَقْدِيرُهُ (بِقَدْرِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي الْفَصْلَيْنِ. وَقِيلَ) قَائِلُهُ قَاضِي خَانْ يَجِبُ السَّهْوُ (بِهِمَا) أَيْ بِالْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ (مُطْلَقًا) أَيْ قَلَّ أَوْ كَثُرَ   [رد المحتار] السُّورَةُ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ أَوْ أَوْسَاطِهِ أَوْ قِصَارِهِ، حَتَّى لَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ وَقَعَ فَرْضًا، كَمَا أَنَّ الرُّكُوعَ بِقَدْرِ تَسْبِيحَةٍ فَرْضٌ، وَتَطْوِيلُهُ بِقَدْرِ ثَلَاثٍ سُنَّةٌ كَمَا حَقَّقَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَقَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يَقْرَؤُهُ يَلْتَحِقُ بِمَا قَبْلَ الرُّكُوعِ وَيَلْغُو هَذَا الرُّكُوعُ فَتَلْزَمُ إعَادَتُهُ، حَتَّى لَوْ لَمْ يُعِدْهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بَلْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ لَوْ قَامَ لِأَجْلِ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَسَجَدَ وَلَمْ يَقْرَأْ وَلَمْ يُعِدْ الرُّكُوعَ قَالَ بَعْضُهُمْ: تَفْسُدُ لِأَنَّهُ لَمَّا انْتَصَبَ قَائِمًا لِلْقِرَاءَةِ ارْتَفَضَ رُكُوعُهُ وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ يَقُولُ لَا تَفْسُدُ اهـ وَهَذَا كُلُّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَذَكَّرَ الْقُنُوتَ فِي الرُّكُوعِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ، وَلَوْ عَادَ وَقَنَتَ لَا يَرْتَفِضُ رُكُوعُهُ وَعَلَيْهِ السَّهْوُ لِأَنَّ الْقُنُوتَ إذَا أُعِيدَ يَقَعُ وَاجِبًا لَا فَرْضًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَأَمَّا إذَا عَادَ لِقِرَاءَةِ سُورَةٍ أُخْرَى فَلَا يَرْتَفِضُ رُكُوعُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لِأَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ قِرَاءَةٍ تَامَّةٍ فَكَانَ فِي مَوْقِعِهِ وَكَانَ عَوْدُهُ إلَى الْقِرَاءَةِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ كَمَا إذَا عَادَ إلَى الْقُنُوتِ بَلْ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ يُعِيدُ السُّورَةَ أَيْضًا) أَيْ لِتَقَعَ الْقِرَاءَةُ مُرَتَّبَةً. (قَوْلُهُ وَتَأْخِيرُ قِيَامٍ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ وُجُوبَ السُّجُودِ لَيْسَ لِخُصُوصِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَهُوَ تَعْقِيبُ التَّشَهُّدِ لِلْقِيَامِ بِلَا فَاصِلٍ؛ حَتَّى لَوْ سَكَتَ يَلْزَمُهُ السَّهْوُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ إذَا أَرَادَ الشُّرُوعَ. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: وَكَمَا لَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ هُنَا أَوْ فِي الرُّكُوعِ يَلْزَمُهُ السَّهْوُ مَعَ أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَمَا لَوْ ذَكَرَ التَّشَهُّدَ فِي الْقِيَامِ مَعَ أَنَّهُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي الْمَنَاقِبِ أَنَّ الْإِمَامَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ فَقَالَ: كَيْفَ أَوْجَبْت السَّهْوَ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيَّ فَقَالَ: لِأَنَّهُ صَلَّى عَلَيْك سَهْوًا، فَاسْتَحْسَنَهُ. (قَوْلُهُ وَفِي الزَّيْلَعِيِّ إلَخْ) جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَتْنِهِ فِي فَصْلِ إذَا أَرَادَ الشُّرُوعَ وَقَالَ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَاخْتَارَهُ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُنَافِي قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هُنَا بِقَدْرِ رُكْنٍ تَأَمَّلْ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَا لَمْ يَقُلْ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ كَمَا تَرَى، وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْحَاوِي: وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَجِبُ السَّهْوُ مَا لَمْ يَبْلُغْ إلَى قَوْلِهِ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. (قَوْلُهُ وَالْجَهْرُ فِيمَا يُخَافِتُ فِيهِ لِلْإِمَامِ إلَخْ) فِي الْعِبَارَةِ قَلْبٌ، وَصَوَابُهَا وَالْجَهْرُ فِيمَا يُخَافِتُ لِكُلِّ مُصَلٍّ وَعَكْسُهُ لِلْإِمَامِ ح وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالدُّرَرِ، وَمَالَ إلَيْهِ فِي الْفَتْحِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْحِلْيَةِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِمَا، مِنْ أَنَّ وُجُوبَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ مِنْ خَصَائِصِ الْإِمَامِ دُونَ الْمُنْفَرِدِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجَهْرَ فِي الْجَهْرِيَّةِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ اتِّفَاقًا؛ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ الْإِخْفَاءِ عَلَيْهِ فِي السِّرِّيَّةِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَدَمُ الْوُجُوبِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ، وَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَشُرُوحِ الْهِدَايَةِ كَالنِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. وَصَرَّحُوا بِأَنَّ وُجُوبَ السَّهْوِ عَلَيْهِ إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ اهـ فَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا سَهْوَ عَلَى الْمُنْفَرِدِ إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْإِمَامِ فَقَطْ. (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ إلَخْ) وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ وَالْمُنْيَةِ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَعَنْ الْكَثِيرِ يُمْكِنُ، وَمَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ كَثِيرٌ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ آيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثُ آيَاتٍ هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَسْأَلَةِ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ. (قَوْلُهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ) أَيْ وَلَوْ كَلِمَةً. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَالْمُتَبَادَرُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي صُورَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 (وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ) وَاعْتَمَدَهُ الْحَلْوَانِيُّ (عَلَى مُنْفَرِدٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيَجِبُ (وَمُقْتَدٍ بِسَهْوِ إمَامِهِ إنْ سَجَدَ إمَامُهُ) لِوُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ (لَا بِسَهْوِهِ) أَصْلًا (وَالْمَسْبُوقُ يَسْجُدُ مَعَ إمَامِهِ مُطْلَقًا)   [رد المحتار] أَنْ يَنْسَى أَنَّ عَلَيْهِ الْمُخَافَتَةَ فَيَجْهَرُ قَصْدًا، وَأَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ الْمُخَافَتَةَ فَيَجْهَرُ لِتَبْيِينِ الْكَلِمَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي عَدَمُ الْعُدُولِ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الَّذِي نَقَلَهُ الثِّقَاتُ مِنْ أَصْحَابِ الْفَتَاوَى. اهـ. زَادَ الْمُصَنِّفُ فِي مِنَحِهِ: وَإِنَّمَا عَوَّلْنَا عَلَى الْأَوَّلِ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ، وَأَنَا أَعْجَبُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ كُمَّلِ الرِّجَالِ كَيْفَ يَعْدِلُ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ نَصِّ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ إلَى مَا هُوَ كَالرِّوَايَةِ الشَّاذَّةِ. اهـ. أَقُولُ: لَا عَجَبَ مِنْ كُمَّلِ الرِّجَالِ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَابْنِ الْهُمَامِ حَيْثُ عَدَلُوا عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ، وَصَحَّحُوا الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى لِلتَّسْهِيلِ عَلَى الْأُمَّةِ، وَكَمْ لَهُ مِنْ نَظِيرٍ وَلِذَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَيَجِبُ السَّهْوُ بِمُخَافَتَةِ كَلِمَةٍ لَكِنَّ فِيهِ شِدَّةً. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ التَّقْدِيرُ بِمَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ لِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْجَهْرِ فِي مَوْضِعِ الْمُخَافَتَةِ عَفْوٌ أَيْضًا؛ فَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا» . اهـ. فَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ مَا صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَيْضًا، فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا كَلَامَ، وَإِلَّا فَوَجْهُ تَصْحِيحِهِ مَا قُلْنَا وَتَأَيُّدُهُ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْدِلَ عَنْ الدِّرَايَةِ أَيْ الدَّلِيلِ إذَا وَافَقَتْهَا رِوَايَةٌ. [تَتِمَّةٌ] قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا جَهَرَ سَهْوًا بِشَيْءٍ مِنْ الْأَدْعِيَةِ وَالْأَثْنِيَةِ وَلَوْ تَشَهُّدًا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَلَا يَعْرَى الْقَوْلُ بِذَلِكَ فِي التَّشَهُّدِ عَنْ تَأَمُّلٍ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ. هَذَا وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ الْكَلَامَ عَلَى حَدِّ الْجَهْرِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ مُتَعَلِّقٌ بِيَجِبُ) أَيْ الْمَذْكُورِ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ إنْ سَجَدَ إمَامُهُ) أَمَّا لَوْ سَقَطَ عَنْ الْإِمَامِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ بِأَنْ تَكَلَّمَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْ الْمُقْتَدِي بَحْرٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُقْتَدِيَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ كَالْإِمَامِ إنْ كَانَ السُّقُوطُ بِفِعْلِهِ الْعَمْدِ لِتَقَرُّرِ النُّقْصَانِ بِلَا جَابِرٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِوُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ) عِلَّةٌ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْمُقْتَدِي بِسَهْوِ إمَامِهِ وَلِأَنَّ النُّقْصَانَ دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ أَيْضًا لِارْتِبَاطِهَا بِصَلَاةِ الْإِمَامِ. (قَوْلُهُ لَا بِسَهْوِهِ أَصْلًا) قِيلَ لَا فَائِدَةَ لِقَوْلِهِ أَصْلًا، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، بَلْ هُوَ تَأْكِيدٌ لِنَفْيِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا قَبْلَ السَّلَامِ لِلُزُومِ مُخَالَفَةِ الْإِمَامِ وَلَا بَعْدَهُ لِخُرُوجِهِ مِنْ الصَّلَاةِ بِسَلَامِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ سَلَامُ عَمْدٍ مِمَّنْ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا بِسَلَامِهِ، وَقَدْ سَبَقَ خِلَافٌ فِيمَنْ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ فَكَيْفَ بِمَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ؟ وَحِينَئِذٍ فَيُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَذَا الْجَابِرِ. اهـ. قُلْت: وَقَدَّمَ الشَّارِحُ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ أَنَّهُ لَوْ قَهْقَهَ بَعْدَ كَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ سَلَامِهِ عَمْدًا فَسَدَتْ طَهَارَتُهُ فِي الْأَصَحِّ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْفَتْحِ وَالْخَانِيَّةِ عَلَى خِلَافِ مَا صَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ عَدَمِ الْفَسَادِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فَسَادَ طَهَارَتِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ خُرُوجِهِ مِنْ الصَّلَاةِ بِسَلَامِ إمَامِهِ أَوْ كَلَامِهِ فَمَا هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ بَعْدَ تَعْلِيلِهِ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِسَلَامِ الْإِمَامِ، كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ، بَلْ الْأَوْلَى التَّمَسُّكُ بِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ عَلَى مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ سَهْوٌ» اهـ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي النَّهْرِ: ثُمَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُعِيدُهَا لِثُبُوتِ الْكَرَاهَةِ مَعَ تَعَذُّرِ الْجَابِرِ (قَوْلُهُ وَالْمَسْبُوقُ يَسْجُدُ مَعَ إمَامِهِ) قَيَّدَ بِالسُّجُودِ لِأَنَّهُ لَا يُتَابِعُهُ فِي السَّلَامِ، بَلْ يَسْجُدُ مَعَهُ وَيَتَشَهَّدُ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ إلَى الْقَضَاءِ، فَإِنْ سَلَّمَ فَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَسَدَتْ وَإِلَّا لَا، وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ إنْ سَلَّمَ سَهْوًا قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ مَعَهُ؛ وَإِنْ سَلَّمَ بَعْدَهُ لَزِمَهُ لِكَوْنِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 سَوَاءٌ كَانَ السَّهْوُ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ أَوْ بَعْدَهُ (ثُمَّ يَقْضِي مَا فَاتَهُ) وَلَوْ سَهَا فِيهِ سَجَدَ ثَانِيًا (وَكَذَا اللَّاحِقُ) لَكِنَّهُ يَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، وَلَوْ سَجَدَ مَعَ إمَامِهِ أَعَادَهُ، وَالْمُقِيمُ خَلْفَ الْمُسَافِرِ كَالْمَسْبُوقِ، وَقِيلَ كَاللَّاحِقِ. (سَهَا عَنْ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ مِنْ الْفَرْضِ) وَلَوْ عَمَلِيًّا، أَمَّا النَّفَلُ فَيَعُودُ مَا لَمْ يُقَيَّدْ بِالسَّجْدَةِ (ثُمَّ تَذَكَّرَهُ عَادَ إلَيْهِ) وَتَشَهَّدَ، وَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ   [رد المحتار] مُنْفَرِدًا حِينَئِذٍ بَحْرٌ، وَأَرَادَ بِالْمَعِيَّةِ الْمُقَارَنَةَ وَهُوَ نَادِرُ الْوُقُوعِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَفِيهِ: وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ فَهُوَ سَلَامُ عَمْدٍ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ. (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ السَّهْوُ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ أَوْ بَعْدَهُ) بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ، وَشَمِلَ أَيْضًا مَا إذَا سَجَدَ الْإِمَامُ وَاحِدَةً ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَإِنَّهُ يُتَابِعُهُ فِي الْأُخْرَى وَلَا يَقْضِي قَضَاءَ الْأُولَى كَمَا لَا يَقْضِيهِمَا وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ بَعْدَمَا سَجَدَهُمَا (قَوْلُهُ ثُمَّ يَقْضِي مَا فَاتَهُ) فَلَوْ لَمْ يُتَابِعْهُ فِي السُّجُودِ وَقَامَ إلَى مَا سَبَقَ بِهِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ مُتَّحِدَةٌ فَجَعَلَ كَأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ بَحْرٌ وَغَيْرُهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ سَهَا فِيهِ) أَيْ فِيمَا يَقْضِيهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ يَسْجُدُ ثَانِيًا لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِيهِ وَالْمُنْفَرِدُ يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَسْجُدْ مَعَ الْإِمَامِ لِسَهْوِهِ ثُمَّ سَهَا هُوَ أَيْضًا كَفَتْهُ سَجْدَتَانِ عَنْ السَّهْوَيْنِ لِأَنَّ السُّجُودَ لَا يَتَكَرَّرُ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا اللَّاحِقُ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ بِسَهْوِ إمَامِهِ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ عَلَيْهِ، فَلَا سُجُودَ فِيمَا يَقْضِيهِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يَسْجُدُ إلَخْ) أَيْ يَبْدَأُ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ ثُمَّ يَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا اقْتَدَى بِهِ عَلَى نَحْوِ مَا يُصَلِّي الْإِمَامُ، وَأَنَّهُ اقْتَدَى بِهِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ فَيُتَابِعُهُ فِي جَمِيعِهَا عَلَى نَحْوِ مَا أَدَّى الْإِمَامُ وَالْإِمَامُ أَدَّى الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ فَكَذَا اللَّاحِقُ. وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ فَقَدْ الْتَزَمَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ مُتَابَعَتُهُ بِقَدْرِ مَا هُوَ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَقَدْ أَدْرَكَ هَذَا الْقَدْرَ فَيُتَابِعُهُ ثُمَّ يَنْفَرِدُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ سَجَدَ مَعَ إمَامِهِ أَعَادَهُ) لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مَا زَادَ إلَّا سَجْدَتَيْنِ، وَلَوْ كَانَ مَسْبُوقًا بِثَلَاثٍ وَلَاحِقًا بِرَكْعَةٍ فَسَجَدَ إمَامُهُ لِلسَّهْوِ فَإِنَّهُ يَقْضِي رَكْعَةً بِلَا قِرَاءَةٍ لِأَنَّهُ لَاحِقٌ وَيَتَشَهَّدُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْضِعُ سُجُودِ الْإِمَامِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً بِقِرَاءَةٍ وَيَقْعُدُ لِأَنَّهَا ثَانِيَةُ صَلَاتِهِ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ الثَّالِثَةِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَالْمُقِيمُ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْمُقِيمَ الْمُقْتَدِيَ بِالْمُسَافِرِ كَالْمَسْبُوقِ فِي أَنَّهُ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ ثُمَّ يَشْتَغِلُ بِالْإِتْمَامِ. وَأَمَّا إذَا قَامَ إلَى إتْمَامِ صَلَاتِهِ وَسَهَا فَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ كَاللَّاحِقِ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ. وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ السُّجُودُ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا اقْتَدَى بِالْإِمَامِ بِقَدْرِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَإِذَا انْقَضَتْ صَارَ مُنْفَرِدًا وَإِنَّمَا لَا يَقْرَأُ فِيمَا يَتِمُّ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي الْأُولَيَيْنِ وَقَدْ قَرَأَ الْإِمَامُ فِيهِمَا. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ كَاللَّاحِقِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ فَقَطْ. اهـ. أَقُولُ: وَتَقَدَّمَتْ بَقِيَّةُ مَسَائِلِ الْمَسْبُوقِ وَاللَّاحِقِ قُبَيْلَ بَابِ الِاسْتِخْلَافِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَمَلِيًّا) كَالْوِتْرِ فَلَا يَعُودُ فِيهِ إذَا اسْتَتَمَّ قَائِمًا. وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَعُودُ لِأَنَّهُ مِنْ النَّفْلِ ط. (قَوْلُهُ أَمَّا النَّفَلُ فَيَعُودُ إلَخْ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمِعْرَاجِ وَالسِّرَاجِ وَعَلَّلَهُ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى مِنْهُ فَرْضٌ فَكَانَتْ كَالْأَخِيرَةِ، وَفِيهَا يَقْعُدُ وَإِنْ قَامَ. وَحَكَى فِي الْمُحِيطِ فِيهِ خِلَافًا، وَكَذَا فِي شَرْحِ التُّمُرْتَاشِيِّ، قِيلَ يَعُودُ وَقِيلَ لَا. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَالْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ كَالتَّطَوُّعِ، وَكَذَا الْوِتْرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ، لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ قِيلَ فِي التَّطَوُّعِ يَعُودُ مَا لَمْ يُقَيِّدْ بِالسَّجْدَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْإِمْدَادِ لَكِنْ خَالَفَهُ فِي مَتْنِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُقَيِّدْ بِالسَّجْدَةِ) أَيْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ الَّتِي قَامَ إلَيْهَا (قَوْلُهُ عَادَ إلَيْهِ) أَيْ وُجُوبًا نَهْرٌ. (قَوْلُهُ وَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ) يَعْنِي إذَا عَادَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا وَكَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ فَإِنَّهُ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَاخْتَارَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وُجُوبَ السُّجُودِ، وَأَمَّا إذَا عَادَ وَهُوَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبُ فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ كَمَا فِي نُورِ الْإِيضَاحِ وَشَرْحِهِ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 (مَا لَمْ يَسْتَقِمْ قَائِمًا) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَتْحٌ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ اسْتَقَامَ قَائِمًا (لَا) يَعُودُ لِاشْتِغَالِهِ بِفَرْضِ الْقِيَامِ (وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ) لِتَرْكِ الْوَاجِبِ (فَلَوْ عَادَ إلَى الْقُعُودِ) بَعْدَ ذَلِكَ (تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) لِرَفْضِ الْفَرْضِ لِمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ وَصَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَقِيلَ لَا) تَفْسُدُ لَكِنَّهُ يَكُونُ مُسِيئًا وَيَسْجُدُ لِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ (وَهُوَ الْأَشْبَهُ) كَمَا حَقَّقَهُ الْكَمَالُ وَهُوَ الْحَقُّ بَحْرٌ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُؤْتَمِّ؛ أَمَّا الْمُؤْتَمُّ فَيَعُودُ   [رد المحتار] وَصَحَّحَ اعْتِبَارَ ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ بِمَا فِي الْكَافِي إنْ اسْتَوَى النِّصْفُ الْأَسْفَلُ وَظَهْرٌ بَعْدُ مُنْحَنٍ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْقِيَامِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَوِ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْقُعُودِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حَالَةَ الْقِرَاءَةِ تَنُوبُ عَنْ الْقِيَامِ فِي مَرِيضٍ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ، حَتَّى لَوْ ظَنَّ فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا حَالَةَ الْقِيَامِ فَقَرَأَ ثُمَّ تَذَكَّرَ لَا يَعُودُ إلَى التَّشَهُّدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ. (قَوْلُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ إلَخْ) مُقَابِلُهُ مَا فِي الْهِدَايَةِ: إنْ كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ عَادَ وَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ فَلَا وَعَلَيْهِ السَّهْوُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاخْتَارَهُ مَشَايِخُ بُخَارَى وَأَصْحَابُ الْمُتُونِ كَالْكَنْزِ وَغَيْرِهِ وَمَشَى فِي نُورِ الْإِيضَاحِ عَلَى الْأَوَّلِ كَالْمُصَنَّفِ تَبَعًا لِمَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ وَشَرْحِهِ الْبُرْهَانُ. قَالَ: وَلِصَرِيحِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَامَ الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ، وَإِنْ اسْتَوَى قَائِمًا فَلَا يَجْلِسْ وَيَسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ» . اهـ. قُلْت: لَكِنْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: إنَّهُ نَصٌّ فِيهِ يُفِيدُ تَعَيُّنَ الْعَمَلِ بِهِ لَوْلَا مَا فِي ثُبُوتِهِ مِنْ النَّظَرِ، فَإِنَّ فِي سَنَدِهِ جَابِرًا الْجُعْفِيَّ مِنْ عُلَمَاءِ الشِّيعَةِ جَارِحُوهُ أَكْثَرُ مِنْ مُوَثَّقِيهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهِ: مَا رَأَيْت أَكْذَبَ مِنْهُ، فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ شَيْخُنَا فِي التَّقْرِيبِ رَافِضِيٌّ ضَعِيفٌ انْتَهَى فَلَا تَقُومُ الْحُجَّةُ بِحَدِيثِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ وَإِنْ اسْتَقَامَ قَائِمًا) أَفَادَ أَنْ لَا فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا نَافِيَةٌ دَاخِلَةٌ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ يَسْتَقِمْ، وَهُوَ نَفْيٌ أَيْضًا فَكَانَ إثْبَاتًا أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ) وَهُوَ الْقُعُودُ (قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَمَا اسْتَقَامَ قَائِمًا، وَمِثْلُهُ مَا إذَا عَادَ بَعْدَ مَا صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: ثُمَّ لَوْ عَادَ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِ عَدَمِهِ اخْتَلَفُوا فِي فَسَادِ صَلَاتِهِ، فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تَصْدُقُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يَكُونُ مُسِيئًا) أَيْ وَيَأْثَمُ كَمَا فِي الْفَتْحِ، فَلَوْ كَانَ إمَامًا لَا يَعُودُ مَعَهُ الْقَوْمُ تَحْقِيقًا لِلْمُخَالَفَةِ، وَيَلْزَمُهُ الْقِيَامُ لِلْحَالِ، شَرْحُ الْمُنْيَةِ عَنْ الْقُنْيَةِ. (قَوْلُهُ لِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِتَأْخِيرِ الْفَرْضِ وَهُوَ الْقِيَامُ أَوْ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَهُوَ الْقُعُودُ ط. (قَوْلُهُ كَمَا حَقَّقَهُ الْكَمَالُ) أَيْ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَكِنَّهُ بِالصِّحَّةِ لَا يُخِلُّ لِمَا عُرِفَ أَنَّ زِيَادَةَ مَا دُونَ رَكْعَةٍ لَا يُفْسِدُ، وَقَوَّاهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْقُنْيَةِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ عَدَمَ الْفَسَادِ بِالْعَوْدِ، وَأَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا بِمَا فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُجْتَبَى لَوْ عَادَ بَعْدَ الِانْتِصَابِ مُخْطِئًا، قِيلَ يَتَشَهَّدُ لِنَقْضِهِ الْقِيَامَ وَالصَّحِيحُ لَا، بَلْ يَقُومُ، وَلَا يَنْتَقِضُ قِيَامُهُ بِقُعُودٍ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ كَمَنْ نَقَضَ الرُّكُوعَ لِسُورَةٍ أُخْرَى لَا يَنْتَقِضُ رُكُوعُهُ اهـ. وَبَحَثَ فِيهِ فِي النَّهْرِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْحَقُّ بَحْرٌ) كَأَنَّ وَجْهَهُ مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ، أَوْ مَا فِي الْمُبْتَغَى مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْفَسَادِ غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَرْكٍ بَلْ هُوَ تَأْخِيرٌ كَمَا لَوْ سَهَا عَنْ السُّورَةِ فَرَكَعَ فَإِنَّهُ يَرْفُضُ الرُّكُوعَ وَيَعُودُ إلَى الْقِيَامِ وَيَقْرَأُ، وَكَمَا لَوْ سَهَا عَنْ الْقُنُوتِ فَرَكَعَ فَإِنَّهُ لَوْ عَادَ وَقَنَتَ لَا تَفْسُدُ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ لَكِنْ بَحَثَ فِيهِ فِي الْبَحْرِ بِإِبْدَاءِ الْفَرْقِ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا عَادَ وَقَرَأَ السُّورَةَ صَارَتْ فَرْضًا فَقَدْ عَادَ مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ وَكَذَا فِي الْقُنُوتِ لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةَ الْقُرْآنِيَّةِ أَوْ عَادَ إلَى فَرْضٍ وَهُوَ الْقِيَامُ لِأَنَّ كُلَّ فَرْضٍ طُولُهُ يَقَعُ فَرْضًا. اهـ. وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ وَشَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْقُنُوتَ الَّذِي قِيلَ إنَّهُ كَانَ قُرْآنًا فَنُسِخَ هُوَ الدُّعَاءُ الْمَخْصُوصُ وَهُوَ سُنَّةٌ، فَلَا يَلْزَمُ قِرَاءَتُهُ بَلْ قَدْ يُقْرَأُ غَيْرُهُ، وَكَوْنُهُ عَادَ إلَى فَرْضٍ وَهُوَ الْقِيَامُ مَمْنُوعٌ بَلْ عَادَ إلَى الْقِيَامِ الَّذِي هُوَ الرَّفْعُ مِنْ الرُّكُوعِ بِدَلِيلِ أَنَّ الرُّكُوعَ لَمْ يَرْتَفِضْ بِعَوْدِهِ لِأَجْلِ الْقُنُوتِ، فَكَانَ فِيهِ تَأْخِيرُ الْفَرْضِ لَا تَرْكُهُ، فَهُوَ مِثْلُ عَوْدِهِ إلَى الْقُعُودِ فِي مَسْأَلَتِنَا، نَعَمْ بَحْثُهُ فِي عَوْدِهِ إلَى الْقِرَاءَةِ مُسَلَّمٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُؤْتَمِّ إلَخْ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ مَنْعِهِ عَنْ الْعَوْدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 حَتْمًا وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ لِأَنَّ الْقُعُودَ فَرْضٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمُتَابَعَةِ سِرَاجٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعُدْ بَطَلَتْ بَحْرٌ. قُلْت: وَفِيهِ كَلَامٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْوَاجِبِ فَرْضٌ فِي الْفَرْضِ نَهْرٌ، وَلَنَا فِيهَا رِسَالَةٌ حَافِلَةٌ فَرَاجَعَهَا. (وَلَوْ سَهَا عَنْ الْقُعُودِ الْأَخِيرِ) كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ (عَادَ) وَيَكْفِي كَوْنُ كِلَا الْجِلْسَتَيْنِ قَدْرَ التَّشَهُّدَ (مَا لَمْ يُقَيِّدْهَا بِسَجْدَةٍ) لِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ مَحَلُّ الرَّفْضِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ لِتَأْخِيرِ الْقُعُودِ (وَإِنْ قَيَّدَهَا) بِسَجْدَةٍ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ مُخْطِئًا (تَحَوَّلَ فَرْضُهُ نَفْلًا بِرَفْعِهِ) الْجَبْهَةَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ،   [رد المحتار] إلَى الْقُعُودِ بَعْدَ الْقِيَامِ؛ وَالْخِلَافُ فِي الْفَسَادِ لَوْ عَادَ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ، أَمَّا الْمُقْتَدِي الَّذِي سَهَا عَنْ الْقُعُودِ فَقَامَ وَإِمَامُهُ قَاعِدٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ لِأَنَّ قِيَامَهُ قَبْلَ إمَامِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، فَلَيْسَ فِي عَوْدِهِ رَفْضُ الْفَرْضِ، بَلْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ الْقُنْيَةِ: إنَّ الْمُقْتَدِيَ لَوْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى فَذَكَرَ بَعْدَ مَا قَامَ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ وَيَتَشَهَّدَ، بِخِلَافِ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ لِلُزُومِ الْمُتَابَعَةِ، كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى فَقَعَدَ مَعَهُ فَقَامَ الْإِمَامُ قَبْلَ شُرُوعِ الْمَسْبُوقِ فِي التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يَتَشَهَّدُ تَبَعًا لِتَشَهُّدِ إمَامِهِ فَكَذَا هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ) أَيْ الثَّالِثَةِ مَعَ الْإِمَامِ ط. (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ) أَيْ تَعْلِيلُ السِّرَاجِ بِأَنَّ الْقُعُودَ فَرْضٌ ط وَكَذَا تَعْلِيلُ الْقُنْيَةِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ إلَخْ) لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَهَا فِي السُّنَنِ وَالظَّاهِرُ السُّنِّيَّةُ لِأَنَّ السُّنَنَ الْمَطْلُوبَةَ فِي الصَّلَاةِ يَسْتَوِي فِيهَا الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ وَالْمُقْتَدِي غَالِبًا، وَقَوْلُهُ فَرْضٌ فِي الْفَرْضِ: مَعْنَاهُ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ الْفَرْضِ وَلَوْ بَعْدَ إتْيَانِ الْإِمَامِ لَا قَبْلَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُشَارَكَةَ فِي جُزْءٍ مِنْهُ ط. قُلْت: وَعَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلنَّهْرِ يُشْكَلُ الْعَوْدُ إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِالْقِيَامِ الْفَرْضِ مَعَ إمَامِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَنَا فِيهَا رِسَالَةٌ حَافِلَةٌ) لَمْ أَطَّلِعْ عَلَيْهَا؛ وَلَكِنْ قَدَّمْنَا فِي آخِرِ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ شَيْئًا مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْمُتَابَعَةِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَلَوْ سَهَا عَنْ الْقُعُودِ الْأَخِيرِ) أَرَادَ بِهِ الْقُعُودَ الْمَفْرُوضَ أَوْ مَا كَانَ آخِرَ الصَّلَاةِ، فَيَشْمَلُ نَحْوَ الْفَجْرِ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ) كَمَا لَوْ جَلَسَ جَلْسَةً خَفِيفَةً أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ التَّشَهُّدِ وَإِذَا عَادَ اُحْتُسِبَتْ لَهُ الْجَلْسَةُ الْأُولَى، حَتَّى لَوْ كَانَتْ كِلْتَا الْجِلْسَتَيْنِ بِقَدْرِ التَّشَهُّدِ ثُمَّ تَكَلَّمَ جَازَتْ صَلَاتُهُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُقَيِّدْهَا) أَيْ الرَّكْعَةَ الَّتِي قَامَ إلَيْهَا، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا إذَا سَجَدَ لَهَا بِلَا رُكُوعٍ فَإِنَّهُ يَعُودُ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهَذَا السُّجُودِ كَمَا فِي النَّهْرِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَرَأَ فِيهَا. وَفِي الْخُلَاصَةِ خِلَافُهُ، وَلِذَا اسْتَشْكَلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الرَّكْعَةَ فِي النَّفْلِ بِلَا قِرَاءَةٍ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، فَكَانَتْ زِيَادَةَ مَا دُونَ رَكْعَةٍ وَهُوَ غَيْرُ مُفْسِدٍ. قَالَ فِي النَّهْرِ: إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّهُ قَدْ عُهِدَ إتْمَامُ الرَّكْعَةِ بِلَا قِرَاءَةٍ كَمَا فِي الْمُقْتَدِي، بِخِلَافِ الْخَالِيَةِ عَنْ الرُّكُوعِ. (قَوْلُهُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ) لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ أَوْ لَا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْجُدَ فِيمَا إذَا كَانَ إلَيْهِ أَقْرَبَ كَمَا فِي الْأُولَى لِمَا سَبَقَ. قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْقَرِيبَ مِنْ الْقُعُودِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْقَاعِدِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِقَاعِدٍ حَقِيقَةً، فَاعْتُبِرَ جَانِبُ الْحَقِيقَةِ فِيمَا إذَا سَهَا عَنْ الْقَعْدَةِ الثَّانِيَةِ وَأُعْطِيَ حُكْمَ الْقَاعِدِ فِي السَّهْوِ عَنْ الْأُولَى إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ لِتَأْخِيرِ الْقُعُودِ) عَلَّلَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ أَخَّرَ وَاجِبًا فَقَالُوا: أَرَادَ بِهِ الْقَطْعِيَّ وَهُوَ الْفَرْضُ، يَعْنِي الْقُعُودَ الْأَخِيرَ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَشْهُورِ وَكَوْنِ الْمُرَادِ بِهِ السَّلَامَ أَوْ التَّشَهُّدَ وَإِلَّا أُشْكِلَ الْفَرْقُ الْمَارُّ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا) أَشَارَ إلَى مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الْبُطْلَانِ عِنْدَ الْعَوْدِ قَبْلَ السُّجُودِ وَالْبُطْلَانِ إنْ قُيِّدَ بِالسُّجُودِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَإِنْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ عَامِدًا أَيْضًا لَا تَفْسُدُ مَا لَمْ يُقَيِّدْ الْخَامِسَةَ بِالسَّجْدَةِ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِكُلِّ الْمَتْنِ، فَيَكُونُ مُحَمَّدٌ قَائِلًا بِتَحَوُّلِهَا نَفْلًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِبُطْلَانِ الْفَرِيضَةِ، وَكُلَّمَا بَطَلَ الْفَرْضُ عِنْدَهُ بَطَلَ الْأَصْلُ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ بِرَفْعِهِ، فَيَكُونُ الْمَتْنُ اخْتَارَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي عَدَمِ بُطْلَانِ الْأَصْلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 وَبِهِ يُفْتَى لِأَنَّ تَمَامَ الشَّيْءِ بِآخِرِهِ، فَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ قَبْلَ رَفْعِهِ تَوَضَّأَ وَبَنَى خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، حَتَّى قَالَ: زِهْ، صَلَاةٌ فَسَدَتْ أَصْلَحَهَا الْحَدَثُ، وَالْعِبْرَةُ لِلْإِمَامِ، حَتَّى لَوْ عَادَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْقَوْمُ حَتَّى سَجَدُوا لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُمْ مَا لَمْ يَتَعَمَّدُوا السُّجُودَ. وَفِيهِ يُلْغَزُ: أَيُّ مُصَلٍّ تَرَكَ الْقُعُودَ الْأَخِيرَ وَقَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ وَلَمْ يَبْطُلْ فَرْضُهُ؟ (وَضَمَّ سَادِسَةً) وَلَوْ فِي الْعَصْرِ وَالْفَجْرِ   [رد المحتار] وَقَوْلَ مُحَمَّدٍ إنَّ السَّجْدَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالرَّفْعِ. اهـ. ح. وَعَلَيْهِ فَضَمُّ السَّادِسَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِمَا فَقَطْ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَدَائِعِ، مُعَلَّلًا بِبُطْلَانِ التَّحْرِيمَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَالْإِيهَامُ الْوَاقِعُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَاقِعٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا فَالْأَحْسَنُ قَوْلُ الْكَنْزِ: بَطَلَ فَرْضُهُ بِرَفْعِهِ وَصَارَتْ نَفْلًا؛ فَقَوْلُهُ بِرَفْعِهِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بَطَلَ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ تَمَامَ الشَّيْءِ بِآخِرِهِ) أَيْ وَالرَّفْعُ آخِرُ السَّجْدَةِ، إذْ الشَّيْءُ إنَّمَا يَنْتَهِي بِضِدِّهِ، وَلِذَا لَوْ سَجَدَ قَبْلَ إمَامِهِ فَأَدْرَكَهُ إمَامُهُ فِيهِ جَازَ، وَلَوْ تَمَّتْ بِالْوَضْعِ لَمَا جَازَ لِأَنَّ كُلَّ رُكْنٍ أَدَّاهُ قَبْلَ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ فَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ وَهَذَا بَيَانٌ لِثَمَرَةِ الْخِلَافِ فِي أَنَّ السَّجْدَةَ هَلْ تَتِمُّ بِالْوَضْعِ أَوْ بِالرَّفْعِ (قَوْلُهُ تَوَضَّأَ وَبَنَى) لِأَنَّهُ بِالْحَدَثِ بَطَلَتْ السَّجْدَةُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ فَيَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي لِإِتْمَامِ فَرْضِهِ إمْدَادٌ. (قَوْلُهُ حَتَّى قَالَ إلَخْ) وَذَلِكَ لَمَّا عُرِضَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِيهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُف قَالَ: زِهْ صَلَاةٌ فَسَدَتْ يُصْلِحُهَا الْحَدَثُ، وَهِيَ بِكَسْرِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْهَاءِ: كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْأَعَاجِمُ عِنْدَ اسْتِحْسَانِ الشَّيْءِ، وَإِنَّمَا قَالَهَا أَبُو يُوسُفَ عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ وَالتَّعَجُّبِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ، وَقِيلَ الصَّوَابُ بِالضَّمِّ وَالزَّايُ لَيْسَتْ بِخَالِصَةٍ بَحْرٌ عَنْ الْمُغْرِبِ، وَقَوْلُهُ فَسَدَتْ: أَيْ قَارَبَتْ الْفَسَادَ، أَوْ سَمَّاهَا أَبُو يُوسُفَ فَاسِدَةً بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ (قَوْلُهُ وَالْعِبْرَةُ لِلْإِمَامِ) أَيْ فِي الْعَوْدِ قَبْلَ التَّقْيِيدِ وَفِي عَدَمِهِ ط. (قَوْلُهُ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُمْ) لِأَنَّهُ لَمَّا عَادَ الْإِمَامُ إلَى الْقَعْدَةِ ارْتَفَضَ رُكُوعُهُ فَيَرْتَفِضُ رُكُوعُ الْقَوْمِ أَيْضًا تَبَعًا لَهُ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ، فَبَقِيَ لَهُمْ زِيَادَةُ سَجْدَةٍ وَذَلِكَ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ، وَهَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ لَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ؛ فَلَوْ عَادَ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَرَكَعَ الْقَوْمُ وَسَجَدُوا فَسَدَتْ لِزِيَادَتِهِمْ رَكْعَةً عَلَى مَا يَظْهَرُ. وَفِي الْفَتْحِ: وَلَا يُتَابِعُونَهُ إذَا قَامَ، وَإِذَا عَادَ لَا يُعِيدُونَ التَّشَهُّدَ ط (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَتَعَمَّدُوا السُّجُودَ) قَيَّدَ بِهِ لِمَا فِي الْمُجْتَبَى: لَوْ عَادَ الْإِمَامُ إلَى الْقُعُودِ قَبْلَ السُّجُودِ وَسَجَدَ الْمُقْتَدِي عَمْدًا تَفْسُدُ، وَفِي السَّهْوِ خِلَافٌ وَالْأَحْوَطُ الْإِعَادَةُ اهـ بَحْرٌ. أَقُولُ: مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الْمَارِّ بِارْتِفَاضِ رُكُوعِ الْقَوْمِ بِارْتِفَاضِ رُكُوعِ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَغَيْرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. [تَتِمَّةٌ] يَتَفَرَّعُ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ وَالْعِبْرَةُ لِلْإِمَامِ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَوْ تَشَهَّدَ الْمُقْتَدِي وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ الْخَامِسَةَ بِالسَّجْدَةِ ثُمَّ قَيَّدَهَا بِهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي الْعَصْرِ وَالْفَجْرِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّادِسَةِ رَكْعَةٌ زَائِدَةٌ، وَإِلَّا فَهِيَ فِي الْفَجْرِ رَابِعَةٌ؛ وَأَتَى بِالْمُبَالَغَةِ لِلرَّدِّ عَلَى مَا فِي السِّرَاجِ مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْعَصْرِ، وَمَا فِي قَاضِي خَانْ مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْفَجْرِ لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَهُمَا. وَاعْتَرَضَهُمَا فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ إذَا قَعَدَ عَلَى الرَّابِعَةِ وَقَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ يَضُمُّ سَادِسَةً وَلَوْ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. اهـ. وَأَوْرَدَ فِي النَّهْرِ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْعُدْ وَبَطَلَ فَرْضُهُ كَيْفَ لَا يَضُمُّ فِي الْعَصْرِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي التَّنَفُّلِ قَبْلَهُ؟ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَقْضِي عَصْرًا أَوْ ظُهْرًا بَعْدَ الْعَصْرِ. [تَنْبِيهٌ] لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمَغْرِبِ كَمَا صَرَّحَ بِالْفَجْرِ وَالْعَصْرِ مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَضُمُّ إلَى الرَّابِعَةِ خَامِسَةً، لَكِنْ فِي الْحِلْيَةِ: لَا يَضُمُّ إلَيْهَا أُخْرَى لِنَصِّهِمْ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ قَبْلَهَا، وَعَلَى كَرَاهَتِهِ بِالْوِتْرِ مُطْلَقًا. اهـ. قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا سَجَدَ لِلرَّابِعَةِ يُسَلِّمُ فَوْرًا وَلَا يَقْعُدُ لَهَا لِئَلَّا يَصِيرَ مُتَنَفِّلًا قَبْلَ الْمَغْرِبِ. وَقَدْ يُجَابُ بِمَا يُشِيرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 (إنْ شَاءَ) لِاخْتِصَاصِ الْكَرَاهَةِ وَالْإِتْمَامِ بِالْقَصْدِ (وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ عَلَى الْأَصَحِّ) لِأَنَّ النُّقْصَانَ بِالْفَسَادِ لَا يَنْجَبِرُ (وَإِنْ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ) مَثَلًا قَدْرَ التَّشَهُّدِ (ثُمَّ قَامَ عَادَ وَسَلَّمَ) وَلَوْ سَلَّمَ قَائِمًا صَحَّ؛ ثُمَّ الْأَصَحُّ أَنَّ الْقَوْمَ يَنْتَظِرُونَهُ، فَإِنْ عَادَ تَبِعُوهُ (وَإِنْ سَجَدَ لِلْخَامِسَةِ سَلَّمُوا) لِأَنَّهُ تَمَّ فَرْضُهُ، إذْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إلَّا السَّلَامُ (وَضَمَّ إلَيْهَا سَادِسَةً) لَوْ فِي الْعَصْرِ، وَخَامِسَةً فِي الْمَغْرِبِ: وَرَابِعَةً فِي الْفَجْرِ بِهِ يُفْتَى (لِتَصِيرَ الرَّكْعَتَانِ لَهُ نَفْلًا) وَالضَّمُّ هُنَا آكَدُ، وَلَا عُهْدَةَ لَوْ قَطَعَ، وَلَا بَأْسَ بِإِتْمَامِهِ فِي وَقْتِ كَرَاهَةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ)   [رد المحتار] إلَيْهِ الشَّارِحُ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالتَّنَفُّلِ الْمَقْصُودِ، فَلَا ضَرُورَةَ إلَى قَطْعِ الصَّلَاةِ بِالسَّلَامِ؛ وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يَضُمُّ إلَيْهَا خَامِسَةً، فَظَاهِرٌ لِئَلَّا يَكُونَ تَنَفُّلًا بِالْوِتْرِ فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ ذِكْرِ الْمَغْرِبِ كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْإِمْدَادِ قَالَ: وَسَكَتَ عَنْ الْمَغْرِبِ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَرْبَعًا فَلَا يَضُمُّ فِيهَا. (قَوْلُهُ إنْ شَاءَ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الضَّمَّ غَيْرُ وَاجِبٍ بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ كَمَا فِي الْكَافِي تَبَعًا لِلْمَبْسُوطِ، وَفِي الْأَصْلِ مَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِاخْتِصَاصِ الْكَرَاهَةِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قَدْ يُقَالُ إنَّ التَّنَفُّلَ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالْفَجْرِ مَكْرُوهٌ وَفِي غَيْرِهِمَا وَإِنْ لَمْ يُكْرَهْ، لَكِنْ يَجِبُ إتْمَامُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ، فَكَيْفَ قُلْتَ: وَلَوْ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالْفَجْرِ، وَقُلْتَ إنَّهُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّ وَإِلَّا فَلَا؟ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِي هَذَا النَّفْلِ قَصْدًا، وَمَا ذَكَرْته مِنْ الْكَرَاهَةِ وَوُجُوبِ الْإِتْمَامِ خَاصٌّ بِالتَّنَفُّلِ قَصْدًا، لَكِنَّ الضَّمَّ هُنَا خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا يَأْتِي مَا يُفِيدُهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ النُّقْصَانَ) أَيْ الْحَاصِلَ بِتَرْكِ الْقَعْدَةِ لَا يَنْجَبِرُ بِسُجُودِ السَّهْوِ. فَإِنْ قُلْتَ: إنَّهُ وَإِنْ فَسَدَ فَرْضًا فَقَدْ صَحَّ نَفْلًا وَمَنْ تَرَكَ الْقَعْدَةَ فِي النَّفْلِ سَاهِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فَلِمَاذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ السُّجُودُ نَظَرًا لِهَذَا الْوَجْهِ. قُلْتُ: إنَّهُ فِي حَالِ تَرْكِ الْقَعْدَةِ لَمْ يَكُنْ نَفْلًا، إنَّمَا تَحَقَّقَتْ النَّفْلِيَّةُ بِتَقْيِيدِ الرَّكْعَةِ بِسَجْدَةٍ وَالضَّمِّ؛ فَالنَّفْلِيَّةُ عَارِضَةٌ ط (قَوْلُهُ مَثَلًا) أَيْ أَوْ قَعَدَ فِي ثَالِثَةِ الثُّلَاثِيِّ أَوْ فِي ثَانِيَةِ الثُّنَائِيِّ ح (قَوْلُهُ ثُمَّ قَامَ) أَيْ وَلَمْ يَسْجُدْ. (قَوْلُهُ عَادَ وَسَلَّمَ) أَيْ عَادَ لِلْجُلُوسِ لِمَا مَرَّ أَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ مَحَلٌّ لِلرَّفْضِ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُعِيدُ التَّشَهُّدَ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَالْعَوْدُ لِلتَّسْلِيمِ جَالِسًا سُنَّةٌ، لِأَنَّ السُّنَّةَ التَّسْلِيمُ جَالِسًا وَالتَّسْلِيمُ حَالَةَ الْقِيَامِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ بِلَا عُذْرٍ، فَيَأْتِي بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ؛ فَلَوْ سَلَّمَ قَائِمًا لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ وَكَانَ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَصَحُّ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَا اتِّبَاعَ فِي الْبِدْعَةِ، وَقِيلَ يَتَّبِعُونَهُ مُطْلَقًا عَادَ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ فَإِنْ عَادَ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ تَبِعُوهُ: أَيْ فِي السَّلَامِ (قَوْلُهُ إذْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إلَّا السَّلَامُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَعْنَى تَمَامِ فَرْضِهِ عَدَمُ فَسَادِهِ، وَإِلَّا فَصَلَاتُهُ نَاقِصَةٌ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ لِنُقْصَانِ فَرْضِهِ بِتَأْخِيرِ السَّلَامِ، إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ وَضَمَّ إلَيْهَا سَادِسَةً) أَيْ نَدْبًا عَلَى الْأَظْهَرِ، وَقِيلَ وُجُوبًا ح عَنْ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ لَوْ فِي الْعَصْرِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الضَّمِّ بَيْنَ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَغَيْرِهَا لِمَا مَرَّ أَنَّ التَّنَفُّلَ فِيهَا إنَّمَا يُكْرَهُ لَوْ عَنْ قَصْدٍ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ زَيْلَعِيٌّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى مُجْتَبَى، وَإِلَى أَنَّهُ كَمَا لَا يُكْرَهُ فِي الْعَصْرِ لَا يُكْرَهُ فِي الْفَجْرِ خِلَافًا لِلزَّيْلَعِيِّ، وَلِذَا سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْفَتْحِ، وَصَرَّحَ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا فِي عَدَمِ كَرَاهَةِ الضَّمِّ (قَوْلُهُ وَالضَّمُّ هُنَا آكَدُ) لِأَنَّ فَرْضَهُ قَدْ تَمَّ، فَلَوْ قَطَعَ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ بِأَنْ لَا يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ لَزِمَ تَرْكُ الْوَاجِبِ؛ وَلَوْ جَلَسَ مِنْ الْقِيَامِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ لَمْ يُؤَدِّ سُجُودَ السَّهْوِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ سَادِسَةٍ وَيَجْلِسُ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؛ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْفَرْضِيَّةَ لَمْ تَبْقَ لِيَحْتَاجَ إلَى تَدَارُكِ نُقْصَانِهَا ح عَنْ الدُّرَرِ. (قَوْلُهُ وَلَا عُهْدَةَ لَوْ قَطَعَ) أَيْ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لَوْ لَمْ يَضُمَّ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ بِهِ مَقْصُودًا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ إلَخْ) أَيْ لَوْ ضَمَّ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ كَالْعَصْرِ وَالْفَجْرِ، وَقِيلَ يُكْرَهُ. وَالْمُعْتَمَدُ الْمُصَحَّحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: بِمَعْنَى أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِهِ وَلَا بِاسْتِحْبَابِهِ اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 فِي الصُّورَتَيْنِ، لِنُقْصَانِ فَرْضِهِ بِتَأْخِيرِ السَّلَامِ فِي الْأُولَى وَتَرْكِهِ فِي الثَّانِيَةِ (وَ) الرَّكْعَتَانِ (لَا يَنُوبَانِ عَنْ السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ) بَعْدَ الْفَرْضِ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهِمَا إنَّمَا كَانَتْ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ، وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ فِيهِمَا صَلَّاهُمَا أَيْضًا، وَإِنْ أَفْسَدَ قَضَاهُمَا بِهِ يُفْتَى نُقَايَةٌ. (وَلَوْ تَرَكَ الْقُعُودَ الْأَوَّلَ فِي النَّفْلِ سَهْوًا سَجَدَ وَلَمْ تَفْسُدْ اسْتِحْسَانًا) لِأَنَّهُ كَمَا شَرَعَ رَكْعَتَيْنِ شَرَعَ أَرْبَعَةً أَيْضًا، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَعُودُ مَا لَمْ يُقَيَّدْ الثَّالِثَةَ بِسَجْدَةٍ، وَقِيلَ لَا (وَإِذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) فَرَضَا أَوْ نَفْلًا (وَسَهَا فِيهِمَا فَسَجَدَ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ   [رد المحتار] وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْوَقْتَ الْمَكْرُوهَ لَمَّا كَانَ مَظِنَّةَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ بَأْسًا صَرَّحُوا بِنَفْيِ الْبَأْسِ لِذَلِكَ لَا لِكَوْنِ الْأَوْلَى تَرْكُهَا، بَلْ الْأَوْلَى فِعْلُهَا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: لَوْ تَطَوَّعَ فَصَلَّى رَكْعَةً فَطَلَعَ الْفَجْرُ فَالْأَوْلَى أَنْ يُتِمَّهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَفَّلْ بَعْدَ الْفَجْرِ قَصْدًا، إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ ابْتِدَاءَ الشُّرُوعِ فِي التَّطَوُّعِ هُنَا مَقْصُودٌ فَكَانَتْ لَهُ حُرْمَةٌ، بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ عَدَمَ الْإِتْمَامِ هُنَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَرْكُ السُّجُودِ الْوَاجِبِ أَوْ فِعْلُهُ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ كَمَا مَرَّ فِي عِلَّةِ كَوْنِ الضَّمِّ هُنَا آكَدُ، وَعَلَى هَذَا فَالضَّمُّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ خِلَافُ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ لَا سُجُودَ سَهْوٍ فِيهَا كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ) أَيْ مَا إذَا لَمْ يَسْجُدْ لِلْخَامِسَةِ أَوْ سَجَدَ. (قَوْلُهُ وَتَرَكَهُ فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ تَرَكَ سَلَامَ الْفَرْضِ الْخَاصِّ بِهِ، وَهُوَ مَا لَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَعْدَةِ الْفَرْضِ صَلَاةٌ، وَهَا هُنَا وَإِنْ كَانَ سَلَامُهُ عَلَى رَأْسِ السِّتِّ مُخْرِجًا مِنْ جَمِيعِ الصَّلَاةِ، لَكِنْ فَاتَهُ السَّلَامُ الْمَخْصُوصُ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ وَالرَّكْعَتَانِ إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ مَا تَحَوَّلَ نَفْلًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى هَلْ يَنُوبُ عَنْ قَبْلِيَّةِ الظُّهْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: نَعَمْ. وَاعْتَرَضَ بِمَا ذُكِرَ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ هُنَا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِيمَا مَرَّ كَانَ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ غَايَتُهُ أَنَّهُ انْقَلَبَ فِيهِ وَصْفُ مَا شُرِعَ فِيهِ قَصْدًا إلَى النَّفْلِيَّةِ، بِخِلَافِ الرَّكْعَتَيْنِ هُنَا فَإِنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِيهِمَا قَصْدًا وَلَا وُجِدَتْ لَهُمَا تَحْرِيمَةٌ مُبْتَدَأَةٌ وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ النَّوَافِلِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ التَّهَجُّدِ فَظَهَرَ وُقُوعُهُمَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَتَاهُ عَنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ فِي الصَّحِيحِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَلَّى أَرْبَعًا فَظَهَرَ وُقُوعُ رَكْعَتَيْنِ مِنْهُمَا بَعْدَ الْفَجْرِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَتَا بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ إلَخْ) أَيْ لَوْ اقْتَدَى شَخْصٌ بِاَلَّذِي قَعَدَ عَلَى الرَّابِعَةِ ثُمَّ قَامَ وَضَمَّ سَادِسَةً صَلَّاهُمَا: أَيْ الرَّكْعَتَيْنِ أَيْضًا: أَيْ مَعَ الْأَرْبَعِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: صَلَّى الْأَرْبَعَ أَيْضًا لِأَنَّ صَلَاةَ الرَّكْعَتَيْنِ مَحَلُّ وِفَاقٍ؛ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إحْرَامَ الْفَرْضِ انْقَطَعَ بِالِانْتِقَالِ إلَى النَّفْلِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ سِتًّا وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ لَوْ انْقَطَعَتْ التَّحْرِيمَةُ لَاحْتَاجَ إلَى تَكْبِيرَةٍ جَدِيدَةٍ فَصَارَ شَارِعًا فِي الْكُلِّ ح عَنْ الْبَحْرِ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَفْسَدَ) أَيْ الْمُقْتَدِي الرَّكْعَتَيْنِ قَضَاهُمَا فَقَطْ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي هَذَا النَّفْلِ قَصْدًا فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْإِمَامِ لِشُرُوعِهِ فِيهِ سَاهِيًا، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا قَعَدَ الْإِمَامُ فِي الرَّابِعَةِ، فَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ يُصَلِّي الْمُقْتَدِي سِتًّا كَمَا إذَا أَفْسَدَهُمَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَهِيَ سِتُّ رَكَعَاتٍ نَفْلًا كَمَا فِي الْبَحْرِ. [تَتِمَّةٌ] لَوْ اقْتَدَى بِهِ مُفْتَرِضٌ فِي قِيَامِ الْخَامِسَةِ بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ عَادَ إلَى الْقَعْدَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ فَقَدْ شَرَعَ فِي النَّفْلِ فَكَانَ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ وَلَوْ لَمْ يَقْعُدْ قَدْرَ التَّشَهُّدِ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْفَرْضِ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِسَجْدَةٍ بَحْرٌ عَنْ السِّرَاجِ (قَوْلُهُ سَهْوًا) قُيِّدَ بِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِهِ سَجَدَ لَا إلَى قَوْلِهِ وَلَمْ تَفْسُدْ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ بِعَيْنِهَا فِي بَابِ النَّوَافِلِ ح، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا) أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ سَهَا عَنْ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا) أَيْ لَا يَعُودُ بَعْدَ مَا اسْتَتَمَّ قَائِمًا كَالْفَرْضِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة صَحَّحَهُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِنِيَّةِ الْأَرْبَعِ، فَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ عَادَ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ فَسَجَدَ لَهُ) أَيْ لِلسَّهْوِ. (قَوْلُهُ بَعْدَ السَّلَامِ) وَكَذَا قَبْلَهُ كَمَا يُفِيدُهُ مَا يَذْكُرُهُ مِنْ التَّعْلِيلِ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَيَّدَ بِهِ تَبَعًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 ثُمَّ شَفَعَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ الْبِنَاءُ) أَيْ يُكْرَهُ لَهُ تَحْرِيمًا، أَرَادَ بِنَاءً لِئَلَّا يَبْطُلَ سُجُودُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ (بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ) إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْنِ بَطَلَتْ (وَلَوْ فَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ) مِنْ الْبِنَاءِ (صَحَّ) بِنَاؤُهُ (لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ وَيُعِيدُ) هُوَ وَالْمُسَافِرُ (سُجُودَ السَّهْوِ عَلَى الْمُخْتَارِ) لِبُطْلَانِهِ بِوُقُوعِهِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ (سَلَامُ مَنْ عَلَيْهِ سُجُودُ سَهْوٍ يُخْرِجُهُ) مِنْ الصَّلَاةِ خُرُوجًا (مَوْقُوفًا) إنْ سَجَدَ عَادَ إلَيْهَا وَإِلَّا لَا وَعَلَى هَذَا (فَيَصِحُّ) الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَيَبْطُلُ وُضُوءُهُ بِالْقَهْقَهَةِ، وَيَصِيرُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ (إنْ سَجَدَ) لِلسَّهْوِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ (وَإِلَّا) وَإِلَّا يَسْجُدْ (لَا) تَثْبُتْ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ، كَذَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ،   [رد المحتار] لِلْخُلَاصَةِ، لِكَوْنِهِ السُّنَّةَ فِي مَحَلِّ السُّجُودِ عِنْدَنَا، لَا لِكَوْنِ الْبَعْدِيَّةِ أَوْلَى كَمَا قِيلَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا صَلَّى ط. (قَوْلُهُ تَحْرِيمًا) لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ نَقْضَ الْوَاجِبِ لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَبْطُلَ سُجُودُهُ إلَخْ) وَنَقْضُ الْوَاجِبِ وَإِبْطَالُهُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا اسْتَلْزَمَ تَصْحِيحُهُ نَقْضَ مَا هُوَ فَوْقَهُ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ: أَيْ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُسَافِرِ الْآتِيَةِ. قَالَ ح: قَالَ شَيْخُنَا: هَذَا فِي الْبِنَاءِ عَلَى النَّفْلِ. وَأَمَّا الْبِنَاءُ عَلَى الْفَرْضِ فَفِيهِ كَرَاهَتَانِ أُخْرَيَانِ: وَالْأُولَى تَأْخِيرُ سَلَامِ الْمَكْتُوبَةِ، الثَّانِيَةُ الدُّخُولُ فِي النَّفْلِ بِلَا تَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ. اهـ. قَالَ ط: وَهَذَا الْأَخِيرُ يَظْهَرُ أَيْضًا فِي بِنَاءِ النَّفْلِ عَلَى مِثْلِهِ إذَا كَانَ نَوَى أَوَّلًا رَكْعَتَيْنِ اهـ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إلَخْ) أَيْ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ فَلَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْنِ وَقَدْ لَزِمَ الْإِتْمَامُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَفِي الْبِنَاءِ نَقْضُ الْوَاجِبِ وَهُوَ أَدْنَى فَيُتَحَمَّلُ دَفْعًا لِلْأَعْلَى بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَيُعِيدُ هُوَ) أَيْ مَنْ لَيْسَ لَهُ الْبِنَاءُ، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ الْمُفْتَرِضَ، وَيُخَالِفُهُ مَا قَدَّمَهُ أَوَّلَ الْبَابِ عَنْ الْقُنْيَةِ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ بَنَى النَّفَلَ عَلَى فَرْضٍ سَهَا فِيهِ لَمْ يَسْجُدْ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَالْمُسَافِرُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَالْمُسَافِرِ، لِئَلَّا يُوهِمَ قَوْلُهُ عَلَى الْمُخْتَارِ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ الْبَحْرِ، أَفَادَهُ ط. قُلْت: بَلْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْإِمْدَادِ. (قَوْلُهُ عَلَى الْمُخْتَارِ) وَقِيلَ لَا يُعِيدُهُ، لِأَنَّهُ وَقَعَ جَابِرًا حِينَ وَقَعَ فَيُعْتَدُّ بِهِ ح عَنْ الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ يُخْرِجُهُ مِنْ الصَّلَاةِ إلَخْ) هَذَا عِنْدَهُمَا؛ وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْهَا أَصْلًا، كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ إنْ سَجَدَ عَادَ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ مَعْنَى التَّوَقُّفِ أَنَّهُ يُخْرِجُهُ مِنْهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَعُودَ إلَى حُرْمَتِهَا بِالسُّجُودِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا. وَلَهُمْ فِيهِ تَفْسِيرٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ قَبْلَ السُّجُودِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ظُهُورِ عَاقِبَتِهِ، إنْ سَجَدَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ) أَيْ بَعْدَ السَّلَامِ وَقَبْلَ السُّجُودِ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ، أَمَّا قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ يَصِيرُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ اتِّفَاقًا، وَكَذَا بَعْدَ السَّلَامِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّهُ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ اتِّفَاقًا؛ أَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلِأَنَّهُ عَادَ إلَى حُرْمَتِهَا بِالسُّجُودِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْأَخِيرَةُ هِيَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ. (قَوْلُهُ كَذَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهِيَ الصَّوَابُ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ كَالْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَالْكَافِي وَقَاضِي خَانْ وَغَيْرِهَا عَدَمُ انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ، وَعَدَمُ صَيْرُورَةِ الْفَرْضِ أَرْبَعًا عِنْدَهُمَا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْعَوْدِ إلَى السُّجُودِ وَعَدَمِهِ. وَإِنَّمَا ذَكَرُوا هَذَا التَّفْصِيلَ فِي مَسْأَلَةِ الِاقْتِدَاءِ فَقَطْ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ فِي غَيْرِهَا؛ أَمَّا إجْرَاءُ التَّفْصِيلِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ؛ فَهُوَ مَذْكُورٌ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهَا فِي الْبَحْرِ، وَكَذَا فِي مَتْنِ الْوِقَايَةِ وَالدُّرَرِ وَالْمُلْتَقَى، وَقَدْ نَبَّهَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى غَلَطِهِمْ، وَكَذَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: إنَّ مَا سِوَى مَسْأَلَةِ الِاقْتِدَاءِ لَيْسَ مِنْ فُرُوعِ الْخِلَافِ، إلَّا إذَا سَقَطَ الشَّرْطِيَّتَانِ. وَفِي الْوِقَايَةِ هُنَا سَهْوٌ مَشْهُورٌ. اهـ. وَأَرَادَ بِالشَّرْطِيَّتَيْنِ قَوْلَهُ إنْ عَادَ إلَى السُّجُودِ وَإِلَّا فَلَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّوَابَ فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ سَلَامُ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ يُخْرِجُهُ مِنْهَا خُرُوجًا مَوْقُوفًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ إنْ سَجَدَ بَعْدُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يَبْطُلُ وُضُوءُهُ بِالْقَهْقَهَةِ، وَلَا يَصِيرُ فَرْضُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 وَهُوَ غَلَطٌ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ. وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ وُضُوءُهُ وَلَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ سَجَدَ أَوْ لَا لِسُقُوطِ السُّجُودِ بِالْقَهْقَهَةِ وَكَذَا بِالنِّيَّةِ، لِئَلَّا يَقَعَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ   [رد المحتار] أَرْبَعًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ. اهـ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ مُطْلَقًا، وَيَبْطُلُ الْوُضُوءُ وَيَصِيرُ الْفَرْضُ أَرْبَعًا، فَالْخِلَافُ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ، لَكِنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى عِنْدَهُمَا عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ دُونَ الْأَخِيرَتَيْنِ، فَإِجْرَاءُ التَّفْصِيلِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ غَلَطٌ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ إلَخْ) أَيْ ذِكْرُ الشَّرْطِيَّتَيْنِ، وَهُمَا قَوْلُهُ إنْ سَجَدَ وَإِلَّا لَا غَلَطٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمَا لَا تَفْصِيلَ فِيهِمَا، وَإِنَّمَا التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْأُولَى فَقَطْ كَمَا ذَكَرْنَا. أَمَّا فِي الْقَهْقَهَةِ فَلِأَنَّهَا أَوْجَبَتْ سُقُوطَ السُّجُودِ عِنْدَ الْكُلِّ لِفَوَاتِ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا كَلَامٌ، فَالْحُكْمُ النَّقْضُ عِنْدَهُ وَعَدَمُهُ عِنْدَهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بَحْرٌ أَيْ لِأَنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَمْ يَخْرُجْ بِالسَّلَامِ عَنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَانْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ. وَعِنْدَهُمَا خَرَجَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الصَّلَاةِ بِالسُّجُودِ لِوُجُودِ الْمُنَافِي وَهُوَ الْقَهْقَهَةُ لِأَنَّهَا كَلَامٌ كَمَا لَوْ سَلَّمَ وَأَحْدَثَ عَمْدًا بَعْدَهُ فَإِنَّ سَلَامَهُ لَمْ يَبْقَ مَوْقُوفًا بَعْدَ الْحَدَثِ. وَأَمَّا فِي نِيَّةِ الْإِقَامَةِ، فَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ: إنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ. وَفِي الْمِعْرَاجِ سَوَاءٌ سَجَدَ أَوْ لَا لِأَنَّهُ لَوْ تَغَيَّرَ بِهِ لَصَحَّتْ نِيَّتُهُ قَبْلَهُ؛ وَلَوْ صَحَّتْ لَوَقَعَتْ السَّجْدَةُ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَلَا يُعْتَدُّ بِهَا فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ أَصْلًا، فَلَوْ صَحَّتْ لَصَحَّتْ بِلَا سُجُودٍ بَحْرٌ وَنَهْرٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ سُجُودُهُ لَبَطَلَ، وَمَا يُؤَدِّي تَصْحِيحُهُ إلَى إبْطَالِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَفِيهِ دَوْرٌ أَيْضًا، يُوَضِّحُهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ عِنْدَهُمَا خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَا يَعُودُ إلَّا بِعَوْدِهِ إلَى سُجُودِ السَّهْوِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْعَوْدُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الصَّلَاةِ وَلَا يُمْكِنُهُ إتْمَامُ الصَّلَاةِ إلَّا بَعْدَ الْعَوْدِ إلَى السُّجُودِ فَجَاءَ الدَّوْرُ. قَالَ: وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْعَوْدُ إلَى سُجُودِهِ لِأَنَّ سُجُودَهُ مَا يَكُونُ جَابِرًا، وَالْجَابِرُ بِالنَّصِّ هُوَ الْوَاقِعُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَلَا آخِرَ لَهَا قَبْلَ التَّمَامِ، فَقُلْنَا بِأَنَّهُ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَخَرَجَ مِنْهَا قَطْعًا لِلدَّوْرِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْهُ الْعَوْدُ إلَى السُّجُودِ لِمَا عَلِمْته لَمْ يُمْكِنْ عَوْدُهُ إلَى الصَّلَاةِ فَبَقِيَ خَارِجًا مِنْهَا بِالسَّلَامِ خُرُوجًا بَاتًّا. حَتَّى لَوْ سَجَدَ وَقَعَ لَغْوًا كَمَا لَوْ سَجَدَ بَعْدَ الْقَهْقَهَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَ الْحَدَثِ الْعَمْدِ، وَلِذَا صَرَّحَ الْكَمَالُ وَغَيْرُهُ مِنْ الشُّرَّاحِ كَصَاحِبِ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَقَاضِي خَانْ بِأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَحْصُلْ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، فَقَدْ ظَهَرَ لَك بِهَذَا التَّقْرِيرِ سُقُوطُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْإِمْدَادِ مُنْتَصِرًا لِمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ عَدَمَ صِحَّةِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ إنَّمَا هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ السُّجُودِ وَهُوَ قَدْ سَجَدَ، فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ لِمَا فِي الدِّرَايَةِ إذَا سَجَدَ فَنَوَى الْإِقَامَةَ صَحَّتْ اهـ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَإِلَّا لَزِمَ التَّنَاقُضُ. وَقَوْلُ الْكَمَالِ: إنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَحْصُلْ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِتَصْرِيحِهِ بِأَنَّ سَلَامَ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْهَا، وَيَلْزَمُ صَاحِبَ الْبَحْرِ فِي قَوْلِهِ لِئَلَّا يَقَعَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ أَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ بَعْدَ سُجُودِهِ لَا تَصِحُّ لِوُقُوعِ السُّجُودِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى صِحَّتِهَا. أَقُولُ: وَالْجَوَابُ مَا تَحَقَّقْته مِنْ أَنَّهُ إذَا سَجَدَ وَقَعَ لَغْوًا، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ، فَلَمْ يَعُدْ إلَى حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، فَلَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ، بِخِلَافِ مَا فِي الدِّرَايَةِ، فَإِنَّهُ إذَا سَجَدَ أَوَّلًا عَادَ إلَيْهَا فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى أَوَّلًا ثُمَّ سَجَدَ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ إلَيْهَا لِمَا عَلِمْته مِنْ الدَّوْرِ وَاسْتِلْزَامِ صِحَّةِ السُّجُودِ بُطْلَانُهُ، فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ كَمَا عَلِمْت، وَتَصْرِيحُهُ بِأَنَّ سَلَامَ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْهَا: أَيْ خُرُوجًا بَاتًّا، بَلْ يُخْرِجُهُ عَلَى احْتِمَالِ الْعَوْدِ إنْ أَمْكَنَ، وَهُنَا لَمْ يُمْكِنْ لِلْمَحْذُورِ الْمَذْكُورِ، وَقَوْلُهُمْ تَصِحُّ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ بَعْدَ السُّجُودِ وَيَلْغُو السُّجُودُ لِوُقُوعِهِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ صَحِيحٌ لِأَنَّ إلْغَاءَ السُّجُودِ فِيهِ لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ إيجَابِهِ الْمُقْتَضِي لِلدَّوْرِ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا، بَلْ بِسَبَبِ تَصْحِيحِ النِّيَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 (وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَلَوْ مَعَ سَلَامِهِ) نَاوِيًا (لِلْقَطْعِ) لِأَنَّ نِيَّةَ تَغْيِيرِ الْمَشْرُوعِ لَغْوٌ (مَا لَمْ يَتَحَوَّلْ عَنْ الْقِبْلَةِ أَوْ يَتَكَلَّمْ) لِبُطْلَانِ التَّحْرِيمَةِ، وَلَوْ نَسِيَ السَّهْوَ أَوْ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً أَوْ تِلَاوِيَّةً يَلْزَمُهُ ذَلِكَ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ. (سَلَّمَ مُصَلِّي الظُّهْرِ) مَثَلًا (عَلَى) رَأْسِ (الرَّكْعَتَيْنِ تَوَهُّمًا) إتْمَامَهَا (أَتَمَّهَا) أَرْبَعًا (وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ) لِأَنَّ السَّلَامَ   [رد المحتار] فِيهِ الْمُوجِبَةِ لِلْإِتْمَامِ، وَتَصْحِيحُ النِّيَّةِ فِيهِ لَا يَسْتَدْعِي إيجَابَ السُّجُودِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ فِيهَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ النِّيَّةِ أَنْ تَصِحَّ بِلَا سُجُودٍ لِوُقُوعِهِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، وَمَعَ عَدَمِ السُّجُودِ لَا يَعُودُ إلَّا حُرْمَةُ الصَّلَاةِ، وَإِذَا لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا لَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ، فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ وَبَعْدَ تَقْرِيرِ هَذَا الْجَوَابِ بِمَا ذَكَرْنَا. رَأَيْت شَيْخَ مَشَايِخِنَا الرَّحْمَتِيَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَلَوْ مَعَ سَلَامِهِ لِلْقَطْعِ) أَيْ قَطْعِ الصَّلَاةِ، وَعَدَمِ الْعُودِ إلَيْهَا بِالسُّجُودِ، قَيَّدَ بِالسَّهْوِ لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ ذَاكِرًا أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ أَوْ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ سَقَطَتْ عَنْهُ لِأَنَّ سَلَامَهُ عَمْدٌ فَيُخْرِجُهُ مِنْ الصَّلَاةِ. وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ بَلْ تَكُونُ نَاقِصَةً لِتَرْكِ الْوَاجِبِ، وَكَذَا لَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ تِلَاوِيَّةٌ وَسَهْوِيَّةٌ ذَاكِرًا لَهُمَا أَوْ لِلتِّلَاوِيَّةِ سَقَطَتَا إلَّا إذَا تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَشَهَّدْ؛ وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ صُلْبِيَّةٌ فَقَطْ أَوْ صُلْبِيَّةٌ وَسَهْوِيَّةٌ ذَاكِرًا لَهُمَا أَوْ لِلصُّلْبِيَّةِ فَقَطْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ وَلَوْ عَلَيْهِ تِلَاوِيَّةٌ أَيْضًا فَسَلَّمَ ذَاكِرًا لَهَا أَوْ لِلصُّلْبِيَّةِ فَسَدَتْ أَيْضًا، وَهَذَا فِي الصُّلْبِيَّةِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهَا رُكْنٌ. وَأَمَّا فِي التِّلَاوِيَّةِ فَمُقْتَضَى مَا مَرَّ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ وَهُوَ رِوَايَةُ أَصْحَابِ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ سَلَامَهُ فِي حَقِّ الرُّكْنِ سَلَامُ سَهْوٍ، وَفِي حَقِّ الْوَاجِبِ سَلَامُ عَمْدٍ، وَكِلَاهُمَا لَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا تَفْسُدُ لِأَنَّ سَلَامَ السَّهْوِ لَا يُخْرِجُ، وَسَلَامُ الْعَمْدِ يُخْرِجُ، فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْخُرُوجِ احْتِيَاطًا. وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فَسَدَتْ فِي الْوَجْهَيْنِ: أَيْ فِي تَذَكُّرِ التِّلَاوِيَّةِ أَوْ الصُّلْبِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقْضِيَ الَّتِي كَانَ ذَاكِرًا لَهَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَإِذَا جُعِلَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الَّتِي كَانَ نَاسِيًا لَهَا وَجَبَ أَنْ يَقْضِيَ الَّتِي كَانَ ذَاكِرًا لَهَا، وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ وَالْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ لِبُطْلَانِ التَّحْرِيمَةِ) أَيْ بِالتَّحَوُّلِ أَوْ التَّكَلُّمِ، وَقِيلَ لَا يَقْطَعُ بِالتَّحَوُّلِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ أَوْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي الدُّرَرِ عَنْ النِّهَايَةِ إمْدَادٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ نَسِيَ السَّهْوَ إلَخْ) أَوْ فِي كَلَامِهِ مَانِعَةُ الْخُلُوِّ فَيَصْدُقُ بِسَبْعِ صُوَرٍ؛ وَهِيَ مَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ سَهْوِيَّةٌ فَقَطْ، أَوْ صُلْبِيَّةٌ فَقَطْ أَوْ تِلَاوِيَّةٌ فَقَطْ، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ الثَّلَاثَةُ أَوْ اثْنَتَانِ مِنْهَا: أَيْ صُلْبِيَّةٌ مَعَ تِلَاوِيَّةٍ أَوْ سَهْوِيَّةٌ مَعَ إحْدَاهُمَا، فَفِي هَذِهِ كُلِّهَا إذَا سَلَّمَ نَاسِيًا لِمَا عَلَيْهِ كُلِّهِ أَوْ لِمَا سِوَى السَّهْوِيَّةِ لَا يُعَدُّ سَلَامُهُ قَاطِعًا، فَإِذَا تَذَكَّرَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ الَّذِي تَذَكَّرَهُ وَيُرَتِّبُ بَيْنَ السَّجَدَاتِ، حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ تِلَاوِيَّةٌ وَصُلْبِيَّةٌ يَقْضِيهِمَا مُرَتِّبًا، وَهَذَا يُفِيدُ وُجُوبَ النِّيَّةِ فِي الْمَقْضِيِّ مِنْ السَّجَدَاتِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا أَوْ لِمَا سِوَى السَّهْوِيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ ذَاكِرًا لَهَا نَاسِيًا لِغَيْرِهَا يَلْزَمُهُ أَيْضًا لِأَنَّ السَّلَامَ مَعَ تَذَكُّرِ سُجُودِ السَّهْوِ لَا يَقْطَعُ؛ بِخِلَافِ تَذَكُّرِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يَقْطَعُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَارِّ قَبْلَ ذَلِكَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ) أَيْ وَإِنْ تَحَوَّلَ عَنْ الْقِبْلَةِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الْمَسْجِدَ كُلَّهُ فِي حُكْمِ مَكَان وَاحِدٍ وَلِذَا صَحَّ الِاقْتِدَاءُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ. وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ فَإِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ أَنْ يُجَاوِزَ الصُّفُوفَ مِنْ خَلْفِهِ أَوْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ عَادَ إلَى قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مُلْحَقٌ بِالْمَسْجِدِ، وَإِنْ مَشَى أَمَامَهُ فَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ مَوْضِعِ سُجُودِهِ أَوْ سُتْرَتِهِ إنْ كَانَ لَهُ سُتْرَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْفَتْحِ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ هُنَا مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَفِيمَا قَبْلَهُ مَا لَمْ يَتَحَوَّلْ عَنْ الْقِبْلَةِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ أَنَّ السَّلَامَ هُنَا لَمَّا كَانَ سَهْوًا لَمْ يُجْعَلْ مُجَرَّدُ الِانْحِرَافِ عَنْ الْقِبْلَةِ مَانِعًا؛ وَلَمَّا كَانَ فِيمَا قَبْلَهُ عَمْدًا جُعِلَ مَانِعًا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ السُّجُودَ لَا يَسْقُطُ بِالسَّلَامِ وَلَوْ عَمْدًا إلَّا إذَا فَعَلَ فِعْلًا يَمْنَعُهُ مِنْ الْبِنَاءِ بِأَنْ تَكَلَّمَ أَوْ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ عَمْدًا أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ صَرَفَ وَجْهَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهُ لِأَنَّهُ فَاتَ مَحَلُّهُ وَهُوَ تَحْرِيمَةُ الصَّلَاةِ فَسَقَطَ ضَرُورَةَ فَوَاتِ مَحَلِّهِ اهـ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ تَوَهُّمًا) أَيْ ذَا تَوَهُّمٍ أَوْ مُتَوَهِّمًا (قَوْلُهُ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا) إلَّا إذَا سَلَّمَ قَائِمًا فِي غَيْرِ جِنَازَةٍ كَمَا قَدَّمَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 سَاهِيًا لَا يُبْطِلُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ مِنْ وَجْهٍ (بِخِلَافِ مَا لَوْ سَلَّمَ عَلَى ظَنِّ) أَنَّ فَرْضَ الظُّهْرِ رَكْعَتَانِ، بِأَنْ ظَنَّ (أَنَّهُ مُسَافِرٌ أَوْ أَنَّهَا الْجُمُعَةُ أَوْ كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ فَظَنَّ أَنَّ فَرْضَ الظُّهْرِ رَكْعَتَانِ أَوْ كَانَ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَظَنَّ أَنَّهَا التَّرَاوِيحُ فَسَلَّمَ) أَوْ سَلَّمَ ذَاكِرًا أَنَّ عَلَيْهِ رُكْنًا حَيْثُ تَبْطُلُ لِأَنَّهُ سَلَامُ عَمْدٍ. وَقِيلَ لَا تَبْطُلُ حَتَّى يَقْصِدَ بِهِ خِطَابَ آدَمِيٍّ (وَالسَّهْوُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ وَالْمَكْتُوبَةِ وَالتَّطَوُّعِ سَوَاءٌ) وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمُهُ فِي الْأُولَيَيْنِ لِدَفْعِ الْفِتْنَةِ كَمَا فِي جُمُعَةِ الْبَحْرِ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الدُّرَرِ. (وَإِذَا شَكَّ) فِي صَلَاتِهِ (مَنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ) أَيْ الشَّكُّ (عَادَةً لَهُ) وَقِيلَ مَنْ لَمْ يَشُكَّ فِي صَلَاةٍ قَطُّ بَعْدَ بُلُوغِهِ   [رد المحتار] فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْقِيَامَ فِي غَيْرِ الْجِنَازَةِ لَيْسَ مَظِنَّةً لِلسَّلَامِ فَلَا يُغْتَفَرُ السَّهْوُ فِيهِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ مِنْ وَجْهٍ) أَيْ فَلِذَا خَالَفَ الْكَلَامَ حَيْثُ كَانَ مُبْطِلًا وَلَوْ سَاهِيًا. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ سَلَامُ عَمْدٍ) اسْتَشْكَلَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ عَمْدٌ أَيْضًا. قُلْت: وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْفَرْقَ بِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ سَلَّمَ عَلَى ظَنِّ إتْمَامِ الْأَرْبَعِ فَيَكُونُ سَلَامُهُ سَهْوًا، وَهُنَا سَلَّمَ عَالِمًا بِأَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَوَقَعَ سَلَامُهُ عَمْدًا فَيَكُونُ قَاطِعًا فَلَا يَبْنِي. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ السَّهْوَ إنْ وَقَعَ فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ أَوْجَبَ فَسَادَهَا، وَإِنْ فِي وَصْفِهَا فَلَا، فَالْأَوَّلُ كَمَا إذَا سَلَّمَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ فِي الْفَجْرِ أَوْ الْجُمُعَةِ أَوْ السَّفَرِ، وَالثَّانِي كَمَا إذَا سَلَّمَ عَلَيْهِمَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا رَابِعَةٌ اهـ أَيْ لِأَنَّ الْعَدَدَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصْفِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا ظَنَّ أَنَّهَا الْفَجْرُ مَثَلًا يَكُونُ قَاصِدًا لِإِيقَاعِ السَّلَامِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَيَكُونُ مُتَعَمِّدًا لِلْخُرُوجِ قَبْلَ إتْمَامِ الصَّلَاةِ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ عَلَى ظَنِّ الْإِتْمَامِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ إلَّا إيقَاعَهُ بَعْدَ الْأَرْبَعِ، فَوَقَعَ قَبْلَهَا سَهْوًا؛ وَبِالْجُمْلَةِ فَالسَّلَامُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ عَمْدٌ فِيهِمَا، وَمِنْ حَيْثُ مَحَلُّهُ مُخْتَلِفٌ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا تَبْطُلُ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا أَخْذًا مِمَّا فِي الْمُجْتَبَى: لَوْ سَلَّمَ الْمُصَلِّي عَمْدًا قَبْلَ التَّمَامِ، قِيلَ تَفْسُدُ، وَقِيلَ لَا حَتَّى يَقْصِدَ بِهِ خِطَابَ آدَمِيٍّ اهـ فَقَالَ فِي الْبَحْرِ: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَفْسُدَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي اهـ وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْأَوَّلُ الْمَجْزُومُ بِهِ فِي كُتُبٍ عَدِيدَةٍ مُعْتَمَدَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ عَدَمُهُ فِي الْأُولَيَيْنِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْجَمْعَ الْكَثِيرَ فِيمَا سِوَاهُمَا كَذَلِكَ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ ط وَكَذَا بَحَثَهُ الرَّحْمَتِيُّ، وَقَالَ خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا. وَفِي جُمُعَةِ حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْعَزْمِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ عَدَمَ جَوَازِهِ، بَلْ الْأَوْلَى تَرْكُهُ لِئَلَّا يَقَعَ النَّاسُ فِي فِتْنَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبِهِ جَزَمَ فِي الدُّرَرِ) لَكِنَّهُ قَيَّدَهُ مُحَشِّيهَا الْوَانِي بِمَا إذَا حَضَرَ جَمْعٌ كَثِيرٌ، وَإِلَّا فَلَا دَاعِيَ إلَى التَّرْكِ ط (قَوْلُهُ وَإِذَا شَكَّ) هُوَ تَسَاوِي الْأَمْرَيْنِ بَحْرٌ وَقَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ فِي صَلَاتِهِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا أَوْ بَعْدَ مَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا إذَا وَقَعَ فِي التَّعْيِينِ فَقَطْ، بِأَنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ تَرَكَ فَرْضًا وَشَكَّ فِي تَعَيُّنِهِ، قَالُوا: يَسْجُدُ سَجْدَةً ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَتْرُوكَ الرُّكُوعُ فَيَكُونُ السُّجُودُ لَغْوًا بِدُونِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ رَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْنِ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الشَّكِّ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَهَذَا تَيَقَّنَ تَرْكَ رُكْنٍ غَيْرَ أَنَّهُ شَكَّ فِي تَعْيِينِهِ، نَعَمْ يُسْتَثْنَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بَعْدَ السَّلَامِ أَنَّك صَلَّيْت الظُّهْرَ ثَلَاثًا وَشَكَّ فِي صِدْقِهِ يُعِيدُ احْتِيَاطًا لِأَنَّ الشَّكَّ فِي صِدْقِهِ شَكٌّ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ) هَذَا قَوْلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَاخْتَارَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَنَصَّ فِي الذَّخِيرَةِ عَلَى أَنَّهُ الْأَشْبَهُ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَهُوَ كَذَلِكَ. وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: مَنْ لَمْ يَقَعْ لَهُ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْفَضْلِ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ إلَخْ) ثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ سَهَا فِي صَلَاتِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَاسْتَقْبَلَ ثُمَّ لَمْ يَسْهُ سِنِينَ ثُمَّ سَهَا، فَعَلَى قَوْلِ السَّرَخْسِيِّ يَسْتَأْنِفُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَتِهِ وَإِنَّمَا حَصَلَ لَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْعَادَةُ إنَّمَا هِيَ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ أَيْ وَالشَّرْطُ أَنْ لَا يَكُونَ مُعْتَادًا لَهُ قَبْلَ هَذِهِ الصَّلَاةِ، وَكَذَا عَلَى قَوْلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ (كَمْ صَلَّى اسْتَأْنَفَ) بِعَمَلٍ مُنَافٍ وَبِالسَّلَامِ قَاعِدًا أَوْلَى لِأَنَّهُ الْمَحَلُّ (وَإِنْ كَثُرَ) شَكُّهُ (عَمِلَ بِغَالِبِ ظَنِّهِ إنْ كَانَ) لَهُ ظَنٌّ لِلْحَرَجِ (وَإِلَّا أَخَذَ بِالْأَقَلِّ) لِتَيَقُّنِهِ (وَقَعَدَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَوَهَّمَهُ مَوْضِعَ قُعُودِهِ) وَلَوْ وَاجِبًا لِئَلَّا يَصِيرَ تَارِكًا فَرْضَ الْقُعُودِ أَوْ وَاجِبَهُ (وَ) اعْلَمْ أَنَّهُ (إذَا شَغَلَهُ ذَلِكَ) الشَّكُّ فَتَفَكَّرَ (قَدْرَ   [رد المحتار] فَخْرِ الْإِسْلَامِ، خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي السِّرَاجِ مِنْ أَنَّهُ يَتَحَرَّى كَمَا يَتَحَرَّى عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي عِبَارَةِ النَّهْرِ هُنَا سَهْوٌ فَاجْتَنِبْهُ. (قَوْلُهُ كَمْ صَلَّى) أَشَارَ بِالْكَمِّيَّةِ إلَى أَنَّ الشَّكَّ فِي الْعَدَدِ، فَلَوْ فِي الصِّفَةِ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي ثَانِيَةِ الظُّهْرِ أَنَّهُ فِي الْعَصْرِ وَفِي الثَّالِثَةِ أَنَّهُ فِي التَّطَوُّعِ وَفِي الرَّابِعَةِ أَنَّهُ فِي الظُّهْرِ، قَالُوا: يَكُونُ فِي الظُّهْرِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالشَّكِّ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ اسْتَأْنَفَ بِعَمَلٍ مَنَافٍ إلَخْ) فَلَا يَخْرُجُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، كَذَا قَالُوا. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعَمَلِ فَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِمُنَافٍ وَأَكْمَلَهَا عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ لَمْ تَبْطُلْ إلَّا أَنَّهَا تَكُونُ نَفْلًا وَيَلْزَمُهُ أَدَاءُ الْفَرْضِ، وَلَوْ كَانَتْ نَفْلًا يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ قَضَاؤُهُ وَإِنْ أَكْمَلَهَا لِوُجُوبِ الِاسْتِئْنَافِ عَلَيْهِ بَحْرٌ، وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ وَالْمَقْدِسِيُّ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَثُرَ شَكُّهُ) بِأَنْ عَرَضَ لَهُ مَرَّتَيْنِ فِي عُمْرِهِ عَلَى مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُهُمْ، أَوْ فِي صَلَاتِهِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ. وَفِي الْمُجْتَبَى: وَقِيلَ مَرَّتَيْنِ فِي سَنَةٍ، وَلَعَلَّهُ عَلَى قَوْلِ السَّرَخْسِيِّ بَحْرٌ وَنَهْرٌ. (قَوْلُهُ لِلْحَرَجِ) أَيْ فِي تَكْلِيفِهِ بِالْعَمَلِ بِالْيَقِينِ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ شَيْءٌ، فَلَوْ شَكَّ أَنَّهَا أُولَى الظُّهْرِ أَوْ ثَانِيَتُهُ يَجْعَلُهَا الْأُولَى ثُمَّ يَقْعُدُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا الثَّانِيَةُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً ثُمَّ يَقْعُدُ لِمَا قُلْنَا ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً وَيَقْعُدُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا الرَّابِعَةُ ثُمَّ يُصَلِّي أُخْرَى وَيَقْعُدُ لِمَا قُلْنَا، فَيَأْتِي بِأَرْبَعِ قَعَدَاتٍ قَعْدَتَانِ مَفْرُوضَتَانِ وَهُمَا الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ، وَقَعْدَتَانِ وَاجِبَتَانِ؛ وَلَوْ شَكَّ أَنَّهَا الثَّانِيَةُ أَوْ الثَّالِثَةُ أَتَمَّهَا وَقَعَدَ ثُمَّ صَلَّى أُخْرَى وَقَعَدَ ثُمَّ الرَّابِعَةَ وَقَعَدَ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَسَيُذْكَرُ عَنْ السِّرَاجِ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ وَاجِبًا) مَعْطُوفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ فَرْضًا كَانَ الْقُعُودُ وَلَوْ وَاجِبًا أَوْ إذَا كَانَ فَرْضًا وَلَوْ وَاجِبًا فَكَذَلِكَ عَلَى حَذْفِ جَوَابِ لَوْ الشَّرْطِيَّةِ فَالتَّعْلِيلُ نَاظِرٌ إلَى الْمَذْكُورِ وَالْمَحْذُوفِ. هَذَا وَقَوْلُ الْهِدَايَةِ وَالْوِقَايَةِ يَقْعُدُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ آخِرُ صَلَاتِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْعُدُ عَلَى الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، وَلِذَا نَسَبَهُ فِي الْفَتْحِ إلَى الْقُصُورِ. وَاعْتَذَرَ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ فِيهِ خِلَافًا فَلَعَلَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ الْقُعُودَ مُطْلَقًا. اهـ. قُلْت: لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَقْعُدُ عَلَى الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ بَيْنَ تَرْكِ الْوَاجِبِ وَإِتْيَانِ الْبِدْعَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى مِنْ الثَّانِي، ثُمَّ قَالَ: لَكِنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ اهـ. أَقُولُ: يُؤَيِّدُ مَا فِي الْفَتْحِ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي عِدَّةِ كُتُبٍ أَنَّ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْبِدْعَةِ وَالْوَاجِب يَأْتِي بِهِ احْتِيَاطًا، بِخِلَافِ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْبِدْعَةِ وَالسُّنَّةِ. (قَوْلُهُ وَاعْلَمْ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا الصَّغِيرِ: ثُمَّ الْأَصْلُ فِي التَّفَكُّرِ أَنَّهُ إنْ مَنَعَهُ عَنْ أَدَاءِ رُكْنٍ كَقِرَاءَةِ آيَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ عَنْ أَدَاءِ وَاجِبٍ كَالْقُعُودِ يَلْزَمُهُ السَّهْوُ لِاسْتِلْزَامِ ذَلِكَ تَرْكَ الْوَاجِبِ وَهُوَ الْإِتْيَانُ بِالرُّكْنِ أَوْ الْوَاجِبِ فِي مَحَلِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ يُؤَدِّي الْأَرْكَانَ وَيَتَفَكَّرُ لَا يَلْزَمُهُ السَّهْوُ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إنْ مَنَعَهُ التَّفَكُّرُ عَنْ الْقِرَاءَةِ أَوْ عَنْ التَّسْبِيحِ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَإِلَّا فَلَا، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَوْ شَغَلَهُ عَنْ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَهُوَ رَاكِعٌ مَثَلًا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلَا تَسْبِيحٍ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْأَصَحِّ وَقَوْلُ الْبَعْضِ وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ أَوْ عَنْ أَدَاءِ وَاجِبٍ مَا لَوْ شَغَلَهُ عَنْ السَّلَامِ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ شَكَّ بَعْدَ مَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَصَلَّى ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعًا حَتَّى شَغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ السَّلَامِ ثُمَّ اسْتَيْقَنَ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ فَعَلَيْهِ السَّهْوُ. اهـ. وَعَلَّلَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ أَخَّرَ الْوَاجِبَ وَهُوَ السَّلَامُ. اهـ. وَظَاهِرُهُ لُزُومُ السُّجُودِ وَإِنْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِقِرَاءَةِ الْأَدْعِيَةِ أَوْ الصَّلَاةِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 أَدَاءِ رُكْنٍ وَلَمْ يَشْتَغِلْ حَالَةَ الشَّكِّ بِقِرَاءَةٍ وَلَا تَسْبِيحٍ) ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ (وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فِي) جَمِيعِ (صُوَرِ الشَّكِّ) سَوَاءٌ عَمِلَ بِالتَّحَرِّي أَوْ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ فَتْحٌ لِتَأْخِيرِ الرُّكْنِ، لَكِنْ فِي السِّرَاجِ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي أَخْذِ الْأَقَلِّ مُطْلَقًا، وَفِي غَلَبَةِ الظَّنِّ إنْ تَفَكَّرَ قَدْرَ رُكْنٍ. [فُرُوعٌ] أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِأَنَّهُ مَا صَلَّى أَرْبَعًا وَشَكَّ فِي صِدْقِهِ وَكَذَّبَهُ أَعَادَ احْتِيَاطًا. وَلَوْ اخْتَلَفَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ فَلَوْ الْإِمَامُ عَلَى يَقِينٍ لَمْ يُعِدْ وَإِلَّا أَعَادَ بِقَوْلِهِمْ.   [رد المحتار] أَنْ يَشْغَلَهُ التَّفَكُّرُ عَنْ رُكْنٍ أَوْ وَاجِبٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ شَغْلُ قَلْبِهِ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ جَوَارِحُهُ مَشْغُولَةً بِأَدَاءِ الْأَرْكَانِ، وَمِثْلُهُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ فَطَوَّلَ فِي تَفَكُّرِهِ وَتَغَيَّرَ عَنْ حَالِهِ بِالتَّفَكُّرِ فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ تَفَكُّرُهُ لَيْسَ إلَّا إطَالَةَ الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ، وَهَذِهِ الْأَذْكَارُ سُنَّةٌ لَكِنَّهُ أَخَّرَ وَاجِبًا أَوْ رُكْنًا لَا بِسَبَبِ إقَامَةِ السُّنَّةِ بَلْ بِسَبَبِ التَّفَكُّرِ، وَلَيْسَ التَّفَكُّرُ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ. اهـ. قُلْت؛ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي التَّفَكُّرِ الْمُوجِبِ لِلسَّهْوِ، فَقِيلَ مَا لَزِمَ مِنْهُ تَأْخِيرُ الْوَاجِبِ أَوْ الرُّكْنِ عَنْ مَحَلِّهِ بِأَنْ قَطَعَ الِاشْتِغَالَ بِالرُّكْنِ أَوْ الْوَاجِبِ قَدْرَ أَدَاءِ رُكْنٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ مُجَرَّدُ التَّفَكُّرِ الشَّاغِلِ لِلْقَلْبِ وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ الْمُوَالَاةَ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا تَفَكَّرَ فِي أَفْعَالِ هَذِهِ الصَّلَاةِ؛ أَمَّا لَوْ تَفَكَّرَ فِي صَلَاةٍ قَبْلَهَا هَلْ صَلَّاهَا أَمْ لَا، فَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَخَّرَ فِعْلًا؛ كَمَا لَوْ تَفَكَّرَ فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا حَتَّى أَخَّرَ رُكْنًا وَفِي رِوَايَةٍ يَلْزَمُهُ لِتَمَكُّنِ النَّقْصِ فِي صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُ تِلْكَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَعْلَمَ جَوَازَ صَلَاتِهِ هَذِهِ بِخِلَافِ أَعْمَالِ الدُّنْيَا فَإِنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا حِفْظُهَا. وَاسْتَظْهَرَ فِي الْحِلْيَةِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَأَنَّهُ لَوْ لَزِمَ تَرْكُ الْوَاجِبِ بِالتَّفَكُّرِ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ أَيْضًا. وَاسْتَظْهَرَ أَيْضًا الْقَوْلَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْمُلْزِمَ لِلسُّجُودِ مَا كَانَ فِيهِ تَأْخِيرُ الْوَاجِبِ أَوْ الرُّكْنِ عَنْ مَحَلِّهِ، إذْ لَيْسَ فِي مُجَرَّدِ التَّفَكُّرِ مَعَ الْأَدَاءِ تَرْكُ وَاجِبٍ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِيهَا وَفِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ عَمِلَ بِالتَّحَرِّي) أَيْ بِأَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ مَثَلًا، وَقَوْلُهُ أَوْ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ: أَيْ بِأَنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ شَيْءٌ وَأَخَذَ بِالْأَقَلِّ. (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي السِّرَاجِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ لُزُومِ السُّجُودِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ تَفَكَّرَ قَدْرَ رُكْنٍ أَوْ لَا، وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِمَنْزِلَةِ الْيَقِينِ، فَإِذَا تَحَرَّى وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ شَيْءٌ لَزِمَهُ الْأَخْذُ بِهِ، وَلَا يَظْهَرُ وَجْهٌ لِإِيجَابِ السُّجُودِ عَلَيْهِ إلَّا إذَا طَالَ تَفَكُّرُهُ غَلَى التَّفْصِيلِ الْمَارِّ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ لِأَنَّ فِيهِ احْتِمَالَ الزِّيَادَةِ كَمَا أَفَادَ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ إلَخْ) تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّكَّ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَا يُعْتَبَرُ، وَأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ مُسْتَثْنَاةٌ؛ وَقَيَّدَ بِالْعَدْلِ، إذْ لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ لَزِمَهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِمَا وَلَا يُعْتَبَرُ شَكُّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُخْبِرُ عَدْلًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إمْدَادٌ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَعَادَ احْتِيَاطًا الْوُجُوبُ لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا شَكَّ الْإِمَامُ فَأَخْبَرَهُ عَدْلَانِ يَجِبُ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ يُسْتَحَبُّ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِ اهـ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ) أَيْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، كَأَنْ قَالُوا صَلَّيْت ثَلَاثًا وَقَالَ بَلْ أَرْبَعًا أَمَّا لَوْ اخْتَلَفَ الْقَوْمُ وَالْإِمَامُ مَعَ فَرِيقٍ مِنْهُمْ وَلَوْ وَاحِدًا أُخِذَ بِقَوْلِ الْإِمَامِ؛ وَلَوْ تَيَقَّنَ وَاحِدٌ بِالتَّمَامِ وَوَاحِدٌ بِالنَّقْصِ وَشَكَّ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ فَالْإِعَادَةُ عَلَى الْمُتَيَقِّنِ بِالنَّقْصِ فَقَطْ؛ وَلَوْ تَيَقَّنَ الْإِمَامُ بِالنَّقْصِ لَزِمَهُمْ الْإِعَادَةُ إلَّا مَنْ تَيَقَّنَ مِنْهُمْ بِالتَّمَامِ، وَلَوْ تَيَقَّنَ وَاحِدٌ بِالنَّقْصِ وَشَكَّ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ، فَإِنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُعِيدُوا احْتِيَاطًا وَلَزِمَتْ لَوْ الْمُخْبِرُ بِالنَّقْصِ عَدْلَانِ، مِنْ الْخُلَاصَةِ وَالْفَتْحِ. [تَتِمَّةٌ] شَكَّ الْإِمَامُ فَلَحَظَ إلَى الْقَوْمِ لِيَعْلَمَ بِهِمْ إنْ قَامُوا قَامَ وَإِلَّا قَعَدَ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ. غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 شَكَّ أَنَّهَا ثَانِيَةُ الْوِتْرِ أَمْ ثَالِثَتُهُ قَنَتَ وَقَعَدَ ثُمَّ صَلَّى أُخْرَى وَقَنَتَ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ. شَكَّ هَلْ كَبَّرَ لِلِافْتِتَاحِ أَوْ لَا، أَوْ أَحْدَثَ أَوْ لَا، أَوْ أَصَابَهُ نَجَاسَةٌ أَوْ لَا، أَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ أَوْ لَا، اسْتَقْبَلَ إنْ كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَّا. وَاخْتَلَفَ لَوْ شَكَّ فِي أَرْكَانِ الْحَجِّ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْبِنَاءُ عَلَى الْأَقَلِّ، وَعَلَيْك بِالْأَشْبَاهِ فِي قَاعِدَةٍ: الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ. بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ مِنْ إضَافَةِ الْفِعْلِ لِفَاعِلِهِ أَوْ مَحِلِّهِ وَمُنَاسَبَتُهُ كَوْنُهُ عَارِضًا سَمَاوِيًّا فَتَأَخَّرَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ ضَرُورَةً (مَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ) أَيْ كُلُّهُ (لِمَرَضٍ) حَقِيقِيٍّ وَحَدُّهُ أَنْ يَلْحَقَهُ بِالْقِيَامِ ضَرَرٌ بِهِ يُفْتَى   [رد المحتار] فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ أَحْدَثَ أَوْ لَمْ يَمْسَحْ ثُمَّ ظَهَرَ خِلَافُهُ، إنْ كَانَ أَدَّى رُكْنًا اسْتَأْنَفَ وَإِلَّا مَضَى تَتَارْخَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ وَقَنَتَ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ لَا يَقْنُتُ لِأَنَّ الْقُنُوتَ فِي الثَّانِيَةِ بِدْعَةٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْبِدْعَةِ وَالْوَاجِبِ يَأْتِي بِهِ احْتِيَاطًا كَمَا مَرَّ. وَبَقِيَ لَوْ قَنَتَ فِي الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ سَهْوًا فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوِتْرِ أَنَّهُ لَا يَقْنُتُ فِي الثَّالِثَةِ، وَمَرَّ تَرْجِيحُ خِلَافِهِ. (قَوْلُهُ شَكَّ هَلْ كَبَّرَ إلَخْ) أَيْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ ذَخِيرَةٌ وَغَيْرُهَا. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّكَّ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَقَعَ فِي الصَّلَاةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الذَّخِيرَةِ فِي آخِرِ الْعِبَارَةِ: إنْ كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَرَّةٍ اسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ وَإِلَّا جَازَ لَهُ الْمُضِيُّ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ وَلَا غَسْلُ الثَّوْبِ اهـ تَأَمَّلْ. وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ حَيْثُ قَالَ: شَكَّ فِي بَعْضِ وُضُوئِهِ وَهُوَ أَوَّلُ شَكٍّ غَسَلَ مَا شَكَّ فِيهِ، وَإِنْ وَقَعَ لَهُ كَثِيرًا لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ؛ وَهَذَا إذَا شَكَّ فِي خِلَالِ وُضُوئِهِ، فَلَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ اهـ لَكِنْ سُئِلَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوِيهِ عَمَّنْ شَكَّ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ عَلَى وُضُوءٍ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَوَّلُ مَا عَرَضَ لَهُ أَعَادَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ وَإِلَّا مَضَى فِي صَلَاتِهِ. (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْبِنَاءُ عَلَى الْأَقَلِّ) كَذَا عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْبَدَائِعِ، وَلَمْ أَرَهُ فِيهَا فَلْيُرَاجَعْ. وَاَلَّذِي فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ: وَلَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الْأَشْوَاطِ فِي طَوَافِ الرُّكْنِ أَعَادَهُ، وَلَا يَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ؛ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَقِيلَ إذَا كَانَ يُكْثِرُ ذَلِكَ يَتَحَرَّى اهـ وَمَا جَزَمَ بِهِ فِي اللُّبَابِ عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ] قِيلَ الْمَرَضُ مَفْهُومُهُ ضَرُورِيٌّ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ فَهْمَ الْمُرَادِ مِنْهُ أَجَلُّ مِنْ قَوْلِنَا إنَّهُ مَعْنًى يَزُولُ بِحُلُولِهِ فِي بَدَنِ الْحَيِّ اعْتِدَالُ الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ فَيَئُولُ إلَى التَّعْرِيفِ بِالْأَخْفَى نَهْرٌ. (قَوْلُهُ مِنْ إضَافَةِ الْفِعْلِ لِفَاعِلِهِ أَوْ مَحَلِّهِ) كُلُّ فَاعِلٍ مَحَلٌّ وَلَا عَكْسَ، فَإِنَّ الْمَرِيضَ مَحَلٌّ لِلصَّلَاةِ فَاعِلٌ لَهَا وَالْخَشَبَةَ مَحَلٌّ لِلْحَرَكَةِ وَلَيْسَتْ فَاعِلَةً لَهَا ح (قَوْلُهُ وَمُنَاسَبَتُهُ إلَخْ) لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ تَأْخِيرِهِ عَنْ سُجُودِ السَّهْوِ، وَبَيَّنَهُ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ: وَالسَّهْوُ أَعَمُّ مَوْقِعًا لِشُمُولِهِ الْمَرِيضَ وَالصَّحِيحَ، فَكَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى بَيَانِهِ أَمَسَّ فَقَدَّمَهُ ح. (قَوْلُهُ فَتَأَخَّرَ إلَخْ) أَيْ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُذْكَرَ مَعَ سُجُودِ السَّهْوِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِثْلُ جُزْءٍ بِالصَّلَاةِ، أَوْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُجُودٌ يَتَرَتَّبُ عَلَى أَمْرٍ يَقَعُ فِي الصَّلَاةِ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ، إلَّا أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ مُخْتَصٌّ بِالصَّلَاةِ، وَسُجُودَ التِّلَاوَةِ يَقَعُ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَيْضًا ح. (قَوْلُهُ كُلُّهُ) فَسَّرَهُ بِهِ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْقِيَامِ قَامَ ح. (قَوْلُهُ لِمَرَضٍ حَقِيقِيٍّ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: أَرَادَ بِالتَّعَذُّرِ التَّعَذُّرَ الْحَقِيقِيَّ، بِحَيْثُ لَوْ قَامَ سَقَطَ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ التَّعَذُّرَ الْحُكْمِيَّ وَهُوَ خَوْفُ زِيَادَةِ الْمَرَضِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 (قَبْلَهَا أَوْ فِيهَا) أَيْ الْفَرِيضَةِ (أَوْ) حُكْمِيٍّ بِأَنْ (خَافَ زِيَادَتَهُ أَوْ بُطْءَ بُرْئِهِ بِقِيَامِهِ أَوْ دَوَرَانَ رَأْسِهِ أَوْ وَجَدَ لِقِيَامِهِ أَلَمًا شَدِيدًا) أَوْ كَانَ لَوْ صَلَّى قَائِمًا سَلِسَ بَوْلُهُ أَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ كَمَا مَرَّ (صَلَّى قَاعِدًا) وَلَوْ مُسْتَنِدًا إلَى وِسَادَةٍ   [رد المحتار] وَاخْتَلَفُوا فِي التَّعَذُّرِ؛ فَقِيلَ مَا يُبِيحُ الْإِفْطَارَ، وَقِيلَ التَّيَمُّمَ، وَقِيلَ بِحَيْثُ لَوْ قَامَ سَقَطَ، وَقِيلَ مَا يُعْجِزُهُ عَنْ الْقِيَامِ بِحَوَائِجِهِ. وَالْأَصَحُّ أَنْ يَلْحَقَهُ ضَرَرٌ بِالْقِيَامِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِمَا اهـ فَقَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّعَذُّرِ: أَيْ فِي غَيْرِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي كَلَامِهِ كَالْكَنْزِ الْحَقِيقِيُّ بِدَلِيلِ عَطْفِ الْحُكْمِيِّ عَلَيْهِ. وَبِمَا تَقَرَّرَ ظَهَرَ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ حَيْثُ جَعَلَ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ وَصْفَيْنِ لِلْمَرَضِ مَعَ أَنَّهُمَا صِفَتَانِ لِلتَّعَذُّرِ لِأَنَّ الْمَرَضَ فِيهِمَا حَقِيقِيٌّ؛ وَكَذَا قَوْلُهُ وَحْدَهُ، إنْ كَانَ الضَّمِيرُ فِيهِ لِلْمَرَضِ الْحَقِيقِيِّ، فَلَيْسَ ذَلِكَ تَعْرِيفًا لِلْمَرَضِ بَلْ تَعْرِيفُ الْمَرَضِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَإِنْ كَانَ لِلتَّعَذُّرِ الْمَذْكُورِ، فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْحَقِيقِيُّ وَهُوَ مَا لَوْ قَامَ لَسَقَطَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَعُودَ لِمُطْلَقِ التَّعَذُّرِ الْمُبِيحِ لِلصَّلَاةِ قَاعِدًا كَمَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ الْبَحْرِ وَاخْتَلَفُوا إلَخْ فَافْهَمْ. وَقَدْ يَأْتِي الْحَدُّ بِمَعْنَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، وَعَلَيْهِ فَيَصِحُّ عَوْدُهُ لِمُطْلَقِ الْمَرَضِ: أَيْ الْقَدْرِ الْمُمَيِّزِ بَيْنَ مَا تَصِحُّ مَعَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا وَمَا لَا تَصِحُّ مَا يَلْحَقُهُ بِالْقِيَامِ ضَرَرٌ، وَهُوَ شَامِلٌ حِينَئِذٍ لِمَا إذَا تَعَذَّرَ الْقِيَامُ حَقِيقَةً بِالْمَعْنَى الْمَارِّ أَوْ حُكْمًا. وَأَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْقِيَامُ أَصْلًا فَهُوَ مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ قَبْلَهَا أَوْ فِيهَا) صِفَةٌ لِمَرَضٍ، وَالْمَرَضُ الْعَارِضُ فِيهَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ. وَلَوْ عَرَضَ لَهُ مَرَضٌ فِيهَا، وَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ أَوْ فِيهَا تَقْيِيدَهُ بِقَوْلِهِ كُلُّهُ، لِأَنَّ الْمُرَادَ حِينَئِذٍ تَعَذُّرُ كُلِّ الْقِيَامِ الْوَاقِعِ بَعْدَ عُرُوضِ الْمَرَضِ. (قَوْلُهُ أَيْ الْفَرِيضَةِ) أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ الْوَاجِبَ كَالْوِتْرِ وَمَا فِي حُكْمِهِ كَسُنَّةِ الْفَجْرِ، احْتِرَازًا عَمَّا عَدَا ذَلِكَ مِنْ النَّوَافِلِ، فَإِنَّهَا تَجُوزُ مِنْ قُعُودٍ بِلَا تَعَذُّرِ قِيَامٍ. (قَوْلُهُ خَافَ) أَيْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بِتَجْرِبَةٍ سَابِقَةٍ أَوْ إخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ حَاذِقٍ إمْدَادٌ. (قَوْلُهُ بِقِيَامِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِخَافَ أَوْ بِزِيَادَةٍ وَبُطْءٍ عَلَى سَبِيلِ التَّنَازُعِ (قَوْلُهُ أَوْ وَجَدَ لِقِيَامِهِ) أَيْ لِأَجْلِهِ أَلَمًا شَدِيدًا، وَهَذَا وَمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ دَاخِلٌ فِي أَفْرَادِ الضَّرَرِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ وَحْدَهُ إلَخْ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ سَلِسَ) كَفَرِحَ ط (قَوْلُهُ أَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِلصَّوْمِ بِاللَّامِ التَّعْلِيلِيَّةِ أَيْ تَعَذَّرَ الْقِيَامُ لِأَجْلِ الصِّيَامِ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ: وَدَخَلَ تَحْتَ الْعَجْزِ الْحُكْمِيِّ مَا لَوْ صَامَ رَمَضَانَ صَلَّى قَاعِدًا وَإِنْ أَفْطَرَ صَلَّى قَائِمًا يَصُومُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ يَتَحَتَّمُ الْقُعُودُ كَمَنْ يَسِيلُ جُرْحُهُ إذَا قَامَ أَوْ يَسْلَسُ بَوْلُهُ أَوْ يَبْدُو رُبْعُ عَوْرَتِهِ أَوْ يَضْعُفُ عَنْ الْقِرَاءَةِ أَصْلًا أَوْ عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ وَلَوْ أَضْعَفَهُ عَنْ الْقِيَامِ الْخُرُوجُ لِجَمَاعَةٍ صَلَّى فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا بِهِ يُفْتَى خِلَافًا لِلْأَشْبَاهِ ح. أَقُولُ: وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِيمَاءِ قَاعِدًا، كَمَا لَوْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ صَلَّى قَاعِدًا يَسِيلُ بَوْلُهُ أَوْ جُرْحُهُ وَلَوْ مُسْتَلْقِيًا لَا صَلَّى قَائِمًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ لِأَنَّ الِاسْتِلْقَاءَ لَا يَجُوزُ بِلَا عُذْرٍ كَالصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ فَيَتَرَجَّحُ مَا فِيهِ الْإِتْيَانُ بِالْأَرْكَانِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا. وَمِنْ الْعَجْزِ الْحُكْمِيِّ أَيْضًا مَا لَوْ خَرَجَ بَعْضُ الْوَلَدِ وَتَخَافُ خُرُوجَ الْوَقْتِ تُصَلِّي بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُ الْوَلَدَ ضَرَرٌ؛ وَمَا لَوْ خَافَ الْعَدُوَّ لَوْ صَلَّى قَائِمًا أَوْ كَانَ فِي خِبَاءٍ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُقِيمَ صُلْبَهُ وَإِنْ خَرَجَ لَا يَسْتَطِيعُ الصَّلَاةَ لِطِينٍ أَوْ مَطَرٍ، وَمَنْ بِهِ أَدْنَى عِلَّةٍ فَخَافَ إنْ نَزَلَ عَنْ الْمَحْمَلِ بَقِيَ فِي الطَّرِيقِ يُصَلِّي الْفَرْضَ فِي مَحْمَلِهِ وَكَذَا الْمَرِيضُ الرَّاكِبُ، إلَّا إذَا وَجَدَ مَنْ يُنْزِلُهُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ مُسْتَنِدًا إلَخْ) أَيْ إذَا لَمْ يَلْحَقْهُ ضَرَرٌ بِهِ بِدَلِيلِ مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ أَوْ إنْسَانٍ) غَيَّرَ فِي الْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ وَغَيَّرَهُمَا بِالْخَادِمِ بَدَلَهُ. قَالَ ح: وَفِيهِ أَنَّ الْقَادِرَ بِقُدْرَةِ الْغَيْرِ عَاجِزٌ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْغَيْرِ غَيْرُ الْخَادِمِ تَأَمَّلْ. اهـ. أَقُولُ: قَدَّمْنَا فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بِنَفْسِهِ لَوْ وَجَدَ مَنْ تَلْزَمُهُ طَاعَتُهُ كَعَبْدِهِ وَوَلَدِهِ وَأَجِيرِهِ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ اتِّفَاقًا وَكَذَا غَيْرُهُ مِمَّنْ لَوْ اسْتَعَانَ بِهِ أَعَانَهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، بِخِلَافِ الْعَاجِزِ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 أَوْ إنْسَانٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ عَلَى الْمُخْتَارِ (كَيْفَ شَاءَ) عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْمَرَضَ أَسْقَطَ عَنْهُ الْأَرْكَانَ فَالْهَيْئَاتُ أَوْلَى. وَقَالَ زُفَرُ: كَالْمُتَشَهِّدِ، قِيلَ وَبِهِ يُفْتَى (بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْقِيَامِ) وَلَوْ مُتَّكِئًا عَلَى عَصًا أَوْ حَائِطٍ (قَامَ) لُزُومًا بِقَدْرِ مَا يَقْدِرُ وَلَوْ قَدْرَ آيَةٍ أَوْ تَكْبِيرَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْبَعْضَ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ (وَإِنْ تَعَذَّرَا) لَيْسَ تَعَذُّرُهُمَا شَرْطًا بَلْ تَعَذُّرُ السُّجُودِ كَافٍ (لَا الْقِيَامُ أَوْمَأَ)   [رد المحتار] أَوْ التَّحَوُّلِ عَنْ الْفِرَاشِ النَّجِسِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ عِنْدَهُ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهِ زِيَادَةُ الْمَرَضِ فِي إقَامَتِهِ وَتَحْوِيلِهِ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخَفْ زِيَادَةَ الْمَرَضِ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَقَدَّمْنَا فِي بَحْثِ الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ بَابِ النَّوَافِلِ عَنْ الْمُجْتَبَى مَا نَصُّهُ: وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ النُّزُولِ عَنْ دَابَّتِهِ أَوْ الْوُضُوءِ إلَّا بِالْإِعَانَةِ وَلَهُ خَادِمٌ يَمْلِكُ مَنَافِعَهُ يَلْزَمُهُ فِي قَوْلِهِمَا، وَفِي قَوْلِهِ نَظَرٌ. وَالْأَصَحُّ اللُّزُومُ فِي الْأَجْنَبِيِّ الَّذِي يُطِيعُهُ كَالْمَاءِ الَّذِي يَعْرِضُ لِلْوُضُوءِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا حَيْثُ لَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِالْقِيَامِ فَلَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْسَانِ مَنْ يُطِيعُهُ أَعَمُّ مِنْ الْخَادِمِ وَالْأَجْنَبِيِّ، وَأَمَّا عَدَمُ اعْتِبَارِ الْقُدْرَةِ بِقُدْرَةِ الْغَيْرِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَلَعَلَّهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَمَا قَالَهُ ط وَلِذَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى: وَفِي قَوْلِهِ نَظَرٌ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ فَلَا يَلْزَمُهُ الِانْتِظَارُ إلَى حُصُولِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ كَيْفَ شَاءَ) أَيْ كَيْفَ تَيَسَّرَ لَهُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ مِنْ تَرَبُّعٍ أَوْ غَيْرِهِ إمْدَادٌ. (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْغُرَرِ وَنُورِ الْإِيضَاحِ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ وَاخْتَارَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. (قَوْلُهُ فَالْهَيْئَاتُ أَوْلَى) جَمْعُ هَيْئَةٍ، وَهِيَ هُنَا كَيْفِيَّةُ الْقُعُودِ. قَالَ ط: وَفِيهِ أَنَّ الْأَرْكَانَ إنَّمَا سَقَطَتْ لِتَعَسُّرِهَا وَلَا كَذَلِكَ الْهَيْئَاتُ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قِيلَ وَبِهِ يُفْتَى) قَالَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة لِأَنَّهُ أَيْسَرُهُ عَلَى الْمَرِيضِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، بَلْ الْأَيْسَرُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِكَيْفِيَّةٍ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ فَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ اهـ. وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّهُ فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ يَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ لِلتَّشَهُّدِ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ جُلُوسُهُ كَمَا يَجْلِسُ لِلتَّشَهُّدِ أَيْسَرَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مُسَاوِيًا لِغَيْرِهِ كَانَ أَوْلَى وَإِلَّا اخْتَارَ الْأَيْسَرَ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ مَحْمَلُ الْقَوْلَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ بِرُكُوعٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ صَلَّى ط. (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) فِي شَرْحِ الْحَلْوَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ: لَوْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْقِيَامِ دُونَ تَمَامِهِ، أَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ لِبَعْضِ الْقِرَاءَةِ دُونَ تَمَامِهَا يُؤْمَرُ بِأَنْ يُكَبِّرَ قَائِمًا وَيَقْرَأَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَقْعُدُ إنْ عَجَزَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ لَا يُرْوَى خِلَافُهُ عَنْ أَصْحَابِنَا؛ وَلَوْ تَرَكَ هَذَا خِفْت أَنْ لَا تَجُوزَ صَلَاتُهُ. وَفِي شَرْحِ الْقَاضِي: فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ مُسْتَوِيًا قَالُوا يَقُومُ مُتَّكِئًا لَا يَجْزِيهِ إلَّا ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ عَجَزَ عَنْ الْقُعُودِ مُسْتَوِيًا قَالُوا يَقْعُدُ مُتَّكِئًا لَا يَجْزِيهِ إلَّا ذَلِكَ، فَقَالَ عَنْ شَرْحِ التُّمُرْتَاشِيِّ وَنَحْوُهُ فِي الْعِنَايَةِ بِزِيَادَةٍ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَدَرَ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى عَصًا أَوْ كَانَ لَهُ خَادِمٌ لَوْ اتَّكَأَ عَلَيْهِ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْبَعْضَ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ) أَيْ إنَّ حُكْمَ الْبَعْضِ كَحُكْمِ الْكُلِّ، بِمَعْنَى أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى كُلِّ الْقِيَامِ يَلْزَمُهُ فَكَذَا مَنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِهِ. (قَوْلُهُ بَلْ تَعَذُّرُ السُّجُودِ كَافٍ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الذَّخِيرَةِ: رَجُلٌ بِحَلْقِهِ خُرَّاجٌ إنْ سَجَدَ سَالَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الرُّكُوعِ وَالْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ يُصَلِّي قَاعِدًا يُومِئُ؛ وَلَوْ صَلَّى قَائِمًا بِرُكُوعٍ وَقَعَدَ وَأَوْمَأَ بِالسُّجُودِ أَجْزَأَهُ، وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ لَمْ يُشْرَعَا قُرْبَةً بِنَفْسِهِمَا، بَلْ لِيَكُونَا وَسِيلَتَيْنِ إلَى السُّجُودِ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ مَا إذَا تَعَذَّرَ الرُّكُوعُ دُونَ السُّجُودِ غَيْرُ وَاقِعٍ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ مَتَى عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ نَهْرٌ. قَالَ ح: أَقُولُ عَلَى فَرْضِ تَصَوُّرِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ لِأَنَّ الرُّكُوعَ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ وَلَا يَسْقُطُ الْمَقْصُودُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوَسِيلَةِ، كَمَا لَمْ يَسْقُطْ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْقِيَامِ. (قَوْلُهُ لَا الْقِيَامُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 بِالْهَمْزِ (قَاعِدًا) وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِيمَاءِ قَائِمًا لِقُرْبِهِ مِنْ الْأَرْضِ (وَيَجْعَلُ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ) لُزُومًا (وَلَا يَرْفَعُ إلَى وَجْهِهِ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ) فَإِنَّهُ يُكْرَهُ تَحْرِيمًا (فَإِنْ فُعِلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ (وَهُوَ يَخْفِضُ بِرَأْسِهِ لِسُجُودِهِ أَكْثَرَ مِنْ رُكُوعِهِ صَحَّ) عَلَى أَنَّهُ إيمَاءٌ لَا سُجُودٌ إلَّا أَنْ يَجِدَ قُوَّةَ الْأَرْضِ   [رد المحتار] مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ الْمُتَّصِلِ فِي قَوْلِهِ تَعَذَّرَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِكَوْنِهِ فِي عِبَارَةِ الْمَتْنِ بِلَا فَاصِلٍ وَلَا تَوْكِيدٍ. (قَوْلُهُ أَوْمَأَ) حَقِيقَةُ الْإِيمَاءِ طَأْطَأَةُ الرَّأْسِ، وَرُوِيَ مُجَرَّدُ تَحْرِيكِهَا، وَتَمَامُهُ فِي الْإِمْدَادِ عَنْ الْبَحْرِ وَالْمَقْدِسِيِّ. (قَوْلُهُ أَوْمَأَ قَاعِدًا) لِأَنَّ رُكْنِيَّةَ الْقِيَامِ لِلتَّوَصُّلِ إلَى السُّجُودِ فَلَا يَجِبُ دُونَهُ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ صَلَّى قَاعِدًا، إذْ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ لِلْقِرَاءَةِ، فَإِذَا جَاءَ أَوَانُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْمَأَ قَاعِدًا كَذَا فِي النَّهْرِ. أَقُولُ: التَّعْبِيرُ بِصَلَّى قَاعِدًا هُوَ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْقُدُورِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ افْتِرَاضِ الْقِيَامِ فَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ فِيمَا عِنْدِي مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ بَلْ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى التَّعْلِيلِ بِأَنَّ الْقِيَامَ سَقَطَ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى السُّجُودِ، بَلْ صَرَّحَ فِي الْحِلْيَةِ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي سَقَطَ فِيهَا وُجُوبُ الْقِيَامِ مَعَ انْتِفَاءِ الْعَجْزِ الْحَقِيقِيِّ وَالْحُكْمِيِّ. اهـ. وَيَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ أَنَّهُ لَوْ عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ فَقَطْ أَنْ يَرْكَعَ قَائِمًا وَهُوَ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ كَمَا عَلِمْته آنِفًا، نَعَمْ ذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الزَّاهِدِيِّ أَنَّهُ يُومِئُ لِلرُّكُوعِ قَائِمًا وَلِلسُّجُودِ جَالِسًا، وَلَوْ عَكَسَ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ وَجَزَمَ بِهِ الْوَلْوَالِجِيُّ، لَكِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي النَّهْرِ وَقَالَ إلَّا أَنَّ الْمَذْهَبَ الْإِطْلَاقُ اهـ أَيْ يُومِئُ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فِيهِمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا سَهْوٌ فَتَنَبَّهْ لَهُ. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَفْضَلُ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: لَوْ قِيلَ إنَّ الْإِيمَاءَ أَفْضَلُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ لَكَانَ مُوَجَّهًا وَلَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِقُرْبِهِ مِنْ الْأَرْضِ) أَيْ فَيَكُونُ أَشْبَهَ بِالسُّجُودِ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ وَيَجْعَلُ سُجُودَهُ أَخْفَضَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَكْفِيهِ أَدْنَى الِانْحِنَاءِ عَنْ الرُّكُوعِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَقْرِيبُ جَبْهَتِهِ مِنْ الْأَرْضِ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُهُ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الزَّاهِدِيِّ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ تَحْرِيمًا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاسْتَدَلَّ لِلْكَرَاهَةِ فِي الْمُحِيطِ بِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْهُ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ اهـ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ. أَقُولُ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَحْمِلُ إلَى وَجْهِهِ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَوْضُوعًا عَلَى الْأَرْضِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ نَقَلَ عَنْ الْأَصْلِ الْكَرَاهَةَ فِي الْأَوَّلِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ كَانَتْ الْوِسَادَةُ مَوْضُوعَةً عَلَى الْأَرْضِ وَكَانَ يَسْجُدُ عَلَيْهَا جَازَتْ صَلَاتُهُ، فَقَدْ صَحَّ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ كَانَتْ تَسْجُدُ عَلَى مِرْفَقَةٍ مَوْضُوعَةٍ بَيْنَ يَدَيْهَا لِعِلَّةٍ كَانَتْ بِهَا وَلَمْ يَمْنَعْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ اهـ فَإِنَّ مُفَادَ هَذِهِ الْمُقَابَلَةِ وَالِاسْتِدْلَالِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِي الْمَوْضُوعِ عَلَى الْأَرْضِ الْمُرْتَفِعِ ثُمَّ رَأَيْت الْقُهُسْتَانِيَّ صَرَّحَ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ) هَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ وَإِلَّا لَقَالَ وَلَا يُرْفَعُ إلَى وَجْهِهِ شَيْءٌ. اهـ. ح وَلَعَلَّ وَجْهَ مَا قَالَ الْإِشَارَةُ إلَى كَرَاهَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِفِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ غَيْرِهِ لَهُ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَجِدَ قُوَّةَ الْأَرْضِ) هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَا يَرْفَعُ إلَخْ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ مَوْضُوعًا عَلَى الْأَرْضِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ بَلْ الْمُتَبَادَرُ كَوْنُ الْمَرْفُوعِ مَحْمُولًا بِيَدِهِ أَوْ يَدِ غَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ فَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ لِاخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِالْمَوْضُوعِ عَلَى الْأَرْضِ وَلِذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَوْضُوعُ يَصِحُّ السُّجُودُ عَلَيْهِ كَانَ سُجُودًا وَإِلَّا فَإِيمَاءٌ اهـ وَجَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ وَعِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ خَفْضَ الرَّأْسِ بِالرُّكُوعِ لَيْسَ إلَّا إيمَاءً وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ السُّجُودُ بِدُونِ الرُّكُوعِ وَلَوْ كَانَ الْمَوْضُوعُ مِمَّا يَصِحُّ السُّجُودُ عَلَيْهِ. اهـ. أَقُولُ: الْحَقُّ التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ رُكُوعُهُ بِمُجَرَّدِ إيمَاءِ الرَّأْسِ مِنْ غَيْرِ انْحِنَاءٍ وَمَيْلِ الظَّهْرِ فَهَذَا إيمَاءٌ لَا رُكُوعٌ فَلَا يُعْتَبَرُ السُّجُودُ بَعْدَ الْإِيمَاءِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ مَعَ الِانْحِنَاءِ كَانَ رُكُوعًا مُعْتَبَرًا حَتَّى إنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْمُتَطَوِّعِ الْقَادِرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 (وَإِلَّا) يَخْفِضُ (لَا) يَصِحُّ لِعَدَمِ الْإِيمَاءِ (وَإِنْ تَعَذَّرَ الْقُعُودُ) وَلَوْ حُكْمًا (أَوْمَأَ مُسْتَلْقِيًا) عَلَى ظَهْرِهِ (وَرِجْلَاهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) غَيْرَ أَنَّهُ يَنْصِبُ رُكْبَتَيْهِ لِكَرَاهَةِ مَدِّ الرِّجْلِ إلَى الْقِبْلَةِ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ يَسِيرًا لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَيْهَا (أَوْ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ) أَوْ الْأَيْسَرِ وَوَجْهُهُ إلَيْهَا (وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ) عَلَى الْمُعْتَمَدِ (وَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِيمَاءُ) بِرَأْسِهِ (وَكَثُرَتْ الْفَوَائِتُ) بِأَنْ زَادَتْ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ (سَقَطَ الْقَضَاءُ عَنْهُ) وَإِنْ كَانَ يُفْهَمُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْلِ   [رد المحتار] عَلَى الْقِيَامِ. فَحِينَئِذٍ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمَوْضُوعُ مِمَّا يَصِحُّ السُّجُودُ عَلَيْهِ كَحَجَرٍ مَثَلًا وَلَمْ يَزِدْ ارْتِفَاعُهُ عَلَى قَدْرِ لَبِنَةٍ أَوْ لَبِنْتَيْنِ فَهُوَ سُجُودٌ حَقِيقِيٌّ فَيَكُونُ رَاكِعًا سَاجِدًا لَا مُومِئًا حَتَّى إنَّهُ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِ بِهِ وَإِذَا قَدَرَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى الْقِيَامِ يُتِمُّهَا قَائِمًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْضُوعُ كَذَلِكَ يَكُونُ مُومِئًا فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِ بِهِ، وَإِذَا قَدَرَ فِيهَا عَلَى الْقِيَامِ اسْتَأْنَفَهَا بَلْ يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى وَضْعِ شَيْءٍ عَلَى الْأَرْضِ مِمَّا يَصِحُّ السُّجُودُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَقِيقَةً، وَلَا يَصِحُّ الْإِيمَاءُ بِهِمَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمَا بَلْ شَرْطُهُ تَعَذُّرُهُمَا كَمَا هُوَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا يَخْفِضُ) أَيْ لَمْ يَخْفِضْ رَأْسَهُ أَصْلًا بَلْ صَارَ يَأْخُذُ مَا يَرْفَعُهُ وَيَلْصَقُهُ بِجَبْهَتِهِ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ خَفَضَ رَأْسَهُ لَهُمَا لَكِنْ جَعَلَ خَفْضَ السُّجُودِ مُسَاوِيًا لِخَفْضِ الرُّكُوعِ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ الْإِيمَاءِ لَهُمَا أَوْ لِلسُّجُودِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ الْقُعُودُ) أَيْ قُعُودُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ مُسْتَنِدًا إلَى شَيْءٍ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ وَلَوْ حُكْمًا) كَمَا لَوْ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ وَلَكِنْ بَزَغَ الطَّبِيبُ الْمَاءَ مِنْ عَيْنَيْهِ وَأَمَرَهُ بِالِاسْتِلْقَاءِ أَيَّامًا أَجْزَأَهُ، أَنْ يَسْتَلْقِيَ وَيُومِئَ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْأَعْضَاءِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ وَسَيَأْتِي. (قَوْلُهُ وَرِجْلَاهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ مُتَوَجِّهًا نَحْوَ الْقِبْلَةِ وَرَأْسُهُ إلَى الْمَشْرِقِ وَرِجْلَاهُ إلَى الْمَغْرِبِ. اهـ. أَقُولُ: هَذَا يُتَصَوَّرُ فِي بِلَادِهِمْ الْمَشْرِقِيَّةِ كَبُخَارَى وَمَا وَالَاهَا فَإِنَّ قِبْلَتَهُمْ لِجِهَةِ الْمَغْرِبِ عَكْسُ الْبِلَادِ الْمَغْرِبِيَّةِ، أَمَّا فِي بِلَادِنَا الشَّامِيَّةِ وَنَحْوِهَا إذَا اسْتَلْقَى مُتَوَجِّهًا لِلْقِبْلَةِ يَكُونُ الْمَغْرِبُ عَنْ يَمِينِهِ، وَالْمَشْرِقُ عَنْ يَسَارِهِ وَبِهِ انْدَفَعَ اعْتِرَاضُ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ لِكَرَاهَةِ إلَخْ) هِيَ كَرَاهَةٌ تَنْزِيهِيَّةٌ ط. (قَوْلُهُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ يَسِيرًا) أَيْ يَجْعَلُ وِسَادَةً تَحْتَ رَأْسِهِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاسْتِلْقَاءِ تَمْنَعُ الْأَصِحَّاءَ عَنْ الْإِيمَاءِ فَكَيْفَ بِالْمَرْضَى بَحْرٌ (قَوْلُهُ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ) وَالْأَيْمَنُ أَفْضَلُ وَبِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ إمْدَادٌ. (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ) لِأَنَّ الْمُسْتَلْقِيَ يَقَعُ إيمَاؤُهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَالْمُضْطَجِعَ يَقَعُ مُنْحَرِفًا عَنْهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ) مُقَابِلُهُ مَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاضْطِجَاعُ عَلَى الْجَنْبِ لِلْقَادِرِ عَلَى الِاسْتِلْقَاءِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ شَاذٌّ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَذَا الْأَظْهَرُ خَفِيٌّ وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ اهـ وَكَذَا مَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ مِنْ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَرَجَّحَهُ فِي الْحِلْيَةِ لِمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ قُوَّةِ دَلِيلِهِ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِأَنَّ الِاسْتِلْقَاءَ هُوَ مَا فِي مَشَاهِيرِ الْكُتُبِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَاتِ. (قَوْلُهُ بِأَنْ زَادَتْ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) أَمَّا لَوْ كَانَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ أَقَلَّ وَهُوَ يَعْقِلُ، فَلَا تَسْقُطُ بَلْ تُقْضَى اتِّفَاقًا وَهَذَا إذَا صَحَّ، فَلَوْ مَاتَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّلَاةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ حَتَّى لَا يَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِهَا كَالْمُسَافِرِ إذَا أَفْطَرَ وَمَاتَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مَحْمَلُهُ مَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ فِي مَرَضِهِ عَلَى الْإِيمَاءِ بِالرَّأْسِ، أَمَّا إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ عَجْزِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ كَانَ مُوَسَّعًا لِتَظْهَرَ فَائِدَتُهُ فِي الْإِيصَاءِ بِالْإِطْعَامِ عَنْهُ. اهـ. قُلْت: وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَمَنْ تَأَمَّلَ تَعْلِيلَ الْأَصْحَابِ فِي الْأُصُولِ انْقَدَحَ فِي ذِهْنِهِ إيجَابُ الْقَضَاءِ عَلَى هَذَا الْمَرِيضِ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَتَّى يَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِهِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِطَرِيقٍ وَسُقُوطُهُ إنْ زَادَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ الْقَضَاءُ بَلْ تُؤَخَّرُ عَنْهُ إذَا كَانَ يَعْقِلُ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ لَكِنْ خَالَفَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 لَا يَكْفِي لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ. وَأَفَادَ بِسُقُوطِ الْأَرْكَانِ سُقُوطَ الشَّرَائِطِ عِنْدَ الْعَجْزِ بِالْأَوْلَى وَلَا يُعِيدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَدَائِعُ. (وَلَوْ اشْتَبَهَ عَلَى مَرِيضٍ أَعْدَادُ الرَّكَعَاتِ وَالسَّجَدَاتِ لِنُعَاسٍ يَلْحَقُهُ لَا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ) وَلَوْ أَدَّاهَا بِتَلْقِينِ غَيْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجْزِيَهُ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ (وَلَمْ يُومِئْ بِعَيْنِهِ وَقَلْبِهِ وَحَاجِبِهِ) خِلَافًا لِزُفَرَ (وَلَوْ عَرَضَ لَهُ مَرَضٌ فِي صَلَاتِهِ يُتِمُّ بِمَا قَدَرَ) عَلَى الْمُعْتَمَدِ (وَلَوْ صَلَّى قَاعِدًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ فَصَحَّ بَنَى، وَلَوْ كَانَ) يُصَلِّي (بِالْإِيمَاءِ) فَصَحَّ لَا يَبْنِي إلَّا إذَا صَحَّ قَبْلَ أَنْ يُومِئَ   [رد المحتار] نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ التَّجْنِيسِ، فَصَحَّحَ الْأَوَّلَ كَعَامَّةِ أَهْلِ التَّرْجِيحِ كَقَاضِي خَانْ وَصَاحِبِ الْمُحِيطِ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ، وَمَالَ إلَيْهِ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي عِبَارَتِهِ الَّتِي نَقَلْنَاهَا آنِفًا، وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَلِمَا فِي الْإِمْدَادِ مِنْ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْعَمَلُ بِمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. [تَنْبِيهٌ] جَعَلَ فِي السِّرَاجِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إنْ زَادَ الْمَرَضُ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ فَلَا قَضَاءَ إجْمَاعًا وَإِلَّا وَهُوَ يَعْقِلُ قَضَى إذَا صَحَّ إجْمَاعًا، وَإِنْ زَادَ وَهُوَ يَعْقِلُ أَوْ لَا وَهُوَ لَا يَعْقِلُ فَعَلَى الْخِلَافِ. [تَتِمَّةٌ] فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: وَلَا فِدْيَةَ فِي الصَّلَوَاتِ حَالَةَ الْحَيَاةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ اهـ وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ قُبَيْلَ هَذَا الْبَابِ وَأَوْضَحْنَاهُ ثَمَّةَ. (قَوْلُهُ لَا يَكْفِي إلَخْ) بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ الْقُدْرَةِ. (قَوْلُهُ وَأَفَادَ إلَخْ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ وَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِيمَاءُ إلَخْ لِأَنَّ فِيهِ سَقَطَتْ الصَّلَاةُ وَفِيمَا قَبْلَهُ سَقَطَتْ الْأَرْكَانُ. (قَوْلُهُ سُقُوطَ الشَّرَائِطِ) أَيْ كَالِاسْتِقْبَالِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالطَّهَارَةِ مِنْ الْخُبْثِ بِخِلَافِ الْوَقْتِ وَكَذَا الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَثِ لِأَنَّ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ يُؤَخِّرُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيَتَشَبَّهُ عِنْدَهُمَا وَالْمُتَشَبِّهُ غَيْرُ مُصَلٍّ أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي مَقْطُوعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ تَصْحِيحُ أَنَّهُ يُصَلِّي بِلَا طَهَارَةٍ (قَوْلُهُ بِالْأَوْلَى) لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ تَحْصِيلِ الشَّرَائِطِ لَيْسَ فَوْقَ الْعَجْزِ عَنْ تَحْصِيلِ الْأَرْكَانِ، فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ الْمَرِيضُ عَلَى التَّحَوُّلِ إلَى الْقِبْلَةِ بِنَفْسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ صَلَّى كَذَلِكَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبُرْءِ فِي ظَاهِرِ الْجَوَابِ كَمَا لَوْ عَجَزَ عَنْ الْأَرْكَانِ بَدَائِعُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ مَا لَوْ كَانَ تَحْتَهُ ثِيَابٌ نَجِسَةٌ. (قَوْلُهُ وَلَا يُعِيدُ) أَيْ فِي سُقُوطِ الشَّرَائِطِ أَوْ الْأَرْكَانِ لِعُذْرٍ سَمَاوِيٍّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعَبْدِ عَلَى مَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ فِي الطَّهَارَةِ، وَشَمِلَ مَا لَوْ عَجَزَ عَنْ الْقِرَاءَةِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: وَلَوْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَصَلَّى صَلَاةَ الْأَخْرَسِ ثُمَّ انْطَلَقَ لِسَانُهُ لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً لِأَنَّهُ مَحَلُّ تَوَهُّمِ لُزُومِ الْإِعَادَةِ إذْ الزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ لَا تَلْزَمُ إعَادَتُهُ لِدُخُولِهِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَبَهَ عَلَى مَرِيضٍ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ وَصَلَ إلَى حَالٍ لَا يُمْكِنُهُ ضَبْطُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مُجَرَّدَ الشَّكِّ وَالِاشْتِبَاهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ لِلصَّحِيحِ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجْزِيَهُ) قَدْ يُقَالُ إنَّهُ تَعْلِيمٌ وَتَعَلُّمٌ وَهُوَ مُفْسِدٌ كَمَا إذَا قَرَأَ مِنْ الْمُصْحَفِ أَوْ عَلَّمَهُ إنْسَانٌ الْقِرَاءَةَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ ط. قُلْت: وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَيْسَ بِتَعْلِيمٍ وَتَعَلُّمٍ بَلْ هُوَ تَذْكِيرٌ أَوْ إعْلَامٌ فَهُوَ كَإِعْلَامِ الْمُبَلِّغِ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ) الْإِشَارَةُ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يُومِئْ إلَخْ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ قَبْلَ مَسْأَلَةِ الْقُنْيَةِ لِارْتِبَاطِهِ بِمَا قَبْلَهَا فَفَصْلُهُ مَا وَقَعَ فِي الْمُتُونِ بِعِبَارَةِ الْقُنْيَةِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ) فَعِنْدَهُ يُومِئُ بِحَاجِبِهِ، فَإِنْ عَجَزَ فَبِعَيْنِهِ، فَإِنْ عَجَزَ فَبِقَلْبِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ يُتِمُّ بِمَا قَدَرَ) أَيْ وَلَوْ قَاعِدًا مُوطِئًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا. (قَوْلُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ) وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَلَا تَجُوزُ بِالْإِيمَاءِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ بِنَاءَ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ أَوْلَى مِنْ الْإِتْيَانِ بِالْكُلِّ ضَعِيفًا. (قَوْلُهُ بَنَى) أَيْ عَلَى مَا صَلَّى فَيُتِمُّ صَلَاتَهُ قَائِمًا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَسْتَقْبِلُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ عِنْدَهُ وَقَدْ مَرَّ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ) أَيْ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا أَوْ مُضْطَجِعًا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الْإِطْلَاقِ ح (قَوْلُهُ فَصَحَّ) أَيْ قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا ح. (قَوْلُهُ لَا يَبْنِي) لِأَنَّ اقْتِدَاءَ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ بِالْمُومِئِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا الْبِنَاءُ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا صَحَّ قَبْلَ أَنْ يُومِئَ إلَخْ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (كَمَا لَوْ كَانَ يُومِئُ مُضْطَجِعًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ (عَلَى الْمُخْتَارِ) لِأَنَّ حَالَةَ الْقُعُودِ أَقْوَى فَلَمْ يَجُزْ بِنَاؤُهُ عَلَى الضَّعِيفِ (وَلِلْمُتَطَوِّعِ الِاتِّكَاءُ عَلَى شَيْءٍ) كَعَصًا وَجِدَارٍ (مَعَ الْإِعْيَاءِ) أَيْ التَّعَبِ بِلَا كَرَاهَةٍ وَبِدُونِهِ يُكْرَهُ (وَ) لَهُ (الْقُعُودُ) بِلَا كَرَاهَةٍ مُطْلَقًا هُوَ الْأَصَحُّ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ وَغَيْرُهُ. (صَلَّى الْفَرْضَ فِي فُلْكٍ) جَارٍ (قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ صَحَّ) لِغَلَبَةِ الْعَجْزِ (وَأَسَاءَ) وَقَالَا: لَا يَصِحُّ إلَّا بِعُذْرٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ بُرْهَانٌ (وَالْمَرْبُوطَةُ فِي الشَّطِّ كَالشَّطِّ) فِي الْأَصَحِّ (وَالْمَرْبُوطَةُ بِلُجَّةِ الْبَحْرِ إنْ كَانَ الرِّيحُ يُحَرِّكُهَا شَدِيدًا فَكَالسَّائِرَةِ وَإِلَّا فَكَالْوَاقِفَةِ)   [رد المحتار] لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا بِالْبِنَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ تَحْرِيمَةٍ فَلَا يَكُونُ بِنَاءَ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ بَحْرٌ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا افْتَتَحَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا بِقَصْدِ الْإِيمَاءِ ثُمَّ قَدَرَ قَبْلَ الْإِيمَاءِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا، أَمَّا إذَا افْتَتَحَ مُسْتَلْقِيًا أَوْ مُضْطَجِعًا ثُمَّ قَدَرَ قَبْلَ الْإِيمَاءِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ لِأَنَّ حَالَةَ الْقُعُودِ أَقْوَى ح. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) وَكَذَا لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِمَا بِالْأَوْلَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلِلْمُتَطَوِّعِ إلَخْ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ التَّطَوُّعَ قَدْ يَكْثُرُ كَالتَّهَجُّدِ فَيُؤَدِّي إلَى التَّعَبِ فَلَمْ يُكْرَهْ لَهُ الِاتِّكَاءُ بِخِلَافِ الْفَرْضِ فَإِنَّ زَمَنَهُ يَسِيرٌ وَإِلَّا فَالْمُفْتَرِضُ إنْ عَجَزَ فَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُ وَإِنْ تَعِبَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَهُ الِاتِّكَاءُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَبِدُونِهِ يُكْرَهُ) أَيْ اتِّفَاقًا لِمَا فِيهِ مِنْ إسَاءَةِ الْأَدَبِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ خَاصٌّ فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةً تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَهُ الْقُعُودُ) أَيْ بَعْدَ الِافْتِتَاحِ قَائِمًا (قَوْلُهُ بِلَا كَرَاهَةٍ مُطْلَقًا) أَيْ بِعُذْرٍ وَدُونَهُ؛ أَمَّا مَعَ الْعُذْرِ فَاتِّفَاقًا وَأَمَّا بِدُونِهِ فَيُكْرَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ عَلَى اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَلَا يُكْرَهُ عَلَى اخْتِيَارِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي الِابْتِدَاءِ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فَكَذَا فِي الِانْتِهَاءِ وَأَمَّا الِاتِّكَاءُ فَإِنَّهُ لَمْ يُخَيَّرْ فِيهِ ابْتِدَاءً بِلَا عُذْرٍ بَلْ يُكْرَهُ فَكَذَا الِانْتِهَاءُ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَجُوزُ إتْمَامُهَا قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ بَعْدَ الِافْتِتَاحِ قَائِمًا وَهَذَا إنْ قَعَدَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ، أَمَّا فِي الشَّفْعِ الثَّانِي فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا فِي غَيْرِ سُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. مَطْلَبٌ فِي الصَّلَاةِ فِي السَّفِينَةِ. (قَوْلُهُ جَارٍ) أَيْ سَائِرٍ احْتِرَازًا عَنْ الْمَرْبُوطِ. (قَوْلُهُ قَاعِدًا) أَيْ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ لَا مَوْطِئًا اتِّفَاقًا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ لِغَلَبَةِ الْعَجْزِ) أَيْ لِأَنَّ دَوَرَانَ الرَّأْسِ فِيهَا غَالِبٌ، وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ فَأُقِيمَ مَقَامَهُ كَالسَّفَرِ أُقِيمَ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ وَالنَّوْمِ مَقَامَ الْحَدَثِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ وَلِذَا ذَكَرُوا مَسْأَلَةَ الصَّلَاةِ فِي السَّفِينَةِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ. (قَوْلُهُ وَأَسَاءَ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ وَالْخُرُوجُ أَفْضَلُ إنْ أَمْكَنَهُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ لِقَلْبِهِ بَحْرٌ وَشَرْحُ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ) وَفِي الْحِلْيَةِ بَعْدَ سَوْقِ الْأَدِلَّةِ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُمَا أَشْبَهُ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَبِهِ نَأْخُذُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَرْبُوطَةُ فِي الشَّطِّ كَالشَّطِّ) فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا قَاعِدًا اتِّفَاقًا. وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا الْجَوَازُ قَائِمًا مُطْلَقًا أَيْ اسْتَقَرَّتْ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ لَا، وَصَرَّحَ فِي الْإِيضَاحِ بِمَنْعِهِ فِي الثَّانِي حَيْثُ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ إلْحَاقًا لَهَا بِالدَّابَّةِ نَهْرٌ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ بَحْرٌ، وَعَزَاهُ فِي الْإِمْدَادِ أَيْضًا إلَى مَجْمَعِ الرِّوَايَاتِ عَنْ الْمُصَفَّى وَجَزَمَ بِهِ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ الصَّلَاةُ فِيهَا سَائِرَةً مَعَ إمْكَانِ الْخُرُوجِ إلَى الْبَرِّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ النَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْبَعْضِ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّائِرَةِ كَمَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَكَالْوَاقِفَةِ) أَيْ إنْ لَمْ تُحَرِّكْهَا الرِّيحُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 وَيَلْزَمُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ وَكُلَّمَا دَارَتْ، وَلَوْ أَمَّ قَوْمًا فِي فَلَكَيْنِ مَرْبُوطَتَيْنِ صَحَّ وَإِلَّا لَا (وَمَنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ) وَلَوْ بِفَزَعٍ مِنْ سَبُعٍ أَوْ آدَمِيٍّ (يَوْمًا وَلَيْلَةً قَضَى الْخَمْسَ وَإِنْ زَادَ وَقْتُ صَلَاةٍ) سَادِسَةٍ (لَا) لِلْحَرَجِ. وَلَوْ أَفَاقَ فِي الْمُدَّةِ، فَإِنَّ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ قَضَى وَإِلَّا لَا (زَالَ عَقْلُهُ بِبَنْجٍ أَوْ خَمْرٍ) أَوْ دَوَاءٍ (لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ طَالَتْ) لِأَنَّهُ بِصُنْعِ الْعِبَادِ كَالنَّوْمِ. (وَلَوْ قُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ مِنْ الْمَرْفِقِ وَالْكَعْبِ وَبِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، وَلَا تَيَمُّمٍ وَلَا يُعِيدُ وَهُوَ الْأَصَحُّ) وَقَدْ مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ، وَقِيلَ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ   [رد المحتار] شَدِيدًا بَلْ يَسِيرًا فَحُكْمُهَا كَالْوَاقِفَةِ فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ. (قَوْلُهُ وَيَلْزَمُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ إلَخْ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا بَحْرٌ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ يُمْسِكُ عَنْ الصَّلَاةِ إمْدَادٌ عَنْ مَجْمَعِ الرِّوَايَاتِ وَلَعَلَّهُ يُمْسِكُ مَا لَمْ يَخَفْ خُرُوجَ الْوَقْتِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ قِبْلَةَ الْعَاجِزِ جِهَةُ قُدْرَتِهِ، وَهَذَا كَذَلِكَ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ لِأَنَّهُ فِي حَقِّهِ كَالْبَيْتِ حَتَّى لَا يَتَطَوَّعَ فِيهَا مُومِئًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِخِلَافِ رَاكِبِ الدَّابَّةِ كَذَا فِي الْكَافِي شَرْحُ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ مَرْبُوطَتَيْنِ) أَيْ مَقْرُونَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا بِالِاقْتِرَانِ صَارَتَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَتَا مُنْفَصِلَتَيْنِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ تَخَلُّلَ مَا بَيْنَهُمَا بِمَنْزِلَةِ النَّهْرِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي سَفِينَةٍ وَاقِفَةٍ وَالْمُقْتَدُونَ عَلَى الشَّطِّ، فَإِنْ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَوْ قَدْرُ نَهْرٍ عَظِيمٍ لَمْ يَصِحَّ بَحْرٌ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ وَالْعَجَلَةِ فِي بَابِ النَّوَافِلِ (قَوْلُهُ وَمَنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ) الْجُنُونُ آفَةٌ تَسْلُبُ الْعَقْلَ وَالْإِغْمَاءُ آفَةٌ تَسْتُرُهُ ط. (قَوْلُهُ وَقْتَ صَلَاةِ) مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ زَادَ أَوْ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ لِزَادَ وَفَاعِلُ زَادَ ضَمِيرُ الْجُنُونِ ح عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ. وَاعْتُبِرَ الزِّيَادَةُ بِالْأَوْقَاتِ عَلَى قَوْلِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعِنْدَ الثَّانِي بِالسَّاعَاتِ وَكُلٌّ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ، فَإِذَا أَصَابَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الزَّوَالِ ثُمَّ أَفَاقَ مِنْ الْغَدِ بَعْدَهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ سَقَطَ الْقَضَاءُ عِنْدَ الثَّانِي لَا الثَّالِثِ بَحْرٌ، وَالْمُرَادُ بِالسَّاعَاتِ الْأَزْمِنَةُ لَا مَا تَعَارَفَهُ أَهْلُ النُّجُومِ دُرَرٌ أَيْ مِنْ كَوْنِ السَّاعَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ دَرَجَةً فَالْمُرَادُ عِنْدَ الثَّانِي الزِّيَادَةُ بِشَيْءٍ مِنْ الزَّمَانِ وَإِنْ قَلَّ كَمَا فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ وَالْبُرْجُنْدِيِّ إسْمَاعِيلَ. (قَوْلُهُ فَإِنَّ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ) مِثْلُ أَنْ يَخِفَّ عَنْهُ الْمَرَضُ عِنْدَ الصُّبْحِ مَثَلًا فَيُفِيقَ قَلِيلًا، ثُمَّ يُعَاوِدَهُ فَيُغْمَى عَلَيْهِ تُعْتَبَرُ هَذِهِ الْإِفَاقَةُ فَيَبْطُلُ مَا قَبْلَهَا مِنْ حُكْمِ الْإِغْمَاءِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ لَكِنَّهُ يُفِيقُ بَغْتَةً فَيَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ الْأَصِحَّاءِ ثُمَّ يُغْمَى عَلَيْهِ فَلَا عِبْرَةَ بِهَذِهِ الْإِفَاقَةِ ح عَنْ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بِصُنْعِ الْعِبَادِ) أَيْ وَسُقُوطُ الْقَضَاءِ عُرِفَ بِالْأَثَرِ إذَا حَصَلَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا حَصَلَ بِفِعْلِهِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَسْقُطُ الْقَضَاءُ بِالْبَنْجِ وَالدَّوَاءِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ فَصَارَ كَالْمَرِيضِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَطْفَ الدَّوَاءِ عَلَى الْبَنْجِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَأَنَّ الْمُرَادَ شُرْبُ الْبَنْجِ لِأَجْلِ الدَّوَاءِ، أَمَّا لَوْ شَرِبَهُ لِلسُّكْرِ فَيَكُونُ مَعْصِيَةً بِصُنْعِهِ كَالْخَمْرِ، وَأَنَّهُ لَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ كَإِكْرَاهٍ يَكُونُ كَالْبَنْجِ فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ. وَلَا يَرُدُّ عَلَى التَّعْلِيلِ سُقُوطُ الْقَضَاءِ بِالْفَزَعِ مِنْ سَبُعٍ أَوْ آدَمِيٍّ كَمَا مَرَّ لِقَوْلِهِمْ إنَّ سَبَبَهُ ضَعْفُ قَلْبِهِ وَهُوَ مَرَضٌ أَيْ فَهُوَ سَمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ كَالنَّوْمِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُسْقِطُ الْقَضَاءَ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَمْتَدُّ يَوْمًا وَلَيْلَةً غَالِبًا فَلَا حَرَجَ فِي الْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَمْتَدُّ عَادَةً بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَبِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ) لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكَافِي وَالْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ فَكَانَ غَيْرَ قَيْدٍ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ وَلَا تَيَمُّمٍ) عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ) اخْتَارَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ فِي مَتْنِهِ وَشَرْحِهِ فَقَالَ قُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ مِنْ الْمَرْفِقِ وَالْكَعْبِ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْكَافِي، وَقِيلَ إنْ وَجَدَ مَنْ يُوَضِّئُهُ يَأْمُرْهُ لِيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَمَوْضِعَ الْقَطْعِ وَيَمْسَحَ رَأْسَهُ وَإِلَّا وَضَعَ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ فِي الْمَاءِ أَوْ يَمْسَحُ وَجْهَهُ وَمَوْضِعَ الْقَطْعِ عَلَى جِدَارٍ فَيُصَلِّي كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة اهـ وَقَوْلُهُ: أَوْ يَمْسَحُ وَجْهَهُ إلَخْ أَيْ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْغَسْلِ بِالْمَاءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا جِرَاحَةَ فِيهِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ لَيْسَ بِقَيْدٍ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ الطَّهَارَةِ وَلِذَا اسْتَشْهَدَ قَاضِي خَانْ عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ سُقُوطِ الصَّلَاةِ عَنْ الْمَرِيضِ الْعَاجِزِ عَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 وَقِيلَ يَلْزَمُهُ غَسْلُ مَوْضِعِ الْقَطْعِ. [فُرُوعٌ] أَمْكَنَ الْغَرِيقَ الصَّلَاةُ بِالْإِيمَاءِ بِلَا عَمَلٍ كَثِيرٍ لَزِمَهُ الْأَدَاءُ وَإِلَّا لَا. أَمَرَهُ الطَّبِيبُ بِالِاسْتِلْقَاءِ لِبَزْغِ الْمَاءِ مِنْ عَيْنِهِ صَلَّى بِالْإِيمَاءِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْأَعْضَاءِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ. مَرِيضٌ تَحْتَهُ ثِيَابٌ نَجِسَةٌ، وَكُلَّمَا بَسَطَ شَيْئًا تَنَجَّسَ مِنْ سَاعَتِهِ صَلَّى عَلَى حَالِهِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَتَنَجَّسْ إلَّا أَنَّهُ يَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ بِتَحْرِيكِهِ. بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ (يَجِبُ) بِسَبَبِ (تِلَاوَةِ آيَةٍ) أَيْ أَكْثَرِهَا مَعَ حَرْفِ السَّجْدَةِ (مِنْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةً)   [رد المحتار] الْإِيمَاءِ بِالرَّأْسِ وَأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْلِ لَا يَكْفِي لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ بِمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ وَرِجْلَاهُ مِنْ السَّاقَيْنِ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إلَخْ) هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي الْمَحْكِيُّ فِي عِبَارَةِ الدُّرَرِ (قَوْلُهُ بِلَا عَمَلٍ كَثِيرٍ) بِأَنْ وَجَدَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَوْ كَانَ مَاهِرًا فِي السِّبَاحَةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ لَا يَلْزَمُ الْأَدَاءُ وَيُعْذَرُ بِالتَّأْخِيرِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَمَرَهُ الطَّبِيبُ) أَيْ الْمُسْلِمُ الْحَاذِقُ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الصَّوْمِ. (قَوْلُهُ لِبَزْغِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ. فِي الْقَامُوسِ بَزَغَ الْحَاجِمُ: شَرَطَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالنُّونِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ح (قَوْلُهُ مِنْ سَاعَتِهِ) الْمُرَادُ بِهَا أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى يَخْرُجُ مِنْ النَّجَاسَةِ الْقَدْرُ الْمَانِعُ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ تَحْرِيرُهُ قُبَيْلَ بَابِ الْأَنْجَاسِ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَلْحَقَهُ مَشَقَّةٌ بِتَحْرِيكِهِ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ إلَّا أَنَّهُ يَزْدَادُ مَرَضُهُ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بَلْ الْمُرَادُ حُصُولُ الضَّرَرِ وَالْمَشَقَّةِ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الْقِيَامِ أَوَّلَ الْبَابِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ] ِ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ السَّابِقِ وَجْهُ تَأْخِيرِهِ عَنْ سُجُودِ السَّهْوِ. (قَوْلُهُ مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ) الْحُكْمُ هُوَ وُجُوبُ السُّجُودِ لَا السُّجُودُ، فَلَوْ قَالَ مِنْ إضَافَةِ الْفِعْلِ إلَى سَبَبِهِ لَكَانَ أَوْلَى أَوْ إنَّ الْحُكْمَ بِمَعْنَى الْمَحْكُومِ بِهِ ط (قَوْلُهُ يَجِبُ) أَيْ وُجُوبًا مُوَسَّعًا فِي غَيْرِ صَلَاةٍ كَمَا سَيَأْتِي وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَضَرِ الْإِيصَاءُ بِهَا وَقِيلَ يَجِبُ قُنْيَةٌ، وَالثَّانِي بِالْقَوَاعِدِ أَلْيَقُ نَهْرٌ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهَا كَصَلَاةِ فَرْضٍ أَوْ صَوْمِ يَوْمٍ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ تَأَمَّلْ رَحْمَتِيٌّ ثُمَّ رَأَيْته مُصَرَّحًا بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعَ تَصْحِيحِ عَدَمِ الْوُجُوبِ. (قَوْلُهُ بِسَبَبِ تِلَاوَةٍ) احْتَرَزَ عَمَّا لَوْ كَتَبَهَا أَوْ تَهَجَّاهَا فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ أَيْ أَكْثَرِهَا إلَخْ) هَذَا خِلَافُ الصَّحِيحِ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ. فَفِي السِّرَاجِ: وَهَلْ تَجِبُ السَّجْدَةُ بِشَرْطِ قِرَاءَةِ جَمِيعِ الْآيَةِ أَمْ بَعْضِهَا؟ فِيهِ اخْتِلَافٌ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ حَرْفَ السَّجْدَةِ وَقَبْلَهُ كَلِمَةً أَوْ بَعْدَهُ كَلِمَةً وَجَبَ السُّجُودُ وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ لَا يَجِبُ إلَّا أَنْ يَقْرَأَ أَكْثَرَ آيَةِ السَّجْدَةِ مَعَ حَرْفِ السَّجْدَةِ؛ وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ كُلَّهَا إلَّا الْحَرْفَ الَّذِي فِي آخِرِهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ اهـ لَكِنَّ قَوْلَهُ: وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَةِ الْآيَةِ بِتَمَامِهَا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُتُونِ وَيَأْتِي قَرِيبًا مَا يُؤَيِّدُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ سِيَاقُ الْكَلَامِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ إلَّا الْحَرْفَ إلَخْ الْكَلِمَةُ الَّتِي فِيهَا مَادَّةُ السُّجُودِ وَإِطْلَاقُ الْحَرْفِ عَلَى الْكَلِمَةِ شَائِعٌ فِي عُرْفِ الْقُرَّاءِ. (قَوْلُهُ مِنْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةً) بَيَانٌ لِآيَةٍ فِي قَوْلِهِ تِلَاوَةِ آيَةٍ. [تَنْبِيهٌ] : السُّجُودُ فِي سُورَةِ النَّمْلِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26] عَلَى قِرَاءَةِ الْعَامَّةِ بِتَشْدِيدِ " أَلَّا " وَعِنْدَ قَوْله تَعَالَى {أَلا يَسْجُدُوا} [النمل: 25] عَلَى قِرَاءَةِ الْكِسَائِيّ بِالتَّخْفِيفِ، وَفِي ص عِنْدَ - {وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 25]- وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 أَرْبَعٌ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَعَشْرٌ فِي الثَّانِي (مِنْهَا أُولَى الْحَجِّ) أَمَّا ثَانِيَتُهُ فَصَلَاتِيَّةٌ لِاقْتِرَانِهَا بِالرُّكُوعِ (وص) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. وَنَفَى مَالِكٌ سُجُودَ الْمُفَصَّلِ (بِشَرْطِ سَمَاعِهَا) فَالسَّبَبُ التِّلَاوَةُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ السَّمَاعُ، كَتِلَاوَةِ الْأَصَمِّ   [رد المحتار] عِنْدَ - وَأَنَابَ - لِمَا نَذْكُرُهُ، وَفِي حم السَّجْدَةِ عِنْدَ - {وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38]- وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عِنْدَ - {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37]- وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَمَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ. وَرَجَّحْنَا الْأَوَّلَ لِلِاحْتِيَاطِ عِنْدَ اخْتِلَافِ مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ عِنْدَ " تَعْبُدُونَ " فَالتَّأْخِيرُ إلَى " لَا يَسْأَمُونَ " لَا يَضُرُّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ لِأَنَّهَا تَكُونُ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ فَتُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الصَّلَاةِ لَوْ كَانَتْ صَلَاتِيَّةً وَلَا نَقْصَ فِيمَا قُلْنَاهُ أَصْلًا كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ إمْدَادٌ مُلَخَّصًا، وَقَدْ بَيَّنَ مَوْضِعَ السُّجُودِ فِي بَقِيَّةِ الْآيَاتِ فَرَاجِعْهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ تِلَاوَةُ آيَةٍ تَامَّةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ مَا يَشْمَلُ الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ إذَا كَانَتْ الثَّانِيَةُ مُتَعَلِّقَةً بِالْآيَةِ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا حَرْفُ السَّجْدَةِ، وَهَذَا يُنَافِي مَا مَرَّ عَنْ السِّرَاجِ مِنْ تَصْحِيحِ وُجُوبِ السُّجُودِ بِقِرَاءَةِ حَرْفِ السَّجْدَةِ مَعَ كَلِمَةٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ. لَا يُقَالُ مَا فِي السِّرَاجِ بَيَانٌ لِمَوْضِعِ أَصْلِ الْوُجُوبِ وَمَا مَرَّ عَنْ الْإِمْدَادِ بَيَانٌ لِمَوْضِعِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ أَوْ بَيَانٌ لِمَوْضِعِ السُّنَّةِ فِيهِ. لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ الْأَدَاءَ لَا يَجِبُ فَوْرَ الْقِرَاءَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَمَا مَرَّ فِي تَرْجِيحِ مَذْهَبِنَا مِنْ قَوْلِهِمْ لِأَنَّهَا تَكُونُ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَقَدْ ذُكِرَ مِثْلَهُ أَيْضًا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي مَوْضِعِ أَصْلِ الْوُجُوبِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ السُّجُودُ فِي سُورَةِ حم السَّجْدَةِ إلَّا عِنْدَ انْتِهَاءِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ احْتِيَاطًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ، فَلَوْ سَجَدَهَا بَعْدَ الْآيَةِ الْأُولَى لَا يَكْفِي لِأَنَّهُ يَكُونُ قَبْلَ سَبَبِهِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي السِّرَاجِ خِلَافُ الْمَذْهَبِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الشُّرَّاحُ وَالْمُتُونُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِاقْتِرَانِهَا بِالرُّكُوعِ) لِأَنَّ السَّجْدَةَ مَتَى قُرِنَتْ بِالرُّكُوعِ كَانَتْ عِبَارَةً عَنْ السَّجْدَةِ الصَّلَاتِيَّةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي} [آل عمران: 43] بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ) حَيْثُ اعْتَبَرَا كُلًّا مِنْ سَجْدَتَيْ الْحَجِّ وَلَمْ يَعْتَبِرَا سَجْدَةَ ص كَمَا فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ. (قَوْلُهُ وَنَفَى مَالِكٌ سُجُودَ الْمُفَصَّلِ) أَيْ مِنْ الْحُجُرَاتِ إلَى الْآخِرِ وَفِيهِ سُورَةُ النَّجْمِ وَالِانْشِقَاقِ وَالْعَلَقِ فَيَكُونُ السُّجُودُ عِنْدَهُ فِي إحْدَى عَشْرَةَ. (قَوْلُهُ بِشَرْطِ سَمَاعِهَا) فَلَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسِ التِّلَاوَةِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ فَالسَّبَبُ التِّلَاوَةُ إلَخْ) أَيْ التِّلَاوَةُ الصَّحِيحَةُ وَهِيَ الصَّادِرَةُ مِمَّنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّمْيِيزِ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ حِلْيَةٌ، وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ إلَخْ. قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ قَيْدٌ آخَرُ وَهُوَ كَوْنُهَا لَا حَجْرَ فِيهَا احْتِرَازًا عَنْ تِلَاوَةِ الْمُؤْتَمِّ وَمَنْ تَلَا فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ أَوْ تَشَهُّدِهِ فَإِنَّهُ لَا سُجُودَ عَلَيْهِمْ بِتِلَاوَتِهِمْ لِحَجْرِهِمْ عَنْهَا كَمَا سَيَأْتِي. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التِّلَاوَةَ سَبَبٌ فِي حَقِّ التَّالِي وَغَيْرِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي السَّمَاعِ فَقِيلَ هُوَ شَرْطٌ فِي حَقِّ السَّامِعِ لَا سَبَبٌ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُحِيطِ وَالظَّهِيرِيَّةِ، وَقِيلَ هُوَ سَبَبٌ ثَانٍ فِي حَقِّهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْبَدَائِعِ وَسَيُنَبِّهُ الشَّارِحُ عَلَى تَرْجِيحِهِ. وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ الْمُوجِبَ لِلسَّجْدَةِ أَحَدُ ثَلَاثَةٍ التِّلَاوَةُ وَالسَّمَاعُ وَالْإِتْمَامُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا أَسْبَابٌ ثَلَاثَةٌ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْحِلْيَةِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ مَا فِي الْكَافِي وَزَادَ عَلَيْهِ سَبَبًا آخَرَ وَهُوَ الِائْتِمَامُ، فَالسَّبَبُ عِنْدَهُ شَيْئَانِ التِّلَاوَةُ وَالِائْتِمَامُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمِنَحِ، وَصَرَّحَ أَيْضًا بِأَنَّ السَّمَاعَ شَرْطٌ فِي حَقِّ غَيْرِ التَّالِي وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ فِي تَقْرِيرِ كَلَامِ الْمَتْنِ لَكِنْ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الِائْتِمَامَ شَرْطٌ أَيْضًا كَالسَّمَاعِ كَمَا يَظْهَرُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ السَّمَاعُ) أَيْ بِالْفِعْلِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ كَتِلَاوَةِ الْأَصَمِّ وَإِلَّا فَكَوْنُهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ نَفْسَهُ لَوْلَا الْعَوَارِضُ أَوْ يَسْمَعُهُ مَنْ قَرَّبَ أُذُنَهُ إلَى فَمِهِ شَرْطٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْهِنْدُوَانِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ الْمُكْتَفِي بِتَصْحِيحِ الْحُرُوفِ ح. قُلْت وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 وَالسَّمَاعُ شَرْطٌ فِي حَقِّ غَيْرِ التَّالِي وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ إذَا أُخْبِرَ (أَوْ) بِشَرْطِ (الِائْتِمَامِ) أَيْ الِاقْتِدَاءِ (بِمَنْ تَلَاهَا) فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُوبِهَا أَيْضًا، إنْ لَمْ يَسْمَعْهَا وَلَمْ يَحْضُرْهَا لِلْمُتَابَعَةِ (وَلَوْ تَلَاهَا الْمُؤْتَمُّ لَمْ يَسْجُدْ) الْمُصَلِّي (أَصْلًا) لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا (بِخِلَافِ الْخَارِجِ) لِأَنَّ الْحَجْرَ ثَبَتَ لِمُعَيَّنِينَ فَلَا يَعْدُوهُمْ، حَتَّى لَوْ دَخَلَ مَعَهُمْ سَقَطَتْ، وَلَا تَجِبُ عَلَى مَنْ تَلَا فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ، أَوْ تَشَهُّدِهِ لِلْحَجْرِ فِيهَا عَنْ الْقِرَاءَةِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ فِي حَقِّ غَيْرِ التَّالِي) أَيْ عِنْدَ فَقْدِ الِائْتِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُ الْمُؤْتَمِّ بَلْ وَلَا حُضُورُهُ عِنْدَ تِلَاوَةِ الْإِمَامِ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنَّمَا تَرَكَ التَّقْيِيدَ بِذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَقِبَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ) مُبَالَغَةٌ عَلَى مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ مِنْ وُجُوبِهَا عَلَى السَّامِعِ فَيُعْلَمُ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ لَوْ تُلِيَتْ بِالْعَرَبِيَّةِ بِالْأَوْلَى لَا عَلَى قَوْلِهِ: وَالسَّمَاعُ شَرْطٌ إذْ لَا تَظْهَرُ فِيهِ الْأَوْلَوِيَّةُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إذَا أُخْبِرَ) أَيْ بِأَنَّهَا آيَةُ سَجْدَةٍ سَوَاءٌ فَهِمَهَا أَوْ لَا وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا إنْ عَلِمَ السَّامِعُ أَنَّهُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ لَزِمَتْهُ وَإِلَّا فَلَا بَحْرٌ. وَفِي الْفَيْضِ وَبِهِ يُفْتَى وَفِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ أَنَّ الْإِمَامَ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ. اهـ. وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: إنْ عَلِمَ السَّامِعُ أَنْ يَفْهَمَ مَعْنَى الْآيَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ حَيْثُ قَالَ: وَجَبَتْ عَلَيْهِ سَوَاءٌ فَهِمَ مَعْنَى الْآيَةِ أَوْ لَا عِنْدَهُ. وَقَالَا: إنْ فَهِمَهَا وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ إذَا فَهِمَ كَانَ سَامِعًا لِلْقُرْآنِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ اهـ مُلَخَّصًا، أَمَّا لَوْ كَانَتْ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ بِالِاتِّفَاقِ فَهِمَ أَوْ لَا لَكِنْ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَعْجَمِيِّ مَا لَمْ يَعْلَمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ. (قَوْلُهُ أَوْ بِشَرْطِ الِائْتِمَامِ) أَيْ إنْ سَجَدَهَا الْإِمَامُ وَإِلَّا فَلَا تَلْزَمُهُ وَإِنْ سَمِعَهَا مِنْهُ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ سَبَبٌ) صَوَابُهُ فَإِنَّهُ شَرْطٌ لِيُوَافِقَ قَوْلَهُ أَوْ بِشَرْطٍ وَقَوْلَهُ أَيْضًا أَيْ كَمَا إنَّ السَّمَاعَ شَرْطٌ نَعَمْ صَرَّحَ فِي الْمِنَحِ بِأَنَّ السَّبَبَ شَيْئَانِ التِّلَاوَةُ وَالِائْتِمَامُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ أَوْ الِائْتِمَامِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ تِلَاوَةِ آيَةٍ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُ الشَّارِحِ مُوَافَقَتَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُسْقِطَ قَوْلَهُ بِشَرْطٍ وَإِلَّا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ فَإِنَّهُ شَرْطٌ لِوُجُوبِهَا أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَحْضُرْهَا) أَيْ بِأَنْ تَلَاهَا قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَ وَيَقْتَدِيَ بِهِ. (قَوْلُهُ لِلْمُتَابَعَةِ) فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ التَّالِي وَالسَّامِعُ يَنْظُرُ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى اعْتِقَادِ نَفْسِهِ فَثَانِيَةُ الْحَجِّ لَيْسَتْ سَجْدَةً عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّ السَّامِعَ لَيْسَ بِتَابِعٍ لِلتَّالِي تَحْقِيقًا حَتَّى يَلْزَمَهُ الْعَمَلُ بِرَأْيِهِ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَتَّبِعُهُ فِيهَا لَوْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ لِكَوْنِهِ تَابِعًا تَحْقِيقًا أَفَادَهُ ط وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ تَجِبُ الْمُتَابَعَةُ فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ لَا فِي الْمَقْطُوعِ بِنَسْخِهِ أَوْ بِعَدَمِ سُنِّيَّتِهِ كَزِيَادَةِ تَكْبِيرَةِ خَامِسَةٍ فِي الْجِنَازَةِ وَكَقُنُوتِ الْفَجْرِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ هُنَاكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ السَّجْدَةَ مِنْ الْمُجْتَهَدِ فِيهِ أَيْ مِمَّا لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لَمْ يَسْجُدْ الْمُصَلِّي) أَيْ الْمُصَلِّي صَلَاتَهُ، سَوَاءٌ كَانَ هُوَ أَيْ الْمُؤْتَمُّ التَّالِيَ أَوْ كَانَ إمَامَهُ أَوْ مُؤْتَمًّا بِإِمَامِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمَتْنِ فِيمَا سَيَأْتِي وَلَا مِنْ الْمُؤْتَمِّ لَوْ كَانَ السَّامِعَ فِي صَلَاتِهِ، وَالْأَوْلَى إسْقَاطُ الْمُصَلِّي لِيَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى الْمُؤْتَمِّ التَّالِي لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَلَا مِنْ الْمُؤْتَمِّ إلَخْ وَلِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَشْمَلُ الْمُصَلِّيَ غَيْرَ صَلَاتِهِ كَإِمَامٍ غَيْرِ إمَامِهِ وَمُقْتَدٍ بِهِ وَمُنْفَرِدٍ مَعَ أَنَّهُمْ كَغَيْرِ الْمُصَلِّي أَصْلًا مِنْ قِسْمِ الْخَارِجِ كَمَا أَفَادَهُ ح أَيْ فَإِنَّهُمْ يَسْجُدُونَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ صَلَاتِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ، وَلَوْ سَمِعَ الْمُصَلِّي مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَسْجُدْ فِيهَا بَلْ بَعْدَهَا وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ هُنَاكَ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْحَجْرَ ثَبَتَ لِمُعَيَّنِينَ) وَهُوَ الْإِمَامُ وَمَنْ مَعَهُ وَفِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا الْحَجْرُ عَلَى الْمُقْتَدِينَ بِهِ فَالْأَظْهَرُ التَّعْلِيلُ بِمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّهُ إنْ سَجَدَ الْإِمَامُ يَلْزَمُ انْقِلَابُ الْمَتْبُوعِ تَابِعًا وَإِلَّا لَزِمَ مُخَالَفَتُهُمْ لَهُ بِخِلَافِ مَنْ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ لِعَدَمِ حَجْرِهِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِمْ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ فِي حَقِّهِمْ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ دَخَلَ) أَيْ الْخَارِجُ مَعَهُمْ أَيْ فِي صَلَاتِهِمْ سَقَطَتْ السَّجْدَةُ عَنْهُ تَبَعًا لَهُمْ وَظَاهِرُهُ سُقُوطُهَا عَنْهُ وَلَوْ دَخَلَ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى غَيْرِ رَكْعَةِ التِّلَاوَةِ. (قَوْلُهُ لِلْحَجْرِ فِيهَا عَنْ الْقِرَاءَةِ) قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: وَعِنْدِي أَنَّهَا تَجِبُ وَتَتَأَدَّى فِيهِ بَحْرٌ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 (بِشُرُوطِ الصَّلَاةِ) الْمُتَقَدِّمَةِ (خَلَا التَّحْرِيمَةَ) وَنِيَّةَ التَّعْيِينِ، وَيُفْسِدُهَا مَا يُفْسِدُهَا: وَرُكْنُهَا: السُّجُودُ أَوْ بَدَلُهُ كَرُكُوعِ مُصَلٍّ وَإِيمَاءِ مَرِيضٍ وَرَاكِبٍ (وَهِيَ سَجْدَةٌ بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ) مَسْنُونَتَيْنِ   [رد المحتار] قُلْت: وَفِي التَّشَهُّدِ بَحْثٌ مَقْدِسِيٌّ: أَيْ لِأَنَّ انْدِرَاجَهَا فِي الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَتَأَدَّى فِيهِ أَنَّهُ يُؤَدِّيهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي تَلَاهَا فِيهِ لَا بَعْدَهُ لَكِنْ فِي الْإِمْدَادِ وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: عَلَيْهِ السُّجُودُ وَيَتَأَدَّى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ الَّذِي هُوَ فِيهِ كَذَا فِي شَرْحِ الدِّيرِيِّ فَعَلَيْهِ يَسْجُدُ لَوْ كَانَ تَالِيًا فِي التَّشَهُّدِ اهـ. أَقُولُ: هَذَا يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِيهَا كَالْجُنُبِ لَا مَحْجُورٌ كَالْمُقْتَدِي، وَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْجُنُبِ وَالْمُقْتَدِي بِأَنَّ الْأَوَّلَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِ السَّجْدَةُ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ وَالْمُقْتَدِيَ مَحْجُورٌ لِنَفَاذِ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ وَتَصَرُّفُ الْمَحْجُورِ لَا حُكْمَ لَهُ، وَأَمَّا الْحَائِضُ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا بِتِلَاوَتِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَهْلًا لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْجُنُبِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّالِيَ فِي رُكُوعِهِ مَثَلًا أَهْلٌ لِلْوُجُوبِ وَلَيْسَ لَهُ إمَامٌ يَحْجُرُ عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ وَجْهُ اخْتِيَارِ الْإِمَامِ الْمَرْغِينَانِيِّ، ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ نَقَلَ عَنْ شَيْخِهِ مِيرْغَنِيٍّ فِي حَاشِيَةِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ رَجَّحَ كَلَامَ الْمَرْغِينَانِيِّ بِمَا ذَكَرْنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا فِي الْفَيْضِ لَوْ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ وَقَرَأَ فِي سُجُودِهِ آيَةً أُخْرَى لَمْ تَجِبْ السَّجْدَةُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِشُرُوطِ الصَّلَاةِ) لِأَنَّهَا جَزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ فَكَانَتْ مُعْتَبَرَةً بِسَجَدَاتِ الصَّلَاةِ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا بِالتَّيَمُّمِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ مَاءً لِأَنَّ شَرْطَ صَيْرُورَةِ التَّيَمُّمِ طَهَارَةً حَالَ وُجُودِ الْمَاءِ خَشْيَةُ الْفَوْتِ وَلَمْ تُوجَدْ لِأَنَّ وُجُوبَهَا عَلَى التَّرَاخِي، وَكَذَا يُشْتَرَطُ لَهَا الْوَقْتُ حَتَّى لَوْ تَلَاهَا أَوْ سَمِعَهَا فِي وَقْتٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ فَأَدَّاهَا فِي مَكْرُوهٍ لَا تَجْزِيهِ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ كَامِلَةً إلَّا إذَا تَلَاهَا فِي مَكْرُوهٍ وَسَجَدَهَا فِيهِ أَوْ فِي مَكْرُوهٍ آخَرَ جَازَ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ وَكَذَا النِّيَّةُ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا تَصِحُّ بِدُونِهَا بَدَائِعُ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ إلَّا إذَا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ وَسَجَدَهَا عَلَى الْفَوْرِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَكَأَنَّهُ لِأَنَّهَا صَارَتْ جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ فَانْسَحَبَ عَلَيْهَا نِيَّتُهَا. (قَوْلُهُ خَلَا التَّحْرِيمَةَ) لِأَنَّهَا لِتَوْحِيدِ الْأَفْعَالِ الْمُخْتَلِفَةِ وَلَمْ تُوجَدْ بَدَائِعُ وَحِلْيَةٌ وَبَحْرٌ أَيْ فَإِنَّ الصَّلَاةَ أَفْعَالٌ مُخْتَلِفَةٌ مِنْ قِيَامٍ وَقِرَاءَةٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَبِالتَّحْرِيمَةِ صَارَتْ فِعْلًا وَاحِدًا وَأَمَّا هَذِهِ فَمَاهِيَّتُهَا فِعْلٌ وَاحِدٌ فَاسْتَغْنَتْ عَنْ التَّحْرِيمَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَنِيَّةَ التَّعْيِينِ) أَيْ تَعْيِينِ أَنَّهَا سَجْدَةَ آيَةٍ كَذَا نَهْرٌ عَنْ الْقُنْيَةِ، وَأَمَّا تَعْيِينُ كَوْنِهَا عَنْ التِّلَاوَةِ فَشَرْطٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ النِّيَّةِ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ إلَّا إذَا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ وَسَجَدَهَا فَوْرًا كَمَا عَلِمْته (قَوْلُهُ وَيُفْسِدُهَا مَا يُفْسِدُهَا) أَيْ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ مِنْ الْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْكَلَامِ وَالْقَهْقَهَةِ وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا. وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَهُ لِتَمَامِ الرُّكْنِ وَهُوَ الرَّفْعُ، وَالْعِبْرَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلْوَضْعِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفْسِدَهَا. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهَا تَفْسُدُ عَلَى ظَاهِرِ الْجَوَابِ اتِّفَاقًا إلَّا أَنَّهُ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ فِي الْقَهْقَهَةِ وَكَذَا مُحَاذَاةُ الْمَرْأَةِ لَا تُفْسِدُهَا كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَلَوْ نَامَ فِيهَا لَا تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ كَالصُّلْبِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَرُكُوعِ مُصَلٍّ) قَيَّدَ بِالْمُصَلِّي لِأَنَّهُ لَوْ تَلَاهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَرَكَعَ لَهَا لَا يَجْزِيهِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ فِي الظَّاهِرِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ خِلَافًا لِمَا سَيَنْقُلُهُ الشَّارِحُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ فَإِنَّهُ تَحْرِيفٌ تَبِعَ فِيهِ النَّهْرَ كَمَا سَتَعْرِفُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِيمَاءِ مَرِيضٍ) أَيْ وَلَوْ تَلَاهَا فِي الصِّحَّةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَرَاكِبٍ) أَيْ إذَا تَلَاهَا أَوْ سَمِعَهَا رَاكِبًا خَارِجَ الْمِصْرِ وَإِنْ نَزَلَ بَعْدَهَا ثُمَّ رَكِبَ، أَمَّا لَوْ وَجَبَتْ عَلَى الْأَرْضِ فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ عَلَى الدَّابَّةِ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ تَامَّةً بِخِلَافِ الْعَكْسِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ مَسْنُونَتَيْنِ) أَيْ تَكْبِيرَةِ الْوَضْعِ وَتَكْبِيرَةِ الرَّفْعِ بَحْرٌ. وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُكَبِّرُ أَصْلًا. وَعَنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُكَبِّرُ لِلرَّفْعِ لَا لِلْوَضْعِ. وَعَنْهُ بِالْعَكْسِ حِلْيَةٌ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَفِي الْحُجَّةِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَوْ سَجَدَ وَلَمْ يُكَبِّرْ عَنْ الْعُهْدَةِ قَالَ فِي الْحُجَّةِ وَهَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 جَهْرًا وَبَيْنَ قِيَامَيْنِ مُسْتَحَبَّيْنِ (بِلَا رَفْعِ يَدٍ وَتَشَهُّدٍ وَسَلَامٍ وَفِيهَا تَسْبِيحُ السُّجُودِ) فِي الْأَصَحِّ (عَلَى مَنْ كَانَ) مُتَعَلِّقٌ بِيَجِبُ (أَهْلًا لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ) لِأَنَّهَا مِنْ أَجْزَائِهَا (أَدَاءً) كَالْأَصَمِّ إذَا تَلَا (أَوْ قَضَاءً) كَالْجُنُبِ وَالسَّكْرَانِ وَالنَّائِمِ (فَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ قَرَءُوا أَوْ سَمِعُوا) لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لَهَا (وَتَجِبُ بِتِلَاوَتِهِمْ) يَعْنِي الْمَذْكُورِينَ (خَلَا الْمَجْنُونَ   [رد المحتار] يُعْلَمُ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ السَّلَفِ. اهـ. (قَوْلُهُ جَهْرًا) أَيْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ زَيْلَعِيٌّ، أَيْ فَيُسْمِعُ نَفْسَهُ بِهِ مُنْفَرِدًا وَمَنْ خَلْفَهُ إذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ ط. (قَوْلُهُ بَيْنَ قِيَامَيْنِ مُسْتَحَبَّيْنِ) أَيْ قِيَامٍ قَبْلَ السُّجُودِ لِيَكُونَ خُرُورًا وَهُوَ السُّقُوطُ مِنْ الْقِيَامِ، وَقِيَامٍ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ وَهَذَا عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْمُضْمَرَاتِ وَقَالَ إنَّ الثَّانِيَ غَرِيبٌ وَذَكَرَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ عَنْ خَطِّ الْمُصَنِّفِ أَنَّ صَاحِبَ الْمُضْمَرَاتِ عَزَاهُ إلَى الظَّهِيرِيَّةِ وَأَنَّهُ رَاجَعَ نُسْخَتَهُ الظَّهِيرِيَّةَ فَلَمْ يَجِدْ الْقِيَامَ الثَّانِيَ فِيهَا. اهـ. أَقُولُ: قَدْ وَجَدْته فِي نُسْخَتِي وَنَصُّهُ: وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ يَقُومُ ثُمَّ يَقْعُدُ. اهـ. وَكَذَا عَزَاهُ إلَيْهَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ سَقْطًا فَتَنَبَّهْ، وَوَجْهُ غَرَابَتِهِ أَنَّهُ انْفَرَدَ بِذِكْرِهِ صَاحِبُ الظَّهِيرِيَّةِ وَلِذَا عَزَاهُ مَنْ بَعْدَهُ إلَيْهَا فَقَطْ. [تَتِمَّةٌ] : وَيُنْدَبُ أَنْ لَا يَرْفَعَ السَّامِعُ رَأْسَهُ مِنْهَا قَبْلَ تَالِيهَا وَلَيْسَ هُوَ اقْتِدَاءً حَقِيقَةً، وَلِذَا لَا يُؤْمَرُ التَّالِي بِالتَّقَدُّمِ. وَلَا السَّامِعُونَ بِالِاصْطِفَافِ وَلَا تَفْسُدُ سَجْدَتُهُمْ بِفَسَادِ سَجْدَتِهِ وَفِي النَّوَادِرِ يَتَقَدَّمُ وَيَصْطَفُّونَ خَلْفَهُ وَتَمَامُهُ فِي الْإِمْدَادِ. (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مَا صَحَّحَ عَلَى عُمُومِهِ، فَإِنْ كَانَتْ السَّجْدَةُ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَتْ فَرِيضَةً قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى أَوْ نَفْلًا قَالَ مَا شَاءَ مِمَّا وَرَدَ «كَسَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ» ، وَقَوْلُهُ: «اللَّهُمَّ اُكْتُبْ لِي عِنْدَك بِهَا أَجْرًا وَضَعَ عَنِّي بِهَا وِزْرًا وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَك ذُخْرًا وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتهَا مِنْ عَبْدِك دَاوُد» ، وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ قَالَ كُلَّ مَا أُثِرَ مِنْ ذَلِكَ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهَا. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا مِنْ أَجْزَائِهَا) أَيْ مِنْ جِنْسِ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ الْمُرَادُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَمَا إذَا تُلِيَتْ فِي الصَّلَاةِ فَافْهَمْ. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ: فَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهَا أَهْلِيَّةُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالطَّهَارَةِ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْأَصَمِّ) نَبَّهَ عَلَى بَعِيدِ الْخُطُورِ بِالْبَالِ لِيُعْلَمَ غَيْرُهُ بِالْأَوْلَى ح. (قَوْلُهُ إذَا تَلَاهَا) أَمَّا إذَا رَأَى قَوْمًا سَجَدُوا فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ إمْدَادٌ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ كَالْجُنُبِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ أَدَاءً وَلَيْسَ كَذَلِكَ رَحْمَتِيٌّ نَعَمْ السَّكْرَانُ وَالنَّائِمُ كُلٌّ مِنْهُمَا لَيْسَ أَهْلًا لِلْأَدَاءِ إذَا اسْتَوْعَبَ الْوَقْتَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَالسَّكْرَانِ) لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ عَقْلَهُ قَائِمًا حُكْمًا زَجْرًا لَهُ وَلِهَذَا تَلْزَمُهُ الْعِبَادَاتُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ سَكِرَ مِنْ مُبَاحٍ كَمَا لَوْ أَسَاغَ بِهِ لُقْمَةً أَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ إذَا تَلَاهَا أَوْ سَمِعَهَا إذَا كَانَ بِحَالٍ لَا يُمَيِّزُ مَا يَقُولُ وَمَا يَسْمَعُ حَتَّى إنَّهُ لَا يَتَذَكَّرُهُ بَعْدَ الصَّحْوِ حِلْيَةٌ. (قَوْلُهُ وَالنَّائِمِ) أَيْ إذَا أُخْبِرَ أَنَّهُ قَرَأَهَا فِي حَالَةِ النَّوْمِ تَجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ تَتَارْخَانِيَّةٌ وَفِي الدِّرَايَةِ لَا تَلْزَمُهُ هُوَ الصَّحِيحُ إمْدَادٌ فَفِيهِ اخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ، وَأَمَّا لُزُومُهَا عَلَى السَّامِعِ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَنَقَلَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة أَيْضًا اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ وَالتَّصْحِيحَ وَكَذَا مِنْ الْمَجْنُونِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لَهَا) أَيْ لِلصَّلَاةِ أَيْ لِوُجُوبِهَا بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: لَهُمَا أَيْ لِلْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ، أَمَّا مَنْ لَمْ يَزِدْ جُنُونُهُ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَمُقْتَضَاهُ الْوُجُوبُ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ وَتَجِبُ بِتِلَاوَتِهِمْ) أَيْ وَتَجِبُ عَلَى مِنْ سَمِعَهُمْ بِسَبَبِ تِلَاوَتِهِمْ ح. (قَوْلُهُ يَعْنِي الْمَذْكُورِينَ) أَيْ الْأَصَمَّ وَالنُّفَسَاءَ وَمَا بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ خَلَا الْمَجْنُونَ) هَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: لَكِنْ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالسَّمَاعِ مِنْ مَجْنُونٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 الْمُطْبِقَ) فَلَا تَجِبُ بِتِلَاوَتِهِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ، وَلَوْ قَصُرَ جُنُونُهُ فَكَانَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ أَقَلَّ تَلْزَمُهُ تَلَا أَوْ سَمِعَ، وَإِنْ أَكْثَرَ لَا تَلْزَمُهُ بَلْ تَلْزَمُ مَنْ سَمِعَهُ عَلَى مَا حَرَّرَهُ مُلَّا خُسْرو، لَكِنْ جَزَمَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ وَنَقَلَ الْوُجُوبَ بِالسَّمَاعِ مِنْ الْمَجْنُونِ عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالْجَوْهَرَةِ قُلْت: وَبِهِ جَزَمَ الْقُهُسْتَانِيُّ (لَا) تَجِبُ (بِسَمَاعِهِ مِنْ الصَّدَى وَالطَّيْرِ)   [رد المحتار] أَوْ نَائِمٍ أَوْ طَيْرٍ لِأَنَّ السَّبَبَ سَمَاعُ تِلَاوَةٍ صَحِيحَةٍ وَصِحَّتُهَا بِالتَّمْيِيزِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ التَّفْصِيلَ فِي الصَّبِيِّ، فَلْيَكُنْ هُوَ الْمُعْتَبَرُ إنْ كَانَ مُمَيِّزًا وَجَبَ بِالسَّمَاعِ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا اهـ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْحِلْيَةِ. (قَوْلُهُ الْمُطْبِقَ) بِالْكَسْرِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الْقَامُوسِ أَطْبَقَهُ غَطَّاهُ وَمِنْهُ الْجُنُونُ الْمُطْبِقُ وَالْحُمَّى الْمُطْبِقَةُ اهـ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُلَازِمُ الْمُمْتَدُّ. وَاَلَّذِي حَرَّرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ إنَّ قَدْرَ الِامْتِدَادِ الْمُسْقِطِ فِي الصَّلَوَاتِ بِصَيْرُورَتِهَا سِتًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَفِي الصَّوْمِ بِاسْتِغْرَاقِ الشَّهْرِ لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ وَفِي الزَّكَاةِ بِاسْتِغْرَاقِ الْحَوْلِ اهـ. وَيَظْهَرُ مِنْهُ وَمِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَنْ كَانَ أَهْلًا لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ أَنَّ التِّلَاوَةَ كَالصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الدُّرَرِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ مَا زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَكَانَ لَا يَزُولُ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْجُنُونَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ قَاصِرًا وَهُوَ مَا لَا يَزِيدُ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَكَامِلًا غَيْرَ مُطْبِقٍ وَهُوَ مَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ لَكِنَّهُ قَدْ يَزُولُ وَكَامِلًا مُطْبِقًا وَهُوَ مَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَزُولُ. وَالْحَاصِلُ لِصَاحِبِ الدُّرَرِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْسِيمِ هُوَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ عَدَمَ الْوُجُوبِ بِالسَّمَاعِ مِنْ الْمَجْنُونِ. وَعَنْ الْخَانِيَّةِ الْوُجُوبَ وَعَنْ النَّوَادِرِ أَنَّهُ إذَا قَصُرَ فَكَانَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ أَقَلَّ يَلْزَمُهُ السُّجُودُ تَلَاهَا أَوْ سَمِعَهَا أَيْ وَإِذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ تَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا مِنْهُ بِالْأَوْلَى ثُمَّ ذَكَرَ فِي الدُّرَرِ أَنَّ الْقَاصِرَ يَجِبُ السُّجُودُ بِتِلَاوَتِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ سَمِعَ مِنْهُ وَهُوَ مَا فِي النَّوَادِرِ وَالْكَامِلِ الْغَيْرُ الْمُطْبِقِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِتِلَاوَتِهِ بَلْ عَلَى سَامِعِهِ وَهُوَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمُطْبِقُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى سَامِعِهِ وَهُوَ مَا فِي التَّلْخِيصِ وَقَدْ جَرَى الشَّارِحُ عَلَى هَذَا التَّقْسِيمِ وَالتَّوْفِيقِ (قَوْلُهُ فَلَا تَجِبُ بِتِلَاوَتِهِ) أَيْ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ) يَرُدُّ عَلَيْهِ الصَّبِيُّ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ مَعَ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ ط. (قَوْلُهُ تَلْزَمُهُ تَلَا أَوْ سَمِعَ) أَيْ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِوُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ وَإِذَا لَزِمَتْهُ لَزِمَتْ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ بِالْأَوْلَى كَمَا مَرَّ. وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ: كُلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِالسَّمَاعِ مِنْ الْغَيْرِ وَجَبَ عَلَى الْغَيْرِ بِالسَّمَاعِ مِنْهُ بِلَا عَكْسٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَكْثَرَ) أَيْ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ يَعْنِي وَلَمْ يَكُنْ مُطْبِقًا بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ وَهَذَا ثَالِثُ الْأَقْسَامِ. (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا حَرَّرَهُ خُسْرو صَاحِبُ الدُّرَرِ وَهُوَ مَا مَرَّ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَقْسِيمِ الْجُنُونِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ قِسْمَانِ فَقَطْ مُطْبِقٌ وَغَيْرُهُ وَأَنَّ تَفْسِيرَهُ الْمُطْبِقَ بِمَا لَا يَزُولُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِأَنَّهُ مَا مِنْ سَاعَةٍ إلَّا وَيُرْجَى زَوَالُهُ وَأَنَّ فِي السَّمَاعِ مِنْ الْمَجْنُونِ رِوَايَتَيْنِ مُصَحَّحَتَيْنِ حَكَاهُمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، فَالْوَجْهُ فِي التَّوْفِيقِ أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى رِوَايَةٍ وَمَا فِي التَّلْخِيصِ عَلَى أُخْرَى اهـ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِمَا فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي وَشَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْمُطْبِقِ بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ وَكَذَا مَا فِي الْجَوْهَرَةِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ سَمِعَهَا مِنْ نَائِمٍ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٍ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ اهـ فَإِنَّ الْمَجْنُونَ غَيْرَ الْمُطْبِقِ لَيْسَ أَدْنَى حَالًا مِنْ النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، فَالْخِلَافُ الْجَارِي فِيهِمَا جَارٍ فِيهِ أَيْضًا لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ فَكَانَ الظَّاهِرُ الْإِطْلَاقَ بِلَا تَقْيِيدٍ بِمُطْبِقٍ أَوْ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ وَنَقَلَ الْوُجُوبَ إلَخْ) يُغْنِي عَنْهُ مَا قَبْلَهُ مَعَ أَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ فِي الْجَوْهَرَةِ اقْتَصَرَ عَلَى الْوُجُوبِ. (قَوْلُهُ مِنْ الصَّدَى) هُوَ مَا يُجِيبُك مِثْلُ صَوْتِك فِي الْجِبَالِ وَالصَّحَارِيِ وَنَحْوِهِمَا كَمَا فِي الصِّحَاحِ. (قَوْلُهُ وَالطَّيْرِ) هُوَ الْأَصَحُّ زَيْلَعِيٌّ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ تَجِبُ. وَفِي الْحُجَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ تَتَارْخَانِيَّةٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 وَمِنْ كُلِّ تَالٍ حَرْفًا وَلَا بِالتَّهَجِّي أَشْبَاهٌ (وَ) لَا (مِنْ الْمُؤْتَمِّ لَوْ) كَانَ السَّامِعُ (فِي صَلَاتِهِ) أَيْ صَلَاةِ الْمُؤْتَمِّ بِخِلَافِ الْخَارِجِ كَمَا مَرَّ (وَهِيَ عَلَى التَّرَاخِي) عَلَى الْمُخْتَارِ وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا تَنْزِيهًا، وَيَكْفِيهِ أَنْ يَسْجُدَ عَدَدَ مَا عَلَيْهِ بِلَا تَعْيِينٍ وَيَكُونُ مُؤَدِّيًا وَتَسْقُطُ بِالْحَيْضِ وَالرِّدَّةِ (إنْ لَمْ تَكُنْ صَلَوِيَّةً) فَعَلَى الْفَوْرِ لِصَيْرُورَتِهَا جُزْءًا مِنْهَا   [رد المحتار] قُلْت: وَالْأَكْثَرُ عَلَى تَصْحِيحِ الْأَوَّلِ وَبِهِ جَزَمَ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ (قَوْلُهُ وَمِنْ كُلِّ تَالٍ حَرْفًا) تَكْرَارٌ مَعَ مَا يَأْتِي مَتْنًا وَكَأَنَّهُ ذَكَرَهُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُذْكَرَ هُنَا ح. (قَوْلُهُ وَلَا بِالتَّهَجِّي) لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَإِنَّمَا قَرَأَ الْهِجَاءَ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَقْطَعْ لِأَنَّهَا الْحُرُوفُ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ وَلَا تَنُوبُ عَنْ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ الْقُرْآنَ إمْدَادٌ عَنْ التَّجْنِيسِ وَالْخَانِيَّةِ وَلَا تَجِبُ بِالْكِتَابَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَا مِنْ الْمُؤْتَمِّ إلَخْ) أَيْ لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ إمَامَهُ أَوْ الْمُقْتَدِينَ بِهِ كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفْسِهِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْخَارِجِ) أَيْ عَنْ صَلَاةِ الْمُؤْتَمِّ التَّالِي إمَامًا كَانَ أَوْ مُؤْتَمًّا أَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ غَيْرَ مُصَلٍّ أَصْلًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ تَلَا الْمُؤْتَمُّ ح (قَوْلُهُ عَلَى الْمُخْتَارِ) كَذَا فِي النَّهْرِ وَالْإِمْدَادِ، وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الْفَوْرِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ أَيْضًا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الْإِثْمِ وَعَدَمِهِ حَتَّى لَوْ أَدَّاهَا بَعْدَ مُدَّةٍ كَانَ مُؤَدِّيًا اتِّفَاقًا لَا قَاضِيًا. اهـ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْفَوْرِ أَنْ يَكُونَ تَأْخِيرُهُ قَضَاءً. قُلْت: لَكِنْ سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي الْحَجِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَاخَى كَانَ أَدَاءً مَعَ أَنَّ الْمُرَجَّحَ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَيَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهِ فَهُوَ نَظِيرُ مَا هُنَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ تَنْزِيهًا) لِأَنَّهُ بِطُولِ الزَّمَانِ قَدْ يَنْسَاهَا، وَلَوْ كَانَتْ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةً لَوَجَبَتْ عَلَى الْفَوْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلِذَاكِرِهِ تَحْرِيمًا تَأْخِيرُ الصَّلَاتِيَّةِ عَنْ وَقْتِ الْقِرَاءَةِ إمْدَادٌ وَاسْتَثْنَى مِنْ كَرَاهَةِ التَّأْخِيرِ مَا إذَا كَانَ الْوَقْتُ مَكْرُوهًا كَوَقْتِ الطُّلُوعِ. [فَرْعٌ] فِي التَّتَارْخَانِيَّة: يُسْتَحَبُّ لِلتَّالِي أَوْ السَّامِعِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ أَنْ يَقُولَ - سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَك رَبَّنَا وَإِلَيْك الْمَصِيرُ -. (قَوْلُهُ وَيَكْفِيهِ إلَخْ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ خَلَا التَّحْرِيمَةَ وَنِيَّةَ التَّعْيِينِ (قَوْلُهُ وَتَسْقُطُ بِالْحَيْضِ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ صَاحِبَ النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهَا لَوْ أَخَّرَتْهَا حَتَّى حَاضَتْ سَقَطَتْ وَكَذَا لَوْ ارْتَدَّتْ بَعْدَ تِلَاوَتِهَا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. اهـ. وَاَلَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ الْمَرْأَةُ إذَا قَرَأَتْ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي صَلَاتِهَا فَلَمْ تَسْجُدْ حَتَّى حَاضَتْ سَقَطَتْ عَنْهَا السَّجْدَةُ اهـ وَمِثْلُهُ مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ عَنْ الْخُلَاصَةِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ السَّجْدَةُ الصَّلَاتِيَّةُ، وَهِيَ الْآتِيَةُ فِي ضِمْنِ قَوْلِ الْمَتْنِ إلَّا إذَا فَسَدَتْ بِغَيْرِ الْحَيْضِ إلَخْ فَلَا مَحَلَّ لِذِكْرِهَا هُنَا، نَعَمْ فِي التَّجْنِيسِ مَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِهَا بِالْحَيْضِ مُطْلَقًا، فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا قَرَأَتْ آيَةَ السَّجْدَةِ وَلَمْ تَسْجُدْ لَهَا حَتَّى حَاضَتْ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ يُنَافِي وُجُوبَهَا ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً وَهُوَ نَظِيرُ الْمُسْلِمِ إذَا قَرَأَهَا ثُمَّ ارْتَدَّ سَقَطَتْ عَنْهُ حَتَّى إذَا أَسْلَمَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْكُفْرَ يُنَافِيهِ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً اهـ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَالرِّدَّةِ) فِيهِ أَنَّ وَقْتَهَا الْعُمُرُ وَمَا بَقِيَ وَقْتُهُ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُرْتَدِّ إذَا أَسْلَمَ كَالْحَجِّ وَكَصَلَاةٍ صَلَّاهَا فَارْتَدَّ فَأَسْلَمَ فِي وَقْتِهَا فَلْيُتَأَمَّلْ. وَأَجَابَ بَعْضُ الْحُذَّاقِ بِأَنَّ السَّبَبَ فِي الصَّلَاةِ قَدْ تَحَقَّقَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَا كَذَلِكَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ، وَكَذَلِكَ يُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فِي الْحَجِّ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ط. وَفِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي سُقُوطِهَا عَمَّنْ لَمْ يَسْجُدْ لَا فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَى مَنْ سَجَدَهَا بَلْ مَا نَحْنُ فِيهِ نَظِيرُ مَنْ تَرَكَ صَلَاةً ثُمَّ ارْتَدَّ وَقَدَّمْنَا قُبَيْلَ سُجُودِ السَّهْوِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ مَا تَرَكَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ لُزُومُ السَّجْدَةِ هُنَا عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ فَعَلَى الْفَوْرِ) جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ فَإِنْ كَانَتْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 وَيَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا وَيَقْضِيهَا مَا دَامَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَلَوْ بَعْدَ السَّلَامِ فَتْحٌ ثُمَّ هَذِهِ النِّسْبَةُ هِيَ الصَّوَابُ، وَقَوْلُهُمْ صَلَاتِيَّةٌ خَطَأٌ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ لَكِنْ فِي الْغَايَةِ أَنَّهُ خَطَأٌ مُسْتَعْمَلٌ وَهُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ خَيْرٌ مِنْ صَوَابٍ نَادِرٍ (وَمَنْ سَمِعَهَا مِنْ إمَامٍ) وَلَوْ بِاقْتِدَائِهِ بِهِ (فَائْتَمَّ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ الْإِمَامُ لَهَا سَجَدَ مَعَهُ) وَلَوْ ائْتَمَّ (بَعْدَهُ لَا) يَسْجُدُ أَصْلًا كَذَا أَطْلَقَ فِي الْكَنْزِ تَبَعًا لِلْأَصْلِ (وَإِنْ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ) أَصْلًا (سَجَدَهَا) وَكَذَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْبَزْدَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ (وَلَوْ تَلَاهَا فِي الصَّلَاةِ سَجَدَهَا فِيهَا لَا خَارِجَهَا) لِمَا مَرَّ. وَفِي الْبَدَائِعِ: وَإِذَا لَمْ يَسْجُدْ أَثِمَ فَتَلْزَمُهُ التَّوْبَةُ   [رد المحتار] صَلَوِيَّةً فَعَلَى الْفَوْرِ ح ثُمَّ تَفْسِيرُ الْفَوْرِ عَدَمُ طُولِ الْمُدَّةِ بَيْنَ التِّلَاوَةِ وَالسَّجْدَةِ بِقِرَاءَةِ أَكْثَرَ مِنْ آيَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي حِلْيَةٌ. (قَوْلُهُ وَيَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا إلَخْ) لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِمَا هُوَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ. وَهُوَ الْقِرَاءَةُ وَصَارَتْ مِنْ أَجْزَائِهَا فَوَجَبَ أَدَاؤُهَا مُضَيَّقًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَلِذَا كَانَ الْمُخْتَارُ وُجُوبَ سُجُودٍ لِلسَّهْوِ لَوْ تَذَكَّرَهَا بَعْدَ مَحَلِّهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ فَصَارَتْ كَمَا لَوْ أَخَّرَ السَّجْدَةَ الصُّلْبِيَّةَ عَنْ مَحَلِّهَا فَإِنَّهَا تَكُونُ قَضَاءً، وَمِثْلُهُ: مَا لَوْ أَخَّرَ الْقِرَاءَةَ إلَى الْأُخْرَيَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا فِي الْأُولَيَيْنِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِهِ فِيهِمَا فَهِيَ أَدَاءٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْدَ السَّلَامِ) أَيْ نَاسِيًا مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَرُوِيَ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ نَاسِيًا تَتَارْخَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ ثُمَّ هَذِهِ النِّسْبَةُ هِيَ الصَّوَابُ) أَيْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ صَلَوِيَّةً بِرَدِّ أَلِفِهِ وَاوًا وَحَذْفِ التَّاءِ، وَإِذَا كَانُوا قَدْ حَذَفُوهَا فِي نِسْبَةِ الْمُذَكَّرِ إلَى الْمُؤَنَّثِ كَنِسْبَةِ الرَّجُلِ إلَى بَصْرَةَ فَقَالُوا بَصْرِيٌّ لَا بَصْرَتِيٌّ كَيْ لَا تَجْتَمِعَ تَاءَانِ فِي نِسْبَةِ الْمُؤَنَّثِ فَيَقُولُونَ بَصْرَتِيَّةٌ فَكَيْفَ بِنِسْبَةِ الْمُؤَقَّتِ إلَى الْمُؤَنَّثِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَمَنْ سَمِعَهَا إلَخْ) السَّمَاعُ غَيْرُ شَرْطٍ بِالنَّظَرِ إلَى الِاقْتِدَاءِ بَلْ الشَّرْطُ هُوَ الِاقْتِدَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهَا وَلَمْ يَحْضُرْهَا كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ لَكِنْ قَيَّدَ بِالسَّمَاعِ لِيَتَأَتَّى التَّفْصِيلُ الْآتِي. (قَوْلُهُ وَلَوْ بِاقْتِدَائِهِ بِهِ) أَيْ وَلَوْ صَارَ التَّالِي إمَامًا بِسَبَبِ اقْتِدَاءِ السَّامِعِ بِهِ بِأَنْ تَلَاهَا وَهُوَ مُنْفَرِدٌ فَاقْتَدَى بِهِ. (قَوْلُهُ سَجَدَ مَعَهُ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَوْ لَمْ يَسْجُدْ لَا يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ وَإِنْ سَمِعَهَا لِأَنَّهُ إنْ سَجَدَهَا فِي الصَّلَاةِ وَحْدَهُ خَالَفَ إمَامَهُ، وَإِنْ سَجَدَ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَهِيَ صَلَاتِيَّةٌ لَا تُقْضَى خَارِجَهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا يَسْجُدُ أَصْلًا) أَيْ لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ كَذَا أَطْلَقَ فِي الْكَنْزِ) أَيْ أَطْلَقَ قَوْلَهُ، وَلَوْ ائْتَمَّ بَعْدَهُ: أَيْ بَعْدَ سُجُودِ الْإِمَامِ فَشَمِلَ مَا إذَا اقْتَدَى بِهِ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي تَلَا فِيهَا أَوْ بَعْدَهَا. قَالَ فِي النَّهْرِ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَأَمَّا الثَّانِي: فَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْأَصْلِ أَنَّهَا كَذَلِكَ لِأَنَّهَا بِالِاقْتِدَاءِ صَارَتْ صَلَاتِيَّةً فَلَا تُقْضَى خَارِجَهَا. وَاخْتَارَ الْبَزْدَوِيُّ تَخْصِيصَهُ بِالْأَوَّلِ وَحَمَلَ الْإِطْلَاقَ عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ اهـ أَيْ حَيْثُ قَالَ لِأَنَّهُ صَارَ مُدْرِكًا لَهَا بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا إلَخْ) أَيْ يَسْجُدُهَا وَلَكِنْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ وَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ كَذَا أَطْلَقَ فِي الْكَنْزِ وَبِهِ جَزَمَ فِي النُّقَايَةِ وَإِصْلَاحِهَا وَالْفَتْحِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ وَكَذَا فِي الْمَوَاهِبِ وَقَالَ إنَّهُ الْأَظْهَرُ وَتَبِعَهُ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ إطْلَاقَ الْكَنْزِ وَالْأَصْلِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الْكَنْزِ بِحَمْلِ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي وَصَاحِبُ الدَّارِ أَدْرَى (قَوْلُهُ وَلَوْ تَلَاهَا) أَيْ الْمُصَلِّي غَيْرُ الْمُقْتَدِي لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَلَوْ تَلَا الْمُؤْتَمُّ لَمْ يَسْجُدْ أَصْلًا. (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِصَيْرُورَتِهَا جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يَسْجُدْ أَثِمَ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا يَقْضِيهَا. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَكُلُّ سَجْدَةٍ وَجَبَتْ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ تُؤَدَّ فِيهَا سَقَطَتْ أَيْ لَمْ يَبْقَ السُّجُودُ لَهَا مَشْرُوعًا لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ. اهـ. أَقُولُ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَرْكَعْ بَعْدَهَا عَلَى الْفَوْرِ وَإِلَّا دَخَلَتْ فِي السُّجُودِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا كَمَا سَيَأْتِي وَهُوَ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا تَرَكَهَا عَمْدًا حَتَّى سَلَّمَ وَخَرَجَ مِنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ. أَمَّا لَوْ سَهْوًا وَتَذَكَّرَهَا وَلَوْ بَعْدَ السَّلَامِ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ مُنَافِيًا يَأْتِي بِهَا وَيَسْجُدُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 (إلَّا إذَا فَسَدَتْ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ الْحَيْضِ) فَلَوْ بِهِ تَسْقُطُ عَنْهَا السَّجْدَةُ ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ (فَيَسْجُدُهَا خَارِجَهَا) لِأَنَّهَا لَمَّا فَسَدَتْ لَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدُ التِّلَاوَةِ فَلَمْ تَكُنْ صَلَوِيَّةً، وَلَوْ بَعْدَ مَا سَجَدَهَا لَمْ يُعِدْهَا ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ تَلَاهَا فِي نَفْلٍ فَأَفْسَدَهُ قَضَاهُ دُونَ السَّجْدَةِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ بَعْدَ سُجُودِهَا (وَتُؤَدَّى بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ) غَيْرِ رُكُوعِ الصَّلَاةِ وَسُجُودِهَا (فِي الصَّلَاةِ وَكَذَا فِي خَارِجِهَا يَنُوبُ عَنْهَا الرُّكُوعُ) فِي ظَاهِرِ الْمَرْوِيِّ بَزَّازِيَّةٌ (لَهَا) أَيْ لِلتِّلَاوَةِ (وَ) تُؤَدَّى (بِرُكُوعِ صَلَاةٍ) إذَا كَانَ الرُّكُوعُ (عَلَى الْفَوْرِ مِنْ قِرَاءَةِ آيَةٍ) أَوْ آيَتَيْنِ وَكَذَا الثَّلَاثُ عَلَى الظَّاهِرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (إنْ نَوَاهُ)   [رد المحتار] لِلسَّهْوِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا فَسَدَتْ) أَيْ قَبْلَ سُجُودِهَا وَالْإِفْسَادُ كَالْفَسَادِ ط. (قَوْلُهُ فَلَوْ بِهِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْرَ الصَّلَاتِيَّةِ لَا تَسْقُطُ بِالْحَيْضِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِيهِ. (قَوْلُهُ لَمْ يُعِدْهَا) لِأَنَّ الْمُفْسِدَ لَا يُفْسِدُ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يُفْسِدُ الْجُزْءَ الْمُقَارِنَ فَيَمْتَنِعُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ بَحْرٌ عَنْ الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَيُخَالِفُهُ) أَيْ يُخَالِفُ مَا فِي الْمَتْنِ وَالْبَحْثِ وَالْجَوَابُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ وَنَصُّهَا مُصَلِّي التَّطَوُّعِ إذَا قَرَأَ آيَةً وَسَجَدَ لَهَا ثُمَّ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا وَلَا تَلْزَمُهُ إعَادَةُ تِلْكَ السَّجْدَةِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَيْضِ وَالْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ وَتُؤَدَّى بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ وَالْأَصْلُ فِي أَدَائِهَا السُّجُودُ وَهُوَ أَفْضَلُ وَلَوْ رَكَعَ لَهَا عَلَى الْفَوْرِ جَازَ وَإِلَّا لَا اهـ أَيْ وَإِنْ فَاتَ الْفَوْرُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَرْكَعَ لَهَا وَلَوْ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بَدَائِعُ أَيْ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ سُجُودٍ خَاصٍّ بِهَا كَمَا يَأْتِي نَظِيرُهُ. وَفِي الْحِلْيَةِ ثُمَّ إذَا سَجَدَ أَوْ رَكَعَ لَهَا عَلَى حِدَةٍ فَوْرًا يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَعْقُبَهُ بِالرُّكُوعِ بَلْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَصَاعِدًا ثُمَّ يَرْكَعُ اهـ وَإِنْ كَانَتْ السَّجْدَةُ آخِرَ السُّورَةِ يَقْرَأُ مِنْ سُورَةٍ أُخْرَى ثُمَّ يَرْكَعُ، وَتَمَامُهُ فِي الْإِمْدَادِ وَالْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي خَارِجِهَا إلَخْ) هَذَا ضَعِيفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجْزِي لَا قِيَاسًا وَلَا اسْتِحْسَانًا وَمَا عَزَاهُ إلَى الْبَزَّازِيَّةِ تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ النَّهْرِ وَهُوَ خَلَلٌ فِي النَّقْلِ لِأَنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْنِ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ هَكَذَا، وَرُوِيَ فِي غَيْرِ الظَّاهِرِ أَنَّ الرُّكُوعَ يَنُوبُ عَنْهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ أَيْضًا اهـ فَسَقَطَ مِنْ كَلَامِهِ لَفْظَةُ غَيْرِ، وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ قَاضِيَ خَانْ اخْتَارَ أَنَّهُ يَنُوبُ عَنْهَا فَفِيهِ أَنَّ عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ هَكَذَا رُوِيَ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُشْعِرٌ بِتَضْعِيفِهِ لَا بِاخْتِيَارِهِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ لَهَا أَيْ لِلتِّلَاوَةِ) لَوْ أَخَّرَ الشَّارِحُ قَوْلَهُ سَابِقًا غَيْرِ رُكُوعِ الصَّلَاةِ وَسُجُودِهَا إلَى هُنَا لَكَانَ أَوْلَى ط. (قَوْلُهُ عَلَى الْفَوْرِ إلَخْ) فَلَوْ انْقَطَعَ الْفَوْرُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ سُجُودٍ خَاصٍّ بِهَا مَا دَامَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَعَلَّلَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهَا صَارَتْ دَيْنًا وَالدَّيْنُ يُقْضَى بِمَا لَهُ لَا بِمَا عَلَيْهِ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ عَلَيْهِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الدَّيْنُ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ) أَيْ عَنْ الْبَدَائِعِ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ اسْتِظْهَارٌ مِنْ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ، لَا أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَفِي الْإِمْدَادِ الِاحْتِيَاطُ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ بِانْقِطَاعِ الْفَوْرِ بِالثَّلَاثِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: لَا يَنْقَطِعُ مَا لَمْ يَقْرَأْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ وَقَالَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ: قَوْلُ الْحَلْوَانِيِّ هُوَ الرِّوَايَةُ. اهـ. قُلْت: وَصَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِأَنَّهُ الْأَصَحُّ رِوَايَةً، فَإِنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا بَقِيَ بَعْدَ السَّجْدَةِ آيَاتٌ مِنْ آخِرِ السُّورَةِ أَيْ كَسُورَةِ الِانْشِقَاقِ وَسُورَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ إنْ شَاءَ خَتَمَ السُّورَةَ وَرَكَعَ لَهَا وَإِنْ شَاءَ سَجَدَ لَهَا ثُمَّ قَامَ فَأَكْمَلَ السُّورَةَ ثُمَّ رَكَعَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ. لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّ الرُّكُوعَ يَنُوبُ عَنْهَا بِشَرْطِ النِّيَّةِ وَأَنْ لَا يَفْصِلَ بِثَلَاثٍ إلَّا إذَا كَانَتْ الثَّلَاثُ مِنْ آخِرِ السُّورَةِ. اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 أَيْ كَوْنَ الرُّكُوعِ (لِسُجُودِ) التِّلَاوَةِ عَلَى الرَّاجِحِ (وَ) تُؤَدَّى (بِسُجُودِهَا كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى الْفَوْرِ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ نَوَاهَا فِي رُكُوعِهِ وَلَمْ يَنْوِهَا الْمُؤْتَمُّ لَمْ تُجْزِهِ وَيَسْجُدُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ وَيُعِيدُ الْقَعْدَةَ، وَلَوْ تَرَكَهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الْجَهْرِيَّةِ. نَعَمْ لَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ لَهَا فَوْرًا نَابَ بِلَا نِيَّةٍ، وَلَوْ سَجَدَ لَهَا فَظَنَّ الْقَوْمُ أَنَّهُ رَكَعَ، فَمَنْ رَكَعَ رَفَضَهُ وَسَجَدَ لَهَا، وَمَنْ رَكَعَ وَسَجَدَ سَجْدَةً أَجْزَأَتْهُ عَنْهَا، وَمَنْ رَكَعَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِرَكْعَةٍ تَامَّةٍ (وَلَوْ سَمِعَ الْمُصَلِّي)   [رد المحتار] وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا فِي وَسَطِ السُّورَةِ وَأَنَّ هَذِهِ وِفَاقِيَّةٌ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ؛ نَعَمْ قَالَ بَعْدَهُ إنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرُ الْوَجْهِ. قُلْت: قَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ قِرَاءَةَ الثَّلَاثِ مِنْ آخِرِ السُّورَةِ لَا تَفْصِلُ لِأَنَّهَا إتْمَامٌ لِلسُّورَةِ وَعَدَمُ رَفْضِ بَاقِيهَا فَكَانَ فِي قِرَاءَتِهَا زِيَادَةُ طَلَبٍ فَلَمْ تُفْصَلْ بِخِلَافِ الثَّلَاثِ مِنْ وَسَطِ السُّورَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا زِيَادَةُ طَلَبٍ لِعَدَمِ مَا ذَكَرْنَا فَعُدَّتْ فَاصِلَةً تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَيْ كَوْنَ الرُّكُوعِ لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ) الْأَوْلَى قَوْلُ الْإِمْدَادِ أَيْ نَوَى أَدَاءَهَا فِيهِ اهـ ثُمَّ إنَّ النِّيَّةَ مَحَلُّهَا عِنْدَ إرَادَةِ الرُّكُوعِ فَلَوْ نَوَاهَا فِيهِ قِيلَ يَجُوزُ وَقِيلَ لَا وَلَوْ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ عَلَى الرَّاجِحِ) وَقِيلَ لَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ عِنْدَ الْفَوْرِ وَجَعَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ) كَذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَكِنْ رَدَّهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَاهَا فِي رُكُوعِهِ) أَيْ عَقِبَ التِّلَاوَةِ ح عَنْ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ لَمْ تَجْزِهِ) أَيْ لَمْ تَجْزِ نِيَّةُ الْإِمَامِ الْمُؤْتَمَّ وَلَا تَنْدَرِجُ فِي سُجُودِهِ وَإِنْ نَوَاهَا الْمُؤْتَمُّ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَاهَا الْإِمَامُ فِي رُكُوعِهِ تَعَيَّنَ لَهَا أَفَادَهُ ح. هَذَا وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ نِيَّةَ الْإِمَامِ كَافِيَةٌ كَمَا فِي الْكَافِي فَلَوْ لَمْ يَنْوِ الْمُقْتَدِي لَا يَنُوبُ عَلَى رَأْيٍ فَيَسْجُدُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَيُعِيدُ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ تَرَكَهَا) أَيْ الْقَعْدَةَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ التِّلَاوِيَّةَ تَرْفَعُهَا كَالصُّلْبِيَّةِ بِخِلَافِ السَّهْوِيَّةِ كَمَا مَرَّ فِي السَّهْوِ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الْجَهْرِيَّةِ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ لَوْ تَلَاهَا فِي السَّرِيَّةِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَرْكَعَ بِهَا لِئَلَّا يَلْتَبِسَ الْأَمْرُ عَلَى الْقَوْمِ، وَلَوْ فِي الْجَهْرِيَّةِ فَالسُّجُودُ أَوْلَى اهـ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ نِيَّةَ الْإِمَامِ كَافِيَةٌ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِمَا قَرَأَهُ الْإِمَامُ سِرًّا، وَلَوْ لَمْ يَجْزِهِمْ الرُّكُوعُ عَنْهَا كَانَ الْتِبَاسُ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ أَعْظَمَ وَلَمْ يَكُنْ فِي تَرْجِيحِ الرُّكُوعِ لَهُ فَائِدَةٌ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْقُنْيَةِ هُنَا عَلَى الْجَهْرِيَّةِ لِيَكُونَ الْمُؤْتَمُّ عَالِمًا بِالتِّلَاوَةِ فَإِذَا رَكَعَ إمَامُهُ فَوْرًا يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْوِيَهَا فِيهِ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْإِمَامَ نَوَاهَا فِيهِ فَإِذَا لَمْ يَنْوِ يَسْجُدُ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ، أَمَّا فِي السَّرِيَّةِ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَتَكْفِيهِ نِيَّةُ إمَامِهِ إذْ لَا عِلْمَ لَهُ بِتِلَاوَةِ إمَامِهِ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالسُّجُودِ لَهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ. وَأَجَابَ ح بِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُخْبِرَهُ الْإِمَامُ بَعْدَ السَّلَامِ قَبْلَ تَكَلُّمِ الْمُقْتَدَى وَخُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ أَنَّهُ قَرَأَهَا وَنَوَاهَا فِي الرُّكُوعِ اهـ فَتَأَمَّلْ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ نِيَّةَ الْإِمَامِ لَا تَنُوبُ عَنْ نِيَّةِ الْمُؤْتَمِّ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْقُهُسْتَانِيِّ السَّابِقِ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَصَحِّ حَيْثُ قَالَ عَلَى رَأْيٍ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ لَهَا) أَيْ لِلصَّلَاةِ فَوْرًا نَابَ أَيْ سُجُودُ الْمُقْتَدِي عَنْ سُجُودِ التِّلَاوَةِ بِلَا نِيَّةٍ تَبَعًا لِسُجُودِ إمَامِهِ لِمَا مَرَّ آنِفًا أَنَّهَا تُؤَدَّى بِسُجُودِ الصَّلَاةِ فَوْرًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذَا الِاسْتِدْرَاكِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَنْوِيَهَا فِي الرُّكُوعِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِهَا فِيهِ وَنَوَاهَا فِي السُّجُودِ أَوْ لَمْ يَنْوِهَا أَصْلًا لَا شَيْءَ عَلَى الْمُؤْتَمِّ لِأَنَّ السُّجُودَ هُوَ الْأَصْلُ فِيهَا بِخِلَافِ الرُّكُوعِ فَإِذَا نَوَاهَا الْإِمَامُ فِيهِ وَلَمْ يَنْوِهَا الْمُؤْتَمُّ لَمْ يَجْزِهِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ إرْجَاعَ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ لَهَا إلَى التِّلَاوَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَكَلُّفٍ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ سَجَدَ لَهَا) أَيْ لِلتِّلَاوَةِ. وَفِي أَغْلِبْ النُّسَخِ: وَلَوْ رَكَعَ لَهَا وَمَا هُنَا هُوَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْبَحْرِ أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِرَكْعَةٍ) لِأَنَّ سَجْدَةً لِلتِّلَاوَةِ وَسَجْدَةً تَمَّتْ بِهَا الرَّكْعَةُ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ سَمِعَ الْمُصَلِّي) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ مُؤْتَمًّا أَوْ مُنْفَرِدًا وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِهِ: أَيْ مِمَّنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا غَيْرَ إمَامِهِ أَوْ مُؤْتَمًّا بِذَلِكَ الْإِمَامِ أَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ غَيْرَ مُصَلٍّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 السَّجْدَةَ (مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَسْجُدْ فِيهَا) لِأَنَّهَا غَيْرُ صَلَاتِيَّةٍ (بَلْ) يَسْجُدُ (بَعْدَهَا) لِسَمَاعِهَا مِنْ غَيْرِ مَحْجُورٍ (وَلَوْ سَجَدَ فِيهَا لَمْ تُجْزِهِ) لِأَنَّهَا نَاقِصَةٌ لِلنَّهْيِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهَا الْكَامِلُ (وَأَعَادَهُ) أَيْ السُّجُودَ لِمَا مَرَّ، إلَّا إذَا تَلَاهَا الْمُصَلِّي غَيْرُ الْمُؤْتَمِّ وَلَوْ بَعْدَ سَمَاعِهَا سِرَاجٌ (دُونَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ لِأَنَّ زِيَادَةَ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ لَا يُفْسِدُ إلَّا إذَا تَابَعَ الْمُصَلِّي التَّالِيَ فَتَفْسُدُ لِمُتَابَعَتِهِ غَيْرَ إمَامِهِ وَلَا تُجْزِئُهُ عَمَّا سَمِعَ تَجْنِيسٌ وَغَيْرُهُ (وَإِنْ تَلَاهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَسَجَدَ ثُمَّ دَخَلَ الصَّلَاةَ فَتَلَاهَا) فِيهَا   [رد المحتار] أَصْلًا. اهـ. ح وَنَحْوُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِوُجُوبِهَا بِالسَّمَاعِ مِنْ الْمُؤْتَمِّ بِغَيْرِ إمَامِ السَّامِعِ بِخِلَافِ الْمُؤْتَمِّ بِإِمَامِهِ لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْإِمْدَادِ بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ بِالسَّمَاعِ مِنْ مُقْتَدٍ بِإِمَامِ السَّامِعِ أَوْ بِإِمَامٍ آخَرَ. اهـ. نَعَمْ فِي النِّهَايَةِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ وَتَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا مِنْ الْمُؤْتَمِّ مِمَّنْ لَيْسَ فِي صَلَاتِهِ إجْمَاعًا اهـ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْأَوَّلِ. وَفِي الْبَدَائِعِ إذَا تَلَاهَا الْمُؤْتَمُّ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ إجْمَاعًا وَكَذَا عَلَى الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ إذَا سَمِعُوهَا مِنْهُ. وَأَمَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَلْزَمُهُمْ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَهُوَ التِّلَاوَةُ الصَّحِيحَةُ فِي حَقِّ الْمُؤْتَمِّ وَالسَّمَاعِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ وَلِذَا تَلْزَمُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ وَهُوَ لَيْسَ فِي صَلَاتِهِمْ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ الْأَدَاءُ فِيهَا فَتَجِبُ خَارِجَهَا كَمَا لَوْ سَمِعُوا مِنْ خَارِجٍ عَنْهُمْ وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ السَّجْدَةَ مِنْ أَفْعَالِ هَذِهِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ تِلَاوَةَ الْمُؤْتَمِّ مَحْسُوبَةٌ مِنْ صَلَاتِهِ وَإِنْ تَحَمَّلَهَا عَنْهُ الْإِمَامُ فَلَا تُؤَدَّى بَعْدَهَا. وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ عَلَّلَ بِأَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فَلَا حُكْمَ لَهَا أَوْ بِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِيهَا؛ فَمَنْ عَلَّلَ بِالْأَوَّلِ يَقُولُ: تَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا مِنْ الْمُؤْتَمِّ مِمَّنْ لَا يُشَارِكُهُ فِي صَلَاتِهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فِي حَقِّهِ وَمَنْ عَلَّلَ بِالْأَخِيرَيْنِ يَقُولُ لَا تَجِبُ فَاخْتَلَفُوا فِيهَا لِاخْتِلَافِ الطُّرُقِ اهـ مُلَخَّصًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّانِيَ ضَعِيفٌ فَلَمْ يُعْتَدَّ بِهِ فِي النِّهَايَةِ حَتَّى نُقِلَ فِيهِ الْإِجْمَاعُ كَمَا عَلِمْته وَلَعَلَّ مَا فِي الْإِمْدَادِ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا غَيْرُ صَلَاتِيَّةٍ) فَإِنْ قِيلَ: السَّبَبُ فِي حَقِّ السَّامِعِ السَّمَاعُ لَا التِّلَاوَةُ وَسَمَاعُهُ مَوْجُودٌ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ تَكُنْ أَجْنَبِيَّةً لِكَوْنِ السَّبَبِ غَيْرَ أَجْنَبِيٍّ؟ قُلْنَا: السَّمَاعُ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَكَانَ أَجْنَبِيًّا بِخِلَافِ التِّلَاوَةِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ لِسَمَاعِهَا مِنْ غَيْرِ مَحْجُورٍ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْغَيْرِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِنْ غَيْرِهِ مَا يَشْمَلُ الْمُتَّقِدِي بِإِمَامٍ آخَرَ، فَتَجِبُ بِالسَّمَاعِ مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ مَحْجُورٌ إلَّا أَنْ يُرَادَ الْمَحْجُورُ عَنْ التِّلَاوَةِ فِي صَلَاةِ السَّامِعِ وَهُوَ الْمُقْتَدِي بِإِمَامِهِ لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ مَنْ عَلَّلَ بِالْحَجْرِ يَقُولُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِالسَّمَاعِ مِنْ الْمُؤْتَمِّ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ لِلنَّهْيِ) عِلَّةٌ لِلنُّقْصَانِ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَمْرَ بِإِتْمَامِ الرُّكْنِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَانْتِقَالُهُ إلَى آخَرَ يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِأَدَاءِ مَا وَجَبَ بِسَبَبٍ خَارِجٍ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا فَالنَّهْيُ ضِمْنِيٌّ كَمَا فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهَا نَاقِصَةٌ إلَخْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا تَلَاهَا إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَأَعَادَهُ. (قَوْلُهُ غَيْرُ الْمُؤْتَمِّ) صَادِقٌ بِالْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ. وَاحْتَرَزَ عَنْ الْمُؤْتَمِّ فَإِنَّهُ يَسْجُدُهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَلَا تَصِيرُ صَلَاتِيَّةً لِأَنَّ الَّتِي تَلَاهَا لَا يُعْتَدُّ بِهَا فَلَا تَسْتَتْبِعُ الْخَارِجِيَّةَ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْدَ سَمَاعِهَا) أَيْ إذَا تَلَاهَا الْمُصَلِّي وَسَجَدَ لَهَا لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ تَلَاهَا قَبْلَ سَمَاعِهَا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ أَحَدُ رِوَايَتَيْنِ وَبِهِ جَزَمَ فِي السِّرَاجِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ دُونَهَا إلَخْ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا لَا يُعِيدُ إمْدَادٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِعَادَةَ وَاجِبَةٌ لِكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى النَّهْيِ الْمَذْكُورِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِمُتَابَعَتِهِ غَيْرَ إمَامِهِ) لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ إمَامٌ أَوْ لَا إذَا تَابَعَ أَحَدًا غَيْرَ إمَامِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَالْمُتَابَعَةُ هُنَا وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ اقْتِدَاءً حَقِيقَةً وَلِذَا صَحَّ مُتَابَعَةُ الْمَرْأَةِ فِيهَا وَتَقَدَّمَ السَّامِعُ عَلَى التَّالِي لَكِنَّ الْمُتَابَعَةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ فَلَمَّا تَحَقَّقَتْ الْمُتَابَعَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي مَحَلِّهَا أَشْبَهَتْ الِاقْتِدَاءَ الْحَقِيقِيَّ فَأَفْسَدَتْ الصَّلَاةَ لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْمُصَلِّي لِغَيْرِ إمَامِهِ مُفْسِدَةٌ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ عَزْوِهِ الْمَسْأَلَةَ إلَى التَّجْنِيسِ وَالْمُجْتَبَى وَالْوَلْوَالِجِيَّة: وَقَدَّمْنَا أَنَّ زِيَادَةَ سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ بِنِيَّةِ الْمُتَابَعَةِ لِغَيْرِ إمَامِهِ مُبْطِلَةٌ لِصَلَاتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَتَلَاهَا فِيهَا) أَيْ تَلَا تِلْكَ الْآيَةَ بِعَيْنِهَا أَيْضًا فِي الصَّلَاةِ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ الثَّانِيَةِ سَجْدَةً أُخْرَى لِأَنَّ الْأَقْوَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 (سَجَدَ أُخْرَى) وَلَوْ لَمْ يَسْجُدْ أَوْ لَا كَفَتْهُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الصَّلَاتِيَّةَ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهَا فَتَسْتَتْبِعُ غَيْرَهَا وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ، وَلَوْ لَمْ يَسْجُدْ فِي الصَّلَاةِ سَقَطَتَا فِي الْأَصَحِّ وَأَثِمَ كَمَا مَرَّ (وَلَوْ كَرَّرَهَا فِي مَجْلِسَيْنِ تَكَرَّرَتْ وَفِي مَجْلِسٍ) وَاحِدٍ (لَا) تَتَكَرَّرُ بَلْ كَفَتْهُ وَاحِدَةٌ وَفِعْلُهَا بَعْدَ الْأُولَى أَوْلَى قُنْيَةٌ. وَفِي الْبَحْرِ التَّأْخِيرُ أَحْوَطُ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّدَاخُلِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ   [رد المحتار] لَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْأَضْعَفِ. (قَوْلُهُ كَفَتْهُ وَاحِدَةٌ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ: وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ لَا تَكْفِيهِ الْوَاحِدَةُ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ بِالصَّلَاةِ يَتَبَدَّلُ الْمَجْلِسُ أَوْ لَا نَهْرٌ. (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ) كَذَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَمِثْلُهُ فِي الدُّرَرِ وَشَرَطَ فِي الْبَحْرِ اتِّحَادَهُ قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِيهِ وَمِثْلُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالنِّهَايَةِ وَالزَّيْلَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا، وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ مَا فِي الْبَحْرِ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مَا يُفِيدُ عَدَمَ الْخِلَافِ حَيْثُ جَعَلَ قَوْلَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ مَبْنِيًّا عَلَى فَرْضِ تَسْلِيمِ الْوَجْهِ لِرِوَايَةِ النَّوَادِرِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَجْلِسَ بِالصَّلَاةِ تَبَدَّلَ حُكْمًا لِأَنَّ مَجْلِسَ التِّلَاوَةِ غَيْرُ مَجْلِسِ الصَّلَاةِ فَلَا تَسْتَتْبِعُ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَأَمَّا عَلَى الظَّاهِرِ فَالْمَجْلِسُ مُتَّحِدٌّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَوْ لَمْ يَتَّحِدْ وَلَوْ حُكْمًا بِعَمَلٍ غَيْرِ الصَّلَاةِ لَا تُجْزِئُهُ الصَّلَاتِيَّةُ عَمَّا قَبْلَهَا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالزَّيْلَعِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ سَقَطَتَا) لِأَنَّ الْخَارِجِيَّةَ أَخَذَتْ حُكْمَ الصَّلَاتِيَّةِ فَسَقَطَتْ تَبَعًا لَهَا ح. (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَعَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ لَا تَسْقُطَ الْخَارِجِيَّةُ لِأَنَّ الصَّلَاتِيَّةَ مَا اسْتَتْبَعَتْهَا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ح عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ مَرَّتَيْنِ الْأُولَى: قَوْلُهُ: فَيَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا. وَالثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: أَثِمَ فَتَلْزَمُهُ التَّوْبَةُ ح. [تَتِمَّةٌ] لَمْ يَذْكُرْ عَكْسَ مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ أَيْ لَوْ تَلَاهَا فِي الصَّلَاةِ فَسَجَدَهَا فِيهَا، ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ السَّلَامِ، فَقِيلَ تَجِبُ أُخْرَى قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذَا يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ النَّوَادِرِ، وَقِيلَ: لَا تَجِبُ. وَوَفَّقَ الْفَقِيهُ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا تَكَلَّمَ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَقْطَعُ حُكْمَ الْمَجْلِسِ وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَلَا تَأْيِيدَ نَهْرٌ، وَلَوْ لَمْ يَسْجُدْ لَهَا حَتَّى سَلَّمَ ثُمَّ تَلَاهَا سَجَدَ سَجْدَةً وَاحِدَةً وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْأُولَى شَرْحُ الْمُنْيَةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَرَّرَهَا فِي مَجْلِسَيْنِ تَكَرَّرَتْ) الْأَصْلُ أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ إلَّا بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: اخْتِلَافُ التِّلَاوَةِ أَوْ السَّمَاعِ أَوْ الْمَجْلِسِ. أَمَّا الْأَوَّلَانِ: فَالْمُرَادُ بِهِمَا اخْتِلَافُ الْمَتْلُوِّ وَالْمَسْمُوعِ حَتَّى لَوْ تَلَا سَجَدَاتِ الْقُرْآنِ كُلَّهَا أَوْ سَمِعَهَا فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ وَجَبَتْ كُلُّهَا. وَأَمَّا الْأَخِيرُ فَهُوَ قِسْمَانِ: حَقِيقِيٌّ بِالِانْتِقَالِ مِنْهُ إلَى آخَرَ بِأَكْثَرَ مِنْ خُطْوَتَيْنِ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ كَمَا فِي الْمُحِيطِ مَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَكَانَيْنِ حُكْمُ الْوَاحِدِ، كَالْمَسْجِدِ وَالْبَيْتِ وَالسَّفِينَةِ وَلَوْ جَارِيَةً، وَالصَّحْرَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّالِي فِي الصَّلَاةِ رَاكِبًا. وَحُكْمِيٌّ وَذَلِكَ بِمُبَاشَرَةِ عَمَلٍ يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ قَطْعًا لِمَا قَبْلَهُ كَمَا لَوْ تَلَا ثُمَّ أَكَلَ كَثِيرًا أَوْ نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ أَرْضَعَتْ وَلَدَهَا أَوْ أَخَذَ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ نِكَاحٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا طَالَ جُلُوسُهُ أَوْ قِرَاءَتُهُ أَوْ سَبَّحَ أَوْ هَلَّلَ أَوْ أَكَلَ لُقْمَةً أَوْ شَرِبَ شَرْبَةً أَوْ نَامَ قَاعِدًا أَوْ كَانَ جَالِسًا فَقَامَ أَوْ مَشَى خُطْوَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا عَلَى الْخِلَافِ أَوْ كَانَ قَائِمًا فَقَعَدَ أَوْ نَازِلًا فَرَكِبَ فِي مَكَانِهِ فَلَا تَتَكَرَّرُ حِلْيَةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ بَلْ كَفَتْهُ وَاحِدَةٌ) وَلَا يُنْدَبُ تَكْرَارُهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ وَفِي الْبَحْرِ التَّأْخِيرُ أَحْوَطُ) لِأَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ إنَّ التَّدَاخُلَ فِيهَا فِي الْحُكْمِ لَا فِي السَّبَبِ، حَتَّى لَوْ سَجَدَ لِلْأُولَى ثُمَّ أَعَادَهَا لَزِمَتْهُ أُخْرَى كَحَدِّ الشُّرْبِ وَالزِّنَا نَقَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى بَحْرٌ: وَأَجَابَ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَى الْعِبَادَةِ أَوْلَى وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ قَوْلُ الْبَعْضِ لِضَعْفِهِ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَقَالَ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ مُحْتَمَلَ الذَّهَابِ كَمَا يُتَّفَقُ فِي الدُّرُوسِ. (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَبْنَاهَا) أَيْ السَّجْدَةِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ تَتَكَرَّرَ لِأَنَّ التِّلَاوَةَ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ شُرْنْبُلَالِيَّةٌ. (قَوْلُهُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ) لِأَنَّ فِي إيجَابِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْآيَةِ وَالْمَجْلِسِ (وَهُوَ تَدَاخُلٌ فِي السَّبَبِ) بِأَنْ يُجْعَلَ الْكُلُّ كَتِلَاوَةٍ وَاحِدَةٍ فَتَكُونُ الْوَاحِدَةُ سَبَبًا وَالْبَاقِي تَبَعًا لَهَا، وَهُوَ أَلْيَقُ بِالْعِبَادَةِ لِأَنَّ تَرْكَهَا مَعَ وُجُودِ سَبَبِهَا شَنِيعٌ (لَا) تَدَاخُلَ (فِي الْحُكْمِ) بِأَنْ تُجْعَلَ كُلُّ تِلَاوَةٍ سَبَبًا لِسَجْدَةٍ فَتَدَاخَلَتْ السَّجَدَاتُ فَاكْتُفِيَ بِوَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالْعُقُوبَةِ لِأَنَّهَا لِلزَّجْرِ وَهُوَ يَنْزَجِرُ بِوَاحِدَةٍ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَالْكَرِيمُ يَعْفُو مَعَ قِيَامِ سَبَبِ الْعُقُوبَةِ وَأَفَادَ الْفَرْقَ بِقَوْلِهِ (فَتَنُوبُ الْوَاحِدَةُ) فِي تَدَاخُلِ السَّبَبِ (عَمَّا قَبْلَهَا وَعَمَّا بَعْدَهَا) وَلَا تَنُوبُ فِي تَدَاخُلِ الْحُكْمِ إلَّا عَمَّا قَبْلَهَا حَتَّى لَوْ زَنَى فَحُدَّ ثُمَّ زَنَى فِي الْمَجْلِسِ حُدَّ ثَانِيًا (وَ) إسْدَاءُ (الثَّوْبِ) ذَاهِبًا وَآيِبًا (وَانْتِقَالُهُ مِنْ غُصْنِ) شَجَرَةٍ (إلَى آخَرَ وَسَبْحُهُ فِي نَهْرٍ أَوْ حَوْضٍ تَبْدِيلٌ) لِلْمَجْلِسِ أَوْ الْآيَةِ   [رد المحتار] السَّجْدَةِ لِكُلِّ تِلَاوَةٍ حَرَجًا خُصُوصًا لِلْمُعَلِّمِينَ وَالْمُتَعَلِّمِينَ وَهُوَ مَنْفِيٌّ بِالنَّصِّ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْآيَةِ وَالْمَجْلِسِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الْمُكَرَّرُ آيَةً وَاحِدَةً فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَلَوْ تَلَا آيَتَيْنِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ آيَةً وَاحِدَةً فِي مَجْلِسَيْنِ فَلَا تَدَاخُلَ وَلَمْ يُشْتَرَطْ اتِّحَادُ السَّمَاعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِاتِّحَادِ الْمَسْمُوعِ فَيُغْنِي عَنْهُ اشْتِرَاطُ اتِّحَادِ الْآيَةِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ مَتَى اتَّحَدَتْ الْآيَةُ وَالْمَجْلِسُ لَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ وَإِنْ اجْتَمَعَ التِّلَاوَةُ وَالسَّمَاعُ وَلَوْ مِنْ جَمَاعَةٍ فَفِي الْبَدَائِعِ لَا يَتَكَرَّرُ، وَلَوْ اجْتَمَعَ سَبَبَا الْوُجُوبِ وَهُمَا التِّلَاوَةُ وَالسَّمَاعُ بِأَنْ تَلَاهَا ثُمَّ سَمِعَهَا أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ تَكَرَّرَ أَحَدُهُمَا. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: سَمِعَهَا مِنْ آخَرَ وَمِنْ آخَرَ أَيْضًا وَقَرَأَهَا كَفَتْ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْأَصَحِّ لِاتِّحَادِ الْآيَةِ وَالْمَكَانِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْخَانِيَّةِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ قَرَأَهَا جَمَاعَةٌ وَسَمِعَهَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَفَتْهُمْ وَاحِدَةٌ. (قَوْلُهُ وَهُوَ تَدَاخُلٌ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى عَدَمِ التَّكْرَارِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَفِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَا أَوْ إلَى التَّدَاخُلِ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ فَتَكُونُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ بَيَانٌ وَتَوْضِيحٌ لِكَيْفِيَّةِ جَعْلِ الْكُلِّ كَتِلَاوَةٍ وَاحِدَةٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ تَرْكَهَا إلَخْ) عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ مِنْ التَّدَاخُلِ فِي الْحُكْمِ مَعَ تَعَدُّدِ الْأَسْبَابِ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالْعُقُوبَةِ) عِلَّةٌ لِلنَّفْيِ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّهَا لِلزَّجْرِ إلَخْ عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّا لَمْ نَقُلْ بِالتَّدَاخُلِ فِي الْحُكْمِ فِي الْعِبَادَاتِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَمْرِ الشَّنِيعِ وَهُوَ تَرْكُ الْعِبَادَةِ الْمَطْلُوبِ تَكْثِيرُهَا مَعَ قِيَامِ سَبَبِهَا فَجَعَلْنَا الْكُلَّ سَبَبًا وَاحِدًا لِدَفْعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِهَا؛ أَمَّا الْعُقُوبَاتُ فَإِنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الدَّرْءِ وَالْعَفْوِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِهَا مَعَ قِيَامِ سَبَبِهَا الْأَمْرُ الشَّنِيعُ بَلْ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا وَهُوَ الزَّجْرُ بِعُقُوبَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ جَوَازِ عَفْوِ الْمَوْلَى تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ تَعَدَّدَ السَّبَبُ. (قَوْلُهُ وَأَفَادَ الْفَرْقُ) أَيْ بَيْنَ التَّدَاخُلَيْنِ. وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّهُ لَمَّا جَعَلْنَا الْأُولَى سَبَبًا وَالْبَاقِيَ تَبَعًا لَهَا كَانَ أَيْنَمَا سَجَدَ سَجَدَ بَعْدَ السَّبَبِ بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِي فَإِنَّ الْأَسْبَابَ فِيهِ عَلَى حَالِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ السُّجُودِ بَعْدَ تَمَامِ الْأَسْبَابِ ح (قَوْلُهُ حُدَّ ثَانِيًا) أَيْ لِوُجُودِ سَبَبِهِ مَعَ ظُهُورِ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الِانْزِجَارُ عَنْ الزِّنَا بِالْحَدِّ الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ إذَا أُقِيمَ مَرَّةً ثُمَّ قَذَفَهُ مِرَارًا لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّ الْعَارَ قَدْ انْدَفَعَ بِالْأَوَّلِ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ ذَاهِبًا وَآيِبًا) أَمَّا إذَا كَانَ يُدِيرُ السَّدَاءَ عَلَى الدَّائِرَةِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي مَكَان وَاحِدٍ فَلَا يَتَكَرَّرُ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ بَحْثًا وَفِيهِ نَظَرٌ يَأْتِي قَرِيبًا. (قَوْلُهُ وَانْتِقَالُهُ مِنْ غُصْنٍ إلَى آخَرَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ إنْ أَمْكَنَهُ الِانْتِقَالُ بِدُونِ نُزُولٍ كَفَتْهُ وَاحِدَةٌ لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ وَإِلَّا فَلَا لِاخْتِلَافِهِ اهـ وَهَذَا مَا أَفْتَى بِهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ ط عَنْ حَاشِيَةِ الزَّيْلَعِيِّ لِلشَّلَبِيِّ. (قَوْلُهُ أَوْ حَوْضٍ) قَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ عَرْضُ الْحَوْضِ وَطُولُهُ مِثْلُ طُولُ الْمَسْجِدِ وَعَرْضُهُ لَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَتَكَرَّرُ خَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ تَبْدِيلٌ لِلْمَجْلِسِ) أَيْ فِي حَقِّ التَّالِي أَوْ الْآيَةِ أَيْ فِي حَقِّ السَّامِعِ كَذَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 (فَتَجِبُ) سَجْدَةٌ أَوْ سَجَدَاتٌ (أُخْرَى) بِخِلَافِ زَوَايَا مَسْجِدٍ وَبَيْتٍ وَسَفِينَةٍ سَائِرَةٍ وَفِعْلٍ قَلِيلٍ كَأَكْلِ لُقْمَتَيْنِ وَقِيَامٍ   [رد المحتار] قُلْت: الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ أَوْ التِّلَاوَةِ بَدَلَ الْآيَةِ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّ السَّامِعِ هُوَ التِّلَاوَةُ كَمَا مَرَّ عَلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي لَا عَكْسُهُ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى سَبَبِيَّةِ السَّمَاعِ، وَعَلَيْهِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرَ بِالسَّمَاعِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى سَبَبِيَّةِ السَّمَاعِ وَلَمَّا كَانَ تَبَدُّلُ السَّمَاعِ بِتَبَدُّلِ الْمَسْمُوعِ أَتَى بِقَوْلِهِ أَوْ الْآيَةِ بَدَلَ قَوْلِهِ أَوْ السَّمَاعِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَتَجِبُ سَجْدَةٌ أَوْ سَجَدَاتٌ) أَيْ بِقَدْرِ تَعَدُّدِ التِّلَاوَةِ، وَقَوْلُهُ أُخْرَى صِفَةٌ سَجْدَةٍ وَيُقَدَّرُ لِقَوْلِهِ أَوْ سَجَدَاتٌ صِفَةٌ غَيْرُهَا أَيْ أُخَرُ فَفِيهِ حَذْفُ الصُّفَّةِ لِدَلِيلٍ وَإِقْحَامُ الْمَعْطُوفِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَصِفَتِهِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ زَوَايَا مَسْجِدٍ) أَيْ وَلَوْ كَبِيرًا عَلَى الْأَوْجَهِ وَكَذَا الْبَيْتُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ إلَّا إذَا كَانَتْ الدَّارُ كَبِيرَةً كَدَارِ السُّلْطَانِ. اهـ. حِلْيَةٌ وَظَاهِرٌ أَنَّ الدَّارَ الَّتِي دُونَهَا لَهَا حُكْمُ الْبَيْتِ وَإِنْ اشْتَمَلَتْ عَلَى بُيُوتٍ، ثُمَّ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: ثُمَّ الْأَصْلُ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ فِيهِ بِمَنْ يُصَلِّي فِي طَرَفٍ مِنْهُ يُجْعَلُ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ وَلَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ فِيهِ وَمَا لَا فَلَا، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ أَوْ تَسْدِيَةُ الثَّوْبِ أَوْ التَّرَدُّدُ فِي الدِّيَاسَةِ أَوْ حَوْلَ رَحَا الطَّحْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فِيمَا لَهُ حُكْمُ الْمَكَانِ الْوَاحِدِ كَالْمَسْجِدِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَكَرَّرَ الْوُجُوبُ بِتَكْرِيرِ التِّلَاوَةِ. اهـ. قُلْت: هُوَ بَحْثٌ وَجِيهٌ، لَكِنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِهِمْ خِلَافُهُ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ غُصْنٍ إلَى غُصْنٍ وَالتَّسْدِيَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ أَعْمَالٌ أَجْنَبِيَّةٌ كَثِيرَةٌ يَخْتَلِفُ بِهَا الْمَجْلِسُ حُكْمًا كَالْكَلَامِ وَالْأَكْلِ الْكَثِيرِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَجْلِسَ يَخْتَلِفُ حُكْمًا بِمُبَاشَرَةِ عَمَلٍ يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ قَطْعًا لِمَا قَبْلَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الْبَيْتِ بَلْ يَخْتَلِفُ بِهَا حَقِيقَةً لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَكَانٌ وَاحِدٌ حُكْمًا وَبِهَذِهِ الْأَفْعَالِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الِانْتِقَالِ يَخْتَلِفُ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْأَكْلِ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ حُكْمِيٌّ، وَعَلَى كُلٍّ يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ وَلِذَا قَيَّدَ فِي الْوَاقِعَاتِ الِانْتِقَالَ مِنْ غُصْنٍ إلَى غَيْرِهِ بِمَا إذَا احْتَاجَ إلَى نُزُولٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَيْ لِيَكُونَ عَمَلًا كَثِيرًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا لَهُ حُكْمُ الْمَكَانِ الْوَاحِدِ كَالْمَسْجِدِ وَالْبَيْتِ لَا يَضُرُّ الِانْتِقَالُ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ خُطُوَاتٍ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِعَمَلٍ أَجْنَبِيٍّ يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ قَطْعًا لِمَا قَبْلَهُ كَالدِّيَاسَةِ وَالتَّسْدِيَةِ، بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْمَشْيِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ بَلْ إطْلَاقُ كَلَامِهِمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ الْأَجْنَبِيَّ كَالْأَكْلِ الْكَثِيرِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ يَضُرُّ هُنَا، وَلَوْ بِدُونِ مَشْيٍ وَانْتِقَالٍ حَيْثُ لَمْ يُقَيِّدُوهُ بِغَيْرِ الْمَسْجِدِ وَالْبَيْتِ وَمُقْتَضَاهُ تَكْرَارُ الْوُجُوبِ لَوْ فَصَلَ بَيْنَ التِّلَاوَتَيْنِ بِعَمَلٍ دُنْيَوِيٍّ كَخِيَاطَةٍ وَحِيَاكَةٍ وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الْبَيْتِ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ فِي تَحْقِيقِ اخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ حُكْمًا بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَوْمَ يَجْلِسُونَ لِدَرْسِ الْعَالِمِ فَيَكُونُ مَجْلِسُ الدَّرْسِ ثُمَّ يَشْتَغِلُونَ بِالنِّكَاحِ فَيَصِيرُ مَجْلِسَ النِّكَاحِ، ثُمَّ بِالْبَيْعِ، فَيَصِيرُ مَجْلِسَ الْبَيْعِ، ثُمَّ بِالْأَكْلِ فَيَصِيرُ مَجْلِسَ الْأَكْلِ فَصَارَ تَبَدُّلُهُ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ كَتَبَدُّلِهِ بِالذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ. اهـ. وَعَلَى هَذَا فَمَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ يُدِيرُ السَّدَاءَ عَلَى الدَّائِرَةِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي مَكَان وَاحِدٍ، فَلَا يَتَكَرَّرُ فِيهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ التِّلَاوَتَيْنِ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ إدَارَةِ الدَّائِرَةِ كَثِيرًا وَبَيْنَ الْأَكْلِ الْكَثِيرِ وَإِرْضَاعِ الْوَلَدِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِهِ الْمَجْلِسُ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ إذَا جَلَسَ لِلتَّسْدِيَةِ وَقَرَأَ مِرَارًا لَا تَكُونُ التَّسْدِيَةُ فَاصِلَةً لِكَوْنِ الْمَجْلِسِ لَهَا. وَعَلَيْهِ يُقَالُ مِثْلُهُ فِي الْأَكْلِ وَنَحْوِهِ فَتَأَمَّلْ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي تَحْرِيرُهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَفِعْلٍ قَلِيلٍ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْفِعْلِ الْكَثِيرِ الَّذِي يُعَدُّ قَاطِعًا لِلْمَجْلِسِ عُرْفًا كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ مَا إذَا طَالَ جُلُوسُهُ أَوْ قِرَاءَتُهُ أَوْ سَبَّحَ أَوْ هَلَّلَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوْ وَعَظَ أَوْ دَرَسَ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ وَقِيَامٍ) أَيْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 وَرَدِّ سَلَامٍ، وَكَذَا دَابَّةٌ يُصَلِّي عَلَيْهَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَجْمَعُ الْأَمَاكِنَ وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ تَتَكَرَّرُ (كَمَا) تَتَكَرَّرُ (لَوْ تُبَدَّل مَجْلِسُ سَامِعٍ دُونَ تَالٍ) حَتَّى لَوْ كَرَّرَهَا رَاكِبًا يُصَلِّي وَغُلَامُهُ يَمْشِي تَتَكَرَّرُ عَلَى الْغُلَامِ لَا الرَّاكِبِ (لَا) تَتَكَرَّرُ (فِي عَكْسِهِ) وَهُوَ تَبَدُّلُ مَجْلِسِ التَّالِي دُونَ السَّامِعِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَهَذَا يُفِيدُ تَرْجِيحَ سَبَبِيَّةِ السَّمَاعِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ: تَتَكَرَّرُ إذْ لَا تَدَاخُلَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَأَمَّا الْعُطَاسُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ لَا يُشَمِّتُهُ خُلَاصَةٌ (وَكُرِهَ تَرْكُ آيَةِ سَجْدَةٍ وَقِرَاءَةُ بَاقِي السُّورَةِ) لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ نَظْمِ الْقُرْآنِ   [رد المحتار] فِي مَحَلِّهِ، وَمِثْلُهُ لَوْ مَشَى خُطْوَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا عَلَى مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ وِرْدُ سَلَامٍ) أَيْ وَتَشْمِيتُ عَاطِسٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَكَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَوْ شَرِبَ جَرَعَاتٍ أَوْ عَقَدَ نِكَاحًا أَوْ بَيْعًا فَإِنَّهُ لَا يَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا دَابَّةٌ) أَيْ سَائِرَةٌ ح (قَوْلُهُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَجْمَعُ الْأَمَاكِنَ) ضَرُورَةً أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَكَانِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ، وَمُفَادُهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ كَوْنِ التَّكْرَارِ فِي رَكْعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ بِتَكْرَارِهَا فِي رَكْعَتَيْنِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ تَتَكَرَّرُ) لِأَنَّ سَيْرَهَا مُضَافٌ إلَيْهِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَتْ بِخِلَافِ سَيْرِ السَّفِينَةِ ح عَنْ الدُّرَرِ. (قَوْلُهُ كَمَا تَتَكَرَّرُ) أَيْ عَلَى السَّامِعِ دُونَ التَّالِي وَفِي عَكْسِهِ بِعَكْسِهِ ط. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ تَكَرَّرَ مَجْلِسُهُ مِنْ سَامِعٍ أَوْ تَالٍ تَكَرَّرَ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ دُونَ صَاحِبِهِ. (قَوْلُهُ وَغُلَامُهُ يَمْشِي) أَقُولُ: وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ رَاكِبًا مَعَهُ لِمَا فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَوْ كَانَ الْمُصَلِّي عَلَى الدَّابَّةِ فِي مَحْمَلٍ وَكَرَّرَهَا مِرَارًا يَتَّحِدُ الْوُجُوبُ فِي حَقِّهِ وَيَتَعَدَّدُ فِي حَقِّ عَدِيلِهِ لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ فِي حَقِّ السَّامِعِ اهـ أَيْ إلَّا إذَا اقْتَدَى بِهِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رَاكِبَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا يُصَلِّي صَلَاةَ نَفْسِهِ فَتَلَا أَحَدُهُمَا آيَةً مَرَّتَيْنِ وَالْآخَرُ آيَةً أُخْرَى مَرَّةً وَسَمِعَ كُلٌّ مِنْ الْآخَرِ؛ فَعَلَى الْأَوَّلِ سَجْدَتَانِ إحْدَاهُمَا: فِي الصَّلَاةِ لِقِرَاءَتِهِ، وَالْأُخْرَى بَعْدَ الْفَرَاغِ لِقِرَاءَةِ صَاحِبِهِ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ صَلَاتِيَّةً وَعَلَى الثَّانِي سَجْدَةٌ فِي صَلَاتِهِ لِقِرَاءَتِهِ وَسَجْدَتَانِ بَعْدَ الْفَرَاغِ لِتِلَاوَتَيْ صَاحِبِهِ عَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ وَوَاحِدَةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ لِأَنَّ السَّامِعَ مَكَانُهُ وَاحِدٌ وَكَذَا التَّالِي. اهـ. (قَوْلُهُ تَتَكَرَّرُ عَلَى الْغُلَامِ) لِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ الرَّاكِبِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَجْمَعُ الْمُتَفَرِّقَ ط (قَوْلُهُ لَا تَتَكَرَّرُ) أَيْ عَلَى السَّامِعِ. (قَوْلُهُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ) رَاجِعٌ إلَى صُورَةِ الْعَكْسِ فَقَطْ، وَمُقَابِلُهُ مَا صَحَّحَهُ فِي الْكَافِي مِنْ تَكَرُّرِهَا عَلَى السَّامِعِ أَيْضًا لِأَنَّ التِّلَاوَةَ هِيَ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا لَكِنْ بِشَرْطِ السَّمَاعِ وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخَانِيَّةِ الْأَوَّلَ. قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. قَالَ الْفَقِيرُ وَبِهِ نَأْخُذُ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَذَلِكَ) أَيْ كَالسَّجْدَةِ تَتَكَرَّرُ عِنْدَ ذِكْرِ اسْمِهِ الشَّرِيفِ أَوْ سَمَاعِهِ فِي مَجْلِسَيْنِ لَا فِي مَجْلِسٍ، وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ، وَلَوْ كَرَّرَهَا فِي مَجْلِسَيْنِ إلَخْ كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ ذِكْرِ اسْمِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا كَحُكْمِ السَّجْدَةِ فِي عَدَمِ تَكَرُّرِ الْوُجُوبِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ، لَكِنْ يُنْدَبُ تَكْرَارُ الصَّلَاةِ دُونَ السُّجُودِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُتَقَرَّبُ بِهَا مُسْتَقِلَّةً وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ بِخِلَافِ السَّجْدَةِ فَإِنَّهَا لَا يُتَقَرَّبُ بِهَا مُسْتَقِلَّةً مِنْ غَيْرِ تِلَاوَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ: تَتَكَرَّرُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَقَدَّمْنَا تَرْجِيحَهُ. اهـ. وَتَقَدَّمَ هَذَا الْبَحْثُ فِي فَصْلِ إذَا أَرَادَ الشُّرُوعَ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي هُنَا وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْهُمَامِ فِي زَادِ الْفَقِيرِ. (قَوْلُهُ فَالْأَصَحُّ إلَخْ) وَقِيلَ مَرَّةٌ وَقِيلَ إلَى الْعَشْرِ وَقِيلَ كُلَّمَا عَطَسَ ح وَإِنَّمَا يَجِبُ تَشْمِيتُهُ إذَا حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى كَذَا فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ (قَوْلُهُ فِيهِ إلَخْ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ فِيهِ هَجْرَ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ وَلِأَنَّهُ فِرَارٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 وَتَغْيِيرَ تَأْلِيفِهِ وَاتِّبَاعُ النَّظْمِ وَالتَّأْلِيفِ مَأْمُورٌ بِهِ بَدَائِعُ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ (لَا) يُكْرَهُ (عَكْسُهُ وَ) لَكِنْ (نُدِبَ ضَمُّ آيَةٍ أَوْ آيَتَيْنِ إلَيْهَا) قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا لِدَفْعِ وَهْمِ التَّفْضِيلِ إذْ الْكُلُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ فِي رُتْبَةٍ وَإِنْ كَانَ لِبَعْضِهَا زِيَادَةُ فَضِيلَةٍ بِاشْتِمَالِهِ عَلَى صِفَاتِهِ تَعَالَى وَاسْتُحْسِنَ إخْفَاؤُهَا عَنْ سَامِعٍ غَيْرِ مُتَهَيِّئٍ لِلسُّجُودِ. وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي وُجُوبِهَا عَلَى مُتَشَاغِلٍ بِعَمَلٍ وَلَا يَسْمَعُهَا وَالرَّاجِحُ الْوُجُوبُ زَجْرًا لَهُ عَنْ تَشَاغُلِهِ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ فَنُزِّلَ سَامِعًا لِأَنَّهُ بِعُرْضَةِ أَنْ يَسْمَعَ (وَلَوْ سَمِعَ آيَةَ سَجْدَةٍ) مِنْ قَوْمٍ (مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ (حَرْفًا لَمْ يَسْجُدْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهَا مِنْ تَالٍ خَانِيَّةٌ فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ اتِّحَادَ التَّالِي شَرْطٌ. [مُهِمَّةٌ لِكُلِّ مُهِمَّةٍ] فِي الْكَافِي:   [رد المحتار] مِنْ السَّجْدَةِ وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ وَتَغْيِيرَ تَأْلِيفِهِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ ح. (قَوْلُهُ مَأْمُورٌ بِهِ) قَالَ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18] أَيْ تَأْلِيفَهُ فَتْحٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ إلَخْ) هُوَ لِصَاحِبِ النَّهْرِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَنْ الْبَدَائِعِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَا يُكْرَهُ عَكْسُهُ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ مِنْ بَيْنِ السُّورَةِ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَةُ مَا هُوَ مِنْ الْقُرْآنِ طَاعَةٌ كَقِرَاءَةِ سُورَةٍ مِنْ بَيْنِ السُّوَرِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَا تَحْرِيمًا وَلَا تَنْزِيهًا لِأَنَّهُ جَعَلَ قِرَاءَةَ الْآيَةِ كَقِرَاءَةِ السُّورَةِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي قِرَاءَةِ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ أَصْلًا فَكَذَا الْآيَةُ الْوَاحِدَةُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَنُدِبَ إلَخْ فَقَدْ ذَكَرْنَا مِرَارًا أَنَّ تَرْكَ الْمَنْدُوبِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا تَنْزِيهًا إلَّا بِدَلِيلٍ فَتَأَمَّلْ هَذَا وَفِي الْبَحْرِ: وَقَيَّدَ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ اهـ أَمَّا فِيهَا فَمَكْرُوهٌ قُهُسْتَانِيُّ. قُلْت: وَبَيَّنَ وَجْهَهُ فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ قَالُوا وَيَجِبُ أَنْ يُكْرَهَ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى آيَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الصَّلَاةِ مَكْرُوهُ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهَا تَحْرِيمِيَّةٌ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَهُوَ قِرَاءَةُ ثَلَاثِ آيَاتٍ لَا لِلْعِلَّةِ الْآتِيَةِ فِي الشَّرْحِ. (قَوْلُهُ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا) أَخَذَ التَّعْمِيمَ مِنْ قَوْلِ الْخَانِيَّةِ إنْ قَرَأَ مَعَهَا آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ فَهُوَ أَحَبُّ وَكَذَا عَبَّرَ فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ مُحَمَّدًا قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْرَأَ قَبْلَهَا آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَكَأَنَّهُمْ أَخَذُوا التَّعْمِيمَ مِنْ عُمُومِ التَّعْلِيلِ إذْ دَفْعُ الْوَهْمِ لَا يَخْتَصُّ بِمَا قَبْلَهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مَا إذَا قَرَأَ آيَةً قَبْلَهَا وَآيَةً بَعْدَهَا وَتَشْمَلُهُ عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ بِاشْتِمَالِهِ عَلَى صِفَاتِهِ تَعَالَى) فَزِيَادَةُ الْفَضِيلَةِ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ لَا بِاعْتِبَارِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قُرْآنٌ بَحْرٌ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَشْكُلُ مَا وَرَدَ مِنْ تَفْضِيلِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ كَمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَاسْتُحْسِنَ إخْفَاؤُهَا إلَخْ) لِأَنَّهُ لَوْ جَهَرَ بِهَا لَصَارَ مُوجِبًا عَلَيْهِمْ شَيْئًا رُبَّمَا يَتَكَاسَلُونَ عَنْ أَدَائِهِ فَيَقَعُونَ فِي الْمَعْصِيَةِ فَإِنْ كَانُوا مُتَهَيَّئِينَ جَهَرَ بِهَا بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ بِشَرْطِ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنْ لَا يَشُقَّ عَلَيْهِ أَدَاءُ السَّجْدَةِ فَإِنْ وَقَعَ أَخْفَاهَا اهـ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِمْ أَنْ يُخْفِيَهَا نَهْرٌ. (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ إلَخْ) أَقُولُ: صَحَّحَ عَدَمَ الْوُجُوبِ فِي الذَّخِيرَةِ والتتارخانية كَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْحِلْيَةِ. نَعَمْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ: اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي وُجُوبِ السُّجُودِ وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ السَّمَاعَ فِي حَقِّ السَّامِعِ شَرْطٌ أَوْ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ وَلَمْ يُوجَدْ، فَلَا يُوجَدُ الْوُجُوبُ الَّذِي هُوَ الْمَشْرُوطُ أَوْ الْمُسَبَّبُ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ الْوُجُوبِ، كَمَا فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى فَلْيَكُنْ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْمُعْتَمَدِ الْوُجُوبَ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُتَشَاغِلَ نَزَّلَ سَامِعًا لِأَنَّهُ بِعَرَضَةِ أَنْ يَسْمَعَ وَاللَّائِقُ بِهِ أَنْ يُكَلَّفَ بِهِ زَجْرًا لَهُ عَنْ تَشَاغُلِهِ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ اهـ مَا فِي الْمِنَحِ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ حَرْفًا) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلسَّجْدَةِ تِلَاوَةُ أَكْثَرِ الْآيَةِ مَعَ حَرْفِ السَّجْدَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَرْفِ الْكَلِمَةُ وَيَكُونُ الْحَرْفُ الْحَقِيقِيُّ مَفْهُومًا بِالْأَوْلَى ح وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ فَقَدْ أَفَادَ) أَيْ صَاحِبُ الْخَانِيَّةِ بِتَعْلِيلِهِ الْمَذْكُورِ ط (قَوْلُهُ مُهِمَّةٌ لِكُلِّ مُهِمَّةٍ) أَيْ هَذِهِ فَائِدَةٌ مُهِمَّةٌ أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَ الْمُسْلِمُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 قِيلَ مَنْ قَرَأَ آيَ السَّجْدَةِ كُلَّهَا فِي مَجْلِسٍ وَسَجَدَ لِكُلٍّ مِنْهَا كَفَاهُ اللَّهُ مَا أَهَمَّهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَقْرَؤُهَا وِلَاءً ثُمَّ يَسْجُدُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَسْجُدَ لِكُلٍّ بَعْدَ قِرَاءَتِهَا وَهُوَ غَيْرُهُ مَكْرُوهٌ كَمَا مَرَّ. وَسَجْدَةُ الشُّكْرِ: مُسْتَحَبَّةٌ بِهِ يُفْتَى   [رد المحتار] هِمَّتَهُ إلَى تَعَلُّمِهَا لِأَجْلِ دَفْعِ كُلِّ مُهِمَّةٍ أَيْ كُلِّ حَادِثَةٍ تُهِمُّهُ وَتُحْزِنُهُ. (قَوْلُهُ آيَ السَّجْدَةِ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ جَمْعُ آيَةٍ (قَوْلُهُ وِلَاءٍ) بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوَّلًا وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّهُ أَوَّلًا يَسْرُدُهَا مُتَوَالِيَةً ثُمَّ يَسْجُدُ لِلْكُلِّ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً. (قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا أَوْرَدَ الْكَمَالُ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَرَأَهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَغْيِيرُ نَظْمِ الْقُرْآنِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ اتِّبَاعَ النَّظْمِ مَأْمُورٌ بِهِ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ قِرَاءَةَ آيَةٍ مِنْ السُّورَةِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ كَمَا مَرَّ تَعْلِيلُهُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَا مَرَّ فِي قِرَاءَةِ آيَةٍ وَاحِدَةٍ، أَمَّا إذَا قَرَأَ آيَاتِ السَّجْدَةِ وَضَمَّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَغْيِيرُ النَّظْمِ وَإِحْدَاثُ تَأْلِيفٍ جَدِيدٍ كَمَا نَقَلَهُ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ، فَلِذَا أَجَابَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلنَّهْرِ بِحَمْلِ مَا فِي الْكَافِي عَلَى مَا إذَا سَجَدَ لِكُلِّ آيَةٍ بَعْدَ قِرَاءَتِهَا فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَغْيِيرُ النَّظْمِ لِحُصُولِ الْفَصْلِ بَيْنَ كُلِّ آيَتَيْنِ بِالسُّجُودِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَرَأَهَا وِلَاءً ثُمَّ سَجَدَ لَهَا فَهَذَا يُكْرَهُ. قُلْت: لَكِنْ تَقَدَّمَ قُبَيْلَ فَصْلِ الْقِرَاءَةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ عَقِبَ الصَّلَاةِ قِرَاءَةُ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَوْ كَانَ ضَمَّ آيَةً إلَى آيَةٍ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ مَكْرُوهًا لَزِمَ كَرَاهَةُ ضَمِّ آيَةِ الْكُرْسِيِّ إلَى الْمُعَوِّذَاتِ لِتَغْيِيرِ النَّظْمِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِمَا عَلِمْت بِدَلِيلِ أَنَّ كُلَّ مُصَلٍّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً أُخْرَى أَوْ آيَاتٍ أُخَرَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ تَغْيِيرًا لِلنَّظْمِ لَكُرِهَ. فَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّ تَغْيِيرَ النَّظْمِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِإِسْقَاطِ بَعْضِ الْكَلِمَاتِ أَوْ الْآيَاتِ مِنْ السُّورَةِ لَا بِذِكْرِ كَلِمَةٍ أَوْ آيَةٍ، فَكَمَا لَا يَكُونُ قِرَاءَةُ سُوَرٍ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ أَثْنَاءِ الْقُرْآنِ مُغَيِّرًا لِلتَّأْلِيفِ وَالنَّظْمِ لَا يَكُونُ قِرَاءَةُ آيَةٍ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ مُغَيِّرًا لَهُ اهـ: وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمَكْرُوهَ إسْقَاطُ آيَةِ السَّجْدَةِ مِنْ السُّورَةِ مَعَ ضَمِّ مَا بَعْدَهَا إلَى مَا قَبْلَهَا لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِلنَّظْمِ، أَمَّا ضَمُّ آيَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا لَا يُكْرَهُ ضَمُّ سُوَرٍ مُتَفَرِّقَةٍ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا كَرَاهَةَ فِي قِرَاءَةِ آيَاتِ السَّجْدَةِ وِلَاءً فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْكَافِي عَلَى ظَاهِرِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. مَطْلَبٌ فِي سَجْدَةِ الشُّكْرِ (قَوْلُهُ وَسَجْدَةُ الشُّكْرِ) كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا بَعْدَ إنْهَاءِ الْكَلَامِ عَلَى سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ ط وَهِيَ لِمَنْ تَجَدَّدَتْ عِنْدَهُ نِعْمَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَالًا أَوْ وَلَدًا أَوْ انْدَفَعَتْ عَنْهُ نِقْمَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ لِلَّهِ تَعَالَى شُكْرًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا وَيُسَبِّحُهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ كَمَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ سِرَاجٌ. (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) هُوَ قَوْلُهُمَا. وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَنَقَلَ عَنْهُ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ قَالَ لَا أَرَاهَا وَاجِبَةً لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَوَجَبَ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ لِأَنَّ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ مُتَوَاتِرَةٌ وَفِيهِ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ. وَنَقَلَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَاهَا شَيْئًا وَتَكَلَّمَ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي مَعْنَاهُ؛ فَقِيلَ لَا يَرَاهَا سُنَّةً، وَقِيلَ شُكْرًا تَامًّا لِأَنَّ تَمَامَهُ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ كَمَا فَعَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَوْمَ الْفَتْحِ، وَقِيلَ أَرَادَ نَفْيَ الْوُجُوبِ، وَقِيلَ نَفْيَ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَأَنَّ فِعْلَهَا مَكْرُوهٌ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ بَلْ تَرْكُهُ أَوْلَى وَعَزَاهُ فِي الْمُصَفَّى إلَى الْأَكْثَرِينَ فَإِنْ كَانَ مُسْتَنَدُ الْأَكْثَرِينَ ثُبُوتَ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ بِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَكُلٌّ مِنْ عِبَارَتَيْهِ السَّابِقَتَيْنِ مُحْتَمِلٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ لِأَنَّهَا قَدْ جَاءَ فِيهَا غَيْرُ مَا حَدِيثٍ وَفَعَلَهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ فَلَا يَصِحُّ الْجَوَابُ عَنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّسْخِ كَذَا فِي الْحِلْيَةِ مُلَخَّصًا وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِيهَا وَفِي الْإِمْدَادِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 لَكِنَّهَا تُكْرَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْجَهَلَةَ يَعْتَقِدُونَهَا سُنَّةً أَوْ وَاجِبَةً وَكُلُّ مُبَاحٍ يُؤَدِّي إلَيْهِ فَمَكْرُوهٌ، وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْرَأَهَا فِي مُخَافَتَةٍ وَنَحْوِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ تُؤَدَّى بِرُكُوعِ الصَّلَاةِ أَوْ سُجُودِهَا وَلَوْ تَلَا عَلَى الْمِنْبَرِ سَجَدَ وَسَجَدَ السَّامِعُونَ. بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ أَوْ مَحِلِّهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التِّلَاوَةَ عَارِضٌ هُوَ عِبَادَةٌ وَالسَّفَرَ عَارِضٌ مُبَاحٌ إلَّا بِعَارِضٍ   [رد المحتار] فَرَاجِعْهُمَا. وَفِي آخِرِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَقَدْ وَرَدَتْ فِيهِ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا يُمْنَعُ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُضُوعِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي فُرُوقِ الْأَشْبَاهِ: سَجْدَةُ الشُّكْرِ جَائِزَةٌ عِنْدَهُ لَا وَاجِبَةٌ وَهُوَ مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَشْرُوعَةً وُجُوبًا وَفِيهَا مِنْ الْقَاعِدَةِ الْأُولَى وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي سُنِّيَّتِهَا لَا فِي الْجَوَازِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَكِنَّهَا تُكْرَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ) الضَّمِيرُ لِلسَّجْدَةِ مُطْلَقًا. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ آخِرَ الْكِتَابِ عَنْ شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِلزَّاهِدِيِّ: أَمَّا بِغَيْرِ سَبَبٍ فَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَلَا مَكْرُوهٍ، وَمَا يُفْعَلُ عَقِيبَ الصَّلَاةِ فَمَكْرُوهٌ لِأَنَّ الْجُهَّالَ يَعْتَقِدُونَهَا سُنَّةً أَوْ وَاجِبَةً وَكُلُّ مُبَاحٍ يُؤَدِّي إلَيْهِ فَمَكْرُوهٌ انْتَهَى. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا لَيْسَ لَهَا سَبَبٌ لَا تُكْرَهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ فِعْلُهَا إلَى اعْتِقَادِ الْجَهَلَةِ سُنِّيَّتَهَا كَاَلَّتِي يَفْعَلُهَا بَعْضُ النَّاسِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَرَأَيْت مَنْ يُوَاظِبُ عَلَيْهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْوِتْرِ وَيَذْكُرُ أَنَّ لَهَا أَصْلًا وَسَنَدًا فَذَكَرْت لَهُ مَا هُنَا فَتَرَكَهَا ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَأَمَّا مَا ذَكَرَ فِي الْمُضْمَرَاتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ» إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ ". فَحَدِيثٌ مَوْضُوعٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ. (قَوْلُهُ فَمَكْرُوهٌ) الظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ فِي الدِّينِ مَا لَيْسَ مِنْهُ ط. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ إلَخْ) لِأَنَّهُ إنْ تَرَكَ السُّجُودَ لَهَا فَقَدْ تَرَكَ وَاجِبًا وَإِنْ سَجَدَ يَشْتَبِهُ عَلَى الْمُقْتَدِينَ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ وَنَحْوِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ) أَشَارَ بِنَحْوِ إلَى أَنَّ الظُّهْرَ مَثَلًا لَوْ أُدِّيَتْ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ فَهِيَ كَذَلِكَ أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ إلَخْ) بِأَنْ كَانَتْ فِي آخِرِ السُّورَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ أَوْ فِي الْوَسَطِ وَرَكَعَ لَهَا فَوْرًا كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ قَالَ ح: لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْوِيَهَا فِي الرُّكُوعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَحْذُورِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ الْقُنْيَةِ أَيْ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُؤْتَمَّ إذَا لَمْ يَنْوِهَا فِيهِ أَيْضًا أَنْ يَأْتِيَ بِهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَيُعِيدَ الْقَعْدَةَ. (قَوْلُهُ سَجَدَ) أَيْ فَوْقَهُ أَوْ تَحْتَهُ تَتَارْخَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ وَسَجَدَ السَّامِعُونَ) أَيْ لَا غَيْرُهُمْ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ تَتَارْخَانِيَّةٌ. وَفِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ تَلَاهَا الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَجَدَهَا وَسَجَدَهَا مَعَهُ مَنْ سَمِعَهَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَلَا سَجْدَةً عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَلَ وَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ» اهـ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ] قَدَّرَ الشَّارِحُ صَلَاةً لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ مِنْ الْبَابِ. وَالسَّفَرُ لُغَةً قَطْعُ الْمَسَافَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ، وَالْمُرَادُ سَفَرٌ خَاصٌّ وَهُوَ الَّذِي تَتَغَيَّرُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ وَإِبَاحَةِ الْفِطْرِ وَامْتِدَادِ مُدَّةِ الْمَسْحِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَسُقُوطِ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَحُرْمَةِ الْخُرُوجِ عَلَى الْحُرَّةِ مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ ط عَنْ الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ) أَيْ الصَّلَاةِ إلَى شَرْطِهِ أَيْ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ لَهَا ح. وَفِيهِ أَنَّ الشَّرْطَ السَّفَرُ لَا الْمُسَافِرُ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ. (قَوْلُهُ أَوْ مَحَلِّهِ) فَإِنَّ الْمُسَافِرَ مَحَلٌّ لَهَا أَوْ مِنْ إضَافَةِ الْفِعْلِ إلَى فَاعِلِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ أَنَّ كُلَّ فَاعِلٍ مَحَلٌّ وَلَا عَكْسَ ح (قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى) شُرُوعٌ فِي وَجْهِ تَأْخِيرِهِ عَنْ التِّلَاوَةِ وَيُعْلَمُ مِنْهُ الْمُنَاسَبَةُ وَهِيَ الْعُرُوض فِي كُلٍّ ط أَيْ الْعُرُوضِ الْمُكْتَسَبِ بِخِلَافِ السَّهْوِ وَالْمَرَضِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَارِضٌ سَمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ إلَّا بِعَارِضٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ عِبَادَةٌ وَقَوْلُهُ مُبَاحٌ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 فَلِذَا أُخِّرَ؛ وَسُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يَسْفِرُ عَنْ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ. (مَنْ خَرَجَ مِنْ عِمَارَةِ مَوْضِعِ إقَامَتِهِ) مِنْ جَانِبِ خُرُوجِهِ وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: إنْ كَانَ   [رد المحتار] أَيْ الْأَصْلُ فِي التِّلَاوَةِ الْعِبَادَةُ إلَّا بِعَارِضٍ نَحْوِ رِيَاءٍ أَوْ سُمْعَةٍ أَوْ جَنَابَةٍ فَتَكُونُ مَعْصِيَةً وَفِي السَّفَرِ الْإِبَاحَةُ إلَّا بِعَارِضٍ نَحْوِ حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ فَيَكُونُ طَاعَةً أَوْ نَحْوِ قَطْعِ طَرِيقٍ فَيَكُونُ مَعْصِيَةً. (قَوْلُهُ فَلِذَا أُخِّرَ) أَيْ لِكَوْنِ الْأَصْلِ فِيهِ الْإِبَاحَةَ فَإِنَّهُ دُونَ مَا الْأَصْلُ فِيهِ الْعِبَادَةُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَسْفُرُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ الثَّلَاثِي ط عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ. (قَوْلُهُ عَنْ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ) أَوْ لِأَنَّهُ يَسْفُرُ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ أَيْ يَكْشِفُ، وَعَلَيْهِمَا فَالْمُفَاعَلَةُ بِمَعْنَى أَصْلِ الْفِعْلِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَلَى بَابِهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ السَّفْرَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ غَالِبًا فَكُلٌّ مِنْهُمَا يُسْفِرُ عَنْ أَخْلَاقِ صَاحِبِهِ أَوْ أَنَّهُ يَنْكَشِفُ لِلْأَرْضِ وَهِيَ تَنْكَشِفُ لَهُ ح. (قَوْلُهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ عِمَارَةِ مَوْضِعِ إقَامَتِهِ) أَرَادَ بِالْعِمَارَةِ مَا يَشْمَلُ بُيُوتَ الْأَخْبِيَةِ لِأَنَّ بِهَا عِمَارَةُ مَوْضِعِهَا. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: فَيُشْتَرَطُ مُفَارَقَتُهَا وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً وَإِنْ نَزَلُوا عَلَى مَاءٍ أَوْ مُحْتَطَبٍ يُعْتَبَرُ مُفَارَقَتُهُ كَذَا فِي مَجْمَعِ الرِّوَايَاتِ، وَلَعَلَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَطَبًا وَاسِعًا جِدًّا اهـ وَكَذَا مَا لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ نَهْرًا بَعِيدَ الْمَنْبَعِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مُفَارَقَةُ مَا كَانَ مِنْ تَوَابِعِ مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ كَرُبَضِ الْمِصْرِ وَهُوَ مَا حَوْلَ الْمَدِينَةِ مِنْ بُيُوتٍ وَمَسَاكِنَ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمِصْرِ وَكَذَا الْقُرَى الْمُتَّصِلَةُ بِالرُّبَضِ فِي الصَّحِيحِ، بِخِلَافِ الْبَسَاتِينِ، وَلَوْ مُتَّصِلَةً بِالْبِنَاءِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْبَلْدَةِ وَلَوْ سَكَنَهَا أَهْلُ الْبَلْدَةِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ أَوْ بَعْضِهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ سُكْنَى الْحَفَظَةِ وَالْأُكْرَةِ اتِّفَاقٌ إمْدَادٌ. وَأَمَّا الْفِنَاءُ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِمَصَالِحِ الْبَلَدِ كَرَكْضِ الدَّوَابِّ وَدَفْنِ الْمَوْتَى وَإِلْقَاءِ التُّرَابِ، فَإِنْ اتَّصَلَ بِالْمِصْرِ اُعْتُبِرَ مُجَاوَزَتُهُ وَإِنْ انْفَصَلَ بِغَلْوَةٍ أَوْ مَزْرَعَةٍ فَلَا كَمَا يَأْتِي، بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ فَتَصِحُّ إقَامَتُهَا فِي الْفِنَاءِ وَلَوْ مُنْفَصِلًا بِمَزَارِعَ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ مِنْ مَصَالِحِ الْبَلَدِ بِخِلَافِ السَّفَرِ كَمَا حَقَّقَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِهَا، وَالْقَرْيَةُ الْمُتَّصِلَةُ بِالْفِنَاءِ دُونَ الرُّبَضِ لَا تُعْتَبَرُ مُجَاوَزَتُهَا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. أَقُولُ: إذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَيْدَانَ الْحَصَا فِي دِمَشْقَ مِنْ رُبَضِ الْمِصْرِ وَأَنَّ خَارِجَ بَابِ اللَّهِ إلَى قَرْيَةِ الْقُدَمِ مِنْ فِنَائِهِ لِأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْجَبَّانَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْعُمْرَانِ وَهُوَ مُعَدٌّ لِنُزُولِ الْحَاجِّ الشَّرِيفِ فَإِنَّهُ قَدْ يَسْتَوْعِبُ نُزُولَهُمْ مِنْ الْجَبَّانَةِ إلَى مَا يُحَاذِي الْقَرْيَةَ الْمَذْكُورَةَ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ الْقَصْرُ فِيهِ لِلْحَجَّاجِ وَكَذَا الْمُرْجَةُ الْخَضْرَاءُ فَإِنَّهَا مُعَدَّةٌ لِقَصْرِ الثِّيَابِ وَرَكْضِ الدَّوَابِّ وَنُزُولِ الْعَسَاكِرِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ صَدْرَ الْبَازِ بِنَاءً عَلَى مَا حَقَّقَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ مِنْ أَنَّ الْفِنَاءَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ كِبَرِ الْمِصْرِ وَصِغَرِهِ فَلَا يَلْزَمُ تَقْدِيرُهُ بِغَلْوَةٍ كَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَلَا بِمِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. (قَوْلُهُ مِنْ جَانِبِ خُرُوجِهِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: فَلَا يَصِيرُ مُسَافِرًا قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَ عُمْرَانَ مَا خَرَجَ مِنْهُ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي خَرَجَ، حَتَّى لَوْ كَانَ ثَمَّةَ مَحَلَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الْمِصْرِ، وَقَدْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِهِ لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا مَا لَمْ يُجَاوِزْهَا وَلَوْ جَاوَزَ الْعُمْرَانَ مِنْ جِهَةِ خُرُوجِهِ وَكَانَ بِحِذَائِهِ مَحَلَّةٌ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ يَصِيرُ مُسَافِرًا إذْ الْمُعْتَبَرُ جَانِبُ خُرُوجِهِ اهـ وَأَرَادَ بِالْمَحَلَّةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَا كَانَ عَامِرًا أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْمَحَلَّة خَرَابًا لَيْسَ فِيهَا عِمَارَةٌ فَلَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلَوْ مُتَّصِلَةً بِالْمِصْرِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَعَلَى هَذَا لَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْمَدَارِسِ الَّتِي فِي سَفْحِ قَاسِيُونَ إلَّا مَا كَانَ لَهُ أَبْنِيَةٌ قَائِمَةٌ كَمَسْجِدِ الْأَفْرَمِ وَالنَّاصِرِيَّةِ، بِخِلَافِ مَا صَارَ مِنْهَا بَسَاتِينَ وَمَزَارِعَ كَالْأَبْنِيَةِ الَّتِي فِي طَرِيقِ الرَّبْوَةِ ثُمَّ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَحَلَّةُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، فَلَوْ كَانَ الْعُمْرَانُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَتِهِ لِمَا فِي الْإِمْدَادِ لَوْ حَاذَاهُ مِنْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ فَقَطْ لَا يَضُرُّهُ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُحَاذَاةَ الْفِنَاءِ الْمُتَّصِلِ كَمُحَاذَاةِ الْعُمْرَانِ، بَقِيَ هَلْ الْمُرَادُ بِالْجَانِبِ الْبَعِيدُ أَوْ مَا يَشْمَلُ الْقَرِيبَ؟ وَعَلَيْهِ فَلْيُنْظَرْ فِيمَا لَوْ خَرَجَ مِنْ جِهَةِ الْمُرْجَةِ الْخَضْرَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 بَيْنَ الْفِنَاءِ وَالْمِصْرِ أَقَلُّ مِنْ غَلْوَةٍ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مَزْرَعَةٌ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُ وَإِلَّا فَلَا (قَاصِدًا) وَلَوْ كَافِرًا، وَمَنْ طَافَ الدُّنْيَا بِلَا قَصْدٍ لَمْ يَقْصُرْ (مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا) مِنْ أَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ سَفَرُ كُلِّ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ   [رد المحتار] فَوْقَ الشَّرَفِ الْأَعْلَى مِنْ الطَّرِيقِ فَإِنَّ الْمُرْجَةَ أَسْفَلَ مِنْهُ وَهِيَ مِنْ الْفِنَاءِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا هُوَ فَإِنَّهُ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ تُرْبَةِ الْبَرَامِكَةِ لَيْسَ مِنْ الْفِنَاءِ مَعَ أَنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنْ الْعُمْرَانِ بِمَزَارِعَ وَفِيهِ مَزَارِعُ فَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُجَاوِزَ مَا يُحَاذِيهِ مِنْ الْمُرْجَةِ لِقُرْبِهَا مِنْهُ أَمْ لَا؟ فَلْيُحَرَّرْ. وَالظَّاهِرُ اشْتِرَاطُ مُجَاوَزَتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جَانِبِ خُرُوجِهِ لَا مِنْ جَانِبٍ آخَرَ. (قَوْلُهُ أَقَلُّ مِنْ غَلْوَةٍ) هِيَ ثَلَثُمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ هُوَ الْأَصَحُّ بَحْرٌ عَنْ الْمُجْتَبَى. (قَوْلُهُ قَاصِدًا) أَشَارَ بِهِ مَعَ قَوْلِهِ خَرَجَ إلَى أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ وَلَمْ يَقْصِدْ أَوْ قَصَدَ وَلَمْ يَخْرُجْ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا ح. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ إلَى أَنَّ النِّيَّةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَلِذَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ: إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ فِي السَّفِينَةِ حَالَ إقَامَتِهِ فِي طَرَفِ الْبَحْرِ فَنَقَلَتْهَا الرِّيحُ وَنَوَى السَّفَرَ يُتِمُّ صَلَاةَ الْمُقِيمِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ مَا يُوجِبُ الْأَرْبَعَ وَمَا يَمْنَعُ فَرَجَّحْنَا مَا يُوجِبُ الْأَرْبَعَ احْتِيَاطًا اهـ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ قَصْدُهُ لَوْ كَانَ مُسْتَقِلًّا بِرَأْيِهِ، فَلَوْ تَابِعًا لِغَيْرِهِ فَالِاعْتِبَارُ بِنِيَّةِ الْمَتْبُوعِ كَمَا سَيَأْتِي وَعَلَيْهِ خُرِّجَ فِي الْبَحْرِ مَا فِي التَّجْنِيسِ لَوْ حَمَلَهُ آخَرُ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ مَعَهُ يُتِمُّ حَتَّى يَسِيرَ ثَلَاثًا فَيَقْصُرُ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ الْقَصْرُ مِنْ حِينِ حُمِلَ؛ وَلَوْ صَلَّى قَصْرًا مِنْ يَوْمِ الْحَمْلِ صَحَّ إلَّا إذَا سَارَ بِهِ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُقِيمٌ وَفِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ مُسَافِرٌ اهـ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْخُرُوجَ مَعَ قَصْدِ السَّفَرِ كَافٍ وَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ تَمَامِهِ كَمَا يَأْتِي؛ حَتَّى لَوْ سَارَ يَوْمًا وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى فِيهِ لِعُذْرٍ ثُمَّ رَجَعَ يَقْضِيهِ قَصْرًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَافِرًا) فِيهِ أَنَّهُ يَشْمَلُ الصَّبِيَّ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نِيَّتَهُ السَّفَرَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ بِلَا قَصْدٍ) بِأَنْ قَصَدَ بَلْدَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا يَوْمَانِ لِلْإِقَامَةِ بِهَا فَلَمَّا بَلَغَهَا بَدَا لَهُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى بَلْدَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا يَوْمَانِ وَهَلُمَّ جَرًّا. ح. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَعَلَى هَذَا قَالُوا أَمِيرٌ خَرَجَ مَعَ جَيْشِهِ فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيْنَ يُدْرِكُهُمْ فَإِنَّهُ يُتِمُّ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ الْمُكْثُ؛ أَمَّا فِي الرُّجُوعِ فَإِنْ كَانَتْ مُدَّةَ سَفَرٍ قَصَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا) الْأَوْلَى حَذْفُ اللَّيَالِيِ كَمَا فَعَلَ فِي الْكَنْزِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ السَّيْرُ فِيهَا مَعَ الْأَيَّامِ وَلِذَا قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ الْمُرَادُ بِالْأَيَّامِ النَّهَارُ لِأَنَّ اللَّيْلَ لِلِاسْتِرَاحَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ اهـ نَعَمْ لَوْ قَالَ أَوْ لَيَالِيِهَا بِالْعَطْفِ بِأَوْ لَكَانَ أَوْلَى لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ يَصِحُّ قَصْدُ السَّفَرِ فِيهَا وَأَنَّ الْأَيَّامَ غَيْرُ قَيْدٍ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ مِنْ أَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَعَزَاهُ فِي الْمِعْرَاجِ إلَى الْعَتَّابِيِّ وَقَاضِي خَانْ وَصَاحِبِ الْمُحِيطِ، وَبَحَثَ فِيهِ فِي الْحِلْيَةِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ إبْقَاؤُهَا عَلَى إطْلَاقِهَا بِحَسَبِ مَا يُصَادِفُهُ مِنْ الْوُقُوعِ فِيهَا طُولًا وَقِصَرًا وَاعْتِدَالًا إنْ لَمْ تُقَدَّرْ بِالْمُعْتَدِلَةِ الَّتِي هِيَ الْوَسَطُ. اهـ. قُلْت: وَالْمُعْتَدِلَةُ هِيَ زَمَانُ كَوْنِ الشَّمْسِ فِي الْحَمَلِ أَوْ الْمِيزَانِ وَعَلَيْهَا مَشَى الْقُهُسْتَانِيُّ ثُمَّ قَالَ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ بَعْضَ مَشَايِخِنَا قَدَّرُوهُ بِأَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ إلَخْ) إذْ لَا بُدَّ لِلْمُسَافِرِ مِنْ النُّزُولِ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالصَّلَاةِ وَلِأَكْثَرِ النَّهَارِ حُكْمُ كُلِّهِ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ إذَا بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَسَارَ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ حَتَّى بَلَغَ الْمَرْحَلَةَ فَنَزَلَ بِهَا لِلِاسْتِرَاحَةِ وَبَاتَ بِهَا ثُمَّ بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَسَارَ إلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَنَزَلَ ثُمَّ بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَمَشَى إلَى الزَّوَالِ فَبَلَغَ الْمَقْصِدَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسَافِرًا عِنْدَ النِّيَّةِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْبُرْهَانِ إمْدَادٌ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ. أَقُولُ: وَفِي قَوْلِهِ حَتَّى بَلَغَ الْمَرْحَلَةَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقْطَعَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي تَرَكَ فِي أَوَّلِهِ الِاسْتِرَاحَاتِ الْمَرْحَلَةَ الْمُعْتَادَةَ الَّتِي يَقْطَعُهَا فِي يَوْمٍ كَامِلٍ مَعَ الِاسْتِرَاحَاتِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَك أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ التَّقْدِيرِ بِأَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْبِلَادِ الْمُعْتَدِلَةِ الَّتِي يُمْكِنُ قَطْعُ الْمَرْحَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي مُعْظَمِ الْيَوْمِ مِنْ أَقْصَرِ أَيَّامِهَا، فَلَا يَرِدُ أَنَّ أَقْصَرَ أَيَّامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 بَلْ إلَى الزَّوَالِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْفَرَاسِخِ عَلَى الْمَذْهَبِ (بِالسَّيْرِ الْوَسَطِ مَعَ الِاسْتِرَاحَاتِ الْمُعْتَادَةِ) حَتَّى لَوْ أَسْرَعَ فَوَصَلَ فِي يَوْمَيْنِ قَصَرَ؛ وَلَوْ لِمَوْضِعٍ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا مُدَّةُ السَّفَرِ وَالْآخَرُ أَقَلُّ قَصَرَ فِي الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي. (صَلَّى الْفَرْضَ الرُّبَاعِيَّ رَكْعَتَيْنِ) وُجُوبًا لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «إنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَاةَ الْمُقِيمِ أَرْبَعًا   [رد المحتار] السَّنَةِ فِي بِلَادِ بُلْغَارَ قَدْ يَكُونُ سَاعَةً أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَسَافَةُ السَّفَرِ فِيهَا ثَلَاثَ سَاعَاتٍ أَوْ أَقَلَّ لِأَنَّ الْقِصَرَ الْفَاحِشَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَالطُّولِ الْفَاحِشِ وَالْعِبَارَاتُ حَيْثُ أُطْلِقَتْ تُحْمَلُ عَلَى الشَّائِعِ الْغَالِبِ دُون الْخَفِيِّ النَّادِرِ وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا مَا فِي الْهِدَايَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ التَّقْدِيرُ بِالْمَرَاحِلِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ اهـ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ التَّقْدِيرُ بِثَلَاثِ مَرَاحِلَ قَرِيبٌ مِنْ التَّقْدِيرِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ الْمُعْتَادَ مِنْ السَّيْرِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرْحَلَةٌ وَاحِدَةٌ خُصُوصًا فِي أَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ اهـ وَكَذَا مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ قِيلَ يُقَدَّرُ بِوَاحِدٍ وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا وَقِيلَ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَقِيلَ بَخَمْسَةَ عَشَرَ وَكُلُّ مَنْ قَدَّرَ مِنْهَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ اهـ أَيْ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ فَكُلُّ قَائِلٍ قَدَّرَ مَا فِي بَلَدِهِ مِنْ أَقْصَرِ الْأَيَّامِ أَوْ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ أَقْصَرِ الْأَيَّامِ أَوْ أَطْوَلِهَا أَوْ الْمُعْتَدِلِ مِنْهَا وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ صَرِيحٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَيَّامِ مَا تُقْطَعُ فِيهَا الْمَرَاحِلُ الْمُعْتَادَةُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ بَلْ إلَى الزَّوَالِ) فَإِنَّ الزَّوَالَ أَكْثَرُ النَّهَارِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي هُوَ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ وَهُوَ نِصْفُ النَّهَارِ الْفَلَكِيِّ الَّذِي هُوَ مِنْ الطُّلُوعِ إلَى الْغُرُوبِ، ثُمَّ إنَّ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ فِي أَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ فِي مِصْرَ وَمَا سَاوَاهَا فِي الْعَرْضِ سَبْعُ سَاعَاتٍ إلَّا رُبُعًا فَمَجْمُوعُ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ عِشْرُونَ سَاعَةً وَرُبْعٌ، وَيَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ فِي الْعَرْضِ ح. قُلْت: وَمَجْمُوعُ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ فِي دِمَشْقَ عِشْرُونَ سَاعَةً إلَّا ثُلُثَ سَاعَةٍ تَقْرِيبًا لِأَنَّ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ فِي أَقْصَرِ الْأَيَّامِ عِنْدَنَا سِتُّ سَاعَاتٍ وَثُلُثَا سَاعَةٍ إلَّا دَرَجَةً وَنِصْفًا، وَإِنْ اعْتَبَرْت ذَلِكَ بِالْأَيَّامِ الْمُعْتَدِلَةِ كَانَ مَجْمُوعُ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ سَاعَةً وَنِصْفَ سَاعَةٍ تَقْرِيبًا لِأَنَّ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ سَبْعُ سَاعَاتٍ وَنِصْفًا تَقْرِيبًا (قَوْلُهُ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْفَرَاسِخِ) الْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَالْمِيلُ أَرْبَعَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اعْتِبَارُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ مِنْ تَقْدِيرِهَا بِالْفَرَاسِخِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ: وَاحِدٌ وَعِشْرُونَ، وَقِيلَ: ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ وَالْفَتْوَى عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ الْأَوْسَطُ. وَفِي الْمُجْتَبَى فَتْوَى أَئِمَّةِ خُوَارِزْمَ عَلَى الثَّالِثِ. وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ الْفَرَاسِخَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الطَّرِيقِ فِي السَّهْلِ وَالْجَبَلِ وَالْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِخِلَافِ الْمَرَاحِلِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ بِالْيَسِيرِ الْوَسَطِ) أَيْ سَيْرِ الْإِبِلِ وَمَشْيِ الْأَقْدَامِ وَيُعْتَبَرُ فِي الْجَبَلِ بِمَا يُنَاسِبُهُ مِنْ السَّيْرِ لِأَنَّهُ يَكُونُ صُعُودًا وَهُبُوطًا وَمَضِيقًا وَوَعْرًا فَيَكُونُ مَشْيُ الْإِبِلِ وَالْأَقْدَامِ فِيهِ دُونَ سَيْرِهِمَا فِي السَّهْلِ. وَفِي الْبَحْرِ يُعْتَبَرُ اعْتِدَالُ الرِّيحِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ إمْدَادٌ فَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ ذَلِكَ السَّيْرُ الْمُعْتَادُ فِيهِ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ عِنْدَ النَّاسِ فَيُرْجَعُ إلَيْهِمْ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ بَدَائِعُ، وَخَرَجَ سَيْرُ الْبَقَرِ بِجَرِّ الْعَجَلَةِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ أَبْطَأُ السَّيْرِ كَمَا إنَّ أَسْرَعَهُ سَيْرُ الْفَرَسِ وَالْبَرِيدِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ فَوَصَلَ) أَيْ إلَى مَكَانِ مَسَافَتِهِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِالسَّيْرِ الْمُعْتَادِ بَحْرٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَذَلِكَ لَوْ وَصَلَ إلَيْهِ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ بِكَرَامَةٍ لَكِنْ اسْتَبْعَدَهُ فِي الْفَتْحِ بِانْتِفَاءِ مَظِنَّةِ الْمَشَقَّةِ وَهِيَ الْعِلَّةُ فِي الْقَصْرِ. (قَوْلُهُ قَصَرَ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ اخْتَارَ السُّلُوكَ فِيهِ بِلَا غَرَضٍ صَحِيحٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ صَلَّى الْفَرْضَ الرُّبَاعِيَّ) خَبَرُ مَنْ فِي قَوْلِهِ مَنْ خَرَجَ، وَاحْتَرَزَ بِالْفَرْضِ عَنْ السُّنَنِ وَالْوِتْرِ وَبِالرُّبَاعِيِّ عَنْ الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ. (قَوْلُهُ وُجُوبًا) فَيُكْرَهُ الْإِتْمَامُ عِنْدَنَا حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ فَقَدْ أَسَاءَ وَخَالَفَ السُّنَّةَ شَرْحُ الْمُنْيَةِ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ سَيَأْتِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّ اللَّهَ فَرَضَ إلَخْ) لَفْظُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ «فَرَضَ اللَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 وَالْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ» ، وَلِذَا عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِهِمْ قَصَرَ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لَيْسَتَا قَصْرًا حَقِيقَةً عِنْدَنَا بَلْ هُمَا تَمَامُ فَرْضِهِ وَالْإِكْمَالُ لَيْسَ رُخْصَةً فِي حَقِّهِ بَلْ إسَاءَةٌ. قُلْت: وَفِي شُرُوحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الصَّلَوَاتِ فُرِضَتْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ رَكْعَتَيْنِ سَفَرًا وَحَضَرًا إلَّا الْمَغْرِبَ فَلَمَّا هَاجَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاطْمَأَنَّ بِالْمَدِينَةِ زِيدَتْ إلَّا الْفَجْرَ لِطُولِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا وَالْمَغْرِبَ لِأَنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ فَلَمَّا اسْتَقَرَّ فَرْضُ الرَّبَاعِيَةِ خُفِّفَ فِيهَا فِي السَّفَرِ عِنْدَ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] وَكَانَ قَصْرُهَا فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَبِهَذَا تَجْتَمِعُ الْأَدِلَّةُ اهـ كَلَامُهُمْ فَلْيُحْفَظْ (وَلَوْ) كَانَ (عَاصِيًا بِسَفَرِهِ) لِأَنَّ الْقُبْحَ الْمُجَاوِرَ لَا يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ (حَتَّى يَدْخُلَ مَوْضِعَ مُقَامِهِ) إنْ سَارَ مُدَّةَ السَّفَرِ، وَإِلَّا فَيُتِمُّ بِمُجَرَّدِ نِيَّةِ الْعَوْدِ لِعَدَمِ اسْتِحْكَامِ   [رد المحتار] الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَضَرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً» . اهـ. وَفِيهِ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَتْ «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ» وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ قَالَتْ «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ هَاجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا وَتُرِكَتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْأَوَّلِ» ". (قَوْلُهُ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ إلَخْ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلِذَا عَدَلَ الْمُصَنِّفُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ لَقَّبَ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّ الْقَصْرَ عِنْدَنَا عَزِيمَةٌ وَالْإِكْمَالَ رُخْصَةٌ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَهَذَا التَّلْقِيبُ عَلَى أَصْلِنَا خَطَأٌ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ فِي حَقِّهِ لَيْسَتَا قَصْرًا حَقِيقَةً عِنْدَنَا بَلْ هُمَا تَمَامُ فَرْضِ الْمُسَافِرِ وَالْإِكْمَالُ لَيْسَ رُخْصَةً فِي حَقِّهِ بَلْ إسَاءَةٌ وَمُخَالَفَةٌ لِلسُّنَّةِ وَلِأَنَّ الرُّخْصَةَ اسْمٌ لِمَا تَغَيَّرَ عَنْ الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ بِعَارِضٍ إلَى تَخْفِيفٍ وَيُسْرٍ وَلَمْ يُوجَدْ مَعْنَى التَّغْيِيرِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ رَأْسًا إذْ الصَّلَاةُ فِي الْأَصْلِ فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ زِيدَتْ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ كَمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، وَفِي حَقِّ الْمُقِيمِ وُجِدَ التَّغْيِيرُ لَكِنْ إلَى الْغِلَظِ وَالشِّدَّةِ لَا إلَى السُّهُولَةِ وَالْيُسْرِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ رُخْصَةً فِي حَقِّهِ أَيْضًا وَلَوْ سُمِّيَ فَهُوَ مَجَازٌ لِوُجُودِ بَعْضِ مَعَانِي الْحَقِيقَةِ وَهُوَ التَّغْيِيرُ انْتَهَى. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ) إنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِقُرْبِهَا مِنْ النَّهَارِ بِوُقُوعِهَا عَقِبَهُ وَإِلَّا فَهِيَ لَيْلِيَّةٌ لَا نَهَارِيَّةٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَبِهَذَا تَجْتَمِعُ الْأَدِلَّةُ) أَيْ فَإِنَّ بَعْضَهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ أَصْلٌ وَبَعْضَهَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عَارِضٌ فَإِذَا حُمِلَتْ الْأَدِلَّةُ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ زَالَ التَّعَارُضُ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا نَقَلَهُ شُرَّاحُ الْبُخَارِيِّ مِنْ الْجَمْعِ بِمَا ذُكِرَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهَا قَصْرٌ لَا إتْمَامٌ لِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَهُوَ عَلَى هَذَا الْجَمْعِ فَرْضِيَّتُهَا أَرْبَعًا سَفَرًا وَحَضَرًا ثُمَّ قَصْرُهَا فِي السَّفَرِ وَهَذَا خِلَافُ مَذْهَبِنَا. وَيُنَافِي هَذَا الْجَمْعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ السَّفَرِ لَمْ يَزِدْ فِيهَا أَصْلًا. وَأَمَّا الْآيَةُ فَالْمُرَادُ بِالْقَصْرِ فِيهَا قَصْرُ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ وَفِعْلُهَا وَقْتَ الْخَوْفِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ) أَيْ بِسَبَبِ سَفَرِهِ بِأَنْ كَانَ مَبْنَى سَفَرِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ كَمَا لَوْ سَافَرَ لِقَطْعِ طَرِيقٍ مَثَلًا، وَهَذَا فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَاصِي فِي السَّفَرِ بِأَنْ عَرَضَتْ الْمَعْصِيَةُ فِي أَثْنَائِهِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقُبْحَ الْمُجَاوِرَ إلَخْ) هُوَ مَا يَقْبَلُ الِانْفِكَاكَ، كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ فَإِنَّهُ قُبْحٌ لِتَرْكِ السَّعْيِ وَهُوَ قَابِلٌ لِلِانْفِكَاكِ إذْ قَدْ يُوجَدُ تَرْكُ السَّعْيِ بِدُونِ الْبَيْعِ، وَبِالْعَكْسِ فَكَذَا هُنَا لِإِمْكَانِ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَالسَّرِقَةِ مَثَلًا بِلَا سَفَرٍ وَبِالْعَكْسِ بِخِلَافِ الْقَبِيحِ لِعَيْنِهِ وَضْعًا كَالْكُفْرِ أَوْ شَرْعًا كَبَيْعِ الْحُرِّ فَإِنَّهُ يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ، وَتَمَامُ بَيَانِهِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ (قَوْلُهُ حَتَّى يَدْخُلَ مَوْضِعَ مَقَامِهِ) أَيْ الَّذِي فَارَقَ بُيُوتَهُ سَوَاءٌ دَخَلَهُ بِنِيَّةِ الِاجْتِيَازِ أَوْ دَخَلَهُ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ لِأَنَّ مِصْرَهُ مُتَعَيِّنٌ لِلْإِقَامَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ جَوْهَرَةٌ، وَدَخَلَ فِي مَوْضِعِ الْمُقَامِ مَا أُلْحِقَ بِهِ كَالرُّبَضِ كَمَا أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ إنْ سَارَ إلَخْ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ حَتَّى يَدْخُلَ إي إنَّمَا يَدُومُ عَلَى الْقَصْرِ إلَى الدُّخُولِ إنْ سَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَيُتِمُّ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ فِي الْمَفَازَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 السَّفَرِ (أَوْ يَنْوِيَ) وَلَوْ فِي الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُهَا وَلَمْ يَكُ لَاحِقًا (إقَامَةَ نِصْفِ شَهْرٍ) حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا: لَوْ دَخَلَ الْحَاجُّ الشَّامَ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَّا مَعَ الْقَافِلَةِ فِي نِصْفِ شَوَّالٍ أَتَمَّ لِأَنَّهُ كَنَاوِي الْإِقَامَةِ (بِمَوْضِعٍ) وَاحِدٍ (صَالِحٍ لَهَا) مِنْ مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ صَحْرَاءِ دَارِنَا وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْأَخْبِيَةِ (فَيَقْصُرُ إنْ نَوَى) الْإِقَامَةَ (فِي أَقَلَّ مِنْهُ) أَيْ فِي نِصْفِ شَهْرٍ (أَوْ) نَوَى (فِيهِ   [رد المحتار] وَقِيَاسُهُ أَنْ لَا يَحِلَّ فِطْرُهُ فِي رَمَضَانَ وَلَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ يَوْمَانِ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ النَّقْضَ قَبْلَ اسْتِحْكَامِهِ إذْ لَمْ يَتِمَّ عِلَّةً فَكَانَتْ الْإِقَامَةُ نَقْضًا لِلسَّفَرِ الْعَارِضِ، لَا ابْتِدَاءَ عِلَّةٍ لِلْإِتْمَامِ أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ، ثُمَّ بَحَثَ فَقَالَ: وَلَوْ قِيلَ الْعِلَّةُ مُفَارَقَةُ الْبُيُوتِ قَاصِدًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا اسْتِكْمَالَ سَفَرِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ حُكْمِ السَّفَرِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَقَدْ تَمَّتْ الْعِلَّةُ لِحُكْمِ السَّفَرِ، فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ مَا لَمْ تَثْبُتْ عِلَّةُ حُكْمِ الْإِقَامَةِ احْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ. اهـ. وَلَمَّا قَوِيَ الْبَحْثُ عِنْدَ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَخَفِيَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ قَالَ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِ الْمِصْرَ مُطْلَقًا. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ إبْطَالَ الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ لَا يَسْتَلْزِمُ إبْطَالَ الْمَدْلُولِ. اهـ. أَقُولُ: وَيَظْهَرُ لِي فِي الْجَوَابِ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ الْمَشَقَّةُ وَأُقِيمَ السَّفَرُ مَقَامَهَا وَلَكِنْ لَا تَثْبُتُ عِلِّيَّتُهَا إلَّا بِشَرْطِ ابْتِدَاءٍ وَشَرْطِ بَقَاءٍ، فَالْأَوَّلُ مُفَارَقَةُ الْبُيُوتِ قَاصِدًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالثَّانِي اسْتِكْمَالُ السَّفَرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ ثَبَتَ حُكْمُهَا ابْتِدَاءً فَلِذَا يَقْصُرُ بِمُجَرَّدِ مُفَارَقَةِ الْعُمْرَانِ نَاوِيًا وَلَا يَدُومُ إلَّا بِالشَّرْطِ الثَّانِي فَهُوَ شَرْطٌ لِاسْتِحْكَامِهَا عِلَّةً فَإِذَا عَزَمَ عَلَى تَرْكِ السَّفَرِ قَبْلَ تَمَامِهِ بَطَلَ بَقَاؤُهَا عِلَّةً لِقَبُولِهَا النَّقْضَ قَبْلَ الِاسْتِحْكَامِ وَمَضَى فِعْلُهُ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَلِذَا لَوْ لَمْ يَصِلْ لِعُذْرٍ ثُمَّ رَجَعَ يَقْضِيهَا مَقْصُورَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَتَدَبَّرْهُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي الصَّلَاةِ) شَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِي أَوَّلِهَا أَوْ وَسَطِهَا أَوْ آخِرِهَا أَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ مُقْتَدِيًا مُدْرِكًا أَوْ مَسْبُوقًا بَحْرٌ، وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ سُجُودُ سَهْوٍ وَنَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ السَّلَامِ وَالسُّجُودِ أَوْ بَعْدَهُمَا؛ أَمَّا لَوْ نَوَاهَا بَيْنَهُمَا فَلَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ بِالنِّسْبَةِ لِهَذِهِ الصَّلَاةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهَا إلَى الْأَرْبَعِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي بَابِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُهَا) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ لِأَنَّهُ إذَا نَوَاهَا بَعْدَ صَلَاةِ رَكْعَةٍ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ تَحَوَّلَ فَرْضُهُ إلَى الْأَرْبَعِ؛ أَمَّا لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِيهَا ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ فَلَا يَتَحَوَّلُ فِي حَقِّ تِلْكَ الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَكُ لَاحِقًا) أَمَّا اللَّاحِقُ إذَا أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ وَالْإِمَامُ مُسَافِرٌ فَأَحْدَثَ أَوْ نَامَ فَانْتَبَهَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَنَوَى الْإِقَامَةَ لَمْ يُتِمَّ لِأَنَّ اللَّاحِقَ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ خَلَفَ الْإِمَامَ إذَا فَرَغَ الْإِمَامُ فَقَدْ اسْتَحْكَمَ الْفَرْضُ فَلَا يَتَغَيَّرُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَكَذَا فِي حَقِّ اللَّاحِقِ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ، فَقَيَّدَ حُكْمَ اللَّاحِقِ بِكَوْنِهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَقَدْ تَرَكَهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا) تَعْمِيمٌ لِقَوْلِهِ يَنْوِيَ. (قَوْلُهُ لَوْ دَخَلَ الْحَاجُّ) أَيْ فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ أَوْ قَبْلَهُ ح وَالْمُرَادُ بِالْحَاجِّ الرَّجُلُ الْقَاصِدُ الْحَجَّ. (قَوْلُهُ وَعَلِمَ إلَخْ) أَيْ عَلِمَ أَنَّ الْقَافِلَةَ إنَّمَا تَخْرُجُ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَعَزَمَ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا مَعَهُمْ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ نِيَّةً لِلْإِقَامَةِ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً لِأَنَّهُ نَوَى الْخُرُوجَ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ بِمَوْضِعٍ) مُتَعَلِّقٌ بِإِقَامَةٍ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَا كَلَامِ الشَّارِحِ لِئَلَّا يَخْرُجَ عَنْ كَوْنِهِ شَرْطًا لِصِحَّةِ النِّيَّةِ. (قَوْلُهُ صَالِحٍ لَهَا) هَذَا إنْ سَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَإِلَّا فَتَصِحُّ وَلَوْ فِي الْمَفَازَةِ، وَفِيهِ مِنْ الْبَحْثِ مَا قَدَّمْنَاهُ بَحْرٌ وَقَدَّمْنَا جَوَابَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ تَكُونُ نَقْضًا لِلسَّفَرِ كَنِيَّةِ الْعَوْدِ إلَى بَلَدِهِ وَالسَّفَرُ قَبْلَ اسْتِحْكَامِهِ يَقْبَلُ النَّقْضَ (قَوْلُهُ أَوْ صَحْرَاءِ دَارِنَا) احْتِرَازٌ عَنْ صَحْرَاءِ دَارِ أَهْلِ الْحَرْبِ فَحُكْمُهُ حِينَئِذٍ كَحُكْمِ الْعَسْكَرِ الدَّاخِلِ فِي أَرْضِهِمْ ط. (قَوْلُهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْأَخْبِيَةِ) قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ أَوْ صَحْرَاءِ دَارِنَا وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا مَعَ بَيَانِ مُحْتَرَزِهِ (قَوْلُهُ فِي أَقَلَّ مِنْهُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ بِسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا شُرُوعٌ فِي مُحْتَرَزِ مَا تَقَدَّمَ ط (قَوْلُهُ أَوْ نَوَى فِيهِ) أَيْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 لَكِنْ فِي غَيْرِ صَالِحٍ) أَوْ كَنَحْوِ جَزِيرَةٍ أَوْ نَوَى فِيهِ لَكِنْ (بِمَوْضِعَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ كَمَكَّةَ وَمِنًى) فَلَوْ دَخَلَ الْحَاجُّ مَكَّةَ أَيَّامَ الْعَشْرِ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ إلَى مِنًى وَعَرَفَةَ فَصَارَ كَنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَبَعْدَ عَوْدِهِ مِنْ مِنًى تَصِحُّ كَمَا لَوْ نَوَى مَبِيتَهُ بِأَحَدِهِمَا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ بِحَيْثُ تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى سَاكِنِهِ لِلِاتِّحَادِ حُكْمًا (أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِلًّا بِرَأْيِهِ) كَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ (أَوْ دَخَلَ بَلْدَةً وَلَمْ يَنْوِهَا) أَيْ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ (بَلْ تَرَقَّبَ السَّفَرَ) غَدًا أَوْ بَعْدَهُ (وَلَوْ بَقِيَ) عَلَى ذَلِكَ (سِنِينَ) إلَّا أَنْ يَعْلَمَ تَأَخُّرَ الْقَافِلَةِ نِصْفَ شَهْرٍ كَمَا مَرَّ (وَكَذَا)   [رد المحتار] فِي نِصْفِ شَهْرٍ (قَوْلُهُ كَبَحْرٍ) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَالْمَلَّاحُ مُسَافِرٌ إلَّا عِنْدَ الْحَسَنِ وَسَفِينَتُهُ أَيْضًا لَيْسَتْ بِوَطَنٍ اهـ بَحْرٌ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مَالُهُ وَأَهْلُهُ مَعَهُ فِيهَا ثُمَّ رَأَيْته صَرِيحًا فِي الْمِعْرَاجِ. (قَوْلُهُ أَوْ جَزِيرَةٍ) أَيْ لَيْسَ لَهَا أَهْلٌ يَسْكُنُونَهَا. (قَوْلُهُ أَوْ نَوَى فِيهِ) أَيْ فِي صَالِحٍ لَهَا (قَوْلُهُ بِمَوْضِعَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ) لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ وَالْقَرْيَتَيْنِ وَالْمِصْرِ وَالْقَرْيَةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ فَلَوْ دَخَلَ إلَخْ) هُوَ ضِدُّ مَسْأَلَةِ دُخُولِ الْحَاجِّ الشَّامَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا حُكْمًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ وَهَذَا مُسَافِرٌ حُكْمًا وَإِنْ نَوَى الْإِقَامَةَ لِعَدَمِ انْقِضَاءِ سَفَرِهِ مَا دَامَ عَازِمًا عَلَى الْخُرُوجِ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ. قِيلَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَانَتْ سَبَبًا لِتَفَقُّهِ عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مَشْغُولًا بِطَلَبِ الْحَدِيثِ قَالَ: فَدَخَلْت مَكَّةَ فِي أَوَّلِ الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مَعَ صَاحِبٍ لِي وَعَزَمْت عَلَى الْإِقَامَةِ شَهْرًا فَجَعَلْت أُتِمُّ الصَّلَاةَ فَلَقِيَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ لِي: أَخْطَأْت فَإِنَّك تَخْرُجُ إلَى مِنًى وَعَرَفَاتٍ، فَلَمَّا رَجَعْت مِنْ مِنًى بَدَا لِصَاحِبِي أَنْ يَخْرُجَ وَعَزَمْت عَلَى أَنْ أُصَاحِبَهُ، وَجَعَلْت أَقْصُرُ الصَّلَاةَ فَقَالَ لِي صَاحِبُ أَبُو حَنِيفَةَ: أَخْطَأْت فَإِنَّك مُقِيمٌ بِمَكَّةَ فَمَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْهَا لَا تَصِيرُ مُسَافِرًا، فَقُلْت: أَخْطَأَتْ فِي مَسْأَلَةٍ فِي مَوْضِعَيْنِ فَرَحَلْت إلَى مَجْلِسِ مُحَمَّدٍ وَاشْتَغَلْت بِالْفِقْهِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذِهِ الْحِكَايَةَ لِيَعْلَمَ مَبْلَغَ الْعِلْمِ فَيَصِيرَ مَبْعَثَةً لِلطَّلَبَةِ عَلَى طَلَبِهِ. اهـ. بَحْرٌ. أَقُولُ: وَيَظْهَرُ مِنْ هَذِهِ الْحِكَايَةِ أَنَّ نِيَّتَهُ الْإِقَامَةَ لَمْ تَعْمَلْ عَمَلَهَا إلَّا بَعْدَ رُجُوعِهِ لِوُجُودِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلَا نِيَّةِ خُرُوجٍ فِي أَثْنَائِهَا، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ خُرُوجِهِ إلَى عَرَفَاتٍ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَازِمًا عَلَى الْخُرُوجِ قَبْلَ تَمَامِ نِصْفِ شَهْرٍ لَمْ يَصِرْ مُقِيمًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَدَّدَ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ بَعْدَ رُجُوعِهِ وَبِهَذَا سَقَطَ مَا أَوْرَدَهُ الْعَلَّامَةُ الْقَارِي فِي شَرْحِ اللُّبَابِ مِنْ أَنَّ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْإِمَامِ تَعَارُضًا حَيْثُ حَكَمَ أَوَّلًا بِأَنَّهُ مُسَافِرٌ وَثَانِيًا بِأَنَّهُ مُقِيمٌ مَعَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ بِحَالِهَا، وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْمُتُونِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى فِي إحْدَاهُمَا نِصْفَ شَهْرٍ صَحَّ فَحِينَئِذٍ لَا يَضُرُّهُ خُرُوجُهُ إلَى عَرَفَاتٍ إذْ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ نِصْفَ شَهْرٍ مُتَوَالِيًا بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ فِيهِ اهـ مُلَخَّصًا. وَوَجْهُ السُّقُوطِ أَنَّ التَّوَالِي لَا يُشْتَرَطُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عَزْمِهِ الْخُرُوجُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لِأَنَّهُ يَكُونُ نَاوِيًا الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعَيْنِ، نَعَمْ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ مِنًى صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِعَزْمِهِ عَلَى الْإِقَامَةِ نِصْفَ شَهْرٍ فِي مَكَان وَاحِدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ نَوَى مَبِيتَهُ بِأَحَدِهِمَا) فَإِنْ دَخَلَ أَوَّلًا الْمَوْضِعَ الَّذِي نَوَى الْمُقَامَ فِيهِ نَهَارًا لَا يَصِيرُ مُقِيمًا، وَإِنْ دَخَلَ أَوَّلًا مَا نَوَى الْمَبِيتَ فِيهِ يَصِيرُ مُقِيمًا ثُمَّ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمَوْضِعِ الْآخَرِ لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا لِأَنَّ مَوْضِعَ إقَامَةِ الرَّجُلِ حَيْثُ يَبِيتُ بِهِ حِلْيَةٌ. (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ) كَالْقَرْيَةِ الَّتِي قَرُبَتْ مِنْ الْمِصْرِ بِحَيْثُ يَسْمَعُ النِّدَاءَ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ وَفِي الْبَحْرِ لَوْ كَانَ الْمَوْضِعَانِ مِنْ مِصْرٍ وَاحِدٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ لِأَنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ إلَيْهِ مُسَافِرًا لَمْ يَقْصُرْ. اهـ. ط. (قَوْلُهُ بِحَيْثُ تَجِبُ) حَيْثِيَّةُ تَفْسِيرٍ لِلتَّبَعِيَّةِ ح. (قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِلًّا بِرَأْيِهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ إنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْهُ وَصُورَتُهُ نَوَى التَّابِعُ الْإِقَامَةَ وَلَمْ يَنْوِهَا الْمَتْبُوعُ أَوْ لَمْ يَدْرِ فَإِنَّهُ لَا يُتِمُّ. اهـ. ح وَالْمَسْأَلَةُ سَتَأْتِي مَعَ بَيَانِ شُرُوطِهَا وَالْخِلَافِ فِيهَا (قَوْلُهُ أَوْ دَخَلَ بَلْدَةً) أَيْ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ أَوْ انْتِظَارِ رُفْقَةٍ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَنْوِهَا) وَكَذَا إذَا نَوَاهَا وَهُوَ مُتَرَقِّبٌ لِلسَّفَرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ لِأَنَّ حَالَتَهُ تُنَافِي عَزِيمَتَهُ. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ دُخُولِ الْحَاجِّ الشَّامَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ (عَسْكَرٌ دَخَلَ أَرْضَ حَرْبٍ أَوْ حَاصَرَ حِصْنًا فِيهَا) بِخِلَافِ مَنْ دَخَلَهَا بِأَمَانٍ فَإِنَّهُ يُتِمُّ (أَوْ) حَاصَرَ (أَهْلُ الْبَغْيِ فِي دَارِنَا فِي غَيْرِ مِصْرٍ مَعَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ مُدَّتَهَا) لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الْقَرَارِ وَالْفِرَارِ (بِخِلَافِ أَهْلِ الْأَخْبِيَةِ) كَعَرَبٍ وَتُرْكُمَانٍ (نَوَوْهَا) فِي الْمَفَازَةِ فَإِذًا تَصِحُّ (فِي الْأَصَحِّ) وَبِهِ يُفْتَى إذَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْمَاءِ وَالْكَلَأِ مَا يَكْفِيهِمْ مُدَّتَهَا لِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَصْلٌ إلَّا إذَا قَصَدُوا   [رد المحتار] قَوْلُهُ أَوْ حَاصَرَ حِصْنًا فِيهَا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمُحَاصَرَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ لِلْمَدِينَةِ أَوْ الْحِصْنِ بَعْدَ مَا دَخَلُوا الْمَدِينَةَ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْمُحَاصَرَةُ لِلْمِصْرِ عَلَى سَطْحِ الْبَحْرِ فَإِنَّ لِسَطْحِ الْبَحْرِ حُكْمَ دَارِ الْحَرْبِ حَمَوِيٌّ عَنْ شَرْحِ النَّظْمِ الْهَامِلِيِّ ط. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُتِمُّ) لِأَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ لَا يَتَعَرَّضُونَ لَهُ لِأَجْلِ الْأَمَانِ بَحْرٌ عَنْ النِّهَايَةِ ط (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ مِصْرٍ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي دَارِنَا أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ حَاصَرَ لَا مُتَعَلِّقٌ بِحَاصَرَ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ مُتَّحِدَيْ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بِعَامِلٍ وَاحِدٍ. ثُمَّ اعْلَمْ: أَنَّ التَّقْيِيدَ بِغَيْرِ الْمِصْرِ وَقَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ يُوهِمُ صِحَّةَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ وَلَوْ نَزَلُوا فِي الْمِصْرِ وَحَاصَرُوا حِصْنًا فِيهِ قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ لِأَنَّ إطْلَاقَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَطَالَ فِي بَيَانِهِ وَكَذَا نَصَّ فِي الْعِنَايَةِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا يَقْتَضِيهِ التَّعْلِيلُ الْآتِي وَذَكَرَ عِبَارَتَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي مَتْنِهِ (قَوْلُهُ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الْقَرَارِ وَالْفِرَارِ) الْأَوَّلُ بِالْقَافِ وَالثَّانِي بِالْفَاءِ أَيْ فَكَانَتْ حَالَتُهُمْ تُنَافِي عَزِيمَتَهُمْ، وَالْإِطْلَاقُ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَتْ الشَّوْكَةُ لِعَسْكَرِنَا لِاحْتِمَالِ وُصُولِ الْمَدَدِ لِلْعَدُوِّ أَوْ وُجُودِ مَكِيدَةٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ إذَا غَلَبُوا عَلَى مَدِينَةِ الْحَرْبِ إنْ اتَّخَذُوهَا دَارًا أَتَمُّوا وَإِلَّا بَلْ أَرَادُوا الْإِقَامَةَ بِهَا شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ قَصَرُوا لِبَقَائِهَا دَارَ حَرْبٍ وَهُمْ مُحَارِبُونَ فِيهَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] لَوْ انْفَلَتَ الْأَسِيرُ مِنْ الْكُفَّارِ وَتَوَطَّنَ فِي غَارٍ وَنَوَى الْإِقَامَةَ فِيهِ نِصْفَ شَهْرٍ لَمْ يَصِرْ مُقِيمًا كَمَا لَوْ عَلِمُوا بِإِسْلَامِهِ فَهَرَبَ مِنْهُمْ يُرِيدُ مَسِيرَةَ السَّفَرِ لَمْ تُعْتَبَرْ نِيَّتُهُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْفَتْحِ كَوْنُ حَالِهِ مُتَرَدِّدًا لِأَنَّهُ إذَا وَجَدَ الْفُرْصَةَ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ خَرَجَ، وَأَمَّا الثَّانِي فَمُشْكِلٌ وَحَمَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ لَمْ تُعْتَبَرْ نِيَّتُهُ أَيْ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ لَا نِيَّةُ السَّفَرِ وَإِلَّا فَقَدْ صَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ يَقْصُرُ وَكَذَا جَعَلَ فِي الذَّخِيرَةِ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ كَالْأُولَى فَأَفَادَ لُزُومَ الْقَصْرِ فِيهِمَا. (قَوْلُهُ الْأَخْبِيَةِ) جَمْعُ خِبَاءٍ كَكِسَاءِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: هُوَ الْخَيْمَةُ مِنْ الصُّوفِ (قَوْلُهُ كَعَرَبٍ) الْمُنَاسِبُ قَوْلُ غَيْرِهِ كَأَعْرَابٍ لِمَا فِي الْمُغْرِبِ: الْعَرَبُ هُمْ الَّذِينَ اسْتَوْطَنُوا الْمُدُنَ وَالْقُرَى الْعَرَبِيَّةَ، وَالْأَعْرَابُ أَهْلُ الْبَدْوِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ يَقْصُرُونَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ الْإِقَامَةِ حِينَئِذٍ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَصْلٌ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ أَيْ نِيَّتُهُمْ الْإِقَامَةَ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْبَدَائِعِ أَنَّ أَهْلَ الْأَخْبِيَةِ لَا يَحْتَاجُونَ إلَى نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمَفَاوِزَ لَهُمْ كَالْأَمْصَارِ وَالْقُرَى لِأَهْلِهَا وَلِأَنَّ الْإِقَامَةَ لِلرَّجُلِ أَصْلٌ، وَالسَّفَرَ عَارِضٌ وَهُمْ لَا يَنْوُونَ السَّفَرَ وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُونَ مِنْ مَاءٍ إلَى مَاءٍ وَمِنْ مَرْعًى إلَى آخَرَ اهـ (قَوْلُهُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 مَوْضِعًا بَيْنَهُمَا مُدَّةُ السَّفَرِ فَيَقْصُرُونَ إنْ نَوَوْا سَفَرًا وَإِلَّا لَا وَلَوْ نَوَى غَيْرُهُمْ الْإِقَامَةَ مَعَهُمْ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ شُرُوطَ الْإِتْمَامِ سِتَّةٌ: النِّيَّةُ، وَالْمُدَّةُ، وَاسْتِقْلَالُ الرَّأْيِ، وَتَرْكُ السَّيْرِ، وَاتِّحَادُ الْمَوْضِعِ، وَصَلَاحِيَّتُهُ، قُهُسْتَانِيٌّ. (فَلَوْ أَتَمَّ مُسَافِرٌ إنْ قَعَدَ فِي) الْقَعْدَةِ (الْأُولَى تَمَّ فَرْضُهُ وَ) لَكِنَّهُ (أَسَاءَ) لَوْ عَامِدًا لِتَأْخِيرِ السَّلَامِ وَتَرْكِ وَاجِبِ الْقَصْرِ وَوَاجِبِ تَكْبِيرَةِ افْتِتَاحِ النَّفْلِ وَخَلْطِ النَّفْلِ بِالْفَرْضِ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ كَمَا حَرَّرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ بَعْدَ أَنْ فَسَّرَ أَسَاءَ بِأَثِمَ وَاسْتَحَقَّ النَّارَ (وَمَا زَادَ نَفْلٌ) كَمُصَلِّي الْفَجْرِ أَرْبَعًا (وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ بَطَلَ فَرْضُهُ) وَصَارَ الْكُلُّ نَفْلًا لِتَرْكِ الْقَعْدَةِ   [رد المحتار] مَوْضِعِهِمْ وَالْمَوْضِعِ الَّذِي قَصَدُوهُ (قَوْلُهُ إنْ نَوَوْا سَفَرًا) فِيهِ مُسَامَحَةٌ مَعَ قَوْلِهِ إلَّا إذَا قَصَدُوا ح. (قَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ) وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا ح عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ) أَيْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَكِنْ اشْتِرَاطُ تَرْكِ السَّيْرِ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ سِتَّةٌ) زَادَ فِي الْحِلْيَةِ شَرْطًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ لَا تَكُونَ حَالَتُهُ مُنَافِيَةً لِعَزِيمَتِهِ قَالَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَسَائِلَ اهـ أَيْ كَمَسْأَلَةِ مَنْ دَخَلَ بَلْدَةً لِحَاجَةٍ وَمَسْأَلَةِ الْعَسْكَرِ فَافْهَمْ. ثُمَّ هَذِهِ شُرُوطُ الْإِتْمَامِ بَعْدَ تَحَقُّقِ مُدَّةِ السَّفَرِ وَإِلَّا فَلَا، فَلَوْ عَزَمَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى بَلَدِهِ قَبْلَ سَيْرِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى قَصْدِ قَطْعِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ كَمَا مَرَّ وَكَذَا لَوْ رَجَعَ إلَى بَلْدَتِهِ لِأَخْذِ حَاجَةٍ نَسِيَهَا كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ وَتَرْكُ السَّيْرِ) أَيْ إذَا كَانَ فِي مَفَازَةٍ وَنَوَى الْإِقَامَةَ فِيمَا سَيَدْخُلُهُ مِنْ مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَمَّا لَوْ وُجِدَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ وَقَدْ دَخَلَ مِصْرًا أَوْ قَرْيَةً وَهُوَ يَسِيرُ لِطَلَبِ مَنْزِلٍ أَوْ نَحْوِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ حِلْيَةٌ. (قَوْلُهُ وَصَلَاحِيَّتُهُ) أَيْ صَلَاحِيَّةُ الْمَوْضُوعِ لِلْإِقَامَةِ (قَوْلُهُ إنْ قَعَدَ إلَخْ) لِأَنَّ الْقَعْدَةَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَرْضٌ عَلَى الْمُسَافِرِ لِأَنَّهَا آخِرُ صَلَاتِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ، فَلَوْ تَرَكَ فِيهِمَا أَوْ فِي إحْدَاهُمَا وَقَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَمْ يَصِحَّ فَرْضُهُ اهـ. وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا نَوَى أَرْبَعًا أَوْ رَكْعَتَيْنِ خِلَافًا لِمَا أَفَادَهُ فِي الدُّرَرِ مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ رَكْعَتَيْنِ لِمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَلِمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ السَّهْوِ مِنْ أَنَّ السَّاهِيَ لَوْ سَلَّمَ لِلْقَطْعِ يَسْجُدُ لِأَنَّهُ نَوَى تَغْيِيرَ الْمَشْرُوعِ فَتَلْغُو، كَمَا لَوْ نَوَى الظُّهْرَ سِتًّا أَوْ نَوَى مُسَافِرٌ الظُّهْرَ أَرْبَعًا أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَيْخِهِ. قُلْت: لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ لِتَأْخِيرِ السَّلَامِ) مُقْتَضَى مَا قَدَّمَهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ أَنْ يَقُولَ لِتَرْكِهِ السَّلَامَ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ إذَا صَلَّى خَامِسَةً بَعْدَ الْقُعُودِ الْأَخِيرِ يَضُمُّ إلَيْهَا سَادِسَةً وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِتَرْكِهِ السَّلَامَ، وَإِنْ تَذَكَّرَ وَعَادَ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِتَأْخِيرِهِ السَّلَامَ أَيْ سَلَامَ الْفَرْضِ وَمَسْأَلَتُنَا نَظِيرُ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ قُلْت: لَكِنَّ مَا هُنَا أَظْهَرُ. (قَوْلُهُ وَتَرْكُ وَاجِبِ الْقَصْرِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ وَاجِبٍ هُوَ الْقَصْرُ أَوْ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ كَجَرْدِ قَطِيفَةٍ أَيْ الْقَصْرِ الْوَاجِبِ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ غَيْرُ فَرْضٍ كَمَا قَدَّمْنَا مَا يُفِيدُهُ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ هُنَا بِمَعْنَى الْفَرْضِ لَمَا صَحَّ وَإِنْ قَعَدَ فَافْهَمْ ثُمَّ إنَّ تَرْكَ وَاجِبِ الْقَصْرِ مُسْتَلْزِمٌ لِتَرْكِ السَّلَامِ وَتَكْبِيرَةِ النَّفْلِ وَخَلْطِ النَّفْلِ بِالْفَرْضِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ زِيَادَةً عَلَى إثْمِهِ بِهَذِهِ اللَّوَازِمِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَوَاجِبِ تَكْبِيرَةِ إلَخْ) لِأَنَّ بِنَاءَ النَّفْلِ عَلَى الْفَرْضِ مَكْرُوهٌ وَهَذَا هُوَ خَلْطُ النَّفْلِ بِالْفَرْضِ رَحْمَتِيٌّ لَكِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَخَلْطِ النَّفْلِ بِالْفَرْضِ يَقْتَضِي أَنَّهُ غَيْرُ مَا قَبْلَهُ وَيَلْزَمُهُ أَنَّ افْتِتَاحَ النَّفْلِ بِتَكْبِيرَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ وَاجِبٌ مَعَ أَنَّ بِنَاءَ النَّفْلِ عَلَى النَّفْلِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ اللَّوَازِمِ الْأَرْبَعَةِ ط (قَوْلُهُ بَعْدَ أَنَّ فَسَّرَ أَسَاءَ بِأَثِمٍ) وَكَذَا صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ بِتَأْثِيمِهِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْإِسَاءَةَ هُنَا كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَاسْتَحَقَّ النَّارَ) أَيْ إذَا لَمْ يَتُبْ أَوْ يَعْفُ عَنْهُ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ط. (قَوْلُهُ وَصَارَ الْكُلُّ نَفْلًا) أَيْ بِتَقْيِيدِهِ الثَّالِثَةَ بِسَجْدَةٍ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْعَوْدِ قَبْلَهَا وَهَذَا عِنْدَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إذَا بَطَلَ الْوَصْفُ لَا يَبْطُلُ الْأَصْلُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ لِتَرْكِ الْقَعْدَةِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 الْمَفْرُوضَةِ إلَّا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ الثَّالِثَةَ بِسَجْدَةٍ لَكِنَّهُ يُعِيدُ الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ لِوُقُوعِهِ نَفْلًا فَلَا يَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ وَلَوْ نَوَى فِي السَّجْدَةِ صَارَ نَفْلًا (وَصَحَّ اقْتِدَاءُ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ فَإِذَا قَامَ) الْمُقِيمُ (إلَى الْإِتْمَامِ لَا يَقْرَأُ) وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ كَاللَّاحِقِ وَالْقَعْدَتَانِ فَرْضٌ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَا قُنْيَةٌ (وَنُدِبَ لِلْإِمَامِ) هَذَا يُخَالِفُ الْخَانِيَّةَ وَغَيْرَهَا أَنَّ الْعِلْمَ بِحَالِ الْإِمَامِ شَرْطٌ لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الْهِدَايَةِ لِلْهِنْدِيِّ الشَّرْطُ الْعِلْمُ بِحَالِهِ فِي الْجُمْلَةِ لَا فِي حَالِ الِابْتِدَاءِ.   [رد المحتار] عِلَّةٌ لِبُطْلَانِ الْفَرْضِ، ثُمَّ الْقَعْدَةُ وَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا فِي النَّفْلِ أَيْضًا لَكِنَّهُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِهَا فِي آخِرِ الشَّفْعِ تَصِيرُ الْخَاتِمَةُ هِيَ الْفَرْضُ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي بَابِ النَّوَافِلِ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ الثَّالِثَةَ بِسَجْدَةٍ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا نَوَاهَا حِينَئِذٍ صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَتَحَوَّلَ فَرْضُهُ إلَى الْأَرْبَعِ، ثُمَّ إنْ كَانَ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ تَخَيَّرَ فِيهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَإِلَّا قَرَأَ قَضَاءً عَنْ الْأُولَيَيْنِ وَهَذَا كُلُّهُ سَوَاءٌ قَعَدَ الْقَعْدَةَ الْأُولَى أَوْ لَا فَالِاسْتِثْنَاءُ فِي كَلَامِهِ رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ وَأَمَّا إذَا نَوَى بَعْدَ أَنْ قَيَّدَ الثَّالِثَةَ بِسَجْدَةٍ، فَإِنْ كَانَ قَعَدَ الْقَعْدَةَ الْأُولَى فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ تَمَّ فَرْضُهُ بِالرَّكْعَتَيْنِ فَلَا يَتَحَوَّلُ وَيُضِيفُ إلَيْهَا أُخْرَى وَلَوْ أَفْسَدَهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ بَطَلَ فَرْضُهُ، وَيَضُمُّ إلَيْهَا أُخْرَى لِتَصِيرَ الْأَرْبَعُ نَافِلَةً خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا مَرَّ هَذَا خُلَاصَةُ مَا نَقَلَهُ ط عَنْ الْبَحْرِ وَقَدْ أَفَادَ بِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بَطَلَ فَرْضُهُ أَيْ بُطْلَانًا مَوْقُوفًا لَا بَاتًّا وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ (قَوْلُهُ فَلَا يَنُوبُ) أَيْ النَّفَلُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَى فِي السَّجْدَةِ) أَيْ سَجْدَةِ الثَّالِثَةِ صَارَ نَفْلًا وَهَذَا جَرَى عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ مِنْ أَنَّ السَّجْدَةَ تَتِمُّ بِالْوَضْعِ. وَالصَّحِيحُ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهَا لَا تَتِمُّ إلَّا بِالرَّفْعِ، فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا فِي الْأَصَحِّ. اهـ. ح أَيْ سَوَاءٌ قَعَدَ الْقَعْدَةَ الْأُولَى أَوْ لَا وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنْ قَعَدَ تَمَّ فَرْضُهُ بِالرَّكْعَتَيْنِ وَإِلَّا انْقَلَبَ الْكُلُّ نَفْلًا، فَقَوْلُهُ صَارَ نَفْلًا خَاصٌّ بِمَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ (قَوْلُهُ فَإِذَا قَامَ الْمُقِيمُ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ الْمُسَافِرِ؛ فَلَوْ قَامَ قَبْلَهُ فَنَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ الْمَأْمُومُ رَكْعَتَهُ بِسَجْدَةٍ رَفَضَ مَا أَتَى بِهِ وَتَابَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَسَدَتْ وَإِنْ نَوَى بَعْدَهُ لَا يُتَابِعُهُ وَلَوْ تَابَعَهُ فَسَدَتْ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْقِرَاءَةِ كَوُجُوبِ السَّهْوِ ضَعِيفٌ، وَالِاسْتِشْهَادُ لَهُ بِوُجُوبِ السَّهْوِ اسْتِشْهَادٌ بِضَعِيفٍ مُوهِمٍ أَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ شُرْنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا) أَيْ قِيلَ إنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى لَيْسَتْ فَرْضًا عَلَيْهِ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ أَنَّ الْعِلْمَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ بَدَلٌ مِنْ الْخَانِيَّةِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ كَلَامَ الْخَانِيَّةِ ح. ثُمَّ وَجْهُ الْمُخَالَفَةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ الْعِلْمُ بِحَالِ الْإِمَامِ مِنْ كَوْنِهِ مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا لَا يَكُونُ لِقَوْلِ الْإِمَامِ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَائِدَةٌ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ أَنَّ الشَّرْطَ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ فِي الِاقْتِدَاءِ وَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى اسْتِحْبَابِ قَوْلِ الْإِمَامِ ذَلِكَ لِرَفْعِ التَّوَهُّمِ يُنَافِي اشْتِرَاطَ الْعِلْمِ بِحَالِهِ فِي الِابْتِدَاءِ (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) أَوْرَدَ ذَلِكَ سُؤَالًا فِي النِّهَايَةِ وَالسِّرَاجِ والتتارخانية ثُمَّ أَجَابُوا بِمَا يَرْجِعُ إلَى ذَلِكَ الْجَوَابِ. وَحَاصِلُهُ: تَسْلِيمُ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِحَالِ الْإِمَامِ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ فِي الِابْتِدَاءِ فَحَيْثُ لَمْ يَعْلَمُوا ابْتِدَاءً بِحَالِهِ كَانَ الْإِخْبَارُ مَنْدُوبًا وَحِينَئِذٍ فَلَا مُخَالَفَةَ فَافْهَمْ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ مَعَ كَوْنِ إصْلَاحِ صَلَاتِهِمْ يَحْصُلُ بِهِ وَمَا يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُتِمُّوا ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ أَوْ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ مُسَافِرٌ حَمْلًا لَهُ عَلَى الصَّلَاحِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مَنْدُوبًا لَا وَاجِبًا لِأَنَّهُ زِيَادَةُ إعْلَامٍ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: لَكِنَّ حَمْلَ حَالِهِ عَلَى الصَّلَاحِ يُنَافِي اشْتِرَاطَ الْعِلْمِ، نَعَمْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَالْقُنْيَةِ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا صَلَّى فِي مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَهُمْ لَا يَدْرُونَ فَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ وَإِنْ كَانُوا مُسَافِرِينَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ يَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَهُمْ قَبْلَ شُرُوعِهِ وَإِلَّا فَبَعْدَ سَلَامِهِ (أَنْ يَقُولَ) بَعْدَ التَّسْلِيمَتَيْنِ فِي الْأَصَحِّ «أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنِّي مُسَافِرٌ» ) لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ سَهَا، وَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ لَا لِتَحْقِيقِهَا بَلْ لِيُتِمَّ صَلَاةَ الْمُقِيمِينَ لَمْ يَصِرْ مُقِيمًا وَأَمَّا اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ فَيَصِحُّ فِي الْوَقْتِ وَيُتِمُّ لَا بَعْدَهُ فِيمَا يَتَغَيَّرُ لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ لَوْ اقْتَدَى فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ الْقِرَاءَةِ لَوْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ   [رد المحتار] حَالِ مَنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ أَنَّهُ مُقِيمٌ وَالْبِنَاءُ عَلَى الظَّاهِرِ وَاجِبٌ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ، أَمَّا إذَا صَلَّى خَارِجَ الْمِصْرِ لَا تَفْسُدُ، وَيَجُوزُ الْأَخْذُ بِالظَّاهِرِ وَهُوَ السَّفَرُ فِي مِثْلِهِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِحَالِ الْإِمَامِ إذَا صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ فِي مَوْضِعِ إقَامَةٍ وَإِلَّا فَلَا. (قَوْلُهُ قَبْلَ شُرُوعِهِ) أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَنْ لَا يَعْرِفُ فَيَتَكَلَّمُ لِاعْتِقَادِهِ فَسَادَ صَلَاتِهِ قَبْلَ إخْبَارِ الْإِمَامِ بَعْدَ السَّلَامِ. (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ بَعْدَ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى، قَالَ الْمَقْدِسِيَّ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ فِي زَمَانِنَا ط. (قَوْلُهُ لَمْ يَصِرْ مُقِيمًا) فَلَوْ أَتَمَّ الْمُقِيمُونَ صَلَاتَهُمْ مَعَهُ فَسَدَتْ لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ ظَهِيرِيَّةٌ أَيْ إذَا قَصَدُوا مُتَابَعَتَهُ أَمَّا لَوْ نَوَوْا مُفَارَقَتُهُ وَوَافَقُوهُ صُورَةً فَلَا فَسَادَ أَفَادَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ وَأَمَّا اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ) هَذَا عَكْسُ مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ اسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْهُ لِذِكْرِهِ إيَّاهُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ (قَوْلُهُ فَيَصِحُّ فِي الْوَقْتِ وَيُتِمُّ) أَيْ سَوَاءٌ بَقِيَ الْوَقْتُ أَوْ خَرَجَ قَبْلَ إتْمَامِهَا لِتَغَيُّرِ فَرْضِهِ بِالتَّبَعِيَّةِ لِاتِّصَالِ الْمُغَيِّرِ بِالسَّبَبِ وَهُوَ الْوَقْتُ، وَلَوْ أَفْسَدَهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لِزَوَالِ الْمُغَيِّرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ مُتَنَفِّلًا حَيْثُ يُصَلِّي أَرْبَعًا إذَا أَفْسَدَهُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَتَصِيرُ الْقَعْدَةُ الْأُولَى وَاجِبَةً فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي الْمُسَافِرِ أَيْضًا، حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا الْإِمَامُ وَلَوْ عَامِدًا وَتَابَعَهُ الْمُسَافِرُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقِيلَ تَفْسُدُ كَذَا فِي السِّرَاجِ وَلَا وَجْهَ لَهُ يَظْهَرُ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ لَا بَعْدَهُ) أَيْ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لِعَدَمِ تَغَيُّرِهِ لِانْقِضَاءِ السَّبَبِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ فَائِتَةً فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فَلَوْ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَقَطْ يَصِحُّ كَمَا لَوْ اقْتَدَى حَنَفِيٌّ فِي الظُّهْرِ بِشَافِعِيٍّ أَوْ بِمَنْ يَرَى قَوْلَهُمَا بَعْدَ الْمِثْلِ قَبْلَ الْمِثْلَيْنِ كَمَا فِي السِّرَاجِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ لَكِنَّ الْأَوْلَى اشْتِرَاطُ كَوْنِهَا فَائِتَةً فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ فَقَطْ سَوَاءٌ فَاتَتْ الْإِمَامَ أَوْ لَا كَمَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ مَثَلًا فَخَرَجَ الْوَقْتُ فَاقْتَدَى بِهِ مُسَافِرٌ فَإِنَّهَا فَائِتَةٌ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ لَا الْمُقِيمِ اهـ أَيْ فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ لَكِنَّ فَوْتَهَا فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ فَقَطْ لَيْسَ هُوَ الشَّرْطُ وَحْدَهُ لِأَنَّ فَوْتَهَا فِي حَقِّهِمَا مَعًا كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ فِيمَا يَتَغَيَّرُ) مُتَعَلِّقٌ بِيَصِحُّ الْمُقَدَّرُ فِي قَوْلِهِ لَا بَعْدَهُ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الِاقْتِدَاءِ بَعْدَ الْوَقْتِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي لَا تَتَغَيَّرُ فِي السَّفَرِ كَالثُّنَائِيَّةِ وَالثُّلَاثِيَّةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ. وَفِي الْبَحْرِ هَذَا الْقَيْدُ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ صَحَّ وَأَتَمَّ بَلْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ أَصْلًا لِأَنَّ السَّفَرَ مُؤَثِّرٌ فِي الرُّبَاعِيِّ فَقَطْ. (قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ) فَإِنَّهَا تَصِيرُ فَرْضًا فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ وَغَيْرَ فَرْضٍ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّفْلِ لِأَنَّهُ مَا قَابَلَ الْفَرْضَ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْقَعْدَةُ الْوَاجِبَةُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ أَوْ الْقِرَاءَةِ إلَخْ) لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ نَافِلَةٌ فِي حَقِّهِ فَرْضٌ فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ، فَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَاقْتَدَى بِهِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَمُقْتَضَى الْمُتُونِ عَدَمُ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَضَاءٌ عَنْ الْأُولَيَيْنِ وَالْقَضَاءُ يَلْتَحِقُ بِمَحَلِّهِ فَلَا يَبْقَى لِلْأُخْرَيَيْنِ قِرَاءَةٌ. اهـ. بَحْرٌ. [تَنْبِيهٌ] زَادَ الزَّيْلَعِيُّ أَوْ التَّحْرِيمَةِ وَعَزَاهُ فِي السِّرَاجِ إلَى الْحَوَاشِي فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ اشْتَمَلَتْ عَلَى نَفْلِيَّةِ الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَالْقِرَاءَةِ بِخِلَافِ الْإِمَامِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ السِّرَاجِ لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الْمَأْمُومِ اشْتَمَلَتْ عَلَى الْفَرْضِ لَا غَيْرُ وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ: إنَّهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. أَقُولُ: وَعَلَيْهِ فَذِكْرُ التَّحْرِيمَةِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْقَعْدَةِ وَالْقِرَاءَةِ لِشُمُولِ التَّعْلِيلِ بِهَا لِلِاقْتِدَاءِ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 (وَيَأْتِي) الْمُسَافِرُ (بِالسُّنَنِ) إنْ كَانَ (فِي حَالَ أَمْنٍ وَقَرَارٍ وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ فِي خَوْفٍ وَفِرَارٍ (لَا) يَأْتِي بِهَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ تَرْكٌ لِعُذْرٍ تَجْنِيسٌ، قِيلَ إلَّا سُنَّةَ الْفَجْرِ (وَالْمُعْتَبَرُ فِي تَغْيِيرِ الْفَرْضِ آخِرُ الْوَقْتِ) وَهُوَ قَدْرُ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ (فَإِنْ كَانَ) الْمُكَلَّفُ (فِي آخِرِهِ مُسَافِرًا وَجَبَ رَكْعَتَانِ وَإِلَّا فَأَرْبَعٌ) لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ فِي السَّبَبِيَّةِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَدَاءِ قَبْلَهُ (الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ) هُوَ مَوْطِنُ وِلَادَتِهِ أَوْ تَأَهُّلِهِ أَوْ تُوَطِّنْهُ   [رد المحتار] الصَّلَاةِ لَا فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَقَطْ (قَوْلُهُ وَيَأْتِي الْمُسَافِرُ بِالسُّنَنِ) أَيْ الرَّوَاتِبِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْقِرَاءَةِ لِذِكْرِهِ لَهَا فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ حَيْثُ قَالَ فِي الْمَتْنِ: وَيُسَنُّ فِي السَّفَرِ مُطْلَقًا الْفَاتِحَةُ وَأَيُّ سُورَةٍ شَاءَ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ فَرَّقَ فِي الْهِدَايَةِ بَيْنَ حَالَةِ الْقَرَارِ وَالْفِرَارِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَقَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَيُخَفِّفُ الْقِرَاءَةَ فِي السَّفَرِ فِي الصَّلَوَاتِ فَقَدْ صَحَّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي الْفَجْرِ فِي السَّفَرِ الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصَ " وَأَطْوَلُ الصَّلَاةِ قِرَاءَةُ الْفَجْرِ وَأَمَّا التَّسْبِيحَاتُ فَلَا يُنْقِصُهَا عَنْ الثَّلَاثِ. اهـ. (قَوْلُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ) وَقِيلَ الْأَفْضَلُ التَّرْكُ تَرْخِيصًا، وَقِيلَ الْفِعْلُ تَقَرُّبًا. وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ: الْفِعْلُ حَالَ النُّزُولِ وَالتَّرْكُ حَالَ السَّيْرِ، وَقِيلَ يُصَلِّي سُنَّةَ الْفَجْرِ خَاصَّةً، وَقِيلَ سُنَّةَ الْمَغْرِبِ أَيْضًا بَحْرٌ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْأَعْدَلُ مَا قَالَهُ الْهِنْدُوَانِيُّ. اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ هُوَ هَذَا وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْنِ وَالْقَرَارِ النُّزُولُ وَبِالْخَوْفِ وَالْفِرَارِ السَّيْرُ لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ الْفِرَارِ بِالْعَجَلَةِ لِأَنَّهَا فِي السَّفَرِ تَكُونُ غَالِبًا مِنْ الْخَوْفِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي تَغْيِيرِ الْفَرْضِ) أَيْ مِنْ قَصْرٍ إلَى إتْمَامٍ وَبِالْعَكْسِ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ آخِرُ الْوَقْتِ قَدْرُ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ تَفْسِيرُهُ بِمَا لَا يَبْقَى مِنْهُ قَدْرُ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ وَعِنْدَ زُفَرَ بِمَا لَا يَسَعُ فِيهِ أَدَاءُ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَجَبَ رَكْعَتَانِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِهِ مُقِيمًا وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَأَرْبَعٌ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي آخِرِهِ مُسَافِرًا بِأَنْ كَانَ مُقِيمًا فِي آخِرِهِ فَالْوَاجِبُ أَرْبَعٌ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا ثُمَّ سَافَرَ أَيْ فِي الْوَقْتِ فَصَلَّى الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ لِحَاجَةٍ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بِلَا وُضُوءٍ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ أَرْبَعًا لِأَنَّهُ كَانَ مُسَافِرًا فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَمُقِيمًا فِي الْعَصْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ آخِرَ الْوَقْتِ. (قَوْلُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْأَدَاءِ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْآخِرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْجُزْءُ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ الْأَدَاءُ أَوْ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ إنْ لَمْ يُؤَدَّ قَبْلَهُ وَإِنْ لَمْ يُؤَدَّ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَالسَّبَبُ هُوَ كُلُّ الْوَقْتِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفَائِدَةُ إضَافَتِهِ إلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ اعْتِبَارُ حَالِ الْمُكَلَّفِ فِيهِ، فَلَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ، أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ فِي آخِرِهِ لَزِمَتْهُمْ الصَّلَاةُ وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ قَدْ صَلَّاهَا، فِي أَوَّلِهِ وَبِعَكْسِهِ لَوْ جُنَّ أَوْ حَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ فِيهِ لِفَقْدِ الْأَهْلِيَّةِ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ، وَفَائِدَةُ إضَافَتِهِ إلَى الْكُلِّ عِنْدَ خُلُوِّهِ عَنْ الْأَدَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَضَاءُ عَصْرِ الْأَمْسِ فِي وَقْتِ التَّغَيُّرِ وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ [مَطْلَبٌ فِي الْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ وَوَطَنِ الْإِقَامَةِ] (قَوْلُهُ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ) وَيُسَمَّى بِالْأَهْلِيِّ وَوَطَنِ الْفِطْرَةِ وَالْقَرَارِ ح عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ. (قَوْلُهُ أَوْ تَأَهُّلِهِ) أَيْ تَزَوُّجِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَلَوْ تَزَوَّجَ الْمُسَافِرُ بِبَلَدٍ وَلَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ بِهِ فَقِيلَ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا، وَقِيلَ يَصِيرُ مُقِيمًا؛ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِبَلْدَتَيْنِ فَأَيَّتُهُمَا دَخَلَهَا صَارَ مُقِيمًا، فَإِنْ مَاتَتْ زَوْجَتُهُ فِي إحْدَاهُمَا وَبَقِيَ لَهُ فِيهَا دُورٌ وَعَقَارٌ قِيلَ لَا يَبْقَى وَطَنًا لَهُ إذْ الْمُعْتَبَرُ الْأَهْلُ دُونَ الدَّارِ كَمَا لَوْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةٍ وَاسْتَقَرَّتْ سَكَنًا لَهُ وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا دَارٌ وَقِيلَ تَبْقَى. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ تَوَطُّنِهِ) أَيْ عَزَمَ عَلَى الْقَرَارِ فِيهِ وَعَدَمِ الِارْتِحَالِ وَإِنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ، فَلَوْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ بِبَلَدٍ غَيْرِ مَوْلِدِهِ وَهُوَ بَالِغٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 (يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ) إذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ بِالْأَوَّلِ أَهْلٌ، فَلَوْ بَقِيَ لَمْ يَبْطُلْ بَلْ يُتِمُّ فِيهِمَا (لَا غَيْرُ وَ) يَبْطُلُ (وَطَنُ الْإِقَامَةِ بِمِثْلِهِ وَ) بِالْوَطَنِ (الْأَصْلِيِّ وَ) بِإِنْشَاءِ (السَّفَرِ) وَالْأَصْلُ أَنَّ الشَّيْءَ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ، وَبِمَا فَوْقَهُ لَا بِمَا دُونَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ وَطَنَ السُّكْنَى وَهُوَ مَا نَوَى فِيهِ أَقَلَّ مِنْ   [رد المحتار] وَلَمْ يَتَأَهَّلْ بِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ وَطَنًا لَهُ إلَّا إذَا عَزَمَ عَلَى الْقَرَارِ فِيهِ وَتَرَكَ الْوَطَنَ الَّذِي كَانَ لَهُ قَبْلَهُ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ) سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ سَفَرٍ أَوْ لَا، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ مِنْهُ قَاصِدًا غَيْرَهُ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَتَوَطَّنَ فِي مَكَان آخَرَ فَمَرَّ بِالْأَوَّلِ أَتَمَّ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَطَّنْ غَيْرَهُ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ بِالْأَوَّلِ أَهْلٌ) أَيْ وَإِنْ بَقِيَ لَهُ فِيهِ عَقَارٌ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَوْ نَقَلَ أَهْلَهُ وَمَتَاعَهُ وَلَهُ دُورٌ فِي الْبَلَدِ لَا تَبْقَى وَطَنًا لَهُ وَقِيلَ تَبْقَى كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ بَلْ يُتِمُّ فِيهِمَا) أَيْ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إقَامَةً ط. (قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ وَطَنُ الْإِقَامَةِ) يُسَمَّى أَيْضًا الْوَطَنَ الْمُسْتَعَارَ وَالْحَادِثَ وَهُوَ مَا خَرَجَ إلَيْهِ بِنِيَّةِ إقَامَةِ نِصْفِ شَهْرٍ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَصْلِيِّ مَسِيرَةُ السَّفَرِ أَوْ لَا، وَهَذَا رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْهُ أَنَّ الْمَسَافَةَ شَرْطٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ بِمِثْلِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ سَفَرٍ أَوْ لَا قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَبِالْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ) كَمَا إذَا تَوَطَّنَ بِمَكَّةَ نِصْفَ شَهْرٍ ثُمَّ تَأَهَّلَ بِمِنًى، أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ. (قَوْلُهُ وَبِإِنْشَاءِ السَّفَرِ) أَيْ مِنْهُ وَكَذَا مِنْ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَمُرَّ فِيهِ عَلَيْهِ قَبْلَ سَيْرِ مُدَّةِ السَّفَرِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ السَّفَرَ النَّاقِضَ لِوَطَنِ الْإِقَامَةِ مَا لَيْسَ فِيهِ مُرُورٌ عَلَى وَطَنِ الْإِقَامَةِ أَوْ مَا يَكُونُ الْمُرُورُ فِيهِ بِهِ بَعْدَ سَيْرِ مُدَّةِ السَّفَرِ اهـ. أَقُولُ: وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا فِي الْكَافِي والتتارخانية: خُرَاسَانِيٌّ قَدِمَ بَغْدَادَ لِيُقِيمَ بِهَا نِصْفَ شَهْرٍ وَمَكِّيٌّ قَدِمَ الْكُوفَةَ كَذَلِكَ ثُمَّ خَرَجَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى قَصْرِ ابْنِ هُبَيْرَةَ فَإِنَّهُمَا يُتِمَّانِ فِي طَرِيقِ الْقَصْرِ لِأَنَّ مِنْ بَغْدَادَ إلَى الْكُوفَةِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَالْقَصْرُ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ أَقَامَا فِي الْقَصْرِ نِصْفَ شَهْرٍ بَطَلَ وَطَنُهُمَا بِبَغْدَادَ وَالْكُوفَةِ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ، فَإِنْ خَرَجَا بَعْدَهُ مِنْ الْقَصْرِ إلَى الْكُوفَةِ يُتِمَّانِ أَيْضًا فَإِنْ أَقَامَا بِهَا يَوْمًا مَثَلًا ثُمَّ خَرَجَا مِنْهَا إلَى بَغْدَادَ وَقَصَدَا الْمُرُورَ بِالْقَصْرِ يُتِمَّانِ إلَى الْقَصْرِ وَفِيهِ وَمِنْهُ إلَى بَغْدَادَ لِأَنَّهُ صَارَ وَطَنُ إقَامَةٍ لَهُمَا فَإِذَا قَصَدَا الدُّخُولَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ سَفَرُهُمَا إذَا لَمْ يَقْصِدَا مَسِيرَةَ سَفَرٍ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْصِدَا الدُّخُولَ فِيهِ قَصَرًا كَمَا لَوْ خَرَجَا مِنْ الْكُوفَةِ لِقَصْدِهِمَا مَسِيرَةَ السَّفَرِ وَإِنَّ الْمَكِّيَّ حِينَ خَرَجَ مِنْ كُوفَةَ قَصَدَ بَغْدَادَ أَوْ الْخُرَاسَانِيُّ الْكُوفَةَ وَالْتَقَيَا بِالْقَصْرِ وَخَرَجَا إلَى الْكُوفَةِ لِيُقِيمَا فِيهَا يَوْمًا ثُمَّ يَرْجِعَا إلَى بَغْدَادَ قَصَرَا إلَى الْكُوفَةِ وَكَذَا إلَى بَغْدَادَ لِقَصْدِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَسِيرَةَ سَفَرٍ أَمَّا الْخُرَاسَانِيُّ فَلِأَنَّهُ مَاضٍ عَلَى سَفَرِهِ وَأَمَّا الْمَكِّيُّ فَلِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ انْتَقَضَ بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ وَالْقَصْرُ إذَا لَمْ يَكُنْ وَطَنًا لَهُمَا فَقَصْدُ الْمُرُورِ بِهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ السَّفَرِ اهـ وَأَفَادَ قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَكِّيُّ إلَخْ أَنَّ إنْشَاءَ السَّفَرِ مِنْ وَطَنِ الْإِقَامَةِ مُبْطِلٌ لَهُ وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَوْ أَقَامَ خُرَاسَانِيٌّ بِالْكُوفَةِ نِصْفَ شَهْرٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا إلَى مَكَّةَ فَقَبْلَ أَنْ يَسِيرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَادَ إلَى الْكُوفَةِ لِحَاجَةٍ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ لِأَنَّ وَطَنَهُ قَدْ بَطَلَ بِالسَّفَرِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ إنْشَاءَ السَّفَرِ يُبْطِلُ وَطَنَ الْإِقَامَةِ إذَا كَانَ مِنْهُ أَمَّا لَوْ أَنْشَأَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُرُورٌ عَلَى وَطَنِ الْإِقَامَةِ أَوْ كَانَ وَلَكِنْ بَعْدَ سَيْرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَكَذَلِكَ، وَلَوْ قَبْلَهُ لَمْ يَبْطُلْ الْوَطَنُ بَلْ يَبْطُلُ السَّفَرُ لِأَنَّ قِيَامَ الْوَطَنِ مَانِعٌ مِنْ صِحَّتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ الشَّيْءَ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ) كَمَا يَبْطُلُ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ بِالْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ وَوَطَنُ الْإِقَامَةِ بِوَطَنِ الْإِقَامَةِ وَوَطَنُ السُّكْنَى بِوَطَنِ السُّكْنَى، وَقَوْلُهُ: وَبِمَا فَوْقَهُ أَيْ كَمَا يَبْطُلُ وَطَنُ الْإِقَامَةِ بِالْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ وَكَمَا يَبْطُلُ وَطَنُ السُّكْنَى بِالْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ وَبِوَطَنِ الْإِقَامَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ وَبِضِدِّهِ كَبُطْلَانِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ أَوْ السُّكْنَى بِالسَّفَرِ فَإِنَّهُ فِي الْبَحْرِ عَلَّلَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ (قَوْلُهُ لَا بِمَا دُونَهُ) كَمَا لَمْ يَبْطُلْ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ بِوَطَنِ الْإِقَامَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 نِصْفِ شَهْرٍ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ، وَمَا صَوَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ رَدَّهُ فِي الْبَحْرِ (وَالْمُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْمَتْبُوعِ) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (لَا التَّابِعِ كَامْرَأَةٍ) وَفَّاهَا مَهْرَهَا الْمُعَجَّلَ   [رد المحتار] وَلَا بِوَطَنِ السُّكْنَى وَلَا بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ وَكَمَا لَمْ يَبْطُلْ وَطَنُ الْإِقَامَةِ بِوَطَنِ السُّكْنَى ح. (قَوْلُهُ وَمَا صَوَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) حَيْثُ قَالَ: رَجُلٌ خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ إلَى قَرْيَةٍ لِحَاجَةٍ وَلَمْ يَقْصِدْ السَّفَرَ وَنَوَى أَنْ يُقِيمَ فِيهَا أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّهُ يُتِمُّ فِيهَا لِأَنَّهُ مُقِيمٌ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْقَرْيَةِ لَا لِلسَّفَرِ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُسَافِرَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مِصْرَهُ وَقَبْلَ أَنْ يُقِيمَ لَيْلَةً فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَسَافَرَ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ وَلَوْ مَرَّ بِتِلْكَ الْقَرْيَةِ وَدَخَلَهَا أَتَمَّ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهُ مِمَّا هُوَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلُهُ اهـ ح. (قَوْلُهُ رَدَّهُ فِي الْبَحْرِ) بِأَنَّ السَّفَرَ بَاقٍ لَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهُ وَهُوَ مُبْطِلٌ لِوَطَنِ السُّكْنَى عَلَى تَقْدِيرِ اعْتِبَارِهِ لِأَنَّ السَّفَرَ يُبْطِلُ وَطَنَ الْإِقَامَةِ فَكَيْفَ لَا يُبْطِلُ وَطَنَ السُّكْنَى، فَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهُ مَمْنُوعٌ. اهـ. قَالَ ح: وَاعْتَرَضَهُ شَيْخُنَا بِأَنَّ الْمُبْطِلَ لَهُمَا سَفَرٌ مُبْتَدَأٌ مِنْهُمَا. وَأَمَّا إذَا خَرَجَ مِنْهُمَا إلَى مَا دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ ثُمَّ أَنْشَأَ سَفَرًا فَإِنَّهُمَا لَا يَبْطُلَانِ فَإِذَا مَرَّ بِهِمَا أَتَمَّ اهـ وَنَقَلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ مِثْلَهُ عَنْ خَطِّ بَعْضِهِمْ وَأَقَرَّهُ. قَالَ ح: وَهُوَ وَجِيهٌ فَإِنَّ مَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَوْضِعٍ نِصْفَ شَهْرٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ لَا يُرِيدُ السَّفَرَ ثُمَّ عَادَ مُرِيدًا سَفَرًا وَمَرَّ بِذَلِكَ أَتَمَّ مَعَ أَنَّهُ أَنْشَأَ سَفَرًا بَعْدَ اتِّخَاذِ هَذَا الْمَوْضِعِ دَارَ إقَامَةٍ، فَثَبَتَ أَنَّ إنْشَاءَ السَّفَرِ لَا يُبْطِلُ وَطَنَ الْإِقَامَةِ إلَّا إذَا أَنْشَأَ السَّفَرَ مِنْهُ فَلْيَكُنْ وَطَنُ السُّكْنَى كَذَلِكَ فَمَا صَوَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ صَحِيحٌ وَمِنْ تَصْوِيرِهِ عَلِمْت أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ وَبَيْنَ وَطَنِ السُّكْنَى أَقَلُّ مِنْ مُدَّةِ السَّفَرِ وَكَذَا بَيْنَ وَطَنِ الْإِقَامَةِ وَوَطَنِ السُّكْنَى. اهـ. أَقُولُ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ السَّفَرَ الْمُبْطِلَ لِلْوَطَنِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُنْشَأِ مِنْهُ بَلْ يَكُونُ بِالْمُنْشَأِ مِنْ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُرُورٌ عَلَيْهِ قَبْلَ سَيْرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَكِنْ هُنَا فِيهِ مُرُورٌ عَلَى الْوَطَنِ قَبْلَ سَيْرِ مُدَّةِ السَّفَرِ وَقَدْ أَيَّدَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَوْلَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ بِاعْتِبَارِ وَطَنِ السُّكْنَى بِأَنَّ الْإِمَامَ السَّرَخْسِيَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةً تَدُلُّ عَلَيْهِ. وَهِيَ: كُوفِيٌّ خَرَجَ إلَى الْقَادِسِيَّةِ لِحَاجَةٍ وَبَيْنَهُمَا دُونَ مَسِيرَةِ السَّفَرِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا إلَى الْحِيرَةِ يُرِيدُ الشَّامَ حَتَّى إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْهَا بَدَا لَهُ الرُّجُوعُ إلَى الْقَادِسِيَّةِ لِيَحْمِلَ ثَقَلَهُ مِنْهَا وَيَرْتَحِلَ إلَى الشَّامِ وَلَا يَمُرَّ بِالْكُوفَةِ أَتَمَّ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهَا كَانَتْ لَهُ وَطَنَ السُّكْنَى، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ بِقَصْدِ الْحِيرَةِ وَطَنُ سُكْنَى آخَرُ مَا لَمْ يَدْخُلْهَا فَيَبْقَى وَطَنُهُ بِالْقَادِسِيَّةِ وَلَا يَنْتَقِضُ بِهَذَا الْخُرُوجِ كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْهَا لِتَشْيِيعِ جِنَازَةٍ وَنَحْوِهِ اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَفَّقَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ وَطَنَ السُّكْنَى إنْ كَانَ اتَّخَذَهُ بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّفَرِ لَمْ يُعْتَبَرْ اتِّفَاقًا وَإِلَّا اُعْتُبِرَ اتِّفَاقًا، فَإِذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ بَلْدَةً وَنَوَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا يَوْمًا مَثَلًا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهَا قَصَرَ فِيهَا كَمَا كَانَ يَقْصُرُ قَبْلَ خُرُوجِهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُحَقِّقِينَ لِقَوْلِ الْبَحْرِ إنَّهُمْ قَالُوا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ يَبْقَى فِيهِ مُسَافِرًا عَلَى حَالِهِ فَصَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ اهـ فَقَوْلُهُمْ لِأَنَّهُ يَبْقَى فِيهِ مُسَافِرًا عَلَى حَالِهِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَانَ مُسَافِرًا قَبْلَ اتِّخَاذِهِ وَطَنًا، وَمَا قَالَهُ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اتَّخَذَهُ وَطَنًا قَبْلَ سَفَرِهِ كَمَا صَوَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ) فَهُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ (قَوْلُهُ وَفَاهَا مَهْرَهَا الْمُعَجَّلَ) وَإِلَّا فَلَا تَكُونُ تَبَعًا لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا عَنْ الزَّوْجِ لِلْمُعَجَّلِ دُونَ الْمُؤَجَّلِ وَلَا تَسْكُنُ حَيْثُ يَسْكُنُ بَحْرٌ. قُلْت: وَفِيهِ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِثُبُوتِ إخْرَاجِهَا وَسَفَرِهِ بِهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَكَلَامُنَا بَعْدَهُ وَلِهَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا تَبَعٌ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا إذَا خَرَجَتْ مَعَهُ لِلسَّفَرِ لَمْ يَبْقَ لَهَا أَنْ تَتَخَلَّفَ عَنْهُ. اهـ. وَقَدْ يُجَابُ: بِأَنَّهَا إذَا ثَبَتَ لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا عَنْ إخْرَاجِهَا مِنْ بَلَدِهَا لِأَجْلِ اسْتِيفَاءِ مُعَجَّلِهَا فَكَذَا يَثْبُتُ لَهَا إذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 (وَعَبْدٍ) غَيْرِ مُكَاتَبٍ (وَجُنْدِيٍّ) إذَا كَانَ يَرْتَزِقُ مِنْ الْأَمِيرِ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ (وَأَجِيرٍ) وَأَسِيرٍ وَغَرِيمٍ وَتِلْمِيذٍ (مَعَ زَوْجٍ وَمَوْلَى وَأَمِيرٍ وَمُسْتَأْجِرٍ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. قُلْت: فَقَيْدُ الْمَعِيَّةِ مُلَاحَظٌ فِي تَحَقُّقِ التَّبَعِيَّةِ مَعَ مُلَاحَظَةِ شَرْطٍ آخَرَ مُحَقِّقٍ لِذَلِكَ وَهُوَ الِارْتِزَاقُ فِي مَسْأَلَةِ الْجُنْدِيِّ وَوَفَاءُ الْمَهْرِ فِي الْمَرْأَةِ وَعَدَمُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ، وَبِهِ بَانَ جَوَابُ حَادِثَةِ جَزِيرَةِ كُرَيْدٍ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَأَلْفٍ (لَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ التَّابِعِ بِنِيَّةِ الْمَتْبُوعِ؛ فَلَوْ نَوَى الْمَتْبُوعُ الْإِقَامَةَ وَلَمْ يَعْلَمْ التَّابِعُ فَهُوَ مُسَافِرٌ حَتَّى يَعْلَمَ عَلَى الْأَصَحِّ) وَفِي الْفَيْضِ وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، فَمَا فِي الْخُلَاصَةِ عَبْدٌ أَمَّ مَوْلَاهُ فَنَوَى الْمَوْلَى الْإِقَامَةَ إنْ أَتَمَّ صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا وَإِلَّا لَا مَبْنَى عَلَى خِلَافِ الْأَصَحِّ (وَالْقَضَاءُ يَحْكِي) أَيْ يُشَابِهُ (الْأَدَاءَ سَفَرًا وَحَضَرًا) لِأَنَّهُ بَعْدَمَا تَقَرَّرَ لَا يَتَغَيَّرُ غَيْرَ أَنَّ الْمَرِيضَ يَقْضِي فَائِتَةَ الصِّحَّةِ فِي مَرَضِهِ بِمَا قَدَرَ. [فُرُوعٌ] سَافَرَ السُّلْطَانُ قَصَرَ. تَزَوَّجَ الْمُسَافِرُ بِبَلَدٍ صَارَ مُقِيمًا عَلَى الْأَوْجَهِ. طَهُرَتْ الْحَائِضُ وَبَقِيَ لِمَقْصِدِهَا يَوْمَانِ تُتِمُّ فِي الصَّحِيحِ كَصَبِيٍّ بَلَغَ بِخِلَافِ كَافِرٍ أَسْلَمَ.   [رد المحتار] وَصَلَتْ إلَى بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ فَتَصِحُّ نِيَّتُهَا الْإِقَامَةَ بِهَا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ غَيْرُ تَبَعٍ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ تَبَعًا لَهُ فِي الْمَفَازَةِ (قَوْلُهُ غَيْرِ مُكَاتَبٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَطْلَقَ فِي الْعَبْدِ فَشَمِلَ الْقِنَّ وَالْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ تَبَعًا لِأَنَّ لَهُ السَّفَرَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَلَا تَلْزَمُهُ طَاعَتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا كَانَ يَرْتَزِقُ مِنْ الْأَمِيرِ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ) اقْتَصَرَ فِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى الْأَوَّلِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَكَذَا إذَا كَانَ رِزْقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَقَدْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِالْخُرُوجِ مَعَ الْأَمِيرِ فَهُوَ تَابِعٌ لَهُ نَعَمْ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّ الْمُتَطَوِّعَ بِالْجِهَادِ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْوَالِي وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. وَدَخَلَ تَحْتَ الْجُنْدِيِّ الْأَمِيرُ مَعَ الْخَلِيفَةِ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ وَأَجِيرٍ) أَيْ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة؛ أَمْ لَوْ كَانَ مُيَاوَمَةً بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُ كُلَّ يَوْمٍ بِكَذَا فَإِنَّ لَهُ فَسْخَهَا إذَا فَرَغَ النَّهَارُ فَالْعِبْرَةُ لِنِيَّتِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَمَّا الْأَعْمَى مَعَ قَائِدِهِ فَإِنْ كَانَ الْقَائِدُ أَجِيرًا فَالْعِبْرَةُ لِنِيَّةِ الْأَعْمَى، وَإِنْ مُتَطَوِّعًا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ. (قَوْلُهُ وَأَسِيرٍ) ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَسَرَهُ الْعَدُوُّ إنْ كَانَ مَقْصِدُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَصَرَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ سَأَلَهُ فَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ وَكَانَ الْعَدُوُّ مُقِيمًا أَتَمَّ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا قَصَرَ؛ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا إذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ مُسَافِرٌ وَإِلَّا يَكُونُ كَمَنْ أَخَذَهُ الظَّالِمُ لَا يَقْصُرُ إلَّا بَعْدَ السَّفَرِ ثَلَاثًا وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ كُلِّ تَابِعٍ يَسْأَلُ مَتْبُوعَهُ فَإِنْ أَخْبَرَهُ عَمِلَ بِخَبَرِهِ وَإِلَّا عَمِلَ بِالْأَصْلِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مِنْ إقَامَةٍ وَسَفَرٍ حَتَّى يَتَحَقَّقَ خِلَافُهُ وَتَعَذُّرُ السُّؤَالِ بِمَنْزِلَةِ السُّؤَالِ مَعَ عَدَمِ الْإِخْبَارِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ وَغَرِيمٍ) أَيْ مُوسِرٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: وَلَوْ دَخَلَ مُسَافِرٌ مِصْرًا فَأَخَذَهُ غَرِيمُهُ وَحَبَسَهُ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا قَصَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ وَلَا يَحِلُّ لِلطَّالِبِ حَبْسُهُ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا إنْ عَزَمَ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ أَوْ لَمْ يَعْزِمْ شَيْئًا قَصَرَ وَإِنْ عَزَمَ وَاعْتَقَدَ أَنْ لَا يَقْضِيَهُ أَثِمَ اهـ. وَقَوْلُهُ إنْ عَزَمَ أَنْ يَقْضِيَ أَيْ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَتِلْمِيذٍ) أَيْ إذَا كَانَ يَرْتَزِقُ مِنْ أُسْتَاذِهِ رَحْمَتِيٌّ، وَالْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْمُتَعَلِّمِ مَعَ مُعَلِّمِهِ الْمُلَازِمِ لَهُ لَا خُصُوصُ طَالِبِ الْعِلْمِ مَعَ شَيْخِهِ. قُلْت: وَمِثْلُهُ بِالْأَوْلَى الِابْنُ الْبَارُّ الْبَالِغُ مَعَ أَبِيهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمُسْتَأْجِرٍ) كَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ وَآسِرٍ وَدَائِنٍ وَأُسْتَاذٍ ح. (قَوْلُهُ قُلْت:) تَلْخِيصٌ لِحَاصِلِ مَا تَقَدَّمَ لِيُبْنَى عَلَيْهِ حُكْمُ الْحَادِثَةِ. (قَوْلُهُ وَبِهِ بَانَ جَوَابُ حَادِثَةِ جَزِيرَةِ كُرَيْدَ) بِكَسْرِ الْكَافِ الْمُعْجَمَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ بَيْنَ الْكَافِ الْعَرَبِيَّةِ وَبَيْنَ الْجِيمِ ح. وَالْحَادِثَةُ: هِيَ تَفَرُّقُ الْجَيْشِ لِمَا صَارَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْغَلَبَةِ وَالْهَزِيمَةِ حَتَّى تَشَتَّتُوا فِي كُلِّ جَانِبٍ وَفَاتَتْ الْمَعِيَّةُ وَالِارْتِزَاقُ فَصَارَ كُلٌّ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ وَزَالَتْ التَّبَعِيَّةُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ كَالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ أَيْ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ الْأَحْوَطُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ) لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْقَصْرِ مَنْهِيٌّ عَنْ الْإِتْمَامِ فَكَانَ مُضْطَرًّا، فَلَوْ صَارَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا بِإِقَامَةِ الْأَصْلِ بِلَا عِلْمِهِ لَحِقَهُ ضَرَرٌ عَظِيمٌ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ بِكُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ مَدْفُوعٌ شَرْعًا ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ فَيُمْكِنُهُ دَفْعُ الضَّرَرِ بِالِامْتِنَاعِ، فَإِذَا بَاعَ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ أَمْرِهِ كَانَ الضَّرَرُ نَاشِئًا مِنْهُ مِنْ وَجْهٍ وَمِنْ الْمُوَكِّلِ مِنْ وَجْهٍ فَيَصِحُّ الْعَزْلُ حُكْمًا لَا قَصْدًا بَحْرٌ مُلَخَّصًا عَنْ الْمُحِيطِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. (قَوْلُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْأَصَحِّ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَكَذَا إنْ كَانَ مَعَ مَوْلَاهُ فِي السَّفَرِ فَبَاعَهُ مِنْ مُقِيمٍ وَالْعَبْدُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 عَبْدٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مُقِيمٍ وَمُسَافِرٍ إنْ تَهَايَآ قَصَرَ فِي نَوْبَةِ الْمُسَافِرِ وَإِلَّا يُفْرَضُ عَلَيْهِ الْقُعُودُ الْأَوَّلُ وَيُتِمُّ احْتِيَاطًا   [رد المحتار] فِي الصَّلَاةِ يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا حَتَّى لَوْ سَلَّمَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ إعَادَةُ تِلْكَ الصَّلَاةِ مَبْنِيٌّ عَلَى غَيْرِ الصَّحِيحِ إنْ فُرِضَ عَدَمُ عِلْمِ الْعَبْدِ أَوْ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ إنْ عَلِمَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْقَضَاءُ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ قَوْلِهِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي تَغْيِيرِ الْفَرْضِ آخِرُ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ امِنْ فُرُوعِهِ. (قَوْلُهُ سَفَرًا وَحَضَرًا) أَيْ فَلَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ السَّفَرِ وَقَضَاهَا فِي الْحَضَرِ يَقْضِيهَا مَقْصُورَةً كَمَا لَوْ أَدَّاهَا وَكَذَا فَائِتَةُ الْحَضَرِ تُقْضَى فِي السَّفَرِ تَامَّةً. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بَعْدَمَا تَقَرَّرَ) أَيْ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، فَإِنَّ الْفَرْضَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِ لَا يَتَغَيَّرُ عَمَّا وَجَبَ أَمَّا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّغَيُّرِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ أَوْ إنْشَاءِ السَّفَرِ وَبِاقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ. (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ الْمَرِيضَ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يَشْكُلُ عَلَى هَذَا الْمَرِيضُ إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى الْقِيَامِ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَقْضِيَهَا فِي الصِّحَّةِ قَائِمًا لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِقَيْدِ الْقِيَامِ غَيْرَ أَنَّهُ رُخِّصَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهَا حَالَةَ الْعُذْرِ بِقَدْرِ وُسْعِهِ إذْ ذَاكَ فَحِينَ لَمْ يُؤَدِّهَا حَالَةَ الْعُذْرِ زَالَ سَبَبُ الرُّخْصَةِ فَتَعَيَّنَ الْأَصْلُ وَلِذَلِكَ يَفْعَلُهَا الْمَرِيضُ قَاعِدًا إذَا فَاتَتْ عَنْ زَمَنِ الصِّحَّةِ، أَمَّا صَلَاةُ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ إلَّا رَكْعَتَيْنِ ابْتِدَاءً وَمَنْشَأُ الْغَلَطِ اشْتِرَاكُ لَفْظِ الرُّخْصَةِ. اهـ. [فُرُوعٌ فِي قَصْر الصَّلَاة] (قَوْلُهُ: سَافَرَ السُّلْطَانُ قَصَرَ) أَيْ إذَا نَوَى السَّفَرَ يَصِيرُ مُسَافِرًا وَيَقْصُرُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: قِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي وِلَايَتِهِ أَمَّا إذَا طَافَ فِي وِلَايَتِهِ فَلَا يَقْصُرُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ قَصَرُوا حِينَ سَافَرُوا مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ وَمُرَادُ الْقَائِلِ لَا يَقْصُرُ هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ لِتَفَحُّصِ أَحْوَالِ الرَّعِيَّةِ وَقَصَدَ الرُّجُوعَ مَتَى حَصَلَ مَقْصُودُهُ وَلَمْ يَقْصِدْ مَسِيرَةَ فَرٍ حَتَّى إنَّهُ فِي الرُّجُوعِ يَقْصُرُ لَوْ كَانَ مِنْ مُدَّةِ سَفَرٍ وَلَا اعْتِبَارَ لِمَنْ عَلَّلَ بِأَنَّ جَمِيعَ الْوِلَايَةِ بِمَنْزِلَةِ مِصْرِهِ لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ مَعَ عَدَمِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فَلَا يُسْمَعْ. اهـ. (قَوْلُهُ صَارَ مُقِيمًا عَلَى الْأَوْجَهِ) أَيْ بِنَفْسِ التَّزَوُّجِ وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْهُ وَطَنًا أَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَأَمَّا الْمُسَافِرَةُ فَإِنَّهَا تَصِيرُ مُقِيمَةً بِنَفْسِ التَّزَوُّجِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ ح وَحَكَى الزَّيْلَعِيُّ هَذَا الْوَجْهَ بِقِيلَ فَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ الْمُقَابِلِ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ ط. أَقُولُ: قَدْ يُقَالُ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا إذَا كَانَ مُرَادُهُ الْخُرُوجَ قَبْلَ نِصْفِ شَهْرٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ تُتِمُّ فِي الصَّحِيحِ) كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. قَالَ ط وَكَأَنَّهُ لِسُقُوطِ الصَّلَاةِ عَنْهَا فِيمَا مَضَى لَمْ يُعْتَبَرْ حُكْمُ السَّفَرِ فِيهِ فَلَمَّا تَأَهَّلَتْ لِلْأَدَاءِ اُعْتُبِرَ مِنْ وَقْتِهِ. (قَوْلُهُ كَصَبِيٍّ بَلَغَ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ وَقَدْ بَقِيَ لِمَقْصِدِهِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يُتِمُّ وَلَا يُعْتَبَرُ مَا مَضَى لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ فِيهِ ط (قَوْلُهُ بِخِلَافِ كَافِرٍ أَسْلَمَ) أَيْ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ. قَالَ فِي الدُّرَرِ لِأَنَّ نِيَّتَهُ مُعْتَبَرَةٌ فَكَانَ مُسَافِرًا مِنْ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ يَكُونُ مُسَافِرًا، وَقِيلَ يُتِمَّانِ، وَقِيلَ يَقْصُرَانِ. اهـ. وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ عَنْ الْخُلَاصَةِ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَائِضَ لَا تَنْزِلُ عَنْ رُتْبَةِ الَّذِي أَسْلَمَ فَكَانَ حَقُّهَا الْقَصْرَ مِثْلَهُ. اهـ. وَأَجَابَ فِي نَهْجِ النَّجَاةِ بِأَنَّ مَانِعَهَا سَمَاوِيٌّ بِخِلَافِهِ اهـ أَيْ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ أَهْلِ النِّيَّةِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ، لَكِنْ مَنَعَهَا مِنْ الصَّلَاةِ مَا لَيْسَ بِصُنْعِهَا فَلَغَتْ نِيَّتُهَا مِنْ الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إزَالَةِ الْمَانِعِ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ (قَوْلُهُ عَبْدٌ إلَخْ) أَيْ إذَا سَافَرَ الْعَبْدُ مَعَ سَيِّدَيْهِ فَنَوَى أَحَدُهُمَا الْإِقَامَةَ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَهَايَآ فِي خِدْمَتِهِ يُفْرَضُ عَلَيْهِ الْقُعُودُ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 وَلَا يَأْتَمُّ بِمُقِيمٍ أَصْلًا وَهُوَ مِمَّا يَلْغُزُ. قَالَ لِنِسَائِهِ: مَنْ لَمْ تَدْرِ مِنْكُنَّ كَمْ رَكْعَةٍ فَرْضِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَهِيَ طَالِقٌ فَقَالَتْ إحْدَاهُنَّ عِشْرُونَ وَالثَّانِيَةُ سَبْعَةَ عَشَرَ وَالثَّالِثَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالرَّابِعَةُ إحْدَى عَشَرَ لَمْ يُطَلَّقْنَ لِأَنَّ الْأُولَى ضَمَّتْ الْوِتْرَ وَالثَّانِيَةَ تَرَكَتْهُ وَالثَّالِثَةَ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالرَّابِعَةَ لِلْمُسَافِرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بَابُ الْجُمُعَةِ بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ وَسُكُونِهَا (هِيَ فَرْضُ) عَيْنٍ (يَكْفُرُ جَاحِدُهَا) لِثُبُوتِهَا بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ كَمَا حَقَّقَهُ الْكَمَالُ وَهِيَ فَرْضٌ مُسْتَقِلٌّ آكَدُ مِنْ الظُّهْرِ   [رد المحتار] رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَيُتِمُّ احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ مِنْ وَجْهٍ مُقِيمٌ مِنْ وَجْهٍ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَأْتَمُّ إلَخْ) فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمُقِيمِ مُطْلَقًا فَلْيُعْلَمْ هَذَا اهـ أَيْ لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ وَلَا الثَّانِي وَلَعَلَّ وَجْهَهُ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا أَنَّ مُقْتَضَى كَوْنِهِ يُتِمُّ احْتِيَاطًا أَنْ تَكُونَ الْقَعْدَةُ الثَّانِيَةُ فِي حَقِّهِ فَرْضًا إلْحَاقًا لَهُ بِالْمُقِيمِ، وَقَدْ قُلْنَا إنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى فَرْضٌ عَلَيْهِ أَيْضًا إلْحَاقًا لَهُ بِالْمُسَافِرِ فَإِذَا اقْتَدَى بِمُقِيمٍ يَلْزَمُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ الْأُولَى. اهـ. أَقُولُ: لَكِنَّ قَوْلَ شَارِحِ الْمُنْيَةِ وَعَلَى هَذَا إلَخْ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ تَفْرِيعٌ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى وَجْهِ الْبَحْثِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي رَأَيْته مَنْقُولًا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْحُجَّةِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ بِالْمُهَايَأَةِ وَهُوَ فِي أَيْدِيهِمَا فَكُلُّ صَلَاةٍ يُصَلِّيهَا وَحْدَهُ يُصَلِّي أَرْبَعًا وَيَقْعُدُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَيَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَكَذَا إذَا اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ يُصَلِّي مَعَهُ رَكْعَتَيْنِ وَفِي قِرَاءَتِهِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ اخْتِلَافٌ. وَأَمَّا إذَا اقْتَدَى بِمُقِيمٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي أَرْبَعًا بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مِمَّا يُلْغَزُ) أَيْ مِنْ جِهَاتٍ فَيُقَالُ: أَيُّ شَخْصٍ يُصَلِّي فَرْضُهُ أَرْبَعًا وَيُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْقُعُودُ الْأَوَّلُ كَالثَّانِي وَأَيُّ شَخْصٍ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِالْمُقِيمِ فِي الْوَقْتِ، وَأَيُّ شَخْصٍ لَيْسَ بِمُقِيمٍ وَلَا مُسَافِرٍ؟ وَيُقَالُ فِي صُورَةِ التَّهَايُؤِ: أَيُّ شَخْصٍ يُتِمُّ يَوْمًا وَيَقْصُرُ يَوْمًا ط (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأُولَى ضَمَّتْ الْوِتْرَ) وَهِيَ صَادِقَةٌ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ وَيُحْمَلُ الْفَرْضُ فِي كَلَامِ الزَّوْجِ عَلَى مَا يَلْزَمُ لِيَعُمَّ فِعْلَهُ الْعَمَلِيَّ ط. (قَوْلُهُ وَالثَّالِثَةُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ) أَيْ قَالَتْ ذَلِكَ الْعَدَدَ لِفُرُوضِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ الْقَطْعِيَّةِ وَلَمْ تَنْظُرْ إلَى الْوِتْرِ وَكَذَا الرَّابِعَةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ بَابُ الْجُمُعَةِ] بَابُ الْجُمُعَةِ مُنَاسَبَتُهُ لِلسَّفَرِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَنْصِيفَ الصَّلَاةِ ابْتِدَاءً لِعَارِضٍ لَكِنَّهُ هُنَا فِي خَاصٍّ، وَهُوَ الظُّهْرُ وَفِي السَّفَرِ فِي عَامٍّ وَهُوَ كُلُّ رَبَاعِيَةٍ فَلِذَا قَدَّمَ (قَوْلَهُ بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [الجمعة: 9] الْآيَةَ - وَبِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ كَمَا حَقَّقَهُ الْكَمَالُ) وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَكْثَرْنَا فِيهِ نَوْعًا مِنْ الْإِكْثَارِ لِمَا نَسْمَعُ عَنْ بَعْضِ الْجَهَلَةِ أَنَّهُمْ يَنْسُبُونَ إلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ عَدَمَ افْتِرَاضِهَا، وَمَنْشَأُ غَلَطِهِمْ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي مَنْزِلِهِ وَلَا عُذْرَ لَهُ كُرِهَ وَجَازَتْ صَلَاتُهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ حَرُمَ عَلَيْهِ وَصَحَّتْ الظُّهْرُ لِمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ آكَدُ مِنْ الظُّهْرِ) أَيْ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِيهَا مِنْ التَّهْدِيدِ مَا لَمْ يَرِدْ فِي الظُّهْرِ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، فَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهَا أَشَدَّ مِنْ الظُّهْرِ وَيُثَابُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 وَلَيْسَتْ بَدَلًا عَنْهُ كَمَا حَرَّرَهُ الْبَاقَانِيُّ مَعْزِيًّا لِسَرِيِّ الدِّينِ بْنِ الشِّحْنَةِ. وَفِي الْبَحْرِ: وَقَدْ أَفْتَيْت مِرَارًا بِعَدَمِ صَلَاةِ الْأَرْبَعِ بَعْدَهَا بِنِيَّةِ آخِرِ ظُهْرٍ خَوْفَ اعْتِقَادِ عَدَمِ فَرْضِيَّةِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ فِي زَمَانِنَا، وَأَمَّا مَنْ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ مِنْهَا فَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ فِي بَيْتِهِ خُفْيَةً. (وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا) سَبْعَةُ أَشْيَاءَ: الْأَوَّلُ: (الْمِصْرُ وَهُوَ مَا لَا يَسَعُ أَكْبَرُ مَسَاجِدِهِ أَهْلَهُ الْمُكَلَّفِينَ بِهَا) وَعَلَيْهِ فَتْوَى أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ مُجْتَبًى لِظُهُورِ التَّوَانِي فِي الْأَحْكَامِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ كُلُّ مَوْضِعٍ لَهُ أَمِيرٌ وَقَاضٍ   [رد المحتار] عَلَيْهَا أَكْثَرَ وَلِأَنَّ لَهَا شُرُوطًا لَيْسَتْ لِلظُّهْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَتْ بَدَلًا عَنْهُ إلَخْ) تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: وَهِيَ فَرْضٌ مُسْتَقِلٌّ لَكِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَحْثِ النِّيَّةِ مِنْ بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ. وَعِبَارَتُهُ مَعَ الشَّرْحِ: وَلَوْ نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ مَعَ بَقَائِهِ جَازَ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ لِأَنَّهَا بَدَلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ فِي اعْتِقَادِهِ أَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ كَمَا هُوَ رَأْيُ الْبَعْضِ فَتَصِحُّ. اهـ. وَكَتَبْنَا هُنَاكَ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ عِنْدَنَا الظُّهْرُ لَا الْجُمُعَةُ وَلَكِنْ قَدْ أُمِرَ بِالْجُمُعَةِ لِإِسْقَاطِ الظُّهْرِ وَلِذَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ أَنْ تَفُوتَهُ الْجُمُعَةُ صَحَّتْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالثَّلَاثَةِ وَإِنْ حَرُمَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ عِنْدَنَا الظُّهْرُ، وَعِنْدَ زُفَرَ الْجُمُعَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ فِيمَا سَيَأْتِي حَتَّى الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى، وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْهُ فَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ عَنْ النُّقَايَةِ وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ ظَهَرَ ضَعْفُهُ (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَحْرِ إلَخْ) سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتُؤَدَّى فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ بِمَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَهَا شَرَائِطُ وُجُوبًا وَأَدَاءً مِنْهَا: مَا هُوَ فِي الْمُصَلَّى. وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي غَيْرِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَدَاءَ لَا يَصِحُّ بِانْتِفَاءِ شُرُوطِهِ وَيَصِحُّ بِانْتِفَاءِ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: وَحُرٌّ صَحِيحٌ بِالْبُلُوغِ مُذَكَّرٌ ... مُقِيمٌ وَذُو عَقْلٍ لِشَرْطِ وُجُوبِهَا وَمِصْرٌ وَسُلْطَانٌ وَوَقْتٌ وَخُطْبَةٌ ... وَإِذْنٌ كَذَا جَمْعٌ لِشَرْطِ أَدَائِهَا ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ مَا لَا يَسَعُ إلَخْ) هَذَا يَصْدُقُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْقُرَى ط (قَوْلُهُ الْمُكَلَّفِينَ بِهَا) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ مِثْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمُسَافِرِينَ ط عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ فَتْوَى أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ إلَخْ) وَقَالَ أَبُو شُجَاعٍ: هَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَهُوَ صَحِيحٌ بَحْرٌ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْوِقَايَةِ وَمَتْنِ الْمُخْتَارِ وَشَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ فِي مَتْنِ الدُّرَرِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُهُ وَأَيَّدَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِقَوْلِهِ لِظُهُورِ التَّوَانِي فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ سِيَّمَا فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ فِي الْأَمْصَارِ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَالْحَدُّ الصَّحِيحُ مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ الَّذِي لَهُ أَمِيرٌ وَقَاضٍ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ وَتَزْيِيفُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ لَهُ عِنْدَ اعْتِذَارِهِ عَنْ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ حَيْثُ اخْتَارَ الْحَدَّ الْمُتَقَدِّمَ بِظُهُورِ التَّوَانِي فِي الْأَحْكَامِ مُزَيَّفٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْقُدْرَةُ عَلَى إقَامَتِهَا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي التُّحْفَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ بَلْدَةٌ كَبِيرَةٌ فِيهَا سِكَكٌ وَأَسْوَاقٌ وَلَهَا رَسَاتِيقُ وَفِيهَا وَالٍ يَقْدِرُ عَلَى إنْصَافِ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ بِحِشْمَتِهِ وَعِلْمِهِ أَوْ عِلْمِ غَيْرِهِ يَرْجِعُ النَّاسُ إلَيْهِ فِيمَا يَقَعُ مِنْ الْحَوَادِثِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ اهـ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ تَرَكَ ذِكْرَ السِّكَكِ وَالرَّسَاتِيقِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْأَمِيرَ وَالْقَاضِيَ الَّذِي شَأْنُهُ الْقُدْرَةُ عَلَى تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي بَلَدٍ كَذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ لَهُ أَمِيرٌ وَقَاضٍ) أَيْ مُقِيمَانِ فَالِاعْتِبَارُ بِقَاضٍ يَأْتِي أَحْيَانَا يُسَمَّى قَاضِيَ النَّاحِيَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُفْتِيَ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْقَضَاءَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ كَانَ وَظِيفَةَ الْمُجْتَهِدِينَ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ الْوَالِي وَالْقَاضِي مُفْتِيًا اُشْتُرِطَ الْمُفْتِي كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ: أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْقَاضِي عَنْ الْأَمِيرِ شَرْحُ الْمُلْتَقَى. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 يَقْدِرُ عَلَى إقَامَةِ الْحُدُودِ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْمُلْتَقَى. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: إذْنُ الْحَاكِمِ بِبِنَاءِ الْجَامِعِ فِي الرُّسْتَاقِ إذْنٌ بِالْجُمُعَةِ اتِّفَاقًا عَلَى مَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ وَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْحُكْمُ صَارَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ فَلْيُحْفَظْ (أَوْ فِنَاؤُهُ) بِكَسْرِ الْفَاءِ (وَهُوَ مَا) حَوْلَهُ (اتَّصَلَ بِهِ) أَوْ لَا   [رد المحتار] ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ الْأَمِيرِ مَنْ يَحْرُسُ النَّاسَ وَيَمْنَعُ الْمُفْسِدِينَ وَيُقَوِّي أَحْكَامَ الشَّرْعِ كَذَا فِي الرَّقَائِقِ. وَحَاصِلُهُ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى إنْصَافِ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَقْدِرُ إلَخْ) أَفْرَدَ الضَّمِيرَ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ لِعَوْدِهِ عَلَى الْقَاضِي لِأَنَّ ذَلِكَ وَظِيفَتُهُ بِخِلَافِ الْأَمِيرِ لِمَا مَرَّ، وَفِي التَّعْبِيرِ بِيَقْدِرُ رَدٌّ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ كَمَا عَلِمْته. وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الدَّهْلَوِيِّ لَيْسَ الْمُرَادُ تَنْفِيذَ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ بِالْفِعْلِ؛ إذْ الْجُمُعَةُ أُقِيمَتْ فِي عَهْدِ أَظْلَمِ النَّاسِ وَهُوَ الْحَجَّاجُ وَإِنَّهُ مَا كَانَ يُنَفِّذُ جَمِيعَ الْأَحْكَامِ، بَلْ الْمُرَادُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - اقْتِدَارُهُ عَلَى ذَلِكَ اهـ وَنُقِلَ مِثْلُهُ فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ رِسَالَةِ الْعَلَّامَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي. أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِخْلَالُ بِتَنْفِيذِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ مُخِلًّا بِكَوْنِ الْبَلَدِ مِصْرًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَزِمَ أَنْ لَا تَصِحَّ جُمُعَةٌ فِي بَلْدَةٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بَلْ فِيمَا قَبْلَهُ مِنْ أَزْمَانٍ فَتَعَيَّنَ كَوْنُ الْمُرَادِ الِاقْتِدَارَ عَلَى تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي إرَادَةُ أَكْثَرِهِمَا وَإِلَّا فَقَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَى الْحَاكِمِ الِاقْتِدَارُ عَلَى تَنْفِيذِ بَعْضِهَا لِمَنْعٍ مِمَّنْ وَلَّاهُ وَكَمَا يَقَعُ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ مِنْ تَعَصُّبِ سُفَهَاءِ الْبَلَدِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ أَوْ عَلَى الْحَاكِمِ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ فِيهِمْ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَنْفِيذِهَا فِي غَيْرِهِمْ وَفِي عَسْكَرِهِ عَلَى أَنَّ هَذَا عَارِضٌ فَلَا يُعْتَبَرُ، وَلِذَا لَوْ مَاتَ الْوَالِي أَوْ لَمْ يَحْضُرْ لِفِتْنَةٍ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِمَّنْ لَهُ حَقُّ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ نَصَّبَ الْعَامَّةُ لَهُمْ خَطِيبًا لِلضَّرُورَةِ كَمَا سَيَأْتِي مَعَ أَنَّهُ لَا أَمِيرَ وَلَا قَاضِيَ ثَمَّةَ أَصْلًا وَبِهَذَا ظَهَرَ جَهْلُ مَنْ يَقُولُ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ مَعَ أَنَّهَا تَصِحُّ فِي الْبِلَادِ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْكُفَّارُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا حَرَّرْنَاهُ إلَخْ) هُوَ حَاصِلُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَخْ) تَأْيِيدٌ لِلْمَتْنِ، وَعِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ تَقَعُ فَرْضًا فِي الْقَصَبَاتِ وَالْقُرَى الْكَبِيرَةِ الَّتِي فِيهَا أَسْوَاقٌ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: هَذَا بِلَا خِلَافٍ إذَا أَذِنَ الْوَالِي أَوْ الْقَاضِي بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَأَدَاءِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ هَذَا مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْحُكْمُ صَارَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ فِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا قَاضٍ وَمِنْبَرٌ وَخَطِيبٌ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْكَرَاهَةُ لِكَرَاهَةِ النَّفْلِ بِالْجَمَاعَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الْجَوَاهِرِ لَوْ صَلَّوْا فِي الْقُرَى لَزِمَهُمْ أَدَاءُ الظُّهْرِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ حُكْمٌ، فَإِنَّ فِي فَتَاوَى الدِّينَارِيِّ إذَا بُنِيَ مَسْجِدٌ فِي الرُّسْتَاقِ بِأَمْرِ الْإِمَامِ فَهُوَ أَمْرٌ بِالْجُمُعَةِ اتِّفَاقًا عَلَى مَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ اهـ فَافْهَمْ وَالرُّسْتَاقُ الْقُرَى كَمَا فِي الْقَامُوسِ. [تَنْبِيهٌ] فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: قُضَاةُ زَمَانِنَا يَحْكُمُونَ بِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ عِنْدَ تَجْدِيدِهَا فِي مَوْضِعٍ بِأَنْ يُعَلِّقَ الْوَاقِفُ عِتْقَ عَبْدِهِ بِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَبَعْدَ إقَامَتِهَا فِيهِ بِالشُّرُوطِ يَدَّعِي الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ عَلَى الْوَاقِفِ الْمُعَلِّقِ بِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى صِحَّةِ الْجُمُعَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ صَحَّتْ وَوَقَعَ الْعِتْقُ فَيُحْكَمُ بِعِتْقِهِ فَيَتَضَمَّنُ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ، وَيَدْخُلُ مَا لَمْ يَأْتِ مِنْ الْجُمَعِ تَبَعًا اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي دُخُولِ مَا لَمْ يَأْتِ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ. اهـ. أَقُولُ: الْجَوَابُ عَنْ نَظَرِهِ أَنَّ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَحَلًّا لِإِقَامَتِهَا فِيهِ وَبَعْدَ ثُبُوتِ صِحَّتِهَا فِيهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ جُمُعَةٍ وَجُمُعَةٍ فَتَدَبَّرْ. وَظَاهِرُ مَا مَرَّ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ مُجَرَّدَ أَمْرِ السُّلْطَانِ أَوْ الْقَاضِي بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَأَدَائِهَا فِيهِ حُكْمٌ رَافِعٌ لِلْخِلَافِ بِلَا دَعْوَى وَحَادِثَةٍ. وَفِي قَضَاءِ الْأَشْبَاهِ أَمْرُ الْقَاضِي حُكْمٌ كَقَوْلِهِ: سُلِّمَ الْمَحْدُودَ إلَى الْمُدَّعِي، وَالْأَمْرُ بِدَفْعِ الدَّيْنِ، وَالْأَمْرُ بِحَبْسِهِ إلَخْ وَأَفْتَى ابْنُ نُجَيْمٍ بِأَنَّ تَزْوِيجَ الْقَاضِي الصَّغِيرَةَ حُكْمٌ رَافِعٌ لِلْخِلَافِ لَيْسَ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ (قَوْلُهُ: وَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْحُكْمُ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ عِبَارَةَ الْقُهُسْتَانِيِّ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ مُجَرَّدَ الْأَمْرِ رَافِعٌ لِلْخِلَافِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ أَمْرِهِ حُكْمٌ (قَوْلُهُ أَوَّلًا) زَادَهُ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مَا اتَّصَلَ بِهِ لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا كَمَا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 كَمَا حَرَّرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَغَيْرُهُ (لِأَجْلِ مَصَالِحِهِ) كَدَفْنِ الْمَوْتَى وَرَكْضِ الْخَيْلِ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى تَقْدِيرُهُ بِفَرْسَخٍ ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ. (وَ) الثَّانِي: (السُّلْطَانُ) وَلَوْ مُتَغَلِّبًا أَوْ امْرَأَةً فَيَجُوزُ أَمْرُهَا بِإِقَامَتِهَا لَا إقَامَتُهَا (أَوْ مَأْمُورَةً بِإِقَامَتِهَا) وَلَوْ عَبْدًا   [رد المحتار] الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. (قَوْلُهُ كَمَا حَرَّرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ) حَيْثُ قَالَ: وَاعْتَبَرَ بَعْضُهُمْ قَيْدَ الِاتِّصَالِ، وَقَدْ خَطَّأَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ قَائِلًا فَعَلَى قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ لَا تَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ بِبُخَارَى فِي مُصَلَّى الْعِيدِ لِأَنَّ بَيْنَ الْمُصَلَّى وَبَيْنَ الْمِصْرِ مَزَارِعَ وَوَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَرَّةً وَأَفْتَى بَعْضُ مَشَايِخِ زَمَانِنَا بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَلَكِنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَوَابٍ فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُنْكِرْ جَوَازَ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي مُصَلَّى الْعِيدِ بِبُخَارَى لَا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَكَمَا أَنَّ الْمِصْرَ أَوْ فِنَاءَهُ شَرْطُ جَوَازِ الْجُمُعَةِ فَهُوَ شَرْطُ جَوَازِ صَلَاةِ الْعِيدِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ أَهْلِ التَّرْجِيحِ أَطْلَقَ الْفِنَاءَ عَنْ تَقْدِيرِهِ بِمَسَافَةٍ وَكَذَا مُحَرِّرُ الْمَذْهَبِ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِهَا وَجُمْلَةُ أَقْوَالِهِمْ فِي تَقْدِيرِهِ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ أَوْ تِسْعَةُ غَلْوَةٍ مَيْلٌ مِيلَانِ ثَلَاثَةٌ فَرْسَخٌ فَرْسَخَانِ ثَلَاثَةٌ سَمَاعُ الصَّوْتِ سَمَاعُ الْأَذَانِ وَالتَّعْرِيفُ أَحْسَنُ مِنْ التَّحْدِيدِ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مِصْرٍ وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ كِبَرِ الْمِصْرِ وَصِغَرِهِ. بَيَانُهُ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِغَلْوَةٍ أَوْ مَيْلٍ لَا يَصِحُّ فِي مِثْلِ مِصْرَ لِأَنَّ الْقَرَافَةَ وَالتُّرَبَ الَّتِي تَلِي بَابَ النَّصْرِ يَزِيدُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى فَرْسَخٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، نَعَمْ هُوَ مُمْكِنٌ لِمِثْلِ بُولَاقَ فَالْقَوْلُ بِالتَّحْدِيدِ بِمَسَافَةٍ يُخَالِفُ التَّعْرِيفَ الْمُتَّفَقَ عَلَى مَا صَدَقَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ الْمُعَدُّ لِمَصَالِحِ الْمِصْرِ فَقَدْ نَصَّ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ الْفِنَاءَ مَا أُعِدَّ لِدَفْنِ الْمَوْتَى وَحَوَائِجِ الْمِصْرِ كَرَكْضِ الْخَيْلِ وَالدَّوَابِّ وَجَمْعِ الْعَسَاكِرِ وَالْخُرُوجِ لِلرَّمْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَيِّ مَوْضِعٍ يُحَدُّ بِمَسَافَةٍ يَسَعُ عَسَاكِرَ مِصْرٍ وَيَصْلُحُ مَيْدَانًا لِلْخَيْلِ وَالْفُرْسَانِ وَرَمْيِ النَّبْلِ وَالْبُنْدُقِ الْبَارُودِ وَاخْتِبَارِ الْمَدَافِعِ وَهَذَا يَزِيدُ عَلَى فَرَاسِخَ فَظَهَرَ أَنَّ التَّحْدِيدَ بِحَسَبِ الْأَمْصَارِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ [تُحْفَةِ أَعْيَانِ الْغَنِيِّ بِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فِي الْفَنَا] لِلْعَلَّامَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَقَدْ جَزَمَ فِيهَا بِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ فِي مَسْجِدِ سَبِيلٍ عَلَى أَنَّ الَّذِي بَنَاهُ بَعْضُ أُمَرَاءِ زَمَانِهِ وَهُوَ فِي فِنَاءِ مِصْرٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا نَحْوُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ فَرْسَخٍ وَشَيْءٌ. مَطْلَبٌ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ بِمَسْجِدِ الْمُرِجَّةِ وَالصَّالِحِيَّةِ فِي دِمَشْقَ أَقُولُ: وَبِهِ ظَهَرَ صِحَّتُهَا فِي تَكِيَّةِ السُّلْطَانِ سُلَيْمٍ بِمَرْجَةِ دِمَشْقَ، وَكَذَا فِي مَسْجِدِهِ بِصَالِحِيَّةِ دِمَشْقَ فَإِنَّهَا مِنْ فِنَاءِ دِمَشْقَ بِمَا فِيهَا مِنْ التُّرْبَةِ بِسَفْحِ الْجَبَلِ وَإِنْ انْفَصَلَتْ عَنْ دِمَشْقَ بِمَزَارِعَ لَكِنَّهَا قَرِيبَةٌ لِأَنَّهَا عَلَى ثُلُثِ فَرْسَخٍ مِنْ الْبَلْدَةِ، وَإِنْ اُعْتُبِرَتْ قَرْيَةً مُسْتَقِلَّةً فَهِيَ مِصْرٌ عَلَى تَعْرِيفِ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ مَسْجِدَهَا مَبْنِيٌّ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ، وَكَذَا مَسْجِدُهَا الْقَدِيمُ الْمَشْهُورُ بِمَسْجِدِ الْحَنَابِلَةِ الَّذِي بَنَاهُ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ وَأَمْرُهُ كَافٍ فِي صِحَّتِهَا عَلَى مَا مَرَّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ امْرَأَةً) اعْلَمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَكُونُ سُلْطَانًا إلَّا تَغَلُّبًا لِمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ اشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ فِي الْإِمَامِ، فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ وَلَوْ امْرَأَةً أَيْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمُتَغَلِّبُ امْرَأَةً ح، وَالْمُرَادُ بِالْمُتَغَلِّبِ مَنْ فُقِدَ فِيهِ شُرُوطُ الْإِمَامَةِ وَإِنْ رَضِيَهُ الْقَوْمُ وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَالْمُتَغَلِّبُ الَّذِي لَا عَهْدَ لَهُ أَيْ لَا مَنْشُورَ لَهُ إنْ كَانَ سِيرَتُهُ فِيمَا بَيْنَ الرَّعِيَّةِ سِيرَةَ الْأُمَرَاءِ وَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْوُلَاةِ تَجُوزُ الْجُمُعَةُ بِحَضْرَتِهِ بَحْرٌ. اهـ. ط (قَوْلُهُ بِإِقَامَتِهَا) أَيْ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ وَقَوْلُهُ لَا إقَامَتِهَا أَيْ لَا إقَامَةِ الْمَرْأَةِ الْجُمُعَةَ ح (قَوْلُهُ أَوْ مَأْمُورَةٌ بِإِقَامَتِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ، وَشَمِلَ الْأَمْرَ دَلَالَةً قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ مَنْ فُوِّضَ إلَيْهِ أَمْرُ الْعَامَّةِ فِي مِصْرٍ لَهُ إقَامَتُهَا وَإِنْ لَمْ يُفَوِّضْهَا السُّلْطَانُ إلَيْهِ صَرِيحًا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْعِبْرَةُ لِأَهْلِيَّةِ النَّائِبِ وَقْتَ الصَّلَاةِ لَا وَقْتَ الِاسْتِنَابَةِ حَتَّى لَوْ أَمَرَ الصَّبِيَّ وَالذِّمِّيَّ وَفَوَّضَ إلَيْهِمَا الْجُمُعَةَ فَبَلَغَ وَأَسْلَمَ لَهُمَا إقَامَتُهَا لِأَنَّهُ فَوَّضَهَا إلَيْهِمَا صَرِيحًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ، لَكِنَّ ظَاهِرَ الْخَانِيَّةِ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْبَعْضِ وَأَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ الْفَرْقِ لِوُقُوعِ التَّفْوِيضِ بَاطِلًا، وَعَلَيْهِ فَالْمُعْتَبَرُ الْأَهْلِيَّةُ وَقْتَ الِاسْتِنَابَةِ اهـ مُلَخَّصًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 وَلِيَ عَمَلَ نَاحِيَةٍ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ أَنْكِحَتُهُ وَأَقْضِيَتُهُ. (وَاخْتُلِفَ فِي الْخَطِيبِ الْمُقَرَّرِ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَوْ) مِنْ جِهَةِ (نَائِبِهِ هَلْ يَمْلِكُ الِاسْتِنَابَةَ فِي الْخُطْبَةِ؟ فَقِيلَ لَا مُطْلَقًا) أَيْ لِضَرُورَةٍ أَوْ لَا إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ (وَقِيلَ إنْ لِضَرُورَةٍ جَازَ) وَإِلَّا لَا (وَقِيلَ نَعَمْ) يَجُوزُ (مُطْلَقًا) بِلَا ضَرُورَةٍ لِأَنَّهُ عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ لِتَوَقُّتِهِ فَكَانَ الْأَمْرُ بِهِ إذْنًا بِالِاسْتِخْلَافِ دَلَالَةً وَلَا كَذَلِكَ الْقَضَاءُ (وَهُوَ الظَّاهِرُ) مِنْ عِبَارَاتِهِمْ. فَفِي الْبَدَائِعِ: كُلُّ مَنْ مَلَك الْجُمُعَةَ مَلَك إقَامَةَ غَيْرِهِ وَفِي النُّجْعَةِ فِي تَعْدَادِ الْجُمُعَةِ لِابْنِ جُرُبَاشَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ   [رد المحتار] قُلْت: لَكِنْ فِي رِسَالَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ الْخُلَاصَةِ مَا نَصُّهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأَهْلِيَّةِ وَقْتَ إقَامَتِهَا لَا وَقْتَ الْإِذْنِ بِهَا وَإِنْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ مَا يَقْتَضِي خِلَافَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ أَنْكِحَتُهُ وَأَقْضِيَتُهُ) لِأَنَّهُمَا يَعْتَمِدَانِ الْوِلَايَةَ: وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ شَرْطَ الْقَضَاءِ الْحُرِّيَّةُ ط (قَوْلُهُ وَاخْتُلِفَ إلَخْ) لَيْسَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا بَيْنَ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ مِنْ أَهْلِ التَّخْرِيجِ أَوْ التَّرْجِيحِ بَلْ هُوَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي فَهْمِ عِبَارَاتِ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ. مَطْلَبٌ فِي جَوَازِ اسْتِنَابَةِ الْخَطِيبِ (قَوْلُهُ هَلْ يَمْلِكُ الِاسْتِنَابَةَ) أَيْ بِلَا إذْنٍ مِنْ السُّلْطَانِ أَمَّا بِالْإِذْنِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ (قَوْلُهُ فَقِيلَ لَا مُطْلَقًا) قَائِلُهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ حَيْثُ قَالَ إنَّ الِاسْتِخْلَافَ لَا يَجُوزُ لِلْخُطْبَةِ أَصْلًا وَلَا لِلصَّلَاةِ ابْتِدَاءً بَلْ بَعْدَمَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ إلَّا إذَا كَانَ مَأْذُونًا مِنْ السُّلْطَانِ بِالِاسْتِخْلَافِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ لِضَرُورَةٍ جَازَ إلَخْ) قَائِلُهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا حَيْثُ قَالَ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ كَشُغْلِهِ عَنْ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي وَقْتِهَا جَازَ التَّفْوِيضُ إلَى غَيْرِهِ وَإِلَّا لَا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ أَصْلًا أَوْ كَانَ لِعُذْرٍ لَكِنْ يُمْكِنُ إزَالَةُ عُذْرِهِ وَإِقَامَةُ الْجُمُعَةِ بَعْدَهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ التَّفْوِيضُ إلَى خَطِيبٍ آخَرَ ثُمَّ قَالَ: وَإِقَامَةُ الْجُمُعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ أَمْرَيْنِ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ، وَالْمَوْقُوفُ عَلَى الْإِذْنِ هُوَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي، فَالْمُرَادُ مِنْ الِاسْتِخْلَافِ لِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ الِاسْتِخْلَافُ لِلْخُطْبَةِ لَا لِلصَّلَاةِ كَمَا تَوَهَّمَهُ الْبَعْضُ اهـ مِنَحٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَقِيلَ نَعَمْ إلَخْ) قَائِلُهُ قَاضِي الْقُضَاةِ مُحِبُّ الدِّينِ ابْنُ جِرْبَاشٍ مِنَحٌ وَبِهِ قَالَ شَارِحُ الْمُنْيَةِ الْبُرْهَانُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ وَكَذَا صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالشُّرُنْبُلالي وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. (قَوْلُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ بِلَا ضَرُورَةٍ لِيَتَّضِحَ مَعْنَى الْإِطْلَاقِ ط. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ بَعْدَ كَلَامٍ: وَإِذَا عَلِمْت جَوَازَ الِاسْتِخْلَافِ لِلْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ مُطْلَقًا بِعُذْرٍ وَبِغَيْرِ عُذْرٍ حَالَ الْحَضْرَةِ وَالْغَيْبَةِ وَجَوَازَ الِاسْتِخْلَافِ لِلصَّلَاةِ دُونَ الْخُطْبَةِ وَعَكْسَهُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اسْتَنَابَ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَالنَّائِبُ يَخْطُبُ وَيُصَلِّي بِهِمْ، وَالْأَمْرُ فِيهِ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا إذَا اسْتَخْلَفَ لِلصَّلَاةِ فَقَطْ لِسَبْقِ حَدَثٍ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهَا أَوْ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَكُلُّ مَنْ صَلَحَ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ يَصِحُّ اسْتِخْلَافُهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَهُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ فَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْخَلِيفَةِ قَدْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ أَوْ بَعْضَهَا مَعَ أَهْلِيَّتِهِ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إلَخْ) هَذِهِ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي أَيْ لِأَنَّ أَدَاءَ الْجُمُعَةِ عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ لِتَوَقُّتِهِ بِوَقْتٍ يَفُوتُ الْأَدَاءُ بِانْقِضَائِهِ دُرَرٌ عَنْ شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَيْ فَيَكُونُ ذَلِكَ إذْنًا بِالِاسْتِخْلَافِ دَلَالَةً لِعِلْمِهِ بِمَا يَعْتَرِي الْمَأْمُورَ مِنْ الْعَوَارِضِ الْمَانِعَةِ مِنْ إقَامَتِهَا كَمَرَضٍ وَحَدَثٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ، وَلَا كَذَلِكَ الْقَضَاءُ) فَإِنَّهُ يَحْصُلُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ فَلَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ بِهِ إذْنًا بِالِاسْتِخْلَافِ دَلَالَةً (قَوْلُهُ: كُلُّ مَنْ مَلَكَ إلَخْ) هُوَ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ اسْتِنَابَةِ الْخَطِيبِ مُطْلَقًا أَوْ كَالصَّرِيحِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ النُّجْعَةِ) بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ طَلَبُ الْكَلَإِ فِي مَوْضِعِهِ قَامُوسٌ وَهِيَ هُنَا عَلَمُ الْكِتَابِ ح (قَوْلُهُ لِابْنِ جُرُبَاشٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَالرَّاءِ ح وَهُوَ أَحَدُ شُيُوخِ مَشَايِخِ صَاحِبِ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إنَّمَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْإِذْنَ مِنْ السُّلْطَانِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، فَإِذَا أَذِنَ بِإِقَامَتِهَا لِشَخْصٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ وَذَلِكَ الْغَيْرُ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِآخَرَ وَهَلُمَّ جَرًّا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا أَذِنَ بِإِقَامَتِهَا فِي مَسْجِدٍ صَارَ كُلُّ شَخْصٍ أَوْ كُلُّ خَطِيبٍ مَأْذُونًا بِأَنْ يُقِيمَهَا فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ بِدُونِ إذْنٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 لِإِقَامَتِهَا عِنْدَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ بَعْدَ ذَلِكَ بَلْ الْإِذْنُ مُسْتَصْحَبٌ لِكُلِّ خَطِيبٍ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَمَا قَيَّدَهُ الزَّيْلَعِيُّ لَا دَلِيلَ لَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ مُنْلَا خُسْرو وَغَيْرُهُ رَدَّهُ ابْنُ الْكَمَالِ فِي رِسَالَتِهِ خَاصَّةً بَرْهَنَ فِيهَا عَلَى الْجَوَازِ بِلَا شَرْطٍ وَأَطْنَبَ فِيهَا وَأَبْدَعَ وَلِكَثِيرٍ مِنْ الْفَوَائِدِ أَوْدَعَ.   [رد المحتار] مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ مِنْ مَأْذُونِهِ كَمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ نَصُّ عِبَارَةِ ابْنِ جُرُبَاشَ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْهُ فِي الْبَحْرِ وَهِيَ قَوْلُهُ بَعْدَ كَلَامٍ؛ وَإِذْ قَدْ عَرَفْت هَذَا فَيَتَمَشَّى عَلَيْهِ مَا يَقَعُ فِي زَمَانِنَا هَذَا مِنْ اسْتِئْذَانِ السُّلْطَانِ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِيمَا يُسْتَجَدُّ مِنْ الْجَوَامِعِ فَإِنَّ إذْنَهُ بِإِقَامَتِهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِرَبِّهِ مُصَحِّحٌ لِإِذْنِ رَبِّ الْجَامِعِ لِمَنْ يُقِيمُهُ خَطِيبًا، وَلِإِذْنِ ذَلِكَ الْخَطِيبِ لِمَنْ عَسَاهُ أَنْ يَسْتَنِيبَهُ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إقَامَتُهَا إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ السُّلْطَانُ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِدُونِهَا، أَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَلَا كَمَا هُوَ صَرِيحُ مَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ، نَعَمْ وَقَعَ فِي فَتَاوَى ابْنِ الشَّلَبِيِّ مَا يُوهِمُ مَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ الشَّارِحِ حَيْثُ سُئِلَ عَنْ ثَغْرٍ فِيهِ جَوَامِعُ لَهَا خُطَبَاءُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ إذْنٌ صَرِيحٌ مِنْ السُّلْطَانِ مَعَ عِلْمِ السُّلْطَانِ بِذَلِكَ الثَّغْرِ وَبِإِقَامَةِ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ فِي جَوَامِعِهِ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ إذْنًا دَلَالَةً؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى السَّدَادِ، وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ مَنْ بَنَى جَامِعًا، وَأَرَادَ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ اسْتَأْذَنَ الْإِمَامَ فَإِذَا وَجَدَ الْإِذْنَ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَدْ حَصَلَ بِهِ الْغَرَضُ وَالْإِذْنُ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا لَكِنْ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُ السُّلْطَانِ ثَانِيًا بَلْ كُلُّ خَطِيبٍ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ لِلِاكْتِفَاءِ بِالْإِذْنِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَمَا قَيَّدَهُ الزَّيْلَعِيُّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ إلَّا إذَا أَحْدَثَ قَالَ فِي الْبَحْرِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ الْإِطْلَاقُ. اهـ. قُلْت: وَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ تَبِعَهُ عَلَيْهِ مُنْلَا خُسْرو صَاحِبُ الدُّرَرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ لَكِنَّهُ نَاقَضَ نَفْسَهُ حَيْثُ قَالَ بَعْدَهُ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ غَيْرُ الْخَطِيبِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ مَعَ الْخُطْبَةِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقِيمَهَا اثْنَانِ وَإِنْ فَعَلَ جَازَ اهـ وَهَذَا يَكُونُ بِاسْتِخْلَافِ الْخَطِيبِ، ثُمَّ قَالَ أَيْضًا خَطَبَ صَبِيٌّ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ وَصَلَّى بَالِغٌ جَازَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ اهـ قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ: فَهَذَا نَصٌّ مِنْهُ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ سَبْقِ الْحَدَثِ كَمَا قَدَّمْنَا مِنْ النُّصُوصِ بِمِثْلِهِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ سَنَذْكُرُهُ آخِرَ الْبَابِ. [تَنْبِيهٌ] أَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّ كَلَامَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاسْتِنَابَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَهَذَا عَجِيبٌ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لِابْنِ كَمَالٍ بَاشَا كَمَا عَلِمْت وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَتْنِ لَيْسَتْ مَنْقُولَةً فِي الْمَذْهَبِ بَلْ هِيَ اخْتِلَافٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بَعْدَ الزَّيْلَعِيِّ فَكَيْفَ يَبْنِي كَلَامَهُ عَلَى أَحَدِهَا عَلَى أَنَّ اشْتِرَاطَ الِاسْتِنَابَةِ بِالضَّرُورَةِ إنَّمَا هُوَ لِلْخُطْبَةِ لَا لِلصَّلَاةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي عِبَارَةِ ابْنِ كَمَالٍ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ سَبْقَ الْحَدَثِ لَا يَسْتَوْجِبُ الِاسْتِنَابَةَ فِي الْخُطْبَةِ لِصِحَّتِهَا مَعَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمَا ذَكَرَهُ مُنْلَا خُسْرو) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ إلَّا إذَا فَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ ح قُلْت: وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ رَدَّهُ ابْنُ الْكَمَالِ) وَكَذَا رَدَّهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ وَالْإِمْدَادِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ بِلَا شَرْطٍ) أَيْ بِلَا شَرْطِ الْإِذْنِ مِنْ السُّلْطَانِ وَاسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ إلَى أَشْيَاءَ مِنْهَا مَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَنْشُورِ الْإِمَامَةِ الِاسْتِخْلَافُ. اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَعَلَى هَذَا عَمَلُ الْأُمَّةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. اهـ. نَعَمْ اشْتَرَطَ ابْنُ كَمَالٍ فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ لِجَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ أَنْ يَكُونَ لِضَرُورَةٍ وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي فِي الْمَتْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَبُنِيَ عَلَى ذَلِكَ فَسَادٌ مَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا حَيْثُ يَحْضُرُونَ أَيْ السَّلَاطِينُ فِي الْجَامِعِ بِلَا عُذْرٍ وَيَسْتَخْلِفُونَ الْغَيْرَ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ. اهـ. وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ بِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ: إمَامٌ خَطَبَ فَتَوَلَّى غَيْرُهُ وَشَهِدَ الْخُطْبَةَ وَلَمْ يَعْزِلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 وَفِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ: أَنَّهُ جَائِزٌ مُطْلَقًا فِي زَمَانِنَا لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي تَارِيخِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ إذْنٌ عَامٌّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: لَوْ صَلَّى أَحَدٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْخَطِيبِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا اقْتَدَى بِهِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْجُمُعَةِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَدَاءُ النَّفْلِ بِجَمَاعَةٍ وَأَقَرَّهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. (مَاتَ وَالِي مِصْرٍ فَجَمَّعَ خَلِيفَتُهُ أَوْ صَاحِبُ الشَّرَطِ) بِفَتْحَتَيْنِ حَاكِمُ السِّيَاسَةِ (أَوْ الْقَاضِي الْمَأْذُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ   [رد المحتار] الْأَوَّلَ وَلَكِنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ بِالنَّاسِ فَصَلَّى جَازَ لِأَنَّهُ لَمَّا شَهِدَ الْخُطْبَةَ فَكَأَنَّمَا خَطَبَ بِنَفْسِهِ وَلَوْ أَنَّ الْقَادِمَ الَّذِي تَوَلَّى شَهِدَ خُطْبَةَ الْأَوَّلِ وَسَكَتَ عَنْهُ حَتَّى صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِقُدُومِهِ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ لِأَنَّهُ عَلَى وِلَايَتِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ الْعَزْلُ اهـ قَالَ فَهَذَا نَصٌّ فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْأَصِيلِ بِحَضْرَةِ نَائِبِهِ لِعِلْمِهِ بِعَزْلِهِ. اهـ. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ نَائِبًا عَنْهُ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى وِلَايَتِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا لَمْ يَظْهَرْ الْعَزْلُ مَعْنَاهُ مَا لَمْ يَعْزِلْهُ بِالْفِعْلِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ عِلْمَهُ بِالْعَزْلِ وَإِلَّا نَاقَضَ قَوْلَهُ قَبْلَهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِقُدُومِهِ، وَالْأَوْضَحُ فِي الرَّدِّ مَا فِي الْبَدَائِعِ عَنْ النَّوَادِرِ أَنَّهُ يَصِيرُ مَعْزُولًا إذَا عَلِمَ بِحُضُورِ الثَّانِي، وَأَنَّ الثَّانِيَ إذَا أَمَرَ الْأَوَّلَ بِإِتْمَامِ الْخُطْبَةِ يَجُوزُ وَإِلَّا بَلْ سَكَتَ حَتَّى أَتَمَّهَا أَوْ حَضَرَ بَعْدَ فَرَاغِ الْأَوَّلِ مِنْ الْخُطْبَةِ لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ لِأَنَّهَا خُطْبَةُ سُلْطَانٍ مَعْزُولٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحُضُورِ الثَّانِي حَتَّى خَطَبَ وَصَلَّى وَالْأَوَّلُ سَاكِتٌ لِأَنَّهُ لَا يُعْزَلُ إلَّا بِالْعِلْمِ كَالْوَكِيلِ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ مِنْ النَّائِبِ بِحَضْرَةِ الْأَصِيلِ. وَذُكِرَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي: صَلَّى أَحَدٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْخَطِيبِ لَمْ يَجُزْ إلَّا إذَا اقْتَدَى بِهِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْجُمُعَةِ اهـ وَمِثْلُهُ مَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَنَّهُ) أَيْ الِاسْتِخْلَافَ جَائِزٌ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لِضَرُورَةٍ أَوْ لَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ عِبَارَةِ مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ ح (قَوْلُهُ إذْنٌ عَامٌّ) أَيْ لِكُلِّ خَطِيبٍ أَنْ يَسْتَنِيبَ لَا لِكُلِّ شَخْصٍ أَنْ يَخْطُبَ فِي أَيِّ مَسْجِدٍ أَرَادَ ح. أَقُولُ: لَكِنْ لَا يَبْقَى إلَى الْيَوْمِ الْإِذْنُ بَعْدَ مَوْتِ السُّلْطَانِ الْآذِنِ بِذَلِكَ إلَّا إذَا أَذِنَ بِهِ أَيْضًا سُلْطَانُ زَمَانِنَا نَصَرَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - كَمَا بَيَّنْته فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ وَسَنَذْكُرُ فِي بَابِ الْعِيدِ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) لَعَلَّ الْمُرَادَ فَتْوَى أَهْلِ زَمَانِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ تَصْحِيحًا مُعْتَبَرًا؛ إذْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ التَّصْحِيحِ (قَوْلُهُ لَوْ صَلَّى أَحَدٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْخَطِيبِ لَا يَجُوزُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخَطِيبَ خَطَبَ بِنَفْسِهِ، وَالْآخَرُ صَلَّى بِلَا إذْنِهِ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ خَطَبَ بِلَا إذْنِهِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا: خَطَبَ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ، وَالْإِمَامُ حَاضِرٌ لَمْ يَجُزْ اهـ. وَلَا يُنَافِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ أَنَّهُ لَمَّا شَهِدَ الْخُطْبَةَ فَكَأَنَّمَا خَطَبَ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ هُنَاكَ كَانَتْ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَتُهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا اقْتَدَى بِهِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْجُمُعَةِ) شَمِلَ الْخَطِيبَ الْمَأْذُونَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِهِ إذْنٌ دَلَالَةً بِخِلَافِ مَا لَوْ حَضَرَ وَلَمْ يَقْتَدِ وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ السَّابِقَةُ ثُمَّ إذَا كَانَ حُضُورُهُ بِدُونِ اقْتِدَاءٍ لَمْ يُعْتَبَرْ إذْنًا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ خُطْبَةُ غَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ بِالْأَوْلَى خِلَافًا لِمَنْ فَهِمَ مِنْهُ الْجَوَازَ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ إلَخْ) أَيْ يُؤَيِّدُ الْجَوَازَ إذَا اقْتَدَى بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اقْتِدَاءَهُ بِهِ دَلِيلُ الْإِذْنِ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ نَوَوْهَا جُمُعَةً لَكِنْ بِدُونِ شَرْطِهَا تَنْعَقِدُ نَفْلًا، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ اقْتِدَاؤُهُ إذْنًا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّيًا مَعَهُمْ النَّفَلَ بِجَمَاعَةٍ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَفِعْلُ الْمُسْلِمِ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الْكَمَالِ فَيَكُونُ اقْتِدَاؤُهُ إجَازَةً لِفِعْلِهِ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْإِذْنِ السَّابِقِ، وَنَظِيرُهُ إذَا أَجَازَ نِكَاحَ الْفُضُولِيِّ بِالْفِعْلِ يَجُوزُ وَمُجَرَّدُ حُضُورِهِ وَسُكُوتِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مَاتَ وَالِي مِصْرٍ) وَكَذَا لَوْ لَمْ يَحْضُرْ بِسَبَبِ الْفِتْنَةِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: فَجَمَّعَ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ صَلَّى الْجُمُعَةَ خَلِيفَتُهُ أَيْ مَنْ عَهِدَ إلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ الْمُرَادُ مَنْ كَانَ يَخْلُفُهُ وَيَقُومُ مَقَامَهُ إذَا غَابَ أَوْ مَنْ أَقَامَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ خَلِيفَةً بَعْدَهُ إلَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ وَالٍ آخَرُ (قَوْلُهُ أَوْ صَاحِبُ الشَّرَطِ) جَمْعُ شُرْطِيٍّ كَتُرْكِيٍّ وَجُهَنِيٍّ قَامُوسٌ وَفِي الْمُغْرِبِ: الشُّرْطِيَّةُ بِالسُّكُونِ وَالْحَرَكَةِ خِيَارُ الْجُنْدِ وَأَوَّلُ كَتِيبَةٍ تَحْضُرُ الْحَرْبَ وَالْجَمْعُ شَرَطٌ وَصَاحِبُ الشُّرْطَةِ. فِي بَابِ الْجُمُعَةِ يُرَادُ بِهِ أَمِيرُ الْبَلْدَةِ كَأَمِيرِ بُخَارَى وَقِيلَ: هَذَا عَلَى عَادَتِهِمْ لِأَنَّ أُمُورَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا كَانَتْ حِينَئِذٍ إلَى صَاحِبِ الشُّرْطَةِ فَأَمَّا الْآنَ فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ الْقَاضِي الْمَأْذُونُ لَهُ فِي ذَلِكَ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 جَازَ) لِأَنَّ تَفْوِيضَ أَمْرِ الْعَامَّةِ إلَيْهِمْ إذْنٌ بِذَلِكَ دَلَالَةً فَلِقَاضِي الْقُضَاةِ بِالشَّامِ أَنْ يُقِيمَهَا وَأَنْ يُوَلِّيَ الْخُطَبَاءَ بِلَا إذْنٍ صَرِيحٍ وَلَا تَقْدِيرِ الْبَاشَا، وَقَالُوا: يُقِيمُهَا أَمِيرُ الْبَلَدِ ثُمَّ الشَّرَطَىُّ ثُمَّ الْقَاضِي ثُمَّ مَنْ وَلَّاهُ قَاضِي الْقُضَاةِ (وَنَصْبُ الْعَامَّةِ) الْخَطِيبَ (غَيْرُ مُعْتَبَرٍ مَعَ وُجُودِ مَنْ ذُكِرَ) أَمَّا مَعَ عَدَمِهِمْ فَيَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ (وَجَازَتْ) الْجُمُعَةُ (بِمِنًى فِي الْمَوْسِمِ) فَقَطْ (لِ) وُجُودِ (الْخَلِيفَةِ) أَوْ أَمِيرِ الْحِجَازِ أَوْ الْعِرَاقِ أَوْ مَكَّةَ وَوُجُودِ الْأَسْوَاقِ وَالسِّكَكِ وَكَذَا كُلُّ أَبْنِيَةٍ نَزَلَ بِهَا الْخَلِيفَةُ وَعَدَمُ التَّعْيِيدِ بِمِنًى لِلتَّخْفِيفِ (لَا) تَجُوزُ (لِأَمِيرِ الْمَوْسِمِ) لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ عَلَى أُمُورِ الْحَجِّ حَتَّى لَوْ أَذِنَ لَهُ جَازَ (وَلَا بِعَرَفَاتٍ) لِأَنَّهَا مَفَازَةٌ   [رد المحتار] قَيَّدَ بِهِ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ لَيْسَ لِلْقَاضِي إقَامَتُهَا إذَا لَمْ يُؤْمَرْ وَلِصَاحِبِ الشَّرَطِ وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ وَهَذَا عُرْفُهُمْ. قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَمَّا الْيَوْمُ فَالْقَاضِي يُقِيمُهَا لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ يَأْمُرُونَ بِذَلِكَ، قِيلَ أَرَادَ بِهِ قَاضِيَ الْقُضَاةِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ قَاضِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ فَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَالْقَاضِي وَصَاحِبُ الشَّرَطِ لَا يُوَلَّيَانِ ذَلِكَ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَعَلَى هَذَا فَلِقَاضِي الْقُضَاةِ بِمِصْرٍ أَنْ يُوَلِّيَ الْخُطَبَاءَ، وَلَا يَتَوَقَّفَ عَلَى إذْنٍ كَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ لِلْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ لِأَنَّ تَوْلِيَةَ قَاضِي الْقُضَاةِ إذْنٌ بِذَلِكَ دَلَالَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى تَقْرِيرِ الْحَاكِمِ الْمُسَمَّى بِالْبَاشَا لَكِنْ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّ فِي إقَامَةِ الْقَاضِي رِوَايَتَيْنِ وَبِرِوَايَةِ الْمَنْعِ يُفْتَى فِي دِيَارِنَا إذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ وَلَمْ يُكْتَبْ فِي مَنْشُورِهِ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي التَّجْنِيسِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُوَلَّ قَاضِي الْقُضَاةِ أَمَّا إنْ وُلِّيَ أَغْنَى هَذَا اللَّفْظُ عَنْ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَلِقَاضِي الْقُضَاةِ بِالشَّامِ إلَخْ) أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْبَحْرِ كَمَا عَلِمْت لَكِنْ فِيهِ أَنَّ قَاضِيَ الْقُضَاةِ الَّذِي لَهُ ذَلِكَ هُوَ قَاضِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ كَمَا مَرَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، وَأَمَّا قَاضِي الشَّامِ وَمِصْرَ فَإِنَّ وِلَايَتَهُ مُسْتَمَدَّةٌ مِنْ ذَلِكَ الْقَاضِي الْعَامِّ، وَكَوْنُهُ مَأْذُونًا بِالِاسْتِخْلَافِ أَيْ اسْتِخْلَافِ نُوَّابٍ عَنْهُ فِي بَلْدَةٍ وَتَوَابِعِهَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ إذْنُهُ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ بِخِلَافِ ذَاكَ الْقَاضِي الْعَامِّ الَّذِي أَذِنَ لَهُ السُّلْطَانُ بِإِقَامَةِ مَصَالِحِ الدِّينِ وَنَصَّبَ الْقُضَاةَ فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ وَلِذَا يُسَمَّى قَاضِيَ الْقُضَاةِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي هَذِهِ الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَوَلَّى خَطَابَةً لَا بُدَّ أَنْ يُرْسَلَ إلَى جِهَةِ السُّلْطَانِ حَفِظَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - لِيُقَرِّرَهُ فِيهَا، فَلَوْ كَانَ الْقَاضِي أَوْ الْبَاشَا مَأْذُونًا بِإِقَامَتِهَا لَصَحَّ أَنْ يُوَلِّيَ الْخَطِيبَ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْإِذْنِ وَإِنَّمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ جِهَتِهِ فَإِنْ قَالَ إنِّي مَأْذُونٌ بِذَلِكَ صُدِّقَ لِأَنَّ مُجَرَّدَ تَوْلِيَةِ الْقُضَاةِ أَوْ الْإِمَارَةِ مَثَلًا لَا يَكُونُ إذْنًا بِإِقَامَتِهَا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ كَمَا مَرَّ عَنْ التَّجْنِيسِ إلَّا إذَا فَوَّضَ السُّلْطَانُ إلَيْهِ أُمُورَ الدُّنْيَا وَالدِّينِ كَمَا كَانَ فِي زَمَانِهِمْ كَمَا مَرَّ عَنْ الْمُغْرِبِ وَالظَّهِيرِيَّةِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي نَهْجِ النَّجَاةِ مَعْزِيًّا إلَى رِسَالَةٍ لِلْمُصَنِّفِ: لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي قَاضٍ فَوَّضَ لَهُ الْأُمُورَ الْعَامَّةَ، أَمَّا مَنْ فَوَّضَ لَهُ السُّلْطَانُ قَضَاءَ بَلْدَةٍ لِيَحْكُمَ فِيهَا بِمَا صَحَّ مِنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ فَلَا لِعَدَمِ الْإِذْنِ لَهُ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً اهـ وَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَقَالُوا يُقِيمُهَا إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِعِبَارَةِ الْمَتْنِ فَإِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ فِيهَا تَرْتِيبَهُمْ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ مُرَتَّبُونَ كَتَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ فِي وِلَايَةِ التَّزْوِيجِ فَيُقِيمُهَا الْأَبْعَدُ عِنْدَ غَيْبَةِ الْأَقْرَبِ أَوْ مَوْتِهِ لَا بِحَضْرَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَهُوَ مُفَادُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ النُّجْعَةِ فَرَاجِعْهُ، لَكِنَّ تَقْدِيمَ الشُّرَطِيِّ عَلَى الْقَاضِي مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ مِنْ تَقْدِيمِ الْقَاضِي عَلَى الشُّرَطِيِّ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مَعَ وُجُودِ مَنْ ذُكِرَ) أَيْ إذَا كَانُوا مَأْذُونِينَ كَمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَنْ ذُكِرَ لَهُ إقَامَتُهَا بِالْإِذْنِ الْعَامِّ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَغَيْرُ مَأْذُونِينَ (قَوْلُهُ فَيَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ مَنَعَ السُّلْطَانُ أَهْلَ مِصْرٍ أَنْ يَجْمَعُوا إضْرَارًا وَتَعَنُّتًا فَلَهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا عَلَى رَجُلٍ يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ ذَلِكَ الْمِصْرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِصْرًا لِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ فَلَا كَمَا فِي الْبَحْرِ مُلَخَّصًا عَنْ الْخُلَاصَةِ. 1 - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 (وَتُؤَدَّى فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ بِمَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ) مُطْلَقًا   [رد المحتار] تَتِمَّةٌ] : فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ الْبِلَادُ الَّتِي فِي أَيْدِي الْكُفَّارِ بِلَادُ الْإِسْلَامِ لَا بِلَادُ الْحَرْبِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُظْهِرُوا فِيهَا حُكْمَ الْكُفْرِ بَلْ الْقُضَاةُ، وَالْوُلَاةُ مُسْلِمُونَ يُطِيعُونَهُمْ عَنْ ضَرُورَةٍ أَوْ بِدُونِهَا، وَكُلُّ مِصْرٍ فِيهِ وَالٍ مِنْ جِهَتِهِمْ يَجُوزُ لَهُ إقَامَةُ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَالْحَدِّ وَتَقْلِيدُ الْقُضَاةِ لِاسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِمْ، فَلَوْ الْوُلَاةُ كُفَّارًا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ وَيَصِيرُ الْقَاضِي قَاضِيًا بِتَرَاضِي الْمُسْلِمِينَ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَلْتَمِسُوا وَالِيًا مُسْلِمًا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَوْسِمِ) أَيْ مَوْسِمِ الْحَاجِّ وَهُوَ سُوقُهُمْ وَمُجْتَمَعُهُمْ، مِنْ الْوَسْمِ: وَهُوَ الْعَلَامَةُ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ فَقَطْ) أَيْ فَلَا تَصِحُّ فِي مِنًى فِي غَيْرِ أَيَّامِ اجْتِمَاعِ الْحَاجِّ فِيهَا لِفَقْدِ بَعْضِ الشُّرُوطِ (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الْخَلِيفَةِ) أَيْ السُّلْطَانِ الْأَعْظَمِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَأَمِيرِ الْحِجَازِ) وَهُوَ السُّلْطَانُ بِمَكَّةَ كَذَا فِي الدُّرَرِ أَيْ شَرِيفُ مَكَّةَ الْحَاكِمُ فِي مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالطَّائِفِ وَمَا يَلِي ذَلِكَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ (قَوْلُهُ أَوْ الْعِرَاقِ) كَأَمِيرِ بَغْدَادَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَأْذُونٌ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ أَوْ مَكَّةَ) مُكَرَّرٌ مَعَ أَمِيرِ الْحِجَازِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ أَخَصُّ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا كُلُّ أَبْنِيَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَفِي كَلَامِ الْهِدَايَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخَلِيفَةَ وَالسُّلْطَانُ إذَا طَافَ فِي وِلَايَتِهِ كَانَ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ فِي كُلِّ مِصْرٍ يَكُونُ فِيهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ إمَامَةَ غَيْرِهِ إنَّمَا تَجُوزُ بِأَمْرِهِ فَإِمَامَتُهُ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا. اهـ. أَقُولُ: مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْجَوَازَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَجَازَتْ بِمِنًى فِي مَعْنَى الْوُجُوبِ مَعَ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِهَا الْإِقَامَةَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ إمَامِهِ الْخَلِيفَةِ فِيهَا وُجُوبُهَا عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُسَافِرًا وَلَا أَنْ يَأْمُرَ مُقِيمًا بِإِقَامَتِهَا، وَلَا يَلْزَمُ أَيْضًا مِنْ كَوْنِ الْمِصْرِ مِنْ جُمْلَةِ وِلَايَتِهِ أَنْ يَصِيرَ مُقِيمًا بِوُصُولِهِ إلَيْهِ إلَّا عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ اعْتَرَضَهُ بِقَوْلِهِ دَلَالَةً مَا ذَكَرَهُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْخَلِيفَةِ إذَا طَافَ وِلَايَتُهُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ اهـ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْجَوَازَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَعْنَاهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ قَوْلِهِ: وَالْخَلِيفَةُ وَإِنْ كَانَ قَصَدَ السَّفَرَ لِلْحَجِّ فَالسَّفَرُ إنَّمَا يُرَخَّصُ فِي التَّرْكِ لَا أَنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّتَهَا اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ التَّعْيِيدِ بِمِنًى) أَيْ عَدَمُ إقَامَةِ الْعِيدِ بِهَا لَا لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ بِمِصْرٍ بَلْ لِلتَّخْفِيفِ عَلَى الْحَاجِّ لِاشْتِغَالِهِمْ بِأُمُورِ الْحَجِّ مِنْ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالذَّبْحِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَّفِقُ فِي كُلِّ سَنَةٍ هُجُومُ الْجُمُعَةِ فِي أَيَّامِ الرَّمْيِ أَمَّا الْعِيدُ فَإِنَّهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ سِرَاجٌ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجُمُعَةَ تَبْقَى إلَى آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْغَالِبُ فَرَاغُ الْحَاجِّ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ قَبْلَ ذَلِكَ بِخِلَافِ وَقْتِ الْعِيدِ؛ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْجُمُعَةَ إذَا أُقِيمَتْ بِمِنًى أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمُقِيمِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ إذَا خَرَجُوا لِلْحَجِّ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بَلْ الظَّاهِرُ وُجُوبُ إقَامَتِهَا عَلَيْهِمْ تَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] ظَاهِرُ التَّعْلِيلِ وُجُوبُ الْعِيدِ فِي مَكَّةَ وَقَدْ ذَكَرَ الْبِيرِيُّ فِي كِتَابِ الْأُضْحِيَّةِ أَنَّهُ هُوَ وَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْ الْمَشَايِخِ لَمْ يُصَلُّوهَا فِيهَا، قَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا السَّبَبُ فِي ذَلِكَ. اهـ. قُلْت: لَعَلَّ السَّبَبَ أَنَّ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ إقَامَتِهَا يَكُونُ حَاجًّا فِي مِنًى (قَوْلُهُ لَا تَجُوزُ لِأَمِيرِ الْمَوْسِمِ) هُوَ الْمُسَمَّى أَمِيرَ الْحَاجِّ كَمَا فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ. أَقُولُ: كَانَتْ عَادَةُ سَلَاطِينِ بَنِي عُثْمَانَ - أَيَّدَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُمْ يُرْسِلُونَ أَمِيرًا يُوَلُّونَهُ أُمُورَ الْحَاجِّ فَقَطْ غَيْرَ أَمِيرِ الشَّامِ وَالْآنَ جَعَلُوا أَمِيرَ الشَّامِ وَالْحَاجَّ وَاحِدًا فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَمِيرِ الْمَوْسِمِ وَأَمِيرِ الْعِرَاقِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ، فَإِذَا كَانَ مِنْ عُمُومِ وِلَايَتِهِ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي بَلَدِهِ يُقِيمُهَا فِي مِنًى أَيْضًا بِخِلَافِ مَنْ كَانَ أَمِيرًا عَلَى الْحَاجِّ فَقَطْ وَيُوَضِّحُ مَا ذَكَرْنَاهُ قَوْلُ الشَّارِحِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ إلَخْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا مَفَازَةٌ) أَيْ بَرِّيَّةٌ لَا أَبْنِيَةَ فِيهَا بِخِلَافِ مِنًى (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمِصْرُ كَبِيرًا أَوْ لَا وَسَوَاءٌ فَصَلَ بَيْنَ جَانِبَيْهِ نَهْرٌ كَبِيرٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى شَرْحُ الْمَجْمَعِ لِلْعَيْنِيِّ وَإِمَامَةُ فَتْحِ الْقَدِيرِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَعَلَى الْمَرْجُوحِ فَالْجُمُعَةُ لِمَنْ سُبِقَ تَحْرِيمَةً وَتَفْسُدُ بِالْمَعِيَّةِ وَالِاشْتِبَاهِ، فَيُصَلِّي بَعْدَهَا آخِرَ ظُهْرٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ. وَفِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ مَعْزِيًّا لَلْمَطْلَبِ وَالْأَحْوَطُ نِيَّةُ آخِرِ ظُهْرٍ أَدْرَكْت وَقْتَهُ   [رد المحتار] كَبَغْدَادَ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ قُطِعَ الْجِسْرُ أَوْ بَقِيَ مُتَّصِلًا وَسَوَاءٌ كَانَ التَّعَدُّدُ فِي مَسْجِدَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ هَكَذَا يُفَادُ مِنْ الْفَتْحِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ التَّعَدُّدُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ السَّرَخْسِيِّ الْآتِي (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) فَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازُ إقَامَتِهَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فِي مَسْجِدَيْنِ وَأَكْثَرَ بِهِ نَأْخُذُ لِإِطْلَاقِ «لَا جُمُعَةَ إلَّا فِي مِصْرٍ» شَرَطَ الْمِصْرَ فَقَطْ، وَبِمَا ذَكَرْنَا انْدَفَعَ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ جَوَازُهَا فِي مَوْضِعَيْنِ لَا فِي أَكْثَرَ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ اهـ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ الْجَوَازُ مُطْلَقًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ) لِأَنَّ فِي إلْزَامِ اتِّحَادِ الْمَوْضِعِ حَرَجًا بَيِّنًا لِاسْتِدْعَائِهِ تَطْوِيلَ الْمَسَافَةِ عَلَى أَكْثَرِ الْحَاضِرِينَ وَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ عَدَمِ جَوَازِ التَّعَدُّدِ بَلْ قَضِيَّةُ الضَّرُورَةِ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مِصْرًا كَبِيرًا كَمِصْرِنَا كَمَا قَالَهُ الْكَمَالُ ط (قَوْلُهُ وَعَلَى الْمَرْجُوحِ) هُوَ مَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعَيْنِ (قَوْلُهُ لِمَنْ سَبَقَ تَحْرِيمَةً) وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِالسَّبْقِ الْفَرَاغُ، وَقِيلَ بِهِمَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ بَحْرٌ عَنْ الْقُنْيَةِ أَيْ أَصَحُّ عِنْدَ صَاحِبِ الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ وَكُنْت قَدْ رَاجَعْت شَيْخَنَا يَعْنِي الْكَمَالَ فِي هَذَا كِتَابَةً فَكَتَبَ إلَيَّ، وَأَمَّا السَّبْقُ فَلَا شَكَّ عِنْدِي فِي اعْتِبَارِهِ بِالْخُرُوجِ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ مَعَهُ الدُّخُولُ مَحَلَّ تَرَدُّدٍ فِي خَاطِرِي لِأَنَّ سَبْقَ كَذَا هُوَ بِتَقَدُّمِ دُخُولِ تَمَامِهِ فِي الْوُجُودِ أَوْ بِتَقَدُّمِ انْقِضَائِهِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي نِيَّةِ آخِرِ ظُهْرٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ فَيُصَلِّي بَعْدَهَا آخِرَ ظُهْرٍ) تَفْرِيعُهُ عَلَى الْمَرْجُوحِ يُفِيدُ أَنَّهُ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ جَوَازِ التَّعَدُّدِ لَا يُصَلِّيهَا بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمَهُ عَنْ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ مِرَارًا خَوْفَ اعْتِقَادِ عَدَمِ فَرِيضَةِ الْجُمُعَةِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّهُ لَا احْتِيَاطَ فِي فِعْلِهَا لِأَنَّهُ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ. اهـ. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ الِاحْتِيَاطُ بِمَعْنَى الْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ لِأَنَّ جَوَازَ التَّعَدُّدِ وَإِنْ كَانَ أَرْجَحَ وَأَقْوَى دَلِيلًا، لَكِنْ فِيهِ شُبْهَةٌ قَوِيَّةٌ لِأَنَّ خِلَافَهُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ والتمرتاشي وَصَاحِبُ الْمُخْتَارِ، وَجَعَلَهُ الْعَتَّابِيُّ الْأَظْهَرَ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيَّ فِي رِسَالَتِهِ [نُورُ الشَّمْعَةِ فِي ظُهْرِ الْجُمُعَةِ] بَلْ قَالَ السُّبْكِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَلَا يُحْفَظُ عَنْ صَحَابِيٍّ وَلَا تَابِعِيٍّ تَجْوِيزُ تَعَدُّدِهَا اهـ وَقَدْ عَلِمْت قَوْلَ الْبَدَائِعِ إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ جَوَامِعِ الْفِقْهِ أَنَّهُ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي التَّكْمِلَةِ لِلرَّازِيِّ وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ فَهُوَ حِينَئِذٍ قَوْلٌ مُعْتَمَدٌ فِي الْمَذْهَبِ لَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ؛ وَلِذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْأَوْلَى هُوَ الِاحْتِيَاطُ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ التَّعَدُّدِ وَعَدَمِهِ قَوِيٌّ، وَكَوْنُ الصَّحِيحِ الْجَوَازَ لِلضِّرْوَةِ لِلْفَتْوَى لَا يَمْنَعُ شَرْعِيَّةَ الِاحْتِيَاطِ لِلتَّقَوِّي. اهـ. قُلْت: عَلَى أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ ضَعْفُهُ فَالْخُرُوجُ عَنْ خِلَافِهِ أَوْلَى فَكَيْفَ مَعَ خِلَافِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ، وَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِيمَنْ يَقْضِي صَلَاةَ عُمْرِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ مِنْهَا شَيْءٌ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِالِاحْتِيَاطِ. وَذُكِرَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ أَحْسَنُ إنْ كَانَ فِي صَلَاتِهِ خِلَافُ الْمُجْتَهِدِينَ وَيَكْفِينَا خِلَافُ مَنْ مَرَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 لِأَنَّ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ بِآخِرِ الْوَقْتِ فَتَنَبَّهْ   [رد المحتار] وَنَقَلَ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الْمُحِيطِ: كُلُّ مَوْضِعٍ وَقَعَ الشَّكُّ فِي كَوْنِهِ مِصْرًا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا بِنِيَّةِ الظُّهْرِ احْتِيَاطًا حَتَّى إنَّهُ لَوْ لَمْ تَقَعْ الْجُمُعَةُ مَوْقِعَهَا يَخْرُجُونَ عَنْ عُهْدَةِ فَرْضِ الْوَقْتِ بِأَدَاءِ الظُّهْرِ، وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي وَفِي الْقُنْيَةِ لَمَّا اُبْتُلِيَ أَهْلُ مَرْوَ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَتَيْنِ فِيهَا مَعَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِهِمَا أَمَرَ أَئِمَّتُهُمْ بِالْأَرْبَعِ بَعْدَهَا حَتْمًا احْتِيَاطًا. اهـ. وَنَقَلَهُ كَثِيرٌ مِنْ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَتَدَاوَلُوهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَأَكْثَرُ مَشَايِخِ بُخَارَى عَلَيْهِ لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ. ثُمَّ نَقَلَ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا يَنْوِي بِهَا آخِرَ فَرْضٍ أَدْرَكْت وَقْتَهُ وَلَمْ أُؤَدِّهِ إنْ تَرَدَّدَ فِي كَوْنِهِ مِصْرًا أَوْ تَعَدَّدَتْ الْجُمُعَةُ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ عَنْ الْمُحَقِّقِ ابْنِ جُرُبَاشَ. قَالَ ثُمَّ قَالَ: وَفَائِدَتُهُ الْخُرُوجُ عَنْ الْخِلَافِ الْمُتَوَهَّمِ أَوْ الْمُحَقَّقِ وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ صِحَّةَ التَّعْدَادِ فَهِيَ نَفْعٌ بِلَا ضَرَرٍ ثُمَّ ذَكَرَ مَا يُوهِمُ عَدَمَ فِعْلِهَا وَدَفَعَهُ بِأَحْسَنِ وَجْهٍ. وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِي نَدْبِهَا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ التَّعَدُّدِ خُرُوجًا عَنْ الْخِلَافِ اهـ وَفِي شَرْحِ الْبَاقَانِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ. وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ يَنْبَغِي الْإِتْيَانُ بِهَذِهِ الْأَرْبَعِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ، لَكِنْ بَقِيَ الْكَلَامُ فِي تَحْقِيقِ أَنَّهُ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: ذَكَرَ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ جَدِّهِ التَّصْرِيحَ بِالنَّدْبِ، وَبَحَثَ فِيهِ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ مُجَرَّدِ التَّوَهُّمِ، أَمَّا عِنْدَ قِيَامِ الشَّكِّ وَالِاشْتِبَاهِ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ فَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ، وَنَقَلَ مِنْ شَيْخِهِ ابْنِ الْهُمَامِ مَا يُفِيدُهُ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهَا هَلْ تَجْزِي عَنْ السُّنَّةِ أَمْ لَا؟ فَعِنْدَ قِيَامِ الشَّكِّ لَا وَعِنْدَ عَدَمِهِ نَعَمْ، وَيُؤَيِّدُ التَّفْصِيلَ تَعْبِيرُ التُّمُرْتَاشِيِّ بِ لَا بُدَّ وَكَلَامُ الْقُنْيَةِ الْمَذْكُورُ اهـ وَتَمَامُ تَحْقِيقِ الْمَقَامِ فِي رِسَالَةِ الْمَقْدِسِيَّ وَقَدْ ذَكَرَ شَذْرَةً مِنْهَا فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِدَفْعِ مَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ مِنْ عَدَمِ فِعْلِهَا مُطْلَقًا. نَعَمْ إنْ أَدَّى إلَى مَفْسَدَةٍ لَا تُفْعَلُ جِهَارًا وَالْكَلَامُ عِنْدَ عَدَمِهَا وَلِذَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ نَحْنُ لَا نَأْمُرُ بِذَلِكَ أَمْثَالَ هَذِهِ الْعَوَامّ بَلْ نَدُلُّ عَلَيْهِ الْخَوَاصَّ وَلَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ اهـ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ بِآخِرِ الْوَقْتِ) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: فِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الظُّهْرَ يَجِبُ بِزَوَالِ الشَّمْسِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ غَيْرَ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْجُزْءُ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ الْأَدَاءُ، فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ تَعَيَّنَ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ لِلسَّبَبِيَّةِ. اهـ. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: وَالْأَحْوَطُ نِيَّةُ آخِرِ ظُهْرٍ أَدْرَكْت وَقْتَهُ هُوَ أَحْوَطُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا إذَا نَوَى آخِرَ ظُهْرٍ وَجَبَ عَلَيَّ أَدَاؤُهُ أَوْ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِي فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُهُ لَوْ ظَهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ وُجُوبَ أَدَائِهِ أَوْ ثُبُوتَهُ فِي ذِمَّتِهِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ. نَعَمْ لَوْ قَالَ: وَجَبَ عَلَيَّ يُفِيدُهُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِدُخُولِ الْوَقْتِ بِخِلَافِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَى مَا حَقَّقَهُ فِي التَّوْضِيحِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَوُجُوبِ الْأَدَاءِ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ وَلَمْ أُصَلِّهِ أَوْ وَلَمْ أُؤَدِّهِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ ظُهْرٌ فَائِتٌ وَكَانَتْ هَذِهِ الْجُمُعَةُ صَحِيحَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يَنْصَرِفُ مَا نَوَى إلَى مَا عَلَيْهِ وَبِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ بَلْ يَقَعُ نَفْلًا لِأَنَّ آخِرَ ظُهْرٍ أَدْرَكَهُ هُوَ ظُهْرُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْوَقْتَ عِنْدَنَا لِلظُّهْرِ أَصَالَةً فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَكَذَا إذَا قُلْنَا إنَّ ظُهْرَ الْجُمُعَةِ سَقَطَ عَنْهُ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ آخِرَ ظُهْرٍ أَدْرَكَهُ ظُهْرُ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى ظُهْرٍ فَائِتٍ عَلَيْهِ قَبْلَهُ إلَّا إذَا زَادَ قَوْلُهُ: وَلَمْ أُصَلِّهِ وَلَعَلَّ الشَّارِحَ أَشَارَ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ فَتَنَبَّهْ فَافْهَمْ. [تَتِمَّةٌ] قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الصَّغِيرِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ سُنَّتَهَا ثُمَّ الْأَرْبَعَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ أَيْ نِيَّةِ آخِرِ ظُهْرٍ أَدْرَكْته وَلَمْ أُصَلِّهِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ سُنَّةَ الْوَقْتِ، فَإِنْ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ يَكُونُ قَدْ أَدَّى سُنَّتَهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَإِلَّا فَقَدْ صَلَّى الظُّهْرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 (وَ) الثَّالِثُ (وَقْتُ الظُّهْرِ فَتَبْطُلُ) الْجُمُعَةُ (بِخُرُوجِهِ) مُطْلَقًا وَلَوْ لَاحِقًا بِعُذْرِ نَوْمٍ أَوْ زَحْمَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْوَقْتَ شَرْطُ الْأَدَاءِ لَا شَرْطُ الِافْتِتَاحِ. (وَ) الرَّابِعُ: (الْخُطْبَةُ فِيهِ) فَلَوْ خَطَبَ قَبْلَهُ وَصَلَّى فِيهِ لَمْ تَصِحَّ. (وَ) الْخَامِسُ: (كَوْنُهَا قَبْلَهَا) لِأَنَّ شَرْطَ الشَّيْءِ سَابِقٌ عَلَيْهِ (بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ تَنْعَقِدُ) الْجُمُعَةُ (بِهِمْ وَلَوْ) كَانُوا (صُمًّا أَوْ نِيَامًا فَلَوْ خَطَبَ وَحْدَهُ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْأَصَحِّ) كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ   [رد المحتار] مَعَ سُنَّتِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ السُّورَةَ مَعَ الْفَاتِحَةِ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ فَإِنْ وَقَعَتْ فَرْضًا فَالسُّورَةُ لَا تَضُرُّ وَإِنْ وَقَعَتْ نَفْلًا فَقِرَاءَةُ السُّورَةِ وَاجِبَةٌ اهـ أَيْ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ فَلَا يَضُمُّ السُّورَةَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَرْبَعَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ. قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ أَرْبَعًا سُنَّتُهَا وَأَرْبَعًا آخِرَ ظُهْرٍ وَرَكْعَتَيْنِ سُنَّةُ الْوَقْتِ: أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْفَرْضَ هُوَ الظُّهْرُ فَتَقَعُ الرَّكْعَتَانِ سُنَّتَهُ الْبَعْدِيَّةَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي نِيَّةُ آخِرِ ظُهْرٍ عَنْ الْأَرْبَعِ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ إذَا صَحَّتْ الْجُمُعَةُ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ فِي السُّنَنِ، وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ فَالْفَرْضُ هُوَ الظُّهْرُ وَتَقَعُ الْأَرْبَعُ الَّتِي صَلَّاهَا قَبْلَ الْجُمُعَةِ عَنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ الْقَبَلِيَّةِ لَكِنْ لِطُولِ الْفَصْلِ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَسَمَاعِ الْخُطْبَةِ يُصَلِّي أَرْبَعًا أُخْرَى فَالْأَوْلَى صَلَاةُ الْعَشَرَةِ (قَوْلُهُ فَتَنَبَّهْ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ قُنْيَةٌ وَهِيَ صَحِيحَةٌ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُوَ نَصُّ عِبَارَةِ الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَقْتُ الظُّهْرِ) فِيهِ أَنَّ الْوَقْتَ سَبَبٌ لَا شَرْطٌ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ وَشَرْطٌ لِصِحَّةِ الْمُؤَدَّى وَشَرْطِيَّتُهُ لِلْجُمُعَةِ لَيْسَتْ كَشَرْطِيَّتِهِ لِغَيْرِهَا فَإِنَّهُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ لَا تَبْقَى صِحَّةٌ لِلْجُمُعَةِ لَا أَدَاءً وَلَا قَضَاءً بِخِلَافِ غَيْرِهَا سَعْدِيَّةٌ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ كَمَا فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) رَدٌّ لِمَا فِي النَّوَادِرِ مِنْ أَنَّ الْمُقْتَدِيَ إذَا زَحَمَهُ النَّاسُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ حَتَّى فَرَغَ الْإِمَامُ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الْجُمُعَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ ح عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ الْخُطْبَةُ فِيهِ) أَيْ فِي الْوَقْتِ وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْكَنْزِ وَالْخُطْبَةِ قَبْلَهَا إذْ لَا تَنْصِيصَ فِيهِ عَلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِهَا فِي الْوَقْتِ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى يُشْتَرَطُ فِي الْخَطِيبِ أَنْ يَتَأَهَّلَ لِلْإِمَامَةِ فِي الْجُمُعَةِ اهـ لَكِنْ ذَكَرَ قَبْلَهُ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ تَفَارِيعِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْخَطِيبَ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ لَوْ خَطَبَ صَبِيٌّ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ وَصَلَّى الْجُمُعَةَ رَجُلٌ بَالِغٌ يَجُوزُ. اهـ. وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ. [تَتِمَّةٌ] لَمْ يُقَيِّدْ الْخُطْبَةَ بِكَوْنِهَا بِالْعَرَبِيَّةِ اكْتِفَاءً بِمَا قَدَّمَهُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّهَا غَيْرُ شَرْطٍ وَلَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا حَيْثُ شَرَطَاهَا إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ كَالْخِلَافِ فِي الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَالْخَامِسُ كَوْنُهَا قَبْلَهَا) أَيْ بِلَا فَاصِلٍ كَثِيرٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَهِيَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ مَنْ يُنْشِئُ التَّحْرِيمَةَ لِلْجُمُعَةِ لَا كُلِّ مَنْ صَلَّاهَا فَلِذَا قَالُوا وَلَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فَقَدَّمَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا جَازَ لِأَنَّهُ بَانٍ تَحْرِيمَتَهُ عَلَى تِلْكَ التَّحْرِيمَةِ الْمُنْشَأَةِ فَلَوْ أَفْسَدَهَا الْخَلِيفَةُ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ لَكِنْ اسْتَحْسَنُوا الْجَوَازَ لِأَنَّهُ لَمَّا قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ الْتَحَقَ بِهِ حُكْمًا، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ أَحْدَثَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَقَدَّمَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا لَمْ يَجُزْ فَتْحٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِهِمْ) بِأَنْ يَكُونُوا ذُكُورًا بَالِغِينَ عَاقِلِينَ وَلَوْ كَانُوا مَعْذُورِينَ بِسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانُوا صُمًّا أَوْ نِيَامًا) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا كَوْنُهَا مَسْمُوعَةً لَهُمْ بَلْ يَكْفِي حُضُورُهُمْ حَتَّى لَوْ بَعُدُوا عَنْهُ أَوْ نَامُوا أَجْزَأَتْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا جَهْرًا بِحَيْثُ يَسْمَعُهَا مَنْ كَانَ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ مَانِعٌ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ إلَخْ) عَزَا تَصْحِيحَهُ فِي الْحِلْيَةِ أَيْضًا إلَى الْمِعْرَاجِ وَالْمُبْتَغَى بَالِغِينَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالتَّبْيِينِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ لَكِنْ هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالسَّعْيِ لِلذِّكْرِ لَيْسَ إلَّا لِاسْتِمَاعِهِ وَالْمَأْمُورُ جَمْعٌ. وَجَزَمَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ يَكْفِي حُضُورُ وَاحِدٍ (وَكَفَتْ تَحْمِيدَةٌ أَوْ تَهْلِيلَةٌ أَوْ تَسْبِيحَةٌ) لِلْخُطْبَةِ الْمَفْرُوضَةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَقَالَا: لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ طَوِيلٍ وَأَقَلُّهُ قَدْرُ التَّشَهُّدِ الْوَاجِبِ (بِنِيَّتِهَا، فَلَوْ حَمِدَ لِعُطَاسِهِ) أَوْ تَعَجُّبًا (لَمْ يَنُبْ عَنْهَا عَلَى الْمَذْهَبِ) كَمَا فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ، لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي الذَّبَائِحِ أَنَّهُ يَنُوبُ فَتَأَمَّلْ (وَيُسَنُّ خُطْبَتَانِ) خَفِيفَتَانِ وَتُكْرَهُ زِيَادَتُهُمَا عَلَى قَدْرِ سُورَةٍ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ (بِجِلْسَةٍ بَيْنَهُمَا) بِقَدْرِ ثَلَاثِ آيَاتٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَتَارِكُهَا مُسِيءٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَتَرْكِهِ قِرَاءَةَ قَدْرِ ثَلَاثِ آيَاتٍ، وَيَجْهَرُ بِالثَّانِيَةِ لَا كَالْأُولَى   [رد المحتار] وَالْأُخْرَى أَنَّهَا غَيْرُ شَرْطٍ حَتَّى لَوْ خَطَبَ وَحْدَهُ جَازَ وَأَفَادَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْكَمَالَ اعْتِمَادَهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالسَّعْيِ لَيْسَ إلَّا لِاسْتِمَاعِهِ) كَذَا قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِيهِ أَنَّ الشَّرْطَ الْحُضُورُ كَمَا مَرَّ لَا السَّمَاعُ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِالسَّعْيِ جَمْعٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَجَزَمَ فِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) مَشَى عَلَيْهِ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ وَقَالَ فِي شَرْحِهِ: وَإِنَّمَا أَتْبَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْطُوقٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمَفْهُومِ اهـ أَيْ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ: يُشْتَرَطُ حُضُورُ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِحُضُورِ وَاحِدٍ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ: لَوْ حَضَرَ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ وَخَطَبَ وَصَلَّى بِالثَّلَاثَةِ جَازَ مَنْطُوقٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ جَعْلَ حُضُورَ الْجَمَاعَةِ شَرْطًا مَنْطُوقٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ فَتُنَافِي الْوَحْدَةَ وَقَدْ جُعِلَتْ شَرْطًا وَالشَّرْطُ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَكَفَتْ تَحْمِيدَةٌ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي رُكْنِ الْخُطْبَةِ بَعْدَ بَيَانِ شُرُوطِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي آيَةِ - {فَاسْعَوْا} [الجمعة: 9]- مُطْلَقُ الذِّكْرِ الشَّامِلِ لِلْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرُ الْمَأْثُورُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَكُونُ بَيَانًا لِعَدَمِ الْإِجْمَالِ فِي لَفْظِ الذِّكْرِ (قَوْلُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ) ظَاهِرُ الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَقَلُّهُ إلَخْ) فِي الْعِنَايَةِ وَهُوَ مِقْدَارُ ثَلَاثِ آيَاتٍ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ، وَقِيلَ مِقْدَارُ التَّشَهُّدِ مِنْ قَوْلِهِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى قَوْلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (قَوْلُهُ بِنِيَّتِهَا) أَيْ نِيَّةِ الْخُطَبِ (قَوْلُهُ أَوْ تَعَجُّبًا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَوْ سَبَّحَ تَعَجُّبًا ط (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ تَجْزِيهِ ح (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ ذَكَرَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ عَطَسَ عِنْدَ الذَّبْحِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَحِلُّ فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ اهـ فَإِنَّ مُفَادَهُ أَنَّ حَمْدَ الْعُطَاسِ يَكْفِي لَهَا. قَالَ ح: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ خُطْبَتَانِ) لَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْخُطْبَةَ شَرْطٌ لِأَنَّ الْمَسْنُونَ هُوَ تَكْرَارُهَا مَرَّتَيْنِ، وَالشَّرْطُ إحْدَاهُمَا (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ بِقَدْرِ مَا يَمَسُّ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ مِنْ الْمِنْبَرِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَتُكْرَهُ زِيَادَتُهُمَا إلَخْ) عِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ وَزِيَادَةُ التَّطْوِيلِ مَكْرُوهَةٌ (قَوْلُهُ كَتَرْكِهِ قِرَاءَةَ قَدْرِ ثَلَاثِ آيَاتٍ) أَيْ يُكْرَهُ الِاقْتِصَارُ فِي الْخُطْبَةِ عَلَى نَحْوِ تَسْبِيحَةٍ وَتَهْلِيلَةٍ مِمَّا لَا يَكُونُ ذِكْرًا طَوِيلًا قَدْرَ ثَلَاثِ آيَاتٍ أَوْ قَدْرَ التَّشَهُّدِ الْوَاجِبِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ تَرْكَ قِرَاءَةِ ثَلَاثِ آيَاتٍ مَكْرُوهٌ لِأَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَى وَالْمَوَاهِبِ وَنُورِ الْإِيضَاحِ وَغَيْرِهَا أَنَّ مِنْ السُّنَنِ قِرَاءَةُ آيَةٍ، وَقَالَ فِي الْإِمْدَادِ وَفِي الْمُحِيطِ: يَقْرَأُ فِي الْخُطْبَةِ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةً فَالْأَخْبَارُ قَدْ تَوَاتَرَتْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي خُطْبَتِهِ» لَا تَخْلُو عَنْ سُورَةٍ أَوْ آيَةٍ ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا قَرَأَ سُورَةً تَامَّةً يَتَعَوَّذُ ثُمَّ يُسَمِّي قَبْلَهَا، وَإِنْ قَرَأَ آيَةً قِيلَ يَتَعَوَّذُ ثُمَّ يُسَمِّي وَأَكْثَرُهُمْ قَالُوا يَتَعَوَّذُ وَلَا يُسَمِّي وَالِاخْتِلَافُ فِي الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ الْخُطْبَةِ كَذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْآيَةِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ فَتَدَبَّرْ. مَطْلَبٌ فِي قَوْلِ الْخَطِيبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ -[تَنْبِيهٌ] جَرَتْ الْعَادَةُ إذَا قَرَأَ الْخَطِيبُ الْآيَةَ أَنْ يَقُولَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا} [النحل: 97]- إلَخْ وَفِيهِ إيهَامٌ أَنَّ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مَقُولِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَبَعْضُهُمْ يَتَبَاعَدُ عَنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 وَيَبْدَأُ بِالتَّعَوُّذِ سِرًّا. وَيُنْدَبُ ذِكْرُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْعَمَّيْنِ لَا الدُّعَاءُ لِلسُّلْطَانِ وَجَوَّزَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَيُكْرَهُ تَحْرِيمًا وَصْفُهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ، وَيُكْرَهُ تَكَلُّمُهُ فِيهَا إلَّا لِأَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ لِأَنَّهُ مِنْهَا،   [رد المحتار] كَلَامًا أَتْلُوهُ بَعْدَ قَوْلِي أَعُوذُ بِاَللَّهِ إلَخْ وَلَكِنْ فِي حُصُولِ سُنَّةِ الِاسْتِعَاذَةِ بِذَلِكَ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ إنْشَاءُ الِاسْتِعَاذَةِ وَلَمْ تَبْقَ كَذَلِكَ بَلْ صَارَتْ مَحْكِيَّةً مَقْصُودًا بِهَا لَفْظُهَا وَذَلِكَ يُنَافِي الْإِنْشَاءَ كَمَا لَا يَخْفَى. أَنْ لَا يَقُولَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلِشَيْخِ مَشَايِخِنَا الْعَلَّامَةِ إسْمَاعِيلَ الْجِرَاحِيِّ شَارِحِ الْبُخَارِيِّ رِسَالَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَحْضُرُنِي الْآنَ مَا قَالَهُ فِيهَا فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ وَيَبْدَأُ) أَيْ قَبْلَ الْخُطْبَةِ الْأُولَى بِالتَّعَوُّذِ سِرًّا ثُمَّ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْعِظَةِ وَالتَّذْكِيرِ وَالْقِرَاءَةِ قَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَالثَّانِيَةُ كَالْأُولَى إلَّا أَنَّهُ يَدْعُو لِلْمُسْلِمِينَ مَكَانَ الْوَعْظِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُسَنُّ قِرَاءَةُ آيَةٍ فِيهَا كَالْأُولَى. اهـ. [تَنْبِيهٌ] مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْخُطَبَاءِ مِنْ تَحْوِيلِ الْوَجْهِ جِهَةَ الْيَمِينِ وَجِهَةَ الْيَسَارِ عِنْدَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِدْعَةٌ يَنْبَغِي تَرْكُهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ سُنَّةٌ. ثُمَّ رَأَيْت فِي مِنْهَاجِ النَّوَوِيِّ قَالَ: وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا فِي شَيْءٍ مِنْهَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ اهـ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ عِنْدَنَا مِنْ قَوْلِ الْبَدَائِعِ وَمِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ وَيَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْطُبُ هَكَذَا اهـ (قَوْلُهُ وَالْعَمَّيْنِ) هُمَا حَمْزَةُ وَالْعَبَّاسُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. [لَطِيفَةٌ] سَمِعْت مِنْ بَعْضِ شُيُوخِي أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنَّ الْخُطَبَاءَ يَلْحَنُونَ هُنَا مَرَّتَيْنِ حَيْثُ يَقُولُونَ وَارْضَ عَنْ عَمَّيْ نَبِيِّك الْحَمْزَةَ وَالْعَبَّاسِ بِإِدْخَالِ أَلْ عَلَى حَمْزَةَ وَإِبْقَاءِ مَنْعِ صَرْفِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ دُخُولُ أَلْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَخَلَتْ يُصْرَفُ (قَوْلُهُ وَجَوَّزَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَخْ) عِبَارَتُهُ ثُمَّ يَدْعُو لِسُلْطَانِ الزَّمَانِ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ مُتَجَنِّبًا فِي مَدْحِهِ عَمَّا قَالُوا إنَّهُ كُفْرٌ وَخُسْرَانٌ كَمَا فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ اهـ وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَجَوَّزَ إلَى حَمْلِ قَوْلِهِ ثُمَّ يَدْعُو إلَخْ عَلَى الْجَوَازِ لَا النَّدْبِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ. وَقَدْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ حِينَ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ مُحْدَثٌ وَإِنَّمَا كَانَتْ الْخُطْبَةُ تَذْكِيرًا. اهـ. وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ وُجُوبِ الدُّعَاءِ لَهُ بِالصَّلَاحِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي نَفْيِ اسْتِحْبَابِهِ فِي خُصُوصِ الْخُطْبَةِ بَلْ لَا مَانِعَ مِنْ اسْتِحْبَابِهِ فِيهَا كَمَا يَدْعُو لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ فِي صَلَاحِهِ صَلَاحَ الْعَالَمِ. وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ مُحْدَثٌ لَا يُنَافِيهِ فَإِنَّ سُلْطَانَ هَذَا الزَّمَانِ أَحْوَجُ إلَى الدُّعَاءِ لَهُ وَلِأُمَرَائِهِ بِالصَّلَاحِ وَالنَّصْرِ عَلَى الْأَعْدَاءِ. وَقَدْ تَكُونُ الْبِدْعَةُ وَاجِبَةً أَوْ مَنْدُوبَةً عَلَى أَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ وَهُوَ أَمِيرُ الْكُوفَةِ كَانَ يَدْعُو لِعُمَرَ قَبْلَ الصِّدِّيقِ فَأُنْكِرَ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ عُمَرَ فَشَكَا إلَيْهِ فَاسْتَحْضَرَ الْمُنْكِرَ فَقَالَ إنَّمَا أَنْكَرْت تَقْدِيمَك عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَبَكَى وَاسْتَغْفَرَهُ وَالصَّحَابَةُ حِينَئِذٍ مُتَوَفِّرُونَ لَا يَسْكُتُونَ عَلَى بِدْعَةٍ إلَّا إذَا شَهِدَتْ لَهَا قَوَاعِدُ الشَّرْعِ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ الدُّعَاءَ بَلْ التَّقْدِيمَ فَقَطْ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الدُّعَاءَ لِلسُّلْطَانِ عَلَى الْمَنَابِرِ قَدْ صَارَ الْآنَ مِنْ شِعَارِ السَّلْطَنَةِ فَمَنْ تَرَكَهُ يُخْشَى عَلَيْهِ؛ وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَوْ قِيلَ إنَّ الدُّعَاءَ لَهُ وَاجِبٌ لِمَا فِي تَرْكِهِ مِنْ الْفِتْنَةِ غَالِبًا لَمْ يَبْعُدْ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي قِيَامِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْعَ الْمُتَقَدِّمِينَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا كَانَ فِي زَمَانِهِمْ مِنْ الْمُجَازَفَةِ فِي وَصْفِهِ مِثْلَ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ الْأَكْرَمِ شَاهِنْشَاهْ الْأَعْظَمِ مَالِكِ رِقَابِ الْأُمَمِ. فَفِي كِتَابِ الرِّدَّةِ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة: سَأَلَ الصَّفَّارُ: هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا لِأَنَّ بَعْضَ أَلْفَاظِهِ كُفْرٌ، وَبَعْضُهَا كَذِبٌ وَقَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: مَنْ قَالَ لِلسُّلْطَانِ الَّذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 وَمِنْ السُّنَّةِ جُلُوسُهُ فِي مَخْدَعِهِ عَنْ يَمِينِ الْمِنْبَرِ وَلُبْسُ السَّوَادِ وَتَرْكُ السَّلَامِ مِنْ خُرُوجِهِ إلَى دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا اسْتَوَى عَلَى الْمِنْبَرِ سَلَّمَ مُجْتَبَى (وَطَهَارَةٌ وَسَتْرُ) عَوْرَةٍ (قَائِمًا) وَهَلْ هِيَ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ؟ الْأَصَحُّ لَا، ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ كَشَطْرِهَا فِي الثَّوَابِ؛ وَلَوْ خَطَبَ جُنُبًا ثُمَّ اغْتَسَلَ وَصَلَّى   [رد المحتار] بَعْضُ أَفْعَالِهِ ظُلْمٌ عَادِلٌ فَهُوَ كَافِرٌ، وَأَمَّا شَاهِنْشَاهْ فَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ اللَّهِ تَعَالَى بِدُونِ وَصْفِ الْأَعْظَمِ لَا يَجُوزُ وَصْفُ الْعِبَادِ بِهِ وَأَمَّا مَالِكُ رِقَابِ الْأُمَمِ فَهُوَ كَذِبٌ. اهـ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةُ: فَلِذَا كَانَ أَئِمَّةُ خُوَارِزْمَ يَتَبَاعَدُونَ عَنْ الْمِحْرَابِ يَوْمَ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ اهـ أَمَّا مَا اُعْتِيدَ فِي زَمَانِنَا مِنْ الدُّعَاءِ لِلسَّلَاطِينِ الْعُثْمَانِيَّةِ - أَيَّدَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - كَسُلْطَانِ الْبَرَّيْنِ وَالْبَحْرَيْنِ وَخَادِمِ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ فَلَا مَانِعَ مِنْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فِي مَخْدَعِهِ) هُوَ الْخَلْوَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ السُّيُوطِيّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى سُنَنِ أَبِي دَاوُد. الْمِخْدَعُ هُوَ الْبَيْتُ الصَّغِيرُ الَّذِي يَكُونُ دَاخِلَ الْبَيْتِ الْكَبِيرِ وَمِيمُهُ تُضَمُّ وَتُفْتَحُ. اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْمِخْدَعُ كَمِنْبَرِ الْخِزَانَةُ اهـ مَدَنِيٌّ (قَوْلُهُ عَنْ يَمِينِ الْمِنْبَرِ) قَيْدٌ لِمِخْدَعِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي جِهَتِهِ أَوْ نَاحِيَتِهِ، وَتُكْرَهُ صَلَاتُهُ فِي الْمِحْرَابِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ (قَوْلُهُ: وَلُبْسُ السَّوَادِ) اقْتِدَاءً بِالْخُلَفَاءِ وَلِلتَّوَارُثِ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ بَحْرٌ عَنْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالْخَطِيبِ، وَإِلَّا فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لُبْسُ أَحْسَنِ الثِّيَابِ وَفِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى مِنْ فَصْلِ اللِّبَاسِ: وَيُسْتَحَبُّ الْأَبْيَضُ، وَكَذَا الْأَسْوَدُ لِأَنَّهُ شِعَارُ بَنِي الْعَبَّاسِ «وَدَخَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» اهـ. وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ عَدِيٍّ «كَانَ لَهُ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ يَلْبَسُهَا فِي الْعِيدَيْنِ وَيُرْخِيهَا خَلْفَهُ» (قَوْلُهُ وَتَرْكُ السَّلَامِ) وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا فِي السِّرَاجِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ اسْتَدْبَرَهُمْ فِي صُعُودِهِ. اهـ. بَحْرٌ. قُلْت: وَعِبَارَتُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَيُرْوَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ اسْتَدْبَرَهُمْ فِي صُعُودِهِ (قَوْلُهُ وَطَهَارَةٌ وَسَتْرُ عَوْرَةٍ قَائِمًا) جَعَلَ الثَّلَاثَةَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَاجِبَاتٍ مَعَ أَنَّهُ نَفْسَهُ صَرَّحَ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى بِسُنِّيَّةِ الطَّهَارَةِ وَالْقِيَامِ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَأَمَّا سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَصَرَّحَ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ أَيْضًا فِي نُورِ الْإِيضَاحِ وَالْمَوَاهِبِ وَصَرَّحَ فِي الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ بِكَرَاهَةِ تَرْكِ الثَّلَاثَةِ وَلَعَلَّ مَعْنَى سُنِّيَّةِ السَّتْرِ مَعَ كَوْنِهِ وَاجِبًا خَارِجَهَا وَلَوْ فِي خَلْوَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ هُوَ الِاعْتِدَادُ بِهَا وَعَدَمُ وُجُوبِ إعَادَتِهَا لَوْ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ بِهُبُوبِ رِيحٍ وَنَحْوِهِ وَكَذَا الطَّهَارَةُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَاجِبَةٌ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَلَوْ بِلَا خُطْبَةٍ فَتَصِحُّ خُطْبَتُهُ وَإِنْ أَثِمَ لَهُ مُتَعَمِّدًا، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ وَالطَّهَارَةُ سُنَّةٌ عِنْدَنَا لَا شَرْطٌ حَتَّى إنَّ الْإِمَامَ إذَا خَطَبَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ شَرْطًا لِجَوَازِ الْجُمُعَةِ. اهـ. وَفِي الْفَيْضِ وَلَوْ خَطَبَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا جَازَ وَيَأْثَمُ إثْمَ إقَامَةِ الْخَطِيبِ فِي الْمَسْجِدِ اهـ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَعْنَى السُّنِّيَّةِ مُقَابِلُ الشَّرْطِ مِنْ حَيْثُ صِحَّةُ الْخُطْبَةِ بِدُونِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ وَاجِبًا كَمَا قُلْنَا: وَنَظِيرُ ذَلِكَ عَدُّهُ مِنْ وَاجِبَاتِ الطَّوَافِ لِأَجْلِ إيجَابِ الدَّمِ بِتَرْكِهِ مَعَ أَنَّهُ وَاجِبٌ فِي جَمِيعِ مَشَاهِدِ الْحَجِّ لَكِنْ لَا يَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِهِ إلَّا فِي الطَّوَافِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَاغْتَنِمْهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: فَإِنْ قِيلَ: مِنْ الْمَعْلُومِ يَقِينًا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَخْطُبْ قَطُّ بِدُونِ سَتْرٍ وَطَهَارَةٍ» . قُلْنَا: نَعَمْ وَلَكِنْ لِكَوْنِ ذَلِكَ دَأْبَهُ وَعَادَتَهُ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَهُ لِخُصُوصِ الْخُطْبَةِ (قَوْلُهُ الْأَصَحُّ لَا) وَلِذَا لَا يُشْتَرَطُ لَهَا سَائِرُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ كَالِاسْتِقْبَالِ وَالطَّهَارَةِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ بَلْ كَشَطْرِهَا فِي الثَّوَابِ) هَذَا تَأْوِيلٌ لِمَا وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ مِنْ أَنَّ الْخُطْبَةَ كَشَطْرِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهَا قَامَتْ مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ كَمَا قَامَتْ الْجُمُعَةُ مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ مِنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 جَازَ، وَلَوْ فَصَلَ بِأَجْنَبِيٍّ فَإِنْ طَالَ بِأَنْ رَجَعَ لِبَيْتِهِ فَتَغَدَّى أَوْ جَامَعَ وَاغْتَسَلَ اسْتَقْبَلَ خُلَاصَةً: أَيْ لُزُومًا لِبُطْلَانِ الْخُطْبَةِ سِرَاجٌ، لَكِنْ سَيَجِيءُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْإِمَامِ وَالْخَطِيبِ. (وَ) السَّادِسُ: (الْجَمَاعَةُ) وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةُ رِجَالٍ (وَلَوْ غَيْرَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ حَضَرُوا) الْخُطْبَةَ (سِوَى الْإِمَامِ) بِالنَّصِّ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الذَّاكِرِ وَهُوَ الْخَطِيبُ وَثَلَاثَةٌ سِوَاهُ بِنَصِّ - {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]- (فَإِنْ نَفَرُوا قَبْلَ سُجُودِهِ) وَقَالَا قَبْلَ التَّحْرِيمَةِ (بَطَلَتْ وَإِنْ بَقِيَ ثَلَاثَةُ) رِجَالٍ وَلِذَا أَتَى بِالتَّاءِ (أَوْ نَفَرُوا بَعْدَ سُجُودِهِ) أَوْ عَادُوا وَأَدْرَكُوهُ رَاكِعًا أَوْ نَفَرُوا الْخُطْبَةَ وَصَلَّى بِآخَرِينَ (لَا) تَبْطُلُ (وَأَتَمَّهَا) جُمُعَةً. (وَ) السَّابِعُ: (الْإِذْنُ الْعَامُّ)   [رد المحتار] فَيُشْتَرَطُ لَهَا شُرُوطُ الصَّلَاةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ جَازَ) أَيْ وَلَا يُعَدُّ الْغُسْلُ فَاصِلًا لِأَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى إعَادَتُهَا كَمَا لَوْ تَطَوَّعَ بَعْدَهَا أَوْ أَفْسَدَ الْجُمُعَةَ أَوْ فَسَدَتْ بِتَذَكُّرِ فَائِتَةٍ فِيهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَإِنْ طَالَ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الطُّولِ إلَى نَظَرِ الْمُبْتَلَى ط (قَوْلُهُ لَكِنْ سَيَجِيءُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى لُزُومِ إعَادَةِ الْخُطْبَةِ يَعْنِي قَدْ لَا تَلْزَمُ الْإِعَادَةُ بِأَنْ يَسْتَنِيبَ شَخْصًا قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ لِبَيْتِهِ (قَوْلُهُ وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةُ رِجَالٍ) أَطْلَقَ فِيهِمْ فَشَمِلَ الْعَبِيدَ وَالْمُسَافِرِينَ وَالْمَرْضَى وَالْأُمِّيِّينَ وَالْخَرْسَى لِصَلَاحِيَّتِهِمْ لِلْإِمَامَةِ فِي الْجُمُعَةِ، إمَّا لِكُلِّ أَحَدٍ أَوْ لِمَنْ هُوَ مِثْلُهُمْ فِي الْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ فَصَلَحَا أَنْ يَقْتَدِيَا بِمَنْ فَوْقَهُمَا، وَاحْتَرَزَ بِالرِّجَالِ عَنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فَإِنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَصِحُّ بِهِمْ وَحْدَهُمْ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِمْ لِلْإِمَامَةِ فِيهَا بِحَالٍ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَلَوْ غَيْرَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ حَضَرُوا الْخُطْبَةَ) أَيْ عَلَى رِوَايَةِ اشْتِرَاطِ حُضُورِ ثَلَاثَةٍ فِي الْخُطْبَةِ أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ أَصْلًا أَوْ أَنَّهُ يَكْفِي حُضُورُ وَاحِدٍ فَأَظْهَرُ (قَوْلُهُ سِوَى الْإِمَامِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَجَّحَ الشَّارِحُونَ دَلِيلَهُ وَاخْتَارَهُ الْمَحْبُوبِيُّ وَالنَّسَفِيُّ كَذَا فِي تَصْحِيحِ الشَّيْخِ قَاسِمٍ (قَوْلُهُ بِنَصِّ {فَاسْعَوْا} [الجمعة: 9] لِأَنَّ طَلَبَ الْحُضُورِ إلَى الذِّكْرِ مُتَعَلِّقًا بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَهُوَ الْوَاوُ يَسْتَلْزِمُ ذَاكِرًا فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِمَامِ جَمْعٌ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ نَفَرُوا) أَيْ بَعْدَ شُرُوعِهِمْ مَعَهُ نَهْرٌ وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا التَّفْرِيعِ بَيَانُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ وَهُوَ الْجَمَاعَةُ لَا يَلْزَمُ بَقَاؤُهُ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهُ شَرْطُ انْعِقَادٍ لَا شَرْطُ دَوَامٍ كَالْخُطْبَةِ: أَيْ شَرْطُ انْعِقَادِ التَّحْرِيمَةِ عِنْدَهُمَا، وَشَرْطُ انْعِقَادِ الْأَدَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْأَدَاءُ إلَّا بِوُجُودِ تَمَامِ الْأَرْكَانِ وَهِيَ الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، فَلَوْ نَفَرُوا بَعْدَ التَّحْرِيمَةِ قَبْلَ السُّجُودِ فَسَدَتْ الْجُمُعَةُ وَيَسْتَقْبِلُ الظُّهْرَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُتِمُّ الْجُمُعَةَ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِ الْمُرَادِ الرِّجَالَ أَتَى بِالتَّاءِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ ثَلَاثَةٌ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ الصِّبْيَانِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ لَا يُعْتَبَرُ؛ فَلَوْ قَالَ فَإِنْ نَفَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَكَانَ أَوْلَى أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ، بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَعْدُودَ إذَا حُذِفَ يَجُوزُ تَذْكِيرُ الْعَدَدِ وَتَأْنِيثُهُ فَلَا دَلَالَةَ عَلَى اشْتِرَاطِ الذُّكُورِيَّةِ مِنْ لَفْظِ ثَلَاثَةٍ وَلَوْ سُلِّمَ فَإِنَّمَا تَدُلُّ التَّاءُ عَلَى مُطْلَقِ الذُّكُورِيَّةِ لَا بِقَيْدِ الرُّجُولِيَّةِ ط فَالْأَظْهَرُ وَالْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ: وَإِنْ بَقُوا لِيَعُودَ ضَمِيرُهُ عَلَى مَا عَادَ عَلَيْهِ ضَمِيرُ نَفَرُوا الْأَوَّلُ وَهُوَ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ (قَوْلُهُ أَوْ عَادُوا) وَكَذَا لَوْ وَقَفُوا إلَى أَنْ رَكَعَ فَأَحْرَمُوا وَأَدْرَكُوهُ فِيهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَأَدْرَكُوهُ رَاكِعًا) تَقْيِيدٌ حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ الْبَحْرِ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ أَوْ نَفَرُوا إلَخْ) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ أَوْ لَا وَلَوْ غَيْرَ الثَّلَاثَةِ إلَخْ ط (قَوْلُهُ وَأَتَمَّهَا جُمُعَةً) أَيْ وَلَوْ وَحْدَهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَعُودُوا، وَلَمْ يَأْتِ غَيْرُهُمْ (قَوْلُهُ الْإِذْنُ الْعَامُّ) أَيْ أَنْ يَأْذَنَ لِلنَّاسِ إذْنًا عَامًّا بِأَنْ لَا يَمْنَعَ أَحَدًا مِمَّنْ تَصِحُّ مِنْهُ الْجُمُعَةُ عَنْ دُخُولِ الْمَوْضِعِ الَّذِي تُصَلَّى فِيهِ وَهَذَا مُرَادُ مَنْ فَسَّرَ الْإِذْنَ الْعَامَّ بِالِاشْتِهَارِ، وَكَذَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ إسْمَاعِيلَ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا شَرْطًا لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - شَرَعَ النِّدَاءَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِقَوْلِهِ {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَالنِّدَاءُ لِلِاشْتِهَارِ وَكَذَا تُسَمَّى جُمُعَةً لِاجْتِمَاعِ الْجَمَاعَاتِ فِيهَا فَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ الْجَمَاعَاتُ كُلُّهَا مَأْذُونِينَ بِالْحُضُورِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الِاسْمِ بَدَائِعُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 مِنْ الْإِمَامِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِفَتْحِ أَبْوَابِ الْجَامِعِ لِلْوَارِدِينَ كَافِي فَلَا يَضُرُّ غَلْقُ بَابِ الْقَلْعَةِ لِعَدُوٍّ أَوْ لِعَادَةٍ قَدِيمَةٍ لِأَنَّ الْإِذْنَ الْعَامَّ مُقَرَّرٌ لِأَهْلِهِ وَغَلْقُهُ لِمَنْعِ الْعَدُوِّ لَا الْمُصَلِّي، نَعَمْ لَوْ لَمْ يُغْلَقْ لَكَانَ أَحْسَنَ كَمَا فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ مَعْزِيًّا لِشَرْحِ عُيُونِ الْمَذَاهِبِ قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ فَلْيُحْفَظْ (فَلَوْ دَخَلَ أَمِيرٌ حِصْنًا) أَوْ قَصْرَهُ (وَأَغْلَقَ بَابَهُ) وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ (لَمْ تَنْعَقِدْ) وَلَوْ فَتَحَهُ وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ جَازَ وَكُرِهَ، فَالْإِمَامُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ إلَى الْعَامَّةِ مُحْتَاجٌ، فَسُبْحَانَ مَنْ تَنَزَّهَ عَنْ الِاحْتِيَاجِ.   [رد المحتار] وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَمْ يُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْهِدَايَةِ بَلْ هُوَ مَذْكُورٌ فِي النَّوَادِرِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَنْزِ وَالْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ (قَوْلُهُ مِنْ الْإِمَامِ) قَيَّدَ بِهِ بِالنَّظَرِ إلَى الْمِثَالِ الْآتِي وَإِلَّا فَالْمُرَادُ الْإِذْنُ مِنْ مُقِيمِهَا لِمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَغْلَقَ جَمَاعَةٌ بَابَ الْجَامِعِ وَصَلَّوْا فِيهِ الْجُمُعَةَ لَا يَجُوزُ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ يَحْصُلُ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ صَرِيحُ الْإِذْنِ ط (قَوْلُهُ لِلْوَارِدِينَ) أَيْ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ بِهَا فَلَا يَضُرُّ مَنْعُ نَحْوِ النِّسَاءِ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِذْنَ الْعَامَّ مُقَرَّرٌ لِأَهْلِهِ) أَيْ لِأَهْلِ الْقَلْعَةِ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْحِصْنِ وَالْأَحْسَنُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى الْمِصْرِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْمَقَامِ لِأَنَّهُ لَا يَكْفِي الْإِذْنُ لِأَهْلِ الْحِصْنِ فَقَطْ بَلْ الشَّرْطُ الْإِذْنُ لِلْجَمَاعَاتِ كُلِّهَا كَمَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَغَلَقَهُ لِمَنْعِ الْعَدُوِّ إلَخْ) أَيْ أَنَّ الْإِذْنَ هُنَا مَوْجُودٌ قَبْلَ غَلْقِ الْبَابِ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ، وَاَلَّذِي يَضُرُّ إنَّمَا هُوَ مَنْعُ الْمُصَلِّينَ لَا مَنْعُ الْعَدُوِّ (قَوْلُهُ لَكَانَ أَحْسَنَ) لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الشُّبْهَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اشْتِرَاطُ الْإِذْنِ وَقْتَ الصَّلَاةِ لَا قَبْلَهَا لِأَنَّ النِّدَاءَ لِلِاشْتِهَارِ كَمَا مَرَّ وَهُمْ يُغْلِقُونَ الْبَابَ وَقْتَ النِّدَاءِ أَوْ قُبَيْلَهُ فَمَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَأَرَادَ الذَّهَابَ إلَيْهَا لَا يُمْكِنُهُ الدُّخُولُ فَالْمَنْعُ حَالَ الصَّلَاةِ مُتَحَقِّقٌ وَلِذَا اسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَدَمَ الصِّحَّةِ ثُمَّ رَأَيْت مِثْلَهُ فِي نَهْجِ النَّجَاةِ مَعْزِيًّا إلَى رِسَالَةِ الْعَلَّامَةِ عَبْدِ الْبَرِّ بْنِ الشِّحْنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ) مَا فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ هُوَ مَا فَرَّعَهُ فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ فَلَوْ دَخَلَ أَمِيرٌ حِصْنًا أَيْ أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الْجَزْمِ بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ (قَوْلُهُ: أَوْ قَصْرَهُ) كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالدُّرَرِ وَغَيْرِهِمَا، وَذَكَرَ الْوَانِيُّ فِي حَاشِيَةِ الدُّرَرِ أَنَّ الْمُنَاسِبَ لِلسِّيَاقِ أَوْ مِصْرَهُ بِالْمِيمِ بَدَلَ الْقَافِ. قُلْت: وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ عَنْ السِّيَاقِ. وَفِي الْكَافِي التَّعْبِيرُ بِالدَّارِ حَيْثُ قَالَ: وَالْإِذْنُ الْعَامُّ وَهُوَ أَنْ تُفْتَحَ أَبْوَابُ الْجَامِعِ وَيُؤْذَنَ لِلنَّاسِ، حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَتْ جَمَاعَةٌ فِي الْجَامِعِ وَأَغْلَقُوا الْأَبْوَابَ وَجَمَعُوا لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا السُّلْطَانُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِحَشَمِهِ فِي دَارِهِ فَإِنْ فَتَحَ بَابَهَا وَأَذِنَ لِلنَّاسِ إذْنًا عَامًّا جَازَتْ صَلَاتُهُ شَهِدَتْهَا الْعَامَّةُ أَوْ لَا وَإِنْ لَمْ يَفْتَحْ أَبْوَابَ الدَّارِ وَأَغْلَقَ الْأَبْوَابَ وَأَجْلَسَ الْبَوَّابِينَ لِيَمْنَعُوا عَنْ الدُّخُولِ لَمْ تَجُزْ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ السُّلْطَانِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ تَفْوِيتِهَا عَلَى النَّاسِ وَذَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْإِذْنِ الْعَامِّ. اهـ. قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ النِّزَاعِ مَا إذَا كَانَتْ لَا تُقَامُ إلَّا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، أَمَّا لَوْ تَعَدَّدَتْ فَلَا لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ التَّفْوِيتُ كَمَا أَفَادَهُ التَّعْلِيلُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَمْ تَنْعَقِدْ) يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا مَنَعَ النَّاسَ فَلَا يَضُرُّ إغْلَاقُهُ لِمَنْعِ عَدُوٍّ أَوْ لِعَادَةٍ كَمَا مَرَّ ط. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْكَافِي وَأَجْلَسَ الْبَوَّابِينَ إلَخْ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَذِنَ لِلنَّاسِ إلَخْ) مُفَادُهُ اشْتِرَاطُ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ، وَفِي مِنَحِ الْغَفَّارِ وَكَذَا أَيْ لَا يَصِحُّ لَوْ جَمَعَ فِي قَصْرِهِ لِحَشَمِهِ وَلَمْ يُغْلِقْ الْبَابَ وَلَمْ يَمْنَعْ أَحَدًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُعْلِمْ النَّاسَ بِذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ حَقَّ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ زَيْلَعِيٌّ وَدُرَرٌ (قَوْلُهُ فَالْإِمَامُ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 (وَشُرِطَ لِافْتِرَاضِهَا) تِسْعَةٌ تَخْتَصُّ بِهَا (إقَامَةٌ بِمِصْرٍ) وَأَمَّا الْمُنْفَصِلُ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ تَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَبِهِ يُفْتَى كَذَا فِي الْمُلْتَقَى، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ تَقْدِيرُهُ بِفَرْسَخٍ وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ اعْتِبَارَ عَوْدِهِ لِبَيْتِهِ بِلَا كُلْفَةٍ (وَصِحَّةٌ) وَأَلْحَقَ بِالْمَرِيضِ الْمُمَرِّضَ وَالشَّيْخَ الْفَانِيَّ (وَحُرِّيَّةٌ) وَالْأَصَحُّ وُجُوبُهَا عَلَى مُكَاتَبٍ وَمُبَعَّضٍ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي شُرُوطِ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ تَخْتَصُّ بِهَا) إنَّمَا وَصَفَ التِّسْعَةَ بِالِاخْتِصَاصِ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَتْنِ أَحَدَ عَشَرَ لَكِنَّ الْعَقْلَ وَالْبُلُوغَ مِنْهَا لَيْسَا خَاصَّيْنِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: إقَامَةً) خَرَجَ بِهِ الْمُسَافِرُ، وَقَوْلُهُ: بِمِصْرٍ أَخْرَجَ الْإِقَامَةَ فِي غَيْرِهِ إلَّا مَا اسْتَثْنَى بِقَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ ح (قَوْلُهُ يَسْمَعُ النِّدَاءَ) أَيْ مِنْ الْمَنَابِرِ بِأَعْلَى صَوْتٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا إلَخْ) فِيهِ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ فِي حَدِّ الْفِنَاءِ الَّذِي تَصِحُّ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي حَدِّ الْمَكَانِ الَّذِي مَنْ كَانَ فِيهِ يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ إلَى الْمِصْرِ لِيُصَلِّيَهَا فِيهِ نَعَمْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ فَرْسَخٌ يَلْزَمُهُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى (قَوْلُهُ وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ إلَخْ) هُوَ مَا اسْتَحْسَنَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَصَحَّحَ فِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ بِوُجُوبِهَا عَلَى مَنْ كَانَ دَاخِلَ حَدِّ الْإِقَامَةِ أَيْ الَّذِي مَنْ فَارَقَهُ يَصِيرُ مُسَافِرًا وَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ يَصِيرُ مُقِيمًا، وَعَلَّلَهُ فِي شَرْحِهِ الْمُسَمَّى بِالْبُرْهَانِ بِأَنَّ وُجُوبَهَا مُخْتَصٌّ بِأَهْلِ الْمِصْرِ وَالْخَارِجُ عَنْ هَذَا الْحَدِّ لَيْسَ أَهْلَهُ. اهـ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ. وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ أَصَحُّ مَا قِيلَ. وَفِي الْخَانِيَّةِ الْمُقِيمُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ أَطْرَافِ الْمِصْرِ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُمْرَانِ الْمِصْرِ فُرْجَةٌ مِنْ مَزَارِعَ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ بَلَغَهُ النِّدَاءُ وَتَقْدِيرُ الْبُعْدِ بِغَلْوَةٍ أَوْ مَيْلٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ الْإِمَامَيْنِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْحَلْوَانِيِّ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة ثُمَّ ظَاهِرُ رِوَايَةِ أَصْحَابِنَا لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ يَسْكُنُ الْمِصْرَ أَوْ مَا يَتَّصِلُ بِهِ فَلَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ وَلَوْ قَرِيبًا وَهَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ اهـ وَبِهِ جَزَمَ فِي التَّجْنِيسِ. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: تَنْبِيهٌ قَدْ عَلِمْت بِنَصِّ الْحَدِيثِ وَالْأَثَرِ وَالرِّوَايَاتِ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَاخْتِيَارِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِبُلُوغِ النِّدَاءِ وَلَا بِالْغَلْوَةِ وَالْأَمْيَالِ فَلَا عَلَيْك مِنْ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِ وَإِنْ صَحَّحَ اهـ. أَقُولُ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ والتتارخانية بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي فِنَاءِ الْمِصْرِ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا تَصِحُّ إقَامَتُهَا فِي الْفِنَاءِ وَلَوْ مُنْفَصِلًا بِمَزَارِعَ فَإِذَا صَحَّتْ فِي الْفِنَاءِ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْمِصْرِ يَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ فِيهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ تَعْلِيلِ الْبُرْهَانِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ وَصِحَّةٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ فَلَا تَجِبُ عَلَى مَرِيضٍ سَاءَ مِزَاجُهُ وَأَمْكَنَ فِي الْأَغْلَبِ عِلَاجُهُ فَخَرَجَ الْمُقْعَدُ وَالْأَعْمَى وَلِذَا عَطَفَهُمَا عَلَيْهِ فَلَا تَكْرَارَ فِي كَلَامِهِ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ اهـ فَلَوْ وَجَدَ الْمَرِيضُ مَا يَرْكَبُهُ فَفِي الْقُنْيَةِ هُوَ كَالْأَعْمَى عَلَى الْخِلَافِ إذَا وَجَدَ قَائِدًا، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كَالْمُقْعَدِ، وَقِيلَ هُوَ كَالْقَادِرِ عَلَى الشَّيْءِ فَتَجِبُ فِي قَوْلِهِمْ وَتَعَقَّبَهُ السُّرُوجِيُّ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي تَصْحِيحُ عَدَمِهِ لِأَنَّ فِي الْتِزَامِهِ الرُّكُوبَ وَالْحُضُورَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ. قُلْت: فَيَنْبَغِي تَصْحِيحُ عَدَمِ الْوُجُوبِ إنْ كَانَ الْأَمْرُ فِي حَقِّهِ كَذَلِكَ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ: وَأَلْحَقَ بِالْمَرِيضِ الْمُمَرِّضَ) أَيْ مَنْ يَعُولُ الْمَرِيضَ وَهَذَا إنْ بَقِيَ الْمَرِيضُ ضَائِعًا بِخُرُوجِهِ فِي الْأَصَحِّ حِلْيَةٌ وَجَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ اهـ أَيْ لِوُجُودِ الرِّقِّ فِيهِمَا وَالْمُرَادُ بِالْمُبَعَّضِ مَنْ أُعْتِقَ بَعْضُهُ وَصَارَ يَسْعَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 وَأَجِيرٍ وَيَسْقُطُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِهِ لَوْ بَعِيدًا وَإِلَّا لَا؛ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ وَجَبَتْ وَقِيلَ يُخَيَّرُ جَوْهَرَةٌ وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ التَّخْيِيرَ (وَذُكُورَةٌ) مُحَقَّقَةٌ (وَبُلُوغٌ وَعَقْلٌ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَا خَاصَّيْنِ (وَوُجُودُ بَصَرٍ) فَتَجِبُ عَلَى الْأَعْوَرِ (قُدْرَتُهُ عَلَى الْمَشْيِ) جَزَمَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ سَلَامَةَ أَحَدِهِمَا لَهُ كَافٍ فِي الْوُجُوبِ لَكِنْ قَالَ الشُّمُنِّيُّ وَغَيْرُهُ: لَا تَجِبُ عَلَى مَفْلُوجِ الرِّجْلِ وَمَقْطُوعِهَا (وَعَدَمُ حَبْسٍ وَ) عَدَمُ (خَوْفٍ وَ) عَدَمُ (مَطَرٍ شَدِيدٍ) وَوَحْلٍ وَثَلْجٍ وَنَحْوِهِمَا (وَفَاقِدُهَا) أَيْ هَذِهِ الشُّرُوطِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَأُجِيرَ) مُفَادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَنْعُهُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ وَظَاهِرُ الْمُتُونِ يَشْهَدُ لَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: بِحِسَابِهِ لَوْ بَعِيدًا) فَإِنْ كَانَ قَدْرَ رُبُعِ النَّهَارِ حُطَّ عَنْهُ رُبُعُ الْأُجْرَةِ وَلَيْسَ لِلْأَجِيرِ أَنْ يُطَالِبَهُ مِنْ الرُّبُعِ الْمَحْطُوطِ بِمِقْدَارِ اشْتِغَالِهِ بِالصَّلَاةِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ) أَيْ بِالصَّلَاةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمَأْذُونَ بِالتِّجَارَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ التَّخْيِيرَ) أَيْ بِأَنَّهُ جَزَمَ بِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَبِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالْقَوَاعِدِ. اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ فِي الْجَوْهَرَةِ أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْبَابِ الْآتِي وَجَزَمَ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْعِيدُ إلَّا الْمَمْلُوكَ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ إذَا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ لَا الْجُمُعَةُ لِأَنَّ لَهَا بَدَلًا يَقُومُ مَقَامَهَا فِي حَقِّهِ، وَهُوَ الظُّهْرُ بِخِلَافِ الْعِيدِ ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ عَلَيْهِ كَالْجُمُعَةِ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَا تَصِيرُ مَمْلُوكَةً لَهُ بِالْإِذْنِ فَحَالُهُ بَعْدَهُ كَحَالِهِ قَبْلَهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَجَّ بِالْإِذْنِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ حِجَّةُ الْإِسْلَامِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ يُخَيَّرُ لِأَنَّهُ فَرْعُ عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَفِي الْبَحْرِ أَيْضًا: وَهَلْ يَحِلُّ لَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهَا أَوْ إلَى الْعِيدَيْنِ بِلَا إذْنِ مَوْلَاهُ؟ فَفِي التَّجْنِيسِ إنْ عَلِمَ رِضَاهُ أَوْ رَآهُ فَسَكَتَ حَلَّ وَكَذَا إذَا كَانَ يُمْسِكُ دَابَّةَ الْمَوْلَى عِنْدَ الْجَامِعِ وَلَا يُخِلُّ بِحَقِّهِ فِي الْإِمْسَاكِ لَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ مُحَقَّقَةٌ) ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا لِإِخْرَاجِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ قِيلَ مُعَامَلَتُهُ بِالْأَضَرِّ تَقْتَضِي وُجُوبَهَا عَلَيْهِ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ بَلْ تَقْتَضِي عَدَمَ خُرُوجِهِ إلَى مَجَامِعِ الرِّجَالِ وَلِذَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَا خَاصَّيْنِ) أَيْ بِالْجُمُعَةِ بَلْ هُمَا شَرْطَا التَّكْلِيفِ بِالْعِبَادَاتِ كُلِّهَا كَالْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ الْجُنُونَ يَخْرُجُ بِقَيْدِ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ مَرَضٌ، بَلْ قَالَ الشَّاعِرُ: وَأَصْعَبُ أَمْرَاضِ النُّفُوسِ جُنُونُهَا (قَوْلُهُ فَتَجِبُ عَلَى الْأَعْوَرِ) وَكَذَا ضَعِيفُ الْبَصَرِ فِيمَا يَظْهَرُ أَمَّا الْأَعْمَى فَلَا، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى قَائِدٍ مُتَبَرِّعٍ أَوْ بِأُجْرَةٍ وَعِنْدَهُمَا إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ تَجِبُ وَتَوَقَّفَ فِي الْبَحْرِ فِيمَا لَوْ أُقِيمَتْ وَهُوَ حَاضِرٌ فِي الْمَسْجِدِ. وَأَجَابَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا فَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْحَرَجُ، وَهُوَ مُنْتَفٍ. وَأَقُولُ: بَلْ يَظْهَرُ لِي وُجُوبُهَا عَلَى بَعْضِ الْعُمْيَانِ الَّذِي يَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ وَيَعْرِفُ الطُّرُقَ بِلَا قَائِدٍ، وَلَا كُلْفَةٍ وَيَعْرِفُ أَيَّ مَسْجِدٍ أَرَادَهُ بِلَا سُؤَالِ أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْمَرِيضِ الْقَادِرِ عَلَى الْخُرُوجِ بِنَفْسِهِ بَلْ رُبَّمَا تَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقُدْرَتُهُ عَلَى الْمَشْيِ) فَلَا تَجِبُ عَلَى الْمُقْعَدِ وَإِنْ وَجَدَ حَامِلًا اتِّفَاقًا خَانِيَةٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى السَّعْيِ أَصْلًا فَلَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي الْأَعْمَى كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْقُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ الرِّجْلَيْنِ ح وَالْمُنَاسِبُ إحْدَاهُمَا (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) . أَجَابَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ بِحَمْلِ مَا فِي الْبَحْرِ عَلَى الْعَرَجِ الْغَيْرِ الْمَانِعِ مِنْ الْمَشْيِ وَمَا هُنَا عَلَى الْمَانِعِ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ حَبْسٍ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِكَوْنِهِ مَظْلُومًا كَمَدْيُونٍ مُعْسِرٍ، فَلَوْ مُوسِرًا قَادِرًا عَلَى الْأَدَاءِ حَالًا وَجَبَتْ (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ خَوْفٍ) أَيْ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ لِصٍّ مِنَحٌ. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَيَلْحَقُ بِهِ الْمُفْلِسُ إذَا خَافَ الْحَبْسَ كَمَا جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ بِهِ (قَوْلُهُ وَوَحْلٍ وَثَلْجٍ) أَيْ شَدِيدَيْنِ (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُمَا) أَيْ كَبَرْدٍ شَدِيدٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ (قَوْلُهُ أَيْ هَذِهِ الشُّرُوطِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 أَوْ بَعْضِهَا (إنْ) اخْتَارَ الْعَزِيمَةَ وَ (صَلَّاهَا وَهُوَ مُكَلَّفٌ) بَالِغٌ عَاقِلٌ (وَقَعَتْ فَرْضًا) عَنْ الْوَقْتِ لِئَلَّا يَعُودَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ وَفِي الْبَحْرِ هِيَ أَفْضَلُ إلَّا لِلْمَرْأَةِ (وَيَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ فِيهَا مَنْ صَلُحَ لِغَيْرِهَا فَجَازَتْ لِمُسَافِرٍ وَعَبْدٍ وَمَرِيضٍ وَتَنْعَقِدُ) الْجُمُعَةُ (بِهِمْ) أَيْ بِحُضُورِهِمْ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى (وَحَرُمَ لِمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ صَلَاةُ الظُّهْرِ قَبْلَهَا) أَمَّا بَعْدَهَا فَلَا يُكْرَهُ غَايَةً (فِي يَوْمِهَا بِمِصْرٍ) لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِتَفْوِيتِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ حَرَامٌ (فَإِنْ فَعَلَ ثُمَّ) نَدِمَ وَ (سَعَى) عَبَّرَ بِهِ اتِّبَاعًا لِلْآيَةِ   [رد المحتار] أَيْ شُرُوطِ الِافْتِرَاضِ (قَوْلُهُ: إنْ اخْتَارَ الْعَزِيمَةَ) أَيْ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ رَخَّصَ لَهُ فِي تَرْكِهَا إلَى الظُّهْرِ فَصَارَتْ الظُّهْرُ فِي حَقِّهِ رُخْصَةً، وَالْجُمُعَةُ عَزِيمَةً كَالْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ هُوَ رُخْصَةٌ لَهُ وَالصَّوْمُ عَزِيمَةٌ فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ أَشَقُّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بَالِغٌ عَاقِلٌ) تَفْسِيرٌ لِلْمُكَلَّفِ، وَخَرَجَ بِهِ الصَّبِيُّ فَإِنَّهَا تَقَعُ مِنْهُ نَفْلًا وَالْمَجْنُونُ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لَهُ أَصْلًا بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَعُودَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ) يَعْنِي لَوْ لَمْ نَقُلْ بِوُقُوعِهَا فَرْضًا بَلْ أَلْزَمْنَاهُ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ لَعَادَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي حَقِّهِ رُخْصَةٌ، فَإِذَا أَتَى بِالْعَزِيمَةِ وَتَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ صَحَّ، وَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ بِالظُّهْرِ بَعْدَهَا لَحَمَّلْنَاهُ مَشَقَّةً وَنَقَضْنَا الْمَوْضُوعَ فِي حَقِّهِ وَهُوَ التَّسْهِيلُ. اهـ. ح. قُلْت: فَالْمُرَادُ بِالْمَوْضُوعِ الْأَصْلُ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ سُقُوطُ الْجُمُعَةِ هُنَا وَهُوَ التَّسْهِيلُ وَالتَّرْخِيصُ الَّذِي اسْتَدْعَاهُ الْعُذْرُ وَمِنْهُ النَّظَرُ لِلْمَوْلَى فِي جَانِبِ الْعَبْدِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نُجَوِّزْهَا وَقَدْ تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُ عَلَى الْمَوْلَى لَوَجَبَ عَلَيْهِ الظُّهْرُ فَتَتَعَطَّلُ عَلَيْهِ مَنَافِعُهُ ثَانِيًا فَيَنْقَلِبُ النَّظَرُ ضَرَرًا (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَحْرِ إلَخْ) أَخَذَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ ظَاهِرِ قَوْلِهِمْ: إنَّ الظُّهْرَ لَهُمْ رُخْصَةٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ عَزِيمَةٌ، وَهِيَ أَفْضَلُ إلَّا لِلْمَرْأَةِ لِأَنَّ صَلَاتَهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ، وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْتُهَا لَصِيقُ جِدَارِ الْمَسْجِدِ بِلَا مَانِعٍ مِنْ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ تَكُونُ أَفْضَلَ لَهَا أَيْضًا (قَوْلُهُ مَنْ صَلَحَ لِغَيْرِهَا) أَيْ لِإِمَامَةِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، وَالْمُرَادُ الْإِمَامَةُ لِلرِّجَالِ فَخَرَجَ الصَّبِيُّ لِأَنَّهُ مَسْلُوبُ الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَرْأَةُ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ إمَامًا لِلرِّجَالِ (قَوْلُهُ وَتَنْعَقِدُ بِهِمْ) أَشَارَ بِهِ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، حَيْثُ قَالَ بِصِحَّةِ إمَامَتِهِمْ وَعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِمْ فِي الْعَدَدِ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا صَلَحُوا لِلْإِمَامَةِ فَلَأَنْ يَصْلُحُوا لِلِاقْتِدَاءِ أَوْلَى عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَحَرُمَ إلَخْ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ وَالْكَنْزِ وَكُرِهَ لِقَوْلِ ابْنِ الْهُمَامِ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ حَرُمَ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْفَرْضَ الْقَطْعِيَّ بِاتِّفَاقِهِمْ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنْ الظُّهْرِ غَيْرَ أَنَّ الظُّهْرَ تَقَعُ صَحِيحَةً، وَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْحَرَامَ هُوَ تَرْكُ السَّعْيِ الْمُفَوِّتِ لَهَا أَمَّا صَلَاةُ الظُّهْرِ قَبْلَهَا فَغَيْرُ مُفَوِّتَةٍ لِلْجُمُعَةِ حَتَّى تَكُونَ حَرَامًا فَإِنَّ سَعْيَهُ بَعْدَهَا لِلْجُمُعَةِ فَرْضٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَإِنَّمَا تُكْرَهُ الظُّهْرُ قَبْلَهَا لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِلتَّفْوِيتِ بِاعْتِمَادِهِ عَلَيْهَا وَهُمْ إنَّمَا حَكَمُوا بِالْكَرَاهَةِ عَلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ لَا عَلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ اهـ مُلَخَّصًا وَاسْتَحْسَنَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ لِمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ) أَمَّا الْمَعْذُورُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَأْخِيرُهَا إلَى فَرَاغِ الْإِمَامِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ فَلَا يُكْرَهُ) بَلْ هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ الْجُمُعَةِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَنَفْسُ الصَّلَاةِ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ، وَتَفْوِيتُ الْجُمُعَةِ حَرَامٌ، وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَا. اهـ. يَعْنِي أَنَّ الْكَرَاهَةَ لَيْسَتْ لِذَاتِ الصَّلَاةِ بَلْ لِخَارِجٍ عَنْهَا، وَهُوَ كَوْنُهَا سَبَبًا لِتَفْوِيتِ الْجُمُعَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا بَعْدَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ لَمْ يُكْرَهْ فِعْلُهَا بَعْدَهَا بَلْ يَجِبُ. وَقَدْ يُقَالُ مُرَادُ الْغَايَةِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ فِعْلَهَا بَعْدَ صَلَاتِهِ لِلْجُمُعَةِ لَا بَعْدَ فَوْتِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي يَوْمِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ الظُّهْرِ أَيْ الظُّهْرُ الْوَاقِعُ فِي يَوْمِهَا احْتِرَازًا عَنْ ظُهْرٍ سَابِقٍ عَلَى يَوْمِهَا فَإِنَّهُ لَوْ قَضَاهُ قَبْلَهَا لَمْ يُكْرَهْ بَلْ يَجِبُ عَلَى ذِي تَرْتِيبٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِمِصْرٍ) أَمَّا لَوْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ فَلَا يُكْرَهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْجُمُعَةِ فِيهَا. (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ سَبَبًا) قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ مِنْ بَحْثِ صَاحِبِ الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ التَّفْوِيتُ (قَوْلُهُ اتِّبَاعًا لِلْآيَةِ) أَيْ لِأَنَّ السَّعْيَ مُقْتَضٍ لِلْهَرْوَلَةِ مَعَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ الْمَشْيُ إلَيْهَا بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ. اهـ. ح وَكَأَنَّهُ اُخْتِيرَ التَّعْبِيرُ بِهِ فِي الْآيَةِ لِلْحَثِّ عَلَى الذَّهَابِ إلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَبَّرَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَبْطُلْ إلَّا بِالشُّرُوعِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ (إلَيْهَا) لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ أَوْ مَعَ فَرَاغِ الْإِمَامِ أَوْ لَمْ يُقِمْهَا أَصْلًا لَمْ تَبْطُلْ فِي الْأَصَحِّ فَالْبُطْلَانُ بِهِ مُقَيَّدٌ بِإِمْكَانِ إدْرَاكِهَا (بِأَنْ انْفَصَلَ عَنْ) بَابِ (دَارِهِ) وَالْإِمَامُ فِيهَا، وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْهَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ السِّرَاجُ (بَطَلَ) ظُهْرُهُ لَا أَصْلُ الصَّلَاةِ وَلَا ظُهْرُ مَنْ اقْتَدَى بِهِ وَلَمْ يَسْعَ (أَدْرَكَهَا أَوْ لَا) بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ مَعْذُورٍ وَغَيْرِهِ   [رد المحتار] إلَخْ كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ أَوْ يَقُولَ: وَلِأَنَّهُ بِالْعَطْفِ عَلَى اتِّبَاعًا (قَوْلُهُ لَمْ يَبْطُلْ إلَّا بِالشُّرُوعِ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ صَلَّى فِي مَجْلِسِهِ، أَمَّا لَوْ قَامَ مِنْهُ وَسَعَى إلَى مَكَان آخَرَ عَلَى عَزْمِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ سَعْيِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ إلَخْ) وَلَوْ شَرَّكَ فِيهَا فَالْعِبْرَةُ لِلْأَغْلَبِ كَمَا يُفَادُ مِنْ الْبَحْرِ ط وَفِيهِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بِالنَّظَرِ إلَى الثَّوَابِ وَهَلْ يَتَأَتَّى ذَلِكَ هُنَا؟ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْأَغْلَبُ الْحَاجَةَ لَتَحَقَّقَ السَّعْيُ إلَيْهَا وَإِنْ كَانَ لَا ثَوَابَ لَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ مَعَ فَرَاغِ الْإِمَامِ) وَمِثْلُهُ بِالْأَوْلَى مَا فِي الْفَتْحِ لَوْ كَانَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا لِأَنَّهُ فِي الصُّورَتَيْنِ لَا يَكُونُ سَعْيُهُ إلَيْهَا وَلَكِنَّ هَذَا مُسَلَّمٌ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا فَالْمُنَاسِبُ إخْرَاجُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ: وَالْإِمَامُ فِيهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يُقِمْهَا أَصْلًا) أَيْ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَكَذَا لَوْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا، وَالْإِمَامُ وَالنَّاسُ فِيهَا إلَّا أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْهَا قَبْلَ إتْمَامِهَا لِنَائِبَةٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ ظُهْرُهُ بَحْرٌ عَنْ السِّرَاجِ (قَوْلُهُ فَالْبُطْلَانُ بِهِ) أَيْ بُطْلَانُ الظُّهْرِ بِالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ مُقَيَّدٌ بِإِمْكَانِ إدْرَاكِهَا) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَأَيَّدَهُ فِي النَّهْرِ بِمَا يَأْتِي عَنْ السِّرَاجِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا تَعْرِفُهُ (قَوْلُهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ سِرَاجٌ) تَبِعَ فِي هَذَا صَاحِبَ النَّهْرِ وَالصَّوَابُ إسْقَاطُ لَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَطْلَقَ أَيْ فِي الْبُطْلَانِ فَشَمِلَ مَا إذَا لَمْ يُدْرِكْهَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ مَعَ كَوْنِ الْإِمَامِ فِيهَا وَقْتَ الْخُرُوجِ أَوْ لَمْ يَكُنْ شَرَعَ، وَهُوَ قَوْلُ الْبَلْخِيِّينَ. قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ تَوَجَّهَ إلَيْهَا، وَهِيَ لَمْ تَفُتْ بَعْدُ حَتَّى لَوْ كَانَ بَيْتُهُ قَرِيبًا مِنْ الْمَسْجِدِ وَسَمِعَ الْجَمَاعَةَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَتَوَجَّهَ بَعْدَمَا صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ بَطَلَ الظُّهْرُ عَلَى الْأَصَحِّ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا. اهـ. قُلْت: وَمِثْلُهُ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ كَالنِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ وَالْفَتْحِ (قَوْلُهُ بَطَلَ ظُهْرُهُ) أَيْ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ وَصَارَ نَفْلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ بُطْلَانَ الْوَصْفِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْأَصْلِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ وَلَا ظُهْرُ مَنْ اقْتَدَى بِهِ إلَخْ) لِأَنَّ بُطْلَانَهُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَلَا يَضُرُّ الْمَأْمُومَ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ: أَيْ فَلَا يُقَالُ الْأَصْلُ أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ تَفْسُدُ بِفَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ يَبْقَ مَأْمُومًا وَلَهُ نَظَائِرُ قَدَّمْنَاهَا فِي بَابِ الْإِمَامَةِ. مِنْهَا: مَا لَوْ ارْتَدَّ الْإِمَامُ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى - ثُمَّ أَسْلَمَ فِي الْوَقْتِ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ دُونَ الْقَوْمِ. وَمِنْهَا: مَا لَوْ سَلَّمَ الْقَوْمُ قَبْلَ الْإِمَامِ بَعْدَ قُعُودِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ وَاحِدَةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ أَوْ سَجَدَ هُوَ لِلسَّهْوِ وَلَمْ يَسْجُدُوا مَعَهُ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَحْدَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَدْرَكَهَا أَوْ لَا) أَيْ وَلَوْ كَانَ عَدَمُ إدْرَاكِهِ لَهَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِإِمْكَانِ إدْرَاكِهَا خِلَافُ الصَّحِيحِ فَافْهَمْ ثُمَّ إذَا لَمْ يُدْرِكْهَا أَوْ بَدَا لَهُ الرُّجُوعُ فَرَجَعَ لَزِمَهُ إعَادَةُ الظُّهْرِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ مَعْذُورٍ وَغَيْرِهِ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْعَبْدُ وَالْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ فِي الِانْتِقَاضِ بِالسَّعْيِ اهـ وَعَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى غَايَةِ الْبَيَانِ وَالسِّرَاجِ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّ الْمَعْذُورَ لَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِالسَّعْيِ إلَيْهَا مُطْلَقًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ ظُهْرُهُ بِالسَّعْيِ وَلَا بِالشُّرُوعِ فِي الْجُمُعَةِ لِأَنَّ الْفَرْضَ سَقَطَ عَنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِنَقْضِهِ فَتَكُونُ الْجُمُعَةُ نَفْلًا كَمَا قَالَ بِهِ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ قَالَ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ ظُهْرَهُ إنَّمَا يَبْطُلُ بِحُضُورِهِ الْجُمُعَةَ لَا بِمُجَرَّدِ سَعْيِهِ كَمَا فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ وَهُوَ أَخَفُّ إشْكَالًا. اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 عَلَى الْمَذْهَبِ (وَكُرِهَ) تَحْرِيمًا (لِمَعْذُورٍ وَمَسْجُونٍ) وَمُسَافِرٍ (أَدَاءُ ظُهْرٍ بِجَمَاعَةٍ فِي مِصْرٍ) قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا لِتَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ وَصُورَةِ الْمُعَارَضَةِ وَأَفَادَ أَنَّ الْمَسَاجِدَ تُغْلَقُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا الْجَامِعَ (وَكَذَا أَهْلُ مِصْرٍ فَاتَتْهُمْ الْجُمُعَةُ) فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ وَلَا جَمَاعَةٍ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرِيضِ تَأْخِيرُهَا إلَى فَرَاغِ الْإِمَامِ وَكُرِهَ إنْ لَمْ يُؤَخِّرْ هُوَ الصَّحِيحُ (وَمَنْ أَدْرَكَهَا فِي تَشَهُّدٍ أَوْ سُجُودِ سَهْوٍ) عَلَى الْقَوْلِ بِهِ فِيهَا (يُتِمُّهَا جُمُعَةً) خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (كَمَا) يُتِمُّ (فِي الْعِيدِ) اتِّفَاقًا كَمَا فِي عِيدِ الْفَتْحِ   [رد المحتار] قُلْت: وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ أَنَّهُ إنَّمَا رَخَّصَ لَهُ تَرْكَهَا لِلْعُذْرِ وَبِالِالْتِزَامِ الْتَحَقَ بِالصَّحِيحِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمُنْيَةِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ثُمَّ قَالَ خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَقُولُ إنَّ فَرْضَهُ الظُّهْرُ، وَقَدْ أَدَّاهُ فِي وَقْتِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِغَيْرِهِ وَلَنَا أَنَّ الْمَعْذُورَ إنَّمَا فَارَقَ غَيْرَهُ فِي التَّرَخُّصِ بِتَرْكِ السَّعْيِ فَإِذَا لَمْ يَتَرَخَّصْ الْتَحَقَ بِغَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِمَعْذُورٍ) وَكَذَا غَيْرُهُ بِالْأَوْلَى نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَمَسْجُونٍ) صَرَّحَ بِهِ كَالْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مَعَ دُخُولِهِ فِي الْمَعْذُورِ لِرَدِّ مَا قِيلَ إنَّهَا تَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ظَالِمًا قَدَرَ عَلَى إرْضَاءِ خَصْمِهِ وَإِلَّا أَمْكَنَهُ الِاسْتِغَاثَةُ اهـ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَفِي زَمَانِنَا لَا مُغِيثَ لِلْمَظْلُومِ وَالْغَلَبَةُ لِلظَّالِمِينَ فَمَنْ عَارَضَهُمْ بِحَقٍّ أَهْلَكُوهُ (قَوْلُهُ تَحْرِيمًا) ذُكِرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. قُلْت: بَلْ صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ أَدَاءُ ظُهْرٍ بِجَمَاعَةٍ) مَفْهُومُهُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْجَمَاعَةِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ وَفِي الْبَحْرِ وَقَيَّدَ بِالظُّهْرِ لِأَنَّ فِي غَيْرِهَا لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً. اهـ. (قَوْلُهُ فِي مِصْرٍ) بِخِلَافِ الْقُرَى لِأَنَّهُ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ فَكَانَ هَذَا الْيَوْمُ فِي حَقِّهِمْ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُجْتَبَى مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ لِبُعْدِ الْمَوْضِعِ صَلَّوْا الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ (قَوْلُهُ لِتَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ) لِأَنَّ الْمَعْذُورَ قَدْ يَقْتَدِي بِهِ غَيْرُهُ فَيُؤَدِّي إلَى تَرْكِهَا بَحْرٌ وَكَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُصَلِّي بَعْدَهَا بِجَمَاعَةٍ رُبَّمَا يَتْرُكُهَا لِيُصَلِّيَ مَعَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَصُورَةِ الْمُعَارَضَةِ) لِأَنَّ شِعَارَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْيَوْمِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَقَصْدُ الْمُعَارَضَةِ لَهُمْ يُؤَدِّي إلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ فَكَانَ فِي صُورَتِهَا كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ تُغْلَقُ) لِئَلَّا تَجْتَمِعَ فِيهَا جَمَاعَةٌ بَحْرٌ عَنْ السِّرَاجِ (قَوْلُهُ إلَّا الْجَامِعَ) أَيْ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ فَإِنَّ فَتْحَهُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ ضَرُورِيٌّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُغْلَقُ أَيْضًا بَعْدَ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ فِيهِ أَحَدٌ بَعْدَهَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْعَادَةَ الْجَارِيَةَ هِيَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَيُغْلَقُ مَا سِوَاهُ مِمَّا لَا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ لِيُضْطَرُّوا إلَى الْمَجِيءِ إلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَيُغْلَقُ غَيْرُهُ إلَى الْفَرَاغِ مِنْهَا لَكِنْ لَا دَاعِيَ إلَى فَتْحِهِ بَعْدَهَا فَيَبْقَى مَغْلُوقًا إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ كُلُّ هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي الْمَنْعِ عَنْ صَلَاةِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَإِظْهَارًا لِتَأَكُّدِهَا (قَوْلُهُ وَكَذَا أَهْلُ مِصْرَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ هُنَا تَنْزِيهِيَّةٌ لِعَدَمِ التَّقْلِيلِ وَالْمُعَارَضَةِ الْمَذْكُورَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ يُصَلُّونَ وُحْدَانًا اسْتِحْبَابًا (قَوْلُهُ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ) قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَا يُصَلِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ جَمَاعَةً بِمِصْرٍ وَلَا يُؤَذِّنُ وَلَا يُقِيمُ فِي سِجْنٍ وَغَيْرِهِ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي السِّرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى جَمْعِ التَّفَارِيقِ مِنْ أَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ غَيْرُ مَكْرُوهَيْنِ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرِيضِ) عِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ الْمَعْذُورُ وَهِيَ أَعَمُّ (قَوْلُهُ وَكُرِهَ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ يُسْتَحَبُّ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ نَهْرٌ وَعَلَيْهِ فَمَا فِي شَرْحِ الدُّرَرِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ اتِّفَاقًا مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ التَّحْرِيمِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَدْرَكَهَا) أَيْ الْجُمُعَةَ (قَوْلُهُ أَوْ سُجُودِ سَهْوٍ) وَلَوْ فِي تَشَهُّدِهِ ط (قَوْلُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ فِيهَا) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِفِعْلِهِ فِي الْجُمُعَةِ. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ لَا يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لِتَوَهُّمِ الزِّيَادَةِ مِنْ الْجُهَّالِ كَذَا فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ بَحْرٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ عَدَمَ جَوَازِهِ بَلْ الْأَوْلَى تَرْكُهُ كَيْ لَا يَقَعَ النَّاسُ فِي فِتْنَةٍ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْعَزْمِيَّةِ وَمِثْلُهُ فِي الْإِيضَاحِ لِابْنِ كَمَالٍ (قَوْلُهُ يُتِمُّهَا جُمُعَةً) وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْقِرَاءَةِ إنْ شَاءَ جَهَرَ وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) حَيْثُ قَالَ: إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رُكُوعَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ، وَإِنْ أَدْرَكَ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ بَنَى عَلَيْهَا الظُّهْرَ لِأَنَّهُ جُمُعَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَظُهْرٌ مِنْ وَجْهٍ لِفَوَاتِ بَعْضِ الشَّرَائِطِ فِي حَقِّهِ فَيُصَلِّي أَرْبَعًا اعْتِبَارًا لِلظُّهْرِ وَيَقْعُدُ لَا مَحَالَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 لَكِنْ فِي السِّرَاجِ أَنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَمْ يَصِرْ مُدْرِكًا لَهُ (وَيَنْوِي جُمُعَةً لَا ظُهْرًا) اتِّفَاقًا فَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَغَيْرِهِ نَهْرٌ بحتا (إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ) مِنْ الْحُجْرَةِ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَقِيَامُهُ لِلصُّعُودِ شَرْحُ الْمَجْمَعِ (فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ إلَى تَمَامِهَا) وَإِنْ كَانَ فِيهَا ذِكْرُ الظُّلْمَةِ فِي الْأَصَحِّ (خَلَا قَضَاءِ فَائِتَةٍ لَمْ يَسْقُطْ التَّرْتِيبُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَقْتِيَّةِ) فَإِنَّهَا لَا تُكْرَهُ سِرَاجٌ وَغَيْرُهُ لِضَرُورَةِ صِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَإِلَّا لَا، وَلَوْ خَرَجَ وَهُوَ فِي السُّنَّةِ أَوْ بَعْدَ قِيَامِهِ لِثَالِثَةِ النَّفْلِ يُتِمُّ   [رد المحتار] عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ اعْتِبَارًا لِلْجُمُعَةِ وَيَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِاحْتِمَالِ النَّفْلِيَّةِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ مُدْرِكٌ لِلْجُمُعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَتَّى تُشْتَرَطَ لَهُ نِيَّةُ الْجُمُعَةِ وَهِيَ رَكْعَتَانِ، وَلَا وَجْهَ لِمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ لَا يُبْنَى أَحَدُهُمَا عَلَى تَحْرِيمَةِ الْآخَرِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي السِّرَاجِ إلَخْ) أَقُولُ: مَا فِي السِّرَاجِ ذَكَرَهُ فِي عِيدِ الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَصِيرُ مُدْرِكًا بِلَا خِلَافٍ، وَقَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: اتِّفَاقًا) لِمَا عَلِمْت أَنَّهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَيْسَتْ ظُهْرًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (قَوْلُهُ ثُمَّ الظَّاهِرُ إلَخْ) ذُكِرَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُنْتَقَى مُسَافِرٌ أَدْرَكَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي التَّشَهُّدِ يُصَلِّي أَرْبَعًا بِالتَّكْبِيرِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ مُخَصِّصٌ لِمَا فِي الْمُتُونِ مُقْتَضٍ لِحَمْلِهَا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْجُمُعَةُ وَاجِبَةً عَلَى الْمَسْبُوقِ؛ أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً فَإِنَّهُ يُتِمُّ ظُهْرًا اهـ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا مُخَرَّجٌ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ صَاحِبَ الْمُنْتَقَى جَزَمَ بِهِ لِاخْتِيَارِهِ إيَّاهُ وَالْمُسَافِرُ مِثَالٌ لَا قَيْدٌ. اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا وَجْهَ عِنْدَهُمَا لِبِنَاءِ الظُّهْرِ عَلَى الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ لَمَّا الْتَزَمَ الْجُمُعَةَ صَارَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ؛ وَلِذَا صَحَّتْ إمَامَتُهُ فِيهَا وَأَيْضًا الْمُسَافِرُ إذَا صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَهَا ثُمَّ سَعَى إلَيْهَا بَطَلَ ظُهْرُهُ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهَا فَكَيْفَ إذَا أَدْرَكَهَا لَا يُصَلِّيهَا بَلْ يُصَلِّيهَا ظُهْرًا وَالظُّهْرُ لَا يُبْطِلُ الظُّهْرَ فَالظَّاهِرُ مَا فِي النَّهْرِ وَوَجْهُ تَخْصِيصِ الْمُسَافِرِ بِالذِّكْرِ دَفْعُ تَوَهُّمِ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا ظُهْرًا مَقْصُورَةً عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ فَرْضَ إمَامِهِ رَكْعَتَانِ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ يُتِمُّهَا أَرْبَعًا عِنْدَهُ لِأَنَّ جُمُعَةَ إمَامِهِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الظُّهْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ) ذَكَرَهُ بِاعْتِبَارِ الْمَكَانِ ط (قَوْلُهُ: إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ إلَخْ) هَذَا لَفْظُ حَدِيثٍ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ مَرْفُوعًا لَكِنْ فِي الْفَتْحِ أَنَّ رَفْعَهُ غَرِيبٌ، وَالْمَعْرُوفُ كَوْنُهُ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: كَانُوا يَكْرَهُونَ الصَّلَاةَ وَالْكَلَامَ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ يَجِبُ تَقْلِيدُهُ عِنْدَنَا إذَا لَمْ يَنْفِهِ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ السُّنَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا صَلَاةَ) شَمِلَ السُّنَّةَ وَتَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بَحْرٌ قَالَ مُحَشِّيهِ الرَّمْلِيُّ: فَلَا صَلَاةَ جَائِزَةٌ وَتَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَمُنِعَ عَنْ الصَّلَاةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ إلَخْ أَنَّ صَلَاةَ النَّفْلِ صَحِيحَةٌ مَكْرُوهَةٌ حَتَّى يَجِبَ قَضَاؤُهُ إذَا قَطَعَهُ، وَيَجِبُ قَطْعُهُ وَقَضَاؤُهُ فِي غَيْرِ وَقْتٍ مَكْرُوهٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ أَتَمَّهُ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا لَزِمَهُ بِالشُّرُوعِ فَالْمُرَادُ الْحُرْمَةُ لَا عَدَمُ الِانْعِقَادِ (قَوْلُهُ: وَلَا كَلَامَ) أَيْ مِنْ جِنْسِ كَلَامِ النَّاسِ أَمَّا التَّسْبِيحُ وَنَحْوُهُ فَلَا يُكْرَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ الْأَحْوَطَ الْإِنْصَاتُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ قَبْلَ الشُّرُوعِ أَمَّا بَعْدَهُ فَالْكَلَامُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا بِأَقْسَامِهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ بَحْرٌ وَنَهْرٌ وَقَالَ الْبَقَّالِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِذَا شَرَعَ فِي الدُّعَاءِ لَا يَجُوزُ لِلْقَوْمِ رَفْعُ الْيَدَيْنِ وَلَا تَأْمِينٌ بِاللِّسَانِ جَهْرًا فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ أَثِمُوا وَقِيلَ أَسَاءُوا وَلَا إثْمَ عَلَيْهِمْ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَكَذَلِكَ إذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلُّوا عَلَيْهِ بِالْجَهْرِ بَلْ بِالْقَلْبِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ إلَى تَمَامِهَا) أَيْ الْخُطْبَةِ لَكِنْ قَالَ فِي الدُّرَرِ لَمْ يَقُلْ إلَى تَمَامِ الْخُطْبَةِ كَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُمَا يُكْرَهَانِ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ الْإِمَامُ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ يَجُوزُ الْكَلَامُ حَالَ ذِكْرِهِمْ ط (قَوْلُهُ فَإِنَّهُمْ لَا تُكْرَهُ) بَلْ يَجِبُ فِعْلُهَا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 فِي الْأَصَحِّ وَيُخَفِّفُ الْقِرَاءَةَ. (وَكُلُّ مَا حَرُمَ فِي الصَّلَاةِ حَرُمَ فِيهَا) أَيْ فِي الْخُطْبَةِ خُلَاصَةٌ وَغَيْرُهَا فَيَحْرُمُ أَكْلٌ وَشُرْبٌ وَكَلَامٌ وَلَوْ تَسْبِيحًا أَوْ رَدَّ سَلَامٍ أَوْ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَمِعَ وَيَسْكُتَ (بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ) فِي الْأَصَحِّ مُحِيطٌ وَلَا يُرَدُّ تَحْذِيرَ مِنْ خِيفَ هَلَاكُهُ لِأَنَّهُ يَجِبُ لِحَقِّ آدَمِيٍّ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَالْإِنْصَاتُ لِحَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى، وَمَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَنْظُرُ فِي كِتَابِهِ وَيُصَحِّحُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُشِيرَ بِرَأْسِهِ أَوْ يَدِهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ مُنْكَرٍ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ سَمَاعِ اسْمِهِ فِي نَفْسِهِ، وَلَا يَجِبُ تَشْمِيتٌ وَلَا رَدُّ سَلَامٍ بِهِ يُفْتَى وَكَذَا يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ لِسَائِرِ الْخُطَبِ كَخُطْبَةِ نِكَاحٍ وَخُطْبَةِ عِيدٍ وَخَتْمٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَقَالَا: لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَبَعْدَهَا   [رد المحتار] تُكْرَهُ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْمُبْتَغَى وَلَمْ يَذْكُرْ مَسْأَلَةَ النَّفْلِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الصُّغْرَى وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَمَا فِي الْفَتْحِ: مِنْ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ وَهُوَ فِي السُّنَّةِ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ رَكْعَتَيْنِ ضَعِيفٌ، وَعَزَاهُ قَاضِي خَانْ إلَى النَّوَادِرِ اهـ. قُلْت: وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ تَرْجِيحَ مَا فِي الْفَتْحِ أَيْضًا وَأَنَّ هَذَا كُلَّهُ حَيْثُ لَمْ يَقُمْ إلَى الثَّالِثَةِ، وَإِلَّا فَإِنْ قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ أَثِمَ وَإِلَّا فَقِيلَ يُتِمُّ، وَقِيلَ يَقْعُدُ وَيُسَلِّمُ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَهَذَا أَشْبَهُ لَكِنْ رَجَّحَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْأَوَّلَ، وَتَمَامُهُ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: وَيُخَفِّفُ الْقِرَاءَةَ) بِأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْوَاجِبِ ط (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَسْبِيحًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْكَلَامُ تَسْبِيحًا، وَفِي ذِكْرِهِ فِي ضِمْنِ التَّفْرِيعِ عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ فِي الصَّلَاةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَوْ أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ) إلَّا إذَا كَانَ مِنْ الْخَطِيبِ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَمِعَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِاشْتِغَالُ بِمَا يُفَوِّتُ السَّمَاعَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا، وَبِهِ صَرَّحَ الْقُهُسْتَانِيُّ حَيْثُ قَالَ: إذْ الِاسْتِمَاعُ فَرْضٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ أَوْ وَاجِبٌ كَمَا فِي صَلَاةِ الْمَسْعُودِيَّةِ أَوْ سُنَّةٌ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ النَّوْمَ عِنْدَ الْخُطْبَةِ مَكْرُوهٌ إلَّا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ. اهـ. ط قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: قُلْت وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيَتَحَوَّلْ مِنْ مَجْلِسِهِ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ إذَا بَعُدَ ح عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ وَلَا يَرِدُ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا كَلَامَ (قَوْلُهُ مَنْ خِيفَ هَلَاكُهُ) الْأَوْلَى ضَرَرُهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ أَوْ رَأَى رَجُلًا عِنْدَ بِئْرٍ فَخَافَ وُقُوعَهُ فِيهَا أَوْ رَأَى عَقْرَبًا يَدِبُّ إلَى إنْسَانٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحَذِّرَهُ وَقْتَ الْخُطْبَةِ. اهـ. قُلْت: وَهَذَا حَيْثُ تَعَيَّنَ الْكَلَامُ؛ إذْ لَوْ أَمْكَنَ بِغَمْزٍ أَوْ لَكِنْ لَمْ يَجُزْ الْكَلَامُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْأَصَحِّ الْمُتَقَدِّمِ قَالَ فِي الْفَيْضِ وَلَوْ كَانَ بَعِيدًا لَا يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ فَفِي حُرْمَةِ الْكَلَامِ خِلَافٌ وَكَذَا فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالنَّظَرِ فِي الْكُتُبِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ فِي كِتَابِهِ، وَيُصَحِّحُهُ بِالْقَلَمِ وَالْأَحْوَطُ السُّكُوتُ، وَبِهِ يُفْتَى. اهـ. (قَوْلُهُ فِي نَفْسِهِ) أَيْ بِأَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ أَوْ يُصَحِّحَ الْحُرُوفَ فَإِنَّهُمْ فَسَرُّوهُ بِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَلْبًا ائْتِمَارًا لِأَمْرَيْ الْإِنْصَاتِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ قُهُسْتَانِيٌّ قُبَيْلَ بَابِ الْإِمَامَةِ وَاقْتَصَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ عَلَى الْأَخِيرِ حَيْثُ قَالَ وَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ لِأَنَّهَا تُدْرَكُ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَالِ وَالسَّمَاعُ يَفُوتُ (قَوْلُهُ وَلَا رَدَّ سَلَامٍ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُكْرَهُ الرَّدُّ لِأَنَّهُ فَرْضٌ. قُلْنَا ذَاكَ إذَا كَانَ السَّلَامُ مَأْذُونًا فِيهِ شَرْعًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ بَلْ يَرْتَكِبُ بِسَلَامِهِ مَأْثَمًا لِأَنَّهُ بِهِ يَشْتَغِلُ خَاطِرُ السَّامِعِ عَنْ الْفَرْضِ وَلِأَنَّ رَدَّ السَّلَامِ يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِخِلَافِ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَخَتْمٍ) أَيْ خَتْمِ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِمْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدَ الصَّابِرِينَ إلَخْ وَأَمَّا إهْدَاءُ الثَّوَابِ مِنْ الْقَارِئِ كَقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ ثَوَابَ مَا قَرَأْنَاهُ لَا يَجِبُ عَلَى الظَّاهِرِ لِأَنَّهُ مِنْ الدُّعَاءِ ط (قَوْلُهُ وَقَالَا إلَخْ) حَاصِلُهُ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّ عِنْدَهُ خُرُوجَ الْإِمَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 وَإِذَا جَلَسَ عِنْدَ الثَّانِي، وَالْخِلَافُ فِي كَلَامٍ يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ أَمَّا غَيْرُهُ فَيُكْرَهُ إجْمَاعًا وَعَلَى هَذَا فَالتَّرْقِيَةُ الْمُتَعَارَفَةُ فِي زَمَانِنَا تُكْرَهُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا. وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ الْمُؤَذِّنُونَ حَالَ الْخُطْبَةِ مِنْ التَّرَضِّي وَنَحْوِهِ فَمَكْرُوهٌ اتِّفَاقًا وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمَرْقَى يَنْهَى عَنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ بِمُقْتَضَى حَدِيثِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنْصِتُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ. قُلْت: إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى قَوْلِهِمَا فَتَنَبَّهْ   [رد المحتار] يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَالْكَلَامَ. وَعِنْدَهُمَا خُرُوجُهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ (قَوْلُهُ عِنْدَ الثَّانِي) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَإِذَا جَلَسَ ط (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى قَوْلِهِ وَالْخِلَافُ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْمُرَقِّي بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ (قَوْلُهُ فَالتَّرْقِيَةُ الْمُتَعَارَفَةُ إلَخْ) أَيْ مِنْ قِرَاءَةِ آيَةِ - {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ} [الأحزاب: 56]- وَالْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت» . أَقُولُ: وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي التُّحْفَةِ أَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ لِأَنَّهُ حَدَثَ بَعْدَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ قِيلَ لَكِنَّهَا حَسَنَةٌ لِحَثِّ الْآيَةِ عَلَى مَا يُنْدَبُ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ إكْثَارِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْيَوْمِ وَكَحَثِّ الْخَبَرِ عَلَى تَأَكُّدِ الْإِنْصَاتِ الْمُفَوِّتِ تَرْكُهُ لِفَضْلِ الْجُمُعَةِ بَلْ وَالْمُوقِعُ فِي الْإِثْمِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ. وَأَقُولُ: يُسْتَدَلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا «بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ مَنْ يَسْتَنْصِتُ لَهُ النَّاسُ عِنْدَ إرَادَتِهِ خُطْبَةَ مِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» فَقِيَاسُهُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْخَطِيبِ أَمْرُ غَيْرِهِ بِالِاسْتِنْصَاتِ وَهَذَا هُوَ شَأْنُ الْمُرَقِّي فَلَمْ يَدْخُلْ ذِكْرُهُ لِلْخَبَرِ فِي حَيِّزِ الْبِدْعَةِ أَصْلًا اهـ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ عَنْ الرَّمْلِيِّ الشَّافِعِيِّ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: إنَّهُ لَا يَنْبَغِي الْقَوْلُ بِحُرْمَةِ قِرَاءَةِ الْحَدِيثِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَعَارَفِ لِتَوَافُرِ الْأُمَّةِ وَتَظَاهُرِهِمْ عَلَيْهِ اهـ وَنَقَلَ ح نَحْوَهُ عَنْ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ البرهمتوشي الْحَنَفِيِّ. أَقُولُ: كَوْنُ ذَلِكَ مُتَعَارَفًا لَا يَقْتَضِي جَوَازَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ الْقَائِلِ بِحُرْمَةِ الْكَلَامِ وَلَوْ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ أَوْ رَدَّ سَلَامٍ اسْتِدْلَالًا بِمَا مَرَّ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْعُرْفِ الْحَادِثِ إذَا خَالَفَ النَّصَّ لِأَنَّ التَّعَارُفَ إنَّمَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْحِلِّ إذَا كَانَ عَامًّا مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ وَالْمُجْتَهِدِينَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَقِيَاسُ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ عَلَى خُطْبَةِ مِنًى قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ فَإِنَّ النَّاسَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَاعِدُونَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَ الْخَطِيبِ مُتَهَيِّئُونَ لِسَمَاعِهِ بِخِلَافِ خُطْبَةِ مِنًى فَلْيُتَأَمَّلْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يُقَالُ أَيْضًا فِي تَلْقِينِ الْمُرَقِّي الْأَذَانَ لِلْمُؤَذِّنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى الْمُؤَذِّنِ دُونَ الْمُرَقِّي لِأَنَّ سُنَّةَ الْأَذَانِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ تَحْصُلُ بِأَذَانِ الْمُرَقِّي فَيَكُونُ الْمُؤَذِّنُ مُجِيبًا لِأَذَانِ الْمُرَقِّي وَإِجَابَةُ الْأَذَانِ حِينَئِذٍ مَكْرُوهَةٌ؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ أَذَانَ الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَكُنْ جَهْرًا يَسْمَعُهُ الْقَوْمُ يَكُونُ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ فَيَكُونُ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الثَّانِي فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مِنْ التَّرَضِّي) أَيْ عَنْ الصَّحَابَةِ عِنْدَ ذِكْرِ أَسْمَائِهِمْ، وَقَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ مِنْ الدُّعَاءِ لِلسُّلْطَانِ عِنْدَ ذِكْرِهِ كُلُّ ذَلِكَ بِأَصْوَاتٍ مُرْتَفِعَةٍ كَمَا هُوَ مُعْتَادٌ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ كَبِلَادِ الرُّومِ وَمِنْهُ مَا هُوَ مُعْتَادٌ عِنْدَنَا أَيْضًا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ صُعُودِ الْخَطِيبِ مَعَ تَمْطِيطِ الْحُرُوفِ وَالتَّنَغُّمِ (قَوْلُهُ: اتِّفَاقًا) هَذَا أَظْهَرُ مِمَّا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَصَرَ الْكَرَاهَةَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ ط (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ) لَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَحْرِ بَعْدَهُ إلَّا مَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ وَالْعَجَبُ ط (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَحْمِلَ عَلَى قَوْلِهِمَا) لَأَنْ يَقُولَ ذَلِكَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَهُمَا يَحْمِلَانِ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ» عَلَى الشُّرُوعِ فِيهَا حَقِيقَةً، فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ الْمُرَقِّي مُخَالِفًا لِحَدِيثِهِ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ أَنْصِتُوا، أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ مِنْ حَمْلِ قَوْلِهِ يَخْطُبُ عَلَى الْخُرُوجِ لِلْخُطْبَةِ بِقَرِينَةِ مَا رُوِيَ «إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ» فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِحَدِيثِهِ الَّذِي يَرْوِيهِ وَيُكْرَهُ فَافْهَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 (وَوَجَبَ سَعْيٌ إلَيْهَا وَتَرْكُ الْبَيْعِ) وَلَوْ مَعَ السَّعْيِ، فِي الْمَسْجِدِ أَعْظَمُ وِزْرًا (بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ) فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ بَلْ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ. وَأَفَادَ فِي الْبَحْرِ صِحَّةَ إطْلَاقِ الْحُرْمَةِ عَلَى الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا (وَيُؤَذِّنُ) ثَانِيًا (بَيْنَ يَدَيْهِ) أَيْ الْخَطِيبِ. أَفَادَ بِوَحْدَةِ الْفِعْلِ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ أَذَّنُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَلَا يَجْتَمِعُونَ كَمَا فِي الْجَلَّابِيِّ والتمرتاشي ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ (إذَا جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ) فَإِذَا أَتَمَّ أُقِيمَتْ وَيُكْرَهُ الْفَصْلُ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَوَجَبَ سَعْيٌ) لَمْ يَقُلْ اُفْتُرِضَ مَعَ أَنَّهُ فَرْضٌ لِلِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِهِ هَلْ هُوَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي أَوْ الْعِبْرَةُ لِدُخُولِ الْوَقْتِ؟ بَحْرٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ السَّعْيَ نَفْسَهُ فَرْضٌ وَالْوَاجِبُ كَوْنُهُ فِي وَقْتِ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي وَقْتِهِ لَا يَمْنَعُ الْقَوْلَ بِفَرْضِيَّتِهِ كَصَلَاةِ الْعَصْرِ فَرْضٌ إجْمَاعًا مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِهَا (قَوْلُهُ وَتَرْكُ الْبَيْعِ) أَرَادَ بِهِ كُلَّ عَمَلٍ يُنَافِي السَّعْيَ وَخَصَّهُ اتِّبَاعًا لِلْآيَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَعَ السَّعْيِ) صَرَّحَ فِي السِّرَاجِ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ إذَا لَمْ يَشْغَلْهُ بَحْرٌ وَيَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَى الْأَوَّلِ نَهْرٌ. قُلْت: وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِتَعْلِيلِ النَّهْيِ بِالْإِخْلَالِ بِالسَّعْيِ فَإِذَا انْتَفَى انْتَفَى (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَسْجِدِ) أَوْ عَلَى بَابِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ فَقِيلَ الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَهُوَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْ الْمِنْبَرِ لِأَنَّهُ الَّذِي كَانَ أَوَّلًا فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَزَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حَتَّى أَحْدَثَ عُثْمَانُ الْأَذَانَ الثَّانِي عَلَى الزَّوْرَاءِ حِينَ كَثُرَ النَّاسُ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ الْوَقْتِ، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ عَلَى الْمَنَارَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ. اهـ. وَالزَّوْرَاءُ بِالْمَدِّ اسْمُ مَوْضِعٍ فِي الْمَدِينَةِ (قَوْلُهُ صِحَّةُ إطْلَاقِ الْحُرْمَةِ) قُلْت: سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ كُلُّ مَكْرُوهٍ حَرَامٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ. اهـ. نَعَمْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رِوَايَةً عَنْهُمَا كَمَا سَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَشَارَ إلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ أَطْلَقَ الْحُرْمَةَ عَلَى الْبَيْعِ وَقْتَ الْأَذَانِ مَعَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ اعْتَرَضَ عَلَى الْهِدَايَةِ بِأَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ لَا يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ (قَوْلُهُ: وَيُؤَذِّنُ ثَانِيًا بَيْنَ يَدَيْهِ) أَيْ عَلَى سَبِيلِ السُّنِّيَّةِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ أَفَادَ إلَخْ) هَذِهِ الْإِفَادَةُ إنَّمَا تَظْهَرُ إذَا قُرِئَ الْفِعْلُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَمَّا إذَا قُرِئَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلَا تَظْهَرُ ط. قُلْت: وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ) وَذَكَرَ بَعْدَهُ أَيْضًا مَا نَصُّهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُمْ يُؤَذِّنُونَ دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ شَارِحِيهِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ خِلَافَهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ ذَكَرَ الْمُؤَذِّنِينَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ إخْرَاجًا لِلْكَلَامِ مَخْرَجَ الْعَادَةِ فَإِنَّ الْمُتَوَارَثَ فِي أَذَانِ الْجُمُعَةِ اجْتِمَاعُ الْمُؤَذِّنِينَ لِتَبْلُغَ أَصْوَاتُهُمْ إلَى أَطْرَافِ الْمِصْرِ الْجَامِعِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. قُلْت: وَالْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ إنَّمَا تَظْهَرُ فِي الْأَذَانِ الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْهِدَايَةِ ذَكَرَ الْمُؤَذِّنِينَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ (قَوْلُهُ الْمِنْبَرِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ مِنْ النَّبْرِ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ. وَمِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَخْطُبَ عَلَيْهِ اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَحْرٌ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى يَسَارِ الْمِحْرَابِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَمِنْبَرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ ثَلَاثَ دَرَجٍ غَيْرَ الْمُسَمَّاةِ بِالْمُسْتَرَاحِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي التُّحْفَةِ وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَا اُعْتِيدَ الْآنَ مِنْ النُّزُولِ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ إلَى دَرَجَةٍ سُفْلَى ثُمَّ الْعَوْدُ بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ شَنِيعَةٌ (قَوْلُهُ فَإِذَا أَتَمَّ) أَيْ الْإِمَامُ الْخُطْبَةَ (قَوْلُهُ أُقِيمَتْ) بِحَيْثُ يَتَّصِلُ أَوَّلُ الْإِقَامَةِ بِآخِرِ الْخُطْبَةِ وَتَنْتَهِي الْإِقَامَةُ بِقِيَامِ الْخَطِيبِ مَقَامَ الصَّلَاةِ، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ سُورَةَ الْجُمُعَةِ، وَالْمُنَافِقُونَ، وَلَا يُكْرَهُ غَيْرُهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَذَكَرَ الزَّاهِدِيُّ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِيهِمَا سُورَةَ الْأَعْلَى وَالْغَاشِيَةِ قُهُسْتَانِيٌّ. وَفِي الْبَحْرِ وَلَكِنْ لَا يُوَاظِبُ عَلَى ذَلِكَ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى هَجْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 بِأَمْرِ الدُّنْيَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ (لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ غَيْرُ الْخَطِيبِ) لِأَنَّهُمَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ (فَإِنْ فَعَلَ بِأَنْ خَطَبَ صَبِيٌّ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ وَصَلَّى بَالِغٌ جَازَ) هُوَ الْمُخْتَارُ (لَا بَأْسَ بِالسَّفَرِ يَوْمَهَا إذَا خَرَجَ مِنْ عُمْرَانِ الْمِصْرِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ لَكِنَّ عِبَارَةَ الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِلَفْظِ دُخُولٍ بَدَلَ خُرُوجٍ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّفَرُ بَعْدَ الزَّوَالِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا وَلَا يُكْرَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ. (الْقَرَوِيُّ إذَا دَخَلَ الْمِصْرَ يَوْمَهَا إنْ نَوَى الْمُكْثَ ثَمَّةَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَزِمَتْهُ) الْجُمُعَةُ (وَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ قَبْلَ وَقْتِهَا أَوْ بَعْدَهُ لَا تَلْزَمُهُ) لَكِنْ فِي النَّهْرِ إنْ نَوَى الْخُرُوجَ بَعْدَهُ لَزِمَتْهُ وَإِلَّا لَا. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: إنْ نَوَى الْمُكْثَ إلَى وَقْتِهَا لَزِمَتْهُ، وَقِيلَ لَا (كَمَا) لَا تَلْزَمُ (لَوْ قَدِمَ مُسَافِرٌ يَوْمَهَا) عَلَى عَزْمِ أَنْ لَا يَخْرُجَ يَوْمَهَا (وَلَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ) نِصْفَ شَهْرٍ (يَخْطُبُ) الْإِمَامُ   [رد المحتار] الْبَاقِي وَلِئَلَّا يَظُنَّهُ الْعَامَّةُ حَتْمًا. اهـ. وَمَرَّ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُكْرَهُ التَّعْيِينُ (قَوْلُهُ بِأَمْرِ الدُّنْيَا) إمَّا بِنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ أَوْ أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ فَلَا وَكَذَا بِوُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ لَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ مُحْدِثٌ أَوْ جُنُبٌ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ حَتَّى لَوْ طَالَ الْفَصْلُ اسْتَأْنَفَ الْخُطْبَةَ كَمَا مَرَّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا) أَيْ الْخُطْبَةَ وَالصَّلَاةَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ لِكَوْنِهِمَا شَرْطًا وَمَشْرُوطًا وَلَا تَحَقُّقَ لِلْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُمَا وَاحِدًا ط (قَوْلُهُ: وَصَلَّى بَالِغٌ) أَيْ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ إذْنَ الصَّبِيِّ لَهُ كَافٍ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ لِمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الْإِذْنَ بِالْخُطْبَةِ إذْنٌ بِالصَّلَاةِ وَعَلَى الْقَلْبِ اهـ فَيَكُونُ مُفَوِّضًا إلَيْهِ إقَامَتَهَا وَلِأَنَّ تَقْرِيرَهُ فِيهَا إذْنٌ لَهُ بِإِنَابَةِ غَيْرِهِ دَلَالَةً لِعِلْمِ السُّلْطَانِ بِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ نَعَمْ عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ الْأَهْلِيَّةِ وَقْتَ الِاسْتِنَابَةِ لَا يَصِحُّ إذْنُهُ بِهَا وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إذْنٍ جَدِيدٍ بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَغَيْرُهُ، أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ صَرِيحٌ فِي الرَّدِّ عَلَى صَاحِبِ الدُّرَرِ فِي عَدَمِ تَجْوِيزِهِ اسْتِنَابَةَ الْخَطِيبِ غَيْرَهُ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ سَبْقِ الْحَدَثِ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَيْسَ صَرِيحًا فِي أَنَّ الْبَالِغَ صَلَّى بِدُونِ إذْنِ السُّلْطَانِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِإِذْنِهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً كَمَا قَرَّرْنَاهُ فَتَدَبَّرْ ثُمَّ رَأَيْت ح ذَكَرَ نَحْوَهُ (قَوْلُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ) وَفِي الْحُجَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، فِي فَتَاوَى الْعَصْرِ فَإِنَّ الْخَطِيبَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَصْلُحَ لِلْإِمَامَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ خَطَبَ صَبِيٌّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْخِلَافُ فِي صَبِيٍّ يَعْقِلُ اهـ وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْجَوَازِ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِالسَّفَرِ إلَخْ) أَقُولُ: السَّفَرُ غَيْرُ قَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ مَا إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى مَوْضِعٍ لَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِهِ الْجُمُعَةُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ) وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَقَالَ إنَّهُ اسْتَشْكَلَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ بِأَنَّ اعْتِبَارَ آخِرِ الْوَقْتِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَنْفَرِدُ بِأَدَائِهِ وَالْجُمُعَةُ إنَّمَا يُؤَدِّيهَا مَعَ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَبِرَ وَقْتَ أَدَائِهِمْ حَتَّى إذَا كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمِصْرِ قَبْلَ أَدَاءِ النَّاسِ، يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ شُهُودُ الْجُمُعَةِ. اهـ. قُلْت: وَذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّهْذِيبِ اعْتِبَارَ النِّدَاءِ، قِيلَ الْأَوَّلُ وَقِيلَ الثَّانِي وَاعْتَمَدَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ) تَأْيِيدٌ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَفَادَ بِهِ أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ ضَعِيفٌ ط، وَعَلَّلَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِقَوْلِهِ لِعَدَمِ وُجُوبِهَا قَبْلَهُ وَتَوَجَّهَ الْخِطَابُ بِالسَّعْيِ إلَيْهَا بَعْدَهُ. اهـ. قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مَا إذَا كَانَتْ تَفُوتُهُ رُفْقَتُهُ لَوْ صَلَّاهَا وَلَا يُمْكِنُهُ الذَّهَابُ وَحْدَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ الْقَرَوِيُّ) بِفَتْحِ الْقَافِ نِسْبَةً إلَى الْقَرْيَةِ وَأَرَادَ بِهِ الْمُقِيمَ أَمَّا الْمُسَافِرُ فَذَكَرَهُ بَعْدُ (قَوْلُهُ لَا تَلْزَمُهُ) لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِي هَذَا لَمْ يَصِرْ دُرَرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي النَّهْرِ إلَخْ) مِثْلُهُ فِي الْفَيْضِ، وَحَكَى بَعْدَهُ مَا فِي الْمَتْنِ بِقِيلَ (قَوْلُهُ لَزِمَتْهُ) أَيْ إذَا مَكَثَ إلَى دُخُولِ وَقْتِهَا وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ إلَخْ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 (بِسَيْفٍ فِي بَلْدَةٍ فُتِحَتْ بِهِ) كَمَكَّةَ (وَإِلَّا لَا) كَالْمَدِينَةِ. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: إذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُونَ قَامَ الْإِمَامُ، وَالسَّيْفُ فِي يَسَارِهِ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَيْهِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصًا. [فُرُوعٌ] سَمِعَ النِّدَاءَ وَهُوَ يَأْكُلُ تَرَكَهُ إنْ خَافَ فَوْتَ جُمُعَةٍ أَوْ مَكْتُوبَةٍ لَا جَمَاعَةٍ رُسْتَاقِيٌّ. سَعَى يُرِيدُ الْجُمُعَةَ وَحَوَائِجُهُ أَنَّ مُعْظَمَ مَقْصُودِهِ الْجُمُعَةُ نَالَ ثَوَابَ السَّعْيِ إلَيْهَا، وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ مَنْ شَرَّكَ فِي عِبَادَتِهِ فَالْعِبْرَةُ لِلْأَغْلَبِ. الْأَفْضَلُ حَلْقُ الشَّعْرِ وَقَلْمُ الظُّفُرِ بَعْدَهَا لَا بَأْسَ بِالتَّخَطِّي مَا لَمْ يَأْخُذْ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ إلَّا فُرْجَةً أَمَامَهُ فَيَتَخَطَّى إلَيْهَا لِلضَّرُورَةِ   [رد المحتار] وَنَصُّهُ: وَإِنْ دَخَلَ الْقَرَوِيُّ الْمِصْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِنْ نَوَى الْمُكْثَ إلَى وَقْتِهَا لَزِمَتْهُ، وَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ قَبْلَ دُخُولِهِ لَا تَلْزَمُهُ، وَإِنْ نَوَاهُ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا تَلْزَمُهُ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: لَا تَلْزَمُهُ، وَهُوَ مُخْتَارُ قَاضِي خَانْ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِسَيْفٍ) أَيْ مُتَقَلِّدًا بِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ وَيُخَالِفُهُ ظَاهِرُ مَا يَأْتِي عَنْ الْحَاوِي لَكِنْ وَفَّقَ فِي النَّهْرِ بِإِمْكَانِ إمْسَاكِهِ مَعَ التَّقَلُّدِ (قَوْلُهُ فِي بَلْدَةٍ فُتِحَتْ بِهِ) أَيْ بِالسَّيْفِ لِيُرِيَهُمْ أَنَّهَا فُتِحَتْ بِالسَّيْفِ فَإِذَا رَجَعْتُمْ عَنْ الْإِسْلَامِ فَذَلِكَ بَاقٍ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى الْإِسْلَامِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ كَمَكَّةَ) أَيْ فَإِنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَطَائِفَةٌ: فُتِحَتْ صُلْحًا إسْمَاعِيلُ عَنْ تَارِيخِ مَكَّةَ لِلْقُطْبِيِّ (قَوْلُهُ كَالْمَدِينَةِ) فَإِنَّهَا فُتِحَتْ بِالْقُرْآنِ إمْدَادٌ (قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) اسْتَشْكَلَهُ فِي الْحِلْيَةِ بِأَنَّهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ: أَيْ فِي الْخُطْبَةِ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا أَوْ قَوْسٍ» . اهـ. وَنَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ أَخْذَ الْعَصَا سُنَّةٌ كَالْقِيَامِ (قَوْلُهُ إنْ خَافَ فَوْت جُمُعَةٍ أَوْ مَكْتُوبَةٍ) عَزَاهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إلَى فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ. ثُمَّ إنَّ فَوْتَ الْجُمُعَةِ بِسَلَامِ الْإِمَامِ وَالْمَكْتُوبَةِ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا لَا بِفَوْتِ جَمَاعَتِهَا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ صَلَاتُهَا وَحْدَهُ وَالْأَكْلُ أَيْ الَّذِي تَمِيلُ إلَيْهِ نَفْسُهُ وَيَخَافُ ذَهَابَ لَذَّتِهِ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا لَكِنْ يُشْكِلُ مَا مَرَّ مِنْ وُجُوبِ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ وَتَرْكِ الْبَيْعِ وَلَوْ مَاشِيًا وَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ عَمَلٍ يُنَافِي السَّعْيَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ رُسْتَاقِيُّ) نِسْبَةً إلَى الرُّسْتَاقِ وَهُوَ السَّوَادُ وَالْقُرَى قَامُوسٌ (قَوْلُهُ نَالَ ثَوَابَ السَّعْيِ) أَمَّا الصَّلَاةُ فَيَنَالُ ثَوَابَهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ ط. مَطْلَبٌ إذَا شَرَّكَ فِي عِبَادَتِهِ فَالْعِبْرَةُ لِلْأَغْلَبِ (قَوْلُهُ مَنْ شَرَّكَ فِي عِبَادَتِهِ) كَالسَّفَرِ لِلتِّجَارَةِ وَالْحَجِّ وَالصَّلَاةِ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ وَلِدَفْعِ مَذَمَّةِ النَّاسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ مُتَمَحِّضًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ فَالْعِبْرَةُ لِلْأَغْلَبِ) الظَّاهِرُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْأَغْلَبُ الَّذِي هُوَ قَصْدُ الْعِبَادَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنَّ مُعْظَمَ مَقْصُودِهِ الْجُمُعَةُ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعْظَمُ مَقْصُودِهِ الْحَوَائِجَ أَوْ تَسَاوَى الْقَصْدَانِ لَا ثَوَابَ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ مُخْتَارُ الْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ أَيْضًا وَغَيْرِهِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَاخْتَارَ مِنْهُمْ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَدَمَ الثَّوَابِ مُطْلَقًا وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ الْأَفْضَلُ إلَخْ) فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَيُكْرَهُ تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْحَجِّ وَذَلِكَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ غَيْرُ مَشْرُوعٍ اهـ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ، وَبَيَانُ كَيْفِيَّةِ التَّقْلِيمِ وَمَا قِيلَ فِيهِ نَظْمًا وَنَثْرًا فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا) بِأَنْ لَا يَطَأَ ثَوْبًا وَلَا جَسَدًا وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّخَطِّيَ حَالَ الْخُطْبَةِ عَمَلٌ، وَهُوَ حَرَامٌ وَكَذَا الْإِيذَاءُ وَالدُّنُوُّ مُسْتَحَبٌّ وَتَرْكُ الْحَرَامِ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِ الْمُسْتَحَبِّ وَلِذَا «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِي رَآهُ يَتَخَطَّى النَّاسَ وَيَقُولُ افْسَحُوا اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْت» وَهُوَ مَحْمَلُ مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اتَّخَذَ جِسْرًا إلَى جَهَنَّمَ» شَرْحُ الْمُنْيَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 وَيُكْرَهُ التَّخَطِّي لِلسُّؤَالِ بِكُلِّ حَالٍ «وَسُئِلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ سَاعَةِ الْإِجَابَةِ فَقَالَ: مَا بَيْنَ جُلُوسِ الْإِمَامِ إلَى أَنْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ» وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقِيلَ: وَقْتُ الْعَصْرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَشَايِخُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِيهَا سُئِلَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ أَمْ يَوْمُهَا؟ فَقَالَ: يَوْمُهَا ذُكِرَ فِي إحْكَامَاتِ الْأَشْبَاهِ مِمَّا اخْتَصَّ بِهِ يَوْمُهَا قِرَاءَةُ الْكَهْفِ فِيهِ وَمَنْ فَهِمَ عَطَفَهُ عَلَى قَوْلِهِ، وَيُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ، وَإِفْرَادُ لَيْلَتِهِ بِالْقِيَامِ فَقَدْ وَهَمَ، وَفِيهِ تَجْتَمِعُ الْأَرْوَاحُ وَتُزَارُ الْقُبُورُ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى سُؤَالِ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ التَّخَطِّي لِلسُّؤَالِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّ السَّائِلَ إنْ كَانَ لَا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي وَلَا يَتَخَطَّى الرِّقَابَ وَلَا يَسْأَلُ إلْحَافًا بَلْ لِأَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ بِالسُّؤَالِ وَالْإِعْطَاءِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِيهَا وَلَا يَجُوزُ الْإِعْطَاءُ إذَا لَمْ يَكُونُوا عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو نَصْرٍ الْعِيَاضِيُّ: أَرْجُو أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ - تَعَالَى - لِمَنْ يُخْرِجُهُمْ مِنْ الْمَسْجِدِ. وَعَنْ الْإِمَامِ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ: لَوْ كُنْت قَاضِيًا لَمْ أَقْبَلْ شَهَادَةَ مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْمَصْرِفِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَسْأَلَ شَيْئًا مَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقُوَّةِ كَالصَّحِيحِ الْمُكْتَسِبِ وَيَأْثَمُ مُعْطِيهِ إنْ عَلِمَ بِحَالَتِهِ لِإِعَانَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّمِ. مَطْلَبٌ فِي سَاعَةِ الْإِجَابَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ وَسُئِلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ - تَعَالَى - شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ» وَفِي هَذِهِ السَّاعَةِ أَقْوَالٌ. أَصَحُّهَا أَوْ مِنْ أَصَحِّهَا أَنَّهَا فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى أَنْ يَقْضِيَ الصَّلَاةَ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا حِلْيَةٌ. قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: فَيُسَنُّ الدُّعَاءُ بِقَلْبِهِ لَا بِلِسَانِهِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالسُّكُوتِ. اهـ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهَا آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ الْمَشَايِخِ. وَنُقِلَ ط عَنْ الزَّرْقَانِيُّ أَنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مُصَحَّحَانِ مِنْ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ قَوْلًا فِيهَا وَأَنَّهَا دَائِرَةٌ بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ فَيَنْبَغِي الدُّعَاءُ فِيهِمَا. اهـ. ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهَا سَاعَةٌ لَطِيفَةٌ يَخْتَلِفُ وَقْتُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ بَلْدَةٍ وَكُلِّ خَطِيبٍ لِأَنَّ النَّهَارَ فِي بَلْدَةٍ يَكُونُ لَيْلًا فِي غَيْرِهَا وَكَذَلِكَ وَقْتُ الظُّهْرِ فِي بَلَدٍ يَكُونُ وَقْتَ عَصْرٍ فِي غَيْرِهَا لِمَا قَالُوا مِنْ أَنَّ الشَّمْسَ لَا تَتَحَرَّكُ دَرَجَةً إلَّا وَهِيَ تَطْلُعُ عِنْدَ قَوْمٍ وَتَغِيبُ عِنْدَ آخَرِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مَطْلَبٌ مَا اخْتَصَّ بِهِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ فَقَالَ يَوْمُهَا) تَمَامُ كَلَامِهِ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ هَذَا اللَّيْلِ وَفَضْلِهِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ فِي أَحْكَامَاتٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ أَحْكَامٍ، فَإِنَّ تَرَاجِمَهُ فِي فَنِّ الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ. الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ السَّفَرِ. الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَتِهَا أَحْكَامُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ح (قَوْلُهُ قِرَاءَةُ الْكَهْفِ) أَيْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا، وَالْأَفْضَلُ فِي أَوَّلِهِمَا مُبَادَرَةً لِلْخَيْرِ وَحَذَرًا مِنْ الْإِهْمَالِ وَأَنْ يُكْثِرَ مِنْهَا فِيهِمَا لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ أَنَّ الْأَوَّلَ يُضِيءُ لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ وَلِخَبَرِ الدَّارِمِيِّ أَنَّ الثَّانِي يُضِيءُ لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ابْنُ حَجَرٍ (قَوْلُهُ وَمَنْ فَهِمَ) كَالْمُحَشِّي الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَدْ أَمَرَ بِهِ أَوَّلًا ثُمَّ نَهَى عَنْهُ ط (قَوْلُهُ: فَقَدْ وَهَمَ) وَلْنَذْكُرْ عِبَارَتَهُ بِرُمَّتِهَا لِيُعْلَمَ مَوْضِعُ الْوَهَمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 وَيَأْمَنُ الْمَيِّتُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمَنْ مَاتَ فِيهِ أَوْ فِي لَيْلَتِهِ أَمِنَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَلَا تُسَجَّرُ فِيهِ جَهَنَّمُ، وَفِيهِ يَزُورُ أَهْلُ الْجَنَّةِ رَبَّهُمْ تَعَالَى: بَابُ الْعِيدَيْنِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ لِلَّهِ فِيهِ عَوَائِدَ الْإِحْسَانِ وَلِعَوْدِهِ بِالسُّرُورِ غَالِبًا   [رد المحتار] وَمَا فِيهَا مِنْ الْفَوَائِدِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ وَهِيَ أَحْكَامُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. اخْتَصَّ بِأَحْكَامِ لُزُومِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَاشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ لَهَا وَكَوْنِهَا ثَلَاثَةً سِوَى الْإِمَامِ وَكَوْنِهَا قَبْلَهَا شَرْطٌ، وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ الْمَخْصُوصَةِ بِهَا وَتَحْرِيمُ السَّفَرِ قَبْلَهَا بِشَرْطِهِ وَاسْتِنَانُ الْغُسْلِ لَهَا وَالتَّطَيُّبِ وَلُبْسُ الْأَحْسَنِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَحَلْقُ الشَّعْرِ وَلَكِنْ بَعْدَهَا أَفْضَلُ وَالْبَخُورُ فِي الْمَسْجِدِ وَالتَّكْبِيرُ لَهَا وَالِاشْتِغَالُ بِالْعِبَادَةِ إلَى خُرُوجِ الْخَطِيبِ وَلَا يُسَنُّ الْإِبْرَادُ بِهَا وَيُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ وَإِفْرَادُ لَيْلَتِهِ بِالْقِيَامِ وَقِرَاءَةُ الْكَهْفِ فِيهِ وَنَفْيُ كَرَاهَةِ النَّافِلَةِ وَقْتَ الِاسْتِوَاءِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمُصَحَّحِ الْمُعْتَمَدِ، وَهُوَ خَيْرُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَيَوْمُ عِيدٍ وَفِيهِ سَاعَةُ إجَابَةٍ وَتَجْتَمِعُ فِيهِ الْأَرْوَاحُ وَتُزَارُ الْقُبُورُ وَيَأْمَنُ الْمَيِّتُ فِيهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمَنْ مَاتَ فِيهِ أَوْ فِي لَيْلَتِهِ أَمِنَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِهِ وَلَا تُسَجَّرُ فِيهِ جَهَنَّمُ وَفِيهِ خُلِقَ آدَم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْ الْجَنَّةِ وَفِيهِ يَزُورُ أَهْلُ الْجَنَّةِ رَبَّهُمْ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. اهـ. ح. قُلْت: وَقَوْلُهُ لَا يُسَنُّ الْإِبْرَادُ بِهَا قَدَّمْنَا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَدَّمْنَا أَيْضًا تَرْجِيحَ قَوْلِ الْإِمَامِ بِكَرَاهَةِ النَّافِلَةِ فِي وَقْتِ الِاسْتِوَاءِ يَوْمَهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَيَأْمَنُ الْمَيِّتُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ إلَخْ) قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةُ: عَذَابُ الْقَبْرِ حَقٌّ وَسُؤَالُ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ وَضَغْطَةُ الْقَبْرِ حَقٌّ لَكِنْ إنْ كَانَ كَافِرًا فَعَذَابُهُ يَدُومُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيُرْفَعُ عَنْهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَشَهْرَ رَمَضَانَ فَيُعَذَّبُ اللَّحْمُ مُتَّصِلًا بِالرُّوحِ وَالرُّوحُ مُتَّصِلًا بِالْجِسْمِ فَيَتَأَلَّمُ الرُّوحُ مَعَ الْجَسَدِ، وَإِنْ كَانَ خَارِجًا عَنْهُ، وَالْمُؤْمِنُ الْمُطِيعُ لَا يُعَذَّبُ بَلْ لَهُ ضَغْطَةٌ يَجِدُ هَوْلَ ذَلِكَ وَخَوْفَهُ وَالْعَاصِي يُعَذَّبُ وَيُضْغَطُ لَكِنْ يَنْقَطِعُ عَنْهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَهَا ثُمَّ لَا يَعُودُ وَإِنْ مَاتَ يَوْمَهَا أَوْ لَيْلَتَهَا يَكُونُ الْعَذَابُ سَاعَةً وَاحِدَةً وَضَغْطَةُ الْقَبْرِ ثُمَّ يُقْطَعُ، كَذَا فِي الْمُعْتَقَدَاتِ لِلشَّيْخِ أَبِي الْمُعِينِ النَّسَفِيِّ الْحَنَفِيِّ مِنْ حَاشِيَةِ الْحَنَفِيِّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَلَا تُسَجَّرُ) فِي جَامِعِ اللُّغَةِ: سَجَّرَ التَّنُّورَ أَحْمَاهُ ح (قَوْلُهُ وَفِيهِ يَزُورُ أَهْلُ الْجَنَّةِ رَبَّهُمْ تَعَالَى) الْمُرَادُ بِالزِّيَارَةِ الرُّؤْيَةُ لَهُ تَعَالَى، وَهَذَا بِاعْتِبَارِ بَعْضِ الْأَشْخَاصِ يَرَاهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَالْبَعْضُ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ النِّسَاءَ لَا يَرَيْنَهُ إلَّا فِي مِثْلِ أَيَّامِ الْأَعْيَادِ عِنْدَ التَّجَلِّي الْعَامِّ، وَتَمَامُهُ فِي ط، نَسْأَلُهُ - تَعَالَى - أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِ رُؤْيَتِهِ آمِينَ. [بَابُ الْعِيدَيْنِ] ِ تَثْنِيَةُ عِيدٍ، وَأَصْلُهُ عِوْدٌ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِسُكُونِهَا بَعْدَ كَسْرَةٍ اهـ ح. وَفِي الْجَوْهَرَةِ مُنَاسَبَتُهُ لِلْجُمُعَةِ ظَاهِرَةٌ وَهُوَ أَنَّهُمَا يُؤَدَّيَانِ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَيُجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ وَيُشْتَرَطُ لِأَحَدِهِمَا مَا يُشْتَرَطُ لِلْآخَرِ سِوَى الْخُطْبَةِ، وَتَجِبُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، وَقُدِّمَتْ الْجُمُعَةُ لِلْفَرْضِيَّةِ وَكَثْرَةِ وُقُوعِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ سُمِّيَ بِهِ إلَخْ) أَيْ سُمِّيَ الْعِيدُ بِهَذَا الِاسْمِ لِأَنَّ لِلَّهِ - تَعَالَى - فِيهِ عَوَائِدَ الْإِحْسَانِ أَيْ أَنْوَاعَ الْإِحْسَانِ الْعَائِدَةَ عَلَى عِبَادِهِ فِي كُلِّ عَامٍ: مِنْهَا الْفِطْرُ بَعْدَ الْمَنْعِ عَنْ الطَّعَامِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ وَإِتْمَامُ الْحَجِّ بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَلُحُومِ الْأَضَاحِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ فِيهِ الْفَرَحُ وَالسُّرُورُ وَالنَّشَاطُ وَالْحُبُورُ غَالِبًا بِسَبَبِ ذَلِكَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 أَوْ تَفَاؤُلًا، وَيُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ يَوْمِ مَسَرَّةٍ وَلِذَا قِيلَ: عِيدٌ وَعِيدٌ صِرْنَ مُجْتَمِعَهْ ... وَجْهُ الْحَبِيبِ وَيَوْمُ الْعِيدِ وَالْجُمُعَهْ فَلَوْ اجْتَمَعَا لَمْ يَلْزَمْ إلَّا صَلَاةُ أَحَدِهِمَا، وَقِيلَ الْأَوْلَى صَلَاةُ الْجُمُعَةِ، وَقِيلَ صَلَاةُ الْعِيدِ كَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ التُّمُرْتَاشِيِّ. قُلْت: قَدْ رَاجَعْت التُّمُرْتَاشِيَّ فَرَأَيْته حَكَاهُ عَنْ مَذْهَبِ الْغَيْرِ وَبِصُورَةِ التَّمْرِيضِ فَتَنَبَّهْ وَشَرَعَ فِي الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ (تَجِبُ صَلَاتُهُمَا) فِي الْأَصَحِّ (عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ بِشَرَائِطِهَا) الْمُتَقَدِّمَةِ (سِوَى الْخُطْبَةِ) فَإِنَّهَا سُنَّةٌ بَعْدَهَا،   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي الْفَأْلِ وَالطِّيَرَةِ (قَوْلُهُ أَوْ تَفَاؤُلًا) أَيْ بِعَوْدِهِ عَلَى مَنْ أَدْرَكَهُ كَمَا سُمِّيَتْ الْقَافِلَةُ قَافِلَةً تَفَاؤُلًا بِقُفُولِهَا أَيْ رُجُوعِهَا بَحْرٌ. وَالْفَأْلُ: ضِدُّ الطِّيَرَةِ كَأَنْ يَسْمَعَ مَرِيضٌ يَا سَالِمُ أَوْ يَا طَالِبُ أَوْ يَا وَاجِدُ أَوْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ قَامُوسٌ، وَمِنْهُ حَدِيثُ " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَفَاءَلُ وَلَا يَتَطَيَّرُ» وَكَذَا حَدِيثُ «كَانَ يُعْجِبُهُ إذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ أَنْ يَسْمَعَ يَا رَاشِدُ يَا رَجِيحُ» أَخْرَجَهُمَا السُّيُوطِيّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْفَأْلَ أَمَلٌ وَرَجَاءٌ لِلْخَيْرِ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - عِنْدَ كُلِّ سَبَبٍ ضَعِيفٍ أَوْ قَوِيٍّ بِخِلَافِ الطِّيَرَةِ (قَوْلُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ) أَيْ زَمَانٍ (قَوْلُهُ وَجْهُ الْحَبِيبِ) أَيْ يَوْمَ رُؤْيَتِهِ، وَإِلَّا فَوَجْهُ الْحَبِيبِ لَيْسَ زَمَانًا (قَوْلُهُ عَنْ مَذْهَبِ الْغَيْرِ) أَيْ مَذْهَبِ غَيْرِنَا أَمَّا مَذْهَبُنَا فَلُزُومُ كُلٍّ مِنْهُمَا. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ نَاقِلًا عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَالْأَوَّلُ سُنَّةٌ وَالثَّانِي فَرِيضَةٌ وَلَا يُتْرَكُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا اهـ. قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: احْتَرَزَ بِهِ قَوْلُ عَطَاءٍ تَجْزِي صَلَاةُ الْعِيدِ عَنْ الْجُمُعَةِ وَمِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ سُقُوطُ الْجُمُعَةِ بِالْعِيدِ مَهْجُورٌ. وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّ ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ وَصَحَّحَهُ النَّسَفِيُّ فِي الْمَنَافِعِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَنَصَّ عَلَى تَصْحِيحِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْبَدَائِعِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُحِيطِ وَالْمُخْتَارِ وَالْكَافِي النَّسَفِيِّ. وَفِي الْخُلَاصَةِ هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَيْهَا وَسَمَّاهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سُنَّةً لِأَنَّ وُجُوبَهَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ حِلْيَةٌ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ السُّنَّةِ: الْمُؤَكَّدَةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَلَا يُتْرَكُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَكَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِرَارًا أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَاجِبِ عِنْدَنَا وَلِهَذَا كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ كَالْوَاجِبِ. اهـ. وَسَيَأْتِي لَهُ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ وَفِيهِ كَلَامٌ سَتَعْرِفُهُ (قَوْلُهُ: بِشَرَائِطِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِ تَجِبُ الْأَوَّلُ، وَالضَّمِيرُ لِلْجُمُعَةِ وَشَمِلَ شَرَائِطَ الْوُجُوبِ وَشَرَائِطَ الصِّحَّةِ لَكِنَّ شَرَائِطَ الْوُجُوبِ عُلِمَتْ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، فَبَقِيَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ بِشَرَائِطِهَا الْقِسْمُ الثَّانِي فَقَطْ، وَاسْتَثْنَى مِنْ الثَّانِي الْخُطْبَةَ، وَاسْتَثْنَى فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ الْأَوَّلِ الْمَمْلُوكَ إذَا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ الْعِيدُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ لَهَا بَدَلًا وَهُوَ الظُّهْرُ، وَقَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ عَلَيْهِ الْعِيدُ أَيْضًا لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَا تَصِيرُ مَمْلُوكَةً لَهُ بِالْأَذَانِ. اهـ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَفِي إمَامَةِ الْبَحْرِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي الْعِيدِ تُسَنُّ عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهَا، وَتَجِبُ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا غَيْرُ شَرْطٍ عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ لَكِنْ صَرَّحَ بَعْدَهُ بِأَنَّهَا شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَيْ فَتَكُونُ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْإِتْيَانِ بِهَا عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ وَإِلَّا كَانَتْ نَفْلًا مُطْلَقًا تَأَمَّلْ لَكِنْ اعْتَرَضَ ط مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الْجُمُعَةَ مِنْ شَرَائِطِهَا الْجَمَاعَةُ الَّتِي هِيَ جَمْعٌ وَالْوَاحِدُ هُنَا مَعَ الْإِمَامِ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهَا سُنَّةٌ بَعْدَهَا) بَيَانٌ لِلْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّهَا فِيهَا سُنَّةٌ لَا شَرْطٌ وَأَنَّهَا بَعْدَهَا لَا قَبْلَهَا بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: حَتَّى لَوْ لَمْ يَخْطُبْ أَصْلًا صَحَّ وَأَسَاءَ لِتَرْكِ السُّنَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 وَفِي الْقُنْيَةِ: صَلَاةُ الْعِيدِ فِي الْقُرَى تُكْرَهُ تَحْرِيمًا أَيْ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمِصْرَ شَرْطُ الصِّحَّةِ (وَتُقَدَّمُ) صَلَاتُهَا (عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذَا اجْتَمَعَا) لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَيْنًا وَالْجِنَازَةُ كِفَايَةً (وَ) تُقَدَّمُ (صَلَاةُ الْجِنَازَةِ عَنْ الْخُطْبَةِ) وَعَلَى سُنَّةِ الْمَغْرِبِ وَغَيْرِهَا وَالْعِيدِ عَلَى الْكُسُوفِ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ قُبَيْلَ الْأَذَانِ عَنْ الْحَلَبِيِّ الْفَتْوَى عَلَى تَأْخِيرِ الْجِنَازَةِ عَنْ السُّنَّةِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ كَأَنَّهُ إلْحَاقٌ لَهَا بِالصَّلَاةِ لَكِنْ فِي آخِرِ أَحْكَامِ دِينِ الْأَشْبَاهِ يَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْجِنَازَةِ وَالْكُسُوفِ حَتَّى عَلَى الْفَرْضِ مَا لَمْ يَضِقْ وَقْتُهُ فَتَأَمَّلْ.   [رد المحتار] وَلَوْ قَدَّمَهَا عَلَى الصَّلَاةِ صَحَّتْ وَأَسَاءَ وَلَا تُعَادُ الصَّلَاةُ (قَوْلُهُ: صَلَاةُ الْعِيدِ) وَمِثْلُهُ الْجُمُعَةُ ح (قَوْلُهُ بِمَا لَا يَصِحُّ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ عِيدٌ، وَإِلَّا فَهُوَ نَفْلٌ مَكْرُوهٌ لِأَدَائِهِ بِالْجَمَاعَةِ ح (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْوَاجِبِ مَا يَلْزَمُ فِعْلُهُ إمَّا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ فِي الْعِيدِ، وَإِمَّا عَلَى طَرِيقِ الْفَرْضِيَّةِ وَذَلِكَ فِي الْجِنَازَةِ فَهُوَ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ ط. مَطْلَبٌ فِيمَا يَتَرَجَّحُ تَقْدِيمُهُ مِنْ صَلَاةِ عِيدٍ وَجِنَازَةٍ أَوْ كُسُوفٍ أَوْ فَرْضٍ أَوْ سُنَّةٍ (قَوْلُهُ: وَالْجِنَازَةُ كِفَايَةً) فِيهِ أَنَّ الْعِيدَ إنْ تَرَجَّحَ عَلَى الْجِنَازَةِ بِالْعَيْنِيَّةِ فَهِيَ تَرَجَّحَتْ عَلَيْهِ بِالْفَرْضِيَّةِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلَّلَ بِأَنَّ الْعِيدَ تُؤَدَّى بِجَمْعٍ عَظِيمٍ يُخْشَى تَفَرُّقُهُ إنْ اشْتَغَلَ الْإِمَامُ بِالْجِنَازَةِ اهـ ح. قُلْت: بَلْ الْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِخَوْفِ التَّشْوِيشِ عَلَى الْجَمَاعَةِ بِأَنْ يَظُنُّوهَا صَلَاةَ الْعِيدِ ثُمَّ رَأَيْته كَذَلِكَ فِي جَنَائِزِ الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ عَلَى الْخُطْبَةِ) أَيْ خُطْبَةِ الْعِيدِ وَذَلِكَ لِفَرْضِيَّتِهَا وَسُنِّيَّةِ الْخُطْبَةِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي سُنَّةِ الْمَغْرِبِ ط (قَوْلُهُ: وَغَيْرِهَا) كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ وَالْعِشَاءِ (قَوْلُهُ: وَالْعِيدِ عَلَى الْكُسُوفِ) لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهَا يُؤَدَّى بِجَمْعٍ عَظِيمٍ لَكِنَّ الْعِيدَ وَاجِبٌ، وَالْكُسُوفُ سُنَّةٌ ح. هَذَا وَفِي السِّرَاجِ: إنْ كَانَ وَقْتُ الْعِيدِ وَاسِعًا يَبْدَأُ بِالْكُسُوفِ لِأَنَّهُ يَخْشَى فَوَاتَهُ، وَإِنْ ضَاقَ صَلَّى الْعِيدَ ثُمَّ الْكُسُوفَ إنْ بَقِيَ. مَطْلَبٌ الْفُقَهَاءُ قَدْ يَذْكُرُونَ مَا لَا يُوجَدُ عَادَةً فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَجْتَمِعَانِ، وَالْكُسُوفُ فِي الْعَادَةِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ، وَالْعِيدُ أَوَّلُ يَوْمٍ أَوْ يَوْمُ الْعَاشِرِ. قُلْنَا: لَا يَمْتَنِعُ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهَا كَسَفَتْ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَوْتُهُ كَانَ يَوْمَ الْعَاشِرِ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ: عَلَى أَنَّ الْفُقَهَاءَ قَدْ يَذْكُرُونَ مَا لَا يُوجَدُ عَادَةً كَقَوْلِ الْفَرْضِيِّينَ رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ مِائَةَ جَدَّةٍ. اهـ. قُلْت: وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ لَوْ تَتَرَّسَ الْكُفَّارُ بِنَبِيٍّ يَسْأَلُ ذَلِكَ النَّبِيَّ بَلْ قَدْ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ بِأَنْ يَشْهَدُوا عَلَى نُقْصَانِ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ فَيَقَعُ الْعِيدُ فِي آخِرِ رَمَضَانَ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ عَنْ الْحَلَبِيِّ) أَيْ الْعَلَّامَةِ الْمُحَقِّقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ صَاحِبِ الْحِلْيَةِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ عَنْ السُّنَّةِ) أَيْ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ هُنَاكَ وَقَالَ فَعَلَى هَذَا تُؤَخَّرُ عَنْ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ لِأَنَّهَا آكَدُ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إلْحَاقًا لَهَا) أَيْ لِلسُّنَّةِ بِالصَّلَاةِ أَيْ صَلَاةِ الْفَرْضِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي آخِرِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الِاسْتِدْرَاكِ، وَعَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَتُقَدَّمُ عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ ط (قَوْلُهُ: يَنْبَغِي إلَخْ) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ اجْتَمَعَتْ جِنَازَةٌ وَسُنَّةٌ قُدِّمَتْ الْجِنَازَةُ؛ وَأَمَّا إذَا اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَجُمُعَةٌ أَوْ فَرْضُ وَقْتٍ لَمْ أَرَهُ، وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْفَرْضِ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَإِلَّا فَالْكُسُوفُ لِأَنَّهُ يَخْشَى فَوَاتَهُ بِالِانْجِلَاءِ. وَلَوْ اجْتَمَعَ عِيدٌ وَكُسُوفٌ وَجِنَازَةٌ يَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْجِنَازَةِ، وَكَذَا لَوْ اجْتَمَعَتْ مَعَ فَرْضٍ وَجُمُعَةٍ وَلَمْ يَخَفْ خُرُوجَ وَقْتِهِ. وَيَنْبَغِي أَيْضًا تَقْدِيمُ الْخُسُوفِ عَلَى الْوِتْرِ وَالتَّرَاوِيحِ اهـ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا مَرَّ مِنْ حَيْثُ تَقْدِيمُهُ الْجِنَازَةَ عَلَى السُّنَّةِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا عَلِمْت وَعَلَى الْعِيدِ وَهُوَ بَحْثٌ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 (وَنُدِبَ يَوْمَ الْفِطْرِ أَكْلُهُ) حُلْوًا وِتْرًا وَلَوْ قَرَوِيًّا (قَبْلَ) خُرُوجِهِ إلَى (صَلَاتِهَا وَاسْتِيَاكُهُ وَاغْتِسَالُهُ وَتَطَيُّبُهُ) بِمَا لَهُ رِيحٌ لَا لَوْنٌ (وَلُبْسُهُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ) وَلَوْ غَيْرَ أَبْيَضَ (وَأَدَاءُ فِطْرَتِهِ) صَحَّ عَطْفُهُ عَلَى أَكْلِهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ قَبْلَ الْخُرُوجِ، وَمِنْ ثَمَّ أَتَى بِكَلِمَةٍ (ثُمَّ خُرُوجُهُ) لِيُفِيدَ تَرَاخِيَهُ عَنْ جَمِيعِ مَا مَرَّ (مَاشِيًا إلَى الْجَبَّانَةِ)   [رد المحتار] تَبَعًا لِلدُّرَرِ، وَمِنْ حَيْثُ تَقْدِيمُهُ الْكُسُوفَ عَلَى الْفَرْضِ وَهُوَ بَحْثٌ أَيْضًا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ تَقْدِيمِ الْعِيدِ عَلَى الْكُسُوفِ مَعَ أَنَّ الْعِيدَ وَاجِبٌ فَقُدِّمَ فَبِالْأَوْلَى تَقْدِيمُ فَرْضِ الْوَقْتِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ بَابِ الْكُسُوفِ: إذَا اجْتَمَعَ الْكُسُوفُ وَالْجِنَازَةُ بُدِئَ بِالْجِنَازَةِ لِأَنَّهَا فَرْضٌ وَقَدْ يُخْشَى عَلَى الْمَيِّتِ التَّغَيُّرُ اهـ أَيْ لِطُولِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ. وَقَدْ يُقَالُ: قُدِّمَ الْعِيدُ لِئَلَّا يَحْصُلَ الِاشْتِبَاهُ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى بِجَمْعٍ عَظِيمٍ، وَعَلَى هَذَا تُقَدَّمُ الْجُمُعَةُ أَيْضًا عَلَى الْكُسُوفِ؛ وَلِذَا خَصَّ صَاحِبُ الْأَشْبَاهِ تَقْدِيمَ فَرْضِ الْوَقْتِ دُونَ الْجُمُعَةِ: وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ أَيْضًا إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ تَقْدِيمُ فَرْضِ الْمَغْرِبِ لِأَنَّ وَقْتَهُ ضَيِّقٌ كَمَا بَحَثَهُ ح وَهُوَ ظَاهِرٌ ثُمَّ رَأَيْته صَرِيحًا فِي جَنَائِزِ التَّتَارْخَانِيَّة وَقَالَ بَعْدَهُ وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ يُطْلَقُ الْمُسْتَحَبُّ عَلَى السُّنَّةِ وَبِالْعَكْسِ (قَوْلُهُ وَنُدِبَ يَوْمُ الْفِطْرِ إلَخْ) النَّدْبُ قَوْلُ الْبَعْضِ وَعَدَّ الْمُصَنِّفُ الْغُسْلَ سَابِقًا مِنْ السُّنَنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْكُلَّ سُنَّةٌ لِخُصُوصِ الرِّجَالِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الزَّاهِدِيِّ ط وَزَادَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى وَإِنَّمَا سَمَّاهُ مُسْتَحَبًّا لِاشْتِمَالِ السُّنَّةِ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي وَحَاصِلُهُ تَجْوِيزُ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى السُّنَّةِ وَعَكْسُهُ وَلِهَذَا أَطْلَقَ فِي الْهِدَايَةِ اسْمَ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى الْغُسْلِ ثُمَّ قَالَ فَيُسَنُّ فِيهِ الْغُسْلُ اهـ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَيْضًا أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَنْدُوبَةٌ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَمِنْ آدَابِهَا لَا مِنْ آدَابِ الْيَوْمِ كَمَا فِي الْجَلَّابِيِّ لَكِنْ فِي التُّحْفَةِ أَنَّ فِي غُسْلِهِ اخْتِلَافَ الْجُمُعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ حُلْوًا) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ ذَلِكَ الْمَطْعُومِ حُلْوًا لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا» . اهـ. قُلْت: فَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّمْرَ أَفْضَلُ كَمَا اقْتَضَاهُ هَذَا الْخَبَرُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ يَأْكُلُ شَيْئًا حُلْوًا ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَرَوِيًّا) كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَلَعَلَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ بَلْ مِنْ سُنَنِ الْيَوْمِ لِأَنَّ فِي الْأَكْلِ مُبَادَرَةً إلَى قَبُولِ ضِيَافَةِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَإِلَى امْتِثَالِ أَمْرِهِ بِالْإِفْطَارِ بَعْدَ امْتِثَالِ أَمْرِهِ بِالصِّيَامِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَاسْتِيَاكُهُ) لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ اخْتِيَارٌ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الِاسْتِيَاكُ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ وَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ بِالنَّاسِ وَعَلَيْهِ فَيُسْتَحَبُّ قَبْلَ التَّوَجُّهِ إلَيْهَا أَيْضًا وَأَمَّا السِّوَاكُ فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْعِيدِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ غَيْرَ أَبْيَضَ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَقْدِيمُ الْأَحْسَنِ مِنْ الثِّيَابِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبْيَضَ، وَالدَّلِيلُ دَالٌّ عَلَيْهِ فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَلْبَسُ يَوْمَ الْعِيدِ بُرْدَةً حَمْرَاءَ» وَفِي الْفَتْحِ الْحُلَّةُ الْحَمْرَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ ثَوْبَيْنِ مِنْ الْيَمَنِ فِيهِمَا خُطُوطٌ حُمْرٌ وَخُضْرٌ لَا أَنَّهَا أَحْمَرُ بَحْتٌ فَلْيَكُنْ مَحْمَلُ الْبُرْدَةِ أَحَدَهُمَا اهـ أَيْ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا الْحُلَّةُ أَيْ فَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْأَحْمَرِ. وَالْقَوْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ وَالْحَاظِرُ عَلَى الْمُبِيحِ إذَا تَعَارَضَا فَكَيْفَ إذَا لَمْ يَتَعَارَضَا بِالْحَمْلِ الْمَذْكُورِ اهـ بِزِيَادَةٍ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى لُبْسِ الْأَحْمَرِ فِي كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ (قَوْلُهُ صَحَّ عَطْفُهُ) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ كَيْفَ صَحَّ عَطْفُ أَدَاءِ الْفُطْرَةِ عَلَى الْمَنْدُوبَاتِ مَعَ وُجُوبِهِ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي الْأَدَاءِ قَبْلَ الْخُرُوجِ وَالْوَاجِبُ مُطْلَقُ الْأَدَاءِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ أَجْلِ كَوْنِ جَمِيعِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ قَبْلَ الْخُرُوجِ ط (قَوْلُهُ أَتَى بِكَلِمَةِ ثَمَّ) أَيْ الْمُفِيدَةِ لِلتَّرْتِيبِ وَالتَّرَاخِي لِيُفِيدَ تَرَاخِيَ الْخُرُوجِ عَنْ الْجَمِيعِ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ فِعْلُ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَتَى بِالْوَاوِ أَوْ بِالْفَاءِ لِأَنَّ الْفَاءَ رُبَّمَا تُوهِمُ تَعْقِيبَهُ عَلَى أَدَاءِ الْفِطْرَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 وَهِيَ الْمُصَلَّى الْعَامُّ، وَالْوَاجِبُ مُطْلَقُ التَّوَجُّهِ (وَالْخُرُوجُ إلَيْهَا) أَيْ الْجَبَّانَةِ لِصَلَاةِ الْعِيدِ (سُنَّةٌ وَإِنْ وَسِعَهُمْ الْمَسْجِدُ الْجَامِعُ) هُوَ الصَّحِيحُ (وَلَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ مِنْبَرٍ إلَيْهَا) لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ: لَا بَأْسَ دُونَ إخْرَاجِهِ، وَلَا بَأْسَ بِعَوْدِهِ رَاكِبًا. وَنُدِبَ كَوْنُهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَإِظْهَارُ الْبَشَاشَةِ وَإِكْثَارُ الصَّدَقَةِ وَالتَّخَتُّمُ وَالتَّهْنِئَةُ بِتَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ لَا تُنْكَرُ (وَلَا يُكَبِّرُ فِي طَرِيقِهَا وَلَا يَتَنَفَّلُ قَبْلَهَا مُطْلَقًا) يَتَعَلَّقُ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّنَفُّلِ كَذَا قَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ   [رد المحتار] فَقَطْ بِخِلَافِ ثُمَّ وَلِذَا قَالَ لِيُفِيدَ تَرَاخِيَهُ عَنْ جَمِيعِ مَا مَرَّ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ وَلِيُفِيدَ عَطْفًا عَلَى الْعِلَّةِ السَّابِقَةِ. وَقَدْ يُقَالُ حَذَفَ الْعَاطِفَ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْعِلَّةِ الْأُولَى فَالثَّانِيَةُ بَدَلٌ مِنْهَا لِلتَّوْضِيحِ فَافْهَمْ. هَذَا وَالْمُصَرَّحُ بِهِ أَنَّهُ يُنْدَبُ أَدَاءُ الْفِطْرَةِ فِي الطَّرِيقِ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْمُصَلَّى وَمَا هُنَا يُوهِمُ خِلَافَهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ الْمُصَلَّى الْعَامُّ) أَيْ فِي الصَّحْرَاءِ بَحْرٌ عَنْ الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ وَالْوَاجِبُ مُطْلَقُ التَّوَجُّهِ) أَيْ لَا التَّوَجُّهُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى مَا ذُكِرَ وَلَا التَّوَجُّهُ الْمُقَيَّدُ بِالْمَشْيِ، وَلَا التَّوَجُّهُ إلَى خُصُوصِ الْجَبَّانَةِ، وَهَذَا تَكْمِلَةُ الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ الْمُقَدَّرِ (قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَتَعَارَفَ النَّاسُ ذَلِكَ لِضِيقِ الْمَسْجِدِ وَكَثْرَةِ الزِّحَامِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ السُّنَّةُ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ إلَى الْجَبَّانَةِ، وَيَسْتَخْلِفَ غَيْرَهُ لِيُصَلِّيَ فِي الْمِصْرِ بِالضُّعَفَاءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدَيْنِ فِي مَوْضِعَيْنِ جَائِزَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ فَلَهُ ذَلِكَ. اهـ. نُوحٌ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ مِنْبَرٍ إلَيْهَا) عَزَاهُ فِي الدُّرَرِ إلَى الِاخْتِيَارِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ فَإِنَّهُمَا قَالَا وَلَا يُخْرِجُ الْمِنْبَرَ إلَى الْجَبَّانَةِ يَوْمَ الْعِيدِ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي بِنَائِهِ فِي الْجَبَّانَةِ قِيلَ: يُكْرَهُ، وَقِيلَ: لَا، فَدَلَّ كَلَامُهُمَا عَلَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي كَرَاهَةِ إخْرَاجِهِ إلَيْهَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي بِنَائِهِ فِيهَا. وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْكَرَاهَةِ عَلَى التَّنْزِيهِيَّةِ وَهِيَ مَرْجِعُ خِلَافِ الْأَوْلَى الْمُفَادِ مِنْ كَلِمَةِ لَا بَأْسَ غَالِبًا فَلَا مُخَالَفَةَ فَافْهَمْ، وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ خُوَاهَرْ زَادَهْ هَذَا أَيْ بِنَاؤُهُ حَسَنٌ فِي زَمَانِنَا (قَوْلُهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ) لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ «أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ» وَلِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرَ الشُّهُودِ لِأَنَّ أَمْكِنَةَ الْقَرْيَةِ تَشْهَدُ لِصَاحِبِهَا شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: وَالتَّخَتُّمِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ لِغَيْرِ أَمِيرٍ وَقَاضٍ وَمُفْتٍ. وَمَا فِي كِتَابِ الْحَظْرِ مِنْ قَصْرِهِ عَلَى نَحْوِ هَؤُلَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى الدَّوَامِ وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي النَّهْرِ عَنْ الدِّرَايَةِ أَنَّ مَنْ كَانَ لَا يَتَخَتَّمُ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانَ يَتَخَتَّمُ يَوْمَ الْعِيدِ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ خَصَّهُ بِذِي سُلْطَانٍ. وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ صَلَاةُ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ ط (قَوْلُهُ لَا تُنْكَرُ) خَبَرُ قَوْلِهِ وَالتَّهْنِئَةُ وَإِنَّمَا قَالَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْفَظْ فِيهَا شَيْءٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ عَنْ أَصْحَابِنَا كَرَاهَةً وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَهَا، وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهَا بِدْعَةٌ، وَقَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ: بَلْ الْأَشْبَهُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ مُسْتَحَبَّةٌ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ سَاقَ آثَارًا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي فِعْلِ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَالْمُتَعَامَلُ فِي الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ وَالْمِصْرِيَّةِ عِيدٌ مُبَارَكٌ عَلَيْك وَنَحْوُهُ وَقَالَ يُمْكِنُ أَنْ يَلْحَقَ بِذَلِكَ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَالِاسْتِحْبَابِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّلَازُمِ فَإِنَّ مَنْ قُبِلَتْ طَاعَتُهُ فِي زَمَانٍ كَانَ ذَلِكَ الزَّمَانُ عَلَيْهِ مُبَارَكًا عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ الدُّعَاءُ بِالْبَرَكَةِ فِي أُمُورٍ شَتَّى فَيُؤْخَذُ مِنْهُ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ بِهَا هُنَا أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي طَرِيقِهَا) لَيْسَ التَّقْيِيدُ بِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْبَيْتِ أَوْ الْمُصَلَّى وَإِنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ عِيدِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى فَإِنَّ السُّنَّةَ فِي الْأَضْحَى التَّكْبِيرُ فِي الطَّرِيقِ كَمَا سَيَأْتِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ قَبْلَهَا) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ وَلَا يَتَنَفَّلُ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا بَعْدَهَا فَإِنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ يَتَعَلَّقُ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّنَفُّلِ) الْمُرَادُ التَّعَلُّقُ الْمَعْنَوِيُّ أَيْ أَنَّهُ قَيْدٌ لَهُمَا فَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ فِي التَّكْبِيرِ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ سِرًّا أَوْ جَهْرًا، وَفِي التَّنَفُّلِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمُصَلَّى اتِّفَاقًا أَوْ فِي الْبَيْتِ فِي الْأَصَحِّ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ يُصَلِّي الْعِيدَ أَوْ لَا حَتَّى إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَرَادَتْ صَلَاةَ الضُّحَى يَوْمَ الْعِيدِ تُصَلِّيهَا بَعْدَمَا يُصَلِّي الْإِمَامُ فِي الْجَبَّانَةِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ كَذَا قَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ إلَخْ) حَاصِلُ الْكَلَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 لَكِنْ تَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ وَرَجَّحَ تَقْيِيدَهُ بِالْجَهْرِ. زَادَ فِي الْبُرْهَانِ وَقَالَا: الْجَهْرُ بِهِ سُنَّةٌ كَالْأَضْحَى وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْهُ وَوَجْهُهَا ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى - {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185]- وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ بِدْعَةٌ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ. اهـ. (وَكَذَا) لَا يَتَنَفَّلُ (بَعْدَهَا فِي مُصَلَّاهَا) فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ (وَإِنْ) تَنَفَّلَ بَعْدَهَا (فِي الْبَيْتِ جَازَ) بَلْ   [رد المحتار] فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَلَا يُكَبِّرُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَعِنْدَهُمَا يُكَبِّرُ وَيُخَافِتُ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ. اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَصْلِ التَّكْبِيرِ لَا فِي صِفَتِهِ وَأَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى عَدَمِ الْجَهْرِ بِهِ. وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ إذْ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ - تَعَالَى فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ بَلْ مِنْ إيقَاعِهِ عَلَى وَجْهِ الْبِدْعَةِ وَهُوَ الْجَهْرُ لِمُخَالَفَتِهِ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} [الأعراف: 205] فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ، وَهُوَ الْأَضْحَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] وَرَّدَ فِي الْبَحْرِ عَلَى الْفَتْحِ بِأَنَّ صَاحِبَ الْخُلَاصَةِ أَعْلَمُ مِنْهُ بِالْخِلَافِ وَبِأَنَّ تَخْصِيصَ الذِّكْرِ بِوَقْتٍ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ. اهـ. أَقُولُ: مَا فِي الْخُلَاصَةِ يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ الْخَانِيَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ وَيُكَبِّرُ يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَجْهَرُ، وَلَا يُكَبِّرُ يَوْمَ الْفِطْرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَكِنْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُحَقِّقَ ابْنَ الْهُمَامِ لَهُ عِلْمٌ تَامٌّ بِالْخِلَافِ أَيْضًا، كَيْفَ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ الْمُرَادُ مِنْ نَفْيِ التَّكْبِيرِ التَّكْبِيرُ بِصِفَةِ الْجَهْرِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ بِصِفَةِ الْإِخْفَاءِ اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ لَا فِي أَصْلِ التَّكْبِيرِ وَقَدْ حَكَى الْخِلَافَ كَذَلِكَ فِي الْبَدَائِعِ وَالسِّرَاجِ وَالْمَجْمَعِ وَدُرَرِ الْبِحَارِ وَالْمُلْتَقَى وَالدُّرَرِ وَالِاخْتِيَارِ وَالْمَوَاهِبِ وَالْإِمْدَادِ وَالْإِيضَاحِ والتتارخانية وَالتَّجْنِيسِ وَالتَّبْيِينِ وَمُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ وَالْكِفَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ. وَعَزَاهُ فِي النِّهَايَةِ إلَى الْمَبْسُوطِ وَتُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ وَزَادَ الْفُقَهَاءُ فَهَذِهِ مَشَاهِيرُ كُتُبِ الْمَذْهَبِ مُصَرِّحَةٌ بِخِلَافِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ بَلْ حَكَى الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْإِمَامِ رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يُسِرُّ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ يَجْهَرُ كَقَوْلِهِمَا قَالَ: وَهِيَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا قَالَ الرَّازِيّ وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ. وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَاخْتُلِفَ فِي عِيدِ الْفِطْرِ؛ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبَيْهِ وَاخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يَجْهَرُ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يُسِرُّ، وَأَغْرَبَ صَاحِبُ النِّصَابِ حَيْثُ قَالَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ سِرًّا كَمَا أَغْرَبَ مَنْ عَزَا إلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ فِي الْفِطْرِ أَصْلًا وَزَعَمَ أَنَّهُ الْأَصَحُّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْخُلَاصَةِ. اهـ. فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِلْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ فَافْهَمْ، وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الصَّغِيرِ وَيَوْمُ الْفِطْرِ لَا يَجْهَرُ بِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجْهَرُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ، وَالْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ أَمَّا الْكَرَاهَةُ فَمُنْتَفِيَةٌ عَنْ الطَّرَفَيْنِ اهـ وَكَذَا فِي الْكَبِيرِ وَأَمَّا قَوْلُ الْفَتْحِ إذْ لَا يُمْنَعُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ فَهُوَ مَنْقُولٌ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا عَنْ الْإِمَامِ فِي بَحْثِ تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ. هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ قَوْلُ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ لَكِنْ تَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ) أَقُولُ: لَمْ يَتَعَقَّبْهُ صَرِيحًا؛ لِأَنَّهُ نَقَلَ كَلَامَ الْبَحْرِ وَأَقَرَّهُ نَعَمْ ذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَهْرِ وَعَدَمِهِ وَعَزَاهُ إلَى مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَالتَّجْنِيسِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَالزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ زَادَ فِي الْبُرْهَانِ إلَخْ) أَيْ زَادَ عَلَى مَا فِي النَّهْرِ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا أَيْ لَا مُسْتَحَبٌّ، وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ فِي النَّهْرِ صَرَّحَ بِالْخِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ لَكِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُهَا) أَيْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ (قَوْلُهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ) وَهُوَ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ التَّكْبِيرُ جَهْرًا فِي غَيْرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يُسَنُّ إلَّا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ أَوْ اللُّصُوصِ وَقَاسَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ الْحَرِيقَ وَالْمَخَاوِفَ كُلَّهَا اهـ زَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَوْ عَلَا شَرَفًا (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَتَنَفَّلُ إلَخْ) لِمَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ فَصَلَّى بِهِمْ الْعِيدَ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا» وَهَذَا النَّفْيُ بَعْدَهَا مَحْمُولٌ عَلَيْهِ فِي الْمُصَلَّى لِمَا رَوَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 يُنْدَبُ تَنَفُّلٌ بِأَرْبَعٍ وَهَذَا لِلْخَوَاصِّ أَمَّا الْعَوَامُّ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ تَكْبِيرٍ وَلَا تَنَفُّلٍ أَصْلًا لِقِلَّةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَحْرٌ. وَفِي هَامِشِهِ بِخَطِّ ثِقَةٍ وَكَذَا صَلَاةُ رَغَائِبَ وَبَرَاءَةٍ وَقَدْرٍ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ الْعِيدِ فَقِيلَ أَمَا تَمْنَعُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ أَخَافُ أَنْ أَدْخُلَ تَحْتَ الْوَعِيدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى} [العلق: 9] {عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [العلق: 10] (وَوَقْتُهَا مِنْ الِارْتِفَاعِ) قَدْرَ رُمْحٍ فَلَا تَصِحُّ قَبْلَهُ بَلْ تَكُونُ نَفْلًا مُحَرَّمًا (إلَى الزَّوَالِ) بِإِسْقَاطِ الْغَايَةِ (فَلَوْ زَالَتْ   [رد المحتار] ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُصَلِّي قَبْلَ الْعِيدِ شَيْئًا فَإِذَا رَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» " كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. قَالَ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ أَقُولُ: وَهَكَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشُّرَّاحُ عَلَى الْكَرَاهَةِ. وَعِنْدِي فِي كَوْنِهِ مُفِيدًا لِلْمُدَّعِي نَظَرٌ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَكَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَرَجَ فَصَلَّى بِهِمْ الْعِيدَ وَلَمْ يُصَلِّ إلَخْ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنَّ تَرْكَ ذَلِكَ كَانَ عَادَةً لَهُ وَبِمِثْلِ هَذَا لَا تَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ؛ إذْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ خَاصٍّ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي أَنَّ وَجْهَ الِاسْتِدْلَالِ مَا ذَكَرُوهُ فِي كَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ حَرِيصًا عَلَى الصَّلَاةِ فَعَدَمُ فِعْلِهِ يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ؛ إذْ لَوْلَاهَا لَفَعَلَهُ مَرَّةً بَيَانًا لِلْجَوَازِ. اهـ. قُلْت: هَذَا مُسَلَّمٌ فِيمَا إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ، أَمَّا عَدَمُ الْفِعْلِ مَرَّةً فَلَا وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَارِّ مَا يُفِيدُ التَّكْرَارَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِأَرْبَعٍ) أَوْ بِرَكْعَتَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ مَا مَرَّ مِنْ الْمَنْعِ عَنْ التَّكْبِيرِ وَالتَّنَفُّلِ (قَوْلُهُ لِلْخَوَاصِّ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ الَّذِينَ لَا يُؤَثِّرُ عِنْدَهُمْ الزَّجْرُ غَلَاءً وَلَا كَسَلًا حَتَّى يُفْضِيَ بِهِمْ إلَى التَّرْكِ أَصْلًا ط (قَوْلُهُ أَصْلًا) أَيْ لَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا فِي التَّكْبِيرِ وَلَا قَبْلَ الصَّلَاةِ بِمَسْجِدٍ أَوْ بَيْتٍ أَوْ بَعْدَهَا بِمَسْجِدٍ فِي التَّنَفُّلِ ط. أَقُولُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْبَحْرِ أَنَّهُ زَادَ التَّنَفُّلَ بَحْثًا مِنْهُ وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِمَا فِي التَّجْنِيسِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّ كُسَالَى الْعَوَامّ إذَا صَلَّوْا الْفَجْرَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَا يُمْنَعُونَ لِأَنَّهُمْ إذَا مُنِعُوا تَرَكُوهَا أَصْلًا، وَأَدَاؤُهَا مَعَ تَجْوِيزِ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَهَا أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا أَصْلًا (قَوْلُهُ: وَفِي هَامِشِهِ إلَخْ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الصَّلَاةِ فِي بَابِ النَّوَافِلِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِبَرَاءَةِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ. ثُمَّ إنَّ مَا نَقَلَهُ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ هُوَ مِنْ الْحَوَاشِي الْمُوحِشَةِ وَيَمْنَعُ التَّوَثُّقَ بِذَلِكَ الْخَطِّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى حُرْمَةِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ وَقَدْ نَصُّوا عَلَى وَضْعِ حَدِيثِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ وَالْفِقْهُ لَا يَنْقُلُ مِنْ الْهَوَامِشِ الْمَجْهُولَةِ سِيَّمَا مَا كَانَ فَسَادُهُ ظَاهِرًا، وَقَوْلُهُ لِأَنَّ عَلِيًّا إلَخْ تَعْلِيلٌ لِمَا فِي الْبَحْرِ وَظَاهِرُ هَذَا الْأَثَرِ تَقَرُّرُ الْكَرَاهَةِ عِنْدَهُمْ فِي الْمُصَلِّي وَأَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ وَإِلَّا لَمَا أَقَرَّهُ؛ إذْ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ عَلَى الْمُنْكَرِ اهـ وَلَا يَرِدُ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ مَنْعِهِمْ عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِأَنَّ ذَلِكَ لِخَوْفِ تَرْكِهَا أَصْلًا فَيَقَعُ التَّارِكُ فِي مَحْظُورٍ أَعْظَمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ مِنْ الِارْتِفَاعِ) الْمُرَادُ بِهِ أَنْ تَبْيَضَّ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ قَدْرَ رُمْحٍ) هُوَ اثْنَا عَشَرَ شِبْرًا وَالْمُرَادُ بِهِ وَقْتُ حِلِّ النَّافِلَةِ فَلَا مُبَايَنَةَ بَيْنَهُمَا خِلَافًا لِمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ ط. [تَنْبِيهٌ] يُنْدَبُ تَعْجِيلُ الْأَضْحَى لِتَعْجِيلِ الْأَضَاحِيِّ وَتَأْخِيرُ الْفِطْرِ لِيُؤَدِّيَ الْفِطْرَةَ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بَلْ تَكُونُ نَفْلًا مُحَرَّمًا) لِأَنَّهَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا لَمْ تَصِرْ وَاجِبَةً كَمَا لَوْ صَلَّى ظُهْرَ الْيَوْمِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّهُ فِي وَقْتِ الطُّلُوعِ وَالِاسْتِوَاءِ وَالْغُرُوبِ لَا يَنْعَقِدُ شَيْءٌ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ الْفَائِتَةِ سِوَى عَصْرِ يَوْمِهِ حَتَّى لَوْ شَرَعَ فِيهَا بِفَرِيضَةٍ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ أَصْلًا فَلَا تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ بِالْقَهْقَهَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِإِسْقَاطِ الْغَايَةِ) أَيْ مِثْلَ - {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]- قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ فَالزَّوَالُ لَيْسَ وَقْتًا لَهَا لِأَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 الشَّمْسُ وَهُوَ فِي أَثْنَائِهَا فَسَدَتْ) كَمَا فِي الْجُمُعَةِ كَذَا فِي السِّرَاجِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي الِاثْنَيْ عَشَرِيَّةَ (وَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ مُثْنِيًا قَبْلَ الزَّوَائِدِ، وَهِيَ ثَلَاثُ تَكْبِيرَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) وَلَوْ زَادَ تَابِعُهُ   [رد المحتار] الصَّلَاةَ الْوَاجِبَةَ لَا تَنْعَقِدُ عِنْدَ قِيَامِهِ اهـ قَالَ ط: وَهَذَا يُرْشِدُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالزَّوَالِ الِاسْتِوَاءُ، وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ لِلْمُجَاوَرَةِ (قَوْلُهُ فَسَدَتْ) أَيْ فَسَدَ الْوَصْفُ وَانْقَلَبَتْ نَفْلًا اتِّفَاقًا إنْ كَانَ الزَّوَالُ قَبْلَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ إنْ كَانَ بَعْدَهُ ط. قُلْت: وَهَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بَحْثًا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ، وَقَالَ: وَلَمْ أَرَهُ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ) أَيْ إذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِيهَا ط (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَاهُ) أَيْ فِي بَابِ الِاسْتِخْلَافِ (قَوْلُهُ وَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِهِمْ إلَخْ) وَيَكْفِي فِي جَمَاعَتِهَا وَاحِدٌ كَمَا فِي النَّهْرِ ط (قَوْلُهُ: مُثْنِيًا قَبْلَ الزَّوَائِدِ) أَيْ قَارِئًا الْإِمَامُ وَكَذَا الْمُؤْتَمُّ الثَّنَاءَ قَبْلَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ إمْدَادٌ؛ وَسُمِّيَتْ زَوَائِدَ لِزِيَادَتِهَا عَنْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ التَّعَوُّذَ يَأْتِي بِهِ الْإِمَامُ بَعْدَهَا لِأَنَّهُ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ (قَوْلُهُ وَهِيَ ثَلَاثُ تَكْبِيرَاتٍ) هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَكَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبِهِ أَخَذَ أَئِمَّتُنَا الثَّلَاثَةُ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى سَبْعًا وَفِي الثَّانِيَةِ سِتًّا، وَفِي رِوَايَةٍ: خَمْسًا مِنْهَا ثَلَاثَةٌ أَصْلِيَّةٌ، وَهِيَ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَتَا الرُّكُوعِ وَالْبَاقِي زَوَائِدُ فِي الْأُولَى خَمْسٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسٌ أَوْ أَرْبَعٌ، وَيَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْعَامَّةِ الْيَوْمَ لِأَمْرِ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ بِهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ اهـ. مَطْلَبٌ تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِيمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَهُوَ تَأْوِيلُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنَّهُمَا فَعَلَا ذَلِكَ لِأَنَّ هَارُونَ أَمَرَهُمَا أَنْ يُكَبِّرَا بِتَكْبِيرِ جَدِّهِ فَفَعَلَا ذَلِكَ امْتِثَالًا لَهُ لَا مَذْهَبًا وَاعْتِقَادًا قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ لِأَنَّ طَاعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَاجِبَةٌ اهـ وَمِنْهُمْ مَنْ جَزَمَ بِأَنَّ ذَلِكَ رِوَايَةٌ عَنْهُمَا بَلْ فِي الْمُجْتَبَى وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى هَذَا ثُمَّ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّ الْمُخْتَارَ الْعَمَلُ بِرِوَايَةِ الزِّيَادَةِ أَيْ زِيَادَةِ تَكْبِيرَةٍ فِي عِيدِ الْفِطْرِ وَبِرِوَايَةِ النُّقْصَانِ فِي عِيدِ الْأَضْحَى عَمَلًا بِالرِّوَايَتَيْنِ وَتَخْفِيفًا فِي عِيدِ الْأَضْحَى لِاشْتِغَالِ النَّاسِ بِالْأَضَاحِيِّ. وَقِيلَ: تَعْجِيلًا لِحَقِّ الْفُقَرَاءِ فِيهَا بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ جَمِيعَ التَّكْبِيرَاتِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى الزَّوَائِدِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا حَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمَا ذَكَرُوا مِنْ عَمَلِ الْعَامَّةِ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَمْرِ أَوْلَادِهِ مِنْ الْخُلَفَاءِ بِهِ كَانَ فِي زَمَنِهِمْ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَقَدْ زَالَ فَالْعَمَلُ الْآنَ بِمَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَذُكِرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ وَنَحْوِهِ فِي الْحِلْيَةِ. مَطْلَبٌ أَمْرُ الْخَلِيفَةِ لَا يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِهِ [تَنْبِيهٌ] يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ كَانَ فِي زَمَنِهِمْ إلَخْ أَنَّ أَمْرَ الْخَلِيفَةِ لَا يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ عَزْلِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ وَبُنِيَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ نَهَى عَنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً لَا يَبْقَى نَهْيُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَادَ تَابِعُهُ إلَخْ) لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِإِمَامِهِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ مُتَابَعَتُهُ وَتَرْكُ رَأْيِهِ بِرَأْيِ الْإِمَامِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» فَمَا لَمْ يَظْهَرْ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ كَانَ اتِّبَاعُهُ وَاجِبًا وَلَا يَظْهَرُ الْخَطَأُ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ فَأَمَّا إذَا خَرَجَ عَنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فَقَدْ ظَهَرَ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ فَلَا يَلْزَمُهُ اتِّبَاعُهُ وَلِهَذَا لَوْ اقْتَدَى بِمَنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ أَوْ بِمَنْ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ أَوْ بِمَنْ يَرَى تَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ خَمْسًا لَا يُتَابِعُهُ لِظُهُورِ خَطَئِهِ بِيَقِينٍ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَنْسُوخٌ بَدَائِعُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 إلَى سِتَّةَ عَشَرَ لِأَنَّهُ مَأْثُورٌ، لَا أَنْ يَسْمَعَ مِنْ الْمُكَبِّرِينَ فَيَأْتِيَ بِالْكُلِّ (وَيُوَالِي) نَدْبًا (بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ) وَيَقْرَأُ كَالْجُمُعَةِ (وَلَوْ أَدْرَكَ) الْمُؤْتَمُّ (الْإِمَامَ فِي الْقِيَامِ)   [رد المحتار] أَقُولُ: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْحَنَفِيَّ إذَا اقْتَدَى بِشَافِعِيٍّ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ فَهُوَ غَيْرُ مَنْسُوخٍ لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ بِهِ أَئِمَّةُ بَلْخٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْجَنَائِزِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي أَوَاخِرِ بَحْثِ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ إلَى سِتَّةَ عَشَرَ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ. وَفِي الْفَتْحِ قِيلَ: يُتَابِعُهُ إلَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ إلَى سِتَّ عَشْرَةَ. اهـ. قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَ الْقَوْلِ الثَّانِي حَمْلُ الثَّلَاثَ عَشْرَةَ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى الزَّوَائِدِ كَمَا مَرَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَهِيَ مَعَ الثَّلَاثِ الْأَصْلِيَّةِ تَصِيرُ سِتَّ عَشْرَةَ وَإِلَّا لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الزَّوَائِدَ سِتَّ عَشْرَةَ فَلْيُرَاجَعْ، وَقَدْ رَاجَعْت مَجْمَعَ الْآثَارِ لِلْإِمَامِ الطَّحَاوِيِّ فَلَمْ أَرَ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَكْثَرَ مِمَّا مَرَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَهَذَا يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَلِذَا قَدَّمَهُ فِي الْفَتْحِ وَنَسَبَهُ فِي الْبَدَائِعِ إلَى عَامَّةِ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ ضَمَّ الثَّلَاثِ الْأَصْلِيَّةِ إلَى الزَّوَائِدِ بَعِيدٌ جِدًّا لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَاصِلَةٌ بَيْنَهُمْ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَيَأْتِي بِالْكُلِّ) قَالَ فِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ فَإِنْ زَادَ لَا يَلْزَمُهُ مُتَابَعَتُهُ لِأَنَّهُ مُخْطِئٌ بِيَقِينٍ، وَلَوْ سَمِعَ التَّكْبِيرَاتِ مِنْ الْمُكَبِّرِينَ يَأْتِي بِالْكُلِّ احْتِيَاطًا وَإِنْ كَثُرَ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ مِنْ الْمُكَبِّرِينَ، وَلِذَا قِيلَ: يَنْوِي بِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ الِافْتِتَاحَ لِاحْتِمَالِ التَّقَدُّمِ عَلَى الْإِمَامِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ. اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِ قِيلَ لِضَعْفِهِ؛ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِحُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ الْإِمَامِ يَنْوِي الِافْتِتَاحَ بِالثَّلَاثِ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا، فَإِنَّ احْتِمَالَ الْغَلَطِ وَالتَّقَدُّمِ مَوْجُودٌ فِي الْكُلِّ لَا فِي خُصُوصِ الزَّائِدِ عَلَى الْمَأْثُورِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَتَأَمَّلْ وَسَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَنَّهُ يَنْوِي فِيهَا الِافْتِتَاحَ بِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ أَيْضًا وَيَأْتِي تَمَامُ الْبَحْثِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَيُوَالِي نَدْبًا بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ) أَيْ بِأَنْ يُكَبِّرَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ لِتَكُونَ قِرَاءَتُهَا تَالِيَةً لِقِرَاءَةِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، أَمَّا لَوْ كَبَّرَ فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ أَيْضًا كَمَا يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ يَكُونُ التَّكْبِيرُ فَاصِلًا بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: نَدْبًا إلَى أَنَّهُ لَوْ كَبَّرَ فِي أَوَّلِ كُلِّ رَكْعَةٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ. هَذَا، وَأَمَّا مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ التَّعْلِيلِ لِلْمُوَالَاةِ بِأَنَّ التَّكْبِيرَاتِ مِنْ الشَّعَائِرِ؛ وَلِهَذَا وَجَبَ الْجَهْرُ بِهَا فَوَجَبَ ضَمُّ الزَّوَائِدِ فِي الْأُولَى إلَى تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ لِسَبْقِهَا عَلَى تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَإِلَى تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فَقَدْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ الثُّبُوتُ لَا الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ مُسْتَحَبَّةٌ اهـ وَكَذَا قَوْلُهُ وَجَبَ الْجَهْرُ بِهَا: أَيْ ثَبَتَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَمَا فِي الْأَذَانِ وَالتَّكْبِيرِ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى وَتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ، وَأَمَّا الْجَهْرُ فِي تَكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ فَالظَّاهِرُ اسْتِحْبَابُهُ لِلْإِمَامِ فَقَطْ لِلْإِعْلَامِ فَتَأَمَّلْ. لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ إنْ بَدَأَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ سَهْوًا فَتَذَكَّرَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ إلَّا الْفَاتِحَةَ كَبَّرَ وَأَعَادَ الْقِرَاءَةَ لُزُومًا لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ إذَا لَمْ تَتِمَّ كَانَ امْتِنَاعًا مِنْ الْإِتْمَامِ لَا رَفْضًا لِلْفَرْضِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ تَقْدِيمَ الْكَبِيرِ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَاجِبٌ، وَإِلَّا لَمْ تُرْفَضْ الْفَاتِحَةُ لِأَجْلِهِ يُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّهُ إنْ كَبَّرَ وَبَدَأَ بِالْقِرَاءَةِ وَنَسِيَ الثَّنَاءَ وَالتَّعَوُّذَ وَالتَّسْمِيَةَ لَا يُعِيدُ لِفَوْتِ مَحَلِّهَا. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْعَوْدَ إلَى التَّكْبِيرِ قَبْلَ إتْمَامِ الْقِرَاءَةِ لَيْسَ لِأَجْلِ الْمُسْتَحَبِّ الَّذِي هُوَ الْمُوَالَاةُ بَلْ لِأَجْلِ اسْتِدْرَاكِ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ التَّكْبِيرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَعْدَ الْقِرَاءَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ قِرَاءَةِ السُّورَةِ يَتْرُكُهُ فَكَانَ مِثْلَ مَا لَوْ نَسِيَ الْفَاتِحَةَ، وَشَرَعَ فِي السُّورَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ يَتْرُكُ السُّورَةَ، وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ لِوُجُوبِهَا بِخِلَافِ الثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ وَالتَّسْمِيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَيَقْرَأُ كَالْجُمُعَةِ) أَيْ كَالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، لِمَا رَوَى أَبُو حَنِيفَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ الْأَعْلَى وَالْغَاشِيَةَ» كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ فَإِنْ تَبَرَّكَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِرَاءَتِهِمَا فِي أَغْلَبِ الْأَوْقَاتِ فَحَسَنٌ لَكِنْ يُكْرَهُ أَنْ يَتَّخِذَهُمَا حَتْمًا لَا يَقْرَأُ فِيهَا غَيْرَهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْجُمُعَةِ اهـ وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ هُنَا (قَوْلُهُ فِي الْقِيَامِ) أَيْ الَّذِي قَبْلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 بَعْدَمَا كَبَّرَ (كَبَّرَ) فِي الْحَالِ بِرَأْيِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ، وَلَوْ سُبِقَ بِرَكْعَةٍ يَقْرَأُ ثُمَّ يُكَبِّرُ لِئَلَّا يَتَوَالَى التَّكْبِيرُ (فَلَوْ لَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ) الْمُؤْتَمُّ (لَا يُكَبِّرُ) فِي الْقِيَامِ (وَ) لَكِنْ (يَرْكَعُ وَيُكَبِّرُ فِي الرُّكُوعِ) عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ لِلرُّكُوعِ حُكْمَ الْقِيَامِ فَالْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ أَوْلَى مِنْ الْمَسْنُونِ (كَمَا لَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ فَإِنَّ الْإِمَامَ يُكَبِّرُ فِي الرُّكُوعِ وَلَا يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ لِيُكَبِّرَ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَوْ عَادَ يَنْبَغِي الْفَسَادُ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الزَّوَائِدِ) وَإِنْ لَمْ يَرَ إمَامَهُ   [رد المحتار] الرُّكُوعِ، أَمَّا لَوْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا فَإِنْ غَلَبَ ظَنَّهُ إدْرَاكُهُ فِي الرُّكُوعِ كَبَّرَ قَائِمًا بِرَأْيِ نَفْسِهِ ثُمَّ رَكَعَ، وَإِلَّا رَكَعَ وَكَبَّرَ فِي رُكُوعِهِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ لِأَنَّ الْوَضْعَ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ سُنَّةٌ فِي مَحَلِّهِ، وَالرَّفْعُ لَا فِي مَحَلِّهِ وَإِنْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ سَقَطَ عَنْهُ مَا بَقِيَ مِنْ التَّكْبِيرِ لِئَلَّا تَفُوتَهُ الْمُتَابَعَةُ وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي قِيَامِ الرُّكُوعِ لَا يَقْضِيهَا فِيهِ لِأَنَّهُ يَقْضِي الرَّكْعَةَ مَعَ تَكْبِيرَاتِهَا فَتْحٌ وَبَدَائِعُ (قَوْلُهُ كَبَّرَ فِي الْحَالِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ كَانَ إمَامُهُ شَافِعِيًّا كَبَّرَ سَبْعًا فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا بِخِلَافِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ فِي الْمَأْثُورِ لِأَنَّهُ فِي الْمُدْرَكِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ) أَيْ وَهُوَ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَقْضِي وَالذِّكْرُ الْفَائِتُ يُقْضَى قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ الْفِعْلِ فَتْحٌ. قُلْت: فَعَلَى هَذَا إذَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مَا لَا يَنْقُصُ عَنْ رَأْيِ نَفْسِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْضِيَ بَعْدَهُ شَيْئًا فَتَنَبَّهْ لَهُ. اهـ. حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ يَقْرَأُ ثُمَّ يُكَبِّرُ) أَيْ إذَا قَامَ إلَى قَضَائِهَا، أَمَّا الرَّكْعَةُ الَّتِي أَدْرَكَهَا مَعَ الْإِمَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهَا التَّفْضِيلُ الْمَارُّ مِنْ إدْرَاكِهِ كُلَّ التَّكْبِيرِ أَوْ بَعْضَهُ أَوَّلًا وَلَا كَمَا أَفَادَهُ فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَتَوَالَى التَّكْبِيرُ) أَيْ لِأَنَّهُ إذَا كَبَّرَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَقَدْ كَبَّرَ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ لَزِمَ تَوَالِي التَّكْبِيرَاتِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَوْ بَدَأَ بِالْقِرَاءَةِ يَصِيرُ فِعْلُهُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَانَ أَوْلَى كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِمْ: إنَّ الْمَسْبُوقَ يَقْضِي أَوَّلَ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ الْأَذْكَارِ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَسْبُوقَ يُكَبِّرُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ أَمَّا اللَّاحِقُ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ عَلَى رَأْيِ إمَامِهِ لِأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ حُكْمًا بَحْرٌ عَنْ السِّرَاجِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ لَمْ يُكَبِّرْ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الْقِيَامِ (قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ الْمُؤْتَمُّ) يُغْنِي عَنْهُ مَا قَبْلَهُ فَالْأَوْلَى حَذْفُهُ (قَوْلُهُ وَيُكَبِّرُ فِي الرُّكُوعِ عَلَى الصَّحِيحِ) كَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مِنَحِهِ وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ الْبَحْرِ وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الْقِيَامِ فَلَمْ يُكَبِّرُ حَتَّى رَكَعَ لَا يُكَبِّرُ فِي الرُّكُوعِ عَلَى الصَّحِيحِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ وَذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ قِيلَ يُكَبِّرُ فِي الرُّكُوعِ وَقِيلَ لَا وَقَوَّاهُ فِي الْمُحِيطِ اهـ قَالَ ط: كَأَنَّهُ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ (قَوْلُهُ فَالْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ) وَهُوَ التَّكْبِيرُ أَوْلَى مِنْ الْمَسْنُونِ وَهُوَ التَّسْبِيحُ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ ط وَفَسَّرَ الرَّحْمَتِيُّ الْوَاجِبَ بِالْمُتَابَعَةِ وَالْمَسْنُونَ بِالْإِتْيَانِ بِالتَّكْبِيرِ فِي مَحْضِ الْقِيَامِ: أَيْ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ يَكْفِي إيقَاعُهُ فِي الرُّكُوعِ لَكِنَّ كَوْنَهُ فِي مَحْضِ الْقِيَامِ سُنَّةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) تَبِعَ فِيهِ الْمُصَنِّفَ فِي الْمِنَحِ. وَاَلَّذِي فِي الْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ فِي الرُّكُوعِ وَلَا يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ زَادَ فِي الْحِلْيَةِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ وَهُوَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ وَيُكَبِّرُ وَيُعِيدُ الرُّكُوعَ دُونَ الْقِرَاءَةِ اهـ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَيْضًا تُخَالِفُ مَا فِي الْمَتْنِ. نَعَمْ صَرَّحَ بِمِثْلِهِ فِي الْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ وَالْفَتْحِ وَالذَّخِيرَةِ فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ وَذَكَرُوا الْفَرْقَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ حَيْثُ يَرْفُضُ الرُّكُوعَ لِأَجْلِهِ وَبَيْنَ الْقُنُوتِ بِكَوْنِ تَكْبِيرِ الْعِيدِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ دُونَ قُنُوتِ الْوِتْرِ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي الْبَدَائِعِ هُنَاكَ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَكِنْ حَيْثُ ثَبَتَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا يَعْدِلُ عَنْهُ وَعَلَى مَا فِي الْمَتْنِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ الْقُنُوتِ حَيْثُ لَا يَأْتِي بِهِ فِي الرُّكُوعِ أَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ إلَّا فِي مَحَلِّ الْقِيَامِ بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ عَادَ يَنْبَغِي الْفَسَادُ) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ النَّهْرِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْعَوْدَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي تَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْفَسَادِ فِيمَا لَوْ عَادَ إلَى الْقُعُودِ الْأَوَّلِ بَعْدَمَا اسْتَتَمَّ قَائِمًا بِأَنَّ فِيهِ رَفْضَ الْفَرْضِ لِأَجْلِ الْوَاجِبِ، وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ فَهُوَ بِالصِّحَّةِ لَا يُخِلُّ (قَوْلُهُ: وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) أَيْ مَاسًّا بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ ط (قَوْلُهُ فِي الزَّوَائِدِ) قَيَّدَ بِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 ذَلِكَ (إلَّا إذَا كَبَّرَ رَاكِعًا) كَمَا مَرَّ فَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ عَلَى الْمُخْتَارِ لِأَنَّ أَخْذَ الرُّكْبَتَيْنِ سُنَّةٌ فِي مَحَلِّهِ (وَلَيْسَ بَيْنَ تَكْبِيرَاتِهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ) وَلِذَا يُرْسِلُ يَدَيْهِ (وَيَسْكُتُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ مِقْدَارَ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ) هَذَا يَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ الزِّحَامِ وَقِلَّتِهِ (وَيَخْطُبُ بَعْدَهَا خُطْبَتَيْنِ) وَهُمَا سُنَّةٌ (فَلَوْ خَطَبَ قَبْلَهَا صَحَّ وَأَسَاءَ) لِتَرْكِ السُّنَّةِ، وَمَا يُسَنُّ فِي الْجُمُعَةِ وَيُكْرَهُ يُسَنُّ فِيهَا وَيُكْرَهُ (وَ) الْخُطَبُ ثَمَانٍ بَلْ عَشْرٌ (يَبْدَأُ بِالتَّحْمِيدِ فِي) ثَلَاثٍ (خُطْبَةُ) جُمُعَةٍ (وَاسْتِسْقَاءٍ وَنِكَاحٍ) وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ خُطْبَةُ الْكُسُوفِ وَخَتْمٌ الْقُرْآنِ كَذَلِكَ وَلَمْ أَرَهُ (وَيَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ فِي) خَمْسٍ (خُطْبَةُ الْعِيدَيْنِ) وَثَلَاثُ خُطَبِ الْحَجِّ إلَّا أَنَّ الَّتِي بِمَكَّةَ وَعَرَفَةَ يَبْدَأُ فِيهَا بِالتَّكْبِيرِ ثُمَّ بِالتَّلْبِيَةِ ثُمَّ بِالْخُطْبَةِ كَذَا فِي خِزَانَةِ أَبِي اللَّيْثِ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَفْتِحَ الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ تَتْرَى) أَيْ مُتَتَابِعَاتٍ (وَالثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ) هُوَ السُّنَّةُ (وَ) أَنْ (يُكَبِّرَ قَبْلَ نُزُولِهِ مِنْ الْمِنْبَرِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ) وَإِذَا صَعِدَ عَلَيْهِ لَا يَجْلِسُ عِنْدَنَا مِعْرَاجٌ (وَ) أَنْ (يُعَلِّمَ النَّاسَ فِيهَا أَحْكَامَ) صَدَقَةِ (الْفِطْرِ) لِيُؤَدِّيَهَا مَنْ لَمْ يُؤَدِّهَا وَيَنْبَغِي تَعْلِيمُهُمْ فِي الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا لِيُخْرِجُوهَا فِي مَحَلِّهَا وَلَمْ أَرَهُ وَهَكَذَا كُلُّ حُكْمٍ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ شُرِعَتْ لِلتَّعْلِيمِ (وَلَا يُصَلِّيهَا وَحْدَهُ إنْ فَاتَتْ مَعَ الْإِمَامِ) وَلَوْ بِالْإِفْسَادِ اتِّفَاقًا فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي تَيَمُّمِ الْبَحْرِ، وَفِيهَا   [رد المحتار] تَكْبِيرِ الرُّكُوعِ الثَّانِي فَإِنَّهُ أَلْحَقَ بِهَا حَتَّى قُلْنَا بِوُجُوبِهِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ لَا رَفْعَ فِيهِ نَهْرٌ وَمَا وَقَعَ فِي الْبَحْرِ مِنْ التَّعْبِيرِ بِتَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ بِالتَّثْنِيَةِ اعْتَرَضَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِأَنَّ الْكَمَالَ صَرَّحَ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِتَرْكِ تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالِ إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْعِيدِ اهـ (قَوْلُهُ ذَلِكَ) أَيْ الرَّفْعُ (قَوْلُهُ سُنَّةٌ فِي مَحَلِّهِ) أَيْ وَالرَّفْعُ سُنَّةٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَذُو الْمَحَلِّ أَوْلَى ط (قَوْلُهُ وَلِذَا يُرْسِلُ يَدَيْهِ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ التَّكْبِيرَاتِ وَيَضَعُهُمَا بَعْدَ الثَّالِثَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِأَنَّ الْوَضْعَ سُنَّةُ قِيَامٍ طَوِيلٍ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ (قَوْلُهُ هَذَا يَخْتَلِفُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ يَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ الزِّحَامِ وَقِلَّتِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ الِاشْتِبَاهِ (قَوْلُهُ فَلَوْ خَطَبَ قَبْلَهَا إلَخْ) وَكَذَا لَوْ لَمْ يَخْطُبْ أَصْلًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: يُسَنُّ فِيهَا وَيُكْرَهُ) أَيْ إلَّا التَّكْبِيرَ وَعَدَمَ الْجُلُوسِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا فَإِنَّهُمَا سُنَّةٌ هُنَا لَا فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ: بَلْ عَشْرٌ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لِلْكُسُوفِ خُطْبَةً عِنْدَنَا وَعَلَى قَوْلِهِمَا بِأَنَّ لِلِاسْتِسْقَاءِ خُطْبَةً كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَاسْتِسْقَاءٍ) أَيْ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا مِنْ أَنَّ لَهُ خُطْبَةَ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الَّتِي بِمَكَّةَ وَعَرَفَةَ إلَخْ) وَأَمَّا الَّتِي بِمَعْنَى حَادِي عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ فَلَيْسَ تَلْبِيَةً لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ تَنْقَطِعُ بِأَوَّلِ رَمْيٍ ط (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ إلَخْ) ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ مَجْمَعِ النَّوَازِلِ وَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ إنَّهُ لَيْسَ لِلتَّكْبِيرِ عَدَدٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ أَكْثَرُ الْخُطْبَةِ التَّكْبِيرَ وَيُكَبِّرُ فِي الْأَضْحَى أَكْثَرَ مِنْ الْفِطْرِ. اهـ. قُلْت: وَإِطْلَاقُ الْعَدَدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُنَافِي تَقْيِيدَهُ بِمَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ وَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ لَا يَجْلِسُ عِنْدَنَا) لِأَنَّ الْجُلُوسَ لِانْتِظَارِ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ مِنْ الْأَذَانِ وَالْأَذَانُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي الْعِيدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْجُلُوسِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَهُ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ وَقَالَ بَعْدَهُ: وَالْعِلْمُ أَمَانَةٌ فِي عُنُقِ الْعُلَمَاءِ اهـ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي أَوَّلِ بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ الشُّمُنِّيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْطُبُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ يَأْمُرُ بِإِخْرَاجِهَا» (قَوْلُهُ وَهَكَذَا إلَخْ) هُوَ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَيُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْخَطِيبَ إذَا رَأَى حَاجَةً إلَى مَعْرِفَةِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ فَإِنَّهُ يُعَلِّمُهُمْ إيَّاهَا فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ خُصُوصًا وَفِي زَمَانِنَا لِكَثْرَةِ الْجَهْلِ وَقِلَّةِ الْعِلْمِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّمَهُمْ فِيهَا أَحْكَامَ الصَّلَاةِ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. (قَوْلُهُ مَعَ الْإِمَامِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ فَاتَتْ لَا بِ فَاتَتْ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْإِمَامَ أَدَّاهَا وَفَاتَتْ الْمُقْتَدِيَ لِأَنَّهَا لَوْ فَاتَتْ الْإِمَامَ وَالْمُقْتَدِيَ تُقْضَى كَمَا يَأْتِي أَفَادَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِالْإِفْسَادِ) أَيْ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فِيهَا مَعَ الْإِمَامِ وَفَرَغَ مِنْهَا الْإِمَامُ (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ مَا حَكَاهُ فِي الْبَحْرِ هُنَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا أَفْسَدَهَا بَعْدَ الشُّرُوعِ تُقْضَى، لِأَنَّ الشُّرُوعَ كَالنَّذْرِ فِي الْإِيجَابِ (قَوْلُهُ وَفِيهَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 يُلْغَزُ: أَيُّ رَجُلٍ أَفْسَدَ صَلَاةً وَاجِبَةً عَلَيْهِ وَلَا قَضَاءَ؟ (وَ) لَوْ أَمْكَنَهُ الذَّهَابُ إلَى إمَامٍ آخَرَ فَعَلَ لِأَنَّهَا (تُؤَدَّى بِمِصْرٍ) وَاحِدٍ (بِمَوَاضِعَ) كَثِيرَةٍ (اتِّفَاقًا) فَإِنْ عَجَزَ صَلَّى أَرْبَعًا كَالضُّحَى (وَتُؤَخَّرُ بِعُذْرٍ) كَمَطَرٍ (إلَى الزَّوَالِ مِنْ الْغَدِ فَقَطْ) فَوَقْتُهَا مِنْ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ وَتَكُونُ قَضَاءً لَا أَدَاءً كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَحَكَى الْقُهُسْتَانِيُّ قَوْلَيْنِ (وَأَحْكَامُهَا أَحْكَامُ الْأَضْحَى لَكِنْ هُنَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إلَى آخِرِ ثَالِثِ أَيَّامِ النَّحْرِ بِلَا عُذْرٍ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَبِهِ) أَيْ بِالْعُذْرِ (بِدُونِهَا) فَالْعُذْرُ هُنَا لِنَفْيِ الْكَرَاهَةِ وَفِي الْفِطْرِ لِلصِّحَّةِ (وَيُكَبِّرُ جَهْرًا) اتِّفَاقًا (فِي الطَّرِيقِ) قِيلَ، وَفِي الْمُصَلَّى وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ لَا فِي الْبَيْتِ (وَيُنْدَبُ تَأْخِيرُ أَكْلِهِ عَنْهَا) وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ،   [رد المحتار] أَيْ فِي صُورَةِ الْإِفْسَادِ وَقَوْلُهُ: وَاجِبَةً زِيَادَةً فِي الْإِلْغَازِ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ النَّفْلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ بِالْإِفْسَادِ ط (قَوْلُهُ: اتِّفَاقًا) وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْجُمُعَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ صَلَّى أَرْبَعًا كَالضُّحَى) أَيْ اسْتِحْبَابًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَيْسَ هَذَا قَضَاءً لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى كَيْفِيَّتِهَا ط. قُلْت: وَهِيَ صَلَاةُ الضُّحَى كَمَا فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ فَقَوْلُهُ تَبَعًا لِلْبَدَائِعِ كَالضُّحَى مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ فِيهَا لِلزَّوَائِدِ مِثْلَ الْعِيدِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِعُذْرٍ كَمَطَرٍ) دَخَلَ فِيهِ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ الْإِمَامُ وَمَا إذَا غُمَّ الْهِلَالُ فَشَهِدُوا بِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ، بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ جَمْعُ النَّاسِ أَوْ صَلَّاهَا فِي يَوْمِ غَيْمٍ، وَظَهَرَ أَنَّهَا وَقَعَتْ بَعْدَ الزَّوَالِ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَشَرْحِهِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَفِيهِ عَنْ الْحُجَّةِ: إمَامٌ صَلَّى الْعِيدَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ ثُمَّ عَلِمَ بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَ النَّاسُ تَوَضَّأَ وَيُعِيدُونَ وَإِنْ تَفَرَّقَ النَّاسُ لَمْ يُعِدْ بِهِمْ وَجَازَتْ صَلَاتُهُمْ صِيَانَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَأَعْمَالِهِمْ (قَوْلُهُ: فَقَطْ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: بِعُذْرٍ فَلَا تُؤَخَّرُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَإِلَى قَوْلِهِ إلَى الزَّوَالِ فَلَا تَصِحُّ بَعْدَهُ وَإِلَى قَوْلِهِ مِنْ الْغَدِ فَلَا تَصِحُّ فِيمَا بَعْدَ غَدٍ، وَلَوْ بِعُذْرٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ ط (قَوْلُهُ وَحَكَى الْقُهُسْتَانِيُّ قَوْلَيْنِ) ثُمَّ قَالَ: وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي زَكَاةِ النَّظْمِ أَنَّ لِصَلَاتِهِ يَوْمًا وَاحِدًا فِي الْأُصُولِ وَيَوْمَيْنِ فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] ذُكِرَ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: إنْ فَاتَتْ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لَمْ تُقْضَ لَكِنْ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ اخْتِلَافٌ فِي هَذَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لَكِنْ هُنَا) أَيْ فِي الْأَضْحَى (قَوْلُهُ: يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إلَخْ) وَتَكُونُ فِيمَا بَعْدَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ قَضَاءً أَيْضًا كَمَا فِي أُضْحِيَّةٍ الْبَدَائِعُ وَالزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ: بِلَا عُذْرٍ مَعَ الْكَرَاهَةِ) أَثْبَتَ فِي الْمُجْتَبَى وَالْجَوْهَرَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا الْإِسَاءَةَ بِالتَّأْخِيرِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ تَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ. قُلْت: إطْلَاقُ الْكَرَاهَةِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَالدُّرَرِ يُفِيدُ التَّحْرِيمَ، وَأَمَّا الْإِسَاءَةُ فَقَدَّمْنَا فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ الْخِلَافَ فِي أَنَّهَا دُونَ الْكَرَاهَةِ أَوْ أَفْحَشُ، وَوَفَّقْنَا بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا دُونَ التَّحْرِيمِيَّةِ وَأَفْحَشُ مِنْ التَّنْزِيهِيَّةِ (قَوْلُهُ: اتِّفَاقًا) أَمَّا فِي الْفِطْرِ فَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ فِي أَصْلِ التَّكْبِيرِ أَوْ فِي صِفَتِهِ وَهِيَ الْجَهْرُ (قَوْلُهُ قِيلَ وَفِي الْمُصَلَّى) قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَقْطَعُهُ مَا لَمْ يَفْتَتِحْ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّكْبِيرِ فَيُكَبِّرُ عَقِبَ الصَّلَاةِ جَهْرًا. اهـ. وَجَزَمَ فِي الْبَدَائِعِ بِالْأُولَى وَعَمِلَ النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لَا فِي الْبَيْتِ) أَيْ لَا يُسَنُّ وَإِلَّا فَهُوَ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ (قَوْلُهُ: وَيُنْدَبُ تَأْخِيرُ أَكْلِهِ عَنْهُمَا) أَيْ يُنْدَبُ الْإِمْسَاكُ عَمَّا يُفْطِرُ الصَّائِمَ مِنْ صُبْحِهِ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنَّ الْأَخْبَارَ عَنْ الصَّحَابَةِ تَوَاتَرَتْ فِي مَنْعِ الصِّبْيَانِ عَنْ الْأَكْلِ وَالْأَطْفَالِ عَنْ الرَّضَاعِ غَدَاةَ الْأَضْحَى قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الزَّاهِدِيِّ ط (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُضَحِّ) شَمِلَ الْمِصْرِيَّ وَالْقَرَوِيَّ وَقَيَّدَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِالْمِصْرِيِّ وَذَكَرَ أَنَّ الْقَرَوِيَّ يَذُوقُ مِنْ الصُّبْحِ لِأَنَّ الْأَضَاحِيَّ تُذْبَحُ فِي الْقُرَى مِنْ الصَّبَاحِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ: لَا يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُضَحِّ بَحْرٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 وَلَوْ أَكَلَ لَمْ يُكْرَهْ أَيْ تَحْرِيمًا (وَيُعَلِّمُ الْأُضْحِيَّةَ وَتَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ) فِي الْخُطْبَةِ (وَوُقُوفَ النَّاسِ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي غَيْرِهَا تَشْبِيهًا بِالْوَاقِفِينَ لَيْسَ بِشَيْءٍ) هُوَ نَكِرَةٌ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ أَنْوَاعَ الْعِبَادَةِ مِنْ فَرْضٍ وَوَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ فَيُفِيدُ الْإِبَاحَةَ، وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ كَذَا فِي مِسْكِينٍ. وَقَالَ الْبَاقَانِيُّ: لَوْ اجْتَمَعُوا لِشَرَفِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلِسَمَاعِ الْوَعْظِ بِلَا وُقُوفٍ وَكَشْفِ رَأْسٍ جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ اتِّفَاقًا (وَيَجِبُ تَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ) فِي الْأَصَحِّ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ إذْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ خَاصٍّ (قَوْلُهُ لَمْ يُكْرَهْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ، إذْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ خَاصٍّ. اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ تَحْرِيمًا) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ النَّهْرِ وَأَشَارَ بِهِ إلَى ثُبُوتِ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ كَلَامِ الْبَحْرِ وَلِقَوْلِ الْبَدَائِعِ إنْ شَاءَ ذَاقَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَذُقْ وَالْأَدَبُ أَنْ لَا يَذُوقَ شَيْئًا إلَى وَقْتِ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى يَكُونَ تَنَاوُلُهُ مِنْ الْقَرَابِينِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْخُطْبَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِيُعَلِّمُ وَيَنْبَغِي تَعْلِيمُ تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ فِي الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَ عِيدِ الْأَضْحَى لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: يَوْمَ عَرَفَةَ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ لِأَنَّ عَرَفَةَ اسْمُ الْيَوْمِ وَعَرَفَاتٍ اسْمُ الْمَكَانِ شُرُنْبُلَالِيَّةُ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ عَرَفَةَ، وَأَرَادَ بِهَا الْمَكَانَ تَجَوُّزًا وَالْمُرَادُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ اجْتِمَاعُهُمْ عَشِيَّةَ يَوْمِ عَرَفَةَ فِي الْجَوَامِعِ أَوْ فِي مَكَان خَارِجِ الْبَلَدِ يَتَشَبَّهُونَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ) لَعَلَّهُ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ النِّهَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ فَعَلَ ذَلِكَ بِالْبَصْرَةِ. اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ مُقَابِلَهُ مِنْ رِوَايَةِ الْأُصُولِ الْكَرَاهَةُ ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ الْأَوْلَى حَسْمًا لِمَفْسَدَةٍ اعْتِقَادِيَّةٍ تُتَوَقَّعُ مِنْ الْعَوَامّ وَنَفْسُ الْوُقُوفِ وَكَشْفُ الرُّءُوسِ يَسْتَلْزِمُ التَّشَبُّهَ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ فَالْحَقُّ أَنَّهُ إنْ عَرَضَ لِلْوُقُوفِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سَبَبٌ يُوجِبُهُ كَالِاسْتِسْقَاءِ مَثَلًا لَا يُكْرَهُ، أَمَّا قَصْدُ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِالْخُرُوجِ فِيهِ فَهُوَ مَعْنَى التَّشَبُّهِ إذَا تَأَمَّلْت. وَفِي جَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ: لَوْ اجْتَمَعُوا لِشَرَفِ ذَلِكَ الْيَوْمِ جَازَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ بِلَا وُقُوفٍ وَكَشْفٍ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحِيحَ الْكَرَاهَةُ كَمَا فِي الدُّرَرِ بَلْ فِي الْبَحْرِ أَنَّ ظَاهِرَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ وَفِي النَّهْرِ أَنَّ عِبَارَاتِهِمْ نَاطِقَةٌ بِتَرْجِيحِ الْكَرَاهَةِ وَشُذُوذِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْبَاقَانِيُّ إلَخْ) مَأْخُوذٌ مِنْ آخِرِ عِبَارَةِ الْفَتْحِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَكْرُوهَ هُوَ الْخُرُوجُ مَعَ الْوُقُوفِ وَكَشْفِ الرُّءُوسِ بِلَا سَبَبٍ مُوجِبٍ كَاسْتِسْقَاءٍ أَمَّا مُجَرَّدُ الِاجْتِمَاعِ فِيهِ عَلَى طَاعَةٍ بِدُونِ ذَلِكَ فَلَا يُكْرَهُ. مَطْلَبٌ فِي تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ تَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ) نُقِلَ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ أَنَّ التَّشْرِيقَ تَقْدِيدُ اللَّحْمِ وَبِهِ سُمِّيَتْ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ. وَنَقَلَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَالنَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ التَّكْبِيرُ فَكَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي، وَالْإِضَافَةُ فِيهِ بَيَانِيَّةٌ أَيْ التَّكْبِيرُ الَّذِي هُوَ التَّشْرِيقُ. وَبِهِ انْدَفَعَ مَا قِيلَ: إنَّ الْإِضَافَةَ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ لَا تَكْبِيرَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عِنْدَهُ وَتَمَامُهُ فِي الْأَحْكَامِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ سُنَّةٌ وَصُحِّحَ أَيْضًا لَكِنْ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى الْوُجُوبِ وَحُرِّرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ وَالْوَاجِبَ مُتَسَاوِيَانِ رُتْبَةً فِي اسْتِحْقَاقِ الْإِثْمِ بِالتَّرْكِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 لِلْأَمْرِ بِهِ (مَرَّةً) وَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا يَكُونُ فَضْلًا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ. صِفَتُهُ (اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ) هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الْخَلِيلِ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الذَّبِيحَ إسْمَاعِيلُ.   [رد المحتار] مَطْلَبٌ يُطْلَقُ اسْمُ السُّنَّةِ عَلَى الْوَاجِبِ قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ فِي بَحْثِ سُنَنِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْإِثْمَ فِي تَرْكِ السُّنَّةِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ وَحَرَّرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ تَرْكِ السُّنَّةِ التَّرْكُ بِلَا عُذْرٍ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ فَلَا إثْمَ فِي تَرْكِهَا مَرَّةً، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْوَاجِبِ فَالْأَحْسَنُ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَقَدْ سَمَّاهُ الْكَرْخِيُّ سُنَّةً ثُمَّ فَسَّرَهُ بِالْوَاجِبِ فَقَالَ: تَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ سُنَّةٌ مَاضِيَةٌ نَقَلَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ وَأَجْمَعُوا عَلَى الْعَمَلِ بِهَا، وَإِطْلَاقُ اسْمِ السُّنَّةِ عَلَى الْوَاجِبِ جَائِزٌ لِأَنَّ السُّنَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ الطَّرِيقَةِ الْمُرْضِيَةِ أَوْ السِّيرَةِ الْحَسَنَةِ، وَكُلُّ وَاجِبٍ هَذَا صِفَتُهُ. اهـ. قُلْت: وَمِنْهُ إطْلَاقُ كَثِيرٍ عَلَى الْقُعُودِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ سُنَّةٌ (قَوْلُهُ لِلْأَمْرِ بِهِ) أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] وقَوْله تَعَالَى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ كِلَيْهِمَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَقِيلَ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَالْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَإِنْ زَادَ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ قَوْلَهُ مَرَّةً بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ، لَكِنْ ذَكَرَ أَبُو السُّعُودِ أَنَّ الْحَمَوِيَّ نَقَلَ عَنْ الْقَرَاحَصَارِيِّ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِهِ مَرَّتَيْنِ خِلَافُ السُّنَّةِ. اهـ. قُلْت: وَفِي الْأَحْكَامِ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ ثُمَّ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ عُلَمَائِنَا أَنَّهُ يُكَبِّرُ مَرَّةً وَقِيلَ: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (قَوْلُهُ صِفَتُهُ إلَخْ) فَهُوَ تَهْلِيلَةٌ بَيْنَ أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ تَحْمِيدَةٌ وَالْجَهْرُ بِهِ وَاجِبٌ وَقِيلَ سُنَّةٌ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الْخَلِيلِ) وَأَصْلُهُ أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا جَاءَ بِالْفِدَاءِ خَافَ الْعَجَلَةَ عَلَى إبْرَاهِيمَ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَلَمَّا رَآهُ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ فَلَمَّا عَلِمَ إسْمَاعِيلُ الْفِدَاءَ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَذَا ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ كَمَا فِي الْفَتْحِ بَحْرٌ أَيْ هَذِهِ الْقِصَّةُ لَمْ تَثْبُتْ أَمَّا التَّكْبِيرُ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهُ ثُمَّ عُمِّمَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ، ثُمَّ قَالَ فَظَهَرَ أَنَّ جَعْلَ التَّكْبِيرَاتِ ثَلَاثًا فِي الْأَوَّلِ كَمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ لَا ثَبْتَ لَهُ. مَطْلَبٌ الْمُخْتَارُ أَنَّ الذَّبِيحَ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الذَّبِيحَ إسْمَاعِيلُ) وَفِي أَوَّلِ الْحِلْيَةِ أَنَّهُ أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ. اهـ. قُلْت: وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَرَجَّحَهُ غَالِبُ الْمُحَدِّثِينَ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ إنَّهُ الصَّحِيحُ وَالْبَيْضَاوِيُّ إنَّهُ الْأَظْهَرُ. وَفِي الْهَدْيِ أَنَّهُ الصَّوَابُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ إِسْحَاقُ مَرْدُودٌ بِأَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ وَجْهًا. نَعَمْ ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَنَسَبَهُ الْقُرْطُبِيُّ إلَى الْأَكْثَرِينَ وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الشِّفَاءِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْعَلْقَمِيِّ عِنْدَ حَدِيثِ الذَّبِيحُ إِسْحَاقُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالْحَنَفِيَّةُ مَائِلُونَ إلَى الْأَوَّلِ وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي الْبُسْتَانِ بِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. فَأَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ - {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107]- ثُمَّ قَالَ بَعْدَ قِصَّةِ الذَّبْحِ - {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ} [الصافات: 112]- الْآيَةَ. وَأَمَّا الْخَبَرُ فَمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَا ابْنُ الذَّبِيحَيْنِ» يَعْنِي أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ وَإِسْمَاعِيلَ، وَاتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ أَنَّهُ كَانَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَقَالَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّهُ كَانَ إِسْحَاقَ فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فِيهَا آمَنَّا بِهِ اهـ وَنَقَلَ ح عَنْ الْخَفَاجِيِّ فِي شَرْحِ الشِّفَاءِ أَنَّ الْأَحْسَنَ الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71]- فَإِنَّهُ مَعَ إخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى أَبَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 وَفِي الْقَامُوسِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ قَالَ: وَمَعْنَاهُ مُطِيعُ اللَّهِ (عَقِبَ كُلِّ فَرْضٍ) عَيْنِيٍّ بِلَا فَصْلٍ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ (أَدَّى بِجَمَاعَةٍ) أَوْ قُضِيَ فِيهَا مِنْهَا مِنْ عَامِهِ لِقِيَامِ وَقْتِهِ كَالْأُضْحِيَّةِ (مُسْتَحَبَّةٍ) خَرَجَ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ وَالْغُزَاةِ لَا الْعَبِيدِ فِي الْأَصَحِّ جَوْهَرَةٌ، أَوَّلُهُ (مِنْ فَجْرِ عَرَفَةَ) وَآخِرُهُ (إلَى عَصْرِ الْعِيدِ) بِإِدْخَالِ الْغَايَةِ فَهِيَ ثَمَانِ صَلَوَاتٍ وَوُجُوبُهُ (عَلَى إمَامٍ مُقِيمٍ) بِمِصْرٍ (وَ) عَلَى مُقْتَدٍ (مُسَافِرٍ أَوْ قَرَوِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ) بِالتَّبَعِيَّةِ لَكِنَّ الْمَرْأَةَ تُخَافِتُ وَيَجِبُ عَلَى مُقِيمٍ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ (وَقَالَا بِوُجُوبِهِ   [رد المحتار] بِإِتْيَانِ يَعْقُوبَ مِنْ صُلْبِ إِسْحَاقَ لَا يَتِمُّ ابْتِلَاؤُهُ بِذَبْحِهِ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ حِينَئِذٍ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِذَبْحِهِ صَغِيرًا، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بَعْدَ خُرُوجِ يَعْقُوبَ مِنْ صُلْبِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمَعْنَاهُ) أَيْ فِي الْعَرَبِيَّةِ (قَوْلُهُ عَقِبَ كُلِّ فَرْضٍ عَيْنِيٍّ) شَمِلَ الْجُمُعَةَ. وَخَرَجَ بِهِ الْوَاجِبُ كَالْوِتْرِ وَالْعِيدَيْنِ وَالنَّفَلِ. وَعِنْدَ الْبَلْخِيِّينَ يُكَبِّرُونَ عَقِبَ صَلَاةِ الْعِيدِ لِأَدَائِهَا بِجَمَاعَةٍ كَالْجُمُعَةِ وَعَلَيْهِ تَوَارُثُ الْمُسْلِمِينَ فَوَجَبَ اتِّبَاعُهُ كَمَا يَأْتِي، وَخَرَجَ بِالْعَيْنِيِّ الْجِنَازَةُ فَلَا يُكَبَّرُ عَقِبَهَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ بِلَا فَصْلٍ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ) فَلَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ تَكَلَّمَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ أَحْدَثَ عَامِدًا سَقَطَ عَنْهُ التَّكْبِيرُ وَفِي اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ رِوَايَتَانِ. وَلَوْ أَحْدَثَ نَاسِيًا بَعْدَ السَّلَامِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكَبِّرُ، وَلَا يَخْرُجُ لِلطَّهَارَةِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: أَدَّى بِجَمَاعَةٍ) خَرَجَ الْقَضَاءُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا يَأْتِي وَالِانْفِرَادُ، وَفِيهِ خِلَافُهُمَا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: أَوْ قُضِيَ فِيهَا إلَخْ) الْفِعْلُ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ مَعْطُوفٌ عَلَى أَدَّى، وَالْمَسْأَلَةُ رُبَاعِيَّةٌ فَائِتَةٌ غَيْرُ الْعِيدِ قَضَاهَا فِي أَيَّامِ الْعِيدِ فَائِتَةٌ أَيَّامَ الْعِيدِ قَضَاهَا فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْعِيدِ فَائِتَةٌ أَيَّامَ الْعِيدِ قَضَاهَا فِي أَيَّامِ الْعِيدِ مِنْ عَامٍ آخَرَ فَائِتَةٌ أَيَّامَ الْعِيدِ قَضَاهَا فِي أَيَّامِ الْعِيدِ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ وَلَا يُكَبَّرُ إلَّا فِي الْأَخِيرِ فَقَطْ كَذَا فِي الْبَحْرِ، فَقَوْلُهُ أَوْ قُضِيَ فِيهَا أَيْ فِي أَيَّامِ الْعِيدِ احْتِرَازًا عَنْ الثَّانِيَةِ، وَقَوْلُهُ: مِنْهَا أَيْ حَالَ كَوْنِ الْمَقْضِيَّةِ فِي أَيَّامِ الْعِيدِ مِنْ أَيَّامِ الْعِيدِ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْأُولَى، وَقَوْلُهُ مِنْ عَامِهِ أَيْ حَالَ كَوْنِ أَيَّامِ الْعِيدِ الَّتِي تُقْضَى فِيهَا الصَّلَاةُ الَّتِي فَاتَتْ فِي أَيَّامِ الْعِيدِ مِنْ عَامِ الْفَوَاتِ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الثَّالِثَةِ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ لِقِيَامِ وَقْتِهِ) عِلَّةٌ لِوُجُوبِ تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ فِي الْقَضَاءِ الْمَذْكُورِ ح (قَوْلُهُ كَالْأُضْحِيَّةِ) فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَفْعَلْهَا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ يَفْعَلُهَا فِي الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ إذَا كَانَتْ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ بِخِلَافِ أُضْحِيَّةِ عَامٍ سَابِقٍ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ؛ حَتَّى لَوْ أَمَّ الْعَبْدُ قَوْمًا وَجَبَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ التَّكْبِيرُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوَّلُهُ مِنْ فَجْرِ عَرَفَةَ) أَيْ فِي ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ ظُهْرِ النَّحْرِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ كَمَا فِي الْمُحِيطِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَهِيَ ثَمَانٍ) بِإِظْهَارِ الْإِعْرَابِ أَوْ بِإِعْرَابِ الْمَنْقُوصِ ط وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ النَّوَافِلِ اشْتِقَاقَهُ وَإِعْرَابَهُ (قَوْلُهُ وَوُجُوبُهُ عَلَى إمَامٍ) تَقْدِيرًا لِمُبْتَدَإٍ غَيْرِ لَازِمٍ لِأَنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ يَجِبُ وَلَكِنْ قَدَّرَهُ لِبُعْدِ الْفَصْلِ (قَوْلُهُ مُقِيمٍ بِمِصْرٍ) فَلَا يَجِبُ عَلَى قَرَوِيٍّ وَلَا مُسَافِرٍ وَلَوْ صَلَّى الْمُسَافِرُونَ فِي الْمِصْرِ جَمَاعَةً عَلَى الْأَصَحِّ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ أَيْ الْأَصَحُّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَلَاةَ الْقَرَوِيِّينَ فِي الْمِصْرِ كَذَلِكَ تَأَمَّلْ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَالْمُتَبَادَرُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُقِيمُ صَحِيحًا فَإِذَا صَلَّى الْمَرِيضُ بِجَمَاعَةٍ لَمْ يُكَبِّرُوا كَمَا فِي الْجَلَّابِيِّ (قَوْلُهُ: وَعَلَى مُقْتَدٍ) أَيْ وَلَوْ مُتَنَفِّلًا بِمُفْتَرِضٍ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ مُسَافِرٍ إلَخْ) لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ بَلْ لِأَنَّ غَيْرَهُمْ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ بِالتَّبَعِيَّةِ) رَاجِعٌ إلَى الثَّلَاثَةِ ط (قَوْلُهُ تُخَافِتُ) لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ كَمَا فِي الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ عَلَى مُقِيمٍ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بَحْثٌ لِصَاحِبِ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، حَيْثُ قَالَ عِنْدَ قَوْلِ الدُّرَرِ وَلَا عَلَى إمَامٍ مُسَافِرٍ. أَقُولُ: عَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَى مَنْ اقْتَدَى بِهِ مِنْ الْمُقِيمِينَ لِوِجْدَانِ الشَّرْطِ فِي حَقِّهِمْ اهـ. قُلْت: وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ بِالتَّبَعِيَّةِ لِأَنَّهَا فِيمَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ دُونَ الْمُؤْتَمِّ تَأَمَّلْ، لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 فَوْرَ كُلِّ فَرْضٍ مُطْلَقًا) وَلَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ مُسَافِرًا أَوْ امْرَأَةً لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمَكْتُوبَةِ (إلَى) عَصْرِ الْيَوْمِ الْخَامِسِ (آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ) وَالْعَمَلُ وَالْفَتْوَى فِي عَامَّةِ الْأَمْصَارِ وَكَافَّةِ الْأَعْصَارِ. وَلَا بَأْسَ بِهِ عَقِبَ الْعِيدِ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ تَوَارَثُوهُ فَوَجَبَ اتِّبَاعُهُمْ، وَعَلَيْهِ الْبَلْخِيُّونَ، وَلَا يُمْنَعُ الْعَامَّةُ مِنْ التَّكْبِيرِ فِي الْأَسْوَاقِ فِي الْأَيَّامِ الْعَشْرِ وَبِهِ نَأْخُذُ بَحْرٌ وَمُجْتَبَى وَغَيْرُهُ (وَيَأْتِي الْمُؤْتَمُّ بِهِ) وُجُوبًا (وَإِنْ تَرَكَهُ إمَامُهُ) لِأَدَائِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: صَلَّيْت بِهِمْ الْمَغْرِبَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَسَهَوْت أَنْ أُكَبِّرَ فَكَبَّرَ بِهِمْ أَبُو حَنِيفَةَ (وَالْمَسْبُوقُ يُكَبِّرُ) وُجُوبًا كَاللَّاحِقِ لَكِنْ (عَقِبَ الْقَضَاءِ) لِمَا فَاتَهُ، وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ لَا تَفْسُدُ، وَلَوْ لَبَّى فَسَدَتْ (وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ بِسُجُودِ السَّهْوِ) لِوُجُوبِهِ فِي تَحْرِيمَتِهَا (ثُمَّ بِالتَّكْبِيرِ) لِوُجُوبِهِ فِي حُرْمَتِهَا   [رد المحتار] عَنْ الْحَمَوِيِّ مَا نَصُّهُ: وَفِي هِدَايَةِ النَّاطِفِيِّ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ فَصَلَّى بِالْجَمَاعَةِ وَخَلْفَهُ أَهْلُ الْمِصْرِ فَلَا تَكْبِيرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِمْ التَّكْبِيرُ اهـ وَالْمُرَادُ الْإِمَامُ الْمُسَافِرُ دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ كَلَامِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَوْرَ كُلِّ فَرْضٍ) بِأَنْ يَأْتِيَ بِهِ بِلَا فَصْلٍ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ كَمَا مَرَّ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمَكْتُوبَةِ) فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ إلَخْ) هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْإِمَامُ وَصَاحِبَاهُ فَالْعِبْرَةُ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي آخِرِ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ أَوْ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمَا فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مَرْوِيٌّ عَنْهُ أَيْضًا، وَإِلَّا فَكَيْفَ يُفْتَى بِقَوْلِ غَيْرِ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ. وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ تَرْجِيحِ قَوْلِهِ هُنَا وَرَدُّ فَتْوَى الْمَشَايِخِ بِقَوْلِهِمَا بَحْرٌ. مَطْلَبٌ كَلِمَةُ لَا بَأْسَ قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنْدُوبِ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ إلَخْ) كَلِمَةُ لَا بَأْسَ قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنْدُوبِ كَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ الْجَنَائِزِ وَالْجِهَادِ وَمِنْهُ هَذَا الْمَوْضِعُ لِقَوْلِهِ فَوَجَبَ اتِّبَاعُهُمْ (قَوْلُهُ فَوَجَبَ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ الثُّبُوتُ لَا الْوُجُوبُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى: وَالْبَلْخِيُّونَ يُكَبِّرُونَ عَقِبَ صَلَاةِ الْعِيدِ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى بِجَمَاعَةٍ فَأَشْبَهَتْ الْجُمُعَةَ اهـ وَهُوَ يُفِيدُ الْوُجُوبَ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ وَلَا يُمْنَعُ الْعَامَّةُ إلَخْ) فِي الْمُجْتَبَى قِيلَ لِأَبِي حَنِيفَةَ يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهَا أَنْ يُكَبِّرُوا أَيَّامَ الْعَشْرِ فِي الْأَسْوَاقِ وَالْمَسَاجِدِ قَالَ نَعَمْ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ يُوسُفَ كَانَ يُفْتِي بِالتَّكْبِيرِ فِيهَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُمْنَعَ الْعَامَّةُ عَنْهُ لِقِلَّةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرِ وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ فَأَفَادَ أَنَّ فِعْلَهُ أَوْلَى (قَوْلُهُ بَحْرٌ وَمُجْتَبَى) الْأَوْلَى بَحْرٌ عَنْ الْمُجْتَبَى ط (قَوْلُهُ: وَيَأْتِي الْمُؤْتَمُّ بِهِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ قَرَوِيًّا أَوْ امْرَأَةً عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهِمْ بِالتَّبَعِيَّةِ لَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ تَبَعٌ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ بَعْدَ وُجُوبِهِ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَهُ تَبَعًا لَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِأَدَائِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ) أَيْ فَلَا يُعَدُّ بِهِ مُخَالِفًا لِلْإِمَامِ بِخِلَافِ سُجُودِ السَّهْوِ فَإِنَّهُ يَتْرُكُهُ إذَا تَرَكَهُ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ ط (قَوْلُهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إلَخْ) تَضَمَّنَتْ الْحِكَايَةُ مِنْ الْفَوَائِدِ الْحُكْمِيَّةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُكَبِّرْ الْإِمَامُ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُقْتَدِي وَالْعُرْفِيَّةِ جَلَالَةُ قَدْرِ أَبِي يُوسُفَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِظَمُ مَنْزِلَةِ الْإِمَامِ فِي قَلْبِهِ حَيْثُ نَسِيَ مَا لَا يُنْسَى عَادَةً حِينَ عَلَّمَهُ خَلْفَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَادَةَ نِسْيَانُ التَّكْبِيرِ الْأَوَّلِ فِي الْفَجْرِ فَأَمَّا بَعْدَ تَوَالِي ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ فَلَا لِعَدَمِ بُعْدِ الْعَهْدِ بِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا تَفْسُدُ) لِأَنَّهُ ذَكَرَ. وَعَنْ الْحَسَنِ يُتَابِعُهُ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَلَا يُعِيدُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَبَّى فَسَدَتْ) لِأَنَّهُ خِطَابُ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ يُخَاطِبُ اللَّهَ - تَعَالَى - بِهَا فَكَانَتْ ذِكْرًا كَمَا فِي الْمُجْتَبَى إسْمَاعِيلُ. قُلْت: الْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهَا تُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك إلَخْ خِطَابٌ لِلَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ لِوُجُوبِهِ فِي تَحْرِيمَتِهَا) أَيْ فِي حَالِ بَقَاءِ تَحْرِيمَتِهَا الَّتِي يُحْرِمُ بِهَا، وَلِذَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ فِيهِ (قَوْلُهُ فِي حُرْمَتِهَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 (ثُمَّ بِالتَّلْبِيَةِ لَوْ مُحْرِمًا) لِعَدَمِهِمَا خُلَاصَةٌ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: لَوْ بَدَأَ بِالتَّلْبِيَةِ سَقَطَ السُّجُودُ وَالتَّكْبِيرُ. بَابُ الْكُسُوفِ مُنَاسَبَتُهُ إمَّا مِنْ حَيْثُ الِاتِّحَادُ أَوْ التَّضَادُّ ثُمَّ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ بِالْكَافِ وَالْخَاءِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ (يُصَلِّي بِالنَّاسِ مَنْ يَمْلِكُ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ) بَيَانٌ لِلْمُسْتَحَبِّ وَمَا فِي السِّرَاجِ لَا بُدَّ مِنْ شَرَائِطِ الْجُمُعَةِ إلَّا الْخُطْبَةَ رَدَّهُ فِي الْبَحْرِ   [رد المحتار] الْمُرَادُ بِهِ عَقِبَهَا بِلَا فَاصِلٍ حَتَّى لَوْ فَصَلَ سَقَطَ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِهِمَا) أَيْ لِعَدَمِ وُجُوبِهَا فِي تَحْرِيمَتِهَا وَلَا فِي حُرْمَتِهَا (قَوْلُهُ: سَقَطَ السُّجُودُ وَالتَّكْبِيرُ) لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ تُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ، وَكَلَامُ النَّاسِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ فَكَذَا هِيَ وَسُجُودُ السَّهْوِ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي التَّحْرِيمَةِ، وَلَا تَحْرِيمَةَ، وَالتَّكْبِيرُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مُتَّصِلًا، وَقَدْ زَالَ الِاتِّصَالُ بَدَائِعُ وَلَعَلَّ وَجْهَ كَوْنِهِ يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ أَنَّ مَنْ نَادَى رَجُلًا يُجِيبُهُ بِقَوْلِهِ لَبَّيْكَ، وَقَدْ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: إذَا قَالَ اللَّهُمَّ أَعْطِنِي دِرْهَمًا زَوِّجْنِي امْرَأَةً تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ صِيغَتَهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَإِنْ خَاطَبَ اللَّهَ تَعَالَى بِهِ فَكَانَ مُفْسِدًا بِصِيغَتِهِ اهـ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - مَطْلَبٌ فِي إزَالَةِ الشَّعْرِ وَالظُّفُرِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ [خَاتِمَةٌ] قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَفِي الْمُضْمَرَاتِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ فِي تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ فِي الْعَشْرِ أَيْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ قَالَ لَا تُؤَخَّرُ السُّنَّةُ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ التَّأْخِيرُ اهـ وَمِمَّا وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَأَرَادَ بَعْضُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَأْخُذَنَّ شَعْرًا وَلَا يُقَلِّمَنَّ ظُفُرًا» فَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ دُونَ الْوُجُوبِ بِالْإِجْمَاعِ، فَظَهَرَ قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ التَّأْخِيرُ إلَّا أَنَّ نَفْيَ الْوُجُوبِ لَا يُنَافِي الِاسْتِحْبَابَ فَيَكُونُ مُسْتَحَبًّا إلَّا إنْ اسْتَلْزَمَ الزِّيَادَةَ عَلَى وَقْتِ إبَاحَةِ التَّأْخِيرِ وَنِهَايَتُهُ مَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ فَلَا يُبَاحُ فَوْقَهَا. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: الْأَفْضَلُ أَنْ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ وَيَقُصَّ شَارِبَهُ وَيَحْلِقَ عَانَتَهُ وَيُنَظِّفَ بَدَنَهُ بِالِاغْتِسَالِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ، وَإِلَّا فَفِي كُلِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَا عُذْرَ فِي تَرْكِهِ وَرَاءَ الْأَرْبَعِينَ وَيَسْتَحِقُّ الْوَعِيدَ فَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ وَالثَّانِي الْأَوْسَطُ وَالْأَرْبَعُونَ الْأَبْعَدُ اهـ. [بَابُ الْكُسُوفِ] أَيْ صَلَاتُهُ وَهِيَ سُنَّةٌ كَمَا سَيَأْتِي وَالْكُسُوفُ مَصْدَرُ اللَّازِمِ وَالْكَسْفُ مَصْدَرُ الْمُتَعَدِّي يُقَالُ كَسَفَتْ الشَّمْسُ كُسُوفًا وَكَسَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى كَسْفًا وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ الِاتِّحَادُ) أَيْ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ يُؤَدَّى بِالْجَمَاعَةِ نَهَارًا بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ التَّضَادُّ أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْجَمَاعَةَ فِي الْعِيدِ شَرْطٌ، وَالْجَهْرُ فِيهَا وَاجِبٌ بِخِلَافِ الْكُسُوفِ. اهـ. ح أَوْ لِأَنَّ لِلْإِنْسَانِ حَالَتَيْنِ حَالَةَ السُّرُورِ وَالْفَرَحِ، وَحَالَةَ الْحُزْنِ وَالتَّرَحِ، وَقَدَّمَ حَالَةَ السُّرُورِ عَلَى حَالِ التَّرَحِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَالْأَشْهَرُ فِي أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ تَخْصِيصُ الْكُسُوفِ بِالشَّمْسِ وَالْخُسُوفِ بِالْقَمَرِ وَادَّعَى الْجَوْهَرِيُّ أَنَّهُ الْأَفْصَحُ، وَقِيلَ: هُمَا فِيهِمَا سَوَاءٌ. اهـ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: إنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْكَثِيرُ الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ، وَإِنَّ مَا وَقَعَ الْحَدِيثُ مِنْ كُسُوفِهِمَا وَخُسُوفِهِمَا فَلِلتَّغْلِيبِ (قَوْلُهُ مَنْ يَمْلِكُ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ لِكُلِّ إمَامِ مَسْجِدٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِجَمَاعَةٍ فِي مَسْجِدِهِ وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُقِيمُهَا إلَّا الَّذِي يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (نَهْرٌ قَوْلُهُ: بَيَانٌ لِلْمُسْتَحَبِّ) أَيْ قَوْلُهُ: يُصَلِّي بِالنَّاسِ بَيَانُ الْمُسْتَحَبِّ، وَهُوَ فِعْلُهَا بِالْجَمَاعَةِ، أَيْ إذَا وُجِدَ إمَامُ الْجُمُعَةِ، وَإِلَّا فَلَا تُسْتَحَبُّ الْجَمَاعَةُ بَلْ تُصَلَّى فُرَادَى؛ إذْ لَا يُقِيمُهَا غَيْرُهُ كَمَا عَلِمْته (قَوْلُهُ: رَدَّهُ فِي الْبَحْرِ) أَيْ بِتَصْرِيحِ الْإِسْبِيجَابِيِّ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ الْإِمَامُ وَالْوَقْتُ أَيْ الَّذِي يُبَاحُ فِيهِ التَّطَوُّعُ وَالْمَوْضِعُ أَيْ مُصَلَّى الْعِيدِ أَوْ الْمَسْجِدُ الْجَامِعُ. اهـ. قَوْلُهُ: الْإِمَامُ أَيْ الِاقْتِدَاءُ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 عِنْدَ الْكُسُوفِ (رَكْعَتَيْنِ) بَيَانٌ لِأَقَلِّهَا، وَإِنْ شَاءَ أَرْبَعًا أَوْ أَكْثَرَ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ كُلَّ أَرْبَعٍ مُجْتَبَى وَصِفَتُهَا (كَالنَّفْلِ) أَيْ بِرُكُوعٍ وَاحِدٍ فِي غَيْرِ وَقْتٍ مَكْرُوهٍ (بِلَا أَذَانٍ وَ) لَا (إقَامَةٍ وَ) لَا (جَهْرٍ وَ) لَا (خُطْبَةٍ) وَيُنَادِي: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ لِيَجْتَمِعُوا (وَيُطِيلُ فِيهَا الرُّكُوعَ) وَالسُّجُودَ (وَالْقِرَاءَةَ) وَالْأَدْعِيَةَ وَالْأَذْكَارَ الَّذِي هُوَ مِنْ خَصَائِصِ النَّافِلَةِ ثُمَّ يَدْعُو بَعْدَهَا   [رد المحتار] وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا تَصِحُّ بِالْجَمَاعَةِ وَبِدُونِهَا، وَالْمُسْتَحَبُّ الْأَوَّلُ لَكِنْ إذَا صُلِّيَتْ بِجَمَاعَةٍ لَا يُقِيلُهَا إلَّا السُّلْطَانُ وَمَأْذُونُهُ كَمَا مَرَّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَكَوْنُ الْجَمَاعَةِ مُسْتَحَبَّةً فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَا فِي السِّرَاجِ مِنْ جَعْلِهَا شَرْطًا كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ عِنْدَ الْكُسُوفِ) فَلَوْ انْجَلَتْ لَمْ تُصَلَّ بَعْدَهُ، وَإِذَا انْجَلَى بَعْضُهَا جَازَ ابْتِدَاءُ الصَّلَاةِ، وَإِنْ سَتَرَهَا سَحَابٌ أَوْ حَائِلٌ صَلَّى لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، وَإِنْ غَرَبَتْ كَاسِفَةً أَمْسَكَ عَنْ الدُّعَاءِ وَصَلَّى الْمَغْرِبَ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ أَرْبَعًا أَوْ أَكْثَرَ إلَخْ) هَذَا غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ هُوَ الرَّكْعَتَانِ ثُمَّ الدُّعَاءُ إلَى أَنْ تَنْجَلِيَ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. قُلْت: نَعَمْ فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ لَوْ لَمْ يُقِمْهَا الْإِمَامُ صَلَّى النَّاسُ فُرَادَى رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا وَذَلِكَ أَفْضَلُ (قَوْلُهُ أَيْ بِرُكُوعٍ وَاحِدٍ) وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ وَالْأَدِلَّةُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ وَقْتٍ مَكْرُوهٍ) لِأَنَّ النَّوَافِلَ لَا تُصَلَّى فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا، وَهَذِهِ نَافِلَةٌ جَوْهَرَةٌ، وَمَا مَرَّ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ مَنْ جَعْلِهِ الْوَقْتَ مُسْتَحَبًّا قَالَ فِي الْبَحْرِ لَا يَصِحُّ. قَالَ ط وَفِي الْحَمَوِيِّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ عَنْ الْمُلْتَقَطِ إذَا انْكَسَفَتْ بَعْدَ الْعَصْرِ أَوْ نِصْفَ النَّهَارِ دَعَوْا وَلَمْ يُصَلُّوا (قَوْلُهُ بِلَا أَذَانٍ إلَخْ) تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ كَالنَّفْلِ ط (قَوْلُهُ وَلَا جَهْرٍ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجْهَرُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا خُطْبَةٍ) قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَلَا يَخْطُبُ عِنْدَنَا فِيهَا بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي التُّحْفَةِ وَالْمُحِيطِ وَالْكَافِي وَالْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا لَكِنْ فِي النَّظْمِ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ بِالِاتِّفَاقِ وَنَحْوُهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَقَاضِي خَانْ اهـ وَعَلَى الثَّانِي يُبْتَنَى مَا مَرَّ فِي بَابِ الْعِيدِ مِنْ عَدِّ الْخُطَبِ عَشْرًا. لَكِنَّ الْمَشْهُورَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمَا وَرَدَ مِنْ خُطْبَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَوْمَ مَاتَ ابْنُهُ إبْرَاهِيمُ وَكَسَفَتْ الشَّمْسُ فَإِنَّمَا كَانَ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّهَا كَسَفَتْ لِمَوْتِهِ لَا لِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ لَهُ؛ وَلِذَا خَطَبَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعْدَ الِانْجِلَاءِ وَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَهُ لَخَطَبَ قَبْلَهُ كَالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ (قَوْلُهُ وَيُنَادَى إلَخْ) أَيْ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ) بِنَصْبِهِمَا أَيْ اُحْضُرُوا الصَّلَاةَ فِي حَالِ كَوْنِهَا جَامِعَةً، وَرَفْعِهِمَا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ، وَنَصْبِ الْأَوَّلِ مَفْعُولَ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ وَرَفْعِ الثَّانِي خَبَرَ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هِيَ جَامِعَةٌ وَعَكْسُهُ أَيْ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ حَالَ كَوْنِهَا جَامِعَةً رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ لِيَجْتَمِعُوا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُونُوا اجْتَمَعُوا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَيُطِيلُ فِيهَا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَالْقِرَاءَةَ) نَقَلَ ذَلِكَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ أَيْ لِوُرُودِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ بِذَلِكَ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: فَيَقْرَأُ أَيْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ كَمَا فِي التُّحْفَةِ. وَالْإِطْلَاقُ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ يَقْرَأُ مَا أَحَبَّ فِي سَائِرِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ اهـ وَيَجُوزُ تَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ وَتَخْفِيفُ الدُّعَاءِ وَبِالْعَكْسِ وَإِذَا خَفَّفَ أَحَدَهُمَا طَوَّلَ الْآخَرَ لِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَبْقَى عَلَى الْخُشُوعِ وَالْخَوْفِ إلَى انْجِلَاءِ الشَّمْسِ فَأَيَّ ذَلِكَ فَعَلَ فَقَدْ وُجِدَ جَوْهَرَةٌ قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ كَرَاهَةِ تَطْوِيلِ الْإِمَامِ الصَّلَاةَ وَلَوْ خَفَّفَهَا جَازَ، وَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّ السُّنَّةَ التَّطْوِيلُ، وَالْمَنْدُوبُ مُجَرَّدُ اسْتِيعَابِ الْوَقْتِ أَيْ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ الَّذِي هُوَ مِنْ خَصَائِصِ النَّافِلَةِ) صِفَةٌ لِلتَّطْوِيلِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ وَيُطِيلُ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْبَحْرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَدْعِيَةَ وَالْأَذْكَارَ يَأْتِي بِهَا فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ غَيْرَ الْأَدْعِيَةِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ لَا تُشْرَعُ فِيهِمَا الْقِرَاءَةُ فَلَمْ يَبْقَ فِي تَطْوِيلِهِمَا إلَّا زِيَادَةُ الْأَدْعِيَةِ وَالْأَذْكَارِ مِنْ تَسْبِيحٍ وَنَحْوِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَدْعُو بَعْدَهَا) لِأَنَّهُ السُّنَّةُ فِي الْأَدْعِيَةِ بَحْرٌ وَلَعَلَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ الدُّعَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 جَالِسًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَوْ قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ النَّاسِ وَالْقَوْمُ يُؤَمِّنُونَ (حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ كُلُّهَا، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْإِمَامُ) لِلْجُمُعَةِ (صَلَّى النَّاسُ فُرَادَى) فِي مَنَازِلِهِمْ تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ (كَالْخُسُوفِ) لِلْقَمَرِ (وَالرِّيحِ) الشَّدِيدَةِ (وَالظُّلْمَةِ) الْقَوِيَّةِ نَهَارًا وَالضَّوْءِ الْقَوِيِّ لَيْلًا (وَالْفَزَعِ) الْغَالِبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الْمَخُوفَةِ كَالزَّلَازِلِ وَالصَّوَاعِقِ وَالثَّلْجِ وَالْمَطَرِ الدَّائِمَيْنِ وَعُمُومِ الْأَمْرَاضِ، وَمِنْهُ الدُّعَاءُ بِرَفْعِ الطَّاعُونِ وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: بِدْعَةٌ أَيْ حَسَنَةٌ، وَكُلُّ طَاعُونٍ وَبَاءٌ وَلَا عَكْسَ، وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ. وَفِي الْعَيْنِيِّ: صَلَاةُ الْكُسُوفِ سُنَّةٌ: وَاخْتَارَ فِي الْأَسْرَارِ وُجُوبَهَا صَلَاةُ الْخُسُوفِ حَسَنَةٌ وَكَذَا الْبَقِيَّةُ. وَفِي الْفَتْحِ: وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِنَانِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ فَلِذَا أَخَّرَهَا.   [رد المحتار] قَبْلَهَا لِأَنَّهُ يَدْعُو فِيهَا كَمَا عَلِمْت تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَوْ قَائِمًا) قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَهَذَا أَحْسَنُ وَلَوْ اعْتَمَدَ عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصًا كَانَ حَسَنًا وَلَا يَصْعَدُ الْمِنْبَرَ لِلدُّعَاءِ وَلَا يَخْرُجُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ يُؤَمِّنُونَ) أَيْ عَلَى دُعَائِهِ (قَوْلُهُ كُلُّهَا) أَيْ الْمُرَادُ كَمَالُ الِانْجِلَاءِ لَا ابْتِدَاؤُهُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: صَلَّى النَّاسُ فُرَادَى) أَيْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا وَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالنِّسَاءُ يُصَلِّينَهَا فُرَادَى كَمَا فِي الْأَحْكَامِ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ (قَوْلُهُ فِي مَنَازِلِهِمْ) هَذَا عَلَى مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَوْ فِي مَسَاجِدِهِمْ عَلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَعَزَاهُ فِي الْمُحِيطِ إلَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ إسْمَاعِيلَ (قَوْلُهُ تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ) أَيْ فِتْنَةِ التَّقْدِيمِ وَالتَّقَدُّمِ وَالْمُنَازَعَةِ فِيهِمَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَإِنْ شَاءُوا دَعَوْا، وَلَمْ يُصَلُّوا غِيَاثِيَّةٌ، وَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ سِرَاجِيَّةٌ كَذَا فِي الْأَحْكَامِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ (قَوْلُهُ كَالْخُسُوفِ لِلْقَمَرِ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ يُصَلُّونَ فُرَادَى سَوَاءٌ حَضَرَ الْإِمَامُ أَوْ لَا كَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ إسْمَاعِيلَ لِأَنَّ مَا وَرَدَ مِنْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّاهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالْجَمَاعَةِ فِيهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى وَقِيلَ: الْجَمَاعَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْفَزَعِ) أَيْ الْخَوْفِ الْغَالِبِ مِنْ الْعَدُوِّ بَحْرٌ وَدُرَرٌ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الدُّعَاءُ بِرَفْعِ الطَّاعُونِ) أَيْ مِنْ عُمُومِ الْأَمْرَاضِ وَأَرَادَ بِالدُّعَاءِ الصَّلَاةَ لِأَجْلِ الدُّعَاءِ قَالَ فِي النَّهْرِ: فَإِذَا اجْتَمَعُوا صَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ رَكْعَتَيْنِ يَنْوِي بِهِمَا رَفْعَهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ حَوَادِثِ الْفَتْوَى. اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ حَسَنَةٌ) كَذَا فِي النَّهْرِ. قُلْت: وَالْبِدْعَةُ تَعْتَرِيهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَيْسَ دُعَاءً بِرَفْعِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا أَثَرُهُ لَا عَيْنُهُ. اهـ. قُلْت: عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْهُ إذَا أَفْرَطَ وَأَضَرَّ كَالْمَطَرِ الدَّائِمِ مَعَ أَنَّ الْمَطَرَ رَحْمَةٌ. قَالَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَيْخِهِ: وَمِنْ أَدِلَّةِ مَشْرُوعِيَّتِهِ أَنَّ غَايَةَ أَمْرِهِ أَنْ يَكُونَ كَمُلَاقَاةِ الْعَدُوِّ وَقَدْ ثَبَتَ سُؤَالُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْعَافِيَةَ مِنْهُ فَيَكُونُ دُعَاءً بِرَفْعِ الْمُنْشَأِ (قَوْلُهُ وَكُلُّ طَاعُونٍ وَبَاءٌ إلَخْ) لِأَنَّ الْوَبَاءَ اسْمٌ لِكُلِّ مَرَضٍ عَامٍّ نَهْرٌ، وَالطَّاعُونُ وَالْمَرَضُ الْعَامُّ بِسَبَبِ وَخْزِ الْجِنِّ ح، وَهَذَا بَيَانٌ لِدُخُولِ الطَّاعُونِ فِي عُمُومِ الْأَمْرَاضِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَإِنْ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى الطَّاعُونِ بِخُصُوصٍ (قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ) أَيْ فِي أَوَاخِرِهَا، وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ فِي الْأَسْرَارِ وُجُوبَهَا) قُلْت: وَرَجَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ لِلْأَمْرِ بِهَا فِي الْحَدِيثِ لَكِنْ فِي الْعِنَايَةِ أَنَّ الْعَامَّةَ عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهَا تُوجَدُ بِعَارِضٍ لَكِنْ صَلَّاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَتْ سُنَّةً وَالْأَمْرُ لِلنَّدْبِ اهـ وَقَوَّاهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ حَسَنَةٌ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا النَّدْبُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إنَّهَا حَسَنَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَأَيْتُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَفْزَاعِ شَيْئًا فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ» (قَوْلُهُ وَكَذَا الْبَقِيَّةُ) أَيْ صَلَاةُ الرِّيحِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا حَسَنَةٌ ح (قَوْلُهُ وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِنَانِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ) أَيْ فِي أَصْلِ مَشْرُوعِيَّتِهَا أَوْ كَوْنِهَا بِجَمَاعَةٍ كَمَا يَأْتِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: فَلِذَا أَخَّرَهَا) أَيْ وَقَدَّمَ مَا اُتُّفِقَ عَلَى اسْتِنَانِهِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى صِفَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالْحُضُورِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ (هُوَ دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ) لِأَنَّهُ السَّبَبُ لِإِرْسَالِ الْأَمْطَارِ (بِلَا جَمَاعَةٍ) مَسْنُونَةٌ بَلْ هِيَ جَائِزَةٌ (وَ) بِلَا (خُطْبَةٍ) وَقَالَا: تُفْعَلُ كَالْعِيدِ وَهَلْ يُكَبِّرُ لِلزَّوَائِدِ؟ خِلَافٌ (وَ) بِلَا (قَلْبِ رِدَاءٍ) خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (وَ) بِلَا (حُضُورِ ذِمِّيٍّ)   [رد المحتار] [بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ] ِ هُوَ لُغَةً: طَلَبُ السَّقْيِ وَإِعْطَاءُ مَا يَشْرَبُهُ وَالِاسْمُ السُّقْيَا بِالضَّمِّ. وَشَرْعًا: طَلَبُ إنْزَالِ الْمَطَرِ بِكَيْفِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ بِأَنْ يُحْبَسَ الْمَطَرُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَوْدِيَةٌ وَآبَارٌ وَأَنْهَارٌ يَشْرَبُونَ مِنْهَا وَيَسْقُونَ مَوَاشِيَهُمْ وَزَرْعَهُمْ أَوْ كَانَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَكْفِي فَإِذَا كَانَ كَافِيًا لَا يُسْتَسْقَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ قُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ هُوَ دُعَاءٌ) وَذَلِكَ أَنْ يَدْعُوَ الْإِمَامُ قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ، وَالنَّاسُ قُعُودٌ مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَائِهِ بِاللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مُرِيعًا غَدَقًا مُجَلَّلًا سَحًّا طَبَقًا دَائِمًا وَمَا أَشْبَهَهُ سِرًّا وَجَهْرًا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَشَرْحِ أَلْفَاظِهِ فِي الْإِمْدَادِ وَزَادَ فِيهِ أَدْعِيَةً أُخَرَ (قَوْلُهُ: وَاسْتِغْفَارٌ) مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّهُ الدُّعَاءُ بِخُصُوصِ الْمَغْفِرَةِ أَوْ يُرَادُ بِالدُّعَاءِ طَلَبُ الْمَطَرِ خَاصَّةً فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ عَطْفِ الْمُغَايِرِ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ السَّبَبُ) بِدَلِيلِ أَنْ رَتَّبَ إرْسَالَ الْمَطَرِ عَلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} [نوح: 10] الْآيَةَ (قَوْلُهُ بِلَا جَمَاعَةٍ) كَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ لَهُ صَلَاةٌ بِلَا جَمَاعَةٍ كَمَا قَالَ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ ح وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُصَلِّي الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ ثُمَّ يَخْطُبُ أَيْ يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: بَلْ هِيَ) أَيْ الْجَمَاعَةُ جَائِزَةٌ لَا مَكْرُوهَةٌ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي السُّنِّيَّةِ لَا فِي أَصْلِ الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَالْكَنْزِ يُفِيدُ عَدَمَ الْمَشْرُوعِيَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْفَتْحِ تَرْجِيحُهُ. وَذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُتَّجَهٌ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ فَلْيَكُنْ عَلَيْهِ التَّعْوِيلُ اهـ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ بَعْدَ سَوْقِهِ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ. فَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْأَحَادِيثَ لَمَّا اخْتَلَفَتْ فِي الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ وَعَدَمِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَصِحُّ بِهِ إثْبَاتُ السُّنِّيَّةِ لَمْ يَقُلْ أَبُو حَنِيفَةَ بِسُنِّيَّتِهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا قَوْلُهُ بِأَنَّهَا بِدْعَةٌ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ بَعْضُ الْمُتَعَصِّبِينَ بَلْ هُوَ قَائِلٌ بِالْجَوَازِ اهـ: قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّدْبُ وَالِاسْتِحْبَابُ لِقَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ قُلْنَا: «إنَّهُ فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى» فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً اهـ أَيْ لِأَنَّ السُّنَّةَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ وَالْفِعْلُ مَرَّةً مَعَ التَّرْكِ أُخْرَى يُفِيدُ النَّدْبَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَالْعِيدِ) أَيْ بِأَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ ثُمَّ يَخْطُبَ بَعْدَهَا قَائِمًا عَلَى الْأَرْضِ مُعْتَمِدًا عَلَى قَوْسٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ عَصًا خُطْبَتَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَخُطْبَةً وَاحِدَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ خِلَافٌ) فَفِي رِوَايَةِ ابْنِ كَاسٍ عَنْ مُحَمَّدٍ يُكَبِّرُ الزَّوَائِدَ كَمَا فِي الْعِيدِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ يَقُولُ يَقْلِبُ الْإِمَامُ رِدَاءَهُ إذَا مَضَى صَدْرٌ مِنْ خُطْبَتِهِ، فَإِنْ كَانَ مُرَبَّعًا جَعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَأَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ، وَإِنْ كَانَ مُدَوَّرًا جَعَلَ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ وَالْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ، وَإِنْ كَانَ قَبَاءً جَعَلَ الْبِطَانَةَ خَارِجًا، وَالظِّهَارَةَ دَاخِلًا حِلْيَةٌ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ وَاخْتَارَ الْقُدُورِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ نَهْرٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَمَّا الْقَوْمُ فَلَا يَقْلِبُونَ أَرْدِيَتَهُمْ عِنْدَ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِمَالِكٍ (قَوْلُهُ وَبِلَا حُضُورِ ذِمِّيٍّ) أَيْ مَعَ النَّاسِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَالِكٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْخُرُوجِ وَحْدَهُمْ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمِعْرَاجِ لَكِنْ مَنَعَهُ فِي الْفَتْحِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يُسْقُوا فَيَفْتَتِنَ بِهِ ضُعَفَاءُ الْعَوَامّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 وَإِنْ كَانَ الرَّاجِحُ أَنَّ دُعَاءَ الْكَافِرِ قَدْ يُسْتَجَابُ اسْتِدْرَاجًا، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [غافر: 50] فَفِي الْآخِرَةِ شُرُوحُ مَجْمَعٍ (وَإِنْ صَلَّوْا فُرَادَى جَازَ) فَهِيَ مَشْرُوعَةٌ لِلْمُنْفَرِدِ، وَقَوْلُ التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا صَلَاةَ أَيْ بِجَمَاعَةٍ (وَيَخْرُجُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَكْثَرُ مِنْهَا (مُتَتَابِعَاتٍ) وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَ الْخُرُوجِ وَبِالتَّوْبَةِ ثُمَّ يَخْرُجُ بِهِمْ فِي الرَّابِعِ (مُشَاةً فِي ثِيَابٍ غَسِيلَةٍ أَوْ مُرَقَّعَةٍ مُتَذَلِّلِينَ مُتَوَاضِعِينَ خَاشِعِينَ لِلَّهِ نَاكِسِينَ رُءُوسَهُمْ وَيُقَدِّمُونَ الصَّدَقَةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ وَيُجَدِّدُونَ التَّوْبَةَ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَسْتَسْقُونَ بِالضَّعَفَةِ وَالشُّيُوخِ) وَالْعَجَائِزِ وَالصِّبْيَانِ وَيُبْعِدُونَ الْأَطْفَالَ عَنْ أُمَّهَاتِهِمْ. وَيُسْتَحَبُّ إخْرَاجُ الدَّوَابِّ وَالْأَوْلَى خُرُوجُ الْإِمَامِ مَعَهُمْ وَإِنْ خَرَجُوا بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ جَازَ (وَيَجْتَمِعُونَ فِي الْمَسْجِدِ بِمَكَّةَ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ) وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَدِينَةَ كَأَنَّهُ لِضِيقِهِ وَإِنْ دَامَ الْمَطَرُ حَتَّى أَضَرَّ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ هَلْ يُسْتَجَابُ دُعَاءُ الْكَافِرِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الرَّاجِحُ إلَخْ) اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يُسْتَجَابُ دُعَاءُ الْكَافِرِ فَمَنَعَهُ الْجُمْهُورُ لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلِأَنَّهُ لَا يَدْعُو اللَّهَ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ تَعَالَى فَلَمَّا وَصَفَهُ بِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ فَقَدْ نَقَضَ إقْرَارَهُ، وَمَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ «أَنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا تُسْتَجَابُ» فَمَحْمُولٌ عَلَى كُفْرَانِ النِّعْمَةِ، وَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ حِكَايَةً عَنْ إبْلِيسَ {أَنْظِرْنِي} [الأعراف: 14] فَقَالَ تَعَالَى {إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الأعراف: 15] وَهَذَا إجَابَةٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو الْقَاسِمِ الْحَكِيمُ وَأَبُو النَّصْرِ الدَّبُوسِيُّ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَبِهِ يُفْتَى كَذَا فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ لِلسَّعْدِ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُ. اهـ. وَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِ أَيْ يَجُوزُ عَقْلًا وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فَهُوَ بَعِيدٌ بَلْ الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ شَرْعًا إذْ الْمَانِعُ لَا يَقُولُ إنَّهُ مُسْتَحِيلٌ عَقْلًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَفِي الْآخِرَةِ) وَهُوَ دُعَاءُ أَهْلِ النَّارِ بِتَخْفِيفِ الْعَذَابِ بِدَلِيلِ صَدْرِ الْآيَةِ وَهُوَ {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ - قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [غافر: 49 - 50] (قَوْلُهُ شُرُوحُ مَجْمَعٍ) أَقُولُ: لَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَرْحِهِ لِمُصَنِّفِهِ وَلَا فِي شَرْحِهِ لِابْنِ مَالِكٍ وَلَعَلَّهُ فِي غَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ وَيَخْرُجُونَ) أَيْ إلَى الصَّحْرَاءِ كَمَا فِي الْيَنَابِيعِ إسْمَاعِيلُ وَهَذَا فِي غَيْرِ أَهْلِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ النِّهَايَةِ مَعَ أَنَّهُ فِي النِّهَايَةِ عَزَاهُ إلَى الْخُلَاصَةِ الْغَزَالِيَّةِ بِلَفْظِ إذَا غَارَتْ الْأَنْهَارُ وَانْقَطَعَتْ الْأَمْطَارُ وَانْهَارَتْ الْقَنَوَاتُ فَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إلَخْ ثُمَّ قَالَ وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا فِي مَذْهَبِنَا مَا قَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَسَاقَ مَا فِي الْمَتْنِ، وَذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ مِثْلَ مَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ خُلَاصَةِ الْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ وَلِذَا عَبَّرَ عَنْهُ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ النَّاسَ إلَخْ لَكِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِنَا. [تَنْبِيهٌ] إذَا أَمَرَ الْإِمَامُ بِالصِّيَامِ غَيْرِ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ وَجَبَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْعِيدِ مِنْ أَنَّ طَاعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَاجِبَةٌ (قَوْلُهُ: وَيُجَدِّدُونَ التَّوْبَةَ) وَمِنْ شُرُوطِهَا رَدُّ الْمَظَالِمِ إلَى أَهْلِهَا (قَوْلُهُ: وَيَسْتَسْقُونَ بِالضَّعَفَةِ إلَخْ) أَيْ يُقَدِّمُونَهُمْ كَمَا فِي النَّهْرِ أَيْ لِلدُّعَاءِ وَالنَّاسُ يُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَائِهِمْ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَقْرَبُ لِلْإِجَابَةِ، وَفِي خَبَرِ الْبُخَارِيِّ «وَهَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ» وَفِي خَبَرٍ ضَعِيفٍ «لَوْلَا شَبَابٌ خُشَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ وَشُيُوخٌ رُكَّعٌ وَأَطْفَالٌ رُضَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا» وَفِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ «إنَّ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ» قَالَ جَمْعٌ هُوَ سُلَيْمَانُ صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَرَجَ يَسْتَسْقِي فَإِذَا هُوَ بِنَمْلَةٍ رَافِعَةٍ بَعْضَ قَوَائِمِهَا إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: ارْجِعُوا فَقَدْ اُسْتُجِيبَ لَكُمْ مِنْ أَجْلِ شَأْنِ النَّمْلَةِ» " (قَوْلُهُ وَيُبْعِدُونَ الْأَطْفَالَ إلَخْ) أَيْ لِيَكْثُرَ الضَّجِيجُ وَالْعَوِيلُ فَيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى الرِّقَّةِ وَالْخُشُوعِ (قَوْلُهُ كَأَنَّهُ لِضِيقِهِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْإِمْدَادِ بِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ مَنْ هُوَ مُقِيمٌ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ لَا يَبْلُغُ قَدْرَ الْحَاجِّ وَعِنْدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 فَلَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ بِحَبْسِهِ وَصَرْفِهِ حَيْثُ يَنْفَعُ، وَإِنْ سُقُوا قَبْلَ خُرُوجِهِمْ نُدِبَ أَنْ يَخْرُجُوا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى. بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ لِشَرْطِهِ (هِيَ جَائِزَةٌ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عِنْدَهُمَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ خِلَافًا لِلثَّانِي (بِشَرْطِ حُضُورِ عَدُوٍّ) يَقِينًا. فَلَوْ صَلَّوْا عَلَى ظَنِّهِ فَبَانَ خِلَافُهُ أَعَادُوا.   [رد المحتار] اجْتِمَاعِهِمْ فِي جُمْلَتِهِمْ فِيهِ يُشَاهِدُ اتِّسَاعَ الْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ فَيَنْبَغِي الِاجْتِمَاعُ لِلِاسْتِسْقَاءِ فِيهِ؛ إذْ لَا يُسْتَغَاثُ وَتُسْتَنْزَلُ الرَّحْمَةُ فِي الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ حَادِثَةٍ وَتُوقَفُ الدَّوَابُّ بِالْبَابِ كَمَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْأَقْصَى اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: فَلَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ بِحَبْسِهِ إلَخْ) أَيْ فَيَقُولُ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ» وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى) أَيْ وَيَسْتَزِيدُونَهُ مِنْ الْمَطَرِ كَمَا فِي السِّرَاجِ. وَفِيهِ أَيْضًا: وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ عِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ وَأَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ عِنْدَ نُزُولِهِ لِيُصِيبَ جَسَدَهُ مِنْهُ، وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ سَمَاعِ الرَّعْدِ سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِك وَلَا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِك وَعَافِنَا مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ. وَيُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ الْخِصْبِ أَنْ يَدْعُوا لِأَهْلِ الْجَدْبِ اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِي ط. [بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ] مُنَاسَبَتُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ صَلَاتَيْ الِاسْتِسْقَاءِ وَالْخَوْفِ شُرِعَ لِعَارِضِ خَوْفٍ إلَّا أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ سَمَاوِيٌّ، وَهُوَ انْقِطَاعُ الْمَطَرِ؛ فَلِذَا قُدِّمَ، وَهُنَا اخْتِيَارِيٌّ وَهُوَ الْجِهَادُ النَّاشِئُ عَنْ الْكُفْرِ كَمَا فِي النَّهْرِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ لِشَرْطِهِ) كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ لَكِنْ فِي الدُّرَرِ وَكَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التُّحْفَةِ أَنَّ سَبَبَهَا الْخَوْفُ. وَوَفَّقَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ بِالنَّظَرِ إلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَخْصُوصَةِ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ شَرْطُهَا الْعَدُوُّ، وَالثَّانِي بِالنَّظَرِ إلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ سَبَبَهَا الْخَوْفُ. اهـ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ أَصْلَ الصَّلَاةِ سَبَبُهَا وَقْتُهَا وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّ مَا كَانَ خَارِجًا عَنْ الشَّيْءِ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ فِيهِ فَإِنْ كَانَ مُوَصِّلًا إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ كَالْوَقْتِ فَسَبَبٌ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ فَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ كَالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ فَشَرْطٌ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْخَوْفَ سَبَبٌ لِهَذِهِ الصَّلَاةِ، وَحُضُورُ الْعَدُوِّ شَرْطٌ كَمَا فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ فَإِنَّ الْمَشَقَّةَ سَبَبٌ لَهَا، وَالسَّفَرُ الشَّرْعِيُّ شَرْطٌ، وَحِينَئِذٍ فَمَنْ أَرَادَ بِالْخَوْفِ الْعَدُوَّ سَمَّاهُ شَرْطًا، وَمَنْ أَرَادَ بِهِ حَقِيقَتَهُ سَمَّاهُ سَبَبًا لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ تَحَقُّقُ الْخَوْفِ فِي كُلِّ وَقْتٍ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَأُقِيمَ الْعَدُوُّ مَقَامَهُ كَمَا أُقِيمَ السَّفَرُ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْمُرَادُ بِالْخَوْفِ حَضْرَةُ الْعَدُوِّ لَا حَقِيقَةُ الْخَوْفِ لِأَنَّ حَضْرَةَ الْعَدُوِّ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْخَوْفِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا مِنْ تَعْلِيقِ الرُّخَصِ بِنَفْسِ السَّفَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) أَيْ أَبِي يُوسُفَ. لَهُ أَنَّهَا إنَّمَا شُرِعَتْ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَا الْمَعْنَى انْعَدَمَ بَعْدَهُ وَلَهُمَا أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَقَامُوهَا بَعْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دُرَرٌ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ حُضُورِ عَدُوٍّ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْهُمْ فَلَوْ بَعِيدًا لَمْ تَجُزْ كَمَا فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ عَلَى ظَنِّهِ) أَيْ ظَنِّ حُضُورِهِ بِأَنْ رَأَوْا سَوَادًا أَوْ غُبَارًا فَظَهَرَ غَيْرَ ذَلِكَ دُرَرٌ (قَوْلُهُ أَعَادُوا) أَيْ الْقَوْمُ إذَا صَلَّوْهَا بِصِفَةِ الذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ، وَجَازَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْحُجَّةِ وَاسْتَثْنَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 (أَوْ سَبُعٍ) أَوْ حَيَّةٍ عَظِيمَةٍ وَنَحْوِهَا وَحَانَ خُرُوجُ الْوَقْتِ كَمَا فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ فَلْيُحْفَظْ. قُلْت: ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِلْعَيْنِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ إلَّا عِنْدَ الْبَعْضِ حَالَ الْتِحَامِ الْحَرْبِ (فَيَجْعَلُ الْإِمَامُ طَائِفَةً بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ) إرْهَابًا لَهُ (وَيُصَلِّي بِأُخْرَى رَكْعَةً فِي الثُّنَائِيِّ) وَمِنْهُ الْجُمُعَةُ وَالْعِيدُ (وَرَكْعَتَيْنِ فِي غَيْرِهِ) لُزُومًا (وَذَهَبَتْ إلَيْهِ وَجَاءَتْ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ مَا بَقِيَ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ وَذَهَبَتْ إلَيْهِ) نَدْبًا (وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ بِلَا قِرَاءَةٍ) لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ (وَسَلَّمُوا ثُمَّ جَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ بِقِرَاءَةٍ) لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ هَذَا وَإِنْ تَنَازَعُوا فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ وَاحِدٍ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ إمَامٌ (وَإِنْ اشْتَدَّ خَوْفُهُمْ) وَعَجَزُوا عَنْ النُّزُولِ   [رد المحتار] فِي الْفَتْحِ مَا إذَا ظَهَرَ الْحَالُ قَبْلَ أَنْ يُجَاوِزَ الْمُنْصَرِفُونَ الصُّفُوفَ فَلَهُمْ الْبِنَاءُ اسْتِحْسَانًا كَمَنْ انْصَرَفَ عَلَى ظَنِّ الْحَدَثِ يَتَوَقَّفُ الْفَسَادُ إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ عَلَى مُجَاوَزَةِ الصُّفُوفِ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ أَوْ سَبُعٍ) مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. وَاعْتُرِضَ أَنَّهُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْوَاوِ، وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَنَّهُ عَطْفُ مُبَايِنٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ مِنْ بَنِي آدَمَ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهَا) كَحَرْقٍ وَغَرَقٍ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ: وَحَانَ) أَيْ قَرُبَ ح (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) مُرَادُهُ بِهَذَا النَّقْلِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ مَا فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ لَا يُعْمَلُ بِهِ لِأَنَّهُ قَوْلُ الْبَعْضِ وَلِمُخَالَفَتِهِ لِإِطْلَاقِ سَائِرِ الْمُتُونِ ح. قُلْت: وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ مَحَلُّهَا عَقِبَ عِبَارَةِ مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ، وَتُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَقِبَ قَوْلِهِ: وَرَكْعَتَيْنِ فِي غَيْرِهِ لُزُومًا وَكَأَنَّهُ مِنْ سَهْوِ النُّسَّاخِ (قَوْلُهُ فَيَجْعَلُ الْإِمَامُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ وَرَدَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ وَأَصَحُّهَا سِتَّ عَشْرَةَ رِوَايَةً. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّتِهَا، وَفِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَالْكَلَامُ فِي الْأَوْلَى وَالْأَقْرَبِ مِنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ إمْدَادٌ وَفِي ط عَنْ الْمُجْتَبَى وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَوْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ الْجُمُعَةُ وَالْعِيدُ) وَكَذَا صَلَاةُ الْمُسَافِرِ وَأَشَارَ بِالْعِيدِ إلَى أَنَّهَا لَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْفَرَائِضِ ط (قَوْلُهُ وَرَكْعَتَيْنِ فِي غَيْرِهِ) أَيْ وَلَوْ ثُلَاثِيًّا كَالْمَغْرِبِ حَتَّى لَوْ عَكَسَ فَسَدَتْ كَمَا فِي النَّهْرِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ لُزُومًا ط وَتَوْجِيهُهُ فِي الْإِمْدَادِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَذَهَبَتْ) أَيْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي الثُّنَائِيِّ وَبَعْدَ التَّشَهُّدِ فِي غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ: إلَيْهِ أَيْ إلَى نَحْوِ الْعَدُوِّ وَوَقَفَتْ بِإِزَائِهِ وَلَوْ مُسْتَدْبِرَةَ الْقِبْلَةِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَالْوَاجِبُ أَنْ يَذْهَبُوا مُشَاةً فَلَوْ رَكِبُوا بَطَلَتْ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ جَوْهَرَةٌ وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ نَدْبًا) فَلَوْ أَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ فِي مَكَانِهِمْ صَحَّتْ ط (قَوْلُهُ وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى) مَجِيئُهَا لَيْسَ مُتَعَيِّنًا، حَتَّى لَوْ أَتَمَّتْ مَكَانَهَا وَوَقَفَتْ الطَّائِفَةُ الذَّاهِبَةُ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ صَحَّ، وَهَلْ الْأَفْضَلُ الْإِتْمَامُ فِي مَكَانِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي مَحَلِّ الْوُقُوفِ تَقْلِيلًا لِلْمَشْيِ يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَمَشَى فِي الْكَافِي عَلَى أَنَّ الْعَوْدَ أَفْضَلُ أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ) وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ مَعَهُمْ امْرَأَةٌ تَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ حَاذَتْهُ مِنْهُمْ بِخِلَافِ الطَّائِفَةِ الْمَسْبُوقَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَعَمَّ كَلَامُهُ الْمُقِيمَ خَلْفَ الْمُسَافِرِ حَتَّى يَقْضِيَ ثَلَاثًا بِلَا قِرَاءَةٍ إنْ كَانَ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَبِقِرَاءَةٍ إنْ كَانَ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَالْمَسْبُوقُ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْأُولَى، وَإِلَّا فَمِنْ الثَّانِيَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لَوْ لَمْ يُرِيدُوا إلَّا إمَامًا وَاحِدًا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْوَقْتُ قَدْ ضَاقَ عَنْ صَلَاةِ إمَامَيْنِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. قُلْت: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَادَ صَاحِبِ مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ فِيمَا تَقَدَّمَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَالْأَفْضَلُ إلَخْ) أَيْ فَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِطَائِفَةٍ وَيُسَلِّمُونَ وَيَذْهَبُونَ إلَى جِهَةِ الْعَدُوِّ ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيَأْمُرُ رَجُلًا لِيُصَلِّيَ بِهِمْ. [تَتِمَّةٌ] حَمْلُ السِّلَاحِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا لَا وَاجِبٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَالْأَمْرُ بِهِ فِي الْآيَةِ لِلنَّدْبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ فَلَا يَجِبُ فِيهَا كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَعَجَزُوا إلَخْ) بَيَانٌ لِلْمُرَادِ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 (صَلَّوْا رُكْبَانًا فُرَادَى) إلَّا إذَا كَانَ رَدِيفًا لِلْإِمَامِ، فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ (بِالْإِيمَاءِ إلَى جِهَةِ قُدْرَتِهِمْ) لِلضَّرُورَةِ (وَفَسَدَتْ بِمَشْيٍ) لِغَيْرِ اصْطِفَافٍ وَسَبْقِ حَدَثٍ (وَرُكُوبٍ) مُطْلَقًا (وَقِتَالٍ كَثِيرٍ) لَا بِقَلِيلِ كَرَمْيَةِ سَهْمٍ. (وَالسَّابِحُ فِي الْبَحْرِ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُرْسِلَ أَعْضَاءَهُ سَاعَةً صَلَّى بِالْإِيمَاءِ وَإِلَّا لَا) تَصِحُّ كَصَلَاةِ الْمَاشِي وَالسَّائِفِ وَهُوَ يَضْرِبُ بِالسَّيْفِ. [فُرُوعٌ] الرَّاكِبُ إنْ كَانَ مَطْلُوبًا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ طَالِبًا لَا، لِعَدَمِ خَوْفِهِ. شَرَعُوا ثُمَّ ذَهَبَ الْعَدُوُّ لَمْ يَجُزْ انْحِرَافُهُمْ وَبِعَكْسِهِ جَازَ. لَا تُشْرَعُ صَلَاةُ الْخَوْفِ لِلْعَاصِي فِي سَفَرِهِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَعَلَيْهِ فَلَا تَصِحُّ مِنْ الْبُغَاةِ صَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّاهَا فِي أَرْبَعٍ ذَاتِ الرِّقَاعِ   [رد المحتار] اشْتِدَادِ الْخَوْفِ (قَوْلُهُ صَلَّوْا رُكْبَانًا) أَيْ وَلَوْ مَعَ السَّيْرِ مَطْلُوبِينَ فَالرَّاكِبُ لَوْ طَالِبًا لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ ضَرُورَةِ الْخَوْفِ فِي حَقِّهِ وَتَمَامُهُ فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ) لِعَدَمِ اخْتِلَافِ الْمَكَانِ (قَوْلُهُ بِالْإِيمَاءِ) أَيْ الْإِيمَاءِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (قَوْلُهُ وَفَسَدَتْ بِمَشْيٍ إلَخْ) لِأَنَّ الْمَشْيَ فِعْلُهُ حَقِيقَةً وَهُوَ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ رَاكِبًا مَطْلُوبًا لِأَنَّهُ فِعْلُ الدَّابَّةِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا أُضِيفَ إلَيْهِ مَعْنَى التَّسْيِيرِ، وَإِذَا جَاءَ الْعُذْرُ انْقَطَعَتْ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ اهـ مِنْ الْإِمْدَادِ عَنْ مَجْمَعِ الرِّوَايَاتِ وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ تَفْسُدُ بِالْمَشْيِ طَالِبًا أَوْ مَطْلُوبًا وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ ح عَنْ مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ بِقَوْلِهِ بِمَشْيٍ أَيْ هُرُوبٍ مِنْ الْعَدُوِّ لَا الْمَشْيِ نَحْوَهُ وَالرُّجُوعِ اهـ لَا يُنَافِي ذَلِكَ لِأَنَّهَا إذَا فَسَدَتْ بِالْهُرُوبِ تَفْسُدُ بِالطَّلَبِ بِالْأَوْلَى لِعَدَمِ ضَرُورَةِ الْخَوْفِ كَمَا مَرَّ فِي الرَّاكِبِ، وَقَوْلُهُ: لَا الْمَشْيِ نَحْوَهُ وَالرُّجُوعِ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ لِغَيْرِ اصْطِفَافٍ أَيْ لَوْ مَشَوْا لِيَصْطَفُّوا نَحْوَ الْعَدُوِّ أَوْ رَجَعُوا لِيَصْطَفُّوا خَلْفَ الْإِمَامِ نَعَمْ فِي الْعِبَارَةِ إيهَامٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَرُكُوبٍ) أَيْ ابْتِدَاءً عَلَى الْأَرْضِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ لِاصْطِفَافٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الرُّكُوبَ عَمَلٌ كَثِيرٌ، وَهُوَ مِمَّا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَشْيِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى يَصْطَفُّوا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ ابْنُ كَمَالٍ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ كَرَمْيَةِ سَهْمٍ) ذَكَرَهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْبَحْرِ فَإِنَّهُ عَمَلٌ قَلِيلٌ وَهُوَ غَيْرُ مُفْسِدٍ، وَفِي كَوْنِهِ مِنْ الْعَمَلِ الْقَلِيلِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مَنْ رَآهُ يَرْمِي بِالْقَوْسِ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ خَارِجُ الصَّلَاةِ ط (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا تَصِحُّ) وَسَقَطَ الطَّلَبُ لِتَحَقُّقِ الْعُذْرِ ط (قَوْلُهُ: وَالسَّائِفِ) بِالْفَاءِ؛ وَلِذَا أَرْدَفَهُ بِمَا يُفَسِّرُهُ. قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي الْمُخْتَلِفَاتِ: لَوْ كَانُوا فِي الْمُسَايَفَةِ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَكَادَ الْوَقْتُ يَخْرُجُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ إلَى أَنْ يَفْرُغُوا مِنْ الْقِتَالِ [فُرُوعٌ فِي صَلَاة الْخَوْف] (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ انْحِرَافُهُمْ) أَيْ بَعْدَ ذَهَابِهِ لِزَوَالِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ أَيْ فَتُصَلِّي كُلُّ طَائِفَةٍ فِي مَكَانِهَا تَأَمَّلْ فَلَوْ كَانُوا انْحَرَفُوا قَبْلَهُ بَنَوْا كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ: جَازَ) أَيْ لَهُمْ الِانْحِرَافُ فِي أَوَانِهِ لِوُجُوبِ الضَّرُورَةِ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ لَا تُشْرَعُ صَلَاةُ الْخَوْفِ لِلْعَاصِي) لِأَنَّهَا إنَّمَا شُرِعَتْ لِمَنْ يُقَاتِلُ أَعْدَاءَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ لَا لِمَنْ يُعَادِيهِ أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَيْخِنَا. قُلْت: وَهَذَا بِخِلَافِ الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ فَإِنَّ سَبَبَهُ مَشَقَّةُ السَّفَرِ وَهُوَ مُطْلَقٌ فِي النَّصِّ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَا يُمْكِنُ قِيَاسُهُ عَلَى صَلَاةِ الْخَوْفِ لِأَنَّهَا جَاءَتْ عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي سَفَرِهِ) لَعَلَّهُ بِسَفَرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ إسْمَاعِيلُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَاءَ لِلسَّبَبِيَّةِ فَتُفِيدُ أَنَّ نَفْسَ سَفَرِهِ مَعْصِيَةٌ كَمَنْ سَافَرَ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ مَثَلًا بِخِلَافِ " فِي " الظَّرْفِيَّةِ فَإِنَّهَا تُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ سَافَرَ لِلْحَجِّ مَثَلًا وَعَصَى فِي أَثْنَائِهِ لَا يُصَلِّي بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَاصِي مَنْ كَانَ قِتَالُهُ مَعْصِيَةً سَوَاءٌ كَانَ سَفَرُهُ لَهُ أَوْ لِطَاعَةٍ، وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّعْبِيرِ بِالْبَاءِ أَوْ فِي فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ فِي أَرْبَعٍ) أَيْ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ فَلَا يُنَافِي مَا فِي الْإِمْدَادِ عَنْ شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهَا أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً» (قَوْلُهُ ذَاتِ الرِّقَاعِ) أَيْ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ. وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ فِي وَجْهِ تَسْمِيَتِهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ «أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 وَبَطْنِ نَخْلٍ وَعُسْفَانَ وَذِي قَرَدٍ» . بَابُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ لِسَبَبِهِ، وَهِيَ بِالْفَتْحِ الْمَيِّتُ وَبِالْكَسْرِ السَّرِيرُ، وَقِيلَ: لُغَتَانِ. وَالْمَوْتُ صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ خُلِقَتْ ضِدُّ الْحَيَاةِ، وَقِيلَ: عَدَمِيَّةٌ (يُوَجَّهُ الْمُحْتَضَرُ) وَعَلَامَتُهُ اسْتِرْخَاءُ قَدَمَيْهِ، وَاعْوِجَاجُ مَنْخَرِهِ وَانْخِسَافُ صُدْغَيْهِ (الْقِبْلَةَ) عَلَى يَمِينِهِ هُوَ السُّنَّةُ (وَجَازَ الِاسْتِلْقَاءُ) عَلَى ظَهْرِهِ (وَقَدَمَاهُ إلَيْهَا) وَهُوَ الْمُعْتَادُ فِي زَمَانِنَا (وَ) لَكِنْ (يُرْفَعُ رَأْسُهُ قَلِيلًا) لِيَتَوَجَّهَ لِلْقِبْلَةِ (وَقِيلَ يُوضَعُ كَمَا تَيَسَّرَ عَلَى الْأَصَحِّ) صَحَّحَهُ فِي الْمُبْتَغَى (وَإِنْ شُقَّ عَلَيْهِ تُرِكَ عَلَى حَالِهِ) وَالْمَرْجُومُ لَا يُوَجَّهُ مِعْرَاجٌ   [رد المحتار] وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا وَنَقِبَتْ قَدَمَايَ وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي فَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَظْفَارِنَا الْخِرَقَ فَسُمِّيَتْ غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ لِمَا كُنَّا نُعَصِّبُ عَلَى أَرْجُلِنَا مِنْ الْخِرَقِ» . اهـ. ط عَنْ الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ. وَالصَّوَابُ أَنَّهَا كَانَتْ بَعْدَ الْخَنْدَقِ خِلَافًا لِمَا فِي الْكَافِي وَالِاخْتِيَارِ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ وَبَطْنِ نَخْلٍ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ اسْمُ مَوْضِعٍ ط (قَوْلُهُ وَعُسْفَانَ) بِوَزْنِ عُثْمَانَ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَذِي قَرَدٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالرَّاءِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ مَاءٌ عَلَى بَرِيدٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَتُعْرَفُ بِغَزْوَةِ الْغَابَةِ وَكَانَتْ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سِتٍّ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ ط عَنْ الْمَوَاهِبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ] بَابُ صَلَاةِ الْجَنَائِزِ تَرْجَمَ لِلصَّلَاةِ وَأَتَى بِأَشْيَاءَ زَائِدَةٍ عَلَيْهَا بَعْضُهَا شُرُوطٌ كَالْغُسْلِ، وَبَعْضُهَا مُقَدِّمَاتٌ كَالتَّكْفِينِ وَالتَّوْجِيهِ وَالتَّلْقِينِ، وَبَعْضُهَا مُتَمِّمَاتٌ كَالدَّفْنِ وَأَخَّرَهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ صَلَاةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِأَنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِآخِرِ مَا يَعْرِضُ لِلْحَيِّ، وَهُوَ الْمَوْتُ وَلِمُنَاسَبَةٍ خَاصَّةٍ بِمَا قَبْلَهَا، وَهِيَ أَنَّ الْخَوْفَ وَالْقِتَالَ قَدْ يُفْضِيَانِ إلَى الْمَوْتِ (قَوْلُهُ لِسَبَبِهِ) هُوَ الْجِنَازَةُ بِالْفَتْحِ يَعْنِي الْمَيِّتَ ط (قَوْلُهُ وَبِالْكَسْرِ السَّرِيرَ) قَالَ الْأَزْهَرِيُّ لَا يُسَمَّى جِنَازَةً حَتَّى يُشَدَّ الْمَيِّتُ عَلَيْهِ مُكَفَّنًا إمْدَادٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لُغَتَانِ) أَيْ الْكَسْرُ وَالْفَتْحُ لُغَتَانِ فِي الْمَيِّتِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْقَامُوسِ جَنَزَهُ يُجَنِّزُهُ سَتَرَهُ وَجَمَعَهُ وَالْجِنَازَةُ أَيْ بِالْكَسْرِ الْمَيِّتُ وَيُفْتَحُ أَوْ بِالْكَسْرِ الْمَيِّتُ وَبِالْفَتْحِ السَّرِيرُ أَوْ عَكْسُهُ أَوْ بِالْكَسْرِ السَّرِيرُ مَعَ الْمَيِّتِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ عَدَمِيَّةٌ) لِأَنَّهُ قَطْعُ مَوَادِّ الْحَيَاةِ عَنْ الْحَيِّ وَالْمُقَابَلَةُ عَلَيْهِ مِنْ مُقَابَلَةِ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ مِنْ مُقَابَلَةِ التَّضَادِّ أَفَادَهُ ط وقَوْله تَعَالَى: {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: 2] لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْخَلْقَ يَكُونُ بِمَعْنَى الْإِيجَادِ وَبِمَعْنَى التَّقْدِيرِ وَالْإِعْدَامِ مُقَدَّرَةٌ فَلِذَا ذَهَبَ أَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ إلَى الثَّانِي كَمَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ (قَوْلُهُ يُوَجَّهُ الْمُحْتَضَرُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فِيهِمَا أَيْ يُوَجَّهُ وَجْهُ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْ مَلَائِكَتُهُ وَالْمُرَادُ مَنْ قَرُبَ مَوْتُهُ (قَوْلُهُ وَعَلَامَتُهُ إلَخْ) أَيْ عَلَامَةُ الِاحْتِضَارِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَزَادَ عَلَى مَا هُنَا أَنْ تَمْتَدَّ جِلْدَةُ خُصْيَتَيْهِ لِانْشِمَارِ الْخُصْيَتَيْنِ بِالْمَوْتِ (قَوْلُهُ الْقِبْلَةَ) نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْجِهَةِ (قَوْلُهُ وَجَازَ الِاسْتِلْقَاءُ) اخْتَارَهُ مَشَايِخُنَا بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ وَتَعَقَّبَهُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا نَقْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْأَيْسَرِ مِنْهُمَا وَلَكِنَّهُ أَيْسَرُ لِتَغْمِيضِهِ وَشَدِّ لَحْيَيْهِ وَأَمْنَعُ مِنْ تَقَوُّسِ أَعْضَائِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِيَتَوَجَّهَ لِلْقِبْلَةِ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ دُونَ السَّمَاءِ (قَوْلُهُ تُرِكَ عَلَى حَالِهِ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَلْقِيًا أَوْ مُتَوَجِّهًا (قَوْلُهُ وَالْمَرْجُومُ لَا يُوَجَّهُ) لِيُنْظَرَ وَجْهُهُ وَهَلْ يُقَالُ كَذَلِكَ فِيمَنْ أُرِيدَ قَتْلُهُ لِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ؟ لَمْ أَرَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 (وَيُلَقَّنُ) نَدْبًا. وَقِيلَ: وُجُوبًا (بِذِكْرِ الشَّهَادَتَيْنِ) لِأَنَّ الْأُولَى لَا تُقْبَلُ بِدُونِ الثَّانِيَةِ (عِنْدَهُ) قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ. وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الْيَأْسِ، وَالْمُخْتَارُ قَبُولُ تَوْبَتِهِ لَا إِيمَانِهِ وَالْفَرْقُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا.   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي تَلْقِينِ الْمُحْتَضَرِ الشَّهَادَةَ (قَوْلُهُ وَيُلَقَّنُ إلَخْ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُسْلِمٌ يَقُولُهَا عِنْدَ الْمَوْتِ إلَّا أَنْجَتْهُ مِنْ النَّارِ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» كَذَا فِي الْبُرْهَانِ أَيْ دَخَلَهَا مَعَ الْفَائِزِينَ، وَإِلَّا فَكُلُّ مُسْلِمٍ، وَلَوْ فَاسِقًا يَدْخُلُهَا وَلَوْ بَعْدَ طُولِ عَذَابٍ إمْدَادٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ وُجُوبًا) فِي الْقُنْيَةِ وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: الْوَاجِبُ عَلَى إخْوَانِهِ وَأَصْدِقَائِهِ أَنْ يُلَقِّنُوهُ اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ: لَكِنَّهُ تَجَوُّزٌ لِمَا فِي الدِّرَايَةِ مِنْ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ بِالْإِجْمَاعِ اهـ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ بِذِكْرِ الشَّهَادَتَيْنِ) قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَإِنَّمَا اقْتَصَرْت عَلَى ذِكْرِ الشَّهَادَةِ تَبَعًا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَإِنْ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَغَيْرِهِ وَلُقِّنَ الشَّهَادَتَيْنِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَتَعْلِيلُهُ فِي الدُّرَرِ بِأَنَّ الْأُولَى لَا تُقْبَلُ بِدُونِ الثَّانِيَةِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُؤْمِنِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَقَوْلُ جَمْعٍ يُلَقَّنُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَيْضًا لِأَنَّ الْقَصْدَ مَوْتُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُسَمَّى مُسْلِمًا إلَّا بِهِمَا مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ خَتْمُ كَلَامِهِ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لِيَحْصُلَ لَهُ ذَلِكَ الثَّوَابُ أَمَّا الْكَافِرُ فَيُلَقَّنُهَا قَطْعًا مَعَ لَفْظِ أَشْهَدُ لِوُجُوبِهِ؛ إذْ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا إلَّا بِهِمَا اهـ. قُلْت: وَقَدْ يُشِيرُ إلَيْهِ تَعْبِيرُ الْهِدَايَةِ وَالْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَالْكَنْزِ بِتَلْقِينِ الشَّهَادَةِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة كَانَ أَبُو حَفْصٍ الْحَدَّادُ يُلَقِّنُ الْمَرِيضَ بِقَوْلِهِ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إلَيْهِ، وَكَانَ يَقُولُ فِيهَا مَعَانٍ: أَحَدُهَا تَوْبَةٌ، وَالثَّانِي تَوْحِيدٌ، وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمَرِيضَ رُبَّمَا يَفْزَعُ لِأَنَّ الْمُلَقِّنَ رَأَى فِيهِ عَلَامَةَ الْمَوْتِ وَلَعَلَّ أَقْرِبَاءَ الْمَيِّتِ يَتَأَذَّوْنَ بِهِ (قَوْلُهُ عِنْدَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِذِكْرِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ) لِأَنَّهَا تَكُونُ قُرْبَ كَوْنِ الرُّوحِ فِي الْحُلْقُومِ وَحِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ النُّطْقُ بِهِمَا ط وَفِي الْقَامُوسِ غَرْغَرَ جَادَ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ. اهـ. قُلْت: وَكَأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ غَرْغَرَ بِالْمَاءِ إذَا أَدَارَهُ فِي حَلْقِهِ فَكَأَنَّهُ يُدِيرُ رُوحَهُ فِي حَلْقِهِ. مَطْلَبٌ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الْيَأْسِ (قَوْلُهُ وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الْيَأْسِ) بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ ضِدُّ الرَّجَاءِ وَقَطْعُ الْأَمَلِ مِنْ الْحَيَاةِ أَوْ بِالْمُوَحَّدَةِ التَّحْتِيَّةِ وَالْمُرَادُ بِهِ الشِّدَّةُ وَأَهْوَالُ الْمَوْتِ وَيُحْتَمَلُ مَدُّ الْهَمْزَةِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ وَإِسْكَانُهَا عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ (قَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ إلَخْ) أَقُولُ: قَالَ فِي أَوَاخِرِ الْبَزَّازِيَّةِ قِيلَ: تَوْبَةُ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ لَا إيمَانُ الْيَأْسِ، وَقِيلَ: لَا تُقْبَلُ كَإِيمَانِهِ لِأَنَّهُ تَعَالَى سَوَّى بَيْنَ مَنْ أَخَّرَ التَّوْبَةَ إلَى حُضُورِ الْمَوْتِ مِنْ الْفَسَقَةِ وَالْكُفَّارِ وَبَيْنَ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ فِي قَوْلِهِ - {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ} [النساء: 18] الْآيَةَ - كَمَا فِي الْكَشَّافِ وَالْبَيْضَاوِيِّ وَالْقُرْطُبِيِّ، وَفِي الْكَبِيرِ لِلرَّازِيِّ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ قُرْبُ الْمَوْتِ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ التَّوْبَةِ بَلْ الْمَانِعُ مِنْهُ مُشَاهَدَةُ الْأَهْوَالِ الَّتِي يَحْصُلُ الْعِلْمُ عِنْدَهَا عَلَى سَبِيلِ الِاضْطِرَارِ، فَهَذَا كَلَامُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالسُّنِّيَّةُ وَالْأَشَاعِرَةُ أَنَّ تَوْبَةَ الْيَأْسِ لَا تُقْبَلُ كَإِيمَانِ الْيَأْسِ بِجَامِعِ عَدَمِ الِاخْتِيَارِ، وَخُرُوجِ النَّفْسِ مِنْ الْبَدَنِ، وَعَدَمِ رُكْنِ التَّوْبَةِ وَهُوَ الْعَزْمُ بِطَرِيقِ التَّصْمِيمِ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَى مَا ارْتَكَبَ وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي تَوْبَةِ الْيَأْسِ إنْ أُرِيدَ بِالْيَأْسِ مُعَايَنَةُ أَسْبَابِ الْمَوْتِ بِحَيْثُ يَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الْمَوْتَ يُدْرِكُهُ لَا مَحَالَةَ كَمَا أَخْبَرَ - تَعَالَى - عَنْهُ بِقَوْلِهِ {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: 85] وَقَدْ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى أَنَّ تَوْبَةَ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ، فَإِنْ أُرِيدَ بِالْيَأْسِ مَا ذَكَرْنَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا قُلْنَا وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْقُرْبُ مِنْ الْمَوْتِ فَلَا كَلَامَ فِيهِ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 (مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ بِهَا) لِئَلَّا يَضْجَرَ وَإِذَا قَالَهَا مَرَّةً كَفَاهُ وَلَا يُكَرَّرُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ لِيَكُونَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيُنْدَبُ قِرَاءَةُ يس وَالرَّعْدِ (وَلَا يُلَقَّنُ بَعْدَ تَلْحِيدِهِ) وَإِنْ فُعِلَ لَا يُنْهَى عَنْهُ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَيَكْفِي قَوْلُهُ " يَا فُلَانُ يَا ابْنَ فُلَانٍ اُذْكُرْ مَا كُنْت عَلَيْهِ وَقُلْ رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ اسْمُهُ قَالَ: يُنْسَبُ إلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ ".   [رد المحتار] أَنَّ زَمَانَ الْيَأْسِ زَمَانُ مُعَايَنَةِ الْهَوْلِ وَالْمَسْطُورُ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ تَوْبَةَ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ لَا إيمَانُهُ لِأَنَّ الْكَافِرَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ عَارِفٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَيَبْدَأُ إيمَانًا وَعِرْفَانًا وَالْفَاسِقُ عَارِفٌ وَحَالُهُ حَالُ الْبَقَاءِ أَسْهَلُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى قَبُولِهَا مِنْهُ مُطْلَقًا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25] اهـ مُلَخَّصًا. وَظَاهِرُ آخِرِ كَلَامِهِ اخْتِيَارُ التَّفْصِيلِ وَعَزَاهُ إلَى مَذْهَبِ الْمَاتُرِيدِيَّةِ الشَّيْخُ عَبْدُ السَّلَامِ فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ وَالِدِهِ اللَّقَانِيِّ وَقَالَ وَعِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ لَا تُقْبَلُ حَالَ الْغَرْغَرَةِ تَوْبَةٌ وَلَا غَيْرُهَا كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ. اهـ. وَانْتَصَرَ لِلثَّانِي الْمُنْلَا عَلَى الْقَارِئِ فِي شَرْحِهِ عَلَى بَدْءِ الْأَمَالِي بِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فَإِنَّهُ يَشْمَلُ تَوْبَةَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ. وَاعْتَرَضَ قَوْلَ بَعْضِ الشُّرَّاحِ أَنَّ التَّفْصِيلَ مُخْتَارُ أَئِمَّةِ بُخَارَى مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَجَمْعٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ كَالسُّبْكِيِّ وَالْبُلْقِينِيِّ بِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ يَحْتَاجُ إلَى ظُهُورِ حُجَّتِهِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ظَنِّيَّةٌ، وَأَمَّا إيمَانُ الْيَأْسِ فَلَا يُقْبَلُ اتِّفَاقًا وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي بَابِ الرِّدَّةِ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ لَهُ قُلْ فَهُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى مَفْعُولِهِ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَضْجَرَ) أَيْ وَيَرُدَّهَا دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَيُنْدَبُ قِرَاءَةُ يس) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يس» صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَتْ الْأَنْصَارُ إذَا حَضَرُوا قَرَءُوا عِنْدَ الْمَيِّتِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ إلَّا أَنَّ مُجَالِدًا مُضَعَّفٌ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ: وَالرَّعْدِ) هُوَ اسْتِحْسَانُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِقَوْلِ جَابِرٍ إنَّهَا تُهَوِّنُ عَلَيْهِ خُرُوجَ رُوحِهِ إمْدَادٌ. مَطْلَبٌ فِي التَّلْقِينِ بَعْدَ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُلَقَّنُ بَعْدَ تَلْحِيدِهِ) ذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَفِي الْخَبَّازِيَّةِ وَالْكَافِي عَنْ الشَّيْخِ الزَّاهِدِ الصَّفَّارِ: أَنَّ هَذَا عَلَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ بَعْدَ الْمَوْتِ عِنْدَهُمْ مُسْتَحِيلٌ أَمَّا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ فَالْحَدِيثُ أَيْ «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْيِيهِ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّلْقِينِ بَعْدَ الدَّفْنِ فَيَقُولُ: يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ اُذْكُرْ دِينَك الَّذِي كُنْت عَلَيْهِ مِنْ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ وَأَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ وَأَنَّك رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيًّا وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا» . اهـ. وَقَدْ أَطَالَ فِي الْفَتْحِ فِي تَأْيِيدِ حَمْلِ مَوْتَاكُمْ فِي الْحَدِيثِ عَلَى حَقِيقَتِهِ مَعَ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ أَوْ لَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: إنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَجَازُهُ ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا لَا يُنْهَى عَنْ التَّلْقِينِ بَعْدَ الدَّفْنِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ بَلْ نَفْعٌ فَإِنَّ الْمَيِّتَ يَسْتَأْنِسُ بِالذِّكْرِ عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْآثَارِ إلَخْ. قُلْت: وَمَا فِي ط عَنْ الزَّيْلَعِيِّ لَمْ أَرَهُ فِيهِ وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ قِيلَ يُلَقَّنُ لِظَاهِرِ مَا رَوَيْنَاهُ وَقِيلَ: لَا، وَقِيلَ لَا يُؤْمَرُ بِهِ وَلَا يُنْهَى عَنْهُ اهـ وَظَاهِرُ اسْتِدْلَالِهِ لِلْأَوَّلِ اخْتِيَارُهُ فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ فِي سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ هَلْ هُوَ عَامٌّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَوْ لَا؟ (قَوْلُهُ وَمَنْ لَا يُسْأَلُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ سُؤَالَ الْقَبْرِ لَا يَكُونُ لِكُلِّ أَحَدٍ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي السِّرَاجِ: كُلُّ ذِي رُوحٍ مِنْ بَنِي آدَمَ يُسْأَلُ فِي الْقَبْرِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ لَكِنْ يُلَقِّنُ الرَّضِيعَ الْمَلَكُ، وَقِيلَ لَا بَلْ يُلْهِمُهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا أَلْهَمَ عِيسَى فِي الْمَهْدِ اهـ لَكِنْ فِي حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ. فَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْآثَارَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا لِمُؤْمِنٍ أَوْ مُنَافِقٍ مِمَّنْ كَانَ مَنْسُوبًا إلَى أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِظَاهِرِ الشَّهَادَةِ دُونَ الْكَافِرِ الْجَاحِدِ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ لَكِنْ رَدَّ عَلَيْهِ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ وَقَالَ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ الْأَرْجَحُ وَلَا أَقُولُ سِوَاهُ. وَنَقَلَ الْعَلْقَمِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الرَّاجِحَ أَيْضًا اخْتِصَاصُ السُّؤَالِ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ خِلَافًا لِمَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ وَنُقِلَ أَيْضًا عَنْ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ اخْتِصَاصُ السُّؤَالِ بِالْمُكَلَّفِ، وَقَالَ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ شَيْخُنَا يَعْنِي الْحَافِظَ السُّيُوطِيّ. مَطْلَبٌ ثَمَانِيَةٌ لَا يُسْأَلُونَ فِي قُبُورِهِمْ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ مَنْ لَا يُسْأَلُ ثَمَانِيَةٌ: الشَّهِيدُ، وَالْمُرَابِطُ، وَالْمَطْعُونُ، وَالْمَيِّتُ زَمَنَ الطَّاعُونِ بِغَيْرِهِ إذَا كَانَ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، وَالصِّدِّيقُ وَالْأَطْفَالُ، وَالْمَيِّتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَتَهَا، وَالْقَارِئُ كُلَّ لَيْلَةٍ تَبَارَكَ الْمُلْكُ وَبَعْضُهُمْ ضَمَّ إلَيْهَا السَّجْدَةَ وَالْقَارِئُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] اهـ وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّهُ يُزَادُ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَّهُمْ أَوْلَى مِنْ الصِّدِّيقِينَ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ إلَخْ) ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي الْمُسَايَرَةِ (قَوْلُهُ: وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ إلَخْ) أَيْ فِي أَنَّهُمْ يُسْأَلُونَ، وَفِي أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي الْمُسَايَرَةِ. مَطْلَبٌ فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي سُؤَالِ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ وَفِي دُخُولِهِمْ الْجَنَّةَ أَوْ النَّارَ، فَتَرَدَّدَ فِيهِمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ وَقَدْ وَرَدَتْ فِيهِمْ أَخْبَارٌ مُتَعَارِضَةٌ فَالسَّبِيلُ تَفْوِيضُ أَمْرِهِمْ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا بِلَا ذَنْبٍ اهـ وَقَالَ تِلْمِيذُهُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي شَرْحِهِ وَقَدْ نُقِلَ الْأَمْرُ بِالْإِمْسَاكِ عَنْ الْكَلَامِ فِي حُكْمِهِمْ فِي الْآخِرَةِ مُطْلَقًا عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ مِنْ رُءُوسِ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ ضَعَّفَ أَبُو الْبَرَكَاتِ النَّسَفِيُّ رِوَايَةَ التَّوَقُّفِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ عَنْهُ أَنَّهُمْ فِي الْمَشِيئَةِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» وَقَدْ حَكَى فِيهِمْ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ الْأَكْثَرُ أَنَّهُمْ فِي النَّارِ، الثَّانِي: التَّوَقُّفُ، الثَّالِثُ: الَّذِي صَحَّحَهُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ لِحَدِيثِ «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» وَيَمِيلُ إلَيْهِ مَا مَرَّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَفِيهِمْ أَقْوَالٌ أُخَرُ ضَعِيفَةٌ. اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 وَمَنْ لَا يُسْأَلُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُلَقَّنَ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يُسْأَلُونَ وَلَا أَطْفَالَ الْمُؤْمِنِينَ وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ وَقِيلَ هُمْ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَيُكْرَهُ تَمَنِّي الْمَوْتِ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ وَسَيَجِيءُ فِي الْحَظْرِ (وَمَا ظَهَرَ مِنْهُ مِنْ كَلِمَاتٍ كَفِرْيَةُ يُغْتَفَرُ فِي حَقِّهِ وَيُعَامَلُ مُعَامَلَةَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ) حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ فِي حَالِ زَوَالِ عَقْلِهِ وَلِذَا اخْتَارَ بَعْضُهُمْ زَوَالَ عَقْلِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ) حَيْثُ قَالَ: وَيُكْرَهُ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِضَرَرٍ نَزَلَ بِهِ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي كَذَا فِي السِّرَاجِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ فِي الْحَظْرِ) أَيْ فِي كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِكِتَابِ الْكَرَاهَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَسَقَطَ مِنْ أَغْلَبِ النُّسَخِ لَفْظُ فِي الْحَظْرِ (قَوْلُهُ وَلِذَا اخْتَارَ إلَخْ) أَيْ لِكَوْنِهِ فِي حَالِ زَوَالِ عَقْلِهِ يُغْتَفَرُ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ اخْتَارَ بَعْضُهُمْ زَوَالَ عَقْلِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَخَافَةَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِذَلِكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 ذَكَرَهُ الْكَمَالُ (وَإِذَا مَاتَ تُشَدُّ لَحْيَاهُ وَتُغْمَضُ عَيْنَاهُ) تَحْسِينًا لَهُ، وَيَقُولُ مُغْمِضُهُ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ يَسِّرْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَسَهِّلْ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ، وَأَسْعِدْهُ بِلِقَائِك، وَاجْعَلْ مَا خَرَجَ إلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا خَرَجَ عَنْهُ ثُمَّ تُمَدُّ أَعْضَاؤُهُ، وَيُوضَعُ عَلَى بَطْنِهِ سَيْفٌ أَوْ حَدِيدٌ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ، وَيُحْضَرُ عِنْدَهُ الطِّيبُ وَيَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْجُنُبُ وَيَعْلَمُ بِهِ جِيرَانُهُ وَأَقْرِبَاؤُهُ وَيُسْرَعُ فِي جِهَازِهِ وَيُقْرَأُ عِنْدَهُ الْقُرْآنُ إلَى أَنْ يُرْفَعَ إلَى الْغُسْلِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَعْزِيًّا لِلنُّتَفِ. قُلْت: وَلَيْسَ فِي النُّتَفِ إلَى الْغُسْلِ بَلْ إلَى أَنْ يُرْفَعَ فَقَطْ، وَفَسَّرَهُ فِي الْبَحْرِ بِرَفْعِ الرُّوحِ. وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ عِنْدَهُ حَتَّى يُغَسَّلَ، وَعَلَّلَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ تَنْزِيهًا لِلْقُرْآنِ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَيِّتِ لِتَنَجُّسِهِ بِالْمَوْتِ   [رد المحتار] قَصْدًا مِنْ أَلَمِ الْمَوْتِ وَمِنْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ فَإِنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَقْتُ عُرُوضِهِ لَهُ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ) وَقَالَ أَيْضًا: وَبَعْضُهُمْ اخْتَارُوا قِيَامَهُ فِي حَالِ الْمَوْتِ. وَالْعَبْدُ الضَّعِيفُ مُؤَلِّفُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ فَوَّضَ أَمْرَهُ إلَى الرَّبِّ الْغَنِيِّ الْكَرِيمِ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ طَالِبًا مِنْهُ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ أَنْ يَرْحَمَ عَظِيمَ فَاقَتِي بِالْمَوْتِ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْإِيقَانِ {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. اهـ. وَإِنِّي الْعَبْدُ الذَّلِيلُ أَقُولُ مِثْلَ قَوْلِهِ مُسْتَعِينًا بِقُوَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَوْلِهِ (قَوْلُهُ لَحْيَاهُ) تَثْنِيَةُ لَحْيٍ بِفَتْحِ اللَّامِ فِيهِمَا، وَهُوَ مَنْبَتُ اللِّحْيَةِ أَوْ الْعَظْمُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَسْنَانُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ تَحْسِينًا لَهُ) إذْ لَوْ تُرِكَ فَظُعَ مَنْظَرُهُ وَلِئَلَّا يَدْخُلَ فَاهُ الْهَوَامُّ وَالْمَاءُ عِنْدَ غُسْلِهِ إمْدَادٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ تُمَدُّ أَعْضَاؤُهُ) أَيْ لِئَلَّا يَبْقَى مُقَوَّسًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَفِي الْإِمْدَادِ وَتُلَيَّنُ مَفَاصِلُهُ وَأَصَابِعُهُ بِأَنْ يَرُدَّ سَاعِدَهُ لِعَضُدِهِ وَسَاقَهُ لِفَخِذِهِ وَفَخِذَهُ لِبَطْنِهِ وَيَرُدَّهَا مُلَيَّنَةً لِيَسْهُلَ غُسْلُهُ وَإِدْرَاجُهُ فِي الْكَفَنِ (قَوْلُهُ وَيُوضَعُ إلَخْ) يُخَالِفُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ تَوْجِيهَهُ عَلَى يَمِينِهِ هُوَ السُّنَّةُ لِأَنَّ هَذَا الْوَضْعَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الِاسْتِلْقَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذَاكَ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ إلَى خُرُوجِ الرُّوحِ وَهَذَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ) لِأَنَّ الْحَدِيدَ يَدْفَعُ النَّفْخَ لِسِرٍّ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَيُوضَعُ شَيْءٌ ثَقِيلٌ إمْدَادٌ (قَوْلُهُ وَيَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِ إلَخْ) فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي إخْرَاجُ الْحَائِضِ إلَخْ وَفِي نُورِ الْإِيضَاحِ وَاخْتُلِفَ فِي إخْرَاجِ الْحَائِضِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَيَعْلَمُ بِهِ جِيرَانُهُ إلَخْ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا أَوْ زَاهِدًا أَوْ مِمَّنْ يُتَبَرَّكُ بِهِ فَقَدْ اسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ النِّدَاءَ فِي الْأَسْوَاقِ لِجِنَازَتِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ وَلَكِنْ لَا يَكُونُ عَلَى جِهَةِ التَّفْخِيمِ وَتَمَامُهُ فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ وَيُسْرَعُ فِي جِهَازِهِ) لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا عَادَ طَلْحَةَ بْنَ الْبَرَاءِ وَانْصَرَفَ قَالَ مَا أَرَى طَلْحَةَ إلَّا قَدْ حَدَثَ فِيهِ الْمَوْتُ فَإِذَا مَاتَ فَآذِنُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَعَجِّلُوا بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانِيِّ أَهْلِهِ» وَالصَّارِفُ عَنْ وُجُوبِ التَّعْجِيلِ الِاحْتِيَاطُ لِلرُّوحِ الشَّرِيفَةِ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ الْإِغْمَاءُ. وَقَدْ قَالَ الْأَطِبَّاءُ: إنَّ كَثِيرِينَ مِمَّنْ يَمُوتُونَ بِالسَّكْتَةِ ظَاهِرًا يُدْفَنُونَ أَحْيَاءً لِأَنَّهُ يَعْسُرُ إدْرَاكُ الْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ بِهَا إلَّا عَلَى أَفَاضِلِ الْأَطِبَّاءِ فَيَتَعَيَّنُ التَّأْخِيرُ فِيهَا إلَى ظُهُورِ الْيَقِينِ بِنَحْوِ التَّغَيُّرِ إمْدَادٌ؛ وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَإِنْ مَاتَ فَجْأَةً تُرِكَ حَتَّى يُتَيَقَّنَ بِمَوْتِهِ. مَطْلَبٌ فِي الْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ وَيُقْرَأُ عِنْدَهُ الْقُرْآنُ إلَخْ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا يُقْرَأُ بِلَا وَالصَّوَابُ إسْقَاطُهَا لِأَنِّي لَمْ أَرَهَا فِي نُسْخَتَيْنِ مِنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَا فِي النُّتَفِ وَلَا فِي الْبَحْرِ، نَعَمْ بِذِكْرِهَا لَا يَبْقَى مُخَالَفَةٌ بَيْنَ مَا فِي النُّتَفِ وَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَفْسِيرِ صَاحِبِ الْبَحْرِ بِرَفْعِ الرُّوحِ فَافْهَمْ وَالْأَنْسَبُ ذِكْرُ هَذَا الْبَحْثِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي قَرِيبًا وَكُرِهَ قِرَاءَةُ قُرْآنٍ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) أَقُولُ رَاجَعْت النُّتَفَ فَرَأَيْت فِيهَا كَمَا نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ فَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ إلَى الْغُسْلِ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ بِلَا مُرَاجَعَةٍ لِعِبَارَةِ النُّتَفِ نَعَمْ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَقُرِئَ عِنْدَهُ الْقُرْآنُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 قِيلَ نَجَاسَةَ خَبَثٍ وَقِيلَ حَدَثٍ، وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي جَوَازُهَا كَقِرَاءَةِ الْمُحْدِثِ (وَيُوضَعُ) كَمَا مَاتَ (كَمَا تَيَسَّرَ) فِي الْأَصَحِّ (عَلَى سَرِيرٍ مُجَمَّرٍ وِتْرًا) إلَى سَبْعٍ فَقَطْ فَتْحٌ (كَكَفَنِهِ) وَعِنْدَ مَوْتِهِ فَهِيَ ثَلَاثٌ لَا خَلْفَهُ وَلَا فِي الْقَبْرِ (وَكُرِهَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ إلَى تَمَامِ غُسْلِهِ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ حَتَّى يُغَسَّلَ وَعِبَارَةُ النَّهْرِ قَبْلَ غُسْلِهِ (وَتُسْتَرُ عَوْرَتُهُ الْغَلِيظَةُ فَقَطْ عَلَى الظَّاهِرِ) مِنْ الرِّوَايَةِ (وَقِيلَ مُطْلَقًا) الْغَلِيظَةُ وَالْخَفِيفَةُ (وَصُحِّحَ) صَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ (وَيَغْسِلُهَا تَحْتَ خِرْقَةٍ) السُّتْرَةِ (بَعْدَ لَفِّ) خِرْقَةٍ (مِثْلِهَا عَلَى يَدَيْهِ) لِحُرْمَةِ اللَّمْسِ كَالنَّظَرِ   [رد المحتار] إلَى أَنْ يُرْفَعَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُنْتَقَى لَكِنْ قَالَ عَقِبَهُ أَصْحَابُنَا كَرِهُوا الْقِرَاءَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ حَتَّى يُغَسَّلَ فَأَفَادَ حَمْلُ مَا فِي الْمُنْتَقَى عَلَى مَا قَبْلَ الْمَوْتِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّفْعِ رَفْعُ الرُّوحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ قِيلَ نَجَاسَةَ خَبَثٍ) لِأَنَّ الْآدَمِيَّ حَيَوَانٌ دَمَوِيٌّ فَيَتَنَجَّسُ بِالْمَوْتِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ بَدَائِعُ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ إطْلَاقُ مُحَمَّدٍ نَجَاسَةَ غُسَالَتِهِ وَكَذَا قَوْلُهُمْ لَوْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ قَبْلَ غُسْلِهِ نَجَّسَهَا وَكَذَا لَوْ حَمَلَ مَيِّتًا قَبْلَ غُسْلِهِ وَصَلَّى بِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَعَلَيْهِ فَإِنَّمَا يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ كَرَامَةً لِلْمُسْلِمِ، وَلِذَا لَوْ كَانَ كَافِرًا نَجَّسَ الْبِئْرَ وَلَوْ بَعْدَ غُسْلِهِ كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ حَدَثٍ) يُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ أَنَّ الْأَصَحَّ كَوْنُ غُسَالَتِهِ مُسْتَعْمَلَةً، وَأَنَّ مُحَمَّدًا أَطْلَقَ نَجَاسَتَهَا لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ النَّجَاسَةِ غَالِبًا. قُلْت: لَكِنْ يُنَافِيهِ مَا مَرَّ مِنْ الْفُرُوعِ إلَّا أَنْ يُقَالَ بِبِنَائِهَا عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «سُبْحَانَ اللَّهِ إنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا» فَإِنْ صَحَّتْ وَجَبَ تَرْجِيحُ أَنَّهُ لِلْحَدَثِ. اهـ. وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُنَجِّسُوا مَوْتَاكُمْ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا» وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فَيَتَرَجَّحُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ حَدَثٌ اهـ. قُلْت: وَيَظْهَرُ لِي إمْكَانُ الْوُجُوبِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِنَفْيِ النَّجَاسَةِ عَنْ الْمُسْلِمِ فِي الْحَدِيثِ النَّجَاسَةُ الدَّائِمَةُ فَيَكُونُ احْتِرَازًا عَنْ الْكَافِرِ فَإِنَّ نَجَاسَتَهُ دَائِمَةٌ لَا تَزُولُ بِغُسْلِهِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ نَفْيَ النَّجَاسَةِ مُطْلَقًا لَزِمَ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ خَارِجِيَّةٌ لَا يَنْجُسُ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ الْوَاقِعِ فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَا وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِنَجَاسَتِهِ نَجَاسَةُ حَدَثٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ بِإِنْصَافٍ (قَوْلُهُ كَقِرَاءَةِ الْمُحْدِثِ) فَإِنَّهُ إذَا جَازَ لِلْمُحْدِثِ حَدَثًا أَصْغَرَ الْقِرَاءَةُ فَجَوَازُهَا عِنْدَ الْمَيِّتِ الْمُحْدِثِ بِالْأَوْلَى لَكِنْ كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ كَالْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْجُنُبِ لِأَنَّ حَدَثَ الْمَوْتِ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ فَهُوَ أَشْبَهُ بِالْجَنَابَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَنَابَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ حَدَثَهُ بِسَبَبِ اسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ وَزَوَالِ الْعَقْلِ قَبْلَ الْمَوْتِ فَكَانَ يَنْبَغِي اقْتِصَارُهُ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لَكِنَّ الْقِيَاسَ فِي حَدَثِ الْحَيِّ غَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْأَعْضَاءِ لِلْحَرَجِ لِتَكَرُّرِهِ كُلَّ يَوْمٍ بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ، وَالْمَوْتُ شَبِيهٌ بِالْجَنَابَةِ فِي أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ فَأَخَذُوا بِالْقِيَاسِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ فَلَا حَرَجَ فِي غَسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ. [تَنْبِيهٌ] الْحَاصِلُ أَنَّ الْمَوْتَ إنْ كَانَ حَدَثًا فَلَا كَرَاهَةَ فِي الْقِرَاءَةِ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ نَجَسًا كُرِهَتْ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْمَلُ مَا فِي النُّتَفِ وَعَلَى الثَّانِي مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ ط أَنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ، أَمَّا إذَا بَعُدَ عَنْهُ بِالْقِرَاءَةِ فَلَا كَرَاهَةَ. اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا أَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مُسَجًّى بِثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى فَوْقَ نَجَاسَةٍ عَلَى حَائِلٍ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ حَصِيرٍ لَا يُكْرَهُ فِيمَا يَظْهَرُ فَكَذَا إذَا قَرَأَ عِنْدَ نَجَاسَةٍ مَسْتُورَةٍ وَكَذَا يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْكَرَاهَةِ بِمَا إذَا قَرَأَ جَهْرًا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَتُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ كَالْمُغْتَسَلِ وَالْمَخْرَجِ وَالْمَسْلَخِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَأَمَّا فِي الْحَمَّامِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ وَكَانَ الْحَمَّامُ طَاهِرًا لَا بَأْسَ بِأَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَإِنْ قَرَأَ فِي نَفْسِهِ وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا بَأْسَ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَإِنْ رَفَعَ صَوْتَهُ اهـ وَفِي الْقُنْيَةِ لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مُعَدًّا لِلنَّجَاسَةِ فَإِنْ كَانَ يُكْرَهُ اهـ وَفِيهَا لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ حِذَاءَ الْبَالُوعَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ بِقُرْبِهِ. اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 (وَيُجَرَّدُ) مِنْ ثِيَابِهِ (كَمَا مَاتَ) «وَغُسْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي قَمِيصِهِ» مِنْ خَوَاصِّهِ (وَيُوَضَّأُ) مَنْ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ (بِلَا مَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ)   [رد المحتار] فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَوْضِعَ إنْ كَانَ مُعَدًّا لِلنَّجَاسَةِ كَالْمَخْرَجِ وَالْمَسْلَخِ كُرِهَتْ الْقِرَاءَةُ مُطْلَقًا، وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نَجَاسَةٌ وَلَا أَحَدٌ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ فَلَا كَرَاهَةَ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ فَقَطْ إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ قَرِيبَةً فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا مَاتَ) هَذِهِ الْكَافُ الدَّاخِلَةُ عَلَى مَا تُسَمَّى كَافَ الْمُبَادَرَةِ مِثْلَ: سَلِّمْ كَمَا تَدْخُلُ كَمَا فِي الْمُغْنِي أَيْ أَنَّهُ يُوضَعُ عَلَى السَّرِيرِ عَقِبَ تَيَقُّنِ مَوْتِهِ وَقَيَّدَهُ الْقُدُورِيُّ بِمَا إذَا أَرَادُوا غُسْلَهُ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ يُوضَعُ إلَى الْقِبْلَةِ طُولًا، وَقِيلَ: عَرْضًا كَمَا فِي الْقَبْرِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ مُجَمَّرٍ) أَيْ: مُبَخَّرٍ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ السَّرِيرَ يُجَمَّرُ قَبْلَ وَضْعِهِ عَلَيْهِ تَعْظِيمًا وَإِزَالَةً لِلرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ مِنْهُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ إلَى سَبْعٍ فَقَطْ) أَيْ بِأَنْ تُدَارَ الْمُجَمَّرَةُ حَوْلَ السَّرِيرِ مَرَّةً أَوْ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا، وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْكَافِي وَالنِّهَايَةِ، وَفِي التَّبْيِينِ لَا يُزَادُ عَلَى خَمْسَةٍ (قَوْلُهُ كَكَفَنِهِ) فَإِنَّهُ يُجَمَّرُ وِتْرًا أَيْضًا ط (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مَوْتِهِ) أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ سَابِقًا: وَيُحْضَرُ عِنْدَهُ الطِّيبُ ط (قَوْلُهُ: فَهِيَ ثَلَاثٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَجَمِيعُ مَا يُجَمَّرُ فِيهِ الْمَيِّتُ ثَلَاثٌ عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ لِإِزَالَةِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، وَعِنْدَ غُسْلِهِ وَعِنْدَ تَكْفِينِهِ، وَلَا يُجَمَّرُ خَلْفَهُ، وَلَا فِي الْقَبْرِ، لِمَا رُوِيَ «لَا تَتْبَعُوا الْجِنَازَةَ بِصَوْتٍ وَلَا نَارٍ» اهـ (قَوْلُهُ: عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ إلَخْ) أَشَارَ بِنَقْلِ الْعِبَارَتَيْنِ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إلَى تَمَامِ غُسْلِهِ غَيْرُ قَيْدٍ لِأَنَّهُ يَطْهُرُ بِغُسْلِهِ مَرَّةً فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّمَامِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَتُسْتَرُ عَوْرَتُهُ الْغَلِيظَةُ فَقَطْ) أَيْ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ أَيْسَرُ وَبِبُطْلَانِ الشَّهْوَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ بِمَعْنَى أَنْ لَا يَأْثَمَ بِذَلِكَ لَا لِكَوْنِ الْمَطْلُوبِ الِاقْتِصَارَ عَلَى ذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ صَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ) وَالْأَوَّلُ صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ لَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ» لِأَنَّ مَا كَانَ عَوْرَةً لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ؛ وَلِذَا لَا يَجُوزُ مَسُّهُ، حَتَّى لَوْ مَاتَتْ بَيْنَ رِجَالٍ أَجَانِبَ يَمَّمَهَا رَجُلٌ بِخِرْقَةٍ وَلَا يَمَسَّهَا إلَخْ، وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَهَذَا شَامِلٌ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ؛ لِأَنَّ عَوْرَةَ الْمَرْأَةِ لِلْمَرْأَةِ كَالرَّجُلِ لِلرَّجُلِ (قَوْلُهُ مِثْلِهَا) لَيْسَ بِقَيْدٍ فَالْمُرَادُ مَا يَمْنَعُ الْمَسَّ ط (قَوْلُهُ لِحُرْمَةِ اللَّمْسِ كَالنَّظَرِ) يُفِيدُ هَذَا التَّعْلِيلُ أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَا عَوْرَةَ لَهُ لَا يَضُرُّ عَدَمُ سَتْرِهِ ط (قَوْلُهُ وَيُجَرَّدُ مِنْ ثِيَابِهِ) لِيُمْكِنَهُمْ التَّنْظِيفُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْغُسْلِ هُوَ التَّطْهِيرُ لَا يَحْصُلُ مَعَ ثِيَابِهِ لِأَنَّ الثَّوْبَ مَتَى تَنَجَّسَ بِالْغُسَالَةِ تَنَجَّسَ بِهِ بَدَنُهُ ثَانِيًا بِنَجَاسَةِ الثَّوْبِ فَلَا يُفِيدُ الْغُسْلُ فَيَجِبُ التَّجْرِيدُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى ظَاهِرِهِ (قَوْلُهُ كَمَا مَاتَ) لِأَنَّ الثِّيَابَ تُحْمَى عَلَيْهِ فَيُسْرِعُ إلَيْهِ التَّغَيُّرُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مِنْ خَوَاصِّهِ) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّهُمْ قَالُوا نُجَرِّدُهُ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا أَمْ نُغَسِّلُهُ فِي ثِيَابِهِ فَسَمِعُوا مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ اغْسِلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ فَدَلَّ هَذَا أَنَّ عَادَتَهُمْ كَانَتْ تَجْرِيدَ مَوْتَاهُمْ لِلْغُسْلِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرْحُ الْمُنْيَةِ زَادَ فِي الْمِعْرَاجِ: وَغُسْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ لِلتَّطْهِيرِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ طَاهِرًا حَيًّا وَمَيِّتًا (قَوْلُهُ وَيُوَضَّأُ مَنْ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ) خَرَجَ الصَّبِيُّ الَّذِي لَمْ يَعْقِلْ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يُصَلِّي قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَهَذَا التَّوْجِيهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ؛ إذْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا الْوُضُوءَ سُنَّةُ الْغُسْلِ الْمَفْرُوضِ لِلْمَيِّتِ لَا تَعَلُّقَ لِكَوْنِ الْمَيِّتِ بِحَيْثُ يُصَلِّي أَوْ لَا كَمَا فِي الْمَجْنُونِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَمُقْتَضَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 لِلْحَرَجِ، وَقِيلَ يُفْعَلَانِ بِخِرْقَةٍ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ الْيَوْمَ، وَلَوْ كَانَ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ فُعِلَا اتِّفَاقًا تَتْمِيمًا لِلطَّهَارَةِ كَمَا فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ مُسْتَمَدًّا مِنْ شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ، وَيُبْدَأُ بِوَجْهِهِ وَيُمْسَحُ رَأْسُهُ (وَيُصَبُّ عَلَيْهِ مَاءٌ مُغْلَى بِسِدْرِ) وَرَقِ النَّبْقِ (أَوْ حُرْضِ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ الْأُشْنَانِ (إنْ تَيَسَّرَ، وَإِلَّا فَمَاءٌ خَالِصٌ) مُغْلًى (وَيُغْسَلُ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ بِالْخِطْمِيِّ) نَبْتٌ بِالْعِرَاقِ (إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَبِالصَّابُونِ وَنَحْوِهِ) هَذَا لَوْ كَانَ بِهِمَا شَعْرٌ حَتَّى لَوْ كَانَ أَمْرَدَ أَوْ أَجْرَدَ لَا يُفْعَلُ (وَيُضْجَعُ عَلَى يَسَارِهِ) لِيُبْدَأَ بِيَمِينِهِ (فَيُغْسَلُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ   [رد المحتار] أَنَّهُ لَا كَلَامَ فِي أَنَّ الْمَجْنُونَ يُوَضَّأُ، وَأَنَّ الصَّبِيَّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ الصَّلَاةَ يُوَضَّأُ أَيْضًا عَلَى خِلَافِ مَا يَقْتَضِيهِ تَوْجِيهُ الْحَلْوَانِيِّ مِنْ أَنَّهُمَا لَا يُوَضَّآنِ (قَوْلُهُ لِلْحَرَجِ) إذْ لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُ الْمَاءِ، أَوْ يَعْسُرُ فَيُتْرَكَانِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: بِخِرْقَةٍ) أَيْ يَجْعَلُهَا الْغَاسِلُ فِي أُصْبُعِهِ يَمْسَحُ بِهَا أَسْنَانَهُ وَلَهَاتَهُ وَلَثَتَهُ وَيُدْخِلُهَا مَنْخَرَهُ أَيْضًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ الْيَوْمَ) قَائِلُهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ جُنُبًا إلَخْ) نَقَلَ أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَرْحِ الْكَنْزِ لِلشَّلَبِيِّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْخَلْخَالِيُّ أَيْ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ مِنْ أَنَّ الْجُنُبَ يُمَضْمَضُ وَيُسْتَنْشَقُ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ. اهـ. قُلْت: وَقَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْضًا فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ: إطْلَاقُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى يَشْمَلُ مَنْ مَاتَ جُنُبًا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ لَكِنْ الْإِطْلَاقُ يَدْخُلُهُ، وَالْعِلَّةُ تَقْتَضِيهِ اهـ وَمَا نَقَلَهُ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ قَوْلِهِ: بِلَا مَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ وَلَوْ جُنُبًا صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ لَكِنِّي لَمْ أَرَهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ اتِّفَاقًا) لَمْ أَجِدْهُ فِي الْإِمْدَادِ وَلَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ (قَوْلُهُ وَيَبْدَأُ بِوَجْهِهِ) أَيْ لَا يُغَسِّلُ يَدَيْهِ أَوَّلًا إلَى الرُّسْغَيْنِ كَالْجُنُبِ لِأَنَّ الْجُنُبَ يُغَسِّلُ نَفْسَهُ بِيَدَيْهِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَنْظِيفِهِمَا أَوَّلًا وَالْمَيِّتُ يُغَسَّلُ بِيَدِ الْغَاسِلِ (قَوْلُهُ وَيَمْسَحُ رَأْسَهُ) أَيْ فِي الْوُضُوءِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَالْجُنُبِ بَحْرٌ. [تَنْبِيهٌ] لَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِنْجَاءَ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ. فَعِنْدَهُمَا يُسْتَنْجَى، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا. وَصُورَتُهُ أَنْ يَلُفَّ الْغَاسِلُ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً، وَيَغْسِلَ السَّوْأَةَ لِأَنَّ مَسَّهَا حَرَامٌ كَالنَّظَرِ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ مُغْلًى) بِضَمِّ الْمِيمِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ الْإِغْلَاءِ لَا مِنْ الْغَلْيِ وَالْغَلَيَانِ لِأَنَّهُ لَازِمٌ وَاسْمُ الْمَفْعُولِ إنَّمَا يُبْنَى مِنْ الْمُتَعَدِّي ح وَإِنَّمَا طُلِبَ تَسْخِينُهُ مُبَالَغَةً فِي التَّنْظِيفِ (قَوْلُهُ وَرَقِ النَّبْقِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا وَبِسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَكَتْفٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْقَامُوسِ. وَفِي التَّذْكِرَةِ السِّدْرُ شَجَرٌ مَعْرُوفٌ وَثَمَرُهُ هُوَ النَّبْقُ وَسَحِيقُ وَرَقِهِ يَلْحُمُ الْجِرَاحَ وَيُقْلِعُ الْأَوْسَاخَ وَيُنَقِّي الْبَشَرَةَ وَيُنَعِّمُهَا وَيَشُدُّ الشَّعْرَ. وَمِنْ خَوَاصِّهِ أَنَّهُ يَطْرُدُ الْهَوَامَّ وَيَشُدُّ الْعَصَبَ وَيَمْنَعُ الْمَيِّتَ مِنْ الْبَلَاءِ. اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ أَيْضًا النَّبْقُ: حَمْلُ السِّدْرِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ السِّدْرَ هُوَ الشَّجَرُ وَالنَّبْقَ الثَّمَرُ فَإِضَافَةُ الْوَرَقِ إلَى النَّبْقِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَتَفْسِيرُ السِّدْرِ بِالْوَرَقِ بَيَانٌ لِلْمُرَادِ مِنْهُ فَالْأَحْسَنُ فِي التَّعْبِيرِ قَوْلُ الْمِعْرَاجِ: السِّدْرُ شَجَرَةُ النَّبْقِ، وَالْمُرَادُ وَرَقُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَسُكُونٍ) فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الرَّاءِ السُّكُونُ وَالضَّمُّ كَمَا فِي الصِّحَاحِ (قَوْلُهُ: الْأُشْنَانُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَقَيَّدَهُ الْكَمَالُ وَغَيْرُهُ بِغَيْرِ الْمَطْحُونِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَمَاءٌ خَالِصٌ مُغْلًى) أَيْ إغْلَاءً وَسَطًا لِأَنَّ الْمَيِّتَ يَتَأَذَّى بِمَا يَتَأَذَّى بِهِ الْحَيُّ ط وَأَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ الْحَارَّ أَفْضَلُ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ وَسَخٌ أَوْ لَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ بِالْخِطْمِيِّ) فِي الْمِصْبَاحِ أَنَّهُ مُشَدَّدُ الْيَاءِ وَكَسْرُ الْخَاءِ أَكْثَرُ مِنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ نَبْتٌ بِالْعِرَاقِ) طَيِّبُ الرَّائِحَةِ يَعْمَلُ عَمَلَ الصَّابُونِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ هَذَا إلَخْ) الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ وَيَغْسِلَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالْخِطْمِيِّ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَيُضْجَعُ إلَخْ) هَذَا أَوَّلُ الْغُسْلِ الْمُرَتَّبِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ مُغْلًى إلَخْ وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَالْقَرَاحُ وَقَوْلُهُ وَغَسَّلَ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ يُفْعَلُ قَبْلَ التَّرْتِيبِ الْآتِي، وَعِبَارَةُ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَيُفْعَلُ هَذَا قَبْلَ التَّرْتِيبِ الْآتِي لِيَبْتَلَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّرَنِ. اهـ. ط. قُلْت: لَكِنَّ صَرِيحَ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ قَوْلَهُ وَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ مُغْلًى إلَخْ لَيْسَ خَارِجًا عَنْ هَذِهِ الْغَسَلَاتِ الثَّلَاثِ الْآتِيَةِ بَلْ هُوَ إجْمَالٌ لِبَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْمَاءِ: أَيْ لِبَيَانِ الْمَاءِ الَّذِي يُغَسَّلُ بِهِ، وَهُوَ كَوْنُهُ مُغْلًى بِسِدْرٍ لَا بَارِدًا وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 إلَى مَا يَلِي التَّخْتَ مِنْهُ ثُمَّ عَلَى يَمِينِهِ كَذَلِكَ ثُمَّ يُجْلَسُ مُسْنَدًا) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (إلَيْهِ وَيُمْسَحُ بَطْنُهُ رَفِيقًا وَمَا خَرَجَ مِنْهُ يُغَسِّلُهُ ثُمَّ) بَعْدَ إقْعَادِهِ (يُضْجِعُهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ وَيَغْسِلُهُ) وَهَذِهِ غَسْلَةٌ (ثَالِثَةٌ) لِيَحْصُلَ الْمَسْنُونُ (وَيَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ عِنْدَ كُلِّ اضْطِجَاعٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) لِمَا مَرَّ (وَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا أَوْ نَقَصَ جَازَ) إذْ الْوَاجِبُ مَرَّةً (وَلَا يُعَادُ غُسْلُهُ وَلَا وُضُوءُهُ بِالْخَارِجِ مِنْهُ) لِأَنَّ غُسْلَهُ مَا وَجَبَ لِرَفْعِ الْحَدَثِ لِبَقَائِهِ بِالْمَوْتِ بَلْ لِتَنَجُّسِهِ بِالْمَوْتِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الدَّمَوِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْمُسْلِمَ يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ كَرَامَةً لَهُ وَقَدْ حَصَلَ بَحْرٌ وَشَرْحُ مَجْمَعٍ. (وَيُنَشَّفُ فِي ثَوْبٍ وَيُجْعَلُ الْحَنُوطُ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ (الْعِطْرُ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْأَشْيَاءِ الطَّيِّبَةِ غَيْرِ زَعْفَرَانٍ وَوَرْسٍ) لِكَرَاهَتِهِمَا لِلرِّجَالِ، وَجَعْلُهُمَا فِي الْكَفَنِ جَهْلٌ (عَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ) نَدْبًا (وَالْكَافُورُ عَلَى مَسَاجِدِهِ) كَرَامَةً لَهَا (وَلَا يُسَرَّحُ شَعْرُهُ)   [رد المحتار] قَرَاحًا، وَكَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْوُضُوءِ غَسَّلَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالْخِطْمِيِّ ثُمَّ يُضْجِعُهُ إلَخْ وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ. نَعَمْ اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ وَهُوَ أَنَّهُ فِي الْهِدَايَةِ لَمْ يَفْصِلْ فِي الْغَسَلَاتِ بَيْنَ الْقَرَاحِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْحَاكِمِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْأُولَى بِالْقَرَاحِ أَيْ الْمَاءِ الْخَالِصِ، وَالثَّانِيَةُ بِالْمُغْلَى فِيهِ سِدْرٌ، وَالثَّالِثَةُ بِاَلَّذِي بِهِ كَافُورٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَالْأَوْلَى كَوْنُ الْأُولَيَيْنِ بِالسِّدْرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُد بِسَنَدٍ صَحِيحٍ " أَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ تُغَسِّلُ بِالسِّدْرِ مَرَّتَيْنِ وَالثَّالِثَ بِالْمَاءِ وَالْكَافُورِ " (قَوْلُهُ إلَى مَا يَلِي التَّخْتَ مِنْهُ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ السَّرِيرَ وَمِنْهُ بَيَانٌ لِمَا، وَالْمُرَادُ بِهِ الْجَانِبُ الْأَسْفَلُ وَكَأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جَانِبُ الرِّجْلَيْنِ وَجَوَّزَ الْعَيْنِيُّ التَّحْتَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَلَا يَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَالْإِعْرَابِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ كَذَلِكَ) بِأَنْ يُغَسِّلَهُ إلَى أَنْ يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا يَلِي التَّخْتَ مِنْهُ وَهُوَ الْجَانِبُ الْأَيْسَرُ وَهَذِهِ غَسْلَةٌ ثَانِيَةٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَكُبُّ عَلَى وَجْهِهِ لِيَغْسِلَ ظَهْرَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ غَايَةِ السُّرُوجِيِّ (قَوْلُهُ رَفِيقًا) أَيْ مَسْحًا بِرِفْقٍ (قَوْلُهُ وَمَا خَرَجَ مِنْهُ يَغْسِلُهُ) أَيْ تَنْظِيفًا لَهُ بَحْرٌ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَيْ لَا شَرْطًا حَتَّى لَوْ صُلِّيَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ غُسْلِهِ جَازَ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُتَوَقَّفُ فِيهِ اهـ وَفِي الْأَحْكَامِ عَنْ الْمُحِيطِ يُمْسَحُ مَا سَالَ وَيُكَفَّنُ. وَفِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لِلْحَسَنِ إذَا سَالَ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّنَ غُسِّلَ وَبَعْدَهُ لَا. اهـ. قُلْت: وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي بَحْثِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لِيَحْصُلَ الْمَسْنُونُ) وَهُوَ تَثْلِيثُ الْغَسَلَاتِ الْمُسْتَوْعِبَاتِ جَسَدَهُ إمْدَادٌ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِيَحْصُلَ الْمَسْنُونُ ط (قَوْلُهُ وَإِنْ زَادَ) أَيْ عِنْدَ الْحَاجَةِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وِتْرًا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ جَازَ) أَيْ صَحَّ وَكُرِهَ بِلَا حَاجَةٍ لِأَنَّهُ إسْرَافٌ أَوْ تَقْتِيرٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُعَادُ غُسْلُهُ) بِضَمِّ الْغَيْنِ قِيلَ، وَبِالْفَتْحِ أَيْضًا، وَقِيلَ إنْ أُضِيفَ إلَى الْمَغْسُولِ أَيْ كَالثَّوْبِ مَثَلًا فُتِحَ وَإِلَى غَيْرِهِ ضُمَّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لِبَقَائِهِ بِالْمَوْتِ) أَيْ لِأَنَّ الْمَوْتَ حَدَثٌ كَالْخَارِجِ فَلَمَّا لَمْ يُؤَثِّرْ الْمَوْتُ فِي الْوُضُوءِ وَهُوَ مَوْجُودٌ لَمْ يُؤَثِّرْ الْخَارِجُ بَحْرٌ وَلِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ التَّكْلِيفِ بِنَقْضِ الطَّهَارَةِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: بَلْ لِتَنَجُّسِهِ بِالْمَوْتِ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِيهِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: وَقَدْ حَصَلَ) أَيْ الْغُسْلُ وَبِطُرُوِّ النَّجَاسَةِ بَعْدَهُ لَا يُعَادُ بَلْ يُغْسَلُ مَوْضِعُهَا (قَوْلُهُ وَيُنَشَّفُ فِي ثَوْبٍ) أَيْ كَيْ لَا تَبْتَلَّ أَكْفَانُهُ وَهُوَ طَاهِرٌ كَالْمِنْدِيلِ الَّذِي يَمْسَحُ بِهِ الْحَيُّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ نَدْبًا) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَيُجْعَلُ وَالْأَوْلَى ذِكْرُهُ بِلَصْقِهِ ط (قَوْلُهُ عَلَى مَسَاجِدِهِ) مَوَاضِعِ سُجُودِهِ جَمْعُ مَسْجَدٍ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُهُ وَهُوَ الْجَبْهَةُ وَالْأَنْفُ وَالْيَدَانِ وَالرُّكْبَتَانِ وَالْقَدَمَانِ فَتْحٌ وَسَوَاءٌ فِيهِ الْمُحْرِمُ وَغَيْرُهُ فَيُطَيَّبُ وَيُغَطَّى رَأْسُهُ إمْدَادٌ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ كَرَامَةً لَهَا) فَإِنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ بِهَذِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 أَيْ يُكْرَهُ تَحْرِيمًا (وَلَا يُقَصُّ ظُفْرُهُ) إلَّا الْمَكْسُورُ (وَلَا شَعْرُهُ) وَلَا يُخْتَنُ، وَلَا بَأْسَ بِجَعْلِ الْقُطْنِ عَلَى وَجْهِهِ، وَفِي مَخَارِقِهِ كَدُبُرٍ وَقُبُلٍ وَأُذُنٍ وَفَمٍ، وَيُوضَعُ يَدَاهُ فِي جَانِبَيْهِ لَا عَلَى صَدْرِهِ لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْكُفَّارِ ابْنُ مَالِكٍ (وَيُمْنَعُ زَوْجُهَا مِنْ غُسْلِهَا وَمَسِّهَا لَا مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا عَلَى الْأَصَحِّ) مُنْيَةٌ. وَقَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: يَجُوزُ لِأَنَّ عَلِيًّا غَسَّلَ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. قُلْنَا: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ إلَّا سَبَبِي وَنَسَبِي» مَعَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ أَنْكَرَ عَلَيْهِ شَرْحُ الْمَجْمَعِ لِلْعَيْنِيِّ (وَهِيَ لَا تُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ)   [رد المحتار] الْأَعْضَاءِ فَتَخْتَصُّ بِزِيَادَةِ كَرَامَةٍ، وَصِيَانَةً لَهَا عَنْ سُرْعَةِ الْفَسَادِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ: أَيْ يُكْرَهُ تَحْرِيمًا) لِمَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ أَنَّ التَّزْيِينَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَالِامْتِشَاطَ وَقَطْعَ الشَّعْرِ لَا يَجُوزُ نَهْرٌ، فَلَوْ قُطِعَ ظُفْرُهُ أَوْ شَعْرُهُ أُدْرِجَ مَعَهُ فِي الْكَفَنِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْعَتَّابِيِّ (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ إلَخْ) كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَيْسَ فِي الْغُسْلِ اسْتِعْمَالُ الْقُطْنِ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُجْعَلُ فِي مَنْخِرَيْهِ وَفَمِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي صِمَاخِهِ أَيْضًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي دُبُرِهِ أَيْضًا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَاسْتَقْبَحَهُ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ اهـ لَكِنْ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ فَإِطْلَاقُ أَنَّهُ قَبِيحٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُمْنَعُ زَوْجُهَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْغَاسِلِ أَنْ يَحِلَّ لَهُ النَّظَرُ إلَى الْمَغْسُولِ فَلَا يُغَسِّلُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَبِالْعَكْسِ. اهـ. وَسَيَأْتِي مَا إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ بَيْنَ رِجَالٍ أَوْ بِالْعَكْسِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ أَوْ لِجَوَازِهِ لَا لِصِحَّتِهِ (قَوْلُهُ لَا مِنْ النَّظَرِ إلَيْهِمَا عَلَى الْأَصَحِّ) عَزَاهُ فِي الْمِنَحِ إلَى الْقُنْيَةِ، وَنَقَلَ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ مَحْرَمٌ يَمَّمَهَا بِيَدِهِ وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَبِخِرْقَةٍ عَلَى يَدِهِ وَيَغُضُّ بَصَرَهُ عَنْ ذِرَاعِهَا وَكَذَا الرَّجُلُ فِي امْرَأَتِهِ إلَّا فِي غَضِّ الْبَصَرِ اهـ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ النَّظَرَ أَخَفُّ مِنْ الْمَسِّ فَجَازَ لِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ قُلْنَا إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِمُصَنِّفِهِ فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - غَسَّلَتْهَا أُمُّ أَيْمَنَ حَاضِنَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَضِيَ عَنْهَا فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ الْغُسْلِ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى مَعْنَى التَّهْيِئَةِ وَالْقِيَامِ التَّامِّ بِأَسْبَابِهِ، وَلَئِنْ ثَبَتَتْ الرِّوَايَةُ فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِهِ، أَلَا تَرَى «أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَجَابَهُ بِقَوْلِهِ: أَمَا عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّ فَاطِمَةَ زَوْجَتُك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» فَادِّعَاؤُهُ الْخُصُوصِيَّةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَهُمْ عَدَمُ الْجَوَازِ اهـ. مَطْلَبٌ فِي حَدِيثِ «كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ مُنْقَطِعٌ إلَّا سَبَبِي وَنَسَبِي» قُلْت: وَيَدُلُّ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ أَيْضًا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ السَّبَبَ فِيهِ بِالْإِسْلَامِ وَالتَّقْوَى، وَالنَّسَبَ بِالِانْتِسَابِ وَلَوْ بِالْمُصَاهَرَةِ وَالرَّضَاعِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْأَوْلَى كَوْنُ الْمُرَادِ بِالسَّبَبِ الْقَرَابَةَ السَّبَبِيَّةَ كَالزَّوْجِيَّةِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَبِالنَّسَبِ الْقَرَابَةَ النَّسَبِيَّةَ لِأَنَّ سَبَبِيَّةَ الْإِسْلَامِ وَالتَّقْوَى لَا تَنْقَطِعُ عَنْ أَحَدٍ فَبَقِيَتْ الْخُصُوصِيَّةُ فِي سَبَبِهِ وَنَسَبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: فَتَزَوَّجْت أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ لِذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} [المؤمنون: 101] فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ نَسَبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّافِعِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَمَّا حَدِيثُ «لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا» أَيْ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ إلَّا إنْ مَلَّكَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَنْفَعُ الْأَجَانِبَ بِشَفَاعَتِهِ لَهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَذَا الْأَقَارِبُ وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي رِسَالَتِنَا [الْعِلْمِ الظَّاهِرِ فِي نَفْعِ النَّسَبِ الطَّاهِرِ] (قَوْلُهُ وَهِيَ لَا تُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ تَغْسِيلِ زَوْجِهَا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 وَلَوْ ذِمِّيَّةً بِشَرْطِ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ (بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ) وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ فَلَا يُغَسِّلُونَهُ وَلَا يُغَسِّلُهُنَّ عَلَى الْمَشْهُورِ مُجْتَبَى. (وَالْمُعْتَبَرُ) فِي الزَّوْجِيَّةِ (صَلَاحِيَّتُهَا لِغُسْلِهِ حَالَةَ الْغُسْلِ لَا) حَالَةَ (الْمَوْتِ فَتُمْنَعُ مِنْ غُسْلِهِ لَوْ) بَانَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ (ارْتَدَّتْ بَعْدَهُ) ثُمَّ أَسْلَمَتْ (أَوْ مَسَّتْ ابْنَهُ بِشَهْوَةٍ) لِزَوَالِ النِّكَاحِ (وَجَازَ لَهَا) غُسْلُهُ (لَوْ أَسْلَمَ) زَوْجُ الْمَجُوسِيَّةِ (فَمَاتَ فَأَسْلَمَتْ) بَعْدَهُ لِحِلِّ مَسِّهَا حِينَئِذٍ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ. (وُجِدَ رَأْسُ آدَمِيٍّ) أَوْ أَحَدُ شِقَّيْهِ (لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ) بَلْ يُدْفَنُ إلَّا أَنْ يُوجَدَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ وَلَوْ بِلَا رَأْسٍ (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُغَسَّلَ) الْمَيِّتُ (مَجَّانًا، فَإِنْ ابْتَغَى الْغَاسِلُ الْأَجْرَ جَازَ إنْ كَانَ ثَمَّةَ غَيْرُهُ وَإِلَّا لَا) لِتَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْحَمَّالِ وَالْحَفَّارِ كَذَلِكَ سِرَاجٌ (وَإِنْ غَسَّلَ) الْمَيِّتَ (بِغَيْرِ نِيَّةٍ أَجْزَأَ) أَيْ لِطَهَارَتِهِ لَا لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنْ ذِمَّةِ الْمُكَلَّفِينَ   [رد المحتار] قُلْت: أَيْ لِأَنَّهَا تَلْزَمُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ، وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَفِي الْبَدَائِعِ: الْمَرْأَةُ تُغَسِّلُ زَوْجَهَا؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الْغُسْلِ مُسْتَفَادَةٌ بِالنِّكَاحِ، فَتَبْقَى مَا بَقِيَ النِّكَاحُ، وَالنِّكَاحُ بَعْدَ الْمَوْتِ بَاقٍ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ فَلَا يُغَسِّلُهَا لِانْتِهَاءِ مِلْكِ النِّكَاحِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ فَصَارَ أَجْنَبِيًّا، وَهَذَا إذَا لَمْ تَثْبُتْ الْبَيْنُونَةُ بَيْنَهُمَا فِي حَالِ حَيَاةِ الزَّوْجِ، فَإِنْ ثَبَتَتْ بِأَنْ طَلَّقَهَا بَائِنًا، أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ مَاتَ لَا تُغَسِّلُهُ لِارْتِفَاعِ الْمِلْكِ بِالْإِبَانَةِ إلَخْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ ذِمِّيَّةً) الْأَوْلَى، وَلَوْ كِتَابِيَّةً لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمَجُوسِيَّةِ إذَا أَسْلَمَ زَوْجُهَا فَمَاتَ لَا تُغَسِّلُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ إلَّا إذَا أَسْلَمَتْ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ) أَيْ إلَى وَقْتِ الْغُسْلِ، وَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ (قَوْلُهُ فَلَا يُغَسِّلُونَهُ) تَبِعَ فِيهِ النَّهْرَ وَالصَّوَابُ يُغَسِّلْنَهُ ط، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا يَبْقَى فِيهَا الْمِلْكُ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا يَمِينٌ، وَهِيَ تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ، وَالْحُرِّيَّةُ تُنَافِي مِلْكَ الْيَمِينِ، بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ الْمُعْتَدَّةِ فَإِنَّ حُرِّيَّتَهَا لَا تُنَافِي مِلْكَ النِّكَاحِ حَالَ الْحَيَاةِ، وَأَمَّا الْمُدَبَّرَةُ فَلِأَنَّهَا تُعْتَقُ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فَلَا تُغَسِّلُهُ بِالْأَوْلَى وَكَذَا الْأَمَةُ لِأَنَّهَا زَالَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِالْمَوْتِ إلَى الْوَرَثَةِ وَلَا يُبَاحُ لِأَمَةِ الْغَيْرِ مَسُّ عَوْرَتِهِ بَدَائِعُ مُلَخَّصًا، وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَلِأَنَّهَا صَارَتْ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ حُرَّةً يَدًا حَالًا، وَرَقَبَةً مَآلًا أَيْ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَلِذَا حُرِّمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا فِي حَيَاتِهِ وَغَرِمَ عُقْرَهَا كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى (قَوْلُهُ: وَلَا يُغَسِّلُهُنَّ) لِأَنَّ الْمِلْكَ يَبْطُلُ بِمَوْتِ مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ فِي الزَّوْجِيَّةِ) لَمْ يَظْهَرْ وَجْهٌ فِي تَقْدِيرِ الشَّارِحِ الزَّوْجِيَّةَ كَمَا قَالَ ح: وَقَالَ ط: صَوَابُهُ فِي الزَّوْجَةِ لِأَنَّ الصَّلَاحِيَةَ لِلزَّوْجَةِ لَا لِلزَّوْجِيَّةِ اهـ وَالْأَحْسَنُ التَّعْبِيرُ بِمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ عِنْدَ الْغُسْلِ، وَبِهِ يَظْهَرُ التَّفْرِيعُ بِمَا زَادَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَانَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ) أَيْ بِأَيِّ سَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ بِرِدَّتِهَا أَوْ بِتَمْكِينِهَا ابْنَهُ أَوْ طَلَاقٍ فَإِنَّهَا لَا تُغَسِّلُهُ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ فَتْحٌ أَيْ لِعَدَمِ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ عِنْدَ الْغُسْلِ، وَلَا عِنْدَ الْمَوْتِ. وَاحْتَرَزَ عَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا ثُمَّ مَاتَ فِي عِدَّتِهَا فَإِنَّهَا تُغَسِّلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُزِيلُ مِلْكَ النِّكَاحِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِهِ (قَوْلُهُ لِزَوَالِ النِّكَاحِ) لِأَنَّ النِّكَاحَ كَانَ قَائِمًا بَعْدَ الْمَوْتِ فَارْتَفَعَ بِالرِّدَّةِ وَبِالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ الْمُوجِبِ تَحْرِيمَ الْمَمْسُوسَةِ عَلَى أُصُولِ الْمَاسِّ وَفُرُوعِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ بَقَاءَ الزَّوْجِيَّةِ حَالَةَ الْمَوْتِ كَمَا قَالَ بِهِ زُفَرُ لَجَازَ لَهَا تَغْسِيلُهُ (قَوْلُهُ وَجَازَ لَهَا إلَخْ) الْأَوْلَى فِي حِلِّ التَّرْكِيبِ أَنْ يَقُولَ: وَجَازَ لِامْرَأَةِ الْمَجُوسِيِّ تَغْسِيلُهُ لَوْ أَسْلَمَ إلَخْ ح (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ) فَإِنَّهُ لَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ وَكَانَ حَيًّا يَبْقَى النِّكَاحُ وَيَحِلُّ الْمَسُّ فَكَذَا إذَا أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِلَا رَأْسٍ) وَكَذَا يُغَسَّلُ لَوْ وُجِدَ النِّصْفُ مَعَ الرَّأْسِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِتَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ) أَيْ لِأَنَّهُ صَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ عَيْنًا، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ كَالْمَعْصِيَةِ، وَفِيهِ أَنَّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَأَجَازَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 (وَ) لِذَا قَالَ (لَوْ وُجِدَ مَيِّتٌ فِي الْمَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ غُسْلِهِ ثَلَاثًا) لِأَنَّا أُمِرْنَا بِالْغُسْلِ فَيُحَرِّكُهُ فِي الْمَاءِ بِنِيَّةِ الْغُسْلِ ثَلَاثًا فَتْحٌ وَتَعْلِيلُهُ يُفِيدُ أَنَّهُمْ لَوْ صَلَّوْا عَلَيْهِ بِلَا إعَادَةِ غُسْلِهِ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ وُجُوبُهُ عَنْهُمْ فَتَدَبَّرْ. وَفِي الِاخْتِيَارِ الْأَصْلُ فِيهِ تَغْسِيلُ الْمَلَائِكَةِ لِآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَالُوا لِوَلَدِهِ هَذِهِ سُنَّةُ مَوْتَاكُمْ. [فُرُوعٌ] لَوْ لَمْ يُدْرَ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ، وَلَا عَلَامَةَ فَإِنْ فِي دَارِنَا غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَا. اخْتَلَطَ مَوْتَانَا بِكُفَّارٍ وَلَا عَلَامَةَ   [رد المحتار] لِلضَّرُورَةِ كَمَا بُيِّنَ فِي مَحَلِّهِ، وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْجَوَازِ هُنَا، وَإِنْ وُجِدَ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ طَاعَةٌ تَعَيَّنَ أَوْ لَا وَلَا يَخْتَصُّ عَدَمُ الْجَوَازِ بِالْوَاجِبِ، نَعَمْ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْوَاجِبِ غَيْرُ جَائِزٍ اتِّفَاقًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي الْإِجَارَاتِ، وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى غُسْلِ الْمَيِّتِ وَيَجُوزُ عَلَى الْحَمْلِ وَالدَّفْنِ وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ فِي الْغُسْلِ أَيْضًا اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِ النِّيَّةِ لَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ الطَّهَارَةِ بَلْ شَرْطٌ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنْ الْمُكَلَّفِينَ (قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ) أَيْ فِي تَحْصِيلِ الْغُسْلِ الْمَسْنُونِ، وَإِلَّا فَالشَّرْطُ مَرَّةً، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بِلَا بُدَّ إلَى أَنَّهُ بِوُجُودِهِ فِي الْمَاءِ لَمْ يَسْقُطْ غُسْلُهُ الْمَسْنُونُ فَضْلًا عَنْ الشَّرْطِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَتَعْلِيلُهُ) أَيْ تَعْلِيلُ الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّا أُمِرْنَا إلَخْ أَيْ وَلَمْ يَقُلْ فِي التَّعْلِيلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْهُرْ ط. [تَنْبِيهٌ] اعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ الْكَلَامِ فِي الْمَقَامِ أَنَّهُ قَالَ فِي التَّجْنِيسِ: وَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي غُسْلِهِ فِي الظَّاهِرِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: إذَا جَرَى الْمَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ، أَوْ أَصَابَهُ الْمَطَرُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَنُوبُ عَنْ الْغُسْلِ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِالْغُسْلِ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِغُسْلٍ وَفِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُحَرِّكَهُ بِنِيَّةِ الْغُسْلِ، وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَاءَ مُزِيلٌ بِطَبْعِهِ وَكَمَا لَا تَجِبُ النِّيَّةُ فِي غُسْلِ الْحَيِّ فَكَذَا الْمَيِّتُ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: مَيِّتٌ غَسَّلَهُ أَهْلُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْغُسْلِ أَجْزَأَهُمْ ذَلِكَ اهـ. وَصَرَّحَ فِي التَّجْرِيدِ والإسبيجابي وَالْمِفْتَاحِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهَا أَيْضًا وَوَفَّقَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِقَوْلِهِ: الظَّاهِرُ اشْتِرَاطُهَا فِيهِ لِإِسْقَاطِ وُجُوبِهِ عَنْ الْمُكَلَّفِ لَا لِتَحْصِيلِ طَهَارَتِهِ هُوَ وَشَرْطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ. اهـ. وَبَحَثَ فِيهِ شَارِحُ الْمُنْيَةِ بِأَنَّ مَا مَرَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يُفِيدُ أَنَّ الْفَرْضَ فِعْلُ الْغُسْلِ مِنَّا، حَتَّى لَوْ غَسَّلَهُ لِتَعْلِيمِ الْغَيْرِ كَفَى وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُفِيدُ اشْتِرَاطَ النِّيَّةِ لِإِسْقَاطِ الْوُجُوبِ بِحَيْثُ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ بِتَرْكِهَا. وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ مَا وَجَبَ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ لَا إيجَادُهُ كَالسَّعْيِ وَالطَّهَارَةِ نَعَمْ لَا يَنَالُ ثَوَابَ الْعِبَادَةِ بِدُونِهَا اهـ وَأَقَرَّهُ الْبَاقَانِيُّ وَأَيَّدَهُ بِمَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ وُجِدَ الْمَيِّتُ فِي الْمَاءِ لَا بُدَّ مِنْ غُسْلِهِ لِأَنَّ الْخِطَابَ يَتَوَجَّهُ إلَى بَنِي آدَمَ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ فِعْلٌ. اهـ. فَتَلَخَّصَ: أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي إسْقَاطِ الْفَرْضِ مِنْ الْفِعْلِ، وَأَمَّا النِّيَّةُ فَشَرْطُ التَّحْصِيلِ الثَّوَابُ؛ وَلِذَا صَحَّ تَغْسِيلُ الذِّمِّيَّةِ زَوْجَهَا الْمُسْلِمَ مَعَ أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطُهَا الْإِسْلَامُ فَيَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنَّا بِفِعْلِنَا بِدُونِ نِيَّةٍ، وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِ الْخَانِيَّةِ أَجْزَأَهُمْ ذَلِكَ. بَقِيَ قَوْلُ الْمُحِيطِ لِأَنَّ الْخِطَابَ يَتَوَجَّهُ إلَى بَنِي آدَمَ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْمِلْكِ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ قِصَّةُ حَنْظَلَةَ غَسِيلِ الْمَلَائِكَةِ. وَقَدْ قَالَ: إنَّ فِعْلَهُمْ ذَلِكَ كَانَ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ تَأَمَّلْ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ فِي بَابِ الشَّهِيدِ. هَذَا وَقَدْ صَرَّحَ فِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ بِأَنَّ الصَّبِيَّ إذَا غَسَّلَ الْمَيِّتَ جَازَ اهـ وَمِثْلُهُ مَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَيْنِ رِجَالٍ وَمَعَهُمْ صَبِيٌّ غَيْرُ مُشْتَهٍ عَلَّمُوهُ الْغُسْلَ لِيُغَسِّلَهَا وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْبُلُوغَ غَيْرُ شَرْطٍ (قَوْلُهُ وَفِي الِاخْتِيَارِ إلَخْ) اُسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ شَرِيعَةٌ قَدِيمَةٌ، وَأَنَّهُ يَسْقُطُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْغَاسِلُ مُكَلَّفًا؛ وَلِذَا لَمْ يُعِدْ أَوْلَادُ أَبِينَا آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غُسْلَهُ ط (قَوْلُهُ فَإِنْ فِي دَارِنَا إلَخْ) أَفَادَ بِذِكْرِ التَّفْصِيلِ فِي الْمَكَانِ بَعْدَ انْتِفَاءِ الْعَلَامَةِ أَنَّ الْعَلَامَةَ مُقَدَّمَةٌ وَعِنْدَ فَقْدِهَا يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ. وَفِيهَا أَنَّ عَلَامَةَ الْمُسْلِمِينَ أَرْبَعَةٌ الْخِتَانُ وَالْخِضَابُ وَلُبْسُ السَّوَادِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ اهـ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 اُعْتُبِرَ الْأَكْثَرُ فَإِنْ اسْتَوَوْا غُسِّلُوا وَاخْتُلِفَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَمَحَلِّ دَفْنِهِمْ كَدَفْنِ ذِمِّيَّةٍ حُبْلَى مِنْ مُسْلِمٍ قَالُوا: وَالْأَحْوَطُ دَفْنُهَا عَلَى حِدَةٍ وَيُجْعَلُ ظَهْرُهَا إلَى الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّ وَجْهَ الْوَلَدِ لِظَهْرِهَا. مَاتَتْ بَيْنَ رِجَالٍ أَوْ هُوَ بَيْنَ نِسَاءٍ يَمَّمَهُ الْمَحْرَمُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْأَجْنَبِيُّ بِخِرْقَةٍ وَيُيَمَّمُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ لَوْ مُرَاهِقًا وَإِلَّا فَكَغَيْرِهِ فَيُغَسِّلُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ. يُمِّمَ لِفَقْدِ مَاءٍ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ ثُمَّ وَجَدُوهُ غَسَّلُوهُ وَصَلَّوْا ثَانِيًا وَقِيلَ لَا   [رد المحتار] قُلْت: فِي زَمَانِنَا لُبْسُ السَّوَادِ لَمْ يَبْقَ عَلَامَةً لِلْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ اُعْتُبِرَ الْأَكْثَرُ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فِي الِاسْتِوَاءِ وَاخْتُلِفَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: فَإِنْ كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ عَلَامَةٌ فَلَا إشْكَالَ فِي إجْرَاءِ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ وَإِلَّا فَلَوْ الْمُسْلِمُونَ أَكْثَرَ صَلَّى عَلَيْهِمْ وَيَنْوِي بِالدُّعَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ الْكُفَّارُ أَكْثَرَ. فَفِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِسْبِيجَابِيِّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ لَكِنْ يُغَسَّلُونَ وَيُكَفَّنُونَ وَيُدْفَنُونَ فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ اهـ قَالَ ط: وَكَيْفِيَّةُ الْعِلْمِ بِالْأَكْثَرِ أَنْ يُحْصِيَ عَدَدَ الْمُسْلِمِينَ وَيَعْلَمَ مَا ذَهَبَ مِنْهُمْ، وَيَعُدَّ الْمَوْتَى فَيَظْهَرَ الْحَالُ (قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ) فَقِيلَ لَا يُصَلِّي لِأَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُسْلِمِ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ كَالْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ فَكَانَ أَوْلَى مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْكَافِرِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] وَقِيلَ يُصَلِّي وَيَقْصِدُ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ إنْ عَجَزَ عَنْ التَّعَيُّنِ لَا يَعْجِزُ عَنْ الْقَصْدِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا أَيْ حَالَةِ مَا إذَا كَانَ الْكُفَّارُ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ حَيْثُ قَصَدَ الْمُسْلِمِينَ فَقَطْ لَمْ يَكُنْ مُصَلِّيًا عَلَى الْكُفَّارِ، وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى أَيْضًا مَعَ أَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْجَوَازِ فَيَنْبَغِي الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ كَمَا قَالَتْ بِهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثُ وَهُوَ أَوْجَهُ قَضَاءً لِحَقِّ الْمُسْلِمِينَ بِلَا ارْتِكَابِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: وَمَحَلِّ دَفْنِهِمْ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الصَّلَاةِ فَفِيهِ خِلَافٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ كَدَفْنِ ذِمِّيَّةٍ) جَعَلَ الْأَوَّلَ مُشَبَّهًا بِهَذَا لِأَنَّهُ لَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ الْإِمَامِ بَلْ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ قِيَاسًا عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ اخْتَلَفَ فِيهَا الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُدْفَنُ فِي مَقَابِرِنَا تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْوَلَدِ، وَبَعْضُهُمْ: فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّ الْوَلَدَ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْهَا مَا دَامَ فِي بَطْنِهَا. وَقَالَ وَائِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ: يُتَّخَذُ لَهَا مَقْبَرَةٌ عَلَى حِدَةٍ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ، وَهَذَا أَحْوَطُ وَالظَّاهِرُ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ فِيمَا إذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ، وَإِلَّا دُفِنَتْ فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ (قَوْلُهُ لِأَنَّ وَجْهَ الْوَلَدِ لِظَهْرِهَا) أَيْ وَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِأَبِيهِ فَيُوَجَّهُ إلَى الْقِبْلَةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ط (قَوْلُهُ يَمَّمَهُ الْمَحْرَمُ إلَخْ) أَيْ يَمَّمَ الْمَيِّتَ الْأَعَمَّ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَكَذَا قَوْلُهُ فَالْأَجْنَبِيُّ أَيْ فَالشَّخْصُ الْأَجْنَبِيُّ الصَّادِقُ بِذَلِكَ، وَأَفَادَ أَنَّ الْمَحْرَمَ لَا يَحْتَاجُ إلَى خِرْقَةٍ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ مَسُّ أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ إلَّا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ أَمَةً لِأَنَّهَا كَالرَّجُلِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ النِّسَاءِ رَجُلٌ لَا مُسْلِمٌ وَلَا كَافِرٌ وَلَا صَبِيَّةٌ صَغِيرَةٌ فَلَوْ مَعَهُنَّ كَافِرٌ عَلَّمْنَهُ الْغُسْلَ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَخَفُّ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ فِي الدِّينِ وَلَوْ مَعَهُنَّ صَبِيَّةٌ لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ وَأَطَاقَتْ غُسْلَهُ عَلَّمْنَهَا غُسْلَهُ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَوْرَةِ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي حَقِّهَا وَكَذَا فِي الْمَرْأَةِ تَمُوتُ بَيْنَ رِجَالٍ مَعَهُمْ امْرَأَةٌ كَافِرَةٌ أَوْ صَبِيٌّ غَيْرُ مُشْتَهًى كَمَا بَسَطَهُ فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ لَوْ مُرَاهِقًا) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَنْ بَلَغَ حَدَّ الشَّهْوَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَكَغَيْرِهِ) أَيْ مِنْ الصِّغَارِ وَالصَّغَائِرِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: الصَّغِيرُ وَالصَّغِيرَةُ إذَا لَمْ يَبْلُغَا حَدَّ الشَّهْوَةِ يُغَسِّلُهُمَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَقَدَّرَهُ فِي الْأَصْلِ بِأَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ. اهـ. (قَوْلُهُ يُمِّمَ لِفَقْدِ مَاءٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ مَاءٌ فَيُمِّمَ الْمَيِّتُ وَصَلَّوْا عَلَيْهِ ثُمَّ وَجَدُوهُ غَسَّلُوهُ وَصَلَّوْا عَلَيْهِ ثَانِيًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْهُ يُغَسَّلُ وَلَا تُعَادُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَفَّنُوهُ وَبَقِيَ مِنْهُ عُضْوٌ لَمْ يُغَسَّلْ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ ذَلِكَ الْعُضْوُ وَلَوْ بَقِيَ نَحْوُ الْأُصْبُعِ لَا يُغَسَّلُ اهـ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا) أَيْ يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا عَلِمْته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 (وَيُسَنُّ فِي الْكَفَنِ لَهُ إزَارٌ وَقَمِيصٌ وَلِفَافَةٌ وَتُكْرَهُ الْعِمَامَةُ) لِلْمَيِّتِ (فِي الْأَصَحِّ) مُجْتَبَى وَاسْتَحْسَنَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ لِلْعُلَمَاءِ وَالْأَشْرَافِ وَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَيُحَسَّنُ الْكَفَنُ لِحَدِيثِ «حَسِّنُوا أَكْفَانَ الْمَوْتَى فَإِنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيَتَفَاخَرُونَ بِحُسْنِ أَكْفَانِهِمْ» ظَهِيرِيَّةٌ   [رد المحتار] قُلْت: وَلَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيِّ، فَإِنَّ الْحَيَّ لَوْ تَيَمَّمَ لِفَقْدِ الْمَاءِ وَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَهُ لَا يُعِيدُ، ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ نَقْلًا عَنْ السُّرُوجِيِّ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُوَافِقَةٌ لِلْأُصُولِ اهـ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِتَرْجِيحِهَا لِمَا قُلْنَا. [خَاتِمَةٌ] يُنْدَبُ الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُغَسِّلَهُ جُنُبٌ أَوْ حَائِضٌ إمْدَادٌ وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ أَقْرَبَ النَّاسِ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْغُسْلَ فَأَهْلُ الْأَمَانَةِ وَالْوَرَعِ وَيَنْبَغِي لِلْغَاسِلِ وَلِمَنْ حَضَرَ إذَا رَأَى مَا يُحِبُّ الْمَيِّتُ سَتْرَهُ أَنْ يَسْتُرَهُ وَلَا يُحَدِّثَ بِهِ لِأَنَّهُ غِيبَةٌ وَكَذَا إذَا كَانَ عَيْبًا حَادِثًا بِالْمَوْتِ كَسَوَادِ وَجْهٍ وَنَحْوِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا بِبِدْعَةٍ فَلَا بَأْسَ بِذِكْرِهِ تَحْذِيرًا مِنْ بِدْعَتِهِ، وَإِنْ رَأَى مِنْ أَمَارَاتِ الْخَيْرِ كَوَضَاءَةِ الْوَجْهِ وَالتَّبَسُّمِ وَنَحْوِهِ اُسْتُحِبَّ إظْهَارُهُ لِكَثْرَةِ التَّرَحُّمِ عَلَيْهِ وَالْحَثِّ عَلَى مِثْلِ عَمَلِهِ الْحَسَنِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. مَطْلَبٌ فِي الْكَفَنِ (قَوْلُهُ وَيُسَنُّ فِي الْكَفَنِ إلَخْ) أَصْلُ التَّكْفِينِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَكَوْنُهُ عَلَى هَذَا الشَّكْلِ مَسْنُونٌ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ لَهُ) أَيْ لِلرَّجُلِ (قَوْلُهُ إزَارٌ إلَخْ) هُوَ مِنْ الْقَرْنِ إلَى الْقَدَمِ، وَالْقَمِيصُ مِنْ أَصْلِ الْعُنُقِ إلَى الْقَدَمَيْنِ بِلَا دِخْرِيصٍ وَكُمَّيْنِ، وَاللِّفَافَةُ تَزِيدُ عَلَى مَا فَوْقَ الْقَرَنِ وَالْقَدَمِ لِيُلَفَّ فِيهَا الْمَيِّتُ وَتُرْبَطَ مِنْ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ إمْدَادٌ. وَالدِّخْرِيصُ: الشِّقُّ الَّذِي يُفْعَلُ فِي قَمِيصِ الْحَيِّ لِيَتَّسِعَ لِلْمَشْيِ (قَوْلُهُ وَتُكْرَهُ الْعِمَامَةُ إلَخْ) هِيَ بِالْكَسْرِ مَا يُلَفُّ عَلَى الرَّأْسِ قَامُوسٌ قَالَ ط: وَهِيَ مَحَلُّ الْخِلَافِ، وَأَمَّا مَا يُفْعَلُ عَلَى الْخَشَبَةِ مِنْ الْعِمَامَةِ وَالزِّينَةِ بِبَعْضِ حُلِيٍّ فَهُوَ مِنْ الْمَكْرُوهِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُكْرَهُ فِيهِ كُلُّ مَا كَانَ لِلزِّينَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) هُوَ أَحَدُ تَصْحِيحَيْنِ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَاسْتَحْسَنَ عَلَى الصَّحِيحِ الْعِمَامَةَ يُعَمَّمُ يَمِينًا وَيُذَنَّبُ وَيُلَفُّ ذَنَبُهُ عَلَى كُورَةٍ مِنْ قِبَلِ يَمِينِهِ، وَقِيلَ يُذَنَّبُ عَلَى وَجْهِهِ كَمَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ مِنْ الْأَشْرَافِ، وَقِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَرَثَةِ صِغَارٌ، وَقِيلَ لَا يُعَمَّمُ بِكُلِّ حَالٍ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ تُكْرَهُ الْعِمَامَةُ بِكُلِّ حَالٍ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ) كَذَا فِي النَّهْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ، وَنَقْلُهُ قَبْلَهُ عَنْ الْمُجْتَبَى الْكَرَاهَةُ لَكِنْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَى عِصَامٍ: أَنَّهُ إلَى خَمْسَةٍ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَلَا بَأْسَ بِهِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ: وَوُجِّهَ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَفَّنَ ابْنَهُ وَاقِدًا فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ قَمِيصٍ وَعِمَامَةٍ وَثَلَاثِ لَفَائِفَ وَأَدَارَ الْعِمَامَةَ إلَى تَحْتِ حَنَكِهِ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِ الْكَرَاهَةِ عَنْ الْمُجْتَبَى وَاسْتَثْنَى فِي رَوْضَةِ الزَّنْدَوَسْتِيِّ مَا إذَا وَصَّى بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي أَرْبَعَةٍ أَوْ خَمْسَةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبَيْنِ فَإِنَّهُ يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةٍ، وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كُفِّنَ كَفَنًا وَسَطًا اهـ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ مُنْقَطِعٌ؛ إذْ لَوْ كُرِهَ لَمْ تُنَفَّذْ وَصِيَّتُهُ كَمَا لَمْ تُنَفَّذْ بِالْأَقَلِّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَيَحْسُنُ الْكَفَنُ) بِأَنْ يُكَفَّنَ بِكَفَنِ مِثْلِهِ، وَهُوَ أَنْ يُنْظَرَ إلَى ثِيَابِهِ فِي حَيَاتِهِ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ، وَفِي الْمَرْأَةِ مَا تَلْبَسُهُ لِزِيَارَةِ أَبَوَيْهَا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ فَقَوْلُ الْحَدَّادِيِّ: وَتُكْرَهُ الْمُغَالَاةُ فِي الْكَفَنِ يَعْنِي زِيَادَةً عَلَى كَفَنِ الْمِثْلِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إلَخْ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ فَإِنَّهُ يُسْلَبُ سَلْبًا سَرِيعًا» وَجُمِعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِتَحْسِينِهِ بَيَاضُهُ وَنَظَافَتُهُ لَا كَوْنُهُ ثَمِينًا حِلْيَةٌ، وَهُوَ فِي مَعْنَى مَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَيَتَفَاخَرُونَ) الْمُرَادُ بِهِ الْفَرَحُ وَالسُّرُورُ حَيْثُ وَافَقَ السُّنَّةَ، وَالزِّيَارَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 (وَلَهَا دِرْعٌ) أَيْ قَمِيصٌ (وَإِزَارٌ وَخِمَارٌ وَلِفَافَةٌ وَخِرْقَةٌ تُرْبَطُ بِهَا ثَدْيَاهَا) وَبَطْنُهَا (وَكِفَايَةٌ لَهُ إزَارٌ وَلِفَافَةٌ) فِي الْأَصَحِّ (وَلَهَا ثَوْبَانِ وَخِمَارٌ)   [رد المحتار] وَإِنْ كَانَتْ لِلرُّوحِ لَكِنْ لِلرُّوحِ نَوْعُ تَعَلُّقٍ بِالْجَسَدِ (قَوْلُهُ: وَلَهَا) أَيْ وَيُسَنُّ فِي الْكَفَنِ لِلْمَرْأَةِ (قَوْلُهُ أَيْ قَمِيصٌ) أَشَارَ إلَى تَرَادُفِهِمَا كَمَا قَالُوا: وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ شَقَّ الدِّرْعِ إلَى الصَّدْرِ وَالْقَمِيصِ إلَى الْمَنْكِبِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَخِمَارٌ) بِكَسْرِ الْخَاءِ مَا تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَمِقْدَارُهُ حَالَةَ الْمَوْتِ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ يُرْسَلُ عَلَى وَجْهِهَا، وَلَا يُلَفُّ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ وَالْعَتَّابِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَخِرْقَةٌ) وَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ مِنْ الثَّدْيَيْنِ إلَى الْفَخِذَيْنِ نَهْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَكِفَايَةٌ) أَيْ الِاقْتِصَارُ عَلَى الثَّوْبَيْنِ لَهُ كَفَنُ الْكِفَايَةِ لِأَنَّهُ أَدْنَى مَا يُلْبَسُ حَالَ حَيَاتِهِ وَكَفَنُهُ كِسْوَتُهُ بَعْدَ الْوَفَاةِ فَيُعْتَبَرُ بِكِسْوَتِهِ فِي الْحَيَاةِ وَلِهَذَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ فِيهِمَا بِلَا كَرَاهَةٍ مِعْرَاجٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ كَفَنَ الْكِفَايَةِ هُوَ أَدْنَى مَا يَكْفِيهِ بِلَا كَرَاهَةٍ فَهُوَ دُونَ كَفَنِ السُّنَّةِ وَهَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَيْضًا أَوْ وَاجِبٌ؟ الَّذِي يَظْهَرُ لِي الثَّانِي وَلِذَاكِرِهِ الْأَقَلُّ مِنْهُ كَمَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: قَالُوا: وَيُكْرَهُ أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ فِي حَالَةِ حَيَاتِهِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَقَالُوا: إذَا كَانَ بِالْمَالِ قِلَّةٌ، وَالْوَرَثَةُ كَثْرَةٌ فَكَفَنُ الْكِفَايَةِ أَوْلَى وَعَلَى الْقَلْبِ كَفَنُ السُّنَّةِ أَوْلَى وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَنْ يُبَاعَ مِنْهَا وَاحِدٌ لِلدَّيْنِ لِأَنَّ الثَّالِثَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ حَتَّى تُرِكَ لِلْوَرَثَةِ عِنْدَ كَثْرَتِهِمْ وَالدَّيْنُ أَوْلَى مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهَا بِالدَّيْنِ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ إذَا أَفْلَسَ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ هُوَ لَابِسُهَا لَا يُنْزَعُ عَنْهُ شَيْءٌ لِيُبَاعَ اهـ مَا فِي الْبَحْرِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَا يَبْعُدُ الْجَوَابُ اهـ وَذَكَرَ الْجَوَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمَيِّتِ وَالْحَيِّ بِأَنَّ عَدَمَ الْأَخْذِ مِنْ الْحَيِّ لِاحْتِيَاجِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْمَيِّتُ. اهـ. أَقُولُ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْإِشْكَالَ جَاءَ مِنْ تَصْرِيحِهِمْ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ فَأَنَّى يَصِحُّ هَذَا الْجَوَابُ؟ نَعَمْ يَصِحُّ عَلَى مَا قَالَهُ السَّيِّدُ فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا فَلِلْغُرَمَاءِ الْمَنْعُ مِنْ تَكْفِينِهِ بِمَا زَادَ عَلَى كَفَنِ الْكِفَايَةِ. وَقَالَ الشَّارِحُ فِي فَرَائِضِ الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَهَلْ لِلْغُرَمَاءِ الْمَنْعُ مِنْ كَفَنِ الْمِثْلِ قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ نَعَمْ اهـ وَمِثْلُهُ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ لَكِنْ قَالَ أَيْضًا: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْمَدْيُونِ ثِيَابٌ حَسَنَةٌ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَيُمْكِنُهُ الِاكْتِفَاءُ بِمَا دُونَهَا يَبِيعُهَا الْقَاضِي، وَيَقْضِي الدَّيْنَ وَيَشْتَرِي بِالْبَاقِي ثَوْبًا يَلْبَسُهُ فَكَذَا فِي الْمَيِّتِ الْمَدْيُونِ كَذَا اخْتَارَهُ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي. اهـ. ثُمَّ رَأَيْت مِثْلَهُ فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَنْ شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ الْمُسَمَّى ضَوْءُ السِّرَاجِ لِلْكَلَابَاذِيِّ: وَحِينَئِذٍ فَلَا إشْكَالَ، وَلَا جَوَابَ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْخُلَاصَةِ خِلَافُ الصَّحِيحِ وَقَدْ يُوَفَّقُ بِحَمْلِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ فِي الْحَيِّ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكْتَفِ بِمَا دُونَ الثَّلَاثَةِ، وَفِي الْمَيِّتِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَمْنَعْهُمْ الْغُرَمَاءُ قَالَ فِي شَرْحِ قَلَائِدِ الْمَنْظُومِ صَحَّحَ الْعَلَّامَةُ حَيْدَرُ فِي شَرْحِهِ عَلَى السِّرَاجِيَّةِ الْمُسَمَّى بِالْمِشْكَاةِ بِأَنَّ لِلْوَرَثَةِ تَكْفِينَهُ بِكَفَنِ الْمِثْلِ مَا لَمْ يَمْنَعْهُمْ الْغُرَمَاءُ. اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الْمَنْعِ الرِّضَا بِذَلِكَ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يَسُوغُ لِلْوَرَثَةِ تَقْدِيمُ الْمَسْنُونِ عَلَى الدَّيْنِ الْوَاجِبِ ثُمَّ إنَّ هَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا بَحَثْنَاهُ مِنْ أَنَّ كَفَنَ الْكِفَايَةِ وَاجِبٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْهُ عِنْدَ الِاخْتِيَارِ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ قَالَ: وَهَذَا أَقَلُّ مَا يَجُوزُ عِنْدَ الِاخْتِيَارِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ قَمِيصٌ وَلِفَافَةٌ زَيْلَعِيٌّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي عَدَمُ التَّخْصِيصِ بِالْإِزَارِ وَاللِّفَافَةِ لِأَنَّ كَفَنَ الْكِفَايَةِ مُعْتَبَرٌ بِأَدْنَى مَا يَلْبَسُهُ الرَّجُلُ فِي حَيَاتِهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ كَمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَهَا ثَوْبَانِ) لَمْ يُعَيِّنْهُمَا كَالْهِدَايَةِ وَفَسَّرَهُمَا فِي الْفَتْحِ بِالْقَمِيصِ وَاللِّفَافَةِ وَعَيَّنَهُمَا فِي الْكَنْزِ بِالْإِزَارِ وَاللِّفَافَةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَدَمُ التَّعْيِينِ بَلْ إمَّا قَمِيصٌ وَإِزَارٌ أَوْ إزَارَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 وَيُكْرَهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ (وَكَفَنُ الضَّرُورَةِ لَهُمَا مَا يُوجَدُ) وَأَقَلُّهُ مَا يَعُمُّ الْبَدَنَ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ كَالْحَيِّ (تُبْسَطُ اللِّفَافَةُ) أَوَّلًا (ثُمَّ يُبْسَطُ الْإِزَارُ عَلَيْهَا وَيُقَمَّصُ وَيُوضَعُ عَلَى الْإِزَارِ وَيُلَفُّ يَسَارُهُ ثُمَّ يَمِينُهُ ثُمَّ اللِّفَافَةُ كَذَلِكَ) لِيَكُونَ الْأَيْمَنُ عَلَى الْأَيْسَرِ (وَهِيَ تَلْبَسُ الدِّرْعَ وَيُجْعَلُ شَعْرُهَا ضَفِيرَتَيْنِ عَلَى صَدْرِهَا فَوْقَهُ) أَيْ الدِّرْعِ (وَالْخِمَارُ فَوْقَهُ) أَيْ الشَّعْرِ (تَحْتَ اللِّفَافَةِ) ثُمَّ يُفْعَلُ كَمَا مَرَّ (وَيُعْقَدُ الْكَفَنُ إنْ خِيفَ انْتِشَارُهُ) (وَخُنْثَى مُشْكِلٌ كَامْرَأَةٍ فِيهِ) أَيْ الْكَفَنِ، وَالْمُحْرِمُ كَالْحَلَالِ وَالْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ وَمَنْ لَمْ يُرَاهِقْ إنْ كُفِّنَ فِي وَاحِدٍ جَازَ وَالسِّقْطُ يُلَفُّ   [رد المحتار] وَالثَّانِي أَوْلَى لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً فِي سَتْرِ الرَّأْسِ وَالْعُنُقِ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ) أَيْ عِنْدَ الِاخْتِيَارِ (قَوْلُهُ وَأَقَلُّهُ مَا يَعُمُّ الْبَدَنَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ ذَلِكَ سَأَلُوا النَّاسَ لَهُ ثَوْبًا يَعُمُّهُ، وَأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ، وَأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ عَنْ الْمُكَلَّفِينَ وَإِنْ كَانَ سَاتِرًا لِلْعَوْرَةِ مَا لَمْ يَعُمَّ الْبَدَنَ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ كَفَنَ الضَّرُورَةِ مَا لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ، فَلَا يُنَاسِبُ تَقْيِيدَهُ بِشَيْءٍ وَلِذَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِمَا يُوجَدُ. نَعَمْ مَا يَعُمُّ الْبَدَنَ هُوَ كَفَنُ الْفَرْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ عَنْ الْمُكَلَّفِينَ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لِأَنَّهَا تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَلِذَا «لَمَّا اُسْتُشْهِدَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَوْمَ أُحُدٍ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا نَمِرَةٌ أَيْ كِسَاءٌ مُخَطَّطٌ فَكَانَ إذَا غُطِّيَ بِهَا رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَبِالْعَكْسِ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَغْطِيَةِ رَأْسِهِ بِهَا وَرِجْلَيْهِ بِالْإِذْخِرِ» إلَّا أَنَّ مَا لَا يَسْتُرُ الْبَدَنَ لَا يَكْفِي عِنْدَ الضَّرُورَةِ أَيْضًا بَلْ يَجِبُ سَتْرُ بَاقِيهِ بِنَحْوِ حَشِيشٍ كَالْإِذْخِرِ؛ وَلِذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ سَوْقِهِ حَدِيثَ مُصْعَبٍ: وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَحْدَهَا لَا يَكْفِي خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَيُقَمَّصُ) أَيْ الْمَيِّتُ أَيْ يُلْبَسُ الْقَمِيصَ بَعْدَ تَنْشِيفِهِ بِخِرْقَةٍ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَيُلَفُّ يَسَارُهُ ثُمَّ يَمِينُهُ) الضَّمِيرَانِ لِلْإِزَارِ وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِزَارِ وَاللِّفَافَةِ يُلَفُّ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ فِي السَّتْرِ ط (قَوْلُهُ: لِيَكُونَ الْأَيْمَنُ عَلَى الْأَيْسَرِ) اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ إمْدَادٌ (قَوْلُهُ: تَحْتَ اللِّفَافَةِ) الْأَوْضَحُ تَحْتَ الْإِزَارِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُفْعَلُ كَمَا مَرَّ) أَيْ بِأَنْ تُوضَعَ بَعْدَ إلْبَاسِ الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ عَلَى الْإِزَارِ، وَيُلَفُّ يَسَارُهُ إلَخْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِرْقَةَ وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ فَوْقَ الْأَكْفَانِ كَيْ لَا تَنْتَشِرَ، وَعَرْضُهَا مَا بَيْنَ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ إلَى السُّرَّةِ، وَقِيلَ مَا بَيْنَ الثَّدْيِ إلَى الرُّكْبَةِ، كَيْ لَا يَنْتَشِرَ الْكَفَنُ عَنْ الْفَخِذَيْنِ وَقْتَ الْمَشْيِ، وَفِي التُّحْفَةِ تُرْبَطُ الْخِرْقَةُ فَوْقَ الْأَكْفَانِ عِنْدَ الصَّدْرِ فَوْقَ الثَّدْيَيْنِ اهـ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَقَوْلِ الْخُجَنْدِيِّ: تُرْبَطُ الْخِرْقَةُ عَلَى الثَّدْيَيْنِ فَوْقَ الْأَكْفَانِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ تَحْتَ اللِّفَافَةِ وَفَوْقَ الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَهُوَ الظَّاهِرُ اهـ وَفِي الِاخْتِيَارِ: تُلْبَسُ الْقَمِيصَ ثُمَّ الْخِمَارَ فَوْقَهُ ثُمَّ تُرْبَطُ الْخِرْقَةُ فَوْقَ الْقَمِيصِ اهـ وَمُفَادُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ الِاخْتِلَافُ فِي عَرْضِهَا، وَفِي مَحَلِّ وَضْعِهَا وَفِي زَمَانِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَخُنْثَى مُشْكِلٌ كَامْرَأَةٍ فِيهِ) أَيْ فَيُكَفَّنُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ عَلَى احْتِمَالِ كَوْنِهِ ذَكَرًا فَالزِّيَادَةُ لَا تَضُرُّ قَالَ فِي النَّهْرِ إلَّا أَنَّهُ يُجَنَّبُ الْحَرِيرَ وَالْمُعَصْفَرَ وَالْمُزَعْفَرَ احْتِيَاطًا (قَوْلُهُ: وَالْمُحْرِمُ كَالْحَلَالِ) أَيْ فَيُغَطَّى رَأْسُهُ وَتُطَيَّبُ أَكْفَانُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ: وَالْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ) الذَّكَرُ كَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى كَالْأُنْثَى ح قَالَ فِي الْبَدَائِعِ لِأَنَّ الْمُرَاهِقَ فِي حَيَاتِهِ يَخْرُجُ فِيمَا يَخْرُجُ فِيهِ الْبَالِغُ عَادَةً فَكَذَا يُكَفَّنُ فِيمَا يُكَفَّنُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يُرَاهِقْ إلَخْ) هَذَا لَوْ ذَكَرًا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَأَدْنَى مَا يُكَفَّنُ بِهِ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَالصَّبِيَّةُ ثَوْبَانِ. اهـ. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا لَمْ يُرَاهِقْ فَإِنْ كُفِّنَ فِي خِرْقَتَيْنِ إزَارٍ وَرِدَاءٍ فَحَسَنٌ، وَإِنْ كُفِّنَ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ جَازَ وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلَا بَأْسَ أَنْ تُكَفَّنَ فِي ثَوْبَيْنِ. اهـ. أَقُولُ: فِي قَوْلِهِ فَحَسَنٌ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كُفِّنَ بِكَفَنِ الْبَالِغِ يَكُونُ أَحْسَنَ لِمَا فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ الطِّفْلُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ الْأَحْسَنُ أَنْ يُكَفَّنَ فِيمَا يُكَفَّنُ فِيهِ الْبَالِغُ وَإِنْ كُفِّنَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ جَازَ اهـ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ لَمْ يُرَاهِقْ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ (قَوْلُهُ وَالسِّقْطُ يُلَفُّ) أَيْ فِي خِرْقَةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُرْمَةٌ كَامِلَةٌ وَكَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 وَلَا يُكَفَّنُ كَالْعُضْوِ مِنْ الْمَيِّتِ (وَ) آدَمِيٌّ (مَنْبُوشٌ طَرِيٌّ) لَمْ يَتَفَسَّخْ (يُكَفَّنُ كَاَلَّذِي لَمْ يُدْفَنْ) مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى (وَإِنْ تَفَسَّخَ كُفِّنَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) وَإِلَى هُنَا صَارَ الْمُكَفَّنُونَ أَحَدَ عَشَرَ. وَالثَّانِي عَشَرَ: الشَّهِيدُ ذَكَرَهَا فِي الْمُجْتَبَى (وَلَا بَأْسَ فِي الْكَفَنِ بِبُرُودٍ وَكَتَّانٍ وَفِي النِّسَاءِ بِحَرِيرٍ وَمُزَعْفَرٍ وَمُعَصْفَرٍ) لِجَوَازِهِ بِكُلِّ مَا يَجُوزُ لُبْسُهُ حَالَ الْحَيَاةِ وَأَحَبُّهُ الْبَيَاضُ أَوْ مَا كَانَ يُصَلِّي فِيهِ (وَكَفَنُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ عَلَى مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ) فَإِنْ تَعَدَّدُوا فَعَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ.   [رد المحتار] مَنْ وُلِدَ مَيِّتًا بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: وَلَا يُكَفَّنُ) أَيْ لَا يُرَاعَى فِيهِ سُنَّةُ الْكَفَنِ، وَهَلْ النَّفْيُ بِمَعْنَى النَّهْيِ أَوْ بِمَعْنَى نَفْيِ اللُّزُومِ؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَالْعُضْوِ مِنْ الْمَيِّتِ) أَيْ لَوْ وُجِدَ طَرَفٌ مِنْ أَطْرَافِ إنْسَانٍ أَوْ نِصْفُهُ مَشْقُوقًا طُولًا أَوْ عَرْضًا يُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُ الرَّأْسُ فَيُكَفَّنُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ قَالَ: وَكَذَا الْكَافِرُ لَوْ لَهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مُسْلِمٍ يُغَسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ فِي خِرْقَةٍ لِأَنَّ التَّكْفِينَ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ مَنْبُوشٌ طَرِيٌّ) أَيْ بِأَنْ وُجِدَ مَنْبُوشًا بِلَا كَفَنٍ (قَوْلُهُ لَمْ يَتَفَسَّخْ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ تَفَسَّخَ يُكَفَّنُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْدَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَيَانٌ لِلْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ طَرِيٌّ كَمَا تَشْهَدُ بِهِ الْمُقَابَلَةُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ تَفَسَّخَ (قَوْلُهُ كَاَلَّذِي لَمْ يُدْفَنْ) أَيْ يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ (قَوْلُهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى) أَيْ لَوْ نُبِشَ ثَانِيًا وَثَالِثًا، وَأَكْثَرَ كُفِّنَ كَذَلِكَ مَا دَامَ طَرِيًّا مِنْ أَصْلِ مَالِهِ عِنْدَنَا، وَلَوْ مَدْيُونًا إلَّا إذَا قَبَضَ الْغُرَمَاءُ التَّرِكَةَ فَلَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُمْ، وَإِنْ قُسِمَ مَالُهُ فَعَلَى كُلِّ وَارِثٍ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ دُونَ الْغُرَمَاءِ وَأَصْحَابِ الْوَصَايَا لِأَنَّهُمْ أَجَانِبُ سَكْبِ الْأَنْهُرِ (قَوْلُهُ أَحَدَ عَشَرَ) الْمَذْكُورُ مِنْهَا مَتْنًا خَمْسَةٌ: الرَّجُلُ، وَالْمَرْأَةُ، وَالْخُنْثَى، وَالْمَنْبُوشُ الطَّرِيُّ، وَالْمُتَفَسِّخُ. وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ سِتَّةً: الْمُحْرِمُ، وَالْمُرَاهِقُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، وَمَنْ لَمْ يُرَاهِقْ كَذَلِكَ أَوْ السِّقْطُ لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ الْمُرَاهِقَةَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى حُكْمِهَا وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَدَائِعِ اثْنَيْنِ آخَرَيْنِ وَهُمَا مَنْ وُلِدَ مَيِّتًا وَالْكَافِرُ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ خِلَافَهُ أَوْلَى وَهُوَ الْبَيَاضُ مِنْ الْقُطْنِ. وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى: وَيَجُوزُ أَنْ يُكَفَّنَ الرَّجُلُ مِنْ الْكَتَّانِ وَالصُّوفِ لَكِنْ الْأَوْلَى الْقُطْنُ. وَفِي التَّاجِيَّةِ: وَيُكْرَهُ الصُّوفُ وَالشَّعْرُ وَالْجِلْدُ، وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرُهُ، وَيُسْتَحَبُّ الْبَيَاضُ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ بِبُرُودٍ) جَمْعُ بُرْدٍ بِالضَّمِّ مِنْ بُرُودِ الْعَصَبِ مُغْرِبٌ ثُمَّ قَالَ: وَالْعَصَبُ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ لِأَنَّهُ يُعْصَبُ غَزْلُهُ ثُمَّ يُصْبَغُ ثُمَّ يُحَاكُ، وَفِيهِ: وَأَمَّا الْبُرْدَةُ بِالْهَاءِ فَكِسَاءٌ مُرَبَّعٌ أَسْوَدُ صَغِيرٌ (قَوْلُهُ وَفِي النِّسَاءِ) عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ وَفِي كَفَنِ النِّسَاءِ وَاحْتَرَزَ عَنْ الرِّجَالِ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُمْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَأَحَبُّهُ الْبَيَاضُ) وَالْجَدِيدُ وَالْغَسِيلُ فِيهِ سَوَاءٌ نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ مَا كَانَ يُصَلِّي فِيهِ) مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ ط (قَوْلُهُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ) أَمَّا مَنْ لَهُ مَالٌ فَكَفَنُهُ فِي مَالِهِ يُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِرْثِ إلَى قَدْرِ السُّنَّةِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَالرَّهْنِ وَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْعَبْدِ الْجَانِي بَحْرٌ وَزَيْلَعِيٌّ وَقَدَّمْنَا أَنَّ لِلْغُرَمَاءِ مَنْعَ الْوَرَثَةِ مِنْ تَكْفِينِهِ بِمَا زَادَ عَلَى كَفَنِ الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ) وَكَفَنُ الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ وَالْمَرْهُونِ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ عَلَيْهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَعَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ) كَمَا كَانَتْ النَّفَقَةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِمْ فَتْحٌ أَيْ فَإِنَّهَا عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ، فَلَوْ لَهُ أَخٌ لِأُمٍّ وَأَخٌ شَقِيقٌ فَعَلَى الْأَوَّلِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي عَلَى الشَّقِيقِ. أَقُولُ: وَمُقْتَضَى اعْتِبَارِ الْكَفَنِ بِالنَّفَقَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ ابْنٌ وَبِنْتٌ كَانَ عَلَيْهِمَا سَوِيَّةً كَالنَّفَقَةِ؛ إذْ لَا يُعْتَبَرُ الْمِيرَاثُ فِي النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْفَرْعِ لِأَصْلِهِ؛ وَلِذَا لَوْ كَانَ لَهُ ابْنٌ مُسْلِمٌ، وَابْنٌ كَافِرٌ فَهِيَ عَلَيْهِمَا، وَمُقْتَضَاهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ أَبٌ وَابْنٌ كَفَّنَهُ الِابْنُ دُونَ الْأَبِ كَمَا فِي النَّفَقَةِ عَلَى التَّفَاصِيلِ الْآتِيَةِ فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [تَنْبِيهٌ] لَوْ كَفَّنَهُ الْحَاضِرُ مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ عَلَى الْغَائِبِ مِنْهُمْ بِحِصَّتِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ إنْ أَنْفَقَ بِلَا إذْنِ الْقَاضِي حَاوِي الزَّاهِدِيِّ وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَفَّنَ الزَّوْجَةَ غَيْرُ زَوْجِهَا بِلَا إذْنِهِ، وَلَا إذْنِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 (وَاخْتُلِفَ فِي الزَّوْجِ وَالْفَتْوَى عَلَى وُجُوبِ كَفَنِهَا عَلَيْهِ) عِنْدَ الثَّانِي (وَإِنْ تَرَكَتْ مَالًا) خَانِيَّةٌ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ كَكِسْوَتِهَا (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) بَيْتُ الْمَالِ مَعْمُورًا أَوْ مُنْتَظِمًا (فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ تَكْفِينُهُ) فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا سَأَلُوا النَّاسَ لَهُ ثَوْبًا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ رُدَّ لِلْمُصَّدِّقِ إنْ عُلِمَ وَإِلَّا كُفِّنَ بِهِ مِثْلُهُ، وَإِلَّا تُصُدِّقَ بِهِ مُجْتَبَى وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ إلَّا سُؤَالُ كَفَنِ الضَّرُورَةِ لَا الْكِفَايَةُ وَلَوْ كَانَ فِي مَكَان لَيْسَ فِيهِ إلَّا وَاحِدٌ، وَذَلِكَ الْوَاحِدُ لَيْسَ لَهُ إلَّا ثَوْبٌ لَا يَلْزَمُهُ تَكْفِينُهُ بِهِ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي كَفَنِ الزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ (قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي الزَّوْجِ) أَيْ فِي وُجُوبِ كَفَنِ زَوْجَتِهِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ عِنْدَ الثَّانِي) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلَا يَلْزَمُهُ لِانْقِطَاعِ الزَّوْجِيَّةِ بِالْمَوْتِ، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّهُ لَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَكِنْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِمُصَنِّفِهَا أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَرَكَتْ مَالًا إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ اخْتَلَفَتْ الْعِبَارَاتُ فِي تَحْرِيرِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَنُهَا، وَإِنْ تَرَكَتْ مَالًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْمُحِيطِ وَالتَّجْنِيسِ وَالْوَاقِعَاتِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ لِمُصَنِّفِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ فَكَفَنُهَا عَلَى الزَّوْجِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِمُصَنِّفِهِ إذَا مَاتَتْ وَلَا مَالَ لَهَا فَعَلَى الزَّوْجِ الْمُوسِرِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْأَحْكَامِ عَنْ الْمُبْتَغَى بِزِيَادَةٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ مُعْسِرًا لَا يَلْزَمُهُ اتِّفَاقًا وَفِي الْأَحْكَامِ أَيْضًا عَنْ الْعُيُونِ كَفَنُهَا فِي مَالِهَا إنْ كَانَ وَإِلَّا فَعَلَى الزَّوْجِ وَلَوْ مُعْسِرًا فَفِي بَيْتِ الْمَالِ. اهـ. وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ فِي الْبَحْرِ لُزُومُهُ عَلَيْهِ مُوسِرًا أَوْ لَا لَهَا مَالٌ أَوْ لَا لِأَنَّهُ كَكِسْوَتِهَا وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ مُطْلَقًا قَالَ: وَصَحَّحَهُ فِي نَفَقَاتِ الْوَلْوَالِجيَّةِ. اهـ. قُلْت: وَعِبَارَتُهَا إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ، وَلَا مَالَ لَهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى كَفَنِهَا، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَتِهِ فِي حَيَاتِهِ يُجْبَرُ عَلَيْهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُجْبَرُ الزَّوْجُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقُمْ بِهَا مَانِعُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ حَالَةَ الْمَوْتِ مِنْ نُشُوزِهَا أَوْ صِغَرِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ وَهُوَ وَجِيهٌ لِأَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ لُزُومُ الْكَفَنِ بِلُزُومِ النَّفَقَةِ سَقَطَ بِمَا يُسْقِطُهَا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ تَكْفِينُهَا وَتَجْهِيزُهَا الشَّرْعِيَّانِ مِنْ كَفَنِ السُّنَّةِ أَوْ الْكِفَايَةِ وَحَنُوطٍ وَأُجْرَةِ غُسْلٍ وَحَمْلٍ وَدَفْنٍ دُونَ مَا اُبْتُدِعَ فِي زَمَانِنَا مِنْ مُهَلِّلِينَ وَقُرَّاءٍ وَمُغَنِّينَ وَطَعَامٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِدُونِ رِضَا بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ الْبَالِغِينَ يَضْمَنُهُ فِي مَالِهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ الْمَالِ مَعْمُورًا) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ أَوْ مُنْتَظِمًا أَيْ مُسْتَقِيمًا بِأَنْ كَانَ عَامِرًا وَلَا يَصْرِفُ مَصَارِفَهُ ط (قَوْلُهُ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ) أَيْ الْعَالِمِينَ بِهِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ جَمِيعُ مَنْ عَلِمَ بِهِ ط (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا) أَيْ مَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ بِأَنْ كَانُوا فُقَرَاءَ (قَوْلُهُ وَإِلَّا كُفِّنَ بِهِ مِثْلُهُ) هَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُجْتَبَى بَلْ زَادَهُ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ وَالْوَاقِعَاتِ. قُلْت: وَفِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ: فَقِيرٌ مَاتَ فَجُمِعَ مِنْ النَّاسِ الدَّرَاهِمُ وَكَفَّنُوهُ وَفَضَلَ شَيْءٌ إنْ عُرِفَ صَاحِبُهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَإِلَّا يُصْرَفُ إلَى كَفَنِ فَقِيرٍ آخَرَ أَوْ يُتَصَدَّقُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ إلَخْ) أَيْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ ثَوْبًا، وَهَذَا بَحْثٌ لِصَاحِبِ النَّهْرِ لَكِنْ قَالَ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ بَعْدَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ. وَلَا يُجْمَعُ مِنْ النَّاسِ إلَّا قَدْرُ كِفَايَتِهِ اهـ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْأَحْكَامِ عَنْ عُمْدَةِ الْمُفْتِي وَلَا يَجْمَعُونَ مِنْ النَّاسِ إلَّا قَدْرَ ثَوْبٍ وَاحِدٍ اهـ (قَوْلُهُ لَا يَلْزَمُهُ تَكْفِينُهُ بِهِ) لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ لِلْمَيِّتِ وَالْحَيُّ وَارِثُهُ يُكَفَّنُ بِهِ الْمَيِّتُ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ بَحْرٌ إلَّا إذَا كَانَ الْحَيُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 وَلَا يَخْرُجُ الْكَفَنُ عَنْ مِلْكِ الْمُتَبَرِّعِ (وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ) صِفَتُهَا (فَرْضُ كِفَايَةٍ) بِالْإِجْمَاعِ فَيَكْفُرُ مُنْكِرُهَا لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْإِجْمَاعَ قُنْيَةٌ (كَدَفْنِهِ) وَغُسْلِهِ وَتَجْهِيزِهِ فَإِنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ. (وَشَرْطُهَا) سِتَّةٌ (إسْلَامُ الْمَيِّتِ وَطَهَارَتُهُ) مَا لَمْ يُهَلْ عَلَيْهِ التُّرَابُ فَيُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ بِلَا غُسْلٍ، وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ أَوَّلًا اسْتِحْسَانًا   [رد المحتار] مُضْطَرًّا إلَيْهِ لِبَرْدٍ أَوْ سَبَبٍ يُخْشَى مِنْهُ التَّلَفُ كَمَا لَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ مَاءٌ وَهُنَاكَ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ لِعَطَشٍ قُدِّمَ عَلَى غُسْلِهِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْرُجُ الْكَفَنُ عَنْ مِلْكِ الْمُتَبَرِّعِ) حَتَّى لَوْ افْتَرَسَ الْمَيِّتَ سَبُعٌ كَانَ لِلْمُتَبَرِّعِ لَا لِلْوَرَثَةِ نَهْرٌ أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ وَهَبَهُ لَهُمْ كَمَا فِي الْأَحْكَامِ عَنْ الْمُحِيطِ. مَطْلَبٌ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ (قَوْلُهُ صِفَتُهَا إلَخْ) ذَكَرَ صِفَتَهَا وَشَرْطَهَا وَرُكْنَهَا وَسُنَنَهَا وَكَيْفِيَّتَهَا وَالْأَحَقَّ بِهَا. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَسَبَبُ وُجُوبِهَا الْمَيِّتُ الْمُسْلِمُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَوَقْتُهَا وَقْتُ حُضُورِهِ؛ وَلِذَا قُدِّمَتْ عَلَى سُنَّةِ الْمَغْرِبِ كَمَا فِي الْخِزَانَةِ. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ وَيُفْسِدُهَا مَا أَفْسَدَ الصَّلَاةَ إلَّا الْمُحَاذَاةَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَتُكْرَهُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَلَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ فِيهَا جَازَ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ) وَمَا فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ مِنْ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَالْمُرَادُ الِافْتِرَاضُ بَحْرٌ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ النَّظْمِ قِيلَ إنَّهَا سُنَّةٌ. اهـ. قُلْت: يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ بِثُبُوتِهَا بِالسُّنَّةِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ لَكِنْ يُنَافِيهِ التَّصْرِيحُ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْإِجْمَاعَ سَنَدُهُ السُّنَّةُ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوا عَلَى كُلّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] فَقِيلَ إنَّهُ دَلِيلُ الْفَرْضِيَّةِ لَكِنْ رُدَّ كَمَا فِي النَّهْرِ بِإِجْمَاعِ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ لِلْمُتَصَدِّقِ. اهـ. هَذَا، وَاسْتَشْكَلَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ وُجُوبَهَا بِسُقُوطِهَا بِفِعْلِ الصَّبِيِّ، قَالَ: وَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْفِعْلُ لَا يَدْفَعُ الْوَارِدَ مِنْ لَفْظِ الْوُجُوبِ اهـ أَيْ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ فَلَا بُدَّ مِنْ صُدُورِ الْفِعْلِ مِنْهُمْ وَذَكَرَ شَارِحُهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ أَنَّ سُقُوطَهَا بِفِعْلِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ: وَلَا يَحْضُرُنِي هَذَا مَنْقُولًا فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِنَا وَإِنَّمَا ظَاهِرُ أُصُولِ الْمَذْهَبِ عَدَمُ السُّقُوطِ اهـ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: وَشَرْطُهَا) أَيْ شَرْطُ صِحَّتِهَا وَأَمَّا شُرُوطُ وُجُوبِهَا فَهِيَ شُرُوطُ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ مِنْ الْقُدْرَةِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْإِسْلَامِ مَعَ زِيَادَةِ الْعِلْمِ بِمَوْتِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ سِتَّةٌ) ثَلَاثَةٌ فِي الْمَتْنِ وَثَلَاثَةٌ فِي الشَّرْحِ، وَهِيَ: سَتْرُ الْعَوْرَةِ، وَحُضُورُ الْمَيِّتِ، وَكَوْنُهُ أَوْ أَكْثَرُهُ أَمَامَ الْمُصَلِّي، وَزَادَ أَيْضًا سَابِعًا: وَهُوَ بُلُوغُ الْإِمَامِ، ثُمَّ هَذِهِ الشُّرُوطُ رَاجِعَةٌ إلَى الْمَيِّتِ، وَأَمَّا الشُّرُوطُ الَّتِي تَرْجِعُ إلَى الْمُصَلِّي فَهِيَ شُرُوطُ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ مِنْ الطَّهَارَةِ الْحَقِيقِيَّةِ بَدَنًا وَثَوْبًا وَمَكَانًا وَالْحُكْمِيَّةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَالنِّيَّةِ سِوَى الْوَقْتِ (قَوْلُهُ إسْلَامُ الْمَيِّتِ) أَيْ وَلَوْ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ لِلدَّارِ أَوْ لِلسَّابِي كَمَا سَيَأْتِي وَالْمُرَادُ بِالْمَيِّتِ مَنْ مَاتَ بَعْدَ وِلَادَتِهِ حَيًّا لَا لِبَغْيٍ أَوْ قَطْعِ طَرِيقٍ أَوْ مُكَابَرَةٍ فِي مِصْرٍ أَوْ قَتْلٍ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ قَتْلٍ لِنَفْسِهِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ كُلِّهِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُهَلْ عَلَيْهِ التُّرَابُ) أَمَّا لَوْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ وَلَمْ يُهَلْ عَلَيْهِ التُّرَابُ فَإِنَّهُ يُخْرَجُ وَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ فَيُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ بِلَا غُسْلٍ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَتَفَسَّخَ كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ دُفِنَ بِلَا صَلَاةٍ. هَذَا، وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ إذَا دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَأَنَّهُ صَحَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الْقُدُورِيِّ وَصَاحِبِ التُّحْفَةِ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ لِأَنَّهَا بِلَا غُسْلٍ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ رَمْلِيٌّ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ أَوَّلًا) أَيْ ثُمَّ تَذَّكَّرُوا أَنَّهُ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 وَفِي الْقُنْيَةِ الطَّهَارَةُ مِنْ النَّجَاسَةِ فِي ثَوْبٍ وَبَدَنٍ وَمَكَانٍ، وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ وَالْإِمَامِ جَمِيعًا؛ فَلَوْ أَمَّ بِلَا طَهَارَةٍ وَالْقَوْمُ بِهَا أُعِيدَتْ وَبِعَكْسِهِ لَا كَمَا لَوْ أَمَّتْ امْرَأَةٌ وَلَوْ أَمَةً لِسُقُوطِ فَرْضِهَا بِوَاحِدٍ وَبَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ بُلُوغُ الْإِمَامِ تَأَمَّلْ وَشَرْطُهَا أَيْضًا حُضُورُهُ (وَوَضْعُهُ) وَكَوْنُهُ هُوَ أَوْ أَكْثَرُهُ (أَمَامَ الْمُصَلِّي) وَكَوْنُهُ لِلْقِبْلَةِ   [رد المحتار] لِأَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا لِتَرْكِ الطَّهَارَةِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَالْآنَ زَالَ الْإِمْكَانُ وَسَقَطَتْ فَرِيضَةُ الْغُسْلِ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ إلَخْ) مِثْلُهُ فِي الْمِفْتَاحِ وَالْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا إلَى التَّجْرِيدِ إسْمَاعِيلُ، لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة سُئِلَ قَاضِي خَانْ عَنْ طَهَارَةِ مَكَانِ الْمَيِّتِ هَلْ تُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ؟ قَالَ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ عَلَى الْجِنَازَةِ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَإِلَّا فَلَا رِوَايَةَ لِهَذَا وَيَنْبَغِي الْجَوَازُ، وَهَكَذَا أَجَابَ الْقَاضِي بَدْرُ الدِّينِ اهـ. وَفِي ط عَنْ الْخِزَانَةِ إذَا تَنَجَّسَ الْكَفَنُ بِنَجَاسَةِ الْمَيِّتِ لَا يَضُرُّ دَفْعًا لِلْحَرَجِ بِخِلَافِ الْكَفَنِ الْمُتَنَجِّسِ ابْتِدَاءً. اهـ. وَكَذَا لَوْ تَنَجَّسَ بَدَنُهُ بِمَا خَرَجَ مِنْهُ إنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُكَفَّنَ غُسِّلَ وَبَعْدَهُ لَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْغُسْلِ فَيُقَيَّدُ مَا فِي الْقُنْيَةِ بِغَيْرِ النَّجَاسَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ أُعِيدَتْ) لِأَنَّهُ لَا صِحَّةَ لَهَا بِدُونِ الطَّهَارَةِ وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاةُ الْإِمَامِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاةُ الْقَوْمِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَبِعَكْسِهِ لَا) أَيْ لَا تُعَادُ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ أَمَّتْ امْرَأَةٌ) أَيْ أَمَّتْ رَجُلًا فَإِنَّ صَلَاتَهَا تَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَمَةً) سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ لِسُقُوطِ فَرْضِهَا بِوَاحِدٍ) أَيْ بِشَخْصٍ وَاحِدٍ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً، فَهُوَ تَعْلِيلٌ لِمَسْأَلَةِ الْعَكْسِ وَمَسْأَلَةِ الْمَرْأَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَبَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ بُلُوغُ الْإِمَامِ) الْأَوْلَى ذِكْرُ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ الشُّرُوطِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ سَابِعٌ زَائِدٌ عَلَى السِّتَّةِ فَافْهَمْ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالتَّأَمُّلِ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ بَحْثًا لَا نَقْلًا مَطْلَبٌ هَلْ يَسْقُطُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ؟ قَالَ الْإِمَامُ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ: الصَّبِيُّ إذَا غَسَّلَ الْمَيِّتَ جَازَ وَإِذَا أَمَّ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَدَاءِ الْفَرْضِ، وَلَكِنْ يَشْكُلُ بِرَدِّ السَّلَامِ إذَا سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ فَرَدَّ صَبِيٌّ جَوَابَ السَّلَامِ. اهـ. أَقُولُ: حَاصِلُهُ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ عَنْ الْبَالِغِينَ بِفِعْلِهِ لِأَنَّ صَلَاتَهُمْ لَمْ تَصِحَّ لِفَقْدِ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ وَهُوَ بُلُوغُ الْإِمَامِ وَصَلَاتُهُ، وَإِنْ صَحَّتْ لِنَفْسِهِ لَا تَقَعُ فَرْضًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ صَلَّى وَحْدَهُ لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُمْ بِفِعْلِهِ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ لَوْ صَلَّتْ إمَامًا أَوْ وَحْدَهَا كَمَا مَرَّ، لَكِنْ يَشْكُلُ عَلَى ذَلِكَ مَسْأَلَةُ السَّلَامِ، وَكَذَا جَوَازُ تَغْسِيلِهِ لِلْمَيِّتِ مَعَ أَنَّهُ فَرْضٌ أَيْضًا، وَقَدَّمْنَا عَنْ التَّحْرِيرِ قَرِيبًا اسْتِشْكَالَ سُقُوطِ الصَّلَاةِ بِفِعْلِهِ. وَعَنْ شَارِحِهِ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ وَأَنَّ ظَاهِرَ أُصُولِ الْمَذْهَبِ عَدَمُ السُّقُوطِ، لَكِنْ نُقِلَ فِي الْأَحْكَامِ عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى سُقُوطُهَا بِفِعْلِهَا كَرَدِّ السَّلَامِ، وَنَقَلَ بَعْدَهُ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ. قُلْت: يُمْكِنُ حَمْلُ الثَّانِي عَلَى أَنَّ الْبُلُوغَ شَرْطٌ لِكَوْنِهِ إمَامًا، فَلَا يُنَافِي السُّقُوطَ بِفِعْلِهِ كَمَا فِي التَّغْسِيلِ وَرَدِّ السَّلَامِ، وَكَوْنُهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَدَاءِ الْفَرْضِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ، كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ حُضُورُهُ) أَيْ كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ كَالنِّصْفِ مَعَ الرَّأْسِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَوَضْعُهُ) أَيْ عَلَى الْأَرْضِ، أَوْ عَلَى الْأَيْدِي قَرِيبًا مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَكَوْنُهُ هُوَ أَوْ أَكْثَرُهُ أَمَامَ الْمُصَلِّي) الْمُنَاسِبُ ذِكْرُ قَوْلِهِ هُوَ أَوْ أَكْثَرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ حُضُورُهُ لِأَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ كَوْنِهِ خَلْفَهُ مَعَ أَنَّهُ يُوهِمُ اشْتِرَاطَ مُحَاذَاتِهِ لِلْمَيِّتِ أَوْ أَكْثَرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ ذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ التُّحْفَةِ أَنَّ رُكْنَهَا الْقِيَامُ وَمُحَاذَاتُهُ إلَى جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيِّتِ اهـ لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الْأَقْرَبُ كَوْنُ الْمُحَاذَاةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 فَلَا تَصِحُّ عَلَى غَائِبٍ وَمَحْمُولٍ عَلَى نَحْوِ دَابَّةٍ وَمَوْضُوعٍ خَلْفَهُ، لِأَنَّهُ كَالْإِمَامِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لِصِحَّتِهَا عَلَى الصَّبِيِّ وَصَلَاةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّجَاشِيِّ لُغَوِيَّةٌ أَوْ خُصُوصِيَّةٌ. وَصَحَّتْ لَوْ وَضَعُوا الرَّأْسَ مَوْضِعَ الرِّجْلَيْنِ وَأَسَاءُوا إنْ تَعَمَّدُوا، وَلَوْ أَخْطَئُوا الْقِبْلَةَ صَحَّتْ إنْ تَحَرَّوْا وَإِلَّا لَا مِفْتَاحُ السَّعَادَةِ. (وَرُكْنُهَا) شَيْئَانِ (التَّكْبِيرَاتُ) الْأَرْبَعُ، فَالْأُولَى رُكْنٌ أَيْضًا لَا شَرْطٌ، فَلِذَا لَمْ يَجُزْ بِنَاءُ أُخْرَى عَلَيْهَا (وَالْقِيَامُ) فَلَمْ تَجُزْ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ. (وَسُنَّتُهَا) ثَلَاثَةٌ (التَّحْمِيدُ وَالثَّنَاءُ وَالدُّعَاءُ فِيهَا) ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ، وَمَا فَهِمَهُ الْكَمَالُ مِنْ أَنَّ الدُّعَاءَ رُكْنٌ   [رد المحتار] شَرْطًا فَيُزَادُ عَلَى السَّبْعَةِ الْمَذْكُورَةِ، ثُمَّ هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ وَاحِدًا، وَإِلَّا فَيُحَاذِي وَاحِدًا مِنْهُمْ بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي مِنْ التَّخْيِيرِ فِي وَضْعِهِمْ صَفًّا طُولًا أَوْ عَرْضًا تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْته فِي ط. ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْإِمَامِ لِأَنَّ صَفَّ الْمُؤْتَمِّينَ قَدْ يَخْرُجُ عَنْ الْمُحَاذَاةِ (قَوْلُهُ فَلَا تَصِحُّ) بَيَانٌ لِمُحْتَرَزَاتِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ (قَوْلُهُ عَلَى نَحْوِ دَابَّةٍ) أَيْ كَمَحْمُولٍ عَلَى أَيْدِي النَّاسِ، فَلَا تَجُوزُ فِي الْمُخْتَارِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ إمْدَادٌ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ، وَهَذَا لَوْ حُمِلَتْ عَلَى الْأَيْدِي ابْتِدَاءً؛ أَمَّا لَوْ سُبِقَ بِبَعْضِ التَّكْبِيرَاتِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ بِمَا فَاتَهُ، وَإِنْ رُفِعَتْ عَلَى الْأَيْدِي قَبْلَ أَنْ تُوضَعَ عَلَى الْأَكْتَافِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كَالْإِمَامِ مِنْ وَجْهٍ) لِاشْتِرَاطِ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَعَدَمِ صِحَّتِهَا بِفَقْدِهَا أَوْ فَقْدِ بَعْضِهَا (قَوْلُهُ: لِصِحَّتِهَا عَلَى الصَّبِيِّ) أَيْ وَالْمَرْأَةِ، وَهَذَا عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ دُونَ وَجْهٍ؛ إذْ لَوْ كَانَ إمَامًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَمَا صَحَّتْ عَلَى الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ عَلَى النَّجَاشِيِّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَبِتَخْفِيفِهَا أَفْصَحُ وَتُكْسَرُ نُونُهَا، أَوْ هُوَ أَفْصَحُ: مَلِكِ الْحَبَشَةِ اسْمُهُ أَصْحَمَةُ قَامُوسٌ. وَذُكِرَ فِي الْمُغْرِبِ أَنَّهُ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ سَمَاعًا مِنْ الثِّقَاتِ، وَأَنَّ تَشْدِيدَ الْجِيمِ فِيهِ خَطَأٌ، وَأَنَّ السِّينَ فِي أَصْحَمَةَ تَصْحِيفٌ (قَوْلُهُ لُغَوِيَّةٌ) أَيْ الْمُرَادُ بِهَا مُجَرَّدُ الدُّعَاءِ وَهُوَ بَعِيدٌ (قَوْلُهُ أَوْ خُصُوصِيَّةٌ) أَوْ لِأَنَّهُ رُفِعَ سَرِيرُهُ حَتَّى رَآهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِحَضْرَتِهِ فَتَكُونُ صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ عَلَى مَيِّتٍ يَرَاهُ الْإِمَامُ وَبِحَضْرَتِهِ دُونَ الْمَأْمُومِينَ، وَهَذَا غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الِاقْتِدَاءِ فَتْحٌ. وَاسْتَدَلَّ لِهَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فَارْجِعْ إلَيْهِ، مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَعَزِّهِمْ عَلَيْهِ الْقُرَّاءُ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِمْ مَعَ حِرْصِهِ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قَالَ «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إلَّا آذَنْتُمُونِي بِهِ فَإِنَّ صَلَاتِي عَلَيْهِ رَحْمَةٌ لَهُ» (قَوْلُهُ وَصَحَّتْ لَوْ وَضَعُوا إلَخْ) كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفَسَّرَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مَعْزِيًّا لِلتَّتَارْخَانِيَّةِ بِأَنْ وَضَعُوا رَأْسَهُ مِمَّا يَلِي يَسَارَ الْإِمَامِ اهـ فَأَفَادَ أَنَّ السُّنَّةَ وَضْعُ رَأْسِهِ مِمَّا يَلِي يَمِينَ الْإِمَامِ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ الْآنَ، وَلِهَذَا عَلَّلَ فِي الْبَدَائِعِ لِلْإِسَاءَةِ بِقَوْلِهِ لِتَغْيِيرِهِمْ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: يُوضَعُ رَأْسُهُ مِمَّا يَلِي الْمُسْتَقْبِلَ، فَمَا فِي حَاشِيَةِ الرَّحْمَتِيِّ مِنْ خِلَافِ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ شَيْئَانِ) وَأَمَّا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ التُّحْفَةِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُحَاذَاةِ إلَى جُزْءٍ مِنْ الْمَيِّتِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ كَوْنُهُ شَرْطًا لَا رُكْنًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ فَلِذَا إلَخْ) أَيْ لِكَوْنِهَا رُكْنًا لَا شَرْطًا لِأَنَّهُ لَوْ نَوَاهَا لِلْأُخْرَى أَيْضًا يَصِيرُ مُكَبِّرًا ثَلَاثًا، وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ: فَلَمْ تَجُزْ قَاعِدًا) أَيْ وَلَا رَاكِبًا (قَوْلُهُ بِلَا عُذْرٍ) فَلَوْ تَعَذَّرَ النُّزُولُ لِطِينٍ أَوْ مَطَرٍ جَازَتْ رَاكِبًا، وَلَوْ كَانَ الْوَالِي مَرِيضًا فَصَلَّى قَاعِدًا وَالنَّاسُ قِيَامًا أَجْزَأَهُمْ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تُجْزِئُ الْإِمَامَ فَقَطْ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ: التَّحْمِيدُ وَالثَّنَاءُ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَمُقْتَضَى قَوْلِ الشَّارِحِ ثَلَاثَةٌ أَنَّ الثَّنَاءَ غَيْرُ التَّحْمِيدِ مَعَ أَنَّهُ فِيمَا يَأْتِي فَسَّرَ الثَّنَاءَ بِقَوْلِهِ " سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك " فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا وَاحِدٌ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ الثَّالِثُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ وَمَا فَهِمَهُ الْكَمَالُ) تَبِعَهُ شَارِحَا الْمُنْيَةِ الْبُرْهَانُ الْحَلَبِيُّ وَابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ (قَوْلُهُ مِنْ أَنَّ الدُّعَاءَ رُكْنٌ) قَالَ لِقَوْلِهِمْ إنَّ حَقِيقَتَهَا وَالْمَقْصُودَ مِنْهَا الدُّعَاءُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 وَالتَّكْبِيرَةُ الْأُولَى شَرْطٌ رَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِتَصْرِيحِهِمْ بِخِلَافِهِ (وَهِيَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مَاتَ خَلَا) أَرْبَعَةٍ (بُغَاةٍ، وَقُطَّاعِ طَرِيقٍ) فَلَا يُغَسَّلُوا، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ (إذَا قُتِلُوا فِي الْحَرْبِ) وَلَوْ بَعْدَهُ صَلَّى عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ حَدٌّ أَوْ قِصَاصٌ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَالتَّكْبِيرَةُ الْأُولَى شَرْطٌ) قَالَ لِأَنَّهَا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامَ (قَوْلُهُ رَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِتَصْرِيحِهِمْ بِخِلَافِهِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ الدُّعَاءَ سُنَّةٌ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْمَسْبُوقَ يَقْضِي التَّكْبِيرَ نَسَقًا بِغَيْرِ دُعَاءٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ بِنَاءُ أُخْرَى عَلَيْهَا وَقَوْلُهُمْ: إنَّ التَّكْبِيرَاتِ الْأَرْبَعَ قَائِمَةٌ مَقَامَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ. اهـ. قُلْت: مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ الدُّعَاءَ سُنَّةٌ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، فَقَدْ صَرَّحُوا عَنْ آخِرِهِمْ بِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ هِيَ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ إذْ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا. اهـ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْمَسْبُوقَ يَقْضِي التَّكْبِيرَ نَسَقًا بِغَيْرِ دُعَاءٍ، فَقَدْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: إنَّ الْإِمَامَ يَتَحَمَّلُهُ عَنْهُ أَيْ فَلَا يُنَافِي رُكْنِيَّتَهُ كَمَا يَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْقِرَاءَةَ وَهِيَ رُكْنٌ أَيْضًا اهـ لَكِنْ تُحْمَلُ الْقِرَاءَةُ فِي حَالَةِ الِاقْتِدَاءِ، أَمَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ فَيَأْتِي الْمَسْبُوقُ بِهَا. وَقَدْ يُقَالُ: يَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ الدُّعَاءَ عَنْ الْمَسْبُوقِ لِضَرُورَةِ تَصْحِيحِ صَلَاتِهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا خِيفَ رَفْعُ الْجِنَازَةِ وَأَتَى بِالتَّكْبِيرَاتِ نَسَقًا تَأَمَّلْ. أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ يَنْوِي مَعَ الصَّلَاةِ لِلَّهِ - تَعَالَى - الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ، وَعَلَّلَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ بِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، وَنَقَلْنَاهُ هُنَاكَ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، فَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا اخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. وَأَمَّا عَدَمُ جَوَازِ بِنَاءِ أُخْرَى عَلَيْهَا فَلِكَوْنِهَا قَائِمَةً مَقَامَ رَكْعَةٍ، وَكَوْنُهَا كَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ رُكْنًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّهَا تَحْرِيمَةٌ يَدْخُلُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ؛ وَلِذَا خُصَّتْ بِرَفْعِ الْأَيْدِي، فَهِيَ شَرْطٌ مِنْ وَجْهٍ رُكْنٌ مِنْ وَجْهٍ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَهِيَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مَاتَ) لَفْظُ عَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ التَّعْلِيلِيَّةِ مِثْلَ {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ خَبَرٌ ثَانٍ لِلضَّمِيرِ الْمُبْتَدَإِ أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِهِ لِأَنَّهُ عَائِدٌ لِلصَّلَاةِ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَالصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مَاتَ فَرْضٌ: أَيْ مُفْتَرِضٍ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ، وَلَوْ أَسْقَطَ الشَّارِحُ لَفْظَ فَرْضٍ لَكَانَ أَصْوَبَ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ تَصْرِيحُ الْمُصَنِّفِ بِهِ، وَلِئَلَّا يُوهِمَ تَعَلُّقَ الْجَارِّ بِهِ فَيَفْسُدُ الْمَعْنَى فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ خَلَا أَرْبَعَةٍ) بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّ خَلَا حَرْفُ اسْتِثْنَاءٍ (قَوْلُهُ بُغَاةٍ) هُمْ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ خَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ بِغَيْرِ حَقٍّ (قَوْلُهُ فَلَا يُغَسَّلُوا إلَخْ) فِي نُسْخَةٍ فَلَا يُغَسَّلُونَ وَهِيَ أَصْوَبُ، إنَّمَا لَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ إهَانَةً لَهُمْ وَزَجْرًا لِغَيْرِهِمْ عَنْ فِعْلِهِمْ. وَصَرَّحَ بِنَفْيِ غُسْلِهِمْ لِأَنَّهُ قِيلَ يُغَسَّلُونَ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الشَّهِيدِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهَذَا الْقِيلُ رِوَايَةٌ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى ضَعْفِهَا، لَكِنْ مَشَى عَلَيْهَا فِي الدُّرَرِ وَالْوِقَايَةِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَعْدَهُ إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَأَمَّا إذَا قُتِلُوا بَعْدَ ثُبُوتِ يَدِ الْإِمَامِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ، وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ أَخَذَ بِهِ كِبَارُ الْمَشَايِخِ لِأَنَّ قَتْلَ قَاطِعِ الطَّرِيقِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَدٌّ أَوْ قِصَاصٌ، وَمَنْ قُتِلَ بِذَلِكَ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَتْلُ الْبَاغِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلسِّيَاسَةِ أَوْ لِكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ لِعَوْدِ نَفْعِهِ إلَى الْعَامَّةِ اهـ وَقَوْلُهُ أَوْ قِصَاصٌ أَيْ بِأَنْ كَانَ ثَمَّ مَا يُسْقِطُ الْحَدَّ كَقَطْعِهِ عَلَى مُحْرِمٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا ذُكِرَ فِي بَابِهِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ حَتْفَ أَنْفِهِ قَبْلَ الْأَخْذِ أَوْ بَعْدَهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَقَالَ: وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 (وَكَذَا) أَهْلُ عُصْبَةٍ وَ (مُكَابِرٌ فِي مِصْرٍ لَيْلًا بِسِلَاحٍ وَخَنَّاقٌ) خَنَقَ غَيْرَ مَرَّةٍ فَحُكْمُهُمْ كَالْبُغَاةِ. (مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ) وَلَوْ (عَمْدًا يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) بِهِ يُفْتَى وَإِنْ كَانَ أَعْظَمَ وِزْرًا مِنْ قَاتِلِ غَيْرِهِ. وَرَجَّحَ الْكَمَالُ قَوْلَ الثَّانِي بِمَا فِي مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُتِيَ بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ» .   [رد المحتار] قُلْت: وَفِي الْأَحْكَامِ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ: وَلَوْ قُتِلُوا فِي غَيْرِ الْحَرْبِ أَوْ مَاتُوا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ اهـ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْمَطْلُوبِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا أَهْلُ عُصْبَةٍ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ، وَفِي نُسْخَةٍ عَصَبِيَّةٍ. وَفِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ: الْعَصَبِيَّةُ وَالتَّعَصُّبُ: الْمُحَامَاةُ وَالْمُدَافَعَةُ. وَالْعَصَبِيُّ: مَنْ يُعِينُ قَوْمَهُ عَلَى الظُّلْمِ، وَاَلَّذِي يَغْضَبُ لِعُصْبَتِهِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إلَى عَصَبِيَّةٍ أَوْ قَاتَلَ عَصَبِيَّةً» قَالَ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ: وَفِي النَّوَازِلِ: وَجَعَلَ مَشَايِخُنَا الْمَقْتُولِينَ فِي الْعَصَبِيَّةِ فِي حُكْمِ أَهْلِ الْبَغْيِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. وَفِي الْمُغْنِي: جَعَلَ الدَّرْوَازَكِيُّ وَالْكَلَابَاذِيُّ كَالْبَاغِي وَكَذَا الْوَاقِفُونَ النَّاظِرُونَ إلَيْهِمَا إنْ أَصَابَهُمْ حَجَرٌ أَوْ غَيْرُهُ وَمَاتُوا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَلَوْ مَاتُوا بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ. اهـ. قَالَ ط: وَمِثْلُهُمْ سَعْدٌ وَحَرَامٌ بِمِصْرَ وَقَيْسٌ وَيَمَنٌ بِبَعْضِ الْبِلَادِ اهـ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا حَيْثُ كَانَ الْبَغْيُ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ، فَلَوْ بَغَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَقَصَدَ الْآخَرُ الْمُدَافَعَةَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ يَكُونُ الْمُدَافِعُ شَهِيدًا. وَفِي شَرْحِ مُنْلَا مِسْكِينٍ مَا يُؤَيِّدُهُ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: وَمُكَابِرٍ فِي مِصْرٍ لَيْلًا بِسِلَاحٍ) كَذَا فِي الدُّرَرِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا. وَالْمُكَابِرُ: بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُتَغَلِّبُ إسْمَاعِيلُ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ يَقِفُ فِي مَحَلٍّ مِنْ الْمِصْرِ يَتَعَرَّضُ لِمَعْصُومٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ قَاطِعَ طَرِيقٍ إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ لَيْلًا مُطْلَقًا أَوْ نَهَارًا بِسِلَاحٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى، فَيُعْطَى أَحْكَامَ قَاطِعِ الطَّرِيقِ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ مِنْ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَخْذِ شَيْءٍ وَقَتَلَ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ، وَإِنْ أَخَذَ مَالًا قُطِعَ مِنْ خِلَافٍ وَإِنْ قَتَلَ مَعْصُومًا قُتِلَ حَدًّا عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي مَحَلِّهِ، فَحَيْثُ كَانَ حَدُّهُ الْقَتْلَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ بِسِلَاحٍ غَيْرُ قَيْدٍ لِأَنَّهُ إذَا وَقَفَ فِي الْمِصْرِ لَيْلًا لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ قَاتِلًا بِسِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ كَحَجَرٍ أَوْ عَصًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ خَنَقَ غَيْرَ مَرَّةٍ) هُوَ مُفَادُ صِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ، وَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْبُغَاةِ بِمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْمِصْرِ. وَعِبَارَتُهُ فِي الشَّرْحِ: وَمَنْ تَكَرَّرَ الْخَنِقُ بِكَسْرِ النُّونِ مِنْهُ فِي الْمِصْرِ أَيْ خَنَقَ مِرَارًا، ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ قُتِلَ بِهِ سِيَاسَةً لِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ يُدْفَعُ شَرُّهُ بِالْقَتْلِ وَإِلَّا بِأَنْ خَنَقَ مَرَّةً لَا لِأَنَّهُ كَالْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ، وَفِيهِ الْقَوَدُ عِنْدَ غَيْرِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ أَيْ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَالْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ بِأَنْ خَنَقَ مَرَّةً أَنَّ التَّكْرَارَ يَحْصُلُ بِمَرَّتَيْنِ (قَوْلُهُ: فَحُكْمُهُمْ كَالْبُغَاةِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالزَّيْلَعِيِّ: أَيْ حُكْمُ أَهْلِ عَصَبِيَّةٍ وَمُكَابِرٍ وَخَنَّاقٍ حُكْمُ الْبُغَاةِ فِي أَنَّهُمْ لَا يُغَسَّلُونَ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا فِي الدُّرَرِ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ غُسِّلُوا: أَيْ الْبُغَاةُ وَالْقُطَّاعُ وَالْمُكَابِرُ، فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَقَدَّمْنَا تَرْجِيحَهَا (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) لِأَنَّهُ فَاسِقٌ غَيْرُ سَاعٍ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، وَإِنْ كَانَ بَاغِيًا عَلَى نَفْسِهِ كَسَائِرِ فُسَّاقِ الْمُسْلِمِينَ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ الْكَمَالُ قَوْلَ الثَّانِي إلَخْ) أَيْ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ: إنَّهُ يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إسْمَاعِيلُ عَنْ خِزَانَةِ الْفَتَاوَى. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْكِفَايَةِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ الْإِمَامِ السَّعْدِيِّ: الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا تَوْبَةَ لَهُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ، لَكِنْ تَأَيَّدَ الثَّانِي بِالْحَدِيثِ. اهـ. أَقُولُ: قَدْ يُقَالُ: لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ سِوَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ» فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ امْتَنَعَ زَجْرًا لِغَيْرِهِ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ كَمَا امْتَنَعَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَدْيُونِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 (لَا) يُصَلَّى عَلَى (قَاتِلِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) إهَانَةً لَهُ، وَأَلْحَقَهُ فِي النَّهْرِ بِالْبُغَاةِ. (وَهِيَ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ) كُلُّ تَكْبِيرَةٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَةٍ (يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الْأُولَى فَقَطْ) وَقَالَ أَئِمَّةُ بَلْخٍ فِي كُلِّهَا (وَيُثْنِي بَعْدَهَا) وَهُوَ " سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك " (وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) كَمَا فِي التَّشَهُّدِ (بَعْدَ الثَّانِيَةِ) لِأَنَّ تَقْدِيمَهَا سُنَّةُ الدُّعَاءِ (وَيَدْعُو بَعْدَ الثَّالِثَةِ) بِأُمُورِ الْآخِرَةِ وَالْمَأْثُورُ أَوْلَى،   [رد المحتار] صَلَاةِ أَحَدٍ عَلَيْهِ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ إذْ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ صَلَاتِهِ وَصَلَاةِ غَيْرِهِ. قَالَ تَعَالَى {إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بَحْثًا كَذَلِكَ، وَأَيْضًا فَالتَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ لَا تَوْبَةَ لَهُ مُشْكِلٌ عَلَى قَوَاعِدِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الْعَاصِي، بَلْ التَّوْبَةُ مِنْ الْكُفْرِ مَقْبُولَةٌ قَطْعًا وَهُوَ أَعْظَمُ وِزْرًا، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَا إذَا تَابَ حَالَةَ الْيَأْسِ كَمَا إذَا فَعَلَ بِنَفْسِهِ مَا لَا يَعِيشُ مَعَهُ عَادَةً كَجُرْحٍ مُزْهِقٍ فِي سَاعَتِهِ وَإِلْقَاءٍ فِي بَحْرٍ أَوْ نَارٍ فَتَابَ، أَمَّا لَوْ جَرَحَ نَفْسَهُ، وَبَقِيَ حَيًّا أَيَّامًا مَثَلًا ثُمَّ تَابَ وَمَاتَ فَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ وَلَوْ كَانَ مُسْتَحِلًّا لِذَلِكَ الْفِعْلِ؛ إذْ التَّوْبَةُ مِنْ الْكُفْرِ حِينَئِذٍ مَقْبُولَةٌ فَضْلًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ، بَلْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الْعَاصِي حَالَةَ الْيَأْسِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِيمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ عَمْدًا، أَمَّا لَوْ كَانَ خَطَأً فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا وَسَيَأْتِي عَدُّهُ مَعَ الشُّهَدَاءِ (قَوْلُهُ: لَا يُصَلَّى عَلَى قَاتِلِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إذَا قَتَلَهُ الْإِمَامُ قِصَاصًا، أَمَّا لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ يُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبُغَاةِ وَنَحْوِهِمْ، وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ وَأَلْحَقَهُ فِي النَّهْرِ بِالْبُغَاةِ) أَيْ فَلَا يُعَدُّ خَامِسًا هَكَذَا فَهِمْت، ثُمَّ رَأَيْته فِي ط، لَكِنْ فِيهِ أَنَّ عِبَارَةَ النَّهْرِ هَكَذَا: وَالْعَصَبِيَّةُ كَالْبُغَاةِ، وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ الْخَنَّاقُ وَقَاتِلُ أَحَدِ أَبَوَيْهِ اهـ وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ الْمُسْتَثْنَى أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَئِمَّةُ بَلْخٍ فِي كُلِّهَا) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي حَاشِيَتِهِ لِلرَّمْلِيِّ: رُبَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْحَنَفِيَّ إذَا اقْتَدَى بِالشَّافِعِيِّ فَالْأَوْلَى مُتَابَعَتُهُ فِي الرَّفْعِ وَلَمْ أَرَهُ. اهـ. أَقُولُ: وَلَمْ يَقُلْ يَجِبُ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْوَاجِبِ أَوْ الْفَرْضِ، وَهَذَا الرَّفْعُ غَيْرُ وَاجِبٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ؛ وَمَا فِي شَرْحِ الْكَيْدَانِيَّةِ لِلْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمُتَابَعَةُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرَاتِ الرُّكُوعِ وَتَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ لَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُسَوَّغُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ بِالنَّظَرِ إلَى الرَّفْعِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ قَالَ بِهِ الْبَلْخِيُّونَ مِنْ أَئِمَّتِنَا، وَقَدْ أَوْضَحْنَا الْمَقَامَ فِي آخِرِ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا شَيْئًا مِنْهُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك) كَذَا فَسَّرَ بِهِ الثَّنَاءَ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: إنَّهُ مُرَادُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ مِنْ الثَّنَاءِ، وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ هَذَا رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ. وَاَلَّذِي فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ صَاحِبِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَحْمَدُ اللَّهَ. اهـ. أَقُولُ: مُقْتَضَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حُصُولُ السُّنَّةِ بِأَيِّ صِيغَةٍ مِنْ صِيَغِ الْحَمْدِ، فَيَشْمَلُ الثَّنَاءَ الْمَذْكُورَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْحَمْدِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي التَّشَهُّدِ) أَيْ الْمُرَادُ الصَّلَاةُ الْإِبْرَاهِيمِيَّة الَّتِي يَأْتِي بِهَا الْمُصَلِّي فِي قَعْدَةِ التَّشَهُّدِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَقْدِيمَهَا) أَيْ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ عَلَى الدُّعَاءِ سُنَّةٌ كَمَا أَنَّ تَقْدِيمَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمَا سُنَّةٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَيَدْعُو إلَخْ) أَيْ لِنَفْسِهِ وَلِلْمَيِّتِ وَلِلْمُسْلِمِينَ لِكَيْ يَغْفِرَ لَهُ فَيُسْتَجَابَ دُعَاؤُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الدُّعَاءِ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ. قَالَ تَعَالَى {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا} [نوح: 28] جَوْهَرَةٌ، ثُمَّ أَفَادَ أَنَّ مَنْ لَمْ يُحْسِنْ الدُّعَاءَ بِالْمَأْثُورِ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلَهُ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (قَوْلُهُ وَالْمَأْثُورُ أَوْلَى) وَمِنْ الْمَأْثُورِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا. اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْته مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْته مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 وَقُدِّمَ فِيهِ الْإِسْلَامُ مَعَ أَنَّهُ الْإِيمَانُ لِأَنَّهُ مُنْبِئٌ عَنْ الِانْقِيَادِ فَكَأَنَّهُ دُعَاءٌ فِي حَالِ الْحَيَاةِ بِالْإِيمَانِ وَالِانْقِيَادِ، وَأَمَّا فِي حَالِ الْوَفَاةِ فَالِانْقِيَادُ، وَهُوَ الْعَمَلُ غَيْرُ مَوْجُودٍ (وَيُسَلِّمُ) بِلَا دُعَاءٍ (بَعْدَ الرَّابِعَةِ) تَسْلِيمَتَيْنِ نَاوِيًا الْمَيِّتَ مَعَ الْقَوْمِ، وَيُسِرُّ الْكُلَّ إلَّا التَّكْبِيرَ زَيْلَعِيٌّ وَغَيْرُهُ، لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ الْعَمَلُ فِي زَمَانِنَا عَلَى الْجَهْرِ بِالتَّسْلِيمِ. وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: يَجْهَرُ بِوَاحِدَةٍ (وَلَا قِرَاءَةَ وَلَا تَشَهُّدَ فِيهَا) وَعَيَّنَ الشَّافِعِيُّ الْفَاتِحَةَ فِي الْأُولَى. وَعِنْدَنَا تَجُوزُ بِنِيَّةِ الدُّعَاءِ،   [رد المحتار] لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ» مِنَحٌ، وَثَمَّ أَدْعِيَةٌ أُخَرُ فَانْظُرْهَا فِي الْفَتْحِ وَالْإِمْدَادِ وَشُرُوحِ الْمُنْيَةِ. [تَنْبِيهٌ] الْمُرَادُ الِاسْتِيعَابُ، فَالْمَعْنَى اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ، فَلَا يُنَافِي قَوْلُهُ وَصَغِيرِنَا قَوْلَهُ الْآتِي، وَلَا يَسْتَغْفِرُ لِصَبِيٍّ: أَيْ لَا يَقُولُ اغْفِرْ لَهُ أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَالْمُرَادُ بِالْإِبْدَالِ فِي الْأَهْلِ وَالزَّوْجَةِ إبْدَالُ الْأَوْصَافِ لَا الذَّوَاتِ {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21] وَلِخَبَرِ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ «إنَّ نِسَاءَ الْجَنَّةِ مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا أَفْضَلُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ» " وَفِيمَنْ لَا زَوْجَةَ لَهُ عَلَى تَقْدِيرِهَا لَهُ أَنْ لَوْ كَانَتْ وَلِأَنَّهُ صَحَّ الْخَبَرُ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا: أَيْ إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ جَمْعٌ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ «الْمَرْأَةُ مِنَّا رُبَّمَا يَكُونُ لَهَا زَوْجَانِ فِي الدُّنْيَا فَتَمُوتُ وَيَمُوتَانِ وَيَدْخُلَانِ الْجَنَّةَ لِأَيِّهِمَا هِيَ؟ قَالَ: لِأَحْسَنِهِمَا خُلُقًا كَانَ عِنْدَهَا فِي الدُّنْيَا» وَتَمَامُهُ فِي تُحْفَةِ ابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ وَقَدَّمَ فِيهِ الْإِسْلَامَ) أَيْ فِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ كَمَا مَرَّ. اعْلَمْ أَنَّ الْإِسْلَامَ عَلَى وَجْهَيْنِ: شَرْعِيٍّ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْإِيمَانِ. وَلُغَوِيٍّ، وَهُوَ بِمَعْنَى الِاسْتِسْلَامِ وَالِانْقِيَادِ كَمَا فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لِلنَّسَفِيِّ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ مَعَ أَنَّهُ الْإِيمَانُ نَاظِرٌ لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لِلْإِسْلَامِ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُنْبِئٌ نَاظِرٌ إلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لَهُ، وَقَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ دُعَاءٌ فِي حَالِ الْحَيَاةِ بِالْإِيمَانِ هُوَ مَعْنَى الْإِسْلَامِ الشَّرْعِيِّ، وَقَوْلُهُ وَالِانْقِيَادُ أَيْ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْإِسْلَامِ اللُّغَوِيِّ. اهـ. ح؛ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَأْخُوذٌ مِنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِسْلَامَ خُصَّ بِحَالَةِ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لَهَا بِمَعْنَيَيْهِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْإِيمَانُ: أَيْ التَّصْدِيقُ الْقَلْبِيُّ، وَاللُّغَوِيِّ، وَهُوَ الِانْقِيَادُ بِالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ، وَخُصَّ الْإِيمَانُ بِحَالَةِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لَهَا؛ إذْ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْعَمَلِ بَلْ عَنْ التَّصْدِيقِ فَقَطْ، وَلَا يُمْكِنُ فِي حَالَةِ الْمَوْتِ سِوَاهُ (قَوْلُهُ: بِلَا دُعَاءٍ) هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَقُولُ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً إلَخْ، وَقِيلَ - رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا إلَخْ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ بَيْنَ السُّكُوتِ وَالدُّعَاءِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ نَاوِيًا الْمَيِّتَ مَعَ الْقَوْمِ) كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: يَنْوِي بِهِمَا كَمَا وَصَفْنَا فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَيَنْوِي الْمَيِّتَ كَمَا يَنْوِي الْإِمَامُ اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَنْوِي الْمَلَائِكَةَ الْحَفَظَةَ أَيْضًا، ثُمَّ رَأَيْته صَرِيحًا فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ. وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْجَوْهَرَةِ أَنَّهُ لَا يَنْوِي الْمَيِّتَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُخَاطَبُ بِالسَّلَامِ حَتَّى يُنْوَى بِهِ إذْ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ، لَكِنْ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: إنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَسَيَأْتِي مَا وَرَدَ فِي أَهْلِ الْمَقْبَرَةِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَتَعْلِيمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّلَامَ عَلَى الْمَوْتَى اهـ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: إنَّ الزَّيْلَعِيَّ لَمْ يُرِدْ دُخُولَ التَّسْلِيمِ فِي الْكُلِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ. وَاَلَّذِي فِي الْبَدَائِعِ: وَلَا يَجْهَرُ بِمَا يَقْرَأُ عَقِبَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ، وَالسُّنَّةُ فِيهِ الْمُخَافَتَةُ، وَهَلْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّسْلِيمِ؛ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ لِأَنَّهُ لِلْإِعْلَامِ، وَلَا حَاجَةَ لَهُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مَشْرُوعٌ عَقِبَ التَّكْبِيرِ بِلَا فَصْلٍ وَلَكِنْ الْعَمَلُ فِي زَمَانِنَا عَلَى خِلَافِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَيَّنَ الشَّافِعِيُّ الْفَاتِحَةَ) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَجَهَرَ بِالْفَاتِحَةِ، وَقَالَ: عَمْدًا فَعَلْت لِيُعْلِمَ أَنَّهَا سُنَّةٌ. وَمَذْهَبُنَا قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِهِ وَعَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ بِنِيَّةِ الدُّعَاءِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 وَتُكْرَهُ بِنِيَّةِ الْقِرَاءَةِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهَا فِيهَا عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَفْضَلُ صُفُوفِهَا آخِرُهَا إظْهَارًا لِلتَّوَاضُعِ (وَلَوْ كَبَّرَ إمَامُهُ خَمْسًا لَمْ يَتْبَعْ) لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ (فَيَمْكُثُ الْمُؤْتَمُّ حَتَّى يُسَلِّمَ مَعَهُ إذَا سَلَّمَ) بِهِ يُفْتَى، هَذَا إذَا سَمِعَ مِنْ الْإِمَامِ، وَلَوْ مِنْ الْمُبَلِّغِ تَابَعَهُ، وَيَنْوِي الِافْتِتَاحَ بِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَكَذَا فِي الْعِيدِ   [رد المحتار] وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا حِينَئِذٍ تَقُومُ مَقَامَ الثَّنَاءِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّهُ يُسَنُّ بَعْدَ الْأُولَى التَّحْمِيدُ (قَوْلُهُ وَتُكْرَهُ بِنِيَّةِ الْقِرَاءَةِ) فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ وَالْمُحِيطِ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الدُّعَاءِ دُونَ الْقِرَاءَةِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ والتتارخانية. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ، وَقَوْلُ الْقُنْيَةِ: لَوْ قَرَأَ فِيهَا الْفَاتِحَةَ جَازَ أَيْ لَوْ قَرَأَهَا بِنِيَّةِ الدُّعَاءِ لِيُوَافِقَ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ، أَوْ أَرَادَ بِالْجَوَازِ الصِّحَّةَ، عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْقُنْيَةِ لَا يُعْمَلُ بِهِ إذَا عَارَضَهُ غَيْرُهُ، فَقَوْلُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ: إنَّهُ نَصَّ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَتِهَا فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِمَا عَلِمْته، وَقَوْلُهُ: وَقَوْلُ مُنْلَا عَلَى الْقَارِئِ أَيْضًا يُسْتَحَبُّ قِرَاءَتُهَا بِنِيَّةِ الدُّعَاءِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ عِنْدَهُ إلَّا بِنِيَّةِ الْقُرْآنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَأَهَا بِنِيَّةِ الْقِرَاءَةِ وَيَرْتَكِبَ مَكْرُوهَ مَذْهَبِهِ لِيُرَاعِيَ مَذْهَبَ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ وَأَفْضَلُ صُفُوفِهَا آخِرُهَا إلَخْ) كَذَا فِي الْقُنْيَةِ، وَبَحَثَ فِيهِ فِي الْحِلْيَةِ بِإِطْلَاقِ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا» وَبِأَنَّ إظْهَارَ التَّوَاضُعِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّأَخُّرِ. اهـ. أَقُولُ: قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْحَدِيثَ مَخْصُوصٌ بِالصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ لِأَنَّهَا الْمُتَبَادِرَةُ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ غُفِرَ لَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَفَّ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ، حَتَّى لَوْ كَانُوا سَبْعَةً يَتَقَدَّمُ أَحَدُهُمْ لِلْإِمَامَةِ، وَيَقِفُ وَرَاءَهُ ثَلَاثَةٌ ثُمَّ اثْنَانِ ثُمَّ وَاحِدٌ. اهـ. فَلَوْ كَانَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ أَفْضَلَ فِي الْجِنَازَةِ أَيْضًا لَكَانَ الْأَفْضَلُ جَعْلَهُمْ صَفًّا وَاحِدًا وَلَكُرِهَ قِيَامُ الْوَاحِدِ وَحْدَهُ كَمَا كُرِهَ فِي غَيْرِهَا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ) لِأَنَّ الْآثَارَ اخْتَلَفَتْ فِي فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَرُوِيَ الْخَمْسُ وَالسَّبْعُ وَالتِّسْعُ وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا «أَنَّ آخِرَ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ» فَكَانَ نَاسِخًا لِمَا قَبْلَهُ ح عَنْ الْإِمْدَادِ. وَفِي الزَّيْلَعِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ كَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ وَثَبَتَ عَلَيْهَا إلَى أَنْ تُوُفِّيَ» فَنَسَخَتْ مَا قَبْلَهَا ط (قَوْلُهُ فَيَمْكُثُ الْمُؤْتَمُّ إلَخْ) لَمَّا كَانَ قَوْلُهُمْ لَمْ يَتْبَعْ صَادِقًا بِالْقَطْعِ وَبِالِانْتِظَارِ أَرْدَفَهُ بِبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْهُ ط (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) رَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْبَقَاءَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ فَرَاغِهَا لَيْسَ بِخَطَأٍ مُطْلَقًا إنَّمَا الْخَطَأُ فِي الْمُتَابَعَةِ فِي الْخَامِسَةِ بَحْرٌ. وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يُسَلِّمُ لِلْحَالِ وَلَا يَنْتَظِرُ تَحْقِيقًا لِلْمُخَالَفَةِ ط (قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ عَدَمُ الْمُتَابَعَةِ ط. (قَوْلُهُ: وَيَنْوِي الِافْتِتَاحَ إلَخْ) لِجَوَازِ أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِمَامِ لِلِافْتِتَاحِ الْآنَ، وَأَخْطَأَ الْمُبَلِّغُ نَقَلَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ الْمَكِّيِّ بِصِيغَةِ قَالُوا، وَنَقَلَهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ بِصِيغَةِ قِيلَ، وَكِلَا الصِّيغَتَيْنِ مُشْعِرٌ بِالضَّعْفِ؛ كَيْفَ وَهُوَ لَا وَجْهَ لَهُ يَظْهَرُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَنْوِي الِافْتِتَاحَ بِمَا زَادَ عَلَى الرَّابِعَةِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ وَلَزِمَ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَهَا بِثَلَاثِ تَكْبِيرَاتٍ أُخَرَ لِأَنَّ نِيَّةَ الِافْتِتَاحِ لِتَصْحِيحِ صَلَاتِهِ بِاحْتِمَالِ خَطَأِ الْمُبَلِّغِ، وَلَا صِحَّةَ لَهَا إلَّا بِثَلَاثٍ بَعْدَهَا لِأَنَّهَا أَرْكَانٌ، وَإِلَّا كَانَتْ نِيَّتُهُ لَغْوًا فَكَانَ الْوَاجِبُ عَدَمَهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ جَمِيعَ التَّكْبِيرَاتِ فَمِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُبَلِّغَ يَزِيدُ عَلَى الرَّابِعَةِ حَتَّى يَنْوِيَ الِافْتِتَاحَ بِالْجَمِيعِ، فَإِنَّ احْتِمَالَ الْخَطَأِ إنَّمَا ظَهَرَ وَقْتَ الزِّيَادَةِ؟ وَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ ثَابِتٌ قَبْلَهَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ الِافْتِتَاحَ بِالْجَمِيعِ، وَإِنْ لَمْ يَزِدْ الْمُبَلِّغُ شَيْئًا، وَأَنَّهُ يَأْتِي بَعْدَ الرَّابِعَةِ بِثَلَاثِ تَكْبِيرَاتٍ أَيْضًا، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِهَذِهِ النِّيَّةِ فَائِدَةٌ، وَأَنَّهُ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَأْتِي بِتَكْبِيرَةٍ أُخْرَى لِاحْتِمَالِ خَطَأِ الْمُبَلِّغِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي بَابِهِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِاخْتِيَارِ الشِّقِّ الْأَوَّلِ، وَأَنَّ فَائِدَتَهُ أَنَّهُ إذَا زَادَ خَامِسَةً مَثَلًا احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ التَّحْرِيمَةَ وَأَنَّهُ سَيُكَبِّرُ بَعْدَهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 (وَلَا يَسْتَغْفِرُ فِيهَا لِصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) وَمَعْتُوهٍ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ (بَلْ يَقُولُ بَعْدَ دُعَاءِ الْبَالِغِينَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا) بِفَتْحَتَيْنِ: أَيْ سَابِقًا إلَى الْحَوْضِ لِيُهَيِّئَ الْمَاءَ، وَهُوَ دُعَاءٌ لَهُ أَيْضًا بِتَقَدُّمِهِ فِي الْخَيْرِ، لَا سِيَّمَا، وَقَدْ قَالُوا: حَسَنَاتُ الصَّبِيِّ لَهُ لَا لِأَبَوَيْهِ بَلْ لَهُمَا ثَوَابُ التَّعْلِيمِ (وَاجْعَلْهُ ذُخْرًا) بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، ذَخِيرَةً (وَشَافِعًا مُشَفَّعًا) مَقْبُولَ الشَّفَاعَةِ.   [رد المحتار] ثَلَاثًا أُخْرَى وَهَكَذَا فِي السَّادِسَةِ وَالسَّابِعَةِ، فَإِذَا سَلَّمَ احْتَمَلَ أَنَّ أَرْبَعًا قَبْلَ السَّلَامِ هِيَ الْفَرَائِضُ الْأَصْلِيَّةُ وَأَنَّ مَا قَبْلَهَا زَائِدَةٌ غَلَطًا، وَاحْتَمَلَ أَنَّ أَرْبَعًا مِنْ الِابْتِدَاءِ هِيَ الْفَرَائِضُ الْأَصْلِيَّةُ وَمَا بَعْدَهَا زَائِدٌ غَلَطًا فَإِذَا نَوَى تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ قَدْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بِلَا ضَرَرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَسْتَغْفِرُ فِيهَا لِصَبِيٍّ) أَيْ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ (قَوْلُهُ: وَمَجْنُونٍ وَمَعْتُوهٍ) هَذَا فِي الْأَصْلِيِّ فَإِنَّ الْجُنُونَ وَالْعَتَهَ الطَّارِئَيْنِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا يُسْقِطَانِ الذُّنُوبَ السَّالِفَةَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ بَعْدَ دُعَاءِ الْبَالِغِينَ) كَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الدُّرَرِ وَفِي بَعْضِهَا بَدَلَ دُعَاءِ الْبَالِغِينَ: وَكَتَبَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ عَلَى نُسْخَةٍ بَعْدُ أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ وَمُنَاقِضَةٌ لِقَوْلِهِ لَا يَسْتَغْفِرُ لِصَبِيٍّ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهَا تَصْحِيفٌ مِنْ بَدَلٍ. اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ بَعْدَ كَلَامٍ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُقْتَضَى مُتُونِ الْمَذْهَبِ وَالْفَتَاوَى وَصَرِيحِ غُرَرِ الْأَذْكَارِ الِاقْتِصَارُ فِي الطِّفْلِ عَلَى: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا إلَخْ. اهـ. قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ مِنْ دُعَاءِ الْبَالِغِينَ أَصْلًا، بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى مَا ذُكِرَ. وَقَدْ نَقَلَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ مَا هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّهُ يَأْتِي بِذَلِكَ الدُّعَاءُ بَعْدَ قَوْلِهِ " وَمَنْ تَوَفَّيْته مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ " مَبْنِيٌّ عَلَى نُسْخَةٍ بَعْدُ مِنْ الدُّرَرِ فَتَدَبَّرْ. هَذَا وَمَا مَرَّ فِي الْمَأْثُورِ فِي دُعَاءِ الْبَالِغِينَ مِنْ قَوْلِهِ وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ لَا يَسْتَغْفِرُ لِصَبِيٍّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَيْ سَابِقًا إلَخْ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا: أَيْ أَجْرًا يَتَقَدَّمُنَا، وَأَصْلُ الْفَارِطِ وَالْفَرَطِ فِيمَنْ يَتَقَدَّمُ الْوَارِدَةَ اهـ أَيْ مَنْ يَتَقَدَّمُ الْجَمَاعَةَ الْوَارِدَةَ إلَى الْمَاءِ لِيُهَيِّئَهُ لَهُمْ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ» وَاقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ، لِمَا فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ الْأَنْسَبُ هُنَا لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ " وَاجْعَلْهُ لَنَا أَجْرًا ". اهـ. قَالَ ط: وَاَلَّذِي فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ تَفْسِيرُهُ بِالْمُتَقَدِّمِ لِيُهَيِّئَ مَصَالِحَ وَالِدَيْهِ فِي دَارِ الْقَرَارِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ دُعَاءٌ لَهُ) أَيْ لِلصَّبِيِّ أَيْضًا: أَيْ كَمَا هُوَ دُعَاءٌ لِوَالِدَيْهِ وَلِلْمُصَلِّينَ لِأَنَّهُ لَا يُهَيِّئُ الْمَاءَ لِدَفْعِ الظَّمَأِ أَوْ مَصَالِحِ وَالِدَيْهِ فِي دَارِ الْقَرَارِ إلَّا إذَا كَانَ مُتَقَدِّمًا فِي الْخَيْرِ، وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ، حَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا دُعَاءٌ لِلْأَحْيَاءِ، وَلَا نَفْعَ لِلْمَيِّتِ فِيهِ ط (قَوْلُهُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالُوا إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ حَسَنَاتُهُ: أَيْ ثَوَابُهَا لَهُ يَكُونُ أَهْلًا لِلْجَزَاءِ وَالثَّوَابِ، فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دُعَاءً لَهُ أَيْضًا لِيَنْتَفِعَ بِهِ يَوْمَ الْجَزَاءِ (قَوْلُهُ وَاجْعَلْهُ ذُخْرًا) فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالْكَنْزِ وَغَيْرِهَا " وَاجْعَلْهُ لَنَا أَجْرًا، وَاجْعَلْهُ لَنَا ذُخْرًا " وَفِي الدُّرَرِ وَالْوِقَايَةِ كَمَا هُنَا (قَوْلُهُ ذَخِيرَةً) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالذُّخْرِ الِاسْمُ: أَيْ مَا يَذْخَرُ لَا الْمَصْدَرُ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ اسْمًا وَمَصْدَرًا كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْقَامُوسِ ذَخَرَهُ كَمَنَعَهُ ذُخْرًا بِالضَّمِّ، وَادَّخَرَهُ: اخْتَارَهُ، أَوْ اتَّخَذَهُ. وَالذَّخِيرَةُ: مَا أَذْخَرَ كَالذُّخْرِ جَمْعُهُ أَذْخَارٌ اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ: شَبَّهَ تَقَدُّمَهُ لِوَالِدَيْهِ بِشَيْءٍ نَفِيسٍ يَكُونُ أَمَامَهُمَا مُدَّخَرًا إلَى وَقْتِ حَاجَتِهِمَا لَهُ بِشَفَاعَتِهِ لَهُمَا كَمَا صَحَّ. اهـ. (قَوْلُهُ مَقْبُولَ الشَّفَاعَةِ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مُشَفَّعًا بِالْبِنَاءِ الْمَجْهُولِ. [تَتِمَّةٌ] فِي بَعْضِ الْكُتُبِ يَقُولُ " اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لِوَالِدَيْهِ فَرَطًا وَسَلَفًا وَذُخْرًا وَعِظَةً وَاعْتِبَارًا وَشَفِيعًا وَأَجْرًا وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا، وَأَفْرِغْ الصَّبْرَ عَلَى قُلُوبِهِمَا، وَلَا تَفْتِنْهُمَا بَعْدَهُ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ " ط. أَقُولُ: رَأَيْت ذَلِكَ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ، لَكِنْ بِإِبْدَالِ قَوْلِهِ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ بِقَوْلِهِ وَلَا تَحْرِمْهُمَا أَجْرَهُ، وَهَذَا أَوْلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 (وَيَقُومُ الْإِمَامُ) نَدْبًا (بِحِذَاءِ الصَّدْرِ مُطْلَقًا) لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْإِيمَانِ وَالشَّفَاعَةُ لِأَجْلِهِ (وَالْمَسْبُوقُ) بِبَعْضِ التَّكْبِيرَاتِ لَا يُكَبِّرُ فِي الْحَالِ بَلْ (يَنْتَظِرُ) تَكْبِيرَ (الْإِمَامِ لِيُكَبِّرَ مَعَهُ) لِلِافْتِتَاحِ لِمَا مَرَّ أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ كَرَكْعَةٍ، وَالْمَسْبُوقُ لَا يَبْدَأُ بِمَا فَاتَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُكَبِّرُ حِينَ يَحْضُرُ (كَمَا لَا يَنْتَظِرُ الْحَاضِرُ) فِي (حَالِ التَّحْرِيمَةِ) بَلْ يُكَبِّرُ اتِّفَاقًا لِلتَّحْرِيمَةِ، -   [رد المحتار] لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَسْتَغْفِرُ لِصَبِيٍّ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَفِي الْمُفِيدِ وَيَدْعُو لِوَالِدَيْ الطِّفْلِ، وَقِيلَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ ثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا وَأَعْظِمْ بِهِ أَجْرَهُمَا وَلَا تَفْتِنْهُمَا بَعْدَهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فِي كَفَالَةِ إبْرَاهِيمَ، وَأَلْحِقْهُ بِصَالِحِي الْمُؤْمِنِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ نَدْبًا) أَيْ كَوْنُهُ بِالْقُرْبِ مِنْ الصَّدْرِ مَنْدُوبٌ، وَإِلَّا فَمُحَاذَاةُ جُزْءٍ مِنْ الْمَيِّتِ لَا بُدَّ مِنْهَا قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ التُّحْفَةِ. وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا فِي الْإِمَامِ وَفِيمَا إذَا لَمْ تَتَعَدَّدْ الْمَوْتَى وَإِلَّا وَقَفَ عِنْدَ صَدْرِ أَحَدِهِمْ فَقَطْ، وَلَا يَبْعُدُ عَنْ الْمَيِّتِ كَمَا فِي النَّهْرِ ط (قَوْلُهُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ) أَرَادَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى الشَّامِلَ لِلصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ: وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقِفُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَعَجُزِ الْمَرْأَةِ (قَوْلُهُ: وَالشَّفَاعَةُ لِأَجْلِهِ) أَيْ أَنَّ الْمُصَلِّيَ شَافِعٌ لِلْمَيِّتِ لِأَجْلِ إيمَانِهِ فَنَاسَبَ أَنْ يَقُومَ بِحِذَاءِ مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ: وَالْمَسْبُوقُ) أَيْ الَّذِي لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا تَكْبِيرَ الْإِمَامِ السَّابِقِ ط (قَوْلُهُ بِبَعْضِ التَّكْبِيرَاتِ) صَادِقٌ بِالْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ ط. أَمَّا الْمَسْبُوقُ بِالْكُلِّ فَيَأْتِي حُكْمُهُ (قَوْلُهُ لَا يُكَبِّرُ فِي الْحَالِ) فَلَوْ كَبَّرَ كَمَا حَضَرَ، وَلَمْ يَنْتَظِرْ لَا تَفْسُدُ عِنْدَهُمَا، لَكِنْ مَا أَدَّاهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ بَحْرٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ. وَقَضِيَّةُ عَدَمِ اعْتِبَارِ مَا أَدَّاهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ شَارِعًا فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ، وَحِينَئِذٍ فَتَفْسُدُ التَّكْبِيرَةُ مَعَ أَنَّ الْمَسْطُورَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ يَكُونُ شَارِعًا، وَعَلَيْهِ فَيُعْتَبَرُ مَا أَدَّاهُ، وَهَذَا لَمْ أَرَ مَنْ أَفْصَحَ عَنْهُ فَتَدَبَّرْهُ نَهْرٌ. وَأَجَابَ الْحَمَوِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِهِ عَدَمُ شُرُوعِهِ، وَلَا مِنْ اعْتِبَارِ شُرُوعِهِ اعْتِبَارُ مَا أَدَّاهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي السُّجُودِ صَحَّ شُرُوعُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مَا أَدَّاهُ مِنْ السُّجُودِ مَعَ الْإِمَامِ بَلْ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ إذَا قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْقُنْيَةِ اهـ لَكِنْ فِيهِ أَنَّ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ هُنَا بِمَنْزِلَةِ رَكْعَةٍ، فَلَوْ صَحَّ شُرُوعُهُ بِهَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُهَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ لَهَا شَبَهَيْنِ كَمَا مَرَّ فَنُصَحِّحُ شُرُوعَهُ بِهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا شَرْطًا، وَلَا نَعْتَبِرُهَا فِي تَكْمِيلِ الْعَدَدِ مِنْ حَيْثُ شَبَهُهَا بِالرَّكْعَةِ، فَلِذَا قُلْنَا: يَصِحُّ شُرُوعُهُ بِهَا، وَيُعِيدُهَا بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَالْمَسْبُوقُ إلَخْ) هُوَ مِنْ تَتِمَّةِ التَّعْلِيلِ: أَيْ فَلَوْ كَبَّرَ وَلَمْ يَنْتَظِرْ لَكَانَ كَالْمَسْبُوقِ الَّذِي شَرَعَ فِي قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الِاقْتِدَاءِ ط (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إلَخْ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: تَفْسِيرُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ وَقَدْ كَبَّرَ الْإِمَامُ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ كَبَّرَ هَذَا الرَّجُلُ لِلِافْتِتَاحِ، فَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ تَابَعَهُ فِيهَا، وَلَمْ يَكُنْ مَسْبُوقًا. وَعِنْدَهُمَا لَا يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ حِينَ يَحْضُرُ بَلْ يَنْتَظِرُ حَتَّى يُكَبِّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ، وَيَكُونُ هَذَا التَّكْبِيرُ تَكْبِيرَ الِافْتِتَاحِ فِي حَقِّ هَذَا الرَّجُلِ فَيَصِيرُ مَسْبُوقًا بِتَكْبِيرَةٍ يَأْتِي بِهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ اهـ (قَوْلُهُ كَمَا لَا يَنْتَظِرُ الْحَاضِرُ إلَخْ) أَفَادَ بِالتَّشْبِيهِ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْحَاضِرِ اتِّفَاقِيَّةٌ؛ وَلِذَا قَالَ: بَلْ يُكَبِّرُ أَيْ الْحَاضِرُ اتِّفَاقًا، وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ كَانَ حَاضِرًا وَقْتَ تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ فِي مَحَلٍّ يُجْزِئُهُ فِيهِ الدُّخُولُ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ كَمَا يَأْتِي عَنْ الْمُجْتَبَى: أَيْ بِأَنْ كَانَ مُتَهَيِّئًا لِلصَّلَاةِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْهِنْدِيَّةِ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ فَتَغَافَلَ وَلَمْ يُكَبِّرْ مَعَهُ، أَوْ كَانَ فِي النِّيَّةِ بَعْدُ فَأَخَّرَ التَّكْبِيرَ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ، وَلَا يَنْتَظِرُ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ الثَّانِيَةَ فِي قَوْلِهِمْ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُسْتَعِدًّا جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الْمُشَارِكِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي حَالِ التَّحْرِيمَةِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ فَاتَتْهُ التَّحْرِيمَةُ، وَحَضَرَ فِي حَالَةِ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ مَثَلًا لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لَهَا بَلْ يَنْتَظِرُ الثَّالِثَةَ وَيَكُونُ مَسْبُوقًا بِتَكْبِيرَتَيْنِ لَا بِوَاحِدَةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 لِأَنَّهُ كَالْمُدْرِكِ ثُمَّ يُكَبِّرَانِ مَا فَاتَهُمَا بَعْدَ الْفَرَاغِ نَسَقًا بِلَا دُعَاءٍ إنْ خَشِيَا رَفْعَ الْمَيِّتِ عَلَى الْأَعْنَاقِ. وَمَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ أَنَّ الْمُدْرِكَ يُكَبِّرُ الْكُلَّ لِلْحَالِ شَاذٌّ نَهْرٌ (فَلَوْ جَاءَ) الْمَسْبُوقُ (بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ لِرَابِعَةٍ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ) لِتَعَذُّرِ الدُّخُولِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَدْخُلُ لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ كَبَّرَ ثَلَاثًا كَمَا فِي الْحَاضِرِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ وَغَيْرُهُ.   [رد المحتار] عِنْدَهُمَا، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ التَّحْرِيمَةَ غَيْرُ قَيْدٍ لِمَا سَيَأْتِي فِيمَا لَوْ كَبَّرَ الْأَرْبَعَ وَالرَّجُلُ الْحَاضِرُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُدْرِكًا لَهَا، وَيُؤَيِّدُهُ التَّعْلِيلُ الْمَارُّ عَنْ قَاضِي خَانْ وَالْآتِي عَقِبَهُ عَنْ الْفَتْحِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كَالْمُدْرِكِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُدْرِكٍ حَقِيقَةً بَلْ اُعْتُبِرَ مُدْرِكًا لِحُضُورِهِ التَّكْبِيرَ دَفْعًا لِلْحَرَجِ؛ إذْ حَقِيقَةُ إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ بِفِعْلِهَا مَعَ الْإِمَامِ، وَلَوْ شَرَطَ فِي التَّكْبِيرِ الْمَعِيَّةَ ضَاقَ الْأَمْرُ جِدًّا؛ إذْ الْغَالِبُ تَأَخُّرُ النِّيَّةِ قَلِيلًا عَنْ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ فَاعْتُبِرَ مُدْرِكًا لِحُضُورِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يُكَبِّرَانِ إلَخْ) أَيْ الْمَسْبُوقُ وَالْحَاضِرُ، وَقَوْلُهُ: مَا فَاتَهُمَا فِيهِ خَفَاءٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَاضِرِ فِي كَلَامِهِ الْحَاضِرُ فِي حَالِ التَّحْرِيمَةِ، فَإِذَا أَتَى بِهَا لَمْ يَفُتْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُرَادَ مَا إذَا حَضَرَ أَكْثَرَ مِنْ تَكْبِيرَةٍ فَكَبَّرَ وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ بَعْدَ السَّلَامِ مَا فَاتَهُ عَلَى مَا سَيَأْتِي تَأَمَّلْ. وَاحْتُرِزَ عَنْ اللَّاحِقِ كَأَنْ كَبَّرَ مَعَ الْإِمَامِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُهُمَا ثُمَّ يُكَبِّرُ مَعَ الْإِمَامِ الرَّابِعَةَ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَالنَّهْرِ. هَذَا، وَفِي نُورِ الْإِيضَاحِ وَشَرْحِهِ أَنَّ الْمَسْبُوقَ يُوَافِقُ إمَامَهُ فِي دُعَائِهِ لَوْ عَلِمَهُ بِسَمَاعِهِ اهـ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ، وَظَاهِرُ تَقْيِيدِهِ الْمُوَافَقَةُ بِالْعِلْمِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ فِي التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ مَثَلًا يَأْتِي بِهِ مُرَتَّبًا: أَيْ بِالثَّنَاءِ ثُمَّ الصَّلَاةِ ثُمَّ الدُّعَاءِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ نَسَقًا) بِالتَّحْرِيكِ: أَيْ مُتَتَابِعَةً. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَتْرَى، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَعْنَاقِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ رُفِعَتْ بِالْأَيْدِي وَلَمْ تُوضَعْ عَلَى الْأَعْنَاقِ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ بَلْ يُكَبِّرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَتْ إلَى الْأَرْضِ أَقْرَبَ يُكَبِّرُ، وَإِلَّا فَلَا مِعْرَاجٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْفَتْحِ. وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهَا لَوْ رُفِعَتْ بِالْأَيْدِي وَلَمْ تُوضَعْ عَلَى الْأَكْتَافِ لَا يُكَبِّرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، لَكِنْ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَا يُخَالِفُهُ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ عَلَى أَيْدِي النَّاسِ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْبَقَاءِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ أَنَّ الْمُدْرِكَ) أَيْ الْحَاضِرَ، وَسَمَّاهُ مُدْرِكًا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ كَمَا مَرَّ. وَعِبَارَةُ الْمُجْتَبَى: رَجُلٌ وَاقِفٌ حَيْثُ يَجْزِيهِ الدُّخُولُ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ فَكَبَّرَ الْإِمَامُ الْأُولَى وَلَمْ يُكَبِّرْ مَعَهُ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ مَا لَمْ يُكَبِّرْ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ، فَإِنْ كَبَّرَ كَبَّرَ مَعَهُ وَقَضَى الْأُولَى فِي الْحَالِ وَكَذَا إنْ لَمْ يُكَبِّرْ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ يُكَبِّرُ وَيَقْضِي مَا فَاتَهُ فِي الْحَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ شَاذٌّ) لِمُخَالَفَتِهِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَنَّهُ يُكَبِّرُ مَا فَاتَهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ فَلَوْ جَاءَ إلَخْ) هَذَا ثَمَرَةُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ لِتَعَذُّرِ الدُّخُولِ إلَخْ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمَسْبُوقَ يَنْتَظِرُ الْإِمَامَ لِيُكَبِّرَ مَعَهُ وَبَعْدَ الرَّابِعَةِ لَمْ يَبْقَ عَلَى الْإِمَامِ تَكْبِيرٌ حَتَّى يَنْتَظِرَهُ لِيُتَابِعَهُ فِيهِ. قَالَ فِي الدُّرَرِ: وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ عِنْدَهُمَا أَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَدْخُلُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ الرَّابِعَةِ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الدُّخُولُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَدْخُلُ إذَا بَقِيَتْ التَّحْرِيمَةُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْحَاضِرِ) أَيْ فِي وَقْتِ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ فَقَطْ أَوْ التَّكْبِيرَاتِ كُلِّهَا وَلَمْ يُكَبِّرْهَا مَعَ الْإِمَامِ، وَأَشَارَ بِالتَّشْبِيهِ تَبَعًا لِلْبَدَائِعِ إلَى أَنَّ مَسْأَلَةَ الْحَاضِرِ اتِّفَاقِيَّةٌ، وَفِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَسْبُوقِ خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ وَغَيْرُهُ) عِبَارَةُ الْحَلَبِيِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 (وَإِذَا اجْتَمَعَتْ الْجَنَائِزُ فَإِفْرَادُ الصَّلَاةِ) عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ   [رد المحتار] فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: إنْ جَاءَ بَعْدَ مَا كَبَّرَ الرَّابِعَةَ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُكَبِّرُ، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَضَى ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ. وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. قُلْت: وَذَكَرَ أَيْضًا فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، لَكِنْ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَتْنِ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ الصَّحِيحُ، وَمِثْلُهُ فِي الدُّرَرِ وَشَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ وَنُورِ الْإِيضَاحِ، نَعَمْ نَقَلَ فِي الْإِمْدَادِ عَنْ التَّجْنِيسِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة أَنَّ ذَلِكَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، قَالَ: فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ. [تَنْبِيهٌ] هَذَا كُلُّهُ فِي الْمَسْبُوقِ، وَأَمَّا الْحَاضِرُ وَقْتَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ كَالْبَدَائِعِ إلَى أَنَّهُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَبِهِ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُجْتَبَى الَّتِي قَدَّمْنَاهَا. لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ أَرْبَعًا، وَالرَّجُلُ حَاضِرٌ، فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ مَا لَمْ يُسَلِّمْ الْإِمَامُ وَيَقْضِي الثَّلَاثَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ وَقَدْ فَاتَتْهُ اهـ. أَقُولُ: لَكِنْ الْمَفْهُومُ مِنْ غَالِبِ عِبَارَاتِهِمْ أَنَّ عَدَمَ فَوَاتِ الصَّلَاةِ فِي الْحَاضِرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَصَاحِبَيْهِ وَأَنَّ الْفَوَاتَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَنَّ الْمُفْتَى بِهِ عَدَمُ الْفَوَاتِ، وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ، لِمَا مَرَّ مِنْ تَقْرِيرِ أَقْوَالِهِمْ: أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ عِنْدَهُ لَا تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ فَالْحَاضِرُ بِالْأَوْلَى. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ الْحَاضِرَ بِمَنْزِلَةِ الْمُدْرِكِ عِنْدَهُمَا، وَهَذَا حَاضِرٌ وَقْتَ الرَّابِعَةِ فَيُكَبِّرُهَا قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ ثُمَّ يَقْضِي الثَّلَاثَ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا، وَحِينَئِذٍ فَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ قَوْلِهِ: وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمَا بِخِلَافِهِ، بَلْ قَوْلُهُمَا كَقَوْلِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَابَلَهُ بِرِوَايَةِ الْحَسَنِ فَقَطْ، وَإِلَّا كَانَ الْمُنَاسِبُ مُقَابَلَتَهُ بِقَوْلِهِمَا، وَلِذَا لَمْ يَعْزُهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة وَغَايَةِ الْبَيَانِ إلَى أَبِي يُوسُفَ، بَلْ أَطْلَقُوهُ وَقَابَلُوهُ بِرِوَايَةِ الْحَسَنِ بَلْ زَادَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَهُ فَأَفَادَ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ كَقَوْلِهِمَا، وَأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ فَقَطْ. [تَنْبِيهٌ] نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عِبَارَةَ الْمُحِيطِ السَّابِقَةَ، ثُمَّ قَالَ: فَمَا فِي الْحَقَائِقِ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّمَا هُوَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَاضِرِ لَا الْمَسْبُوقِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا، وَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَسْبُوقٌ وَحُضُورُهُ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ لَا يَجْعَلُهُ مُدْرِكًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَمَسْأَلَةِ الْمَسْبُوقِ، وَأَنْ يَكُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَغَيْرِهِ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فَقَطْ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. وَأَقُولُ: إنَّ مَا فِي الْحَقَائِقِ مَحْمُولٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَسْبُوقِ، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُخَالِفَ فِيهَا أَبُو يُوسُفَ، وَأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَاضِرِ فَإِنَّهَا وِفَاقِيَّةٌ كَمَا عَلِمْته. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا تَحَقُّقَ لِمَسْأَلَةِ الْحَاضِرِ إلَّا فِيمَنْ حَضَرَ وَقْتَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فَكَبَّرَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ. أَمَّا لَوْ تَشَاغَلَ حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ أَوْ أَكْثَرَ فَهُوَ مَسْبُوقٌ لَا حَاضِرٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ تَكْبِيرَتَيْنِ مَثَلًا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلثَّانِيَةِ فَلَهُ أَنْ يُكَبِّرَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ الْإِمَامُ الثَّالِثَةَ وَيَكُونَ مَسْبُوقًا بِالْأُولَى فَيَأْتِيَ بِهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَسَبْقُهُ بِهَا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ حَاضِرًا فِي غَيْرِهَا، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ مِنْ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُكَبِّرْ الْحَاضِرُ حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 (أَوْلَى) مِنْ الْجَمْعِ وَتَقْدِيمُ الْأَفْضَلِ أَفْضَلُ (وَإِنْ جَمَعَ) جَازَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ جَعَلَ الْجَنَائِزَ صَفًّا وَاحِدًا وَقَامَ عِنْدَ أَفْضَلِهِمْ، وَإِنْ شَاءَ (جَعَلَهَا صَفًّا مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ) وَاحِدًا خَلْفَ وَاحِدٍ (بِحَيْثُ يَكُونُ صَدْرُ كُلِّ) جِنَازَةٍ (مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ) لِيَقُومَ بِحِذَاءِ صَدْرِ الْكُلِّ وَإِنْ جَعَلَهَا دَرَجًا فَحَسَنٌ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (وَرَاعَى التَّرْتِيبَ) الْمَعْهُودَ خَلْفَهُ حَالَةَ الْحَيَاةِ، فَيَقْرُبُ مِنْهُ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِيهِ؛ فَالصَّبِيُّ فَالْخُنْثَى فَالْبَالِغَةُ فَالْمُرَاهِقَةُ؛ وَالصَّبِيُّ الْحُرُّ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَبْدِ، وَالْعَبْدُ عَلَى الْمَرْأَةِ؛ وَأَمَّا تَرْتِيبُهُمْ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ لِضَرُورَةٍ فَبِعَكْسِ هَذَا، فَيُجْعَلُ الْأَفْضَلُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ فَتْحٌ (وَيُقَدَّمُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ) إنْ حَضَرَ (أَوْ نَائِبُهُ) وَهُوَ أَمِيرُ الْمِصْرِ (ثُمَّ الْقَاضِي) ثُمَّ صَاحِبُ الشَّرَطِ   [رد المحتار] ثِنْتَيْنِ كَبَّرَ الثَّانِيَةَ مِنْهُمَا، وَلَمْ يُكَبِّرْ الْأُولَى حَتَّى يُسَلِّمَ الْإِمَامُ لِأَنَّ الْأُولَى ذَهَبَ مَحَلُّهَا فَكَانَتْ قَضَاءً، وَالْمَسْبُوقُ لَا يَشْتَغِلُ بِالْقَضَاءِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ اهـ فَانْظُرْ كَيْفَ جَعَلَهُ حَاضِرًا وَمَسْبُوقًا؛ إذْ لَوْ كَانَ مَسْبُوقًا فَقَطْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُكَبِّرَ الثَّانِيَةَ بَلْ يَنْتَظِرُ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ الثَّالِثَةَ كَمَا مَرَّ، فَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَقَامِ (قَوْلُهُ أَوْلَى مِنْ الْجَمْعِ) لِأَنَّ الْجَمْعَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قُنْيَةٌ (قَوْلُهُ: وَتَقْدِيمُ الْأَفْضَلِ أَفْضَلُ) أَيْ يُصَلِّي أَوَّلًا عَلَى أَفْضَلِهِمْ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى الَّذِي يَلِيهِ فِي الْفَضْلِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْإِمْدَادِ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ سَبْقٌ أَيْ وَإِلَّا يُصَلِّي عَلَى الْأَسْبَقِ وَلَوْ مَفْضُولًا، وَسَيَأْتِي بَيَانُ التَّرْتِيبِ (قَوْلُهُ وَإِنْ جَمَعَ جَازَ) أَيْ بِأَنْ صَلَّى عَلَى الْكُلِّ صَلَاةً وَاحِدَةً (قَوْلُهُ صَفًّا وَاحِدًا) أَيْ كَمَا يَصْطَفُّونَ فِي حَالِ حَيَاتِهِمْ عِنْدَ الصَّلَاةِ بَدَائِعُ: أَيْ بِأَنْ يَكُونَ رَأْسُ كُلٍّ عِنْدَ رِجْلِ الْآخَرِ فَيَكُونُ الصَّفُّ عَلَى عَرْضِ الْقِبْلَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهَا صَفًّا إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ التَّخْيِيرَ بَيْنَ هَذَا، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ الثَّانِيَ أَوْلَى لِأَنَّ السُّنَّةَ هِيَ قِيَامُ الْإِمَامِ بِحِذَاءِ الْمَيِّتِ، وَهُوَ يَحْصُلُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ دَرَجًا) أَيْ شِبْهَ الدَّرَجِ بِأَنْ يَكُونَ رَأْسُ الثَّانِي عِنْدَ مَنْكِبِ الْأَوَّلِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ) وَهُوَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ دُرَرٌ وَالْأَحْسَنُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ تَكُونَ الْجَنَائِزُ أَمَامَ الْإِمَامِ وَقَدْ وُجِدَ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ: فَيَقْرُبُ مِنْهُ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ) أَيْ فِي صُورَةِ مَا إذَا جَعَلَهُمْ صَفًّا وَاحِدًا مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ بِوَجْهَيْهَا، أَمَّا فِي صُورَةِ جَعْلِهِمْ صَفًّا عَرْضًا فَإِنَّهُ يَقُومُ عِنْدَ أَفْضَلِهِمْ كَمَا قَدَّمَهُ؛ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمْ أَقْرَبَ، وَهَذَا حَيْثُ اخْتَلَفُوا فِي الْفَصْلِ، وَإِنْ تَسَاوَوْا قُدِّمَ أَسَنُّهُمْ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ وَفِي الرَّجُلَيْنِ يُقَدَّمُ أَكْبَرُهُمَا سِنًّا وَقُرْآنًا وَعِلْمًا كَمَا «فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي قَتْلَى أُحُدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» (قَوْلُهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَبْدِ) أَيْ وَلَوْ بَالِغًا كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَيُقَدَّمُ الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ وَلَوْ كَانَ الْحُرُّ صَبِيًّا. اهـ. قَالَ ط: وَأَفَادَ أَنَّ الْحُرَّ الْبَالِغَ يُقَدَّمُ بِالْأَوْلَى، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ أَصْلَحَ قُدِّمَ مِنَحٌ. اهـ. (قَوْلُهُ لِضَرُورَةٍ) إنَّمَا قَيَّدَ بِهَا لِأَنَّهُ لَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ مَا لَمْ يَصِرْ الْأَوَّلُ تُرَابًا فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ وَالزَّرْعُ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَيُوضَعُ بَيْنَهُمَا تُرَابٌ أَوْ لَبِنٌ لِيَصِيرَ كَقَبْرَيْنِ وَيَجْعَلُ الرَّجُلَ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ ثُمَّ الْغُلَامَ ثُمَّ الْخُنْثَى ثُمَّ الْمَرْأَةَ شَرْحُ الْمُلْتَقَى. مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ نَائِبُهُ) الْأَوْلَى ثُمَّ نَائِبُهُ ح: أَيْ كَمَا عَبَّرَ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ صَاحِبُ الشَّرَطِ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْكَمَالِ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرَطِ غَيْرُ أَمِيرِ الْبَلَدِ. وَفِي الْمِعْرَاجِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ هُوَ حَيْثُ قَالَ الشَّرْطُ بِالسُّكُونِ وَالْحَرَكَةِ خِيَارُ الْجُنْدِ، وَالْمُرَادُ أَمِيرُ الْبَلْدَةِ كَأَمِيرِ بُخَارَى. اهـ. وَأَجَابَ ط بِحَمْلِ أَمِيرِ الْبَلَدِ عَلَى الْمَوْلَى مِنْ نَائِبِ السُّلْطَانِ لَا مِنْ السُّلْطَانِ. هَذَا، وَتَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَةِ تَقْدِيمُ الشُّرَطِيِّ عَلَى الْقَاضِي، وَمَا هُنَا مُخَالِفٌ لَهُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 ثُمَّ خَلِيفَتُهُ ثُمَّ خَلِيفَةُ الْقَاضِي (ثُمَّ إمَامُ الْحَيِّ) فِيهِ إيهَامٌ، وَذَلِكَ أَنَّ تَقْدِيمَ الْوُلَاةِ وَاجِبٌ، وَتَقْدِيمُ إمَامِ الْحَيِّ مَنْدُوبٌ فَقَطْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ الْوَلِيِّ، وَإِلَّا فَالْوَلِيُّ أَوْلَى كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ. وَفِي الدِّرَايَةِ: إمَامُ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْلَى مِنْ إمَامِ الْحَيِّ: أَيْ مَسْجِدِ مَحَلَّتِهِ نَهْرٌ (ثُمَّ الْوَلِيُّ) بِتَرْتِيبِ عُصُوبَةِ الْإِنْكَاحِ إلَّا الْأَبَ   [رد المحتار] قَوْلُهُ ثُمَّ خَلِيفَتُهُ) كَذَا فِي الْبَحْرِ: أَيْ خَلِيفَةُ صَاحِبِ الشَّرَطِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ، وَفِيهِ أَنَّهُ حَيْثُ قَدَّمَ الْقَاضِيَ عَلَى صَاحِبِ الشَّرَطِ كَانَ الْمُنَاسِبُ تَقْدِيمَ خَلِيفَتِهِ عَلَى خَلِيفَةِ صَاحِبِ الشَّرَطِ؛ فَالْمُنَاسِبُ قَوْلُ الْفَتْحِ، ثُمَّ خَلِيفَةُ الْوَالِي، ثُمَّ خَلِيفَةُ الْقَاضِي اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْإِمْدَادِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ ثُمَّ إمَامُ الْحَيِّ) أَيْ الطَّائِفَةِ وَهُوَ إمَامُ الْمَسْجِدِ الْخَاصِّ بِالْمَحَلَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَيِّتَ رَضِيَ بِالصَّلَاةِ خَلْفَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: فَعَلَى هَذَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ غَيْرَ رَاضٍ بِهِ حَالَ حَيَاتِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُسْتَحَبَّ تَقْدِيمُهُ. اهـ. قُلْت: هَذَا مُسَلَّمٌ إنْ كَانَ عَدَمُ رِضَاهُ بِهِ لِوَجْهٍ صَحِيحٍ، وَإِلَّا فَلَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِيهِ إيهَامٌ) أَيْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إيهَامُ التَّسْوِيَةِ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ تَقْدِيمِ الْمَذْكُورِينَ، لَكِنَّ الْقَاعِدَةَ الْأُصُولِيَّةَ أَنَّ الْقُرْآنَ فِي الذِّكْرِ لَا يُوجِبُ الِاتِّحَادَ فِي الْحُكْمِ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ تَعْظِيمُ أُولِي الْأَمْرِ وَاجِبٌ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ أَنَّ تَقْدِيمَ الْوُلَاةِ وَاجِبٌ) لِأَنَّ فِي التَّقْدِيمِ عَلَيْهِمْ ازْدِرَاءً بِهِمْ، وَتَعْظِيمُ أُولِي الْأَمْرِ وَاجِبٌ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَصَرَّحَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْإِيضَاحِ وَغَيْرِهِمَا بِوُجُوبِ تَقْدِيمِ السُّلْطَانِ، وَعَلَّلَهُ فِي الْمَنْبَعِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ نَائِبُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَيَكُونُ هُوَ أَيْضًا كَذَلِكَ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ إلَخْ) نَقَلَ هَذَا الشَّرْطَ فِي الْحِلْيَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ حَسَنٌ، وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إمَامُ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ) عَبَّرَ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِإِمَامِ الْجُمُعَةِ. [تَنْبِيهٌ] وَأَمَّا إمَامُ مُصَلِّي الْجِنَازَةِ الَّذِي شَرَطَهُ الْوَاقِفُ وَجَعَلَ لَهُ مَعْلُومًا مِنْ وَقْفِهِ فَهَلْ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَلِيِّ كَإِمَامِ الْحَيِّ أَمْ لَا لِلْقَطْعِ بِأَنَّ عِلَّةَ الرِّضَا بِالصَّلَاةِ خَلْفَهُ فِي حَيَاتِهِ خَاصَّةً بِإِمَامِ الْمَحَلَّةِ؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ إنْ كَانَ مُقَرَّرًا مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي فَهُوَ كَنَائِبِهِ، وَإِنْ مِنْ جِهَةِ النَّاظِرِ فَكَالْأَجْنَبِيِّ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. وَخَالَفَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَا مَرَّ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ تَقْدِيمِ الرَّاتِبِ عَلَى إمَامِ الْحَيِّ يَقْتَضِي تَقْدِيمَهُ هُنَا عَلَيْهِ. وَاسْتَظْهَرَ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجْعَلُ لِلْغُرَبَاءِ، وَمَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ. أَقُولُ: وَهَذَا أَوْلَى لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْحَقَّ لِلْوَلِيِّ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ عَلَيْهِ الْوُلَاةَ وَإِمَامَ الْحَيِّ لِمَا مَرَّ مِنْ التَّعْلِيلِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا، وَتَقْرِيرُ الْقَاضِي لَهُ لِاسْتِحْقَاقِ الْوَظِيفَةِ لَا لِجَعْلِهِ نَائِبًا عَنْهُ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَرَّرَهُ الْقَاضِي فِي وَظِيفَةِ إمَامَةٍ أَنْ يَكُونَ نَائِبًا عَنْهُ مُقَدَّمًا عَلَى إمَامِ الْحَيِّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَهُ لِلصَّلَاةِ خَلْفَهُ فِي حَيَاتِهِ بِخِلَافِ الرَّاتِبِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْوَالِي) أَيْ وَلِيُّ الْمَيِّتِ الذَّكَرِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ فَلَا وِلَايَةَ لِامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ وَمَعْتُوهٍ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: الْأَصْلُ أَنَّ الْحَقَّ فِي الصَّلَاةِ لِلْوَلِيِّ؛ وَلِذَا قُدِّمَ عَلَى الْجَمِيعِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْوِلَايَةِ كَالْإِنْكَاحِ إلَّا أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ تَقَدُّمُ السُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْحُسَيْنَ قَدَّمَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ لَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ وَقَالَ: لَوْلَا السُّنَّةُ لَمَا قَدَّمْتُكَ وَكَانَ سَعِيدٌ وَالِيًا بِالْمَدِينَةِ؛ وَلِمَا مَرَّ مِنْ الْوَجْهِ فِي تَقْدِيمِ الْوُلَاةِ وَإِمَامِ الْحَيِّ (قَوْلُهُ بِتَرْتِيبِ عُصُوبَةِ الْإِنْكَاحِ) فَلَا وِلَايَةَ لِلنِّسَاءِ وَلَا لِلزَّوْجِ إلَّا أَنَّهُ أَحَقُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ. وَفِي الْكَلَامِ رَمْزٌ إلَى أَنَّ الْأَبْعَدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 فَيُقَدَّمُ عَلَى الِابْنِ اتِّفَاقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا وَالْأَبُ جَاهِلًا فَالِابْنُ أَوْلَى. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ فَالزَّوْجُ ثُمَّ الْجِيرَانُ، وَمَوْلَى الْعَبْدِ أَوْلَى مِنْ ابْنِهِ الْحُرِّ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ، وَالْفَتْوَى عَلَى بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِغُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْوَلِيِّ.   [رد المحتار] أَحَقُّ مِنْ الْأَقْرَبِ الْغَائِبِ. وَحَدُّ الْغَيْبَةِ هُنَا أَنْ يَكُونَ بِمَكَانٍ تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ إذَا حَضَرَ ط عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ. زَادَ فِي الْبَحْرِ وَأَنْ لَا يَنْتَظِرَ النَّاسُ قُدُومَهُ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ دَاخِلُونَ فِي الْوِلَايَةِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْعُصُوبَةِ لِإِخْرَاجِ النِّسَاءِ فَقَطْ. فَهُمْ أَوْلَى مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيُؤَيِّدُهُ تَعْبِيرُ الْهِدَايَةِ بِوِلَايَةِ النِّكَاحِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَيُقَدَّمُ عَلَى الِابْنِ اتِّفَاقًا) هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ لِلْأَبِ فَضِيلَةً عَلَيْهِ وَزِيَادَةَ سِنٍّ، وَالْفَضِيلَةُ وَالزِّيَادَةُ تُعْتَبَرُ تَرْجِيحًا فِي اسْتِحْقَاقِ الْإِمَامَةِ كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَعِنْدَهُمَا الِابْنُ أَوْلَى. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِنَّمَا قَدَّمْنَا الْأَسَنَّ بِالسُّنَّةِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الْقَسَامَةِ «لِيَتَكَلَّمْ أَكْبَرُهُمَا» وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْحَقَّ لِلِابْنِ عِنْدَهُمَا إلَّا أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُقَدِّمَ هُوَ أَبَاهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ: سَائِرُ الْقَرَابَاتِ أَوْلَى مِنْ الزَّوْجِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا ابْنٌ، فَإِنْ كَانَ فَالزَّوْجُ أَوْلَى مِنْهُمْ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلِابْنِ، وَهُوَ يُقَدِّمُ أَبَاهُ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنَّ تَقْدِيمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَاجِبٌ بِالسُّنَّةِ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ وَلِلِابْنِ فِي حُكْمِ الْوِلَايَةِ أَنْ يُقَدِّمَ غَيْرَهُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ، وَإِنَّمَا مُنِعَ عَنْ التَّقَدُّمِ لِئَلَّا يَسْتَخِفَّ بِأَبِيهِ فَلَمْ تَسْقُطْ وِلَايَتُهُ بِالتَّقْدِيمِ (قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَكُونَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ كَانَ الْأَبُ جَاهِلًا وَالِابْنُ عَالِمًا يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ الِابْنَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ صِفَةَ الْعِلْمِ لَا تُوجِبُ التَّقْدِيمَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهَا لَهُ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ إمَامَ الْحَيِّ إنَّمَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَلِيِّ إذَا كَانَ أَفْضَلَ، قَالَ: نَعَمْ، عَلَّلَ الْقُدُورِيُّ كَرَاهَةَ تَقَدُّمِ الِابْنِ عَلَى أَبِيهِ بِأَنَّ فِيهِ اسْتِخْفَافًا بِهِ، وَهَذَا يَقْضِي وُجُوبَ تَقْدِيمِهِ مُطْلَقًا. اهـ. قُلْت: وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا مَرَّ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فَالِابْنُ أَوْلَى) فِي نُسْخَةٍ: وَالْأَسَنُّ أَوْلَى وَعَلَيْهَا كَتَبَ الْمُحَشِّي فَقَالَ: أَيْ إذَا حَصَلَتْ الْمُسَاوَاةُ فِي الدَّرَجَةِ وَالْقُرْبِ وَالْقُوَّةِ كَابْنَيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ أَوْ عَمَّيْنِ فَالْأَسَنُّ أَوْلَى. أَقُولُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْأَسَنِّ أَفْضَلَ اهـ أَيْ قِيَاسًا عَلَى تَقْدِيمِ الِابْنِ الْأَفْضَلِ عَلَى أَبِيهِ بَلْ هَذَا أَوْلَى، فَلَوْ كَانَ الْأَصْغَرُ شَقِيقًا وَالْأَكْبَرُ لِأَبٍ فَالْأَصْغَرُ أَوْلَى كَمَا فِي الْمِيرَاثِ؛ حَتَّى لَوْ قُدِّمَ أَحَدٌ فَلَيْسَ لِلْأَكْبَرِ مَنْعُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَالزَّوْجُ ثُمَّ الْجِيرَانُ) كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي تَقْدِيمِ الزَّوْجِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ جَارًا، وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ أَنَّ الزَّوْجَ أَحَقُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ. فَمَا هُنَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ النَّهْرِ وَالزَّوْجُ، وَالْجِيرَانُ أَوْلَى مِنْ الْأَجْنَبِيِّ اهـ وَشَمِلَ الْوَلِيُّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَابْنَهُ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ فَإِنَّهُمْ أَوْلَى مِنْ الزَّوْجِ لِانْقِطَاعِ الزَّوْجِيَّةِ بِالْمَوْتِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَمَوْلَى الْعَبْدِ أَوْلَى مِنْ ابْنِهِ الْحُرِّ) وَكَذَا مِنْ أَبِيهِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالسَّيِّدُ أَوْلَى مِنْ قَرِيبِ عَبْدِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْقَرِيبُ أَوْلَى مِنْ السَّيِّدِ الْمُعْتِقِ اهـ فَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ أَنَّ ابْنَ الْعَبْدِ وَأَبَاهُ أَحَقُّ مِنْ الْمَوْلَى عَلَى خِلَافِ الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ) اُعْتُرِضَ بِمَا فِي شَرْحِ الْهَامِلِيَّةِ مِنْ أَنَّ السَّيِّدَ لَا يُغَسِّلُ أَمَتَهُ، وَلَا أُمَّ وَلَدِهِ وَلَا مُدَبَّرَتَهُ لِانْقِطَاعِ مِلْكِهِ عَنْهُنَّ بِالْمَوْتِ. اهـ. أَقُولُ: لِأَنَّ الْجُثَّةَ الْمَيِّتَةَ لَا تَقْبَلُ الْمِلْكَ، لَكِنَّ الْمُرَادَ بَقَاءُ الْمِلْكِ حُكْمًا كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ، وَلِذَا يَلْزَمُهُ تَكْفِينُ عَبْدِهِ كَالزَّوْجَةِ مَعَ أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ انْقَطَعَتْ بِالْمَوْتِ كَمَا مَرَّ آنِفًا، وَالتَّغْسِيلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ الْمَحْذُورَيْنِ لَا يُرَاعَى فِيهِ الْمِلْكُ الْحُكْمِيُّ لِضَعْفِهِ فَفَارَقَ التَّكْفِينَ وَوِلَايَةَ الصَّلَاةِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ: وَالْفَتْوَى عَلَى بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ) عَزَاهُ فِي الْهِنْدِيَّةِ إلَى الْمُضْمَرَاتِ: أَيْ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ غَيْرُ مَنْ لَهُ حَقُّ التَّقَدُّمِ، أَوْ بِأَنْ يُغَسِّلَهُ فُلَانٌ لَا يَلْزَمُ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ، وَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْوَلِيِّ بِذَلِكَ. وَكَذَا تَبْطُلُ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبِ كَذَا أَوْ يُدْفَنَ فِي مَوْضِعِ كَذَا كَمَا عَزَاهُ إلَى الْمُحِيطِ. وَذَكَرَ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ أَنَّ تَعْلِيلَ تَقْدِيمِ إمَامِ الْحَيِّ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَيِّتَ رَضِيَهُ فِي حَيَاتِهِ يُعْلِمُ أَنَّ الْمُوصَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 وَمِثْلُهُ كُلُّ مَنْ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى (الْإِذْنُ لِغَيْرِهِ فِيهَا) لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَيَمْلِكُ إبْطَالَهُ (إلَّا) أَنَّهُ (إنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يُسَاوِيهِ فَلَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْمُسَاوِي وَلَوْ أَصْغَرَ سِنًّا (الْمَنْعُ) لِمُشَارَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، أَمَّا الْبَعِيدُ فَلَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ (فَإِنْ صَلَّى غَيْرُهُ) أَيْ الْوَلِيِّ (مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ حَقُّ التَّقْدِيمِ) عَلَى الْوَلِيِّ (وَلَمْ يُتَابِعْهُ) الْوَلِيُّ (أَعَادَ الْوَلِيُّ) وَلَوْ عَلَى قَبْرِهِ   [رد المحتار] لَهُ يُقَدَّمُ عَلَى إمَامِ الْحَيِّ لِاخْتِيَارِهِ لَهُ صَرِيحًا إلَّا أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ كُلُّ مَنْ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى) ظَاهِرُهُ أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْذَنَ بِالصَّلَاةِ لِأَجْنَبِيٍّ بِلَا إذْنِ الْوَلِيِّ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْحِلْيَةِ بَحْثًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ لِلسُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ ابْتِدَاءً، وَاسْتَثْنَى إمَامَ الْحَيِّ فَلَيْسَ لَهُ الْإِذْنُ لِأَنَّ تَقْدِيمَهُ عَلَى الْوَلِيِّ مُسْتَحَبٌّ فَهُوَ كَأَكْبَرِ الْأَخَوَيْنِ إذَا قَدَّمَ أَجْنَبِيًّا فَلِلْأَصْغَرِ مَنْعُهُ فَكَذَا لِلْوَلِيِّ. اهـ. أَقُولُ: وَفِي كَوْنِ الْحَقِّ ثَابِتًا لِلسُّلْطَانِ ابْتِدَاءً بَحْثٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّ الْحَقَّ فِي الْأَصْلِ لِلْوَلِيِّ وَإِنَّمَا قَدَّمَ السُّلْطَانَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِئَلَّا يَزْدَرِيَ بِهِ، وَتَعْظِيمُهُ وَاجِبٌ، وَقَدَّمَ إمَامَ الْحَيِّ لِأَنَّ الْمَيِّتَ رَضِيَهُ فِي حَيَاتِهِ وَمِثْلُهُ مَا فِي الْكَافِي حَيْثُ عَلَّلَ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ لِلْوَلِيِّ الْإِعَادَةَ إذَا صَلَّى غَيْرُهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَأَوْلَاهُمْ بِهِ، غَيْرَ أَنَّ السُّلْطَانَ أَوْ الْإِمَامَ إنَّمَا يُقَدَّمُ بِعَارِضِ السَّلْطَنَةِ وَالْإِمَامَةِ اهـ وَبِهَذَا تَنْدَفِعُ الْأَوْلَوِيَّةُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَفَسَّرَ الْإِذْنَ بِتَفْسِيرٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَأْذَنَ لِلنَّاسِ فِي الِانْصِرَافِ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الدَّفْنِ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَنْصَرِفُوا إلَّا بِإِذْنِهِ. وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ الْإِعْلَامُ بِمَوْتِهِ لِيُصَلُّوا عَلَيْهِ بَحْرٌ، لَكِنْ يَتَعَيَّنُ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ، بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: فَيَمْلِكُ إبْطَالَهُ) أَيْ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ هِدَايَةٌ. فَالْمُرَادُ بِالْإِبْطَالِ نَقْلُهُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَصْغَرَ سِنًّا) فَلَوْ كَانَا شَقِيقَيْنِ، فَالْأَسَنُّ أَوْلَى لَكِنَّهُ لَوْ قَدَّمَ أَحَدًا فَلِلْأَصْغَرِ مَنْعُهُ، وَلَوْ قَدَّمَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَاحِدًا فَمَنْ قَدَّمَهُ الْأَسَنُّ أَوْلَى بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَمَّا الْبَعِيدُ فَلَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ) فَلَوْ كَانَ الْأَصْغَرُ شَقِيقًا، وَالْأَكْبَرُ لِأَبٍ فَقَدَّمَ الْأَصْغَرُ أَحَدًا فَلَيْسَ لِلْأَكْبَرِ الْمَنْعُ بَحْرٌ، وَفِيهِ: فَإِنْ كَانَ الشَّقِيقُ غَائِبًا، وَكَتَبَ إلَى إنْسَانٍ لِيَتَقَدَّمَ فَلِلْأَخِ لِأَبٍ مَنْعُهُ، وَالْمَرِيضُ فِي الْمِصْرِ كَالصَّحِيحِ يُقَدِّمُ مَنْ شَاءَ، وَلَيْسَ لِلْأَبْعَدِ مَنْعُهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ صَلَّى غَيْرُهُ) الْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ صَلَّى مَنْ لَيْسَ لَهُ حَقُّ التَّقَدُّمِ اهـ ح (قَوْلُهُ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ حَقُّ التَّقَدُّمِ إلَخْ) بَيَانٌ لِغَيْرِ الْمُضَافِ إلَى ضَمِيرِ الْوَلِيِّ أَخْرَجَ بِهِ السُّلْطَانَ وَنَحْوَهُ وَإِمَامَ الْحَيِّ، فَإِنْ صَلَّى أَحَدُهُمْ لَمْ يُعِدْ الْوَلِيُّ كَمَا يَأْتِي لِتَقَدُّمِهِمْ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَعَادَ الْوَلِيُّ) مَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْوَلِيِّ كَالسُّلْطَانِ لَا يُعِيدُ إذَا صَلَّى غَيْرُهُ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ حَقُّ التَّقَدُّمِ مَعَهُ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْوَلِيِّ مَنْ لَهُ حَقُّ الصَّلَاةِ، وَعَلَيْهِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَعَادَ مَنْ لَهُ حَقُّ التَّقَدُّمِ لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِيمَا إذَا صَلَّى الْوَلِيُّ فَهَلْ لِمَنْ قَبْلَهُ كَالسُّلْطَانِ حَقُّ الْإِعَادَةِ؟ فَفِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ نَعَمْ لِأَنَّ الْوَلِيَّ إذَا كَانَ لَهُ الْإِعَادَةُ إذَا صَلَّى غَيْرُهُ مَعَ أَنَّهُ أَدْنَى فَالسُّلْطَانُ وَالْقَاضِي بِالْأَوْلَى. وَفِي السِّرَاجِ وَالْمُسْتَصْفَى لَا. وَوَفَّقَ فِي الْبَحْرِ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا تَقَدَّمَ الْوَلِيُّ مَعَ وُجُودِ السُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ، وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ السُّلْطَانَ لَا حَقَّ لَهُ عِنْدَ عَدَمِ حُضُورِهِ، فَالْخِلَافُ عِنْدَ حُضُورِهِ اهـ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي مَا فِي السِّرَاجِ وَالْمُسْتَصْفَى لِمَا قَدَّمْنَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 إنْ شَاءَ لِأَجْلِ حَقِّهِ لَا لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ؛ وَلِذَا قُلْنَا: لَيْسَ لِمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا أَنْ يُعِيدَ مَعَ الْوَلِيِّ لِأَنَّ تَكْرَارَهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ صَلَّى مَنْ لَهُ حَقُّ التَّقَدُّمِ كَقَاضٍ أَوْ نَائِبِهِ أَوْ إمَامِ الْحَيِّ أَوْ مَنْ لَيْسَ لَهُ حَقُّ التَّقَدُّمِ وَتَابَعَهُ الْوَلِيُّ (لَا) يُعِيدُ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِالصَّلَاةِ مِنْهُ. (وَإِنْ صَلَّى هُوَ) أَيْ الْوَلِيُّ (بِحَقٍّ) بِأَنْ لَمْ يَحْضُرْ مَنْ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ (لَا يُصَلِّي غَيْرُهُ بَعْدَهُ) وَإِنْ حَضَرَ مَنْ لَهُ التَّقَدُّمُ لِكَوْنِهَا بِحَقٍّ. أَمَّا لَوْ صَلَّى الْوَلِيُّ بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ مَثَلًا أَعَادَ السُّلْطَانُ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ وَفِيهِ حُكْمُ صَلَاةِ مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ كَعَدَمِ الصَّلَاةِ أَصْلًا فَيُصَلِّي عَلَى قَبْرِهِ مَا لَمْ يَتَمَزَّقْ   [رد المحتار] عَنْ الْكَافِي مِنْ أَنَّ الْحَقَّ لِلْأَوْلِيَاءِ، وَتَقْدِيمُ السُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ لِعَارِضٍ، وَأَنَّ دَعْوَى الْأَوْلَوِيَّةِ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ، وَنَظِيرُهُ الِابْنُ، فَإِنَّ الْحَقَّ لَهُ ابْتِدَاءً، وَلَكِنَّهُ يُقَدِّمُ أَبَاهُ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ. وَأَمَّا تَأْيِيدُ صَاحِبِ الْبَحْرِ مَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ بِمَا فِي الْفَتَاوَى كَالْخُلَاصَةِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة وَغَيْرِهِمَا، مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى السُّلْطَانُ أَوْ الْقَاضِي أَوْ إمَامُ الْحَيِّ وَلَمْ يُتَابِعْهُ الْوَلِيُّ لَيْسَ لَهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى مِنْهُ اهـ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِمْ أَوْلَى مِنْهُ أَنْ تَثْبُتَ لَهُمْ الْإِعَادَةُ إذَا صَلَّى بِحَضْرَتِهِمْ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْحَقِّ، وَإِنْ تَرَكَ وَاجِبَ احْتِرَامِ السُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْهِدَايَةِ فَإِنْ صَلَّى غَيْرُ الْوَلِيِّ أَوْ السُّلْطَانِ أَعَادَ الْوَلِيُّ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْأَوْلِيَاءِ، وَإِنْ صَلَّى الْوَلِيُّ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ، فَقَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ يَشْمَلُ السُّلْطَانَ. ثُمَّ رَأَيْت فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ مَا نَصُّهُ: هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ حَتَّى لَا تَجُوزَ الْإِعَادَةُ لَا لِلسُّلْطَانِ وَلَا لِغَيْرِهِ. اهـ. وَمَا قِيلَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْوَلِيِّ مَنْ لَهُ حَقُّ الْوِلَايَةِ يُبْعِدُهُ عَطْفُ السُّلْطَانِ قَبْلَهُ عَلَى الْوَلِيِّ. وَنَقَلَ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّ لِلسُّلْطَانِ الْإِعَادَةَ إذَا صَلَّى الْوَلِيُّ بِحَضْرَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ فِي الْمَنَافِعِ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ الْإِعَادَةُ، ثُمَّ أَيَّدَ رِوَايَةَ الْمَنَافِعِ فَرَاجِعْهُ، وَهَذَا عَيْنُ مَا قُلْنَاهُ، فَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَقَامِ وَالسَّلَامُ (قَوْلُهُ إنْ شَاءَ إلَخْ) وَأَمَّا مَا فِي التَّقْوِيمِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى غَيْرُ الْوَلِيِّ كَانَتْ الصَّلَاةُ بَاقِيَةً عَلَى الْوَلِيِّ فَضَعِيفٌ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَلِذَا إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ أَيْ فَإِنَّ الْفَرْضَ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ بِالْأُولَى كَانَ لِمَنْ صَلَّى أَوَّلًا أَنْ يُعِيدَ مَعَ الْوَلِيِّ. وَبِهَذَا رَدَّ فِي الْبَحْرِ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ الْأُولَى مَوْقُوفَةٌ، فَإِنْ أَعَادَ الْوَلِيُّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْفَرْضَ مَا صُلِّيَ وَإِلَّا سَقَطَ بِالْأُولَى، لَكِنْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ: إنَّ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مُوَافِقٌ لِلْقَوَاعِدِ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ عِنْدَنَا، وَلِذَلِكَ نَظِيرٌ وَهُوَ الْجُمُعَةُ مَعَ الظُّهْرِ لِمَنْ أَدَّاهُ قَبْلَهَا اهـ نَعَمْ يَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ صَعْبٌ فَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ إعَادَةَ الْوَلِيِّ لَيْسَتْ نَفْلًا لِأَنَّ صَلَاةَ غَيْرِهِ، وَإِنْ تَأَدَّى بِهَا الْفَرْضُ، وَهُوَ حَقُّ الْمَيِّتِ لَكِنَّهَا نَاقِصَةٌ لِبَقَاءِ حَقِّ الْوَلِيِّ فِيهَا، فَإِذَا أَعَادَهَا وَقَعَتْ فَرْضًا مُكَمِّلًا لِلْفَرْضِ الْأَوَّلِ نَظِيرَ إعَادَةِ الصَّلَاةِ الْمُؤَدَّاةِ بِكَرَاهَةٍ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فَرْضٌ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي مَحَلِّهِ؛ وَحَيْثُ كَانَتْ الْأُولَى فَرْضًا فَلَيْسَ لِمَنْ صَلَّى أَوَّلًا أَنْ يُعِيدَ مَعَ الْوَلِيِّ لِأَنَّ إعَادَتَهُ تَكُونُ نَفْلًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِخِلَافِ الْوَلِيِّ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْحَقِّ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: غَيْرُ مَشْرُوعٍ) أَيْ عِنْدَنَا. وَعِنْدَ مَالِكٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْأَدِلَّةُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ (قَوْلُهُ: أَوْ إمَامِ الْحَيِّ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَكَذَا صَرَّحَ فِي الْمَجْمَعِ وَشَرْحِهِ بِأَنَّهُ كَالسُّلْطَانِ فِي عَدَمِ إعَادَةِ الْوَلِيِّ، وَبِهِ ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ لِلْوَلِيِّ الْإِعَادَةَ لَوْ صَلَّى إمَامُ الْحَيِّ لَا لَوْ صَلَّى السُّلْطَانُ لِئَلَّا يَزْدَرِيَ بِهِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ أَوْلَى إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَيْضًا وَلِأَنَّ مُتَابَعَتَهُ إذْنٌ بِالصَّلَاةِ لِيَكُونَ عِلَّةً لِقَوْلِهِ أَوْ مَنْ لَيْسَ لَهُ حَقُّ التَّقَدُّمِ وَتَابَعَهُ الْوَلِيُّ ط (قَوْلُهُ بِأَنْ لَمْ يَحْضُرْ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْوَلِيِّ عِنْدَ حَضْرَةِ السُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ حَضَرَ) يَعْنِي بَعْدَ صَلَاةِ الْوَلِيِّ وَإِنْ وَصْلِيَّةٌ (قَوْلُهُ أَمَّا لَوْ صَلَّى إلَخْ) تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ بِأَنْ لَمْ يَحْضُرْ مَنْ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَا وَفَّقَ بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَيْنَ عِبَارَاتِهِمْ، قَدْ عَلِمْت تَحْرِيرَ الْمَقَامِ آنِفًا (قَوْلُهُ وَفِيهِ) أَيْ فِي الْمُجْتَبَى، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ عَزَاهَا إلَيْهِ فِي الْبَحْرِ. لَكِنِّي لَمْ أَجِدْهَا فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 (وَإِنْ دُفِنَ) وَأُهِيلَ عَلَيْهِ التُّرَابُ (بِغَيْرِ صَلَاةٍ) أَوْ بِهَا بِلَا غُسْلٍ أَوْ مِمَّنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ (صُلِّيَ عَلَى قَبْرِهِ) اسْتِحْسَانًا (مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ تَفَسُّخُهُ) مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ هُوَ الْأَصَحُّ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ شُكَّ فِي تَفَسُّخِهِ صُلِّيَ عَلَيْهِ، لَكِنْ فِي النَّهْرِ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا كَأَنَّهُ تَقْدِيمًا لِلْمَانِعِ (وَلَمْ تَجُزْ) الصَّلَاةُ (عَلَيْهَا رَاكِبًا) وَلَا قَاعِدًا (بِغَيْرِ عُذْرٍ) اسْتِحْسَانًا. (وَكُرِهَتْ تَحْرِيمًا) وَقِيلَ (تَنْزِيهًا   [رد المحتار] وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْمُجْتَبَى هَكَذَا: ثُمَّ إذَا دُفِنَ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَصَلَّى عَلَيْهِ مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَمَزَّقْ. اهـ. وَالْمُرَادُ يُصَلِّي عَلَيْهِ الْوَلِيُّ إنْ شَاءَ لِأَجْلِ حَقِّهِ لَا لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ، وَكَذَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ كَعَدَمِ الصَّلَاةِ كَمَا أَفَادَهُ ح بِأَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ كَالْعَدَمِ حَتَّى كَانَ لَهُ الْإِعَادَةُ. (قَوْلُهُ وَأُهِيلَ عَلَيْهِ التُّرَابُ) فَإِنْ لَمْ يُهَلْ أُخْرِجَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: أَوْ بِهَا بِلَا غُسْلٍ) هَذَا رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّهَا بِلَا غُسْلٍ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، لَكِنْ فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ قِيلَ لَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يُصَلَّى وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ لِأَنَّ الْأُولَى لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا لِتَرْكِ الشَّرْطِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَالْآنَ زَالَ الْإِمْكَانُ فَسَقَطَتْ فَرْضِيَّةُ الْغُسْلِ، وَهَذَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الْإِطْلَاقِ، وَهُوَ الْأَوْلَى نَهْرٌ. [تَنْبِيهٌ] يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمِ مَنْ دُفِنَ بِلَا صَلَاةٍ مَنْ تَرَدَّى فِي نَحْوِ بِئْرٍ أَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ بُنْيَانٌ وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ غَرِقَ فِي بَحْرٍ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ وُجُودِهِ أَمَامَ الْمُصَلِّي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ مِمَّنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ بِهَا الْعَائِدِ إلَى الصَّلَاةِ، وَهَذَا مُكَرَّرٌ بِمَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ صُلِّيَ عَلَى قَبْرِهِ) أَيْ افْتِرَاضًا فِي الْأُولَيَيْنِ وَجَوَازًا فِي الثَّالِثَةِ لِأَنَّهَا لِحَقِّ الْوَلِيِّ أَفَادَهُ ح. أَقُولُ: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ كَمَا وَهَمَ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَاحِدَةٌ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الْوَصْفِ وَهُوَ الْحُكْمُ، فَهُوَ كَإِطْلَاقِ الْإِنْسَانِ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْأَبْيَضَ وَالْأَسْوَدَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ هُوَ الْأَصَحُّ) لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ حَرًّا وَبَرْدًا وَالْمَيِّتِ سِمَنًا وَهُزَالًا وَالْأَمْكِنَةِ بَحْرٌ، وَقِيلَ يُقَدَّرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقِيلَ عَشَرَةٍ، وَقِيلَ شَهْرٍ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ إلَخْ) أَيْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ مَا لَمْ يَغْلِبْ إلَخْ فَإِنَّهُ فِي الشَّكِّ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ تَفَسُّخُهُ ط (قَوْلُهُ: كَأَنَّهُ تَقْدِيمًا لِلْمَانِعِ) الْخَبَرُ مَحْذُوفٌ: أَيْ كَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ تَقْدِيمًا: أَيْ أَنَّهُ دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ التَّفَسُّخِ الْمُقْتَضِي عَدَمَ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ عَدَمِهِ الْمُوجِبِ لَهَا، فَاعْتَبَرْنَا الْمَانِعَ، وَهُوَ التَّفَسُّخُ ط أَقُولُ: وَفِي الْحِلْيَةِ، نَصَّ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ مَعَ الشَّكِّ فِي ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ وَعَامَّةِ الْكُتُبِ، وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي الْجَوَازِ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهَا (قَوْلُهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ) رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ فَلَوْ صَلَّى رَاكِبًا لِتَعَذُّرِ النُّزُولِ لِطِينٍ أَوْ مَطَرٍ جَازَ. وَكَذَا لَوْ صَلَّى الْوَلِيُّ قَاعِدًا لِمَرَضٍ، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تُجْزِيهِ دُونَ الْقَوْمِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ بَحْرٌ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْوَلِيِّ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، فَلَوْ صَلَّى غَيْرُهُ مِمَّنْ لَا حَقَّ لَهُ إمَامًا قَاعِدًا لِعُذْرٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ، وَيَسْقُطُ الْفَرْضُ بِصَلَاتِهِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ أَفَادَهُ ط. مَطْلَبٌ فِي كَرَاهَةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فِي الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ تَنْزِيهًا) رَجَّحَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ وَأَطَالَ؛ وَوَافَقَهُ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ، وَخَالَفَهُ تِلْمِيذُهُ الثَّانِي الْحَافِظُ الزَّيْنِيُّ قَاسِمٌ فِي فَتْوَاهُ بِرِسَالَةٍ خَاصَّةٍ، فَرَجَّحَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لِإِطْلَاقِ الْمَنْعِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي مُوَطَّئِهِ: لَا يُصَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي مَسْجِدٍ. وَقَالَ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ: النَّهْيُ عَنْهَا وَكَرَاهِيَتُهَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ قَوْلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ هُوَ) أَيْ الْمَيِّتُ (فِيهِ) وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْقَوْمِ. (وَاخْتُلِفَ فِي الْخَارِجَةِ) عَنْ الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ بَعْضِ الْقَوْمِ (وَالْمُخْتَارُ الْكَرَاهَةُ) مُطْلَقًا خُلَاصَةٌ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلْمَكْتُوبَةِ، وَتَوَابِعُهَا كَنَافِلَةٍ وَذِكْرٍ وَتَدْرِيسِ عِلْمٍ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِإِطْلَاقِ   [رد المحتار] أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا وَأَطَالَ، وَحَقَّقَ أَنَّ الْجَوَازَ كَانَ ثُمَّ نُسِخَ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ، وَانْتَصَرَ لَهُ أَيْضًا سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي رِسَالَةٍ سَمَّاهَا نُزْهَةَ الْوَاجِدِ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ فِي الْمَسَاجِدِ (قَوْلُهُ: فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ) أَيْ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَمَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ قُهُسْتَانِيٌّ. وَتُكْرَهُ أَيْضًا فِي الشَّارِعِ وَأَرْضُ النَّاسِ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ، وَكَمَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا فِي الْمَسْجِدِ يُكْرَهُ إدْخَالُهَا فِيهِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ (قَوْلُهُ: أَوْ مَعَ الْقَوْمِ) أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَلْ فِي الْقَوْمِ جِنْسِيَّةٌ. اهـ. ح (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ. وَفِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ فِيهِ أَوْ خَارِجَهُ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ إلَخْ) أَمَّا إذَا عَلَّلْنَا بِخَوْفِ تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ فَلَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ بَعْضِ الْقَوْمِ اهـ ح. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَإِلَيْهِ مَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ. قُلْت: بَلْ ذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْعِنَايَةِ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهَا بِالِاتِّفَاقِ، لَكِنْ رَدَّهُ فِي الْبَحْرِ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِحَمْلِ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَمَا مَرَّ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ دَاخِلَهُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْأَوَّلَ فِيهِ خَفَاءٌ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ دُعَاءٌ وَذِكْرٌ وَهُمَا مِمَّا بُنِيَ لَهُ الْمَسْجِدُ وَإِلَّا لَزِمَ الْمَنْعُ عَنْ الدُّعَاءِ فِيهِ لِنَحْوِ الِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ مَعَ أَنَّ الْوَارِدَ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ «أَنَّ رَجُلًا نَشَدَ فِي الْمَسْجِدِ ضَالَّةً فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا وَجَدْت، إنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ» فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ إلَخْ) كَذَا فِي الْفَتْحِ، لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِصَلَّى أَوْ لِمَيِّتٍ أَوْ لَهُمَا، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُكْرَهُ كَوْنُ الْمَيِّتِ فِيهِ وَالصَّلَاةِ خَارِجَهُ، وَعَلَى الثَّانِي لَا يُكْرَهُ الْعَكْسُ، وَعَلَى الثَّالِثِ لَا يُكْرَهُ إذَا فُقِدَ أَحَدُهُمَا، وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْمُخْتَارِ مِنْ إطْلَاقِ الْكَرَاهَةِ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ بِعَيْنِهِ قَالُوا بِالْكَرَاهَةِ بِوُجُودِ أَحَدِهَا أَيًّا كَانَ. اهـ. أَقُولُ: يَلْزَمُ عَلَيْهِ إثْبَاتُ الْكَرَاهَةِ بِلَا دَلِيلٍ لِأَنَّهُ إذَا طَرَقَهُ الِاحْتِمَالُ سَقَطَ بِهِ الِاسْتِدْلَال، وَلَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَبَادِرَ لُغَةً وَعُرْفًا مِنْ نَحْوِ قَوْلِك ضَرَبْت زَيْدًا فِي الدَّارِ تَعَلُّقُ الظَّرْفِ بِالْفِعْلِ، وَأَمَّا أَنَّهُ هَلْ يَقْتَضِي كَوْنَ كُلٍّ مِنْ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ أَوْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فِي الْمَكَانِ فَغَيْرُ لَازِمٍ. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ إذَا قَالَ: إنْ شَتَمْت فُلَانًا فِي الْمَسْجِدِ يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ الشَّاتِمِ فِيهِ، وَفِي إنْ قَتَلْته بِالْعَكْسِ نَعَمْ ذَكَرَ ضَابِطًا لِذَلِكَ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَشَرْحِهِ فِي بَابِ الْحِنْثِ فِي الشَّتْمِ، وَهُوَ أَنَّ الْفِعْلَ قَدْ لَا يَكُونُ لَهُ أَثَرٌ فِي الْمَفْعُولِ كَالْعِلْمِ وَالذِّكْرِ، وَقَدْ يَكُونُ كَالضَّرْبِ وَالْقَتْلِ، فَإِذَا قَالَ: إنْ شَتَمْت زَيْدًا فِي الْمَسْجِدِ مَثَلًا فَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِكَوْنِ الشَّاتِمِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَشْتُومُ فِيهِ أَيْضًا أَوْ لَا لِأَنَّ الشَّتْمَ هُوَ ذِكْرُ الْمَشْتُومِ بِسُوءٍ وَالذَّاكِرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 حَدِيثِ أَبِي دَاوُد «مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ» .   [رد المحتار] يَقُومُ بِالذَّاكِرِ وَلَا أَثَرَ لَهُ فِي الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ شَتْمًا فِي حَقِّ الْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ فَيُعْتَبَرُ مَكَانُ الْفَاعِلِ. وَأَمَّا الْقَتْلُ وَالضَّرْبُ وَنَحْوُهُمَا فِي مَكَان فَيَتَحَقَّقُ بِكَوْنِ الْمَفْعُولِ بِهِ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ الْفَاعِلُ فِيهِ أَيْضًا أَمْ لَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ لَهَا آثَارٌ تَقُومُ بِالْمَحَلِّ، فَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَفْعُولِ بِهِ وَهُوَ الْمَحَلُّ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ دُونَ الْفَاعِلِ لِأَنَّ مَنْ ذَبَحَ شَاةً هِيَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ خَارِجُهُ يُسَمَّى ذَابِحًا فِي الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّامِيَ إلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ يَكُونُ قَاتِلًا لِلصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ وَإِنْ كَانَ حَالَ الرَّمْيِ فِي الْحِلِّ اهـ مُلَخَّصًا، وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَا يَخْفَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ فِعْلٌ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْمَفْعُولِ، وَإِنَّمَا يَقُومُ بِالْمُصَلِّي، فَقَوْلُهُ مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي مَسْجِدٍ يَقْتَضِي كَوْنَ الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ فِيهِ أَوْ لَا، فَيُكْرَهُ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ مَنْطُوقِ الْحَدِيثِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي رِسَالَتِهِ مِنْ أَنَّهُ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا نَعَى النَّجَاشِيَّ إلَى أَصْحَابِهِ خَرَجَ فَصَلَّى عَلَيْهِ فِي الْمُصَلَّى» قَالَ: وَلَوْ جَازَتْ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَكُنْ لِلْخُرُوجِ مَعْنًى اهـ مَعَ أَنَّ الْمَيِّتَ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ. وَبَقِيَ مَا إذَا كَانَ الْمُصَلِّي خَارِجَهُ وَالْمَيِّتُ فِيهِ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى عَدَمِ كَرَاهَتِهِ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ عِنْدَنَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، بَلْ قَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ، لِأَنَّهُ إذَا كُرِهَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ فِيهِ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ ذِكْرٌ وَدُعَاءٌ يُكْرَهُ إدْخَالُهُ فِيهِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ عَبَثٌ مَحْضٌ وَلَا سِيَّمَا عَلَى كَوْنِ عِلَّةِ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ خَشِيَتْ تَلْوِيثَ الْمَسْجِدِ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ أَنَّ الْحَدِيثَ مُؤَيِّدٌ لِلْقَوْلِ الْمُخْتَارِ مِنْ إطْلَاقِ الْكَرَاهَةِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْفَرِيدَ فَإِنَّهُ مِمَّا فَتَحَ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى أَضْعَفِ خَلْقِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ «فَلَا صَلَاةَ لَهُ» ) هَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَرِوَايَةُ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد «فَلَا شَيْءَ لَهُ» " وَابْنِ مَاجَهْ «فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ» وَرَوَى «فَلَا أَجْرَ لَهُ» وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هِيَ خَطَأٌ فَاحِشٌ، وَالصَّحِيحُ «فَلَا شَيْءَ لَهُ» وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي وَالْمَدَنِيِّ، وَلَيْسَ الْحَدِيثُ نَهْيًا غَيْرَ مَصْرُوفٍ وَلَا مَقْرُونًا بِوَعِيدٍ لِأَنَّ سَلْبَ الْأَجْرِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ لِجَوَازِ الْإِبَاحَةِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الصَّلَاةَ نَفْسَهَا سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلثَّوَابِ فَسَلْبُهُ مَعَ فِعْلِهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَا يَقْتَرِنُ بِهَا مِنْ إثْمٍ يُقَاوِمُ ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ، كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي رِوَايَةٍ " فَلَا صَلَاةَ لَهُ " لِأَنَّهُ عُلِمَ قَطْعًا أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فَهِيَ مِثْلُ «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» بَلْ تَأْوِيلُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَقْرَبُ: أَيْ لَا صَلَاةَ كَامِلَةٌ، فَلَا تُنَافِي ثُبُوتَ أَصْلِ الثَّوَابِ. وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ تُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ. [تَتِمَّةٌ] إنَّمَا تُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ بِلَا عُذْرٍ، فَإِنْ كَانَ فَلَا، وَمِنْ الْأَعْذَارِ الْمَطَرُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالِاعْتِكَافُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ، كَذَا فِي الْحِلْيَةِ وَغَيْرِهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ اعْتِكَافُ الْوَلِيِّ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَهُ حَقُّ التَّقَدُّمِ، وَلِغَيْرِهِ الصَّلَاةُ مَعَهُ تَبَعًا لَهُ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يُصَلِّيَهَا غَيْرُهُ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ إثْمَ الْإِدْخَالِ وَالصَّلَاةِ ارْتَفَعَ بِالْعُذْرِ تَأَمَّلْ، وَانْظُرْ هَلْ يُقَالُ: إنَّ مِنْ الْعُذْرِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي بِلَادِنَا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا فِي الْمَسْجِدِ لِتَعَذُّرِ غَيْرِهِ أَوْ تَعَسُّرِهِ بِسَبَبِ انْدِرَاسِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّي عَلَيْهَا فِيهَا، فَمَنْ حَضَرَهَا فِي الْمَسْجِدِ إنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهَا مَعَ النَّاسِ لَا يُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا فِي غَيْرِهِ، وَلَزِمَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِي عُمُرِهِ عَلَى جِنَازَةٍ، نَعَمْ قَدْ تُوضَعُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فِي الشَّارِعِ فَيُصَلَّى عَلَيْهَا، وَيَلْزَمُ مِنْهُ فَسَادُهَا مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْمُصَلِّينَ لِعُمُومِ النَّجَاسَةِ وَعَدَمِ خَلْعِهِمْ نِعَالَهُمْ الْمُتَنَجِّسَةَ مَعَ أَنَّا قَدَّمْنَا كَرَاهَتَهَا فِي الشَّارِعِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 (وَمَنْ وُلِدَ فَمَاتَ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) وَيَرِثُ وَيُورَثُ وَيُسَمَّى (إنْ اسْتَهَلَّ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ: أَيْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى حَيَاتِهِ بَعْدَ خُرُوجِ أَكْثَرِهِ، حَتَّى لَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ فَقَطْ وَهُوَ يَصِيحُ فَذَبَحَهُ رَجُلٌ فَعَلَيْهِ الْغُرَّةُ، وَإِنْ قَطَعَ أُذُنَهُ فَخَرَجَ حَيًّا فَمَاتَ   [رد المحتار] وَإِذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ، فَيَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِالْقَوْلِ بِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا اخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ، وَإِذَا كَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ عُذْرًا فَلَا كَرَاهَةَ أَصْلًا، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ (قَوْلُهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) أَيْ وَيُكَفَّنُ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِعِلْمِهِ مِمَّا ذَكَرَهُ لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إنْ اسْتَهَلَّ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّسَامُحِ بِهِ لِأَنَّ تَرْتِيبَهُ الْمَوْتَ عَلَى الْوِلَادَةِ أَيْ فِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ: فَمَاتَ مُفِيدٌ لِلْحَيَاةِ قَبْلَهُ فَلَا يَحْسُنُ التَّفْصِيلُ بَعْدَهُ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ كَالْكَنْزِ: وَمَنْ اسْتَهَلَّ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَا شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ) لِأَنَّ أَصْلَ الْإِهْلَالِ وَالِاسْتِهْلَالِ: رَفْعُ الصَّوْتِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَعَلَى رَفْعِ الصَّوْتِ مُطْلَقًا، وَمِنْهُ أَهَلَّ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ: أَيْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ، وَاسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ: إذَا رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْبُكَاءِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ. وَأَمَّا الْمَبْنِيُّ لِلْمَجْهُولِ فَيُقَالُ اُسْتُهِلَّ الْهِلَالُ: أَيْ أُبْصِرَ، كَذَا يُفَادُ مِنْ الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ أَيْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى حَيَاتِهِ) أَيْ مِنْ بُكَاءٍ أَوْ تَحْرِيكِ عُضْوٍ أَوْ طَرَفٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَدَائِعُ، وَهَذَا مَعْنَاهُ فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: يَعْنِي الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ، وَلَا عِبْرَةَ لِانْقِبَاضِ وَبَسْطِ الْيَدِ وَقَبْضِهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَرَكَةُ الْمَذْبُوحِ وَلَا عِبْرَةَ بِهَا، حَتَّى لَوْ ذُبِحَ رَجُلٌ فَمَاتَ أَبُوهُ، وَهُوَ يَتَحَرَّكُ لَمْ يَرِثْهُ الْمَذْبُوحُ لِأَنَّ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حُكْمَ الْمَيِّتِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. اهـ. أَقُولُ: وَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ مَشَى عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالزَّيْلَعِيِّ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ تَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْبَدَائِعِ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ شَهِدَتْ الْقَابِلَةُ أَوْ الْأُمُّ عَلَى الِاسْتِهْلَالِ تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي الدِّيَانَاتِ مَقْبُولٌ إذَا كَانَ عَدْلًا، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْأُمِّ لِكَوْنِهَا مُتَّهَمَةً بِجَرِّهَا الْمَغْنَمَ إلَى نَفْسِهَا وَكَذَا شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: تُقْبَلُ إذَا كَانَتْ عَدْلَةٌ. اهـ. وَظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ نِصَابِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ فِي الْمِيرَاثِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى بِلَفْظِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ بَعْدَ خُرُوجِ أَكْثَرِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِوُجِدَ، فَلَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ وَهُوَ يَصِيحُ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَرِثْ، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَخْرُجْ أَكْثَرُ بَدَنِهِ حَيًّا بَحْرٌ عَنْ الْمُبْتَغَى. وُجِدَ الْأَكْثَرُ مِنْ قِبَلِ الرَّجُلِ سُرَّتُهُ، وَمِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ صَدْرُهُ نَهْرٌ عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ خَرَجَ إلَخْ) أَيْ فَلَوْ اعْتَبَرَ حَيَاتَهُ عِنْدَ خُرُوجِ الْأَقَلِّ مِنْ النِّصْفِ لَكَانَ الْوَاجِبُ الدِّيَةَ؛ فَإِيجَابُ الْغُرَّةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْخُرُوجَ كَعَدَمِهِ، فَإِنَّ الْغُرَّةَ إنَّمَا تَجِبُ فِيمَنْ ضَرَبَ بَطْنَ الْحَامِلِ حَتَّى أَسْقَطَتْهُ مَيِّتًا فَذَبْحُهُ قَبْلَ خُرُوجِ أَكْثَرِهِ فِي حُكْمِ ضَرْبِهِ، وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، بِخِلَافِ ذَبْحِهِ بَعْدَ خُرُوجِ أَكْثَرِهِ فَإِنَّهُ مُوجِبٌ لِلْقَوَدِ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ صِحَّةُ التَّفْرِيعِ، وَبَطَلَ التَّشْنِيعُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ الْغُرَّةُ) هِيَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ لَوْ الْجَنِينُ ذَكَرًا، وَعُشْرُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ لَوْ أُنْثَى، وَكُلٌّ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَهِيَ خَمْسُونَ دِينَارًا كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ. هَذَا، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ، لَكِنْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ فِي أَوَائِلِ فَصْلِ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ عَنْ الْمُجْتَبَى والتتارخانية أَنَّ عَلَيْهِ الدِّيَةَ، لَكِنْ مَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا يُؤَيِّدُ مَا هُنَا، أَوْ يُرَادُ بِالدِّيَةِ الْغُرَّةُ فَتَأَمَّلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ (وَإِلَّا) يَسْتَهِلُّ (غُسِّلَ وَسُمِّيَ) عِنْدَ الثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ فَيُفْتَى بِهِ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إكْرَامًا لِبَنِي آدَمَ كَمَا فِي مُلْتَقَى الْبِحَارِ. وَفِي النَّهْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: وَإِذَا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ غُسِّلَ وَحُشِرَ هُوَ الْمُخْتَارُ (وَأُدْرِجَ فِي خِرْقَةٍ وَدُفِنَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ) وَكَذَا لَا يَرِثُ إنْ انْفَصَلَ بِنَفْسِهِ (كَصَبِيٍّ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ)   [رد المحتار] قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ فَمَاتَ أَنَّ الْمَوْتَ بِسَبَبِ الْقَطْعِ، وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ دِيَةُ النَّفْسِ إنْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً، وَإِلَّا وَجَبَ الْقَوَدُ، لَكِنْ عِبَارَةُ الْبَحْرِ عَنْ الْمُبْتَغَى ثُمَّ مَاتَ وَعَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ لَا بِسَبَبِ الْقَطْعِ فَالْوَاجِبُ دِيَةُ الْأُذُنِ، وَإِنْ كَانَ بِهِ فَالْوَاجِبُ دِيَةُ النَّفْسِ أَوْ الْقَوَدِ كَمَا قُلْنَا، لَكِنْ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: إنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ لَا الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ حَيْثُ جَرَحَهُ قَبْلَ تَحَقُّقِ كَوْنِهِ وَلَدًا اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَفِي الْأَحْكَامِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ [التَّهْذِيبِ لِذِهْنِ اللَّبِيبِ] مَسْأَلَةٌ: رَجُلٌ قَطَعَ أُذُنَ إنْسَانٍ وَجَبَ عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ، وَلَوْ قَطَعَ رَأْسَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ خَمْسُونَ دِينَارًا. جَوَابُهَا قَطَعَ أُذُنَ صَبِيٍّ خَرَجَ رَأْسُهُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ، فَإِنْ تَمَّتْ وِلَادَتُهُ وَعَاشَ وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَهِيَ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ، وَلَوْ قَطَعَ رَأْسَهُ وَمَاتَ قَبْلَ خُرُوجِ الْبَاقِي وَجَبَتْ فِيهِ الْغُرَّةُ وَهِيَ خَمْسُونَ دِينَارًا اهـ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا يَسْتَهِلُّ غُسِّلَ وَسُمِّيَ) شَمِلَ مَا تَمَّ خَلْقُهُ، وَلَا خِلَافَ فِي غُسْلِهِ وَمَا لَمْ يَتِمَّ، وَفِيهِ خِلَافٌ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَالْفَتْحِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِمُصَنِّفِهِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوَّلِ، وَأَنَّ الثَّانِيَ لَا يُغَسَّلُ إجْمَاعًا. اهـ. وَاغْتَرَّ فِي الْبَحْرِ بِنَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ فَحَكَمَ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ وَالْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ الْمُخْتَارَ تَغْسِيلُهُ بِأَنَّهُ سَبَقَ نَظَرُهُمَا إلَى الَّذِي تَمَّ خَلْقُهُ أَوْ سَهْوٌ مِنْ الْكَاتِبِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ وَالْخُلَاصَةِ عَزَاهُ فِي الْمِعْرَاجِ إلَى الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ اهـ وَعَلِمْت نَقْلَهُ أَيْضًا عَنْ الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ. وَذَكَرَ فِي الْأَحْكَامِ أَنَّهُ جَزَمَ بِهِ فِي عُمْدَةِ الْمُفْتِي وَالْفَيْضِ وَالْمَجْمُوعِ وَالْمُبْتَغَى اهـ فَحَيْثُ كَانَ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ فَالْمُنَاسِبُ الْحُكْمُ بِالسَّهْوِ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَكِنْ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ مَنْ نَفَى غُسْلَهُ أَرَادَ غُسْلَ الْمُرَاعَى فِيهِ وَجْهُ السُّنَّةِ، وَمَنْ أَثْبَتَهُ أَرَادَ الْغُسْلَ فِي الْجُمْلَةِ كَصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ وَتَرْتِيبٍ لِفِعْلِهِ كَغُسْلِهِ ابْتِدَاءً بِسِدْرٍ وَحُرْضٍ. اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ وَيُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ حَيْثُ لَمْ يُرَاعُوا فِي تَكْفِينِهِ السُّنَّةَ فَكَذَا غُسْلُهُ (قَوْلُهُ عِنْدَ الثَّانِي) الْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ الْآتِي وَإِذَا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ غُسِّلَ لِأَنَّك عَلِمْت أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ إكْرَامًا لِبَنِي آدَمَ) عِلَّةٌ لِلْمَتْنِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْبَحْرِ، وَيَصِحُّ جَعْلُهُ عِلَّةً لِقَوْلِهِ فَيُفْتَى بِهِ (قَوْلُهُ وَحُشِرَ) الْمُنَاسِبُ تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الَّذِي فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُغَسَّلُ. وَهَلْ يُحْشَرُ؟ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْكَبِيرِ أَنَّهُ إنْ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ حُشِرَ، وَإِلَّا لَا. وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إنْ اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ فَإِنَّهُ يُحْشَرُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ. اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّ تَسْمِيَتَهُ تَقْتَضِي حَشْرَهُ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ لَهَا إلَّا فِي نِدَائِهِ فِي الْمَحْشَرِ بِاسْمِهِ. وَذَكَرَ الْعَلْقَمِيُّ فِي حَدِيثِ «سَمُّوا أَسْقَاطَكُمْ فَإِنَّهُمْ فَرَطَكُمْ» الْحَدِيثَ فَقَالَ: فَائِدَةٌ سَأَلَ بَعْضُهُمْ هَلْ يَكُونُ السِّقْطُ شَافِعًا، وَمَتَى يَكُونُ شَافِعًا، هَلْ هُوَ مِنْ مَصِيرِهِ عَلَقَةً أَمْ مِنْ ظُهُورِ الْحَمْلِ، أَمْ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أَمْ مِنْ نَفْخِ الرُّوحِ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعِبْرَةَ إنَّمَا هُوَ بِظُهُورِ خَلْقِهِ وَعَدَمِ ظُهُورِهِ كَمَا حَرَّرَهُ شَيْخُنَا زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ تَامَّ الْخَلْقِ أَمْ لَا ط (قَوْلُهُ إنْ انْفَصَلَ بِنَفْسِهِ) أَمَّا إذَا أُفْصِلَ كَمَا إذَا ضَرَبَ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَإِنَّهُ يَرِثُ وَيُورَثُ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمَّا أَوْجَبَ الْغُرَّةَ عَلَى الضَّارِبِ فَقَدْ حُكِمَ بِحَيَاتِهِ نَهْرٌ: أَيْ يَرِثُ إذَا مَاتَ أَبُوهُ مَثَلًا قَبْلَ انْفِصَالِهِ (قَوْلُهُ كَصَبِيٍّ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) وَبِالْأَوْلَى إذَا سُبِيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ أَيْ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا لَا الْعُقْبَى، لِمَا مَرَّ أَنَّهُمْ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ. (وَلَوْ سُبِيَ بِدُونِهِ) فَهُوَ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِلدَّارِ أَوْ لِلسَّبْيِ   [رد المحتار] مَعَهُمَا، وَالْمَجْنُونُ الْبَالِغُ كَالصَّبِيِّ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الصَّبِيِّ مُمَيِّزًا أَوْ لَا، وَلَا بَيْنَ مَوْتِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْحَرْبِ، وَلَا بَيْنَ كَوْنِ السَّابِي مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّهُ مَعَ وُجُودِ الْأَبَوَيْنِ لَا عِبْرَةَ لِلدَّارِ وَلَا لِلسَّابِي، بَلْ هُوَ تَابِعٌ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ إلَى الْبُلُوغِ مَا لَمْ يُحْدِثْ إسْلَامًا وَهُوَ مُمَيِّزٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ. اهـ. ح. وَقَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِهِ عَلَى التَّحْرِيرِ فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ بَعْدَ ذِكْرِهِ التَّبَعِيَّةَ مَا نَصُّهُ: الَّذِي فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ: وَيَسْتَوِي فِيمَا قُلْنَا أَنْ يَعْقِلَ أَوْ لَا يَعْقِلَ إلَى هَذَا أَشَارَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، فَلَا جَرْمَ أَنْ قَالَ فِي شَرْحِهِ أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ يُجْعَلُ مُسْلِمًا تَبَعًا سَوَاءٌ كَانَ الصَّغِيرُ عَاقِلًا أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا اهـ. وَذَكَرَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَنَّهُ لَوْ سُبِيَ مَعَ الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ بَلْ يُصَلَّى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ) تَصْرِيحٌ بِالْمَقْصُودِ مِنْ التَّشْبِيهِ (قَوْلُهُ: لَا الْعُقْبَى) وَإِلَّا كَانُوا فِي النَّارِ مِثْلَهُمْ، وَهُوَ أَحَدُ مَا قِيلَ فِيهِمْ. وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ ط وَقَدَّمْنَا تَمَامَهُ فِيمَا مَرَّ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ سُبِيَ بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ح. قُلْت: الْمُرَادُ بِالْمَعِيَّةِ مَا يَشْمَلُ الْحُكْمِيَّةَ، لِمَا فِي سِيَرِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ: وَلَوْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَ الْإِسْلَامِ ذِمِّيًّا ثُمَّ سُبِيَ ابْنُهُ لَا يَصِيرُ الِابْنُ مُسْلِمًا بِالدَّارِ. اهـ. وَفِيهِ: وَإِذَا سَبَى الْمُسْلِمُونَ صِبْيَانَ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَهُمْ بَعْدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَدَخَلَ آبَاؤُهُمْ دَارَ الْإِسْلَامِ وَأَسْلَمُوا فَأَبْنَاؤُهُمْ صَارُوا مُسْلِمِينَ بِإِسْلَامِ آبَائِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ اهـ وَهَذَا يُفِيدُ تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا لَمْ يُسْلِمْ أَبُوهُ (قَوْلُهُ: تَبَعًا لِلدَّارِ) أَيْ إنْ كَانَ السَّابِي ذِمِّيًّا، أَوْ لِلسَّابِي إنْ كَانَ مُسْلِمًا، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَاقْتَصَرَ فِي الْبَحْرِ عَلَى تَبَعِيَّةِ الدَّارِ، قَالَ: لِأَنَّ فَائِدَةَ تَبَعِيَّةِ السَّابِي إنَّمَا تَظْهَرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، بِأَنْ وَقَعَ صَبِيٌّ فِي سَهْمِ رَجُلٍ وَمَاتَ الصَّبِيُّ يُصَلَّى عَلَيْهِ تَبَعًا لِلسَّابِي، وَالْكَلَامُ فِي السَّبْيِ، وَهُوَ لُغَةً الْأَسْرَى الْمَحْمُولُونَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْحَمْلِ حَتَّى يُسَمَّى سَبْيًا وَلَمْ يُوجَدْ. اهـ. أَقُولُ: لَكِنْ الَّذِي فِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ أَنَّهُ يُقَالُ: سَبَيْت الْعَدُوَّ سَبْيًا إذَا أَسَرْته فَهُوَ سَبْيٌ وَهِيَ سَبْيٌ، وَيُقَالُ سَبَيْت الْخَمْرَ سَبْيًا إذَا حَمَلْتهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فَهِيَ سَبِيَّةٌ اهـ فَجَعَلَا الْحَمْلَ قَيْدًا فِي الْخَمْرَةِ دُونَ الْأَسِيرِ تَأَمَّلْ، نَعَمْ ذَكَرَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي أَوَاخِرِ شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ شَرْطًا خَارِجًا عَنْ مَفْهُومِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ سُبِيَ وَحْدَهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَيَصِيرُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلدَّارِ أَوْ يَقْسِمُ الْإِمَامُ الْغَنَائِمَ، أَوْ يَبِيعُهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيَصِيرُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلْمَالِكِ لِأَنَّ تَأْثِيرَ التَّبَعِيَّةِ لِلْمَالِكِ فَوْقَ تَأْثِيرِ التَّبَعِيَّةِ لِلدَّارِ، فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ ذِمِّيًّا بِأَنْ مَلَكَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ رَضَخَ فَكَذَلِكَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَحَتَّى لَوْ مَاتَ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُجْبَرُ الذِّمِّيُّ عَلَى بَيْعِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُحْرَزًا بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ مَلَكَهُ بِإِحْرَازِهِمْ إيَّاهُ فَصَارَ تَمَامُ الْإِحْرَازِ بِالْقِسْمَةِ وَالْبَيْعِ كَتَمَامِهِ بِلَا خَرَاجٍ إلَى دَارِنَا؛ وَلَوْ دَخَلَ الذِّمِّيُّ دَارَ الْحَرْبِ مُتَلَصِّصًا وَأَخْرَجَ صَغِيرًا إلَى دَارِنَا فَهُوَ مُسْلِمٌ يُجْبَرُ الذِّمِّيُّ عَلَى بَيْعِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَكَهُ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِنَا فَصَارَ كَالْمُنَفَّلِ بِأَنْ قَالَ الْأَمِيرُ مَنْ أَصَابَ رَأْسًا فَهُوَ لَهُ فَأَصَابَ الذِّمِّيُّ صَغِيرًا لَيْسَ مَعَهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَكَهُ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ الذِّمِّيُّ دَارَهُمْ بِأَمَانٍ فَاشْتَرَى صَغِيرًا مِنْ مَمَالِيكِهِمْ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالْعَقْدِ لَا بِمَنْعَتِنَا، فَإِذَا أَخْرَجَهُ إلَيْنَا لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا، أَمَّا لَوْ كَانَ الشَّارِي مِنْهُمْ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ إذَا أَخْرَجَهُ إلَى دَارِنَا وَحْدَهُ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَتَبَعِيَّةُ الْمَالِكِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِي هَذَا، فَإِذَا كَانَ الْمَالِكُ مُسْلِمًا فَالْمَمْلُوكُ مِثْلُهُ تَبَعًا لَهُ أَوْ ذِمِّيًّا فَهُوَ مِثْلُهُ اهـ مُلَخَّصًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 (أَوْ بِهِ فَأَسْلَمَ هُوَ أَوْ) أَسْلَمَ (الصَّبِيُّ وَهُوَ عَاقِلٌ) أَيْ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ (صُلِّيَ عَلَيْهِ) لِصَيْرُورَتِهِ مُسْلِمًا. قَالُوا: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَ الْعَامِّيَّ عَنْ الْإِسْلَامِ بَلْ يَذْكُرُ عِنْدَهُ حَقِيقَتَهُ، وَمَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: هَلْ أَنْتَ مُصَدِّقٌ بِهَذَا؟ فَإِذَا قَالَ نَعَمْ اُكْتُفِيَ بِهِ. وَلَا يَضُرُّ تَوَقُّفُهُ فِي جَوَابِ مَا الْإِيمَانُ مَا الْإِسْلَامُ فَتْحٌ. (وَيُغَسِّلُ الْمُسْلِمُ وَيُكَفِّنُ وَيَدْفِنُ قَرِيبَهُ) كَخَالِهِ (الْكَافِرَ الْأَصْلِيَّ) أَمَّا الْمُرْتَدُّ فَيُلْقَى فِي حُفْرَةٍ كَالْكَلْبِ (عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ) فَلَوْ لَهُ قَرِيبٌ فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ لَهُمْ (مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ السُّنَّةِ) فَيُغَسِّلُهُ غَسْلَ الثَّوْبِ النَّجَسِ وَيَلُفُّهُ فِي خِرْقَةٍ   [رد المحتار] وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِالْإِخْرَاجِ إلَى دَارِ السَّلَامِ تَبَعًا لِلدَّارِ أَوْ بِالْمِلْكِ بِقِسْمَةٍ أَوْ بَيْعٍ مِنْ الْإِمَامِ تَبَعًا لِلْمَالِكِ لَوْ مُسْلِمًا أَوْ لِلْغَانِمِينَ لَوْ ذِمِّيًّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْت: وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ تَمَامَ الْإِحْرَازِ بِالْقِسْمَةِ وَالْبَيْعِ كَتَمَامِهِ بِلَا خَرَاجٍ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا مَلَكَهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ، فَإِذَا مَاتَ فِي دَارِ الْحَرْبِ يُصَلَّى عَلَيْهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَوْ بِهِ) أَيْ سُبِيَ بِأَحَدِ أَبَوَيْهِ أَيْ مَعَهُ ح (قَوْلُهُ: فَأَسْلَمَ هُوَ) أَيْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ ح أَيْ فَإِنَّ الصَّبِيَّ يَصِيرُ مُسْلِمًا لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْوَلَدِ مُمَيِّزًا أَوْ لَا كَمَا مَرَّ. وَنَقَلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ قَوْلَيْنِ، وَأَنَّ الشَّلَبِيَّ أَفْتَى بِاشْتِرَاطِ عَدَمِ التَّمْيِيزِ، لَكِنْ صَرَّحَ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ بِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ خَطَأٌ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَقُولُ: وَبَقِيَ مَا لَوْ سُبِيَ مَعَهُ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَمَاتَا ثُمَّ أُخْرِجَ إلَى دَارِنَا وَحْدَهُ فَهُوَ مُسْلِمٌ لِأَنَّهُ بِمَوْتِهِمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ تَبَعًا لَهُمَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ أَوْ الْقِسْمَةِ أَوْ الْبَيْعِ، كَذَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ عَاقِلٌ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ أَوْ أَسْلَمَ الصَّبِيُّ لِأَنَّ كَلَامَ غَيْرِ الْعَاقِلِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِعَدَمِ صُدُورِهِ عَنْ قَصْدٍ (قَوْلُهُ أَيْ ابْنِ سَبْعِ سِنِينَ) تَفْسِيرٌ لِلْعَاقِلِ الَّذِي يَصِحُّ إسْلَامُهُ بِنَفْسِهِ، وَعَزَاهُ فِي النَّهْرِ إلَى فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ، وَفَسَّرَهُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنْ يَعْقِلَ الْمَنَافِعَ وَالْمَضَارَّ. وَأَنَّ الْإِسْلَامَ هُدًى وَاتِّبَاعُهُ خَيْرٌ لَهُ، وَفَسَّرَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنْ يَعْقِلَ صِفَةَ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مَا فِي الْحَدِيثِ «أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» قَالَ: وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " لَا يُوجِبُ الْحُكْمُ بِالْإِسْلَامِ مَا لَمْ يُؤْمِنْ بِمَا ذَكَرْنَا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يُؤْمِنَ بِذَلِكَ إذَا فُصِّلَ لَهُ وَطُلِبَ مِنْهُ الْإِيمَانُ بِهِ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي، فَلَوْ أَنْكَرَهُ أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِقْرَارِ بِهِ بَعْدَ الطَّلَبِ لَا يَكْفِيهِ قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكْتَفِي مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " وَبِالْإِقْرَارِ بِرِسَالَتِهِ مِنْ غَيْرِ إلْزَامٍ بِتَفْصِيلِ الْمُؤْمَنِ بِهِ، نَعَمْ قَدْ يُشْتَرَطُ الْإِقْرَارُ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعًا أَوْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَقَدْ يُشْتَرَطُ التَّبَرُّؤُ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَدْيَانِ الْمُخَالِفَةِ أَيْضًا عَلَى مَا سَيَجِيءُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - تَفْصِيلُهُ فِي بَابِ الرِّدَّةِ عِنْدَ ذِكْرِ الشَّارِحِ هُنَاكَ أَنَّ الْكُفَّارَ خَمْسَةُ أَصْنَافٍ (قَوْلُهُ: وَلَا يَضُرُّ تَوَقُّفُهُ إلَخْ) فَإِنَّ الْعَوَّامَ قَدْ يَقُولُونَ: لَا نَعْرِفُهُ، وَهُمْ مِنْ التَّوْحِيدِ وَالْإِقْرَارِ وَالْخَوْفِ مِنْ النَّارِ وَطَلَبِ الْجَنَّةِ بِمَكَانٍ، وَكَأَنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ جَوَابَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إنَّمَا يَكُونُ بِكَلَامٍ خَاصٍّ مَنْظُومٍ فَيُحْجِمُونَ عَنْ الْجَوَابِ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَيُغَسِّلُ الْمُسْلِمُ) أَيْ جَوَازًا لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْغُسْلِ كَوْنَ الْمَيِّتِ مُسْلِمًا. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: حَتَّى لَا يَجِبَ غُسْلُ الْكَافِرِ لِأَنَّ الْغُسْلَ وَجَبَ كَرَامَةً وَتَعْظِيمًا لِلْمَيِّتِ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ قَرِيبَهُ) مَفْعُولٌ تَنَازَعَ فِيهِ الْأَفْعَالُ الثَّلَاثَةُ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ كَخَالِهِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَرِيبِ مَا يَشْمَلُ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ الْكَافِرَ الْأَصْلِيَّ) قَيَّدَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْجَلَّابِيِّ فِي بَابِ الشَّهِيدِ بِغَيْرِ الْحَرْبِيِّ ط (قَوْلُهُ فَيُلْقَى فِي حُفْرَةٍ) أَيْ وَلَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُكَفَّنُ؛ وَلَا يُدْفَعُ إلَى مَنْ انْتَقَلَ إلَى دِينِهِمْ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فَلَوْ لَهُ قَرِيبٌ) أَيْ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِهِ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ السُّنَّةِ) قَيْدٌ لِلْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 وَيُلْقِيهِ فِي حُفْرَةٍ وَلَيْسَ لِلْكَافِرِ غُسْلُ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ: (وَإِذَا حَمَلَ الْجِنَازَةَ وَضَعَ) نَدْبًا (مُقَدِّمَهَا) بِكَسْرِ الدَّالِ وَتُفْتَحُ وَكَذَا الْمُؤَخَّرُ (عَلَى يَمِينِهِ) عَشْرَ خُطُوَاتٍ لِحَدِيثِ «مَنْ حَمَلَ جِنَازَةً أَرْبَعِينَ خُطْوَةً كَفَّرَتْ عَنْهُ أَرْبَعِينَ كَبِيرَةً» (ثُمَّ) وَضَعَ (مُؤَخِّرَهَا) عَلَى يَمِينِهِ كَذَلِكَ، ثُمَّ مُقَدِّمَهَا عَلَى يَسَارِهِ ثُمَّ مُؤَخِّرَهَا كَذَلِكَ، فَيَقَعُ الْفَرَاغُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ فَيَمْشِي خَلْفَهَا؛ وَصَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَمَلَ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ» وَيُكْرَهُ عِنْدَنَا حَمْلُهُ بَيْنَ عَمُودِيِّ السَّرِيرِ بَلْ يَرْفَعُ كُلُّ رَجُلٍ قَائِمَةً بِالْيَدِ لَا عَلَى الْعُنُقِ كَالْأَمْتِعَةِ، وَلِذَا كُرِهَ حَمْلُهُ عَلَى ظَهْرٍ وَدَابَّةٍ (وَالصَّبِيُّ الرَّضِيعُ أَوْ الْفَطِيمُ أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ قَلِيلًا يَحْمِلُهُ وَاحِدٌ عَلَى يَدَيْهِ) وَلَوْ رَاكِبًا (وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا حُمِلَ عَلَى الْجِنَازَةِ وَيُسْرَعُ بِهَا بِلَا خَبَبٍ) أَيْ عَدْوٍ سَرِيعٍ   [رد المحتار] كَمَا أَفَادَهُ بِالتَّفْرِيعِ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْكَافِرِ إلَخْ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِ قَرِيبٌ مُسْلِمٌ فَيَتَوَلَّى تَجْهِيزَهُ الْمُسْلِمُونَ. وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْكَافِرُ فِي قَبْرِ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ لِيَدْفِنَهُ بَحْرٌ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ بَيْنَ نِسَاءٍ مَعَهُنَّ كَافِرٌ يُعَلِّمْنَهُ الْغُسْلَ ثُمَّ يُصَلِّينَ عَلَيْهِ، فَتَغْسِيلُ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ تَجْهِيزِ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ عِنْدَ عَدَمِهَا خِلَافًا لِلزَّيْلَعِيِّ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. مَطْلَبٌ فِي حَمْلِ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ وَإِذَا حَمَلَ الْجِنَازَةَ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ حَمْلِهَا، وَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ عَلَى الصَّلَاةِ كَمَا فَعَلَ فِي الْبَدَائِعِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهَا غَالِبًا (قَوْلُهُ نَدْبًا) لِأَنَّ فِيهِ إيثَارًا لِلْيَمِينِ وَالْمُقَدَّمِ عَلَى الْيَسَارِ وَالْمُؤَخَّرِ (قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الدَّالِ وَتُفْتَحُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْكَسْرَ أَفْصَحُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْغَايَةِ، لَكِنَّ الْكَسْرَ مَعَ التَّخْفِيفِ وَالْفَتْحَ مَعَ التَّشْدِيدِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، حَيْثُ قَالَ مُقَدَّمُ الرِّجْلِ كَمُحَسَّنٍ وَمُعَظَّمٍ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ مَنْ حَمَلَ إلَخْ) الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ ثُمَّ مُقَدَّمُهَا ثُمَّ مُؤَخَّرُهَا ط وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْمِلَهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ أَرْبَعِينَ خُطْوَةً لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ النَّجَّارُ (قَوْلُهُ كَفَّرَتْ عَنْهُ أَرْبَعِينَ كَبِيرَةً) بِبِنَاءِ كَفَّرَتْ لِلْفَاعِلِ، وَضَمِيرُهُ لِلْجِنَازَةِ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ حَمْلُهَا، وَالْكَبِيرَةُ قَدْ تُطْلَقُ عَلَى الصَّغِيرَةِ لِأَنَّ كُلَّ ذَنْبٍ صَغِيرٌ بِالنَّظَرِ لِمَا فَوْقَهُ، كَبِيرٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا تَحْتَهُ، أَوْ الْمُرَادُ بِالْكَبِيرَةِ حَقِيقَتُهَا، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْكَبَائِرَ لَا تُكَفَّرُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ أَوْ بِمَحْضِ الْفَضْلِ أَوْ بِالْحَجِّ الْمَبْرُورِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَمْ يَرِدْ النَّصُّ فِيهِ ط وَسَيَأْتِي تَمَامُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى (قَوْلُهُ كَذَلِكَ) أَيْ عَشْرَ خُطُوَاتٍ، وَهِيَ مَعْنَى كَذَلِكَ الثَّانِيَةِ، وَيَمِينُ الْحَامِلِ يَمِينُ الْمَيِّتِ، وَيَسَارُ الْجِنَازَةِ، وَيَسَارُهُ يَسَارُهُ وَيَمِينُ الْجِنَازَةِ قُهُسْتَانِيٌّ ط (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ عِنْدَنَا إلَخْ) لِأَنَّ السُّنَّةَ التَّرْبِيعُ بَحْرٌ، وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِنْ الْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ إنْ ثَبَتَ فَلِعَارِضٍ كَضِيقِ الْمَكَانِ أَوْ كَثْرَةِ النَّاسِ أَوْ قِلَّةِ الْحَامِلِينَ كَمَا بَسَطَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ قَائِمَةً) أَيْ مِنْ قَوَائِمِ السَّرِيرِ الْأَرْبَعِ (قَوْلُهُ بِالْيَدِ) أَيْ ثُمَّ يَضَعُ عَلَى الْعُنُقِ، وَقَوْلُهُ: لَا عَلَى الْعُنُقِ: أَيْ ابْتِدَاءً كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا. اهـ. ح. وَفِي الْحِلْيَةِ أَوْ يَرْفَعُونَهُ أَخْذًا بِالْيَدِ لَا وَضْعًا عَلَى الْعُنُقِ كَمَا تُحْمَلُ الْأَثْقَالُ، ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ وَالْمُرَادُ بِالْعُنُقِ الْكَتِفُ كَمَا قَالَ ط (قَالَ وَلِذَا إلَخْ) عِلَّةٌ لِمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ أَنَّ حَمْلَهُ كَالْأَمْتِعَةِ مَكْرُوهٌ ط (قَوْلُهُ: يَحْمِلُهُ وَاحِدٌ عَلَى يَدَيْهِ) أَيْ وَيَتَدَاوَلُهُ النَّاسُ بِالْحَمْلِ عَلَى أَيْدِيهِمْ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَيُسْرِعُ بِهَا) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَضَعَ مُقَدَّمَهَا (قَوْلُهُ بِلَا خَبَبٍ) بِمُعْجَمَةِ مَفْتُوحَةٍ وَمُوَحَّدَتَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 وَلَوْ بِهِ كُرِهَ (وَكُرِهَ تَأْخِيرُ صَلَاتِهِ وَدَفْنِهِ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ جَمْعٌ عَظِيمٌ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ) إلَّا إذَا خِيفَ فَوْتُهَا بِسَبَبِ دَفْنِهِ قُنْيَةٌ (كَمَا كُرِهَ) لِمُتَّبِعِهَا (جُلُوسٌ قَبْلَ وَضْعِهَا) وَقِيَامٌ بَعْدَهُ (وَلَا يَقُومُ مَنْ فِي الْمُصَلَّى لَهَا إذَا رَآهَا) قَبْلَ وَضْعِهَا وَلَا مَنْ مَرَّتْ عَلَيْهِ هُوَ الْمُخْتَارُ، وَمَا وَرَدَ فِيهِ مَنْسُوخٌ زَيْلَعِيٌّ (وَنُدِبَ الْمَشْيُ خَلْفَهَا) لِأَنَّهَا مَتْبُوعَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَلْفَهَا نِسَاءٌ فَالْمَشْيُ أَمَامَهَا أَحْسَنُ اخْتِيَارٌ. وَيُكْرَهُ خُرُوجُهُنَّ تَحْرِيمًا، وَتُزْجَرُ النَّائِحَةُ، وَلَا يُتْرَكُ اتِّبَاعُهَا لِأَجْلِهَا،   [رد المحتار] وَحَدُّ التَّعْجِيلِ الْمَسْنُونِ أَنْ يُسْرِعَ بِهِ بِحَيْثُ لَا يَضْطَرِبُ الْمَيِّتُ عَلَى الْجِنَازَةِ لِلْحَدِيثِ «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَدَّمْتُمُوهَا إلَى الْخَيْرِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُعَجِّلَ بِتَجْهِيزِهِ كُلِّهِ مِنْ حِينِ يَمُوتُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِهِ كُرِهَ) لِأَنَّهُ ازْدِرَاءٌ بِالْمَيِّتِ وَإِضْرَارٌ بِالْمُتَّبِعِينَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا خِيفَ إلَخْ) فَيُؤَخَّرُ الدَّفْنُ وَتُقَدَّمُ صَلَاةُ الْعِيدِ عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَالْجِنَازَةِ عَلَى الْخُطْبَةِ وَالْقِيَاسُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْعِيدِ، لَكِنَّهُ قُدِّمَ مَخَافَةَ التَّشْوِيشِ، وَكَيْ لَا يَظُنَّهَا مَنْ فِي أُخْرَيَاتِ الصُّفُوفِ أَنَّهَا صَلَاةُ الْعِيدِ بَحْرٌ عَنْ الْقُنْيَةِ. وَمُفَادُهُ تَقْدِيمُ الْجُمُعَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَلِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ، بَلْ الْفَتْوَى عَلَى تَقْدِيمِ سُنَّتِهَا عَلَيْهَا، وَمَرَّ تَمَامُهُ فِي أَوَّلِ بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ (قَوْلُهُ: جُلُوسٌ قَبْلَ وَضْعِهَا) لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ كَمَا فِي السِّرَاجِ نَهْرٌ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيَامٌ بَعْدَهُ) أَيْ يُكْرَهُ الْقِيَامُ بَعْدَ وَضْعِهَا عَنْ الْأَعْنَاقِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْعِنَايَةِ. وَفِي الْمُحِيطِ خِلَافُهُ حَيْثُ قَالَ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَجْلِسُوا حَتَّى يُسَوُّوا عَلَيْهِ التُّرَابَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِمَا فِي الْبَدَائِعِ: لَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ بَعْدَ الْوَضْعِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَجْلِسُ حَتَّى يُوضَعَ الْمَيِّتُ فِي اللَّحْدِ، فَكَانَ قَائِمًا مَعَ أَصْحَابِهِ عَلَى رَأْسِ قَبْرٍ فَقَالَ يَهُودِيٌّ: هَكَذَا نَصْنَعُ بِمَوْتَانَا، فَجَلَسَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: خَالِفُوهُمْ» أَيْ فِي الْقِيَامِ، فَلِذَا كُرِهَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَا وَرَدَ فِيهِ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا لَهَا حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ أَوْ تُوضَعَ» . اهـ. ح قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ: أَيْ تَصِيرُونَ وَرَاءَهَا غَائِبِينَ عَنْهَا. اهـ. مَدَنِيٌّ (قَوْلُهُ مَنْسُوخٌ) أَيْ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَأَحْمَدُ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَلِيٍّ «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَعَدَ» وَلِمُسْلِمٍ بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ " قَدْ كَانَ ثُمَّ نُسِخَ " شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا مَتْبُوعَةٌ) يُشِيرُ إلَى مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ» قَالَ عَلِيٌّ: الْإِتْبَاعُ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى التَّالِي، وَلَا يُسَمَّى الْمُقَدَّمُ تَابِعًا بَلْ هُوَ مَتْبُوعٌ، وَالْأَمْرُ لِلنَّدْبِ لَا لِلْوُجُوبِ لِلْإِجْمَاعِ. وَعَنْ عَلِيٍّ: قَدِّمْهَا بَيْنَ يَدَيْك وَاجْعَلْهَا نُصْبَ عَيْنَيْك، فَإِنَّمَا هِيَ مَوْعِظَةٌ وَتَذْكِرَةٌ وَعِبْرَةٌ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَلْفَهَا نِسَاءٌ) الظَّاهِرُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا خَشِيَ الِاخْتِلَاطَ مَعَهُنَّ أَوْ كَانَ فِيهِنَّ نَائِحَةٌ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ خُرُوجُهُنَّ تَحْرِيمًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، لَكِنْ يُعَضِّدُهُ الْمَعْنَى الْحَادِثُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ الَّذِي أَشَارَتْ إلَيْهِ عَائِشَةُ بِقَوْلِهَا: لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ بَعْدَهُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَهَذَا فِي نِسَاءِ زَمَانِهَا، فَمَا ظَنُّك بِنِسَاءِ زَمَانِنَا. وَأَمَّا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْنَا» أَيْ أَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ بِذَلِكَ الزَّمَنِ حَيْثُ كَانَ يُبَاحُ لَهُنَّ الْخُرُوجُ لِلْمَسَاجِدِ وَالْأَعْيَادِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَتُزْجَرُ النَّائِحَةُ) وَكَذَا الصَّائِحَةُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يُتْرَكُ اتِّبَاعُهَا لِأَجْلِهَا) أَيْ لِأَجْلِ النَّائِحَةِ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا تُتْرَكُ بِمَا اقْتَرَنَ بِهَا مِنْ الْبِدْعَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 وَلَا يَمْشِي عَنْ يَمِينِهَا وَيَسَارِهَا (وَلَوْ مَشَى أَمَامَهَا جَازَ) وَفِيهِ فَضِيلَةٌ أَيْضًا (وَ) لَكِنْ (إنْ تَبَاعَدَ عَنْهَا أَوْ تَقَدَّمَ الْكُلُّ) أَوْ رَكِبَ أَمَامَهَا (كُرِهَ) كَمَا كُرِهَ فِيهَا رَفْعُ صَوْتٍ بِذِكْرٍ أَوْ قِرَاءَةٍ فَتْحٌ (وَحَفْرُ قَبْرِهِ)   [رد المحتار] وَلَا يَرِدُ الْوَلِيمَةَ - حَيْثُ يَتْرُكُ حُضُورَهَا لِبِدْعَةٍ فِيهَا - لِلْفَارِقِ، بِأَنَّهُمْ لَوْ تَرَكُوا الْمَشْيَ مَعَ الْجِنَازَةِ لَزِمَ عَدَمُ انْتِظَامِهَا، وَلَا كَذَلِكَ الْوَلِيمَةُ لِوُجُودِ مَنْ يَأْكُلُ الطَّعَامَ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِاتِّبَاعِهَا الْمَشْيُ مَعَهَا مُطْلَقًا لَا خُصُوصُ الْمَشْيِ خَلْفَهَا، بَلْ يُتْرَكُ الْمَشْيُ خَلْفَهَا إذَا كَانَتْ نَائِحَةً، لِمَا مَرَّ عَنْ الِاخْتِيَارِ، وَيَحْصُلُ التَّوْفِيقُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَمْشِي عَنْ يَمِينِهَا وَيَسَارِهَا) كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: لَا بَأْسَ بِهِ، فَأَفَادَ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْمَنْدُوبِ وَهُوَ اتِّبَاعُهَا (قَوْلُهُ جَازَ) أَيْ بِلَا كَرَاهَةٍ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ وَفِيهِ فَضِيلَةٌ أَيْضًا) أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا أَفْضَلُ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ: إنْ تَبَاعَدَ عَنْهَا) أَيْ بِحَيْثُ يُعَدُّ مَاشِيًا وَحْدَهُ (قَوْلُهُ: أَوْ تَقَدَّمَ الْكُلُّ) أَيْ وَتَرَكُوهَا خَلْفَهُمْ لَيْسَ مَعَهَا أَحَدٌ (قَوْلُهُ أَوْ رَكِبَ أَمَامَهَا) لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِمَنْ خَلْفَهُ بِإِثَارَةِ الْغُبَارِ، أَمَّا الرُّكُوبُ خَلْفَهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَالْمَشْيُ أَفْضَلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ كُرِهَ) الظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ رَمْلِيٌّ. أَقُولُ: لَكِنْ إنْ تَحَقَّقَ الضَّرَرُ بِالرُّكُوبِ أَمَامَهَا فَهِيَ تَحْرِيمِيَّةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَمَا كُرِهَ إلَخْ) قِيلَ تَحْرِيمًا، وَقِيلَ تَنْزِيهًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْغَايَةِ. وَفِيهِ عَنْهَا: وَيَنْبَغِي لِمَنْ تَبِعَ الْجِنَازَةَ أَنْ يُطِيلَ الصَّمْتَ. وَفِيهِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ - تَعَالَى - يَذْكُرُهُ فِي نَفْسِهِ {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55] أَيْ الْجَاهِرِينَ بِالدُّعَاءِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَمْشِي مَعَهَا اسْتَغْفِرُوا لَهُ غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ. اهـ. قُلْت: وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ فَمَا ظَنُّك بِالْغِنَاءِ الْحَادِثِ فِي هَذَا الزَّمَانِ. [مطلب فِي دفن الْمَيِّت] (قَوْلُهُ وَحَفْرُ قَبْرِهِ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي مَسَائِلِ الدَّفْنِ. وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ إنْ أَمْكَنَ إجْمَاعًا حِلْيَةٌ. وَاحْتَرَزَ بِالْإِمْكَانِ عَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ كَمَا لَوْ مَاتَ فِي سَفِينَةٍ كَمَا يَأْتِي. وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ دَفْنُهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِبِنَاءٍ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ، وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا صَرِيحًا، وَأَشَارَ بِإِفْرَادِ الضَّمِيرِ إلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَهَذَا فِي الِابْتِدَاءِ، وَكَذَا بَعْدَهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَلَا يُحْفَرُ قَبْرٌ لِدَفْنِ آخَرَ إلَّا إنْ بَلِيَ الْأَوَّلُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ عَظْمٌ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ فَتُضَمُّ عِظَامُ الْأَوَّلِ وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ تُرَابٍ. وَيُكْرَهُ الدَّفْنُ فِي الْفَسَاقِيِ اهـ وَهِيَ كَبَيْتٍ مَعْقُودٍ بِالْبِنَاءِ يَسَعُ جَمَاعَةً قِيَامًا لِمُخَالَفَتِهَا السُّنَّةَ إمْدَادٌ. وَالْكَرَاهَةُ فِيهَا مِنْ وُجُوهٍ: عَدَمِ اللَّحْدِ، وَدَفْنِ الْجَمَاعَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَاخْتِلَاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ بِلَا حَاجِزٍ، وَتَجْصِيصِهَا، وَالْبِنَاءِ عَلَيْهَا بَحْرٌ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَخُصُوصًا إنْ كَانَ فِيهَا مَيِّتٌ لَمْ يَبْلُ؛ وَمَا يَفْعَلُهُ جَهَلَةُ الْحَفَّارِينَ مِنْ نَبْشِ الْقُبُورِ الَّتِي لَمْ تَبْلُ أَرْبَابُهَا، وَإِدْخَالِ أَجَانِبَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ مِنْ الْمُنْكَرِ الظَّاهِرِ، وَلَيْسَ مِنْ الضَّرُورَةِ الْمُبِيحَةِ لِجَمْعِ مَيِّتَيْنِ فَأَكْثَرَ ابْتِدَاءً فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ قَصْدَ دَفْنِ الرَّجُلِ مَعَ قَرِيبِهِ أَوْ ضِيقِ الْمَحَلِّ فِي تِلْكَ الْمَقْبَرَةِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُتَبَرَّكُ بِالدَّفْنِ فِيهَا فَضْلًا عَنْ كَوْنِ ذَلِكَ وَنَحْوِهِ مُبِيحًا لِلنَّبْشِ، وَإِدْخَالِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ قَبْلَ الْبِلَى مَعَ مَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ، وَتَفْرِيقِ أَجْزَائِهِ، فَالْحَذَرُ مِنْ ذَلِكَ اهـ: وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَوْ بَلِيَ الْمَيِّتُ وَصَارَ تُرَابًا جَازَ دَفْنُ غَيْرِهِ فِي قَبْرِهِ وَزَرْعُهُ وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ اهـ. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَيُخَالِفُهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا صَارَ الْمَيِّتُ تُرَابًا فِي الْقَبْرِ يُكْرَهُ دَفْنُ غَيْرِهِ فِي قَبْرِهِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بَاقِيَةٌ، وَإِنْ جَمَعُوا عِظَامَهُ فِي نَاحِيَةٍ ثُمَّ دُفِنَ غَيْرُهُ فِيهِ تَبَرُّكًا بِالْجِيرَانِ الصَّالِحِينَ، وَيُوجَدُ مَوْضِعٌ فَارِغٌ يُكْرَهُ ذَلِكَ. اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 فِي غَيْرِ دَارٍ (مِقْدَارَ نِصْفِ قَامَةٍ) فَإِنْ زَادَ فَحَسَنٌ (وَيُلْحَدُ وَلَا يُشَقُّ) إلَّا فِي أَرْضٍ رَخْوَةٍ (وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يُوضَعَ فِيهِ مُضْرِبَةٌ) وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فَغَيْرُ مَشْهُورٍ لَا يُؤْخَذُ بِهِ ظَهِيرِيَّةٌ (وَلَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ تَابُوتٍ)   [رد المحتار] قُلْت: لَكِنْ فِي هَذَا مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ، فَالْأَوْلَى إنَاطَةُ الْجَوَازِ بِالْبِلَى إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَدَّ لِكُلِّ مَيِّتٍ قَبْرٌ لَا يُدْفَنُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَإِنْ صَارَ الْأَوَّلُ تُرَابًا لَا سِيَّمَا فِي الْأَمْصَارِ الْكَبِيرَةِ الْجَامِعَةِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَعُمَّ الْقُبُورُ السَّهْلَ وَالْوَعْرَ، عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْحَفْرِ إلَى أَنْ يَبْقَى عَظْمٌ عَسِرٌ جِدًّا وَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ لِبَعْضِ النَّاسِ، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي جَعْلِهِ حُكْمًا عَامًّا لِكُلِّ أَحَدٍ فَتَأَمَّلْ. [تَتِمَّةٌ] قَالَ فِي الْأَحْكَامِ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يُقْبَرَ الْمُسْلِمُ فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ عَلَامَاتِهِمْ شَيْءٌ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى، وَإِنْ بَقِيَ مِنْ عِظَامِهِمْ شَيْءٌ تُنْبَشُ وَتُرْفَعُ الْآثَارُ وَتُتَّخَذُ مَسْجِدًا، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ مَسْجِدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قَبْلُ مَقْبَرَةَ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ» كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ دَارٍ) يُغْنِي عَنْهُ مَا يَأْتِي مَتْنًا (قَوْلُهُ مِقْدَارُ نِصْفِ قَامَةٍ إلَخْ) أَوْ إلَى حَدِّ الصَّدْرِ، وَإِنْ زَادَ إلَى مِقْدَارِ قَامَةٍ فَهُوَ أَحْسَنُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْأَدْنَى نِصْفُ الْقَامَةِ وَالْأَعْلَى الْقَامَةُ، وَمَا بَيْنَهُمَا شَرْحُ الْمُنْيَةِ، وَهَذَا حَدُّ الْعُمْقِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمُبَالَغَةُ فِي مَنْعِ الرَّائِحَةِ وَنَبْشِ السِّبَاعِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَطُولُهُ عَلَى قَدْرِ طُولِ الْمَيِّتِ، وَعَرْضُهُ عَلَى قَدْرِ نِصْفِ طُولِهِ (قَوْلُهُ: وَيُلْحَدُ) لِأَنَّهُ السُّنَّةُ وَصِفَتُهُ أَنْ يُحْفَرَ الْقَبْرُ ثُمَّ يُحْفَرَ فِي جَانِبِ الْقِبْلَةِ مِنْهُ حَفِيرَةٌ فَيُوضَعُ فِيهَا الْمَيِّتُ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ كَالْبَيْتِ الْمُسْقَفِ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُشَقُّ) وَصِفَتُهُ أَنْ يُحْفَرَ فِي وَسَطِ الْقَبْرِ حَفِيرَةٌ فَيُوضَعُ فِيهَا الْمَيِّتُ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ إلَّا فِي أَرْضٍ رَخْوَةٍ) فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الشِّقِّ وَاِتِّخَاذِ تَابُوتٍ ط عَنْ الدُّرِّ الْمُنْتَقَى، وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ. وَمُقْتَضَى الْمُقَابَلَةِ أَنَّهُ يُلْحَدُ وَيُوضَعُ التَّابُوتُ فِي اللَّحْدِ لِأَنَّ الْعُدُولَ إلَى الشِّقِّ لِخَوْفِ انْهِيَارِ اللَّحْدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ، فَإِذَا وُضِعَ التَّابُوتُ فِي اللَّحْدِ أُمِنَ انْهِيَارُهُ عَلَى الْمَيِّتِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ حَفْرُ اللَّحْدِ تَعَيَّنَ الشَّقُّ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّابُوتِ، إلَّا إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ نَدِيَّةً يُسْرِعُ فِيهَا بِلَى الْمَيِّتِ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْغَايَةِ: وَيَكُونُ التَّابُوتُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ رَخْوَةً أَوْ نَدِيَّةً مَعَ كَوْنِ التَّابُوتِ فِي غَيْرِهَا مَكْرُوهًا فِي قَوْلِ الْعُلَمَاءِ قَاطِبَةً. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: يُوضَعُ التَّابُوتُ فِي الشِّقِّ إذَا لَمْ يَكُنْ فَوْقَهُ بِنَاءٌ لِئَلَّا يُرْمَسَ الْمَيِّتُ فِي التُّرَابِ، أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ سَقْفٌ أَوْ بِنَاءٌ مَعْقُودٌ فَوْقَهُ كَقُبُورِ بِلَادِنَا وَلَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ نَدِيَّةً وَلَمْ يُلْحَدْ فَيُكْرَهُ التَّابُوتُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ إلَخْ) أَيْ يُكْرَهُ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُوضَعَ تَحْتَ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ مِضْرَبَةٌ أَوْ مِخَدَّةٌ أَوْ حَصِيرٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ اهـ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ إتْلَافُ مَالٍ بِلَا ضَرُورَةٍ، فَالْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةٌ، وَلِذَا عَبَّرَ بِلَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ) يَعْنِي مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ نَهْرٌ. ثُمَّ إنَّ الشَّارِحَ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْمُصَنِّفَ فِي مِنَحِهِ. وَاَلَّذِي وَجَدْته فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ عَائِشَةَ، وَكَذَا عَزَاهُ إلَى الظَّهِيرِيَّةِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ جُعِلَ فِي قَبْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَطِيفَةٌ» ، قِيلَ لِأَنَّ الْمَدِينَةَ سَبِخَةٌ، وَقِيلَ إنَّ الْعَبَّاسَ وَعَلِيًّا تَنَازَعَاهَا فَبَسَطَهَا شُقْرَانُ تَحْتَهُ لِقَطْعِ التَّنَازُعِ، وَقِيلَ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَلْبَسُهَا وَيَفْتَرِشُهَا، فَقَالَ شُقْرَانُ: وَاَللَّهِ لَا يَلْبَسُك أَحَدٌ بَعْدَهُ أَبَدًا فَأَلْقَاهَا فِي الْقَبْرِ» (قَوْلُهُ فَغَيْرُ مَشْهُورٍ) أَيْ غَيْرُ ثَابِتٍ عَنْهُ، أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرْ عَنْهُ فِعْلُهُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ لِيَكُونَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ، بَلْ ثَبَتَ عَنْ غَيْرِهِ خِلَافُهُ. فَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَكَرِهَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنْ يُلْقَى تَحْتَ الْمَيِّتِ شَيْءٌ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَعَنْ أَبِي مُوسَى «لَا تَجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَ الْأَرْضِ شَيْئًا» . اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ تَابُوتٍ إلَخْ) أَيْ يُرَخَّصُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَإِلَّا كُرِهَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 وَلَوْ مِنْ حَجَرٍ أَوْ حَدِيدٍ (لَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ) كَرَخَاوَةِ الْأَرْضِ (وَ) يُسَنُّ أَنْ (يُفْرَشَ فِيهِ التُّرَابُ. مَاتَ فِي سَفِينَةٍ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَأُلْقِيَ فِي الْبَحْرِ إنْ لَمْ يَكُنْ قَرِيبًا مِنْ الْبَرِّ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُدْفَنَ) الْمَيِّتُ (فِي الدَّارِ وَلَوْ) كَانَ (صَغِيرًا) لِاخْتِصَاصِ هَذِهِ السُّنَّةِ بِالْأَنْبِيَاءِ وَاقِعَاتٌ. (وَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ (يُدْخَلَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ) بِأَنْ يُوضَعَ مِنْ جِهَتِهَا ثُمَّ يُحْمَلَ فَيُلْحَدَ (وَ) أَنْ (يَقُولَ وَاضِعُهُ: بِسْمِ اللَّهِ، وَبِاَللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُوَجَّهَ إلَيْهَا)   [رد المحتار] نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الْإِمَامِ ابْنِ الْفَضْلِ أَنَّهُ جَوَّزَهُ فِي أَرَاضِيِهِمْ لِرَخَاوَتِهَا: وَقَالَ: لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُفْرَشَ فِيهِ التُّرَابُ، وَتُطَيَّنَ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا مِمَّا يَلِي الْمَيِّتَ، وَيُجْعَلُ اللَّبِنُ الْخَفِيفُ عَلَى يَمِينِ الْمَيِّتِ وَيَسَارِهِ لِيَصِيرَ بِمَنْزِلَةِ اللَّحْدِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يَنْبَغِي يُسَنُّ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ، بَلْ فِي الْيَنَابِيعِ: وَالسُّنَّةُ أَنْ يُفْرَشَ فِي الْقَبْرِ التُّرَابُ، ثُمَّ لَمْ يَتَعَقَّبُوا الرُّخْصَةَ فِي اتِّخَاذِهِ مِنْ حَدِيدٍ بِشَيْءٍ، وَلَا شَكَّ فِي كَرَاهَتِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْوَجْهِ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُعْمَلُ إلَّا بِالنَّارِ فَيَكُونُ كَالْآجُرِّ الْمَطْبُوخِ بِهَا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ لَهُ) أَيْ لِلْمَيِّتِ كَمَا فِي الْبَحْرِ أَوْ لِلرَّجُلِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْمَرْأَةِ مُطْلَقًا، وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فَقَالَ: وَفِي الْمُحِيطِ: وَاسْتَحْسَنَ مَشَايِخُنَا اتِّخَاذَ التَّابُوتِ لِلنِّسَاءِ، يَعْنِي وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ رَخْوَةً فَإِنَّهُ أَقْرَبُ إلَى السَّتْرِ وَالتَّحَرُّزِ عَنْ مَسِّهَا عِنْدَ الْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَرَخَاوَةِ الْأَرْضِ) أَيْ وَكَوْنُهَا نَدِيَّةً، فَيُوضَعُ فِي اللَّحْدِ أَوْ فِي الشِّقِّ إنْ كَانَتْ نَدِيَّةً أَوْ لَمْ يَكُنْ لِلشِّقِّ سَقْفٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ أَنْ يُفْرَشَ فِيهِ) أَيْ فِي الْقَبْرِ أَوْ فِي اللَّحْدِ كَمَا بَيَّنَّاهُ (قَوْلُهُ وَأُلْقِيَ فِي الْبَحْرِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعَنْ أَحْمَدَ يُثْقَلُ لِيَرْسُبَ. وَعَنْ الشَّافِعِيَّةِ كَذَلِكَ إنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَإِلَّا شُدَّ بَيْنَ لَوْحَيْنِ لِيَقْذِفَهُ الْبَحْرُ فَيُدْفَنَ. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ قَرِيبًا مِنْ الْبَرِّ) الظَّاهِرُ تَقْدِيرُهُ، بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَرِّ مُدَّةٌ يَتَغَيَّرُ الْمَيِّتُ فِيهَا. ثُمَّ رَأَيْت فِي نُورِ الْإِيضَاحِ التَّعْبِيرَ بِخَوْفِ الضَّرَرِ بِهِ (قَوْلُهُ فِي الدَّارِ) كَذَا فِي الْحِلْيَةِ عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَغَيْرِهَا، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الْفَتْحِ وَلَا يُدْفَنُ صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ فِي الْبَيْتِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْأَنْبِيَاءِ، بَلْ يُنْقَلُ إلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُدْفَنُ فِي مَدْفِنٍ خَاصٍّ كَمَا يَفْعَلُهُ مَنْ يَبْنِي مَدْرَسَةً وَنَحْوَهَا، وَيَبْنِي لَهُ بِقُرْبِهَا مَدْفِنًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِأَنْ يُوضَعَ مِنْ جِهَتِهَا ثُمَّ يُحْمَلَ) أَيْ فَيَكُونَ الْآخِذُ لَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَالَ الْأَخْذِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: يُسْتَحَبُّ السَّلُّ، بِأَنْ يُوضَعَ الْمَيِّتُ عِنْدَ آخِرِ الْقَبْرِ ثُمَّ يُسَلُّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ مُنْحَدِرًا، وَبَيَانُ الْأَدِلَّةِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْفَتْحِ. وَلَا يَضُرُّ عِنْدَنَا كَوْنُ الدَّاخِلِ فِي الْقَبْرِ وِتْرًا أَوْ شَفْعًا وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ الْوِتْرَ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَيُلْحَدُ) وَكَذَا لَوْ كَانَ الْقَبْرُ شِقًّا غَيْرَ مُسْقَفٍ، أَمَّا الْمُسْقَفُ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ السَّلُّ (قَوْلُهُ وَبِاَللَّهِ) زَادَهُ عَلَى مَا فِي الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ، وَهُوَ ثَابِتٌ فِي لَفْظٍ لِلتِّرْمِذِيِّ، وَالْأَوَّلُ فِي لَفْظٍ لِابْنِ مَاجَهْ وَفِي لَفْظٍ لَهُ بِزِيَادَةٍ «وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ» بَعْدَ قَوْلِهِ بِسْمِ اللَّهِ، وَذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالُوا: وَالْمَعْنَى بِسْمِ اللَّهِ وَضَعْنَاك، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ سَلَّمْنَاك، ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ: لَيْسَ هَذَا دُعَاءً لِلْمَيِّتِ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ عَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَدَّلَ حَالُهُ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يُبَدَّلْ أَيْضًا، وَلَكِنْ الْمُؤْمِنُونَ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، فَيَشْهَدُونَ بِوَفَاتِهِ عَلَى الْمِلَّةِ، وَعَلَى هَذَا جَرَتْ السُّنَّةُ اهـ حِلْيَةٌ. [تَنْبِيهٌ] فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْوَارِدِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُسَنُّ الْأَذَانُ عِنْدَ إدْخَالِ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ الْآنَ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهُ بِدْعَةٌ. وَقَالَ: وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ سُنَّةٌ قِيَاسًا عَلَى نَدْبِهِمَا لِلْمَوْلُودِ إلْحَاقًا لِخَاتِمَةِ الْأَمْرِ بِابْتِدَائِهِ فَلَمْ يُصِبْ. اهـ. وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا وَغَيْرُهُمْ بِكَرَاهَةِ الْمُصَافَحَةِ الْمُعْتَادَةِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ مَعَ أَنَّ الْمُصَافَحَةَ سُنَّةٌ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِكَوْنِهَا لَمْ تُؤْثَرْ فِي خُصُوصِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَالْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا فِيهِ تُوهِمُ الْعَوَّامَ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ فِيهِ، وَلِذَا مَنَعُوا عَنْ الِاجْتِمَاعِ لِصَلَاةِ الرَّغَائِبِ الَّتِي أَحْدَثَهَا بَعْضُ الْمُتَعَبِّدِينَ لِأَنَّهَا لَمْ تُؤْثَرْ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ فِي تِلْكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 وُجُوبًا، وَيَنْبَغِي كَوْنُهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَلَا يُنْبَشُ لِيُوَجَّهَ إلَيْهَا (وَتُحَلُّ الْعُقْدَةُ) لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا (وَيُسَوَّى اللَّبِنُ وَالْقَصَبُ لَا الْآجُرُّ) الْمَطْبُوخُ وَالْخَشَبُ لَوْ حَوْلَهُ، أَمَّا فَوْقَهُ فَلَا يُكْرَهُ ابْنُ مَالِكٍ. [فَائِدَةٌ] عَدَدُ لَبِنَاتِ لَحْدِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تِسْعٌ بَهْنَسِيٌّ (وَجَازَ) ذَلِكَ حَوْلَهُ (بِأَرْضٍ رَخْوَةٍ) كَالتَّابُوتِ (وَيُسَجَّى) أَيْ يُغَطَّى (قَبْرُهَا) وَلَوْ خُنْثَى (لَا قَبْرُهُ) إلَّا لِعُذْرٍ كَمَطَرٍ (وَيُهَالُ التُّرَابُ عَلَيْهِ، وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ) مِنْ التُّرَابِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ وَيُسْتَحَبُّ حَثْيُهُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ثَلَاثًا،   [رد المحتار] اللَّيَالِي الْمَخْصُوصَةِ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ خَيْرَ مَوْضُوعٍ (قَوْلُهُ: وُجُوبًا) أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ: بِذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَكِنْ لَمْ يَجِدْهُ الْمُخْرِجُونَ. وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهُ غَرِيبٌ، وَاسْتُؤْنِسَ لَهُ بِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: هِيَ تِسْعٌ، فَذَكَرَ مِنْهَا اسْتِحْلَالَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ قِبْلَتَكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا» . اهـ. قُلْت: وَوَجْهُهُ أَنَّ ظَاهِرَهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ فِي وُجُوبِ اسْتِقْبَالِهِ، لَكِنْ صَرَّحَ فِي التُّحْفَةِ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ كَمَا يَأْتِي عَقِبَهُ (قَوْلُهُ: وَلَا يُنْبَشُ لِيُوَجَّهَ إلَيْهَا) أَيْ لَوْ دُفِنَ مُسْتَدْبِرًا لَهَا وَأَهَالُوا التُّرَابَ لَا يُنْبَشُ لِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَى الْقِبْلَةِ سُنَّةٌ وَالنَّبْشَ حَرَامٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَعْدَ إقَامَةِ اللَّبِنِ قَبْلَ إهَالَةِ التُّرَابِ فَإِنَّهُ يُزَالُ وَيُوَجَّهُ إلَى الْقِبْلَةِ عَنْ يَمِينِهِ حِلْيَةٌ عَنْ التُّحْفَةِ، وَلَوْ بَقِيَ فِيهِ مَتَاعٌ لِإِنْسَانٍ فَلَا بَأْسَ بِالنَّبْشِ ظَهِيرِيَّةٌ (قَوْلُهُ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا) لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِخَوْفِ الِانْتِشَارِ عِنْدَ الْحَمْلِ (قَوْلُهُ: وَيُسَوَّى اللَّبِنُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى اللَّحْدِ بِأَنْ يُسَدَّ مِنْ جِهَةِ الْقَبْرِ وَيُقَامَ اللَّبِنُ فِيهِ حِلْيَةٌ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ: وَالْقَصَبُ) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَتُسَدُّ الْفُرَجُ الَّتِي بَيْنَ اللَّبِنِ بِالْمَدَرِ وَالْقَصَبِ كَيْ لَا يَنْزِلَ التُّرَابُ مِنْهَا عَلَى الْمَيِّتِ، وَنَصُّوا عَلَى اسْتِحْبَابِ الْقَصَبِ فِيهَا كَاللَّبِنِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا الْآجُرُّ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَالتَّشْدِيدِ أَشْهَرُ مِنْ التَّخْفِيفِ مِصْبَاحٌ. وَقَوْلُهُ الْمَطْبُوخُ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلزِّينَةِ وَلَا حَاجَةَ لِلْمَيِّتِ إلَيْهَا وَلِأَنَّهُ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ، فَيُكْرَهُ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى الْمَيِّتِ تَفَاؤُلًا كَمَا يُكْرَهُ أَنْ يُتْبَعَ قَبْرُهُ بِنَارٍ تَفَاؤُلًا (قَوْلُهُ: لَوْ حَوْلَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَكَرِهُوا الْآجُرَّ وَأَلْوَاحَ الْخَشَبِ. وَقَالَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ: هَذَا إذَا كَانَ حَوْلَ الْمَيِّتِ، فَلَوْ فَوْقَهُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ يَكُونُ عِصْمَةً مِنْ السَّبُعِ. وَقَالَ مَشَايِخُ بُخَارَى: لَا يُكْرَهُ الْآجُرُّ فِي بَلْدَتِنَا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ لِضَعْفِ الْأَرَاضِي (قَوْلُهُ: عَدَدُ لَبِنَاتِ إلَخْ) نَقَلَهُ أَيْضًا فِي الْأَحْكَامِ عَنْ الشُّمُنِّيِّ عَنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ يُقَالُ عَدَدُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَجَازَ ذَلِكَ) أَيْ الْآجُرُّ وَالْخَشَبُ (قَوْلُهُ: وَيُسَجَّى قَبْرُهَا) أَيْ بِثَوْبٍ وَنَحْوِهِ اسْتِحْبَابًا حَالَ إدْخَالِهَا الْقَبْرَ حَتَّى يُسَوَّى اللَّبِنُ عَلَى اللَّحْدِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْإِمْدَادِ. وَنَقَلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ صَرَّحَ فِي كِتَابِ الْخُنْثَى أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ. قُلْت: وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ ظُهُورُ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَطَرٍ) أَيْ وَبَرْدٍ وَحَرٍّ وَثَلْجٍ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَبْرِ أَوْ عَلَى الْمَيِّتِ، وَهُوَ أَقْرَبُ لَفْظًا، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ مَعْنًى (قَوْلُهُ: وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ) لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ» زَادَ أَبُو دَاوُد «أَوْ يُزَادَ عَلَيْهِ» حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ) كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ، وَهُوَ مُقْتَضَى النَّهْيِ الْمَذْكُورِ، لَكِنْ نَظَرَ صَاحِبُ الْحِلْيَةِ فِي هَذَا التَّعْلِيلِ وَقَالَ: وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَشَّ عَلَى قَبْرِ ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ وَوَضَعَ عَلَيْهِ حَصْبَاءَ» وَهُوَ مُرْسَلٌ صَحِيحٌ، فَتُحْمَلُ الْكَرَاهَةُ عَلَى الزِّيَادَةِ الْفَاحِشَةِ، وَعَدَمُهَا عَلَى الْقَلِيلَةِ الْمُبَلِّغَةِ لَهُ مِقْدَارَ شِبْرٍ أَوْ مَا فَوْقَهُ قَلِيلًا (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ حَثْيُهُ) أَيْ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا جَوْهَرَةٌ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: حَثَيْت التُّرَابَ حَثْيًا وَحَثَوْته حَثْوًا: إذَا قَبَضْته وَرَمَيْته. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْقَامُوسِ، فَهُوَ وَاوِيٌّ وَيَائِيٌّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ثَلَاثًا) لِمَا فِي ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ ثُمَّ أَتَى الْقَبْرَ فَحَثَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 وَجُلُوسُ سَاعَةٍ بَعْدَ دَفْنِهِ لِدُعَاءٍ وَقِرَاءَةٍ بِقَدْرِ مَا يُنْحَرُ الْجَزُورُ وَيُفَرَّقُ لَحْمُهُ. (وَلَا بَأْسَ بِرَشِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ) حِفْظًا لِتُرَابِهِ عَنْ الِانْدِرَاسِ (وَلَا يُرَبَّعُ) لِلنَّهْيِ (وَيُسَنَّمُ) نَدْبًا. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وُجُوبًا قَدْرَ شِبْرٍ (وَلَا يُجَصَّصُ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ (وَلَا يُطَيَّنُ، وَلَا يُرْفَعُ عَلَيْهِ بِنَاءٌ. وَقِيلَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ) كَمَا فِي كَرَاهَةِ السِّرَاجِيَّةِ. وَفِي جَنَائِزِهَا: لَا بَأْسَ بِالْكِتَابَةِ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهَا حَتَّى لَا يَذْهَبَ الْأَثَرُ وَلَا يُمْتَهَنَ (وَلَا يُخْرَجُ   [رد المحتار] عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ثَلَاثًا» شَرْحُ الْمُنْيَةِ. قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَيَقُولُ فِي الْحَثْيَةِ الْأُولَى - {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه: 55]- وَفِي الثَّانِيَةِ - {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: 55]- وَفِي الثَّالِثَةِ - {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55]- وَقِيلَ يَقُولُ فِي الْأُولَى: اللَّهُمَّ جَافِ الْأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ أَبْوَابَ السَّمَاءِ لِرُوحِهِ، وَفِي الثَّالِثَةِ: اللَّهُمَّ زَوِّجْهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ. وَلِلْمَرْأَةِ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْهَا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِك اهـ (قَوْلُهُ: وَجُلُوسٌ إلَخْ) لِمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَى قَبْرِهِ وَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا اللَّهَ لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ أَوَّلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتَهَا. وَرُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ وَهُوَ فِي سِيَاقِ الْمَوْتِ: إذَا أَنَا مِتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ، فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا، ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ، وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ رُسُلَ رَبِّي جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِرَشِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ) بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُنْدَبَ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ بِقَبْرِ سَعْدٍ» كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ «وَبِقَبْرِ وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ» كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ «وَأَمَرَ بِهِ فِي قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ» كَمَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ، فَانْتَفَى مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ كَرَاهَتِهِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ التَّطْيِينَ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ: لِلنَّهْيِ) هُوَ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْآثَارِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْخٌ لَنَا يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَرْبِيعِ الْقُبُورِ وَتَجْصِيصِهَا» إمْدَادٌ (قَوْلُهُ وَيُسَنَّمُ) أَيْ يُجْعَلُ تُرَابُهُ مُرْتَفِعًا عَلَيْهِ كَسَنَامِ الْجَمَلِ، لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ سُفْيَانَ النِّمَارِ " أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسَنَّمًا " وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، التَّسْطِيحُ: أَيْ التَّرْبِيعُ أَفْضَلُ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وُجُوبًا) هُوَ مُقْتَضَى النَّهْيِ الْمَذْكُورِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ التَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَالتَّشَبُّهُ بِهِمْ فِيمَا مِنْهُ بُدٌّ مَكْرُوهٌ اهـ لَكِنْ فِي النَّهْرِ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى. قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ شُبْهَةُ الِاخْتِلَافِ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَلَى التَّرْبِيعِ فَيَكُونُ النَّهْيُ مَصْرُوفًا عَنْ ظَاهِرِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: قَدْرَ شِبْرٍ) أَوْ أَكْثَرَ شَيْئًا قَلِيلًا بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: وَلَا يُجَصَّصُ) أَيْ لَا يُطْلَى بِالْجَصِّ بِالْفَتْحِ وَيُكْسَرُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُرْفَعُ عَلَيْهِ بِنَاءٌ) أَيْ يَحْرُمُ لَوْ لِلزِّينَةِ، وَيُكْرَهُ لَوْ لِلْإِحْكَامِ بَعْدَ الدَّفْنِ، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَيْسَ بِقَبْرٍ إمْدَادٌ. وَفِي الْأَحْكَامِ عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى: وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ الْبِنَاءُ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ مِنْ الْمَشَايِخِ وَالْعُلَمَاءِ وَالسَّادَاتِ اهـ قُلْت: لَكِنْ هَذَا فِي غَيْرِ الْمَقَابِرِ الْمُسَبَّلَةِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: لَا بَأْسَ بِهِ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ عَقِبَ قَوْلِهِ: وَلَا يُطَيَّنُ لِأَنَّ عِبَارَةَ السِّرَاجِيَّةِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّحْمَتِيُّ ذَكَرَ فِي تَجْرِيدِ أَبِي الْفَضْلِ أَنَّ تَطْيِينَ الْقُبُورِ مَكْرُوهٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ اهـ وَعَزَاهُ إلَيْهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ أَيْضًا. وَأَمَّا الْبِنَاءُ عَلَيْهِ فَلَمْ أَرَ مَنْ اخْتَارَ جَوَازَهُ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ التَّطْيِينُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: يُكْرَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ بِنَاءً مِنْ بَيْتٍ أَوْ قُبَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، لِمَا رَوَى جَابِرٌ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَجْصِيصِ الْقُبُورِ، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ اهـ نَعَمْ فِي الْإِمْدَادِ عَنْ الْكُبْرَى: وَالْيَوْمَ اعْتَادُوا التَّسْنِيمَ بِاللَّبِنِ صِيَانَةً لِلْقَبْرِ عَنْ النَّبْشِ، وَرَأَوْا ذَلِكَ حَسَنًا. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» . اهـ. (قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِالْكِتَابَةِ إلَخْ) لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهَا وَإِنْ صَحَّ فَقَدْ وُجِدَ الْإِجْمَاعُ الْعَمَلِيُّ بِهَا، فَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ النَّهْيَ عَنْهَا مِنْ طُرُقٍ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ الْأَسَانِيدُ صَحِيحَةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 مِنْهُ) بَعْدَ إهَالَةِ التُّرَابِ (إلَّا) لِحَقِّ آدَمِيٍّ كَ (أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَغْصُوبَةً أَوْ أُخِذَتْ بِشُفْعَةٍ) وَيُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ إخْرَاجِهِ وَمُسَاوَاتِهِ بِالْأَرْضِ كَمَا جَازَ زَرْعُهُ وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ إذَا بَلِيَ وَصَارَ تُرَابًا زَيْلَعِيٌّ. (حَامِلٌ مَاتَتْ وَوَلَدُهَا حَيٌّ) يَضْطَرِبُ (شُقَّ بَطْنُهَا) مِنْ الْأَيْسَرِ (وَيُخْرَجُ وَلَدُهَا) وَلَوْ بِالْعَكْسِ وَخِيفَ عَلَى الْأُمِّ قُطِعَ وَأُخْرِجَ وَلَوْ مَيِّتًا وَإِلَّا لَا كَمَا فِي كَرَاهَةِ الِاخْتِيَارِ. وَلَوْ بَلَعَ مَالَ غَيْرِهِ وَمَاتَ هَلْ يُشَقُّ قَوْلَانِ، وَالْأَوْلَى نَعَمْ فَتْحٌ.   [رد المحتار] وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهَا، فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ مَكْتُوبٌ عَلَى قُبُورِهِمْ، وَهُوَ عَمَلٌ أَخَذَ بِهِ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ اهـ وَيَتَقَوَّى بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَلَ حَجَرًا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَأْسِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَقَالَ: أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي وَأَدْفِنُ إلَيْهِ مَنْ تَابَ مِنْ أَهْلِي» فَإِنَّ الْكِتَابَةَ طَرِيقٌ إلَى تَعَرُّفِ الْقَبْرِ بِهَا، نَعَمْ يَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّ هَذَا الْإِجْمَاعِ الْعَمَلِيِّ عَلَى الرُّخْصَةِ فِيهَا مَا إذَا كَانَتْ الْحَاجَةُ دَاعِيَةً إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى الْكِتَابَةِ، حَتَّى لَا يَذْهَبَ الْأَثَرُ وَلَا يُمْتَهَنَ فَلَا بَأْسَ بِهِ. فَأَمَّا الْكِتَابَةُ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَلَا اهـ حَتَّى إنَّهُ يُكْرَهُ كِتَابَةُ شَيْءٍ عَلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ الشِّعْرِ أَوْ إطْرَاءِ مَدْحٍ لَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ حِلْيَةٌ مُلَخَّصًا. قُلْت: لَكِنْ نَازَعَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّة فِي هَذَا الْإِجْمَاعِ بِأَنَّهُ أَكْثَرِيٌّ، وَإِنْ سَلِمَ فَمَحَلُّ حُجِّيَّتِهِ عِنْدَ صَلَاحِ الْأَزْمِنَةِ بِحَيْثُ يَنْفُذُ فِيهَا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَقَدْ تَعَطَّلَ ذَلِكَ مُنْذُ أَزْمِنَةٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى قُبُورِهِمْ فِي الْمَقَابِرِ الْمُسَبَّلَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْكِتَابَةِ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ، وَقَدْ عَلِمُوا بِالنَّهْيِ عَنْهُ فَكَذَا الْكِتَابَةُ اهـ فَالْأَحْسَنُ التَّمَسُّكُ بِمَا يُفِيدُ حَمْلَ النَّهْيِ عَلَى عَدَمِ الْحَاجَةِ كَمَا مَرَّ. [تَتِمَّةٌ] فِي الْأَحْكَامِ عَنْ الْحُجَّةِ: تُكْرَهُ السُّتُورُ عَلَى الْقُبُورِ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا لِحَقِّ آدَمِيٍّ) احْتِرَازٌ عَنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا إذَا دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ وُضِعَ عَلَى غَيْرِ يَمِينِهِ أَوْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ لَا يُنْبَشُ عَلَيْهِ بَعْدَ إهَالَةِ التُّرَابِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ كَأَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَغْصُوبَةً) وَكَمَا إذَا سَقَطَ فِي الْقَبْرِ مَتَاعٌ أَوْ كُفِّنَ بِثَوْبٍ مَغْصُوبٍ أَوْ دُفِنَ مَعَهُ مَالٌ قَالُوا: وَلَوْ كَانَ الْمَالُ دِرْهَمًا بَحْرٌ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى: امْرَأَةٌ دَفَنَتْ مَعَ بِنْتِهَا مِنْ الْمَصَاغِ وَالْأَمْتِعَةِ الْمُشْتَرَكَةِ إرْثًا عَنْهَا بِغَيْبَةِ الزَّوْجِ أَنَّهُ يُنْبَشُ لِحَقِّهِ، وَإِذَا تَلِفَتْ بِهِ تَضْمَنُ الْمَرْأَةُ حِصَّتَهُ اهـ وَاحْتُرِزَ بِالْمَغْصُوبَةِ عَمَّا إذَا كَانَتْ وَقْفًا. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: أَنْفَقَ مَالًا فِي إصْلَاحِ قَبْرٍ فَجَاءَ رَجُلٌ وَدَفَنَ فِيهِ مَيِّتَهُ، وَكَانَتْ الْأَرْضُ مَوْقُوفَةً يَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ فِيهِ، وَلَا يُحَوَّلُ مَيِّتُهُ مِنْ مَكَانِهِ لِأَنَّهُ دُفِنَ فِي وَقْفٍ اهـ. وَعَبَّرَ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْحَفْرِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ أُخِذَتْ بِشُفْعَةٍ) أَيْ بِأَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَدَفَنَ فِيهَا مَيِّتَهُ ثُمَّ عَلِمَ الشَّفِيعُ بِالشِّرَاءِ فَتَمَلَّكَهَا بِالشُّفْعَةِ (قَوْلُهُ وَمُسَاوَاتُهُ بِالْأَرْضِ) أَيْ لِيُزْرَعَ فَوْقَهُ مَثَلًا لِأَنَّ حَقَّهُ فِي بَاطِنِهَا وَظَاهِرِهَا، فَإِنْ شَاءَ تَرَكَ حَقَّهُ فِي بَاطِنِهَا وَإِنْ شَاءَ اسْتَوْفَاهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: كَمَا جَازَ زَرْعُهُ) أَيْ الْقَبْرِ وَلَوْ غَيْرَ مَغْصُوبٍ وَكَذَا يَجُوزُ دَفْنُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ أَيْضًا، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ مِنْ الْأَيْسَرِ) كَذَا قَيَّدَهُ فِي الدُّرَرِ، وَلْيُنْظَرْ وَجْهُهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِالْعَكْسِ) بِأَنْ مَاتَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا وَهِيَ حَيَّةٌ (قَوْلُهُ قُطِعَ) أَيْ بِأَنْ تُدْخِلَ الْقَابِلَةُ يَدَهَا فِي الْفَرْجِ وَتَقْطَعَهُ بِآلَةٍ فِي يَدِهَا بَعْدَ تَحَقُّقِ مَوْتِهِ (قَوْلُهُ: لَوْ مَيِّتًا) لَا وَجْهَ لَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ بِالْعَكْسِ ط (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَلَوْ كَانَ حَيًّا لَا يَجُوزُ تَقْطِيعُهُ لِأَنَّ مَوْتَ الْأُمِّ بِهِ مَوْهُومٌ، فَلَا يَجُوزُ قَتْلُ آدَمِيٍّ حَيٍّ لِأَمْرٍ مَوْهُومٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَلَعَ مَالَ غَيْرِهِ) أَيْ وَلَا مَالَ لَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ مَالًا يَضْمَنُ مَا بَلَعَهُ لَا يُشَقُّ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى نَعَمْ) لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ حُرْمَةُ الْآدَمِيِّ أَعْلَى مِنْ صِيَانَةِ الْمَالِ لَكِنَّهُ أَزَالَ احْتِرَامَهُ بِتَعَدِّيهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ سَقَطَ فِي جَوْفِهِ بِلَا تَعَدٍّ لَا يُشَقُّ اتِّفَاقًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 فُرُوعٌ] الِاتِّبَاعُ أَفْضَلُ مِنْ النَّوَافِلِ لَوْ لِقَرَابَةٍ أَوْ جِوَارٍ أَوْ فِيهِ صَلَاحٌ مَعْرُوفٌ. يُنْدَبُ دَفْنُهُ فِي جِهَةِ مَوْتِهِ وَتَعْجِيلُهُ وَسَتْرُ مَوْضِعِ غُسْلِهِ فَلَا يَرَاهُ إلَّا غَاسِلُهُ وَمَنْ يَعْنِيهِ، وَإِنْ رَأَى بِهِ مَا يُكْرَهُ لَمْ يَجُزْ ذِكْرُهُ، لِحَدِيثِ «اُذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِيهِمْ» . وَلَا بَأْسَ بِنَقْلِهِ قَبْلَ دَفْنِهِ وَبِالْإِعْلَامِ بِمَوْتِهِ وَبِإِرْثَائِهِ بِشَعْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، لَكِنْ يُكْرَهُ الْإِفْرَاطُ فِي مَدْحِهِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ جِنَازَتِهِ، لِحَدِيثِ «مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ» وَبِتَعْزِيَةِ أَهْلِهِ وَتَرْغِيبِهِمْ فِي الصَّبْرِ   [رد المحتار] كَمَا لَا يُشَقُّ الْحَيُّ مُطْلَقًا لِإِفْضَائِهِ إلَى الْهَلَاكِ لَا لِمُجَرَّدِ الِاحْتِرَامِ [فُرُوعٌ فِي الْجَنَائِز] (قَوْلُهُ: الِاتِّبَاعُ أَفْضَلُ) أَيْ اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهُ بِرُّ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ، فَالثَّوَابُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ ط (قَوْلُهُ أَوْ جِوَارٍ) سَيَأْتِي فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْجَارَ مَنْ لَصِقَ بِهِ. وَقَالَا: مَنْ يَسْكُنُ فِي مَحَلَّتِهِ وَيَجْمَعُهُمْ مَسْجِدُ الْمَحَلَّةِ، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْجَارُ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. اهـ. قُلْت: وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْإِمَامِ كَمَا سَيَأْتِي هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى، وَهُوَ يُقَيَّدُ هُنَا بِالْمُلَاصِقِ أَيْضًا؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ مَا لَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ الْإِطْلَاقِ. وَقَدْ يُقَالُ: كَلَامُ الْمُوصِي يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ. وَالْجَارُ عُرْفًا الْمُلَاصِقُ أَوْ مَنْ يَسْكُنُ فِي الْمَحَلَّةِ فَتُصْرَفُ إلَيْهِ الْوَصِيَّةُ بِخِلَافِهِ هُنَا فَيَكُونُ حَدُّهُ إلَى الْأَرْبَعِينَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: يُنْدَبُ دَفْنُهُ فِي جِهَةِ مَوْتِهِ) أَيْ فِي مَقَابِرِ أَهْلِ الْمَكَانِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَوْ قُتِلَ، وَإِنْ نُقِلَ قَدْرَ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ فَلَا بَأْسَ شَرْحُ الْمُنْيَةِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى نَقْلِهِ. قُلْت: وَلِذَا صَحَّ «أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَفْنِ قَتْلَى أُحُدٍ فِي مَضَاجِعِهِمْ» مَعَ أَنَّ مَقْبَرَةَ الْمَدِينَةِ قَرِيبَةٌ، وَلِذَا دُفِنَتْ الصَّحَابَةُ الَّذِينَ فَتَحُوا دِمَشْقَ عِنْدَ أَبْوَابِهَا وَلَمْ يُدْفَنُوا كُلُّهُمْ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ وَتَعْجِيلُهُ) أَيْ تَعْجِيلُ جِهَازِهِ عَقِبَ تَحَقُّقِ مَوْتِهِ، وَلِذَا كُرِهَ تَأْخِيرُ صَلَاتِهِ وَدَفْنِهِ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ جَمْعٌ عَظِيمٌ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ ذِكْرُهُ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ صَاحِبَ بِدْعَةٍ لِيَرْتَدِعَ غَيْرُهُ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِنَقْلِهِ قَبْلَ دَفْنِهِ) قِيلَ مُطْلَقًا، وَقِيلَ إلَى مَا دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ، وَقَيَّدَهُ مُحَمَّدٌ بِقَدْرِ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ لِأَنَّ مَقَابِرَ الْبَلَدِ رُبَّمَا بَلَغَتْ هَذِهِ الْمَسَافَةَ فَيُكْرَهُ فِيمَا زَادَ. قَالَ فِي النَّهْرِ عَنْ عِقْدِ الْفَرَائِدِ: وَهُوَ الظَّاهِرُ اهـ وَأَمَّا نَقْلُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ فَلَا مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْفَتْحِ وَاتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْمَشَايِخِ فِي امْرَأَةٍ دُفِنَ ابْنُهَا، وَهِيَ غَائِبَةٌ فِي غَيْرِ بَلَدِهَا فَلَمْ تَصْبِرْ، وَأَرَادَتْ نَقْلَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسَعُهَا ذَلِكَ، فَتَجْوِيزُ شَوَاذِّ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ. وَأَمَّا نَقْلُ يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - مِنْ مِصْرَ إلَى الشَّامِ لِيَكُونَا مَعَ آبَائِهِمَا الْكِرَامِ فَهُوَ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا وَلَمْ يَتَوَفَّرْ فِيهِ شُرُوطُ كَوْنِهِ شَرْعًا لَنَا اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَبِالْإِعْلَامِ بِمَوْتِهِ) أَيْ إعْلَامِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا لِيَقْضُوا حَقَّهُ هِدَايَةٌ. وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ فِي الْأَزِقَّةِ وَالْأَسْوَاقِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ نَعْيَ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ تَنْوِيهٌ بِذِكْرِهِ وَتَفْخِيمٌ، بَلْ يَقُولُ: الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ، فَإِنَّ نَعْيَ الْجَاهِلِيَّةِ مَا كَانَ فِيهِ قَصْدُ الدَّوَرَانِ مَعَ الضَّجِيجِ وَالنِّيَاحَةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَبِإِرْثَائِهِ) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ النَّهْرِ. وَاعْتَرَضَهُ ح بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ رُبَاعِيٌّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فَفِي الْقَامُوسِ: رَثَيْت الْمَيِّتَ وَرَثَوْته: بَكَيْته وَعَدَّدْت مَحَاسِنَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ مَنْ تَعَزَّى إلَخْ) تَمَامُهُ «فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ وَلَا تَكْنُوا» قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: تَعَزَّى وَاعْتَزَى انْتَسَبَ، وَالْعَزَاءُ اسْمٌ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ قَوْلُهُمْ فِي الِاسْتِغَاثَةِ يَا لِفُلَانٍ أَعِضُّوهُ: أَيْ قُولُوا لَهُ: اعْضَضْ بِأَيْرِ أَبِيك، وَلَا تَكْنُوا عَلَى الْأَيْرِ بِالْهَنِ، وَهَذَا أَمْرُ تَأْدِيبٍ وَمُبَالَغَةٍ فِي الزَّجْرِ عَنْ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ اهـ لَكِنْ كَوْنُ الْمُرَادِ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ هُنَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَبِتَعْزِيَةِ أَهْلِهِ) أَيْ تَصْبِيرِهِمْ وَالدُّعَاءِ لَهُمْ بِهِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْعَزَاءُ الصَّبْرُ أَوْ حُسْنُهُ. وَتَعَزَّى: انْتَسَبَ. اهـ. فَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ، وَفِيمَا قَبْلَهُ الثَّانِي فَافْهَمْ. قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 وَبِاِتِّخَاذِ طَعَامٍ لَهُمْ   [رد المحتار] فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَتُسْتَحَبُّ التَّعْزِيَةُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَفْتِنَّ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ عَزَّى أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. وَالتَّعْزِيَةُ أَنْ يَقُولَ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك، وَغَفَرَ لِمَيِّتِك. اهـ. [مطلب فِي الثَّوَاب عَلَى المصيبة] 1 ِ [تَنْبِيهٌ] هَذَا الدُّعَاءُ بِإِعْظَامِ الْأَجْرِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا عَزَّى مُعَاذًا بِابْنٍ لَهُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الثَّوَابِ عَلَى الْمُصِيبَةِ. وَقَدْ قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي الْمُسَايَرَةِ. قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: مَا وَرَدَ بِهِ السَّمْعُ مِنْ وَعْدِ الرِّزْقِ، وَوَعْدِ الثَّوَابِ عَلَى الطَّاعَةِ وَعَلَى أَلَمِ الْمُؤْمِنِ وَأَلَمِ طِفْلِهِ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا مَحْضُ فَضْلٍ وَتَطَوُّلٍ مِنْهُ - تَعَالَى - لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ لِوَعْدِهِ الصَّادِقِ. اهـ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِلثَّوَابِ الصَّبْرُ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَعَ لِلْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْمَصَائِبَ نَفْسَهَا لَا ثَوَابَ فِيهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْكَسْبِ بَلْ فِي الصَّبْرِ عَلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يَصْبِرْ كَفَّرَتْ الذَّنْبَ؛ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُكَفِّرِ أَنْ يَكُونَ كَسْبًا كَالْبَلَاءِ، فَالْجَزَعُ لَا يَمْنَعُ التَّكْفِيرَ بَلْ هُوَ مُصِيبَةٌ أُخْرَى. وَرُدَّ بِتَصْرِيحِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَجْنُونِ وَالْمَرِيضِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ مَأْجُورٌ مُثَابٌ مُكَفَّرٌ عَنْهُ بِالْمَرَضِ، فَحَكَمَ بِالْأَجْرِ مَعَ انْتِفَاءِ الْعَقْلِ الْمُسْتَلْزِمِ لِانْتِفَاءِ الصَّبْرِ، وَيُؤَيِّدُهُ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ، وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةَ يُشَاكَهَا إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» مَعَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ صَحِيحًا مُقِيمًا» فَفِيهِ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابٌ مُمَاثِلٌ لِفِعْلِهِ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ قَبْلُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَمَنْ أُصِيبَ وَصَبَرَ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابَانِ: لِنَفْسِ الْمُصِيبَةِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهَا وَمَنْ انْتَفَى صَبْرُهُ فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَجُنُونٍ فَكَذَلِكَ أَوْ لِنَحْوِ جَزَعٍ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ ذَيْنِك الثَّوَابَيْنِ شَيْءٌ اهـ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ اشْتِرَاطُ الصَّبْرِ لِلثَّوَابِ عَلَى الْمُصِيبَةِ إلَّا إذَا انْتَفَى لِعُذْرٍ كَجُنُونٍ. وَأَمَّا التَّكْفِيرُ بِهَا فَهُوَ حَاصِلٌ بِلَا شَرْطٍ (قَوْلُهُ وَبِاِتِّخَاذِ طَعَامٍ لَهُمْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَيُسْتَحَبُّ لِجِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَالْأَقْرِبَاءِ الْأَبَاعِدِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ لَهُمْ يُشْبِعُهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَلِأَنَّهُ بِرٌّ وَمَعْرُوفٌ، وَيُلِحُّ عَلَيْهِمْ فِي الْأَكْلِ لِأَنَّ الْحُزْنَ يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَيَضْعُفُونَ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي كَرَاهَةِ الضِّيَافَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَقَالَ أَيْضًا: وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ الضِّيَافَةِ مِنْ الطَّعَامِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي السُّرُورِ لَا فِي الشُّرُورِ، وَهِيَ بِدْعَةٌ مُسْتَقْبَحَةٌ: وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ " كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصُنْعَهُمْ الطَّعَامَ مِنْ النِّيَاحَةِ ". اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ الطَّعَامِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَبَعْدَ الْأُسْبُوعِ وَنَقْلُ الطَّعَامِ إلَى الْقَبْرِ فِي الْمَوَاسِمِ، وَاِتِّخَاذُ الدَّعْوَةِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَجَمْعُ الصُّلَحَاءِ وَالْقُرَّاءِ لِلْخَتْمِ أَوْ لِقِرَاءَةِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ أَوْ الْإِخْلَاصِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ اتِّخَاذَ الطَّعَامِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِأَجْلِ الْأَكْلِ يُكْرَهُ. وَفِيهَا مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ: وَإِنْ اتَّخَذَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 وَبِالْجُلُوسِ لَهَا فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَأَوَّلُهَا أَفْضَلُ. وَتُكْرَهُ بَعْدَهَا إلَّا لِغَائِبٍ. وَتُكْرَهُ التَّعْزِيَةُ ثَانِيًا، وَعِنْدَ الْقَبْرِ، وَعِنْدَ بَابِ الدَّارِ؛ وَيَقُولُ عَظَّمَ اللَّهُ أَجْرَك، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك،   [رد المحتار] طَعَامًا لِلْفُقَرَاءِ كَانَ حَسَنًا اهـ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فِي الْمِعْرَاجِ. وَقَالَ: وَهَذِهِ الْأَفْعَالُ كُلُّهَا لِلسُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ فَيُحْتَرَزُ عَنْهَا لِأَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. وَبَحَثَ هُنَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِمُعَارَضَةِ حَدِيثِ جَرِيرٍ الْمَارِّ بِحَدِيثٍ آخَرَ فِيهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَعَتْهُ امْرَأَةُ رَجُلٍ مَيِّتٍ لَمَّا رَجَعَ مِنْ دَفْنِهِ فَجَاءَ وَجِيءَ بِالطَّعَامِ» . أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا مَعَ احْتِمَالِ سَبَبٍ خَاصٍّ، بِخِلَافِ مَا فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ. عَلَى أَنَّهُ بَحَثَ فِي الْمَنْقُولِ فِي مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ غَيْرِنَا كَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ اسْتِدْلَالًا بِحَدِيثِ جَرِيرٍ الْمَذْكُورِ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ صِغَارٌ أَوْ غَائِبٌ، مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا يَحْصُلُ عِنْدَ ذَلِكَ غَالِبًا مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الْكَثِيرَةِ كَإِيقَادِ الشُّمُوعِ وَالْقَنَادِيلِ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْأَفْرَاحِ، وَكَدَقِّ الطُّبُولِ، وَالْغِنَاءِ بِالْأَصْوَاتِ الْحِسَانِ، وَاجْتِمَاعِ النِّسَاءِ وَالْمُرْدَانِ، وَأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الذِّكْرِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا شَكَّ فِي حُرْمَتِهِ وَبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ (قَوْلُهُ: وَبِالْجُلُوسِ لَهَا) أَيْ لِلتَّعْزِيَةِ، وَاسْتِعْمَالُ لَا بَأْسَ هُنَا عَلَى حَقِيقَتِهِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَفِي الْأَحْكَامِ عَنْ خِزَانَةِ الْفَتَاوَى: الْجُلُوسُ فِي الْمُصِيبَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِلرِّجَالِ جَاءَتْ الرُّخْصَةُ فِيهِ، وَلَا تَجْلِسُ النِّسَاءُ قَطْعًا اهـ (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ) أَمَّا فِيهِ فَيُكْرَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْفَتْحِ، لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَا بَأْسَ بِهِ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ فِي الْبَيْتِ أَوْ الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ يَأْتُونَهُمْ وَيُعَزُّونَهُمْ. اهـ. قُلْت: وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَسَ لَمَّا قُتِلَ جَعْفَرٌ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَالنَّاسُ يَأْتُونَ وَيُعَزُّونَهُ» اهـ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ جُلُوسَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا لِلتَّعْزِيَةِ. وَفِي الْإِمْدَادِ: وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَئِمَّتِنَا يُكْرَهُ الِاجْتِمَاعُ عِنْدَ صَاحِبِ الْبَيْتِ وَيُكْرَهُ لَهُ الْجُلُوسُ فِي بَيْتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ إلَيْهِ مَنْ يُعَزِّي، بَلْ إذَا فَرَغَ وَرَجَعَ النَّاسُ مِنْ الدَّفْنِ فَلْيَتَفَرَّقُوا وَيَشْتَغِلُ النَّاسُ بِأُمُورِهِمْ وَصَاحِبُ الْبَيْتِ بِأَمْرِهِ اهـ. قُلْت: وَهَلْ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ بِالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ حَتَّى إذَا فَرَغُوا قَامَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ وَعَزَّاهُ النَّاسُ كَمَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا الظَّاهِرُ؟ لَا لِكَوْنِ الْجُلُوسِ مَقْصُودًا لِلتَّعْزِيَةِ لَا الْقِرَاءَةِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ هَذَا الِاجْتِمَاعُ وَالْجُلُوسُ فِي الْمَقْبَرَةِ فَوْقَ الْقُبُورِ الْمَدْثُورَةِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ (قَوْلُهُ وَأَوَّلُهَا أَفْضَلُ) وَهِيَ بَعْدَ الدَّفْنِ أَفْضَلُ مِنْهَا قَبْلَهُ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَيِّتِ مَشْغُولُونَ قَبْلَ الدَّفْنِ بِتَجْهِيزِهِ وَلِأَنَّ وَحْشَتَهُمْ بَعْدَ الدَّفْنِ لِفِرَاقِهِ أَكْثَرُ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُرَ مِنْهُمْ جَزَعٌ شَدِيدٌ، وَإِلَّا قُدِّمَتْ لِتَسْكِينِهِمْ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ وَتُكْرَهُ بَعْدَهَا) لِأَنَّهَا تُجَدِّدُ الْحُزْنَ مِنَحٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ ط (قَوْلُهُ إلَّا لِغَائِبٍ) أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَزِّي أَوْ الْمُعَزَّى غَائِبًا فَلَا بَأْسَ بِهَا جَوْهَرَةٌ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَاضِرَ الَّذِي لَمْ يَعْلَمْ بِمَنْزِلَةِ الْغَائِبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ (قَوْلُهُ وَتُكْرَهُ التَّعْزِيَةُ ثَانِيًا) فِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَا يَنْبَغِي لِمَنْ عَزَّى مَرَّةً أَنْ يُعَزِّيَ مَرَّةً أُخْرَى رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. إمْدَادٌ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الْقَبْرِ) عَزَاهُ فِي الْحِلْيَةِ إلَى الْمُبْتَغَى بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَقَالَ: وَيَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَ ابْنُ شَاهِينَ عَنْ إبْرَاهِيمَ: التَّعْزِيَةُ عِنْدَ الْقَبْرِ بِدْعَةٌ. اهـ. قُلْت: لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ هُنَاكَ الْقِرَاءَةُ وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بِالتَّثْبِيتِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ بَابِ الدَّارِ) فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ عَلَى بَابِ الدَّارِ لِلتَّعْزِيَةِ لِأَنَّهُ عَمَلُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ، وَمَا يُصْنَعُ فِي بِلَادِ الْعَجَمِ مِنْ فَرْشِ الْبُسُطِ، وَالْقِيَامِ عَلَى قَوَارِعِ الطَّرِيقِ مِنْ أَقْبَحِ الْقَبَائِحِ. اهـ. بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَيَقُولُ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك) أَيْ جَعَلَهُ عَظِيمًا بِزِيَادَةِ الثَّوَابِ وَالدَّرَجَاتِ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك بِالْمَدِّ: أَيْ جَعَلَ سَلْوَك وَصَبْرَك حَسَنًا ابْنُ حَجَرٍ، وَقَوْلُهُ وَغُفِرَ لِمَيِّتِك بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 وَغَفَرَ لِمَيِّتِك وَبِزِيَارَةِ الْقُبُورِ وَلَوْ لِلنِّسَاءِ لِحَدِيثِ «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا» وَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَيَقْرَأُ يس، وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ قَرَأَ الْإِخْلَاصَ أَحَدَ عَشَرَ   [رد المحتار] الْمَيِّتُ مُكَلَّفًا، وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: وَيُعَزِّي الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك، وَصَبَّرَك وَالْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ: غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِك، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك. [مطلب فِي زِيَارَة الْقُبُور] (قَوْلُهُ وَبِزِيَارَةِ الْقُبُورِ) أَيْ لَا بَأْسَ بِهَا، بَلْ تُنْدَبُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى، فَكَانَ يَنْبَغِي التَّصْرِيحُ بِهِ لِلْأَمْرِ بِهَا فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ، وَتُزَارُ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ كَمَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ. قَالَ فِي شَرْحِ لُبَابِ الْمَنَاسِكِ إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ: الْمَوْتَى يَعْلَمُونَ بِزُوَّارِهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمًا قَبْلَهُ وَيَوْمًا بَعْدَهُ، فَتَحَصَّلَ أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ. اهـ. وَفِيهِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَزُورَ شُهَدَاءَ جَبَلِ أُحُدٍ، لِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْتِي قُبُورَ الشُّهَدَاءِ بِأُحُدٍ عَلَى رَأْسِ كُلِّ حَوْلٍ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ» وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ الْخَمِيسِ مُتَطَهِّرًا مُبَكِّرًا لِئَلَّا تَفُوتَهُ الظُّهْرُ بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ. اهـ. قُلْت: اُسْتُفِيدَ مِنْهُ نَدْبُ الزِّيَارَةِ وَإِنْ بَعُدَ مَحَلُّهَا. وَهَلْ تُنْدَبُ الرِّحْلَةُ لَهَا كَمَا اُعْتِيدَ مِنْ الرِّحْلَةِ إلَى زِيَارَةِ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ وَأَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ، وَزِيَارَةِ السَّيِّدِ الْبَدَوِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَكَابِرِ الْكِرَامِ؟ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ أَئِمَّتِنَا، وَمَنَعَ مِنْهُ بَعْضُ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ إلَّا لِزِيَارَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيَاسًا عَلَى مَنْعِ الرِّحْلَةِ لِغَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ. وَرَدَّهُ الْغَزَالِيُّ بِوُضُوحِ الْفَرْقِ، فَإِنَّ مَا عَدَا تِلْكَ الْمَسَاجِدَ الثَّلَاثَةَ مُسْتَوِيَةٌ فِي الْفَضْلِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الرِّحْلَةِ إلَيْهَا. وَأَمَّا الْأَوْلِيَاءُ فَإِنَّهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْقُرْبِ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى، وَنَفْعُ الزَّائِرِينَ بِحَسَبِ مَعَارِفِهِمْ وَأَسْرَارِهِمْ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتَاوِيهِ: وَلَا تُتْرَكُ لِمَا يَحْصُلُ عِنْدَهَا مِنْ مُنْكَرَاتٍ وَمَفَاسِدَ كَاخْتِلَاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقُرُبَاتِ لَا تُتْرَكُ لِمِثْلِ ذَلِكَ، بَلْ عَلَى الْإِنْسَانِ فِعْلُهَا وَإِنْكَارُ الْبِدَعِ، بَلْ وَإِزَالَتُهَا إنْ أَمْكَنَ. اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ تَرْكِ اتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا نِسَاءٌ وَنَائِحَاتٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِلنِّسَاءِ) وَقِيلَ: تَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ الرُّخْصَةَ ثَابِتَةٌ لَهُنَّ بَحْرٌ، وَجَزَمَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِالْكَرَاهَةِ لِمَا مَرَّ فِي اتِّبَاعِهِنَّ الْجِنَازَةَ. وَقَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: إنْ كَانَ ذَلِكَ لِتَجْدِيدِ الْحُزْنِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّدْبِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُنَّ فَلَا تَجُوزُ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ حَدِيثُ «لَعَنَ اللَّهُ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ» وَإِنْ كَانَ لِلِاعْتِبَارِ وَالتَّرَحُّمِ مِنْ غَيْرِ بُكَاءٍ وَالتَّبَرُّكِ بِزِيَارَةِ قُبُورِ الصَّالِحِينَ فَلَا بَأْسَ إذَا كُنَّ عَجَائِزَ. وَيُكْرَهُ إذَا كُنَّ شَوَابَّ كَحُضُورِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ اهـ وَهُوَ تَوْفِيقٌ حَسَنٌ (قَوْلُهُ وَيَقُولُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالسُّنَّةُ زِيَارَتُهَا قَائِمًا، وَالدُّعَاءُ عِنْدَهَا قَائِمًا، كَمَا «كَانَ يَفْعَلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخُرُوجِ إلَى الْبَقِيعِ وَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ» إلَخْ. وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ لِلْمُنْلَا عَلَى الْقَارِئِ: ثُمَّ مِنْ آدَابِ الزِّيَارَةِ مَا قَالُوا، مِنْ أَنَّهُ يَأْتِي الزَّائِرُ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْ الْمُتَوَفَّى لَا مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ لِأَنَّهُ أَتْعَبُ لِبَصَرِ الْمَيِّتِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُقَابِلَ بَصَرِهِ، لَكِنْ هَذَا إذَا أَمْكَنَهُ وَإِلَّا فَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَرَأَ أَوَّلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ عِنْدَ رَأْسِ مَيِّتٍ وَآخِرَهَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ» وَمِنْ آدَابِهَا أَنْ يُسَلِّمَ بِلَفْظِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ عَلَى الصَّحِيحِ، لَا عَلَيْكُمْ السَّلَامُ فَإِنَّهُ وَرَدَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا - إنْ شَاءَ اللَّهُ - بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ» ثُمَّ يَدْعُو قَائِمًا طَوِيلًا، وَإِنْ جَلَسَ يَجْلِسُ بَعِيدًا أَوْ قَرِيبًا بِحَسَبِ مَرْتَبَتِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ. اهـ. قَالَ ط: وَلَفْظُ الدَّارِ مُقْحَمٌ، أَوْ هُوَ مِنْ ذِكْرِ اللَّازِمِ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ عَلَى الدَّارِ فَأَوْلَى سَاكِنُهَا، وَذِكْرُ الْمَشِيئَةِ لِلتَّبَرُّكِ لِأَنَّ اللُّحُوقَ مُحَقَّقٌ، أَوْ الْمُرَادُ اللُّحُوقُ عَلَى أَتَمِّ الْحَالَاتِ فَتَصِحُّ الْمَشِيئَةُ (قَوْلُهُ وَيَقْرَأُ يس) لِمَا وَرَدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 مَرَّةً ثُمَّ وَهَبَ أَجْرَهَا لِلْأَمْوَاتِ أُعْطِيَ مِنْ الْأَجْرِ بِعَدَدِ الْأَمْوَاتِ» ،   [رد المحتار] «مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ فَقَرَأَ سُورَةَ يس خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ لَهُ بِعَدَدِ مَنْ فِيهَا حَسَنَاتٌ» بَحْرٌ. وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَيَقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَأَوَّلِ الْبَقَرَةِ إلَى الْمُفْلِحُونَ وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ - وَآمَنَ الرَّسُولُ - وَسُورَةِ يس وَتَبَارَكَ الْمُلْكُ وَسُورَةِ التَّكَاثُرِ وَالْإِخْلَاصِ اثْنَيْ عَشَرَ مَرَّةً أَوْ إحْدَى عَشَرَ أَوْ سَبْعًا أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَوْصِلْ ثَوَابَ مَا قَرَأْنَاهُ إلَى فُلَانٍ أَوْ إلَيْهِمْ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ وَإِهْدَاءُ ثَوَابِهَا لَهُ [تَنْبِيهٌ] صَرَّحَ عُلَمَاؤُنَا فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ بِأَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا أَوْ صَدَقَةً أَوْ غَيْرَهَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، بَلْ فِي زَكَاةِ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ: الْأَفْضَلُ لِمَنْ يَتَصَدَّقُ نَفْلًا أَنْ يَنْوِيَ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ لِأَنَّهَا تَصِلُ إلَيْهِمْ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ اهـ هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، لَكِنْ اسْتَثْنَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةَ الْمَحْضَةَ كَالصَّلَاةِ وَالتِّلَاوَةِ فَلَا يَصِلُ ثَوَابُهَا إلَى الْمَيِّتِ عِنْدَهُمَا، بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ. وَخَالَفَ الْمُعْتَزِلَةُ فِي الْكُلِّ، وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. أَقُولُ: مَا مَرَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ. وَاَلَّذِي حَرَّرَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وُصُولُ الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ إذَا كَانَتْ بِحَضْرَتِهِ أَوْ دَعَا لَهُ عَقِبَهَا وَلَوْ غَائِبًا لِأَنَّ مَحَلَّ الْقِرَاءَةِ تَنَزُّلُ الرَّحْمَةِ وَالْبَرَكَةِ، وَالدُّعَاءُ عَقِبَهَا أَرْجَى لِلْقَبُولِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ انْتِفَاعُ الْمَيِّتِ بِالْقِرَاءَةِ لَا حُصُولُ ثَوَابِهَا لَهُ، وَلِهَذَا اخْتَارُوا فِي الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ أَوْصِلْ مِثْلَ ثَوَابِ مَا قَرَأْته إلَى فُلَانٍ، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَالْوَاصِلُ إلَيْهِ نَفْسُ الثَّوَابِ. وَفِي الْبَحْرِ: مَنْ صَامَ أَوْ صَلَّى أَوْ تَصَدَّقَ وَجَعَلَ ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَاتِ وَالْأَحْيَاءِ جَازَ، وَيَصِلُ ثَوَابُهَا إلَيْهِمْ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، ثُمَّ قَالَ: وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَجْعُولُ لَهُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ عِنْدَ الْفِعْلِ لِلْغَيْرِ أَوْ يَفْعَلَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَجْعَلُ ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ، لِإِطْلَاقِ كَلَامِهِمْ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ. اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى: وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ فِي الْفَرَائِضِ اهـ. وَفِي كِتَابِ الرُّوحِ لِلْحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيِّ الْحَنْبَلِيِّ الشَّهِيرِ بِابْنِ قَيِّمٍ الْجَوْزِيَّةِ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي إهْدَاءِ الثَّوَابِ إلَى الْحَيِّ؛ فَقِيلَ يَصِحُّ لِإِطْلَاقِ قَوْلِ أَحْمَدَ: يَفْعَلُ الْخَيْرَ وَيَجْعَلُ نِصْفَهُ لِأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ، وَقِيلَ لَا لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُحْتَاجٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْعَمَلُ بِنَفْسِهِ؛ وَكَذَا اُخْتُلِفَ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ ذَلِكَ عِنْدَ الْفِعْلِ، فَقِيلَ: لَا لَكِنَّ الثَّوَابَ لَهُ فَلَهُ التَّبَرُّعُ بِهِ وَإِهْدَاؤُهُ لِمَنْ أَرَادَ كَإِهْدَاءِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، وَقِيلَ نَعَمْ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ لَهُ لَا يُقْبَلُ انْتِقَالُهُ عَنْهُ، وَهُوَ الْأَوْلَى. وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ إهْدَاءُ الْوَاجِبَاتِ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَنْوِي الْقُرْبَةَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ. وَعَلَى الثَّانِي يَصِحُّ، وَتُجْزِئُ عَنْ الْفَاعِلِ. وَقَدْ نُقِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ جَعَلُوا ثَوَابَ أَعْمَالِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَقَالُوا: نَلْقَى اللَّهَ - تَعَالَى - بِالْفَقْرِ وَالْإِفْلَاسِ، وَالشَّرِيعَةُ لَا تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْوُصُولِ أَنْ يُهْدِيَهُ بِلَفْظِهِ كَمَا لَوْ أَعْطَى فَقِيرًا بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَمْ تَشْتَرِطْ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ وَنَحْوِهِ، نَعَمْ إذَا فَعَلَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ نَوَى جَعْلَ ثَوَابِهِ لِغَيْرِهِ لَمْ يَكْفِ كَمَا لَوْ نَوَى أَنْ يَهَبَ أَوْ يُعْتِقَ أَوْ يَتَصَدَّقَ وَيَصِحُّ إهْدَاءُ نِصْفِ الثَّوَابِ أَوْ رُبُعِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَلَا مَانِعَ مِنْهُ. وَيُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ أَهْدَى الْكُلَّ إلَى أَرْبَعَةٍ يَحْصُلُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ رُبُعُهُ فَكَذَا لَوْ أَهْدَى الرُّبُعَ لِوَاحِدٍ وَأَبْقَى الْبَاقِيَ لِنَفْسِهِ اهـ مُلَخَّصًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 وَيَحْفِرُ قَبْرًا لِنَفْسِهِ، وَقِيلَ يُكْرَهُ؛ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْرَهَ تَهْيِئَةُ نَحْوِ الْكَفَنِ بِخِلَافِ الْقَبْرِ.   [رد المحتار] قُلْت: لَكِنْ سُئِلَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ عَمَّا لَوْ قَرَأَ لِأَهْلِ الْمَقْبَرَةِ الْفَاتِحَةَ هَلْ يُقْسَمُ الثَّوَابُ بَيْنَهُمْ أَوْ يَصِلُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مِثْلُ ثَوَابِ ذَلِكَ كَامِلًا. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ أَفْتَى جَمْعٌ بِالثَّانِي، وَهُوَ اللَّائِقُ بِسَعَةِ الْفَضْلِ. مَطْلَبٌ فِي إهْدَاءِ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[تَتِمَّةٌ] ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتَاوَى الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ الْحَافِظَ ابْنَ تَيْمِيَّةَ زَعَمَ مَنْعَ إهْدَاءِ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ جَنَابَهُ الرَّفِيعَ لَا يُتَجَرَّأُ عَلَيْهِ إلَّا بِمَا أَذِنَ فِيهِ، وَهُوَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَسُؤَالُ الْوَسِيلَةِ لَهُ قَالَ: وَبَالَغَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ، بِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ لِإِذْنٍ خَاصٍّ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَعْتَمِرُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمُرًا بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ. وَحَجَّ ابْنُ الْمُوَفَّقِ وَهُوَ فِي طَبَقَةِ الْجُنَيْدِ عَنْهُ سَبْعِينَ حَجَّةً، وَخَتَمَ ابْنُ السِّرَاجِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ خَتْمَةٍ؛ وَضَحَّى عَنْهُ مِثْلَ ذَلِكَ. اهـ. قُلْت: رَأَيْت نَحْوَ ذَلِكَ بِخَطِّ مُفْتِي الْحَنَفِيَّةِ الشِّهَابِ أَحْمَدَ بْنِ الشَّلَبِيِّ شَيْخِ صَاحِبِ الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الطَّيِّبَةِ لِلنُّوَيْرِيِّ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا نَقَلَهُ أَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ مِنْ الْحَنَابِلَةِ قَالَ: يُسْتَحَبُّ إهْدَاؤُهَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. قُلْت: وَقَوْلُ عُلَمَائِنَا لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ يَدْخُلُ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِذَلِكَ حَيْثُ أَنْقَذَنَا مِنْ الضَّلَالَةِ، فَفِي ذَلِكَ نَوْعُ شُكْرٍ وَإِسْدَاءُ جَمِيلٍ لَهُ، وَالْكَامِلُ قَابِلٌ لِزِيَادَةِ الْكَمَالِ. وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْمَانِعِينَ مِنْ أَنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ لِأَنَّ جَمِيعَ أَعْمَالِ أُمَّتِهِ فِي مِيزَانِهِ. يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَخْبَرَنَا بِأَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، بِأَنْ نَقُولَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَا اُخْتُلِفَ فِي إطْلَاقِ قَوْلِ اجْعَلْ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي شَرَفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنَعَ مِنْهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ وَالْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ لَهُ دَلِيلٌ. وَأَجَابَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ فِي الْفَتَاوَى الْحَدِيثِيَّةِ بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] وَحَدِيثَ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَقَامَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَمَالَهُ يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ فِي الْعِلْمِ وَالثَّوَابِ وَسَائِرِ الْمَرَاتِبِ وَالدَّرَجَاتِ وَكَذَا وَرَدَ فِي دُعَاءِ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ: وَزِدْ مِنْ شَرَفِهِ وَعَظِّمْهُ وَاعْتَمِرْهُ تَشْرِيفًا إلَخْ فَيَشْمَلُ كُلَّ الْأَنْبِيَاءِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ لَهُمْ بِزِيَادَةِ الشَّرَفِ مَنْدُوبٌ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي خُطْبَتَيْ كِتَابَيْهِ الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ، وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْحَلِيمِيُّ وَصَاحِبُهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَقَدْ رَدَّ عَلَى الْبُلْقِينِيِّ وَابْنِ حَجَرٍ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْقَايَاتِيُّ، وَوَافَقَهُ صَاحِبُهُ الشَّرَفُ الْمُنَاوِيُّ، وَوَافَقَهُمَا أَيْضًا صَاحِبُهُمَا إمَامُ الْحَنَفِيَّةِ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ، بَلْ زَادَ عَلَيْهِمَا بِالْمُبَالَغَةِ حَيْثُ جَعَلَ كُلَّ مَا صَحَّ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ الْوَارِدَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْجُودًا فِي كَيْفِيَّةِ الدُّعَاءِ بِزِيَادَةِ الشَّرَفِ، وَهِيَ: اللَّهُمَّ صَلِّ أَبَدًا أَفْضَلَ صَلَوَاتِك عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَبْدِك وَنَبِيِّك وَرَسُولِك مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، وَزِدْهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا، وَأَنْزِلْهُ الْمَنْزِلَ الْمُقَرَّبَ عِنْدَك يَوْمَ الْقِيَامَةِ اهـ. فَانْظُرْ كَيْفَ جَعَلَ طَلَبَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لِفَضْلِ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْوَارِدِ كَصَلَاةِ التَّشَهُّدِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ هَذَا الْإِمَامِ الْمُحَقِّقِ بِفَضْلِ طَلَبِ الزِّيَادَةِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ مَعَ هَذَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ فِي ذَلِكَ مَحْذُورًا، وَوَافَقَهُمْ أَيْضًا صَاحِبُهُمْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: وَيَحْفِرُ قَبْرًا لِنَفْسِهِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَبِحَفْرِ قَبْرٍ لِنَفْسِهِ، عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ حَفْرَ مَصْدَرٌ مَجْرُورٌ بِالْبَاءِ مُضَافٌ إلَى قَبْرٍ: أَيْ وَلَا بَأْسَ بِهِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَا بَأْسَ بِهِ، وَيُؤْجَرُ عَلَيْهِ، هَكَذَا عَمِلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمَ وَغَيْرُهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي إلَخْ) كَذَا قَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَقَالَ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ مُتَحَقِّقَةٌ غَالِبًا، بِخِلَافِ الْقَبْرِ {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 يُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي طَرِيقٍ ظَنَّ أَنَّهُ مُحْدِثٌ حَتَّى إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى قَبْرِهِ إلَّا بِوَطْءِ قَبْرٍ تَرَكَهُ. لَا يُكْرَهُ الدَّفْنُ لَيْلًا وَلَا إجْلَاسُ الْقَارِئِينَ عِنْدَ الْقَبْرِ   [رد المحتار] (قَوْلُهُ يُكْرَهُ الْمَشْيُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ عَلَى الْقَبْرِ، وَوَطْؤُهُ، وَحِينَئِذٍ فَمَا يَصْنَعُهُ مَنْ دُفِنَتْ حَوْلَ أَقَارِبِهِ خَلْقٌ مِنْ وَطْءِ تِلْكَ الْقُبُورِ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى قَبْرِ قَرِيبِهِ مَكْرُوهٌ. وَيُكْرَهُ النَّوْمُ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ بَلْ أَوْلَى، وَكُلُّ مَا لَمْ يُعْهَدْ مِنْ السُّنَّةِ، وَالْمَعْهُودُ مِنْهَا لَيْسَ إلَّا زِيَارَتُهَا وَالدُّعَاءُ عِنْدَهَا قَائِمًا اهـ. قُلْت: وَفِي الْأَحْكَامِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا: لَوْ وَجَدَ طَرِيقًا إنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ مُحْدِثٌ لَا يَمْشِي عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَفِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يُوطَأُ الْقَبْرُ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَيُزَارُ مِنْ بَعِيدٍ وَلَا يَقْعُدُ، وَإِنْ فَعَلَ يُكْرَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَطَأَ الْقُبُورَ وَهُوَ يَقْرَأُ أَوْ يُسَبِّحُ أَوْ يَدْعُو لَهُمْ. اهـ. وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَإِلَيْهِ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ الْإِمَامِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ حَمَلَ مَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ عَلَى الْجُلُوسِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْجُلُوسُ لِغَيْرِهِ جَمْعًا بَيْنَ الْآثَارِ، وَأَنَّهُ قَالَ إنَّ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، ثُمَّ نَازَعَهُ بِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّوَادِرِ وَالتُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، مِنْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَرِهَ وَطْءَ الْقَبْرِ وَالْقُعُودَ أَوْ النَّوْمَ أَوْ قَضَاءَ الْحَاجَةِ عَلَيْهِ، وَبِأَنَّهُ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ وَطْئِهِ وَالْمَشْيِ عَلَيْهِ، وَتَمَامُهُ فِيهَا. وَقَيَّدَ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ كَرَاهَةَ الْقُعُودِ عَلَى الْقَبْرِ بِمَا إذَا كَانَ لِغَيْرِ قِرَاءَةٍ. قُلْت: وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا بَلِيَ الْمَيِّتُ، وَصَارَ تُرَابًا يَجُوزُ زَرْعُهُ، وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ، وَمُقْتَضَاهُ جَوَازُ الْمَشْيِ فَوْقَهُ. ثُمَّ رَأَيْت الْعَيْنِيَّ فِي شَرْحِهِ عَلَى صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ذَكَرَ كَلَامَ الطَّحَاوِيِّ الْمَارَّ، ثُمَّ قَالَ: فَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِهِمْ مِنْ أَنَّ وَطْءَ الْقُبُورِ حَرَامٌ وَكَذَا النَّوْمُ عَلَيْهَا لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي، فَإِنَّ الطَّحَاوِيَّ هُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَلَا سِيَّمَا بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى. قُلْت: لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْوَاقِعَ فِي كَلَامِهِمْ التَّعْبِيرُ بِالْكَرَاهَةِ لَا بِلَفْظِ الْحُرْمَةِ، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُوَفَّقُ بِأَنَّ مَا عَزَاهُ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ إلَى أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ مِنْ حَمْلِ النَّهْيِ عَلَى الْجُلُوسِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ يُرَادُ بِهِ نَهْيُ التَّحْرِيمِ، وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ مِنْ كَرَاهَةِ الْوَطْءِ وَالْقُعُودِ إلَخْ يُرَادُ بِهِ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ فِي غَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ. وَغَايَةُ مَا فِيهِ إطْلَاقُ الْكَرَاهَةِ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْمَعْنَيَيْنِ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَكْرُوهَاتُ الصَّلَاةِ، وَتَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا إذَا كَانَ الْجُلُوسُ لِلْقِرَاءَةِ كَمَا يَأْتِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مطلب فِي وَضَعَ الجريد ونحو الآس عَلَى الْقُبُور] [تَتِمَّةٌ قَطْعُ النَّبَاتِ الرَّطْبِ وَالْحَشِيشِ مِنْ الْمَقْبَرَةِ دُونَ الْيَابِسِ] 1 مَطْلَبٌ فِي وَضْعِ الْجَرِيدِ وَنَحْوِ الْآسِ عَلَى الْقُبُورِ [تَتِمَّةٌ] يُكْرَهُ أَيْضًا قَطْعُ النَّبَاتِ الرَّطْبِ وَالْحَشِيشِ مِنْ الْمَقْبَرَةِ دُونَ الْيَابِسِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالدُّرَرِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ وَعَلَّلَهُ فِي الْإِمْدَادِ بِأَنَّهُ مَا دَامَ رَطْبًا يُسَبِّحُ اللَّهَ - تَعَالَى - فَيُؤْنِسُ الْمَيِّتَ وَتَنْزِلُ بِذِكْرِهِ الرَّحْمَةُ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْخَانِيَّةِ. أَقُولُ: وَدَلِيلُهُ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «مِنْ وَضْعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْجَرِيدَةَ الْخَضْرَاءَ بَعْدَ شَقِّهَا نِصْفَيْنِ عَلَى الْقَبْرَيْنِ اللَّذَيْنِ يُعَذَّبَانِ» . وَتَعْلِيلُهُ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا: أَيْ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا بِبَرَكَةِ تَسْبِيحِهِمَا؛ إذْ هُوَ أَكْمَلُ مِنْ تَسْبِيحِ الْيَابِسِ لِمَا فِي الْأَخْضَرِ مِنْ نَوْعِ حَيَاةٍ؛ وَعَلَيْهِ فَكَرَاهَةُ قَطْعِ ذَلِكَ، وَإِنْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَمْلِكْ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ حَقِّ الْمَيِّتِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ الْحَدِيثِ نَدْبُ وَضْعِ ذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ مَا اُعْتِيدَ فِي زَمَانِنَا مِنْ وَضْعِ أَغْصَانِ الْآسِ وَنَحْوِهِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَيْضًا جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ مِنْ أَنَّ التَّخْفِيفَ عَنْ الْقَبْرَيْنِ إنَّمَا حَصَلَ بِبَرَكَةِ يَدِهِ الشَّرِيفَةِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ دُعَائِهِ لَهُمَا فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ بُرَيْدَةَ بْنَ الْحُصَيْبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْصَى بِأَنْ يُجْعَلَ فِي قَبْرِهِ جَرِيدَتَانِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَلَا يُكْرَهُ الدَّفْنُ لَيْلًا) وَالْمُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ نَهَارًا شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا إجْلَاسُ الْقَارِئِينَ عِنْدَ الْقَبْرِ) عِبَارَةُ نُورِ الْإِيضَاحِ وَشَرْحِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 وَهُوَ الْمُخْتَارُ. عَظْمُ الذِّمِّيِّ مُحْتَرَمٌ. إنَّمَا يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ. كُتِبَ عَلَى جَبْهَةِ الْمَيِّتِ أَوْ عِمَامَتِهِ أَوْ كَفَنِهِ عَهْدُ نَامَهْ يُرْجَى أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِلْمَيِّتِ. أَوْصَى بَعْضُهُمْ أَنْ يُكْتَبَ فِي جَبْهَتِهِ وَصَدْرِهِ - بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم - فَفُعِلَ ثُمَّ رُئِيَ فِي الْمَنَامِ فَسُئِلَ فَقَالَ: لَمَّا وُضِعْت فِي الْقَبْرِ جَاءَتْنِي مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَلَمَّا رَأَوْا مَكْتُوبًا عَلَى جَبْهَتِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالُوا: أَمِنْت مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.   [رد المحتار] وَلَا يُكْرَهُ الْجُلُوسُ لِلْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ فِي الْمُخْتَارِ لِتَأْدِيَةِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ بِالسَّكِينَةِ وَالتَّدَبُّرِ وَالِاتِّعَاظِ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَظْمُ الذِّمِّيِّ مُحْتَرَمٌ) فَلَا يُكْسَرُ إذَا وُجِدَ فِي قَبْرِهِ لِأَنَّهُ كَمَا حُرِّمَ إيذَاؤُهُ فِي حَيَاتِهِ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ وَجَبَتْ صِيَانَةُ نَفْسِهِ عَنْ الْكَسْرِ بَعْدَ مَوْتِهِ خَانِيَّةٌ. وَأَمَّا أَهْلُ الْحَرْبِ، فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى نَبْشِهِمْ فَلَا بَأْسَ بِهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ عَنْ الْحُجَّةِ، فَتُنْبَشُ وَتُرْفَعُ الْعِظَامُ وَالْآثَارُ، وَتُتَّخَذُ مَقْبَرَةً لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ مَسْجِدًا كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ إنَّمَا يُعَذَّبُ إلَخْ) قَالَ بَعْضُهُمْ: يُعَذَّبُ لِمَا فِي الْحَدِيثِ «إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» وَقَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ: لَا {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانُوا يُوصُونَ بِالنُّوحِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي شَرْحِ التَّكْمِلَةِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْحَدِيثِ النَّدْبُ وَالنِّيَاحَةُ. وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ لَمَّا مَرَّ عَلَى قَوْمٍ يَبْكُونَ عَلَى يَهُودِيٍّ فَقَالَ: إنَّهُ لَيُعَذَّبُ وَهُمْ يَبْكُونَ عَلَيْهِ» . اهـ. إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ عَهْدَ نَامَهْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ، وَمَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ الرِّسَالَةُ، وَالْمَعْنَى رِسَالَةُ الْعَهْدِ. وَالْمَعْنَى أَنْ يُكْتَبَ شَيْءٌ مِمَّا يَدُلُّ أَنَّهُ عَلَى الْعَهْدِ الْأَزَلِيِّ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ يَوْمَ أَخَذَ الْمِيثَاقَ مِنْ الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ وَالتَّبَرُّكِ بِأَسْمَائِهِ - تَعَالَى، وَنَحْوِ ذَلِكَ ح (قَوْلُهُ: يُرْجَى إلَخْ) مُفَادُهُ الْإِبَاحَةُ أَوْ النَّدْبُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ: وَذَكَرَ الْإِمَامُ الصَّفَّارُ لَوْ كُتِبَ عَلَى جَبْهَةِ الْمَيِّتِ أَوْ عَلَى عِمَامَتِهِ أَوْ كَفَنِهِ عَهْدُ نَامَهْ يُرْجَى أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ - تَعَالَى - لِلْمَيِّتِ وَيَجْعَلَهُ آمِنًا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. قَالَ نُصَيْرٌ: هَذِهِ رِوَايَةٌ فِي تَجْوِيزِ ذَلِكَ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ مَكْتُوبًا عَلَى أَفْخَاذِ أَفْرَاسٍ فِي إصْطَبْلِ الْفَارُوقِ: حَبِيسٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - تَعَالَى اهـ. مَطْلَبٌ فِيمَا يُكْتَبُ عَلَى كَفَنِ الْمَيِّتِ وَفِي فَتَاوَى الْمُحَقِّقِ ابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ الشَّافِعِيِّ: سُئِلَ عَنْ كِتَابَةِ الْعَهْدِ عَلَى الْكَفَنِ وَهُوَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ " وَقِيلَ: إنَّهُ " اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، إنِّي أَعْهَدُ إلَيْك فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّك أَنْتَ اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَحْدَك لَا شَرِيكَ لَك وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُك وَرَسُولُك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي، تُقَرِّبُنِي مِنْ الشَّرِّ وَتُبْعِدُنِي مِنْ الْخَيْرِ، وَأَنَا لَا أَثِقُ إلَّا بِرَحْمَتِك، فَاجْعَلْ لِي عَهْدًا عِنْدَك تُوفِينِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّك لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ " هَلْ يَجُوزُ؟ وَلِذَلِكَ أَصْلٌ؟ . فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: نَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ نَوَادِرِ الْأُصُولِ لِلتِّرْمِذِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ لَهُ أَصْلٌ، وَأَنَّ الْفَقِيهَ ابْنَ عُجَيْلٍ كَانَ يَأْمُرُ بِهِ ثُمَّ أَفْتَى بِجَوَازِ كِتَابَتِهِ قِيَاسًا عَلَى كِتَابَةِ لِلَّهِ فِي إبِلِ الزَّكَاةِ، وَأَقَرَّهُ بَعْضُهُمْ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَدْ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَى الْكَفَنِ يس وَالْكَهْفُ وَنَحْوُهُمَا خَوْفًا مِنْ صَدِيدِ الْمَيِّتِ وَالْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ التَّمْيِيزُ وَهُنَا التَّبَرُّكُ، فَالْأَسْمَاءُ الْمُعَظَّمَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا فَلَا يَجُوزُ تَعْرِيضُهَا لِلنَّجَاسَةِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُطْلَبُ فِعْلُهُ مَرْدُودٌ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ إلَّا إذَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَبُ ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ وَقَدَّمْنَا قُبَيْلَ بَابِ الْمِيَاهِ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ تُكْرَهُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ وَأَسْمَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 بَابُ الشَّهِيدِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ أَوْ فَاعِلٌ لِأَنَّهُ حَيٌّ عِنْدَ رَبِّهِ فَهُوَ شَاهِدٌ. (هُوَ كُلُّ مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ طَاهِرٍ) فَالْحَائِضُ إنْ رَأَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غُسِّلَتْ وَإِلَّا لَا لِعَدَمِ كَوْنِهَا حَائِضًا «وَلَمْ يُعِدْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -   [رد المحتار] اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالْمَحَارِيبِ وَالْجُدْرَانِ وَمَا يُفْرَشُ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِاحْتِرَامِهِ، وَخَشْيَةِ وَطْئِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا فِيهِ إهَانَةٌ فَالْمَنْعُ هُنَا بِالْأَوْلَى مَا لَمْ يَثْبُتْ عَنْ الْمُجْتَهِدِ أَوْ يُنْقَلْ فِيهِ حَدِيثٌ ثَابِتٌ فَتَأَمَّلْ، نَعَمْ نَقَلَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ فَوَائِدِ الشَّرْجِيِّ أَنَّ مِمَّا يُكْتَبُ عَلَى جَبْهَةِ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ مِدَادٍ بِالْأُصْبُعِ الْمُسَبِّحَةِ - بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم - وَعَلَى الصَّدْرِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَذَلِكَ بَعْدَ الْغُسْلِ قَبْلَ التَّكْفِينِ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الشَّهِيدِ] أَخْرَجَهُ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ مُبَوِّبًا لَهُ مَعَ أَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْفَضِيلَةِ الَّتِي لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَعِيلٌ إلَخْ) وَهُوَ إمَّا مِنْ الشُّهُودِ: أَيْ الْحُضُورِ، أَوْ مِنْ الشَّهَادَةِ أَيْ الْحُضُورِ مَعَ الْمُشَاهَدَةِ بِالْبَصَرِ أَوْ بِالْبَصِيرَةِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ) أَفَادَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ حَذْفُ اللَّامِ فَاسْتَتَرَ الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ ح، وَهَذَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ مِنْ الشُّهُودِ فَلِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَشْهَدُهُ إكْرَامًا لَهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ حَيٌّ إلَخْ) هَذَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ الشُّهُودِ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ مِنْ الشَّهَادَةِ فَلِأَنَّ عَلَيْهِ شَاهِدًا يَشْهَدُ لَهُ وَهُوَ دَمُهُ وَجُرْحُهُ، أَوْ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ بِالْكُفْرِ (قَوْلُهُ هُوَ إلَخْ) أَيْ الشَّهِيدُ فِي الْعُرْفِ مَا ذَكَرَ، وَهُوَ تَعْرِيفٌ لَهُ بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ الْآتِي أَعْنِي عَدَمَ تَغْسِيلِهِ وَنَزْعِ ثِيَابِهِ لَا لِمُطْلَقِهِ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: كُلُّ مُكَلَّفٍ) هُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ، خَرَجَ بِهِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَيُغَسَّلَانِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ السَّيْفَ أَغْنَى عَنْ الْغُسْلِ لِكَوْنِهِ طُهْرَةً وَلَا ذَنْبَ لِلصَّبِيِّ، وَلَا لِلْمَجْنُونِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُقَيِّدَ الْمَجْنُونَ بِمَنْ بَلَغَ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا خَفَاءَ فِي احْتِيَاجِهِ إلَى مَا يُطَهِّرُ مَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إذَا مَاتَ عَلَى جُنُونِهِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا مَضَى لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّوْبَةِ بَحْرٌ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُسَلَّمٌ فِيمَا إذَا جُنَّ عَقِبَ الْمَعْصِيَةِ، أَمَّا لَوْ مَضَى بَعْدَهَا زَمَنٌ يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى التَّوْبَةِ فَلَمْ يَفْعَلْ كَانَ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: مُسْلِمٍ) أَمَّا الْكَافِرُ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ، وَإِنْ قُتِلَ ظُلْمًا فَلِقَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ تَغْسِيلُهُ كَمَا مَرَّ وَمَا فِي ط عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ غَيْرُ ظَاهِرٍ (قَوْلُهُ طَاهِرٍ) أَيْ لَيْسَ بِهِ جَنَابَةٌ وَلَا حَيْضٌ وَلَا نِفَاسٌ وَلَا انْقِطَاعُ أَحَدِهِمَا كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ، فَإِذَا اُسْتُشْهِدَ الْجُنُبُ يُغَسَّلُ، وَهَذَا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، فَإِذَا انْقَطَعَ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَاسْتُشْهِدَتْ فَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ، وَإِنْ اُسْتُشْهِدَتْ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ تُغَسَّلُ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ قُهُسْتَانِيٌّ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا تُغَسَّلُ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا بَعْدَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُغَسَّلُ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْغُسْلَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهَا كَمَا لَوْ انْقَطَعَ قَبْلَ الثَّلَاثِ فَإِنَّهَا لَا تُغَسَّلُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي السِّرَاجِ وَالْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ فَالْحَائِضُ) الْمُرَادُ بِهَا مَنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ لَا مَنْ اتَّصَفَتْ بِالْحَيْضِ لِئَلَّا يُنَافِيَ قَوْلَهُ لِعَدَمِ كَوْنِهَا حَائِضًا فَافْهَمْ. وَاقْتَصَرَ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِ الْمُحْتَرَزَاتِ لِخَفَائِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَلَمْ يُفَصِّلْ فِي النُّفَسَاءِ لِأَنَّ النِّفَاسَ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَرَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا تُغَسَّلُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْ السِّرَاجِ وَالْمِعْرَاجِ؛ فَمَا فِي الْإِمْدَادِ مِنْ أَنَّ الْحَائِضَ تُغَسَّلُ سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ، أَوْ قَبْلَ اسْتِمْرَارِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِيهِ سَهْوٌ أَوْ سَقْطٌ، وَصَوَابُهُ، أَوْ قَبْلَهُ بَعْدَ اسْتِمْرَارِهِ إلَخْ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعِدْ إلَخْ) اسْتَدَلَّ الْإِمَامُ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ لِمَنْ قُتِلَ جُنُبًا بِمَا صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لَمَّا قُتِلَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الثَّقَفِيِّ «إنَّ صَاحِبَكُمْ حَنْظَلَةَ تُغَسِّلُهُ الْمَلَائِكَةُ، فَسَأَلُوا زَوْجَتَهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 غُسْلَ حَنْظَلَةَ لِحُصُولِهِ بِفِعْلِ الْمَلَائِكَةِ» ، بِدَلِيلِ قِصَّةِ آدَمَ (قُتِلَ ظُلْمًا) بِغَيْرِ حَقٍّ (بِجَارِحَةٍ) أَيْ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ (وَلَمْ يَجِبْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ مَالٌ) بَلْ قِصَاصٌ، حَتَّى لَوْ وَجَبَ الْمَالُ بِعَارِضٍ كَالصُّلْحِ   [رد المحتار] جُنُبٌ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ» . وَأَوْرَدَ الصَّاحِبَانِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَوَجَبَ عَلَى بَنَى آدَمَ وَلَمَا اُكْتُفِيَ بِفِعْلِ الْمَلَائِكَةِ. وَالْجَوَابُ بِالْمَنْعِ وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِفِعْلِهِمْ بِدَلِيلِ قِصَّةِ آدَمَ الْمَارَّةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ نَفْسُ الْغُسْلِ، فَأَمَّا الْغَاسِلُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَيًّا كَانَ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ هَذَا الْغُسْلَ عِنْدَهُ لِلْجَنَابَةِ لَا لِلْمَوْتِ اهـ أَيْ وَإِذَا كَانَ لِلْجَنَابَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ لَمْ يَحْسُنْ الِاسْتِدْلَال بِقِصَّةِ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّ تَغْسِيلَهُمْ لِآدَمَ كَانَ لِلْمَوْتِ لَا لِلْجَنَابَةِ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ إذَا وَجَبَ لِلْجَنَابَةِ كَانَ كَوُجُوبِهِ لِلْمَوْتِ، فَدَلَّتْ الْقِصَّةُ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِفِعْلِ الْمَلَائِكَةِ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ الْغُسْلِ أَنَّ الْمَيِّتَ لَوْ وُجِدَ فِي الْمَاءِ لَا بُدَّ مِنْ تَغْسِيلِهِ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِهِ، فَيُحَرِّكُهُ فِي الْمَاءِ بِنِيَّتِهِ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنْ ذِمَّةِ الْمُكَلَّفِينَ لَا لِطَهَارَتِهِ؛ فَلَوْ صَلَّى عَلَيْهِ بِلَا إعَادَةٍ لِغُسْلِهِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ الْوُجُوبُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِفِعْلِ الْمَلَائِكَةِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ إذَا لَمْ يُغَسِّلْهُ غَيْرُهُمْ لِقِيَامِ فِعْلِهِ مَقَامَ فِعْلِهِمْ. وَلِذَا صَحَّ تَغْسِيلُ الذِّمِّيِّ أَوْ الصَّبِيِّ لِمُسْلِمٍ مَاتَ بَيْنَ نِسَاءٍ لَيْسَ مَعَهُنَّ سِوَاهُمَا كَمَا مَرَّ. عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْمَلَائِكَةِ بِإِذْنٍ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى، فَهُوَ إذْنٌ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ بِالِاكْتِفَاءِ عَنْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِينَ، وَلَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِتَكْلِيفِهِمْ، وَبَعْثِهِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْهِمْ، وَالْقِصَّةُ وَالْحَدِيثُ دَلِيلَانِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِفِعْلِهِمْ. وَأَمَّا وُقُوعُهُ فِي الْمَاءِ فَلَيْسَ فِيهِ تَغْسِيلٌ مِنْ أَحَدٍ فَلَمْ يَسْقُطْ الْفَرْضُ عَنْهُمْ، وَإِنْ حَصَلَتْ الطَّهَارَةُ كَمَا لَوْ غَسَّلَهُ مُكَلَّفٌ بِلَا نِيَّةٍ فَإِنَّهُ يُجْزِي لِطَهَارَتِهِ لَا لِإِسْقَاطِهِ الْفَرْضَ عَنْ ذِمَّتِنَا فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ الْفَرْضُ عَنَّا؛ فَلِذَا وَجَبَ إعَادَةُ غُسْلِ الْغَرِيقِ أَوْ تَحْرِيكُهُ عِنْدَ إخْرَاجِهِ بِنِيَّةِ الْغُسْلِ فَيَكُونُ فِعْلًا مِنَّا فَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ عَنَّا؛ إذْ بِدُونِهِ لَمْ يَحْصُلْ فِعْلٌ مِنَّا، وَلَا مِمَّنْ نَابَ عَنَّا، فَاتَّضَحَ الْفَرْقُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَاغْتَنِمْهُ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ (قَوْلُهُ: قُتِلَ ظُلْمًا) لَمْ يَقُلْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ كَمَا فِي الْكَنْزِ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ كَذَلِكَ. وَقَيَّدَ بِالْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ بِتَرَدٍّ أَوْ حَرْقٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ هَدْمٍ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا فِي حُكْمِ الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ شَهِيدًا فِي الْآخِرَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَبِقَوْلِهِ ظُلْمًا لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ قُتِلَ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ مَثَلًا لَا يَكُونُ شَهِيدًا فَيُغَسَّلُ، وَدَخَلَ فِيهِ الْمَقْتُولُ مُدَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ شَهِيدٌ، لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ قَتْلِهِ بِمُحَدَّدٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَاسْتَشْكَلَهُ فِي النَّهْرِ، وَيَأْتِي جَوَابُهُ (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ حَقٍّ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ ظُلْمًا (قَوْلُهُ بِجَارِحَةٍ) أَيْ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَهَذَا قَيْدٌ فِي غَيْرِ مَنْ قَتَلَهُ بَاغٍ أَوْ حَرْبِيٌّ أَوْ قَاطِعُ طَرِيقٍ بِقَرِينَةِ الْعَطْفِ الْآتِي، وَاحْتُرِزَ بِهَا عَنْ الْمَقْتُولِ بِمُثْقَلٍ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: أَيْ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ) أَيْ فَالْمُرَادُ بِهَا مَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ، فَيَدْخُلُ فِيهِ النَّارُ وَالْقَصَبُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: بَلْ قِصَاصٌ) أَيْ بَلْ وَجَبَ بِهِ قِصَاصٌ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ عُلِمَ قَاتِلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ؛ إذْ لَا قِصَاصَ إلَّا عَلَى قَاتِلٍ مَعْلُومٍ، خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الدُّرَرِ. أَمَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُغَسَّلُ، لَكِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ أَوْ لَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ أَصْلًا كَقَتْلِ الْأَسِيرِ مِثْلَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَتْلِ السَّيِّدِ عَبْدَهُ عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ وَجَبَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ بِنَفْسِ الْقَتْلِ، فَإِنَّ الْمَالَ لَمْ يَجِبْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِهِ الْقِصَاصُ، وَإِنَّمَا سَقَطَ بِعَارِضٍ وَهُوَ الصُّلْحُ أَوْ شُبْهَةُ الْأُبُوَّةِ، فَلَا يُغَسَّلُ فِي الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 أَوْ قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ لَا تَسْقُطُ الشَّهَادَةُ (وَلَمْ يَرْتَثَّ) فَلَوْ ارْتَثَّ غُسِّلَ كَمَا سَيَجِيءُ (وَكَذَا) يَكُونُ شَهِيدًا (لَوْ قَتَلَهُ بَاغٍ أَوْ حَرْبِيٌّ أَوْ قَاطِعُ طَرِيقٍ وَلَوْ) تَسَبُّبًا أَوْ (بِغَيْرِ آلَةٍ جَارِحَةٍ) فَإِنَّ مَقْتُولَهُمْ شَهِيدٌ بِأَيِّ آلَةٍ قَتَلُوهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ شُهَدَاءُ أُحُدٍ وَلَمْ يَكُنْ كُلُّهُمْ قَتِيلَ سِلَاحٍ (أَوْ وُجِدَ جَرِيحًا مَيِّتًا فِي مَعْرَكَتِهِمْ) الْمُرَادُ بِالْجِرَاحَةِ عَلَامَةُ الْقَتْلِ؛ كَخُرُوجِ الدَّمِ مِنْ   [رد المحتار] فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا وَجَبَ بِقَتْلِهِ الْقِصَاصُ وَإِنْ سَقَطَ لِعَارِضٍ أَوْ لَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ أَصْلًا فَهُوَ شَهِيدٌ كَمَا عَلِمْته. أَمَّا إذَا وَجَبَ بِهِ الْمَالُ ابْتِدَاءً فَلَا؛ وَذَلِكَ بِأَنْ كَانَ قَتْلُهُ شِبْهَ الْعَمْدِ كَضَرْبٍ بِعَصًا، أَوْ خَطَإٍ كَرَمْيِ غَرَضٍ فَأَصَابَهُ أَوْ مَا جَرَى مَجْرَاهُ كَسُقُوطِ نَائِمٍ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا وَجَبَ بِهِ الْقَسَامَةُ لِوُجُوبِ الْمَالِ بِنَفْسِ الْقَتْلِ شَرْعًا. وَكَذَا لَوْ وُجِدَ مَذْبُوحًا وَلَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ سَوَاءٌ وَجَبَتْ فِيهِ الْقَسَامَةُ أَوْ لَا هُوَ الصَّحِيحُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ ظُلْمًا كَمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ الَّذِي حَقَّقَهُ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ قَتَلَ الْأَبَ ابْنُهُ) أَوْ قَتَلَهُ شَخْصٌ آخَرُ يَرِثُهُ الِابْنُ بَحْرٌ، كَمَا إذَا قَتَلَ زَوْجَتَهُ، وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ فَإِنَّ الْوَلَدَ اسْتَحَقَّ الْقِصَاصَ عَلَى أَبِيهِ فَيَسْقُطُ لِلْأُبُوَّةِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُرْتَثَّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ آخِرَهُ، أَشَارَ إلَى أَنَّ شَرْطَ عَدَمِ الِارْتِثَاثِ لَيْسَ خَاصًّا بِشَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ، وَلِذَا لَمَّا قُتِلَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ غُسِّلَا لِأَنَّهُمَا ارْتَثَّا وَعُثْمَانُ أُجْهِزَ عَلَيْهِ فِي مَصْرَعِهِ وَلَمْ يُرْتَثَّ فَلَمْ يُغَسَّلْ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَسَيَجِيءُ بَيَانُ الِارْتِثَاثُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا يَكُونُ شَهِيدًا إلَخْ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُرْتَثَّ أَيْضًا (قَوْلُهُ: أَوْ قَاطِعُ طَرِيقٍ) وَالْمُكَابِرُونَ فِي الْمِصْرِ لَيْلًا بِمَنْزِلَةِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ، فَمَنْ قَتَلَهُ وَلَوْ بِغَيْرِ مُحَدَّدٍ فَهُوَ شَهِيدٌ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ الْقُطَّاعُ؛ وَكَذَا مَنْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ لَيْلًا كَمَا سَيَأْتِي. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ زَادَ فِي الْمُحِيطِ سَبَبًا رَابِعًا وَهُوَ مَنْ قُتِلَ مُدَافِعًا وَلَوْ عَنْ ذِمِّيٍّ فَإِنَّهُ شَهِيدٌ بِأَيِّ آلَةٍ قُتِلَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدًا مِنْ الثَّلَاثَةِ أَيْ مِمَّنْ قَتَلَهُ بَاغٍ أَوْ حَرْبِيٌّ أَوْ قَاطِعُ طَرِيقٍ، وَقَالَ فِي النَّهْرِ: كَوْنُهُ شَهِيدًا، وَإِنْ قُتِلَ بِغَيْرِ مُحَدَّدٍ مُشْكِلٌ جِدًّا لِوُجُوبِ الدِّيَةِ بِقَتْلِهِ، فَتَدَبَّرْهُ مُمْعِنًا النَّظَرَ فِيهِ. اهـ. قُلْت: يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ عَيْنًا، كَمَا لَوْ خَرَجَ عَلَيْهِ قُطَّاعُ طَرِيقٍ أَوْ لُصُوصٌ أَوْ نَحْوُهُمْ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى إذَا الْتَقَتْ سَرِيَّتَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ تَرَى أَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ فَأَجْلَوْا عَنْ قَتْلَى مِنْ الْفَرِيقَيْنِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا دِيَةَ عَلَى أَحَدٍ وَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُمْ دَافَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْغُسْلِ. وَيَجِبُ أَنْ يُغَسَّلُوا لِأَنَّ قَاتِلَهُمْ لَمْ يَظْلِمْهُمْ اهـ. وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ إحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ ظَالِمَةً لِلْأُخْرَى، بِأَنْ عَلِمُوا حَالَهُمْ لَا يُغَسَّلُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْأُخْرَى، وَإِنْ جُهِلَ قَاتِلُهُ عَيْنًا لِكَوْنِهِ مُدَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ وَجَمَاعَتِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَسَبُّبًا) لِأَنَّ مَوْتَهُ يَكُونُ مُضَافًا إلَيْهِمْ، فَلَوْ أَوْطَئُوا دَابَّتَهُمْ مُسْلِمًا، أَوْ نَفَرُوا دَابَّةَ مُسْلِمٍ فَرَمَتْهُ، أَوْ رَمَوْا نَارًا فِي سَفِينَةٍ فَاحْتَرَقَتْ وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ فَهُوَ شَهِيدٌ. أَمَّا لَوْ قُتِلَ بِانْفِلَاتِ دَابَّةِ مُشْرِكٍ لَيْسَ عَلَيْهَا أَحَدٌ أَوْ دَابَّةِ مُسْلِمٍ أَوْ بِرَمْيِنَا إلَيْهِمْ فَأَصَابَهُ أَوْ نَفَرَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ فَأَلْجَئُوهُمْ إلَى خَنْدَقٍ أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِهِ فَمَاتَ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ فِعْلَهُ يَقْطَعُ النِّسْبَةَ إلَيْهِمْ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ الْمُرَادُ بِالْجِرَاحَةِ عَلَامَةُ الْقَتْلِ) لِيَشْمَلَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجِرَاحَةِ الْبَاطِنَةِ، وَمَا لَيْسَ بِجِرَاحَةٍ أَصْلًا كَخَنْقٍ وَكَسْرِ عُضْوٍ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى قَوْلُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَوْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ أَثَرٌ. اهـ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ أَصْلًا لَا يَكُونُ شَهِيدًا، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لِشِدَّةِ خَوْفِهِ انْخَلَعَ قَلْبُهُ فَتْحٌ: أَيْ فَلَمْ يَكُنْ بِفِعْلٍ مُضَافٍ إلَى الْعَدُوِّ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: كَخُرُوجِ الدَّمِ إلَخْ) أَيْ إنْ كَانَ الدَّمُ يَخْرُجُ مِنْ مَخَارِقِهِ يُنْظَرُ، إنْ كَانَ مَوْضِعًا يَخْرُجُ مِنْهُ الدَّمُ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ فِي الْبَاطِنِ كَالْأَنْفِ وَالذَّكَرِ وَالدُّبُرِ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا لِأَنَّ الْمَرْءَ قَدْ يُبْتَلَى بِالرُّعَافِ، وَقَدْ يَبُولُ دَمًا لِشِدَّةِ الْفَزَعِ، وَقَدْ يَخْرُجُ الدَّمُ مِنْ الدُّبُرِ مِنْ غَيْرِ جُرْحٍ فِي الْبَاطِنِ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي سُقُوطِ الْغُسْلِ فَلَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ، وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ أُذُنِهِ أَوْ عَيْنِهِ كَانَ شَهِيدًا لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا عَادَةً إلَّا لِآفَةٍ فِي الْبَاطِنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ضُرِبَ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 عَيْنِهِ أَوْ مِنْ أُذُنِهِ أَوْ حَلْقِهِ صَافِيًا، لَا مِنْ أَنْفِهِ أَوْ ذَكَرِهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ حَلْقِهِ جَامِدًا (فَيُنْزَعُ عَنْهُ مَا لَا يَصْلُحُ لِلْكَفَنِ، وَيُزَادُ) إنْ نَقَصَ مَا عَلَيْهِ عَنْ كَفَنِ السُّنَّةِ (وَيُنْقَصُ) إنْ زَادَ (لِ) أَجْلِ أَنْ (يَتِمَّ كَفَنُهُ) الْمَسْنُونُ (وَيُصَلَّى عَلَيْهِ بِلَا غُسْلٍ وَيُدْفَنُ بِدَمِهِ وَثِيَابِهِ) لِحَدِيثِ «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ» (وَيُغَسَّلُ مَنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي مِصْرٍ) أَوْ قَرْيَةٍ (فِيمَا) أَيْ فِي مَوْضِعٍ (يَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ) وَلَوْ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَالْمَقْتُولِ فِي جَامِعٍ أَوْ شَارِعٍ (وَلَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ) أَوْ عُلِمَ وَلَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ، فَإِنْ وَجَبَ كَانَ شَهِيدًا كَمَنْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ لَيْلًا فِي الْمِصْرِ فَإِنَّهُ لَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ فِيهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ قَاتِلَهُ اللُّصُوصُ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ عَيْنَهُ لَمْ تُعْلَمْ فَلْيُحْفَظْ، فَإِنَّ النَّاسَ عَنْهُ غَافِلُونَ (أَوْ قُتِلَ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ)   [رد المحتار] الدَّمُ؛ وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ، فَإِنْ نَزَلَ مِنْ رَأْسِهِ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا، وَإِنْ كَانَ يَعْلُو مِنْ جَوْفِهِ كَانَ شَهِيدًا لِأَنَّهُ لَا يَصْعَدُ إلَّا لِجُرْحٍ فِي الْبَاطِنِ وَإِنَّمَا يُمَيَّزُ بَيْنَهُمَا بِلَوْنِ الدَّمِ بَدَائِعُ؛ فَالنَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ صَافٍ، وَالصَّاعِدُ مِنْ الْجَوْفِ عَلَقٌ جَوْهَرَةٌ وَفَتْحٌ وَالْعَلَقُ: الْجَامِدُ. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْمُرْتَقِي مِنْ الْجَوْفِ قَدْ يَكُونُ رَقِيقًا مِنْ قُرْحَةٍ فِي الْجَوْفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ فَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ مِنْ جِرَاحَةٍ حَادِثَةٍ بَلْ هُوَ أَحَدُ الْمُحْتَمَلَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ صَافِيًا) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ أَوْ حَلْقِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ الْآتِي جَامِدًا، وَفِيهِ قَلْبٌ. وَالصَّوَابُ ذِكْرُ جَامِدًا فِي الْأَوَّلِ وَصَافِيًا فِي الثَّانِي كَمَا عُلِمَ مِمَّا نَقَلْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ فَيُنْزَعُ عَنْهُ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي أَحْكَامِهِ، وَالْمُرَادُ بِمَا لَا يَصْلُحُ لِلْكَفَنِ مِثْلُ الْفَرْوِ وَالْحَشْوِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْخُفِّ وَالسِّلَاحِ وَالدِّرْعِ لَا السَّرَاوِيلِ فَلَا يُنْزَعُ فِي الْأَشْبَهِ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ وَكَذَا لَا يُنْزَعُ الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ: وَيُزَادُ إنْ نَقَصَ) فِي الْمُحِيطِ: قِيلَ إنَّ قَوْلَهُمْ يُزَادُ وَيَنْقُصُ، مَعْنَاهُ يُزَادُ ثَوْبٌ جَدِيدٌ تَكْرِيمًا، وَيَنْقُصُ مَا شَاءُوا، وَإِنْ كَانَ مَا عَلَيْهِ يَبْلُغُ السُّنَّةَ. وَقِيلَ يُزَادُ إذَا قَلَّ وَيَنْقُصُ إذَا كَثُرَ حَتَّى يَبْلُغَ السُّنَّةَ، وَهَذَا أَنْسَبُ مِنْ قَوْلِهِ لِيَتِمَّ كَفَنُهُ قُهُسْتَانِيُّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُ جَمِيعُ ثِيَابِهِ وَيُجَدَّدُ الْكَفَنُ وَذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إلَخْ) أَيْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ دَلِيلَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ» وَسَاقَ أَحَادِيثَ وَقَالَ كُلٌّ مِنْهَا إنْ سُلِّمَ أَنَّهُ لَمْ يَرْتَقِ إلَى دَرَجَةِ الصِّحَّةِ فَلَيْسَ بِنَازِلٍ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ، وَمَجْمُوعُهَا مُرْتَقٍ إلَيْهَا قَطْعًا، فَتَعَارَضَ مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ، وَتَرَجَّحَ عَلَيْهِ بِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ، وَهُوَ نَافٍ، وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَالتَّزْمِيلُ، اللَّفُّ. وَالْكُلُومُ: جَمْعُ كَلْمٍ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ الْجُرْحُ (قَوْلُهُ أَيْ فِي مَوْضِعٍ تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ) فَالْمُرَادُ بِالْمِصْرِ وَالْقَرْيَةِ مَا يَشْمَلُ مَا قَرُبَ مِنْهُمَا؛ وَخَرَجَ مَا لَوْ وُجِدَ فِي مَفَازَةٍ لَيْسَ بِقُرْبِهَا عُمْرَانٌ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ فِيهِ قَسَامَةٌ وَلَا دِيَةٌ، فَلَا يُغَسَّلُ لَوْ وُجِدَ بِهِ أَثَرُ الْقَتْلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ) أَيْ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ قُتِلَ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ أَوْ لَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ كَوْنِهِ قَتَلَهُ ظُلْمًا، وَلِوُجُوبِ الدِّيَةِ. وَلَمَّا كَانَ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ عُلِمَ لَا يُغَسَّلُ مُطْلَقًا أَيْضًا مَعَ أَنَّ الْإِطْلَاقَ غَيْرُ مُرَادٍ فَصَّلَ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ إنْ عُلِمَ، وَلَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ بِأَنْ قُتِلَ بِمُثْقَلٍ أَوْ خَطَأً فَكَذَلِكَ أَيْ يُغَسَّلُ، وَإِلَّا فَلَا، وَكَانَ الْمُصَنِّفُ أَطْلَقَهُ عَنْ التَّقْيِيدِ اسْتِغْنَاءً بِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ: قُتِلَ ظُلْمًا إلَخْ (قَوْلُهُ كَمَنْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ قُتِلَ بِسِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ وَكَذَا مَنْ قَتَلَهُ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ خَارِجَ الْمِصْرِ بِسِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ شَهِيدٌ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَمْ يُخْلِفْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بَدَلًا هُوَ مَالٌ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ لِأَنَّ مُوجِبَ قَطْعِ الطَّرِيقِ الْقَتْلُ لَا الْمَالُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ فَلْيُحْفَظْ إلَخْ) أَصْلُ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ مَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ: وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ فِي بَيْتِهِ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ قَاتِلٌ مُعَيَّنٌ مِنْهُمْ لِعَدَمِ وُجُودِهِمْ فَإِنَّهُ لَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّهُمَا لَا يَجِبَانِ إلَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ الْقَاتِلُ، وَهُنَا قَدْ عُلِمَ أَنَّ قَاتِلَهُ اللُّصُوصُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِمْ لِفِرَارِهِمْ، فَلْيُحْفَظْ هَذَا فَإِنَّ النَّاسَ عَنْهُ غَافِلُونَ. اهـ. قُلْت: وَوَجْهُ الْغَفْلَةِ إطْلَاقُ مَا سَيَأْتِي فِي الْقَسَامَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارِ نَفْسِهِ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 أَيْ يُغَسَّلُ وَكَذَا بِتَعْزِيرٍ أَوْ افْتِرَاسِ سَبُعٍ (أَوْ جُرِحَ وَارْتُثَّ) وَذَلِكَ (بِأَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَوْ تَدَاوَى) وَلَوْ قَلِيلًا (أَوْ أَوَى خَيْمَةً أَوْ مَضَى عَلَيْهِ وَقْتُ صَلَاةٍ وَهُوَ يَعْقِلُ) وَيَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا (أَوْ نُقِلَ مِنْ مَعْرَكَةٍ) وَهُوَ يَعْقِلُ، سَوَاءٌ وَصَلَ حَيًّا أَوْ مَاتَ عَلَى الْأَيْدِي وَكَذَا لَوْ قَامَ مِنْ مَكَانِهِ إلَى مَكَان آخَرَ بَدَائِعُ (لَا لِخَوْفِ وَطْءِ الْخَيْلِ أَوْ أَوْصَى بِأُمُورِ الدُّنْيَا، وَإِنْ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ لَا) يَصِيرُ مُرْتَثًّا (عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ) جَوْهَرَةٌ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْأَمْوَاتِ (أَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى أَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ)   [رد المحتار] وَلَمْ أَرَ مَنْ قَيَّدَهُ هُنَاكَ بِمَا ذُكِرَ هُنَا فَلِذَا أَكَّدَ فِي التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَيْ يُغَسَّلُ) أَفَادَ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى صِلَةِ مَنْ فِي قَوْلِهِ: وَيُغَسَّلُ مَنْ وُجِدَ إلَخْ لِأَنَّ هَذَا الْقَتْلَ لَيْسَ بِظُلْمٍ وَهُوَ الْمَنَاطُ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ أَوْ جُرِحَ) فِعْلُ مَاضٍ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قُتِلَ، وَقَوْلُهُ وَارْتُثَّ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ: أَيْ حُمِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ رَثِيثًا: أَيْ جَرِيحًا. وَفِي النِّهَايَةِ: الرَّثُّ الْبَالِي الْخَلَقُ: أَيْ صَارَ خَلَقًا فِي الشَّهَادَةِ، وَمَعْنَاهُ الشَّرْعِيُّ مَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ بِأَنْ أَكَلَ إلَخْ نَهْرٌ: لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ بِذَلِكَ رِفْقٌ مِنْ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ فَلَمْ تَبْقَ شَهَادَتُهُ عَلَى جِدَّتِهَا وَهَيْئَتِهَا الَّتِي كَانَتْ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ الَّذِينَ هُمْ الْأَصْلُ فِي حُكْمِهِ، لِأَنَّ تَرْكَ الْغُسْلِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ الْمَشْرُوعِ فِي حَقِّ سَائِرِ أَمْوَاتِ بَنِي آدَمَ فَيُرَاعَى فِيهِ جَمِيعُ الصِّفَاتِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَلِيلًا) يَرْجِعُ إلَى الْأَرْبَعَةِ قَبْلَهُ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ ط (قَوْلُهُ: أَوْ أَوَى خَيْمَةً) بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ يَتَعَدَّى بِإِلَى. وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ تَعْدِيَتَهُ بِنَفْسِهِ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: إنَّهَا لُغَةٌ فَصِيحَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ، أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَا إذَا ضُرِبَتْ عَلَيْهِ خَيْمَةٌ، وَهُوَ فِي مَكَانِهِ، وَإِلَّا فَهِيَ مَسْأَلَةُ النَّقْلِ مِنْ الْمَعْرَكَةِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَهُوَ يَعْقِلُ) فَلَوْ لَمْ يَعْقِلْ لَا يُغَسَّلُ وَإِنْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ (قَوْلُهُ وَيَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا) كَذَا قَيَّدَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِتَرْكِهَا فَيَكُونَ بِذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا كَمَا فِي الدُّرَرِ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: أَوْ نُقِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ) أَوْ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي جُرِحَ فِيهِ كَمَا فِي الْيَنَابِيعِ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إلَخْ) أَيْ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ لَا لِخَوْفِ وَطْءِ الْخَيْلِ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ أَوْ نُقِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ النَّقْلُ مُنَافِيًا لِلشَّهَادَةِ، وَهَذَا الْقَيْدُ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ وَالْكَافِي وَالْمَنْبَعِ وَابْنِ مَلَكٍ وَغُرَرِ الْأَذْكَارِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَالدُّرَرِ وَغَيْرِهَا إسْمَاعِيلُ وَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْبَدَائِعِ مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ مَا نَالَ شَيْئًا مِنْ رَاحَةِ الدُّنْيَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ) ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ؛ فَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إنَّهُ يَكُونُ مُرْتَثًّا فِيمَا إذَا أَوْصَى بِأُمُورِ الدُّنْيَا، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ بِعَدَمِهِ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِأُمُورِ الْآخِرَةِ كَمَا فِي وَصِيَّةِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّهْرِ. وَذَكَرَ ط وَصِيَّةَ سَعْدٍ عَنْ سِيرَةِ الشَّامِيِّ حَاصِلُهَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَ إلَيْهِ مَنْ يَنْظُرُ فَقَالَ: إنِّي فِي الْأَمْوَاتِ، فَأَبْلِغْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: إنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ: جَزَاك اللَّهُ عَنَّا خَيْرًا مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ، وَقُلْ لَهُ إنِّي أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ، وَأَبْلِغْ قَوْمَك عَنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُمْ إنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ لَكُمْ: إنَّهُ لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ إنْ خُلِصَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكْرُوهٌ وَفِيكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ، ثُمَّ لَمْ يَبْرَحْ أَنْ مَاتَ» (قَوْلُهُ أَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ) يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى كَلَامٍ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا، لَكِنْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّهُ لَوْ أَكْثَرَ كَلَامَهُ فِي الْوَصِيَّةِ غُسِّلَ لِأَنَّهَا إذَا طَالَتْ أَشْبَهَتْ أُمُورَ الدُّنْيَا بَحْرٌ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ. قُلْت: يُمْكِنُ حَمْلُ مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيّ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا بِدَلِيلِ مَا مَرَّ مِنْ وَصِيَّةِ سَعْدٍ، فَإِنَّ فِيهَا كَلَامًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ (بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَلَوْ فِيهَا) أَيْ فِي الْحَرْبِ (لَا) يَصِيرُ مُرْتَثًّا بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ، وَكُلُّ ذَلِكَ فِي الشَّهِيدِ الْكَامِلِ، وَإِلَّا فَالْمُرْتَثُّ شَهِيدُ الْآخِرَةِ وَكَذَا الْجُنُبُ وَنَحْوُهُ، وَمَنْ قَصَدَ الْعَدُوَّ فَأَصَابَ نَفْسَهُ، وَالْغَرِيقُ وَالْحَرِيقُ وَالْغَرِيبُ وَالْمَهْدُومُ عَلَيْهِ وَالْمَبْطُونُ وَالْمَطْعُونُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْمَيِّتُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ يَطْلُبُ الْعِلْمَ، وَقَدْ عَدَّهُمْ السُّيُوطِيّ نَحْوَ الثَّلَاثِينَ   [رد المحتار] طَوِيلًا (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا كَكَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ فَلَا يَكُونُ مُرْتَثًّا (قَوْلُهُ وَهَذَا كُلُّهُ) أَيْ كَوْنُ مَا ذُكِرَ فِي بَيَانِ الِارْتِثَاثِ مُوجِبًا لِلْغُسْلِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ إلَخْ) هَذَا الشَّرْطُ يَظْهَرُ فِيمَنْ قُتِلَ بِمُحَارَبَةٍ، أَمَّا مَنْ قُتِلَ بِغَيْرِهَا كَمَنْ قُتِلَ ظُلْمًا فَلَا يَظْهَرُ فِيهِ بَلْ إنْ اُرْتُثَّ غُسِّلَ وَإِلَّا لَا، وَلِذَا لَمْ يُقْتَدَ بِهِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَكُلُّ ذَلِكَ) أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الشُّرُوطِ وَهِيَ سِتٌّ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ: الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْقَتْلُ ظُلْمًا، وَأَنْ لَا يَجِبَ بِهِ عِوَضٌ مَالِيٌّ، وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ، وَعَدَمُ الِارْتِثَاثِ ط. مَطْلَبٌ فِي تَعْدَادِ الشُّهَدَاءِ (قَوْلُهُ فِي الشَّهِيدِ الْكَامِلِ) وَهُوَ شَهِيدُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَشَهَادَةُ الدُّنْيَا بِعَدَمِ الْغُسْلِ إلَّا لِنَجَاسَةٍ أَصَابَتْهُ غَيْرَ دَمِهِ كَمَا فِي أَبِي السُّعُودِ، وَشَهَادَةُ الْآخِرَةِ بِنَيْلِ الثَّوَابِ الْمَوْعُودِ لِلشَّهِيدِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ ط وَالْمُرَادُ بِشَهِيدِ الْآخِرَةِ مَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا أَوْ قَاتَلَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - حَتَّى قُتِلَ فَلَوْ قَاتَلَ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ فَهُوَ شَهِيدُ دُنْيَا فَقَطْ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الشَّهِيدِ فِي الدُّنْيَا، وَعَلَيْهِ فَالشُّهَدَاءُ ثَلَاثَةٌ. (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ) أَيْ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَقْتُولِ ظُلْمًا إذَا وَجَبَ بِقَتْلِهِ مَالٌ (قَوْلُهُ: وَالْمَطْعُونُ) وَكَذَا مَنْ مَاتَ فِي زَمَنِ الطَّاعُونِ بِغَيْرِهِ إذَا أَقَامَ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا فَإِنَّ لَهُ أَجْرَ الشَّهِيدِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ. وَذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّهُ لَا يُسْأَلُ فِي قَبْرِهِ أُجْهُورِيٌّ (قَوْلُهُ وَالنُّفَسَاءُ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ مَاتَتْ وَقْتَ الْوَضْعِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ النِّفَاسِ ط (قَوْلُهُ وَالْمَيِّتُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ) أَخْرَجَ حَمِيدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ عَنْ مِرْسَالِ إيَاسِ بْنِ بُكَيْر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كُتِبَ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ» أُجْهُورِيٌّ (قَوْلُهُ وَهُوَ يَطْلُبُ الْعِلْمَ) بِأَنْ كَانَ لَهُ اشْتِغَالٌ بِهِ تَأْلِيفًا أَوْ تَدْرِيسًا أَوْ حُضُورًا فِيمَا يَظْهَرُ، وَلَوْ كُلَّ يَوْمٍ دَرْسٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الِانْهِمَاكَ ط (قَوْلُهُ وَقَدْ عَدَّهُمْ السُّيُوطِيّ إلَخْ) أَيْ فِي التَّثْبِيتِ نَحْوَ الثَّلَاثِينَ فَقَالَ: مَنْ مَاتَ بِالْبَطْنِ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ، هَلْ الْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِسْقَاءُ أَوْ الْإِسْهَالُ؟ قَوْلَانِ وَلَا مَانِعَ مِنْ الشُّمُولِ أَوْ الْغَرَقِ أَوْ الْهَدْمِ أَوْ بِالْجَنْبِ: وَهِيَ قُرُوحٌ تَحْدُثُ فِي دَاخِلِ الْجَنْبِ بِوَجَعٍ شَدِيدٍ ثُمَّ تَنْفَتِحُ فِي الْجَنْبِ أَوْ بِالْجُمْعِ بِالضَّمِّ بِمَعْنَى الْمَجْمُوعِ كَالذُّخْرِ بِمَعْنَى الْمَذْخُورِ وَكَسَرَ الْكِسَائِيُّ الْجِيمَ. وَالْمَعْنَى أَنَّهَا مَاتَتْ مِنْ شَيْءٍ مَجْمُوعٍ فِيهَا غَيْرِ مُنْفَصِلٍ عَنْهَا مِنْ حَمْلٍ أَوْ بَكَارَةٍ، وَقَدْ تُفْتَحُ الْجِيمُ أَيْضًا عَلَى قِلَّةٍ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ بِجَمْعٍ فَهِيَ شَهِيدَةٌ» أَوْ بِالسُّلِّ وَهُوَ دَاءٌ يُصِيبُ الرِّئَةَ، وَيَأْخُذُ الْبَدَنُ مِنْهُ فِي النُّقْصَانِ وَالِاصْفِرَارِ. وَفِي الْغُرْبَةِ أَوْ بِالصَّرْعِ، أَوْ بِالْحُمَّى، أَوْ دُونَ أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ دَمِهِ أَوْ مَظْلَمَةٌ، أَوْ بِالْعِشْقِ مَعَ الْعَفَافِ وَالْكَتْمِ، وَإِنْ كَانَ سَيِّئَةً حَرَامًا، أَوْ بِالشَّرْقِ؟ ، أَوْ بِافْتِرَاسِ السَّبُعِ أَوْ بِحَبْسِ سُلْطَانٍ ظُلْمًا، أَوْ بِالضَّرْبِ، أَوْ مُتَوَارِيًا، أَوْ لَدَغَتْهُ هَامَةٌ، أَوْ مَاتَ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ، أَوْ مُؤَذِّنًا مُحْتَسِبًا أَوْ تَاجِرًا صَدُوقًا، وَمَنْ سَعَى عَلَى امْرَأَتِهِ وَوَلَدِهِ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ يُقِيمُ فِيهِمْ أَمْرَ اللَّهِ - تَعَالَى، وَيُطْعِمُهُمْ مِنْ حَلَالٍ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - أَنْ يَجْعَلَهُ مِنْ الشُّهَدَاءِ فِي دَرَجَاتِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْمَائِدُ فِي الْبَحْرِ: أَيْ الَّذِي حَصَلَ لَهُ غَثَيَانٌ وَاَلَّذِي يُصِيبُهُ الْقَيْءُ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ وَمَنْ مَاتَتْ صَابِرَةً عَلَى الْغَيْرَةِ لَهَا أَجْرُ شَهِيدٍ، وَمَنْ قَالَ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً: اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِي الْمَوْتِ وَفِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ثُمَّ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ أَعْطَاهُ اللَّهُ أَجْرَ شَهِيدٍ، وَمَنْ صَلَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ فِي الْبَابِ زِيَادَةٌ عَلَى التَّرْجَمَةِ وَهُوَ حَسَنٌ.   [رد المحتار] الضُّحَى وَصَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَلَمْ يَتْرُكْ الْوَتْرَ سَفَرًا وَلَا حَضَرًا كُتِبَ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ «وَالْمُتَمَسِّكُ بِسُنَّتِي عِنْدَ فَسَادِ أُمَّتِي لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ» وَمَنْ قَالَ فِي مَرَضِهِ أَرْبَعِينَ مَرَّةً " لَا إلَه إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَك إنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ فَمَاتَ أُعْطِيَ أَجْرَ شَهِيدٍ، وَإِنْ بَرِئَ بَرِئَ مَغْفُورًا لَهُ " وَحَذَفْت أَدِلَّةَ ذَلِكَ طَلَبًا لِلِاخْتِصَارِ اهـ مُلَخَّصًا ط. أَقُولُ: وَقَدْ نَظَمَهَا الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الَأُجْهُورِيُّ الْمَالِكِيُّ وَشَرَحَهَا شَرْحًا لَطِيفًا، وَذَكَرَ نَحْوَ الثَّلَاثِينَ أَيْضًا لَكِنَّهُ زَادَ عَلَى مَا هُنَا: مَنْ مَاتَ بِالطَّاعُونِ كَمَا مَرَّ أَوْ بِالْحَرْقِ أَوْ مُرَابِطًا أَوْ يَقْرَأُ كُلَّ لَيْلَةٍ سُورَةَ يس، وَمَنْ صُرِعَ عَنْ دَابَّةٍ فَمَاتَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ أَوْ بِالصَّرْعِ، وَمَنْ بَاتَ عَلَى طَهَارَةٍ فَمَاتَ «وَمَنْ عَاشَ مُدَارِيًا مَاتَ شَهِيدًا» أَخْرَجَهُ الدَّيْلَمِيُّ «وَمَنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِائَةَ مَرَّةٍ» أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ «وَمَنْ سَأَلَ الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَادِقًا ثُمَّ مَاتَ أَعْطَاهُ اللَّهُ أَجْرَ شَهِيدٍ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ «وَمَنْ جَلَبَ طَعَامًا إلَى مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ كَانَ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ» رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ، وَمَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَمَا مَرَّ. وَسُئِلَ الْحَسَنُ عَنْ رَجُلٍ اغْتَسَلَ بِالثَّلْجِ فَأَصَابَهُ الْبَرْدُ فَمَاتَ فَقَالَ: يَا لَهَا مِنْ شَهَادَةٍ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَقَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْحَشْرِ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْسِيَ، فَإِنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَاتَ شَهِيدًا، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي كَانَ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ حَتَّى يُصْبِحَ» اهـ وَبِذَلِكَ زَادَتْ عَلَى الْأَرْبَعِينَ، وَقَدْ عَدَّهَا بَعْضُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ وَذَكَرَهَا الرَّحْمَتِيُّ مَنْظُومَةً فَرَاجِعْهُ. مَطْلَبٌ الْمَعْصِيَةُ هَلْ تُنَافِي الشَّهَادَةَ؟ [خَاتِمَةٌ] ذَكَرَ الَأُجْهُورِيُّ قَالَ فِي الْعَارِضَةِ: مَنْ غَرِقَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَعَلَيْهِ إثْمُ مَعْصِيَتِهِ وَكُلُّ مَنْ مَاتَ بِسَبَبِ مَعْصِيَةٍ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ، وَإِنْ مَاتَ فِي مَعْصِيَةٍ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الشَّهَادَةِ فَلَهُ أَجْرُ شَهَادَتِهِ وَعَلَيْهِ إثْمُ مَعْصِيَتِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَاتَلَ عَلَى فَرَسٍ مَغْصُوبٍ، أَوْ كَانَ قَوْمٌ فِي مَعْصِيَةٍ فَوَقَعَ عَلَيْهِمْ الْبَيْتُ فَلَهُمْ الشَّهَادَةُ، وَعَلَيْهِمْ إثْمُ الْمَعْصِيَةِ انْتَهَى. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ شَرِقَ بِالْخَمْرِ فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيدٌ لِأَنَّهُ مَاتَ فِي مَعْصِيَةٍ لَا بِسَبَبِهَا ثُمَّ نَظَرَ فِيهِ لِأَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبِهَا لِأَنَّ الشَّرْقَةَ بِالْخَمْرِ مَعْصِيَةٌ لِأَنَّهَا شُرْبٌ خَاصٌّ. قَالَ: وَيُتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِيمَنْ مَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ مِنْ الزِّنَا فِي أَنَّ سَبَبَ السَّبَبِ هَلْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ السَّبَبِ فَلَا تَكُونُ شَهِيدَةً أَمْ لَا وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. اهـ. وَجَزَمَ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ بِالثَّانِي، وَقَالَ: أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ لِمَعْصِيَةٍ أَوْ سَافَرَ آبِقًا أَوْ نَاشِزَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا رَكِبَ الْبَحْرَ فِي وَقْتٍ لَا تَسِيرُ فِيهِ السُّفُنُ أَوْ تَسَبَّبَتْ امْرَأَةٌ فِي إلْقَاءِ حَمْلِهَا لِلْعِصْيَانِ بِالسَّبَبِ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ تَقْيِيدُ رُكُوبِ الْبَحْرِ أَوْ السَّفَرِ بِمَا إذَا كَانَ لِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَإِلَّا كَانَ مَعْصِيَةً لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْمَعْصِيَةِ، فَهُوَ كَمَنْ قَاتَلَ عَصَبِيَّةً. فَجُرِحَ ثُمَّ مَاتَ، فَالْمُنَاسِبُ مَا نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ تَقْيِيدِ السَّفَرِ بِالْإِبَاحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ] ِ لَمَّا بَيَّنَ حُكْمَ الصَّلَاةِ خَارِجَهَا شَرَعَ فِي بَيَانِهَا دَاخِلَهَا، وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ (قَوْلُهُ: فِي الْبَابِ زِيَادَةٌ) وَهِيَ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا وَحَوْلَهَا ط (قَوْلُهُ وَهُوَ حَسَنٌ) بِخِلَافِ مَا لَوْ نَقَصَ عَنْهَا، وَمِثْلُهُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا فِي السُّؤَالِ كَقَوْلِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 (يَصِحُّ فَرْضٌ وَنَفْلٌ فِيهَا وَفَوْقَهَا) وَلَوْ بِلَا سُتْرَةٍ لِأَنَّ الْقِبْلَةَ عِنْدَنَا هِيَ الْعَرْصَةُ وَالْهَوَاءُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ (وَإِنْ كُرِهَ الثَّانِي) لِلنَّهْيِ، وَتَرْكِ التَّعْظِيمِ (مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً، وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (اخْتَلَفَتْ وُجُوهُهُمْ) فِي التَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ (إلَّا إذَا جَعَلَ قَفَاهُ إلَى وَجْهِ إمَامِهِ) فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ (لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ) وَيُكْرَهُ جَعْلُ وَجْهِهِ لِوَجْهِهِ بِلَا حَائِلٍ وَلَوْ لِجَنْبِهِ لَمْ يُكْرَهُ فَهِيَ أَرْبَعٌ (وَيَصِحُّ لَوْ تَحَلَّقُوا حَوْلَهَا، وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَقْرَبَ إلَيْهَا مِنْ إمَامِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ جَانِبَهُ)   [رد المحتار] - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ التَّطَهُّرِ بِمَاءِ الْبَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» (قَوْلُهُ: يَصِحُّ فَرْضٌ وَنَفْلٌ فِيهَا) أَيْ فِي جَوْفِهَا. وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا يَصِحُّ الْفَرْضُ فِيهَا لِأَنَّهُ إنْ كَانَ اسْتَقْبَلَ جِهَةً كَانَ مُسْتَدْبِرًا جِهَةً أُخْرَى. وَلَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُ جُزْءٍ مِنْهَا غَيْرُ عَيْنٍ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ الْجُزْءُ قِبْلَةً لَهُ بِالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّوَجُّهِ إلَيْهِ، وَمَتَى صَارَ قِبْلَةً فَاسْتِدْبَارُ غَيْرِهِ لَا يَكُونُ مُفْسِدًا، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ صَلَّى رَكْعَةً إلَى جِهَةٍ أُخْرَى لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَدْبِرًا الْجِهَةَ الَّتِي صَارَتْ قِبْلَةً فِي حَقِّهِ بِيَقِينٍ بِلَا ضَرُورَةٍ، بِخِلَافِ الْمُتَحَرِّي، لِأَنَّ مَا تَحَوَّلَ عَنْهَا لَمْ تَصِرْ قِبْلَةً لَهُ بِيَقِينٍ بَلْ بِاجْتِهَادٍ وَلَمْ يَبْطُلْ مَا أَدَّى بِالِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ مَا مَضَى بِاجْتِهَادٍ لَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ مِثْلِهِ بَدَائِعُ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ هِيَ الْعَرْصَةُ وَالْهَوَاءُ) أَيْ لَا الْبِنَاءُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نَقَلَ إلَى عَرْصَةٍ أُخْرَى وَصَلَّى إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ وَلِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ جَازَتْ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَصِل إلَى الْبِنَاءِ بَدَائِعُ وَالْعَرْصَةُ بِالسُّكُونِ: كُلُّ بُقْعَةٍ مِنْ الدُّورِ لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ: نَوَاحِيهَا: وَبِكَسْرِهَا: مَا بَدَا لَك مِنْهَا إذَا نَظَرْتهَا قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كُرِهَ الثَّانِي) أَيْ الصَّلَاةُ فَوْقَهَا (قَوْلُهُ لِلنَّهْيِ) «لِأَنَّهَا مِنْ السَّبْعِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَجَمَعَهَا الطَّرَسُوسِيُّ فِي قَوْلِهِ نَهَى الرَّسُولُ أَحْمَدُ خَيْرُ الْبَشَرْ ... عَنْ الصَّلَاةِ فِي بِقَاعٍ تُعْتَبَرْ مَعَاطِنُ الْجِمَالِ ثُمَّ الْمَقْبَرَهْ ... مَزْبَلَةٌ طَرِيقُهُمْ وَمَجْزَرَهْ وَفَوْقَ بَيْتِ اللَّهِ وَالْحَمَّامِ ... وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى التَّمَامِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَتْ وُجُوهُهُمْ) شَامِلٌ لِسِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً حَاصِلَةٌ مِنْ ضُرُوبٍ أَرْبَعٍ: وَجْهُ الْمُؤْتَمِّ وَقَفَاهُ وَيَمِينُهُ وَيَسَارُهُ فِي مِثْلِهَا مِنْ الْإِمَامِ ح. قُلْت: وَيَشْمَلُ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً أَيْضًا حَاصِلَةٌ مِنْ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُقْتَدِينَ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ، حَيْثُ قَالَ: وَكَذَا إذَا كَانَ وَجْهُ بَعْضِهِمْ إلَى ظَهْرِ بَعْضٍ وَظَهْرُ بَعْضِهِمْ إلَى ظَهْرِ بَعْضٍ لِوُجُودِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ (قَوْلُهُ: فِي التَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ) زَادَهُ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ اخْتَلَفَتْ وُجُوهُهُمْ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَشْمَلُ صُورَةَ الْمُوَاجَهَةِ ط تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَى وَجْهِ إمَامِهِ) أَيْ بِأَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَوَجَّهَ إلَيْهَا إمَامُهُ، وَيَكُونَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ فِيهَا، سَوَاءٌ كَانَ ظَهْرُهُ مُسَامِتًا لِوَجْهِ إمَامِهِ أَوْ مُنْحَرِفًا عَنْهُ يَمِينًا أَوْ يَسَارًا لِأَنَّ الْعِلَّةَ التَّقَدُّمُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَةَ الصُّورَةِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْجَلَّابِيِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ سُتْرَةً، بِأَنْ يُعَلِّقَ نَطْعًا أَوْ ثَوْبًا ط أَيْ لِيَمْنَعَ عَنْ الْمُوَاجَهَةِ (قَوْلُهُ فَهِيَ أَرْبَعٌ) يَعْنِي الْجَوَانِبَ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْمُؤْتَمِّ وَالْإِمَامِ، فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا سِتَّةَ عَشَرَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ لَوْ تَحَلَّقُوا حَوْلَهَا) شُرُوعٌ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ خَارِجَهَا، وَالتَّحَلُّقُ جَائِزٌ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِمَكَّةَ تُؤَدَّى هَكَذَا مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا. وَالْأَفْضَلُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ فِي مَقَامِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ فِي جَانِبِهِ) أَمَّا إذَا كَانَ أَقْرَبَ إلَيْهَا مِنْ الْإِمَامِ فِي الْجِهَةِ الَّتِي يُصَلِّي إلَيْهَا الْإِمَامُ، بِأَنْ كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْإِمَامِ بِحِذَائِهِ فَيَكُونُ ظَهْرُهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ، أَوْ كَانَ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ أَوْ يَسَارِهِ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ وَيَكُونُ ظَهْرُهُ إلَى الصَّفِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 لِتَأَخُّرِهِ حُكْمًا؛ وَلَوْ وَقَفَ مُسَامِتًا لِرُكْنٍ فِي جَانِبِ الْإِمَامِ وَكَانَ أَقْرَبَ لَمْ أَرَهُ، وَيَنْبَغِي الْفَسَادُ احْتِيَاطًا. لِتَرْجِيحِ جِهَةِ الْإِمَامِ، وَهَذِهِ صُورَتُهُ: (وَكَذَا لَوْ اقْتَدَوْا مِنْ خَارِجِهَا بِإِمَامٍ فِيهَا، وَالْبَابُ مَفْتُوحٌ صَحَّ) لِأَنَّهُ كَقِيَامِهِ فِي الْمِحْرَابِ   [رد المحتار] الَّذِي مَعَ الْإِمَامِ وَوَجْهُهُ إلَى الْكَعْبَةِ، فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ لَا يَكُونُ تَابِعًا لَهُ بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ لِتَأَخُّرِهِ حُكْمًا) عِلَّةٌ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْأَقْرَبِ إلَيْهَا مِنْ إمَامِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي جَانِبِ الْإِمَامِ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ فَإِذَا لَمْ تَتَّحِدْ لَمْ يَتَحَقَّقْ تَقَدُّمُهُ عَلَى إمَامِهِ، وَالْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ هُوَ التَّقَدُّمُ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ الْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ أَنْ يَقُولَ لِعَدَمِ تَقَدُّمِهِ لِأَنَّ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى التَّأَخُّرِ بَلْ تَكُونُ مَعَ الْمُسَاوَاةِ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي الْفَسَادُ احْتِيَاطًا إلَخْ) الْبَحْثُ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ فِي حَاشِيَةِ الدُّرَرِ، وَكَذَا لِلرَّمْلِيِّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ. وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمُقْتَدِيَ إذَا اسْتَقْبَلَ رُكْنَ الْحِجْرِ مَثَلًا يَكُونُ كُلٌّ مِنْ جَانِبَيْهِ جِهَةً لَهُ، فَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ مُسْتَقْبِلًا لِبَابِ الْكَعْبَةِ وَكَانَ الْمُقْتَدِي أَقْرَبَ إلَيْهَا مِنْ الْإِمَامِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ وَإِنْ كَانَ جَانِبُ يَسَارِهِ جِهَةً لَهُ لَكِنْ جِهَةُ يَمِينِهِ لَمَّا كَانَتْ جِهَةَ إمَامِهِ تَرَجَّحَتْ احْتِيَاطًا تَقْدِيمًا لِمُقْتَضَى الْفَسَادِ عَلَى مُقْتَضَى الصِّحَّةِ وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ اسْتَقْبَلَ الْإِمَامُ الرُّكْنَ وَكَانَ أَحَدُ الْمُقْتَدِينَ مِنْ جَانِبَيْهِ أَقْرَبَ إلَى الْكَعْبَةِ وَعِبَارَةُ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ أَقُولُ: رَأَيْت فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: لَوْ تَوَجَّهَ الْإِمَامُ أَوْ الْمَأْمُومُ إلَى الرُّكْنِ فَكُلٌّ مِنْ جَانِبَيْهِ جِهَتُهُ وَأَقُولُ: وَلَا شَيْءَ مِنْ قَوَاعِدِنَا يَأْبَاهُ، فَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ إلَى الرُّكْنِ فَكُلٌّ مِنْ جَانِبَيْهِ جَانِبُهُ فَيَنْظُرُ إلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنْ الْمُقْتَدِينَ، فَمَنْ كَانَ الْإِمَامُ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى الْحَائِطِ أَوْ بِمُسَاوَاتِهِ لَهُ فَيُحْكَمُ بِصِحَّةِ صَلَاتِهِ. وَأَمَّا الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ مِنْ الْإِمَامِ إلَى الْحَائِطِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ، وَبِهِ يَتَّضِحُ الْحَالُ فِي التَّحَلُّقِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ مَعَ الْإِمَامِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ اقْتَدُوا مِنْ خَارِجِهَا بِإِمَامٍ فِيهَا إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ أَوْ لَا. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَلَعَلَّ اشْتِرَاطَ فَتْحِ الْبَابِ لِيَعْلَمَ انْتِقَالَ الْإِمَامِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ، فَلَوْ سَمِعَ انْتِقَالَاتِهِ بِالتَّبْلِيغِ، وَالْبَابُ مُغْلَقٌ لَا مَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ. اهـ. وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ لِارْتِفَاعِ مَكَانِ الْإِمَامِ قَدْرَ الْقَامَةِ كَانْفِرَادِهِ عَلَى الدُّكَّانِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ ط. أَقُولُ: وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ عَكْسَ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ مَا لَوْ كَانَ الْمُقْتَدِي فِيهَا وَالْإِمَامُ خَارِجَهَا. وَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ إنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهَا مَانِعٌ مِنْ التَّقَدُّمِ عَلَى الْإِمَامِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ. ثُمَّ رَأَيْت رِسَالَةً لِسَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ سَمَّاهَا [نَفْضَ الْجَعْبَةِ فِي الِاقْتِدَاءِ مِنْ جَوْفِ الْكَعْبَةِ] ذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَّهُ وَقَعَ فِيهَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ عَصْرِهِ فِي مَكَّةَ وَأَنَّهُ أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِالْجَوَازِ وَبَعْضُهُمْ بِالْمَنْعِ وَلَمْ تُوجَدْ مَنْصُوصَةٌ. وَأَجَابَ هُوَ بِالْجَوَازِ وَرَدَ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ الْمَانِعُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ ذَكَرَهَا الزَّرْكَشِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي كِتَابِهِ إعْلَامِ السَّاجِدِ بِأَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ وَذَكَرَ أَنَّ قَوَاعِدَنَا لَا تَأْبَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجَوَازِ اهـ. قُلْت: وَلَمَّا حَجَجْت سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَأَلْفٍ اجْتَمَعْت فِي مِنًى سَقَى اللَّهُ عَهْدَهَا مَعَ بَعْضِ أَفَاضِلِ الرُّومِ مِنْ قُضَاةِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ فَسَأَلَنِي عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقُلْت لَهُ مَا تَقَدَّمَ فَقَالَ: لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَكُونُ أَقْوَى حَالًا مِنْ الْإِمَامِ لِكَوْنِهِ دَاخِلَهَا وَالْإِمَامُ خَارِجُهَا، وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ مَنْ يُصَلِّي فِي الْحِجْرِ إذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 كِتَابُ الزَّكَاةِ قَرْنُهَا بِالصَّلَاةِ فِي اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ مَوْضِعًا فِي التَّنْزِيلِ دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ الِاتِّصَالِ بَيْنَهُمَا. وَفُرِضَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ، وَلَا تَجِبُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ إجْمَاعًا. (هِيَ) لُغَةً الطَّهَارَةُ وَالنَّمَاءُ، وَشَرْعًا (تَمْلِيكٌ)   [رد المحتار] كَانَ الْإِمَامُ فِي جِهَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ الْحِجْرَ مِنْ الْكَعْبَةِ وَقَالَ: إذَا وُلِّيت قَضَاءَ مَكَّةَ أَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ ذَلِكَ، فَعَارَضْته بِأَنَّ مَا ذَكَرْته مِنْ الْقُوَّةِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْعِ لِلتَّسَاوِي فِي الْوَاجِبِ وَهُوَ اسْتِقْبَالُ جُزْءٍ مِنْ الْكَعْبَةِ، وَبِأَنَّ التَّحَلُّقَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ عَادَةٌ قَدِيمَةٌ مِنْ عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ خَارِجَ الْحِجْرِ، وَلَمْ نَسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ، أَوْ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ أَنَّهُ مَنَعَ مَنْ وَصَلَ الصُّفُوفَ فِي الْحِجْرِ، فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا عَلَى الصِّحَّةِ وَبِأَنَّ الْحِجْرَ: أَيْ بَعْضَهُ لَيْسَ مِنْ الْكَعْبَةِ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ، وَلِذَا لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مُسْتَقْبَلًا إلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ ظَنِّيٌّ فَإِذَا وَجَدْت شُرُوطَ الصِّحَّةِ الْقَطْعِيَّةِ لَا يُحْكَمُ بِالْفَسَادِ لِأَمْرٍ ظَنِّيٍّ بَعْدَ تَسْلِيمِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِمَا عَلِمْت، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [كِتَابُ الزَّكَاةِ] ِ إنَّمَا تَرَكَ فِي الْعِنْوَانِ الْعُشْرَ وَغَيْرَهُ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِ تَغْلِيبًا أَوْ تَبَعًا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: قَرْنُهَا) بِصِيغَةِ الْمَصْدَرِ مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ: دَلِيلٌ إلَخْ خَبَرٌ ط. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ ذِكْرُ الصَّوْمِ عَقِبَ الصَّلَاةِ كَمَا فَعَلَ قَاضِي خَانْ لِأَنَّهُ بَدَنِيٌّ مَحْضٌ مِثْلُهَا، إلَّا أَنَّ أَكْثَرَهُمْ قَدَّمُوا الزَّكَاةَ عَلَيْهِ اقْتِدَاءً بِكِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى نُوحٌ وَلِأَنَّهَا أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الصَّلَاةِ قُهُسْتَانِيٌّ. قُلْت: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي التَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ أَوَائِلَ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّ تَرْتِيبَهَا فِي الْأَشْرَفِيَّةِ بَعْدَ الْإِيمَانِ هَكَذَا: الصَّلَاةُ، ثُمَّ الزَّكَاةُ، ثُمَّ الصِّيَامُ، ثُمَّ الْحَجُّ، ثُمَّ الْعُمْرَةُ وَالْجِهَادُ، وَالِاعْتِكَافُ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ فِي اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ مَوْضِعًا) كَذَا عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْمَنَاقِبِ الْبَزَّازِيَّةِ، وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ وَالْمِنَحِ. قَالَ ح: وَصَوَابُهُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ كَمَا عَدَّهُ شَيْخُنَا السَّيِّدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ: قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ) هَذَا مِمَّا يَحْسُنُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الصَّوْمِ ط (قَوْلُهُ: وَلَا تَجِبُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ) لِأَنَّ الزَّكَاةَ طُهْرَةٌ لِمَنْ عَسَاهُ أَنْ يَتَدَنَّسَ وَالْأَنْبِيَاءُ مُبَرَّءُونَ مِنْهُ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31] فَالْمُرَادُ بِهَا زَكَاةُ النَّفْسِ مِنْ الرَّذَائِلِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِمَقَامَاتِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، أَوْ أَوْصَانِي بِتَبْلِيغِ الزَّكَاةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ زَكَاةَ الْفِطْرِ لِأَنَّ مُقْتَضَى جَعْلِ عَدَمِ الزَّكَاةِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ زَكَاةِ الْمَالِ وَالْبَدَنِ، كَذَا أَفَادَهُ الشبراملسي (قَوْلُهُ الطَّهَارَةُ) هَذَا أَنْسَبُ مِمَّا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ إبْدَالِهِ بِالنَّظَافَةِ (قَوْلُهُ: وَالنَّمَاءُ) أَيْ الزِّيَادَةُ، وَلَهَا مَعَانٍ أُخَرُ: الْبَرَكَةُ، يُقَالُ زَكَتْ الْبُقْعَةُ: إذَا بُورِكَ فِيهَا، وَالْمَدْحُ يُقَالُ: زَكَّى نَفْسَهُ إذَا مَدَحَهَا، وَالثَّنَاءُ الْجَمِيلُ يُقَالُ: زَكَّى الشَّاهِدَ إذَا أَثْنَى عَلَيْهِ بَحْرٌ، وَكُلُّهَا تُوجَدُ فِي الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لِأَنَّهَا تُطَهِّرُ مُؤَدِّيَهَا مِنْ الذُّنُوبِ وَمِنْ صِفَةِ الْبُخْلِ، وَالْمَالَ بِإِنْفَاقِ بَعْضِهِ. وَلِذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ مُسْتَقْذَرًا فَحَرُمَ عَلَى آلِ الْبَيْتِ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]- وَتُنَمِّيهِ بِالْخُلْفِ - {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: 39]- {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276]- وَبِهَا تَحْصُلُ الْبَرَكَةُ «لَا يَنْقُصُ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ» وَيُمْدَحُ بِهَا الدَّافِعُ وَيُثْنَى عَلَيْهِ بِالْجَمِيلِ - {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون: 4]- {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14]- (قَوْلُهُ وَشَرْعًا تَمْلِيكٌ إلَخْ) أَيْ إنَّهَا اسْمٌ لِلْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ لِوَصْفِهَا بِالْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ وَلِأَنَّ مَوْضُوعَ عِلْمِ الْفِقْهِ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ وَنَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّهَا شَرْعًا الْقَدْرُ الَّذِي يُخْرِجُهُ إلَى الْفَقِيرِ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْكَرْمَانِيِّ أَنَّهَا فِي الْقَدْرِ مَجَازٌ شَرْعًا فَإِنَّهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 خَرَجَ الْإِبَاحَةُ، فَلَوْ أَطْعَمَ يَتِيمًا نَاوِيًا الزَّكَاةَ لَا يَجْزِيهِ إلَّا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ الْمَطْعُومَ كَمَا لَوْ كَسَاهُ بِشَرْطِ أَنْ يَعْقِلَ الْقَبْضَ إلَّا إذَا حَكَمَ عَلَيْهِ بِنَفَقَتِهِمْ (جَزْءُ مَالٍ) خَرَجَ الْمَنْفَعَةُ، فَلَوْ أَسْكَنَ فَقِيرًا دَارِهِ سَنَةً نَاوِيًا لَا يَجْزِيهِ (عَيَّنَهُ الشَّارِعُ) وَهُوَ رُبْعُ عُشْرِ نِصَابٍ حَوْلِيٍّ   [رد المحتار] إيتَاءُ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَعَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ وَهُوَ الْقَابِلُ لِلْعِنْوَانِ، وَبِالِاشْتِرَاكِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَابْنُ الْأَثِيرِ:. اهـ. وقَوْله تَعَالَى - {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]- ظَاهِرُهُ الْقَدْرُ الْوَاجِبُ، وَيُحْتَمَلُ تَأْوِيلُ الْإِيتَاءِ بِإِخْرَاجِ الْفِعْلِ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ كَمَا فِي - {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72]-[تَنْبِيهٌ] هَذَا التَّعْرِيفُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ زَكَاةُ السَّوَائِمِ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْعَامِلَ وَلَوْ جَبْرًا فَلَمْ يُوجَدْ التَّمْلِيكُ مِنْ الْمُزَكَّى، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ السُّلْطَانَ أَوْ عَامِلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ عَنْهُ فِي صَرْفِهَا مَصَارِفَهَا وَتَمْلِيكِهَا أَوْ عَنْ الْفُقَرَاءِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: خَرَجَ الْإِبَاحَةُ) فَلَا تَكْفِي فِيهَا، وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَلَمْ تَخْرُجْ بِقَيْدِ التَّمْلِيكِ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهَا التَّمْكِينُ وَهُوَ صَادِقٌ بِالتَّمْلِيكِ، وَإِنْ صَدَقَ بِالْإِبَاحَةِ أَيْضًا، نَعَمْ تَخْرُجُ بِقَوْلِهِ جَزْءُ مَالٍ إلَخْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ الْمَطْعُومَ) لِأَنَّهُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ يَمْلِكُهُ فَيَصِيرُ آكِلًا مِنْ مِلْكِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْعَمَهُ مَعَهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَقِيرًا، وَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِ فَقْرِ أَبِيهِ أَيْضًا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْيَتِيمِ وَلَا أَبَا لَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ كَسَاهُ) أَيْ كَمَا يُجْزِئُهُ لَوْ كَسَاهُ ح (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ أَنْ يَعْقِلَ الْقَبْضَ) قَيْدٌ فِي الدَّفْعِ وَالْكِسْوَةِ كِلَيْهِمَا ح. وَفَسَّرَهُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ بِاَلَّذِي لَا يَرْمِي بِهِ، وَلَا يُخْدَعُ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاقِلًا فَقَبَضَ عَنْهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ مَنْ يَعُولُهُ قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا، أَوْ مُلْتَقِطُهُ صَحَّ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَعَبَّرَ بِالْقَبْضِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ فِي التَّبَرُّعَاتِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ فَهُوَ جَزْءٌ مِنْ مَفْهُومِهِ فَلِذَا لَمْ يُقَيَّدْ بِهِ أَوَّلًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبَحْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا حَكَمَ عَلَيْهِ بِنَفَقَتِهِمْ) أَيْ نَفَقَةِ الْأَيْتَامِ، وَالْأَوْلَى إفْرَادُ الضَّمِيرِ لِأَنَّ مَرْجِعَهُ فِي كَلَامِهِ مُفْرَدٌ أَيْ إلَّا إذَا كَانَ الْيَتِيمُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَقَضَى عَلَيْهِ بِهَا أَيْ فَلَا تُجْزِيهِ عَنْ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْمُسْتَثْنَى الَّذِي هُوَ إثْبَاتٌ، وَهَذَا إذَا كَانَ يَحْتَسِبُ الْمُؤَدَّى إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ، أَمَّا إذَا احْتَسَبَهُ مِنْ الزَّكَاةِ فَيُجْزِئُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْعُيُونِ، فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: وَاحْتَسَبَهُ مِنْهَا كَمَا أَفَادَهُ ح. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا احْتَسَبَهُ مِنْ الزَّكَاةِ تَسْقُطُ عَنْهُ النَّفَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ لِاكْتِفَاءِ الْيَتِيمِ بِهَا لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ تَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ، وَلِذَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَلَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ عَمَّا مَضَى، وَهُنَا كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) أَيْ أَبِي يُوسُفَ فَعِنْدَهُ يَصِحُّ. وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ قَضَى عَلَيْهِ بِنَفَقَةِ ذِي رَحِمِهِ الْمَحْرَمِ فَكَسَاهُ وَأَطْعَمَهُ يَنْوِي الزَّكَاةَ صَحَّ عِنْدَ الثَّانِي. اهـ. زَادَ فِي الْخَانِيَّةِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ فِي الْكِسْوَةِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْإِطْعَامِ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْإِطْعَامِ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ. قُلْت: هَذَا إذَا كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْإِبَاحَةِ دُونَ التَّمْلِيكِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ لَفْظُ الْإِطْعَامِ، وَلِذَا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ إذَا كَانَ يَعُولُ يَتِيمًا وَيَجْعَلُ مَا يَكْسُوهُ وَيُطْعِمُهُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ، فَفِي الْكِسْوَةِ لَا شَكَّ فِي الْجَوَازِ لِوُجُودِ الرُّكْنِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ، وَأَمَّا الطَّعَامُ فَمَا يَدْفَعُهُ إلَيْهِ بِيَدِهِ يَجُوزُ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا، مَا يَأْكُلُهُ بِلَا دَفْعٍ إلَيْهِ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَسْكَنَ إلَخْ) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْكَشْفِ الْكَبِيرِ وَقَالَ قَبْلَهُ وَالْمَالُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَهْلُ الْأُصُولِ مَا يُتَمَوَّلُ وَيُدَّخَرُ لِلْحَاجَةِ، وَهُوَ خَاصٌّ بِالْأَعْيَانِ فَخَرَجَ بِهِ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ. اهـ. (قَوْلُهُ عَيْنُهُ) أَيْ الْجُزْءُ أَوْ الْمَالُ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَهُوَ رُبُعُ عُشْرِ نِصَابٍ صَالِحٌ لَهُمَا فَإِنَّ رُبْعَ الْعُشْرِ مُعَيَّنٌ وَالنِّصَابُ مُعَيَّنٌ أَيْضًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَهُوَ رُبْعُ عُشْرِ نِصَابٍ) أَيْ أَوْ مَا يَقُومُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 خَرَجَ النَّافِلَةُ وَالْفِطْرَةُ (مِنْ مُسْلِمٍ فَقِيرٍ) وَلَوْ مَعْتُوهًا (غَيْرِ هَاشِمِيٍّ وَلَا مَوْلَاهُ) أَيْ مُعْتَقِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْكَنْزِ تَمْلِيكُ الْمَالِ: أَيْ الْمَعْهُودِ إخْرَاجُهُ شَرْعًا (مَعَ قَطْعِ الْمَنْفَعَةِ عَنْ الْمُمَلِّكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) فَلَا يُدْفَعُ لِأَصْلِهِ وَفَرْعِهِ (لِلَّهِ تَعَالَى) بَيَانٌ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ (وَشَرْطُ افْتِرَاضِهَا عَقْلٌ وَبُلُوغٌ   [رد المحتار] مَقَامَهُ مِنْ صَدَقَاتِ السَّوَائِمِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبَحْرِ ط (قَوْلُهُ خَرَجَ النَّافِلَةُ إلَخْ) لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُعَيَّنَيْنِ، أَمَّا النَّافِلَةُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْفِطْرَةُ فَلِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُقَدَّرَةً بِالصَّاعِ مِنْ نَحْوِ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ وَبِنِصْفِهِ مِنْ نَحْوِ بُرٍّ أَوْ زَبِيبٍ فَلَيْسَتْ مُعَيَّنَةً مِنْ الْمَالِ لِوُجُوبِهَا فِي الذِّمَّةِ، وَلِذَا لَوْ هَلَكَ الْمَالُ لَا تَسْقُطُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ؛ وَلِذَا تَجِبُ مِنْ الْبُرِّ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْهُ شَيْءٌ، أَمَّا رُبْعُ الْعُشْرِ فِي الزَّكَاةِ فَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ عِنْدَهُ تِسْعَةُ أَعْشَارِ غَيْرِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بِالتَّعْيِينِ وَالتَّقْدِيرِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: مِنْ مُسْلِمٍ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِتَمْلِيكٍ، وَاحْتَرَزَ بِجَمِيعِ مَا ذَكَرَ عَنْ الْكَافِرِ وَالْغَنِيِّ وَالْهَاشِمِيِّ وَمَوْلَاهُ وَالْمُرَادُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِحَالِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَصْرِفِ ح قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْحُرِّيَّةَ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى غَيْرِ الْحُرِّ جَائِزٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَيَانِ الْمَصْرِفِ مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْمَعْتُوهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَعْتُوهًا) فِي الْمُغْرِبِ: الْمَعْتُوهُ النَّاقِصُ الْعَقْلِ، وَقِيلَ الْمَدْهُوشُ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ اهـ وَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَارُّ فِي الصَّبِيِّ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَفِي عَامَّةِ كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّ حُكْمَهُ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ. وَاسْتَثْنَى الدَّبُوسِيُّ الْعِبَادَاتِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا. وَرَدَّهُ أَبُو الْيُسْرِ بِأَنَّهُ نَوْعُ جُنُونٍ فَيَمْنَعُ الْوُجُوبَ. وَفِي أُصُولِ الْبُسْتِيِّ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ بِأَدَائِهَا كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ إلَّا أَنَّهُ إنْ زَالَ الْعَتَهُ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْخِطَابُ بِالْأَدَاءِ حَالًا، وَبِقَضَاءِ مَا مَضَى بِلَا حَرَجٍ، فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يَقْضِي الْقَلِيلَ دُونَ الْكَثِيرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا فِيمَا قَبْلُ كَالنَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ دُونَ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ، وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى التَّحْقِيقِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُغْنِي لَلْهِنْدِيِّ إسْمَاعِيلُ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ أَيْ مُعْتَقَهُ) بِفَتْحِ التَّاءِ، وَالضَّمِيرُ لِلْهَاشِمِيِّ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ مَا عَرَّفَ بِهِ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ أَيْ الْعُهُودُ) إشَارَةٌ إلَى مَا أَجَابَ بِهِ فِي النَّهْرِ عَنْ اعْتِرَاضِ الدُّرَرِ عَلَى الْكَنْزِ بِأَنَّ قَوْلَهُ تَمْلِيكُ الْمَالِ يَتَنَاوَلُ الصَّدَقَةَ النَّافِلَةَ، فَزَادَ قَوْلَهُ: عَيَّنَهُ الشَّارِعُ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ لِإِخْرَاجِهَا. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ أَلْ فِي الْمَالِ لِلْعَهْدِ وَهُوَ مَا عَيَّنَهُ الشَّارِعُ (قَوْلُهُ مَعَ قَطْعِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَمْلِيكِ، وَقَوْلُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُتَعَلِّقٌ بِقَطْعٍ ط (قَوْلُهُ فَلَا يَدْفَعُ لِأَصْلِهِ) أَيْ وَإِنْ عَلَا، وَفَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ، وَكَذَا لِزَوْجَتِهِ وَزَوْجِهَا وَعَبْدِهِ وَمُكَاتِبِهِ لِأَنَّهُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ لَمْ تَنْقَطِعْ الْمَنْفَعَةُ عَنْ الْمُمَلَّكِ: أَيْ الْمُزَكَّى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (قَوْلُهُ لِلَّهِ تَعَالَى) مُتَعَلِّقٌ بِتَمْلِيكِ أَيْ لِأَجْلِ امْتِثَالِ أَمْرِهِ - تَعَالَى (قَوْلُهُ: بَيَانٌ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ) فَإِنَّهَا شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي مَقَاصِدِ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ عَقْلٌ وَبُلُوغٌ) فَلَا تَجِبُ عَلَى مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ وَلَيْسَا مُخَاطَبَيْنِ بِهَا، وَإِيجَابُ النَّفَقَاتِ وَالْغَرَامَاتِ لِكَوْنِهَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَالْعُشْرِ، وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّ فِيهِمَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ. وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ فِي الْمَجْنُونِ الْأَصْلِيِّ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْحَوْلِ مِنْ وَقْتِ إفَاقَتِهِ كَوَقْتِ بُلُوغِهِ. أَمَّا الْعَارِضِي، فَإِنْ اسْتَوْعَبَ كُلَّ الْحَوْلِ فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ الثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْعِبْهُ لَغَا وَعَنْ الثَّانِي: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِهَا إفَاقَةُ أَكْثَرِ الْحَوْلِ نَهْرٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَعْتُوهَ هُنَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ هَذَا التَّفْصِيلَ وَأَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي حَالِ الْعَتَهِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ حُكْمَهُ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فَلَا تَلْزَمُهُ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ كَمَا عَلِمْت إلَّا إذَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ الْحَوْلَ لِأَنَّ الْجُنُونَ يَلْغُو مَعَهُ فَالْعَتَهُ بِالْأَوْلَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 وَإِسْلَامٌ وَحُرِّيَّةٌ) وَالْعِلْمُ بِهِ وَلَوْ حُكْمًا كَكَوْنِهِ فِي دَارِنَا (وَسَبَبُهُ) أَيْ سَبَبُ افْتِرَاضِهَا (مِلْكُ نِصَابٍ حَوْلِيٍّ) نِسْبَةً لِلْحَوْلِ لِحَوَلَانِهِ عَلَيْهِ (تَامٌّ) بِالرَّفْعِ صِفَةُ مِلْكٍ، خَرَجَ مَالُ الْمُكَاتَبِ.   [رد المحتار] وَأَمَّا مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ قَوْلِهِ: فَتَجِبُ عَلَى الْمَعْتُوهِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَلَوْ اسْتَوْعَبَ حَوْلًا كَمَا فِي قَاضِي خَانْ اهـ فَفِيهِ أَنِّي رَاجَعْت نُسْخَتَيْنِ مِنْ قَاضِي خَانْ فَلَمْ أَرَهُ ذَكَرَ حُكْمَ الْمَعْتُوهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ حُكْمَ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمًى عَلَيْهِ، وَلَوْ وُجِدَ فِيهِ ذَلِكَ فَهُوَ مُشْكِلٌ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِسْلَامٌ) فَلَا زَكَاةَ عَلَى كَافِرٍ لِعَدَمِ خِطَابِهِ بِالْفُرُوعِ سَوَاءٌ كَانَ أَصْلِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا فَلَوْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ لَا يُخَاطَبُ بِشَيْءٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَيَّامَ رِدَّتِهِ ثُمَّ كَمَا شُرِطَ لِلْوُجُوبِ شُرِطَ لِبَقَاءِ الزَّكَاةِ عِنْدَنَا، حَتَّى لَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ وُجُوبِهَا سَقَطَ كَمَا فِي الْمَوْتِ بَحْرٌ عَنْ الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ: وَحُرِّيَّةٌ) فَلَا تَجِبُ عَلَى عَبْدٍ، وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُسْتَسْعًى لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا مِلْكَ لَهُ، وَالْمُكَاتَبُ وَنَحْوُهُ وَإِنْ مَلَكَ إلَّا أَنَّ مِلْكَهُ لَيْسَ تَامًّا نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَالْعِلْمُ بِهِ) أَيْ وَبِالِافْتِرَاضِ ح وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِكُلِّ عِبَادَةٍ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ ذَكَرَ الشُّرُوطَ الْعَامَّةَ هُنَا كَالْإِسْلَامِ وَالتَّكْلِيفِ فَيَنْبَغِي ذِكْرُهُ أَيْضًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ حُكْمًا إلَخْ) فَلَوْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ ثُمَّ مَكَثَ سِنِينَ وَلَهُ سَوَائِمُ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِالشَّرَائِعِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا، فَلَا يُخَاطَبُ بِأَدَائِهَا إذَا خَرَجَ إلَى دَارِنَا خِلَافًا لِزُفَرَ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ مِلْكُ نِصَابٍ) فَلَا زَكَاةَ فِي سَوَائِمِ الْوَقْفِ وَالْخَيْلِ الْمُسَبَّلَةِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَلَا فِيمَا أَحْرَزَهُ الْعَدُوُّ بِدَارِهِمْ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهُ بِالْإِحْرَازِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ بَدَائِعُ، وَلَا فِيمَا دُونَ النِّصَابِ. مَطْلَبٌ الْفَرْقُ بَيْنَ السَّبَبِ وَالشَّرْطِ وَالْعِلَّةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا جَعَلَهُ فِي الْكَنْزِ شَرْطًا. وَاعْتَرَضَهُ فِي الدُّرَرِ بِأَنَّهُ سَبَبٌ. وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَى السَّبَبِ اسْمَ الشَّرْطِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُضَافُ إلَيْهِ الْوُجُودُ لَا عَلَى وَجْهِ التَّأْثِيرِ فَخَرَجَ الْعِلَّةُ، وَيَتَمَيَّزُ السَّبَبُ عَنْ الشَّرْطِ بِإِضَافَةِ الْوُجُوبِ إلَيْهِ أَيْضًا دُونَ الشَّرْطِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ اهـ. أَقُولُ: وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ، فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ مِنْ الشُّرُوطِ الْمِلْكُ الْمُطْلَقُ. قَالَ: وَهُوَ الْمِلْكُ يَدًا وَرَقَبَةً، وَقَالَ: إنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ وَلِذَا تُضَافُ إلَيْهِ، يُقَالُ زَكَاةُ الْمَالِ، وَالْإِضَافَةُ فِي مِثْلِهِ لِلسَّبَبِيَّةِ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ وَصَوْمِ الشَّهْرِ وَحَجِّ الْبَيْتِ. اهـ. وَعَلَيْهِ فَمِلْكُ النِّصَابِ حَيْثُ جُعِلَ شَرْطًا كَمَا فِي عِبَارَةِ الْكَنْزِ يَكُونُ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ، وَحَيْثُ جُعِلَ سَبَبًا كَمَا فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ يَكُونُ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَّةِ إلَى الْمَوْصُوفِ أَيْ النِّصَابِ الْمَمْلُوكِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَفْسِيرُ عِبَارَةِ الْكَنْزِ بِهَذَا خِلَافًا لِمَا فَعَلَهُ فِي النَّهْرِ لِئَلَّا يَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ بِمَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَفْسِيرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ بِمَا فَسَّرْنَا بِهِ عِبَارَةَ الْكَنْزِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ نِصَابٍ) هُوَ مَا نَصَبَهُ الشَّارِعُ عَلَامَةً عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ مِنْ الْمَقَادِيرِ الْمُبَيَّنَةِ فِي الْأَبْوَابِ الْآتِيَةِ، وَهَذَا شَرْطٌ فِي غَيْرِ زَكَاةِ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ؛ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا نِصَابٌ، وَلَا حَوَلَانُ حَوْلٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْعُشْرِ (قَوْلُهُ: نِسْبَةً لِلْحَوْلِ) أَيْ الْحَوْلِ الْقَمَرِيِّ لَا الشَّمْسِيِّ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا قُبَيْلَ زَكَاةِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: لِحَوَلَانِهِ عَلَيْهِ) أَيْ لِأَنَّ حَوَلَانَ الْحَوْلِ عَلَى النِّصَابِ شَرْطٌ لِكَوْنِهِ سَبَبًا، وَهَذَا عِلَّةٌ لِلنِّسْبَةِ وَسُمِّيَ الْحَوْلُ حَوْلًا لِأَنَّ الْأَحْوَالَ تَتَحَوَّلُ فِيهِ، أَوْ لِأَنَّهُ يَتَحَوَّلُ مِنْ فَصْلٍ إلَى فَصْلٍ مِنْ فُصُولِهِ الْأَرْبَعِ (قَوْلُهُ: خَرَجَ مَالُ الْمُكَاتَبِ) أَيْ خَرَجَ بِالتَّقْيِيدِ بِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّامِّ الْمَمْلُوكُ رَقَبَةً وَيَدًا، وَمِلْكُ الْمُكَاتَبِ لَيْسَ بِتَامٍّ لِوُجُودِ الْمُنَافِي وَلِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْلَى فَإِنْ أَدَّى مَالَ الْكِتَابَةِ سُلِّمَ لَهُ. وَإِنْ عَجَزَ سُلِّمَ لِلْمَوْلَى؛ فَكَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فِيهِ شَيْءٌ فَكَذَا الْمُكَاتَبُ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 أَقُولُ: إنَّهُ خَرَجَ بِاشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ لِلْكَامِلِ، وَدَخَلَ مَا مَلَك بِسَبَبٍ خَبِيثٍ كَمَغْصُوبٍ خَلَطَهُ إذَا كَانَ لَهُ غَيْرُهُ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ يُوَفِّي دَيْنَهُ (فَارِغٍ عَنْ دَيْنٍ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ) سَوَاءٌ كَانَ لِلَّهِ كَزَكَاةٍ   [رد المحتار] قُلْت: وَخَرَجَ أَيْضًا نَحْوُ الْمَالِ الْمَفْقُودِ وَالسَّاقِطِ فِي. ر وَمَغْصُوبٌ لَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَمَدْفُونٌ فِي بَرِّيَّةٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ إذَا عَادَ إلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ رَقَبَةً لَكِنْ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَخَرَجَ بِهِ أَيْضًا كَمَا فِي الْبَحْرِ الْمُشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْآبِقُ الْمُعَدُّ لِلتِّجَارَةِ (قَوْلُهُ أَقُولُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ: تَامٌّ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ فِي صَدَدِ تَعْرِيفِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَلَا بُدَّ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ كَوْنِهِ جَامِعًا مَانِعًا، فَلَوْ أَطْلَقَ الْمِلْكَ عَنْ قَيْدِ التَّمَامِ لَوَرَدَ عَلَيْهِ مِلْكُ الْمُكَاتَبِ، وَذِكْرُ الْحُرِّيَّةِ فِي بَيَانِ الشَّرْطِ لَا يُخْرِجُ تَعْرِيفَ السَّبَبِ عَنْ كَوْنِهِ نَاقِصًا فَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ إلَخْ) زِيَادَةُ تَرَقٍّ فِي بَيَانِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ قَيْدِ التَّمَامِ: أَيْ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ مَالَ الْمُكَاتَبِ لَمْ يَخْرُجْ بِاشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ وَقَصَدَ إخْرَاجَهُ وَإِخْرَاجَ غَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ يَخْرُجُ بِإِطْلَاقِ الْمِلْكِ لِانْصِرَافِهِ إلَى الْكَامِلِ، وَالْمِلْكُ الْكَامِلُ هُوَ التَّامُّ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّصْرِيحِ بِهِ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ عِنَايَةٌ يُعْتَذَرُ بِهَا عِنْدَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ بِالْقَيْدِ دَفْعًا لِاعْتِرَاضِ الْمُعْتَرِضِ، فَإِنَّ الْمُطْلَقَ كَثِيرًا مَا يُرَادُ مِنْهُ إطْلَاقُهُ بَلْ هُوَ الْأَصْلُ فِيهِ كَمَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، فَالتَّصْرِيحُ بِالْقَيْدِ حَيْثُ لَمْ يَرِدْ الْإِطْلَاقُ أَحْسَنُ وَلَا سِيَّمَا فِي مَقَامِ التَّفْهِيمِ وَتَعْلِيمِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَصْدِ الِاحْتِرَازِ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَلِذَا ذُكِرَ فِي الْمُتُونِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الِاخْتِصَارِ كَالْغُرَرِ وَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِمَا. (قَوْلُهُ: وَدَخَلَ) أَيْ فِي مِلْكِ النِّصَابِ الْمَذْكُورِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: مَا مُلِكَ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ إلَخْ) أَيْ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لِأَنَّ خَلْطَ دَرَاهِمِهِ بِدَرَاهِمِ غَيْرِهِ عِنْدَهُ اسْتِهْلَاكٌ، أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا ضَمَانَ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ الضَّمَانِ فَلَا يُورَثُ عَنْهُ لِأَنَّهُ مَالٌ مُشْتَرَكٌ، وَإِنَّمَا يُورَثُ حِصَّةُ الْمَيِّتِ مِنْهُ فَتْحٌ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَلَا زَكَاةَ فِي الْمَغْصُوبِ وَالْمَمْلُوكِ شِرَاءً فَاسِدًا اهـ وَالْمُرَادُ بِالْمَغْصُوبِ مَا لَمْ يَخْلِطْهُ بِغَيْرِهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ. وَأَمَّا الْمَمْلُوكُ شِرَاءً فَاسِدًا فَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ قَبْلَ قَبْضِهِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَبَعْدَهُ مَمْلُوكٌ مِلْكًا تَامًّا وَإِنْ كَانَ مُسْتَحِقَّ الْفَسْخِ فَتَأَمَّلْ، وَقُيِّدَ بِمَا إذَا كَانَ لَهُ غَيْرُهُ إلَخْ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ يَكُونُ مَشْغُولًا بِالدَّيْنِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ، فَلَا تَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ مَا لَمْ يُبْرِئْهُ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ بِالْغَيْرِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لِمَا فِي السِّرَاجِ: لَا يُصْرَفُ الدَّيْنُ لِمِلْكٍ آخَرَ لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالِانْفِصَالِ غَيْرُ لَازِمٍ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ فِي بَابِ زَكَاةِ الْغَنَمِ (قَوْلُهُ فَارِغٍ عَنْ دَيْنٍ) بِالْجَرِّ صِفَةٌ نِصَابٍ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الدَّيْنَ الْعَارِضَ كَمَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ وَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، فَلَوْ لَحِقَهُ بَعْدَهُ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يُسْقِطُهَا مَا لَحِقَ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ: لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ) أَيْ طَلَبًا وَاقِعًا مِنْ جِهَتِهِمْ (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ) أَيْ الدَّيْنُ (قَوْلُهُ كَزَكَاةٍ) فَلَوْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ حَالَ عَلَيْهِ حَوْلَانِ وَلَمْ يُزَكِّهِ فِيهِمَا لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي، وَكَذَا لَوْ اسْتَهْلَكَ النِّصَابَ بَعْدَ الْحَوْلِ ثُمَّ اسْتَفَادَ نِصَابًا آخَرَ وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ لَا زَكَاةَ فِي الْمُسْتَفَادِ لِاشْتِغَالِ خَمْسَةٍ مِنْهُ بِدَيْنِ الْمُسْتَهْلِكِ؛ أَمَّا لَوْ هَلَكَ يُزَكِّي الْمُسْتَفَادَ لِسُقُوطِ زَكَاةِ الْأَوَّلِ بِالْهَلَاكِ بَحْرٌ، وَالْمَطَالِبُ هُنَا السُّلْطَانُ تَقْدِيرًا لِأَنَّ الطَّلَبَ لَهُ فِي زَكَاةِ السَّوَائِمِ وَكَذَا فِي غَيْرِهَا، لَكِنْ لَمَّا كَثُرَتْ الْأَمْوَالُ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَلِمَ أَنَّ فِي تَتَبُّعِهَا ضَرَرًا بِأَصْحَابِهَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي تَفْوِيضِ الْأَدَاءِ إلَيْهِمْ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَصَارَ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ كَالْوُكَلَاءِ عَنْ الْإِمَامِ، وَلَمْ يُبْطِلْ حَقَّهُ عَنْ الْأَخْذِ، وَلِذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ عُلِمَ مِنْ أَهْلِ بَلْدَةٍ أَنَّهُمْ لَا يُؤَدُّونَ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ فَإِنَّهُ يُطَالِبُهُمْ وَإِلَّا فَلَا لِمُخَالَفَتِهِ الْإِجْمَاعَ بَدَائِعُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 وَخَرَاجٍ أَوْ لِلْعَبْدِ، وَلَوْ كَفَالَةً أَوْ مُؤَجَّلًا، وَلَوْ صَدَاقَ زَوْجَتِهِ الْمُؤَجَّلَ لِلْفِرَاقِ وَنَفَقَةٌ لَزِمَتْهُ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا، بِخِلَافِ دَيْنِ نَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ وَحَجٍّ لِعَدَمِ الْمُطَالِبِ، وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنَ وُجُوبُ عُشْرٍ وَخَرَاجٍ   [رد المحتار] تَنْبِيهٌ] مَا وَقَعَ فِي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ أَنَّ دَيْنَ الزَّكَاةِ لَا يُمْنَعُ سَهْوٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ كَمَالٍ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَخَرَاجٍ) فِي الْبَدَائِعِ: وَقَالُوا دَيْنُ الْخَرَاجِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ يُطَالَبُ بِهِ، وَكَذَا إذَا صَارَ الْعُشْرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بِأَنْ أَتْلَفَ الطَّعَامَ الْعَشْرِيَّ صَاحِبُهُ، فَأَمَّا وُجُوبُ الْعُشْرِ فَلَا يَمْنَعُ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالطَّعَامِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: أَوْ لِلْعَبْدِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لِلَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَفَالَةً) مُبَالَغَةٌ فِي دَيْنِ الْعَبْدِ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: لَوْ اسْتَقْرَضَ أَلْفًا فَكَفَلَ عَنْهُ عَشَرَةً وَلِكُلِّ أَلْفٍ فِي بَيْتِهِ وَحَالَ الْحَوْلُ فَلَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِشَغْلِهِ بِدِينٍ الْكَفَالَةِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَيِّهِمْ شَاءَ بَحْرٌ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَهَذَا الْفَرْعُ ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الدَّيْنِ، أَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ فَقَطْ فَفِيهِ تَأَمَّلْ. اهـ. قُلْت: لَا شَكَّ أَيْضًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ يَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ أَخْذُ الدَّيْنِ مِنْ الْكَفِيلِ وَحَبْسُهُ إذَا امْتَنَعَ فَيَكُونُ الْكَفِيلُ مُحْتَاجًا إلَى مَا فِي يَدِهِ لِقَضَاءِ ذَلِكَ الدَّيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذِمَّتِهِ دَفْعًا لِلْمُلَازَمَةِ أَوْ الْحَبْسِ عَنْهُ، وَقَدْ عَلَّلُوا سُقُوطَ الزَّكَاةِ بِالدَّيْنِ بِأَنَّ الْمَدْيُونَ مُحْتَاجٌ إلَى هَذَا الْمَالِ حَاجَةً أَصْلِيَّةً لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْمَالُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ حَاجَةً أَصْلِيَّةً لَا يَكُونُ مَالَ الزَّكَاةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ مُؤَجَّلًا إلَخْ) عَزَاهُ فِي الْمِعْرَاجِ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَقَالَ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُمْنَعُ. وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَلِكُلٍّ مِنْ الْمَنْعِ وَعَدَمِهِ وَجْهٌ. زَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْجَوَاهِرِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ (قَوْلُهُ وَنَفَقَةً) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى كَفَالَةٍ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ فِيهِمَا أَيْ دَيْنُ كَفَالَةٍ وَدَيْنُ نَفَقَةٍ ط (قَوْلُهُ: لَزِمَتْهُ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا) أَيْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِهَا أَوْ تَرَاضِيهِمَا عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ لِأَنَّهَا بِدُونِ ذَلِكَ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ دَيْنًا بِأَحَدِهِمَا لَكِنْ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ مُطْلَقًا، أَمَّا فِي نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ قَصِيرَةً دُونَ شَهْرٍ أَوْ اسْتَدَانَ الْقَرِيبُ النَّفَقَةَ بِإِذْنِ الْقَاضِي كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي بَابِهَا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ دَيْنِ نَذْرٍ) كَمَا إذَا كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَنَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مِنْهَا فَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا تَلْزَمُهُ زَكَاتُهَا وَيَسْقُطُ النَّذْرُ بِقَدْرِ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ بِجِهَةِ الزَّكَاةِ فَيَبْطُلُ النَّذْرُ فِيهِ وَيَتَصَدَّقُ بِبَاقِي الْمِائَةِ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِكُلِّهَا لِلنَّذْرِ وَقَعَ عَنْ الزَّكَاةِ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ لِتَعْيِينِهِ بِتَعْيِينِ اللَّهِ - تَعَالَى، فَلَا يُبْطِلُهُ تَعْيِينُهُ، وَلَوْ نَذَرَ مِائَةً مُطْلَقَةً فَتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مِنْهَا لِلنَّذْرِ يَقَعُ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ لِلزَّكَاةِ وَيَتَصَدَّقُ بِمِثْلِهَا لِلنَّذْرِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْجَامِعِ (قَوْلُهُ: وَكَفَّارَةٍ) أَيْ بِأَنْوَاعِهَا ح، وَكَذَا لَا يَمْنَعُ دَيْنٌ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، وَهَدْيَ الْمُتْعَةِ، وَالْأُضْحِيَّةَ بَحْرٌ. مَطْلَبٌ فِي زَكَاةِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَفَاءً [تَتِمَّةٌ] قَالُوا: ثَمَنُ الْمَبِيعِ وَفَاءٌ إنْ بَقِيَ حَوْلًا فَزَكَاتُهُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يَعُدُّهُ مَالًا مَوْضُوعًا عِنْدَ الْبَائِعِ فَيُؤَاخَذُ بِمَا عِنْدَهُ بَدَائِعُ. وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ زَكَاتَهُ عَلَيْهِمَا لِلتَّعْلِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا إيجَابَ الزَّكَاةِ عَلَى شَخْصَيْنِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ فَخْرُ الدِّينِ الْبَزْدَوِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. قُلْت: يَنْبَغِي لُزُومُهَا عَلَى الْمُشْتَرِي فَقَطْ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ الْآنَ أَنَّ بَيْعَ الْوَفَاءِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الرَّهْنِ وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ الثَّمَنُ دَيْنًا عَلَى الْبَائِعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَ عُشْرٍ وَخَرَاجٍ) بِرَفْعِ الدَّيْنِ وَنَصْبِ وُجُوبِ وَالْكَلَامُ فِي مَوَانِعِ الزَّكَاةِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ زَكَاةَ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 وَكَفَّارَةٍ (وَ) فَارِغٍ (عَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ) لِأَنَّ الْمَشْغُولَ بِهَا كَالْمَعْدُومِ. وَفَسَّرَهُ ابْنُ مَلَكٍ بِمَا يَدْفَعُ عَنْهُ الْهَلَاكَ تَحْقِيقًا كَثِيَابِهِ أَوْ تَقْدِيرًا كَدَيْنِهِ   [رد المحتار] وُجُوبَهُمَا نَبَّهَ عَلَى دَفْعِهِ وَذَكَرَ الْكَفَّارَةَ اسْتِطْرَادًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا مُؤْنَةُ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ) حَتَّى يَجِبَ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ وَأَرْضِ الْمُكَاتَبِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: وَكَفَّارَةٍ) أَيْ إنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ عَلَى الْأَصَحِّ بَحْرٌ عَنْ الْكَشْفِ الْكَبِيرِ. قُلْت: لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَنَارِ وَالْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ: إنَّهُ صَحَّحَ فِي التَّقْدِيرِ مَنْعَ وُجُوبِهَا بِالْمَالِ مَعَ الدَّيْنِ كَالزَّكَاةِ اهـ وَيُوَافِقُهُ مَا سَيَأْتِي فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ مِنْ قِصَّةِ أَمِيرِ بَلْخٍ (قَوْلُهُ: وَفَارِغٍ عَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَنْ دَيْنٍ (قَوْلُهُ وَفَسَّرَهُ ابْنُ مَلَكٍ) أَيْ فَسَّرَ الْمَشْغُولَ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْأَوْلَى فَسَّرَهَا، وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَهِيَ مَا يَدْفَعُ الْهَلَاكَ عَنْ الْإِنْسَانِ تَحْقِيقًا كَالنَّفَقَةِ وَدُورِ السُّكْنَى وَآلَاتِ الْحَرْبِ وَالثِّيَابِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا لِدَفْعِ الْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ أَوْ تَقْدِيرًا كَالدَّيْنِ، فَإِنَّ الْمَدْيُونَ مُحْتَاجٌ إلَى قَضَائِهِ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ النِّصَابِ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ الْحَبْسَ الَّذِي هُوَ كَالْهَلَاكِ وَكَآلَاتِ الْحِرْفَةِ وَأَثَاثِ الْمَنْزِلِ وَدَوَابِّ الرُّكُوبِ وَكُتُبِ الْعِلْمِ لِأَهْلِهَا فَإِنَّ الْجَهْلَ عِنْدَهُمْ كَالْهَلَاكِ، فَإِذَا كَانَ لَهُ دَرَاهِمُ مُسْتَحَقَّةٌ بِصَرْفِهَا إلَى تِلْكَ الْحَوَائِجِ صَارَتْ كَالْمَعْدُومَةِ، كَمَا أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَحَقَّ بِصَرْفِهِ إلَى الْعَطَشِ كَانَ كَالْمَعْدُومِ وَجَازَ عِنْدَهُ التَّيَمُّمُ. اهـ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فَإِذَا كَانَ لَهُ دَرَاهِمُ إلَخْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: وَفَارِغٍ عَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ مَا كَانَ نِصَابًا مِنْ النَّقْدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا فَارِغًا عَنْ الصَّرْفِ إلَى تِلْكَ الْحَوَائِجِ، لَكِنَّ كَلَامَ الْهِدَايَةِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَفْسُ الْحَوَائِجِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَيْسَ فِي دُورِ السُّكْنَى وَثِيَابِ الْبَدَنِ وَأَثَاثِ الْمَنَازِلِ وَدَوَابِّ الرُّكُوبِ وَعَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَسِلَاحِ الِاسْتِعْمَالِ زَكَاةٌ؛ لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِحَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَلَيْسَتْ بِنَامِيَةٍ. اهـ. وَبِهِ يُشْعِرُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي أَيْضًا. وَأَشَارَ كَلَامُ الْهِدَايَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يَضُرُّ كَوْنُهَا غَيْرَ نَامِيَةٍ أَيْضًا؛ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ خُرُوجِهَا مَرَّتَيْنِ كَمَا خَرَجَ الدَّيْنُ ثَانِيًا بِقَوْلِهِ: فَارِغٍ عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ، وَخَصَّهُ بِالذِّكْرِ كَمَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ. قُلْت: عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَرَضُ بِالْقَيْدِ اللَّاحِقِ عَلَى السَّابِقِ الْأَخَصِّ، فَإِنَّ الْحَوَائِجَ الْأَصْلِيَّةَ أَعَمُّ مِنْ الدَّيْنِ وَالنَّامِي أَعَمُّ مِنْهَا لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ كُتُبُ الْعِلْمِ لِغَيْرِ أَهْلِهَا، وَلَيْسَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: الْمُتُونُ مَوْضُوعَةٌ لِلِاخْتِصَارِ فَمَا فَائِدَةُ إخْرَاجِ الْحَوَائِجِ مَرَّتَيْنِ، نَعَمْ تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ الْقَيْدَيْنِ عَلَى مَا قَرَّرَهُ ابْنُ مَلَكٍ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ النِّصَابُ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ الْمُسْتَحَقِّ الصَّرْفُ إلَيْهَا، فَيَكُونُ التَّقْيِيدُ بِالنَّمَاءِ احْتِرَازًا عَنْ أَعْيَانِهَا، وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ احْتِرَازًا عَنْ أَثْمَانِهَا، فَإِذَا كَانَ مَعَهُ دَرَاهِمُ أَمْسَكَهَا بِنْيَةِ صَرْفِهَا إلَى حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا إذَا حَالَ الْحَوْلُ، وَهِيَ عِنْدَهُ، لَكِنْ اعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ: وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْمِعْرَاجِ فِي فَصْلِ زَكَاةِ الْعُرُوضِ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي النَّقْدِ كَيْفَمَا أَمْسَكَهُ لِلنَّمَاءِ أَوْ لِلنَّفَقَةِ، وَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ فِي بَحْثِ النَّمَاءِ التَّقْدِيرِيِّ. اهـ. قُلْت: وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ وَالشُّرُنبُلالِيَّة وَشَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ، وَسَيُصَرِّحُ بِهِ الشَّارِحُ أَيْضًا، وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ فِي السِّرَاجِ سَوَاءٌ أَمْسَكَهُ لِلتِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَوَى التِّجَارَةَ أَوَّلًا، لَكِنْ حَيْثُ كَانَ مَا قَالَهُ ابْنُ مَلَكٍ مُوَافِقًا لِظَاهِرِ عِبَارَاتِ الْمُتُونِ كَمَا عَلِمْت، وَقَالَ ح إنَّهُ الْحَقُّ فَالْأَوْلَى التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ مَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا، عَلَى مَا إذَا أَمْسَكَهُ لِيُنْفِقَ مِنْهُ كُلَّ مَا يَحْتَاجُهُ فَحَالَ الْحَوْلُ، وَقَدْ بَقِيَ مَعَهُ مِنْهُ نِصَابٌ فَإِنَّهُ يُزَكِّي ذَلِكَ الْبَاقِيَ، وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ الْإِنْفَاقَ مِنْهُ أَيْضًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ صَرْفِهِ إلَى حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَقْتَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَالَ الْحَوْلُ وَهُوَ مُسْتَحَقُّ الصَّرْفِ إلَيْهَا، لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ مَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ مِنْهُ إلَى أَدَاءِ دَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 (نَامٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا) بِالْقُدْرَةِ عَلَى الِاسْتِنْمَاءِ وَلَوْ بِنَائِبِهِ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى سَبَبِهِ بِقَوْلِهِ (فَلَا زَكَاةَ عَلَى مُكَاتَبٍ) لِعَدَمِ الْمِلْكِ التَّامِّ، وَلَا فِي كَسْبِ مَأْذُونٍ، وَلَا فِي مَرْهُونٍ بَعْدَ قَبْضِهِ، وَلَا فِيمَا اشْتَرَاهُ لِتِجَارَةٍ قَبْلَ قَبْضِهِ (وَمَدْيُونٍ لِلْعَبْدِ بِقَدْرِ دَيْنِهِ) فَيُزَكِّي الزَّائِدُ إنْ بَلَغَ نِصَابًا، وَعُرُوضُ الدِّينِ كَالْهَلَاكِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ،   [رد المحتار] كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ حَجٍّ، فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا أَيْضًا لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَكَذَا مَا سَيَأْتِي فِي الْحَجِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَيَخَافُ الْعُزُوبَةَ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِهِ إذَا خَرَجَ أَهْلُ بَلَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ يَحْتَاجُهُ لِشِرَاءِ دَارٍ أَوْ عَبْدٍ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ نَامٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا) النَّمَاءُ فِي اللُّغَةِ بِالْمَدِّ: الزِّيَادَةُ، وَالْقَصْرُ بِالْهَمْزِ خَطَأٌ، يُقَالُ: نَمَا الْمَالُ يَنْمِي نَمَاءً وَيَنْمُو نُمُوًّا وَأَنْمَاهُ اللَّهُ - تَعَالَى - كَذَا فِي الْمُغْرِبِ. وَفِي الشَّرْعِ: هُوَ نَوْعَانِ: حَقِيقِيٌّ وَتَقْدِيرِيٌّ؛ فَالْحَقِيقِيُّ الزِّيَادَةُ بِالتَّوَالُدِ وَالتَّنَاسُلِ وَالتِّجَارَاتِ، وَالتَّقْدِيرِيُّ تَمَكُّنُهُ مِنْ الزِّيَادَةِ بِكَوْنِ الْمَالِ فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ نَائِبِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ الِاسْتِنْمَاءِ) أَيْ طَلَبِ النُّمُوِّ (قَوْلُهُ فَلَا زَكَاةَ عَلَى مُكَاتَبٍ) أَيْ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ، كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْجَوْهَرَةِ، فَلَوْ قَالَ فَلَا زَكَاةَ فِي كَسْبِ مُكَاتَبٍ لَكَانَ أَوْلَى ح (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ التَّامِّ) أَيْ لِعَدَمِ الْيَدِ فِي حَقِّ السَّيِّدِ وَعَدَمِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ، ثُمَّ رَجَعَ الْمَالُ لِلْمَوْلَى بِالتَّعْجِيزِ أَوْ لِلْمُكَاتَبِ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لَا يُزَكَّى عَنْ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ بَلْ يَسْتَأْنِفُ حَوْلًا جَدِيدًا. اهـ. ح وَكَانَ الْأَوْلَى بِالشَّارِحِ تَأْخِيرَ التَّعْلِيلِ إلَى آخِرِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَفْقُودَ فِيهَا إمَّا عَدَمُ الْيَدِ أَوْ عَدَمُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِلْكِ التَّامِّ الْمَمْلُوكُ رَقَبَةً وَيَدًا (قَوْلُهُ: وَلَا فِي كَسْبِ مَأْذُونٍ) أَيْ لَا عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ مَا دَامَ فِي يَدِهِ، أَمَّا إذَا أَخَذَهُ السَّيِّدُ، فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ قَبْلَ الْأَخْذِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ، فَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ الْأَدَاءُ لِمَا مَضَى لَا قَبْلَ الْأَخْذِ، وَلَا بَعْدَهُ كَذَا فِي الْبَحْرِ. وَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: وَلَا فِي كَسْبِ مَأْذُونٍ قَبْلَ قَبْضِهِ كَمَا قَالَ فِي الْمُشْتَرَى لِتِجَارَةٍ، بَلْ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ الْمَذْكُورَ فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ ظَرْفٌ لِمَسْأَلَةِ الْمَأْذُونِ أَيْضًا ح (قَوْلُهُ: وَلَا فِي مَرْهُونٍ) أَيْ لَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ لِعَدَمِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَلَا عَلَى الرَّاهِنِ لِعَدَمِ الْيَدِ، وَإِذَا اسْتَرَدَّهُ الرَّاهِنُ لَا يُزَكِّي عَنْ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ بَعْدَ قَبْضِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْبَحْرِ وَمِنْ مَوَانِعِ الْوُجُوبِ الرَّهْنُ ح وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ أَزْيَدَ مِنْ الدَّيْنِ ط. قُلْت: لَكِنْ أَرْجَعَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيُّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ بَعْدَ قَبْضِهِ إلَى الْمُرْتَهِنِ كَمَا رَأَيْته بِخَطِّهِ فِي هَامِشِ نُسْخَتِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ عِبَارَةَ الْبَحْرِ هَكَذَا: وَمِنْ مَوَانِعِ الْوُجُوبِ الرَّهْنُ إذَا كَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لِعَدَمِ مِلْكِ الْيَدِ اهـ وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَكِّيهِ بَعْدَ الِاسْتِرْدَادِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: السَّائِمَةُ إذَا غَصَبَهَا وَمَنَعَهَا عَنْ الْمَالِكِ وَهُوَ مُقِرٌّ ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ لَا زَكَاةَ عَلَى الْمَالِكِ فِيمَا مَضَى، وَكَذَا لَوْ رَهَنَهَا بِأَلْفٍ وَلَهُ مِائَةُ أَلْفٍ فَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يُزَكِّي الرَّاهِنُ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْمَالِ إلَّا أَلْفَ الدَّيْنِ، وَلَا زَكَاةَ فِي غَنَمِ الرَّهْنِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَضْمُونَةً بِالدَّيْنِ فَرْقٌ بَيْنَ الدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ وَالسَّائِمَةِ فَإِنَّهُ يُزَكِّي الدَّرَاهِمَ إذَا قَبَضَهَا دُونَ السَّائِمَةِ وَلَوْ الْغَاصِبُ مُقِرًّا. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ السَّائِمَةِ وَالدَّرَاهِمِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ) أَمَّا بَعْدَهُ فَيُزَكِّيهِ عَمَّا مَضَى كَمَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ عِبَارَةِ الْمُحِيطِ فَرَاجِعْهُ، لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ لَهُ سَائِمَةٌ اشْتَرَاهَا رَجُلٌ لِلسِّيَامَةِ وَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ ثُمَّ قَبَضَهَا لَا زَكَاةَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِيمَا مَضَى لِأَنَّهَا كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ. اهـ. وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا اشْتَرَاهَا لِلسِّيَامَةِ أَوْ لِلتِّجَارَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمَدْيُونٍ لِلْعَبْدِ) الْأَوْلَى وَمَدْيُونٍ بِدَيْنٍ يُطَالِبُهُ بِهِ الْعَبْدُ لِيَشْمَلَ دَيْنَ الزَّكَاةِ وَالْخَرَاجِ لِأَنَّهُ لِلَّهِ - تَعَالَى - مَعَ أَنَّهُ يَمْنَعُ لِأَنَّ لَهُ مُطَالِبًا مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ كَمَا مَرَّ ط (قَوْلُهُ بِقَدْرِ دَيْنِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَلَا زَكَاةَ (قَوْلُهُ وَعُرُوضُ الدَّيْنِ) أَيْ الْمُسْتَغْرَقِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ وَمِثْلُهُ الْمُنْقِصُ لِلنِّصَابِ وَلَمْ يَتِمَّ آخِرَ الْحَوْلِ، وَأَمَّا الْحَادِثُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ، وَلَوْ لَهُ نُصُبٌ صَرَفَ الدَّيْنَ لِأَيْسَرِهَا قَضَاءً، وَلَوْ أَجْنَاسًا صَرَفَ لِأَقَلِّهَا زَكَاةً، فَإِنْ اسْتَوَيَا كَأَرْبَعِينَ شَاةً وَخَمْسِ إبِلٍ خُيِّرَ (وَلَا فِي ثِيَابِ الْبَدَنِ)   [رد المحتار] بَعْدَ الْحَوْلِ فَلَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقًا ط (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ) وَعِبَارَتُهُ: وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَمْنَعُ بِمَنْزِلَةِ نُقْصَانِهِ، وَتَقْدِيمُهُمْ قَوْلَ مُحَمَّدٍ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا أَبْرَأَهُ؛ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَسْتَأْنِفُ حَوْلًا جَدِيدًا لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. أَقُولُ: إنْ كَانَ مُجَرَّدُ التَّقْدِيمِ يَقْتَضِي التَّرْجِيحَ فَقَدْ قَدَّمَ فِي الْجَوْهَرَةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، وَأَشَارَ فِي الْمَجْمَعِ إلَى أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا، وَأَخَّرَ فِي شَرْحِهِ دَلِيلَهُمَا عَنْ دَلِيلِ مُحَمَّدٍ فَاقْتَضَى تَرْجِيحَ قَوْلِهِمَا لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمُتَأَخِّرَ يَتَضَمَّنُ الْجَوَابَ عَنْ الْمُتَقَدِّمِ، بَلْ مَا عَزَاهُ إلَى مُحَمَّدٍ عَزَاهُ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا إلَى زُفَرَ. وَفِي الْبَحْرِ فِي آخِرِ بَابِ زَكَاةِ الْمَالِ عَنْ الْمُجْتَبَى: الدَّيْنُ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ لَا يَقْطَعُ حُكْمَ الْحَوْلِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرِقًا. وَقَالَ زُفَرُ: يَقْطَعُ. اهـ. وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ هُنَاكَ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقِيمَةُ الْعَرْضِ تُضَمُّ إلَى الثَّمَنَيْنِ، فَقَدْ ظَهَرَ لَك مَا فِي تَرْجِيحِ الْبَحْرِ فَتَدَبَّرْ، نَعَمْ مَا فِي الْبَحْرِ أَوْجَهُ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَانِعٌ مِنْ ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ فَيَمْنَعُ مِنْ بَقَائِهِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ تَأَمَّلْ، وَلَعَلَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْمَنْعِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا إذَا كَانَ النِّصَابُ تَامًّا فِي آخِرِ الْحَوْلِ أَيْضًا، بِأَنْ مَلَكَ مَا يَفِي الدَّيْنَ مِنْ غَيْرِ النِّصَابِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَهُ نُصُبٌ إلَخْ) كَأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ وَسَوَائِمُ يُصْرَفُ الدَّيْنُ إلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ثُمَّ إلَى الْعُرُوضِ ثُمَّ إلَى السَّوَائِمِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَجْنَاسًا) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ السَّوَائِمُ الَّتِي عِنْدَهُ أَجْنَاسًا، بِأَنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ وَثَلَاثُونَ مِنْ الْبَقَرِ وَخَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ صَرَفَ الدَّيْنَ إلَى الْغَنَمِ أَوْ الْإِبِلِ دُونَ الْبَقَرِ لِأَنَّ التَّبِيعَ فَوْقَ الشَّاةِ بَحْرٌ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا أَطْلَقُوا، وَقَيَّدَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنْ يَحْضُرَ السَّاعِي، وَإِلَّا فَالْخِيَارُ لِرَبِّ الْمَالِ إنْ شَاءَ صَرَفَ الدَّيْنَ إلَى السَّائِمَةِ وَأَدَّى الزَّكَاةَ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَإِنْ شَاءَ عَكَسَ لِأَنَّهُمَا فِي حَقِّهِ سَوَاءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ خُيِّرَ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقِيلَ يُصْرَفُ إلَى الْغَنَمِ لِتَجِبَ الزَّكَاةُ فِي الْإِبِلِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ إذَا دَفَعَ مِنْ الْغَنَمِ وَاحِدَةً يَبْقَى تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ لَا تَجِبُ زَكَاتُهَا فِي الْقَابِلِ. [تَتِمَّةٌ] بَقِيَ مَا إذَا كَانَ لِلْمَدْيُونِ مَالُ الزَّكَاةِ وَغَيْرُهُ مِنْ عَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَدُورِ السُّكْنَى، فَيُصْرَفُ الدَّيْنُ أَوَّلًا إلَى مَالِ الزَّكَاةِ لَا إلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ خِلَافًا لِزُفَرَ، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى خَادِمٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَلَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَخَادِمٌ صَرَفَ دَيْنَ الْمَهْرِ إلَى الْمِائَتَيْنِ دُونَ الْخَادِمِ عِنْدَنَا لِأَنَّ غَيْرَ مَالِ الزَّكَاةِ يُسْتَحَقُّ لِلْحَوَائِجِ، وَمَالُ الزَّكَاةِ فَاضِلٌ عَنْهَا فَكَانَ الصَّرْفُ إلَيْهِ أَيْسَرَ وَأَنْظَرَ بِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، وَلِهَذَا لَا يُصْرَفُ إلَى ثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَقُوَّتِهِ، وَلَوْ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ: أَرَأَيْت لَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَلَمْ يَكُنْ مَوْضِعًا لِلصَّدَقَةِ؟ وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَالَ الزَّكَاةِ مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ فَالْتُحِقَ بِالْعَدَمِ وَمَلَكَ الدَّارَ وَالْخَادِمُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ الصَّدَقَةِ فَكَانَ فَقِيرًا وَلَا زَكَاةَ عَلَى الْفَقِيرِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالُ زَكَاةٍ يَصْرِفُ الدَّيْنَ إلَى عُرُوضِ الْبِذْلَةِ ثُمَّ إلَى الْعَقَارِ لِأَنَّ الْمَلِكَ مِمَّا يُسْتَحْدَثُ فِي الْعُرُوضِ سَاعَةً فَسَاعَةً، أَمَّا الْعَقَارُ فَبِخِلَافِهَا غَالِبًا بَدَائِعُ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ يَصْرِفُ الدَّيْنَ إلَى عُرُوضِ الْبِذْلَةِ إلَخْ كَلَامٌ اسْتِطْرَادِيٌّ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا أَرَادَ الْقَاضِي بَيْعَ مَالِهِ عَلَيْهِ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْحِجْرِ لَا فِي مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ؛ إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالُ زَكَاةٍ فَأَيَّ شَيْءٍ يُزَكِّيهِ. وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالُ زَكَاةٍ فَقَدْ صَرَّحَ قَبْلَهُ بِأَنَّ الدَّيْنَ يُصْرَفُ إلَى مَالِ الزَّكَاةِ دُونَ غَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ اسْتَقْرَضَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَهُ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا ثِيَابُ الْبِذْلَةِ وَنَحْوُهَا مِمَّا لَيْسَ مَالَ زَكَاةٍ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَتْ الثِّيَابُ تَفِي بِالدَّيْنِ لِأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ يُصْرَفُ إلَى الدَّرَاهِمِ الَّتِي عِنْدَهُ دُونَ الثِّيَابِ، وَقَدْ صَرَّحَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا لِدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ ابْنُ مَلَكٍ (وَأَثَاثِ الْمَنْزِلِ وَدُورِ السُّكْنَى وَنَحْوِهَا) وَكَذَا الْكُتُبُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِأَهْلِهَا إذَا لَمْ تُنْوَ لِلتِّجَارَةِ، غَيْرَ أَنَّ الْأَهْلَ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ، وَإِنْ سَاوَتْ نُصُبًا، إلَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ فِقْهٍ وَحَدِيثٍ وَتَفْسِيرٍ، أَوْ تَزِيدُ عَلَى نُسْخَتَيْنِ مِنْهَا هُوَ الْمُخْتَارُ: وَكَذَلِكَ آلَاتُ الْمُحْتَرِفِينَ إلَّا مَا يَبْقَى أَثَرُ عَيْنِهِ   [رد المحتار] فِي السِّرَاجِ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يُصْرَفُ الدَّيْنُ لِمِلْكٍ آخَرَ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَفِي الزَّيْلَعِيِّ أَيْضًا: وَلَا يَتَحَقَّقُ الْغِنَى بِالْمَالِ الْمُسْتَقْرَضِ مَا لَمْ يُقْضَ (قَوْلُهُ: الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا إلَخْ) إنَّمَا قَيَّدَ ابْنُ مَلَكٍ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَرَادَ بَيَانَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ. أَمَّا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِ بِذَلِكَ، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ أَرَادَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَا فِي ثِيَابِ الْبَدَنِ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ عَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ لِتَقَدُّمِهِ، فَقَيَّدَ بِذَلِكَ وَجَعَلَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهَا مِنْ مُحْتَرَزَاتِ الْقَيْدِ الَّذِي تُعِدُّهُ وَهُوَ قَوْلُهُ نَامٍ، وَلَوْ تَقْدِيرًا مُرَاعَاةً لِتَرْتِيبِ الْقُيُودِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَثَاثِ الْمَنْزِلِ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ نَامٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا، وَقَوْلُهُ وَنَحْوِهَا: أَيْ كَثِيَابِ الْبَدَنِ الْغَيْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا وَكَالْحَوَانِيتِ وَالْعَقَارَاتِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِأَهْلِهَا) أَشَارَ إلَى أَنَّ تَقْيِيدَ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ لِأَهْلِهَا غَيْرُ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ هُنَا، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: أَرَادَ إخْرَاجَهَا بِقَوْلِهِ: وَعَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ، وَجَعَلَ الَّتِي لِغَيْرِ أَهْلِهَا خَارِجَةً بِقَوْلِهِ: نَامٍ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي ثِيَابِ الْبِذْلَةِ، وَالْمُرَادُ بِأَهْلِهَا مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهَا لِتَدْرِيسٍ وَحِفْظٍ وَتَصْحِيحٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: غَيْرَ أَنَّ الْأَهْلَ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى التَّعْمِيمِ الْمَأْخُوذِ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِأَهْلِهَا: أَيْ أَنَّ الْكُتُبَ لَا زَكَاةَ فِيهَا عَلَى الْأَهْلِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَيِّ عِلْمٍ كَانَتْ لِكَوْنِهَا غَيْرَ نَامِيَةٍ، وَإِنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَهْلِ وَغَيْرِهِمْ فِي جَوَازِ أَخْذِ الزَّكَاةِ وَالْمَنْعِ عَنْهُ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهَا لِلتَّدْرِيسِ وَالْحِفْظِ وَالتَّصْحِيحِ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِهَا عَنْ الْفَقْرِ، فَلَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ إنْ كَانَتْ فِقْهًا أَوْ حَدِيثًا أَوْ تَفْسِيرًا وَلَمْ يَفْضُلْ عَنْ حَاجَتِهِ نُسَخٌ تُسَاوِي نِصَابًا، كَأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنْ كُلِّ تَصْنِيفٍ نُسْخَتَانِ، وَقِيلَ ثَلَاثٌ لِأَنَّ النُّسْخَتَيْنِ يُحْتَاجُ إلَيْهِمَا لِتَصْحِيحِ كُلٍّ مِنْ الْأُخْرَى وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ: أَيْ كَوْنُ الزَّائِدِ عَلَى الْوَاحِدَةِ فَاضِلًا عَنْ الْحَاجَةِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْأَهْلِ فَإِنَّهُمْ يُحْرَمُونَ بِالْكُتُبِ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ لِتَعَلُّقِ الْحِرْمَانِ بِمِلْكِ قَدْرِ نِصَابٍ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَامِيًا. وَأَمَّا كُتُبُ الطِّبِّ وَالنَّحْوِ وَالنُّجُومِ فَمُعْتَبَرَةٌ فِي الْمَنْعِ مُطْلَقًا وَنَصَّ فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى أَنَّ كُتُبَ الْأَدَبِ وَالْمُصْحَفَ الْوَاحِدَ كَكُتُبِ الْفِقْهِ، لَكِنْ اضْطَرَبَ كَلَامُهُ فِي كُتُبِ الْأَدَبِ فَصَرَّحَ فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِأَنَّهَا كَالتَّعْبِيرِ وَالطِّبِّ وَالنُّجُومِ. وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ نُسْخَةً مِنْ النَّحْوِ أَوْ نُسْخَتَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ لَا تُعْتَبَرُ مِنْ النِّصَابِ، وَكَذَا مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَالْكَلَامُ غَيْرُ الْمَخْلُوطِ بِالْآرَاءِ بَلْ مَقْصُورٌ عَلَى تَحْقِيقِ الْحَقِّ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ غَيْرُ الْمَخْلُوطِ لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ أَفَادَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. قُلْت: وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَيْضًا أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْأَدَبِ الظَّرَافَةُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَذَلِكَ كَكُتُبِ الشِّعْرِ وَالْعَرُوضِ وَالتَّارِيخِ وَنَحْوِهِ تَمْنَعُ الْأَخْذَ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ آدَابُ النَّفْسِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِعِلْمِ الْأَخْلَاقِ كَالْإِحْيَاءِ لِلْغَزَالِيِّ وَنَحْوِهِ فَهُوَ كَالْفِقْهِ لَا يَمْنَعُ، وَإِنْ كُتُبُ الطِّبِّ لِطَبِيبٍ يَحْتَاجُ إلَى مُطَالَعَتِهَا وَمُرَاجَعَتِهَا لَا تَمْنَعُ لِأَنَّهَا مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ كَآلَاتِ الْمُحْتَرِفِينَ، وَإِنَّ الْأَهْلَ إذَا كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا فَهُوَ كَغَيْرِ الْأَهْلِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ، وَكَذَا حَافِظُ قُرْآنٍ لَهُ مُصْحَفٌ لَا يَحْتَاجُهُ لِأَنَّ الْمَنَاطَ هُوَ الْحَاجَةُ (قَوْلُهُ أَوْ تَزِيدُ عَلَى نُسْخَتَيْنِ) صَوَابُهُ عَلَى نُسْخَةٍ لِأَنَّ الْمُخْتَارَ هُوَ كَوْنُ الزَّائِدِ عَلَى نُسْخَةٍ وَاحِدَةٍ فَاضِلًا عَنْ الْحَاجَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ: وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ آلَاتُ الْمُحْتَرِفِينَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا لَا تُسْتَهْلَكُ عَيْنُهُ فِي الِانْتِفَاعِ كَالْقَدُّومِ وَالْمِبْرَدِ أَوْ تُسْتَهْلَكُ، لَكِنْ هَذَا مِنْهُ مَا لَا يَبْقَى أَثَرُ عَيْنِهِ، كَصَابُونٍ وَجَرْضِ الْغَسَّالِ، وَمِنْهُ مَا يَبْقَى كَعُصْفُرٍ وَزَعْفَرَانٍ لِصَبَّاغٍ وَدُهْنٍ وَعَفْصٍ لِدَبَّاغِ فَلَا زَكَاةَ فِي الْأَوَّلَيْنِ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ. وَفِي الْأَخِيرِ الزَّكَاةُ إذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْنِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. قَالَ: وَقَوَارِيرُ الْعَطَّارِينَ، وَلَحْمُ الْخَيْلِ وَالْحَمِيرُ الْمُشْتَرَاةُ لِلتِّجَارَةِ وَمَقَاوِدُهَا وَجِلَالُهَا إنْ كَانَ مِنْ غَرَضِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 كَالْعُصْفُرِ لِدَبْغِ الْجِلْدِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، بِخِلَافِ مَا لَا يَبْقَى كَصَابُونٍ يُسَاوِي نُصُبًا وَإِنْ حَالَ الْحَوْلُ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: الْفَقِيهُ لَا يَكُونُ غَنِيًّا بِكُتُبِهِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا إلَّا فِي دَيْنِ الْعِبَادِ فَتُبَاعُ لَهُ (وَلَا فِي مَالٍ مَفْقُودٍ) وَجَدَهُ بَعْدَ سِنِينَ (وَسَاقِطٍ فِي بَحْرٍ) اسْتَخْرَجَهُ بَعْدَهَا (وَمَغْصُوبٍ لَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ) فَلَوْ لَهُ بَيِّنَةٌ تَجِبُ لِمَا مَضَى إلَّا فِي غَصْبِ السَّائِمَةِ فَلَا تَجِبُ، وَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ مُقِرًّا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (وَمَدْفُونٍ بِبَرِّيَّةِ نَسِيَ مَكَانَهُ) ثُمَّ تَذَكَّرَهُ وَكَذَا الْوَدِيعَةُ عِنْدَ غَيْرِ مَعَارِفِهِ بِخِلَافِ الْمَدْفُونِ فِي حِرْزٍ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمَدْفُونِ فِي كَرْمٍ وَأَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ (وَدَيْنٍ) كَانَ (جَحَدَهُ الْمَدْيُون سِنِينَ) وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ (ثُمَّ) صَارَتْ لَهُ بِأَنْ (أَقَرَّ بَعْدَهَا عِنْدَ قَوْمٍ) وَقَيَّدَهُ فِي مُصَرَّفِ الْخَانِيَّةِ بِمَا إذَا حَلَفَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي، أَمَّا قَبْلَهُ فَتَجِبُ لِمَا مَضَى (مُصَادَرَةً) أَيْ ظُلْمًا (ثُمَّ وَصَلَ إلَيْهِ بَعْدَ سِنِينَ) لِعَدَمِ النُّمُوِّ. وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ عَلِيٍّ «لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الضِّمَارِ» وَهُوَ مَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ (وَلَوْ كَانَ الدِّينُ عَلَى مُقِرٍّ مَلِيءٍ أَوْ) عَلَى (مُعْسِرٍ أَوْ مُفَلَّسٍ)   [رد المحتار] الْمُشْتَرِي بَيْعُهَا بِهَا فَفِيهَا الزَّكَاةُ، وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: كَالْعُصْفُرِ) الْأَوْلَى كَالْعَفْصِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ لِدَبْغِ الْجِلْدِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَالَ الْحَوْلُ) أَيْ وَلَمْ يَنْوِ بِهَا التِّجَارَةَ بَلْ أَمْسَكَهُ لِحِرْفَتِهِ (قَوْلُهُ فَتُبَاعُ لَهُ) أَيْ يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى بَيْعِهَا لِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَإِنْ أَبَى بَاعَهَا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَا فِي مَالٍ مَفْقُودٍ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي مَسْأَلَةِ مَالِ الضِّمَارِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ سِنِينَ (قَوْلُهُ: فَلَوْ لَهُ بَيِّنَةٌ تَجِبُ لِمَا مَضَى) أَيْ تَجِبُ الزَّكَاةُ بَعْدَ قَبْضِهِ مِنْ الْغَاصِبِ لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ قَالَ ح: وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ هُنَا مَا يَأْتِي مُصَحَّحًا عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ لَا تُقْبَلُ فِيهِ. اهـ. قَالَ ط: وَالظَّاهِرُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الدَّيْنِ الْقَوِيِّ اهـ أَيْ فَتَجِبُ عِنْدَ قَبْضِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا (قَوْلُهُ فَلَا تَجِبُ) لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْإِسَامَةِ ط (قَوْلُهُ عِنْدَ غَيْرِ مَعَارِفِهِ) أَيْ عِنْدَ الْأَجَانِبِ، فَلَوْ عِنْدَ مَعَارِفِهِ تَجِبُ الزَّكَاةُ لِتَفْرِيطِهِ بِالنِّسْيَانِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فِي حِرْزٍ) كَدَارِهِ أَوْ دَارِ غَيْرِهِ بَحْرٌ، وَقِيلَ إذَا كَانَتْ الدَّارُ عَظِيمَةً فَلَهَا حُكْمُ الصَّحْرَاءِ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ (قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي الْمَدْفُونِ إلَخْ) فَقِيلَ بِالْوُجُوبِ لِإِمْكَانِ الْوُصُولِ، وَقِيلَ لَا لِأَنَّهَا غَيْرُ حِرْزٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ) هَذَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمُصَحَّحَيْنِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ ثُمَّ صَارَتْ) أَيْ الْبَيِّنَةُ (قَوْلُهُ بَعْدَهَا) أَيْ السِّنِينَ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ إلَخْ) أَيْ قَيَّدَ عَدَمَ الْوُجُوبِ فِي الْمَجْحُودِ عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ بِمَا إذَا حَلَّفَهُ عِنْدَ الْقَاضِي فَحَلَفَ، أَمَّا قَبْلَهُ لِاحْتِمَالِ نُكُولِهِ، وَهَذَا نَقَلَهُ فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ بِلَفْظِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى التَّصْحِيحِ الْآتِي مُنْعَدِمُ الْوُجُوبِ، وَلَوْ مَعَ الْبَيِّنَةِ يَقْتَضِي أَنْ لَا تَجِبَ قَبْلَ التَّحْلِيفِ بِالْأَوْلَى كَمَا أَفَادَهُ ط: عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ وَمَا أُخِذَ مُصَادَرَةً) الْمُصَادَرَةُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِأَنْ يَأْتِيَ بِالْمَالِ وَالْغَصْبُ أَخْذُ الْمَالِ مُبَاشَرَةً عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ فَلَا يَتَكَرَّرُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ: وَمَغْصُوبٍ لَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ ثُمَّ وَصَلَ إلَيْهِ) أَيْ الْمَالِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ النُّمُوِّ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَلَا فِي مَالٍ مَفْقُودٍ إلَخْ أَفَادَ بِهِ أَنَّهُ مِنْ مُحْتَرَزَاتِ قَوْلِهِ نَامٍ، وَلَوْ تَقْدِيرًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ الزِّيَادَةِ لِعَدَمِ كَوْنِهِ فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ نَائِبِهِ (قَوْلُهُ: حَدِيثُ عَلِيٍّ) كَذَا عَزَاهُ فِي الْهِدَايَةِ إلَى عَلِيٍّ وَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ سِبْطُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي آثَارِ الْإِنْصَافِ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ، كَذَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِمُنْلَا عَلَى الْقَارِئِ (قَوْلُهُ لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الضِّمَارِ) الضِّمَارُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ بِوَزْنِ حِمَارٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْغَائِبُ الَّذِي لَا يُرْجَى، فَإِذَا رُجِيَ لَيْسَ بِضِمَارٍ، وَأَصْلُهُ الْإِضْمَارُ، وَهُوَ التَّغْيِيبُ وَالْإِخْفَاءُ، وَمِنْهُ أَضْمَرَ فِي قَلْبِهِ شَيْئًا (قَوْلُهُ مَلِيءٍ) فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ وَهُوَ الْغَنِيُّ ط. وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى وَالٍ وَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعْطِيهِ وَقَدْ طَالَبَهُ بِبَابِ الْخَلِيفَةِ فَلَمْ يُعْطِهِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَلَوْ هَرَبَ غَرِيمُهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى طَلَبِهِ أَوْ التَّوْكِيلِ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى مُعَسِّرٍ) الْأَصْوَبُ إسْقَاطُ عَلَى لِأَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى مَلِيءٍ نَعْتٌ لِمُقِرٍّ أَيْضًا لَا مُقَابِلَ لَهُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 أَيْ مَحْكُومٍ بِإِفْلَاسِهِ (أَوْ) عَلَى (جَاحِدٍ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا زَكَاةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، ذَكَرَهُ ابْنُ مَلَكٍ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ لَا تُقْبَلُ (أَوْ عَلِمَ بِهِ قَاضٍ) سَيَجِيءُ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ عَدَمُ الْقَضَاءِ بِعِلْمِ الْقَاضِي (فَوَصَلَ إلَى مِلْكِهِ لَزِمَ زَكَاةُ مَا مَضَى) وَسَنُفَصِّلُ الدَّيْنَ فِي زَكَاةِ الْمَالِ. (وَسَبَبُ لُزُومِ أَدَائِهَا تَوَجُّهُ الْخِطَابِ) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] (وَشَرْطُهُ) أَيْ شَرْطُ افْتِرَاضِ أَدَائِهَا (حَوَلَانُ الْحَوْلِ) وَهُوَ فِي مِلْكِهِ (وَثَمَنِيَّةُ الْمَالِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ) لِتَعَيُّنِهِمَا لِلتِّجَارَةِ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَتَلْزَمُ الزَّكَاةُ كَيْفَمَا أَمْسَكَهُمَا وَلَوْ لِلنَّفَقَةِ (أَوْ السَّوْمُ) بِقَيْدِهَا الْآتِي (أَوْ نِيَّةُ التِّجَارَةِ) فِي الْعُرُوضِ، إمَّا صَرِيحًا وَلَا بُدَّ مِنْ مُقَارَنَتِهَا لِعَقْدِ التِّجَارَةِ كَمَا سَيَجِيءُ، أَوْ دَلَالَةً بِأَنْ يَشْتَرِيَ عَيْنًا بِعَرَضِ التِّجَارَةِ أَوْ يُؤَاجِرُ دَارِهِ الَّتِي لِلتِّجَارَةِ بِعَرَضٍ فَتَصِيرُ   [رد المحتار] لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ مُقِرٍّ فَهُوَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ. وَالْأَخْصَرُ قَوْلُ الدُّرَرِ عَلَى مُقِرٍّ وَلَوْ مُعْسِرًا (قَوْلُهُ أَيْ مَحْكُومٍ بِإِفْلَاسِهِ) أَفَادَ أَنَّ قَوْلَهُ مُفَلَّسٍ مُشَدَّدُ اللَّامِ، وَقَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِهِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَهُوَ مُعْسِرٌ وَمَرَّ حُكْمُهُ، وَلَوْ لَمْ يُفَلِّسْهُ الْقَاضِي وَجَبَتْ الزَّكَاةُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ (قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا زَكَاةَ) أَيْ وَإِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ) صَحَّحَهُ فِي التُّحْفَةِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَصَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا وَعَزَاهُ إلَى السَّرَخْسِيِّ بَحْرٌ. وَفِي بَابِ الْمَصْرِفِ مِنْ النَّهْرِ عَنْ عَقْدِ الْفَرَائِدِ: يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ. قُلْت: وَنَقَلَ الْبَاقَانِيُّ تَصْحِيحَ الْوُجُوبِ عَنْ الْكَافِي قَالَ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِلَيْهِ مَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ اهـ وَلِذَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْغُرَرِ وَالْمُلْتَقَى وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ وَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي بَابِ الْمَصْرِفِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إلَخْ) وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ قَدْ لَا يَعْدِلُ، وَقَدْ لَا يَظْفَرُ بِالْخُصُومَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ لِمَانِعٍ فَيَكُونُ: أَيْ الدَّيْنُ فِي حُكْمِ الْهَالِكِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ سَيَجِيءُ) أَيْ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ ط (قَوْلُهُ: عَدَمُ الْقَضَاءِ) أَيْ عَدَمُ صِحَّةِ قَضَاءِ الْقَاضِي اعْتِمَادًا عَلَى عِلْمِهِ، فَلَوْ عَلِمَ بِالْمَجْحُودِ وَقَضَى بِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يُزَكِّيَ لِمَا مَضَى (قَوْلُهُ فَوَصَلَ إلَى مِلْكِهِ) أَقُولُ: مِنْ ذَلِكَ مَا فِي الْمُحِيطِ لَهُ أَلْفٌ عَلَى مُعْسِرٍ فَاشْتَرَى مِنْهُ بِالْأَلْفِ دِينَارًا ثُمَّ وَهَبَ مِنْهُ الدِّينَارَ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْأَلْفِ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لَهَا بِالدِّينَارِ. اهـ. وَمِنْهُ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَهَبَ دَيْنَهُ مِنْ رَجُلٍ وَوَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ فَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ ثُمَّ قَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَالزَّكَاةُ عَلَى الْوَاهِبِ لِأَنَّ الْقَابِضَ وَكِيلٌ عَنْهُ بِالْقَبْضِ لَهُ أَوَّلًا. وَأَقُولُ أَيْضًا: الْوُصُولُ إلَى مِلْكِهِ غَيْرُ قَيْدٍ لِأَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَ مَدْيُونَهُ الْمُوسِرَ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ كَمَا ذَكَرَهُ عِنْدَ تَفْصِيلِ الدَّيْنِ قُبَيْلَ بَابِ الْعَاشِرِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَسَنُفَصِّلُ الدَّيْنَ) أَيْ إلَى قَوِيٍّ وَوَسَطٍ وَضَعِيفٍ وَالْأَخِيرُ لَا يُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى أَصْلًا، وَفِي الْأَوَّلَيْنِ تَفْصِيلٌ سَيَأْتِي، فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا هُنَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ (قَوْلُهُ: وَسَبَبُ إلَخْ) هَذَا هُوَ السَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ؛ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَسَبَبُهُ مِلْكُ نِصَابٍ إلَخْ هُوَ السَّبَبُ الظَّاهِرِيُّ كَالزَّوَالِ لِلظُّهْرِ ط (قَوْلُهُ: تَوَجَّهَ الْخِطَابُ) أَيْ الْخِطَابُ الْمُتَوَجَّهُ إلَى الْمُكَلَّفِينَ بِالْأَمْرِ بِالْأَدَاءِ ط (قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ إلَخْ) مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَشَرْطُ افْتِرَاضِهَا عَقْلٌ إلَخْ شُرُوطٌ فِي رَبِّ الْمَالِ، وَمَا هُنَا شُرُوطٌ فِي نَفْسِ الْمَالِ الْمُزَكَّى ط (قَوْلُهُ: وَهُوَ فِي مِلْكِهِ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ نِصَابَ الْمَالِ فِي مِلْكِهِ التَّامِّ كَمَا مَرَّ، وَالشَّرْطُ تَمَامُ النِّصَابِ فِي طَرَفَيْ الْحَوْلِ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْحَوْلَ لَا يُشْتَرَطُ فِي زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِلنَّفَقَةِ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فَلَا تَغْفُلُ (قَوْلُهُ بِقَيْدِهَا الْآتِي) هُوَ الِاكْتِفَاءُ بِالرَّعْيِ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ بِقَصْدِ الدُّرِّ وَالنَّسْلِ، وَأَنْتَ الضَّمِيرُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّوْمِ الْإِسَامَةُ؛ إذْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّتِهَا لِأَنَّ السَّائِمَةَ تَصْلُحُ لِغَيْرِ الدُّرِّ وَالنَّسْلِ كَالْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ، وَلَا تُعْتَبَرُ هَذِهِ النِّيَّةُ مَا لَمْ تَتَّصِلْ بِفِعْلِ الْإِسَامَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ وَيَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ أَوْ يُؤَاجِرُ دَارِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 لِلتِّجَارَةِ بِلَا نِيَّةٍ صَرِيحًا، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ مَا يَشْتَرِيهِ الْمُضَارِبُ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِمَالِهَا غَيْرَهَا. وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ التِّجَارَةِ فِيمَا خَرَجَ مِنْ أَرْضِهِ الْعُشْرِيَّةِ أَوْ الْخَرَاجِيَّةِ أَوْ الْمُسْتَأْجَرَةِ أَوْ الْمُسْتَعَارَةِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْحَقَّانِ (وَشَرْطُ صِحَّةِ أَدَائِهَا نِيَّةٌ مُقَارِنَةٌ لَهُ) أَيْ لِلْأَدَاءِ (وَلَوْ) كَانَتْ الْمُقَارَنَةُ (حُكْمًا) كَمَا لَوْ دَفَعَ بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ نَوَى وَالْمَالُ قَائِمٌ فِي يَدِ الْفَقِيرِ، أَوْ نَوَى عِنْدَ الدَّفْعِ لِلْوَكِيلِ ثُمَّ دَفَعَ الْوَكِيلُ بِلَا نِيَّةٍ   [رد المحتار] لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ الِاخْتِلَافَ فِي بَدَلِ مَنَافِعِ عَيْنٍ مُعَدَّةٍ لِلتِّجَارَةِ. فَفِي كِتَابِ زَكَاةِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لِلتِّجَارَةِ بِلَا نِيَّةٍ. وَفِي الْجَامِعِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّوَقُّفِ عَلَى النِّيَّةِ وَصَحَّحَ مَشَايِخُ بَلْخٍ رِوَايَةَ الْجَامِعِ لِأَنَّ الْعَيْنَ وَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ لَكِنْ قَدْ يُقْصَدُ بِبَدَلِ مَنَافِعِهَا الْمَنْفَعَةُ؛ فَتُؤَجَّرُ الدَّابَّةُ لِيُنْفَقَ عَلَيْهَا، وَالدَّارُ لِلْعِمَارَةِ فَلَا تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ مَعَ التَّرَدُّدِ إلَّا بِالنِّيَّةِ. اهـ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ الَّتِي لِلتِّجَارَةِ؛ إذْ لَوْ كَانَتْ لِلسُّكْنَى مَثَلًا لَا يَصِيرُ بَدَلُهَا لِلتِّجَارَةِ بِدُونِ النِّيَّةِ، فَإِذَا نَوَى يَصِحُّ، وَيَكُونُ مِنْ قِسْمِ الصَّرِيحِ. (قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَوْا إلَخْ) ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ يَنْبَغِي جَعْلُهُ مِنْ النِّيَّةِ دَلَالَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا أَوْ نَوَى الشِّرَاءَ لِلنَّفَقَةِ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَى عَبِيدًا بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ ثُمَّ اشْتَرَى لَهُمْ كِسْوَةً وَطَعَامًا لِلنَّفَقَةِ كَانَ الْكُلُّ لِلتِّجَارَةِ، وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْكُلِّ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِمَالِهَا غَيْرَهَا) أَيْ بِمَالِ التِّجَارَةِ غَيْرَ التِّجَارَةِ بِخِلَافِ الْمَالِكِ إذَا اشْتَرَى لَهُمْ طَعَامًا وَثِيَابًا لِلنَّفَقَةِ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ التِّجَارَةِ إلَخْ) لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا عِنْدَ عَقْدِ التِّجَارَةِ، فَلَا تَصِحُّ فِيمَا مَلَكَهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ كَإِرْثٍ وَنَحْوِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَمِثْلُهُ الْخَارِجُ مِنْ أَرْضِهِ، لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِيهِ بِالنَّبَاتِ، وَلَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَخَرَجَ أَيْ بِقَيْدِ الْعَقْدِ مَا إذَا دَخَلَ مِنْ أَرْضِهِ حِنْطَةٌ تَبْلُغُ قِيمَتُهَا نِصَابًا، وَنَوَى أَنْ يُمْسِكَهَا وَيَبِيعَهَا فَأَمْسَكَهَا حَوْلًا لَا تَجِبُ فِيهَا الذَّكَاةُ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بَذْرَ التِّجَارَةِ وَزَرَعَهَا فِي أَرْضِ عُشْرٍ اسْتَأْجَرَهَا كَانَ فِيهَا الْعُشْرُ لَا غَيْرَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى أَرْضَ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ لِلتِّجَارَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ إنَّمَا عَلَيْهِ حَقُّ الْأَرْضِ مِنْ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ (قَوْلُهُ أَوْ الْمُسْتَأْجَرِ أَوْ الْمُسْتَعَارَةِ) يَعْنِي وَكَانَتْ الْأَرْضُ عُشْرِيَّةً، فَإِنَّ الْعُشْرَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ اتِّفَاقًا وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى قَوْلِهِمَا الْمَأْخُوذِ بِهِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتَا خَرَاجِيَّتَيْنِ فَإِنَّ الْخَرَاجَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ، فَإِذَا نَوَى الْمُسْتَعِيرُ أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ فِي الْخَارِجِ مِنْهُمَا التِّجَارَةَ يَصِحُّ لِعَدَمِ اجْتِمَاعِ الْحَقَّيْنِ أَفَادَهُ ح. قُلْت: يَتَعَيَّنُ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى بَذْرًا لِلتِّجَارَةِ وَزَرَعَهُ لِيَصِحَّ التَّعْلِيلُ بِعَدَمِ اجْتِمَاعِ الْحَقَّيْنِ، أَمَّا لَوْ نَوَى التِّجَارَةَ فِيمَا خَرَجَ مِنْ أَرْضِهِ، فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِعَدَمِ الْعَقْدِ فَلَمْ يَصِرْ الْخَارِجُ مَالَ تِجَارَةٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْحَقَّانِ) عَلِمْت مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: وَشَرْطُ صِحَّةِ أَدَائِهَا إلَخْ) قَدْ عُلِمَ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا لِلَّهِ تَعَالَى، لَكِنْ ذُكِرَتْ هُنَا لِبَيَانِ تَفَاصِيلِهَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ نِيَّةٌ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلتَّسْمِيَةِ؛ فَلَوْ سَمَّاهَا هِبَةً أَوْ قَرْضًا تُجْزِيهِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى الزَّكَاةَ وَالتَّطَوُّعَ وَقَعَ عَنْهَا عِنْدَ الثَّانِي لِأَنَّ نِيَّةَ الْفَرْضِ أَقْوَى وَعِنْدَ الثَّالِثِ يَقَعُ عَنْهُ، وَإِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْفَقِيرِ أَخْذُهَا بِلَا عِلْمِهِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي قَرَابَتِهِ أَوْ قَبِيلَتِهِ أَحْوَجُ مِنْهُ فَيَضْمَنُ حُكْمًا لَا دِيَانَةً، وَإِلَى أَنَّ السَّاعِيَ لَوْ أَخَذَهَا مِنْهُ كُرْهًا لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ، بِخِلَافِ الظَّاهِرَةِ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ، وَإِلَى أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِفَقْدِ النِّيَّةِ إلَّا إذَا أَوْصَى فَتُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. زَادَ فِي الْجَوْهَرَةِ: أَوْ تَبَرَّعَ وَرَثَتُهُ. قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ فَتَكْفِي نِيَّتُهُمْ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مُقَارِنَةٌ) هُوَ الْأَصْلُ كَمَا فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ بِالنِّيَّةِ عِنْدَ الْعَزْلِ كَمَا سَيَأْتِي لِأَنَّ الدَّفْعَ يَتَفَرَّقُ فَيَتَخَرَّجُ بِاسْتِحْضَارِ النِّيَّةِ عِنْدَ كُلِّ دَفْعٍ فَاكْتَفَى بِذَلِكَ لِلْحَرَجِ بَحْرٌ، وَالْمُرَادُ مُقَارَنَتُهَا لِلدَّفْعِ إلَى الْفَقِيرِ، وَأَمَّا الْمُقَارَنَةُ لِلدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ فَهِيَ مِنْ الْحُكْمِيَّةِ كَمَا يَأْتِي ط (قَوْلُهُ: وَالْمَالُ قَائِمٌ فِي يَدِ الْفَقِيرِ) بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى بَعْدَ هَلَاكِهِ بَحْرٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقِيَامِهِ فِي يَدِ الْفَقِيرِ بَقَاؤُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 أَوْ دَفَعَهَا لِذِمِّيٍّ لِيَدْفَعَهَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ لِلْفُقَرَاءِ جَازَ نِيَّةُ الْأَمْرِ وَلِذَا لَوْ قَالَ هَذَا تَطَوُّعٌ أَوْ عَنْ كَفَّارَتِي ثُمَّ نَوَاهُ عَنْ الزَّكَاةِ قَبْلَ دَفْعِ الْوَكِيلِ صَحَّ، وَلَوْ خَلَطَ زَكَاةَ مُوَكِّلِيهِ ضَمِنَ وَكَانَ مُتَبَرِّعًا إلَّا إذَا وَكَّلَهُ الْفُقَرَاءُ وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَدْفَعَ لِوَلَدِهِ الْفَقِيرِ وَزَوْجَتِهِ لَا لِنَفْسِهِ إلَّا إذَا قَالَ: رَبُّهَا ضَعْهَا حَيْثُ شِئْت، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِدَرَاهِمِ نَفْسِهِ أَجْزَأَ إنْ كَانَ عَلَى نِيَّةِ الرُّجُوعِ وَكَانَتْ دَرَاهِمُ الْمُوَكِّلِ قَائِمَةً (أَوْ مُقَارَنَةً   [رد المحتار] فِي مِلْكِهِ لَا الْيَدُ الْحَقِيقِيَّةُ، وَأَنَّ النِّيَّةَ تُجْزِيهِ مَادَامَ فِي مِلْكِ الْفَقِيرِ، وَلَوْ بَعْدَ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ أَوْ دَفَعَهَا لِذِمِّيٍّ) نَبَّهَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ مَحْضَةٌ، فَتَصِحُّ فِيهَا إنَابَةُ الذِّمِّيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ النِّيَّةِ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهَا نِيَّةُ الْأَمْرِ، بِخِلَافِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْمَالِ وَالْبَدَنِ فَتُشْتَرَطُ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْمَأْمُورِ لِلنِّيَّةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ نِيَّةُ الْآمِرِ) عِلَّةٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ (قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِ الْمُعْتَبَرِ نِيَّةَ الْآمِرِ (قَوْلُهُ لَوْ قَالَ) أَيْ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ (قَوْلُهُ ثُمَّ نَوَاهُ عَنْ الزَّكَاةِ) أَيْ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ بَلْ دَفَعَ إلَى الْفَقِيرِ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ أَوْ الْكَفَّارَةُ (قَوْلُهُ ضَمِنَ وَكَانَ مُتَبَرِّعًا) لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْخَلْطِ وَصَارَ مُؤَدِّيًا مَالَ نَفْسِهِ. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: إلَّا إذَا وَجَدَ الْإِذْنَ أَوْ أَجَازَ الْمَالِكَانِ اهـ أَيْ أَجَازَ قَبْلَ الدَّفْعِ إلَى الْفَقِيرِ، لِمَا فِي الْبَحْرِ: لَوْ أَدَّى زَكَاةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمَرَهُ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهَا وُجِدَتْ نَفَاذًا عَلَى الْمُتَصَدِّقِ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَلَمْ يَصِرْ تَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ فَنَفَذَتْ عَلَيْهِ اهـ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: تُجْزِي عَنْ الْآمِرِ مُطْلَقًا لِبَقَاءِ الْإِذْنِ بِالدَّفْعِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ تَصَدَّقَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ جَازَ وَيَرْجِعُ بِمَا دَفَعَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِشَرْطِ الرُّجُوعِ اهـ تَأَمَّلْ، ثُمَّ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَوْ وُجِدَتْ دَلَالَةُ الْإِذْنِ بِالْخَلْطِ كَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْإِذْنِ مِنْ أَرْبَابِ الْحِنْطَةِ بِخَلْطِ ثَمَنِ الْغَلَّاتِ؛ وَكَذَلِكَ الْمُتَوَلِّي إذَا كَانَ فِي يَدِهِ أُوقِيَّاتٌ مُخْتَلِفَةٌ وَخَلَطَ غَلَّاتِهَا ضَمِنَ وَكَذَلِكَ السِّمْسَارُ إذَا خَلَطَ الْأَثْمَانَ أَوْ الْبَيَّاعُ إذَا خَلَطَ الْأَمْتِعَةَ يَضْمَنُ. اهـ. قَالَ فِي التَّجْنِيسِ: وَلَا عُرْفَ فِي حَقِّ السَّمَاسِرَةِ وَالْبَيَّاعِينَ بِخَلْطِ ثَمَنِ الْغَلَّاتِ وَالْأَمْتِعَةِ اهـ وَيَتَّصِلُ بِهَذَا الْعَالِمُ إذَا سَأَلَ لِلْفُقَرَاءِ شَيْئًا وَخَلَطَ يَضْمَنُ. قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ الْعُرْفُ فَلَا ضَمَانَ لِوُجُودِ الْإِذْنِ حِينَئِذٍ دَلَالَةً. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ الْمَالِكِ بِهَذَا الْعُرْفِ لِيَكُونَ إذْنًا مِنْهُ دَلَالَةً (قَوْلُهُ إذَا وَكَّلَهُ الْفُقَرَاءَ) لِأَنَّهُ كُلَّمَا قَبَضَ شَيْئًا مَلَكُوهُ وَصَارَ خَالِطًا مَالَهُمْ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَوَقَعَ زَكَاةً عَنْ الدَّافِعِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْلُغَ الْمَالُ الَّذِي بِيَدِ الْوَكِيلِ نِصَابًا. فَلَوْ بَلَغَهُ وَعَلِمَ بِهِ الدَّافِعُ لَمْ يُجْزِهِ إذَا كَانَ الْآخِذُ وَكِيلًا عَنْ الْفَقِيرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ. قُلْت: وَهَذَا إذَا كَانَ الْفَقِيرُ وَاحِدًا، فَلَوْ كَانُوا مُتَعَدِّدِينَ لَا بُدَّ أَنْ يَبْلُغَ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصَابًا لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْوَكِيلِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ، فَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً، وَمَا فِي يَدِ الْوَكِيلِ بَلَغَ نِصَابَيْنِ لَمْ يَصِيرُوا أَغْنِيَاءَ فَتُجْزِي الزَّكَاةُ عَنْ الدَّفْعِ بَعْدَهُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ ثَلَاثَةَ أَنْصِبَاءَ إلَّا إذَا كَانَ وَكِيلًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ، فَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصَابُهُ عَلَى حِدَةٍ، وَلَيْسَ لَهُ الْخَلْطُ بِلَا إذْنِهِمْ؛ فَلَوْ خَلَطَ أَجْزَأَ عَنْ الدَّافِعِينَ وَضَمِنَ لِلْمُوَكِّلِينَ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْآخِذُ وَكِيلًا عَنْهُمْ فَتُجْزِي، وَإِنْ بَلَغَ الْمَقْبُوضُ نُصُبًا كَثِيرَةً لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوا شَيْئًا مِمَّا فِي يَدِهِ (قَوْلُهُ: لِوَلَدِهِ الْفَقِيرِ) وَإِذَا كَانَ وَلَدًا صَغِيرًا فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ فَقِيرًا أَيْضًا لِأَنَّ الصَّغِيرَ يُعَدُّ غَنِيًّا بِغِنَى أَبِيهِ أَفَادَهُ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالدَّفْعِ إلَى مُعَيَّنٍ؛ إذْ لَوْ خَالَفَ فَفِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا فِي الْقُنْيَةِ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْقَوَاعِدَ تَشْهَدُ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ لِقَوْلِهِمْ: لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ عَلَى فُلَانٍ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى غَيْرِهِ. اهـ. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ تَعْيِينَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالدِّرْهَمِ وَالْفَقِيرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي النَّذْرِ لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَهُ مَا هُوَ قُرْبَةٌ، وَهُوَ أَصْلُ التَّصَدُّقِ دُونَ التَّعْيِينِ فَيَبْطُلُ، وَتَلْزَمُ الْقُرْبَةُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَهُنَا الْوَكِيلُ إنَّمَا يَسْتَفِيدُ التَّصَرُّفَ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَقَدْ أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ إلَى فُلَانٍ فَلَا يَمْلِكُ الدَّفْعَ إلَى غَيْرِهِ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِكَذَا لَيْسَ لِلْوَصِيِّ الدَّفْعُ إلَى غَيْرِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَزَوْجَتِهِ) أَيْ الْفَقِيرَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَصَدَّقَ إلَخْ) أَيْ الْوَكِيلُ بِدَفْعِ الزَّكَاةِ إذَا أَمْسَكَ دَرَاهِمَ الْمُوَكِّلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 بِعَزْلِ مَا وَجَبَ) كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْعَزْلِ بَلْ بِالْأَدَاءِ لِلْفُقَرَاءِ (أَوْ تَصَدُّقٌ بِكُلِّهِ) إلَّا إذَا نَوَى نَذْرًا أَوْ وَاجِبًا آخَرَ فَيَصِحُّ وَيَضْمَنُ الزَّكَاةَ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِبَعْضِهِ لَا تَسْقُطُ حِصَّتُهُ عِنْدَ الثَّانِي خِلَافًا لِلثَّالِثِ وَأَطْلَقَهُ نَعَمْ الْعَيْنُ وَالدَّيْنُ، حَتَّى لَوْ أَبْرَأَ الْفَقِيرَ عَنْ النِّصَابِ صَحَّ (وَسَقَطَ عَنْهُ) . وَاعْلَمْ أَنَّ أَدَاءَ الدَّيْنِ عَنْ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ عَنْ الْعَيْنِ، وَعَنْ الدَّيْنِ يَجُوزُ وَأَدَاءُ الدَّيْنِ عَنْ الْعَيْنِ، وَعَنْ دَيْنٍ سَيُقْبَضُ   [رد المحتار] وَدَفَعَ مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ بِبَدَلِهَا فِي دَرَاهِمِ الْمُوَكِّلِ صَحَّ. بِخِلَافِ مَا إذَا أَنْفَقَهَا أَوَّلًا عَلَى نَفْسِهِ مَثَلًا ثُمَّ دَفَعَ مِنْ مَالِهِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الْوَكِيلُ بِالْإِنْفَاقِ أَوْ بِقَضَاءِ الدِّينِ أَوْ الشِّرَاءِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي الْوَكَالَةِ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الدَّفْعُ مِنْ عَيْنِ مَالِ الزَّكَاةِ، وَلِذَا لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالدَّفْعِ عَنْهُ جَازَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِيمَا إذَا دَفَعَ مِنْ مَالٍ آخَرَ خَبِيثٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ الْقُنْيَةِ تَرْجِيحُ الْإِجْزَاءِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِمْ مُسْلِمٌ لَهُ خَمْرٌ فَوَكَّلَ ذِمِّيًّا فَبَاعَهَا مِنْ ذِمِّيٍّ فَلِلْمُسْلِمِ صَرْفُ ثَمَنِهَا عَنْ زَكَاةِ مَالِهِ. [فَرْعٌ] لِلْوَكِيلِ بِدَفْعِ الزَّكَاةِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِلَا إذْنٍ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَسَيَأْتِي مُتَنَافِي الْوَكَالَةِ (قَوْلُهُ بِعَزْلِ مَا وَجَبَ) فِي نُسْخَةٍ لِعَزْلِ بِاللَّامِ، وَهِيَ أَحْسَنُ لِيُوَافِقَ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْعَزْلِ) فَلَوْ ضَاعَتْ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ وَلَوْ مَاتَ كَانَتْ مِيرَاثًا عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا ضَاعَتْ فِي يَدِ السَّاعِي لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْفُقَرَاءِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ أَوْ تَصَدُّقٌ بِكُلِّهِ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: نِيَّةُ، وَأَفَادَ بِهِ سُقُوطَ الزَّكَاةِ، وَلَوْ نَوَى نَفْلًا أَوْ لَمْ يَنْوِ أَصْلًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ جَزْءٌ مِنْهُ، وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لِدَفْعِ الْمُزَاحِمِ فَلَمَّا أَدَّى الْكُلَّ زَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا نَوَى إلَخْ) فِي التَّعْبِيرِ بِالتَّصْدِيقِ إيمَاءٌ إلَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ فَيَصِحُّ) أَيْ عَمَّا نَوَى (قَوْلُهُ: لَا تَسْقُطُ حِصَّتُهُ) أَيْ لَا تَسْقُطُ زَكَاةُ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ فَتَجِبُ زَكَاتُهُ وَزَكَاةُ الْبَاقِي (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلثَّالِثِ) أَشَارَ بِذَلِكَ تَبَعًا لِمَتْنِ الْمُلْتَقَى إلَى اعْتِمَادِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ وَلِذَا قَدَّمَهُ قَاضِي خَانَ وَقَدْ أَخَّرَهُ فِي الْهِدَايَةِ مَعَ دَلِيلِهِ، وَعَادَتُهُ تَأْخِيرُ الْمُخْتَارِ عِنْدَهُ عَلَى عَكْسِ عَادَةِ قَاضِي خَانْ وَصَاحِبِ الْمُلْتَقَى فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَهُ) أَيْ أَطْلَقَ التَّصَدُّقَ (قَوْلُهُ حَتَّى إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى شُمُولِهِ الدَّيْنِ ح وَقَيَّدَ بِالْفَقِيرِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ غَنِيًّا فَوَهَبَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا الضَّمَانُ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ أَيْ ضَمَانُ زَكَاةِ مَا وَهَبَهُ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: صَحَّ، وَسَقَطَ عَنْهُ) أَيْ صَحَّ الْإِبْرَاءُ وَسَقَطَ عَنْهُ زَكَاتُهُ نَوَى الزَّكَاةَ أَوْ لَا لِمَا مَرَّ وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْبَعْضِ سَقَطَ زَكَاتُهُ دُونَ الْبَاقِي، وَلَوْ نَوَى بِهِ الْأَدَاءَ عَنْ الْبَاقِي بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَاعْلَمْ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالدَّيْنِ مَا كَانَ ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ وَبِالْعَيْنِ مَا كَانَ قَائِمًا فِي مِلْكِهِ مِنْ نُقُودٍ وَعُرُوضٍ، وَالْقِسْمَةُ رُبَاعِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا، وَالْمَالُ الْمُزَكَّى كَذَلِكَ، لَكِنَّ الدَّيْنَ إمَّا أَنْ يَسْقُطَ بِالزَّكَاةِ أَوْ يَبْقَى مُسْتَحَقَّ الْقَبْضِ بَعْدَهَا فَتَصِيرُ خَمْسَةً فَيَجُوزُ الْأَدَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: الْأُولَى أَدَاءُ الدَّيْنِ عَنْ دَيْنٍ سَقَطَ بِهَا كَمَا مُثِّلَ مِنْ إبْرَاءِ الْفَقِيرِ عَنْ كُلِّ النِّصَابِ. الثَّانِيَةُ أَدَاءُ الْعَيْنِ عَنْ الْعَيْنِ كَنَقْدٍ حَاضِرٍ عَنْ نَقْدٍ أَوْ عَرَضٍ حَاضِرٍ. الثَّالِثَةُ أَدَاءُ الْعَيْنِ عَنْ الدَّيْنِ كَنَقْدٍ حَاضِرٍ عَنْ نِصَابِ دَيْنٍ. وَفِي صُورَتَيْنِ لَا يَجُوزُ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 لَا يَجُوزُ. وَحِيلَةُ الْجَوَازِ أَنْ يُعْطِيَ مَدْيُونَهُ الْفَقِيرَ زَكَاتَهُ ثُمَّ يَأْخُذَهَا عَنْ دَيْنِهِ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْمَدْيُونُ مَدَّ يَدَهُ وَأَخَذَهَا لِكَوْنِهِ ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ، فَإِنْ مَانَعَهُ رَفَعَهُ لِلْقَاضِي، وَحِيلَةُ التَّكْفِينِ بِهَا التَّصَدُّقُ عَلَى فَقِيرٍ ثُمَّ هُوَ يُكَفَّنُ فَيَكُونُ الثَّوَابُ لَهُمَا وَكَذَا فِي تَعْمِيرِ الْمَسْجِدِ، وَتَمَامُهُ فِي حِيلَ الْأَشْبَاهِ (وَافْتِرَاضُهَا عُمْرِيٌّ) أَيْ عَلَى التَّرَاخِي وَصَحَّحَهُ الْبَاقَانِيُّ وَغَيْرُهُ (وَقِيلَ فَوْرِيٌّ) أَيْ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ (وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) كَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ   [رد المحتار] الْأُولَى أَدَاءُ الدَّيْنِ عَنْ الْعَيْنِ كَجَعْلِهِ مَا فِي ذِمَّةِ مَدْيُونِهِ زَكَاةً لِمَالِهِ الْحَاضِرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَ فَقِيرًا بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ عَلَى آخَرَ عَنْ زَكَاةِ عَيْنٍ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ عِنْدَ قَبْضِ الْفَقِيرِ يَصِيرُ عَيْنًا فَكَانَ عَيْنًا عَنْ عَيْنٍ. الثَّانِيَةُ أَدَاءُ دَيْنٍ عَنْ دَيْنٍ سَيُقْبَضُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبَحْرِ، وَهُوَ مَا لَوْ أَبْرَأَ الْفَقِيرَ عَنْ بَعْضِ النِّصَابِ نَاوِيًا بِهِ الْأَدَاءَ عَنْ الْبَاقِي وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْبَاقِيَ يَصِيرُ عَيْنًا بِالْقَبْضِ فَيَصِيرُ مُؤَدِّيًا بِالدَّيْنِ عَنْ الْعَيْنِ. اهـ. وَلِذَا أَطْلَقَ الشَّارِحُ الدَّيْنَ أَوَّلًا عَنْ التَّقْيِيدِ بِالسُّقُوطِ، وَلِقَوْلِهِ بَعْدَهُ سَيُقْبَضُ (قَوْلُهُ وَحِيلَةُ الْجَوَازِ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مُعْسِرٍ، وَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ زَكَاةً عَنْ عَيْنٍ عِنْدَهُ أَوْ عَنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَى آخَرَ سَيُقْبَضُ (قَوْلُهُ أَنْ يُعْطِيَ مَدْيُونَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ أَيْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَسِيلَةً إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ) نَقَلَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ فِي آخِرِ شَرْحِ الْأَشْبَاهِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي مَسْأَلَةِ الظَّفَرِ (قَوْلُهُ فَإِنْ مَانَعَهُ إلَخْ) وَالْحِيلَةُ إذَا خَافَ ذَلِكَ مَا فِي الْأَشْبَاهِ، وَهُوَ أَنْ يُوَكِّلَ الْمَدْيُونُ خَادِمَ الدَّائِنِ بِقَبْضِ الزَّكَاةِ ثُمَّ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ، فَبِقَبْضِ الْوَكِيلِ صَارَ مِلْكًا لِلْمُوَكِّلِ، وَلَا يُسَلَّمُ الْمَالُ لِلْوَكِيلِ إلَّا فِي غَيْبَةِ الْمَدْيُونِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعْزِلَهُ عَنْ وَكَالَةِ قَضَاءِ دَيْنِهِ حَالَ الْقَبْضِ قَبْلَ الدَّفْعِ. اهـ. وَفِيهَا: إنْ كَانَ لِلدَّائِنِ شَرِيكٌ فِي الدَّيْنِ يَخَافُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ، فَالْحِيلَةُ أَنْ يَتَصَدَّقَ الدَّائِنُ بِالدَّيْنِ وَيَهَبَ الْمَدْيُونَ مَا قَبَضَهُ لِلدَّائِنِ فَلَا مُشَارَكَةَ (قَوْلُهُ: ثُمَّ هُوَ) أَيْ الْفَقِيرُ يُكَفَّنُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ أَمْرَهُ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى صِحَّةِ التَّمَلُّكِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْمَصْرِفِ بَحْثًا (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الثَّوَابُ لَهُمَا) أَيْ ثَوَابُ الزَّكَاةِ لِلْمُزَكِّي، وَثَوَابُ التَّكْفِينِ لِلْفَقِيرِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ ثَوَابَ التَّكْفِينِ يَثْبُتُ لِلْمُزَكِّي أَيْضًا، لِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الثَّوَابُ كَمًّا وَكَيْفًا ط. قُلْت: وَأَخْرَجَ السُّيُوطِيّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «لَوْ مَرَّتْ الصَّدَقَةُ عَلَى يَدَيْ مِائَةٍ لَكَانَ لَهُمْ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أَجْرِ الْمُبْتَدِئِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ» (قَوْلُهُ وَكَذَا) الْإِشَارَةُ إلَى الْحِيلَةِ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ إلَخْ) هُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ وَافْتِرَاضُهَا عُمْرِيٌّ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، فَفِي أَيِّ وَقْتٍ أَدَّى يَكُونُ مُؤَدِّيًا لِلْوَاجِبِ، وَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ الْوَقْتُ لِلْوُجُوبِ، وَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى آخِرِ عُمْرِهِ يَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ، حَتَّى لَوْ لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى مَاتَ يَأْثَمُ وَاسْتَدَلَّ الْجَصَّاصُ لَهُ بِمَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إذَا هَلَكَ نِصَابُهُ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى الْفَوْرِ يَضْمَنُ كَمَنْ أَخَّرَ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ عَنْ وَقْتِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ. (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ الْبَاقَانِيُّ وَغَيْرُهُ) نُقِلَ تَصْحِيحُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَيْضًا (قَوْلُهُ أَيْ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ) هَذَا سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِيهِ رَكَاكَةٌ لِأَنَّهُ يَئُولَ إلَى قَوْلِنَا: افْتِرَاضُهَا وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ مَعَ أَنَّهَا فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ بِالدَّلَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 (فَيَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا) بِلَا عُذْرٍ (وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ) لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالصَّرْفِ إلَى الْفَقِيرِ مَعَهُ قَرِينَةُ الْفَوْرِ وَهِيَ أَنَّهُ لِدَفْعِ حَاجَتِهِ وَهِيَ مُعَجَّلَةٌ، فَمَتَى لَمْ تَجِبْ عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِيجَابِ عَلَى وَجْهِ التَّمَامِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (لَا يَبْقَى لِلتِّجَارَةِ مَا) أَيْ عَبْدٌ مَثَلًا (اشْتَرَاهُ لَهَا فَنَوَى) بَعْدَ ذَلِكَ (خِدْمَتَهُ ثُمَّ) مَا نَوَاهُ لِلْخِدْمَةِ (لَا يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ) وَإِنْ نَوَاهُ لَهَا مَا لَمْ يَبِعْهُ بِجِنْسِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ التِّجَارَةَ عَمَلٌ فَلَا تَتِمُّ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ؛ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ تَرَكَ الْعَمَلَ فَيَتِمُّ بِهَا (وَمَا اشْتَرَاهُ لَهَا) أَيْ لِلتِّجَارَةِ (كَانَ لَهَا)   [رد المحتار] وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ قَوْلَهُ افْتِرَاضُهَا عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ افْتِرَاضُ أَدَائِهَا، وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى مَوْصُوفِهَا فَيَصِيرُ الْمَعْنَى أَدَاؤُهَا الْمُفْتَرَضُ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ: أَيْ أَنَّ أَصْلَ الْأَدَاءِ فَرْضٌ، وَكَوْنُهُ عَلَى الْفَوْرِ وَاجِبٌ، وَهَذَا مَا حَقَّقَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَلَا التَّرَاخِيَ بَلْ مُجَرَّدَ الطَّلَبِ فَيَجُوزُ لِلْمُكَلَّفِ كُلٌّ مِنْهُمَا لَكِنَّ الْأَمْرَ هُنَا مَعَهُ قَرِينَةُ الْفَوْرِ إلَخْ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ فَيَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا إلَخْ) ظَاهِرُهُ الْإِثْمُ بِالتَّأْخِيرِ وَلَوْ قَلَّ كَيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لِأَنَّهُمْ فَسَّرُوا الْفَوْرَ بِأَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ. وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ إلَى الْعَامِ الْقَابِلِ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ عَنْ الْمُنْتَقَى بِالنُّونِ إذَا لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى مَضَى حَوْلَانِ فَقَدْ أَسَاءَ وَأَثِمَ اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ الْقَرِينَةُ أَنَّهُ أَيْ الْأَمْرَ بِالصَّرْفِ (قَوْلُهُ وَهِيَ مُعَجَّلَةٌ) كَذَا عِبَارَةُ الْفَتْحِ. أَيْ حَاجَةُ الْفَقِيرِ مُعَجَّلَةٌ أَيْ حَاصِلَةٌ (قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ) حَيْثُ قَالَ بَعْدَ مَا مَرَّ: فَتَكُونُ الزَّكَاةُ فَرِيضَةً وَفَوْرِيَّتُهَا وَاجِبَةٌ فَيَلْزَمُ بِتَأْخِيرِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ الْإِثْمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْكَرْخِيُّ وَالْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْمُنْتَقَى؛ وَهُوَ عَيْنُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُكْرَهُ، فَإِنَّ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ هِيَ الْمَحْمَلُ عِنْدَ إطْلَاقِ اسْمِهَا، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وُجُوبُ فَوْرِيَّتُهَا، وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ شُجَاعٍ عَنْهُمْ مِنْ أَنَّهَا عَلَيَّ التَّرَاخِي فَهُوَ بِالنَّظَرِ إلَى دَلِيلِ الِافْتِرَاضِ أَيْ: دَلِيلُ الِافْتِرَاضِ لَا يُوجِبُهَا، وَهُوَ لَا يَنْفِي وُجُودَ دَلِيلِ الْإِيجَابِ. وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ: إذَا شَكَّ هَلْ زَكَّى أَوْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ لِأَنَّ وَقْتَهَا الْعُمْرُ، فَالشَّكُّ حِينَئِذٍ كَالشَّكِّ فِي الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ اهـ مُلَخَّصًا. [تَتِمَّةٌ] فِي الْفَتْحِ أَيْضًا: إذَا أَخَّرَ حَتَّى مَرِضَ يُؤَدِّي سِرًّا مِنْ الْوَرَثَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَقْرِضَ لِأَدَاءِ الزَّكَاةِ إنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ فَالْأَفْضَلُ الِاسْتِقْرَاضُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ خُصُومَةَ صَاحِبِ الدَّيْنِ أَشَدُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْ عَبْدٌ) خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ فَنَوَى خِدْمَتَهُ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ مَثَلًا إلَى أَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ قَيْدٍ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ فَنَوَى اسْتِعْمَالَهُ لِيَعُمَّ مِثْلَ الثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِمَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ لِيَخْرُجَ مَا لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً، أَوْ عُشْرِيَّةً لِيَتَّجِرَ فِيهَا فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ كَمَا يَأْتِي وَنَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فَنَوَى بَعْدَ ذَلِكَ خِدْمَتَهُ) أَيْ، وَأَنْ لَا يَبْقَى لِلتِّجَارَةِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ عَبْدُ التِّجَارَةِ: إذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ سَنَتَيْنِ فَاسْتَخْدَمَهُ فَهُوَ لِلتِّجَارَةِ عَلَى حَالِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ التِّجَارَةِ وَيَجْعَلَهُ لِلْخِدْمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَبِعْهُ) أَيْ أَوْ يُؤَجِّرْهُ كَمَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ، وَبَدَلُهُ مِنْ قَسْمِ الدَّيْنِ الْوَسَطِ فَيُعْتَبَرُ مَا مَضَى أَوْ يُعْتَبَرُ الْحَوْلُ بَعْدَ قَبْضِهِ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي فِي بَيَانِ أَقْسَامِ الدُّيُونِ (قَوْلُهُ بِجِنْسِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ) فَلَوْ دَفَعَهُ لِامْرَأَتِهِ فِي مَهْرِهَا أَوْ دَفَعَهُ بِصُلْحٍ عَنْ قَوَدٍ أَوْ دَفَعَتْهُ لِخُلْعِ زَوْجِهَا لَا زَكَاةَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَمْ تَكُنْ جِنْسَ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ ط (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ) أَيْ بَيْنَ التِّجَارَةِ حَيْثُ لَا تَتَحَقَّقُ بِالْفِعْلِ وَبَيْنَ عَدَمِهَا. بِأَنْ نَوَاهُ لِلْخِدْمَةِ حَيْثُ تَحَقَّقَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ ط (قَوْلُهُ فَيَتِمُّ بِهَا) لِأَنَّ التُّرُوكَ كُلَّهَا يُكْتَفَى فِيهَا بِالنِّيَّةِ ط. وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْمُقِيمُ وَالصَّائِمُ وَالْكَافِرُ وَالْعَلُوفَةُ السَّائِمَةُ، حَيْثُ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا وَلَا مُفْطِرًا وَلَا مُسْلِمًا وَلَا سَائِمَةً وَلَا عَلُوفَةً بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَتَثْبُت أَضْدَادُهَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ زَيْلَعِيٌّ، لَكِنْ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ وَالْفَتْحِ بِأَنَّ الْعَلُوفَةَ لَا تَصِيرُ سَائِمَةً بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ. وَوَفَّقَ فِي الْبَحْرِ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا نَوَى أَنْ تَكُونَ السَّائِمَةُ عَلُوفَةً، وَهِيَ بَاقِيَةٌ فِي الْمَرْعَى إذْ لَا بُدَّ مِنْ الْعَمَلِ، وَهُوَ إخْرَاجُهَا مِنْ الْمَرْعَى لَا الْعَلَفِ، وَحَمَلَ الثَّانِيَ عَلَى مَا إذَا نَوَى بَعْدَ إخْرَاجِهَا مِنْهُ (قَوْلُهُ: كَانَ لَهَا إلَخْ) لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي التِّجَارَةِ مُقَارَنَتُهَا لِعَقْدِهَا وَهُوَ كَسْبُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِعَقْدِ شِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 لِمُقَارَنَةِ النِّيَّةِ لِعَقْدِ التِّجَارَةِ (لَا مَا وَرِثَهُ وَنَوَاهُ لَهَا) لِعَدَمِ الْعَقْدِ إلَّا إذَا تَصَرَّفَ فِيهِ أَيْ نَاوِيًا فَتَجِبُ الزَّكَاةُ لِاقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِالْعَمَلِ (إلَّا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) وَالسَّائِمَةَ، لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ وَرِثَ سَائِمَةً لَزِمَهُ زَكَاتُهَا بَعْدَ حَوْلٍ نَوَاهُ أَوْ لَا (وَمَا مَلَكَهُ بِصُنْعِهِ كَهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ صُلْحٍ مِنْ قَوَدٍ) قَيَّدَ بِالْقَوَدِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لِلتِّجَارَةِ إذَا قَتَلَهُ عَبْدٌ خَطَأً وَدُفِعَ بِهِ كَانَ الْمَدْفُوعُ لِلتِّجَارَةِ خَانِيَّةٌ وَكَذَا كُلُّ مَا قُوبِضَ بِهِ مَالُ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهَا بِلَا نِيَّةٍ كَمَا مَرَّ (وَنَوَاهُ لَهَا كَانَ لَهُ عِنْدَ الثَّانِي وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ (لَا) يَكُونُ لَهَا بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. وَفِي أَوَّلِ الْأَشْبَاهِ: وَلَوْ قَارَنَتْ النِّيَّةُ مَا لَيْسَ بَدَلَ مَالٍ بِمَالِ لَا تَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ (لَا زَكَاةَ فِي اللَّآلِئِ وَالْجَوَاهِرِ) وَإِنْ سَاوَتْ أَلْفًا اتِّفَاقًا (إلَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ) وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا عَدَا الْحَجَرَيْنِ وَالسَّوَائِمَ إنَّمَا يُزَكَّى بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْمَانِعِ الْمُؤَدِّي إلَى الثِّنَى وَشَرْطِ مُقَارَنَتِهَا لِعَقْدِ التِّجَارَةِ   [رد المحتار] أَوْ اسْتِقْرَاضٍ حَيْثُ لَا مَانِعَ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الشَّرْحِ مَعَ بَيَانِ الْمُحْتَرَزَاتِ؛ ثُمَّ إنَّ نِيَّةَ التِّجَارَةِ قَدْ تَكُونُ صَرِيحًا وَقَدْ تَكُونُ دَلَالَةً، فَالْأَوَّلُ مَا ذَكَرْنَا، وَالثَّانِي مَا تَقَدَّمَ فِي الشَّرْحِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ نِيَّةُ التِّجَارَةِ (قَوْلُهُ لَا مَا وَرِثَهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَلْحَقُ بِالْإِرْثِ مَا دَخَلَهُ مِنْ حُبُوبِ أَرْضِهِ فَنَوَى إمْسَاكَهَا لِلتِّجَارَةِ فَلَا تَجِبُ لَوْ بَاعَهَا بَعْدَ حَوْلٍ. اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ نَاوِيًا) قَالَ فِي النَّهْرِ: يَعْنِي نَوَى وَقْتَ الْبَيْعِ مَثَلًا أَنْ يَكُونَ بَدَلَهُ لِلتِّجَارَةِ وَلَا تَكْفِيهِ النِّيَّةُ السَّابِقَةُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْبَحْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَتَجِبُ الزَّكَاةُ) أَيْ إذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْبَدَلِ ط. (قَوْلُهُ نَوَاهُ أَوْ لَا) أَيْ نَوَى السَّوْمَ أَوْ لَا لِأَنَّهَا كَانَتْ سَائِمَةً فَبَقِيَتْ عَلَى مَا كَانَتْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ خَانِيَةٌ (قَوْلُهُ: وَمَا مَلَكَهُ بِصُنْعِهِ إلَخْ) أَيْ مَا كَانَ مُتَوَقِّفًا عَلَى قَبُولِهِ، وَلَيْسَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ كَهَذِهِ الْعُقُودِ إذَا نَوَى عِنْدَ الْعَقْدِ كَوْنَهُ لِلتِّجَارَةِ لَا يَصِيرُ لَهَا عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَالْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ بِمُبَادَلَةٍ أَصْلًا، وَالْمَهْرُ وَبَدَلُ الْخُلْعِ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ نِيَّةَ التِّجَارَةِ فِيمَا يَشْتَرِيهِ تَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِيمَا يَرِثُهُ لَا بِالْإِجْمَاعِ، وَفِيمَا يَمْلِكُهُ بِقَبُولِ عَقْدٍ مِمَّا ذَكَرَ خِلَافٌ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ خُلْعٍ) أَيْ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ مَثَلًا فَنَوَتْ كَوْنَهُ لِلتِّجَارَةِ أَوْ خَالَعَتْهُ عَلَيْهِ فَنَوَى كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَوْ صُلْحٍ عَنْ قَوَدٍ) أَيْ إذَا نَوَى عِنْدَ عَقْدِ الصُّلْحِ التِّجَارَةَ بِالْبَدَلِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ كَانَ عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ فَقَتَلَهُ عَبْدٌ عَمْدًا فَصُولِحَ مِنْ الْقِصَاصِ عَلَى الْقَاتِلِ لَمْ يَكُنْ الْقَاتِلُ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْقِصَاصِ لَا عَنْ الْمَقْتُولِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَانَ الْمَدْفُوعُ لِلتِّجَارَةِ) أَيْ بِلَا نِيَّةٍ ح وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْمَقْتُولِ، وَقَدْ كَانَ الْمَقْتُولُ لِلتِّجَارَةِ فَكَذَا بَدَلُهُ فَكَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ لَوْ اخْتَارَ سَيِّدُ الْجَانِي الْفِدَاءَ بِعَرَضٍ لِمَا قُلْنَا، وَلَا يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي عَنْ الْأَشْبَاهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهَا) لِأَنَّ حُكْمَ الْبَدَلِ حُكْمُ الْأَصْلِ خَانِيَةٌ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى اسْتِبْدَالِ مَالِ التِّجَارَةِ فِي بَابِ زَكَاةِ الْغَنَمِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ أَوْ نِيَّةِ التِّجَارَةِ ح (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهَا) لِأَنَّ التِّجَارَةَ كَسْبُ الْمَالِ بِبَدَلٍ هُوَ مَالٌ، وَالْقَبُولُ اكْتِسَابٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ أَصْلًا فَلَمْ تَكُنْ النِّيَّةُ مُقَارَنَةَ عَمَلِ التِّجَارَةِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَفِي أَوَّلِ الْأَشْبَاهِ) أَتَى بِهِ تَأْيِيدًا لِلْأَصَحِّ ط (قَوْلُهُ وَالْجَوَاهِرُ) كَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ وَأَمْثَالِهَا دُرَرٌ عَنْ الْكَافِي (قَوْلُهُ وَإِنْ سَاوَتْ أَلْفًا) فِي نُسْخَةٍ أُلُوفًا (قَوْلُهُ مَا عَدَا الْحَجَرَيْنِ) هَذَا عُلِمَ بِالْغَلَبَةِ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ط وَقَوْلُهُ: وَالسَّوَائِمَ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْحَجَرَيْنِ وَمَا عَدَا مَا ذَكَرَ كَالْجَوَاهِرِ وَالْعَقَارَاتِ وَالْمَوَاشِي الْعَلُوفَةِ وَالْعَبِيدِ وَالثِّيَابِ وَالْأَمْتِعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْعُرُوضِ (قَوْلُهُ: الْمُؤَدِّي إلَى الثِّنَى) هَذَا وَصْفٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ: أَيْ لَا زَكَاةَ فِيمَا نَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ مِنْ نَحْوِ أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ أَوْ خَرَاجِيَّةٍ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَكْرَارِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الْعُشْرَ أَوْ الْخَرَاجَ زَكَاةٌ أَيْضًا وَالثِّنَى بِكَسْرِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ النُّونِ فِي آخِرِهِ أَلْفٌ مَقْصُورَةٌ: وَهُوَ أَخْذُ الصَّدَقَةِ مَرَّتَيْنِ فِي عَامٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَمِنْهُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ثِنَى فِي الصَّدَقَةِ» (قَوْلُهُ وَشَرْطِ مُقَارَنَتِهَا) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى شَرْطِ الْأَوَّلِ، وَمِنْ الْمُقَارَنَةِ مَا وَرِثَهُ نَاوِيًا لَهَا ثُمَّ تَصَرَّفَ فِيهِ نَاوِيًا أَيْضًا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ النِّيَّةُ الْمُقَارِنَةُ لِلتَّصَرُّفِ بِالْبَيْعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 وَهُوَ كَسْبُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِعَقْدِ شِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ اسْتِقْرَاضٍ. وَلَوْ نَوَى التِّجَارَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ اشْتَرَى شَيْئًا لِلْقِنْيَةِ نَاوِيًا أَنَّهُ إنْ وَجَدَ رِبْحًا بَاعَهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ نَوَى التِّجَارَةَ فِيمَا خَرَجَ مِنْ أَرْضِهِ كَمَا مَرَّ؛ وَكَمَا لَوْ شَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً نَاوِيًا التِّجَارَةَ أَوْ عُشْرِيَّةً وَزَرَعَهَا أَوْ بَذْرًا لِلتِّجَارَةِ وَزَرَعَهُ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ لِقِيَامِ الْمَانِعِ   [رد المحتار] مَثَلًا كَمَا مَرَّ فَيَكُونُ بَدَلُهُ الَّذِي نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ مُقَارِنًا لِعَقْدِ الشِّرَاءِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: أَوْ إجَارَةٍ) كَأَنْ أَجَّرَ دَارِهِ بِعُرُوضٍ نَاوِيًا بِهَا التِّجَارَةَ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ لِلتِّجَارَةِ يَصِيرُ بَدَلُهَا لِلتِّجَارَةِ بِلَا نِيَّةٍ لِوُجُودِ التِّجَارَةِ دَلَالَةً كَمَا مَرَّ، وَفِيهِ خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: أَوْ اسْتِقْرَاضٍ) لِأَنَّ الْقَرْضَ يَنْقَلِبُ مُعَاوَضَةَ الْمَالِ بِالْمَالِ فِي الْعَاقِبَةِ، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْجَامِعِ أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا فَاسْتَقْرَضَ مِنْ رَجُلٍ قَبْلَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ خَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ، وَلَمْ يَسْتَهْلِكْ الْأَقْفِزَةَ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَيَصْرِفُ الدَّيْنَ إلَى مَالِ الزَّكَاةِ دُونَ الْجِنْسِ الَّذِي لَيْسَ بِمَالِ الزَّكَاةِ، فَقَوْلُهُ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ دَلِيلُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَقْرَضَ لِلتِّجَارَةِ يَصِيرُ لَهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا وَإِنْ نَوَى لِأَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ وَهُوَ تَبَرُّعٌ لَا تِجَارَةٌ بَدَائِعُ. وَعَلَى الْأَوَّلِ مَشَى فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ وَتَبِعَهُمْ الشَّارِحُ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْأَصَحَّ الثَّانِيَ، وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ الْمُقْرِضِ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ، وَفَائِدَتُهُ أَنَّهَا إذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ عَادَتْ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ لِلتِّجَارَةِ فَرُدَّتْ عَلَيْهِ عَادَتْ لِلتِّجَارَةِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّانِيَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الْمُسْتَقْرِضَ لَا يَمْلِكُ مَا اسْتَقْرَضَهُ إلَّا بِالتَّصَرُّفِ. وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ، حَتَّى لَوْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ فَبَاعَهُ مِنْ الْمُقْرِضِ يَصِحُّ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ يَصِحُّ اتِّفَاقًا كَمَا سَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى، وَعَلَى قَوْلِهِمَا فَالْوَجْهُ لِلْأَوَّلِ تَأَمَّلْ. لَا يُقَالُ: يُشْكِلُ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ صَارَ مَدْيُونًا بِنَظِيرِ مَا اسْتَقْرَضَهُ، وَالْمَدْيُونُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ دَيْنِهِ فَمَا فَائِدَةُ صِحَّةِ نِيَّةِ التِّجَارَةِ فِيهِ؟ لِأَنَّا نَقُولُ: فَائِدَتُهَا ضَمُّ قِيمَتِهِ إلَى النِّصَابِ الَّذِي مَعَهُ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ قِيمَةَ عُرُوضِ التِّجَارَةِ تُضَمُّ إلَى النَّقْدَيْنِ، فَإِذَا كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَقَطْ وَاسْتَقْرَضَ خَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ لِلتِّجَارَةِ قِيمَتُهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ مَثَلًا كَانَ مَدْيُونًا بِقَدْرِهَا وَبَقِيَ لَهُ نِصَابٌ تَامٌّ فَيُزَكِّيهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ أَصْلًا لِأَنَّ الدَّيْنَ يُصْرَفُ إلَى مَالِ الزَّكَاةِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ فَيَنْقُصُ نِصَابُ الدَّرَاهِمِ الَّذِي مَعَهُ فَلَا يُزَكِّيهِ وَلَا يُزَكِّي الْأَقْفِزَةَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَوَى إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: وَشَرْطُ مُقَارَنَتِهَا لِعَقْدِ التِّجَارَةِ ح (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ نَوَى إلَخْ) خَرَجَ بِاشْتِرَاطِ عَقْدِ التِّجَارَةِ، وَهَذَا مُلْحَقٌ بِالْمِيرَاثِ كَمَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ بِاجْتِمَاعِ الْحَقَّيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) قُبَيْلَ قَوْلِهِ: وَشَرْطُ صِحَّةِ أَدَائِهَا ح (قَوْلُهُ وَكَمَا لَوْ شَرَى إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْمَانِعِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَزَرَعَهَا) قَيْدٌ لِلْعُشْرِيَّةِ لِتَعَلُّقِ الْعُشْرِ بِالْخَارِجِ، بِخِلَافِ الْخَرَاجِ إلَّا إذَا كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ لَا مُوَظَّفًا. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَزْرَعْهَا تَجِبُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ فِيهَا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْعُشْرِ فَلَمْ يُوجَدْ الْمَانِعُ، أَمَّا الْخَرَاجِيَّةُ فَالْمَانِعُ مَوْجُودٌ، وَهُوَ الثِّنَى، وَإِنْ عَطِلَتْ (قَوْلُهُ لِقِيَامِ الْمَانِعِ) وَهُوَ الثِّنَى. وَمُفَادُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ زَرَعَ الْبَذْرَ فِي أَرْضِهِ الْمَمْلُوكَةِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ فِي بَابِ زَكَاةِ الْمَالِ: لَوْ اشْتَرَى بَذْرًا لِلتِّجَارَةِ وَزَرَعَهُ فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَإِنَّمَا فِيهِ الْعُشْرُ لِأَنَّ بَذْرَهُ فِي الْأَرْضِ أَبْطَلَ كَوْنَهُ لِلتِّجَارَةِ فَكَانَ ذَلِكَ كَنِيَّةِ الْخِدْمَةِ فِي عَبْدِ التِّجَارَةِ بَلْ أَوْلَى، وَلَوْ لَمْ يَزْرَعْهُ تَجِبُ اهـ فَإِنَّ مُفَادَهُ سُقُوطُ الزَّكَاةِ عَنْ الْبَذْرِ بِالزِّرَاعَةِ مُطْلَقًا أَفَادَهُ ط. [تَنْبِيهٌ] مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةُ لِلتِّجَارَةِ، وَإِنَّمَا فِيهَا الْعُشْرُ أَوْ الْخَرَاجُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 بَابُ السَّائِمَةِ (هِيَ) الرَّاعِيَةُ، وَشَرْعًا (الْمُكْتَفِيَةُ بِالرَّعْيِ) الْمُبَاحِ، ذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ (فِي أَكْثَرِ الْعَامِ لِقَصْدِ الدُّرِّ وَالنَّسْلِ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَزَادَ فِي الْمُحِيطِ (وَالزِّيَادَةِ وَالسِّمَنِ) لِيَعُمَّ الذُّكُورَ فَقَطْ ، لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ لَوْ أَسَامَهَا لِلَّحْمِ فَلَا زَكَاةَ   [رد المحتار] لِلْمَانِعِ الْمَذْكُورِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: هُوَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ أَصْحَابِنَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ أَيْضًا لِأَنَّ زَكَاةَ التِّجَارَةِ تَجِبُ فِي الْأَرْضِ وَالْعُشْرُ يَجِبُ فِي الْخَارِجِ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ، فَلَا يَجْتَمِعُ الْحَقَّانِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ. وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَيْهَا فَيُقَالُ: عُشْرُ الْأَرْضِ وَخَرَاجُهَا وَزَكَاتُهَا وَالْكُلُّ حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى وَحُقُوقُهُ - تَعَالَى - الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَمْوَالِ النَّامِيَةِ لَا يَجِبُ فِيهَا حَقَّانِ مِنْهَا بِسَبَبِ مَالٍ وَاحِدٍ كَزَكَاةِ السَّائِمَةِ مَعَ التِّجَارَةِ اهـ فَافْهَمْ. [بَابُ السَّائِمَةِ] ِ بِالْإِضَافَةِ أَوْ بِالتَّنْوِينِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، فَهُوَ لِبَيَانِ حَقِيقَتِهَا وَمَا بَعْدَهُ لِبَيَانِ حُكْمِهَا، وَلِذَا لَمْ يُقَدِّرْ مُضَافًا أَيْ صَدَقَةُ السَّائِمَةِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَبَدَأَ مُحَمَّدٌ فِي تَفْصِيلِ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ بِالسَّوَائِمِ اقْتِدَاءً بِكُتُبِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَكَانَتْ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا إلَى الْعَرَبِ، وَكَانَ جُلُّ أَمْوَالِهِمْ السَّوَائِمَ، وَالْإِبِلُ أَنْفَسُهَا عِنْدَهُمْ فَبَدَأَ بِهَا (قَوْلُهُ هِيَ الرَّاعِيَةُ) أَيْ لُغَةً، يُقَالُ: سَامَتْ الْمَاشِيَةُ: رَعَتْ، وَأَسَامَهَا رَبُّهَا إسَامَةً كَذَا فِي الْمُغْرِبِ؛ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَسِمُ الْأَرْضَ أَيْ تُعَلِّمُهَا، وَمِنْهُ {شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل: 10] وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ: السَّائِمَةُ الْمَالُ الرَّاعِي نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا الْمُكْتَفِيَةُ بِالرَّعْيِ إلَخْ) أَطْلَقَهَا فَشَمِلَ الْمُتَوَلِّدَةَ مِنْ أَهْلِيٍّ وَوَحْشِيٍّ، لَكِنْ بَعْدَ كَوْنِ الْأُمِّ أَهْلِيَّةً كَالْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ شَاةٍ وَظَبْيٍ وَبَقَرٍ وَحْشِيٍّ وَأَهْلِيٍّ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ بِهَا وَيَكْمُلُ بِهَا النِّصَابُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ بِالرَّعْيِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ مَصْدَرٌ وَبِكَسْرِهَا الْكَلَأُ نَفْسُهُ وَالْمُنَاسِبُ الْأَوَّلُ؛ إذْ لَوْ حُمِلَ الْكَلَأُ إلَيْهَا فِي الْبَيْتِ لَا تَكُونُ سَائِمَةً بَحْرٌ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَقُولُ الْكَسْرُ هُوَ الْمُتَدَاوَلُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ تَكُونَ سَائِمَةً لَوْ حَمَلَهُ إلَيْهَا إلَّا لَوْ أَطْلَقَ الْكَلَأَ عَلَى الْمُنْفَصِلِ. وَلِقَائِلٍ مَنْعُهُ، بَلْ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُغْرِبِ الْكَلَأُ هُوَ كُلُّ مَا رَعَتْهُ الدَّوَابُّ مِنْ الرُّطَبِ، وَالْيَابِسُ يُفِيدُ اخْتِصَاصَهُ بِالْقَائِمِ فِي مَعْدِنِهِ، وَلَمْ تَكُنْ بِهِ سَائِمَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْحَوْزِ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ فِي الْقَامُوسِ: الْكَلَأُ كَجَبَلِ الْعُشْبِ رُطَبُهُ وَيَابِسُهُ فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَرْعَى (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ) أَيْ ذَكَرَ التَّقْيِيدَ بِالْمُبَاحِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ: وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّ الْكَلَأَ يَشْمَلُ غَيْرَ الْمُبَاحِ وَلَا تَكُونُ سَائِمَةً بِهِ لَكِنْ قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: وَفِيهِ نَظَرٌ. قُلْت: لَعَلَّ وَجْهَهُ مَنْعُ شُمُولِهِ لِغَيْرِ الْمُبَاحِ، لِحَدِيثِ أَحْمَدَ «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ، وَالْكَلَأِ، وَالنَّارِ» فَهُوَ مُبَاحٌ وَلَوْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي فَصْلِ الشُّرْبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) أَيْ ذَكَرَ قَوْلَهُ لِقَصْدِ الدُّرِّ وَالنَّسْلِ تَبَعًا لِصَاحِبِ النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ: وَالسِّمَنِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ ط (قَوْلُهُ لِيَعُمَّ الذُّكُورَ) لِأَنَّ الدُّرَّ وَالنَّسْلَ لَا يَظْهَرُ فِيهَا ط (قَوْلُهُ فَقَطْ) أَيْ الذُّكُورَ الْمَحْضَةَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَعُمُّ الذُّكُورَ وَلَا يَعُمُّ غَيْرَهَا. اهـ. ح. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِلذُّكُورِ لَا لِيَعُمَّ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 فِيهَا كَمَا لَوْ أَسَامَهَا لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ وَلَوْ لِلتِّجَارَةِ فَفِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ وَلَعَلَّهُمْ تَرَكُوا ذَلِكَ لِتَصْرِيحِهِمْ بِالْحُكْمَيْنِ (فَلَوْ عَلَفَهَا نِصْفَهُ لَا تَكُونُ سَائِمَةً) فَلَا زَكَاةَ فِيهَا لِلشَّكِّ فِي الْمُوجِبِ (وَيَبْطُلُ حَوْلُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ بِجَعْلِهَا لِلسَّوْمِ) لِأَنَّ زَكَاةَ السَّوَائِمِ وَزَكَاةَ التِّجَارَةِ مُخْتَلِفَانِ قَدْرًا وَسَبَبًا، فَلَا يُبْنَى حَوْلُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (فَلَوْ اشْتَرَى لَهَا) أَيْ لِلتِّجَارَةِ   [رد المحتار] مِنْ اعْتِبَارِ السِّمَنِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مُرَادَ الْمُحِيطِ أَنَّ السِّمَنَ لَا لِأَجْلِ اللَّحْمِ بَلْ لِغَرَضٍ آخَرَ مِثْلِ أَنْ لَا تَمُوتَ فِي الشِّتَاءِ مِنْ الْبَرْدِ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ كَلَامَيْ الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ. اهـ. ح أَوْ يُحْمَلُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ أَوْ الْمَشَايِخِ ط وَبِهِ جَزَمَ الرَّحْمَتِيُّ. أَقُولُ: عِبَارَةُ الْبَدَائِعِ هَكَذَا: نِصَابُ السَّائِمَةِ لَهُ صِفَاتٌ: مِنْهَا كَوْنُهُ مُعَدًّا لِلْإِسَامَةِ لِلدُّرِّ وَالنَّسْلِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَالَ الزَّكَاةِ هُوَ الْمَالُ النَّامِي، وَالْمَالُ النَّامِي فِي الْحَيَوَانِ بِالْإِسَامَةِ؛ إذْ بِهِ يَحْصُلُ النَّسْلُ فَيَزْدَادُ الْمَالُ، فَإِنْ أُسِيمَتْ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ أَوْ اللَّحْمِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا. اهـ. فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ الزَّكَاةَ مَنُوطَةٌ بِالْإِسَامَةِ لِأَجْلِ النُّمُوِّ أَيْ الزِّيَادَةِ فَيَشْمَلُ الْإِسَامَةَ لِأَجْلِ السِّمَنِ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِيهَا، ثُمَّ تَفْرِيعُهُ عَلَى ذَلِكَ بِإِخْرَاجِ مَا إذَا أُسِيمَتْ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ أَوْ اللَّحْمِ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِاللَّحْمِ السِّمَنَ، وَإِلَّا كَانَ كَلَامًا مُتَنَاقِضًا لِأَنَّ اللَّحْمَ زِيَادَةٌ، وَلَا يَتَوَهَّمُ أَحَدٌ أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةٍ أُخْرَى لِأَنَّهُ فِي صَدَدِ كَلَامٍ وَاحِدٍ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّحْمِ الْأَكْلُ أَيْ إذَا أَسَامَهَا لِأَجْلِ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَهَا هُوَ وَأَضْيَافُهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَسَامَهَا لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ؛ إذْ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الْإِسَامَةِ لِلزِّيَادَةِ وَالنُّمُوِّ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمِعْرَاجِ مَا نَصَّهُ: لَهُ غَنَمٌ لِلتِّجَارَةِ نَوَى أَنْ تَكُونَ لِلَّحْمِ فَذَبَحَ كُلَّ يَوْمٍ شَاةً أَوْ سَائِمَةً نَوَاهَا لِلْحُمُولَةِ فَهِيَ لِلَّحْمِ وَالْحُمُولَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اهـ وَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ أَسَامَهَا لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ) لِأَنَّهَا تَصِيرُ كَثِيَابِ الْبَدَنِ وَعَبِيدِ الْخِدْمَةِ (قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُمْ تَرَكُوا ذَلِكَ) أَيْ تَرَكَ أَصْحَابُ الْمُتُونِ مِنْ تَعْرِيفِ السَّائِمَةِ مَا زَادَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ وَالْمُحِيطِ لِتَصْرِيحِهِمْ أَيْ تَصْرِيحِ التَّارِكِينَ لِذَلِكَ بِالْحُكْمَيْنِ: أَيْ بِحُكْمِ مَا نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ مِنْ الْعُرُوضِ الشَّامِلَةِ لِلْحَيَوَانَاتِ وَبِحُكْمِ الْمُسَامَةِ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ، وَهُوَ وُجُوبُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ فِي الْأَوَّلِ، وَعَدَمُهُ فِي الثَّانِي، فَلَا يَرِدُ عَلَى تَعْرِيفِهِمْ بِأَنَّهَا الْمُكْتَفِيَةُ بِالرَّعْيِ فِي أَكْثَرِ الْعَامِ أَنَّهُ تَعْرِيفٌ بِالْأَعَمِّ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَيْدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْمُحِيطِ مَلْحُوظَانِ فِي التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ بِقَرِينَةِ التَّصْرِيحِ الْمَزْبُورِ، فَلَا يَكُونُ تَعْرِيفًا بِالْأَعَمِّ، عَلَى أَنَّ التَّعْرِيفَ بِالْأَعَمِّ إنَّمَا لَا يَصِحُّ عَلَى رَأْيِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْمِيزَانِ، وَإِلَّا فَالْمُتَقَدِّمُونَ وَأَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى جَوَازِهِ، وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ النَّهْرِ: إنَّ هَذَا غَيْرُ دَافِعٍ؛ إذْ التَّعْرِيفُ بِالْأَعَمِّ لَا يَصِحُّ وَلَا يَنْفَعُ فِيهِ ذِكْرُ الْحُكْمَيْنِ بَعْدَهُ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِلشَّكِّ فِي الْمُوجِبِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهُوَ كَوْنُهَا سَائِمَةً، فَإِنَّهُ شَرْطٌ لِكَوْنِهَا سَبَبًا لِلْوُجُوبِ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: الْعَلَفُ الْيَسِيرُ لَا يَزُولُ بِهِ اسْمُ السَّوْمِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْحُكْمِ، وَإِذَا كَانَ مُقَابِلُهُ كَثِيرًا بِالنِّسْبَةِ كَانَ هُوَ يَسِيرًا، وَالنِّصْفُ لَيْسَ بِالنِّسْبَةِ إلَى النِّصْفِ كَثِيرًا وَلِأَنَّهُ يَقَعُ الشَّكُّ فِي ثُبُوتِ سَبَبِ الْإِيجَابِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: مُخْتَلِفَانِ قَدْرًا وَسَبَبًا) لِأَنَّ الْقَدْرَ فِي التِّجَارَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ، وَفِي السَّوَائِمِ مَا يَأْتِي بَيَانُهُ وَالسَّبَبُ فِيهِمَا هُوَ الْمَالُ النَّامِي، لَكِنْ بِشَرْطِ نِيَّةِ التِّجَارَةِ فِي الْأَوَّلِ وَنِيَّةِ الْإِسَامَةِ لِلدُّرِّ وَالنَّسْلِ فِي الثَّانِي، فَالِاخْتِلَافُ فِي الْحَقِيقَةِ فِي الْقَدْرِ وَالشَّرْطِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ السَّبَبِيَّةُ لَا تَتِمُّ إلَّا بِشَرْطِهَا جَعَلَهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي السَّبَبِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلَوْ اشْتَرَى) تَفْرِيعٌ عَلَى الْبَطَلَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 (ثُمَّ جَعَلَهَا سَائِمَةً اُعْتُبِرَ) أَوَّلُ (الْحَوْلِ مِنْ وَقْتِ الْجَعْلِ) لِلسَّوْمِ؛ كَمَا لَوْ بَاعَ السَّائِمَةَ فِي وَسْطِ الْحَوْلِ أَوْ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ بِجِنْسِهَا أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهَا أَوْ بِنَقْدٍ وَلَا نَقْدَ عِنْدَهُ أَوْ بِعُرُوضٍ وَنَوَى بِهَا التِّجَارَةَ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ حَوْلًا آخَرَ جَوْهَرَةٌ؛ وَفِيهَا لَيْسَ فِي سَوَائِمِ الْوَقْفِ وَالْخَيْلِ الْمُسَبَّلَةِ زَكَاةٌ لِعَدَمِ الْمَالِكِ وَلَا فِي الْمَوَاشِي الْعُمْيِ، وَلَا مَقْطُوعَةِ الْقَوَائِمِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ سَائِمَةً . بَابٌ نِصَابُ الْإِبِلِ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَتُسَكَّنُ مُؤَنَّثَةٌ لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا، وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا إبَلِيٌّ بِفَتْحِ الْبَاءِ، سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهَا تَبُولُ عَلَى أَفْخَاذِهَا (خَمْسٌ، فَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ خَمْسٍ) مِنْهَا (إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بُخُتٍ) جَمْعُ بُخْتِيٍّ: وَهُوَ مَا لَهُ سَنَامَانِ، مَنْسُوبٌ   [رد المحتار] قَوْلُهُ كَمَا لَوْ بَاعَ السَّائِمَةَ) قَيَّدَ بِهَا لِأَنَّ عُرُوضَ التِّجَارَةِ إذَا اُسْتُبْدِلَتْ لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ. قُلْت: وَمِثْلُ الْعُرُوضِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَلَا زَكَاةَ عَلَى الصَّيْرَفِيِّ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ فِي وَسْطِ الْحَوْلِ) بِسُكُونِ السِّينِ وَهُوَ أَفْيَدُ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِجُزْءٍ مُبْهَمٍ بَيْنَ طَرَفَيْ الشَّيْءِ، بِخِلَافِ مُحَرَّكِهَا فَإِنَّهُ اسْمٌ لِجُزْءٍ تَسَاوَى بُعْدُهُ عَنْ طَرَفَيْ الشَّيْءِ فَيَكُونُ جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْ الْحَوْلِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ اهـ ح (قَوْلُهُ أَوْ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْحَوْلِ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ قَبْلَ انْتِهَائِهِ بِيَوْمٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الزَّمَانِ وَلَوْ سَاعَةً، وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِأَوْ كَمَا فِي الْحَدِيثِ «وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا» وَفَائِدَتُهُ مَعَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْوَسَطِ التَّنْبِيهُ عَلَى بُطْلَانِ الْحَوْلِ بِالْبَيْعِ، وَإِنْ مَضَى مُعْظَمُهُ، وَدَفْعُ تَوَهُّمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَسَطِ الْجُزْءُ الْمُعَيَّنُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَلَا نَقْدَ عِنْدَهُ) أَمَّا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ نَقْدٌ نِصَابًا فَإِنَّهُ يُضَمُّ إلَيْهِ وَيُزَكِّيهِ مَعَهُ بِلَا اسْتِقْبَالِ حَوْلٍ؛ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَا نِصَابَ عِنْدَهُ لِيَشْمَلَ مَا إذَا بَاعَهَا بِجِنْسِهَا أَوْ بِغَيْرِهِ؛ فَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَلَوْ بَاعَ الْمَاشِيَةَ قَبْلَ الْحَوْلِ بِدَرَاهِمَ أَوْ بِمَاشِيَةٍ ضَمَّ الثَّمَنَ إلَى جِنْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ: أَيْ يَضُمُّ الدَّرَاهِمَ إلَى الدَّرَاهِمِ وَالْمَاشِيَةَ إلَى الْمَاشِيَةِ (قَوْلُهُ الْمُسَبَّلَةِ) أَيْ الْمَجْعُولَةِ لِيُغَازَى عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِوَقْفٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَهَذَا التَّفْصِيلُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي الْخَيْلِ مُطْلَقًا ط بِزِيَادَةٍ (قَوْلُهُ وَلَا فِي الْمَوَاشِي الْعُمْيِ) نَقَلَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي الْعَمَى رِوَايَتَيْنِ. وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ، كَمَا لَوْ كَانَ فِيهَا عَمًى نَهْرٌ وَجَزَمَ فِي الْبَحْرِ فِي الْبَابِ الْآتِي بِالْوُجُوبِ فِيهَا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ تَحَقَّقَ فِيهَا السَّوْمُ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابٌ نِصَابُ الْإِبِلِ] . بَابٌ بِالتَّنْوِينِ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَنِصَابٌ مُبْتَدَأٌ وَخُمُسٌ خَبَرُهُ، وَاَلَّذِي فِي الْمِنَحِ نِصَابُ الْإِبِلِ بِغَيْرِ بَابٍ ط (قَوْلُهُ نِصَابُ الْإِبِلِ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ وَلَوْ أَبُوهُ وَحْشِيًّا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ الْأُمُّ أَهْلِيَّةً، وَشَمِلَ الصِّغَارَ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَكُونَ كُلُّهَا كَذَلِكَ لِمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ. فَالصِّغَارُ تَبَعٌ لِلْكِبَارِ، وَشَمِلَ الْأَعْمَى وَالْمَرِيضَ وَالْأَعْرَجَ لَكِنْ لَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ، وَشَمِلَ السِّمَانَ وَالْعِجَافَ لَكِنْ تَجِبُ شَاةٌ بِقَدْرِ الْعِجَافِ وَبَيَانُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ مُؤَنَّثَةٌ) قَالَ فِي ذَيْلِ الْمُغْرِبِ: كُلُّ جَمْعٍ مُؤَنَّثٌ إلَّا مَا صَحَّ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ فِيمَنْ يُعْلَمُ، تَقُولُ: جَاءَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَجَاءَتْ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَأَسْمَاءُ الْجُمُوعِ مُؤَنَّثَةٌ نَحْوَ الْإِبِلِ وَالذَّوْدِ وَالْخَيْلِ وَالْغَنَمِ وَالْوَحْشِ وَالْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَكَذَا كُلُّ مَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ بِالتَّاءِ أَوْ يَاءِ النَّسَبِ كَتَمْرٍ وَنَخْلٍ وَرُومِيٍّ وَرُومٍ وَبُخْتِيٍّ وَبُخُتٍ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِفَتْحِ الْبَاءِ) كَقَوْلِهِمْ فِي النِّسْبَةِ إلَى سَلِمَةَ: أَيْ بِكَسْرِ اللَّامِ سَلْمَى بِالْفَتْحِ لِتَوَالِي الْكَسَرَاتِ مَعَ الْيَاءِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَبُولُ عَلَى أَفْخَاذِهَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ بَيْنَهُمَا اشْتِقَاقًا أَكْبَرَ، وَهُوَ اشْتِرَاكُ الْكَلِمَتَيْنِ فِي أَكْثَرِ الْحُرُوفِ مَعَ التَّنَاسُبِ فِي الْمَعْنَى كَمَا هُنَا، فَإِنَّ الْإِبِلَ مَهْمُوزٌ وَبَالَ أَجْوَفُ ح (قَوْلُهُ بُخُتٍ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَالْأَوْلَى نَصْبُهُ عَلَى التَّمْيِيزِ ط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 إلَى بُخْتَنَصَّرَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْعَرَبِيِّ وَالْعَجَمِيِّ فَوُلِدَ مِنْهُمَا وَلَدٌ فَسُمِّيَ بُخْتِيًّا (أَوْ عِرَابِ شَاةٍ) وَمَا بَيْنَ النِّصَابَيْنِ عَفْوٌ (وَفِيهَا) أَيْ الْخَمْسِ وَعِشْرِينَ (بِنْتُ مَخَاضٍ وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي) السَّنَةِ (الثَّانِيَةِ) سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّ أُمَّهَا غَالِبًا تَكُونُ مَخَاضًا أَيْ حَامِلًا بِأُخْرَى (وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ) إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ (بِنْتُ لَبُونٍ وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ) لِأَنَّ أُمَّهَا تَكُونُ ذَاتَ لَبَنِ الْأُخْرَى غَالِبًا (وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ) إلَى السِّتِّينَ (حِقَّةٌ) بِالْكَسْرِ (وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الرَّابِعَةِ) وَحَقَّ رُكُوبُهَا (وَفِي إحْدَى وَسِتِّينَ) إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ (جَذَعَةٌ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الْخَامِسَةِ) لِأَنَّهَا تَجْذَعُ: أَيْ تَقْلَعُ أَسْنَانَ اللَّبَنِ (وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ) إلَى تِسْعِينَ (بِنْتَا لَبُونٍ، وَفِي إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ) كَذَا كُتُبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ) عِنْدَنَا (فَيُؤْخَذُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ) مَعَ الْحِقَّتَيْنِ   [رد المحتار] وَهُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ بُخْتَنَصَّرَ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَالنُّونِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ فِي آخِرِهِ رَاءٌ: عَلَمٌ مُرَكَّبٌ تَرْكِيبَ مَزْجٍ عَلَى مَلِكٍ ح. وَفِي الْقَامُوسِ: بُخْتَنَصَّرَ بِالتَّشْدِيدِ، أَصْلُهُ بُوخْتُ وَمَعْنَاهُ ابْنٌ وَنَصَّرَ كَبَقَّمَ صَنَمٌ؛ وَكَانَ وُجِدَ عِنْدَ الصَّنَمِ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ أَبٌ فَنُسِبَ إلَيْهِ، خَرَّبَ الْقُدْسَ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ عِرَابٍ) جَمْعُ عَرَبِيٍّ لِلْبَهَائِمِ وَلِلْأَنَاسِيِّ عَرَبٌ، فَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي الْجَمْعِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: شَاةٌ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أَثْنَى بَحْرٌ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ: لَا يَجُوزُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الثَّنِيّ مِنْ الْغَنَمِ فَصَاعِدًا، وَهُوَ مَا أَتَى عَلَيْهِ حَوْلٌ. وَلَا يُؤْخَذُ الْجَذَعُ: وَهُوَ الَّذِي أَتَى عَلَيْهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَإِنْ كَانَ يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ عَفْوٌ) مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ: أَيْ عَفَا الشَّارِعُ عَنْهُ فَلَمْ يُوجِبْ فِيهِ شَيْئًا ط (قَوْلُهُ: بِنْتُ مَخَاضٍ) قَيَّدَ بِهَا لِأَنَّهَا لَا يَجُوزُ دَفْعُ الذُّكُورِ فِيهَا إلَّا بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ كَمَا يَأْتِي؛ وَالْوَاجِبُ فِي الْمَأْخُوذِ الْوَسَطُ كَمَا سَيَجِيءُ فِي بَابِ الْغَنَمِ (قَوْلُهُ سُمِّيَتْ بِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: مَخَضَتْ الْحَامِلُ مَخْضًا وَمَخَاضًا أَخَذَهَا وَجَعُ الْوِلَادَةِ، وَمِنْهُ - {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: 23]- وَالْمَخَاضُ أَيْضًا النُّوقُ الْحَوَامِلُ الْوَاحِدَةُ خَلِفَةٌ، وَيُقَالُ لِوَلَدِهَا إذَا اسْتَكْمَلَ سَنَةً وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ ابْنُ مَخَاضٍ لِأَنَّ أُمَّهُ لَحِقَتْ بِالْمَخَاضِ مِنْ النُّوقِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْقَامُوسِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ غَالِبًا) لِأَنَّهَا قَدْ لَا تَحْمِلُ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِبِنْتِ مَخَاضٍ وَكَذَا بِنْتُ لَبُونٍ السِّنُّ لَا أَنْ تَكُونَ مَخَاضًا أَوْ لَبُونًا فَهُوَ مُخْرَجٌ مَخْرَجَ الْعَادَةِ لَا مَخْرَجَ الشَّرْطِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ فِي فَصْلِ مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ، وَهَذَا مَعَ مَا مَرَّ عَنْ الْمُغْرِبِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا مَعْنًى لُغَوِيٌّ أَيْضًا لَا شَرْعِيٌّ فَقَطْ كَمَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ الْمَذْكُورَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ) أَيْ وَلَوْ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ كَيَوْمٍ فَلَا يُخَالِفُ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ أَنَّهَا الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا سَنَتَانِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: لِأُخْرَى) أَيْ لِبِنْتٍ أُخْرَى ط (قَوْلُهُ وَحَقَّ رُكُوبُهَا) بَيَانٌ لِعِلَّةِ التَّسْمِيَةِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ: كَذَا كُتُبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) كُتُبٌ مُبْتَدَأٌ مُضَافٌ وَكَذَا خَبَرُهُ وَأَبِي بَكْرٍ عَطْفٌ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ ح. وَفِي عَامَّةِ النُّسَخِ إلَى أَبِي بَكْرٍ: أَيْ الْوَاصِلَةِ إلَيْهِ؛ فَفِي الْفَتْحِ عَنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَتَبَ الصَّدَقَةَ، وَلَمْ يُخْرِجْهَا إلَّا عُمَّالُهُ حَتَّى تُوُفِّيَ فَأَخْرَجَهَا أَبُو بَكْرٍ مِنْ بَعْدِهِ فَعَمِلَ بِهَا حَتَّى قُبِضَ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا عُمَرُ فَعَمِلَ بِهَا إلَخْ» قُلْت: وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّارِحُ هَذِهِ الْجُمْلَةَ هُنَا وَلَمْ يُؤَخِّرْهَا إلَى آخِرِ الْكَلَامِ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِيمَا بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ الْآتِي عِنْدَنَا، أَمَّا مَا دُونَهَا فَلَا خِلَافَ فِيهِ، إلَّا مَا وَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ خَمْسُ شِيَاهٍ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ: عِنْدَنَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: إذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ إلَّا مِائَةً وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 (ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَحِقَّتَانِ، ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ، ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ) بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ (فَفِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ) مَعَ الثَّلَاثِ حِقَاقٍ (ثُمَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ) مَعَ الْحِقَاقِ (ثُمَّ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ) مَعَهُنَّ (ثُمَّ فِي مِائَةٍ وَسِتٍّ وَتِسْعِينَ أَرْبَعُ حِقَاقٍ إلَى مِائَتَيْنِ، ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ) بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ (أَبَدًا، كَمَا تُسْتَأْنَفُ فِي الْخَمْسِينَ الَّتِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ) حَتَّى يَجِبَ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ. وَلَا تُجْزِئُ ذُكُورُ الْإِبِلِ إلَّا بِالْقِيمَةِ لِلْإِنَاثِ، بِخِلَافِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، فَإِنَّ الْمَالِكَ مُخَيَّرٌ بَابُ زَكَاةِ الْبَقَرِ مِنْ الْبَقْرِ بِالسُّكُونِ: وَهُوَ الشَّقُّ. سُمِّي بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَشُقُّ الْأَرْضَ كَالثَّوْرِ؛ لِأَنَّهُ يُثِيرُ الْأَرْضَ. وَمُفْرَدُهُ بَقَرَةٌ   [رد المحتار] وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ. وَعَنْ مَالِكٍ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا كَمَذْهَبِنَا، وَالْآخَرُ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ) الْأَصْوَبُ إسْقَاطُ كُلٍّ لِيُوَافِقَ مَا فِي الْمِنَحِ وَالدُّرَرِ وَغَيْرِهِمَا وَلِإِيهَامِهِ أَنَّهُ إنْ تَكَرَّرَ هَذَا الْعَدَدُ مَرَّتَيْنِ تَكَرَّرَ هَذَا الْوَاجِبُ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ تَكَرَّرَ ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُرَادٍ. وَالْأَصْوَبُ أَيْضًا الْعَطْفُ بِالْوَاوِ بَدَلَ ثُمَّ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ اسْتِئْنَافًا آخَرَ بَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الِاسْتِئْنَافِ الَّذِي قَبْلَهُ (قَوْلُهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَحِقَّتَانِ) فَالْحِقَّتَانِ فِي الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ وَبِنْتُ مَخَاضٍ فِي الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ الزَّائِدَةِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ) الْأَصْوَبُ إسْقَاطُ كُلٍّ لِمَا مَرَّ، وَعَطْفُهُ بِثُمَّ لَا بِالْوَاوِ، لِأَنَّ مُقْتَضَى الِاسْتِئْنَافِ فِيمَا بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ أَنْ يَجِبَ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بَعْدَهَا بِنْتُ لَبُونٍ مَعَ الْحِقَّتَيْنِ، لَكِنْ لَيْسَ فِي هَذَا الِاسْتِئْنَافِ بِنْتُ لَبُونٍ بِخِلَافِ الِاسْتِئْنَافَيْنِ اللَّذَيْنِ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ) أَيْ بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ، وَالْأَصْوَبُ أَيْضًا إسْقَاطُ كُلٍّ وَالْعَطْفُ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ بِالْوَاوِ بَدَلَ ثُمَّ لِمَا مَرَّ (قَوْلُهُ أَرْبَعُ حِقَاقٍ) مِنْهَا ثَلَاثٌ وَجَبَتْ فِي الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ وَالرَّابِعَةُ وَجَبَتْ فِي السِّتِّ وَالْأَرْبَعِينَ الزَّائِدَةِ عَلَيْهَا، وَإِلَى هُنَا انْتَهَى حُكْمُ الِاسْتِئْنَافِ الثَّانِي فَلَا تَجِبُ فِيهِ جَذَعَةٌ (قَوْلُهُ إلَى مِائَتَيْنِ) وَهُوَ فِي الْمِائَتَيْنِ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ دَفَعَ أَرْبَعَ حِقَاقٍ مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةً أَوْ خَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتَ لَبُونٍ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْمَبْسُوطِ وَالْخَانِيَّةِ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ كَمَا تُسْتَأْنَفُ فِي الْخَمْسِينَ الَّتِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ) قَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ الِاسْتِئْنَافِ الْأَوَّلِ يَعْنِي الَّذِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ؛ إذْ لَيْسَ فِيهِ إيجَابُ بِنْتِ لَبُونٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَا إيجَابُ أَرْبَعِ حِقَاقِ لِعَدَمِ نِصَابِهِمَا لِأَنَّهُ لَمَّا زَادَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ عَلَى الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ صَارَ كُلُّ النِّصَابِ مِائَةً وَخَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ فَهُوَ نِصَابُ بِنْتِ الْمَخَاضِ مَعَ الْحِقَّتَيْنِ، فَلَمَّا زَادَ عَلَيْهَا خَمْسٌ وَصَارَ مِائَةً وَخَمْسِينَ وَجَبَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ دُرَرٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَجِبَ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ) كَذَا فِي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَالدُّرَرِ، وَالْمُرَادُ فِي كُلِّ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ إلَى الْخَمْسِينَ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي النُّقَايَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَإِذَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ خَمْسُ شِيَاهٍ مَعَ الْأَرْبَعِ حِقَاقٍ أَوْ الْخَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ مَعَهَا، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ مَعَهَا، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعٌ مَعَهَا، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ مَعَهَا إلَى سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، فَبِنْتُ لَبُونٍ مَعَهَا إلَى سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسُ حِقَاقٍ إلَى مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ كَذَلِكَ؛ فَفِي مِائَتَيْنِ وَسِتٍّ وَتِسْعِينَ سِتُّ حِقَاقٍ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ، وَهَكَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ لِلْإِنَاثِ) نَعْتٌ لِلْقِيمَةِ: أَيْ الْقِيمَةِ الْكَائِنَةِ لِلْإِنَاثِ ح (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْمَالِكَ مُخَيَّرٌ) لِعَدَمِ فَضْلِ الْأُنُوثَةِ فِيهِمَا عَلَى الذُّكُورَةِ ط [بَابُ زَكَاةِ الْبَقَرِ] ِ قُدِّمَتْ عَلَى الْغَنَمِ لِقُرْبِهَا مِنْ الْإِبِلِ فِي الضَّخَامَةِ حَتَّى شَمِلَهَا اسْمُ الْبَدَنَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَالثَّوْرِ إلَخْ) هُوَ ذَكَرُ الْبَقَرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 وَالتَّاءُ لِلْوَحْدَةِ. (نِصَابُ الْبَقَرِ وَالْجَامُوسِ) وَلَوْ مُتَوَالِدًا مِنْ وَحْشٍ وَأَهْلِيَّةٍ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ وَوَحْشِيِّ بَقَرٍ وَغَنَمٍ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ فِي النِّصَابِ (ثَلَاثُونَ سَائِمَةً) غَيْرَ مُشْتَرِكَةً (وَفِيهَا تَبِيعُ) لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ (ذُو سَنَةٍ) كَامِلَةٍ (أَوْ تَبِيعَةٌ) أُنْثَاهُ (وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنٌّ ذُو سَنَتَيْنِ أَوْ مُسِنَّةٌ، وَفِيمَا زَادَ) عَلَى الْأَرْبَعِينَ (بِحِسَابِهِ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ. وَعَنْهُ: لَا شَيْءَ فِيمَا زَادَ (إلَى سِتِّينَ فَفِيهَا ضِعْفُ مَا فِي ثَلَاثِينَ) وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَالثَّلَاثَةُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بَحْرٌ عَنْ الْيَنَابِيعِ وَتَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ (ثُمَّ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعُ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ) إلَّا إذَا تَدَاخَلَا كَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَرْبَعِ أَتْبِعَةٍ وَثَلَاثِ مُسِنَّاتٍ، وَهَكَذَا. بَابُ زَكَاةِ الْغَنَمِ   [رد المحتار] قَامُوسٌ: أَيْ كَمَا سُمِّيَ الثَّوْرُ ثَوْرًا لِأَنَّهُ يُثِيرُ الْأَرْضَ: أَيْ يَحْرُثُهَا. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ - {وَأَثَارُوا الأَرْضَ} [الروم: 9]- حَرَثُوهَا وَزَرَعُوهَا، وَسُمِّيَتْ الْبَقَرَةُ الْمُثِيرَةَ لِأَنَّهَا تُثِيرُ الْأَرْضَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالتَّاءُ لِلْوَحْدَةِ) أَيْ لَا لِلتَّأْنِيثِ فَيَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالْجَامُوسِ) هُوَ نَوْعٌ مِنْ الْبَقَرِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، فَهُوَ مِثْلُ الْبَقَرِ فِي الزَّكَاةِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَالرِّبَا، وَيَكْمُلُ بِهِ نِصَابُ الْبَقَرِ، وَتُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْ أَغْلِبْهَا، وَعِنْدَ الِاسْتِوَاءِ يُؤْخَذُ أَعْلَى الْأَدْنَى وَأَدْنَى الْأَعْلَى نَهْرٌ. وَعَلَى هَذَا الْحُكْمِ الْبُخْتُ وَالْعِرَابُ وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ ابْنُ مَلَكٍ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ) أَيْ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ أَهْلِيٍّ وَوَحْشِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْأُمُّ (قَوْلُهُ: وَوَحْشِيٍّ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى عَكْسِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ فِي النِّصَابِ) ؛ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ، بِخِلَافِ الْجِنْسِ كَالْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ وَإِنْ أُلِفَ فِيمَا بَيْنَنَا لَا يَلْحَقُ بِالْأَهْلِيِّ حَتَّى يَبْقَى حَلَالَ الْأَكْلِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: ثَلَاثُونَ) ذُكُورًا كَانَتْ أَوْ إنَاثًا وَكَذَا الْجَوَامِيسُ كَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ إسْمَاعِيلَ (قَوْلُهُ: سَائِمَةٌ) نَعْتٌ لَثَلَاثُونَ فَهُوَ مَرْفُوعٌ وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى التَّمْيِيزِ ح فَلَوْ عَلُوفَةً فَلَا زَكَاةَ فِيهَا إلَّا إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَدَدُ بَلْ الْقِيمَةُ (قَوْلُهُ: غَيْرُ مُشْتَرَكَةٍ) فَلَوْ مُشْتَرَكَةً لَا تُزَكَّى لِنُقْصَانِ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ النِّصَابِ وَإِنْ صَحَّتْ الْخُلْطَةُ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: وَفِيهَا تَبِيعٌ) نَصَّ عَلَى الذَّكَرِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اخْتِصَاصُهُ بِالْأُنْثَى كَمَا فِي الْإِبِلِ (قَوْلُهُ: كَامِلَةٍ) قَيَّدَ بِهِ لِيُوَافِقَ قَوْلَهُ وَغَيْرُهُ طَعَنَ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَمَّتْ السَّنَةُ لَزِمَ طَعْنُهُ فِي الثَّانِيَةِ فَلَا مُخَالَفَةَ أَفَادَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ: مُسِنٌّ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ السِّينِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْأَسْنَانِ: وَهُوَ طُلُوعُ السِّنِّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ لَا الْكِبَرُ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ ابْنِ الْأَثِيرِ ط (قَوْلُهُ: بِحِسَابِهِ) أَيْ لَا يَكُونُ عَفْوًا بَلْ يُحْسَبُ إلَى سِتِّينَ، فَفِي الْوَاحِدَةِ الزَّائِدَةِ رُبُعُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ، وَفِي الثِّنْتَيْنِ نِصْفُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ دُرَرٌ (قَوْلُهُ بَحْرٌ عَنْ الْيَنَابِيعِ) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْإِسْبِيجَابِيِّ وَتَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْيَنَابِيعِ. وَفِي النَّهْرِ وَهِيَ أَعْدَلُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ الْمُخْتَارِ قَوْلُهُمَا، وَفِي الْيَنَابِيعِ والإسبيجابي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ إلَخْ) فَيَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ بِكُلِّ عَشْرَةٍ، فَفِي سَبْعِينَ تَبِيعٌ وَمُسِنَّةٌ، وَفِي ثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ، وَفِي تِسْعِينَ ثَلَاثُ أَتْبِعَةٍ، وَفِي مِائَةٍ تَبِيعَانِ وَمُسِنَّةٌ، فَعَلَى مَا ذَكَرُوهُ مَدَارُ الْحِسَابِ عَلَى الثَّلَاثِينَاتِ وَالْأَرْبَعِينَاتِ ط عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا تَدَاخَلَا) أَيْ التَّبِيعَاتُ وَالْمُسِنَّاتُ بِأَنْ كَانَ الْعَدَدُ يَصِحُّ أَنْ يُعْطَى فِيهِ مِنْ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ ط (قَوْلُهُ: وَهَكَذَا) أَيْ الْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ، فَفِي مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ ثَمَانِيَةُ أَتْبِعَةٍ أَوْ سِتُّ مُسِنَّاتٍ. [بَابُ زَكَاةِ الْغَنَمِ] ِ الْغَنَمُ مُحَرَّكَةٌ: الشَّاءُ لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا الْوَاحِدَةُ شَاةٌ، وَهُوَ اسْمٌ مُؤَنَّثٌ لِلْجِنْسِ يَقَعُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ قَامُوسٌ وَفِيهِ الشَّاةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ الْغَنَمِ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَتَكُونُ مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَالظِّبَاءِ وَالْبَقَرِ وَالنَّعَامِ وَحُمْرِ الْوَحْشِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 مُشْتَقٌّ مِنْ الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا آلَةُ الدِّفَاعِ فَكَانَتْ غَنِيمَةً لِكُلِّ طَالِبٍ (نِصَابُ الْغَنَمِ ضَأْنًا أَوْ مَعْزًا) فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَالرِّبَا لَا فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ وَالْأَيْمَانِ (أَرْبَعُونَ وَفِيهَا شَاةٌ) تَعُمُّ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ (وَفِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاتَانِ، وَفِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي أَرْبَعمِائَةٍ أَرْبَعُ شِيَاهٍ) وَمَا بَيْنَهُمَا عَفْوٌ (ثُمَّ) بَعْدَ بُلُوغِهَا أَرْبَعُمِائَةٍ (فِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ) إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ (وَيُؤْخَذُ فِي زَكَاتِهَا) أَيْ الْغَنَمِ (الثَّنِيُّ) مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ (وَهُوَ مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ لَا الْجَذَعُ إلَّا بِالْقِيمَةِ) وَهُوَ مَا أَتَى أَكْثَرُهَا عَلَى الظَّاهِرِ. وَعَنْهُ جَوَازُ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَالدَّلِيلُ يُرَجِّحُهُ، ذَكَرَهُ الْكَمَالُ. وَالثَّنِيُّ مِنْ الْبَقَرِ ابْنُ سَنَتَيْنِ، وَمِنْ الْإِبِلِ ابْنُ خَمْسٍ وَالْجَذَعُ مِنْ الْبَقَرِ ابْنُ سَنَةٍ   [رد المحتار] وَالْمَرْأَةِ جَمْعُهُ شَاءٌ وَشِيَاهٌ وَشِوَاهٌ إلَخْ (قَوْلُهُ: مُشْتَقٌّ مِنْ الْغَنِيمَةِ) أَيْ بَيْنَهُمَا اشْتِقَاقٌ أَكْبَرُ كَمَا مَرَّ فِي الْإِبِلِ فَافْهَمْ، وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ وَإِنْ كَانَتْ الْغَنَمُ مُؤَنَّثَةً كَمَا عَلِمْت؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا اللَّفْظُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إلَخْ) عِلَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَعْلُولِهَا، وَقَوْلُهُ آلَةُ الدِّفَاعِ: أَيْ الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهَا، وَلَا يُنَافِي وُجُودَ آلَةٍ لَهَا غَيْرَ دَافِعَةٍ كَقُرُونِهَا ط (قَوْلُهُ ضَأْنًا أَوْ مَعْزًا) بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَالْعَيْنِ وَفَتْحِهِمَا جَمْعُ ضَائِنٍ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَالْكَشَّافِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَخْفَشِ، وَالصَّحِيحُ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا اسْمُ جِنْسٍ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالضَّأْنُ مَا كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الصُّوفِ وَالْمَعْزُ مِنْ ذَوَاتِ الشَّعْرِ قُهُسْتَانِيٌّ ط (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ) ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِاسْمِ الشَّاةِ وَالْغَنَمِ وَهُوَ شَامِلٌ لَهُمَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ: فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ) فَإِنْ نَقَصَ نِصَابُ الضَّأْنِ وَعِنْدَهُ مِنْ الْمَعْزِ مَا يُكْمِلُهُ أَوْ بِالْعَكْسِ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَعْزُ نِصَابًا تَامًّا تَجِبُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَالْأُضْحِيَّةِ) أَيْ تُجْزِئُ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّهَا تَجُوزُ بِالْجَذَعِ وَأَمَّا أَخْذُهُ فِي الزَّكَاةِ فَفِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي (قَوْلُهُ: وَالرِّبَا) فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ الضَّأْنِ بِلَحْمِ الْمَعْزِ مُتَفَاضِلًا ح (قَوْلُهُ: لَا فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ) ؛ لِأَنَّ النِّصَابَ إذَا كَانَ ضَأْنًا يُؤْخَذُ الْوَاجِبُ مِنْ الضَّأْنِ وَلَوْ مَعْزًا فَمِنْ الْمَعْزِ، وَلَوْ مِنْهُمَا فَمِنْ الْغَالِبِ، وَلَوْ سَوَاءً فَمِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ جَوْهَرَةٌ: أَيْ فَيُعْطِي أَدْنَى الْأَعْلَى أَوْ أَعْلَى الْأَدْنَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ: وَالْأَيْمَانِ) فَإِنَّ مِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ الضَّأْنِ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الْمَعْزِ لِلْعُرْفِ ح أَيْ فَإِنَّ الضَّأْنَ غَيْرُ الْمَعْزِ فِي الْعُرْفِ (قَوْلُهُ: وَمَا بَيْنَهُمَا عَفْوٌ) أَيْ مَا بَيْنَ كُلِّ نِصَابٍ وَنِصَابٍ فَوْقَهُ عَفْوٌ لَا شَيْءَ فِيهِ زَائِدًا، فَمَا زَادَ عَلَى أَرْبَعِينَ شَاةً مَثَلًا إلَى الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ لَا شَيْءَ فِيهِ إذَا اتَّحَدَ الْمَالِكُ، فَلَوْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ ثَلَاثَةٍ أَثْلَاثًا فَعَلَى كُلٍّ شَاةٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ فَلَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يُفَرِّقَهَا وَيَجْعَلَهَا أَرْبَعِينَ أَرْبَعِينَ، فَيَأْخُذَ ثَلَاثَ شِيَاهٍ؛ لِأَنَّهُ بِاتِّحَادِ الْمَالِكِ صَارَ الْكُلُّ نِصَابًا، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَرْبَعُونَ شَاةً لَا تَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا الزَّكَاةُ، وَلَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يَجْمَعَهَا وَيَجْعَلَهَا نِصَابًا وَيَأْخُذَ الزَّكَاةَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاصِرٌ عَنْ النِّصَابِ اهـ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ) أَيْ وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ، كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَسَائِرِ كُتُبِ الْفِقْهِ. وَالْمَذْكُورُ فِي الصِّحَاحِ وَالْمُغْرِبِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ أَنَّهُ مِنْ الْغَنَمِ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، كَذَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ، وَلِذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: هَذَا عَلَى تَفْسِيرِ الْفُقَهَاءِ. وَعِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ: مَا طَعَنَ فِي الثَّالِثَةِ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ: لَا الْجَذَعُ) بِالتَّحْرِيكِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا أَتَى عَلَيْهِ أَكْثَرُهَا) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالدُّرَرِ، وَقِيلَ مَا لَهُ ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ سَبْعَةٌ؛ وَذَكَرَ الْأَقْطَعُ أَنَّهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَا تَمَّ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ لَا الْجَذَعُ فَإِنَّ عَدَمَ إجْزَائِهِ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ مِنْ الضَّأْنِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْزَ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ فِيهِ إلَّا الثَّنِيُّ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ) وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ، لَكِنْ جَزَمَ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: وَالْجَذَعُ مِنْ الْبَقَرِ إلَخْ) وَأَمَّا الْجَذَعُ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 وَمِنْ الْإِبِلِ ابْنُ أَرْبَعٍ (وَلَا شَيْءَ فِي خَيْلٍ) سَائِمَةٍ عِنْدَهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى خَانِيَّةٌ وَغَيْرُهَا ثُمَّ عِنْدَ الْإِمَامِ هَلْ لَهَا نِصَابٌ مُقَدَّرٌ؟ الْأَصَحُّ لَا لِعَدَمِ النَّقْلِ بِالتَّقْدِيرِ (وَ) لَا فِي (بِغَالٍ وَحَمِيرٍ) سَائِمَةٍ إجْمَاعًا (لَيْسَتْ لِلتِّجَارَةِ) فَلَوْ لَهَا فَلَا كَلَامَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْعُرُوضِ (وَ) لَا فِي (عَوَامِلَ وَعَلُوفَةٍ) مَا لَمْ تَكُنْ الْعَلُوفَةُ لِلتِّجَارَةِ (وَ) لَا فِي (حَمَلٍ) بِفَتْحَتَيْنِ وَلَدِ الشَّاةِ (وَفَصِيلٍ) وَلَدِ النَّاقَةِ (وَعُجُولُ) بِوَزْنِ سِنَّوْرٍ: وَلَدِ الْبَقَرَةِ؛ وَصُورَتُهُ أَنْ يَمُوتَ كُلُّ   [رد المحتار] الْمَعْزِ فَقَالَ فِي الْبَحْرِ لَمْ أَرَهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَإِنَّمَا نَقَلُوا عَنْ الْأَزْهَرِيِّ أَنَّهُ مَا تَمَّ لَهُ سَنَةٌ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِهَذَا الْمَعْنَى ثَنِيٌّ عِنْدَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ فِي الْجَذَعِ بَيْنَ الْغَنَمِ وَالْمَعْزِ (قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ فِي خَيْلٍ سَائِمَةٍ) فِي الْمُغْرِبِ: الْخَيْلُ اسْمُ جَمْعٍ لِلْعِرَابِ وَالْبَرَاذِينِ ذُكُورِهِمَا وَإِنَاثِهِمَا اهـ وَقَيَّدَ بِالسَّائِمَةِ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْخِلَافِ، أَمَّا الَّتِي نَوَى بِهَا التِّجَارَةَ فَتَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ اتِّفَاقًا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: عِنْدَهُمَا) لِمَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَفَرَسِهِ صَدَقَةٌ» زَادَ مُسْلِمٌ «إلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ» وَقَالَ الْإِمَامُ: إنْ كَانَتْ سَائِمَةً لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَجَبَ فِيهَا الزَّكَاةُ، غَيْرَ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مِنْ أَفْرَاسِ الْعَرَبِ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ دِينَارًا وَبَيْنَ أَنْ يُقَوِّمَهَا وَيُعْطِيَ عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَفْرَاسِ غَيْرِهِمْ قَوَّمَهَا لَا غَيْرَ، وَإِنْ كَانَتْ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا فَرِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا عَدَمُ الْوُجُوبِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي الْفَتْحِ: الرَّاجِحُ فِي الذُّكُورِ عَدَمُهُ، وَفِي الْإِنَاثِ الْوُجُوبُ وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ أَوْ عَلُوفَةً فَلَا شَيْءَ فِيهَا، وَأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَأْخُذُهَا جَبْرًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) قَالَ الطَّحَاوِيُّ: هَذَا أَحَبُّ الْقَوْلَيْنِ إلَيْنَا، وَرَجَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ فِي الْأَسْرَارِ. وَفِي الْيَنَابِيعِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْجَوَاهِرِ: وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. وَفِي الْكَافِي: هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى، وَتَبِعَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْبَزَّازِيُّ تَبَعًا لِلْخُلَاصَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالُوا: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا تَصْحِيحُ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ. قُلْت: وَبِهِ جَزَمَ فِي الْكَنْزِ، لَكِنْ رَجَّحَ قَوْلَ الْإِمَامِ فِي الْفَتْحِ. وَأَجَابَ عَنْ دَلِيلِهِمَا الْمَارِّ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ فِيهِ فَرَسُ الْغَازِي، وَحَقَّقَ ذَلِكَ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، وَاسْتَدَلَّ لِلْإِمَامِ بِالْأَدِلَّةِ الْوَاضِحَةِ، وَلِذَا قَالَ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ: وَفِي التُّحْفَةِ الصَّحِيحُ قَوْلُهُ، وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْقُدُورِيُّ فِي التَّجْرِيدِ. وَأَجَابَ عَمَّا عَسَاهُ يُورَدُ عَلَى دَلِيلِهِ وَصَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْوَى حُجَّةً عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ التَّجْرِيدُ وَالْمَبْسُوطُ وَشَرَحَ شَيْخُنَا. اهـ. (قَوْلُهُ: الْأَصَحُّ لَا) وَقِيلَ ثَلَاثٌ، وَقِيلَ خَمْسٌ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لَيْسَتْ لِلتِّجَارَةِ) أَيْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ. (قَوْلُهُ: فَلَا كَلَامَ) أَيْ لَا كَلَامَ يَتَعَلَّقُ بِنَفْيِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ مَوْجُودٌ اهـ ح (قَوْلُهُ: وَلَا فِي عَوَامِلَ) أَيْ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْعَمَلِ كَإِثَارَةِ الْأَرْضِ بِالْحِرَاثَةِ وَكَالسَّقْيِ وَنَحْوِهِ. زَادَ فِي الدُّرَرِ الْحَوَامِلَ: وَهِيَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِحَمْلِ الْأَثْقَالِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ نَظَرَ إلَى أَنَّ الْعَوَامِلَ تَشْمَلُهَا (قَوْلُهُ: وَعَلُوفَةً) بِالْفَتْحِ مَا يُعْلَفُ مِنْ الْغَنَمِ وَغَيْرِهَا الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ سَوَاءٌ مُغْرِبٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدَّمْنَا عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ إبِلٌ عَوَامِلُ يَعْمَلُ بِهَا فِي السَّنَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَيُسِيمُهَا فِي الْبَاقِي يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ فِيهَا زَكَاةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَكُنْ الْعَلُوفَةُ لِلتِّجَارَةِ) قَيَّدَ بِالْعَلُوفَةِ؛ لِأَنَّ الْعَوَامِلَ لَا تَكُونُ لِلتِّجَارَةِ وَإِنْ نَوَاهَا لَهَا كَمَا فِي النَّهْرِ أَيْ؛ لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَحَمَلٍ وَفَصِيلٍ وَعِجَّوْلٍ) فِي النَّهْرِ: الْحَمَلُ وَلَدُ الشَّاةِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَالْفَصِيلُ وَلَدُ النَّاقَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ ابْنَ مَخَاضٍ. وَالْعِجَّوْلُ: وَلَدُ الْبَقَرَةِ حِينَ تَضَعُهُ أُمُّهُ إلَى شَهْرٍ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ: وَصُورَتُهُ إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَتْ لَهُ سَوَائِمُ كِبَارٌ وَهِيَ نِصَابٌ فَمَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مَثَلًا فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا ثُمَّ مَاتَتْ وَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى الصِّغَارِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ الثَّانِي تَجِبُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا، وَالْمُرَادُ مِنْ النِّصَابِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ إبِلًا وَثَلَاثُونَ بَقَرًا وَأَرْبَعُونَ غَنَمًا، وَأَمَّا مَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إبِلًا فَلَا شَيْءَ فِيهِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ أَوْجَبَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 الْكِبَارِ وَيَتِمُّ الْحَوْلُ عَلَى أَوْلَادِهَا الصِّغَارِ (إلَّا تَبَعًا لِكَبِيرٍ) وَلَوْ وَاحِدًا، وَيَجِبُ ذَلِكَ الْوَاحِدُ وَلَوْ نَاقِصًا؛ فَلَوْ جَيِّدًا يَلْزَمُ الْوَسَطُ وَهَلَاكُهُ يُسْقِطُهَا، وَلَوْ تَعَدَّدَ الْوَاجِبُ وَجَبَ الْكِبَارُ فَقَطْ وَلَا يَكْمُلُ مِنْ الصِّغَارِ خِلَافًا لِلثَّانِي (وَ) لَا فِي (عَفْوٍ وَهُوَ مَا بَيْنَ النُّصُبِ) فِي كُلِّ الْأَمْوَالِ وَخَصَّاهُ بِالسَّوَائِمِ (وَ) لَا فِي (هَالِكٍ بَعْدَ وُجُوبِهَا) وَمَنَعَ السَّاعِيَ فِي الْأَصَحِّ لِتَعَلُّقِهَا بِالْعَيْنِ لَا بِالذِّمَّةِ، وَإِنْ هَلَكَ بَعْضُهُ سَقَطَ حَقُّهُ، وَيُصْرَفُ الْهَالِكُ إلَى الْعَفْوِ أَوَّلًا ثُمَّ إلَى   [رد المحتار] وَاحِدَةً مِنْهَا وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا دُونَ هَذَا الْمِقْدَارِ، وَتَمَامُهُ فِي الِاخْتِيَارِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ التُّحْفَةِ: الصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا (قَوْلُهُ: إلَّا تَبَعًا لِكَبِيرٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْخِلَافُ، أَيْ الْمَذْكُورُ آنِفًا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا كِبَارٌ، فَإِنْ كَانَ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ مَعَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ حَمَلًا مُسِنٌّ، وَكَذَلِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ كَانَتْ الصِّغَارُ تَبَعًا لِلْكَبِيرِ وَوَجَبَ إجْمَاعًا كَذَا فِي الدِّرَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ ذَلِكَ الْوَاحِدُ وَلَوْ نَاقِصًا فَلَوْ جَيِّدًا يَلْزَمُ الْوَسَطُ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا وَيَجِبُ ذَلِكَ الْوَاحِدُ مَا لَمْ يَكُنْ جَيِّدًا فَيَلْزَمُ الْوَسَطُ، وَهَذِهِ النُّسْخَةُ أَحْسَنُ (قَوْلُهُ: وَهَلَاكُهُ يُسْقِطُهَا) أَيْ لَوْ هَلَكَ الْكَبِيرُ بَعْدَ الْحَوْلِ بَطَلَ الْوَاجِبُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ الثَّانِي يَجِبُ فِي الْبَاقِي تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ حَمَلٍ نَهْرٌ، وَلَوْ هَلَكَ الْحَمَلَانِ وَبَقِيَ الْكَبِيرُ يُؤْخَذُ جَزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْهُ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَعَدَّدَ الْوَاجِبُ إلَخْ) بَيَانُهُ إذَا كَانَ لَهُ مُسِنَّتَانِ وَمِائَةٌ وَتِسْعَةَ عَشَرَ حَمَلًا فَإِنَّهُ يَجِبُ مُسِنَّتَانِ فِي قَوْلِهِمْ: أَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ مُسِنَّةٌ وَمِائَةٌ وَعِشْرُونَ حَمَلًا وَجَبَتْ مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ الثَّانِي مُسِنَّةٌ، وَحَمَلٌ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لَهُ تِسْعَةٌ وَخَمْسُونَ عُجُولًا وَتَبِيعٌ نَهْرٌ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: وَلَا فِي عَفْوٍ) هَذَا قَوْلُهُمَا، وَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي النِّصَابِ لَا فِي الْعَفْوِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ الْوَاجِبُ عَنْ الْكُلِّ وَأَثَرُ الْخِلَافِ يَظْهَرُ فِيمَنْ مَلَكَ تِسْعًا مِنْ الْإِبِلِ فَهَلَكَ بَعْدَ الْحَوْلِ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ عَلَى الْأَوَّلِ، وَيَسْقُطُ عَلَى الثَّانِي أَرْبَعَةُ أَتْسَاعِ شَاةٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً فَهَلَكَ مِنْهَا ثَمَانُونَ يَسْقُطُ عَلَى الثَّانِي ثُلُثَا شَاةٍ مِنْهَا، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ: وَخَصَّاهُ بِالسَّوَائِمِ) أَيْ خَصَّ الصَّاحِبَانِ الْعَفْوَ بِهَا دُونَ النُّقُودِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَا عَفْوَ فِيهِ عِنْدَهُمَا بَلْ يَجِبُ فِيمَا زَادَ بِحِسَابِهِ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهَا عَفْوٌ مَا لَمْ يَبْلُغْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَفِيهَا دِرْهَمٌ آخَرُ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَلَا فِي هَالِكٍ إلَخْ) أَيْ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي نِصَابِ هَالِكٍ بَعْدَ الْوُجُوبِ: أَيْ بَعْدَ مُضِيِّ الْحَوْلِ بَلْ تَسْقُطُ وَإِنْ طَلَبَهَا السَّاعِي مِنْهُ فَامْتَنَعَ حَتَّى هَلَكَ النِّصَابُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهُ الْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ؛ لِأَنَّ لِلْمَالِكِ رَأْيًا فِي اخْتِيَارِ مَحَلِّ الْأَدَاءِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْقِيمَةِ وَالرَّأْيُ يَسْتَدْعِي زَمَانًا (قَوْلُهُ: وَمَنَعَ السَّاعِي) عَطْفٌ عَلَى وُجُوبِهَا ح (قَوْلُهُ: لِتَعَلُّقِهَا بِالْعَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ جَزْءٌ مِنْ النِّصَابِ فَيَسْقُطُ بِهَلَاكِ مَحَلِّهِ كَدَفْعِ الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ يَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ هَلَكَ بَعْضُهُ) أَيْ بَعْضُ النِّصَابِ سَقَطَ حَظُّهُ: أَيْ حَظُّ الْهَالِكِ: أَيْ سَقَطَ مِنْ الْوَاجِبِ فِيهِ بِقَدْرِ مَا هَلَكَ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَيُصْرَفُ الْهَالِكُ إلَى الْعَفْوِ إلَخْ) أَقُولُ: أَيْ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ ثَلَاثُ نُصُبٍ مَثَلًا وَشَيْءٌ زَائِدٌ مِمَّا لَا يَبْلُغُ نِصَابًا رَابِعًا فَهَلَكَ بَعْضُ ذَلِكَ يُصْرَفُ الْهَالِكُ إلَى الْعَفْوِ أَوَّلًا، فَإِنْ كَانَ الْهَالِكُ بِقَدْرِ الْعَفْوِ يَبْقَى الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِي الثَّلَاثِ نُصُبٍ بِتَمَامِهِ، وَإِنْ زَادَ يُصْرَفُ الْهَالِكُ إلَى نِصَابٍ يَلِيهِ: أَيْ إلَى النِّصَابِ الثَّالِثِ وَيُزَكِّي عَنْ النِّصَابَيْنِ، فَإِنْ زَادَ الْهَالِكُ عَلَى النِّصَابِ الثَّالِثِ يُصْرَفُ الزَّائِدُ إلَى النِّصَابِ الثَّانِي وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْأَوَّلِ، وَمُقْتَضَى مَا مَرَّ أَنَّهُ إذَا نَقَصَ النِّصَابُ يَسْقُطُ عَنْهُ حَظُّهُ وَيُزَكِّي عَنْ الْبَاقِي بِقَدْرِهِ تَأَمَّلْ، ثُمَّ إنَّ هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُصْرَفُ الْهَالِكُ بَعْدَ الْعَفْوِ الْأَوَّلِ إلَى النُّصُبِ شَائِعًا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إلَى الْعَفْوِ وَالنُّصُبِ لِمَا مَرَّ مِنْ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِهِمَا عِنْدَهُ. قَالَ فِي الْمُلْتَقَى وَشَرْحِهِ لِلشَّارِحِ، فَلَوْ هَلَكَ بَعْدَ الْحَوْلِ أَرْبَعُونَ مِنْ ثَمَانِينَ شَاةً تَجِبُ شَاةٌ كَامِلَةٌ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصْفُ شَاةٍ. وَلَوْ هَلَكَ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ بَعِيرًا تَجِبُ بِنْتُ مَخَاضٍ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْإِمَامَ يَصْرِفُ الْهَالِكَ إلَى الْعَفْوِ ثُمَّ إلَى نِصَابٍ يَلِيهِ ثُمَّ وَثُمَّ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ جُزْءًا مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 نِصَابٍ يَلِيهِ، ثُمَّ وَثُمَّ (بِخِلَافِ الْمُسْتَهْلَكِ) بَعْدَ الْحَوْلِ لِوُجُودِ التَّعَدِّي، وَمِنْهُ مَا لَوْ حَبَسَهَا عَنْ الْعَلَفِ أَوْ الْمَاءِ حَتَّى هَلَكَتْ فَيَضْمَنُ بَدَائِعُ وَالتَّوَى بَعْدَ الْقَرْضِ وَالْإِعَارَةِ وَاسْتِبْدَالِ مَالِ التِّجَارَةِ بِمَالِ التِّجَارَةِ   [رد المحتار] سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَصْرِفُ الْهَالِكَ بَعْدَ الْعَفْوِ الْأَوَّلِ إلَى النُّصُبِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصْفُ بِنْتِ لَبُونٍ وَثُمُنُهَا، لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُعَلِّقُ الزَّكَاةَ بِالنِّصَابِ وَالْعَفْوِ. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ: ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَقَوْلِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُسْتَهْلَكِ) أَيْ بِفِعْلِ رَبِّ الْمَالِ مَثَلًا ط (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْحَوْلِ) أَمَّا قَبْلَهُ لَوْ اسْتَهْلَكَهُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ، وَإِذَا فَعَلَهُ حِيلَةً لِدَفْعِ الْوُجُوبِ كَأَنْ اسْتَبْدَلَ نِصَابَ السَّائِمَةِ بِآخَرَ أَوْ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ أَدْخَلَهُ فِيهِ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ عَنْ الْوُجُوبِ لَا إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ. وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُكْرَهُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ حُمَيْدٍ الدِّينِ الضَّرِيرُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْفُقَرَاءِ وَإِبْطَالَ حَقِّهِمْ مَآلًا، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي حِيلَةِ دَفْعِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ وُجُوبِهَا. وَقِيلَ الْفَتْوَى فِي الشُّفْعَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي الزَّكَاةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ شَرْحُ دُرَرِ الْبِحَارِ. قُلْت: وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ مَشَى الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ، وَعَزَاهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ إلَى الْجَوْهَرَةِ، وَأَقَرَّهُ وَقَالَ: وَمِثْلُ الزَّكَاةِ الْحَجُّ وَآيَةُ السَّجْدَةِ (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ التَّعَدِّي) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَهْلَكِ فَإِنَّهُ بِمَعْنَى تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ إلَخْ) أَيْ مِنْ الِاسْتِهْلَاكِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْمُسْتَهْلَكِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْوَدِيعَةِ لَا يَضْمَنُ فَكَذَا هُنَا. وَاَلَّذِي يَقَعُ فِي نَفْسِي تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَأَيْته فِي الْبَدَائِعِ جَزَمَ بِهِ وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ. اهـ. قُلْت: وَمِنْ الِاسْتِهْلَاكِ مَا لَوْ أَبْرَأَ مَدْيُونَهُ الْمُوسِرَ، بِخِلَافِ الْمُعْسِرِ عَلَى مَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ بَابِ الْعَاشِرِ (قَوْلُهُ: وَالتَّوَى) بِالْقَصْرِ أَيْ الْهَلَاكُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ هَلَاكٌ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْقَرْضِ وَالْإِعَارَةِ) الْأَصْوَبُ الْإِقْرَاضُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِقْرَاضُ النِّصَابِ الدَّرَاهِمِ بَعْدَ الْحَوْلِ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ، فَلَوْ تَوَى الْمَالُ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ لَا تَجِبُ: أَيْ الزَّكَاةُ، وَمِثْلُهُ إعَارَةُ ثَوْبِ التِّجَارَةِ. اهـ. وَالتَّوَى هُنَا: أَنْ يَجْحَدَ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ أَوْ يَمُوتَ الْمُسْتَقْرِضُ لَا عَنْ تَرِكَةٍ (قَوْلُهُ وَاسْتِبْدَالٍ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْقَرْضِ. اهـ. ح؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَبْدَلَ مَالَ التِّجَارَةِ بِمَالِ التِّجَارَةِ ثُمَّ هَلَكَ الْبَدَلُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ، فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مَرْفُوعًا عَطْفًا عَلَى التَّوَى لِاسْتِلْزَامِهِ أَنْ يَكُونَ نَفْسُ الِاسْتِبْدَالِ هَلَاكًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِقِيَامِ الْبَدَلِ مَقَامَ الْأَصْلِ، وَمَا عُزِيَ إلَى النَّهْرِ مِنْ أَنَّهُ هَلَاكٌ لَمْ أَرَهُ فِيهِ، بَلْ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ هَلَاكًا. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى مَالِ التِّجَارَةِ فَأَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ أَوْ بِعَرَضِ التِّجَارَةِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ لَا يَضْمَنُ الزَّكَاةَ؛ لِأَنَّهُ مَا أَتْلَفَ الْوَاجِبَ بَلْ نَقَلَهُ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مِثْلِهِ، إذْ الْمُعْتَبَرُ فِي مَالِ التِّجَارَةِ هُوَ الْمَعْنَى وَهُوَ الْمَالِيَّةُ لَا الصُّورَةُ، فَكَانَ الْأَوَّلُ قَائِمًا مَعْنًى فَيَبْقَى الْوَاجِبُ بِبَقَائِهِ وَيَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ، وَأَمَّا إذَا بَاعَهُ وَحَابَى بِيَسِيرٍ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَكَانَ عَفْوًا وَإِنْ حَابَى بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ ضَمِنَ قَدْرَ زَكَاةِ الْمُحَابَاةِ، وَزَكَاةُ مَا بَقِيَ تَتَحَوَّلُ إلَى الْعَيْنِ فَتَبْقَى بِبَقَائِهِ وَتَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ انْتَهَى. وَالِاسْتِبْدَالُ قَبْلَ الْحَوْلِ كَذَلِكَ. فَفِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا: لَوْ اسْتَبْدَلَ مَالَ التِّجَارَةِ بِمَالِ التِّجَارَةِ وَهِيَ الْعُرُوض قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ لَا يَبْطُلُ حُكْمُ الْحَوْلِ، سَوَاءً اسْتَبْدَلَهَا بِجِنْسِهَا أَوْ بِخِلَافِهِ بِلَا خِلَافٍ لِتَعَلُّقِ وُجُوبِ زَكَاتِهَا بِمَعْنَى الْمَالِ وَهُوَ الْمَالِيَّةُ وَالْقِيمَةُ وَهُوَ بَاقٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 هَلَاكٌ وَبِغَيْرِ مَالِ التِّجَارَةِ وَالسَّائِمَةِ بِالسَّائِمَةِ اسْتِهْلَاكٌ. (وَجَازَ دَفْعُ الْقِيمَةِ   [رد المحتار] وَكَذَا الدَّرَاهِمُ أَوْ الدَّنَانِيرُ إذَا بَاعَهَا بِجِنْسِهَا أَوْ بِخِلَافِهِ كَدَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ أَوْ بِدَنَانِيرَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْقَطِعُ حُكْمُ الْحَوْلِ فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِ الصَّيَارِفَةِ كَمَا إذَا بَاعَ السَّائِمَةَ بِالسَّائِمَةِ. وَلَنَا مَا قُلْنَا أَنَّ الْوُجُوبَ فِي الدَّرَاهِمِ تَعَلَّقَ بِالْمَعْنَى لَا بِالْعَيْنِ وَالْمَعْنَى قَائِمٌ بَعْدَ الِاسْتِبْدَالِ فَلَا يَبْطُلُ حُكْمُ الْحَوْلِ، بِخِلَافِ اسْتِبْدَالِ السَّائِمَةِ بِالسَّائِمَةِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ فَيَبْطُلُ الْحَوْلُ الْمُنْعَقِدُ عَلَى الْأَوَّلِ وَيَسْتَأْنِفُ لِلثَّانِي حَوْلًا اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: هَلَاكٌ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا يُعَدُّ هَلَاكًا (قَوْلُهُ وَبِغَيْرِ مَالِ التِّجَارَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ: أَيْ وَاسْتِبْدَالُ مَالِ التِّجَارَةِ بِغَيْرِ مَالِ التِّجَارَةِ اسْتِهْلَاكٌ فَيَضْمَنُ زَكَاتَهُ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَقَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ بِمَا إذَا نَوَى فِي الْبَدَلِ عَدَمَ التِّجَارَةِ عِنْدَ الِاسْتِبْدَالِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِ وَقْعَ الْبَدَلُ لِلتِّجَارَةِ. اهـ. قُلْت: أَيْ وَإِذَا وَقَعَ الْبَدَلُ لِلتِّجَارَةِ فَلَا يَكُونُ الِاسْتِبْدَالُ اسْتِهْلَاكًا، فَلَا يَضْمَنُ زَكَاةَ الْأَصْلِ لَوْ كَانَ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ، وَلَا يَنْقَطِعُ حُكْمُ الْحَوْلِ لَوْ كَانَ الِاسْتِبْدَالُ قَبْلَ تَمَامِهِ بَلْ يَتَحَوَّلُ الْوُجُوبُ إلَى الْبَدَلِ فَيَبْقَى بِبَقَائِهِ وَيَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ كَمَا نَقَلْنَاهُ صَرِيحًا عَنْ الْبَدَائِعِ، فَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا تَجِبُ زَكَاةُ الْبَدَلِ بِهَذَا الِاسْتِبْدَالِ بَلْ يُعْتَبَرُ لَهُ حَوْلٌ جَدِيدٌ خَطَأٌ صَرِيحٌ فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] شَمَلَ قَوْلَهُ وَبِغَيْرِ مَالِ التِّجَارَةِ مَا لَوْ اسْتَبْدَلَهُ بِعِوَضٍ لَيْسَ بِمَالٍ أَصْلًا، بِأَنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهِ امْرَأَةً، أَوْ صَالَحَ بِهِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، أَوْ اخْتَلَعَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ، أَوْ بِعِوَضٍ فَهُوَ مَالٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ مَالَ الزَّكَاةِ بِأَنْ بَاعَهُ بِعَبْدِ الْخِدْمَةِ أَوْ ثِيَابِ الْبِذْلَةِ أَوْ اسْتَأْجَرَ بِهِ عَيْنًا، فَيَضْمَنُ الزَّكَاةَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ؛ وَكَذَا لَوْ بَاعَ مَالَ التِّجَارَةِ بِالسَّوَائِمِ عَلَى أَنْ يَتْرُكَهَا سَائِمَةً لِاخْتِلَافِ الْوَاجِبِ فَكَانَ اسْتِهْلَاكًا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَدَائِعِ. [تَتِمَّةٌ] حُكْمُ النُّقُودِ مِثْلُ مَالِ التِّجَارَةِ، فَفِي الْفَتْحِ رَجُلٌ لَهُ أَلْفٌ حَالَ حَوْلُهَا فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ فَمَاتَ أَوْ عُرُوضًا لِلتِّجَارَةِ فَهَلَكَتْ بَطَلَتْ عَنْهُ زَكَاةُ الْأَلْفِ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ لِلْخِدْمَةِ لَمْ تَسْقُطْ بِمَوْتِهِ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَالسَّائِمَةُ بِالسَّائِمَةِ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ قَوْلِهِ بِالسَّائِمَةِ لِيَشْمَلَ اسْتِبْدَالَهَا بِغَيْرِ سَائِمَةٍ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَاسْتِبْدَالُ السَّائِمَةِ اسْتِهْلَاكٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ اسْتَبْدَلَهَا بِسَائِمَةٍ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ سَائِمَةٍ دَرَاهِمَ أَوْ عُرُوضٍ لِتَلَقِّي الزَّكَاةَ بِالْعَيْنِ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ وَقَدْ تَبَدَّلَتْ، فَإِذَا هَلَكَتْ سَائِمَةُ الْبَدَلِ تَجِبُ الزَّكَاةُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إذَا اسْتَبْدَلَ بِهَا بَعْدَ الْحَوْلِ، أَمَّا إذَا بَاعَهَا قَبْلَهُ فَلَا حَتَّى لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ فِي الْبَدَلِ إلَّا بِحَوْلٍ جَدِيدٍ أَوْ يَكُونُ لَهُ دَرَاهِمُ وَقَدْ بَاعَهَا بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ. اهـ. أَيْ فَحِينَئِذٍ يَضُمُّ ثَمَنَهَا إلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَيُزَكِّيهِ مَعَهُ بِلَا اسْتِقْبَالِ حَوْلٍ جَدِيدٍ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهَا بِسَائِمَةٍ وَعِنْدَهُ سَائِمَةٌ فَإِنَّهُ يَضُمُّهَا إلَيْهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ السَّائِمَةِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: وَجَازَ دَفْعُ الْقِيمَةِ) أَيْ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِعْرَاجٌ، فَلَوْ أَدَّى ثَلَاثَ شِيَاهٍ سِمَانٍ عَنْ أَرْبَعٍ وَسَطٍ أَوْ بَعْضَ بِنْتِ لَبُونٍ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ جَازَ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. ثُمَّ إنَّ هَذَا مُقَيَّدٌ بِغَيْرِ الْمِثْلِيِّ، فَلَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي نِصَابِ كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ، فَإِذَا أَدَّى أَرْبَعَةَ مَكَايِيلَ أَوْ دَرَاهِمَ جَيِّدَةً عَنْ خَمْسَةٍ رَدِيئَةٍ أَوْ زُيُوفٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ إلَّا عَنْ أَرْبَعَةٍ، وَعَلَيْهِ كَيْلٌ أَوْ دِرْهَمٌ آخَرُ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَهَذَا إذَا أَدَّى مِنْ جِنْسِهِ، وَإِلَّا فَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْقِيمَةُ اتِّفَاقًا لِتَقَوُّمِ الْجَوْدَةِ فِي الْمَالِ الرِّبَوِيِّ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِخِلَافِ جِنْسِهِ. ثُمَّ إنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ الْأَنْفَعُ لِلْفَقِيرِ مِنْ الْقَدْرِ وَالْقِيمَةِ. وَعِنْدَهُمَا الْقَدْرُ، فَإِذَا أَدَّى خَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ رَدِيئَةٍ عَنْ خَمْسَةٍ جَيِّدَةٍ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ تَمَامَ قِيمَةِ الْوَاجِبِ وَجَازَ عِنْدَهُمَا، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ جَيِّدًا وَأَدَّى مِنْ جِنْسِهِ رَدِيئًا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 فِي زَكَاةٍ وَعُشْرٍ وَخَرَاجٍ وَفِطْرَةٍ وَنَذْرٍ وَكَفَّارَةِ غَيْرِ الْإِعْتَاقِ) وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْوُجُوبِ، وَقَالَا يَوْمَ الْأَدَاءِ. وَفِي السَّوَائِمِ يَوْمَ الْأَدَاءِ إجْمَاعًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَيُقَوَّمُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي الْمَالُ فِيهِ وَلَوْ فِي مَفَازَةٍ فَفِي أَقْرَبِ الْأَمْصَارِ إلَيْهِ فَتْحٌ. (وَالْمُصَدِّقُ) لَا (يَأْخُذُ) إلَّا (الْوَسَطَ) وَهُوَ أَعْلَى الْأَدْنَى   [رد المحتار] أَمَّا إذَا أَدَّى مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ فَالْقِيمَةُ مُعْتَبَرَةٌ اتِّفَاقًا. وَإِذَا أَدَّى خَمْسَةً جَيِّدَةً عَنْ خَمْسَةٍ رَدِيئَةٍ جَازَ اتِّفَاقًا عَلَى اخْتِلَافِ التَّخْرِيجِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ فِي زَكَاةِ إلَخْ) قَيَّدَ بِالْمَذْكُورَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ فِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا وَالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ إرَاقَةُ الدَّمِ وَفِي الْعِتْقِ نَفْيُ الرِّقِّ وَذَلِكَ لَا يَتَقَوَّمُ بَحْرٌ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِبَقَاءِ أَيَّامِ النَّحْرِ، أَمَّا بَعْدَهَا فَيَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُضْحِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَخَرَاجٍ) ذَكَرَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بَحْثًا، لَكِنْ نَقَلَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ وَنَذْرٍ) كَأَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَذَا الدِّينَارِ فَتَصَدَّقَ بِقَدْرِهِ دَرَاهِمَ أَوْ بِهَذَا الْخُبْزِ فَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ جَازَ عِنْدَنَا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَفِيهِ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاتَيْنِ أَوْ يَعْتِقَ عَبْدَيْنِ وَسَطَيْنِ فَأَهْدَى شَاةً أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا يُسَاوِي كُلٌّ مِنْهُمَا وَسَطَيْنِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِي الْإِرَاقَةِ وَالتَّحْرِيرِ وَقَدْ الْتَزَمَ إرَاقَتَيْنِ وَتَحْرِيرَيْنِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِوَاحِدٍ، بِخِلَافِ النَّذْرِ بِالتَّصَدُّقِ بِشَاتَيْنِ وَسَطَيْنِ فَتَصَدَّقَ بِشَاةٍ بِقَدْرِهِمَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إغْنَاءُ الْفَقِيرِ وَبِهِ تَحْصُلُ الْقُرْبَةُ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْقِيمَةِ؛ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقَفِيزِ دَقَلٍ فَتَصَدَّقَ بِنِصْفِهِ جَيِّدًا يُسَاوِي تَمَامَهُ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ لَا قِيمَةَ لَهَا هُنَا لِلرِّبَوِيَّةِ وَلِلْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ، بِخِلَافِ جِنْسٍ آخَرَ لَوْ تَصَدَّقَ بِنِصْفِ قَفِيزٍ مِنْهُ يُسَاوِيهِ جَازَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَفَّارَةٍ) بِالتَّنْوِينِ وَغَيْرِ الْإِعْتَاقِ نَعْتُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَالتَّبْيِينِ وَالْكَافِي وَذَكَرَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مُعَلِّلًا بِأَنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِيهِ إتْلَافُ الْمِلْكِ وَنَفْيُ الرِّقِّ وَذَلِكَ لَا يَتَقَوَّمُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. قُلْت: وَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ الْكِسْوَةِ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ كِسْوَةً بِأَنْ أَدَّى ثَوْبًا يَعْدِلُ ثَوْبَيْنِ لَمْ يَجُزْ إلَّا عَنْ ثَوْبٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ مُطْلَقُ الثَّوْبِ لَا بِقَيْدِ الْوَسَطِ فَكَانَ الْأَعْلَى وَغَيْرُهُ دَاخِلًا تَحْتَ النَّصِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ) أَيْ كَوْنُ الْمُعْتَبَرِ فِي السَّوَائِمِ يَوْمَ الْأَدَاءِ إجْمَاعًا هُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ قِيلَ إنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَهُ فِيهَا يَوْمُ الْوُجُوبِ، وَقِيلَ يَوْمُ الْأَدَاءِ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ: يُعْتَبَرُ يَوْمُ الْأَدَاءِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ فَهُوَ تَصْحِيحٌ لِلْقَوْلِ الثَّانِي الْمُوَافِقِ لِقَوْلِهِمَا، وَعَلَيْهِ فَاعْتِبَارُ يَوْمِ الْأَدَاءِ يَكُونُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهَا (قَوْلُهُ: وَيُقَوَّمُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي الْمَالُ فِيهِ) فَلَوْ بَعَثَ عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ فِي بَلَدٍ آخَرَ يُقَوَّمُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْعَبْدُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: فَفِي أَقْرَبِ الْأَمْصَارِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمَفَازَةِ، وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ الْمَوْضِعِ. وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي الْبَابِ الْآتِي: وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْمَفَازَةِ يُقَوَّمُ فِي الْمِصْرِ الَّذِي يَصِيرُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَالْمُصَدِّقُ) بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ: هُوَ السَّاعِي آخِذُ الصَّدَقَةِ، وَأَمَّا الْمَالِكُ فَالْمَشْهُورُ فِيهِ تَشْدِيدُهُمَا وَكَسْرُ الدَّالِ، وَقِيلَ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: لَا يَأْخُذُ إلَّا الْوَسَطَ) أَيْ مِنْ السِّنِّ الَّذِي وَجَبَ، فَلَوْ وَجَبَ بِنْتُ لَبُونٍ لَا يَأْخُذُ خِيَارَ بِنْتِ لَبُونٍ وَلَا رَدِيئَهَا بَلْ يَأْخُذُ الْوَسَطَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ حِين بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ «إيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَلِأَنَّ فِي أَخْذِ الْوَسَطِ نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ وَلِرَبِّ الْمَالِ مُلَّا عَلِيٌّ الْقَارِي. وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَلَا تُؤْخَذُ الرُّبَّى وَالْأَكِيلَةُ وَالْمَاخِضُ وَفَحْلُ الْغَنَمِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْكَرَائِمِ اهـ. وَالرُّبَّى: بِضَمِّ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ مَقْصُورَةٌ، وَهِيَ الَّتِي تُرَبِّي وَلَدَهَا مُغْرِبٌ. وَفِي الْبَدَائِعِ قَالَ مُحَمَّدٌ: الرُّبَّى هِيَ الَّتِي تُرَبِّي وَلَدَهَا. وَالْأَكِيلَةُ: الَّتِي تُسَمَّنُ لِلْأَكْلِ. وَالْمَاخِضُ: هِيَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ، وَمِنْ النَّاسِ مِنْ طَعَنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 وَأَدْنَى الْأَعْلَى وَلَوْ كُلُّهُ جَيِّدًا فَجَيِّدٌ (وَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الْمُصَدِّقُ وَكَذَا إنْ وُجِدَ فَالْقَيْدُ اتِّفَاقِيٌّ (مَا وَجَبَ مِنْ) ذَاتِ (سِنٍّ دَفَعَ) الْمَالِكُ (الْأَدْنَى مَعَ الْفَضْلِ) جَبْرًا عَلَى السَّاعِي لِأَنَّهُ دَفَعَ بِالْقِيمَةِ (أَوْ) دَفَعَ (الْأَعْلَى وَرَدَّ الْفَضْلَ) بِلَا جَبْرٍ   [رد المحتار] فِيهِ وَزَعَمَ أَنَّ الرُّبَّى هِيَ الْمُرَبَّاةُ وَالْأَكِيلَةُ الْمَأْكُولَةُ وَطَعْنُهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ، وَكَانَ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ مُحَمَّدٍ إذْ هُوَ إمَامٌ فِي اللُّغَةِ أَيْضًا وَاجِبُ التَّقْلِيدِ فِيهَا كَأَبِي عُبَيْدٍ وَالْأَصْمَعِيِّ وَالْخَلِيلِ وَالْكِسَائِيِّ وَالْفَرَّاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ قَلَّدَهُ أَبُو عُبَيْدٍ مَعَ جَلَالَةِ قَدْرِهِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ وَكَذَا أَبُو الْعَبَّاسِ مَطْلَبٌ مُحَمَّدٌ إمَامٌ فِي اللُّغَةِ وَاجِبُ التَّقْلِيدِ فِيهَا مِنْ أَقْرَانِ سِيبَوَيْهِ وَكَانَ ثَعْلَبُ يَقُولُ: مُحَمَّدٌ عِنْدَنَا مِنْ أَقْرَانِ سِيبَوَيْهِ فَكَانَ قَوْلُهُ حُجَّةً فِي اللُّغَةِ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ كُلُّهُ جَيِّدًا فَجَيِّدٌ) فِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَهُ نَخِيلُ تَمْرٍ بَرْنِيِّ وَدَقَلٍ. قَالَ الْإِمَامُ: يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ نَخْلَةٍ حِصَّتُهَا مِنْ التَّمْرِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُؤْخَذُ مِنْ الْوَسَطِ إذَا كَانَتْ أَصْنَافًا ثَلَاثَةً: جَيِّدٌ وَوَسَطٌ وَرَدِيءٌ اهـ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَخْذَ الْوَسَطِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا اشْتَمَلَ الْمَالُ عَلَى جَيِّدٍ وَوَسَطٍ وَرَدِيءٍ أَوْ عَلَى صِنْفَيْنِ مِنْهَا، أَمَّا لَوْ كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ كَأَرْبَعِينَ شَاةً أَكُولَةً تَجِبُ شَاةٌ مِنْ الْكَرَائِمِ لَا شَاةٌ وَسَطٌ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا لَا يَخْفَى بَحْرٌ. وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا وَسَطٌ يُعْتَبَرُ أَفْضَلُهَا لِيَكُونَ الْوَاجِبُ بِقَدْرِهِ (قَوْلُهُ كَذَا نَقَلَهُ الشَّافِعِيَّةُ) وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْحَامِلَ حَيَوَانَانِ كَمَا فِي شَرْحِ ابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: فَلْيُرَاجَعْ) لَا يُقَالُ: تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا تُؤْخَذُ الْمَاخِضُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا مَا إذَا كَانَ النِّصَابُ كُلُّهُ كَذَلِكَ، وَلَا يُقَالُ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْعَوَامِلِ وَالْحَوَامِلِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمُعَدَّةُ لِلْحَمْلِ عَلَى ظَهْرِهَا وَالْمُرَادُ هُنَا مَا فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ، لَكِنْ إذَا كَانَ النِّصَابُ كُلُّهُ كَذَلِكَ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَخْذِهَا وَإِنْ كَانَتْ حَيَوَانَيْنِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا أَكُولَةً فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مَعَ كَوْنِهَا مِنْ الْكَرَائِمِ الْمَنْهِيِّ عَنْ أَخْذِهَا. وَقَوْلُ الْبَحْرِ الْمَارِّ آنِفًا تَجِبُ شَاةٌ مِنْ الْكَرَائِمِ يَشْمَلُ الْحَامِلَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَالْقَيْدُ اتِّفَاقِيٌّ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَدُرَرِ الْبِحَارِ وَغَيْرِهِمَا، لَكِنْ ظَاهِرُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَدَاءِ الْقِيمَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَأَدَاءُ الْقِيمَةِ مَعَ وُجُودِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ جَائِزٌ عِنْدَنَا اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مِنْ ذَاتِ سِنٍّ) أَشَارَ بِتَقْدِيرِ الْمُضَافِ تَبَعًا لِلنَّهْرِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسِّنِّ مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيُّ وَاحِدَةُ الْأَسْنَانِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: السِّنُّ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهَا صَاحِبُهَا كَالنَّابِ لِلْمُسِنَّةِ مِنْ النُّوقِ، ثُمَّ اُسْتُعِيرَتْ لِغَيْرِهِ كَابْنِ الْمَخَاضِ وَابْنِ اللَّبُونِ. اهـ. زَادَ فِي الدُّرَرِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الدَّوَابِّ دُونَ الْإِنْسَانِ؛ لِأَنَّهَا تُعَرَّفُ بِالسِّنِّ اهـ أَيْ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ عُمُرَهَا يُعْرَفُ بِالسِّنِّ بِخِلَافِ الْآدَمِيِّ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ مَجَازٌ فِي اللُّغَةِ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ كَالرَّقَبَةِ عَلَى الْمَمْلُوكِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْإِشَارَةَ إلَى تَجْوِيزِ كَوْنِهِ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: الْأَدْنَى) أَيْ وَصْفًا أَوْ سِنًّا وَكَذَا قَوْلُهُ أَوْ الْأَعْلَى (قَوْلُهُ مَعَ الْفَضْلِ) أَيْ مَا يَزِيدُ مِنْ قِيمَةِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمَدْفُوعِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ دَفَعَ بِالْقِيمَةِ) أَيْ لَا يَبِيعُ حَتَّى يُنَافِيَ الْجَبْرَ (قَوْلُهُ: وَرَدَّ الْفَضْلَ) أَيْ اسْتَرَدَّهُ وَلَمْ يُقَدِّرُوهُ عِنْدَنَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَوْقَاتِ غَلَاءً وَرُخْصًا. وَقَدَّرَهُ الشَّافِعِيُّ بِشَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا كَمَا بَسَطَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ: بِلَا جَبْرٍ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَبِهِ جَزَمَ الْكَمَالُ وَالزَّيْلَعِيُّ. وَفِي النَّهْرِ عَنْ الصَّيْرَفِيِّ أَنَّهُ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ الْخِيَارُ لِلسَّاعِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 لِأَنَّهُ شِرَاءٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الرِّضَا هُوَ الصَّحِيحُ سِرَاجٌ (أَوْ) دَفَعَ (الْقِيمَةَ) وَلَوْ دَفَعَ ثَلَاثَ شِيَاهٍ سِمَانٍ عَنْ أَرْبَعٍ وَسَطٍ جَازَ (وَالْمُسْتَفَادُ) وَلَوْ بِهِبَةٍ أَوْ إرْثٍ (وَسَطَ الْحَوْلِ يُضَمُّ إلَى نِصَابٍ مِنْ جِنْسِهِ) فَيُزَكِّيهِ بِحَوْلِ الْأَصْلِ، وَلَوْ أَدَّى زَكَاةَ نَقْدِهِ ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ سَائِمَةً لَا تُضَمُّ، وَلَوْ لَهُ نِصَابَانِ مِمَّا لَمْ يَضُمَّ أَحَدُهُمَا كَثَمَنِ سَائِمَةٍ مُزَكَّاةٍ وَأَلْفِ دِرْهَمٍ وَوَرِثَ أَلْفًا ضُمَّتْ إلَى أَقْرَبِهِمَا حَوْلًا وَرِبْحُ كُلٍّ يُضَمُّ إلَى أَصْلِهِ. (أَخْذُ الْبُغَاةِ) وَالسَّلَاطِينِ الْجَائِرَةُ (زَكَاةَ) الْأَمْوَالَ الظَّاهِرَةَ كَا (لسَّوَائِمِ وَالْعُشْرِ   [رد المحتار] وَجَرَى عَلَيْهِ الْقُدُورِيُّ، وَاخْتَارَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَقِيلَ لِلْمَالِكِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَتْنِ كَالْكَنْزِ وَالدُّرَرِ وَالْمُلْتَقَى، وَصَحَّحَهُ فِي الِاخْتِيَارِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ أَنَّهُ الصَّوَابُ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ، وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ وَانْتَصَرَ فِي النَّهْرِ لِلْأَوَّلِ فَلِذَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: جَازَ) أَيْ بِخِلَافِ الْمِثْلِيِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مُوَضَّحًا (قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَفَادُ) السِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَانِ: أَيْ الْمَالُ الْمُفَادُ ط (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِهِبَةٍ أَوْ إرْثٍ) أَدْخَلَ فِيهِ الْمُفَادَ بِشِرَاءٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَمَا كَانَ حَاصِلًا مِنْ الْأَصْلِ كَالْأَوْلَادِ وَالرِّبْحِ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ إلَى نِصَابٍ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ النِّصَابُ نَاقِصًا وَكَمَّلَ بِالْمُسْتَفَادِ فَإِنَّ الْحَوْلَ يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْكَمَالِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ هَلَكَ بَعْضُ النِّصَابِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فَاسْتَفَادَ مَا يُكَمِّلُهُ فَإِنَّهُ يُضَمُّ عِنْدَنَا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ الْأَصْلِ؛ حَتَّى لَوْ ضَاعَ اسْتَأْنَفَ لِلْمُسْتَفَادِ حَوْلًا مُنْذُ مَلَكَهُ، فَإِنْ وَجَدَ مِنْهُ شَيْئًا قَبْلَ الْحَوْلِ وَلَوْ بِيَوْمٍ ضَمَّهُ وَزَكَّى الْكُلَّ، وَكَذَا لَوْ وُهِبَ لَهُ أَلْفٌ فَاسْتَفَادَ مِثْلَهَا فِي الْحَوْلِ ثُمَّ رَجَعَ الْوَاهِبُ بِقَضَاءٍ اسْتَأْنَفَ حَوْلًا لِلْفَائِدَةِ، وَشَمَلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ كَانَ النِّصَابُ دَيْنًا، فَاسْتَفَادَ مِائَةً فَإِنَّهَا تُضَمُّ إجْمَاعًا غَيْرَ أَنَّهُ لَوْ تَمَّ حَوْلُ الدَّيْنِ؛ فَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ مِنْ الْمُسْتَفَادِ مَا لَمْ يَقْبِضْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، فَلَوْ مَاتَ الْمَدْيُونُ مُفْلِسًا سَقَطَ عَنْهُ زَكَاةُ الْمُسْتَفَادِ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ. اهـ. مِنْ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ: مِنْ جِنْسِهِ) سَيَأْتِي؛ أَنَّ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ يُضَمُّ إلَى الْآخَرِ وَأَنْ عُرُوضَ التِّجَارَةِ تُضَمُّ إلَى النَّقْدَيْنِ لِلْجِنْسِيَّةِ بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهَا، وَاحْتَرَزَ عَنْ الْمُسْتَفَادِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ كَالْإِبِلِ مَعَ الشِّيَاهِ فَلَا تُضَمُّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَدَّى إلَخْ) هَذَا بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا فِي الْمَتْنِ كَأَنَّهُ قَالَ يُضَمُّ الْمُسْتَفَادُ إلَى جِنْسِهِ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ وَهُوَ الثَّنْيُ الْمَنْفِيّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ثَنْيَ فِي الصَّدَقَةِ» (قَوْلُهُ: لَا تُضَمُّ) أَيْ إلَى سَائِمَةٍ عِنْدَهُ مِنْ جِنْسِ السَّائِمَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا بِذَلِكَ النَّقْدِ الْمُزَكَّى: أَيْ لَا يُزَكِّيهَا عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِ السَّائِمَةِ الْأَصْلِيَّةِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِلْمَانِعِ الْمَذْكُورِ وَعِنْدَهُمَا يُضَمُّ، وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ بَاعَ السَّائِمَةَ الْمُزَكَّاةَ بِنَقْدٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَدَّى عُشْرَ طَعَامٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ صَدَقَةَ فِطْرِ عَبْدٍ ثُمَّ بَاعَ حَيْثُ تُضَمُّ أَثْمَانُهَا إجْمَاعًا. وَالْفَرْقُ لِلْإِمَامِ أَنَّ ثَمَنَ السَّائِمَةِ بَدَلُ مَالِ الزَّكَاةِ وَلِلْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ مِنْهُ، فَلَوْ ضُمَّ لَأَدَّى إلَى الثَّنْيِ، وَكَذَا جَعَلَ السَّائِمَةَ عَلُوفَةً بَعْدَمَا زَكَّاهَا ثُمَّ بَاعَهَا، أَوْ جَعَلَ عَبْدَ التِّجَارَةِ الْمُؤَدَّى زَكَاتُهُ لِلْخِدْمَةِ ثُمَّ بَاعَهُ ضُمَّ لِخُرُوجِهِ عَنْ مَالِ الزَّكَاةِ فَصَارَ كَمَالٍ آخَرَ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: كَثَمَنِ سَائِمَةٍ مُزَكَّاةٍ) أَيْ وَكَالْفَرْعِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ، فَفِيهِ لَوْ وَرِثَ سَائِمَةً مِنْ جِنْسِ السَّائِمَتَيْنِ تُضَمُّ إلَى أَقْرَبِهِمَا أَيْضًا (قَوْلُهُ ضُمَّتْ) أَيْ الْأَلْفُ الْمَوْرُوثَةُ إلَى أَقْرَبِهِمَا: أَيْ أَقْرَبِ الْأَلْفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ حَوْلًا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي عِلَّةِ الضَّمِّ وَتَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا بِاعْتِبَارِ الْقُرْبِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ (قَوْلُهُ: وَرِبْحُ كُلٍّ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَفَادُ رِبْحًا أَوْ وَلَدًا ضَمَّهُ إلَى أَصْلِهِ وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ حَوْلًا؛ لِأَنَّهُ تَرَجَّحَ بِاعْتِبَارِ التَّفَرُّعِ وَالتَّوَلُّدِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ وَحُكْمُ التَّبَعِ لَا يُقْطَعُ عَنْ الْأَصْلِ. (قَوْلُهُ: أَخْذُ الْبُغَاةِ) الْأَخْذُ لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا حَتَّى لَوْ لَمْ يَأْخُذُوا مِنْهُ ذَلِكَ سِنِينَ وَهُوَ عِنْدَهُمْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ أَيْضًا كَمَا فِي الْبَحْرِ والشُّرُنبُلالِيَّة عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. وَالْبُغَاةُ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ خَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْحَقِّ بِأَنْ ظَهَرُوا فَأَخَذُوا ذَلِكَ نَهْرٌ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ لَوْ غَلَبُوا عَلَى بَلْدَةٍ مِنْ بِلَادِنَا كَذَلِكَ لِتَعْلِيلِهِمْ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَحْمِهِمْ وَالْجِبَايَةُ بِالْحِمَايَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 وَالْخَرَاجِ لَا إعَادَةَ عَلَى أَرْبَابِهَا إنْ صُرِفَ) الْمَأْخُوذُ (فِي مَحَلِّهِ) الْآتِي ذِكْرُهُ (وَإِلَّا) يُصْرَفُ (فِيهِ فَعَلَيْهِمْ) فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ (إعَادَةُ غَيْرِ الْخَرَاجِ) لِأَنَّهُمْ مَصَارِفُهُ. وَاخْتُلِفَ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ؛ فَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَشَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ الْمُفْتَى بِهِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ الْأَصَحُّ   [رد المحتار] وَفِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ: لَوْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَقَامَ فِيهَا سِنِينَ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ لِعَدَمِ الْحِمَايَةِ وَنُفْتِيه بِأَدَائِهَا إنْ كَانَ عَالِمًا بِوُجُوبِهَا وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَبْلُغْهُ وَهُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ. اهـ. وَسَيَأْتِي مَتْنًا فِي بَابِ الْعَاشِرِ أَنَّهُ لَوْ مَرَّ عَلَى عَاشِرِ الْخَوَارِجِ فَعَشَرُوهُ ثُمَّ مَرَّ عَلَى عَاشِرِ أَهْلِ الْعَدْلِ أُخِذَ مِنْهُ ثَانِيًا أَيْ لِتَقْصِيرِهِ بِمُرُورِهِ بِهِمْ (قَوْلُهُ: وَالْخَرَاجِ) أَيْ خَرَاجِ الْأَرْضِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ خَرَاجَ الرُّءُوسِ كَذَلِكَ نَهْرٌ. قُلْت: مَا اسْتَظْهَرَهُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ الْآتِي ذِكْرُهُ) أَيْ فِي بَابِ الْمَصْرِفِ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِمْ إلَخْ) أَيْ دِيَانَةً كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَأَفْتَوْا بِأَنْ يُعِيدُوهَا دُونَ الْخَرَاجِ اهـ لَكِنْ هَذَا فِيمَا أَخَذَهُ الْبُغَاةُ لِتَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّ الْبُغَاةَ لَا يَأْخُذُونَ بِطَرِيقِ الصَّدَقَةِ بَلْ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْلَالِ فَلَا يَصْرِفُونَهَا إلَى مَصَارِفِهَا اهـ أَمَّا السُّلْطَانُ الْجَائِرُ فَلَهُ وَلَايَةُ أَخْذِهَا وَبِهِ يُفْتَى كَمَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، نَعَمْ ذُكِرَ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ أَنَّهُ كَالْبُغَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْرِفُهُ إلَى مَصَارِفِهِ. وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ الْأَحْوَطُ (قَوْلُهُ: إعَادَةُ غَيْرِ الْخَرَاجِ) مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ: وَعَلَيْهِ اُقْتُصِرَ فِي الْكَافِي، وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ مَا يُفِيدُ ضَعْفَهُ حَيْثُ قَالَ وَقِيلَ لَا نُفْتِيهِمْ بِإِعَادَةِ الْخَرَاجِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ مَصَارِفُهُ) عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَمَّا الْخَرَاجُ فَلَا يُفْتُونَ بِإِعَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ مَصَارِفُهُ، إذْ أَهْلُ الْبَغْيِ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْحَرْبِ وَالْخَرَاجُ حَقُّ الْمُقَاتِلَةِ شَرْحُ الْمُلْتَقَى ط (قَوْلُهُ وَاخْتُلِفَ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ) هِيَ النُّقُودُ وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ إذَا لَمْ يَمُرَّ بِهَا عَلَى الْعَاشِرِ؛ لِأَنَّهَا بِالْإِخْرَاجِ تَلْتَحِقُ بِالْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ وَالْأَمْوَالُ الظَّاهِرَةُ هِيَ الَّتِي يَأْخُذُ زَكَاتَهَا الْإِمَامُ وَهِيَ السَّوَائِمُ وَمَا فِيهِ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ وَمَا يَمُرُّ بِهِ عَلَى الْعَاشِرِ؛ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ مَعَ أَنَّ فِيهَا خِلَافًا أَيْضًا. مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ صَادَرَ السُّلْطَانُ جَائِرًا فَنَوَى بِذَلِكَ أَدَاءَ الزَّكَاةِ إلَيْهِ قَالَ فِي التَّنْجِيسِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة: السُّلْطَانُ الْجَائِرُ إذَا أَخَذَ الصَّدَقَاتِ قِيلَ إنْ نَوَى بِأَدَائِهَا إلَيْهِ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِ لَا يُؤْمَرُ بِالْأَدَاءِ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ حَقِيقَةَ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْأَحْوَطُ أَنْ يُفْتَى بِالْأَدَاءِ ثَانِيًا كَمَا لَوْ لَمْ يَنْوِ لِانْعِدَامِ الِاخْتِيَارِ الصَّحِيحِ، وَإِذَا لَمْ يَنْوِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُؤْمَرُ بِالْأَدَاءِ ثَانِيًا. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: لَا لِكَوْنِ السُّلْطَانِ لَهُ وَلَايَةُ الْأَخْذِ فَيَسْقُطُ عَنْ أَرْبَابِ الصَّدَقَةِ، فَإِنْ لَمْ يَضَعْهَا مَوْضِعَهَا لَا يَبْطُلُ أَخْذُهُ وَبِهِ يُفْتَى، وَهَذَا فِي صَدَقَاتِ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ. أَمَّا لَوْ أَخَذَ مِنْهُ السُّلْطَانُ أَمْوَالًا مُصَادَرَةً وَنَوَى أَدَاءَ الزَّكَاةِ إلَيْهِ، فَعَلَى قَوْلِ الْمَشَايِخِ الْمُتَأَخِّرِينَ يَجُوزُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَبِهِ يُفْتَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلظَّالِمِ وَلَايَةُ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ. اهـ. أَقُولُ: يَعْنِي وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَايَةُ أَخْذِهَا لَمْ يَصِحَّ الدَّفْعُ إلَيْهِ وَإِنْ نَوَى الدَّافِعُ بِهِ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِ لِانْعِدَامِ الِاخْتِيَارِ الصَّحِيحِ، بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ وَلَايَةُ أَخْذِ زَكَاتِهَا لَمْ يَضُرَّ انْعِدَامُ الِاخْتِيَارِ وَلِذَا تَجْزِيهِ سَوَاءً نَوَى التَّصْدِيقَ عَلَيْهِ أَوْ لَا. هَذَا، وَفِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ: السُّلْطَانُ الْجَائِرُ إذَا أَخَذَ الْخَرَاجَ يَجُوزُ، وَلَوْ أَخَذَ الصَّدَقَاتِ أَوْ الْجِبَايَاتِ أَوْ أَخَذَ مَالًا مُصَادَرَةً إنْ نَوَى الصَّدَقَةَ عِنْدَ الدَّفْعِ قِيلَ يَجُوزُ أَيْضًا وَبِهِ يُفْتَى، وَكَذَا إذَا دَفَعَ إلَى كُلِّ جَائِرٍ نِيَّةَ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 الصِّحَّةُ إذَا نَوَى بِالدَّفْعِ لِظَلَمَةِ زَمَانِنَا الصَّدَقَةَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبِعَاتِ فُقَرَاءُ، حَتَّى أُفْتِيَ أَمِيرُ بَلْخٍ بِالصِّيَامِ لِكَفَّارَةٍ عَنْ يَمِينِهِ؛ وَلَوْ أَخَذَهَا السَّاعِي جَبْرًا لَمْ تَقَعْ زَكَاةً لِكَوْنِهَا بِلَا اخْتِيَارٍ وَلَكِنْ يُجْبَرُ بِالْحَبْسِ لِيُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُنَافِي الِاخْتِيَارَ. وَفِي التَّجْنِيسِ: الْمُفْتَى بِهِ سُقُوطُهَا فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ لَا الْبَاطِنَةِ. (وَلَوْ خَلَطَ السُّلْطَانُ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ بِمَالِهِ مَلَكَهُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ وَيُورَثُ عَنْهُ) ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ اسْتِهْلَاكٌ إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَمْيِيزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَوْلُهُ أَرْفَقُ إذْ قَلَّمَا يَخْلُو مَالٌ عَنْ غَصْبٍ،   [رد المحتار] بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبِعَاتِ صَارُوا فُقَرَاءَ وَالْأَحْوَطُ الْإِعَادَةُ اهـ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَتَبِعَهُ فِي الْفَتْحِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَالْإِفْتَاءُ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ إذَا نَوَى التَّصَدُّقَ بِهَا عَلَى الْجَائِرِ وَعَلِمْت مَا هُوَ الْأَحْوَطُ. قُلْت: وَشَمَلَ ذَلِكَ مَا يَأْخُذُهُ الْمُكَّاسُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ هُوَ الْعَاشِرَ الَّذِي يُنَصِّبُهُ الْإِمَامُ، لَكِنَّ الْيَوْمَ لَا يُنَصَّبُ لِأَخْذِ الصَّدَقَاتِ بَلْ لِسَلْبِ أَمْوَالِ النَّاسِ ظُلْمًا بِدُونِ حِمَايَةٍ فَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِأَخْذِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَإِذَا نَوَى التَّصْدِيقَ عَلَيْهِ كَانَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ بِمَا عَلَيْهِمْ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ، وَقَوْلُهُ بِمَا عَلَيْهِمْ تَعَلُّقٌ بِقَوْلِهِ فُقَرَاءَ (قَوْلُهُ: حَتَّى أُفْتِيَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَالْمُفْتِي بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، وَأَمِيرُ بَلْخٍ هُوَ مُوسَى بْنُ عِيسَى بْنُ مَاهَانَ وَالِي خُرَاسَانَ سَأَلَهُ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ فَأَفْتَاهُ بِذَلِكَ، فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ لِحَشَمِهِ إنَّهُمْ يَقُولُونَ لِي مَا عَلَيْك مِنْ التَّبِعَاتِ فَوْقَ مَا لَك مِنْ الْمَالِ فَكَفَّارَتُك كَفَّارَةُ يَمِينِ مَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعَلَى هَذَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ فَدُفِعَ إلَى السُّلْطَانِ الْجَائِرِ سَقَطَ، ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَعَلَى هَذَا فَإِنْكَارُهُمْ عَلَى يَحْيَى بْنِ يَحْيَى تِلْمِيذِ مَالِكٍ حَيْثُ أَفْتَى بَعْضُ مُلُوكِ الْمَغَارِبَةِ فِي كَفَّارَةٍ عَلَيْهِ بِالصَّوْمِ غَيْرُ لَازِمٍ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ لَا لِكَوْنِ الصَّوْمِ أَشَقَّ عَلَيْهِ مِنْ الْإِعْتَاقِ، وَكَوْنُ مَا أَخَذَهُ خَلَطَهُ بِمَالِهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ فَيَمْلِكُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ غَيْرُ مُضِرٍّ لِاشْتِغَالِ ذِمَّتِهِ بِمِثْلِهِ، وَالْمَدْيُونُ بِقَدْرِ مَا فِي يَدِهِ فَقِيرٌ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَإِفْتَاءُ ابْنِ سَلَمَةَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي التَّقْرِيرِ مِنْ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ التَّكْفِيرَ بِالْمَالِ، أَمَّا عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِيمَا مَرَّ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَالنَّهْرِ فَلَا (قَوْلُهُ: لَمْ تَقَعْ زَكَاةً) فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَمْ تَصِحَّ زَكَاةً، وَعَزَا هَذَا فِي الْبَحْرِ إلَى الْمُحِيطِ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ إذَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ كُرْهًا فَوَضَعَهَا مَوْضِعَهَا أَجْزَأَ؛ لِأَنَّ لَهُ وَلَايَةَ أَخْذِ الصَّدَقَاتِ فَقَامَ أَخْذُهُ مَقَامَ دَفْعِ الْمَالِكِ. وَفِي الْقُنْيَةِ: فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِيهِ شَرْطٌ وَلَمْ تُوجَدْ مِنْهُ. اهـ. قُلْت: قَوْلُ الْكَرْخِيِّ فَقَامَ أَخْذُهُ إلَخْ يَصْلُحُ لِلْجَوَابِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْمُفْتَى بِهِ التَّفْصِيلُ إنْ كَانَ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ يَسْقُطُ الْفَرْضُ؛ لِأَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ وَلَايَةَ أَخْذِهَا، وَإِنْ لَمْ يَضَعْهَا مَوْضِعَهَا لَا يَبْطُلُ أَخْذُهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَاطِنَةِ فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي التَّجْنِيسِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَكِنْ بَدَلَ الْوَاوِ وَهُوَ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقَدْ أَسْمَعْنَاك آنِفًا مَا فِي التَّجْنِيسِ. وَقَدْ يَدَّعِي عَدَمَ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ مَا فِي التَّنْجِيسِ عَلَى مَا إذَا دَفَعَ إلَى السُّلْطَانِ مَالَ الْمَكْسِ أَوْ الْمُصَادَرَةِ وَنَوَى بِهِ كَوْنَهُ زَكَاةً لِيَصْرِفَهُ السُّلْطَانُ فِي مَصَارِفِهِ وَلَمْ يَنْوِ بِذَلِكَ التَّصَدُّقَ بِهِ عَلَى السُّلْطَانِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْحَمْلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَلَايَةُ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمَبْسُوطِ الْأَصَحُّ أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ ظَلَمَةُ زَمَانِنَا مِنْ الْجِبَايَاتِ وَالْمُصَادَرَاتِ يَسْقُطُ عَنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ إذَا نَوَوْا عِنْدَ الدَّفْعِ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبِعَاتِ فُقَرَاءَ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بِمَالِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِخَلَطَ، وَأَمَّا لَوْ خَلَطَهُ بِمَغْصُوبٍ آخَرَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ كَمَا يَذْكُرُهُ فِي قَوْلِهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْكُلُّ خَبِيثًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْخَلْطَ اسْتِهْلَاكٌ) أَيْ بِمَنْزِلَتِهِ مَنْ حَيْثُ إنَّ حَقَّ الْغَيْرِ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ لَا بِالْأَعْيَانِ ط. (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا ضَمَانٌ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ الضَّمَانِ، وَلَا يُورَثُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 وَهَذَا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ مَا اسْتَهْلَكَهُ بِالْخَلْطِ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ يُوَفِّي دَيْنَهُ وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ، كَمَا لَوْ كَانَ الْكُلُّ خَبِيثًا كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ:   [رد المحتار] مَالٌ مُشْتَرَكٌ وَإِنَّمَا يُورَثُ عَنْهُ حِصَّةُ الْمَيِّتِ مِنْهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَهَذَا إلَخْ) الْإِشَارَةُ إلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ (قَوْلُهُ: مُنْفَصِلٌ عَنْهُ) الَّذِي فِي النَّهْرِ عَنْ الْحَوَاشِي: مَحَلُّ مَا ذَكَرُوهُ مَا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ مَا اسْتَهْلَكَهُ بِالْخَلْطِ يُفْصَلُ عَنْهُ فَلَا يُحِيطُ الدَّيْنُ بِمَالِهِ. اهـ. أَيْ يُفْصَلُ عَنْهُ بِمَا يَبْلُغُ نِصَابًا (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ كَانَ الْكُلُّ خَبِيثًا) فِي الْقُنْيَةِ لَوْ كَانَ الْخَبِيثُ نِصَابًا لَا يَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ وَاجِبُ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ فَلَا يُفِيدُ إيجَابَ التَّصَدُّقِ بِبَعْضِهِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي النَّهْرِ) أَيْ أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَمَلَكَ نِصَابَ حَوْلِيٍّ، وَمِثْلُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ بَحْثًا؛ وَفِي الْفَصْلِ الْعَاشِرِ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ فَتَاوَى الْحُجَّةِ: مَنْ مَلَكَ أَمْوَالًا غَيْرَ طَيِّبَةٍ أَوْ غَصَبَ أَمْوَالًا وَخَلَطَهَا مَلَكَهَا بِالْخَلْطِ وَيَصِيرُ ضَامِنًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَاهَا نِصَابٌ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا وَإِنْ بَلَغَتْ نِصَابًا؛ لِأَنَّهُ مَدْيُونٌ وَمَالُ الْمَدْيُونِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ عِنْدَنَا. اهـ. فَأَفَادَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَاهَا نِصَابٌ إلَخْ أَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ لَهُ نِصَابٌ سِوَاهَا، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا اسْتَشْكَلَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ وَإِنْ مَلَكَهُ بِالْخَلْطِ فَهُوَ مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ. اهـ. لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الزَّكَاةَ حِينَئِذٍ إنَّمَا تَجِبُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا لَا فِيهَا. لَا يُقَالُ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ سِوَاهَا مِمَّا لَا زَكَاةَ فِيهِ كَدُورِ السُّكْنَى وَثِيَابِ الْبِذْلَةِ مِمَّا يَبْلُغُ مِقْدَارَ مَا عَلَيْهِ أَوْ يَزِيدُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصَابٌ آخَرُ سِوَاهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّهُ لَمَّا خَلَطَهَا مَلَكَهَا وَصَارَ مِثْلُهَا دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لَا عَيْنَهَا، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الدَّيْنَ يُصْرَفُ أَوَّلًا إلَى مَالِ الزَّكَاةِ دُونَ غَيْرِهِ، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى خَادِمٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَلَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَخَادِمٌ صُرِفَ دَيْنُ الْمَهْرِ إلَى الْمِائَتَيْنِ دُونَ الْخَادِمِ: أَيْ فَلَوْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْمِائَتَيْنِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لِاشْتِغَالِهَا بِالدَّيْنِ مَعَ وُجُودِ مَا يَفِي بِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ الْخَادِمُ، وَهُنَا كَذَلِكَ مَا لَمْ يَمْلِكْ نِصَابًا زَائِدًا نَعَمْ تَظْهَرُ الثَّمَرَةُ فِيمَا إذَا أَبْرَأَهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُمْ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْر عَنْ الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَقَالَ وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ يَجِبُ حِفْظُهُ. اهـ. أَوْ إذَا صَالَحَ غُرَمَاءَهُ عَلَى عَقَارٍ مَثَلًا فَيَبْقَى مَا غَصَبَهُ سَالِمًا عَنْ الدَّيْنِ فَتَجِبُ زَكَاتُهُ. وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَصْحَابُ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ إذَا كَانَ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ وَبِجَهْلِ أَصْحَابِهِ لَا يَبْقَى لَهُ مُطَالِبٌ فَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَهَا قُلْت: لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ الْقُنْيَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ مَا وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِكُلِّهِ لَا يُفِيدُ التَّصَدُّقَ بِبَعْضِهِ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ إنْ عَلِمْت أَصْحَابَهُ أَوْ وَرَثَتَهُمْ وَجَبَ رَدُّهُ عَلَيْهِمْ وَإِلَّا وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِهِ. وَأَيْضًا فَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْأُمَرَاءَ بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبِعَاتِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ غَالِبَ غُرَمَائِهِمْ مَجْهُولُونَ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ الْمُوصَى بِهِ لِلْفُقَرَاءِ لَوْ دَفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ الْجَائِرِ سَقَطَ، فَجَوَازُ أَخْذِهِ الزَّكَاةَ لِفَقْرِهِ يُنَافِي وُجُوبَهَا عَلَيْهِ وَإِنْ جَازَ أَخْذُهُ لَهَا مَعَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ لِعِلَّةٍ أُخْرَى كَعَدَمِ وُصُولِهِ إلَى مَا لَهُ كَابْنِ السَّبِيلِ وَمَنْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ فِي التَّصَدُّقِ مِنْ الْمَالِ الْحَرَامِ (قَوْلُهُ: وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ إلَخْ) فِيهِ دَفْعٌ لِمَا عَسَى يُورَدُ عَلَى قَوْلِ الْمَتْنِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ مِنْ أَنَّهُ مَالٌ خَبِيثٌ فَكَيْفَ يُزَكَّى مِنْهُ، لَكِنْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا تَجِبُ زَكَاتُهُ إلَّا إذَا اسْتَبْرَأَ مِنْ صَاحِبِهِ أَوْ صَالَحَ عَنْهُ فَيَزُولُ خُبْثُهُ، نَعَمْ لَوْ أَخْرَجَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 إنَّمَا يُكَفِّرُ إذَا تَصَدَّقَ بِالْحَرَامِ الْقَطْعِيِّ، أَمَّا إذَا أَخَذَ مِنْ إنْسَانٍ مِائَةً وَمِنْ آخَرَ مِائَةً وَخَلَطَهُمَا ثُمَّ تَصَدَّقَ لَا يُكَفِّرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ بِعَيْنِهِ بِالْقَطْعِ لِاسْتِهْلَاكِهِ بِالْخَلْطِ   [رد المحتار] زَكَاةَ الْمَالِ الْحَلَالِ مِنْ مَالٍ حَرَامٍ ذَكَرَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّهُ يُجْزِئُ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَنَقَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْقُنْيَةِ. وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَوْ نَوَى فِي الْمَالِ الْخَبِيثِ الَّذِي وَجَبَتْ صَدَقَتُهُ أَنْ يَقَعَ عَنْ الزَّكَاةِ وَقَعَ عَنْهَا اهـ أَيْ نَوَى فِي الَّذِي وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِهِ لِجَهْلِ أَرْبَابِهِ، وَفِيهِ تَقْيِيدٌ لِقَوْلِ الظَّهِيرِيَّةِ: رَجُلٌ دَفَعَ إلَى فَقِيرٍ مِنْ الْمَالِ الْحَرَامِ شَيْئًا يَرْجُو بِهِ الثَّوَابَ يَكْفُرُ، وَلَوْ عَلِمَ الْفَقِيرُ بِذَلِكَ فَدَعَا لَهُ وَأَمَّنَ الْمُعْطِيَ كَفَرَا جَمِيعًا. وَنَظَمَهُ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَفِي شَرْحِهَا: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُؤَمِّنُ أَجْنَبِيًّا غَيْرَ الْمُعْطِي وَالْقَابِضِ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ عَنْهُ غَافِلُونَ وَمِنْ الْجُهَّالِ فِيهِ وَاقِعُونَ. اهـ. قُلْت: الدَّفْعُ إلَى الْفَقِيرِ غَيْرُ قَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ لَوْ بَنَى مِنْ الْحَرَامِ بِعَيْنِهِ مَسْجِدًا وَنَحْوَهُ مِمَّا يَرْجُو بِهِ التَّقَرُّبَ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ رَجَاءُ الثَّوَابِ فِيمَا فِيهِ الْعِقَابُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِاعْتِقَادِ حِلِّهِ (قَوْلُهُ: إذَا تَصَدَّقَ بِالْحَرَامِ الْقَطْعِيِّ) أَيْ مَعَ رَجَاءِ الثَّوَابِ النَّاشِئِ عَنْ اسْتِحْلَالِهِ كَمَا مَرَّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَا يَكْفُرُ) اقْتَصَرَ عَلَى نَفْيِ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ بِهِ قَبْلَ أَدَاءِ بَدَلِهِ لَا يَحِلُّ وَإِنْ مَلَكَهُ بِالْخَلْطِ كَمَا عَلِمْته وَفِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ عَنْ الذَّخِيرَةِ: سُئِلَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَمَّنْ اكْتَسَبَ مَالَهُ مِنْ أُمَرَاءِ السُّلْطَانِ وَجَمَعَ الْمَالَ مِنْ أَخْذِ الْغَرَامَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ هَلْ يَحِلُّ لِمَنْ عَرَفَ ذَلِكَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ طَعَامِهِ؟ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ وَيَسَعَهُ حُكْمًا أَنْ يَأْكُلَهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ الطَّعَامُ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الْمُطْعِمِ غَصْبًا أَوْ رِشْوَةً اهـ أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَيْنُ الْغَصْبِ أَوْ الرِّشْوَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ فَهُوَ نَفْسُ الْحَرَامِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ. وَذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ هُنَا أَنَّ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ لَا يَأْخُذَ جَائِزَةَ السُّلْطَانِ. ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ الْعَلَّامَةُ بِخُوَارِزْمَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِهِمْ وَيَأْخُذُ جَوَائِزَهُمْ، فَقِيلَ لَهُ فِيهِ، فَقَالَ: تَقْدِيمُ الطَّعَامِ يَكُونُ إبَاحَةً وَالْمُبَاحُ لَهُ يُتْلِفُهُ عَلَى مِلْكِ الْمُبِيحِ فَيَكُونُ آكِلًا طَعَامَ الظَّالِمِ وَالْجَائِزَةُ تَمْلِيكٌ فَيَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ. اهـ. قُلْت: وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَرَامَ لَا يَتَعَدَّى إلَى ذِمَّتَيْنِ، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ خِلَافِهِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ بِعَيْنِهِ إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّهُ قَبْلَ الْخَلْطِ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ مَعَ أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّ مَالَ الْغَيْرِ حَرَامٌ لِغَيْرِهِ لَا لِعَيْنِهِ بِخِلَافِ لَحْمِ الْمَيْتَةِ وَإِنْ كَانَتْ حُرْمَتُهُ قَطْعِيَّةً، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْخَلْطِ، وَإِنَّمَا الْحَرَامُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ أَدَاءِ بَدَلِهِ. فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قُبَيْلَ كِتَابِ الزَّكَاةِ: مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْمَالِ ظُلْمًا وَيَخْلِطُهُ بِمَالِهِ وَبِمَالِ مَظْلُومٍ آخَرَ يَصِيرُ مِلْكًا لَهُ وَيَنْقَطِعُ حَقُّ الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ أَخْذُهُ عِنْدَنَا حَرَامًا مَحْضًا، نَعَمْ لَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اهـ. مَطْلَبٌ اسْتِحْلَالُ الْمَعْصِيَةِ الْقَطْعِيَّةِ كُفْرٌ لَكِنْ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ النَّسَفِيَّةِ: اسْتِحْلَالُ الْمَعْصِيَةِ كُفْرٌ إذَا ثَبَتَ كَوْنُهَا مَعْصِيَةً بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، وَعَلَى هَذَا تَفَرَّعَ مَا ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى مِنْ أَنَّهُ إذَا اعْتَقَدَ الْحَرَامَ حَلَالًا، فَإِنْ كَانَ حُرْمَتُهُ لِعَيْنِهِ وَقَدْ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ يَكْفُرُ وَإِلَّا فَلَا بِأَنْ تَكُونَ حُرْمَتُهُ لِغَيْرِهِ أَوْ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ. وَبَعْضُهُمْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْحَرَامِ لِعَيْنِهِ وَلِغَيْرِهِ وَقَالَ مَنْ اسْتَحَلَّ حَرَامًا قَدْ عَلِمَ فِي دِينِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَحْرِيمَهُ كَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ فَكَافِرٌ. اهـ. قَالَ شَارِحُهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْغَرْسِ وَهُوَ التَّحْقِيقُ. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ شَرْطَ الْكُفْرِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ شَيْئَانِ: قَطْعِيَّةُ الدَّلِيلِ، وَكَوْنُهُ حَرَامًا لِعَيْنِهِ. وَعَلَى الثَّانِي يُشْتَرَطُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 (وَلَوْ عَجَّلَ ذُو نِصَابٍ) زَكَاتَهُ (لِسِنِينَ أَوْ لِنُصُبٍ صَحَّ) لِوُجُودِ السَّبَبِ، وَكَذَا لَوْ عَجَّلَ عُشْرَ زَرْعِهِ أَوْ ثَمَرِهِ بَعْدَ الْخُرُوجِ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ؛ وَاخْتُلِفَ فِيهِ قَبْلَ النَّبَاتِ وَخُرُوجِ الثَّمَرَةِ   [رد المحتار] الشَّرْطُ الْأَوَّلُ فَقَطْ وَعَلِمْت تَرْجِيحَهُ، وَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَجَّلَ ذُو نِصَابٍ) قَيَّدَ بِكَوْنِهِ ذَا نِصَابٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ أَقَلَّ مِنْهُ فَعَجَّلَ خَمْسَةً عَنْ مِائَتَيْنِ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ عَلَى مِائَتَيْنِ لَا يَجُوزُ، وَفِيهِ شَرْطَانِ آخَرَانِ: أَنْ لَا يَنْقَطِعَ النِّصَابُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، فَلَوْ عَجَّلَ خَمْسَةً مِنْ مِائَتَيْنِ ثُمَّ هَلَكَ مَا فِي يَدِهِ إلَّا دِرْهَمًا ثُمَّ اسْتَفَادَ فَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى مِائَتَيْنِ جَازَ مَا عَجَّلَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ هَلَكَ الْكُلُّ. وَأَنْ يَكُونَ النِّصَابُ كَامِلًا فِي آخِرِ الْحَوْلِ؛ فَلَوْ عَجَّلَ شَاةً مِنْ أَرْبَعِينَ وَحَالَ الْحَوْلُ وَعِنْدَهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ، فَإِنْ كَانَ دَفَعَهَا لِلْفَقِيرِ وَقَعَتْ نَفْلًا، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً فِي يَدِ السَّاعِي فَالْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وُقُوعُهَا زَكَاةً، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ: لِسِنِينَ) بِأَنْ كَانَ لَهُ ثَلَثُمِائَةِ دِرْهَمٍ دَفَعَ مِنْهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ عَنْ الْمِائَتَيْنِ عِشْرِينَ سَنَةً، وَقَوْلُهُ أَوْ لِنُصُبٍ. صُورَتُهُ أَنْ يَدْفَعَ الْمِائَةَ الْمَذْكُورَةَ عَنْ الْمِائَتَيْنِ وَعَنْ تِسْعَةَ عَشَرَ نِصَابًا سَتَحْدُثُ فَحَدَثَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ صَحَّ، وَإِنْ حَدَثَتْ فِي عَامٍ آخَرَ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ زَكَاةٍ عَلَى حِدَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ ح لَكِنَّ الْمِائَةَ الَّتِي عَجَّلَهَا تَقَعُ زَكَاةً عَنْ الْمِائَتَيْنِ عِشْرِينَ سَنَةً وَيَكُونُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، فَقَدْ قَالَ فِي النَّهْرِ وَعَلَى هَذَا تَفَرَّعَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ الْحَوَامِلِ فَعَجَّلَ شَاتَيْنِ عَنْهَا وَعَمَّا فِي بُطُونِهَا ثُمَّ نَتَجَتْ خَمْسًا قَبْلَ الْحَوْلِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ عَجَّلَ عَمَّا تَحْمِلُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَجُوزُ اهـ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَّلَ عَمَّا تَحْمِلُهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ يُوجَدْ الْمُعَجَّلُ عَنْهُ فِي سَنَةِ التَّعْجِيلِ فَلَمْ يَجُزْ عَمَّا نَوَى التَّعْجِيلَ عَنْهُ وَهَذَا أَرَادَ لَا نَفْيَ الْجَوَازِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَمَّا فِي مِلْكِهِ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي فَيَكُونُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ التَّعَيُّنَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: لَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَدَّى زَكَاةَ خَمْسَمِائَةٍ ظَانًّا أَنَّهَا كَذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْسِبَ الزِّيَادَةَ لِلسَّنَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ أَنْ يُعَجِّلَ الزِّيَادَةَ تَعْجِيلًا اهـ. وَقَيَّدَ فِي الْبَحْرِ بِكَوْنِ الْجِنْسِ مُتَّحِدًا قَالَ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَأَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ فَعَجَّلَ شَاةً عَنْ أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ ثُمَّ هَلَكَ لَا يَكُونُ عَنْ الْآخَرِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَيْنٌ وَدَيْنٌ فَعَجَّلَ عَنْ الْعَيْنِ فَهَلَكَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ جَازَ عَنْ الدَّيْنِ، وَلَوْ بَعْدَهُ فَلَا، وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِوُجُوبِ السَّبَبِ) أَيْ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ مِلْكُ النِّصَابِ النَّامِي فَيَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِسَنَةٍ وَأَكْثَرَ كَمَا إذَا كَفَّرَ بَعْدَ الْجُرْحِ وَكَذَا النُّصُبُ؛ لِأَنَّ النِّصَابَ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَصْلُ فِي السَّبَبِيَّةِ وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ تَابِعٌ لَهُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَفْضَلَ عَدَمُ التَّعْجِيلِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ عَجَّلَ) التَّشْبِيهُ رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ التَّعْجِيلُ لِسَنَةٍ أَوْ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ نِصَابًا وَأَخْرَجَ زَكَاتَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ كَانَ ذَلِكَ تَعْجِيلًا بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ لِكَوْنِهِ أَدَاءً قَبْلَ وَقْتِ وُجُوبِهِ وَهُنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ وَقْتَ أَدَاءِ الْعُشْرِ وَقْتُ الْإِدْرَاكِ، فَإِذَا أَدَّى قَبْلَهُ يَكُونُ تَعْجِيلًا عَنْ وَقْتِ الْأَدَاءِ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْخَارِجِ حَقِيقَةً، وَلَا يَصِحُّ إرْجَاعُهُ إلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ صُورَتَهَا أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ نُصُبٍ سَتَحْدُثُ لَهُ فِي عَامِهِ زَائِدَةٍ عَلَى مَا فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْأَدَاءِ، وَالْمُرَادُ هُنَا أَدَاءُ عُشْرِ مَا خَرَجَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْأَدَاءِ قَبْلَ وَقْتِهِ لَا عُشْرَ مَا سَيَحْدُثُ لَهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْنَا، وَلَيْسَ فِي الْبَحْرِ مَا يُفِيدُ خِلَافَ ذَلِكَ فَضْلًا عَنْ التَّصْرِيحِ بِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْخُرُوجِ) أَيْ خُرُوجِ الزَّرْعِ أَوْ الثَّمَرِ. (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْإِدْرَاكِ) أَيْ إدْرَاكِ الزَّرْعِ أَوْ الثَّمَرِ الَّذِي هُوَ وَقْتُ أَدَاءِ الْعُشْرِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ الْعُشْرِ أَنَّ وَقْتَهُ وَقْتُ خُرُوجِ الزَّرْعِ وَظُهُورُ الثَّمَرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقْتُ الْإِدْرَاكِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عِنْدَ التَّنْقِيَةِ وَالْجُذَاذِ اهـ وَعَلَيْهِ فَيَتَحَقَّقُ التَّعْجِيلُ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ. ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الْهُمَامِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ هُنَاكَ (قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِيهِ قَبْلَ النَّبَاتِ وَخُرُوجِ الثَّمَرَةِ) الْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ وَاخْتُلِفَ فِيهِ قَبْلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ، وَكَذَا لَوْ عَجَّلَ خَرَاجَ رَأْسِهِ، وَتَمَامَهُ فِي النَّهْرِ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَيْسَرَ الْفَقِيرُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ أَوْ مَاتَ أَوْ ارْتَدَّ وَ) ذَلِكَ لِأَنَّ (الْمُعْتَبَرَ كَوْنُهُ مَصْرِفًا وَقْتَ الصَّرْفِ إلَيْهِ) لَا بَعْدَهُ؛ وَلَوْ غَرَسَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ كَرْمًا فَمَا لَمْ يَتِمَّ الْكَرَمُ كَانَ عَلَيْهِ خَرَاجُ الزَّرْعِ مَجْمَعُ الْفَتَاوَى. (وَلَا شَيْءَ فِي مَالِ صَبِيٍّ تَغْلِبِينَ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَتُكْسَرُ نِسْبَةً لِبَنِي تَغْلِبْ بِكَسْرِهَا: قَوْمٌ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ (وَعَلَى الْمَرْأَةِ مَا عَلَى الرَّجُلِ مِنْهُمْ) لِأَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ مِنْهُمْ كَذَلِكَ. (وَيُؤْخَذُ) فِي الزَّكَاةِ السَّائِمَةُ (الْوَسَطُ) لَا الْهَوَامُّ وَلَا الْكَرَائِمُ (وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ بِغَيْرِ وَصِيَّةٍ) لِفَقْدِ شَرْطِهَا وَهُوَ النِّيَّةُ (وَإِنْ أَوْصَى بِهَا اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ) إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ (وَحَوْلُهَا) أَيْ الزَّكَاةِ (قَمَرِيٌّ) بَحْرٌ عَنْ الْقُنْيَةِ   [رد المحتار] الْخُرُوجِ أَيْ خُرُوجِ النَّبَاتِ وَالثَّمَرَةِ، وَأَفَادَ أَنَّ التَّعْجِيلَ قَبْلَ الزَّرْعِ أَوْ قَبْلَ الْغَرْسِ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ وُجُودِ السَّبَبِ كَمَا لَوْ عَجَّلَ زَكَاةَ الْمَالِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ (قَوْلُهُ: وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ) فِي نُسْخَةٍ عَدَمُ الْجَوَازِ وَهِيَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الزَّرْعِ قَبْلَ النَّبَاتِ وَكَذَا قَبْلَ طُلُوعِ الثَّمَرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ عَجَّلَ خَرَاجَ رَأْسِهِ) هَذَا التَّشْبِيهُ أَيْضًا رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. قَالَ ح: فَإِنَّ مَنْ عَجَّلَ خَرَاجَ رَأْسِهِ لِسِنِينَ صَحَّ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْجِزْيَةِ وَذَلِكَ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ رَأْسُهُ، وَكَذَا لَوْ عَجَّلَ خَرَاجَ أَرْضِهِ عَنْ سِنِينَ جَازَ كَمَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي بَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ، وَعَلَّلَهُ بِوُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ، لَكِنْ يَجِبُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى الْمُوَظَّفِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى النَّمَاءِ فَيَكُونُ سَبَبُهُ الْأَرْضَ النَّامِيَةَ بِإِمْكَانِ النَّمَاءِ لَا بِحَقِيقَتِهِ كَالْعُشْرِ وَخَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ) حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ فَجَعَلَهُ جَازَ عِنْدَ الثَّانِي خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّلَاةُ وَالِاعْتِكَافُ، وَلَوْ نَذَرَ حَجَّ سَنَةٍ كَذَا فَأَتَى بِهِ قَبْلَهَا جَازَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَذَا فِي السِّرَاجِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ) أَيْ أَوْ قَبْلَ مِلْكِ النُّصُبِ الَّتِي عَجَّلَ زَكَاتَهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُهُ مَصْرِفًا وَقْتَ الصَّرْفِ إلَيْهِ) فَصَحَّ الْأَدَاءُ إلَيْهِ وَلَا يُنْتَقَضُ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ غَرَسَ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ اسْتَطْرَدَهَا وَمَحَلُّهَا الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ ط (قَوْلُهُ: فَمَا لَمْ يَتِمَّ) أَيْ يُثْمِرْ، وَبِهِ عَبَّرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ: كَانَ عَلَيْهِ خَرَاجُ الزَّرْعِ) ؛ لِأَنَّ فِي غَرْسِهِ الْكَرَمَ تَعْطِيلَ الْأَرْضِ. وَمَنْ عَطَّلَ أَرْضَ الْخَرَاجِ يَجِبُ عَلَيْهِ خَرَاجُهَا، وَقَدْ كَانَتْ صَالِحَةً لِلزَّرْعِ فَيُؤَدِّي خَرَاجَهُ حَتَّى يُثْمِرَ الْكَرَمُ فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الْكَرَمِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ خَرَاجُ الزَّرْعِ لِوُجُودِ خَلْفَهُ فَخَرَاجُ الزَّرْعِ صَاعٌ وَدِرْهَمٌ فِي كُلِّ جَرِيبٍ فَيُؤَدِّيهِ إلَى أَنْ يَتِمَّ الْكَرَمُ فَيُؤَدِّي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ رَحْمَتِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ فِي مَالِ صَبِيٍّ تَغْلِبِينَ) أَيْ فِي مَالِ الزَّكَاةِ، بِخِلَافِ الْخَارِجِ فِي أَرْضِهِ الْعُشْرِيَّةُ مِنْ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ فَفِيهِ ضِعْفُ الْعُشْرِ كَمَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِي أَرْضِ الصَّبِيِّ الْمُسْلِمِ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ: لِبَنِي تَغْلِبَ) الْأَوْلَى حَذْفُ بَنِي فَإِنَّ النِّسْبَةَ لِتَغْلِبَ وَهُوَ أَبُو الْقَبِيلَةِ كَمَا فِي الْمِنَحِ ط. وَقَدْ يُقَالُ: لَا مَانِعَ مِنْ النِّسْبَةِ إلَى الْقَبِيلَةِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى أَبِيهَا (قَوْلُهُ: قَوْمٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: بَنُو تَغْلِبَ عَرَبٌ نَصَارَى هَمَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَضْرِبَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ فَأَبَوْا قَالُوا نَحْنُ عَرَبٌ لَا نُؤَدِّي مَا يُؤَدِّي الْعَجَمُ وَلَكِنْ خُذْ مِنَّا مَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ يَعْنُونَ الصَّدَقَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا هَذِهِ فَرْضُ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا فَزِدْ مَا شِئْت بِهَذَا الِاسْمِ لَا بِاسْمِ الْجِزْيَةِ فَفَعَلَ وَتَرَاضَى هُوَ وَهُمْ أَنْ يُضَعِّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ. وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ: هِيَ جِزْيَةٌ سَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ اهـ (قَوْلُهُ: مَا عَلَى الرَّجُلِ مِنْهُمْ) وَهُوَ نِصْفُ الْعُشْرِ ح. (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ الْوَسَطُ) مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَالْمُصَدِّقُ يَأْخُذُ الْوَسَطَ ح (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِهَا وَزَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ يُؤْخَذُ الزَّائِدُ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ. [فَرْعٌ] لَوْ زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ وَأَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَهَا فِي مَرَضِهِ يُؤَدِّيهَا سِرًّا مِنْ وَرَثَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ اسْتَقْرَضَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 (لَا شَمْسِيٌّ) وَسَيَجِيءُ الْفَرْقُ فِي الْعِنِّينِ. (شَكَّ أَنَّهُ أَدَّى الزَّكَاةَ أَوْ لَا يُؤَدِّيهَا) لِأَنَّ وَقْتَهَا الْعُمُرُ أَشْبَاهٌ. بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ أَلْ فِيهِ لِلْمَعْهُودِ فِي حَدِيثِ «هَاتُوا رُبُعَ عُشْرِ أَمْوَالِكُمْ» فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ السَّائِمَةِ لِأَنَّ زَكَاتَهَا غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِهِ. (نِصَابُ الذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالًا وَالْفِضَّةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ كُلُّ عَشْرَةِ) دَرَاهِمَ (وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ)   [رد المحتار] مِنْ آخَرَ وَأَدَّى الزَّكَاةَ إنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ، فَإِنْ اجْتَهَدَ وَلَمْ يَقْدِرْ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ مَعْذُورٌ كَذَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ وَغَيْرِهَا. وَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ سِرًّا أَنَّ الْوَرَثَةَ إنْ عَلِمُوا بِذَلِكَ كَانَ لَهُمْ أَخْذُ الزَّائِدِ قَضَاءً وَأَنَّ مَا فَعَلَهُ الْمُوَرِّثُ جَائِزٌ دِيَانَةً لِكَوْنِهِ مُضْطَرًّا إلَى أَدَاءِ الْفَرْضِ كَمَا عَلَّلَ بِهِ فِي شَرْحِ الْكَافِي قَائِلًا وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِالْقَضَاءِ وَالدِّيَانَةِ أَيْ بِحَمْلِ الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِهَا مِنْ الثُّلُثِ الْمُقَابِلِ لِلصَّحِيحِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْقَضَاءِ وَالْأَوَّلُ عَلَى الدِّيَانَةِ وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ الْفَرْقُ فِي الْعِنِّينِ) عِبَارَتُهُ مَعَ الْمَتْنِ وَأَجَلُ سَنَةٍ قَمَرِيَّةٍ بِالْأَهِلَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهِيَ ثَلَثُمِائَةٍ وَأَرْبَعٌ وَخَمْسُونَ وَبَعْضُ يَوْمٍ، وَقِيلَ شَمْسِيَّةً بِالْأَيَّامِ وَهِيَ أَزْيَدُ بِأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا. اهـ. ثُمَّ إنَّ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَ الْمِلْكُ فِي ابْتِدَاءِ الْأَهِلَّةِ، فَلَوْ مَلَكَهُ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ، قِيلَ يُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ، وَقِيلَ يُكْمِلُ الْأَوَّلَ مِنْ الْأَخِيرِ وَيُعْتَبَرُ مَا بَيْنَهُمَا بِالْأَهِلَّةِ نَظِيرَ مَا قَالُوهُ فِي الْعِدَّةِ ط. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ وَقْتَهَا الْعُمُرُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ: فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا شَكَّ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ أَصَلَّاهَا أَمْ لَا؟ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعُمُرَ كُلَّهُ وَقْتٌ لِأَدَاءِ الزَّكَاةِ فَصَارَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ شَكٍّ وَقَعَ فِي أَدَاءِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ يُعِيدُ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَعَتْ حَادِثَةٌ هِيَ أَنَّ مَنْ شَكَّ هَلْ أَدَّى جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ أَمْ لَا بِأَنْ كَانَ يُؤَدِّي مُتَفَرِّقًا وَلَا يَضْبِطُهُ هَلْ يَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرْنَا لُزُومُ الْإِعَادَةِ حَيْثُ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ دَفْعُ قَدْرٍ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ بِيَقِينٍ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالشَّكِّ. اهـ. قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَتَحَرَّى فِي مِقْدَارِ الْمُؤَدَّى: كَمَا لَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، فَمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ أَدَّاهُ سَقَطَ عَنْهُ وَأَدَّى الْبَاقِيَ، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ شَيْءٌ أَدَّى الْكُلَّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. . [بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ] ِ (قَوْلُهُ: أَلْ فِيهِ لِلْمَعْهُودِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الْمَالَ اسْمٌ لِمَا يُتَمَوَّلُ فَيَتَنَاوَلُ السَّوَائِمَ أَيْضًا، قَالَ فِي النَّهْرِ: وَبِهَذَا الْجَوَابِ اسْتَغْنَى عَمَّا قِيلَ فِي الْمَالِ فِي عُرْفِنَا يَتَبَادَرُ إلَى النَّقْدِ وَالْعُرُوضِ اهـ أَقُولُ: الْجَوَابُ الْأَوَّلُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الدُّرَرِ، وَالثَّانِي ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ تَبَادُرَ الذِّهْنِ إلَى الْمَعْهُودِ فِي الْعُرْفِ أَقْرَبُ مِنْ تَبَادُرِهِ إلَى الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِهِ) أَيْ بِرُبُعِ الْعُشْرِ (قَوْلُهُ: عِشْرُونَ مِثْقَالًا) فَمَا دُونَ ذَلِكَ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَلَوْ كَانَ نُقْصَانًا يَسِيرًا يَدْخُلُ بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ الشَّكُّ فِي كَمَالِ النِّصَابِ فَلَا حُكْمَ بِكَمَالِهِ مَعَ الشَّكِّ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. وَالْمِثْقَالُ لُغَةً: مَا يُوزَنُ بِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا. وَعُرْفًا مَا يَأْتِي ط (قَوْلُهُ: كُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ) اعْلَمْ أَنَّ الدَّرَاهِمَ كَانَتْ فِي عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُخْتَلِفَةً، فَمِنْهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ عَلَى وَزْنِ عَشَرَةِ مَثَاقِيلَ، وَعَشَرَةٌ عَلَى سِتَّةِ مَثَاقِيلَ، وَعَشَرَةٌ عَلَى خَمْسَةِ مَثَاقِيلَ، فَأَخَذَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ كُلِّ نَوْعٍ ثُلُثًا كَيْ لَا تَظْهَرَ الْخُصُومَةُ فِي الْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ فَثُلُثُ عَشَرَةٍ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ، وَثُلُثُ سِتَّةٍ اثْنَانِ وَثُلُثُ الْخَمْسَةِ دِرْهَمٌ وَثُلُثَانِ فَالْمَجْمُوعُ سَبْعَةٌ، وَإِنْ شِئْت فَاجْمَعْ الْمَجْمُوعَ فَيَكُونُ إحْدَى وَعِشْرِينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 وَالدِّينَارُ عِشْرُونَ قِيرَاطًا، وَالدِّرْهَمُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا، وَالْقِيرَاطُ خَمْسُ شَعِيرَاتٍ، فَيَكُونُ الدِّرْهَمُ الشَّرْعِيُّ سَبْعِينَ شَعِيرَةً وَالْمِثْقَالُ مِائَةَ شَعِيرَةٍ، فَهُوَ دِرْهَمٌ وَثَلَاثُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ،   [رد المحتار] فَثُلُثُ الْمَجْمُوعِ سَبْعَةٌ وَلِذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ الْعَشَرَةُ وَزْنَ سَبْعَةٍ، وَهَذَا يَجْرِي فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي الزَّكَاةِ وَنِصَابِ السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ وَتَقْدِيرِ الدِّيَاتِ ط عَنْ الْمِنَحِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ تَبَعٌ لِلدُّرَرِ وَثُلُثُ الْخَمْسَةِ دِرْهَمٌ وَثُلُثَانِ صَوَابُهُ مِثْقَالٌ وَثُلُثَانِ (قَوْلُهُ: وَالدِّينَارُ) أَيْ الَّذِي هُوَ الْمِثْقَالُ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمِثْقَالَ اسْمٌ لِلْمِقْدَارِ الْمُقَدَّرِ بِهِ، وَالدِّينَارُ اسْمٌ لِلْمُقَدَّرِ بِهِ بِقَيْدِ ذَهَبِيَّتِهِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الدِّينَارَ اسْمٌ لِلْقِطْعَةِ مِنْ الذَّهَبِ الْمَضْرُوبَةِ الْمُقَدَّرَةِ بِالْمِثْقَالِ، فَاتِّحَادُهُمَا مِنْ حَيْثُ الْوَزْنُ (قَوْلُهُ: وَالدِّرْهَمُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا) فَتَكُونُ الْمِائَتَانِ أَلْفَيْ قِيرَاطٍ وَثَمَانَمِائَةِ قِيرَاطٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ الدِّرْهَمُ الشَّرْعِيُّ، وَالدِّرْهَمُ الْمُتَعَارَفُ سِتَّةَ عَشَرَ قِيرَاطًا، وَزْنُهُ الرِّيَالُ الْفِرِنْجِيُّ بِالدَّرَاهِمِ الْمُتَعَارَفَةِ تِسْعَةُ دَرَاهِمَ وَقِيرَاطٌ، وَبِالدَّرَاهِمِ الشَّرْعِيَّةِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَخَمْسَةُ قَرَارِيطَ وَذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ قِيرَاطًا، فَيَكُونُ النِّصَابُ مِنْ الرِّيَالِ تِسْعَةَ عَشَرَ رِيَالًا وَثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَثَلَاثَةَ قَرَارِيطَ. اهـ. ط مَعَ بَعْضِ زِيَادَةٍ وَتَصْحِيحِ غَلَطٍ وَقَعَ فِي عِبَارَتِهِ فَافْهَمْ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الدِّرْهَمَ الْمُتَعَارَفَ أَكْبَرُ مِنْ الشَّرْعِيِّ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ السُّرُوجِيُّ فِي الْغَايَةِ بِقَوْلِهِ دِرْهَمُ مِصْرَ أَرْبَعٌ وَسِتُّونَ حَبَّةً وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ دِرْهَمِ الزَّكَاةِ، فَالنِّصَابُ مِنْهُ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ وَحَبَّتَانِ اهـ لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ صَاحِبُ الْفَتْحِ بِأَنَّهُ أَصْغَرُ لَا أَكْبَرُ؛ لِأَنَّ دِرْهَمَ الزَّكَاةِ سَبْعُونَ شَعِيرَةً وَدِرْهَمَ مِصْرَ لَا يَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ شَعِيرَةً؛ لِأَنَّ رُبُعَهُ مُقَدَّرٌ بِأَرْبَعِ خَرَانِيبَ وَالْخَرْنُوبَةُ أَرْبَعُ قَمْحَاتٍ وَسَطٍ. اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ السُّرُوجِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى تَقْدِيرِ الْقِيرَاطِ بِأَرْبَعِ حَبَّاتٍ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ الْآنَ، فَإِذَا كَانَ الدِّرْهَمُ الشَّرْعِيُّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا يَكُونُ سِتَّةً وَخَمْسِينَ حَبَّةً، فَيَكُونُ الدِّرْهَمُ الْعُرْفِيُّ أَكْبَرَ مِنْهُ، لَكِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي قِيرَاطِ الدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ خَمْسُ حَبَّاتٍ، بِخِلَافِ قِيرَاطِ الدِّرْهَمِ الْعُرْفِيِّ، قَالَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ: الدِّرْهَمُ الْآنَ الْمَعْرُوفُ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَأَرْضِ الْحِجَازِ هُوَ الْمُسَمَّى فِي عُرْفِنَا بِالْقَفْلَةِ بِالْقَافِ وَالْفَاءِ عَلَى وَزْنِ تَمْرَةٍ، وَهُوَ سِتَّ عَشْرَةَ خَرْنُوبَةً، كُلُّ خَرْنُوبَةٍ أَرْبَعُ شَعِيرَاتٍ أَوْ أَرْبَعُ قَمْحَاتٍ؛ لِأَنَّا اخْتَبَرْنَا الشَّعِيرَةَ الْمُتَوَسِّطَةَ مَعَ الْقَمْحَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ فَوَجَدْنَاهُمَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ، وَالْقِيرَاطُ فِي عُرْفِنَا الْآنَ هُوَ الْخَرْنُوبَةُ؛ فَيَكُونُ الدِّرْهَمُ الْعُرْفِيُّ أَرْبَعًا وَسِتِّينَ شَعِيرَةً وَهُوَ يَنْقُصُ عَنْ الشَّرْعِيِّ بِسِتِّ شَعِيرَاتٍ، وَالْمِثْقَالُ الْمَعْرُوفُ الْآنَ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ خَرْنُوبَةً فَهُوَ سِتٌّ وَتِسْعُونَ شَعِيرَةً فَيَنْقُصُ عَنْ الشَّرْعِيِّ بِأَرْبَعِ شَعِيرَاتٍ، فَالْمِائَتَانِ مِنْ الدَّرَاهِمِ الشَّرْعِيَّةِ مِائَتَا قَفْلَةٍ وَثَمَانَ عَشْرَةَ قَفْلَةً وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ قَفْلَةٍ، وَزَكَاتُهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ عُرْفِيَّةً وَسَبْعَةُ خَرَانِيبَ وَنِصْفُ خَرْنُوبَةٍ، وَالْعِشْرُونَ مِثْقَالًا الشَّرْعِيَّةُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ مِثْقَالًا عُرْفِيَّةً إلَّا أَرْبَعَ خَرَانِيبَ، وَزَكَاتُهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ خَرْنُوبَةً وَنِصْفُ خَرْنُوبَةٍ اهـ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْمِثْقَالَ الْعُرْفِيَّ سِتٌّ وَتِسْعُونَ شَعِيرَةً مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى عَنْ شَرْحِ التَّرْتِيبِ مِنْ أَنَّهُ بِمِصْرَ الْآنَ دِرْهَمٌ وَنِصْفٌ. وَذَكَرَ الرَّحْمَتِيُّ عَنْ السَّيِّدِ مُحَمَّدِ أَسْعَدَ مُفْتِي الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى عِدَّةِ دَنَانِيرَ قَدِيمَةٍ، مِنْهَا مَا هُوَ مَضْرُوبٌ فِي خِلَافَةِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَمِنْهَا فِي خِلَافَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ سَنَةَ (79) وَفِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ سَنَةَ (83) وَفِي خِلَافَةِ الرَّشِيدِ سَنَةَ (181) وَمِنْهَا سَنَةَ (173) وَمِنْهَا فِي زَمَنِ الْمَأْمُونِ وَدَنَانِيرَ أُخَرَ مُتَقَدِّمَةً وَمُتَأَخِّرَةً وَكُلُّهَا مُتَسَاوِيَةُ الْوَزْنِ كُلُّ دِينَارٍ دِرْهَمٌ وَرُبُعٌ بِدَرَاهِمِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ كُلُّ دِرْهَمٍ مِنْهَا سِتَّةَ عَشَرَ قِيرَاطًا، وَالْقِيرَاطُ أَرْبَعُ حَبَّاتِ حِنْطَةٍ. اهـ. قُلْت: وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ كَوْنِ الدِّينَارِ الشَّرْعِيِّ عِشْرِينَ قِيرَاطًا، لَكِنْ يُخَالِفُهُ مِنْ حَيْثُ اقْتِضَاؤُهُ أَنَّ الْقِيرَاطَ أَرْبَعُ حَبَّاتٍ، وَالْمِثْقَالُ ثَمَانُونَ حَبَّةً، وَالْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ دِرْهَمَ الزَّكَاةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 وَقِيلَ يُفْتَى فِي كُلِّ بَلَدٍ بِوَزْنِهِمْ وَسَنُحَقِّقُهُ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْبُيُوعِ (وَالْمُعْتَبَرُ وَزْنُهُمَا أَدَاءً وَوُجُوبًا) لَا قِيمَتُهُمَا. (وَاللَّازِمُ)   [رد المحتار] سِتَّةُ دَوَانِقَ وَالدَّانَقُ ثَمَانُ حَبَّاتِ شَعِيرٍ وَخُمُسَا حَبَّةٍ، فَالدِّرْهَمُ خَمْسُونَ حَبَّةً وَخُمُسَا حَبَّةٍ، وَالْمِثْقَالُ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ شَعِيرَةً مُعْتَدِلَةً لَمْ تُقْشَرْ وَقُطِعَ مِنْ طَرَفَيْهَا مَا دَقَّ وَطَالَ وَهُوَ لَمْ يَتَغَيَّرْ جَاهِلِيَّةً وَلَا إسْلَامًا، وَمَتَى نَقَصَ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِهِ كَانَ دِرْهَمًا، وَمَتَى زِيدَ عَلَى الدِّرْهَمِ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ كَانَ مِثْقَالًا. اهـ. قُلْت: وَعَلَيْهِ فَالدِّرْهَمُ اثْنَا عَشَرَ قِيرَاطًا كُلُّ قِيرَاطٍ نِصْفُ دَانَقٍ أَرْبَعُ حَبَّاتٍ وَخُمُسُ حَبَّةٍ، وَالْمِثْقَالُ سَبْعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَحَبَّتَانِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ثَلَاثَةَ أَسْبَاعِ الدِّرْهَمِ عَلَى تَقْدِيرِهِمْ إحْدَى وَعِشْرُونَ حَبَّةً وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ حَبَّةٍ، فَإِذَا زِيدَ ذَلِكَ عَلَى الدِّرْهَمِ وَهُوَ خَمْسُونَ حَبَّةً وَخُمُسَا حَبَّةٍ بَلَغَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ حَبَّةً، وَقَدْ ذَكَرَ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ أَقْوَالًا كَثِيرَةً فِي تَحْدِيدِ الْقِيرَاطِ وَالدِّرْهَمِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ الِاصْطِلَاحَاتِ، وَالْمَقْصُودُ تَحْدِيدُ الدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ، وَقَدْ سَمِعْت مَا فِيهِ مِنْ الِاضْطِرَابِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَنَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ الْمُتَعَامَلَ بِهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ مُخْتَلِفَةُ الْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ وَيَتَعَامَلُ بِهَا النَّاسُ عَدَدًا بِدُونِ مَعْرِفَةِ وَزْنِهَا وَيُخْرِجُونَ زَكَاتَهَا عَدَدًا أَيْضًا لِعُسْرِ ضَبْطِهَا بِالْوَزْنِ وَلَا سِيَّمَا لِمَنْ كَانَ لَهُ دُيُونٌ، فَإِنَّهُ إنْ قَدَّرَهَا بِالْأَثْقَلِ وَزْنًا بَلَغَتْ مِقْدَارًا، وَإِنْ قَدَّرَهَا بِالْأَخَفِّ بَلَغَتْ دُرْنَهُ فَيُخْرِجُونَ عَنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ قِرْشًا مِنْهَا قِرْشًا، وَعَنْ كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةً وَهَكَذَا مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا الْوَزْنُ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ جِنْسِ الْقُرُوشِ الثَّقِيلَةِ أَوْ الذَّهَبِ الثَّقِيلِ حَتَّى لَا يَنْقُصَ مَا يُخْرِجُهُ بِالْعَدَدِ عَنْ رُبُعِ الْعُشْرِ فَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِيَقِينٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَ مِنْ الْخَفِيفِ فَقَطْ أَوْ مِنْهُ وَمِنْ الثَّقِيلِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَبْلُغُ رُبُعَ عُشْرِ مَالِهِ إلَّا إذَا كَانَ جَمِيعُ مَالِهِ مِنْ جِنْسِ الْخَفِيفِ، وَغَالِبُ أَصْحَابِ الْأَمْوَالِ عَنْ هَذَا غَافِلُونَ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُفْتَى فِي كُلِّ بَلَدٍ بِوَزْنِهِمْ) جَزَمَ بِهِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَعَزَاهُ فِي الْخُلَاصَةِ إلَى ابْنِ الْفَضْلِ، وَبِهِ أَخَذَ السَّرَخْسِيُّ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَجَمْعِ النَّوَازِلِ وَالْعُيُونِ وَالْمِعْرَاجِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْفَتْحِ وَقَالَ بَعْدَهُ إلَّا أَنِّي أَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ بِمَا إذَا كَانَتْ لَا تَنْقُصُ عَنْ أَقَلِّ وَزْنٍ كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ مَا تَكُونُ الْعَشَرَةُ وَزْنَ خَمْسَةٍ اهـ بَحْرٌ مُلَخَّصًا. زَادَ فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ إلَّا أَنَّ كَوْنَ الدِّرْهَمِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا عَلَيْهِ الْجَمُّ الْغَفِيرُ وَالْجُمْهُورُ الْكَثِيرُ وَإِطْبَاقُ كُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ (قَوْلُهُ وَسَنُحَقِّقُهُ إلَخْ) الَّذِي حَقَّقَهُ هُنَاكَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالزَّكَاةِ بَلْ بِالْعُقُودِ، فَإِذَا أَطْلَقَ اسْمَ الدِّرْهَمِ فِي الْعَقْدِ انْصَرَفَ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَكَذَلِكَ إذَا أَطْلَقَهُ الْوَاقِفُ ح (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَبَرُ وَزْنُهُمَا أَدَاءً) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْأَدَاءُ، يَعْنِي يَعْتَبِرُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَدَّى قَدْرَ الْوَاجِبِ وَزْنًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَالثَّانِي. وَقَالَ زُفَرُ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ. وَاعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ الْأَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ، فَلَوْ أَدَّى عَنْ خَمْسَةٍ جَيِّدَةٍ زُيُوفًا قِيمَتُهَا أَرْبَعَةٌ جَيِّدَةٌ جَازَ عِنْدَهُمَا وَكُرِهَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْفَضْلَ، وَلَوْ أَرْبَعَةً جَيِّدَةً قِيمَتُهَا خَمْسَةٌ رَدِيئَةٌ لَمْ يَجُزْ إلَّا عِنْدَ زُفَرَ؛ وَلَوْ كَانَ لَهُ إبْرِيقُ فِضَّةٍ وَزْنُهُ مِائَتَانِ وَقِيمَتُهُ ثَلَثُمِائَةٍ إنْ أَدَّى خَمْسَةً مِنْ عَيْنِهِ فَلَا كَلَامَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ جَازَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَضْلَ. وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ أَدَّى مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ، حَتَّى لَوْ أَدَّى مِنْ الذَّهَبِ مَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ مِنْ غَيْرِ الْإِنَاءِ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِهِمْ لِتَقَوُّمِ الْجَوْدَةِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ، فَإِنْ أَدَّى الْقِيمَةَ وَقَعَتْ عَنْ الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ، كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَوُجُوبًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْوُجُوبُ؛ يَعْنِي يُعْتَبَرُ فِي الْوُجُوبِ أَنْ يَبْلُغَ وَزْنُهُمَا نِصَابًا نَهْرٌ، حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ إبْرِيقُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ عَشَرَةُ مَثَاقِيلَ أَوْ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ لِصِيَاغَتِهِ عِشْرُونَ أَوْ مِائَتَانِ لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ إجْمَاعًا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا قِيمَتُهُمَا) نَفْيٌ لِقَوْلِ زُفَرَ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فِي الْأَدَاءِ، وَهَذَا إنْ لَمْ يُؤَدِّ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 مُبْتَدَأٌ (فِي مَضْرُوبِ كُلٍّ) مِنْهُمَا (وَمَعْمُولِهِ وَلَوْ تِبْرًا أَوْ حُلِيًّا مُطْلَقًا) مُبَاحَ الِاسْتِعْمَالِ أَوْ لَا وَلَوْ لِلتَّجَمُّلِ وَالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا أَثْمَانًا فَيُزَكِّيهِمَا كَيْفَ كَانَا (أَوْ) فِي (عَرْضِ تِجَارَةٍ قِيمَتُهُ نِصَابٌ) الْجُمْلَةُ صِفَةُ عَرَضٍ وَهُوَ هُنَا مَا لَيْسَ بِنَقْدٍ. وَأَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ النِّيَّةِ فِي نَحْوِ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ فَلِقِيَامِ الْمَانِعِ كَمَا قَدَّمْنَا لَا لِأَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَتْ مِنْ الْعَرَضِ فَتَنَبَّهْ (مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ) أَيْ فِضَّةٍ مَضْرُوبَةٍ، فَأَفَادَ أَنَّ التَّقْوِيمَ إنَّمَا يَكُونُ   [رد المحتار] وَإِلَّا اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ إجْمَاعًا كَمَا عَلِمْت، وَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَزِيدَ وَلَا الْأَنْفَعُ نَفْيًا لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. ح. (قَوْلُهُ مَضْرُوبِ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ مَا جُعِلَ دَرَاهِمَ يُتَعَامَلُ بِهَا أَوْ دَنَانِيرَ ط (قَوْلُهُ: وَمَعْمُولِهِ) أَيْ مَا يُعْمَلُ مِنْ نَحْوِ حِلْيَةِ سَيْفٍ أَوْ مِنْطَقَةٍ أَوْ لِجَامٍ أَوْ سَرْجٍ أَوْ الْكَوَاكِبِ فِي الْمَصَاحِفِ وَالْأَوَانِي وَغَيْرِهَا إذَا كَانَتْ تَخْلُصُ بِالْإِذَابَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ تِبْرًا) التِّبْرُ: الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ قَبْلَ أَنْ يُصَاغَا بَحْرٌ عَنْ ضِيَاءِ الْحُلُومِ، وَلِذَا قَالَ ح: لَا يَصِحُّ الْإِتْيَانُ بِهِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْمَضْرُوبُ وَلَا الْمَعْمُولُ، بَلْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ مُطْلَقًا وَتِبْرُهُ، بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْكَنْزِ حَيْثُ قَالَ: يَجِبُ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا رُبُعُ الْعُشْرِ وَلَوْ تِبْرًا فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: أَوْ حُلِيًّا) بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ جَمْعُ حَلْيٍ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ: مَا تَتَحَلَّى بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ نَهْرٌ قُلْت: وَلَا يَتَعَيَّنُ ضَبْطُ الْمَتْنِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْمُفْرَدَ بَلْ هُوَ الْأَنْسَبُ بِقَوْلِ الشَّارِحِ مُبَاحَ الِاسْتِعْمَالِ حَيْثُ ذَكَّرَ الضَّمِيرَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْمَذْكُورِ مِنْ الْمَعْمُولِ وَالْحُلِيِّ (قَوْلُهُ: أَوْ لَا) كَخَاتَمِ الذَّهَبِ لِلرِّجَالِ وَالْأَوَانِي مُطْلَقًا وَلَوْ مِنْ فِضَّةٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِلتَّجَمُّلِ) أَيْ التَّزَيُّنِ بِهِمَا فِي الْبُيُوتِ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ ط (قَوْلُهُ وَالنَّفَقَةِ) فِيهِ مُنَافَاةٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْمَلَكِ: إذَا كَانَتْ مَشْغُولَةً بِحَوَائِجِهِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ فَارْجِعْ إلَيْهِ ح (قَوْلُهُ: وَهُوَ هُنَا مَا لَيْسَ بِنَقْدٍ) كَذَا فَسَّرَهُ فِي الْمُغْرِبِ، وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ ضِيَاءِ الْحُلُومِ. وَفِي الدُّرَرِ: الْعَرْضُ بِسُكُونِ الرَّاءِ مَتَاعٌ لَا يَدْخُلُهُ كَيْلٌ وَلَا وَزْنٌ وَلَا يَكُونُ حَيَوَانًا وَلَا عَقَارًا كَذَا فِي الصِّحَاحِ. وَأَمَّا بِفَتْحِهَا فَمَتَاعُ الدُّنْيَا، وَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَمْوَالِ، وَلَا وَجْهَ لَهُ هَاهُنَا لِجَعْلِهِ مُقَابِلًا لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ اهـ أَيْ مَفْتُوحُ الرَّاءِ غَيْرُ مُرَادٍ هُنَا لِتَنَاوُلِهِ جَمِيعَ الْأَمْوَالِ مَعَ أَنَّ النَّقْدَيْنِ غَيْرُ دَاخِلَيْنِ فِيهِ هُنَا بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ، فَيَتَعَيَّنُ إرَادَةُ سَاكِنِ الرَّاءِ، لَكِنْ عَلَى مَا فِي الصِّحَاحِ يَخْرُجُ عَنْهُ الدَّوَابُّ وَالْمَكِيلَاتُ وَالْمَوْزُونَاتُ مَعَ أَنَّهَا مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ إذَا نَوَاهَا فِيهَا فَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ: هُوَ هُنَا مَا لَيْسَ بِنَقْدٍ: أَيْ أَنَّ الْمُنَاسِبَ لِلْمُرَادِ هُنَا الِاقْتِصَارُ عَلَى تَفْسِيرِهِ بِذَلِكَ لِيَدْخُلَ فِيهِ مَا ذَكَرَ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ النِّيَّةِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا أَوْرَدَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّ الْأَرْضَ الْخَرَاجِيَّةَ لَا يَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَإِنْ نَوَى عِنْدَ شِرَائِهَا التِّجَارَةَ مَعَ أَنَّهَا مِنْ الْعُرُوضِ، وَالْجَوَابُ مَا تَقَدَّمَ قُبَيْلَ بَابِ السَّائِمَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا عَدَا الْحَجَرَيْنِ وَالسَّوَائِمِ إنَّمَا يُزَكَّى بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْمَانِعِ الْمُؤَدِّي إلَى الثَّنْيِ (قَوْلُ لَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ إلَخْ) رَدٌّ عَلَى مَا فِي الدُّرَرِ حَيْثُ أَجَابَ عَمَّا أَوْرَدَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَتْ مِنْ الْعَرْضِ بِنَاءً عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الصِّحَاحِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ مَرْدُودٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الصَّوَابَ تَفْسِيرُهُ هُنَا بِمَا لَيْسَ بِنَقْدٍ اهـ. وَقَدْ أَوْرَدَ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا مَا إذَا اشْتَرَى أَرْضَ عُشْرٍ وَزَرَعَهَا أَوْ اشْتَرَى بَذْرًا لِلتِّجَارَةِ وَزَرَعَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ وَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ. اهـ. وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ قِيَامِ الْمَانِعِ. وَأَجَابَ فِي الدُّرَرِ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْبَذْرِ إنَّمَا حَدَثَ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ نِيَّةِ الْخِدْمَةِ إذَا أَسْقَطَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ، كَمَا مَرَّ فَلَأَنْ يُسْقِطَهُ التَّصَرُّفُ الْأَقْوَى مِنْ النِّيَّةِ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ نِصَابٌ. وَأَشَارَ بِأَوْ إلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ، إنْ شَاءَ قَوَّمَهَا بِالْفِضَّةِ، وَإِنْ شَاءَ بِالذَّهَبِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَيْنِ فِي تَقْدِيرِ قِيَمِ الْأَشْيَاءِ بِهِمَا سَوَاءٌ بَحْرٌ، لَكِنَّ التَّخْيِيرَ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: فَأَفَادَ) تَفْرِيعٌ عَلَى تَفْسِيرِ الْوَرِقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 بِالْمَسْكُوكِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ (مُقَوَّمًا بِأَحَدِهِمَا) إنْ اسْتَوَيَا، فَلَوْ أَحَدُهُمَا أَرْوَجُ تَعَيَّنَ التَّقْوِيمُ بِهِ؛ وَلَوْ بَلَغَ بِأَحَدِهِمَا نِصَابًا دُونَ الْآخَرِ تَعَيَّنَ مَا يَبْلُغُ بِهِ، وَلَوْ بَلَغَ بِأَحَدِهِمَا نِصَابًا وَخُمُسًا وَبِالْآخَرِ أَقَلَّ قَوَّمَهُ بِالْأَنْفَعِ لِلْفَقِيرِ سِرَاجٌ (رُبُعُ عُشْرٍ) خَبَرُ قَوْلِهِ اللَّازِمُ. (وَفِي كُلِّ خُمُسٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ (بِحِسَابِهِ) فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعَةِ مَثَاقِيلَ قِيرَاطَانِ، وَمَا بَيْنَ الْخُمُسِ إلَى الْخُمُسِ عَفْوٌ. وَقَالَا: مَا زَادَ بِحِسَابِهِ   [رد المحتار] بِالْفِضَّةِ الْمَضْرُوبَةِ ط (قَوْلُهُ بِالْمَسْكُوكِ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ الْمَضْرُوبِ عَلَى السِّكَّةِ، وَهِيَ حَدِيدَةٌ مَنْقُوشَةٌ يُضْرَبُ عَلَيْهَا الدَّرَاهِمُ قَامُوسٌ. وَوَجْهُ الْإِفَادَةِ ظَاهِرٌ مِنْ الْوَرِقِ: أَمَّا الذَّهَبُ فَلَا كَمَا لَا يَخْفَى، إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا اقْتَرَنَ بِالْمَضْرُوبِ مِنْ الْفِضَّةِ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَضْرُوبَ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: عَمَلًا بِالْعُرْفِ) فَإِنَّ الْعُرْفَ التَّقْوِيمُ بِالْمَسْكُوكِ بَحْرٌ، وَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ أَفَادَ (قَوْلُهُ: مُقَوَّمًا بِأَحَدِهِمَا) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ؛ لِأَنَّ مَا مَعْنَاهَا التَّخْيِيرُ وَمَحَلُّ التَّخْيِيرِ إذَا اسْتَوَيَا فَقَطْ. أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا قُوِّمَ بِالْأَنْفَعِ اهـ ح وَقَدَّمَ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَجَازَ دَفْعُ الْقِيمَةِ أَنَّهَا تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْوُجُوبِ، وَقَالَا يَوْمَ الْأَدَاءِ كَمَا فِي السَّوَائِمِ، وَيُقَوَّمُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي الْمَالُ فِيهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: تَعَيَّنَ التَّقْوِيمُ بِهِ) أَيْ إذَا كَانَ يَبْلُغُ بِهِ نِصَابًا، لِمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْفَتْحِ: يَتَعَيَّنُ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا دُونَ مَا لَا يَبْلُغُ، فَإِنْ بَلَغَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَأَحَدُهُمَا أَرْوَجُ تَعَيَّنَ التَّقْوِيمُ بِالْأَرْوَجِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَلَغَ بِأَحَدِهِمَا نِصَابًا وَخُمُسًا إلَخْ) بَيَانُهُ مَا فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ: لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ قَوَّمَهَا بِالدَّرَاهِمِ بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَبِالدَّنَانِيرِ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ قَوَّمَهَا بِالدَّرَاهِمِ لِوُجُوبِ سِتَّةٍ فِيهَا، بِخِلَافِ الدَّنَانِيرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ وَقِيمَتُهُ خَمْسَةٌ، وَلَوْ بَلَغَتْ بِالدَّنَانِيرِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَبِالدَّرَاهِمِ مِائَةً وَسِتَّةً وَثَلَاثِينَ قَوَّمَهَا بِالدَّنَانِيرِ. اهـ. وَفِي الْهِدَايَةِ كُلُّ دِينَارٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي الشَّرْعِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: أَيْ يُقَوَّمُ فِي الشَّرْعِ بِعَشَرَةٍ كَذَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ (قَوْلُهُ: وَفِي كُلِّ خُمُسٍ بِحِسَابِهِ) أَيْ مَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ عَفْوٌ إلَى أَنْ يَبْلُغَ خُمُسَ نِصَابٍ، ثُمَّ كُلُّ مَا زَادَ عَلَى الْخُمُسِ عَفْوٌ إلَى أَنْ يَبْلُغَ خُمُسًا آخَرَ (قَوْلُهُ: وَقَالَا مَا زَادَ بِحِسَابِهِ) يَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَانِ وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ مَضَى عَلَيْهَا عَامَانِ. قَالَ الْإِمَامُ: يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ. وَقَالَا: خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ خَمْسَةٌ وَثُمُنٌ فَبَقِيَ السَّالِمُ مِنْ الدَّيْنِ فِي الثَّانِي نِصَابٌ إلَّا ثُمُنًا. وَعِنْدَهُ لَا زَكَاةَ فِي الْكُسُورِ فَبَقِيَ النِّصَابُ فِي الثَّانِي كَامِلًا؛ وَفِيمَا إذَا كَانَ لَهُ أَلْفٌ حَالَ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ كَانَ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَفِي الثَّالِثِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ عِنْدَهُ. وَقَالَا: يَجِبُ مَعَ الْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ دِرْهَمٍ وَمَعَ الثَّلَاثَةِ وَالْعِشْرِينَ نِصْفُ وَرُبُعُ وَثُمُنُ دِرْهَمٍ، وَلَا خِلَافَ أَنْ يَجِبَ فِي الْأَوَّلِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، كَذَا فِي السِّرَاجِ نَهْرٌ. أَقُولُ: قَوْلُهُ وَثُمُنُ دِرْهَمٍ كَذَا وَجَدْته أَيْضًا فِي السِّرَاجِ وَصَوَابُهُ وَثُمُنُ ثُمُنِ دِرْهَمٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْحَاسِبِ. [تَنْبِيهٌ] يَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ أَيْضًا فِيمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ لَا تُضَمُّ إحْدَى الزِّيَادَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى: أَيْ الزِّيَادَةُ عَلَى نِصَابِ الْفِضَّةِ لَا تُضَمُّ إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى نِصَابِ الذَّهَبِ لِيُتِمَّ أَرْبَعِينَ أَوْ أَرْبَعَةَ مَثَاقِيلَ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي، الْكُسُورِ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا تُضَمُّ لِوُجُوبِهَا فِي الْكُسُورِ اهـ مُوَضَّحًا، لَكِنْ تَوَقَّفَ الرَّحْمَتِيُّ فِي فَائِدَةِ الضَّمِّ عِنْدَهُمَا بَعْدَ قَوْلِهِمَا بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْكُسُورِ وَعَنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكُسُورِ (وَغَالِبُ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ وَمَا غَلَبَ غِشُّهُ) مِنْهُمَا (يُقَوَّمُ) كَالْعُرُوضِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ إلَّا إذَا كَانَ يَخْلُصُ مِنْهُ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا أَوْ أَقَلَّ. وَعِنْدَهُ مَا يَتِمُّ بِهِ أَوْ كَانَتْ أَثْمَانًا رَائِجَةً وَبَلَغَتْ نِصَابًا مِنْ أَدْنَى فَقَدْ تَجِبُ زَكَاتُهُ فَتَجِبُ وَإِلَّا فَلَا. (وَاخْتُلِفَ فِي) الْغِشِّ (الْمُسَاوِي وَالْمُخْتَارُ لُزُومُهَا احْتِيَاطًا)   [رد المحتار] نَقَلَ بَعْضُ مُحَشِّي الْكِتَابِ عَنْ شَيْخِهِ مُحَمَّدِ أَمِينٍ مِيرْغَنِيٍّ أَنَّ السُّرُوجِيَّ نَقَلَ عَنْ الْمُحِيطِ الْخِلَافَ بِالْعَكْسِ وَأَنَّ مَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ غَلَطٌ. اهـ. قُلْت: وَقَدْ رَاجَعْت الْمُحِيطَ فَرَأَيْته مِثْلَ مَا نَقَلَهُ السُّرُوجِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكُسُورِ) أَيْ الَّتِي يُقَالُ فِيهَا لَا زَكَاةَ فِي الْكُسُورِ عِنْدَهُ مَا لَمْ تَبْلُغْ الْخُمُسَ أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ «لَا تَأْخُذْ مِنْ الْكُسُورِ شَيْئًا» سُمِّيَتْ كُسُورًا بِاعْتِبَارِ مَا يَجِبُ فِيهَا (قَوْلُهُ: وَغَالِبُ الْفِضَّةِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ غِشٍّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْطَبِعُ إلَّا بِهِ فَجُعِلَتْ الْغَلَبَةُ فَاصِلَةً نَهْرٌ، وَمِثْلُهَا الذَّهَبُ ط (قَوْلُهُ: فِضَّةٌ وَذَهَبٌ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، أَيْ فَتَجِبُ زَكَاتُهُمَا لَا زَكَاةُ الْعُرُوضِ وَإِنْ أَعَدَّهُمَا لِلتِّجَارَةِ كَمَا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ) أَيْ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ إنْ نَوَى فِيهِ التِّجَارَةَ نَهْرٌ وَتَقَدَّمَ قُبَيْلَ بَابِ السَّائِمَةِ شَرْطُ نِيَّةِ التِّجَارَةِ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ مَا يَتِمُّ بِهِ) أَيْ مِنْ عُرُوضِ تِجَارَةٍ أَوْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ، وَهُوَ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ أَوْ أَقَلُّ ط (قَوْلُهُ: وَبَلَغَتْ) أَيْ بِالْقِيمَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: مِنْ أَدْنَى إلَخْ) فَسَّرَ الْأَدْنَى فِي الْبَدَائِعِ بِاَلَّتِي يَغْلِبُ عَلَيْهَا الْفِضَّةُ، وَقُلْت: يَنْبَغِي تَفْسِيرُهَا بِالْمُسَاوِي عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ وُجُوبِهَا فِيهِ كَمَا يَذْكُرُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: فَتَجِبُ) أَيْ فِيمَا غَلَبَ غِشُّهُ إذَا نَوَى فِيهِ التِّجَارَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ وَلَكِنْ يَخْلُصُ مِنْهُ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا أَوْ لَمْ يَخْلُصْ وَلَكِنْ كَانَ أَثْمَانًا رَائِجَةً وَبَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا: أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا يَخْلُصُ مِنْهُ نِصَابٌ أَوْ كَانَ ثَمَنًا رَائِجًا تَجِبُ زَكَاتُهُ سَوَاءٌ نَوَى التِّجَارَةَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَخْلُصُ مِنْهُ نِصَابٌ تَجِبُ زَكَاةُ الْخَالِصِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ وَعَيْنُ النَّقْدَيْنِ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التِّجَارَةِ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ وَغَيْرِهِ وَكَذَا مَا كَانَ ثَمَنًا رَائِجًا، فَبَقِيَ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ لِمَا سِوَى ذَلِكَ، هَذَا مَا يُعْطِيهِ كَلَامُ الشَّارِحِ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، لَكِنْ فِي الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ الْغَالِبَ غِشُّهُ، إنْ نَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ مُطْلَقًا، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَتْ فِضَّةً تَخْلُصُ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ إنْ بَلَغَتْ نِصَابًا وَحْدَهَا أَوْ بِالضَّمِّ إلَى غَيْرِهَا. اهـ. وَمُفَادُهُ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ فِيمَا نَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ وَإِنْ تَخَلَّصَ مِنْهُ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا وَيَظْهَرُ لِي عَدَمُ الْمُنَافَاةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَخْلُصُ مِنْهُ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا تَجِبُ زَكَاةُ ذَلِكَ الْخَالِصِ وَحْدَهُ كَمَا مَرَّ عَنْ الْجَوْهَرَةِ إلَّا إذَا نَوَى التِّجَارَةَ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ كُلِّهِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَإِذَا تَأَمَّلْت كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ تَرَاهُ كَالصَّرِيحِ فِيمَا ذَكَرْته فَافْهَمْ. [فَرْعٌ] فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: الْفُلُوسُ إنْ كَانَتْ أَثْمَانًا رَائِجَةً أَوْ سِلَعًا لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي قِيمَتِهَا وَإِلَّا فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُخْتَارُ لُزُومُهَا) أَيْ الزَّكَاةِ: أَيْ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ التِّجَارَةِ، وَقِيلَ لَا تَجِبُ نَهْرٌ: قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ وَالْأَظْهَرُ عَدَمُ الْوُجُوبِ لِعَدَمِ الْغَلَبَةِ الْمَشْرُوطَةِ لِلْوُجُوبِ، وَقِيلَ يَجِبُ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ نَظَرًا إلَى وَجْهَيْ الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ اهـ وَظَاهِرُ الدُّرَرِ اخْتِيَارُ الْأَوَّلِ تَبَعًا لِلْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ. قَالَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ وَهُوَ اخْتِيَارِيٌّ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي الْعِبَادَةِ وَاجِبٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ، مِنْهَا مَا إذَا اسْتَوَى الدَّمُ وَالْبُزَاقُ يُنْقَضُ الْوُضُوءُ احْتِيَاطًا اهـ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 خَانِيَّةٌ وَلِذَا لَا تُبَاعُ إلَّا وَزْنًا. وَأَمَّا الذَّهَبُ الْمَخْلُوطُ بِفِضَّةٍ، فَإِنْ غَلَبَ الذَّهَبُ فَذَهَبٌ وَإِلَّا فَإِنْ بَلَغَ الذَّهَبُ أَوْ الْفِضَّةُ   [رد المحتار] تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلِذَا) أَيْ لِلِاحْتِيَاطِ. وَفِي نُسْخَةٍ: وَكَذَا بِالْكَافِ، وَبِهَا عَبَّرَ فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ، وَقَوْلُهُ: لَا تُبَاعُ إلَّا وَزْنًا: أَيْ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الرِّبَا. اهـ. ط. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الذَّهَبُ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَغَالِبُ الْفِضَّةِ إلَخْ فَإِنَّ ذَلِكَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُخَالِطُ غِشًّا ط (قَوْلُهُ: فَإِنْ غَلَبَ الذَّهَبُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الذَّهَبَ إذَا خُلِطَ بِالْفِضَّةِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ غَالِبًا أَوْ مَغْلُوبًا أَوْ مُسَاوِيًا. وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَبْلُغَ كُلٌّ مِنْهُمَا نِصَابًا أَوْ الذَّهَبُ فَقَطْ أَوْ الْفِضَّةُ فَقَطْ أَوْ لَا، فَهِيَ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً مِنْهَا صُورَتَانِ عَقْلِيَّتَانِ فَقَطْ، وَهُمَا أَنْ تَبْلُغَ الْفِضَّةُ وَحْدَهَا نِصَابًا وَالذَّهَبُ غَالِبٌ عَلَيْهَا أَوْ مُسَاوٍ لَهَا وَالْعَشَرَةُ الْخَارِجِيَّةُ. إذَا عَرَفْت هَذَا فَقَوْلُهُ فَإِنْ غَلَبَ الذَّهَبُ فَذَهَبٌ فِيهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ: بُلُوغُ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصَابَهُ وَعَدَمُهُ وَبُلُوغُ الذَّهَبِ فَقَطْ وَبُلُوغُ الْفِضَّةِ فَقَطْ، لَكِنَّ الرَّابِعَةَ مُمْتَنِعَةٌ كَمَا عَلِمْت؛ لِأَنَّهُ مَتَى غَلَبَ الذَّهَبُ عَلَى الْفِضَّةِ الْبَالِغَةِ نِصَابًا لَزِمَ بُلُوغُهُ نِصَابًا بَلْ نُصُبًا، وَبَيَّنَ حُكْمَ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ بِقَوْلِهِ فَذَهَبٌ. أَمَّا الْأُولَى وَالثَّالِثَةُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الذَّهَبَ فِيهِمَا بَلَغَ بِانْفِرَادِهِ نِصَابًا فَكَانَتْ الْفِضَّةُ تَبَعًا لَهُ سَوَاءٌ بَلَغَتْ نِصَابًا أَيْضًا كَمَا فِي الْأُولَى أَوْ لَا كَمَا فِي الثَّالِثَةِ فَتُزَكَّى بِزَكَاتِهِ وَكَذَلِكَ الثَّانِيَةُ؛ لِأَنَّ الذَّهَبَ مَتَى غَلَبَ كَانَ هُوَ الْمُعْتَبَرَ؛ لِأَنَّهُ أَعَزُّ وَأَغْلَى كَمَا يَأْتِي، فَإِذَا بَلَغَ مَجْمُوعُهُمَا نِصَابًا زَكَّى زَكَاةَ الذَّهَبِ، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ الذَّهَبُ بِأَنْ غَلَبَتْ الْفِضَّةُ أَوْ تَسَاوَيَا فِيهِ ثَمَانِيَةُ صُوَرٍ بُلُوغُ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصَابَهُ وَعَدَمُهُ وَبُلُوغُ الذَّهَبِ فَقَطْ أَوْ الْفِضَّةِ فَقَطْ مَعَ غَلَبَةِ الْفِضَّةِ أَوْ التَّسَاوِي، لَكِنَّ بُلُوغَ الْفِضَّةِ فَقَطْ مَعَ التَّسَاوِي مُمْتَنِعَةٌ كَمَا عَلِمْت فَبَقِيَ سَبْعَةٌ، وَتَقْيِيدُهُ بِبُلُوغِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ نِصَابَهُ مُخْرِجٌ لِصُورَتَيْنِ مِنْهَا، وَهُمَا مَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ كُلٌّ مِنْهُمَا نِصَابَهُ مَعَ غَلَبَةِ الْفِضَّةِ أَوْ التَّسَاوِي وَسَنَذْكُرُ حُكْمَهُمَا، فَبَقِيَ خَمْسُ صُوَرٍ ثِنْتَانِ فِي التَّسَاوِي وَثَلَاثَةٌ فِي غَلَبَةِ الْفِضَّةِ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ بَلَغَ الذَّهَبُ: أَيْ بَلَغَ نِصَابًا وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْفِضَّةِ عِنْدَ غَلَبَةِ الْفِضَّةِ أَوْ التَّسَاوِي فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ الْفِضَّةُ: أَوْ بَلَغَتْ الْفِضَّةُ وَحْدَهَا نِصَابًا عِنْدَ غَلَبَتِهَا عَلَى الذَّهَبِ فَهَذِهِ الْخَامِسَةُ، وَقَوْلُهُ وَجَبَتْ أَيْ زَكَاةُ الْبَالِغِ النِّصَابَ؛ فَإِنْ بَلَغَهُ الذَّهَبُ وَجَبَتْ زَكَاةُ الذَّهَبِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَلَغَ النِّصَابُ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ؛ لِأَنَّهُ أَعَزُّ وَأَغْلَى وَتَصِيرُ الْفِضَّةِ تَبَعًا لَهُ، وَلَوْ بَلَغَتْ نِصَابًا مَعَهُ وَإِنْ كَانَ الْبَالِغُ هُوَ الْفِضَّةَ الْغَالِبَةَ عَلَيْهِ دُونَهُ وَجَبَتْ زَكَاةُ الْفِضَّةِ تَرْجِيحًا لَهَا بِبُلُوغِ النِّصَابِ فَيُجْعَلُ كُلُّهُ فِضَّةً، لَكِنْ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ سَنَذْكُرُهُ، وَقَدْ عُلِمَ حُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي تَقْرِيرِ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَالْخَمْسِ الْأُخَرِ مِنْ عِبَارَةِ الشُّمُنِّيِّ. وَعِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ: أَمَّا عِبَارَةُ الشُّمُنِّيِّ فَهِيَ قَوْلُهُ: وَلَوْ سَبَكَ الذَّهَبَ مَعَ الْفِضَّةِ، فَإِنْ بَلَغَ الذَّهَبُ نِصَابًا زَكَّى الْجَمِيعَ زَكَاةَ الذَّهَبِ سَوَاءٌ كَانَ غَالِبًا أَوْ مَغْلُوبًا؛ لِأَنَّهُ أَعَزُّ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الذَّهَبُ نِصَابَهُ، فَإِنْ بَلَغَتْ الْفِضَّةُ نِصَابَهَا زَكَّى الْجَمِيعَ زَكَاةَ الْفِضَّةِ. اهـ. وَأَمَّا عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ فَهِيَ قَوْلُهُ: وَلِلذَّهَبِ الْمَخْلُوطِ بِالْفِضَّةِ إنْ بَلَغَ الذَّهَبُ نِصَابَ الذَّهَبِ وَجَبَتْ فِيهِ زَكَاةُ الذَّهَبِ، وَإِنْ بَلَغَتْ الْفِضَّةُ نِصَابَ الْفِضَّةِ وَجَبَتْ فِيهِ زَكَاةُ الْفِضَّةِ؛ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ غَالِبَةً، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَغْلُوبَةً فَهُوَ كُلُّهُ ذَهَبٌ؛ لِأَنَّهُ أَعَزُّ وَأَغْلَى قِيمَةً اهـ وَكُلٌّ مِنْ هَاتَيْنِ الْعِبَارَتَيْنِ مُؤَدَّاهُمَا وَاحِدٌ، وَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مِنْ أَحْكَامِ الصُّوَرِ السَّبْعِ يُؤْخَذُ مِنْهُمَا، فَقَوْلُ الشُّمُنِّيِّ سَوَاءٌ كَانَ غَالِبًا أَوْ مَغْلُوبًا يَشْمَلُ مَا إذَا بَلَغَتْ الْفِضَّةُ نِصَابَهَا أَوْ لَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الذَّهَبُ نِصَابَهُ، فَإِنْ بَلَغَتْ الْفِضَّةُ إلَخْ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ زَكَاةَ الْجَمِيعِ زَكَاةَ الْفِضَّةِ إلَّا إذَا لَمْ يَبْلُغْ الذَّهَبُ نِصَابَهُ فَأَفَادَ أَنَّ قَوْلَهُ قَبْلَهُ فَإِنْ بَلَغَ الذَّهَبُ نِصَابَهُ إلَخْ أَنَّهُ يَجْعَلُ الْكُلَّ ذَهَبًا إذَا بَلَغَ الذَّهَبُ نِصَابَهُ سَوَاءٌ بَلَغَتْهُ الْفِضَّةُ أَيْضًا أَوْ لَا، وَكَذَا قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَإِنْ بَلَغَتْ الْفِضَّةُ إلَخْ أَيْ وَلَمْ يَبْلُغْ الذَّهَبُ نِصَابَهُ بِدَلِيلِ الْمُقَابَلَةِ، فَإِنَّهُ اُعْتُبِرَ أَوَّلًا الْكُلُّ ذَهَبًا حَيْثُ بَلَغَ الذَّهَبُ نِصَابَهُ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا بَلَغَتْ الْفِضَّةُ أَيْضًا نِصَابَهَا أَوْ لَا، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْكُلُّ فِضَّةً إلَّا إذَا لَمْ يَبْلُغْ الذَّهَبُ نِصَابَهُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 نِصَابَهُ وَجَبَتْ (وَشَرْطُ كَمَالِ النِّصَابِ) وَلَوْ سَائِمَةً (فِي طَرَفَيْ الْحَوْلِ) فِي الِابْتِدَاءِ لِلِانْعِقَادِ وَفِي الِانْتِهَاءِ لِلْوُجُوبِ (فَلَا يَضُرُّ نُقْصَانُهُ بَيْنَهُمَا) فَلَوْ هَلَكَ كُلُّهُ بَطَلَ الْحَوْلُ. وَأَمَّا الدَّيْنُ فَلَا يَقْطَعُ وَلَوْ مُسْتَغْرِقًا   [رد المحتار] فَإِنْ بَلَغَ كَانَ الْكُلُّ ذَهَبًا فَيُزَكِّي زَكَاةَ الذَّهَبِ؛ لِأَنَّهُ أَعَزُّ وَأَغْلَى قِيمَةً، وَكَذَا لَوْ غَلَبَ الذَّهَبُ وَبَلَغَ بِضَمِّ الْفِضَّةِ إلَيْهِ نِصَابًا كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَغْلُوبَةً فَهُوَ كُلُّهُ ذَهَبٌ إلَخْ وَهَذَا مَا عَبَّرَ عَنْهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ غَلَبَ الذَّهَبُ فَذَهَبٌ وَدَخَلَ فِي قَوْلِ الشُّمُنِّيِّ سَوَاءٌ كَانَ غَالِبًا أَوْ مَغْلُوبًا حُكِمَ بِالْمُسَاوَاةِ بِالْأُولَى، وَهُوَ مَفْهُومٌ أَيْضًا مِنْ إطْلَاقِ الزَّيْلَعِيِّ قَوْلُهُ إنْ بَلَغَ الذَّهَبُ نِصَابَ الذَّهَبِ إلَخْ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا تَخَالُفَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ وَلَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ عِبَارَةِ الشَّارِحِ، لَكِنَّ قَوْلَ الزَّيْلَعِيِّ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ غَالِبَةً لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ إذَا بَلَغَتْ وَحْدَهَا نِصَابًا لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ غَالِبَةً عَلَى الذَّهَبِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الشُّمُنِّيُّ، وَكَأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ ذَكَرَهُ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَغْلُوبَةً، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ؛ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ غَالِبَةً وَالذَّهَبُ مَغْلُوبًا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الثُّلُثَانِ فِضَّةً أَوْ أَكْثَرَ لَا يُجْعَلُ كُلُّهُ فِضَّةً؛ لِأَنَّ الذَّهَبَ أَكْثَرُ قِيمَةً فَلَا يَجُوزُ جَعْلُهُ تَبَعًا لِمَا هُوَ دُونَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الذَّهَبُ غَالِبًا اهـ. وَمُفَادُهُ أَنَّ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا بَلَغَتْ الْفِضَّةُ نِصَابًا وَلَمْ يَبْلُغْ الذَّهَبُ نِصَابَهُ تَجِبُ زَكَاةُ الْفِضَّةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الذَّهَبُ الَّذِي خَالَطَهَا أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْهَا وَإِلَّا كَانَ الْكُلُّ ذَهَبًا، وَهَذَا التَّفْصِيلُ الْمَوْعُودُ بِذِكْرِهِ، وَفِي عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ الْمَارَّةِ إشَارَةٌ إلَيْهِ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ حُكْمُ الصُّورَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ مِنْ السَّبْعِ: وَهُمَا مَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ كُلٌّ مِنْهُمَا نِصَابَهُ مَعَ غَلَبَةِ الْفِضَّةِ أَوْ التَّسَاوِي، وَعَلَى هَذَا فَيُمْكِنُ دُخُولُهُمَا فِي قَوْلِ الشَّارِحِ، فَإِنْ غَلَبَ الذَّهَبُ فَذَهَبٌ بِأَنْ يُرَادَ غَلَبَتَهُ عَلَى مَا مَعَهُ مِنْ الْفِضَّةِ وَزْنًا أَوْ قِيمَةً، لَكِنْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ: الدَّنَانِيرُ الْغَالِبُ عَلَيْهَا الذَّهَبُ كَالْمَحْمُودِيَّةِ حُكْمُهَا حُكْمُ الذَّهَبِ وَالْغَالِبُ عَلَيْهَا الْفِضَّةُ كَالْهَرَوِيَّةِ وَالْمَرْوِيَّةِ إنْ كَانَتْ ثَمَنًا رَائِجًا أَوْ لِلتِّجَارَةِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا وَإِلَّا يُعْتَبَرُ قَدْرُ مَا فِيهَا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَزْنًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَخْلُصُ بِالْإِذَابَةِ. اهـ. وَهَذَا كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الدَّنَانِيرَ الْمَسْكُوكَةَ الْمَخْلُوطَةَ بِالْفِضَّةِ حُكْمُهَا كَحُكْمِ الْفِضَّةِ الْمَخْلُوطَةِ بِالْغِشِّ، فَإِذَا كَانَ الذَّهَبُ فِيهَا غَالِبًا كَانَتْ ذَهَبًا كَالْفِضَّةِ الْغَالِبَةِ عَلَى الْغِشِّ، وَإِذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ غَالِبَةً عَلَيْهَا كَانَتْ كَالْفِضَّةِ الْمَغْلُوبَةِ بِالْغِشِّ فَتُقَوَّمُ، فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا زَكَّاهَا إنْ كَانَتْ أَثْمَانًا رَائِجَةً أَوْ نَوَى فِيهَا التِّجَارَةَ وَإِلَّا اُعْتُبِرَ مَا فِيهَا وَزْنًا، فَإِنْ بَلَغَ مَا فِيهَا نِصَابًا أَوْ كَانَ عِنْدَهُ مَا تَتِمُّ بِهِ نِصَابًا زَكَّاهَا وَإِلَّا فَلَا فَعُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ وَالشُّمُنِّيِّ فِي غَيْرِ الدَّنَانِيرِ الْمَسْكُوكَةِ أَوْ الْمَسْكُوكَةِ الَّتِي لَيْسَتْ لِلتِّجَارَةِ وَلَا أَثْمَانًا رَائِجَةً أَوْ هُوَ قَوْلٌ آخَرُ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَشَرْطُ كَمَالِ النِّصَابِ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا، لِمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، لَوْ كَانَ لَهُ غَنْمٌ لِلتِّجَارَةِ تُسَاوِي نِصَابًا فَمَاتَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ فَدَبَغَ جُلُودَهَا وَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَيْهَا كَانَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إنْ بَلَغَتْ نِصَابًا، وَلَوْ تَخَمَّرَ عَصِيرُهُ الَّذِي لِلتِّجَارَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ ثُمَّ صَارَ خَلًّا وَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النِّصَابَ فِي الْأَوَّلِ بَاقٍ لِبَقَاءِ الْجِلْدِ لِتَقَوُّمِهِ بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِي. وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي الثَّانِي أَيْضًا (قَوْلُهُ: لِلِانْعِقَادِ) أَيْ انْعِقَادِ السَّبَبِ أَيْ تَحَقُّقِهِ بِتَمَلُّكِ النِّصَابِ ط (قَوْلُهُ: لِلْوُجُوبِ) أَيْ لِتَحَقُّقِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ: فَلَوْ هَلَكَ كُلُّهُ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بَطَلَ الْحَوْلُ، حَتَّى لَوْ اسْتَفَادَ فِيهِ غَيْرَهُ اسْتَأْنَفَ لَهُ حَوْلًا جَدِيدًا وَتَقَدَّمَ حُكْمُ هَلَاكِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَمِنْهُ أَيْ مِنْ الْهَلَاكِ مَا لَوْ جَعَلَ السَّائِمَةَ عَلُوفَةً؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْوَصْفِ كَزَوَالِ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الدَّيْنُ إلَخْ) قَدَّمَ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَلَا زَكَاةَ عَلَى مُكَاتَبٍ وَمَدْيُونٍ لِلْعَبْدِ بِقَدْرِ دَيْنِهِ أَنَّ عُرُوضَ الدَّيْنِ كَالْهَلَاكِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ تَرْجِيحَ مَا هُنَا فَرَاجِعْهُ، وَالْخِلَافُ فِي الدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ لِلنِّصَابِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ؛ فَلَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ مَا فِي الْبَحْرِ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَغْرِقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 (وَقِيمَةُ الْعَرَضِ) لِلتِّجَارَةِ (تُضَمُّ إلَى الثَّمَنَيْنِ) لِأَنَّ الْكُلَّ لِلتِّجَارَةِ وَضْعًا وَجُعِلَا (وَ) يُضَمُّ (الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ) وَعَكْسُهُ بِجَامِعِ الثَّمَنِيَّةِ (قِيمَةً) وَقَالَا بِالْإِجْزَاءِ، فَلَوْ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا مِائَةٌ وَأَرْبَعُونَ تَجِبُ سِتَّةٌ عِنْدَهُ وَخَمْسَةٌ عِنْدَهُمَا   [رد المحتار] فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَقِيمَةُ الْعَرَضِ إلَخْ) تَقَدَّمَ قَرِيبًا تَقْوِيمُ الْعَرَضِ إذَا بَلَغَ نِصَابًا، وَمَا هُنَا فِي بَيَانِ مَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ. وَعِنْدَهُ مِنْ الثَّمَنَيْنِ مَا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ. وَفِي النَّهْرِ قَالَ الزَّاهِدِيُّ: وَلَهُ أَنْ يُقَوِّمَ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ وَيَضُمَّهُ إلَى قِيمَةِ الْعُرُوضِ عِنْدَ الْإِمَامِ. وَقَالَا: لَا يُقَوَّمُ النَّقْدَيْنِ بَلْ الْعُرُوض وَيَضُمُّهَا. وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَنْ لَهُ حِنْطَةٌ لِلتِّجَارَةِ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ وَلَهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا مِائَةٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهَا (قَوْلُهُ وَضْعًا) رَاجِعٌ لِلثَّمَنَيْنِ، وَقَوْلُهُ وَجَعْلًا رَاجِعٌ لِلْعَرَضِ. وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الثَّمَنَيْنِ وَوَضَعَهُمَا لِلتِّجَارَةِ وَالْعَبْدُ يَجْعَلُ الْعَرَضَ لِلتِّجَارَةِ. اهـ. ح أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ إلَّا إذَا نَوَى بِهِ الْعَبْدُ التِّجَارَةَ بِخِلَافِ النُّقُودِ (قَوْلُهُ وَيَضُمُّ إلَخْ) أَيْ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ. أَمَّا عِنْدَ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا فَلَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ إجْمَاعًا بَدَائِعُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَزْنُهُ أَدَاءً وَوُجُوبًا كَمَا مَرَّ. وَفِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ وُجُوبِ الضَّمِّ إذَا لَمْ يَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابًا بِأَنْ كَانَ أَقَلَّ، فَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهَا نِصَابًا تَامًّا بِدُونِ زِيَادَةٍ لَا يَجِبُ الضَّمُّ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ زَكَاتَهُ، فَلَوْ ضَمَّ حَتَّى يُؤَدِّيَ كُلَّهُ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَنَا، وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ التَّقْوِيمُ بِمَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ رَوَاجًا وَإِلَّا يُؤَدِّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا رُبُعَ عُشْرِهِ (قَوْلُهُ: وَعَكْسُهُ) وَهُوَ ضَمُّ الْفِضَّةِ إلَى الذَّهَبِ، وَكَذَا يَصِحُّ الْعَكْسُ فِي قَوْلِهِ وَقِيمَةُ الْعَرَضِ تُضَمُّ إلَى الثَّمَنَيْنِ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا مَرَّ عَنْ الزَّاهِدِيِّ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا؛ وَلَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ بِجَامِعِ الثَّمَنِيَّةِ لَصَحَّ رُجُوعُ الضَّمِيرِ فِي عَكْسِهِ إلَى الْمَذْكُورِ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَيُمْكِنُ إرْجَاعُهُ إلَيْهِ وَلَا يَضُرُّهُ بَيَانٌ فِي الْعِلَّةِ فِي أَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ: قِيمَةً) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْقِيمَةِ، فَمَنْ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ مَثَاقِيلَ قِيمَتُهَا مِائَةٌ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ لَهُ إبْرِيقُ فِضَّةٍ وَزْنُهُ مِائَةٌ وَقِيمَتُهُ بِصِيَاغَتِهِ مِائَتَانْ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ وَالصَّنْعَةَ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ انْفِرَادِهَا وَلَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا، ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ ضَمِّ الْأَقَلِّ إلَى الْأَكْثَرِ كَمَا مَرَّ، وَعَكْسُهُ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةُ دَنَانِيرَ لَا تُسَاوِي خَمْسِينَ دِرْهَمًا تَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَهُ وَيُضَمُّ الْأَكْثَرُ إلَى الْأَقَلِّ؛ لِأَنَّ الْمِائَةَ وَالْخَمْسِينَ بَخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِتَكَامُلِ الْأَجْزَاءِ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا يُضَمُّ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ إلَى الْآخَرِ قِيمَةً ط عَنْ الْبَحْرِ. قُلْت: وَمِنْ ضَمِّ الْأَكْثَرِ إلَى الْأَقَلِّ مَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ لِرَجُلٍ خَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا وَدِينَارٌ يُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ أَنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ، وَذَلِكَ بِأَنْ تُقَوَّمَ الْفِضَّةُ كُلَّ خَمْسَةٍ مِنْهَا بِدِينَارٍ (قَوْلُهُ: وَقَالَا بِالْأَجْزَاءِ) فَإِنْ كَانَ مِنْ هَذَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ نِصَابٍ وَمِنْ الْآخَرِ رُبُعٌ ضُمَّ، أَوْ النِّصْفُ مِنْ كُلٍّ أَوْ الثُّلُثُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالثُّلُثَانِ مِنْ الْآخَرِ، فَيُخْرِجُ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ بِحِسَابِهِ، حَتَّى إنَّهُ فِي صُورَةِ الشَّارِحِ يُخْرِجُ مِنْ كُلِّ نِصْفٍ رُبُعَ عُشْرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَخَمْسَةٌ عِنْدَهُمَا) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ النَّهْرِ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ عِنْدَهُمَا الضَّمُّ بِالْأَجْزَاءِ يَجِبُ فِي كُلٍّ نِصْفُ رُبُعِ عُشْرِهِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ، وَعَزَاهُ إلَى الْمُحِيطِ، وَحِينَئِذٍ فَيُخْرِجُ عَنْ الْعَشَرَةِ الدَّنَانِيرِ الَّتِي قِيمَتُهَا مِائَةٌ وَأَرْبَعُونَ رُبُعَ دِينَارٍ مِنْهَا قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَنِصْفٌ، فَإِذَا أَرَادَ دَفْعَ قِيمَتِهِ يَكُونُ الْوَاجِبُ سِتَّةَ دَرَاهِمَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا. لَا يُقَالُ: إنَّ اعْتِبَارَ الضَّمِّ بِالْأَجْزَاءِ: أَيْ بِالْوَزْنِ عِنْدَهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلْجَوْدَةِ لِعَدَمِ تَقَوُّمِهَا شَرْعًا فَلَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ بَلْ الْوَزْنُ، وَالدِّينَارُ فِي الشَّرْعِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَزِيَادَةُ قِيمَتِهِ هُنَا لِلْجَوْدَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 فَافْهَمْ. (وَلَا تَجِبُ) الزَّكَاةُ عِنْدَنَا (فِي نِصَابٍ) مُشْتَرَكٍ (مِنْ سَائِمَةٍ) وَمَالِ تِجَارَةٍ (وَإِنْ صَحَّتْ الْخُلْطَةُ فِيهِ) بِاتِّحَادِ أَسْبَابِ الْإِسَامَةِ التِّسْعَةِ الَّتِي يَجْمَعُهَا أَوْصِ مَنْ يَشْفَعُ وَبَيَانُهُ فِي شُرُوحِ الْمَجْمَعِ وَإِنْ تَعَدَّدَ النِّصَابُ تَجِبُ إجْمَاعًا، وَيَتَرَاجَعَانِ بِالْحِصَصِ، وَبَيَانُهُ فِي الْحَاوِي، فَإِنْ بَلَغَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا نِصَابًا زَكَّاهُ دُونَ الْآخَرِ؛ وَلَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَمَانِينَ رَجُلًا ثَمَانُونَ شَاةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُقْسَمُ خِلَافًا لِلثَّانِي سِرَاجٌ.   [رد المحتار] ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِ الْجَوْدَةِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ؛ أَمَّا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِخِلَافِهِ فَتُعْتَبَرُ اتِّفَاقًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْمُعْتَبَرُ وَزْنُهُمَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَافْهَمْ) أَشَارَ بِهِ إلَى رَدِّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ عِنْدَ تَكَامُلِ الْأَجْزَاءِ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ لَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ عِنْدَهُ ظَنًّا أَنَّ إيجَابَ الزَّكَاةِ فِيهَا لِتَكَامُلِ الْأَجْزَاءِ لَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ بَلْ الْإِيجَابُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ مِنْ جِهَةِ كُلٍّ مِنْ النَّقْدَيْنِ لَا مِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَتِمَّ بِاعْتِبَارِ قِيمَةِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ يَتِمُّ بِاعْتِبَارِ قِيمَةِ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ وَالْمِائَةُ دِرْهَمٍ فِي الْمَسْأَلَةِ مُقَوَّمَةٌ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ لِهَذَا التَّقْوِيمِ ط وَتَمَامُ بَيَانِهِ فِي الْبَحْرِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: فِي نِصَابٍ مُشْتَرَكٍ) الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ بُلُوغُهُ النِّصَابَ بِسَبَبِ الِاشْتِرَاكِ وَضَمِّ أَحَدِ الْمَالَيْنِ إلَى الْآخَرِ بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُ مَالُ كُلٍّ مِنْهَا بِانْفِرَادِهِ نِصَابًا (قَوْلُهُ: وَإِنْ صَحَّتْ الْخُلْطَةُ فِيهِ) أَيْ فِي النِّصَابِ الْمَذْكُورِ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى خِلَافِ سَيِّدِنَا الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهَا تَجِبُ عِنْدَهُ إذَا صَحَّتْ الْخُلْطَةُ وَصِحَّتُهَا عِنْدَهُ بِالشُّرُوطِ التِّسْعَةِ الْآتِيَةِ، وَلِذَا قَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بِاتِّحَادٍ إلَخْ فَأَفَادَ أَنَّهُ إذَا لَمْ تُوجَدْ هَذِهِ الشُّرُوطُ لَا تَجِبُ عِنْدَنَا بِالْأَوْلَى وَسَمَّاهَا أَسْبَابًا مَعَ أَنَّهَا شُرُوطٌ إطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الشَّرْطِ كَمَا أَطْلَقَ بِالْعَكْسِ وَقَدَّمْنَا وَجْهَهُ أَوَّلَ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ مِلْكِ نِصَابٍ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: أَوْصِ مَنْ يَشْفَعُ) فَالْهَمْزَةُ لِأَهْلِيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَالْوَاوُ لِوُجُودِ الِاخْتِلَاطِ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ، الصَّادُ لِقَصْدِ الِاخْتِلَاطِ، وَالْمِيمُ لِاتِّحَادِ الْمَسْرَحِ بِأَنْ يَكُونَ ذَهَابُهُمَا إلَى الْمَرْعَى مِنْ مَكَان وَاحِدٍ، وَالنُّونُ لِاتِّحَادِ الْإِنَاءِ الَّذِي يُجْلَبُ فِيهِ، وَالْيَاءُ لِاتِّحَادِ الرَّاعِي، وَالشِّينُ الْمُعْجَمَةِ لِاتِّحَادِ الْمَشْرَعِ: أَيْ مَوْضِعِ الشُّرْبِ، وَالْفَاءُ لِاتِّحَادِ الْفَحْلِ. وَالْعَيْنُ لِاتِّحَادِ الْمَرْعَى، وَهَذِهِ شُرُوطُ الْخُلْطَةِ فِي السَّائِمَةِ. وَأَمَّا شُرُوطُهَا فِي مَالِ التِّجَارَةِ فَمَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: مِنْهَا أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ الدُّكَّانُ وَالْحَارِثُ وَمَكَانُ الْحِفْظِ كَخِزَانَةٍ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَعَدَّدَ النِّصَابُ) أَيْ بِحَيْثُ يَبْلُغُ قَبْلَ الضَّمِّ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ نِصَابًا فَإِنَّهُ يَجِبُ حِينَئِذٍ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا زَكَاةُ نِصَابِهِ، فَإِذَا أَخَذَ السَّاعِي زَكَاةَ النِّصَابَيْنِ مِنْ الْمَالَيْنِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا فَلَا رُجُوعَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. كَمَا لَوْ كَانَ ثَمَانِينَ شَاةً لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَرْبَعُونَ وَأَخَذَ السَّاعِي مِنْهُمَا شَاتَيْنِ وَإِلَّا تَرَاجَعَا كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ فِي نِصَابٍ (قَوْلُهُ وَبَيَانُهُ فِي الْحَاوِي) بَيَّنَهُ قَاضِي خَانْ بِأَتَمَّ مِمَّا فِي الْحَاوِي حَيْثُ قَالَ: صُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا مِائَةٌ وَثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ شَاةً لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَانِ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ فَالْوَاجِبُ شَاتَانِ، فَيَأْخُذُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا شَاةً، فَيَرْجِعُ صَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ بِالثُّلُثَيْنِ مِنْ الشَّاةِ الَّتِي دَفَعَهَا صَاحِبُ الثُّلُثِ. وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الثُّلُثِ بِالثُّلُثِ مِنْ شَاةٍ دَفَعَهَا صَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ، فَيُقَامُ ثُلُثُهُ فِي مَقَامِ ثُلُثٍ مِنْ الثُّلُثَيْنِ الْمُطَالَبِ بِهِمَا وَيَبْقَى ثُلُثُ شَاةٍ، فَيُطَالِبُ بِهِ صَاحِبَ ثُلُثَيْ الْمَالِ. اهـ. ط وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ التَّرَاجُعَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَالتَّفَاعُلُ عَلَى بَابِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَإِنْ بَلَغَ إلَخْ) كَمَا لَوْ كَانَتْ ثَمَانُونَ شَاةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَثْلَاثًا فَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنْهَا شَاةً لِزَكَاةِ صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ فَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ مُحِيطٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَيْنَهُ إلَخْ) فِي التَّجْنِيسِ: ثَمَانُونَ شَاةً بَيْنَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ شَاةٍ نِصْفُهَا وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِلْبَاقِينَ لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ صَدَقَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَلَوْ كَانَتْ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَاةٌ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُقْسَمُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. وَفِي الْأُولَى لَا يُقْسَمُ اهـ أَيْ لِأَنَّ قِسْمَةَ كُلِّ شَاةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 (وَ) اعْلَمْ أَنَّ الدُّيُونَ عِنْدَ الْإِمَامِ ثَلَاثَةٌ: قَوِيٌّ، وَمُتَوَسِّطٌ، وَضَعِيفٌ؛ (فَتَجِبُ) زَكَاتُهَا إذَا تَمَّ نِصَابًا وَحَالَ الْحَوْلُ، لَكِنْ لَا فَوْرًا بَلْ (عِنْدَ قَبْضِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا مِنْ الدَّيْنِ) الْقَوِيِّ كَقَرْضٍ (وَبَدَلِ مَالِ تِجَارَةٍ) فَكُلَّمَا قَبَضَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ (وَ) عِنْدَ قَبْضِ (مِائَتَيْنِ مِنْهُ لِغَيْرِهَا) أَيْ مِنْ بَدَلِ مَالٍ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ وَهُوَ الْمُتَوَسِّطُ كَثَمَنِ سَائِمَةٍ وَعَبِيدِ خِدْمَةٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا هُوَ مَشْغُولٌ بِحَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ كَطَعَامٍ وَشَرَابٍ وَأَمْلَاكٍ. وَيُعْتَبَرُ مَا مَضَى مِنْ الْحَوْلِ قَبْلَ   [رد المحتار] بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ شَارَكَهُ فِيهَا لَا تُمْكِنُ بِإِتْلَافِهَا، بِخِلَافِ قِسْمَةِ الثَّمَانِينَ نِصْفَيْنِ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْإِمَامِ) وَعِنْدَهُمَا الدُّيُونُ كُلُّهَا سَوَاءٌ تَجِبُ زَكَاتُهَا، وَيُؤَدِّي مَتَى قَبَضَ شَيْئًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا إلَّا دَيْنَ الْكِتَابَةِ وَالسِّعَايَةِ وَالدِّيَةِ فِي رِوَايَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: إذَا تَمَّ نِصَابًا) الضَّمِيرُ فِي تَمَّ يَعُودُ لِلدَّيْنِ الْمَفْهُومِ مِنْ الدُّيُونِ، وَالْمُرَادُ إذَا بَلَغَ نِصَابًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَا عِنْدَهُ مِمَّا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ (قَوْلُهُ: وَحَالَ الْحَوْلُ) أَيْ وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ فِي الْقَوِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ وَبَعْدَهُ الضَّعِيفُ ط (قَوْلُهُ: عِنْدَ قَبْضِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا) قَالَ فِي الْمُحِيطِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ فِي الْكُسُورِ مِنْ النِّصَابِ الثَّانِي عِنْدَهُ مَا لَمْ يَبْلُغْ أَرْبَعِينَ لِلْحَرَجِ فَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ الْأَدَاءُ مَا لَمْ يَبْلُغْ أَرْبَعِينَ لِلْحَرَجِ. وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى: رَجُلٌ لَهُ ثَلَثُمِائَةِ دِرْهَمٍ دَيْنٌ حَالَ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ فَقَبَضَ مِائَتَيْنِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُزَكِّي لِلسَّنَةِ الْأُولَى خَمْسَةً وَلِلثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ أَرْبَعَةً أَرْبَعَةً مِنْ مِائَةٍ وَسِتِّينَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْأَرْبَعِينَ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي دَيْنِ الْمُرْصَدِ (قَوْلُهُ: كَقَرْضٍ) قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ مِنْهُ مَالَ الْمُرْصَدِ الْمَشْهُورِ فِي دِيَارِنَا؛ لِأَنَّهُ إذَا أَنْفَقَ الْمُسْتَأْجِرُ لِدَارِ الْوَقْفِ عَلَى عِمَارَتِهَا الضَّرُورِيَّةِ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إلَيْهِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ اسْتِقْرَاضِ الْمُتَوَلِّي مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ، فَإِذَا قَبَضَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَوْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا مِنْهُ وَلَوْ بِاقْتِطَاعِ ذَلِكَ مِنْ أُجْرَةِ الدَّارِ تَجِبُ زَكَاتُهُ لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ (قَوْلُهُ: فَكُلَّمَا قَبَضَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ) هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَيَتَرَاخَى الْأَدَاءُ إلَى أَنْ يَقْبِضَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَفِيهَا دِرْهَمٌ وَكَذَا فِيمَا زَادَ بِحِسَابِهِ. اهـ. أَيْ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ مِنْ أَرْبَعِينَ ثَانِيَةٍ وَثَالِثَةٍ إلَى أَنْ يَبْلُغَ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَلِذَا عَبَّرَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فَكَمَا إلَخْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ مِنْ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ بَعْضِ الْمُحَشِّينَ حَيْثُ زَادَ بَعْدَ عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَفِيمَا زَادَ بِحِسَابِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ مُطْلَقُ الزِّيَادَةِ فِي الْكُسُورِ، وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ كَمَا عَلِمْته مِمَّا نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْمُحِيطِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ بَدَلِ مَالٍ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِنْهُ عَائِدٌ إلَى بَدَلِ وَفِي لِغَيْرِهَا إلَى التِّجَارَةِ، وَمِثْلُ بَدَلِ التِّجَارَةِ الْقَرْضُ (قَوْلُهُ: كَثَمَنِ سَائِمَةٍ) جَعَلَهَا مِنْ الدَّيْنِ الْمُتَوَسِّطِ تَبَعًا لِلْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ لِتَعْرِيفِهِمْ لَهُ بِمَا هُوَ بَدَلُ مَا لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ، وَجَعَلَهَا ابْنُ مَلَكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مِنْ الْقَوِيِّ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، حَيْثُ جَعَلَ الدَّيْنَ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ عَنْ مَالٍ قِسْمَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَالُ لَوْ بَقِيَ فِي يَدِهِ تَجِبُ زَكَاتُهُ أَوْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ. اهـ. فَبَدَلُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ هُوَ الدَّيْنُ الْقَوِيُّ، وَيَدْخُلُ فِيهِ ثَمَنُ السَّائِمَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ بَقِيَتْ فِي يَدِهِ يَجِبُ زَكَاتُهَا وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الْمُحِيطِ الدَّيْنُ الْقَوِيُّ مَا يَمْلِكُهُ بَدَلًا عَنْ مَالِ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ: بِحَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ) قَيَّدَ بِهِ اعْتِبَارًا بِمَا هُوَ الْأَحْرَى بِالْعَاقِلِ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُ سِوَى مَا هُوَ مَشْغُولٌ بِحَوَائِجِهِ، وَإِلَّا فَمَا لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ يَدْخُلُ فِيهِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَمَا أَفَادَهُ بِمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَأَمْلَاكٍ) مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ؛ لِأَنَّهُ جَمْعُ مِلْكٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ بِمَعْنَى مَمْلُوكٍ، هَذَا بِالنَّظَرِ إلَى اللُّغَةِ أَمَّا فِي الْعُرْفِ فَخَاصَّةً بِالْعَقَارِ فَيَكُونُ عَطْفَ مُبَايِنٍ. اهـ. ح وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى طَعَامٍ أَوْ عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ مِمَّا هُوَ (قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ مَا مَضَى مِنْ الْحَوْلِ) أَيْ فِي الدَّيْنِ الْمُتَوَسِّطِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ، أَمَّا الْقَوِيُّ فَلَا خِلَافَ فِيهِ لِمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ بِحَوْلِ الْأَصْلِ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ حَتَّى يَقْبِضَ مِنْهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا. أَمَّا الْمُتَوَسِّطُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 الْقَبْضِ فِي الْأَصَحِّ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ وَرِثَ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ (وَ) عِنْدَ قَبْضِ (مِائَتَيْنِ مَعَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْقَبْضِ (مِنْ) دَيْنٍ ضَعِيفٍ وَهُوَ (بَدَلُ غَيْرِ مَالٍ) كَمَهْرٍ وَدِيَةٍ وَبَدَلِ كِتَابَةٍ وَخُلْعٍ، إلَّا إذَا كَانَ عِنْدَهُ مَا يُضَمُّ إلَى الدَّيْنِ الضَّعِيفِ   [رد المحتار] تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ حَتَّى يَقْبِضَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَيُزَكِّيهَا. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَقْبِضَ وَيَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَالَ الزَّكَاةِ الْآنَ فَصَارَ كَالْحَادِثِ ابْتِدَاءً. وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْبَيْعِ صَيَّرَهُ لِلتِّجَارَةِ فَصَارَ مَالَ الزَّكَاةِ قُبَيْلَ الْبَيْعِ اهـ مُلَخَّصًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَبْنَى الِاخْتِلَافِ فِي الدَّيْنِ الْمُتَوَسِّطِ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَكُونُ مَالَ زَكَاةٍ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَهُ؟ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ حَوْلٍ بَعْدَ قَبْضِ النِّصَابِ. وَعَلَى الثَّانِي ابْتِدَاءُ الْحَوْلِ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ، فَلَوْ لَهُ أَلْفٌ مِنْ دَيْنٍ مُتَوَسِّطٍ مَضَى عَلَيْهَا حَوْلٌ وَنِصْفٌ فَقَبَضَهَا يُزَكِّيهَا عَنْ الْحَوْلِ الْمَاضِي عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ، فَإِذَا مَضَى نِصْفُ حَوْلٍ بَعْدَ الْقَبْضِ زَكَّاهَا أَيْضًا. وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ لَا يُزَكِّيهَا عَنْ الْمَاضِي وَلَا عَنْ الْحَالِ إلَّا بِمُضِيِّ حَوْلٍ جَدِيدٍ بَعْدَ الْقَبْضِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَلْفُ مِنْ دَيْنٍ قَوِيٍّ كَبَدَلِ عُرُوضِ تِجَارَةٍ، فَإِنَّ ابْتِدَاءَ الْحَوْلِ هُوَ حَوْلُ الْأَصْلِ لَا مِنْ حِينِ الْبَيْعِ وَلَا مِنْ حِينِ الْقَبْضِ، فَإِذَا قَبَضَ مِنْهُ نِصَابًا أَوْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا زَكَّاهُ عَمَّا مَضَى بَانِيًا عَلَى حَوْلِ الْأَصْلِ؛ فَلَوْ مَلَك عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ بَعْدَ نِصْفِ حَوْلٍ بَاعَهُ ثُمَّ بَعْدَ حَوْلٍ وَنِصْفٍ قَبَضَ ثَمَنَهُ فَقَدْ تَمَّ عَلَيْهِ حَوْلَانِ فَيُزَكِّيهِمَا وَقْتَ الْقَبْضِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، فَمَا وَقَعَ لَلْمُحَشِّينَ هُنَا مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الدَّيْنِ الْقَوِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ وَأَنَّهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَا يُزَكِّي الْأَلْفَ ثَانِيًا إلَّا إذَا مَضَى حَوْلٌ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ فَهُوَ خَطَأٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ فِي الْمُتَوَسِّطِ فَقَطْ وَلِأَنَّهُ عَلَيْهَا لَا يُزَكِّي أَوَّلًا لِلْحَوْلِ الْمَاضِي خِلَافًا لِمَا يُفْهِمُهُ لَفْظُ ثَانِيًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ فِي صَحِيحِ الرِّوَايَةِ. قُلْت: لَكِنْ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: إنَّ رِوَايَةَ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَقْبِضَ الْمِائَتَيْنِ وَيَحُولَ الْحَوْلُ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ هِيَ الْأَصَحُّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، عَلَيْهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الدَّيْنِ الضَّعِيفِ الْآتِي (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ مَا لَوْ وَرِثَ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ) أَيْ مِثْلَ الدَّيْنِ الْمُتَوَسِّطِ فِيمَا مَرَّ وَنِصَابُهُ مِنْ حِينِ وَرِثَهُ رَحْمَتِيٌّ، وَرُوِيَ أَنَّهُ كَالضَّعِيفِ فَتْحٌ وَبَحْرٌ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَشَمَلَ مَا إذَا وَجَبَ الدَّيْنُ فِي حَقِّ الْمُوَرِّثِ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالُ التِّجَارَةِ أَوْ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ لَهَا تَتَارْخَانِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِي حَقِّ الْمِلْكِ لَا فِي حَقِّ التِّجَارَةِ فَأَشْبَهَ بَدَلَ مَالٍ لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ مُحِيطٌ. وَفِيهِ: وَأَمَّا الدَّيْنُ الْمُوصَى بِهِ فَلَا يَكُونُ نِصَابًا قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ مَلَكَهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَلَا قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي فِي الْمِلْكِ فَصَارَ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِهِبَةٍ اهـ أَيْ فَهُوَ كَالدَّيْنِ الضَّعِيفِ. [تَنْبِيهٌ] مُقْتَضَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الدَّيْنَ الْقَوِيَّ وَالْمُتَوَسِّطَ لَا يَجِبُ أَدَاءُ زَكَاتِهِ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ أَنَّ الْمُوَرِّثَ لَوْ مَاتَ بَعْدَ سِنِينَ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ عِنْدَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ فِي حَيَاتِهِ وَلَا عَلَى الْوَارِثِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ، فَابْتِدَاءُ حَوْلِهِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ عِنْدَهُ مَا يُضَمُّ إلَى الدَّيْنِ الضَّعِيفِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ اشْتِرَاطِ حَوَلَانِ الْحَوْلِ بَعْدَ الْقَبْضِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَا يُضَمُّ الدَّيْنُ الضَّعِيفُ إلَيْهِ كَمَا أَفَادَهُ ح. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا وَعِنْدَهُ نِصَابٌ يَضُمُّ الْمَقْبُوضَ إلَى النِّصَابِ وَيُزَكِّيهِ بِحَوْلِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ حَوْلٌ بَعْدَ الْقَبْضِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 كَمَا مَرَّ؛ وَلَوْ أَبْرَأَ رَبُّ الدَّيْنِ الْمَدْيُونَ بَعْدَ الْحَوْلِ فَلَا زَكَاةَ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ قَوِيًّا أَوْ لَا خَانِيَّةٌ، وَقَيَّدَهُ فِي الْمُحِيطِ بِالْمُعْسِرِ. أَمَّا الْمُوسِرُ فَهُوَ اسْتِهْلَاكٌ فَلْيُحْفَظْ بَحْرٌ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِلْإِطْلَاقِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي الضَّعِيفِ كَمَا لَا يَخْفَى (وَيَجِبُ عَلَيْهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (زَكَاةُ نِصْفِ مَهْرٍ) مِنْ نَقْدٍ (مَرْدُودٍ بَعْدَ) مُضِيِّ   [رد المحتار] ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالضَّعِيفِ عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ، إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ قَوْلِهِمْ وَالْمُسْتَفَادُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ يُضَمُّ إلَى نِصَابٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ فِي الْبَدَائِعِ قَسَمَ الدَّيْنَ إلَى ثَلَاثَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْمَقْبُوضِ عِنْدَ الْإِمَامِ مَا لَمْ يَكُنْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: إنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَى الدَّيْنِ وَإِلَّا فَمَا قَبَضَ مِنْهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَفَادِ فَيُضَمُّ إلَى مَا عِنْدَهُ. اهـ. وَكَذَلِكَ فِي الْمُحِيطِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الدُّيُونَ الثَّلَاثَةَ وَفَرَّعَ عَلَيْهَا فُرُوعًا آخِرُهَا أُجْرَةُ دَارٍ أَوْ عَبْدٍ لِلتِّجَارَةِ قَالَ: إنَّ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ: فِي رِوَايَةٍ لَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى تُقْبَضَ وَيَحُولَ الْحَوْلُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ حَقِيقَةً فَصَارَ كَالْمَهْرِ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَجِبُ الزَّكَاةُ وَيَجِبُ الْأَدَاءُ إذَا قَبَضَ نِصَابًا؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَالٌ حَقِيقَةً، لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ نِصَابًا إذْ لَا تَبْقَى سَنَةً، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُ الدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ غَيْرُ مَا قَبَضَ فَهُوَ كَالْفَائِدَةِ فَيُضَمُّ إلَيْهِ. اهـ. فَهَذَا كَالصَّرِيحِ فِي شُمُولِهِ لِأَقْسَامِ الدَّيْنِ الثَّلَاثَةِ، وَلَعَلَّ التَّقْيِيدَ بِالضَّعْفِ لَيَدُلُّ عَلَى غَيْرِهِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ مِنْهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ كَوْنُهُ نِصَابًا مَعَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ بَعْدَ الْقَبْضِ، فَإِذَا كَانَ يُضَمُّ إلَى مَا عِنْدَهُ وَيَسْقُطُ اشْتِرَاطُ الْحَوْلِ الْجَدِيدِ، فَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ يُضَمُّ بِالْأَوْلَى تَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ أُجْرَةَ عَبْدِ التِّجَارَةِ أَوْ دَارِ التِّجَارَةِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأَوْلَى مِنْ الدَّيْنِ الضَّعِيفِ وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ. وَوَقَعَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ كَالْقَوِيِّ فِي صَحِيحِ الرِّوَايَةِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ التَّصْرِيحَ بِأَنَّ فِيهِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَالْمُسْتَفَادُ فِي وَسَطِ الْحَوْلِ يُضَمُّ إلَى نِصَابٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ مَا هُنَا مِنْ أَفْرَادِ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ يُعْلَمُ حُكْمُهُ مِنْهَا وَإِلَّا فَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ هُنَاكَ. (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ) أَيْ قَيَّدَ عَدَمَ الزَّكَاةِ فِيمَا إذَا أَبْرَأَ الدَّائِنُ الْمَدْيُونَ ط (قَوْلُهُ: بِالْمُعْسِرِ) أَيْ بِالْمَدْيُونِ الْمُعْسِرِ فَكَانَ الْإِبْرَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْهَلَاكِ ط. (قَوْلُهُ: فَهُوَ اسْتِهْلَاكٌ) أَيْ فَتَجِبُ زَكَاتُهُ ط. (قَوْلُهُ: وَهَذَا ظَاهِرٌ إلَخْ) أَيْ قَوْلُهُ الْبَحْرُ، وَقَيَّدَهُ إلَخْ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِلْإِطْلَاقِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ قَوِيًّا أَوْ لَا الشَّامِلُ لِأَقْسَامِ الدَّيْنِ الثَّلَاثَةِ: أَيْ أَنَّ سُقُوطَ الزَّكَاةِ بِإِبْرَاءِ الْمُوسِرِ عَنْهُ بَعْدَ الْحَوْلِ فِي الدُّيُونِ الثَّلَاثَةِ مُقَيَّدٌ بِالْمُعْسِرِ احْتِرَازًا عَنْ الْمُوسِرِ، فَإِنَّ الْمَدْيُونَ إذَا كَانَ مُوسِرًا أَوْ أَبْرَأَهُ الدَّائِنُ لَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ فِي الدَّيْنِ الضَّعِيفِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَجِبُ زَكَاتُهُ إلَّا بَعْدَ قَبْضِ نِصَابٍ وَحَوَلَانِ الْحَوْلِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَقَبْلَهُ لَا تَجِبُ، فَيَكُونُ إبْرَاؤُهُ اسْتِهْلَاكًا قَبْلَ الْوُجُوبِ فَلَا يَضْمَنُ زَكَاتَهُ وَمِثْلُهُ الدَّيْنِ الْمُتَوَسِّطُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَصْحِيحِ الْبَدَائِعِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ. وَكَانَ الْأَوْضَحُ فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ إبْرَاءَ الْمَدْيُونِ الْمُوسِرِ اسْتِهْلَاكٌ مُطْلَقًا وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ إلَخْ. ثُمَّ إنَّ عِبَارَةَ الْمُحِيطِ لَا غُبَارَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا فِي الدَّيْنِ الْقَوِيِّ. وَنَصُّهَا وَلَوْ بَاعَ عَرَضَ التِّجَارَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ أَبْرَأَهُ مِنْ ثَمَنِهِ وَالْمُشْتَرِي مُوسِرٌ يَضْمَنُ الزَّكَاةَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا أَوْ لَا يَدْرِي فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَهُوَ فَقِيرٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ وَهَبَهُ مِنْهُ، وَلَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ مِمَّنْ عَلَيْهِ وَهُوَ فَقِيرٌ تَسْقُطُ عَنْهُ زَكَاةٌ. اهـ. وَفِيهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ أَلْفٌ عَلَى مُعْسِرٍ فَاشْتَرَى مِنْهُ بِهَا دِينَارًا ثُمَّ وَهَبَهُ مِنْهُ فَعَلَيْهِ زَكَاةٌ لِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لَهَا بِالدِّينَارِ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهَا إلَخْ) صُورَتُهَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِأَلْفٍ وَقَبَضْتهَا وَحَالَ الْحَوْلُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَعَلَيْهَا رَدُّ نِصْفِهَا اتِّفَاقًا لَكِنَّ زَكَاةَ النِّصْفِ الْمَرْدُودِ لَا تَسْقُطُ عَنْهَا خِلَافًا لِزُفَرَ شَرْحِ الْمَجْمَعِ. (قَوْلُهُ: مِنْ نَقْدٍ) هُوَ الذَّهَبُ أَوْ الْفِضَّةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 (الْحَوْلِ مِنْ أَلْفٍ) كَانَتْ (قَبَضَتْهُ مَهْرًا) ثُمَّ رَدَّتْ النِّصْفَ (لِطَلَاقٍ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا) فَتُزَكِّي الْكُلَّ؛ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ (وَتَسْقُطُ) الزَّكَاةُ (عَنْ مَوْهُوبٍ لَهُ فِي) نِصَابٍ (مَرْجُوعٍ فِيهِ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ رَجَعَ بِقَضَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ (بَعْدَ الْحَوْلِ) لِوُرُودِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى عَيْنِ الْمَوْهُوبِ، وَلِذَا لَا رُجُوعَ بَعْدَ هَلَاكِهِ قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَى الْوَاهِبِ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَهِيَ مِنْ الْحِيَلِ وَمِنْهَا أَنْ يَهَبَهُ لِطِفْلِهِ قَبْلَ التَّمَامِ بِيَوْمٍ. بَابُ الْعَاشِرِ قِيلَ هَذَا مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ أَحْوَالِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ الْعُشْرُ عَلَمٌ لِمَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ مُطْلَقًا   [رد المحتار] احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ كَانَ الْمَهْرُ سَائِمَةً أَوْ عَرَضًا فَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهَا تُزَكِّي النِّصْفَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ نِصْفَ عَيْنِ النِّصَابِ وَالِاسْتِحْقَاقُ بِمَنْزِلَةِ الْهَلَاكِ. اهـ. وَكَانَ الْأَوْلَى بِالشَّارِحِ إسْقَاطَهُ؛ لِأَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَلْفٍ (قَوْلُهُ: مِنْ أَلْفٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ نِصْفِ مَهْرٍ عَلَى أَنَّهُ صِفَتُهُ، وَقَوْلُهُ ثُمَّ رَدَّتْ النِّصْفَ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ مَرْدُودٍ، وَقَوْلُهُ لِطَلَاقٍ مُتَعَلِّقٍ بِقَوْلِهِ مَرْدُودٍ نَظَرًا لِلْمَتْنِ ط. (قَوْلُهُ: لَا تَتَعَيَّنُ إلَخْ) أَيْ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ نِصْفَ مَا قَبَضَتْهُ بِعَيْنِهِ بَلْ مِثْلُهُ وَالدَّيْنُ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا يُسْقِطُ الْوَاجِبَ وَلْوَالِجِيَّةٌ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُزَكِّي الزَّوْجُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ الْآنَ عَادَ. اهـ. قُلْت: بَقِيَ مَا إذَا لَمْ تَقْبِضْ الْمَرْأَةُ شَيْئًا وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ فِي يَدِ الزَّوْجِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ وَالظَّاهِرُ أَنْ لَا زَكَاةَ عَلَى أَحَدٍ، أَمَّا الزَّوْجُ فَلِأَنَّهُ مَدْيُونٌ بِقَدْرِ مَا فِي يَدِهِ وَدَيْنُ الْعِبَادِ مَانِعٌ كَمَا مَرَّ وَاسْتِحْقَاقُهُ لِنِصْفِهِ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبٍ عَارِضٍ وَهُوَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الْحَوْلِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مِلْكٍ جَدِيدٍ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلِأَنَّ مَهْرَهَا عَلَى الزَّوْجِ دَيْنٌ ضَعِيفٌ، وَقَدْ اسْتَحَقَّ الزَّوْجُ نِصْفَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهَا مَا لَمْ يَمْضِ حَوْلٌ جَدِيدٌ بَعْدَ الْقَبْضِ لِلْبَاقِي تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ) أَيْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ مِنْ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَعَقْدِ النِّكَاحِ وَفِي الْفُسُوخِ كَفَسْخِ النِّكَاحِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَنَحْوِهِ وَتَمَامُهُ فِي أَحْكَامِ النَّقْدِ مِنْ الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ: لِوُرُودِ الِاسْتِحْقَاقِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فَسْخٌ مِنْ وَجْهٍ وَلَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَالدَّرَاهِمُ مِمَّا تَتَعَيَّنُ فِي الْهِبَةِ فَاسْتَحَقَّ عَيْنَ مَالِ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَ وَلْوَالِجِيَّةٌ وَبِهِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْمَهْرِ (قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِ عَنْ مَوْهُوبٍ لَهُ (قَوْلُهُ: اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الْمِلْكِ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْوَاهِبِ انْقَطَعَ بِالْهِبَةِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ اتِّفَاقًا إلَى أَنَّ فِي سُقُوطِهَا عَنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ خِلَافًا؛ لِأَنَّ زُفَرَ يَقُولُ بِعَدَمِهِ إنْ رَجَعَ الْوَاهِبُ بِلَا قَضَاءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَبْطَلَ مِلْكَهُ بِاخْتِيَارِهِ صَارَ ذَلِكَ كَهِبَةٍ جَدِيدَةٍ وَكَمُسْتَهْلَكٍ. قُلْنَا: بَلْ هُوَ غَيْرُ مُخْتَارٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ عَنْ الرَّدِّ أُجْبِرَ بِالْقَضَاءِ فَصَارَ كَأَنَّهُ هَلَكَ شَرْحُ دُرَرِ الْبِحَارِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ مِنْ الْحِيَلِ) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ حِيَلِ إسْقَاطِ الزَّكَاةِ بِأَنْ يَهَبَ النِّصَابَ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ مَثَلًا ثُمَّ يَرْجِعُ فِي هِبَتِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ أَيْضًا لَبُطْلَانِ الْحَوْلِ بِزَوَالِ الْمِلْكِ تَأَمَّلْ وَقَدَّمْنَا الِاخْتِلَافَ فِي كَرَاهَةِ الْحِيلَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَا فِي هَالِكٍ بَعْدَ وُجُوبِهَا بِخِلَافِ الْمُسْتَهْلَكِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا إلَخْ) لَكِنْ لَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فِي هَذِهِ الْهِبَةِ لَكِنَّهَا لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ نَعَمْ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ فَلَهُ الْإِنْفَاقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . [بَابُ الْعَاشِرِ فِي الزَّكَاة] بَابُ الْعَاشِرِ أَلْحَقَهُ بِالزَّكَاةِ اتِّبَاعًا لِلْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ مَا يُؤْخَذُ زَكَاةً وَلَيْسَ مُتَمَحَّضًا، فَلِذَا أَخَّرَهُ عَمَّا تَمَحَّضَ وَقَدَّمَهُ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 ذَكَرَهُ سَعْدِيٌّ أَيْ عَلَمُ جِنْسٍ (هُوَ حُرٌّ مُسْلِمٌ) بِهَذَا يُعْلَمُ حُرْمَةُ تَوْلِيَةِ الْيَهُودِ عَلَى الْأَعْمَالِ (غَيْرُ هَاشِمِيٍّ) لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الزَّكَاةِ (قَادِرٌ عَلَى الْحِمَايَةِ) مِنْ اللُّصُوصِ وَالْقُطَّاعِ   [رد المحتار] الرِّكَازِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ عَشَرْت الْقَوْمَ أَعْشُرُهُمْ عُشْرًا بِالضَّمِّ فِيهِمَا إذَا أَخَذْت عُشْرَ أَمْوَالِهِمْ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ سَعْدِيٌّ) أَيْ فِي حَاشِيَةِ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ الْمَأْخُوذُ هُوَ رُبُعُ الْعُشْرِ لَا الْعُشْرُ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَطْلَقَ الْعُشْرَ، وَأَرَادَ بِهِ رُبُعَهُ مَجَازًا مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ جُزْئِهِ أَوْ يُقَالُ الْعُشْرُ صَارَ عَلَمًا لِمَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَأْخُوذُ عُشْرًا لُغَوِيًّا أَوْ رُبُعَهُ أَوْ نِصْفَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُقَالَ الْعَاشِرُ تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ أَحْوَالِهِ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. وَفَسَّرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلنَّهْرِ بِالْعَلَمِ الْجِنْسِيِّ إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَمَ شَخْصٍ، وَالْأَقْرَبُ كَوْنُهُ اسْمَ جِنْسٍ شَرْعِيٍّ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى عَلَمِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ لَمَّا رَأَوْا الْعَرَبَ فَرَّقَتْ بَيْنَ أُسَامَةَ وَأَسَدٍ الْمَوْضُوعَيْنِ لِمَاهِيَّةِ الْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ بِإِجْرَائِهِمْ أَحْكَامَ الْأَعْلَامِ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ نَحْوِ مَنْعِ الصَّرْفِ، وَجَوَازِ مَجِيءِ الْحَالِ مِنْهُ، وَعَدَمِ دُخُولِ أَلْ عَلَيْهِ حَكَمُوا عَلَى الْأَوَّلِ بِالْعَلَمِيَّةِ الْجِنْسِيَّةِ دُونَ الثَّانِي، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِقَيْدِ الِاسْتِحْضَارِ عِنْدَ الْوَضْعِ، وَعَدَمِهِ كَمَا بَيَّنَ فِي مَحَلِّهِ وَلَيْسَ هُنَا مَا يَقْتَضِي عَلَمِيَّةِ الْعُشْرِ حَتَّى يَعْدِلَ عَنْ تَنْكِيرِهِ الْأَصْلِيِّ عَلَى أَنَّ ادِّعَاءَ التَّصَرُّفِ وَالنَّقْلِ فِي الْعُشْرِ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ ادِّعَائِهِ فِي الْعَاشِرِ، بَلْ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ هُوَ مَنْ نَصَّبَهُ الْإِمَامُ لِيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ مِنْ التُّجَّارِ أَنَّ الْعَاشِرَ اسْمٌ لِذَلِكَ نُقِلَ شَرْعًا إلَيْهِ إذْ لَوْ كَانَ التَّصَرُّفُ وَقَعَ فِي الْعُشْرِ لَكَانَ حَقُّهُ بَيَانَ مَعْنَى الْعُشْرِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ لَا بَيَانُ الْعَاشِرِ أَوْ يُبَيِّنُ كُلًّا مِنْهُمَا فَيَقُولُ هُوَ مَنْ نَصَّبَهُ الْإِمَامُ لِيَأْخُذَ الْعُشْرَ الشَّامِلَ لِرُبُعِهِ وَنِصْفِهِ وَأَيْضًا فَالْمُتَعَارَفُ إطْلَاقُ الْعَاشِرِ عَلَى مَنْ يَأْخُذُ الْعُشْرَ وَغَيْرَهُ دُونَ إطْلَاقِ الْعُشْرِ عَلَى نِصْفِهِ وَرُبُعِهِ فَتَأَمَّلْ وَأَجَابَ فِي النِّهَايَةِ وَتَبِعَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَأْخُذُ الْعُشْرَ أَوْ نِصْفَهُ أَوْ رُبُعَهُ سُمِّيَ عَاشِرَ الدَّوْرِ أَنَّ اسْمَ الْعُشْرِ فِي مُتَعَلِّقِ أَخْذِهِ وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مَطْلَبٌ لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُ الْكَافِرِ فِي وَلَايَةٍ (قَوْلُهُ: هُوَ حُرٌّ مُسْلِمٌ) فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِعَدَمِ الْوَلَايَةِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِي عَلَى الْمُسْلِمِ بِالْآيَةِ بَحْرٌ عَنْ الْغَايَةِ وَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ قَوْله تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] (قَوْلُهُ: بِهَذَا إلَخْ) أَيْ بِاشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، زَادَ فِي الْبَحْرِ وَلَا شَكَّ فِي حُرْمَةِ ذَلِكَ أَيْضًا اهـ: أَيْ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَعْظِيمَهُ وَقَدْ نَصُّوا عَلَى حُرْمَةِ تَعْظِيمِهِ بَلْ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَمَا وَرَدَ مِنْ ذَمِّهِ أَيْ الْعَاشِرِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يَظْلِمُ كَزَمَانِنَا وَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ حُرْمَةُ تَوْلِيَةِ الْفَسَقَةِ فَضْلًا عَنْ الْيَهُودِ وَالْكَفَرَةِ. اهـ. قُلْت: وَذَكَرَ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَلَا تَتَّخِذْ أَحَدًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ كَاتِبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ الرِّشْوَةَ فِي دِينِهِمْ وَلَا رِشْوَةَ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ فَإِنَّ الْوَالِيَ مَمْنُوعٌ مِنْ أَنْ يَتَّخِذَ كَاتِبًا مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران: 118] . اهـ. (قَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الزَّكَاةِ) أَيْ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَصَارِفِ، فَيُعْطَى كِفَايَتَهُ مِنْهُ نَظِيرَ عَمَلِهِ وَلِذَا لَوْ هَلَكَ مَا جَمَعَهُ لَا شَيْءَ لَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الزَّيْلَعِيِّ، فَكَانَ فِيهِ شَبَهُ الْأُجْرَةِ وَشَبَهُ الصَّدَقَةِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ أَعْنِي كَوْنَهُ غَيْرَ هَاشِمِيٍّ عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْغَايَةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ غَيْرَهُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا فِي بَابِ الْمَصْرِفِ مِنْ أَنَّهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ الْهَاشِمِيُّ عَلَى الصَّدَقَةِ لَا يَنْبَغِي لَهُ الْأَخْذُ مِنْهَا وَلَوْ عَمِلَ وَرُزِقَ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ. اهـ. وَمُرَادُهُ بِلَا يَنْبَغِي لَا يَحِلُّ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ هُنَاكَ، وَهَذَا كَالصَّرِيحِ فِي جَوَازِ نَصْبِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 لِأَنَّ الْجِبَايَةَ بِالْحِمَايَةِ. (نَصَّبَهُ الْإِمَامُ عَلَى الطَّرِيقِ) لِلْمُسَافِرِينَ خَرَجَ السَّاعِي فَإِنَّهُ الَّذِي يَسْعَى فِي الْقَبَائِلِ لِيَأْخُذَ صَدَقَةَ الْمَوَاشِي فِي أَمَاكِنِهَا (لِيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ) تَغْلِيبًا لِلْعِبَادَةِ عَلَى غَيْرِهَا (مِنْ التُّجَّارِ) بِوَزْنِ فُجَّارٍ (الْمَارِّينَ بِأَمْوَالِهِمْ) الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ (عَلَيْهِ) وَمَا وَرَدَ مِنْ ذَمِّ الْعَشَّارِ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَخْذِ ظُلْمًا.   [رد المحتار] عَامِلًا فَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ لِحِلِّ أَخْذِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُ صَاحِبِ الْغَايَةِ بِقَوْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ مُفَادَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ كَوْنُهُ هَاشِمِيًّا إذَا جَعَلَ لَهُ الْإِمَامُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ كَانَ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا مِمَّا يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَسَنَذْكُرُ فِي بَابِ الْمَصْرِفِ تَمَامَهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْجِبَايَةَ بِالْحِمَايَةِ) أَيْ جِبَايَةَ الْإِمَامِ هَذَا الْمَأْخُوذُ بِسَبَبِ حِمَايَتِهِ لِلْأَمْوَالِ وَلِذَا لَوْ غَلَبَ الْخَوَارِجُ عَلَى مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَأَخَذُوا مِنْهُمْ الصَّدَقَاتِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ إلَّا إعَادَةُ الْخَرَاجِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: لِلْمُسَافِرِينَ) أَيْ طَرِيقِ السَّفَرِ لِأَجْلِ الْحِمَايَةِ وَلِذَا قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: لِيَأْمَنُوا مِنْ اللُّصُوصِ إلَى قَيْدٍ لَا بُدَّ مِنْهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَهُوَ أَنْ يَأْمَنَ بِهِ التُّجَّارُ مِنْ اللُّصُوصِ وَيَحْمِيَهُمْ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ: خَرَجَ السَّاعِي) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَالْمُصَدِّقُ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ اسْمُ جِنْسٍ لَهُمَا. (قَوْلُهُ: تَغْلِيبًا إلَخْ) دَفْعٌ لِمَا يُقَالُ إنَّ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْكَافِرِ لَيْسَ بِصَدَقَةٍ (قَوْلُهُ: الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ) فَإِنَّ مَالَ الزَّكَاةِ نَوْعَانِ: ظَاهِرٌ، وَهُوَ الْمَوَاشِي، وَمَا يَمُرُّ بِهِ التَّاجِرُ عَلَى الْعَاشِر، وَبَاطِنٌ: وَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَأَمْوَالُ التِّجَارَةِ فِي مَوَاضِعِهَا بَحْرٌ وَمُرَادُهُ هُنَا بِالْبَاطِنَةِ مَا عَدَا الْمَوَاشِيَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِمْ الْمَارِّينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَإِلَّا فَكُلُّ مَا مَرَّ بِهِ عَلَى الْعَاشِرِ فَهُوَ مِنْ نَوْعِ الظَّاهِرِ، وَسَمَّاهَا بَاطِنَةً بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ قَبْلَ الْمُرُورِ. أَمَّا الْبَاطِنَةُ الَّتِي فِي بَيْتِهِ لَوْ أَخْبَرَ بِهَا الْعَاشِرَ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي مَتْنًا أَيْضًا وَأَشَارَ بِهَذَا التَّعْمِيمِ إلَى رَدِّ مَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْأَمْوَالُ الْبَاطِنَةُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَةَ: وَهِيَ السَّوَائِمُ لَا يَحْتَاجُ الْعَاشِرُ فِيهَا إلَى مُرُورِ صَاحِبِ الْمَالِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ عُشْرَهَا وَإِنْ لَمْ يَمُرَّ صَاحِبُ الْمَالِ عَلَيْهِ اهـ فَإِنَّهُ كَمَا فِي النَّهْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْعَاشِرِ وَالسَّاعِي، وَقَدْ عَلِمْت التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا بِمَا مَرَّ، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْبَدَائِعِ. مَطْلَبٌ مَا وَرَدَ فِي ذَمِّ الْعَشَّارِ. (قَوْلُهُ: وَمَا وَرَدَ مِنْ ذَمِّ الْعَشَّارِ إلَخْ) مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَدْنُو مِنْ خَلْقِهِ أَيْ بِرَحْمَتِهِ وَجُودِهِ وَفَضْلِهِ فَيَغْفِرُ لِمَنْ شَاءَ إلَّا لِبَغِيٍّ بِفَرْجِهَا أَوْ عَشَّارٍ» وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يَدْخُلُ صَاحِبُ مَكْسٍ الْجَنَّةَ» قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ يَعْنِي: الْعَشَّارَ وَقَالَ الْبَغَوِيّ: يُرِيدُ بِصَاحِبِ الْمَكْسِ، الَّذِي يَأْخُذُ مِنْ التُّجَّارِ إذَا مَرُّوا عَلَيْهِ مَكْسًا بِاسْمِ الْعُشْرِ أَيْ الزَّكَاةِ قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ. أَمَّا الْآنَ فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَهُ مَكْسًا بِاسْمِ الْعُشْرِ وَمَكْسًا آخَرَ لَيْسَ لَهُ اسْمٌ، بَلْ شَيْءٌ يَأْخُذُونَهُ حَرَامًا وَسُحْتًا، وَيَأْكُلُونَهُ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا حُجَّتُهُمْ فِيهِ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ، كَذَا فِي الزَّوَاجِرِ لِابْنِ حَجَرٍ. مَطْلَبٌ لَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِالدَّفْعِ إلَى الْعَاشِرِ فِي زَمَانِنَا ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ فَسَقَةِ التُّجَّارِ يَظُنُّ أَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَكْسِ يُحْسَبُ عَنْهُ إذَا نَوَى بِهِ الزَّكَاةَ وَهَذَا ظَنٌّ بَاطِلٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 (فَمَنْ أَنْكَرَ تَمَامَ الْحَوْلِ أَوْ قَالَ) لَمْ أَنْوِ التِّجَارَةَ أَوْ (عَلَيَّ دَيْنٌ) مُحِيطٌ أَوْ مُنْقِصٌ لِلنِّصَابِ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ زَكَاةً مِعْرَاجٍ، وَهُوَ الْحَقُّ بَحْرٌ وَلِذَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ (أَوْ) قَالَ (أَدَّيْت إلَى عَاشِرٍ آخَرَ وَكَانَ) عَاشِرٌ آخَرُ مُحَقِّقٌ (أَوْ) قَالَ (أَدَّيْت إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ) لَا بَعْدَ الْخُرُوجِ لِمَا يَأْتِي (وَحَلَفَ صُدِّقَ) فِي الْكُلِّ بِلَا إخْرَاجِ بَرَاءَةٍ فِي الْأَصَحِّ.   [رد المحتار] لَا مُسْتَنَدَ لَهُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُنَصِّبُ الْمَكَّاسِينَ لِقَبْضِ الزَّكَاةِ بَلْ لِأَخْذِ عُشُورَاتِ مَالٍ وَجَدُوهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ لَا اهـ وَتَمَامُهُ هُنَاكَ. قُلْت: عَلَى أَنَّهُ الْيَوْمَ صَارَ الْمُكَّاسُ يُقَاطِعُ الْإِمَامَ بِشَيْءٍ يَدْفَعُهُ إلَيْهِ وَيَصِيرُ يَأْخُذُ مَا يَأْخُذُهُ لِنَفْسِهِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، وَيَأْخُذُ ذَلِكَ وَلَوْ مَرَّ التَّاجِرُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مُكَّاسٍ آخَرَ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مِرَارًا مُتَعَدِّدَةً، وَلَوْ كَانَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ مِنْ الزَّكَاةِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْعَاشِرَ الَّذِي يُنَصِّبُهُ الْإِمَامُ عَلَى الطَّرِيقِ لِيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ مِنْ الْمَارِّينَ وَقَدْ مَرَّ أَيْضًا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ: أَنْ يَأْمَنَ بِهِ التُّجَّارُ مِنْ اللُّصُوصِ، وَيَحْمِيَهُمْ مِنْهُمْ وَهَذَا يَقْعُدُ عَلَى أَبْوَابِ الْبَلْدَةِ، وَيُؤْذِي التُّجَّارَ أَكْثَرَ مِنْ اللُّصُوصِ، وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَيَأْخُذُهُ مِنْهُمْ قَهْرًا وَلِذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا نَوَى أَنْ يَكُونَ الْمَكْسُ زَكَاةً فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى الزَّكَاةِ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ. اهـ. وَأَشَارَ بِالصَّحِيحِ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ إذَا نَوَى عِنْدَ الدَّفْعِ التَّصَدُّقَ عَلَى الْمُكَّاسِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ التَّبِعَاتِ وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: فَمَنْ أَنْكَرَ تَمَامَ الْحَوْلِ) أَيْ عَلَى مَا فِي يَدِهِ وَعَلَى مَا فِي بَيْتِهِ فَلَوْ كَانَ فِي بَيْتِهِ مَالٌ آخَرُ قَدْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَمَا مَرَّ بِهِ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ، فَإِنَّ الْعَاشِرَ لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ لِوُجُوبِ الضَّمِّ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ إلَّا لِمَانِعٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ قَالَ لَمْ أَنْوِ التِّجَارَةَ) أَوْ قَالَ: لَيْسَ هَذَا الْمَالُ لِي بَلْ هُوَ وَدِيعَةٌ أَوْ بِضَاعَةٌ أَوْ مُضَارَبَةٌ، أَوْ أَنَا أَجِيرٌ فِيهِ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ زَيْلَعِيٌّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: لَيْسَ فِي هَذَا الْمَالِ صَدَقَةٌ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ مَعَ يَمِينِهِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ سَبَبَ النَّفْيِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَيَّ دَيْنٌ) أَيْ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّهُ الْمَانِعُ مِنْ وُجُوبِ النِّصَابِ كَمَا مَرَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ مِنْهُ دَيْنَ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ زَكَاةً) أَيْ فَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الدَّيْنِ مُحِيطًا أَوْ مُنْقِصًا لِلنِّصَابِ، وَالْمُرَادُ مَا يَأْخُذُهُ مِنَّا أَوْ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ فَيُعْطَى حُكْمَ الزَّكَاةِ هُنَا وَإِنْ كَانَ جِزْيَةً وَيُصْرَفُ فِي مَصَارِفِهَا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْحَقُّ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ تَعْمِيمِ الدَّيْنِ بِقَوْلِهِ: مُحِيطٌ أَوْ مُنْقِصٌ؛ لِأَنَّ الْمُنْقِصَ لِلنِّصَابِ مَانِعٌ مِنْ الْوُجُوبِ، فَلَا فَرْقَ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ بَحْرٌ وَهُوَ رَدٌّ عَلَى مَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ وَغَايَةُ الْبَيَانِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْمُحِيطِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا أَرَادَا بِهِ الِاحْتِرَازَ عَمَّا لَا يَفْضُلُ عَنْهُ نِصَابٌ لَا عَنْ الْمُنْقِصِ أَيْضًا، فَلَا يُنَافِي إطْلَاقَ الْكَنْزِ كَإِطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمِعْرَاجِ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ وَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْمَنْطُوقَ لَا يُعَارِضُهُ الْمَفْهُومُ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ التَّصْرِيحِ فِي الْمِعْرَاجِ، بِخِلَافِ هَذَا الْمَنْطُوقِ وَمِنْ تَأْوِيلِهِ بِمَا ذَكَرْنَا فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: مُحَقَّقٌ) فَلَوْ لَمْ يَدْرِ هَلْ هُنَاكَ عَاشِرٌ أَمْ لَا لَمْ يُصَدَّقْ كَمَا فِي السِّرَاجِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ نَهْرٌ، وَالْمُرَادُ بِالْعَاشِرِ هُنَا عَاشِرُ أَهْلِ الْعَدْلِ فَلَوْ مَرَّ عَلَى عَاشِرِ الْخَوَارِجِ عُشِّرَ ثَانِيًا كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: أَوْ قَالَ أَدَّيْت إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ) ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ كَانَ مُفَوَّضًا إلَيْهِ فِيهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لَا بَعْدَ الْخُرُوجِ) أَيْ لَوْ قَالَ: أَدَّيْت زَكَاتَهَا بَعْدَمَا أَخْرَجْتهَا مِنْ الْمَدِينَةِ، لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهَا بِالْإِخْرَاجِ الْتَحَقَتْ بِالْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، فَكَانَ الْأَخْذُ فِيهَا إلَى الْإِمَامِ زَيْلَعِيٌّ، وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ وَلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ لِلْإِمَامِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ إلَى الْمَفَازَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَدَّى بِنَفْسِهِ فَإِذَا ادَّعَى ذَلِكَ فَقَدْ أَنْكَرَ ثُبُوتَ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ الْيَمِينِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِمَا يَأْتِي) أَيْ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ بَعْدَ إخْرَاجِهَا (قَوْلُهُ: وَحَلَفَ) الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَلَا يَمِينَ فِيهَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ مُنْكَرٌ وَلَهُ مُكَذِّبٌ، وَهُوَ الْعَاشِرُ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ، فَيَحْلِفُ لِرَجَاءِ النُّكُولِ بِخِلَافِ بَاقِي الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُكَذِّبَ لَهُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: فِي الْكُلِّ) أَيْ فِي إنْكَارِ تَمَامِ الْحَوْلِ، وَمَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) كَذَا فِي الْكَافِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 لِاشْتِبَاهِ الْخَطِّ، حَتَّى لَوْ أَتَى بِهَا عَلَى خِلَافِ اسْمِ ذَلِكَ الْعَاشِرِ حَلَفَ وَصُدِّقَ وَعُدَّتْ عَدَمًا وَلَوْ ظَهَرَ كَذِبُهُ بَعْدَ سِنِينَ أُخِذَتْ مِنْهُ (إلَّا فِي السَّوَائِمِ وَالْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ بَعْدَ إخْرَاجِهَا مِنْ الْبَلَدِ) لِأَنَّهَا بِالْإِخْرَاجِ الْتَحَقَتْ بِالْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ فَكَانَ الْأَخْذُ فِيهَا لِلْإِمَامِ فَيَكُونُ هُوَ الزَّكَاةَ، وَالْأَوَّلُ يَنْقَلِبُ نَفْلًا وَيَأْخُذُهَا مِنْهُ بِقَوْلِهِ لِقَوْلِ عُمَرَ: لَا تَنْبُشُوا عَلَى النَّاسِ مَتَاعَهُمْ لَكِنَّهُ يُحَلِّفُهُ إذَا اُتُّهِمَ (وَكُلُّ مَا صُدِّقَ فِيهِ مُسْلِمٌ) مِمَّا مَرَّ (صُدِّقَ فِيهِ ذِمِّيٌّ) لِأَنَّ لَهُمْ مَا لَنَا (إلَّا فِي قَوْلِهِ أَدَّيْت) أَنَا (إلَى فَقِيرٍ) لِعَدَمِ وَلَايَةِ ذَلِكَ.   [رد المحتار] وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَشَرْطُ إخْرَاجِهَا رِوَايَةُ الْأَصْلِ: وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِرَاطِ الْيَمِينِ مَعَهَا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ: لِاشْتِبَاهِ الْخَطِّ) ؛ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ وَقَدْ يُزَوَّرُ وَقَدْ لَا يَأْخُذُ الْبَرَاءَةَ غَفْلَةً مِنْهُ، وَقَدْ تَضِلُّ بَعْدَ الْأَخْذِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ حُكْمًا فَيُعْتَبَرُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ كَافِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَعُدَّتْ عَدَمًا) قَدْ يُقَالُ إنَّهُ دَلِيلُ كَذِبِهِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ ذَكَرَ الْحَدَّ الرَّابِعَ وَغَلِطَ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى، وَإِنْ جَازَ تَرْكُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا عِبَادَةٌ بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ الْمَحْضَةِ بَحْرٌ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: أُخِذَتْ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ ثَابِتٌ فَلَا يَسْقُطُ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ بَحْرٌ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْحَرْبِيِّ أَمَّا فِيهِ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ، ثُمَّ خَرَجَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ لِمَا مَضَى. اهـ. ح (قَوْلُهُ: إلَّا فِي السَّوَائِمِ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ تَصْدِيقِهِ فِي قَوْلِهِ: أَدَّيْت إلَى الْفُقَرَاءِ أَيْ فَلَا يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ: أَدَّيْت زَكَاتَهَا بِنَفْسِي إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِلسُّلْطَانِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ بَحْرٌ. قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْأَدَاءَ إلَى السَّاعِي يُصَدَّقُ (قَوْلُهُ: وَالْأَمْوَالَ الْبَاطِنَةَ) أَيْ وَإِلَّا فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ وَقَوْلُهُ بَعْدَ إخْرَاجِهَا: أَيْ إخْرَاجِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ مُتَعَلِّقٌ بِأَدَّيْت الْمُقَدَّرِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ. وَالْمَعْنَى: لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَدَّى زَكَاةَ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ إخْرَاجِهَا مِنْ الْبَلَدِ لَا يُصَدَّقُ وَلَا يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِالْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ تَعَلُّقًا نَحْوِيًّا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا مَعْنَوِيًّا عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ أَوْ حَالٌ لِإِيهَامِهِ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ بَعْدَ إخْرَاجِهَا سَوَاءٌ قَالَ: أَدَّيْت قَبْلَ الْإِخْرَاجِ أَوْ بَعْدَهُ مَعَ أَنَّهُ بَعْدَ مُرُورِهِ بِهَا عَلَى الْعَاشِرِ لَوْ قَالَ أَدَّيْت إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ يُصَدَّقُ كَمَا مَرَّ فِي الْمَتْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: فَكَانَ الْأَخْذُ فِيهَا لِلْإِمَامِ) كَمَا فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَهِيَ السَّوَائِمُ. (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ يَنْقَلِبُ نَفْلًا) هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ الثَّانِي سِيَاسَةً، وَهَذَا لَا يُنَافِي انْفِسَاخَ الْأَوَّلِ وَوُقُوعِ الثَّانِي سِيَاسَةً بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَلَوْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ ثَانِيًا لِعِلْمِهِ بِأَدَائِهِ فَفِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَفِي جَامِعِ أَبِي الْيُسْرِ لَوْ أَجَازَ إعْطَاءَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الدَّفْعِ جَازَ وَكَذَا إذَا أَجَازَ دَفْعَهُ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَيَأْخُذُهَا مِنْهُ بِقَوْلِهِ) أَيْ يَأْخُذُ مِنْهُ الْعَاشِرُ الصَّدَقَةَ بِقَوْلِهِ قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: إذَا أَخْبَرَ التَّاجِرُ الْعَاشِرَ أَنَّ مَتَاعَهُ مَرْوِيٌّ أَوْ هَرَوِيٌّ وَاتَّهَمَهُ الْعَاشِرُ فِيهِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ حَلَّفَهُ وَأَخَذَ مِنْهُ الصَّدَقَةَ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَلَايَةُ الْإِضْرَارِ بِهِ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَّالِهِ: وَلَا تُفَتِّشُوا عَلَى النَّاسِ مَتَاعَهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا تَنْبُشُوا) النَّبْشُ إبْرَازُ الْمَسْتُورِ وَكَشْفُ الشَّيْءِ عَنْ الشَّيْءِ الْقَامُوسُ وَبَابُهُ نَصَرَ كَذَا فِي جَامِعِ اللُّغَةِ ح. وَاَلَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ: لَا تُفَتِّشُوا بِالْفَاءِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَا صُدِّقَ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَكُلُّ مَالٍ وَالْمُنَاسِبُ هُوَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ مَا غَيْرُ وَاقِعَةٍ عَلَى الْمَالِ وَلِذَا بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ مِمَّا مَرَّ أَيْ مِنْ إنْكَارِ الْحَوْلِ وَمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ لَهُمْ مَا لَنَا) أَيْ فَيُرَاعَى فِي حَقِّهِمْ تِلْكَ الشَّرَائِطُ مِنْ الْحَوْلِ وَالنِّصَابِ، وَالْفَرَاغُ مِنْ الدَّيْنِ، وَكَوْنُهُ لِلتِّجَارَةِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا أُلْحِقُوا بِالْمُسْلِمِينَ وَجَبَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ رُبُعُ الْعُشْرِ كَالْمُسْلِمِينَ. قُلْنَا: الْمَأْخُوذُ مِنَّا زَكَاةٌ حَقِيقَةً وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ كَالْجِزْيَةِ حَتَّى يُصْرَفَ إلَى مَصَارِفِهَا لَا زَكَاةٌ؛ لِأَنَّهَا طُهْرَةٌ وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا وَتَمَامُهُ فِي الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ وَلَايَةِ ذَلِكَ) فَإِنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةٌ وَفِيهَا لَا يُصَدَّقُ إذَا قَالَ أَدَّيْتهَا؛ لِأَنَّ فُقَرَاءَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 (لَا) يُصَدَّقُ (حَرْبِيٌّ) فِي شَيْءٍ (إلَّا فِي أُمِّ وَلَدِهِ، وَقَوْلِهِ لِغُلَامٍ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ هَذَا وَلَدِي) لِفَقْدِ الْمَالِيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يُولَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ وَعُشِّرَ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْعِتْقِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ (وَ) إلَّا فِي (قَوْلِهِ أَدَّيْت إلَى عَاشِرٍ آخَرَ وَثَمَّةَ عَاشِرٌ آخَرُ) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى اسْتِئْصَالِ الْمَالِ جَزَمَ بِهِ مُنْلَا خُسْرو وَذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ تَبَعًا لِلسُّرُوجِيِّ بِلَفْظٍ: يَنْبَغِي كَذَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْبَحْرِ، لَكِنْ جَزَمَ فِي الْعِنَايَةِ وَالْغَايَةِ بِعَدَمِ تَصْدِيقِهِ وَرَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ.   [رد المحتار] أَهْلِ الذِّمَّةِ لَيْسُوا مَصْرِفًا لَهَا وَلَيْسَ لَهُ وَلَايَةُ الصَّرْفِ إلَى مُسْتَحِقِّهَا وَهُوَ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ زَيْلَعِيٌّ. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَيْسَ بِجِزْيَةٍ بَلْ فِي حُكْمِهَا لِصَرْفِهِ فِي مَصَارِفِهَا حَتَّى لَا تَسْقُطَ جِزْيَةُ رَأْسِهِ تِلْكَ السَّنَةَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ اهـ. قُلْت: صَرَّحَ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ بِأَنَّهُ جِزْيَةٌ حَقِيقَةً وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا جِزْيَةٌ فِي مَالِهِ كَمَا يُسَمَّى خَرَاجُ أَرْضِهِ جِزْيَةً. وَعَلَيْهِ فَالْجِزْيَةُ أَنْوَاعٌ: جِزْيَةُ مَالٍ، وَجِزْيَةُ أَرْضٍ، وَجِزْيَةُ رَأْسٍ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَخْذِ بَعْضِهَا سُقُوطُ بَاقِيهَا كَمَا لَا يَخْفَى إلَّا فِي بَنِي تَغْلِبَ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ فِي مَالِهِمْ هُوَ جِزْيَةُ رُءُوسِهِمْ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: إذَا أَخَذَ الْعَاشِرُ مَا عَلَيْهِمْ سَقَطَتْ عَنْهُمْ الْجِزْيَةُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ صَالَحَهُمْ مِنْ الْجِزْيَةِ عَلَى الصَّدَقَةِ الْمُضَاعَفَةِ (قَوْلُهُ: لَا يُصَدَّقُ حَرْبِيٌّ) أَيْ لَا يُلْتَفَت إلَى قَوْلِهِ وَلَوْ ثَبَتَ صِدْقُهُ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ أَفَادَهُ الْكَمَالُ ط. (قَوْلُهُ: فِي شَيْءٍ) بَيَانٌ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَحْذُوفِ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ أَيْ فِي شَيْءٍ مَا مَرَّ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي تَصْدِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَمْ يَتِمَّ الْحَوْلُ فَفِي الْأَخْذِ مِنْهُ لَا يُعْتَبَرُ الْحَوْلُ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ لِتَمَامِ الْحِمَايَةِ لِيَحْصُلَ النَّمَاءُ وَحِمَايَةُ الْحَرْبِيِّ تَتِمُّ بِالْأَمَانِ مِنْ السَّبْيِ، وَإِنْ قَالَ عَلَيَّ دَيْنٌ فَمَا عَلَيْهِ فِي دَارِهِ لَا يُطَالَبُ بِهِ فِي دَارِنَا وَإِنْ قَالَ: الْمَالُ بِضَاعَةٌ فَلَا حُرْمَةَ لِصَاحِبِهَا وَلَا أَمَانَ، وَإِنْ قَالَ لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ كَذَّبَهُ الظَّاهِرُ وَإِنْ قَالَ أَدَّيْتهَا أَنَا كَذَّبَهُ اعْتِقَادُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ إلَّا فِي أُمِّ وَلَدِهِ إلَخْ) فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ أَنَّ الْجَارِيَةَ الَّتِي مَعَهُ أُمُّ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِنَسَبِ مَنْ فِي يَدِهِ صَحِيحٌ فَكَذَا بِأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ نَهْرٌ. وَعِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْهِدَايَةِ إلَّا فِي الْجَوَارِي يَقُولُ: هُنَّ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِي. وَفِي الْبَحْرِ: فَلَوْ أَقَرَّ بِتَدْبِيرِ عَبْدِهِ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ: لِغُلَامٍ) أَيْ لَيْسَ بِثَابِتِ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يُكَذِّبُهُ عَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرُوا فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ ط (قَوْلُهُ: هَذَا وَلَدِي) فَلَوْ قَالَ أَخِي لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِنَسَبِهِ عَلَى الْأَبِ وَثُبُوتُهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصْدِيقِ الْأَبِ فَيُؤْخَذُ عُشْرُهُ كَذَا ظَهَرَ لِي، وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا. نَعَمْ رَأَيْت فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ: لَوْ مَرَّ بِرَقِيقٍ فَقَالَ هَؤُلَاءِ أَحْرَارٌ لَمْ يُعْشَرْ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَهُمْ أَحْرَارٌ وَإِلَّا فَقَدْ صَارُوا أَحْرَارًا بِقَوْلِهِ (قَوْلُهُ: لِفَقْدِ الْمَالِيَّةِ) عِلَّةٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ أَيْ وَالْأَخْذُ لَا يَجِبُ إلَّا مِنْ الْمَالِ ط عَنْ النَّهْرِ. مَطْلَبٌ مَا يُؤْخَذُ مِنْ النَّصَارَى لِزِيَارَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَرَامٌ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: أَقُولُ: مِنْهُ يُعْلَمُ حُرْمَةُ مَا يَفْعَلُهُ الْعُمَّالُ الْيَوْمَ مِنْ الْأَخْذِ عَلَى رَأْسِ الْحَرْبِيِّ وَالذِّمِّيِّ خَارِجًا عَنْ الْجِزْيَةِ حَتَّى يُمَكَّنَ مِنْ زِيَارَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ (قَوْلُهُ: وَعُشِرَ) بِالتَّخْفِيفِ أَيْ أُخِذَ عُشْرُهُ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْعِتْقِ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا وَلَدِي لِلْأَكْبَرِ مِنْهُ سِنًّا مَجَازٌ عَنْ هُوَ حُرٌّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ: فَلَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ) أَيْ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْعَاشِرِ وَهُوَ أَخْذُ الْعُشْرِ لِبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ فِي حَقِّهِ حُكْمًا (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى اسْتِئْصَالِ الْمَالِ) عِلَّةٌ لِلِاسْتِثْنَاءِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ لَزِمَ أَنَّهُ كُلَّمَا مَرَّ عَلَى عَاشِرٍ أَخَذَ مِنْهُ الْعُشْرَ فَيُؤَدِّي إلَى اسْتِئْصَالِ مَالِهِ أَيْ أَخْذِهِ مِنْ أَصْلِهِ (قَوْلُهُ: جَزَمَ بِهِ مُنْلَا خُسْرو) كَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْبَحْرِ بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَفِي نُسْخَةٍ أُخْرَى مُنْلَا شَيْخٍ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَهِيَ الصَّوَابُ. فَإِنَّ عِبَارَةَ مُنْلَا خُسْرو كَعِبَارَةِ الْكَنْزِ الْآتِيَةِ وَالْعِبَارَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُودٍ الْبُخَارِيِّ الشَّهِيرِ بِمُنْلَا شَيْخٍ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى غُرَرُ الْأَذْكَارِ شَرْحُ دُرَرِ الْبِحَارِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْقُونَوِيِّ (قَوْلُهُ: وَالْغَايَةُ) يَعْنِي غَايَةَ الْبَيَانِ للأتقاني وَإِلَّا فَالْغَايَةُ لِلسُّرُوجِيِّ وَهِيَ شَرْحُ الْهِدَايَةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ) أَيْ بِقَوْلِهِ: إلَّا أَنَّ كَلَامَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَحَقُّ مَا إلَيْهِ يُذْهَبُ. اهـ. أَيْ لِأَنَّهُ هُوَ مُقْتَضَى حَصْرِ صَاحِبِ الْكَنْزِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 (وَأُخِذَ مِنَّا رُبُعُ عُشْرٍ وَمِنْ الذِّمِّيِّ) سَوَاءٌ كَانَ تَغْلِيبِيًّا أَوْ لَمْ يَكُنْ كَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (ضَعَّفَهُ وَمِنْ الْحَرْبِيِّ عُشْرٌ) بِذَلِكَ أَمَرَ عُمَرُ (بِشَرْطِ كَوْنِ الْمَالِ) لِكُلِّ وَاحِدٍ (نِصَابًا) لِأَنَّ مَا دُونَهُ عَفْوٌ (وَ) بِشَرْطِ (جَهْلِنَا) قَدْرَ (مَا أَخَذُوا مِنَّا، فَإِنْ عُلِمَ أُخِذَ مِثْلُهُ) مُجَازَاةً إلَّا إذَا أَخَذُوا الْكُلَّ فَلَا نَأْخُذُهُ بَلْ نَتْرُكُ لَهُ مَا يُبَلِّغُهُ مَأْمَنَهُ إبْقَاءً لِلْأَمَانِ.   [رد المحتار] بِقَوْلِهِ: لَا الْحَرْبِيُّ إلَّا فِي أُمِّ وَلَدِهِ وَكَذَا عِبَارَةُ الدُّرَرِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِمُحَرِّرِ الْمَذْهَبِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ. وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ: فَالْمُرَادُ بِأَهْلِ الْمَذْهَبِ النَّاقِلُونَ لِكَلَامِ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ. وَأَمَّا السُّرُوجِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ كَالْعَيْنِيِّ وَالزَّيْلَعِيِّ وَشَارِحِ دُرَرِ الْبِحَارِ فَقَدْ ذَكَرُوا ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْبَحْثِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ لَفْظُ يَنْبَغِي فَافْهَمْ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ مَا ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ وَغَيْرُهُ يُعْلَمُ حُكْمُهُ مِمَّا ذَكَرَهُ غَيْرُهُمْ أَيْضًا وَهُوَ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ إذَا أُخِذَ مِنْ الْحَرْبِيِّ مَرَّةً لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ثَانِيًا إلَخْ، وَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَدَّقْ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى اسْتِئْصَالِ الْمَالِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا يَجِيءُ. اهـ. فَالْحَصْرُ فِي كَلَامِ الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَغَيْرِهِمَا إضَافِيٌّ صَرَّحَ فِيهِ بِأَحَدِ الْمُسْتَثْنَيَيْنِ وَسَكَتَ عَنْ الْآخَرِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ بَعْدَ وَكَمْ لَهُ مِنْ نَظِيرٍ، فَلَمْ يَكُنْ كَلَامُ السُّرُوجِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ مُخَالِفًا لِلْمَذْهَبِ، بَلْ هُوَ تَحْقِيقٌ لَهُ عَلَى مَا هُوَ عَادَةُ الشُّرَّاحِ مِنْ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ وَبَيَانِ الْمُجْمَلِ وَإِظْهَارِ الْخَفِيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ فَهُوَ جَرْيٌ عَلَى ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ، فَإِنْ كَانَ صَرِيحُهُ مَنْقُولًا عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ فَلَا كَلَامَ وَإِلَّا فَالتَّحْقِيقُ خِلَافُهُ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَأُخِذَ مِنَّا إلَخْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ آخِرُ الْعِبَارَةِ ط وَالْمَأْخُوذُ مِنْ الْمُسْلِمِ زَكَاةٌ وَمِنْ غَيْرِهِ جِزْيَةً يُصْرَفُ فِي مَصَارِفِهَا، وَلَكِنْ تُرَاعَى فِيهِ شُرُوطُ الزَّكَاةِ مِنْ الْحَوْلِ وَنَحْوِهِ كَمَا قَدَّمْنَا (قَوْلُهُ: بِذَلِكَ) أَيْ بِهَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ أَمَرَ عُمَرُ سُعَاتَهُ ط (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا دُونَهُ عَفْوٌ) أَمَّا فِي الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْحَرْبِيِّ فَلِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إلَى الْحِمَايَةِ لِقِلَّتِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَبِشَرْطِ جَهْلِنَا إلَخْ) هَذَا خَاصٌّ بِالْحَرْبِيِّ فَقَطْ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ مَا أَخَذُوا مِنَّا أَيْ أَهْلُ الْحَرْبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَلَيْسَ فِي عَطْفِهِ عَلَى مَا يَعُمُّ عَلَى الثَّلَاثَةِ إبْهَامٌ أَصْلًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: قَدْرَ مَا أَخَذُوا مِنَّا) قَالَ الْبُرْجَنْدِيُّ: ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ مَعْلُومٌ وَالْمَأْخُوذَ مَجْهُولٌ، وَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْأَخْذِ مَعْلُومًا لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: لَكِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ إنَاطَةِ صَاحِبِ الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ عَدَمُ الْأَخْذِ مِنْهُمْ بِمَعْرِفَةِ عَدَمِ الْأَخْذِ مِنَّا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِأَصْلِ الْأَخْذِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا يَظْهَرُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: مُجَازَاةً) أَيْ الْأَخْذُ بِكَمِّيَّةٍ خَاصَّةٍ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ لَا أَصْلُ الْأَخْذِ فَإِنَّهُ حَقٌّ مِنَّا وَبَاطِلٌ مِنْهُمْ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ دُخُولَهُ فِي الْحِمَايَةِ أَوْجَبَ حَقَّ الْأَخْذِ مِنْهُمْ ثُمَّ إنْ عُرِفَ كَمِّيَّةُ مَا يَأْخُذُونَ مِنَّا أَخَذْنَا مِنْهُمْ مِثْلَهُ مُجَازَاةً إلَّا إذَا عُرِفَ أَخْذُهُمْ الْكُلَّ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ كَمِّيَّةُ مَا يَأْخُذُونَ فَالْعُشْرُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ حَقُّ الْأَخْذِ بِالْحِمَايَةِ وَتَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الْمُجَازَاةِ فَقُدِّرَ بِضِعْفِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَجُ إلَى الْحِمَايَةِ مِنْهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. قُلْت: وَيُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ إلَخْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَصْلُ أَخْذِ شَيْءٍ مِنَّا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْعُشْرُ لِتَحَقُّقِ سَبَبِهِ وَلِأَنَّ أَخْذَ غَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ، وَمَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ أَصْلًا لَا مُجَازَاةً وَلِأَنَّ عَدَمَ الْأَخْذِ مِنْهُمْ أَصْلًا عِنْدَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ أَخْذِ شَيْءٍ إنَّمَا هُوَ لِيَسْتَمِرُّوا عَلَيْهِ وَلِأَنَّا أَحَقُّ بِالْمَكَارِمِ كَمَا يَأْتِي وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ بِمَعْنَى الْمُجَازَاةِ حَيْثُ تَرَكْنَاهُمْ كَمَا تَرَكُونَا وَلَيْسَ مِثْلُهُ عَدَمَ الْعِلْمِ بِأَصْلِ الْأَخْذِ لِتَحَقُّقِ سَبَبِ أَخْذِ الْعُشْرِ وَهُوَ دُخُولُهُ فِي الْحِمَايَةِ وَعَدَمُ تَحَقُّقِ الْمَانِعِ بِخِلَافِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 (وَلَا نَأْخُذُ مِنْهُمْ شَيْئًا إذَا لَمْ يَبْلُغْ مَالُهُمْ نِصَابًا) وَإِنْ أَخَذُوا مِنَّا فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ وَلَا مُتَابَعَةَ عَلَيْهِ (أَوْ لَمْ يَأْخُذُوا مِنَّا) لِيَسْتَمِرُّوا عَلَيْهِ وَلِأَنَّا أَحَقُّ بِالْمَكَارِمِ (وَلَا يُؤْخَذُ) الْعُشْرُ (مِنْ مَالِ صَبِيٍّ حَرْبِيٍّ إلَّا أَنْ يَكُونُوا يَأْخُذُونَ مِنْ أَمْوَالِ صِبْيَانِنَا) أَشْيَاءَ كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ. (أُخِذَ مِنْ الْحَرْبِيِّ مَرَّةً لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ثَانِيًا فِي تِلْكَ السَّنَةِ إلَّا إذَا عَادَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ) لِعَدَمِ جَوَازِ الْأَخْذِ بِلَا تَجَدُّدِ حَوْلٍ أَوْ عَهْدٍ (وَلَوْ مَرَّ الْحَرْبِيُّ بِعَاشِرٍ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ) الْعَاشِرُ (حَتَّى دَخَلَ) دَارَ الْحَرْبِ (ثُمَّ خَرَجَ) ثَانِيًا (لَمْ يُعَشِّرْهُ لِمَا مَضَى) لِسُقُوطِهِ بِانْقِطَاعِ الْوَلَايَةِ (بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ) لِعَدَمِ الْمُسْقِطِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَيُؤْخَذُ نِصْفُ عُشْرٍ مِنْ قِيمَةِ خَمْرِ) وَجُلُودِ مَيْتَةِ (كَافِرٍ) كَذَا أَقَرَّ الْمُصَنِّفُ مَتْنَهُ فِي شَرْحِهِ لَوْ (لِلتِّجَارَةِ) .   [رد المحتار] قَصْدِ الْمُجَازَاةِ فَإِنَّهُ مَانِعٌ مِنْ إيجَابِ الْعُشْرِ بَعْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِهِ فَقَدْ تَأَيَّدَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَلَا نَأْخُذُ مِنْهُمْ شَيْئًا إلَخْ) تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ بِشَرْطِ كَوْنِ الْمَالِ نِصَابًا ح (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ ظُلْمٌ) فِيهِ أَنَّ جَمِيعَ مَا يَأْخُذُونَهُ مِنَّا ظُلْمٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْأَخْذَ مِنْ الْقَلِيلِ ظُلْمٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ ذِي عَقْلٍ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ مُعَدٌّ لِلنَّفَقَةِ غَالِبًا وَالْأَخْذُ مِنْهُ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْأَمَانِ الْوَاجِبِ الْوَفَاءِ بِهِ حَتَّى عِنْدَهُمْ مِثْلُ مَا لَوْ أَخَذُوا الْكُلَّ (قَوْلُهُ: لِيَسْتَمِرُّوا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى عَدَمِ الْأَخْذِ مِنَّا ح (قَوْلُهُ: لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ثَانِيًا) ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَمَانِ الْأَوَّلِ بَاقٍ وَالْأَخْذُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ اسْتِئْصَالٌ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: بِلَا تَجَدُّدِ حَوْلٍ أَوْ عَهْدٍ) لَكِنْ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْمُقَامِ فِي دَارِنَا حَوْلًا كَامِلًا بَلْ يَقُولُ لَهُ الْإِمَامُ حِينَ دُخُولِهِ إنْ أَقَمْت ضَرَبْت عَلَيْك الْجِزْيَةَ فَإِنْ أَقَامَ ضَرَبَهَا ثُمَّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْعَوْدِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ مَرَّ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ بِمُقَامِهِ حَوْلًا عَشَرَهُ ثَانِيًا زَجْرًا لَهُ وَيَرُدُّهُ إلَى دَارِنَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ) أَيْ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ وَخَرَجَ مِنْهَا ط (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ) أَيْ إذَا مَرَّا وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِمَا الْعَاشِرُ حَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْهُمَا نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ قِيمَةِ خَمْرِ) بِجَرِّ خَمْرِ بِلَا تَنْوِينٍ لِإِضَافَتِهِ إلَى كَافِرٍ عَلَى حَدِّ قَوْلِ الشَّاعِرِ بَيْنَ ذِرَاعَيْ وَجَبْهَةِ الْأَسَدِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْغَايَةِ تُعْرَفُ قِيمَةُ الْخَمْرِ بِقَوْلِ فَاسِقَيْنِ تَابَا أَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَسْلَمَا. وَفِي الْكَافِي يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالرُّجُوعِ إلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ اهـ وَفِي حَاشِيَةِ نُوحٍ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَجُلُودِ مَيْتَةِ كَافِرٍ) كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمَحْبُوبِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ رِوَايَةً عَنْ الْكَرْخِيِّ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَالًا فِي الِابْتِدَاءِ، وَتَصِيرُ مَالًا فِي الِانْتِهَاءِ بِالدَّبْغِ فَكَانَتْ كَالْخَمْرِ اهـ وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ وَأَقَرَّهُ. وَاسْتَشْكَلَهُ ح بِأَنَّ الْجِلْدَ قِيَمِيٌّ وَسَيَأْتِي أَنَّ أَخْذَ قِيمَةِ الْقِيَمِيِّ كَأَخْذِ عَيْنِهِ وَكَوْنُهُ مَالًا فِي الِابْتِدَاءِ وَيَصِيرُ مَالًا فِي الِانْتِهَاءِ مِمَّا لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ عِلَّةَ عُشْرِ الْخَمْرِ وَإِنَّمَا جَعَلُوا الْعِلَّةَ كَوْنَهُ مِثْلِيًّا اهـ. وَأَجَابَ الرَّحْمَتِيُّ بِأَنَّ الْجِلْدَ مِثْلِيٌّ لَا قِيَمِيٌّ بِدَلِيلِ جَوَازِ السَّلَمِ فِيهِ فَكَانَ كَالْخِنْزِيرِ لَا كَالْخَمْرِ. قُلْت: سَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّهُ قِيَمِيٌّ، وَجَوَازُ السَّلَمِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِثْلِيٌّ لِجَوَازِهِ فِي غَيْرِهِ. وَأَجَابَ ط بِأَنَّهُ فِي الْبَحْرِ عَلَّلَ لِلْخَمْرِ بِعِلَّةٍ ثَانِيَةٍ، وَهِيَ أَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ مِنْهَا لِلْحِمَايَةِ فَيُقَالُ مِثْلُهُ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ. قُلْت: لَكِنَّ هَذَا لَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ بِأَنَّ أَخْذَ قِيمَةِ الْقِيَمِيِّ كَأَخْذِ عَيْنِهِ. وَقَدْ يُجَابُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ قِيمَةِ مَا لَا يُتَمَوَّلُ أَصْلًا وَهُوَ نَجِسُ الْعَيْنِ كَالْخِنْزِيرِ وَقِيمَةِ مَا هُوَ قَابِلٌ لِلتَّمَوُّلِ وَالِانْتِفَاعِ كَجُلُودِ الْمَيْتَةِ وَلِذَا قَالُوا فَكَانَتْ كَالْخَمْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَذَا أَقَرَّ الْمُصَنِّفُ مَتْنَهُ فِي شَرْحِهِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَتْنَ الْمَذْكُورَ فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ هَكَذَا: وَيُؤْخَذُ نِصْفُ عُشْرٍ مِنْ قِيمَةِ خَمْرِ كَافِرٍ لِلتِّجَارَةِ لَا مِنْ خِنْزِيرِهِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ عُشْرُ الْقِيمَةِ مِنْ حَرْبِيٍّ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ، وَكِتَابَتُهَا بِالْأَحْمَرِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ غَلَطٌ. وَرَأَيْت فِي مَتْنٍ مُجَرَّدٍ مَا نَصُّهُ: وَيُؤْخَذُ نِصْفُ عُشْرٍ مِنْ قِيمَةِ خَمْرِ ذِمِّيٍّ وَعُشْرُ قِيمَتِهِ مِنْ حَرْبِيٍّ لِلتِّجَارَةِ لَا مِنْ خِنْزِيرِهِ، وَكُلٌّ مِمَّا أَقَرَّهُ وَرَجَعَ عَنْهُ خَطَأٌ أَمَّا مَا أَقَرَّهُ فَلِأَنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ الْكَافِرَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَأْخُوذَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 وَبَلَغَ نِصَابًا وَيُؤْخَذُ عُشْرُ الْقِيمَةِ مِنْ حَرْبِيٍّ بِلَا نِيَّةِ تِجَارَةٍ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ شَيْءٌ اتِّفَاقًا (لَا) يُؤْخَذُ (مِنْ خِنْزِيرِهِ) مُطْلَقًا لِأَنَّهُ قِيَمِيٌّ فَأَخْذُ قِيمَتِهِ كَعَيْنِهِ بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ يَبْطُلُ حَقُّهُ أَصْلًا فَيَتَضَرَّرُ وَمَوَاضِعُ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ ذَكَرَهُ سَعْدِيٌّ (وَ) لَا يُؤْخَذُ أَيْضًا مِنْ (مَالٍ فِي بَيْتِهِ) مُطْلَقًا (وَ) لَا مِنْ مَالِ (بِضَاعَةٍ) إلَّا أَنْ تَكُونَ لِحَرْبِيٍّ (وَ) لَا مِنْ (مَالِ مُضَارَبَةٍ) إلَّا أَنْ يَرْبَحَ الْمُضَارِبُ فَيُعَشِّرُ نَصِيبَهُ إنْ بَلَغَ نِصَابًا (وَ) لَا مِنْ (كَسْبِ مَأْذُونٍ مَدْيُونٍ) بِدَيْنٍ (مُحِيطٍ) بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ   [رد المحتار] مِنْ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ نِصْفُ عُشْرٍ وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ التِّجَارَةِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْحَرْبِيِّ عُشْرٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ. وَأَمَّا مَا رَجَعَ عَنْهُ فَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ نِيَّةِ التِّجَارَةِ فِي حَقِّ الْحَرْبِيِّ، وَلِذَلِكَ حَمَلَ الشَّارِحُ الْكَافِرَ عَلَى الذِّمِّيِّ فَصَارَ الْمُصَنِّفُ سَاكِتًا عَنْ الْحَرْبِيِّ، فَذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَيُؤْخَذُ عُشْرُ الْقِيمَةِ مِنْ حَرْبِيٍّ إلَخْ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: وَبَلَغَ نِصَابًا) أَيْ وَحْدَهُ أَوْ بِالضَّمِّ إلَى مَالٍ آخَرَ مَعَهُ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ الْمَتْنِ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَأَنَّهُ يَعْشُرُهُ مُطْلَقًا أَطْلَقَ الْعِبَارَةَ وَلَمْ يَكْتَفِ بِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا نَأْخُذُ مِنْهُمْ شَيْئًا إذَا لَمْ يَبْلُغْ مَالُهُمْ نِصَابًا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ: لَا مِنْ خِنْزِيرِهِ) أَيْ الْكَافِرِ ح (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ مَرَّ بِهِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْخَمْرِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ الثَّانِي: إنْ مَرَّ بِهِمَا عُشَرَ فَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ تَبَعًا لِلْخَمْرِ وَلَمْ يَعْكِسْ؛ لِأَنَّهَا أَطْهَرُ مَالِيَّةً إذْ هِيَ قَبْلَ التَّخَمُّرِ مَالٌ، وَكَذَا بَعْدَهُ بِتَقْدِيرِ التَّخَلُّلِ وَلَيْسَ الْخِنْزِيرُ كَذَلِكَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: فَأَخْذُ قِيمَتِهِ كَعَيْنِهِ) أَيْ كَأَخْذِ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْحَيَوَانِ لَهَا حُكْمُ عَيْنِهِ وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى حَيَوَانٍ فِي الذِّمَّةِ إنْ شَاءَ دَفَعَ عَيْنَهُ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ قِيمَتَهُ. أَمَّا قِيمَةُ الْخَمْرِ فَلَيْسَ لَهَا حُكْمُ عَيْنِ الْخَمْرِ، وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ امْرَأَةً عَلَى خَمْرٍ فَأَتَاهَا بِقِيمَتِهَا لَا تُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ فَأَمْكَنَ أَخْذُ الْعُشْرِ مِنْ قِيمَتِهَا لَا مِنْ عَيْنِهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمَلُّكِهَا شَرْحُ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قِيلَ: إنَّ الْقِيمَةَ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْعَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ بَاعَ دَارِهِ مِنْ ذِمِّيٍّ بِالْخِنْزِيرِ وَشَفِيعُهَا مُسْلِمٌ يَأْخُذُهَا بِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ: أَنَّ الْجَوَازَ هُنَا ضَرُورَةُ حَقِّ الْعَبْدِ لِاحْتِيَاجِهِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الشَّرْعِ لِاسْتِغْنَائِهِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْكَافِي. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ نَقْلًا عَنْ الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْقِيمَةَ لَمْ تَأْخُذْ حُكْمَ الْعَيْنِ فِي الْإِعْطَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ إزَالَةٍ وَتَبْعِيدٍ. قُلْت: وَحَاصِلُهُ الْفَرْقُ بَيْنَ أَخْذِهَا وَدَفْعِهَا وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ فِي دَفْعِهَا لِلذِّمِّيِّ تَمْلِيكَهَا وَالْمُسْلِمُ مَنْهِيٌّ عَنْ تَمَلُّكِهَا وَتَمْلِيكِهَا (قَوْلُهُ فِي بَيْتِهِ) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى مَنْ مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ فِي قَوْلِهِ مُطْلَقًا ح (قَوْلُهُ: وَلَا مِنْ مَالِ بِضَاعَةٍ) هِيَ لُغَةً: الْقِطْعَةُ مِنْ الْمَالِ. وَاصْطِلَاحًا: مَا يَدْفَعُهُ الْمَالِكُ لِإِنْسَانٍ يَبِيعُ فِيهِ وَيَتَّجِرُ لِيَكُونَ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْمَالِكِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ بَحْرٌ عَنْ الْمُغْرِبِ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَمَانَةِ كَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ لَأَغْنَاهُ عَمَّا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تَكُونَ لِحَرْبِيٍّ) الْأَوْلَى تَأْخِيرُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ عَنْ الْمُضَارَبَةِ لِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ وَإِنْ ادَّعَى بِضَاعَةً أَوْ نَحْوَهَا فَلَا حُرْمَةَ لِصَاحِبِهَا وَلَا أَمَانَ وَإِنَّمَا الْأَمَانُ لِلَّذِي فِي يَدِهِ. اهـ. وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَالَ لِحَرْبِيٍّ وَذُو الْيَدِ حَرْبِيٌّ أَيْضًا فَيَعْشُرُ بِاعْتِبَارِ الْأَمَانِ لِذِي الْيَدِ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْهُ الْمَالِكُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ فِي بَلَدِ الْحَرْبِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَا الْيَدِ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا وَالْمَالِكُ حَرْبِيٌّ لَا يَعْشُرُ؛ لِأَنَّهُ لَا أَمَانَ لِلْمَالِكِ وَلَا لِذِي الْيَدِ وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ فَكَذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ غَيْرُ مَالِكٍ وَمَا فِي يَدِهِ مَالُ مُسْلِمٍ لَا يَحْتَاجُ لِأَمَانٍ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 (أَوْ) مَأْذُونٍ غَيْرِ مَدْيُونٍ لَكِنْ (لَيْسَ مَعَهُ مَوْلَاهُ) عَلَى الصَّحِيحِ فِي الثَّلَاثَةِ لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ وَلِذَا لَا يُؤْخَذُ الْعُشْرُ مِنْ الْوَصِيِّ إذَا قَالَ: هَذَا مَالُ الْيَتِيمِ، وَلَا مِنْ عَبْدٍ وَمُكَاتَبٍ (مَرَّ عَلَى عَاشِرِ الْخَوَارِجِ فَعَشَرُوهُ ثُمَّ مَرَّ عَلَى عَاشِرِ أَهْلِ الْعَدْلِ أَخَذَ مِنْهُ ثَانِيًا) لِتَقْصِيرِهِ بِمُرُورِهِ بِهِمْ بِخِلَافِ مَا لَوْ غَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ. [فَرْعٌ] مَرَّ بِنِصَابِ رِطَابٍ لِلتِّجَارَةِ كَبِطِّيخٍ وَنَحْوِهِ لَا يُعَشِّرُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَّا إذَا كَانَ عِنْدَ الْعَاشِرِ فُقَرَاءُ فَيَأْخُذُ لِيَدْفَعَ لَهُمْ نَهْرٌ بَحْثًا.   [رد المحتار] إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ، فَعِنْدَهُ لَا يَمْلِكُ مَوْلَاهُ مَا فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِهِ، وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ كَمَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ بِلَا خِلَافٍ فَلَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ عَبْدًا مِنْ كَسْبِ الْمَأْذُونِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَنْفُذُ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ، فَإِذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ مَوْلَاهُ أَوْ لَا أَمَّا إذَا كَانَ مَوْلَاهُ مَعَهُ فَلِانْعِدَامِ مِلْكِ الْمَوْلَى عِنْدَهُ وَلِلشَّغْلِ بِالدَّيْنِ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فَظَاهِرٌ. اهـ. ح مَعَ تَغْيِيرٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَوْ مَأْذُونٍ غَيْرِ مَدْيُونٍ) أَوْ مَدْيُونٍ بِغَيْرِ مُحِيطٍ بَلْ هُوَ أَوْلَى أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ: لَيْسَ مَعَهُ مَوْلَاهُ) أَمَّا لَوْ كَانَ مَعَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يُحِطْ بِكَسْبِهِ عَشَرَ الْفَاضِلَ مِنْ الدَّيْنِ إذَا بَلَغَ نِصَابًا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ. وَالْحَاصِلُ كَمَا قَالَ ط أَنَّ الْمَأْذُونَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَدْيُونًا بِمُحِيطٍ أَوْ بِغَيْرِ مُحِيطٍ أَوْ غَيْرَ مَدْيُونٍ أَصْلًا، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَوْلَاهُ أَوْ لَا، فَفِي الْأَوَّلِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَكَذَا فِي الْآخَرَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَوْلَاهُ وَإِنْ كَانَ عَشَرَ حَيْثُ بَقِيَ بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ نِصَابٌ (قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ فِي الثَّلَاثَةِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي جَامِعِهِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمُضَارِبِ وَالْمُسْتَبْضِعِ وَالْعَبْدِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا هُوَ الصَّحِيحُ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ لَكِنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ بِعُشْرِ الْمُضَارَبَةِ وَكَسْبِ الْمَأْذُونِ ثُمَّ رَجَعَ فِيهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْبِضَاعَةِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ) أَيْ الثَّلَاثَةِ وَهُمْ الْمُضَارِبُ وَالْمُسْتَبْضِعُ وَالْعَبْدُ. قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: وَفِي الْإِيضَاحِ يُشْتَرَطُ لِلْأَخْذِ حُضُورُ الْمَالِكِ وَالْمِلْكِ جَمِيعًا فَلَوْ مَرَّ مَالِكٌ بِلَا مَالٍ لَا يَأْخُذُ وَلَوْ مَرَّ مَالٌ بِلَا مَالِكٍ لَمْ يَأْخُذْ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَلَا مِنْ عَبْدٍ) هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْمَأْذُونِ الْمُتَقَدِّمِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: وَمُكَاتَبٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ تَامٌّ إذْ يَجُوزُ أَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ فَيَكُونَ مَا بِيَدِهِ لِلْمَوْلَى ط. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ غَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ) تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْغَنَمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ مَا لَوْ اُضْطُرَّ إلَى الْمُرُورِ عَلَيْهِمْ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: مَرَّ بِنِصَابِ رِطَابٍ) أَيْ مِمَّا لَا يَبْقَى حَوْلًا. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِنِصَابٍ قُرْبَ مُضِيِّ الْحَوْلِ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْخَضْرَاوَاتِ لِلتِّجَارَةِ فَتَمَّ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَعِنْدَهُ لَا يَأْخُذُ الزَّكَاةَ لَكِنْ يَأْمُرُ الْمَالِكَ بِأَدَائِهَا بِنَفْسِهِ وَقَالَا: يَأْخُذُ مِنْ جِنْسِهِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ حِمَايَةِ الْإِمَامِ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ. وَقَالَ الْكَمَالُ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ الْإِمَامِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا تَفْسُدُ بِالِاسْتِبْقَاءِ وَلَيْسَ عِنْدَ الْعَامِلِ فُقَرَاءُ فِي الْبَرِّ لِيَدْفَعَ لَهُمْ فَإِذَا بَقِيَتْ لِيَجِدَهُمْ فَسَدَتْ فَيَفُوتُ الْمَقْصُودُ فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَوْ أَخَذَ لِيَصْرِفَ إلَى عِمَالَتِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ نَهْرٌ بَحْثًا) لَيْسَ فِي عِبَارَةِ النَّهْرِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ بَحْثٌ عَلَى أَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي كَلَامِ الْكَمَالِ كَمَا عَلِمْت وَلَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْكَمَالِ أَيْضًا مَا يُشْعِرُ بِالْبَحْثِ، عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ مَعَ زِيَادَةِ أَنَّهُ لَوْ رَضِيَ أَنْ يُعْطِيَهُ الْقِيمَةَ أَخَذَهَا. وَفِي الْعِنَايَةِ مِنْ بَابِ الْعُشْرِ إذَا مَرَّ بِالْخَضْرَاوَاتِ عَلَى الْعَاشِرِ وَأَرَادَ الْعَاشِرُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ عَيْنِهَا لِأَجْلِ الْفُقَرَاءِ عِنْدَ إبَاءِ الْمَالِكِ عَنْ دَفْعِ الْقِيمَةِ لَا يَأْخُذُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا لِأَجْلِ الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْ عَيْنِهَا لِيَصْرِفَ إلَى عِمَالَتِهِ جَازَ وَإِنَّمَا قُلْنَا عِنْدَ إبَاءِ الْمَالِكِ عَنْ دَفْعِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَعْطَى الْقِيمَةَ لَا كَلَامَ فِي جَوَازِ أَخْذِهِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 بَابُ الرِّكَازِ أَلْحَقُوهُ بِالزَّكَاةِ لِكَوْنِهِ مِنْ الْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ. (هُوَ) لُغَةً: مِنْ الرَّكْزِ أَيْ الْإِثْبَاتِ بِمَعْنَى الْمَرْكُوزِ، وَشَرْعًا: (مَالٌ) مَرْكُوزٌ (تَحْتَ أَرْضٍ) أَعَمُّ (مِنْ) كَوْنِ رَاكِزِهِ الْخَالِقَ أَوْ الْمَخْلُوقَ فَلِذَا قَالَ (مَعْدِنٌ خِلْقِيٌّ) خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى (وَ) مِنْ (كَنْزٍ) أَيْ مَالٍ (مَدْفُونٍ) دَفَنَهُ الْكُفَّارُ لِأَنَّهُ الَّذِي يُخَمَّسُ (وَجَدَ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ) وَلَوْ قِنًّا صَغِيرًا أُنْثَى (مَعْدِنَ نَقْدٍ وَ) نَحْوَ (حَدِيدٍ) وَهُوَ كُلُّ جَامِدٍ يَنْطَبِعُ بِالنَّارِ وَمِنْهُ الزِّئْبَقُ، فَخَرَجَ الْمَائِعُ   [رد المحتار] [بَابُ زَكَاة الرِّكَازِ] بَابُ الرِّكَازِ (قَوْلُهُ: أَلْحَقُوهُ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ كَانَ حَقَّ هَذَا الْبَابِ أَنْ يُذْكَرَ فِي السِّيَرِ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ فِيهِ لَيْسَ زَكَاةً وَإِنَّمَا يُصْرَفُ مَصَارِفُ الْغَنِيمَةِ كَمَا فِي النَّهْرِ ح. وَقَدَّمَهُ عَلَى الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْقُرْبَةِ وَالرِّكَازُ قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ ط (قَوْلُهُ: مِنْهُ الرَّكْزُ) أَيْ مَأْخُوذٌ مِنْهُ لَا مُشْتَقٌّ؛ لِأَنَّ أَسْمَاءَ الْأَعْيَانِ جَامِدَةٌ ط (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْمَرْكُوزِ) خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ لِلضَّمِيرِ أَيْ هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الرَّكْزِ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَرْكُوزِ وَلَيْسَ نَعْتًا لِلْإِثْبَاتِ كَمَا لَا يَخْفَى ح. قُلْت: وَيُحْتَمَلُ كَوْنُهُ حَالًا مِنْ الرَّكْزِ يَعْنِي أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الرَّكْزِ مُرَادًا بِهِ اسْمَ الْمَفْعُولِ وَهَذَا أَوْلَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرِّكَازَ اسْمٌ جَامِدٌ لَا مَصْدَرٌ (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مَعْنًى لُغَوِيًّا. وَفِي الْمِنَحِ عَنْ الْمُغْرِبِ هُوَ الْمَعْدِنُ أَوْ الْكَنْزُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَرْكُوزٌ فِي الْأَرْضِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الرَّاكِزُ اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا مُشْتَرَكٌ اشْتِرَاكًا مَعْنَوِيًّا وَلَيْسَ خَاصًّا بِالدَّفِينِ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ مُتَوَاطِئًا وَهَذَا هُوَ الْمُلَائِمُ لِتَرْجَمَةِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً فِي الْمَعْدِنِ مَجَازًا فِي الْكَنْزِ لِامْتِنَاعِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَالْبَابُ مَعْقُودٌ لَهُمَا. اهـ. ط (قَوْلُهُ فَلِذَا) أَيْ لِأَجْلِ عُمُومِهِ ط (قَوْلُهُ: مِنْ مَعْدِنٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا إسْمَاعِيلُ عَنْ النَّوَوِيِّ، مِنْ الْعَدْنِ: وَهُوَ الْإِقَامَةُ، وَأَصْلُ الْمَعْدِنِ الْمَكَانُ بِقَيْدِ الِاسْتِقْرَارِ فِيهِ ثُمَّ اشْتَهَرَ فِي نَفْسِ الْأَجْزَاءِ الْمُسْتَقِرَّةِ الَّتِي رَكَّبَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خَلَقَ الْأَرْضَ حَتَّى صَارَ الِانْتِقَالُ مِنْ اللَّفْظِ إلَيْهِ ابْتِدَاءً بِلَا قَرِينَةٍ فَتْحٌ (قَوْلُهُ خِلْقِيٍّ) بِكَسْرِ الْخَاءِ أَوْ فَتْحِهَا نِسْبَةً إلَى الْخِلْقَةِ أَوْ الْخَلْقِ ح. (قَوْلُهُ: وَكَنْزٍ) مِنْ كَنَزَ الْمَالَ كَنْزًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ جَمَعَهُ تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الَّذِي يُخَمَّسُ) يَعْنِي أَنَّ الْكَنْزَ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِلْمُثْبَتِ فِي الْأَرْضِ بِفِعْلِ إنْسَانٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَالْإِنْسَانُ يَشْمَلُ الْمُؤْمِنَ أَيْضًا لَكِنْ خَصَّهُ الشَّارِحُ بِالْكَافِرِ؛ لِأَنَّ كَنْزَهُ هُوَ الَّذِي يُخَمَّسُ أَمَّا كَنْزُ الْمُسْلِمِ فَلُقَطَةٌ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَجَدَ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ) خَرَجَ الْحَرْبِيُّ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ مَتْنًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ قِنًّا صَغِيرًا أُنْثَى) لِمَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَعُمُّ مَا إذَا كَانَ الْوَاجِدُ حُرًّا أَوْ لَا بَالِغًا أَوْ لَا ذَكَرًا أَوْ لَا مُسْلِمًا أَوْ لَا (قَوْلُهُ: نَقْدٍ) أَيْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَنَحْوَ حَدِيدٍ) أَيْ حَدِيدٍ وَنَحْوِهِ (وَهُوَ) أَيْ نَحْوُ الْحَدِيدِ كُلُّ جَامِدٍ يَنْطَبِعُ أَيْ يَلِينُ بِالنَّارِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الزِّيْبَقُ) بِالْيَاءِ وَقَدْ تُهْمَزُ وَمِنْهُمْ حِينَئِذٍ مَنْ يَكْسِرُ الْمُوَحَّدَةَ بَعْدَ الْهَمْزَةِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا إذَا لَمْ تُهْمَزْ فُتِحَتْ، ثُمَّ هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ آخِرًا وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ وَكَانَ أَوَّلًا يَقُولُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ الثَّانِي آخِرًا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْقِيرِ وَالنِّفْطِ يَعْنِي الْمِيَاهَ وَلَا خُمُسَ فِيهَا. وَلَهُمَا أَنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِالْعِلَاجِ مِنْ عَيْنِهِ وَيَنْطَبِعُ مَعَ غَيْرِهِ فَكَانَ كَالْفِضَّةِ نَهْرٌ أَيْ فَإِنَّ الْفِضَّةَ لَا تَنْطَبِعُ مَا لَمْ يُخَالِطْهَا شَيْءٌ فَتْحٌ. قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْخِلَافُ فِي الْمُصَابِ فِي مَعْدِنِهِ أَمَّا الْمَوْجُودُ فِي خَزَائِنِ الْكُفَّارِ فَفِيهِ الْخُمُسُ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: فَخَرَجَ الْمَائِعُ) أَيْ بِالتَّقْيِيدِ بِجَامِدٍ وَقَوْلُهُ وَغَيْرُ الْمُنْطَبِعِ أَيْ بِالتَّقْيِيدِ بِيَنْطَبِعُ فَلَا يُخَمَّسُ شَيْءٌ مِنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 كَنِفْطٍ وَقَارٍ وَغَيْرِ الْمُنْطَبِعِ كَمَعَادِنِ الْأَحْجَارِ (فِي أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ أَوْ عُشْرِيَّةٍ)   [رد المحتار] وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْمَعْدِنَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مُنْطَبِعٌ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ. وَمَائِعٍ كَالْمَاءِ وَالْمِلْحِ وَالْقِيرِ وَالنِّفْطِ. وَمَا لَيْسَ شَيْئًا مِنْهُمَا كَاللُّؤْلُؤِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالْكُحْلِ وَالزَّاجِ وَغَيْرِهَا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالتُّحْفَةِ وَغَيْرِهِمَا لَكِنَّ الْمُطَرِّزِيَّ خَصَّهُ بِالْحَجَرَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِمَرْكَزِ كُلِّ شَيْءٍ اهـ (قَوْلُهُ: كَنِفْطٍ) بِكَسْرِ النُّونِ وَقَدْ تُفْتَحُ قَامُوسٌ وَهُوَ دُهْنٌ يَعْلُو الْمَاءَ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي الْبَابِ الْعَاشِرِ ح. (قَوْلُهُ: وَقَارٍ) وَالْقَارُ وَالْقِيرُ وَالزِّفْتُ شَيْءٌ يُطْلَى بِهِ السُّفُنُ ح (قَوْلُهُ: كَمَعَادِنِ الْأَحْجَارِ) كَالْجِصِّ وَالنُّورَةِ وَالْجَوَاهِرِ كَالْيَوَاقِيتِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالزُّمُرُّدِ فَلَا شَيْءَ فِيهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: فِي أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ أَوْ عُشْرِيَّةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِوَجَدَ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا فِي بَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ ح: وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَرْضَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: مُبَاحَةٌ، وَمَمْلُوكَةٌ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَمْلُوكَةٌ لِمُعَيَّنٍ، وَوَقْفٌ. فَالْأَوَّلُ لَا يَكُونُ عُشْرِيًّا وَلَا خَرَاجِيًّا وَكَذَا الثَّانِي كَأَرَاضِي مِصْرَ الْغَيْرِ الْمَوْقُوفَةِ فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ خَرَاجِيَّةَ الْأَصْلِ إلَّا أَنَّهَا آلَتْ إلَى بَيْتِ الْمَالِ لِمَوْتِ الْمَالِكِ مِنْ غَيْرِ وَارِثٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ [فِي التُّحْفَةِ الْمَرْضِيَّةِ فِي الْأَرَاضِي الْمِصْرِيَّةِ. وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ إمَّا عُشْرِيٌّ أَوْ خَرَاجِيٌّ. ثُمَّ إنَّ الْخُمُسَ فِي الْمُبَاحَةِ لِبَيْتِ الْمَالِ وَالْبَاقِي لِلْوَاجِدِ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ الْمَمْلُوكَةُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَلَمْ أَرَ حُكْمَهُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْكُلَّ لِبَيْتِ الْمَالِ، أَمَّا الْخُمُسُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْبَاقِي فَلِوُجُودِ الْمَالِكِ وَهُوَ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ فَيَأْخُذُهُ وَكِيلُهُمْ وَهُوَ السُّلْطَانُ، وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ الْمَمْلُوكَةُ لِمُعَيَّنٍ فَالْخُمُسُ فِيهِ لِبَيْتِ الْمَالِ وَالْبَاقِي لِلْمَالِكِ، وَأَمَّا الرَّابِعُ وَهُوَ الْوَقْفُ فَالْخُمُسُ فِيهِ لِبَيْتِ الْمَالِ أَيْضًا كَمَا نَقَلَهُ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ عِبَارَتِهِ حُكْمَ بَاقِيهِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لِلْوَاجِدِ كَمَا فِي الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْمَالِكِ فَلْيُحَرَّرْ اهـ. قُلْت: وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَمَّا أَوَّلًا فَقَوْلُهُ: إنَّ الْمُبَاحَ لَا يَكُونُ عُشْرِيًّا وَلَا خَرَاجِيًّا فِيهِ نَظَرٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةُ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنَّ أَرْضَ الْجَبَلِ الَّذِي لَا يَصِلُ إلَيْهِ الْمَاءُ عُشْرِيَّةٍ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَإِنَّ قَوْلَهُ: وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ إمَّا عُشْرِيٌّ أَوْ خَرَاجِيٌّ فِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ أَنَّ الْأَرْضَ الْمُشْتَرَاةَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إذَا وَقَفَهَا مُشْتَرِيهَا أَوْ لَمْ يُوقِفْهَا فَلَا عُشْرَ فِيهَا وَلَا خَرَاجَ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ نَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي، وَأَمَّا ثَالِثًا فَجَعْلُهُ الْمَوْقُوفَةَ كَالْمُبَاحَةِ فِي كَوْنِ الْبَاقِي عَنْ الْخُمُسِ لِلْوَاجِدِ فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَوْ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُمَا وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ وَلَيْسَ الْمَعْدِنُ مَنْفَعَةً بَلْ هُوَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ الَّتِي كَانَتْ مِلْكًا لِلْوَاقِفِ، ثُمَّ حَبَسَهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ نَقْضِ الْوَقْفِ. وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ النَّقْضَ يُصْرَفُ إلَى عِمَارَةِ الْوَقْفِ إنْ احْتَاجَ وَإِلَّا حَفِظَهُ لِلِاحْتِيَاجِ، وَلَا يُصْرَفُ بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّينَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَنَافِعِ لَا فِي الْعَيْنِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَقٌّ لِلْمُسْتَحِقِّينَ فَكَيْفَ يَمْلِكُهُ الْأَجْنَبِيُّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَعْدِنِ وَالنَّقْضِ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَأَمَّا رَابِعًا فَإِنَّ إيجَابَهُ الْخُمُسَ فِي الْمَمْلُوكَةِ لِمُعَيَّنٍ مُخَالِفٌ لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ كَمَا يَأْتِي. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: قَيَّدَ بِالْخَرَاجِيَّةِ وَالْعُشْرِيَّةِ لِيُخْرِجَ الدَّارَ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهَا لَكِنْ وَرَدَ عَلَيْهِ الْأَرْضُ الَّتِي لَا وَظِيفَةَ فِيهَا كَالْمَفَازَةِ إذْ يَقْضِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الْمَأْخُوذِ مِنْهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالصَّوَابُ أَنْ لَا يُجْعَلَ ذَلِكَ لِقَصْدِ الِاحْتِرَازِ بَلْ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّ وَظِيفَتَهَا الْمُسْتَمِرَّةَ لَا تَمْنَعُ مِمَّا يُوجَدُ فِيهِمَا. اهـ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِمَا يُشِيرُ إلَيْهِ الشَّارِحُ وَهُوَ أَنَّهُ يَصِحُّ جَعْلُهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الدَّارِ وَيُعْلَمُ حُكْمُ الْمَفَازَةِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ فِي الْأَرْضِ مَعَ الْوَظِيفَةِ فَلَأَنْ يَجِبَ لَا فِي الْخَالِيَةِ عَنْهَا أَوْلَى. اهـ. وَأَقُولُ: يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُشْرِيَّةِ وَالْخَرَاجِيَّةِ مَا تَكُونُ وَظِيفَتُهَا الْعُشْرَ أَوْ الْخَرَاجَ سَوَاءٌ كَانَتْ بِيَدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 خَارِجَ الدَّارِ لَا الْمَفَازَةِ لِدُخُولِهَا بِالْأَوْلَى (خُمِسَ) مُخَفَّفًا أَيْ أُخِذَ خُمُسُهُ لِحَدِيثِ «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» وَهُوَ يَعُمُّ الْمَعْدِنَ كَمَا مَرَّ (وَبَاقِيهِ لِمَالِكِهَا إنْ مُلِكَتْ   [رد المحتار] أَحَدٍ أَوْ لَا فَتَشْمَلُ الْمَفَازَةَ وَغَيْرَهَا بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ أَرْضَ الْجَبَلِ عُشْرِيَّةٍ فَيَكُونُ الْمُرَادُ الِاحْتِرَازَ بِهَا عَنْ دَارِ الْحَرْبِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي مَتْنِ دُرَرِ الْبِحَارِ عَبَّرَ بِمَعْدِنِ غَيْرِ الْحَرْبِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مَعْدِنُ أَرْضِنَا وَلِهَذَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ: الْأَخْصَرُ فِي أَرْضِنَا سَوَاءٌ كَانَتْ جَبَلًا أَوْ سَهْلًا مَوَاتًا أَوْ مِلْكًا. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ دَارِهِ وَأَرْضِهِ وَأَرْضِ الْحَرْبِ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت عَيْنَ مَا قُلْته فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ حَيْثُ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ احْتِرَازًا عَمَّا وَجَدَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّ أَرْضَهَا لَيْسَتْ أَرْضَ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ وَالْمُرَادُ بِأَرْضِ الْخَرَاجِ أَوْ الْعُشْرِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً لِأَحَدٍ أَوْ لَا صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ أَوْ لَا فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَفَاوِزُ وَأَرْضُ الْمَوَاتِ فَإِنَّهَا إذَا جُعِلَتْ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ كَانَتْ عُشْرِيَّةً أَوْ خَرَاجِيَّةً اهـ. قُلْت: وَعَلَى هَذَا فَيَدْخُلُ فِي الْخَرَاجِيَّةِ وَالْعُشْرِيَّةِ جَمِيعُ أَقْسَامِ الْأَرْضِ الْمُبَارَةِ فَإِنَّ فِي مَعْدِنِهَا الْخُمُسَ لَكِنْ سَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِإِخْرَاجِ الْمَوْجُودِ فِي دَارِهِ أَوْ أَرْضِهِ فَإِنَّهُ لَا خُمُسَ فِيهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: خَرَجَ الدَّارُ لَا الْمَفَازَةُ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ النَّهْرِ. وَعَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ لَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا إلَى التَّعَرُّضِ لِإِخْرَاجِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ سَيُنَبِّهُ عَلَى إخْرَاجِهَا. عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ حَيْثُ تَعَرَّضَ لِلدَّارِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْأَرْضِ، فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً تَكُونُ خَرَاجِيَّةً أَوْ عُشْرِيَّةً مَعَ أَنَّهُ لَا خُمُسَ فِي مَعْدِنِهَا كَمَا يَأْتِي إلَّا أَنْ يُقَالَ تَرَكَهُ؛ لِأَنَّ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: خُمِسَ) مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ مِنْ خَمَّسَ الْقَوْمَ: إذَا أَخَذَ خُمُسَ أَمْوَالِهِمْ مِنْ بَابِ طَلَبَ بَحْرٌ عَنْ الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ: مُخَفَّفًا) ؛ لِأَنَّ التَّشْدِيدَ غَيْرُ سَدِيدٍ إذْ لَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ يَجْعَلُهُ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ فَقَطْ نَهْرٌ أَيْ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَخْذُ الْخُمُسِ مِنْ الْمَعْدِنِ لَا مُجَرَّدُ جَعْلِهِ أَخْمَاسًا (قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ إلَخْ) أَيْ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي بَيَانِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ: إنَّ الرِّكَازَ يَعُمُّ الْمَعْدِنَ وَالْكَنْزَ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ فَكَانَ إيجَابًا فِيهِمَا، وَلَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ إرَادَةِ الْمَعْدِنِ بِسَبَبِ عَطْفِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ إفَادَةِ أَنَّهُ جُبَارٌ أَيْ هَدَرٌ لَا شَيْءَ فِيهِ لِلتَّنَاقُضِ فَإِنَّ الْحُكْمَ الْمُعَلَّقَ بِالْمَعْدِنِ لَيْسَ هُوَ الْمُعَلَّقَ بِهِ ضِمْنَ الرِّكَازِ لِيَخْتَلِفَ بِالسَّلْبِ وَالْإِيجَابِ إذْ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ إهْلَاكَهُ أَوْ الْهَلَاكَ بِهِ لِلْأَجِيرِ الْحَافِزِ لَهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ لَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ نَفْسِهِ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ أَصْلًا وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ أَثْبَتَ لِلْمَعْدِنِ بِخُصُوصِهِ حُكْمًا فَنَصَّ عَلَى خُصُوصِ اسْمِهِ، ثُمَّ أَثْبَتَ لَهُ حُكْمًا آخَرَ مَعَ غَيْرِهِ فَعَبَّرَ بِالِاسْمِ الَّذِي يَعُمُّهُمَا لِيَثْبُتَ فِيهِمَا اهـ مُلَخَّصًا وَنَقَلَهُ فِي النَّهْرِ أَيْضًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَبَاقِيهِ لِمَالِكِهَا إلَخْ) كَذَا فِي الْمُلْتَقَى وَالْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَالدُّرَرِ وَالْإِصْلَاحِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَلَا فِي الْكَنْزِ وَشُرُوحِهِ وَلَا فِي دُرَرِ الْبِحَارِ وَالْمَوَاهِبِ وَالِاخْتِيَارِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّ مَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ قَالَ بَعْدَهَا وَفِي أَرْضِهِ رِوَايَتَانِ: أَيْ فِي وُجُوبِ الْخُمُسِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَرَاجِيَّةِ وَالْعُشْرِيَّةِ غَيْرُ الْمَمْلُوكَةِ، وَأَغْرَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ اقْتَصَرَ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ الْوُجُوبِ فَقَالَ وَلَا شَيْءَ فِيهِ إنْ وَجَدَهُ فِي دَارِهِ وَأَرْضِهِ، فَنَاقَضَ أَوَّلُ كَلَامِهِ آخِرَهُ فَإِنَّ أَرْضَهُ لَا تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا عُشْرِيَّةً أَوْ خَرَاجِيَّةً كَمَا يَأْتِي. وَقَدْ جَزَمَ أَوَّلًا بِوُجُوبِ الْخُمُسِ فِيهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 وَإِلَّا) كَجَبَلٍ وَمَفَازَةٍ. (فَلِلْوَاجِدِ وَ) الْمَعْدِنُ (لَا شَيْءَ فِيهِ إنْ وَجَدَهُ فِي دَارِهِ) وَحَانُوتِهِ (وَأَرْضِهِ) فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَاخْتَارَهَا فِي الْكَنْزِ (وَلَا شَيْءَ فِي يَاقُوتٍ وَزُمُرُّدٍ وَفَيْرُوزَجَ)   [رد المحتار] وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَعْدِنَ الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ جَمِيعَهُ لِلْمَالِكِ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْوَاجِدَ أَوْ غَيْرُهُ وَهَذَا رِوَايَةُ الْأَصْلِ الْآتِيَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ وَبَاقِيهِ لِلْمَالِكِ مُطْلَقًا فَقَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ فِي أَرْضِهِ يُنَافِي قَوْلَهُ وَبَاقِيهِ لِمَالِكِهِ فَلِذَا قَالَ الرَّحْمَتِيُّ إنَّ صَدَرَ كَلَامِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَآخِرَهُ عَلَى الْأُخْرَى. قُلْت: وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَرَأَيْت فِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ مُحَمَّدِ أَبِي السُّعُودِ أَنَّ الصَّوَابَ حَمْلُ الْمَمْلُوكَةِ هُنَا عَلَى الْمَمْلُوكَةِ لِغَيْرِ الْوَاجِدِ فَلَا يُنَافِي مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَرْضُ الْمَمْلُوكَةُ لِلْوَاجِدِ. اهـ. قُلْت يُؤَيِّدُ هَذَا تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ كَصَاحِبِ الْكَنْزِ بِأَرْضِهِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ أَرْضُ الْوَاجِدِ لَكِنْ يُنَافِيهِ أَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ لَمْ يُعَبِّرْ بِالْخَرَاجِيَّةِ وَالْعُشْرِيَّةِ بَلْ قَالَ ابْتِدَاءً فَإِنْ وَجَدَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ دَارٍ أَوْ مَنْزِلٍ أَوْ حَانُوتٍ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ أَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ وَحْدَهُ، هُوَ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ مِنْ تَوَابِعِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَائِهَا، وَإِذَا مَلَكَهَا الْمُخْتَطُّ لَهُ بِتَمْلِيكِ الْإِمَامِ مَلَكَهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَتَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِتَوَابِعِهَا أَيْضًا وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الْخُمُسِ إلَخْ فَقَوْلُهُ: فَلَا خِلَافَ إلَخْ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمَمْلُوكَةِ لِلْوَاجِدِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ: هُوَ أَوْ غَيْرُهُ يَرْجِعُ إلَى الْوَاجِدِ فَكُلٌّ مِنْ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْخُمُسِ، وَالْإِنْفَاقِ عَلَى أَنَّ الْبَاقِيَ لِلْمَالِكِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَمْلُوكَةِ لِلْوَاجِدِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا وَجْهَ لِوُجُوبِ الْخُمُسِ إذَا كَانَ الْوَاجِدُ غَيْرَ الْمَالِكِ وَعَدَمِهِ إذَا كَانَ هُوَ الْمَالِكَ لِاتِّحَادِ الْعِلَّةِ فِيهِمَا، وَهِيَ كَوْنُ الْمَالِكِ مَلَكَهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَوَقَعَ التَّعْبِيرُ بِقَوْلِهِ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ فِي عِبَارَةِ الْبَحْرِ أَيْضًا وَسَنَذْكُرُ فِي تَوْجِيهِ الرِّوَايَتَيْنِ مَا هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي عَدَمِ الْفَرْقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا كَجَبَلٍ وَمَفَازَةٍ) جَعْلُهُ ذَلِكَ مِنْ صَدَقَاتِ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةُ وَالْخَرَاجِيَّةِ يَصِحُّ عَلَى جَوَابِنَا السَّابِقِ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِهَا مَا تَكُونُ وَظِيفَتُهَا الْعُشْرَ أَوْ الْخَرَاجَ إذَا اُسْتُعْمِلَتْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَالْمَعْدِنُ) قَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ الْكَنْزِ فَإِنَّهُ يُخَمَّسُ وَلَوْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ أَوْ فِي دَارِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَجْزَائِهَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَيَأْتِي (قَوْلُهُ: فِي دَارِهِ وَحَانُوتِهِ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا مُلْتَقًى (قَوْلُهُ: فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ إلَخْ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَأَرْضِهِ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَفِي الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالدَّارِ حَيْثُ لَا شَيْءَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَمَّا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ انْتَقَلَتْ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا، وَالْمَعْدِنُ مِنْ تُرْبَةِ الْأَرْضِ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ الْخُمُسُ لِمَا مَلَكَهُ كَالْغَنِيمَةِ إذَا بَاعَهَا الْإِمَامُ مِنْ إنْسَانٍ سَقَطَ عَنْهَا حَقُّ سَائِرِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِبَدَلٍ كَذَا قَالَ الْجَصَّاصُ وَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ الدَّارَ لَا مُؤْنَةَ فِيهَا أَصْلًا فَلَمْ تُخَمَّسْ فَصَارَ الْكُلُّ لِلْوَاجِدِ بِخِلَافِ الْأَرْضِ، فَإِنَّ فِيهَا مُؤْنَةَ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ فَتُخَمَّسُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهَا فِي الْكَنْزِ) أَيْ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا كَالْمُصَنَّفِ وَأَرَادَ بِذَلِكَ بَيَانَ أَنَّهَا الْأَرْجَحُ لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةِ رِوَايَتَانِ ثُمَّ ذَكَرَ وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالدَّارِ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَرُبَّمَا يُشْعِرُ هَذَا بِاخْتِيَارِ رِوَايَةِ الْجَامِعِ وَفِي حَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ نُوحٍ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهَا لِأَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهَا عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ. الثَّانِي: أَنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ وَالْأَخْذُ بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ أَوْلَى. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْإِمَامَ فَرَّقَ فِي وُجُوبِ الْخُمُسِ بَيْنَ الْمَعْدِنِ وَالْكَنْزِ وَبَيْنَ الْمَفَازَةِ وَالدَّارِ وَبَيْنَ الْأَرْضِ الْمُبَاحَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ وَهُمَا لَمْ يُفَرِّقَا بَيْنَ ذَلِكَ فِي الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: وَزُمُرُّدٍ) بِالضَّمَّاتِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ آخِرَهُ الزَّبَرْجَدُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ: وَفَيْرُوزَجَ) مُعَرَّبُ فَيْرُوزَ أَجْوَدُهُ الْأَزْرَقُ الصَّافِي اللَّوْنِ لَمْ يُرَ قَطُّ فِي يَدِ قَتِيلٍ وَتَمَامُهُ فِي إسْمَاعِيلَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 وَنَحْوِهَا (وُجِدَتْ فِي جَبَلٍ) أَيْ فِي مَعَادِنِهَا (وَلَوْ) وَجَدْت (دَفِينُ الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ كَنْزًا (خُمِّسَ) لِكَوْنِهِ غَنِيمَةً. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْكَنْزَ يُخَمَّسُ كَيْفَ كَانَ وَالْمَعْدِنُ إنْ كَانَ يَنْطَبِعُ (وَ) لَا فِي (لُؤْلُؤٍ) هُوَ مَطَرُ الرَّبِيعِ (وَعَنْبَرُ) حَشِيشٍ يَطْلُعُ فِي الْبَحْرِ أَوْ خِثْيِ دَابَّةٍ (وَكَذَا جَمِيعُ مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْ الْبَحْرِ مِنْ حِلْيَةٍ) وَلَوْ ذَهَبًا كَانَ كَنْزًا فِي قَعْرِ الْبَحْرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ الْقَهْرُ فَلَمْ يَكُنْ غَنِيمَةً (وَمَا عَلَيْهِ سِمَةُ الْإِسْلَامِ مِنْ الْكُنُوزِ) نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُ (فَلُقَطَةٌ) سَيَجِيءُ حُكْمُهَا (وَمَا عَلَيْهِ سِمَةُ الْكُفْرِ خُمِّسَ وَبَاقِيهِ لِلْمَالِكِ أَوَّلَ الْفَتْحِ) وَلِوَارِثِهِ لَوْ حَيًّا وَإِلَّا فَلِبَيْتِ الْمَالِ عَلَى الْأَوْجَهِ وَهَذَا (إنْ مُلِكَتْ أَرْضُهُ   [رد المحتار] قَوْلُهُ: وَنَحْوِهَا) أَيْ مِنْ الْأَحْجَارِ الَّتِي لَا تَنْطَبِعُ (قَوْلُهُ: أَيْ فِي مَعَادِنِهَا) أَيْ الْمَوْجُودَةِ فِيهَا بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَالْجَبَلُ غَيْرُ قَيْدٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَجَدْت) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ فِي مَعَادِنِهَا، وَقَوْلُهُ: دَفِينَ حَالٌ بِمَعْنَى مَدْفُونٍ وَاحْتَرَزَ بِدَفِينِ الْجَاهِلِيَّةِ عَنْ دَفِينِ الْإِسْلَامِ، وَقَوْلُهُ: أَيْ كَنْزًا أَشَارَ بِهِ إلَى حُكْمِهِ مَا يَأْتِي فِي الْكُنُوزِ (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ غَنِيمَةً) فَإِنَّهُ كَانَ فِي أَيْدِي الْكُفَّارِ وَحَوَتْهُ أَيْدِينَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: كَيْفَ كَانَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ أَوْ لَا بَعْدَ أَنْ كَانَ مَالًا مُتَقَوِّمًا بَحْرٌ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ كَنْزُ الْبَحْرِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ يَنْطَبِعُ) أَمَّا الْمَائِعُ وَمَا لَا يَنْطَبِعُ مِنْ الْأَحْجَارِ فَلَا يُخَمَّسُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: هُوَ مَطَرُ الرَّبِيعِ) أَيْ أَصْلُهُ مِنْهُ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: هُوَ جَوْهَرٌ مُضِيءٌ يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مَطَرِ الرَّبِيعِ الْوَاقِعِ فِي الصَّدَفِ الَّذِي قِيلَ إنَّهُ حَيَوَانٌ مِنْ جِنْسِ السَّمَكِ يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى اللُّؤْلُؤَ فِيهِ كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ. (قَوْلُهُ: حَشِيشٌ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ دَاوُد الْأَنْطَاكِيُّ فِي تَذْكِرَتِهِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ عُيُونٌ بِقَعْرِ الْبَحْرِ تَقْذِفُ دُهْنِيَّةً فَإِذَا فَارَتْ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ جَمَدَتْ فَيُلْقِيهَا الْبَحْرُ عَلَى السَّاحِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ ذَهَبًا) لَوْ وَصَلْيَةً وَقَوْلُهُ كَانَ كَنْزًا نَعْتٌ لِقَوْلِهِ ذَهَبًا أَيْ وَلَوْ كَانَ مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْ الْبَحْرِ ذَهَبًا مَكْنُوزًا بِصُنْعِ الْعِبَادِ فِي قَعْرِ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ لَا خُمُسَ فِيهِ وَكُلُّهُ لِلْوَاجِدِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَخْصُوصٌ فِيمَا لَيْسَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْإِسْلَامِ وَلَمْ أَرَهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ الْقَهْرُ إلَخْ) حَاصِلُهُ: أَنَّ مَحَلَّ الْخُمُسِ الْغَنِيمَةُ وَالْغَنِيمَةُ مَا كَانَتْ لِلْكَفَرَةِ ثُمَّ تَصِيرُ لِلْمُسْلِمِينَ بِحُكْمِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَبَاطِنُ الْبَحْرِ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ قَهْرٌ فَلَمْ يَكُنْ غَنِيمَةً قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ: سِمَةُ الْإِسْلَامِ) بِالْكَسْرِ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ أَثَرُ الْكَيِّ وَالْمُرَادُ بِهَا الْعَلَامَةُ وَذَلِكَ كَكِتَابَةِ كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ أَوْ نَقْشٍ آخِرَ مَعْرُوفٍ لِلْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ: نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُ) أَيْ مِنْ السِّلَاحِ وَالْآلَاتِ وَأَثَاثِ الْمَنَازِلِ وَالْفُصُوصِ وَالْقُمَاشِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: فَلُقَطَةٌ) ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُسْلِمِينَ لَا يُغْنَمُ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: سَيَجِيءُ حُكْمُهَا) وَهُوَ أَنَّهُ يُنَادِي عَلَيْهَا فِي أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ إلَى أَنْ يَظُنَّ عَدَمَ الطَّلَبِ ثُمَّ يَصْرِفَهَا إلَى نَفْسِهِ إنْ فَقِيرًا وَإِلَّا فَإِلَى فَقِيرٍ آخَرَ بِشَرْطِ الضَّمَانِ ح. (قَوْلُهُ: سِمَةُ الْكُفْرِ) كَنَقْشِ صَنَمٍ أَوْ اسْمِ مَلَكٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ الْمَعْرُوفِينَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: خُمِّسَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي أَرْضِهِ أَوْ أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ أَرْضٍ مُبَاحَةٍ كِفَايَةٌ قَالَ قَاضِي خَانْ وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْكَنْزَ لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الدَّارِ فَأَمْكَنَ إيجَابُ الْخُمُسِ فِيهِ بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ (قَوْلُهُ أَوَّلَ الْفَتْحِ) ظَرْفٌ لِلْمَالِكِ أَيْ الْمُخْتَطِّ لَهُ وَهُوَ مَنْ خَصَّهُ الْإِمَامُ بِتَمْلِيكِ الْأَرْضِ حِينَ فَتَحَ الْبَلَدَ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَوْجَهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: فَإِنْ لَمْ يُعْرَفُوا أَيْ الْوَرَثَةُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ: هُوَ لِأَقْصَى مَالِكٍ لِلْأَرْضِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ وَقَالَ أَبُو الْيُسْرِ: يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا أَوْجَهُ لِلْمُتَأَمِّلِ اهـ وَذَلِكَ لِمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْكَنْزَ مُودَعٌ فِي الْأَرْضِ فَلَمَّا مَلَكَهَا الْأَوَّلُ مَلَكَ مَا فِيهَا وَلَا يَخْرُجُ مَا فِيهَا عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعِهَا كَالسَّمَكَةِ فِي جَوْفِهَا دُرَّةٌ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا إنْ مَلَكَتْ أَرْضَهُ) الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ وَبَاقِيهِ لِلْمَالِكِ، وَهَذَا قَوْلُهُمَا وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا تَرْجِيحُهُ لَكِنْ فِي السِّرَاجِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَالْبَاقِي لِلْوَاجِدِ كَمَا فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 وَإِلَّا فَلِلْوَاجِدِ) وَلَوْ ذِمِّيًّا قِنًّا أُنْثَى لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْغَنِيمَةِ (خَلَا حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ) فَإِنَّهُ يُسْتَرَدُّ مِنْهُ مَا أَخَذَ (إلَّا إذَا عَمِلَ) فِي الْمَفَاوِزِ (بِإِذْنِ الْإِمَامِ عَلَى شَرْطٍ فَلَهُ الْمَشْرُوطُ) وَلَوْ عَمِلَ رَجُلَانِ فِي الرِّكَازِ فَهُوَ لِلْوَاجِدِ وَإِنْ كَانَا أَجِيرَيْنِ فَهُوَ لِلْمُسْتَأْجِرِ (وَإِنْ خَلَا عَنْهَا) أَيْ الْعَلَامَةِ (أَوْ اشْتَبَهَ الضَّرْبُ فَهُوَ جَاهِلِيٌّ عَلَى) ظَاهِرِ (الْمَذْهَبِ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ وَقِيلَ كَاللُّقْطَةِ (وَلَا يُخَمَّس رِكَازٌ) مَعْدِنًا كَانَ أَوْ كَنْزًا (وُجِدَ فِي) صَحْرَاءِ (دَارِ الْحَرْبِ) بَلْ كُلُّهُ لِلْوَاجِدِ وَلَوْ مُسْتَأْمَنًا لِأَنَّهُ كَالْمُتَلَصِّصِ   [رد المحتار] قُلْت: وَهُوَ حَسَنٌ فِي زَمَانِنَا لِعَدَمِ انْتِظَامِ بَيْتِ الْمَالِ بَلْ قَالَ ط: إنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يُقَالَ أَيْ عَلَى قَوْلِهِمَا إنَّ لِلْوَاجِدِ صَرْفَهُ حِينَئِذٍ إلَى نَفْسِهِ إنْ كَانَ فَقِيرًا كَمَا قَالُوا فِي بِنْتِ الْمُعْتَقِ إنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَلَوْ رَضَاعًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَمَنْ أَصَابَ رِكَازًا وَسِعَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخُمُسِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَإِذَا اطَّلَعَ الْإِمَامُ عَلَى ذَلِكَ أَمْضَى لَهُ مَا صَنَعَ؛ لِأَنَّ الْخُمُسَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ وَقَدْ أَوْصَلَهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَهُوَ فِي إصَابَةِ الرِّكَازِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى الْحِمَايَةِ فَهُوَ كَزَكَاةِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ اهـ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَدَّعِهِ مَالِكُ الْأَرْضِ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ مَلَكَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلِلْوَاجِدِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً كَالْجِبَالِ وَالْمَفَازَةِ فَهُوَ كَالْمَعْدِنِ يَجِبُ خُمُسُهُ وَبَاقِيهِ لِلْوَاجِدِ مُطْلَقًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْغَنِيمَةِ) ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَرْضَخُ لَهُمْ رَحْمَتِيٌّ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَفَاوِزِ) فَلَوْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ فَالْبَاقِي لِلْمُخْتَطِّ لَهُ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ الْخِلَافِ أَفَادَهُ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ: فَهُوَ لِلْوَاجِدِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْآخَرِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا حَفَرَ أَحَدُهُمَا مَثَلًا ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَأَتَمَّ الْحَفْرَ وَاسْتَخْرَجَ الرِّكَازَ أَمَّا لَوْ اشْتَرَكَا فِي طَلَبِ ذَلِكَ فَسَيَذْكُرُ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ فِي احْتِشَاشٍ وَاصْطِيَادٍ وَاسْتِقَاءٍ وَسَائِرِ مُبَاحَاتٍ كَاجْتِنَاءِ ثِمَارٍ مِنْ جِبَالٍ وَطَلَبِ مَعْدِنٍ مِنْ كَنْزٍ وَطَبْخِ آجُرٍّ مِنْ طِينٍ مُبَاحٍ لِتَضَمُّنِهَا الْوَكَالَةَ وَالتَّوْكِيلُ فِي أَخْذِ الْمُبَاحِ لَا يَصِحُّ وَمَا حَصَّلَهُ أَحَدُهُمَا فَلَهُ وَمَا حَصَّلَاهُ مَعًا فَلَهُمَا نِصْفَيْنِ إنْ لَمْ يُعْلَمْ مَا لِكُلٍّ وَمَا حَصَّلَهُ أَحَدُهُمَا بِإِعَانَةِ صَاحِبِهِ فَلَهُ وَلِصَاحِبِهِ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ ثَمَنِ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ لِلْمُسْتَأْجِرِ) سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ اسْتَأْجَرَهُ لِيَصِيدَ لَهُ أَوْ يَحْتَطِبَ فَإِنْ وَقَّتَ لِذَلِكَ وَقْتًا جَازَ وَإِلَّا لَا إلَّا إذَا عَيَّنَ الْحَطَبَ وَهُوَ مِلْكُهُ اهـ وَكَتَبَ ط هُنَاكَ عَلَى قَوْلِهِ: وَإِلَّا لَا أَنَّ الْحَطَبَ لِلْعَامِلِ. قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الرِّكَازَ هُنَا لِلْعَامِلِ أَيْضًا إذَا لَمْ يُؤَقِّتَا؛ لِأَنَّهُ إذَا فَسَدَ الِاسْتِئْجَارُ بَقِيَ مُجَرَّدُ التَّوْكِيلِ وَعَلِمْت أَنَّ التَّوْكِيلَ فِي أَخْذِ الْمُبَاحِ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ مَا إذَا حَصَّلَهُ أَحَدُهُمَا بِإِعَانَةِ الْآخَرِ كَمَا مَرَّ فَإِنَّ لِلْمُعِينِ أَجْرَ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ لَهُ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) وَمِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ) ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ هُمْ الَّذِينَ يَحْرِصُونَ عَلَى جَمْعِ الدُّنْيَا وَادِّخَارِهَا ط (قَوْلُهُ وَقِيلَ كَاللُّقْطَةِ) عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَقِيلَ: يُجْعَلُ إسْلَامِيًّا فِي زَمَانِنَا لَتَقَادُمِ الْعَهْدِ. اهـ. أَيْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ آثَارِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَيَجِبُ الْبَقَاءُ مَعَ الظَّاهِرِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ خِلَافُهُ وَالْحَقُّ مَنْعُ هَذَا الظَّاهِرِ، بَلْ دَفِينُهُمْ إلَى الْيَوْمِ يُوجَدُ بِدِيَارِنَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْ وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ دَفِينَهُمْ بَاقٍ إلَى الْيَوْمِ انْتَفَى ذَلِكَ الظَّاهِرُ. قُلْت: بَقِيَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ النُّقُودِ الَّتِي عَلَيْهَا عَلَامَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ يَتَعَامَلُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مِنْ قِسْمِ الْمُشْتَبَهِ إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهَا مِنْ ضَرْبِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ فَتْحِ الْبَلْدَةِ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي. قَالَ: وَأَمَّا مَعَ اخْتِلَاطِ دَرَاهِمِ الْكُفَّارِ مَعَ دَرَاهِمِ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُشَخَّصِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي زَمَانِنَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خِلَافٌ فِي كَوْنِهِ إسْلَامِيًّا. اهـ. . (قَوْلُهُ مَعْدِنًا كَانَ أَوْ كَنْزًا) وَتَقْيِيدُ الْقُدُورِيِّ بِالْكَنْزِ لِكَوْنِ الْخِلَافِ فِيهِ فَإِنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ أَوْجَبَ فِيهِ الْخُمُسَ فَيُعْلَمُ حُكْمُ الْمَعْدِنِ بِالْأَوْلَى لِعَدَمِ الْخِلَافِ فِيهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كَالْمُتَلَصِّصِ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 (وَ) لِذَا (لَوْ دَخَلَهُ جَمَاعَةٌ ذُو مَنَعَةٍ وَظَفِرُوا بِشَيْءٍ مِنْ كُنُوزِهِمْ) وَمَعْدِنِهِمْ (خُمِّسَ) لِكَوْنِهِ غَنِيمَةً (وَإِنْ وَجَدَهُ) أَيْ الرِّكَازَ مُسْتَأْمَنٌ (فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ) لِبَعْضِهِمْ (رَدَّهُ إلَى مَالِكِهِ) تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ (فَإِنْ) لَمْ يَرُدَّهُ (وَأَخْرَجَهُ مِنْهَا مَلَكَهُ مِلْكًا خَبِيثًا) فَسَبِيلُهُ التَّصَدُّقُ بِهِ فَلَوْ بَاعَهُ صَحَّ لِقِيَامِ مِلْكِهِ لَكِنْ لَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي (وَلَوْ وَجَدَهُ) أَيْ الرِّكَازَ (غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ مُسْتَأْمَنٍ (فِيهَا) أَيْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُمْ حَلَّ لَهُ (فَلَا يُرَدُّ وَلَا يُخَمَّسُ) لِمَا مَرَّ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ مَتَاعٍ وَغَيْرِهِ وَمَا فِي النُّقَايَةِ مِنْ أَنَّ رِكَازَ مَتَاعِ أَرْضٍ لَمْ تُمْلَكْ بِخُمْسِ سَهْمٍ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَتَاعِهِمْ الْمَوْجُودِ فِي أَرْضِنَا. [فَرْعٌ] لِلْوَاجِدِ صَرْفُ الْخُمُسِ لِنَفْسِهِ وَأَصْلُهُ وَفَرْعِهِ وَأَجْنَبِيٍّ بِشَرْطِ فَقْرِهِمْ.   [رد المحتار] قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: فَهُوَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَيْ مَا فِي صَحْرَائِهِمْ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ عَلَى الْخُصُوصِ فَلَا يُعَدُّ غَدْرًا وَلَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مُتَلَصِّصٍ (قَوْلُهُ: وَلِذَا) الْإِشَارَةُ لِمَا أَفْهَمَهُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُتَلَصِّصِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُخَمَّسُ إلَّا إذَا كَانَ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ لِكَوْنِهِ غَنِيمَةً (قَوْلُهُ: وَإِنْ وَجَدَهُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضِهِمْ الْغَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ فَالْكُلُّ لِلْوَاجِدِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا مَا مَرَّ. أَمَّا لَوْ وَجَدَهُ فِي الْمَمْلُوكَةِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَأْمَنٍ فَالْكُلُّ لَهُ أَيْضًا وَإِلَّا وَجَبَ رَدُّهُ لِلْمَالِكِ (قَوْلُهُ: أَيْ الرِّكَازَ) يَعُمُّ الْكَنْزَ وَالْمَعْدِنَ وَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْكَنْزِ فَكَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْقُدُورِيِّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَكِنْ لَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي) بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ شَيْئًا شِرَاءً فَاسِدًا ثُمَّ بَاعَهُ فَإِنَّهُ يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي لِامْتِنَاعِ الْفَسْخِ حِينَئِذٍ ح عَنْ الْبَحْرِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُخَمَّسُ) إلَّا إذَا كَانُوا جَمَاعَةً ذَوِي مَنَعَةً لِكَوْنِهِ غَنِيمَةً كَمَا تَقَدَّمَ وَيَأْتِي (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ كَالْمُتَلَصِّصِ كَمَا فِي الدُّرَرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: وَمَا فِي النُّقَايَةِ) أَيْ لِلْمُحَقِّقِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَكَذَا فِي الْوِقَايَةِ لِجَدِّهِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ وَعِبَارَةُ الْوِقَايَةِ وَإِنْ وَجَدَ رِكَازَ مَتَاعِهِمْ فِي أَرْضٍ مِنْهَا لَمْ تُمْلَكْ خُمِّسَ اهـ قَالَ فِي الدُّرَرِ إنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا صَرَّحَ بِهِ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُمْ إنَّ الْخُمُسَ إنَّمَا يَجِبُ فِيمَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْغَنِيمَةِ وَهُوَ فِيمَا كَانَ فِي يَدِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَوَقَعَ فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالْمَذْكُورُ فِي الْوِقَايَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ كَالْمُتَلَصِّصِ وَالْأَرْضُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَمْ تَقَعْ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقْطَعَ لَفْظُ وَجَدَ عَمَّا قَبْلَهُ وَيُقْرَأَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَيُتْرَكَ لَفْظُ مِنْهَا وَتُضَافُ الْأَرْضُ إلَى الْمُسْلِمِينَ. اهـ. وَأَجَابَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِأَنَّ وَجَدَ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُ فَاعِلِهِ مَحْذُوفٌ أَيْ ذُو مَنَعَةٍ لَا الْمُسْتَأْمَنُ وَالتَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ لَمْ تُمْلَكْ يُعْلَمُ مِنْهُ الْمَمْلُوكَةُ بِالْأَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ إلَخْ) هَذَا الْحَمْلُ صَحِيحٌ فِي عِبَارَةِ النُّقَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا لَفْظَةٌ مِنْهَا أَيْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ إلَّا بِمَا مَرَّ عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَتَاعُ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَالْوَاجِدُ ذُو مَنَعَةٍ فَيَجِبُ الْخُمُسُ وَفِي عِبَارَةِ النُّقَايَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْوَاجِدُ رَجُلٌ مِنَّا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ وَجَدَ الْمُسْتَأْمَنُ؛ لِأَنَّ مُسْتَأْمَنَهُمْ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا إلَّا بِالشَّرْطِ كَمَا مَرَّ وَالْمُسْلِمُ لَا يَكُونُ مُسْتَأْمَنًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْعِبَارَتَيْنِ قَدْ عُلِمَتْ مِمَّا مَرَّ وَفَائِدَةُ ذِكْرِهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ أَوَّلًا وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ أَنَّ وُجُوبَ الْخُمُسِ لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الرِّكَازُ مِنْ النَّقْدَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا كَالْمَتَاعِ وَهُوَ كَمَا فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ مَا يَتَمَتَّعُ بِهِ فِي الْبَيْتِ مِنْ الرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ: لِنَفْسِهِ) أَيْ إنْ كَانَ مُحْتَاجًا وَلَا تُغْنِيهِ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسُ بِأَنْ كَانَ دُونَ الْمِائَتَيْنِ أَمَّا إذَا بَلَغَ مِائَتَيْنِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَنَازُلُ الْخُمُسِ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. قُلْت: لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ قَدْ يَبْلُغُ مِائَتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَلَا يُغْنِيهِ كَمَدْيُونٍ بِمِائَتَيْنِ مَثَلًا فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى الْحَاجَةِ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ وَمَنْ أَصَابَ رِكَازًا وَسِعَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخُمُسِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَإِذَا اطَّلَعَ الْإِمَامُ عَلَى ذَلِكَ أَمْضَى لَهُ مَا صَنَعَ وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَسِعَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ لِنَفْسِهِ وَإِنْ تَصَدَّقَ بِالْخُمُسِ عَلَى أَهْلِ الْحَاجَةِ مِنْ آبَائِهِ وَأَوْلَادِهِ جَازَ ذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ عُشْرِ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 بَابُ الْعُشْرِ (يَجِبُ) الْعُشْرُ (فِي عَسَلِ) وَإِنْ قَلَّ (أَرْضِ غَيْرِ الْخَرَاجِ) وَلَوْ غَيْرِ عُشْرِيَّةٍ كَجَبَلٍ وَمَفَازَةٍ بِخِلَافِ الْخَرَاجِيَّةِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ (وَكَذَا) يَجِبُ الْعُشْرُ (فِي ثَمَرَةِ جَبَلٍ أَوْ مَفَازَةٍ إنْ حَمَاهُ الْإِمَامُ) لِأَنَّهُ مَالٌ مَقْصُودٌ لَا إنْ   [رد المحتار] [بَابُ الْعُشْرِ] ِ هُوَ وَاحِدُ الْأَجْزَاءِ الْعَشَرَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يُنْسَبُ إلَيْهِ لِتَشْمَلَ التَّرْجَمَةُ نِصْفَ الْعُشْرِ وَضِعْفَهُ حَمَوِيٌّ وَذَكَرَهُ فِي الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ مِنْهَا قَالَ فِي الْفَتْحِ قِيلَ: إنَّ تَسْمِيَتَهُ زَكَاةً عَلَى قَوْلِهِمَا لِاشْتِرَاطِهِمَا النِّصَابَ وَالْبَقَاءَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ زَكَاةٌ حَتَّى يُصْرَفَ مَصَارِفَهَا وَاخْتِلَافُهُمْ فِي إثْبَاتِ بَعْضِ شُرُوطٍ لِبَعْضِ أَنْوَاعِ الزَّكَاةِ وَنَفْيُهَا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ زَكَاةً. اهـ. وَاسْتَظْهَرَ فِي النَّهْرِ قَوْلَ الْعِنَايَةِ إنَّ تَسْمِيَتَهُ زَكَاةً مَجَازٌ وَأَيَّدَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ يَجِبُ فِيمَا لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ سِوَاهُ، وَلَا بِجَامِعِ الزَّكَاةِ وَبِتَسْمِيَتِهِ فِي الْحَدِيثِ صَدَقَةً وَاخْتِلَافِهِمْ فِي وُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي كَمَا فِي الزَّكَاةِ اهـ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي عَشْرَةِ مَوَاضِعَ بَسَطَهَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ يَجِبُ الْعُشْرُ) ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ: أَيْ يُفْتَرَضُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] فَإِنَّ عَامَّةَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّهُ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ وَهُوَ مُجْمَلٌ بَيَّنَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا سَقَتْ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ» وَالْيَوْمَ ظَرْفٌ لِلْحَقِّ لَا لِلْإِيتَاءِ فَلَا يُرَدُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ فَزَكَاةُ الْحُبُوبِ لَا تَخْرُجُ يَوْمَ الْحَصَادِ بَلْ بَعْدَ التَّنْقِيَةِ وَالْكَيْلِ لِيَظْهَرَ مِقْدَارُهَا عَلَى أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْخَضْرَاوَاتِ، وَيُخْرَجُ حَقُّهَا يَوْمَ الْحَصَادِ أَيْ الْقَطْعِ بَدَائِعُ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ فِي عَسَلِ) بِغَيْرِ تَنْوِينٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ: وَإِنْ قَلَّ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ: بِلَا شَرْطِ نِصَابٍ مُغْنٍ عَنْهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ رَاجِعٌ لِلْكُلِّ ح وَصَرَّحَ بِالْعَسَلِ إشَارَةً إلَى خِلَافِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ حَيْثُ قَالَا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ حَيَوَانٍ فَأَشْبَهَ الْإِبْرَيْسَمِ وَدَلِيلُنَا مَبْسُوطٌ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَرْضِ غَيْرِ الْخَرَاجِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ وُجُوبِهِ كَوْنُ الْأَرْضِ خَرَاجِيَّةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ فَشَمِلَ الْعُشْرِيَّةُ، وَمَا لَيْسَتْ بِعُشْرِيَّةٍ وَلَا خَرَاجِيَّةٍ كَالْجَبَلِ، وَالْمَفَازَةِ لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَغَيْرِهَا أَنَّ الْجَبَلَ عُشْرِيٌّ، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَوْ اُسْتُعْمِلَ فَهُوَ عُشْرِيٌّ هَذَا وَقَيَّدَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ الْأَرْضَ الْخَرَاجِيَّةَ بِالْخَرَاجِ الْمُوَظَّفِ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ قَالَ فَلَوْ وُجِدَ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ الْمُقَاسَمَةُ فَفِيهِ مِثْلُ مَا فِي التَّمْرِ الْمَوْجُودِ فِيهَا اهـ لَكِنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي نَفْيِ وُجُوبِ الْعُشْرِ وَهُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْخَرَاجِيَّةِ مُطْلَقًا كَمَا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ. وَاسْتُفِيدَ أَنَّ الْخَرَاجَ قِسْمَانِ خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ، وَهُوَ مَا وَضَعَهُ الْإِمَامُ عَلَى أَرْضٍ فَتَحَهَا وَمَنَّ عَلَى أَهْلِهَا بِهَا مِنْ نِصْفِ الْخَارِجِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ رُبْعِهِ وَخَرَاجُ وَظِيفَةٍ مِثْلُ الَّذِي وَظَّفَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى أَرْضِ السَّوَادِ لِكُلِّ جَرِيبٍ يَبْلُغُهُ الْمَاءُ صَاعُ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي الْجِهَادِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَأْتِي هُنَا بَعْضُ أَحْكَامِهَا. (قَوْلُهُ: فِي ثَمَرَةِ جَبَلٍ) يَدْخُلُ فِيهِ الْقُطْنُ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ اسْمٌ لِشَيْءٍ مُتَفَرِّعٍ مِنْ أَصْلٍ يَصْلُحُ لِلْأَكْلِ وَاللِّبَاسِ كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ وَفِي الْقَامُوسِ أَنَّهُ اسْمٌ لِحَمْلِ الشَّجَرِ وَالْمَشْهُورُ مَا فِي الْمُفْرَدَاتِ أَنَّهُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُسْتَطْعَمُ مِنْ أَحْمَالِ الشَّجَرِ وَيَجِبُ الْعُشْرُ، وَلَوْ كَانَ الشَّجَرُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ وَلَمْ يُعَالِجْهُ أَحَدٌ وَخَرَجَ ثَمَرَةُ شَجَرٍ فِي دَارِ رَجُلٍ، وَلَوْ بُسْتَانًا فِي دَارِهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلدَّارِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ ط عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ: إنْ حَمَاهُ الْإِمَامُ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى الْمَذْكُورِ وَهُوَ الْعَسَلُ وَالثَّمَرَةُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْحِمَايَةُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ لَا عَنْ كُلِّ أَحَدٍ فَإِنَّ ثَمَرَ الْجِبَالِ مُبَاحٌ لَا يَجُوزُ مَنْعُ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا شَيْءَ فِيمَا يُوجَدُ فِي الْجِبَالِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ مِلْكِهَا النَّمَاءُ وَقَدْ حَصَلَ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَالٌ مَقْصُودٌ) أَيْ مَقْصُودٌ لِلْإِمَامِ بِالْحِفْظِ اهـ ط أَوْ مَقْصُودٌ بِالْأَخْذِ فَلِذَا تُشْتَرَطُ حِمَايَتُهُ حَتَّى يَجِبَ فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 لَمْ يَحْمِهِ لِأَنَّهُ كَالصَّيْدِ (وَ) تَجِبُ فِي (مَسْقِيِّ سَمَاءٍ) أَيْ مَطَرٍ (وَسَيْحٍ) كَنَهْرٍ (بِلَا شَرْطِ نِصَابٍ) رَاجِعٌ لِلْكُلِّ (وَ) بِلَا شَرْطِ (بَقَاءٍ) وَحَوَلَانِ حَوْلٍ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ وَلِذَا كَانَ لِلْإِمَامِ أَخْذُهُ جَبْرًا وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّرِكَةِ وَيَجِبُ مَعَ الدَّيْنِ وَفِي أَرْضِ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَمُكَاتَبٍ وَمَأْذُونٍ وَوَقْفٍ وَتَسْمِيَتُهُ زَكَاةً   [رد المحتار] الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ الْجِبَايَةَ بِالْحِمَايَةِ فَهُوَ عِلَّةٌ لِاشْتِرَاطِ الْجِبَايَةِ أَوْ مِنْ جِنْسِ مَا يُقْصَدُ بِهِ اسْتِغْلَالُ الْأَرْضِ فَهُوَ عِلَّةٌ لِلْوُجُوبِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَيْ مَطَرٍ) سُمِّيَ بِذَلِكَ مَجَازًا مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا يُجَاوِرُهُ أَوْ يَحِلُّ فِيهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَسَيْحٍ) بِالسِّينِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: سَاحَ الْمَاءُ سَيْحًا جَرَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَمِنْهُ مَا سُقِيَ سَيْحًا يَعْنِي مَاءَ الْأَنْهَارِ وَالْأَوْدِيَةِ اهـ (قَوْلُهُ: بِلَا شَرْطِ نِصَابٍ) وَبَقَاءً فَيَجِبُ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ بِشَرْطِ أَنْ يَبْلُغَ صَاعًا وَقِيلَ نِصْفُهُ وَفِي الْخَضْرَاوَاتِ الَّتِي لَا تَبْقَى وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التُّحْفَةِ وَقَالَا: لَا يَجِبُ إلَّا فِيمَا لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ حَوْلًا بِشَرْطِ أَنْ يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ إنْ كَانَ مِمَّا يُوسَقُ، وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا كُلُّ صَاعٍ أَرْبَعَةُ أَمْنَاءَ وَإِلَّا فَحَتَّى يَبْلُغَ قِيمَةَ نِصَابٍ مِنْ أَدْنَى الْمَوْسُوقِ عِنْدَ الثَّانِي وَاعْتُبِرَ الثَّالِثُ خَمْسَةَ أَمْثَالٍ مِمَّا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ فَفِي الْقُطْنِ خَمْسَةُ أَحْمَالٍ وَفِي الْعَسَلِ أَفْرَاقٍ وَفِي السُّكَّرِ أَمْنَاءَ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَحَوَلَانِ حَوْلٍ) حَتَّى لَوْ أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ مِرَارًا وَجَبَ فِي كُلِّ مَرَّةِ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ عَنْ قَيْدِ الْحَوْلِ وَلِأَنَّ الْعُشْرَ فِي الْخَارِجِ حَقِيقَةٌ فَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ وَكَذَا خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْخَارِجِ فَأَمَّا خَرَاجُ الْوَظِيفَةِ فَلَا يَجِبُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَارِجِ بَلْ فِي الذِّمَّةِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ) أَيْ فِي الْعُشْرِ مَعْنَى مُؤْنَةِ الْأَرْضِ: أَيْ أُجْرَتِهَا فَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَحْضَةٍ ط. (قَوْلُهُ: أَخَذَهُ جَبْرًا) وَيَسْقُطُ عَنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ كَمَا لَوْ أَدَّى بِنَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَدَّى بِنَفْسِهِ يُثَابُ ثَوَابَ الْعِبَادَةِ وَإِذَا أَخَذَهُ الْإِمَامُ يَكُونُ لَهُ ثَوَابُ ذَهَابِ مَالِهِ فِي وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: وَفِي أَرْضِ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَمُكَاتَبٍ) مِنْ مَدْخُولِ الْغَلَّةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهِ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ (قَوْلُهُ: وَوَقْفٍ) أَفَادَ أَنَّ مِلْكَ الْأَرْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الْعُشْرِ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ مِلْكُ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الْخَارِجِ لَا فِي الْأَرْضِ، فَكَانَ مِلْكُهُ لَهَا وَعَدَمُهُ سَوَاءً بَدَائِعُ. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي حُكْمِ أَرَاضِي مِصْرَ وَالشَّامِ السُّلْطَانِيَّةِ قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا زَرَعَهَا أَهْلُ الْوَقْفِ أَمَّا إذَا زَرَعَهَا غَيْرُهُمْ بِالْأُجْرَةِ فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَفِي حُكْمِ ذَلِكَ أَرَاضِي مِصْرَ وَالشَّامِ السُّلْطَانِيَّةِ فَإِنَّهَا فِي الْأَصْلِ كَانَتْ خَرَاجِيَّةً أَمَّا الْآنَ فَلَا فَقَدْ صَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي أَرْضِ مِصْرَ بِأَنَّ الْمَأْخُوذَ الْآن مِنْهَا أُجْرَةٌ لَا خَرَاجَ قَالَ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِلزُّرَّاعِ كَأَنَّهُ لِمَوْتِ الْمَالِكِينَ بِلَا وَارِثٍ فَصَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ اهـ وَكَذَا أَرَاضِي الشَّامِ كَمَا فِي جِهَادِ شَرْحِ الْمُلْتَقَى، لَكِنَّ فِي كَوْنِهَا كُلَّهَا صَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ بَحْثٌ سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَحَيْثُ صَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ سَقَطَ عَنْهَا الْخَرَاجُ لِعَدَمِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَهَلْ عَلَى زُرَّاعِهَا عُشْرٌ أَمْ لَا سَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا بَاعَهَا الْإِمَامُ بِشَرْطِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُشْتَرِي خَرَاجٌ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَخْذِ الثَّمَنِ لِبَيْتِ الْمَالِ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ كُلُّهَا لَهُ أَوْ بَعْضُهَا وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَجُوزُ وَضْعُ الْخَرَاجِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً، وَإِنْ جَازَ بَقَاءً وَلِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ كَذَا قَالَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي التُّحْفَةِ الْمَرْضِيَّةِ وَقَالَ أَيْضًا إنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهَا الْعُشْرُ أَيْضًا قَالَ: لِأَنِّي لَمْ أَرَ نَقْلًا فِي ذَلِكَ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الشَّرْطَ مِلْكُ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ لَا فِي الْأَرْضِ حَتَّى وَجَبَ فِي الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ، وَالْمُكَاتَبِ، وَالْوَقْفِ وَلِأَنَّ سَبَبَهُ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْخَارِجِ تَحْقِيقًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 مَجَازٌ (إلَّا فِيهِمَا) لَا يُقْصَدُ بِهِ اسْتِغْلَالُ الْأَرْضِ (نَحْوُ حَطَبٍ وَقَصَبٍ) فَارِسِيٌّ (وَحَشِيشٍ) وَتِبْنٍ وَسَعَفٍ وَصَمْغٍ وَقَطِرَانٍ وَخِطْمِيٍّ وَأُشْنَانٍ وَشَجَرِ قُطْنٍ وَبَاذِنْجَانٍ وَبِزْرِ بِطِّيخٍ وَقِثَّاءٍ وَأَدْوِيَةٍ كَحُلْبَةٍ وَشُونِيزٍ حَتَّى لَوْ أَشْغَلَ أَرْضَهُ بِهَا يَجِبُ الْعُشْرُ   [رد المحتار] الْخَرَاجِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْأَرْضِ سُقُوطُ الْعُشْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْخَارِجِ، وَالثَّمَنُ الْمَأْخُوذُ لِبَيْتِ الْمَالِ هُوَ بَدَلُ الْأَرْضِ لَا بَدَلُ الْخَارِجِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُنَازَعُ فِي سُقُوطِ الْخَرَاجِ حَيْثُ كَانَتْ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ، أَوْ سُقِيَتْ بِمَائِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْغَازِي الَّذِي اخْتَطَّ لَهُ الْإِمَامُ دَارًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا فَإِذَا جَعَلَهَا بُسْتَانًا وَسَقَاهَا بِمَاءِ الْعُشْرِ، فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ أَوْ بِمَاءِ الْخَرَاجِ، فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ كَمَا يَأْتِي فَإِنَّ وَضْعَ الْخَرَاجِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً بِالْتِزَامِهِ جَائِزٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِهِ حِينَ صَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ لِعَدَمِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَجِبَ حِينَ وُجِدَ الْتِزَامُ الْمُشْتَرِي بِسَقْيِهِ مَا اشْتَرَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ كَمَنْ آجَرَ دَارِهِ لِرَجُلٍ مُدَّةً ثُمَّ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَإِنَّ أُجْرَتَهَا تَسْقُطُ لِعَدَمِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ فَإِذَا آجَرَهَا لِآخَرَ تَجِبُ الْأُجْرَةُ ثَانِيًا، وَعَلَى فَرْضِ سُقُوطِ الْخَرَاجِ لَا يَسْقُطُ الْعُشْرُ فَإِنَّ الْأَرْضَ الْمُعَدَّةَ لِلِاسْتِغْلَالِ لَا تَخْلُو مِنْ إحْدَى الْوَظِيفَتَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ مَسْأَلَةِ الدَّارِ وَحَيْثُ تَحَقَّقَ السَّبَبُ وَالشَّرْطُ مَعَ قِيَامِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ ثُبُوتِهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ. وَهُوَ دَلِيلُ الْوُجُوبِ الشَّامِلِ لِلْأَرْضِ الْمُشْتَرَاةِ الْمَذْكُورَةِ وَمَعَ إطْلَاقِ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي مَسْقِيِّ سَمَاءٍ وَسَيْحٍ وَنِصْفُهُ فِي مَسْقِيِّ غَرْبٍ وَدَالِيَةٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْلٍ فِي خُصُوصِ ذَلِكَ حَيْثُ تَحَقَّقَ مَا ذَكَرْنَا فِيهِ بَلْ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: وَمَجَازٌ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ (قَوْلُهُ: إلَّا فِيمَا لَا يُقْصَدُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ كَالْكَنْزِ وَغَيْرِهِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ ذَاتَهُ بَلْ لِكَوْنِهِ مِنْ جِنْسِ مَا لَا يُقْصَدُ بِهِ اسْتِغْلَالُ الْأَرْضِ غَالِبًا وَأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْقَصْدِ حَتَّى لَوْ قَصَدَ بِهِ ذَلِكَ وَجَبَ الْعُشْرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: وَقَصَبٍ) هُوَ كُلُّ نَبَاتٍ يَكُونُ سَاقُهُ أَنَابِيبَ وَكُعُوبًا وَالْكُعُوبُ الْعَقْدُ وَالْأُنْبُوبُ مَا بَيْنَ الْكَعْبَيْنِ، وَاحْتُرِزَ بِالْفَارِسِيِّ عَنْ قَصَبِ السُّكَّرِ وَقَصَبِ الذَّرِيرَةِ، وَهُوَ قَصَبُ السُّنْبُلِ فَفِيهِمَا الْعُشْرُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَفِي الْمِعْرَاجِ قَصَبُ الْعَسَلِ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي عَسَلِهِ دُونَ خَشَبِهِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَتِبْنٍ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ غَيْرَ أَنَّهُ لَوْ فَصَلَهُ قَبْلَ انْعِقَادِ الْحَبِّ وَجَبَ الْعُشْرُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ هُوَ الْمَقْصُودَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي التِّبْنِ إذَا يَبِسَ الْعُشْرُ. (قَوْلُهُ: وَسَعَفٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَرَقُ جَرِيدِ النَّخْلِ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْهُ الزِّنْبِيلُ وَالْمِرْوَاحُ وَقَدْ يُقَالُ لِلْجَرِيدِ نَفْسِهِ وَالْوَاحِدَةُ سَعَفَةٌ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ: وَقَطِرَانٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ أَوْ كَسْرِهَا مَعَ سُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَبِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الطَّاءِ عُصَارَةُ الْأَرْزِ وَنَحْوِهِ وَالْأَرْزُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتُضَمُّ شَجَرُ الصَّنَوْبَرِ وَبِالتَّحْرِيكِ شَجَرُ الْأَرْزَنِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: وَخِطْمِيٍّ) نَبْتٌ طَيِّبُ الرِّيحِ يَخْرُجُ بِالْعِرَاقِ ط (قَوْلُهُ وَأُشْنَانٍ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: وَشَجَرٍ وَقُطْنٍ) أَمَّا الْقُطْنُ نَفْسُهُ فَفِيهِ الْعُشْرُ كَمَا مَرَّ ط (قَوْلُهُ: وَبَاذِنْجَانٍ) عَطْفٌ عَلَى قُطْنٍ فَلَا يَجِبُ فِي شَجَرِهِ، وَيَجِبُ فِي الْخَارِجِ مِنْهُ ط. (قَوْلُهُ: وَبِزْرِ بِطِّيخٍ وَقِثَّاءٍ) أَيْ كُلِّ حَبٍّ لَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ كَبِزْرِ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ، لِكَوْنِهَا غَيْرَ مَقْصُودَةٍ فِي نَفْسِهَا بَحْرٌ أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ زِرَاعَةَ الْحَبِّ لِذَاتِهِ، بَلْ لِمَا يُخْرَجُ مِنْهُ وَهُوَ الْخَضْرَاوَاتُ، وَفِيهَا الْعُشْرُ كَمَا مَرَّ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: الْخَضْرَاوَاتُ كَالْبُقُولِ وَالرِّطَابِ وَالْخِيَارِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَنَحْوِهَا. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ: وَيَجِبُ فِي الْعُصْفُرِ وَالْكَتَّانِ وَبِزْرِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَقْصُودٌ فِيهِ (قَوْلُهُ وَأَدْوِيَةٍ) فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِيمَا كَانَ مِنْ الْأَدْوِيَةِ كَالْمَوْزِ وَالْهَلِيلَجِ وَلَا فِي الْكُنْدُرِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَحُلْبَةٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَشُونِيزٍ بِضَمِّ الشِّينِ الْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ أَشْغَلَ أَرْضَهُ بِهَا يَجِبُ الْعُشْرُ) فَلَوْ اسْتَنْمَا أَرْضَهُ بِقَوَائِمِ الْخِلَافِ وَمَا أَشْبَهَهُ أَوْ بِالْقَصَبِ أَوْ الْحَشِيشِ وَكَانَ يَقْطَعُ ذَلِكَ وَيَبِيعُهُ كَانَ فِيهِ الْعُشْرُ غَايَةُ الْبَيَانِ وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَبَيْعُ مَا يَقْطَعُهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ وَلِذَا أَطْلَقَهُ قَاضِي خَانْ اهـ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَمِثْلُ الْخِلَافِ الْحُورُ بِالْمُهْمَلَتَيْنِ وَالصَّفْصَافُ فِي بِلَادِنَا اهـ. وَالْخِلَافُ كَكِتَابٍ وَتَشْدِيدُهُ لَحْنٌ صِنْفٌ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 (وَ) يَجِبُ (نِصْفُهُ فِي مَسْقِيِّ غَرْبٍ) أَيْ دَلْوٍ كَبِيرٍ (وَدَالِيَةٍ) أَيْ دُولَابٍ لِكَثْرَةِ الْمُؤْنَةِ وَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَوْ سَقَاهُ بِمَاءٍ اشْتَرَاهُ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ وَلَوْ سَقَى سَيْحًا وَبِآلَةٍ اُعْتُبِرَ الْغَالِبُ وَلَوْ اسْتَوَيَا فَنِصْفُهُ وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ (بِلَا رَفْعِ مُؤَنِ) أَيْ كُلَفٍ (الزَّرْعِ) وَبِلَا إخْرَاجِ الْبَذْرِ   [رد المحتار] الصَّفْصَافِ وَلَيْسَ بِهِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: غَرْبٍ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ (قَوْلُهُ: وَدَالِيَةٍ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ دُولَابٍ) فِي الْمُغْرِبِ الدُّولَابُ بِالْفَتْحِ الْمَنْجَنُونُ الَّتِي تُدِيرُهَا الدَّابَّةُ وَالنَّاعُورَةُ مَا يُدِيرُهَا الْمَاءُ وَالدَّالِيَةُ جِذْعٌ طَوِيلٌ يُرَكَّبُ تَرْكِيبَ مَدَاقِّ الْأَرْزِ وَفِي رَأْسِهِ مِغْرَفَةٌ كَبِيرَةٌ يُسْتَقَى بِهَا. اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ الدَّالِيَةُ الْمَنْجَنُونُ وَالنَّاعُورَةُ شَيْءٌ يُتَّخَذُ مِنْ خُوصٍ يُشَدُّ فِي رَأْسِهِ جِذْعٌ طَوِيلٌ وَالْمَنْجَنُونُ الدُّولَابُ يُسْتَقَى عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِكَثْرَةِ الْمُؤْنَةِ) عِلَّةٌ لِوُجُوبِ نِصْفِ الْعُشْرِ فِيمَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ) كَذَا نَقَلَهُ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى عَنْ شَيْخِهِ الْبَهْنَسِيِّ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْعُدُولِ عَنْ الْعُشْرِ إلَى نِصْفِهِ فِي مُسْتَقَى غَرْبٍ وَدَالِيَةٍ هِيَ زِيَادَةُ الْكُلْفَةِ كَمَا عَلِمْت وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي شِرَاءِ الْمَاءِ وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَنَا أَنَّ شِرَاءَ الشِّرْبِ لَا يَصِحُّ وَقِيلَ إنْ تَعَارَفُوهُ صَحَّ وَهَلْ يُقَالُ عَدَمُ شِرَائِهِ يُوجِبُ عَدَمَ اعْتِبَارِهِ أَمْ لَا تَأَمَّلْ نَعَمْ لَوْ كَانَ مُحَرَّزًا بِإِنَاءٍ فَإِنَّهُ يُمْلَكُ فَلَوْ اشْتَرَى مَاءً بِالْقُرْبِ أَوْ فِي حَوْضٍ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: بِنِصْفِ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ كُلْفَتَهُ رُبَّمَا تَزِيدُ عَلَى السَّقْيِ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ (قَوْلُهُ: اُعْتُبِرَ الْغَالِبُ) أَيْ أَكْثَرُ السَّنَةِ كَمَا مَرَّ فِي السَّائِمَةِ وَالْعَلُوفَةِ زَيْلَعِيٌّ أَيْ إذَا أَسَامَهَا فِي بَعْضِ السَّنَةِ وَعَلَفَهَا فِي بَعْضِهَا يُعْتَبَرُ الْأَكْثَرُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَوَيَا فَنِصْفُهُ) كَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ الشَّكُّ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى النِّصْفِ فَلَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ بِالشَّكِّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ قَالَ بِهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ فَيُؤْخَذُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَظِيفَتَيْنِ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا اهـ أَيْ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ مَسْقِيُّ سَيْحٍ وَنِصْفُهُ مَسْقِيُّ غَرْبٍ، فَيَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ وَنِصْفُ نِصْفِهِ وَرَجَّحَ الزَّيْلَعِيُّ الْأَوَّلَ قِيَاسًا عَلَى السَّائِمَةِ إذَا عَلَفَهَا نِصْفَ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ تَرَدَّدَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ قَالَ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ وَفِيهِ كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ فِي الْأَصْلِ أَيْ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ سَبَبُ الْوُجُوبِ لَيْسَ بِثَابِتٍ يَقِينًا وَهُنَا سَبَبُهُ ثَابِتٌ يَقِينًا وَالشَّكُّ فِي نُقْصَانِ الْوَاجِبِ وَزِيَادَتِهِ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ الْمُؤْنَةِ وَقِلَّتِهَا، فَاعْتُبِرَ الشَّبَهَانِ شَبَهُ الْقَلِيلِ وَشَبَهُ الْكَثِيرِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ فِي السَّائِمَةِ مَوْجُودٌ أَيْضًا وَهُوَ مِلْكُ نِصَابِهَا وَإِنَّمَا الشَّكُّ فِي الْإِسَامَةِ وَهُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ لَا سَبَبُهُ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَهُنَا أَيْضًا وَقَعَ الشَّكُّ فِي شَرْطِ وُجُوبِ الزِّيَادَةِ عَلَى النِّصْفِ مَعَ تَحَقُّقِ سَبَبِ أَصْلِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْخَارِجِ تَحْقِيقًا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: بِلَا رَفْعِ مُؤَنٍ) أَيْ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْأَوَّلِ وَنِصْفُهُ فِي الثَّانِي بِلَا رَفْعِ أُجْرَةِ الْعُمَّالِ وَنَفَقَةِ الْبَقَرِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ وَأُجْرَةِ الْحَافِظِ وَنَحْوِ ذَلِكَ دُرَرٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ يَعْنِي لَا يُقَالُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعُشْرِ فِي قَدْرِ الْخَارِجِ الَّذِي بِمُقَابَلَةِ الْمُؤْنَةِ بَلْ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حُكْمٌ بِتَفَاوُتِ الْوَاجِبِ لِتَفَاوُتِ الْمُؤْنَةِ وَلَوْ رُفِعَتْ الْمُؤْنَةُ كَانَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا وَهُوَ الْعُشْرُ دَائِمًا فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ إلَى نِصْفِهِ إلَّا لِلْمُؤْنَةِ وَالْبَاقِي بَعْدَ رَفْعِ الْمُؤْنَةِ لَا مُؤْنَةَ فِيهِ فَكَانَ الْوَاجِبُ دَائِمًا الْعُشْرَ لَكِنَّ الْوَاجِبَ قَدْ تَفَاوَتَ شَرْعًا فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ شَرْعًا عَدَمُ عُشْرِ بَعْضِ الْخَارِجِ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُسَاوِي لِلْمُؤْنَةِ أَصْلًا اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَبِلَا إخْرَاجِ الْبَذْرِ إلَخْ) قِيلَ هَذَا زَادَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ عَلَى مَا فِي الْمُعْتَبَرَاتِ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 لِتَصْرِيحِهِمْ بِالْعُشْرِ فِي كُلِّ الْخَارِجِ (وَ) يَجِبُ (ضِعْفُهُ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ لِتَغْلِبِينَ مُطْلَقًا وَإِنْ) كَانَ طِفْلًا أَوْ أُنْثَى أَوْ (أَسْلَمَ أَوْ ابْتَاعَهَا) مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ابْتَاعَهَا (مِنْهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ) لِأَنَّ التَّضْعِيفَ كَالْخَرَاجِ فَلَا يَتَبَدَّلُ. (وَأَخَذَ الْخَرَاجَ مِنْ ذِمِّيٍّ) غَيْرِ تَغْلِبِي (اشْتَرَى) أَرْضًا (عُشْرِيَّةً مِنْ مُسْلِمٍ) وَقَبَضَهَا مِنْهُ لِلتَّنَافِي (وَ) أَخَذَ (الْعُشْرَ مِنْ مُسْلِمٍ أَخَذَهَا مِنْهُ) مِنْ الذِّمِّيِّ (بِشُفْعَةٍ) لِتَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَيْهِ   [رد المحتار] الَّذِي تَقَدَّمَ عَنْ الدُّرَرِ. وَفِي النَّهْرِ: وَظَاهِرُ قَوْلِ الْكَنْزِ وَلَا تُرْفَعُ الْمُؤَنُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُؤْنَةِ مِنْ عَيْنِ الْخَارِجِ أَوْ لَا. قَالَ الصَّيْرَفِيُّ: وَيَظْهَرُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ جُزْءًا مِنْ الطَّعَامِ أَنْ تُجْعَلَ كَالْهَالِكِ وَيَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَى إخْرَاجِهِ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ الْإِطْلَاقُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِتَصْرِيحِهِمْ بِالْعُشْرِ) أَيْ وَبِنِصْفِهِ وَضِعْفِهِ ط (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ ضِعْفُهُ) أَيْ ضِعْفُ الْعُشْرِ وَهُوَ الْخُمُسُ نَهْرٌ؛ لِأَنَّ بَنِي تَغْلِبَ قَوْمٌ مِنْ الْعَرَبِ نَصَارَى تَصَالَحَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَهُمْ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ ضِعْفَ مَا يُؤْخَذ مِنَّا كَمَا قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ بَابِ زَكَاةِ الْمَالِ قَالَ ط: وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَ كَوْنِ الْأَرْضِ مَسْقِيَّةً بِغَرْبٍ أَوْ سَيْحٍ وَمُقْتَضَى الصُّلْحِ الْوَاقِعِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ ضِعْفُ الْمَأْخُوذِ مِنَّا مُطْلَقًا. اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ يُؤْخَذُ مِنْ التَّغْلِبِيِّ ضِعْفُهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ طِفْلًا أَوْ أُنْثَى) بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ يُؤْخَذُ مِنْ أَرَاضِي أَطْفَالِنَا وَنِسَائِنَا فَيُؤْخَذُ ضِعْفُهُمْ مِنْ أَرَاضِي أَطْفَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ. اهـ. نُوحٌ قَالَ ح: وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأَرْضُ لِلتَّغْلِبِيِّ أَصَالَةً أَوْ مَوْرُوثَةً أَوْ تَدَاوَلَتْهَا الْأَيْدِي مِنْ تَغْلِبِيٍّ إلَى تَغْلِبِيٍّ (قَوْلُهُ: أَوْ أَسْلَمَ) أَيْ التَّغْلِبِيُّ وَفِي مِلْكِهِ أَرْضٌ تَضْعِيفِيَّةٌ فَإِنَّهَا تَبْقَى وَظِيفَتُهَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَعُودُ إلَى عُشْرٍ وَاحِدٍ لِزَوَالِ الدَّاعِي إلَى التَّضْعِيفِ وَهُوَ الْكُفْرُ. اهـ. ح وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِيمَا إذَا ابْتَاعَهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ ط (قَوْلُهُ: أَوْ ابْتَاعَهَا مِنْ مُسْلِمٍ) أَيْ إذَا اشْتَرَى التَّغْلِبِيُّ أَرْضًا عُشْرِيَّةً مِنْ مُسْلِمٍ تَصِيرُ تَضْعِيفِيَّةً عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَبْقَى عُشْرِيَّةً؛ لِأَنَّ الْوَظِيفَةَ لَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْمَالِكِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: أَوْ ذِمِّيٍّ) أَيْ إذَا اشْتَرَى الذِّمِّيُّ أَرْضًا تَضْعِيفِيَّةً مِنْ التَّغْلِبِيِّ تَبْقَى تَضْعِيفِيَّةً اتِّفَاقًا ح. [تَنْبِيهٌ] تَخْصِيصُ الشِّرَاءِ بِالذِّكْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَكُلُّ مَا فِيهِ انْتِقَالُ الْمِلْكِ فَكَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَبَدَّلُ) هَذَا فِي الْخَرَاجِ مُطْلَقًا اتِّفَاقًا وَفِي التَّضْعِيفِ كَذَلِكَ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا اشْتَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ أَسْلَمَ فَإِنَّهَا تَعُودُ عُشْرِيَّةً لِفَقْدِ الدَّاعِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ ح (قَوْلُهُ: وَأَخَذَ الْخَرَاجَ إلَخْ) حَاصِلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْأَرْضَ إمَّا عُشْرِيَّةً أَوْ خَرَاجِيَّةً أَوْ تَضْعِيفِيَّةً وَالْمُشْتَرُونَ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ وَتَغْلِبِيٌّ فَالْمُسْلِمُ إذَا اشْتَرَى الْعُشْرِيَّةُ أَوْ الْخَرَاجِيَّةَ بَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا أَوْ التَّضْعِيفِيَّةَ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَرْجِعُ إلَى عُشْرٍ وَاحِدٍ وَإِذَا اشْتَرَى التَّغْلِبِيُّ الْخَرَاجِيَّةَ بَقِيَتْ خَرَاجِيَّةً أَوْ التَّضْعِيفِيَّةَ فَهِيَ تَضْعِيفِيَّةٌ أَوْ الْعُشْرِيَّةُ مِنْ مُسْلِمٍ ضُوعِفَ عَلَيْهِ الْعُشْرُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَإِذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ غَيْرَ تَغْلِبِي خَرَاجِيَّةً أَوْ تَضْعِيفِيَّةً بَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا أَوْ عُشْرِيَّةً صَارَتْ خَرَاجِيَّةً إنْ اسْتَقَرَّتْ فِي مِلْكِهِ عِنْدَهُ اهـ ط (قَوْلُهُ: مِنْ ذِمِّيٍّ) أَيْ عِنْدَهُمَا أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَتَبْقَى عُشْرِيَّةً؛ لِأَنَّ الْوَظِيفَةَ لَا تَتَغَيَّرُ عِنْدَهُ بِتَغَيُّرِ الْمَالِكِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ ح (قَوْلُهُ: غَيْرَ تَغْلِبِيٍّ) قُيِّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعُشْرِيَّةُ تُضَعَّفُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ط (قَوْلُهُ: وَقَبَضَهَا مِنْهُ) قُيِّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ لَا يَجِبُ إلَّا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَذَلِكَ بِالْقَبْضِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لِلتَّنَافِي) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَأَخَذَ الْخَرَاجَ يَعْنِي إنَّمَا وَجَبَ الْخَرَاجُ لَا الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ فِي الْعُشْرِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْكُفْرُ يُنَافِيهَا ح (قَوْلُهُ: لِتَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الشَّفِيعِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُسْلِمِ بَحْرٌ وَغَيْرُهُ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا رَجَعَ الشَّفِيعُ بِالْعَيْبِ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا قَبَضَهَا مِنْهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْقَبْضِ مِنْهُ كَمَا فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَبَضَهَا مِنْ الْبَائِعِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمُشْتَرِي إسْمَاعِيلُ. وَاسْتَشْكَلَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 (أَوْ رُدَّتْ عَلَيْهِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ) وَبِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ مُطْلَقًا أَوْ عَيْبٍ بِقَضَاءٍ وَلَوْ بِغَيْرِهِ بَقِيَتْ خَرَاجِيَّةً لِأَنَّهُ إقَالَةٌ لَا فَسْخٌ. (وَأُخِذَ خَرَاجٌ مِنْ دَارٍ جُعِلَتْ بُسْتَانًا) أَوْ مَزْرَعَةٍ (إنْ) كَانَتْ (لِذِمِّيٍّ) مُطْلَقًا (أَوْ أَسْلَمَ) وَقَدْ (سَقَاهَا بِمَائِهِ) لِرِضَاهُ بِهِ (وَ) أُخِذَ (عُشْرٌ إنْ سَقَاهَا) الْمُسْلِمُ   [رد المحتار] أَيْضًا الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ مِنْ الْمُشْتَرِي لَوْلَا الْأَخْذُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِلَّا فَمِنْ الْبَائِعِ، وَالْكَلَامُ هُنَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَهُوَ شِرَاءٌ مِنْ الذِّمِّيِّ. قَالَ: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ نَوَادِرِ زَكَاةِ الْمَبْسُوطِ لَوْ اشْتَرَى كَافِرٌ عُشْرِيَّةً فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ وَلَكِنْ هَذَا بَعْدَ مَا انْقَطَعَ حَقُّ الْمُسْلِمِ عَنْهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى لَوْ اسْتَحَقَّهَا مُسْلِمٌ أَوْ أَخَذَهَا مُسْلِمٌ بِالشُّفْعَةِ كَانَتْ عُشْرِيَّةً عَلَى حَالِهَا وَلَوْ وَضَعَ عَلَيْهَا الْخَرَاجَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْمُسْلِمِ عَنْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ رُدَّتْ عَلَيْهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى أَخْذِهَا أَيْ إذَا اشْتَرَاهَا الذِّمِّيُّ مِنْ مُسْلِمٍ شِرَاءً فَاسِدًا فَرُدَّتْ عَلَيْهِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ فَهِيَ عُشْرِيَّةٍ عَلَى حَالِهَا قَالَ فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّهُ بِالرَّدِّ وَالْفَسْخِ جَعَلَ الْبَيْعَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِ وَهُوَ الْبَائِعُ لَمْ يَنْقَطِعْ بِهَذَا الْبَيْعِ لِكَوْنِهِ مُسْتَحِقَّ الرَّدِّ (قَوْلُهُ: أَوْ بِخِيَارِ شَرْطٍ) أَيْ لِلْبَائِعِ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَقَالَ: لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ زَوَالَ مِلْكِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ رُؤْيَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ فَصَارَ الْبَيْعُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِقَضَاءٍ أَوْ لَا. وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى ظَاهِرِ عِبَارَةِ الدُّرَرِ حَيْثُ عَلَّقَ قَوْلَهُ الْآتِي بِقَضَاءٍ بِقَوْلِهِ رُدَّتْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إقَالَةٌ) أَيْ لِأَنَّ الرَّدَّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ إقَالَةٌ وَهِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، وَهُوَ مُسْتَحِقُّ الْخَرَاجِ فَصَارَ شِرَاءُ الْمُسْلِمِ مِنْ الذِّمِّيِّ بَعْدَ مَا صَارَتْ خَرَاجِيَّةً، فَتَبْقَى عَلَى حَالِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاسْتُفِيدَ مِنْ وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ لِلذِّمِّيِّ أَنْ يَرُدَّهَا بِعَيْبٍ قَدِيمٍ، وَلَا يَكُونُ وُجُوبُ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا عَيْبًا حَادِثًا؛ لِأَنَّهُ يَرْتَفِعُ بِالْفَسْخِ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ (قَوْلُهُ: جُعِلَتْ بُسْتَانًا) هُوَ أَرْضٌ يَحُوطُ عَلَيْهَا حَائِطٌ وَفِيهَا أَشْجَارٌ مُتَفَرِّقَةٌ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ قُيِّدَ بِجَعْلِهَا بُسْتَانًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجْعَلْهَا بُسْتَانًا وَفِيهَا نَخْلٌ تُغَلُّ أَكْرَارًا لَا شَيْءَ فِيهَا بَحْرٌ، وَكَذَلِكَ ثَمَرُ بُسْتَانِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهَا كَمَا فِي قَاضِي خَانْ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ سَقَاهَا بِمَاءِ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْخَرَاجِ لَا لِلْعُشْرِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: بِمَائِهِ) أَيْ مَاءِ الْخَرَاجِ وَهُوَ مَاءُ أَنْهَارٍ حَفَرَتْهَا الْعَجَمُ وَكَذَا سَيْحُونُ وَجَيْحُونَ وَدِجْلَةُ وَالْفُرَاتُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَمَاءُ الْعُشْرِ هُوَ مَاءُ السَّمَاءِ وَالْبِئْرِ وَالْعَيْنِ وَالْبَحْرِ الَّذِي لَا يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ أَحَدٍ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَى وَشَرْحِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَاءَ الْخَرَاجِ مَا كَانَ لِلْكَفَرَةِ يَدٌ عَلَيْهِ ثُمَّ حَوَيْنَاهُ قَهْرًا وَمَا سِوَاهُ عُشْرِيٌّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ غَنِيمَةً وَأَوْرَدَ أَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِي مَاءِ الْبِحَارِ وَالْأَمْطَارِ أَمَّا الْآبَارُ وَالْعُيُونُ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا غَنِيمَةٌ حَيْثُ حَوَيْنَاهَا قَهْرًا مِنْهُمْ وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي كُلِّ عَيْنٍ وَبِئْرٍ فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا كَانَ مِنْ حَفْرِ الْكَفَرَةِ قَدْ دَثَرَ وَمَا نَرَاهُ الْآنَ إمَّا مَعْلُومَ الْحُدُوثِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَوْ مَجْهُولَ الْحَالِ فَيَجِبُ الْحُكْمُ فِيهِ بِأَنَّهُ إسْلَامِيٌّ إضَافَةً إلَى الْحَادِثِ إلَى أَقْرَبِ وَقْتَيْهِ الْمُمْكِنَيْنِ اهـ (قَوْلُهُ لِرِضَاهُ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَشْكَلَهُ الْعَتَّابِيُّ مِنْ أَنَّ وُجُوبَ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً حَتَّى نُقِلَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الْإِمَامَ السَّرَخْسِيَّ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ أَنَّ عَلَيْهِ الْعُشْرَ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالْعُشْرِ مِنْ الْخَرَاجِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ اهـ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَمْنُوعَ وَضْعُ الْخَرَاجِ ابْتِدَاءً جَبْرًا إمَّا بِاخْتِيَارِهِ فَيَجُوزُ وَقَدْ اخْتَارَهُ هُنَا حَيْثُ سَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَهُوَ كَمَا إذَا أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَسَقَاهَا بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ بَحْرٌ وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا سَقَى بِالْمَاءِ الْخُرَّاجَيْ يَنْتَقِلُ الْمَاءُ بِوَظِيفَتِهِ إلَى الْأَرْضِ، فَلَيْسَ فِيهِ وَضْعُ الْخَرَاجِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً بَلْ هُوَ انْتِقَالُ مَا وَظِيفَتُهُ الْخَرَاجُ إلَيْهِ بِوَظِيفَتِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً اهـ وَأَصْلُهُ لِلزَّيْلَعِيِّ. [تَنْبِيهٌ] مُقْتَضَى تَعْلِيقِهِمْ الْحُكْمَ بِالْمَاءِ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِكَوْنِهَا فِي أَرْضِ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ وَهُوَ خِلَافُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 (بِمَائِهِ) أَوْ بِهِمَا لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِهِ. (وَلَا شَيْءَ فِي عَيْنِ) دَارٍ وَ (مَقْبَرَةٍ) وَلَوْ لِذِمِّيٍّ (وَ) لَا فِي عَيْنِ قِيرٍ: أَيْ زِفْتٍ وَ (نِفْطٍ) دُهْنٌ يَعْلُو الْمَاءَ (مُطْلَقًا) أَيْ فِي أَرْضٍ أَوْ خَرَاجٍ (وَ) لَكِنْ (فِي حَرِيمِهَا الصَّالِحِ لِلزِّرَاعَةِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ خَرَاجٌ) لَا فِيهَا لِتَعَلُّقِ الْخَرَاجِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ، وَأَمَّا الْعُشْرُ فَيَجِبُ فِي حَرِيمِهَا الْعُشْرِيُّ إنْ زَرَعَهُ وَإِلَّا لَا لِتَعَلُّقِهِ بِالْخَارِجِ. (وَيُؤْخَذُ) الْعُشْرُ عِنْدَ الْإِمَامِ (عِنْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ) وَبُدُوِّ صَلَاحِهَا بِرِهَانٍ، وَشَرَطَ فِي النَّهْرِ أَمْنَ فَسَادِهَا. (وَلَا يَحِلُّ لِصَاحِبِ أَرْضٍ) خَرَاجِيَّةٍ (أَكْلُ غَلَّتِهَا   [رد المحتار] فِي الْخَانِيَّةِ وَمِثْلُهُ لَوْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمَاءُ دُونَ الْأَرْضِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ سَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ (قَوْلُهُ بِمَائِهِ) أَيْ مَاءِ الْعُشْرِ وَقَوْلُهُ أَوْ بِهِمَا أَيْ بِمَاءِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ قَالَ ط: ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مَاءُ الْخَرَاجِ أَكْثَرَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ أَنْسَبُ بِحَالِ الْمُسْلِمِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ فِي دَارِ) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جَعَلَ الْمَسَاكِنَ عَفْوًا وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّهَا لَا تُسْتَمْنَى وَوُجُوبُ الْخَرَاجِ بِاعْتِبَارِهِ وَعَلَى هَذَا الْمَقَابِرُ زَيْلَعِيٌّ وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ لَكِنْ صَرَّحُوا بِأَنَّ أَرْضَ الْخَرَاجِ لَوْ عَطَّلَهَا صَاحِبُهَا عَلَيْهِ الْخَرَاجُ وَفِي الْخَانِيَّةِ اشْتَرَى أَرْضَ خَرَاجٍ فَجَعَلَهَا دَارًا وَبَنَى فِيهَا بِنَاءً كَانَ عَلَيْهِ خَرَاجُ أَرْضٍ كَمَا لَوْ عَطَّلَهَا اهـ وَذُكِرَ مِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ ثُمَّ قَالَ: وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ إذَا جَعَلَ أَرْضَهُ الْخَرَاجِيَّةَ مَقْبَرَةً أَوْ خَانًا لِلْغَلَّةِ أَوْ مَسْكَنًا لِلْفُقَرَاءِ سَقَطَ الْخَرَاجُ اهـ وَيُمْكِنُ بِنَاءُ الثَّانِي عَلَى أَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً عَامَّةً فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ ذِمِّيٌّ) دَخَلَ الْمُسْلِمُ بِالْأَوْلَى وَعَبَّرَ فِي الْهِدَايَةِ بِالْمَجُوسِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الذِّمِّيِّ عَنْ الْإِسْلَامِ لِحُرْمَةِ مُنَاكَحَتِهِ وَذَبِيحَتِهِ فَلَوْ عَبَّرَ الشَّارِحُ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَلَا فِي عَيْنِ قِيرٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ إنْزَالِ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا هُوَ عَيْنٌ فَوَّارَةٌ كَعَيْنِ الْمَاءِ، فَلَا عُشْرَ فِيهَا وَلَا خَرَاجَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَنِفْطٍ) بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَهُوَ أَفْصَحُ بَحْرٌ وَكَذَا الْمِلْحُ كَمَا فِي الْكَافِي وَالنِّهَايَةِ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ: فِي حَرِيمِهَا) حَرِيمُ الدَّارِ مَا يُضَافُ إلَيْهَا مِنْ حُقُوقِهَا وَمَرَافِقِهَا قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: لَا فِيهَا) أَيْ لَا فِي نَفْسِ الْعَيْنِ وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يَجِبُ فِيهَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْكَنْزِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: لِتَعَلُّقِ الْخَرَاجِ بِالتَّمَكُّنِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ الصَّالِحِ لَهَا وَهَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْخَرَاجِ الْمُوَظَّفِ، وَأَمَّا خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ فَحُكْمُهُ كَالْعُشْرِ ط (قَوْلُهُ: لِتَعَلُّقِهِ بِالْخَارِجِ) فَلَا يَكْفِي لِوُجُوبِهِ التَّمَكُّنُ مِنْ الزِّرَاعَةِ ط. (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ الْعُشْرُ إلَخْ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ الْعُشْرِ فِي الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ: يَجِبُ عِنْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ وَالْأَمْنِ عَلَيْهَا مِنْ الْفَسَادِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْحَصَادَ إذَا بَلَغَتْ حَدًّا يُنْتَفَعُ بِهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْحَصَادِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا حُصِدَتْ وَصَارَتْ فِي الْجَرِينِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا أَكَلَ مِنْهُ بَعْدَ مَا صَارَ جَهِيشًا أَوْ أَطْعَمَ غَيْرَهُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ عُشْرَ مَا أَكَلَ وَأَطْعَمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَضْمَنُ وَيُحْتَسَبُ بِهِ فِي تَكْمِيلِ الْأَوْسُقِ، وَلَا يُحْتَسَبُ بِهِ فِي الْوُجُوبِ يَعْنِي إذَا بَلَغَ الْمَأْكُولُ مَعَ الْبَاقِي خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَجَبَ الْعُشْرُ فِي الْبَاقِي لَا غَيْرَ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا بَعْدَ مَا بَلَغَتْ الْحَصَادَ قَبْلَ أَنْ تُحْصَدَ ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَلَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِنْ أَكَلَ بَعْدَ مَا صَارَتْ فِي الْجَرِينِ ضَمِنَ إجْمَاعًا وَمَا تَلِفَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ بَعْدَ حَصَادِهِ أَوْ سُرِقَ وَجَبَ الْعُشْرُ فِي الْبَاقِي لَا غَيْرُ. اهـ. وَالْكَلَامُ فِي الْعُشْرِ وَمِثْلِهِ فِيمَا يَظْهَرُ خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ؛ لِأَنَّهُ جَزْءٌ مِنْ الْخَارِجِ أَمَّا خَرَاجُ الْوَظِيفَةِ فَهُوَ فِي الذِّمَّةِ لَا فِي الْخَارِجِ فَلَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ بِالْأَكْلِ وَعَدَمِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَحِلُّ لِصَاحِبِ أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ) قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ خَرَاجَ الْوَظِيفَةِ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَحَلِّ وَقِيلَ إنَّ خَرَاجَ الْوَظِيفَةِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ حَقَّ حَبْسِ الْخَارِجِ لِلْخَرَاجِ فَفِي أَكْلِهِ إبْطَالُ حَقِّهِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 قَبْلَ أَدَاءِ خَرَاجِهَا) وَلَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ الْعُشْرِ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْعُشْرَ وَإِنْ أَكَلَ ضَمِنَ عُشْرَهُ مَجْمَعُ الْفَتَاوَى، وَلِلْإِمَامِ حَبْسُ الْخَارِجِ لِلْخَرَاجِ وَمَنْ مَنَعَ الْخَرَاجَ سِنِينَ لَا يُؤْخَذُ لِمَا مَضَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خَانِيَّةٌ وَفِيهَا (مَنْ عَلَيْهِ عُشْرٌ أَوْ خَرَاجٌ وَمَاتَ أُخِذَ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا) بَلْ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. [فُرُوعٌ] تَمَكَّنَ وَلَمْ يَزْرَعْ وَجَبَ الْخَرَاجُ دُونَ الْعُشْرِ وَيَسْقُطَانِ بِهَلَاكِ الْخَارِجِ وَالْخَرَاجُ عَلَى الْغَاصِبِ إنْ زَرَعَهَا وَكَانَ جَاحِدًا وَلَا بَيِّنَةَ بِهَا. وَالْخَرَاجُ فِي بَيْعِ الْوَفَاءِ عَلَى الْبَائِعِ إنْ بَقِيَ فِي يَدِهِ.   [رد المحتار] فَافْهَمْ قَالَ ط فِي الْوَاقِعَاتِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ لَا يَحِلُّ الْأَكْلُ مِنْ الْغَلَّةِ قَبْلَ أَدَاءِ الْخَرَاجِ وَكَذَا قَبْلَ أَدَاءِ الْعُشْرِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَالِكُ عَازِمًا عَلَى أَدَاءِ الْعُشْرِ اهـ وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَخْذُ الْفَرِيكِ مِنْ الزَّرْعِ قَبْلَ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَأْكُلُ إلَخْ) لَوْ قَالَ أَوْ عُشْرِيَّةً بَعْدَ قَوْلِهِ خَرَاجِيَّةً لَاسْتَغْنَى عَنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ فِي كُلٍّ مِنْ الْعُشْرِ وَخَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ لَا يَحِلُّ الْأَكْلُ وَلَوْ أَكَلَ ضَمِنَ. اهـ. ح. وَفِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى عَنْ الْمُضْمَرَاتِ إذَا أَكَلَ قَلِيلًا بِالْمَعْرُوفِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ الْفَقِيهُ وَبِهِ نَأْخُذُ ط (قَوْلُهُ: لِلْخَرَاجِ) أَيْ الْمُوَظَّفِ لِثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ فَيَسْتَعِينُ عَلَى أَخْذِهِ بِإِمْسَاكِ الْخَارِجِ بِخِلَافِ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْعَيْنِ كَالْعُشْرِ، وَإِذَا كَانَ الْعُشْرُ يُؤْخَذُ جَبْرًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ فَخَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ أَوْلَى ح بِزِيَادَةٍ. قُلْت: وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْخَرَاجِ جَزْءٌ مِنْ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّهُ عُشْرُ الْخَارِجِ أَوْ نِصْفُ عُشْرِهِ وَذَلِكَ جُزْؤُهُ إلَّا أَنَّهُ وَاجِبٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَزْءٌ عِنْدَنَا حَتَّى يَجُوزُ أَدَاءُ قِيمَتِهِ. اهـ. وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ فَإِذَا كَانَ لَهُ أَدَاءُ الْقِيمَةِ لَا يَكُونُ لِلْإِمَامِ الْأَخْذُ مِنْ عَيْنِ الْخَارِجِ جَبْرًا فَيَنْبَغِي تَعْمِيمُ الْخَرَاجِ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: وَمَنْ مَنَعَ الْخَرَاجَ سِنِينَ إلَخْ) ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ فِي بَابِ الْجِزْيَةِ أَيْضًا فَقَالَ: وَيَسْقُطُ الْخَرَاجُ بِالتَّدَاخُلِ وَقِيلَ لَا. وَقَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ كَالْعُشْرِ، وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ عُقُوبَةٌ بِخِلَافِ الْعُشْرِ بَحْرٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَيْ فِي الْمِنَحِ عَزَاهُ فِي الْخَانِيَّةِ لِصَاحِبِ الْمَذْهَبِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ اهـ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ. وَأَقُولُ: هَذَا مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْخَانِيَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ الْخَانِيَّةِ فِي بَابِ خَرَاجِ الْأَرْضِ فَنَصُّهُ هَكَذَا: فَإِنْ اجْتَمَعَ الْخَرَاجُ فَلَمْ يُؤَدِّ سِنِينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُؤْخَذُ بِخَرَاجِ هَذِهِ السَّنَةِ وَلَا يُؤْخَذُ بِخَرَاجِ السَّنَةِ الْأُولَى وَيَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْهُ كَمَا قَالَ فِي الْجِزْيَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَسْقُطُ الْخَرَاجُ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ وَهَذَا إذَا عَجَزَ عَنْ الزِّرَاعَةِ، فَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ يُؤْخَذُ بِالْخَرَاجِ عِنْدَ الْكُلِّ. اهـ. أَقُولُ: جَزَمَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي فِي الْمُلْتَقَى فِي بَابِ الْجِزْيَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ الْخَانِيَّةِ وَهَذَا إذَا عَجَزَ إلَخْ تَوْفِيقٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَجَعَلَ الْخِلَافَ لَفْظِيًّا يُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا عَجَزَ عَنْ الزِّرَاعَةِ وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْجِزْ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْخَرَاجَ لَا يَجِبُ إلَّا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ كَمَا هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي بَابِهِ فَلَا يَصِحُّ إرْجَاعُ اسْمِ الْإِشَارَةِ إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَقَطْ، بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى الْقَوْلَيْنِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا كَمَا قُلْنَا فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَا عَزَاهُ الشَّارِحُ هُنَا إلَى الْخَانِيَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْعَجْزِ بِدَلِيلِ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ الثَّانِيَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي تَمَامُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي بَابِ الْجِزْيَةِ وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ السُّقُوطِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ) أَقُولُ: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَا يَسْقُطُ الْعُشْرُ بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 وَلَوْ بَاعَ الزَّرْعَ إنْ قَبْلَ إدْرَاكِهِ فَالْعُشْرُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَوْ بَعْدَهُ فَعَلَى الْبَائِعِ   [رد المحتار] ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَسْقُطُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ وَرَقَتَيْنِ وَيَسْقُطُ خَرَاجُ الْأَرْضِ بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ إذَا كَانَ خَرَاجَ وَظِيفَةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ فَوَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ اهـ وَيَظْهَرُ مِنْ تَقْيِيدِهِ السُّقُوطَ بِخَرَاجِ الْوَظِيفَةِ أَنَّ خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ لَا يَسْقُطُ كَالْعُشْرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَافْهَمْ. [فُرُوعٌ فِي زَكَاة الْعَشْر] (قَوْلُهُ: وَجَبَ الْخَرَاجُ) أَيْ الْمُوَظَّفُ أَمَّا خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ فَلَا يَجِبُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ أَيْ لِتَعَلُّقِهِ بِالْخَارِجِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَيَسْقُطَانِ) أَيْ الْعُشْرُ وَخَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ لِتَعَلُّقِهِمَا بِعَيْنِ الْخَارِجِ، أَمَّا الْمُوَظَّفُ فَإِنْ هَلَكَ الْخَارِجُ قَبْلَ الْحَصَادِ يَسْقُطْ وَبَعْدَهُ لَا ح عَنْ الْهِنْدِيَّةِ عَنْ السِّرَاجِ وَالْخَانِيَّةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ هَلَاكُ الْخَارِجِ بَعْدَ الْحَصَادِ لَا يُسْقِطُهُ، وَقَبْلَهُ يَسْقُطُ لَوْ بِآفَةٍ لَا تُدْفَعُ كَالْغَرَقِ وَالْحَرْقِ وَأَكْلِ الْجَرَادِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ أَمَّا إذَا أَكَلَتْهُ الدَّابَّةُ فَلَا لِإِمْكَانِ الْحِفْظِ عَنْهَا غَالِبًا هَذَا إذَا هَلَكَ الْكُلُّ أَمَّا إذَا بَقِيَ الْبَعْضُ إنْ مِقْدَارَ قَفِيزَيْنِ وَدِرْهَمَيْنِ وَجَبَ قَفِيزٌ وَدِرْهَمٌ وَإِنْ أَقَلُّ يَجِبُ نِصْفُهُ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ السَّنَةِ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ زِرَاعَةٍ مَا اهـ: أَيْ مِنْ زِرَاعَةِ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ قَمْحًا أَوْ شَعِيرًا أَوْ غَيْرَهُمَا (قَوْلُهُ: الْخَرَاجُ عَلَى الْغَاصِبِ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ أَرْضٌ خَرَاجُهَا وَظِيفَةٌ اغْتَصَبَهَا غَاصِبٌ جَاحِدًا وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمَالِكِ إنْ لَمْ يَزْرَعْهَا الْغَاصِبُ، فَلَا خَرَاجَ عَلَى أَحَدٍ وَإِنْ زَرَعَهَا الْغَاصِبُ وَلَمْ تُنْقِصْهَا الزِّرَاعَةُ فَالْخَرَاجُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ مُقِرًّا بِالْغَصْبِ أَوْ كَانَ لِلْمَالِكِ بَيِّنَةٌ وَلَمْ تُنْقِصْهَا الزِّرَاعَةُ فَالْخَرَاجُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ. اهـ. قُلْت: وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَلَى الْمَالِكِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْغَاصِبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَإِنْ نَقَصَتْهَا الزِّرَاعَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ قَلَّ النُّقْصَانُ أَوْ كَثُرَ كَأَنَّهُ آجَرَهَا مِنْ الْغَاصِبِ بِضَمَانِ النُّقْصَانِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى الْغَاصِبِ فَإِنْ زَادَ النُّقْصَانُ عَلَى الْخَرَاجِ يَدْفَعُ الْفَضْلَ إلَى الْمَالِكِ وَإِنْ غَصَبَ عُشْرِيَّةً فَزَرَعَهَا إنْ لَمْ تُنْقِصْهَا الزِّرَاعَةُ فَلَا عُشْرَ عَلَى الْمَالِكِ وَإِنْ نَقَصَتْهَا فَالْعُشْرُ عَلَى الْمَالِكِ كَأَنَّهُ آجَرَهَا بِالنُّقْصَانِ اهـ قَالَ ح: وَظَاهِرُ أَنَّ حُكْمَ ذَاتِ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ كَالْعُشْرِيَّةِ. (قَوْلُهُ: فِي بَيْعِ الْوَفَاءِ) هُوَ الْمُسَمَّى بَيْعَ الطَّاعَةِ وَهُوَ الْمَشْرُوطُ فِيهِ رُجُوعُ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ مَتَى رُدَّ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَسَيَأْتِي مَعَ الْأَقْوَالِ فِيهِ آخِرَ الْبُيُوعِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْكَفَالَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ: عَلَى الْبَائِعِ إنْ بَقِيَ فِي يَدِهِ) أَمَّا إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَزَرَعَ فِيهِ وَأَخَذَ الْغَلَّةَ فَالْخَرَاجُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ رَهْنٌ فَيَصِيرُ بِالزِّرَاعَةِ غَاصِبًا إذْ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ الِانْتِفَاعُ بِالرَّهْنِ فَيَكُونُ كَمَسْأَلَةِ الْغَصْبِ عَلَى السَّوَاءِ، وَيَكُونُ فِي وُجُوبِهِ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْغَصْبِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ بَعْدَ التَّقَابُضِ إنْ لَمْ تُنْقِصْهَا الزِّرَاعَةُ فَالْعُشْرُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ نَقَصَتْهَا فَعَلَى الْبَائِعِ الْخَرَاجُ وَالْعُشْرُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ وَالْمُرْتَهِنُ لَا يَمْلِكُ الزِّرَاعَةَ فَأَشْبَهَ الْغَصْبَ وَلَا يَتَفَاوَتُ مَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَ الزَّرْعَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ كَالْعُشْرِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ ح ثُمَّ هَذَا إذَا بَاعَ الزَّرْعَ وَحْدَهُ وَشَمِلَ مَا إذَا بَاعَهُ وَتَرَكَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ حَتَّى أَدْرَكَ فَعِنْدَهُمَا عُشْرُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عُشْرُ قِيمَةِ الْقَصِيلِ عَلَى الْبَائِعِ، وَالْبَاقِي عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَبَقِيَ مَا لَوْ بَاعَ الْأَرْضَ مَعَ الزَّرْعِ أَوْ بِدُونِهِ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: بَاعَ الْأَرْضَ وَسَلَّمَهَا لِلْمُشْتَرِي إنْ بَقِيَ مُدَّةً يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي فِيهَا مِنْ الزِّرَاعَةِ، فَالْخَرَاجُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْبَائِعِ وَالْفَتْوَى عَلَى تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ هَذَا لَوْ بَاعَهَا فَارِغَةً وَلَوْ فِيهَا زَرْعٌ لَمْ يَبْلُغْ فَعَلَى الْمُشْتَرِي بِكُلِّ حَالٍ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: إنْ بَاعَهَا بِزَرْعٍ انْعَقَدَ حَبُّهُ وَبَلَغَ وَلَمْ تَبْقَ مُدَّةٌ يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 وَالْعُشْرُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ كَخَرَاجِ مُوَظَّفٍ وَقَالَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَمُسْتَعِيرِ مُسْلِمٍ: وَفِي الْحَاوِي وَبِقَوْلِهِمَا نَأْخُذُ   [رد المحتار] مِنْ الزَّرْعِ فَالْخَرَاجُ عَلَى الْبَائِعِ وَلَوْ بَاعَ مِنْ آخَرَ وَالْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ وَآخَرَ حَتَّى مَضَى وَقْتُ التَّمَكُّنِ لَا يَجِبُ الْخَرَاجُ عَلَى أَحَدٍ اهـ مُلَخَّصًا أَيْ بِأَنْ لَمْ تَبْقَ فِي يَدِ أَحَدٍ مِنْ الْمُشْتَرِينَ مُدَّةً يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ الزِّرَاعَةِ قَبْلَ دُخُولِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ: وَالْعُشْرُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ) أَيْ لَوْ أَجَّرَ الْأَرْضَ الْعُشْرِيَّةَ فَالْعُشْرُ عَلَيْهِ مِنْ الْأُجْرَةِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَعِنْدَهُمَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: لَهُمَا أَنَّ الْعُشْرَ مَنُوطٌ بِالْخَارِجِ وَهُوَ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَلَهُ أَنَّهَا كَمَا تُسْتَنْمَى بِالزِّرَاعَةِ تُسْتَنْمَى بِالْإِجَارَةِ فَكَانَتْ الْأُجْرَةُ مَقْصُودَةً كَالثَّمَرَةِ فَكَانَ النَّمَاءُ لَهُ مَعْنًى مَعَ مِلْكِهِ فَكَانَ أَوْلَى بِالْإِيجَابِ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَخَرَاجٍ مُوَظَّفٍ) فَإِنَّهُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ اتِّفَاقًا لِتَعَلُّقِهِ بِتَمَكُّنِ الزِّرَاعَةِ لَا بِحَقِيقَةِ الْخَارِجِ وَأَمَّا خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ وَهُوَ كَوْنُ الْوَاجِبِ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ الْخَارِجِ كَثُلُثٍ وَسُدُسٍ وَنَحْوِهِمَا فَعَلَى الْخِلَافِ كَذَا فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَكَذَا الْخَرَاجُ الْمُوَظَّفُ عَلَى الْمُعِيرِ ذَخِيرَةٌ أَيْ اتِّفَاقًا بَدَائِعُ، أَمَّا الْعُشْرُ فَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَمَا يَأْتِي. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَوْ اسْتَعَارَ أَرْضًا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ فَغَرَسَ فِيهَا كَرْمًا أَوْ رِطَابًا فَالْخَرَاجُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَرْمًا فَخَرَاجُهَا عَلَى مَنْ جَعَلَهَا كَرْمًا اهـ قَالَ الرَّمْلِيُّ: مُفَادُهُ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ مُلْتَفَّ الْأَشْجَارِ بِحَيْثُ لَا يَصْلُحُ مَا بَيْنَ الْأَشْجَارِ لِلزِّرَاعَةِ فَإِنْ صَلُحَ فَالْخَرَاجُ عَلَى الْمَالِكِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ يَجِبُ الْخَرَاجُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ وَالْمُعِيرِ إنْ بَقِيَتْ الْأَرْضُ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ (قَوْلُهُ: كَمُسْتَعِيرٍ مُسْلِمٍ) وَأَوْجَبَهُ زُفَرُ عَلَى الْمُعِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ الْمُسْتَعِيرَ مَقَامَهُ لَزِمَهُ كَالْمُؤَجِّرِ. قُلْنَا: حَصَلَ لِلْمُؤَجِّرِ الْأَجْرُ الَّذِي هُوَ كَالْخَارِجِ مَعْنًى بِخِلَافِ الْمُعِيرِ وَقُيِّدَ بِالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَعَارَهَا ذِمِّيٌّ فَالْعُشْرُ عَلَى الْمُعِيرِ اتِّفَاقًا لِتَفْوِيتِهِ حَقَّ الْفُقَرَاءِ بِالْإِعَارَةِ مِنْ الْكَافِرِ كَذَا فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ أَيْ لِكَوْنِهِ لَيْسَ أَهْلًا لِلْعُشْرِ لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ لَوْ اسْتَعَارَهَا كَافِرٌ فَعِنْدَهُمَا الْعُشْرُ عَلَيْهِ وَعَنْ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ كَذَلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ عَلَى الْمَالِكِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَفِي الْحَاوِي) أَيْ الْقُدْسِيِّ ح (قَوْلُهُ وَبِقَوْلِهِمَا نَأْخُذُ) قُلْت: لَكِنْ أَفْتَى بِقَوْلِ الْإِمَامِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ فِي فَتَاوَاهُ وَكَذَا تِلْمِيذُ الشَّارِحِ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ الْحَائِكُ مُفْتِي دِمَشْقَ وَقَالَ حَتَّى تَفْسُدَ الْإِجَارَةُ بِاشْتِرَاطِ خَرَاجِهَا أَوْ عُشْرِهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ، وَكَذَا حَامِدٌ أَفَنْدِي الْعِمَادِيُّ وَقَالَ فِي فَتَاوَاهُ قُلْت: عِبَارَةُ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ لَا تُعَارِضُ عِبَارَةَ غَيْرِهِ فَإِنَّ قَاضِيَ خَانْ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ فَإِنَّ مِنْ عَادَتِهِ تَقْدِيمَ الْأَظْهَرِ وَالْأَشْهَرِ وَقَدْ قَدَّمَ قَوْلَ الْإِمَامِ فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدَ وَأَفْتَى بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَكَرِيَّا أَفَنْدِي شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَعَطَاءُ اللَّهِ أَفَنْدِي شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْإِسْعَافِ وَالْخَصَّافِ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ فِي زَمَانِنَا عَامَّةُ الْأَوْقَافِ مِنْ الْقُرَى وَالْمَزَارِعِ لِرِضَا الْمُسْتَأْجِرِ بِتَحَمُّلِ غَرَامَاتِهَا وَمُؤَنِهَا يَسْتَأْجِرُهَا بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ بِحَيْثُ لَا تَفِي الْأُجْرَةُ، وَلَا أَضْعَافُهَا بِالْعُشْرِ أَوْ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ، فَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْ الْإِفْتَاءِ بِقَوْلِهِمَا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ فِي زَمَانِنَا يُقَدِّرُونَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأُجْرَةَ سَالِمَةٌ لِجِهَةِ الْوَقْفِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ عُشْرٍ وَغَيْرِهِ أَمَّا لَوْ اُعْتُبِرَ دَفْعُ الْعُشْرِ مِنْ جِهَةِ الْوَقْفِ وَأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَيْسَ عَلَيْهِ سِوَى الْأُجْرَةِ فَإِنَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ تَزِيدُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً كَمَا لَا يَخْفَى فَإِنْ أَمْكَنَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ كَامِلَةً يُفْتَى بِقَوْلِ الْإِمَامِ وَإِلَّا فَبِقَوْلِهِمَا لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ الْوَاضِحِ الَّذِي لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. مَطْلَبٌ هَلْ يَجِبُ الْعُشْرُ عَلَى الْمُزَارِعِينَ فِي الْأَرَاضِي السُّلْطَانِيَّةِ [تَتِمَّةٌ] : فِي التَّتَارْخَانِيَّة السُّلْطَانُ إذَا دَفَعَ أَرَاضِيَ لَا مَالِكَ لَهَا وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى الْأَرَاضِيَ الْمُمَلَّكَةَ إلَى قَوْمٍ لِيُعْطُوا الْخَرَاجَ جَازَ وَطَرِيقُ الْجَوَازِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ إمَّا إقَامَتُهُمْ مَقَامَ الْمُلَّاكِ فِي الزِّرَاعَةِ وَإِعْطَاءُ الْخَرَاجِ أَوْ الْإِجَارَةِ بِقَدْرِ الْخَرَاجِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 وَفِي الْمُزَارَعَةِ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ فَعَلَيْهِ، وَلَوْ مِنْ الْعَامِلِ فَعَلَيْهِمَا بِالْحِصَّةِ: وَمَنْ لَهُ حَظٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَظَفِرَ بِمَا هُوَ مُوَجَّهٌ لَهُ لَهُ أَخْذُهُ دِيَانَةً.   [رد المحتار] وَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ خَرَاجًا فِي حَقِّ الْإِمَامِ أُجْرَةً فِي حَقِّهِمْ اهـ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الْأَرَاضِي الْمِصْرِيَّةُ وَالشَّامِيَّةُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا عُشْرَ عَلَى الْمُزَارِعِينَ فِي بِلَادِنَا إذَا كَانَتْ أَرَاضِيِهِمْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لَهُمْ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ نَائِبُ السُّلْطَانِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالزَّعِيمِ أَوْ التَّيْمَارِيِّ إنْ كَانَ عُشْرًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ خَرَاجًا فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْعُشْرِ وَإِنْ كَانَ أُجْرَةً فَكَذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ مِنْ أَنَّهُ لَا عُشْرَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْمَأْخُوذَ لَيْسَ أُجْرَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ خَرَاجٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُزَارَعَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَوْ دَفَعَ الْأَرْضَ الْعُشْرِيَّةَ مُزَارَعَةً أَنَّ الْبَذْرَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَعَلَى رَبِّ الْأَرْضِ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ لِفَسَادِهَا وَقَالَا فِي الزَّرْعِ لِصِحَّتِهَا، وَقَدْ اشْتَهَرَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الصِّحَّةِ وَإِنْ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ كَانَ إجْمَاعًا. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْفَتْحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعُشْرَ عِنْدَ الْإِمَامِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ مُطْلَقًا وَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ لَوْ الْبَذْرُ مِنْهُ وَلَوْ مِنْ الْعَامِلِ فَعَلَيْهِمَا وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُوَ قَوْلُهُمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا بِصِحَّةِ الْمُزَارَعَةِ فَافْهَمْ، لَكِنْ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ يُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَحْرِ وَالْمُجْتَبَى وَالْمِعْرَاجِ وَالسِّرَاجِ وَالْحَقَائِقِ الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ الْعُشْرَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ عِنْدَهُ عَلَيْهِمَا عِنْدَهُمَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ التَّفْصِيلِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ جَائِزَةٌ عِنْدَهُمَا وَالْعُشْرُ يَجِبُ فِي الْخَارِجِ وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا فَيَجِبُ الْعُشْرُ عَلَيْهِمَا اهـ وَفِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ عُشْرُ جَمِيعِ الْخَارِجِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ فَاسِدَةٌ عِنْدَهُ فَالْخَارِجُ لَهُ إمَّا تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا؛ لِأَنَّ الْبَذْرَ إنْ كَانَ مِنْ قِبَلِهِ فَجَمِيعُ الْخَارِجِ لَهُ وَلِلْمُزَارِعِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ فَالْخَارِجُ لَهُ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخَارِجِ إلَّا أَنَّ عُشْرَ حِصَّتِهِ فِي عَيْنِ الْخَارِجِ وَعُشْرَ حِصَّةِ الْمُزَارِعِ فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْأَرْضِ. وَفَائِدَةُ ذَلِكَ السُّقُوطِ بِالْهَلَاكِ إذَا نِيطَ بِالْعَيْنِ وَعَدَمِهِ إذَا نِيطَ بِالذِّمَّةِ وَأَوْجَبَا وَمَعَهُمَا أَحْمَدُ الْعُشْرُ عَلَيْهِمَا بِالْحِصَصِ لِسَلَامَةِ الْخَارِجِ لَهُمَا حَقِيقَةً اهـ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ مُتَابَعَةُ مَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي الْعُشْرِ أَمَّا الْخَرَاجُ فَعَلَى رَبِّ الْأَرْضِ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَمَنْ لَهُ الْحَظُّ) أَيْ نَصِيبٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ فِي أَيِّ بَيْتٍ مِنْ الْبُيُوتِ الْأَرْبَعَةِ الْآتِيَةِ مَعَ بَيَانِ مُسْتَحِقِّيهَا فِي النَّظْمِ ط. قُلْت: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ مَتْنًا فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ، وَنَظَمَهَا ابْنُ وَهْبَانَ فِي مَنْظُومَتِهِ وَقَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِهَا وَمَنْ لَهُ الْحَظُّ هُمْ الْقُضَاةُ وَالْعُمَّالُ وَالْعُلَمَاءُ وَالْمُقَاتِلَةُ وَذَرَارِيُّهُمْ وَالْقَدْرُ الَّذِي يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُهُ كِفَايَتُهُمْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَكَذَلِكَ طَالِبُ الْعِلْمِ وَالْوَاعِظُ الَّذِي يَعِظُ النَّاسَ بِالْحَقِّ وَاَلَّذِي يُعَلِّمُهُمْ. اهـ. قُلْت: لَكِنَّ هَؤُلَاءِ لَهُمْ الْحَظُّ فِي أَحَدِ بُيُوتِ الْمَالِ وَهُوَ بَيْتُ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ الْأَخْذَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ وَجَدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ مَالِ الْبَيْتِ الْمُعَدِّ لَهُمْ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ كَلَامِهِمْ وَإِلَّا لَمْ تَبْقَ فَائِدَةٌ لِجَعْلِ الْبُيُوتِ أَرْبَعَةً، نَعَمْ يَأْتِي أَنَّهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَقْرِضَ مِنْ أَحَدِ الْبُيُوتِ لِيَصْرِفَهُ لِلْآخَرِ ثُمَّ يَرُدُّ مَا اسْتَقْرَضَ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي جَوَازَ الدَّفْعِ مِنْ بَيْتٍ آخَرَ لِلضَّرُورَةِ فَفِي مَسْأَلَتِنَا إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَى حَقِّهِ لَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ غَيْرِ بَيْتِهِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ هُوَ مِنْهُ وَإِلَّا كَمَا فِي زَمَانِنَا يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ إذْ لَوْ لَمْ يَجُزْ أَخْذُهُ إلَّا مِنْ بَيْتِهِ لَزِمَ أَنْ لَا يَبْقَى حَقٌّ لِأَحَدٍ فِي زَمَانِنَا لِعَدَمِ إفْرَازِ كُلِّ بَيْتٍ عَلَى حِدَةٍ بَلْ يَخْلِطُونَ الْمَالَ كُلَّهُ وَلَوْ لَمْ يَأْخُذْ مَا ظَفِرَ بِهِ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَى شَيْءٍ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِمَا هُوَ مُوَجَّهٌ لَهُ) أَيْ بِشَيْءٍ يَتَوَجَّهُ لِبَيْتِ الْمَالِ أَيْ يَسْتَحِقُّ لَهُ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْقُنْيَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 وَلِلْمُودَعِ صَرْفُ وَدِيعَةٍ مَاتَ رَبُّهَا وَلَا وَارِثَ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَصَارِفِ: دَفْعُ النَّائِبَةِ وَالظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْلَى إلَّا إذَا تَحَمَّلَ حِصَّتَهُ بَاقِيهِمْ وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا وَيُؤَجِّرُ مَنْ قَامَ بِتَوْزِيعِهَا بِالْعَدْلِ وَإِنْ كَانَ الْأَخْذُ بَاطِلًا وَهَذَا يُعْرَفُ وَلَا يُعَرَّفُ كَفًّا لِمَادَّةِ الظُّلْمِ   [رد المحتار] عَنْ الْإِمَامِ لَوْ بُرِيَ مَنْ لَهُ حَظٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ ظَفِرَ بِمَالٍ وُجِّهَ لِبَيْتِ الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ دِيَانَةً وَلِلْإِمَامِ الْخِيَارُ فِي الْمَنْعِ وَالْإِعْطَاءِ فِي الْحُكْمِ أَيْ فِي الْقَضَاءِ. اهـ. قُلْت: أَيْ فِي الْخِيَارِ فِي إعْطَاءِ ذَلِكَ لِلْوَاجِدِ إذَا عُلِمَ بِهِ لِيُعْطِيَهُ حَقَّهُ مِنْ غَيْرِهِ إذْ لَيْسَ لَهُ الْخِيَارُ فِي مَنْعِ حَقِّهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مُطْلَقًا كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: وَلِلْمُودَعِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ إذَا كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَمَاتَ الْمُودَعُ بِلَا وَارِثٍ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ الْوَدِيعَةَ إلَى نَفْسِهِ فِي زَمَانِنَا هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَاهَا لِبَيْتِ الْمَالِ لَضَاعَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَصْرِفُونَ مَصَارِفَهُ فَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ صَرَفَهُ إلَى نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَصَارِفِ صَرَفَهُ إلَى الْمَصْرِفِ اهـ وَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَصَارِفِ يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ آنِفًا حَيْثُ أَطْلَقَ الْمَصَارِفَ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِمَصَارِفِ هَذَا الْمَالِ فَشَمِلَ مَصَارِفَ الْبُيُوتِ الْأَرْبَعَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: دَفْعُ النَّائِبَةِ وَالظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْلَى إلَخْ) النَّائِبَةُ مَا يَنُوبُهُ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ مِنْ حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ عَنْ الْبَزْدَوِيِّ وَالْمُرَادُ دَفْعُ مَا كَانَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلِذَا عَطَفَ الظُّلْمَ تَفْسِيرًا فِيهَا عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ تَوَجَّهَ عَلَى جَمَاعَةٍ جِبَايَةٌ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلِبَعْضِهِمْ دَفْعُهَا عَنْ نَفْسِهِ إذَا لَمْ يَحْمِلْ حِصَّتَهُ عَلَى الْبَاقِينَ وَإِلَّا فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُدَافِعَهَا عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ نَقَلَ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ عَنْ شَيْخِهِ بَدِيعٍ أَنَّ فِيهِ إشْكَالًا؛ لِأَنَّ إعْطَاءَهُ إعَانَةٌ لِلظَّالِمِ عَلَى ظُلْمِهِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّوَائِبِ فِي زَمَانِنَا بِطَرِيقِ الظُّلْمِ فَمَنْ تَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ فَذَلِكَ خَيْرٌ لَهُ اهـ مُلَخَّصًا وَعَلَيْهِ مَشَى ابْنُ وَهْبَانَ فِي مَنْظُومَتِهِ، وَأَجَابَ ابْنُ الشِّحْنَةِ بِأَنَّ الْإِشْكَالَ مَدْفُوعٌ بِمَا فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ عَلَى الضَّعِيفِ الْعَاجِزِ بِوَاسِطَةِ دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ. اهـ. قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ مَا حَرُمَ أَخْذُهُ حَرُمَ إعْطَاؤُهُ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ أَيْ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَإِذَا كَانَ الظَّالِمُ لَا بُدَّ مِنْ أَخْذِهِ الْمَالَ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يَكُونُ الْعَاجِزُ عَنْ الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ آثِمًا بِالْإِعْطَاءِ بِخِلَافِ الْقَادِرِ فَإِنَّهُ بِإِعْطَائِهِ مَا يَحْرُمُ أَخْذُهُ يَكُونُ مُعَيَّنًا عَلَى الظُّلْمِ بِاخْتِيَارِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: حِصَّتَهُ) مَفْعُولُ تَحْمِلُ وَبَاقِيهمْ فَاعِلُهُ أَيْ بَاقِي جَمَاعَتِهِ (قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا) أَيْ بِالنَّائِبَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِحَقٍّ كَكَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ لِلْعَامَّةِ، وَأُجْرَةِ الْحَارِسِ لِلْمَحَلَّةِ الْمُسَمَّى بِدِيَارِ مِصْرَ الْخَفِيرَ، وَمَا وُظِّفَ لِلْإِمَامِ لِيُجَهِّزَ بِهِ الْجُيُوشَ وَفِدَاءِ الْأَسَارَى بِأَنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ فَوُظِّفَ عَلَى النَّاسِ ذَلِكَ وَالْكَفَالَةُ بِهِ جَائِزَةٌ اتِّفَاقًا أَوْ كَانَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ كَجِبَايَاتِ زَمَانِنَا فَإِنَّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ كَالدُّيُونِ بَلْ فَوْقَهَا، حَتَّى لَوْ أُخِذَتْ مِنْ الْأَكَّارِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى مَالِكِ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَيَّدَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِمَا إذَا أَمَرَهُ بِهِ طَائِعًا فَلَوْ مُكْرَهًا فِي الْأَمْرِ لَمْ يُعْتَبَرْ أَمْرُهُ بِالرُّجُوعِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَصَاحِبُ النَّهْرِ فِي الْكَفَالَةِ ط. قُلْت: وَمَعْنَى صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِالنَّائِبَةِ الَّتِي بِغَيْرِ حَقٍّ أَنَّ الْكَفِيلَ إذَا كَفَلَ غَيْرَهُ بِهَا بِأَمْرِهِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَهُ الظَّالِمُ مِنْهُ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلظَّالِمِ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْكَفِيلِ، فَلَا يَرُدُّ مَا قِيلَ إنَّ الظُّلْمَ يَجِبُ إعْدَامُهُ فَكَيْفَ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ كَمَا سَنُحَقِّقُهُ فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ: وَيُؤَجَّرُ مَنْ قَامَ بِتَوْزِيعِهَا بِالْعَدْلِ) أَيْ بِالْمُعَادَلَةِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْقُنْيَةِ أَيْ بِأَنْ يَحْمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ؛ لِأَنَّ لَوْ تَرَكَ تَوْزِيعَهَا إلَى الظَّالِمِ رُبَّمَا يَحْمِلُ بَعْضُهُمْ مَا لَا يُطِيقُ فَيَصِيرُ ظُلْمًا عَلَى ظُلْمٍ فَفِي قِيَامِ الْعَارِفِ بِتَوْزِيعِهَا بِالْعَدْلِ تَقْلِيلٌ لِلظُّلْمِ فَلِذَا يُؤَجَّرُ وَهَذَا الْيَوْمُ كَالْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ بَلْ هُوَ أَنْدَرُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا يُعْرَفُ إلَخْ) الْمُشَارُ إلَيْهِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي كَلَامِهِ وَأَصْلُهُ فِي الْقُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَلْخِيّ مَا يَضُرُّ بِهِ السُّلْطَانُ عَلَى الرَّعِيَّةِ مَصْلَحَةً لَهُمْ يَصِيرُ دَيْنًا وَاجِبًا وَحَقًّا مُسْتَحَقًّا كَالْخَرَاجِ، وَقَالَ مَشَايِخُنَا وَكُلُّ مَا يَضْرِبُهُ الْإِمَامُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 يَجُوزُ تَرْكُ الْخَرَاجِ لِلْمَالِكِ لَا الْعُشْرِ، وَسَيَجِيءُ تَمَامُهُ مَعَ بَيَانِ بُيُوتِ الْمَالِ وَمَصَارِفِهَا فِي الْجِهَادِ وَنَظَمَهَا ابْنُ الشِّحْنَةِ فَقَالَ: بُيُوتُ الْمَالِ أَرْبَعَةٌ لِكُلِّ ... مَصَارِفِ بَيِّنَتُهَا الْعَالِمُونَا فَأَوَّلُهَا الْغَنَائِمُ وَالْكُنُوزُ ... رِكَازٌ بَعْدَهَا الْمُتَصَدِّقُونَا   [رد المحتار] عَلَيْهِمْ لِمَصْلَحَةٍ لَهُمْ فَالْجَوَابُ هَكَذَا حَتَّى أُجْرَةُ الْحَرَّاسِينَ لِحِفْظِ الطَّرِيقِ وَاللُّصُوصِ وَنَصْبِ الدُّرُوبِ وَأَبْوَابِ السِّكَكِ وَهَذَا يُعْرَفُ وَلَا يُعْرَفُ خَوْفُ الْفِتْنَةِ ثُمَّ قَالَ: فَعَلَى هَذَا مَا يُؤْخَذُ فِي خُوَارِزْمَ مِنْ الْعَامَّةِ لِإِصْلَاحِ مُسَنَّاةِ الْجَيْحُونِ أَوْ الرُّبَضِ وَنَحْوِهِ مِنْ مَصَالِحِ الْعَامَّةِ دَيْنٌ وَاجِبٌ لَا يَجُوزُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ، وَلَيْسَ بِظُلْمٍ وَلَكِنْ يُعْلَمُ هَذَا الْجَوَابُ لِلْعَمَلِ بِهِ وَكَفِّ اللِّسَانِ عَنْ السُّلْطَانِ وَسَعَاتِهِ فِيهِ لَا لِلتَّشْهِيرِ حَتَّى لَا يَتَجَاسَرُوا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ اهـ. قُلْت: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَا يَكْفِي لِذَلِكَ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْجِهَادِ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْجُعْلُ إنْ وُجِدَ فَيْءٌ (قَوْلُهُ: يَجُوزُ تَرْكُ الْخَرَاجِ لِلْمَالِكِ إلَخْ) سَيَأْتِي الْجِهَادُ مَتْنًا وَشَرْحًا مَا نَصُّهُ تَرَكَ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ الْخَرَاجَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَوْ وَهَبَهُ وَلَوْ بِشَفَاعَةٍ جَازَ عِنْدَ الثَّانِي وَحَلَّ لَهُ لَوْ مَصْرِفًا وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ بِهِ يُفْتَى وَمَا فِي الْحَاوِي مِنْ تَرْجِيحِ حِلِّهِ لِغَيْرِ الْمَصْرِفِ خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَلَوْ تَرَكَ الْعُشْرَ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا وَيُخْرِجُهُ بِنَفْسِهِ لِلْفُقَرَاءِ سِرَاجٌ خِلَافًا لِمَا فِي قَاعِدَةِ: تَصَرُّفُ الْإِمَامِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ مِنْ الْأَشْبَاهِ مَعْزِيًّا لِلْبَزَّازِيَّةِ فَتَنَبَّهْ. اهـ. قُلْت: وَاَلَّذِي فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ إذَا تَرَكَ الْعُشْرَ لِمَنْ عَلَيْهِ جَازَ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا لَكِنْ إنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ لَهُ فَقِيرًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى السُّلْطَانِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ السُّلْطَانُ الْعُشْرَ لِلْفُقَرَاءِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْخَرَاجِ لِبَيْتِ مَالِ الصَّدَقَةِ اهـ. قُلْت: وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ ذُكِرَ مِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ: لَوْ غَنِيًّا كَانَ لَهُ جَائِزَةٌ مِنْ السُّلْطَانِ، وَيَضْمَنُ مِثْلَهُ مِنْ بَيْتِ الْخَرَاجِ لِبَيْتِ الصَّدَقَةِ وَلَوْ فَقِيرًا كَانَ صَدَقَةً عَلَيْهِ فَيَجُوزُ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ مِنْهُ ثُمَّ صَرَفَهُ إلَيْهِ وَلِذَا قَالُوا بِأَنَّ السُّلْطَانَ إذَا أَخَذَ الزَّكَاةَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ فَافْتَقَرَ قَبْلَ صَرْفِهَا لِلْفُقَرَاءِ كَانَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهَا إلَيْهِ كَمَا يَصْرِفُهَا إلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَنَظَمَهَا ابْنُ الشِّحْنَةِ) هُوَ مُحَمَّدٌ وَالِدُ شَارِحِ الْمَنْظُومَةِ عَبْدُ الْبِرِّ وَالنَّظْمُ مِنْ بَحْرِ الْوَافِرِ. مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ بُيُوتِ الْمَالِ وَمَصَارِفِهَا (قَوْلُهُ: بُيُوتُ الْمَالِ أَرْبَعَةٌ) سَيَأْتِي فِي آخِرِ فَصْلِ الْجِزْيَةِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ نَوْعٍ بَيْتًا يَخُصُّهُ وَلَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ مِنْ أَحَدِهَا لِيَصْرِفَهُ لِلْآخَرِ وَيُعْطِيَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْفِقْهِ وَالْفَضْلِ فَإِنْ قَصَّرَ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ حَسِيبًا. اهـ. وَقَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ: ذَكَرُوا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا بَيْتًا يَخُصُّهُ، وَلَا يَخْتَلِطُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَأَنَّهُ إذَا احْتَاجَ إلَى مَصْرِفِ خِزَانَةٍ وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَفِي بِهِ يَسْتَقْرِضُ مِنْ خِزَانَةٍ غَيْرِهَا، ثُمَّ إذَا حَصَلَ لِلَّتِي اسْتَقْرَضَ لَهَا مَالٌ يُرَدُّ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَصْرُوفُ مِنْ الصَّدَقَاتِ أَوْ خُمُسِ الْغَنَائِمِ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ وَهُمْ فُقَرَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا لِاسْتِحْقَاقِهِمْ لِلصَّدَقَاتِ بِالْفَقْرِ وَكَذَا فِي غَيْرِهِ إذَا صَرَفَهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِكُلٍّ مَصَارِفُ) أَيْ لِكُلِّ بَيْتٍ مَحَلَّاتٌ يُصْرَفُ إلَيْهَا (قَوْلُهُ: فَأَوَّلُهَا الْغَنَائِمُ إلَخْ) أَيْ أَوَّلُ الْأَرْبَعَةِ بَيْتُ أَمْوَالِ الْغَنَائِمِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافَيْنِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ ط وَيُسَمَّى هَذَا بَيْتَ مَالِ الْخُمُسِ أَيْ خُمُسِ الْغَنَائِمِ وَالْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَقَوْلُهُ الرِّكَازُ وَفِي نُسْخَةٍ " رِكَازٌ " مُنَوَّنًا مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ بِحَذْفِ حَرْفِ الْعَطْفِ (قَوْلُهُ: وَبَعْدَهَا الْمُتَصَدِّقُونَا) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَالْأَوْلَى وَبَعْدَهُ بِالتَّذْكِيرِ أَيْ بَعْدَ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ أَوَّلَهَا اكْتَسَبَ التَّأْنِيثَ مِنْ الْمُضَافِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 وَثَالِثُهَا خَرَاجٌ مَعَ عُشُورٍ ... وَجَالِيَةٌ يَلِيهَا الْعَامِلُونَا وَرَابِعُهَا الضَّوَائِعُ مِثْلُ مَا لَا ... يَكُونُ لَهُ أُنَاسٌ وَارِثُونَا فَمَصْرِفُ الْأَوَّلِينَ أَتَى بِنَصٍّ ... وَثَالِثُهَا حَوَاهُ مُقَاتِلُونَا وَرَابِعُهَا فَمَصْرِفُهُ جِهَاتٌ ... تَسَاوَى النَّفْعَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَا   [رد المحتار] إلَيْهِ أَوْ أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى الْغَنَائِمِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا نَفْسُ الْأَوَّلِ أَيْ وَثَانِيهَا بَيْتُ أَمْوَالِ الْمُتَصَدِّقِينَ أَيْ زَكَاةِ السَّوَائِمِ وَعُشُورِ الْأَرَاضِي وَمَا أَخَذَهُ الْعَاشِرُ مِنْ تُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ الْمَارِّينَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَثَالِثُهَا إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: الثَّالِثُ: خَرَاجُ الْأَرَاضِيِ وَجِزْيَةُ الرُّءُوسِ وَمَا صُولِحَ عَلَيْهِ بَنُو نَجْرَانَ مِنْ الْحُلَلِ وَبَنُو تَغْلِبَ مِنْ الصَّدَقَةِ الْمُضَاعَفَةِ، وَمَا أَخَذَ الْعَشَّارُ مِنْ تُجَّارِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُسْتَأْمَنِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ اهـ زَادَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَهَدِيَّةِ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَمَا أُخِذَ مِنْهُمْ بِغَيْرِ قِتَالٍ وَمَا صُولِحُوا عَلَيْهِ لِتَرْكِ الْقِتَالِ قَبْلَ نُزُولِ الْعَسْكَرِ بِسَاحَتِهِمْ، فَقَوْلُهُ مَعَ عُشُورِ الْمُرَادِ بِهِ مَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُسْتَأْمَنِينَ فَقَطْ بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ مَعَ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِهِ أَوْ هُوَ خَرَاجٌ حَقِيقَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِهِ بِخِلَافِ مَا يَأْخُذُهُ مِنَّا فَإِنَّهُ زَكَاةٌ حَقِيقَةً أَدْخَلَهُ فِي قَوْلِهِ الْمُتَصَدِّقُونَ كَمَا مَرَّ فَافْهَمْ، وَقَوْلُهُ وَجَالِيَةٌ هُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَجْلَاهُمْ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ: أَيْ أَخْرَجَهُمْ مِنْهَا ثُمَّ صَارَ يُسْتَعْمَلُ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي الْجِزْيَةِ الَّتِي يَلِيهَا الْعَامِلُونَ أَيْ يَلِي أَمْرَهَا عُمَّالُ الْإِمَامِ، وَكَأَنَّ النَّاظِمَ أَدْخَلَ فِيهَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ بَنِي نَجْرَانَ وَبَنِي تَغْلِبَ وَمَا أُخِذَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ هَدِيَّةٍ أَوْ صُلْحٍ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى جِزْيَةِ رُءُوسِهِمْ. (قَوْلُهُ: الضَّوَائِعُ) جَمْعُ ضَائِعَةٍ أَيْ اللُّقَطَاتُ، وَقَوْلُهُ: مِثْلُ مَا لَا إلَخْ مِثْلُ تَرِكَةٍ لَا وَارِثَ لَهَا أَصْلًا أَوْ لَهَا وَارِثٌ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ كَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَالْأَظْهَرُ جَعْلُهُ مَعْطُوفًا عَلَى الضَّوَائِعِ بِإِسْقَاطِ الْعَطْفِ؛ لِأَنَّ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مَا نَقَلَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ دِيَةُ مَقْتُولٍ لَا وَلِيَّ لَهُ لَكِنَّ الدِّيَةَ مِنْ جُمْلَةِ تَرِكَةِ الْمَقْتُولِ وَلِذَا تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَمَصْرُوفُ الْأَوَّلِينَ إلَخْ) بِنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ إلَى اللَّامِ لِضَرُورَةِ الْوَزْنِ أَيْ بَيْتِ الْخُمُسِ وَبَيْتِ الصَّدَقَاتِ، وَالنَّصُّ فِي الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْجِهَادِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ وَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: وَثَالِثُهَا حَوَاهُ مُقَاتِلُونَا) الَّذِي فِي الْهِدَايَةِ وَعَامَّةِ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ أَنَّهُ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِنَا كَسَدِّ الثُّغُورِ وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْجُسُورِ وَكِفَايَةِ الْعُلَمَاءِ وَالْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَرِزْقِ الْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ. اهـ. أَيْ ذَرَارِيِّ الْجَمِيعِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجِهَادِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ: وَرَابِعُهَا فَمَصْرِفُهُ جِهَاتٌ إلَخْ) مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ الضِّيَاءِ فِي شَرْحِ الْغَزْنَوِيَّةِ عَنْ الْبَزْدَوِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الْمَرْضَى وَالزَّمْنَى وَاللَّقِيطِ وَعِمَارَةِ الْقَنَاطِرِ وَالرِّبَاطَاتِ وَالثُّغُورِ وَالْمَسَاجِدِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. اهـ. وَلَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ أَفَادَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَيْ فَإِنَّ الَّذِي فِي الْهِدَايَةِ وَعَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّ الَّذِي يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ هُوَ الثَّالِثُ كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا الرَّابِعُ فَمَصْرِفُهُ الْمَشْهُورُ هُوَ اللَّقِيطُ الْفَقِيرُ وَالْفُقَرَاءُ الَّذِينَ لَا أَوْلِيَاءَ لَهُمْ فَيُعْطَى مِنْهُ نَفَقَتَهُمْ وَأَدْوِيَتَهُمْ وَكَفَنَهُمْ وَعَقْلَ جِنَايَتِهِمْ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَصْرِفَهُ الْعَاجِزُونَ الْفُقَرَاءُ فَلَوْ ذَكَرَ النَّاظِمُ الرَّابِعَ مَكَانَ الثَّالِثِ ثُمَّ قَالَ وَثَالِثُهَا حَوَاهُ عَاجِزُونَا وَرَابِعُهَا فَمَصْرِفُهُ إلَخْ لَوَافَقَ مَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ (قَوْلُهُ: تَسَاوَى) فِعْلٌ مَاضٍ وَالنَّفْعُ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ كَطِبْت النَّفْسَ أَيْ تَسَاوَى الْمُسْلِمُونَ فِيهَا مِنْ جِهَةِ النَّفْعِ. اهـ. ح وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 بَابُ الْمَصْرِفِ أَيْ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ، وَأَمَّا خُمُسُ الْمَعْدِنِ فَمَصْرِفُهُ كَالْغَنَائِمِ (هُوَ فَقِيرٌ، وَهُوَ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ) أَيْ دُونَ نِصَابٍ أَوْ قَدْرُ نِصَابٍ غَيْرِ نَامٍ مُسْتَغْرِقٍ فِي الْحَاجَةِ. (وَمِسْكِينٌ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ) عَلَى الْمَذْهَبِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16]- وَآيَةُ السَّفِينَةِ لِلتَّرَحُّمِ (وَعَامِلٌ) يَعُمُّ السَّاعِيَ وَالْعَاشِرَ (فَيُعْطَى) وَلَوْ غَنِيًّا لَا هَاشِمِيًّا لِأَنَّهُ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِهَذَا   [رد المحتار] [بَابُ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ] بَابُ الْمَصْرِفِ (قَوْلُهُ: أَيْ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ) يُشِيرُ إلَى وَجْهِ مُنَاسَبَتِهِ هُنَا، وَالْمُرَادُ بِالْعُشْرِ مَا يُنْسَبُ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ فَيَشْمَلُ الْعُشْرَ وَنِصْفَهُ الْمَأْخُوذَيْنِ مِنْ أَرْضِ الْمُسْلِمِ وَرُبْعَهُ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ أَفَادَهُ ح. وَهُوَ مَصْرِفٌ أَيْضًا لِصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصَّدَقَاتِ الْوَاجِبَةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا خُمُسُ الْمَعْدِنِ) بَيَانٌ لِوَجْهِ اقْتِصَارِهِ عَلَى الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ وَأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ ذِكْرَهُ مَعَهُمَا وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ ح وَأَمَّا خُمُسُ الرِّكَازِ لِيَشْمَلَ الْكَنْزَ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَعْدِنِ فِي الْمَصْرِفِ (قَوْلُهُ: هُوَ فَقِيرٌ) قَدَّمَهُ تَبَعًا لِلْآيَةِ وَلِأَنَّ الْفَقْرَ شَرْطٌ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ إلَّا الْعَامِلَ وَالْمُكَاتَبَ وَابْنَ السَّبِيلِ ط (قَوْلُهُ: أَدْنَى شَيْءٍ) الْمُرَادُ بِالشَّيْءِ النِّصَابُ النَّامِي وَبِأَدْنَى مَا دُونَهُ فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ مَنْ لَا يَمْلِكُ نِصَابًا نَامِيًا لِيَدْخُلَ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمُرَادَ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ لِرَدِّ مَا قِيلَ إنَّهُمَا صِنْفٌ وَاحِدٌ لَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْغَنِيِّ لِلْعِلْمِ بِتَحَقُّقِ عَدَمِ الْغِنَى فِيهِمَا أَيْ عَدَمِ مِلْكِ النِّصَابِ النَّامِي، فَذَكَرَ أَنَّ الْمِسْكِينَ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ أَصْلًا وَالْفَقِيرُ مَنْ يَمْلِكُ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ فَاقْتِصَارُهُ عَلَى الْأَدْنَى؛ لِأَنَّهُ غَايَةُ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّمْيِيزُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْفَقِيرُ لِلْمِسْكِينِ لَا لِلْغَنِيِّ (قَوْلُهُ: أَيْ دُونَ نِصَابٍ) أَيْ نَامٍ فَاضِلٌ عَنْ الدَّيْنِ، فَلَوْ مَدْيُونًا فَهُوَ مَصْرِفٌ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: مُسْتَغْرِقٌ فِي الْحَاجَةِ) كَدَارِ السُّكْنَى وَعَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَآلَاتِ الْحِرْفَةِ وَكُتُبِ الْعِلْمِ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهَا تَدْرِيسًا أَوْ حِفْظًا أَوْ تَصْحِيحًا كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الزَّكَاةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ النِّصَابَ قِسْمَانِ: مُوجِبٌ لِلزَّكَاةِ وَهُوَ النَّامِي الْخَالِي عَنْ الدَّيْنِ. وَغَيْرُ مُوجِبٍ لَهَا وَهُوَ غَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرِقًا بِالْحَاجَةِ لِمَالِكِهِ أَبَاحَ أَخْذَهُمَا وَإِلَّا حَرَّمَهُ وَأَوْجَبَ غَيْرَهُمَا مِنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ الْمَحْرَمِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ) فَيَحْتَاجُ إلَى الْمَسْأَلَةِ لِقُوتِهِ وَمَا يُوَارِي بَدَنَهُ وَيَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ يَحِلُّ صَرْفُ الزَّكَاةِ لِمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ بَعْدَ كَوْنِهِ فَقِيرًا فَتْحٌ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ) مِنْ أَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ، وَقِيلَ عَلَى الْعَكْسِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ بَحْرٌ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ السَّلَفِ إسْمَاعِيلُ. وَأَفْهَمَ بِالْعَطْفِ أَنَّهُمَا صِنْفَانِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَ الثَّانِي صِنْفٌ وَاحِدٌ وَأَثَرُ الْخِلَافِ يَظْهَرُ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَوْ وَقَفَ كَذَلِكَ كَانَ لِزَيْدٍ الثُّلُثُ وَلِكُلِّ صِنْفٍ ثُلُثٌ عِنْدَهُ وَقَالَ الثَّانِي لِزَيْدٍ النِّصْفُ وَلَهُمَا النِّصْفُ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] أَيْ أَلْصَقَ جِلْدَهُ بِالتُّرَابِ مُحْتَفِرًا حُفْرَةً جَعَلَهَا إزَارَهُ لِعَدَمِ مَا يُوَارِيهِ أَوْ أَلْصَقَ بَطْنَهُ بِهِ مِنْ الْجُوعِ، وَتَمَامُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنَّ الصِّفَةَ كَاشِفَةٌ وَالْأَكْثَرُ خِلَافُهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَآيَةُ السَّفِينَةِ لِلتَّرَحُّمِ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُ بِأَنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمِسْكِينِ حَيْثُ أَثْبَتَ لِلْمَسَاكِينِ سَفِينَةً. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ مَسَاكِينُ تَرَحُّمًا. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ بَلْ هُمْ أُجَرَاءُ فِيهَا أَوْ عَارِيَّةٌ لَهُمْ فَتْحٌ أَيْ فَاللَّامُ فِي كَانَتْ لِمَسَاكِينَ لِلِاخْتِصَاصِ لَا لِلْمِلْكِ. (قَوْلُهُ: يَعُمُّ السَّاعِيَ) هُوَ مَنْ يَسْعَى فِي الْقَبَائِلِ لِجَمْعِ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ وَالْعَاشِرُ مَنْ نَصَبَهُ الْإِمَامُ عَلَى الطُّرُقِ لِيَأْخُذَ الْعُشْرَ وَنَحْوَهُ مِنْ الْمَارَّةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ فَرَّغَ نَفْسَهُ) أَيْ فَهُوَ يَسْتَحِقُّهُ عِمَالَةً، أَلَا تَرَى أَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 الْعَمَلِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْكِفَايَةِ وَالْغِنَى لَا يُمْنَعُ مِنْ تَنَاوُلِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ كَابْنِ السَّبِيلِ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ: وَبِهَذَا التَّعْلِيلِ يَقْوَى مَا نُسِبَ لِلْوَاقِعَاتِ مِنْ أَنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَلَوْ غَنِيًّا إذَا فَرَّغَ نَفْسَهُ لِإِفَادَةِ الْعِلْمِ وَاسْتِفَادَتِهِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْكَسْبِ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (بِقَدْرِ عَمَلِهِ)   [رد المحتار] أَصْحَابَ الْأَمْوَالِ لَوْ حَمَلُوا الزَّكَاةَ إلَى الْإِمَامِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا وَلَوْ هَلَكَ مَا جَمَعَهُ مِنْ الزَّكَاةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا كَالْمُضَارِبِ إذَا هَلَكَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الصِّدْقِ بِدَلِيلِ سُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فَلَا تَحِلُّ لِلْعَامِلِ الْهَاشِمِيِّ تَنْزِيهًا لِقَرَابَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شُبْهَةِ الْوَسَخِ، وَتَحِلُّ لِلْغَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوَازِي الْهَاشِمِيَّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ فِي حَقِّهِ زَيْلَعِيٌّ عَلَى أَنَّ مَنْعَ الْعَامِلِ الْهَاشِمِيِّ مِنْ الْأَخْذِ صَرِيحٌ فِي السُّنَّةِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْفَتْحِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي النِّهَايَةِ اُسْتُعْمِلَ الْهَاشِمِيُّ عَلَى الصَّدَقَةِ فَأُجْرِيَ لَهُ مِنْهَا رِزْقٌ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَخْذُهُ، وَلَوْ عَمِلَ وَرُزِقَ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَذَا يُفِيدُ صِحَّةَ تَوْلِيَتِهِ وَأَنَّ أَخْذَهُ مِنْهَا مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ اهـ وَالْمُرَادُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِمْ لَا يَحِلُّ لَكِنْ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ شَرَائِطَ السَّاعِي أَنْ لَا يَكُونَ هَاشِمِيًّا يُعَارِضُهُ وَهَذَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ اهـ مَا فِي النَّهْرِ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِشَارَةَ فِي قَوْلِهِ: وَهَذَا إلَى مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ صِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ حِلِّ الْأَخْذِ مِمَّا جَمَعَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ لَا مِنْ غَيْرِهِ فَلَا دَلِيلَ حِينَئِذٍ عَلَى صِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ عَامِلًا إذَا رُزِقَ مِنْ غَيْرِهَا وَقَدَّمْنَا أَنَّ اشْتِرَاطَ أَنْ لَا يَكُونَ هَاشِمِيًّا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْغَايَةِ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْغَايَةِ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الزَّكَاةِ كَمَا عَلَّلُوا بِهِ هُنَا، فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لِحِلِّ الْأَخْذِ مِنْ الصَّدَقَةِ لَا لِصِحَّةِ التَّوْلِيَةِ فَلَا يُعَارِضُ مَا هُنَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: فَيَحْتَاجُ إلَى الْكِفَايَةِ) لَكِنْ لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَا قَبَضَهُ كَمَا يَأْتِي، وَلَا يَسْتَحِقُّ لَوْ هَلَكَ مَا جَمَعَهُ؛ لِأَنَّ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْهُ أُجْرَةُ عِمَالَتِهِ مِنْ وَجْهٍ كَمَا مَرَّ قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ؛ لِأَنَّ عِمَالَتَهُ فِي مَعْنَى الْأُجْرَةِ وَأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَحَلِّ الَّذِي عَمِلَ فِيهِ فَإِذَا هَلَكَ سَقَطَ حَقُّهُ كَالْمُضَارِبِ اهـ. قُلْت: وَهَذَا مُفَادُ التَّفْرِيغِ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِهَذَا الْعَمَلِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ لَيْسَ صَدَقَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ لَهُ شَبَهَيْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: مَا نُسِبَ لِلْوَاقِعَاتِ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ رَآهُ بِخَطِّ ثِقَةٍ مَعْزِيًّا إلَيْهَا. قُلْت: وَرَأَيْته فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَنَصُّهُ وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا إلَّا إلَى طَالِبِ الْعِلْمِ وَالْغَازِي وَمُنْقَطِعِ الْحَجِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنْ كَانَ لَهُ نَفَقَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً» . اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ) أَيْ الشَّرْعِيِّ (قَوْلُهُ: إذَا فَرَّغَ نَفْسَهُ) أَيْ عَنْ الِاكْتِسَابِ قَالَ ط: الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَنَحْوُ الْبَطَالَاتِ الْمَعْلُومَةِ وَمَا يَجْلِبُ لَهُ النَّشَاطَ مِنْ مُذْهِبَاتِ الْهُمُومِ لَا يُنَافِي التَّفَرُّغَ بَلْ هُوَ سَعْيٌ فِي أَسْبَابِ التَّحْصِيلِ (قَوْلُهُ وَاسْتِفَادَتُهُ) لَعَلَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ الْمَانِعَةِ الْخُلُوِّ ط (قَوْلُهُ: لِعَجْزِهِ) عِلَّةٌ لِجَوَازِ الْأَخْذِ ط (قَوْلُهُ: وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَخْ) الْوَاوُ لِلْحَالِ. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يَحْتَاجُ إلَى أَشْيَاءَ لَا غِنًى عَنْهَا فَحِينَئِذٍ إذَا لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبُولٌ لِلزَّكَاةِ مَعَ عَدَمِ اكْتِسَابِهِ أَنْفَقَ مَا عِنْدَهُ وَمَكَثَ مُحْتَاجًا فَيَنْقَطِعُ عَنْ الْإِفَادَةِ وَالِاسْتِفَادَةِ فَيَضْعُفُ الدِّينُ لِعَدَمِ مَنْ يَتَحَمَّلُهُ وَهَذَا الْفَرْعُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِهِمْ الْحُرْمَةَ فِي الْغِنَى وَلَمْ يَعْتَمِدْهُ أَحَدٌ ط. قُلْت: وَهُوَ كَذَلِكَ. وَالْأَوْجَهُ تَقْيِيدٌ بِالْفَقِيرِ، وَيَكُونُ طَلَبُ الْعِلْمِ مُرَخِّصًا لِجَوَازِ سُؤَالِهِ مِنْ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ إذْ بِدُونِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ كَمَا سَيَأْتِي. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 مَا يَكْفِيهِ وَأَعْوَانَهُ بِالْوَسَطِ لَكِنْ لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَا يَقْبِضُهُ. (وَمُكَاتَبٌ) لِغَيْرِ هَاشِمِيٍّ، وَلَوْ عَجَزَ حَلَّ لِمَوْلَاهُ وَلَوْ غَنِيًّا   [رد المحتار] الِاكْتِسَابِ تَمْنَعُ الْفَقْرَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ فَضْلًا عَنْ السُّؤَالِ إلَّا إذَا اشْتَغَلَ عَنْهُ بِالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ (قَوْلُهُ: مَا يَكْفِيهِ وَأَعْوَانَهُ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يُعْطِي مَا لَمْ يَهْلَكْ الْمَالُ وَإِلَّا بَطَلَتْ عِمَالَتُهُ، وَلَا يُعْطَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ شَيْئًا كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَخَذَ عِمَالَتَهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ أَوْ الْقَاضِي رِزْقَهُ قَبْلَ الْمُدَّةِ جَازَ، وَالْأَفْضَلُ عَدَمُ التَّعْجِيلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَعِيشَ إلَى الْمُدَّةِ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَمْ أَرَ مَا لَوْ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ وَقَدْ تَعَجَّلَ عِمَالَتَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّ (قَوْلُهُ: بِالْوَسَطِ) فَيَحْرُمُ أَنْ يَتْبَعَ شَهْوَتَهُ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ؛ لِأَنَّهُ إسْرَافٌ مَحْضٌ، وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَبْعَثَ مَنْ يَرْضَى بِالْوَسَطِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لَكِنْ إلَخْ) أَيْ لَوْ اسْتَغْرَقَتْ كِفَايَتُهُ الزَّكَاةَ لَا يُزَادُ عَلَى النِّصْفِ؛ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَمُكَاتَبٌ) هَذَا هُوَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَطْلَقَهُ فَعَمَّ مُكَاتَبَ الْغَنِيِّ أَيْضًا وَقَيَّدَهُ الْحَدَّادِيُّ بِالْكَبِيرِ أَمَّا الصَّغِيرُ فَلَا يَجُوزُ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ وَهَذَا بِإِطْلَاقِهِ يَعُمُّ الصَّغِيرَ أَيْضًا نَهْرٌ. قُلْت: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَ الْحَدَّادِيِّ بِالصَّغِيرِ مَنْ لَا يَعْقِلُ؛ لِأَنَّ كِتَابَتَهُ اسْتِقْلَالًا غَيْرُ صَحِيحَةٍ أَوْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ تَأَمَّلْ ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَعَلَى هَذَا فَالْعُدُولُ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ عَنْ اللَّامِ إلَى " فِي " لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لِلْجِهَةِ لَا لِلرَّقَبَةِ، أَوْ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّهُمْ أَرْسَخُ فِي اسْتِحْقَاقِ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ لَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا كَمَا ظَنَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ لَا يَمْلِكُونَهُ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ صَرْفُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ لَمْ أَرَهُ لَهُمْ اهـ وَالضَّمِيرُ فِي لَهُمْ لِأَئِمَّتِنَا وَأَصْلُ التَّوَقُّفِ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ، فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنْ الطِّيبِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ وَمَنْ بَعْدَهُ لَيْسَ لَهُمْ صَرْفُ الْمَالِ فِي غَيْرِ الْجِهَةِ الَّتِي أَخَذُوا لِأَجْلِهَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ، ثُمَّ قَالَ وَفِي الْبَدَائِعِ: إنَّمَا جَازَ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمُكَاتَبِ فَبَقِيَّةُ الْأَرْبَعَةِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لَكِنْ بَقِيَ هَلْ لَهُمْ عَلَى هَذَا الصَّرْفِ إلَى غَيْرِ الْجِهَةِ اهـ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ نَظَرُ الْفَقِيهِ الْجَوَازُ. اهـ. قُلْت: وَبِهِ جَزَمَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ. [فَرْعٌ] ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ فَكَاتَبَ عَلَيْهِ أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ كَسْبًا وَلَيْسَ لَهُ مِلْكٌ حَقِيقَةً لِوُجُودِ مَا يُنَافِيهِ وَهُوَ الرِّقُّ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لَا يَفْسُدُ نِكَاحُهُ وَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَلَوْ وَجَدَ كَنْزًا اهـ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ الشَّلَبِيِّ شَيْخِ صَاحِبِ الْبَحْرِ. قُلْت: وَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ دَفْعِ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَإِنْ مَلَكَ نِصَابًا زَائِدًا عَلَى بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَسَنَذْكُرُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ مَا يُفِيدُهُ (قَوْلُهُ لِغَيْرِ هَاشِمِيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ دَفْعُهَا لِمُعْتَقِ الْهَاشِمِيِّ الَّذِي صَارَ حُرًّا يَدًا وَرَقَبَةً فَمُكَاتَبُهُ الَّذِي بَقِيَ مَمْلُوكًا لَهُ رَقَبَةٌ بِالْأَوْلَى وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمُكَاتَبِ هَاشِمِيٍّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ وَالشُّبْهَةُ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي حَقِّهِمْ اهـ. أَيْ إنَّ الْمُكَاتَبَ وَإِنْ صَارَ حُرًّا يَدًا حَتَّى يَمْلِكَ مَا يُدْفَعُ إلَيْهِ لَكِنَّهُ مَمْلُوكٌ رَقَبَةً فَفِيهِ شُبْهَةُ وُقُوعِ الْمِلْكِ لِمَوْلَاهُ الْهَاشِمِيِّ وَالشُّبْهَةُ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّهِ لِكَرَامَتِهِ بِخِلَافِ الْغَنِيِّ كَمَا مَرَّ فِي الْعَامِلِ، فَلِذَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ فِي حَقِّهِمْ أَيْ حَقِّ بَنِي هَاشِمٍ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّعْلِيلِ مَسُوقٌ فِي كَلَامِ الْبَحْرِ لِعَدَمِ الْجَوَازِ لِمُكَاتَبِ الْهَاشِمِيِّ لَا لِمَنْعِ تَصَرُّفِ الْمُكَاتَبِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَوَقَّفْت فِي حُكْمِهَا أَوَّلًا بَلْ لَا يُفِيدُ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ ذَلِكَ أَصْلًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: حَلَّ لِمَوْلَاهُ) ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِمِلْكٍ حَادِثٍ بَعْدَ مَا مَلَكَهُ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ يَدًا، وَتَبَدُّلُ الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ الْعَيْنِ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 كَفَقِيرٍ اسْتَغْنَى وَابْنِ سَبِيلٍ وَصَلَ لِمَالِهِ، وَسَكَتَ عَنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ لِسُقُوطِهِمْ إمَّا بِزَوَالِ الْعِلَّةِ أَوْ نُسِخَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ فِي آخِرِ الْأَمْرِ «خُذْهَا مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ»   [رد المحتار] «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» (قَوْلُهُ: كَفَقِيرٍ اسْتَغْنَى) أَيْ وَفَضَلَ مَعَهُ شَيْءٌ مِمَّا أَخَذَهُ حَالَةَ الْفَقْرِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي كَوْنِهِ مَصْرِفًا هُوَ وَقْتُ الدَّفْعِ وَكَذَا يُقَالُ فِي ابْنِ السَّبِيلِ (قَوْلُهُ وَسَكَتَ عَنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) كَانُوا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ كُفَّارٌ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُعْطِيهِمْ لِيَتَأَلَّفَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَقِسْمٌ كَانَ يُعْطِيهِمْ لِيَدْفَعَ شَرَّهُمْ. وَقِسْمٌ أَسْلَمُوا وَفِيهِمْ ضَعْفٌ فِي الْإِسْلَامِ، فَكَانَ يَتَأَلَّفُهُمْ لِيَثْبُتُوا وَكَانَ ذَلِكَ حُكْمًا مَشْرُوعًا ثَابِتًا بِالنَّصِّ، فَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا يُقَالُ كَيْفَ يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى الْكُفَّارِ بِأَنَّهُ كَانَ مِنْ جِهَادِ الْفُقَرَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ مِنْ الْجِهَادِ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً بِالسِّنَانِ وَتَارَةً بِالْإِحْسَانِ أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: لِسُقُوطِهِمْ) أَيْ فِي خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ لَمَّا مَنَعَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، نَعَمْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ يَجِبُ عِلْمُهُمْ بِدَلِيلٍ أَفَادَ نَسْخَ ذَلِكَ قَبْلَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ تَقْيِيدَ الْحُكْمِ بِحَيَاتِهِ أَوْ كَوْنِهِ حُكْمًا مُغَيًّا بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ لَكِنْ لَا يَجِبُ عِلْمُنَا نَحْنُ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ. (قَوْلُهُ: إمَّا بِزَوَالِ الْعِلَّةِ) هِيَ إعْزَازُ الدِّينِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ الْغَائِيَّةِ الَّتِي كَانَ لِأَجْلِهَا الدَّفْعُ، فَإِنَّ الدَّفْعَ كَانَ لِلْإِعْزَازِ وَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَأَغْنَى عَنْهُمْ بَحْرٌ لَكِنَّ مُجَرَّدَ التَّعْلِيلِ بِكَوْنِهِ مُعَلَّلًا بِعِلَّةٍ انْتَهَتْ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَحْتَاجُ فِي بَقَائِهِ إلَى بَقَاءِ عِلَّتِهِ. لِاسْتِغْنَائِهِ فِي الْبَقَاءِ عَنْهَا لِمَا عُلِمَ فِي الرِّقِّ وَالِاضْطِبَاعِ وَالرَّمَلِ، فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مِمَّا شُرِعَ مُقَيَّدًا بَقَاؤُهُ بِبَقَائِهَا لَكِنْ لَا يَلْزَمُنَا تَعْيِينُهُ فِي مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ فَنَحْكُمُ بِثُبُوتِ الدَّلِيلِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَنَا عَلَى الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عُمَرُ تَصْلُحُ لِذَلِكَ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ نُسِخَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) أَيْ هُوَ مُسْتَنَدُ الْإِجْمَاعِ فَالنَّسْخُ فِي حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ الَّذِي سَمِعَهُ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ قَطْعِيًّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ فَيَصِحُّ نَسْخُهُ لِلْكِتَابِ، وَجَعَلَ فِي الْبَحْرِ مُسْتَنَدَ الْإِجْمَاعِ الْآيَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ الْإِجْمَاعَ نَاسِخًا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِجْمَاعُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَهُ كَمَا أَوْضَحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ: وَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ) فِي نُسْخَةٍ: عَلَى فُقَرَائِهِمْ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ رِوَايَةِ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ «إنَّك سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوك لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوك لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» إلَخْ ". اهـ. وَأَمَّا بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ فَفِي حَاشِيَةِ نُوحٍ عَنْ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَسَانِيدِ اهـ وَضَمِيرُ فُقَرَائِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَا تُدْفَعُ إلَى مَنْ كَانَ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ كَافِرًا أَوْ غَنِيًّا وَتُدْفَعُ إلَى مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا فَقِيرًا بِوَصْفِ الْفَقْرِ لَا لِكَوْنِهِ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ فَالنَّسْخُ لِلْعُمُومِ أَوْ لِخُصُوصِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 (وَمَدْيُونٌ لَا يَمْلِكُ نِصَابًا فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ) وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: الدَّفْعُ لِلْمَدْيُونِ أَوْلَى مِنْهُ لِلْفَقِيرِ. (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ) وَقِيلَ الْحَاجُّ وَقِيلَ طَلَبَةُ الْعِلْمِ، وَفَسَّرَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِجَمِيعِ الْقُرَبِ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي نَحْوِ الْأَوْقَافِ (وَابْنُ السَّبِيلِ وَهُوَ) كُلُّ (مَنْ لَهُ مَالُهُ لَا مَعَهُ)   [رد المحتار] الْجِهَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمَدْيُونٌ) هُوَ الْمُرَادُ بِالْغَارِمِ فِي الْآيَةِ وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ وَالْغَارِمُ مَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ أَوْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ نِصَابٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا قَالَ الْقُتَبِيُّ الْغَارِمُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَلَا يَجِدُ وَفَاءً، وَأَمَّا فِي الصِّحَاحِ مِنْ أَنَّ الْغَرِيمَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ فَلَيْسَ مِمَّا الْكَلَامُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْغَارِمِ الْأَخَصِّ لَا فِي الْغَرِيمِ. وَأَمَّا مَا زَادَهُ فِي الْفَتْحِ فَإِنَّمَا جَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ يَدًا كَابْنِ السَّبِيلِ كَمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ لَا؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ. وَأَمَّا قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: وَالْغَارِمُ مَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ، وَلَا يَمْلِكُ نِصَابًا فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ عَلَى النَّاسِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ اهـ فَلَيْسَ فِيهِ إطْلَاقُ الْغَارِمِ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَمْلِكُ نِصَابًا فَافْهَمْ وَكَلَامُ النَّهْرِ هُنَا غَيْرُ مُحَرَّرٍ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: لَا يَمْلِكُ نِصَابًا) قُيِّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْفَقْرَ شَرْطٌ فِي الْأَصْنَافِ كُلِّهَا إلَّا الْعَامِلُ وَابْنُ السَّبِيلِ إذَا كَانَ لَهُ فِي وَطَنِهِ مَالٌ بِمَنْزِلَةِ الْفَقِيرِ بَحْرٌ، وَنَقَلَ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ هَاشِمِيًّا (قَوْلُهُ: أَوْلَى مِنْهُ لِلْفَقِيرِ) أَيْ أَوْلَى مِنْ الدَّفْعِ لِلْفَقِيرِ الْغَيْرِ الْمَدْيُونِ لِزِيَادَةِ احْتِيَاجِهِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ) أَيْ الَّذِينَ عَجَزُوا عَنْ اللُّحُوقِ بِجَيْشِ الْإِسْلَامِ لِفَقْرِهِمْ بِهَلَاكِ النَّفَقَةِ أَوْ الدَّابَّةِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَتَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ وَإِنْ كَانُوا كَاسِبِينَ إذًا الْكَسْبُ يُقْعِدُهُمْ عَنْ الْجِهَادِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْحَاجُّ) أَيْ مُنْقَطِعُ الْحَاجِّ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْحَاجُّ بِمَعْنَى الْحُجَّاجِ كَالسَّامِرِ بِمَعْنَى السُّمَّارِ فِي قَوْله تَعَالَى {سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: 67] وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْكَنْزِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ أَنَّهُ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ طَلَبَةُ الْعِلْمِ) كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ والمرغيناني وَاسْتَبْعَدَهُ السُّرُوجِيُّ بِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ وَلَيْسَ هُنَاكَ قَوْمٌ يُقَالُ لَهُمْ طَلَبَةُ عِلْمٍ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَاسْتِبْعَادُهُ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ لَيْسَ إلَّا اسْتِفَادَةَ الْأَحْكَامِ وَهَلْ يَبْلُغُ طَالِبٌ رُتْبَةَ مَنْ لَازَمَ صُحْبَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَلَقِّي الْأَحْكَامِ عَنْهُ كَأَصْحَابِ الصُّفَّةِ، فَالتَّفْسِيرُ بِطَالِبِ الْعِلْمِ وَجِيهٌ خُصُوصًا وَقَدْ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ جَمِيعُ الْقُرَبِ فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ سَعَى فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَسَبِيلِ الْخَيْرَاتِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ إنَّمَا هُوَ تَفْسِيرُ الْمُرَادِ بِالْآيَةِ فِي الْحُكْمِ، وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ لِلِاتِّفَاقِ، عَلَى أَنَّ الْأَصْنَافَ كُلَّهُمْ سِوَى الْعَامِلِ يُعْطَوْنَ بِشَرْطِ الْفَقْرِ فَمُنْقَطِعُ الْحَاجِّ أَيْ وَكَذَا مَنْ ذُكِرَ بَعْدَهُ يُعْطَى اتِّفَاقًا وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ: فَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الْوَصِيَّةِ يَعْنِي وَنَحْوِهَا كَالْأَوْقَافِ وَالنُّذُورِ عَلَى مَا مَرَّ اهـ أَيْ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ قَالَ الْمُوصِي وَنَحْوُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ النِّهَايَةِ، فَإِنْ قُلْت: مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ أَوْ الْحَجِّ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي وَطَنِهِ مَالٌ فَهُوَ فَقِيرٌ وَإِلَّا فَهُوَ ابْنُ السَّبِيلِ فَكَيْفَ تَكُونُ الْأَقْسَامُ سَبْعَةً قُلْت: هُوَ فَقِيرٌ إلَّا أَنَّهُ زَادَ عَلَيْهِ بِالِانْقِطَاعِ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ مُغَايِرًا لِلْفَقِيرِ الْمُطْلَقِ الْخَالِي عَنْ هَذَا الْقَيْدِ. (قَوْلُهُ: وَابْنُ السَّبِيلِ) هُوَ الْمُسَافِرُ سُمِّيَ بِهِ لِلُزُومِهِ الطَّرِيقَ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: مَنْ لَهُ مَالٌ لَا مَعَهُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ فِي غَيْرِ وَطَنِهِ أَوْ فِي وَطَنِهِ وَلَهُ دُيُونٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ النُّقَايَةِ لَكِنَّ الزَّيْلَعِيَّ جَعَلَ الثَّانِيَ مُلْحَقًا بِهِ حَيْثُ قَالَ: وَأُلْحِقَ بِهِ كُلُّ مَنْ هُوَ غَائِبٌ عَنْ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ وَقَدْ وُجِدَتْ؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ يَدًا وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا ظَاهِرًا. اهـ. وَتَبِعَهُ فِي الدُّرَرِ وَالْفَتْحِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا: وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَيْ لِابْنِ السَّبِيلِ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ وَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ إنْ قَدَرَ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِجَوَازِ عَجْزِهِ عَنْ الْأَدَاءِ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 وَمِنْهُ مَا لَوْ كَانَ مَالُهُ مُؤَجَّلًا أَوْ عَلَى غَائِبٍ أَوْ مُعْسِرٍ أَوْ جَاحِدٍ وَلَوْ لَهُ بَيِّنَةٌ فِي الْأَصَحِّ. (يُصْرَفُ) الْمُزَكَّى (إلَى كُلِّهِمْ أَوْ إلَى بَعْضِهِمْ) وَلَوْ وَاحِدٌ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ كَانَ؛ لِأَنَّ أَلْ الْجِنْسِيَّةَ تُبْطِلُ الْجَمْعِيَّةَ، وَشَرَطَ الشَّافِعِيُّ ثَلَاثَةً مِنْ كُلِّ صِنْفٍ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصَّرْفُ (تَمْلِيكًا) لَا إبَاحَةً كَمَا مَرَّ (لَا) يُصْرَفُ (إلَى بِنَاءِ) نَحْوِ (مَسْجِدٍ وَ) لَا إلَى (كَفَنِ مَيِّتٍ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ) أَمَّا دَيْنُ   [رد المحتار] بِمَا فَضَلَ فِي يَدِهِ عِنْدَ قُدْرَتِهِ عَلَى مَالِهِ كَالْفَقِيرِ إذَا اسْتَغْنَى وَالْمُكَاتَبِ إذَا عَجَزَ. وَعِنْدَهُمَا مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ لَا يَلْزَمُهَا التَّصَدُّقُ اهـ. قُلْت: وَهَذَا بِخِلَافِ الْفَقِيرِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ وَبِهَذَا فَارَقَ ابْنَ السَّبِيلِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ مَا لَوْ كَانَ مَالُهُ مُؤَجَّلًا) أَيْ إذَا احْتَاجَ إلَى النَّفَقَةِ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ نَهْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى غَائِبٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَ حَالًّا لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَخْذِهِ ط (قَوْلُهُ: أَوْ مُعْسِرًا) فَيَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ فِي أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ ابْنِ السَّبِيلِ، وَلَوْ مُوسِرًا مُعْتَرِفًا لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي الْفَتْحِ دَفَعَ إلَى فَقِيرَةٍ لَهَا مَهْرٌ دَيْنٌ عَلَى زَوْجِهَا يَبْلُغُ نِصَابًا وَهُوَ مُوسِرٌ بِحَيْثُ لَوْ طَلَبَتْ أَعْطَاهَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ لَا يُعْطِي لَوْ طَلَبَتْ جَازَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: الْمُرَادُ مِنْ الْمَهْرِ مَا تُعُورِفَ تَعْجِيلُهُ وَإِلَّا فَهُوَ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ لَا يَمْنَعُ وَهَذَا مُقَيِّدٌ لِعُمُومِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَيَكُونُ عَدَمُ إعْطَائِهِ بِمَنْزِلَةِ إعْسَارِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الدُّيُونِ بِأَنْ رَفَعَ الزَّوْجُ لِلْقَاضِي مِمَّا لَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ مُوسِرًا وَالْمُعَجَّلُ قَدْرُ النِّصَابِ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَبِهِ يُفْتَى احْتِيَاطًا وَعِنْدَ الْإِمَامِ يَجُوزُ مُطْلَقًا. اهـ. قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ فِي الذِّمَّةِ لَيْسَ بِنِصَابٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا نِصَابٌ. اهـ. نَهْرٌ. قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَ الْأَوَّلِ كَوْنُ دَيْنِ الْمَهْرِ دَيْنًا ضَعِيفًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَدَلَ مَالٍ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ زَكَاتُهُ حَتَّى يَقْبِضَ وَيَحُولَ عَلَيْهِ حَوْلٌ جَدِيدٌ فَهُوَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَنْعَقِدْ نِصَابًا فِي حَقِّ الْوُجُوبِ فَكَذَا فِي حَقِّ جَوَازِ الْأَخْذِ لَكِنْ يَلْزَمُهُ مِنْ هَذَا عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ مُعَجَّلِهِ وَمُؤَجَّلِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَهُ بَيِّنَةٌ فِي الْأَصَحِّ) نُقِلَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ جَاحِدًا وَلِلدَّائِنِ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ، وَكَذَا إنْ لَمْ تَكُنْ الْبَيِّنَةُ عَادِلَةً مَا لَمْ يُحَلِّفْهُ الْقَاضِي، ثُمَّ قَالَ وَلَمْ يَجْعَلْ فِي الْأَصْلِ الدَّيْنَ الْمَجْحُودَ نِصَابًا، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ أَوْ لَا. قَالَ السَّرَخْسِيُّ: وَالصَّحِيحُ جَوَابُ الْكِتَابِ أَيْ الْأَصْلُ إذْ لَيْسَ كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ، وَلَا كُلُّ بَيِّنَةٍ تُقْبَلُ، وَالْجُثُوُّ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي ذُلٌّ وَكُلُّ أَحَدٍ لَا يَخْتَارُ ذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى هَذَا كَمَا فِي عَقْدِ الْفَرَائِدِ. اهـ. قُلْت: وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الزَّكَاةِ اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ فِيهِ، وَمَالَ الرَّحْمَتِيُّ إلَى هَذَا وَقَالَ بَلْ فِي زَمَانِنَا يُقِرُّ الْمَدْيُونُ بِالدَّيْنِ وَبِمَلَاءَتِهِ وَلَا يَقْدِرُ الدَّائِنُ عَلَى تَخْلِيصِهِ مِنْهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ أَلْ الْجِنْسِيَّةَ) أَيْ الدَّالَّةَ عَلَى الْجِنْسِ أَيْ الْحَقِيقَةَ قَالَ ح: وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِجَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى فَرْدٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ الْأَصْنَافِ السَّبْعَةِ، وَأَمَّا جَوَازُ الِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِ الْأَصْنَافِ فَعِلَّتُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ بَيَانُ الْأَصْنَافِ الَّتِي يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ لَا تَعْيِينُ الدَّفْعِ لَهُمْ بَحْرٌ. اهـ. ط، وَبَيَانُ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: تَمْلِيكًا) فَلَا يَكْفِي فِيهَا الْإِطْعَامُ إلَّا بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ وَلَوْ أَطْعَمَهُ عِنْدَهُ نَاوِيًا الزَّكَاةَ لَا تَكْفِي ط وَفِي التَّمْلِيكِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُصْرَفُ إلَى مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ غَيْرِ مُرَاهِقٍ إلَّا إذَا قَبَضَ لَهُمَا مَنْ يَجُوزُ لَهُ قَبْضُهُ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَيُصْرَفُ إلَى مُرَاهِقٍ يَعْقِلُ الْأَخْذَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ قُهُسْتَانِيٌّ وَتَقَدَّمَ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلَ الزَّكَاةِ. (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ ط (قَوْلُهُ: نَحْوُ مَسْجِدٍ) كَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالسِّقَايَاتِ وَإِصْلَاحِ الطُّرُقَاتِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَكُلِّ مَا لَا تَمْلِيكَ فِيهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَا إلَى كَفَنِ مَيِّتٍ) لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّمْلِيكِ مِنْهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ افْتَرَسَهُ سَبُعٌ كَانَ الْكَفَنُ لِلْمُتَبَرِّعِ لَا لِلْوَرَثَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَقَضَاءِ دَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 الْحَيِّ الْفَقِيرِ فَيَجُوزُ لَوْ بِأَمْرِهِ، وَلَوْ أَذِنَ فَمَاتَ فَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ يُفِيدُ عَدَمَ الْجَوَازِ وَهُوَ الْوَجْهُ نَهْرٌ (وَ) لَا إلَى (ثَمَنِ مَا) أَيْ قِنٍّ (يُعْتَقُ) لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ وَهُوَ الرُّكْنُ. وَقَدَّمْنَا لِأَنَّ الْحِيلَةَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى الْفَقِيرِ ثُمَّ يَأْمُرَهُ بِفِعْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَهَلْ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ أَمْرَهُ؟ لَمْ أَرَهُ وَالظَّاهِرُ نَعَمْ   [رد المحتار] دَيْنِ الْحَيِّ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ مِنْ الدُّيُونِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ تَصَادَقَا أَيْ الدَّائِنُ وَالْمَدْيُونُ عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ يَسْتَرِدُّهُ الدَّافِعُ، وَلَيْسَ لِلْمَدْيُونِ أَنْ يَأْخُذَهُ زَيْلَعِيٌّ أَيْ وَقَضَاءُ دَيْنِ الْمَيِّتِ بِالْأَوْلَى، وَإِنَّمَا يَسْتَرِدُّ الدَّافِعُ مَا دَفَعَهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّصَادُقِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ بِهِ أَنْ لَا دَيْنَ لِلدَّائِنِ فَقَدْ قَبَضَ مَا لَا حَقَّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَنْ ذِمَّةِ مَدْيُونِهِ، وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْمَدْيُونِ أَنْ يَأْخُذَهُ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ أَيْضًا، وَقَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا إذَا كَانَ الدَّفْعُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَدْيُونِ فَلَوْ يَأْمُرُهُ فَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْ الْمَدْيُونِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ لَا عَلَى الدَّائِنِ اهـ أَيْ؛ لِأَنَّ مَنْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِلَا شَرْطِ الرُّجُوعِ فِي الصَّحِيحِ فَيَكُونُ تَمْلِيكًا مِنْ الْمَدْيُونِ عَلَى سَبِيلِ الْقَرْضِ، ثُمَّ هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ بِالدَّفْعِ الزَّكَاةَ عَلَى الْمَدْيُونِ وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ كَمَا نَذْكُرُ قَرِيبًا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ لَوْ بِأَمْرِهِ) أَيْ يَجُوزُ عَنْ الزَّكَاةِ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْهُ وَالدَّائِنُ يَقْبِضُهُ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ عَنْهُ ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ) يَعْنِي الْهِدَايَةَ أَوْ الْقُدُورِيَّ حَيْثُ أَطْلَقَا دَيْنَ الْمَيِّتِ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْأَمْرِ وَأَصْلُ الْبَحْثِ لِابْنِ الْهُمَامِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ وَفِي الْغَايَةِ عَنْ الْمُحِيطِ وَالْمُفِيدِ لَوْ قُضِيَ بِهَا دَيْنُ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ بِأَمْرِهِ جَازَ وَظَاهِرُ الْخَانِيَّةِ يُوَافِقُهُ، لَكِنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِ الْكِتَابِ يُفِيدُ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي الْمَيِّتِ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخُلَاصَةِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ لَوْ قُضِيَ دَيْنُ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَيِّ لَا يَجُوزُ فَقَيَّدَ الْحَيَّ وَأَطْلَقَ الْمَيِّتَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْوَجْهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ تَمْلِيكًا وَهُوَ لَا يَقَعُ عِنْدَ أَمْرِهِ بَلْ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَأْمُورِ وَقَبْضِ النَّائِبِ، وَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ الْمَدْيُونُ أَهْلًا لِلتَّمْلِيكِ لِمَوْتِهِ وَعَلَى هَذَا فَإِطْلَاقُ مَسْأَلَةِ التَّصَادُقِ السَّابِقَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْوَفَاءُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَدْيُونِ. أَمَّا لَوْ كَانَ بِأَمْرِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَدْيُونِ إذْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ مَلَكَ فَقِيرًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مَدْيُونٌ وَظُهُورُ عَدَمِهِ لَا يُؤَثِّرُ عَدَمَ التَّمْلِيكِ بَعْدَ وُقُوعِهِ لِلَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي النَّهْرِ وَهُوَ مُلَخَّصٌ مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَدْيُونِ لَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْفَتْحِ وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ؛ لِأَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا لَمْ يَنْوِ بِالدَّفْعِ الزَّكَاةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالْكَلَامُ الْآنَ فِيمَا إذَا نَوَاهَا بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ وَحِينَئِذٍ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ لِوُقُوعِهِ زَكَاةً، نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ بِهِ الْمَدْيُونُ عَلَى دَائِنِهِ؛ لِأَنَّ الدَّائِنَ قَبَضَهُ نِيَابَةً عَنْهُ ثُمَّ لِنَفْسِهِ وَقَدْ تَبَيَّنَ بِالتَّصَادُقِ عَدَمُ صِحَّةِ قَبْضِهِ لِنَفْسِهِ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِ الْمَدْيُونِ، ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ الْمَقْدِسِيَّ اعْتَرَضَ مَا بَحَثَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الدَّفْعَ وَقَعَ نِيَابَةً عَنْ الْمَدْيُونِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ دَيْنٌ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ التَّوْكِيلُ الضِّمْنِيُّ فِي الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ ضَرُورَةً لِلدَّيْنِ، وَلَا دَيْنَ فَلَا قَبْضَ فَلَا مِلْكَ لِلْفَقِيرِ. اهـ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِالدَّفْعِ إلَى دَائِنِهِ لَمْ يَبْطُلْ بِظُهُورِ عَدَمِ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ إلَى أَجْنَبِيٍّ فَيَكُونُ وَكِيلًا بِالْقَبْضِ قَصْدًا لَا ضِمْنًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: يُعْتَقُ) أَيْ يُعْتِقُهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِزَكَاةِ مَالِهِ أَوْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِأَنْ اشْتَرَى بِهَا أَبَاهُ مَثَلًا (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ) عِلَّةٌ لِلْجَمِيعِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الرُّكْنُ) أَيْ رُكْنُ الزَّكَاةِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ؛ لِأَنَّهَا كَمَا مَرَّ تَمْلِيكُ الْمَالِ مِنْ فَقِيرٍ مُسْلِمٍ إلَخْ، وَتَسْمِيَتُهُ رُكْنًا تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا ظَاهِرٌ بِخِلَافِ مَا فِي الدُّرَرِ مِنْ تَسْمِيَتِهِ شَرْطًا (قَوْلُهُ: وَقَدَّمْنَا) أَيْ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَافْتِرَاضُهَا عُمْرِيٌّ (قَوْلُهُ: أَنَّ الْحِيلَةَ) أَيْ فِي الدَّفْعِ إلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَعَ صِحَّةِ الزَّكَاةِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يَأْمُرُهُ إلَخْ) وَيَكُونُ لَهُ ثَوَابُ الزَّكَاةِ وَلِلْفَقِيرِ ثَوَابُ هَذِهِ الْقُرَبِ بَحْرٌ وَفِي التَّعْبِيرِ بِثُمَّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ أَوَّلًا لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ نِيَّةُ الدَّافِعِ وَلِذَا جَازَتْ وَإِنْ سَمَّاهَا قَرْضًا أَوْ هِبَةً فِي الْأَصَحِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ نَعَمْ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ وَقَالَ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى صِحَّةِ التَّمْلِيكِ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا شُبْهَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 (وَلَا) إلَى (مَنْ بَيْنَهُمَا وِلَادٌ) وَلَوْ مَمْلُوكًا لِفَقِيرٍ (أَوْ) بَيْنَهُمَا (زَوْجِيَّةٌ) وَلَوْ مُبَانَةً وَقَالَا تَدْفَعُ هِيَ لِزَوْجِهَا. (وَ) لَا إلَى (مَمْلُوكِ الْمُزَكِّي) وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا (وَ) لَا إلَى (عَبْدٍ أَعْتَقَ الْمُزَكِّي بَعْضَهُ) سَوَاءٌ كَانَ كُلُّهُ لَهُ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ   [رد المحتار] فِيهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ إيَّاهُ عَنْ زَكَاةِ مَالِهِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ شَرْطًا فَاسِدًا وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ لَا يَفْسُدَانِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ (قَوْلُهُ: وَإِلَى مَنْ بَيْنَهُمَا وِلَادٌ) أَيْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَمْلَاكِ بَيْنَهُمْ مُتَّصِلَةٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّمْلِيكُ عَلَى الْكَمَالِ هِدَايَةٌ وَالْوِلَادُ بِالْكَسْرِ مَصْدَرُ وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ وِلَادَةً وَوِلَادًا مُغْرِبٌ أَيْ أَصْلُهُ وَإِنْ عَلَا كَأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ مِنْ قِبَلِهِمَا وَفَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ بِفَتْحِ الْفَاءِ مِنْ بَابِ طَلَبَ وَالضَّمُّ خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ السَّفَالَةِ وَهِيَ الْخَسَاسَةُ مُغْرِبٌ كَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَشَمِلَ الْوِلَادَ بِالنِّكَاحِ وَالسِّفَاحِ فَلَا يُدْفَعُ إلَى وَلَدِهِ مِنْ الزِّنَا وَلَا مَنْ نَفَاهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَكَذَا كُلُّ صَدَقَةٍ وَاجِبَةٍ كَالْفِطْرَةِ وَالنَّذْرِ وَالْكَفَّارَاتِ، وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَيَجُوزُ بَلْ هُوَ أَوْلَى كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَكَذَا يَجُوزُ خُمُسُ الْمَعَادِنِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَبْسَهُ لِنَفْسِهِ إذَا لَمْ تُغْنِهِ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ، وَقُيِّدَ بِالْوِلَادِ لِجَوَازِهِ لِبَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ الْفُقَرَاءِ بَلْ هُمْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ صِلَةٌ وَصَدَقَةٌ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَيَبْدَأُ فِي الصَّدَقَاتِ بِالْأَقَارِبِ، ثُمَّ الْمَوَالِي ثُمَّ الْجِيرَانِ، وَلَوْ دَفَعَ زَكَاتَهُ إلَى مَنْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ مِنْ الْأَقَارِبِ جَازَ إذَا لَمْ يَحْسِبْهَا مِنْ النَّفَقَةِ بَحْرٌ وَقَدَّمْنَاهُ مُوَضَّحًا أَوَّلَ الزَّكَاةِ. وَيَجُوزُ دَفْعُهَا لِزَوْجَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ وَزَوْجِ ابْنَتِهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ. وَفِي الْقُنْيَةِ: اُخْتُلِفَ فِي الْمَرِيضِ إذَا دَفَعَ زَكَاتَهُ إلَى أَخِيهِ وَهُوَ وَارِثُهُ قِيلَ يَصِحُّ وَقِيلَ لَا كَمَنْ أَوْصَى بِالْحَجِّ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى قَرِيبِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَقِيلَ لِلْوَرَثَةِ الرَّدُّ بِاعْتِبَارِهَا. اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ نَهْرٌ وَكَذَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَيَظْهَرُ لِي الْأَخِيرُ وَهُوَ أَنَّهُ يَقَعُ زَكَاةً فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلِلْوَرَثَةِ إنْ عَلِمُوا بِهِ الرَّدُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ بَابِ زَكَاةِ الْمَالِ عَنْ الْمُخْتَارَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهَا لَوْ زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ وَأَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَهَا فِي مَرَضِهِ يُؤَدِّيهَا سِرًّا مِنْ الْوَرَثَةِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِمْ سِرًّا أَنَّ الْوَرَثَةَ لَوْ عَلِمُوا بِذَلِكَ لَهُمْ أَخْذُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّ الْمَرِيضَ هُنَاكَ مُضْطَرٌّ إلَى أَدَاءِ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ لِلْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهَا بِخِلَافِ أَدَائِهِ إلَى وَارِثِهِ تَأَمَّلْ. [فَرْعٌ] يُكْرَهُ أَنْ يُحْتَالَ فِي صَرْفِ الزَّكَاةِ إلَى وَالِدَيْهِ الْمُعْسِرَيْنِ بِأَنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى فَقِيرٍ ثُمَّ صَرَفَهَا الْفَقِيرُ إلَيْهِمَا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَهِيَ شَهِيرَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي غَالِبِ الْكُتُبِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَمْلُوكًا لِفَقِيرٍ) قَدْ رَاجَعْت كَثِيرًا فَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمَوْلَى الْفَقِيرِ، ثُمَّ رَأَيْت الرَّحْمَتِيَّ قَالَ حَكَاهُ الشَّلَبِيُّ فِي حَاشِيَةِ التَّبْيِينِ بِقِيلَ فَقَالَ وَقِيلَ فِي الْوَلَدِ الرَّقِيقِ وَالزَّوْجَةِ اهـ أَيْ لَا تُدْفَعُ لَهُمْ الزَّكَاةُ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت عِبَارَةَ الشَّلَبِيِّ بِعَيْنِهَا فِي الْمِعْرَاجِ وَمُقْتَضَى التَّعْبِيرِ بِقِيلَ ضَعْفُهُ لِمَا قُلْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُبَانَةً) أَيْ فِي الْعِدَّةِ وَلَوْ بِثَلَاثٍ نَهْرٌ عَنْ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا إلَى مَمْلُوكِ الْمُزَكِّي) وَكَذَا مَمْلُوكُ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَرَابَةُ وِلَادٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ لِمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ أَنَّ الدَّفْعَ لِمُكَاتَبِ الْوَلَدِ غَيْرُ جَائِزٍ كَالدَّفْعِ لِابْنِهِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا) لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ فِي الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَلِأَنَّ لَهُ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ حَقًّا زَيْلَعِيٌّ. وَاعْتَرَضَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ جَعْلَهُ الْمَمْلُوكَ شَامِلًا لِلْمُكَاتَبِ بِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ لَا يَتَنَاوَلُ الْمُكَاتَبَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ يَدًا. قُلْت: وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ هُنَاكَ لِشُبْهَةِ انْصِرَافِ الْمُطْلَقِ إلَى الْكَامِلِ فَلَمْ يُعْتَقْ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ تَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلْإِثْبَاتِ وَلَا مُقْتَضَى هُنَا لِمُرَاعَاةِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ (قَوْلُهُ: أَعْتَقَ الْمُزَكِّي بَعْضَهُ) اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ مُعْتَقِ الْبَعْضِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 فَأَعْتَقَ الْأَبُ حَظَّهُ مُعْسِرًا لَا يُدْفَعُ لَهُ لِأَنَّ مُكَاتَبَهُ أَوْ مُكَاتَبَ ابْنِهِ، وَأَمَّا الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَجْنَبِيٍّ فَحُكْمُهُ عَلَى مِمَّا مَرَّ لِأَنَّهُ إمَّا مُكَاتَبُ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ. وَقَالَا: يَجُوزُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ حُرٌّ كُلُّهُ أَوْ حُرٌّ مَدْيُونٌ فَافْهَمْ. (وَ) لَا إلَى (غَنِيٍّ) يَمْلِكُ قَدْرَ نِصَابٍ فَارِغٍ عَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ كَمَنْ لَهُ نِصَابُ سَائِمَةٍ لَا تُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ   [رد المحتار] الْعَبْدَ إنْ كَانَ كُلُّهُ لِلْمُعْتِقِ عَتَقَ بِقَدْرِ مَا أُعْتِقَ وَلَهُ اسْتِسْعَاؤُهُ فِي قِيمَةِ الْبَاقِي أَوْ تَحْرِيرُهُ وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا. فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَلِشَرِيكِهِ اسْتِسْعَاءُ الْعَبْدِ فِي قِيمَةِ حِصَّتِهِ أَوْ تَضْمِينِ الْمُعْتِقِ، وَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْعَبْدِ أَوْ يُعْتِقُ بَاقِيَهُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْعَبْدُ لَا غَيْرُ. وَعِنْدَهُمَا إنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ عَتَقَ كُلُّهُ وَلَا يَسْعَى وَإِنْ أَعْتَقَ بَعْضَ الْمُشْتَرَكِ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ إلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ وَالسِّعَايَةُ مَعَ الْإِعْسَارِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْأَحْكَامِ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ: مُعْسِرًا) حَالٌ مِنْ الْأَبِ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ (قَوْلُهُ: لَا يُدْفَعُ لَهُ) ذَكَرَهُ لِيُعَلِّلَ لَهُ وَإِلَّا فَيُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا إلَى عَبْدِهِ ط. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ مُكَاتَبَهُ أَوْ مُكَاتَبَ ابْنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ لَهُ أَوْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ وَكَانَ مُوسِرًا وَاخْتَارَ الِابْنُ تَضْمِينَهُ وَرَجَعَ الْأَبُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ فَهُوَ مُكَاتَبٌ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا أَوْ كَانَ مُوسِرًا وَاخْتَارَ الِابْنُ الِاسْتِسْعَاءَ فَهُوَ مُكَاتَبُ ابْنِهِ وَمُكَاتَبُ الِابْنِ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ كَمَا لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى الِابْنِ فَافْهَمْ. وَبِمَا قَرَّرْنَا ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ مُعْسِرًا لَيْسَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ كَمَا قُلْنَا وَلَعَلَّ فَائِدَتَهُ رُجُوعُ شِقَّيْ التَّعْلِيلِ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ ثُمَّ إنَّهُ سَمَّاهُ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُهُ فِي السِّعَايَةِ وَإِنْ خَالَفَهُ مِنْ بَعْضِ الْأَوْجُهِ كَعَدَمِ الرَّدِّ إلَى الرِّقِّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُشْتَرَكُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَجْنَبِيَّيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَاخْتَارَ السَّاكِتُ الِاسْتِسْعَاءَ فَلِلْمُعْتِقِ الدَّفْعُ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ لِشَرِيكِهِ، وَلَيْسَ لِلسَّاكِتِ الدَّفْعُ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبُهُ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا وَاخْتَارَ السَّاكِتُ تَضْمِينَهُ فَلِلسَّاكِتِ الدَّفْعُ إلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ وَلَيْسَ لِلْمُعْتِقِ الدَّفْعُ إذَا اخْتَارَ بَعْدَ تَضْمِينِهِ اسْتِسْعَاءَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إمَّا مُكَاتَبُ نَفْسِهِ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُزَكِّي هُوَ السَّاكِتَ الْمُسْتَسْعَى، وَكَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا أَوْ كَانَ الْمُزَكِّي هُوَ الْمُعْتِقَ الْمُوسِرَ وَاسْتَسْعَى الْعَبْدُ بَعْدَ أَنْ ضَمَّنَهُ السَّاكِتُ، وَقَوْلُهُ أَوْ غَيْرُهُ أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُزَكِّي هُوَ الْمُعْتِقَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَوْ السَّاكِتَ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَحْرِ، فَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبُ نَفْسِهِ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا إلَى مَمْلُوكِ الْمُزَكِّي وَلَوْ مُكَاتَبًا، وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبُ غَيْرِهِ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمَتْنِ سَابِقًا وَمُكَاتَبٌ، فَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إلَخْ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فَحُكْمُهُ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَافْهَمْ. قَالَ فِي النَّهْرِ: فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ دَفْعُ الزَّكَاةِ مِنْ الْمُعْسِرِ؟ قُلْت: يُتَصَوَّرُ بِأَنْ يَكُونَ زَكَاةَ مَالٍ مُسْتَهْلَكٍ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ وَيَكُونَ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ فَقِيرًا (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا وَالْعَبْدُ كُلُّهُ لَهُ أَوْ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ حُرٌّ كُلُّهُ) أَيْ غَيْرُ مَدْيُونٍ وَهُوَ فِيمَا إذَا كَانَ كُلُّ الْعَبْدِ لِلْمُعْتِقِ أَوْ بَعْضُهُ وَهُوَ مُوسِرٌ وَضَمِنَهُ السَّاكِتُ (قَوْلُهُ: أَوْ حُرٌّ مَدْيُونٌ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا فَإِنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى لِلسَّاكِتِ وَهُوَ حُرٌّ (قَوْلُهُ: فَافْهَمْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ حَرَّرَ الْمُرَادَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا أَوْرَدَهُ فِي الدُّرَرِ عَلَى عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَإِنْ تَكَلَّفَ شُرَّاحُهَا إلَى تَأْوِيلِهَا كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَلَا إلَى غَنِيٍّ) اسْتَثْنَى مِنْهُ الْقُهُسْتَانِيُّ الْمُكَاتَبَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالْعَامِلَ، وَمُقْتَضَاهُ جَوَازُ الدَّفْعِ إلَى الْمُكَاتَبِ وَإِنْ حَصَلَ نِصَابًا زَائِدًا عَلَى بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ عَنْ شَرْحِ ابْنِ الشَّلَبِيِّ، وَأَمَّا دَفْعُهَا إلَى السُّلْطَانِ فَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ أَوَّلَ الزَّكَاةِ وَكَذَا لَوْ جَمَعَ رَجُلٌ لِفَقِيرٍ زَكَاةً مِنْ جَمَاعَةٍ. (قَوْلُهُ: فَارِغٍ عَنْ حَاجَتِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: قَدْرُ الْحَاجَةِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ الزَّكَاةِ مَنْ لَهُ مَسْكَنٌ، وَمَا يَتَأَثَّثُ بِهِ فِي مَنْزِلِهِ وَخَادِمٌ وَفَرَسٌ وَسِلَاحٌ وَثِيَابُ الْبَدَنِ وَكُتُبُ الْعِلْمِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ عَنْ ذَلِكَ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ حَرُمَ عَلَيْهِ أَخْذُ الصَّدَقَةِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ قَائِلًا وَبِهِ يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَشَرْحِهَا مِنْ أَنَّهُ تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ وَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ. اهـ. لَكِنْ اعْتَمَدَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مَا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَحَرَّرَ وَجَزَمَ بِأَنَّ مَا فِي الْبَحْرِ وَهْمٌ (وَ) لَا إلَى (مَمْلُوكِهِ)   [رد المحتار] كَانُوا يَعْنِي: الصَّحَابَةَ يُعْطُونَ مِنْ الزَّكَاةِ لِمَنْ يَمْلِكُ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ مِنْ السِّلَاحِ وَالْفَرَسِ وَالدَّارِ وَالْخَدَمِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ الْحَوَائِجِ اللَّازِمَةِ الَّتِي لَا بُدَّ لِلْإِنْسَانِ مِنْهَا. وَذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى فِيمَنْ لَهُ حَوَانِيتُ وَدُورٌ لِلْغَلَّةِ لَكِنَّ غَلَّتَهَا لَا تَكْفِيهِ وَعِيَالَهُ أَنَّهُ فَقِيرٌ وَيَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحِلُّ وَكَذَا لَوْ لَهُ كَرْمٌ لَا تَكْفِيهِ غَلَّتُهُ؛ وَلَوْ عِنْدَهُ طَعَامٌ لِلْقُوتِ يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِنْ كَانَ كِفَايَةَ شَهْرٍ يَحِلُّ أَوْ كِفَايَةَ سَنَةٍ، قِيلَ لَا تَحِلُّ، وَقِيلَ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الصَّرْفَ إلَى الْكِفَايَةِ فَيُلْحَقُ بِالْعَدَمِ، وَقَدْ ادَّخَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِنِسَائِهِ قُوتَ سَنَةٍ، وَلَوْ لَهُ كِسْوَةُ الشِّتَاءِ وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الصَّيْفِ يَحِلُّ ذِكْرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي الْفَتَاوَى. اهـ. وَظَاهِرُ تَعْلِيلِهِ لِلْقَوْلِ الثَّانِي فِي مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ اعْتِمَادُهُ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ وَفِيهَا عَنْ الصُّغْرَى لَهُ دَارٌ يَسْكُنُهَا لَكِنْ تَزِيدُ عَلَى حَاجَتِهِ بِأَنْ لَا يَسْكُنَ الْكُلَّ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ فِي الصَّحِيحِ وَفِيهَا سُئِلَ مُحَمَّدٌ عَمَّنْ لَهُ أَرْضٌ يَزْرَعُهَا أَوْ حَانُوتٌ يَسْتَغِلُّهَا أَوْ دَارٌ غَلَّتُهَا ثَلَاثُ آلَافٍ وَلَا تَكْفِي لِنَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ سَنَةً؟ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا تَبْلُغُ أُلُوفًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعِنْدَهُمَا لَا يَحِلُّ اهـ مُلَخَّصًا. مَطْلَبٌ فِي جِهَازِ الْمَرْأَةِ هَلْ تَصِيرُ بِهِ غَنِيَّةً قُلْت: وَسَأَلْت عَنْ الْمَرْأَةِ هَلْ تَصِيرُ غَنِيَّةً بِالْجِهَازِ الَّذِي تُزَفُّ بِهِ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِمَّا مَرَّ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ أَثَاثِ الْمَنْزِلِ وَثِيَابِ الْبَدَنِ وَأَوَانِي الِاسْتِعْمَالِ مِمَّا لَا بُدَّ لِأَمْثَالِهَا مِنْهُ فَهُوَ مِنْ الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْحُلِيِّ وَالْأَوَانِي وَالْأَمْتِعَةِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الزِّينَةُ إذَا بَلَغَ نِصَابًا تَصِيرُ بِهِ غَنِيَّةً، ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ: سُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَمَّنْ لَهَا جَوَاهِرُ وَلَآلِي تَلْبَسُهَا فِي الْأَعْيَادِ وَتَتَزَيَّنُ بِهَا لِلزَّوْجِ وَلَيْسَتْ لِلتِّجَارَةِ هَلْ عَلَيْهَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ إذَا بَلَغَتْ نِصَابًا. وَسُئِلَ عَنْهَا عُمَرُ الْحَافِظُ فَقَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ، وَحَاصِلُهُ ثُبُوتُ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْحُلِيَّ غَيْرُ النَّقْدَيْنِ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ: وَدَخَلَ تَحْتَ النِّصَابِ النَّامِي الْخُمُسُ مِنْ الْإِبِلِ فَإِنْ مَلَكَهَا أَوْ نِصَابًا مِنْ السَّوَائِمِ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ لَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ) أَيْ فِي آخِرِهَا عِنْدَ ذِكْرِ الْأَلْغَازِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ اعْتَمَدَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: وَمَا وَقَعَ فِي الْبَحْرِ خِلَافُ هَذَا فَهُوَ وَهْمٌ فَلْيَتَنَبَّهْ لَهُ، وَقَدْ ذُكِرَ خِلَافُهُ فِي أَلْغَازِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فَقَدْ نَاقَضَ نَفْسَهُ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ صَرَّحَ بِمَا ادَّعَاهُ بَلْ عِبَارَتُهُمْ تُفِيدُ خِلَافَهُ حَيْثُ إنَّهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مَنْ مَلَك نِصَابًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ النُّقُودِ أَوْ السَّوَائِمِ أَوْ الْعُرُوضِ اهـ فَأَوْهَمَ مَا فِي الْبَحْرِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْعِنَايَةِ سَوَاءٌ كَانَ إلَخْ مُفِيدٌ تَقْدِيرَ النِّصَابِ بِالْقِيمَةِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْعُرُوضِ أَوْ السَّوَائِمِ لِمَا أَنَّ الْعُرُوضَ لَيْسَ نِصَابُهَا إلَّا مَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِقْدَارُ النِّصَابِ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ مَا فِي الْكَافِي بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ فَقَدْ سَأَلَ النَّاسَ إلْحَافًا، قِيلَ: وَمَا الَّذِي يُغْنِيهِ؟ قَالَ: مِائَتَا دِرْهَمٍ أَوْ عَدْلُهَا» . اهـ. فَقَدْ شَمِلَ الْحَدِيثُ اعْتِبَارَ السَّائِمَةِ بِالْقِيمَةِ لِإِطْلَاقِهِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى اعْتِبَارِ قِيمَةِ السَّوَائِمِ فِي عِدَّةِ كُتُبٍ مِنْ غَيْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 أَيْ الْغَنِيِّ وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ زَمِنًا لَيْسَ فِي عِيَالِ مَوْلَاهُ أَوْ كَانَ مَوْلَاهُ غَائِبًا عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْمَانِعَ وُقُوعُ الْمِلْكِ لِمَوْلَاهُ (غَيْرِ الْمُكَاتَبِ) وَالْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ بِمُحِيطٍ فَيَجُوزُ (وَ) لَا إلَى (طِفْلِهِ)   [رد المحتار] خِلَافٍ فِي الْأَشْبَاهِ وَالسِّرَاجِ والوهبانية وَشَرْحَيْهَا وَالذَّخَائِرِ الْأَشْرَفِيَّةِ وَفِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: إذَا كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ قِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ وَتَجِبُ عَلَيْهِ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ نِصَابُ النَّقْدِ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ بَلَغَ نِصَابًا مِنْ جِنْسِهِ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ اِ هـ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمَرْغِينَانِيِّ اهـ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مُلَخَّصًا. وَوَفَّقَ ط بِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ فِي النِّصَابِ الْمُحَرِّمِ لِلزَّكَاةِ هَلْ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ أَوْ الْوَزْنُ؟ فَفِي الْمُحِيطِ عَنْهُ الْأَوَّلُ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْهُ الثَّانِي. وَتَظْهَرُ الثَّمَرَةُ فِيمَنْ لَهُ تِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا قِيمَتُهَا ثَلَثُمِائَةِ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَيَحْرُمُ أَخْذُ الزَّكَاةِ عَلَى الْأَوَّلِ لَا عَلَى الثَّانِي. وَالظَّاهِرُ أَنَّ اعْتِبَارَ الْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونِ لِتَأَنِّيه فِيهِ، أَمَّا الْمَعْدُودُ كَالسَّائِمَةِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَدَدُ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَعَلَيْهَا يُحْمَلُ مَا فِي الْبَحْرِ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْمُحِيطِ مِنْ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ يُحْمَلُ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَبِهِ يَنْدَفِعُ التَّنَافِي بَيْنَ كَلَامِهِمْ اهـ. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ: أَمَّا الْمَعْدُودُ كَالسَّائِمَةِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَدَدُ هُوَ مُسَلَّمٌ فِي حَقِّ وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَمَّا فِي حَقِّ حُرْمَةِ أَخْذِهَا فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ. فَقَدْ يُقَالُ إذَا كَانَ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي الْمَوْزُونِ يَكُونُ الْمَعْدُودُ مُعْتَبَرًا بِالْقِيمَةِ بِلَا اخْتِلَافٍ كَمَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ اتِّفَاقًا فِي الْعُرُوضِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا صَرَّحُوا بِمَا مَرَّ عَنْ الْعِنَايَةِ، وَقَدْ عَلِمْت تَأْوِيلَهُ مَعَ تَصْرِيحِ الْمَرْغِينَانِيِّ بِمَا يُزِيلُ الشُّبْهَةَ مِنْ أَصْلِهَا فَلَمْ يَحْصُلْ التَّنَافِي بَيْنَ كَلَامِهِمْ حَتَّى يَقْتَحِمَ التَّوْفِيقَ الْبَعِيدَ وَإِنَّمَا حَصَلَ التَّنَافِي بَيْنَ مَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ وَبَيْنَ مَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ، وَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ حَتَّى يُرَى تَصْرِيحٌ آخَرُ مِنْهُمْ، بِخِلَافِهِ يَحْصُلُ بِهِ التَّنَافِي فَحِينَئِذٍ يَطْلُبُ مِنْهُ التَّوْفِيقَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَيْ الْغَنِيِّ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ مَمْلُوكِ الْفَقِيرِ فَيَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي ط (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُدَبَّرًا) مِثْلُهُ أُمُّ الْوَلَدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَوْ زَمَنًا إلَخْ) أَيْ وَلَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُهُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ حَيْثُ أُطْلِقَ فِيهِ الْعَبْدُ وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ أَوْ زَمِنًا. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ جَوَازُ الدَّفْعِ إلَيْهِ. اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِي وُقُوعُ الْمِلْكِ لِمَوْلَاهُ بِهَذَا الْعَارِضِ وَهُوَ الْمَانِعُ، وَغَايَةُ مَا فِيهِ وُجُوبُ كِفَايَتِهِ عَلَى السَّيِّدِ وَتَأْثِيمُهُ بِتَرْكِهِ وَاسْتِحْبَابُ الصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ عَلَيْهِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ عِنْدَ غَيْبَةِ مَوْلَاهُ الْغَنِيِّ وَعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْكَسْبِ لَا يَنْزِلُ عَنْ حَالِ ابْنِ السَّبِيلِ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمِلْكَ هُنَا يَقَعُ لِلْمَوْلَى وَلَيْسَ بِمَصْرِفٍ وَأَمَّا ابْنُ السَّبِيلِ فَمَصْرِفٌ فَالْأَوْلَى الْإِطْلَاقُ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ اهـ. قُلْت: مُرَادُ صَاحِبِ الْفَتْحِ إلْحَاقُهُ بِابْنِ السَّبِيلِ فِي جَوَازِ الدَّفْعِ إلَيْهِ لِلْعَجْزِ مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ كَمَا أُلْحِقَ بِهِ مَنْ لَهُ مَالٌ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ، فَإِذَا جَازَ فِيهِ مَعَ تَحْقِيقِ غِنَاهُ فَفِي الْعَبْدِ الْعَاجِزِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْلَى لَكِنْ قَدْ يُنَازَعُ فِي صِحَّةِ الْإِلْحَاقِ بِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّمْلِيكِ، وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ وَإِنْ مَلَكَ فَفِي ابْنِ السَّبِيلِ وَنَحْوِهِ وَقَعَ الْمِلْكُ فِي مَحَلِّ الْعَجْزِ فَجَازَ الدَّفْعُ، وَفِي الْعَبْدِ وَقَعَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْعَجْزِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمَوْلَى إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ وُقُوعَهُ لِلْعَبْدِ هُنَا إحْيَاءً لِمُهْجَتِهِ حَيْثُ لَمْ يَجِدْ مُتَبَرِّعًا (قَوْلُهُ: غَيْرِ الْمُكَاتَبِ) أَيْ مُكَاتَبِ الْغَنِيِّ (قَوْلُهُ: بِمُحِيطٍ) أَيْ بِدَيْنٍ مُحِيطٍ أَيْ مُسْتَغْرِقٍ لِرَقَبَتِهِ وَلِمَا فِي يَدِهِ (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ) جَوَابٌ لِشَرْطٍ مُقَدَّرٍ أَيْ أَمَّا الْمُكَاتَبُ وَالْمَأْذُونُ الْمَذْكُورُ فَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاة إلَيْهِمَا، أَمَّا الْمُكَاتَبُ فَقَدْ مَرَّ، وَأَمَّا الْمَأْذُونُ فَلِعَدَمِ مِلْكِ الْمَوْلَى أَكْسَابَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَلَا إلَى طِفْلِهِ) أَيْ الْغَنِيِّ فَيُصْرَفُ إلَى الْبَالِغِ وَلَوْ ذَكَرًا صَحِيحًا قُهُسْتَانِيٌّ، فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطِّفْلِ غَيْرِ الْبَالِغِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فِي عِيَالِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 بِخِلَافِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ وَأَبِيهِ وَامْرَأَتِهِ الْفُقَرَاءِ وَطِفْلِ الْغَنِيَّةِ فَيَجُوزُ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ. (وَ) لَا إلَى (بَنِي هَاشِمٍ) إلَّا مَنْ أَبْطَلَ النَّصُّ قَرَابَتَهُ وَهُمْ بَنُو لَهَبٍ، فَتَحِلُّ لِمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ كَمَا تَحِلُّ لِبَنِي الْمُطَّلِبِ. ثُمَّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ إطْلَاقُ الْمَنْعِ، وَقَوْلُ الْعَيْنِيِّ وَالْهَاشِمِيِّ: يَجُوزُ لَهُ دَفْعُ زَكَاتِهِ لِمِثْلِهِ صَوَابُهُ لَا يَجُوزُ نَهْرٌ (وَ) لَا إلَى (مَوَالِيهِمْ) أَيْ عُتَقَائِهِمْ فَأَرِقَّاؤُهُمْ أَوْلَى لِحَدِيثِ «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ»   [رد المحتار] أَبِيهِ أَوَّلًا عَلَى الْأَصَحِّ لِمَا عِنْدَهُ أَنَّهُ يُعَدُّ غَنِيًّا بِغِنَاهُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ) أَيْ الْبَالِغِ كَمَا مَرَّ وَلَوْ زَمِنًا قَبْلَ فَرْضِ نَفَقَتِهِ إجْمَاعًا وَبَعْدَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِلثَّانِي، وَعَلَى هَذَا بَقِيَّةُ الْأَقَارِبِ، وَفِي بِنْتِ الْغَنِيِّ ذَاتِ الزَّوْجِ خِلَافٌ. وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَرِوَايَةٌ عَنْ الثَّانِي نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَطِفْلِ الْغَنِيَّةِ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ بَحْرٌ عَنْ الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ) عِلَّةٌ لِلْجَمِيعِ وَالْمَانِعُ أَنَّ الطِّفْلَ يُعَدُّ غَنِيًّا بِغِنَى أَبِيهِ بِخِلَافِ الْكَبِيرِ فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ غَنِيًّا بِغِنَى أَبِيهِ وَلَا الْأَبُ بِغِنَى ابْنِهِ وَلَا الزَّوْجَةُ بِغِنَى زَوْجِهَا وَلَا الطِّفْلُ بِغِنَى أُمِّهِ ح فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَبَنِي هَاشِمٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ عَبْدَ مَنَافٍ وَهُوَ الْأَبُ الرَّابِعُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْقَبَ أَرْبَعَةً وَهُمْ: هَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ وَنَوْفَلٌ وَعَبْدُ شَمْسٍ، ثُمَّ هَاشِمٌ أَعْقَبَ أَرْبَعَةً انْقَطَعَ نَسْلُ الْكُلِّ إلَّا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ أَعْقَبَ اثْنَيْ عَشَرَ تُصْرَفُ الزَّكَاةُ إلَى أَوْلَادِ كُلٍّ إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ فُقَرَاءَ إلَّا أَوْلَادَ عَبَّاسٍ وَحَارِثٍ وَأَوْلَادَ أَبِي طَالِبٍ مِنْ عَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ وَعُقَيْلٍ قُهُسْتَانِيٌّ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ إطْلَاقَ بَنِي هَاشِمٍ مِمَّا لَا يَنْبَغِي إذْ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ بَلْ عَلَى بَعْضِهِمْ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ: إنَّ آلَ أَبِي لَهَبٍ يُنْسَبُونَ أَيْضًا إلَى هَاشِمٍ وَتَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ. اهـ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ وَأَقُولُ قَالَ فِي النَّافِعِ بَعْدَ ذِكْرِ بَنِي هَاشِمٍ إلَّا مَنْ أَبْطَلَ النَّصُّ قَرَابَتَهُ يَعْنِي بِهِ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا قَرَابَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي لَهَبٍ فَإِنَّهُ آثَرَ عَلَيْنَا الْأَفْجَرِينَ» وَهَذَا صَرِيحٌ فِي انْقِطَاعِ نِسْبَتِهِ عَنْ هَاشِمٍ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ فِي اقْتِصَارِ الْمُصَنِّفِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ كِفَايَةً، فَإِنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَوْلَادِ أَبِي لَهَبٍ غَيْرُ دَاخِلٍ لِعَدَمِ قَرَابَتِهِ وَهَذَا حَسَنٌ جِدًّا لَمْ أَرَ مَنْ نَحَا نَحْوَهُ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: بَنُو لَهَبٍ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: بَنُو أَبِي لَهَبٍ وَهِيَ أَصْوَبُ (قَوْلُهُ: فَتَحِلُّ لَهُمْ) هَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ جُمْهُورُ الشَّارِحِينَ خِلَافًا لِمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ: لِبَنِي الْمُطَّلِبِ) أَيْ لِمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ وَهُوَ أَخُو هَاشِمٍ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: إطْلَاقُ الْمَنْعِ إلَخْ) يَعْنِي سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلُّ الْأَزْمَانِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ دَفْعُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَدَفْعُ غَيْرِهِمْ لَهُمْ. وَرَوَى أَبُو عِصْمَةَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى بَنِي هَاشِمٍ فِي زَمَانِهِ؛ لِأَنَّ عِوَضَهَا وَهُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ لِإِهْمَالِ النَّاسِ أَمْرَ الْغَنَائِمِ وَإِيصَالِهَا إلَى مُسْتَحِقِّيهَا. وَإِذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ الْعِوَضُ عَادُوا إلَى الْمُعَوَّضِ كَذَا فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ فِي النَّهْرِ: وَجَوَّزَ أَبُو يُوسُفَ دَفْعَ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ، وَقَوْلُ الْعَيْنِيِّ وَالْهَاشِمِيِّ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاتَهُ إلَى هَاشِمِيٍّ مِثْلِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ صَوَابُهُ لَا يُجْزِئُ وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى اخْتِيَارِ الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ عَنْ الْإِمَامِ لِمَنْ تَأَمَّلَ اهـ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ تِلْكَ الرِّوَايَةَ مَا صَحَّ قَوْلُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لَهَا وَفِي اخْتِصَارِ الشَّارِحِ بَعْضُ إيهَامٍ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: فَأَرِقَّاؤُهُمْ أَوْلَى) أَيْ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الرَّقِيقِ يَقَعُ لِمَوْلَاهُ بِخِلَافِ الْعَتِيقِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: قُيِّدَ بِمَوَالِيهِمْ؛ لِأَنَّ مَوْلَى الْغَنِيِّ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَإِنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَكَذَا صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ فَتْحٌ وَهَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 وَهَلْ كَانَتْ تَحِلُّ لِسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ؟ خِلَافٌ وَاعْتَمَدَ فِي النَّهْرِ حِلَّهَا لِأَقْرِبَائِهِمْ لَا لَهُمْ (وَجَازَتْ التَّطَوُّعَاتُ مِنْ الصَّدَقَاتِ وَ) غَلَّةُ (الْأَوْقَافِ لَهُمْ) أَيْ لِبَنِي هَاشِمٍ، سَوَاءٌ سَمَّاهُمْ الْوَاقِفُ أَوْ لَا عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ، لَكِنْ فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ إنْ سَمَّاهُمْ جَازَ، وَإِلَّا لَا. قُلْت: وَجَعَلَهُ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ مَحْمَلَ الْقَوْلَيْنِ، ثُمَّ نَقَلَ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَهَلْ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ؟ قِيلَ نَعَمْ، وَهَذِهِ خُصُوصِيَّةٌ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ لَا بَلْ تَحِلُّ لِقَرَابَتِهِمْ فَهِيَ خُصُوصِيَّةٌ لِقَرَابَةِ نَبِيِّنَا إكْرَامًا وَإِظْهَارًا لِفَضِيلَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلْيُحْفَظْ. (وَلَا) تُدْفَعُ (إلَى ذِمِّيٍّ) لِحَدِيثِ مُعَاذٍ (وَجَازَ) دَفْعُ (غَيْرِهَا وَغَيْرِ الْعُشْرِ) وَالْخَرَاجِ (إلَيْهِ) أَيْ الذِّمِّيِّ وَلَوْ وَاجِبًا كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ وَفِطْرَةٍ   [رد المحتار] فِي حَقِّ حِلِّ الصَّدَقَةِ وَحُرْمَتِهَا لَا فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ لَهُمْ وَأَنَّ مَوْلَى الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ كَافِرًا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَمَوْلَى التَّغْلِبِيِّ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْمُضَاعَفَةُ بَلْ الْجِزْيَةُ نَهْرٌ. قُلْت: سَيَأْتِي فِي بَابِ الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ أَنَّ مُعْتَقَ الْوَضِيعِ لَيْسَ بِكُفْءٍ لِمُعْتَقَةِ الشَّرِيفِ (قَوْلُهُ لِسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ) أَيْ لِبَاقِيهِمْ (قَوْلُهُ وَاعْتَمَدَ فِي النَّهْرِ إلَخْ) هُوَ اعْتِمَادٌ لِثَانِي الْقَوْلَيْنِ الْآتِي نَقْلُهُمَا عَنْ الْمَبْسُوطِ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ عَنْ الْحَمَوِيِّ عَنْ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِابْنِ بَطَّالٍ: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أَزْوَاجَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدْخُلْنَ فِي الَّذِينَ حَرُمَتْ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ. ثُمَّ قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَفِي الْمُغْنِي عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «إنَّا آلُ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ» قَالَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِنَّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَجَازَتْ التَّطَوُّعَاتُ إلَخْ) قُيِّدَ بِهَا لِيَخْرُجَ بَقِيَّةُ الْوَاجِبَاتِ كَالنَّذْرِ وَالْعُشْرِ وَالْكَفَّارَاتِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ إلَّا خُمُسَ الرِّكَازِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَيْهِمْ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ (قَوْلُهُ: كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ) أَقُولُ: نُقِلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ أَنَّ النَّفَلَ جَائِزٌ لَهُمْ إجْمَاعًا وَذُكِرَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّطَوُّعِ وَالْوَقْفِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَكَافِي النَّسَفِيِّ، وَأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ أَثْبَتَ الْخِلَافَ عَلَى وَجْهٍ يُشْعِرُ بِحُرْمَةِ التَّطَوُّعِ عَلَيْهِمْ، وَقَوَّاهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ. اهـ. قُلْت: وَذُكِرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْحَقَّ إجْرَاءُ الْوَقْفِ مَجْرَى النَّافِلَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ مُتَبَرِّعٌ وَوُجُوبَ الدَّفْعِ عَلَى النَّاظِرِ لِوُجُوبِ اتِّبَاعِهِ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ لَا يَصِيرُ بِهِ وَاجِبًا عَلَى الْوَاقِفِ وَنَقَلَ ح عِبَارَتَهُ بِطُولِهَا. وَحَاصِلُهَا تَرْجِيحُ مَنْعِ الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ كَالنَّافِلَةِ وَبِهِ يَظْهَرُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، فَإِنَّ مُفَادَهُ أَنَّ كَلَامَ الْفَتْحِ فِي الْوَقْفِ فَقَطْ وَأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُمْ لَكِنْ وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ كَتَبَ عَلَيْهَا ح بِزِيَادَةٍ. وَقِيلَ لَا مُطْلَقًا قَبْلَ قَوْلِهِ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ وَبِهَا يَصِحُّ الْكَلَامُ وَسَقَطَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَمَا بَعْدَهَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ إلَى قَوْلِهِ: وَلَا تُدْفَعُ إلَى ذِمِّيٍّ (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَجَعَلَهُ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ) أَيْ الشَّيْخُ صَالِحٌ الْغَزِّيِّ بْنُ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا الْبِيرِيُّ شَارِحُ الْأَشْبَاهِ، وَالضَّمِيرُ إلَى مَا فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ ط (قَوْلُهُ: مَحْمَلُ الْقَوْلَيْنِ) أَيْ مَحْمَلُ الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ عَلَى مَا إذَا سَمَّاهُمْ وَبِعَدَمِهِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُسَمِّهِمْ كَمَا إذَا وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ صَدَقَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى فُقَرَائِهِمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَمَّاهُمْ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَبَرُّعًا وَصِلَةً لَا صَدَقَةً فَهُوَ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى جَمَاعَةٍ أَغْنِيَاءَ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ: لَوْ قَالَ مَالِي لِأَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ يُحْصَوْنَ جَازَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ وَلَيْسَتْ بِصَدَقَةٍ وَيُصْرَفُ إلَى أَوْلَادِ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ نُقِلَ عَنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ إلَخْ) هَذَا مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالْأَصْوَبُ إسْقَاطُهُ لِتَكَرُّرِهِ بِقَوْلِهِ الْمَارِّ وَهَلْ كَانَتْ تَحِلُّ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ مُعَاذٍ) أَيْ الْمَارِّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمُكَاتَبٌ، إذْ لَا خِلَافَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي أَغْنِيَائِهِمْ يَرْجِعُ لِلْمُسْلِمِينَ فَكَذَا فِي فُقَرَائِهِمْ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ: غَيْرُ الْعُشْرِ) فَإِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالزَّكَاةِ وَلِذَا سَمَّوْهُ زَكَاةَ الزَّرْعِ، وَأَمَّا الْخَرَاجُ فَلَيْسَ مِنْ الصَّدَقَاتِ الَّتِي الْكَلَامُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 خِلَافًا لِلثَّانِي وَبِقَوْلِهِ يُفْتِي حَاوِي الْقُدْسِيِّ وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ وَلَوْ مُسْتَأْمَنًا فَجَمِيعُ الصَّدَقَاتِ لَا تَجُوزُ لَهُ اتِّفَاقًا بَحْرٌ عَنْ الْغَايَةِ وَغَيْرِهَا، لَكِنْ جَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ بِجَوَازِ التَّطَوُّعِ لَهُ. (دَفَعَ بِتَحَرٍّ) لِمَنْ يَظُنُّهُ مَصْرِفًا (فَبَانَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ مُكَاتَبُهُ أَوْ حَرْبِيٌّ وَلَوْ مُسْتَأْمَنًا أَعَادَهَا)   [رد المحتار] فِيهَا وَمَصْرِفُهُ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ كَمَا مَرَّ وَلِذَا لَمْ يَسْتَثْنِ فِي الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ إلَّا الزَّكَاةَ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلثَّانِي) حَيْثُ قَالَ إنْ دَفَعَ سَائِرَ الصَّدَقَاتِ الْوَاجِبَةِ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ، وَصَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ الثَّانِي، وَظَاهِرُهُ أَنَّ قَوْلَهُ الْمَشْهُورَ كَقَوْلِهِمَا (قَوْلُهُ: وَبِقَوْلِهِ يُفْتِي) الَّذِي فِي حَاشِيَةِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ عَنْ الْحَاوِي وَبِقَوْلِهِ نَأْخُذُ. قُلْت: لَكِنَّ كَلَامَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرَهَا يُفِيدُ تَرْجِيحَ قَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ) مُحْتَرَزُ الذِّمِّيِّ (قَوْلُهُ: عَنْ الْغَايَةِ) أَيْ غَايَةِ الْبَيَانِ، وَقَوْلُهُ وَغَيْرُهُمَا أَيْ النِّهَايَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لَكِنْ جَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ بِجَوَازِ التَّطَوُّعِ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْمَنِ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ النَّهْرِ؛ ثُمَّ إنَّ هَذَا لَمْ أَرَهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَكَذَا قَالَ أَبُو السُّعُودِ وَغَيْرُهُ مَعَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِدَعْوَى الِاتِّفَاقِ، لَكِنْ رَأَيْت فِي الْمُحِيطِ مِنْ كِتَابِ الْكَسْبِ: ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: لَا بَأْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُعْطِيَ كَافِرًا حَرْبِيًّا أَوْ ذِمِّيًّا، وَأَنْ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ مِنْهُ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ إلَى مَكَّةَ حِينَ قَحَطُوا وَأَمَرَ بِدَفْعِهَا إلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ لِيُفَرِّقَا عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ مَكَّةَ» وَلِأَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحْمُودَةٌ فِي كُلِّ دِينٍ وَالْإِهْدَاءُ إلَى الْغَيْرِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ إلَخْ وَسَنَذْكُرُ تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَصَايَا. (قَوْلُهُ: دَفَعَ بِتَحَرٍّ) أَيْ اجْتِهَادٍ وَهُوَ لُغَةً الطَّلَبُ وَالِابْتِغَاءُ، وَيُرَادِفُهُ التَّوَخِّي إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَالثَّانِي فِي الْعِبَادَاتِ. وَعُرْفًا طَلَبُ الشَّيْءِ بِغَالِبِ الظَّنِّ عِنْدَ عَدَمِ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: لِمَنْ يَظُنُّهُ مَصْرِفًا) أَمَّا لَوْ تَحَرَّى فَدَفَعَ لِمَنْ ظَنَّهُ غَيْرَ مَصْرِفٍ أَوْ شَكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَظْهَرَ أَنَّهُ مَصْرِفٌ فَيُجْزِيهِ فِي الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَنْ ظَنَّ عَدَمَهُ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. وَفِيهِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ لَوْ كَانَ جَالِسًا فِي صَفِّ الْفُقَرَاءِ يَصْنَعُ صُنْعَهُمْ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ زِيُّهُمْ أَوْ سَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ كَانَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ بِمَنْزِلَةِ التَّحَرِّي كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ حَتَّى لَوْ ظَهَرَ غِنَاهُ لَمْ يُعَدَّ (قَوْلُهُ فَبَانَ أَنَّهُ عَبْدُهُ) أَيْ وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ نَهْرٌ وَجَوْهَرَةٌ وَهُوَ مُفَادٌ مِنْ مُقَابَلَتِهِ بِالْمُكَاتَبِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ الْمَدْفُوعُ عَنْ مِلْكِهِ وَالتَّمْلِيكُ رُكْنٌ (قَوْلُهُ: أَوْ مُكَاتَبُهُ) ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي كَسْبِهِ حَقًّا فَلَمْ يَتِمَّ التَّمْلِيكُ زَيْلَعِيٌّ. وَالْمُسْتَسْعِي كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا حُرٌّ مَدْيُونٌ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: أَوْ حَرْبِيٌّ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَطْلَقَ أَيْ فِي الْكَنْزِ الْكَافِرَ فَشَمِلَ الذِّمِّيَّ وَالْحَرْبِيَّ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِمَا فِي الْمُبْتَغَى. وَفِي الْمُحِيطِ فِي الْحَرْبِيِّ رِوَايَتَانِ، وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ صِفَةُ الْقُرْبَةِ أَصْلًا وَالْحَقُّ الْمَنْعُ. فَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ التُّحْفَةِ أَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ وَلَوْ مُسْتَأْمَنًا لَا يَجُوزُ وَكَذَا فِي الْمِعْرَاجِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ صِلَتَهُ لَا تَكُونُ بِرًّا شَرْعًا وَلِذَا لَمْ يَجُزْ التَّطَوُّعُ إلَيْهِ فَلَمْ يَقَعْ قُرْبَةً. اهـ. أَقُولُ: يُنَافِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا عَنْ الْمُحِيطِ عَنْ السِّيَرِ الْكَبِيرِ مِنْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ حَرْبِيًّا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مَعْنَاهُ لَا يَحْرُمُ بَلْ تَرْكُهُ أَوْلَى فَلَا يَكُونُ قُرْبَةً فَتَأَمَّلْ. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِابْنِ الشَّلَبِيِّ قَالَ فِي كِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ: دَفَعَ إلَى حَرْبِيٍّ خَطَأً ثُمَّ تَبَيَّنَ جَازَ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُهُ اهـ قَالَ الْأَقْطَعُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُهُ الْآخَرُ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فِي مُشْكِلَاتِ خُوَاهَرْ زَادَهْ الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا أَوْ حَرْبِيًّا تَجِبُ الْإِعَادَةُ اهـ وَنَصَّ فِي الْمُخْتَارِ عَلَى الْجَوَازِ وَإِطْلَاقُ الْكَنْزِ يَدُلُّ عَلَيْهِ اهـ كَلَامُ ابْنِ الشَّلَبِيِّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 لِمَا مَرَّ (وَإِنْ بَانَ غِنَاهُ أَوْ كَوْنُهُ ذِمِّيًّا أَوْ أَنَّهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ أَوْ امْرَأَتُهُ أَوْ هَاشِمِيٌّ لَا) يُعِيدُ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ، حَتَّى لَوْ دَفَعَ بِلَا تَحَرٍّ لَمْ يَجُزْ إنْ أَخْطَأَ. (وَكُرِهَ إعْطَاءُ فَقِيرٍ نِصَابًا) أَوْ أَكْثَرَ (إلَّا إذَا كَانَ) الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ (مَدْيُونًا أَوْ) كَانَ (صَاحِبَ عِيَالٍ) بِحَيْثُ (لَوْ فَرَّقَهُ عَلَيْهِمْ لَا يَخُصُّ كُلًّا) أَوْ لَا يَفْضُلُ بَعْدَ دَيْنِهِ (نِصَابٌ) فَلَا يُكْرَهُ فَتْحٌ. (وَ) كُرِهَ (نَقْلُهَا إلَّا إلَى قَرَابَةٍ) بَلْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَا تُقْبَلُ صَدَقَةُ الرَّجُلِ وَقَرَابَتُهُ مَحَاوِيجُ حَتَّى يَبْدَأَ بِهِمْ فَيَسُدَّ حَاجَتَهُمْ (أَوْ أَحْوَجَ)   [رد المحتار] قُلْت: وَكَذَا إطْلَاقُ الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى الْكَافِرُ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَقْطَعِ بَدَلٌ عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ إمَامِ الْمَذْهَبِ فَحِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ فَجَمِيعُ الصَّدَقَاتِ لَا تَجُوزُ لَهُ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: أَوْ كَوْنُهُ ذِمِّيًّا) عَدَلَ عَنْ تَعْبِيرِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بِالْكَافِرِ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: لَا يُعِيدُ) أَيْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ) أَيْ أَتَى بِالتَّمْلِيكِ الَّذِي هُوَ الرُّكْنُ عَلَى قَدْرِ وُسْعِهِ إذْ لَيْسَ مُكَلَّفًا إذَا دَفَعَ فِي ظُلْمَةٍ مَثَلًا بِأَنْ يَسْأَلَ عَنْ الْقَابِضِ مَنْ أَنْتَ، وَبِقَوْلِنَا أَتَى بِالتَّمْلِيكِ يَنْدَفِعُ مَا قَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَى عَبْدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ يَكُونُ آتِيًا بِمَا فِي وُسْعِهِ لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ الْحَرْبِيُّ لِحُصُولِ التَّمْلِيكِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ فِيهِ، وَالتَّعْلِيلُ بِعَدَمِ وُجُودِ صِفَةِ الْقُرْبَةِ مَحَلُّ نَظَرٍ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ دَفَعَ بِلَا تَحَرٍّ) أَيْ وَلَا شَكَّ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ بِأَنْ لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ أَنَّهُ مَصْرِفٌ أَوْ لَا، وَقَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ إنْ أَخْطَأَ أَيْ إنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ غَيْرُ مَصْرِفٍ فَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ فَهُوَ عَلَى الْجَوَازِ وَقَدَّمْنَا مَا لَوْ شَكَّ فَلَمْ يَتَحَرَّ أَوْ تَحَرَّى وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ غَيْرُ مَصْرِفٍ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الزَّاهِدِيِّ: وَلَا يَسْتَرِدُّ مِنْهُ لَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ عَبْدٌ أَوْ حَرْبِيٌّ وَفِي الْهَاشِمِيِّ رِوَايَتَانِ وَلَا يَسْتَرِدُّ فِي الْوَلَدِ وَالْغَنِيِّ وَهَلْ يَطِيبُ لَهُ؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَإِذَا لَمْ يَطِبْ قِيلَ يَتَصَدَّقُ وَقِيلَ يُرَدُّ عَلَى الْمُعْطِي. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ إعْطَاءُ فَقِيرٍ نِصَابًا أَوْ أَكْثَرَ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِإِعْطَاءِ قَدْرِ النِّصَابِ وَكُرِهَ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ جُزْءًا مِنْ النِّصَابِ مُسْتَحَقٌّ لِحَاجَتِهِ لِلْحَالِ وَالْبَاقِي دُونَهُ مِعْرَاجٌ وَبِهِ ظَهَرَ وَجْهُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا عَنْ هِشَامٍ قَالَ: سَأَلْت أَبَا يُوسُفَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ مِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِدِرْهَمَيْنِ قَالَ: يَأْخُذُ وَاحِدًا وَيَرُدُّ وَاحِدًا اهـ فَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ هُنَا غَيْرُ مُحَرَّرٍ فَتَدَبَّرْ وَبِهِ ظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ دَفْعَ مَا يُكَمِّلُ النِّصَابَ كَدَفْعِ النِّصَابِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ النِّصَابِ نَامِيًا أَوْ لَا حَتَّى لَوْ أَعْطَاهُ عُرُوضًا تَبْلُغُ نِصَابًا فَكَذَلِكَ وَلَا بَيْنَ كَوْنِهِ مِنْ النُّقُودِ أَوْ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ حَتَّى لَوْ أَعْطَاهُ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهَا نِصَابًا كُرِهَ لِمَا مَرَّ اهـ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَبْلُغُ بِدُونِ لَمْ وَالْأَنْسَبُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَوْ فَرَّقَهُ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْعِيَالِ، فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ أَوْ كَانَ صَاحِبَ عِيَالٍ قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ؛ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى تَصَدُّقٌ عَلَى عِيَالِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ لَا يَفْضُلُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَوْ فَرَّقَهُ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ مَدْيُونًا فَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ غَيْرُ مُرَتَّبٍ وَقَوْلُهُ: نِصَابٌ تَنَازَعَ فِيهِ يَخُصُّ وَيَفْضُلُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ نَقْلُهَا) أَيْ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ حَقِّ الْجِوَارِ فَكَانَ أَوْلَى زَيْلَعِيٌّ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ تَأَمَّلْ، فَلَوْ نَقَلَهَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَصْرِفَ مُطْلَقُ الْفُقَرَاءِ دُرَرٌ، وَيُعْتَبَرُ فِي الزَّكَاةِ مَكَانُ الْمَالِ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَاخْتُلِفَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: بَلْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) إضْرَابٌ انْتِقَالِيٌّ عَنْ عَدَمِ كَرَاهَةِ نَقْلِهَا إلَى الْقَرَابَةِ إلَى تَعْيِينِ النَّقْلِ إلَيْهِمْ، وَهَذَا نَقَلَهُ فِي مَجْمَعِ الْفَوَائِدِ مَعْزِيًّا لِلْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاَلَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَدَقَةً مِنْ رَجُلٍ وَلَهُ قَرَابَةٌ مُحْتَاجُونَ إلَى صِلَتِهِ وَيَصْرِفُهَا إلَى غَيْرِهِمْ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . اهـ. رَحْمَتِيٌّ وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْقَبُولِ عَدَمُ الْإِثَابَةِ عَلَيْهَا وَإِنْ سَقَطَ بِهَا الْفَرْضُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا سَدُّ خُلَّةِ الْمُحْتَاجِ وَفِي الْقَرِيبِ جَمَعَ بَيْنَ الصِّلَةِ وَالصَّدَقَةِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 أَوْ أَصْلَحَ أَوْ أَوْرَعَ أَوْ أَنْفَعَ لِلْمُسْلِمِينَ (أَوْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ إلَى طَالِبِ عِلْمٍ) وَفِي الْمِعْرَاجِ التَّصَدُّقُ عَلَى الْعَالِمِ الْفَقِيرِ أَفْضَلُ (أَوْ إلَى الزُّهَّادِ أَوْ كَانَتْ مُعَجَّلَةً) قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَلَا يُكْرَهُ خُلَاصَةٌ. (وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا لِأَهْلِ الْبِدَعِ) كَالْكَرَّامِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ مُشَبِّهَةٌ فِي ذَاتِ اللَّهِ وَكَذَا الشُّبْهَةُ فِي الصِّفَاتِ (فِي الْمُخْتَارِ) ؛ لِأَنَّ مُفَوِّتَ الْمَعْرِفَةِ مِنْ جِهَةِ الذَّاتِ يُلْحَقُ بِمُفَوِّتِ الْمَعْرِفَةِ مِنْ جِهَةِ الصِّفَاتِ مَجْمَعُ الْفَتَاوَى (كَمَا لَا يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاةِ الزَّانِي لِوَلَدِهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الزِّنَى وَكَذَا الَّذِي نَفَاهُ احْتِيَاطًا (إلَّا إذَا كَانَ) الْوَلَدُ (مِنْ ذَاتِ زَوْجٍ مَعْرُوفٍ) فَصُولَيْنِ وَالْكُلُّ فِي الْأَشْبَاه. (وَلَا) يَحِلُّ أَنْ (يَسْأَلَ) مِنْ الْقُوتِ (مَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ) بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقُوَّةِ   [رد المحتار] وَالْأَفْضَلُ إخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ ثُمَّ أَوْلَادُهُمْ ثُمَّ أَعْمَامُهُ وَعَمَّاتُهُ ثُمَّ أَخْوَالُهُ وَخَالَاتُهُ ثُمَّ ذَوُو أَرْحَامِهِ ثُمَّ جِيرَانُهُ ثُمَّ أَهْلُ سِكَّتِهِ ثُمَّ أَهْلُ بَلَدِهِ كَمَا فِي النَّظْمِ. اهـ. قُلْت: وَنَظَمَ ذَلِكَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ فُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ مِنْ فُقَرَاءِ دَارِ الْحَرْبِ بَحْرٌ. قُلْت: يَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانَ فِي دَفْعِهَا إعَانَةٌ عَلَى فَكِّ رِقَابِهِمْ مِنْ الْأَسْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمِعْرَاجِ إلَخْ) تَمَامُ عِبَارَتِهِ وَكَذَا عَلَى الْمَدْيُونِ الْمُحْتَاجِ (قَوْلُهُ: أَفْضَلُ) أَيْ مِنْ الْجَاهِلِ الْفَقِيرِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ خُلَاصَةٌ) عِبَارَتُهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ لَا يُكْرَهُ أَنْ يَنْقُلَ زَكَاةَ مَالِهِ الْمُعَجَّلَةَ قَبْلَ الْحَوْلِ لِفَقِيرٍ غَيْرِ أَحْوَجَ وَمَدْيُونٍ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا لِأَهْلِ الْبِدَعِ) عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا لِلْكَرَّامِيَّةِ إلَخْ فَالْمُرَادُ هُنَا بِالْبِدَعِ الْمُكَفِّرَاتُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَالْكَرَّامِيَّةِ) بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ وَقِيلَ بِالتَّخْفِيفِ وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِرْقَةٌ مِنْ الْمُشَبِّهَةِ نُسِبَتْ إلَى عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ كَرَّامٍ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَى أَنَّ مَعْبُودَهُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتِقْرَارٌ وَأَطْلَقَ اسْمَ الْجَوْهَرِ عَلَيْهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْمُبْطِلُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا مُغْرِبٌ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْمُشَبِّهَةُ فِي الصِّفَاتِ) هُمْ الَّذِينَ يُجَوِّزُونَ قِيَامَ الْحَوَادِثِ بِهِ تَعَالَى، فَيَجْعَلُونَ بَعْضَ صِفَاتِهِ حَادِثَةً كَصِفَاتِ الْحَوَادِثِ ط (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مُفَوِّتَ الْمَعْرِفَةِ إلَخْ) الْعِبَارَةُ مَقْلُوبَةٌ وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ: أَيْ غَيْرِ الْكَرَّامِيَّةِ مِنْ الْمُشَبِّهَةِ فِي الصِّفَاتِ أَقَلُّ حَالًا مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُشَبِّهَةٌ فِي الصِّفَاتِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مُفَوِّتَ الْمَعْرِفَةِ مِنْ جِهَةِ الصِّفَةِ مُلْحَقٌ بِمُفَوِّتِ الْمَعْرِفَةِ مِنْ جِهَةِ الذَّاتِ (قَوْلُهُ كَمَا لَا يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاةٍ إلَخْ) مِثْلُ الزَّكَاةِ كُلُّ صَدَقَةٍ وَاجِبَةٌ إلَّا خُمُسُ الرِّكَازِ ط عَنْ حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِأَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الَّذِي نَفَاهُ) كَوَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا نَفَاهُ كَذَا فِي الْبَحْرِ، وَمِثْلُهُ الْمَنْفِيُّ بِاللِّعَانِ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ وَهَلْ مِثْلُهُ وَلَدُ قِنَّتِهِ إذَا سَكَتَ عَنْهُ أَوْ نَفَاهُ فَلْيُرَاجَعْ ح. (قَوْلُهُ: احْتِيَاطًا) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ الْوَلَدُ إلَخْ) عَلَّلَهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ بِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْ النَّاكِحِ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي الصَّيْرَفِيَّةِ جَاءَتْ بِوَلَدٍ مِنْ الزِّنَى يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الزَّوْجِ لَا مِنْ الزَّانِي فِي الصَّحِيحِ، فَلَوْ دَفَعَ صَاحِبُ الْفِرَاشِ زَكَاتَهُ إلَى هَذَا الْوَلَدِ يَجُوزُ وَلَوْ دَفَعَ الزَّانِي لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. اهـ. فَقَدْ صَرَّحَ بِعَدَمِ جَوَازِ الدَّفْعِ إلَى وَلَدِهِ مِنْ الزِّنَى وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ مَعْرُوفٌ رَحْمَتِيٌّ عَنْ الْحَمَوِيِّ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَتَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِالزِّنَى مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا ذَاتُ زَوْجٍ لِيَخْرُجَ مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ لِكَوْنِ الْوَطْءِ حِينَئِذٍ وَطْءَ شُبْهَةٍ لَا زِنًى وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَخَرَجَ وَلَدُ الْمَنْعِيِّ إلَيْهَا زَوْجُهَا إذَا تَزَوَّجَتْ، ثُمَّ وَلَدَتْ ثُمَّ جَاءَ الْأَوَّلُ حَيًّا فَإِنَّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ الْأَوْلَادُ عَنْهُ لِلْأَوَّلِ وَمَعَ هَذَا يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَيْهِمْ وَشَهَادَتُهُمْ لَهُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ لِعَدَمِ الْفَرْعِيَّةِ ظَاهِرًا، وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ ذَلِكَ لِلثَّانِي لِوُجُودِ الْفَرْعِيَّةِ حَقِيقَةً وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ جَوَازُ ذَلِكَ لَهُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَرُوِيَ رُجُوعُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَلَيْهِ فَلِلْأَوَّلِ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ دُونَ الثَّانِي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْكُلُّ) أَيْ كُلُّ الْفُرُوعِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا لِأَهْلِ الْبِدَعِ إلَى هُنَا. (قَوْلُهُ: وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَسْأَلَ إلَخْ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 كَالصَّحِيحِ الْمُكْتَسِبِ وَيَأْثَمُ مُعْطِيهِ إنْ عَلِمَ بِحَالِهِ لِإِعَانَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّمِ (وَلَوْ سَأَلَ لِلْكِسْوَةِ) أَوْ لِاشْتِغَالِهِ عَنْ الْكَسْبِ بِالْجِهَادِ أَوْ طَلَبِ الْعِلْمِ (جَازَ) لَوْ مُحْتَاجًا. . [فُرُوعٌ] يُنْدَبُ دَفْعُ مَا يُغْنِيهِ يَوْمَهُ عَنْ السُّؤَالِ، وَاعْتِبَارُ حَالِهِ مِنْ حَاجَةٍ وَعِيَالٍ. وَالْمُعْتَبَرُ فِي الزَّكَاةِ فُقَرَاءُ مَكَانُ الْمَالِ، وَفِي الْوَصِيَّةِ مَكَانُ الْمُوصِي، وَفِي الْفِطْرَةِ مَكَانُ الْمُؤَدِّي عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ،   [رد المحتار] قُيِّدَ بِالسُّؤَالِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِدُونِهِ لَا يَحْرُمُ بَحْرٌ، وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ شَيْئًا مِنْ الْقُوتِ؛ لِأَنَّ لَهُ سُؤَالَ مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ غَيْرِ الْقُوتِ كَثَوْبٍ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. وَإِذَا كَانَ لَهُ دَارٌ يَسْكُنُهَا وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ: لَا يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ إذَا كَانَ يَكْفِيهِ مَا دُونَهَا مِعْرَاجٌ، ثُمَّ نَقَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ وَقَالَ وَهُوَ أَوْسَعُ وَبِهِ يُفْتَى (قَوْلُهُ: كَالصَّحِيحِ الْمُكْتَسَبِ) ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ بِصِحَّتِهِ وَاكْتِسَابِهِ عَلَى قُوتِ الْيَوْمِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَيَأْثَمُ مُعْطِيهِ إلَخْ) قَالَ الْأَكْمَلُ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ. وَأَمَّا الدَّفْعُ إلَى مِثْلِ هَذَا السَّائِلِ عَالِمًا بِحَالِهِ فَحُكْمُهُ فِي الْقِيَاسِ الْإِثْمُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْحَرَامِ، لَكِنَّهُ يُجْعَلُ هِبَةً وَبِالْهِبَةِ لِلْغَنِيِّ أَوْ لِمَنْ لَا يَكُونُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لَا يَكُونُ آثِمًا اهـ. أَيْ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيِّ هِبَةٌ كَمَا أَنَّ الْهِبَةَ لِلْفَقِيرِ صَدَقَةٌ لَكِنَّ فِيهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَنِيِّ مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا أَمَّا الْغَنِيُّ بِقُوتِ يَوْمِهِ فَلَا تَكُونُ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِ هِبَةً بَلْ صَدَقَةٌ فَمَا فَرَّ مِنْهُ وَقَعَ فِيهِ أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: لَكِنْ يُمْكِنُ دَفْعُ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ الدَّفْعَ لَيْسَ إعَانَةً عَلَى الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَةَ فِي الِابْتِدَاءِ إنَّمَا هِيَ بِالسُّؤَالِ وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الدَّفْعِ وَلَا يَكُونُ الدَّفْعُ إعَانَةً إلَّا لَوْ كَانَ الْأَخْذُ هُوَ الْمُحَرَّمَ فَقَطْ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّ الدَّفْعَ إلَى مِثْلِ هَذَا يَدْعُو إلَى السُّؤَالِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَبِالْمَنْعِ رُبَّمَا يَتُوبُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ: لِلْكِسْوَةِ) وَمِثْلُهَا أُجْرَةُ الْمَسْكَنِ وَمَرَمَّةُ الْبَيْتِ الضَّرُورِيَّةُ لَا مَا يَشْتَرِي بِهِ بَيْتًا فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: أَوْ لِاشْتِغَالِهِ عَنْ الْكَسْبِ بِالْجِهَادِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ لَهُ السُّؤَالَ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا مُكْتَسِبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: أَوْ طَلَبِ الْعِلْمِ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا بِقَوْلِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِهِ أَيْ بِالْغَازِي طَالِبُ الْعِلْمِ لِاشْتِغَالِهِ عَنْ الْكَسْبِ بِالْعِلْمِ، وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى أَبِيهِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا كَمَا لَوْ كَانَ زَمِنًا. [فُرُوعٌ فِي مَصْرِفِ الزَّكَاةِ] (قَوْلُهُ: وَاعْتِبَارُ حَالِهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ دَفْعَ مَا يُغْنِيهِ فِي ذَلِكَ عَنْ سُؤَالِ الْقُوتِ فَقَطْ، بَلْ عَنْ سُؤَالِ جَمِيعِ مَا يَحْتَاجُهُ فِيهِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ: وَأَصْلُ الْعِبَارَةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ وَنُدِبَ دَفْعُ مَا يُغْنِيهِ عَنْ سُؤَالِ ظَاهِرَةِ تَعَلُّقِ الْإِغْنَاءِ بِسُؤَالِ الْقُوتِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ فِي كُلِّ فَقِيرٍ مِنْ عِيَالٍ وَحَاجَةٍ أُخْرَى كَدُهْنٍ وَثَوْبٍ وَكِرَاءِ مَنْزِلٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْفَتْحِ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الزَّكَاةِ فُقَرَاءُ مَكَانِ الْمَالِ) أَيْ لَا مَكَانِ الْمُزَكِّي، حَتَّى لَوْ كَانَ هُوَ فِي بَلَدٍ وَمَالُهُ فِي آخَرَ يُفَرَّقُ فِي مَوْضِعِ الْمَالِ ابْنُ كَمَالٍ أَيْ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ بَحْرٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ فَرَّقَ فِي مَكَانِهِ نَفْسِهِ يُكْرَهُ كَمَا فِي مَسْأَلَةٍ نَقَلَهَا إلَى مَكَان آخَرَ. بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ لَمْ أَرَهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ مَعَ مُضَارِبٍ مَثَلًا فِي بَلْدَةٍ وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ هُنَاكَ ثُمَّ جَاءَ الْمُضَارِبُ بِالْمَالِ إلَى بَلْدَةِ رَبِّ الْمَالِ وَكَانَ لَمْ يُخْرِجْ زَكَاتَهُ فَهَلْ يُخْرِجْهَا إلَى فُقَرَاءِ بَلْدَتِهِ أَوْ إلَى فُقَرَاءِ الْبَلْدَةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا الْمَالُ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: فِي الْوَصِيَّةِ مَكَانَ الْمُوصِي) أَقُولُ: كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْفَتَاوَى لَكِنْ ذَكَرَ فِي وَصَايَا شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَوْصَى بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِثُلُثِ مَالِهِ فِي فُقَرَاءِ بَلَخ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِمْ وَإِنْ أَعْطَى غَيْرَهُمْ جَازَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ يُفْتَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَكَانَ الْمُؤَدِّي) أَيْ لَا مَكَانَ الرَّأْسِ الَّذِي يُؤَدِّي عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ) بَلْ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا فِي الْبَحْرِ فَكَانَ أَوْلَى مِمَّا فِي الْفَتْحِ مِنْ تَصْحِيحِ قَوْلِهِمَا بِاعْتِبَارِ مَكَانِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 وَأَنَّ رُءُوسَهُمْ تَبَعٌ لِرَأْسِهِ. دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى صِبْيَانِ أَقَارِبِهِ بِرَسْمِ عِيدٍ أَوْ إلَى مُبَشِّرٍ أَوْ مُهْدِي الْبَاكُورَةِ جَازَ إلَّا إذَا نَصَّ عَلَى التَّعْوِيضِ، وَلَوْ دَفَعَهَا لِأُخْتِهِ وَلَهَا عَلَى زَوْجِهَا مَهْرٌ يَبْلُغُ نِصَابًا وَهُوَ مَلِيءٌ مُقِرٌّ، وَلَوْ طَلَبْت لَا يَمْتَنِعُ عَنْ الْأَدَاءِ لَا تَجُوزُ وَإِلَّا جَازَ وَلَوْ دَفَعَهَا الْمُعَلِّمُ لِخَلِيفَتِهِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يَعْمَلُ لَهُ لَوْ لَمْ يُعْطِهِ وَإِلَّا لَا، وَلَوْ وَضَعَهَا عَلَى كَفِّهِ فَانْتَهَبَهَا الْفُقَرَاءُ جَازَ، وَلَوْ سَقَطَ مَالٌ فَرَفَعَهُ فَقِيرٌ فَرَضِيَ بِهِ جَازَ إنْ كَانَ يَعْرِفُهُ وَالْمَالُ الْقَائِمُ خُلَاصَةٌ.   [رد المحتار] وَقَالَ فِي الْمِنَحِ فِي آخِرِ بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ: الْأَفْضَلُ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْ عَبِيدِهِ وَأَوْلَادِهِ وَحَشَمِهِ حَيْثُ هُمْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ حَيْثُ هُوَ اهـ تَأَمَّلْ. قُلْت: لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة يُؤَدَّى عَنْهُمْ حَيْثُ هُوَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَمِثْلُهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ. (قَوْلُهُ: إلَى صِبْيَانِ أَقَارِبِهِ) أَيْ الْعُقَلَاءِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِالدَّفْعِ إلَى وَلِيِّ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ: بِرَسْمِ عِيدٍ) أَيْ عَادَةِ عِيدٍ ح (قَوْلُهُ: أَوْ مُهْدِي الْبَاكُورَةِ) هِيَ الثَّمَرَةُ الَّتِي تُدْرِكُ أَوَّلًا قَامُوسٌ، وَقَيَّدَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِاَلَّتِي لَا تُسَاوِي شَيْئًا، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَوْ لَهَا قِيمَةٌ لَمْ يَصِحَّ عَنْ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُهْدِيَ لَمْ يَدْفَعْهَا إلَّا لِلْعِوَضِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُهَا إلَّا بِدَفْعِ مَا يَرْضَى بِهِ الْمُهْدِي وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ يَصِحُّ عَنْ الزَّكَاةِ. ثُمَّ رَأَيْت ط ذَكَرَ مِثْلَهُ وَزَادَ إلَّا أَنْ يُنَزَّلَ الْمُهْدِي مَنْزِلَةَ الْوَاهِبِ اهـ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا أَخْذَ الْعِوَضِ وَإِنَّمَا جَعَلَهُ وَسِيلَةً لِلصَّدَقَةِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ بِمَا دَفَعَ وَلِذَا لَا يُعَدُّ مَا يَأْخُذُهُ عِوَضًا عَنْهَا بَلْ صَدَقَةٌ لَكِنَّ الْآخِذَ لَوْ لَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا لَا يَرْضَى بِتَرْكِهَا لَهُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِمَا دَفَعَهُ الزَّكَاةَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَلَا تَبْقَى ذِمَّتُهُ مَشْغُولَةً بِقَدْرِ قِيمَتِهَا أَوْ أَكْثَرَ إذَا كَانَ لَهَا قِيمَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُهْدِيَ وَصَلَ إلَى غَرَضِهِ مِنْ الْهِدَايَةِ، سَوَاءٌ كَانَ مَا أَخَذَهُ زَكَاةً أَوْ صَدَقَةً نَافِلَةً وَيَكُونُ حِينَئِذٍ رَاضِيًا بِتَرْكِ الْهَدِيَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ إذَا نَصَّ عَلَى التَّعْوِيضِ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ إذَا سَمَّى الزَّكَاةَ قَرْضًا لَا تَصِحُّ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُهُ، وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا نَوَاهَا صَحَّتْ وَإِنْ نَصَّ عَلَى التَّعْوِيضِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إذَا نَصَّ عَلَى التَّعْوِيضِ يَصِيرُ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ وَالْمَلْحُوظُ إلَيْهِ فِي الْعُقُودِ هُوَ الْأَلْفَاظُ دُونَ النِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ وَالصَّدَقَةُ تُسَمَّى قَرْضًا مَجَازًا مَشْهُورٌ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فَيَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ لَفْظِ الْعِوَضِ إذْ لَا عَمَلَ لِلنِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ مَعَ اللَّفْظِ الْغَيْرِ الصَّالِحِ لَهَا وَلِذَا فَصَّلَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: إنْ تَأَوَّلَ الْقَرْضَ بِالزَّكَاةِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ دَفَعَهَا لِأُخْتِهِ إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَابْنِ السَّبِيلِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْعِوَضِ ط وَفِيهِ أَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَى مُهْدِي الْبَاكُورَةِ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ النِّيَّةِ، وَنَظِيرُهُ مَا مَرَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ فِيمَا لَوْ دَفَعَ إلَى مَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِنَفَقَتِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ عَنْ الزَّكَاةِ إنْ احْتَسَبَهُ مِنْ النَّفَقَةِ وَإِنْ احْتَسَبَهُ مِنْ الزَّكَاةِ يُجْزِيهِ، وَقِيلَ لَا كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة لَكِنْ فِيهَا أَيْضًا قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ فِي يَدِ الْمُودَعِ وَأَدَّى إلَى صَاحِبِهَا ضَمَانَهَا وَنَوَى عَنْ زَكَاةِ مَالِهِ قَالَ إنْ أَدَّى لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ لَا تُجْزِيهِ عَنْ الزَّكَاةِ اهـ فَتَأَمَّلْ. وَفِيهَا مِنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لَوْ دَفَعَهَا إلَى الطَّبَّالِ الَّذِي يُوقِظُهُمْ فِي السَّحَرِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ وَقَدْ قَالَ مَشَايِخُنَا الْأَحْوَطُ وَالْأَبْعَدُ عَنْ الشُّبْهَةِ أَنْ يُقَدِّمَ إلَيْهِ أَوَّلًا مَا يَكُونُ هَدِيَّةً ثُمَّ يَدْفَعُ إلَيْهِ الْحِنْطَةَ (قَوْلُهُ: جَازَ) وَيَكُونُ تَمْلِيكًا لَهُمْ وَالنِّيَّةُ سَابِقَةٌ عِنْدَ الْعَزْلِ وَكَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ ثُمَّ بَعْدَ انْتِهَابِهِ وَهُوَ قَائِمٌ فِي يَدِ الْفُقَرَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ. قُلْت: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ الِانْتِهَابُ بِرِضَاهُ لِاشْتِرَاطِ اخْتِيَارِ الدَّفْعِ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ كَمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْبُغَاةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ يَعْرِفُهُ) أَيْ يَعْرِفُ شَخْصَهُ لِئَلَّا يَكُونَ تَمْلِيكًا لِمَجْهُولٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْرِفْهُ بِأَنْ جَاءَ إلَى مَوْضِعِ الْمَالِ فَلَمْ يَجِدْهُ وَأَخْبَرَهُ أَحَدٌ بِأَنَّهُ رَفَعَهُ فَقِيرٌ لَا يَعْرِفُهُ وَرَضِيَ الْمَالِكُ بِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ إبَاحَةً وَالشَّرْطُ فِي الزَّكَاةِ التَّمْلِيكُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْمَالُ قَائِمٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَضِيَ بِذَلِكَ بَعْدَمَا اسْتَهْلَكَ الْفَقِيرُ الْمَالَ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ كَمَا مَرَّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ لِشَرْطِهِ وَالْفِطْرُ لَفْظٌ إسْلَامِيٌّ وَالْفِطْرَةُ مُوَلَّدٌ، بَلْ قِيلَ لَحْنٌ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ: الْأَفْضَلُ عَلَى أَنْ يَنْوِيَ بِالصَّدَقَةِ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [خَاتِمَةٌ] اعْلَمْ أَنَّ الصَّدَقَةَ تُسْتَحَبُّ بِفَاضِلٍ عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مَنْ يَمُونُهُ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِمَا يُنْقِصُ مُؤْنَةَ مَنْ يَمُونُهُ أَثِمَ، وَمَنْ أَرَادَ التَّصَدُّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ وَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنُ التَّوَكُّلِ وَالصَّبْرِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ، وَيُكْرَهُ لِمَنْ لَا صَبْرَ لَهُ عَلَى الضِّيقِ أَنْ يُنْقِصَ نَفَقَةَ نَفْسِهِ عَنْ الْكِفَايَةِ التَّامَّةِ كَذَا فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ الْأَفْضَلُ لِمَنْ يَتَصَدَّقُ نَفْلًا أَنْ يَنْوِيَ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؛ لِأَنَّهَا تَصِلُ إلَيْهِمْ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ اهـ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ] ِ وَجْهُ مُنَاسَبَتِهَا بِالزَّكَاةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ الْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ وَأَوْرَدَهَا فِي الْمَبْسُوطِ بَعْدَ الصَّوْمِ بِاعْتِبَارِ تَرْتِيبِ الْوُجُودِ أَوْرَدَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا رِعَايَةً لِجَانِبِ الصَّدَقَةِ وَرَجَّحَهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكَلَامِ الْمُضَافُ لَا الْمُضَافُ إلَيْهِ خُصُوصًا إذَا كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ شَرْطًا وَحَقُّهَا أَنْ تُقَدَّمَ عَلَى الْعُشْرِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَهَذِهِ بِالْعَكْسِ إلَّا أَنَّهُ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَهِيَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الزَّكَاةِ، وَالْمُرَادُ بِالْفِطْرِ يَوْمُهُ لَا الْفِطْرُ اللُّغَوِيُّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَسُمِّيَتْ صَدَقَةً وَهِيَ الْعَطِيَّةُ الَّتِي يُرَادُ بِهَا الْمَثُوبَةُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهَا تُظْهِرُ صِدْقَ الرَّجُلِ كَالصَّدَاقِ يُظْهِرُ صِدْقَ الرَّجُلِ فِي الْمَرْأَةِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ: مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ لِشَرْطِهِ) الْمُرَادُ بِالْحُكْمِ وُجُوبُ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ فَيَكُونُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي شَرْطُهُ الْفِطْرُ لَا نَفْسُ الْوُجُوبِ الَّذِي مَنَاطُهُ وُجُودُ السَّبَبِ وَهُوَ الرَّأْسُ ح. وَفِي الْبَحْرِ وَالْإِضَافَةُ فِيهَا مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ وَهُوَ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ وَهُوَ الرَّأْسُ اهـ أَيْ؛ لِأَنَّهَا عَلَى الْأَوَّلِ لِأَدْنَى مُنَاسَبَةٍ مِثْلُ كَوْكَبِ الْخَرْقَاءِ وَعَلَى الثَّانِي بِمَعْنَى اللَّامِ الِاخْتِصَاصِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَالْفِطْرُ لَفْظٌ إسْلَامِيٌّ) اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ كَأَنَّهُ مِنْ الْفِطْرَةِ بِمَعْنَى الْخِلْقَةِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْفِطْرَ الْمُضَافَ إلَيْهِ الصَّدَقَةُ الَّذِي هُوَ اسْمٌ لِلْيَوْمِ الْمَخْصُوصِ لَفْظٌ شَرْعِيٌّ أَيْ إطْلَاقُهُ عَلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ بِخُصُوصِهِ اصْطِلَاحٌ شَرْعِيٌّ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْفِطْرَ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الصَّوْمِ لُغَوِيٌّ مُسْتَعْمَلٌ قَبْلَ الشَّرْعِ أَوْ مُرَادُهُ لَفْظُ الْفِطْرَةِ بِالتَّاءِ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ فَفِي النَّهْرِ عَنْ شَرْحِ الْوِقَايَةِ أَنَّ لَفْظَ الْوَاقِعِ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ مُوَلَّدٌ حَتَّى عَدَّهُ بَعْضُهُمْ مِنْ لَحْنِ الْعَامَّةِ. اهـ. أَيْ أَنَّ الْفِطْرَةَ الْمُرَادَ بِهَا الصَّدَقَةُ غَيْرُ لُغَوِيَّةٍ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَأْتِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَأَمَّا مَا فِي الْقَامُوسِ مِنْ أَنَّ الْفِطْرَةَ بِالْكَسْرِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَالْخِلْقَةِ فَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَخْرَجَ لَمْ يُعْلَمْ إلَّا مِنْ الشَّارِعِ وَقَدْ عُدَّ مِنْ غَلَطِ الْقَامُوسِ مَا يَقَعُ كَثِيرًا فِيهِ مِنْ خَلْطِ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ بِاللُّغَوِيَّةِ اهـ لَكِنْ فِي الْمُغْرِبِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ: الْفِطْرَةُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ فَمَعْنَاهَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَقَدْ جَاءَتْ فِي عِبَارَاتِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ مِنْ طَرِيقِ اللُّغَةِ وَإِنْ لَمْ أَجِدْهَا فِيمَا عِنْدِي مِنْ الْأُصُولِ اهـ وَفِي تَحْرِير النَّوَوِيِّ: هِيَ اسْمٌ مُوَلَّدٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 وَأَمَرَ بِهَا فِي السَّنَةِ الَّتِي فُرِضَ فِيهَا رَمَضَانُ قَبْلَ الزَّكَاةِ وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَخْطُبُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ يَأْمُرُ بِإِخْرَاجِهَا ذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ (تَجِبُ) وَحَدِيثِ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ» مَعْنَاهُ قَدَّرَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مُنْكِرَهَا لَا يَكْفُرُ (مُوَسَّعًا فِي الْعُمْرِ) عِنْدَ أَصْحَابِنَا   [رد المحتار] وَلَعَلَّهَا مِنْ الْفِطْرَةِ الَّتِي هِيَ الْخِلْقَةُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَبْهَرُ مَعْنَاهَا زَكَاةُ الْخِلْقَةِ كَأَنَّهَا زَكَاةُ الْبَدَنِ. اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ وَقَوْلُهُمْ: تَجِبُ الْفِطْرَةُ الْأَصْلُ تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرَةِ وَهِيَ الْبَدَنُ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ وَاسْتَغْنَى بِهِ فِي الِاسْتِعْمَالِ لِفَهْمِ الْمَعْنَى. اهـ. وَمَشَى عَلَيْهِ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَلِهَذَا نَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا تُسَمَّى صَدَقَةَ الرَّأْسِ وَزَكَاةَ الْبَدَنِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ لَفْظَ الْفِطْرَةِ بِالتَّاءِ لَا شَكَّ فِي لُغَوِيَّتِهِ وَمَعْنَاهُ الْخِلْقَةُ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي إطْلَاقِهِ مُرَادًا بِهِ الْمَخْرَجُ فَإِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ بِدُونِ تَقْدِيرٍ فَهُوَ اصْطِلَاحٌ شَرْعِيٌّ مُوَلَّدٌ، وَأَمَّا مَعَ تَقْدِيرِ الْمُضَافِ فَالْمُرَادُ بِهَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَلَعَلَّ هَذَا وَجْهُ الصِّحَّةِ الَّذِي أَرَادَهُ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ، وَأَمَّا لَفْظُ الْفِطْرِ بِدُونِ تَاءٍ فَلَا كَلَامَ فِي أَنَّهُ مَعْنًى لُغَوِيٌّ وَبِهَذَا تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ تَبَعًا لِلنَّهْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَأَمَرَ بِهَا) أَيْ بِإِخْرَاجِهَا. وَفِي حَاشِيَةِ نُوحٍ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ فَرْضَ صِيَامِ رَمَضَانَ فِي شَعْبَانَ بَعْدَ مَا حُوِّلَتْ الْقِبْلَةُ إلَى الْكَعْبَةِ وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِزَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمَيْنِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ زَكَاةُ الْأَمْوَالِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَلِهَذَا قِيلَ إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ خِلَافَهُ اهـ (قَوْلُهُ: وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، قَالَ «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ فَقَالَ أَدُّوا صَاعًا مِنْ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ» فَتْحٌ. قَالَ ط: وَبِهَذَا يَتَقَوَّى مَا بَحَثَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ سَابِقًا فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ أَحْكَامُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فِي خُطْبَةٍ قَبْلَ يَوْمِ الْعِيدِ لِأَجْلِ أَنْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ إخْرَاجِهَا قَبْلَ الذَّهَابِ إلَى الْمُصَلَّى (قَوْلُهُ: وَحَدِيثُ فَرَضَ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى فَرْضِيَّتِهَا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ» فَتْحٌ (قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ قَدَّرَ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهُ أَحَدُ مَعَانِي الْفَرْضِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]- وَيُقَالُ فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ وَهَذَا الْجَوَابُ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ. وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الثَّابِتَ بِظَنِّيٍّ يُفِيدُ الْوُجُوبَ وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الِافْتِرَاضَ الَّذِي يُثْبِتُهُ الشَّافِعِيَّةُ لَيْسَ عَلَى وَجْهٍ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ فَهُوَ مَعْنَى الْوُجُوبِ عِنْدَنَا، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْفَرْضَ فِي اصْطِلَاحِهِمْ أَعَمُّ مِنْ الْوَاجِبِ فِي عُرْفِنَا فَأَطْلَقُوهُ عَلَى أَحَدِ جُزْأَيْهِ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى الْوُجُوبِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْضِ مَا هُوَ عُرْفُنَا أَيْ مَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ؛ لِأَنَّ ذَاكَ إذَا نُقِلَ الْإِجْمَاعُ تَوَاتُرًا لِيَكُونَ قَطْعِيًّا أَوْ كَانَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ كَالْخُمُسِ لَا إذَا كَانَ ظَنِّيًّا، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مُنْكِرَ وُجُوبِهَا لَا يَكْفُرُ، فَكَانَ الْمُتَيَقَّنُ الْوُجُوبَ بِالْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ عِنْدَنَا اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ فَرْضٌ يُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عِنْدَنَا لِلْقَطْعِ بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ بِطَرِيقٍ قَطْعِيٍّ فَيَكُونُ مِثْلَهُ وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ الْوَاجِبَ لَمْ يَكُنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 وَهُوَ الصَّحِيحُ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْأَمْرَ بِأَدَائِهَا مُطْلَقُ الزَّكَاةِ عَلَى قَوْلٍ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ مَاتَ فَأَدَّاهَا وَارِثُهُ جَازَ (وَقِيلَ مُضَيَّقًا فِي يَوْمِ الْفِطْرِ عَيْنًا) فَبَعْدَهُ يَكُونُ قَضَاءً وَاخْتَارَهُ الْكَمَالُ فِي تَحْرِيرِهِ وَرَجَّحَهُ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ (عَلَى كُلِّ) حُرٍّ (مُسْلِمٍ) وَلَوْ صَغِيرًا مَجْنُونًا،   [رد المحتار] فِي عَصْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْمَنَارِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ) هُوَ مَا عَلَيْهِ الْمُتُونُ بِقَوْلِهِمْ وَصَحَّ لَوْ قَدَّمَ أَوْ أَخَّرَ (قَوْلُهُ: مُطْلَقُ) أَيْ عَنْ الْوَقْتِ فَتَجِبُ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِهِ فِعْلًا أَوْ آخِرَ الْعُمْرِ، فَفِي أَيِّ وَقْتٍ أَدَّى كَانَ مُؤَدِّيًا لَا قَاضِيًا كَمَا فِي سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ الْمُوَسَّعَةِ غَيْرَ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ» بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ: وَافْتِرَاضُهَا عُمْرِيٌّ إلَخْ (قَوْلُهُ: جَازَ) فِي الْجَوْهَرَةِ: إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ أَوْ فِطْرَةٌ أَوْ كَفَّارَةٌ أَوْ نَذْرٌ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْ تَرِكَتِهِ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ وَرَثَتُهُ بِذَلِكَ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ وَلَمْ يُجِيزُوا عَلَيْهِ وَإِنْ أَوْصَى تَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ مُضَيِّقًا) مُقَابِلُ الصَّحِيحِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَقْتَ أَدَائِهَا يَوْمَ الْفِطْرِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ، فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى مَضَى الْيَوْمُ سَقَطَتْ كَالْأُضْحِيَّةِ بَدَائِعُ، وَمِثْلُهُ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَرَجَّحَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ أَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُقَيَّدِ بِالْوَقْتِ لَا الْمُطْلَقِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ» فَبَعْدَهُ قَضَاءً وَتَبِعَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي بَحْرِهِ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَنَارِ أَنَّهُ تَرْجِيحٌ لِمَا قَابَلَ الصَّحِيحَ. اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ خَارِجٌ عَنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهَا قَضَاءً بِمُضِيِّ يَوْمِهَا غَيْرُ الْقَوْلِ بِسُقُوطِهَا بِهِ. وَقَدْ رَدَّهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَجِّلُونَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ كَانَ بِإِذْنِهِ وَعِلْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْهُمَامِ نَفْسُهُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ التَّقْيِيدِ بِالْيَوْمِ إذْ لَوْ تَقَيَّدَ بِهِ لَمْ يَصِحَّ قَبْلَهُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَالْأُضْحِيَّةِ. اهـ. وَمَا قِيلَ فِي الْجَوَابِ إنَّهُ تَعْجِيلٌ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ فَيَجُوزُ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ، فَهُوَ مُؤَكِّدٌ لِلِاعْتِرَاضِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى جَوَازِ التَّعْجِيلِ وَعَلَى عَدَمِ التَّوْقِيتِ إذْ لَوْ كَانَ مُؤَقَّتًا لَمْ يَجُزْ تَعْجِيلُهُ قَبْلَ وَقْتِهِ وَإِنْ وُجِدَ سَبَبُهُ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ شَرْطُهُ كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الْحَجِّ قَبْلَ وَقْتِهِ وَإِنْ وُجِدَ سَبَبُهُ وَهُوَ الْبَيْتُ، عَلَى أَنَّ قِيَاسَ تَعْجِيلِ الْفِطْرَةِ عَلَى الزَّكَاةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ الْفَتْحِ فَافْهَمْ. وَالْأَمْرُ فِي حَدِيثِ أَغْنُوهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَصَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِعَدَمِ كَرَاهَةِ التَّأْخِيرِ أَيْ تَحْرِيمًا كَمَا فِي النَّهْرِ وَسَيَأْتِي لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ لِنُقْصَانِ ثَوَابِهَا فَصَارَتْ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّدَقَاتِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ بِسُقُوطِهَا؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ ظَاهِرِهِ يُؤَدِّي إلَى سُقُوطِهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ الْأَدَاءُ فِي بَاقِي الْيَوْمِ، وَلَيْسَ هَذَا قَوْلُهُ فَهُوَ مَصْرُوفٌ عَنْهُ عِنْدَهُ أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِسُقُوطِهَا بِمُضِيِّ الْيَوْمِ لَا بِمُضِيِّ الصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: فَبَعْدَهُ يَكُونُ قَضَاءً) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّضْيِيقِ هُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بِسُقُوطِهَا بِمُضِيِّ الْيَوْمِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَصَرَّحَ بِهِ شُرَّاحُهَا وَغَيْرُهُمْ، وَأَنَّ هَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِهِ سِوَى ابْنِ الْهُمَامِ وَعَلِمْت مَا فِيهِ فَفِي هَذَا التَّفْرِيعِ نَظَرٌ. (قَوْلُهُ: عَلَى كُلِّ حُرٍّ مُسْلِمٍ) فَلَا تَجِبُ عَلَى رَقِيقٍ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ التَّمْلِيكِ مِنْهُ، وَلَا عَلَى كَافِرٍ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَالْكُفْرُ يُنَافِيهَا نَهْرٌ، وَلَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ وَلَوْ لَهُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ أَوْ وَلَدٌ مُسْلِمٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَغِيرًا مَجْنُونًا) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: أَوْ مَجْنُونًا بِالْعَطْفِ بِأَوْ وَفِي بَعْضِهَا بِالْوَاوِ، وَهَذَا لَوْ كَانَ لَهُمَا مَالٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ. وَأَمَّا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَلَيْسَا مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، حَتَّى تَجِبَ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إذَا كَانَ لَهُمَا مَالٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 حَتَّى لَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا وَلِيُّهُمَا وَجَبَ الْأَدَاءُ بَعْدَ الْبُلُوغِ (ذِي نِصَابٍ فَاضِلٍ عَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ) كَدَيْنِهِ وَحَوَائِجِ عِيَالِهِ (وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ) كَمَا مَرَّ (وَبِهِ) أَيْ بِهَذَا النِّصَابِ (تَحْرُمُ الصَّدَقَةُ) كَمَا مَرَّ، وَتَجِبُ الْأُضْحِيَّةُ وَنَفَقَةُ الْمَحَارِمِ عَلَى الرَّاجِحِ (وَ) إنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ النُّمُوُّ؛ لِأَنَّ (وُجُوبَهَا بِقُدْرَةٍ مُمْكِنَةٍ) هِيَ مَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ فَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهَا لِبَقَاءِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ مَحْضٌ (لَا) بِقُدْرَةٍ (مُيَسَّرَةٍ) هِيَ مَا يَجِبُ   [رد المحتار] وَيُخْرِجُهَا الْوَلِيُّ مِنْ مَالِهِمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا تَجِبُ فَيَضْمَنُهَا الْأَبُ وَالْوَصِيُّ لَوْ أَدَّيَاهَا مِنْ مَالِهِمَا اهـ وَكَمَا تَجِبُ فِطْرَتُهُمَا تَجِبُ فِطْرَةُ رَقِيقِهِمَا مِنْ مَالِهِمَا كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ وَالْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا وَلِيُّهُمَا) أَيْ مِنْ مَالِهِمَا. فَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الصَّبِيَّ الْغَنِيَّ إذَا لَمْ يُخْرِجْ وَلِيُّهُ عَنْهُ فَعَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ. اهـ. قُلْت: فَلَوْ كَانَا فَقِيرَيْنِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمَا بَلْ عَلَى مَنْ يَمُونُهُمَا كَمَا يَأْتِي. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤَدِّهَا عَنْهُمَا مِنْ مَالِهِ لَا يَلْزَمُهُمَا الْأَدَاءُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْبُلُوغِ) أَيْ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ فِي الْمَجْنُونِ ح. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَنْمُ) يُقَالُ نَمَا يَنْمِي وَيَنْمُو كَذَا فِي الْإِسْقَاطِيِّ فَهُوَ مَجْزُومٌ بِحَذْفِ الْيَاءِ أَوْ الْوَاوِ ط (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ: وَغَنِيٌّ يَمْلِكُ قَدْرَ نِصَابٍ وَقَدَّمْنَا بَيَانَهُ ثَمَّةَ (قَوْلُهُ: تَحْرُمُ الصَّدَقَةُ) أَيْ الْوَاجِبَةُ أَمَّا النَّافِلَةُ فَإِنَّمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ سُؤَالُهَا، وَإِذَا كَانَ النِّصَابُ الْمَذْكُورُ مُسْتَغْرَقًا بِحَاجَتِهِ، فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ وَلَا يَجِبُ بِهِ مَا بَعْدَهَا (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ أَيْضًا وَغَنِيٌّ (قَوْلُهُ: وَنَفَقَةُ الْمَحَارِمِ) أَيْ الْفُقَرَاءِ الْعَاجِزِينَ عَنْ الْكَسْبِ أَوْ الْإِنَاثِ إذَا كُنَّ فَقِيرَاتٍ، وَقُيِّدَ بِهِمْ لِإِخْرَاجِ الْأَبَوَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ فَإِنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ يُدْخِلُهُمَا فِي نَفَقَتِهِ إذَا كَانَ كَسُوبًا (قَوْلُهُ هِيَ مَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ) اعْتَرَضَ بِأَنَّ هَذَا تَعْرِيفٌ لِلْوَاجِبِ الْمَشْرُوطِ بِالْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ بِكَسْرِ الْكَافِ الْمُشَدَّدَةِ، وَعَرَّفَهَا فِي التَّوْضِيحِ بِأَدْنَى مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ الْمَأْمُورُ مِنْ أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ غَالِبًا، ثُمَّ فَسَّرَهَا بِسَلَامَةِ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ، وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا مِنْهَا الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ فِي الْحَجِّ، فَإِنَّهُمَا مِنْ الْآلَاتِ الَّتِي هِيَ وَسَائِطُ فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ مَعَ أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْحَجِّ بِدُونِهِمَا لَكِنْ بِحَرَجٍ عَظِيمٍ فِي الْغَالِبِ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ وَكَذَا النِّصَابُ الْغَيْرُ النَّامِي فِي الْفِطْرَةِ فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إخْرَاجِهَا بِدُونِهِ لَكِنْ بِحَرَجٍ فِي الْغَالِبِ. قَالَ فِي التَّلْوِيحِ وَهَذِهِ الْقُدْرَةُ شَرْطٌ لِأَدَاءِ كُلِّ وَاجِبٍ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ الَّتِي يَمْتَنِعُ التَّكْلِيفُ بِدُونِهَا هِيَ مَا يَكُونُ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ فَاشْتِرَاطُ سَلَامَةِ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ قَبْلَ الْفِعْلِ يَكُونُ فَضْلًا مِنْهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ: فَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهَا) أَيْ بَقَاءُ هَذِهِ الْقُدْرَةِ وَهِيَ النِّصَابُ هُنَا حَتَّى لَوْ هَلَكَ بَعْدَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لَا تَسْقُطُ الْفِطْرَةُ، وَكَذَا هَلَاكُ الْمَالِ فِي الْحَجِّ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ مَحْضٌ) أَيْ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ بِخِلَافِ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: مُيَسِّرَةٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُشَدَّدَةِ (قَوْلُهُ هِيَ مَا يَجِبُ إلَخْ) فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ وَهِيَ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ مَا يُوجِبُ يُسْرَ الْأَدَاءِ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ مَا ثَبَتَ الْإِمْكَانُ بِالْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ فَهِيَ كَرَامَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ، وَلِهَذَا شُرِطَتْ فِي أَكْثَرِ الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ الَّتِي أَدَاؤُهَا أَشَقُّ عَلَى النَّفْسِ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَذَلِكَ كَالنَّمَاءِ فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّ الْأَدَاءَ مُمْكِنٌ بِدُونِهِ إلَّا أَنْ يَصِيرَ بِهِ أَيْسَرَ حَيْثُ لَا يَنْقُصُ أَصْلُ الْمَالِ وَإِنَّمَا يَفُوتُ بَعْضُ النَّمَاءِ. ثُمَّ الْقُدْرَةُ الْمُمْكِنَةُ لَمَّا كَانَتْ شَرْطًا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ وَإِحْدَاثِهِ كَانَتْ شَرْطًا مَحْضًا لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ بَقَاؤُهَا لِبَقَاءِ الْوَاجِبِ إذْ الْبَقَاءُ غَيْرُ الْوُجُودِ وَشَرْطُ الْوُجُودِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِلْبَقَاءِ كَالشُّهُودِ فِي النِّكَاحِ شَرْطٌ لِلِانْعِقَادِ دُونَ الْبَقَاءِ، بِخِلَافِ الْمُيَسِّرَةِ فَإِنَّهَا شُرِطَ فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّهَا غَيَّرَتْ صِفَةَ الْوَاجِبِ مِنْ الْعُسْرِ إلَى الْيُسْرِ إذْ جَازَ أَنْ يَجِبَ بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ لَكِنْ بِصِفَةِ الْعُسْرِ فَأَثَّرَتْ فِيهِ الْقُدْرَةُ الْمُيَسِّرَةُ وَأَوْجَبَتْهُ بِصِفَةِ الْيُسْرِ فَيُشْتَرَطُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 بَعْدَ التَّمَكُّنِ بِصِفَةِ الْيُسْرِ، فَغَيَّرْته مِنْ الْعُسْرِ إلَى الْيُسْرِ فَيُشْتَرَطُ بَقَاؤُهَا؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ وَقَدْ حَرَّرْنَاهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْمَنَارِ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ (فَلَا تَسْقُطُ) الْفِطْرَةُ وَكَذَا الْحَجُّ (بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَ الْوُجُوبِ) كَمَا لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِمَوْتِ الشُّهُودِ (بِخِلَافِ الزَّكَاةِ) وَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ لِاشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْمَيْسَرَةِ (عَنْ نَفْسِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَجِبُ وَإِنْ لَمْ يَصُمْ لِعُذْرٍ (وَطِفْلِهِ الْفَقِيرِ) وَالْكَبِيرِ الْمَجْنُونِ، وَلَوْ تَعَدَّدَ الْآبَاءُ فَعَلَى كُلٍّ فِطْرَةٍ   [رد المحتار] دَوَامُهَا نَظَرًا إلَى مَعْنَى الْعِلِّيَّةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ بَقَاءُ الْحُكْمِ بِدُونِهَا إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْيُسْرُ بِدُونِ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ وَالْوَاجِبُ لَا يَبْقَى بِدُونِ صِفَةِ الْيُسْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَلِهَذَا اُشْتُرِطَ بَقَاءُ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ دُونَ الْمُمْكِنَةِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ النَّظَرِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ إذْ الْفِعْلُ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْإِمْكَانِ وَيُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْيُسْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَغَيَّرَتْهُ إلَخْ) أَيْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ بِصِفَةِ الْعُسْرِ أَيْ بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ كَمَا مَرَّ فَلَمَّا وَجَبَ بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ فَكَأَنَّهُ تَغَيَّرَ مِنْ الْعُسْرِ إلَى الْيُسْرِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ) أَيْ وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا ط (قَوْلُهُ: ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْقُدْرَتَيْنِ (قَوْلُهُ: فَلَا تَسْقُطُ الْفِطْرَةُ) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بِالْمُيَسِّرَةِ بَلْ بِالْمُمْكِنَةِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحَجُّ) ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ وَهُوَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ قُدْرَةٌ مُمْكِنَةٌ إذْ الْمُيَسِّرَةُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِمَرَاكِبَ وَأَعْوَانٍ وَخَدَمٍ وَلَيْسَتْ شَرْطًا بِالْإِجْمَاعِ ط. (قَوْلُهُ كَمَا لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّلْوِيحِ مِنْ أَنَّ الْمُمْكِنَةَ شَرْطٌ لِلِابْتِدَاءِ لَا لِلْبَقَاءِ كَالشُّهُودِ فِي النِّكَاحِ، فَلَا يَسْقُطُ الْوَاجِبُ بِزَوَالِهَا بِخِلَافِ الْمُيَسِّرَةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ) فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَ الْحَوْلِ، يَعْنِي سَوَاءٌ تَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ عَلَّقَ الْوُجُوبَ بِقُدْرَةٍ مُيَسِّرَةٍ وَالْمُعَلَّقُ بِقُدْرَةٍ مُيَسِّرَةٍ لَا يَبْقَى بِدُونِهَا ط عَنْ الْحَمَوِيِّ. وَالْقُدْرَةُ الْمُيَسِّرَةُ هُنَا هِيَ وَصْفُ النَّمَاءِ لَا النِّصَابِ، وَقُيِّدَ بِالْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَإِنْ انْتَفَتْ الْقُدْرَةُ الْمُيَسِّرَةُ لِبَقَائِهَا تَقْدِيرًا زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّعَدِّي وَنَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ (قَوْلُهُ: وَالْخَرَاجِ) أَيْ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ فَهُوَ كَالْعُشْرِ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ تَحْقِيقًا بِخِلَافِ الْخَرَاجِ الْمُوَظَّفِ فَإِنَّهُ يَجِبُ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَلَا يَهْلَكُ بِهَلَاكِ الْخَارِجِ لِوُجُوبِهِ فِي الذِّمَّةِ لَا فِي الْخَارِجِ بِخِلَافِهِمَا كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِهِ. (قَوْلُهُ: لِاشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْمُيَسِّرَةِ) وَهِيَ وَصْفُ النَّمَاءِ وَهَذَا عِلَّةٌ لِلثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ: عَنْ نَفْسِهِ إلَخْ) بَيَانٌ لِلسَّبَبِ وَالْأَصْلُ فِيهِ رَأْسُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ فَيُلْحَقُ بِهِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِمَّنْ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَصُمْ لِعُذْرٍ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ قُيِّدَ بِهِ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ حَالُ الْمُسْلِمِ مِنْ عَدَمِ تَرْكِهِ الصَّوْمَ إلَّا بِعُذْرٍ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، حَيْثُ لَمْ يَقُلْ الْمَتْرُوكَاتُ ظَنًّا بِالْمُسْلِمِ خَيْرًا، فَحِينَئِذٍ تَجِبُ الْفِطْرَةُ وَإِنْ أَفْطَرَ عَامِدًا لِوُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ الرَّأْسُ الَّذِي يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَصُمْ كَالطِّفْلِ الصَّغِيرِ وَالْعَبْدِ الْكَافِرِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبَدَائِعِ مَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَكَذَا وُجُودُ الصَّوْمِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الْفِطْرَةِ حَتَّى إنَّ مَنْ أَفْطَرَ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ يَلْزَمُهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِأَدَائِهَا مُطْلَقٌ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَطِفْلُهُ) احْتَرَزَ بِهِ الْجَنِينُ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى طِفْلًا كَذَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ إذْ الطِّفْلُ هُوَ الصَّبِيُّ حِينَ يَسْقُطُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ إلَى أَنْ يَحْتَلِمَ وَجَارِيَةُ طِفْلٍ وَطِفْلَةٍ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ إسْمَاعِيلُ فَافْهَمْ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْأُمَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا صَدَقَةُ أَوْلَادِهَا الصِّغَارِ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي. (قَوْلُهُ: الْفَقِيرِ) قُيِّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ تَجِبُ صَدَقَةُ فِطْرِهِ فِي مَالِهِ عَلَى مَا مَرَّ لِعَدَمِ وُجُوبِ نَفَقَتِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَالْكَبِيرُ الْمَجْنُونُ) أَيْ الْفَقِيرُ أَمَّا الْغَنِيُّ فَفِي مَالِهِ عِنْدَهُمَا كَمَا مَرَّ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْمَعْتُوهَ وَالْمَجْنُونَ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرِ سَوَاءٌ كَانَ الْجُنُونُ أَصْلِيًّا بِأَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا أَوْ عَارِضًا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَعَدَّدَ الْآبَاءُ) كَمَا لَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ لَقِيطًا أَوْ وَلَدَ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: فَعَلَى كُلٍّ فِطْرَةٌ) أَيْ كَامِلَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ ثَابِتَةٌ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَلًا وَثُبُوتُ النَّسَبِ لَا يَتَجَزَّأُ وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا كَانَ وَلَدًا لِلْبَاقِي مِنْهُمَا، وَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 وَلَوْ زَوَّجَ طِفْلَتَهُ الصَّالِحَةَ لِخِدْمَةِ الزَّوْجِ فَلَا فِطْرَةَ وَالْجَدُّ كَالْأَبِ عِنْدَ فَقْدِهِ أَوْ فَقْرِهِ كَمَا اخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ (وَعَبْدُهُ لِخِدْمَتِهِ) وَلَوْ مَدْيُونًا أَوْ مُسْتَأْجَرًا أَوْ مَرْهُونًا إذَا كَانَ عِنْدَهُ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ. وَأَمَّا الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ لِوَاحِدٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ فَفِطْرَتُهُ عَلَى مَالِكِ رَقَبَتِهِ كَالْعَبْدِ الْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ وَالْجَانِي وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ   [رد المحتار] مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِمَا صَدَقَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُمَا وَالْمُؤْنَةُ فَكَذَا الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّهَا قَابِلَةٌ لِلتَّجَزُّؤِ كَالْمُؤْنَةِ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُعْسِرًا فَعَلَى الْمُوسِرِ صَدَقَةٌ تَامَّةٌ عِنْدَهُمَا فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَوَّجَ طِفْلَتَهُ) أَيْ الْفَقِيرَةَ إذْ صَدَقَةُ الْغَنِيَّةِ فِي مَالِهَا تَزَوَّجَتْ أَوْ لَا ح (قَوْلُهُ: الصَّالِحَةَ لِخِدْمَةِ الزَّوْجِ) كَذَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ وَفِيهِ عَنْ الْخُلَاصَةِ الصَّغِيرَةِ لَوْ سُلِّمَتْ لِزَوْجِهَا لَا تَجِبُ فِطْرَتُهَا عَلَى أَبِيهَا لِعَدَمِ الْمُؤْنَةِ اهـ فَأَفَادَ تَقْيِيدَ الْمَسْأَلَةِ بِقَيْدَيْنِ: صَلَاحِيَّتِهَا لِلْخِدْمَةِ، وَتَسْلِيمِهَا لِلزَّوْجِ، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ فِي بَابِ النَّفَقَةِ فِيمَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ، وَكَذَا صَغِيرَةٌ تَصْلُحُ لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِلِاسْتِئْنَاسِ إنْ أَمْسَكَهَا فِي بَيْتِهِ عِنْدَ الثَّانِي وَاخْتَارَهُ فِي التُّحْفَةِ. اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ بِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَصْلُحْ لِذَلِكَ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ، وَظَاهِرُهُ لَوْ أَمْسَكَهَا فِي بَيْتِهِ فَتَجِبُ عَلَى أَبِيهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: فَلَا فِطْرَةَ) أَمَّا عَلَيْهَا فَلِفَقْرِهَا، وَأَمَّا عَلَى زَوْجِهَا فَلِمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ لَاعَنَ زَوْجَتَهُ. وَأَمَّا عَلَى أَبِيهَا فَلِأَنَّهُ لَا يَمُونُهَا وَإِنْ وُلِّيَ عَلَيْهَا ح (قَوْلُهُ: كَمَا اخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ) هَذَا رِوَايَةُ الْحَسَنِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّ الْجَدَّ كَالْأَبِ إلَّا فِي مَسَائِلَ سَتَأْتِي آخِرَ الْكِتَابِ مِنْهَا هَذِهِ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لِتَحْقِيقِ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ الرَّأْسُ الَّذِي يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وِلَايَةً مُطْلَقَةً. وَرُدَّ مَا قِيلَ: مِنْ أَنَّ الْوِلَايَةَ غَيْرُ تَامَّةٍ لِانْتِقَالِهَا إلَيْهِ مِنْ الْأَبِ فَكَانَتْ كَوِلَايَةِ الْوَصِيِّ بِأَنَّهُ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمُونُهُ مِنْ مَالِهِ، بِخِلَافِ الْجَدِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ فَإِنَّهُ يَمُونُهُ مِنْ مَالِهِ كَالْأَبِ، وَنَازَعَهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا رَدَّهُ عَلَيْهِ الْمَقْدِسِيَّ وَصَاحِبُ النَّهْرِ، فَلِذَا اخْتَارَ الشَّارِحُ رِوَايَةَ الْحَسَنِ. قُلْت: لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ لَيْسَ عَلَى الْجَدِّ أَنْ يُؤَدِّيَ الصَّدَقَةَ عَنْ أَوْلَادِ ابْنِهِ الْمُعْسِرِ إذَا كَانَ الْأَبُ حَيًّا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْأَبُ مَيِّتًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ فَعُلِمَ أَنَّ رِوَايَةَ الْحَسَنِ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَبُ مَيِّتًا لَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، نَعَمْ تَعْلِيلُ الْفَتْحِ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي الْمَيِّتِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَعَبْدُهُ لِخِدْمَتِهِ) احْتِرَازٌ عَنْ عَبْدِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الثِّنَى زَيْلَعِيٌّ: أَيْ تَعَدُّدِ الْوُجُوبِ الْمَالِيِّ فِي مَالٍ وَاحِدٍ، فِي النِّهَايَةِ: لَهُ عَبْدٌ لِلتِّجَارَةِ لَا يُسَاوِي نِصَابًا وَلَيْسَ لَهُ مَالُ الزَّكَاةِ لَا تَجِبُ صَدَقَةُ فِطْرِ الْعَبْدِ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ إلَى الثِّنَى؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ مَوْجُودٌ وَالْمُعْتَبَرُ سَبَبُ الْحُكْمِ لَا الْحُكْمُ. اهـ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَدْيُونًا) أَيْ بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: أَوْ مُسْتَأْجِرًا) أَيْ آجَرَ لِلْغَيْرِ (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ عِنْدَهُ) أَيْ الرَّاهِنِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ أَيْ وَفَضَلَ بَعْدَ الدَّيْنِ نِصَابٌ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ الْمُرَادُ نِصَابُ غَيْرِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ حَيْثُ كَانَ لِلْخِدْمَةِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ أَحَدُ فِطْرَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى إذَا هَلَكَ هَلَكَ بِدَيْنِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَدْيُونِ وَالْمَرْهُونِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَدْيُونِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْمَوْلَى وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ أَنَّ الدَّيْنَ عَلَى الْعَبْدِ وَفِي الْمَرْهُونِ عَلَى السَّيِّدِ ح عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. (قَوْلُهُ: كَالْعَبْدِ الْعَارِيَّةُ الْوَدِيعَةُ) فَإِنَّ صَدَقَتَهُ عَلَى الْمَالِكِ (قَوْلُهُ: وَالْجَانِي) أَيْ عَمْدًا أَوْ خَطَأً؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَالِكِ إنَّمَا يَزُولُ بِالدَّفْعِ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَقْصُورًا عَلَى الْحَالِ لَا قَبْلَهُ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ. وَأَمَّا الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَالْعَبْدُ الْمُوصَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 لَا تَجِبُ سَبْقُ قَلَمٍ فَتْحٌ (وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَلَوْ) كَانَ عَبْدُهُ (كَافِرًا) لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَهُوَ رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ (لَا عَنْ زَوْجَتِهِ) وَوَلَدِهِ الْكَبِيرِ الْعَاقِلِ، وَلَوْ أَدَّى عَنْهُمَا بِلَا إذْنٍ أَجْزَأَ اسْتِحْسَانًا لِلْإِذْنِ عَادَةً أَيْ لَوْ فِي عِيَالِهِ وَإِلَّا فَلَا قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْمُحِيطِ فَلْيُحْفَظْ (وَعَبْدِهِ الْآبِقِ) وَالْمَأْسُورِ (وَالْمَغْصُوبِ الْمَجْحُود) إنْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ خُلَاصَةٌ إلَّا بَعْدَ عَوْدِهِ فَيَجِبُ لِمَا مَضَى (وَ) لَا عَنْ (مُكَاتَبِهِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ (وَعَبِيدٍ مُشْتَرَكَةٍ) إلَّا إذَا كَانَ عَبْدٌ   [رد المحتار] بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ لَا تَجِبُ فِطْرَتُهُ. اهـ. ط (قَوْلُهُ: سَبْقُ قَلَمٍ) يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ عَنْ الْإِنْسَانِ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ فَلَا يُنَافِي الْوُجُوبَ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ، ثُمَّ رَأَيْت ط ذَكَرَهُ وَقَالَ: وَحَمَلَهُ الشَّلَبِيُّ مُحَشِّي الزَّيْلَعِيِّ عَلَى مَا إذَا مَاتَ السَّيِّدُ الْمُوصِي وَلَمْ يَقْبَلْ الْمُوصَى لَهُ وَلَمْ يَرُدَّ اهـ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ عَبْدُهُ كَافِرًا) الْمُرَادُ بِالْعَبْدِ مَا يَشْمَلُ الْمُدَبَّرَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَأُمَّ الْوَلَدِ لِصِحَّةِ اسْتِيلَادِ الْكَافِرَةِ وَلَوْ غَيْرَ كِتَابِيَّةٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ حِلِّ وَطْءِ الْمَجُوسِيَّةِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ صِحَّةِ اسْتِيلَادِهَا كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ فَلْيُرَاجَعْ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ وَهُوَ رَأْسٌ يَمُونُهُ) أَيْ مُؤْنَةً وَاجِبَةً كَامِلَةً مُطْلَقَةً، فَخَرَجَ بِالْأَوَّلِ مُؤْنَةُ الْأَجْنَبِيِّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، وَبِالثَّانِي الْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ وَبِالثَّالِثِ الزَّوْجَةُ فَإِنَّهَا ضَرُورِيَّةٌ لِأَجْلِ انْتِظَامِ مَصَالِحِ النِّكَاحِ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرُ الرَّوَاتِبِ نَحْوُ الْأَدْوِيَةِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ: وَيَلِي عَلَيْهِ) أَيْ وِلَايَةَ مَالٍ لَا إنْكَاحٍ فَلَا يُرَادُ ابْنُ الْعَمِّ إذَا كَانَ زَوْجًا؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ وِلَايَةُ إنْكَاحٍ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: لَاعَنَ زَوْجَتَهُ) لِقُصُورِ الْمُؤْنَةِ وَالْوِلَايَةِ إذْ لَا يَلِي عَلَيْهَا فِي غَيْرِ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَمُونَهَا فِي غَيْرِ الرَّوَاتِبِ كَالْمُدَاوَاةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَوَلَدُهُ الْكَبِيرُ الْعَاقِلُ) أَيْ وَلَوْ زَمِنًا فِي عِيَالِهِ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ جَوْهَرَةٌ: وَاحْتُرِزَ بِالْعَاقِلِ عَنْ الْمَعْتُوهِ وَالْمَجْنُونِ فَحُكْمُهُ كَالصَّغِيرِ وَلَوْ جُنُونُهُ عَارِضًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا مَرَّ خِلَافًا لِمَا عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْعَارِضِ بَعْدَ الْبُلُوغِ مِنْ أَنَّهُ كَالْكَبِيرِ الْعَاقِلِ لِزَوَالِ الْوِلَايَةِ بِالْبُلُوغِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ أَيْضًا عَلَى الِابْنِ عَنْ أَبِيهِ، وَلَوْ فِي عِيَالِهِ إلَّا إذَا كَانَ فَقِيرًا مَجْنُونًا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ فِي الْجَوْهَرَةِ بِقِيلَ وَعَزَاهُ فِي الْخَانِيَّةِ إلَى الشَّافِعِيِّ لَكِنْ حَكَى فِي جَامِعِ الصَّفَّارِ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْوُجُوبِ مُعَلِّلًا بِوُجُودِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ جَمِيعًا اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَدَّى عَنْهُمَا) أَيْ عَنْ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الْكَبِيرِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ أَدَّى عَمَّنْ فِي عِيَالِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ جَازَ مُطْلَقًا بِغَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَجْزَأَ اسْتِحْسَانًا) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى خَانِيَّةٌ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ لِلْإِذْنِ عَادَةً إلَى وُجُودِ النِّيَّةِ حُكْمًا وَإِلَّا فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ الْفِطْرَةَ لَا تَتَأَدَّى بِدُونِ النِّيَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَيْ لَوْ فِي عِيَالِهِ) اُنْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ أَوْ أَعَمُّ؟ ظَاهِرُ مَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ الثَّانِي، وَهُوَ مُفَادُ التَّعْلِيلِ أَيْضًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَبْدِهِ الْآبِقِ) لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ الْقَائِمَةِ ط (قَوْلُهُ: الْمَأْسُورِ) لِخُرُوجِهِ عَنْ يَدِهِ وَتَصَرُّفِهِ فَأَشْبَهَ الْمُكَاتَبَ بَحْرٌ. قُلْت: وَلَوْ كَانَ قِنًّا مَلَكَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ وَيَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ) مُقْتَضَى التَّصْحِيحِ الَّذِي مَرَّ فِي الزَّكَاةِ أَنْ لَا تَجِبَ وَلَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ وَلَا كُلُّ بَيِّنَةٍ تُقْبَلُ ط (قَوْلُهُ: إلَّا بَعْدَ عَوْدِهِ) رَاجِعٌ إلَى الْآبِقِ كَمَا فِي النَّهْرِ وَالْمِنَحِ وَإِلَى الْغُصُوبِ أَيْضًا كَمَا فِي الْبَحْرِ قَالَ ح: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَأْسُورَ كَذَلِكَ وَلِذَا قَدَّرَهُ الشَّارِحُ مُعْطِيًا حُكْمَ قَرِينَيْهِ. قُلْت هَذَا إذَا لَمْ يَمْلِكْهُ أَهْلُ الْحَرْبِ (قَوْلُهُ: فَيَجِبُ لِمَا مَضَى) أَيْ مِنْ السِّنِينَ قُهُسْتَانِيٌّ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَلَمْ يُوجِبُوا الزَّكَاةَ لِمَا مَضَى فِي مَالِ الضِّمَارِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلْيَنْظُرْ الْفَرْقَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ) إذْ لَا مِلْكَ لَهُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَالْعَبْدُ مَمْلُوكٌ فَلَا يَكُونُ مَالِكًا بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: وَعَبِيدٍ مُشْتَرَكَةٍ) لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ. وَقَالَا: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الرُّءُوسِ دُونَ الْأَشْقَاصِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ فَلَوْ كَانُوا أَرْبَعَةَ أَعْبُدٍ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ اثْنَيْنِ وَلَوْ ثَلَاثَةً تَجِبُ عَنْ اثْنَيْنِ دُونَ الثَّالِثِ وَفِي الْمُحِيطِ ذَكَرَ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْحَقَائِقِ وَالْفَتْحِ وَفِي الْمُصَفَّى هَذَا فِي عَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَلَا تَجِبُ فِي عَبِيدِ التِّجَارَةِ اتِّفَاقًا. اهـ. إسْمَاعِيلُ أَيْ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْحَقَّانِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 بَيْنَ اثْنَيْنِ وَتَهَايَآهُ وَوُجِدَ الْوَقْتُ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا فَتَجِبُ فِي قَوْلٍ (وَتَوَقَّفَ) الْوُجُوبُ (لَوْ) كَانَ الْمَمْلُوكُ (مَبِيعًا بِخِيَارٍ) فَإِذَا مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ وَالْخِيَارُ بَاقٍ تَلْزَمُ عَلَى مَنْ يَصِيرُ لَهُ. (نِصْفُ صَاعٍ) فَاعِلُ يَجِبُ (مِنْ بُرٍّ أَوْ دَقِيقِهِ أَوْ سَوِيقِهِ أَوْ زَبِيبٍ) وَجَعَلَاهُ كَالتَّمْرِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَصَحَّحَهُ الْبَهْنَسِيُّ وَغَيْرُهُ. وَفِي الْحَقَائِقِ والشُّرُنبُلالِيَّة عَنْ الْبُرْهَانِ: وَبِهِ يُفْتَى (أَوْ صَاعُ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ) وَلَوْ رَدِيئًا وَمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ كَذُرَةٍ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَوُجِدَ الْوَقْتُ) أَيْ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَهُوَ طُلُوعُ فَجْرِ يَوْمِ الْفِطْرِ (قَوْلُهُ: فَتَجِبُ فِي قَوْلٍ) أَيْ ضَعِيفٍ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ لِمُخَالَفَتِهِ لِعُمُومِ إطْلَاقِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ رَحْمَتِيٌّ. قُلْت: وَهَذَا الْفَرْعُ نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَشَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ عَنْ الْحَقَائِقِ، وَوَجْهُ ضَعْفِهِ قُصُورُ الْوِلَايَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُ، وَقُصُورُ الْمُؤْنَةِ أَيْضًا فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَيْهِمَا وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ كُلِّ عَبْدٍ عَلَى الَّذِي يَخْدُمُهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا بِخِلَافِ الْكِسْوَةِ اهـ أَيْ لِلْمُسَامَحَةِ فِي الطَّعَامِ عَادَةً دُونَ الْكِسْوَةِ (قَوْلُهُ: وَتُوقَفُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَالْوِلَايَةَ مَوْقُوفَانِ فَكَذَا مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِمَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: بِخِيَارٍ) أَيْ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُتَزَلْزِلٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ خِيَارٌ وَقَبَضَهُ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ وَجَبَتْ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ تَجِبْ عَلَى أَحَدٍ وَإِنْ رُدَّ قَبْلَ الْقَبْضِ بِخِيَارِ عَيْبٍ أَوْ رُؤْيَةٍ فَعَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ بَعْدَهُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي خَانِيَّةٌ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَإِذَا مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ) أَوْ رُدَّ عَلَيْهِ أَنَّ مُضِيَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ وُجُودُ الْخِيَارِ وَقْتَ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَافٍ عَلَى مَا بَيَّنَ فِي الْكِفَايَةِ وَلِذَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ هَذَا مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْبَعْضِ وَمَا قِيلَ هَذَا لَا يُرَدُّ عَلَى مَنْ قَالَ مَرَّ بَلْ عَلَى مَنْ قَالَ مَضَى كَالدُّرَرِ؛ لِأَنَّ الْمُضِيَّ يَقْتَضِي الِانْقِضَاءَ بِخِلَافِ الْمُرُورِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا فِي الْقَامُوسِ مَرَّ أَيْ جَازَ وَذَهَبَ (قَوْلُهُ: عَلَى مَنْ يَصِيرُ لَهُ) أَيْ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ لِيَشْمَلَ الْبَائِعَ إذَا كَانَ الْخِيَارُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ. (قَوْلُهُ: أَوْ دَقِيقِهِ أَوْ سَوِيقِهِ) الْأَوْلَى أَنْ يُرَاعَى فِيهِمَا الْقَدْرُ وَالْقِيمَةُ احْتِيَاطًا وَإِنْ نَصَّ عَلَى الدَّقِيقِ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ هِدَايَةٌ؛ لِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ بِأَنْ يُعْطِيَ نِصْفَ صَاعِ دَقِيقِ بُرٍّ أَوْ صَاعَ دَقِيقِ شَعِيرٍ يُسَاوِيَانِ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ وَصَاعَ شَعِيرٍ لَا أَقَلَّ مِنْ نِصْفٍ يُسَاوِي نِصْفَ صَاعِ دَقِيقِ بُرٍّ أَوْ أَقَلَّ مِنْ صَاعٍ يُسَاوِي صَاعَ شَعِيرٍ وَلَا نِصْفَ لَا يُسَاوِي نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ أَوْ صَاعَ لَا يُسَاوِي صَاعَ شَعِيرٍ فَتْحٌ وَقَوْلُهُ فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ مُخَالِفٌ لِتَعْبِيرِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي بِأَوْلَى إلَّا أَنْ يُحْمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَجَعَلَاهُ كَالتَّمْرِ) أَيْ فِي أَنَّهُ يَجِبُ صَاعٌ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ رِوَايَةٌ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَهَا الْبَهْنَسِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى وَالْمُرَادُ أَنَّهُ حَكَى تَصْحِيحَهَا وَإِلَّا فَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَصْحَابِ التَّصْحِيحِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَصَحَّحَهَا أَبُو الْيُسْرِ وَرَجَّحَهَا الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَاعَى فِي الزَّبِيبِ الْقَدْرُ وَالْقِيمَةُ اهـ: أَيْ بِأَنْ يَكُونَ نِصْفُ الصَّاعِ مِنْهُ يُسَاوِي قِيمَةَ نِصْفِ صَاعِ بُرٍّ حَتَّى إذَا لَمْ يَصِحَّ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ يَصِحُّ مِنْ حَيْثُ قِيمَةُ الْبُرِّ لَكِنْ فِيهِ أَنَّ الصَّاعَ مِنْ الزَّبِيبِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، فَلَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ كَمَا يَأْتِي تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَوْ شَعِيرٍ) وَدَقِيقُهُ وَسَوِيقُهُ مِثْلُهُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ رَدِيئًا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَطْلَقَ نِصْفَ الصَّاعِ وَالصَّاعَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْجَيِّدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ رَدِيءٍ جَازَ وَإِنْ أَدَّى عَفِنًا أَوْ بِهِ عَيْبٌ أَدَّى النُّقْصَانَ وَإِنْ أَدَّى قِيمَةَ الرَّدِيءِ أَدَّى الْفَضْلَ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ اهـ وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ حَاشِيَةِ الزَّيْلَعِيِّ عَنْ كِفَايَةِ الشَّعْبِيِّ: لَوْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ مَخْلُوطَةً بِالشَّعِيرِ فَلَوْ الْغَلَبَةُ لِلشَّعِيرِ فَعَلَيْهِ صَاعٌ وَلَوْ بِالْعَكْسِ فَنِصْفُ صَاعٍ (قَوْلُهُ: وَمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي أَدَّى عَنْهُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مِنْ الْمَنْصُوصِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 وَخُبْزٍ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ (وَهُوَ) أَيْ الصَّاعُ الْمُعْتَبَرُ (مَا يَسَعُ أَلْفًا وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا مِنْ مَاشٍ أَوْ عَدَسٍ) إنَّمَا قُدِّرَ بِهِمَا   [رد المحتار] عَلَيْهِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْحِنْطَةِ عَنْ الْحِنْطَةِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ بِأَنْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ عَنْ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ وَسَطٍ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ غَيْرِ الْحِنْطَةِ عَنْ الْحِنْطَةِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ بِأَنْ أَدَّى نِصْفَ صَاعِ تَمْرٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ عَنْ الْحِنْطَةِ بَلْ يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَلَيْهِ تَكْمِيلُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] يَجُوزُ عِنْدَنَا تَكْمِيلُ جِنْسٍ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ مِنْ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ النَّظْمِ لَوْ أَدَّى نِصْفَ صَاعِ شَعِيرٍ وَنِصْفَ صَاعِ تَمْرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعِ تَمْرٍ وَمَنًّا وَاحِدًا مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ نِصْفَ صَاعِ شَعِيرٍ وَرُبْعَ صَاعِ حِنْطَةٍ جَازَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ: وَخُبْزٍ) عَدَمُ جَوَازِ دَفْعِهِ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ هُوَ الصَّحِيحُ لِعَدَمِ وُرُودِ النَّصِّ بِهِ فَكَانَ كَالذُّرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحُبُوبِ الَّتِي لَمْ يَرِدْ بِهَا نَصٌّ وَكَالْأَقِطِ بَحْرٌ. مَطْلَبٌ فِي تَحْرِيرِ الصَّاعِ وَالْمُدِّ وَالْمَنِّ وَالرِّطْلِ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَيْ الصَّاعُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الصَّاعَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ وَالْمُدُّ رِطْلَانِ وَالرِّطْلُ نِصْفُ مَنٍّ وَالْمَنُّ بِالدَّرَاهِمِ مِائَتَانِ وَسِتُّونَ دِرْهَمًا وَبِالْإِسْتَارِ أَرْبَعُونَ وَالْإِسْتَارُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ بِالدَّرَاهِمِ سِتَّةٌ وَنِصْفٌ بِالْمَثَاقِيلِ قِيلَ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ كَذَا فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ فَالْمُدُّ وَالْمَنُّ سَوَاءٌ كُلٌّ مِنْهُمَا رُبْعُ صَاعٍ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا، وَفِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ: اُخْتُلِفَ فِي الصَّاعِ فَقَالَ الطَّرَفَانِ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِيِّ وَقَالَ الثَّانِي خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ، قِيلَ لَا خِلَافَ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ قَدَّرَهُ بِرِطْلِ الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّهُ ثَلَاثُونَ إسْتَارًا وَالْعِرَاقِيُّ عِشْرُونَ وَإِذَا قَابَلْت ثَمَانِيَةً بِالْعِرَاقِيِّ بِخَمْسَةٍ وَثُلُثٍ بِالْمَدِينِيِّ وَجَدْتهمَا سَوَاءً وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ كَانَ لَذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ اهـ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الدِّرْهَمَ الشَّرْعِيَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَالْمُتَعَارَفُ الْآنَ سِتَّةَ عَشَرَ، فَإِذَا كَانَ الصَّاعُ أَلْفًا وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا شَرْعِيًّا يَكُونُ بِالدِّرْهَمِ الْمُتَعَارَفِ تِسْعَمِائَةٍ وَعَشَرَةً، وَقَدْ صَرَّحَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى فِي بَابِ زَكَاةِ الْخَارِجِ بِأَنَّ الرِّطْلَ الشَّامِيَّ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَأَنَّ الْمُدَّ الشَّامِيَّ صَاعَانِ وَعَلَيْهِ فَالصَّاعُ بِالرِّطْلِ الشَّامِيِّ رِطْلٌ وَنِصْفٌ، وَالْمُدُّ ثَلَاثَةُ أَرْطَالٍ وَيَكُونُ نِصْفُ الصَّاعِ مِنْ الْبُرِّ رُبْعَ مُدٍّ شَامِيٍّ، فَالْمُدُّ الشَّامِيُّ يُجْزِئُ عَنْ أَرْبَعٍ وَهَكَذَا رَأَيْته أَيْضًا مُحَرَّرًا بِخَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا إبْرَاهِيمَ السَّائِحَانِيِّ وَشَيْخِ مَشَايِخِنَا مُنْلَا عَلِيٍّ التُّرْكُمَانِيِّ وَكَفَى بِهِمَا قُدْوَةً لَكِنِّي حَرَّرْت نِصْفَ الصَّاعِ فِي عَامِ سِتٍّ وَعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ فَوَجَدْته ثَمِينَةً وَنَحْوَ ثُلُثَيْ ثَمِينَةٍ فَهُوَ تَقْرِيبًا رُبْعُ مُدٍّ مَمْسُوحًا مِنْ غَيْرِ تَكْوِيمٍ، وَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْمُدَّ فِي زَمَانِنَا أَكْبَرُ مِنْ الْمُدِّ السَّابِقِ وَكَذَا الرِّطْلُ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّهُ الْآنَ يَزِيدُ عَلَى سَبْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى تَقْرِيرِ الصَّاعِ بِالْمَاشِ أَوْ الْعَدَسِ أَمَّا عَلَى تَقْدِيرِهِ بِالْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ وَهُوَ الْأَحْوَطُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا فَيَزِيدُ نِصْفَ الصَّاعِ عَلَى ذَلِكَ فَالْأَحْوَطُ إخْرَاجُ رُبْعِ مُدٍّ شَامِيٍّ عَلَى التَّمَامِ مِنْ الْحِنْطَةِ الْجَيِّدَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ ط: وَقَدَّرَ بَعْضُ مَشَايِخِي نِصْفَ الصَّاعِ بِقَدَحٍ وَسُدُسٍ بِالْمِصْرِيِّ وَعَنْ الدَّفَرِيِّ تَقْدِيرُهُ بِقَدَحٍ وَثُلُثٍ وَعَلَيْهِ فَالرُّبْعُ الْمِصْرِيُّ يَكْفِي عَنْ ثَلَاثٍ (قَوْلُهُ: إنَّمَا قَدَّرَ بِهِمَا) أَيْ قَدَّرَ الصَّاعَ بِمَا يَسَعُ الْوَزْنَ الْمَذْكُورَ مِنْهُمَا أَيْ مِنْ مَجْمُوعِهَا: أَيْ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَسَاوَى كَيْلُهُ وَوَزْنُهُ إذْ لَا تَخْتَلِفُ أَفْرَادُهُ ثِقَلًا وَكِبَرًا فَإِذَا مَلَأْت إنَاءً مِنْ مَاشٍ وَزْنُهُ أَلْفٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا ثُمَّ مَلَأْته مِنْ مَاشٍ آخَرَ يَكُونُ وَزْنُهُ مِثْلَ وَزْنِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ مَاشٍ وَمَاشٍ آخَرَ وَكَذَا لَوْ فَعَلْت بِالْعَدَسِ كَذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا كَالْبُرِّ مَثَلًا فَإِنَّ بَعْضَ الْبُرِّ قَدْ يَكُونُ أَثْقَلَ مِنْ الْبَعْضِ فَيَخْتَلِفُ كَيْلُهُ وَوَزْنُهُ فَلِذَا قُدِّرَ الصَّاعُ بِالْمَاشِ أَوْ الْعَدَسِ فَيَكُونُ مِكْيَالًا مُحَرَّرًا يُكَالُ بِهِ مَا يُرَادُ إخْرَاجُهُ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمَنْصُوصَةِ بِلَا اعْتِبَارِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 لِتَسَاوِيهِمَا كَيْلًا وَوَزْنًا. (وَدَفْعُ الْقِيمَةِ) أَيْ الدَّرَاهِمِ (أَفْضَلُ مِنْ دَفْعِ الْعَيْنِ عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمُفْتَى بِهِ جَوْهَرَةٌ وَبَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَهَذَا فِي السَّعَةِ، أَمَّا فِي الشِّدَّةِ فَدَفْعُ الْعَيْنِ أَفْضَلُ كَمَا لَا يَخْفَى   [رد المحتار] وَزْنٍ؛ لِأَنَّك لَوْ كِلْت بِهِ شَعِيرًا مَثَلًا ثُمَّ وَزَنْته لَمْ يَبْلُغْ وَزْنُهُ أَلْفًا وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَلَوْ اُعْتُبِرَ الْوَزْنُ لَكَانَ مَا يَسَعُ أَلْفًا وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا مِنْ الشَّعِيرِ أَكْبَرَ مِنْ الصَّاعِ الَّذِي يَسَعُ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْمَاشِ أَوْ الْعَدَسِ وَقَدْ اعْتَبَرُوا الصَّاعَ بِهِمَا، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْوَزْنِ أَصْلًا فِي غَيْرِهِمَا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الذَّخِيرَةِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: الصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ مِمَّا يَسْتَوِي كَيْلُهُ وَوَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْعَدَسَ وَالْمَاشَ يَسْتَوِي كَيْلُهُ وَوَزْنُهُ، حَتَّى لَوْ وُزِنَ مِنْ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَوُضِعَ فِي الصَّاعِ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ تَارَةً يَكُونُ الْوَزْنُ أَكْثَرَ مِنْ الْكَيْلِ كَالشَّعِيرِ وَتَارَةً بِالْعَكْسِ كَالْمِلْحِ، فَإِذَا كَانَ الْمِكْيَالُ يَسَعُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ مِنْ الْعَدَسِ وَالْمَاشِ فَهُوَ الصَّاعُ الَّذِي يُكَالُ بِهِ الشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْحِنْطَةُ اهـ وَذُكِرَ نَحْوُهُ فِي الْفَتْحِ ثُمَّ قَالَ: وَبِهَذَا يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ فِي تَقْدِيرِ الصَّاعِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا وَمُرَادُهُ بِالْخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ قَبْلَهُ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ يُعْتَبَرُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ مِنْ حَيْثُ الْوَزْنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الصَّاعَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ أَوْ خَمْسَةٌ وَثُلُثٌ كَانَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالْوَزْنِ وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بِالْكَيْلِ حَتَّى لَوْ دَفَعَ أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ لَا يُجْزِيهِ لِجَوَازِ كَوْنِ الْحِنْطَةِ ثَقِيلَةً لَا تَبْلُغُ نِصْفَ صَاعٍ. اهـ. وَفِي ارْتِفَاعِ الْخِلَافِ بِمَا ذُكِرَ تَأَمُّلٌ فَإِذَا الْمُتَبَادَرُ مِنْ اعْتِبَارِ نِصْفِ الصَّاعِ بِالْوَزْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارُ وَزْنِ الْبُرِّ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُرِيدُ إخْرَاجَهُ لِاعْتِبَارِهِ بِالْمَاشِ وَالْعَدَسِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ اعْتِبَارَهُ بِهِمَا مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ، وَأَنَّ الْخِلَافَ مُتَحَقِّقٌ وَعَنْ هَذَا ذَكَرَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ أَنَّ الْأَحْوَطَ تَقْدِيرُ الصَّاعِ بِثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ مِنْ الْحِنْطَةِ الْجَيِّدَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ قُدِّرَ بِالْمَاشِ يَكُونُ أَصْغَرَ وَلَا يَسَعُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ مِنْ الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّهُ أَثْقَلُ مِنْهَا وَهِيَ أَثْقَلُ مِنْ الشَّعِيرِ، فَالْمِكْيَالُ الَّذِي يُمْلَأُ بِثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ مِنْ الْمَاشِ يُمْلَأُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ مِنْ الْحِنْطَةِ الْجَيِّدَةِ الْمُكْتَنَزَةِ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي مِقْدَارِ الْفِطْرَةِ بِالْمُدِّ الشَّامِيِّ قُلْت: وَبِهَذَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ عَلَى رِوَايَتَيْنِ تَقْدِيرُ الصَّاعِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا فَلِذَا كَانَ أَحْوَطَ وَلَكِنْ عَلَى هَذَا الْأَحْوَطِ تَقْدِيرُهُ بِالشَّعِيرِ، وَلِهَذَا نَقَلَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ حَاشِيَةِ الزَّيْلَعِيِّ لِلسَّيِّدِ مُحَمَّدِ أَمِينٍ مِيرْغَنِيٍّ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ مَشَايِخُنَا بِالْحَرَمِ الشَّرِيفِ الْمَكِّيِّ وَمَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ مَشَايِخِهِمْ وَبِهِ كَانُوا يُفْتُونَ تَقْدِيرُهُ بِثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ مِنْ الشَّعِيرِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِيَحْتَاطُوا فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْوَاجِبِ بِيَقِينٍ لِمَا فِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ مِنْ أَنَّ الْأَخْذَ بِالِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ وَاجِبٌ اهـ فَإِذَا قُدِّرَ بِذَلِكَ فَهُوَ يَسَعُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ مِنْ الْعَدَسِ وَمِنْ الْحِنْطَةِ، وَيَزِيدُ عَلَيْهَا أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، فَلِذَا كَانَ تَقْدِيرُ الصَّاعِ بِالشَّعِيرِ أَحْوَطَ. اهـ. وَلِهَذَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَحْوَطَ فِي زَمَانِنَا إخْرَاجُ رُبْعِ مُدٍّ شَامِيٍّ تَامٍّ. (قَوْلُهُ: وَدَفَعَ الْقِيمَةِ) أَطْلَقَهَا فَشَمِلَ قِيمَةَ الْحِنْطَةِ وَغَيْرَهَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ: وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ قِيمَةَ الْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ أَوْ التَّمْرِ يُؤَدِّي قِيمَةَ أَيِّ الثَّلَاثِ شَاءَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُؤَدِّي قِيمَةَ الْحِنْطَةِ (قَوْلُهُ: أَيِّ الدَّرَاهِمِ) اقْتَصَرَ عَلَى الدَّرَاهِمِ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ لِبَيَانِ أَنَّهَا الْأَفْضَلُ عِنْدَ إرَادَةِ دَفْعِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي أَفْضَلِيَّةِ الْقِيمَةِ كَوْنُهَا أَعْوَنَ عَلَى دَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ يَحْتَاجُ غَيْرَ الْحِنْطَةِ مَثَلًا مِنْ ثِيَابٍ وَنَحْوِهَا بِخِلَافِ دَفْعِ الْعُرُوضِ، وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالدَّرَاهِمِ مَا يَشْمَلُ الدَّنَانِيرَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُفْتَى بِهِ) مُقَابِلُهُ مَا فِي الْمُضْمَرَاتِ مِنْ أَنَّ دَفْعَ الْحِنْطَةِ أَفْضَلُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ أَيَّامَ شِدَّةٍ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ فِي هَذَا مُوَافَقَةُ السُّنَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى مِنَحٌ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ ط (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ دَفْعِ الْقِيمَةِ أَفْضَلَ (قَوْلُهُ كَمَا لَا يَخْفَى) يُوهِمُ أَنَّهُ بَحْثٌ مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ عَزَاهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 (بِطُلُوعِ فَجْرِ الْفِطْرِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَجِبُ (فَمَنْ مَاتَ قَبْلَهُ) أَيْ الْفَجْرِ (أَوْ وُلِدَ بَعْدَهُ أَوْ أَسْلَمَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ. وَيُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهَا قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ الْفِطْرِ) عَمَلًا بِأَمْرِهِ وَفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. (وَصَحَّ أَدَاؤُهَا إذَا قَدَّمَهُ عَلَى يَوْمِ الْفِطْرِ أَوْ أَخَّرَهُ) اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ وَالسَّبَبُ مَوْجُودٌ إذْ هُوَ الرَّأْسُ (بِشَرْطِ دُخُولِ رَمَضَانَ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ مَسْأَلَةُ التَّقْدِيمِ (هُوَ الصَّحِيحُ) وَبِهِ يُفْتَى جَوْهَرَةٌ وَبَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ لَكِنَّ عَامَّةَ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ عَلَى صِحَّةِ التَّقْدِيمِ مُطْلَقًا وَصَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَرَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ وَنُقِلَ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. قُلْت: فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ (وَجَازَ دَفْعُ كُلِّ شَخْصٍ فِطْرَتَهُ إلَى) مِسْكِينٍ أَوْ (مِسْكِينٍ عَلَى) مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ وَتَبِعَهُمْ الزَّيْلَعِيُّ فِي الظِّهَارِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ وَصَحَّحَهُ فِي الْبُرْهَانِ فَكَانَ هُوَ (الْمَذْهَبَ) كَتَفْرِيقِ الزَّكَاةِ وَالْأَمْرِ فِي حَدِيثِ " أَغْنُوهُمْ " لِلنَّدْبِ فَيُفِيدُ الْأَوْلَوِيَّةَ، وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَا يُكْرَهُ التَّأْخِيرُ أَيْ تَحْرِيمًا (كَمَا جَازَ دَفْعُ صَدَقَةِ جَمَاعَةٍ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ بِلَا خِلَافٍ)   [رد المحتار] إلَى مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وَقَالَ فِي النَّهْرِ وَهُوَ حَسَنٌ (قَوْلُهُ: بِطُلُوعِ الْفَجْرِ) أَيْ الْفَجْرِ الثَّانِي، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقٌ بِيَجِبُ) أَيْ الْمَذْكُورِ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ لَيْسَ بِأَهْلٍ نَهْرٌ، وَكَذَا لَوْ افْتَقَرَ قَبْلَهُ أَوْ أَيْسَرَ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ عَمَلًا بِأَمْرِهِ وَفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) رَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَخَّرَهُ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ: اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ) أَيْ قِيَاسًا عَلَيْهَا. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ السَّبَبِ هُوَ قَبْلَ الْوُجُوبِ وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهَا كَالزَّكَاةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا فَارِقَ لَا أَنَّهُ قِيَاسٌ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ بِإِذْنٍ سَابِقٍ فَإِنَّ الْإِسْقَاطَ قَبْلَ الْوُجُوبِ مِمَّا لَا يُعْقَلُ فَلَمْ يَكُونُوا يَقْدُمُونَ عَلَيْهِ إلَّا بِسَمْعٍ اهـ (قَوْلُهُ: فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ) نُقِلَ فِي الْبَحْرِ اخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ ثُمَّ قَالَ لَكِنْ تَأَيَّدَ التَّقْيِيدُ بِدُخُولِ الشَّهْرِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ فَلْيَكُنْ الْعَمَلُ عَلَيْهِ وَخَالَفَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ وَاتِّبَاعُ الْهِدَايَةِ أَوْلَى. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قُلْت: وَيُعَضِّدُهُ أَنَّ الْعَمَلَ بِمَا عَلَيْهِ الشُّرُوحُ وَالْمُتُونُ، وَقَدْ ذُكِرَ مِثْلُ تَصْحِيحِ الْهِدَايَةِ فِي الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ وَشُرُوحِ الْهِدَايَةِ. وَفِي الْبُرْهَانِ وَابْنِ كَمَالِ بَاشَا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الصَّحِيحُ جَوَازُ التَّعْجِيلِ لِسِنِينَ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ اهـ وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. قُلْت: وَحَيْثُ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ تَخَيَّرَ الْمُفْتِي بِالْعَمَلِ بِأَيِّهِمَا إلَّا إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا مُرَجِّحٌ كَكَوْنِهِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَوْ مَشَى عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ أَوْ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ كَمَا بَسَطْنَاهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَقَدْ اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْمُرَجِّحَاتُ هُنَا لِلْقَوْلِ بِإِطْلَاقٍ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: إلَى مِسْكِينٍ) يُغْنِي عَنْهُ مَا بَعْدَهُ لِفَهْمِهِ بِالْأَوْلَى ط (قَوْلُهُ: فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ) كَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ رَدًّا عَلَى ظَاهِرِ مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ هُنَا وَالْفَتْحُ مِنْ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْمَنْعُ وَأَنَّ الْقَائِلَ بِالْجَوَازِ إنَّمَا هُوَ الْكَرْخِيُّ. اهـ. وَكَذَا رَدَّهُ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ فَإِنَّ الْمَانِعِينَ جَمْعٌ يَسِيرٌ وَالْمُجَوِّزِينَ جَمٌّ غَفِيرٌ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجَمُّ الْكَثِيرُ (قَوْلُهُ: وَالْأَمْرُ فِي حَدِيثِ أَغْنُوهُمْ) هُوَ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَابْنُ عَدِيٍّ وَالْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ «أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّوْفِ فِي هَذَا الْيَوْمِ» نُوحٌ. وَهَذَا الْجَوَابُ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الْإِغْنَاءَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِدَفْعِهَا جُمْلَةً فَيَجِبُ عَمَلًا بِالْأَمْرِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ وَقَدْ مَرَّ الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِمَا أَوَّلَ الْبَابِ، وَذَلِكَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ هُنَا لِلنَّدْبِ فَخِلَافُهُ لَا يُكْرَهُ تَحْرِيمًا بَلْ تَنْزِيهًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 يُعْتَدُّ بِهِ (خَلَطَتْ) امْرَأَةٌ أَمَرَهَا زَوْجُهَا بِأَدَاءِ فِطْرَتِهِ (حِنْطَتَهُ بِحِنْطَتِهَا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ وَدَفَعَتْ إلَى فَقِيرٍ جَازَ عَنْهَا لَا عَنْهُ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الِانْخِلَاطَ عِنْدَ الْإِمَامِ اسْتِهْلَاكٌ يَقْطَعُ حَقَّ صَاحِبِهِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَقْطَعُ فَيَجُوزُ إنْ أَجَازَ الزَّوْجُ ظَهِيرِيَّةٌ وَلَوْ بِالْعَكْسِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: لَمْ أَرَهُ، وَمُقْتَضَى مَا مَرَّ جَوَازُهُ عَنْهُمَا بِلَا إجَازَتِهَا (وَلَا يَبْعَثُ الْإِمَامُ عَلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ سَاعِيًا) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَفْعَلْهُ بَدَائِعُ. (وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ كَالزَّكَاةِ فِي الْمَصَارِفِ) وَفِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا فِي) جَوَازِ (الدَّفْعِ إلَى الذِّمِّيِّ) وَعَدَمِ سُقُوطِهَا بِهَلَاكِ الْمَالِ وَقَدْ مَرَّ (وَلَوْ دَفَعَ صَدَقَةَ فِطْرِهِ إلَى زَوْجَةِ عَبْدِهِ جَازَ) وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ عُمْدَةُ الْفَتَاوَى لِلشَّهِيدِ. [خَاتِمَةٌ] وَاجِبَاتُ الْإِسْلَامِ سَبْعَةٌ: الْفِطْرَةُ، وَنَفَقَةُ ذِي رَحِمٍ، وَوِتْرٌ وَأُضْحِيَّةٌ، وَعُمْرَةٌ وَخِدْمَةُ أَبَوَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا حَدَّادِيٌّ.   [رد المحتار] وَيَتَحَصَّلُ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ الدَّفْعَ إلَى مُتَعَدِّدٍ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا كَكَرَاهَةِ التَّأْخِيرِ، إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ النَّاسُ عَنْ الْيَوْمِ لَمْ يَحْصُلْ الْإِغْنَاءُ أَصْلًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ فَرَّقُوا لِحُصُولِ الْإِغْنَاءِ بِالْجُمُوعِ كَمَا عَلَّلَ بِهِ الْكَرْخِيُّ فَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِأَمْرِ النَّدْبِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لِلْمَجْمُوعِ لَا لِلْأَفْرَادِ بِقَرِينَةِ أَنَّ ذَا الْعِيَالِ لَا يَسْتَغْنِي بِفِطْرَةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَلَا يُؤْمَرُ ذَلِكَ الْوَاحِدُ بِإِغْنَائِهِ تَأَمَّلْ. وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّهُ بِالتَّأْخِيرِ يَكُونُ قَاضِيًا لَا مُؤَدِّيًا فَيَأْثَمُ لِلْحَدِيثِ تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْفَتْحِ وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْبَابِ تَرْجِيحَ خِلَافِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: يُعْتَدُّ بِهِ) تَصْحِيحٌ لِنَفْيِ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ تَبَعًا لِلْبَحْرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ خِلَافٍ خَاصٍّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ بِالْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِقَوْلِهِ وَيَجُوزُ أَخْذُ وَاحِدٍ مِنْ جَمْعٍ وَدَفْعُ وَاحِدٍ لِجَمْعٍ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا. اهـ. قُلْت: وَلَعَلَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ هُنَا مَا إذَا خَلَطَ الْجَمَاعَةُ صَدَقَاتِهِمْ وَدَفَعُوهَا لِوَاحِدٍ أَمَّا لَوْ دَفَعَ كُلُّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ لِلْوَاحِدِ فَيَبْعُدُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَمَرَهَا زَوْجُهَا) أَفَادَ أَنَّهَا إنْ أَدَّتْ عَنْهُ بِدُونِ إذْنِهِ لَمْ يُجْزِهِ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ) أَمَّا لَوْ بِإِذْنِهِ لَا تَمْلِكُهُ بِالْخَلْطِ فَيُجْزِئُ عَنْهُ ط (قَوْلُهُ: لَا عَنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهَا بِالدَّفْعِ مِنْ مَالِهِ وَقَدْ مَلَكَتْهُ بِالْخَلْطِ بِدُونِ إذْنِهِ فَكَانَتْ مُتَبَرِّعَةً وَلَزِمَهَا ضَمَانُ حِنْطَتِهِ. قُلْت: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُجِزْ الزَّوْجُ مَا فَعَلَتْ أَوْ لَمْ تُوجَدْ دَلَالَةُ الْإِذْنِ لِمَا فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ مِنْ زَكَاةِ التَّتَارْخَانِيَّة: دَفَعَ رَجُلَانِ لِرَجُلٍ دَرَاهِمَ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْ زَكَاتِهِمَا فَخَلَطَهَا ثُمَّ دَفَعَهَا ضَمِنَ إلَّا إذَا جَدَّدَ الْإِذْنَ أَوْ أَجَازَ الْمَالِكَانِ أَوْ وَجَدَ دَلَالَةَ الْإِذْنِ بِالْخَلْطِ كَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْإِذْنِ مِنْ أَرْبَابِ الْحِنْطَةِ بِخَلْطِ ثَمَنِ الْغَلَّاتِ، وَكَذَا الطَّحَّانُ ضَمِنَ إذَا خَلَطَ حِنْطَةَ النَّاسِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ مَأْذُونًا بِالْخَلْطِ عُرْفًا اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ قُبَيْلَ بَابِ زَكَاةِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ إنْ أَجَازَ الزَّوْجُ) أَيْ يَجُوزُ عَنْهُ أَيْضًا وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِالْإِجَازَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوَّلًا أَمَرَهَا زَوْجُهَا أَلَّا يُقَالَ إنَّهُ إشَارَةٌ إلَى الْجَوَازِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْأَمْرُ ابْتِدَاءً لَكِنْ لَا بُدَّ فِي جَوَازِ الْإِجَازَةِ مِنْ كَوْنِ الْحِنْطَةِ قَائِمَةً فِي يَدِ الْفَقِيرِ. فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة سَأَلَ الْبَقَّالِيُّ عَمَّنْ تَصَدَّقَ بِطَعَامِ الْغَيْرِ عَنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ قَالَ تَوَقَّفَتْ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ فَتُعْتَبَرُ شَرَائِطُهَا مِنْ قِيَامِ الْعَيْنِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ لَمْ يُجِزْ ضَمِنَ اهـ وَفِيهَا مِنْ الْفَصْلِ التَّاسِعِ أَيْضًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ عَنْ رَجُلٍ بِلَا أَمَرَهُ جَازَ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ أَجَازَهُ الرَّجُلُ وَلَوْ بِمَالِ الرَّجُلِ، فَإِنْ أَجَازَهُ وَالْمَالُ قَائِمٌ جَازَ عَنْهُ، وَلَوْ هَالِكًا جَازَ عَنْ الْمُتَطَوِّعِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِالْعَكْسِ) بِأَنْ أَمَرَتْهُ بِأَدَاءِ فِطْرَتِهَا فَخَلَطَ حِنْطَتَهَا بِحِنْطَتِهِ ط (قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَى مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ أَدَّى عَنْهَا بِلَا إذْنٍ أَجْزَأَ اسْتِحْسَانًا لِلْإِذْنِ عَادَةً فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَدَائِهِ عَنْهَا مِنْ مَالِهِ وَإِذَا خَلَطَ حِنْطَتَهَا بِحِنْطَتِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا صَارَتْ مِلْكَهُ فَيَجُوزُ عَنْهُ وَعَنْهَا، وَمِثْلُهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهِمَا رَجُلٌ لَهُ أَوْلَادٌ وَامْرَأَةٌ كَالَ الْحِنْطَةَ لِأَجْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَتَّى يُعْطِيَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ ثُمَّ جَمَعَ وَدَفَعَ إلَى الْفَقِيرِ بِنِيَّتِهِمْ يَجُوزُ عَنْهَا. اهـ. قُلْت: لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ دَفْعَهَا الْحِنْطَةَ إلَيْهِ مِنْ مَالِهَا قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهَا أَرَادَتْ أَدَاءَ الْفِطْرَةِ مِنْ مَالِهَا لِتَنَالَ فَضِيلَةَ صَدَقَةٍ وَذَلِكَ يُنَافِي إذْنَهَا لَهُ عَادَةً بِالدَّفْعِ مِنْ مَالِهِ فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْجَوَازِ حَيْثُ أَرَادَتْ ذَلِكَ. [تَنْبِيهٌ] مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إفْرَازُ كُلِّ فِطْرَةٍ عَنْ غَيْرِهَا عِنْدَ الدَّفْعِ وَلَكِنْ لِيُنْظَرَ أَنَّ الْإِفْرَازَ أَوَّلًا شَرْطٌ أَمْ لَا بَلْ يَكْفِيهِ دَفْعُ مُدٍّ شَامِيٍّ مَثَلًا جُمْلَةً وَاحِدَةً عَنْ أَرْبَعَةٍ وَيَكُونُ قَوْلُهُ كَالَ الْحِنْطَةَ إلَخْ بَيَانًا لِلْوَاقِعِ لَمْ أَرَهُ وَيَنْبَغِي الثَّانِي لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِيمَا لَوْ أَرَادَ دَفْعَ قِيمَةِ الْحِنْطَةِ وَعَنْ عِيَالِهِ وَالْأَحْوَطُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 كِتَابُ الصَّوْمِ   [رد المحتار] إفْرَازُ كُلِّ وَاحِدَةٍ حَتَّى يُرَى نَقْلٌ صَرِيحٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَبْعَثُ إلَخْ) فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ جَعَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ، فَكَانَ يَقْبَلُ مَنْ جَاءَ بِصَدَقَتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْهَبَ إلَيْهِمْ رَحْمَتِيٌّ. قُلْت: فَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَبْعَثُ عَامِلًا كَعَامِلِ الزَّكَاةِ يَذْهَبُ إلَى الْقَبَائِلِ بِنَفْسِهِ فَلَا يُنَافِي مَا فِي الْحَدِيثِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فِي الْمَصَارِفِ) أَيْ الْمَذْكُورَةِ فِي آيَةِ الصَّدَقَاتِ إلَّا الْعَامِلَ الْغَنِيَّ فِيمَا يَظْهَرُ وَلَا تَصِحُّ إلَى مَنْ بَيْنَهُمَا أَوْلَادٌ أَوْ زَوْجِيَّةٌ وَلَا إلَى غَنِيٍّ أَوْ هَاشِمِيٍّ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ مَرَّ فِي بَابِ الْمَصْرِفِ، وَقَدَّمْنَا بَيَانَ الْأَفْضَلِ فِي الْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَكُلُّ حَالٍّ) لَيْسَ الْمُرَادُ تَعْمِيمَ الْأَحْوَالِ مُطْلَقًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّ لِكُلٍّ شُرُوطًا لَيْسَتْ لِلْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الزَّكَاةِ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ النَّامِي وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ شَرْطًا هُنَا بَلْ الْمُرَادُ فِي أَحْوَالِ الدَّفْعِ إلَى الْمَصَارِفِ مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَاشْتِرَاطِ التَّمْلِيكِ فَلَا تَكْفِي الْإِبَاحَةُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي تَأَمَّلْ. [فَرْعٌ] قَدَّمْنَا فِي الْمَصْرِفِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ دَفَعَ الْفِطْرَةَ إلَى الطَّبَّالِ الَّذِي يُوقِظُهُمْ وَقْتَ السَّحَرِ جَازَ إلَّا أَنَّ الْأَحْوَطَ وَالْأَبْعَدَ عَنْ الشُّبْهَةِ أَنْ يُقَدِّمَ إلَيْهِ قُرُصَاتٍ هَدِيَّةً ثُمَّ يُعْطِيهِ الْحِنْطَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي جَوَازِ الدَّفْعِ إلَى الذِّمِّيِّ) فِي الْخَانِيَّةِ جَازَ وَيُكْرَهُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ تَتَارْخَانِيَّةٌ وَقَدَّمَ عَنْ الْحَاوِي أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ. [تَنْبِيهٌ] يَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ الْعَامِلِ كَمَا قُلْنَا آنِفًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عِمَالَتِهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ مَرَّ) كُلٌّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ: أَمَّا الْأُولَى فَفِي بَابِ الْمَصْرِفِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَفِي هَذَا الْبَابِ ح. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الدَّافِعِ بِاعْتِبَارِ الْتِزَامِهِ بِذَلِكَ تَبَرُّعًا وَجَعْلِهِ إيَّاهَا مِنْ جُمْلَةِ عِيَالِهِ وَإِلَّا فَنَفَقَتُهَا عَلَى زَوْجِهَا وَلِذَا لَهَا بَيْعُهُ بِهَا وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهَا عَلَى السَّيِّدِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَلَكَهُ فَإِذَا كَانَ لَهَا بَيْعُهُ بِهَا صَارَتْ كَأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي مَالِهِ وَيُحْتَمَلُ إرْجَاعُ الضَّمِيرِ إلَى الْعَبْدِ وَوَجْهُ الْمُبَالَغَةِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ وَهُوَ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ الْجَوَازِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَاجِبَاتُ الْإِسْلَامِ سَبْعَةٌ) عَزَاهُ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ إلَى الْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْعَدَدَ لَا مَفْهُومَ لَهُ أَوْ يُقَالَ: إنَّ وَاجِبَاتِ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَسَبْعَةٌ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ هَذِهِ السَّبْعَةَ مِنْ وَاجِبَاتِ الْإِسْلَامِ وَلَعَلَّ لَهَا خُصُوصِيَّةً اشْتَرَكَتْ فِيهَا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ فَلَا يَرِدُ مَا فِي ط مِنْ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْمُشْتَهِرَ مِنْهَا فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّهُ فَاتَهُ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَالْجَمَاعَةِ وَغَيْرِهِمَا وَإِنْ أَرَادَ مُطْلَقَ وَاجِبٍ فَفِي الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهِمَا وَاجِبَاتٌ لَا تُحْصَى وَمُرَادُهُ بِالْوَاجِبِ مَا يَعُمُّ الْوَاجِبَ دِيَانَةً كَخِدْمَةِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا وَالْفَرْضُ الْعَمَلِيُّ كَالْوِتْرِ وَعَدَّ الْعُمْرَةَ مِنْهَا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا وَسَيَأْتِي اخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ فِيهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الصَّوْمِ] ِ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: اعْلَمْ أَنَّ الصَّوْمَ مِنْ أَعْظَمِ أَرْكَانِ الدِّينِ وَأَوْثَقِ قَوَانِينِ الشَّرْعِ الْمَتِينِ بِهِ قَهْرُ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ وَأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ، وَمِنْ الْمَنْعِ عَنْ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَنَاكِحِ عَامَّةَ يَوْمِهِ وَهُوَ أَجْمَلُ الْخِصَالِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 قِيلَ لَوْ قَالَ الصِّيَامُ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ لَزِمَهُ يَوْمٌ، وَلَوْ قَالَ: صِيَامٌ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ} [البقرة: 196]- وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الصَّوْمَ لَهُ أَنْوَاعٌ عَلَى أَنَّ أَلْ تُبْطِلُ مَعْنَى الْجَمْعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ قَوْلُ رَمَضَانَ. وَفُرِضَ بَعْدَ صَرْفِ الْقِبْلَةِ إلَى الْكَعْبَةِ لِعَشْرٍ فِي شَعْبَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ وَنِصْفٍ (هُوَ) لُغَةً   [رد المحتار] غَيْرَ أَنَّهُ أَشَقُّ التَّكَالِيفِ عَلَى النُّفُوسِ فَاقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ أَنْ يَبْدَأَ فِي التَّكَالِيفِ بِالْأَخَفِّ، وَهُوَ الصَّلَاةُ تَمْرِينًا لِلْمُكَلَّفِ وَرِيَاضَةً لَهُ ثُمَّ يُثَنِّي بِالْوَسَطِ وَهُوَ الزَّكَاةُ وَيُثَلِّثُ بِالْأَشَقِّ وَهُوَ الصَّوْمُ وَإِلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ فِي مَقَامِ الْمَدْحِ وَالتَّرْتِيبِ {وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} [الأحزاب: 35] وَفِي ذِكْرِ مَبَانِي الْإِسْلَامِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَاقْتَدَتْ أَئِمَّةُ الشَّرِيعَةِ فِي مُصَنَّفَاتِهِمْ بِذَلِكَ اهـ كَذَا فِي شَرْحِ ابْنِ الشَّلَبِيِّ (قَوْلُهُ: قِيلَ) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ: لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) وَجْهُ الِاسْتِشْهَادِ أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصِّيَامَ جَمْعٌ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ كَمَا فِي الْآيَةِ فَإِنَّ فِدْيَةَ الْيَمِينِ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَكَانَ التَّعْبِيرُ بِهِ أَوْلَى لِدَلَالَتِهِ عَلَى التَّعَدُّدِ، فَإِنَّ التَّرْجَمَةَ لِأَنْوَاعِ الصِّيَامِ الثَّلَاثَةِ أَعْنِي الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ وَالنَّفَلَ (قَوْلُهُ: وَتَعَقَّبَ إلَخْ) الْمُتَعَقِّبُ صَاحِبُ النَّهْرِ. حَاصِلُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الصَّوْمَ اسْمُ جِنْسٍ لَهُ أَنْوَاعٌ وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ، فَحَيْثُ عَبَّرَ عَنْهُ بِالصَّوْمِ أَوْ الصِّيَامِ يُرَادُ مِنْهُ أَنْوَاعُهُ الْمُتَرْجَمُ لَهَا لَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ يُقَالُ صَامَ صَوْمًا وَصِيَامًا فَهُوَ صَائِمٌ وَهُمْ صُوَّمٌ وَصُيَّامٌ اهـ فَأَفَادَ أَنَّ مَدْلُولَ كُلٍّ مِنْ الصَّوْمِ وَالصِّيَامِ وَاحِدٌ وَلَا دَلَالَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى التَّعَدُّدِ وَلِذَا قَالَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ} [البقرة: 196] أَنَّهُ بَيَانٌ لِجِنْسِ الْفِدْيَةِ وَأَمَّا قَدْرُهَا فَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ كَعْبٍ. اهـ. نَعَمْ يَأْتِي الصِّيَامُ جَمْعًا لِصَائِمٍ كَمَا عَلِمْته لَكِنْ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ هُنَا وَلَا فِي الْآيَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الصِّيَامَ جَمْعٌ لِأَفْرَادِ الصَّوْمِ فَلَا أَوْلَوِيَّةَ فِي الْعُدُولِ إلَيْهِ لِأَنَّ أَلْ الْجِنْسِيَّةَ تُبْطِلُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ فَيَتَسَاوَى التَّعْبِيرُ بِالصَّوْمِ وَبِالصِّيَامِ هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى وَفْقِ مَا فِي النَّهْرِ فَافْهَمْ، وَعَلَى هَذَا فَيُشْكِلُ مَا مَرَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَإِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِلَفْظِ صِيَامٍ فِي لِسَانِ الشَّارِعِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَكَذَا فِي النَّذْرِ خُرُوجًا عَنْ الْعُهْدَةِ بِخِلَافِ صَوْمِ اهـ يَعْنِي أَنَّ لَفْظَ صِيَامٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَمْعًا لَكِنَّهُ لَمَّا أُطْلِقَ فِي آيَةِ الْفِدْيَةِ مُرَادًا بِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ كَمَا بَيَّنَ إجْمَالَهُ الْحَدِيثُ فَيُرَادُ فِي كَلَامِ النَّاذِرِ كَذَلِكَ احْتِيَاطًا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ إلَخْ) قَالَ بَعْضُهُمْ الصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ مُجَاهِدٍ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافَهُ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ جَاءَ رَمَضَانُ وَذَهَبَ رَمَضَانُ لِأَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِمَجِيئِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَقَوْلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَعُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً» وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْمَشَاهِيرِ كَوْنُهُ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَلَئِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ كَالْحَكِيمِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ الْعَلَمَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ هُوَ مَجْمُوعُ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ وَرَبِيعُ الْأَوَّلِ وَالْآخَرِ فَحَذْفُ شَهْرٍ هُنَا مِنْ قَبِيلِ حَذْفِ بَعْضِ الْكَلِمَةِ إلَّا أَنَّهُمْ جَوَّزُوهُ؛ لِأَنَّهُمْ أَجْرَوْا مِثْلَ هَذَا الْعَلَمِ مَجْرَى الْمُضَافِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 (إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ) الْآتِيَةِ (حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا) كَمَنْ أَكَلَ نَاسِيًا فَإِنَّهُ مُمْسِكٌ حُكْمًا (فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ) وَهُوَ الْيَوْمُ (مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ) مُسْلِمٍ كَائِنٍ فِي دَارِنَا أَوْ عَالِمٍ بِالْوُجُوبِ طَاهِرٍ عَنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ (مَعَ النِّيَّةِ) الْمَعْهُودَةِ وَأَمَّا الْبُلُوغُ وَالْإِفَاقَةُ فَلَيْسَا مِنْ شَرْطِ الصِّحَّةِ لِصِحَّةِ صَوْمِ الصَّبِيِّ وَمَنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ النِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُمَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لِعَدَمِ النِّيَّةِ.   [رد المحتار] وَالْمُضَافِ إلَيْهِ حَيْثُ أَعْرَبُوا الْجُزْأَيْنِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَشَّافِ لِلسَّعْدِ نَهْرٌ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ رَجَبَ لَيْسَ مِنْهَا خِلَافًا لِلصَّلَاحِ الصَّفَدِيِّ وَتَبِعَهُ مَنْ قَالَ: وَلَا تُضِفْ شَهْرًا لِلَفْظِ شَهْرٍ ... إلَّا الَّذِي أَوَّلُهُ الرا فادر وَلِذَا زَادَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ: وَاسْتَثْنِ مِنْ ذَا رَجَبًا فَيَمْتَنِعْ ... ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا رَوَوْهُ مَا سُمِعْ. (قَوْلُهُ: إمْسَاكٌ مُطْلَقًا) أَيْ عَنْ طَعَامٍ أَوْ كَلَامٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ فِي الْجَمِيعِ وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ عِبَارَةُ الصِّحَاحِ وَفِي الْمُغْرِبِ هُوَ إمْسَاكُ الْإِنْسَانِ عَنْ الْأَكْلِ وَالشَّرَابِ، وَمِنْ مَجَازِهِ: صَامَ الْفَرَسُ إذَا لَمْ يَتَعَلَّفْ وَقَوْلُ النَّابِغَةِ: خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: عَنْ الْمُفْطِرَاتِ الْآتِيَةِ) أَشَارَ بِالْآتِيَةِ إلَى أَنَّ أَلْ لِلْعَهْدِ وَأَنَّ الْمُرَادَ الْأَشْيَاءُ الْمَعْدُودَةُ الْمَعْلُومَةُ فِي بَابِ مُفْسِدَاتِ الصَّوْمِ فَلَا تَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهَا عَلَى مَعْرِفَتِهِ فَلَا دَوْرَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مُمْسِكٌ حُكْمًا) لِحُكْمِ الشَّارِعِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ الْأَكْلِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْيَوْمُ) أَيْ الْيَوْمُ الشَّرْعِيُّ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ، وَهَلْ الْمُرَادُ أَوَّلُ زَمَانِ الطُّلُوعِ أَوْ انْتِشَارُ الضَّوْءِ؟ فِيهِ خِلَافٌ كَالْخِلَافِ فِي الصَّلَاةِ وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ وَالثَّانِي أَوْسَعُ كَمَا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَالْمُرَادُ بِالْغُرُوبِ زَمَانُ غَيْبُوبَةِ جُرْمِ الشَّمْسِ بِحَيْثُ تَظْهَرُ الظُّلْمَةُ فِي جِهَةِ الشَّرْقِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» أَيْ إذَا وُجِدَتْ الظُّلْمَةُ حِسًّا فِي جِهَةِ الْمَشْرِقِ فَقَدْ ظَهَرَ وَقْتُ الْفِطْرِ أَوْ صَارَ مُفْطِرًا فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ ظَرْفًا لِلصَّوْمِ وَإِنَّمَا أَدَّى بِصُورَةِ الْخَبَرِ تَرْغِيبًا فِي تَعْجِيلِ الْإِفْطَارِ كَمَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ: مُسْلِمٍ إلَخْ) بَيَانٌ لِلشَّخْصِ الْمَخْصُوصِ (قَوْلُهُ: كَائِنٍ فِي دَارِنَا إلَخْ) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الصَّوْمِ شَرْعًا أَيْ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَقَّقَ بِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الصَّوْمَ الَّذِي هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ نَهَارًا بِنِيَّتِهِ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْمُسْلِمِ الْخَالِي عَنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ، سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ دَارِ الْحَرْبِ عَلِمَ بِالْوُجُوبِ أَوْ لَا، عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي تَعْرِيفِ الصَّوْمِ فَرْضًا أَوْ غَيْرَهُ وَالْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ أَوْ الْكَوْنِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ رَمَضَانَ كَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ لَا شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ، فَالْمُنَاسِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ: طَاهِرٍ إلَخْ ثُمَّ رَأَيْت الرَّحْمَتَيَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا قُلْته فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَالَمٍ بِالْوُجُوبِ) أَيْ أَوْ كَائِنٍ فِي غَيْرِ دَارِنَا عَالَمٍ بِالْوُجُوبِ فَالْكَوْنُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ مُوجِبٌ لِلصَّوْمِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِوُجُوبِهِ إذْ لَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ فَإِذَا عَلِمَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى إذْ لَا تَكْلِيفَ بِدُونِ الْعِلْمِ ثَمَّةَ لِلْعُذْرِ بِالْجَهْلِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ الْمُوجِبُ بِإِخْبَارِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ مَسْتُورَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ وَلَا الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ كَمَا فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ (قَوْلُهُ: طَاهِرٍ عَنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ) أَيْ خَالٍ عَنْهُمَا وَإِلَّا فَالطَّهَارَةُ عَنْ حَدَثِهِمَا غَيْرُ شَرْطٍ (قَوْلُهُ: الْمَعْهُودَةِ) هِيَ نِيَّةُ الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ الصَّوْمُ فِي وَقْتِهَا الْآتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْبُلُوغُ وَالْإِفَاقَةُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قَدْ يُقَالُ لِمَ لَمْ تُقَيِّدْ الشَّخْصَ الْمَخْصُوصَ بِالْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ مِنْ الْجُنُونِ أَوْ الْإِغْمَاءِ أَوْ النَّوْمِ؟ . وَبَيَانُ الْجَوَابِ: أَنَّ الْكَلَامَ فِي تَعْرِيفِ الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ وَذَلِكَ يُذْكَرُ بِذِكْرِ رُكْنِهِ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ الْمَذْكُورُ وَذِكْرُ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: الْإِسْلَامُ وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالنِّيَّةُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْفَتْحِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 وَحُكْمُهُ نَيْلُ الثَّوَابِ وَلَوْ مَنْهِيًّا عَنْهُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ. (وَسَبَبُ صَوْمِ) الْمَنْذُورِ النَّذْرُ وَلِذَا لَوْ عَيَّنَ شَهْرًا وَصَامَ شَهْرًا قَبْلَهُ عَنْهُ أَجْزَأَهُ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَيَلْغُو التَّعْيِينُ وَالْكَفَّارَاتِ الْحِنْثُ وَالْقَتْلُ وَ (رَمَضَانَ شُهُودُ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ) مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ وَاخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ الْجُزْءُ الَّذِي يُمْكِنُ إنْشَاءُ الصَّوْمِ فِيهِ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ، حَتَّى لَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ فِي لَيْلَةٍ أَوْ فِي آخِرِ أَيَّامِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى   [رد المحتار] الْإِسْلَامَ لِإِغْنَاءِ النِّيَّةِ عَنْهُ إذْ لَا تَصِحُّ بِدُونِهِ وَلَيْسَ الْبُلُوغُ وَالْإِفَاقَةُ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ لِصِحَّتِهِ بِدُونِهِمَا كَمَا ذَكَرَهُ، نَعَمْ هُمَا مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ رَمَضَانَ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ ثَالِثُهَا الْإِسْلَامُ وَرَابِعُهَا الْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ أَوْ الْكَوْنِ فِي دَارِنَا فَلَا مَحَلَّ لِلتَّقْيِيدِ بِهِمَا عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي تَعْرِيفِ مُطْلَقِ الصَّوْمِ لَا خُصُوصِ صَوْمِ رَمَضَانَ كَمَا مَرَّ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ شُرُوطَ وُجُوبِ أَدَائِهِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: الصِّحَّةُ وَالْإِقَامَةُ وَالْخُلُوُّ مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ) أَيْ الْأُخْرَوِيُّ أَمَّا حُكْمُهُ الدُّنْيَوِيُّ فَهُوَ سُقُوطُ الْوَاجِبِ إنْ كَانَ صَوْمًا لَازِمًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَنْهِيًّا عَنْهُ) كَصَوْمِ الْأَيَّامِ الْخَمْسَةِ إذْ النَّهْيُ لِمَعْنًى مُجَاوِرٍ وَهُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ فِي صَوْمِهَا ثَوَابًا كَصَلَاةٍ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ رَادًّا عَلَى الْبَحْرِ قَوْلُهُ: إنَّهُ لَا ثَوَابَ فِي صَوْمِ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ فَكَلَامُ الشَّارِحِ بَحْثٌ لِصَاحِبِ النَّهْرِ ط. قُلْت: صَرَّحَ فِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ عِنْدَنَا بِمَعْنَى اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ وَسُقُوطِ الْقَضَاءِ وَمُوَافَقَةِ أَمْرِ الشَّارِعِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الطَّرِيقَةِ الْمُعَيَّنَةِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الصَّوْمَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ تَرْكٌ لِلْمُفْطِرَاتِ الثَّلَاثِ وَإِعْرَاضٌ عَنْ الضِّيَافَةِ، فَمِنْ حَيْثُ الْأَوَّلُ يَكُونُ عِبَادَةً مُسْتَحْسَنَةً وَمِنْ حَيْثُ الثَّانِي يَكُونُ مَنْهِيًّا لَكِنَّ الْأَوَّلَ بِمَنْزِلَةِ الْأَصْلِ وَالثَّانِي بِمَنْزِلَةِ التَّابِعِ فَبَقِيَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ. اهـ. لَكِنَّ بَحْثَ مُحَشِّيَةِ الْفَنَرِيِّ فِي إرَادَةِ اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ بَلْ الْمُرَادُ مَا سِوَاهَا وَالصِّحَّةُ لَا تَقْتَضِي الثَّوَابَ كَالْوُضُوءِ بِلَا نِيَّةٍ وَالصَّلَاةِ مَعَ الرِّيَاءِ. اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ وُجُوبُ الْفِطْرِ بَعْدَ الشُّرُوعِ وَتَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ [سَبَبُ صَوْمِ رَمَضَانَ] (قَوْلُهُ: وَيَلْغُو التَّعْيِينُ) مِنْ هَذَا يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ مِنْ كُلِّ أُسْبُوعٍ يَصِحُّ صَوْمُ غَيْرِهِمَا عَنْهُمَا ط. قُلْت: وَهَذَا فِي غَيْرِ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ لِمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ الِاعْتِكَافِ مِنْ قَوْلِهِ: وَالنَّذْرُ غَيْرُ الْمُعَلَّقِ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ وَدِرْهَمٍ وَفَقِيرٍ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ اهـ أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَى شَرْطٍ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحَالِّ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ: وَالْكَفَّارَاتِ) أَيْ سَبَبُ صَوْمِهَا الْحِنْثُ وَالْقَتْلُ أَيْ قَتْلُ النَّفْسِ خَطَأً أَوْ قَتْلُ الصَّيْدِ مُحْرِمًا وَالْأُولَى قَوْلُ الْفَتْحِ وَسَبَبُ صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ أَسْبَابُهَا مِنْ الْحِنْثِ وَالْقَتْلِ. اهـ. ؛ لِأَنَّ مِنْهَا الْعَزْمَ عَلَى الْعَوْدِ فِي الظَّاهِرِ وَالْإِفْطَارُ فِي فِطْرِ رَمَضَانَ وَالْحَلْقُ فِي حَلْقِ الْمُحْرِمِ لِعُذْرٍ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُخْتَارِ) اخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ) كَالْإِمَامِ الدَّبُوسِيِّ وَأَبِي الْيُسْرِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: الَّذِي يُمْكِنُ إنْشَاءُ الصَّوْمِ فِيهِ) وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ إلَى قُبَيْلِ الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى أَمَّا اللَّيْلُ وَالضَّحْوَةُ وَمَا بَعْدَهَا فَلَا يُمْكِنُ إنْشَاءُ الصَّوْمِ فِيهِمَا وَالْمَوْجُودُ فِي اللَّيْلِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ لَا إنْشَاءُ الصَّوْمِ ط لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْجُزْءُ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ فَيَجِبُ مُقَارِنًا إيَّاهُ اهـ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ أَيْضًا وَصَرَّحَ بِهِ هُوَ فِي فَصْلِ الْعَوَارِضِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَلَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ إلَخْ وَدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الْهُمَامِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ مُقَارَنَةُ السَّبَبِ لِلْوُجُوبِ أَوْ تَقَدُّمُ الْوُجُوبِ عَلَى السَّبَبِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ مُقَارَنَتُهُ لَهُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ اشْتِرَاطُ تَقَدُّمِ السَّبَبِ عَلَى الْوُجُوبِ الْمُسَبَّبِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ وَتَمَامُ الْكَلَامِ هُنَاكَ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ فِي لَيْلَةٍ) أَيْ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ وَسَطِهِ ثُمَّ جُنَّ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ وَمَضَى الشَّهْرُ وَهُوَ مَجْنُونٌ بَحْرٌ، وَقَوْلُهُ أَوْ فِي آخَرِ أَيَّامِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ كَذَا وَقَعَ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَالْأَحْسَنُ قَوْلُ الْإِمْدَادِ وَفِيمَا بَعْدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَالنَّهْرِ عَنْ الدِّرَايَةِ وَصَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا فِي الْغَايَةِ. . (وَهُوَ) أَقْسَامٌ ثَمَانِيَةٌ: (فَرْضٌ) وَهُوَ نَوْعَانِ: مُعَيَّنٌ (كَصَوْمِ رَمَضَانَ أَدَاءً وَ) غَيْرُ مُعَيَّنٍ كَصَوْمِهِ (قَضَاءً وَ) صَوْمُ (الْكَفَّارَاتِ) لَكِنَّهُ فَرْضٌ عَمَلًا لَا اعْتِقَادًا وَلِذَا لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ قَالَ الْبَهْنَسِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الْكَمَالِ. (وَوَاجِبٌ) وَهُوَ نَوْعَانِ: مُعَيَّنٌ (كَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ، وَ) غَيْرُ مُعَيَّنٍ كَالنَّذْرِ (الْمُطْلَقِ) وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى - {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29]-   [رد المحتار] الزَّوَالِ مِنْ يَوْمٍ مِنْهُ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ. وَفِي نُورِ الْإِيضَاحِ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ بِإِفَاقَتِهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِ النِّيَّةِ فِي الصَّحِيحِ. قُلْت: وَلَعَلَّ التَّقْيِيدَ بِآخِرِ يَوْمٍ مِنْهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْإِفَاقَةُ الَّتِي لَمْ يَعْقُبْهَا جُنُونٌ فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي وَسَطِهِ لَا شَكَّ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْمُرَادُ بَعْدَ الزَّوَالِ مَا بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ الشَّرْعِيِّ أَيْ مَا بَعْدَ الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى كَمَا مَرَّ آنِفًا أَوْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْقُدُورِيِّ كَمَا يَأْتِي فِي تَحْرِيرِهِ فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] تَفْرِيعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي السَّبَبِ يُخَالِفُهُ مَا فِي الْهِدَايَةِ حَيْثُ جَمَعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ، فَشُهُودُ جُزْءٍ مِنْهُ سَبَبٌ لِكُلِّهِ ثُمَّ كُلُّ يَوْمٍ سَبَبُ وُجُوبِ أَدَائِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ إذَا تَكَرَّرَ سَبَبُ وُجُوبِ صَوْمِ الْيَوْمِ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِهِ وَدُخُولِهِ فِي ضِمْنِ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ قَوْلُ ابْنُ نَجِيمٍ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ لِهَذَا الْخِلَافِ ثَمَرَةً فِي الْفُرُوعِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْمُجْتَبَى) وَنَصُّهُ وَلَوْ أَفَاقَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ أَصْبَحَ مَجْنُونًا وَاسْتَوْعَبَ كُلَّ الشَّهْرِ اخْتَلَفَ أَئِمَّةُ بُخَارَى فِيهِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ لَا يُصَامُ فِيهَا وَكَذَا إنْ أَفَاقَ فِي لَيْلَةٍ مِنْ وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَقَبْلَ الزَّوَالِ يَلْزَمُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ) كَصَاحِبِ النِّهَايَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ بَحْرٌ وَقَاضِي خَانَ وَالْعِنَايَةُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَمَشَى عَلَيْهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَحَمِيدُ الدِّينِ الضَّرِيرُ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافِ شَرْحِ التَّحْرِيرِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ. قُلْت: وَكَذَا نُقِلَ تَصْحِيحُهُ فِي الذَّخِيرَةِ لَكِنْ نُقِلَ أَيْضًا تَصْحِيحُ لُزُومِ الْقَضَاءِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ قَائِلًا لَا فَرْقَ بَيْنَ إفَاقَتِهِ وَقْتَ النِّيَّةِ أَوْ بَعْدَهُ وَفِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى لِلْبَهْنَسِيِّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. قُلْت: وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ عَنْ الْكَشْفِ وَعَزَاهُ فِي الْبَدَائِعِ إلَى أَصْحَابِنَا وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ وَكَذَا فِي السِّرَاجِ وَجَزَمَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُدُورِيِّ وَالْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ حَيْثُ أَطْلَقُوا لُزُومَ الْقَضَاءِ بِإِفَاقَةِ بَعْضِ الشَّهْرِ وَكَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ: وَإِنْ أَفَاقَ شَيْئًا مِنْهُ قَضَاهُ وَعَبَّرَ فِي الْمُلْتَقَى بِإِفَاقَةِ سَاعَةٍ وَفِي الْمِعْرَاجِ لَوْ كَانَ مُفِيقًا فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ ثُمَّ جُنَّ وَأَصْبَحَ مَجْنُونًا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ قَضَاهُ كُلَّهُ بِالِاتِّفَاقِ غَيْرَ يَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ ثُمَّ نَقَلَ عِبَارَةَ الْمُجْتَبَى الْمَارَّةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ الثَّانِي لِكَوْنِهِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وَالْمُتُونِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَقْسَامٌ ثَمَانِيَةٌ) فَرْضٌ مُعَيَّنٌ وَغَيْرُ مُعَيَّنٍ وَوَاجِبٌ كَذَلِكَ، وَنَفْلٌ مَسْنُونٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ وَمَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا أَوْ تَحْرِيمًا (قَوْلُهُ: مُعَيَّنٌ) أَيْ لَهُ وَقْتٌ خَاصٌّ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ) أَيْ صَوْمُ الْكَفَّارَاتِ (قَوْلُهُ: تَبَعًا لِابْنِ الْكَمَالِ) حَيْثُ قَالَ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ وَصَوْمُ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَاجِبٌ لَمْ يَنْعَقِدْ الْإِجْمَاعُ عَلَى فَرْضِيَّةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَلْ عَلَى وُجُوبِهِ: أَيْ ثُبُوتِهِ عَمَلًا لَا عِلْمًا وَلِهَذَا لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ وَإِنْ ثَبَتَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَمَلًا بِالْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ لُزُومُهُمَا عِلْمًا بِحَيْثُ يَكْفُرْ جَاحِدُ فَرْضِيَّتِهِمَا كَمَا هُوَ شَأْنُ الْفُرُوضِ الْقَطْعِيَّةِ كَرَمَضَانَ وَنَحْوِهِ وَعَلَى هَذَا فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَ الْكَفَّارَاتِ فِي قِسْمِ الْوَاجِبِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ الْعَمَلِيَّ الَّذِي هُوَ أَعْلَى قِسْمَيْ الْوَاجِبِ مَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ كَالْوَتْرِ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهُ (قَوْلُهُ: كَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ) أَيْ بِوَقْتٍ خَاصٍّ كَنَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الْخَمِيسِ مَثَلًا وَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَنَذْرِ صَوْمِ يَوْمٍ مَثَلًا وَمِنْ الْوَاجِبِ صَوْمُ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ وَصَوْمُ قَضَائِهِ عِنْدَ الْإِفْسَادِ وَصَوْمُ الِاعْتِكَافِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى إلَخْ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 فَدَخَلَهُ الْخُصُوصُ كَالنَّذْرِ بِمَعْصِيَةٍ فَلَمْ يَبْقَ قَطْعِيًّا (وَقِيلَ) قَائِلُهُ الْأَكْمَلُ وَغَيْرُهُ وَاعْتَمَدَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، لَكِنْ تَعَقَّبَهُ سَعْدِيٌّ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الْمَنْذُورَةَ لَا تُؤَدَّى بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ بِخِلَافِ الْفَائِتَةِ (هُوَ فَرْضٌ عَلَى الْأَظْهَرِ) كَالْكَفَّارَاتِ يَعْنِي عَمَلًا لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِجْمَاعِ لَا يُفِيدُ الْفَرْضَ الْقَطْعِيَّ كَمَا بَسَطَهُ خُسْرو (وَنَفْلٌ كَغَيْرِهِمَا) يَعُمُّ السُّنَّةَ كَصَوْمِ عَاشُورَاءَ مَعَ التَّاسِعِ.   [رد المحتار] أَيْ أَنَّ مُقْتَضَى ثُبُوتِ الْأَمْرِ بِهِ فِي الْآيَةِ الْقَطْعِيَّةِ كَوْنُهُ فَرْضًا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ خَصَّ مِنْهَا النَّذْرَ بِالْمَعْصِيَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَصَارَتْ ظَنِّيَّةَ الدَّلَالَةِ فَتُفِيدُ الْوُجُوبَ وَفِيهِ بَحْثٌ لِصَاحِبِ الْعِنَايَةِ مَذْكُورٌ مَعَ جَوَابِهِ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ قَائِلُهُ الْأَكْمَلُ) فِيهِ أَنَّ الْأَكْمَلَ قَرَّرَ فِي الْعِنَايَةِ الْوُجُوبَ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَقَعَ لَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَاَلَّذِي فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ أَنَّ قَائِلَهُ الْكَمَالُ فَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمِ الشَّارِحِ لِتَشَابُهِ اللَّفْظَيْنِ أَفَادَهُ ح. وَكَلَامُ الْكَمَالِ فِي الْفَتْحِ حَاصِلُهُ أَنَّ الْفَرْضِيَّةَ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى اللُّزُومِ لَا مِنْ الْآيَةِ لِتَخَصُّصِهَا كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: لَكِنْ تَعَقَّبَهُ سَعْدِيٌّ إلَخْ) أَيْ فِي حَاشِيَةِ الْعِنَايَةِ فَإِنَّهُ نَقَلَ عِبَارَةَ الْفَتْحِ ثُمَّ اعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي لِمَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ السِّيَرِ مِنْ الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَالذَّخِيرَةِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالْوَاجِبِ ظَاهِرٌ نَظَرًا إلَى الْأَحْكَامِ حَتَّى إنَّ الصَّلَاةَ الْمَنْذُورَةَ لَا تُؤَدَّى بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَتُقْضَى الْفَوَائِتُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ اهـ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَا ذُكِرَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَنْذُورَ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ (قَوْلُهُ: يَعْنِي عَمَلًا) هَذَا صُلْحٌ بِمَا لَا يَرْتَضِيه الْخَصْمَانِ فَإِنَّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ بِالْآيَةِ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ فَرْضٌ قَطْعِيٌّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الدُّرَرِ لَا ظَنِّيٌّ، وَلِذَا اعْتَرَضَ فِي الْفَتْحِ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ بِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ الْفَرْضِيَّةَ لِمَا مَرَّ مِنْ تَخْصِيصِهَا وَعَدَلَ عَنْهُ كَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: كَمَا بَسَطَهُ خُسْرو) أَيْ فِي الدُّرَرِ حَيْثُ أَجَابَ عَنْ قَوْلِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْمَنْذُورَ فَرْضٌ؛ لِأَنَّ لُزُومَهُ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ قَطْعِيَّ الثُّبُوتِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْضِ هَاهُنَا الْفَرْضُ الِاعْتِقَادِيُّ الَّذِي يَكْفُرُ جَاحِدُهُ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ، وَالْفَرْضِيَّةُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا تَثْبُتُ بِمُطْلَقِ الْإِجْمَاعِ بَلْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْفَرْضِيَّةِ الْمَنْقُولِ بِالتَّوَاتُرِ كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ؛ وَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ فِي الْمَنْذُورِ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ بِالتَّوَاتُرِ بَقِيَ فِي مَرْتَبَةِ الْوُجُوبِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ الْمَنْقُولَ بِطَرِيقِ الشُّهْرَةِ أَوْ الْآحَادِ يُفِيدُ الْوُجُوبَ دُونَ الْفَرْضِيَّةِ بِهَذَا الْمَعْنَى. اهـ. قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وُجُودُ الْإِجْمَاعِ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْمَنْذُورِ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يُنْقَلْ مُتَوَاتِرًا بَلْ بِطَرِيقِ الشُّهْرَةِ أَوْ الْآحَادِ أَفَادَ الْوُجُوبَ وَالْأَظْهَرُ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ مِنْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ثُبُوتِهِ عَمَلًا لَا عِلْمًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى لُزُومِ الْكَفَّارَاتِ وَالْمَنْذُورَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْفَرْضِيَّةُ الْقَطْعِيَّةُ اللَّازِمُ مِنْهَا إكْفَارُ الْجَاحِدِ لَهَا. [تَنْبِيهٌ] فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ ذَخِيرَةِ الْعَقَبِيِّ: اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِينَ فِي كُلٍّ مِنْ النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ فَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْوِقَايَةِ فَرْضٌ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَاجِبٌ وَالزَّيْلَعِيُّ الْأَوَّلُ وَاجِبٌ وَالثَّانِي فَرْضٌ وَابْنُ مَلَكٍ بِالْعَكْسِ وَتَوْجِيهُ كُلٍّ ظَاهِرٌ إلَّا الْأَخِيرَ (قَوْلُهُ: وَنَفْلٌ) أَرَادَ بِهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الزِّيَادَةُ لَا الشَّرْعِيُّ وَهُوَ زِيَادَةُ عِبَادَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَنَا لَا عَلَيْنَا؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِيهِ الْمَكْرُوهَ بِقِسْمَيْهِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُرَادَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الصَّوْمَ فِي الْأَيَّامِ الْمَكْرُوهَةِ مِنْ حَيْثُ نَفْسُهُ عِبَادَةٌ مُسْتَحْسَنَةٌ وَمِنْ حَيْثُ تَضَمُّنُهُ الْإِعْرَاضَ عَنْ الضِّيَافَةِ يَكُونُ مَنْهِيًّا فَبَقِيَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: يَعُمُّ السُّنَّةَ) قَدَّمْنَا فِي بَحْثِ سُنَنِ الْوُضُوءِ تَحْقِيقَ الْفَرْقِ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْمَنْدُوبِ. وَأَنَّ السُّنَّةَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ خُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهِيَ قِسْمَانِ: سُنَّةُ الْهَدْيِ وَتَرْكُهَا يُوجِبُ الْإِسَاءَةَ وَالْكَرَاهَةَ كَالْجَمَاعَةِ وَالْأَذَانِ. وَسُنَّةُ الزَّوَائِدِ كَسِيَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لِبَاسِهِ وَقِيَامِهِ وَقُعُودِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 وَالْمَنْدُوبَ كَأَيَّامِ الْبِيضِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَوْ مُنْفَرِدًا وَعَرَفَةَ وَلَوْ لِحَاجٍّ لَمْ يُضْعِفْهُ. وَالْمَكْرُوهُ تَحْرِيمًا كَالْعِيدَيْنِ. وَتَنْزِيهًا كَعَاشُورَاءَ وَحْدَهُ وَسَبْتٍ وَحْدَهُ   [رد المحتار] وَلَا يُوجِبُ تَرْكُهَا كَرَاهَةً. وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي بَلْ سَمَّاهُ فِي الْخَانِيَّةِ مُسْتَحَبًّا فَقَالَ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ بِصَوْمِ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ يَوْمٍ بَعْدَهُ لِيَكُونَ مُخَالِفًا لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَنَحْوُهُ فِي الْبَدَائِعِ، بَلْ مُقْتَضَى مَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ صَوْمَهُ كَفَّارَةٌ لِلسَّنَةِ الْمَاضِيَةِ وَصَوْمُ عَرَفَةَ كَفَّارَةٌ لِلْمَاضِيَةِ وَالْمُسْتَقْبِلَةِ كَوْنُ صَوْمِ عَرَفَةَ آكَدُ مِنْهُ وَإِلَّا لَزِمَ كَوْنُ الْمُسْتَحَبِّ أَفْضَلَ مِنْ السُّنَّةِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالْمَنْدُوبَ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى السُّنَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُسْتَحَبَّ لِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَنْدُوبِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَهُوَ مَا لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ بَعْدَ مَا رَغَّبَ إلَيْهِ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ. وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْمُسْتَحَبُّ مَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً وَتَرَاكَهُ أُخْرَى وَالْمَنْدُوبُ مَا فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ وَعَكَسَ فِي الْمُحِيطِ، وَقَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ مَا رَغَّبَ فِيهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ لَكِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا هُنَا فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ صَوْمٍ رَغَّبَ فِيهِ الشَّارِعُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخُصُوصِهِ مُسْتَحَبًّا وَمَا سِوَاهُ مِمَّا لَمْ تَثْبُتْ كَرَاهَتُهُ يَكُونُ مَنْدُوبًا لَا نَفْلًا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ رَغَّبَ فِي مُطْلَقِ الصَّوْمِ فَتَرَتَّبَ عَلَى فِعْلِهِ الثَّوَابُ بِخِلَافِ النَّفْلِيَّةِ الْمُقَابِلَةِ لِلنَّدْبِيَّةِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي عَدَمَ الثَّوَابِ فِيهِ وَإِلَّا فَهُوَ مَنْدُوبٌ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. قُلْت: وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ جَعَلَ النَّفَلَ مُقَابِلًا لِلْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ (قَوْلُهُ: كَأَيَّامِ الْبِيضِ) أَيْ أَيَّامِ اللَّيَالِيِ الْبِيضِ وَهِيَ: الثَّالِثَ عَشَرَ، وَالرَّابِعَ عَشَرَ، وَالْخَامِسَ عَشَرَ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَكَامُلِ ضَوْءِ الْهِلَالِ وَشِدَّةِ الْبَيَاضِ فِيهَا إمْدَادٌ. وَفِيهِ تَبَعًا لِلْفَتْحِ وَغَيْرِهِ الْمَنْدُوبُ صَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيُنْدَبُ كَوْنُهَا الْبِيضَ (قَوْلُهُ: وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ وَلَوْ مُنْفَرِدًا) صَرَّحَ بِهِ فِي النَّهْرِ وَكَذَا فِي الْبَحْرِ فَقَالَ: إنَّ صَوْمَهُ بِانْفِرَادِهِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْعَامَّةِ كَالِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَكَرِهَ الْكُلَّ بَعْضُهُمْ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ لِهَذِهِ الْأَيَّامِ فَضِيلَةً وَلَمْ يَكُنْ فِي صَوْمِهَا تَشَبُّهٌ بِغَيْرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَتَبِعَهُ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ مِنْ كَرَاهَةِ إفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ قَوْلُ الْبَعْضِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا بَأْسَ بِصَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ وَلَا يُفْطِرُ. اهـ. وَظَاهِرُ الِاسْتِشْهَادِ بِالْأَثَرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِلَا بَأْسٍ الِاسْتِحْبَابُ وَفِي التَّجْنِيسِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: جَاءَ حَدِيثٌ فِي كَرَاهَتِهِ إلَّا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ يَوْمًا آخَرَ. اهـ. قَالَ ط: قُلْت: ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ طَلَبُهُ وَالنَّهْيُ عَنْهُ وَالْآخِرُ مِنْهُمَا النَّهْيُ كَمَا أَوْضَحَهُ شُرَّاحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ وَظَائِفَ فَلَعَلَّهُ إذَا صَامَ ضَعُفَ عَنْ فِعْلِهَا (قَوْلُهُ: لَمْ يُضْعِفْهُ) صِفَةٌ لِحَاجٍّ أَيْ إنْ كَانَ لَا يُضْعِفُهُ عَنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَلَا يُخِلُّ بِالدَّعَوَاتِ مُحِيطٌ فَلَوْ أَضْعَفَهُ كُرِهَ (قَوْلُهُ: الْمَكْرُوهُ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى السُّنَّةِ أَوْ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ: كَالْعِيدَيْنِ وَحِينَئِذٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّكَلُّفِ الْمَارِّ فِي وَجْهِ إدْخَالِهِ فِي النَّفْلِ عَلَى أَنَّ صَوْمَ الْعِيدَيْنِ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا وَلَوْ كَانَ الصَّوْمُ وَاجِبًا (قَوْلُهُ: كَالْعِيدَيْنِ) أَيْ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَعَاشُورَاءَ وَحْدَهُ) أَيْ مُفْرَدًا عَنْ التَّاسِعِ أَوْ عَنْ الْحَادِيَ عَشَرَ إمْدَادٌ؛ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ مُحِيطٌ (قَوْلُهُ: وَسَبْتٍ وَحْدَهُ) لِلتَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ بَحْرٌ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تُفِيدُ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا تَثْبُتُ بِقَصْدِ التَّشَبُّهِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ ط. قُلْت: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَأَحَدٍ بَدَلَ قَوْلِهِ وَحْدَهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَقَالَ وَيُكْرَهُ صَوْمُ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ إذَا تَعَمَّدْهُ وَلَمْ يُوَافِقْ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَهَكَذَا قِيلَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ. اهـ. أَيْ يُكْرَهُ تَعَمُّدُ صَوْمِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 وَنَيْرُوزَ وَمِهْرَجَانٍ إنْ تَعَمَّدْهُ وَصَوْمِ دَهْرِهِ وَصَوْمِ صَمْتٍ وَوِصَالٍ وَإِنْ أَفْطَرَ الْأَيَّامَ الْخَمْسَةَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ فَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ. . وَأَنْوَاعُهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ: سَبْعَةٌ مُتَتَابِعَةٌ رَمَضَانُ وَكَفَّارَةُ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ وَيَمِينٍ وَإِفْطَارِ رَمَضَانَ وَنَذْرٌ مُعَيَّنٌ وَاعْتِكَافٌ   [رد المحتار] إلَّا إذَا وَافَقَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ قَبْلُ؛ كَمَا لَوْ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا أَوْ كَانَ يَصُومُ أَوَّلَ الشَّهْرِ مَثَلًا فَوَافَقَ يَوْمًا مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَأَفَادَ قَوْلُهُ وَحْدَهُ أَنَّهُ لَوْ صَامَ مَعَهُ يَوْمًا آخَرَ فَلَا كَرَاهَةَ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي تَخْصِيصِهِ بِالصَّوْمِ لِلتَّشَبُّهِ وَهَلْ إذَا صَامَ السَّبْتَ مَعَ الْأَحَدِ تَزُولُ الْكَرَاهَةُ؟ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّ كُلَّ يَوْمٍ مِنْهُمَا مُعَظَّمٌ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَفِي صَوْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَشَبُّهٌ بِطَائِفَةٍ مِنْهُمْ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ صَوْمَهُمَا مَعًا لَيْسَ فِيهِ تَشَبُّهٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَتَّفِقْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ عَلَى تَعْظِيمِهِمَا مَعًا وَيَظْهَرُ لِي الثَّانِي بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَامَ الْأَحَدَ مَعَ الِاثْنَيْنِ تَزُولُ الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَظِّمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ مَعًا وَإِنْ عَظَّمَتْ النَّصَارَى الْأَحَدَ وَكَذَا لَوْ صَامَ مَعَ عَاشُورَاءَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ مَعَ أَنَّ الْيَهُودَ تُعَظِّمُهُ. وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ جَاءَ عَاشُورَاءُ يَوْمَ الْأَحَدِ أَوْ الْجُمُعَةِ لَا يُكْرَهُ صَوْمُ السَّبْتِ مَعَهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ يَوْمُ الْمِهْرَجَانِ أَوْ النَّيْرُوزِ لِعَدَمِ تَعَمُّدِ صَوْمِهِ بِخُصُوصِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَنَيْرُوزَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ مُعَرَّبُ نُورُوزْ، وَمَعْنَاهُ الْيَوْمُ الْجَدِيدُ فَنُو بِمَعْنَى الْجَدِيدِ وَرُوزْ بِمَعْنَى الْيَوْمِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ يَوْمٌ تَحِلُّ فِيهِ الشَّمْسُ بُرْجَ الْحَمَلِ وَمِهْرَجَانُ مُعَرَّبُ مهركان وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَوَّلُ حُلُولُ الشَّمْسِ فِي الْمِيزَانِ وَهَذَانِ الْيَوْمَانِ عِيدَانِ لِلْفُرْسِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: إنْ تَعَمَّدْهُ) كَذَا فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ قَالَ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَصُومُ قَبْلَهُ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَصُومَ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَصُومَ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ تَعْظِيمَ هَذَا الْيَوْمِ وَأَنَّهُ حَرَامٌ (قَوْلُهُ وَصَوْمِ صَمْتٍ) وَهُوَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْمَجُوسِ فَإِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ هَكَذَا مُحِيطٌ قَالَ فِي الْإِمْدَادِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِخَيْرٍ وَبِحَاجَةٍ دَعَتْ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَوِصَالٍ) فَسَّرَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بِصَوْمِ يَوْمَيْنِ لَا فِطْرَ بَيْنَهُمَا بَحْرٌ وَفَسَّرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنْ يَصُومَ السَّنَةَ وَلَا يُفْطِرُ فِي الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا أَفْطَرَ فِي الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَفْطَرَ الْأَيَّامَ الْخَمْسَةَ) أَيْ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ صَاحِبَيْهِ يَقُولَانِ بِخِلَافِهِ وَظَاهِرُ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْمُخَالِفَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: مَنْ صَامَ سَائِرَ الدَّهْرِ وَأَفْطَرَ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ نَهْيِ الْوِصَالِ وَرَدَّ عَلَيْهِ أَبُو يُوسُف فَقَالَ: وَلَيْسَ هَذَا عِنْدِي كَمَا قَالَ هَذَا قَدْ صَامَ الدَّهْرَ كَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ لَيْسَ لِصَوْمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ بَلْ لِمَا يُضْعِفُهُ عَنْ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالْكَسْبِ الَّذِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ يَعُمُّ السُّنَّةَ وَالْمَنْدُوبَ وَالْمَكْرُوهَ أَيْ فَصَارَ جُمْلَةُ مَا دَخَلَ فِي قَوْلِهِ وَنَفْلٌ خَمْسَةَ عَشَرَ بِجَعْلِ الْعِيدَيْنِ اثْنَيْنِ، وَجَعْلِ يَوْمِ الْأَحَدِ مِنْهَا عَلَى مَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ فَافْهَمْ. لَكِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَصَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ، وَمِنْ الْمَكْرُوهِ أَيْضًا صَوْمُ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْأَجِيرِ بِلَا إذْنِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى وَالْمُسْتَأْجِرِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَوْ نَوَى مُسَافِرٌ الْفِطْرَ، وَمِنْ الْمَنْدُوبِ صَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَصَوْمُ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالسِّتِّ مِنْ شَوَّالٍ عَلَى مَا يَأْتِي قُبَيْلَ الِاعْتِكَافِ. (قَوْلُهُ: وَأَنْوَاعُهُ) أَيْ أَنْوَاعُ الصِّيَامِ اللَّازِمِ (قَوْلُهُ: سَبْعَةٌ مُتَتَابِعَةٌ) عَدَّهَا فِي الْبَحْرِ سَبْعَةً أَيْضًا لَكِنْ أَسْقَطَ صَوْمَ الِاعْتِكَافِ وَذَكَرَ بَدَلَهُ صَوْمَ الْيَمِينِ الْمُعَيَّنِ كَأَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ رَجَبًا مَثَلًا وَكَأَنَّ الشَّارِحَ أَدْخَلَهُ تَحْتَ النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ بِجَامِعِ الْإِيجَابِ قَوْلًا ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَلْحَقُ بِهِ النَّذْرُ الْمُطْلَقُ إذَا ذَكَرَ فِيهِ التَّتَابُعَ أَوْ نَوَاهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ إذَا أَفْطَرَ يَوْمًا فِيمَا يَجِبُ فِيهِ التَّتَابُعُ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ إنْ كَانَ التَّتَابُعُ مَأْمُورًا بِهِ لِأَجْلِ الْوَقْتِ وَهُوَ رَمَضَانُ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ وَالْيَمِينُ بِصَوْمٍ مُعَيَّنٍ وَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ لِأَجْلِ الْفِعْلِ وَهُوَ الصَّوْمُ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ كَالسِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 وَاجِبٌ. وَسِتَّةٌ يُخَيَّرُ فِيهَا: نَفْلٌ وَقَضَاءُ رَمَضَانَ وَصَوْمُ مُتْعَةٍ وَفِدْيَةِ حَلْقٍ وَجَزَاءِ صَيْدٍ وَنَذْرٌ مُطْلَقٌ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَيَصِحُّ) أَدَاءُ (صَوْمِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَالنَّفَلِ بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ) فَلَا تَصِحُّ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَا عِنْدَهُ (إلَى الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى لَا) بَعْدَهَا وَلَا (عِنْدَهَا) اعْتِبَارًا لِأَكْثَرِ الْيَوْمِ (وَبِمُطْلَقِ النِّيَّةِ) أَيْ نِيَّةِ الصَّوْمِ   [رد المحتار] قُلْت: وَمِنْ الْأَوَّلِ مَا زَادَهُ الشَّارِحُ وَهُوَ صَوْمُ الِاعْتِكَافِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَسِتَّةٌ يُخَيَّرُ فِيهَا) كَذَا عَدَّهَا فِي الْبَحْرِ سِتَّةً أَيْضًا لَكِنْ أَسْقَطَ النَّفَلَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَنْوَاعِ الصِّيَامِ اللَّازِمِ وَذَكَرَ بَدَلَهُ صَوْمَ الْيَمِينِ الْمُطْلَقِ مِثْلَ: وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ شَهْرًا وَكَانَ الشَّارِحُ أَدْخَلَهُ تَحْتَ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ نَظِيرَ مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَصَوْمُ مُتْعَةٍ) أَيْ وَقِرَانٍ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَذْبَحُ لَهُمَا فَإِنَّهُ يَصُومُ ثَلَاثًا قَبْلَ الْحَجِّ وَسَبْعًا إذَا رَجَعَ ط (قَوْلُهُ: وَفِدْيَةِ حَلْقٍ وَجَزَاءِ صَيْدٍ) أَيْ إذَا اخْتَارَ الصِّيَامَ فِيهِمَا ط (قَوْلُهُ: وَنَذْرٍ مُطْلَقٍ) أَيْ عَنْ التَّقْيِيدِ بِشَهْرِ كَذَا وَعَنْ ذِكْرِ التَّتَابُعِ أَوْ نِيَّتِهِ (قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ أَدَاءُ صَوْمِ رَمَضَانَ إلَخْ) قَيَّدَ بِالْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ وَقَضَاءَ النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ أَوْ النَّفْلِ الَّذِي أَفْسَدَهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْيِيتُ وَالتَّعَيُّنُ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّرْطِ لِلْبَاقِي إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ) فَهُوَ فِي حُكْمِ رَمَضَانَ لِتَعَيُّنِ الْوَقْتِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: وَالنَّفَلِ) الْمُرَادُ بِهِ مَا عَدَا الْفَرْضَ، وَالْوَاجِبُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مَكْرُوهًا بَحْرٌ وَنَهْرٌ (قَوْلُهُ: بِنِيَّةٍ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ النِّيَّةُ شَرْطٌ فِي الصَّوْمِ وَهِيَ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَنَّهُ يَصُومُ وَلَا يَخْلُو مُسْلِمٌ عَنْ هَذَا فِي لَيَالِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَلَيْسَتْ النِّيَّةُ بِاللِّسَانِ شَرْطًا وَلَا خِلَافَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَهُوَ غُرُوبُ الشَّمْسِ وَاخْتَلَفُوا فِي آخِرِهِ كَمَا يَأْتِي. اهـ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَا يُبْطِلُهَا وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ التَّسَحُّرَ نِيَّةٌ (قَوْلُهُ: فَلَا تَصِحُّ قَبْلَ الْغُرُوبِ) فَلَوْ نَوَى قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ أَنْ يَكُونَ صَائِمًا غَدًا ثُمَّ نَامَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ غَفَلَ حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ مِنْ الْغَدِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ نَوَى بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ جَازَ خَانِيَّةٌ وَفِيهَا وَإِنْ نَوَى مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قِرَانُ النِّيَّةِ بِالصَّوْمِ لَا تَقَدُّمُهَا (قَوْلُهُ: إلَى الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى) الْمُرَادُ بِهَا نِصْفُ النَّهَارِ الشَّرْعِيِّ وَالنَّهَارُ الشَّرْعِيُّ مِنْ اسْتِطَارَة الضَّوْءِ فِي أُفُقِ الْمَشْرِقِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالْغَايَةُ غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي الْمُغَيَّا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لَا عِنْدَهَا. اهـ. ح وَعَدَلَ عَنْ تَعْبِيرِ الْقُدُورِيِّ وَالْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِمَا بِالزَّوَالِ لِضَعْفِهِ؛ لِأَنَّ الزَّوَالَ نِصْفُ النَّهَارِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَوَقْتِ الصَّوْمِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ وَنِصْفُهُ مِنْ وَقْتِ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى وَقْتِ الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى لَا وَقْتَ الزَّوَالِ فَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ قَبْلَهَا لِتَتَحَقَّقَ فِي الْأَكْثَرِ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ الْأَصَحُّ فِي الْعَتَّابِيَّةِ وَالْوِقَايَةِ وَعَزَاهُ فِي الْمُحِيطِ إلَى السَّرَخْسِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ اهـ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا نَوَى عِنْدَ قُرْبِ الزَّوَالِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الْبَحْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْعِبَارَةِ لَا فِي الْحُكْمِ غَيْرُ ظَاهِرٍ. [تَنْبِيهٌ] قَدْ عَلِمْت أَنَّ النَّهَارَ الشَّرْعِيَّ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ قُطْرٍ نِصْفُ نَهَارِهِ قَبْلَ زَوَالِهِ بِنِصْفِ حِصَّةِ فَجْرِهِ فَمَتَى كَانَ الْبَاقِي لِلزَّوَالِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا النِّصْفِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ النِّيَّةُ فِي مِصْرَ وَالشَّامَ قَبْلَ الزَّوَالِ بِخَمْسِ عَشْرَةَ دَرَجَةً لِوُجُودِ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ حِصَّةِ الْفَجْرِ لَا تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ دَرَجَةً فِي مِصْرَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَنِصْفٍ فِي الشَّامِ فَإِذَا كَانَ الْبَاقِي إلَى الزَّوَالِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ هَذِهِ الْحِصَّةِ وَلَوْ بِنِصْفِ دَرَجَةٍ صَحَّ الصَّوْمُ كَذَا حَرَّرَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. [تَتِمَّةٌ] قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَإِذَا نَوَى الصَّوْمَ مِنْ النَّهَارِ يَنْوِي أَنَّهُ صَائِمٌ مِنْ أَوَّلِهِ حَتَّى لَوْ نَوَى قَبْل الزَّوَالِ أَنَّهُ صَائِمٌ فِي حِينِ نَوَى لَا مِنْ أَوَّلِهِ لَا يَصِيرُ صَائِمًا (قَوْلُهُ: وَبِمُطْلَقِ النِّيَّةِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِوَصْفِ الْفَرْضِ أَوْ الْوَاجِبِ أَوْ السُّنَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 فَأَلْ بَدَلٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ (وَبِنِيَّةِ نَفْلٍ) لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ (وَبِخَطَأٍ فِي وَصْفٍ) كَنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ (فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ) فَقَطْ لِتَعَيُّنِهِ بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ (إلَّا) إذَا وَقَعَتْ النِّيَّةُ (مِنْ مَرِيضٍ أَوْ مُسَافِرٍ) حَيْثُ يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ فِي حَقِّهِمَا فَلَا يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ (بَلْ يَقَعُ عَمَّا نَوَى) مِنْ نَفْلٍ أَوْ وَاجِبٍ (عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ) بَحْرٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ سِرَاجٌ، وَقِيلَ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَلِذَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلدُّرَرِ لَكِنْ فِي أَوَائِلِ الْأَشْبَاهِ الصَّحِيحُ وُقُوعُ الْكُلِّ عَنْ رَمَضَانَ سِوَى مُسَافِرٍ نَوَى وَاجِبًا آخَرَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ الْبُرْهَانِ   [رد المحتار] ؛ لِأَنَّ رَمَضَانَ مِعْيَارٌ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ صَوْمٌ آخَرُ فَكَانَ مُتَعَيِّنًا لِلْفَرْضِ وَالْمُتَعَيِّنُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَيُصَامُ كُلٌّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ إمْدَادٌ (قَوْلُهُ: فَأَلْ بَدَلٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ ط فَلَا يُقَالُ: إنَّ مُطْلَقَ النِّيَّةِ يَصْدُقُ بِنِيَّةِ أَيِّ عِبَادَةٍ كَانَتْ كَمَا تَوَهَّمَهُ الْبَعْضُ فَاعْتَرَضَ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ) إشَارَةً إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ: وَبِخَطَأٍ فِي وَصْفٍ) كَذَا وَقَعَ فِي عِبَارَاتِهِمْ أُصُولًا وَفُرُوعًا أَنَّ رَمَضَانَ يَصِحُّ مَعَ الْخَطَأِ فِي الْوَصْفِ؛ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ إلَى أَنَّ نِيَّةَ النَّفْلِ فِيهِ مُصَوَّرَةٌ فِي يَوْمِ الشَّكِّ بِأَنْ شَرَعَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لِيَكُونَ هَذَا الظَّنُّ مَعْفُوًّا وَإِلَّا يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ كَذَا فِي التَّقْرِيرِ وَفِي النِّهَايَةِ مَا يَرُدُّهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا لَغَا نِيَّةَ النَّفْلِ لَمْ تَتَحَقَّقْ نِيَّةُ الْإِعْرَاضِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ نِيَّةِ النَّفْلِ وَاعْتِقَادِ عَدَمِ الْفَرْضِيَّةِ أَوْ ظَنِّهِ إلَّا إذَا انْضَمَّ إلَيْهَا اعْتِقَادُ النَّفْلِيَّةِ فَيَكْفُرُ أَوْ ظَنَّهَا فَيُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ بَحْرٌ مُلَخَّصًا وَبِهَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَطَأِ بِالْوَصْفِ وَصْفُ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ نَفْلٍ أَوْ وَاجِبٍ آخَرَ خَطَأً؛ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ مِنْ الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَعَمَّدَهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ نِيَّةَ الْوَاجِبِ فَقَطْ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ وَبِنِيَّةِ نَفْلٍ وَبِخَطَأٍ فِي وَصْفٍ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الثَّانِي أَوْ إبْدَالُهُ بِوَاجِبٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّعْبِيرِ بِالْخَطَأِ فِي الْوَصْفِ التَّبَاعُدُ عَنْ تَعَمُّدِ نِيَّةِ النَّفْلِ وَبَعْدَ التَّصْرِيحِ بِقَوْلِهِ وَبِنِيَّةِ نَفْلٍ لَمْ تَبْقَ فَائِدَةٌ لِلتَّعْبِيرِ بِالْخَطَأِ فِي الْوَصْفِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْوَاجِبُ كَمَا فَسَّرَهُ الشَّارِحُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: فَقَطْ) أَيْ دُونَ النَّفْلِ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ فَلَا يَصِحَّانِ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ بَلْ يَقَعُ عَمَّا نَوَى كَمَا يَأْتِي ط (قَوْلُهُ بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا انْسَلَخَ شَعْبَانُ فَلَا صَوْمَ إلَّا رَمَضَانَ» بِخِلَافِ النَّذْرِ فَإِنَّمَا جُعِلَ بِوِلَايَةِ النَّاذِرِ وَلَهُ إبْطَالُ صَلَاحِيَةِ مَالِهِ ط عَنْ الْمَنْحِ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا وَقَعَتْ النِّيَّةُ) أَيْ نِيَّةُ النَّفْلِ أَوْ الْوَاجِبِ الْآخَرِ فِي رَمَضَانَ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَبِنِيَّةِ نَفْلٍ وَخَطَأٍ فِي وَصْفٍ (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَحْتَاجُ) أَيْ الْمَرِيضُ أَوْ الْمُسَافِرُ وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ لِلْعَطْفِ بِأَوْ الَّتِي لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوْ الضَّمِيرَ لِلصَّوْمِ، وَيُؤَيِّدُهُ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: تَعْيِينِهِ وَفِي يَقَعُ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ فِي حَقِّهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ عَنْهُمَا وُجُوبُ الْأَدَاءِ صَارَ رَمَضَانُ فِي حَقِّ الْأَدَاءِ كَشَعْبَانَ (قَوْلُهُ: مِنْ نَفْلٍ أَوْ وَاجِبٍ) أَمَّا لَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ كَانَ عَنْ رَمَضَانَ عَلَى جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ ح عَنْ الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ بَحْرٌ) أَقُولُ: الَّذِي فِي الْبَحْرِ نِسْبَةُ ذَلِكَ إلَى الْأَكْثَرِ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ وَهُوَ أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ كَمَا يَأْتِي أَمَّا فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ فَإِنْ نَوَى وَاجِبًا آخَرَ يَقَعُ عَنْهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنْ نَوَى النَّفَلَ أَوْ أَطْلَقَ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا وُقُوعُهُ عَنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ النَّفْلِ الثَّوَابُ وَهُوَ فَرْضَ الْوَقْتِ أَكْثَرُ وَقَالَ وَيَنْبَغِي وُقُوعُهُ مِنْ الْمَرِيضِ عَنْ رَمَضَانَ فِي النَّفْلِ عَلَى الصَّحِيحِ كَالْمُسَافِرِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَرِيضَ وَالْمُسَافِرَ لَوْ نَوَيَا وَاجِبًا آخَرَ وَقَعَ عَنْهُ وَلَوْ نَوَيَا نَفْلًا أَوْ أَطْلَقَا فَعَنْ رَمَضَانَ نَعَمْ فِي السِّرَاجِ صَحَّحَ رِوَايَةَ وُقُوعِهِ عَنْ النَّفْلِ فِيهِمَا وَعَلَيْهِ يَتَمَشَّى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالدُّرَرِ (قَوْلُهُ: الصَّحِيحُ وُقُوعُ الْكُلِّ عَنْ رَمَضَانَ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْكُلِّ هُوَ مَا إذَا نَوَى الْمَرِيضُ النَّفَلَ أَوْ أَطْلَقَ أَوْ نَوَى وَاجِبًا آخَرَ وَمَا إذَا نَوَى الْمُسَافِرُ كَذَلِكَ إلَّا إذَا نَوَى وَاجِبًا آخَرَ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْهُ لَا عَنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَهُ أَنْ يَصُومَ فَلَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى وَاجِبٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ مُتَعَلِّقَةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 أَنَّهُ الْأَصَحُّ (وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ) وَلَا يَصِحُّ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ بَلْ (يَقَعُ عَنْ وَاجِبٍ نَوَاهُ) مُطْلَقًا فَرْقًا بَيْنَ تَعْيِينِ الشَّارِعِ وَالْعَبْدِ (وَلَوْ صَامَ مُقِيمٌ عَنْ غَيْرِ رَمَضَانَ) وَلَوْ (لِجَهْلِهِ بِهِ) أَيْ بِرَمَضَانَ (فَهُوَ عَنْهُ) لَا عَمَّا نَوَى لِحَدِيثِ «إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَلَا صَوْمَ إلَّا عَنْ رَمَضَانَ» . (وَيَحْتَاجُ صَوْمُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ إلَى نِيَّةٍ) وَلَوْ صَحِيحًا مُقِيمًا تَمْيِيزًا لِلْعِبَادَةِ عَنْ الْعَادَةِ. وَقَالَ زُفَرُ وَمَالِكٌ: تَكْفِي نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ كَالصَّلَاةِ.   [رد المحتار] بِمَظِنَّةِ الْعَجْزِ وَهُوَ السَّفَرُ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ فَإِنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِحَقِيقَةِ الْعَجْزِ فَإِذَا صَامَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ عَاجِزٍ. وَاسْتَشْكَلَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّ الْمُرَخَّصَ هُوَ الْمَرَضُ الَّذِي يَزْدَادُ بِالصَّوْمِ لَا الْمَرَضُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى الصَّوْمِ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إذَا صَامَ ظَهَرَ فَوَاتُ شَرْطِ الرُّخْصَةِ. قَالَ فِي التَّلْوِيحِ: وَجَوَابُهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ وَتَتَعَلَّقُ الرُّخْصَةُ بِحَقِيقَةِ الْعَجْزِ، وَأَمَّا الَّذِي يُخَافُ فِيهِ ازْدِيَادُ الْمَرَضِ فَهُوَ كَالْمُسَافِرِ بِلَا خِلَافٍ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الْكَرْخِيِّ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ سَهْوٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ بِالْمَرِيضِ الَّذِي يُطِيقُ الصَّوْمَ وَكَانَ مِنْهُ ازْدِيَادُ الْمَرَضِ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] تَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِ الْبَحْرِ أَنَّ فِي الْمَرِيضِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا مَا فِي الْأَشْبَاهِ الْمَذْكُورُ هُنَا وَاخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَجَمْعٌ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمَعِ. ثَانِيهَا: مَا مَرَّ فِي الْمَتْنِ أَنَّهُ يَقَعُ عَمَّا نَوَى وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَقِيلَ إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَيَنْبَغِي وُقُوعُهُ عَنْ رَمَضَانَ فِي النَّفْلِ كَالْمُسَافِرِ كَمَا مَرَّ. ثَالِثُهَا: التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَضُرَّهُ الصَّوْمُ فَتَتَعَلَّقُ الرُّخْصَةُ بِخَوْفِ الزِّيَادَةِ فَيَصِيرُ كَالْمُسَافِرِ يَقَعُ عَمَّا نَوَى وَبَيْنَ أَنْ لَا يَضُرَّهُ الصَّوْمُ كَفَسَادِ الْهَضْمِ فَتَتَعَلَّقُ الرُّخْصَةُ بِحَقِيقَتِهِ فَيَقَعُ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ وَاخْتَارَهُ فِي الْكَشْفِ وَالتَّحْرِيرِ. اهـ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ مَا مَرَّ عَنْ التَّلْوِيحِ وَجَعَلَهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ مَحْمَلَ الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ: إنَّهُ تَحْقِيقٌ يَحْصُلُ بِهِ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْ لَا يَضُرُّهُ الصَّوْمُ، وَحَمْلِ مَا اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى مَنْ يَضُرُّهُ وَتَعَقَّبَ الْأَكْمَلُ فِي التَّقْرِيرِ هَذَا الْقَوْلَ بِأَنَّ مَنْ لَا يَضُرُّهُ الصَّوْمُ لَا يُرَخَّصُ لَهُ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّهُ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ. قُلْت: وَأَجَبْت عَنْهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْبَحْرِ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الْعُمُومَ تَارَةً يَزْدَادُ بِهِ الْمَرَضُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ كَمَرَضِ الْعَيْنِ مَثَلًا وَتَارَةً لَا يَضُرُّهُ كَمَرِيضٍ بِفَسَادِ الْهَضْمِ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَا يَضُرُّهُ بَلْ يَنْفَعُهُ فَالْأَوَّلُ تَتَعَلَّقُ الرُّخْصَةُ فِيهِ بِخَوْفِ الزِّيَادَةِ وَالثَّانِي بِحَقِيقَةِ الْعَجْزِ بِأَنْ يَصِلَ إلَى حَالَةٍ لَا يُمْكِنُهُ مَعَهَا الصَّوْمُ، فَإِذَا صَامَ ظَهَرَ عَدَمُ عَجْزِهِ فَيَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِهِ لَا يَضُرُّهُ لَا يَقُولُ عَاقِلٌ بِأَنَّهُ يُرَخَّصُ لَهُ الْفِطْرُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ إلَخْ) تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي رَمَضَانَ فَقَطْ (قَوْلُهُ: بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ) كَقَضَاءِ رَمَضَانَ أَوْ الْكَفَّارَةِ أَمَّا لَوْ نَوَى النَّفَلَ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْ النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ سِرَاجٌ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ يَقَعُ عَنْ النَّفْلِ وَأَبَا يُوسُفَ عَنْ النَّذْرِ (قَوْلُهُ عَنْ وَاجِبٍ نَوَاهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا مُقِيمًا أَوْ مُسَافِرًا وَإِذَا وَقَعَ عَمَّا نَوَى وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْمَنْذُورِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِجَهْلِهِ) زَادَ لَفْظَةَ وَلَوْ لِيَدْخُلَ غَيْرُ الْجَاهِلِ لَكِنَّ الْأُولَى إسْقَاطُهَا؛ لِأَنَّ الْعَالِمَ تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ وَبِخَطَأٍ فِي وَصْفٍ ط. وَأَفَادَ أَنَّ الصَّوْمَ وَاقِعٌ فِي رَمَضَانَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا جَهِلَ شَهْرَ رَمَضَانَ كَالْأَسِيرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَتَحَرَّى وَصَامَ عَنْهُ شَهْرًا وَبَيَانُهُ فِي الْبَحْرِ. وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ صَامَ بِالتَّحَرِّي سِنِينَ كَثِيرَةً ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَامَ فِي كُلِّ سَنَةٍ قَبْلَ شَهْرِ رَمَضَانَ فَهَلْ يَجُوزُ صَوْمُهُ فِي الثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى وَفِي الثَّالِثَةِ عَنْ الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا قِيلَ يَجُوزُ وَقِيلَ لَا وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ إنْ نَوَى صَوْمَ رَمَضَانَ مُبْهَمًا يَجُوزُ عَنْ الْقَضَاءِ، وَإِنْ نَوَى عَنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مُفَسَّرًا لَا يَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ: «فَلَا صَوْمَ إلَّا عَنْ رَمَضَانَ» ) أَيْ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ صَوْمُ غَيْرِهِ وَمَحَلُّهُ فِيمَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَلَا يَرِدُ الْمُسَافِرُ إذَا نَوَى وَاجِبًا آخَرَ ط. (قَوْلُهُ: عَنْ الْعَادَةِ) أَيْ عَادَةِ الْإِمْسَاكِ حِمْيَةً أَوْ لِعُذْرٍ ط (قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ وَمَالِكٌ تَكْفِي نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ) أَيْ عَنْ الشَّهْرِ كُلِّهِ وَرُوِيَ عَنْ زُفَرَ أَنَّ الْمُقِيمَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَلَوْ مُسَافِرًا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْوِيَ مِنْ اللَّيْلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 قُلْنَا: فَسَادُ الْبَعْضِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْكُلِّ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ (وَالشَّرْطُ لِلْبَاقِي) مِنْ الصِّيَامِ قِرَانُ النِّيَّةِ لِلْفَجْرِ وَلَوْ حُكْمًا وَهُوَ (تَبْيِيتُ النِّيَّةِ) لِلضَّرُورَةِ (وَتَعْيِينُهَا) لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْوَقْتِ. وَالشَّرْطُ فِيهَا: أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَوْمٍ يَصُومُهُ. قَالَ الْحَدَّادِيُّ: وَالسُّنَّةُ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهَا وَلَا تَبْطُلُ بِالْمَشِيئَةِ بَلْ بِالرُّجُوعِ عَنْهَا بِأَنْ يَعْزِمَ لَيْلًا عَلَى الْفِطْرِ وَنِيَّةِ الصَّائِمِ الْفِطْرُ لَغْوٌ وَنِيَّةُ الصَّوْمِ فِي الصَّلَاةِ صَحِيحَةٌ، وَلَا تُفْسِدُهَا بِلَا تَلَفُّظٍ، وَلَوْ نَوَى الْقَضَاءَ نَهَارًا صَارَ نَفْلًا فَيَقْضِيه لَوْ أَفْسَدَهُ لِأَنَّ الْجَهْلَ فِي دَارِنَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَلَمْ يَكُنْ كَالْمَظْنُونِ -   [رد المحتار] وَعِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةٍ جَدِيدَةٍ لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ مُقِيمًا أَوْ مُسَافِرًا سِرَاجٌ (قَوْلُهُ: قُلْنَا إلَخْ) أَيْ فِي جَوَابِ قِيَاسِهِ الصَّوْمُ عَلَى الصَّلَاةِ أَنَّ صَوْمَ كُلِّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ بِنَفْسِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ فَسَادَ الْبَعْضِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْكُلِّ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَالشَّرْطُ لِلْبَاقِي مِنْ الصِّيَامِ) أَيْ مِنْ أَنْوَاعِهِ أَيْ الْبَاقِي مِنْهَا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْمَتْنِ وَهُوَ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَالنَّذْرُ الْمُطْلَقُ، وَقَضَاءُ النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَالنَّفَلِ بَعْدَ إفْسَادِهِ وَالْكَفَّارَاتِ السَّبْعِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْحَلْقِ وَالْمُتْعَةِ نَهْرٌ، وَقَوْلُهُ: السَّبْعُ صَوَابُهُ الْأَرْبَعُ وَهِيَ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، وَالْقَتْلِ، وَالْيَمِينِ، وَالْإِفْطَارِ (قَوْلُهُ: لِلْفَجْرِ) أَيْ لِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ ط (قَوْلُهُ: وَلَوْ حُكْمًا إلَخْ) جَعَلَ فِي الْبَحْرِ الْقِرَانَ فِي حُكْمِ التَّبْيِيتِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْأَنْسَبَ مَا سَلَكَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْعَكْسِ إذْ الْقِرَانُ هُوَ الْأَصْلُ وَفِي التَّبْيِيتِ قِرَانٌ حُكْمًا كَمَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْقِرَانِ الْحُكْمِيِّ ح (قَوْلُهُ: تَبْيِيتُ النِّيَّةِ) فَلَوْ نَوَى تِلْكَ الصِِيَامَاتِ نَهَارًا كَانَ تَطَوُّعًا وَإِتْمَامُهُ مُسْتَحَبٌّ وَلَا قَضَاءَ بِإِفْطَارِهِ وَالتَّبْيِيتُ فِي الْأَصْلِ كُلُّ فِعْلٍ دُبِّرَ لَيْلًا ط عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ: لِلضَّرُورَةِ) عِلَّةٌ لِلِاكْتِفَاءِ بِالْقِرَانِ الْحُكْمِيِّ إذْ تَحَرِّي وَقْتِ الْفَجْرِ مِمَّا يَشُقُّ وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ اهـ ح (قَوْلُهُ: وَتَعْيِينُهَا) هُوَ بِالنَّظَرِ إلَى مُجَرَّدِ الْمَتْنِ مَعْطُوفٌ عَلَى تَبْيِيتٍ وَبِالنَّظَرِ إلَى عِبَارَةِ الشَّرْحِ مَعْطُوفٌ عَلَى قِرَانٍ كَمَا لَا يَخْفَى وَالْمُرَادُ بِتَعْيِينِهَا تَعْيِينُ الْمَنْوِيِّ بِهَا فَهُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ الْمَجَازِيِّ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْوَقْتِ) أَيْ لِهَذِهِ الصِِيَامَاتِ بِخِلَافِ أَدَاءِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّ الْوَقْتَ فِيهِمَا مُتَعَيِّنٌ وَكَذَا النَّفَلُ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَيَّامِ سِوَى شَهْرِ رَمَضَانَ وَقْتٌ لَهُ (قَوْلُهُ: وَالشَّرْطُ فِيهَا إلَخْ) أَيْ فِي النِّيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ مَا لَا يُشْتَرَطُ لَهُ التَّعْيِينُ يَكْفِيه أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَنْ يَصُومَ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الِاخْتِيَارِ وَأَفَادَ ح: أَنَّ الْعِلْمَ لَازِمُ النِّيَّةِ الَّتِي هِيَ نَوْعٌ مِنْ الْإِرَادَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ إرَادَةُ شَيْءٍ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ) أَيْ سُنَّةُ الْمَشَايِخِ لَا النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَدَمِ وُرُودِ النُّطْقِ بِهَا عَنْهُ ح (قَوْلُهُ: أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهَا) فَيَقُولُ: نَوَيْت أَصُومُ غَدًا أَوْ هَذَا الْيَوْمَ إنْ نَوَى نَهَارًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ فَرْضِ رَمَضَانَ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ: وَلَا تَبْطُلُ بِالْمَشِيئَةِ) أَيْ اسْتِحْسَانًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى حَقِيقَةِ الِاسْتِثْنَاءِ بَلْ لِلِاسْتِعَانَةِ وَطَلَبِ التَّوْفِيقِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ حَقِيقَةَ الِاسْتِثْنَاءِ لَا يَصِيرُ صَائِمًا كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَعْزِمَ لَيْلًا عَلَى الْفِطْرِ) فَلَوْ عَزَمَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَصْبَحَ وَأَمْسَكَ وَلَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ لَا يَصِيرُ صَائِمًا تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَنِيَّةُ الصَّائِمِ الْفِطْرَ لَغْوٌ) أَيْ نِيَّتُهُ ذَلِكَ نَهَارًا وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ بِأَنْ يَعْزِمَ لَيْلًا وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة نَوَى الْقَضَاءَ فَلَمَّا أَصْبَحَ جَعَلَهُ تَطَوُّعًا لَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْجَهْلَ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا فِي الْفَتْحِ مِنْ قَوْلِهِ قِيلَ هَذَا أَيْ لُزُومُ الْقَضَاءِ إذَا عَلِمَ أَنَّ صَوْمَهُ عَنْ الْقَضَاءِ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ مِنْ النَّهَارِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ كَالْمَظْنُونِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ الَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ الْجَهْلَ بِالْأَحْكَامِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ خُصُوصًا أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ الْقَضَاءِ بِنِيَّتِهِ نَهَارًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِيمَا يَظْهَرُ فَلَيْسَ كَالْمَظْنُونِ اهـ. وَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْقِيلِ (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَكُنْ كَالْمَظْنُونِ) إذْ الْمَظْنُونُ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ فَشَرَعَ فِيهِ بِشُرُوطِهِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنْ لَا صَوْمَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا لَا مُلْتَزِمًا وَهُوَ مَعْذُورٌ بِالنِّسْيَانِ فَلَوْ أَفْسَدَهُ فَوْرًا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ إتْمَامَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَضَى فِيهِ بَعْدَ عِلْمِهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُلْتَزِمًا فَلَا يَجُوزُ قَطْعُهُ فَلَوْ قَطَعَهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 بَحْرٌ (وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ) هُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ لِجَوَازِ تَحَقُّقِ الرُّؤْيَةِ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى، وَأَمَّا عَلَى مُقَابِلِهِ فَلَيْسَ بِشَكٍّ وَلَا يُصَامُ أَصْلًا شَرْحُ الْمَجْمَعِ لَلْعَيْنِيِّ عَنْ الزَّاهِدِيِّ (إلَّا نَفْلًا) وَيُكْرَهُ غَيْرُهُ (وَلَوْ صَامَهُ لِوَاجِبٍ آخَرَ كُرِهَ) تَنْزِيهًا وَلَوْ جَزَمَ أَنْ يَكُونَ عَنْ رَمَضَانَ كُرِهَ تَحْرِيمًا (وَيَقَعُ عَنْهُ فِي الْأَصَحِّ إنْ لَمْ تَظْهَرْ رَمَضَانِيَّتُهُ وَإِلَّا) بِأَنْ ظَهَرَتْ (فَعَنْهُ) لَوْ مُقِيمًا (وَالتَّنَفُّلُ فِيهِ أَحَبُّ) أَيْ أَفْضَلُ اتِّفَاقًا (إنْ وَافَقَ صَوْمًا يَعْتَادُهُ) أَوْ صَامَ مِنْ آخِرِ شَعْبَانَ ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ   [رد المحتار] وَأَمَّا مَنْ نَوَى الْقَضَاءَ بَعْدَ الْفَجْرِ فَإِنَّ مَا نَوَاهُ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ جَهْلُ لُزُومِ التَّبْيِيتِ فَلَمْ يُعْذَرْ وَصَحَّ شُرُوعُهُ فَلَوْ قَطَعَهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ رَحْمَتِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ) هُوَ اسْتِوَاءُ طَرَفَيْ الْإِدْرَاكِ مِنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: هُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ) الْأَوْلَى قَوْلُ نُورِ الْإِيضَاحِ هُوَ مَا يَلِي التَّاسِعَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ أَوَّلَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ ابْتِدَاءِ شَعْبَانَ فَمَنْ ابْتِدَائِيَّةٌ لَا تَبْعِيضِيَّةٌ تَأَمَّلْ. مَبْحَثٌ فِي صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ [تَنْبِيهٌ] فِي الْفَيْضِ وَغَيْرِهِ لَوْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ أَوْ يَوْمُ النَّحْرِ فَالْأَفْضَلُ فِيهِ الصَّوْمُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى وَبِهِ انْدَفَعَ كَلَامُ الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ اهـ: أَيْ حَيْثُ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا غُمَّ هِلَالُ شَعْبَانَ فَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ الثَّلَاثُونَ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ أَوْ غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ فَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ الْأَوَّلُ مِنْهُ أَوْ الثَّلَاثُونَ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ رَآهُ وَاحِدٌ أَوْ فَاسِقَانِ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ فَلَوْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ فَلَيْسَ بِيَوْمِ شَكٍّ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُجْتَبَى بِزِيَادَةٍ وَلَا يَجُوزُ صَوْمُهُ ابْتِدَاءً لَا فَرْضًا وَلَا نَفْلًا وَكَلَامُهُمْ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الشَّارِحِ هُنَا. (قَوْلُهُ: بِعَدَمِ اعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ) سَقَطَ مِنْ أَكْثَرِ النُّسَخِ لَفْظُ اعْتِبَارِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا كَلَامَ فِي اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي اعْتِبَارِهِ وَعَدَمِهِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ إلَخْ) أَيْ فَيَلْزَمُ الْبَلْدَةُ الَّتِي لَمْ يُرَ فِيهَا الْهِلَالُ (قَوْلُهُ: وَلَا يُصَامُ أَصْلًا) أَيْ ابْتِدَاءً لَا فَرْضًا وَلَا نَفْلًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْمُجْتَبَى؛ لِأَنَّهُ لَا احْتِيَاطَ فِي صَوْمِهِ لِلْخَوَاصِّ بِخِلَافِ يَوْمِ الشَّكِّ نَعَمْ لَوْ وَافَقَ صَوْمًا يَعْتَادُهُ فَالْأَفْضَلُ صَوْمُهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمُجْتَبَى بِقَوْلِهِ ابْتِدَاءً فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: إلَّا نَفْلًا) فِي نُسَخِهِ تَطَوُّعًا (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ غَيْرُهُ) أَيْ مِنْ فَرْضٍ أَوْ وَاجِبٍ بِنِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مُتَرَدِّدَةٍ وَكَذَا إطْلَاقُ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ شَامِلٌ لِلْمَقَادِيرِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ لِوَاجِبٍ آخَرَ) كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ وَقَضَاءٍ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ: كُرِهَ تَنْزِيهًا) سَنَذْكُرُ وَجْهَهُ (قَوْلُهُ: كُرِهَ تَحْرِيمًا) لِلتَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُمْ زَادُوا فِي صَوْمِهِمْ وَعَلَيْهِ حُمِلَ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ التَّقَدُّمِ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَيَقَع عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْوَاجِبِ وَقِيلَ يَكُونُ تَطَوُّعًا هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ تَظْهَرْ رَمَضَانِيَّتُهُ) فِي السِّرَاجِ إذَا صَامَهُ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ لَا يَسْقُطُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ فَلَا يَكُونُ قَضَاءً بِالشَّكِّ اهـ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَظْهَرْ الْحَالُ لَا يَكْفِي عَمَّا نَوَى فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ أَجْزَأَهُ عَمَّا نَوَى فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ يَجْزِيهِ لِوُجُودِ أَصْلِ النِّيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَعَنْهُ) أَيْ عَنْ رَمَضَانَ (قَوْلُهُ: لَوْ مُقِيمًا) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ كُرِهَ تَنْزِيهًا وَلِقَوْلِهِ فَعَنْهُ قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَلَوْ كَانَ مُسَافِرًا فَنَوَى فِيهِ وَاجِبًا آخَرَ لَمْ يُكْرَهْ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ رَمَضَانَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ فَلَمْ يُشْبِهْ صَوْمَهُ الزِّيَادَةَ وَيَقَعُ عَمَّا نَوَى وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ كَالْمُقِيمِ وَيُجْزَى عَنْ رَمَضَانَ إنْ بَانَ أَنَّهُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: إنْ وَافَقَ صَوْمًا يَعْتَادُهُ) كَمَا لَوْ كَانَ عَادَتُهُ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ الْخَمِيسِ أَوْ الِاثْنَيْنِ فَوَافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ الشَّكِّ سِرَاجٌ وَهَلْ تَثْبُتُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ كَمَا فِي الْحَيْضِ تَرَدَّدَ فِيهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 لَا أَقَلَّ لِحَدِيثِ «لَا تُقَدِّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ» . وَأَمَّا حَدِيثُ «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» فَلَا أَصْلَ لَهُ (وَإِلَّا يَصُومُهُ الْخَوَاصُّ وَيُفْطِرُ   [رد المحتار] قُلْت: الظَّاهِرُ نَعَمْ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً وَعَزَمَ عَلَى فِعْلِ مِثْلِهِ بَعْدَهَا فَوَافَقَ يَوْمَ الشَّكِّ؛ لِأَنَّ الِاعْتِيَادَ يُشْعِرُ بِالتَّكْرَارِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَوْدِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَبِالْعَزْمِ الْمَذْكُورِ يَحْصُلُ الْعَوْدُ حُكْمًا أَمَّا بِدُونِهِ فَلَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ إلَخْ) هُوَ مَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ» وَالْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ التَّطَوُّعِ حَتَّى لَا يُزَادَ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ كَمَا زَادَ أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى صَوْمِهِمْ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ هَلْ صُمْت مِنْ سَرَرِ شَعْبَانَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: إذَا أَفْطَرْت فَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ» سَرَرُ الشَّهْرِ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا آخِرُهُ كَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَجُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ لِاسْتِرَارِ الْقَمَرِ فِيهِ أَيْ اخْتِفَائِهِ وَرُبَّمَا كَانَ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ كَذَا أَفَادَهُ نُوحٌ فِي حَاشِيَةِ الدُّرَرِ. وَاسْتَدَلَّ أَحْمَدُ بِحَدِيثِ السَّرَرِ عَلَى وُجُوبِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَهُوَ عِنْدَنَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؛ لِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ التَّقَدُّمِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ مَا أَمْكَنَ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْفَتْحِ. هَذَا وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَغَيْرِهَا بِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ التَّقَدُّمُ عَلَى رَمَضَانَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ. وَوَجْهُ تَخْصِيصِهِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَنَّ صَوْمَهُ عَنْ رَمَضَانَ إنَّمَا يَكُونُ غَالِبًا عِنْدَ تَوَهُّمِ النُّقْصَانِ فِي شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ فَيَصُومُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ عَنْ رَمَضَانَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ ذَلِكَ احْتِيَاطٌ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْإِمْدَادِ وَالسَّعْدِيَّةِ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعَلَيْهِ فَلَا يُكْرَهُ صَوْمُ وَاجِبٍ آخَرَ فِي يَوْمِ الشَّكِّ قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ التُّحْفَةِ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ فِيهِ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ وَعَنْ التَّطَوُّعِ مُطْلَقًا لَا يُكْرَهُ فَثَبَتَ أَنَّ الْمَكْرُوهَ مَا قُلْنَا يَعْنِي صَوْمَ رَمَضَانَ وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِينَ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمْ حَيْثُ ذَكَرُوا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ حَدِيثِ التَّقَدُّمِ هُوَ التَّقَدُّمُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ قَالُوا وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يُكْرَهَ وَاجِبٌ آخَرُ أَصْلًا وَإِنَّمَا كُرِهَ لِصُورَةِ النَّهْيِ فِي حَدِيثِ الْعِصْيَانِ الْآتِي وَتَصْحِيحُ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ يَتْرُكُ صَوْمَهُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ تَوَرُّعًا وَإِلَّا فَبَعْدَ وُجُوبِ كَوْنِ الْمُرَادِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ التَّقَدُّمِ صَوْمَ رَمَضَانَ كَيْفَ يُوجِبُ حَدِيثُ الْعِصْيَانِ مَنْعَ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ حَدِيثُ التَّقَدُّمِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. اهـ. مَا فِي الْفَتْحِ مُلَخَّصًا وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة تَصْحِيحُ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ أَيْ التَّحْرِيمِيَّةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ التَّوَرُّعَ تَرْكُهُ تَنْزِيهًا وَفِي الْمُحِيطِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْرَهَ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ إلَّا أَنَّهُ وُصِفَ بِنَوْعِ كَرَاهَةٍ احْتِيَاطًا فَلَا يُؤَثِّرُ فِي نُقْصَانِ الثَّوَابِ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا أَصْلَ لَهُ) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ: وَيُرْوَى مَوْقُوفًا عَلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَهُوَ فِي مِثْلِهِ كَالْمَرْفُوعِ. اهـ. قُلْت: وَيَنْبَغِي حَمْلُ نَفْيِ الْأَصْلِيَّةِ عَلَى الرَّفْعِ كَمَا حَمَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ النَّوَوِيِّ فِي حَدِيثِ «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَا أَصْلَ لِرَفْعِهِ وَإِلَّا فَقَدْ وَرَدَ مَوْقُوفًا عَلَى مُجَاهِدٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَكَذَا هَذَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا بِقَوْلِهِ، وَقَالَ صِلَةٌ عَنْ عَمَّارٍ مَنْ صَامَ إلَخْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ «صِلَةَ بْنِ زُفَرَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَأَتَى بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ فَقَالَ عَمَّارٌ: مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» قَالَ فِي الْفَتْحِ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ الرَّجُلِ الْمُتَنَحِّي أَنَّهُ قَصَدَ صَوْمَهُ عَنْ رَمَضَانَ فَلَا يُعَارِضُ مَا مَرَّ وَهَذَا بَعْدَ حَمْلِهِ عَلَى السَّمَاعِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا يَصُومُهُ الْخَوَاصُّ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ صَوْمًا يَعْتَادُهُ وَلَا صَامَ مِنْ آخِرِ شَعْبَانَ ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ اُسْتُحِبَّ صَوْمُهُ لِلْخَوَاصِّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 غَيْرُهُمْ بَعْدَ الزَّوَالِ) بِهِ يُفْتَى نَفْيًا لِتُهْمَةِ النَّهْيِ (وَكُلُّ مَنْ عَلِمَ كَيْفِيَّةَ صَوْمِ الشَّكِّ فَهُوَ مِنْ الْخَوَاصِّ وَإِلَّا فَمِنْ الْعَوَامّ، وَالنِّيَّةُ) الْمُعْتَبَرَةُ هُنَا (أَنْ يَنْوِيَ التَّطَوُّعَ) عَلَى سَبِيلِ الْجَزْمِ (مَنْ لَا يَعْتَادُ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ) . أَمَّا الْمُعْتَادُ فَحُكْمُهُ مَرَّ (وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَعَنْهُ) ذَكَرَهُ أَخِي زَادَهُ (وَلَيْسَ بِصَائِمٍ لَوْ) رَدَّدَ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ بِأَنْ (نَوَى أَنْ يَصُومَ غَدًا إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ وَإِلَّا فَلَا) أَصُومُ لِعَدَمِ الْجَزْمِ (كَمَا) أَنَّهُ لَيْسَ بِصَائِمٍ (لَوْ نَوَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَدَاءً فَهُوَ صَائِمٌ وَإِلَّا فَمُفْطِرٌ وَيَصِيرُ صَائِمًا مَعَ الْكَرَاهَةِ لَوْ) رَدَّدَ فِي وَصْفِهَا بِأَنْ (نَوَى إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَعَنْهُ وَإِلَّا فَعَنْ وَاجِبٍ آخَرَ وَكَذَا) يُكْرَهُ (لَوْ قَالَ أَنَا صَائِمٌ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ وَإِلَّا فَعَنْ نَفْلٍ) لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ مَكْرُوهِينَ   [رد المحتار] قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَيَّدَهُ فِي التُّحْفَةِ بِكَوْنِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَعْلَمُ الْعَوَّامُ ذَلِكَ كَيْ لَا يَعْتَادُوا صَوْمَهُ فَيَظُنَّهُ الْجُهَّالُ زِيَادَةً عَلَى رَمَضَانَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِصَّةُ أَبِي يُوسُفَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْإِمْدَادِ وَغَيْرِهِ. حَاصِلُهَا أَنَّ أَسَدَ بْنَ عَمْرٍو سَأَلَهُ هَلْ أَنْتَ مُفْطِرٌ فَقَالَ لَهُ فِي أُذُنِهِ أَنَا صَائِمٌ وَفِي قَوْلِهِ يَصُومُهُ الْخَوَاصُّ إشَارَةً إلَى أَنَّهُمْ يُصْبِحُونَ صَائِمِينَ لَا مُتَلَوِّمِينَ بِخِلَافِ الْعَوَامّ لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ الْأَفْضَلُ أَنْ يَتَلَوَّمَ غَيْرُ آكِلٍ وَلَا شَارِبٍ مَا لَمْ يَتَقَارَبْ انْتِصَافُ النَّهَارِ فَإِنْ تَقَارَبَ فَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقُضَاةِ وَالْمُفْتِينَ أَنْ يَصُومُوا تَطَوُّعًا وَيُفْتُوا بِذَلِكَ خَاصَّتَهُمْ وَيُفْتُوا الْعَامَّةَ بِالْإِفْطَارِ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ التَّلَوُّمَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ الْكُلِّ كَمَا فِي النَّهْرِ لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنْ يَصُومَ الْمُفْتِي بِنَفْسِهِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ، وَيُفْتِي الْعَامَّةَ بِالتَّلَوُّمِ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ ثُمَّ بِالْإِفْطَارِ وَالتَّلَوُّمِ الِانْتِظَارِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الزَّوَالِ) فِي الْعَزْمِيَّةِ عَنْ خَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فِي هَامِشِ الْهِدَايَةِ إنَّمَا لَمْ يَقُلْ بَعْدَ الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى مَعَ أَنَّهُ مُخْتَارُهُ سَابِقًا؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ هُنَا التَّوْسِعَةُ (قَوْلُهُ: نَفْيًا لِتُهْمَةِ النَّهْيِ) أَيْ حَدِيثِ «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ» كَذَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى فَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَيُفْطِرُ غَيْرُهُمْ (قَوْلُهُ: وَالنِّيَّةُ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْكَيْفِيَّةِ (قَوْلُهُ فَحُكْمُهُ مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَالصَّوْمُ أَحَبُّ إنْ وَافَقَ صَوْمًا يَعْتَادُهُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَنْوِي وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ عَلَى سَبِيلِ الْجَزْمِ، وَالْمُرَادُ أَنْ لَا يُرَدِّدَ فِي النِّيَّةِ بَيْنَ كَوْنِهِ نَفْلًا إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ، وَفَرْضًا إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ بَلْ يَجْزِمُ بِنِيَّتِهِ نَفْلًا مَحْضًا وَلَا يَضُرُّهُ خُطُورُ احْتِمَالِ كَوْنِهِ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ جَزْمِهِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ يَصُومُ احْتِيَاطًا لِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْمُفْتِي وَالْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُفْتِيَ يَعْلَمُ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى رَمَضَانَ لَا تَجُوزُ، فَلِذَا يَصُومُ احْتِيَاطًا احْتِرَازًا عَنْ وُقُوعِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ بِخِلَافِ الْعَامَّةِ فَإِنَّهُ قَدْ يَقَعُ فِي وَهْمِهِمْ الزِّيَادَةُ فَلِذَا كَانَ فِطْرُهُمْ أَفْضَلَ بَعْدَ التَّلَوُّمِ (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ أَخِي زَادَهْ) أَيْ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَذَكَرَهُ أَيْضًا الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَكَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ بِصَائِمٍ إلَخْ) تَكْمِيلٌ لِأَقْسَامِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْهِدَايَةِ وَهِيَ خَمْسَةٌ تَقَدَّمَ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ: وَهِيَ الْجَزْمُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ أَوْ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ أَوْ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ، وَعَلِمْت أَحْكَامَهَا، وَالرَّابِعُ: الِاضْطِجَاعُ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ، وَالْخَامِسُ الِاضْطِجَاعُ فِي وَصْفِهَا قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: التَّضْجِيعُ فِي النِّيَّةِ هُوَ التَّرَدُّدُ فِيهَا وَأَنْ لَا يَبُتَّهَا مِنْ ضَجَعَ فِي الْأَمْرِ إذَا وَهَنَ فِيهِ وَقَصَّرَ وَأَصْلُهُ مِنْ الضُّجُوعِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْجَزْمِ) فِي الْعَزْمِ فَقَدْ فَاتَ رُكْنُ النِّيَّةِ لَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يُجَدِّدْ النِّيَّةَ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ فَإِنْ جَدَّدَهَا عَازِمًا عَلَى الصَّوْمِ جَازَ كَمَا رَأَيْته بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ عَلَى هَامِشِ الْهِدَايَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: كَمَا أَنَّهُ إلَخْ) تَنْظِيرٌ لِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِهَذِهِ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا نَوَى إلَخْ (قَوْلُهُ: غَدَاءً) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَمْدُودًا (قَوْلُهُ: وَيَصِيرُ صَائِمًا) أَيْ لِجَزْمِهِ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ وَإِنْ رَدَّدَ فِي وَصْفِهِ بَيْنَ فَرْضٍ وَوَاجِبٍ آخَرَ أَوْ فَرْضٍ وَنَفْلٍ (قَوْلُهُ: مَعَ الْكَرَاهَةِ) أَيْ التَّنْزِيهِيَّةِ؛ لِأَنَّ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ لَا تَثْبُتُ إلَّا إذَا جَزَمَ أَنَّهُ عَنْ رَمَضَانَ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ سَابِقًا ط (قَوْلُهُ: لِلتَّرَدُّدِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِلْكَرَاهَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ فَفِي الْأُولَى التَّرْدِيدُ بَيْنَ مَكْرُوهَيْنِ وَهُمَا الْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ، وَفِي الثَّانِيَةِ بَيْنَ مَكْرُوهٍ وَغَيْرِهِ وَهُمَا الْفَرْضُ وَالنَّفَلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 أَوْ مَكْرُوهٍ وَغَيْرِ مَكْرُوهٍ (فَإِنْ ظَهَرَ رَمَضَانِيَّتُهُ فَعَنْهُ وَإِلَّا فَنَفْلٌ فِيهِمَا) أَيْ الْوَاجِبُ وَالنَّفَلُ (غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْقَضَاءِ) لِعَدَمِ التَّنَفُّلِ قَصْدًا. أَكْلُ الْمُتَلَوِّمِ نَاسِيًا قَبْلَ النِّيَّةِ كَأَكْلِهِ بَعْدَهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ. . (رَأَى) مُكَلَّفٌ (هِلَالَ رَمَضَانَ أَوْ الْفِطْرِ وَرُدَّ قَوْلُهُ) بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ (صَامَ) مُطْلَقًا وُجُوبًا وَقِيلَ نَدْبًا (فَإِنْ أَفْطَرَ قَضَى فَقَطْ) فِيهِمَا لِشُبْهَةِ الرَّدِّ. (وَاخْتَلَفَ) الْمَشَايِخُ لِعَدَمِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ (فِيمَا إذَا أَفْطَرَ قَبْلَ الرَّدِّ) لِشَهَادَتِهِ (وَالرَّاجِحُ عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ)   [رد المحتار] قَوْلُهُ: فَعَنْهُ) أَيْ فَيَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ لِوُجُودِ أَصْلِ النِّيَّةِ وَهُوَ كَافٍ فِي رَمَضَانَ لِعَدَمِ لُزُومِ التَّعْيِينِ فِيهِ بِخِلَافِ الْوَاجِبِ الْآخَرِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْقَضَاءِ) بِنَصْبِ " غَيْرَ " عَلَى الْحَالِيَّةِ أَيْ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ لَوْ أَفْسَدَهُ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ التَّنَفُّلِ قَصْدًا) ؛ لِأَنَّهُ قَاصِدٌ لِلْإِسْقَاطِ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ نِيَّةُ الْفَرْضِ، فَصَارَ كَالْمَظْنُونِ بِجَامِعِ أَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا لَا مُلْتَزِمًا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: أَكَلَ الْمُتَلَوِّمُ) أَيْ الْمُنْتَظِرُ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ فِي يَوْمِ الشَّكِّ (قَوْلُهُ: كَأَكْلِهِ بَعْدَهَا) فَلَوْ ظَهَرَتْ رَمَضَانِيَّتُهُ وَنَوَى الصَّوْمَ بَعْدَ الْأَكْلِ جَازَ؛ لِأَنَّ أَكْلَ النَّاسِي لَا يُفَطِّرُهُ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَبِهِ جَزَمَ فِي السِّرَاجِ والشُّرُنبُلالِيَّة وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْآتِي. (قَوْلُهُ رَأَى مُكَلَّفٌ) أَيْ مُسْلِمٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ وَلَوْ فَاسِقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ لَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا، وَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ الرَّائِي إمَامًا فَلَا يَأْمُرُ النَّاسَ بِالصَّوْمِ، وَلَا بِالْفِطْرِ إذَا رَآهُ وَحْدَهُ وَيَصُومُ هُوَ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ، وَأَفَادَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانُوا جَمَاعَةً وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ لِعَدَمِ تَكَامُلِ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ فَالْحُكْمُ فِيهِمْ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ) هُوَ إمَّا فِسْقُهُ أَوْ غَلَطُهُ نَهْرٌ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ بِفِسْقِهِ لَوْ السَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةً أَوْ تَفَرُّدِهِ لَوْ كَانَتْ مُصْحِيَةً (قَوْلُهُ: صَامَ) أَيْ صَوْمًا شَرْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ حَيْثُ أَطْلَقَ شَرْعًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ قَوْلِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ إنَّ مَعْنَاهُ فِي هِلَالِ الْفِطْرِ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُفْسِدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ عِنْدَهُ وَإِلَى رَدِّ قَوْلِ بَعْضِ مَشَايِخِنَا مِنْ أَنَّهُ يُفْطِرُ فِيهِ سِرًّا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: مُطْلَقًا أَيْ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَالْفِطْرِ. [تَنْبِيهٌ] : لَوْ صَامَ رَائِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَأَكْمَلَ الْعِدَّةَ لَمْ يُفْطِرْ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَالنَّاسُ لَمْ يُفْطِرُوا فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُفْطِرَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وُجُوبًا وَقِيلَ نَدْبًا) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ الْمُحَقِّقُونَ قَالُوا: لَا رِوَايَةَ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الرِّوَايَةُ أَنَّهُ يَصُومُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ احْتِيَاطًا. اهـ. قَالَ فِي التُّحْفَةِ: يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ. وَفِي الْمَبْسُوطِ عَلَيْهِ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ ظَاهِرُ اسْتِدْلَالِهِمْ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]- وَفِي الْعِيدِ بِالِاحْتِيَاطِ نَهْرٌ وَمَا فِي الْبَدَائِعِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالْوُجُوبِ نُوحٌ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ الْمُصْطَلَحُ لَا الْفَرْضُ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ رَمَضَانَ لَيْسَ قَطْعِيًّا وَلِذَا سَاغَ الْقَوْلُ بِنَدْبِ صَوْمِهِ وَسَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ بِفِطْرِهِ وَلَوْ كَانَ قَطْعِيًّا لَلَزِمَ النَّاسَ صَوْمُهُ. عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ وَعَطَاءً قَالُوا لَا يَصُومُ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: قَضَى فَقَطْ) أَيْ بِلَا كَفَّارَةٍ (قَوْلُهُ: لِشُبْهَةِ الرَّدِّ) عِلَّةٌ لِمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ فَقَطْ مِنْ عَدَمِ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ أَيْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا رَدَّ قَوْلَهُ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ أَوْرَثَ شُبْهَةً وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ هِدَايَةٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ عِلَّةٌ لِسُقُوطِ الْكَفَّارَةِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ. أَمَّا فِي هِلَالِ الْفِطْرِ فَلِكَوْنِهِ يَوْمَ عِيدٍ عِنْدَهُ كَمَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ وَكَأَنَّهُ تَرَكَهُ لِظُهُورِهِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الرَّدِّ لِشَهَادَتِهِ) وَكَذَا لَوْ لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَامَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 وَصَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ لِأَنَّ مَا رَآهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَيَالًا لَا هِلَالًا وَأَمَّا بَعْدَ قَبُولِهِ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَلَوْ فَاسِقًا فِي الْأَصَحِّ (وَقُبِلَ بِلَا دَعْوَى وَ) بِلَا (لَفْظِ أَشْهَدُ) وَبِلَا حُكْمٍ وَمَجْلِسِ قَضَاءٍ لِأَنَّهُ خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ (لِلصَّوْمِ مَعَ عِلَّةٍ كَغَيْمٍ) وَغُبَارٍ (خَبَرُ عَدْلٍ) أَوْ مَسْتُورٍ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْبَزَّازِيُّ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا فَاسِقٍ اتِّفَاقًا وَهَلْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ مَعَ عِلْمِهِ بِفِسْقِهِ قَالَ الْبَزَّازِيُّ: نَعَمْ لِأَنَّ الْقَاضِيَ رُبَّمَا قَبِلَهُ (وَلَوْ) كَانَ الْعَدْلُ (قِنًّا أَوْ أُنْثَى أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ تَابَ) بَيَّنَ -   [رد المحتار] ثُمَّ أَفْطَرَ كَمَا فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا رَآهُ إلَخْ) يُرْوَى أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَرَ الَّذِي قَالَ: رَأَيْت الْهِلَالَ أَنْ يَمْسَحَ حَاجِبَيْهِ بِالْمَاءِ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَيْنَ الْهِلَالُ فَقَالَ فَقَدْتُهُ فَقَالَ شَعْرَةٌ قَامَتْ بَيْنَ حَاجِبَيْك فَحَسِبْتهَا هِلَالًا سِرَاجٌ قَالَ ح وَهَذَا إنَّمَا يَصْلُحُ تَعْلِيلًا لِعَدَمِ الْكَفَّارَةِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ أَمَّا فِي هِلَالِ شَوَّالَ فَإِنَّمَا لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ عِنْدَهُ عَلَى نَسَقِ مَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا بَعْدَ قَبُولِهِ) أَيْ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ ط (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ صَوْمِ النَّاسِ، فَلَوْ كَانَ عَدْلًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ وَجْهَ نَفْيِهَا كَوْنُهُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ وَقَوْلُهُ: مِمَّنْ لَا يَجُوزُ أَيْ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ صَحِيحٌ وَإِنْ أَثِمَ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: وَقُبِلَ إلَخْ) هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْكَنْزِ، وَيَثْبُتُ رَمَضَانُ لِمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الثُّبُوتِ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَتِهِ ثُبُوتُهُ؛ لِأَنَّ مَجِيئَهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَفِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ رَجُلٌ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ وَسَمِعَهُ رَجُلٌ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَدَ الْخَبَرَ الصَّحِيحَ. قُلْت. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِيمَا سَيَأْتِي: وَطَرِيقُ إثْبَاتِ رَمَضَانَ إلَخْ فَالْمُرَادُ إثْبَاتُهُ ضِمْنًا لِأَجْلِ أَنْ يَثْبُتَ مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ وَلِذَا يَلْزَمُ فِيهِ الدَّعْوَى وَالْحُكْمُ وَالْمَنْفِيُّ دُخُولُهُ تَحْتَ الْحُكْمِ قَصْدًا وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا لَا قَصْدًا كَمَا فِي بَيْعِ الشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ فَلَيْسَ إثْبَاتُهُ لِأَجْلِ صَوْمِهِ كَمَا وَهِمَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ فَأَشْبَهَ رِوَايَةَ الْأَخْبَارِ (قَوْلُهُ: خَبَرُ عَدْلٍ) الْعَدَالَةُ مَلَكَةٌ تَحْمِلُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى، وَالْمُرُوءَةِ. الشَّرْطُ أَدْنَاهَا وَهُوَ تَرْكُ الْكَبَائِرِ وَالْإِصْرَارُ عَلَى الصَّغَائِرِ وَمَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ وَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا عَاقِلًا بَالِغًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْبَزَّازِيُّ) وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَالتَّجْنِيسِ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ وَبِهِ أَخَذَ الْحَلْوَانِيُّ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ. وَأَقُولُ: إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَيْضًا فَقَدْ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي الَّذِي هُوَ جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ فِي كُتُبِهِ الَّتِي هِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَا نَصُّهُ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلِمَةِ عَدْلًا كَانَ الشَّاهِدُ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ اهـ وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ الْعَدْلِ الْمَسْتُورُ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ: لَا فَاسِقٌ اتِّفَاقًا) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الدِّيَانَاتِ غَيْرُ مَقْبُولٍ أَيْ فِي الَّتِي يَتَيَسَّرُ تَلَقِّيهَا مِنْ الْعُدُولِ كَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ بِخِلَافِ الْإِخْبَارِ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ وَنَحْوِهِ حَيْثُ يَتَحَرَّى فِي خَبَرِهِ فِيهِ إذْ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَلَقِّيهَا مِنْ جِهَةِ الْعُدُولِ، وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ: أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَسْتُورِ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدْلِ مَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ وَلَا ثُبُوتَ فِي الْمَسْتُورِ، أَمَّا مَعَ تَبَيُّنِ الْفِسْقِ فَلَا قَائِلَ بِهِ عِنْدَنَا، وَعَلَيْهِ تَفَرَّعَ مَا لَوْ شَهِدُوا فِي آخِرِ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ قَبْلَ صَوْمِهِمْ بِيَوْمٍ إنْ كَانُوا فِي الْمِصْرِ رُدَّتْ لِتَرْكِهِمْ الْحِسْبَةَ وَإِنْ جَاءُوا مِنْ خَارِجٍ قُبِلَتْ مِنْ الْفَتْحِ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: وَهَلْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ إلَخْ) قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: يَلْزَمُ الْعَدْلُ وَلَوْ أَمَةً أَوْ مُخَدَّرَةً أَنْ يَشْهَدَ فِي لَيْلَتِهِ كَيْ لَا يُصْبِحُوا مُفْطِرِينَ، وَهِيَ مِنْ فُرُوضِ الْعَيْنِ، وَأَمَّا الْفَاسِقُ إنْ عَلِمَ أَنَّ الْحَاكِمَ يَمِيلُ إلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ، وَيَقْبَلُ قَوْلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْمَسْتُورُ فَفِيهِ شُبْهَةُ الرِّوَايَتَيْنِ مِعْرَاجٌ. قُلْت: وَقَوْلُهُ إنْ عَلِمَ إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ قَبُولِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ فَإِذَا كَانَ اعْتِقَادُ الْقَاضِي ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَهَلْ لَهُ يُفِيدُ عَدَمَ الْوُجُوبِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِ بِاعْتِقَادِ الْقَاضِي كَمَا هُوَ مُفَادُ التَّعْلِيلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 كَيْفِيَّةَ الرُّؤْيَةِ أَوْ لَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى آخَرَ كَعَبْدٍ وَأُنْثَى وَلَوْ عَلَى مِثْلِهِمَا وَيَجِبُ عَلَى الْجَارِيَةِ الْمُخَدَّرَةِ أَنْ تَخْرُجَ فِي لَيْلَتِهَا بِلَا إذْنِ مَوْلَاهَا وَتَشْهَدَ كَمَا فِي الْحَافِظِيَّةِ. . (وَشَرْطٌ لِلْفِطْرِ) مَعَ الْعِلَّةِ وَالْعَدَالَةِ (نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَلَفْظُ أَشْهَدُ) وَعَدَمُ الْحَدِّ فِي قَذْفٍ لِتَعَلُّقِ نَفْعِ الْعَبْدِ لَكِنْ (لَا) تُشْتَرَطُ (الدَّعْوَى) كَمَا لَا تُشْتَرَطُ فِي عِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْحُرَّةِ (وَلَوْ كَانُوا بِبَلْدَةٍ لَا حَاكِمَ فِيهَا صَامُوا بِقَوْلِ ثِقَةٍ وَأَفْطَرُوا بِإِخْبَارِ عَدْلَيْنِ) مَعَ الْعِلَّةِ   [رد المحتار] بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ رُبَّمَا قَبِلَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ) خِلَافًا لِلْإِمَامِ الْفَضْلِيِّ حَيْثُ قَالَ إنَّمَا يُقْبَلُ الْوَاحِدُ الْعَدْلُ إذَا فُسِّرَ وَقَالَ رَأَيْته خَارِجَ الْبَلَدِ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ يَقُولُ: رَأَيْته فِي الْبَلْدَةِ مِنْ بَيْنِ خَلَلِ السَّحَابِ، أَمَّا بِدُونِ هَذَا التَّفْسِيرِ فَلَا يُقْبَلُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى الْآخَرِ) بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ مَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ رَجُلٍ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ح. (قَوْلُهُ: كَعَبْدٍ وَأُنْثَى) أَيْ كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَبْدٍ وَأُنْثَى (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَى مِثْلِهِمَا) أَفَادَ بِهَذَا التَّعْمِيمِ قَبُولَ شَهَادَتِهِمَا عَلَى شَهَادَةِ حُرٍّ أَوْ ذَكَرٍ، وَهُوَ بَحْثٌ لِصَاحِبِ النَّهْرِ وَقَالَ وَلَمْ أَرَهُ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَى الْجَارِيَةِ الْمُخَدَّرَةِ) أَيْ الَّتِي لَا تُخَالِطُ الرِّجَالَ وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْحُرَّةِ أَنْ تَخْرُجَ بِلَا إذْنِ زَوْجِهَا وَكَذَا غَيْرُ الْمُخَدَّرَةِ وَالْمُزَوَّجَةِ بِالْأَوْلَى قَالَ ط: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ عِنْدَ تَوَقُّفِ إثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: فِي لَيْلَتِهَا) أَيْ الرُّؤْيَةِ. (قَوْلُهُ: مَعَ الْعِلَّةِ) أَيْ مِنْ غَيْمٍ وَغُبَارٍ وَدُخَانٍ (قَوْلُهُ نِصَابُ الشَّهَادَةِ) أَيْ عَلَى الْأَمْوَالِ وَهُوَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ (قَوْلُهُ: لِتَعَلُّقِ نَفْعِ الْعَبْدِ) عِلَّةٌ لِاشْتِرَاطِ مَا ذُكِرَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى هِلَالِ الْفِطْرِ، بِخِلَافِ هِلَالِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ أَمْرٌ دِينِيٌّ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ ذَلِكَ أَمَّا الْفِطْرُ فَهُوَ نَفْعٌ دُنْيَوِيٌّ لِلْعِبَادِ فَأَشْبَهَ سَائِرَ حُقُوقِهِمْ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهَا (قَوْلُهُ لَكِنْ لَا تُشْتَرَطُ الدَّعْوَى إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: وَأَمَّا الدَّعْوَى فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُشْتَرَطُ كَمَا فِي عِتْقِ الْأَمَةِ، وَطَلَاقُ الْحُرَّةِ عِنْدَ الْكُلِّ، وَعَتَقَ الْعَبْدُ فِي قَوْلِهِمَا وَأَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُشْتَرَطَ الدَّعْوَى فِي الْهِلَالَيْنِ اهـ أَيْ قِيَاسُ قَوْلِ الْإِمَامِ بِاشْتِرَاطِ الدَّعْوَى فِي عِتْقِ الْعَبْدِ اشْتِرَاطُهَا أَيْضًا فِي الْهِلَالَيْنِ، لَكِنْ جَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهَا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْبَحْثَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الدَّعْوَى عِنْدَهُ فِي عِتْقِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ عَبْدٍ بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّ فِيهِ مَعَ حَقِّ الْعَبْدِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ صِيَانَةُ فَرْجِهَا، وَالْفِطْرُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ حَقُّ عَبْدٍ لَكِنَّ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى لِحُرْمَةِ صَوْمِهِ وَوُجُوبِ صَلَاةِ الْعَبْدِ فَهُوَ بِعِتْقِ الْأَمَةِ أَشْبَهُ فَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى وَلِذَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ (قَوْلُهُ: وَطَلَاقُ الْحُرَّةِ) مَفْهُومُهُ أَنَّ الزَّوْجَةَ الرَّقِيقَةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا الدَّعْوَى وَاَلَّذِي فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْإِطْلَاقُ لَكِنَّهُ هُنَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ فِي الْعِتْقِ ط. (قَوْلُهُ: بِبَلْدَةٍ) أَيْ أَوْ قَرْيَةٍ قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَلَوْ تَفَرَّدَ وَاحِدٌ بِرُؤْيَتِهِ فِي قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا وَالٍ وَلَمْ يَأْتِ مِصْرًا لِيَشْهَدَ وَهُوَ ثِقَةٌ يَصُومُونَ بِقَوْلِهِ. اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَهْلَ الْقُرَى الصَّوْمُ بِسَمَاعِ الْمَدَافِعِ أَوْ رُؤْيَةِ الْقَنَادِيلِ مِنْ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ تُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ وَغَلَبَةُ الظَّنِّ حُجَّةٌ مُوجِبَةٌ لِلْعَمَلِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَاحْتِمَالُ كَوْنِ ذَلِكَ لِغَيْرِ رَمَضَانَ بَعِيدٌ إذْ لَا يُفْعَلُ مِثْلُ ذَلِكَ عَادَةً فِي لَيْلَةِ الشَّكِّ إلَّا لِثُبُوتِ رَمَضَانَ (قَوْلُهُ: لَا حَاكِمَ فِيهَا) أَيْ لَا قَاضِيَ وَلَا وَالِيَ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: صَامُوا بِقَوْلِ ثِقَةٍ) أَيْ افْتِرَاضًا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِهِ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَصُومُوا بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ عَدْلًا. اهـ. ط (قَوْلُهُ: وَأَفْطَرُوا إلَخْ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ لَا بَأْسَ أَنْ يُفْطِرُوا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوُجُوبُ أَيْضًا وَالتَّعْبِيرُ بِنَفْيِ الْبَأْسِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْحُرْمَةِ كَمَا فِي نَفْيِ الْجُنَاحِ فِي قَوْله تَعَالَى - {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101]- وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: مَعَ الْعِلَّةِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 (لِلضَّرُورَةِ) وَلَوْ رَآهُ الْحَاكِمُ وَحْدَهُ خُيِّرَ فِي الصَّوْمِ بَيْنَ نَصْبِ شَاهِدٍ وَبَيْنِ أَمْرِهِمْ بِالصَّوْمِ بِخِلَافِ الْعِيدِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُؤَقِّتِينَ، وَلَوْ عُدُولًا عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَقَوْلُ أُولَى التَّوْقِيتِ لَيْسَ بِمُوجِبٍ وَقِيلَ نَعَمْ وَالْبَعْضُ إنْ كَانَ يَكْثُرُ (وَ) قُبِلَ (بِلَا عِلَّةٍ   [رد المحتار] قَيْدٌ لِقَوْلِهِ صَامُوا وَأَفْطَرُوا (قَوْلُهُ: لِلضَّرُورَةِ) أَيْ ضَرُورَةِ عَدَمِ وُجُودِ حَاكِمٍ يَشْهَدُ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: بَيْنَ نَصْبِ شَاهِدٍ) أَيْ يُحَمِّلَهُ شَهَادَتَهُ أَفَادَهُ ح لَكِنَّ عِبَارَةَ الْجَوْهَرَةِ بَيْنَ أَنْ يَنْصِبَ مَنْ يَشْهَدُ عِنْدَهُ إلَخْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعْنَى: أَنَّ الْحَاكِمَ يَنْصِبُ رَجُلًا نَائِبًا عَنْهُ لِيَشْهَدَ عِنْدَ ذَلِكَ النَّائِبِ كَمَا قَالُوا فِيمَا لَوْ وَقَعَتْ لِلْحَاكِمِ خُصُومَةٌ مَعَ آخَرَ يَنْصِبُ نَائِبًا لِيَتَحَاكَمَا عِنْدَهُ إذْ لَا يَصِحُّ حُكْمُهُ لِنَفْسِهِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ نَائِبٌ بَدَلَ شَاهِدٍ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْعِيدِ) أَيْ هِلَالِ الْعِيدِ إذْ لَا يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ. مَطْلَبٌ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُؤَقِّتِينَ فِي الصَّوْمِ (قَوْلُهُ: وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُؤَقَّتَيْنِ) أَيْ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى النَّاسِ بَلْ فِي الْمِعْرَاجِ لَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُمْ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُنَجِّمِ أَنْ يَعْمَلَ بِحِسَابِ نَفْسِهِ، وَفِي النَّهْرِ فَلَا يَلْزَمُ بِقَوْلِ الْمُؤَقِّتِينَ أَنَّهُ أَيْ الْهِلَالَ يَكُونُ فِي السَّمَاءِ لَيْلَةَ كَذَا وَإِنْ كَانُوا عُدُولًا فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْإِيضَاحِ وَلِلْإِمَامِ السُّبْكِيّ الشَّافِعِيِّ تَأْلِيفٌ مَالَ فِيهِ إلَى اعْتِمَادِ قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ الْحِسَابَ قَطْعِيٌّ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ. مَطْلَبٌ مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِ الْحِسَابِ مَرْدُودٌ قُلْت مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ رَدَّهُ مُتَأَخِّرُو أَهْلِ مَذْهَبِهِ مِنْهُمْ ابْنُ حَجَرٍ وَالرَّمْلِيُّ فِي شَرْحَيْ الْمِنْهَاجِ، وَفِي فَتَاوَى الشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ الْكَبِيرِ الشَّافِعِيِّ: سُئِلَ عَنْ قَوْلِ السُّبْكِيّ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الشَّهْرِ وَقَالَ الْحِسَابُ بِعَدَمِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ عُمِلَ بِقَوْلِ أَهْلِ الْحِسَابِ؛ لِأَنَّ الْحِسَابَ قَطْعِيٌّ وَالشَّهَادَةُ ظَنِّيَّةٌ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَهَلْ يُعْمَلُ بِمَا قَالَهُ أَمْ لَا وَفِيمَا إذَا رُئِيَ الْهِلَالُ نَهَارًا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَوْمَ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الشَّهْرِ، وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، فَهَلْ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْهِلَالَ إذَا كَانَ الشَّهْرُ كَامِلًا يَغِيبُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ نَاقِصًا يَغِيبُ لَيْلَةً أَوْ غَابَ الْهِلَالُ اللَّيْلَةَ الثَّالِثَةَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ لِسُقُوطِ الْقَمَرِ الثَّالِثَةَ» هَلْ يُعْمَلُ بِالشَّهَادَةِ أَمْ لَا؟ . فَأَجَابَ: بِأَنَّ الْمَعْمُولَ بِهِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ نَزَّلَهَا الشَّارِعُ مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ وَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ مَرْدُودٌ رَدَّهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَيْسَ فِي الْعَمَلِ بِالْبَيِّنَةِ مُخَالَفَةٌ لِصَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَجْهُ مَا قُلْنَاهُ أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَعْتَمِدْ الْحِسَابَ، بَلْ أَلْغَاهُ بِالْكُلِّيَّةِ بِقَوْلِهِ «نَحْنُ أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسِبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا» وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الْحِسَابُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَالِاحْتِمَالَاتُ الَّتِي ذَكَرَهَا السُّبْكِيُّ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ إلَخْ لَا أَثَرَ لَهَا شَرْعًا لِإِمْكَانِ وُجُودِهَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الشَّهَادَاتِ اهـ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ نَعَمْ إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّهُ قِيلَ بِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْعَمَلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْخِلَافُ فِي جَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ حَكَى فِي الْقُنْيَةِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ فَنَقَلَ أَوَّلًا عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَصَاحِبِ جَمْعِ الْعُلُومِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِمْ، وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ مُقَاتِلٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُهُمْ وَيَعْتَمِدُ عَلَى قَوْلِهِمْ إذَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ شَرْحِ السَّرَخْسِيِّ أَنَّهُ يُعِيدُ وَعَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ: أَنَّ الشَّرْطَ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ وَالْإِفْطَارِ الرُّؤْيَةُ، وَلَا يُؤْخَذُ فِيهِ بِقَوْلِهِمْ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ مَجْدِ الْأَئِمَّةِ التَّرْجُمَانِيِّ أَنَّهُ اتَّفَقَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا النَّادِرُ وَالشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا اعْتِمَادَ عَلَى قَوْلِهِمْ. (قَوْلُهُ: وَقُبِلَ بِلَا عِلَّةٍ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 جَمْعٌ عَظِيمٌ يَقَعُ الْعِلْمُ) الشَّرْعِيُّ وَهُوَ غَلَبَةُ الظَّنِّ (بِخَبَرِهِمْ وَهُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِعَدَدٍ) عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِشَاهِدَيْنِ وَاخْتَارَهُ فِي الْبَحْرِ وَصَحَّحَ فِي الْأَقْضِيَةِ الِاكْتِفَاءَ بِوَاحِدٍ إنْ جَاءَ مِنْ خَارِجِ الْبَلَدِ أَوْ كَانَ عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ،   [رد المحتار] أَيْ إنَّ شَرْطَ الْقَبُولِ عِنْدَ عَدَمِ عِلَّةٍ فِي السَّمَاءِ لِهِلَالِ الصَّوْمِ أَوْ الْفِطْرِ أَوْ غَيْرِهِمَا كَمَا فِي الْإِمْدَادِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ إخْبَارُ جَمْعٍ عَظِيمٍ فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ التَّفَرُّدَ مِنْ بَيْنِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ بِالرُّؤْيَةِ مَعَ تَوَجُّهِهِمْ طَالِبِينَ لِمَا تَوَجَّهَ هُوَ إلَيْهِ مَعَ فَرْضِ عَدَمِ الْمَانِعِ، وَسَلَامَةِ الْإِبْصَارِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ فِي الْحِدَّةِ ظَاهِرٌ فِي غَلَطِهِ بَحْرٌ قَالَ ح: وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمْ الْإِسْلَامُ وَلَا الْعَدَالَةُ كَمَا فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ وَلَا الْحُرِّيَّةُ وَلَا الدَّعْوَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. اهـ. قُلْت: مَا عَزَاهُ إلَى الْإِمْدَادِ لَمْ أَرَهُ فِيهِ وَفِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا بِالْجَمْعِ الْعَظِيمِ مَا يَبْلُغُ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ الْمُوجِبِ لِلْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ، حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ مَا يُوجِبُ غَلَبَةَ الظَّنِّ كَمَا يَأْتِي، وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ لَهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَقْلٍ صَرِيحٍ (قَوْلُهُ: يَقَعُ الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ) أَيْ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ فِي الْأُصُولِ فَيَشْمَلُ غَالِبَ الظَّنِّ، وَإِلَّا فَالْعِلْمُ فِي فَنِّ التَّوْحِيدِ أَيْضًا شَرْعِيٌّ وَلَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ هُنَاكَ ح (قَوْلُهُ: وَهُوَ غَلَبَةُ الظَّنِّ) ؛ لِأَنَّهُ الْعِلْمُ الْمُوجِبُ لِلْعَمَلِ لَا الْعِلْمُ بِمَعْنَى الْيَقِينِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَنَافِعِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ ابْنُ كَمَالٍ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ وَكَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: فَلَا يُشْتَرَطُ خَبَرُ الْيَقِينِ النَّاشِئِ مِنْ التَّوَاتُرِ كَمَا أُشِيرَ بِهِ فِي الْمُضْمَرَاتِ لَكِنَّ كَلَامَ الشَّرْحِ مُشِيرٌ إلَيْهِ اهـ وَمُرَادُهُ شَرْحُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فَإِنَّهُ قَالَ الْجَمْعُ الْعَظِيمُ جَمْعٌ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ وَيْحُكُمْ الْعَقْلُ بِعَدَمِ تَوَاطُئِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ اهـ وَتَبِعَهُ فِي الدُّرَرِ وَرَدَّهُ ابْنُ كَمَالٍ حَيْثُ ذَكَرَ فِي مَنْهِيَّاتِهِ أَخْطَأَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هَاهُنَا الْعِلْمُ بِمَعْنَى الْيَقِينِ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُفَوَّضٌ إلَخْ) قَالَ فِي السِّرَاجِ لَمْ يُقَدَّرْ لِهَذَا الْجَمْعِ تَقْدِيرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خَمْسُونَ رَجُلًا كَالْقَسَامَةِ وَقِيلَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَقِيلَ مِنْ كُلِّ مَسْجِدٍ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ. وَقَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ خَمْسُمِائَةٍ بِبَلْخٍ قَلِيلٌ وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذَا كُلُّهُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ إنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِحَّةُ مَا شَهِدُوا بِهِ وَكَثُرَتْ الشُّهُودُ أَمَرَ بِالصَّوْمِ اهـ وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي الْمَوَاهِبِ وَتَبِعَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ وَالْحَقُّ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَجِيءِ الْخَبَرِ وَتَوَاتُرِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ اهـ وَفِي النَّهْرِ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا صَحَّحَهُ فِي السِّرَاجِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَاخْتَارَهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ وَيَنْبَغِي الْعَمَلُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ تَكَاسَلَتْ عَنْ تَرَائِي الْأَهِلَّةِ فَانْتَفَى قَوْلُهُمْ مَعَ تَوَجُّهِهِمْ طَالِبِينَ لِمَا تَوَجَّهَ هُوَ إلَيْهِ، فَكَانَ التَّفَرُّدُ غَيْرَ ظَاهِرٍ فِي الْغَلَطِ، ثُمَّ أَيَّدَ ذَلِكَ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ هُوَ اشْتِرَاطُ الْعَدَدِ لَا الْجَمْعِ الْعَظِيمِ، وَالْعَدَدُ يَصْدُقُ بِاثْنَيْنِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ وَالْمِنَحِ وَنَازَعَهُ مُحَشِّيهِ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ اشْتِرَاطُ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ، فَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهِ لِغَلَبَةِ الْفِسْقِ وَالِافْتِرَاءِ عَلَى الشَّهْرِ إلَخْ. أَقُولُ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْكَامِ تَغَيَّرَتْ لِتَغَيُّرِ الْأَزْمَانِ، وَلَوْ اشْتَرَطَ فِي زَمَانِنَا الْجَمْعَ الْعَظِيمَ لَزِمَ أَنْ لَا يَصُومَ النَّاسُ إلَّا بَعْدَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ لِمَا هُوَ مُشَاهَدٌ مِنْ تَكَاسُلِ النَّاسِ، بَلْ كَثِيرًا مَا رَأَيْنَاهُمْ يَشْتُمُونَ مَنْ يَشْهَدُ بِالشَّهْرِ وَيُؤْذُونَهُ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي شَهَادَةِ الِاثْنَيْنِ تَفَرُّدٌ مِنْ بَيْنِ الْجَمْعِ الْغَفِيرِ حَتَّى يَظْهَرَ غَلَطُ الشَّاهِدِ، فَانْتَفَتْ عِلَّةُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَتَعَيَّنَ الْإِفْتَاءُ بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ فِي الْأَقْضِيَةِ إلَخْ) هُوَ اسْمُ كِتَابٍ وَاعْتَمَدَهُ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ مِنْ الْأَصْلِ، لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمِصْرِ وَخَارِجِهِ مِعْرَاجٌ وَغَيْرُهُ. قُلْت: لَكِنْ قَالَ فِي النِّهَايَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ صَامَ إلَخْ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَإِنَّمَا يَرُدُّ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُتَغَيِّمَةً أَوْ جَاءَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ أَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ عِنْدَنَا. اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 وَاخْتَارَهُ ظَهِيرُ الدِّينِ قَالُوا وَطَرِيقُ إثْبَاتِ رَمَضَانَ وَالْعِيدِ أَنْ يَدَّعِيَ وَكَالَةً مُعَلَّقَةً بِدُخُولِهِ بِقَبْضِ دَيْنٍ عَلَى الْحَاضِرِ فَيُقِرُّ بِالدَّيْنِ وَالْوَكَالَةِ وَيُنْكِرُ الدُّخُولَ فَيَشْهَدُ الشُّهُودُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ، وَيَثْبُتُ دُخُولُ الشَّهْرِ ضِمْنًا لِعَدَمِ دُخُولِهِ تَحْتَ الْحُكْمِ.   [رد المحتار] فَقَوْلُهُ عِنْدَنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَعَبَّرَ عَنْ مُقَابِلِهِ بِقِيلَ. ثُمَّ قَالَ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الرُّؤْيَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ صَفْوِ الْهَوَاءِ وَكُدْرَتِهِ وَبِاخْتِلَافِ انْهِبَاطِ الْمَكَانِ وَارْتِفَاعِهِ، فَإِنَّ هَوَاءَ الصَّحْرَاءِ أَصْفَى مِنْ هَوَاءِ الْمِصْرِ، وَقَدْ يُرَى الْهِلَالُ مِنْ أَعْلَى الْأَمَاكِنِ مَا لَا يُرَى مِنْ الْأَسْفَلِ فَلَا يَكُونُ تَفَرُّدُهُ بِالرُّؤْيَةِ خِلَافَ الظَّاهِرِ بَلْ عَلَى مُوَافَقَةِ الظَّاهِرِ اهـ فَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَبْسُوطَ مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، ثُمَّ رَأَيْته أَيْضًا فِي كَافِي الْحَاكِمِ الَّذِي هُوَ جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ فِي كُتُبِهِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ. وَنَصُّهُ: وَيُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلِمَةِ عَدْلًا كَانَ الشَّاهِدُ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ بَعْدَ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ رَأَى خَارِجَ الْمِصْرِ أَوْ أَنَّهُ رَآهُ فِي الْمِصْرِ وَفِي الْمِصْرِ عِلَّةٌ تَمْنَعُ الْعَامَّةَ مِنْ التَّسَاوِي فِي رُؤْيَتِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مِصْرٍ وَلَا عِلَّةَ فِي السَّمَاءِ لَمْ يُقْبَلْ فِي ذَلِكَ إلَّا الْجَمَاعَةُ اهـ. وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ اشْتِرَاطِ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ الَّتِي عَلَيْهَا أَصْحَابُ الْمُتُونِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الشَّاهِدُ مِنْ الْمِصْرِ فِي مَكَان غَيْرِ مُرْتَفِعٍ فَتَكُونُ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ مُقَيِّدَةً لِإِطْلَاقِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى بِدَلِيلِ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى عَلَّلَ فِيهَا رَدَّ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ التَّفَرُّدَ ظَاهِرٌ فِي الْغَلَطِ. وَعَلَى مَا فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ تُوجَدْ عِلَّةُ الرَّدِّ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ: فَلَا يَكُونُ تَفَرُّدُهُ بِالرُّؤْيَةِ خِلَافَ الظَّاهِرِ إلَخْ وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمِصْرِ وَخَارِجِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: أَنْ يُدَّعَى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَوْ لِلْمَعْلُومِ وَفَاعِلُهُ ضَمِيرُ الْمُدَّعِي الْمَفْهُومُ مِنْ فِعْلِهِ أَيْ بِأَنْ يَدَّعِيَ مُدَّعٍ عَلَى شَخْصٍ حَاضِرٍ بِأَنَّ فُلَانًا الْغَائِبَ لَهُ عَلَيْك كَذَا مِنْ الدَّيْنِ وَقَدْ قَالَ لِي إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فَأَنْتِ وَكِيلِي بِقَبْضِ هَذَا الدَّيْنِ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ مُؤَجَّلٌ إلَى دُخُولِ رَمَضَانَ فَيُقِرُّ بِالدَّيْنِ وَيُنْكِرُ الدُّخُولَ (قَوْلُهُ: فَيُقِرُّ) أَيْ الْحَاضِرُ بِالدَّيْنِ وَالْوَكَالَةِ. وَاسْتَشْكَلَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ عَلَى الْغَائِبِ بِقَبْضِ الْمُدَّعِي دَيْنَهُ فَلَا يَنْفُذُ. وَأَقُولُ: لَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَقَدْ أَقَرَّ بِثُبُوتِ حَقِّ الْقَبْضِ لَهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى بِعَيْنٍ كَوَدِيعَةٍ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهَا إقْرَارٌ بِثُبُوتِ حَقِّ الْقَبْضِ لِلْوَكِيلِ فِي مِلْكِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَصِحُّ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ وَجَحَدَ الدَّيْنَ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ خَصْمًا بِإِقْرَارِهِ حَتَّى يُقِيمَ الْوَكِيلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَكَالَتِهِ كَمَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ (قَوْلُهُ: فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ) أَيْ بِثُبُوتِ حَقِّ الْقَبْضِ (قَوْلُهُ: وَيَثْبُتُ دُخُولُ الشَّهْرِ ضِمْنًا) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ صِحَّةِ الْحُكْمِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي ضِمْنِ إثْبَاتِ حَقِّ الْعَبْدِ لَا قَصْدًا، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ بَعْدَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ مَجِيءِ رَمَضَانَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ، حَتَّى لَوْ أَخْبَرَ رَجُلٌ عَدْلٌ الْقَاضِيَ بِمَجِيءِ رَمَضَانَ يُقْبَلُ وَيَأْمُرُ النَّاسَ بِالصَّوْمِ يَعْنِي فِي يَوْمِ الْغَيْمِ وَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَشَرَائِطُ الْقَضَاءِ. أَمَّا فِي الْعِيدِ فَيُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَهُوَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ اهـ. قُلْت: وَالْحَاصِلُ أَنَّ رَمَضَانَ يَجِبُ صَوْمُهُ بِلَا ثُبُوتٍ بَلْ بِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدِّيَانَاتِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ صَوْمِهِ ثُبُوتُهُ كَمَا مَرَّ، وَحِينَئِذٍ فَفَائِدَةُ إثْبَاتِهِ عَلَى الطَّرِيقِ الْمَذْكُورِ عَدَمُ تَوَقُّفِهِ عَلَى الْجَمْعِ الْعَظِيمِ لَوْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ هُنَا عَلَى حُلُولِ الْوَكَالَةِ بِدُخُولِ الشَّهْرِ لَا عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ حُلُولَ الْوَكَالَةِ يَكْتَفِي فِيهَا بِشَاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ حَقِّ عَبْدٍ وَلَا تَثْبُتُ إلَّا بِثُبُوتِ الدُّخُولِ وَإِذَا ثَبَتَ دُخُولُهُ ضِمْنًا وَجَبَ صَوْمُهُ وَنَظِيرُهُ مَا سَنَذْكُرُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 (شَهِدُوا أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَ قَاضِي مِصْرَ كَذَا شَاهِدَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ) فِي لَيْلَةِ كَذَا (وَقَضَى) الْقَاضِي (بِهِ وَوَجَدَ اسْتِجْمَاعَ شَرَائِطِ الدَّعْوَى قَضَى) أَيْ جَازَ لِهَذَا (الْقَاضِي) أَنْ يَحْكُمَ (بِشَهَادَتِهِمَا) لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي حُجَّةٌ وَقَدْ شَهِدُوا بِهِ لَا لَوْ شَهِدُوا بِرُؤْيَةِ غَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ حِكَايَةٌ، نَعَمْ لَوْ اسْتَفَاضَ الْخَيْرُ فِي الْبَلْدَةِ الْأُخْرَى لَزِمَهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُجْتَبَى وَغَيْرُهُ (وَبَعْدَ صَوْمِ ثَلَاثِينَ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ حَلَّ الْفِطْرُ) الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِصَوْمٍ وَبَعْدُ مُتَعَلِّقَةٌ بِحَلٍّ لِوُجُودِ -   [رد المحتار] فِيمَا لَوْ تَمَّ عَدَدُ رَمَضَانَ وَلَمْ يَرَ هِلَالَ الْفِطْرِ لِلْعِلَّةِ يَحِلُّ الْفِطْرُ وَإِنْ ثَبَتَ رَمَضَانُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ لِثُبُوتِ الْفِطْرِ تَبَعًا وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ قَصْدًا إلَّا بِالْعَدَدِ وَالْعَدَالَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. (قَوْلُهُ شَهِدُوا) مِنْ إطْلَاقِ الْجَمْعِ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: شَهِدَا بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ وَهُوَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: شَاهِدَانِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ أَوْ كَانَ الْقَاضِي يَرَى ذَلِكَ فَارْتَفَعَ بِحُكْمِهِ الْخِلَافُ أَوْ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا فِي الْبَحْرِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: فِي لَيْلَةِ كَذَا) لَا بُدَّ مِنْهُ لِيَتَأَتَّى الْإِلْزَامُ بِصَوْمِ يَوْمِهَا ط (قَوْلُهُ: وَقَضَى) أَيْ وَأَنَّهُ قَضَى فَهُوَ عُطِفَ عَلَى شَهِدَ (قَوْلُهُ: وَوَجَدَ اسْتِجْمَاعَ شَرَائِطِ الدَّعْوَى) هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَكَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ بَحْثِ اشْتِرَاطِ الدَّعْوَى عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ، أَوْ لِيَكُونَ شَهَادَةً عَلَى الْقَضَاءِ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَضَاءً إلَّا عِنْدَ ذَلِكَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْقَضَاءِ بِهِ الْقَضَاءُ ضِمْنًا كَمَا تَقَدَّمَ طَرِيقُهُ وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الشَّهْرَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: أَيْ جَازَ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَوَازِ الصِّحَّةُ فَلَا يُنَافِي الْوُجُوبَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حِكَايَةٌ) فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدُوا بِالرُّؤْيَةِ وَلَا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا حَكَوْا رُؤْيَةَ غَيْرِهِمْ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. قُلْت: وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا بِرُؤْيَةِ غَيْرِهِمْ وَأَنَّ قَاضِيَ تِلْكَ الْمِصْرِ أَمَرَ النَّاسَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ حِكَايَةٌ لِفِعْلِ الْقَاضِي أَيْضًا وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ بِخِلَافِ قَضَائِهِ وَلِذَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَوَجَدَ اسْتِجْمَاعَ شَرَائِطِ الدَّعْوَى كَمَا قُلْنَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إلَخْ) فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْخَبَرَ إذَا اسْتَفَاضَ وَتَحَقَّقَ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الْبَلْدَةِ الْأُخْرَى يَلْزَمُهُمْ حُكْمُ هَذِهِ الْبَلْدَةِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْمُغْنِي. قُلْت: وَوَجْهُ الِاسْتِدْرَاكِ أَنَّ هَذِهِ الِاسْتِفَاضَةَ لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ عَلَى قَضَاءِ قَاضٍ وَلَا عَلَى شَهَادَةٍ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ، وَقَدْ ثَبَتَ بِهَا أَنَّ أَهْلَ تِلْكَ الْبَلْدَةِ صَامُوا يَوْمَ كَذَا لَزِمَ الْعَمَلُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْبَلْدَةَ لَا تَخْلُو عَنْ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ عَادَةً فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَوْمُهُمْ مَبْنِيًّا عَلَى حُكْمِ حَاكِمِهِمْ الشَّرْعِيِّ فَكَانَتْ تِلْكَ الِاسْتِفَاضَةُ بِمَعْنَى نَقْلِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، وَهِيَ أَقْوَى مِنْ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ أَهْلَ تِلْكَ الْبَلْدَةِ رَأَوْا الْهِلَالَ وَصَامُوا؛ لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ الْيَقِينَ فَلِذَا لَمْ تُقْبَلْ إلَّا إذَا كَانَتْ عَلَى الْحُكْمِ أَوْ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمْ لِتَكُونَ شَهَادَةً مُعْتَبَرَةً، وَإِلَّا فَهِيَ مُجَرَّدُ إخْبَارٍ بِخِلَافِ الِاسْتِفَاضَةِ فَإِنَّهَا تُفِيدُ الْيَقِينَ فَلَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي تَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: مَعْنَى الِاسْتِفَاضَةِ أَنْ تَأْتِيَ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ جَمَاعَاتٌ مُتَعَدِّدُونَ كُلٌّ مِنْهُمْ يُخْبِرُ عَنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ أَنَّهُمْ صَامُوا عَنْ رُؤْيَةٍ لَا مُجَرَّدِ الشُّيُوعِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِمَنْ أَشَاعَهُ كَمَا قَدْ تَشِيعُ أَخْبَارٌ يَتَحَدَّثُ سَائِرُ أَهْلِ الْبَلْدَةِ وَلَا يُعْلَمُ مَنْ أَشَاعَهَا كَمَا وَرَدَ: أَنَّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَجْلِسُ الشَّيْطَانُ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ فَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ فَيَتَحَدَّثُونَ بِهَا وَيَقُولُونَ لَا نَدْرِي مَنْ قَالَهَا فَمِثْلُ هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْمَعَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ حُكْمٌ. اهـ. قُلْت: وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الذَّخِيرَةِ إذَا اسْتَفَاضَ وَتَحَقَّقَ فَإِنَّ التَّحَقُّقَ لَا يُوجَدُ بِمُجَرَّدِ الشُّيُوعِ (قَوْلُهُ: حَلَّ الْفِطْرُ) أَيْ اتِّفَاقًا إنْ كَانَتْ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ مُتَغَيِّمَةً، وَكَذَا لَوْ مُصْحِيَةٌ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الدِّرَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَصَحَّحَ عَدَمَهُ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَالسَّيِّدِ الْإِمَامِ الْأَجَلِّ نَاصِرِ الدِّينِ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ، وَنَقَلَ الْعَلَّامَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 نِصَابِ الشَّهَادَةِ (وَ) لَوْ صَامُوا (بِقَوْلِ عَدْلٍ) حَيْثُ يَجُوزُ وَغُمَّ هِلَالُ الْفِطْرِ (لَا) يَحِلُّ عَلَى الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ الْكَمَالِ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ إنْ غُمَّ هِلَالُ الْفِطْرِ حَلَّ اتِّفَاقًا وَفِي الزَّيْلَعِيِّ الْأَشْبَهُ إنْ غُمَّ حَلَّ وَإِلَّا لَا. (وَ) هِلَالُ (الْأَضْحَى) وَبَقِيَّةُ الْأَشْهُرِ التِّسْعَةِ (كَالْفِطْرِ) عَلَى الْمَذْهَبِ -   [رد المحتار] نُوحٌ الِاتِّفَاقَ عَلَى حِلِّ الْفِطْرِ فِي الثَّانِيَةِ أَيْضًا عَنْ الْبَدَائِعِ وَالسِّرَاجِ وَالْجَوْهَرَةِ قَالَ: وَالْمُرَادُ اتِّفَاقُ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَمَا حُكِيَ فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ. قُلْت: وَفِي الْفَيْضِ الْفَتْوَى عَلَى حِلِّ الْفِطْرِ. وَوَفَّقَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْإِمْدَادِ بِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ لَوْ قَالَ قَائِلٌ إنْ قَبِلَهُمَا فِي الصَّحْوِ أَيْ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَتَمَّ الْعَدَدُ لَا يُفْطِرُونَ وَإِنْ قَبِلَهُمَا فِي غَيْمٍ أَفْطَرُوا لِتَحَقُّقِ زِيَادَةِ الْقُوَّةِ فِي الثُّبُوتِ فِي الثَّانِي وَالِاشْتِرَاكِ فِي عَدَمِ الثُّبُوتِ أَصْلًا فِي الْأَوَّلِ فَصَارَ كَشَهَادَةِ الْوَاحِدِ. اهـ. قَالَ ح: وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إذَا غُمَّ شَوَّالٌ أَفْطَرُوا اتِّفَاقًا إذَا ثَبَتَ رَمَضَانُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ فِي الْغَيْمِ أَوْ الصَّحْوِ وَإِنْ لَمْ يُغَمَّ فَقِيلَ يُفْطِرُونَ مُطْلَقًا وَقِيلَ لَا مُطْلَقًا وَقِيلَ يُفْطِرُونَ إنْ غُمَّ رَمَضَانُ أَيْضًا وَإِلَّا لَا. (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَجُوزُ) حَيْثِيَّةُ تَقْيِيدٍ أَيْ بِأَنْ قَبِلَهُ الْقَاضِي فِي الْغَيْمِ أَوْ فِي الصَّحْوِ، وَهُوَ مِمَّنْ يَرَى ذَلِكَ فَتْحٌ أَيْ بِأَنْ كَانَ شَافِعِيًّا أَوْ يَرَى قَوْلَ الطَّحَاوِيِّ بِقَبُولِ شَهَادَتِهِ فِي الصَّحْوِ إذَا جَاءَ مِنْ الصَّحْرَاءِ أَوْ كَانَ عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ فِي الْمِصْرِ وَقَدَّمْنَا تَرْجِيحَهُ، وَمَا هُنَا يُرَجِّحُهُ أَيْضًا فَقَدْ قَالَ فِي الْفَتْحِ فِي قَوْلِ الْهِدَايَةِ إذَا قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ وَصَامُوا إلَخْ هَكَذَا الرِّوَايَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ: وَغُمَّ هِلَالُ الْفِطْرِ) الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ قَيَّدَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْخِلَافِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: لَا يَحِلُّ) أَيْ الْفِطْرُ إذَا لَمْ يَرَ الْهِلَالَ قَالَ فِي الدُّرَرِ وَيُعَزَّرُ ذَلِكَ الشَّاهِدُ أَيْ لِظُهُورِ كَذِبِهِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ خِلَافَ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا غُمَّ هِلَالُ الْفِطْرِ بِأَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَكَذَا فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّ حِلَّ الْفِطْرِ هُنَا مَحَلُّ وِفَاقٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يُغَمَّ وَلَمْ يُرَ الْهِلَالُ، فَعِنْدَهُمَا لَا يَحِلُّ الْفِطْرُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحِلُّ كَمَا قَالَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ، وَحَرَّرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي الْإِمْدَادِ. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الْفِطْرَ مَا ثَبَتَ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ ابْتِدَاءً بَلْ بِنَاءً وَتَبَعًا، فَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا وَسُئِلَ عَنْهُ مُحَمَّدٌ فَقَالَ ثَبَتَ الْفِطْرُ بِحُكْمِ الْقَاضِي لَا بِقَوْلِ الْوَاحِدِ: يَعْنِي لَمَّا حَكَمَ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ ثَبَتَ الْفِطْرُ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِينَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَهُوَ نَظِيرُ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى النَّسَبِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ ثُمَّ يُفْضِي ذَلِكَ إلَى اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ وَالْمِيرَاثُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ ابْتِدَاءً. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الزَّيْلَعِيِّ إلَخْ) نَقَلَهُ لِبَيَانِ فَائِدَةٍ لَمْ تُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الذَّخِيرَةِ وَهِيَ تَرْجِيحُ عَدَمِ حِلِّ الْفِطْرِ إنْ لَمْ يُغَمَّ شَوَّالٌ لِظُهُورِ غَلَطِ الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّهُ الْأَشْبَهُ مِنْ أَلْفَاظِ التَّرْجِيحِ، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا عَلِمْته مِنْ تَصْحِيحِ غَايَةِ الْبَيَانِ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ بِالْحِلِّ. نَعَمْ حَمَلَ فِي الْإِمْدَادِ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِالْحِلِّ إذَا غُمَّ شَوَّالٌ بِنَاءً عَلَى تَحَقُّقِ الْخِلَافِ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ عَلِمْت عَدَمَهُ وَحِينَئِذٍ فَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ لِمَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالْأَضْحَى كَالْفِطْرِ) أَيْ ذُو الْحَجَّةِ كَشَوَّالٍ فَلَا يَثْبُتُ بِالْغَيْمِ إلَّا بِرَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَفِي الصَّحْوِ لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ الْعَدَدِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ كَرَمَضَانَ وَصَحَّحَهُ فِي التُّحْفَةِ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَالتَّبْيِينِ فَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَتَأَيَّدَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ الْمَذْهَبُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَبَقِيَّةُ الْأَشْهُرِ التِّسْعَةِ) فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عُدُولٍ أَحْرَارٍ غَيْرِ مَحْدُودَيْنِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ بَحْرٌ عَنْ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ، وَذُكِرَ فِي الْإِمْدَادِ أَنَّهَا فِي الصَّحْوِ كَرَمَضَانَ وَالْفِطْرِ أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ وَلَمْ يَعْزِهِ لِأَحَدٍ لَكِنْ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي الْأَهِلَّةِ التِّسْعَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْغَيْمِ وَالصَّحْوِ فِي قَبُولِ الرَّجُلَيْنِ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِاشْتِرَاطِ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ، وَهِيَ تَوَجُّهُ الْكُلِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 وَرُؤْيَتُهُ بِالنَّهَارِ لِلَّيْلَةِ الْآتِيَةِ مُطْلَقًا عَلَى الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ الْحَدَّادِيُّ   [رد المحتار] طَالِبِينَ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ فَلَوْ شَهِدَا فِي الصَّحْوِ بِهِلَالِ شَعْبَانَ وَثَبَتَ بِشُرُوطِ الثُّبُوتِ الشَّرْعِيِّ يَثْبُتُ رَمَضَانُ بَعْدَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ وَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ فِي الصَّحْوِ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِهِمَا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ حِينَئِذٍ ضِمْنِيٌّ وَيُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيَّاتِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْقَصْدِيَّاتِ اهـ. . مَطْلَبٌ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ نَهَارًا (قَوْلُهُ: وَرُؤْيَتُهُ بِالنَّهَارِ لِلَّيْلَةِ الْآتِيَةِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ رُئِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ (وَقَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) : أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ مِنْ رَمَضَانَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَيَكُونُ الْيَوْمُ مِنْ رَمَضَانَ. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ هِلَالُ شَوَّالٍ فَعِنْدَهُمَا يَكُونُ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ مُطْلَقًا وَيَكُونُ الْيَوْمُ مِنْ رَمَضَانَ وَعِنْدَهُ لَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ يَكُونُ الْمَاضِيَةَ وَيَكُونُ الْيَوْمُ يَوْمَ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَى قَبْلَ الزَّوَالِ عَادَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلَيْلَتَيْنِ فَيَجِبُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ كَوْنُ الْيَوْمِ مِنْ رَمَضَانَ، وَفِي هِلَالِ شَوَّالٍ كَوْنُهُ يَوْمَ الْفِطْرِ، وَالْأَصْلُ عِنْدَهُمَا أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ رُؤْيَتُهُ نَهَارًا، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ لِرُؤْيَتِهِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» أَمَرَ بِالصَّوْمِ وَالْفِطْرِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ فَفِيمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ مُخَالَفَةُ النَّصِّ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي الْفَتْحِ: أَوْجَبَ الْحَدِيثُ سَبْقَ الرُّؤْيَةِ عَلَى الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ، وَالْمَفْهُومُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الرُّؤْيَةُ عِنْدَ عَشِيَّةِ آخِرِ كُلِّ شَهْرٍ عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ الثَّلَاثِينَ وَالْمُخْتَارُ قَوْلُهُمَا اهـ. قُلْت: وَالْحَاصِلُ: إذَا رُئِيَ الْهِلَالُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَثَلًا قَبْلَ الزَّوَالِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنَّ الْهِلَالَ قَدْ وُجِدَ فِي الْأُفُقِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَغَابَ، ثُمَّ ظَهَرَ نَهَارًا فَظُهُورُهُ فِي النَّهَارِ فِي حُكْمِ ظُهُورِهِ فِي لَيْلَةٍ ثَانِيَةٍ مِنْ ابْتِدَاءِ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ لَيْلَةٍ لَمْ يُمْكِنْ رُؤْيَتُهُ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَى قَبْلَ الزَّوَالِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلَيْلَتَيْنِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِهِ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَكَوْنِهِ لِلَيْلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ النَّهَارَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ لَيْلَةٍ ثَانِيَةٍ وَإِذَا كَانَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ يَكُونُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ الْمَذْكُورُ أَوَّلَ الشَّهْرِ، فَيَجِبُ صَوْمُهُ إنْ كَانَ رَمَضَانَ، وَيَجِبُ فِطْرُهُ إنْ كَانَ شَوَّالًا. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَكُونُ لِلْمَاضِيَةِ مُطْلَقًا بَلْ هُوَ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ وَلَيْسَ كَوْنُهُ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ ثَابِتًا بِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ عِنْدَهُمَا بِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِإِكْمَالِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالْفَتْحِ إنَّمَا هُوَ فِي رُؤْيَتِهِ يَوْمَ الشَّكِّ وَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ مِنْ رَمَضَانَ. فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ الْمَذْكُورِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الشَّهْرِ وَرُئِيَ فِيهِ الْهِلَالُ نَهَارًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ذَلِكَ الْيَوْمُ أَوَّلُ الشَّهْرِ وَعِنْدَهُمَا لَا عِبْرَةَ لِهَذِهِ الرُّؤْيَةِ وَيَكُونُ أَوَّلُ الشَّهْرِ يَوْمَ السَّبْتِ سَوَاءٌ وُجِدَتْ هَذِهِ الرُّؤْيَةُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِينَ فَلَمْ تُفِدْ هَذِهِ الرُّؤْيَةُ شَيْئًا وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُمْ هُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ عِنْدَهُمَا بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ، وَتَصْرِيحٌ بِمُخَالَفَةِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لِلْمَاضِيَةِ، فَلَا مُنَافَاةَ حِينَئِذٍ بَيْنَ قَوْلِهِمْ هُوَ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ عِنْدَهُمَا وَقَوْلِهِمْ لَا عِبْرَةَ بِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا عِنْدَهُمَا وَإِنَّمَا كَانَ الْخِلَافُ فِي رُؤْيَتِهِ يَوْمَ الشَّكِّ، وَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ؛ لِأَنَّ رُؤْيَتَهُ يَوْمَ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيهَا أَنَّهُ لِلْمَاضِيَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ الشَّهْرُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ، وَشَمِلَ قَوْلُهُمْ لَا عِبْرَةَ بِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا. أَمَّا إذَا رُئِيَ يَوْمَ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ قَبْلَ الشَّمْسِ ثُمَّ رُئِيَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ شَرْعِيَّةٌ بِذَلِكَ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِرُؤْيَتِهِ لَيْلًا كَمَا هُوَ نَصُّ الْحَدِيثِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ إنَّهُ لَا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ صَبَاحًا ثُمَّ مَسَاءً فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ فَتَاوَى الشَّمْسِ الرَّمْلِيِّ الشَّافِعِيِّ وَكَذَا لَوْ ثَبَتَتْ رُؤْيَتُهُ لَيْلًا ثُمَّ زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّهُ رَآهُ صَبِيحَتَهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 (وَاخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ) وَرُؤْيَتُهُ نَهَارًا قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ (غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عَلَى) ظَاهِرِ (الْمَذْهَبِ) وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ   [رد المحتار] فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلْتَفِتُ إلَى كَلَامِهِ. كَيْفَ وَقَدْ صَرَّحَتْ أَئِمَّةُ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ نَهَارًا وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ رُؤْيَتُهُ لَيْلًا وَأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدَّهْرِ مَا وَقَعَ فِي زَمَانِنَا سَنَةَ أَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ وَالْأَلْفِ وَهُوَ أَنَّهُ ثَبَتَ رَمَضَانُ تِلْكَ السَّنَةِ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ التَّالِيَةَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ بِشَهَادَةِ جَمَاعَةٍ رَأَوْهُ مِنْ مَنَارَةِ جَامِعِ دِمَشْقَ وَكَانَتْ السَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةً فَأَثْبَتَ الْقَاضِي الشَّهْرَ بِشَهَادَتِهِمْ بَعْدَ الدَّعْوَى الشَّرْعِيَّةِ فَزَعَمَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ هَذَا الْإِثْبَاتَ مُخَالِفٌ لِلْعَقْلِ وَأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ النَّاسِ بِأَنَّهُ رَأَى الْهِلَالَ نَهَارَ الِاثْنَيْنِ الْمَذْكُورِ، تَعَاهَدَ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ عَلَى نَقْدِ هَذَا الْحُكْمِ فَلَمْ يَقْدِرُوا وَأَوْقَعُوا التَّشْكِيكَ فِي قُلُوبِ الْعَوَّامِ ثُمَّ صَامُوا يَوْمَ عِيدِ النَّاسِ وَعَيَّدُوا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حَتَّى خَطَّأَهُمْ بَعْضُ عُلَمَائِهِمْ وَأَظْهَرَ لَهُمْ النُّقُولَ الصَّرِيحَةَ مِنْ مَذْهَبِهِمْ، فَاعْتَذَرَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُمْ فَعَلُوا كَذَلِكَ مُرَاعَاةً لِمَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ وَأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمْ يَفْهَمُوا مَذْهَبَهُمْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْعُذْرَ أَقْبَحُ مِنْ الذَّنْبِ فَإِنَّ فِيهِ الِافْتِرَاءُ عَلَى أَئِمَّةِ الدِّينِ لِتَرْوِيجِ الْخَطَأِ الصَّرِيحِ فَعِنْدَ ذَلِكَ بَادَرْت إلَى كِتَابَةِ رِسَالَةٍ حَافِلَةٍ سَمَّيْتهَا: [تَنْبِيهُ الْغَافِلِ وَالْوَسْنَانِ عَلَى أَحْكَامِ هِلَالِ رَمَضَانَ] جَمَعْت فِيهَا نُصُوصَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْخَطَأَ الصَّرِيحَ هُوَ الَّذِي ارْتَكَبُوهُ وَأَنَّ الْحَقَّ الصَّحِيحَ هُوَ الَّذِي اجْتَنَبُوهُ. . مَطْلَبٌ فِي اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ (قَوْلُهُ: وَاخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ) جَمْعُ مَطْلِعٍ بِكَسْرِ اللَّامِ مَوْضِعُ الطُّلُوعِ بَحْرٌ عَنْ ضِيَاءِ الْحُلُومِ (قَوْلُهُ: وَرُؤْيَتُهُ نَهَارًا إلَخْ) مَرْفُوعٌ عَطْفًا عَلَى اخْتِلَافٍ وَمَعْنَى عَدَمِ اعْتِبَارِهَا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهَا حُكْمٌ مِنْ وُجُوبِ صَوْمٍ أَوْ فِطْرٍ فَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ فَلَا يُصَامُ لَهُ وَلَا يُفْطَرُ وَأَعَادَهُ وَإِنْ عَلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ لِيُفِيدَ أَنَّ قَوْلَهُ لِلَّيْلَةِ الْآتِيَةِ لَمْ يَثْبُتْ بِهَذِهِ الرُّؤْيَةِ بَلْ ثَبَتَ ضَرُورَةً إكْمَالُ الْعِدَّةِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) اعْلَمْ أَنَّ نَفْسَ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ لَا نِزَاعَ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بَيْنَ الْبَلْدَتَيْنِ بُعْدٌ بِحَيْثُ يَطْلُعُ الْهِلَالُ لَهُ لَيْلَةَ كَذَا فِي إحْدَى الْبَلْدَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى وَكَذَا مَطَالِعُ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ انْفِصَالَ الْهِلَالِ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقْطَارِ حَتَّى إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فِي الْمَشْرِقِ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَزُولُ فِي الْمَغْرِبِ، وَكَذَا طُلُوعُ الْفَجْرِ وَغُرُوبُ الشَّمْسِ بَلْ كُلَّمَا تَحَرَّكَتْ الشَّمْسُ دَرَجَةً فَتِلْكَ طُلُوعُ فَجْرٍ لِقَوْمٍ وَطُلُوعُ شَمْسٍ لِآخَرِينَ وَغُرُوبٌ لِبَعْضٍ وَنِصْفُ لَيْلٍ لِغَيْرِهِمْ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَقَدْرُ الْبُعْدِ الَّذِي تَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَطَالِعُ مَسِيرَةُ شَهْرٍ فَأَكْثَرُ عَلَى مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْجَوَاهِرِ اعْتِبَارًا بِقِصَّةِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَإِنَّهُ قَدْ انْتَقَلَ كُلَّ غُدُوٍّ وَرَوَاحٍ مِنْ إقْلِيمٍ إلَى إقْلِيمٍ وَبَيْنَهُمَا شَهْرٌ. اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلرَّمْلِيِّ وَقَدْ نَبَّهَ التَّاجُ التَّبْرِيزِيُّ عَلَى أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَطَالِعِ لَا يُمْكِنُ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا تَحْدِيدِيَّةٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ أَيْضًا اهـ فَلْيُحْفَظْ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي اعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ بِمَعْنَى أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ عَلَى كُلِّ قَوْمٍ اعْتِبَارُ مَطْلِعِهِمْ، وَلَا يَلْزَمُ أَحَدٌ الْعَمَلَ بِمَطْلِعِ غَيْرِهِ أَمْ لَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُهَا بَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالْأَسْبَقِ رُؤْيَةً حَتَّى لَوْ رُئِيَ فِي الْمَشْرِقِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، وَفِي الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ السَّبْتِ وَجَبَ عَلَى أَهْلِ الْمَغْرِبِ الْعَمَلُ بِمَا رَآهُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ، فَقِيلَ بِالْأَوَّلِ وَاعْتَمَدَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْفَيْضِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ قَوْمٍ مُخَاطَبُونَ بِمَا عِنْدَهُمْ كَمَا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، وَأَيَّدَهُ فِي الدُّرَرِ بِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ عَلَى فَاقِدِ وَقْتِهِمَا وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الثَّانِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لِتَعَلُّقِ الْخِطَابِ عَمَلًا بِمُطْلَقِ الرُّؤْيَةِ فِي حَدِيثِ «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» بِخِلَافِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ، وَتَمَامُ تَقْرِيرِهِ فِي رِسَالَتِنَا الْمَذْكُورَةِ. [تَنْبِيهٌ] يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَطَالِعِ فِيهِ مُعْتَبَرٌ فَلَا يَلْزَمُهُمْ شَيْءٌ لَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ رُئِيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 (فَيَلْزَمُ أَهْلَ الْمَشْرِقِ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ) إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ رُؤْيَةُ أُولَئِكَ بِطَرِيقٍ مُوجِبٍ كَمَا مَرَّ، وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: الْأَشْبَهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ لَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ: الْأَخْذُ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَحْوَطُ. [فَرْعٌ] إذَا رَأَوْا الْهِلَالَ يُكْرَهُ أَنْ يُشِيرُوا إلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَكَرَاهَةِ الْبَزَّازِيَّةِ. بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ الْفَسَادُ وَالْبُطْلَانُ فِي الْعِبَادَاتِ سِيَّانِ (إذَا أَكَلَ الصَّائِمُ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ) حَالَ كَوْنِهِ (نَاسِيًا) فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ قَبْلَ النِّيَّةِ أَوْ بَعْدَهَا عَلَى الصَّحِيحِ بَحْرٌ عَنْ الْقُنْيَةِ إلَّا أَنْ يُذَكَّرَ فَلَمْ يَتَذَكَّرْ -   [رد المحتار] فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى قَبْلَهُمْ بِيَوْمٍ وَهَلْ يُقَالُ كَذَلِكَ فِي حَقِّ الْأُضْحِيَّةِ لِغَيْرِ الْحُجَّاجِ؟ لَمْ أَرَهُ وَالظَّاهِرُ نَعَمْ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمَطَالِعِ إنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ فِي الصَّوْمِ لِتَعَلُّقِهِ بِمُطْلَقِ الرُّؤْيَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ يَلْزَمُ كُلَّ قَوْمٍ الْعَمَلُ بِمَا عِنْدَهُمْ فَتُجْزِئُ الْأُضْحِيَّةُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ وَإِنْ كَانَ عَلَى رُؤْيَا غَيْرِهِمْ هُوَ الرَّابِعَ عَشَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: فَيَلْزَمُ) فَاعِلُهُ ضَمِيرٌ يَعُودُ إلَى ثُبُوتِ الْهِلَالِ أَيْ هِلَالِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ وَ " أَهْلَ الْمَشْرِقِ " مَفْعُولُهُ ح أَوْ يُلْزَمُ بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ الْإِلْزَامِ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ، وَأَهْلُ الْمَشْرِقِ نَائِبُ الْفَاعِلِ وَبِرُؤْيَتِهِ مُتَعَلِّقٌ بِيُلْزَمُ (قَوْلُهُ: بِطَرِيقٍ مُوجِبٍ) كَأَنْ يَتَحَمَّلَ اثْنَانِ الشَّهَادَةَ أَوْ يَشْهَدَا عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي أَوْ يَسْتَفِيضَ الْخَبَرُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْبَرَا أَنَّ أَهْلَ بَلْدَةِ كَذَا رَأَوْهُ؛ لِأَنَّهُ حِكَايَةٌ ح. (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ شَهِدَا أَنَّهُ شَهِدَ ح (قَوْلُهُ: يُكْرَهُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ بِقَصْدِ دَلَالَةِ مَنْ لَمْ يَرَهُ وَظَاهِرُ الْعِلَّةِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ ط وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ] الْمُفْسِدُ هُنَا قِسْمَانِ: مَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ فَقَطْ، أَوْ مَعَ الْكَفَّارَةِ. وَغَيْرُ الْمُفْسِدِ قِسْمَانِ أَيْضًا: مَا يُبَاحُ فِعْلُهُ، أَوْ يُكْرَهُ (قَوْلُهُ: الْفَسَادُ وَالْبُطْلَانُ فِي الْعِبَادَاتِ سِيَّانِ) أَمَّا فِي الْمُعَامَلَاتِ فَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ أَثَرُ الْمُعَامَلَةِ عَلَيْهَا فَهُوَ الْبُطْلَانُ، وَإِنْ تَرَتَّبَ فَإِنْ كَانَ مَطْلُوبَ التَّفَاسُخِ شَرْعًا فَهُوَ الْفَسَادُ وَإِلَّا فَهُوَ الصِّحَّةُ ح عَنْ الْبَحْرِ. بَيَانُهُ لَوْ بَاعَ مَيْتَةً فَإِنَّ أَثَرَ الْمُعَامَلَةِ هُنَا وَهُوَ الْمِلْكُ غَيْرُ مُتَرَتِّبٍ عَلَيْهَا، وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطٍ فَاسِدٍ وَسَلَّمَهُ مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي فَاسِدًا وَهُوَ وَاجِبُ التَّفَاسُخِ وَلَوْ بِدُونِ شَرْطٍ مَلَكَهُ صَحِيحًا (وَقَوْلُهُ: إذَا أَكَلَ) شَرْطٌ جَوَابُهُ قَوْلُهُ الْآتِي لَمْ يُفْطِرْ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: نَاسِيًا) أَيْ لِصَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُ ذَاكِرٌ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ فِي الْفَرْضِ) وَلَوْ قَضَاءً أَوْ كَفَّارَةً (قَوْلُهُ: قَبْلَ النِّيَّةِ أَوْ بَعْدَهَا) قَدَّمَ الشَّارِحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ رَأَى مُكَلَّفٌ هِلَالَ رَمَضَانَ إلَخْ وَصَوَّرَهَا فِي الْمُتَلَوِّمِ تَبَعًا لِلْوَهْبَانِيَّةِ وَشَرْحِهَا لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الصَّائِمِ إذَا ظَهَرَتْ رَمَضَانِيَّةُ الْيَوْمِ بَعْدَمَا أَكَلَ نَاسِيًا ثُمَّ نَوَى فَيُتَصَوَّرُ مِنْهُ النِّسْيَانُ أَيْ نِسْيَانُ تَلَوُّمِهِ لِأَجْلِ الصَّوْمِ، بِخِلَافِ الْمُتَنَفِّلِ فَإِنَّهُ لَوْ أَكَلَ قَبْلَ النِّيَّةِ لَا يُسَمَّى نَاسِيًا وَكَذَا فِي صَوْمِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ نَعَمْ يُتَصَوَّرُ النِّسْيَانُ فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ وَالْمَنْذُورِ الْمُعَيَّنِ (قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ قَبْلَ النِّيَّةِ وَقَدْ نَقَلَ تَصْحِيحَهُ أَيْضًا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ، وَقِيلَ إذَا ظَهَرَتْ رَمَضَانِيَّتُهُ لَا يَجْزِيه وَبِهِ جَزَمَ فِي السِّرَاجِ وَتَبِعَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَنَظَمَ ابْنُ وَهْبَانَ الْقَوْلَيْنِ مَعَ حِكَايَةِ التَّصْحِيحِ لِلْأَوَّلِ، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُذَكَّرْ فَلَمْ يَتَذَكَّرْ) أَيْ إذَا أَكَلَ نَاسِيًا فَذَكَّرَهُ إنْسَانٌ بِالصَّوْمِ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ فَأَكَلَ فَسَدَ صَوْمُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 وَيُذَكِّرُهُ لَوْ قَوِيًّا وَإِلَّا وَلَيْسَ عُذْرًا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ (أَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ أَوْ ذُبَابٌ أَوْ دُخَانٌ) وَلَوْ ذَاكِرًا اسْتِحْسَانًا لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ أَدْخَلَ حَلْقَهُ الدُّخَانَ أَفْطَرَ أَيَّ دُخَانٍ كَانَ وَلَوْ عُودًا أَوْ عَنْبَرًا لَهُ ذَاكِرًا لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ كَمَا بَسَطَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ. (أَوْ أَدْهَنَ أَوْ اكْتَحَلَ أَوْ احْتَجَمَ) وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ (أَوْ قَبَّلَ)   [رد المحتار] فِي الصَّحِيحِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ ظَهِيرِيَّةٌ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي الدِّيَانَاتِ مَقْبُولٌ، فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَلْتَفِتَ إلَى تَأَمُّلِ الْحَالِ لِوُجُودِ الْمُذَكَّرِ بَحْرٌ. قُلْت: لَكِنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ النِّصَابِ وَقَدْ نَسَبُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إلَى أَبِي يُوسُفَ وَنَسَبَ إلَيْهِ الْقُهُسْتَانِيُّ فَسَادَ الصَّوْمِ بِالنِّسْيَانِ مُطْلَقًا وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي مَا يَرُدُّهُ (قَوْلُهُ: وَيُذَكِّرُهُ) أَيْ لُزُومًا كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ تَحْرِيمًا بَحْرٌ (وَقَوْلُهُ لَوْ قَوِيًّا) أَيْ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى إتْمَامِ الصَّوْمِ، بِلَا ضَعْفٍ، وَإِذَا كَانَ يَضْعُفُ بِالصَّوْمِ وَلَوْ أَكَلَ يَتَقَوَّى عَلَى سَائِرِ الطَّاعَةِ يَسَعُهُ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ فَتْحٌ وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُخْبِرَهُ وَتَعْبِيرُ الزَّيْلَعِيِّ بِالشَّابِّ وَالشَّيْخِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، ثُمَّ هَذَا التَّفْصِيلُ جَرَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَفِي السِّرَاجِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُذَكِّرُهُ مُطْلَقًا نَهْرٌ. مَطْلَبٌ يُكْرَهُ السَّهَرُ إذَا خَافَ فَوْتَ الصُّبْحِ قَالَ ح عَنْ شَيْخِهِ: وَمِثْلُ أَكْلِ النَّاسِي النَّوْمُ عَنْ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَعْصِيَةٌ فِي نَفْسِهِ كَمَا صَرَّحُوا أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّهَرُ إذَا خَافَ فَوْتَ الصُّبْحِ لَكِنَّ النَّاسِيَ أَوْ النَّائِمَ غَيْرُ قَادِرٍ فَسَقَطَ الْإِثْمُ عَنْهُمَا لَكِنْ وَجَبَ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ حَالَهُمَا تَذْكِيرَ النَّاسِي وَإِيقَاظَ النَّائِمِ إلَّا فِي حَقِّ الضَّعِيفِ عَنْ الصَّوْمِ مَرْحَمَةً لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ) أَيْ النِّسْيَانُ عُذْرًا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ أَيْ مِنْ حَيْثُ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى فِعْلِهِ فَلَوْ أَكَلَ الْوَدِيعَةَ نَاسِيًا ضَمِنَهَا أَمَّا مِنْ حَيْثُ الْمُؤَاخَذَةُ فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ عُذْرٌ مُسْقِطٌ لِلْإِثْمِ كَمَا فِي حُقُوقِهِ تَعَالَى، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ فِي حُقُوقِهِ تَعَالَى، فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ مُذَكِّرٍ وَلَا دَاعِيَ إلَيْهِ كَأَكْلِ الْمُصَلِّي لَمْ يَسْقُطْ لِتَقْصِيرِهِ فَإِنَّ حَالَةَ الْمُصَلِّي مُذَكِّرَةٌ وَطُولُ الْوَقْتِ الدَّاعِي إلَى الْأَكْلِ غَيْرُ مَوْجُودٍ، بِخِلَافِ سَلَامِهِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَأَكْلِ الصَّائِمِ فَإِنَّهُ سَاقِطٌ لِوُجُودِ الدَّاعِي، وَهُوَ كَوْنُ الْقَعْدَةِ مَحَلَّ السَّلَامِ وَطُولُ الْوَقْتِ الدَّاعِي إلَى الطَّعَامِ مَعَ عَدَمِ الْمُذَكِّرِ، بِخِلَافِ تَرْكِ الذَّابِحِ التَّسْمِيَةَ فَإِنَّ حَالَةَ الذَّبْحِ مُنَفِّرَةٌ لَا مُذَكِّرَةٌ مَعَ عَدَمِ الدَّاعِي فَتَسْقُطُ أَيْضًا مِنْ الْبَحْرِ مَعَ زِيَادَةٍ. (قَوْلُهُ: اسْتِحْسَانًا) وَفِي الْقِيَاسِ يَفْسُدُ أَيْ بِدُخُولِ الذُّبَابِ لِوُصُولِ الْمُفْطِرِ إلَى جَوْفِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَغَذَّى بِهِ كَالتُّرَابِ وَالْحَصَادِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ) فَأَشْبَهَ الْغُبَارَ وَالدُّخَانَ لِدُخُولِهِمَا مِنْ الْأَنْفِ إذَا أَطْبَقَ الْفَمَ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ بُدًّا مِنْ تَعَاطِي مَا يُدْخِلُ غُبَارَهُ فِي حَلْقِهِ أَفْسَدَ لَوْ فَعَلَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ قَوْلِهِ دَخَلَ أَيْ بِنَفْسِهِ بِلَا صُنْعٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَوْ أَدْخَلَ حَلْقَهُ الدُّخَانَ) أَيْ بِأَيِّ صُورَةٍ كَانَ الْإِدْخَالُ، حَتَّى لَوْ تَبَخَّرَ بِبَخُورٍ وَآوَاهُ إلَى نَفَسِهِ وَاشْتَمَّهُ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ أَفْطَرَ لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ وَهَذَا مِمَّا يَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ كَشَمِّ الْوَرْدِ وَمَائِهِ وَالْمِسْكِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَوَاءٍ تَطَيَّبَ بِرِيحِ الْمِسْكِ وَشِبْهِهِ وَبَيْنَ جَوْهَرِ دُخَانٍ وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ بِفِعْلِهِ إمْدَادٌ وَبِهِ عُلِمَ حُكْمُ شُرْبِ الدُّخَانِ وَنَظَمَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْوَهْبَانِيَّةِ بِقَوْلِهِ: وَيُمْنَعُ مِنْ بَيْعِ الدُّخَانِ وَشُرْبِهِ ... وَشَارِبُهُ فِي الصَّوْمِ لَا شَكَّ يُفْطِرُ وَيَلْزَمُهُ التَّكْفِيرُ لَوْ ظَنَّ نَافِعًا ... كَذَا دَافِعًا شَهَوَاتِ بَطْنٍ فَقَرَّرُوا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ) أَيْ طَعْمَ الْكُحْلِ أَوْ الدُّهْنِ كَمَا فِي السِّرَاجِ وَكَذَا لَوْ بَزَقَ فَوَجَدَ لَوْنَهُ فِي الْأَصَحِّ بَحْرٌ قَالَ فِي النَّهْرِ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي حَلْقِهِ أَثَرٌ دَاخِلٌ مِنْ الْمَسَامِّ الَّذِي هُوَ خَلَلُ الْبَدَنِ وَالْمُفْطِرُ إنَّمَا هُوَ الدَّاخِلُ مِنْ الْمَنَافِذِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 وَلَمْ يُنْزِلْ (أَوْ احْتَلَمَ أَوْ أَنْزَلَ بِنَظَرٍ) وَلَوْ إلَى فَرْجِهَا مِرَارًا (أَوْ بِفِكْرٍ) وَإِنْ طَالَ مَجْمَعٌ (أَوْ بَقِيَ بَلَلٌ فِي فِيهِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ وَابْتَلَعَهُ مَعَ الرِّيقِ) كَطَعْمِ أَدْوِيَةٍ وَمَصِّ إهْلِيلِجٍ بِخِلَافِ نَحْوِ سُكْرٍ. (أَوْ دَخَلَ الْمَاءُ فِي أُذُنِهِ وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِهِ) عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا لَوْ حَكَّ أُذُنَهُ بِعُودٍ ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَعَلَيْهِ دَرَنٌ ثُمَّ أَدْخَلَهُ وَلَوْ مِرَارًا (أَوْ ابْتَلَعَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَهُوَ دُونَ الْحِمَّصَةِ) لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِرِيقِهِ، وَلَوْ قَدَّرَهَا أَفْطَرَ كَمَا سَيَجِيءُ (أَوْ خَرَجَ الدَّمُ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ وَدَخَلَ حَلْقَهُ) يَعْنِي وَلَمْ يَصِلْ إلَى جَوْفِهِ أَمَّا إذَا وَصَلَ فَإِنْ غَلَبَ الدَّمُ أَوْ تَسَاوَيَا فَسَدَ وَإِلَّا لَا، إلَّا إذَا وَجَدَ طَعْمَهُ بَزَّازِيَّةٌ وَاسْتَحْسَنَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَسَيَجِيءُ (أَوْ طُعِنَ بِرُمْحٍ فَوَصَلَ إلَى جَوْفِهِ) وَإِنْ بَقِيَ فِي جَوْفِهِ كَمَا لَوْ أُلْقِيَ حَجَرٌ فِي الْجَائِفَةِ أَوْ نَفَذَ السَّهْمُ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَلَوْ بَقِيَ النَّصْلُ فِي جَوْفِهِ فَسَدَ (أَوْ أَدْخَلَ عُودًا) وَنَحْوَهُ (فِي مَقْعَدَتِهِ وَطَرَفُهُ خَارِجٌ) وَإِنْ غَيَّبَهُ فَسَدَ وَكَذَا لَوْ ابْتَلَعَ خَشَبَةً أَوْ خَيْطًا وَلَوْ فِيهِ لُقْمَةٌ مَرْبُوطَةٌ إلَّا أَنْ يَنْفَصِلَ مِنْهَا شَيْءٌ. وَمُفَادُهُ أَنَّ اسْتِقْرَارَ الدَّاخِلِ فِي الْجَوْفِ شَرْطٌ لِلْفَسَادِ بَدَائِعُ.   [رد المحتار] لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ مَنْ اغْتَسَلَ فِي مَاءٍ فَوَجَدَ بَرْدَهُ فِي بَاطِنِهِ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَإِنَّمَا كَرِهَ الْإِمَامُ الدُّخُولَ فِي الْمَاءِ وَالتَّلَفُّفَ بِالثَّوْبِ الْمَبْلُولِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ الضَّجَرِ فِي إقَامَةِ الْعِبَادَةِ لَا؛ لِأَنَّهُ مُفَطِّرٌ. اهـ. وَسَيَأْتِي أَنَّ كُلًّا مِنْ الْكُحْلِ وَالدُّهْنِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ وَكَذَا فِي الْحِجَامَةِ إلَّا إذَا كَانَتْ تُضْعِفُهُ عَنْ الصَّوْمِ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِفِكْرٍ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ بِنَظَرٍ (قَوْلُهُ أَوْ بَقِيَ بَلَلٌ فِي فِيهِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ) جَعَلَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَدَائِعِ شَبِيهَ دُخُولِ الدُّخَانِ وَالْغُبَارِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْعِلَّةَ عَلَى عَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ، وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ الْبَصْقِ بَعْدَ مَجِّ الْمَاءِ لِاخْتِلَاطِ الْمَاءِ بِالْبُصَاقِ، فَلَا يَخْرُجُ بِمُجَرَّدِ الْمَجِّ نَعَمْ لَا يُشْتَرَطُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْبَصْقِ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَهُ مُجَرَّدُ بَلَلٍ وَرُطُوبَةٍ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَعَلَى مَا قُلْنَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا بَقِيَ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ مَاءٌ فَابْتَلَعَهُ بِالْبُزَاقِ لَمْ يُفْطِرْ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَطَعْمِ أَدْوِيَةٍ) أَيْ لَوْ دَقَّ دَوَاءً فَوَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ زَيْلَعِيٌّ وَغَيْرُهُ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ طَعْمُ الْأَدْوِيَةِ وَرِيحُ الْعِطْرِ إذَا وَجَدَ فِي حَلْقِهِ لَمْ يُفْطِرْ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ: وَمَصِّ إهْلِيلَجٍ) أَيْ بِأَنْ مَضَغَهَا فَدَخَلَ الْبُصَاقُ حَلْقَهُ وَلَا يَدْخُلُ مِنْ عَيْنِهَا فِي جَوْفِهِ لَا يُفْسِدُ صَوْمَهُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا وَفِي الْمُغْرِبِ الْهَلِيلَجُ مَعْرُوفٌ عَنْ اللَّيْثِ، وَكَذَا فِي الْقَانُونِ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْإِهْلِيلِجَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ الْأَخِيرَةِ وَلَا تَقُلْ هَلِيلِجَةٌ وَكَذَا قَالَ الْفَرَّاءُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِهِ) اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَفَصَّلَ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنَّهُ إنْ دَخَلَ لَا يُفْسِدُ وَإِنْ أَدْخَلَهُ يَفْسُدُ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ بِفِعْلِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبُرْهَانِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ مُلَخَّصًا. وَالْحَاصِلُ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْفِطْرِ بِصَبِّ الدُّهْنِ وَعَلَى عَدَمِهِ بِدُخُولِ الْمَاءِ. وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي إدْخَالِهِ نُوحٌ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ حَكَّ أُذُنَهُ إلَخْ) جَعَلَهُ مُشَبَّهًا بِهِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ بِالْإِجْمَاعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مُفْسِدٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِرِيقِهِ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ؛ لِأَنَّهُ قَلِيلٌ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَجُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الرِّيقِ (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَكُرِهَ لَهُ ذَوْقُ شَيْءٍ وَيَأْتِي تَفَاصِيلُ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ: يَعْنِي وَلَمْ يَصِلْ إلَى جَوْفِهِ) ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمَتْنِ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَإِنْ كَانَ الدَّمُ غَالِبًا عَلَى الرِّيقِ وَصَحَّحَهُ فِي الْوَجِيزِ كَمَا فِي السِّرَاجِ وَقَالَ: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ عَادَةً فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَمَا يَبْقَى مِنْ أَثَرِ الْمَضْمَضَةِ كَذَا فِي إيضَاحِ الصَّيْرَفِيِّ. اهـ. وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْقَوْلُ خِلَافَ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ التَّفْصِيلِ حَاوَلَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِهِ بِحَمْلِ كَلَامِ الْمَتْنِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى جَوْفِهِ؛ لِئَلَّا يُخَالِفَ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. قُلْت: وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ حُكْمُ مَنْ قَلَعَ ضِرْسَهُ فِي رَمَضَانَ وَدَخَلَ الدَّمُ إلَى جَوْفِهِ فِي النَّهَارِ وَلَوْ نَائِمًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ فَيَكُونُ كَالْقَيْءِ الَّذِي عَادَ بِنَفْسِهِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَاسْتَحْسَنَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ تَبَعًا لِشَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَيَّدَ عَدَمَ الْفَسَادِ فِي صُورَةِ غَلَبَةِ الْبُصَاقِ بِمَا إذَا لَمْ يَجِدْ طَعْمَهُ وَهُوَ حَسَنٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: هُوَ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ مَا إذَا غَلَبَ الدَّمُ أَوْ تَسَاوَيَا أَوْ غَلَبَ الْبُصَاقُ هُوَ مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ) أَيْ مَا اسْتَحْسَنَهُ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ يَقُولُ: وَأَكْلُ مِثْلِ سِمْسِمَةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 (أَوْ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ الْيَابِسَةَ فِيهِ) أَيْ دُبُرِهِ أَوْ فَرْجِهَا وَلَوْ مُبْتَلَّةً فَسَدَ، وَلَوْ أَدْخَلَتْ قُطْنَةً إنْ غَابَتْ فَسَدَ وَإِنْ بَقِيَ طَرَفُهَا فِي فَرْجِهَا الْخَارِجِ لَا، وَلَوْ بَالَغَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ حَتَّى بَلَغَ مَوْضِعَ الْحُقْنَةِ فَسَدَ وَهَذَا قَلَّمَا يَكُونُ وَلَوْ كَانَ فَيُورِثُ دَاءً عَظِيمًا (أَوْ نَزَعَ الْمُجَامِعُ) حَالَ كَوْنِهِ (نَاسِيًا فِي الْحَالِ عِنْدَ ذِكْرِهِ) وَكَذَا عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَإِنْ أَمْنَى بَعْدَ النَّزْعِ لِأَنَّهُ كَالِاحْتِلَامِ، وَلَوْ مَكَثَ حَتَّى أَمْنَى وَلَمْ يَتَحَرَّك قَضَى فَقَطْ وَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ قَضَى وَكَفَّرَ   [رد المحتار] مِنْ خَارِجٍ يُفْطِرُ إلَّا إذَا مَضَغَ بِحَيْثُ تَلَاشَتْ فِي فَمِهِ إلَّا أَنْ يَجِدَ الطَّعْمَ فِي حَلْقِهِ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ تَشْتِيتِ الضَّمَائِرِ كَمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ وَإِنْ بَقِيَ فِي جَوْفِهِ) أَيْ بَقِيَ زُجُّهُ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ قَاضِي خَانَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ بَقِيَ الزُّجُّ فِي جَوْفِهِ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ. وَاخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُفْسِدُهُ كَمَا لَوْ أَدْخَلَ خَشَبَةً فِي دُبُرِهِ وَغَيَّبَهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَفْسُدُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْفِعْلُ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مَا فِيهِ صَلَاحُهُ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِفْسَادَ مَنُوطٌ بِمَا إذَا كَانَ بِفِعْلِهِ أَوْ فِيهِ صَلَاحُ بَدَنِهِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا اسْتِقْرَارُهُ دَاخِلَ الْجَوْفِ فَيَفْسُدُ بِالْخَشَبَةِ إذَا غَيَّبَهَا لِوُجُودِ الْفِعْلِ مَعَ الِاسْتِقْرَارِ وَإِنْ لَمْ يُغَيِّبْهَا فَلَا لِعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ وَيَفْسُدُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ أَوْجَرَ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّ فِيهِ صَلَاحَهُ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ أُلْقِيَ حَجَرٌ) أَيْ أَلْقَاهُ غَيْرُهُ فَلَا يُفْسِدُ لِكَوْنِهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَلَيْسَ فِيهِ صَلَاحُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَاوَى الْجَائِفَةَ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَقِيَ النَّصْلُ فِي جَوْفِهِ فَسَدَ) هَذَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ نَصْلِ السَّهْمِ وَنَصْلِ الرُّمْحِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيهِمَا وَبِأَنَّ عَدَمَ الْإِفْطَارِ صَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ اهـ وَقَدْ جَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ بِالصَّحِيحِ فِيهِمَا وَبِهِ عُلِمَ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ حَيْثُ جَرَى أَوَّلًا عَلَى الصَّحِيحِ وَثَانِيًا عَلَى مُقَابِلِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ غَيَّبَهُ) أَيْ غَيَّبَ الطَّرَفَ أَوْ الْعُودَ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْخَارِجِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ ابْتَلَعَ خَشَبَةً) أَيْ عُودًا مِنْ خَشَبٍ إنْ غَابَ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: مُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ مَا ذُكِرَ مَتْنًا وَشَرْحًا وَهُوَ أَنَّ مَا دَخَلَ فِي الْجَوْفِ إنْ غَابَ فِيهِ فَسَدَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالِاسْتِقْرَارِ وَإِنْ لَمْ يَغِبْ بَلْ بَقِيَ طَرَفٌ مِنْهُ فِي الْخَارِجِ أَوْ كَانَ مُتَّصِلًا بِشَيْءٍ خَارِجٍ لَا يَفْسُدُ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ دُبُرِهِ أَوْ فَرْجِهَا) أَشَارَ إلَى أَنَّ تَذْكِيرَ الضَّمِيرِ الْعَائِدِ إلَى الْمُقْعَدَةِ لِكَوْنِهَا فِي مَعْنَى الدُّبُرِ وَنَحْوِهِ وَإِلَى أَنَّ فَاعِلَ أَدْخَلَ ضَمِيرٌ عَائِدٌ عَلَى الشَّخْصِ الصَّائِمِ الصَّادِقِ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُبْتَلَّةً فَسَدَ) لِبَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْبِلَّةِ فِي الدَّاخِلِ وَهَذَا لَوْ أَدْخَلَ الْأُصْبُعَ إلَى مَوْضِعِ الْمِحْقَنَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا بَعْدَهُ قَالَ ط وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ ذَاكِرًا لِلصَّوْمِ وَإِلَّا فَلَا فَسَادَ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الزَّاهِدِيِّ اهـ وَفِي الْفَتْحِ خَرَجَ سُرْمُهُ فَغَسَلَهُ فَإِنْ قَامَ قَبْلَ أَنْ يُنَشِّفَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ اتَّصَلَ بِظَاهِرِهِ ثُمَّ زَالَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْبَاطِنِ بِعَوْدِ الْمُقْعَدَةِ (قَوْلُهُ: حَتَّى بَلَغَ مَوْضِعَ الْحُقْنَةِ) هِيَ دَوَاءٌ يُجْعَلُ فِي خَرِيطَةٍ مِنْ أُدُمٍ يُقَالُ لَهَا الْمِحْقَنَةُ مُغْرِبٌ ثُمَّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمِحْقَنَةُ بِالْمِيمِ وَهِيَ أَوْلَى قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْحَدُّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْوُصُولِ إلَيْهِ الْفَسَادُ قَدْرُ الْمِحْقَنَةِ اهـ. أَيْ قَدْرُ مَا يَصِلُ إلَيْهِ رَأْسُ الْمِحْقَنَةِ الَّتِي هِيَ آلَةُ الِاحْتِقَانِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْمُرَادُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَنْصَبُّ مِنْهُ الدَّوَاءُ إلَى الْأَمْعَاءِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ ذُكْرِهِ) بِالضَّمِّ وَيُكْسَرُ بِمَعْنَى التَّذَكُّرِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ) أَيْ وَكَذَا لَا يُفْطِرُ لَوْ جَامَعَ عَامِدًا قَبْلَ الْفَجْرِ وَنَزَعَ فِي الْحَالِ عِنْدَ طُلُوعِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَكَثَ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ التَّذَكُّرِ وَمَسْأَلَةِ الطُّلُوعِ (قَوْلُهُ: حَتَّى أَمْنَى) هَذَا غَيْرُ شَرْطٍ فِي الْإِفْسَادِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِبَيَانِ حُكْمِ الْكَفَّارَةِ إمْدَادٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ قَضَى وَكَفَّرَ) أَيْ إذَا أَمْنَى كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ تَقْيِيدَهُ بِالْإِمْنَاءِ لِأَجْلِ الْكَفَّارَةِ لَكِنْ جَزَمَ هُنَا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ حَكَى قَوْلَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 كَمَا لَوْ نَزَعَ ثُمَّ أَوْلَجَ (أَوْ رَمَى اللُّقْمَةَ مِنْ فِيهِ) عِنْدَ ذِكْرِهِ أَوْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَوْ ابْتَلَعَهَا إنْ قَبْلَ إخْرَاجِهَا كَفَّرَ وَبَعْدَهُ لَا (أَوْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَلَمْ يُنْزِلْ) يَعْنِي فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ   [رد المحتار] بِدُونِ تَرْجِيحٍ لِأَحَدِهِمَا. وَقَدْ اعْتَرَضَهُ ح بِأَنَّ وُجُوبَهَا مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ إذَا أَكَلَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا فَأَكَلَ عَمْدًا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ لِشُبْهَةِ خِلَافِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِفَسَادِ الصَّوْمِ إذَا أَكَلَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا. اهـ. قُلْت: وَوَجْهُ الْمُخَالَفَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ فِي الْأَكْلِ عَمْدًا بَعْدَ الْجِمَاعِ نَاسِيًا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا تَجِبَ بِالْأَوْلَى فِيمَا إذَا جَامَعَ نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ وَمَكَثَ وَحَرَّكَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ بِالتَّحْرِيكِ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِ التَّحْرِيكِ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ جِمَاعٍ وَالْجِمَاعُ كَالْأَكْلِ وَإِذَا أَكَلَ أَوْ جَامَعَ عَمْدًا بَعْدَ جِمَاعِهِ نَاسِيًا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فَكَذَا لَا تَجِبُ إذَا حَرَّكَ نَفْسَهُ بِالْأَوْلَى، لَكِنَّ هَذَا لَا يُخَالِفُ مَسْأَلَةَ الطُّلُوعِ. نَعَمْ يُؤَيِّدُ عَدَمَ الْوُجُوبِ فِيهَا أَيْضًا إطْلَاقُ مَا فِي الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ هَذَا أَيْ عَدَمُ الْفَسَادِ إذَا نَزَعَ بَعْدَ التَّذَكُّرِ أَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَنْزِعْ وَبَقِيَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الطُّلُوعِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْجِمَاعِ كَانَ عَمْدًا وَهُوَ وَاحِدٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَالْجِمَاعُ الْعَمْدُ يُوجِبُهَا وَفِي التَّذَكُّرِ لَا كَفَّارَةَ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِإِفْسَادِ الصَّوْمِ وَذَلِكَ بَعْدَ وُجُودِهِ، وَبَقَاؤُهُ فِي الْجِمَاعِ يَمْنَعُ وُجُودَ الصَّوْمِ فَاسْتَحَالَ إفْسَادُهُ فَلَا كَفَّارَةَ. اهـ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَدَمَ وُجُوبِهَا فِي التَّذَكُّرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ لَمْ يَكُنْ عَمْدًا وَهُوَ فِعْلٌ وَاحِدٌ فَدَخَلَتْ فِيهِ الشُّبْهَةُ وَلِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ خِلَافِ مَالِكٍ كَمَا عَلِمْت وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الطُّلُوعِ وَمَا وَجَّهَ بِهِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ تَحْرِيكِ نَفْسِهِ وَعَدَمِهِ. هَذَا وَفِي نَقْلِ الْهِنْدِيَّةِ عِبَارَةُ الْبَدَائِعِ سَقْطٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ نَزَعَ ثُمَّ أَوْلَجَ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ نَزَعَ حِينَ تَذَكَّرَ ثُمَّ عَادَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الصُّبْحِ. اهـ. لَكِنْ فِي مَسْأَلَةِ التَّذَكُّرِ يَنْبَغِي عَدَمُ الْكَفَّارَةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ شُبْهَةِ خِلَافِ مَالِكٍ وَلَعَلَّ مَا هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَبَعْدَهُ لَا) أَيْ لِاسْتِقْذَارِهَا وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَفِيهِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ إنْ قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ كَفَّرَ وَبَعْدَهُ لَا وَعَنْ ابْنِ الْفَضْلِ إنْ كَانَتْ لُقْمَةَ نَفْسِهِ كَفَّرَ وَإِلَّا فَلَا اهـ. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ الْمُفْتِي فِي الْوَقَائِعِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ضَرْبِ اجْتِهَادٍ وَمَعْرِفَةٍ بِأَحْوَالِ النَّاسِ قُلْت: وَالتَّعْلِيلُ لِلْأَصَحِّ بِالِاسْتِقْذَارِ يَدُلُّ عَلَى تَقْيِيدِهِ بِأَنْ تَبْرُدَ فَيَتَحَدَّ مَعَ الْقَوْلِ الثَّانِي لِقَوْلِهِمْ: إنَّ اللُّقْمَةَ الْحَارَّةَ يُخْرِجُهَا ثُمَّ يَأْكُلُهَا عَادَةً وَلَا يَعَافُهَا، لَكِنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْفِدَاءَ الْمُوجِبَ لِلْكَفَّارَةِ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ، وَتَنْقَضِي بِهِ شَهْوَةُ الْبَطْنِ لَا مَا يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى صَلَاحِ الْبَدَنِ وَالشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي اعْتَمَدَ الثَّانِيَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ فِيمَا لَوْ أَكَلَ لَحْمًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ فَأَكْثَرَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ زُفَرَ لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ يَعَافُهُ الطَّبْعُ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ التُّرَابِ فَقَالَ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُفْتِي فِي الْوَقَائِعِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ضَرْبِ اجْتِهَادٍ وَمَعْرِفَةٍ بِأَحْوَالِ النَّاسِ، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَفْتَقِرُ إلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ فَيُنْظَرُ فِي صَاحِبِ الْوَاقِعَةِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَعَافُ طَبْعُهُ ذَلِكَ أَخَذَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُف وَإِلَّا أَخَذَ بِقَوْلِ زُفَرَ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُنْزِلْ) . أَمَّا لَوْ أَنْزَلَ قَضَى فَقَطْ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَيْ بِلَا كَفَّارَةٍ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَعَمَلُ الْمَرْأَتَيْنِ كَعَمَلِ الرِّجَالِ جِمَاعٌ أَيْضًا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لَا قَضَاءَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَّا إذَا أَنْزَلَتْ وَلَا كَفَّارَةَ مَعَ الْإِنْزَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي فِي غَيْر السَّبِيلَيْنِ) أَشَارَ لِمَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ أَرَادَ بِالْفَرْجِ كُلًّا مِنْ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ، فَمَا دُونَهُ حِينَئِذٍ التَّفْخِيذُ وَالتَّبْطِينُ اهـ أَيْ؛ لِأَنَّ الْفَرْجَ لَا يَشْمَلُ الدُّبُرَ لُغَةً وَإِنْ شَمِلَهُ حُكْمًا قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْفَرْجُ قُبُلُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُهُ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ كِلَاهُمَا فَرْجٌ يَعْنِي فِي الْحُكْمِ. اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 كَسُرَّةٍ وَفَخِذٍ وَكَذَا الِاسْتِمْنَاءُ بِالْكَفِّ وَإِنْ كُرِهَ تَحْرِيمًا لِحَدِيثِ «نَاكِحُ الْيَدِ مَلْعُونٌ» وَلَوْ خَافَ الزِّنَى يُرْجَى أَنْ لَا وَبَالَ عَلَيْهِ. (أَوْ أَدْخَلَ ذَكَرَهُ فِي بَهِيمَةٍ) أَوْ مَيْتَةٍ (مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ) أَوْ (مَسَّ فَرْجَ بَهِيمَةٍ أَوْ قُبُلَهَا فَأَنْزَلَ أَوْ أَقْطَرَ فِي إحْلِيلِهِ) مَاءً أَوْ دُهْنًا وَإِنْ وَصَلَ إلَى الْمَثَانَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَأَمَّا فِي قُبُلِهَا   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الِاسْتِمْنَاءِ بِالْكَفِّ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الِاسْتِمْنَاءُ بِالْكَفِّ) أَيْ فِي كَوْنِهِ لَا يُفْسِدُ لَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يُنْزِلْ أَمَّا إذَا أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا يَأْتِي لَكِنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ كَلَامِهِ الْإِنْزَالُ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ فَيَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْمُخْتَارِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ خَافَ الزِّنَى إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ بَلْ لَوْ تَعَيَّنَ الْخَلَاصُ مِنْ الزِّنَى بِهِ وَجَبَ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ فَإِنْ غَلَبَتْهُ الشَّهْوَةُ فَفَعَلَ إرَادَةَ تَسْكِينِهَا بِهِ فَالرَّجَاءُ أَنْ لَا يُعَاقَبَ اهـ زَادَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَعَنْ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ التَّرَخُّصُ فِيهِ وَفِي الْجَدِيدِ يَحْرُمُ وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَمْنِيَ بِيَدِ زَوْجَتِهِ وَخَادِمَتِهِ اهـ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي الْحُدُودِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَ الْمِعْرَاجِ يَجُوزُ تَأَمَّلْ وَفِي السِّرَاجِ إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ تَسْكِينَ الشَّهْوَةِ الْمُفْرِطَةِ الشَّاغِلَةِ لِلْقَلْبِ وَكَانَ عَزَبًا لَا زَوْجَةَ لَهُ وَلَا أَمَةَ أَوْ كَانَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إلَيْهَا لِعُذْرٍ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ أَرْجُو أَنْ لَا وَبَالَ عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا فَعَلَهُ لِاسْتِجْلَابِ الشَّهْوَةِ فَهُوَ آثِمٌ اهـ. بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ عِلَّةَ الْإِثْمِ هَلْ هِيَ كَوْنُ ذَلِكَ اسْتِمْتَاعًا بِالْجُزْءِ كَمَا يُفِيدُهُ الْحَدِيثُ وَتَقْيِيدُهُمْ كَوْنَهُ بِالْكَفِّ وَيَلْحَقُ بِهِ مَا لَوْ أَدْخَلَ ذَكَرَهُ بَيْنَ فَخِذَيْهِ مَثَلًا حَتَّى أَمْنَى، أَمْ هِيَ سَفْحُ الْمَاءِ وَتَهْيِيجُ الشَّهْوَةِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا فَعَلَهُ لِاسْتِجْلَابِ الشَّهْوَةِ إلَخْ؟ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ الْأَخِيرُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ بِيَدِ زَوْجَتِهِ وَنَحْوِهَا فِيهِ سَفْحُ الْمَاءِ لَكِنْ بِالِاسْتِمْتَاعِ بِجُزْءٍ مُبَاحٍ كَمَا لَوْ أَنْزَلَ بِتَفْخِيذٍ أَوْ تَبْطِينٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِكَفِّهِ وَنَحْوِهِ وَعَلَى هَذَا فَلَوْ أَدْخَلَ ذَكَرَهُ فِي حَائِطٍ أَوْ نَحْوِهِ حَتَّى أَمْنَى أَوْ اسْتَمْنَى بِكَفِّهِ بِحَائِلٍ يَمْنَعُ الْحَرَارَةَ يَأْثَمُ أَيْضًا وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى مَا قُلْنَا مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ اسْتَدَلَّ عَلَى عَدَمِ حِلِّهِ بِالْكَفِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] الْآيَةُ وَقَالَ فَلَمْ يُبَحْ الِاسْتِمْتَاعُ إلَّا بِهِمَا أَيْ بِالزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ اهـ فَأَفَادَ عَدَمَ حِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ أَيْ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ بِغَيْرِهِمَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ) أَمَّا بِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: أَوْ قَبَّلَهَا) عُطِفَ عَلَى مَسَّ فَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ مِنْ التَّقْبِيلِ (قَوْلُهُ: فَأَنْزَلَ) وَكَذَا لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِدُونِ إنْزَالٍ بِالْأَوْلَى وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ وَكَذَا الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ الْإِفْسَادِ مَعَ الْإِنْزَالِ. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْإِمْدَادِ بِمَسْأَلَةِ الِاسْتِمْنَاءِ بِالْكَفِّ. قُلْت: وَالْفَرْقُ أَنَّ هُنَاكَ إنْزَالًا مَعَ مُبَاشَرَةٍ بِالْفَرْجِ وَهُنَا بِدُونِهَا وَعَلَى هَذَا فَالْأَصْلُ أَنَّ الْجِمَاعَ الْمُفْسِدَ لِلصَّوْمِ هُوَ الْجِمَاعُ صُورَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ، أَوْ مَعْنًى فَقَطْ وَهُوَ الْإِنْزَالُ عَنْ مُبَاشَرَةٍ بِفَرْجِهِ لَا فِي فَرْجٍ أَوْ فِي فَرْجٍ غَيْرِ مُشْتَهًى عَادَةً أَوْ عَنْ مُبَاشَرَةٍ بِغَيْرِ فَرْجِهِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى عَادَةً فَفِي الْإِنْزَالِ بِالْكَفِّ أَوْ بِتَفْخِيذٍ أَوْ تَبْطِينٍ وُجِدَتْ الْمُبَاشَرَةُ بِفَرْجِهِ لَا فِي فَرْجٍ وَكَذَا الْإِنْزَالُ بِعَمَلِ الْمَرْأَتَيْنِ فَإِنَّهَا مُبَاشَرَةُ فَرْجٍ بِفَرْجٍ لَا فِي فَرْجٍ، وَفِي الْإِنْزَالِ بِوَطْءِ مَيِّتَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ وُجِدَتْ الْمُبَاشَرَةُ بِفَرْجِهِ فِي فَرْجِ غَيْرِ مُشْتَهًى عَادَةً، وَفِي الْإِنْزَالِ بِمَسِّ آدَمِيٍّ أَوْ تَقْبِيلِهِ وُجِدَتْ الْمُبَاشَرَةُ بِغَيْرِ فَرْجِهِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى. أَمَّا الْإِنْزَالُ بِمَسٍّ أَوْ تَقْبِيلِ بَهِيمَةٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَعْنَى الْجِمَاعِ فَصَارَ كَالْإِنْزَالِ بِنَظَرٍ أَوْ تَفَكُّرٍ فَلِذَا لَمْ يَفْسُدْ الصَّوْمُ إجْمَاعًا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي مِنْ فَيْضِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ مَعَهُ فِي الْأَظْهَرِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُفْطِرُ وَالِاخْتِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ هَلْ بَيْنَ الْمَثَانَةِ وَالْجَوْفِ مَنْفَذٌ أَوْ لَا وَهُوَ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ عَلَى التَّحْقِيقِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا مَنْفَذَ لَهُ وَإِنَّمَا يَجْتَمِعُ الْبَوْلُ فِيهَا بِالتَّرْشِيحِ كَذَا يَقُولُ الْأَطِبَّاءُ زَيْلَعِيٌّ. وَأَفَادَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 فَمُفْسِدٌ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ كَالْحُقْنَةِ. (أَوْ أَصْبَحَ جُنُبًا وَ) إنْ بَقِيَ كُلَّ الْيَوْمِ (أَوْ اغْتَابَ) مِنْ الْغِيبَةِ (أَوْ دَخَلَ أَنْفَهُ مُخَاطٌ فَاسْتَشَمَّهُ فَدَخَلَ حَلْقَهُ) وَإِنْ نَزَلَ لِرَأْسِ أَنْفِهِ كَمَا لَوْ تَرَطَّبَ شَفَتَاهُ بِالْبُزَاقِ عِنْدَ الْكَلَامِ وَنَحْوِهِ فَابْتَلَعَهُ أَوْ سَالَ رِيقُهُ إلَى ذَقَنِهِ كَالْخَيْطِ وَلَمْ يَنْقَطِعْ فَاسْتَنْشَقَهُ (وَلَوْ عَمْدًا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْقَادِرِ عَلَى مَجِّ النُّخَامَةِ فَيَنْبَغِي الِاحْتِيَاطُ (أَوْ ذَاقَ شَيْئًا بِفَمِهِ) وَإِنْ كُرِهَ (لَمْ يُفْطِرْ) جَوَابُ الشَّرْطِ وَكَذَا لَوْ فَتَلَ الْخَيْطَ بِبُزَاقِهِ مِرَارًا وَإِنْ بَقِيَ فِيهِ عَقْدُ الْبُزَاقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَصْبُوغًا وَظَهَرَ لَوْنُهُ فِي رِيقِهِ وَابْتَلَعَهُ ذَاكِرًا وَنَظَمَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فَقَالَ: مُكَرِّرُ بَلَّ الْخَيْطِ بِالرِّيقِ فَاتِلًا ... بِإِدْخَالِهِ فِي فِيهِ لَا يَتَضَرَّرُ   [رد المحتار] أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ فِي قَصَبَةِ الذَّكَرِ لَا يُفْسِدُ اتِّفَاقًا وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ وَبِهِ بَطَلَ مَا نُقِلَ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ حَشَا ذَكَرَهُ بِقُطْنَةٍ فَغَيَّبَهَا أَنَّهُ يُفْسِدُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ الْوُصُولُ إلَى الْجَوْفِ وَعَدَمُهُ بِنَاءً عَلَى وُجُودِ الْمَنْفَذِ وَعَدَمِهِ لَكِنَّ هَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَسَادِ فِي حَشْوِ الدُّبُرِ وَفَرْجِهَا الدَّاخِلِ وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِإِثْبَاتِ أَنَّ الْمَدْخَلَ فِيهِمَا تَجْذِبُهُ الطَّبِيعَةُ فَلَا يَعُودُ إلَّا مَعَ الْخَارِجِ الْمُعْتَادِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. قُلْت: الْأَقْرَبُ التَّخَلُّصُ بِأَنَّ الدُّبُرَ وَالْفَرْجَ الدَّاخِلَ مِنْ الْجَوْفِ إذْ لَا حَاجِزَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ فَهُمَا فِي حُكْمِهِ وَالْفَمُ وَالْأَنْفُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْجَوْفِ حَاجِزٌ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَهُمَا فِي الصَّوْمِ مِنْ الْخَارِجِ وَهَذَا بِخِلَافِ قَصَبَةِ الذَّكَرِ فَإِنَّ الْمَثَانَةَ لَا مَنْفَذَ لَهَا عَلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ لَهَا مَنْفَذٌ إلَى الْجَوْفِ إلَّا أَنَّ الْمَنْفَذَ الْآخَرَ الْمُتَّصِلَ بِالْقَصَبَةِ مُنْطَبِقٌ لَا يَنْفَتِحُ إلَّا عِنْدَ خُرُوجِ الْبَوْلِ فَلَمْ يُعْطِ لِلْقَصَبَةِ حُكْمَ الْجَوْفِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَمُفْسِدٌ إجْمَاعًا) وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فَتْحٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ. (قَوْلُهُ: أَوْ دَخَلَ أَنْفَهُ) الْأَوْلَى أَوْ نَزَلَ إلَى أَنْفِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَزَلَ لِرَأْسِ أَنْفِهِ) ذَكَرَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَخْذًا مِنْ إطْلَاقِهِمْ، وَمِنْ قَوْلِهِمْ بِعَدَمِ الْفِطْرِ بِبُزَاقٍ امْتَدَّ وَلَمْ يَنْقَطِعْ مِنْ فَمِهِ إلَى ذَقَنِهِ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ بِجَذْبِهِ وَمِنْ قَوْلِ الظَّهِيرِيَّةِ وَكَذَا الْمُخَاطُ وَالْبُزَاقُ يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ وَأَنْفِهِ فَاسْتَشَمَّهُ وَاسْتَنْشَقَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ. اهـ. ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا فِي الْقُنْيَةِ نَزَلَ الْمُخَاطُ إلَى رَأْسِ أَنْفِهِ لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ ثُمَّ جَذَبَهُ فَوَصَلَ إلَى جَوْفِهِ لَمْ يَفْسُدْ اهـ حَيْثُ قَيَّدَ بِعَدَمِ الظُّهُورِ (قَوْلُهُ: فَاسْتَنْشَقَهُ) الْأَوْلَى فَجَذَبَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْشَاقَ بِالْأَنْفِ وَفِي نُسَخٍ فَاسْتَشَفَّهُ بِتَاءٍ فَوْقِيَّةٍ وَفَاءٍ أَيْ جَذَبَهُ بِشَفَتَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرُ ط (قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي الِاحْتِيَاطُ) ؛ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ الْخِلَافِ مَنْدُوبَةٌ وَهَذِهِ الْفَائِدَةُ نَبَّهَ عَلَيْهَا ابْنُ الشِّحْنَةِ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ ابْتَلَعَ الْبَلْغَمَ بَعْدَمَا تَخَلَّصْ بِالتَّنَحْنُحِ مِنْ حَلْقِهِ إلَى فَمِهِ لَا يُفْطِرُ عِنْدَنَا قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَلَمْ أَرَهُ وَلَعَلَّهُ كَالْمُخَاطِ قَالَ: ثُمَّ وَجَدْتهَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة سُئِلَ إبْرَاهِيمُ عَمَّنْ ابْتَلَعَ بَلْغَمًا قَالَ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ فِيهِ لَا يَنْقُضُ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ مِلْءَ فِيهِ يَنْقُضُ صَوْمُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَنْقُضُ. اهـ. وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي بَحْثِ الْقَيْءِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كُرِهَ) أَيْ إلَّا لِعُذْرٍ كَمَا يَأْتِي ط (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ فَتَلَ الْخَيْطَ بِبُزَاقِهِ مِرَارًا إلَخْ) يَعْنِي إذَا أَرَادَ فَتْلَ الْخَيْطِ وَبَلَّهُ بِبُزَاقِهِ وَأَدْخَلَهُ فِي فَمِهِ مِرَارًا لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَإِنْ بَقِيَ فِي الْخَيْطِ عَقْدُ الْبُزَاقِ وَفِي النَّظْمِ للزندوستي أَنَّهُ يَفْسُدُ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ. وَحَكَى الْأَوَّلَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ الزَّنْدَوَسْتِيُّ إذَا فَتَلَ السِّلْكَةَ وَبَلَّهَا بِرِيقِهِ ثُمَّ أَمَرَّهَا ثَانِيًا فِي فَمِهِ ثُمَّ ابْتَلَعَ ذَلِكَ الْبُزَاقَ فَسَدَ صَوْمُهُ. اهـ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَحْكِيَّ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا ابْتَلَعَ الْبُزَاقَ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّظْمِ فَكَانَ مُرَدُ صَاحِبِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا الْمُقَيَّدِ فَهُمَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ خِلَافًا لِمَا اسْتَظْهَرَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ بِحَمْلِ الْأُولَى عَلَى مَا إذَا لَمْ يَبْتَلِعْ الْبُزَاقَ وَالثَّانِيَةِ عَلَى مَا إذَا ابْتَلَعَهُ إذْ لَا يَبْقَى خِلَافٌ حِينَئِذٍ أَصْلًا كَمَا لَا يَخْفَى وَهُوَ خِلَافُ الْمَفْهُومِ مِنْ الْقُنْيَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ: مُكَرِّرٌ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ بِالرِّيقِ مُتَعَلِّقٌ بِبَلَّ وَقَوْلُهُ بِإِدْخَالِهِ مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرِ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ لَا يَتَضَرَّرُ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرِّيقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 وَعَنْ بَعْضِهِمْ: إنْ يَبْلَعْ الرِّيقَ بَعْدَ ذَا يَضُرُّ ... كَصِبْغٍ لَوْنُهُ فِيهِ يَظْهَرُ. (وَإِنْ أَفْطَرَ خَطَأً) كَأَنْ تَمَضْمَضَ فَسَبَقَهُ الْمَاءُ أَوْ شَرِبَ نَائِمًا أَوْ تَسَحَّرَ أَوْ جَامَعَ عَلَى ظَنِّ عَدَمِ الْفَجْرِ (أَوْ) أَوَجِرَ (مُكْرَهًا) أَوْ نَائِمًا وَأَمَّا حَدِيثُ " رُفِعَ الْخَطَأُ " فَالْمُرَادُ رَفْعُ الْإِثْمِ وَفِي التَّحْرِيرِ الْمُؤَاخَذَةُ بِالْخَطَأِ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ. (أَوْ أَكَلَ) أَوْ جَامَعَ (نَاسِيًا) أَوْ احْتَلَمَ أَوْ أَنْزَلَ بِنَظَرٍ أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ (فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا) لِلشُّبْهَةِ -   [رد المحتار] عَلَى فَمِهِ إذَا لَمْ يَتَقَطَّعْ كَمَا فِي شَرْحِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ ط (قَوْلُهُ: بَعْدَ ذَا) أَيْ بَعْدَ تَكْرَارِ إدْخَالِهِ فِي فِيهِ (قَوْلُهُ: يَضُرُّ) أَيْ الصَّوْمُ وَيُفْسِدُهُ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهُ بِمَنْزِلِهِ انْقِطَاعِ الْبُزَاقِ الْمُتَدَلِّي كَذَا فِي شَرْحِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ ط (قَوْلُهُ: كَصِبْغٍ) أَيْ كَمَا يَضُرُّ ابْتِلَاعُ الصِّبْغِ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ (وَقَوْلُهُ لَوْنُهُ) أَيْ الصِّبْغِ (وَفِيهِ) أَيْ الرِّيقِ مُتَعَلِّقٌ بِيَظْهَرُ ط. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَفْطَرَ خَطَأً) شَرْطٌ جَوَابُهُ قَوْلُهُ الْآتِي قَضَى فَقَطْ وَهَذَا شُرُوعٌ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ مَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ دُونَ الْكَفَّارَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِمَّا لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَالْمُرَادُ بِالْمُخْطِئِ مَنْ فَسَدَ صَوْمُهُ بِفِعْلِهِ الْمَقْصُودُ دُونَ قَصْدِ الْفَسَادِ نَهْرٌ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: فَسَبَقَهُ الْمَاءُ) أَيْ يَفْسُدُ صَوْمُهُ إنْ كَانَ ذَاكِرًا لَهُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرِبَ حِينَئِذٍ لَمْ يَفْسُدْ فَهَذَا أَوْلَى وَقِيلَ إنْ تَمَضْمَضَ ثَلَاثًا لَمْ يَفْسُدْ وَإِنْ زَادَ فَسَدَ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: أَوْ شَرِبَ نَائِمًا) فِيهِ أَنَّ النَّائِمَ غَيْرُ مُخْطِئٍ لِعَدَمِ قَصْدِهِ الْفِعْلَ نَعَمْ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمَكْرُوهَ وَالنَّائِمَ كَالْمُخْطِئِ. اهـ. وَلَيْسَ هُوَ كَالنَّاسِي؛ لِأَنَّ النَّائِمَ أَوْ ذَاهِبَ الْعَقْلِ لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ مَنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ وَمَعْنَاهُ: أَنَّ النِّسْيَانَ اُعْتُبِرَ عُذْرًا فِي تَرْكِ التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ النَّوْمِ وَالْجُنُونِ فَكَذَا يُعْتَبَرُ عُذْرًا فِي تَنَاوُلِ الْمُفْطِرِ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ غَيْرُ نَادِرِ الْوُقُوعِ، وَأَمَّا الذَّبْحُ وَتَنَاوُلُ الْمُفْطِرِ فِي حَالِ النَّوْمِ وَالْجُنُونِ فَنَادِرٌ فَلَمْ يُلْحَقْ بِالنِّسْيَانِ (قَوْلُهُ أَوْ تَسَحَّرَ أَوْ جَامَعَ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْجِمَاعَ قَدْ يَكُونُ خَطَأً وَبِهِ صَرَّحَ فِي السِّرَاجِ فَقَالَ: وَلَوْ جَامَعَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ بِلَيْلٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ بَعْدَ الْفَجْرِ فَنَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ فَصَوْمُهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ مُخْطِئٌ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ قَصْدِ الْإِفْسَادِ. اهـ. وَبِهِ يَسْتَغْنِي عَنْ التَّكَلُّفِ بِتَصْوِيرِ الْخَطَأِ فِي الْجِمَاعِ بِمَا إذَا بَاشَرَهَا مُبَاشَرَةً فَاحِشَةً فَتَوَارَتْ حَشَفَتُهُ أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ فَافْهَمْ وَمَسْأَلَةُ التَّسَحُّرِ سَتَأْتِي مُفَصَّلَةً (قَوْلُهُ: أَوْ أُوجِرَ مُكْرَهًا) أَيْ صُبَّ فِي حَلْقِهِ شَيْءٌ وَالْإِيجَارُ غَيْرُ قَيْدٍ فَلَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ أُوجِرَ وَأَبْقَى قَوْلَ الْمَتْنِ أَوْ مُكْرَهًا مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ خَطَأً لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا لَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ بِنَفْسِهِ مُكْرَهًا فَإِنَّهُ يَفْسُدُ صَوْمُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَلِيَشْمَلَ الْإِفْطَارَ بِالْإِكْرَاهِ عَلَى الْجِمَاعِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا فِي الْمُكْرَهِ عَلَى الْجِمَاعِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِانْتِشَارِ الْآلَةِ وَذَلِكَ أَمَارَةُ الِاخْتِيَارِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ فَسَادَ الصَّوْمِ يَتَحَقَّقُ بِالْإِيلَاجِ وَهُوَ مُكْرَهٌ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ انْتَشَرَتْ آلَتُهُ يُجَامِعُ. اهـ. أَيْ مِثْلُ الصَّغِيرِ وَالنَّائِمِ (قَوْلُهُ: أَوْ نَائِمًا) هُوَ فِي حُكْمِ الْمُكْرَهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَسَيَأْتِي مَا لَوْ جُومِعَتْ نَائِمَةً أَوْ مَجْنُونَةً (قَوْلُهُ: وَأَمَّا حَدِيثُ إلَخْ) هُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ لَوْ كَانَ مُخْطِئًا أَوْ مُكْرَهًا؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ رُفِعَ حُكْمُ الْخَطَأِ إلَخْ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْخَطَأِ لَمْ يُرْفَعْ وَالْحُكْمُ نَوْعَانِ دُنْيَوِيٌّ وَهُوَ الْفَسَادُ وَأُخْرَوِيٌّ وَهُوَ الْإِثْمُ فَيَتَنَاوَلُهُمَا. وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ حَيْثُ قُدِّرَ الْحُكْمُ لِتَصْحِيحِ الْكَلَامِ كَانَ ذَلِكَ مُقْتَضَى بِالْفَتْحِ وَهُوَ لَا عُمُومَ لَهُ وَالْإِثْمُ مُرَادٌ مِنْ الْحُكْمِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا تَصِحُّ إرَادَةُ الْآخَرِ وَإِنَّمَا لَمْ نُفْسِدُ صَوْمَ النَّاسِي مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ أَيْضًا الْفَسَادُ لِوُصُولِ الْمُفَطِّرِ إلَى الْجَوْفِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» وَتَمَامُ تَقْرِيرِهِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ (قَوْلُهُ: جَائِزَةٌ) أَيْ عَقْلًا كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ. (قَوْلُهُ: فَأَكَلَ عَمْدًا) وَكَذَا لَوْ جَامَعَ عَمْدًا كَمَا فِي نُورِ الْإِيضَاحِ فَالْمُرَادُ بِالْأَكْلِ الْإِفْطَارُ (قَوْلُهُ: لِلشُّبْهَةِ) عِلَّةٌ لِلْكُلِّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ بِإِفْطَارِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 وَلَوْ عَلِمَ عَدَمَ فِطْرِهِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ فَلَا كَفَّارَةَ مُطْلَقًا عَلَى الْمَذْهَبِ لِشُبْهَةِ خِلَافِ مَالِكٍ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي الْمَجْمَعِ وَشُرُوحِهِ فَقَيْدُ الظَّنِّ إنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ الِاتِّفَاقِ. (أَوْ احْتَقَنَ أَوْ اسْتَعَطَ) فِي أَنْفِهِ شَيْئًا (أَوْ أَقْطَرَ فِي أُذُنِهِ دُهْنًا أَوْ دَاوَى جَائِفَةً أَوْ آمَّةً) فَوَصَلَ الدَّوَاءُ حَقِيقَةً -   [رد المحتار] عَمْدًا بَعْدَ أَكْلِهِ أَوْ شُرْبِهِ أَوْ جِمَاعِهِ نَاسِيًا؛ لِأَنَّهُ ظَنٌّ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ بِالنَّظِيرِ، وَهُوَ الْأَكْلُ عَمْدًا؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ مُضَادٌّ لِلصَّوْمِ سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَكَذَا فِيهِ شُبْهَةُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ، فَإِنَّ مَالِكًا يَقُولُ بِفَسَادِ صَوْمِ مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُفَطِّرْهُ بِأَنْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ أَوْ الْفَتْوَى أَوْ لَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَكَذَا لَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَظَنَّ أَنَّهُ يُفَطِّرُهُ فَأَفْطَرَ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِوُجُودِ شُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ بِالنَّظِيرِ فَإِنَّ الْقَيْءَ وَالِاسْتِقَاءَ مُتَشَابِهَانِ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَهُمَا مِنْ الْفَمِ وَكَذَا لَوْ احْتَلَمَ لِلتَّشَابُهِ فِي قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُفَطِّرُهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ شُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ وَلَا شُبْهَةُ الِاخْتِلَافِ اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ) وَهِيَ مَا لَوْ أَكَلَ وَكَذَا لَوْ جَامَعَ أَوْ شَرِبَ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ الْكَفَّارَةِ خِلَافُ مَالِكٍ وَخِلَافُهُ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا ح (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ عَلِمَ عَدَمَ فِطْرِهِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا عَلِمَ بِعَدَمِ فِطْرِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ. قُلْت: وَهَذَا يَرُدُّ مَا نَقَلَهُ ح عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا يَفْسُدُ صَوْمُهُ إذْ لَوْ فَسَدَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ إذَا أَكَلَ بَعْدَهُ عَامِدًا وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ هَذَا غَيْرَهُ وَكَذَا يَرُدُّهُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ نَعَمْ نَقَلُوا عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ ذُكِّرَ فَلَمْ يَتَذَكَّرْ فَسَدَ صَوْمُهُ وَكَانَ هَذَا مَنْشَأَ الْوَهْمِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: فَقَيْدُ الظَّنِّ) أَيْ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ إنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ مَحَلِّ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْعِلْمِ. (قَوْلُهُ: أَوْ احْتَقَنَ أَوْ اسْتَعَطَ) كِلَاهُمَا بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ مِنْ حَقَنَ الْمَرِيضُ دَوَاءَهُ بِالْحُقْنَةِ وَاحْتُقِنَ بِالضَّمِّ غَيْرُ جَائِزٍ وَإِنَّمَا الصَّوَابُ حُقِنَ أَوْ عُولِجَ بِالْحُقْنَةِ وَالسَّعُوطُ الدَّوَاءُ الَّذِي صُبَّ فِي الْأَنْفِ وَأَسْعَطَهُ إيَّاهُ وَلَا يُقَالُ: اُسْتُعِطَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ مِعْرَاجٌ، وَعَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي ذَلِكَ هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا مُوجِبُ الْإِفْطَارِ صُورَةً وَمَعْنًى وَالصُّورَةُ الِابْتِلَاعُ كَمَا فِي الْكَافِي وَهِيَ مُنْعَدِمَةٌ وَالنَّفْعُ الْمُجَرَّدُ عَنْهَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ فَقَطْ إمْدَادٌ (قَوْلُهُ: أَوْ أَقْطَرَ) فِي الْمُغْرِبِ قَطَرَ الْمَاءَ صَبَّهُ تَقْطِيرًا وَقَطَّرَهُ مِثْلَهُ قَطْرًا وَأَقْطَرَهُ لُغَةً اهـ وَعَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ يَتَخَرَّجُ كَلَامُهُمْ هُنَا وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ بِنَاؤُهُ لِلْفَاعِلِ، وَهُوَ الْأَوْلَى لِتَتَّفِقَ الْأَفْعَالُ وَتَنْتَظِمَ الضَّمَائِرُ فِي سِلْكٍ وَاحِدٍ وَيَصِحُّ بِنَاؤُهُ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ قَوْلُهُ فِي أُذُنِهِ نَهْرٌ وَيَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْأَفْصَحِ لِذِكْرِهِ الْمَفْعُولَ الصَّرِيحَ وَهُوَ قَوْلُهُ دُهْنًا مَنْصُوبًا. (قَوْلُهُ: دُهْنًا) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي فَسَادِ الصَّوْمِ بِهِ وَلِأَنَّهُ مَشَى أَوَّلًا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ لَا يُفْسِدُ وَإِنْ كَانَ بِصُنْعِهِ وَمَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَوْ دَاوَى جَائِفَةً أَوْ آمَّةً) الْجَائِفَةُ الطَّعْنَةُ الَّتِي بَلَغَتْ الْجَوْفَ أَوْ نَفَذْته وَالْآمَّةُ مِنْ أَمَمْته بِالْعَصَا أَمًّا مِنْ بَابِ طَلَبَ إذَا ضَرَبْت أُمَّ رَأْسِهِ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي تَجْمَعُ الدِّمَاغَ وَقِيلَ لَهَا آمَّةٌ أَيْ بِالْمَدِّ وَمَأْمُومَةٌ عَلَى مَعْنَى ذَاتِ أَمٍّ كَعِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَلَيْلَةٍ مزودة وَجَمْعُهَا أَوَامُّ وَمَأْمُومَاتٌ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ: فَوَصَلَ الدَّوَاءُ حَقِيقَةً) أَشَارَ إلَى أَنَّ مَا وَقَعَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ تَقْيِيدِ الْإِفْسَادِ بِالدَّوَاءِ الرَّطْبِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَادَةِ مِنْ أَنَّهُ يَصِلُ وَإِلَّا فَالْمُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ الْوُصُولِ، حَتَّى لَوْ عَلِمَ وُصُولَ الْيَابِسِ أَفْسَدَ أَوْ عَدَمَ وُصُولِ الطَّرِيِّ لَمْ يُفْسِدْ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ يَقِينًا فَأَفْسَدَ بِالطَّرِيِّ حُكْمًا بِالْوُصُولِ نَظَرًا إلَى الْعَادَةِ وَنَفَيَاهُ كَذَا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ. قُلْت: وَلَمْ يُقَيِّدُوا الِاحْتِقَانَ وَالِاسْتِعَاطَ وَالْإِقْطَارَ بِالْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ لِظُهُورِهِ فِيهَا وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى لَوْ بَقِيَ السَّعُوطُ فِي الْأَنْفِ وَلَمْ يَصِلْ إلَى الرَّأْسِ لَا يُفْطِرُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الدَّوَاءُ رَاجِعًا إلَى الْكُلِّ تَأَمَّلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 إلَى جَوْفِهِ وَدِمَاغِهِ. (أَوْ ابْتَلَعَ حَصَاةً) وَنَحْوَهَا مِمَّا لَا يَأْكُلُهُ الْإِنْسَانُ أَوْ يَعَافُهُ أَوْ يَسْتَقْذِرُهُ وَنَظَمَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فَقَالَ: وَمُسْتَقْذَرٌ مَعَ غَيْرِ مَأْكُولِ مِثْلِنَا ... فَفِي أَكْلِهِ التَّكْفِيرُ يُلْغَى وَيُهْجَرُ. (أَوْ لَمْ يَنْوِ فِي رَمَضَانَ كُلِّهِ صَوْمًا وَلَا فِطْرًا) مَعَ الْإِمْسَاكِ لِشُبْهَةِ خِلَافِ زُفَرَ (أَوْ أَصْبَحَ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ فَأَكَلَ عَمْدًا) وَلَوْ بَعْدَ النِّيَّةِ قَبْلَ الزَّوَالِ لِشُبْهَةِ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ: وَمُفَادُهُ أَنَّ الصَّوْمَ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ كَذَلِكَ. (أَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ مَطَرٌ أَوْ ثَلْجٌ) بِنَفْسِهِ لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ بِضَمِّ فَمِهِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْغُبَارِ وَالْقَطْرَتَيْنِ مِنْ دُمُوعِهِ أَوْ عَرَقِهِ وَأَمَّا فِي الْأَكْثَرِ -   [رد المحتار] قَوْلُهُ: إلَى جَوْفِهِ وَدِمَاغِهِ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ بَيْنَ جَوْفِ الرَّأْسِ وَجَوْفِ الْمَعِدَةِ مَنْفَذًا أَصْلِيًّا فَمَا وَصَلَ إلَى جَوْفِ الرَّأْسِ يَصِلُ إلَى جَوْفِ الْبَطْنِ. اهـ. ط. (قَوْلُهُ: أَوْ ابْتَلَعَ حَصَاةً إلَخْ) أَيْ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ لِوُجُودِ صُورَةِ الْفِطْرِ وَلَا كَفَّارَةَ لِعَدَمِ وُجُودِ مَعْنَاهُ وَهُوَ إيصَالُ مَا فِيهِ نَفْعُ الْبَدَنِ إلَى الْجَوْفِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَتَغَذَّى بِهِ أَوْ يَتَدَاوَى فَقَصُرَتْ الْجِنَايَةُ فَانْتَفَتْ الْكَفَّارَةُ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي مَعْنَى التَّغَذِّي (قَوْلُهُ: أَوْ يَسْتَقْذِرُهُ) الِاسْتِقْذَارُ سَبَبُ الْإِعَاقَةِ فَمَآلُهُمَا وَاحِدٌ، وَلِذَا اقْتَصَرَ فِي النَّظْمِ عَلَى الْمُسْتَقْذَرِ ط وَمِنْهُ أَكْلُ اللُّقْمَةِ بَعْدَ إخْرَاجِهَا عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: فَفِي) الْفَاءُ زَائِدَةٌ وَالْجَارُ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: يَهْجُرُ وَالتَّكْفِيرُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ الْجُمْلَةُ بَعْدَهُ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ مُسْتَقْذَرٌ وَجَازَ الِابْتِدَاءُ بِهِ مَعَ أَنَّهُ نَكِرَةٌ لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ وَيُهْجَرُ مُرَادِفٌ لِيُلْغَى أَيْ لَا تَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةٌ ط. (قَوْلُهُ: مَعَ الْإِمْسَاكِ) قَيَّدَ بِهِ لِيُغَايِرَ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: لِشُبْهَةِ خِلَافِ زُفَرَ) فَإِنَّ الصَّوْمَ عِنْدَهُ يَتَأَدَّى مِنْ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ بِمُجَرَّدِ الْإِمْسَاكِ، وَلَوْ بِلَا نِيَّةٍ حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْإِمْسَاكُ بِجِهَةِ الْعِبَادَةِ، وَلَا عِبَادَةَ بِدُونِ نِيَّةٍ فَلَوْ أَمْسَكَ بِدُونِهَا لَا يَكُونُ صَائِمًا وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ. أَمَّا لُزُومُ الْقَضَاءِ فَلِعَدَمِ تَحَقُّقِ الصَّوْمِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَأَمَّا عَدَمُ الْكَفَّارَةِ فَلِأَنَّهُ عِنْدَ زُفَرَ صَائِمٌ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يُفْطِرُ فَتَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ عِنْدَنَا يُسَمَّى مُفْطِرًا شَرْعًا وَالْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِعَدَمِ تَحَقُّقِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ صَوْمَهُ وَالصَّوْمُ هُنَا مَعْدُومٌ وَإِفْسَادُ الْمَعْدُومِ مُسْتَحِيلٌ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ التَّمَسُّكُ لِلشُّبْهَةِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ بَلْ الْأَوْلَى عَدَمُ التَّعَرُّضِ لِلْكَفَّارَةِ أَصْلًا وَلِذَا اقْتَصَرَ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ عَلَى بَيَانِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ كَالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ الْغَيْرِ الْمُمْتَدِّ. هَذَا وَقَدْ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وُجُوبَ الْقَضَاءِ هُنَا بِأَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا يَقْضِي الْيَوْمَ الَّذِي حَدَثَ الْإِغْمَاءُ فِي لَيْلَتِهِ لِوُجُودِ النِّيَّةِ مِنْهُ ظَاهِرًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ هُنَا بِأَنْ يَكُونَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا لَا يَنْوِي شَيْئًا أَوْ مُتَهَتِّكًا اعْتَادَ الْأَكْلَ فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يَكُنْ حَالُهُ دَلِيلًا عَلَى عَزِيمَةِ الصَّوْمِ وَرَدَّهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنَى عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ ابْتِدَاءً لَا بِأَمْرٍ يُوجِبُ النِّسْيَانَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَدْرَى بِحَالِهِ بِخِلَافِ مِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِغْمَاءَ قَدْ يُوجِبُ نِسْيَانَهُ حَالَ نَفْسِهِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ فَبَنَى الْأَمْرَ فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ حَالِهِ وَهُوَ وُجُودُ النِّيَّةِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الزَّوَالِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ إنْ أَكَلَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ إمْكَانَ التَّحْصِيلِ فَصَارَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ بَحْرٌ أَيْ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الزَّوَالِ كَانَ يُمْكِنُهُ إنْشَاءُ النِّيَّةِ وَقَدْ فَوَّتَهُ بِالْأَكْلِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالزَّوَالِ نِصْفُ النَّهَارِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الضَّحْوَةُ الْكُبْرَى أَوْ هُوَ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ مِنْ اعْتِبَارِ الزَّوَالِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ: لِشُبْهَةِ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ) فَإِنَّ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ بِنِيَّةِ النَّهَارِ كَمَا لَا يَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ اهـ ح. وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ دُونَ الْكَفَّارَةِ إذَا أَكَلَ بَعْدَ النِّيَّةِ أَمَّا لَوْ أَكَلَ قَبْلَهَا فَالْكَلَامُ فِيهِ مَا عَلِمْته فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ (قَوْلُهُ: وَمُفَادُهُ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ بِلَفْظٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ وَمِثْلُ مَا ذُكِرَ إذَا نَوَى نِيَّةً مُخَالِفَةً فِيمَا يَظْهَرُ ط. (قَوْلُهُ: مَطَرٌ أَوْ ثَلْجٌ) فَيَفْسُدُ فِي الصَّحِيحِ وَلَوْ بِقَطْرَةٍ وَقِيلَ لَا يَفْسُدُ فِي الْمَطَرِ وَيَفْسُدُ فِي الثَّلْجِ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ: بِنَفْسِهِ) أَيْ بِأَنْ سَبَقَ إلَى حَلْقِهِ بِذَاتِهِ وَلَمْ يَبْتَلِعْهُ بِصُنْعِهِ إمْدَادٌ (قَوْلُهُ: وَالْقَطْرَتَيْنِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 فَإِنْ وَجَدَ الْمُلُوحَةَ فِي جَمِيعِ فَمِهِ وَاجْتَمَعَ شَيْءٌ كَثِيرٌ وَابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ وَإِلَّا لَا خُلَاصَةٌ. (أَوْ وَطِئَ امْرَأَةً مَيِّتَةً) أَوْ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى نَهْرٌ (أَوْ بَهِيمَةً أَوْ فَخِذًا أَوْ بَطْنًا أَوْ قَبَّلَ) وَلَوْ قُبْلَةً فَاحِشَةً بِأَنْ يُدَغْدِغُ أَوْ يَمُصُّ شَفَتَيْهَا (أَوْ لَمَسَ) وَلَوْ بِحَائِلٍ لَا يَمْنَعُ الْحَرَارَةَ أَوْ اسْتَنْمَا بِكَفِّهِ أَوْ بِمُبَاشَرَةٍ فَاحِشَةٍ وَلَوْ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ (فَأَنْزَلَ) قَيْدٌ لِلْكُلِّ حَتَّى لَوْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يُفْطِرْ كَمَا مَرَّ. (أَوْ أَفْسَدَ غَيْرَ صَوْمِ رَمَضَانَ أَدَاءً) لِاخْتِصَاصِهَا -   [رد المحتار] مَعْطُوفٌ عَلَى الْغُبَارِ أَيْ وَبِخِلَافِ نَحْوِ الْقَطْرَتَيْنِ فَأَكْثَرُ مِمَّا لَا يَجِدُ مُلُوحَتَهُ فِي جَمِيعِ فَمِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَجَدَ الْمُلُوحَةَ فِي جَمِيعِ فَمِهِ إلَخْ) بِهَذَا دَفَعَ فِي النَّهْرِ مَا بَحَثَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ الْقَطْرَةَ يَجِدُ مُلُوحَتَهَا فَالْأَوْلَى الِاعْتِبَارُ بِوِجْدَانِ الْمُلُوحَةِ لِصَحِيحِ الْحِسِّ إذْ لَا ضَرُورَةَ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلِذَا اعْتَبَرَ فِي الْخَانِيَّةِ الْوُصُولَ إلَى الْحَلْقِ وَوَجْهُ الدَّفْعِ مَا قَالَهُ فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ كَلَامَ الْخُلَاصَةِ ظَاهِرٌ فِي تَعْلِيقِ الْفِطْرِ عَلَى وُجْدَانِ الْمُلُوحَةِ فِي جَمِيعِ الْفَمِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَطْرَةَ وَالْقَطْرَتَيْنِ لَيْسَتَا كَذَلِكَ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ اهـ وَفِي الْإِمْدَادِ عَنْ خَطِّ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّ الْقَطْرَةَ لِقِلَّتِهَا لَا يَجِدُ طَعْمَهَا فِي الْحَلْقِ لِتَلَاشِيهَا قَبْلَ الْوُصُولِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا فِي الْوَاقِعَاتِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ إذَا دَخَلَ الدَّمْعُ فِي فَمِ الصَّائِمِ إنْ كَانَ قَلِيلًا نَحْوَ الْقَطْرَةِ أَوْ الْقَطْرَتَيْنِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا حَتَّى وَجَدَ مُلُوحَتَهُ فِي جَمِيعِ فَمِهِ وَابْتَلَعَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ وَكَذَا الْجَوَابُ فِي عَرَقِ الْوَجْهِ اهـ مُلَخَّصًا وَبِالتَّعْلِيلِ بِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الدَّمْعِ وَالْمَطَرِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ فَتَدَبَّرْ، ثُمَّ فِي التَّعْبِيرِ بِالْقَطْرَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الدَّمْعُ النَّازِلُ مِنْ ظَاهِرِ الْعَيْنِ أَمَّا الْوَاصِلُ إلَى الْحَلْقِ مِنْ الْمَسَامِّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِثْلُ الرِّيقِ فَلَا يُفْطِرُ وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي جَمِيعِ فَمِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَوْ وَطِئَ امْرَأَةً إلَخْ) إنَّمَا لَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُشْتَهًى عَلَى الْكَمَالِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ صَغِيرَةً لَا تَشْتَهِي) حُكِيَ فِي الْقُنْيَةِ خِلَافًا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِوَطْئِهَا وَقِيلَ: لَا تَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْوَجْهُ كَمَا فِي النَّهْرِ قَالَ الرَّمْلِيُّ وَقَالُوا فِي الْغُسْلِ إنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ وَطْؤُهَا مِنْ غَيْرِ إفْضَاءٍ فَهِيَ مِمَّنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ أَوْ قَبَّلَ) قَيَّدَ بِكَوْنِهِ قَبَّلَهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ قَبَّلَتْهُ وَوَجَدَتْ لَذَّةَ الْإِنْزَالِ وَلَمْ تَرَ بَلَلًا فَسَدَ صَوْمُهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَكَذَا فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بَحْرٌ عَنْ الْمِعْرَاجِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قُبْلَةً فَاحِشَةً) فَفِي غَيْرِ الْفَاحِشَةِ مَعَ الْإِنْزَالِ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُدَغْدِغَ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ عَضُّ الشَّفَةِ وَنَحْوِهَا أَوْ تَقْبِيلُ الْفَرْجِ وَفِي الْقَامُوسِ الدَّغْدَغَةُ: حَرَكَةٌ وَانْفِعَالٌ فِي نَحْوِ الْإِبْطِ وَالْبُضْعِ وَالْأَخْمَصِ (قَوْلُهُ: أَوْ لَمَسَ) أَيْ لَمَسَ آدَمِيًّا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ مَسَّ فَرْجَ بَهِيمَةٍ فَأَنْزَلَ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ وَلَوْ مَسَّتْ زَوْجَهَا فَأَنْزَلَ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ وَقِيلَ إنْ تَكَلَّفَ لَهُ فَسَدَ اهـ قَالَ الرَّمْلِيُّ: يَنْبَغِي تَرْجِيحُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ أَدْعَى فِي سَبَبِيَّةِ الْإِنْزَالِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِحَائِلٍ لَا يَمْنَعُ الْحَرَارَةَ) نَقِيضُ مَا بَعْدَ لَوْ وَهُوَ عَدَمُ الْحَائِلِ الْمَذْكُورِ أَوْلَى بِالْحُكْمِ وَهُوَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ لَكِنْ لَا تَظْهَرُ الْأَوْلَوِيَّةُ بِالنَّظَرِ إلَى عَدَمِ الْكَفَّارَةِ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَقَيَّدَ الْحَائِلَ بِكَوْنِهِ لَا يَمْنَعُ الْحَرَارَةَ لِمَا فِي الْبَحْرِ لَوْ مَسَّهَا وَرَاءَ الثِّيَابِ فَأَمْنَى فَإِنْ وَجَدَ حَرَارَةَ جِلْدِهَا فَسَدَ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: بِكَفِّهِ) أَوْ بِكَفِّ امْرَأَتِهِ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ: أَوْ بِمُبَاشَرَةٍ فَاحِشَةٍ) هِيَ مَا تَكُونُ بِتَمَاسِّ الْفَرْجَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ هُنَا؛ لِأَنَّ الْإِنْزَالَ مَعَ اللَّمْسِ مُطْلَقًا بِدُونِ حَائِلٍ يَمْنَعُ الْحَرَارَةَ مُوجِبٌ لِلْإِفْسَادِ كَمَا عَلِمْته وَإِنَّمَا يَظْهَرُ تَقْيِيدُهَا بِالْفَاحِشَةِ لِأَجْلِ كَرَاهَتِهَا كَمَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ) وَكَذَا الْمَجْبُوبُ مَعَ الْمَرْأَةِ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ: أَوْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَلَمْ يُنْزِلْ إلَخْ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَفْسَدَ) أَيْ وَلَوْ بِأَكْلٍ أَوْ جِمَاعٍ (قَوْلُهُ: غَيْرَ صَوْمِ رَمَضَانَ) صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ أَيْ صَوْمًا غَيْرَ صَوْمِ رَمَضَانَ فَلَا يَشْمَلُ مَا لَوْ أَفْسَدَ صَلَاةً أَوْ حَجًّا وَعِبَارَةُ الْكَنْزِ صَوْمُ غَيْرِ رَمَضَانَ وَهِيَ أَوْلَى أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ: أَدَاءً) حَالٌ مِنْ صَوْمٍ وَقَيَّدَ بِهِ لِإِفَادَةِ نَفْيِ الْكَفَّارَةِ بِإِفْسَادِ قَضَاءِ رَمَضَانَ لَا لِنَفْيِ الْقَضَاءِ أَيْضًا بِإِفْسَادِهِ (قَوْلُهُ: لِاخْتِصَاصِهَا) أَيْ الْكَفَّارَةِ وَهُوَ عِلَّةٌ لِلتَّقْيِيدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 بِهَتْكِ رَمَضَانَ (أَوْ وُطِئَتْ نَائِمَةً أَوْ مَجْنُونَةً) بِأَنْ أَصْبَحَتْ صَائِمَةً فَجُنَّتْ (أَوْ تَسَحَّرَ أَوْ أَفْطَرَ يَظُنُّ الْيَوْمَ) أَيْ الْوَقْتَ الَّذِي أَكَلَ فِيهِ (لَيْلًا وَ) الْحَالُ أَنَّ (الْفَجْرَ طَالِعٌ وَالشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ) لَفٌّ وَنَشْرٌ وَيَكْفِي الشَّكُّ فِي الْأَوَّلِ   [رد المحتار] بِالْغَيْرِيَّةِ وَبِالْأَدَاءِ (وَقَوْلُهُ: بِهَتْكِ رَمَضَانَ) : أَيْ بِخَرْقِ حُرْمَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَا تَجِبُ بِإِفْسَادِ قَضَائِهِ أَوْ إفْسَادِ صَوْمِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ فِي رَمَضَانَ أَبْلَغُ فِي الْجِنَايَةِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ لِوُرُودِهَا فِيهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. (قَوْلُهُ: أَوْ وُطِئَتْ إلَخْ) هَذَا بِالنَّظَرِ إلَيْهَا وَأَمَّا الْوَاطِئُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ وَطْئِهِ عَاقِلَةً أَوْ غَيْرَهَا كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: بِأَنْ أَصْبَحَتْ صَائِمَةً فَجُنَّتْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ حَاصِلُهُ: أَنَّ الْجُنُونَ يُنَافِي الصَّوْمَ فَلَا يَصِحُّ تَصْوِيرُ هَذَا الْفَرْعِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ: أَنَّ الْجُنُونَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ إنَّمَا يُنَافِي شَرْطَهُ أَعْنِي النِّيَّةَ وَهِيَ قَدْ وُجِدَتْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ط قَالَ ح وَمِثْلُهَا مَا إذَا نَوَتْ فَجُنَّتْ بِاللَّيْلِ فَجَامَعَهَا نَهَارًا كَمَا فِي النَّهْرِ وَكَذَا لَوْ نَوَتْ نَهَارًا قَبْلَ الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى فَجُنَّتْ فَجَامَعَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَسَحَّرَ إلَخْ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَاصِرَةٌ وَهِيَ جِنَايَةُ عَدَمِ التَّثَبُّتِ لَا جِنَايَةُ الْإِفْطَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْسِدْهُ، وَلِهَذَا صَرَّحُوا بِعَدَمِ الْإِثْمِ عَلَيْهِ كَمَا قَالُوا فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ لَا إثْمَ فِيهِ وَالْمُرَادُ إثْمُ الْقَتْلِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّ فِيهِ إثْمَ تَرْكِ الْعَزِيمَةِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّثَبُّتِ حَالَةَ الرَّمْيِ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ. قُلْت: لَكِنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الْإِثْمِ هُنَا أَصْلًا بِدَلِيلِ عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ هُنَا وَوُجُوبِهَا فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ لِوُجُودِ الْإِثْمِ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا مُكَفِّرَةٌ لِلْإِثْمِ (قَوْلُهُ: أَيْ الْوَقْتِ إلَخْ) إطْلَاقُ الْيَوْمِ عَلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ الشَّامِلِ لِلَّيْلِ مَجَازٌ مَشْهُورٌ مِثْلُ رَكِبَ يَوْمَ يَأْتِي الْعَدُوُّ وَالدَّاعِي إلَيْهِ هُنَا قَوْلُهُ أَوْ تَسَحَّرَ (قَوْلُهُ: لَيْلًا) لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَنَّ الطُّلُوعَ وَأَكَلَ مَعَ ذَلِكَ ثُمَّ تَبَيَّنَ صِحَّةَ ظَنِّهِ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ؛ لِأَنَّهُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْأَصْلِ فَلَمْ تَكْمُلْ الْجِنَايَةُ فَلَوْ قَالَ ظَنَّهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لَكَانَ أَوْلَى وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ كَالْيَقِينِ بَحْرٌ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ قَيَّدَ بِاللَّيْلِ لِيُطَابِقَ قَوْلَهُ أَوْ تَسَحَّرَ. اهـ. قُلْت: مُرَادُ الْبَحْرِ أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ وَالتَّسَحُّرُ وَإِنْ كَانَ الْأَكْلُ فِي السَّحَرِ لَكِنْ سُمِّيَ بِهِ بِاعْتِبَارِ احْتِمَالِ وُقُوعِهِ فِيهِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ التَّعْبِيرُ بِهِ، وَلَوْ ظَنَّ بَقَاءَ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ وُقُوعُهُ بَعْدَ الطُّلُوعِ وَالْأَكْلُ بَعْدَ الطُّلُوعِ لَا يُسَمَّى سُحُورًا فَلَوْلَا الِاعْتِبَارُ الْمَذْكُورُ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ أَوْ تَسَحَّرَ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: لَفٌّ وَنَشْرٌ) أَيْ مُرَتَّبٌ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ: وَيَكْفِي) أَيْ لِإِسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ الشَّكُّ فِي الْأَوَّلِ أَيْ فِي التَّسَحُّرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ، فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ إمْدَادٌ فَكَانَ عَلَى الْمَتْنِ أَنْ يُعَبِّرَ هُنَا بِالشَّكِّ كَمَا قَالَ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ: أَوْ تَسَحَّرَ أَوْ جَامَعَ شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ طَالِعٌ ثُمَّ يَقُولُ أَوْ ظَنَّ الْغُرُوبَ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالظَّنِّ هُنَا مَا يَعُمُّ الشَّكَّ مَا زَعَمَ فِي الْبَحْرِ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ فِي الشِّقِّ الثَّانِي، فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي فِيهِ الشَّكُّ فَالصَّوَابُ إبْقَاءُ الظَّنِّ عَلَى بَابِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ الْمَتْنُ سَاكِتًا عَنْ الشَّكِّ وَلَا ضَيْرَ فِيهِ. اهـ. ح. أَقُولُ: فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَ الشَّكِّ فِي الْغُرُوبِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَنَقَلَ أَيْضًا عَنْ الْبَدَائِعِ تَصْحِيحَ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِيمَا إذَا غَلَبَ عَلَى رَأْيِهِ عَدَمُ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْغُرُوبِ قَائِمٌ فَكَانَ شُبْهَةً وَالْكَفَّارَةُ لَا تَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي تَصْحِيحَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ عِنْدَ الشَّكِّ فِي الْغُرُوبِ بِالْأَوْلَى لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ: أَنَّ مُخْتَارَ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرَ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الشَّكِّ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ حَالَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِالْغُرُوبِ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ لَا حَقِيقَتُهَا فَفِي حَالِ الشَّكِّ دُونَ ذَلِكَ، وَهُوَ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَهِيَ لَا تُسْقِطُ الْعُقُوبَاتِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ هَذَا إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالَ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 دُونَ الثَّانِي عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِمَا وَلَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالَ لَمْ يَقْضِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالْمَسْأَلَةُ تَتَفَرَّعُ إلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ، مَحَلُّهَا الْمُطَوَّلَاتُ (قَضَى) فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا (فَقَطْ)   [رد المحتار] وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَنَا فِي الثَّانِي وَبِهِ تَأَيَّدَ مَا فِي النَّهْرِ ثُمَّ إنَّ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ إذَا لَمْ تُعْتَبَرْ عِنْدَ الشَّكِّ فِي الْغُرُوبِ يَلْزَمُ عَدَمُ اعْتِبَارِهَا عِنْدَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِعَدَمِهِ بِالْأَوْلَى وَبِهِ يَضْعُفُ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ الْوُجُوبِ وَلِذَا جَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ بِلُزُومِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ: عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَوَّلِ بَقَاءُ اللَّيْلِ، فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَفِي الثَّانِي بَقَاءُ النَّهَارِ فَتَجِبُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالَ) أَيْ فِيمَا لَوْ ظَنَّ بَقَاءَ اللَّيْلِ أَوْ شَكَّ فَتَسَحَّرَ، وَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ وَالْحَالُ أَنَّ الْفَجْرَ طَالِعٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّيَقُّنُ حَتَّى لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ بَحْرٌ فَهَذَا دَاخِلٌ فِي عَدَمِ التَّبَيُّنِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَقْضِ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الظَّنِّ أَوْ الشَّكِّ فِي بَقَاءِ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ بَحْرٌ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الظَّنِّ أَوْ الشَّكِّ فِي الْغُرُوبِ مَعَ التَّبَيُّنِ أَوْ عَدَمِهِ فَسَنَذْكُرُهَا (قَوْلُهُ: فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) فِيهِ أَنَّهُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ وَهَذَا وَهْمٌ سَرَى إلَيْهِ مِنْ مَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا الزَّيْلَعِيُّ وَهِيَ مَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ فَأَكَلَ ثُمَّ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ يُقْضَى احْتِيَاطًا أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ: تَتَفَرَّعُ إلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ) هَذَا عَلَى مَا فِي النَّهْرِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَوْ يَظُنَّ أَوْ يَشُكَّ وَكُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي وُجُودِ الْمُبِيحِ أَوْ قِيَامِ الْمُحَرِّمِ فَهِيَ سِتَّةٌ وَكُلٌّ مِنْهَا عَلَى ثَلَاثَةٍ إمَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ صِحَّةُ مَا بَدَا لَهُ أَوْ بُطْلَانُهُ أَوْ لَا وَلَا، وَكُلٌّ مِنْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ أَوْ فِي انْتِهَائِهِ فَتِلْكَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ فِي التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ بَيْنَ الظَّنِّ وَغَلَبَتِهِ، وَلَا فَائِدَةَ لَهُ لِاتِّحَادِهِمَا حُكْمًا وَإِنْ اخْتَلَفَا مَفْهُومًا فَإِنَّ مُجَرَّدَ تَرَجُّحِ أَحَدِ طَرَفَيْ الْحُكْمِ عِنْدَ الْعَقْلِ هُوَ أَصْلُ الظَّنِّ، فَإِنْ زَادَ ذَلِكَ التَّرَجُّحُ حَتَّى قَرُبَ مِنْ الْيَقِينِ سُمِّيَ غَلَبَةَ الظَّنِّ وَأَكْبَرَ الرَّأْي فَلِذَا جَعَلَهَا فِي الْبَحْرِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ. وَيُرَدُّ عَلَيْهِمَا أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِجَعْلِ الشَّكِّ تَارَةً فِي وُجُودِ الْمُبِيحِ وَتَارَةً فِي وُجُودِ الْمُحَرِّمِ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي أَحَدِهِمَا شَكٌّ فِي الْآخَرِ لِاسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ فِي الشَّكِّ بِخِلَافِ الظَّنِّ فَإِنَّهُ إنَّمَا صَحَّ تَعَلُّقُهُ بِالْمُبِيحِ تَارَةً وَبِالْمُحَرِّمِ أُخْرَى؛ لِأَنَّ لَهُ نِسْبَةً مَخْصُوصَةً إلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ، فَإِذَا تَعَلَّقَ الظَّنُّ بِوُجُودِ اللَّيْلِ لَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِوُجُودِ النَّهَارِ وَبِالْعَكْسِ. فَالْحَقُّ فِي التَّقْسِيمِ أَنْ يُقَالَ إمَّا أَنْ يَظُنَّ وُجُودَ الْمُبِيحِ أَوْ وُجُودَ الْمُحَرِّمِ، أَوْ يَشُكَّ وَكُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ أَوْ انْتِهَائِهِ وَفِي كُلٍّ مِنْ السِّتَّةِ إمَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ وُجُودَ الْمُبِيحِ أَوْ وُجُودَ الْمُحَرِّمِ أَوْ لَا يَتَبَيَّنَ، فَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ تِسْعَةٌ فِي ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ وَتِسْعَةٌ فِي انْتِهَائِهِ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَذَكَرَ أَحْكَامَهَا وَهِيَ أَنَّهُ إنْ تَسَحَّرَ عَلَى ظَنِّ بَقَاءِ اللَّيْلِ، فَإِنْ تَبَيَّنَ بَقَاؤُهُ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَبَيَّنَ طُلُوعُ الْفَجْرِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَمِثْلُهُ الشَّكُّ فِي الطُّلُوعِ وَإِنْ تَسَحَّرَ عَلَى ظَنِّ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِنْ تَبَيَّنَ الطُّلُوعُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ يَقْضِي فَقَطْ وَإِنْ تَبَيَّنَ بَقَاءُ اللَّيْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَهَذِهِ تِسْعَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ، وَإِنْ ظَنَّ غُرُوبَ الشَّمْسِ فَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمُهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَإِنْ تَبَيَّنَ الْغُرُوبُ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ شَكَّ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ وَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمُهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَإِنْ تَبَيَّنَ الْغُرُوبُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَهُ فَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمُهُ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَإِنْ تَبَيَّنَ الْغُرُوبُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهَذِهِ تِسْعَةٌ فِي الِانْتِهَاءِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي عَشْرِ صُوَرٍ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ فَقَطْ فِي أَرْبَعٍ وَالْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ فِي أَرْبَعٍ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ: فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا) أَيْ الْمَذْكُورَةِ تَحْتَ قَوْلِهِ وَإِنْ أَفْطَرَ خَطَأً إلَخْ لَا صُوَرُ التَّفْرِيعِ (قَوْلُهُ: فَقَطْ) أَيْ بِدُونِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 كَمَا لَوْ شَهِدَا عَلَى الْغُرُوبِ وَآخَرَانِ عَلَى عَدَمِهِ فَأَفْطَرَ فَظَهَرَ عَدَمُهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ قَضَى وَكَفَّرَ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ النَّفْيِ لَا تُعَارِضُ شَهَادَةَ الْإِثْبَاتِ. وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا انْتَفَى فِيهِ الْكَفَّارَةُ مَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَقَعْ مِنْهُ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لِأَجْلِ قَصْدِ الْمَعْصِيَةِ فَإِنْ فَعَلَهُ وَجَبَتْ زَجْرًا لَهُ بِذَلِكَ أَفْتَى أَئِمَّةُ الْأَمْصَارِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قُنْيَةٌ وَهَذَا حَسَنٌ نَهْرٌ (وَالْأَخِيرَانِ يَمْسِكَانِ بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وُجُوبًا عَلَى الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْفِطْرَ قَبِيحٌ وَتَرْكُ الْقَبِيحِ شَرْعًا وَاجِبٌ   [رد المحتار] كَفَّارَةٍ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ شَهِدَا إلَخْ) أَيْ فَلَا كَفَّارَةَ لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى شَهَادَةِ الْإِثْبَاتِ ط (قَوْلُهُ: لِأَنَّ شَهَادَةَ النَّفْيِ لَا تُعَارِضُ الْإِثْبَاتَ) ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ لَا لِلنَّفْيِ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُثْبِتِ لَا النَّافِي بَحْرٌ: أَيْ لِأَنَّ الْمُثْبِتَ مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ وَإِذَا لَغَتْ النَّافِيَةُ بَقِيَتْ الْمُثْبِتَةُ فَتُوجِبُ الظَّنَّ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أُورِدَ أَنَّ تَعَارَضَهُمَا يُوجِبُ الشَّكَّ وَإِذَا شَكَّ فِي الْغُرُوبِ، ثُمَّ ظَهَرَ عَدَمُهُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ كَمَا مَرَّ لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ. قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ شَهَادَةَ النَّفْيِ إنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ فِي الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ فَلَمْ تُفِدْ شَيْئًا زَائِدًا بِخِلَافِ الْمُثْبِتَةِ لَكِنَّ هُنَا النَّافِيَةَ تُورِثُ شُبْهَةً فَيَنْبَغِي أَنْ تَسْقُطَ بِهَا الْكَفَّارَةُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى الطُّلُوعِ وَآخَرَانِ عَلَى عَدَمِهِ لَا كَفَّارَةَ اهـ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ فِي جَوَازِ الْإِفْطَارِ بِالتَّحَرِّي [تَتِمَّةٌ] فِي تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ بِالظَّنِّ إشَارَةً إلَى جَوَازِ التَّسَحُّرِ وَالْإِفْطَارِ بِالتَّحَرِّي وَقِيلَ لَا يَتَحَرَّى فِي الْإِفْطَارِ وَإِلَى أَنَّهُ يَتَسَحَّرُ بِقَوْلِ عَدْلٍ وَكَذَا بِضَرْبِ الطُّبُولِ وَاخْتُلِفَ فِي الدِّيكِ. وَأَمَّا الْإِفْطَارُ فَلَا يَجُوزُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ بَلْ بِالْمَثْنَى وَظَاهِرُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ مَا إذَا كَانَ عَدْلًا صَدَّقَهُ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ أَهْلُ الرُّسْتَاقِ بِصَوْتِ الطَّبْلِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ ظَانِّينَ أَنَّهُ يَوْمُ الْعِيدِ وَهُوَ لِغَيْرِهِ لَمْ يُكَفِّرُوا كَمَا فِي الْمُنْيَةِ قُهُسْتَانِيُّ. قُلْت: وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِالْفِطْرِ بِقَوْلِ عَدْلٍ صَدَّقَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَا بِقَوْلِ الْمَسْتُورِ مُطْلَقًا وَبِالْأَوْلَى سَمَاعِ الطَّبْلِ أَوْ الْمِدْفَعِ الْحَادِثِ فِي زَمَانِنَا لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ لِغَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ كَوْنُ الضَّارِبِ غَيْرَ عَدْلٍ فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ التَّحَرِّي فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا جَوَازُ الْإِفْطَارِ بِالتَّحَرِّي كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ، وَهِيَ كَالْيَقِينِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَوْ لَمْ يَتَحَرَّ لَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ لِمَا فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ لَوْ شَكَّ فِي الْغُرُوبِ لَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ اهـ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَا يُفْطِرُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ الْغُرُوبُ وَإِنْ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ اهـ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمِدْفَعَ فِي زَمَانِنَا يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ وَإِنْ كَانَ ضَارِبُهُ فَاسِقًا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْمُوَقِّتَ يَذْهَبُ إلَى دَارِ الْحُكْمِ آخَرَ النَّهَارِ فَيُعَيَّنُ لَهُ وَقْتُ ضَرْبِهِ وَيُعَيِّنُهُ أَيْضًا لِلْوَزِيرِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا ضَرَبَهُ يَكُونُ ذَلِكَ بِمُرَاقَبَةِ الْوَزِيرِ وَأَعْوَانِهِ لِلْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ فَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بِهَذِهِ الْقَرَائِنِ عَدَمُ الْخَطَأِ وَعَدَمُ قَصْدِ الْإِفْسَادِ وَإِلَّا لَزِمَ تَأْثِيمُ النَّاسِ وَإِيجَابُ قَضَاءِ الشَّهْرِ بِتَمَامِهِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ غَالِبَهُمْ يُفْطِرُ بِمُجَرَّدِ سَمَاعِ الْمِدْفَعِ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ وَلَا غَلَبَةِ ظَنٍّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَلَوْ حَصَلَ فَاصِلٌ بِأَيَّامٍ وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْمَعْصِيَةَ وَهِيَ الْإِفْطَارُ لَا تَجِبُ ط (قَوْلُهُ: وَالْأَخِيرَانِ) أَيْ مَنْ تَسَحَّرَ أَوْ أَفْطَرَ يَظُنُّ الْوَقْتَ لَيْلًا إلَخْ وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ بِذَلك صَاحِبَ الدُّرَرِ وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ فِيمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ) وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ فَتْحٌ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَعَلَى لُزُومِهِ لِمَنْ أَفْطَرَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا أَوْ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ رَمَضَانَ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ) أَيْ تَنَاوُلَ صُورَةِ الْمُفْطِرِ وَإِلَّا فَالصَّوْمُ فَاسِدٌ قَبْلَهُ وَأَشَارَ إلَى قِيَاسٍ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ ذَكَرَ فِيهِ مُقَدِّمَتَا الْقِيَاسِ وَطُوِيَتْ فِيهِ النَّتِيجَةُ وَتَقْرِيرُهُ هَكَذَا الْفِطْرُ قَبِيحٌ شَرْعًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 (كَمُسَافِرٍ أَقَامَ وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ طَهُرَتَا وَمَجْنُونٍ أَفَاقَ وَمَرِيضٍ صَحَّ) وَمُفْطِرٍ وَلَوْ مُكْرَهًا أَوْ خَطَأً (وَصَبِيٍّ بَلَغَ وَكَافِرٍ أَسْلَمَ وَكُلُّهُمْ يَقْضُونَ) مَا فَاتَهُمْ (إلَّا الْأَخِيرَيْنِ) وَإِنْ أَفْطَرَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْيَوْمِ وَهُوَ السَّبَبُ فِي الصَّوْمِ لَكِنْ لَوْ نَوَيَا قَبْلَ الزَّوَالِ كَانَ نَفْلًا فَيَقْضِي بِالْإِفْسَادِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْخَانِيَّةِ. وَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ وَالْمَجْنُونُ وَالْمَرِيضُ قَبْلَ الزَّوَالِ -   [رد المحتار] وَكُلُّ قَبِيحٍ شَرْعًا تَرْكُهُ وَاجِبٌ فَالْفِطْرُ تَرْكُهُ وَاجِبٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: كَمُسَافِرٍ أَقَامَ) أَيْ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ أَوْ قَبْلَهُ بَعْدَ الْأَكْلِ أَمَّا قَبْلَهُمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَإِنْ كَانَ نَوَى الْفِطْرَ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا فِي الْفَصْلِ الْآتِي. وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ كُلَّ مَنْ صَارَ فِي آخِرِ النَّهَارِ بِصِفَةٍ لَوْ كَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ عَلَيْهَا لَلَزِمَهُ الصَّوْمُ فَعَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ لَكِنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ إذْ لَا يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ عَمْدًا؛ لِأَنَّ الصَّيْرُورَةَ لِلتَّحَوُّلِ وَلَوْ لِامْتِنَاعِ مَا يَلِيهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْمُفَادُ بِهِمَا فِيهِ نَهْرٌ أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ حَالَةٌ بَعْدَ فِطْرِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا قَبْلَهُ وَكَذَا لَا يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أَصْبَحَ يَوْمَ الشَّكِّ مُفْطِرًا أَوْ تَسَحَّرَ عَلَى ظَنِّ اللَّيْلِ أَوْ أَفْطَرَ كَذَلِكَ وَلِذَا ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ ثُمَّ قَالَ: وَكَذَا كُلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ لِوُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَالْأَهْلِيَّةِ ثُمَّ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ بِأَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا أَوْ أَصْبَحَ يَوْمَ الشَّكِّ مُفْطِرًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ تَسَحَّرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ ثُمَّ تَبَيَّنَ طُلُوعُهُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ تَشَبُّهًا اهـ. فَقَدْ جَعَلَ لِوُجُوبِ الْإِمْسَاكِ أَصْلَيْنِ تَتَفَرَّعُ عَلَيْهِمَا الْفُرُوعُ وَقَدْ حَاوَلَ فِي الْفَتْحِ تَصْحِيحَ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ فَأَبْدَلَ صَارَ بِتَحَقُّقٍ لَكِنَّهُ أَتَى بِلَوْ الِامْتِنَاعِيَّةِ فَلَمْ يَتِمَّ لَهُ مَا أَرَادَهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ: طَهُرَتَا) أَيْ بَعْدَ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَمَجْنُونٍ أَفَاقَ) أَيْ بَعْدَ الْأَكْلِ أَوْ بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِ النِّيَّةِ وَإِلَّا فَإِذَا نَوَى صَحَّ صَوْمُهُ كَمَا يَأْتِي وَالظَّاهِرُ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ كَالْمُسَافِرِ (قَوْلُهُ: وَمُفْطِرٍ) عَبَّرَ بِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُفْطِرٍ وَمُفْطِرٍ وَأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَخِيرَانِ يُمْسِكَانِ كَمَا مَرَّ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَفْطَرَا) أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْبَحْرِ سَوَاءٌ أَفْطَرَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ صَامَاهُ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ صَوْمَ الْكَافِرِ لَا يَصِحُّ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ النِّيَّةُ الْمَشْرُوطَةُ بِالْإِسْلَامِ فَالْمُرَادُ صَوْمُهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ إذَا أَسْلَمَ فِي وَقْت النِّيَّةِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمَا) أَيْ لِأُصَلِّ الْوُجُوبِ بِخِلَافِ الْحَائِضِ فَإِنَّهَا أَهْلٌ لَهُ وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْهَا وُجُوبُ الْأَدَاءِ فَلِذَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَمِثْلُهَا الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ وَالْمَجْنُونُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ السَّبَبُ فِي الصَّوْمِ) أَيْ السَّبَبُ لِصَوْمِ كُلِّ يَوْمٍ وَهَذَا عَلَى خِلَافِ مَا اخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَوَّلَ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ شُهُودُ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَقَيَّدَ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي الصَّلَاةِ الْجُزْءُ الْمُتَّصِلُ بِالْأَدَاءِ وَلِهَذَا لَوْ بَلَغَ أَوْ أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ عِنْدَ السَّبَبِ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الْيَوْمِ، فَلِذَا لَمْ يَجِبْ صَوْمُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَوْرَدَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ السَّبَبُ فِيهِ هُوَ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ لَزِمَ أَنْ لَا يَجِبَ الْإِمْسَاكُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ السَّبَبُ عَلَى الْوُجُوبِ وَإِلَّا لَزِمَ سَبْقُ الْوُجُوبِ عَلَى السَّبَبِ وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ التَّقَدُّمِ هُنَا سَقَطَ لِلضَّرُورَةِ وَتَمَامُ تَحْقِيقُهُ فِيهِ وَقَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ لَوْ نَوَيَا إلَخْ) أَيْ الْأَخِيرَانِ وَهُوَ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا فُهِمَ مِنْ إمْسَاكِهِمَا وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُمَا فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْ الْفَرْضِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَيَصِحُّ نَفْلًا لَوْ نَوَيَا قَبْلَ الزَّوَالِ حَتَّى لَوْ أَفْسَدَاهُ وَجَبَ قَضَاؤُهُ، وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَجَزَّأُ وُجُوبًا وَأَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ مَعْدُومَةٌ فِي أَوَّلِهِ. اهـ. ثُمَّ إنَّ صِحَّةَ نِيَّةِ النَّفْلِ خَصَّهَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ بِالصَّبِيِّ بِخِلَافِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّطَوُّعِ وَالصَّبِيُّ أَهْلٌ لَهُ وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ أَكْثَرَ الْمَشَايِخِ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ فَمَا هُنَا قَوْلُ الْبَعْضِ. (قَوْلُهُ: قَبْلَ الزَّوَالِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 صَحَّ عَنْ الْفَرْضِ، وَلَوْ نَوَى الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ لَمْ يَصِحَّ أَصْلًا لِلْمُنَافِي أَوَّلَ الْوَقْتِ وَهُوَ لَا يَتَجَزَّأُ وَيُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِالصَّوْمِ إذَا أَطَاقَهُ وَيُضْرَبُ عَلَيْهِ ابْنُ عَشْرٍ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَصَحِّ. (وَإِنْ جَامَعَ) الْمُكَلَّفُ آدَمِيًّا مُشْتَهًى (فِي رَمَضَانَ أَدَاءً) لِمَا مَرَّ (أَوْ جَامَعَ) أَوْ تَوَارَتْ الْحَشَفَةُ (فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ) أَنْزَلَ أَوْ لَا (أَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ غِذَاءً) بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَالْمُدِّ   [رد المحتار] الْمُرَادُ بِهِ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ وَقَعَتْ فِي أَغْلِبْ الْكُتُبِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ تَسَامُحًا أَوْ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ (قَوْلُهُ: صَحَّ عَنْ الْفَرْضِ) ؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ الْغَيْرَ الْمُسْتَوْعَبِ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَكُلٌّ مِنْ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ أَهْلٌ لِلْوُجُوبِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَإِنْ سَقَطَ عَنْهُمَا وُجُوبُ الْأَدَاءِ بِخِلَافِ مَنْ بَلَغَ أَوْ أَسْلَمَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَوَى الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ) أَيْ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ إذَا طَهُرَتَا فِيهِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ أَصْلًا) أَيْ لَا فَرْضًا وَلَا نَفْلًا شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ: لِلْمُنَافِي إلَخْ) أَيْ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ مَنَافٍ لِصِحَّةِ الصَّوْمِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ فَقْدَهُمَا شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ وَالصَّوْمُ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَتَجَزَّأُ، فَإِذَا وُجِدَ الْمُنَافِي فِي أَوَّلِهِ تَحَقَّقَ حُكْمُهُ فِي بَاقِيهِ، وَإِنَّمَا صَحَّ النَّفَلُ مِمَّنْ بَلَغَ أَوْ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ الصِّبَا غَيْرُ مُنَافٍ أَصْلًا لِلصَّوْمِ، وَالْكُفْرُ وَإِنْ كَانَ مُنَافِيًا لَكِنْ يُمْكِنُ رَفْعُهُ بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَعَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ (قَوْلُهُ: وَيُؤْمَرُ الصَّبِيُّ) أَيْ يَأْمُرُهُ وَلِيُّهُ أَوْ وَصِيُّهُ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْوُجُوبُ وَكَذَا يُنْهَى عَنْ الْمُنْكَرَاتِ لِيَأْلَفَ الْخَيْرَ وَيَتْرُكَ الشَّرَّ، ط (قَوْلُهُ: إذَا أَطَاقَهُ) يُقَالُ أَطَاقَهُ وَطَاقَهُ طَوْقًا إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَالِاسْمُ الطَّاقَةُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ قَالَ ط: وَقُدِّرَ بِسَبْعٍ وَالْمُشَاهَدُ فِي صِبْيَانِ زَمَانِنَا عَدَمُ إطَاقَتِهِمْ الصَّوْمَ فِي هَذَا السِّنِّ. اهـ. قُلْت: يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْجِسْمِ وَاخْتِلَافِ الْوَقْتِ صَيْفًا وَشِتَاءً وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِقَدْرِ الْإِطَاقَةِ إذَا لَمْ يُطِقْ جَمِيعَ الشَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَيُضْرَبُ) أَيْ بِيَدٍ لَا بِخَشَبَةٍ وَلَا يُجَاوِزُ الثَّلَاثَ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي أَحْكَامِ الْأُسْرُوشَنِيِّ الصَّبِيُّ إذَا أَفْسَدَ صَوْمَهُ لَا يَقْضِي؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةٌ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ جَامَعَ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ مَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ وَوُجُوبُهَا مُقَيَّدٌ بِمَا يَأْتِي مِنْ كَوْنِهِ عَمْدًا لَا مُكْرَهًا وَلَمْ يَطْرَأْ مُبِيحٌ لِلْفِطْرِ كَحَيْضٍ وَمَرَضٍ بِغَيْرِ صُنْعِهِ وَبِمَا إذَا نَوَى لَيْلًا (قَوْلُهُ: الْمُكَلَّفُ) خَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لِعَدَمِ خِطَابِهِمَا (قَوْلُهُ: آدَمِيًّا) خَرَجَ الْجِنِّيُّ أَبُو السُّعُودِ وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ بِالْإِنْزَالِ وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِدُونِهِ (قَوْلُهُ: مُشْتَهًى) أَيْ عَلَى الْكَمَالِ فَلَا كَفَّارَةَ بِجِمَاعِ بَهِيمَةٍ أَوْ مَيِّتَةٍ وَلَوْ أَنْزَلَ بَحْرٌ بَلْ وَلَا قَضَاءَ مَا لَمْ يُنْزِلْ كَمَا مَرَّ وَفِي الصَّغِيرَةِ خِلَافٌ وَقِيلَ: لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ الْأَوْجَهُ (قَوْلُهُ: فِي رَمَضَانَ) أَيْ نَهَارًا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُوَاقِعٌ فَنَزَعَ لَمْ يُكَفِّرْ كَمَا لَوْ جَامَعَ نَاسِيًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ بَقِيَ بَعْدَ الطُّلُوعِ كَفَّرَ وَإِنْ بَقِيَ بَعْضُ الذَّكَرِ لَا وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ قُهُسْتَانِيُّ وَقَدَّمْنَاهُ مُفَصَّلًا (قَوْلُهُ: أَدَاءً) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الشَّهْرُ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الصَّوْمَ لِيَشْمَلَ الْقَضَاءَ وَيَحْتَاجُ إلَى إخْرَاجِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِهَتْكِ حُرْمَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَا تَجِبُ بِإِفْسَادِ قَضَائِهِ وَلَا بِإِفْسَادِ صَوْمِ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ جَامَعَ) يَشْمَلُ مَا لَوْ جَامَعَهَا زَوْجُهَا الصَّغِيرُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ وَلِتَصْرِيحِهِمْ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا دُونَهُ أَفَادَهُ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ الرَّجُلُ بِجِمَاعِ الْمُشْتَهَاةِ يُكَفِّرُ كَالْمَرْأَةِ بِالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَفِي الصُّورَتَيْنِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَتَوَارَتْ الْحَشَفَةُ) أَيْ غَابَتْ وَهَذَا بَيَانٌ لِحَقِيقَةِ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِذَلِكَ ط (قَوْلُهُ: فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ) أَيْ الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الدُّبُرِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ بِالِاتِّفَاقِ وَلْوَالِجِيَّةٌ لِتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: أَنْزَلَ أَوْ لَا) فَإِنَّ الْإِنْزَالَ شِبَعٌ وَقَضَاءُ الشَّهْوَةِ يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ وَقَدْ وَجَبَ بِهِ الْحَدُّ وَهُوَ عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ فَالْكَفَّارَةِ الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 مَا يَتَغَذَّى بِهِ (أَوْ دَوَاءً) مَا يُتَدَاوَى بِهِ وَالضَّابِطُ وُصُولُ مَا فِيهِ صَلَاحُ بَدَنِهِ لِجَوْفِهِ وَمِنْهُ رِيقُ حَبِيبِهِ فَيُكَفِّرُ لِوُجُودِ مَعْنَى صَلَاحِ الْبَدَنِ فِيهِ دِرَايَةٌ وَغَيْرُهَا وَمَا نَقَلَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ الْحَدَّادِيِّ رَدَّهُ فِي النَّهْرِ (عَمْدًا) -   [رد المحتار] أَوْلَى بَحْرٌ (قَوْلُهُ مَا يَتَغَذَّى بِهِ) أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ كَالْحِنْطَةِ وَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ، وَإِنَّمَا عَدَّ الْمَاءَ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَغْذُو لِبَسَاطَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُعِينٌ لِلْغِذَاءِ قُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ وَمَا نَقَلَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ) حَيْثُ قَالَ فِي حَاشِيَتِهِ: اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى التَّغَذِّي قَالَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَمِيلَ الطَّبْعُ إلَى أَكْلِهِ وَتَنْقَضِيَ شَهْوَةُ الْبَطْنِ بِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى صَلَاحِ الْبَدَنِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا مَضَغَ لُقْمَةً ثُمَّ أَخْرَجَهَا ثُمَّ ابْتَلَعَهَا فَعَلَى الثَّانِي يُكَفِّرُ لَا عَلَى الْأَوَّلِ وَبِالْعَكْسِ فِي الْحَشِيشَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهَا لِلْبَدَنِ، وَرُبَّمَا تُنْقِصُ عَقْلَهُ وَيَمِيلُ إلَيْهَا الطَّبْعُ وَتَنْقَضِي بِهَا شَهْوَةُ الْبَطْنِ. اهـ. مُلَخَّصًا وَقَالَ فِي النَّهْرِ: إنَّهُ يُعِيدُ عَنْ التَّحْقِيقِ إذْ بِتَقْدِيرِهِ يَكُونُ قَوْلُهُمْ أَوْ دَوَاءٌ حَشْوًا وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ مَعْنَى الْفِطْرِ وُصُولُ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ إلَى الْجَوْفِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ غِذَاءً أَوْ دَوَاءً يُقَابِلُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ هَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ فِي تَحْقِيقِ مَحَلِّ الْخِلَافِ. اهـ. أَقُولُ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي مَعْنَى الْفِطْرِ لَا التَّغَذِّي لَكِنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ وُقُوعِ الْخِلَافِ فِي مَعْنَى التَّغَذِّي وَلَكِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَا فِي مَعْنَى الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِالْفِطْرِ صُورَةً وَمَعْنًى فَفِي الْأَكْلِ الْفِطْرُ صُورَةً هُوَ الِابْتِلَاعُ وَالْمَعْنَى كَوْنُهُ مِمَّا يَصْلُحُ بِهِ الْبَدَنُ مِنْ الْغِذَاءِ أَوْ دَوَاءً، فَلَا تَجِبُ فِي ابْتِلَاعِ نَحْوِ الْحَصَاةِ لِوُجُودِ الصُّورَةِ فَقَطْ، وَلَا فِي نَحْوِ الِاحْتِقَانِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى فَقَطْ كَمَا عَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهَا تَجِبُ بِإِيصَالِ مَا يَقْصِدُ بِهِ التَّغَذِّيَ أَوْ التَّدَاوِيَ إلَى جَوْفِهِ مِنْ الْفَمِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، فَلَا تَجِبُ فِي ابْتِلَاعِ الْجَوْزَةِ أَوْ اللَّوْزَةِ الصَّحِيحَةِ الْيَابِسَةِ لِوُجُودِ الْأَكْلِ صُورَةً لَا مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَادُ أَكْلُهُ فَصَارَ كَالْحَصَاةِ وَالنَّوَاةِ وَلَا فِي أَكْلُ عَجِينٍ أَوْ دَقِيقٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ التَّغَذِّيَ وَالتَّدَاوِيَ وَلَوْ أَكَلَ وَرَقَ شَجَرٍ إنْ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ عَادَةً وَجَبَتْ وَإِلَّا وَجَبَ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَكَذَا لَوْ خَرَجَ الْبُزَاقُ مِنْ فَمِهِ، ثُمَّ ابْتَلَعَهُ وَكَذَا بُزَاقُ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَعَافُ مِنْهُ وَلَوْ بُزَاقُ حَبِيبِهِ أَوْ صَدِيقِهِ وَجَبَتْ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعَافُهُ وَلَوْ أَخْرَجَ لُقْمَةً ثُمَّ أَعَادَهَا قَالَ أَبُو اللَّيْثِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِحَالٍ يَعَافُ مِنْهَا اهـ مُلَخَّصًا. وَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِمَا يَتَغَذَّى بِهِ مَا يَكُونُ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ بِأَنْ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ عَادَةً عَلَى قَصْدِ التَّغَذِّي أَوْ التَّدَاوِي أَوْ التَّلَذُّذِ فَالْعَجِينُ وَالدَّقِيقُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ وَالْغِذَاءُ لَكِنَّهُ لَا يُقْصَدُ لِذَلِكَ وَاللُّقْمَةُ الْمُخْرَجَةُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لِعِيَافَتِهَا خَرَجَتْ عَنْ الصَّلَاحِيَّةِ حُكْمًا كَمَا قَالُوا فِيمَا لَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَعَادَ بِنَفْسِهِ لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُتَغَذَّى بِهِ عَادَةً لِعِيَافَتِهِ بِخِلَافِ رِيقِ الْحَبِيبِ؛ لِأَنَّهُ يَتَلَذَّذُ بِهِ كَمَا قَالَ فِي أَوَاخِرِ الْكَنْزِ فَصَارَ مُلْحَقًا بِمَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ وَمِثْلُهُ الْحَشِيشَةُ الْمُسْكِرَةُ وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا أَيْضًا مَا فِي الْمُحِيطِ حَيْثُ ذُكِرَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ مَتَى أَفْطَرَ بِمَا يُتَغَذَّى بِهِ؛ لِأَنَّهَا لِلزَّجْرِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ لِلزَّجْرِ عَمَّا يُؤْكَلُ عَادَةً بِخِلَافِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْهُ ثَابِتٌ طَبِيعَةً كَشُرْبِ الْخَمْرِ يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى الزَّجْرِ بِخِلَافِ شُرْبِ الْبَوْلِ وَالدَّمِ، ثُمَّ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ عَادَةً مَقْصُودًا أَوْ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فَهُوَ مِمَّا يُتَغَذَّى بِهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَمُلْحَقٌ بِمَا لَا يُتَغَذَّى بِهِ وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ مُغَذِّيًا وَالدَّوَاءُ مُلْحَقٌ بِمَا يُتَغَذَّى بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ صَلَاحِ الْبَدَنِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْفُرُوعَ إلَى أَنْ قَالَ فِي اللُّقْمَةِ وَإِنْ أَخْرَجَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا فَلَا كَفَّارَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِحَالٍ تُسْتَقْذَرُ وَيُعَافُ مِنْهَا فَدَخَلَ الْقُصُورُ فِي مَعْنَى الْغِذَاءِ اهـ مُلَخَّصًا. وَلَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِأَكْلِ اللَّحْمِ النِّيئِ وَلَوْ مِنْ مَيْتَةٍ إلَّا إذَا أَنْتَنَ وَدَوَّدَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا مَعَ أَنَّهُ أَشَدُّ عِيَافَةً مِنْ اللُّقْمَةِ الْمُخْرَجَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ اللَّحْمُ فِي ذَاتِهِ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ التَّغَذِّي وَصَلَاحُ الْبَدَنِ بِخِلَافِ اللُّقْمَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْعَجِينِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا دَوَّدَ؛ لِأَنَّهُ يُؤْذِي الْبَدَنَ، فَلَا يَحْصُلُ بِهِ صَلَاحُهُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَحْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: عَمْدًا) خَرَجَ الْمُخْطِئُ وَالْمُكْرَهُ بَحْرٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 رَاجِعٌ لِلْكُلِّ (أَوْ احْتَجَمَ) أَيْ فَعَلَ مَا لَا يَظُنُّ الْفِطْرَ بِهِ كَفَصْدٍ وَكُحْلٍ وَلَمْسٍ وَجِمَاعِ بَهِيمَةٍ بِلَا إنْزَالٍ أَوْ إدْخَالِ أُصْبُعٍ فِي دُبُرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (فَظَنَّ فِطْرَهُ بِهِ فَأَكَلَ عَمْدًا قَضَى) فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا (وَكَفَّرَ) لِأَنَّهُ ظَنَّ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ حَتَّى لَوْ أَفْتَاهُ مُفْتٍ يُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ سَمِعَ حَدِيثًا وَلَمْ يَعْلَمْ تَأْوِيلَهُ لَمْ يُكَفِّرْ لِلشُّبْهَةِ وَإِنْ أَخْطَأَ الْمُفْتِي وَلَمْ يَثْبُتُ الْأَثَرُ إلَّا فِي الْأَدْهَانِ -   [رد المحتار] قُلْت: وَكَذَا النَّاسِي؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ تَعَمُّدُ الْإِفْطَارِ وَالنَّاسِي وَإِنْ تَعَمَّدَ اسْتِعْمَالَ الْمُفَطِّرِ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْإِفْطَارَ (قَوْلُهُ: رَاجِعٌ لِلْكُلِّ) أَيْ كُلِّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْجِمَاعِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. (قَوْلُهُ: أَيْ فَعَلَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ قَاصِرًا عَلَى الْحِجَامَةِ ط وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ فَعَلَ مَا يَظُنُّ الْفِطْرَ بِهِ كَمَا لَوْ أَكَلَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا أَوْ احْتَلَمَ أَوْ أَنْزَلَ بِنَظَرٍ أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا فَلَا كَفَّارَةَ لِلشُّبْهَةِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: بِلَا إنْزَالٍ) أَمَّا لَوْ أَنْزَلَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِأَكْلِهِ عَمْدًا؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ وَهُوَ مُفْطِرٌ ط (قَوْلُهُ: أَوْ إدْخَالِ أُصْبُعٍ) أَيْ يَابِسَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ ح فَلَوْ مُبْتَلَّةً فَلَا كَفَّارَةَ لِأَكْلِهِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْإِفْطَارِ بِالْبِلَّةِ ط (قَوْلُهُ: وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَأَكْلِهِ بَعْدَ قُبْلَةٍ بِشَهْوَةٍ أَوْ مُضَاجَعَةٍ وَمُبَاشَرَةٍ فَاحِشَةٍ بِلَا إنْزَالٍ إمْدَادٌ (قَوْلُهُ: فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا) أَيْ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ جَامَعَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَكَفَّرَ) تَرَكَ بَيَانَ وَقْتِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ إشْعَارًا بِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ كَمَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ وَقِيلَ بَيْنَ رَمَضَانَيْنِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ، وَكَذَا لَا يُكْرَهُ نَفْلُهُ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْقَضَاءَ إشْعَارًا بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى الْكَفَّارَةِ وَيُسْتَحَبُّ التَّتَابُعُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ أَوْ احْتَجَمَ إلَخْ (قَوْلُهُ: حَتَّى إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ ظَنٌّ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ أَيْ فَلَوْ كَانَ الظَّنُّ فِي مَحَلِّهِ فَلَا كَفَّارَةَ حَتَّى لَوْ أَفْتَاهُ إلَخْ ط (قَوْلُهُ: يُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِهِ) كَحَنْبَلِيٍّ يَرَى الْحِجَامَةَ مُفْطِرَةً إمْدَادٌ قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّ الْعَامِّيَّ يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ الْعَالِمِ إذَا كَانَ يَعْتَمِدُ عَلَى فَتْوَاهُ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَذْهَبَ الْعَامِّيِّ فَتْوَى مُفْتِيه مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَذْهَبٍ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْعَامِّيِّ فَتْوَى مُفْتِيه، وَفِي النِّهَايَةِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُفْتِي مِمَّنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْفِقْهُ وَيُعْتَمَدُ عَلَى فَتْوَاهُ فِي الْبَلْدَةِ وَحِينَئِذٍ تَصِيرُ فَتْوَاهُ شُبْهَةً وَلَا مُعْتَبَرَ بِغَيْرِهِ. اهـ. وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ " يُعْتَمَدُ " مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ فَلَا يَكْفِي اعْتِمَادُ الْمُسْتَفْتِي وَحْدَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَوْ سَمِعَ حَدِيثًا) كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْوَى مِنْ قَوْلِ الْمُفْتِي فَأَوْلَى أَنْ يُورِثَ شُبْهَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ عَلَى الْعَامِّيِّ الِاقْتِدَاءَ بِالْفُقَهَاءِ لِعَدَمِ الِاهْتِدَاءِ فِي حَقِّهِ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحَادِيثِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَعْلَمْ تَأْوِيلَهُ) . أَمَّا إنْ عَلِمَ تَأْوِيلَهُ ثُمَّ أَكَلَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ وَقَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ يُفْطِرُ لَا يُورِثُ شُبْهَةً لِمُخَالَفَتِهِ الْقِيَاسَ مَعَ فَرْضِ عِلْمِ الْآكِلِ كَوْنُ الْحَدِيثِ مُؤَوَّلًا ثُمَّ تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ أَنَّ اللَّذَيْنِ قَالَ فِيهِمَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ كَانَا يَغْتَابَانِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَعَلَى الثَّانِي فَالْمُرَادُ ذَهَابُ الثَّوَابِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَثْبُتْ الْأَثَرُ) عُطِفَ عَلَى أَخْطَأَ الْمُفْتِي أَيْ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْأَثَرُ. اهـ. ح وَالْمُرَادُ غَيْرُ حَدِيثِ الْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ صَحِيحٌ. وَأَمَّا أَحَادِيثُ فِطْرِ الْمُغْتَابِ فَكُلُّهَا مَدْخُولَةٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَفِيهِ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَلَوْ لَمَسَ أَوْ قَبَّلَ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ أَوْ ضَاجَعَهَا وَلَمْ يُنْزِلْ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إلَّا إذَا تَأَوَّلَ حَدِيثًا أَوْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَخْطَأَ الْفَقِيهُ وَلَمْ يَثْبُتْ الْحَدِيثُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْفَتْوَى وَالْحَدِيثُ يُعْتَبَرُ شُبْهَةً اهـ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْأَدْهَانِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يُكَفِّرْ يَعْنِي أَنَّهُ إنْ ادَّهَنَ ثُمَّ أَكَلَ كَفَّرَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَمِّدٌ؛ وَلَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 وَكَذَا الْغِيبَةُ عِنْدَ الْعَامَّةِ زَيْلَعِيٌّ لَكِنْ جَعَلَهَا فِي الْمُلْتَقَى كَالْحِجَامَةِ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ لِلشُّبْهَةِ (كَكَفَّارَةِ الْمُظَاهِرِ) الثَّابِتَةِ بِالْكِتَابِ، وَأَمَّا هَذِهِ فَبِالسُّنَّةِ وَمِنْ ثَمَّ شَبَّهُوهَا بِهَا ثُمَّ إنَّمَا يُكَفِّرُ -   [رد المحتار] يَسْتَنِدْ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِفَتْوَى الْفَقِيهِ أَوْ بِتَأْوِيلِهِ الْحَدِيثَ هُنَا؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُشْتَبَهُ عَلَى مَنْ لَهُ شِمَّةٌ مِنْ الْفِقْهِ نَقَلَهُ الْكَمَالُ عَنْ الْبَدَائِعِ، لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ الَّذِي اكْتَحَلَ أَوْ دَهَنَ نَفْسَهُ أَوْ شَارِبَهُ ثُمَّ أَكَلَ مُتَعَمِّدًا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إلَّا إذَا كَانَ جَاهِلًا فَأُفْتِيَ لَهُ بِالْفِطْرِ. اهـ. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُنَا إلَّا إذَا أَفْتَاهُ فَقِيهٌ شَامِلًا لِمَسْأَلَةِ دَهْنِ الشَّارِبِ اهـ وَهُوَ كَمَا تَرَى مُرَجَّحٌ لِعَدَمِ الِاسْتِئْنَاءِ فَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ تَرْكُهُ ح. قُلْت: لَكِنَّ مَا نَذْكُرُهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا فِي الْغِيبَةِ يُؤَيِّدُ مَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْغِيبَةُ) ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ بِهِ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ وَالْحَدِيثَ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ تُفْطِرُ الصَّائِمَ» مُؤَوَّلٌ بِالْإِجْمَاعِ بِذَهَابِ الثَّوَابِ بِخِلَافِ حَدِيثِ الْحِجَامَةِ، فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ مِثْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ إمْدَادٌ وَلَمْ يَعْتَدَّ بِخِلَافِ الظَّاهِرِيَّةِ فِي الْغِيبَةِ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ بَعْدَمَا مَضَى السَّلَفُ عَلَى تَأْوِيلِهِ بِمَا قُلْنَا فَتْحٌ وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا وَالْحِجَامَةُ سَوَاءٌ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ قَالُوا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَقَالُوا: أَرَادَ بِهِ ثَوَابَ الْآخِرَةِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا قَوْلٌ مُعْتَبَرٌ فَهَذَا ظَنٌّ. مَا اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ فَلَا يُورِثُ شُبْهَةً اهـ وَنَحْوُهُ فِي السِّرَاجِ وَكَذَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ أَيْضًا وَشُرُوحِهَا قَالَ الرَّحْمَتِيُّ وَإِذَا لَمْ يَعُدَّ الْحَدِيثَ وَالْفَتْوَى شُبْهَةً فِي الْغِيبَةِ فَعَدُّ دَهْنُ الشَّارِبِ أَوْلَى. اهـ. قُلْت: وَلِذَا سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَكَذَا فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ: لِلشُّبْهَةِ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا خَالَفَ الْإِجْمَاعَ لَا يُورِثُ شُبْهَةً وَالْعَمَلُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. مَطْلَبٌ فِي الْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ: كَكَفَّارَةِ الْمُظَاهِرِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَكَفَّرَ أَيْ مِثْلُهَا فِي التَّرْتِيبِ فَيَعْتِقُ أَوَّلًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا لِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الْمَعْرُوفِ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ فَلَوْ أَفْطَرَ وَلَوْ لِعُذْرٍ اسْتَأْنَفَ إلَّا لِعُذْرِ الْحَيْضِ وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ يُشْتَرَطُ فِي صَوْمِهَا التَّتَابُعُ أَيْضًا وَهَكَذَا كُلُّ كَفَّارَةٍ شُرِعَ فِيهَا الْعِتْقُ نَهْرٌ، وَتَمَامُ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَحْرِ وَفِيهِ أَيْضًا وَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالسُّلْطَانُ وَغَيْرِهِ، وَلِهَذَا صَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِالْوُجُوبِ عَلَى الْجَارِيَةِ فِيمَا لَوْ أَخْبَرَتْ سَيِّدَهَا بِعَدَمِ طُلُوعِ الْفَجْرِ عَالِمَةً بِطُلُوعِهِ فَجَامَعَهَا مَعَ عَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَبِأَنَّهُ إذَا لَزِمَتْ السُّلْطَانَ، وَهُوَ مُوسِرٌ بِمَالِهِ الْحَلَالِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَبِعَةٌ لِأَحَدٍ يُفْتَى بِإِعْتَاقِ الرَّقَبَةِ وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ: يُفْتَى بِصِيَامِ شَهْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكَفَّارَةِ الِانْزِجَارُ وَيَسْهُلُ عَلَيْهِ إفْطَارُ شَهْرٍ وَإِعْتَاقُ رَقَبَةٍ فَلَا يُجْعَلُ الزَّجْرُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ أَجْلِ ثُبُوتِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِالْكِتَابِ وَثُبُوتِ كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ بِالسُّنَّةِ، شَبَّهُوا الثَّانِيَةَ لِكَوْنِهَا أَدْنَى حَالًا بِالْأُولَى لِقُوَّتِهَا بِثُبُوتِهَا بِالْكِتَابِ ط وَمُقْتَضَاهُ الْإِكْفَارُ بِإِنْكَارِهَا دُونَ الْأُولَى يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ فِي الْفَتْحِ ذُكِرَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ. [تَنْبِيهٌ] فِي التَّشْبِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهَا مِثْلَهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّ الْمَسِيسَ فِي أَثْنَائِهَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ مُطْلَقًا عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لِلْآيَةِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الصَّوْمِ وَالْقَتْلِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُهُ فِيهِمَا إلَّا الْفِطْرُ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَتَأَمَّلْ، فَقَدْ زَلَّتْ بَعْضُ الْأَقْدَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ رَمْلِيٌّ وَنَحْوُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَأَرَادَ بِغَيْرِ الْعُذْرِ مَا سِوَى الْحَيْضِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 إنْ نَوَى لَيْلًا، وَلَمْ يَكُنْ مُكْرَهًا وَلَمْ يَطْرَأْ مُسْقِطٌ كَمَرَضٍ وَحَيْضٍ، وَاخْتَلَفَ فِيمَا لَوْ مَرِضَ بِجُرْحِ نَفْسِهِ أَوْ سُوفِرَ بِهِ مَكْرُوهًا وَالْمُعْتَمَدُ لُزُومُهَا وَفِي الْمُعْتَادِ حُمَّى وَحَيْضًا وَالْمُتَيَقِّنِ قِتَالَ عَدُوٍّ لَوْ أَفْطَرَ، وَلَمْ يَحْصُلْ الْعُذْرُ وَالْمُعْتَمَدُ سُقُوطُهَا وَلَوْ تَكَرَّرَ فِطْرُهُ وَلَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ يَكْفِيه وَاحِدَةٌ وَلَوْ فِي رَمَضَانَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ بَزَّازِيَّةٌ وَمُجْتَبَى وَغَيْرُهُمَا وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ لِلْفَتْوَى أَنَّ الْفِطْرَ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ تَدَاخَلَ وَإِلَّا لَا وَلَوْ أَكَلَ عَمْدًا شُهْرَةً بِلَا عُذْرٍ يُقْتَلُ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ.   [رد المحتار] وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ هُنَا الْوَطْءُ لَيْلًا عَمْدًا أَوْ نَهَارًا نَاسِيًا بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ (قَوْلُهُ: إنْ نَوَى لَيْلًا) أَيْ بِنِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لِمَا مَرَّ مِنْ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فِيهِمَا فَكَانَ شُبْهَةً لِسُقُوطِ الْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ مُكْرَهًا) أَيْ وَلَوْ عَلَى الْجِمَاعِ كَمَا مَرَّ وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُكْرِهَةَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ خِلَافًا لِمَا فِي الِاخْتِيَارِ مِنْ وُجُوبِهَا عَلَيْهِمَا لَوْ لِإِكْرَاهٍ مِنْهَا كَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَطْرَأْ) أَيْ بَعْدَ إفْطَارِهِ عَمْدًا مُقِيمًا نَاوِيًا لَيْلًا فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ لَوْلَا الْمُسْقِطُ (قَوْلُهُ: مُسْقِطٌ) أَيْ سَمَاوِيٌّ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ وَلَا فِي سَبَبِهِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: كَمَرَضٍ) أَيْ مُبِيحٍ لِلْإِفْطَارِ (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ لُزُومُهَا) أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ عَبْدٍ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: عَدَمُ سُقُوطِهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ لَازِمَةً وَالْخِلَافُ فِي سُقُوطِهَا وَقَيَّدَ بِالسَّفَرِ مُكْرَهًا إذْ لَوْ سَافَرَ طَائِعًا بَعْدَمَا أَفْطَرَ اتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَلَى عَدَمِ سُقُوطِهَا. أَمَّا لَوْ أَفْطَرَ بَعْدَ مَا سَافَرَ لَمْ تَجِبْ نَهْرٌ أَيْ وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ لَوْ سَافَرَ بَعْدَ الْفَجْرِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُعْتَادِ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا وَهُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ فِيهِ ضَمِيرٌ هُوَ نَائِبُ الْفَاعِلِ عَائِدٌ عَلَى الْمَوْصُوفِ: أَيْ الشَّخْصِ الْمُعْتَادِ وَحُمَّى بِغَيْرِ تَنْوِينٍ مَفْعُولٌ بِهِ مَنْصُوبٌ بِفَتْحَةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى أَلْفِ التَّأْنِيثِ الْمَقْصُورَةِ وَحَيْضًا مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ أَيْ وَاخْتَلَفَ فِي الشَّخْصِ الَّذِي اعْتَادَ حُمَّى وَحَيْضًا وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَحَيْضٌ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ أَوْ مَجْرُورٌ لَكِنَّ الْجَرَّ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ إضَافَةَ الْوَصْفِ الْمُفْرَدِ إلَى مَعْمُولِهِ الْمُجَرَّدِ مِنْ أَلْ لَا تَجُوزُ وَأَمَّا الرَّفْعُ فَعَلَى إسْنَادِ الْمُعْتَادِ إلَى الْحُمَّى وَالْحَيْضِ أَيْ الَّذِي اعْتَادَهُ حُمَّى وَحَيْضٌ وَالْأَصْوَبُ النَّصْبُ وَقَوْلُهُ: وَالْمُتَيَقِّنِ اسْمُ فَاعِلٍ مَجْرُورٌ بِالْعَطْفِ عَلَى مُعْتَادٍ وَقِتَالَ مَفْعُولٌ (قَوْلُهُ: لَوْ أَفْطَرَ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْمُعْتَادِ وَالْمُتَيَقِّنِ (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ سُقُوطُهَا) كَذَا صَحَّحَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَاضِي خَانَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي الْمُعْتَادِ حُمَّى وَحَيْضًا وَشَبَّهَهُ بِمَنْ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ الْغُرُوبِ، ثُمَّ ظَهَرَ عَدَمُهُ وَعَلَيْهِ مَشَى الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا أَفْطَرَتْ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَوْمُ حَيْضِهَا فَلَمْ تَحِضْ الْأَظْهَرُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ كَمَا لَوْ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَوْمُ مَرَضِهِ. اهـ. وَكَتَبْت فِيمَا عَلَّقْته عَلَيْهِ جَعْلُ الثَّانِيَةِ مُشَبَّهًا بِهَا؛ لِأَنَّهَا بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحَيْضِ فَإِنَّ فِيهَا اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة. اهـ. وَلِذَا جَزَمَ بِالْوُجُوبِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي السِّرَاجِ وَالْفَيْضِ. وَالْحَاصِلُ: اخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ فِيهِمَا وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ خِلَافًا فِي سُقُوطِهَا عَمَّنْ تَيَقَّنَ قِتَالَ عَدُوٍّ وَالْفَرْقُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ الْقِتَالَ يَحْتَاجُ إلَى تَقَدُّمِ الْإِفْطَارِ لِيَتَقَوَّى بِخِلَافِ الْمَرَضِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ) أَمَّا لَوْ كَفَّرَ فَعَلَيْهِ أُخْرَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الزَّجْرَ لَمْ يَحْصُلْ بِالْأُولَى بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَسْرَارِ وَنَقَلَ قَبْلَهُ عَنْ الْجَوْهَرَةِ لَوْ جَامَعَ فِي رَمَضَانَيْنِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأُولَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. قُلْت: فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ كَمَا تَرَى وَيَتَقَوَّى الثَّانِي بِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ: إنْ الْفِطْرُ) إنْ شَرْطِيَّةٌ ح (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْفِطْرُ الْمُتَكَرِّرُ فِي يَوْمَيْنِ بِجِمَاعٍ لَا تَتَدَاخَلُ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ لِعِظَمِ الْجِنَايَةِ وَلِذَا أَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ الْكَفَّارَةَ بِهِ دُونَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ (قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ) قَالَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ: وَلَوْ أَكَلَ الْإِنْسَانُ عَمْدًا وَشُهْرَةً ... وَلَا عُذْرَ فِيهِ قِيلَ بِالْقَتْلِ يُؤْمَرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 (وَإِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَخَرَجَ) وَلَمْ يَعُدْ (لَا يُفْطِرُ مُطْلَقًا) مَلَأَ أَوْ لَا (فَإِنْ عَادَ) بِلَا صُنْعِهِ (وَ) لَوْ (هُوَ مِلْءُ الْفَمِ مَعَ تَذَكُّرِهِ لِلصَّوْمِ لَا يَفْسُدُ) خِلَافًا لِلثَّانِي (وَإِنْ أَعَادَهُ) أَوْ قَدْرُ حِمَّصَةٍ مِنْهُ فَأَكْثَرَ حَدَّادِيٌّ (أَفْطَرَ إجْمَاعًا) وَلَا كَفَّارَةَ (إنْ مَلَأَ الْفَمَ وَإِلَّا لَا) هُوَ الْمُخْتَارُ (وَإِنْ اسْتِقَاءٌ) أَيْ طَلَبَ الْقَيْءَ (عَامِدًا) أَيْ مُتَذَكِّرًا لِصَوْمٍ (إنْ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ فَسَدَ بِالْإِجْمَاعِ)   [رد المحتار] قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ صُورَتُهَا: تَعَمُّدُ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ الْأَكْلَ جِهَارًا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَهْزِئٌ بِالدِّينِ أَوْ مُنْكِرٌ لِمَا ثَبَتَ مِنْهُ بِالضَّرُورَةِ وَلَا خِلَافَ فِي حِلِّ قَتْلِهِ وَالْأَمْرِ بِهِ فَتَعْبِيرُ الْمُؤَلِّفِ بِيُقْتَلُ لَيْسَ بِلَازِمِ الضَّعْفِ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: وَإِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ) أَيْ غَلَبَهُ وَسَبَقَهُ قَامُوسٌ وَالْمَسْأَلَةُ تَتَفَرَّعُ إلَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ صُورَةً؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَقِيءَ أَوْ يَسْتَقِئَ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَمْلَأَ الْفَمَ أَوْ دُونَهُ، وَكُلٌّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ إمَّا إنْ خَرَجَ أَوْ عَادَ أَوْ أَعَادَهُ وَكُلٌّ إمَّا ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ أَوْ لَا وَلَا فِطْرَ فِي الْكُلِّ عَلَى الْأَصَحِّ إلَّا فِي الْإِعَادَةِ وَالِاسْتِقَاءِ بِشَرْطِ الْمِلْءِ مَعَ التَّذَكُّرِ شَرْحُ الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ: وَلَوْ هُوَ مِلْءُ الْفَمِ) أَتَى بِلَوْ مَعَ أَنَّ مَا دُونَ مِلْءِ الْفَمِ مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى لِأَجْلِ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ فَافْهَمْ وَأَطْلَقَ لَوْ مِلْءَ الْفَمِ فَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ مُتَفَرِّقًا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ بِحَيْثُ لَوْ جَمَعَ مِلْءَ الْفَمِ كَمَا فِي السِّرَاجِ. (قَوْلُهُ: لَا يُفْسِدُ) أَيْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِعَدَمِ وُجُودِ الصُّنْعِ وَلِعَدَمِ وُجُودِ صُورَةِ الْفِطْرِ، وَهُوَ الِابْتِلَاعُ وَكَذَا مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَذَّى بِهِ بَلْ النَّفْسُ تَعَافُهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَعَادَهُ) أَيْ أَعَادَ مَا قَاءَهُ الَّذِي هُوَ مِلْءُ الْفَمِ (قَوْلُهُ: أَوْ قَدْرُ حِمَّصَةٍ مِنْهُ فَأَكْثَرَ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ إعَادَةِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ إذَا كَانَ أَصْلُهُ مِلْءَ الْفَمِ قَالَ الْحَدَّادِيُّ فِي السِّرَاجِ مَبْنَى الْخِلَافِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَعْتَبِرُ مِلْءَ الْفَمِ وَمُحَمَّدًا يَعْتَبِرُ الصُّنْعَ ثُمَّ مِلْءَ الْفَمِ لَهُ حُكْمُ الْخَارِجِ وَمَا دُونَهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ. وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ وَعَادَ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ لَمْ يُفْطِرْ إجْمَاعًا أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ الْمِلْءِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا صُنْعَ لَهُ فِي الْإِدْخَالِ وَالثَّانِيَةُ: إنْ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ وَأَعَادَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ فَصَاعِدًا أَفْطَرَ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ أَدْخَلَهُ جَوْفَهُ وَلِوُجُودِ الصُّنْعِ، وَالثَّالِثَةُ: إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ وَأَعَادَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ أَفْطَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلصُّنْعِ لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ الْمِلْءِ، وَالرَّابِعَةُ: إذَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ وَعَادَ بِنَفْسِهِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ كَالْحِمَّصَةِ فَصَاعِدًا أَفْطَرَ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ أَدْخَلَهُ جَوْفَهُ وَلِوُجُودِ الصُّنْعِ وَالثَّالِثَةُ إذْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ وَأَعَادَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ أَفْطَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلصُّنْعِ لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ مِلْءٍ. وَالرَّابِعَةُ: إذَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ وَعَادَ بِنَفْسِهِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ كَالْحِمَّصَةِ فَصَاعِدًا أَفْطَرَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِوُجُودِ الْمِلْءِ لَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِعَدَمِ الصُّنْعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ فَمَسْأَلَتُنَا الْإِعَادَةُ وَهُمَا الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ أَوْ لَا هُمَا إجْمَاعِيَّةٌ وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ أَعَادَهُ إلَخْ وَالْأُخْرَى خِلَافِيَّةٌ وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا لَا وَلَا فَرْقَ فِيهِمَا بَيْنَ إعَادَةِ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: إنْ مَلَأَ الْفَمَ) قَيْدٌ لِإِفْطَارِهِ إجْمَاعًا بِالْإِعَادَةِ لِكُلِّهِ أَوْ لِقَدْرِ حِمَّصَةٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَمْلَأْ الْقَيْءُ الْفَمَ وَأَعَادَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَلَا يُنَافِي مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَعَادَ قَدْرَ حِمَّصَةٍ مِنْهُ أَفْطَرَ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَيْءُ مِلْءَ الْفَمِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّ الْفَمَ لَا يَنْضَبِطُ عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ فِي حُكْمِ الْخَارِجِ لَا فَرْقَ بَيْنَ إعَادَةِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ بِصُنْعِهِ بِخِلَافِ مَا دُونَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الدَّاخِلِ، فَلَا يَفْسُدُ إلَّا إذَا أَعَادَهُ وَلَوْ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ مِنْهُ بِصُنْعِهِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ صَوَابٌ لَا خَطَأَ فِيهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: هُوَ الْمُخْتَارُ) وَفِي الْخَانِيَّةِ: هُوَ الصَّحِيحُ وَصَحَّحَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ: أَيْ مُتَذَكِّرًا لِصَوْمِهِ) أَشَارَ بِهِ إلَى الرَّدِّ عَلَى صَاحِبِ غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ: إنَّ ذِكْرَ الْعَمْدِ مَعَ الِاسْتِقَاءِ تَأْكِيدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْعَمْدِ. وَحَاصِلُ الرَّدِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمْدِ تَذَكُّرُ الصَّوْمِ لَا تَعَمُّدُ الْقَيْءِ فَهُوَ مَخْرَجٌ لِمَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ نَاسِيًا فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ ط. وَحَاصِلُهُ أَنَّ ذِكْرَ الْعَمْدِ لِبَيَانِ تَعَمُّدِ الْفِطْرِ بِكَوْنِهِ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ وَالِاسْتِقَاءُ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ بَلْ يُفِيدُ تَعَمُّدَ الْقَيْءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 مُطْلَقًا (وَإِنْ أَقَلَّ لَا) عِنْدَ الثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ، لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ يَفْسُدُ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْكَافِي (فَإِنْ عَادَ بِنَفْسِهِ لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ أَعَادَهُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) أَصَحُّهُمَا لَا يُفْسِدُ مُحِيطٌ (وَهَذَا) كُلُّهُ (فِي قَيْءِ طَعَامٍ أَوْ مَاءٍ أَوْ مِرَّةٍ) أَوْ دَمٍ (فَإِنْ كَانَ بَلْغَمًا فَغَيْرُ مُفْسِدٍ) مُطْلَقًا خِلَافًا لِلثَّانِي وَاسْتَحْسَنَهُ الْكَمَالُ وَغَيْرُهُ. (وَلَوْ أَكَلَ لَحْمًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ) إنْ (مِثْلَ حِمَّصَةٍ) فَأَكْثَرَ (قَضَى فَقَطْ وَفِي أَقَلَّ مِنْهَا لَا) يُفْطِرُ (إلَّا إذَا أَخْرَجَهُ) مِنْ فَمِهِ (فَأَكَلَهُ) وَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ (وَأَكَلَ مِثْلَ سِمْسِمَةٍ) مِنْ خَارِجٍ (يُفْطِرُ) وَيُكَفِّرُ فِي الْأَصَحِّ (إلَّا إذَا مَضَغَ بِحَيْثُ تَلَاشَتْ فِي فَمِهِ) إلَّا أَنْ يَجِدَ الطَّعْمَ فِي حَلْقِهِ كَمَا مَرَّ وَاسْتَحْسَنَهُ الْكَمَالُ قَائِلًا   [رد المحتار] قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ عَادَ أَوْ أَعَادَهُ أَوْ لَا وَلَا ح. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَفَرُّعُ الْعَوْدِ وَالْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ بِمُجَرَّدِ الْقَيْءِ قَبْلَهُمَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَقَلَّ لَا) أَيْ إنْ لَمْ يَعُدْ وَلَمْ يُعِدْهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَإِنْ عَادَ بِنَفْسِهِ إلَخْ ح (قَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ) قَالَ فِي الْفَتْحِ صَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ أَيْ الزَّيْلَعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ: لَمْ يُفْطِرْ) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ، فَلَا يَتَحَقَّقُ الدُّخُولُ فَتْحٌ أَيْ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ مِلْءِ الْفَمِ لَيْسَ فِي حُكْمِ الْخَارِجِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) أَيْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ لِمَا مَرَّ. [تَنْبِيهٌ] لَوْ اسْتِقَاءَ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ مِلْءَ فَمِهِ أَفْطَرَ لَا إنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ أَوْ غَدْوَةٍ ثُمَّ نِصْفِ النَّهَارِ ثُمَّ عَشِيَّةٍ كَذَا فِي الْخِزَانَةِ؛ وَتَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا يَعْتَبِرُ اتِّحَادَ السَّبَبِ لَا الْمَجْلِسِ لَكِنْ لَا يَتَأَتَّى هَذَا عَلَى قَوْلِهِ هُنَا خِلَافًا لِمَا فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّهُ يُفْطِرُ عِنْدَهُ بِمَا دُونَ مِلْءِ الْفَمِ فَمَا فِي الْخِزَانَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا كُلُّهُ) أَيْ التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ ط (قَوْلُهُ: أَوْ مِرَّةً) بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ وَهِيَ الصَّفْرَاءُ أَحَدُ الطَّبَائِعِ كَمَا مَرَّ فِي الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ دَمٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجَامِدُ، وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَارِجِ مِنْ الْأَسْنَانِ إذَا بَلَعَهُ حَيْثُ يُفْطِرُ لَوْ غَلَبَ عَلَى الْبُزَاقِ أَوْ سَاوَاهُ أَوْ وَجَدَ طَعْمَهُ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ بَلْغَمًا) أَيْ صَاعِدًا مِنْ الْجَوْفِ، أَمَّا إذَا كَانَ نَازِلًا مِنْ الرَّأْسِ، فَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ إفْسَادِهِ الصَّوْمَ كَمَا لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ نَقْضِهِ الطَّهَارَةَ كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ سَوَاءٌ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ أَوْ دُونَهُ؛ وَسَوَاءٌ عَادَ أَوْ أَعَادَهُ أَوْ لَا وَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ هَذَا الْإِطْلَاقِ وَبِصِحَّةِ قِيَاسِهِ عَلَى الطَّهَارَةِ فَلْيُرَاجَعْ ح (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ قَاءَ وَاسْتِقَاءَ وَسَوَاءٌ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ أَوْ دُونَهُ وَسَوَاءٌ عَادَ أَوْ أَعَادَهُ أَوْ لَا وَلَا وَفِي هَذَا الْإِطْلَاقِ أَيْضًا تَأَمَّلْ ح (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلثَّانِي) فَإِنَّهُ قَالَ إنْ اسْتِقَاءَ مِلْءَ الْفَمِ فَسَدَ ح (قَوْلُهُ: وَاسْتَحْسَنَهُ الْكَمَالُ) حَيْثُ قَالَ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ هُنَا أَحْسَنُ، وَقَوْلُهُمَا بِعَدَمِ النَّقْضِ بِهِ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ إنَّمَا نِيطَ بِمَا يَدْخُلُ أَوْ بِالْقَيْءِ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى طَهَارَةٍ وَنَجَاسَةٍ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَلْغَمِ وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ والشُّرُنبُلالِيَّة وَهُوَ مُرَادُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ: وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا أَقَرُّوهُ فَقَدْ اسْتَحْسَنُوهُ، وَقَوْلُ ابْنِ الْهُمَامِ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ إنَّمَا نِيطَ بِمَا يَدْخُلُ أَوْ بِالْقَيْءِ عَمْدًا إلَخْ يُؤَيِّدُ النَّظَرَ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي إطْلَاقِ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَإِطْلَاقِ الشَّارِحِ فَلْيُتَأَمَّلْ بَعْدَ الْإِحَاطَةِ بِتَعْلِيلِ الْهِدَايَةِ ح. (قَوْلُهُ: إنْ مِثْلَ حِمَّصَةٍ) هَذَا مَا اخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَاخْتَارَ الدَّبُوسِيُّ تَقْدِيرَهُ بِمَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْتَلِعَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِعَانَةٍ بِرِيقٍ وَاسْتَحْسَنَهُ الْكَمَالُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْإِفْطَارِ مَا لَا يَسْهُلُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَذَلِكَ فِيمَا يَجْرِي بِنَفْسِهِ مَعَ الرِّيقِ لَا فِيمَا يُتَعَمَّدُ فِي إدْخَالِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ) فَهُوَ كَاللُّقْمَةِ الْمُخْرَجَةِ وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَمَالِ أَنَّ التَّحْقِيقَ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ مِمَّنْ يَعَافُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا مَضَغَ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهَا تَلْتَصِقُ بِأَسْنَانِهِ فَلَا يَصِلُ إلَى جَوْفِهِ شَيْءٌ وَيَصِيرُ تَابِعًا لِرِيقِهِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ خَرَجَ دَمٌ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 وَهُوَ الْأَصْلُ فِي كُلِّ قَلِيلٍ مَضَغَهُ (وَكُرِهَ) لَهُ (ذَوْقُ شَيْءٍ وَ) كَذَا (مَضْغُهُ بِلَا عُذْرٍ) قَيْدٌ فِيهِمَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ كَكَوْنِ زَوْجِهَا أَوْ سَيِّدِهَا سَيِّئَ الْخُلُقِ فَذَاقَتْ. وَفِي كَرَاهَةِ الذَّوْقِ عِنْدَ الشِّرَاءِ قَوْلَانِ، وَوَفَّقَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ إنْ وَجَدَ بُدًّا، وَلَمْ يَخَفْ غَبْنًا كُرِهَ وَإِلَّا لَا وَهَذَا فِي الْفَرْضِ لَا النَّفْلِ كَذَا قَالُوا وَفِيهِ كَلَامٌ لِحُرْمَةِ الْفِطْرِ فِيهِ بِلَا عُذْرٍ عَلَى الْمَذْهَبِ فَتَبْقَى الْكَرَاهَةُ. (وَ) كُرِهَ (مَضْغُ عِلْكٍ) أَبْيَضَ مَمْضُوغٍ مُلْتَئِمٍ، وَإِلَّا فَيُفْطِرُ،   [رد المحتار] قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ وُجُودُ الطَّعْمِ فِي الْحَلْقِ (قَوْلُهُ: فِي كُلٍّ قَلِيلٌ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَالْأُولَى أَوْلَى وَهِيَ الْمُوَافِقَةُ لِعِبَارَةِ الْكَمَالِ. . مَطْلَبٌ فِيمَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَنْزِيهِيَّةٌ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ: قَالَهُ الْعَيْنِيُّ) وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ وَقَالَ وَجَعَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ قَيْدًا فِي الثَّانِي فَقَطْ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ: كَكَوْنِ زَوْجِهَا إلَخْ) بَيَانٌ لِلْعُذْرِ الْأَوَّلِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَمِنْ الْعُذْرِ فِي الثَّانِي أَنْ لَا تَجِدَ مَنْ يَمْضُغُ لِصَبِيِّهَا مِنْ حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَا يَصُومُ وَلَمْ تَجِدْ طَبِيخًا (قَوْلُهُ: وَوَفَّقَ فِي النَّهْرِ) عِبَارَتُهُ: وَيَنْبَغِي حَمْلُ الْأَوَّلِ أَيْ الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ عَلَى مَا إذَا وَجَدَ بُدًّا وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا لَمْ يَجِدْهُ وَقَدْ خَشِيَ الْغَبْنَ. اهـ. فَقَدْ قَيَّدَ الْكَرَاهَةَ بِأَنْ يَجِدَ بُدًّا مِنْ شِرَائِهِ أَيْ سَوَاءٌ خَافَ الْغَبْنَ أَوْ لَا، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَلَمْ يَخَفْ غَبْنًا مُخَالِفٌ لِمَا فِي النَّهْرِ (وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بُدًّا وَخَافَ غَبْنًا لَا يُكْرَهُ مُوَافِقٌ لِلنَّهْرِ فَافْهَمْ وَمَفْهُومُهُ. أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ بُدًّا وَلَمْ يَخَفْ غَبْنًا يُكْرَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ الْحُكْمُ بِكَرَاهَةِ الذَّوْقِ أَوْ الْمَضْغِ بِلَا عُذْرٍ ط (قَوْلُهُ: إلَّا النَّفَلُ) ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ فِيهِ الْفِطْرُ بِالْعُذْرِ اتِّفَاقًا وَبِلَا عُذْرٍ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ، وَالثَّانِي فَالذَّوْقُ أَوْلَى بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِفْطَارٍ، بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَصِيرَ إيَّاهُ فَتْحٌ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ كَلَامٌ) أَيْ لِصَاحِبٍ الْبَحْرِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ عَدَمِ حِلِّ الْفِطْرِ عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ، فَمَا كَانَ تَعْرِيضًا لَهُ لِلْفِطْرِ يُكْرَهُ إمَّا عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ فَمُسَلَّمٌ وَسَيَأْتِي أَنَّهَا شَاذَّةٌ اهـ وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ فِي النَّفْلِ وَكُرِهَ فِي الْفَرْضِ إظْهَارًا لِتَفَاوُتِ الرُّتْبَتَيْنِ اهـ. وَأَجَابَ الرَّمْلِيُّ أَيْضًا بِأَنَّهُ إنَّمَا يُكْرَهُ فِي الْفَرْضِ لِقُوَّتِهِ فَيَجِبُ حِفْظُهُ وَعَدَمُ تَعْرِيضِهِ لِلْفَسَادِ فَكُرِهَ فِيهِ مَا يَخْشَى مِنْهُ الْإِمْضَاءَ إلَيْهِ، وَلَمْ يُكْرَهْ فِي النَّفْلِ وَإِنْ لَمْ تَخْلُ حَقِيقَةُ الْفِطْرِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ فِي أَصْلِهِ مَحْضُ تَطَوُّعٍ، وَالْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ ابْتِدَاءً فَهَبَطَتْ مَرْتَبَتُهُ عَنْ الْفَرْضِ بِعَدَمِ كَرَاهَةِ فِعْلٍ رُبَّمَا أَفْضَى إلَى الظَّفْرِ مِنْ غَيْرِ غَلَبَةِ ظَنٍّ فِيهِ قَالَ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي النَّهْرِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُبْطِلُ الْعِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ لَهُمْ فَتَأَمَّلْ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ مَضْغُ عِلْكٍ) نَصَّ عَلَيْهِ مَعَ دُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ وَكُرِهَ ذَوْقُ شَيْءٍ وَمَضْغُهُ بِلَا عُذْرٍ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ فِيهِ لَا يَتَّضِحُ، فَذَكَرَ مُطْلَقًا بِلَا عُذْرٍ اهْتِمَامًا رَمْلِيٌّ. قُلْت: وَلِأَنَّ الْعَادَةَ مَضْغُهُ خُصُوصًا لِلنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ سِوَاكُهُنَّ كَمَا يَأْتِي فَكَانَ مَظِنَّةَ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ فِي الصِّيَامِ لِتَوَهُّمِ أَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ (قَوْلُهُ أَبْيَضَ إلَخْ) قَيَّدَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَسْوَدَ وَغَيْرَ الْمَمْضُوغِ وَغَيْرَ الْمُلْتَئِمِ، يَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى الْجَوْفِ، وَأَطْلَقَ مُحَمَّدٌ الْمَسْأَلَةَ وَحَمَلَهَا الْكَمَالُ تَبَعًا لِلْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِعَدَمِ الْوُصُولِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَصِلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 وَكُرِهَ لِلْمُفْطِرِينَ إلَّا فِي الْخَلْوَةِ بِعُذْرٍ وَقِيلَ يُبَاحُ وَيُسْتَحَبُّ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّهُ سِوَاكُهُنَّ فَتْحٌ. (وَ) كُرِهَ (قُبْلَةٌ) وَمَسٌّ وَمُعَانَقَةٌ وَمُبَاشَرَةٌ فَاحِشَةٌ (إنْ لَمْ يَأْمَنْ) الْمُفْسِدَ وَإِنْ أَمِنَ لَا بَأْسَ. (لَا) يُكْرَهُ (دَهْنُ شَارِبٍ وَ) لَا (كُحْلِ) إذَا لَمْ يَقْصِدْ الزِّينَةَ أَوْ تَطْوِيلَ اللِّحْيَةِ إذَا كَانَتْ بِقَدْرِ الْمَسْنُونِ وَهُوَ الْقَبْضَةُ وَصَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِوُجُوبِ قَطْعِ مَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ بِالضَّمِّ، وَمُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ بِتَرْكِهِ   [رد المحتار] عَادَةً حُكِمَ بِالْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُتَيَقِّنِ (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ لِلْمُفْطِرِينَ) ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ أَعْنِي التَّشَبُّهَ بِالنِّسَاءِ، يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ فِي حَقِّهِمْ خَالِيًا عَنْ الْمُعَارِضِ فَتْحٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ ط (قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْخَلْوَةِ بِعُذْرٍ) كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْبَزْدَوِيِّ وَالْمَحْبُوبِيِّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُبَاحُ) هُوَ قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ قَالَ وَفِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِغَيْرِ الصَّائِمِ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ تَرْكُهُ إلَّا لِعُذْرٍ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ فِي فَمِهِ بَخْرٌ اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ سِوَاكُهُنَّ) ؛ لِأَنَّ بِنْيَتَهُنَّ ضَعِيفَةٌ قَدْ لَا تَحْتَمِلُ السِّوَاكَ فَيُخْشَى عَلَى اللِّثَةِ وَالسِّنِّ مِنْهُ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ قُبْلَةٌ إلَخْ) جَزَمَ فِي السِّرَاجِ بِأَنَّ الْقُبْلَةُ الْفَاحِشَةَ بِأَنْ يَمْضُغَ شَفَتَيْهَا تُكْرَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَيْ سَوَاءٌ أَمِنَ أَوْ لَا قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْمُعَانَقَةُ عَلَى التَّفْصِيلِ فِي الْمَشْهُورِ وَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ الْفَاحِشَةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ كَرَاهَتُهَا مُطْلَقًا وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ قِيلَ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. وَاخْتَارَ الْكَرَاهَةَ فِي الْفَتْحِ وَجَزَمَ بِهَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ بِلَا ذِكْرِ خِلَافٍ وَهِيَ أَنْ يُعَانِقَهَا وَهُمَا مُتَجَرِّدَانِ وَيَمَسَّ فَرْجُهُ فَرْجَهَا بَلْ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّ هَذَا مَكْرُوهٌ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْجِمَاعِ غَالِبًا. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ بَيَانٌ لِكَوْنِ مَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ كَرَاهَةِ الْمُبَاشَرَةِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْفَاحِشَةِ وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُبَاشَرَةُ مِثْلُ التَّقْبِيلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ اهـ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ مِنْ إجْرَاءِ الْخِلَافِ فِي الْفَاحِشَةِ لَيْسَ مِمَّا يَنْبَغِي، ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ: التَّصْرِيحَ بِمَا ذَكَرْته مِنْ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَأْمَنْ الْمُفْسِدَ) أَيْ الْإِنْزَالَ أَوْ الْجِمَاعَ إمْدَادٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَمِنَ لَا بَأْسَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَوْلَى عَدَمُهَا لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَرَخَّصَ لَهُ وَأَتَاهُ آخَرُ فَنَهَاهُ» فَإِذَا الَّذِي رَخَّصَ لَهُ شَيْخٌ وَاَلَّذِي نَهَاهُ شَابٌّ. اهـ. . (قَوْلُهُ: لَا دَهْنُ شَارِبٍ وَكَحْلٌ) بِفَتْحِ الْفَاءِ مَصْدَرَيْنِ وَبِضَمِّهَا اسْمَيْنِ، وَعَلَى الثَّانِي فَالْمَعْنَى: لَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُمَا إلَّا أَنَّ الرِّوَايَةَ هُوَ لِأَوَّلٍ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ وَذَكَرَ فِي الْإِمْدَادِ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ شَمُّ رَائِحَةِ الْمِسْكِ وَالْوَرْدِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَكُونُ جَوْهَرًا مُتَّصِلًا كَالدُّخَانِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا لَا يُكْرَهُ الِاكْتِحَالُ بِحَالٍ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْمُطَيِّبِ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يَخُصُّوهُ بِنَوْعٍ مِنْهُ وَكَذَا دَهْنُ الشَّارِبِ. اهـ. مُطَّلِبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ قَصْدِ الْجَمَالِ وَقَصْدِ الزِّينَةِ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الزِّينَةَ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ قَصْدِ الْجَمَالِ وَقَصْدِ الزِّينَةِ فَالْقَصْدُ الْأَوَّلُ لِدَفْعِ الشَّيْنِ وَإِقَامَةِ مَا بِهِ الْوَقَارُ وَإِظْهَارِ النِّعْمَةِ شُكْرًا لَا فَخْرًا، وَهُوَ أَثَرُ أَدَبِ النَّفْسِ وَشَهَامَتِهَا، وَالثَّانِي أَثَرُ ضَعْفِهَا، وَقَالُوا بِالْخِضَابِ وَرَدَّتْ السُّنَّةُ وَلَمْ يَكُنْ لِقَصْدِ الزِّينَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ حَصَلَتْ زِينَةٌ فَقَدْ حَصَلَتْ فِي ضِمْنِ قَصْدٍ مَطْلُوبٍ فَلَا يَضُرُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُلْتَفَتًا إلَيْهِ فَتْحٌ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لُبْسُ الثِّيَابِ الْجَمِيلَةِ مُبَاحٌ إذَا كَانَ لَا يَتَكَبَّرُ؛ لِأَنَّ التَّكَبُّرَ حَرَامٌ، وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا كَمَا كَانَ قَبْلَهَا. اهـ. بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ تَطْوِيلَ اللِّحْيَةِ) أَيْ بِالدُّهْنِ (قَوْلُهُ: وَصَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يَجِبُ قَطْعُهُ هَكَذَا «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ اللِّحْيَةِ مِنْ طُولِهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 لَا أَنْ يُحْمَلَ الْوُجُوبُ عَلَى الثُّبُوتِ، وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْهَا وَهِيَ دُونَ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ، وَمُخَنَّثَةُ الرِّجَالِ فَلَمْ يُبِحْهُ أَحَدٌ، وَأَخْذُ كُلِّهَا فِعْلُ يَهُودِ الْهِنْدِ وَمَجُوسِ الْأَعَاجِمِ فَتْحٌ. وَحَدِيثُ التَّوْسِعَةِ عَلَى الْعِيَالِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ   [رد المحتار] وَعَرْضِهَا» أَوْرَدَهُ أَبُو عِيسَى يَعْنِي التِّرْمِذِيَّ فِي جَامِعِهِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَقَدْ نَقَلَهُ عَنْهَا فِي الْفَتْحِ وَأَقَرَّهُ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَسَمِعْت مِنْ بَعْضِ أَعِزَّاءِ الْمَوَالِي أَنَّ قَوْلَ النِّهَايَةِ يُحِبُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ، وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَاسْتِعْمَالُهُمْ فِي مِثْلِهِ يُسْتَحَبُّ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْوُجُوبُ عَلَى الثُّبُوتِ) يُؤَيِّدُهُ أَنَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ إنْ كَانَ بِفِعْلٍ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَالدَّوَامَ، وَلِذَا حَذَفَ الزَّيْلَعِيُّ لَفْظَ يَجِبُ وَقَالَ وَمَا زَادَ يُقَصُّ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْبِضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَإِذَا زَادَ عَلَى قَبْضَتِهِ شَيْءٌ جَزَّهُ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ، وَهُوَ سُنَّةٌ كَمَا فِي الْمُبْتَغَى وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْيَنَابِيعِ وَغَيْرِهِمَا لَا بَأْسَ بِأَخْذِ أَطْرَافِ اللِّحْيَةِ إذَا طَالَتْ وَلَا بِنَتْفِ الشَّيْبِ إلَّا عَلَى وَجْهِ التَّزَيُّنِ وَلَا بِالْأَخْذِ مِنْ حَاجِبِهِ وَشَعْرِ وَجْهِهِ مَا لَمْ يُشْبِهْ فِعْلَ الْمُخَنَّثِينَ وَلَا يَلْحِقُ شَعْرُ حَلْقِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي الْأَخْذِ مِنْ اللِّحْيَةِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْهَا إلَخْ) بِهَذَا وَفَّقَ فِي الْفَتْحِ بَيْنَ مَا مَرَّ وَبَيْنَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَاعْفُوا اللِّحْيَةَ» قَالَ: لِأَنَّهُ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْفَاضِلَ عَنْ الْقَبْضَةِ، فَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى النَّسْخِ كَمَا هُوَ أَصْلُنَا فِي عَمَلِ الرَّاوِي عَلَى خِلَافِ مَرْوِيِّهِ مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ الرَّاوِي وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحْمَلُ الْإِعْفَاءُ عَلَى إعْفَائِهَا عَنْ أَنْ يَأْخُذَ غَالِبَهَا أَوْ كُلَّهَا كَمَا هُوَ فِعْلُ مَجُوسِ الْأَعَاجِمِ مِنْ حَلْقِ لِحَاهُمْ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَاعْفُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ» فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ، وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْهَا وَهِيَ دُونَ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ، وَمُخَنَّثَةُ الرِّجَالِ فَلَمْ يُبِحْهُ أَحَدٌ اهـ مُلَخَّصًا. . مَطْلَبٌ فِي حَدِيثِ التَّوْسِعَةِ عَلَى الْعِيَالِ وَالِاكْتِحَالِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ (قَوْلُهُ: وَحَدِيثُ التَّوْسِعَةِ إلَخْ) وَهُوَ «مِنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ السَّنَةَ كُلَّهَا» قَالَ جَابِرٌ: جَرَّبْته أَرْبَعِينَ عَامًا فَلَمْ يَتَخَلَّفْ ط وَحَدِيثُ الِاكْتِحَالِ هُوَ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ «مَنْ اكْتَحَلَ بِالْإِثْمِدِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَرَ رَمَدًا أَبَدًا» وَرَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ «مَنْ اكْتَحَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ تَرْمِدْ عَيْنُهُ تِلْكَ السَّنَةَ» فَتْحٌ. قُلْت: وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ هَذَا هُنَا أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ اسْتَدَلَّ عَلَى عَدَمِ كَرَاهَةِ الِاكْتِحَالِ لِلصَّائِمِ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدْ نُدِبَ إلَيْهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَإِلَى الصَّوْمِ فِيهِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْعِزِّ بِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ غَيْرُ صَوْمِهِ وَإِنَّمَا الرَّوَافِضُ لَمَّا ابْتَدَعُوا إقَامَةَ الْمَأْتَمِ وَإِظْهَارَ الْحُزْنِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لِكَوْنِ الْحُسَيْنِ قُتِلَ فِيهِ ابْتَدَعَ جَهَلَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ إظْهَارَ السُّرُورِ وَاِتِّخَاذَ الْحُبُوبِ وَالْأَطْعِمَةِ وَالِاكْتِحَالِ، وَرَوَوْا أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً فِي الِاكْتِحَالِ وَفِي التَّوْسِعَةِ فِيهِ عَلَى الْعِيَالِ. اهـ. وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ أَحَادِيثَ الِاكْتِحَالِ فِيهِ ضَعِيفَةٌ لَا مَوْضُوعَةٌ كَيْفَ وَقَدْ خَرَّجَهَا فِي الْفَتْحِ ثُمَّ قَالَ: فَهَذِهِ عِدَّةُ طُرُقٍ إنْ لَمْ يَحْتَجَّ بِوَاحِدٍ مِنْهَا، فَالْمَجْمُوعُ يُحْتَجُّ بِهِ لِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ وَأَمَّا حَدِيثُ التَّوْسِعَةِ فَرَوَاهُ الثِّقَاتُ وَقَدْ أَفْرَدَهُ ابْنُ الْقَرَافِيِّ فِي جُزْءٍ خَرَّجَهُ فِيهِ اهـ مَا فِي النَّهْرِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 صَحِيحٌ وَحَدِيثُ الِاكْتِحَالِ فِيهِ ضَعِيفَةٌ لَا مَوْضُوعَةٌ كَمَا زَعَمَهُ ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. (وَ) لَا (سِوَاكَ وَلَوْ عَشِيًّا) أَوْ رَطْبًا بِالْمَاءِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَكَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ الزَّوَالِ وَكَذَا لَا تُكْرَهُ حِجَامَةٌ وَتَلَفُّفٌ بِثَوْبٍ مُبْتَلٍّ وَمَضْمَضَةٌ أَوْ اسْتِنْشَاقٌ أَوْ اغْتِسَالٌ لِلتَّبَرُّدِ عِنْدَ الثَّانِي وَبِهِ يُفْتَى شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْبُرْهَانِ. . وَيُسْتَحَبُّ السُّحُورُ وَتَأْخِيرُهُ وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ   [رد المحتار] لَكِنَّهُ زَادَ عَلَيْهَا مَا ذَكَرَهُ فِي أَحَادِيثِ الِاكْتِحَالِ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْفَتْحِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ فِي الْفَتْحِ ذَكَرَ أَحَادِيثَ الِاكْتِحَالِ لِلصَّائِمِ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ بَعْضُهَا مُقَيَّدٌ بِعَاشُورَاءَ، وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ، وَبَعْضُهَا مُطْلَقٌ فَمُرَادُهُ الِاحْتِجَاجُ بِمَجْمُوعِ أَحَادِيثِ الِاكْتِحَالِ لِلصَّائِمِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الِاحْتِجَاجُ بِحَدِيثِ الِاكْتِحَالِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، كَيْفَ وَقَدْ جَزَمَ بِوَضْعِهِ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ فِي الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ، وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ مَثَلًا عَلِيٌّ الْقَارِي فِي كِتَابِ الْمَوْضُوعَاتِ، وَنَقَلَ السُّيُوطِيّ فِي الدُّرَرِ الْمُنْتَثِرَةِ عَنْ الْحَاكِمِ أَنَّهُ مُنْكَرٌ، وَقَالَ الْجَرَّاحِيُّ فِي كَشْفِ الْخَفَاءِ وَمُزِيلِ الْإِلْبَاسِ قَالَ الْحَاكِمُ أَيْضًا الِاكْتِحَالُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَرِدْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ أَثَرٌ، وَهُوَ بِدْعَةٌ، نَعَمْ حَدِيثُ التَّوْسِعَةِ ثَابِتٌ صَحِيحٌ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ: كَمَا زَعَمَهُ ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ) الَّذِي فِي النَّهْرِ وَالْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ ابْنُ الْعِزِّ. قُلْت: وَهُوَ صَاحِبُ النُّكَتِ عَلَى مُشْكِلَاتِ الْهِدَايَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي السَّعْدِيَّةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ. (قَوْلُهُ: وَلَا سِوَاكَ) بَلْ يُسَنُّ لِلصَّائِمِ كَغَيْرِهِ صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ وَعِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» لِتَنَاوُلِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَحْكَامُهُ فِي الطَّهَارَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَشِيًّا) أَيْ بَعْدَ الزَّوَالِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ) وَكُرِهَ الثَّانِي الْمَبْلُولُ بِالْمَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ إدْخَالِهِ فَمَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَقْوَى مِنْ الْمَضْمَضَةِ أَمَّا الرَّطْبُ الْأَخْضَرُ فَلَا بَأْسَ بِهِ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا تُكْرَهُ حِجَامَةٌ) أَيْ الْحِجَامَةُ الَّتِي لَا تُضْعِفُهُ عَنْ الصَّوْمِ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا إلَى وَقْتِ الْغُرُوبِ وَالْفَصْدُ كَالْحِجَامَةِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ شَرْطَ الْكَرَاهَةِ ضَعْفٌ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْفِطْرِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة إمْدَادٌ، وَقَالَ قَبْلَهُ: وَكُرِهَ لَهُ فِعْلُ مَا ظَنَّ أَنَّهُ يُضْعِفُهُ عَنْ الصَّوْمِ كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَالْعَمَلِ الشَّاقِّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِهِ لِإِفْسَادٍ اهـ. قُلْت: وَيَلْحَقُ بِهِ إطَالَةُ الْمُكْثِ فِي الْحَمَّامِ فِي الصَّيْفِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَمَضْمَضَةٍ أَوْ اسْتِنْشَاقٍ) أَيْ لِغَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ اغْتِسَالٍ نُورُ الْإِيضَاحِ (قَوْلُهُ: لِلتَّبَرُّدِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَتَلَفُّفٍ وَمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَبِهِ يُفْتَى) «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ، وَهُوَ صَائِمٌ مِنْ الْعَطَشِ أَوْ مِنْ الْحَرِّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَبِلُّ الثَّوْبَ وَيَلُفُّهُ عَلَيْهِ وَهُوَ صَائِمٌ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فِيهَا عَوْنٌ عَلَى الْعِبَادَةِ وَدَفْعُ الضَّجَرِ الطَّبِيعِيِّ وَكَرِهَهَا أَبُو حَنِيفَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ إظْهَارِ الضَّجَرِ فِي الْعِبَادَةِ؛ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ إمْدَادٌ. (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ السُّحُورُ) لِمَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» قِيلَ الْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ: حُصُولُ التَّقَوِّي عَلَى صَوْمِ الْغَدِ أَوْ زِيَادَةِ الثَّوَابِ وَقَوْلُهُ فِي النِّهَايَةِ: إنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ فِي أَكْلِ السُّحُورِ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَبْطِهِ بِالضَّمِّ جَمْعُ سَحَرٍ وَالْأَعْرَفُ فِي الرِّوَايَةِ الْفَتْحُ وَهُوَ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ فِي السَّحَرِ وَهُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ كَالْوَضُوءِ بِالْفَتْحِ مَا يُتَوَضَّأُ بِهِ، وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ الضَّمُّ؛ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ وَنَيْلَ الثَّوَابِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ لَا بِنَفْسِ الْمَأْكُولِ فَتْحٌ مُلَخَّصًا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ صَرِيحًا فِي كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُحَصِّلُ السُّنَّةَ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يُفِيدُهُ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ: «السُّحُورُ كُلُّهُ بَرَكَةٌ فَلَا تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ فَإِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ» (قَوْلُهُ: وَتَأْخِيرُهُ) ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الِاسْتِعَانَةِ فِيهِ أَبْلَغُ بَدَائِعُ وَمَحَلُّ الِاسْتِحْبَابِ مَا إذَا لَمْ يَشُكَّ فِي بَقَاءِ اللَّيْلِ، فَإِنْ شَكَّ كُرِهَ الْأَكْلُ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ) أَيْ إلَّا فِي يَوْمِ غَيْمٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 لِحَدِيثِ «ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ، وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ، وَالسِّوَاكُ» . . [فُرُوعٌ] لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا يَصِلُ بِهِ إلَى الضَّعْفِ فَيَخْبِزَ نِصْفَ النَّهَارِ وَيَسْتَرِيحَ الْبَاقِيَ، فَإِنْ قَالَ لَا يَكْفِينِي كَذِبَ بِأَقْصَرِ أَيَّامِ الشِّتَاءِ، فَإِنْ أَجْهَدَ الْحُرُّ نَفْسَهُ بِالْعَمَلِ حَتَّى مَرِضَ فَأَفْطَرَ فَفِي كَفَّارَتِهِ قَوْلَانِ قُنْيَةٌ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ صَامَ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ صَامَ وَصَلَّى قَاعِدًا جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ.   [رد المحتار] وَلَا يُفْطِرُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ غُرُوبُ الشَّمْسِ وَإِنْ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهِ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ التَّعْجِيلُ الْمُسْتَحَبُّ قَبْلَ اشْتِبَاكِ النُّجُومِ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْفَيْضِ: وَمَنْ كَانَ عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ كَمَنَارَةِ إسْكَنْدَرِيَّةَ لَا يُفْطِرُ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ عِنْدَهُ وَلِأَهْلِ الْبَلْدَةِ الْفِطْرُ إنْ غَرُبَتْ عِنْدَهُمْ قَبْلَهُ وَكَذَا الْعِبْرَةُ فِي الطُّلُوعِ فِي حَقِّ صَلَاةِ الْفَجْرِ أَوْ السُّحُورِ (قَوْلُهُ: لِحَدِيثٍ إلَخْ) كَذَا أَوْرَدَ الْحَدِيثَ فِي الْهِدَايَةِ، قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. وَاَلَّذِي فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ «ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ، وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ، وَوَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ فِي الصَّلَاةِ» اهـ وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ وَلَمْ يَكُنْ فِي مِلَّتِهِمْ حِلُّ أَكْلِ السُّحُورِ. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي مِلَّتِهِمْ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْهُ وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ فِيهِمْ اهـ مِنْ الْمِعْرَاجِ مُلَخَّصًا. [فُرُوعٌ فِي الصِّيَام] (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ إلَخْ) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْقُنْيَةِ. وَقَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَفِي الْفَتَاوَى سُئِلَ عَلِيٌّ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ الْمُحْتَرِفِ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِحِرْفَتِهِ يَلْحَقُهُ مَرَضٌ يُبِيحُ الْفِطْرَ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ لِلنَّفَقَةِ هَلْ يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ قَبْلَ أَنْ يَمْرَضَ فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ الْمَنْعِ وَهَكَذَا حَكَاهُ عَنْ أُسْتَاذِهِ الْوَبَرِيِّ وَفِيهَا سَأَلْت أَبَا حَامِدٍ عَنْ خَبَّازٍ يَضْعُفُ فِي آخِرِ النَّهَارِ هَلْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ هَذَا الْعَمَلَ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ يَخْبِزُ نِصْفَ النَّهَارِ وَيَسْتَرِيحُ فِي الْبَاقِي فَإِنْ قَالَ لَا يَكْفِيه كَذَبَ بِأَيَّامِ الشِّتَاءِ فَإِنَّهَا أَقْصَرُ فَمَا يَفْعَلُهُ الْيَوْمَ اهـ مُلَخَّصًا. وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَلَوْ ضَعُفَ عَنْ الصَّوْمِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْمَعِيشَةِ فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ اهـ أَيْ إذَا لَمْ يُدْرِكْ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُمْكِنُهُ الصَّوْمُ فِيهَا وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَعَلَى هَذَا الْحَصَادِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ مَعَ الصَّوْمِ وَيَهْلَكُ الزَّرْعُ بِالتَّأْخِيرِ لَا شَكَّ فِي جَوَازِ الْفِطْرِ وَالْقَضَاءِ وَكَذَا الْخَبَّازُ، وَقَوْلُهُ كَذَبَ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ طُولَ النَّهَارِ وَقِصَرَهُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْكِفَايَةِ، فَقَدْ يَظْهَرُ صِدْقُهُ فِي قَوْلِهِ لَا يَكْفِينِي فَيُفَوَّضُ إلَيْهِ حَمْلًا لِحَالِهِ عَلَى الصَّلَاحِ تَأَمَّلْ اهـ كَلَامَ الرَّمْلِيِّ: أَيْ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَخْتَلِفُ صَيْفًا وَشِتَاءً وَغَلَاءً وَرُخْصًا وَقِلَّةَ عِيَالٍ وَضِدَّهَا، وَلَكِنْ مَا نَقَلَهُ عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى صَوَّرَهُ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ وَغَيْرِهِ بِمَنْ نَذَرَ صَوْمَ الْأَبَدِ، وَيُؤَيِّدُهُ إطْلَاقُ قَوْلِهِ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ وَكَلَامُنَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ. وَاَلَّذِي يَنْبَغِي فِي مَسْأَلَةِ الْمُحْتَرِفِ حَيْثُ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ مَا مَرَّ مِنْ تَفَقُّهَاتِ الْمَشَايِخِ لَا مِنْ مَنْقُولِ الْمَذْهَبِ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ عِنْدَهُ مَا يَكْفِيه وَعِيَالَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ مِنْ النَّاسِ فَالْفِطْرُ أَوْلَى وَإِلَّا فَلَهُ الْعَمَلُ بِقَدْرِ مَا يَكْفِيه، وَلَوْ أَدَّاهُ إلَى الْفِطْرِ يَحِلُّ لَهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْعَمَلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُؤَدِّيهِ إلَى الْفِطْرِ وَكَذَا لَوْ خَافَ هَلَاكَ زَرْعِهِ أَوْ سَرِقَتِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَعْمَلْ لَهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ لَهُ قَطْعَ الصَّلَاةِ لِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَكِنْ لَوْ كَانَ آجَرَ نَفْسَهُ فِي الْعَمَلِ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَجَاءَ رَمَضَانُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ الْفِطْرَ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مَا يَكْفِيه إذَا لَمْ يَرْضَ الْمُسْتَأْجِرُ بِفَسْخِ الْإِجَارَةِ كَمَا فِي الظِّئْرِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِرْضَاعُ بِالْعَقْدِ، وَيَحِلُّ لَهَا الْإِفْطَارُ إذَا خَافَتْ عَلَى الْوَلَدِ فَيَكُونُ خَوْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْلَى تَأَمَّلْ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَجْهَدَ الْحُرُّ إلَخْ) قَالَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ: فَإِنْ أَجْهَدَ الْإِنْسَانُ بِالشُّغْلِ نَفْسَهُ فَأَفْطَرَ فِي التَّكْفِيرِ قَوْلَيْنِ سَطَّرُوا قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ صُورَتُهُ: صَائِمٌ أَتْعَبَ نَفْسَهُ فِي عَمَلٍ حَتَّى أَجْهَدَهُ الْعَطَشُ فَأَفْطَرَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَقِيلَ لَا وَبِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ الْمُبِيحَةِ لِعَدَمِ الصَّوْمِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا خَمْسَةً وَبَقِيَ الْإِكْرَاهُ وَخَوْفُ هَلَاكٍ أَوْ نُقْصَانُ عَقْلٍ وَلَوْ بِعَطَشٍ أَوْ جُوعٍ شَدِيدٍ وَلَسْعَةِ حَيَّةٍ (لِمُسَافِرٍ) سَفَرًا شَرْعِيًّا   [رد المحتار] أَفْتَى الْبَقَّالِيُّ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ إذَا أَجْهَدَتْ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْذُورَةٌ تَحْتَ قَهْرِ الْمَوْلَى، وَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَا الْعَبْدُ. اهـ. ح وَظَاهِرُهُ وَهُوَ الَّذِي فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْمُنْتَقَى تَرْجِيحُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ ط. قُلْت: مُقْتَضَى قَوْلِهِ وَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهَا أَيْضًا لَوْ فَعَلَتْ مُخْتَارَةً فَيَكُونُ مَا قَبْلَهُ مَحْمُولًا عَلَى مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ الْمُبِيحَةِ لِعَدَمِ الصَّوْمِ] فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ جَمْعِ عَارِضٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَحْدُثُ لِلْإِنْسَانِ مِمَّا يُبِيحُ لَهُ عَدَمَ الصَّوْمِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ الْمُبِيحَةُ لِعَدَمِ الصَّوْمِ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ الْبَدَائِعِ الْمُسْقِطَةِ لِلصَّوْمِ لَمَّا أَوْرَدَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ السَّفَرَ فَإِنَّهُ لَا يُبِيحُ الْفِطْرَ وَإِنَّمَا يُبِيحُ عَدَمَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ وَكَذَا إبَاحَةُ الْفِطْرِ لِعُرُوضِ الْكِبَرِ فِي الصَّوْمِ فِيهِ مَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ خَمْسَةٌ) هِيَ السَّفَرُ وَالْحَبَلُ وَالْإِرْضَاعُ وَالْمَرَضُ وَالْكِبَرُ وَهِيَ تِسْعٌ نَظَمْتهَا بِقَوْلِي: وَعَوَارِضُ الصَّوْمِ الَّتِي قَدْ يُغْتَفَرْ ... لِلْمَرْءِ فِيهَا الْفِطْرُ تِسْعٌ تُسْتَطَرْ حَبَلٌ وَإِرْضَاعٌ وَإِكْرَاهُ سَفَرْ ... مَرَضٌ جِهَادٌ جُوعُهُ عَطَشٌ كِبَرْ (قَوْلُهُ وَبَقِيَ الْإِكْرَاهُ) ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ أَوْ لَحْمِ خِنْزِيرٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ بِغَيْرِ مُلْجِئٍ كَحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ قَيْدٍ لَمْ يَحِلَّ، وَإِنْ بِمُلْجِئٍ كَقَتْلٍ أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ أَوْ ضَرْبٍ مُبَرِّحٍ حَلَّ فَإِنْ صَبَرَ فَقُتِلَ أَثِمَ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ بِمُلْجِئٍ رَخَّصَ لَهُ إظْهَارَهُ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَيُؤْجَرُ لَوْ صَبَرَ وَمِثْلُهُ سَائِرُ حُقُوقِهِ تَعَالَى كَإِفْسَادِ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَقَتْلِ صَيْدِ حَرَمٍ أَوْ فِي إحْرَامٍ وَكُلِّ مَا ثَبَتَتْ فَرْضِيَّتُهُ بِالْكِتَابِ. اهـ. وَإِنَّمَا أَثِمَ لَوْ صَبَرَ فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ مُسْتَثْنَاةٌ عَنْ الْحُرْمَةِ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ عَنْ الْحُرْمَةِ حِلٌّ بِخِلَافِ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ فَإِنَّ حُرْمَتَهُ لَمْ تَرْتَفِعْ وَإِنَّمَا رُخِّصَ فِيهِ لِسُقُوطِ الْإِثْمِ فَقَطْ، وَلِهَذَا نَقَلَ هُنَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَى الْفِطْرِ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَ صَحِيحًا مُقِيمًا بِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ حَتَّى قُتِلَ أَثِمَ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي (قَوْلُهُ وَخَوْفُ هَلَاكٍ إلَخْ) كَالْأَمَةِ إذَا ضَعُفَتْ عَنْ الْعَمَلِ وَخَشِيَتْ الْهَلَاكَ بِالصَّوْمِ، وَكَذَا الَّذِي ذَهَبَ بِهِ مُتَوَكِّلُ السُّلْطَانِ إلَى الْعِمَارَةِ فِي الْأَيَّامِ الْحَارَّةِ وَالْعَمَلُ حَثِيثٌ إذَا خَشِيَ الْهَلَاكَ أَوْ نُقْصَانَ الْعَقْلِ وَفِي الْخُلَاصَةِ: الْغَازِي إذَا كَانَ يَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ يُقَاتِلُ الْعَدُوَّ فِي رَمَضَانَ وَيَخَافُ الضَّعْفَ إنْ لَمْ يُفْطِرْ أَفْطَرَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَسْعَةِ حَيَّةٍ) عَطْفٌ عَلَى الْعَطَشِ الْمُتَعَلِّقِ بِقَوْلِهِ وَخَوْفُ هَلَاكٍ ح أَيْ فَلَهُ شُرْبُ دَوَاءٍ يَنْفَعُهُ (قَوْلُهُ لِمُسَافِرٍ) خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ الْآتِي الْفِطْرُ وَأَشَارَ بِاللَّامِ إلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ وَلَكِنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ سَفَرًا شَرْعِيًّا) أَيْ مُقَدَّرًا فِي الشَّرْعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 وَلَوْ بِمَعْصِيَةٍ (أَوْ حَامِلٍ أَوْ مُرْضِعٍ) أُمًّا كَانَتْ أَوْ ظِئْرًا عَلَى ظَاهِرِ (خَافَتْ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ وَلَدِهَا) وَقَيَّدَهُ الْبَهْنَسِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الْكَمَالِ بِمَا إذَا تَعَيَّنَتْ لِلْإِرْضَاعِ (أَوْ مَرِيضٍ خَافَ الزِّيَادَةَ) لِمَرَضِهِ وَصَحِيحٍ خَافَ الْمَرَضَ، وَخَادِمَةٍ خَافَتْ الضَّعْفَ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ بِأَمَارَةٍ أَوْ تَجْرِبَةٍ أَوْ بِأَخْبَارِ طَبِيبٍ حَاذِقٍ مُسْلِمٍ مَسْتُورٍ وَأَفَادَ فِي النَّهْرَ تَبَعًا لِلْبَحْرِ جَوَازَ التَّطْبِيبَ بِالْكَافِرِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ عِبَادَةٍ.   [رد المحتار] لِقَصْرِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ كَوْنَ السَّفَرِ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِمَعْصِيَةٍ) لِأَنَّ الْقُبْحَ الْمُجَاوِرَ لَا يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ ط (قَوْلُهُ أَوْ حَامِلٍ) هِيَ الْمَرْأَةُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا حَمْلٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ وَلَدٌ، وَالْحَامِلَةُ الَّتِي عَلَى ظَهْرِهَا أَوْ رَأْسِهَا حِمْلٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ مُرْضِعٍ) هِيَ الَّتِي شَأْنُهَا الْإِرْضَاعُ وَإِنْ لَمْ تُبَاشِرْهُ، وَالْمُرْضِعَةُ هِيَ الَّتِي فِي حَالِ الْإِرْضَاعِ مُلْقِمَةٌ ثَدْيَهَا الصَّبِيَّ نَهْرٌ عَنْ الْكَشَّافِ (قَوْلُهُ أُمًّا كَانَتْ أَوْ ظِئْرًا) . أَمَّا الظِّئْرُ فَلِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا بِالْعَقْدِ، وَأَمَّا الْأُمُّ فَلِوُجُوبِهِ دِيَانَةً مُطْلَقًا وَقَضَاءً إذَا كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا أَوْ كَانَ الْوَلَدُ لَا يَرْضَعُ مِنْ غَيْرِهَا، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ، مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُرْضِعِ الظِّئْرُ لَا الْأُمُّ فَإِنَّ الْأَبَ يَسْتَأْجِرُ غَيْرَهَا بَحْرٌ وَنَحْوُهُ فِي الْفَتْحِ. وَقَدْ رَدَّ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا مَا فِي الذَّخِيرَةِ بِقَوْلِ الْقُدُورِيِّ وَغَيْرِهِ إذَا خَافَتَا عَلَى نَفْسِهِمَا أَوْ وَلَدِهِمَا إذْ لَا وَلَدَ لِلْمُسْتَأْجَرَةِ وَمَا قِيلَ إنَّهُ وَلَدُهَا مِنْ الرَّضَاعِ رَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ يَتِمُّ أَنْ لَوْ أَرْضَعَتْهُ وَالْحُكْمُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لَوْ خَافَتْ عَلَيْهِ جَازَ لَهَا الْفِطْرُ. اهـ. وَأَفَادَ أَبُو السُّعُودِ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهَا الْإِفْطَارُ وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ فِي رَمَضَانَ كَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ خِلَافًا لِمَا فِي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ تَقْيِيدِ حِلِّهِ بِمَا إذَا صَدَرَ الْعَقْدُ قَبْلَ رَمَضَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ط (قَوْلُهُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ) يَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ أَوْ وَلَدُهَا) الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ كَمَا عَرَفْته أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُرْضِعِ الْأُمُّ لِأَنَّهُ وَلَدُهَا حَقِيقَةً وَالْإِرْضَاعُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا دِيَانَةً كَمَا فِي الْفَتْحِ أَيْ عِنْدَ عَدَمِ تَعَيُّنِهَا وَإِلَّا وَجَبَ قَضَاءً أَيْضًا كَمَا مَرَّ، وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ شُمُولُهُ لِلظِّئْرِ بِطَرِيقِ الْإِلْحَاقِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا أَيْضًا بِالْعَقْدِ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ الْبَهْنَسِيُّ إلَخْ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الذَّخِيرَةِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُرْضِعِ الظِّئْرُ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا وَمِثْلُهَا الْأُمُّ إذَا تَعَيَّنَتْ بِأَنْ لَمْ يَأْخُذْ ثَدْيَ غَيْرِهَا أَوْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ وَاجِبٌ عَلَيْهَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ خِلَافُهُ وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا دِيَانَةً وَإِنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ خَافَ الزِّيَادَةَ) أَوْ إبْطَاءَ الْبُرْءِ أَوْ فَسَادَ عُضْوٍ بِحَرٍّ أَوْ وَجَعَ الْعَيْنِ أَوْ جِرَاحَةً أَوْ صُدَاعًا أَوْ غَيْرَهُ، وَمِثْلُهُ مَا إذَا كَانَ يُمَرِّضُ الْمَرْضَى قُهُسْتَانِيٌ ط أَيْ بِأَنْ يَعُولَهُمْ وَيَلْزَمَ مِنْ صَوْمِهِ ضَيَاعُهُمْ وَهَلَاكُهُمْ لِضَعْفِهِ عَنْ الْقِيَامِ بِهِمْ إذَا صَامَ (قَوْلُهُ وَصَحِيحٍ خَافَ الْمَرَضَ) أَيْ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ كَمَا يَأْتِي، فَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَوْفِ مُجَرَّدُ الْوَهْمِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالشُّرُنْبَلاليّ (قَوْلُهُ وَخَادِمَةٍ) فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْخِزَانَةِ مَا نَصُّهُ إنَّ الْحُرَّ الْخَادِمَ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ الذَّاهِبَ لِسَدِّ النَّهْرِ أَوْ كَرْيِهِ إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ وَخَافَ الْهَلَاكَ فَلَهُ الْإِفْطَارُ كَحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ ضَعُفَتْ لِلطَّبْخِ أَوْ غَسْلِ الثَّوْبِ. اهـ. ط (قَوْلُهُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ) تُنَازِعُهُ خَافَ الَّذِي فِي الْمَتْنِ وَخَافَ وَخَافَتْ اللَّتَانِ فِي الشَّرْحِ ط (قَوْلُهُ بِأَمَارَةٍ) أَيْ عَلَامَةٍ (قَوْلُهُ أَوْ تَجْرِبَةٍ) وَلَوْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ الْمَرِيضِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَرَضِ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ حَاذِقٍ) أَيْ لَهُ مَعْرِفَةٌ تَامَّةٌ فِي الطِّبِّ، فَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ فِيهِ ط (قَوْلُهُ مُسْلِمٍ) أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ غَرَضَهُ إفْسَادُ الْعِبَادَةِ كَمُسْلِمٍ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ فَوَعَدَهُ بِإِعْطَاءِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ لِمَا قُلْنَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ مَسْتُورٍ) وَقِيلَ عَدَالَتُهُ شَرْطٌ وَجَزَمَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَظَاهِرُ مَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ ضَعْفُهُ ط. قُلْت: وَإِذَا أَخَذَ بِقَوْلِ طَبِيبٍ لَيْسَ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ وَأَفْطَرَ فَالظَّاهِرُ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ كَمَا لَوْ أَفْطَرَ بِدُونِ أَمَارَةٍ وَلَا تَجْرِبَةٍ لِعَدَمِ غَلَبَةِ الظَّنِّ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ (قَوْلُهُ وَأَفَادَ فِي النَّهْرِ) أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ بِاحْتِمَالِ أَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 قُلْت: وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ عِنْدَهُمْ نُصْحُ الْمُسْلِمِ كُفْرٌ فَأَنَّى يُتَطَبَّبُ بِهِمْ، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ لِلْأَمَةِ أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ امْتِثَالِ أَمْرِ الْمَوْلَى إذَا كَانَ يُعْجِزُهَا عَنْ إقَامَةِ الْفَرَائِضِ لِأَنَّهَا مُبْقَاةٌ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي الْفَرَائِضِ (الْفِطْر) يَوْمَ الْعُذْرِ إلَّا السَّفَرَ كَمَا سَيَجِيءُ (وَقَضَوْا) لُزُومًا (مَا قَدَّرُوا بِلَا فِدْيَةٍ وَ) بِلَا (وَلَاءٍ) لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَلِذَا جَازَ التَّطَوُّعُ قَبْلَهُ بِخِلَافِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ. (وَ) لَوْ جَاءَ رَمَضَانُ الثَّانِي (قُدِّمَ الْأَدَاءُ عَلَى الْقَضَاءِ) وَلَا فِدْيَةَ لِمَا مَرَّ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَيُنْدَبُ لِمُسَافِرٍ الصَّوْمُ) لِآيَةِ - {وَأَنْ تَصُومُوا} [البقرة: 184]- وَالْخَيْرُ بِمَعْنَى الْبِرِّ لَا أَفْعَلَ تَفْضِيلٍ (إنْ لَمْ يَضُرَّهُ) فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى رَفِيقِهِ فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ لِمُوَافَقَتِهِ الْجَمَاعَةَ. (فَإِنْ مَاتُوا فِيهِ)   [رد المحتار] يَكُونَ غَرَضُ الْكَافِرِ إفْسَادَ الْعِبَادَةِ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَرِيضَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَطِبَّ بِالْكَافِرِ فِيمَا عَدَا إبْطَالَ الْعِبَادَةِ ط (قَوْلُهُ فَأَبَى) أَيْ فَكَيْفَ يُتَطَيَّبُ بِهِمْ وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى النَّفْيِ قَالَ ح: أَيَّدَ ذَلِكَ شَيْخُنَا بِمَا نَقَلَهُ عَنْ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلْعَلَّامَةِ السُّيُوطِيّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا خَلَا كَافِرٌ بِمُسْلِمٍ إلَّا عَزَمَ عَلَى قَتْلِهِ» (قَوْلُهُ لِلْأَمَةِ أَنْ تَمْتَنِعَ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا امْتِثَالُ أَمْرِهِ فِي ذَلِكَ كَمَا لَوْ ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَتُقَدَّمُ طَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ أَطَاعَتْهُ حَتَّى أَفْطَرَتْ لَزِمَتْهَا الْكَفَّارَةُ وَيُفِيدُهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ التَّعْلِيلِ وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ قُبَيْلَ الْفَصْلِ (قَوْلُهُ إلَّا السَّفَرَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ عُمُومِ الْعُذْرِ، فَإِنَّ السَّفَرَ لَا يُبِيحُ الْفِطْرَ يَوْمَ الْعُذْرِ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ يَجِبُ عَلَى مُقِيمٍ إتْمَامُ يَوْمٍ مِنْهُ سَافَرَ فِيهِ ح (قَوْلُهُ وَقَضَوْا) أَيْ مَنْ تَقَدَّمَ حَتَّى الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ. وَغَلَّبَ الذُّكُورَ فَأَتَى بِضَمِيرِهِمْ ط (قَوْلُهُ بِلَا فِدْيَةٍ) أَشَارَ إلَى خِلَافِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَيْثُ قَالَ: بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْفِدْيَةِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدُّ حِنْطَةٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَبِلَا وِلَاءٍ) بِكَسْرِ الْوَاوِ أَيْ مُوَالَاةً بِمَعْنَى الْمُتَابَعَةِ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: - {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]- وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ التَّتَابُعِ فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ كَمَا لَا خِلَافَ فِي نَدْبِ التَّتَابُعِ فِيمَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ قَضَاءُ الصَّوْمِ الْمَفْهُومُ مِنْ قَضَوْا وَهَذَا عِلَّةٌ لِمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَبِلَا وِلَاءٍ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْفَوْرِ (قَوْلُهُ جَازَ التَّطَوُّعُ قَبْلَهُ) وَلَوْ كَانَ الْوُجُوبُ عَلَى الْفَوْرِ لَكُرِهَ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَأْخِيرًا لِلْوَاجِبِ عَنْ وَقْتِهِ الْمُضَيَّقِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ) أَيْ فَإِنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» لِأَنَّ جَزَاءَ الشَّرْطِ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ أَبُو السُّعُودِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّنَقُّلُ بِالصَّلَاةِ لِمَنْ عَلَيْهِ الْفَوَائِتُ وَلَمْ أَرَهُ نَهْرٌ قُلْت: قَدَّمْنَا فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ كَرَاهَتَهُ إلَّا فِي الرَّوَاتِبِ وَالرَّغَائِبِ فَلْيُرَاجَعْ ط. (قَوْلُهُ قَدَّمَ الْأَدَاءَ عَلَى الْقَضَاءِ) أَيْ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَوْ قَدَّمَ الْقَضَاءَ وَقَعَ عَنْ الْأَدَاءِ كَمَا مَرَّ نَهْرٌ. قُلْت: بَلْ الظَّاهِرُ الْوُجُوبُ لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الصَّوْمِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ نَوَى النَّفَلَ أَوْ وَاجِبًا آخَرَ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) حَيْثُ وَجَبَ مَعَ الْقَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ إطْعَامُ مِسْكِينٍ ح. (قَوْلُهُ لَا أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ) لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ الْإِفْطَارَ فِيهِ خَيْرٌ مَعَ أَنَّهُ مُبَاحٌ. وَفِيهِ أَنَّهُ وَرَدَ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ» وَمَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى تَرْجِعُ إلَى الْإِثَابَةِ فَيُفِيدُ أَنَّ رُخْصَةَ الْإِفْطَارِ فِيهَا ثَوَابٌ لَكِنَّ الْعَزِيمَةَ أَكْثَرُ ثَوَابًا. وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَنْ أَبَتْ نَفْسُهُ الرُّخْصَةَ ط (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ) أَيْ بِمَا لَيْسَ فِيهِ خَوْفُ هَلَاكٍ وَإِلَّا وَجَبَ الْفِطْرُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالضَّرَرِ مُطْلَقُ الْمَشَقَّةِ لَا خُصُوصُ ضَرَرِ الْبَدَنِ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى رَفِيقِهِ) اسْمُ جِنْسٍ يَشْمَلُ الْوَاحِدَ وَالْأَكْثَرَ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ رُفْقَتُهُ، فَإِذَا كَانَ رُفْقَتُهُ أَوْ عَامَّتُهُمْ مُفْطِرِينَ وَالنَّفَقَةُ مُشْتَرَكَةٌ فَإِنَّ الْفِطْرَ أَفْضَلُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ لِمُوَافَقَةِ الْجَمَاعَةِ) لِأَنَّهُمْ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ قِسْمَةُ حِصَّتِهِ مِنْ النَّفَقَةِ أَوْ عَدَمُ مُوَافَقَتِهِ لَهُمْ. (قَوْلُهُ فَإِنْ مَاتُوا إلَخْ) ظَاهِرٌ فِي رُجُوعِهِ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ حَتَّى الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ وَقَضِيَّةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 أَيْ فِي ذَلِكَ الْعُذْرِ (فَلَا تَجِبُ) عَلَيْهِمْ (الْوَصِيَّةُ بِالْفِدْيَةِ) لِعَدَمِ إدْرَاكِهِمْ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ (وَلَوْ مَاتُوا بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ وَجَبَتْ) الْوَصِيَّةُ بِقَدْرِ إدْرَاكِهِمْ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وَأَمَّا مَنْ أَفْطَرَ عَمْدًا فَوُجُوبُهَا عَلَيْهِ بِالْأَوْلَى (وَفَدَى) لُزُومًا (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمَيِّتِ (وَلِيُّهُ) الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ (كَالْفِطْرَةِ) قَدْرًا (بَعْدَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَضَاءِ الصَّوْمِ (وَفَوْتِهِ) أَيْ فَوْتِ الْقَضَاءِ بِالْمَوْتِ فَلَوْ فَاتَهُ عَشْرَةُ أَيَّامٍ فَقَدَرَ عَلَى خَمْسَةٍ فَدَاهَا فَقَطْ (بِوَصِيَّتِهِ مِنْ الثُّلُثِ) مُتَعَلِّقٌ بِفَدَى وَهَذَا لَوْ لَهُ وَارِثٌ وَإِلَّا فَمِنْ الْكُلِّ قُهُسْتَانِيٌّ (وَإِنْ) لَمْ يُوصِ   [رد المحتار] صَنِيعِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُتُونِ اخْتِصَاصُ هَذَا الْحُكْمِ بِالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ كَذَلِكَ، لَكِنْ يَتَنَاوَلُهُمَا عُمُومُ قَوْلِهِ فِي الْبَدَائِعِ مِنْ شَرَائِطِ الْقَضَاءِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْقَضَاءِ فَعَلَى هَذَا إذَا زَالَ الْخَوْفُ أَيَّامًا لَزِمَهُمَا بِقَدْرِهِ بَلْ وَلَا خُصُوصِيَّةَ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ وَمَاتَ قَبْلَ زَوَالِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَيَدْخُلُ الْمُكْرَهُ وَالْأَقْسَامُ الثَّمَانِيَةُ. اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ الرَّحْمَتِيِّ (قَوْلُهُ أَيْ فِي ذَلِكَ الْعُذْرِ) عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ فِي مُدَّتِهِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ إدْرَاكِهِمْ إلَخْ) أَيْ فَلَمْ يَلْزَمْهُمْ الْقَضَاءُ وَوُجُوبُ الْوَصِيَّةِ فَرْعُ لُزُومِ الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى ط (قَوْلُهُ بِقَدْرِ إدْرَاكِهِمْ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّةَ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ أَدَاءَ الْوَاجِبِ لَمْ يَجُزْ فِيهَا قُهُسْتَانِيٌّ. وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَادِرٍ فِيهَا عَلَى الْقَضَاءِ شَرْعًا بَلْ هُوَ أَعْجَزُ فِيهَا مِنْ أَيَّامِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ لِأَنَّهُ لَوْ صَامَ فِيهَا أَجْزَأَهُ وَلَوْ صَامَ فِي الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ لَمْ يُجْزِهِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ فَوُجُوبُهَا عَلَيْهِ بِالْأَوْلَى) رَدٌّ لِمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْعُذْرِ يُفِيدُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ، لَكِنْ ذَكَرَ بَعْدَهُ أَنَّ فِي دِيبَاجَةِ الْمُسْتَصْفَى دَلَالَةً عَلَى الْإِجْزَاءِ. قُلْت: وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّهُ إذَا أَفْطَرَ لِعُذْرٍ وَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ وَلَمْ يَتْرُكْ هَمْلًا فَوُجُوبُهَا عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ أَوْلَى فَافْهَمْ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ وَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ إدْرَاكُ زَمَانٍ يَقْضِي فِيهِ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ الْأَدَاءُ وَقَدْ فَوَّتَهُ بِدُونِ عُذْرٍ (قَوْلُهُ وَفَدَى عَنْهُ وَلِيُّهُ) لَمْ يَقُلْ عَنْهُمْ وَلِيُّهُمْ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ مَاتُوا مَوْتَ أَحَدِهِمْ أَيًّا كَانَ لَا مَوْتُهُمْ جُمْلَةً (قَوْلُهُ لُزُومًا) أَيْ فِدَاءً لَازِمًا فَهُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ يَلْزَمُ الْوَلِيَّ الْفِدَاءُ عَنْهُ مِنْ الثُّلُثِ إذَا أَوْصَى وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ بَلْ يَجُوزُ قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَعَلَى هَذَا الزَّكَاةُ لَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ إخْرَاجُهَا عَنْهُ إلَّا إذَا أَوْصَى إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ الْوَارِثُ بِإِخْرَاجِهَا (قَوْلُهُ الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَلِيِّ مَا يَشْمَلُ الْوَصِيَّ كَمَا فِي الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ قَدَرًا) أَيْ التَّشْبِيهُ بِالْفِطْرَةِ مِنْ حَيْثُ الْقَدَرُ إذْ لَا يُشْتَرَطُ التَّمْلِيكُ هُنَا بَلْ تَكْفِي الْإِبَاحَةُ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ وَكَذَا هِيَ مِثْلُ الْفِطْرَةِ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ وَجَوَازُ أَدَاءِ الْقِيمَةِ. وَقَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَإِطْلَاقُ كَلَامِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَى فَقِيرٍ جُمْلَةً جَازَ وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْعَدَدُ وَلَا الْمِقْدَارُ، لَكِنْ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَبِهِ يُفْتَى اهـ أَيْ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ عَلَى قَوْلٍ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ بَعْدَ قُدْرَتِهِ) أَيْ الْمَيِّتِ وَقَوْلُهُ وَفَوْتِهِ مَصْدَرٌ مَعْطُوفٌ عَلَى قُدْرَتِهِ، وَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَفَدَى. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ الْفِدَاءُ إذَا مَاتَ بَعْدَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقَضَاءِ وَفَوْتِهِ بِالْمَوْتِ (قَوْلُهُ فَلَوْ فَاتَهُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ بِقَدْرِ إدْرَاكِهِمْ أَوْ عَلَى قَوْلِهِ بَعْدَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَفْدِي عَمَّا أَدْرَكَهُ وَفَوَّتَهُ دُونَ مَا لَمْ يُدْرِكْهُ وَأَشَارَ بِهِ إلَى رَدِّ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ وَالْفِدَاءُ عَنْ جَمِيعِ الشَّهْرِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى يَوْمٍ، فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي النَّذْرِ فَقَطْ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ آخِرَ الْبَابِ، أَمَّا هُنَا فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْوُجُوبَ بِقَدْرِ الْقُدْرَةِ فَقَطْ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ مِنْ الثُّلُثِ) أَيْ ثُلُثِ مَالِهِ بَعْدَ تَجْهِيزِهِ وَإِيفَاءِ دُيُونِ الْعِبَادِ، فَلَوْ زَادَتْ الْفِدْيَةُ عَلَى الثُّلُثِ لَا يَجِبُ الزَّائِدُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ إخْرَاجُهَا مِنْ الثُّلُثِ فَقَطْ لَوْ لَهُ وَارِثٌ لَمْ يَرْضَ بِالزَّائِدِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَتَخْرُجُ مِنْ الْكُلِّ: أَيْ لَوْ بَلَغَتْ كُلَّ الْمَالِ تَخْرُجُ مِنْ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ مَنْعَ الزِّيَادَةِ لِحَقِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 وَ (تَبَرَّعَ وَلِيُّهُ بِهِ جَازَ) إنْ شَاءَ اللَّهُ وَيَكُونُ الثَّوَابُ لِلْوَلِيِّ اخْتِيَارٌ (وَإِنْ صَامَ أَوْ صَلَّى عَنْهُ) الْوَلِيُّ (لَا) لِحَدِيثِ النَّسَائِيّ «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَكِنْ يُطْعِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ» (وَكَذَا) يَجُوزُ (لَوْ تَبَرَّعَ عَنْهُ) وَلِيُّهُ (بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ) بِإِطْعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ (بِغَيْرِ إعْتَاقٍ) .   [رد المحتار] الْوَارِثِ، فَحَيْثُ لَا وَارِثَ فَلَا مَنْعَ كَمَا لَوْ كَانَ وَأَجَازَ وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ مِمَّنْ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ كَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، فَتَنْفُذُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثُّلُثِ بَعْدَ أَخْذِ الْوَارِثِ فَرْضَهُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ آخِرَ الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ جَازَ) إنْ أُرِيدَ بِالْجَوَازِ أَنَّهَا صَدَقَةٌ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَهَا فَحَسَنٌ، وَإِنْ أُرِيدَ سُقُوطُ وَاجِبِ الْإِيصَاءِ عَنْ الْمَيِّتِ مَعَ مَوْتِهِ مُصِرًّا عَلَى التَّقْصِيرِ فَلَا وَجْهَ لَهُ وَالْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِيهِ مُؤَوَّلَةٌ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْمُجْتَبَى. أَقُولُ: لَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ بِهِ سُقُوطُ الْمُطَالَبَةِ عَنْ الْمَيِّتِ بِالصَّوْمِ فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ إثْمُ التَّأْخِيرِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنُ عَبْدٍ وَمَاطَلَهُ بِهِ حَتَّى مَاتَ فَأَوْفَاهُ عَنْهُ وَصِيُّهُ أَوْ غَيْرُهُ وَيُؤَيِّدُهُ تَعْلِيقُ الْجَوَازِ بِالْمَشِيئَةِ كَمَا نُقَرِّرُهُ وَكَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ وَإِنْ صَامَ أَوْ صَلَّى عَنْهُ فَإِنَّ مَعْنَاهُ لَا يَجُوزُ قَضَاءٌ عَمَّا عَلَى الْمَيِّتِ، وَإِلَّا فَلَوْ جَعَلَ لَهُ ثَوَابَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ يَجُوزُ كَمَا نَذْكُرُهُ، فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ جَازَ أَيْ عَمَّا عَلَى الْمَيِّتِ لِتَحْسُنَ الْمُقَابَلَةُ (قَوْلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ) قَبْلَ الْمَشِيئَةِ لَا تَرْجِعُ لِلْجَوَازِ بَلْ لِلْقَبُولِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ جَزَمَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فِدْيَةِ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَعَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ فِيمَنْ أُلْحِقَ بِهِ كَمَنْ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى صَارَ فَانِيًا، وَكَذَا مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَقَدْ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ إلَّا أَنَّهُ فَرَّطَ فِي الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا عَلَّقَ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ بِهَذَا كَمَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ، وَكَذَا عَلَّقَ فِي فِدْيَةِ الصَّلَاةِ لِذَلِكَ، قَالَ فِي الْفَتْحِ وَالصَّلَاةُ كَالصَّوْمِ بِاسْتِحْسَانِ الْمَشَايِخِ. وَجْهُهُ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ قَدْ ثَبَتَتْ شَرْعًا بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ثَابِتَةٌ وَمِثْلُ مِثْلِ الشَّيْءِ جَازَ أَنْ يَكُونَ مِثْلًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ وَعَلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ يَجِبُ الْإِطْعَامُ وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهَا لَا يَجِبُ فَالِاحْتِيَاطُ فِي الْإِيجَابِ فَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ ثُبُوتَ الْمُمَاثَلَةِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ الَّذِي هُوَ السُّقُوطُ وَإِلَّا كَانَ بِرًّا مُبْتَدَأً يَصْلُحُ مَاحِيًا لِلسَّيِّئَاتِ، وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِيهِ يُجْزِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ جَزْمٍ كَمَا قَالَ فِي تَبَرُّعِ الْوَارِثِ بِالْإِطْعَامِ بِخِلَافِ إيصَائِهِ بِهِ عَنْ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ جَزَمَ بِالْإِجْزَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَكُونُ الثَّوَابُ لِلْوَلِيِّ اخْتِيَارٌ) أَقُولُ: الَّذِي رَأَيْته فِي الِاخْتِيَارِ هَكَذَا وَإِنْ لَمْ يُوصِ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَرَثَةِ الْإِطْعَامُ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا تُؤَدَّى إلَّا بِأَمْرِهِ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ جَازَ وَيَكُونُ لَهُ ثَوَابٌ. اهـ. وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ الضَّمِيرَ فِي لَهُ لِلْمَيِّتِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْوَصِيَّ إنَّمَا تَصَدَّقَ عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَنْ نَفْسِهِ فَيَكُونُ الثَّوَابُ لِلْمَيِّتِ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا أَوْ صَدَقَةً أَوْ غَيْرَهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْجَنَائِزِ قُبَيْلَ بَابِ الشَّهِيدِ فَتَذَكَّرْهُ بِالْمُرَاجَعَةِ نَعَمْ ذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ عَنْ غَيْرِهِ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ النَّسَائِيّ إلَخْ) هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَمَّا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ فَقَالَ: لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ أَكُنْت قَاضِيَهُ عَنْهَا؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ» فَهُوَ مَنْسُوخٌ لِأَنَّ فَتْوَى الرَّاوِي عَلَى خِلَافِ مَرْوِيِّهِ بِمَنْزِلَةِ رِوَايَتِهِ لِلنَّاسِخِ وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ أَسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ بِالْمَدِينَةِ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَمَرَ أَحَدًا يَصُومُ عَنْ أَحَدٍ، وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ النَّسْخَ وَأَنَّهُ الْأَمْرُ الَّذِي اسْتَقَرَّ الشَّرْعُ عَلَيْهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَشَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْقَارِيِّ (قَوْلُهُ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ إلَخْ) كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالدُّرَرِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَقُولُ: لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُ الْوَارِثِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا ابْتِدَاءُ عِتْقِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْوَارِثِ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ وَالصَّوْمُ فِيهَا بَدَلٌ عَنْ الْإِعْتَاقِ لَا تَصِحُّ فِيهِ الْفِدْيَةُ كَمَا سَيَأْتِي وَلَيْسَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ بِلَا رِضَاهُ (وَفِدْيَةُ كُلِّ صَلَاةٍ وَلَوْ وِتْرًا) كَمَا مَرَّ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ (كَصَوْمِ يَوْمٍ) عَلَى الْمَذْهَبِ وَكَذَا الْفِطْرَةُ وَالِاعْتِكَافُ الْوَاجِبُ يُطْعِمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ كَالْفِطْرَةِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة.   [رد المحتار] فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ إطْعَامٌ وَلَا كِسْوَةٌ فَجَعْلُهَا مُشَارِكَةً لِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِيهِمَا سَهْوٌ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ. وَأَجَابَ الْعَلَّامَةُ الْأَقْصِرَائِيُّ كَمَا نَقَلَهُ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْقَتْلِ قَتْلُ الصَّيْدِ لَا قَتْلُ النَّفْسِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إطْعَامٌ. اهـ. قُلْت: وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ الصَّوْمَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ لَيْسَ أَصْلًا بَلْ هُوَ بَدَلٌ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ أَنْ يُشْتَرَى بِقِيمَتِهِ هَدْيٌ يُذْبَحُ فِي الْحَرَمِ أَوْ طَعَامٌ يُتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى كُلِّ فَقِيرٍ نِصْفُ صَاعٍ أَوْ يَصُومُ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا فَافْهَمْ. قُلْت: وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْفِدْيَةِ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ بِدَلِيلِ مَا فِي الْكَافِي النَّسَفِيِّ عَلَى مُعْسِرٍ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ وَعَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ لَمْ تَجُزْ الْفِدْيَةُ كَمُتَمَتِّعٍ عَجَزَ عَنْ الدَّمِ وَالصَّوْمِ لِأَنَّ الصَّوْمَ هُنَا بَدَلٌ وَلَا بَدَلَ لِلْبَدَلِ، فَإِنْ مَاتَ وَأَوْصَى بِالتَّكْفِيرِ صَحَّ مِنْ ثُلُثِهِ، وَصَحَّ التَّبَرُّعُ فِي الْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ، لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ بِلَا إيصَاءٍ إلْزَامُ الْوَلَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا إلْزَامَ فِي الْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ اهـ. فَقَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ وَأَوْصَى بِالتَّكْفِيرِ صَحَّ ظَاهِرٌ فِي الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ، وَبِهِ يُتَخَصَّصُ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْفِدْيَةُ عَنْ صَوْمٍ هُوَ بَدَلٌ مِنْ غَيْرِهِ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ وَأَوْصَى بِالتَّكْفِيرِ شَامِلٌ لِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِالْإِعْتَاقِ بِخِلَافِ التَّبَرُّعِ بِهِ، وَلِذَا قَيَّدَ صِحَّةَ التَّبَرُّعِ بِالْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ وَصَرَّحَ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْإِعْتَاقِ فِيهِ وَهَذَا قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّبَرُّعُ بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَقَطْ لِأَنَّ كَفَّارَةَ الْقَتْلِ لَيْسَ فِيهَا كِسْوَةٌ وَلَا إطْعَامٌ. فَتَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِ الْكَافِي أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ صَوْمٍ هُوَ بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ لَوْ فَدَى عَنْ نَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ بِأَنْ كَانَ شَيْخًا فَانِيًا لَا يَصِحُّ فِي الْكَفَّارَتَيْنِ، وَلَوْ أَوْصَى بِالْفِدْيَةِ يَصِحُّ فِيهِمَا، وَلَوْ تَبَرَّعَ عَنْهُ وَلِيُّهُ لَا يَصِحُّ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا الْعِتْقُ وَلَا يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ وَيَصِحُّ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَكِنْ فِي الْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ دُونَ الْإِعْتَاقِ لِمَا قُلْنَا هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ هَذَا الْمَقَامُ فَاغْتَنِمْهُ فَقَدْ زَلَّتْ فِيهِ أَقْدَامُ الْأَفْهَامِ (قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ «الْوَلَاءَ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ نَفْعًا مَحْضًا لِأَنَّ الْمَوْلَى يَصِيرُ عَاقِلَةَ عَتِيقِهِ وَكَذَا عَصَبَاتُهُ بَعْدُ مَوْتِهِ. وَلَا يَرُدُّ مَا مَرَّ عَنْ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْعِتْقِ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا إعْتَاقُهُ عَلَى وَجْهِ النِّيَابَةِ عَنْ الْمَيِّتِ بَدَلًا عَنْ صِيَامِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَجَعَلَ ثَوَابَهُ لِلْمَيِّتِ فَإِنَّ الْإِعْتَاقَ يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ أَصَالَةً وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الثَّوَابُ لِلْمَيِّتِ وَبِخِلَافِ التَّبَرُّعِ عَنْهُ بِالْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ لِعَدَمِ الْإِلْزَامِ. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ إلَخْ) تَقَدَّمَ هُنَاكَ بَيَانُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَالٌ أَوْ كَانَ الثُّلُثُ لَا يَفِي بِمَا عَلَيْهِ مَعَ بَيَانِ كَيْفِيَّةِ فِعْلِهَا (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ أَوَّلًا مِنْ أَنَّهُ يُطْعِمُ عَنْهُ لِصَلَوَاتِ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ كَصَوْمِهِ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ كُلُّ صَلَاةٍ فَرْضٍ كَصَوْمِ يَوْمٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْفِطْرَةُ) أَيْ فِطْرَةُ الشَّهْرِ بِتَمَامِهِ كَفِدْيَةِ صَوْمِ يَوْمٍ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا كَالْفِطْرَةِ، وَيُمْكِنُ عَوْدُ التَّشْبِيهِ إلَى مَسْأَلَةِ التَّبَرُّعِ وَقَالَ ح: قَوْلُهُ وَكَذَا الْفِطْرَةُ أَيْ يُخْرِجُهَا الْوَلِيُّ بِوَصِيَّتِهِ (قَوْلُهُ يُطْعِمُ عَنْهُ) أَيْ مِنْ الثُّلُثِ لُزُومًا إنْ أَوْصَى وَإِلَّا جَوَازًا وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ الزَّكَاةَ وَالْحَجَّ وَالْكَفَّارَةَ مِنْ الْوَارِثِ تُجْزِيهِ بِلَا خِلَافٍ اهـ أَيْ وَلَوْ بِدُونِ وَصِيَّتِهِ كَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا كَانَ عِبَادَةً بَدَنِيَّةً فَإِنَّ الْوَصِيَّ يُطْعِمُ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ عَنْ كُلِّ وَاجِبٍ كَالْفِطْرَةِ وَالْمَالِيَّةِ كَالزَّكَاةِ، يُخْرِجُ عَنْهُ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ وَالْمَرْكَبُ كَالْحَجِّ يُحِجُّ عَنْهُ رَجُلًا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ بَحْرٌ. (وَلِلشَّيْخِ الْفَانِي الْعَاجِزِ عَنْ الصَّوْمِ الْفِطْرُ وَيَفْدِي) وُجُوبًا وَلَوْ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَبِلَا تَعَدُّدِ فَقِيرٍ كَالْفِطْرَةِ لَوْ مُوسِرًا وَإِلَّا فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ هَذَا إذَا كَانَ الصَّوْمُ أَصْلًا بِنَفْسِهِ وَخُوطِبَ بِأَدَائِهِ، حَتَّى لَوْ لَزِمَهُ الصَّوْمُ لِكَفَّارَةِ يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ ثُمَّ عَجَزَ لَمْ تَجُزْ الْفِدْيَةُ لِأَنَّ الصَّوْمَ هُنَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ مُسَافِرًا فَمَاتَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ لَمْ يَجِبْ الْإِيصَاءُ، وَمَتَى قَدَرَ قَضَى لِأَنَّ اسْتِمْرَارَ الْعَجْزِ شَرْطُ الْخَلْفِيَّةِ وَهَلْ تَكْفِي الْإِبَاحَةُ فِي الْفِدْيَةِ؟ قَوْلَانِ   [رد المحتار] هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِهِ، أَمَّا الزَّكَاةُ فَقَدْ نَقَلْنَاهُ قَبْلَهُ عَنْ السِّرَاجِ، وَأَمَّا الْحَجُّ فَمُقْتَضَى مَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْحَجِّ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْفَاعِلِ وَلِلْمَيِّتِ الثَّوَابُ فَقَطْ، وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَقَدْ مَرَّتْ مَتْنًا (قَوْلُهُ وَالْمَالِيَّةُ) الْأَوْلَى أَوْ مَالِيَّةٌ وَكَذَا قَوْلُهُ وَالْمَرْكَبُ الْأَوْلَى أَوْ مَرْكَبَةٌ. (قَوْلُهُ وَلِلشَّيْخِ الْفَانِي) أَيْ الَّذِي فَنِيَتْ قُوَّتُهُ أَوْ أَشْرَفَ عَلَى الْفِنَاءِ، وَلِذَا عَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ الَّذِي كُلَّ يَوْمٍ فِي نَقْصٍ إلَى أَنْ يَمُوتَ نَهْرٌ، وَمِثْلُهُ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ: الْمَرِيضُ إذَا تَحَقَّقَ الْيَأْسُ مِنْ الصِّحَّةِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْ الْمَرَضِ اهـ وَكَذَا مَا فِي الْبَحْرِ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْأَبَدِ فَضَعُفَ عَنْ الصَّوْمِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْمَعِيشَةِ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ وَيُفْطِرَ لِأَنَّهُ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ الْعَاجِزُ عَنْ الصَّوْمِ) أَيْ عَجْزًا مُسْتَمِرًّا كَمَا يَأْتِي، أَمَّا لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لِشِدَّةِ الْحَرِّ كَانَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيَقْضِيَهُ فِي الشِّتَاءِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيَفْدِي وُجُوبًا) لِأَنَّ عُذْرَهُ لَيْسَ بِعَرَضِيٍّ لِلزَّوَالِ حَتَّى يَصِيرَ إلَى الْقَضَاءِ فَوَجَبَتْ الْفِدْيَةُ نَهْرٌ، ثُمَّ عِبَارَةُ الْكَنْزِ وَهُوَ يَفْدِي إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى غَيْرِهِ الْفِدَاءُ لِأَنَّ نَحْوَ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ فِي عُرْضَةِ الزَّوَالِ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ وَعِنْدَ الْعَجْزِ بِالْمَوْتِ تَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِالْفِدْيَةِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ) أَيْ يُخَيَّرُ بَيْنَ دَفْعِهَا فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَبِلَا تَعَدُّدِ فَقِيرٍ) أَيْ بِخِلَافِ نَحْوِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِلنَّصِّ فِيهَا عَلَى التَّعَدُّدِ، فَلَوْ أَعْطَى هُنَا مِسْكِينًا صَاعًا عَنْ يَوْمَيْنِ جَازَ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُجْزِيهِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ أَعْطَى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ لِمَسَاكِينَ يَجُوزُ قَالَ الْحَسَنُ وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ لَوْ مُوسِرًا) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ يَفْدِي وُجُوبًا (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ) هَذَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ عَقِيبَ مَسْأَلَةِ نَذْرِ الْأَبَدِ إذَا اشْتَغَلَ عَنْ الصَّوْمِ بِالْمَعِيشَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَيْهَا دُونَ مَا قَبْلَهَا مِنْ مَسْأَلَةِ الشَّيْخِ الْفَانِي لِأَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ بِوَجْهٍ بِخِلَافِ النَّاذِرِ لِأَنَّهُ بِاشْتِغَالِهِ بِالْمَعِيشَةِ عَنْ الصَّوْمِ رُبَّمَا حَصَلَ مِنْهُ نَوْعُ تَقْصِيرٍ وَإِنْ كَانَ اشْتِغَالُهُ بِهَا وَاجِبًا لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْجِيحِ حَظِّ نَفْسِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ عَلَى الشَّيْخِ الْفَانِي وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ أَصْلًا بِنَفْسِهِ) كَرَمَضَانَ وَقَضَائِهِ وَالنَّذْرِ كَمَا مَرَّ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ الْأَبَدِ، وَكَذَا لَوْ نَذَرَ صَوْمًا مُعَيَّنًا فَلَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ فَانِيًا جَازَتْ لَهُ الْفِدْيَةُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ لَزِمَهُ الصَّوْمُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ أَصْلًا بِنَفْسِهِ، وَقَيَّدَ بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ احْتِرَازًا عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ إذَا عَجَزَ عَنْ الْإِعْتَاقِ لِإِعْسَارِهِ وَعَنْ الصَّوْمِ لِكِبَرِهِ، فَلَهُ أَنْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا لِأَنَّ هَذَا صَارَ بَدَلًا عَنْ الصِّيَامِ بِالنَّصِّ وَالْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الصِّيَامِ بَلْ الصِّيَامُ بَدَلٌ عَنْهُ سِرَاجٌ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَكَذَا لَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَنْ أَذًى وَلَمْ يَجِدْ نُسُكًا يَذْبَحُهُ وَلَا ثَلَاثَةَ آصُعٍ حِنْطَةً يُفَرِّقُهَا عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينِ وَهُوَ فَانٍ لَمْ يَسْتَطِعْ الصِّيَامَ فَأَطْعَمَ عَنْ الصِّيَامِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ بَدَلٌ (قَوْلُهُ لَمْ تَجُزْ الْفِدْيَةُ) أَيْ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِهَا كَمَا مَرَّ تَحْرِيرُهُ (قَوْلُهُ وَلَهُ كَانَ) أَيْ الْعَاجِزُ عَنْ الصَّوْمِ وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ وَخُوطِبَ بِأَدَائِهِ (قَوْلُهُ لَمْ يَجِبْ الْإِيصَاءُ) عَبَّرَ عَنْهُ الشُّرَّاحُ بِقَوْلِهِمْ قَبْلُ " لَمْ يَجِبْ " لِأَنَّ الْفَانِيَ يُخَالِفُ غَيْرَهُ فِي التَّخْفِيفِ لَا فِي التَّغْلِيظِ، وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْأَوْلَى الْجَزْمُ بِهِ لِاسْتِفَادَتِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الْمُسَافِرَ إذَا لَمْ يُدْرِكْ عِدَّةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ وَلَعَلَّهَا لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَلَمْ يَجْزِمُوا بِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَتَى قَدَرَ) أَيْ الْفَانِي الَّذِي أَفْطَرَ وَفَدَى (قَوْلُهُ شُرِطَ الْخَلَفِيَّةُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 الْمَشْهُورُ نَعَمْ، وَاعْتَمَدَهُ الْكَمَالُ (وَلَزِمَ نَفْلٌ شُرِعَ فِيهِ قَصْدًا) كَمَا فِي الصَّلَاةِ، فَلَوْ شَرَعَ ظَنَّا فَأَفْطَرَ أَيْ فَوْرًا فَلَا قَضَاءَ أَمَّا لَوْ مَضَى سَاعَةٌ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ بِمُضِيِّهَا صَارَ كَأَنَّهُ نَوَى الْمُضِيَّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ تَجْنِيسٌ وَمُجْتَبًى (أَدَاءً وَقَضَاءً) أَيْ يَجِبُ إتْمَامُهُ فَإِنْ فَسَدَ وَلَوْ بِعُرُوضِ حَيْضٍ فِي الْأَصَحِّ وَجَبَ الْقَضَاءُ (إلَّا فِي الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ) فَلَا يَلْزَمُ لِصَيْرُورَتِهِ صَائِمًا بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فَيَصِيرُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ. أَمَّا بِالصَّلَاةِ فَلَا يَكُونُ مُصَلِّيًا مَا لَمْ يَسْجُدْ بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ (وَلَا يُفْطِرُ) الشَّارِعُ فِي نَفْلٍ (بِلَا عُذْرٍ فِي رِوَايَةٍ)   [رد المحتار] أَيْ فِي الصَّوْمِ أَيْ كَوْنُ الْفِدْيَةِ خَلَفًا عَنْهُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالصَّوْمِ لِيَخْرُجَ الْمُتَيَمِّمُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ الْمُؤَدَّاةُ بِالتَّيَمُّمِ لِأَنَّ خَلَفِيَّةَ التَّيَمُّمِ مَشْرُوطَةٌ بِمُجَرَّدِ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ لَا بِقَيْدِ دَوَامِهِ وَكَذَا خَلَفِيَّةُ الْأَشْهُرِ عَنْ الْأَقْرَاءِ فِي الِاعْتِدَادِ مَشْرُوطَةٌ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ مَعَ سِنِّ الْيَأْسِ لَا بِشَرْطِ دَوَامِهِ، حَتَّى لَا تَبْطُلَ الْأَنْكِحَةُ الْمَاضِيَةُ بِعَوْدِ الدَّمِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَيْضِ (قَوْلُهُ الْمَشْهُورُ نَعَمْ) فَإِنَّ مَا وَرَدَ بِلَفْظِ الْإِطْعَامِ جَازَ فِيهِ الْإِبَاحَةُ وَالتَّمْلِيكُ بِخِلَافِ مَا بِلَفْظِ الْأَدَاءِ وَالْإِيتَاءِ فَإِنَّهُ لِلتَّمْلِيكِ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ وَغَيْرِهِ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَلَا قَضَاءَ) يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ نَوَى صَوْمَ الْقَضَاءِ نَهَارًا فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُتَنَفِّلًا وَإِنْ أَفْطَرَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ كَمَا إذَا نَوَى الصَّوْمَ ابْتِدَاءً وَقَدَّمَ جَوَابَهُ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ تَجْنِيسٌ) نَصُّ عِبَارَتِهِ إذَا دَخَلَ الرَّجُلُ فِي الصَّوْمِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُفْطِرْ، وَلَكِنْ مَضَى عَلَيْهِ سَاعَةٌ، ثُمَّ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ لَمَّا مَضَى عَلَيْهِ سَاعَةٌ صَارَ كَأَنَّهُ نَوَى فِي هَذِهِ السَّاعَةِ فَإِذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ صَارَ شَارِعًا فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ ضَمِيرَ مُضِيِّ لِلصَّائِمِ وَضَمِيرَ عَلَيْهِ لِلصَّوْمِ وَأَنَّ سَاعَةَ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ: أَيْ إذَا تَذَكَّرَ وَمَضَى هُوَ عَلَى صَوْمِهِ سَاعَةً بِأَنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ مُفْطِرًا وَلَا عَزَمَ عَلَى الْفِطْرِ صَارَ كَأَنَّهُ نَوَى الصَّوْمَ فَيَصِيرُ شَارِعًا إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ، وَلَوْ كَانَ سَاعَةٌ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ مَضَى كَمَا هُوَ ظَاهِرُ تَقْرِيرِ الشَّارِحِ يَلْزَمُ أَنَّهُ لَوْ مَضَتْ السَّاعَةُ يَصِيرُ شَارِعًا وَإِنْ عَزَمَ وَقْتَ التَّذَكُّرِ عَلَى الْفِطْرِ مَعَ أَنَّ عَزْمَهُ عَلَى الْفِطْرِ يُنَافِي كَوْنَهُ فِي مَعْنَى النَّاوِي لِلصَّوْمِ وَإِنْ كَانَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ لِأَنَّ الصَّائِمَ إذَا نَوَى الْفِطْرَ لَا يُفْطِرُ لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي جَعْلِهِ شَارِعًا فِي صَوْمٍ مُبْتَدَإٍ لَا فِي إبْقَائِهِ عَلَى صَوْمِهِ السَّابِقِ وَلِذَا اُشْتُرِطَ كَوْنُ ذَلِكَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَيْ يَجِبُ إتْمَامُهُ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ لَزِمَ وَلِقَوْلِهِ أَدَاءً ط (قَوْلُهُ وَلَوْ بِعُرُوضِ حَيْضٍ) أَيْ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ بَيْنَ مَا إذَا أَفْسَدَهُ قَصْدًا وَلَا خِلَافَ فِيهِ أَوْ بِلَا قَصْدٍ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ نَقْلِهِ عَدَمَ الْخِلَافِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَجَبَ الْقَضَاءُ) أَيْ فِي غَيْرِ الْأَيَّامِ الْخَمْسَةِ الْآتِيَةِ، وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ قَضَاءً ط (قَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُ) أَيْ لَا أَدَاءً وَلَا قَضَاءً إذَا أَفْسَدَهُ (قَوْلُهُ فَيَصِيرُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ) فَلَا تَجِبُ صِيَانَتُهُ بَلْ يَجِبُ إبْطَالُهُ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ يَنْبَنِي عَلَى وُجُوبِ الصِّيَانَةِ فَلَمْ يَجِبْ قَضَاءً كَمَا لَمْ يَجِبْ أَدَاءً، بِخِلَافِ مَا إذَا نَذَرَ صِيَامَ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ وَيَقْضِيهِ فِي غَيْرِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ بِنَفْسِ النَّذْرِ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ وَإِنَّمَا الْتَزَمَ طَاعَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَعْصِيَةَ بِالْفِعْلِ فَكَانَتْ مِنْ ضَرُورَاتِ الْمُبَاشَرَةِ لَا مِنْ ضَرُورَاتِ إيجَابِ الْمُبَاشَرَةِ مِنَحٌ مَعَ زِيَادَةٍ ط (قَوْلُهُ أَمَّا الصَّلَاةُ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ. حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ الصَّلَاةُ بِالشُّرُوعِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ كَمَا لَا يَجِبُ الصَّوْمُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ هَذَا الْقِيَاسَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُبَاشِرًا لِلْمَعْصِيَةِ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِيهَا بَلْ إلَى أَنْ يَسْجُدَ بِدَلِيلِ مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَسْجُدْ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ فَيُبَاشِرُ الْمَعْصِيَةَ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِيهَا مِنَحٌ وَفِيهِ أَنَّهُمْ عَدَّوْهُ شَارِعًا فِيهَا بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ، حَتَّى لَوْ أَفْسَدَهُ حِينَئِذٍ وَجَبَ قَضَاؤُهُ فَقَدْ تَحَقَّقَتْ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْيَمِينِ فَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ ط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 وَهِيَ الصَّحِيحَةُ وَفِي أُخْرَى يَحِلُّ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مِنْ نِيَّتِهِ الْقَضَاءِ وَاخْتَارَهَا الْكَمَالُ وَتَاجُ الشَّرِيعَةِ وَصَدْرُهَا فِي الْوِقَايَةِ وَشَرْحِهَا (وَالضِّيَافَةُ عُذْرٌ) لِلضَّيْفِ وَالْمُضِيفِ (إنْ كَانَ صَاحِبُهَا مِمَّنْ لَا يَرْضَى بِمُجَرَّدِ حُضُورِهِ وَيَتَأَذَّى بِتَرْكِ الْإِفْطَارِ) فَيُفْطِرُ (وَإِلَّا لَا) هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ظَهِيرِيَّةٌ.   [رد المحتار] قُلْت: صِحَّةُ الشُّرُوعِ لَا تَسْتَلْزِمُ تَحَقُّقَ الْحَقِيقَةِ الْمُرَكَّبَةِ مِنْ عِدَّةِ أَشْيَاءَ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَرْكَبَ قَدْ يَكُونُ جُزْؤُهُ كَالْكُلِّ فِي الِاسْمِ كَالْمَاءِ وَقَدْ لَا يَكُونُ كَالْحَيَوَانِ وَالصَّوْمُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ إمْسَاكَاتٍ مُتَّفِقَةِ الْحَقِيقَةِ كُلٌّ مِنْهَا صَوْمٌ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ أَبْعَاضَهَا مِنْ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقُعُودِ لَا تُسَمَّى صَلَاةً مَا لَمْ تَجْتَمِعْ وَذَلِكَ بِأَنْ يَسْجُدَ لَهَا فَمَا انْعَقَدَ قَبْلَ ذَلِكَ طَاعَةً مَحْضَةً وَمَا بَعْدَهُ لَهُ جِهَتَانِ، وَتَمَامُ تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحِلِّ يُطْلَبُ مِنْ التَّلْوِيحِ فِي أَوَّلِ فَصْلِ النَّهْيِ، وَأَمَّا بِنَاءُ مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ عَلَى الْعُرْفِ فَيَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الْعُرْفِ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ) وَهِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهَا فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْهَا بِرِوَايَةٍ بِالتَّنْكِيرِ لِإِشْعَارِهِ بِجَهَالَتِهَا، وَكَانَ حَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ إلَّا فِي رِوَايَةٍ فَيُقَرِّرَ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ ثُمَّ يَحْكِيَ غَيْرَهُ بِلَفْظِ التَّنْكِيرِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْكَنْزِ وَلِلْمُتَطَوِّعِ الْفِطْرُ بِغَيْرِ عُذْرٍ فِي رِوَايَةٍ فَأَفَادَ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ غَيْرُهَا رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَاخْتَارَهَا الْكَمَالُ) وَقَالَ إنَّ الْأَدِلَّةَ تَظَافَرَتْ عَلَيْهَا وَهِيَ أَوْجَهُ (قَوْلُهُ وَتَاجُ الشَّرِيعَةِ) هُوَ جَدُّ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَقَوْلُهُ: وَصَدْرُهَا أَيْ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ فِي الْوِقَايَةِ وَشَرْحِهَا لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ لِأَنَّ الْوِقَايَةَ لِتَاجِ الشَّرِيعَةِ وَاخْتَصَرَهَا صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَسَمَّاهُ [نُقَايَةُ الْوِقَايَةِ] ثُمَّ شَرَحَهُ فَالْوِقَايَةُ لِجَدِّهِ لَا لَهُ فَافْهَمْ وَالشَّرْحُ وَإِنْ كَانَ لِلنُّقَايَةِ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ مُخْتَصَرَةً مِنْ الْوِقَايَةِ صَحَّ جَعْلُهُ شَرْحًا لَهَا ثُمَّ إنَّ الشَّارِحَ قَدْ تَابَعَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ صَاحِبَ النَّهْرِ. وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ مَا نَسَبَهُ إلَى الْوِقَايَةِ وَشَرْحِهَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِمَا فَإِنَّ الَّذِي فِي الْوِقَايَةِ وَلَا يُفْطِرُ بِلَا عُذْرٍ فِي رِوَايَةٍ وَقَالَ فِي شَرْحِهَا أَيْ إذَا شَرَعَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِفْطَارُ بِلَا عُذْرٍ لِأَنَّهُ إبْطَالُ الْعَمَلِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَجُوزُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ خَلَفُهُ. اهـ. قُلْت: وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةٍ يُفْهِمُ أَنَّ مُعْظَمَ الرِّوَايَاتِ عَلَى خِلَافِهَا وَأَنَّهَا رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ وَأَنَّ مُخْتَارَهُ خِلَافَهَا لِإِشْعَارِ هَذَا اللَّفْظِ بِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ مُخْتَارَةً لَهُ لَجَزَمَ بِهَا وَلَمْ يَقُلْ فِي رِوَايَةٍ وَلِمَا تَبِعَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي النُّقَايَةِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا وَقَرَّرَ كَلَامَهُ فِي الشَّرْحِ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ بِشَيْءٍ عُلِمَ أَنَّهُ اخْتَارَهَا أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَالضِّيَافَةُ عُذْرٌ) بَيَانٌ لِبَعْضِ مَا دَخَلَ فِي قَوْلِهِ وَلَا يُفْطِرُ الشَّارِعُ فِي نَفْلٍ بِلَا عُذْرٍ، وَأَفَادَ تَقْيِيدُهُ بِالنَّفْلِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعُذْرٍ فِي الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ (قَوْلُهُ لِلضَّيْفِ وَالْمُضِيفِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْقُهُسْتَانِيُّ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ لَمْ تُوجَدْ رِوَايَةُ الْمُضِيفِ. قُلْت: لَكِنْ جَزَمَ بِهَا فِي الدُّرَرِ أَيْضًا وَيَشْهَدُ لَهَا قِصَّةُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالضَّيْفُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ ضِفْته أُضِيفُهُ ضَيْفًا وَضِيَافَةً وَالْمُضِيفُ بِضَمِّ الْمِيمِ مَنْ أَضَافَ غَيْرَهُ أَوْ بِفَتْحِهَا وَأَصْلُهُ مَضْيُوفٌ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ صَاحِبُهَا) أَيْ صَاحِبُ الضِّيَافَةِ وَكَذَا إذَا كَانَ الضَّيْفُ لَا يَرْضَى إلَّا بِأَكْلِهِ مَعَهُ وَيَتَأَذَّى بِتَقْدِيمِ الطَّعَامِ إلَيْهِ وَحْدَهُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ) وَقِيلَ هِيَ عُذْرٌ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا بَعْدَهُ وَقِيلَ عُذْرٌ إنْ وَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ بِالْقَضَاءِ دَفْعًا لِلْأَذَى عَنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: وَهُوَ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْيَمِينُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. اهـ. بَحْرٌ. قُلْت: وَيَتَعَيَّنُ تَقْيِيدُ الْقَوْلِ الصَّحِيحِ بِهَذَا الْأَخِيرِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَثِقْ مِنْ نَفْسِهِ بِالْقَضَاءِ يَكُونُ مَنَعَ نَفْسَهُ عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْإِثْمِ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ جَانِبِ صَاحِبِهِ، وَأَفَادَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ الْآتِي هَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ إلَخْ تَقْيِيدُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 (وَلَوْ حَلَفَ) رَجُلٌ عَلَى الصَّائِمِ (بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ إنْ لَمْ يُفْطِرْ أَفْطَرَ وَلَوْ) كَانَ صَائِمًا (قَضَاءً) وَلَا يُحَنِّثُهُ (عَلَى الْمُعْتَمَدِ) بَزَّازِيَّةٌ. وَفِي النَّهْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا هَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا إلَّا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ إلَى الْعَصْرِ لَا بَعْدَهُ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: دَعَاهُ أَحَدُ إخْوَانِهِ لَا يُكْرَهُ فِطْرُهُ لَوْ صَائِمًا غَيْرَ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَلَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ نَفْلًا إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الضَّرَرِ بِهِ   [رد المحتار] الصَّحِيحِ بِالْقَوْلِ الْآخَرِ أَيْضًا وَبِهِ حَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ) بِأَنْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ لَمْ تُفْطِرْ كَذَا فِي السِّرَاجِ وَكَذَا قَوْلُهُ عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَتُفْطِرَنَّ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ أَفْطَرَ) أَيْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ نَدْبًا دَفْعًا لِتَأَذِّي أَخِيهِ الْمُسْلِمِ (قَوْلُهُ وَلَا يُحَنِّثُهُ) أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُفْطِرْ يَحْنَثُ الْحَالِفُ وَلَا يَبَرُّ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ أَفْطَرَ سَوَاءٌ كَانَ حَلِفُهُ بِالتَّعْلِيقِ كَمَا مَرَّ أَوْ بِنَحْوِ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَتُفْطِرَنَّ. وَأَمَّا مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَالْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَمْلِكُ، وَمَا لَا يَمْلِكُ فَذَاكَ فِيمَا إذَا قَالَ لَا أَتْرُكُهُ يَفْعَلُ كَذَا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتْرُكُ فُلَانًا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الدَّارُ مِلْكَ الْحَالِفِ يَبَرُّ بِمَنْعِهِ بِالْقَوْلِ، وَلَوْ مَلَكَهُ أَيْ مُتَصَرِّفًا فِيهَا فَلَا بُدَّ مِنْ مَنْعِهِ بِالْفِعْلِ وَالْيَمِينِ فِيهِمَا عَلَى الْعِلْمِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ دَارِي، فَهُوَ عَلَى الدُّخُولِ عَلِمَ أَوْ لَا تَرَكَهُ أَوْ لَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ تَرَكْت امْرَأَتِي تَدْخُلُ دَارِي أَوْ دَارَ فُلَانٍ فَهُوَ عَلَى الْعِلْمِ، فَإِنْ عَلِمَ وَتَرَكَهَا حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت فَهُوَ عَلَى الدُّخُولِ كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ لِمَنْ يُرَاجِعُ أَيْمَانَ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، نَعَمْ وَقَعَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ عِبَارَةٌ مُوهِمَةٌ خِلَافَ مَا صَرَّحُوا بِهِ كَمَا سَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بَزَّازِيَّةٌ) عِبَارَتُهَا إنْ نَفْلًا أَفْطَرَ وَإِنْ قَضَاءً لَا وَالِاعْتِمَادُ أَنَّهُ يُفْطِرُ فِيهِمَا وَلَا يُحَنِّثُهُ اهـ وَقَدْ نَقَلَهَا فِي النَّهْرِ أَيْضًا بِهَذَا اللَّفْظِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَفِي النَّهْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ إلَخْ) أَقُولُ: ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ مَسْأَلَةَ الضِّيَافَةِ وَمَسْأَلَةَ الْحَلِفِ وَمَا فِيهِمَا مِنْ الْأَقْوَالِ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْإِفْطَارُ قَبْلَ الزَّوَالِ إلَخْ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ جَارٍ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا لَا قَوْلَ مُخَالِفٌ لَهَا فَتَأَيَّدَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ حُصُولِ الْجَمْعِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَاقِعَةٌ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ، وَالْمُرَادُ بِهَا مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ أَوْ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إلَى الْعَصْرِ لَا بَعْدَهُ) هَذِهِ الْغَايَةُ عَزَاهَا فِي النَّهْرِ إلَى السِّرَاجِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهَا أَنَّ قُرْبَ وَقْتِ الْإِفْطَارِ يَرْفَعُ ضَرَرَ الِانْتِظَارِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا بَعْدَهُ أَنَّ الْغَايَةَ دَاخِلَةٌ لَكِنَّهُ فِي السِّرَاجِ لَمْ يَقُلْ لَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ لَوْ صَائِمًا غَيْرَ قَضَاءِ رَمَضَانَ) أَمَّا هُوَ فَيُكْرَهُ فِطْرُهُ لِأَنَّ لَهُ حُكْمُ رَمَضَانَ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَظَاهِرُ اقْتِصَارِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَهُ الْفِطْرُ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ بِعُذْرِ الضِّيَافَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ قَضَاءَ رَمَضَانَ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ: وَيُفْطِرُ فِي النَّفْلِ بِعُذْرِ الضِّيَافَةِ فِي الْكَلَامِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ فِي غَيْرِ النَّفْلِ لَا يُفْطِرُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ فِي صَوْمِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ يُفْطِرُ اهـ فَأَنْتَ تَرَاهُ لَمْ يَسْتَثْنِ قَضَاءَ رَمَضَانَ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ جَرَى عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ فَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَسْتَثْنِيَ قَضَاءَ رَمَضَانَ حَمَوِيٌّ عَلَى الْأَشْبَاهِ بِتَصَرُّفٍ ط (قَوْلُهُ وَلَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ نَفْلًا إلَخْ) أَيْ يُكْرَهُ لَهَا ذَلِكَ كَمَا فِي السِّرَاجِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهَا الْإِفْطَارَ بَعْدَ الشُّرُوعِ رَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ فَهُوَ عُذْرٌ وَبِهِ تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ هُنَا تَأَمَّلْ، وَأَطْلَقَ النَّفَلَ فَشَمِلَ مَا أَصْلُهُ نَفْلٌ لَكِنْ وَجَبَ بِعَارِضٍ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَتَهُ عَنْ كُلِّ مَا كَانَ الْإِيجَابُ مِنْ جِهَتِهَا كَالتَّطَوُّعِ وَالنَّذْرِ وَالْيَمِينِ دُونَ مَا كَانَ مِنْ جِهَتِهِ تَعَالَى كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَكَذَا الْعَبْدُ إلَّا إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِالصَّوْمِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَرْأَةِ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الضَّرَرِ بِهِ) بِأَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا أَوْ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ صَوْمِ التَّطَوُّعِ، وَلَهَا أَنْ تَصُومَ وَإِنْ نَهَاهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْنَعُهَا لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْ الْوَطْءِ، وَأَمَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَصَوْمُهَا لَا يَضُرُّهُ فَلَا مَعْنَى لِلْمَنْعِ سِرَاجٌ، وَأَطْلَقَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ الْمَنْعَ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الْبَحْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 وَلَوْ فَطَّرَهَا وَجَبَ الْقَضَاءُ بِإِذْنِهِ أَوْ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ وَلَوْ صَامَ الْعَبْدُ وَمَا فِي حُكْمِهِ بِلَا إذْنِ الْمَوْلَى لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ فَطَّرَهُ قَضَى بِإِذْنِهِ أَوْ بَعْدَ الْعِتْقِ (وَلَوْ نَوَى مُسَافِرٌ الْفِطْرَ) أَوْ لَمْ يَنْوِ (فَأَقَامَ وَنَوَى الصَّوْمَ فِي وَقْتِهَا) قَبْلَ الزَّوَالِ (صَحَّ) مُطْلَقًا (وَيَجِبُ عَلَيْهِ) الصَّوْمُ (لَوْ) كَانَ (فِي رَمَضَانَ) لِزَوَالِ الْمُرَخِّصِ (كَمَا يَجِبُ عَلَى مُقِيمٍ إتْمَامُ) صَوْمِ (يَوْمٍ مِنْهُ) أَيْ رَمَضَانَ (سَافَرَ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ (وَ) لَكِنْ (لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لَوْ أَفْطَرَ فِيهِمَا) لِلشُّبْهَةِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ إلَّا إذَا دَخَلَ مِصْرَهُ لِشَيْءٍ نَسِيَهُ فَأَفْطَرَ   [رد المحتار] لِأَنَّ الصَّوْمَ يُهَزِّلُهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ يَطَؤُهَا الْآنَ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَعِنْدِي أَنَّ إحَالَةَ الْمَنْعِ عَلَى الضَّرَرِ وَعَدَمَهُ عَلَى عَدَمِهِ أَوْلَى لِلْقَطْعِ بِأَنَّ صَوْمَ يَوْمِ لَا يُهَزِّلُهَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْعُهُ عَنْ وَطْئِهَا وَذَلِكَ إضْرَارٌ بِهِ، فَإِنْ انْتَفَى بِأَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا جَازَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ فَطَّرَهَا إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ وَكَذَا فِي الْعَبْدِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: وَإِنْ أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ تَطَوُّعًا أَيْ بِالْحَجِّ بِلَا إذْنِ الزَّوْجِ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا وَكَذَا فِي الصَّلَوَاتِ (قَوْلُهُ أَوْ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ) أَيْ الصُّغْرَى، أَوْ الْكُبْرَى وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَا تَقْضِي فِي الرَّجْعِيِّ، وَلَوْ فَصَلَ هُنَا كَمَا فَصَلَ فِي الْحِدَادِ مِنْ كَوْنِ الرَّجْعَةِ مَرْجُوَّةً أَوْ لَا لَكَانَ حَسَنًا ط (قَوْلُهُ وَمَا فِي حُكْمِهِ) كَالْأَمَةِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) أَيْ يُكْرَهُ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَوْلَى غَائِبًا وَلَا ضَرَرَ لَهُ فِي ذَلِكَ اهـ أَيْ فَهُوَ كَالْمَرْأَةِ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّهُ لِأَنَّ مَنَافِعَهُمْ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ مَنَافِعَهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِلزَّوْجِ وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا اهـ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الْبَحْرِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَمْ يَبْقَ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ إلَّا فِي الْفَرَائِضِ وَأَمَّا فِي النَّوَافِلِ فَلَا اهـ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَجِيرُ وَفِي السِّرَاجِ: إنْ كَانَ صَوْمُهُ يَضُرُّ بِالْمُسْتَأْجِرِ بِنَقْصِ الْخِدْمَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَصُومَ تَطَوُّعًا إلَّا بِإِذْنِهِ وَإِلَّا فَلَهُ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْمَنْفَعَةِ فَإِذَا لَمْ تُنْتَقَصْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ وَأَمَّا بِنْتُ الرَّجُلِ وَأُمُّهُ وَأُخْتُهُ فَيَتَطَوَّعْنَ بِلَا إذْنِهِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي مَنَافِعِهِنَّ. اهـ. قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنَّ أَحَدَ الْوَالِدَيْنِ إذَا نَهَى الْوَلَدَ عَنْ الصَّوْمِ خَوْفًا عَلَيْهِ مِنْ الْمَرَضِ أَنْ يَكُونَ الْأَفْضَلُ إطَاعَتَهُ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ عَلَيْهِ بِالْإِفْطَارِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ نَوَى الْفِطْرَ غَيْرُ قَيْدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْوِ الْفِطْرَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ قَبْلَ الْأَكْلِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى، لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ مَعَ نِيَّةِ الْمُنَافِي فَمَعَ عَدَمِهَا أَوْلَى كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلِأَنَّ نِيَّةَ الْإِفْطَارِ لَا عِبْرَةَ بِهَا كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ الْآتِي وَلَوْ نَوَى الصَّائِمُ الْفِطْرَ إلَخْ (قَوْلُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ) أَيْ نِصْفَ النَّهَارِ وَقَبْلَ الْأَكْلِ (قَوْلُهُ صَحَّ) لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ وَلَا صِحَّةَ الشُّرُوعِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ نَفْلًا أَوْ نَذْرًا مُعَيَّنًا أَوْ أَدَاءَ رَمَضَانَ ح وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِي صَوْمٍ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْيِيتُ، فَلَوْ نَوَى مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْيِيتُ وَقَعَ نَفْلًا كَمَا تَقَدَّمَ مَا يُفِيدُهُ ط وَإِنْ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ صَحَّ صِحَّةَ الصَّوْمِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ عَمَّا نَوَاهُ فَالْمُرَادُ بِالْإِطْلَاقِ مَا يَشْمَلُ الْجَمِيعَ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ) أَيْ إنْشَاؤُهُ حَيْثُ صَحَّ مِنْهُ بِأَنْ كَانَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُنَافِيهِ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ كَحَائِضٍ طَهُرَتْ وَمَجْنُونٍ أَفَاقَ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ كَمَا يَجِبُ عَلَى مُقِيمٍ إلَخْ) لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْفَصْلِ أَنَّ السَّفَرَ لَا يُبِيحُ الْفِطْرَ، وَإِنَّمَا يُبِيحُ عَدَمَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ، فَلَوْ سَافَرَ بَعْدَ الْفَجْرِ لَا يَحِلُّ الْفِطْرُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَكَذَا لَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الصَّوْمَ لَيْلًا وَأَصْبَحَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُضَ عَزِيمَتَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَصْبَحَ صَائِمًا لَا يَحِلُّ فِطْرُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. اهـ. قُلْت: وَكَذَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِالْأَوْلَى لَوْ نَوَى نَهَارًا فَقَوْلُهُ لَيْلًا غَيْرُ قَيْدٍ (قَوْلُهُ فِيهِمَا) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْمُسَافِرِ إذَا أَقَامَ وَمَسْأَلَةُ الْمُقِيمِ إذَا سَافَرَ كَمَا فِي الْكَافِي النَّسَفِيِّ وَصَرَّحَ فِي الِاخْتِيَارِ بِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ فِي الثَّانِيَةِ. قَالَ ابْنُ الشَّلَبِيِّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: وَيَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَى مَا فِي الْكَافِي أَيْ مِنْ عَدَمِهِ فِيهِمَا. قُلْت: بَلْ عَزَاهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ إلَى الْهِدَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ أَيْضًا (قَوْلُهُ لِلشُّبْهَةِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَآخِرِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ، وَلَوْ نَوَى الصَّائِمُ الْفِطْرَ لَمْ يَكُنْ مُفْطِرًا كَمَا مَرَّ (كَمَا لَوْ نَوَى التَّكَلُّمَ فِي صَلَاتِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ) شَرْحُ الْوَهْبَانِيَّةِ قَالَ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ (وَقَضَى أَيَّامَ إغْمَائِهِ وَلَوْ) كَانَ الْإِغْمَاءُ (مُسْتَغْرِقًا لِلشَّهْرِ) لِنُدْرَةِ امْتِدَادِهِ (سِوَى يَوْمٍ حَدَثَ الْإِغْمَاءُ فِيهِ أَوْ فِي لَيْلَتِهِ) فَلَا يَقْضِيهِ إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ (وَفِي الْجُنُونِ إنْ لَمْ يَسْتَوْعِبْ) الشَّهْرَ (قَضَى) مَا مَضَى (وَإِنْ اسْتَوْعَبَ)   [رد المحتار] مَطْلَبٌ يُقَدَّمُ هُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ) أَيْ قِيَاسًا لِأَنَّهُ مُقِيمٌ عِنْدَ الْأَكْلِ حَيْثُ رَفَضَ سَفَرَهُ بِالْعَوْدِ إلَى مَنْزِلِهِ وَبِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ اهـ خَانِيَّةٌ فَتُزَادُ هَذِهِ عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي قَدَّمَ فِيهَا الْقِيَاسَ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ حَمَوِيٌّ وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ الْمُقِيمُ ثُمَّ سَافَرَ أَوْ سُوفِرَ بِهِ مُكْرَهًا لَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ بَعْدَ مَا جَاوَزَ بُيُوتَ مِصْرِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَأَكَلَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ عَزَمَ عَلَى عَدَمِ السَّفَرِ أَصْلًا بَعْدَ أَكْلِهِ لِأَنَّ أَكْلَهُ وَقَعَ فِي مَوْضِعِ التَّرَخُّصِ نَعَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ. هَذَا وَفِي الْبَدَائِعِ مِنْ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ: لَوْ أَحْدَثَ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَنَوَى أَنْ يَدْخُلَ مِصْرَهُ وَهُوَ قَرِيبٌ صَارَ مُقِيمًا مِنْ سَاعَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فَلَوْ وَجَدَ مَاءً قَبْلَ دُخُولِهِ صَلَّى أَرْبَعًا لِأَنَّهُ بِالنِّيَّةِ صَارَ مُقِيمًا. اهـ. قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ بَعْدَ النِّيَّةِ قَبْلَ الدُّخُولِ يُكَفِّرُ أَيْضًا تَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] الْمُسَافِرُ إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي مِصْرٍ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ شَهْرٍ هَلْ يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ كَمَا يَحِلُّ لَهُ قَصْرُ الصَّلَاةِ سَأَلْت عَنْهُ، وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَإِنَّمَا رَأَيْت فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا: لَوْ أَرَادَ الْمُسَافِرُ دُخُولَ مِصْرِهِ أَوْ مِصْرٍ آخَرَ يَنْوِي فِيهِ الْإِقَامَةَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فِي أَوَّلِهِ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ الْمُحَرِّمُ لِلْفِطْرِ، وَهُوَ الْإِقَامَةُ وَالْمُبِيحُ أَوْ الْمُرَخِّصُ وَهُوَ السَّفَرُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَكَانَ التَّرْجِيحُ لَلْمُحَرِّمِ احْتِيَاطًا، وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَا يَتَّفِقُ دُخُولُهُ الْمِصْرَ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ فَلَا بَأْسَ بِالْفِطْرِ فِيهِ اهـ فَتَقْيِيدُهُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ يُفْهِمُ أَنَّهُ بِدُونِهَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ فِي يَوْمِ دُخُولِهِ وَلَوْ كَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ لِعَدَمِ الْمُحَرِّمِ وَهُوَ الْإِقَامَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَكَذَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مَثَلًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ الْجَوَازُ مَا لَمْ يُوجَدْ نَقْلٌ صَرِيحٌ بِخِلَافِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ قُبَيْلَ قَوْلِهِ: وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ إلَّا تَطَوُّعًا ح (قَوْلُهُ قَالَ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ) ضَمِيرُ قَالَ لِابْنِ الشِّحْنَةِ. وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ الْكَلَامَ نَاسِيًا لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، فَكَيْفَ يُفْسِدُهَا مُجَرَّدُ نِيَّةِ الْكَلَامِ قُلْت: فَرْقٌ بَيْنَ الْكَلَامِ نَاسِيًا وَنِيَّةِ الْكَلَامِ الْعَمْدِ فَإِنَّ الْعَمْدَ قَاطِعٌ لِلصَّلَاةِ. ثُمَّ رَأَيْت ط أَجَابَ بِمَا ذَكَرَتْهُ مِنْ الْفَرْقِ ثُمَّ قَالَ: وَالْمُعْتَمَدُ مِنْ مَذْهَبِهِ عَدَمُ الْفَسَادِ (قَوْلُهُ لِنُدْرَةِ امْتِدَادِهِ) لِأَنَّ بَقَاءَ الْحَيَاةِ عِنْدَ امْتِدَادِهِ طَوِيلًا بِلَا أَكْلٍ وَلَا شُرْبٍ نَادِرٌ وَلَا حَرَجَ فِي النَّوَادِرِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ فَلَا يَقْضِيهِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ لَيْلًا حَمْلًا عَلَى الْأَكْلِ، وَلَوْ حَدَثَ لَهُ ذَلِكَ نَهَارًا أَمْكَنَ حَمْلُهُ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى، حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَهَتِّكًا يَعْتَادُ الْأَكْلَ فِي رَمَضَانَ أَوْ مُسَافِرًا قَضَى الْكُلَّ كَذَا قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمُسَافِرٍ يَضُرُّهُ الصَّوْمُ، أَمَّا مَنْ لَا يَضُرُّهُ فَلَا يَقْضِي ذَلِكَ الْيَوْمَ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ لِمَا مَرَّ أَنَّ صَوْمَهُ أَفْضَلُ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ قَصْدَ صَوْمِ الْغَدِ فِي اللَّيَالِيِ مِنْ الْمُسَافِرِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ مَمْنُوعٌ فِيمَا إذَا كَانَ لَا يَضُرُّهُ نَهْرٌ. قُلْت: هَذَا الْمَنْعُ غَيْرُ ظَاهِرٍ خُصُوصًا فِيمَنْ كَانَ يُفْطِرُ فِي سَفَرِهِ قَبْلَ حُدُوثِ الْإِغْمَاءِ نَعَمْ هُوَ ظَاهِرٌ فِيمَنْ كَانَ يَصُومُ قَبْلَهُ أَوْ كَانَ عَادَتُهُ فِي أَسْفَارِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا عَلِمَ إلَخْ) قَالَ الشُّمُنِّيُّ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ نَوَى أَوْ لَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ نَوَى فَلَا شَكَّ فِي الصِّحَّةِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِهَا، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي رَمَضَانَ فَلَوْ حَدَثَ لَهُ ذَلِكَ فِي شَعْبَانَ وَقَضَى الْكُلَّ نَهْرٌ أَيْ لِأَنَّ شَعْبَانَ لَا تَصِحُّ عَنْهُ نِيَّةُ رَمَضَانَ (قَوْلُهُ وَفِي الْجُنُونِ) مُتَعَلِّقٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 لِجَمِيعِ مَا يُمْكِنُهُ إنْشَاءُ الصَّوْمِ فِيهِ عَلَى مَا مَرَّ (لَا) يَقْضِي مُطْلَقًا لِلْحَرَجِ (وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ أَوْ) صَوْمَ هَذِهِ (السَّنَةِ صَحَّ) مُطْلَقًا عَلَى الْمُخْتَارِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ النَّذْرِ وَالشُّرُوعِ فِيهَا بِأَنَّ نَفْسَ الشُّرُوعِ مَعْصِيَةٌ، وَنَفْسَ النَّذْرِ طَاعَةٌ فَصَحَّ (وَ) لَكِنَّهُ (أَفْطَرَ) الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّةَ   [رد المحتار] يَقْضِي الْآتِيَ ط (قَوْلُهُ لِجَمِيعِ مَا يُمْكِنُهُ إنْشَاءُ الصَّوْمِ فِيهِ) وَهُوَ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ فَالْإِفَاقَةُ بَعْدَ هَذَا الْوَقْتِ إلَى قُبَيْلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَوْ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ لَا تُعْتَبَرُ ط أَيْ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ وَقْتَ النِّيَّةِ لَكِنَّ إنْشَاءَ الصَّوْمِ بِالْفِعْلِ لَا يَصِحُّ فِي اللَّيْلِ، وَلَا بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ ثُمَّ هَذَا خِلَافُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الِاسْتِيعَابَ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ أَفَاقَ سَاعَةً مِنْهُ وَلَوْ لَيْلًا أَوْ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ أَنَّهُ يَقْضِي وَإِلَّا فَلَا وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ كِتَابِ الصَّوْمِ تَحْرِيرَ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ الثَّانِي لِكَوْنِهِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وَالْمُتُونِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ وَسَبَبُ صَوْمِ رَمَضَانَ شُهُودُ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ ح (قَوْلُهُ لَا يَقْضِي مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْجُنُونُ أَصْلِيًّا أَوْ عَارِضًا بَعْدَ الْبُلُوغِ، قِيلَ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا الْتَحَقَ بِالصَّبِيِّ فَانْعَدَمَ الْخِطَابُ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَلَغَ عَاقِلًا فَجُنَّ، وَهَذَا مُخْتَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ هِدَايَةٌ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ مِنْهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ وَالْإِمَامُ الرُّسْتُغْفَنِيُّ وَالزَّاهِدُ الصَّفَارُ اهـ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ الْبُرْهَانِ عَنْ الْمَبْسُوطِ لَيْسَ عَلَى الْمَجْنُونِ الْأَصْلِيِّ قَضَاءُ مَا مَضَى فِي الْأَصَحِّ اهـ أَيْ مَا مَضَى مِنْ الْأَيَّامِ قَبْلَ إفَاقَتِهِ. [تَنْبِيهٌ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا اسْتَوْعَبَ الْجُنُونُ الشَّهْرَ كُلَّهُ لَا يَقْضِي بِلَا خِلَافٍ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فَقَوْلُهُ مُطْلَقًا هُنَا تَبَعًا لِلدُّرَرِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُ عَقِبَ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَسْتَوْعِبْ قَضَى مَا مَضَى لِيَكُونَ إشَارَةً إلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فَتَنَبَّهْ. مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى النَّذْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَذَرَ إلَخْ) شُرُوعٌ فِيمَا يُوجِبُهُ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى وَالنَّذْرُ عَمَلُ اللِّسَانِ وَشَرْطُ صِحَّتِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْصِيَةً كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَلَا وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي الْحَالِ كَأَنْ نَذَرَ صَوْمًا أَوْ صَلَاةً وَجَبَتَا عَلَيْهِ وَلَا فِي الْمَآلِ كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ سَيَجِبَانِ عَلَيْهِ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ لِعَيْنِهِ مَقْصُودٌ وَلَا مَدْخَلَ فِيهِ لِقَضَاءِ الْقَاضِي اهـ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ مَعَ بَقِيَّةِ أَبْحَاثِ النَّذْرِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ (قَوْلُهُ أَوْ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ صَرِيحًا كَيَوْمِ النَّحْرِ مَثَلًا أَوْ تَبَعًا كَصَوْمِ غَدٍ فَإِذَا هُوَ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ هَذِهِ السَّنَةَ أَوْ سَنَةً مُتَتَابِعَةً أَوْ أَبَدًا كَمَا فِي ح عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ صَحَّ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ صَرَّحَ بِذِكْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَوْ لَا كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ، وَسَوَاءٌ قَصَدَ مَا تَلَفَّظَ بِهِ أَوْ لَا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ صَوْمُ شَهْرٍ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ بَحْرٌ. اهـ. ح، وَكَذَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ كَلَامًا فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ النَّذْرُ لَزِمَهُ لِأَنَّ هَزْلَ النَّذْرِ كَالْجِدِّ كَالطَّلَاقِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُخْتَارِ) وَرَوَى الثَّانِي عَنْ الْإِمَامِ عَدَمَ الصِّحَّةِ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ إنْ عَيَّنَ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ قَالَ غَدًا فَوَافَقَ يَوْمَ النَّحْرِ صَحَّ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ نَذَرَتْ يَوْمَ حَيْضِهَا حَيْثُ لَا يَصِحُّ فَلَوْ قَالَتْ غَدًا فَوَافَقَ يَوْمَ حَيْضِهَا صَحَّ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُصَرِّحَ بِذِكْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَوْ لَا وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الصِّحَّةِ لِيَظْهَرَ أَثَرُهَا فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْحُرْمَةِ لِلْإِعْرَاضِ عَنْ الضِّيَافَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ بِأَنَّ نَفْسَ الشُّرُوعِ مَعْصِيَةٌ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ صَائِمًا بِنَفْسِ الشُّرُوعِ كَمَا قَدَّمْنَا تَقْرِيرَهُ، فَيَجِبُ تَرْكُهُ لِكَوْنِهِ مَعْصِيَةً فَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ، وَأَمَّا نَفْسُ النَّذْرِ فَهُوَ طَاعَةٌ (قَوْلُهُ فَصَحَّ) الْأَوْلَى فَلَزِمَ لِأَنَّ هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 (وُجُوبًا) تَحَامِيًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ (وَقَضَاهَا) إسْقَاطًا لِلْوَاجِبِ (وَإِنْ صَامَهَا خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ) مَعَ الْحُرْمَةِ، وَهَذَا إذَا نَذَرَ قَبْلَ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ فَلَوْ بَعْدَهَا لَمْ يَنْقُضْ شَيْئًا. وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بَاقِي السَّنَةِ عَلَى مَا هُوَ الصَّوَابُ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ نَكَّرَ السَّنَةَ أَوْ شَرَطَ التَّتَابُعَ فَيُفْطِرُهَا لَكِنَّهُ يَقْضِيهَا هُنَا مُتَتَابِعَةً، وَيُعِيدُ لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا بِخِلَافِ الْمُعَيَّنَةِ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ يَقْضِي خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ وَلَا يُجْزِيهِ صَوْمُ الْخَمْسَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ صِيغَةَ النَّذْرِ تَحْتَمِلُ الْيَمِينَ فَلِذَا كَانَتْ سِتَّ صُوَرٍ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ) بِنَذْرِهِ الصَّوْمَ (شَيْئًا أَوْ نَوَى النَّذْرَ فَقَطْ) دُونَ الْيَمِينِ (أَوْ نَوَى) (النَّذْرَ وَنَوَى أَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا كَانَ) فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ صُوَرٍ (نَذْرًا فَقَطْ) إجْمَاعًا   [رد المحتار] الْفَرْقَ بَيْنَ لُزُومِهِ بِالنَّذْرِ، وَعَدَمَ لُزُومِهِ بِالشُّرُوعِ، أَمَّا نَفْسُ الصِّحَّةِ فَهِيَ ثَابِتَةٌ فِيهِمَا وَلِذَا لَوْ صَامَهُ فِيهِمَا أَجْزَأَهُ وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ لَمْ يُجْزِهِ أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ (قَوْلُهُ وُجُوبًا) وَقَوْلُهُ فِي النِّهَايَةِ الْأَفْضَلُ الْفِطْرُ تَسَاهُلٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ تَحَامِيًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ) أَيْ الْمُجَاوَرَةِ وَهِيَ الْإِعْرَاضُ عَنْ إجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى ط (قَوْلُهُ وَقَضَاهَا إلَخْ) رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ: إنِّي نَذَرْت أَنْ أَصُومَ يَوْمًا فَوَافَقَ يَوْمَ أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صِيَامِ هَذَا الْيَوْمِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُمْكِنُ قَضَاؤُهُ فَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ شَرْحُ الْوِقَايَةِ لِلْقَارِي (قَوْلُهُ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ) لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا الْتَزَمَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ قَضَاءُ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ فِي صُورَةِ نَذَرَ صَوْمِ السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ ط (قَوْلُهُ فَلَوْ بَعْدَهَا) بِأَنْ وَقَعَ النَّذْرُ مِنْهُ لَيْلَةَ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مَثَلًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بَاقِيَ السَّنَةِ) وَهُوَ تَمَامُ ذِي الْحِجَّةِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا هُوَ الصَّوَابُ) وَهُوَ الَّذِي حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْغَايَةِ لَمَّا قَالَ يَلْزَمُهُ مَا بَقِيَ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا سَهْوٌ لِأَنَّ هَذِهِ السَّنَةَ عِبَارَةٌ عَنْ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ وَقْتِ النَّذْرِ إلَى وَقْتِ النَّذْرِ. وَرَدَّهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ هُوَ السَّهْوُ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ كَمَا فِي الْغَايَةِ مَنْقُولَةٌ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَهَذَا الشَّهْرُ وَهَذَا لِأَنَّ كُلَّ سَنَةٍ عَرَبِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ عِبَارَةٌ عَنْ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ فَإِذَا قَالَ هَذِهِ فَإِنَّمَا تُفِيدُ الْإِشَارَةَ إلَى الَّتِي هُوَ فِيهَا، فَحَقِيقَةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ نَذَرَ الْمُدَّةَ الْمَاضِيَةَ، وَالْمُسْتَقْبِلَةَ فَيَلْغُو فِي حَقِّ الْمَاضِي، كَمَا يَلْوِ فِي قَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ كَذَا فِي النَّهْرِ ح (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحُكْمُ) الْإِشَارَةُ إلَى مَا فِي الْمَتْنِ مِنْ حُكْمِ السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ (قَوْلُهُ فَيُفْطِرُهَا) أَيْ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّةَ قَالَ ح: وَإِنْ صَامَهَا خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا الْتَزَمَهَا (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يَقْضِيهَا هُنَا مُتَتَابِعَةً) أَيْ مَوْصُولَةً بِآخِرِ السَّنَةِ مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ تَحْقِيقًا لِلتَّتَابُعِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ح عَنْ الْبَحْرِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ شَهْرٍ عَنْ رَمَضَانَ كَمَا لَا يَجِبُ فِي الْمُعَيَّنَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَدْرَكَهُ لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ إذْ هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى صَرْفِهِ إلَى غَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْجَبَهُ وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِإِطْعَامِ شَهْرٍ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُدْرِكْهُ صَارَ كَإِيجَابِ شَهْرٍ غَيْرِهِ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ وَيُعِيدُ لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا) أَيْ يُعِيدُ الْأَيَّامَ الَّتِي صَامَهَا قَبْلَ الْيَوْمِ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ ح: أَيْ وَلَوْ كَانَ آخِرَ الْأَيَّامِ ط (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنَةِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ فِيهَا مُتَتَابِعَةً لِأَنَّ التَّتَابُعَ فِيهَا ضَرُورَةَ تَعَيُّنِ الْوَقْتِ ح وَلِذَا لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا فِيهَا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا قَضَاؤُهُ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ) أَيْ فِي الْمُنَكَّرَةِ (قَوْلُهُ يَقْضِي خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ) هِيَ رَمَضَانُ وَالْخَمْسَةُ الْمَنْهِيَّةُ ح أَيْ لِأَنَّ صَوْمَهُ فِي الْخَمْسَةِ نَاقِصٌ فَلَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكَامِلِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْهُ، فَيَجِبُ الْقَضَاءُ بِقَدْرِهِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِلَ ذَلِكَ بِمَا مَضَى وَإِنْ لَمْ يَصِلْ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ عَلَى الصَّحِيحِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ) أَيْ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنَةِ أَوْ الْمُنَكَّرَةِ الْمَشْرُوطِ فِيهَا التَّتَابُعُ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ الْأَيَّامِ الْخَمْسَةِ فَيَكُونُ نَاذِرًا صَوْمَهَا أَمَّا الْمُنَكَّرَةُ بِلَا شَرْطِ تَتَابُعٍ فَإِنَّهَا اسْمٌ لِأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ وَيُمْكِنُ فَصْلُ الْمَعْدُودَةِ عَنْ رَمَضَانَ وَعَنْ تِلْكَ الْأَيَّامِ كَمَا أَفَادَهُ فِي السِّرَاجِ. (قَوْلُهُ تَحْتَمِلُ الْيَمِينَ) أَيْ مُصَاحِبَةً لِلنَّذْرِ وَمُنْفَرِدَةً عَنْهُ ط (قَوْلُهُ بِنَذْرِهِ) أَيْ بِالصِّيغَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ فَقَطْ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْيَمِينِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ دُونَ الْيَمِينِ بِخِلَافِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 عَمَلًا بِالصِّيغَةِ (وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ وَأَنْ لَا يَكُونَ نَذْرًا كَانَ) فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (يَمِينًا) فَقَطْ إجْمَاعًا عَمَلًا بِتَعْيِينِهِ (وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ) يَمِينٍ (إنْ أَفْطَرَ) لِحِنْثِهِ (وَإِنْ نَوَاهُمَا أَوْ) نَوَى (الْيَمِينَ) بِلَا نَفْيِ النَّذْرِ (كَانَ) فِي الصُّورَتَيْنِ (نَذْرًا وَيَمِينًا، حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ يَجِبُ الْقَضَاءُ لِلنَّذْرِ وَالْكَفَّارَةُ لِلْيَمِينِ) عَمَلًا بِعُمُومِ الْمَجَازِ خِلَافًا لِلثَّانِي (وَنُدِبَ تَفْرِيقُ صَوْمِ السِّتِّ مِنْ شَوَّالٍ) وَلَا يُكْرَهُ التَّتَابُعُ عَلَى الْمُخْتَارِ خِلَافًا لِلثَّانِي حَاوِي. وَالْإِتْبَاعُ الْمَكْرُوهُ أَنْ يَصُومَ الْفِطْرَ وَخَمْسَةً بَعْدَهُ فَلَوْ أَفْطَرَ الْفِطْرَ لَمْ يُكْرَهْ بَلْ يُسْتَحَبُّ وَيُسَنُّ ابْنُ كَمَالٍ (وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مُتَتَابِعًا   [رد المحتار] الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فَإِنَّهُ تَعَرَّضَ لِنَفْيِ الْيَمِينِ ط (قَوْلُهُ عَمَلًا بِالصِّيغَةِ) أَيْ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَكَذَا فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ بِالْأَوْلَى لِتَأْكِيدِ النَّذْرِ بِالْعَزِيمَةِ مَعَ مَا فِي الثَّالِثِ مِنْ زِيَادَةِ نَفْيِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ عَمَلًا بِتَعْيِينِهِ) لِأَنَّ قَوْلَهُ: لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا يَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي النَّذْرِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ بِلَا نِيَّةٍ وَكَذَا مَعَهَا بِالْأَوْلَى لَكِنَّهُ إذَا نَوَى أَنْ لَا يَكُونَ نَذْرًا كَانَ يَمِينًا مِنْ إطْلَاقِ اللَّازِمِ وَإِرَادَةِ الْمَلْزُومِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ إيجَابِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ تَحْرِيمُ تَرْكِهِ وَتَحْرِيمُ الْمُبَاحِ يَمِينٌ (قَوْلُهُ عَمَلًا بِعُمُومِ الْمَجَازِ) وَهُوَ الْوُجُوبُ وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الثَّانِي أَيْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَكُونُ نَذْرًا فِي الْأَوَّلِ يَمِينًا فِي الثَّانِي لِأَنَّ النَّذْرَ فِي هَذَا اللَّفْظِ حَقِيقَةٌ وَالْيَمِينَ مَجَازٌ، حَتَّى لَا يَتَوَقَّفَ الْأَوَّلُ عَلَى النِّيَّةِ وَيَتَوَقَّفَ الثَّانِي فَلَا يَنْتَظِمُهُمَا، ثُمَّ الْمَجَازُ يَتَعَيَّنُ بِنِيَّةٍ وَعِنْدَ نِيَّتِهِمَا تَتَرَجَّحُ الْحَقِيقَةُ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ أَيْ جِهَتَيْ النَّذْرِ وَالْيَمِينِ لِأَنَّهُمَا يَقْتَضِيَانِ الْوُجُوبَ إلَّا أَنَّ النَّذْرَ يَقْتَضِيهِ لِعَيْنِهِ وَالْيَمِينَ لِغَيْرِهِ أَيْ لِصِيَانَةِ اسْمِهِ تَعَالَى فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ كَمَا جَمَعْنَا بَيْنَ جِهَتَيْ التَّبَرُّعِ، وَالْمُعَاوَضَةِ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الدَّلِيلِ فِي الْفَتْحِ وَكُتُبِ الْأُصُولِ. [مَطْلَبٌ فِي صَوْمِ السِّتِّ مِنْ شَوَّالٍ] ٍ (قَوْلُهُ وَنُدِبَ إلَخْ) ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ مَسَائِلِ النَّذْرِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ وَإِنْ تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الدُّرَرِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُخْتَارِ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِهِ التَّجْنِيسُ: إنَّ صَوْمَ السِّتَّةِ بَعْدَ الْفِطْرِ مُتَتَابِعَةً مِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا كَانَتْ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ أَنْ يُعَدَّ ذَلِكَ مِنْ رَمَضَانَ فَيَكُونَ تَشَبُّهًا بِالنَّصَارَى وَالْآنَ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى اهـ وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ النَّوَازِلِ لِأَبِي اللَّيْثِ وَالْوَاقِعَاتِ لِلْحُسَامِ الشَّهِيدِ وَالْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَالذَّخِيرَةِ؛ وَفِي الْغَايَةِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِصَوْمِهَا بَأْسًا وَيَقُولُ كَفَى بِيَوْمِ الْفِطْرِ مُفَرِّقًا بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ رَمَضَانَ اهـ وَفِيهَا أَيْضًا عَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا. وَاخْتَلَفُوا هَلْ الْأَفْضَلُ التَّفْرِيقُ أَوْ التَّتَابُعُ اهـ. وَفِي الْحَقَائِقِ صَوْمُهَا مُتَّصِلًا بِيَوْمِ الْفِطْرِ يُكْرَهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَعِنْدَنَا لَا يُكْرَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي الْأَفْضَلِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَرِهَهُ مُتَتَابِعًا وَالْمُخْتَارُ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ وَفِي الْوَافِي وَالْكَافِي وَالْمُصَفَّى يُكْرَهُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَعِنْدَنَا لَا يُكْرَهُ، وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي رِسَالَةِ تَحْرِيرِ الْأَقْوَالِ فِي صَوْمِ السِّتِّ مِنْ شَوَّالٍ لِلْعَلَامَةِ قَاسِمٍ وَقَدْ رَدَّ فِيهَا عَلَى مَا فِي مَنْظُومَةِ التُّبَّانِيِّ وَشَرْحِهَا مِنْ عَزْوِهِ الْكَرَاهَةَ مُطْلَقًا إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَأَنَّهُ الْأَصَحُّ بِأَنَّهُ عَلَى غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ وَأَنَّهُ صَحَّحَ مَا لَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ إلَى تَصْحِيحِهِ وَأَنَّهُ صَحَّحَ الضَّعِيفَ وَعَمَدَ إلَى تَعْطِيلِ مَا فِيهِ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ بِدَعْوَى كَاذِبَةٍ بِلَا دَلِيلٍ ثُمَّ سَاقَ كَثِيرًا مِنْ نُصُوصِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ فَرَاجِعْهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْإِتْبَاعُ الْمَكْرُوهُ إلَخْ) الْعِبَارَةُ لِصَاحِبِ الْبَدَائِعِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَى خِلَافِ مَا فَهِمَهُ صَاحِبُ الْحَقَائِقِ كَمَا فِي رِسَالَةِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ، لَكِنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمَكْرُوهَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَتَابُعُهَا وَإِنْ فَصَلَ بِيَوْمِ الْفِطْرِ فَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا فَهِمَهُ فِي الْحَقَائِقِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ إلَخْ) وَيَلْزَمُهُ صَوْمُهُ بِالْعَدَدِ لَا هِلَالِيًّا وَالشَّهْرُ الْمُعَيَّنُ هِلَالِيٌّ كَمَا سَيَجِيءُ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ نَظَائِرِهِ ط (قَوْلُهُ مُتَتَابِعًا) أَفَادَ لُزُومَ التَّتَابُعِ إنْ صَرَّحَ بِهِ وَكَذَا إذَا نَوَاهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْهُ وَلَمْ يَنْوِهِ إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ، وَهَذَا فِي الْمُطْلَقِ أَمَّا صَوْمُ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ أَوْ أَيَّامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 فَأَفْطَرَ يَوْمًا) وَلَوْ مِنْ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ (اسْتَقْبَلَ) لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِالْوَصْفِ مَعَ خُلُوِّ شَهْرٍ عَنْ أَيَّامِ نَهْيٍ نَهْرٌ بِخِلَافِ السَّنَةِ (لَا) يَسْتَقْبِلُ (فِي نَذْرِ) شَهْرٍ (مُعَيَّنٍ) لِئَلَّا يَقَعَ كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ (وَالنَّذْرُ) مِنْ اعْتِكَافٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ صِيَامٍ أَوْ غَيْرِهَا (غَيْرِ الْمُعَلَّقِ) وَلَوْ مُعَيَّنًا (لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ وَدِرْهَمٍ وَفَقِيرٍ) فَلَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِمَكَّةَ بِهَذَا الدِّرْهَمِ عَلَى فُلَانٍ فَخَالَفَ جَازَ، وَكَذَا لَوْ عَجَّلَ قَبْلَهُ فَلَوْ عَيَّنَ شَهْرًا لِلِاعْتِكَافِ أَوْ صَوْمٍ فَعَجَّلَ قَبْلَهُ عَنْهُ صَحَّ وَكَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ سَنَةً كَذَا فَحَجَّ سَنَةً قَبْلَهَا صَحَّ   [رد المحتار] بِعَيْنِهَا فَيَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ سِرَاجٌ. وَفِي الْبَحْرِ: لَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَوْمًا مُتَتَابِعًا فَصَامَهُ مُتَفَرِّقًا لَمْ يَجُزْ وَعَلَى عَكْسِهِ جَازَ. اهـ. وَفِي الْمِنَحِ وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ مِثْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ إنْ أَرَادَ مِثْلَهُ فِي الْوُجُوبِ، فَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ وَإِنْ أَرَادَ مِثْلَهُ فِي التَّتَابُعِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُتَابِعَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ مُتَفَرِّقًا. اهـ. ط (قَوْلُهُ فَأَفْطَرَ) عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ فَصَامَهُ وَأَفْطَرَ يَوْمًا ط (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِالْوَصْفِ) وَهُوَ التَّتَابُعُ ط (قَوْلُهُ مَعَ خُلُوِّ شَهْرٍ عَنْ أَيَّامِ نَهْيٍ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ فَالْفِطْرُ ضَرُورِيٌّ لِوُجُوبِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ بَلْ يَقْضِيَهُ عَقِبَهُ كَمَا مَرَّ فِيمَا لَوْ نَكَّرَ السَّنَةَ وَشَرَطَ التَّتَابُعَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ السَّنَةَ الْمُتَتَابِعَةَ لَا تَخْلُو عَنْ أَيَّامٍ مَنْهِيَّةٍ بِخِلَافِ الشَّهْرِ وَعَلَى هَذَا مَا فِي السِّرَاجِ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَ طُهْرُهَا شَهْرًا فَأَكْثَرَ فَإِنَّهَا تَصُومُ فِي أَوَّلِ طُهْرِهَا، فَلَوْ صَامَتْ فِي أَثْنَائِهِ فَحَاضَتْ اسْتَقْبَلَتْ وَلَوْ كَانَ حَيْضُهَا أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ تَقْضِي أَيَّامَ حَيْضِهَا مُتَّصِلَةً (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَقَعَ كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ) لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَمَا يَأْتِي إلَّا أَنَّ وُقُوعَهُ بَعْدَ وَقْتِهِ يَكُونُ قَضَاءً، وَلِذَا يُشْتَرَطُ لَهُ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ كَمَا مَرَّ وَالْأَدَاءُ خَيْرٌ مِنْ الْقَضَاءِ، ثُمَّ تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ كُلَّهُ إنَّمَا يَظْهَرُ كَمَا قَالَ ط فِيمَا إذَا أَفْطَرَ الْيَوْمَ الْأَخِيرَ مِنْ الشَّهْرِ، أَمَّا لَوْ أَفْطَرَ الْعَاشِرَ مِنْهُ مَثَلًا فَلَا أَيْ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَلَ الصَّوْمَ مِنْ الْحَادِيَ عَشَرَ وَأَتَمَّ شَهْرًا لَزِمَ وُقُوعُ بَعْضِهِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْضِهِ خَارِجَهُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ مُعَيَّنًا) أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْآتِيَةِ فَغَيْرُ الْمُعَيَّنِ لَا يَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ مِنْهَا بِالْأَوْلَى كَمَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِدِرْهَمٍ مُنَكَّرٍ وَأَطْلَقَ (قَوْلُهُ فَلَوْ نَذَرَ إلَخْ) مِثَالٌ لِلتَّعْيِينِ فِي الْكُلِّ عَلَى النَّشْرِ الْمُرَتَّبِ ط (قَوْلُهُ فَخَالَفَ) أَيْ فِي بَعْضِهَا أَوْ كُلِّهَا بِأَنْ تَصَدَّقَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِبَلَدٍ آخَرَ بِدِرْهَمٍ آخَرَ عَلَى شَخْصٍ آخَرَ، وَإِنَّمَا جَازَ لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ النَّذْرِ مَا هُوَ قُرْبَةً، وَهُوَ أَصْلُ التَّصَدُّقِ دُونَ التَّعْيِينِ فَبَطَلَ التَّعْيِينُ، وَلَزِمَتْهُ الْقُرْبَةُ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَفِي الْمِعْرَاجِ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ غَدٍ فَأَخَّرَهُ إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ جَازَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مُسِيئًا كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ السَّاعَةَ فَتَصَدَّقَ بَعْدَ سَاعَةٍ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي رِسَالَتِهِ فِي النَّذْرِ بِالصَّدَقَةِ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ التَّصَدُّقَ بِدَرَاهِمَ فَهَلَكَتْ سَقَطَ النَّذْرُ، قَالَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ وَأَلْغَيْنَا تَعْيِينَ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، فَيُقَالُ إلَّا فِي هَذِهِ فَإِنَّا لَوْ أَلْغَيْنَاهُ مُطْلَقًا لَكَانَ الْوَاجِبُ فِي ذِمَّتِهِ فَإِذَا هَلَكَ الْمُعَيَّنُ لَمْ يَسْقُطْ الْوَاجِبُ، وَكَذَا قَوْلُهُمْ أَلْغَيْنَا تَعْيِينَ الْفَقِيرِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُطْعِمَ هَذَا الْمِسْكِينَ شَيْئًا سَمَّاهُ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يُعْطِيَهُ لِلَّذِي سَمَّى لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمَنْذُورَ صَارَ تَعْيِينُ الْفَقِيرِ مَقْصُودًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ. اهـ. هَذَا وَفِي الْحَمَوِيِّ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ لَوْ أَمَرَ رَجُلًا وَقَالَ تَصَدَّقْ بِهَذَا الْمَالِ عَلَى مَسَاكِينِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَتَصَدَّقَ عَلَى مَسَاكِينِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ ضَامِنًا، وَفِي الْمُنْتَقَى: لَوْ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِكَذَا فَأَعْطَى الْوَصِيُّ فُقَرَاءَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَضْمَنُ الْوَصِيُّ. اهـ. قُلْت: وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَكِيلَ يَضْمَنُ بِمُخَالَفَةِ الْآمِرِ وَأَنَّ الْوَصِيَّ هَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَصِيلِ أَوْ الْوَكِيلِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ عَجَّلَ قَبْلَهُ) هَذَا دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ فَخَالَفَ (قَوْلُهُ صَحَّ) أَيْ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ غَيْرَ أَنَّ مُحَمَّدًا لَا يُجِيزُ التَّعْجِيلَ مُطْلَقًا وَزُفَرَ إذَا كَانَ الزَّمَانُ الْمُعَجَّلُ فِيهِ أَقَلَّ فَضِيلَةٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 أَوْ صَلَاةَ يَوْمِ كَذَا فَصَلَّاهَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ تَعْجِيلٌ بَعْدَ وُجُوبِ السَّبَبِ وَهُوَ النَّذْرُ فَيَلْغُو التَّعْيِينُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ فَلْيُحْفَظْ (بِخِلَافِ) النَّذْرِ (الْمُعَلَّقِ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْأَيْمَانِ (وَلَوْ قَالَ مَرِيضٌ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرًا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَصِحَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ صَحَّ) وَلَوْ (يَوْمًا) وَلَمْ يَصُمْهُ (لَزِمَهُ الْوَصِيَّةُ بِجَمِيعِهِ) عَلَى الصَّحِيحِ كَالصَّحِيحِ إذَا نَذَرَ ذَلِكَ   [رد المحتار] فَرْعٌ] نَذَرَ صَوْمَ رَجَبٍ فَصَامَ قَبْلَهُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَجَاءَ رَجَبٌ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْقَضَاءُ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي السِّرَاجِ أَمَّا لَوْ جَاءَ ثَلَاثِينَ يَقْضِي يَوْمًا (قَوْلُهُ أَوْ صَلَاةً) بِالتَّنْوِينِ وَيَوْمٌ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ ح وَلَوْ أَضَافَهُ لَزِمَهُ مِثْلُ صَلَاةِ الْيَوْمِ غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الْمَغْرِبَ وَالْوِتْرَ أَرْبَعًا وَقَدْ تَقَدَّمَتْ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَعْجِيلٌ بَعْدَ وُجُوبِ السَّبَبِ) أَيْ فَيَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ فِي الزَّكَاةِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَيَلْغُو التَّعْيِينُ) بِنَاءً عَلَى لُزُومِ الْمَنْذُورِ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ فَقَطْ فَتْحٌ وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ الدُّرَرِ أَيْ لِأَنَّ التَّعْيِينَ لَيْسَ قُرْبَةً مَقْصُودَةً حَتَّى يَلْزَمَ بِالنَّذْرِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ) أَيْ سَوَاءٌ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ يُرِيدُهُ مِثْلُ إنْ قَدِمَ غَائِبِي أَوْ شُفِيَ مَرِيضِي، أَوْ لَا يُرِيدُهُ مِثْلُ إنْ زَنَيْت فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا لَكِنْ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْأَوَّلِ وَجَبَ أَنْ يُوفِيَ بِنَذْرِهِ وَفِي الثَّانِي يُخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِظَاهِرِهِ يَمِينٌ بِمَعْنَاهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ إلَخْ) لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَى شَرْطٍ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحَالِ بَلْ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، فَلَوْ جَازَ تَعْجِيلُهُ لَزِمَ وُقُوعُهُ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ فَلَا يَصِحُّ وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُعَلَّقَ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الزَّمَانُ بِالنَّظَرِ إلَى التَّعْجِيلِ، أَمَّا تَأْخِيرُهُ فَيَصِحُّ لِانْعِقَادِ السَّبَبِ قَبْلَهُ، وَكَذَا يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمَكَانُ وَالدِّرْهَمُ وَالْفَقِيرُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ إنَّمَا أَثَّرَ فِي تَأْخِيرِ السَّبَبِيَّةِ فَقَطْ فَامْتَنَعَ التَّعْجِيلُ، أَمَّا الْمَكَانُ وَالدِّرْهَمُ وَالْفَقِيرُ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ عَدَمِ التَّعْيِينِ لِعَدَمِ تَأْثِيرِ التَّعْلِيقِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَلِذَا اقْتَصَرَ كَغَيْرِهِ فِي بَيَانِ وَجْهِ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الْمُعَلَّقِ وَغَيْرِهِ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ فَأَفَادَ صِحَّةَ التَّأْخِيرِ وَتَبْدِيلَ الْمَكَانِ وَالدِّرْهَمِ وَالْفَقِيرِ كَمَا فِي غَيْرِ الْمُعَلَّقِ وَكَأَنَّهُ لِظُهُورِ مَا قَرَّرْنَاهُ لَمْ يَنُصُّوا عَلَيْهِ وَهَذَا مِمَّا لَا شُبْهَةَ فِيهِ لِمَنْ وَقَفَ عَلَى التَّوْجِيهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَصُمْهُ) أَمَّا لَوْ صَامَهُ فَيَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) هُوَ قَوْلُهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَزِمَهُ الْوَصِيَّةُ بِقَدْرِ مَا فَاتَهُ كَمَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ وَأَوْضَحَهُ فِي السِّرَاجِ حَيْثُ قَالَ إذَا نَذَرَ شَهْرًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ ثُمَّ أَقَامَ بَعْدَ النَّذْرِ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ فَلَمْ يَصُمْ، فَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِالْإِطْعَامِ لِجَمِيعِ الشَّهْرِ، وَوَجَّهَهُ عَلَى طَرِيقَةِ الْحَاكِمِ أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ صَالِحٌ لِصَوْمِ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ النَّذْرِ، فَإِذَا لَمْ يَصُمْ جُعِلَ كَالْقَادِرِ عَلَى الْكُلِّ فَوَجَبَ الْإِيصَاءُ كَمَا لَوْ بَقِيَ شَهْرًا صَحِيحًا وَلَمْ يَصُمْ. وَعَلَى طَرِيقَةِ الْفَتَاوَى النَّذْرُ مُلْزِمٌ فِي الذِّمَّةِ السَّاعَةَ وَلَا يُشْتَرَطُ إمْكَانُ الْأَدَاءِ. وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا صَامَ مَا أَدْرَكَهُ عَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِالْبَاقِي وَعَلَى الثَّانِي يَجِبُ وَكَذَا فِيمَا إذَا نَذَرَ لَيْلًا وَمَاتَ فِي اللَّيْلَةِ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْإِدْرَاكِ وَيَجِبُ عَلَى الثَّانِي الْإِيصَاءُ بِالْكُلِّ اهـ مُلَخَّصًا، وَاقْتَصَرَ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ عَلَى طَرِيقَةِ الْحَاكِمِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ، أَمَّا الْمُعَيَّنِ فَفِي السِّرَاجِ أَيْضًا: وَلَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَوْمَ رَجَبٍ، ثُمَّ أَقَامَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ وَمَاتَ وَلَمْ يَصُمْ فَفِي الْكَرْخِيِّ إنْ مَاتَ قَبْلَ رَجَبٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً لِأَنَّ الْمُعَيَّنَ لَا يَكُونُ سَبَبًا قَبْلَ وَقْتِهِ، وَعِنْدَهُمَا عَلَى طَرِيقَةِ الْحَاكِمِ يُوصِي بِقَدْرِ مَا قَدَرَ لِأَنَّ النَّذْرَ سَبَبٌ مُلْزِمٌ فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّمْكِينِ؛ وَعَلَى طَرِيقَةِ الْفَتَاوَى يُوصِي بِالْكُلِّ لِأَنَّ النَّذْرَ مُلْزِمٌ بِلَا شَرْطٍ لِأَنَّ اللُّزُومَ إذَا لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْأَدَاءِ يَظْهَرُ فِي خَلَفِهِ وَهُوَ الْإِطْعَامُ، وَأَمَّا إنْ صَامَ مَا أَدْرَكَهُ أَوْ مَاتَ عَقِيبَ النَّذْرِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجِبُ الْإِيصَاءُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 وَمَاتَ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ لَزِمَهُ الْوَصِيَّةُ بِالْجَمِيعِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ، بِخِلَافِ الْقَضَاءِ فَإِنَّ سَبَبَهُ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ. [فُرُوعٌ] قَالَ: وَاَللَّهِ أَصُومُ لَا صَوْمَ عَلَيْهِ بَلْ إنْ صَامَ حَنِثَ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْأَيْمَانِ. نَذَرَ صَوْمَ رَجَبٍ فَدَخَلَ وَهُوَ مَرِيضٌ أَفْطَرَ وَقَضَى كَرَمَضَانَ أَوْ صَوْمِ الْأَبَدِ فَضَعُفَ لِاشْتِغَالِهِ بِالْمَعِيشَةِ أَفْطَرَ وَكَفَّرَ كَمَا مَرَّ أَوْ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ بَعْدَ الْأَكْلِ أَوْ الزَّوَالِ أَوْ حَيْضِهَا قَضَى عِنْدَ الثَّانِي خِلَافًا لِلثَّالِثِ، وَلَوْ قَدِمَ فِي رَمَضَانَ فَلَا قَضَاءَ اتِّفَاقًا وَلَوْ عَنَى بِهِ الْيَمِينَ كَفَّرَ فَقَطْ إلَّا إذَا قَدِمَ قَبْلَ نِيَّتِهِ فَنَوَاهُ عَنْهُ بَرَّ بِالنِّيَّةِ، وَوَقَعَ عَنْ رَمَضَانَ   [رد المحتار] بِشَيْءٍ وَعَلَى الثَّانِي يَجِبُ الْإِيصَاءُ بِالْبَاقِي، وَلَوْ دَخَلَ رَجَبٌ وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ صَحَّ بَعْدَهُ يَوْمًا مَثَلًا فَلَمْ يَصُمْ ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِالْكُلِّ، أَمَّا عَلَى الثَّانِي فَظَاهِرٌ وَكَذَا عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ بِخُرُوجِ الشَّهْرِ الْمُعَيَّنِ وَصِحَّتِهِ بَعْدَهُ يَوْمًا مَثَلًا وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ مُطْلَقٍ فَإِذَا لَمْ يَصُمْ فِيهِ وَجَبَ الْإِيصَاءُ بِالْكُلِّ كَمَا فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ إذَا بَقِيَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ وَقَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ وَلَمْ يَصُمْ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَمَاتَ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ) أَيْ وَلَمْ يَصُمْ فِي ذَلِكَ. وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ وَمَاتَ بَعْدَ يَوْمٍ وَبَقِيَ مَا إذَا صَامَ مَا أَدْرَكَهُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْوَصِيَّةُ فِي الْبَاقِي أَمْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الطَّرِيقَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي الْمَرِيضِ وَصَرَّحَ بِاللُّزُومِ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْبَحْرِ لَكِنَّ نُسَخَ الْبَحْرِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مُضْطَرِبَةٌ وَمُحَرَّفَةٌ تَحْرِيفًا فَاحِشًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ) أَيْ فِيمَا فَاتَهُ رَمَضَانُ لِعُذْرٍ ثُمَّ أَدْرَكَ بَعْضَ الْعِدَّةِ وَلَمْ يَصُمْهُ لَزِمَهُ الْإِيصَاءُ بِقَدْرِ مَا فَاتَهُ اتِّفَاقًا عَلَى الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ح (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ مُحَمَّدٍ النَّذْرُ عَلَى الْقَضَاءِ وَبَيَانُهُ: أَنَّ النَّذْرَ سَبَبٌ مُلْزِمٌ فِي الْحَالِ كَمَا مَرَّ أَمَّا الْقَضَاءُ فَإِنَّ سَبَبَهُ إدْرَاكٌ لِلْعِدَّةِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ إلَّا بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، وَسَبَبُ الْأَدَاءِ شُهُودُ الشَّهْرِ فَكَذَا الْقَضَاءُ. وَأُجِيبَ بِمَا فِيهِ خَفَاءٌ فَانْظُرْ النَّهْرَ (قَوْلُهُ بَلْ إنْ صَامَ حَنِثَ) لِأَنَّ الْمُضَارِعَ الْمُثْبَتَ لَا يَكُونُ جَوَابَ الْقَسَمِ إلَّا مُؤَكَّدًا بِالنُّونِ فَإِذَا لَمْ تَجِبْ وَجَبَ تَقْدِيرُ النَّفْيِ. اهـ. ح لَكِنْ سَيَذْكُرُ فِي الْأَيْمَانِ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّ هَذَا قَبْلَ تَغَيُّرِ اللُّغَةِ، أَمَّا الْآنَ فَالْعَوَامُّ لَا يُفَرَّقُونَ بَيْنَ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ إلَّا بِوُجُودِ لَا وَعَدَمِهَا فَهُوَ كَاصْطِلَاحِ لُغَةِ الْفُرْسِ وَغَيْرِهَا فِي الْأَيْمَانِ (قَوْلُهُ كَرَمَضَانَ) أَيْ بِوَصْلٍ أَوْ فَصْلٍ دُرَرٌ (قَوْلُهُ أَوْ صَوْمٌ) عَطْفٌ عَلَى صَوْمِ رَجَبٍ ح (قَوْلُهُ وَكَفَّرَ) أَيْ فَدَى (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي مِنْ أَنَّهُ يُطْعِمُ كَالْفِطْرَةِ (قَوْلُهُ أَوْ الزَّوَالِ) يَعْنِي نِصْفَ النَّهَارِ كَمَا مَرَّ مِرَارًا (قَوْلُهُ قَضَى عِنْدَ الثَّانِي) قُلْت: كَذَا فِي الْفَتْحِ لَكِنْ فِي السِّرَاجِ وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ الْيَوْمِ الَّذِي يَقْدَمُ فُلَانٌ فِيهِ أَبَدًا فَقَدِمَ فِي يَوْمٍ قَدْ أَكَلَ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ صَوْمُهُ وَيَلْزَمُ صَوْمُ كُلِّ يَوْمٍ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ لِأَنَّ النَّاذِرَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ يَصِيرُ كَالْمُتَكَلِّمِ بِالْجَوَابِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الْيَوْمِ وَقَدْ أَكَلَ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ. وَقَالَ زُفَرُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْبَحْرِ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا هُنَا وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُهُ صَوْمُ كُلِّ يَوْمٍ إلَخْ فَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ أَبَدًا (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّالِثِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَوْ قَدِمَ بَعْدَ الزَّوَالِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ: وَالْأَظْهَرُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا اهـ أَيْ بَيْنَ الْقُدُومِ بَعْدَ الْأَكْلِ وَالْقُدُومِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَالشَّارِحُ جَرَى فِي الْفَرْعِ الثَّانِي عَلَى ذَلِكَ الِاسْتِظْهَارِ ط (قَوْلُهُ فَلَا قَضَاءَ اتِّفَاقًا) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ نَذْرَهُ وَقَعَ عَلَى رَمَضَانَ، وَمَنْ نَذَرَ رَمَضَانَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ح أَيْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا أَدْرَكَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ السِّرَاجِ (قَوْلُهُ كَفَّرَ فَقَطْ) أَقُولُ: لَا وَجْهَ لَهُ وَمَا قِيلَ فِي تَوْجِيهِهِ لِأَنَّهُ صَامَهُ عَنْ رَمَضَانَ لَا عَنْ يَمِينِهِ لَا وَجْهَ لَهُ أَيْضًا لِأَنَّ النِّيَّةَ فِي فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ غَيْرُ شَرْطٍ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ فِعْلَهُ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا سَوَاءٌ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَقَدْ وُجِدَ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ اخْتِصَارًا مُخِلًّا تَبِعَ فِيهِ النَّهْرَ. وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَأَرَادَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 وَلَوْ نَذَرَ شَهْرًا لَزِمَهُ كَامِلًا أَوْ الشَّهْرَ فَبَقِيَّتُهُ أَوْ صَوْمَ جُمُعَةٍ فَالْأُسْبُوعُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْيَوْمَ، وَلَوْ نَذَرَ يَوْمَ السَّبْتِ صَوْمَ ثَمَانِيَةٍ أَيَّامٍ صَامَ سَبْتَيْنِ وَلَوْ قَالَ سَبْعَةً فَسَبْعَةُ أَسْبُتٍ، وَالْفَرْقُ أَنَّ السَّبْتَ لَا يَتَكَرَّرُ فِي السَّبْعَةِ فَحُمِلَ عَلَى الْعَدَدِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. وَاعْلَمْ أَنَّ النَّذْرَ الَّذِي يَقَعُ لِلْأَمْوَاتِ مِنْ أَكْثَرِ الْعَوَّامِ وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالشَّمْعِ وَالزَّيْتِ وَنَحْوِهَا إلَى ضَرَائِحِ الْأَوْلِيَاءِ الْكِرَامِ تَقَرُّبًا إلَيْهِمْ فَهُوَ بِالْإِجْمَاعِ بَاطِلٌ وَحَرَامٌ مَا لَمْ يَقْصِدُوا صَرْفَهَا لِفُقَرَاء الْأَنَامِ وَقَدْ اُبْتُلِيَ النَّاسُ بِذَلِكَ،   [رد المحتار] بِهِ الْيَمِينَ فَقَدِمَ فُلَانٌ فِي يَوْمِ رَمَضَانَ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْبِرِّ وَهُوَ الصَّوْمُ بِنِيَّةِ الشُّكْرِ، وَلَوْ قَدِمَ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ فَنَوَى بِهِ الشُّكْرَ لَا عَنْ رَمَضَانَ بَرَّ بِالنِّيَّةِ وَأَجْزَأَهُ عَنْ رَمَضَانَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ اهـ وَبِهِ يَتَّضِحُ بَقِيَّةُ كَلَامِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ كَامِلًا) وَيَفْتَتِحُهُ مَتَى شَاءَ بِالْعَدَدِ لَا هِلَالِيًّا وَالشَّهْرُ الْمُعَيَّنُ هِلَالِيٌّ كَذَا فِي اعْتِكَافِ فَتْحِ الْقَدِيرِ ح (قَوْلُهُ فَبَقِيَّتُهُ) أَيْ بَقِيَّةُ الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ مُعَرَّفًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْهُودِ بِالْحُضُورِ، فَإِنْ نَوَى شَهْرًا فَعَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ فَتْحٌ عَنْ التَّجْنِيسِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْيَوْمَ) أَفَادَ أَنَّ لُزُومَ الْأُسْبُوعِ يَكُونُ فِيمَا إذَا نَوَى أَيَّامَ جُمُعَةٍ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لِأَنَّ الْجُمُعَةَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَأَيَّامُ الْجُمُعَةِ لَكِنَّ الْأَيَّامَ أَغْلَبُ فَانْصَرَفَ الْمُطْلَقُ إلَيْهِ تَجْنِيسٌ. قَالَ ح: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ الْجُمُعَةَ أَنْ يَلْزَمَهُ بَقِيَّتُهَا عَلَى قِيَاسِ السَّنَةِ وَالشَّهْرِ فَإِنَّ مَبْدَأَهَا الْأَحَدُ وَآخِرَهَا السَّبْتُ فَلْيُرَاجَعْ اهـ. قُلْت فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قَالَ صَوْمُ أَيَّامِ الْجُمُعَةِ فَعَلَيْهِ صَوْمُ سَبْعَةِ أَيَّامٍ اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) أَيْ فَإِنَّ السَّبْتَ يَتَكَرَّرُ فِيهِ فَأُرِيدَ الْمُتَكَرِّرُ فِي الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ كَأَنَّهُ قَالَ السَّبْتُ الْكَائِنُ فِي ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ سَبْتَانِ قَالَ فِي الْمِنَحِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَمَّا إذَا وُجِدَتْ لَزِمَهُ مَا نَوَى اهـ ط. مَطْلَبٌ فِي النَّذْرِ الَّذِي يَقَعُ لِلْأَمْوَاتِ مِنْ أَكْثَرِ الْعَوَّامِ مِنْ شَمْعٍ أَوْ زَيْتٍ أَوْ نَحْوِهِ (قَوْلُهُ تَقَرُّبًا إلَيْهِمْ) كَأَنْ يَقُولَ يَا سَيِّدِي فُلَانٌ إنْ رُدَّ غَائِبِي أَوْ عُوفِيَ مَرِيضِي أَوْ قُضِيَتْ حَاجَتِي فَلَكَ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ الشَّمْعِ أَوْ الزَّيْتِ كَذَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ بَاطِلٌ وَحَرَامٌ) لِوُجُوهٍ: مِنْهَا أَنَّهُ نَذَرَ لِمَخْلُوقٍ وَالنَّذْرُ لِلْمَخْلُوقِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَالْعِبَادَةُ لَا تَكُونُ لِمَخْلُوقٍ. وَمِنْهَا أَنَّ الْمَنْذُورَ لَهُ مَيِّتٌ وَالْمَيِّتُ لَا يَمْلِكُ. وَمِنْهُ أَنَّهُ إنْ ظَنَّ أَنَّ الْمَيِّتَ يَتَصَرَّفُ فِي الْأُمُورِ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى وَاعْتِقَادَهُ ذَلِكَ كُفْرٌ، اللَّهُمَّ إلَّا إنْ قَالَ يَا اللَّهُ إنِّي نَذَرْت لَك إنْ شَفَيْت مَرِيضِي أَوْ رَدَدْت غَائِبِي أَوْ قَضَيْت حَاجَتِي أَنْ أُطْعِمَ الْفُقَرَاءَ الَّذِينَ بِبَابِ السَّيِّدَةِ نَفِيسَةَ أَوْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ أَوْ الْإِمَامِ اللَّيْثِ أَوْ اشْتَرَى حُصْرًا لِمَسَاجِدِهِمْ أَوْ زَيْتًا لِوَقُودِهَا أَوْ دَرَاهِمَ لِمَنْ يَقُومُ بِشَعَائِرِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ فِيهِ نَفْعٌ لِلْفُقَرَاءِ وَالنَّذْرُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَذِكْرُ الشَّيْخِ إنَّمَا هُوَ مَحَلٌّ لِصَرْفِ النَّذْرِ لِمُسْتَحِقَّيْهِ الْقَاطِنِينَ بِرِبَاطِهِ أَوْ مَسْجِدِهِ فَيَجُوزُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ ذَلِكَ لِغَنِيٍّ وَلَا لِشَرِيفٍ مُنَصَّبٍ أَوْ ذِي نَسَبٍ أَوْ عِلْمٍ، مَا لَمْ يَكُنْ فَقِيرًا وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الشَّرْعِ جَوَازُ الصَّرْفِ لِلْأَغْنِيَاءِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى حُرْمَةِ النَّذْرِ لِلْمَخْلُوقِ، وَلَا يَنْعَقِدُ وَلَا تَشْتَغِلُ الذِّمَّةُ بِهِ وَلِأَنَّهُ حَرَامٌ بَلْ سُحْتٌ وَلَا يَجُوزُ لِخَادِمِ الشَّيْخِ أَخْذُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا أَوْ لَهُ عِيَالٌ فُقَرَاءُ عَاجِزُونَ فَيَأْخُذُونَهُ عَلَى سَبِيلِ الصَّدَقَةِ الْمُبْتَدَأَةِ، وَأَخْذُهُ أَيْضًا مَكْرُوهٌ مَا لَمْ يَقْصِدْ النَّاذِرُ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَصَرْفَهُ إلَى الْفُقَرَاءِ، وَيَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْ نَذْرِ الشَّيْخِ بَحْرٌ مُلَخَّصًا عَنْ شَرْحِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَقْصِدُوا إلَخْ) أَيْ بِأَنْ تَكُونَ صِيغَةُ النَّذْرِ لِلَّهِ تَعَالَى لِلتَّقَرُّبِ إلَيْهِ وَيَكُونَ ذِكْرُ الشَّيْخِ مُرَادًا بِهِ فُقَرَاؤُهُ كَمَا مَرَّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ لَهُ الصَّرْفَ إلَى غَيْرِهِمْ كَمَا مَرَّ سَابِقًا وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَنْذُورُ مِمَّا يَصِحُّ بِهِ النَّذْرُ كَالصَّدَقَةِ بِالدَّرَاهِمِ وَنَحْوِهَا، أَمَّا لَوْ نَذَرَ زَيْتًا لِإِيقَادِ قِنْدِيلٍ فَوْقَ ضَرِيحِ الشَّيْخِ أَوْ فِي الْمَنَارَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 وَلَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ وَقَدْ بَسَطَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ، وَلَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ: لَوْ كَانَتْ الْعَوَّامُ عَبِيدِي لَأَعْتَقَتْهُمْ وَأَسْقَطْت وَلَائِي وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَا يَهْتَدُونَ فَالْكُلُّ بِهِمْ يَتَغَيَّرُونَ. بَابُ الِاعْتِكَافِ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ لَهُ وَالتَّأْخِيرِ اشْتِرَاطُ الصَّوْمِ فِي بَعْضِهِ وَالطَّلَبُ الْآكَدُ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ. (هُوَ) لُغَةً: اللَّبْثُ وَشَرْعًا: (لَبْثٌ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَتُضَمُّ الْمُكْثُ (ذَكَرٍ) وَلَوْ مُمَيَّزًا فِي (مَسْجِدٍ جَمَاعَةً) هُوَ مَا لَهُ إمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ أُدِّيَتْ فِيهِ الْخَمْسُ أَوْ لَا. وَعَنْ الْإِمَامِ اشْتِرَاطُ أَدَاءِ الْخَمْسِ فِيهِ وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ وَقَالَ لَا يَصِحُّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَصَحَّحَهُ السُّرُوجِيُّ، وَأَمَّا الْجَامِعُ فَيَصِحُّ فِيهِ   [رد المحتار] كَمَا يَفْعَلُ النِّسَاءُ مِنْ نَذْرِ الزَّيْتِ لِسَيِّدِي عَبْدِ الْقَادِرِ وَيُوقَدُ فِي الْمَنَارَةِ جِهَةَ الْمَشْرِقِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَأَقْبَحُ مِنْهُ النَّذْرُ بِقِرَاءَةِ الْمَوْلِدِ فِي الْمَنَابِرِ وَمَعَ اشْتِمَالِهِ عَلَى الْغِنَاءِ وَاللَّعِبِ وَإِيهَابِ ثَوَابِ ذَلِكَ إلَى حَضْرَةِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ وَلَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ) وَلَا سِيَّمَا فِي مَوْلِدِ السَّيِّدِ أَحْمَدَ الْبَدْوِيِّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَقَدْ قَالَ إلَخْ) ذَكَرَ ذَلِكَ هُنَا فِي النَّهْرِ، وَلَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الْأَفْهَامِ أَنَّ مُرَادَ الْإِمَامِ بِهَذَا الْكَلَامِ إنَّمَا هُوَ ذَمُّ الْعَوَّامِ وَالتَّبَاعُدُ عَنْ نِسْبَتِهِمْ إلَيْهِ بِأَيِّ وَجْهٍ يُرَامُ وَلَوْ بِإِسْقَاطِ الْوَلَاءِ الثَّابِتِ الِانْبِرَامِ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ جَهْلِهِمْ الْعَامِّ وَتَغْيِيرِهِمْ لِكَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَتَقَرُّبِهِمْ بِمَا هُوَ بَاطِلٌ وَحَرَامٌ؛ فَهُمْ كَالْأَنْعَامِ يَتَغَيَّرُ بِهِمْ الْأَعْلَامُ، وَيَتَبَرَّءُونَ مِنْ شَنَائِعِهِمْ الْعِظَامِ كَمَا هُوَ أَدَبُ الْأَنْبِيَاءِ الْكِرَامِ حَيْثُ يَتَبَرَّءُونَ مِنْ الْأَبَاعِدِ وَالْأَرْحَامِ بِمُخَالَفَتِهِمْ الْمَلِكَ الْعَلَّامَ فَافْهَمْ مَا ذَكَرْنَاهُ وَالسَّلَامُ. . [بَابُ الِاعْتِكَافِ] ِ (قَوْلُهُ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ لَهُ وَالتَّأْخِيرُ) أَيْ وَجْهُ مُنَاسَبَةِ الِاعْتِكَافِ لِلصَّوْمِ حَيْثُ ذُكِرَ مَعَهُ وَوَجْهُ تَأْخِيرِهِ عَنْهُ أَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الِاعْتِكَافِ وَهُوَ الْوَاجِبُ وَالشَّرْطُ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَشْرُوطِ، وَأَنَّ الِاعْتِكَافَ يُطْلَبُ مُؤَكَّدًا فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ فَيُخْتَمُ الصَّوْمُ بِهِ فَنَاسَبَ خَتْمُ كِتَابِ الصَّوْمِ بِذِكْرِ مَسَائِلِهِ (قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً اللَّبْثُ) أَيْ الْمُكْثُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ وَحَبْسُ النَّفْسِ فِيهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ هُوَ لُغَةً افْتِعَالٌ مِنْ عَكَفَ إذَا دَامَ مِنْ بَابِ طَلَبَ وَعَكَفَهُ حَبَسَهُ، وَمِنْهُ - {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا} [الفتح: 25]- سُمِّي بِهِ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْعِبَادَةِ لِأَنَّهُ إقَامَةٌ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ شَرَائِطَ مُغْرِبٍ. وَفِي النِّهَايَةِ مَصْدَرُ الْمُتَعَدِّي الْعَكْفُ وَمِنْهُ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ وَاللَّازِمِ الْعُكُوفُ مِنْهُ - {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138]- (قَوْلُهُ ذُكِرَ) قَيَّدَ بِهِ وَإِنْ تَحَقَّقَ اعْتِكَافُ الْمَرْأَةِ فِي الْمَسْجِدِ مَيْلًا إلَى تَعْرِيفِ الِاعْتِكَافِ الْمَطْلُوبِ لِأَنَّ اعْتِكَافَ الْمَرْأَةِ فِيهِ مَكْرُوهٌ كَمَا يَأْتِي بَلْ ظَاهِرُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَدَمُ صِحَّتِهِ لَكِنْ صَرَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَقَدْ يُقَالُ قَيَّدَ بِهِ نَظَرًا إلَى شَرْطِيَّةِ مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ لِاعْتِكَافِ الرَّجُلِ فَقَطْ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ أَوْ امْرَأَةٍ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُمَيِّزًا) فَالْبُلُوغُ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَشَمِلَ الْعَبْدَ فَيَصِحُّ اعْتِكَافُهُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَلَوْ نَذَرَهُ فَلِلْمَوْلَى مَنْعُهُ وَيَقْضِيهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَكَذَا الْمَرْأَةُ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا بَعْدَ الْإِذْنِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلَيْسَ لِلْمَوْلَى مَنْعُهُ وَلَوْ تَطَوُّعًا وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أُدِّيَتْ فِيهِ الْخَمْسُ أَوْ لَا) صَرَّحَ بِهَذَا الْإِطْلَاقِ فِي الْعِنَايَةِ وَكَذَا فِي النَّهْرِ وَعَزَاهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ إلَى الْفَيْضِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَخِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا، وَيُفْهَمُ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ مِنْ تَعْقِيبِهِ بِالْقَوْلِ الثَّانِي هُنَا تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ) نَقَلَ تَصْحِيحَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ ابْنِ الْهُمَامِ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ السُّرُوجِيُّ) وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ قَالَ الْحَبْرُ الرَّمْلِيُّ وَهُوَ أَيْسَرُ خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْجَامِعُ) لَمَّا كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 مُطْلَقًا اتِّفَاقًا (أَوْ) لَبْثُ (امْرَأَةٍ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا) وَيُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ صَلَاتِهَا مِنْ بَيْتِهَا كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَسْجِدٌ وَلَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا إذَا اعْتَكَفَتْ فِيهِ، وَهَلْ يَصِحُّ مِنْ الْخُنْثَى فِي بَيْتِهِ لَمْ أَرَهُ وَالظَّاهِرُ لَا لِاحْتِمَالِ ذُكُورِيَّتِهِ (بِنِيَّةٍ) فَاللَّبْثُ: هُوَ الرُّكْنُ وَالْكَوْنُ فِي الْمَسْجِدِ وَالنِّيَّةُ مِنْ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ طَاهِرٍ مِنْ جَنَابَةٍ وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ شَرْطَانِ. (وَهُوَ) ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (وَاجِبُ النَّذْرِ) بِلِسَانِهِ وَبِالشُّرُوعِ   [رد المحتار] الْمَسْجِدُ يَشْمَلُ الْخَاصَّ كَمَسْجِدِ الْمُحَلَّةِ وَالْعَامِّ، وَهُوَ الْجَامِعُ كَأُمَوِيِّ دِمَشْقَ مَثَلًا أَخْرَجَهُ مِنْ عُمُومِهِ تَبَعًا لِلْكَافِي وَغَيْرِهِ لِعَدَمِ الْخِلَافِ فِيهِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُصَلُّوا فِيهِ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا ح عَنْ الْبَحْرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ جَمَاعَةٌ. [تَنْبِيهٌ] : هَذَا كُلُّهُ لِبَيَانِ الصِّحَّةِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْفَتْحِ، وَأَمَّا أَفْضَلُ الِاعْتِكَافِ فَفِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، ثُمَّ فِي الْجَامِعِ قِيلَ إذَا كَانَ يُصَلَّى فِيهِ بِجَمَاعَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي مَسْجِدِهِ أَفْضَلُ لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى الْخُرُوجِ ثُمَّ مَا كَانَ أَهْلُهُ أَكْثَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا) وَهُوَ الْمُعَدُّ لِصَلَاتِهَا الَّذِي يُنْدَبُ لَهَا وَلِكُلِّ أَحَدٍ اتِّخَاذُهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ نَهْرٌ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلرَّجُلِ أَيْضًا أَنْ يُخَصِّصَ مَوْضِعًا مِنْ بَيْتِهِ لِصَلَاتِهِ النَّافِلَةِ أَمَّا الْفَرِيضَةُ وَالِاعْتِكَافُ فَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَ فِي السِّرَاجِ وَلَيْسَ لِزَوْجِهَا أَنْ يَطَأَهَا إذَا أَذِنَ لَهَا لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا مَنَافِعَهَا فَإِنْ مَنَعَهَا بَعْدَ الْإِذْنِ لَا يَصِحُّ مَنْعُهُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهَا الِاعْتِكَافُ بِلَا إذْنِهِ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَإِنْ أَذِنَ لَهَا كُرِهَ لَهُ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ يُخْلِفُ وَعْدَهُ وَجَازَ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ مَنَافِعَهَا (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ) أَيْ تَنْزِيهًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ النِّهَايَةِ نَهْرٌ وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَفْضَلِ (قَوْلُهُ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَسْجِدٌ) أَيْ مَسْجِدُ بَيْتٍ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ أَعَدَّتْهُ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ إرَادَةِ الِاعْتِكَافِ أَنْ يَصِحَّ (قَوْلُهُ وَهُوَ يَصِحُّ إلَخْ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ ح (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ لَا) لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ يَصِحُّ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَعَلَى تَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ لَا يَصِحُّ فِي الْبَيْتِ بِوَجْهٍ ح. قُلْت: لَكِنْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْبِدْعَةِ يَأْتِي بِهِ احْتِيَاطًا وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ يَتْرُكُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ الْمَكْرُوهُ تَحْرِيمًا وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الِاعْتِكَافُ مَنْذُورًا (قَوْلُهُ فَاللَّبْثُ هُوَ الرُّكْنُ) فِيهِ أَنَّ هَذَا حَقِيقَتُهُ اللُّغَوِيَّةُ أَمَّا حَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ فَهِيَ اللَّبْثُ الْمَخْصُوصُ أَيْ فِي الْمَسْجِدِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مِنْ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ) لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تَصِحُّ بِدُونِ الْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ فَهُمَا شَرْطَانِ لَهَا وَبِهِ يُسْتَغْنَى عَنْ جَعْلِهِمَا شَرْطَيْنِ لِلِاعْتِكَافِ الْمَشْرُوطِ بِالنِّيَّةِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ طَاهِرٍ مِنْ جَنَابَةٍ إلَخْ) جَعَلَ فِي الْبَدَائِعِ الطَّهَارَةَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ شَرْطًا لِلِاعْتِكَافِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فِيهِ عَلَى رِوَايَةِ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ فِي نَفْلِهِ أَمَّا عَلَى عَدَمِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ شَرَائِطِ الْحِلِّ فَقَطْ كَالطَّهَارَةِ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذَا. اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الطَّهَارَةَ مِنْ الثَّلَاثَةِ شَرْطٌ لِلْحِلِّ وَمِنْ الْأَوَّلَيْنِ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ أَيْضًا فِي الْمَنْذُورِ وَكَذَا فِي النَّفْلِ عَلَى رِوَايَةِ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ لِصِحَّةِ الصَّوْمِ مَعَهَا وَبَحَثَ فِيهِ الرَّحْمَتِيُّ بِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ الْمَقْصِدَ الْأَصْلِيَّ مِنْ شَرْعِيَّةِ الِاعْتِكَافِ انْتِظَارُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ لَيْسَا بِأَهْلٍ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُهُمَا بِخِلَافِ الْجُنُبِ إذْ يُمْكِنُهُ الطَّهَارَةُ وَالصَّلَاةُ اهـ وَيَلْزَمُهُ أَنَّ الْجُنُبَ لَوْ لَمْ يَتَطَهَّرْ وَيُصَلِّي لَا يَصِحُّ مِنْهُ وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهِ الصَّلَاةُ بِالْجَمَاعَةِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ شَرْطَانِ) خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ وَهُوَ الْكَوْنُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ بِلِسَانِهِ) فَلَا يَكْفِي لِإِيجَابِهِ النِّيَّةُ مِنَحٌ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ (قَوْلُهُ وَبِالشُّرُوعِ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى ضَعِيفٍ وَهُوَ اشْتِرَاطُ زَمَنٍ لِلتَّطَوُّعِ وَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ أَقَلَّ النَّفْلِ سَاعَةٌ فَلَا اهـ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 وَبِالتَّعْلِيقِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ (وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ) أَيْ سُنَّةُ كِفَايَةٍ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَغَيْرِهِ لِاقْتِرَانِهَا بِعَدَمِ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ مِنْ الصَّحَابَةِ (مُسْتَحَبٌّ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَزْمِنَةِ) هُوَ بِمَعْنَى غَيْرِ الْمُؤَكَّدَةِ. (وَشُرِطَ الصَّوْمُ) لِصِحَّةِ (الْأَوَّلِ) اتِّفَاقًا (فَقَطْ) عَلَى الْمَذْهَبِ (فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ لَمْ يَصِحَّ) وَإِنْ نَوَى مَعَهَا الْيَوْمَ لِعَدَمِ مَحَلِّيَّتِهَا لِلصَّوْمِ أَمَّا لَوْ نَوَى بِهَا الْيَوْمَ صَحَّ وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى (بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ) فِي نَذْرِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا (فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَ) إنْ لَمْ يَكُنْ اللَّيْلُ مَحِلًّا   [رد المحتار] وَسَيَأْتِي قَرِيبًا أَيْضًا مَعَ جَوَابِهِ (قَوْلُهُ وَبِالتَّعْلِيقِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالنَّذْرِ وَهَذَا قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالنَّذْرِ النَّذْرَ الْمُطْلَقَ كَمَا قَيَّدَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ فَلَا يُرَدُّ أَنَّ صُورَةَ التَّعْلِيقِ نَذْرٌ أَيْضًا وَأَنْ مُقْتَضَى الْعَطْفِ خِلَافُهُ نَعَمْ الْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ وَاجِبٌ بِالنَّذْرِ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا كَمَا عَبَّرَ فِي الْبَحْرِ وَالْإِمْدَادِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَيْ سُنَّةُ كِفَايَةٍ) نَظِيرُهَا إقَامَةُ التَّرَاوِيحِ بِالْجَمَاعَةِ فَإِذَا قَامَ بِهَا الْبَعْضُ سَقَطَ الطَّلَبُ عَنْ الْبَاقِينَ فَلَمْ يَأْثَمُوا بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى تَرْكٍ بِلَا عُذْرٍ، وَلَوْ كَانَ سُنَّةَ عَيْنٍ لَأَثِمُوا بِتَرْكِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ إثْمًا دُونَ إثْمِ تَرْكِ الْوَاجِبِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ لِاقْتِرَانِهَا إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا أَوْرَدَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَيْهِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» وَالْمُوَاظَبَةُ دَلِيلُ السُّنَّةِ اهـ مِنْ أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ بِلَا تَرْكٍ دَلِيلُ الْوُجُوبِ وَالْجَوَابِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُنْكِرْ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَنْكَرَ. اهـ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ إنَّمَا تُفِيدُ الْوُجُوبَ إذَا اقْتَرَنَتْ بِالْإِنْكَارِ عَلَى التَّارِكِ (قَوْلُهُ هُوَ بِمَعْنَى غَيْرِ الْمُؤَكَّدَةِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُسَمَّى سُنَّةً أَيْضًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي كَلَامِ الْهِدَايَةِ فِي بَابِ الْوِتْرِ إطْلَاقُ السُّنَّةِ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ. (قَوْلُهُ وَشُرِطَ الصَّوْمُ لِصِحَّةِ الْأَوَّلِ) أَيْ النَّذْرِ حَتَّى لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرًا بِغَيْرِ صَوْمٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَصُومَ بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فَقَطْ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ وَمُقَابِلُهُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ أَنَّهُ شَرْطٌ لِلتَّطَوُّعِ أَيْضًا وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي أَنَّ التَّطَوُّعَ مُقَدَّرٌ بِيَوْمٍ أَوْ لَا فَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ، فَلَمْ يَكُنْ الصَّوْمُ شَرْطًا لَهُ وَعَلَى رِوَايَةِ تَقْدِيرِهِ بِيَوْمٍ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ أَيْضًا يَكُونُ الصَّوْمُ شَرْطًا لَهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا. قُلْت: وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ أَيْضًا فِي الِاعْتِكَافِ الْمَسْنُونِ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْعَشْرِ الْأَخِيرِ حَتَّى لَوْ اعْتَكَفَهُ بِلَا صَوْمٍ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ، يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ عَنْهُ بَلْ يَكُونَ نَفْلًا فَلَا تَحْصُلُ بِهِ إقَامَةُ سُنَّةِ الْكِفَايَةِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْكَنْزِ سُنَّ لَبْثٌ فِي مَسْجِدٍ بِصَوْمٍ وَنِيَّةٍ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَنْذُورِ لِتَصْرِيحِهِ بِالسُّنِّيَّةِ وَلَا عَلَى التَّطَوُّعِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَأَقَلُّهُ نَفْلًا سَاعَةٌ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَسْنُونِ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً، فَيَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ فِيهِ، وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْمَنْذُورِ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا صَرَّحُوا بِكَوْنِهِ شَرْطًا فِي الْمَنْذُورِ غَيْرَ شَرْطٍ فِي التَّطَوُّعِ، وَسَكَتُوا عَنْ بَيَانِ حُكْمِ الْمَسْنُونِ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالصَّوْمِ عَادَةً وَلِهَذَا قَسَّمَ فِي مَتْنِ الدُّرَرِ الِاعْتِكَافَ إلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الْمَنْذُورُ وَالْمَسْنُونُ وَالتَّطَوُّعُ، ثُمَّ قَالَ وَالصَّوْمُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْأَوَّلِ لَا الثَّالِثِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلثَّانِي لِمَا قُلْنَا وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُمْ بِالتَّطَوُّعِ مَا يَشْمَلُ الْمَسْنُونَ لَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْأَوَّلِ فَقَطْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فَعِبَارَةُ صَاحِبِ الدُّرَرِ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لِمَا عَلِمْته هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى مَعَهَا الْيَوْمَ) أَمَّا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ الْيَوْمِ وَنَوَى اللَّيْلَةَ مَعَهُ لَزِمَاهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى) وَهُوَ أَنَّهُ فِي الْأُولَى لَمَّا جَعَلَ الْيَوْمَ تَبَعًا لِلَّيْلَةِ، وَقَدْ بَطَلَ نَذْرُهُ فِي الْمَتْبُوعِ وَهُوَ اللَّيْلَةُ بَطَلَ فِي التَّابِعِ وَهُوَ الْيَوْمُ وَفِي الثَّانِيَةِ أَطْلَقَ اللَّيْلَةَ وَأَرَادَ الْيَوْمَ مَجَازًا مُرْسَلًا بِمَرْتَبَتَيْنِ حَيْثُ اسْتَعْمَلَ الْمُقَيَّدَ وَهُوَ اللَّيْلَةُ فِي مُطْلَقِ الزَّمَنِ ثُمَّ اسْتَعْمَلَ هَذَا الْمُطْلَقَ فِي الْمُقَيَّدِ وَهُوَ الْيَوْمُ فَكَانَ الْيَوْمُ مَقْصُودًا. اهـ. ح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 لِلصَّوْمِ لِأَنَّهُ (يُدْخِلُ اللَّيْلَ تَبَعًا وَ) . اعْلَمْ أَنَّ (الشَّرْطَ) فِي الصَّوْمِ مُرَاعَاةُ (وُجُودِهِ لَا إيجَادِهِ) لِلْمَشْرُوطِ قَصْدًا (فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرِ رَمَضَانَ لَزِمَهُ وَأَجْزَأَهُ) صَوْمُ رَمَضَانَ (عَنْ صَوْمِ الِاعْتِكَافِ) لَكِنْ قَالُوا لَوْ صَامَ تَطَوُّعًا ثُمَّ نَذَرَ اعْتِكَافَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يَصِحَّ لِانْعِقَادِهِ مِنْ أَوَّلِهِ تَطَوُّعًا فَتَعَذَّرَ جَعْلُهُ وَاجِبًا (وَإِنْ لَمْ يَعْتَكِفْ) رَمَضَانَ الْمُعَيَّنَ (قَضَى شَهْرًا) غَيْرَهُ (بِصَوْمٍ مَقْصُودٍ) لِعَوْدِ شَرْطِهِ إلَى الْكَمَالِ الْأَصْلِيِّ فَلَمْ يَجُزْ فِي رَمَضَانَ آخَرَ وَلَا فِي وَاجِبٍ سِوَى قَضَاءِ رَمَضَانَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ خَلَفَ عَنْهُ وَتَحْقِيقُهُ فِي الْأُصُولِ فِي بَحْثِ الْأَمْرِ. (وَأَقَلُّهُ نَفْلًا سَاعَةٌ) مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ لِبِنَاءِ النَّفْلِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَبِهِ يُفْتَى وَالسَّاعَةُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ جَزْءٌ مِنْ الزَّمَانِ لَا جَزْءٌ مِنْ   [رد المحتار] قُلْت: لَكِنَّ هَذَا الْفَرْعَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ الْجَائِرَ هُوَ إطْلَاقُ النَّهَارِ عَلَى مُطْلَقِ الزَّمَانِ دُونَ إطْلَاقِ اللَّيْلِ وَلَوْ سَاغَ الْإِطْلَاقُ الْمَذْكُورُ بِعَلَاقَةِ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ أَوْ غَيْرِهَا لَسَاغَ إطْلَاقُ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ النَّخْلَةِ عَلَى شَيْءٍ طَوِيلٍ غَيْرِ الْإِنْسَانِ مَعَ أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ عَدَمُهُ وَأَيْضًا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا نَوَى بِالْعِتْقِ الطَّلَاقَ صَحَّ لِأَنَّ الْعِتْقَ وُضِعَ لِإِزَالَةِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَالطَّلَاقَ لِإِزَالَةِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ وَالْأُولَى سَبَبٌ لِلثَّانِيَةِ فَصَحَّ الْمَجَازُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى بِالطَّلَاقِ الْعِتْقَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ ادِّعَاءُ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ اللَّيْلُ تَبَعًا) وَلَا يُشْتَرَطُ لِلتَّبَعِ مَا يُشْتَرَطُ لِلْأَصْلِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا إيجَادُهُ لِلْمَشْرُوطِ قَصْدًا) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ إيقَاعُهُ مَقْصُودًا لِأَجْلِ الِاعْتِكَافِ الْمَشْرُوطِ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ إيقَاعُ الطَّهَارَةِ قَصْدًا لِأَجْلِ الصَّلَاةِ بَلْ إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَكَانَ مُتَوَضِّئًا قَبْلَهَا لِغَيْرِهَا وَلَوْ لِلتَّبَرُّدِ يَكْفِيهِ لَهَا (قَوْلُهُ فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرِ رَمَضَانَ) الظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ مَا إذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ نَذَرَ اعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرِ، أَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْأَبَدِ ثُمَّ نَذَرَ اعْتِكَافًا فَلْيُتَأَمَّلْ وَيُرَاجَعْ اهـ ح. قُلْت: وَوَجْهُ التَّأَمُّلِ مَا ذَكَرُوا مِنْ أَنَّ الصَّوْمَ الْمَقْصُودَ لِلِاعْتِكَافِ إنَّمَا سَقَطَ فِي رَمَضَانَ لِشَرَفِ الْوَقْتِ كَمَا يَأْتِي تَقْرِيرُهُ وَالشَّرَفُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الصَّوْمِ الْمَنْذُورِ (قَوْلُهُ لَكِنْ قَالُوا إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَمِنْ التَّفْرِيعَاتِ أَنَّهُ لَوْ أَصْبَحَ صَائِمًا مُتَطَوِّعًا أَوْ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ ثُمَّ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ هَذَا الْيَوْمَ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ تَصِحُّ مِنْهُ نِيَّةُ الصَّوْمِ لِعَدَمِ اسْتِيعَابِ النَّهَارِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَقَلُّهُ أَكْثَرُ النَّهَارِ، فَإِنْ كَانَ قَالَهُ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ لَزِمَهُ فَإِنْ لَمْ يَعْتَكِفْهُ قَضَاهُ اهـ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ الصِّحَّةِ عَدَمُ اسْتِيعَابِ الِاعْتِكَافِ لِلنَّهَارِ لَا تَعَذُّرُ جَعْلِ التَّطَوُّعِ وَاجِبًا وَأَنَّهُ لَا مَحَلَّ لِلِاسْتِدْرَاكِ الْمُفَادِ بِلَكِنْ بَلْ هِيَ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا فِي الْمَتْنِ. اهـ. ح قُلْت: مَا عَلَّلَ بِهِ الشَّارِحُ عَلَّلَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالتَّجْنِيسِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة وَالْمِعْرَاجِ وَشَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عِلَّةً أُخْرَى لِعَدَمِ صِحَّةِ النَّذْرِ وَبِهِ يَصِحُّ الِاسْتِدْرَاكُ عَلَى قَوْلِهِ الشَّرْطُ وُجُودُهُ لِإِيجَادِهِ فَإِنَّ الشَّرْطَ هُنَا وَهُوَ الصَّوْمُ مَوْجُودٌ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ النَّذْرُ بِالِاعْتِكَافِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ اسْتِيعَابِ النَّهَارِ بِالِاعْتِكَافِ، وَعَدَمِ اسْتِيعَابِهِ بِالصَّوْمِ الْوَاجِبِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الشَّرْطَ صَوْمُ وَاجِبٍ بِنَذْرِ الِاعْتِكَافِ أَوْ بِغَيْرِهِ كَرَمَضَانَ وَيُمْكِنُ دَفْعُ الِاسْتِدْرَاكِ بِهَذَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ قَضَى شَهْرًا غَيْرَهُ) أَيْ مُتَتَابِعًا لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الِاعْتِكَافَ فِي شَهْرٍ بِعَيْنِهِ وَقَدْ فَاتَهُ فَيَقْضِيهِ مُتَتَابِعًا كَمَا إذَا أَوْجَبَ اعْتِكَافَ رَجَبٍ وَلَمْ يَعْتَكِفْ فِيهِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ سِوَى قَضَاءِ رَمَضَانَ الْأَوَّلِ) أَمَّا قَضَاءُ رَمَضَانَ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ إنْ قَضَاهُ مُتَتَابِعًا وَاعْتَكَفَ فِيهِ جَازَ لِأَنَّ الصَّوْمَ الَّذِي وَجَبَ فِيهِ الِاعْتِكَافُ بَاقٍ فَيَقْضِيهِمَا بِصَوْمِ شَهْرٍ مُتَتَابِعًا بَدَائِعُ أَيْ لِأَنَّ الْقَضَاءَ خَلَفٌ عَنْ الْأَدَاءِ فَأُعْطِيَ حُكْمَهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ وَتَحْقِيقُهُ فِي الْأُصُولِ) وَهُوَ أَنَّ النَّذْرَ كَانَ مُوجِبًا لِلصَّوْمِ الْمَقْصُودِ وَلَكِنْ سَقَطَ لِشَرَفِ الْوَقْتِ، وَلَمَّا لَمْ يَعْتَكِفْ فِي الْوَقْتِ صَارَ ذَلِكَ النَّذْرُ بِمَنْزِلَةِ نَذْرٍ مُطْلَقٍ عَنْ الْوَقْتِ فَعَادَ شَرْطُهُ إلَى الْكَمَالِ بِأَنْ وَجَبَ الِاعْتِكَافُ بِصَوْمٍ مَقْصُودٍ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ رَمَضَانُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ كَمَا يَقُولُهُ الْمُنَجِّمُونَ كَذَا فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ وَغَيْرِهِ. (فَلَوْ شَرَعَ فِي نَفْلِهِ ثُمَّ قَطَعَهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ) لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ الصَّوْمُ (عَلَى الظَّاهِرِ) مِنْ الْمَذْهَبِ وَمَا فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ أَنَّهُ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ مُفَرَّعٌ عَلَى الضَّعِيفِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ (وَحَرُمَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُعْتَكِفِ اعْتِكَافًا وَاجِبًا أَمَّا النَّفَلُ فَلَهُ الْخُرُوجُ   [رد المحتار] فَإِنْ قُلْت: عَلَى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَأَدَّى ذَلِكَ الِاعْتِكَافُ فِي صَوْمِ قَضَاءِ ذَلِكَ الشَّهْرِ كَمَا لَوْ نَذَرَ مُطْلَقًا. قُلْت: الْعِلَّةُ الِاتِّصَالُ بِصَوْمِ الشَّهْرِ مُطْلَقًا وَهُوَ مَوْجُودٌ. فَإِنْ قُلْت: الشَّرْطُ يُرَاعَى وُجُودُهُ وَلَا يَجِبُ كَوْنُهُ مَقْصُودًا كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ لِلتَّبَرُّدِ تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ وَرَمَضَانُ الثَّانِي عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ. قُلْت: حُدُوثُ صِفَةِ الْكَمَالِ مَنَعَ الشَّرْطَ عَنْ مُقْتَضَاهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا. اهـ. ح عَنْ شَرْحِ الْمَنَارِ لِابْنِ مَالِكٍ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْبَدَائِعِ لَوْ أَوْجَبَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَاعْتَكَفَ شَهْرًا قَبْلَهُ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي النَّذْرِ بِصَوْمِ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ فَصَامَ قَبْلَهُ اهـ أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّذْرَ غَيْرَ الْمُعَلَّقِ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْخِلَافَ فِي صِحَّةِ التَّقْدِيمِ لَا التَّأْخِيرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ نَذْرِ اعْتِكَافِ رَمَضَانَ أَوْ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِهِ فَيَصِحُّ اعْتِكَافُهُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ فِي الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ سِوَى رَمَضَانَ آخَرَ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ فَعَلَهُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ الْأَوَّلِ أَوْ قَضَائِهِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ صَوْمٍ مَقْصُودٍ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْمَتْنِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِهِمَا مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا فِيهِ الْفَرْقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا بِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ فِيهِمَا أَغْنَى عَنْ صَوْمٍ مَقْصُودٍ لِلِاعْتِكَافِ بِسَبَبِ شَرَفِ الْوَقْتِ وَخَلَفِهِ وَفِي غَيْرِهِمَا لَا بُدَّ مِنْ صَوْمٍ مَقْصُودٍ لَهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ فِيهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ ثُمَّ قَطَعَهُ) الْأَوْلَى ثُمَّ تَرَكَهُ وَلَكِنْ سَمَّاهُ قَطْعًا نَظَرًا إلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ بِتَقْدِيرِهِ بِيَوْمٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ الصَّوْمُ) الْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِمُدَّةٍ لِمَا عَلِمْته مِمَّا مَرَّ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ لَهُ وَعَدَمِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي تَقْدِيرِهِ بِيَوْمٍ وَعَدَمِهِ وَكَلَامُهُ يُفِيدُ الْعَكْسَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمَا فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ) كَ الْبَدَائِعِ وَتَبِعَهُ ابْنُ كَمَالٍ كَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْهُ فِي مَا مَرَّ (قَوْلُهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الضَّعِيفِ) أَيْ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِيَوْمٍ. أَقُولُ: لَكِنْ يُعَدُّ مَا صَرَّحَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ بِلُزُومِهِ بِالشُّرُوعِ ذَكَرَ رِوَايَةَ الْحَسَنِ وَوَجْهَهَا وَهُوَ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي التَّطَوُّعِ مُوجِبٌ لِلْإِتْمَامِ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا صِيَانَةً لِلْمُؤَدِّي عَنْ الْبُطْلَانِ ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةَ الْأَصْلِ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِيَوْمٍ، وَأَجَابَ عَنْ وَجْهِ رِوَايَةِ الْحَسَنِ بِقَوْلِهِ وَقَوْلُهُ الشُّرُوعُ فِيهِ مُوجِبٌ مُسَلَّمٌ لَكِنْ بِقَدْرِ مَا اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ وَلَمَّا خَرَجَ فَمَا وَجَبَ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرُ فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ اهـ فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْبَدَائِعِ أَوَّلًا أَنَّهُ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ مُرَادُهُ بِهِ لُزُومُ مَا اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ لَا لُزُومُ يَوْمٍ فَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ الَّتِي هِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَحَرُمَ إلَخْ) لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِلْعِبَادَةِ وَهُوَ حَرَامٌ - {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]- بَدَائِعُ (قَوْلُهُ أَمَّا النَّفَلُ) أَيْ الشَّامِلُ لِلسُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ ح. قُلْت: قَدَّمْنَا مَا يُفِيدُ اشْتِرَاطَ الصَّوْمِ فِيهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِالْعَشْرِ الْأَخِيرِ وَمُفَادُ التَّقْدِيرِ أَيْضًا اللُّزُومُ بِالشُّرُوعِ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت الْمُحَقِّقَ ابْنَ الْهُمَامَ قَالَ: وَمُقْتَضَى النَّظَرِ لَوْ شَرَعَ فِي الْمَسْنُونِ أَعْنِي الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ بِنِيَّتِهِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ أَنْ يَجِبَ قَضَاؤُهُ تَخْرِيجًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الشُّرُوعِ فِي نَفْلِ الصَّلَاةِ تَنَاوُبًا أَرْبَعًا لَا عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ أَيْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْعَشْرِ كُلِّهِ لَوْ أَفْسَدَ بَعْضَهُ كَمَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ أَرْبَعٍ لَوْ شَرَعَ فِي نَفْلٍ ثُمَّ أَفْسَدَ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَا يَقْضِي لَا رَكْعَتَيْنِ كَقَوْلِهِمَا نَعَمْ اخْتَارَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ قَضَاءَ الْأَرْبَعِ اتِّفَاقًا فِي الرَّاتِبَةِ كَالْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَضْلِيِّ وَصَحَّحَهُ فِي النِّصَابِ وَتَقَدَّمَ تَمَامُهُ فِي النَّوَافِلِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ خِلَافُهُ وَعَلَى كُلٍّ فَيَظْهَرُ مِنْ بَحْثِ ابْنِ الْهُمَامِ لُزُومُ الِاعْتِكَافِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 لِأَنَّهُ مِنْهُ لَا مُبْطِلَ كَمَا مَرَّ (الْخُرُوجُ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ) طَبِيعِيَّةٍ كَبَوْلٍ وَغَائِطٍ وَغُسْلٍ لَوْ احْتَلَمَ وَلَا يُمْكِنُهُ الِاغْتِسَالُ فِي الْمَسْجِدِ كَذَا فِي النَّهْرِ (أَوْ) شَرْعِيَّةٍ كَعِيدٍ وَأَذَانٍ لَوْ مُؤَذِّنًا وَبَابُ الْمَنَارَةِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَ (الْجُمُعَةِ وَقْتَ الزَّوَالِ وَمَنْ بَعُدَ مَنْزِلُهُ) أَيْ مُعْتَكَفُهُ (خَرَجَ فِي وَقْتٍ يُدْرِكُهَا)   [رد المحتار] الْمَسْنُونِ بِالشُّرُوعِ وَإِنَّ لُزُومَ قَضَاءِ جَمِيعِهِ أَوْ بَاقِيهِ مُخَرَّجٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ فَيَقْضِي الْيَوْمَ الَّذِي أَفْسَدَهُ لِاسْتِقْلَالِ كُلِّ يَوْمٍ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا أَيْ بَاقِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ كَالنَّذْرِ وَهُوَ لَوْ نَذَرَ الْعَشْرَ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ مُتَتَابِعًا، وَلَوْ أَفْسَدَ بَعْضَهُ قَضَى بَاقِيَهُ عَلَى مَا مَرَّ فِي نَذْرِ صَوْمِ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَجْهَ يَقْتَضِي لُزُومَ كُلِّ يَوْمٍ شَرَعَ فِيهِ عِنْدَ هُمَا بِنَاءً عَلَى لُزُومِ صَوْمِهِ بِخِلَافِ الْبَاقِي لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ بِمَنْزِلَةِ شَفْعٍ مِنْ النَّافِلَةِ الرُّبَاعِيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْمَسْنُونُ هُوَ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ بِتَمَامِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مِنْهُ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَنْهَى اهـ ح أَيْ مُتَمِّمٌ لِلنَّفْلِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَقَلُّهُ نَفْلًا سَاعَةٌ (قَوْلُهُ الْخُرُوجُ) أَيْ مِنْ مُعْتَكَفِهِ وَلَوْ مَسْجِدَ الْبَيْتِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ ط فَلَوْ خَرَجَتْ مِنْهُ وَلَوْ إلَى بَيْتِهَا بَطَلَ اعْتِكَافُهَا لَوْ وَاجِبًا وَانْتَهَى لَوْ نَفْلًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ إلَخْ) وَلَا يَمْكُثُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الطَّهُورِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بَيْتَ صَدِيقِهِ الْقَرِيبِ. وَاخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ كَانَ لَهُ بَيْتَانِ فَأَتَى الْبَعِيدَ مِنْهُمَا قِيلَ فَسَدَ وَقِيلَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَا لَوْ تَرَكَ بَيْتَ الْخَلَاءِ لِلْمَسْجِدِ الْقَرِيبِ وَأَتَى بَيْتَهُ نَهْرٌ وَلَا يَبْعُدُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْخِلَافِيَّةِ وَهَذِهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ لَا يَأْلَفُ غَيْرَ بَيْتِهِ رَحْمَتِيٌّ أَيْ فَإِذَا كَانَ لَا يَأْلَفُ غَيْرَهُ بِأَنْ لَا يَتَيَسَّرَ لَهُ إلَّا فِي بَيْتِهِ فَلَا يَبْعُدُ الْجَوَازُ بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَ كَالْمُكْثِ بَعْدَهَا مَا لَوْ خَرَجَ لَهَا ثُمَّ ذَهَبَ لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ أَوْ صَلَاةِ جِنَازَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ لِذَلِكَ قَصْدًا فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ طَبِيعِيَّةً) حَالٌ أَوْ خَبَرٌ لِكَانَ مَحْذُوفَةٍ أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ طَبِيعِيَّةً أَوْ شَرْعِيَّةً وَفَسَّرَ ابْنُ الشَّلَبِيِّ الطَّبِيعِيَّةَ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهَا وَمَا لَا يُقْضَى فِي الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ وَغُسْلٌ) عَدَّهُ مِنْ الطَّبِيعِيَّةِ تَبَعًا لِلِاخْتِيَارِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا عَلِمْته مِنْ تَفْسِيرِهَا وَعَنْ هَذَا اعْتَرَضَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ تَفْسِيرَ الْكَنْزِ لَهَا بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ بِأَنَّ الْأَوْلَى تَفْسِيرُهَا بِالطَّهَارَةِ وَمُقَدَّمَاتِهَا لِيَدْخُلَ الِاسْتِنْجَاءُ وَالْوُضُوءُ وَالْغَسْلُ لِمُشَارَكَتِهَا لَهُمَا فِي الِاحْتِيَاجِ وَعَدَمِ الْجَوَازِ فِي الْمَسْجِدِ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَا يُمْكِنُهُ إلَخْ) فَلَوْ أَمْكَنَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَلَوَّثَ الْمَسْجِدُ فَلَا بَأْسَ بِهِ بَدَائِعُ أَيْ بِأَنْ كَانَ فِيهِ بِرْكَةُ مَاءٍ أَوْ مَوْضِعٌ مُعَدٌّ لِلطَّهَارَةِ أَوْ اغْتَسَلَ فِي إنَاءٍ بِحَيْثُ لَا يُصِيبُ الْمَسْجِدَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ، قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَتَلَوَّثُ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ يُمْنَعُ مِنْهُ لِأَنَّ تَنْظِيفَ الْمَسْجِدِ وَاجِبٌ اهـ وَالتَّقْيِيدُ بِعَدَمِ الْإِمْكَانِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ كَمَا قُلْنَا فَيَخْرُجُ أَنَّهُ يَفْسُدُ وَهَلْ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمَارُّ فِيمَا لَوْ كَانَ لَهُ بَيْتَانِ فَأَتَى الْبَعِيدَ مِنْهُمَا مَحَلُّ نَظَرٍ لِأَنَّ ذَاكَ بَعْدَ الْخُرُوجِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ بِدَلِيلِ مَا مَرَّ، مِنْ أَنَّهُ بَعْدَهُ لَهُ الذَّهَابُ لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ. لَكِنَّ قَوْلَ الْبَدَائِعِ لَا بَأْسَ بِهِ رُبَّمَا يُفِيدُ الْجَوَازَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ شَرْعِيَّةً) عَطْفٌ عَلَى طَبِيعِيَّةٍ وَلَفْظَةِ أَوْ مِنْ الْمَتْنِ وَالْوَاوِ فِي وَالْجُمُعَةِ مِنْ الشَّرْحِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَعِيدٍ) أَفَادَ صِحَّةَ النَّذْرِ بِالِاعْتِكَافِ فِي الْأَيَّامِ الْخَمْسَةِ الْمَنْهِيَّةِ وَفِيهِ الِاخْتِلَافُ السَّابِقُ فِي نَذْرِ صَوْمِهَا لِأَنَّ الصَّوْمَ مِنْ لَوَازِمِ الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ، فَعَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ الْإِمَامِ يَصِحُّ لَكِنْ يُقَالُ لَهُ اقْضِ فِي وَقْتٍ آخَرَ وَيُكَفِّرُ الْيَمِينَ إنْ أَرَادَ وَإِنْ اعْتَكَفَ فِيهَا صَحَّ وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ كَالنَّذْرِ بِالصَّوْمِ فِيهَا بَدَائِعُ (قَوْلُهُ لَوْ مُؤَذِّنًا) هَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُؤَذِّنِ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْإِمْدَادِ ح (قَوْلُهُ وَبَابُ الْمَنَارَةِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ) أَمَّا إذَا كَانَ دَاخِلَهُ فَكَذَلِكَ بِالْأَوْلَى قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَصُعُودُ الْمِئْذَنَةِ إنْ كَانَ بَابُهَا فِي الْمَسْجِدِ لَا يُفْسِدُ وَإِلَّا فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ وَأَذَانٌ وَلَوْ غَيْرَ مُؤَذِّنٍ وَبَابُ الْمَنَارَةِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَكَانَ أَوْلَى ح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 مَعَ سُنَّتِهَا يُحَكِّمُ فِي ذَلِكَ رَأْيَهُ، وَيَسْتَنُّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا أَوْ سِتًّا عَلَى الْخِلَافِ، وَلَوْ مَكَثَ أَكْثَرَ لَمْ يَفْسُدْ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لَهُ وَكُرِهَ تَنْزِيهًا لِمُخَالَفَةِ مَا الْتَزَمَهُ بِلَا ضَرُورَةٍ.   [رد المحتار] قُلْت: بَلْ ظَاهِرُ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْأَذَانَ أَيْضًا غَيْرُ شَرْطٍ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَوْ صَعِدَ الْمَنَارَةَ لَمْ يَفْسُدْ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ بَابُهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ فِيهَا مِنْ كُلِّ مَا يُمْنَعُ فِيهِ مِنْ الْبَوْلِ وَنَحْوِهِ فَأَشْبَهَ زَاوِيَةً مِنْ زَوَايَا الْمَسْجِدِ اهـ لَكِنْ يَنْبَغِي فِيمَا إذَا كَانَ بَابُهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا خَرَجَ لِلْأَذَانِ لِأَنَّ الْمَنَارَةَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْمَسْجِدِ، لَكِنَّ خُرُوجَهُ إلَى بَابِهَا لَا لِلْأَذَانِ خُرُوجٌ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ وَبِهَذَا لَا يَكُونُ كَلَامُ الشَّارِحِ مُفَرَّعًا عَلَى الضَّعِيفِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ وَبَابُ الْمَنَارَةِ إلَخْ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مُعْتَبَرَةُ الْمَفْهُومِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مَعَ سُنَّتِهَا) أَيْ وَمَعَ الْخُطْبَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَكُونُ قَبْلَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ، وَلَمْ يَذْكُرْ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ أَيْضًا مَعَ ذِكْرِهِمْ لَهَا هُنَا لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ إذَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِي الْفَرِيضَةِ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَجْزَأَهُ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِحُصُولِهَا بِذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَحِيَّةِ غَيْرِهَا وَكَذَا لَوْ شَرَعَ فِي السُّنَّةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْفَتْحِ لَكِنْ نَقَلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ عَلَى خَطِّ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ صَلَاةَ التَّحِيَّةِ بِالِاسْتِقْلَالِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهَا فِي ضِمْنِ الْفَرِيضَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَنْ يَعْتَكِفُ وَيُلَازِمُ بَابَ الْكَرِيمِ إنَّمَا يَرُومُ مَا يُوجِبُ لَهُ مَزِيدَ التَّفْضِيلِ وَالتَّكْرِيمِ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَلَى الْخِلَافِ) أَيْ أَرْبَعًا عِنْدَهُ وَسِتًّا عِنْدَهَا بَدَائِعُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الْأَرْبَعَ الَّتِي تُصَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ بِنِيَّةِ آخِرِ ظُهْرٍ عَلَيْهِ لَا أَصْلَ لَهَا فِي الْمَذْهَبِ لِنَصِّهِمْ هُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّي إلَّا السُّنَّةَ الْبَعْدِيَّةَ وَلِأَنَّ مَنْ اخْتَارَهَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ اخْتَارَهَا لِلشَّكِّ فِي سَبْقِ جُمُعَتِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَعَدُّدِهَا فِي مِصْرٍ، وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ، فَلَا يَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِهَا فِي زَمَانِنَا لِأَنَّهُمْ تَطَرَّقُوا مِنْهَا إلَى التَّكَاسُلِ عَنْ الْجُمُعَةِ وَظَنِّ أَنَّهَا غَيْرُ فَرْضٍ، وَأَنَّ الظُّهْرَ كَافٍ عَنْهَا وَاعْتِقَادُ ذَلِكَ كُفْرٌ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَفِي هَذَا الظُّهُورِ خَفَاءٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَعَدُّدِ الْجُمُعَةِ، وَلَيْسَ فِي كُلِّ الْبِلَادِ فَلْيَكُنْ اقْتِصَارُهُمْ عَلَى بَيَانِ السُّنَّةِ مَبْنِيًّا عَلَى ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي مَسْجِدِ الْجُمُعَةِ بَلْ يَأْتِيَ بِهَا فِي مُعْتَكَفِهِ وَكَوْنُ الصَّحِيحِ جَوَازَ التَّعَدُّدِ لَا يُنَافِي اسْتِحْبَابَ تِلْكَ الْأَرْبَعِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ الْقَوِيِّ الْوَاقِعِ فِي مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ الْغَيْرِ، وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الْجُمُعَةِ التَّصْرِيحَ عَنْ النَّهْرِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي اسْتِحْبَابِهَا وَكَوْنِ الْأُولَى أَنْ لَا يُفْتَى بِهَا فِي زَمَانِنَا لِمَا ذَكَرَهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْإِتْيَانِ بِهَا مِمَّنْ لَا يُخْشَى مِنْهُ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ هُنَاكَ مَبْسُوطًا عَنْ الْمَقْدِسِيَّ وَغَيْرِهِ فَتَذَكَّرْهُ بِالْمُرَاجَعَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَكَثَ أَكْثَرَ) كَيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ أَتَمَّ اعْتِكَافَهُ فِيهِ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لَهُ) أَيْ مَسْجِدُ الْجُمُعَةِ مَحَلٌّ لِلِاعْتِكَافِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا لَوْ خَرَجَ لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ وَدَخَلَ مَنْزِلَهُ وَمَكَثَ فِيهِ حَيْثُ يَفْسُدُ كَمَا مَرَّ وَفِي الْبَدَائِعِ وَمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الرُّخْصَةِ فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَقَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى اعْتِكَافِ التَّطَوُّعِ وَيَجُوزُ حَمْلُ الرُّخْصَةِ عَلَى مَا لَوْ خَرَجَ لِوَجْهٍ مُبَاحٍ كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ أَوْ الْجُمُعَةِ وَعَادَ مَرِيضًا أَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْرُجَ لِذَلِكَ قَصْدًا وَذَلِكَ جَائِزٌ اهـ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ لِوَجْهٍ مُبَاحٍ إنَّمَا يَضُرُّ الْمُكْثُ لَوْ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ لِغَيْرِ عِيَادَةٍ (قَوْلُهُ لِمُخَالَفَةِ مَا الْتَزَمَهُ) أَيْ مِنْ الِاعْتِكَافِ فِي الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَمَّا ابْتَدَأَ الِاعْتِكَافَ فِيهِ، فَكَأَنَّهُ عَيَّنَّهُ لِذَلِكَ فَكُرِهَ تَحَوُّلُهُ عَنْهُ مَعَ إمْكَانِ الْإِتْمَامِ فِيهِ بَدَائِعُ. قُلْت: وَلَعَلَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ فِي النَّذْرِ كَمَا مَرَّ وَعَدَمُ جَوَازِ الْخُرُوجِ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ لَا لِتَعَيُّنِهِ بَلْ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مُضَادٌّ لِحَقِيقَةِ الِاعْتِكَافِ الَّذِي هُوَ اللَّبْثُ وَالْإِقَامَةُ. [تَتِمَّةٌ] لَمْ يَذْكُرْ جَوَازَ خُرُوجِهِ لِجَمَاعَةٍ، وَقَدَّمْنَا عَنْ النَّهْرِ وَالْفَتْحِ مَا يُفِيدُهُ وَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ مَا يُفِيدُهُ أَيْضًا وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ: لَوْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَقَامَ فِي اعْتِكَافِهِ إلَى فَرَاغِهِ مِنْهُ، فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ يَحُجُّ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الِاعْتِكَافَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 (فَلَوْ خَرَجَ) وَلَوْ نَاسِيًا (سَاعَةً) زَمَانِيَّةً لَا رَمْلِيَّةً كَمَا مَرَّ (بِلَا عُذْرٍ فَسَدَ) فَيَقْضِيهِ إلَّا إذَا أَفْسَدَهُ بِالرِّدَّةِ وَاعْتُبِرَا أَكْثَرُ النَّهَارِ قَالُوا: وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَبَحَثَ فِيهِ الْكَمَالُ (وَ) إنْ خَرَجَ (بِعُذْرٍ يَغْلِبُ وُقُوعُهُ) وَهُوَ مَا مَرَّ لَا غَيْرُ (لَا) لَا يَفْسُدُ وَأَمَّا مَا لَا يَغْلِبُ كَإِنْجَاءِ غَرِيقٍ وَانْهِدَامِ مَسْجِدٍ فَمُسْقِطٌ لِلْإِثْمِ لَا لِلْبُطْلَانِ وَإِلَّا لَكَانَ النِّسْيَانُ أَوْلَى بِعَدَمِ الْفَسَادِ كَمَا حَقَّقَهُ الْكَمَالُ خِلَافًا لِمَا فَصَّلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ.   [رد المحتار] لِأَنَّ الْحَجَّ أَهَمُّ وَإِنَّمَا يَسْتَقْبِلُهُ لِأَنَّ هَذَا الْخُرُوجَ وَإِنْ وَجَبَ شَرْعًا فَإِنَّمَا وَجَبَ بِعَقْدِهِ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومَ الْوُقُوعِ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَثْنًى فِي الِاعْتِكَافِ اهـ. (قَوْلُهُ فَيَقْضِيهِ) أَيْ لَوْ وَاجِبًا بِالنَّذْرِ، أَمَّا التَّطَوُّعُ لَوْ قَطَعَهُ قَبْلَ تَمَامِ الْيَوْمِ فَلَا إلَّا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ كَمَا مَرَّ، وَيَقْضِي الْمَنْذُورَ مَعَ الصَّوْمِ غَيْرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ شَهْرًا مُعَيَّنًا يَقْضِي قَدْرَ مَا فَسَدَ وَإِلَّا اسْتَقْبَلَهُ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ مُتَتَابِعًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ فَسَادِهِ بِصُنْعِهِ بِلَا عُذْرٍ كَالْجِمَاعِ مَثَلًا إلَّا الرِّدَّةَ أَوْ لِعُذْرٍ كَخُرُوجِهِ لِمَرَضٍ أَوْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ أَصْلًا كَحَيْضٍ وَجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ طَوِيلٍ. وَأَمَّا حُكْمُهُ إذَا فَاتَ عَنْ وَقْتِهِ الْمُعَيَّنِ، فَإِنْ فَاتَ بَعْضُهُ قَضَاهُ لَا غَيْرُ وَلَا يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ أَوْ كُلُّهُ قَضَى الْكُلَّ مُتَتَابِعًا فَإِنْ قَدَرَ وَلَمْ يَقْضِ حَتَّى مَاتَ أَوْصَى لِكُلِّ يَوْمٍ بِطَعَامِ مِسْكِينٍ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْبَعْضِ فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ صَحِيحًا وَقْتَ النَّذْرِ وَإِلَّا فَإِنْ صَحَّ يَوْمًا فَعَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَارِّ فِي الصَّوْمِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَدَائِعُ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَفْسَدَهُ بِالرِّدَّةِ) لِأَنَّهَا تُسْقِطُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَبْلَهَا بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إيجَابِهِ وَالنَّذْرُ مِنْ إيجَابِهِ. اهـ. ح أَيْ وَلَيْسَ سَبَبُهُ بَاقِيًا لِأَنَّهُ النَّذْرُ وَقَدْ قَالَ فِي الْفَتْحِ إنَّ نَفْسَ النَّذْرِ بِالْقُرْبَةِ قُرْبَةٌ فَيَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ كَسَائِرِ الْقُرَبِ اهـ وَإِذَا بَطَلَ سَبَبُهُ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ الْوَقْتِيَّةِ لِبَقَاءِ سَبَبِهِمَا (قَوْلُهُ قَالُوا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ) لِأَنَّ فِي الْقَلِيلِ ضَرُورَةٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ بِدُونِ لَفْظَةِ قَالُوا الْمُشْعِرَةِ بِالْخِلَافِ وَالضَّعْفِ، وَلَكِنَّهُ أَتَى بِهَا مَيْلًا إلَى مَا بَحَثَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ وَبَحَثَ فِيهِ الْكَمَالُ) حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمَعْدُودَةِ الَّتِي رُجِّحَ فِيهَا الْقِيَاسُ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ ثُمَّ مَنَعَ كَوْنَهُ اسْتِحْسَانًا بِالضَّرُورَةِ بِأَنَّ الضَّرُورَةَ الَّتِي يُنَاطُ بِهَا التَّخْفِيفُ هِيَ الضَّرُورَةُ اللَّازِمَةُ أَوْ الْغَالِبَةُ الْوُقُوعِ مَعَ أَنَّهُمَا أَيْ الْإِمَامَيْنِ يُجِيزَانِ الْخُرُوجَ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ أَصْلًا لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي خُرُوجِهِ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ لِحَاجَةٍ أَوْ لَا بَلْ لِلَّعِبِ، وَأَنَا لَا أَشُكُّ فِي أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى السُّوقِ لِلَّعِبِ وَاللَّهْوِ وَالْقِمَارِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا مُعْتَكِفٌ قَالَ مَا أَبْعَدَك عَنْ الْمُعْتَكِفِينَ. اهـ. مُلَخَّصًا وَقَدْ أَطَالَ فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي التَّحْقِيقِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ كَوْنَهُ اسْتِحْسَانًا حَتَّى يَكُونَ مِمَّا رُجِّحَ فِيهِ الْقِيَاسُ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ كَمَا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الْحَاجَةِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَكَانَ النِّسْيَانُ أَوْلَى إلَخْ) لِأَنَّهُ عُذْرٌ ثَبَتَ شَرْعًا اعْتِبَارُ الصِّحَّةِ مَعَهُ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ فَتْحٌ أَيْ كَمَا فِي أَكْلِ الصَّائِمِ نَاسِيًا وَصِحَّةُ الْوَقْتِيَّةِ عِنْدَ نِسْيَانِ الْفَائِتَةِ (قَوْلُهُ كَمَا حَقَّقَهُ الْكَمَالُ) حَيْثُ قَالَ وَاَلَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ لِبَوْلٍ فَحَبَسَهُ الْغَرِيمُ سَاعَةً أَوْ لِمَرَضٍ فَسَدَ عِنْدَهُ، وَعَلَّلَ فِي الْخَانِيَّةِ الْمَرَضَ بِأَنَّهُ لَا يَغْلِبُ وُقُوعُهُ فَلَمْ يَصِرْ مُسْتَثْنًى عَنْ الْإِيجَابِ فَأَفَادَ الْفَسَادَ فِي الْكُلِّ وَعَلَى هَذَا يَفْسُدُ لَوْلَا عَادَةُ مَرِيضٍ أَوْ شُهُودُ جِنَازَةٍ وَإِنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ كَمَا فِي الْمَرَضِ بَلْ يَجِبُ، كَمَا فِي الْجُمُعَةِ وَلَا يَفْسُدُ بِهَا لِأَنَّهَا مَعْلُومٌ وُقُوعُهَا فَكَانَتْ مُسْتَثْنَاةً، وَعَلَى هَذَا إذَا خَرَجَ لِإِنْقَاذِ غَرِيقٍ أَوْ حَرِيقٍ أَوْ جِهَادٍ عَمَّ نَفِيرُهُ فَسَدَ، وَلَا يَأْثَمُ وَكَذَا إذَا انْهَدَمَ الْمَسْجِدُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَكَذَا تَفَرُّقُ أَهْلِهِ وَانْقِطَاعُ الْجَمَاعَةِ مِنْهُ وَنَصَّ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي فَقَالَ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: فَاعْتِكَافُهُ فَاسِدٌ إذَا خَرَجَ سَاعَةً لِغَيْرِ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ جُمُعَةٍ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا فَصَّلَهُ الزَّيْلَعِيُّ) حَيْثُ جَعَلَ الْخُرُوجَ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَالْجِنَازَةَ وَصَلَاتَهَا وَانَجَاءَ الْغَرِيقِ وَالْحَرِيقَ وَالْجِهَادَ إذَا كَانَ النَّفِيرُ عَامًّا، وَأَدَاءَ الشَّهَادَةِ مُفْسِدًا بِخِلَافِ خُرُوجِهِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ بِانْهِدَامِ الْمَسْجِدِ أَوْ تَفَرُّقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 لَكِنْ فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ جَعَلَ عَدَمَ الْفَسَادِ لِانْهِدَامِهِ وَبُطْلَانِ جَمَاعَتِهِ وَإِخْرَاجِهِ كَرْهًا وَاسْتِحْسَانًا وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْحُجَّةِ لَوْ شَرَطَ وَقْتَ النَّذْرِ أَنْ يَخْرُجَ لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ وَحُضُورِ مَجْلِسِ عِلْمٍ جَازَ ذَلِكَ فَلْيُحْفَظْ (وَخُصَّ) الْمُعْتَكِفُ (بِأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَوْمٍ وَعَقْدٍ احْتَاجَ إلَيْهِ) لِنَفْسِهِ أَوْ عِيَالِهِ فَلَوْ لِتِجَارَةٍ كُرِهَ (كَبَيْعٍ وَنِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ)   [رد المحتار] أَهْلِهِ لِعَدَمِ صَلَوَاتِ الْخَمْسِ فِيهِ وَإِخْرَاجَ ظَالِمٍ كَرْهًا وَخَوْفَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ مِنْ الْمُكَابِرِينَ وَمَشَى فِي نُورِ الْإِيضَاحِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَا عَلَى مَا يَأْتِي عَنْ النَّهْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي النَّهْرِ) حَيْثُ قَالَ: صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ عَدَمَ الْفَسَادِ فِي الِانْهِدَامِ وَالْإِكْرَاهِ اسْتِحْسَانٌ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ لِمَا أَنَّهُ بَعْدَ الِانْهِدَامِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُعْتَكِفًا لِأَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِالْجَمَاعَةِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَهَذَا يُفِيدُ عَدَمَ الْفَسَادِ بِتَفْرِيقِ أَهْلِهِ اهـ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ إنَّهُ نَصَّ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ فِي ذَلِكَ فِي الْمُحِيطِ وَالْمُبْتَغَى وَالْجَوْهَرَةِ. قُلْت: وَكَذَا فِي الْمُجْتَبِي وَالسِّرَاجِ والتتارخانية وَبِهَذَا سَقَطَ مَا ذَكَرَهُ أَبُو السُّعُودِ مُحَشِّي مِسْكِينٍ مِنْ أَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا قَوْلُ الصَّاحِبَيْنِ، وَأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ وَمِسْكِينًا وَالشُّرُنْبُلالي وَغَيْرَهُمْ خَلَطُوا أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ بِالْآخَرِ، وَأَطَالَ فِيهِ بِمَا لَا يُجْدِي إذْ لَوْ كَانَ قَوْلُ الصَّاحِبَيْنِ فَمَا مَعْنَى الِاسْتِحْسَانِ فِي بَعْضِ الْأَعْذَارِ دُونَ بَعْضٍ وَهُمَا يَقُولَانِ بِعَدَمِ الْفَسَادِ بِالْخُرُوجِ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ نَهَارٍ بِلَا عُذْرٍ أَصْلًا وَأَيْضًا لَوْ كَانَ ذَلِكَ قَوْلَهُمَا لَنَقَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بَلْ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ فِي مَسْأَلَتَيْ الِانْهِدَامِ وَالْإِكْرَاهِ بِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ إذَا دَخَلَ مَسْجِدًا آخَرَ مِنْ سَاعَتِهِ اسْتِحْسَانًا فَقَوْلُهُ: مِنْ سَاعَتِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ الْفَسَادُ بِالْخُرُوجِ إلَّا لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ جُمُعَةٍ كَمَا مَرَّ التَّصْرِيحُ بِهِ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ وَعَلَيْهِ مَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْفَتْحِ وَأَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ اسْتَحْسَنَ عَدَمَهُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ وَكَأَنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ لَمْ يَرَ هَذَا الِاسْتِحْسَانَ وَجِيهًا لِأَنَّ انْهِدَامَ الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُعْتَكِفًا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ إقَامَةَ الْخَمْسِ فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ غَيْرُ شَرْطٍ كَمَا مَرَّ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ لِمَرَضٍ وَحَيْضٍ وَنِسْيَانٍ إذَا كَانَ مُفْسِدًا مَعَ أَنَّهُ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَيَكُونُ لِلْإِكْرَاهِ الَّذِي هُوَ مِنْ قِبَلِ الْعَبْدِ مُفْسِدًا بِالْأَوْلَى وَلَعَلَّ الْمُحَقِّقَ ابْنَ الْهُمَامِ نَظَرَ إلَى هَذَا فَتَبِعَ الْمَنْقُولَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ الَّذِي هُوَ تَلْخِيصُ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَاعْتَمَدَهُ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي مَتْنِهِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا، وَكَذَا الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة) وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ لَوْ شَرَطَ) فِيهِ إيمَاءٌ إلَى عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ جَازَ ذَلِكَ) قُلْت: يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَخْرُجُ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ وُقُوعُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ فَيَصِيرُ مُسْتَثْنًى اهـ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يَغْلِبُ وُقُوعُهُ يَصِيرُ مُسْتَثْنًى حُكْمًا وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ وَمَا لَا فَلَا إلَّا إذَا شَرَطَهُ. (قَوْلُهُ وَخُصَّ الْمُعْتَكِفُ بِأَكْلٍ إلَخْ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ وَالْبَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ مَقْصُورٌ عَلَى الْأَكْلِ وَنَحْوِهِ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَحِلُّ لَهُ فِي غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَتْ دَاخِلَةً عَلَى الْمَقْصُورِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ النِّكَاحَ وَالرَّجْعَةَ غَيْرُ مَقْصُورَيْنِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ كَرَاهَتِهِمَا لِغَيْرِهِ فِي الْمَسْجِدِ. وَاعْلَمْ: أَنَّهُ كَمَا لَا يُكْرَهُ الْأَكْلُ وَنَحْوُهُ فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ فَكَذَلِكَ فِي التَّطَوُّعِ كَمَا فِي كَرَاهِيَةِ جَامِعِ الْفَتَاوَى وَنَصُّهُ يُكْرَهُ النَّوْمُ وَالْأَكْلُ فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ وَإِذَا أَرَادَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ فَيَدْخُلَ فَيَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى بِقَدْرِ مَا نَوَى أَوْ يُصَلِّيَ ثُمَّ يَفْعَلَ مَا شَاءَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَوْ لِتِجَارَةٍ كُرِهَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ السِّلْعَةَ وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ وَرَجَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِأُمُورِ الدُّنْيَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَرَجْعَةٌ) مَعْطُوفٌ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 فَلَوْ خَرَجَ لِأَجْلِهَا فَسَدَ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ (وَكُرِهَ) أَيْ تَحْرِيمًا لِأَنَّهَا مَحَلُّ إطْلَاقِهِمْ بَحْرٌ (إحْضَارُ مَبِيعٍ فِيهِ) كَمَا كُرِهَ فِيهِ مُبَايَعَةُ غَيْرِ الْمُعْتَكِفِ مُطْلَقًا لِلنَّهْيِ وَكَذَا أَكْلُهُ وَنَوْمُهُ إلَّا لِغَرِيبٍ أَشْبَاهٌ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ الْوِتْرِ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ كَمَالٍ لَا يُكْرَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالنَّوْمُ فِيهِ مُطْلَقًا وَنَحْوُهُ فِي الْمُجْتَبَى. (وَ) يُكْرَهُ تَحْرِيمًا (صَمْتٌ) إنْ اعْتَقَدَهُ قُرْبَةً وَإِلَّا لَا لِحَدِيثِ " مَنْ صَمَتَ نَجَا " وَيَجِبُ أَيْ الصَّمْتُ كَمَا فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ عَنْ شَرٍّ لِحَدِيثِ «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً تَكَلَّمَ فَغَنِمَ أَوْ سَكَتَ فَسَلِمَ» (وَتَكَلُّمٌ إلَّا بِخَيْرٍ) وَهُوَ مَا لَا إثْمَ فِيهِ   [رد المحتار] أَكْلٍ لَا عَلَى بَيْعٍ إلَّا بِتَأْوِيلِ الْعَقْدِ بِمَا يَشْمَلُهَا (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ) أَيْ إلَى الْخُرُوجِ حَيْثُ جَازَتْ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَقِيلَ يَخْرُجُ بَعْدَ الْغُرُوبِ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ اهـ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَأْتِي لَهُ بِهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ الْحَوَائِجِ الضَّرُورِيَّةِ كَالْبَوْلِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ إحْضَارُ مَبِيعٍ فِيهِ) لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُحْرَزٌ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَفِيهِ شَغْلُهُ بِهَا وَدَلَّ تَعْلِيلُهُمْ أَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ لَمْ يَشْغَلْ الْبُقْعَةَ لَا يُكْرَهُ إحْضَارُهُ كَدَرَاهِمَ يَسِيرَةٍ أَوْ كِتَابٍ وَنَحْوِهِ بَحْرٌ لَكِنَّ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ الْكَرَاهَةُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَغِلْ نَهْرٌ. قُلْت: التَّعْلِيلُ وَاحِدٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ مُحْرَزٌ عَنْ شَغْلِهِ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ، وَقَوْلُهُمْ وَفِيهِ شَغْلُهُ بِهَا نَتِيجَةُ التَّعْلِيلِ وَلِذَا أَبْدَلَهُ فِي الْمِعْرَاجِ بِقَوْلِهِ: فَيُكْرَهُ شَغْلُهُ بِهَا فَافْهَمْ. وَفِي الْبَحْرِ وَأَفَادَ إطْلَاقُهُ أَنَّ إحْضَارَ مَا يَشْتَرِيهِ لِيَأْكُلَهُ مَكْرُوهٌ، وَيَنْبَغِي عَدَمُ الْكَرَاهَةِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ أَيْ لِأَنَّ إحْضَارَهُ ضَرُورِيٌّ لِأَجْلِ الْأَكْلِ وَلِأَنَّهُ لَا شَغْلَ بِهِ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ. وَقَالَ أَبُو السُّعُودِ نَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ أَنَّ إحْضَارَ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ الَّذِي لَا يَشْغَلُ الْمَسْجِدَ جَائِزٌ اهـ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ احْتَاجَ إلَيْهِ لِنَفْسِهِ أَوْ عِيَالِهِ أَوْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ أَحْضَرَهُ أَوْ لَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَبْلَهُ وَمِنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِلنَّهْيِ) هُوَ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَهَى عَنْ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنْ يُنْشَدَ فِيهِ ضَالَّةٌ أَوْ يُنْشَدَ فِيهِ شِعْرٌ وَنَهَى عَنْ التَّحَلُّقِ قَبْلَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا أَكْلُهُ) أَيْ غَيْرُ الْمُعْتَكِفِ (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ وَعِبَارَةُ ابْنِ الْكَمَالِ عَنْ جَامِعِ الْإِسْبِيجَابِيِّ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ أَنْ يَنَامَ فِي الْمَسْجِدِ مُقِيمًا كَانَ أَوْ غَرِيبًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ مُتَّكِئًا رِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ إلَى غَيْرِهَا فَالْمُعْتَكِفُ أَوْلَى اهـ وَنَقَلَهُ أَيْضًا فِي الْمِعْرَاجِ وَبِهِ يُعْلَمُ تَفْسِيرُ الْإِطْلَاقِ قَالَ ط: لَكِنَّ قَوْلَهُ رِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِمَا نَصُّوا عَلَيْهِ مِنْ الْكَرَاهَةِ اهـ وَمُفَادُ كَلَامِ الشَّارِحِ تَرْجِيحُ هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ النَّوْمِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ إذَا لَمْ يَشْغَلْ الْمَسْجِدَ وَلَمْ يُلَوِّثْهُ لِأَنَّ تَنْظِيفَهُ وَاجِبٌ كَمَا مَرَّ لَكِنْ قَالَ فِي مَتْنِ الْوِقَايَةِ: وَيَأْكُلُ أَيْ الْمُعْتَكِفُ وَيَشْرَبُ وَيَنَامُ وَيَبِيعُ وَيَشْتَرِي فِيهِ لَا غَيْرُهُ قَالَ مُنْلَا عَلِيٍّ فِي شَرْحِهِ: أَيْ لَا يَفْعَلُ غَيْرُ الْمُعْتَكِفِ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي الْمَسْجِدِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ ثُمَّ نَقَلَ مَا مَرَّ عَنْ الْمُجْتَبَى. (قَوْلُهُ وَصَمْتٌ) عَدَلَ عَنْ السُّكُوتِ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ أَنَّ السُّكُوتَ ضَمُّ الشَّفَتَيْنِ، فَإِنْ طَالَ سُمِّي صَمْتًا نَهْرٌ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَرِيعَتِنَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ وَلَا صُمَاتَ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَسْنَدَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صَوْمِ الْوِصَالِ وَعَنْ صَوْمِ الصَّمْتِ» " فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ) لَمْ يَقُلْ يُفْتَرَضُ لِيَشْمَلَ الْوَاجِبَ، فَإِنَّ الْكَلَامَ قَدْ يَكُونُ حَرَامًا كَالْغِيبَةِ مَثَلًا وَقَدْ يُكْرَهُ كَإِنْشَادِ شِعْرٍ قَبِيحٍ وَكَذِكْرٍ لِتَرْوِيجِ سِلْعَةٍ فَالصَّمْتُ عَنْ الْأَوَّلِ فَرْضٌ وَعَنْ الثَّانِي وَاجِبٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَتَكَلُّمٌ إلَّا بِخَيْرٍ) فِيهِ التَّفْرِيغُ فِي الْإِيجَابِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ نَفْيُ مَعْنًى ط عَنْ الْحَمَوِيِّ أَيْ لِأَنَّ كُرْهٌ بِمَعْنَى لَا يَفْعَلُ كَمَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى - {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة: 32]- وَقَوْلُهُ - {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45]- لِأَنَّهُ بِمَعْنَى لَا يُرِيدُ وَمَعْنَى لَا تَسْهُلُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي آخِرِ الْمُغْنِي، وَيُحْتَمَلُ كَوْنُ إلَّا بِمَعْنَى غَيْرِ كَمَا فِي - {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]- وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا حَرْفُ الْجَرِّ، بَلْ تَخَطَّاهَا لِمَا بَعْدَهَا لِأَنَّهَا عَلَى صُورَةِ الْحَرْفِيَّةِ وَالْأَوْلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 وَمِنْهُ الْمُبَاحُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لَا عِنْدَ عَدَمِهَا وَهُوَ مَحْمَلُ مَا فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي الْمَسْجِدِ، يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ كَمَا حَقَّقَهُ فِي النَّهْرِ (كَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَحَدِيثٍ وَعِلْمٍ) وَتَدْرِيسٍ فِي سِيَرِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ وَكِتَابَةِ أُمُورِ الدِّينِ. (وَبَطَلَ بِوَطْءٍ فِي فَرْجٍ) أَنْزَلَ أَمْ لَا (وَلَوْ) كَانَ وَطْؤُهُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ (لَيْلًا) أَوْ نَهَارًا عَامِدًا (أَوْ نَاسِيًا) فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ حَالَتَهُ مُذَكِّرَةٌ (وَ) بَطَلَ (بِإِنْزَالٍ بِقُبْلَةٍ أَوْ لَمْسٍ) أَوْ تَفْخِيذٍ وَلَوْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَبْطُلْ وَإِنْ حَرُمَ الْكُلُّ لِعَدَمِ الْحَرَجِ وَلَا يَبْطُلُ بِإِنْزَالٍ بِفِكْرٍ أَوْ نَظَرٍ، وَلَا بِسُكْرٍ لَيْلًا وَلَا بِأَكْلٍ نَاسِيًا لِبَقَاءِ الصَّوْمِ بِخِلَافِ أَكْلِهِ عَمْدًا وَرِدَّتِهِ وَكَذَا إغْمَاؤُهُ وَجُنُونُهُ إنْ دَامَا أَيَّامًا فَإِنْ دَامَ جُنُونُهُ سَنَةً قَضَاهُ اسْتِحْسَانًا (وَلَزِمَهُ اللَّيَالِي بِنَذْرِهِ) بِلِسَانِهِ (اعْتِكَافُ أَيَّامٍ وِلَاءً) أَيْ مُتَتَابِعَةً وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ (كَعَكْسِهِ) لِأَنَّ ذِكْرَ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَكَذَا التَّثْنِيَةُ يَتَنَاوَلُ الْآخَرَ   [رد المحتار] جَعْلُ الْجَارِّ مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ وَالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ تَكَلُّمِ الْمَذْكُورِ. وَالْمَعْنَى: وَكُرِهَ تَكَلُّمٌ إلَّا تَكَلُّمًا بِخَيْرٍ فَحُذِفَ الْمُتَعَلِّقُ الْخَاصُّ لِلْقَرِينَةِ، فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ كَلَامٍ تَامٍّ مُوجِبٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ الْمُبَاحُ إلَخْ) أَيْ مِمَّا لَا إثْمَ فِيهِ وَهَذَا مَا اسْتَظْهَرَهُ فِي النَّهْرِ أَخْذًا مِنْ الْعِنَايَةِ وَبِهِ رُدَّ عَلَى مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْأَوْلَى تَفْسِيرُ الْخَيْرِ بِمَا فِيهِ ثَوَابٌ فَيُكْرَهُ لِلْمُعْتَكِفِ التَّكَلُّمُ بِالْمُبَاحِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ الْمُعْتَكِفِ اهـ بِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي عَدَمِ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْمُبَاحِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَكَيْفَ يُكْرَهُ لَهُ مُطْلَقًا اهـ وَالْمُرَادُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقُرْبَةَ وَإِلَّا فَفِيهِ ثَوَابٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الْمُبَاحُ عِنْدَ عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ ط (قَوْلُهُ إنَّهُ مَكْرُوهٌ) أَيْ إذَا جَلَسَ لَهُ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ قُبَيْلَ الْوِتْرِ. وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ: لَا بَأْسَ بِالْحَدِيثِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ قَلِيلًا فَأَمَّا أَنْ يُقْصَدَ الْمَسْجِدُ لِلْحَدِيثِ فِيهِ فَلَا اهـ وَظَاهِرُ الْوَعِيدِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهِ تَحْرِيمِيَّةٌ. (قَوْلُهُ فِي فَرْجٍ) أَيْ قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ وَطْؤُهُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ) عَمَّمَهُ تَبَعًا لِلدُّرَرِ إشَارَةً إلَى رَدِّ مَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَا يَتَهَيَّأُ لَهُ الْوَطْءُ ثُمَّ قَالَ: وَأَوَّلُوهُ بِأَنَّهُ جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ لِلْحَاجَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَطْءُ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْرُجُونَ وَيَقْضُونَ حَاجَتَهُمْ فِي الْجِمَاعِ ثُمَّ يَغْتَسِلُونَ فَيَرْجِعُونَ إلَى مُعْتَكَفِهِمْ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى - {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]- اهـ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِإِمْكَانِ الْوَطْءِ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ حُرْمَةٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهِيَ حُلُولُ الْجُنُبِ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ مُعْتَكِفَةً فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا فَيَأْتِيَهَا فِيهِ زَوْجُهَا فَيَبْطُلَ اعْتِكَافُهَا اهـ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ: وَلَمْ يُفْسِدْهُ الشَّافِعِيُّ بِالْوَطْءِ نَاسِيًا، وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَصْحَابِنَا اعْتِبَارًا لَهُ بِالصَّوْمِ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ حَالَتَهُ مُذَكِّرَةٌ) تَعْلِيلٌ لِلْأَصَحِّ بِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّوْمِ بِأَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَهُ حَالَةٌ تُذَكِّرُهُ، فَلَا يُغْتَفَرُ نِسْيَانُهُ كَالْمُحْرِمِ وَالْمُصَلِّي بِخِلَافِ الصَّائِمِ (قَوْلُهُ وَبَطَلَ بِإِنْزَالٍ إلَخْ) لِأَنَّهُ بِالْإِنْزَالِ صَارَ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لَمْ يَبْطُلْ لِعَدَمِ مَعْنَى الْجِمَاعِ) وَلِذَا لَمْ يَفْسُدْ بِهِ الصَّوْمُ (قَوْلُهُ وَإِنْ حَرُمَ الْكُلُّ) أَيْ كُلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ دَوَاعِي الْوَطْءِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْبُطْلَانِ بِهَا حِلُّهَا لِعَدَمِ الْحَرَجِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ تُحَرَّمْ الدَّوَاعِي فِي الصَّوْمِ وَحَالَةِ الْحَيْضِ كَمَا حُرِّمَ الْوَطْءُ؟ قُلْت: لِأَنَّ الصَّوْمَ وَالْحَيْضَ يَكْثُرُ وُجُودُهُمَا فَلَوْ حُرِّمَ الدَّوَاعِي فِيهِمَا لَوَقَعُوا فِي الْحَرَجِ وَذَلِكَ مَدْفُوعٌ شَرْعًا (قَوْلُهُ وَلَا بِأَكْلٍ نَاسِيًا إلَخْ) وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الِاعْتِكَافِ وَهُوَ مَا مُنِعَ مِنْهُ لِأَجْلِ الِاعْتِكَافِ لَا لِأَجْلِ الصَّوْمِ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْعَمْدُ وَالسَّهْوُ وَالنَّهَارُ وَاللَّيْلُ؛ كَالْجِمَاعِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَمَا كَانَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الصَّوْمِ وَهُوَ مَا مُنِعَ مِنْهُ لِأَجْلِ الصَّوْمِ يَخْتَلِفُ فِيهِ الْعَمْدُ وَالسَّهْوُ وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَرِدَّتُهُ) وَإِذَا بَطَلَ بِهَا لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ إنْ دَامَا أَيَّامًا) الْمُرَادُ بِالْأَيَّامِ أَنْ يَفُوتَهُ صَوْمٌ بِسَبَبِ عَدَمِ إمْكَانِ النِّيَّةِ ح وَيَقْضِيهِ فِي الْإِغْمَاءِ كَالْجُنُونِ ط (قَوْلُهُ سَنَةً) عِبَارَةُ الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا سِنِينَ وَالْمُرَادُ الْمُبَالَغَةُ فَيَقْضِي فِي الْأَقَلِّ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 (فَلَوْ نَوَى فِي) نَذَرَ (الْأَيَّامِ النَّهَارَ خَاصَّةً صَحَّتْ نِيَّتُهُ) لِنِيَّتِهِ الْحَقِيقَةِ (وَإِنْ نَوَى بِهَا) أَيْ بِالْأَيَّامِ (اللَّيَالِيَ لَا) بَلْ يَلْزَمُهُ كِلَاهُمَا   [رد المحتار] لَا يَقْضِي كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ: أَنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ إنَّمَا كَانَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ لِأَنَّ الْجُنُونَ إذَا طَالَ قَلَّمَا يَزُولُ فَيَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ صَوْمُ رَمَضَانَ فَيَخْرُجُ فِي قَضَائِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَحَقَّقُ فِي الِاعْتِكَافِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَلَزِمَهُ اللَّيَالِي) أَيْ اعْتِكَافُهَا مَعَ الْأَيَّامِ (قَوْلُهُ بِلِسَانِهِ) فَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ نِيَّةِ الْقَلْبِ فَتْحٌ وَقَدْ مَرَّ (قَوْلُهُ اعْتِكَافُ أَيَّامٍ) كَعَشْرَةٍ مَثَلًا (قَوْلُهُ وِلَاءً) حَالٌ مِنْ اللَّيَالِي وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى دَخَلَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فِي اعْتِكَافِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مُتَتَابِعًا وَلَا يُجْزِيهِ لَوْ فَرَّقَ بَحْرٌ وَكَذَا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَزِمَهُ اعْتِكَافُ شَهْرٍ أَيِّ شَهْرٍ كَانَ مُتَتَابِعًا فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّتَابُعَ وَلَا نَوَاهُ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ فَرَّقَ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ دَائِمَةٌ وَمَبْنَاهَا عَلَى الِاتِّصَالِ لِأَنَّهُ لَبْثٌ وَإِقَامَةٌ وَاللَّيَالِي قَابِلَةٌ لِذَلِكَ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ كَعَكْسِهِ) وَهُوَ نَذَرَ اعْتِكَافَ اللَّيَالِيِ فَتَلْزَمُهُ الْأَيَّامُ ط (قَوْلُهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ) كَثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً وَكَذَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْجَمْعِ، وَلِذَا يُتْبَعُ بِهِ الْجَمْعُ كَرِجَالٍ ثَلَاثَةٍ، وَإِنْ أَرَادَ بِالْعَدَدَيْنِ الْمَعْدُودَيْنِ يَكُونُ التَّمْيِيزُ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ فِي حُكْمِ الْجَمْعِ لِوُقُوعِهِ تَمْيِيزًا وَبَيَانًا لِذَاتِ الْجَمْعِ أَعْنِي الثَّلَاثِينَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَكَذَا التَّثْنِيَةُ) فَإِنَّهَا فِي حُكْمِ الْجَمْعِ فَيَلْزَمُهُ اعْتِكَافُ يَوْمَيْنِ بِلَيْلَتِهِمَا، وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الْأُولَى بَدَائِعُ. وَأَفَادَ أَنَّ الْمُفْرَدَ لَا تَدْخُلُ فِي اللَّيْلَةِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ يَتَنَاوَلُ الْآخَرَ) أَيْ بِحُكْمِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ تَقُولُ كُنَّا عِنْدَ فُلَانٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَتُرِيدُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَمَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِيِ وَقَالَ تَعَالَى - {ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10]- وَ - {ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41]- فَعَبَّرَ فِي مَوْضِعٍ بِاسْمِ اللَّيَالِي وَفِي مَوْضِعٍ بِاسْمِ الْأَيَّامِ وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ، فَالْمُرَادُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا هُوَ بِإِزَاءِ صَاحِبِهِ حَتَّى إنَّهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَمْ تَكُنْ الْأَيَّامُ فِيهِ عَلَى عَدَدِ اللَّيَالِيِ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالذِّكْرِ كَقَوْلِهِ - {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة: 7]- كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ فَلَوْ نَوَى إلَخْ) لَمَا ذَكَرَ لُزُومَ اللَّيَالِيِ تَبَعًا لِلْأَيَّامِ وَلَوْ يُقَيَّدُ ذَلِكَ بِنِيَّتِهِمَا أَوْ عَدَمِهَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ مَا لَوْ نَوَى أَحَدُهُمَا خَاصَّةً حَيْثُ كَانَ فِي الْكَلَامِ السَّابِقِ إشَارَةٌ إلَى مُخَالَفَةِ حُكْمِهِ لَهُ فَصَحَّ التَّفْرِيعُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ النَّهَارُ) أَيْ جِنْسُهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ النُّهُرُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَقِيلَ لَا يُجْمَعُ كَالْعَذَابِ وَالسَّرَابِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ صَحَّتْ نِيَّتُهُ) فَيَلْزَمُهُ الْأَيَّامُ بِغَيْرِ لَيْلٍ، وَلَهُ خِيَارُ التَّفْرِيقِ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ تَعَلَّقَتْ بِالْأَيَّامِ، وَهِيَ مُتَفَرِّقَةٌ، فَلَا يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ إلَّا بِالشَّرْطِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ كُلَّ يَوْمٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَيَخْرُجُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ لِنِيَّتِهِ الْحَقِيقَةِ) أَيْ اللُّغَوِيَّةِ أَمَّا الْعُرْفِيَّةُ، فَتَشْمَلُ اللَّيَالِيَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِذَا كَانَ لِلَّفْظِ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ وَحَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ يَنْصَرِفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عِنْدَ أَهْلِ الْعُرْفِ إلَى الْعُرْفِيَّةِ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ فَلِذَا احْتَاجَ إلَى النِّيَّةِ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَ مِنْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ لَا تَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ وَنِيَّةٍ، وَأَفَادَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْعُرْفَ أَيْضًا فِي اسْتِعْمَالِ اللُّغَوِيَّةِ بَاقٍ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ اهـ فَكَانَ الْعُرْفُ مُشْتَرَكًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَكْثَرَ اسْتِعْمَالُ خِلَافِ اللُّغَوِيِّ، فَلِذَا انْصَرَفَ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَاحْتَاجَ اللُّغَوِيُّ إلَى النِّيَّةِ (قَوْلُهُ لَا) أَيْ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ بَحْرٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ أَوْ الْمُثَنَّى أَوْ الْمَجْمُوعِ، وَكُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْيَوْمَ أَوْ اللَّيْلَ وَكُلٌّ مِنْ السِّتَّةِ إمَّا أَنْ يَنْوِيَ الْحَقِيقَةَ أَوْ الْمَجَازَ أَوْ يَنْوِيَهُمَا أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَعَلِمْت حُكْمَ الْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعِ بِأَقْسَامِهِمَا بَقِيَ الْمُفْرَدُ فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ لَزِمَهُ فَقَطْ نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ وَإِنْ نَوَى اللَّيْلَةَ مَعَهُ لَزِمَاهُ، وَلَوْ نَذَرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 (كَمَا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ وَنَوَى النَّهَارَ خَاصَّةً أَوْ) نَوَى (عَكْسَهُ) أَيْ اللَّيَالِيَ خَاصَّةً فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ لِأَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِمُقَدَّرٍ يَشْمَلُ الْأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ فَلَا يَحْتَمِلُ مَا دُونَهُ إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَ اللَّيَالِيَ فَيُخْتَصَّ بِالنَّهَارِ، وَلَوْ اسْتَثْنَى الْأَيَّامَ صَحَّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ. وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّيَالِيَ تَابِعَةٌ لِلْأَيَّامِ إلَّا لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَلَيَالِيَ النَّحْرِ فَتَبَعٌ لِلنُّهُرِ الْمَاضِيَةِ رِفْقًا بِالنَّاسِ، كَمَا فِي ضَحِيَّةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ. هَذَا، وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ دَائِرَةٌ فِي رَمَضَانَ اتِّفَاقًا إلَّا أَنَّهَا تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ خِلَافًا لَهُمَا، وَثَمَرَتُهُ فِيمَنْ قَالَ بَعْدَ لَيْلَةٍ مِنْهُ أَنْتِ حُرٌّ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَعِنْدَهُ لَا يَقَعُ حَتَّى يَنْسَلِخَ شَهْرُ رَمَضَانَ الْآتِي لِجَوَازِ كَوْنِهَا فِي الْأَوَّلِ وَفِي الْأُولَى وَفِي الْآتِي فِي الْأَخِيرَةِ وَقَالَا يَقَعُ   [رد المحتار] اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ لَمْ يَصِحَّ مَا لَمْ يَنْوِ بِهَا الْيَوْمَ كَمَا مَرَّ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ اعْتِكَافَ شَهْرٍ) أَيْ بِأَنْ أَتَى بِلَفْظَةِ شَهْرٍ أَمَّا لَوْ قَالَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَهُوَ مَا مَرَّ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ قَوْلِهِ لِعَدَمِ مَحَلِّيَّتِهَا ح أَيْ فَإِنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ اسْتِثْنَاءِ الْأَيَّامِ هُوَ اللَّيَالِيُ الْمُجَرَّدَةُ، فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْمَنْذُورِ فِيهَا لِمُنَافَاتِهَا شَرْطَهُ وَهُوَ الصَّوْمُ (قَوْلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّيَالِيَ تَابِعُهُ لِلْأَيَّامِ) أَيْ كُلُّ لَيْلَةٍ تَتْبَعُ الْيَوْمَ الَّذِي بَعْدَهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ دُونَ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَوَّالٍ، فَعَلَى هَذَا إذَا ذَكَرَ الْمُثَنَّى أَوْ الْمَجْمُوعَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَيَخْرُجُ بَعْدَ الْغُرُوبِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ نَذَرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ إذَا قَالَ أَيَّامًا يَبْدَأُ بِالنَّهَارِ فَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ اهـ فَعَلَى هَذَا لَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ فِي نَذْرِ الْأَيَّامِ إلَّا إذَا ذَكَرَ لَهُ عَدَدًا مُعَيَّنًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ إلَّا لَيْلَةَ عَرَفَةَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ إلَّا فِي الْحَجِّ فَإِنَّهَا فِي حُكْمِ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ فَلَيْلَةُ عَرَفَةَ تَابِعَةٌ لِيَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَلَيْلَةُ النَّحْرِ تَابِعَةٌ لِيَوْمِ عَرَفَةَ اهـ وَنَقَلَ قَبْلَهُ عَنْ أُضْحِيَّةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ اللَّيْلَةُ فِي كُلِّ وَقْتٍ تَبَعٌ لِنَهَارٍ يَأْتِي إلَّا فِي أَيَّامِ الْأَضْحَى فَتَبَعٌ لِنَهَارٍ مَاضٍ رِفْقًا بِالنَّاسِ. اهـ. قُلْت: وَفِي حَجِّ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَيْضًا اللَّيْلُ فِي بَابِ الْمَنَاسِكِ تَبَعٌ لِلنَّهَارِ الَّذِي تَقَدَّمَ وَلِهَذَا لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ قَبْلَ الطُّلُوعِ أَجْزَأَهُ. اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ لَيْلَةَ عَرَفَةَ تَابِعَةٌ لِمَا قَبْلَهَا فِي الْحُكْمِ حَتَّى صَحَّ الْوُقُوفُ فِيهَا وَكَذَا لَيْلَةُ النَّحْرِ وَاَلَّتِي تَلِيهِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا حَتَّى صَحَّ النَّحْرُ فِي اللَّيَالِيِ وَجَازَ الرَّمْيُ فِيهَا، وَالْمُرَادُ أَنَّ الْأَفْعَالَ الَّتِي تُفْعَلُ فِي النَّهَارِ مِنْ نَحْرٍ أَوْ وُقُوفٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ الْمَنَاسِكِ يَصِحُّ فِعْلُهَا فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي تَلِي ذَلِكَ النَّهَارَ رِفْقًا بِالنَّاسِ وَبِسَبَبِ ذَلِكَ أُطْلِقَ عَلَى تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنَّهَا تَبَعٌ لِلْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهَا أَيْ تَبَعٌ لَهُ فِي الْحُكْمِ لَا حَقِيقَةً، وَإِلَّا فَكُلُّ لَيْلَةٍ تَبَعٌ لِلْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهَا، وَلِذَا يُقَالُ لَيْلَةُ النَّحْرِ لِلَّيْلَةِ الَّتِي يَلِيهَا يَوْمُ النَّحْرِ، وَلَوْ كَانَتْ لِلْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهَا لَصَارَتْ اسْمًا لِلَيْلَةِ عَرَفَةَ وَلَا يَسُوغُ ذَلِكَ لَا لُغَةً وَلَا شَرْعًا، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ مَا قِيلَ إنَّ الْيَوْمَ الثَّالِثَ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ لَا لَيْلَةَ لَهُ وَلِيَوْمِ التَّرْوِيَةِ لَيْلَتَانِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ اعْتِكَافُ الْيَوْمَيْنِ وَثَلَاثُ لَيَالٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ فَافْهَمْ. . مَطْلَبٌ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (قَوْلُهُ دَائِرَةٌ فِي رَمَضَانَ اتِّفَاقًا) أَيْ دَائِرَةٌ مَعَهُ بِمَعْنَى أَنَّهَا تُوجَدُ كُلَّمَا وُجِدَ فَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَاحِبِيهِ لَكِنَّهَا عِنْدَ هُمَا فِي لَيْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْهُ وَعِنْدَهُ لَا تَتَعَيَّنُ وَيُشِيرُ إلَى مَا قُلْنَا فِي تَفْسِيرِ الدَّوَرَانِ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْكَافِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي رَمَضَانَ دَائِرَةٌ لَكِنَّهَا تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ وَعِنْدَهُمَا تَكُونُ فِي رَمَضَانَ وَلَا تَتَقَدَّمُ وَلَا تَتَأَخَّرُ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِجَوَازِ كَوْنِهَا فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي رَمَضَانَ الْأَوَّلِ فِي الْأُولَى أَيْ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْهُ وَفِي رَمَضَانَ الْآتِي فِي اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْهُ، فَإِذَا انْسَلَخَ رَمَضَانُ الْأَوَّلُ لَا يَقَعُ لِلِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ وَإِذَا لَمْ يَنْسَلِخْ الْآتِي لَا يَقَعُ أَيْضًا لِلِاحْتِمَالِ الثَّانِي فَإِذَا انْسَلَخَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 إذَا مَضَى مِثْلُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فِي الْآتِي، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ وَقَعَ بِمُضِيِّهِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لَكِنْ قَيَّدَهُ بِكَوْنِ الْحَالِفِ فَقِيهًا يَعْرِفُ الِاخْتِلَافَ وَإِلَّا فَهِيَ لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. كِتَابُ الْحَجِّ   [رد المحتار] الْآتِي تَحَقَّقَ وُجُودُهَا فِي أَحَدِهِمَا فَحِينَئِذٍ يَقَعُ (قَوْلُهُ إذَا مَضَى إلَخْ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ هِيَ اللَّيْلَةَ الْأُولَى فَقَدْ وَقَعَ بِأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الْقَابِلِ، وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةَ، أَوْ الثَّالِثَةَ إلَخْ فَقَدْ وُجِدَتْ فِي الْمَاضِي، فَيَتَحَقَّقُ عِنْدَهُمَا وُجُودُهَا قَطْعًا بِأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الْقَابِلِ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ لَكِنْ قَيَّدَهُ إلَخْ) أَيْ قَيَّدَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ الْإِفْتَاءَ بِقَوْلِ الْإِمَامِ بِكَوْنِ الْحَالِفِ فَقِيهًا أَيْ عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ عَامِّيًّا فَهِيَ لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ لِأَنَّ الْعَوَامَّ يُسَمُّونَهَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَيَنْصَرِفُ حَلِفُهُ إلَى مَا تَعَارَفَ عِنْدَهُ كَمَا هُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِيهَا وَلَهُ أَدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَأَجَابَ عَنْهَا الْإِمَامُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي ذَلِكَ الْعَامِ. [تَتِمَّةٌ] مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْإِمَامِ هُوَ قَوْلٌ لَهُ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهَا تَدُورُ أَيْ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا قَدْ تَكُونُ فِي رَمَضَانَ وَقَدْ تَكُونُ فِي غَيْرِهِ. اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ سُلْطَانُ الْعَارِفِينَ سَيِّدِي مُحْيِي الدِّينِ بْنُ عَرَبِيٍّ فِي فُتُوحَاتِهِ الْمَكِّيَّةِ بِقَوْلِهِ: وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَعْنِي فِي زَمَانِهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا تَدُورُ وَبِهِ أَقُولُ. فَإِنِّي رَأَيْتهَا فِي شَعْبَانَ وَفِي شَهْرِ رَبِيعٍ، وَفِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأَكْثَرُ مَا رَأَيْتهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَفِي الْعَشْرِ الْآخِرِ مِنْهُ، وَرَأَيْتهَا مَرَّةً فِي الْعَشْرِ الْوَسَطِ مِنْ رَمَضَانَ فِي غَيْرِ لَيْلَةٍ وِتْرٍ وَفِي الْوِتْرِ مِنْهَا فَأَنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهَا تَدُورُ فِي السَّنَةِ فِي وِتْرٍ وَشَفْعٍ مِنْ الشَّهْرِ اهـ وَفِيهَا لِلْعُلَمَاءِ أَقْوَالٌ أُخَرُ بَلَغَتْ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ. [خَاتِمَةٌ] قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: اعْلَمْ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةٌ فَاضِلَةٌ يُسْتَحَبُّ طَلَبُهَا، وَهِيَ أَفْضَلُ لَيَالِيِ السَّنَةِ وَكُلُّ عَمَلِ خَيْرٍ فِيهَا يَعْدِلُ أَلْفَ عَمَلٍ فِي غَيْرِهَا وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَقَدْ أَخَذَ نَصِيبَهُ مِنْهَا وَعَنْ الشَّافِعِيِّ الْعِشَاءُ وَالصُّبْحُ وَيَرَاهَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَنْ الْمُهَلَّبِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ لَا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ غَلَطٌ، وَيَنْبَغِي لِمَنْ يَرَاهَا أَنْ يَكْتُمَهَا وَيَدْعُوَ اللَّهَ تَعَالَى بِالْإِخْلَاصِ اهـ. اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُك الْإِخْلَاصَ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَحُسْنَ الْخِتَامِ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْأَجَلِ وَالْعَوْنَ عَلَى الْإِتْمَامِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. [كِتَابُ الْحَجِّ] لَمَّا كَانَ مُرَكَّبًا مِنْ الْمَالِ وَالْبَدَنِ وَكَانَ وَاجِبًا فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَمُؤَخَّرًا فِي حَدِيثِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» أَخَّرَهُ وَخَتَمَ بِهِ الْعِبَادَاتِ أَيْ الْخَالِصَةَ وَإِلَّا فَنَحْوُ النِّكَاحِ، وَالْعَتَاقِ، وَالْوَقْفِ يَكُونُ عِبَادَةً عِنْدَ النِّيَّةِ لَكِنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ لِقَصْدِ التَّعَبُّدِ فَقَطْ، وَلِذَا صَحَّ بِلَا نِيَّةٍ بِخِلَافِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْأَرْبَعَةِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا عِبَادَةً لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. وَأَوْرَدَ فِي النَّهْرِ عَلَى قَوْلِهِمْ مُرَكَّبٌ إنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ وَالْمَالُ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي وُجُودِهِ لَا أَنَّهُ جَزْءُ مَفْهُومِهِ. اهـ. وَفِيهِ أَنَّ كَوْنَهُ عِبَادَةً مُرَكَّبَةً مِمَّا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ كَلِمَتُهُمْ أُصُولًا وَفُرُوعًا حَتَّى أَوْجَبُوا الْحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ وَإِنْ فَاتَ عَمَلُ الْبَدَنِ لِبَقَاءِ الْجُزْءِ الْآخَرِ وَهُوَ الْمَالُ كَمَا سَيَجِيءُ تَقْرِيرُهُ، وَلَيْسَ قَوْلُهُمْ إنَّهُ مُرَكَّبٌ تَعْرِيفًا لَهُ لِبَيَانِ مَاهِيَّتِه حَتَّى يُقَالَ إنَّ الْمَالَ شَرْطٌ فِيهِ لَا جَزْءُ مَفْهُومِهِ، بَلْ الْمُرَادُ بَيَانُ أَنَّ التَّعَبُّدَ بِهِ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ غَالِبًا إلَّا بِأَعْمَالِ الْبَدَنِ وَإِنْفَاقِ الْمَالِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 (هُوَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرُهَا لُغَةٌ: الْقَصْدُ إلَى مُعَظَّمٍ لَا مُطْلَقُ الْقَصْدِ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ. وَشَرْعًا (زِيَارَةُ) أَيْ طَوَافٌ وَوُقُوفٌ (مَكَان مَخْصُوصٍ) أَيْ الْكَعْبَةِ وَعَرَفَةَ (فِي زَمَنٍ مَخْصُوصٍ) فِي الطَّوَافِ مِنْ فَجْرِ النَّحْرِ إلَى آخِرِ الْعُمُرِ وَفِي الْوُقُوفِ مِنْ زَوَالِ شَمْسِ عَرَفَةَ لِفَجْرِ النَّحْرِ (بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ) بِأَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا بِنِيَّةِ الْحَجِّ   [رد المحتار] لِأَجْلِهِ، وَالصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَإِنْ كَانَتَا لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ مَالٍ كَثَوْبٍ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَطَعَامٍ يُقِيمُ بِنْيَتَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِأَجْلِهِمَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَاهُمَا لَمْ يَفْعَلْهُ، وَلِذَا لَمْ يُجْعَلْ الْمَالُ مِنْ شُرُوطِهِمَا، وَجُعِلَ مِنْ شُرُوطِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَالَ فِيهِمَا يَسِيرٌ لَا مَشَقَّةَ فِي إنْفَاقِهِ بِخِلَافِ الْمَالِ فِي حَجِّ الْآفَاقِيِّ، فَإِنَّهُ كَثِيرٌ فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا فِي الْعِبَادَةِ وَلِذَا وَجَبَ دَفْعُهُ إلَى النَّائِبِ عِنْدَ الْعَجْزِ الدَّائِمِ عَنْ الْأَفْعَالِ، وَلَمْ يَجِبْ الْحَجُّ عَلَى الْفَقِيرِ الْقَادِرِ عَلَى الْمَشْيِ وَوَجَبَتْ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْ السَّاتِرِ وَالسُّحُورِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا) بِهِمَا قُرِئَ فِي السَّبْعِ وَقِيلَ الْأَوَّلُ الِاسْمُ وَالثَّانِي الْمَصْدَرُ ط عَنْ الْمِنَحِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ) هُوَ الزَّيْلَعِيُّ تَبَعًا لِإِطْلَاقِ كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ، وَنَقَلَ فِي الْفَتْحِ تَقْيِيدَهُ عَنْ ابْنِ السِّكِّيتِ، وَكَذَا قَيَّدَهُ بِهِ السَّيِّدُ الشَّرِيفُ فِي تَعْرِيفَاتِهِ وَكَذَا فِي الِاخْتِيَارِ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا زِيَارَةُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُمْ عَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ قَصْدُ الْبَيْتِ لِأَدَاءِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ فَفِيهِ مَعْنَى اللُّغَةِ، وَاعْتَرَضَهُمْ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ أَرْكَانَهُ الطَّوَافُ، وَالْوُقُوفُ، وَلَا وُجُودَ لِلْمُتَشَخِّصِ إلَّا بِأَجْزَائِهِ الْمُشَخِّصَةِ مَاهِيَّتَه الْكُلِّيَّةَ مُنْتَزَعَةً مِنْهَا وَتَعْرِيفُهُ بِالْقَصْدِ لِأَجْلِ الْأَعْمَالِ مُخْرِجٌ لَهَا عَنْ الْمَفْهُومِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفًا اسْمِيًّا غَيْرَ حَقِيقِيٍّ فَهُوَ تَعْرِيفٌ لِمَفْهُومِ الِاسْمِ عُرْفًا لَكِنْ فِيهِ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ الِاسْمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، هُوَ الْأَعْمَالُ الْمَخْصُوصَةُ لَا نَفْسُ الْقَصْدِ الْمُخْرِجِ لَهَا عَنْ الْمَفْهُومِ مَعَ أَنَّهُ فَاسِدٌ فِي نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْحَجَّ النَّفَلَ، وَالتَّعْرِيفُ إنَّمَا هُوَ لِلْحَجِّ مُطْلَقًا كَتَعْرِيفِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا لِلْفَرْضِ فَقَطْ وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُخَالِفُ سَائِرَ أَسْمَاءِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهَا أَسْمَاءٌ لِلْأَفْعَالِ كَالصَّلَاةِ لِلْقِيَامِ، وَالْقِرَاءَةِ إلَخْ، وَالصَّوْمِ لِلْإِمْسَاكِ إلَخْ وَالزَّكَاةِ لِأَدَاءِ الْمَالِ، فَلْيَكُنْ الْحَجُّ أَيْضًا عِبَارَةً عَنْ الْأَفْعَالِ الْكَائِنَةِ عِنْدَ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِ كَعَرَفَةَ اهـ مُلَخَّصًا فَعَدَلَ الشَّارِحُ عَنْ تَفْسِيرِ الزَّيْلَعِيِّ الزِّيَارَةَ بِالْقَصْدِ إلَى تَفْسِيرِهَا بِالطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ لِيَكُونَ اسْمًا لِلْأَفْعَالِ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْعِبَادَاتِ، وَلَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ حَشْوًا إذْ الْمُرَادُ بِهِ كَمَا قَالُوا هُوَ الطَّوَافُ وَالْوُقُوفُ تَخَلَّصَ عَنْهُ بِتَفْسِيرِهِ بِأَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا إلَخْ قِيلَ: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ إدْخَالُ الشَّرْطِ أَيْ الْإِحْرَامِ فِي التَّعْرِيفِ، فَلَوْ أَبْقَى الزِّيَارَةَ عَلَى مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الذَّهَابُ وَفَسَّرَ الْفِعْلَ الْمَخْصُوصَ بِالطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ لَكَانَ أَوْلَى. اهـ. وَفِيهِ أَنَّ الزِّيَارَةَ أَيْضًا لَيْسَتْ مَاهِيَّتَه الْحَقِيقِيَّةَ فَيُرَدُّ مَا مَرَّ فِي تَفْسِيرِهِ بِالْقَصْدِ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا ابْتِدَاءً فَهُوَ فِي حُكْمِ الرُّكْنِ انْتِهَاءً كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الشَّارِحُ، وَلَوْ سُلِّمَ فَذِكْرُ الشَّرْطِ لَا يُخِلُّ بِالتَّعْرِيفِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ بِدُونِهِ كَمَنْ صَلَّى بِلَا طَهَارَةٍ وَلِذَا ذَكَرُوا النِّيَّةَ فِي تَعْرِيفِ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ فَافْهَمْ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ تَفْسِيرَهُ بِالْقَصْدِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ نَظَائِرِهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْعِبَادَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَصْدِ هُنَا الْإِحْرَامُ، وَهُوَ عَمَلُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ بِالنِّيَّةِ وَالتَّلْبِيَةِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ التَّلْبِيَةِ مِنْ تَقْلِيدِ الْبَدَنَةِ مَعَ السَّوْقِ كَمَا سَيَأْتِي، فَيَكُونُ عَمَلَ الْجَوَارِحِ أَيْضًا وَلِأَنَّ قَوْلَهُ بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ الْبَاءُ فِيهِ لِلْمُلَابَسَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ الطَّوَافُ وَالْوُقُوفُ، فَهُوَ قَصْدٌ مُقْتَرِنٌ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ لَا مُجَرَّدُ الْقَصْدِ، فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ فِعْلًا مَخْصُوصًا كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْعِبَادَاتِ نَعَمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْعِبَادَاتِ حَيْثُ جَعَلُوا الْقَصْدَ فِيهِ أَصْلًا، وَالْفِعْلَ تَبَعًا وَعَكَسُوا فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ الشَّائِعَ فِي الْمَعَانِي الِاصْطِلَاحِيَّةِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ أَنْ تَكُونَ أَخَصَّ مِنْ اللُّغَوِيَّةِ لَا مُبَايِنَةً لَهَا. وَلَمَّا كَانَ الْحَجُّ لُغَةً هُوَ مُطْلَقُ الْقَصْدِ إلَى مُعَظَّمٍ خَصَّصُوهُ بِكَوْنِهِ قَصْدًا إلَى مُعَظَّمٍ مُعَيَّنٍ بِأَفْعَالٍ مُعَيَّنَةٍ وَلَوْ جُعِلَ اسْمًا لِلْأَفْعَالِ الْمُعَيَّنَةِ أَصَالَةً لَبَايَنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 سَابِقًا كَمَا سَيَجِيءُ لَمْ يَقُلْ لِأَدَاءِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ لِيَعُمَّ حَجَّ النَّفْلِ. (فُرِضَ) سَنَةَ تِسْعٍ وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَشْرٍ لِعُذْرٍ مَعَ عِلْمِهِ بِبَقَاءِ حَيَاتِهِ لِيُكْمِلَ التَّبْلِيغَ (مَرَّةً) لِأَنَّ سَبَبَهُ الْبَيْتُ وَهُوَ وَاحِدٌ وَالزِّيَارَةُ تَطَوُّعٌ وَقَدْ تَجِبُ كَمَا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ   [رد المحتار] بِخِلَافِ نَحْوِ الصَّوْمِ، فَإِنَّهُ فِي اللُّغَةِ مُطْلَقُ الْإِمْسَاكِ فَخَصَّصُوهُ بِكَوْنِهِ إمْسَاكًا عَنْ الْمُفْطِرَاتِ، بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ، وَكَذَا الزَّكَاةُ فِي اللُّغَةِ الطَّهَارَةُ. وَتَزْكِيَةُ الشَّيْءِ تَطْهِيرُهُ. وَتَزْكِيَةُ الْمَالِ الْمُسَمَّاةُ زَكَاةً شَرْعًا تَمْلِيكُ جُزْءٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ طَهَارَةٌ لَهُ - {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]- فَهِيَ تَطْهِيرٌ مَخْصُوصٌ بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ التَّمْلِيكُ، فَلِهَذَا جُعِلَ الْقَصْدُ أَصْلًا فِي تَعْرِيفِ الْحَجِّ شَرْعًا دُونَ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ شَرْطًا فِي الْكُلِّ وَكَذَا جُعِلَ أَصْلًا فِي تَعْرِيفِ التَّيَمُّمِ، فَإِنَّهُ فِي اللُّغَةِ مُطْلَقُ الْقَصْدِ. وَعَرَّفُوهُ شَرْعًا بِأَنَّهُ قَصْدُ الصَّعِيدِ الطَّاهِرِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ الضَّرْبَتَانِ فَهُوَ قَصْدٌ مُقْتَرِنٌ بِفِعْلٍ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ اسْمًا لِفِعْلِ الْعَبْدِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ جُعِلَ الْحَجُّ اسْمًا لِقَصْدٍ خَاصٍّ مَعَ زِيَادَةِ وَصْفٍ كَالتَّيَمُّمِ اسْمٌ لِمُطْلَقِ الْقَصْدِ، ثُمَّ جُعِلَ فِي الشَّرْعِ اسْمًا لِقَصْدٍ خَاصٍّ بِزِيَادَةِ وَصْفٍ اهـ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ سَابِقًا) أَيْ عَلَى الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ، أَمَّا كَوْنُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ فَوَاجِبٌ ط. (قَوْلُهُ لِعُذْرٍ) إمَّا لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ، أَوْ لِخَوْفٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَوْ خَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ كُرْهِ مُخَالَطَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي نُسُكِهِمْ إذْ كَانَ لَهُمْ عَهْدٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ زَيْلَعِيٌّ. وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِمَا فِي حَاشِيَتِهِ لِلشَّلَبِيِّ عَنْ الْهَدْيِ لِابْنِ الْقَيِّمِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْحَجَّ فُرِضَ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ تِسْعٍ، وَأَنَّ آيَةَ فَرْضِهِ هِيَ قَوْله تَعَالَى - {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97]- وَهِيَ نَزَلَتْ عَامَ الْوُفُودِ أَوَاخِرَ سَنَةِ تِسْعٍ وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُؤَخِّرْ الْحَجَّ بَعْدَ فَرْضِهِ عَامًا وَاحِدًا، وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِهَدْيِهِ وَحَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ بِيَدِ مَنْ ادَّعَى تَقَدُّمَ فَرْضِ الْحَجِّ سَنَةَ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ دَلِيلٌ وَاحِدٌ، وَغَايَةُ مَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ سَنَةَ سِتٍّ أَنَّ فِيهَا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى - {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]- وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ ابْتِدَاءُ فَرْضِ الْحَجِّ وَإِنَّمَا فِيهِ الْأَمْرُ بِإِتْمَامِهِ إذَا شَرَعَ فِيهِ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ وُجُوبِ ابْتِدَائِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ مَعَ عِلْمِهِ إلَخْ) جَوَابٌ آخَرُ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى وُجُودِ الْعُذْرِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ وُجُوبَهُ عَلَى الْفَوْرِ لِلِاحْتِيَاطِ فَإِنَّ فِي تَأْخِيرِهِ تَعْرِيضًا لِلْفَوَاتِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ بَقَاءَ حَيَاتِهِ إلَى أَنْ يُعَلِّمَ النَّاسَ مَنَاسِكَهُمْ تَكْمِيلًا لِلتَّبْلِيغِ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا} [الفتح: 27] الْآيَةَ - فَهَذَا أَرْقَى فِي التَّعْلِيلِ وَلِذَا جُعِلَ الْأَوَّلُ تَابِعًا لَهُ فَهُوَ كَقَوْلِك: أَكْرِمْ زَيْدًا لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ إلَيْك مَعَ أَنَّهُ أَبُوك (قَوْلُهُ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْبَيْتُ) بِدَلِيلِ الْإِضَافَةِ فِي قَوْله تَعَالَى - {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97]- فَإِنَّ الْأَصْلَ إضَافَةُ الْأَحْكَامِ إلَى أَسْبَابِهَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَلَا يَتَكَرَّرُ الْوَاجِبُ إذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ سَبَبُهُ وَلِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» " قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ كَافِيَةً فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى نَفْيِ التَّكْرَارِ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَحْتَمِلُهُ إلَّا أَنَّ إثْبَاتَ النَّفْيِ بِمُقْتَضَى النَّفْيِ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَقَدْ يَجِبُ) أَيْ الْحَجُّ وَهَذَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فُرِضَ (قَوْلُهُ كَمَا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ) أَيْ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمِيقَاتِ وَيُلَبِّيَ مِنْهُ، وَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمُجَاوَزَةِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ الْآفَاقِيُّ إذَا انْتَهَى إلَى الْمَوَاقِيتِ عَلَى قَصْدِ دُخُولِ مَكَّةَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ قَصْدَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ عِنْدَنَا أَوْ لَمْ يَقْصِدْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُجَاوِزُ أَحَدٌ الْمِيقَاتَ إلَّا مُحْرِمًا وَلَوْ لِتِجَارَةٍ» وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْإِحْرَامِ لِتَعْظِيمِ هَذِهِ الْبُقْعَةِ الشَّرِيفَةِ، فَيَسْتَوِي فِيهِ التَّاجِرُ وَالْمُعْتَمِرُ وَغَيْرُهُمَا اهـ. قَالَ ح: فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لَا يَكُونَانِ نَفْلًا مِنْ الْآفَاقِيِّ وَإِنَّمَا يَكُونَانِ نَفْلًا مِنْ الْبُسْتَانِيِّ وَالْحَرَمِيِّ. اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 فَإِنَّهُ كَمَا سَيَجِيءُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ فَإِنْ اخْتَارَ الْحَجَّ اتَّصَفَ بِالْوُجُوبِ وَقَدْ يَتَّصِفُ بِالْحُرْمَةِ كَالْحَجِّ بِمَالٍ حَرَامٍ، وَبِالْكَرَاهَةِ كَالْحَجِّ بِلَا إذْنٍ مِمَّنْ يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ وَفِي النَّوَازِلِ: لَوْ كَانَ الِابْنُ صَبِيًّا فَلِلْأَبِ مَنْعُهُ حَتَّى يَلْتَحِيَ (عَلَى الْفَوْرِ) فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ عِنْدَ الثَّانِي   [رد المحتار] قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ حُرْمَةَ مُجَاوَزَتِهِ بِدُونِ إحْرَامٍ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَكُونُ إلَّا وَاجِبًا مِنْ الْآفَاقِيِّ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَوْنُهُ مُتَلَبِّسًا بِالْإِحْرَامِ وَقْتَ الْمُجَاوَزَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الْإِحْرَامُ بِحَجِّ نَفْلٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ لِحِلِّ الْمُجَاوَزَةِ وَالشَّرْطُ لَا يَلْزَمُ تَحْصِيلُهُ مَقْصُودًا كَمَا مَرَّ فِي الِاعْتِكَافِ، وَنَظِيرُهُ أَيْضًا أَنَّ الْجُنُبَ لَا يَحِلُّ لَهُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ، حَتَّى يَغْتَسِلَ فَإِذَا اغْتَسَلَ لِسُنَّةِ الْجُمُعَةِ مَثَلًا ثُمَّ دَخَلَ جَازَ، مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا نَوَى الْغُسْلَ الْمَسْنُونَ، وَإِنَّمَا يَجِبُ إذَا أَرَادَ الدُّخُولَ، وَلَمْ يَغْتَسِلْ لِغَيْرِهِ وَهُنَا إذَا أَرَادَ مُجَاوَزَةَ الْمِيقَاتِ وَكَانَ قَاصِدًا لِلنُّسُكِ وَأَحْرَمَ بِنُسُكِ فَرْضٍ أَوْ مَنْذُورٍ أَوْ نَفْلٍ كَفَاهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ فِي تَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاصِدًا لِذَلِكَ بِأَنْ قَصَدَ الدُّخُولَ لِتِجَارَةٍ مَثَلًا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ إحْرَامُهُ وَاجِبًا وَنَظِيرُهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ تَنْدَرِجُ فِي أَيِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا، فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ فَلَا بُدَّ فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ مِنْ صَلَاتِهَا عَلَى الْخُصُوصِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَعَنْ هَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَرَضَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَالنَّهْرِ تَصْوِيرَ الْوُجُوبِ بِمَا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ إلَى الْمِيقَاتِ وَيُلَبِّي مِنْهُ، وَيَكُونُ إحْرَامُهُ حِينَئِذٍ وَاجِبًا إذَا كَانَ لِأَجْلِ الْمُجَاوَزَةِ أَمَّا لَوْ أَحْرَمَ قَبْلَهَا بِنُسُكِ فَرْضٍ، أَوْ نَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى مِنْ فَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إحْرَامٌ خَاصٌّ لِأَجْلِ الْمُجَاوَزَةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا حَزَازَةَ فِي عِبَارَتِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ قُبَيْلَ فَصْلِ الْإِحْرَامِ وَكَذَا قُبَيْلَ فَصْلِ الْإِحْصَارِ (قَوْلُهُ فَإِنْ اخْتَارَ الْحَجَّ اتَّصَفَ بِالْوُجُوبِ) فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْوَاجِب الْمُخَيَّرِ أَيْ وَإِنْ اخْتَارَ الْعُمْرَةَ اتَّصَفَ بِالْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ لِعَدَمِ اقْتِضَاءِ الْمَقَامِ إيَّاهُ. اهـ. ح. مَطْلَبٌ فِيمَنْ حَجّ بِمَالٍ حَرَامٍ (قَوْلُهُ كَالْحَجِّ بِمَالٍ حَرَامٍ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالْأَوْلَى التَّمْثِيلُ بِالْحَجِّ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْحَجَّ نَفْسَهُ الَّذِي هُوَ زِيَارَةُ مَكَان مَخْصُوصٍ إلَخْ لَيْسَ حَرَامًا بَلْ الْحَرَامُ هُوَ إنْفَاقُ الْمَالِ الْحَرَامِ، وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا، كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ تَقَعُ فَرْضًا، وَإِنَّمَا الْحَرَامُ شَغْلُ الْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُ الْفِعْلِ صَلَاةً لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يُمْكِنُ اتِّصَافُهُ بِالْحُرْمَةِ، وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ الْحَجَّ فِي نَفْسِهِ مَأْمُورٌ بِهِ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ مِنْ حَيْثُ الْإِنْفَاقُ، وَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْحُرْمَةَ لِأَنَّ لِلْمَالِ دَخْلًا فِيهِ، فَإِنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ عَمَل الْبَدَنِ وَالْمَالِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَيَجْتَهِدُ فِي تَحْصِيلِ نَفَقَةٍ حَلَالٍ، فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ بِالنَّفَقَةِ الْحَرَامِ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، مَعَ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُ مَعَهَا وَلَا تَنَافِي بَيْنَ سُقُوطِهِ، وَعَدَمِ قَبُولِهِ فَلَا يُثَابُ لِعَدَمِ الْقَبُولِ، وَلَا يُعَاقَبُ عِقَابَ تَارِكِ الْحَجِّ. اهـ. أَيْ لِأَنَّ عَدَمَ التَّرْكِ يُبْتَنَى عَلَى الصِّحَّةِ: وَهِيَ الْإِتْيَانُ بِالشَّرَائِطِ، وَالْأَرْكَانُ وَالْقَبُولُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ يُبْتَنَى عَلَى أَشْيَاءَ كَحِلِّ الْمَالِ وَالْإِخْلَاصِ كَمَا لَوْ صَلَّى مُرَائِيًا أَوْ صَامَ وَاغْتَابَ فَإِنَّ الْفِعْلَ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ بِلَا ثَوَابٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ مِمَّنْ يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ) كَأَحَدِ أَبَوَيْهِ الْمُحْتَاجِ إلَى خِدْمَتِهِ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ كَالْأَبَوَيْنِ عِنْدَ فَقْدِهِمَا، وَكَذَا الْغَرِيمُ لِمَدْيُونٍ لَا مَالَ لَهُ يَقْضِي بِهِ، وَالْكَفِيلُ لَوْ بِالْإِذْنِ، فَيُكْرَهُ خُرُوجُهُ بِلَا إذْنِهِمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ وَلِذَا عَبَّرَ الشَّارِحُ بِالْوُجُوبِ، وَزَادَ فِي الْبَحْرِ عَنْ السَّيْرِ وَكَذَا إنْ كَرِهَتْ خُرُوجَهُ زَوْجَتُهُ وَمَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَدْفَعُهُ لِلنَّفَقَةِ فِي غَيْبَتِهِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَذَا كُلُّهُ فِي حَجِّ الْفَرْضِ. أَمَّا حَجُّ النَّفْلِ فَطَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ أَوْلَى مُطْلَقًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَطِ (قَوْلُهُ حَتَّى يَلْتَحِيَ) وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا لَا يَخْرُجُ وَإِنْ الْتَحَى بَحْرٌ عَنْ النَّوَازِلِ (قَوْلُهُ عَلَى الْفَوْرِ) هُوَ الْإِتْيَانُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فَيُفَسَّقُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِتَأْخِيرِهِ أَيْ سِنِينًا لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ صَغِيرَةٌ وَبِارْتِكَابِهِ مَرَّةً لَا يُفَسَّقُ إلَّا بِالْإِصْرَارِ بَحْرٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْفَوْرِيَّةَ ظَنِّيَّةٌ لِأَنَّ دَلِيلَ الِاحْتِيَاطِ ظَنِّيٌّ، وَلِذَا أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ تَرَاخَى كَانَ أَدَاءً وَإِنْ أَثِمَ بِمَوْتِهِ قَبْلَهُ وَقَالُوا لَوْ لَمْ يَحُجَّ حَتَّى أَتْلَفَ مَالَهُ وَسِعَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ وَيَحُجَّ وَلَوْ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى وَفَائِهِ وَيُرْجَى أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ، أَيْ لَوْ نَاوِيًا وَفَاءً إذَا قَدَرَ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ.   [رد المحتار] بِهِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ وَيُقَابِلُهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَلَيْسَ مَعْنَاهُ تَعَيُّنَ التَّأْخِيرِ بَلْ بِمَعْنَى عَدَمِ لُزُومِ الْفَوْرِ (قَوْلُهُ وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ) لَا يَصْلُحُ عَطْفُهُ عَلَى الثَّانِي، فَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ وَقَوْلُهُ عِنْدَ الثَّانِي: خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هَذَا عِنْدَ الثَّانِي فَقَوْلُهُ وَأَصَحُّ عَطْفٌ عَلَيْهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمَالِكُ وَأَحْمَدُ) عَطْفٌ عَلَى الْإِمَامِ فَيُفِيدُ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا أَيْضًا، وَعِبَارَةُ شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ تُفِيدُهُ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ أَيْ سِنِينًا إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا وَأَتَى بِسِنِينَ مُنَوَّنًا لِأَنَّهُ قَدْ يَجْرِي مَجْرَى حِينٍ، وَهُوَ عِنْدَ قَوْمٍ مُطَّرِدٌ (قَوْلُهُ إلَّا بِالْإِصْرَارِ) أَيْ لَكِنْ بِالْإِصْرَارِ، فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِعَدَمِ دُخُولِ الْإِصْرَارِ تَحْتَ الْمَرَّةِ ح ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْفِسْقِ عَدَمُ الْإِثْمِ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ وَلَوْ بِمَرَّةٍ وَفِي شَرْحِ الْمَنَارِ لِابْنِ نُجَيْمٍ عَنْ التَّقْرِيرِ لِلْأَكْمَلِ أَنَّ حَدَّ الْإِصْرَارِ أَنْ تَتَكَرَّرَ مِنْهُ تَكَرُّرًا يُشْعِرُ بِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِدِينِهِ إشْعَارَ ارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ بِذَلِكَ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِعَدَدٍ بَلْ مُفَوَّضٌ إلَى الرَّأْيِ وَالْعُرْفِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِمَرَّتَيْنِ لَا يَكُونُ إصْرَارًا وَلِذَا قَالَ: أَيْ سِنِينًا فَقَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى، فَيُفَسَّقُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ الْعَامِ الْأَوَّلِ بِلَا عُذْرٍ غَيْرِ مُحَرَّرٍ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ حُصُولُهُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَضْلًا عَنْ الْمَرَّتَيْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَوَجْهُهُ إلَخْ) أَيْ وَجْهُ كَوْنِ التَّأْخِيرِ صَغِيرَةً أَنَّ الْفَوْرِيَّةَ وَاجِبَةٌ لِأَنَّهَا ظَنِّيَّةٌ لِظَنِّيَّةِ دَلِيلِهَا وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِهِ تَعْرِيضًا لَهُ لِلْفَوَاتِ، وَهُوَ غَيْرُ قَطْعِيٍّ فَيَكُونُ التَّأْخِيرُ مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا لَا حَرَامًا لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِقَطْعِيٍّ كَمُقَابِلِهَا، وَهُوَ الْفَرْضِيَّةُ وَمَا ذَكَرَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي رِسَالَتِهِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي بَيَانِ الْمَعَاصِي أَنَّ كُلَّ مَا كُرِهَ عِنْدَنَا تَحْرِيمًا فَهُوَ مِنْ الصَّغَائِرِ لَكِنَّهُ عَدَّ فِيهَا مِنْ الصَّغَائِرِ مَا هُوَ ثَابِتٌ بِقَطْعِيٍّ كَوَطْءِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَالْبَيْعِ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَانَ أَدَاءً) أَيْ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْإِثْمُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ قِيلَ: الْمُرَادُ إثْمُ تَفْوِيتِ الْحَجِّ لَا إثْمُ التَّأْخِيرِ. قُلْت: لَا يَخْفَى مَا فِيهِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الصَّوَابَ إثْمُ التَّأْخِيرِ إذْ بَعْدَ الْأَدَاءِ لَا تَفْوِيتَ وَفِي الْفَتْحِ: وَيَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ فَلَوْ حَجَّ بَعْدَهُ ارْتَفَعَ الْإِثْمُ اهـ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: فَيَأْثَمُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ بِالتَّأْخِيرِ إلَى غَيْرِهِ بِلَا عُذْرٍ إلَّا إذَا أَدَّى وَلَوْ فِي آخِرِ عُمُرِهِ فَإِنَّهُ رَافِعٌ لِلْإِثْمِ بِلَا خِلَافٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَثِمَ بِمَوْتِهِ قَبْلَهُ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ بِالتَّأْخِيرِ عِنْدَهُ لَكِنْ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْمَوْتِ فَإِذَا مَاتَ قَبْلَهُ ظَهَرَ أَنَّهُ آثِمٌ قِيلَ مِنْ السَّنَةِ الْأُولَى وَقِيلَ مِنْ الْأَخِيرَةِ مِنْ سَنَةِ رَأَى فِي نَفْسِهِ الضَّعْفَ، وَقِيلَ: يَأْثَمُ فِي الْجُمْلَةِ غَيْرُ مَحْكُومٍ بِمُعَيَّنٍ بَلْ عِلْمُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَسِعَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ إلَخْ) أَيْ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْرَاضُ كَمَا فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ قَالَ مُنْلَا عَلَى الْقَارِيّ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ تَحَمُّلَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَخَفُّ مِنْ ثِقَلِ حُقُوقِ الْعِبَادِ اهـ. قُلْت: وَهَذَا يَرُدُّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى وَفَائِهِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ جِهَةُ وَفَاءٍ أَصْلًا أَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ فِي الْحَالِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ اجْتَهَدَ قَدَرَ عَلَى الْوَفَاءِ فَلَا يُرَدُّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ أُخِذَ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا فِي الزَّكَاةِ حَيْثُ قَالَ إنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَقْرِضَ لِأَدَاءِ الزَّكَاةِ فَإِنْ كَانَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ إذَا اجْتَهَدَ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ قَدَرَ كَانَ الْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ فَإِنْ اسْتَقْرَضَ وَأَدَّى وَلَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 (عَلَى مُسْلِمٍ) لِأَنَّ الْكَافِرَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِفُرُوعِ الْإِيمَانِ فِي حَقِّ الْأَدَاءِ وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْمَنَارِ (حُرٍّ مُكَلَّفٍ) عَالِمٌ بِفَرْضِيَّتِهِ   [رد المحتار] يَقْدِرْ عَلَى قَضَائِهِ حَتَّى مَاتَ يُرْجَى أَنْ يَقْضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى دَيْنَهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَقْرَضَ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ كَانَ الْأَفْضَلُ لَهُ عَدَمَهُ اهـ وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الزَّكَاةِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا حَقُّ الْفُقَرَاءِ فَفِي الْحَجِّ أَوْلَى. (قَوْلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ شُرُوطِ الْحَجِّ وَجَعَلَهَا فِي اللُّبَابِ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ. الْأَوَّلُ: شُرُوطُ الْوُجُوبِ وَهِيَ الَّتِي إذَا وُجِدَتْ بِتَمَامِهَا وَجَبَ الْحَجُّ وَإِلَّا فَلَا وَهِيَ سَبْعَةٌ: الْإِسْلَامُ، وَالْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ لِمَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالِاسْتِطَاعَةُ وَالْوَقْتُ أَيْ الْقُدْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ فِي وَقْتِ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ عَلَى مَا يَأْتِي. وَالنَّوْعُ الثَّانِي: شُرُوطُ الْأَدَاءِ وَهِيَ الَّتِي إنْ وُجِدَتْ بِتَمَامِهَا مَعَ شُرُوطِ الْوُجُوبِ، وَجَبَ أَدَاؤُهُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ فُقِدَ بَعْضُهَا مَعَ تَحَقُّقِ شُرُوطِ الْوُجُوبِ، فَلَا يَجِبُ الْأَدَاءُ بَلْ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ أَوْ الْإِيصَاءُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ خَمْسَةٌ: سَلَامَةُ الْبَدَنِ، وَأَمْنُ الطَّرِيقِ وَعَدَمُ الْحَبْسِ، وَالْمَحْرَمُ أَوْ الزَّوْجُ لِلْمَرْأَةِ وَعَدَمُ الْعِدَّةِ لَهَا. النَّوْعُ الثَّالِثُ: شَرَائِطُ صِحَّةِ الْأَدَاءِ وَهِيَ تِسْعَةٌ: الْإِسْلَامُ وَالْإِحْرَامُ، وَالزَّمَانُ، وَالْمَكَانُ، وَالتَّمْيِيزُ، وَالْعَقْلُ وَمُبَاشَرَةُ الْأَفْعَالِ إلَّا بِعُذْرٍ وَعَدَمُ الْجِمَاعِ وَالْأَدَاءُ مِنْ عَامِ الْإِحْرَامِ. النَّوْعُ الرَّابِعُ: شَرَائِطُ وُقُوعِ الْحَجِّ عَنْ الْفَرْضِ وَهِيَ تِسْعَةٌ أَيْضًا: الْإِسْلَامُ، وَبَقَاؤُهُ إلَى الْمَوْتِ، وَالْعَقْلُ، وَالْحُرِّيَّةُ وَالْبُلُوغُ وَالْأَدَاءُ بِنَفْسِهِ إنْ قَدَرَ، وَعَدَمُ نِيَّةِ النَّفْلِ، وَعَدَمُ الْإِفْسَادِ، وَعَدَمُ النِّيَّةِ عَنْ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ) فَلَوْ مَلَكَ الْكَافِرُ مَا بِهِ الِاسْتِطَاعَةُ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ مَا افْتَقَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِتِلْكَ الِاسْتِطَاعَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَلَكَهُ مُسْلِمًا فَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى افْتَقَرَ حَيْثُ يَتَقَرَّرُ وُجُوبُهُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَتْحٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِيَّةِ لَا التَّرَاخِي نَهْرٌ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي يَتَحَقَّقُ الْوُجُوبُ مِنْ أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ وَلَكِنَّهُ يُتَخَيَّرُ فِي أَدَائِهِ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ مُوَسَّعًا وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ الْوُجُوبُ إلَّا قُبَيْلَ الْمَوْتِ، وَأَنْ لَا يَجِبَ الْإِحْجَاجُ عَلَى مَنْ كَانَ صَحِيحًا ثُمَّ مَرِضَ أَوْ عَمِيَ وَأَنْ لَا يَأْثَمَ الْمُفَرِّطُ بِالتَّأْخِيرِ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَكُلُّ ذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ: أَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ بِالْعِبَادَاتِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ مَذْهَبُ السَّمرْقَنْديِّين نَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِهَا أَدَاءً وَاعْتِقَادًا وَالْبُخَارِيِّينَ مُخَاطَبٌ اعْتِقَادًا فَقَطْ وَالْعِرَاقِيِّينَ مُخَاطَبٌ بِهِمَا فَيُعَاقَبُ عَلَيْهِمَا قَالَ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا حَرَّرَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ لِأَنَّ ظَاهِرَ النُّصُوصِ يَشْهَدُ لَهُمْ وَخِلَافُهُ تَأْوِيلٌ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ شَيْءٌ لِيَرْجِعَ إلَيْهِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي حَقِّ الْأَدَاءِ يُفْهِمُ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِهَا اعْتِقَادًا فَقَطْ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْبُخَارِيِّينَ وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمَنَارِ لَكِنْ لَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ مَا هُنَا هُوَ مَا اعْتَمَدَهُ هُنَاكَ وَمَا قِيلَ إنَّ مَا هُنَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ لَا نَصَّ عَنْ أَصْحَابِ الْمَذْهَبِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ حُرٍّ) فَلَا يَجِبُ عَلَى عَبْدٍ مُدَبَّرًا كَانَ أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُبَعَّضًا أَوْ مَأْذُونًا بِهِ وَلَوْ بِمَكَّةَ أَوْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِمِلْكِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَلِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى عَبِيدِ أَهْلِ مَكَّةَ بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فِي حَقِّ الْفَقِيرِ، فَإِنَّهُ لِلتَّيْسِيرِ لَا لِلْأَهْلِيَّةِ، فَوَجَبَ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ عَلَى الْعَبْدِ دُونَ الْحَجِّ نَهْرٌ وَهُوَ وُجُودُ الْأَهْلِيَّةِ فِيهِمَا لَا فِيهِ وَالْمُرَادُ أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ وَإِلَّا فَالْعَبْدُ أَهْلٌ لِلْأَدَاءِ فَيَقَعُ لَهُ نَفْلًا كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ مُكَلَّفٍ) أَيْ بَالِغٍ عَاقِلٍ فَلَا يَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ، وَفِي الْمَعْتُوهِ خِلَافٌ فِي الْأُصُولِ فَذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّهُ يُوضَعُ الْخِطَابُ عَنْهُ كَالصَّبِيِّ، فَلَا يَجِبُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 إمَّا بِالْكَوْنِ بِدَارِنَا وَإِمَّا بِإِخْبَارِ عَدْلٍ أَوْ مَسْتُورَيْنِ (صَحِيحِ) الْبَدَنِ (بَصِيرٍ) غَيْرِ مَحْبُوسٍ وَخَائِفٍ مِنْ سُلْطَانٍ يَمْنَعُ مِنْهُ (ذِي زَادٍ) يَصِحُّ بِهِ بَدَنُهُ فَالْمُعْتَادُ اللَّحْمُ وَنَحْوُهُ إذَا قَدَرَ عَلَى خُبْزٍ وَجُبْنٍ لَا يُعَدُّ قَادِرًا (وَرَاحِلَةٍ) مُخْتَصَّةٍ بِهِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُقَتَّبِ إنْ قَدَرَ   [رد المحتار] عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَذَهَبَ الدَّبُوسِيُّ إلَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِهَا احْتِيَاطًا بَحْرٌ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى الْمَعْتُوهِ فِي أَوَّلِ الزَّكَاةِ فَرَاجِعْهُ. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الْحَجِّ مِنْ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا اهـ وَنَقَلَ غَيْرُهُ صِحَّةَ حَجِّهِمَا وَوَفَّقَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَنْ لَهُ بَعْضُ إدْرَاكٍ وَغَيْرِهِ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى أَدَائِهِمَا بِنَفْسِهِمَا وَالثَّانِي عَلَى فِعْلِ الْوَلِيِّ فَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا الصَّبِيُّ يَحُجُّ بِهِ أَبُوهُ وَكَذَا الْمَجْنُونُ لِأَنَّ إحْرَامَهُ عَنْهُمَا وَهُمَا عَاجِزَانِ كَإِحْرَامِهِمَا بِنَفْسِهِمَا. اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ إمَّا بِالْكَوْنِ فِي دَارِنَا) سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْفَرْضِيَّةِ أَمْ لَا نَشَأَ عَلَى الْإِسْلَامِ فِيهَا أَمْ لَا بَحْرٌ وَقَوْلُهُ أَوْ بِإِخْبَارِ عَدْلٍ إلَخْ هَذَا لِمَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ بَقِيَ لَوْ أَدَّى قَبْلَهُ ذَكَرَ الْقُطْبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ بَحْثًا أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْفَرْضِ، وَنُوزِعَ بِأَنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِ وُقُوعِ الْحَجِّ عَنْ الْفَرْضِ، كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَبِأَنَّ الْحَجَّ يَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ بِلَا تَعْيِينِ الْفَرْضِيَّةِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَبِأَنَّهُ يَصِحُّ مِمَّا نَشَأَ فِي دَارِنَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْفَرْضِيَّةِ عَلِمْته (قَوْلُهُ أَوْ مَسْتُورَيْنِ) أَفَادَ أَنَّ الشَّرْطَ أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ صَحِيحِ الْبَدَنِ) أَيْ سَالِمٍ عَنْ الْآفَاتِ الْمَانِعَةِ عَنْ الْقِيَامِ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي السَّفَرِ، فَلَا يَجِبُ عَلَى مُقْعَدٍ وَمَفْلُوجٍ وَشَيْخٍ كَبِيرٍ لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِنَفْسِهِ وَأَعْمَى، وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا، وَمَحْبُوسٍ، وَخَائِفٍ مِنْ سُلْطَانٍ لَا بِأَنْفُسِهِمْ، وَلَا بِالنِّيَابَةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُمَا وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا وُجُوبُ الْإِحْجَاجِ عَلَيْهِمْ، وَيُجْزِيهِمْ إنْ دَامَ الْعَجْزُ وَإِنْ زَالَ أَعَادُوا بِأَنْفُسِهِمْ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ عِنْدَهُ وَمِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عِنْدَ هُمَا وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْإِحْجَاجِ وَالْإِيصَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَجِّ وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنْ قَدَرَ ثُمَّ عَجَزَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ تَقَرَّرَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، فَيَلْزَمُهُ الْإِحْجَاجُ، فَلَوْ خَرَجَ وَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يَجِبْ الْإِيصَاءُ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَلَوْ تَكَلَّفُوا الْحَجَّ بِأَنْفُسِهِمْ سَقَطَ عَنْهُمْ وَظَاهِرُ التُّحْفَةِ اخْتِيَارُ قَوْلِهِمَا وَكَذَا الْإِسْبِيجَابِيُّ وَقَوَّاهُ فِي الْفَتْحِ وَمَشَى عَلَى أَنَّ الصِّحَّةَ مِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ اهـ مِنْ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَحَكَى فِي اللُّبَابِ اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ وَفِي شَرْحِهِ أَنَّهُ مَشَى عَلَى الْأَوَّلِ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَأَنَّ الثَّانِيَ صَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَمِنْهُمْ ابْنُ الْهُمَامِ (قَوْلُهُ بَصِيرٍ) فِيهِ الْخِلَافُ الْمَارُّ كَمَا عَلِمْته (قَوْلُهُ غَيْرِ مَحْبُوسٍ) هَذَا مِنْ شُرُوطِ الْأَدَاءِ كَمَا مَرَّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَبْسُهُ لِمَنْعِهِ حَقًّا قَادِرًا عَلَى أَدَائِهِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ عَنْ شَمْسِ الْإِسْلَامِ أَنَّ السُّلْطَانَ وَمَنْ بِمَعْنَاهُ مِنْ الْأُمَرَاءِ مُلْحَقٌ بِالْمَحْبُوسِ فَيَجِبُ الْحَجُّ فِي مَالِهِ الْخَالِي عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنْ دَامَ عَجْزُهُ إلَى الْمَوْتِ وَإِلَّا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ بَعْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْحَجِّ ثُمَّ عَجَزَ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِحْجَاجُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ آنِفًا (قَوْلُهُ يُمْنَعُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْحَجِّ أَيْ الْخُرُوجِ إلَيْهِ ط (قَوْلُهُ ذِي زَادٍ وَرَاحِلَةٍ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِمِلْكِ الزَّادِ وَمِلْكِ أُجْرَةِ الرَّاحِلَةِ، فَلَا يَجِبُ بِالْإِبَاحَةِ أَوْ الْعَارِيَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَسَيُشِيرُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ مُخْتَصَّةً بِهِ) فَلَا يَكْفِي لَوْ قَدَرَ عَلَى رَاحِلَةٍ مُشْتَرَكَةٍ يَرْكَبُهَا مَعَ غَيْرِهِ بِالْمُعَاقَبَةِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُقَتَّبِ) بِضَمِّ الْمِيمِ اسْمُ مَفْعُولٍ أَيْ ذُو الْقَتَبِ وَهُوَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ الْإِكَافُ الصَّغِيرُ حَوْلَ السَّنَامِ ح وَذِكْرُ ضَمِيرِ الرَّاحِلَةِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا مَرْكُوبًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 وَإِلَّا فَتُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمُحَارَةِ لِلْآفَاقِيِّ لَا لِمَكِّيٍّ يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ لِشَبَهِهِ بِالسَّعْيِ لِلْجُمُعَةِ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى غَيْرِ الرَّاحِلَةِ مِنْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ لَمْ يَجِبْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رُكُوبِ الْمُقَتَّبِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَحَارَةِ) هِيَ شَبَهُ الْهَوْدَجِ قَامُوسٌ أَيْ عَلَى شِقٍّ مِنْهَا بِشَرْطِ أَنْ يَجِدَ لَهُ مُعَادِلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ، وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَضَعَ فِي الشِّقِّ الْآخَرِ أَمْتِعَتَهُ رَدَّهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ إمَّا بِرُكُوبِ زَامِلَةٍ أَيْ مُقَتَّبٍ أَوْ بِشِقِّ مَحْمَلٍ، وَأَمَّا الْمِحَفَّةُ فَمِنْ مُبْتَدَعَاتِ الْمُتَرَفِّهَةِ فَلَيْسَ لَهَا عِبْرَةٌ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِحَفَّةِ التَّخْتُ الْمَعْرُوفُ فِي زَمَانِنَا الْمَحْمُولُ بَيْنَ جَمَلَيْنِ أَوْ بَغْلَيْنِ لَكِنْ اعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْعَفِيفُ فِي شَرْحِ مُنَكَّسِهِ بِأَنَّهُ مُنَابِذٌ لِمَا قَرَّرُوهُ مِنْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ عَادَةً وَعُرْفًا فَمَنْ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَيْهَا اُعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ بِلَا ارْتِيَابٍ، وَإِنْ قَدَرَ بِالْمَحْمَلِ أَوْ الْمُقَتَّبِ فَلَا يُعْذَرُ وَلَوْ كَانَ شَرِيفًا أَوْ ذَا ثَرْوَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لِلْآفَاقِيِّ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَرَاحِلَةٌ لَا بِقَوْلِهِ فَتُشْتَرَطُ لِإِيهَامِهِ أَنَّ غَيْرَ الْآفَاقِيِّ يُشْتَرَطُ لَهُ الْمُقَتَّبُ فَلَا يُنَاسِبُ قَوْلُهُ لَا الْمَكِّيُّ يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الزَّادَ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَوْ لِمَكِّيٍّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ كَصَاحِبِ الْيَنَابِيعِ وَالسِّرَاجِ، وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالنِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ الْمَكِّيَّ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَلَوْ فَقِيرًا لَا زَادَ لَهُ نَظَرَ فِيهِ ابْنُ الْهُمَامِ إلَّا أَنْ يُرَادَ مَا إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ الِاكْتِسَابُ فِي الطَّرِيقِ، وَأَمَّا الرَّاحِلَةُ فَشَرْطٌ لِلْآفَاقِيِّ دُونَ الْمَكِّيِّ الْقَادِرِ عَلَى الْمَشْيِ وَقِيلَ شَرْطٌ مُطْلَقًا لِأَنَّ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَعَرَفَاتٍ أَرْبَعُ فَرَاسِخَ، وَلَا يَقْدِرُ كُلُّ أَحَدٍ عَلَى مَشْيِهَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَصَحَّحَ صَاحِبُ اللُّبَابِ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ الْأَوَّلَ، وَنَظَرَ فِيهِ شَارِحُهُ الْقَارِي بِأَنَّ الْقَادِرَ نَادِرٌ وَمَبْنَى الْأَحْكَامِ عَلَى الْغَالِبِ، وَحَدُّ الْمَكِّيِّ عِنْدَنَا مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ إلَى الْحَرَمِ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا بَلْ الظَّاهِرُ مَا فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَفِي الْبَحْرِ الزَّاخِرِ وَاشْتِرَاطُ الرَّاحِلَةِ فِي حَقِّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا أَمَّا مَا دُونَهُ فَلَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ. [تَنْبِيهٌ] فِي اللُّبَابِ: الْفَقِيرُ الْآفَاقِيُّ إذَا وَصَلَ إلَى مِيقَاتٍ فَهُوَ كَالْمَكِّيِّ قَالَ شَارِحُهُ أَيْ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ إلَّا الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَاجِزًا عَنْ الْمَشْيِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْغَنِيُّ الْآفَاقِيُّ كَذَلِكَ إذَا عَدِمَ الرُّكُوبَ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى أَحَدِ الْمَوَاقِيتِ فَالتَّقْيِيدُ بِالْفَقِيرِ لِظُهُورِ عَجْزِهِ عَنْ الْمَرْكَبِ، وَلِيُفِيدَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْوِيَ نَفْلًا عَلَى زَعْمِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِفَقْرِهِ لِأَنَّهُ مَا كَانَ وَاجِبًا وَهُوَ آفَاقِيٌّ فَلَمَّا صَارَ كَالْمَكِّيِّ وَجَبَ عَلَيْهِ فَلَوْ نَوَاهُ نَفْلًا لَزِمَهُ الْحَجُّ ثَانِيًا. اهـ. مُلَخَّصًا وَنَظِيرُهُ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ مِنْ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْحَجِّ إذَا وَاصَلَ إلَى مَكَّةَ لَزِمَهُ أَنْ يَمْكُثَ لِيَحُجَّ حَجَّ الْفَرْضِ عَنْ نَفْسِهِ، لِكَوْنِهِ صَارَ قَادِرًا عَلَى مَا فِيهِ كَمَا سَتَعْلَمُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ لِشَبَهِهِ بِالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ) أَيْ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الرَّاحِلَةِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَأَفَادَ) أَيْ حَيْثُ عَبَّرَ بِالرَّاحِلَةِ وَهِيَ مِنْ الْإِبِلِ خَاصَّةً، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا، وَلِمَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ مِنْ أَنَّهَا الْمَرْكَبُ مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ تَفْسِيرِهَا بِأَنَّهَا مَا يَحْمِلُهُ وَيَحْمِلُ مَا يَحْتَاجُهُ مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ، وَأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ الْبَعِيرُ الْقَوِيُّ عَلَى الْأَسْفَارِ وَالْأَحْمَالِ. اهـ. لَا يُخَالِفُ ذَلِكَ لِأَنَّ غَيْرَ الْبَعِيرِ لَا يَحْمِلُ الْإِنْسَانَ مَعَ مَا يَحْتَاجُهُ فِي الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ شَرْحِ الصَّبَّاغِيِّ بِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ كُرَّيْ حِمَارٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 وَإِنَّمَا صَرَّحُوا بِالْكَرَاهَةِ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ الْحَجُّ رَاكِبًا أَفْضَلُ مِنْهُ مَاشِيًا بِهِ يُفْتَى وَالْمُقَتَّبُ أَفْضَلُ مِنْ الْمُحَارَةِ وَفِي إجَارَةِ الْخُلَاصَةِ حِمْلُ الْجَمَلِ مِائَتَانِ وَأَرْبَعُونَ مَنًّا وَالْحِمَارِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَغْلَ كَالْحِمَارِ، وَلَوْ وَهَبَ الْأَبُ لِابْنِهِ مَالًا يَحُجُّ بِهِ لَمْ يَجِبْ قَبُولُهُ لِأَنَّ شَرَائِطَ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهَا وَهَذَا مِنْهَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ خِلَافًا لِلْأُصُولِيَّيْنِ (فَضْلًا عَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ) كَمَا مَرَّ فِي الزَّكَاةِ   [رد المحتار] فَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ النَّفَقَةِ اهـ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ اعْتِبَارِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ فِيمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرَاحِلُ يَسِيرَةٌ دُونَ الْبَعِيدَةِ لِأَنَّ غَيْرَ الْإِبِلِ لَا يَقْوَى عَلَيْهَا قَالَ السِّنْدِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ، وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ جِدًّا وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا مَا يُخَالِفُهُ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّفْصِيلُ مُرَادَهُمْ. اهـ. فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا صَرَّحُوا بِالْكَرَاهَةِ) أَيْ التَّنْزِيهِيَّةِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ بِدَلِيلِ أَفْضَلِيَّةِ مُقَابِلِهِ ط (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ النَّفَقَةِ، وَهِيَ مَقْصُودَةٌ فِي الْحَجِّ وَلِذَا اشْتَرَطَ فِي الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ أَنْ يَحُجَّ رَاكِبًا إذَا اتَّسَعَتْ النَّفَقَةُ، حَتَّى لَوْ حَجَّ مَاشِيًا وَلَوْ بِأَمْرِهِ ضَمِنَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ اللُّبَابُ، لَكِنْ سَيَأْتِي آخِرَ كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ مَنْ نَذَرَ حَجًّا مَاشِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَشْيُ فِي الْأَصَحِّ وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقُرْبَةَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَجَّ مَاشِيًا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةً مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ قِيلَ وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ؟ قَالَ كُلُّ حَسَنَةٍ بِسَبْعِمِائَةٍ» وَلِأَنَّهُ أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ فَكَانَ أَفْضَلَ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْخَانِيِّ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ إنْ قِيلَ كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ الْحَجَّ مَاشِيًا فَكَيْفَ يَكُونُ صِفَةَ كَمَالٍ قُلْنَا إنَّمَا كَرِهَهُ إذَا كَانَ مَظِنَّةَ سُوءِ الْخُلُقِ كَأَنْ يَكُونَ صَائِمًا مَعَ الْمَشْيِ أَوْ لَا يُطِيقُهُ وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَشْيَ أَفْضَلُ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَالتَّذَلُّلِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمَارَّ وَغَيْرَهُ. قُلْت: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ فَلَعَلَّ وَجْهَهَا أَنَّ الْمَيِّتَ لَمَّا عَجَزَ عَنْ إحْدَى الْمَشَقَّتَيْنِ، وَهِيَ مَشَقَّةُ الْبَدَنِ وَلَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى الْأُخْرَى وَهِيَ مَشَقَّةُ الْمَالِ صَارَتْ كَأَنَّهَا هِيَ الْمَقْصُودَةُ فَلَزِمَ الْإِتْيَانُ بِهَا كَامِلَةً، وَلِذَا وَجَبَ الْإِحْجَاجُ مِنْ مَنْزِلِ الْآمِرِ وَالْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يُجْزِهِ تَبَرُّعُ غَيْرِهِ عَنْهُ لِعَدَمِ حُصُولِ مَقْصُودِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْمُقَتَّبُ أَفْضَلُ مِنْ الْمُحَارَةِ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجٌّ كَذَلِكَ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَأَخَفُّ عَلَى الْحَيَوَانِ (قَوْلُهُ وَفِي إجَارَةِ الْخُلَاصَةِ إلَخْ) قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ نَقَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى، وَلَعَمْرِي هَذَا إجْحَافٌ عَلَى الْحِمَارِ وَإِنْصَافٌ فِي حَقِّ الْجَمَلِ فَتَأَمَّلْ. وَذَكَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّ الْمَنَّ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ أُوقِيَّةً وَالْأُوقِيَّةُ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَهِيَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَالْمِائَتَانِ وَأَرْبَعُونَ مَنًّا هِيَ الْوَسْقُ وَهِيَ قِنْطَارٌ دِمَشْقِيٌّ تَقْرِيبًا (قَوْلُهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَغْلَ كَالْحِمَارِ) كَذَا فِي النَّهْرِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْحِمَارَ الْقَوِيَّ الْمُعَدَّ لِحَمْلِ الْأَثْقَالِ فِي الْأَسْفَارِ فَإِنَّهُ كَالْبَغْلِ وَإِلَّا فَأَكْثَرُ الْحَمِيرِ دُونَ الْبِغَالِ بِكَثِيرٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَهَبَ الْأَبُ لِابْنِهِ إلَخْ) وَكَذَا عَكْسُهُ وَحَيْثُ لَا يَجِبُ قَبُولُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَمُنُّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ يُعْلَمُ حُكْمُ الْأَجْنَبِيِّ بِالْأَوْلَى وَمُرَادُهُ إفَادَةُ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْمِلْكِ دُونَ الْإِبَاحَةِ وَالْعَارِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ الْمَذْكُورُ وَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلْأُصُولِيِّينَ) حَيْثُ قَالُوا إنَّهَا مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَفِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ فِي الزَّكَاةِ) أَيْ مِنْ بَيَانِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ كَفَرَسِهِ وَسِلَاحِهِ وَثِيَابِهِ وَعَبِيدِ خِدْمَتِهِ وَآلَاتِ حِرْفَتِهِ وَأَثَاثِهِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ وَأَصْدِقَتِهِ وَلَوْ مُؤَجَّلَةً كَمَا فِي اللُّبَابِ وَغَيْرِهِ وَالْمُرَادُ قَضَاءُ دُيُونِ الْعِبَادِ وَلِذَا قَالَ فِي اللُّبَابِ أَيْضًا وَإِنْ وَجَدَ مَالًا وَعَلَيْهِ حَجٌّ وَزَكَاةٌ يَحُجُّ بِهِ قِيلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مِنْ جِنْسِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَيُصْرَفُ إلَيْهَا. اهـ. [تَنْبِيهٌ] لَيْسَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ الْمُحْدَثَةُ بِرَسْمِ الْهَدِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَالْأَصْحَابِ، فَلَا يُعْذَرُ بِتَرْكِ الْحَجِّ لِعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْعِمَادِيُّ فِي مَنْسَكِهِ، وَأَقَرَّهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى مَنْسَكِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 وَمِنْهُ الْمَسْكَنُ وَمَرَمَّتُهُ وَلَوْ كَبِيرًا يُمْكِنُهُ الِاسْتِغْنَاءُ بِبَعْضِهِ، وَالْحَجُّ بِالْفَاضِلِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ الزَّائِدِ. نَعَمْ هُوَ الْأَفْضَلُ وَعُلِمَ بِهِ عَدَمُ لُزُومِ بَيْعِ الْكُلِّ وَالِاكْتِفَاءُ بِسُكْنَى الْإِجَارَةِ بِالْأَوْلَى وَكَذَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ مَا لَوْ اشْتَرَى بِهِ مَسْكَنًا وَخَادِمًا لَا يَبْقَى بَعْدَهُ مَا يَكْفِي لِلْحَجِّ لَا يَلْزَمُهُ خُلَاصَةٌ وَحَرَّرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ رَأْسِ مَالٍ لِحِرْفَتِهِ إنْ احْتَاجَتْ لِذَلِكَ وَإِلَّا لَا وَفِي الْأَشْبَاهِ مَعَهُ أَلْفٌ وَخَافَ الْعُزُوبَةَ إنْ كَانَ قَبْلَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ فَلَهُ التَّزَوُّجُ وَلَوْ وَقْتَهُ لَزِمَهُ الْحَجُّ (وَ) فَضْلًا عَنْ (نَفَقَةِ عِيَالِهِ) مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِتَقَدُّمِ حَقِّ الْعَبْدِ   [رد المحتار] وَعَزَاهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ إلَى مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ الْمَسْكَنُ) أَيْ الَّذِي يَسْكُنُهُ هُوَ أَوْ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ مَسْكَنُهُ بِخِلَافِ الْفَاضِلِ عَنْهُ مِنْ مَسْكَنٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مَتَاعٍ أَوْ كُتُبٍ شَرْعِيَّةٍ أَوْ آلِيَّةٍ كَعَرَبِيَّةٍ أَمَّا نَحْوُ الطِّبِّ وَالنُّجُومِ وَأَمْثَالِهَا مِنْ الْكُتُبِ الرِّيَاضِيَّةِ فَتَثْبُتُ بِهَا الِاسْتِطَاعَةُ وَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهَا كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ الزَّائِدِ) لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْحَاجَةِ قَدْرُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ سَنَةٍ، وَلَوْ أَكْثَرَ لَزِمَهُ بَيْعُ الزَّائِدِ إنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ كَمَا فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ (قَوْلُهُ وَالِاكْتِفَاءِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى بَيْعٍ (قَوْلُهُ لَا يَلْزَمُهُ) تَبَعٌ فِي عَزْوِ ذَلِكَ إلَى الْخُلَاصَةِ مَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْخُلَاصَةِ هَكَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ دَرَاهِمُ تَبْلُغُ بِهِ الْحَجَّ وَتَبْلُغُ ثَمَنَ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَطَعَامٍ وَقُوتٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَإِنْ جَعَلَهَا فِي غَيْرِهِ أَثِمَ اهـ لَكِنَّ هَذَا إذَا كَانَ وَقْتُ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي اللُّبَابِ أَمَّا قَبْلَهُ فَيَشْتَرِي بِهِ مَا شَاءَ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ التَّزَوُّجِ الْآتِيَةِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّارِحِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ رَأْسِ مَالٍ لِحِرْفَتِهِ) كَتَاجِرٍ وَدِهْقَانٍ وَمُزَارِعٍ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَرَأْسُ الْمَالِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ بَحْرٌ. قُلْت: وَالْمُرَادُ مَا يُمْكِنُهُ الِاكْتِسَابُ بِهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ لَا أَكْثَرُ لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لَهُ (قَوْلُهُ وَفِي الْأَشْبَاهِ) الْمَسْأَلَةُ مَنْقُولَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَقْدِيمِ الْحَجِّ عَلَى التَّزَوُّجِ، وَالتَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ، وَذَكَرَهَا فِي الْهِدَايَةِ مُطْلَقَةً، وَاسْتَشْهَدَ بِهَا عَلَى أَنَّ الْحَجَّ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَهُ وَمُقْتَضَاهُ تَقْدِيمُ الْحَجِّ عَلَى التَّزَوُّجِ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا عِنْدَ التَّوَقَانِ وَهُوَ صَرِيحُ مَا فِي الْعِنَايَةِ مَعَ أَنَّهُ حِينَئِذٍ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَلِذَا اعْتَرَضَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ حَالَ التَّوَقَانِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحَجِّ اتِّفَاقًا لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ أَمْرَيْنِ تَرْكُ الْفَرْضِ وَالْوُقُوعُ فِي الزِّنَا وَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ حَالِ التَّوَقَانِ اهـ أَيْ فِي غَيْرِ حَالِ تَحَقُّقِهِ الزِّنَا لِأَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَهُ فُرِضَ التَّزَوُّجُ أَمَّا لَوْ خَافَهُ فَالتَّزَوُّجُ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ فَيُقَدَّمُ الْحَجُّ الْفَرْضُ عَلَيْهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَفَضْلًا عَنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ) هَذَا دَاخِلٌ تَحْتَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ نَهْرٌ، وَالنَّفَقَةُ تَشْمَلُ الطَّعَامَ وَالْكِسْوَةَ وَالسُّكْنَى، وَيُعْتَبَرُ فِي نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ الْوَسَطُ مِنْ غَيْرِ تَبْذِيرٍ وَلَا تَقْتِيرٍ بَحْرٌ: أَيْ الْوَسَطُ مِنْ حَالِهِ الْمَعْهُودِ وَلِذَا أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَبْذِيرٍ إلَخْ لَا مَا بَيْنَ نَفَقَةِ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ فَلَا يُرَدُّ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ اعْتِبَارَ الْوَسَطِ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ خِلَافُ الْمُفْتَى بِهِ وَالْفَتْوَى عَلَى اعْتِبَارِ حَالِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ. لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَسَطِ هُنَاكَ الْمَعْنَى الثَّانِي وَالْمُرَادَ هُنَا الْأَوَّلُ فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ فِي قَوْلِهِمْ يُقَدَّمُ حَقُّ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ (قَوْلُهُ لِتَقَدُّمِ حَقِّ الْعَبْدِ) أَيْ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ لَا تَهَاوُنًا بِحَقِّ الشَّرْعِ، بَلْ لِحَاجَةِ الْعَبْدِ وَعَدَمِ حَاجَةِ الشَّرْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَتْ الْحُدُودُ، وَفِيهَا حَقُّ الْعَبْدِ يُبْدَأُ بِحَقِّ الْعَبْدِ لِمَا قُلْنَا وَلِأَنَّهُ مَا مِنْ شَيْءٍ إلَّا وَلِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ حَقٌّ، فَلَوْ قُدِّمَ حَقُّ الشَّرْعِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ بَطَلَ حُقُوقُ الْعِبَادِ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ» فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَحَقُّ مِنْ جِهَةِ التَّعْظِيمِ، لَا مِنْ جِهَةِ التَّقْدِيمِ، وَلِذَا قُلْنَا لَا يَسْتَقْرِضُ لِيَحُجَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 (إلَى) حِينِ (عَوْدِهِ) وَقِيلَ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ وَقِيلَ بِشَهْرٍ (مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ) بِغَلَبَةِ السَّلَامَةِ وَلَوْ بِالرِّشْوَةِ عَلَى مَا حَقَّقَهُ الْكَمَالُ وَسَيَجِيءُ آخِرَ الْكِتَابِ أَنَّ قَتْلَ بَعْضِ الْحُجَّاجِ عُذْرٌ وَهَلْ مَا يُؤْخَذُ   [رد المحتار] إلَّا إذَا قَدَرَ عَلَى الْوَفَاءِ كَمَا مَرَّ وَكَذَا جَازَ قَطْعُ الصَّلَاةِ أَوْ تَأْخِيرُهَا لِخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ نَفْسِ غَيْرِهِ أَوْ مَالِهِ كَخَوْفِ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوَلَدِ وَالْخَوْفِ مِنْ تَرَدِّي أَعْمَى وَخَوْفِ الرَّاعِي مِنْ الذِّئْبِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ كَإِفْطَارِ الضَّيْفِ (قَوْلُهُ إلَى حِينِ عَوْدِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَضْلًا أَوْ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى مَا يَحْتَاجُ أَوْ بِنَفَقَةٍ أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ نَفَقَةٍ لِمَا بَعْدَ عَوْدِهِ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ) أَيْ وَقْتِ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ مُخِيفًا فِي غَيْرِهِ بَحْرٌ وَقَدَّمْنَا عَنْ اللُّبَابِ أَنَّهُ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَفِي شَرْحِهِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ، وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ شَرْطُ وُجُوبٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ تَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِهِ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَمْنِ الطَّرِيقِ أَمَّا بَعْدَهُ فَتَجِبُ اتِّفَاقًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِغَلَبَةِ السَّلَامَةِ) كَذَا اخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ. وَاخْتَلَفَ فِي سُقُوطِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ فَقِيلَ: يَسْقُطُ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: إنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةَ مِنْ مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِرُكُوبِهِ يَجِبُ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ الْأَصَحُّ بَحْرٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ عَدَمُ غَلَبَةِ الْخَوْفِ، حَتَّى لَوْ غَلَبَ لِوُقُوعِ النَّهْبِ وَالْغَلَبَةِ مِنْ الْمُحَارِبِينَ مِرَارًا أَوْ سَمِعُوا أَنَّ طَائِفَةً تَعَرَّضَتْ لِلطَّرِيقِ، وَلَهَا شَوْكَةٌ وَالنَّاسُ يَسْتَضْعِفُونَ أَنْفُسَهُمْ عَنْهُمْ لَا يَجِبُ، وَمَا أَفْتَى بِهِ الرَّازِيّ مِنْ سُقُوطِهِ عَنْ أَهْلِ بَغْدَادَ وَقَوْلِ الْإِسْكَافِ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ لَا أَقُولُ إنَّهُ فُرِضَ فِي زَمَانِنَا وَقَوْلِ الثَّلْجِيِّ لَيْسَ عَلَى أَهْلِ خُرَاسَانَ مُنْذُ كَذَا كَذَا سَنَةً حِجٌّ إنَّمَا كَانَ وَقْتَ غَلَبَةِ النَّهْبِ وَالْخَوْفِ فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ زَالَ وَلِلَّهِ الْمِنَّةُ (قَوْلُهُ عَلَى مَا حَقَّقَهُ الْكَمَالُ) حَيْثُ قَالَ وَقَوْلُ الصَّفَارِ لَا أَرَى الْحَجَّ فَرْضًا مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً مِنْ حِينِ خَرَجَتْ الْقَرَامِطَةُ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِإِرْشَادِهِمْ، فَتَكُونُ الطَّاعَةُ سَبَبَ الْمَعْصِيَةِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِمْ، إنَّمَا شَأْنُهُمْ اسْتِحْلَالُ قَتْلِ الْأَنْفُسِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ، وَكَانُوا يَغْلِبُونَ عَلَى أَمَاكِنَ يَتَرَصَّدُونَ فِيهَا لِلْحُجَّاجِ، وَقَدْ هَجَمُوا عَلَيْهِمْ مَرَّةً فِي مَكَّةَ فَقَتَلُوا خَلْقًا فِي الْحَرَمِ، وَقَدْ سُئِلَ الْكَرْخِيُّ عَمَّنْ لَا يَحُجُّ خَوْفًا مِنْهُمْ فَقَالَ: مَا سَلِمَتْ الْبَادِيَةُ مِنْ الْآفَاتِ أَيْ لَا تَخْلُو عَنْهَا لِقِلَّةِ الْمَاءِ وَهَيَجَانِ السَّمُومِ، وَهَذَا إيجَابٌ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمَحْمَلُهُ أَنَّهُ رَأَى الْغَالِبَ انْدِفَاعَ شَرِّهِمْ عَنْ الْحَاجِّ، وَبِتَقْدِيرِهِ فَالْإِثْمُ فِي مِثْلِهِ عَلَى الْآخِذِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ تَقْسِيمِ الرِّشْوَةِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ اهـ مُلَخَّصًا وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْقَضَاءِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُعْطِي مُضْطَرًّا بِأَنْ لَزِمَهُ الْإِعْطَاءُ ضَرُورَةً عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَمَّا إذَا كَانَ بِالِالْتِزَامِ مِنْهُ فَبِالْإِعْطَاءِ أَيْضًا يَأْثَمُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ، وَأَجَابَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ بِأَنَّهُ هُنَا مُضْطَرٌّ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنْ نَفْسِهِ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي عَنْ الْقُنْيَةِ وَالْمُجْتَبَى فَإِنَّ الْمَكْسَ وَالْخَفَارَةَ رِشْوَةٌ وَنَقَلَ ح عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ الرِّشْوَةَ فِي مِثْلِ هَذَا جَائِزَةٌ وَلَمْ أَرَهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ إنْ قُتِلَ بَعْضُ الْحُجَّاجِ) أَيْ فِي كُلِّ عَامٍ أَوْ فِي غَالِبِ الْأَعْوَامِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا تَكُونُ السَّلَامَةُ غَالِبَةً اهـ ح. قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ غَلَبَةَ السَّلَامَةِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا لِكُلِّ أَحَدٍ بَلْ لِلْمَجْمُوعِ، وَهِيَ لَا تَنْتَفِي إلَّا بِقَتْلِ الْأَكْثَرِ أَوْ الْكَثِيرِ أَمَّا قَتْلُ اللُّصُوصِ لِبَعْضٍ قَلِيلٌ مِنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ سِيَّمَا إذَا كَانَ بِتَفْرِيطِهِ بِنَفْسِهِ وَخُرُوجِهِ مِنْ بَيْنَهُمْ فَالسَّلَامَةُ فِيهِ غَالِبَةٌ نَعَمْ إذَا كَانَ الْقَتْلُ بِمُحَارَبَةِ الْقُطَّاعِ مَعَ الْحُجَّاجِ فَهُوَ عُذْرٌ إذَا غَلَبَ الْخَوْفُ لِمَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ عَدَمُ غَلَبَةِ الْخَوْفِ إلَخْ عَلَى أَنَّك قَدْ سَمِعْت آنِفًا جَوَابَ الْكَرْخِيِّ فِي شَأْنِ الْقَرَامِطَةِ الْمُسْتَحِلِّينَ لِقَتْلِ الْحُجَّاجِ وَأَيْضًا فَإِنَّ مَا يَحْصُلُ مِنْ الْمَوْتِ بِقِلَّةِ الْمَاءِ وَهَيَجَانِ السَّمُومِ أَكْثَرُ مِمَّا يَحْصُلُ بِالْقَتْلِ بِأَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، فَلَوْ كَانَ عُذْرًا لَزِمَ أَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 مِنْ الْمَكْسِ وَالْخَفَارَةِ عُذْرٌ قَوْلَانِ وَالْمُعْتَمَدُ لَا كَمَا فِي الْقَنِيَّةِ وَالْمُجْتَبَى وَعَلَيْهِ فَيُحْتَسَبُ فِي الْفَاضِلِ عَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَكْسِ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي مَنَاسِكِ الطَّرَابُلُسِيِّ. (وَ) مَعَ (زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ) وَلَوْ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ بِرَضَاعٍ (بَالِغٍ) قَيَّدَ لَهُمَا كَمَا فِي النَّهْرِ بَحْثًا (عَاقِلٍ وَالْمُرَاهِقُ كَبَالِغٍ) جَوْهَرَةٌ (غَيْرِ مَجُوسِيٍّ وَلَا فَاسِقٍ) لِعَدَمِ حِفْظِهِمَا (مَعَ) وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِمَحْرَمِهَا (عَلَيْهَا) لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ (عَلَيْهَا) لِامْرَأَةٍ حَرَّةٍ وَلَوْ عَجُوزًا فِي سَفَرٍ وَهَلْ يَلْزَمُهَا التَّزَوُّجُ؟   [رد المحتار] لَا يَجِبَ الْحَجُّ إلَّا عَلَى الْقَرِيبِ مِنْ مَكَّةَ فِي أَوْقَاتٍ خَاصَّةٍ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَهُ عَلَى أَهْلِ الْآفَاقِ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ سَفَرَهُ لَا يَخْلُو عَمَّا يَكُونُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْفَارِ مِنْ مَوْتٍ وَقَتْلٍ وَسَرِقَةٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مِنْ الْمَكْسِ وَالْخَفَارَةِ) الْمَكْسُ مَا يَأْخُذُهُ الْعَشَّارُ وَالْخَفَارَةُ مَا يَأْخُذُهُ الْخَفِيرُ، وَهُوَ الْمُجِيرُ وَمِثْلُهُ مَا يَأْخُذُهُ الْأَعْرَابُ فِي زَمَانِنَا مِنْ الصِّرِّ الْمُعَيَّنِ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ نَصَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِدَفْعِ شَرِّهِمْ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَمَدُ لَا) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى شَرْحُ اللُّبَابِ عَنْ الْمِنْهَاجِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى كَوْنِ الْمُعْتَمَدِ عَدَمُ كَوْنِهِ عُذْرًا فَيُحْتَسَبُ إلَخْ ح (قَوْلُهُ كَمَا فِي مَنَاسِكِ الطَّرَابُلُسِيِّ) وَعَزَاهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ إلَى الْكَرْمَانِيِّ. (قَوْلُهُ وَمَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ) هَذَا وَقَوْلُهُ وَمَعَ عَدَمِ عِدَّةٍ عَلَيْهَا شَرْطَانِ مُخْتَصَّانِ بِالْمَرْأَةِ فَلِذَا قَالَ لِامْرَأَةٍ وَمَا قَبْلَهُمَا مِنْ الشُّرُوطِ مُشْتَرَكٌ وَالْمَحْرَمُ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ مُنَاكَحَتُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِقَرَابَةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ كَمَا فِي التُّحْفَةِ وَأَدْخَلَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِنْتَ مَوْطُوءَتِهِ مِنْ الزِّنَا حَيْثُ يَكُونُ مَحْرَمًا لَهَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِهَا بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ، وَبِمَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ نَهْرٌ. لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ ذَكَرَ قِوَامُ الدِّينِ شَارِحُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُحْرِمًا بِالزِّنَا فَلَا تُسَافِرُ مَعَهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقُدُورِيُّ وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ وَهُوَ الْأَحْوَطُ فِي الدِّينِ وَالْأَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ عَبْدًا) رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجِ وَالْمُحْرِمِ وَقَوْلُهُ أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ بِرَضَاعٍ يَخْتَصُّ بِالْمَحْرَمِ كَمَا لَا يَخْفَى ح لَكِنْ نَقَلَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ عَنْ نَفَقَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ لَا تُسَافِرُ بِأَخِيهَا رَضَاعًا فِي زَمَانِنَا اهـ أَيْ لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ كَرَاهَةُ الْخَلْوَةِ بِهَا كَالصِّهْرَةِ الشَّابَّةِ فَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ الصِّهْرَةِ الشَّابَّةِ هُنَا أَيْضًا لِأَنَّ السَّفَرَ كَالْخَلْوَةِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي النَّهْرِ بَحْثًا) حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الزَّوْجِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَحْرَمِ، وَقَدْ اُشْتُرِطَ فِي الْمَحْرَمِ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ اهـ لَكِنْ كَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يُؤَخِّرَهُ عَنْ قَوْلِهِ عَاقِلٌ، وَهَذَا الْبَحْثُ نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ح (قَوْلُهُ وَالْمُرَاهِقُ كَبَالِغٍ) اعْتِرَاضٌ بَيْنَ النُّعُوتِ ح (قَوْلُهُ غَيْرِ مَجُوسِيٍّ) مُخْتَصٌّ بِالْمُحْرِمِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ فِي زَوْجِ الْحَاجَّةِ أَنْ يَكُونَ مَجُوسِيًّا ح (قَوْلُهُ وَلَا فَاسِقٍ) يَعُمُّ الزَّوْجَ وَالْمَحْرَمَ ح، وَقَيَّدَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِكَوْنِهِ مَاجِنًا لَا يُبَالِي. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ حِفْظِهِمَا لِمُعَدٍّ) لِأَنَّ الْمَجُوسِيَّ يُخْشَى عَلَيْهَا مِنْهُ لِاعْتِقَادِهِ حِلِّ نِكَاحِ مَحْرَمَتِهِ، وَالْفَاسِقُ الَّذِي لَا مُرُوءَةَ لَهُ كَذَلِكَ وَلَوْ زَوْجًا وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ تَقْيِيدَ الْمَحْرَمِ بِكَوْنِهِ مَأْمُونًا لِإِغْنَاءِ مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مَعَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ إلَخْ) أَيْ فَيُشْتَرَطْ أَنْ تَكُونَ قَادِرَةً عَلَى نَفَقَتِهَا وَنَفَقَتِهِ (قَوْلُهُ لِمَحْرَمِهَا) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ مَعَهَا زَوْجُهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَيْهَا بَلْ هِيَ لَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهَا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّهَا مَانِعَةُ نَفْسِهَا بِفِعْلِهَا سِرَاجٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ عَلَيْهَا) أَيْ حَبَسَ نَفْسَهُ لِأَجْلِهَا وَمَنْ حَبَسَ نَفْسَهُ لِغَيْرِهِ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لِامْرَأَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٌ لِزَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِفَرْضٍ (قَوْلُهُ حَرَّةٍ) مُسْتَدْرَكٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَقَدْ مَرَّ اشْتِرَاطُ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ، لَكِنْ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْمُقَامِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ السَّفَرِ لِلْمَرْأَةِ إلَّا بِزَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ خَاصٌّ بِالْحُرَّةِ فَيَجُوزُ لِلْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ السَّفَرُ بِدُونِهِ كَمَا فِي السِّرَاجِ، لَكِنْ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَالْفَتْوَى: عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي زَمَانِنَا (قَوْلُهُ وَلَوْ عَجُوزًا) أَيْ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ بَحْرٌ. قَالَ الشَّاعِرُ: لِكُلِّ سَاقِطَةٍ فِي الْحَيِّ لَاقِطَةٌ ... وَكُلُّ كَاسِدَةٍ يَوْمًا لَهَا سُوقُ (قَوْلُهُ فِي سَفَرٍ) هُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا فَيُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ إلَى مَا دُونَهُ لِحَاجَةٍ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ بَحْرٌ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 قَوْلَانِ وَلَيْسَ عَبْدُهَا بِمَحْرَمٍ لَهَا وَلَيْسَ لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ حَجَّتْ بِلَا مَحْرَمٍ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ (وَ) مَعَ (عَدَمِ عِدَّةٍ عَلَيْهَا مُطْلَقًا) أَيَّةَ عِدَّةٍ كَانَتْ ابْنُ مَالِكٍ (وَالْعِبْرَةُ لِوُجُوبِهَا) أَيْ الْعِدَّةِ الْمَانِعَةِ مِنْ سَفَرِهَا (وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهَا) وَكَذَا سَائِرُ الشُّرُوطِ بَحْرٌ.   [رد المحتار] وَأَبِي يُوسُفَ كَرَاهَةُ خُرُوجِهَا وَحْدَهَا مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ شَرْحُ اللُّبَابِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ» وَفِي لَفْظٍ «يَوْمٌ» " لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: ثُمَّ إذَا كَانَ الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ قَوْلَانِ) هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ وُجُودَ الزَّوْجِ أَوْ الْمَحْرَمِ شَرْطُ وُجُوبٍ أَمْ شَرْطُ وُجُوبِ أَدَاءً وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ مَعَ الصِّحَّةِ وَأَمْنِ الطَّرِيقِ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَيَجِبُ الْإِيصَاءُ إنْ مَنَعَ الْمَرَضُ، وَخَوْفُ الطَّرِيقِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ زَوْجٌ، وَلَا مُحْرِمٌ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا التَّزَوُّجُ عِنْدَ فَقْدِ الْمَحْرَمِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَفِي النَّهْرِ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ فِي الْبَدَائِعِ وَرَجَّحَ الثَّانِيَ فِي النِّهَايَةِ تَبَعًا لِقَاضِي خَانْ وَاخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ جَزَمَ فِي اللُّبَابِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا التَّزَوُّجُ مَعَ أَنَّهُ مَشَى عَلَى جَعْلِ الْمَحْرَمِ أَوْ الزَّوْجِ شَرْطَ أَدَاءً وَرَجَّحَ هَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَابْنُ أَمِيرْ حَاجّْ فِي الْمَنَاسِكِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مِنَحِهِ قَالَ: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ غَرَضُهَا بِالتَّزَوُّجِ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهَا، بَعْدَ أَنْ يَمْلِكَهَا، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْهُ وَرُبَّمَا لَا يُوَافِقُهَا فَتَتَضَرَّرُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمَحْرَمِ، فَإِنَّهُ إنْ وَافَقَهَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ امْتَنَعَ أَمْسَكَتْ نَفَقَتَهَا وَتَرَكَتْ الْحَجَّ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ عَبْدُهَا بِمَحْرَمٍ لَهَا) أَيْ وَلَوْ مَجْبُوبًا أَوْ خَصِيًّا لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ نِكَاحُهَا عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ بَلْ مَا دَامَ مَمْلُوكًا لَهَا (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا) أَيْ إذَا كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ وَإِلَّا فَلَهُ مَنْعُهَا كَمَا يَمْنَعُهَا عَنْ غَيْرِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ وَاجِبَةً بِصُنْعِهَا كَالْمَنْذُورَةِ، وَاَلَّتِي أَحْرَمَتْ بِهَا فَفَاتَتْهَا وَتَحَلَّلَتْ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ فَلَا تَقْضِيهَا إلَّا بِإِذْنِهِ وَكَذَا لَوْ دَخَلَتْ مَكَّةَ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمَةٍ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ لَا تَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ بِفِعْلِهَا بَلْ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ رَحْمَتِيٌّ، وَإِذَا مَنَعَهَا زَوْجُهَا فِيمَا يَمْلِكُهُ تَصِيرُ مُحْصَرَةً كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ) أَيْ التَّحْرِيمِيَّةِ لِلنَّهْيِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ ثَلَاثًا إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ «أَوْ زَوْجٌ» " ط (قَوْلُهُ وَمَعَ عَدَمِ عِدَّةٍ إلَخْ) أَيْ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَجُّ إذَا وَجَدَتْ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَاللُّبَابِ قَالَ شَارِحُهُ وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ شَرْطُ الْوُجُوبِ، وَذَكَرَ ابْنُ أَمِيرْ حَاجّْ أَنَّهُ شَرْطُ الْأَدَاءِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ (قَوْلُهُ أَيَّةَ عِدَّةٍ كَانَتْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ ح (قَوْلُهُ الْمَانِعَةُ مِنْ سَفَرِهَا) أَمَّا الْوَاقِعَةُ فِي السَّفَرِ فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لَا يُفَارِقُهَا زَوْجُهَا أَوْ بَائِنًا، فَإِنْ كَانَ إلَى كُلٍّ مِنْ بَلَدِهَا وَمَكَّةَ أَقَلُّ مِنْ مُدَّةِ السَّفَرِ تَخَيَّرَتْ أَوْ إلَى أَحَدِهِمَا سَفَرٌ دُونَ الْآخَرِ تَعَيَّنَ أَنْ تَصِيرَ إلَى الْآخَرِ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا سَفَرٌ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مِصْرٍ قَرَّتْ فِيهِ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَلَا تَخْرُجُ وَإِنْ وَجَدَتْ مَحْرَمًا خِلَافًا لَهُمَا وَإِنْ كَانَتْ فِي قَرْيَةٍ أَوْ مَفَازَةٍ لَا تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا فَلَهَا أَنْ تَمْضِيَ إلَى مَوْضِعِ أَمْنٍ، وَلَا تَخْرُجُ مِنْهُ حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتَهَا وَإِنْ وَجَدَتْ مَحْرَمًا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَقْتَ) ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفِ خَبَرِ الْعِبْرَةِ أَيْ ثَابِتَةٌ وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهَا، وَلَوْ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ ط (قَوْلُهُ وَكَذَا سَائِرُ الشَّرَائِطِ) أَيْ يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. [تَتِمَّةٌ] ذَكَرَ صَاحِبُ اللُّبَابِ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ أَنَّ مِنْ الشَّرَائِطِ إمْكَانُ السَّيْرِ وَهُوَ أَنْ يَبْقَى وَقْتٌ يُمْكِنُهُ الذَّهَابُ فِيهِ إلَى الْحَجِّ عَلَى السَّيْرِ الْمُعْتَادِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى أَنْ يَقْطَعَ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ أَكْثَرَ مِنْ مَرْحَلَةٍ لَا يَجِبُ الْحَجُّ اهـ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 (فَلَوْ أَحْرَمَ صَبِيٌّ عَاقِلٌ أَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ أَبُوهُ صَارَ مُحْرِمًا) وَيَنْبَغِي أَنْ يُجَرِّدَهُ قَبْلَهُ وَيُلْبِسَهُ إزَارًا وَرِدَاءً مَبْسُوطَيْنِ وَظَاهِرٌ أَنَّ إحْرَامَهُ عَنْهُ مَعَ عَقْلِهِ صَحِيحٌ فَمَعَ عَدَمِهِ أَوْلَى (فَبَلَغَ أَوْ عَبْدٌ فَعَتَقَ) قَبْلَ الْوُقُوفِ (فَمَضَى) كُلٌّ عَلَى إحْرَامِهِ (لَمْ يَسْقُطْ فَرْضُهُمَا) لِانْعِقَادِهِ نَفْلًا فَلَوْ جَدَّدَ الصَّبِيُّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ وَنَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَجْزَأَهُ (وَلَوْ فَعَلَ) الْعَبْدُ (الْمُعْتَقُ ذَلِكَ) التَّجْدِيدَ الْمَذْكُورَ (لَمْ تُجْزِهِ) لِانْعِقَادِهِ لَازِمًا بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ وَالْمَجْنُونِ. (وَ) الْحَجُّ (فَرْضُهُ) ثَلَاثَةٌ (الْإِحْرَامُ) وَهُوَ شَرْطُ ابْتِدَاءٍ، وَلَهُ حُكْمُ الرُّكْنِ انْتِهَاءً حَتَّى لَمْ يَجُزْ لِفَائِتِ الْحَجِّ اسْتِدَامَتُهُ لِيَقْضِيَ بِهِ مِنْ قَابِلٍ (وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ) فِي أَوَانِهِ سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ تَعَارَفَا فِيهَا (وَ) مُعْظَمُ (طَوَافِ الزِّيَارَةِ) وَهُمَا رُكْنَانِ   [رد المحتار] وَذَكَرَ شَارِحُ اللُّبَابِ أَنَّ مِنْهَا أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِالْحِكْمَةِ إيجَابُ فَرْضٍ عَلَى وَجْهٍ يَفُوتُ بِهِ فَرْضٌ آخَرُ اهـ وَتَمَامُهُ هُنَاكَ. (قَوْلُهُ فَلَوْ أَحْرَمَ صَبِيٌّ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ أَبُوهُ) الْمُرَادُ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ بِالنَّسَبِ فَلَوْ اجْتَمَعَ وَالِدٌ وَأَخٌ يُحْرِمُ الْوَالِدُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ لُبَابٌ وَشَرْحُهُ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ وَشَرْحه: وَيَنْبَغِي لِوَلِيِّهِ أَنْ يُجَنِّبَهُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ كَلُبْسِ الْمِخْيَطِ وَالطِّيبِ وَإِنْ ارْتَكَبَهَا الصَّبِيُّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ) أَيْ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمَبْسُوطِ أَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ أَبُوهُ بِإِعَادَةِ الضَّمِيرِ إلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ لَكِنْ تَأَمَّلْهُ مَعَ قَوْلِ اللُّبَابِ، وَكُلُّ مَا قَدَرَ الصَّبِيُّ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ لَا تَجُوزُ فِيهِ النِّيَابَةُ اهـ وَكَذَا مَا فِي جَامِعِ الْأُسْرُوشَنِيِّ عَنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَالصَّبِيُّ الَّذِي يَحُجُّ لَهُ أَبُوهُ يَقْضِي الْمَنَاسِكَ وَيَرْمِي الْجِمَارَ وَأَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ إذَا كَانَ صَبِيًّا لَا يَعْقِلُ الْأَدَاءَ بِنَفْسِهِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ إذَا أَحْرَمَ عَنْهُ أَبُوهُ جَازَ وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ الْأَدَاءَ بِنَفْسِهِ يَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا يَفْعَلُ مِثْلَ مَا يَفْعَلُهُ الْبَالِغُ اهـ فَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ إحْرَامَهُ عَنْهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ لَا يَعْقِلُ (قَوْلُهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ) وَكَذَا بَعْدَهُ بِالْأَوْلَى وَهُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ بَلَغَ وَعَتَقَ (قَوْلُهُ لِانْعِقَادِهِ نَفْلًا) وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَصِحَّ فَرْضًا لَوْ نَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ حَالَ وُقُوفِهِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ كَمَا أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا تَطَهَّرَ ثُمَّ بَلَغَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَدَاءُ فَرْضِهِ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ إلَّا أَنَّ الْإِحْرَامَ لَهُ شَبَهٌ بِالرُّكْنِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى النِّيَّةِ فَحَيْثُ لَمْ يُعِدْهُ لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ ثُمَّ بَلَغَ بِالسِّنِّ فَإِنْ جَدَّدَ إحْرَامَهَا وَنَوَى بِهَا الْفَرْضَ يَقَعُ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ فَلَوْ جَدَّدَ إلَخْ) بِأَنْ يَرْجِعَ إلَى مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ وَيُجَدِّدَ التَّلْبِيَةَ بِالْحَجِّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرُّجُوعَ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِأَنَّ إنْشَاءَ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَاجِبٌ فَقَطْ كَمَا يَأْتِي ط (قَوْلُهُ قَبْلَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ) قِيلَ عِبَارَةُ الْمُبْتَغَى: وَلَوْ أَحْرَمَ الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ أَوْ الْكَافِرُ ثُمَّ بَلَغَ أَوْ أَفَاقَ وَوَقْتُ الْحَجِّ بَاقٍ فَإِنْ جَدَّدُوا الْإِحْرَامَ يُجْزِيهِمْ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ اهـ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا قَبْلَ الْوُقُوفِ قَبْلَ فَوْتِ وَقْتِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ مُنْلَا عَلَى الْقَارِي فِي شَرْحِهِ عَلَى الْوِقَايَةِ وَاللُّبَابِ، لَكِنْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيدٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى اللُّبَابِ عَنْ شَيْخِهِ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ حَسَنِ الْعَجِيمِيِّ الْمَكِّيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكَيْنُونَةُ بِعَرَفَةَ حَتَّى لَوْ وَقَفَ بِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ لَحْظَةً فَبَلَغَ لَيْسَ لَهُ التَّجْدِيدُ، وَإِنْ بَقِيَ وَقْتُ الْوُقُوفِ وَأَيَّدَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْعَفِيفُ فِي شَرْحِ مَنْسَكِهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» وَقَالَ وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي زَمَانِنَا فَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِصِحَّةِ تَجْدِيدِهِ الْإِحْرَامَ بَعْدَ ابْتِدَاءِ الْوُقُوفِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِعَدَمِهَا وَلَمْ نَرَ فِيهَا نَصًّا صَرِيحًا اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ قَبْلَ وُقُوفِهِ أَنَّ الْمُرَادَ حَقِيقَةُ الْوُقُوفِ لَا وَقْتُهُ فَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِكَلَامِ الْعَجِيمِيِّ (قَوْلُهُ لَمْ تُجْزِهِ) أَيْ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ط (قَوْلُهُ لِانْعِقَادِهِ) أَيْ إحْرَامِ الْعَبْدِ نَفْلًا لَازِمًا فَلَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ بَحْرٌ ط (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ) لِأَنَّ إحْرَامَهُ غَيْرُ لَازِمٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ اللُّزُومِ عَلَيْهِ وَلِذَا لَوْ أُحْصِرَ وَتَحَلَّلَ لَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَا قَضَاءَ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ لِارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْكَافِرُ) أَيْ لَوْ أَحْرَمَ فَأَسْلَمَ فَجَدَّدَ الْإِحْرَامَ لِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَجْزَأَهُ لِعَدَمِ انْعِقَادِ إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ ط عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَالْمَجْنُونُ) أَيْ لَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ، ثُمَّ أَفَاقَ فَجَدَّدَ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ شَرْحُ اللُّبَابِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَّفَتْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 (وَوَاجِبُهُ) نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ   [رد المحتار] الصَّبِيَّ يُحْرِمُ عَنْهُ الْأَبُ فَهُوَ الْجَوَابُ فِي الْمَجْنُونِ اهـ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قُبَيْلَ الْإِحْصَارِ وَكَذَا الصَّبِيُّ يَحُجُّ بِهِ أَبُوهُ وَكَذَا الْمَجْنُونُ يَقْضِي الْمَنَاسِكَ وَيَرْمِي الْجِمَارَ لِأَنَّ إحْرَامَ الْأَبِ عَنْهُمَا وَهُمَا عَاجِزَانِ كَإِحْرَامِهِمَا بِنَفْسِهِمَا. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الْبَحْرِ الْعَمِيقِ لَا حَجَّ عَلَى مَجْنُونٍ مُسْلِمٍ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ إذَا حَجّ بِنَفْسِهِ وَلَكِنْ يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ اهـ فَهَذِهِ النُّقُولُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْمَجْنُونَ يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ كَالصَّبِيِّ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ قَوْلِهِ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ إحْرَامُ الْمَجْنُونِ بِنَفْسِهِ وَكَوْنُ وَلِيِّهِ أَحْرَمَ عَنْهُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ يُفِيدُ أَنَّهُ كَالصَّبِيِّ. اهـ. . مَطْلَبٌ فِي فُرُوضِ الْحَجِّ وَوَاجِبَاتِهِ (قَوْلُهُ فَرْضُهُ) عَبَّرَ بِهِ لِيَشْمَل الشَّرْطَ وَالرُّكْنَ ط (قَوْلُهُ الْإِحْرَامُ) هُوَ النِّيَّةُ وَالتَّلْبِيَةُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا أَيْ مَقَامَ التَّلْبِيَةِ مِنْ الذِّكْرِ أَوْ تَقْلِيدِ الْبَدَنَةِ مَعَ السَّوْقِ لُبَابٌ وَشَرْحُهُ (قَوْلُهُ وَهُوَ شَرْطُ ابْتِدَاءٍ) حَتَّى صَحَّ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِنْ كُرِهَ كَمَا سَيَأْتِي ح (قَوْلُهُ حَتَّى لَمْ يَجُزْ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى شَبَهِهِ بِالرُّكْنِ يَعْنِي أَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِدَامَةُ الْإِحْرَامِ، بَلْ عَلَيْهِ التَّحَلُّلُ بِعُمْرَةٍ وَالْقَضَاءُ مِنْ قَابِلٍ كَمَا يَأْتِي، وَلَوْ كَانَ شَرْطًا مَحْضًا لَجَازَتْ الِاسْتِدَامَةُ اهـ ح وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى بَطَلَ إحْرَامُهُ وَإِلَّا فَالرِّدَّةُ لَا تُبْطِلُ الشَّرْطَ الْحَقِيقِيَّ كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ اهـ وَكَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ، وَالشَّرْطُ الْمَحْضُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَكَذَا مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ سُقُوطِ الْفَرْضِ عَنْ صَبِيٍّ أَوْ عَبْدٍ أَحْرَمَ فَبَلَغَ أَوْ عَتَقَ مَا لَمْ يُجَدِّدْهُ الصَّبِيُّ (قَوْلُهُ لِيَقْضِيَ مِنْ قَابِلٍ) أَيْ بِهَذَا الْإِحْرَامِ السَّابِقِ الْمُسْتَدَامِ ط (قَوْلُهُ فِي أَوَانِهِ) وَهُوَ مِنْ زَوَالِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى قُبَيْلِ طُلُوعِ فَجْرِ النَّحْرِ ط (قَوْلُهُ وَمُعْظَمُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ) وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ وَبَاقِيهِ وَاجِبٌ كَمَا يَأْتِي ط (قَوْلُهُ وَهُمَا رُكْنَانِ) يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا قَالُوا إنَّ الْمَأْمُورَ بِالْحَجِّ إذَا مَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُجْزِئًا بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ لَا وُجُودَ لِلْحَجِّ إلَّا بِوُجُودِ رُكْنَيْهِ وَلَمْ يُوجَدَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْزِيَ الْآمِرَ سَوَاءٌ مَاتَ الْمَأْمُورُ أَوْ رَجَعَ بَحْرٌ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ: يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمَوْتَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَقَدْ أَتَى بِوُسْعِهِ وَقَدْ وَرَدَ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» بِخِلَافِ مَنْ رَجَعَ اهـ وَأَمَّا الْحَاجُّ عَنْ نَفْسِهِ فَسَنَذْكُرُ عَنْ اللُّبَابِ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِإِتْمَامِ الْحَجِّ تَجِبُ بَدَنَةٌ تَأَمَّلْ. [تَتِمَّةٌ] بَقِيَ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ: نِيَّةُ الطَّوَافِ، وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَرَائِضِ، الْإِحْرَامُ، ثُمَّ الْوُقُوفُ، ثُمَّ الطَّوَافُ وَأَدَاءُ كُلِّ فَرْضٍ فِي وَقْتِهِ فَالْوُقُوفُ مِنْ زَوَالِ عَرَفَةَ إلَى فَجْرِ النَّحْرِ وَالطَّوَافُ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ الْعُمْرِ، وَمَكَانُهُ أَيْ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ لِلْوُقُوفِ وَنَفْسُ الْمَسْجِدِ لِلطَّوَافِ وَأُلْحِقَ بِهَا تَرْكُ الْجِمَاعِ قَبْلَ الْوُقُوفِ لُبَابٌ وَشَرْحُهُ. (قَوْلُهُ وَوَاجِبُهُ) اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٍ فَيَعُمُّ وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْوَاجِبِ (قَوْلُهُ نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ) أَيْ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ هُنَا بِمَا زَادَهُ الشَّارِحُ أَوْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ إنَّ اُعْتُبِرَ الْأَخِيرُ، وَهُوَ الْمَحْظُورُ ثَلَاثَةٌ وَأَوْصَلَهَا فِي اللُّبَابِ إلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ فَزَادَ أَحَدَ عَشَرَ أُخَرَ وَهِيَ: الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ جُزْءًا مِنْ اللَّيْلِ، وَمُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي الْإِفَاضَةِ أَيْ بِأَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ أَرْضِ عَرَفَةَ إلَّا بَعْدَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي الْإِفَاضَةِ، وَتَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَالْإِتْيَانُ بِمَا زَادَ عَلَى الْأَكْثَرِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ قِيلَ وَبَيْتُوتَةُ جُزْءًا مِنْ اللَّيْلِ فِيهَا، وَعَدَمُ تَأْخِيرِ رَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ إلَى ثَانِيهِ، وَرَمْيُ الْقَارِنِ، وَالْمُتَمَتِّعِ قَبْلَ الذَّبْحِ وَالْهَدْيُ عَلَيْهِمَا، وَذَبْحُهُمَا قَبْلَ الْحَلْقِ وَفِي أَيَّامِ النَّحْرِ قِيلَ وَطَوَافُ الْقُدُومِ. اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 (وُقُوفُ جَمْعٍ) وَهُوَ الْمُزْدَلِفَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ آدَمَ اجْتَمَعَ بِحَوَّاءَ وَازْدَلَفَ إلَيْهَا أَيْ دَنَا. (وَالسَّعْيُ) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ هُوَ رُكْنٌ (بَيْنَ الصَّفَا) سُمِّي بِهِ لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَيْهِ آدَم صَفْوَةُ اللَّهِ (وَالْمَرْوَةُ) لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَيْهَا امْرَأَةٌ وَهِيَ حَوَّاءُ وَلِذَا أُنِّثَتْ. (وَرَمْيُ الْجِمَارِ) لِكُلٍّ مِنْ الْحَجِّ (وَطَوَافُ الصَّدَرِ) أَيْ الْوَدَاعِ (لِلْآفَاقِيِّ) غَيْرِ الْحَائِضِ (وَالْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ وَإِنْشَاءُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَمَدُّ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إلَى الْغُرُوبِ) إنْ وَقَفَ نَهَارًا. (وَالْبُدَاءَةُ بِالطَّوَافِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) عَلَى الْأَشْبَهِ لِمُوَاظَبَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقِيلَ فَرْضٌ وَقِيلَ سُنَّةٌ (وَالتَّيَامُنُ فِيهِ) أَيْ فِي الطَّوَافِ فِي الْأَصَحِّ (وَالْمَشْيُ فِيهِ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ عُذْرٌ) يَمْنَعُهُ مِنْهُ، وَلَوْ نَذَرَ طَوَافًا زَحْفًا   [رد المحتار] قُلْت: لَكِنَّ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ فِي الْحَقِيقَةِ الْخَمْسَةُ الْأُوَلُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَتْنِ وَالذَّبْحِ أَمَّا الْبَاقِي فَهِيَ وَاجِبَاتٌ لَهُ بِوَاسِطَةٍ لِأَنَّهَا وَاجِبَاتُ الطَّوَافِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ وُقُوفُ جَمْعٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ الْوُقُوفُ فِيهِ وَلَوْ سَاعَةً بَعْدَ الْفَجْرِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ) أَيْ بِجَمْعٍ وَبِمُزْدَلِفَةَ فَقَدْ يُشَارُ بِذَا إلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68]- فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ لِكُلِّ مَنْ حَجَّ) أَيْ آفَاقِيًّا أَوْ غَيْرَهُ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا أَوْ مُفْرِدًا وَهُوَ رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ رُجُوعُ قَوْلِهِ لِآفَاقِيٍّ إلَى الْجَمِيعِ وَإِلَّا فَكَثِيرٌ مِنْ الْوَاجِبَاتِ الْآتِيَةِ لِكُلِّ مَنْ حَجَّ (قَوْلُهُ وَطَوَافُ الصَّدَرِ) بِفَتْحَتَيْنِ بِمَعْنَى الرُّجُوعِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى - {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا} [الزلزلة: 6]- وَلِذَا يُسَمَّى طَوَافَ الْوَدَاعِ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتُكْسَرُ لِمُوَادَعَتِهِ الْبَيْتَ شَرْحُ اللُّبَابِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ الْوَدَاعُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ طَوَافُ الْوَدَاعِ فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِطَوَافِ الصَّدَرِ لَا تَفْسِيرٌ لِلصَّدَرِ إلَّا بِاعْتِبَارِ اللُّزُومِ لِأَنَّ الْوَدَاعَ بِمَعْنَى التَّرْكِ لَازِمٌ لِلصَّدَرِ، بِمَعْنَى الرُّجُوعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِلْآفَاقِيِّ) اعْتَرَضَ النَّوَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ عَلَى الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْآفَاقَ النَّوَاحِي وَاحِدُهُ أُفُقٌ بِضَمَّتَيْنِ، وَبِإِسْكَانِ الْفَاءِ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ أُفُقِيٌّ لِأَنَّ الْجَمْعَ إذَا لَمْ يُسَمَّ بِهِ فَالنِّسْبَةُ إلَى وَاحِدِهِ وَأَجَابَ فِي كَشْفِ الْكَشَّافِ بِأَنَّهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْخَارِجِيُّ أَيْ خَارِجُ الْمَوَاقِيتِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَنْصَارِيِّ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ ابْنِ كَمَالٍ وَالْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ غَيْرِ الْحَائِضِ) لِأَنَّ الْحَائِضَ يَسْقُطُ عَنْهَا كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ وَالْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ) أَيْ أَحَدُهُمَا، وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ لِلرَّجُلِ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ وَالشَّرْطُ لَا يَكُونُ إلَّا فَرْضًا، وَأَجَابَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِأَنَّ وُجُوبَهُ مِنْ حَيْثُ إيقَاعُهُ فِي الْوَقْتِ الْمَشْرُوعِ، وَهُوَ مَا بَعْدَ الرَّمْيِ فِي الْحَجِّ، وَبَعْدَ السَّعْيِ فِي الْعُمْرَةِ. قُلْت: وَفِيهِ أَنَّ هَذَا وَاجِبٌ آخَرُ سَيَأْتِي فَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَوَقُّفِ الْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا قَطْعِيًّا فَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا، كَتَوَقُّفِ الْخُرُوجِ الْوَاجِبِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى وَاجِبِ السَّلَامِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتْحِ قَالَ إنَّ الْحَلْقَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ غَيْرُ وَاجِبٍ وَهُوَ عِنْدَنَا وَاجِبٌ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ الْوَاجِبَ لَا يَكُونُ إلَّا بِهِ ثُمَّ قَالَ عُدَّ كَلَامٌ غَيْرَ أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ ظَنِّيٌّ فَيَثْبُتُ بِهِ الْوُجُوبُ لَا الْقَطْعُ (قَوْلُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ) يَشْمَلُ الْحَرَمَ لِلْمَكِّيِّ وَنَحْوِهِ كَمُتَمَتِّعٍ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ ط وَالتَّقْيِيدُ بِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا بَعْدَهُ وَإِلَّا فَيَجُوزُ قَبْلَهُ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ بِشُرُوطِهِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ إلَى الْغُرُوبِ) لَمْ يَقُلْ مِنْ الزَّوَالِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ مِنْ الزَّوَالِ غَيْرُ وَاجِبٍ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ أَنْ يُمِدَّهُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ مُطْلَقًا إلَى الْغُرُوبِ كَمَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَإِنْ وَقَفَ نَهَارًا) أَمَّا إذَا وَقَفَ لَيْلًا فَلَا وَاجِبَ فِي حَقِّهِ حَتَّى لَوْ وَقَفَ سَاعَةً لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، نَعَمْ يَكُونُ تَارِكًا وَاجِبَ الْوُقُوفِ نَهَارًا إلَى الْغُرُوبِ. (قَوْلُهُ عَلَى الْأَشْبَهِ) ذَكَرَ فِي الْمَطْلَبِ الْفَائِقِ شَرْحِ الْكَنْزِ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ شَرْطٌ لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ سُنَّةٌ يُكْرَهُ تَرْكُهَا، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَصَحَّحَهُ فِي اللُّبَابِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْهُمَامِ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ إنَّهُ وَاجِبٌ لَا يَبْعُدُ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ مَرَّةً دَلِيلُ الْوُجُوبِ اهـ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ عَنْ الْوَجِيزِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَالْأَعْدَلُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ اهـ. مِنْ شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَالتَّيَامُنُ فِيهِ) وَهُوَ أَخْذُ الطَّائِفِ عَنْ يَمِينِ نَفْسِهِ وَجَعْلُهُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ لُبَابٌ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) صَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ إنَّهُ سُنَّةٌ وَقِيلَ فَرْضٌ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَالْمَشْيُ فِيهِ إلَخْ) فَلَوْ تَرَكَهُ بِلَا عُذْرٍ أَعَادَهُ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّ الْمَشْيَ وَاجِبٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 لَزِمَهُ مَاشِيًا وَلَوْ شَرَعَ مُتَنَفِّلًا زَحْفًا فَمَشْيُهُ أَفْضَلُ (وَالطَّهَارَةُ فِيهِ) مِنْ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ قِيلَ وَالْحَقِيقِيَّةِ مِنْ ثَوْبٍ وَبَدَنٍ وَمَكَانِ طَوَافٍ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ كَمَا فِي شَرْحِ لُبَابِ الْمَنَاسِكِ (وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ) فِيهِ وَبِكَشْفِ رُبُعِ الْعُضْوِ فَأَكْثَرَ كَمَا فِي الصَّلَاةِ يَجِبُ الدَّمُ. (وَبُدَاءَةُ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ الصَّفَا) وَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَا يُعْتَدُّ بِالشَّوْطِ الْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ (وَالْمَشْيُ فِيهِ) فِي السَّعْيِ (لِمَنْ لَيْسَ لَهُ عُذْرٌ)   [رد المحتار] عِنْدَنَا عَلَى هَذَا نَصَّ الْمَشَايِخُ وَهُوَ كَلَامُ مُحَمَّدٍ، وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ أَفْضَلُ تَسَاهُلٍ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى النَّافِلَةِ لَا يُقَالُ بَلْ يَنْبَغِي فِي النَّافِلَةِ أَنْ تُجِبْ صَدَقَةً لِأَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِيهِ وَجَبَ فَوَجَبَ الْمَشْيُ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ شُرُوعَهُ لَمْ يَكُنْ بِصِفَةِ الْمَشْيِ، وَالشُّرُوعُ إنَّمَا يُوجِبُ مَا شَرَعَ فِيهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ مَاشِيًا) . قَالَ صَاحِبُ اللُّبَابِ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ ثُمَّ إنْ طَافَهُ زَحْفًا أَعَادَهُ كَذَا فِي الْأَصْلِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ فَمَشْيُهُ أَفْضَلُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الزَّحْفَ يُجْزِيهِ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ وُجُوبِهِ بِالشُّرُوعِ، وَوُجُوبِهِ بِالنَّذْرِ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ، وَلَعَلَّهُ أَنَّ الْإِيجَابَ بِالْقَوْلِ أَقْوَى مِنْهُ بِالْفِعْلِ فَيَجِبُ بِالْقَوْلِ كَامِلًا لِئَلَّا يَكُونَ نَذْرًا بِمَعْصِيَةٍ كَمَا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا بِدُونِ صَوْمٍ لَزِمَهُ بِهِ، وَيَلْغُو وَصْفُهُ لَهُ بِالنُّقْصَانِ وَالْوَاجِبُ بِالشُّرُوعِ هُوَ مَا شَرَعَ فِيهِ، وَقَدْ شَرَعَ فِيهِ زَحْفًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِلَّا وَجَبَ بِغَيْرِ مُوجِبٍ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مِنْ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ) أَيْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْإِثْمِ وَالْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ ابْنُ شُجَاعٍ إنَّهَا سُنَّةٌ شَرْحُ اللُّبَابِ لِلْقَارِي (قَوْلُهُ مِنْ ثَوْبٍ) الْأَوْلَى لِثَوْبٍ أَوْ فِي ثَوْبٍ ط (قَوْلُهُ وَمَكَانِ طَوَافٍ) لَمْ يَنْقُلْ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ التَّصْرِيحَ بِالْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ وَإِنَّمَا قَالَ وَأَمَّا طَهَارَةُ الْمَكَانِ فَذَكَرَ الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةٍ عَنْ صَاحِبِ الْغَايَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَكَانِ طَوَافِهِ نَجَاسَةٌ لَا يَبْطُلُ طَوَافُهُ وَهَذَا يُفِيدُ نَفْيَ الشَّرْطِ وَالْفَرْضِيَّةِ وَاحْتِمَالِ ثُبُوتِ الْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الطَّهَارَةِ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ شَرْحُ اللُّبَابِ بَلْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَا فِي بَعْضِ الْكُتُبِ مِنْ أَنَّ بِنَجَاسَةِ الثَّوْبِ كُلِّهِ يَجِبُ الدَّمُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ إنَّهُ سُنَّةٌ فَلَوْ طَافَ وَعَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ الدِّرْهَمِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بَلْ يُكْرَهُ لِإِدْخَالِ النَّجَاسَةِ الْمَسْجِدَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ فِيهِ) أَيْ فِي الطَّوَافِ وَفَائِدَةُ عَدِّهِ وَاجِبًا هُنَا مَعَ أَنَّهُ فَرْضٌ مُطْلَقًا لُزُومُ الدَّمِ بِهِ، كَمَا عُدَّ مِنْ سُنَنِ الْخُطْبَةِ فِي الْجُمُعَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِتَرْكِهِ فَسَادُهَا، وَإِلَّا فَالسُّنَّةُ تُبَايِنُ الْفَرْضَ لِعَدَمِ الْإِثْمِ بِتَرْكِهَا مَرَّةً هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَقَدَّمْنَاهُ فِي الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ فَأَكْثَرَ) أَيْ مِنْ الرُّبُعِ فَلَوْ أَقَلَّ لَا يَمْنَعُ، وَيُجْمَعُ الْمُتَفَرِّقُ لُبَابٌ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ) أَيْ كَمَا هُوَ الْقَدْرُ الْمَانِعُ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ يَجِبُ الدَّمُ) أَيْ إنْ لَمْ يُعِدْهُ وَإِلَّا سَقَطَ وَهَذَا فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ وَإِلَّا تَجِبُ الصَّدَقَةُ. (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِهِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِتَرْكِ السُّنَّةِ، وَتُسْتَحَبُّ إعَادَةُ ذَلِكَ الشَّوْطِ لِتَكُونَ الْبُدَاءَةُ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ، وَمَشَى فِي اللُّبَابِ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ السَّعْيِ، فَعَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِالشَّوْطِ الْأَوَّلِ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِ لُزُومُ إعَادَتِهِ أَوْ لُزُومُ الْجَزَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهَا وَإِنَّمَا الْفَرْقُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إذَا لَمْ يُعِدْ الشَّوْطَ الْأَوَّلَ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ لِتَرْكِ السَّعْيِ عَلَى الْقَوْلِ بِالشَّرْطِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا صِحَّةَ لِلْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ، وَلِتَرْكِ الشَّوْطِ الْأَوَّلِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ الْأَعْدَلُ الْمُخْتَارُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ، كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتَدَّ بِالْأَوَّلِ حَصَلَ الْبُدَاءَةُ بِالصَّفَا بِالثَّانِي فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ تَرْكُهُ إنَّمَا يَكُونُ تَارِكًا لِآخِرِ الْأَشْوَاطِ إلَّا إذَا أَعَادَ الْأَوَّلَ، وَكَوْنُ ذَلِكَ شَرْطًا لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ شَرْطًا لِآخَرَ تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فَرْضًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَلْقِ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ هُنَا، وَفِي الْحَلْقِ وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَزِمَ فَرْضِيَّةُ السَّعْيِ، أَوْ فَرْضِيَّةُ بَعْضِهِ وَوُجُوبُ بَاقِيهِ مَعَ أَنَّهُ كُلَّهُ وَاجِبٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 كَمَا مَرَّ (وَذَبْحُ الشَّاةِ لِلْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ وَصَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ) مِنْ أَيِّ طَوَافٍ كَانَ فَلَوْ تَرَكَهَا هَلْ عَلَيْهِ دَمٌ قِيلَ نَعَمْ فَيُوصِي بِهِ. (وَالتَّرْتِيبُ الْآتِي) بَيَانُهُ: (بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالذَّبْحِ يَوْمَ النَّحْرِ) وَأَمَّا التَّرْتِيبُ بَيْنَ الطَّوَافِ وَبَيْنِ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ فَسُنَّةٌ فَلَوْ طَافَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُكْرَهُ لُبَابٌ، وَسَيَجِيءُ أَنَّ الْمُفْرَدَ لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ وَسَنُحَقِّقُهُ. (وَفِعْلُ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ) أَيْ الزِّيَارَةِ (فِي) يَوْمٍ مِنْ (أَيَّامِ النَّحْرِ) وَمِنْ الْوَاجِبَاتِ كَوْنُ الطَّوَافِ وَرَاءَ الْحَطِيمِ وَكَوْنُ السَّعْيِ بَعْدَ طَوَافٍ مُعْتَدٍ بِهِ وَتَوْقِيتُ الْحَلْقِ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَتَرْكُ الْمَحْظُورِ كَالْجِمَاعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ، وَلُبْسُ الْمَخِيطِ، وَتَغْطِيَةُ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ مَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ دَمٌ فَهُوَ وَاجِبٌ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَى وَسَيَتَّضِحُ فِي الْجِنَايَاتِ. (وَغَيْرُهَا سُنَنٌ وَآدَابٌ)   [رد المحتار] يُجْبَرُ بِدَمٍ وَحِينَئِذٍ تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ إذْ لَا ثَمَرَةَ تَظْهَرُ عَلَى الْقَوْلِ بِالشَّرْطِيَّةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَنْسَكِ الْكَبِيرِ وَإِنْ اسْتَغْرَبَهُ الْقَارِي فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الطَّوَافِ. (قَوْلُهُ قِيلَ نَعَمْ) ضَعَّفَهُ هُنَا وَإِنْ جَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى لِأَنَّهُ جَزَمَ بِخِلَافِهِ صَاحِبُ اللُّبَابِ فَقَالَ وَلَا تَخْتَصُّ أَيْ هَذِهِ الصَّلَاةُ بِزَمَانٍ وَلَا بِمَكَانٍ: أَيْ بِاعْتِبَارِ الْجَوَازِ وَالصِّحَّةِ، وَلَا تَفُوتُ أَيْ إلَّا بِالْمَوْتِ، وَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ تُجْبَرْ بِدَمٍ أَيْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِالْكَفَّارَةِ وَذَكَرَ شَارِحُهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ خِلَافِيَّةً فَفِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ: لَا يَجِبُ الدَّمُ وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَالْبَحْرِ الزَّاخِرِ يَجِبُ وَفِي بَعْضِ الْمَنَاسِكِ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَقِيلَ يَلْزَمُ. (قَوْلُهُ وَالتَّرْتِيبُ الْآتِي بَيَانُهُ إلَخْ) أَيْ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ: يَجِبُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: الرَّمْيُ، ثُمَّ الذَّبْحُ لِغَيْرِ الْمُفْرِدِ، ثُمَّ الْحَلْقُ، ثُمَّ الطَّوَافُ لَكِنْ لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ طَافَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ نَعَمْ يُكْرَهُ لُبَابٌ كَمَا لَا شَيْءَ عَلَى الْمُفْرِدِ إلَّا إذَا حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ لِأَنَّ ذَبْحَهُ لَا يَجِبُ اهـ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ هُنَا تَقْدِيمُ الذَّبْحِ عَلَى الْحَلْقِ فِي الذِّكْرِ لِيُوَافِقَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّرْتِيبِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَأَنَّ الطَّوَافَ لَا يَلْزَمُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الذَّبْحِ أَيْضًا لِأَنَّهُ إذَا جَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الرَّمْيِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الذَّبْحِ جَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الذَّبْحِ بِالْأَوْلَى كَمَا قَالَهُ ح. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الطَّوَافَ لَا يَجِبُ تَرْتِيبُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا وَإِنَّمَا يَجِبُ تَرْتِيبُ الثَّلَاثَةِ الرَّمْيُ ثُمَّ الذَّبْحُ ثُمَّ الْحَلْقُ لَكِنَّ الْمُفْرِدَ لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ فَبَقِيَ عَلَيْهِ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ. (قَوْلُهُ فِي يَوْمٍ) تَقَدَّمَ فِي الِاعْتِكَافِ أَنَّ اللَّيَالِيَ تَبَعٌ لِلْأَيَّامِ فِي الْمَنَاسِكِ (قَوْلُهُ وَرَاءَ الْحَطِيمِ) لِأَنَّ بَعْضَهُ مِنْ الْبَيْتِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَكَوْنُ السَّعْيِ بَعْدَ طَوَافِ مُعْتَدٌّ بِهِ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَأَكْثَرَ، سَوَاءٌ طَافَهُ طَاهِرًا أَوْ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا وَإِعَادَةُ الطَّوَافِ بَعْدَ السَّعْيِ فِيمَا إذَا فَعَلَهُ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا لِجَبْرِ النُّقْصَانِ لَا لِانْفِسَاخِ الْأَوَّلِ ح عَنْ الْبَحْرِ ثُمَّ إنَّ كَوْنَ هَذَا وَاجِبًا لَا يُنَافِي مَا فِي اللُّبَابِ مِنْ عَدِّهِ شَرْطًا لِصِحَّةِ السَّعْيِ كَمَا عَلِمْته سَابِقًا (قَوْلُهُ بِالْمَكَانِ) أَيْ الْحَرَمِ وَلَوْ فِي غَيْرِ مِنًى وَالزَّمَانِ أَيْ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَهَذَا فِي الْحَاجِّ، وَأَمَّا الْمُعْتَمِرُ فَلَا يَتَوَقَّفُ حَلْقُهُ بِالزَّمَانِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ وَتَرْكُ الْمَحْذُورِ) قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ فِيهِ أَنَّ الِاجْتِنَابَ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ فَرْضٌ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ هُوَ الِاجْتِنَابُ عَنْ الْمَكْرُوهَاتِ التَّحْرِيمِيَّةِ كَمَا حَقَّقَهُ ابْنُ الْهُمَامِ إلَّا أَنَّ فِعْلَ الْمَحْظُورَاتِ وَتَرْكَ الْوَاجِبَاتِ لَمَّا اشْتَرَكَا فِي لُزُومِ الْجَزَاءِ أُلْحِقَتْ بِهَا فِي هَذَا الْمَعْنَى (قَوْلُهُ كَالْجِمَاعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ إلَخْ) تَمْثِيلٌ لِلْمَحْظُورَاتِ، وَقَيَّدَ بِمَا بَعْدَ الْوُقُوفِ لِأَنَّهُ قَبْلَهُ مُفْسِدٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا غَيْرُ الْمُفْسِدِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالضَّابِطُ إلَخْ) لِمَا لَمْ يَسْتَوْفِ الْوَاجِبَاتِ كَمَا عَلِمْته مِمَّا زِدْنَاهُ عَنْ اللُّبَابِ ذَكَرَ هَذَا الضَّابِطَ، وَلِيُفِيدَ بِعَكْسِ الْقَضِيَّةِ حُكْمَ الْوَاجِبِ، لَكِنَّهَا تَنْعَكِسُ عَكْسًا مَنْطِقِيًّا لَا لُغَوِيًّا فَيُقَالُ بَعْضُ مَا هُوَ وَاجِبٌ، يَجِبُ بِتَرْكِهِ دَمٌ لَا كُلُّ مَا هُوَ وَاجِبٌ لِأَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، لَا يَجِبُ بِتَرْكِهِمَا الدَّمُ، وَكَذَا تَرْكُ الْوَاجِبِ بِعُذْرٍ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي أَوَّلِ الْجِنَايَاتِ لَكِنَّ فِي الْأَوَّلِ خِلَافَ تَقَدَّمَ فَعَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الدَّمِ فِيهِ مَعَ تَقْيِيدِ التَّرْكِ بِلَا عُذْرٍ يَصِحُّ الْعَكْسُ كُلِّيًّا. [سُنَنٌ وَآدَابٌ الْحَجِّ] (قَوْلُهُ وَغَيْرُهَا إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ الْوَاجِبَاتِ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّ غَيْرَ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ سُنَنٌ وَآدَابٌ فَغَيْرُ مُفِيدٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 كَأَنْ يَتَوَسَّعَ فِي النَّفَقَةِ وَيُحَافِظَ عَلَى الطَّهَارَةِ وَعَلَى صَوْنِ لِسَانِهِ وَيَسْتَأْذِنَ أَبَوَيْهِ وَدَائِنَهُ وَكَفِيلَهُ وَيُوَدِّعَ الْمَسْجِدَ بِرَكْعَتَيْنِ وَمَعَارِفَهُ وَيَسْتَحِلَّهُمْ وَيَلْتَمِسَ دُعَاءَهُمْ وَيَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ عِنْدَ خُرُوجِهِ وَيَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَفِيهِ خَرَجَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَوْ الِاثْنَيْنِ أَوْ الْجُمُعَةِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِخَارَةِ أَيْ فِي أَنَّهُ هَلْ يَشْتَرِي أَوْ يَكْتَرِي وَهَلْ يُسَافِرُ بَرًّا أَوْ بَحْرًا وَهَلْ يُرَافِقُ فُلَانًا أَوْ لَا لِأَنَّ الِاسْتِخَارَةَ فِي الْوَاجِبِ وَالْمَكْرُوهِ لَا مَحَلَّ لَهَا وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. (وَأَشْهُرُهُ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَتُكْسَرُ (وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتُفْتَحُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ مِنْهَا يَوْمُ النَّحْرِ وَعِنْدَ مَالِكٍ ذُو الْحِجَّةِ كُلُّهُ عَمَلًا بِالْآيَةِ. قُلْنَا اسْمُ الْجَمْعِ يَشْتَرِكُ فِيهِ مَا وَرَاءَ الْوَاحِدِ، وَفَائِدَةُ التَّأْقِيتِ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ خَارِجَهَا لَا يُجْزِيهِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ كَأَنْ يَتَوَسَّعَ فِي النَّفَقَةِ إلَخْ) أَفَادَ بِالْكَافِ أَنَّهُ بَقِيَ مِنْهَا أَشْيَاءُ لَمْ يَذْكُرْهَا لِأَنَّهَا سَتَأْتِي كَطَوَافِ الْقُدُومِ لِلْآفَاقِيِّ وَالِابْتِدَاءِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ وَالْخُطَبِ الثَّلَاثِ وَالْخُرُوجِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا سَيُعْلَمُ (قَوْلُهُ وَعَلَى صَوْنِ لِسَانِهِ) أَيْ عَنْ الْمُبَاحِ وَالْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا وَإِلَّا فَهُوَ وَاجِبٌ (قَوْلُهُ وَيَسْتَأْذِنُ أَبَوَيْهِ إلَخْ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُونَا مُحْتَاجَيْنِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ وَكَذَا يُكْرَهُ بِلَا إذْنِ دَائِنِهِ وَكَفِيلِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ لِإِطْلَاقِهِمْ الْكَرَاهَةَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي مَا مَرَّ فِي تَمْثِيلِهِ لِلْحَجِّ الْمَكْرُوهِ كَالْحَجِّ بِلَا إذْنٍ مِمَّا يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ فَلَا يَنْبَغِي عَدُّهُ ذَلِكَ مِنْ السُّنَنِ وَالْآدَابِ. (قَوْلُهُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتُكْسَرُ) أَيْ مَعَ سُكُونِ الْعَيْنِ وَحُكِيَ الْفَتْحُ مَعَ كَسْرِ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ وَتُفْتَحُ) عَزَاهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ إلَى تَحْرِيرِ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ، وَقَالَ خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الشُّمُنِّيِّ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ إلَّا بِالْكَسْرِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ مِنْهَا يَوْمُ النَّحْرِ) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا كَمَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُ الْمَتْنِ يُوَافِقُهُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْعَدَدَ فَكَانَ الْمُرَادُ عَشْرَ لَيَالٍ لَكِنْ إذَا حُذِفَ التَّمْيِيزُ جَازَ التَّذْكِيرُ فَيَكُونُ الْمَعْنَى عَشْرَةَ أَيَّامٍ أَفَادَهُ ح عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَقِيلَ إنَّ الْعَشْرَ اسْمٌ لِهَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشَرَةِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ اسْمَ الْعَدَدِ، حَتَّى يُعْتَبَرَ فِيهِ التَّذْكِيرُ مَعَ الْمُؤَنَّثِ وَالْعَكْسُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ذُو الْحِجَّةِ كُلُّهُ) مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ تَقْدِيرُهُ مِنْهَا ح (قَوْلُهُ عَمَلًا بِالْآيَةِ) أَيْ قَوْله تَعَالَى - {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197]- (قَوْلُهُ قُلْنَا اسْمُ الْجَمْعِ إلَخْ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ اسْمٌ هُوَ جَمْعٌ وَإِلَّا فَأَشْهُرٌ صِيغَةُ جَمْعٍ حَقِيقَةً، وَهَذَا أَحَدُ جَوَابَيْنِ لِلزَّمَخْشَرِيِ. حَاصِلُهُ: أَنَّهُ يَجُوزُ فِي إطْلَاقِ صِيغَةِ الْجَمْعِ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ لِعَلَاقَةَ مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ وَالتَّعَدُّدِ وَثَانِيهِمَا أَنَّ التَّجَوُّزَ فِي جَعْلِ بَعْضِ الشَّهْرِ شَهْرًا فَالْأَشْهُرُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَاعْتَرَضَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فِيهِ إخْرَاجَ الْعَشْرِ عَنْ الْإِرَادَةِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الشَّهْرَيْنِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا فَوْقَ الْوَاحِدِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْحَجِّ ذُو أَشْهُرٍ، أَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ الْحَجِّ فِي أَشْهُرٍ، فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّجَوُّزِ لِأَنَّ الظَّرْفِيَّةَ لَا تَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ لَكِنْ بَيَّنَ الْمُرَادَ الْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ بِأَنَّهَا شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ (قَوْلُهُ وَفَائِدَةُ التَّأْقِيتِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ إشْكَالِ تَقْرِيرِهِ أَنَّ التَّوْقِيتَ بِهَا إنْ اُعْتُبِرَ لِلْفَوَاتِ أَيْ إنَّ أَفْعَالَ الْحَجِّ لَوْ أُخِّرَتْ عَنْ هَذَا الْوَقْتِ يَفُوتُ الْحَجُّ لِفَوْتِهِ بِتَأْخِيرِ الْوُقُوفِ عَنْ طُلُوعِ فَجْرِ الْعَاشِرِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ طَوَافُ الرُّكْنِ بَعْدَهُ وَإِنْ خُصِّصَ الْفَوَاتُ بِفَوْتِ مُعْظَمِ أَرْكَانِهِ، وَهُوَ الْوُقُوفُ، يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ الْعَاشِرُ مِنْهَا كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ اُعْتُبِرَ التَّوْقِيتُ الْمَذْكُورُ لِأَدَاءِ الْأَرْكَانِ فِي الْجُمْلَةِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ثَانِي النَّحْرِ وَثَالِثُهُ مِنْهَا: لِجَوَازِ الطَّوَافِ فِيهِمَا، وَأَجَابَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَغَيْرِهِ بِمَا يُفِيدُ اخْتِيَارَ الْأَخِيرِ وَذَلِكَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ أَنَّ شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ إلَّا فِيهَا حَتَّى لَوْ صَامَ الْمُتَمَتِّعُ أَوْ الْقَارِنُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ. وَكَذَا السَّعْيُ عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَا يَقَعُ عَنْ سَعْيِ الْحَجِّ إلَّا فِيهَا، حَتَّى لَوْ فَعَلَهُ فِي رَمَضَانَ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ يَوْمُ عَرَفَةَ فَوَقَفُوا فَإِذَا هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ جَازَ لِوُقُوعِهِ فِي زَمَانِهِ، وَلَوْ ظَهَرَ أَنَّ الْحَادِيَ عَشَرَ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي اللُّبَابِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَلَا يُنَافِيهِ إجْزَاءُ الْإِحْرَامِ قَبْلَهَا وَلَا إجْزَاءُ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَغَيْرِهَا بَعْدَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ فِيهِ. اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 (وَ) أَنَّهُ (يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ) لَهُ (قَبْلَهَا) وَإِنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْمَحْظُورِ لِشَبَهِهِ بِالرُّكْنِ كَمَا مَرَّ وَإِطْلَاقُهَا يُفِيدُ التَّحْرِيمَ (وَالْعُمْرَةُ) فِي الْعُمُرِ (مَرَّةً سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) عَلَى الْمَذْهَبِ وَصَحَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ وُجُوبَهَا. قُلْنَا الْمَأْمُورُ بِهِ فِي الْآيَةِ الْإِتْمَامُ وَذَلِكَ بَعْدَ الشُّرُوعِ وَبِهِ نَقُولُ (وَهِيَ إحْرَامٌ وَطَوَافٌ وَسَعْيٌ) وَحَلْقٌ أَوْ تَقْصِيرٌ فَالْإِحْرَامُ شَرْطٌ، وَمُعْظَمُ الطَّوَافِ رُكْنٌ   [رد المحتار] قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ يَجُوزُ فِي يَوْمَيْنِ بَعْدَ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ كَمَا عَلِمْته وَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِهِ أَفْضَلُ فَالْمُنَاسِبُ الْجَوَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ فَائِدَةَ التَّوْقِيتِ ابْتِدَاءُ عَدَمِ جَوَازِ الْأَفْعَالِ قَبْلَهُ وَانْتِهَاءُ الْفَوَاتِ بِفَوْتِ مُعْظَمِ أَرْكَانِهِ وَهُوَ الْوُقُوفُ، وَلَا يَلْزَمُ خُرُوجُ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ لِمَا عَلِمْته مِنْ جَوَازِهِ فِيهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ بِخِلَافِ الْحَادِيَ عَشَرَ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ أَرَادَ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ غَيْرَ الْإِحْرَامِ، فَلَا يُنَافِي إجْزَاءُ الْإِحْرَامِ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَقَوْلُهُ لَا يُجْزِيهِ وَاقِعٌ فِي مَحَزِّهِ فَافْهَمْ نَعَمْ فِي كَوْنِ الْكَرَاهَةِ فَائِدَةَ التَّوْقِيتِ خَفَاءٌ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ كَوْنُ الْإِحْرَامِ شَبِيهًا بِالرُّكْنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قَبْلَهَا) أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ فِيهَا بِحَجِّ وَلَوْ لِعَامٍ قَابِلٍ لَا يُكْرَهُ، وَلِذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَا يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيُكْرَهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا حَيْثُ لَمْ يَأْمَنْ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ لِشَبَهِهِ بِالرُّكْنِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ يُكْرَهُ أَيْ وَلَوْ كَانَ رُكْنًا حَقِيقَةً لَمْ يَصِحَّ قَبْلَهَا فَإِذَا كَانَ شَبِيهًا بِهِ كُرِهَ قَبْلَهَا لِشَبَهِهِ وَقُرْبِهِ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ فَرْضُهُ الْإِحْرَامُ (قَوْلُهُ وَإِطْلَاقُهَا) أَيْ الْكَرَاهَةِ يُفِيدُ التَّحْرِيمَ، وَبِهِ قَيَّدَهَا الْقُهُسْتَانِيُّ وَنَقَلَ عَنْ التُّحْفَةِ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ خَوْفِ الْوُقُوعِ فِي مَحْظُورٍ أَوْ لَا قَالَ: وَمَنْ فَصَلَ كَصَاحِبِ الظَّهِيرِيَّةِ قِيَاسًا عَلَى الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ، فَقَدْ أَخْطَأَ لَكِنْ نَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَيْضًا عَنْ الْمُحِيطِ التَّفْصِيلَ ثُمَّ قَالَ وَفِي النَّظْمِ عَنْهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ [مطلب فِي أَحْكَام الْعُمْرَة] مَطْلَبُ أَحْكَامِ الْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ وَالْعُمْرَةُ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) أَيْ إذَا أَتَى بِهَا مَرَّةً فَقَدْ أَقَامَ السُّنَّةَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ غَيْرِ مَا ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْهَا فِيهِ إلَّا أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ هَذَا إذَا أَفْرَدَهَا فَلَا يُنَافِيهِ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ يَرْجِعُ إلَى الْحَجِّ لَا الْعُمْرَةِ. فَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَنْ أَرَادَ الْإِتْيَانَ بِالْعُمْرَةِ عَلَى وَجْهٍ أَفْضَلَ فِيهِ فَبِأَنْ يَقْرِنَ مَعَهُ عُمْرَةً فَتْحٌ، فَلَا يُكْرَهُ الْإِكْثَارُ مِنْهَا خِلَافًا لِمَالِكٍ، بَلْ يُسْتَحَبُّ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَدْ قِيلَ سَبْعُ أَسَابِيعَ مِنْ الْأَطْوِفَةِ كَعُمْرَةِ شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَصَحِيحٌ فِي الْجَوْهَرَةِ وُجُوبُهَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَاخْتَارَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَقَالَ إنَّهُ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ اسْمَ السُّنَّةِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ. اهـ. وَالظَّاهِرُ مِنْ الرِّوَايَةِ السُّنِّيَّةُ فَإِنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ عَلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ تَطَوُّعٌ اهـ وَمَالَ إلَى ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ بَعْدَ سَوْقِ الْأَدِلَّةِ تَعَارَضَ مُقْتَضَيَاتُ الْوُجُوبِ وَالنَّفَلِ، فَلَا تَثْبُتُ وَيَبْقَى مُجَرَّدُ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ، وَذَلِكَ يُوجِبُ السُّنَّةَ فَقُلْنَا بِهَا (قَوْلُهُ قُلْنَا الْمَأْمُورُ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ أَوْرَدَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ دَلِيلًا عَلَى الْوُجُوبِ، ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، ثُمَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِتْمَامِ تَتْمِيمُ ذَاتِهِمَا أَيْ تَتْمِيمُ أَفْعَالِهِمَا أَمَّا إذَا أُرِيدَ بِهِ إكْمَالُ الْوَصْفِ وَعَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الصَّحَابَةَ فَسَرَّتْ الْإِتْمَامَ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَمِنْ الْأَمَاكِنِ الْقَاصِيَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَوَابِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْإِتْمَامَ بِهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ وَاجِبٍ فَالْأَمْرُ فِيهِ لِلنَّدَبِ إجْمَاعًا فَلَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْعُمْرَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَحَلْقٌ أَوْ تَقْصِيرٌ) لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 وَغَيْرُهُمَا وَاجِبٌ هُوَ الْمُخْتَارُ وَيَفْعَلُ فِيهَا كَفِعْلِ الْحَاجِّ (وَجَازَتْ فِي كُلِّ السَّنَةِ) وَنُدِبَتْ فِي رَمَضَانَ (وَكُرِهَتْ) تَحْرِيمًا (يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَرْبَعَةً بَعْدَهَا) أَيْ كُرِهَ إنْشَاؤُهَا بِالْإِحْرَامِ حَتَّى يَلْزَمَهُ دَمٌ وَإِنْ رَفَضَهَا لَا أَدَاؤُهَا فِيهَا بِالْإِحْرَامِ السَّابِقِ   [رد المحتار] لِأَنَّهُ مُحَلَّلٌ مُخْرَجٌ مِنْهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهَا وَاجِبٌ) أَرَادَ بِالْغَيْرِ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ هُنَا، وَذَلِكَ أَقَلُّ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ، وَإِلَّا فَلَهَا سُنَنٌ وَمُحَرَّمَاتٌ مِنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِ هُنَا فَافْهَمْ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ هُوَ الْمُخْتَارُ إلَى مَا فِي التُّحْفَةِ حَيْثُ جَعَلَ السَّعْيَ رُكْنًا كَالطَّوَافِ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَهُوَ غَيْرُ مَشْهُورٍ فِي الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ وَيَفْعَلُ فِيهَا كَفِعْلِ الْحَاجِّ) قَالَ فِي اللُّبَابِ وَأَحْكَامُ إحْرَامِهَا كَإِحْرَامِ الْحَجِّ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَكَذَا حُكْمُ فَرَائِضِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا وَمُحَرَّمَاتِهَا وَمُفْسِدِهَا وَمَكْرُوهَاتِهَا وَإِحْصَارِهَا وَجَمْعِهَا أَيْ بَيْنَ عُمْرَتَيْنِ، وَإِضَافَتِهَا أَيْ إلَى غَيْرِهَا فِي النِّيَّةِ وَرَفْضِهَا كَحُكْمِهَا فِي الْحَجِّ: وَهِيَ لَا تُخَالِفُهُ إلَّا فِي أُمُورٍ مِنْهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَأَنَّهَا لَا وَقْتَ لَهَا مُعَيَّنٌ؛ وَلَا تَفُوتُ وَلَيْسَ فِيهَا وُقُوفٌ بِعَرَفَةَ وَلَا مُزْدَلِفَةَ وَلَا رَمْيٌ فِيهَا وَلَا جَمْعٌ أَيْ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ وَلَا خُطْبَةٌ وَلَا طَوَافُ قُدُومٍ وَلَا صَدَرٍ وَلَا تَجِبُ بَدَنَةٌ بِإِفْسَادِهَا وَلَا بِطَوَافِهَا جُنُبًا أَيْ بَلْ شَاةٌ وَأَنَّ مِيقَاتَهَا الْحِلُّ لِجَمِيعِ النَّاسِ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّ مِيقَاتَهُ لِلْمَكِّيِّ الْحَرَمُ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَجَازَتْ) أَيْ صَحَّتْ (قَوْلِهِ وَنُدِّبَتْ فِي رَمَضَانَ) أَيْ إذَا أَفْرَدَهَا كَمَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ ثُمَّ النَّدْبُ بِاعْتِبَارِ الزَّمَانِ لِأَنَّهَا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ كَمَا مَرَّ أَيْ أَنَّهَا فِيهِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ فِي الْفَتْحِ بِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً وَفِي طَرِيقٍ لِمُسْلِمٍ تَقْتَضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي قَالَ وَكَانَ السَّلَفُ رَحِمَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِمْ يُسَمُّونَهَا الْحَجَّ الْأَصْغَرَ وَقَدْ اعْتَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَ عُمُرَاتٍ كُلُّهُنَّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ وَتَمَامُهُ فِيهِ. [تَنْبِيهٌ] نَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمُنْلَا عَلِيٍّ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ الْأَدَبُ فِي رَجَبٍ أَنَّ كَوْنَ الْعُمْرَةِ فِي رَجَبٍ سُنَّةً بِأَنْ فَعَلَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ أَمَرَ بِهَا لَمْ يَثْبُتْ نَعَمْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَجْدِيدِ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ قُبَيْلَ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ نَحَرَ إبِلًا وَذَبَحَ قَرَابِينَ وَأَمَرَ أَهْلَ مَكَّةَ أَنْ يَعْتَمِرُوا حِينَئِذٍ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِعْلَ الصَّحَابَةِ حُجَّةٌ وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ فَهَذَا وَجْهُ تَخْصِيصِ أَهْلِ مَكَّةَ الْعُمْرَةَ بِشَهْرِ رَجَبٍ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ تَحْرِيمًا) صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَاللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَيَوْمَ عَرَفَةَ) أَيْ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ خِلَافًا لِمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ فِيهِ قَبْلَ الزَّوَالِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَأَرْبَعَةً) بِالنَّصْبِ وَالتَّنْوِينِ وَالْأَصْلُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ بَعْدَهَا أَيْ بَعْدَ عَرَفَةَ أَيْ بَعْدَ يَوْمِهَا. [تَنْبِيهٌ] يُزَادُ عَلَى الْأَيَّامِ الْخَمْسَةِ مَا فِي اللُّبَابِ وَغَيْرِهِ مِنْ كَرَاهَةِ فِعْلِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَمَنْ بِمَعْنَاهُمْ أَيْ مِنْ الْمُقِيمِينَ، وَمَنْ فِي دَاخِلِ الْمِيقَاتِ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحُجُّوا فِي سَنَتِهِمْ، فَيَكُونُوا مُتَمَتِّعِينَ، وَهُمْ عَنْ التَّمَتُّعِ مَمْنُوعُونَ، وَإِلَّا فَلَا مَنْعَ لِلْمَكِّيِّ عَنْ الْعُمْرَةِ الْمُفْرَدَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، إذَا لَمْ يَحُجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَمَنْ خَالَفَ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ شَرْحُ اللُّبَابِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ رَدٌّ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ كَرَاهَتِهَا لِلْمَكِّيِّ، وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ وَنَقَلَ عَنْ الْقَاضِي عِيدٍ فِي شَرْحِ الْمَنْسَكِ أَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ إنَّهُ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ لِعُلَمَائِنَا وَلَا لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ كَرَاهَتِهَا لِأَهْلِ مَكَّةَ. اهـ. قُلْت: وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي بَابِ التَّمَتُّعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا وَمَا نَقَلَهُ ح عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مِنْ تَقْيِيدِهِ كَرَاهَةَ الْعُمْرَةِ فِي الْأَيَّامِ الْخَمْسَةِ بِقَوْلِهِ: أَيْ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ أَوْ مُرِيدِ الْحَجِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ أَيْ كُرِهَ إنْشَاؤُهَا بِالْإِحْرَامِ) أَيْ كُرِهَ إنْشَاءُ الْإِحْرَامِ لَهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ ح (قَوْلُهُ حَتَّى يَلْزَمَهُ دَمٌ وَإِنْ كَانَ رَفَضَهَا) سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي آخِرِ بَابِ الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ لَا أَدَاؤُهَا) عَطْفٌ عَلَى إنْشَاؤُهَا ح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 كَقَارِنٍ فَاتَهُ الْحَجُّ فَاعْتَمَرَ فِيهَا لَمْ يُكْرَهْ سِرَاجٌ، وَعَلَيْهِ فَاسْتِثْنَاءُ الْخَانِيَّةِ الْقَارِنَ مُنْقَطِعٌ فَلَا يَخْتَصُّ بِيَوْمِ عَرَفَةَ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ. (وَالْمَوَاقِيتُ) أَيْ الْمَوَاضِعُ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهَا مُرِيدُ مَكَّةَ إلَّا مُحْرِمًا خَمْسَةٌ (ذُو الْحُلَيْفَةِ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مَكَانٌ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَعَشْرِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ تُسَمِّيهَا الْعَوَّامُ أَبْيَارَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَزْعُمُونَ أَنَّهُ قَاتَلَ الْجِنَّ فِي بَعْضِهَا وَهُوَ كَذِبٌ   [رد المحتار] قَوْلُهُ كَقَارِنٍ فَاتَهُ الْحَجُّ) لَوْ قَالَ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ كَفَائِتِ الْحَجِّ لَشَمِلَ الْمُتَمَتِّعَ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ الْمَكْرُوهَ الْإِنْشَاءُ لَا الْأَدَاءُ بِإِحْرَامٍ سَابِقٍ (قَوْلُهُ فَاسْتِثْنَاءُ الْخَانِيَّةِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ تُكْرَهُ الْعُمْرَةُ فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ لِغَيْرِ الْقَارِنِ اهـ وَوَجْهُ الِانْقِطَاعِ مَا عَلِمْته مِنْ أَنَّ الْمَكْرُوهَ إنْشَاءُ الْعُمْرَةِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَالْقَارِنُ أَحْرَمَ بِهَا بِإِحْرَامٍ سَابِقٍ عَلَى هَذِهِ الْأَيَّامِ فَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيمَا قَبْلَهُ فَاسْتِثْنَاؤُهُ مُنْقَطِعٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلَا يَخْتَصُّ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُنْشِئًا لِلْإِحْرَامِ فِيهَا لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِيمَا تُكْرَهُ عُمْرَتُهُ فِيهَا وَحِينَئِذٍ فَلَا يَخْتَصُّ جَوَازُ عُمْرَتِهِ بِيَوْمِ عَرَفَةَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِ الْخَانِيَّةِ لِغَيْرِ الْقَارِنِ مَا نَصُّهُ وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ لَا إلَى الْخَمْسَةِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَنْ يُلْحَقَ الْمُتَمَتِّعُ بِالْقَارِنِ اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ فُهِمَ أَنَّ مَعْنَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْقَارِنِ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْعُمْرَةِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهَا أَفْعَالَ الْحَجِّ، وَمِنْ ثَمَّ خَصَّهُ بِيَوْمِ عَرَفَةَ وَهُوَ غَفْلَةٌ عَنْ كَلَامِهِمْ فَقَدْ قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَتُكْرَهُ الْعُمْرَةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيْ يُكْرَهُ إنْشَاؤُهَا بِالْإِحْرَامِ أَمَّا إذَا أَدَّاهَا بِإِحْرَامٍ سَابِقٍ، كَمَا إذَا كَانَ قَارِنًا فَفَاتَهُ الْحَجُّ وَأَدَّى الْعُمْرَةَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لَا يُكْرَهُ وَعَلَى هَذَا فَالِاسْتِثْنَاءُ الْوَاقِعُ فِي الْخَانِيَّةِ مُنْقَطِعٌ وَلَا اخْتِصَاصَ لِيَوْمِ عَرَفَةَ. اهـ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ الْقَارِنِ فِي كَلَامِ الْخَانِيَّةِ الْمُدْرَكُ لَا فَائِتُ الْحَجِّ، بِخِلَافِ مَا فِي السِّرَاجِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا شَكَّ أَنَّ عُمْرَتَهُ لَا تَكُونُ بَعْدَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْوُقُوفِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْبَحْرِ تَعَرُّضٌ لِمَا فَاتَهُ الْحَجُّ وَلَا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلٌ أَوْ مُنْقَطِعٌ فَمِنْ أَيْنَ جَاءَتْ الْغَفْلَةُ فَتَنَبَّهْ وَافِهِمْ. [مطلب فِي الْمَوَاقِيت] ِ (قَوْلُهُ وَالْمَوَاقِيتُ) جَمْعُ مِيقَاتٍ بِمَعْنَى الْوَقْتِ الْمَحْدُودِ وَاسْتُعِيرَ لِلْمَكَانِ أَعْنِي مَكَانَ الْإِحْرَامِ كَمَا اُسْتُعِيرَ الْمَكَانُ لِلْوَقْتِ فِي قَوْله تَعَالَى - {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} [الأحزاب: 11]- وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ: الْمِيقَاتُ مَوْضِعُ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ رَأْيِهِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَكَأَنَّهُ فِي الْبَحْرِ اسْتَنَدَ إلَى ظَاهِرِ مَا فِي الصِّحَاحِ، فَزَعَمَ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَقْتِ وَالْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي، وَأَعْرَضَ عَنْ كَلَامِهِمْ السَّابِقِ وَقَدْ عَلِمْت مَا هُوَ الْوَاقِعُ نَهْرٌ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمِيقَاتَ الْمَكَانِيَّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، فَإِنَّهُمْ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ آفَاقِيٌّ، وَحُلِيٌّ أَيْ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ، وَحَرَمِيٌّ، وَذَكَرَهُمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ (قَوْلُهُ مُرِيدَ مَكَّةَ) أَيْ وَلَوْ لِغَيْرِ نُسُكٍ كَتِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ لَا مُحْرِمًا) أَيْ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (قَوْلُهُ بِضَمٍّ فَفَتْحٍ) أَيْ وَسُكُونِ الْيَاءِ مُصَغَّرًا لِحَلْفَةٍ بِالْفَتْحِ اسْمُ نَبْتٍ فِي الْمَاءِ مَعْرُوفٌ (قَوْلُهُ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ) وَقِيلَ سَبْعَةٌ وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْقُطْبِيُّ فِي مَنْسَكِهِ وَالْمُحَرَّرُ مِنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ السَّيِّدُ نُورُ الدِّينِ عَلِيٌّ السَّمْهُودِيُّ فِي تَارِيخِهِ قَدْ اخْتَبَرْت ذَلِكَ فَكَانَ مِنْ عَتَبَةِ بَابِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ الْمَعْرُوفِ بِبَابِ السَّلَامِ إلَى عَتَبَةِ مَسْجِدِ الشَّجَرَةِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ تِسْعَةَ عَشَرَ أَلْفِ ذِرَاعٍ بِتَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَسَبْعِمِائَةِ ذِرَاعٍ بِتَقْدِيمِ السِّينِ وَاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ذِرَاعًا وَنِصْفِ ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ الْيَدِ. اهـ. قُلْت: وَذَلِكَ دُونَ خَمْسَةِ أَمْيَالٍ فَإِنَّ الْمِيلَ عِنْدَنَا أَرْبَعَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ الْمُسْتَعْمَلِ الْآنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَشْرُ مَرَاحِلَ) أَوْ تِسْعٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَهُوَ كَذِبٌ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ مَنَاسِكِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 (وَذَاتُ عِرْقٍ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ (وَجُحْفَةٌ) عَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ بِقُرْبِ رَابِغٍ (وَقَرْنٌ) عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ فَتْحُ الرَّاءِ خَطَأٌ وَنِسْبَةُ أُوَيْسٍ إلَيْهِ خَطَأٌ آخَرُ (وَيَلَمْلَمُ) جَبَلٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ أَيْضًا (لِلْمَدَنِيِّ وَالْعِرَاقِيِّ وَالشَّامِيِّ) الْغَيْرِ الْمَارِّ بِالْمَدِينَةِ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي (وَالنَّجْدِيُّ وَالْيَمَنِيُّ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ وَيَجْمَعُهَا قَوْلُهُ: عِرْقُ الْعِرَاقِ يَلَمْلَمُ الْيَمَنِ ... وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ يُحْرِمُ الْمَدَنِيّ لِلشَّامِ جُحْفَةٌ إنْ مَرَرْت بِهَا ... وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ فَاسْتَبِنِ (وَكَذَا هِيَ لِمَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا) كَالشَّامِّ يَمُرُّ بِمِيقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَهُوَ مِيقَاتُهُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ   [رد المحتار] الْحَلَبِيِّ (قَوْلُهُ وَذَاتُ عِرْقٍ) فِي مَنْسَكِ الْقُطْبِيِّ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ فِيهَا عِرْقًا وَهُوَ الْجَبَلُ، وَهِيَ قَرْيَةٌ قَدْ خَرِبَتْ الْآنَ وَعِرْقٌ هُوَ الْجَبَلُ الْمُشْرِفُ عَلَى الْعَقِيقِ، وَالْعَقِيقُ وَادٍ يَسِيلُ مَاؤُهُ إلَى غَوْرَيْ تِهَامَةَ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ اهـ. وَلِهَذَا قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْعَقِيقِ وَهُوَ قَبْلَ ذَاتِ عِرْقٍ بِمَرْحَلَةٍ أَوْ مَرْحَلَتَيْنِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَرْحَلَتَيْنِ) وَقِيلَ ثَلَاثٌ وَجَمْعٌ بِأَنَّ الْأَوَّلَ نَظَرًا إلَى الْمَرَاحِلِ الْعُرْفِيَّةِ وَالثَّانِي إلَى الشَّرْعِيَّةِ (قَوْلُهُ وَجُحْفَةَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ السَّيْلَ نَزَلَ بِهَا وَجَحَفَ أَهْلَهَا أَيْ أَسْتَأْصَلَهُمْ، وَاسْمُهَا فِي الْأَصْلِ مَهْيَعَةَ لَكِنْ قِيلَ إنَّهَا قَدْ ذَهَبَتْ أَعْلَامُهَا وَلَمْ يَبْقَ بِهَا إلَّا رُسُومٌ خَفِيَّةٌ لَا يَكَادُ يَعْرِفُهَا إلَّا سُكَّانُ بَعْضِ الْبَوَادِي فَلِذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اخْتَارَ النَّاسُ الْإِحْرَامَ احْتِيَاطًا مِنْ الْمَكَانِ الْمُسَمَّى بِرَابِضٍ، وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهُ بَالِغَيْنِ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْجُحْفَةِ بِنِصْفِ مَرْحَلَةٍ أَوْ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ بَحْرٌ، وَقَالَ الْقُطْبِيُّ: وَلَقَدْ سَأَلْت جَمَاعَةً مِمَّنْ لَهُ خِبْرَةٌ مِنْ عُرْبَانِهَا عَنْهَا فَأَرَوْنِي أَكَمَةً بَعْدَ مَا رَحْلنَا مِنْ رَابِغٍ إلَى مَكَّةَ عَلَى جِهَةِ الْيَمِينِ عَلَى مِقْدَارِ مِيلٍ مِنْ رَابِغٍ تَقْرِيبًا. (قَوْلُهُ وَقَرْنٌ) بِ فَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ: جَبَلٌ مُطِلٌّ عَلَى عَرَفَاتٍ لَا خِلَافَ فِي ضَبْطِهِ بِهَذَا بَيْنَ رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَاللُّغَةِ وَالْفِقْهِ وَأَصْحَابِ الْأَخْبَارِ وَغَيْرِهِمْ نَهْرٌ عَنْ تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ (قَوْلُهُ وفَتْحُ الرَّاءِ خَطَأٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَغَلِطَ الْجَوْهَرِيُّ فِي تَحْرِيكِهِ، وَفِي نِسْبَةِ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى قَرَنِ بْنِ رُومَانَ بْنِ نَاجِيَةَ بْنِ مُرَادٍ أَحَدِ أَجْدَادِهِ (قَوْلُهُ وَيَلَمْلَمُ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَاللَّامَيْنِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَيُقَالُ لَهَا أَلَمْلَمَ بِالْهَمْزَةِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَالْيَاءُ تَسْهِيلٌ لَهَا (قَوْلُهُ جَبَلٌ) أَيْ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ مَشْهُورٌ فِي زَمَانِنَا بِالسَّعْدِيَّةِ قَالَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَنَاسِكِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَذِهِ الْمَوَاقِيتُ مَا عَدَا ذَاتِ عِرْقٍ ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَذَاتُ عِرْقٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد (قَوْلُهُ وَالْعِرَاقِيُّ) أَيْ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ، وَهُمْ أَهْلُ الْعِرَاقَيْنِ وَكَذَا سَائِرُ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَقَوْلُهُ وَالشَّامِيُّ مِثْلُهُ الْمِصْرِيُّ وَالْغَرْبِيُّ مِنْ طَرِيقِ تَبُوكَ لُبَابٌ وَشَرْحُهُ (قَوْلُهُ الْغَيْرُ الْمَارَّيْنِ بِالْمَدِينَةِ) يَعْنِي أَنَّ كَوْنَ ذَاتِ عِرْقٍ لِلْعِرَاقِيِّ وَجُحْفَةَ لِلشَّامِيِّ إذَا كَانَا غَيْرَ مَارَّيْنِ بِالْمَدِينَةِ أَمَّا لَوْ مَرَّا بِهَا فَمِيقَاتُهُمْ مِيقَاتُهَا أَعْنِي ذَا الْحُلَيْفَةِ وَهَذَا بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْإِحْرَامُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ كَالْمَدَنِيِّ كَمَا يَأْتِي تَحْرِيرُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَكَذَا هِيَ لِمَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا ح. (قَوْلُهُ وَالنَّجْدِيُّ) أَيْ نَجِدُ الْيَمَنِ وَنَجِدُ الْحِجَازِ وَنَجِدُ تِهَامَةَ لُبَابٌ (قَوْلُهُ وَالْيَمَنِيُّ) أَيْ بَاقِي أَهْلِ الْيَمَنِ وَتِهَامَةَ لُبَابٌ (قَوْلُهُ وَيَجْمَعُهَا إلَخْ) جَمَعَهَا أَيْضًا الشَّيْخُ أَبُو الْبَقَاءِ فِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ بِقَوْلِهِ: مَوَاقِيتُ آفَاقٍ يَمَانٌ وَنَجْدَةُ ... عِرَاقٌ وِشَامٌ وَالْمَدِينَةُ فَاعْلَمْ يَلَمْلَمُ قَرْنٌ ذَاتُ عِرْقٍ وَجُحْفَةُ ... حُلَيْفَةُ مِيقَاتُ النَّبِيِّ الْمُكَرَّمِ (قَوْلُهُ وَكَذَا هِيَ) أَيْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ الْخَمْسَةُ (قَوْلُهُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ) سَقَطَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ بَعْضِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 وَقَالُوا وَلَوْ مَرَّ بِمِيقَاتَيْنِ فَإِحْرَامُهُ مِنْ الْأَبْعَدِ أَفْضَلُ وَلَوْ أَخَّرَهُ إلَى الثَّانِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَعِبَارَةُ اللُّبَابِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ وَلَوْ لَمْ يَمُرَّ بِهَا تَحَرَّى وَأَحْرَمَ إذَا حَاذَى أَحَدَهَا وَأَبْعَدُهَا أَفْضَلُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يُحَاذِي فَعَلَى مَرْحَلَتَيْنِ (وَحَرُمَ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ عَنْهَا) كُلِّهَا (لِمَنْ) أَيْ لِآفَاقِيٍّ (قَصَدَ دُخُولَ مَكَّةَ) يَعْنِي الْحَرَمَ (وَلَوْ لِحَاجَةٍ) غَيْرِ الْحَجِّ أَمَّا لَوْ قَصَدَ مَوْضِعًا مِنْ الْحِلِّ كَخُلَيْصٍ وَجُدَّةَ حَلَّ لَهُ مُجَاوَزَتُهُ بِلَا إحْرَامٍ فَإِذَا حَلَّ بِهِ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ فَلَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ وَهُوَ الْحِيلَةُ لِمُرِيدِ ذَلِكَ إلَّا لِمَأْمُورٍ بِالْحَجِّ لِلْمُخَالَفَةِ   [رد المحتار] النُّسَخِ، وَهُوَ الْحَقُّ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُصَرَّحٌ بِهَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ مُتُونًا وَشُرُوحًا فَلَا مَعْنَى لِنَقْلِهَا عَنْ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ح وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا اتِّفَاقِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَقَالُوا) أَيْ عُلَمَاؤُنَا الْحَنَفِيَّةُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَرَّ بِمِيقَاتَيْنِ) كَالْمَدَنِيِّ يَمُرُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ بِالْجُحْفَةِ فَإِحْرَامُهُ مِنْ الْأَبْعَدِ أَفْضَلُ أَيْ الْأَبْعَدِ عَنْ مَكَّةَ، وَهُوَ ذُو الْحُلَيْفَةِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ عَنْ ابْنِ أَمِيرْ حَاجّْ أَنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ، ثُمَّ وَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَفْضَلِيَّةَ الْأَوَّلِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ الْخِلَافِ وَسُرْعَةِ الْمُسَارَعَةِ إلَى الطَّاعَةِ، وَالثَّانِي لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَمْنِ مِنْ قِلَّةِ الْوُقُوعِ فِي الْمَحْظُورَاتِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ بِكَثْرَةِ الْعِصْيَانِ، فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ وَلَا مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ جَاوَزَ مِيقَاتًا بِلَا إحْرَامٍ إلَى آخَرَ جَازَ إلَّا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْأَوَّلِ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إذَا مَرُّوا بِهَا فَجَاوَزُوهَا إلَى الْجُحْفَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُحْرِمُوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا وَصَلُوا إلَى الْمِيقَاتِ الْأَوَّلِ لَزِمَهُمْ مُحَافَظَةُ حُرْمَتِهِ، فَيُكْرَهُ لَهُمْ تَرْكُهَا. اهـ. وَذَكَرَ مِثْلَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ إلَّا أَنَّ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَدَنِيَّ لَيْسَ كَذَلِكَ وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ بِوُجُوبِ الدَّمِ وَعَدَمِهِ، بِحَمْلِ رِوَايَةِ الْوُجُوبِ عَلَى الْمَدَنِيِّ وَعَدَمِهِ عَلَى غَيْرِهِ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ نَقَلَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْمَدَنِيَّ إذَا جَاوَزَ إلَى الْجُحْفَةِ فَأَحْرَمَ عِنْدَهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَنَقَلَ قَبْلَهُ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ الَّذِي هُوَ جَمْعُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَمَنْ جَاوَزَ وَقْتَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ أَتَى وَقْتًا آخَرَ فَأَحْرَمَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ كَانَ أَحْرَمَ مِنْ وَقْتِهِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ اهـ فَالْأَوَّلُ صَرِيحٌ، وَالثَّانِي ظَاهِرٌ فِي الْمَدَنِيِّ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ الْمَارَّ فِي غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ اتِّفَاقِيٌّ لَا احْتِرَازِيٌّ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ الْمَدَنِيِّ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْهِدَايَةِ وَفَائِدَةُ التَّأْقِيتِ: أَيْ بِالْمَوَاقِيتِ الْخَمْسَةِ الْمَنْعُ عَنْ تَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ عَنْهَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّقْدِيمُ بِالْإِجْمَاعِ فَاعْتَرَضَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْمَدَنِيِّ الْإِحْرَامَ عَنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَالْمَسْطُورُ خِلَافُهُ نَعَمْ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا لَكِنَّ الظَّاهِرَ عَنْهُ هُوَ الْأَوَّلُ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ التَّأْخِيرِ مُقَيَّدٌ بِالْمِيقَاتِ الْأَخِيرِ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) مُقَابِلُهُ رِوَايَةُ وُجُوبِ الدَّمِ (قَوْلُهُ وَعِبَارَةُ اللُّبَابِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ) مُقْتَضَاهَا وُجُوبُهُ بِالْمُجَاوَزَةِ ثُمَّ سُقُوطُهُ بِالْإِحْرَامِ مِنْ الْأَخِيرِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْمَسْطُورِ كَمَا عَلِمْته وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَمُرَّ بِهَا إلَخْ) كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَمُفَادُهُ أَنَّ وُجُوبَ الْإِحْرَامِ بِالْمُحَاذَاةِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُرُورِ عَلَى الْمَوَاقِيتِ أَمَّا لَوْ مَرَّ عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ مُجَاوَزَةُ آخِرِ مَا يَمُرُّ عَلَيْهِ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ يُحَاذِي بَعْدَهُ مِيقَاتًا آخَرَ وَبِذَلِكَ أَجَابَ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَمَّا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ الشَّافِعِيُّ حِين اجْتِمَاعِهِ بِهِ فِي مَكَّةَ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي عَلَى مُدَّعَاكُمْ أَنْ لَا يَلْزَمَ الشَّامِيَّ وَالْمِصْرِيَّ الْإِحْرَامُ مِنْ رَابِغٍ، بَلْ مِنْ خُلَيْصٍ لِمُحَاذَاتِهِ لِآخِرِ الْمَوَاقِيتِ، وَهُوَ قَرْنُ الْمَنَازِلِ. وَأَجَابَهُ بِجَوَابٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ مُرَادَهُمْ الْمُحَاذَاةُ الْقَرِيبَةُ، وَمُحَاذَاةُ الْمَارِّينَ بِقَرْنٍ بَعِيدَةٌ لِأَنَّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ بَعْضُ جِبَالٍ، لَكِنْ نَازَعَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ (قَوْلُهُ تَحَرَّى) أَيْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مَكَانُ الْمُحَاذَاةِ وَأَحْرَمَ مِنْهُ إنْ لَمْ يَجِدْ عَالِمًا بِهِ يَسْأَلُهُ (قَوْلُهُ إذَا حَاذَى أَحَدَهَا) فِي بَعْضِ النُّسَخِ إذَا حَاذَاهُ أَحَدُهَا (قَوْلُهُ وَأَبْعَدَهَا) أَيْ عَنْ مَكَّةَ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ) كَذَا فِي الْفَتْحِ لَكِنَّ الْأَصْوَبَ قَوْلُ اللُّبَابِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُحَاذَاةَ لِمَا قَالَ شَارِحُهُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ عَدَمُ الْمُحَاذَاةِ اهـ أَيْ لِأَنَّ الْمَوَاقِيتَ تَعُمُّ جِهَاتِ مَكَّةَ كُلِّهَا فَلَا بُدَّ مِنْ مُحَاذَاةِ أَحَدِهَا (قَوْلُهُ فَعَلَى مَرْحَلَتَيْنِ) أَيْ مِنْ مَكَّةَ فَتْحٌ وَوَجْهُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 (لَا) يَحْرُمُ (التَّقْدِيمُ) لِلْإِحْرَامِ (عَلَيْهَا) بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ   [رد المحتار] أَنَّ الْمَرْحَلَتَيْنِ أَوْسَطُ الْمَسَافَاتِ وَإِلَّا فَالِاحْتِيَاطُ الزِّيَادَةُ مَقْدِسِيٌّ. (قَوْلُهُ وَحَرُمَ إلَخْ) فَعَلَيْهِ الْعَوْدُ إلَى مِيقَاتٍ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِيقَاتَهُ لِيُحْرِمَ مِنْهُ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَمٌ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ كُلَّهَا) زَادَهُ لِأَجْلِ دَفْعِ مَا أَوْرَدَ عَلَى عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ أَيْ لِآفَاقِيٍّ) أَيْ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِ كَالْحَرَمِيِّ وَالْحِلِّيِّ إذَا خَرَجَا إلَى الْمِيقَاتِ كَمَا يَأْتِي فَتَقْيِيدُهُ بِالْآفَاقِيِّ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ بَقِيَا فِي مَكَانِهِمَا، فَلَا يُحْرِمُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ يَعْنِي الْحَرَمَ) أَيْ الْآتِي تَحْدِيدُهُ قَرِيبًا لَا خُصُوصُ مَكَّةَ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِهَا لِأَنَّ الْغَالِبَ قَصْدُ دُخُولِهَا (قَوْلُهُ غَيْرَ الْحَجِّ) كَمُجَرَّدِ الرُّؤْيَةِ وَالنُّزْهَةِ أَوْ التِّجَارَةِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَمَّا لَوْ قَصَدَ مَوْضِعًا مِنْ الْحِلِّ إلَخْ) أَيْ مِمَّا بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَالْحَرَمِ. وَالْمُعْتَبَرُ الْقَصْدُ عِنْدَ الْمُجَاوِزِ لَا عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ: أَيْ قَصْدًا أَوَّلِيًّا كَإِذَا قَصَدَهُ لِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ، وَأَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ ثَانِيًا إذْ لَوْ كَانَ قَصْدُهُ الْأَوَّلِيُّ دُخُولَ مَكَّةَ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يَمُرَّ فِي الْحِلِّ فَلَا يَحِلُّ لَهُ (قَوْلُهُ فَلَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ) أَيْ مَا لَمْ يُرِدْ نُسُكًا كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَهُوَ الْحِيلَةُ إلَخْ) أَيْ الْقَصْدُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ الْحِيلَةُ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ لَكِنْ لَا تَتِمُّ الْحِلْيَةُ إلَّا إذَا كَانَ قَصْدُهُ لِمَوْضِعٍ مِنْ الْحِلِّ قَصْدًا أَوَّلِيًّا كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَلَمْ يُرِدْ النُّسُكَ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ إلَّا لِمَأْمُورٍ بِالْحَجِّ لِلْمُخَالَفَةِ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا بِقَوْلِهِ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ هَذِهِ الْحِيلَةُ لِلْمَأْمُورِ بِالْحَجِّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ سَفَرُهُ لِلْحَجِّ وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحَجَّةٍ آفَاقِيَّةٍ وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ صَارَتْ حَجَّتُهُ مَكِّيَّةً فَكَانَ مُخَالِفًا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَكْثُرُ وُقُوعُهَا فِيمَنْ يُسَافِرُ فِي الْبَحْرِ الْمِلْحِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْحَجِّ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي وَسَطِ السَّنَةِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْصِدَ الْبَنْدَرَ الْمَعْرُوفَ بِجُدَّةِ لِيَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ حَتَّى لَا يَطُولَ الْإِحْرَامُ عَلَيْهِ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِالْحَجِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ اهـ. أَيْ لِأَنَّهُ إذَا اعْتَمَرَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ يَصِيرُ مُخَالِفًا فِي قَوْلِهِمْ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ، وَهَلْ مُخَالَفَتُهُ لِكَوْنِهِ جَعَلَ سَفَرَهُ لِغَيْرِ الْحَجِّ الْمَأْمُورِ بِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ لَمْ يَجْعَلْ حَجَّتَهُ آفَاقِيَّةً. وَعَلَى الثَّانِي لَوْ اعْتَمَرَ أَوْ فَعَلَ الْحِيلَةَ بِأَنْ قَصَدَ الْبَنْدَرَ، ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ ثُمَّ خَرَجَ وَقْتَ الْحَجِّ إلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِأَنَّ حَجَّتَهُ صَارَتْ آفَاقِيَّةً أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ مُخَالِفٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ لِكُلٍّ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ كَمَا يُفِيدُهُ أَوَّلُ عِبَارَةِ الْبَحْرِ الْمَذْكُورَةِ فَتَتَحَقَّقُ الْمُخَالَفَةُ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى لَكِنْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْقَارِي فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ مَسْأَلَةً اضْطَرَبَ فِيهَا فُقَهَاءُ عَصْرِهِ وَهِيَ: أَنَّ الْآفَاقِيَّ الْحَاجَّ عَنْ الْغَيْرِ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ لِلْحَجِّ، ثُمَّ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ، وَأَحْرَمَ هَلْ يَصِحُّ عَنْ الْآمِرِ قِيلَ: لَا، وَقِيلَ نَعَمْ وَمَالَ هُوَ إلَى الثَّانِي قَالَ: وَأَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ وَشَيْخُنَا سِنَانٌ الرُّومِيُّ فِي مَنْسَكِهِ وَالشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيَّ. قُلْت وَهَذَا يُفِيدُ جَوَازَ الْحِيلَةِ الْمَذْكُورَةِ لَهُ إذَا عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ، وَأَحْرَمَ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ سَفَرَهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ لِلْحَجِّ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ الْبَنْدَرَ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ لِيُقِيمَ بِهِ أَيَّامًا لِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ مَثَلًا ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ أَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ لِلْحَجِّ كَمَا لَوْ قَصَدَ مَكَانًا آخَرَ فِي طَرِيقِهِ ثُمَّ النَّقْلَةُ عَنْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَافْهَمْ. وَأَمَّا لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ حَرَامًا فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذِهِ الْحِيلَةِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ أَيْ يُحْرِمُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ أَحْكَامِ الْعُمْرَةِ. (قَوْلُهُ بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ) قَدَّمْنَا تَفْسِيرَ الصَّحَابَةِ الْإِتْمَامَ بِالْإِحْرَامِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَمِنْ الْأَمَاكِنِ الْقَاصِيَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 إنْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ (وَحَلَّ لِأَهْلِ دَاخِلِهَا) يَعْنِي لِكُلِّ مَنْ وُجِدَ فِي دَاخِلِ الْمَوَاقِيتِ (دُخُولُ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ) مَا لَمْ يُرِدْ نُسُكًا لِلْحَرَجِ كَمَا لَوْ جَاوَزَهَا حَطَّابُو مَكَّةَ فَهَذَا (مِيقَاتُهُ الْحِلُّ) الَّذِي بَيْنَ الْمَوَاقِيتِ وَالْحَرَمِ (وَ) الْمِيقَاتُ (لِمَنْ بِمَكَّةَ) يَعْنِي مَنْ بِدَاخِلِ الْحَرَمِ (لِلْحَجِّ الْحَرَمُ وَلِلْعُمْرَةِ الْحِلُّ) لِيَتَحَقَّقَ نَوْعُ سَفَرٍ   [رد المحتار] قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَإِنَّمَا كَانَ التَّقْدِيمُ عَلَى الْمَوَاقِيتِ أَفْضَلَ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ تَعْظِيمًا وَأَوْفَرُ مَشَقَّةً وَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ الْمَشَقَّةِ وَلِذَا كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ الْإِحْرَامَ بِهِمَا مِنْ الْأَمَاكِنِ الْقَاصِيَةِ. رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَعِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ مِنْ الْبَصْرَةِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ الشَّامِ وَابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " «مَنْ أَهَلَّ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجَّةٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد بِنَحْوِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ) أَمَّا قَبْلَهَا فَيُكْرَهُ وَإِنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ الْوُقُوعَ فِي الْمَحْظُورَاتِ لِشَبَهِ الْإِحْرَامِ بِالرُّكْنِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَأَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ) وَإِلَّا فَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ بَلْ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ الْمَوَاقِيتِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ أَمِيرْ حَاجّْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ وَحَلَّ لِأَهْلِ دَاخِلِهَا) شُرُوعٌ فِي الصِّنْفِ الثَّانِي مِنْ الْمَوَاقِيتِ، وَالْمُرَادُ بِالدَّاخِلِ غَيْرُ الْخَارِجِ فَيَشْمَلُ مَنْ فِيهَا نَفْسِهَا وَمَنْ بَعْدَهَا فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَنْصُوصِ مِنْ الرِّوَايَةِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ دَاخِلُ جَمِيعِهَا لِيَخْرُجَ مَنْ كَانَ بَيْنَ مِيقَاتَيْنِ كَمَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بَيْنَ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَالْجُحْفَةِ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ إلَى الْجُحْفَةِ خَارِجَ الْمِيقَاتِ؛ فَلَا يَحِلُّ لَهُ دُخُولُ الْحَرَمِ بِلَا إحْرَامٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ يَعْنِي لِكُلِّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَهْلِ مَا يَشْمَلُ مَنْ قَصَدَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ كَمَا أَفَادَهُ قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ أَمَّا لَوْ قَصَدَ مَوْضِعًا مِنْ الْحِلِّ إلَخْ (قَوْلُهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ) حَالٌ مِنْ أَهَلَّ وَلَمْ يَجْمَعْهُ نَظَرًا إلَى لَفْظِ أَهَلَّ فَإِنَّهُ مُفْرَدٌ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ جَمْعًا ح (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُرِدْ نُسُكًا) أَمَّا إنْ أَرَادَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ قَبْلَ دُخُولِهِ أَرْضَ الْحَرَمِ فَمِيقَاتُهُ كُلُّ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ فَتْحٌ. وَعَنْ هَذَا قَالَ الْقُطْبِيُّ فِي مَنْسَكِهِ وَمِمَّا يَجِبُ التَّيَقُّظُ لَهُ سُكَّانُ جُدَّةَ بِالْجِيمِ، وَأَهْلِ حِدَّةَ بِالْمُهْمَلَةِ، وَأَهْلُ الْأَوْدِيَةِ الْقَرِيبَةِ مِنْ مَكَّةَ فَإِنَّهُمْ غَالِبًا يَأْتُونَ مَكَّةَ فِي سَادِسِ أَوْ سَابِعِ ذِي الْحِجَّةِ بِلَا إحْرَامٍ، وَيُحْرِمُونَ لِلْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فَعَلَيْهِمْ دَمٌ لِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ، لَكِنْ بَعْدَ تَوَجُّهِهِمْ إلَى عَرَفَةَ يَنْبَغِي سُقُوطُهُ عَنْهُمْ بِوُصُولِهِمْ إلَى أَوَّلِ الْحِلِّ مُلَبِّينَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ عَوْدًا إلَى الْمِيقَاتِ لِعَدَمِ قَصْدِهِمْ الْعَوْدَ لِتَلَافِي مَا لَزِمَهُمْ بِالْمُجَاوَزَةِ بَلْ قَصَدُوا التَّوَجُّهَ إلَى عَرَفَةَ. اهـ. وَقَالَ الْقَاضِي مُحَمَّدُ عِيدٍ فِي شَرْحِ مَنْسَكِهِ وَالظَّاهِرُ السُّقُوطُ لِأَنَّ الْعَوْدَ إلَى الْمِيقَاتِ مَعَ التَّلْبِيَةِ مُسْقِطٌ لِدَمِ الْمُجَاوَزَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّعْظِيمُ (قَوْلُهُ لِلْحَرَجِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَحَلَّ إلَخْ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ جَاوَزَهَا إلَخْ) يَحْتَمِلُ عَوْدَ الْهَاءِ إلَى مَكَّةَ فَتَكُونُ الْكَافُ لِلتَّمْثِيلِ لِأَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا خَرَجَ إلَى الْحِلِّ الَّذِي فِي دَاخِلِ الْمِيقَاتِ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ كَمَا مَرَّ آنِفًا، بِشَرْطِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ مِيقَاتَ الْآفَاقِيِّ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْآفَاقِيِّ لَا يَحِلُّ لَهُ دُخُولُهُ بِلَا إحْرَامٍ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ، وَيَحْتَمِلُ عَوْدَهَا إلَى الْمَوَاقِيتِ فَالْكَافُ لِلتَّنْظِيرِ لِلْمَنْفِيِّ فِي قَوْلِهِ مَا لَمْ يُرِدْ نُسُكًا، فَإِنَّ مَنْ أَرَادَهُ مِنْ أَهْلِ الْحِلِّ لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ، وَنَظِيرُهُ الْمَكِّيُّ إذَا خَرَجَ مِنْهَا وَجَاوَزَ الْمَوَاقِيتَ لَا يَحِلُّ لَهُ الْعَوْدُ بِلَا إحْرَامٍ لَكِنَّ إحْرَامَهُ مِنْ الْمِيقَاتِ بِخِلَافِ مُرِيدِ النُّسُكِ فَإِنَّهُ مِنْ الْحِلِّ كَمَا عَلِمْته (قَوْلُهُ فَهَذَا) الْإِشَارَةُ إلَى أَهْلِ دَاخِلِهَا بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَالْحَرَمُ حَدٌّ فِي حَقِّهِ كَالْمِيقَاتِ لِلْآفَاقِيِّ فَلَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ إنْ قَصَدَ النُّسُكَ إلَّا مُحْرِمًا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ يَعْنِي إلَخْ) أَشَارَ إلَى مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ قَوْلِهِ وَالْمُرَادُ بِالْمَكِّيِّ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْحَرَمِ سَوَاءٌ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ لَا. اهـ. فَيَشْمَلُ الْآفَاقِيَّ الْمُفْرِدَ بِالْعُمْرَةِ وَالْمُتَمَتِّعَ وَالْحَلَالَ مِنْ أَهْلِ الْحِلِّ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ لِحَاجَةٍ كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ لِيَتَحَقَّقَ نَوْعُ سَفَرٍ) لِأَنَّ أَدَاءَ الْحَجِّ فِي عَرَفَةَ، وَهِيَ فِي الْحِلِّ فَيَكُونُ إحْرَامُ الْمَكِّيِّ بِالْحَجِّ مِنْ الْحَرَمِ لِيَتَحَقَّقَ لَهُ نَوْعُ سَفَرٍ بِتَبَدُّلِ الْمَكَانِ، وَأَدَاءِ الْعُمْرَةِ فِي الْحَرَمِ فَيَكُونُ إحْرَامُهُ بِهَا مِنْ الْحِلِّ لِيَتَحَقَّقَ لَهُ نَوْعٌ مِنْ السَّفَرِ شَرْحُ النُّقَايَةِ لِلْقَارِي فَلَوْ عَكَسَ فَأَحْرَمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 وَالتَّنْعِيمُ أَفْضَلُ وَنَظَمَ حُدُودَ الْحَرَمِ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فَقَالَ: وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ مِنْ أَرْضِ طَيْبَةَ ... ثَلَاثُ أَمْيَالٍ إذَا رُمْت إتْقَانَهْ وَسَبْعُهُ أَمْيَالٍ عِرَاقًا وَطَائِفَ ... وَجُدَّةَ عَشْرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَهْ. (فَصْلٌ) فِي الْإِحْرَامِ وَصِفَةِ الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ (وَمَنْ شَاءَ الْإِحْرَامَ) وَهُوَ شَرْطُ صِحَّةِ النُّسُكِ   [رد المحتار] لِلْحَجِّ مِنْ الْحِلِّ أَوْ لِلْعُمْرَةِ مِنْ الْحَرَمِ لَزِمَهُ دَمٌ إلَّا إذَا عَادَ مُلَبِّيًا إلَى الْمِيقَاتِ الْمَشْرُوعِ لَهُ كَمَا فِي اللُّبَابِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَالتَّنْعِيمُ أَفْضَلُهُ) هُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ عِنْدَ مَسْجِدِ عَائِشَةَ، وَهُوَ أَقْرَبُ مَوْضِعٍ مِنْ الْحِلِّ ط أَيْ الْإِحْرَامُ مِنْهُ لِلْعُمْرَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِحْرَامِ لَهَا مِنْ الْجِعْرَانَةِ، وَغَيْرِهَا مِنْ الْحِلِّ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ مِنْهَا لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَبْدَ الرَّحْمَنِ بِأَنْ يَذْهَبَ بِأُخْتِهِ عَائِشَةَ إلَى التَّنْعِيمِ لِتُحْرِمَ مِنْهُ وَالدَّلِيلُ الْقَوْلِيُّ مُقَدَّمٌ عِنْدَنَا عَلَى الْفِعْلِيِّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِالْعَكْسِ (قَوْلُهُ وَنَظَمَ حُدُودَ الْحَرَمِ ابْنُ الْمُلَقِّنِ) هُوَ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ. وَنَقَلَ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِلنَّوَوِيِّ أَنَّ نَاظِمَ الْأَبْيَاتِ الْمَذْكُورَةِ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلُ النُّوَيْرِيُّ أَنَّ عَلَى الْحَرَمِ عَلَامَاتٍ مَنْصُوبَةً فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهِ نَصَبَهَا إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَكَانَ جِبْرِيلُ يُرِيهِ مَوَاضِعَهَا ثُمَّ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَجْدِيدِهَا، ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ مُعَاوِيَةُ وَهِيَ إلَى الْآنِ ثَابِتَةٌ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهِ إلَّا مِنْ جِهَةِ جُدَّةَ وَجِهَةِ الْجِعْرَانَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَ فِيهَا أَنْصَابٌ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ إلَخْ) لَوْ قَالَ وَمِنْ يَمَنَ سَبْعٌ عِرَاقٌ وَطَائِفُ لَاسْتَوْفَى وَاسْتَغْنَى عَنْ الْبَيْتِ الثَّالِثِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ: وَمِنْ يَمَنَ سَبْعٌ بِتَقْدِيمِ سِينِهَا ... وَقَدْ كَمُلَتْ فَاشْكُرْ لِرَبِّك إحْسَانَهْ أَفَادَهُ ح عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ جِعْرَانَةَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَالْأَفْصَحُ إسْكَانُ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفُ الرَّاءِ وَتَمَامُهُ فِي ط. [فَصْلٌ فِي الْإِحْرَامِ وَصِفَةِ الْمُفْرِدِ] فَصْلٌ فِي الْإِحْرَامِ مُنَاسَبَةُ ذِكْرِهِ بَعْدَ الْمَوَاقِيتِ الَّتِي لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُجَاوِزَهَا إلَّا مُحْرِمًا وَاضِحَةٌ. وَهُوَ لُغَةً: مَصْدَرُ أَحْرَمَ إذَا دَخَلَ فِي حُرْمَةٍ لَا تُنْتَهَكُ وَرَجُلٌ حَرَامٌ أَيْ مُحْرِمٌ كَذَا فِي الصِّحَاحِ، وَشَرْعًا: الدُّخُولُ فِي حُرُمَاتٍ مَخْصُوصَةٍ أَيْ الْتِزَامُهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ شَرْعًا إلَّا بِالنِّيَّةِ مَعَ الذِّكْرِ أَوْ الْخُصُوصِيَّةِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ فَهُمَا شَرْطَانِ فِي تَحَقُّقِهِ لَا جَزْءُ مَاهِيَّتِه كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ عَرَّفَهُ بِنِيَّةِ النُّسُكِ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنْ الذِّكْرِ أَوْ الْخُصُوصِيَّةِ نَهْرٌ وَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ التَّلْبِيَةُ وَنَحْوُهَا، وَبِالْخُصُوصِيَّةِ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ سَوْقِ الْهَدْيِ أَوْ تَقْلِيدِ الْبُدْنِ، فَلَا بُدَّ مِنْ التَّلْبِيَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فَلَوْ نَوَى وَلَمْ يُلَبِّ أَوْ بِالْعَكْسِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا وَهَلْ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالنِّيَّةِ وَالتَّلْبِيَةِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا بِشَرْطِ الْآخَرِ الْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرَهُ الْحُسَامُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ بِالنِّيَّةِ لَكِنْ عِنْدَ التَّلْبِيَةِ كَمَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ بِالنِّيَّةِ لَكِنْ بِشَرْطِ التَّكْبِيرِ لَا بِالتَّكْبِيرِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ زَمَانٌ وَلَا مَكَانَ وَلَا هَيْئَةٌ وَلَا حَالَةٌ فَلَوْ أَحْرَمَ لَابِسًا لِلْمَخِيطِ أَوْ مُجَامِعًا الْعَقْدَ فِي الْأَوَّلِ صَحِيحًا وَفِي الثَّانِي فَاسِدًا كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَصِفَةِ الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ) أَيْ وَالْأَوْصَافُ الَّتِي يَفْعَلُهَا الْحَاجُّ الْمُفْرِدُ بَعْدَ تَحَقُّقِ دُخُولِهِ فِيهِ بِالْإِحْرَامِ، فَهُوَ عَطْفُ مُغَايِرٍ فَافْهَمْ وَقَدَّمَ الْكَلَامَ فِي الْمُفْرِدِ عَلَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُفْرَدِ مِنْ الْمُرَكَّبِ (قَوْلُهُ النُّسُكِ) أَيْ الْعِبَادَةِ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى عِبَادَةَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 كَتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، فَالصَّلَاةُ وَالْحَجُّ لَهُمَا تَحْرِيمٌ وَتَحْلِيلٌ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ، ثُمَّ الْجَحُّ أَقْوَى مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ يُقْضَى مُطْلَقًا وَلَوْ مَظْنُونًا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ إذَا أَتَمَّ الْإِحْرَامَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِعَمَلِ مَا أَحْرَمَ بِهِ وَإِنْ أَفْسَدَهُ إلَّا فِي الْفَوَاتِ فَبِعَمَلِ الْعُمْرَةِ وَإِلَّا الْإِحْصَارِ فَبِذَبْحِ الْهَدْيِ (تَوَضَّأَ وَغُسْلُهُ أَحَبُّ وَهُوَ لِلنَّظَافَةِ) لَا لِلطَّهَارَةِ (فَيُحَبُّ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ (فِي حَقِّ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ) وَصَبِيٍّ (وَالتَّيَمُّمُ لَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ) عَنْ الْمَاءِ (لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ) لِأَنَّهُ مُلَوِّثٌ بِخِلَافِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ سَوَّى فِي الْكَافِي بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْإِحْرَامِ وَرَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ   [رد المحتار] (قَوْلُهُ كَتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ) الْمُرَادُ بِهَا الذِّكْرُ الْخَالِي عَنْ الدُّعَاءِ لِأَنَّ لَفْظَ التَّكْبِيرِ وَاجِبٌ لَا شَرْطٌ (قَوْلُهُ فَالصَّلَاةُ إلَخْ) زَادَ فِي التَّفْرِيعِ قَوْلَهُ: وَتَحْلِيلٌ لِتَأْكِيدِ الْمُشَابَهَةِ وَتَحْلِيلُ الصَّلَاةِ بِالسَّلَامِ وَنَحْوِهِ وَتَحْلِيلُ الْحَجِّ بِالْحَلْقِ وَالطَّوَافِ عَلَى مَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ ثُمَّ الْحَجُّ أَقْوَى) أَيْ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقُلْ أَفْضَلُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ كِتَابِ الزَّكَاةِ عَنْ التَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ مِنْ أَنَّ الْأَفْضَلَ الصَّلَاةُ ثُمَّ الزَّكَاةُ ثُمَّ الصِّيَامُ ثُمَّ الْحَجُّ ثُمَّ الْعُمْرَةُ وَالْجِهَادُ وَالِاعْتِكَافُ (قَوْلُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ إلَخْ) الْأَوْلَى تَقْدِيمُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَظْنُونًا) بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ ظَهَرَ خِلَافُهُ وَجَبَ الْمُضِيُّ فِيهِ وَالْقَضَاءُ إنْ أَبْطَلَهُ بِخِلَافِ الْمَظْنُونِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ لَوْ أَفْسَدَهُ بَحْرٌ وَاخْتَلَوْا فِي وُجُوبِ قَضَائِهِ عَلَى الْمُحْصَرِ وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ أَيْضًا كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَخْ) بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهَا بِكُلِّ مَا يُنَافِيهَا وَأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهَا وَأَمَّا الْحَجُّ فَيَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ بِجِمَاعٍ قَبْلَ الْوُقُوفِ كَصَحِيحِهِ (قَوْلُهُ إلَّا بِعَمَلٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مُقَدَّرٍ وَالْأَصْلُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ بِعَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ إلَّا بِعَمَلِ إلَخْ وَقَوْلُهُ إلَّا فِي الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ حَالَةِ الْقُدْرَةِ: فَالِاسْتِثْنَاءُ الْأَوَّلُ مِنْ أَعَمِّ الظُّرُوفِ وَالثَّانِي مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَبِعَمَلِ الْعُمْرَةِ) أَيْ يَتَحَلَّلُ عَنْهُ بِعُمْرَةٍ لِفَوَاتِ الْوَقْتِ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ (قَوْلُهُ فَبِذَبْحِ الْهَدْيِ) أَيْ يَتَحَلَّلُ عَنْهُ بَعْدَ ذَبْحِ هَدْيٍ فِي الْحَرَمِ. (قَوْلُهُ وَغُسْلُهُ أَحَبُّ) لِأَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَالْوُضُوءُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي حَقِّ إقَامَةِ السُّنَّةِ الْمُسْتَحَبَّةِ لَا الْفَضِيلَةِ: أَيْ لَا فَضِيلَةِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ لُبَابٌ وَشَرْحِهِ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الِاخْتِيَارِ وَالْمُحِيطِ إنَّهُمَا مُسْتَحَبَّانِ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الْغُسْلُ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ وَصَرِيحُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ فَيُحَبُّ) أَيْ يُطْلَبُ اسْتِحْبَابًا وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَغَيْرِهِمَا أَوْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِيُحَبُّ يُسَنُّ لِأَنَّ الْمَسْنُونَ مَحْبُوبٌ لِلشَّارِعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ) أَيْ قَبْلَ انْقِطَاعِ دَمِهِمَا بِقَرِينَةِ التَّفْرِيعِ إذْ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ يَكُونُ طَهَارَةً وَنَظَافَةً وَالْمُرَادُ مِنْ التَّفْرِيعِ بَيَانُ صُورَةٍ لَا تُوجَدُ فِيهَا الطَّهَارَةُ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ لِأَجْلِهَا فَقَطْ (قَوْلُهُ وَصَبِيٌّ) صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ الصَّبِيَّ إنْ كَانَ عَاقِلًا يَكُونُ غُسْلُهُ طَهَارَةً لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا طَهَارَةَ الْجَنَابَةِ، بَلْ طَهَارَةَ الصَّلَاةِ فَإِنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لِلطَّهَارَةِ وَالنَّظَافَةِ مَعًا كَمَا فِي النَّهْرِ مَعَ أَنَّهُ يُسَنُّ لِغَيْرِ الْجُنُبِ، وَحِينَئِذٍ فَعَطْفُ الصَّبِيِّ عَلَى الْحَائِضِ يُوهِمُ أَنَّ غُسْلَهُ لَا يَكُونُ إلَّا لِلنَّظَافَةِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ غَيْرُ الْعَاقِلِ هُنَا فَيَكُونُ ذِكْرُهُ إشَارَةً لِقَوْلِ النَّهْرِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُنْدَبَ الْغُسْلُ أَيْضًا لِمَنْ أَهَلَّ عَنْهُ رَفِيقُهُ أَوْ أَبُوهُ لِصِغَرِهِ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الْإِحْرَامَ قَائِمٌ بِالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالصَّغِيرِ لَا بِمَنْ أَتَى بِهِ لِجَوَازِهِ مَعَ إحْرَامِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْ اسْتَقَرَّ نَدْبُهُ لِكُلِّ مُحْرِمٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ) جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ كَالزَّيْلَعِيِّ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْفَتْحِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَا فِي مَنَاسِكِ الْعِمَادِ مِنْ أَنَّهُ إنْ عَجَزَ عَنْهُمَا تَيَمَّمَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا إذَا أَرَادَ صَلَاةَ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ يَعْنِي: أَنَّ الْغُسْلَ فِيهِمَا لِلطَّهَارَةِ لَا لِلتَّنْظِيفِ وَلِهَذَا يُشْرَعُ التَّيَمُّمُ لَهُمَا عِنْدَ الْعَجْزِ (قَوْلُهُ لَكِنْ سَوَّى) أَيْ فِي عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ التَّيَمُّمِ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ) حَيْثُ قَالَ إنَّهُ التَّحْقِيقُ كَذَا اعْتَرَضَ فِي الْبَحْرِ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَمْ يُشْرَعْ لَهُمَا عِنْدَ الْعَجْزِ إذَا كَانَ طَاهِرًا عَنْ الْجَنَابَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 وَشُرِطَ لِنَيْلِ السُّنَّةِ أَنْ يُحْرِمَ وَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ (وَكَذَا يُسْتَحَبُّ) لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ إزَالَةُ ظُفُرِهِ وَشَارِبِهِ وَعَانَتِهِ وَحَلْقُ رَأْسِهِ إنْ اعْتَادَهُ وَإِلَّا فَيُسَرِّحُهُ وَ (جِمَاعُ زَوْجَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ لَوْ مَعَهُ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ) كَحَيْضٍ (وَلُبْسِ إزَارٍ) مِنْ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ (وَرِدَاءٍ) عَلَى ظَهْرِهِ، وَيُسَنُّ أَنْ يُدْخِلَهُ تَحْتَ يَمِينِهِ وَيُلْقِيَهُ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ، فَإِنْ زَرَّرَهُ أَوْ خَلَّلَهُ أَوْ عَقَدَهُ أَسَاءَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ (جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ طَاهِرِينَ) أَبْيَضَيْنِ كَكَفَنِ الْكِفَايَةِ، وَهَذَا بَيَانُ السُّنَّةِ وَإِلَّا فَسَتْرُ الْعَوْرَةِ كَافٍ (وَطَيَّبَ بَدَنَهُ) إنْ كَانَ عِنْدَهُ لَا ثَوْبَهُ بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ هُوَ الْأَصَحُّ (وَصَلَّى نَدْبًا)   [رد المحتار] وَنَحْوِهَا، وَالْكَلَامُ فِيهِ لِأَنَّهُ مُلَوِّثٌ وَمُغَيِّرٌ لَكِنْ جُعِلَ طَهَارَةً ضَرُورَةَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِيهِمَا، وَلِهَذَا سَوَّى الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي بَيْنَ الْإِحْرَامِ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَشُرِطَ إلَخْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِلْإِحْرَامِ حَتَّى لَوْ اغْتَسَلَ فَأَحْدَثَ ثُمَّ أَحْرَمَ فَتَوَضَّأَ لَمْ يَنَلْ فَضْلَهُ كَذَا فِي الْبِنَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى جَوَامِعِ الْفِقْهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا يُسْتَحَبُّ إلَخْ) أَيْ قَبْلَ الْغُسْلِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَاللُّبَابِ وَالسِّرَاجِ وَفِي الزَّيْلَعِيِّ عَقِيبَ الْغُسْلِ تَأَمَّلْ وَالْإِزَالَةُ شَامِلَةٌ لِقَصِّ الْأَظْفَارِ وَالشَّارِبِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَوْ نَتْفِهَا أَوْ اسْتِعْمَالِ النُّورَةِ وَكَذَا نَتْفُ الْإِبْطِ، وَالْعَانَةُ الشَّعْرِ الْقَرِيبِ مِنْ فَرْجِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَمِثْلُهَا شَعْرُ الدُّبُرِ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالْإِزَالَةِ لِئَلَّا يَتَعَلَّقَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْخَارِجِ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ (قَوْلُهُ وَحَلْقُ رَأْسِهِ إنْ اعْتَادَهُ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهِمَا خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ حَيْثُ جَعَلَهُ مِنْ فِعْلِ الْعَامَّةِ (قَوْلُهُ وَلَا مَانِعَ) الْوَاوُ لِلْحَالِ (قَوْلُهُ وَلُبْسُ إزَارٍ) بِالْإِضَافَةِ. وَفِي بَعْضِ نُسَخٍ إزَارًا بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ لَبِسَ فِعْلٌ مَاضٍ ثُمَّ هَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ (قَوْلُهُ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ) بَيَانٌ لِتَفْسِيرِ الْإِزَارِ وَالْغَايَةُ دَاخِلَةٌ لِأَنَّ الرُّكْبَةَ مِنْ الْعَوْرَةِ (قَوْلُهُ عَلَى ظَهْرِهِ) بَيَانٌ لِتَفْسِيرِ الرِّدَاءِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالرِّدَاءُ عَلَى الظَّهْرِ وَالْكَتِفَيْنِ وَالصَّدْرِ (قَوْلُهُ فَإِنْ زَرَّرَهُ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ شَدَّهُ بِحَبْلٍ وَنَحْوِهِ لِشَبَهِهِ حِينَئِذٍ بِالْمَخِيطِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى حِفْظِهِ، بِخِلَافِ شَدِّ الْهِمْيَانِ فِي وَسَطِهِ لِأَنَّهُ يُشَدُّ تَحْتَ الْإِزَارِ عَادَةً أَفَادَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْ فَلَمْ يَكُنْ الْقَصْدُ مِنْهُ حِفْظَ الْإِزَارِ وَإِنْ شَدَّهُ فَوْقَهُ (قَوْلُهُ وَيُسَنُّ أَنْ يُدْخِلَهُ إلَخْ) هَذَا يُسَمَّى اضْطِبَاعًا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْبَحْرِ وَالرِّدَاءُ عَلَى الظَّهْرِ وَالْكَتِفَيْنِ وَالصَّدْرِ وَمَا هُنَا عَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ لِلنِّهَايَةِ وَعَزَاهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ لِلْبُرْجُنْدِيِّ عَنْ الْخِزَانَةِ ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مُوهِمٌ أَنَّ الِاضْطِبَاعَ يُسْتَحَبُّ مِنْ أَوَّلِ أَحْوَالِ الْإِحْرَامِ وَعَلَيْهِ الْعَوَامُّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مَحَلَّهُ الْمَسْنُونَ قُبَيْلَ الطَّوَافِ إلَى انْتِهَائِهِ لَا غَيْرُ. اهـ. قَالَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ: وَفِي شَرْحِ الْمُرْشِدِيِّ عَلَى مَنَاسِكِ الْكَنْزِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَأَنَّهُ السُّنَّةُ وَنَقَلَهُ فِي الْمَنْسَكِ الْكَبِيرِ لِلسِّنْدِيِّ عَنْ الْغَايَةِ وَمَنَاسِكِ الطَّرَابُلُسِيِّ وَالْفَتْحِ وَقَالَ إنَّ أَكْثَرَ كُتُبِ الْمَذْهَبِ نَاطِقَةٌ بِأَنَّ الِاضْطِبَاعَ يُسَنُّ فِي الطَّوَافِ لَا قَبْلَهُ فِي الْإِحْرَامِ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ الْأَحَادِيثُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ اهـ وَكَذَا نَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ عِدَّةِ الْمَنَاسِكِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّ عَدَمَهُ أَوْلَى (قَوْلُهُ جَدِيدَيْنِ) أَشَارَ بِتَقْدِيمِهِ إلَى أَفْضَلِيَّتِهِ، وَكَوْنُهُ أَبْيَضَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ وَفِي عَدَمِ غَسْلِ الْعَتِيقِ تَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَكَفَنِ الْكِفَايَةِ) التَّشْبِيهُ فِي الْعَدَدِ وَالصِّفَةِ ط (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ لُبْسُ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ عَلَى هَذِهِ الصُّفَّةِ بَيَانٌ لِلسُّنَّةِ وَإِلَّا فَسَاتِرُ الْعَوْرَةِ كَافٍ فَيَجُوزُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَأَكْثَرَ مِنْ ثَوْبَيْنِ وَفِي أَسْوَدَيْنِ أَوْ قِطَعِ خِرَقٍ مَخِيطَةٍ أَيْ الْمُسَمَّاةِ مُرَقَّعَةً وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا خِيَاطَةٌ لُبَابٌ، بَلْ لَوْ لَمْ يَتَجَرَّدْ عَنْ الْمَخِيطِ أَصْلًا يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ اللُّبَابِ أَيْضًا وَإِنْ لَزِمَهُ دَمٌ وَلَوْ لِعُذْرٍ إذَا مَضَى عَلَيْهِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ كَمَا يَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ وَطَيَّبَ بَدَنَهُ) أَيْ اسْتِحْبَابًا عِنْدَ الْإِحْرَامِ زَيْلَعِيٌّ وَلَوْ بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ كَالْمِسْكِ وَالْغَالِيَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ إنْ كَانَ عِنْدَهُ) أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ لَا يَطْلُبُهُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَأَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الزَّوَائِدِ لَا الْهَدْيِ كَمَا فِي السِّرَاجِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي الْبَدَنِ تَابِعًا وَالْمُتَّصِلُ بِالثَّوْبِ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ، وَأَيْضًا الْمَقْصُودُ مِنْ اسْتِنَانِهِ وَهُوَ حُصُولُ الِارْتِفَاقِ حَالَةَ الْمَنْعِ مِنْهُ حَاصِلٌ بِمَا فِي الْبَدَنِ فَأَغْنَى عَنْ تَجْوِيزِهِ فِي الثَّوْبِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ نَدْبًا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 بَعْدَ ذَلِكَ (شَفْعًا) يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ فِي غَيْرِ وَقْتٍ مَكْرُوهٍ وَتُجْزِيهِ الْمَكْتُوبَةُ (وَقَالَ الْمُفْرِدُ بِالْحَجِّ) بِلِسَانِهِ مُطَابِقًا لِجَنَانِهِ (اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي) لِمَشَقَّتِهِ وَطُولِ مُدَّتِهِ (وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي) لِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ - {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} [البقرة: 127]- وَكَذَا الْمُعْتَمِرُ وَالْقَارِنُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ مُدَّتَهَا يَسِيرَةٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقِيلَ كَذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَعَمَّمَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ وَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَوْلَى (ثُمَّ لَبَّى دُبُرَ صَلَاتِهِ نَاوِيًا بِهَا) بِالتَّلْبِيَةِ (الْحَجَّ)   [رد المحتار] وَفِي الْغَايَةِ أَنَّهَا سُنَّةٌ نَهْرٌ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْبَحْرِ وَالسِّرَاجِ (قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ اللُّبْسِ وَالتَّطْيِيبِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِهِمَا كَمَا فَعَلَ فِي الْكَنْزِ لِأَنَّ الشَّفْعَ يَشْمَلُ الْأَرْبَعَ (قَوْلُهُ وَتُجْزِيهِ الْمَكْتُوبُ) كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَاللُّبَابِ وَغَيْرِهَا وَشَبَّهُوهَا بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ كَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا تَنُوبُ الْفَرِيضَةُ مِنَّا بِهَا بِخِلَافِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَشُكْرِ الْوُضُوءِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ كَمَا حَقَّقَهُ فِي فَتَاوَى الْحُجَّةِ فَتَتَأَدَّى فِي ضِمْنِ غَيْرِهَا أَيْضًا اهـ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ رَدَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ حُنَيْفُ الدِّينِ الْمُرْشِدِيُّ (قَوْلُهُ بِلِسَانِهِ مُطَابِقًا لِجَنَانِهِ) أَيْ لِقَلْبِهِ يَعْنِي أَنَّ دُعَاءَهُ بِطَلَبِ التَّيْسِيرِ وَالتَّقَبُّلِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَقْرُونًا بِصِدْقِ التَّوَجُّهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الدُّعَاءَ بِمُجَرَّدِ اللِّسَانِ عَنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَا يُفِيدُ وَلَيْسَ هَذَا بِنِيَّةٍ لِلْحَجِّ كَمَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِمَشَقَّتِهِ إلَخْ) لِأَنَّ أَدَاءَهُ فِي أَزْمِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَأَمْكِنَةٍ مُتَبَايِنَةٍ، فَلَا يَعْرَى عَنْ الْمَشَقَّةِ غَالِبًا فَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى التَّيْسِيرَ لِأَنَّهُ الْمُيَسِّرُ كُلَّ عَسِيرٍ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ) - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ تَقَبَّلْهُ مِنِّي، لِأَنَّهُمَا لَمَّا طَلَبَا ذَلِكَ فِي بِنَاءِ الْبَيْتِ نَاسَبَ طَلَبَهُ فِي قَصْدِهِ لِلْحَجِّ إلَيْهِ فَإِنَّ الْعِبَادَةَ فِي الْمَسَاجِدِ عِمَارَةٌ لَهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمُعْتَمِرُ) لِوُجُودِ الْمَشَقَّةِ فِي الْعُمْرَةِ وَإِنْ كَانَتْ أَدْنَى مِنْ مَشَقَّةِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ وَالْقَارِنُ) فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إلَخْ قَالَ ح: وَتَرَكَ الْمُتَمَتِّعَ لِأَنَّهُ يُفْرِدُ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ وَيُفْرِدُهُ بِالْعُمْرَةِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ) عَزَاهُ فِي التُّحْفَةِ وَالْقُنْيَةِ إلَى مُحَمَّدٍ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَوْلَى) كَذَا فِي النَّهْرِ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَلَكِنْ مَا أَعْظَمَ الصَّلَاةَ وَمَا أَصْعَبَ أَدَاءَهَا عَلَى وَجْهِهَا وَمَا أَحْرَى طَلَبَ تَيْسِيرِهَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَلِذَا عَمَّمَهُ الزَّيْلَعِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ (قَوْلُهُ نَاوِيًا بِهَا الْحَجَّ) قَالَ فِي النَّهْرِ: فِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهَا غَيْرُ حَاصِلَةٍ بِقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ إلَخْ لِأَنَّ النِّيَّةَ أَمْرٌ آخَرُ وَرَاءَ الْإِرَادَةِ وَهُوَ الْعَزْمُ عَلَى الشَّيْءِ كَمَا قَالَ الْبَزَّازِيُّ، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الرَّاغِبُ إنَّ دَوَاعِيَ الْإِنْسَانِ لِلْفِعْلِ عَلَى مَرَاتِبَ: السَّانِحُ، ثُمَّ الْخَاطِرُ، ثُمَّ الْفِكْرُ، ثُمَّ الْإِرَادَةُ، ثُمَّ الْهِمَّةُ، ثُمَّ الْعَزْمُ. وَلَوْ قَالَ بِلِسَانِهِ: نَوَيْت الْحَجَّ وَأَحْرَمْت بِهِ لَبَّيْكَ إلَخْ كَانَ حَسَنًا لِيَجْتَمِعَ الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ إنَّمَا يَحْسُنُ إذَا لَمْ تَجْتَمِعْ عَزِيمَتُهُ لَا إذَا اجْتَمَعَتْ، وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الرُّوَاةِ لِنُسُكِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَى أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: نَوَيْت الْعُمْرَةَ وَلَا الْحَجَّ وَلِهَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا إنَّ الذِّكْرَ بِاللِّسَانِ حَسَنٌ لِيُطَابِقَ الْقَلْبَ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّلَفُّظَ بِاللِّسَانِ بِالنِّيَّةِ بِدْعَةٌ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ اهـ لَكِنْ اعْتَرَضَهُ الرَّحْمَتِيُّ بِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سَمِعْتهمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا. وَعَنْهُ: ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُصَرِّحٌ بِالنُّطْقِ بِمَا يُفِيدُ مَعْنَى النِّيَّةِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ النِّيَّةَ تَتَعَيَّنُ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ لَا وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهَا لَمْ تُوجَدْ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الرُّوَاةِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. قُلْت: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ التَّصْرِيحِ بِلَفْظِ نَوَيْت الْحَجَّ وَأَنَّ مَا وَرَدَ مِنْ الْإِهْلَالِ الْمَذْكُورِ هُوَ مَا فِي ضِمْنِ الدُّعَاءِ بِالتَّيْسِيرِ وَالتَّقَبُّلِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِنِيَّةٍ وَإِنَّمَا النِّيَّةُ وَقْتَ التَّلْبِيَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ نَاوِيًا أَوْ هُوَ مَا يَذْكُرُهُ فِي التَّلْبِيَةِ. فَفِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْكُرَ فِي إهْلَالِهِ أَيْ فِي رَفْعِ صَوْتِهِ بِالتَّلْبِيَةِ مَا أَحْرَمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ الْحَجُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَلَوْ بِقَلْبِهِ، لَكِنْ بِشَرْطِ مُقَارَنَتِهَا بِذِكْرٍ يُقْصَدُ بِهِ التَّعْظِيمُ كَتَسْبِيحٍ وَتَهْلِيلٍ وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ وَالتَّلْبِيَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَهِيَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتُفْتَحُ (وَالنِّعْمَةَ لَك)   [رد المحتار] بِهِ مِنْ حَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ فَيَقُولَ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ تَنْوِي بِهَا الْحَجَّ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ: أَيْ بِالنِّيَّةِ الْمُطْلَقَةِ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْحَجِّ بِأَنْ نَوَى النُّسُكَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ؛ ثُمَّ إنْ عَيَّنَ قَبْلَ الطَّوَافِ فِيهَا وَإِلَّا صُرِفَ لِلْعُمْرَةِ كَمَا يَأْتِي. قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَتَعْيِينُ النُّسُكِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَصَحَّ مُبْهَمًا وَبِمَا أَحْرَمَ بِهِ الْغَيْرُ. ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَلَوْ أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ غَيْرُهُ فَهُوَ مُبْهَمٌ فَيَلْزَمُهُ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ وَقَيَّدَهُ شَارِحُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُعْلِمْ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ غَيْرَهُ اهـ وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ نِيَّةَ الْحَجِّ صُرِفَ لِلْفَرْضِ وَيَأْتِي تَمَامُهُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلَوْ أَشْعَرَهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ بِقَلْبِهِ) لِأَنَّ ذِكْرَ مَا يُحْرِمُ بِهِ مِنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ بِاللِّسَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا فِي الصَّلَاةِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ بِذِكْرٍ يَقْصِدُ بِهِ التَّعْظِيمَ) أَيْ وَلَوْ مَشُوبًا بِالدُّعَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ شَرْحُ اللُّبَابِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ وَلَمْ يَزِدْ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْفَضْلِ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ اقْتِرَانَ النِّيَّةِ بِخُصُوصِ التَّلْبِيَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ هُوَ السُّنَّةُ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ اقْتِرَانُهَا بِأَيِّ ذِكْرٍ كَانَ وَإِذَا لَبَّى فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ بِاللِّسَانِ. قَالَ فِي اللُّبَابِ: فَلَوْ ذَكَرَهَا بِقَلْبِهِ لَمْ يَعْتَدَّ بِهَا وَالْأَخْرَسُ يَلْزَمُهُ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ وَقِيلَ لَا بَلْ يُسْتَحَبُّ اهـ وَمَالَ شَارِحُهُ إلَى الثَّانِي لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّحْرِيكُ فِي الْقِرَاءَةِ لِلصَّلَاةِ فَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّ الْحَجَّ أَوْسَعُ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ قَطْعِيٌّ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ التَّلْبِيَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ) أَيْ أَوْ غَيْرِهَا كَالتُّرْكِيَّةِ وَالْهِنْدِيَّةِ كَمَا فِي اللُّبَابِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْعَرَبِيَّةَ أَفْضَلُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ وَالتَّلْبِيَةَ) أَيْ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ بَابَ الْحَجِّ أَوْسَعُ؛ حَتَّى قَامَ غَيْرُ الذِّكْرِ مَقَامَهُ كَتَقْلِيدِ الْبُدْنِ ح عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. وَفِيهِ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ يَتَحَقَّقُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَلَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ وَنَبَّهَ عَلَى مَا وَقَعَ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الِاشْتِبَاهِ حَيْثُ جَعَلُوا الشُّرُوعَ كَالْقِرَاءَةِ ط (قَوْلُهُ وَهِيَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ) أَيْ أَقَمْت بِبَابِك إقَامَةً بَعْدَ أُخْرَى وَأَجَبْت نِدَاءَك إجَابَةً بَعْدَ أُخْرَى، وَجُمْلَةُ اللَّهُمَّ بِمَعْنَى يَا اللَّهُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُؤَكِّدِ وَالْمُؤَكَّدِ شَرْحُ اللُّبَابِ فَالتَّثْنِيَةُ لِإِفَادَةِ التَّكْرَارِ كَمَا فِي - {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4]- أَيْ كَرَّاتٍ كَثِيرَةً وَتَكْرَارُ اللَّفْظِ لِتَوْكِيدِ ذَلِكَ، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ وَالْجَوْهَرَةِ وَاللُّبَابِ وَغَيْرِهَا فَتَكُونُ إعَادَتُهُ ثَالِثًا لِمُبَالَغَةِ التَّأْكِيدِ. قَالَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ: وَقَدْ اسْتَحْسَنَ الشَّافِعِيَّةُ الْوَقْفَ عَلَى لَبَّيْكَ وَالثَّالِثَةُ وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا فَرَاجِعْهُ اهـ قُلْت: مُقْتَضَى مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ الْوَقْفُ عَلَى الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى قَوْلِهِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، ثُمَّ قَالَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك اسْتِئْنَافٌ، فَإِنَّ مُفَادَهُ أَنَّ الِاسْتِئْنَافَ بِقَوْلِهِ: لَبَّيْكَ الثَّالِثَةِ لَا بِقَوْلِهِ: لَا شَرِيكَ لَك وَهُوَ مُفَادُ مَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَيْضًا (قَوْلُهُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتُفْتَحُ) وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُ وَرَدَّهُ فِي الْبِنَايَةِ بِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ، نَعَمْ عَلَّلَ أَكْثَرُهُمْ الْأَفْضَلِيَّةَ بِأَنَّهُ اسْتِئْنَافٌ لِلثَّنَاءِ فَتَكُونُ التَّلْبِيَةُ لِلذَّاتِ، بِخِلَافِ الْفَتْحِ فَإِنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلتَّلْبِيَةِ أَيْ لَبَّيْكَ لِأَنَّ الْحَمْدَ لَك وَالنِّعْمَةَ وَالْمُلْكَ أَوْ تَعْلِيقُ الْإِجَابَةِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا بِالذَّاتِ أَوْلَى مِنْهُ بِاعْتِبَارِ صِفَةٍ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْكَسْرَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا مُسْتَأْنَفًا أَيْضًا وَمِنْهُ - {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103]- إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك - وَمِنْهُ: عَلِّمْ ابْنَك الْعِلْمَ إنَّ الْعِلْمَ نَافِعُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ جَازَ فِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّهُ يُحْمَلُ هُنَا عَلَى الِاسْتِئْنَافِ لِأَوْلَوِيَّتِهِ بِخِلَافِ الْفَتْحِ إذْ لَيْسَ فِيهِ سِوَى التَّعْلِيلِ، وَحَكَى الشُّرَّاحُ عَنْ الْإِمَامِ الْفَتْحَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَالْكِسَائِيِّ وَالْفِرَاءِ الْكَسْرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 بِالْفَتْحِ أَوْ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ (وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك، وَزِدْ) نَدْبًا (فِيهَا) أَيْ عَلَيْهَا لَا فِي خِلَالِهَا (وَلَا تَنْقُصْ) مِنْهَا فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ أَيْ تَحْرِيمًا لِقَوْلِهِمْ إنَّهَا مَرَّةٌ شَرْطٌ وَالزِّيَادَةُ سُنَّةٌ وَيَكُونُ مُسِيئًا بِتَرْكِهَا وَبِتَرْكِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِهَا (وَإِذَا لَبَّى نَاوِيًا) نُسُكًا   [رد المحتار] إلَّا أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكَشَّافِ أَنَّ اخْتِيَارَ الْإِمَامِ الْكَسْرَ وَالشَّافِعِيِّ الْفَتْحَ وَهُوَ الَّذِي يُعْطِيهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ نَهْرٌ (قَوْلُهُ بِالْفَتْحِ) الْأَصْوَبُ بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُ مُعْرَبٌ لَا مَبْنِيٌّ وَعِبَارَةُ النَّهْرِ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ إلَخْ (قَوْلُهُ أَوْ مُبْتَدَأٌ) وَخَبَرُهُ لَك وَعَلَيْهِ فَخَبَرُ إنَّ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ وَالْأَوْلَى جَعْلُ لَك خَبَرَ إنَّ وَخَبَرُ الْمُبْتَدَأِ مَحْذُوفٌ كَمَا قَرَّرُوا الْوَجْهَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ} [المائدة: 69] الْآيَةَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْمُلْكَ) بِالنَّصْبِ وَجُوِّزَ الرَّفْعُ وَعَلَى كُلٍّ فَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، وَاسْتُحْسِنَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ مَا بَعْدَهُ خَبَرُهُ شَرْحُ اللُّبَابِ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. [تَنْبِيهٌ] فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ ثُمَّ يَخْفِضَهُ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ، وَمِنْ الْمَأْثُورِ «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك رِضَاك وَالْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِك مِنْ غَضَبِك وَالنَّارِ» وَفِيهِ أَيْضًا وَتَكْرَارُهَا سُنَّةٌ فِي الْمَجْلِسِ الْأَوَّلِ وَكَذَا فِي غَيْرِهِ، وَعِنْدَ تَغَيُّرِ الْحَالَاتِ مُسْتَحَبٌّ مُؤَكَّدًا وَالْإِكْثَارُ مُطْلَقًا مَنْدُوبٌ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَرِّرَهَا كُلَّمَا شَرَعَ فِيهَا ثَلَاثًا عَلَى الْوِلَاءِ وَلَا يَقْطَعُهَا بِكَلَامٍ (قَوْلُهُ وَزِدْ فِيهَا) وَلَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ مِنْ غَيْرِ الْمَأْثُورِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ خِلَافًا لِمَا فِي النَّهْرِ فَافْهَمْ، نَعَمْ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ مَا وَقَعَ مَأْثُورًا يُسْتَحَبُّ بِأَنْ يَقُولَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْك وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك إلَهَ الْخَلْقِ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ حَقًّا تَعَبُّدًا وَرِقًّا، لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ، وَمَا لَيْسَ مَرْوِيًّا فَجَائِزٌ أَوْ حَسَنٌ (قَوْلُهُ أَيْ عَلَيْهَا) فَالظَّرْفُ بِمَعْنَى عَلَى كَمَا أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ فِي النَّهْرِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِهَا لَا فِي خِلَالِهَا كَمَا فِي السِّرَاجِ اهـ فَمَا مَرَّ مِنْ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ إلَخْ، وَنَقْلُهُ فِي النَّهْرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ يَأْتِي بِهِ بَعْدُ التَّلْبِيَةِ لَا فِي أَثْنَائِهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ تَحْرِيمًا لِقَوْلِهِمْ إنَّهَا مَرَّةٌ شَرْطٌ) تَبِعَ فِيهِ النَّهْرَ مُخَالِفًا لِلْبَحْرِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ الشَّرْطَ خُصُوصُ الصِّيغَةِ الْمَارَّةِ فَفِيهِ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِكُلِّ ثَنَاءٍ وَتَسْبِيحٍ وَقَدْ مَرَّ، وَإِنْ أَرَادَ بِهَا مُطْلَقَ الذِّكْرِ فَلَا يُفِيدُ مُدَّعَاهُ وَهُوَ كَرَاهَةُ نَقْصِ هَذِهِ الصِّيغَةِ تَحْرِيمًا فَالْحَقُّ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ خُصُوصَ التَّلْبِيَةِ سُنَّةٌ، فَإِذَا تَرَكَهَا أَصْلًا ارْتَكَبَ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ، فَإِذَا نَقَصَ عَنْهَا فَكَذَلِكَ بِالْأَوْلَى وَأَنَّ قَوْلَ الْكَافِي النَّسَفِيِّ لَا يَجُوزُ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهَا شَرْطٌ مُرَادُهُ ذِكْرٌ يُقْصَدُ بِهِ التَّعْظِيمُ لَا خُصُوصُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالزِّيَادَةُ سُنَّةٌ) أَيْ تَكْرَارُهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ اللُّبَابِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى الصِّيغَةِ الْمَارَّةِ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَبِتَرْكِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِهَا) أَيْ بِالتَّلْبِيَةِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الرَّفْعَ سُنَّةٌ وَبِهِ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَصَرَّحَ بِهِ الْبَحْرُ وَالْفَتْحُ مِنْ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ الْإِسَاءَةَ دُونَ الْكَرَاهَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ تَبَعًا لِلْمُحِيطِ أَنَّهُ يَكُونُ مُسِيئًا بِتَرْكِهِ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ فِيمَا يَصِيرُ بِهِ مُحْرِمًا (قَوْلُهُ وَإِذَا لَبَّى نَاوِيًا) قِيلَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَإِذَا نَوَى مُلَبِّيًا لِأَنَّ عِبَارَتَهُ تُفِيدُ أَنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا بِالتَّلْبِيَةِ بِشَرْطِ النِّيَّةِ وَالْوَاقِعُ عَكْسُهُ اهـ أَيْ عَلَى مَا هُوَ قَوْلُ الْحُسَامِ الشَّهِيدِ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ. وَالْجَوَابُ كَمَا فِي الْفَتْحِ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهَا إلَّا أَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا عِنْدَ النِّيَّةِ وَالتَّلْبِيَةِ، أَمَّا أَنَّ الْإِحْرَامَ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا بِشَرْطِ الْآخَرِ فَلَا، فَالْعِبَارَتَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ نُسُكًا) أَيْ مَعْنِيًّا كَحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ مُبْهَمًا لِمَا مَرَّ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 (أَوْ سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ قَلَّدَ) أَيْ رَبَطَ قِلَادَةً عَلَى عُنُقِ (بَدَنَةِ نَفْلٍ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ) قَتَلَهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي إحْرَامٍ سَابِقٍ (وَنَحْوِهِ) كَجِنَايَةٍ وَنَذْرٍ وَمُتْعَةٍ وَقِرَانٍ (وَتَوَجَّهَ مَعَهَا) وَالْحَالُ أَنَّهُ (يُرِيدُ الْحَجَّ) وَهَلْ الْعُمْرَةُ كَذَلِكَ يَنْبَغِي؟ نَعَمْ (أَوْ بَعَثَهَا ثُمَّ تَوَجَّهَ وَلَحِقَهَا) قَبْلَ الْمِيقَاتِ، فَلَوْ بَعْدَهُ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ بِالتَّلْبِيَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ (أَوْ بَعَثَهَا لِمُتْعَةٍ) أَوْ لِقِرَانٍ وَكَانَ التَّقْلِيدُ وَالتَّوَجُّه (فِي أَشْهُرِهِ)   [رد المحتار] وَيَأْتِي أَيْضًا أَنَّ صِحَّةَ الْإِحْرَامِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةِ النُّسُكِ أَيْ عَلَى تَعْيِينِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةِ نُسُكٍ أَصْلًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ سَاقَ الْهَدْيَ إلَخْ) بَيَانٌ لِمَا يَقُومُ مَقَامَ التَّلْبِيَةِ مِنْ الْأَفْعَالِ كَمَا يَأْتِي لَكِنْ لَوْ حَذَفَ هَذَا وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ بَدَنَةً إلَخْ كَمَا فَعَلَ فِي الْكَنْزِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَظْهَرَ لِأَنَّ الْهَدْيَ يَشْمَلُ الْغَنَمَ بِخِلَافِ الْبَدَنَةِ، فَإِنَّهَا تَخُصُّ الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَإِذَا قَلَّدَ شَاةً لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا وَإِنْ سَاقَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي وَلِذَا اعْتَرَضَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ عَلَى قَوْلِهِ وَيَقُومُ تَقْلِيدُ الْهَدْيِ مَقَامَ التَّلْبِيَةِ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْبَدَنَةِ بَدَلَ الْهَدْيِ. وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَنَّ لِإِقَامَةِ الْبَدَنَةِ مَقَامَ التَّلْبِيَةِ شَرَائِطَ فَمِنْهَا النِّيَّةُ وَمِنْهَا سَوْقُ الْبَدَنَةِ وَالتَّوَجُّهُ مَعَهَا أَوْ الْإِدْرَاكُ وَالسَّوْقُ إنْ بَعَثَ بِهَا وَلَمْ يَتَوَجَّهْ مَعَهَا إلَّا فِي بَدَنَةِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، فَلَوْ قَلَّدَ هَدْيَهُ وَلَمْ يَسُقْ أَوْ سَاقَ وَلَمْ يَتَوَجَّهْ مَعَهَا ثُمَّ تَوَجَّهَ بَعْدَ ذَلِكَ يُرِيدُ النُّسُكَ، فَإِنْ كَانَتْ الْبَدَنَةُ لِغَيْرِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا حَتَّى يَلْحَقَهَا فَإِذَا أَدْرَكَهَا وَسَاقَهَا صَارَ مُحْرِمًا (قَوْلُهُ أَيْ رَبَطَ إلَخْ) وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَفْتِلَ خَيْطًا مِنْ صُوفٍ أَوْ شَعْرٍ وَيَرْبِطَ بِهِ نَعْلًا أَوْ عُرْوَةَ مَزَادَةٍ وَهِيَ السُّفْرَةُ مِنْ جِلْدٍ أَوْ لِحَاءِ شَجَرَةٍ أَيْ قِشْرِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ عَلَامَةً عَلَى أَنَّهُ هَدْيٌ لِئَلَّا يَتَعَرَّضَ أَحَدٌ لَهُ وَلِئَلَّا يَأْكُلَ مِنْهُ غَنِيٌّ إذَا عَطِبَ وَذُبِحَ (قَوْلُهُ أَوْ فِي إحْرَامٍ سَابِقٍ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ هَذَا الْإِحْرَامَ لَا يَتِمُّ شُرُوعُهُ فِيهِ إلَّا بِهَذَا التَّقْلِيدِ ط (قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ جَزَاءِ الصَّيْدِ مِنْ الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ (قَوْلُهُ كَجِنَايَةٍ) أَيْ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَتَوَجَّهَ مَعَهَا) أَيْ سَائِقًا لَهَا. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَبِّرَ عِنْدَ التَّوَجُّهِ مَعَ سَوْقِ الْهَدْيِ وَيَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ يُرِيدُ الْحَجَّ) إذْ لَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ النِّيَّةِ عَلَى الصَّوَابِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي نَعَمْ) الْبَحْثُ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ وَعِبَارَةُ شَرْحِ اللُّبَابِ نَاوِيًا الْإِحْرَامَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ صَرِيحَةُ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَوْ بَعَثَهَا ثُمَّ تَوَجَّهَ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَتَوَجَّهَ مَعَهَا فَأَفَادَ أَنَّ الشَّرْطَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ إمَّا أَنْ يَسُوقَهَا وَيَتَوَجَّهَ مَعَهَا وَإِمَّا أَنْ يَبْعَثَهَا ثُمَّ يَلْحَقَهَا وَيَتَوَجَّهَ مَعَهَا وَهَذَا الشَّرْطُ لِغَيْرِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا التَّوَجُّهُ مَعَهَا وَلَا لَحَاقُهَا كَمَا أَفَادَ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ أَوْ بَعَثَهَا لِمُتْعَةٍ إلَخْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَحِقَهَا) اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ اللُّحُوقِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَأَمَّا السَّوْقُ بَعْدَهُ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ فَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَمْ يَشْتَرِطْهُ وَاشْتَرَطَهُ فِي الْأَصْلِ فَقَالَ يَسُوقُهُ وَيَتَوَجَّهُ مَعَهُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ذَلِكَ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ أَنْ يَلْحَقَهُ، وَفِي الْكَافِي قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ: اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إذَا قَلَّدَهَا صَارَ مُحْرِمًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إذَا تَوَجَّهَ فِي أَثَرِهَا صَارَ مُحْرِمًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إذَا أَدْرَكَهَا فَسَاقَهَا صَارَ مُحْرِمًا فَأَخَذْنَا بِالْمُتَيَقَّنِ مِنْ ذَلِكَ وَقُلْنَا إذَا أَدْرَكَهَا وَسَاقَهَا صَارَ مُحْرِمًا لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ بِالتَّلْبِيَةِ إلَخْ) لِأَنَّهُ حِينَ وَصَلَ إلَى الْمِيقَاتِ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا بِالتَّقْلِيدِ لِعَدَمِ لَحَاقِ الْهَدْيِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمُجَاوَزَةُ بِدُونِ الْإِحْرَامِ فَلَزِمَ الْإِحْرَامُ بِالتَّلْبِيَةِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ لِقِرَانٍ) صَرَّحَ بِهِ لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ وَإِلَّا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِمُتْعَةٍ يَشْمَلُ التَّمَتُّعَ الْعُرْفِيَّ وَالْقِرَانَ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَالتَّوَجُّهُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ تَأْخِيرُ قَوْلِهِ فِي أَشْهُرِهِ عَنْ قَوْلِهِ وَتَوَجَّهَ بِنِيَّةِ الْإِحْرَامِ ط (قَوْلُهُ فِي أَشْهُرِهِ إلَخْ) لِأَنَّ تَقْلِيدَ الْهَدْيِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ الْمُتْعَةِ، وَأَفْعَالُ الْمُتْعَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يُعْتَدُّ بِهَا فَيَكُونُ تَطَوُّعًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 وَإِلَّا لَمْ يَصِرْ مُحْرِمًا حَتَّى يَلْحَقَهَا (وَتَوَجَّهَ بِنِيَّةِ الْإِحْرَامِ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهَا) اسْتِحْسَانًا (فَقَدْ أَحْرَمَ) لِأَنَّ الْإِجَابَةَ كَمَا تَكُونُ بِكُلِّ ذِكْرٍ تَعْظِيمِيٍّ تَكُونُ بِكُلِّ فِعْلٍ مُخْتَصٍّ بِالْإِحْرَامِ، ثُمَّ صِحَّةُ الْإِحْرَامِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةِ نُسُكٍ لِأَنَّهُ لَوْ أَبْهَمَ الْإِحْرَامَ حَتَّى طَافَ شَوْطًا وَاحِدًا صُرِفَ لِلْعُمْرَةِ. وَلَوْ أَطْلَقَ نِيَّةَ الْحَجِّ صُرِفَ لِلْفَرْضِ وَلَوْ عَيَّنَ نَفْلًا فَنَفْلٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَجَّ الْفَرْضَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْفَتْحِ (وَلَوْ أَشْعَرَ) بِجَرْحِ سَنَامِهَا الْأَيْسَرِ (أَوْ جَلَّلَهَا) بِوَضْعِ الْجَلِّ (أَوْ بَعَثَهَا لَا لِمُتْعَةٍ) وَقِرَانٍ (وَلَمْ يَلْحَقْهَا) كَمَا مَرَّ (أَوْ قَلَّدَ شَاةً لَا) يَكُونُ مُحْرِمًا لِعَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِالنُّسُكِ (وَبَعْدَهُ) أَيْ الْإِحْرَامِ بِلَا مُهْلَةٍ (يَتَّقِي الرَّفَثَ)   [رد المحتار] وَفِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ مَا لَمْ يُدْرِكْ أَوْ يَسِرْ مَعَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا، كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَمْ يَصِرْ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ الْبَعْثُ وَالتَّوَجُّهُ فِي الْأَشْهُرِ أَوْ وُجِدَ التَّوَجُّهُ دُونَ الْبَعْثِ وَقَوْلُهُ حَتَّى يَلْحَقَهَا أَيْ قَبْلَ الْمِيقَاتِ ط (قَوْلُهُ وَتَوَجَّهَ بِنِيَّةِ الْإِحْرَامِ) أَفَادَ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إنَّمَا قَامَتْ مَقَامَ الذِّكْرِ دُونَ النِّيَّةِ ط (قَوْلُهُ فَقَدْ أَحْرَمَ) جَوَابُ قَوْلِهِ وَإِذَا لَبَّى نَاوِيًا إلَخْ (قَوْلُهُ مُخْتَصٌّ بِالْإِحْرَامِ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ أَشْعَرَهَا أَوْ جَلَّلَهَا إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةِ نُسُكٍ) أَيْ مُعَيَّنٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَإِذَا أَبْهَمَ الْإِحْرَامَ بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَا أَحْرَمَ بِهِ جَازَ وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْأَفْعَالِ فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ وَطَافَ شَوْطًا كَانَ لِلْعُمْرَةِ وَكَذَا إذَا أُحْصِرَ قَبْلَ الْأَفْعَالِ فَتَحَلَّلَ بِدَمٍ تَعَيَّنَ لِلْعُمْرَةِ فَيَجِبُ قَضَاؤُهَا لَا قَضَاءُ حَجَّةٍ وَكَذَا إذَا جَامَعَ فَأَفْسَدَ وَجَبَ الْمُضِيُّ فِي عُمْرَةٍ (قَوْلُهُ صُرِفَ لِلْعُمْرَةِ) أَمَّا الْحَجُّ فَلَا يُصْرَفُ إلَيْهِ إلَّا إذَا عَيَّنَهُ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْأَفْعَالِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الطَّوَافِ تَعَيَّنَ إحْرَامُهُ لِلْحَجَّةِ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ الْحَجَّ فِي وُقُوفِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَطْلَقَ نِيَّةَ الْحَجِّ) بِأَنْ نَوَى الْحَجَّ وَلَمْ يُعَيِّنْ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا (قَوْلُهُ وَلَوْ عَيَّنَ نَفْلًا فَنَفْلٌ) وَكَذَا لَوْ نَوَى الْحَجَّ عَنْ الْغَيْرِ أَوْ النَّذْرَ كَانَ عَمَّا نَوَى وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ لِلْفَرْضِ، كَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ الْمَنْقُولُ الصَّرِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَأَدَّى الْفَرْضُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ. وَرُوِيَ عَنْ الثَّانِي وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وُقُوعُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَكَأَنَّهُ قَاسَهُ عَلَى الصِّيَامِ، لَكِنَّ الْفَرْقَ أَنَّ رَمَضَانَ مِعْيَارٌ لِصَوْمِ الْفَرْضِ، بِخِلَافِ وَقْتِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ مُوَسَّعٌ إلَى آخِرِ الْعُمُرِ وَنَظِيرُهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ شَرْحُ اللُّبَابِ، نَعَمْ وَقْتُ الْحَجِّ لَهُ شَبَهٌ بِالْمِعْيَارِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ صِحَّةِ حَجَّتَيْنِ فِيهِ فَلِذَا يَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ بِخِلَافِ فَرْضِ الظُّهْرِ مَثَلًا فَإِنْ وَقْتَهُ ظَرْفٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (قَوْلُهُ بِجَرْحِ سَنَامِهَا) الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يُحْسِنُهُ فَيَلْحَقُ الْحَيَوَانَ بِهِ تَعْذِيبٌ ط وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْإِشْعَارَ خَاصٌّ بِالْإِبِلِ (قَوْلُهُ بِوَضْعِ الْجَلِّ) أَيْ عَلَى ظَهْرِهَا وَهُوَ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ مَا تَلْبَسُهُ الْفَرَسُ لِتُصَانَ بِهِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ لَا لِمُتْعَةٍ وَقِرَانٍ) وَكَذَا لَوْ لَهُمَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ لُحُوقًا كَاللُّحُوقِ الَّذِي مَرَّ وَهُوَ كَوْنُهُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَلَحِقَهَا ط (قَوْلُهُ أَوْ قَلَّدَ شَاةً) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بَدَنَةً ط (قَوْلُهُ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِالنُّسُكِ) لِأَنَّ الْإِشْعَارَ قَدْ يَكُونُ لِلْمُدَاوَاةِ وَالْجَلَّ لِدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْأَذَى وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ هَدْيٌ يَسُوقُهُ عِنْدَ التَّوَجُّهِ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مُجَرَّدُ النِّيَّةِ وَبِهِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا وَتَقْلِيدُ الشَّاةِ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ وَلَا سُنَّةٍ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ بِلَا مُهْلَةٍ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْأَصْوَبَ أَنْ يَقُولَ فَيَتَّقِي بِالْفَاءِ كَمَا فِي الْقُدُورِيِّ وَالْكَنْزِ. مَطْلَبٌ " مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ إلَخْ " أَيْ مِنْ وَقْتِ الْإِحْرَامِ هَذَا، وَفِي النَّهْرِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» أَنَّ ذَلِكَ مِنْ ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى حَاجًّا قَبْلَهُ اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 أَيْ الْجِمَاعَ أَوْ ذِكْرَهُ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ (وَالْفُسُوقَ) أَيْ الْخُرُوجَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ (وَالْجِدَالَ) فَإِنَّهُ مِنْ الْمُحْرِمِ أَشْنَعُ (وَقَتْلَ صَيْدِ الْبَرِّ) لَا الْبَحْرِ (وَالْإِشَارَةَ إلَيْهِ) فِي الْحَاضِرِ (وَالدَّلَالَةَ عَلَيْهِ فِي الْغَائِبِ) وَمَحَلُّ تَحْرِيمِهِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُحْرِمُ، أَمَّا إذَا عَلِمَ فَلَا فِي الْأَصَحِّ (وَالتَّطَيُّبَ) وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ وَكُرِهَ شَمُّهُ (وَقَلْمَ الظُّفُرِ وَسَتْرَ الْوَجْهِ)   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِيمَا يُحَرَّمُ بِالْإِحْرَامِ وَمَا لَا يُحَرَّمُ (قَوْلُهُ أَيْ الْجِمَاعَ) هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ شَرْحُ اللُّبَابِ - {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187]- بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ ذِكْرَهُ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ) هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقِيلَ ذِكْرُهُ وَدَوَاعِيهِ مُطْلَقًا، قِيلَ: وَهُوَ الْأَصَحُّ شَرْحُ اللُّبَابِ، وَظَاهِرُ صَنِيعِ غَيْرِ وَاحِدٍ تَرْجِيحُ مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَهْرٌ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ شُمُولُ النِّسَاءِ لِلْحَلَائِلِ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجَمَاعَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَيْ الْخُرُوجَ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْفُسُوقَ مَصْدَرٌ لَا جَمْعُ فِسْقٍ كَعِلْمٍ وَعُلُومٍ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ تَفْسِيرُهُمْ لَهُ بِالْمَعَاصِي، وَاخْتَارَهُ لِمُنَاسَبَتِهِ لِلرَّفَثِ وَالْجِدَالِ وَلِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مُطْلَقُ الْفِسْقِ مُفْرَدًا أَوْ جَمْعًا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَالْجِدَالَ) أَيْ الْخُصُومَةَ مَعَ الرُّفَقَاءِ وَالْخَدَمِ وَالْمُكَارِينَ بَحْرٌ، وَمَا عَنْ الْأَعْمَشِ أَنَّ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ ضَرْبُ الْجَمَّالِ فَقِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ إنَّهُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ لَكِنْ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَرَدَ أَنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضَرَبَ جَمَّالَهُ لِتَقْصِيرِهِ فِي الطَّرِيقِ. اهـ. قُلْت: وَحِينَئِذٍ فَضَرْبُهُ لَا لِلْجِدَالِ بَلْ لِتَأْدِيبِهِ وَإِرْشَادِهِ إلَى مُرَاعَاةِ الْحِفْظِ وَالْعَمَلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، حَيْثُ لَمْ يَنْزَجِرْ بِالْكَلَامِ وَبِذَلِكَ يَصِحُّ كَوْنُهُ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ لِكَوْنِهِ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيًا عَنْ مُنْكِرٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الثَّلَاثَةِ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى وَجْهِ التَّنْصِيصِ عَلَيْهَا هُنَا تَبَعًا لِلْآيَةِ كَلُبْسِ الْحَرِيرِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَفِي الصَّلَاةِ أَشْنَعُ (قَوْلُهُ وَقَتْلَ صَيْدِ الْبَرِّ) أَيْ مَصِيدِهِ إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْمَصْدَرُ وَهُوَ الِاصْطِيَادُ لَمَا صَحَّ إسْنَادُ الْقَتْلِ إلَيْهِ بَحْرٌ وَعَبَّرَ بِالْقَتْلِ دُونَ الذَّبْحِ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْمُحَرَّمِ غَالِبًا وَهَذَا كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ ذَكَّاهُ كَانَ مَيْتَةً (قَوْلُهُ لَا الْبَحْرِ) وَلَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ - {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96]- الْآيَةَ (قَوْلُهُ وَالدَّلَالَةُ) بِالْكَسْرِ فِي الْمَحْسُوسَاتِ وَبِالْفَتْحِ فِي الْمَعْقُولَاتِ وَهُوَ الْفَصِيحُ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْغَائِبِ) أَفَادَ بِهِ وَبِقَوْلِهِ فِي الْحَاضِرِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِشَارَةِ وَالدَّلَالَةِ. قُلْت: وَالْفَرْقُ أَيْضًا أَنَّ الْأُولَى بِالْيَدِ وَنَحْوِهَا وَالثَّانِيَةَ بِاللِّسَانِ وَنَحْوِهِ كَالذَّهَابِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُحْرِمُ) كَذَا فِي النَّهْرِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَدْلُولُ وَالْأَصْوَبُ التَّعْبِيرُ بِهِ قَالَ فِي السِّرَاجِ ثُمَّ الدَّلَالَةُ إنَّمَا تُعْمَلُ إذَا اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِمَكَانِ الصَّيْدِ وَأَنْ يُصَدِّقَهُ فِي دَلَالَتِهِ وَيَتْبَعَهُ فِي أَثَرِهَا، أَمَّا إذَا كَذَّبَهُ وَلَمْ يَتْبَعْ أَثَرَهُ حَتَّى دَلَّهُ آخَرُ وَصَدَّقَهُ وَاتَّبَعَ أَثَرَهُ فَقَتَلَهُ فَلَا جَزَاءَ عَلَى الدَّلَالَةِ. اهـ. [تَتِمَّةٌ] فِي حُكْمِ الدَّلَالَةِ الْإِعَانَةُ عَلَيْهِ كَإِعَارَةِ سِكِّينٍ وَمُنَاوَلَةِ رُمْحٍ وَسَوْطٍ وَكَذَا تَنْفِيرُهُ وَكَسْرُ بَيْضِهِ وَكَسْرُ قَوَائِمِهِ وَجَنَاحِهِ وَحَلْبُهُ وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَأَكْلُهُ وَقَتْلُ الْقَمْلَةِ وَرَمْيُهَا وَدَفْعُهَا لِغَيْرِهِ وَالْأَمْرُ بِقَتْلِهَا وَالْإِشَارَةُ إلَيْهَا إنْ قَتَلَهَا الْمُشَارُ إلَيْهِ وَإِلْقَاءُ ثَوْبِهِ فِي الشَّمْسِ وَغَسْلُهُ لِهَلَاكِهَا لُبَابٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ) قِيلَ عَلَيْهِ التَّطَيُّبَ مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ يَتَبَقَّى، وَلَا مَعْنَى لِأَمْرِ غَيْرِ الْقَاصِدِ بِالِاتِّقَاءِ فَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلتَّطَيُّبِ بَلْ قَاصِدٌ لِلتَّدَاوِي وَمَعَ ذَلِكَ يَكُونُ مَحْظُورًا عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ اتِّقَاؤُهُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَكُرِهَ شَمُّهُ) أَيْ فَقَطْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَبِهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّطَيُّبِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَقَالُوا لَوْ لَبِسَ إزَارًا مُبَخَّرًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَعْمِلٍ لِجُزْءٍ مِنْ الطِّيبِ وَإِنَّمَا حَصَلَ مُجَرَّدُ الرَّائِحَةِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ دَخَلَ بَيْتًا قَدْ بُخِّرَ فِيهِ وَاتَّصَلَ بِثَوْبِهِ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَقَلْمَ الظُّفُرِ) أَيْ قَطْعَهُ وَلَوْ وَاحِدًا بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ قَلَمَ ظُفُرَ غَيْرِهِ إلَّا إذَا انْكَسَرَ بِحَيْثُ لَا يَنْمُو فَلَا بَأْسَ بِهِ ط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ كَفَمِهِ وَذَقَنِهِ، نَعَمْ فِي الْخَانِيَّةِ لَا بَأْسَ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ (وَالرَّأْسِ) بِخِلَافِ الْمَيِّتِ وَبَقِيَّةِ الْبَدَنِ، وَلَوْ حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ ثِيَابًا كَانَ تَغْطِيَةً لَا حَمْلُ عِدْلٍ وَطَبَقٍ مَا لَمْ يَمْتَدَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَتَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ، وَقَالُوا لَوْ دَخَلَ تَحْتَ سِتْرِ الْكَعْبَةِ فَأَصَابَ رَأْسَهُ أَوْ وَجْهَهُ كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ (وَغَسْلَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بِخَطْمِي) لِأَنَّهُ طِيبٌ أَوْ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ،   [رد المحتار] عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ. (قَوْلُهُ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ) لَكِنْ فِي تَغْطِيَةِ كُلِّ الْوَجْهِ أَوْ الرَّأْسِ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً دَمٌ وَالرُّبُعُ مِنْهُمَا كَالْكُلِّ وَفِي الْأَقَلِّ مِنْ يَوْمٍ أَوْ مِنْ الرُّبُعِ صَدَقَةٌ كَمَا فِي اللُّبَابِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَرْأَةَ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّهَا لَا تُغَطِّي وَجْهَهَا إجْمَاعًا اهـ أَيْ وَإِنَّمَا تَسْتُرُ وَجْهَهَا عَنْ الْأَجَانِبِ بِإِسْدَالِ شَيْءٍ مُتَجَافٍ لَا يَمَسُّ الْوَجْهَ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ هَذَا الْبَابِ، وَأَمَّا مَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِابْنِ الْكَمَالِ مِنْ أَنَّهَا لَهَا سَتْرُهُ بِمِلْحَفَةٍ وَخِمَارٍ وَإِنَّمَا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ سَتْرُهُ بِشَيْءٍ فُصِّلَ عَلَى قَدْرِهِ كَالنِّقَابِ وَالْبُرْقُعِ فَهُوَ بَحْثٌ عَجِيبٌ أَوْ نَقْلٌ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِمَا سَمِعْته مِنْ الْإِجْمَاعِ، وَلِمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ، ثُمَّ رَأَيْتُ بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فِي هَامِشِ ذَلِكَ الشَّرْحِ أَنَّ هَذَا مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ عُلَمَائِنَا خِلَافُهُ وَهُوَ وُجُوبُ عَدَمِ مُمَاسَّةِ شَيْءٍ لِوَجْهِهَا اهـ ثُمَّ رَأَيْت نَحْوَ ذَلِكَ نَقْلًا عَنْ مَنْسَكِ الْقُطْبِيِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ نَعَمْ فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ بَعْضِهِ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ هَذَا مَحْظُورٌ مَعَ أَنَّهُ عَدَّهُ فِي اللُّبَابِ مِنْ مُبَاحَاتِ الْإِحْرَامِ، وَأَمَّا كَلِمَةُ لَا بَأْسَ فَإِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ دَائِمًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ الْآتِي قَرِيبًا كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالرَّأْسِ) أَيْ رَأْسِ الرَّجُلِ أَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَسْتُرُهُ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ) يَعْنِي إذَا مَاتَ مُحْرِمًا حَيْثُ يُغَطَّى رَأْسُهُ لِبُطْلَانِ إحْرَامِهِ بِمَوْتِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» وَالْإِحْرَامُ عَمَلٌ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَلِهَذَا لَا يَبْنِي الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ عَلَى إحْرَامِ الْمَيِّتِ اتِّفَاقًا، «وَأَمَّا الْأَعْرَابِيُّ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» فَهُوَ مَخْصُوصٌ مِنْ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَقَاءِ إحْرَامِهِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي غَيْرِهِ فَقُلْنَا بِانْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: فَإِنَّهُ يُبْعَثُ إلَخْ وَاقِعَةُ حَالٍ وَلَا عُمُومَ لَهَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْأَعْرَابِيِّ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَبَقِيَّةِ الْبَدَنِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْمَيِّتِ: أَيْ وَبِخِلَافِ سَتْرِ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ سِوَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ عَصَبَهُ وَيُكْرَهُ إنْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لُبَابٌ، وَفِي شَرْحِهِ وَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ الْكَفَّيْنِ لِمَنْعِهِ مِنْ لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ. اهـ. قُلْت: وَكَذَا الْقَدَمَيْنِ مِمَّا فَوْقَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ لِمَنْعِهِ مِنْ لُبْسِ الْجَوْرَبَيْنِ كَمَا يَأْتِي إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالسَّتْرِ التَّغْطِيَةَ بِمَا لَا يَكُونُ لُبْسًا فَسَتْرُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالْقُفَّازَيْنِ أَوْ الْجَوْرَبَيْنِ لُبْسٌ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَمْتَدَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً إلَخْ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ لِأَنَّ لُبْسَ الْمُعْتَادِ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً مُوجِبٌ لِلدَّمِ، فَغَيْرُ الْمُعْتَادِ كَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلصَّدَقَةِ ط. قُلْت: لَكِنْ لِيُنْظَرْ مِنْ أَيْنَ أَخَذَ الشَّارِحُ مَا ذَكَرَهُ، فَإِنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي عِدَّةِ كُتُبٍ أَنَّهُ لَوْ غَطَّى رَأْسَهُ بِغَيْرِ مُعْتَادٍ كَالْعِدْلِ وَنَحْوِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَقَدْ أَطْلَقُوا عَدَمَ اللُّزُومِ، وَقَدْ عُدَّ ذَلِكَ فِي اللُّبَابِ مِنْ مُبَاحَاتِ الْإِحْرَامِ، نَعَمْ فِي النَّهْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَوْ حَمَلَ الْمُحْرِمُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْئًا يَلْبَسُهُ النَّاسُ يَكُونُ لَابِسًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَلْبَسُهُ النَّاسُ كَالْإِجَّانَةِ وَنَحْوِهَا فَلَا، وَيُكْرَهُ لَهُ تَعْصِيبُ رَأْسِهِ وَلَوْ فَعَلَ يَوْمًا وَلَيْلَةً كَانَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِشَارَةَ لِلتَّعْصِيبِ وَكَأَنَّ الشَّارِحَ أَرْجَعَهَا لِلْحَمْلِ أَيْضًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَالُوا إلَخْ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي اللُّبَابِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ كَبُّ وَجْهِهِ عَلَى وِسَادَةٍ بِخِلَافِ خَدَّيْهِ قَالَ شَارِحُهُ: وَكَذَا وَضْعُ رَأْسِهِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ تَغْطِيَةُ بَعْضِ وَجْهِهِ أَوْ رَأْسِهِ إلَّا أَنَّهُ الْهَيْئَةُ الْمُسْتَحَبَّةُ فِي النَّوْمِ بِخِلَافِ كَبِّ الْوَجْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ كُرِهَ) ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ ط (قَوْلُهُ بِالْخِطْمِيِّ) بِكَسْرِ الْخَاءِ نَبْتُ نَهْرً، وَالْمُرَادُ الْغَسْلُ بِمَاءٍ مُزِجَ فِيهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ طِيبٌ إلَخْ) أَشَارَ إلَى الْخِلَافِ فِي عِلَّةِ وُجُوبِ اتِّقَائِهِ فَالْوُجُوبُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي عِلَّتِهِ وَفِي مُوجِبِهِ فَيَتَّقِيهِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 بِخِلَافِ صَابُونٍ وَدَلُوكٍ وَأُشْنَانٍ اتِّفَاقًا زَادَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَسِدْرٍ وَهُوَ مُشْكِلٌ (وَقَصَّهَا) أَيْ اللِّحْيَةَ (وَحَلْقَ رَأْسِهِ وَ) إزَالَةَ (شَعْرِ بَدَنِهِ) إلَّا الشَّعْرَ النَّابِتَ فِي الْعَيْنِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ عِنْدَنَا (وَلُبْسَ قَمِيصٍ وَسَرَاوِيلَ) أَيْ كُلِّ مَعْمُولٍ عَلَى قَدْرِ بَدَنٍ أَوْ بَعْضِهِ كَزَرَدِيَّةَ وَبُرْنُسٍ (وَقَبَاءٍ) وَلَوْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ جَازَ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يُزَرِّرَهُ أَوْ يُخَلِّلَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَرْتَدِيَ بِقَمِيصٍ وَجُبَّةٍ وَيَلْتَحِفَ بِهِ فِي نَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ اتِّفَاقًا   [رد المحتار] زَكِيَّةً وَمُوجَبُهُ دَمٌ وَعِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَيُلِينُ الشَّعْرَ وَمُوجَبُهُ صَدَقَةٌ وَمُنْشَأُ الْخِلَافِ الِاشْتِبَاهُ فِيهِ وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا خِلَافَ فِي خِطْمِيِّ الْعِرَاقِ لِأَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ صَابُونٍ) فِي جِنَايَاتِ الْفَتْحِ لَوْ غَسَلَ بِالصَّابُونِ وَالْحَرَضِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَقَالُوا لَا شَيْءَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَا يَقْتُلُ اهـ وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ عَدَمُ وُجُوبِ الدَّمِ وَالصَّدَقَةِ اتِّفَاقًا، وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ، وَكَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَدَلُوكٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ، قِيلَ هُوَ نَبْتٌ بِأَرْضِ الْحِجَازِ مَعْرُوفٌ كَالْأُشْنَانِ غَيْرَ أَنَّهُ أَسْوَدُ وَالْأُشْنَانُ أَبْيَضُ يُرَطِّبُ الْبَدَنَ وَيُزِيلُ الْحَكَّةَ وَالْجَرَبَ (قَوْلُهُ وَأُشْنَانٍ) قِيلَ هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَيُسَمَّى حَرَضًا أَيْضًا (قَوْلُهُ وَسِدْرٍ) هُوَ وَرَقُ النَّبْقِ ح (قَوْلُهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ) فَإِنَّ السِّدْرَ كَالْخَطْمِيِّ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ، وَيُلِينُ الشَّعْرَ فَكَانَ يَنْبَغِي وُجُوبُ الصَّدَقَةِ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْمِنَحِ وَالصَّابُونُ وَالْأُشْنَانُ فِيهِمَا ذَلِكَ أَيْضًا رَحْمَتِيٌّ زَادَ غَيْرُهُ أَنَّ لِلصَّابُونِ طِيبَ رَائِحَةٍ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ عَلِمْت الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنْ لَا شَيْءَ فِيهِ مِنْ دَمٍ وَلَا صَدَقَةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَا يَقْتُلُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَحَلْقَ رَأْسِهِ) وَكَذَا رَأْسِ غَيْرِهِ وَلَوْ حَلَالًا لُبَابٌ (قَوْلُهُ وَإِزَالَةَ شَعْرِ بَدَنِهِ) أَيْ بَقِيَّةِ بَدَنِهِ كَالشَّارِبِ وَالْإِبْطِ وَالْعَانَةِ وَالرَّقَبَةِ وَالْمَحَاجِمِ كَمَا فِي اللُّبَابِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْمُرَادُ إزَالَةُ شَعْرِهِ كَيْفَمَا كَانَ حَلْقًا وَقَصًّا وَنَتْفًا وَتَنُّورًا وَإِحْرَاقًا مِنْ أَيِّ مَكَان كَانَ مِنْ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ مُبَاشَرَةً أَوْ تَمْكِينًا (قَوْلُهُ أَيْ كُلِّ مَعْمُولٍ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَنْعُ عَنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَإِنَّمَا خَصَّ الْمَذْكُورَاتِ لِذِكْرِهَا فِي الْحَدِيثِ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ مَنَاسِكِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ أَنَّ ضَابِطَهُ لُبْسُ كُلِّ شَيْءٍ مَعْمُولٍ عَلَى قَدْرِ الْبَدَنِ أَوْ بَعْضِهِ بِحَيْثُ يُحِيطُ بِهِ بِخِيَاطَةٍ أَوْ تَلْزِيقِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَيَسْتَمْسِكُ عَلَيْهِ بِنَفْسِ لُبْسِ مِثْلِهِ إلَّا الْمُكَعَّبَ. اهـ. قُلْت: فَخَرَجَ مَا خِيطَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ لَا بِحَيْثُ يُحِيطُ بِالْبَدَنِ مِثْلُ الْمُرَقَّعَةِ فَلَا بَأْسَ بِلُبْسِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَفَادَ قَوْلُهُ أَوْ بَعْضِهِ حُرْمَةَ لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ فِي يَدَيْ الرَّجُلِ، وَبِهِ صَرَّحَ السِّنْدِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ، وَتَبِعَهُ الْقَارِي فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُنْدَبُ لَهَا عَدَمُهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ (قَوْلُهُ كَزَرَدِيَّةٍ) هِيَ الدِّرْعُ الْحَدِيدُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْقَامُوسِ، وَفِيهِ الْبُرْنُسُ بِالضَّمِّ قَلَنْسُوَةٌ طَوِيلَةٌ أَوْ كُلُّ ثَوْبٍ رَأْسُهُ مِنْهُ أَيْ كَاَلَّذِي يَلْبَسُهُ الْمَغَارِبَةُ يَسْتُرُ مِنْ الرَّأْسِ إلَى الْقَدَمِ (قَوْلُهُ وَقَبَاءٍ) بِالْمَدِّ الْمُنْفَرِجُ مِنْ أَمَامٍ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ إلَخْ) فِي اللُّبَابِ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ إلْقَاءُ الْقَبَاءِ وَالْعَبَاءِ وَنَحْوِهِمَا عَلَى مَنْكِبِهِ مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ وَفِيهِ مِنْ فَصْلِ الْجِنَايَاتِ: وَلَوْ أَلْقَى الْقَبَاءَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ وَزَرَّهُ يَوْمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يُزَرِّرْهُ وَلَكِنْ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ، وَلَوْ أَلْقَاهُ وَلَمْ يُزَرِّرْهُ وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ سِوَى الْكَرَاهَةِ اهـ وَفِي شَرْحِهِ أَنَّ إدْخَالَ إحْدَى الْيَدَيْنِ فِي الْحَكَمِ كَالْيَدَيْنِ فَقَوْلُهُ جَازَ الْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ الْجَزَاءِ لِمَا عَلِمْت مِنْ كَرَاهَتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ عِنْدَنَا أَيْ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ حَيْثُ قَالَ عَلَيْهِ دَمٌ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ. وَاعْتَرَضَ عَلَى اللُّبَابِ حَيْثُ ذَكَرَهُ فِي مُبَاحَاتِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ مَا ذَكَرَهُ فِي مَكْرُوهَاتِهِ وَقَالَ فَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ وَإِلْقَاءُ الْقَبَاءِ وَنَحْوِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَبِيرِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَمْنُوعَ عَنْهُ لُبْسُ الْمَخِيطِ اللُّبْسَ الْمُعْتَادَ وَلَعَلَّ وَجْهَ كَرَاهَةِ إلْقَاءِ نَحْوِ الْقَبَاءِ وَالْعَبَاءِ عَلَى الْكَتِفَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 (وَعِمَامَةٍ) وَقَلَنْسُوَةٍ (وَخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَيَقْطَعَهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ) عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ فَيَجُوزُ لُبْسُ السَّرْمُوزَةِ لَا الْجَوْرَبَيْنِ (وَثَوْبٍ صُبِغَ بِمَا لَهُ طِيبٌ) كَوَرْسٍ وَهُوَ الْكُرْكُمُ وَعُصْفُرٍ وَهُوَ زَهْرُ الْقُرْطُمِ (إلَّا بَعْدَ زَوَالِهِ) بِحَيْثُ لَا يَفُوحُ فِي الْأَصَحِّ (لَا) يَتَّقِي (الِاسْتِحْمَامَ) لِحَدِيثِ الْبَيْهَقِيّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَخَلَ الْحَمَّامَ فِي الْجُحْفَةِ» (وَالِاسْتِظْلَالَ بِبَيْتٍ وَمَحْمَلٍ لَمْ يُصِبْ رَأْسَهُ أَوْ وَجْهَهُ فَلَوْ أَصَابَ أَحَدَهُمَا كُرِهَ) كَمَا مَرَّ (وَشَدَّ هِمْيَانٍ) بِكَسْرِ الْهَاءِ   [رد المحتار] أَنَّهُ كَثِيرًا مَا يُلْبَسُ كَذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعِمَامَةٍ) بِالْكَسْرِ وَقَلَنْسُوَةٍ مَا يُلْبَسُ فِي الرَّأْسِ كَالْعَرْقِيَّةِ وَالتَّاجِ وَالطَّرْبُوشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَخُفَّيْنِ) أَيْ لِلرِّجَالِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَلْبَسُ الْمَخِيطَ وَالْخُفَّيْنِ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُمَا لَا يَقْطَعُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ الْمَالِ بِغَيْرِ حَاجَةٍ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَمَا عُزِيَ إلَى الْإِمَامِ مِنْ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ إذَا قَطَعَهُمَا مَعَ وُجُودِ النَّعْلَيْنِ خِلَافُ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ فَيَقْطَعُهُمَا) أَمَّا لَوْ لَبِسَهُمَا قَبْلَ الْقَطْعِ يَوْمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَفِي أَقَلَّ صَدَقَةٌ لُبَابٌ (قَوْلُهُ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ) الَّذِي فِي الْحَدِيثِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَهُوَ أَفْصَحُ مِمَّا هُنَا ابْنُ كَمَالٍ وَالْمُرَادُ قَطْعُهُمَا بِحَيْثُ يَصِيرُ الْكَعْبَانِ وَمَا فَوْقَهُمَا مِنْ السَّاقِ مَكْشُوفًا لَا قَطْعُ مَوْضِعِ الْكَعْبَيْنِ فَقَطْ كَمَا لَا يَخْفَى وَالنَّعْلُ هُوَ الْمِدَاسُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ مَا يَلْبَسُهُ أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ مِمَّنْ لَهُ شِرَاكٌ (قَوْلُهُ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ) وَهُوَ الْمَفْصِلُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ كَذَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، بِخِلَافِهِ فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ الْعَظْمُ النَّاتِئُ أَيْ الْمُرْتَفِعُ وَلَمْ يُعَيِّنْ فِي الْحَدِيثِ أَحَدَهُمَا لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْكَعْبُ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا حُمِلَ عَلَى الْأَوَّلِ احْتِيَاطًا لِأَنَّ الْأَحْوَطَ فِيمَا كَانَ أَكْثَرَ كَشْفًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَيَجُوزُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا فُهِمَ مِمَّا قَبْلَهُ وَهُوَ جَوَازُ لُبْسِ مَا لَا يُغَطِّي الْكَعْبَ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ وَالسُّرْمُوزَةِ قِيلَ هُوَ الْمُسَمَّى بِالْبَابُوجِ. وَذَكَرَ ح أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا الَّتِي يُقَالُ لَهَا الصِّرْمَةُ. قُلْت: الْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الصِّرْمَةَ الْمَعْرُوفَةَ الْآنَ هِيَ الَّتِي تُشَدُّ فِي الرِّجْلِ مِنْ الْعَقِبِ وَتَسْتُرُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ سَتْرُهُ فَيَجِبُ إذَا لَبِسَهَا أَنْ لَا يَشُدَّهَا مِنْ الْعَقِبِ، وَإِذَا كَانَ وَجْهُهَا أَوْ وَجْهُ الْبَابُوجِ طَوِيلًا، بِحَيْثُ يَسْتُرُ الْكَعْبَ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ يَقْطَعُ الزَّائِدَ السَّاتِرَ أَوْ يَحْشُو فِي دَاخِلِهِ خِرْقَةً بِحَيْثُ تَمْنَعُ دُخُولَ الْقَدَمِ كُلِّهَا وَلَا يَصِلُ وَجْهُهُ إلَى الْكَعْبِ وَقَدْ فَعَلْت ذَلِكَ وَقْتَ الْإِحْرَامِ احْتِرَازًا عَنْ قَطْعِ وَجْهِ الْبَابُوجِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِتْلَافِ (قَوْلُهُ وَثَوْبٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى قَمِيصٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَثَوْبًا بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ قَمِيصٍ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَخِيطَ وَغَيْرَهُ لَكِنَّ لُبْسَ الْمَخِيطِ الْمُطَيَّبِ تَتَعَدَّدُ فِيهِ الْفِدْيَةُ عَلَى الرَّجُلِ كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ بِمَا لَهُ طِيبٌ) أَيْ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْكُرْكُمُ) فِيهِ نَظَرٌ. فَفِي الصِّحَاحِ: الْكُرْكُمُ الزَّعْفَرَانُ وَفِيهِ أَيْضًا وَالْوَرْسُ: نَبْتٌ أَصْفَرُ يَكُونُ بِالْيَمَنِ يُتَّخَذُ مِنْهُ الْغَمْرَةُ لِلْوَجْهِ وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الْقَانُونَ الْوَرْسُ شَيْءٌ أَحْمَرُ قَانٍ يُشْبِهُ سَحِيقَ الزَّعْفَرَانِ وَهُوَ مَجْلُوبٌ مِنْ الْيَمَنِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ بِحَيْثُ لَا يَتَنَاثَرُ. وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلتَّطَيُّبِ، لَا لِلتَّنَاثُرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ ثَوْبٌ مَصْبُوغٌ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَلَا يَتَنَاثَرُ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ يُمْنَعُ مِنْهُ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى بَحْرٌ. (قَوْلُهُ لَا يَتَّقِي الِاسْتِحْمَامَ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي مُبَاحَاتِ الْإِحْرَامِ وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُزِيلَ الْوَسَخَ بِأَيِّ مَاءٍ كَانَ بَلْ يَقْصِدُ الطَّهَارَةَ أَوْ رَفْعَ الْغُبَارِ وَالْحَرَارَةِ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ الْبَيْهَقِيّ إلَخْ) ذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَلَمْ يُعْرَفْ الْحَمَّامُ بِبِلَادِهِمْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ وَالِاسْتِظْلَالَ إلَخْ) أَيْ قَصْدَ الِانْتِفَاعِ بِظِلِّ بَيْتٍ مِنْ شَعْرٍ أَوْ مَدَرٍ وَمَحْمِلٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ أَوْ عَكْسِهِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَسَتْرَ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ (قَوْلُهُ وَشَدَّ هِمْيَانٍ) هُوَ شَيْءٌ يُشْبِهُ تِكَّةَ السَّرَاوِيلِ يُشَدُّ عَلَى الْوَسَطِ وَتُوضَعُ فِيهِ الدَّرَاهِمُ شُمُنِّيٌّ، وَفِي الْقَامُوسِ هُوَ التِّكَّةُ وَالْمِنْطَقَةُ وَكِيسٌ لِلنَّفَقَةِ يُشَدُّ فِي الْوَسَطِ اهـ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ النَّفَقَةِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَلَا بَيْنَ شَدِّهِ فَوْقَ الْإِزَارِ أَوْ تَحْتَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 (فِي وَسَطِهِ وَمِنْطَقَةٍ وَسَيْفٍ وَسِلَاحٍ وَتَخَتُّمٍ) زَيْلَعِيٌّ لِعَدَمِ التَّغْطِيَةِ وَاللُّبْسِ (وَاكْتِحَالً بِغَيْرِ مُطَيِّبٍ) فَلَوْ اكْتَحَلَ بِمُطَيِّبٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَلَوْ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ دَمٌ سِرَاجِيَّةٌ (وَ) لَا يَتَّقِي (خِتَانًا وَفَصْدًا وَحِجَامَةً وَقَلْعَ ضِرْسِهِ وَجَبْرَ كَسْرٍ وَحَكَّ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ) لَكِنْ بِرِفْقٍ إنْ خَافَ سُقُوطَ شَعْرِهِ أَوْ قَمْلِهِ فَإِنَّ فِي الْوَاحِدَةِ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ وَفِي الثَّلَاثِ كَفٍّ مِنْ طَعَامٍ غُرَرُ الْأَحْكَامِ (وَأَكْثَرَ) الْمُحْرِمُ (التَّلْبِيَةَ) نَدْبًا (مَتَى صَلَّى) وَلَوْ نَفْلًا (أَوْ عَلَا شَرَفًا أَوْ هَبَطَ وَادِيًا أَوْ لَقِيَ رَكْبًا) جَمْعُ رَاكِبٍ أَوْ جَمْعًا مُشَاةً وَكَذَا لَوْ لَقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا (أَوْ أَسْحَرَ) دَخَلَ فِي السَّحَرِ إذْ التَّلْبِيَةُ فِي الْإِحْرَامِ كَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ (رَافِعًا) اسْتِنَانًا (صَوْتَهُ بِهَا بِلَا جَهْدٍ)   [رد المحتار] لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ حِفْظَ الْإِزَارِ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَدَّ إزَارَهُ بِحَبْلٍ مَثَلًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَمِنْطَقَةٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَتُسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ كَمَا مَرَّ فِي الْعَيْنِيِّ (قَوْلُهُ وَسَيْفٍ) أَيْ وَشَدَّ سَيْفٍ أَيْ شَدَّ حَمَائِلِهِ فِي وَسَطِهِ (قَوْلُهُ وَسِلَاحٍ) تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ وَهُوَ مَا يُقَاتِلُ بِهِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الدِّرْعُ لِأَنَّهُ يُلْبَسُ (قَوْلُهُ وَتَخَتُّمٍ وَاكْتِحَالٍ) عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ وَلَا يَتَّقِي شَدَّ تَخَتُّمٍ وَاكْتِحَالٍ، وَلَا مَعْنَى لَهُ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالشَّدِّ الِاسْتِعْمَالُ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْمُقَيَّدِ وَإِرَادَةِ الْمُطْلَقِ مَجَازًا مُرْسَلًا، وَلَوْ قَالَ وَتَخَتُّمًا وَاكْتِحَالًا لَسَلِمَ مِنْ هَذَا ح وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ أَيْضًا بِالْجَرِّ عَلَى الْجِوَارِ، أَوْ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ التَّغْطِيَةِ وَاللُّبْسِ) الْأَوَّلُ رَاجِعٌ لِلِاسْتِظْلَالِ بِالْبَيْتِ وَالْمَحْمَلِ وَالثَّانِي لِمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) الْمُرَادُ بِهَا عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ نِصْفُ صَاعٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَثِيرًا) أَيْ ثَلَاثًا فَأَكْثَرَ بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ فَالْمُرَادُ الْكَثْرَةُ فِي الْفِعْلِ لَا فِي نَفْسِ الطِّيبِ الْمُخَالِطِ، فَلَا يَلْزَمُ الدَّمُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَ الطِّيبُ كَثِيرًا فِي الْكُحْلِ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ وَفَصْدًا) أَيْ وَإِنْ لَزِمَ تَعْصِيبُ الْيَدِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ تَعْصِيبَ غَيْرِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ إنَّمَا يُكْرَهُ لَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ (قَوْلُهُ وَحِجَامَةٍ) أَيْ بِلَا إزَالَةِ شَعْرٍ لُبَابٌ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَمٌ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ) أَيْ كَتَمْرَةٍ وَكِسْرَةِ خُبْزٍ (قَوْلُهُ وَفِي الثَّلَاثِ) أَيْ مِنْ الشَّعْرِ وَالْقَمْلِ وَأَمَّا الْأَكْثَرُ فَسَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَفْلًا) كَذَا فِي الْبَدَائِع، وَخَصَّهُ الطَّحَاوِيُّ فِي الْمَكْتُوبَاتِ دُونَ النَّوَافِلِ وَالْفَوَائِتِ فَأَجْرَاهَا مَجْرَى التَّكْبِيرِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالتَّعْمِيمِ أَوْلَى فَتْحٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ الْمُوَافِقُ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَا شَرَفًا) أَيْ صَعِدَ مَكَانًا مُرْتَفِعًا (قَوْلُهُ جَمْعُ رَاكِبٍ) أَيْ اسْمُ جَمْعٍ وَهُمْ أَصْحَابُ الْإِبِلِ فِي السَّفَرِ، وَلَا يُطْلَقُ عَلَى دُونِ الْعَشَرَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ دَخَلَ فِي السَّحَرِ) هُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ (قَوْلُهُ كَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ) فَكَمَا أَنَّ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ يُؤْتَى بِهِ عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ كَذَلِكَ التَّلْبِيَةُ ح وَلِذَا قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَيُسْتَحَبُّ إكْثَارُهَا قَائِمًا وَقَاعِدًا رَاكِبًا وَنَازِلًا وَاقِفًا وَسَائِرًا طَاهِرًا وَمُحْدِثًا جُنُبًا وَحَائِضًا، وَعِنْدَ تَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ وَعِنْدَ إقْبَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَعِنْدَ كُلِّ رُكُوبٍ وَنُزُولٍ وَإِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ أَوْ اسْتَعْطَفَ رَاحِلَتَهُ. وَقَالَ أَيْضًا: وَيُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ ثَلَاثًا عَلَى الْوِلَاءِ وَلَا يَقْطَعُهَا بِكَلَامٍ، وَلَوْ رَدَّ السَّلَامَ فِي خِلَالِهَا جَازَ وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانُوا جَمَاعَةً لَا يَمْشِي أَحَدٌ عَلَى تَلْبِيَةِ الْآخَرِ بَلْ كُلُّ إنْسَانٍ يُلَبِّي بِنَفْسِهِ وَيُلَبِّي فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَمِنًى وَعَرَفَاتٍ لَا فِي الطَّوَافِ وَسَعْيِ الْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ رَافِعًا صَوْتَهُ بِهَا) إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مِصْرٍ أَوْ امْرَأَةً لُبَابٌ زَادَ شَارِحُهُ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يُشَوِّشَ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَالطَّائِفِينَ (قَوْلُهُ اسْتِنَانًا) فَإِنْ تَرَكَهُ كَانَ مُسِيئًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَتْحٌ، وَقِيلَ اسْتِحْبَابًا وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ شَرْحُ اللُّبَابِ. مَطْلَبٌ فِي حَدِيثِ " أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ " (قَوْلُهُ بِلَا جَهْدٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَبِالدَّالِ أَيْ تَعَبِ النَّفْسِ بِغَايَةِ رَفْعِ الصَّوْتِ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا جَاءَ «أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ» أَيْ أَفْضَلُ أَفْرَادِ الْحَجِّ حَجٌّ يَشْتَمِلُ عَلَى هَذَا لَا أَفْضَلُ أَفْعَالِهِ إذْ الطَّوَافُ وَالْوُقُوفُ أَفْضَلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ (وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ) الْحَرَامِ بَعْدَمَا يَأْمَنُ عَلَى أَمْتِعَتِهِ دَاخِلًا مِنْ بَابِ السَّلَامِ نَهَارًا نَدْبًا مُلَبِّيًا مُتَوَاضِعًا خَاشِعًا مُلَاحَظًا جَلَالَةَ الْبُقْعَةِ وَيُسَنُّ الْغُسْلُ لِدُخُولِهَا وَهُوَ لِلنَّظَافَةِ فَيَجُبُّ لِحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ (وَحِينَ شَاهَدَ الْبَيْتَ كَبَّرَ) ثَلَاثًا وَمَعْنَاهُ اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ الْكَعْبَةِ (وَهَلَّلَ) لِئَلَّا يَقَعَ نَوْعُ شِرْكٍ (ثُمَّ) ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ لِأَنَّهُ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ مَا لَمْ يَخَفْ   [رد المحتار] مِنْهُمَا وَالْعَجُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَالثَّجُّ إسَالَةُ الدَّمِ بِالْإِرَاقَةِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَكُونُ جَهُورِيَّ الصَّوْتِ طَبْعًا فَيَحْصُلُ الرَّفْعُ الْعَالِي مَعَ عَدَمِ تَعَبِهِ بِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ) تَمْثِيلٌ لِلْمَنْفِيِّ وَهُوَ الْجَهْدُ لَا لِلنَّفْيِ ح. مَطْلَبٌ فِي دُخُولِ مَكَّةَ (قَوْلُهُ وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ) الْمُسْتَحَبُّ دُخُولُهَا نَهَارًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ الْمُعَلَّى لِيَكُونَ مُسْتَقْبِلًا فِي دُخُولِهِ بَابَ الْبَيْتِ تَعْظِيمًا وَإِذَا خَرَجَ فَمِنْ السُّفْلَى بَحْرٌ (قَوْلُهُ نَهَارًا) قَيْدٌ لِدُخُولِ مَكَّةَ كَمَا عَلِمْت لَكِنْ لَمَّا كَانَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ عَقِبَ دُخُولِ مَكَّةَ صَحَّ كَوْنُهُ قَيْدًا لَهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ مُلَبِّيًا) هُوَ قَيْدٌ لِدُخُولِ مَكَّةَ أَيْضًا قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَيَكُونُ فِي دُخُولِهِ مُلَبِّيًا دَاعِيًا إلَى أَنْ يَصِلَ بَابَ السَّلَامِ فَيَبْدَأَ بِالْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ لِدُخُولِهَا) أَيْ مَكَّةَ بِدَلِيلِ تَأْنِيثِ الضَّمِيرِ وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ نَصٌّ فِي ذَلِكَ ح (قَوْلُهُ فَيُحَبُّ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ح (قَوْلُهُ وَمَعْنَاهُ اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ الْكَعْبَةِ) كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْأَوْلَى مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ بَحْرٌ، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ رَجَّحَ الْأَوَّلَ لِاقْتِضَاءِ الْمَقَامِ لَهُ كَمَا أَنَّ الشَّارِعَ فِي شَيْءٍ إذَا سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى يُلَاحِظُ التَّبَرُّكَ بِاسْمِهِ تَعَالَى فِيمَا شَرَعَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَهَلَّلَ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ كَبَّرَ وَهَلَّلَ ثَلَاثًا وَعِبَارَةُ ابْنِ الشَّلَبِيِّ: كَبَّرَ ثَلَاثًا وَهَلَّلَ ثَلَاثًا (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَقَعَ نَوْعُ شِرْكٍ) أَيْ بِتَوَهُّمِ الْجَاهِلِ أَنَّ الْعِبَادَةَ لِلْبَيْتِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْمُتُونِ الدُّعَاءُ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْبَيْتِ، وَهِيَ غَفْلَةٌ عَمَّا لَا يُغْفَلُ عَنْهُ فَإِنَّهُ عِنْدَهَا مُسْتَجَابٌ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يُعَيِّنْ فِي الْأَصْلِ لِمَشَاهِدِ الْحَجِّ شَيْئًا مِنْ الدَّعَوَاتِ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ يَذْهَبُ بِالرِّقَّةِ وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَنْقُولِ مِنْهَا فَحَسَنٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي فَتْحٍ: وَمِنْ أَهَمِّ الْأَدْعِيَةِ طَلَبُ الْجَنَّةِ بِلَا حِسَابٍ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُنَا مِنْ أَهَمِّ الْأَذْكَارِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي اللُّبَابِ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ، وَقِيلَ يَرْفَعُ قَالَ الْقَارِي فِي شَرْحِهِ: أَيْ لَا يَرْفَعُ وَلَوْ حَالَ دُعَائِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْمَشَاهِيرِ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا بَلْ قَالَ السُّرُوجِيُّ الْمَذْهَبُ تَرْكُهُ وَصَرَّحَ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ) فَإِنْ كَانَ حَلَالًا فَطَوَافُ التَّحِيَّةِ أَوْ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَطَوَافُ الْقُدُومِ، وَهَذَا إذَا دَخَلَ قَبْلَ النَّحْرِ، فَإِنْ دَخَلَ فِيهِ أَغْنَى طَوَافُ الْفَرْضِ عَنْ التَّحِيَّةِ أَوْ بِالْعُمْرَةِ فَطَوَافُهَا وَلَا طَوَافَ قُدُومٍ لَهَا كَذَا فِي الْفَتْحِ نَهْرٌ، وَأَفَادَ إطْلَاقُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الطَّوَافُ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ. كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ. قَالَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْهِ فِيهَا بَلْ يَصْبِرُ إلَى أَنْ يَدْخُلَ مَا لَا كَرَاهَةَ فِيهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ) أَيْ لِمَنْ أَرَادَ الطَّوَافَ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُرِدْهُ وَأَرَادَ أَنْ يَجْلِسَ فَلَا يَجْلِسُ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ مَكْرُوهًا لِلصَّلَاةِ شَرْحُ اللُّبَابِ لِلْقَارِي، وَفِي شَرْحِهِ عَلَى النُّقَايَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا فَطَوَافُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ مَكْرُوهًا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَطُفْ لَا يُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ كَمَا فَهِمَهُ بَعْضُ الْعَوَامّ. اهـ. قُلْت: لَكِنَّ قَوْلَهُمْ تَحِيَّةُ هَذَا الْمَسْجِدِ الطَّوَافُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى وَلَمْ يَطُفْ لَا يَحْصُلُ التَّحِيَّةُ إلَّا أَنْ يُخَصَّ بِتَرْكِ الطَّوَافِ بِلَا عُذْرٍ فَمَعَ الْعُذْرِ تَحْصُلُ التَّحِيَّةُ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إنَّ تَحِيَّةَ هَذَا الْمَسْجِدِ بِخُصُوصِهِ هُوَ الطَّوَافُ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ مَانِعٌ فَيُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ كَرَاهَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَخَفْ إلَخْ) أَيْ فَيُقَدِّمُ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى الطَّوَافِ أَيْ طَوَافِ التَّحِيَّةِ وَغَيْرِهَا لُبَابٌ وَشَرْحُهُ، ثُمَّ يَطُوفُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 فَوْتَ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ جَمَاعَتِهَا أَوْ الْوِتْرِ أَوْ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ فَاسْتَقْبَلَ (الْحَجَرَ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا رَافِعًا يَدَيْهِ) كَالصَّلَاةِ (وَاسْتَلَمَهُ) بِكَفَّيْهِ وَقَبَّلَهُ بِلَا صَوْتٍ، وَهَلْ يَسْجُدُ عَلَيْهِ؟ قِيلَ نَعَمْ (بِلَا إيذَاءٍ) لِأَنَّهُ سُنَّةٌ   [رد المحتار] بَحْرٌ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ لَا تَحْصُلُ بِهَا التَّحِيَّةُ مَعَ أَنَّهَا تَحْصُلُ فِي بَقِيَّةِ الْمَسَاجِدِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِأَنَّ تَحِيَّتَهُ هِيَ الطَّوَافُ دُونَ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ بَاقِي الْمَسَاجِدِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّ الْفَرْقَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّلَاةَ جِنْسٌ فَنَابَ بَعْضُهَا مَنَابَ بَعْضٍ، وَلَيْسَ الطَّوَافُ مِنْ جِنْسِهَا، وَالثَّانِي: أَنَّ صَلَاةَ الْفَرْضِ فِي الْمَسْجِدِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَالطَّوَافُ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ لَا تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ فَوْتَ الْمَكْتُوبَةِ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فَوْتَ وَقْتِهَا الْمُسْتَحَبِّ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ التَّرْتِيبُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمُصَحَّحَيْنِ فَبِالْأَوْلَى مَا هُنَا تَأَمَّلْ، وَزَادَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ فَوْتَ الْجِنَازَةِ وَزَادَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ مَا إذَا دَخَلَ فِي وَقْتِ مَنْعِ النَّاسِ مِنْ الطَّوَافِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ مَكْتُوبَةٌ اهـ وَذُكِرَ الْأَخِيرُ فِي اللُّبَابِ وَقَيَّدَهُ شَارِحُهُ بِمَا إذَا كَانَ صَاحِبَ تَرْتِيبٍ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَائِتَةِ الَّتِي فَوَّتَهَا عَمْدًا، وَوَجَبَ قَضَاؤُهَا فَوْرًا وَإِلَّا فَتَقْدِيمُ الطَّوَافِ عَلَيْهَا لَا يَضُرُّ إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الْمَكْتُوبَةِ الْوَقْتِيَّةِ إذَا قَدَّمَ عَلَيْهَا الطَّوَافَ وَقَضَاءَ الْفَائِتَةِ وَحِينَئِذٍ فَذِكْرُ الْمَكْتُوبَةِ الْوَقْتِيَّةِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْفَائِتَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَاسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ إلَخْ) أَشَارَ بِالْفَاءِ إلَى أَنَّهُ يَنْوِي الطَّوَافَ قَبْلَ الِاسْتِقْبَالِ لِمَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّهُ يَمُرُّ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي اللُّبَابِ: ثُمَّ يَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْبَيْتِ بِجَانِبِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مِمَّا يَلِي الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ، بِحَيْثُ يَصِيرُ جَمِيعُ الْحَجَرِ عَنْ يَمِينِهِ، وَيَكُونُ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِ الْحَجَرِ فَيَنْوِي الطَّوَافَ، وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ مُسْتَحَبَّةٌ وَالنِّيَّةُ فَرْضٌ، ثُمَّ يَمْشِي مَارًّا إلَى يَمِينِهِ حَتَّى يُحَاذِيَ الْحَجَرَ فَيَقِفَ بِحِيَالِهِ وَيَسْتَقْبِلُهُ وَيُبَسْمِلُ وَيُكَبِّرُ وَيَحْمَدُ وَيُصَلَّى وَيَدْعُو اهـ قَالَ شَارِحُهُ: أَيْ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ رَافِعًا يَدَيْهِ) أَيْ عِنْدَ التَّكْبِيرِ لَا عِنْدَ النِّيَّةِ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ لُبَابٌ. وَقَالَ شَارِحُهُ الْقَارِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بَعْدَ كَلَامٍ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي غَيْرِ حَالَةِ الِاسْتِقْبَالِ مَكْرُوهٌ وَأَمَّا الِابْتِدَاءُ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا أَوْ تَنْزِيهًا بِنَاءً عَلَى الْأَقْوَالِ عِنْدَنَا مِنْ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْحَجَرِ فَرْضٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ وَإِنَّمَا الْمُسْتَحَبُّ الِابْتِدَاءُ بِالنِّيَّةِ قُبَيْلَ الْحَجَرِ لِلْخُرُوجِ عَنْ الِاخْتِلَافِ. (قَوْلُهُ كَالصَّلَاةِ) أَيْ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ وَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ فِي الِاسْتِلَامِ وَعِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ يَرْفَعُ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ وَيَجْعَلُ بَاطِنَهُمَا نَحْوَ الْحَجَرِ وَالْكَعْبَةِ اهـ وَعَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا، وَمَشَى فِي النُّقَايَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى الْأَوَّلِ وَصَحَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهَا فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ (قَوْلُهُ وَاسْتَلَمَهُ) أَيْ بَعْدَ أَنْ يُرْسِلَ يَدَيْهِ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ التُّحْفَةِ قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَصِفَةُ الِاسْتِلَامِ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الْحَجَرِ وَيَضَعَ فَمَه بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيُقَبِّلَهُ (قَوْلُهُ قِيلَ نَعَمْ) جَزَمَ بِهِ فِي اللُّبَابِ وَقَالَ إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَيُكَرِّرُهُ مَعَ التَّقْبِيلِ ثَلَاثًا قَالَ شَارِحُهُ: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ رَشِيدُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ، وَكَذَا نَقَلَ السُّجُودَ عَنْ أَصْحَابِنَا الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةٍ لَكِنْ قَالَ قِوَامُ الدِّينِ الْكَاكِيُّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَسْجُدَ عِنْدَنَا لِعَدَمِ الرِّوَايَةِ فِي الْمَشَاهِيرِ اهـ وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ مَا قَالَهُ الْكَاكِيُّ فِي الْمِعْرَاجِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْفَتْحِ، وَلِذَا اعْتَرَضَ فِي النَّهْرِ عَلَى قَوْلِ الْبَحْرِ إنَّهُ ضَعِيفٌ بِأَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ أَدْرَى أَيْ إنَّ الْكَاكِيَّ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْمَاهِرِينَ، وَهُوَ أَدْرَى بِالْمَذْهَبِ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَا يَنْبَغِي تَضْعِيفُ مَا نَقَلَهُ. قُلْت: لَكِنْ اسْتَنَدَ الْكَاكِيُّ إلَى عَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْمَشَاهِيرِ، وَهُوَ لَا يَنْفِي ذِكْرَهَا فِي غَيْرِهَا، وَقَدْ اسْتَنَدَ فِي الْبَحْرِ إلَى أَنَّهُ فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْفَارُوقُ بَعْدَهُ كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَاسْتَدْرَكَ بِذَلِكَ مُنْلَا عَلِيٍّ فِي شَرْحِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 وَتَرْكُ الْإِيذَاءِ وَاجِبٌ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ يَضَعْهُمَا ثُمَّ يُقَبِّلْهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا (وَإِلَّا) يُمْكِنْهُ ذَلِكَ (يَمَسَّ) بِالْحَجَرِ (شَيْئًا فِي يَدِهِ) وَلَوْ عَصًا (ثُمَّ قَبَّلَهُ) أَيْ الشَّيْءَ (وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُمَا) أَيْ الِاسْتِلَامِ وَالْإِمْسَاسِ (اسْتَقْبَلَهُ) مُشِيرًا إلَيْهِ بِبَاطِنِ كَفَّيْهِ كَأَنَّهُ وَاضِعُهُمَا عَلَيْهِ (وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ثُمَّ يُقَبِّلُ كَفَّيْهِ وَفِي بَقِيَّةِ الرَّفْعِ فِي الْحَجِّ يَجْعَلُ كَفَّيْهِ لِلسَّمَاءِ إلَّا عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ فَلِلْكَعْبَةِ (وَطَافَ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الْقُدُومِ وَيُسَنُّ) هَذَا الطَّوَافُ (لِلْآفَاقِيِّ) لِأَنَّهُ الْقَادِمُ (وَأَخَذَ) الطَّائِفُ (عَنْ يَمِينِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ) فَتَصِيرُ الْكَعْبَةَ عَنْ يَسَارِهِ لِأَنَّ الطَّائِفَ كَالْمُؤْتَمِّ بِهَا وَالْوَاحِدُ يَقِفُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ، وَلَوْ عَكَسَ أَعَادَ مَادَامَ بِمَكَّةَ فَلَوْ رَجَعَ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَكَذَا لَوْ ابْتَدَأَ مِنْ غَيْرِ الْحَجَرِ كَمَا مَرَّ   [رد المحتار] النُّقَايَةِ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْكَاكِيِّ وَأَيَّدَ بِهِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ جَمَاعَةٍ عَنْ أَصْحَابِنَا، ثُمَّ رَأَيْت نَقْلًا عَنْ غَايَةِ السُّرُوجِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ مَالِكٌ وَحْدَهُ السُّجُودَ عَلَى الْحَجَرِ وَقَالَ إنَّهُ بِدْعَةٌ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ اهـ أَيْ عَلَى مَالِكٍ وَبِهَذَا يَتَرَجَّحُ مَا فِي الْبَحْرِ وَاللُّبَابِ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ السُّرُوجِيَّ أَيْضًا مِنْ أَهْلِ الدَّارِ فَهُوَ أَدْرَى وَالْأَخْذُ بِمَا قَالَهُ مُوَافِقًا لِلْجُمْهُورِ وَالْحَدِيثِ أَوْلَى وَأَحْرَى فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَتَرْكُ الْإِيذَاءِ وَاجِبٌ) أَيْ فَلَا يُتْرَكُ الْوَاجِبُ لِفِعْلِ السُّنَّةِ وَأَمَّا النَّظَرُ إلَى الْعَوْرَةِ لِأَجْلِ الْخِتَانِ فَلَيْسَ فِيهِ تَرْكُ الْوَاجِبِ لِفِعْلِ السُّنَّةِ لِأَنَّ النَّظَرَ مَأْذُونٌ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) أَيْ عَلَى تَقْبِيلِهِ إلَّا بِالْإِيذَاءِ أَوْ مُطْلَقًا يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَيْهِ ثُمَّ يُقَبِّلُهُمَا أَوْ يَضَعُ إحْدَاهُمَا وَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الْيُمْنَى لِأَنَّهَا الْمُسْتَعْمَلَةُ فِيمَا فِيهِ شَرَفٌ، وَلِمَا نُقِلَ عَنْ الْبَحْرِ الْعَمِيقِ مِنْ أَنَّ الْحَجَرَ " يَمِينُ اللَّهِ يُصَافِحُ بِهَا عِبَادَهُ " وَالْمُصَافَحَةُ بِالْيُمْنَى. (قَوْلُهُ وَإِلَّا يُمْكِنْهُ ذَلِكَ) أَيْ وَضْعُ يَدَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا (قَوْلُهُ يُمِسُّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ مِنْ الْإِمْسَاسِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ الْآتِي (قَوْلُهُ عَنْهُمَا) الْأَوْلَى عَنْهُ أَيْ الْإِمْسَاسِ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الِاسْتِلَامِ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا يَمَسَّ (قَوْلُهُ مُشِيرًا إلَيْهِ بِبَاطِنِ كَفَّيْهِ) أَيْ بِأَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ، وَيَجْعَلَ بَاطِنَهُمَا نَحْوَ الْحَجَرِ مُشِيرًا بِهِمَا إلَيْهِ وَظَاهِرَهُمَا نَحْوَ وَجْهِهِ هَكَذَا الْمَأْثُورُ بَحْرٌ وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْقَارِي حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ أَوْ أُذُنَيْهِ وَكَأَنَّهُ حِكَايَةٌ لِلْقَوْلَيْنِ الْمَارَّيْنِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يُقَبِّلُ كَفَّيْهِ) أَيْ بَعْدَ الْإِشَارَةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَيَفْعَلُ فِي كُلِّ شَوْطٍ عِنْدَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ مَا يَفْعَلُهُ فِي الِابْتِدَاءِ. اهـ. وَيَأْتِي تَمَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَكُلَّمَا مَرَّ بِالْحَجَرِ فَعَلَ مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ فَلِلْكَعْبَةِ) أَوْ لِلْقِبْلَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ لَكِنَّ الْأَوَّلَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ طَوَافَ الْقُدُومِ) يُسَمَّى أَيْضًا طَوَافَ التَّحِيَّةِ وَطَوَافَ اللِّقَاءِ وَطَوَافَ أَوَّلِ عَهْدٍ بِالْبَيْتِ وَطَوَافَ إحْدَاثِ الْعَهْدِ بِالْبَيْتِ، وَطَوَافَ الْوَارِدِ وَالْوُرُودِ شَرْحُ اللُّبَابِ وَيَقَعُ هَذَا الطَّوَافُ لِلْقُدُومِ مِنْ الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَوْنَهُ لِلْقُدُومِ أَوْ نَوَى غَيْرَهُ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ قَالَ فِي اللُّبَابِ: ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُحْرِمُ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ وَقَعَ طَوَافُهُ هَذَا لِلْقُدُومِ وَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْعُمْرَةِ أَوْ مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ نَوَاهُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَعَلَى الْقَارِنِ أَنْ يَطُوفَ طَوَافًا آخَرَ لِلْقُدُومِ اهـ أَيْ اسْتِحْبَابًا بَعْدَ فَرَاغِهِ عَنْ سَعْيِ الْعُمْرَةِ قَارِي. وَفِي اللُّبَابِ: وَأَوَّلُ وَقْتِهِ حِينَ دُخُولِهِ مَكَّةَ وَآخِرُهُ مِنْ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ فَإِذَا وَقَفَ فَقَدْ فَاتَ وَقْتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقِفْ فَإِلَى طُلُوعِ فَجْرِ النَّحْرِ (قَوْلُهُ لِلْآفَاقِيِّ) أَيْ لَا غَيْرُ فَتْحٌ فَلَا يُسَنُّ لِلْمَكِّيِّ وَلَا لِأَهْلِ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ دُونَهَا إلَى مَكَّةَ سِرَاجٌ وَشَرْحُ اللُّبَابِ إلَّا أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا خَرَجَ لِلْآفَاقِيِّ ثُمَّ عَادَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَعَلَيْهِ طَوَافُ الْقُدُومِ لُبَابٌ، فَهَذَا خِلَافُ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُسَنُّ لِأَهْلِ الْمَوَاقِيتِ وَدَاخِلِهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ يَمِينِ الطَّائِفِ لَا الْحَجَرِ وَقَوْلُهُ مِمَّا يَلِي الْبَابَ: أَيْ بَابَ الْكَعْبَةِ تَأْكِيدٌ لَهُ وَهَذَا وَاجِبٌ فِي الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَكَسَ) بِأَنْ أَخَذَ عَنْ يَسَارِهِ وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَمِينِهِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ بِوَجْهِهِ أَوْ اسْتَدْبَرَهُ وَطَافَ مُعْتَرِضًا كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ فَلَوْ رَجَعَ) أَيْ إلَى بَلَدِهِ قَبْلَ إعَادَتِهِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ ابْتَدَأَ مِنْ غَيْرِ الْحَجَرِ) أَيْ يُعِيدُهُ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ كَمَا مَرَّ أَيْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 قَالُوا وَيَمُرُّ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ (جَاعِلًا) قَبْلَ شُرُوعِهِ (رِدَاءَهُ تَحْتَ إبْطِهِ الْيُمْنَى مُلْقِيًا طَرَفَهُ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ) اسْتِنَانًا (وَرَاءَ الْحِطْمِ) وُجُوبًا لِأَنَّ مِنْهُ سِتَّةُ أَذْرُعٍ مِنْ الْبَيْتِ فَلَوْ طَافَ مِنْ الْفُرْجَةِ لَمْ يَجُزْ   [رد المحتار] فِي الْوَاجِبَاتِ (قَوْلُهُ قَالُوا إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمَّا كَانَ الِابْتِدَاءُ مِنْ الْحَجَرِ وَاجِبًا كَانَ الِابْتِدَاءُ فِي الطَّوَافِ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي فِيهَا الرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ قَرِيبًا مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مُتَعَيِّنًا، لِيَكُونَ مَارًّا بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ شَاهَدْنَاهُمْ يَبْتَدِئُونَ الطَّوَافَ وَبَعْضُ الْحَجَرِ خَارِجٌ عَنْ طَوَافِهِمْ فَاحْذَرْهُ اهـ. قُلْت: قَدَّمْنَا هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ عَنْ اللُّبَابِ، وَأَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لَا مُتَعَيِّنَةٌ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْضًا قَائِلًا فِي تَعْلِيلِهِ وَتَبِعَهُ الْقَارِي فِي شَرْحِ اللُّبَابِ لِلْخُرُوجِ عَنْ خِلَافِ مَنْ يَشْتَرِطُ الْمُرُورَ عَلَى الْحَجَرِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ وَفِي الْكَرْمَانِيِّ أَنَّهُ الْأَكْمَلُ وَالْأَفْضَلُ، ثُمَّ قَالَ الْقَارِي وَإِلَّا فَلَوْ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ مُطْلَقًا وَنَوَى الطَّوَافَ كَفَى عِنْدَنَا فِي أَصْلِ الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ الِابْتِدَاءُ مِنْ الْحَجَرِ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ فَرِيضَةٌ أَوْ شَرْطٌ. اهـ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بَعْدَمَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي قِيَامِهِ مُسَامِتًا لِلْحَجَرِ بِأَنْ وَقَفَ جِهَةَ الْمُلْتَزَمِ وَمَالَ بِبَعْضِ جَسَدِهِ لِيُقَبِّلَ الْحَجَرَ أَمَّا مَنْ قَامَ مُسَامِتًا بِجَسَدِهِ الْحَجَرَ فَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ لِأَنَّ الْحَجَرَ وَرُكْنَهُ لَا يَبْلُغُ عَرْضَ جَسَدِ الْمُسَامِتِ لَهُ وَبِهِ يَحْصُلُ الِابْتِدَاءُ مِنْ الْحَجَرِ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمُرُورُ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ عِنْدَنَا، وَلَعَلَّ الشَّارِحَ أَشَارَ إلَى ضَعْفِهِ بِلَفْظِ قَالُوا لِمَا عَلِمْته فَافْهَمْ (قَوْلُهُ قَبْلَ شُرُوعِهِ) أَيْ مِنْ حِينِ تَجَرُّدِهِ لِلْإِحْرَامِ، بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمَهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلُبْسَ إزَارٍ أَوْ رِدَاءٍ إلَخْ لَكِنْ قَدَّمْنَا تَصْحِيحَ خِلَافِهِ وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَضْطَبِعَ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الطَّوَافِ بِقَلِيلٍ اهـ فَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ قُبَيْلَ شُرُوعِهِ لَكَانَ أَصْوَبَ فَافْهَمْ. هَذَا، وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الِاضْطِبَاعَ سُنَّةٌ فِي جَمِيعِ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الضِّيَاءِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الطَّوَافِ تَرَكَهُ حَتَّى إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ مُضْطَبِعًا يُكْرَهُ لِكَشْفِهِ مَنْكِبَهُ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى أَنَّهُ لَا اضْطِبَاعَ فِي السَّعْيِ. اهـ. (قَوْلُهُ اسْتِنَانًا) أَيْ فِي كُلِّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ كَطَوَافِ الْقُدُومِ وَالْعُمْرَةِ وَكَطَوَافِ الزِّيَارَةِ إنْ كَانَ آخِرَ السَّعْيِ وَلَمْ يَكُنْ لَابِسًا، بَقِيَ مَنْ لَبِسَ الْمَخِيطَ لِعُذْرٍ هَلْ يُسَنُّ لَهُ التَّشَبُّهُ بِهِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ أَصْحَابُنَا وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ يَتَعَذَّرُ فِي حَقِّهِ أَيْ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، فَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ يُشْرَعُ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْمَنْكِبُ مَسْتُورًا بِالْمَخِيطِ لِلْعُذْرِ. قُلْت: وَالْأَظْهَرُ فِعْلُهُ شَرْحُ اللُّبَابِ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَرَاءَ الْحَطِيمِ) وَيُسَمَّى حَظِيرَةَ إسْمَاعِيلَ أَوْ هُوَ الْبُقْعَةُ الَّتِي تَحْتَ الْمِيزَابِ عَلَيْهَا حَاجِزٌ كَنِصْفِ دَائِرَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ فُرْجَةٌ سُمِّيَ بِالْحَطِيمِ لِأَنَّهُ حُطِّمَ مِنْ الْبَيْتِ أَيْ كُسِرَ وَبِالْحِجْرِ لِأَنَّهُ حُجْرٌ مِنْهُ أَيْ مُنِعَ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مِنْهُ سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنْ الْبَيْتِ) لَفْظَةُ مِنْهُ خَبَرُ أَنَّ مُقَدَّمٌ وَسِتَّةٌ اسْمُهَا مُؤَخَّرٌ وَمِنْ الْبَيْتِ صِفَةُ سِتَّةٍ وَالتَّقْدِيرُ لِأَنَّ سِتَّةَ أَذْرُعٍ كَائِنَةٌ مِنْ الْبَيْتِ ثَابِتَةٌ مِنْهُ أَوْ مِنْهُ حَالٌ مِنْ سِتَّةٍ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَمِنْ الْبَيْتِ خَبَرٌ وَهُوَ جَائِزٌ كَقَوْلِهِ لَمِّيَّةَ مُوحِشًا طَلَلٌ ط. قُلْت: وَالثَّانِي أَظْهَرُ فَافْهَمْ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَيْسَ الْحِجْرُ كُلُّهُ مِنْ الْبَيْتِ بَلْ سِتَّةُ أَذْرُعٍ مِنْهُ فَقَطْ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «سِتَّةُ أَذْرُعٍ مِنْ الْحَجِّ مِنْ الْبَيْتِ وَمَا زَادَ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَانِيهِ مِنْ الْجَوَازِ بِمَعْنَى الْحِلِّ لَا الصِّحَّةِ أَوْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيَةِ مِنْ الْإِجْزَاءِ أَيْ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ قَالَ الْقَارِي فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ: وَلَوْ طَافَ مِنْ الْفُرْجَةِ لَا يَجْزِيهِ فِي تَحْقِيقِ كَمَالِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ الطَّوَافِ كُلِّهِ لِتَحَقُّقِهِ، وَإِنْ أَعَادَ مِنْ الْحَطِيمِ وَحْدَهُ أَجْزَأَهُ بِأَنْ يَأْخُذَ عَلَى يَمِينِهِ خَارِجَ الْحِجْرِ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى آخِرِهِ ثُمَّ يَدْخُلَ الْحِجْرَ مِنْ الْفُرْجَةِ وَيَخْرُجَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ أَوْ لَا يَدْخُلُ الْحِجْر، وَهُوَ أَفْضَلُ بِأَنْ يَرْجِعَ وَيَبْتَدِئَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 كَاسْتِقْبَالِهِ احْتِيَاطًا وَبِهِ قَبْرُ إسْمَاعِيلَ وَهَاجَرَ (سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) فَقَطْ (فَلَوْ طَافَ ثَامِنًا مِنْ عَمَلِهِ بِهِ) فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ (يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْأُسْبُوعِ لِلشُّرُوعِ) أَيْ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُلْتَزِمًا بِخِلَافِ مَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ سَابِعٌ لِشُرُوعِهِ مُسْقِطًا لَا مُسْتَلْزِمًا بِخِلَافِ الْحَجِّ.   [رد المحتار] مِنْ أَوَّلِ الْحَجَر هَكَذَا يَفْعَلُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَيَقْضِي صِفَتَهُ مِنْ رَمَلٍ وَغَيْرِهِ وَلَوْ لَمْ يَعُدْ صَحَّ طَوَافُهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ. اهـ. (قَوْلُهُ كَاسْتِقْبَالِهِ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَقْبَلَهُ الْمُصَلِّي لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّ فَرْضِيَّةَ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ الْقَطْعِيِّ وَكَوْنُ الْحَطِيمِ مِنْ الْكَعْبَةِ ثَبَتَ بِالْآحَادِ فَصَارَ كَأَنَّهُ مِنْ الْكَعْبَةِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي وُجُوبِ الطَّوَافِ وَرَاءَهُ وَفِي عَدَمِ صِحَّةِ اسْتِقْبَالِهِ وَالتَّشْبِيهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي قَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَفْهُومِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَبِهِ قَبْرُ إسْمَاعِيلَ وَهَاجَرَ) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى غَايَةِ الْبَيَانِ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ابْنَ الْجَوْزِيِّ أَوْرَدَ أَنَّ قَبْرَ إسْمَاعِيلَ فِيمَا بَيْنَ الْمِيزَابِ إلَى بَابِ الْحِجْرِ الْغَرْبِيِّ. [تَنْبِيهٌ] لَمْ يَذْكُرْ الشَّاذَرْوَانَ وَهُوَ الْإِفْرِيزُ الْمُسَنَّمُ الْخَارِجُ عَنْ عُرْضِ جِدَارِ الْبَيْتِ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ، قِيلَ إنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ بَقِيَ مِنْهُ حِينَ عَمَّرَتْهُ قُرَيْشٌ كَالْحَطِيمِ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْهُ عِنْدَنَا لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ طَوَافُهُ وَرَاءَهُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَاللُّبَابِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ شَوْطٌ خَانِيَّةٌ وَهَذَا بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ لَا لِلْفَرْضِ فِي الطَّوَافِ فِي لِمَا مَرَّ أَنَّ أَقَلَّ الْأَشْوَاطِ السَّبْعَةِ وَاجِبَةٌ تُجْبَرُ بِالدَّمِ، فَالرُّكْنُ أَكْثَرُهَا بَحْرٌ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا فِي الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ أَكْثَرَ أَشْوَاطِ الصَّدْرِ لَزِمَهُ دَمٌ وَفِي الْأَقَلِّ لِكُلِّ شَوْطٍ صَدَقَةٌ. مَطْلَبٌ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَأَمَّا الْقُدُومُ فَلَمْ يُصَرِّحُوا بِمَا يَلْزَمُهُ لَوْ تَرَكَهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ، وَبَحَثَ السِّنْدِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ كَالصَّدْرِ وَنَازَعَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِأَنَّ الصَّدْرَ وَاجِبٌ بِأَصْلِهِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ بِشُرُوعِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِتَرْكِهِ شَيْءٌ سِوَى التَّوْبَةِ كَصَلَاةِ النَّفْلِ اهـ مُلَخَّصًا. وَقَدْ يُقَالُ وُجُوبُهُ بِالشُّرُوعِ بِمَعْنَى وُجُوبِ إكْمَالِهِ وَقَضَائِهِ بِإِهْمَالِهِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ وُجُوبُ الْإِتْيَانِ بِوَاجِبَاتِهِ كَصَلَاةِ النَّافِلَةِ، حَتَّى لَوْ تَرَكَ مِنْهَا وَاجِبًا وَجَبَ إعَادَتُهَا أَوْ الْإِتْيَانُ بِمَا يَجْبُرُ مَا تَرَكَهُ مِنْهَا كَالصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ ابْتِدَاءً، وَهُنَا كَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ أَقَلَّهُ تَجِبُ فِيهِ صَدَقَةٌ وَلَوْ تَرَكَ أَكْثَرَهُ يَجِبُ فِيهِ دَمٌ لِأَنَّهُ الْجَابِرُ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ فِي الطَّوَافِ كَسُجُودِ السَّهْوِ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ فِي النَّافِلَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ) أَيْ بِأَنَّهُ ثَامِنٌ لَكِنْ فَعَلَهُ بِنَاءً عَلَى الْوَهْمِ أَوْ الْوَسْوَسَةِ لَا عَلَى قَصْدِ دُخُولِ طَوَافٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ اتِّفَاقًا شَرْحُ اللُّبَابِ. قُلْت: لَكِنَّ التَّعْلِيلَ يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا لَوْ قَصَدَ الدُّخُولَ فِي طَوَافٍ آخَرَ أَيْضًا (قَوْلُهُ لِشُرُوعِهِ مُسْقِطًا لَا مُلْزِمًا) أَيْ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ لِإِسْقَاطِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَهُوَ إتْمَامُ السَّبْعَةِ لَا مُلْزِمًا نَفْسَهُ بِشَوْطٍ مُسْتَأْنَفٍ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ إكْمَالُهُ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ ثَامِنٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْحَجِّ) فَإِنَّهُ إذَا شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ بَحْرٌ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الطَّوَافَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ مِثْلِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَوْ شَرَعَ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْإِسْقَاطِ بِأَنْ ظَنَّ أَنَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ لَا يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ إلَّا الْحَجَّ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْفَصْلِ. [تَنْبِيهٌ] لَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الْأَشْوَاطِ فِي طَوَافِ الرُّكْنِ أَعَادَهُ وَلَا يَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ إذَا كَانَ يُكْثِرَ ذَلِكَ يَتَحَرَّى، وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِعَدَدٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِمَا لُبَابٌ قَالَ شَارِحُهُ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي أَشْوَاطِ غَيْرِ الرُّكْنِ لَا يُعِيدُهُ بَلْ يَبْنِي عَلَى غَلَبَةِ ظَنِّهِ لِأَنَّ غَيْرَ الْفَرْضِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 وَاعْلَمْ أَنَّ مَكَانَ الطَّوَافِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَلَوْ وَرَاءَ زَمْزَمَ لَا خَارِجَهُ لِصَيْرُورَتِهِ طَائِفًا بِالْمَسْجِدِ لَا بِالْبَيْتِ وَلَوْ خَرَجَ مِنْهُ أَوْ مِنْ السَّعْيِ إلَى جِنَازَةٍ أَوْ مَكْتُوبَةٍ أَوْ تَجْدِيدِ وُضُوءٍ ثُمَّ عَادَ بَنَى وَجَازَ فِيهِمَا أَكْلٌ وَبَيْعٌ وَإِفْتَاءٌ وَقِرَاءَةٌ لَكِنَّ الذِّكْرَ أَفْضَلُ مِنْهَا وَفِي مَنْسَكِ النَّوَوِيِّ الذِّكْرُ الْمَأْثُورُ أَفْضَلُ وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْثُورِ فَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ فَلْيُرَاجَعْ   [رد المحتار] عَلَى التَّوْسِعَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي حُكْمِ الرُّكْنِ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ. اهـ. (قَوْلُهُ مَكَانَ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ أَنَّ فَهُوَ اسْمُ مَكَان لَا ظَرْفُ مَكَان لِأَنَّ ظَرْفَ الْمَكَانِ لَا يَقَعُ اسْمَ إنَّ لِأَنَّ اسْمَهَا مُبْتَدَأٌ فِي الْأَصْلِ وَقَوْلُهُ: دَاخِلٌ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُهَا وَقَوْلُهُ: لَا خَارِجَهُ عَطْفٌ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ فِيهِمَا النَّصْبُ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَالْمُتَعَلِّقُ خَبَرُ إنَّ فَيَكُونُ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْأَخَصِّ فِي الْأَعَمِّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ وَرَاءَ زَمْزَمَ) أَوْ الْمَقَامِ أَوْ السَّوَارِيِّ أَوْ عَلَى سَطْحِهِ وَلَوْ مُرْتَفِعًا عَلَى الْبَيْتِ لُبَابٌ (قَوْلُهُ لَا بِالْبَيْتِ) لِأَنَّ حِيطَانَ الْمَسْجِدِ تَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْحِيطَانُ مُتَهَدِّمَةً يَصِحُّ وَحَقَّقَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ بَنَى) أَيْ عَلَى مَا كَانَ طَافَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ فَتْحٌ. قُلْت: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِقْبَالَ لِلْإِكْمَالِ بِالْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْأَشْوَاطِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي اللُّبَابِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ فِي فَضْلِ مُسْتَحَبَّاتِ الطَّوَافِ: وَمِنْهَا اسْتِئْنَافُ الطَّوَافِ لَوْ قَطَعَهُ أَوْ فَعَلَهُ عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ قَالَ شَارِحُهُ لَوْ قَطَعَهُ أَيْ وَلَوْ بِعُذْرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا قَبْلَ إتْيَانِ أَكْثَرِهِ اهـ بَقِيَ مَا إذَا حَضَرَتْ الْجِنَازَةُ أَوْ الْمَكْتُوبَةُ فِي أَثْنَاءِ الشَّوْطِ هَلْ يُتِمُّهُ أَوْ لَا؟ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ عِنْدَنَا وَيَنْبَغِي عَدَمُ الْإِتْمَامِ إذَا خَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ مَعَ الْإِمَامِ وَإِذَا عَادَ لِلْبِنَاءِ هَلْ يَبْنِي مِنْ مَحَلِّ انْصِرَافِهِ أَوْ يَبْتَدِئُ الشَّوْطَ مِنْ الْحَجَرِ؟ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ قِيَاسًا عَلَى مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ نَقَلَهُ عَنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ التَّابِعِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْفَتْحِ بَنَى عَلَى مَا كَانَ طَافَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ] إذَا خَرَجَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ كُرِهَ وَلَا يَبْطُلُ فَقَدْ قَالَ فِي اللُّبَابِ وَلَا مُفْسِدَ لِلطَّوَافِ وَعَدَّ مِنْ مَكْرُوهَاتِهِ تَفْرِيقَهُ أَيْ الْفَصْلَ بَيْنَ أَشْوَاطِهِ تَفْرِيقًا كَثِيرًا وَكَذَا قَالَ فِي السَّعْيِ بَلْ ذَكَرَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ لَوْ فَرَّقَ السَّعْيَ تَفْرِيقًا كَثِيرًا كَأَنْ سَعَى كُلَّ يَوْمٍ شَوْطًا أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَبْطُلْ سَعْيُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَأْنِفَ (قَوْلُهُ وَجَازَ فِيهِمَا أَكْلٌ وَبَيْعٌ) الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي اللُّبَابِ كَرَاهَةُ الْبَيْعِ فِيهِمَا وَكَرَاهَةُ الْأَكْلِ فِي الطَّوَافِ لَا السَّعْيِ، وَمِثْلُ الْبَيْعِ الشِّرَاءُ وَعَدَّ الشُّرْبَ فِيهِمَا مِنْ الْمُبَاحَاتِ (قَوْلُهُ لَكِنَّ الذِّكْرَ أَفْضَلُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الطَّوَافِ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ التَّجْنِيسِ وَقَالَ وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الَّذِي هُوَ جَمِيعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ يُكْرَهُ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِ وَلَا بَأْسَ بِقِرَاءَتِهِ فِي نَفْسِهِ، وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْرَأَ فِي طَوَافِهِ وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَنْبُو مَا ذَكَرَهُ فِي التَّجْنِيسِ عَمَّا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ لِأَنَّ لَا بَأْسَ فِي الْأَكْثَرِ لِخِلَافِ الْأَوْلَى اهـ أَيْ وَمِنْ غَيْرِ الْأَكْثَرِ قَوْلُ الْمُنْتَقَى، وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى. ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَدْيَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْأَفْضَلُ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ فِي الطَّوَافِ قِرَاءَةٌ بَلْ الذِّكْرُ وَهُوَ الْمُتَوَارَثُ مِنْ السَّلَفِ وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ فَكَانَ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ فَلْيُرَاجَعْ) أَقُولُ: الْحَاصِلُ مِنْ هَذِهِ النُّقُولِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا أَنَّ الْقِرَاءَةَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَأَنَّ الذِّكْرَ أَفْضَلُ مِنْهَا مَأْثُورًا أَوَّلًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْكَامِلُ وَهُوَ الْمَأْثُورُ فَيُوَافِقُ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ النَّوَوِيِّ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، لَكِنَّ كَوْنَ الْقِرَاءَةِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِ الْمَأْثُورِ يَنْبُو عَنْهُ قَوْلُ الْمُنْتَقَى: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي طَوَافِهِ، فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِالْمَنْعِ عَنْ الْقِرَاءَةِ تَنْزِيهًا وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْمَنْعِ عَنْ ذِكْرِ غَيْرِ مَأْثُورٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَسْلَفْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُعَيِّنْ فِي الْأَصْلِ لِمَشَاهِدِ الْحَجِّ شَيْئًا مِنْ الدَّعَوَاتِ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ يَذْهَبُ بِالرِّقَّةِ وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَنْقُولِ مِنْهَا فَحَسَنٌ اهـ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّكْرِ هُنَا مُطْلَقُهُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ عَلَى خِلَافِ مَا فَصَّلَهُ النَّوَوِيُّ فَلْيُتَأَمَّلْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 (وَرَمَلٌ) أَيْ مَشْيٌ بِسُرْعَةٍ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَى وَهَزِّ كَتِفَيْهِ (فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ) اسْتِنَانًا (فَقَطْ) فَلَوْ تَرَكَهُ أَوْ نَسِيَهُ وَلَوْ فِي الثَّلَاثَةِ لَمْ يَرْمُلْ فِي الْبَاقِي، وَلَوْ زَحَمَهُ النَّاسُ وَقَفَ حَتَّى يَجِدَ فُرْجَةً فَيَرْمُلُ بِخِلَافِ الِاسْتِلَامِ لِأَنَّ لَهُ بَدَلًا (مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ) فِي كُلِّ شَوْطٍ (وَكُلَّمَا مَرَّ بِالْحَجَرِ فَعَلَ مَا ذُكِرَ) مِنْ الِاسْتِلَامِ (وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ) الْيَمَانِيَّ (وَهُوَ مَنْدُوبٌ) لَكِنْ بِلَا تَقْبِيلٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ سُنَّةٌ وَيُقَبِّلُهُ وَالدَّلَائِلُ تُؤَيِّدُهُ وَيُكْرَهُ اسْتِلَامُ غَيْرِهِمَا (وَخَتَمَ الطَّوَافَ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ اسْتِنَانًا ثُمَّ صَلَّى شَفْعًا)   [رد المحتار] [تَنْبِيهٌ] وَرَدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ «رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً» إلَخْ وَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَنْعُ عَنْ قِرَاءَةِ مَا لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ أَوْ قَالَهُ عَلَى قَصْدِ الذِّكْرِ أَوْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَرَمَلٍ) أَيْ فِي كُلِّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ وَإِلَّا فَلَا كَالِاضْطِبَاعِ بَدَائِعُ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي الْغَايَةِ لَوْ كَانَ قَارِنًا وَقَدْ رَمَلَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ لَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ طَافَ لِلتَّحِيَّةِ مُحْدِثًا وَسَعَى بَعْدَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْمُلَ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَيَسْعَى بَعْدَهُ لِحُصُولِ الْأَوَّلِ بَعْدَ طَوَافٍ نَاقِصٍ وَإِنْ لَمْ يَعُدُّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَهَزِّ كَتِّفِيهِ) مَصْدَرٌ مَجْرُورٌ مَعْطُوفٌ عَلَى تَقَارُبٍ، وَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ جَعْلِهِ فِعْلًا مَعْطُوفًا عَلَى مَشَى (قَوْلُهُ اسْتِنَانًا) فَفِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا» فَتْحٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يُسَنُّ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي الثَّلَاثَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَوْ مَشَى شَوْطًا ثُمَّ تَذَكَّرَ لَا يَرْمُلُ إلَّا فِي شَوْطَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي الثَّلَاثَةِ لَا يَرْمُلُ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ أَيْ لِأَنَّ تَرْكَ الرَّمَلِ فِي الْأَرْبَعَةِ سُنَّةٌ، فَلَوْ رَمَلَ فِيهَا كَانَ تَارِكًا لِلسُّنَّتَيْنِ وَتَرْكُ إحْدَاهُمَا أَسْهَلُ بَحْرٌ، وَلَوْ رَمَلَ فِي الْكُلِّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلْوَالِجِيَّةٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ تَنْزِيهًا لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَقَفَ) وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ يَمْشِي حَتَّى يَجِدَ الرَّمَلَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ وُقُوفَهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ قَارِي عَلَى النُّقَايَةِ وَفِي شَرْحِهِ عَلَى اللُّبَابِ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ بَيْنَ الْأَشْوَاطِ وَأَجْزَاءِ الطَّوَافِ سُنَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَلْ قِيلَ وَاجِبَةٌ فَلَا يَتْرُكُهَا لِسُنَّةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا. اهـ. قُلْت: يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ جَمْعًا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ الزَّحْمَةُ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَقَفَ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَى الطَّوَافِ مُسْتَحَبَّةٌ فَيَتْرُكُهَا لِسُنَّةِ الرَّمَلِ الْمُؤَكَّدَةِ وَإِنْ حَصَلَتْ فِي الْأَثْنَاءِ فَلَا يَقِفُ لِئَلَّا تَفُوتَ الْمُوَالَاةُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ لَهُ بَدَلًا) وَهُوَ الْإِشَارَةُ إلَى الْحَجَرِ وَالرَّمَلُ لَا بَدَلَ لَهُ (قَوْلُهُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ) لَا إلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ كَمَا قِيلَ (قَوْلُهُ فِي كُلِّ شَوْطٍ) أَيْ مِنْ الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ وَكُلَّمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْأَشْوَاطِ السَّبْعَةِ (قَوْلُهُ مِنْ الِاسْتِلَامِ) فَهُوَ سُنَّةٌ بَيْنَ كُلِّ شَوْطَيْنِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة: أَنَّهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ سُنَّةٌ، وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ أَدَبٌ بَحْرٌ وَوَفَّقَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِأَنَّهُ فِي الطَّرَفَيْنِ آكَدُ مِمَّا بَيْنَهُمَا قَالَ وَكَذَا يُسَنُّ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ اهـ وَفِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الِاسْتِلَامَ اسْتَقْبَلَ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي كُلِّ تَكْبِيرٍ يَسْتَقْبِلُ بِهِ فِي كُلِّ مَبْدَإِ شَوْطٍ، وَاعْتِقَادِي أَنَّ عَدَمَ الرَّفْعِ هُوَ الصَّوَابُ وَلَمْ أَرَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خِلَافَهُ (قَوْلُهُ وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ) أَيْ فِي كُلِّ شَوْطٍ وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِلَامِ هُنَا لَمْسُهُ بِكَفَّيْهِ أَوْ بِيَمِينِهِ دُونَ يَسَارِهِ بِدُونِ تَقْبِيلٍ وَسُجُودٍ عَلَيْهِ وَلَا نِيَابَةَ عَنْهُ بِالْإِشَارَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ لَمْسِهِ لِلزَّحْمَةِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَالدَّلَائِلُ تُؤَيِّدُهُ) أَيْ تُؤَيِّدُ قَوْلَهُ بِكَوْنِهِ سُنَّةً وَبِأَنَّهُ يُقَبِّلُهُ لَكِنْ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي الْكَرْمَانِيِّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي النُّخْبَةِ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَفِي الْبَدَائِعِ: لَا خِلَافَ فِي أَنَّ تَقْبِيلَهُ لَيْسَ سُنَّةً وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: وَلَا يُقَبِّلُهُ فِي أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ اسْتِلَامُ غَيْرِهِمَا) وَهُوَ الرُّكْنُ الْعِرَاقِيُّ وَالشَّامِيُّ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا رُكْنَيْنِ حَقِيقَةً بَلْ مِنْ وَسَطِ الْبَيْتِ لِأَنَّ بَعْضَ الْحَطِيمِ مِنْ الْبَيْتِ بَدَائِعُ وَالْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ ثُمَّ صَلَّى شَفْعًا) أَيْ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِيهِمَا الْكَافِرُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 فِي وَقْتٍ مُبَاحٍ (يَجِبُ) بِالْجِيمِ عَلَى الصَّحِيحِ (بَعْدَ كُلِّ أُسْبُوعٍ عِنْدَ الْمَقَامِ) حِجَارَةٌ ظَهَرَ فِيهَا أَثَرُ قَدَمَيْ الْخَلِيلِ (أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ) وَهَلْ يَتَعَيَّنُ الْمَسْجِدُ؟ قَوْلَانِ (ثُمَّ) الْتَزَمَ الْمُلْتَزَمَ وَشَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَ (عَادَ)   [رد المحتار] وَالْإِخْلَاصَ اقْتِدَاءً بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهْرٌ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ بَعْدَهُمَا بِدُعَاءِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَوْ صَلَّى أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ جَازَ وَلَا تُجْزِئُ الْمَكْتُوبَةُ، وَلَا الْمَنْذُورَةُ عَنْهُمَا، وَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ مُصَلَّيْهِمَا بِمِثْلِهِ لِأَنَّ طَوَافَ هَذَا غَيْرُ طَوَافِ الْآخَرِ وَلَوْ طَافَ بِصَبِيٍّ لَا يُصَلِّي عَنْهُ لُبَابٌ (قَوْلُهُ فِي وَقْتٍ مُبَاحٍ) قَيْدٌ لِلصَّلَاةِ فَقَطْ فَتُكْرَهُ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ الطَّوَافِ، وَالسُّنَّةُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الطَّوَافِ، فَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا عَنْهُ إلَّا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ وَلَوْ طَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ، ثُمَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، ثُمَّ سُنَّةَ الْمَغْرِبِ، وَلَوْ صَلَّاهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ قِيلَ صَحَّتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَيَجِبُ قَطْعُهَا فَإِنْ مَضَى فِيهَا فَالْأَحَبُّ أَنْ يُعِيدَهَا لُبَابٌ وَفِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ لِمَا مَرَّ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ، وَلَوْ لِغَيْرِهِ كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَالنَّذْرِ لَا تَنْعَقِدُ فِي ثَلَاثَةٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيَّةِ أَعْنِي الطُّلُوعَ وَالِاسْتِوَاءَ وَالْغُرُوبَ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْفَجْرِ، وَصَلَاةِ الْعَصْرِ فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ مَعَ الْكَرَاهَةِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) وَقِيلَ يُسَنُّ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ بَعْدَ كُلِّ أُسْبُوعٍ) أَيْ عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يَطُوفَ أُسْبُوعًا آخَرَ، فَعَلَى الْفَوْرِ بَحْرٌ. وَفِي السِّرَاجِ يُكْرَهُ عِنْدَهُمَا الْجَمْعُ بَيْنَ أُسْبُوعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِلَا صَلَاةٍ بَيْنَهُمَا وَإِنْ انْصَرَفَ عَنْ وِتْرٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُكْرَهُ إذَا انْصَرَفَ عَنْ وِتْرٍ كَثَلَاثَةِ أَسَابِيعَ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ سَبْعَةٍ، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ أَمَّا فِيهِ فَلَا يُكْرَهُ إجْمَاعًا وَيُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ إلَى وَقْتٍ مُبَاحٍ. اهـ. وَإِذَا زَالَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ هَلْ يُكْرَهُ الطَّوَافُ قَبْلَ الصَّلَاةِ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَمْ أَرَهُ وَيَنْبَغِي الْكَرَاهَةُ لِأَنَّ الْأَسَابِيعَ حِينَئِذٍ صَارَتْ كَأُسْبُوعٍ وَاحِدٍ. اهـ. وَلَوْ تَذَكَّرَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي آخَرَ فَإِنْ قَبْلَ تَمَامِ شَوْطٍ رَفَضَهُ وَإِلَّا أَتَمَّ الطَّوَافَ وَعَلَيْهِ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَانِ لُبَابٌ، وَأَطْلَقَ الْأُسْبُوعَ فَشَمِلَ طَوَافَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ وَالنَّفَلِ، خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَ وُجُوبَ الصَّلَاةِ بِالْوَاجِبِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُسْبُوعِ الطَّوَافُ لَا الْعَدَدُ، حَتَّى لَوْ تَرَكَ أَقَلَّ الْأَشْوَاطِ لِعُذْرٍ مَثَلًا وَجَبَتْ الرَّكْعَتَانِ، وَعَلَيْهِ مُوجَبُ مَا تَرَكَ فَلْيُرَاجَعْ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: تَجِبُ بَعْدَ كُلِّ طَوَافٍ وَلَوْ أُدِّيَ نَاقِصًا فَيَتَحَمَّلُ نُقْصَانَ الْعَدَدِ، وَنُقْصَانُ الْوَصْفِ كَالطَّوَافِ مَعَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ الثَّانِي (قَوْلُهُ عِنْدَ الْمَقَامِ) عِبَارَةُ اللُّبَابِ خَلْفَ الْمَقَامِ قَالَ: وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ عَادَةً وَعُرْفًا مَعَ الْقُرْبِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ خَلْفَ الْمَقَامِ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقَامِ صَفًّا أَوْ صَفَّيْنِ، أَوْ رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ حِجَارَةٌ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ تَفْسِيرِ الْقَاضِي لَكِنْ عَبَّرَ بِحَجَرٍ بِالْإِفْرَادِ وَأَنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي كَانَ فِيهِ حِينَ قَامَ عَلَيْهِ وَدَعَا النَّاسَ إلَى الْحَجِّ وَحَرَّرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ أَنَّ الْحَجَرَ الَّذِي فِي الْمَقَامِ ارْتِفَاعُهُ مِنْ الْأَرْضِ نِصْفُ ذِرَاعٍ وَرُبُعٌ وَثُمُنٌ، وَأَعْلَاهُ مُرَبَّعٌ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ نِصْفُ ذِرَاعٍ وَرُبُعٌ وَعُمْقُ غَوْصِ الْقَدَمَيْنِ سَبْعُ قَرَارِيطَ وَنِصْفٌ (قَوْلُهُ قَوْلَانِ) لَمْ أَرَ مَنْ حَكَى الْقَوْلَيْنِ، سِوَى مَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ النَّهْرِ وَفِيهَا نَظَرٌ وَالْمَشْهُورُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّ صَلَاتَهَا فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ، وَفِي اللُّبَابِ: وَلَا تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان وَلَا تَفُوتُ فَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ تُجْبَرْ بِدَمٍ، وَلَوْ صَلَّاهَا خَارِجَ الْحَرَمِ، وَلَوْ بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى وَطَنِهِ جَازَ وَيُكْرَهُ، وَيُسْتَحَبُّ مُؤَكَّدًا أَدَاؤُهَا خَلَفَ الْمَقَامِ، ثُمَّ فِي الْكَعْبَةِ ثُمَّ فِي الْحِجْرِ تَحْتَ الْمِيزَابِ، ثُمَّ كُلِّ مَا قَرُبَ مِنْ الْحِجْرِ، ثُمَّ بَاقِي الْحِجْرِ ثُمَّ مَا قَرُبَ مِنْ الْبَيْتِ، ثُمَّ الْمَسْجِدِ ثُمَّ الْحَرَمِ، ثُمَّ لَا فَضِيلَةَ بَعْدَ الْحَرَمِ بَلْ الْإِسَاءَةُ اهـ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْتَزَمَ الْمُلْتَزَمَ إلَخْ) هُوَ مَا بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الْبَابِ هَذَا وَفِي الْفَتْحِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ زَمْزَمَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَأْتِيَ الْمُلْتَزَمَ. قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الصَّفَا، وَقِيلَ يَأْتِي الْمُلْتَزَمَ، ثُمَّ يُصَلِّي، ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ، ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 إنْ أَرَادَ السَّعْيَ (وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَخَرَجَ) مِنْ بَابِ الصَّفَا نَدْبًا (فَصَعِدَ الصَّفَا) بِحَيْثُ يَرَى الْكَعْبَةَ مِنْ الْبَابِ (وَاسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ خَانِيَّةٌ (وَرَفَعَ يَدَيْهِ) نَحْوَ السَّمَاءِ (وَدَعَا) لِخَتْمِهِ الْعِبَادَةَ (بِمَا شَاءَ) لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِرِقَّةِ الْقَلْبِ   [رد المحتار] ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ اهـ وَالثَّانِي هُوَ الْأَسْهَلُ وَالْأَفْضَلُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ شَرْحُ اللُّبَابِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مُخَالِفٌ لِلْقَوْلَيْنِ ظَاهِرًا لَكِنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ فَيُحْمَلُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ فِي طَوَافِ الصَّدْرِ أَنَّهُ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَاتِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْكَرْمَانِيُّ وَالزَّيْلَعِيُّ اهـ وَقَالَ هُنَا وَلَمْ يُذْكَرْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ إتْيَانُ زَمْزَمَ وَالْمُلْتَزَمِ فِيمَا بَيْنَ الصَّلَاةِ إلَى الصَّفَا وَلَعَلَّهُ لِعَدَمِ تَأَكُّدِهِ. مَطْلَبٌ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (قَوْلُهُ إنَّ أَرَادَ السَّعْيَ) أَفَادَ أَنَّ الْعَوْدَ إلَى الْحَجَرِ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ السَّعْيَ بَعْدَهُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا الرَّمَلُ وَالِاضْطِبَاعُ تَابِعًا لِطَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَشَارَ إلَى مَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ السَّعْيَ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ رُخْصَةٌ لِاشْتِغَالِهِ يَوْمَ النَّحْرِ بِطَوَافِ الْفَرْضِ وَالذَّبْحِ وَالرَّمْيِ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُهُ إلَى مَا بَعْدَ طَوَافِ الْفَرْضِ، لِأَنَّهُ وَاجِبٌ، فَجَعْلُهُ تَبَعًا لِلْفَرْضِ أَوْلَى كَذَا فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا اهـ لَكِنْ ذَكَرَ فِي اللُّبَابِ خِلَافًا فِي الْأَفْضَلِيَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْقَارِنِ أَمَّا الْقَارِنُ فَالْأَفْضَلُ لَهُ تَقْدِيمُ السَّعْيِ أَوْ يُسَنُّ اهـ وَأَشَارَ أَيْضًا إلَى أَنَّ السَّعْيَ بَعْدَ الطَّوَافِ فَلَوْ عَكَسَ أَعَادَ السَّعْيَ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ، وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ تَقْدِيمَ الطَّوَافِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ السَّعْيِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ تَأْخِيرَ السَّعْيِ وَاجِبٌ وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَعْدَهُ فَوْرًا وَالسُّنَّةُ الِاتِّصَالُ بِهِ بَحْرٌ، فَإِنْ أَخَّرَ لِعُذْرٍ أَوْ لِيَسْتَرِيحَ مِنْ تَعَبِهِ، فَلَا بَأْسَ وَإِلَّا فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لُبَابٌ (قَوْلُهُ مِنْ بَابِ الصَّفَا نَدْبًا) كَذَا فِي السِّرَاجِ لِخُرُوجِهِ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَفِي الْهِدَايَةِ: أَنَّ خُرُوجَهُ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَّهُ كَانَ أَقْرَبَ الْأَبْوَابِ إلَى الصَّفَا لَا أَنَّهُ سُنَّةٌ (قَوْلُهُ فَصَعِدَ الصَّفَا إلَخْ) هَذَا الصُّعُودُ وَمَا بَعْدَهُ سُنَّةٌ، فَيُكْرَهُ أَنْ لَا يَصْعَدَ عَلَيْهِمَا بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ أَيْ إذَا كَانَ مَاشِيًا بِخِلَافِ الرَّاكِبِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُرْشِدِيِّ. وَاعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ دَرَجَاتِ الصَّفَا دُفِنَتْ تَحْتَ الْأَرْضِ بِارْتِفَاعِهَا حَتَّى إنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى أَوَّلِ دَرَجَةٍ مِنْ دَرَجَاتِهَا الْمَوْجُودَةِ أَمْكَنَهُ أَنْ يَرَى الْبَيْتَ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الصُّعُودِ وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْبِدْعَةِ وَالْجَهَلَةِ مِنْ الصُّعُودِ حَتَّى يَلْتَصِقُوا بِالْجِدَارِ، فَخِلَافُ طَرِيقَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَكَبَّرَ إلَخْ) فِي اللُّبَابِ فَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيُهَلَّلُ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَدْعُو لِلْمُسْلِمِينَ وَلِنَفْسِهِ بِمَا شَاءَ وَيُكَرِّرُ الذِّكْرَ مَعَ التَّكْبِيرِ ثَلَاثًا وَيُطِيلُ الْمُقَامَ عَلَيْهِ. اهـ. أَيْ: قَدْرَ مَا يَقْرَأُ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ كَمَا فِي شَرْحِهِ عَنْ الْعِدَّةِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ) اقْتَصَرَ فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى ذِكْرِ التَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَقَالَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِهِمَا اهـ وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ قَدَّمْنَا فِي دُعَاءِ التَّلْبِيَةِ أَنَّهُ يَخْفِضُ صَوْتَهُ بِهَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ تَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] فِي اللُّبَابِ: وَيُلَبِّي فِي السَّعْيِ الْحَاجُّ لَا الْمُعْتَمِرُ زَادَ شَارِحُهُ وَلَا اضْطِبَاعَ فِيهِ مُطْلَقًا عِنْدَنَا كَمَا حَقَقْنَاهُ فِي رِسَالَةٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ (قَوْلُهُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ) أَيْ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ لُبَابٌ وَبَحْرٌ (قَوْلُهُ لِخَتْمِهِ الْعِبَادَةَ) قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَإِنَّمَا ذَكَرَ الدُّعَاءَ هَاهُنَا وَلَمْ يَذْكُرْهُ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ لِأَنَّ الِاسْتِلَامَ حَالَةَ ابْتِدَاءِ الْعِبَادَةِ، وَهَذَا حَالَةَ خَتْمِهَا لِأَنَّ خَتْمَ الطَّوَافِ بِالسَّعْيِ وَالدُّعَاءِ يَكُونُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا لَا عِنْدَ ابْتِدَائِهَا كَمَا فِي الصَّلَاةِ اهـ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا ابْتِدَاءُ السَّعْيِ لَا خَتْمُ الطَّوْفِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ السَّعْيَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ النُّزُولِ عَنْ الصَّفَا، أَمَّا الصُّعُودُ عَلَيْهَا فَقَدْ تَحَقَّقَ عِنْدَهُ خَتْمُ الطَّوَافِ لِقَصْدِهِ الِانْتِقَالَ عَنْهُ إلَى عِبَادَةٍ أُخْرَى تَابِعَةٍ لَهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِرِقَّةِ الْقَلْبِ) أَيْ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ حِفْظِهِ لَهُ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَأْثُورِ فَحَسَنٌ (ثُمَّ مَشَى نَحْوَ الْمَرْوَةِ سَاعِيًا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ) الْمُتَّخَذَيْنِ فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ (وَصَعِدَ عَلَيْهَا وَفَعَلَ مَا فَعَلَهُ عَلَى الصَّفَا يَفْعَلُ هَكَذَا سَبْعًا يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ) الشَّوْطَ السَّابِعَ (بِالْمَرْوَةِ) فَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَمْ يَعْتَدَّ بِالْأَوَّلِ هُوَ الْأَصَحُّ وَنُدِبَ خَتْمُهُ بِرَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ كَخَتْمِ الطَّوَافِ   [رد المحتار] بِلَا حُضُورِ قَلْبٍ وَهَذَا بِخِلَافِ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي الدُّعَاءُ فِيهَا بِمَا يَحْفَظُهُ لِئَلَّا يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ مَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ فَتَفْسُدَ صَلَاتُهُ كَمَا نَقَلَهُ ط عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَأْثُورِ فَحَسَنٌ) أَيْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، وَقَدْ ذَكَرْت ذَلِكَ فِي رِسَالَتِي بُغْيَةُ النَّاسِكِ فِي أَدْعِيَةِ الْمَنَاسِكِ (قَوْلُهُ ثُمَّ مَشَى نَحْوَ الْمَرْوَةِ) قَالَ فِي اللُّبَابِ: ثُمَّ يَهْبِطُ نَحْوَ الْمَرْوَةِ سَاعِيًا ذَاكِرًا مَاشِيًا عَلَى هِينَتِهِ، حَتَّى إذَا كَانَ دُونَ الْمِيلِ الْمُعَلَّقِ فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ قِيلَ بِنَحْوِ سِتَّةِ أَذْرُعٍ سَعَى سَعْيًا شَدِيدًا فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى يُجَاوِزَ الْمِيلَيْنِ ثُمَّ يَمْشِي عَلَى هِينَتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ السَّعْيُ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ فَوْقَ الرَّمَلِ دُونَ الْعَدْوِ، وَهُوَ فِي كُلِّ شَوْطٍ أَيْ بِخِلَافِ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ فَإِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ خِلَافًا لِمَنْ جَعَلَهُ مِثْلَهُ، فَلَوْ تَرَكَهُ أَوْ هَرْوَلَ فِي جَمِيعِ السَّعْيِ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ صَبَرَ حَتَّى يَجِدَ فُرْجَةً وَإِلَّا تَشَبَّهَ بِالسَّاعِي فِي حَرَكَتِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا اهـ وَقَوْلُهُ قِيلَ بِنَحْوِ سِتَّةِ أَذْرُعٍ قَالَ شَارِحُهُ هُوَ مَنْسُوبٌ لِلشَّافِعِيِّ وَذُكِرَ أَيْضًا فِي بَعْضِ الْمَنَاسِكِ لِأَصْحَابِنَا. اهـ. قُلْت: وَنَقَلَهُ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ شَرْحِ الْوَجِيزِ وَقَالَ إنَّ الْمِيلَ كَانَ عَلَى مَتْنِ الطَّرِيقِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُبْتَدَأُ مِنْهُ السَّعْيُ، فَكَانَ يَهْدِمُهُ السَّيْلُ فَرَفَعُوهُ إلَى أَعْلَى رُكْنِ الْمَسْجِدِ، وَلِذَا سُمِّيَ مُعَلَّقًا فَوَقَعَ مُتَأَخِّرًا عَنْ ابْتِدَاءِ السَّعْيِ بِسِتَّةِ أَذْرُعٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعٌ أَلِيقُ مِنْهُ وَالْمِيلُ الثَّانِي مُتَّصِلٌ بِدَارِ الْعَبَّاسِ اهـ وَنَقَلَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَيْضًا وَأَقَرَّهُ، وَنَقَلَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ مَنْسَكِ ابْنِ الْعَجَمِيِّ وَالطَّرَابُلُسِيِّ وَالْبَحْرِ الْعَمِيقِ وَغَيْرِهِمْ. قُلْت: وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْمُتُونِ سَاعِيًا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ الْمُتَّخَذَيْنِ) فِي نُسْخَةٍ الْمَنْحُوتَيْنِ (قَوْلُهُ وَصَعِدَ عَلَيْهَا) أَيْ بِاعْتِبَارِ الزَّمَنِ الْأَوَّلِ أَمَّا الْآنَ فَمَنْ وَقَفَ عَلَى الدَّرَجَةِ الْأُولَى، بَلْ عَلَى أَرْضِهَا يَصْدُقُ أَنَّهُ طَلَعَ عَلَيْهَا شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَفَعَلَ مَا فَعَلَهُ عَلَى الصَّفَا) أَيْ مِنْ الِاسْتِقْبَالِ بِأَنْ يَمِيلَ إلَى يَمِينِهِ أَدْنَى مَيْلٍ لِيَتَوَجَّهَ إلَى الْبَيْتِ، وَإِلَّا فَالْبَيْتُ لَا يَبْدُو الْيَوْمَ لِحَجْبِهِ بِالْبُنْيَانِ، وَمِنْ التَّكْبِيرِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالثَّنَاءِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ يَبْدَأُ بِالصَّفَا إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الذَّهَابَ إلَى الْمَرْوَةِ شَوْطٌ وَالْعَوْدَ مِنْهَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنَّ الذَّهَابَ وَالْعَوْدَ شَوْطٌ وَاحِدٌ كَالطَّوَافِ فَإِنَّهُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ شَوْطٌ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ فَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْوَاجِبَاتِ (قَوْلُهُ وَنُدِبَ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَقَوْلُهُ كَخَتْمِ الطَّوَافِ لِيَكُونَ خَتْمُ السَّعْيِ كَخَتْمِ الطَّوَافِ كَمَا أَنَّ مَبْدَأَهُمَا بِالِاسْتِلَامِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقِيَاسِ إذْ فِيهِ نَصٌّ وَهُوَ مَا رَوَى «الْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ قَالَ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَلَّمَ حِينَ فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ جَاءَ حَتَّى إذَا حَاذَى الرُّكْنَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَافِ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّائِفِينَ أَحَدٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي حَذْوَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ سُتْرَةٌ.» وَتَمَامُهُ فِيهِ. مَطْلَبٌ فِي عَدَمِ مَنْعِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ الْعَلَّامَةُ قُطْبُ الدِّينِ فِي مَنْسَكِهِ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ تَلَامِذَةِ الْكَمَالِ بْنِ الْهُمَامِ فِي حَاشِيَةِ الْفَتْحِ إذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْنَعَ الْمَارَّ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّائِفِينَ لِأَنَّ الطَّوَافَ صَلَاةٌ فَصَارَ كَمَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 (ثُمَّ سَكَنَ بِمَكَّةَ مُحْرِمًا) بِالْحَجِّ وَلَا يَجُوزُ فَسْخُ الْحَجِّ بِالْعُمْرَةِ عِنْدَنَا (وَطَافَ بِالْبَيْتِ نَفْلًا مَاشِيًا) بِلَا رَمَلٍ وَسَعْيٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ نَافِلَةً لِلْآفَاقِيِّ وَقَلْبُهُ لِلْمَكِّيِّ. وَفِي الْبَحْرِ: يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِزَمَنِ الْمَوْسِمِ وَإِلَّا فَالطَّوَافُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا (وَخَطَبَ الْإِمَامُ) أُولَى خُطَبِ الْحَجِّ الثَّلَاثِ (سَابِعَ ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَ) بَعْدَ (صَلَاةِ الظُّهْرِ)   [رد المحتار] بَيْنَ يَدَيْهِ صُفُوفٌ مِنْ الْمُصَلِّينَ اهـ وَقَالَ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ حَكَى عِزُّ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ عَنْ مُشْكِلَاتِ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ أَنَّ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي بِحَضْرَةِ الْكَعْبَةِ يَجُوزُ. اهـ. قُلْت: وَهَذَا فَرْعٌ غَرِيبٌ فَلْيُحْفَظْ (قَوْلُهُ ثُمَّ سَكَنَ بِمَكَّةَ مُحْرِمًا) إنَّمَا عَبَّرَ بِالسُّكْنَى دُونَ الْإِقَامَةِ لِإِيهَامِهَا الْإِقَامَةَ الشَّرْعِيَّةَ، وَهِيَ لَا تَصِحُّ لِمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ إذَا دَخَلَ الْحَاجُّ مَكَّةَ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ وَنَوَى الْإِقَامَةَ نِصْفَ شَهْرٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَاتٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ اتِّحَادُ الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ صِحَّةِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ ط (قَوْلُهُ بِالْحَجِّ) إنَّمَا ذَكَرَهُ وَإِنْ كَانَ الْقَارِنُ وَالْمُتَمَتِّعُ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَابَ مَعْقُودٌ لِلْمُفْرِدِ ط (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ إلَخْ) الْأَوْلَى التَّفْرِيعُ بِالْفَاءِ عَلَى قَوْلِهِ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ: أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَفْسَخَ نِيَّةَ الْحَجِّ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِهِ، وَيَقْطَعُ أَفْعَالَهُ وَيَجْعَلُ إحْرَامَهُ وَأَفْعَالَهُ لِلْعُمْرَةِ لُبَابٌ، وَأَمَّا أَمْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ أَصْحَابَهُ إلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَمَخْصُوصٌ بِهِمْ أَوْ مَنْسُوخٌ نَهْرٌ، وَقَدْ أَوْضَحَ الْمَقَامَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ (قَوْلُهُ بِلَا رَمَلٍ وَسَعْيٍ) لِأَنَّ الرَّمَلَ وَكَذَا الِاضْطِبَاعُ تَابِعَانِ لِطَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةُ فَقَطْ، وَهَذَا الطَّوَافُ تَطَوُّعٌ فَلَا سَعْيَ بَعْدَهُ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْكَافِي لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالسَّعْيِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الطَّوَافُ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ) أَيْ تَقْيِيدُ كَوْنِ الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ أَفْضَلَ مِنْ طَوَافِ التَّطَوُّعِ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ بِزَمَنِ الْمَوْسِمِ لِأَجْلِ التَّوْسِعَةِ عَلَى الْغُرَبَاءِ وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ لِلْمَكِّيِّ وَالْآفَاقِيِّ فِي غَيْرِ الْمَوْسِمِ، وَقَدْ أَقَرَّهُ عَلَى هَذَا الْبَحْثِ فِي النَّهْرِ قُلْت: لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَنَصُّهُ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ لِأَهْلِهَا مِنْ الطَّوَافِ وَلِلْغُرَبَاءِ الطَّوَافُ أَفْضَلُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي نَفْسِهَا أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَّهَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ بِالصَّلَاةِ لَكِنَّ الْغُرَبَاءَ لَوْ اشْتَغَلُوا بِهَا لَفَاتَهُمْ الطَّوَافُ مِنْ غَيْرِ إمْكَانِ التَّدَارُكِ فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِمَا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ أَوْلَى. اهـ. مَطْلَبٌ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْعُمْرَةِ [تَنْبِيهٌ] فِي شَرْحِ الْمُرْشِدِيِّ عَلَى الْكَنْزِ قَوْلُهُمْ إنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ لَيْسَ مُرَادُهُمْ بِهِ أَنَّ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ مَثَلًا أَفْضَلُ مِنْ أَدَاءِ أُسْبُوعٍ لِأَنَّ الْأُسْبُوعَ مُشْتَمِلٌ عَلَى رَكْعَتَيْنِ مَعَ زِيَادَةٍ بَلْ مُرَادُهُمْ بِهِ أَنَّ الزَّمَنَ الَّذِي يُؤَدِّي فِيهِ أُسْبُوعًا هَلْ الْأَفْضَلُ فِيهِ أَنْ يَصْرِفَهُ لِلطَّوَافِ أَمْ يَشْغَلُهُ بِالصَّلَاةِ اهـ وَنَظِيرُهُ مَا أَجَابَ بِهِ الْعَلَّامَةُ الْقَاضِي إبْرَاهِيمُ بْنُ ظَهِيرَةَ الْمَكِّيُّ حَيْثُ سُئِلَ هَلْ الْأَفْضَلُ الطَّوَافُ أَوْ الْعُمْرَةُ مِنْ أَنَّ الْأَرْجَحَ تَفْضِيلُ الطَّوَافِ عَلَى الْعُمْرَةِ إذَا شَغَلَ بِهِ مِقْدَارَ زَمَنِ الْعُمْرَةِ إلَّا إذَا قِيلَ إنَّهَا لَا تَقَعُ إلَّا فَرْضَ كِفَايَةٍ فَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ. [تَتِمَّةٌ] سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ دُخُولِ الْبَيْتِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى إيذَاءِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَهَذَا مَعَ الزَّحْمَةِ قَلَّمَا يَكُونُ نَهْرٌ. مَطْلَبٌ فِي دُخُولِ الْبَيْتِ الشَّرِيفِ قُلْت: وَكَذَا إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى دَفْعِ الرِّشْوَةِ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْحَجَبَةُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مُنْلَا عَلِيٌّ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى الدُّخُولِ عِنْدَ ذِكْرِ الشَّارِحِ لَهُ فِي الْفُرُوعِ آخِرَ الْحَجِّ (قَوْلُهُ أُولَى خُطَبِ الْحَجِّ الثَّلَاثِ) ثَانِيهَا بِعَرَفَةَ قَبْلَ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ ثَالِثُهَا بِمِنًى فِي الْيَوْمِ الْحَادِيَ عَشَرَ، فَيَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ خُطْبَةٍ بِيَوْمٍ وَكُلُّهَا خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ بِلَا جِلْسَةٍ فِي وَسَطِهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 وَكُرِهَ قَبْلَهُ (وَعَلَّمَ فِيهَا الْمَنَاسِكَ فَإِذَا صَلَّى بِمَكَّةَ الْفَجْرَ) يَوْمَ التَّرْوِيَةِ (ثَامِنَ الشَّهْرِ خَرَجَ إلَى مِنًى) قَرْيَةٍ مِنْ الْحَرَمِ عَلَى فَرْسَخٍ مِنْ مَكَّةَ (وَمَكَثَ بِهَا إلَى فَجْرِ عَرَفَةَ ثُمَّ) بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ (رَاحَ إلَى عَرَفَاتٍ) عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ (وَ) عَرَفَاتٌ (كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا وَادٍ مِنْ الْحَرَمِ غَرْبِيَّ مَسْجِدِ عَرَفَةَ (فَبَعْدَ الزَّوَالِ قَبْلَ) صَلَاةِ (الظُّهْرِ خَطَبَ الْإِمَامُ) فِي الْمَسْجِدِ   [رد المحتار] إلَّا خُطْبَةَ يَوْمِ عَرَفَةَ وَكُلُّهَا بَعْدَمَا صَلَّى الظُّهْرَ إلَّا بِعَرَفَةَ، وَكُلُّهَا سُنَّةٌ لُبَابٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ وَلَا الشَّارِحُ الْخُطْبَةَ الثَّالِثَةَ فِي مَوْضِعِهَا (قَوْلُهُ وَكُرِهَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الزَّوَالِ سِرَاجٌ. مَطْلَبٌ فِي الرَّوَاحِ إلَى عَرَفَاتٍ (قَوْلُهُ وَعَلَّمَ فِيهَا الْمَنَاسِكَ) أَيْ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَيْهَا يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْ كَيْفِيَّةِ الْإِحْرَامِ وَالْخُرُوجِ إلَى مِنًى وَالْمَبِيتِ بِهَا وَالرَّوَاحِ مِنْهَا إلَى عَرَفَةَ وَالصَّلَاةِ بِهَا وَالْوُقُوفِ فِيهَا وَالْإِفَاضَةِ مِنْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ جَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْحَاجُّ إلَى تَمَامِ حَجِّهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا خُطَبٌ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ خَيْرٌ (قَوْلُهُ فَإِذَا صَلَّى بِمَكَّةَ الْفَجْرَ إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ ظَاهِرُ هَذَا التَّرْتِيبِ إعْقَابُ صَلَاةِ الْفَجْرِ بِالْخُرُوجِ إلَى مِنًى وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ وَاسْتَحْسَنَ فِي الْمُحِيطِ كَوْنَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَهُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْوُونَ إبِلَهُمْ فِيهِ اسْتِعْدَادًا لِلْوُقُوفِ يَوْمَ عَرَفَةَ إذْ لَمْ يَكُنْ فِي عَرَفَاتٍ مَاءٌ جَارٍ كَزَمَانِنَا شَرْحُ اللُّبَابِ. [فَائِدَةٌ] فِي مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ: هُوَ الثَّامِنُ وَالْيَوْمُ التَّاسِعُ عَرَفَةُ وَالْعَاشِرُ النَّحْرُ، وَالْحَادِيَ عَشَرَ الْقَرُّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ لِأَنَّهُمْ يَقِرُّونَ فِيهِ بِمِنًى، وَالثَّانِي عَشَرَ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ، وَالثَّالِثَ عَشَرَ النَّفْرُ الثَّانِي (قَوْلُهُ وَمَكَثَ بِهَا إلَى فَجْرِ عَرَفَةَ) أَفَادَ طَلَبَ الْمَبِيتِ بِهَا فَإِنَّهُ سُنَّةٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمِنًى وَيُقِيمَ بِهَا إلَى صَبِيحَةِ عَرَفَةَ اهـ وَيُصَلِّيَ الْفَجْرَ بِهَا لِوَقْتِهَا الْمُخْتَارِ، وَهُوَ زَمَانُ الْإِسْفَارِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ بِغَلَسٍ، فَكَأَنَّهُ قَاسَهُ عَلَى فَجْرِ مُزْدَلِفَةَ وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ الْأَفْضَلُ شَرْحُ اللُّبَابِ. وَفِي مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ: وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ مِنْ دُخُولِهِمْ أَرْضَ عَرَفَاتٍ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ فَخَطَأٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، وَيَفُوتُهُمْ بِسَبَبِهِ سُنَنٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا الصَّلَوَاتُ بِمِنًى وَالْمَبِيتُ بِهَا، وَالتَّوَجُّهُ مِنْهَا إلَى نَمِرَةَ وَالنُّزُولُ بِهَا وَالْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ قَبْلَ دُخُولِ عَرَفَاتٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ اهـ وَقَوْلُهُ: وَالتَّوَجُّهُ مِنْهَا إلَى نَمِرَةَ وَالنُّزُولُ بِهَا فِيهِ عِنْدَنَا كَلَامٌ يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ ثُمَّ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) لَمَّا كَانَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ مُوهِمَةً كَعِبَارَةِ الْكَنْزِ خِلَافَ الْمُرَادِ قَيَّدَهَا بِذَلِكَ تَبَعًا لِلْفَتْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ، قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَشَرْحِ الْكَرْخِيِّ وَالْإِيضَاحِ وَغَيْرِهَا قَالَ فِي الْإِيضَاحِ وَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ عَرَفَةَ خَرَجَ إلَى عَرَفَاتٍ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ كَذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ دَفَعَ قَبْلَهُ جَازَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى اهـ وَمِثْلُهُ فِي السِّرَاجِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ رَاحَ إلَى عَرَفَاتٍ) قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ وَيَنْزِلُ بِعَرَفَاتٍ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ إلَّا الطَّرِيقَ وَقُرْبَ جَبَلِ الرَّحْمَةِ أَفْضَلُ وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ فِي نَمِرَةَ أَفْضَلُ لِنُزُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ قُلْنَا نَمِرَةُ مِنْ عَرَفَةَ وَنُزُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ لَمْ يَكُنْ عَنْ قَصْدٍ اهـ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَنْزِلَ الْإِمَامُ بِنَمِرَةَ وَلِمَا نَقَلُوهُ عَنْ الْإِمَامِ رَشِيدِ الدِّينِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَدْخُلَ عَرَفَةَ حَتَّى يَنْزِلَ بِنَمِرَةَ قَرِيبًا مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ، وَوَفَّقَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِأَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمَامِ لَا غَيْرِهِ أَوْ بِأَنَّ النُّزُولَ أَوَّلًا بِنَمِرَةَ ثُمَّ بِقُرْبِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْجَبَلِ الَّذِي يَلِي مَسْجِدَ الْخِيفِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ مَوْضِعُ وُقُوفٍ نَهْرٌ (قَوْلُهُ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) فَلَا يَصِحُّ الْوُقُوفُ بِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ) أَيْ مَعَ ضَمِّ الْعَيْنِ كَهُمَزَةٍ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ فَبَعْدَ الزَّوَالِ خَطَبَ إلَخْ) أَيْ فَإِذَا وَصَلَ إلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 (خُطْبَتَيْنِ كَالْجُمُعَةِ وَعَلَّمَ فِيهَا الْمَنَاسِكَ وَ) بَعْدَ الْخُطْبَةِ (صَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ) وَقِرَاءَةٍ سَرِيَّةٍ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَا بَعْدَ أَدَاءِ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ. (وَشُرِطَ) لِصِحَّةِ هَذَا الْجَمْعِ   [رد المحتار] عَرَفَةَ وَمَكَثَ بِهَا دَاعِيًا مُصَلِّيًا ذَاكِرًا مُلَبِّيًا، فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ اغْتَسَلَ أَوْ تَوَضَّأَ وَالْغُسْلُ أَفْضَلُ، ثُمَّ سَارَ إلَى الْمَسْجِدِ أَيْ مَسْجِدِ نَمِرَةَ بِلَا تَأْخِيرٍ، فَإِذَا بَلَغَهُ صَعِدَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ الْمِنْبَرَ، وَيَجْلِسُ عَلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا فَرَغَ قَامَ الْإِمَامُ فَخَطَبَ خُطْبَتَيْنِ، فَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى، وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيُلَبِّي، وَيُهَلَّلُ وَيُكَبِّرُ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَعِظُ النَّاسَ، وَيَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْمَنَاسِكَ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةَ وَالْجَمْعِ بِهِمَا وَالرَّمْيِ وَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ وَالطَّوَافِ، وَسَائِرِ الْمَنَاسِكِ الَّتِي إلَى الْخُطْبَةِ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ يَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى، وَيَنْزِلُ لُبَابٌ، فَإِنْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ أَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ جَوْهَرَةٌ وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ جَازَ أَيْ صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. (قَوْلُهُ وَبَعْدَ الْخُطْبَةِ صَلَّى بِهِمْ) ظَاهِرُهُ عَدَمُ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ صَرِيحُ قَوْلِ الْبَدَائِعِ، فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ أَقَامَ الْمُؤَذِّنُونَ وَيُصَلِّي الْإِمَامُ إلَخْ وَنَحْوُهُ فِي اللُّبَابِ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ: أَنَّهُ يُؤَخِّرُ هَذَا الْجَمْعَ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَنَحْوِهِ فِي شَرْحِ قَاضِي خَانْ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَأْخِيرُ الْوُقُوفِ، وَيُنَافِي حَدِيثَ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْخُطْبَةَ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الزَّوَالِ فَلَا تَقَعُ الصَّلَاةُ فِي آخِرِهِ (قَوْلُهُ بِأَذَانٍ) أَيْ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَهُوَ وَاحِدٌ وَقَوْلُهُ: وَإِقَامَتَيْنِ أَيْ يُقِيمُ لِلظُّهْرِ ثُمَّ يُصَلِّيهَا ثُمَّ يُقِيمُ لِلْعَصْرِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ لِبَيَانِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَقِرَاءَةٍ سَرِيَّةٍ) لِأَنَّهُمَا صَلَاتَا نَهَارٍ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) أَيْ وَلَا السُّنَّةَ الرَّاتِبَةَ قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَإِنْ أَخَّرَ الْإِمَامُ صَلَاةَ الْعَصْرِ لَا يُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ التَّطَوُّعُ بَيْنَهُمَا إلَى أَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ فِي الْعَصْرِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَوْ فَعَلَ كُرِهَ وَأَعَادَ الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ لِانْقِطَاعِ فَوْرِهِ فَصَارَ كَالِاشْتِغَالِ بَيْنَهُمَا بِفِعْلٍ آخَرَ بَحْرٌ: أَيْ كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْأَذَانَ سِرَاجٌ وَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ وَالْكَافِي مِنْ اسْتِثْنَاءِ سُنَّةِ الظُّهْرِ فَخِلَافُ الْحَدِيثِ وَإِطْلَاقِ الْمَشَايِخِ فَتْحٌ. [تَنْبِيهٌ] أُخِذَ مِنْ الْعَلَّامَةِ السَّيِّدِ مُحَمَّدِ صَادِقِ بْنِ أَحْمَدَ بَادْشَاهْ أَنَّهُ يَتْرُكُ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ هُنَا، وَفِي الْمُزْدَلِفَةِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِمُرَاعَاةِ الْفَوْرِيَّةِ الْوَارِدَةِ فِي الْحَدِيثِ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْكَازَرُونِيُّ فِي فَتَاوَاهُ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْوَارِدَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا» فَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ بَيْنَهُمَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَرْكُ التَّكْبِيرِ وَلَا يُقَاسُ عَلَى الصَّلَاةِ لِوُجُوبِهِ دُونَهَا وَلِأَنَّ مُدَّتَهُ يَسِيرَةٌ حَتَّى لَمْ يُعَدَّ فَاصِلًا بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالرَّاتِبَةِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ التَّكْبِيرَ بَعْدَ ثُبُوتِ وُجُوبِهِ عِنْدَنَا لَا يَسْقُطُ هُنَا إلَّا بِدَلِيلٍ وَمَا ذُكِرَ لَا يَصْلُحُ لِلدَّلَالَةِ كَمَا عَلِمْته هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَا بَعْدَ أَدَاءِ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ) سَقَطَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَعَزَاهَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَى شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ. مَطْلَبٌ فِي شُرُوطِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ (قَوْلُهُ وَشُرِطَ لِصِحَّةِ هَذَا الْجَمْعِ إلَخْ) اُخْتُلِفَ فِي هَذَا الْجَمْعِ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ وَمَا قِيلَ إنَّ تَقْدِيمَ الْعَصْرِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَاجِبٌ لِصِيَانَةِ الْجَمَاعَةِ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَعْنًى ثَبَتَ شَرْحُ اللُّبَابِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ وَإِلَّا صَلَّوْا وُحْدَانًا (وَالْإِحْرَامُ) بِالْحَجِّ (فِيهِمَا) أَيْ الصَّلَاتَيْنِ (فَلَا تَجُوزُ الْعَصْرُ لِلْمُنْفَرِدِ فِي إحْدَاهُمَا) فَلَوْ صَلَّى وَحْدَهُ لَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ مَعَ الْإِمَامِ (وَلَا) يَجُوزُ الْعَصْرُ (لِمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ) قَبْلَ إحْرَامِ الْحَجِّ (ثُمَّ أَحْرَمَ إلَّا فِي وَقْتِهِ) وَقَالَا لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْعَصْرِ الْإِحْرَامُ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ،   [رد المحتار] تَنْبِيهٌ] اقْتَصَرَ مِنْ الشُّرُوطِ عَلَى الْإِمَامِ وَالْإِحْرَامِ وَزَادَ فِي اللُّبَابِ تَقْدِيمَ الظُّهْرِ عَلَى الْعَصْرِ، حَتَّى لَوْ تَبَيَّنَ لِلْإِمَامِ وُقُوعُ الظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بِغَيْرِ وُضُوءٍ وَالْعَصْرِ بَعْدَهُ أَوْ بِوُضُوءٍ أَعَادَهُمَا جَمِيعًا، وَالزَّمَانَ وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالْمَكَانَ وَهُوَ عَرَفَةُ وَمَا قَرُبَ مِنْهَا وَالْجَمَاعَةَ فَالشُّرُوطُ سِتَّةٌ. قُلْت: لَكِنَّ الْأَخِيرَ دَاخِلٌ فِي الْأَوَّلِ فَإِنَّ مَعْنَى اشْتِرَاطِ الْإِمَامِ اشْتِرَاطُ صَلَاتِهِ بِهِمْ لَا وُجُودُهُ فِيهِمْ عَلَى أَنَّهُ فِي الْبَحْرِ قَالَ إنَّ الْجَمَاعَةَ غَيْرُ شَرْطٍ، حَتَّى لَوْ لَحِقَ النَّاسَ فَزَعٌ فَصَلَّى الْإِمَامُ وَحْدَهُ الصَّلَاتَيْنِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ الْجَمْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لَكِنْ فِي حَقِّ غَيْرِ الْإِمَامِ لَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ ثُمَّ قَالَ فَمَا فِي النُّقَايَةِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالْمَجْمَعِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ ضَعِيفٌ، وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَصَحَّحَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَبِأَنَّ الْجَوَازَ فِي مَسْأَلَةِ الْفَزَعِ لِلضَّرُورَةِ. اهـ. قُلْت: مَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ يَصْلُحُ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَالتَّصْحِيحَيْنِ فَتَدَبَّرْ، ثُمَّ يَكْفِي إدْرَاكُ جُزْءٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ، حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ بَعْضَ الظُّهْرِ ثُمَّ قَامَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ ثُمَّ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْ الْعَصْرِ مَعَهُ يَكْفِي كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَاللُّبَابِ (قَوْلُهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ) أَيْ الْخَلِيفَةُ بَحْرٌ، وَقَوْلُهُ: أَوْ نَائِبُهُ أَيْ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ نَائِبُهُ أَوْ صَاحِبُ شُرَطِهِ لِأَنَّ النُّوَّابَ لَا يَنْعَزِلُونَ بِمَوْتِ الْخَلِيفَةِ بَحْرٌ، وَأَطْلَقَ الْإِمَامَ فَشَمِلَ الْمُقِيمَ وَالْمُسَافِرَ لَكِنْ لَوْ كَانَ مُقِيمًا كَإِمَامِ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْمُقِيمِينَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ وَلَا لِلْحُجَّاجِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ قَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ: كَانَ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ يَقُولُ الْعَجَبُ مِنْ أَهْلِ الْمَوْقِفِ يُتَابِعُونَ إمَامَ مَكَّةَ فِي الْقَصْرِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُمْ أَوْ يُرْجَى لَهُمْ الْخَيْرُ وَصَلَاتُهُمْ غَيْرُ جَائِزَةٍ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: كُنْت مَعَ أَهْلِ الْمَوْقِفِ فَاعْتَزَلْت، وَصَلَّيْت كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا وَأَوْصَيْت بِذَلِكَ أَصْحَابِي، وَقَدْ سَمِعْنَا أَنَّهُ يَتَكَلَّفُ وَيَخْرُجُ مَسِيرَةَ سَفَرٍ ثُمَّ يَأْتِي عَرَفَاتٍ، فَلَوْ كَانَ هَكَذَا فَالْقَصْرُ جَائِزٌ وَإِلَّا فَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا صَلَّوْا وُحْدَانًا) يُوهِمُ جَوَازَ صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ، وَعَدَمَ جَوَازِ الْجَمَاعَةِ لَوْ صُلِّيَتْ الْعَصْرُ فِي وَقْتِهَا وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، فَالْأَصْوَبُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ صَلَّوْا كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا أَفَادَهُ ح. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ وُحْدَانًا حَالٌ مِنْ الْمَفْعُولِ صَلَّوْا لَا مِنْ فَاعِلِهِ أَيْ صَلَّوْا صَلَاتَيْنِ وُحْدَانًا أَيْ غَيْرَ مَجْمُوعَاتٍ بَلْ كُلُّ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتِهَا غَايَتُهُ أَنَّ فِيهِ إطْلَاقَ الْجَمْعِ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فِيهِمَا) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ صَلَاةِ الْعَصْرِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الشَّرْطَ حُصُولُهُ عِنْدَ أَدَاءِ الصَّلَاتَيْنِ، وَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ الزَّوَالِ فِي الْأَصَحِّ وَفِي رِوَايَةٍ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ كَمَا فِي النَّهْرِ، وَقَوْلُهُ: فِيهِمَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ الْإِمَامُ وَقَوْلُهُ الْإِحْرَامُ، وَلِذَا فَرَّعَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَلَا تَجُوزُ وَقَوْلُهُ وَلَا لِمَنْ صَلَّى إلَخْ عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ (قَوْلُهُ لَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ مَعَ الْإِمَامِ) أَيْ بَلْ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا وَمِثْلُهُ مَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ فَقَطْ مَعَ الْإِمَامِ لَا يُصَلِّي الْعَصْرَ إلَّا فِي وَقْتِهَا ح (قَوْلُهُ قَبْلَ إحْرَامِ الْحَجِّ) بِأَنْ لَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا أَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَقَطْ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَحْرَمَ) أَيْ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَدَاءِ الْعَصْرِ ح (قَوْلُهُ إلَّا فِي وَقْتِهِ) أَيْ الْعَصْرِ ط (قَوْلُهُ إلَّا الْإِحْرَامَ) فَهُوَ شَرْطٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَالْحَصْرُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَذْكُورِ هُنَا أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَهُمَا الِاقْتِدَاءُ بِالْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ وَإِلَّا فَاشْتِرَاطُ الزَّمَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 وَهُوَ الْأَظْهَرُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْبُرْهَانِ (ثُمَّ ذَهَبَ إلَى الْمَوْقِفِ بِغُسْلٍ سُنَّ) (وَوَقَفَ الْإِمَامُ عَلَى نَاقَتِهِ بِقُرْبِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ) عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ (مُسْتَقْبِلًا) الْقِبْلَةَ (وَالْقِيَامُ وَالنِّيَّةُ فِيهِ) أَيْ الْوُقُوفِ (لَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَلَا وَاجِبٍ فَلَوْ كَانَ جَالِسًا جَازَ حَجُّهُ وَ) ذَلِكَ لِأَنَّ (الشَّرْطَ الْكَيْنُونَةُ فِيهِ) فَصَحَّ وُقُوفُ مُجْتَازٍ وَهَارِبٍ وَطَالِبِ غَرِيمٍ وَنَائِمٍ وَمَجْنُونٍ وَسَكْرَانَ   [رد المحتار] وَالْمَكَانِ وَتَقْدِيمُ الظُّهْرِ عَلَى الْعَصْرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا كَمَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ) لَعَلَّهُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ، وَإِلَّا فَالْمُتُونُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا، وَنَقَلَ تَصْحِيحَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَقَالَ وَاعْتَمَدَهُ بُرْهَانُ الشَّرِيعَةِ وَالنَّسَفِيُّ. (قَوْلُهُ ثُمَّ ذَهَبَ) أَيْ الْإِمَامُ مَعَ الْقَوْمِ مِنْ مَسْجِدِ نَمِرَةَ إلَى الْمَوْقِفِ أَيْ مَكَانِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ (قَوْلُهُ بِغُسْلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: صَلَّى، وَقَوْلُهُ ذَهَبَ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: أَيْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَذَهَبَ إلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ مُغْتَسِلًا فِي وَقْتِ الْجَمْعِ وَالذَّهَابِ، فَيَكُونُ حَالًا مِنْ فَاعِلِ جَمَعَ وَذَهَبَ وَالْأَوَّلُ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَالثَّانِي فِي الْكَافِي. اهـ. وَقَوْلُهُ سُنَّ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ صِفَةُ غُسْلٍ (قَوْلُهُ وَوَقَفَ الْإِمَامُ عَلَى نَاقَتِهِ) فِي الْخَانِيَّةِ وَالْأَفْضَلُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ رَاكِبًا وَلِغَيْرِهِ أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الرُّكُوبَ لِلْإِمَامِ فَقَطْ، وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالْهِدَايَةِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ السِّرَاجِ لِأَنَّهُ يَدْعُو وَيَدْعُو النَّاسُ بِدُعَائِهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَهُوَ أَبْلَغُ فِي مُشَاهَدَتِهِمْ لَهُ اهـ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ: الْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا قَرِيبًا مِنْ الْإِمَامِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ السِّرَاجِ عَنْ مَنْسَكِ ابْنِ الْعَجَمِيِّ يُكْرَهُ الْوُقُوفُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ إلَّا فِي حَالِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ لِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ اهـ وَلَمْ أَرَهُ فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ بِقُرْبِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ) أَيْ الَّذِي فِي وَسَطِ عَرَفَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ إلَالٌ كَهِلَالٍ، وَأَمَّا صُعُودُهُ كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ فَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِيهِ فَضِيلَةً بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ أَرَاضِي عَرَفَاتٍ وَادَّعَى الطَّبَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَرَدَّهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ خَبَرٌ صَحِيحٌ وَلَا ضَعِيفٌ نَهْرٌ (قَوْلُهُ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ) أَيْ الْحَجَرَاتِ السُّودِ الْمَفْرُوشَةِ فَإِنَّهَا مَظِنَّةُ مَوْقِفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرْحُ اللُّبَابِ. وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ مَنْسَكِ الْفَارِسِيِّ قَالَ قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرُ الدِّينِ: وَقَدْ اجْتَهَدْت عَلَى تَعْيِينِ مَوْقِفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَافَقَنِي عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ مُحَدِّثِي مَكَّةَ وَعُلَمَائِهَا حَتَّى حَصَلَ الظَّنُّ بِتَعْيِينِهِ، وَأَنَّهُ الْفَجْوَةُ الْمُسْتَعْلِيَةُ الْمُشْرِفَةُ عَلَى الْمَوْقِفِ الَّتِي عَنْ يَمِينِهَا وَوَرَائِهَا صَخْرَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِصَخَرَاتِ الْجَبَلِ، وَهَذِهِ الْفَجْوَةُ بَيْنَ الْجَبَلِ وَالْبِنَاءِ الْمُرَبَّعِ عَنْ يَسَارِهِ وَهِيَ إلَى الْجَبَلِ أَقْرَبُ بِقَلِيلٍ بِحَيْثُ يَكُونُ قُبَالَتَك بِيَمِينٍ إذَا اسْتَقْبَلْت الْقِبْلَةَ وَالْبِنَاءُ الْمُرَبَّعُ عَنْ يَسَارِك بِقَلِيلٍ وَرَاءَهُ. اهـ. وَنَقَلَهُ فِي اللُّبَابِ أَيْضًا بِاخْتِصَارٍ قَالَ الْقَاضِي مُحَمَّدُ عِيدٍ وَالْبِنَاءُ الْمُرَبَّعُ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِمَطْبَخِ آدَمَ وَيُعْرَفُ بِحِذَائِهِ صَخْرَةٌ مَخْرُوقَةٌ تَتْبَعُ هِيَ وَمَا حَوْلَهَا مِنْ تِلْكَ الصَّخَرَاتِ الْمَفْرُوشَةِ وَمَا وَرَاءَهَا مِنْ الصِّخَارِ السُّودِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْجَبَلِ (قَوْلُهُ وَالْقِيَامُ وَالنِّيَّةُ) مُبْتَدَأٌ وَمَعْطُوفٌ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ مِنْ الْقِيَامِ وَالنِّيَّةِ وَقَوْلُهُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لَيْسَا بِالتَّثْنِيَةِ وَتَغْلِيبُ الْمُذَكَّرِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ فَكُلٌّ مِنْ الْقِيَامِ، وَالنِّيَّةِ مُسْتَحَبٌّ كَمَا فِي اللُّبَابِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ النِّيَّةُ شَرْطًا فِي الطَّوَافِ دُونَ الْوُقُوفِ لِأَنَّ النِّيَّةَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ تَضَمَّنَتْ جَمِيعَ مَا يُفْعَلُ فِيهِ، وَالْوُقُوفُ يُفْعَلُ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِتِلْكَ النِّيَّةِ وَالطَّوَافُ يُفْعَلُ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لِأَنَّهُ يُفْعَلُ بَعْدَ التَّحْلِيلِ فَاشْتُرِطَ فِيهِ أَصْلُ النِّيَّةِ دُونَ تَعْيِينِهَا عَمَلًا بِالشَّرْطَيْنِ شَرْحُ النُّقَايَةِ لِلْقَارِي، لَكِنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَا يَشْمَلُ طَوَافَ الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ يُفْعَلُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ وَسَيُذْكَرُ آخِرَ الْبَابِ فَرْقٌ آخَرُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْكَيْنُونَةُ فِيهِ) أَيْ فِي مَحَلِّ الْوُقُوفِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ. قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا رُكْنٌ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْوُقُوفِ بِدُونِهِ نَعَمْ الْوَقْتُ شَرْطٌ اهـ أَيْ مَعَ الْإِحْرَامِ. قُلْت: وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، فَيَشْمَلُ الرُّكْنَ تَأَمَّلْ وَالْمُرَادُ بِالْكَيْنُونَةِ الْحُصُولُ فِيهِ عَلَى أَيْ وَجْهٍ كَانَ وَلَوْ نَائِمًا أَوْ جَاهِلًا بِكَوْنِهِ عَرَفَةَ أَوْ غَيْرَ صَاحٍ أَوْ مُكْرَهًا أَوْ جُنُبًا أَوْ مَارًّا مُسْرِعًا (قَوْلُهُ مُجْتَازٍ) أَيْ مَارٍّ غَيْرِ وَاقِفٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 (وَدَعَا جَهْرًا) بِجَهْدٍ (وَعَلَّمَ الْمَنَاسِكَ وَوَقَفَ النَّاسُ خَلْفَهُ بِقُرْبِهِ مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ سَامِعِينَ لِقَوْلِهِ) خَاشِعِينَ بَاكِينَ وَهُوَ مِنْ مَوَاضِعِ الْإِجَابَةِ وَهِيَ بِمَكَّةَ خَمْسَةَ عَشَرَ نَظَمَهَا صَاحِبُ النَّهْرِ فَقَالَ: دُعَاءُ الْبَرَايَا يُسْتَجَابُ بِكَعْبَةٍ ... وَمُلْتَزَمٍ وَالْمَوْقِفَيْنِ كَذَا الْحِجْر طَوَافٍ وَسَعْيٍ مَرْوَتَيْنِ وَزَمْزَمٍ ... مَقَامٍ وَمِيزَابٍ جِمَارَك تُعْتَبَرْ زَادَ فِي اللُّبَابِ: وَعِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَدَعَا جَهْرًا) وَلَا يُفْرِطُ فِي الْجَهْرِ بِصَوْتِهِ لُبَابٌ: أَيْ بِحَيْثُ يُتْعِبُ نَفْسَهُ لَكِنْ قَيَّدَ شَارِحُهُ الْجَهْرَ بِكَوْنِهِ فِي التَّلْبِيَةِ وَقَالَ وَأَمَّا الْأَدْعِيَةُ وَالْأَذْكَارُ فَبِالْخُفْيَةِ أَوْلَى. اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي السِّرَاجِ وَيَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ. وَالسُّنَّةُ أَنْ يُخْفِيَ صَوْتَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] . اهـ. (قَوْلُهُ بِجَهْدٍ) مُتَعَلِّقٌ بِدَعَا أَيْ بِاجْتِهَادٍ وَإِلْحَاحٍ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ وَرَدَ «خَيْرُ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» رَوَاهُ مَالِكٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ شَرْحُ النُّقَايَةِ لِلْقَارِي. مَطْلَبٌ الثَّنَاءُ عَلَى الْكَرِيمِ دُعَاءٌ وَقِيلَ لِابْنِ عُيَيْنَةَ هَذَا ثَنَاءٌ فَلِمَ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُعَاءً فَقَالَ: الثَّنَاءُ عَلَى الْكَرِيمِ دُعَاءٌ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ حَاجَتَهُ فَتْحٌ. قُلْت: يُشِيرُ بِهَذَا إلَى خَبَرِ «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْته أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ» وَمِنْهُ قَوْلُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ فِي مَدْحِ بَعْضِ الْمُلُوكِ: أَأَذْكُرُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي ... ثَنَاؤُك إنَّ شِيمَتَك الْحَيَاءُ إذَا أَثْنَى عَلَيْك الْمَرْءُ يَوْمًا ... كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ مَطْلَبٌ فِي إجَابَةِ الدُّعَاءِ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَوْقِفُ مِنْ مَوَاضِعِ الْإِجَابَةِ أَيْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَكُونُ الْإِجَابَةُ أَرْجَى فِيهَا مِنْ غَيْرِهَا كَمَا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَهِيَ بِمَكَّةَ) أَيْ وَمَا قَرُبَ لِأَنَّ الْمَوْقِفَيْنِ وَمِنًى وَالْجِمَارَ لَيْسَتْ فِي مَكَّةَ (قَوْلُهُ وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا إلَخْ) كَذَا ذَكَرَهَا فِي الْفَتْحِ عَنْ رِسَالَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ: وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ اجْتَمَعَ بِجَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَلَا يَقُولُ ذَلِكَ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ. اهـ. وَنَقَلَهَا بَعْضُهُمْ عَنْ النَّقَّاشِ الْمُفَسِّرِ فِي مَنْسَكِهِ مُقَيَّدَةً بِأَوْقَاتٍ خَاصَّةٍ وَالْحَسَنُ أَطْلَقَهَا، وَذَكَرَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ نَظْمًا نَقَلَهُ ح عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فَرَاجِعْهُمَا (قَوْلُهُ بِكَعْبَةٍ) أَيْ فِيهَا (قَوْلُهُ الْمَوْقِفَيْنِ) أَيْ عَرَفَةَ وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ (قَوْلُهُ طَوَافً) أَيْ مَكَانُهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الْمَطَافُ وَهُوَ مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسْجِدًا وَإِلَّا فَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ مَطَافٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ الطَّوَافُ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَسَعْيٌ) أَيْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لَا سِيَّمَا فِيمَا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ مَرْوَتَيْنِ) أَيْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَفِيهِ تَغْلِيبٌ وَلَعَلَّهُ غَلَّبَ الْمُؤَنَّثَ عَلَى الْمُذَكَّرِ بِنَاءً عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ وَهُوَ أَنَّ الْمَرْوَةَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّفَا (قَوْلُهُ مَقَامٍ) أَيْ خَلْفَهُ كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ جِمَارُك) أَيْ الثَّلَاثُ فَبِذَلِكَ بَلَغَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ، لَكِنْ اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا دُعَاءَ فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ بَلْ فِي الْأُولَى وَالْوُسْطَى (قَوْلُهُ زَادَ فِي اللُّبَابِ إلَخْ) أَيْ لُبَابِ الْمَنَاسِكِ لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - السِّنْدِيِّ تِلْمِيذِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ اخْتَصَرَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 وَعِنْدَ السِّدْرَةِ وَالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ، وَفِي الْحِجْرِ وَفِي مِنًى فِي نِصْفِ لَيْلَةِ الْبَدْرِ (وَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ أَتَى) عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ (مُزْدَلِفَةَ) وَحْدَهَا مِنْ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ إلَى مَأْزِمَيْ مُحَسِّرٍ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَهَا مَاشِيًا وَأَنْ يُكَبِّرَ وَيُهَلِّلَ وَيَحْمَدَ وَيُلَبِّيَ سَاعَةً فَسَاعَةً وَ) الْمُزْدَلِفَةُ (كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ) هُوَ وَادٍ بَيْنَ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ، فَلَوْ وَقَفَ بِهِ أَوْ بِبَطْنِ عُرَنَةَ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَنَزَلَ عِنْدَ جَبَلِ قُزَحٍ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ لَا يَنْصَرِفُ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعَدْلِ مِنْ قَازِحٍ بِمَعْنَى مُرْتَفِعٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ وَعَلَيْهِ مِيقَدَةٌ قِيلَ كَانُونُ آدَمَ (وَصَلَّى الْعِشَاءَيْنِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ)   [رد المحتار] مِنْ مَنْسَكِهِ التَّكْبِيرَ، وَاخْتَصَرَهُ أَيْضًا بِمَنْسَكٍ أَصْغَرَ مِنْهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ السِّدْرَةِ) فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي اللُّبَابِ، بَلْ ذَكَرَهَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَهِيَ سِدْرَةٌ كَانَتْ بِعَرَفَةَ وَهِيَ الْآنَ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ تَارِيخِ مَكَّةَ لِلْعَلَامَةِ الطِّيبِيِّ، وَكَذَا عَزَاهُ بَعْضُ مَشَايِخِ مَشَايِخِنَا لِابْنِ ظَهِيرَةَ الْحَنَفِيِّ الْمَكِّيِّ فِي فَضَائِلِ مَكَّةَ (قَوْلُهُ وَفِي الْحِجْر) فِيهِ أَنَّ هَذَا هُوَ تَحْتَ الْمِيزَابِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ) وَهِيَ لَيْلَةُ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ الَّتِي يَنْزِلُونَ فِيهَا الْآنَ ط. قُلْت: وَقَدْ أَلْحَقْت هَذِهِ الْخَمْسَةَ نَظْمًا بِنَظْمِ صَاحِبِ النَّهْرِ فَقُلْت: وَرُؤْيَةُ بَيْتٍ ثُمَّ حَجَرٍ وَسِدْرَةٍ ... وَرُكْنِ يَمَانٍ مَعْ مِنًى لَيْلَةَ الْقَمَرْ (قَوْلُهُ وَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ، حَتَّى لَوْ دَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَإِنْ جَاوَزَ حُدُودَ عَرَفَةَ لَزِمَهُ دَمٌ إلَّا أَنْ يَعُودَ قَبْلَهُ وَيَدْفَعَ بَعْدَهُ فَيَسْقُطُ خِلَافًا لِزُفَرَ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَادَ بَعْدَهُ، وَلَوْ مَكَثَ بَعْدَمَا أَفَاضَ الْإِمَامُ كَثِيرًا بِلَا عُذْرٍ أَسَاءَ، وَلَوْ أَبْطَأَ الْإِمَامُ وَلَمْ يُفِضْ حَتَّى ظَهَرَ اللَّيْلُ أَفَاضُوا لِأَنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ مِنْ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ أَتَى) أَيْ أَفَاضَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ وَعَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ الْمَشْيَ بِلَا إيذَاءٍ، وَقِيلَ لَا يُسَنُّ الْإِبْضَاعُ أَيْ لَا يُسَنُّ فِي زَمَانِنَا لِكَثْرَةِ الْإِيذَاءِ لُبَابٌ وَشَرْحُهُ (قَوْلُهُ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ) أَيْ لَا عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ وَالْمَأْزِمُ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ الْأُولَى وَيَجُوزُ تَرْكُهَا كَمَا فِي رَأْسٍ وَزَايٍ مَكْسُورَةٍ، وَأَصْلُهُ الْمَضِيقُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ الطَّرِيقُ الَّذِي بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، وَهُمَا جَبَلَانِ بَيْنَ عَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةَ إسْمَاعِيلُ. وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى الْعِزِّ بْنِ جَمَاعَةَ وَأَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ، وَرُدَّ بِهِ قَوْلُ النَّوَوِيِّ إنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا بَيْنَ الْعَلَمَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا حَدُّ الْحَرَمِ وَقَالَ إنَّهُ غَرِيبٌ، وَيَحْمِلُ الْعَوَامَّ عَلَى الزَّحْمَةِ بَيْنَ الْعَلَمَيْنِ وَلَيْسَ لِذَلِكَ أَصْلٌ. (قَوْلُهُ مَاشِيًا) أَيْ إذَا قَرُبَ مِنْهَا يَدْخُلُهَا مَاشِيًا تَأَدُّبًا وَتَوَاضُعًا لِأَنَّهَا مِنْ الْحَرَمِ الْمُحْتَرَمِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَبِالرَّاءِ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مِنًى كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ لَيْسَ مِنْ مِنًى) صَوَابُهُ لَيْسَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْوُقُوفِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِبَطْنِ عُرَنَةَ) أَيْ الَّذِي قُرْبَ عَرَفَاتٍ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) أَيْ لَمْ يَصِحَّ الْأَوَّلُ عَنْ وُقُوفِ مُزْدَلِفَةَ الْوَاجِبِ، وَلَا الثَّانِي عَنْ وُقُوفِ عَرَفَاتٍ الرُّكْنِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) أَيْ خِلَافًا لِمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ جَوَازِهِ فِيهِمَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ) وَقِيلَ هُوَ مُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ مِيقَدَةٌ) قِيلَ: هِيَ أُسْطُوَانَةٌ مِنْ حِجَارَةٍ مُدَوَّرَةٍ تَدْوِيرُهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا وَطُولُهَا اثْنَا عَشَرَ، وَفِيهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً وَهِيَ عَلَى خَشَبَةٍ مُرْتَفِعَةٍ كَانَ يُوقَدُ عَلَيْهَا فِي خِلَافَةِ هَارُونِ الرَّشِيدِ الشَّمْعُ لَيْلَةَ مُزْدَلِفَةَ وَكَانَ قَبْلَهُ يُوقَدُ بِالْحَطَبِ وَبَعْدَهُ بِمَصَابِيحَ كِبَارٍ (قَوْلُهُ وَصَلَّى الْعِشَاءَيْنِ إلَخْ) أَيْ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعِشَاءِ الْأَخِيرِ قُهُسْتَانِيٌّ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ حَطِّ رِحَالِهِ بَلْ يُنِيخُ جِمَالَهُ وَيَعْقِلُهَا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا تَطَوُّعَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً عَلَى الصَّحِيحِ وَلَوْ تَطَوَّعَ أَعَادَ الْإِقَامَةَ كَمَا لَوْ اشْتَغَلَ بَيْنَهُمَا بِعَمَلٍ آخَرَ بَحْرٌ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَيُصَلِّي سُنَّةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ بَعْدَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ مَوْلَانَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 لِأَنَّ الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهَا لَمْ تَحْتَجْ لِلْإِعْلَامِ كَمَا لَا احْتِيَاجَ لِلْإِمَامِ (وَلَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ) وَالْعِشَاءَ (فِي الطَّرِيقِ أَوْ) فِي (عَرَفَاتٍ أَعَادَهُ) لِلْحَدِيثِ «الصَّلَاةُ أَمَامَك» فَتَوَقَّتَتَا بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْوَقْتِ فَالزَّمَانُ لَيْلَةُ النَّحْرِ وَالْمَكَانُ مُزْدَلِفَةُ وَالْوَقْتُ وَقْتُ الْعِشَاءِ، حَتَّى لَوْ وَصَلَ إلَى مُزْدَلِفَةٍ قَبْلَ الْعِشَاءِ لَمْ يُصَلِّ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ فَتَصْلُحَ لُغْزًا مِنْ وُجُوهٍ (مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ)   [رد المحتار] الْجَامِيُّ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ السَّامِي فِي مَنْسَكِهِ اهـ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ قُبَيْلَ بَابِ الْأَذَانِ: يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ بَعْدَ صَلَاتَيْ الْجَمْعَيْنِ فَفِيهِ كَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهَا إلَخْ) عِلَّةٌ لِلِاقْتِصَارِ هُنَا عَلَى إقَامَةِ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ الْجَمْعِ فِي عَرَفَةَ فَإِنَّهُ بِإِقَامَتَيْنِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ هُنَاكَ تُؤَدَّى فِي غَيْرِ وَقْتِهَا فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى إقَامَةٍ أُخْرَى لِلْإِعْلَامِ بِالشُّرُوعِ فِيهَا أَمَّا الثَّانِيَةُ هُنَا فَفِي وَقْتِهَا فَتَسْتَغْنِي عَنْ تَجْدِيدِ الْإِعْلَامِ كَالْوِتْرِ مَعَ الْعِشَاءِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ كَمَا لَا احْتِيَاجَ هُنَا لِلْإِمَامِ) فَلَوْ صَلَّاهُمَا مُنْفَرِدًا جَازَ خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْبُرْجُنْدِيِّ فَإِنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ شَرْحُ اللُّبَابِ. وَذَكَرَ فِي اللُّبَابِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ سُنَّةٌ فِي هَذَا الْجَمْعِ ثُمَّ قَالَ وَشَرَائِطُ هَذَا الْجَمْعِ: الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ، وَتَقْدِيمُ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ، وَالزَّمَانُ وَالْمَكَانُ، وَالْوَقْتُ إلَخْ. قَالَ شَارِحُهُ: فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمَحْبُوبِيُّ مِنْ أَنَّ الْإِحْرَامَ غَيْرُ شَرْطٍ فِيهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ هَذَا الْجَمْعَ جَمْعُ نُسُكٍ وَلَا يَكُونُ نُسُكًا إلَّا بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ اهـ وَبِهِ ظَهَرَ صِحَّةُ مَا بَحَثَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ: وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُهُ لِكَوْنِهِ فِي الْمَغْرِبِ مُؤَدِّيًا اهـ وَظَهَرَ أَنَّ مَا فِي النِّهَايَةِ وَالْهِنْدِيَّةِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْمَحْبُوبِيِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ الْعِشَاءَ بِأَوْ وَفِي بَعْضِهَا الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَغْرِبِ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُرَادَ التَّنْبِيهُ عَلَى وُجُوبِ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ عَنْ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ بِالْأَوْلَى وُجُوبُ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ، نَعَمْ عِبَارَةُ اللُّبَابِ وَلَوْ صَلَّى الصَّلَاتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا (قَوْلُهُ أَعَادَهُ) أَيْ أَعَادَ مَا صَلَّى قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّهَاوِيُّ فِي مَنْسَكِهِ هَذَا فِيمَا إذَا ذَهَبَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ مِنْ طَرِيقِهَا، أَمَّا إذَا ذَهَبَ إلَى مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ بِلَا تَوَقُّفٍ فِي ذَلِكَ وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا صَرَّحَ بِذَلِكَ سِوَى صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ ذَكَرَاهُ فِي بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، وَكَلَامُ شَارِحِ الْكَنْزِ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَهِيَ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ. اهـ. ح وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبِنَايَةِ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا اهـ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ خَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ. قُلْت: وَيُؤْخَذُ هَذَا مِنْ اشْتِرَاطِ الْمَكَانِ لِصِحَّةِ هَذَا الْجَمْعِ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمُرَّ عَلَى الْمُزْدَلِفَةِ لَزِمَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فِي الطَّرِيقِ فِي وَقْتِهَا لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَكَذَا لَوْ بَاتَ فِي عَرَفَاتٍ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ الصَّلَاةُ أَمَامَك) الْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ جَرٍّ بَدَلٍ مِنْ الْحَدِيثِ، وَخَاطَبَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسَامَةَ «لَمَّا نَزَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالشِّعْبِ فَبَالَ وَتَوَضَّأَ فَقَالَ أُسَامَةُ الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ وَقْتُهَا الْجَائِزُ أَوْ مَكَانُهَا ط (قَوْلُهُ لَيْلَةَ النَّحْرِ) سَمَّاهَا بِذَلِكَ جَرْيًا عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ، وَأَمَّا مَا مَرَّ فِي آخِرِ الِاعْتِكَافِ مِنْ تَبَعِيَّتِهَا لِلْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهَا فَذَاكَ بِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ كَمَا حَقَّقْنَاهُ هُنَاكَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْمَكَانُ مُزْدَلِفَةُ) يَرِدُ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ صَلَّاهُمَا بَعْدَ مَا جَاوَزَ الْمُزْدَلِفَةَ جَازَ. اهـ. وَعَزَاهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ إلَى الْمُنْتَقَى لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ (قَوْلُهُ وَالْوَقْتُ) الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّمَانِ هُنَا أَنَّ الثَّانِيَ أَعَمُّ. (قَوْلُهُ فَتَصْلُحُ لُغْزًا مِنْ وُجُوهٍ) أَيْ تَصْلُحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَيُقَالُ أَيُّ فَرْضٍ لَا تُطْلَبُ لَهُ الْإِقَامَةُ؟ فَالْجَوَابُ عِشَاءُ الْمُزْدَلِفَةِ إذَا لَمْ يُفْصَلْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ بِفَاصِلٍ، وَيُقَالُ أَيُّ الصَّلَاةِ تُصَلَّى فِي غَيْرِ وَقْتِهَا وَهِيَ أَدَاءٌ؟ وَأَيُّ صَلَاةٍ إذَا صُلِّيَتْ فِي وَقْتِهَا وَجَبَتْ إعَادَتُهَا؟ فَالْجَوَابُ مَغْرِبُ الْمُزْدَلِفَةِ وَأَيُّ صَلَاةٍ يَجِبُ أَنْ تُفْعَلَ فِي مَكَان مَخْصُوصٍ؟ فَالْجَوَابُ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فِي الْمُزْدَلِفَةِ فَتَأَمَّلْ وَاسْتَخْرَجَ غَيْرَهَا ح زَادَ ط وَأَيُّ عِشَاءٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 فَيَعُودُ إلَى الْجَوَازِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَخَفْ طُلُوعَ الْفَجْرِ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ خَافَهُ صَلَّاهُمَا (وَلَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ بِمُزْدَلِفَةُ صَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَعَادَ الْعِشَاءَ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْهَا حَتَّى ظَهَرَ الْفَجْرُ عَادَ الْعِشَاءُ إلَى الْجَوَازِ) وَيَنْوِي الْمَغْرِبَ أَدَاءً وَيَتْرُكُ سُنَّتَهَا وَيُحْيِيهَا فَإِنَّهَا أَشْرَفُ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ كَمَا أَفْتَى بِهِ صَاحِبُ النَّهْرِ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ شَارِحُ الْبُخَارِيِّ سِيَّمَا الْقَسْطَلَّانِيُّ بِأَنَّ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ   [رد المحتار] أُدِّيَتْ قَبْلَ الْمَغْرِبِ مِنْ صَاحِبِ تَرْتِيبٍ وَصَحَّتْ؟ فَالْجَوَابُ: عِشَاءُ الْمُزْدَلِفَةِ، وَزَادَ الرَّحْمَتِيُّ وَأَيُّ صَلَاةٍ يَخْتَلِفُ وَقْتُهَا فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ وَهِيَ مَغْرِبُ الْمُزْدَلِفَةِ وَقْتُهَا لَيْلَةُ الْعِيدِ غَيْرُ وَقْتِهَا فِي بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ، وَأَيُّ صَلَاةٍ يَخْتَلِفُ وَقْتُهَا فِي حَالَةٍ دُونَ حَالَةٍ؟ هِيَ هَذِهِ يَخْتَلِفُ وَقْتُهَا فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَأَيُّ صَلَاةٍ فَاسِدَةٍ إذَا خَرَجَ وَقْتُ الَّتِي بَعْدَهَا انْقَلَبَتْ صَحِيحَةً؟ وَأَيُّ صَلَاةٍ يُكْرَهُ الْإِتْيَانُ بِسُنَّتِهَا؟ هِيَ هَذِهِ (قَوْلُهُ فَيَعُودُ إلَى الْجَوَازِ) أَيْ الْمَغْرِبُ أَوْ مَا صَلَّاهُ مِنْ مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ فِي الْوَقْتِ قَبْلَ الْمُزْدَلِفَةِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَمْ يُجْزِهِ وَهَذَا قَوْلُهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُجْزِيهِ وَقَدْ أَسَاءَ هِدَايَةٌ أَيْ لِأَنَّ الْمَغْرِبَ الَّتِي صَلَّاهَا فِي الطَّرِيقِ إنْ وَقَعَتْ صَحِيحَةً فَلَا تَجِبُ إعَادَتُهَا لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ تَقَعْ صَحِيحَةً وَجَبَتْ فِيهِ وَبَعْدَهُ أَيْ إنْ لَمْ يُؤَدِّهَا فِيهِ وَجَبَ قَضَاؤُهَا بَعْدَهُ لِأَنَّ مَا وَقَعَ فَاسِدًا لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِمُضِيِّ الْوَقْتِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفَسَادَ مَوْقُوفٌ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي ثَانِي الْحَالِ كَمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ التَّرْتِيبِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. قُلْت: هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الصِّحَّةِ لَا عَدَمُ الْحِلِّ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ عَدَمُ جَوَازِ مَا صَلَّاهُ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ أَعَادَهُ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ صَلَّاهُمَا) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَلِّهِمَا صَارَتَا قَضَاءً (قَوْلُهُ عَادَ الْعِشَاءُ إلَى الْجَوَازِ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا، وَهَذَا كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الظُّهْرِ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا خَمْسًا وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْمَتْرُوكَةِ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ صَلَّى السَّادِسَةَ عَادَ إلَى الْجَوَازِ اهـ. وَاسْتَشْكَلَ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ التَّرْتِيبِ، وَهُوَ فَرْضٌ يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ كَتَرْتِيبِ الْوِتْرِ عَلَى الْعِشَاءِ قَالَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى سَاقِطِ التَّرْتِيبِ، أَوْ عَلَى عَوْدِهَا إلَى الْجَوَازِ إذَا صَلَّى خَمْسًا بَعْدَهَا اهـ وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ بَلْ الظَّاهِرُ سُقُوطُ التَّرْتِيبِ هُنَا بِقَرِينَةِ التَّنْظِيرِ بِقَوْلِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَهَذَا كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ وَعَنْ هَذَا قَالَ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ أَبُو السُّعُودِ لَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ تَرْتِيبٍ أَوْ لَا فَتُزَادُ هَذِهِ عَلَى مُسْقِطَاتِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَنْوِي الْمَغْرِبَ أَدَاءً) كَذَا فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ. وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى قَوْلِ الْبَحْرِ إنَّهَا قَضَاءٌ مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ بَعْدَهُ بِأَنَّ وَقْتَهَا وَقْتُ الْعِشَاءِ (قَوْلُهُ وَيَتْرُكُ سُنَّتَهَا) الْمُوَافِقُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجَامِيُّ أَنَّهُ يَقُولُ وَيُؤَخِّرُ سُنَّتَهَا (قَوْلُهُ وَيُحْيِيهَا) يَعْنِي لَيْلَةَ الْعِيدِ بِأَنْ يَشْتَغِلَ فِيهَا أَوْ فِي مُعْظَمِهَا بِالْعِبَادَةِ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ قِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ دِرَاسَةِ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ إلَخْ قَالَ ح أَيْ فِي حَدِّ ذَاتِهَا لَا فِي حَقِّ مَنْ كَانَ بِمُزْدَلِفَةَ (قَوْلُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ صَاحِبُ النَّهْرِ وَغَيْرُهُ) عِبَارَةُ النَّهْرِ وَقَدْ وَقَعَ السُّؤَالُ فِي شَرَفِهَا عَلَى لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَكُنْت مِمَّنْ مَالَ إلَى ذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّهَا أَفْضَلُ لَيَالِي السَّنَةِ اهـ وَكَلَامُهُ كَمَا تَرَى فِي تَفْضِيلِهَا عَلَى لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ لَا عَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ، نَعَمْ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ شَامِلٌ لِلَّيْلَةِ الْقَدْرِ لَكِنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ أَفْتَى بِهِ صَاحِبُ النَّهْرِ. اهـ. ح. مَطْلَبٌ فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ لَيْلَةِ الْعِيدِ وَلَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَعَشْرِ رَمَضَانَ (قَوْلُهُ وَجَزَمَ إلَخْ) تَأْيِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَإِذَا كَانَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلَ مِنْهُ لَزِمَ تَفْضِيلُهُ عَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَلَيْلَةُ الْعِيدِ أَفْضَلُ لَيَالِي الْعَشْرِ فَتَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 (وَصَلَّى الْفَجْرَ بِغَلَسٍ) لِأَجْلِ الْوُقُوفِ (ثُمَّ وَقَفَ) بِمُزْدَلِفَةِ، وَوَقْتُهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَوْ مَارًّا كَمَا فِي عَرَفَةَ، لَكِنْ لَوْ تَرَكَهُ بِعُذْرٍ كَزَحْمَةٍ   [رد المحتار] قَالَ ط وَذَكَرَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ فِي حَدِيثِ «أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ» مَا نَصُّهُ لِاجْتِمَاعِ أُمَّهَاتِ الْعِبَادَاتِ فِيهِ وَهِيَ الْأَيَّامُ الَّتِي أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا بِقَوْلِهِ {وَالْفَجْرِ} [الفجر: 1] {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 2] فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ هَذَا الْخَبَرُ، وَأَخَذَ بِهِ الْبَعْضُ، لَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى خِلَافِهِ. وَقَالَ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ عَلَّقَ نَحْوَ طَلَاقٍ أَوْ نَذْرٍ بِأَفْضَلِ الْأَعْشَارِ أَوْ الْأَيَّامِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَالصَّوَابُ أَنَّ لَيَالِيَ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ لَيَالِي ذِي الْحِجَّةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا فَضُلَ لِيَوْمَيْ النَّحْرِ وَعَرَفَةَ، وَعَشْرِ رَمَضَانَ إنَّمَا فَضُلَ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ اهـ. قُلْت: وَنَقَلَ الرَّحْمَتِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ مَا يُفِيدُ التَّوْفِيقَ، وَهُوَ أَنَّ أَيَّامَ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ رَمَضَانَ وَلَيَالِي الثَّانِي أَفْضَلُ مِنْ لَيَالِي الْأَوَّلِ لِأَنَّ أَفْضَلَ مَا فِي الثَّانِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَبِهَا ازْدَادَ شَرَفُهُ، وَازْدِيَادُ شَرَفِ الْأَوَّلِ بِيَوْمِ عَرَفَةَ. اهـ. وَهَذَا مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْقَيِّمِ كَالصَّرِيحِ فِي أَفْضَلِيَّةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَلَى لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ تَفْضِيلُهَا عَلَى لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ لِمَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ مِنْ تَفْضِيلِ لَيْلَةِ النَّحْرِ عَلَى لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا حَدِيثُ مُسْلِمٍ «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ شَمْسٌ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي لَيْلَتِهَا لَا فِي يَوْمِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ الْجُمُعَةِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ يَوْمَهَا أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَتِهَا أَيْ لِأَنَّ فَضِيلَةَ لَيْلَتِهَا لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ فِي الْيَوْمِ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْمِعْرَاجِ: وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ إذَا وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةٍ» ذَكَرَهُ فِي تَجْرِيدِ الصِّحَاحِ بِعَلَامَةِ الْمُوَطَّإِ. اهـ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ آخِرَ الْحَجِّ. وَنَقَلَ ط عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ أَفْضَلَ اللَّيَالِي لَيْلَةُ مَوْلِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، ثُمَّ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ، ثُمَّ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، ثُمَّ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، ثُمَّ لَيْلَةُ الْعِيدِ (قَوْلُهُ وَصَلَّى الْفَجْرَ بِغَلَسٍ) أَيْ ظُلْمَةٍ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَلَا يُسَنُّ ذَلِكَ عِنْدَنَا إلَّا هُنَا وَكَذَا يَوْمُ عَرَفَةَ فِي مِنًى عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى خِلَافِهِ (قَوْلُهُ لِأَجْلِ الْوُقُوفِ) أَيْ لِأَجْلِ امْتِدَادِهِ. . مَطْلَبٌ فِي الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ وَقَفَ) هَذَا الْوُقُوفُ وَاجِبٌ عِنْدَنَا لَا سُنَّةٌ، وَالْبَيْتُوتَةُ بِمُزْدَلِفَةَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ إلَى الْفَجْرِ لَا وَاجِبَةٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا كَمَا فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ (قَوْلُهُ وَوَقْتُهُ إلَخْ) أَيْ وَقْتُ جَوَازِهِ. قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَأَوَّلُ وَقْتِهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَآخِرُهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْهُ، فَمَنْ وَقَفَ بِهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَقَدْرُ الْوَاجِبِ مِنْهُ سَاعَةٌ وَلَوْ لَطِيفَةً وَقَدْرُ السَّنَةِ امْتِدَادُ الْوُقُوفِ إلَى الْإِسْفَارِ جِدًّا، وَأَمَّا رُكْنُهُ فَكَيْنُونَتُهُ بِمُزْدَلِفَةَ سَوَاءٌ كَانَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ فِعْلِ غَيْرِهِ بِأَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ سَكْرَانُ نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ عَلِمَ بِهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لُبَابٌ (قَوْلُهُ كَزَحْمَةٍ) عِبَارَةُ اللُّبَابِ إلَّا إذَا كَانَ لِعِلَّةٍ أَوْ ضَعْفٍ، أَوْ يَكُونُ امْرَأَةً تَخَافُ الزِّحَامَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَلَمْ يُقَيِّدْ فِي الْمُحِيطِ خَوْفَ الزِّحَامِ بِالْمَرْأَةِ بَلْ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الرَّجُلَ. اهـ. قُلْت: وَهُوَ شَامِلٌ لِخَوْفِ الزَّحْمَةِ عِنْدَ الرَّمْيِ، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ لَيْلًا لِيَرْمِيَ قَبْلَ دَفْعِ النَّاسِ وَزَحْمَتِهِمْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَا شَكَّ أَنَّ الزَّحْمَةَ عِنْدَ الرَّمْيِ وَفِي الطَّرِيقِ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ فِي زَمَانِنَا، فَيَلْزَمُ مِنْهُ سُقُوطُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 بِمُزْدَلِفَةَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَلَبَّى وَصَلَّى) عَلَى الْمُصْطَفَى (وَدَعَا، وَإِذَا أَسْفَرَ) جِدًّا (أَتَى مِنًى) مُهَلِّلًا مُصَلِّيًا، فَإِذَا بَلَغَ بَطْنَ مُحَسِّرٍ أَسْرَعَ قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ لِأَنَّهُ مَوْقِفُ النَّصَارَى (وَرَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي) وَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا مِنْ فَوْقُ   [رد المحتار] وَاجِبِ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ، فَالْأَوْلَى تَقْيِيدُ خَوْفِ الزَّحْمَةِ بِالْمَرْأَةِ، وَيُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمُحِيطِ عَلَيْهِ لِكَوْنِ ذَلِكَ عُذْرًا ظَاهِرًا فِي حَقِّهَا يَسْقُطُ بِهِ الْوَاجِبُ بِخِلَافِ الرَّجُلِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا خَافَ الزَّحْمَةَ لِنَحْوِ مَرَضٍ، وَلِذَا قَالَ فِي السِّرَاجِ إلَّا إذَا كَانَتْ بِهِ عِلَّةٌ أَوْ مَرَضٌ أَوْ ضَعْفٌ فَخَافَ الزِّحَامَ فَدَفَعَ لَيْلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ غَيْرَهُ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ لَا يَخْلُو مِنْ الزَّحْمَةِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ لِخَوْفِ الزِّحَامِ وَجَاوَزَ حُدُودَهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ لَزِمَهُ دَمٌ مَا لَمْ يَعُدْ قَبْلَهُ، وَكَذَا لَوْ نَدَّ بَعِيرُهُ فَتَبِعَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الزَّحْمَةِ بِالْوُقُوفِ بَعْدَ الْفَجْرِ لَحْظَةً فَيَحْصُلُ الْوَاجِبُ وَيَدْفَعُ قَبْلَ دَفْعِ النَّاسِ، وَفِيهِ تَرْكُ مَدِّ الْوُقُوفِ الْمَسْنُونِ لِخَوْفِ الزَّحْمَةِ، وَهُوَ أَسْهَلُ مِنْ تَرْكِ الْوَاجِبِ الَّذِي قِيلَ بِأَنَّهُ رُكْنٌ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ خَوْفَ الزِّحَامِ لِنَحْوِ عَجْزٍ وَمَرَضٍ إنَّمَا جَعَلُوهُ عُذْرًا هُنَا لِحَدِيثِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِلَيْلٍ» وَلَمْ يُجْعَلْ عُذْرًا فِي عَرَفَاتٍ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ مُخَالَفَةِ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَدْفَعُونَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) وَكَذَا كُلُّ وَاجِبٍ إذَا تَرَكَهُ بِعُذْرٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ: أَيْ بِخِلَافِ فِعْلِ الْمَحْظُورِ لِعُذْرٍ كَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ الْعُذْرَ لَا يُسْقِطُ الدَّمَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ، وَبِهِ سَقَطَ مَا أَوْرَدَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِقَوْلِهِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا نَصَّ الشَّارِعُ بِقَوْلِهِ: - {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} [البقرة: 196]- اهـ نَعَمْ يَرِدُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ جَاوَزَ عَرَفَاتٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ لِنَدِّ بَعِيرِهِ أَوْ لِخَوْفِ الزَّحْمَةِ لَزِمَهُ دَمٌ، وَقَدْ يُجَابُ بِمَا سَيَأْتِي عَنْ شَرْحِ اللُّبَابِ فِي الْجِنَايَاتِ عِنْدَ قَوْلِ اللُّبَابِ، وَلَوْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةُ بِإِحْصَارٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ مِنْ أَنَّ هَذَا عُذْرٌ مِنْ جَانِبِ الْمَخْلُوقِ فَلَا يُؤَثِّرُ. اهـ. لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ جَعْلُهُمْ خَوْفَ الزَّحْمَةِ هُنَا عُذْرًا فِي تَرْكِ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ وَعَلِمْت جَوَابَهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَدَعَا) رَافِعًا يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ وَإِذَا أَسْفَرَ جِدًّا) فَاعِلُ أَسْفَرَ الْيَوْمُ أَوْ الصُّبْحُ، وَفَاعِلُهُ مِمَّا لَا يُذْكَرُ ذَكَرَهُ قَرَّا حِصَارِي قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى أَنَّهُ مِمَّا لَا يُذْكَرُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ، وَفَسَّرَ الْإِمَامُ الْإِسْفَارَ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَّا مِقْدَارُ مَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ دَفَعَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ النَّاسُ الْفَجْرَ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ هِنْدِيَّةٌ ط وَمَا وَقَعَ فِي نُسَخِ الْقُدُورِيِّ وَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَفَاضَ الْإِمَامُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إنَّهُ غَلَطٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ فَإِذَا بَلَغَ بَطْنَ مُحَسِّرٍ) أَيْ أَوَّلَ وَادِيهِ شَرْحُ اللُّبَابِ. وَفِي الْبَحْرِ: وَادِي مُحَسِّرٍ مَوْضِعٌ فَاضِلٌ بَيْنَ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ لَيْسَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قَالَ الْأَزْرَقِيُّ وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَخَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَوْقِفُ النَّصَارَى) هُمْ أَصْحَابُ الْفِيلِ ح عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. [مطلب فِي رَمْي جَمْرَة العقبة] (قَوْلُهُ وَرَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ) هِيَ ثَالِثُ الْجَمَرَاتِ عَلَى حَدِّ مِنًى مِنْ جِهَةِ مَكَّةَ وَلَيْسَتْ مِنْ مِنًى، وَيُقَالُ لَهَا الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى وَالْجَمْرَةَ الْأَخِيرَةَ قُهُسْتَانِيٌّ، وَلَا يَرْمِي يَوْمَئِذٍ غَيْرَهَا وَلَا يَقُومُ عِنْدَهَا حَتَّى يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ وَلْوَالِجِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا مِنْ فَوْقُ) أَيْ فَيُجْزِيهِ لِأَنَّ مَا حَوْلَهَا مَوْضِعُ النُّسُكِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ، فَفِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ أَسْفَلِهَا سُنَّةٌ لَا لِأَنَّهُ الْمُتَعَيِّنُ، وَلِذَا ثَبَتَ رَمْيُ خَلْقٍ كَثِيرٍ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ مِنْ أَعْلَاهَا، وَلَمْ يَأْمُرُوهُمْ بِالْإِعَادَةِ وَكَأَنَّ وَجْهَ اخْتِيَارِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِذَلِكَ هُوَ وَجْهُ اخْتِيَارِ حَصَى الْحَذْفِ، فَإِنَّهُ يُتَوَقَّعُ الْأَذَى إذَا رَمَوْهَا مِنْ أَعْلَاهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 (سَبْعًا حَذْفًا) بِمُعْجَمَتَيْنِ أَيْ بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا خَمْسَةُ أَذْرُعٍ، وَلَوْ وَقَعَتْ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ أَوْ جَمَلٍ إنْ وَقَعَتْ بِنَفْسِهَا بِقُرْبِ الْجَمْرَةِ جَازَ وَإِلَّا لَا، وَثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ بَعِيدٌ وَمَا دُونَهُ قَرِيبٌ جَوْهَرَةٌ (وَكَبَّرَ بِكُلِّ حَصَاةٍ) أَيْ مَعَ كُلٍّ (مِنْهَا وَقَطَعَ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِهَا فَلَوْ رَمَى بِأَكْثَرَ مِنْهَا) أَيْ السَّبْعِ (جَازَ لَا لَوْ رَمَى بِالْأَقَلِّ) فَالتَّقْيِيدُ بِالسَّبْعِ لِمَنْعِ   [رد المحتار] لِمَنْ أَسْفَلَهَا، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ مُرُورِ النَّاسِ فَيُصِيبُهُمْ، بِخِلَافِ الرَّمْيِ مِنْ أَسْفَلَ مَعَ الْمَارِّينَ مِنْ فَوْقِهَا إنْ كَانَ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ الرَّمْيُ مِنْ فَوْقُ إلَى أَسْفَلَ لَا فِي مَوْضِعِ وُقُوفِ الرَّامِي فَوْقُ، وَمُقْتَضَى تَعْلِيلِ الْهِدَايَةِ بِأَنَّ مَا حَوْلَهَا مَوْضِعُ نُسُكٍ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّانِي إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَوْضِعُ وُقُوفِ النَّاسِكِ لَا مَوْضِعُ وُقُوعِ الْحَصَى (قَوْلُهُ سَبْعًا) أَيْ سَبْعَ رَمَيَاتٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، فَلَوْ رَمَاهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً كَانَ عَنْ وَاحِدَةٍ نَهْرٌ (قَوْلُهُ خَذْفًا) نَصْبٌ عَنْ الْمَصْدَرِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ فَهُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِبَيَانِ النَّوْعِ لِأَنَّ الْحَذْفَ نَوْعٌ مِنْ الرَّمْيِ وَهُوَ رَمْيُ الْحَصَاةِ بِالْأَصَابِعِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ بِمُعْجَمَتَيْنِ) يُقَالُ الْحَذْفُ بِالْعَصَا وَالْخَذْفُ بِالْحَصَى فَالْأَوَّلُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالثَّانِي بِالْمُعْجَمَةِ شَرْحُ النُّقَايَةِ لِلْقَارِي. (قَوْلُهُ أَيْ بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ) قِيلَ كَيْفِيَّةُ الرَّمْيِ أَنْ يَضَعَ طَرَفَ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى عَلَى وَسَطِ السَّبَّابَةِ، وَيَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَاهِرِ الْإِبْهَامِ كَأَنَّهُ عَاقِدٌ سَبْعِينَ فَيَرْمِيَهَا، وَقِيلَ أَنْ يُحَلِّقَ سَبَّابَتَهُ وَيَضَعَهَا عَلَى مَفْصِلِ إبْهَامِهِ كَأَنَّهُ عَاقِدُ عَشْرَةٍ وَقِيلَ يَأْخُذُهَا بِطَرَفَيْ إبْهَامِهِ وَسَبَّابَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ الْأَيْسَرُ الْمُعْتَادُ فَتْحٌ، وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة وَهُوَ مُرَادُ الشَّارِحِ فَافْهَمْ، وَالْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا مِقْدَارُ الْبَاقِلَاءِ لُبَابٌ أَيْ قَدْرُ الْفُولَةِ وَقِيلَ قَدْرُ الْحِمَّصَةِ أَوْ النَّوَاةِ أَوْ الْأُنْمُلَةِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَهَذَا بَيَانُ الْمَنْدُوبِ. وَأَمَّا الْجَوَازُ فَيَكُونُ وَلَوْ بِالْأَكْبَرِ مَعَ الْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْجَمْرَةِ وَيَجْعَلُ مِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَالْكَعْبَةَ عَنْ يَسَارِهِ لُبَابٌ (قَوْلُهُ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ) أَيْ أَوْ أَكْثَرُ وَيُكْرَهُ الْأَقَلُّ لُبَابٌ لِأَنَّ مَا دُونَهُ وَضْعٌ فَلَا يَجُوزُ، أَوْ طَرْحٌ. فَيَجُوزُ لَكِنَّهُ مُسِيءٌ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَقَعْ مِنْ عَلَى ظَهْرِهِ بِنَفْسِهَا، بَلْ بِتَحَرُّكِ الرَّجُلِ أَوْ الْجَمَلِ أَوْ وَقَعَتْ بِنَفْسِهَا لَكِنْ بَعِيدًا مِنْ الْجَمْرَةِ ح (قَوْلُهُ لَا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي مَكَان مَخْصُوصٍ اهـ وَفِي اللُّبَابِ وَلَوْ وَقَعَتْ عَلَى الشَّاخِصِ أَيْ أَطْرَافِ الْمِيلِ الَّذِي هُوَ عَلَامَةٌ لِلْجَمْرَةِ أَجْزَأَهُ وَلَوْ عَلَى قُبَّةِ الشَّاخِصِ وَلَمْ تَنْزِلْ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ لِلْبُعْدِ، وَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي الْمَرْمَى بِنَفْسِهَا أَوْ بِنَقْضِ مَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ وَتَحْرِيكِهِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُعِيدَهُ وَكَذَا لَوْ رَمَى وَشَكَّ فِي وُقُوعِهَا مَوْقِعَهَا فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُعِيدَ (قَوْلُهُ وَثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ إلَخْ) أَيْ بَيْنَ الْحَصَاةِ وَالْجَمْرَةِ، وَهَذَا بَيَانٌ لِمَا أَجْمَلَهُ بِقَوْلِهِ بِقُرْبِ الْجَمْرَةِ لَكِنْ قَدَّرَ الْقُرْبَ فِي الْفَتْحِ بِذِرَاعٍ وَنَحْوِهِ قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُقَدِّرْهُ اعْتِمَادًا عَلَى اعْتِبَارِ الْقُرْبِ عُرْفًا وَضِدُّهُ الْبُعْدُ. (قَوْلُهُ وَكَبَّرَ بِكُلِّ حَصَاةٍ) ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الِاقْتِصَارُ عَلَى اللَّهُ أَكْبَرُ غَيْرَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ رَغْمًا لِلشَّيْطَانِ وَحِزْبِهِ، وَقِيلَ يَقُولُ أَيْضًا: اللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجِّي مَبْرُورًا، وَسَعْيِي مَشْكُورًا، وَذَنْبِي مَغْفُورًا فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَطَعَ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِهَا) أَيْ فِي الْحَجِّ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ مُفْرِدًا أَوْ مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا، وَقِيلَ لَا يَقْطَعُهَا إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَلَوْ حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ أَوْ طَافَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالذَّبْحِ قَطَعَهَا، وَإِنْ لَمْ يَرْمِ حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ لَمْ يَقْطَعْهَا حَتَّى يَرْمِيَ إلَّا أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ، وَلَوْ ذَبَحَ قَبْلَ الرَّمْيِ فَإِنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا قَطَعَ وَلَوْ مُفْرِدًا لَا لُبَابٌ، وَقَيَّدَ بِالْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ لِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ لِأَنَّ الطَّوَافَ رُكْنُ الْعُمْرَةِ فَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَكَذَا فَائِتُ الْحَجِّ لِأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ فَصَارَ كَالْمُعْتَمِرِ وَالْمُحْصَرُ يَقْطَعُهَا إذَا ذَبَحَ هَدْيَهُ لِأَنَّ الذَّبْحَ لِلتَّحَلُّلِ، وَالْقَارِنُ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ يَقْطَعُ حِينَ يَأْخُذُ بِالطَّوَافِ الثَّانِي لِأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بَعْدَهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ جَازَ) أَيْ وَيُكْرَهُ لُبَابٌ (قَوْلُهُ لَا لَوْ رَمَى بِالْأَقَلِّ) لِأَنَّهُ إذَا تَرَكَ أَكْثَرَ السَّبْعِ لَزِمَهُ دَمٌ كَمَا لَوْ لَمْ يَرْمِ أَصْلًا، وَإِنْ تَرَكَ أَقَلَّ مِنْهُ كَثَلَاثٍ فَمَا دُونَهَا فَعَلَيْهِ لِكُلِّ حَصَاةٍ صَدَقَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 النَّقْصِ لَا لِزِيَادَةٍ (وَجَازَ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالْحَجَرِ وَالْمَدَرِ) وَالطِّينِ وَالْمَغْرَةِ (وَ) كُلِّ مَا (يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ وَلَوْ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ) فَيَقُومُ مَقَامَ حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ (لَا) يَجُوزُ (بِخَشَبٍ وَعَنْبَرٍ وَلُؤْلُؤٍ) كِبَارٍ (وَجَوَاهِرَ) لِأَنَّهُ إعْزَازٌ لَا إهَانَةٌ وَقِيلَ يَجُوزُ (وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ) لِأَنَّهُ يُسَمَّى نِثَارًا لَا رَمْيًا (وَبَعْرٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَمَا فِي فُرُوقِ الْأَشْبَاهِ مِنْ جَوَازِهِ بِالْبَعْرِ خِلَافُ الْمَذْهَبِ -   [رد المحتار] [تَنْبِيهٌ] لَا يُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الرَّمَيَاتِ بَلْ يُسَنُّ فَيُكْرَهُ تَرْكُهَا لُبَابٌ (قَوْلُهُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَاعْتَرَضَهُ الشُّرَّاحُ بِالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ فَإِنَّهُمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ حَتَّى جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِمَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الرَّمْيُ بِهِمَا، وَأَجَابَ فِي الْعِنَايَةِ تَبَعًا لِلنِّهَايَةِ بِأَنَّ الْجَوَازَ مَشْرُوطٌ بِالِاسْتِهَانَةِ بِرَمْيِهِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِرَمْيِهَا. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ كَلَامِ الْهِدَايَةِ، فَيَخْرُجُ مِنْهُ نَحْوُ الْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ، لَكِنْ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَيْ رِوَايَةَ اشْتِرَاطِ الِاسْتِهَانَةِ مُحَالِفَةٌ لِمَا ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ، وَكَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ بِنَاءً عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ الِاشْتِرَاطِ، وَمِمَّنْ ذَكَرَ جَوَازَهُ الْفَارِسِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ. اهـ. وَمُفَادُ كَلَامِهِ تَرْجِيحُ الْجَوَازِ، وَإِبْقَاءُ كَلَامِ الْهِدَايَةِ عَلَى عُمُومِهِ، وَلِذَا اعْتَرَضَ فِي السَّعْدِيَّةِ عَلَى مَا فِي الْعِنَايَةِ بِمَا فِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ وَشَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَالْحَجَرِ وَالْمَدَرِ وَالطِّينِ وَالْمَغْرَةِ وَالنُّورَةِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ كَالْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ وَالْبَلْخَشِ وَنَحْوِهَا وَالْمِلْحِ الْجَبَلِيِّ وَالْكُحْلِ أَوْ قَبْضَةٍ مِنْ تُرَابٍ وَبِالزَّبَرْجَدِ وَالْبِلَّوْرِ وَالْعَقِيقِ وَالْفَيْرُوزَجِ، بِخِلَافِ الْخَشَبِ وَالْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْجَوَاهِرِ، أَمَّا الْخَشَبُ وَاللُّؤْلُؤُ وَالْجَوَاهِرُ وَهِيَ كِبَارُ اللُّؤْلُؤِ وَالْعَنْبَرِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَإِنَّ فِعْلَهُمَا يُسَمَّى نِثَارًا لَا رَمْيًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَدَرِ) أَيْ قِطَعِ الطِّينِ الْيَابِسِ (قَوْلُهُ وَالْمَغْرَةِ) طِينٌ أَحْمَرُ يُصْبَغُ بِهِ (قَوْلُهُ وَلُؤْلُؤٍ كِبَارٍ) قَيَّدَ بِهِ تَبَعًا لِلنَّهْرِ لِأَنَّ الْكِبَارَ هِيَ الَّتِي يَتَأَتَّى بِهَا الرَّمْيُ وَإِلَّا فَالصِّغَارُ لَا يَجُوزُ بِهَا الرَّمْيُ أَيْضًا لِتَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ وَجَوَاهِرَ) عَلِمْت مِمَّا مَرَّ عَنْ الْغَايَةِ أَنَّهَا كِبَارُ اللُّؤْلُؤِ وَعَلَيْهِ كَانَ الْمُنَاسِبُ إسْقَاطَ قَوْلِهِ كِبَارٍ وَيَكُونُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ جَارِيًا عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُحِيطِ مِنْ جَوَازِ الرَّمْيِ بِالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ لَكِنْ لَا يُنَاسِبُهُ تَعْلِيلُ الشَّارِحِ فَالْأَوْلَى تَفْسِيرُ الْجَوَاهِرِ بِالْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ لِيُوَافِقَ تَقْيِيدَ الْمُصَنِّفِ اللُّؤْلُؤَ بِالْكِبَارِ وَتَعْلِيلَ الشَّارِحِ وَقَوْلُهُ وَقِيلَ يَجُوزُ إشَارَةٌ إلَى مَا مَرَّ عَنْ الْهِدَايَةِ وَالْمُحِيطِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ السُّرُوجِيَّ وَالزَّيْلَعِيَّ وَالْفَارِسِيَّ مَشَوْا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى نِثَارًا لَا رَمْيًا) قَالَ فِي الْفَتْحِ فَلَمْ يَجُزْ لِانْتِقَاءِ اسْمِ الرَّمْيِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّمْيِ مَعَ كَوْنِهِ يُسَمَّى نِثَارًا، فَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ رَمْيٌ خُصَّ بِاسْمٍ آخَرَ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِ مُتَعَلَّقِهِ، وَلَا تَأْثِيرَ لِذَلِكَ فِي سُقُوطِ اسْمِ الرَّمْيِ عَنْهُ، وَلَا صُورَتِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُلَاحَظَ مُجَرَّدُ الرَّمْيِ أَوْ مَعَ الِاسْتِهَانَةِ أَوْ خُصُوصُ مَا وَقَعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَوَّلُ يَسْتَلْزِمُ الْجَوَازَ بِالْجَوَاهِرِ، وَالثَّانِي بِالْبَعْرَةِ وَالْخَشَبَةِ الَّتِي لَا قِيمَةَ لَهَا، وَالثَّالِثُ بِالْحَجَرِ خُصُوصًا، فَلْيَكُنْ هَذَا أَعَمَّ لِكَوْنِهِ أَسْلَمَ. اهـ. قُلْت: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَأْثُورَ كَوْنُ الرَّمْيِ لِرَغْمِ الشَّيْطَانِ، وَمَا وَقَعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الرَّمْيِ بِالْحَصَى أَفَادَ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ جَوَازَهُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ، فَاعْتُبِرَ كُلٌّ مِنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ مَعًا دُونَ الْأَوَّلِ، فَلَمْ يَجُزْ بِالْبَعْرَةِ وَالْخَشَبَةِ وَلَا بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ لَكِنْ هَذَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْجَوَازِ بِالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ أَيْضًا وَبِهِ يَتَرَجَّحُ قَوْلُهُ الْآخَرُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ) وَلِذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَبَعْضُ الْمُتَقَشِّفَةِ يَقُولُونَ لَوْ رَمَى بِالْبَعْرَةِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 (وَيُكْرَهُ) أَخْذُهَا (مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ) لِأَنَّهَا مَرْدُودَةٌ لِحَدِيثِ «مَنْ قُبِلَتْ حَجَّتُهُ رُفِعَتْ جَمْرَتُهُ» (وَ) يُكْرَهُ (أَنْ يَلْتَقِطَ حَجَرًا وَاحِدًا فَيَكْسِرَهُ سَبْعِينَ حَجَرًا صَغِيرًا) وَأَنْ يَرْمِيَ بِمُتَنَجِّسَةٍ بِيَقِينٍ وَوَقْتُهُ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الْفَجْرِ وَيُسَنُّ مِنْ طُلُوعِ ذُكَاءِ لِزَوَالِهَا وَيُبَاحُ لِغُرُوبِهَا وَيُكْرَهُ لِلْفَجْرِ (ثُمَّ) بَعْدَ الرَّمْيِ (ذَبَحَ إنْ شَاءَ) لِأَنَّهُ مُفْرِدٌ (ثُمَّ قَصَّرَ) بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ شَعْرِهِ قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ وُجُوبًا وَتَقْصِيرُ الْكُلِّ مَنْدُوبٌ وَالرُّبُعُ وَاجِبٌ   [رد المحتار] الْمَقْصُودَ إهَانَةُ الشَّيْطَانِ وَذَا يَحْصُلُ بِالْبَعْرَةِ، وَلَسْنَا نَقُولُ بِهَذَا شَرْحُ لُبَابٍ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّهَا أُمُورٌ تَعَبُّدِيَّةٌ لَا يُشْتَغَلُ بِالْمَعْنَى فِيهَا (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَخْذُهَا مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ) وَمَا هِيَ إلَّا كَرَاهَةُ تَنْزِيَةٍ فَتْحٌ، أَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ سِوَاهُ. وَفِي اللُّبَابِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ سَبْعَ حَصَيَاتٍ وَيَرْمِيَ بِهَا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَإِنْ رَفَعَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ سَبْعِينَ أَوْ مِنْ الطَّرِيقِ فَهُوَ جَائِزٌ وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ. اهـ. قَالَ شَارِحُهُ: لَكِنْ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَهَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ وَلَيْسَ مَذْهَبُنَا وَأَمَّا مَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ يَأْخُذُ حَصَى الْجِمَارِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ أَوْ مِنْ الطَّرِيقِ فَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الْجِمَارِ السَّبْعَةِ وَكَذَا مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْتِقَاطُهَا مِنْ قَوَارِعِ الطَّرِيقِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْتِقَاطَ مَا عَدَا السَّبْعَةَ لَيْسَ لَهُ مَحَلٌّ مَخْصُوصٌ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا مَرْدُودَةٌ) أَيْ فَيُتَشَاءَمُ بِهَا السِّرَاجُ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إلَخْ) أَيْ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ «أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ الْجِمَارُ الَّتِي نَرْمِي بِهَا كُلَّ عَامٍ فَنَحْسَبُ أَنَّهَا تَنْقُصُ فَقَالَ إنَّ مَا يُقْبَلُ مِنْهَا رُفِعَ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَرَأَيْتهَا أَمْثَالَ الْجِبَالِ» " شَرْحُ النُّقَايَةِ لِلْقَارِي. وَفِي الْفَتْحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا بَالُ الْجِمَارِ تُرْمَى مِنْ وَقْتِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ تَصِرْ هِضَابًا أَيْ تِلَالًا تَسُدُّ الْأُفُقَ؟ فَقَالَ: أَمَا عَلِمْت أَنَّ مَنْ يُقْبَلُ حَجُّهُ يُرْفَعُ حَصَاهُ. اهـ. قَالَ فِي السَّعْدِيَّةِ لَك أَنْ تَقُولَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا عَلَى الْإِشْرَاكِ وَلَا يُقْبَلُ عَمَلٌ لِمُشْرِكٍ. اهـ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكُفَّارَ قَدْ تُقْبَلُ عِبَادَتُهُمْ لِيُجَازَوْا عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا قَالَ ط: وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَظْلِمُ الْمُؤْمِنَ حَسَنَةً يُعْطَى عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا وَيُثَابُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إذَا أَفْضَى إلَى الْآخِرَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُعْطَى بِهَا خَيْرًا» ". اهـ. قُلْت: لَكِنْ قَدْ يُدَّعَى تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِأَفْعَالِ الْبِرِّ دُونَ الْعِبَادَاتِ الْمَشْرُوطَةِ بِالنِّيَّةِ فَإِنَّ النِّيَّةَ شَرْطُهَا الْإِسْلَامُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا شَرْطٌ فِي شَرِيعَتِنَا فَقَطْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِيَقِينٍ) أَمَّا بِدُونِ تَيَقُّنٍ فَلَا يُكْرَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، لَكِنْ يُنْدَبُ غَسْلُهَا لِتَكُونَ طَهَارَتُهَا مُتَيَقَّنَةً كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَوَقْتُهُ) أَيْ وَقْتُ جَوَازِهِ أَدَاءً مِنْ الْفَجْرِ أَيْ فَجْرِ النَّحْرِ إلَى فَجْرِ الْيَوْمِ الثَّانِي قَالَ فِي الْبَحْرِ: حَتَّى لَوْ أَخَّرَهُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ رَمَى قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ النَّحْرِ. لَمْ يَصِحَّ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ وَيُسَنُّ) كَذَا عَبَّرَ فِي مَجْمَعِ الرِّوَايَاتِ عَنْ الْمُحِيطِ وَوَافَقَهُ فِي النَّهْرِ وَعَبَّرَ الْعَيْنِيُّ بِالِاسْتِحْبَابِ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ ذُكَاءِ) مِنْ أَسْمَاءِ الشَّمْسِ (قَوْلُهُ وَيُبَاحُ لِغُرُوبِهَا) أَيْ مِنْ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ، وَجَعَلَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الْمَكْرُوهِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لِلْفَجْرِ) أَيْ مِنْ الْغُرُوبِ إلَى الْفَجْرِ وَكَذَا يُكْرَهُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بَحْرٌ، وَهَذَا عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ فَلَا إسَاءَةَ بِرَمْيِ الضَّعَفَةِ قَبْلَ الشَّمْسِ وَلَا بِرَمْيِ الرُّعَاةُ لَيْلًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُفْرِدٌ) تَعْلِيلٌ لِمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ التَّخْيِيرِ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ وَالذَّبْحُ لَهُ أَفْضَلُ، وَيَجِبُ عَلَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ ط، وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ فَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَإِلَّا كَالْمَكِّيِّ فَتَجِبُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ ثُمَّ قَصَّرَ) أَيْ أَوْ حَلَقَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَحَلْقُهُ أَفْضَلُ. قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَيُسْتَحَبُّ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ أَخْذُ الشَّارِبِ وَقَصُّ الظُّفُرِ، وَلَوْ قَصَّ أَظْفَارَهُ أَوْ شَارِبَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ أَوْ طُيِّبَ قَبْلَ الْحَلْقِ عَلَيْهِ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي شَرْحِهِ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَأْخُذَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْمُرَادُ بِالتَّقْصِيرِ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ مِنْ رُءُوسِ شَعْرِ رُبُعِ الرَّأْسِ مِقْدَارَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 وَيَجِبُ إجْرَاءُ الْمُوسَى عَلَى الْأَقْرَعِ وَذِي قُرُوحٍ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا سَقَطَ، وَمَتَى تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا لِعَارِضٍ تَعَيَّنَ الْآخَرُ فَلَوْ لَبَّدَهُ بِصَمْغٍ بِحَيْثُ تَعَذَّرَ التَّقْصِيرُ تَعَيَّنَ الْحَلْقُ بَحْرٌ (وَحَلْقُهُ) لِكُلٍّ (أَفْضَلُ) وَلَوْ أَزَالَهُ بِنَحْوِ نَوْرَةٍ جَازَ   [رد المحتار] الْأُنْمُلَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَمُرَادُهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ. وَفِي الْبَدَائِعِ قَالُوا: يَجِبُ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّقْصِيرِ عَلَى قَدْرِ الْأُنْمُلَةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ بِرَأْسِهِ لِأَنَّ أَطْرَافَ الشَّعْرِ غَيْرُ مُتَسَاوِيَةٍ عَادَةً. قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَهُوَ حَسَنٌ اهـ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْمُرَادَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ أَيْ مِنْ شَعْرِ الرُّبُعِ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ وَمِنْ الْكُلِّ عَلَى سَبِيلِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَلَا مُخَالَفَةَ فِي الْأَجْزَاءِ لِأَنَّ الرُّبُعَ كَالْكُلِّ كَمَا فِي الْحَلْقِ اهـ فَقَوْلُ الشَّارِحِ مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ أَيْ مِنْ الرُّبُعِ لَا مِنْ الْكُلِّ وَإِلَّا نَاقَضَ مَا بَعْدَهُ، وَقَوْلُهُ: وُجُوبًا قَيْدٌ لِقَدْرِ الْأُنْمُلَةِ فَلَا يَتَكَرَّرُ مَعَ قَوْلِهِ: وَالرُّبُعُ وَاجِبٌ وَالْأُنْمُلَةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَضَمِّ الْمِيمِ لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ، وَمَنْ خَطَّأَ رَاوِيَهَا فَقَدْ أَخْطَأَ وَاحِدَةُ الْأَنَامِلِ بَحْرٌ. وَفِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ لِلنَّوَوِيِّ الْأَنَامِلُ أَطْرَافُ الْأَصَابِعِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ الشَّيْبَانِيُّ والسجستاني وَالْجَرْيُ لِكُلِّ أُصْبُعٍ ثَلَاثُ أُنْمُلَاتٍ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ إجْرَاءُ الْمُوسَى عَلَى الْأَقْرَعِ) هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْبَحْرِ وَاللُّبَابِ وَغَيْرِهَا، وَقِيلَ اسْتِحْبَابًا قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَقِيلَ اسْتِنَانًا وَهُوَ الْأَظْهَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا سَقَطَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إجْرَاءُ الْمُوسَى عَلَيْهِ وَلَا يَصِلُ إلَى تَقْصِيرِهِ سَقَطَ عَنْهُ وَحَلَّ بِمَنْزِلَةِ مَنْ حَلَقَ، وَالْأَحْسَنُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْإِحْلَالَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُؤَخِّرْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ قُرُوحٌ لَكِنَّهُ خَرَجَ إلَى الْبَادِيَةِ فَلَمْ يَجِدْ آلَةً أَوْ مَنْ يَحْلِقُهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ، وَلَيْسَ هَذَا بِعُذْرٍ فَتْحٌ لِأَنَّ إصَابَةَ الْآلَةِ مَرْجُوَّةٌ فِي كُلِّ سَاعَةٍ بِخِلَافِ بُرْءِ الْقُرُوحِ وَلِأَنَّ الْإِزَالَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْمُوسَى أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَمَتَى تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ قَالَ ط: وَالْأَحْسَنُ تَأْخِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَنْ قَوْلِهِ وَحَلْقُهُ أَفْضَلُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَوْ لَبَّدَهُ إلَخْ) مِثَالٌ لِتَعَذُّرِ التَّقْصِيرِ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ الشَّعْرُ قَصِيرًا فَيَتَعَيَّنُ الْحَلْقُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعْقُوصًا أَوْ مَضْفُورًا كَمَا عُزِيَ إلَى الْمَبْسُوطِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا نَقَضَهُ تَنَاثَرَ بَعْضُ الشَّعْرِ، فَيَكُونُ جِنَايَةً عَلَى إحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ مِنْهُ فَيَتَعَيَّنُ الْحَلْقُ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا التَّنَاثُرَ غَيْرُ جِنَايَةٍ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِ جَوَازِ إزَالَةِ الشَّعْرِ بِحَلْقٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَوْ نَتْفًا مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي فَبَقِيَ مَا فِي الْمَبْسُوطِ مُشْكِلًا تَأَمَّلْ. وَمِثَالُ تَعَذُّرِ الْحَلْقِ يَمْنَعُ إمْكَانَ التَّقْصِيرِ أَنْ يَفْقِدَ آلَةَ الْحَلْقِ أَوْ مَنْ يَحْلِقُهُ أَوْ يَضُرُّهُ الْحَلْقُ لِنَحْوِ صُدَاعٍ أَوْ قُرُوحٍ بِرَأْسِهِ وَتَقَدَّمَ مِثَالُ تَعَذُّرِهِمَا جَمِيعًا فِي الْأَقْرَعِ وَذِي قُرُوحٍ شَعْرُهُ قَصِيرٌ (قَوْلُهُ وَحَلْقُهُ أَفْضَلُ) أَيْ هُوَ مَسْنُونٌ وَهَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَيُكْرَهُ لِمَرْأَةٍ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ فِي حَقِّهَا كَحَلْقِ الرَّجُلِ لِحْيَتَهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى حَلْقِ الرُّبُعِ جَازَ. كَمَا فِي التَّقْصِيرِ، لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ فَإِنَّ السُّنَّةَ حَلْقُ جَمِيعِ الرَّأْسِ أَوْ تَقْصِيرُ جَمِيعِهِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ، قَالَ فِي النَّهْرِ: وَإِطْلَاقُهُ أَيْ إطْلَاقُ قَوْلِ الْكَنْزِ وَالْحَلْقُ أَحَبُّ يُفِيدُ أَنَّ حَلْقَ النِّصْفِ أَوْلَى مِنْ التَّقْصِيرِ وَلَمْ أَرَهُ. اهـ. قُلْت: إنْ أَرَادَ أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ تَقْصِيرِ الْكُلِّ فَهُوَ مَمْنُوعٌ لِمَا عَلِمْت أَوْ مِنْ تَقْصِيرِ النِّصْفِ أَوْ الرُّبُعِ فَهُوَ مُمْكِنٌ. . [تَنْبِيهٌ] هَذَا فِي غَيْرِ الْمُحْصَرِ، أَمَّا الْمُحْصَرُ فَلَا حَلْقَ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي بَدَائِعُ (قَوْلُهُ بِنَحْوِ نُورَةٍ) كَحَلْقٍ وَنَتْفٍ، وَكَذَا لَوْ قَاتَلَ غَيْرَهُ فَنَتَفَهُ أَجْزَأَ عَنْ الْحَلْقِ قَصْدًا فَتْحٌ. . [تَنْبِيهٌ] قَالُوا يُنْدَبُ الْبُدَاءَةُ بِيَمِينِ الْحَالِقِ لَا الْمَحْلُوقِ إلَّا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ يُفِيدُ الْعَكْسَ، وَذَلِكَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْحَلَّاقِ خُذْ وَأَشَارَ إلَى الْجَنْبِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ» قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ الصَّوَابُ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمَذْهَبِ. اهـ. وَأَقُولُ: يُوَافِقُهُ مَا فِي الْمُلْتَقَطِ عَنْ الْإِمَامِ: حَلَقْت رَأْسِي فَخَطَّأَنِي الْحَلَّاقُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: لَمَّا أَنْ جَلَسْت قَالَ اسْتَقْبِلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 (وَحَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ) قِيلَ وَالطِّيبَ وَالصَّيْدَ (ثُمَّ طَافَ لِلزِّيَارَةِ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ) الثَّلَاثَةِ بَيَانٌ لِوَقْتِهِ الْوَاجِبِ (سَبْعَةً)   [رد المحتار] الْقِبْلَةَ وَنَاوَلْته الْجَانِبَ الْأَيْسَرَ فَقَالَ ابْدَأْ بِالْأَيْمَنِ، فَلَمَّا أَرَدْت أَنْ أَذْهَبَ قَالَ ادْفِنْ شَعْرَك فَرَجَعْت فَدَفَنْته. اهـ. نَهْرٌ أَيْ فَهَذَا يُفِيدُ رُجُوعَ الْإِمَامِ إلَى قَوْلِ الْحَجَّامِ، وَلِذَا قَالَ فِي اللُّبَابِ هُوَ الْمُخْتَارُ. قَالَ شَارِحُهُ كَمَا فِي مَنْسَكِ ابْنِ الْعَجَمِيِّ وَالْبَحْرِ، وَقَالَ فِي النُّخْبَةِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ رُوِيَ رُجُوعُ الْإِمَامِ عَمَّا نَقَلَ عَنْهُ الْأَصْحَابُ فَصَحَّ تَصْحِيحُ قَوْلِهِ الْأَخِيرِ وَانْدَفَعَ مَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ عِنْدَ الْمَشَايِخِ. وَقَالَ السُّرُوجِيُّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمَحْلُوقِ وَذَكَرَ كَذَلِكَ بَعْضَ أَصْحَابِنَا، وَلَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ وَالسُّنَّةُ أَوْلَى، وَقَدْ صَحَّ بُدَاءَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشِقِّ رَأْسِهِ الْكَرِيمِ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ كَلَامٌ، وَقَدْ أَخَذَ الْإِمَامُ بِقَوْلِ الْحَجَّامِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ وَلَوْ كَانَ مَذْهَبُهُ خِلَافَهُ لَمَا وَافَقَهُ اهـ مُلَخَّصًا وَمِثْلُهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ وَحَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ) أَيْ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ كَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَقَصِّ الْأَظْفَارِ ط وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ بِالرَّمْيِ قَبْلَ الْحَلْقِ شَيْءٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ لِلْقَارِي عَنْ الْفَارِسِيِّ، وَفِي شَرْحِهِ عَلَى النُّقَايَةِ وَالرَّمْيُ غَيْرُ مُحَلِّلٍ مِنْ الْإِحْرَامِ عِنْدَنَا فِي الْمَشْهُورِ، وَمُحَلِّلٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَفِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ عِنْدَنَا فَقَدْ نَصَّ عَلَى التَّحَلُّلِ بِالرَّمْيِ عِنْدَنَا فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ لِخُوَاهَرْ زَادَهْ. وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ بِقَوْلِهِ: وَبَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْحَلْقِ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الطِّيبُ أَيْضًا اهـ (قَوْلُهُ إلَّا النِّسَاءُ) أَيْ جِمَاعُهُنَّ وَدَوَاعِيهِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ وَالطِّيبُ وَالصَّيْدُ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ صَاحِبَ النَّهْرِ فَقَدْ عَزَا إلَى الْخَانِيَّةِ اسْتِثْنَاءَ النِّسَاءِ وَالطِّيبِ وَإِلَى أَبِي اللَّيْثِ اسْتِثْنَاءَ الصَّيْدِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ قَاضِي خَانْ قَالَ فِي فَتَاوَاهُ: فَإِذَا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءُ وَبَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْحَلْقِ يَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الطِّيبُ وَالنِّسَاءُ إلَخْ وَمِثْلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ فِي شَرْحِهِ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَقَدْ اسْتَثْنَى الطِّيبَ مِنْ الْإِحْلَالِ بِالرَّمْيِ لَا مِنْ الْإِحْلَالِ بِالْحَلْقِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْمَشْهُورِ كَمَا عَلِمْته آنِفًا، وَقَدْ ذَكَرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَبِهَذَا يُعْلَمُ بُطْلَانُ مَا يُنْسَبُ لِقَاضِي خَانْ مِنْ أَنَّ الْحَلْقَ لَا يَحِلُّ بِهِ الطِّيبُ. اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ: وَأَمَّا حُكْمُ الْحَلْقِ فَهُوَ صَيْرُورَتُهُ حَلَالًا يُبَاحُ لَهُ جَمِيعُ مَا حُظِرَ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ مَالِكٌ: إلَّا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَقَالَ اللَّيْثُ إلَّا النِّسَاءُ وَالصَّيْدُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَالسِّرَاجِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ فَقَدْ عَزَوْا الْأَوَّلَ إلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ فَقَطْ وَالثَّانِيَ إلَى اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَحَدِ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ، فَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ عَزْوِهِ إلَى أَبِي اللَّيْثِ وَهُوَ السَّمَرْقَنْدِيُّ أَحَدُ مَشَايِخِ مَذْهَبِنَا فَهُوَ تَصْحِيفٌ فَافْهَمْ. [مطلب فِي طَوَاف الزِّيَارَة] (قَوْلُهُ ثُمَّ طَافَ لِلزِّيَارَةِ) أَيْ لِفِعْلِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ الَّذِي هُوَ ثَانِي رُكْنَيْ الْحَجِّ قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَيُسَمَّى طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَطَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ وَالطَّوَافَ الْمَفْرُوضَ اهـ. وَشَرَائِطُ صِحَّتِهِ: الْإِسْلَامُ وَتَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ، وَالْوُقُوفُ، وَالنِّيَّةُ، وَإِتْيَانُ أَكْثَرِهِ، وَالزَّمَانُ، وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ وَمَا بَعْدَهُ وَالْمَكَانُ وَهُوَ حَوْلَ الْبَيْتِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ، وَكَوْنُهُ بِنَفْسِهِ وَلَوْ مَحْمُولًا فَلَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ إلَّا لِمُغْمًى عَلَيْهِ. وَوَاجِبَاتُهُ الْمَشْيُ لِلْقَادِرِ وَالتَّيَامُنُ وَإِتْمَامُ السَّبْعَةِ وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَدَثِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَفِعْلُهُ أَيَّامَ النَّحْرِ، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ فَسُنَّةٌ وَلَا مُفْسِدَ لَهُ وَلَا فَوَاتَ قَبْلَ الْمَمَاتِ، وَلَا يُجْزِي عَنْهُ الْبَدَلُ إلَّا إذَا مَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَأَوْصَى بِإِتْمَامِ الْحَجِّ تَجِبُ الْبَدَنَةُ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَجَازَ حَجَّةُ لُبَابٌ (قَوْلُهُ سَبْعَةً) أَيْ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ وَإِلَّا فَالرُّكْنُ أَرْبَعَةٌ (بِلَا رَمَلٍ وَ) لَا (سَعْيٍ إنْ كَانَ سَعَى قَبْلَ) هَذَا الطَّوَافِ (وَإِلَّا فَعَلَهُمَا) لِأَنَّ تَكْرَارَهُمَا لَمْ يُشْرَعْ (وَ) طَوَافُ الزِّيَارَةِ (أَوَّلُ وَقْتِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ فِيهِ) أَيْ الطَّوَافِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ الْأَوَّلِ (أَفْضَلُ وَيَمْتَدُّ) وَقْتُهُ إلَى آخِرِ الْعُمُرِ (وَحَلَّ لَهُ النِّسَاءُ) بِالْحَلْقِ السَّابِقِ، حَتَّى لَوْ طَافَ قَبْلَ الْحَلْقِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ شَيْءٌ، فَلَوْ قَلَّمَ ظُفُرَهُ مَثَلًا كَانَ جِنَايَةً لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْحَلْقِ (فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهَا) أَيْ أَيَّامِ النَّحْرِ وَلَيَالِيهَا مِنْهَا   [رد المحتار] قَوْلُهُ بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ) أَيْ الطَّوَافِ الْكَامِلِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الرُّكْنِ وَالْوَاجِبِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ السَّبْعَةَ رُكْنٌ كَمَا يَقُولُهُ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَإِنْ وَافَقَهُمْ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ بَحْثًا فَإِنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ فَلَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ سَعَى قَبْلُ) لَمْ يَقُلْ إنْ كَانَ رَمَلَ وَسَعَى قَبْلُ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ سَعَى قَبْلُ وَلَمْ يَرْمُلْ لَا يَرْمُلُ هُنَا لِأَنَّ الرَّمَلَ إنَّمَا يُشْرَعُ فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ كَمَا مَرَّ وَلَا سَعْيَ هَاهُنَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَكَذَا فِي اللُّبَابِ وَفِيهِ وَأَمَّا الِاضْطِبَاعُ فَسَاقِطٌ مُطْلَقًا فِي هَذَا الطَّوَافِ اهـ سَوَاءٌ سَعَى قَبْلَهُ أَوْ لَا (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَعَلَهُمَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى قَبْلُ رَمَلِ وَسَعَى وَإِنْ رَمَلَ قُهُسْتَانِيٌّ أَيْ لِأَنَّ رَمَلَهُ السَّابِقَ بِلَا سَعْيٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ كَمَا عَلِمْته فَلَا يُعْتَبَرُ. . [تَنْبِيهٌ] قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَلَوْ لَمْ يَفْعَلُهَا فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ فَعَلَهُمَا فِي طَوَافِ الصَّدْرِ لِأَنَّ السَّعْيَ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي الْجِنَايَاتِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الرَّمَلَ بَعْدَ كُلِّ طَوَافٍ يَعْقُبُهُ سَعْيٌ فِيهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِمَا فِي الصَّدْرِ لَوْ لَمْ يُقَدِّمْهُمَا وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَإِنْ عُلِمَ مِنْ إطْلَاقِهِمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ تَكْرَارَهُمَا) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ بِلَا رَمَلٍ سَعَى إلَخْ ط. . [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُ السَّعْيِ إلَى مَا بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَكَذَلِكَ الرَّمَلُ لِيَصِيرَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ دُونَ السُّنَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِالسَّعْيِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. اهـ. قُلْت: وَكَذَا لَا يُعْتَدُّ بِالسَّعْيِ إلَّا بَعْدَ طَوَافٍ كَامِلٍ، فَلَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا، وَرَمَلَ فِيهِ وَسَعَى بَعْدَهُ، فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُمَا فِي الْحَدَثِ نَدْبًا وَفِي الْجَنَابَةِ إعَادَةُ السَّعْيِ حَتْمًا وَالرَّمَلُ سُنَّةٌ لُبَابٌ (قَوْلُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ) فَلَا يَصِحُّ قَبْلَهُ لُبَابٌ (قَوْلُهُ وَيَمْتَدُّ وَقْتُهُ) أَيْ وَقْتُ صِحَّتِهِ إلَى آخِرِ الْعُمُرِ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ فِعْلِهِ فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ شَرْحِ اللُّبَابِ لِلْقَاضِي مُحَمَّدِ عِيدٍ عَنْ الْبَحْرِ الْعَمِيقِ أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةَ بِبَدَنَةٍ لِأَنَّهُ جَاءَ الْعُذْرُ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَإِنْ كَانَ آثِمًا بِالتَّأْخِيرِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَحَلَّ لَهُ النِّسَاءُ) أَيْ بَعْدَ الرُّكْنِ مِنْهُ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ بَحْرٌ وَلَوْ لَمْ يَطُفْ أَصْلًا لَا يَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ وَإِنْ طَالَ وَمَضَتْ سُنُونَ بِإِجْمَاعٍ كَذَا فِي الْهِنْدِيَّةِ ط (قَوْلُهُ بِالْحَلْقِ السَّابِقِ) أَيْ لَا بِالطَّوَافِ لِأَنَّ الْحَلْقَ هُوَ الْمُحَلِّلُ دُونَ الطَّوَافِ غَيْرَ أَنَّهُ أُخِّرَ عَمَلُهُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ إلَى مَا بَعْدَ الطَّوَافِ، فَإِذَا طَافَ عَمِلَ الْحَلْقُ عَمَلَهُ كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ أَخَّرَ عَمَلُهُ الْإِبَانَةَ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِحَاجَتِهِ إلَى الِاسْتِرْدَادِ زَيْلَعِيٌّ، فَتَسْمِيَةُ بَعْضِهِمْ الطَّوَافَ مُحَلِّلًا آخَرَ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ شَرْطٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ قَبْلَ الْحَلْقِ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الرَّمْيِ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ (قَوْلُهُ كَانَ جِنَايَةً) أَيْ وَلَوْ قَصَدَ بِهِ التَّحْلِيلَ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَخْ) تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ مِنْ التَّفْرِيعِ لِقَصْدِ الرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الرَّمْيَ مُحَلِّلٌ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَيَالِيهَا مِنْهَا) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَالْمُرَادُ بِلَيْلَةِ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ اللَّيْلَةُ الَّتِي تَعْقُبُ ذَلِكَ الْيَوْمَ فِي الْوُجُودِ كَمَا أَنَّ لَيْلَةَ يَوْمِ عَرَفَةَ اللَّيْلَةُ الَّتِي تَعْقُبُهُ فِي الْوُجُودِ ح. قُلْت: وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ ظَاهِرٌ فِي حَقِّ الرَّمْيِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَرْمِ نَهَارًا مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ يَرْمِي فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي تَعْقُبُ ذَلِكَ، وَيَقَعُ أَدَاءً، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَهُ إلَى النَّهَارِ الثَّانِي فَإِنَّهُ يَقَعُ قَضَاءً وَيَلْزَمُهُ دَمٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الطَّوَافِ فَالْمُرَادُ بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 (كُرِهَ) تَحْرِيمًا (وَوَجَبَ دَمٌ) لِتَرْكِ الْوَاجِبِ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمْكَانِ، فَلَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ إنْ قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ وَلَمْ تَفْعَلْ لَزِمَ دَمٌ وَإِلَّا لَا (ثُمَّ أَتَى مِنًى)   [رد المحتار] اللَّيَالِي الْمُتَخَلِّلَةُ بَيْنَ أَيَّامِ النَّحْرِ لِأَنَّهُ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ الَّذِي هُوَ آخِرُ أَيَّامِ النَّحْرِ وَلَمْ يَطُفْ لَزِمَهُ دَمٌ كَمَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الْحَائِضِ فَاللَّيْلَةُ الَّتِي تَعْقُبُ الثَّالِثَ لَيْسَتْ تَابِعَةً لَهُ فِي حَقِّ الطَّوَافِ وَإِلَّا لَكَانَ فِيهَا أَدَاءً بِلَا لُزُومِ دَمٍ كَمَا فِي الرَّمْيِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ كُرِهَ تَحْرِيمًا إلَخْ) أَيْ وَلَوْ أَخَّرَهُ إلَى الْيَوْمِ الرَّابِعِ الَّذِي هُوَ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْغَايَةِ وَإِيضَاحِ الطَّرِيقِ. وَفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي وَبِهِ يُفْتَى وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَاضِي خَانْ وَالْكَافِي وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا، خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ مِنْ أَنَّ آخِرَهُ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَتَبِعَهُ الْكَرْمَانِيُّ وَصَاحِبُ الْمَنَافِعِ وَالْمُسْتَصْفِي شَرْحُ اللُّبَابِ. . [تَنْبِيهٌ] فِي السِّرَاجِ وَكَذَلِكَ إنْ أَخَّرَ الْحَلْقَ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ دَمٌ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْحَلْقَ يَخْتَصُّ عِنْدَهُ بِزَمَانٍ وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ وَبِمَكَانٍ وَهُوَ الْحَرَمُ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ الْكَرَاهَةُ وَوُجُوبُ الدَّمِ بِالتَّأْخِيرِ ط (قَوْلُهُ إنْ قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ) أَيْ إنْ بَقِيَ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ مَا يَسَعُ طَوَافَ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ زَمَنٌ يَسَعُ خَلْعَ ثِيَابِهَا وَاغْتِسَالَهَا وَيُرَاجَعُ. اهـ. ح وَعَلَى قِيَاسِ بَحْثِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ زَمَنُ قَطْعِ الْمَسَافَةِ أَنْ لَوْ كَانَتْ فِي بَيْتِهَا ط. قُلْت: وَبِالْأَخِيرِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَذَلِكَ كُلُّهُ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِ الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ إذَا طَهُرَتْ فِي آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ فَإِنْ أَمْكَنَهَا الطَّوَافُ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ تَفْعَلْ فَعَلَيْهَا دَمٌ لِلتَّأْخِيرِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا طَوَافُ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا اهـ فَإِنَّ إمْكَانَ الطَّوَافِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الِاغْتِسَالِ وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ. وَفِي الْبَحْرِ أَيْضًا: وَلَوْ حَاضَتْ بَعْدَمَا قَدَرَتْ عَلَى الطَّوَافِ فَلَمْ تَطُفْ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ لَزِمَهَا الدَّمُ لِأَنَّهَا مُقَصِّرَةٌ بِتَفْرِيطِهَا اهـ أَيْ بَعْدَمَا قَدَرَتْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ. زَادَ فِي اللُّبَابِ فَقَوْلُهُمْ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِتَأْخِيرِ الطَّوَافِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا حَاضَتْ فِي وَقْتٍ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى أَكْثَرِ الطَّوَافِ أَوْ حَاضَتْ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ وَلَمْ تَطْهُرْ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّهَا، لَكِنَّ إيجَابَ الدَّمِ فِيمَا لَوْ حَاضَتْ فِي وَقْتِهِ بَعْدَ مَا قَدَرَتْ عَلَيْهِ مُشْكِلٌ. لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا فِعْلُهُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، نَعَمْ يَظْهَرُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ عَلِمَتْ وَقْتَ حَيْضِهَا فَأَخَّرَتْهُ عَنْهُ تَأَمَّلْ. . [تَنْبِيهٌ] نَقَلَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ مَنْسَكِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ: لَوْ هَمَّ الرَّكْبُ عَلَى الْقُفُولِ وَلَمْ تَطْهُرْ فَاسْتَفْتَتْ هَلْ تَطُوفُ أَمْ لَا؟ قَالُوا يُقَالُ لَهَا لَا يَحِلُّ لَك دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَإِنْ دَخَلْت وَطُفْت أَثِمْت وَصَحَّ طَوَافُك وَعَلَيْك ذَبْحُ بَدَنَةٍ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ يَتَحَيَّرُ فِيهَا النِّسَاءُ. اهـ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ طَوَافِ الْمُتَحَيِّرَةِ فِي بَابِ الْحَيْضِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ ثُمَّ أَتَى مِنًى) أَيْ بَعْدَ مَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَكَانَ يَنْبَغِي التَّصْرِيحُ بِهِ كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَابْنُ الْكَمَالِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. . [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي اللُّبَابِ أَنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ بَعْدَمَا يَرْجِعُ إلَى مِنًى وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، لَكِنْ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ» وَمَالَ إلَيْهِ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ إنَّهُ أَظْهَرُ نَقْلًا وَعَقْلًا وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَأَمَّا صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَقَالَ فِي اللُّبَابِ: وَيَجْمَعُ بِمِنًى إذَا كَانَ فِيهِ أَمِيرُ مَكَّةَ أَوْ الْحِجَازِ أَوْ الْخَلِيفَةِ، وَأَمَّا أَمِيرُ الْمَوْسِمِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا إذَا اُسْتُعْمِلَ عَلَى مَكَّةَ. اهـ. وَأَمَّا صَلَاةُ الْعِيدِ فَفِي شَرْحِ مَنَاسِكِ الْكَنْزِ لِلْمُرْشِدِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا يُصَلِّيهَا بِهَا بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْحَلَبِيِّ أَنَّهُ لَا يُصَلِّيهَا بِهَا اتِّفَاقًا لِلِاشْتِغَالِ فِيهِ بِأُمُورِ الْحَجِّ اهـ أَيْ لِأَنَّ وَقْتَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 فَيَبِيتُ بِهَا لِلرَّمْيِ (وَبَعْدَ الزَّوَالِ ثَانِي النَّحْرِ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ يَبْدَأُ) اسْتِنَانًا (بِمَا يَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ ثُمَّ بِمَا يَلِيهِ) الْوُسْطَى (ثُمَّ بِالْعَقَبَةِ سَبْعًا سَبْعًا وَوَقَفَ) حَامِدًا مُهَلِّلًا مُكَبِّرًا مُصَلِّيًا قَدْرَ قِرَاءَةِ الْبَقَرَةِ (بَعْدَ تَمَامِ كُلِّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَقَطْ)   [رد المحتار] الْعِيدِ وَقْتُ مُعْظَمِ أَفْعَالِ الْحَجِّ، بِخِلَافِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَقَعُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَّا نَادِرًا بِخِلَافِ الْعِيدِ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَأَرَادَ بِالِاتِّفَاقِ الْإِجْمَاعَ إذْ لَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ فِي مِنًى وَفِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ لِلْبِيرِيِّ مِنْ كِتَابِ الصَّيْدِ أَنَّ مِنًى مَوْضِعٌ تَجُوزُ فِيهِ صَلَاةُ الْعِيدِ إلَّا أَنَّهَا سَقَطَتْ عَنْ الْحَاجِّ، وَلَمْ نَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا مَعَ كَثْرَةِ الْمُرَاجَعَةِ وَلَا صَلَاةُ الْعِيدِ بِمَكَّةَ يَوْمَ الْأَضْحَى لِأَنَّا وَمَنْ أَدْرَكْنَاهُ مِنْ الْمَشَايِخِ لَمْ نُصَلِّهَا بِمَكَّةَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مَا السَّبَبُ فِي ذَلِكَ. اهـ. قُلْت: أَمَّا عَدَمُ صَلَاتِهَا بِمِنًى فَقَدْ عَلِمْت نَقْلَهُ وَأَمَّا بِمَكَّةَ فَلَعَلَّ سَبَبَهُ أَنَّ مَنْ لَهُ إقَامَةُ الْعِيدِ يَكُونُ بِمِنًى حَاجًّا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فَيَبِيتُ بِهَا لِلرَّمْيِ) أَيْ لَيَالِيَ أَيَّامِ الرَّمْيِ هُوَ السُّنَّةُ فَلَوْ بَاتَ بِغَيْرِهَا كُرِهَ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لُبَابٌ (قَوْلُهُ وَبَعْدَ زَوَالِ ثَانِي النَّحْرِ) قَالَ فِي اللُّبَابِ: ثُمَّ إذَا كَانَ الْيَوْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ وَهُوَ ثَانِي أَيَّامِ النَّحْرِ خَطَبَ الْإِمَامُ خُطْبَةً وَاحِدَةً بَعْدَ الظُّهْرِ لَا يَجْلِسُ فِيهَا كَخُطْبَةِ الْيَوْمِ السَّابِعِ يُعَلِّمُ النَّاسَ أَحْكَامَ الرَّمْيِ وَمَا بَقِيَ مِنْ أُمُورِ الْمَنَاسِكِ وَهَذِهِ الْخُطْبَةُ سُنَّةٌ وَتَرْكُهَا غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ. اهـ. . مَطْلَبٌ فِي رَمْيِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ (قَوْلُهُ يَبْدَأُ اسْتِنَانًا إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ مَسْنُونٌ لَا مُتَعَيِّنٌ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ فِي اللُّبَابِ: وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ وَعَزَاهُ شَارِحُهُ إلَى الْبَدَائِعِ وَالْكَرْمَانِيِّ وَالْمُحِيطِ وَالسِّرَاجِيَّةِ، وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ كَلَامَ الْمُحِيطِ ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْخِلَافِ وَفِي اخْتِيَارِ السُّنِّيَّةِ اهـ وَكَذَا اخْتَارَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ آخِرَ الْحَجِّ كَمَا سَيَأْتِي، وَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ صَرِيحَ مَا فِي الْمُحِيطِ اخْتِيَارُ التَّعْيِينِ فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ جَعَلَ التَّعْيِينَ رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ فَتَدَبَّرْ، قَالَ فِي اللُّبَابِ: فَلَوْ بَدَأَ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ثُمَّ بِالْوُسْطَى ثُمَّ بِالْأُولَى، ثُمَّ تَذَكَّرَ ذَلِكَ فِي يَوْمِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْوُسْطَى وَالْعَقَبَةَ حَتْمًا أَوْ سُنَّةً وَكَذَا لَوْ تَرَكَ الْأُولَى وَرَمَى الْآخِرَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَرْمِي الْأُولَى وَيَسْتَقْبِلُ الْبَاقِيَ، وَلَوْ رَمَى كُلَّ جَمْرَةٍ بِثَلَاثٍ أَتَمَّ الْأُولَى بِأَرْبَعٍ ثُمَّ أَعَادَ الْوُسْطَى بِسَبْعٍ ثُمَّ الْقُصْوَى بِسَبْعٍ، وَإِنْ رَمَى كُلَّ وَاحِدَةٍ بِأَرْبَعٍ أَتَمَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِثَلَاثٍ ثَلَاثٍ وَلَا يُعِيدُ اهـ أَيْ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَكَأَنَّهُ رَمَى الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ بَعْدَ الْأُولَى (قَوْلُهُ بِمَا يَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ) وَحَدُّهَا مِنْ بَابِ مَسْجِدِ الْخَيْفِ الْكَبِيرِ إلَيْهَا بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ عَدَدَ (1254) وَسُدُسُ ذِرَاعٍ وَمِنْهَا، إلَى الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى عَدَدَ (875) ، وَمِنْ الْوُسْطَى إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ عَدَدَ (208) كَمَا نَقَلَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ الْقَرَافِيِّ الْمَالِكِيِّ وَنَحْوُهُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ فَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ سَبْقُ قَلَمٍ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ الْوُسْطَى) بَدَلٌ مِنْ مَا ح (قَوْلُهُ وَيُكَبِّرُ بِكُلِّ حَصَاةٍ) أَيْ قَائِلًا بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ قَدْرَ قِرَاءَةِ الْبَقَرَةِ) زَادَ فِي اللُّبَابِ أَوْ ثَلَاثَةِ أَحْزَابٍ: أَيْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ مِنْ الْجُزْءِ أَوْ عِشْرِينَ آيَةً قَالَ شَارِحُهُ: وَهُوَ أَقَلُّ الْمَوَاقِيتِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمُضْمَرَاتِ (قَوْلُهُ بَعْدَ تَمَامِ كُلِّ رَمْيٍ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 فَلَا يَقِفُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ وَ (لَا بَعْدَ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٌ (وَدَعَا) لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ رَافِعًا كَفَّيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ أَوْ الْقِبْلَةِ (ثُمَّ) رَمَى (غَدًا كَذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَهُ كَذَلِكَ إنْ مَكَثَ وَهُوَ أَحَبُّ وَإِنْ قَدَّمَ الرَّمْيَ فِيهِ) أَيْ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ (عَلَى الزَّوَالِ جَازَ) فَإِنْ وَقَّتَ الرَّمْيَ فِيهِ مِنْ الْفَجْرِ لِلْغُرُوبِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَمِنْ الزَّوَالِ لِطُلُوعِ ذُكَاءٍ   [رد المحتار] لَا عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ لُبَابٌ (قَوْلُهُ فَلَا يَقِفُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ) أَيْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَ بَعْدَهَا رَمْيٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ قَالَ فِي اللُّبَابِ وَالْوُقُوفُ عِنْدَ الْأُولَيَيْنِ سُنَّةٌ فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا وَقَوْلُهُ: وَلَا بَعْدَ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ أَتَى فِيهِ بِالْوَاوِ عَطْفًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي التَّفْرِيعِ إشَارَةً إلَى مَا فِي عِبَارَةِ الْمَتْنِ مِنْ الْقُصُورِ (قَوْلُهُ وَدَعَا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَوَقَفَ حَامِدًا (قَوْلُهُ نَحْوَ السَّمَاءِ أَوْ الْقِبْلَةِ) حِكَايَةٌ لِقَوْلَيْنِ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَيَجْعَلُ بَاطِنَ كَفَّيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ نَحْوَ السَّمَاءِ وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ رَمَى غَدًا) أَيْ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَهُوَ الْمُلَقَّبُ بِيَوْمِ النَّفْرِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ فِيهِ بَعْدَ الرَّمْيِ، وَالْيَوْمُ الرَّابِعُ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يُسَمَّى يَوْمَ النَّفْرِ الثَّانِي فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَذَلِكَ) أَيْ مِثْلُ الرَّمْيِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ بِمُرَاعَاةِ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِيهِ. (قَوْلُهُ إنْ مَكَثَ) قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ بَعْدَهُ كَذَلِكَ فَقَطْ لَا فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ غَدًا كَذَلِكَ أَيْضًا. اهـ. ح قَالَ فِي النَّهْرِ: أَيْ إنْ مَكَثَ إلَى طُلُوعِ فَجْرِ الرَّابِعِ فِي الظَّاهِرِ، عَنْ الْإِمَامِ وَعَنْهُ إلَى الْغُرُوبِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَحَبُّ) اقْتِدَاءً بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203]- الْآيَةَ فَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْفَاضِلِ وَالْأَفْضَلِ كَالْمُسَافِرِ فِي رَمَضَانَ حَيْثُ خُيِّرَ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِفْطَارِ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ اتِّفَاقًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ جَازَ) أَيْ صَحَّ عِنْدَ الْإِمَامِ اسْتِحْسَانًا مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ، وَقَالَ لَا يَصِحُّ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْأَيَّامِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ وَقَّتَ الرَّمْيَ فِيهِ) أَيْ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ مِنْ الْفَجْرِ لِلْغُرُوبِ أَيْ غُرُوبِ شَمْسِهِ، وَلَا يَتْبَعُهُ مَا بَعْدَهُ مِنْ اللَّيْلِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَيَّامِ وَالْمُرَادُ وَقْتُ جَوَازِهِ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِنَّ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَقْتٌ مَكْرُوهٌ، وَمَا بَعْدَهُ مَسْنُونٌ؛ وَبِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ يَفُوتُ وَقْتُ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ اتِّفَاقًا شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ فَمِنْ الزَّوَالِ لِطُلُوعِ ذُكَاءِ) أَيْ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ وَقْتُ الْجَوَازِ فِي الْجُمْلَةِ قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَقْتُ رَمْيِ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ، فَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ فِي الْمَشْهُورِ. وَقِيلَ يَجُوزُ. وَالْوَقْتُ الْمَسْنُونُ فِيهِمَا يَمْتَدُّ مِنْ الزَّوَالِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَمِنْ الْغُرُوبِ إلَى الطُّلُوعِ وَقْتٌ مَكْرُوهٌ، وَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ: أَيْ فَجْرُ الرَّابِعِ فَقَدْ فَاتَ وَقْتُ الْأَدَاءِ وَبَقِيَ وَقْتُ الْقَضَاءِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَلَوْ أَخَّرَهُ عَنْ وَقْتِهِ أَيْ الْمُعَيَّنِ لَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْجَزَاءُ، وَيَفُوتُ وَقْتُ الْقَضَاءِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ فِي الرَّابِعِ اهـ: ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ لَمْ يَرْمِ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثَ رَمَاهُ فِي اللَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ أَيْ الْآتِيَةِ لِكُلٍّ مِنْ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ سِوَى الْإِسَاءَةِ مَا لَمْ يَكُنْ بِعُذْرٍ، وَلَوْ رَمَى لَيْلَةَ الْحَادِيَ عَشَرَ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ غَدِهَا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ فِي الْحَجِّ فِي حُكْمِ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ لَا الْمُسْتَقْبَلَةِ، وَلَوْ لَمْ يَرْمِ فِي اللَّيْلِ رَمَاهُ فِي النَّهَارِ قَضَاءً وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ أَخَّرَ رَمْيَ الْأَيَّامِ كُلِّهَا إلَى الرَّابِعِ مَثَلًا قَضَاهَا كُلَّهَا فِيهِ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَقْضِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْهُ فَاتَ وَقْتُ الْقَضَاءِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ اللَّيْلَةُ تَابِعَةً لِمَا قَبْلَهَا اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الرَّمْيَ فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ يَرْمِي فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي تَلِي ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي أَخَّرَ رَمْيَهُ وَكَانَ أَدَاءً لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ، وَكُرِهَ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ، وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي كَانَ قَضَاءً وَلَزِمَهُ الْجَزَاءُ، وَكَذَا لَوْ أَخَّرَ الْكُلَّ إلَى الرَّابِعِ مَا لَمْ تَغْرُبْ شَمْسُهُ، فَلَوْ غَرَبَتْ سَقَطَ الرَّمْيُ وَلَزِمَهُ دَمٌ، وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 (وَلَهُ النَّفْرُ) مِنْ مِنًى (قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ الرَّابِعِ لَا بَعْدَهُ) لِدُخُولِ وَقْتِ الرَّمْيِ (وَجَازَ الرَّمْيُ) كُلُّهُ (رَاكِبًا، وَ) لَكِنَّهُ (فِي الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ الْأُولَى وَالْوُسْطَى (مَاشِيًا أَفْضَلُ) لِأَنَّهُ لَا يَقِفُ (إلَّا فِي الْأَخِيرَةِ) أَيْ الْعَقَبَةِ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ وَالرَّاكِبُ أَقْدَرُ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَ أَفْضَلِيَّةَ الْمَشْيِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ؛ وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ وَغَيْرُهُ (وَلَوْ قَدَّمَ ثَقَلَهُ) بِفَتْحَتَيْنِ مَتَاعَهُ وَخَدَمَهُ (إلَى مَكَّةَ وَأَقَامَ بِمِنًى) أَوْ ذَهَبَ لِعَرَفَةَ (كُرِهَ) إنْ لَمْ يَأْمَنْ لَا إنْ أَمِنَ؛ وَكَذَا   [رد المحتار] وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ انْتِهَاءَهُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ لَيْسَ بَيَانًا لِوَقْتِ الْأَدَاءِ فَقَطْ، بَلْ يَشْمَلُ وَقْتَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ مَا بَعْدَ فَجْرِ الرَّابِعِ وَقْتٌ لِرَمْيِ الرَّابِعِ أَدَاءً، وَلِرَمْيِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ قَضَاءٌ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلَهُ النَّفْرُ) بِسُكُونِ الْفَاءِ: أَيْ الرُّجُوعُ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ الرَّابِعِ) وَلَكِنْ يَنْفِرُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ: أَيْ شَمْسِ الثَّالِثِ، فَإِنْ لَمْ يَنْفِرْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ حَتَّى يَرْمِيَ فِي الرَّابِعِ، وَلَوْ نَفَرَ مِنْ اللَّيْلِ قَبْلَ الرَّابِعِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَدْ أَسَاءَ، وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، فَإِنْ نَفَرَ لَزِمَهُ دَمٌ، وَلَوْ نَفَرَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ الرَّمْيِ لَزِمَهُ الدَّمُ اتِّفَاقًا لُبَابٌ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَكِّيِّ وَالْآفَاقِيِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَجَازَ الرَّمْيُ رَاكِبًا إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُنْتَقَى أَخْصَرُ، وَهِيَ: وَجَازَ الرَّمْيُ رَاكِبًا وَغَيْرُ رَاكِبٍ أَفْضَلُ فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ. اهـ. وَفِي اللُّبَابِ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ رَاكِبًا وَغَيْرَهَا مَاشِيًا فِي جَمِيعِ أَيَّامِ الرَّمْيِ اهـ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَقِفُ: أَيْ لِلدُّعَاءِ بَعْدَ رَمْيِ الْأُولَيَيْنِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بِخِلَافِ الْعَقَبَةِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَفِي الثَّلَاثَةِ بَعْدَهُ، فَإِنَّهُ لَا دُعَاءَ بَعْدَهَا. وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ رَمْيٍ يَقِفُ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَرْمِيهِ مَاشِيًا وَهُوَ كُلُّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ كَمَا مَرَّ، وَمَا لَا فَلَا ثُمَّ هَذَا التَّفْصِيلُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَلَهُ حِكَايَةٌ مَشْهُورَةٌ ذَكَرَهَا ط وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مُخْتَارُ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُمَا فَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْأَفْضَلَ الرُّكُوبُ فِي الْكُلِّ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمَشْيُ فِي الْكُلِّ عَلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَقَالَ: فَتَحَصَّلَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ) أَيْ بِأَنَّ أَدَاءَهَا مَاشِيًا أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَالْخُشُوعِ وَخُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ، فَإِنْ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ مُشَاةٌ فِي جَمِيعِ الرَّمْيِ فَلَا يُؤْمَنُ مِنْ الْأَذَى بِالرُّكُوبِ بَيْنَهُمْ بِالزَّحْمَةِ، وَرَمْيُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَاكِبًا إنَّمَا هُوَ لِيُظْهِرَ فِعْلَهُ لِيُقْتَدَى بِهِ كَطَوَافِهِ بِهِ رَاكِبًا. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ مَاشِيًا أَفْضَلُ إلَّا فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ لِأَنَّهُ ذَاهِبٌ إلَى مَكَّةَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ، وَغَالِبُ النَّاسِ رَاكِبٌ فَلَا إيذَاءَ فِي رُكُوبِهِ مَعَ تَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الِاتِّبَاعِ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. اهـ. قُلْت: لَكِنْ فِي هَذَا الزَّمَانِ يَعْسَرُ رُكُوبُهُ بَعْدَ رَمْيِ الْعَقَبَةِ، وَرُبَّمَا ضَلَّ عَنْهُ مَحْمَلُهُ لِكَثْرَةِ الزِّحَامِ، فَلَوْ قِيلَ إنَّهُ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ يَرْمِي الْكُلَّ رَاكِبًا لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ أَيْضًا مَعَ تَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الِاتِّبَاعِ فِي الْكُلِّ بِلَا ضَرَرٍ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْكُلَّ يَرْكَبُونَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ سَائِرِينَ إلَى مَكَّةَ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ فَيَرْمِي الْكُلَّ مَاشِيًا (قَوْلُهُ بِفَتْحَتَيْنِ إلَخْ) وَبِكَسْرِ الثَّاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ الْمَصْدَرُ وَبِسُكُونِهَا وَاحِدُ الْأَثْقَالِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ ذَهَبَ لِعَرَفَةَ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْوَاوِ بَدَلَ أَوْ وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَالْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ أَوْ تَرَكَهُ فِيهَا وَذَهَبَ لِعَرَفَةَ إذْ لَا يَصْلُحُ تَسْلِيطُ قَدَّمَ هُنَا إلَّا بِتَأْوِيلٍ (قَوْلُهُ كُرِهَ) لِأَثَرِ ابْنِ شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - " مَنْ قَدَّمَ ثَقَلَهُ قَبْلَ النَّفَرِ فَلَا حَجَّ لَهُ " أَيْ كَامِلًا وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ شَغْلَ قَبْلِهِ وَهُوَ فِي الْعِبَادَةِ فَيُكْرَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ بَحْرٌ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَمْنَعُ مِنْهُ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ، وَهَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ كَانَ يُؤَدِّبُ عَلَى تَرْكِ خِلَافِ الْأَوْلَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا إنْ أَمِنَ) بَحْثٌ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ، وَتَبِعَهُ أَخُوهُ أَخْذًا مِنْ مَفْهُومِ التَّعْلِيلِ بِشَغْلِ الْقَلْبِ ط (قَوْلُهُ وَكَذَا إلَخْ) قَالَ فِي السِّرَاجِ، وَكَذَا يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنْ حَوَائِجِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 يُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي جَعْلُ نَحْوِ نَعْلِهِ خَلْفَهُ لِشَغْلِ قَلْبِهِ. (وَإِذَا نَفَرَ) الْحَاجُّ (إلَى مَكَّةَ نَزَلَ) اسْتِنَانًا وَلَوْ سَاعَةً (بِالْمُحَصَّبِ) بِضَمٍّ فَفَتْحَتَيْنِ: الْأَبْطُحُ، وَلَيْسَتْ الْمَقْبَرَةُ مِنْهُ (ثُمَّ) إذَا أَرَادَ السَّفَرَ (طَافَ لِلصَّدِّ) أَيْ الْوَدَاعِ (سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ بِلَا رَمَلٍ وَسَعْيٍ، وَهُوَ وَاجِبٌ إلَّا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ) وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ فَلَا يَجِبُ بَلْ يُنْدَبُ كَمَنْ مَكَثَ بَعْدَهُ؛ ثُمَّ النِّيَّةُ لِلطَّوَافِ شَرْطٌ؛ فَلَوْ طَافَ هَارِبًا أَوْ طَالِبًا لَمْ يَجُزْ لَكِنْ يَكْفِي أَصْلُهَا، فَلَوْ طَافَ بَعْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ وَنَوَى التَّطَوُّعَ أَجْزَأَهُ عَنْ الصَّدْرِ كَمَا لَوْ طَافَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ   [رد المحتار] خَلْفَهُ وَيُصَلِّيَ مِثْلَ النَّعْلِ وَشِبْهِهِ لِأَنَّهُ يَشْغَلُ خَاطِرَهُ فَلَا يَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَاعَةً) يَقِفُ فِيهِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَدْعُوا سِرَاجٌ، فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ أَصْلُ السُّنَّةِ. وَأَمَّا الْكَمَالُ فَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ مِنْ أَنَّهُ يُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَيَهْجَعُ هَجْعَةً ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ بَحْرٌ. وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْقَارِي: وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ سُنَّةُ كِفَايَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَسَعُ الْحَاجَّ جَمِيعَهُمْ، وَيَنْبَغِي لِأُمَرَاءِ الْحَجِّ وَكَذَا غَيْرُهُمْ أَنْ يَنْزِلُوا فِيهِ وَلَوْ سَاعَةً إظْهَارًا لِلطَّاعَةِ (قَوْلُهُ الْأَبْطُحُ) وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا الْبَطْحَاءُ وَالْخَيْفُ قَارِي. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ فِنَاءُ مَكَّةَ، حَدُّهُ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ الْمُتَّصِلَيْنِ بِالْمَقَابِرِ إلَى الْجِبَالِ الْمُقَابِلَةِ لِذَلِكَ مُصَعِّدًا فِي الشِّقِّ الْأَيْسَرِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إلَى مِنًى مُرْتَفِعًا عَنْ بَطْنِ الْوَادِي (قَوْلُهُ ثُمَّ إذَا أَرَادَ السَّفَرَ) أَتَى بِثُمَّ وَمَا بَعْدَهَا إشَارَةً إلَى مَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهِ بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ إذَا كَانَ عَلَى عَزْمِ السَّفَرِ، حَتَّى لَوْ طَافَ كَذَلِكَ ثُمَّ أَطَالَ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَتَّخِذْهَا دَارًا جَازَ طَوَافُهُ وَلَا آخِرَ لَهُ وَهُوَ مُقِيمٌ، بَلْ لَوْ أَقَامَ عَامًا لَا يَنْوِي الْإِقَامَةَ فَلَهُ أَنْ يَطُوفَ، وَيَقَعُ أَدَاءً، نَعَمْ الْمُسْتَحَبُّ إيقَاعُهُ عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ. اهـ. وَفِي اللُّبَابِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ وَلَوْ سِنِينَ، وَيَسْقُطُ بِنِيَّةِ الِاسْتِيطَانِ بِمَكَّةَ أَوْ بِمَا حَوْلَهَا قَبْلَ حِلِّ النَّفْرِ الْأَوَّلِ: أَيْ قَبْلَ ثَالِثِ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَلَوْ نَوَى الِاسْتِيطَانَ بَعْدَهُ لَا يَسْقُطُ، وَإِنْ نَوَاهُ قَبْلَ النَّفْرِ ثُمَّ بَدَا لَهُ الْخُرُوجُ لَمْ يَجِبْ كَالْمَكِّيِّ إذَا خَرَجَ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي طَوَافِ الصَّدَرِ (قَوْلُهُ أَيْ الْوَدَاعِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَهُوَ اسْمٌ لِهَذَا الطَّوَافِ أَيْضًا، وَيُسَمَّى أَيْضًا طَوَافَ آخِرِ الْعَهْدِ وَأَمَّا الصَّدَرُ فَهُوَ بِفَتْحَتَيْنِ: رُجُوعُ الْمُسَافِرِ مِنْ مَقْصِدِهِ وَالشَّارِبِ مِنْ مَوْرِدِهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ بِلَا رَمَلٍ وَسَعْيٍ) أَيْ إنْ كَانَ فَعَلَهُمَا فِي طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ الصَّدَرِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ (قَوْلُهُ وَهُوَ وَاجِبٌ) فَلَوْ نَفَرَ وَلَمْ يَطُفْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِيَطُوفَ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْمِيقَاتَ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ إرَاقَةِ الدَّمِ وَالرُّجُوعِ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ بِعُمْرَةٍ مُبْتَدِئًا بِطَوَافِهَا ثُمَّ بِالصَّدَرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى تَيْسِيرًا عَلَيْهِ وَنَفْعًا لِلْفُقَرَاءِ نَهْرٌ وَلُبَابٌ (قَوْلُهُ إلَّا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ) أَفَادَ وُجُوبَهُ عَلَى كُلِّ حَاجٍّ آفَاقِيٍّ مُفْرِدٍ أَوْ مُتَمَتِّعٍ أَوْ قَارِنٍ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُدْرِكًا مُكَلَّفًا غَيْرَ مَعْذُورٍ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَكِّيِّ، وَلَا عَلَى الْمُعْتَمِرِ مُطْلَقًا، وَفَائِتِ الْحَجِّ وَالْمُحْصَرِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءِ كَمَا فِي اللُّبَابِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ) أَيْ مِمَّنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ، وَكَذَا مَنْ نَوَى الِاسْتِيطَانَ قَبْلَ حِلِّ النَّفْرِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فَلَا يَجِبُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْمَنْفِيُّ عَنْهُمْ إنَّمَا هُوَ وُجُوبُهُ لَا نَدْبُهُ. وَقَدْ قَالَ الثَّانِي أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَطُوفَ الْمَكِّيُّ طَوَافَ الصَّدَرِ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِخَتْمِ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي حَقِّهِمْ (قَوْلُهُ كَمَنْ مَكَثَ بَعْدَهُ) لِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ إيقَاعُهُ عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فَلَوْ طَافَ) أَيْ دَارَ حَوْلَ الْبَيْتِ وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ أَصْلًا (قَوْلُهُ أَوْ طَالِبًا) أَيْ لِغَرِيمٍ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ لَكِنْ يَكْفِي أَصْلُهَا) أَيْ أَصْلُ نِيَّةِ الطَّوَافِ بِلَا لُزُومِ تَعْيِينِ كَوْنِهِ لِلصَّدَرِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا تَعْيِينِ وُجُوبٍ أَوْ فَرْضِيَّةٍ (قَوْلُهُ فَلَوْ طَافَ إلَخْ) الْحَاصِلُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَنْ طَافَ طَوَافًا فِي وَقْتِهِ وَقَعَ عَنْهُ، نَوَاهُ بِعَيْنِهِ أَوَّلًا أَوْ نَوَى طَوَافًا آخَرَ، وَمِنْ فُرُوعِهِ لَوْ قَدِمَ مُعْتَمِرًا وَطَافَ وَقَعَ عَنْ الْعُمْرَةِ، أَوْ حَاجًّا وَطَافَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَقَعَ لِلْقُدُومِ، أَوْ قَارِنًا وَطَافَ طَوَافَيْنِ وَقَعَ الْأَوَّلُ عَنْ الْعُمْرَةِ وَالثَّانِي لِلْقُدُومِ، وَلَوْ كَانَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَقَعَ لِلزِّيَارَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ (ثُمَّ) بَعْدَ رَكْعَتَيْهِ (شَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَقَبَّلَ الْعَتَبَةَ) تَعْظِيمًا لِلْكَعْبَةِ (وَوَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ عَلَى الْمُلْتَزَمِ وَتَشَبَّثَ بِالْأَسْتَارِ سَاعَةً) كَالْمُسْتَشْفِعِ بِهَا، وَلَوْ لَمْ يَنَلْهَا يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ مَبْسُوطَتَيْنِ عَلَى الْجِدَارِ قَائِمَتَيْنِ وَالْتَصَقَ بِالْجِدَارِ (وَدَعَا مُجْتَهِدًا وَيَبْكِي) أَوْ يَتَبَاكَى (وَيَرْجِعُ قَهْقَرَى) أَيْ إلَى خَلَفٍ (حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ)   [رد المحتار] أَوْ بَعْدَمَا حَلَّ النَّفْرُ بَعْدَمَا طَافَ لِلزِّيَارَةِ فَهُوَ لِلصَّدَرِ، وَإِنْ نَوَاهُ لِلتَّطَوُّعِ فَلَا تَعْمَلُ النِّيَّةُ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ إلَّا إذَا كَانَ الثَّانِي أَقْوَى، كَمَا لَوْ تَرَكَ طَوَافَ الصَّدَرِ ثُمَّ عَادَ بِإِحْرَامِ عُمْرَةٍ فَيَبْدَأُ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ الصَّدَرِ، وَتَمَامُهُ فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ ثُمَّ بَعْدَ رَكْعَتَيْهِ) أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ قِيلَ إنَّهُ يَلْتَزِمُ الْمُلْتَزَمَ أَوَّلًا ثُمَّ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ، وَأَنَّهُ الْأَسْهَلُ وَالْأَفْضَلُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ التَّرْتِيبِ هُوَ الْأَصَحُّ الْمَشْهُورُ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ هُنَاكَ. وَعَبَّرَ عَنْ الْآخَرِ بِقِيلَ لَكِنْ جَزَمَ بِالْقِيلِ هُنَا (قَوْلُهُ شَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ) أَيْ قَائِمًا مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ مُتَضَلِّعًا مِنْهُ مُتَنَفِّسًا فِيهِ مِرَارًا نَاظِرًا فِي كُلِّ مَرَّةٍ إلَى الْبَيْتِ مَاسِحًا بِهِ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ وَجَسَدَهُ صَابًّا مِنْهُ عَلَى جَسَدِهِ إنْ أَمْكَنَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ عَقَدَ فِي الْفَتْحِ لِذَلِكَ فَصْلًا مُسْتَقِلًّا فَارْجِعْ إلَيْهِ وَسَيَأْتِي بَعْضُ الْكَلَامِ عَلَى زَمْزَمَ آخِرَ الْحَجِّ (قَوْلُهُ وَقَبَّلَ الْعَتَبَةَ) أَيْ ثُمَّ قَبَّلَ الْعَتَبَةَ الْمُرْتَفِعَةَ عَنْ الْأَرْضِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَوَضَعَ) أَيْ ثُمَّ وَضَعَ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَوَجْهَهُ) أَيْ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ وَيَرْفَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى إلَى عَتَبَةِ الْبَابِ (قَوْلُهُ وَتَشَبَّثَ) أَيْ تَعَلَّقَ كَمَا يَتَعَلَّقُ عَبْدٌ ذَلِيلٌ بِطَرَفِ ثَوْبٍ لِمَوْلًى جَلِيلٍ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَدَعَا) أَيْ حَالَ تَشَبُّثِهِ بِالْأَسْتَارِ مُتَضَرِّعًا مُتَخَشِّعًا مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ قَهْقَرَى) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَجْمَعِ وَالنُّقَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ سُنَّةٌ مَرْوِيَّةٌ وَلَا أَثَرٌ مَحْكِيٌّ، وَمَا لَا أَثَرَ لَهُ لَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ اهـ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَالطَّرَابُلُسِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ، لَكِنَّهُ قَالَ وَقَدْ فَعَلَهُ الْأَصْحَابُ يَعْنِي أَصْحَابَ مَذْهَبِنَا. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْعَادَةُ بِهِ جَارِيَةٌ فِي تَعْظِيمِ الْأَكَابِرِ، وَالْمُنْكِرُ لِذَلِكَ مُكَابِرٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَكِنَّهُ يَفْعَلُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ صَدْمٌ أَوْ وَطْءٌ لِأَحَدٍ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. [تَنْبِيهٌ] فِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُجَاوِرُ بِمَكَّةَ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَجْمَعِ، ثُمَّ يَعُودُ إلَى أَهْلِهِ، وَالْمُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ مَكْرُوهَةٌ أَيْ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَبِقَوْلِهِ قَالَ الْخَائِفُونَ الْمُحْتَاطُونَ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ، قَالَ وَلَا يُظَنُّ أَنَّ كَرَاهَةَ الْقِيَامِ تُنَاقِضُ فَضْلَ الْبُقْعَةِ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ عِلَّتُهَا ضَعْفُ الْخَلْقِ وَقُصُورُهُمْ عَنْ الْقِيَامِ بِحَقِّ الْمَوْضِعِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ. وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ كَوْنُ الْجِوَارِ فِي الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ كَذَلِكَ يَعْنِي مَكْرُوهًا عِنْدَهُ، فَإِنَّ تَضَاعُفَ السَّيِّئَاتِ أَوْ تَعَاظُمَهَا إنْ فُقِدَ فِيهَا فَمَخَافَةُ السَّآمَةِ وَقِلَّةِ الْأَدَبِ الْمُفْضِي إلَى الْإِخْلَالِ بِوُجُوبِ التَّوْقِيرِ وَالْإِجْلَالِ قَائِمٌ. اهـ. نَهْرٌ. مَطْلَبٌ فِي مُضَاعَفَةِ الصَّلَاةِ بِمَكَّةَ. [تَتِمَّةٌ] قَالَ السَّيِّدُ الْفَاسِيُّ فِي شِفَاءِ الْغَرَامِ: يَتَحَصَّلُ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: إحْدَاهَا «أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ تَفْضُلُ عَلَى الصَّلَاةِ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ بِمِائَةِ صَلَاةٍ» . الثَّانِيَةُ «بِأَلْفِ صَلَاةٍ» . الثَّالِثَةُ «بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ» كَمَا فِي مُسْنَدِ الطَّيَالِسِيِّ وَإِتْحَافِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَعَلَى الثَّالِثَةِ حَسَبَ النِّقَاشِ الْمُفَسِّرِ الصَّلَاةَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَبَلَغَتْ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فِيهِ عُمُرَ مِائَتَيْ سَنَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ عُمُرَ مِائَتَيْ سَنَةٍ وَسَبْعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً وَتِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرِ لَيَالٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 وَبَصَرُهُ مُلَاحِظٌ لِلْبَيْتِ (وَسَقَطَ طَوَافُ الْقُدُومِ عَمَّنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ) لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَأَسَاءَ (وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً) عُرْفِيَّةً وَهُوَ الْيَسِيرُ مِنْ الزَّمَانِ، وَهُوَ الْمَحْمَلُ عِنْدَ إطْلَاقِ الْفُقَهَاءِ (مِنْ زَوَالِ يَوْمِهَا) أَيْ عَرَفَةَ (إلَى طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، أَوْ اجْتَازَ) مُسْرِعًا أَوْ (نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ.   [رد المحتار] قَالَ السَّيِّدُ: وَرَأَيْت لِشَيْخِنَا بَدْرِ الدِّينِ بْنِ الصَّاحِبِ الْمِصْرِيِّ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ فُرَادَى بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَجَمَاعَةً بِأَلْفَيْ أَلْفٍ وَسَبْعِمِائَةِ أَلْفٍ، وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فِيهِ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ أَلْفِ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مُنْفَرِدًا فِي وَطَنِهِ غَيْرِ الْمَسْجِدَيْنِ الْمُعَظَّمَيْنِ كُلُّ مِائَةِ سَنَةٍ شَمْسِيَّةٍ بِمِائَةِ أَلْفٍ وَثَمَانِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ، وَكُلُّ أَلْفِ سَنَةٍ بِأَلْفِ أَلْفِ صَلَاةٍ وَثَمَانِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ. فَتَلَخَّصَ أَنَّ صَلَاةً وَاحِدَةً جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَفْضُلُ ثَوَابُهَا عَلَى ثَوَابِ مَنْ صَلَّى فِي بَلَدِهِ فُرَادَى حَتَّى بَلَغَ عُمُرَ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِنَحْوِ الضَّعْفِ اهـ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ خِلَافًا فِي هَذَا الْفَضْلِ هَلْ يَعُمُّ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ، أَوْ يَخْتَصُّ بِالْفَرْضِ؟ وَهُوَ مُقْتَضَى مَشْهُورِ مَذْهَبِنَا: أَيْ الْمَالِكِيَّةِ وَمَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، وَالتَّعْمِيمُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قِيلَ مَسْجِدُ الْجَمَاعَةِ وَأَيَّدَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ، وَقِيلَ الْحَرَمُ كُلُّهُ، وَقِيلَ الْكَعْبَةُ خَاصَّةً، وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ ثَوَابِ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْقُرُبَاتِ بِمَكَّةَ إلَّا أَنَّهَا فِي الثُّبُوتِ لَيْسَتْ كَأَحَادِيثِ الصَّلَاةِ فِيهَا اهـ بِاخْتِصَارٍ. وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي التُّحْفَةِ أَنَّهُ صَحَّ فِي الْأَحَادِيثِ بِتَكْرَارِ الْأَلْفِ ثَلَاثًا، كَذَا كَتَبَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ. وَذَكَرَ الْبِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ فِي أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ أَنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ التَّضْعِيفَ يَعُمُّ جَمِيعَ مَكَّةَ بَلْ جَمِيعَ حَرَمِ مَكَّةَ الَّذِي يَحْرُمُ صَيْدُهُ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ. (قَوْلُهُ وَسَقَطَ طَوَافُ الْقُدُومِ إلَخْ) هَذِهِ مَسَائِلُ شَتَّى عَنْوَنَ لَهَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ بِفَصْلٍ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ حَقِيقَةَ السُّقُوطِ لَا تَكُونُ إلَّا فِي اللَّازِمِ، فَهُوَ هُنَا مَجَازٌ عَنْ عَدَمِ سُنِّيَّتِهِ فِي حَقِّهِ. إمَّا لِأَنَّهُ مَا شُرِعَ إلَّا فِي ابْتِدَاءِ الْأَفْعَالِ فَلَا يَكُونُ سُنَّةً عِنْدَ التَّأْخِيرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ، وَإِمَّا لِأَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ أَغْنَى عَنْهُ كَالْفَرْضِ يُغْنِي عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَلِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْعُمْرَةِ طَوَافُ قُدُومٍ لِأَنَّ طَوَافَهَا أَغْنَى عَنْهُ، قَيَّدَ بِطَوَافِ الْقُدُومِ لِأَنَّ الْقَارِنَ إذَا لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَاتٍ صَارَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِرَفْضِهَا وَقَضَاؤُهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْقِرَانِ اهـ (قَوْلُهُ وَأَسَاءَ) أَيْ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْإِسَاءَةَ دُونَ الْكَرَاهَةِ أَيْ التَّحْرِيمِيَّةِ (قَوْلُهُ عُرْفِيَّةً) أَيْ فِي عُرْفِ اللُّغَةِ وَالْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ لُغَوِيَّةً أَوْ شَرْعِيَّةً كَمَا عَبَّرَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْيَسِيرُ) ذَكَرَ الضَّمِيرَ مُرَاعَاةً لِتَذْكِيرِ الْخَبَرِ (قَوْلُهُ مِنْ زَوَالِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٍ لِسَاعَةٍ لَا بِوَقْفٍ لِفَسَادِ الْمَعْنَى بِاعْتِبَارِ الْغَايَةِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ أَوْ اجْتَازَ) أَيْ مَرَّ. وَقَوْلُهُ مُسْرِعًا حَالٌ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ الْيَسِيرَةَ يَكْفِي مِنْهَا هَذَا الْمِقْدَارُ مِنْ الْوُقُوفِ، فَإِنَّ الْمُسْرِعَ لَا يَخْلُو عَنْ وُقُوفٍ يَسِيرٍ عَلَى قَدَمٍ عِنْدَ نَقْلِ الْأُخْرَى، وَلِذَا صَحَّ اعْتِكَافُهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ أَوْ نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ يَصِحُّ بِلَا نِيَّةٍ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ، بِخِلَافِ الطَّوَافِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّوَافَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ، وَلِهَذَا يَتَنَفَّلُ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ أَصْلِ النِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى تَعْيِينِهِ كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا الْوُقُوفُ فَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ، وَلِذَا لَا يُتَنَفَّلُ بِهِ فَوُجُودُ النِّيَّةِ فِي أَصْلِ الْعِبَادَةِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ يُغْنِي عَنْ اشْتِرَاطِهِ فِي الْوُقُوفِ اهـ لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُتَنَفَّلُ بِهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا النِّيَّةُ. قَالَ: وَلَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي عَنْهُ جَوَابٌ. قُلْت: قَدْ يُمْنَعُ كَوْنُ الْقِرَاءَةِ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً وَالتَّنَفُّلُ بِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يُتَنَفَّلُ بِهِ مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً: وَلِذَا لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ وَكَذَا الْقِرَاءَةُ فَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ الِاعْتِكَافِ أَنَّ النَّذْرَ بِهَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا فُرِضَتْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 وَ) كَذَا لَوْ (أَهَلَّ عَنْهُ رَفِيقُهُ) وَكَذَا غَيْرُ رَفِيقِهِ فَتْحٌ (بِهِ) أَيْ بِالْحَجِّ مَعَ إحْرَامِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِذَا انْتَبَهَ أَوْ أَفَاقَ وَأَتَى بِأَفْعَالِ الْحَجِّ جَازَ؛ وَلَوْ بَقِيَ الْإِغْمَاءُ بَعْدَ إحْرَامِهِ طِيفَ بِهِ الْمَنَاسِكَ، وَإِنْ أَحْرَمُوا عَنْهُ اُكْتُفِيَ بِمُبَاشَرَتِهِمْ،   [رد المحتار] تَبَعًا لِلصَّلَاةِ لَا لِعَيْنِهَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ أَهَلَّ عَنْهُ رَفِيقُهُ) أَيْ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ أَوْ النَّائِمِ الْمَرِيضِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ عِنْدَنَا كَالْوُضُوءِ فِي الصَّلَاةِ فَصَحَّتْ النِّيَابَةُ بَعْدَ وُجُودِ نِيَّةِ الْعِبَادَةِ مِنْهُ، وَهُوَ خُرُوجُهُ لِلْحَجِّ مِعْرَاجٌ. وَفِي النَّهْرِ: وَمَعْنَى الْإِهْلَالِ عَنْهُ أَنْ يَنْوِيَ عَنْهُ وَيُلَبِّيَ فَيَصِيرَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ مُحْرِمًا بِذَلِكَ لِانْتِقَالِ إحْرَامِ الرَّفِيقِ إلَيْهِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يُجَرِّدَهُ وَأَنْ يُلْبِسَهُ الْإِزَارَ. لِأَنَّ هَذَا كَفٌّ عَنْ بَعْضِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ لَا عَنْ الْإِحْرَامِ لِمَا مَرَّ اهـ وَيُجْزِيهِ ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. وَلَوْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا لَزِمَهُ مُوجَبُهُ لَا الرَّفِيقَ لُبَابٌ، وَيَصِحُّ إحْرَامُهُ عَنْهُ سَوَاءٌ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ لَا وَلَا يَلْزَمُهُ التَّجَرُّدُ عَنْ الْمَخِيطِ لِأَجْلِ إحْرَامِهِ عَنْهُ. وَلَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ وَعَنْ نَفْسِهِ وَارْتَكَبَ مَحْظُورًا لَزِمَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ الْقَارِنِ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِإِحْرَامَيْنِ بَحْرٌ. وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْإِحْرَامِ عَنْهُ بِأَمْرِهِ كَمَا فِي اللُّبَابِ: أَيْ خِلَافًا لَهُمَا حَيْثُ اشْتَرَطَا الْأَمْرَ، وَقَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِالْمُغْمَى عَلَيْهِ. أَمَّا النَّائِمُ فَيُشْتَرَطُ مِنْهُ صَرِيحُ الْإِذْنِ لِمَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الطَّوَافَ إذَا طَافَ بِهِ رَفِيقُهُ وَهُوَ نَائِمٌ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. قُلْت: وَقَيَّدَ الْجَوَازَ فِي اللُّبَابِ فِي فَصْلِ طَوَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمِ بِالْفَوْرِ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ طَافُوا بِمَرِيضٍ وَهُوَ نَائِمٌ مِنْ غَيْرِ إغْمَاءٍ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ وَحَمَلُوهُ عَلَى فَوْرِهِ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا. وَفِي الْفَتْحِ بَعْدَ كَلَامٍ: وَالْحَاصِلُ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي اشْتِرَاطِ صَرِيحِ الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ. قَالَ شَارِحُ اللُّبَابِ: وَقَدْ أَطْلَقُوا الْإِجْزَاءَ بَيْنَ حَالَتَيْ النَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ فِي الْوُقُوفِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي الطَّوَافِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَالْكَلَامُ فِي الْإِحْرَامِ عَنْ النَّائِمِ. لَكِنْ إذَا كَانَ الطَّوْفُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِأَمْرِهِ فَالْإِحْرَامُ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَكَذَا غَيْرُ رَفِيقِهِ) هَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي السِّرَاجِ. وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ لِلْكُلِّ دَلَالَةً كَمَا لَوْ ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ فِي أَيَّامِهَا بِلَا إذْنِهِ. وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَيْ بِالْحَجِّ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَشَمِلَ إحْرَامُ الرَّفِيقِ عَنْهُ مَا إذَا أَحْرَمَ عَنْهُ رَفِيقُهُ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ بِمَكَّةَ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا اهـ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ الْفَرْضَ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ بِعُمْرَةٍ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ؟ وَقَدْ يَمْتَدُّ الْإِغْمَاءُ وَلَا يَحْصُلُ إحْرَامُهُ عَنْهُ بِالْحَجِّ فَيَفُوتُ مَقْصِدُهُ ظَاهِرًا. اهـ. وَظَاهِرُ الْفَتْحِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِقَصْدِهِ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ عَلِمَ فَلَا كَلَامَ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي تَعْيِينُ الْحَجِّ (قَوْلُهُ مَعَ إحْرَامِهِ عَنْ نَفْسِهِ) أَوْ بِدُونِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ إذَا انْتَبَهَ أَوْ أَفَاقَ) الْأَوَّلُ لِلنَّائِمِ وَالثَّانِي لِلْمُغْمَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ جَازَ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ عَجْزَهُ كَانَ فِي الْإِحْرَامِ فَقَطْ فَصَحَّتْ النِّيَابَةُ فِيهِ ثُمَّ يَجْرِي هُوَ عَلَى مُوجَبِهِ بَحْرٌ أَيْ مُوجَبِ إحْرَامِ الرَّفِيقِ عَنْهُ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى لُزُومِ إتْيَانِ الْأَفْعَالِ بِنَفْسِهِ لِعَدَمِ الْعَجْزِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ إنْ الْإِغْمَاءُ بَعْدَ إحْرَامِهِ) أَيْ بِنَفْسِهِ وَفِيهِ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي إحْرَامِ الرَّفِيقِ عَنْهُ، فَكَانَ الْأَظْهَرُ وَالْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ وَلَوْ بَقِيَ الْإِغْمَاءُ اُكْتُفِيَ بِمُبَاشَرَتِهِمْ وَلَوْ بَقِيَ الْإِغْمَاءُ بَعْدَ إحْرَامِهِ طِيفَ بِهِ الْمَنَاسِكَ: أَيْ أُحْضِرَ الْمَشَاهِدَ مِنْ وُقُوفٍ وَطَوَافٍ وَنَحْوِهِمَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ. وَتُشْتَرَطُ نِيَّتُهُمْ الطَّوَافَ إذَا حَمَلُوهُ كَمَا تُشْتَرَطُ نِيَّتُهُ (قَوْلُهُ اُكْتُفِيَ بِمُبَاشَرَتِهِمْ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْهَدُوا بِهِ الْمَشَاهِدَ مِنْ الطَّوَافِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 وَلَمْ أَرَ مَا لَوْ جُنَّ فَأَحْرَمُوا عَنْهُ وَطَافُوا بِهِ الْمَنَاسِكَ، وَكَلَامُ الْفَتْحِ يُفِيدُ الْجَوَازَ (أَوْ جَهِلَ أَنَّهَا عَرَفَةُ صَحَّ حَجُّهُ) لِأَنَّ الشَّرْطَ الْكَيْنُونَةُ لَا النِّيَّةُ. (وَمَنْ لَمْ يَقِفْ فِيهَا فَاتَ حَجُّهُ) لِحَدِيثِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» (فَطَافَ وَسَعَى وَتَحَلَّلَ) أَيْ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ (وَقَضَى) وَلَوْ حَجَّةً نَذْرًا أَوْ تَطَوُّعًا (مِنْ قَابِلٍ) وَلَا دَمَ عَلَيْهِ (وَالْمَرْأَةُ) فِيمَا مَرَّ (كَالرَّجُلِ) لِعُمُومِ الْخِطَابِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ الْخُصُوصِ (لَكِنَّهَا تَكْشِفُ وَجْهَهَا لَا رَأْسَهَا؛ وَلَوْ سَدَلَتْ شَيْئًا عَلَيْهِ   [رد المحتار] وَالسَّعْيِ وَالْوُقُوفِ وَهُوَ الْأَصَحُّ نَعَمْ ذَلِكَ أَوْلَى نَهْرٌ، وَانْظُرْ هَلْ يَكْتَفِي الْمُبَاشِرُ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ عَنْهُ وَعَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ كَمَا لَوْ حَمَلَهُ وَطَافَ بِهِ أَوْ لَا؟ لَمْ أَرَهُ أَبُو السُّعُودِ. قُلْت: الظَّاهِرُ الثَّانِي لِأَنَّهُ إذَا أُحْضِرَ الْمَوْقِفَ كَانَ هُوَ الْوَاقِفَ، وَإِذَا طِيفَ بِهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الطَّائِفِ رَاكِبًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا إذَا لَمْ يُحْضَرْ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ وُقُوفٍ عَنْهُ وَإِنْشَاءِ طَوَافٍ وَسَعْيٍ عَنْهُ غَيْرِ مَا يَفْعَلُهُ الْمُبَاشِرُ عَنْ نَفْسِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ مَا لَوْ جُنَّ قَبْلَ الْإِحْرَامِ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ. وَقَدَّمْنَا قُبَيْلَ فُرُوضِ الْحَجِّ أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ تَوَقَّفَ فِيهِ وَقَالَ إنَّ إحْرَامَ وَلِيِّهِ عَنْهُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الْبَحْرِ الْعَمِيقِ أَنَّهُ لَا حَجَّ عَلَى مَجْنُونٍ مُسْلِمٍ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ إذَا حَجَّ بِنَفْسِهِ وَلَكِنْ يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ اهـ فَمَنْ خَرَجَ عَاقِلًا يُرِيدُ الْحَجَّ ثُمَّ جُنَّ قَبْلَ إحْرَامِهِ يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ بِالْأَوْلَى، وَلَعَلَّ التَّوَقُّفَ فِي إحْرَامِ رَفِيقِهِ عَنْهُ وَكَلَامُ الْفَتْحِ هُوَ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ أَحْرَمَ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ أَصَابَهُ عَتَهٌ فَقَضَى بِهِ أَصْحَابُهُ الْمَنَاسِكَ وَوَقَفُوا بِهِ فَمَكَثَ كَذَلِكَ سِنِينَ ثُمَّ أَفَاقَ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهَذَا رُبَّمَا يُومِئُ إلَى الْجَوَازِ اهـ وَإِنَّمَا قَالَ يُومِئُ إلَى الْجَوَازِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّ كَلَامَ الْفَتْحِ فِي الْمَعْتُوهِ وَكَلَامُنَا فِي الْمَجْنُونِ، بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّ كَلَامَ الْفَتْحِ فِيمَا لَوْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ أَصَابَهُ الْعَتَهُ، وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا جُنَّ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِيمَاءُ الْفَتْحِ إلَى الْجَوَازِ فِي ذَلِكَ فِي غَايَةِ الْخَفَاءِ فَافْهَمْ. . [فَرْعٌ] الصَّبِيُّ الْغَيْرُ الْمُمَيِّزِ لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ وَلَا أَدَاؤُهُ، بَلْ يَصِحَّانِ مِنْ وَلِيِّهِ لَهُ، فَيُحْرِمُ عَنْهُ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ، فَلَوْ اجْتَمَعَ وَالِدٌ وَأَخٌ يُحْرِمُ الْوَالِدُ وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ، إلَّا أَنَّهُ إذَا جُنَّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ وَيَصِحُّ مِنْهُ الْأَدَاءُ وَتَمَامُهُ فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» ) أَيْ مُعْظَمُ رُكْنَيْهِ الْوُقُوفُ بِهَا بِاعْتِبَارِ الْأَمْنِ مِنْ الْبُطْلَانِ عِنْدَ فِعْلِهِ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ ط (قَوْلُهُ فَطَافَ إلَخْ) عَطْفُ تَحَلَّلَ عَلَى طَافَ وَسَعَى عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَالْأَوْلَى الْإِتْيَانُ فِي الثَّلَاثَةِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ، بَلْ الْأَوْلَى قَوْلُ الْكَنْزِ فِي بَابِ الْفَوَاتِ فَلْيُحْلِلْ بِعُمْرَةٍ لِيُفِيدَ الْوُجُوبَ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ، لَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَفْعَلُ مِثْلَ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعُمْرَةٍ حَقِيقَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي بَابِ الْفَوَاتِ مِنْ اللُّبَابِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الْكَلَامِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ بَاقٍ وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ الثَّانِي: انْقَلَبَ إحْرَامُهُ إحْرَامَ عَمْرَةٍ. وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ أُخْرَى صَحَّ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَيَرْفُضُهَا لِئَلَّا يَصِيرَ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامَيْ حَجٍّ، وَعَلَيْهِ دَمٌ وَحَجَّتَانِ وَعُمْرَةٌ مِنْ قَابِلٍ. وَقَالَ الثَّانِي: يَمْضِي فِيهَا لِانْقِلَابِ إحْرَامِ الْأُولَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ أَصْلًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَجَّةً نَذْرًا أَوْ تَطَوُّعًا) وَكَذَا لَوْ فَاسِدًا سَوَاءٌ طَرَأَ فَسَادُهُ أَوْ انْعَقَدَ فَاسِدًا كَمَا إذَا أَحْرَمَ مُجَامِعًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَحْكَامِ الْحَجِّ ط (قَوْلُهُ لَكِنَّهَا تَكْشِفُ وَجْهَهَا لَا رَأْسَهَا) كَذَا عَبَّرَ فِي الْكَنْزِ. وَاعْتَرَضَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ تَطْوِيلٌ بِلَا فَائِدَةٍ لِأَنَّهَا لَا تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي كَشْفِ الْوَجْهِ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ لَا تَكْشِفُ رَأْسَهَا لَكَانَ أَوْلَى. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ كَشْفُ وَجْهِهَا خَفِيًّا لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ إلَى الْفَهْمِ أَنَّهَا لَا تَكْشِفُهُ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْفِتْنَةِ نَصَّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَا سَوَاءً فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِكَشْفِ الْوَجْهِ عَدَمُ مُمَاسَّةِ شَيْءٍ لَهُ، فَلِذَلِكَ يُكْرَهُ لَهَا أَنْ تَلْبَسَ الْبُرْقُعَ لِأَنَّ ذَلِكَ يُمَاسُّ وَجْهَهَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. قُلْت: لَوْ عَطَفَ قَوْلَهُ وَالْمُرَادُ بِأَوْ لَكَانَ جَوَابًا آخَرَ أَحْسَنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 وَجَافَتْهُ عَنْهُ جَازَ) بَلْ يُنْدَبُ (وَلَا تُلَبِّي جَهْرًا) بَلْ تُسْمِعُ نَفْسَهَا دَفْعًا لِلْفِتْنَةِ؛ وَمَا قِيلَ إنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ ضَعِيفٌ (وَلَا تَرْمُلُ) وَلَا تَضْطَبِعُ (وَلَا تَسْعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ وَلَا تَحْلِقُ بَلْ تُقَصِّرُ) مِنْ رُبُعِ شَعْرِهَا كَمَا مَرَّ (وَتَلْبَسُ الْمَخِيطَ) وَالْخُفَّيْنِ وَالْحُلِيَّ (وَلَا تَقْرَبُ الْحَجَرَ فِي الزِّحَامِ) لِمَنْعِهَا مِنْ مُمَاسَّةِ الرِّجَالِ (وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ كَالْمَرْأَةِ فِيمَا ذُكِرَ) احْتِيَاطًا (وَحَيْضُهَا لَا يَمْنَعُ) نُسُكًا (إلَّا الطَّوَافَ) وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا بِتَأْخِيرِهِ إذَا لَمْ تَطْهُرْ إلَّا بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ، فَلَوْ طَهُرَتْ فِيهَا بِقَدْرِ أَكْثَرِ الطَّوَافِ لَزِمَهَا الدَّمُ بِتَأْخِيرِهِ لُبَابٌ (وَهُوَ بَعْدَ حُصُولِ رُكْنَيْهِ يُسْقِطُ طَوَافَ الصَّدْرِ) وَمِثْلُهُ النِّفَاسُ (وَالْبُدْنُ) جَمْعُ بَدَنَةٍ (مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ، وَالْهَدْيُ مِنْهُمَا وَمِنْ الْغَنَمِ)   [رد المحتار] مِنْ الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَجَافَتْهُ) أَيْ بَاعَدَتْهُ عَنْهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ جَعَلُوا لِذَلِكَ أَعْوَادًا كَالْقُبَّةِ تُوضَعُ عَلَى الْوَجْهِ وَيُسْدَلُ مِنْ فَوْقِهَا الثَّوْبُ اهـ (قَوْلُهُ جَازَ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْإِحْرَامُ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَحْظُورًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَتْرٍ وَقَوْلُهُ بَلْ يُنْدَبُ: أَيْ خَوْفًا مِنْ رُؤْيَةِ الْأَجَانِبِ. وَعَبَّرَ فِي الْفَتْحِ بِالِاسْتِحْبَابِ، لَكِنْ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِالْوُجُوبِ وَفِي الْمُحِيطِ: وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ مَنْهِيَّةٌ عَنْ إظْهَارِ وَجْهِهَا لِلْأَجَانِبِ بِلَا ضَرُورَةٍ لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ تَغْطِيَتِهِ لِحَقِّ النُّسُكِ لَوْلَا ذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْإِرْخَاءِ فَائِدَةٌ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْخَانِيَّةِ. وَفَّقَ فِي الْبَحْرِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ مَحْمَلَ الِاسْتِحْبَابِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَجَانِبِ. وَأَمَّا عِنْدَ وُجُودِهِمْ فَالْإِرْخَاءُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا عِنْدَ الْإِمْكَانِ، وَعِنْدَ عَدَمِهِ يَجِبُ عَلَى الْأَجَانِبِ غَضُّ الْبَصَرِ، ثُمَّ اسْتَدْرَكَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ النَّوَوِيَّ نَقَلَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَالُوا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ سَتْرُ وَجْهِهَا فِي طَرِيقِهَا، بَلْ يَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ الْغَضُّ. قَالَ: وَظَاهِرُهُ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ عُلَمَاءُ مَذْهَبِهِ. قُلْت: يُؤَيِّدُهُ مَا سَمِعْته مِنْ تَصْرِيحِ عُلَمَائِنَا بِالْوُجُوبِ وَالنَّهْيِ. . [تَنْبِيهٌ] عَلِمْت مِمَّا تَقَرَّرَ عَدَمَ صِحَّةِ مَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِابْنِ الْكَمَالِ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ غَيْرُ مَنْهِيَّةٍ عَنْ سَتْرِ الْوَجْهِ مُطْلَقًا إلَّا بِشَيْءٍ فُصِّلَ عَلَى قَدْرِ الْوَجْهِ كَالنِّقَابِ وَالْبُرْقُعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ دَفْعًا لِلْفِتْنَةِ) أَيْ فِتْنَةِ الرِّجَالِ بِسَمَاعِ صَوْتِهَا (قَوْلُهُ وَمَا قِيلَ) رَدٌّ عَلَى الْعَيْنِيِّ (قَوْلُهُ وَلَا تَرْمُلُ إلَخْ) لِأَنَّ أَصْلَ مَشْرُوعِيَّتِهِ لِإِظْهَارِ الْجَلَدِ وَهُوَ لِلرِّجَالِ وَلِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالسَّتْرِ، وَكَذَا السَّعْيُ: أَيْ الْهَرْوَلَةُ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ فِي السَّعْيِ وَالِاضْطِبَاعُ سُنَّةُ الرَّمَلِ (قَوْلُهُ وَلَا تَحْلِقُ) لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ كَحَلْقِ الرَّجُلِ لِحْيَتَهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مِنْ رُبُعِ شَعْرِهَا) أَيْ كَالرَّجُلِ وَالْكُلُّ أَفْضَلُ قُهُسْتَانِيٌّ، خِلَافًا لِمَا قِيلَ إنَّهُ لَا يَتَقَدَّرُ فِي حَقِّهَا بِالرُّبُعِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ ثُمَّ قَصَّرَ مِنْ بَيَانِ قَدْرِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ (قَوْلُهُ وَتَلْبَسُ الْمَخِيطَ) أَيْ الْمُحَرَّمَ عَلَى الرِّجَالِ غَيْرَ الْمَصْبُوغِ بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ أَوْ عُصْفُرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا لَا يُنْفَضُ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَالْخُفَّيْنِ) زَادَ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ الْقُفَّازَيْنِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لِأَنَّ لُبْسَ الْقُفَّازَيْنِ لَيْسَ إلَّا تَغْطِيَةَ يَدَيْهَا وَأَنَّهَا غَيْرُ مَمْنُوعَةٍ عَنْ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» نَهْيُ نَدْبٍ حَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَلَا تَقْرَبُ الْحَجَرَ فِي الزِّحَامِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى مَا فِي اللُّبَابِ مِنْ أَنَّهَا عِنْدَ الزَّحْمَةِ لَا تَصْعَدُ الصَّفَا وَلَا تُصَلِّي عِنْدَ الْمَقَامِ (قَوْلُهُ لَا يَمْنَعُ نُسُكًا) أَيْ شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ إلَّا الطَّوَافَ) فَهُوَ حَرَامٌ مِنْ وَجْهَيْنِ دُخُولِهَا الْمَسْجِدَ وَتَرْكِ وَاجِبِ الطَّهَارَةِ. . [تَنْبِيهٌ] قَدَّمْنَا عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ تَقْدِيمَ الطَّوَافِ شَرْطُ صِحَّةِ السَّعْيِ، فَعَنْ هَذَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: فَلَوْ حَاضَتْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ اغْتَسَلَتْ وَأَحْرَمَتْ وَشَهِدَتْ جَمِيعَ الْمَنَاسِكِ إلَّا الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ اهـ أَيْ لِأَنَّ سَعْيَهَا بِدُونِ طَوَافٍ غَيْرُ صَحِيحٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلَوْ طَهُرَتْ فِيهَا إلَخْ) تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ ثُمَّ أَتَى مِنًى (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الْحَيْضُ بَعْدَ حُصُولِ رُكْنَيْهِ: أَيْ رُكْنَيْ الْحَجِّ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَشْتِيتُ الضَّمَائِرِ لَكِنَّهُ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ يُسْقِطُ طَوَافَ الصَّدَرِ) أَيْ يَسْقِطُ وُجُوبَهُ عَنْهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهَا كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَالْبُدْنُ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْكَنْزِ هُنَا لِمُنَاسَبَةِ قَوْلِهِ وَمَنْ قَلَّدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 كَمَا سَيَجِيءُ. بَابُ الْقِرَانِ وَهُوَ أَفْضَلُ   [رد المحتار] بَدَنَةَ تَطَوُّعٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ ثُمَّ تَوَجَّهَ مَعَهُ يُرِيدُ الْحَجَّ فَقَدْ أَحْرَمَ إلَخْ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ التَّقْلِيدِ أَوَّلَ بَابِ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ مَحَلُّهَا فَكَانَ الْأَوْلَى لَهُ ذِكْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ أَيْضًا (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي بَابِ الْهَدْيِ، وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى الصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. [بَابُ الْقِرَانِ] أَخَّرَهُ عَنْ الْإِفْرَادِ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَتِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْإِفْرَادِ (قَوْلُهُ هُوَ أَفْضَلُ) أَيْ مِنْ التَّمَتُّعِ وَكَذَا مِنْ الْإِفْرَادِ بِالْأَوْلَى، وَهَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ. وَعِنْدَ الثَّانِي هُوَ وَالتَّمَتُّعُ سَوَاءٌ قُهُسْتَانِيُّ، وَالْكَلَامُ فِي الْآفَاقِيِّ، وَإِلَّا فَالْإِفْرَادُ أَفْضَلُ كَمَا سَيَأْتِي، وَعِنْدَ مَالِكٍ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْإِفْرَادُ أَيْ إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِإِحْرَامٍ عَلَى حِدَةٍ كَمَا جُزِمَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ خِلَافًا لِلزَّيْلَعِيِّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ أَمَّا مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَا شَكَّ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ بِلَا خِلَافٍ. وَفِي الْبَحْرِ: وَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: حَجَّةٌ كُوفِيَّةٌ وَعُمْرَةٌ كُوفِيَّةٌ أَفْضَلُ عِنْدِي مِنْ الْقِرَانِ فَلَيْسَ بِمُوَافِقٍ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يُفَضِّلُ الْإِفْرَادَ مُطْلَقًا وَمُحَمَّدٌ إنَّمَا فَضَّلَهُ إذَا اشْتَمَلَ عَلَى سَفَرَيْنِ، خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلشَّافِعِيِّ ثُمَّ مَنْشَأُ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ فِي حَجَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ الْكَلَامَ وَأَوْسَعُهُمْ نَفَسًا فِي ذَلِكَ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ، فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ زِيَادَةً عَلَى أَلْفِ وَرَقَةٍ اهـ. وَرَجَّحَ عُلَمَاؤُنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ قَارِنًا، إذْ بِتَقْدِيرِهِ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، بِأَنَّ مَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَحْدَهُ، وَمَنْ رَوَى التَّمَتُّعَ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِالْعُمْرَةِ وَحْدَهَا، وَمَنْ رَوَى الْقِرَانَ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِهِمَا، وَالْأَمْرُ الْآتِي لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ امْتِثَالِ مَا أَمَرَ بِهِ الَّذِي هُوَ وَحْيٌ، وَقَدْ أَطَالَ فِي الْفَتْحِ فِي بَيَانِ تَقْدِيمِ أَحَادِيثِ الْقِرَانِ فَارْجِعْ إلَيْهِ. [تَنْبِيهٌ] اخْتَارَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْعِمَادِيُّ فِي مَنْسَكِهِ التَّمَتُّعَ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ وَأَسْهَلُ مِنْ الْقِرَانِ، لِمَا عَلَى الْقَارِنِ مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ، لِمَا يَلْزَمُهُ بِالْجِنَايَةِ مِنْ الدَّمَيْنِ، وَهُوَ أَحْرَى لِأَمْثَالِنَا لِإِمْكَانِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى صِيَانَةِ إحْرَامِ الْحَجِّ مِنْ الرَّفَثِ وَنَحْوِهِ فَيُرْجَى دُخُولُهُ فِي الْحَجِّ الْمَبْرُورِ الْمُفَسَّرِ بِمَا لَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِيهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَارِنَ وَالْمُفْرِدَ يَبْقَيَانِ مُحْرِمَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَقَلَّمَا يَقْدِرُ الْإِنْسَانُ عَلَى الِاحْتِرَازِ فِيهَا مِنْ هَذِهِ الْمَحْظُورَاتِ سِيَّمَا الْجِدَالُ مَعَ الْخَدَمِ وَالْجِمَالِ، وَالْمُتَمَتِّعُ إنَّمَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ مِنْ الْحَرَمِ فَيُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ فِي ذَيْنِك الْيَوْمَيْنِ فَيَسْلَمُ حَجُّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الشِّهَابُ أَحْمَدُ الْمَنِينِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ: وَهُوَ كَلَامٌ نَفِيسٌ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْقِرَانَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ، لَكِنْ قَدْ يَقْتَرِنُ بِهِ مَا يَجْعَلُهُ مَرْجُوحًا، فَإِذَا دَار الْأَمْرُ بَيْنَ أَنْ يَقْرِنَ وَلَا يَسْلَمُ عَنْ الْمَحْظُورَاتِ وَبَيْنَ أَنْ يَتَمَتَّعَ وَيَسْلَمَ عَنْهَا، فَالْأَوْلَى التَّمَتُّعُ لِيَسْلَمَ حَجُّهُ وَيَكُونُ مَبْرُورًا لِأَنَّهُ وَظِيفَةُ الْعُمُرِ. اهـ. قُلْت: وَنَظِيرُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُحَقِّقِ ابْنِ أَمِيرٍ حَاجٍّ مِنْ تَفْضِيلِهِ تَأْخِيرَ الْإِحْرَامِ إلَى آخِرِ الْمَوَاقِيتِ لِمِثْلِ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ حَدِيثِ «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ» إلَخْ مِنْ ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ قَبْلَهُ لَا يَكُونُ حَاجًّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 لِحَدِيثِ «أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي وَأَنَا بِالْعَقِيقِ فَقَالَ: يَا آلَ مُحَمَّدٍ أَهِّلُوا بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا» وَلِأَنَّهُ أَشَقُّ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَصَارَ قَارِنًا (ثُمَّ التَّمَتُّعَ ثُمَّ الْإِفْرَادَ وَالْقِرَانُ) لُغَةً الْجَمْعُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَشَرْعًا (أَنْ يُهِلَّ) أَيْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ (بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا) حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ أَوَّلًا ثُمَّ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ، أَوْ عَكْسُهُ بِأَنْ يُدْخِلَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لِلْقُدُومِ   [رد المحتار] كَمَا قَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهِ عَنْ النَّهْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ فَاتَّقِ الرَّفَثَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إلَخْ) لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ، نَعَمْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَنَا قَوْلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَا آلَ مُحَمَّدٍ أَهِلُّوا بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا» وَأَسْنَدَهُ فِي الْفَتْحِ إلَى الطَّحَاوِيِّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ. وَقَالَ: وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «أَهِلُّوا يَا آلَ مُحَمَّدٍ بِعُمْرَةٍ فِي حَجٍّ» وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ «أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ رَكْعَتَيْنِ، وَقُلْ حَجَّةً فِي عُمْرَةٍ» . قُلْت: وَهُوَ فِي شَرْحِ الْآثَارِ كَذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مُخَرَّجًا فِيهَا، وَإِلَّا فَهُوَ مُلَفَّقٌ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَضَمِيرُ فَقَالَ يَعُودُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا إلَى الْآتِي (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ أَشَقُّ) لِكَوْنِهِ أَدْوَمَ إحْرَامًا وَأَسْرَعَ إلَى الْعِبَادَةِ، وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ ط عَنْ الْمِنَحِ (قَوْلُهُ وَالصَّوَابُ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ط (قَوْلُهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا يَأْتِي ط وَكَذَا هُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ النَّوَوِيِّ (قَوْلُهُ ثُمَّ التَّمَتُّعَ) أَيْ بِقِسْمَيْهِ: أَيْ سَوَاءٌ سَاقَ الْهَدْيَ أَمْ لَا ط (قَوْلُهُ ثُمَّ الْإِفْرَادَ) أَيْ بِالْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ الْعُمْرَةِ وَحْدَهَا، كَذَا فِي النَّهْرِ ط (قَوْلُهُ لُغَةً الْجَمْعُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ) أَيْ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا. قَالَ فِي الصِّحَاحِ: قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ قِرَانًا بِالْكَسْرِ، وَقَرَنْت الْبَعِيرَيْنِ أَقْرِنُهُمَا قِرَانًا: إذَا جَمَعْتهمَا فِي حَبْلٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ الْحَبْلُ يُسَمَّى الْقِرَانَ، وَقَرَنْت الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ: وَصَلْته، وَقَرَنْتُهُ صَاحَبْتُهُ وَمِنْهُ قِرَانُ الْكَوَاكِبِ (قَوْلُهُ أَيْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ) تَفْسِيرٌ لِحَقِيقَةِ الْإِهْلَالِ، وَإِلَّا فَالْمُرَادُ هُنَا التَّلْبِيَةُ مَعَ النِّيَّةِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْإِهْلَالِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِهَا مُسْتَحَبٌّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مَعًا حَقِيقَةً) بِأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا إحْرَامًا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، أَوْ حُكْمًا بِأَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامَ إحْدَاهُمَا عَنْ إحْرَامِ الْأُخْرَى وَيَجْمَعَ بَيْنَهُمَا أَفْعَالًا، فَهُوَ قِرَانٌ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ حُكْمًا. وَقَدْ عُدَّ فِي اللُّبَابِ لِلْقِرَانِ سَبْعَةُ شُرُوطٍ. الْأَوَّلُ: أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ كُلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ بَعْدَ أَكْثَرِ طَوَافِهَا لَمْ يَكُنْ قَارِنًا. الثَّانِي: أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ إفْسَادِ الْعُمْرَةِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَطُوفَ لِلْعُمْرَةِ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، فَلَوْ لَمْ يَطُفْ لَهَا حَتَّى وَقَفَ بِعَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ ارْتَفَعَتْ عُمْرَتُهُ وَبَطَلَ قِرَانُهُ وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُهُ، وَلَوْ طَافَ أَكْثَرَهُ ثُمَّ وَقَفَ أَتَمَّ الْبَاقِيَ مِنْهُ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ. الرَّابِعُ: أَنْ يَصُونَهُمَا عَنْ الْفَسَادِ، فَلَوْ جَامَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَقَبْلَ أَكْثَرِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ بَطَلَ قِرَانُهُ وَسَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ، وَإِنْ سَاقَهُ مَعَهُ يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ. الْخَامِسُ: أَنْ يَطُوفَ لِلْعُمْرَةِ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنْ طَافَ الْأَكْثَرَ قَبْلَ الْأَشْهُرِ لَمْ يَصِرْ قَارِنًا. السَّادِسُ: أَنْ يَكُونَ آفَاقِيًّا وَلَوْ حُكْمًا، فَلَا قِرَانَ لِمَكِّيٍّ إلَّا إذَا خَرَجَ إلَى الْآفَاقِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ. السَّابِعُ عَدَمُ فَوَاتِ الْحَجِّ، فَلَوْ فَاتَهُ لَمْ يَكُنْ قَارِنًا وَسَقَطَ الدَّمُ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقِرَانِ عَدَمُ الْإِلْمَامِ بِأَهْلِهِ، فَيَصِحُّ مِنْ كُوفِيٍّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ) فَلَوْ طَافَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 530 وَإِنْ أَسَاءَ، أَوْ بَعْدَهُ وَإِنْ لَزِمَهُ دَمٌ (مِنْ الْمِيقَاتِ) إذْ الْقَارِنُ لَا يَكُونُ إلَّا آفَاقِيًّا (أَوْ قَبْلَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ قَبْلَهَا وَيَقُولَ) إمَّا بِالنَّصْبِ وَالْمُرَادُ بِهِ النِّيَّةُ، أَوْ مُسْتَأْنَفٍ وَالْمُرَادُ بِهِ بَيَانُ السُّنَّةِ، إذْ النِّيَّةُ بِقَلْبِهِ تَكْفِي كَالصَّلَاةِ مُجْتَبًى (بَعْدَ الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَيَسِّرْهُمَا لِي وَتَقَبَّلْهُمَا مِنِّي) وَيُسْتَحَبُّ تَقَدُّمُ الْعُمْرَةِ فِي الذِّكْرِ لِتَقَدُّمِهَا فِي الْفِعْلِ (وَطَافَ لِلْعُمْرَةِ) أَوَّلًا وُجُوبًا، حَتَّى لَوْ نَوَاهُ لِلْحَجِّ لَا يَقَعُ إلَّا لَهَا   [رد المحتار] الْأَرْبَعَةَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لَمْ يَكُنْ قَارِنًا كَمَا ذَكَرْنَاهُ، بَلْ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إنْ كَانَ طَوَافُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَلَوْ قَبْلَهَا لَا يَكُونُ قَارِنًا وَلَا مُتَمَتِّعًا كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَسَاءَ) أَيْ وَعَلَيْهِ دَمُ شُكْرٍ لِقِلَّةِ إسَاءَتِهِ، وَلِعَدَمِ وُجُوبِ رَفْضِ عُمْرَتِهِ، شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَمَا شَرَعَ فِيهِ وَلَوْ قَلِيلًا أَوْ بَعْدَ إتْمَامِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْإِدْخَالُ قَبْلَ الْحَلْقِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَوْ بَعْدَ الطَّوَافِ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ فَيَكُونُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِعْلًا. وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ رَفْضِهَا وَعَلَيْهِ الدَّمُ وَالْقَضَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَرْفُضْ فَدَمُ جَبْرٍ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ الْمَسْأَلَةِ فِي آخِرِ الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ إذْ الْقَارِنُ لَا يَكُونُ إلَّا آفَاقِيًّا) أَيْ وَالْآفَاقِيُّ إنَّمَا يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ قَبْلَهُ، وَلَا تَحِلُّ مُجَاوَزَتُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ؛ حَتَّى لَوْ جَاوَزَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ لَزِمَهُ دَمٌ مَا لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ مُحْرِمًا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ح. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْمِيقَاتِ وَقَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، لَكِنْ قُيِّدَ بِهِ لِبَيَانِ أَنَّ الْقَارِنَ لَا يَكُونُ إلَّا آفَاقِيًّا. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا فِي الزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمِيقَاتِ اتِّفَاقِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ قَبْلَهُ) أَيْ وَلَوْ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَهُوَ الْأَفْضَلُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَيُكْرَهُ كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ أَوْ قَبْلَهَا: أَيْ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، لَكِنَّ تَقْدِيمَهُ عَلَى الْمِيقَاتِ الزَّمَانِيِّ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ أَيْضًا، وَهَذَا فِي الْإِحْرَامِ؛ وَأَمَّا الْأَفْعَالُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَدَائِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا، بِأَنْ يُؤَدِّيَ أَكْثَرَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَجَمِيعَ سَعْيِهَا وَسَعْيِ الْحَجِّ فِيهَا، لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْقِرَانِ فِعْلُ أَكْثَرِ أَشْوَاطِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَكَأَنَّ مُسْنَدَهُ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ لَوْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ فِي رَمَضَانَ فَهُوَ قَارِنٌ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَطُفْ لِعُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْقِرَانَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِمَعْنَى الْجَمْعِ لَا الْقِرَانِ الشَّرْعِيِّ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ نَفَى لَازِمَ الْقِرَانِ بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَهُوَ لُزُومُ الدَّمِ شُكْرًا، وَنَفْيُ اللَّازِمِ الشَّرْعِيِّ نَفْيٌ لِمَلْزُومِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ قَارِنٌ بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ إطْلَاقِ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ قَارِنٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا ارْتَكَبَ مَحْظُورًا يَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ هَدْيُ شُكْرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ اهـ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ إمَّا بِالنَّصْبِ إلَخْ) حَاصِلُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ أَنَّ قَوْلَهُ وَيَقُولُ إنْ كَانَ مَنْصُوبًا عَطْفًا عَلَى يُهِلَّ يَكُونُ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ فَيُرَادُ بِالْقَوْلِ النِّيَّةُ لَا التَّلَفُّظُ لِأَنَّهُ غَيْرُ شَرْطٍ، وَإِنْ كَانَ مَرْفُوعًا مُسْتَأْنَفًا يَكُونُ بَيَانًا لِلسُّنَّةِ، فَإِنَّ السُّنَّةَ لِلْقَارِنِ التَّلَفُّظُ بِذَلِكَ، وَتَكْفِيهِ النِّيَّةُ بِقَلْبِهِ. وَأُورِدَ فِي النَّهْرِ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ الْإِرَادَةَ غَيْرُ النِّيَّةِ، فَالْحَقُّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَدِّ فِي شَيْءٍ اهـ يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ إنِّي أُرِيدُ إلَخْ لَيْسَ نِيَّةً وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ دُعَاءٍ، وَإِنَّمَا النِّيَّةُ هِيَ الْعَزْمُ عَلَى الشَّيْءِ وَالْعَزْمُ غَيْرُ الْإِرَادَةِ، وَهُوَ مَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ التَّلْبِيَةِ كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ تَأَمَّلْ. عَلَى أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِهِ النِّيَّةُ فَلَا يَنْبَغِي إدْخَالُهَا فِي الْحَدِّ لِأَنَّهَا شَرْطٌ خَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ الشَّرْعِيَّةَ هُنَا لَا وُجُودَ لَهَا بِدُونِ النِّيَّةِ تَأَمَّلْ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ الْكَلَامَ عَلَى حُكْمِ التَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ إلَخْ) وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا الْمُصَنِّفُ إشْعَارًا بِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْحَجِّ فِي حَقِّ الْقَارِنِ، وَلِذَلِكَ لَا يَتَحَلَّلُ عَنْ إحْرَامِهَا بِمُجَرَّدِ الْحَلْقِ بَعْدَ سَعْيِهَا قُهُسْتَانِيُّ. (قَوْلُهُ وُجُوبًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى) {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196]- جَعَلَ الْحَجَّ غَايَةً وَهُوَ فِي مَعْنَى الْمُتْعَةِ بِالْإِطْلَاقِ الْقُرْآنِيِّ وَعُرْفِ الصَّحَابَةِ مِنْ شُمُولِ الْمُتْعَةِ لِلْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَا يَقَعُ إلَّا لَهَا) لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ مَنْ طَافَ طَوَافًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 531 (سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، يَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَيَسْعَى بِلَا حَلْقٍ) فَلَوْ حَلَقَ لَا يَحِلُّ مِنْ عُمْرَتِهِ وَلَزِمَهُ دَمَانِ (ثُمَّ يَحُجُّ كَمَا مَرَّ) فَيَطُوفُ لِلْقُدُومِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ إنْ شَاءَ . (فَإِنْ أَتَى بِطَوَافَيْنِ) مُتَوَالِيَيْنِ (ثُمَّ سَعْيَيْنِ لَهُمَا جَازَ وَأَسَاءَ) وَلَا دَمَ عَلَيْهِ (وَذَبَحَ لِلْقِرَانِ) وَهُوَ دَمُ شُكْرٍ فَيَأْكُلُ مِنْهُ   [رد المحتار] فِي وَقْتِهِ وَقَعَ عَنْهُ نَوَاهُ لَهُ أَوْ لَا وَسَيَأْتِي أَيْضًا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) بِشَرْطِ وُقُوعِهَا أَوْ أَكْثَرِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ يَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ) أَيْ وَيَضْطَبِعُ فِي جَمِيعِ طَوَافِهِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْهِ لُبَابٌ وَشَرْحُهُ (قَوْلُهُ بِلَا حَلْقٍ) لِأَنَّهُ وَإِنْ أَتَى بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ بِكَمَالِهَا إلَّا أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّحَلُّلِ عَنْهَا لِكَوْنِهِ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ، فَيَتَوَقَّفُ تَحَلُّلُهُ عَلَى فَرَاغِهِ مِنْ أَفْعَالِهِ أَيْضًا شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَلَزِمَهُ دَمَانِ) لِجِنَايَتِهِ عَلَى إحْرَامَيْنِ بَحْرٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ، خِلَافًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي حَجِّ الْمُفْرِدِ (قَوْلُهُ وَيَسْعَى بَعْدَهُ إنْ شَاءَ) أَيْ وَإِنْ شَاءَ يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ لِلْقَارِنِ أَوْ يُسَنُّ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّ تَأْخِيرَ سَعْيِهِ أَفْضَلُ، وَفِيهِ خِلَافٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] أَفَادَ أَنَّهُ يَضْطَبِعُ وَيَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ إنْ قَدَّمَ السَّعْيَ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي اللُّبَابِ. قَالَ شَارِحُهُ الْقَارِي: وَهَذَا مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ فَالرَّمَلُ فِيهِ سُنَّةٌ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْكَرْمَانِيُّ حَيْثُ قَالَ فِي بَابِ الْقِرَانِ: يَطُوفُ طَوَافَ الْقُدُومِ وَيَرْمُلُ فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ طَوَافٌ بَعْدَهُ سَعْيٌ، وَكَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ، وَإِنَّمَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَطَوَافِ الْقُدُومِ مُفْرِدًا كَانَ أَوْ قَارِنًا. وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْغَايَةِ لِلسُّرُوجِيِّ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَارِنًا لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ إنْ كَانَ رَمَلَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَخِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ اهـ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ جَازَ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا نَوَى أَوَّلَ الطَّوَافَيْنِ لِلْعُمْرَةِ وَالثَّانِيَ لِلْحَجِّ أَيْ لِلْقُدُومِ، أَوْ نَوَى عَلَى الْعَكْسِ، أَوْ نَوَى مُطْلَقَ الطَّوَافِ وَلَمْ يُعَيِّنْ، أَوْ نَوَى طَوَافًا آخَرَ تَطَوُّعًا أَوْ غَيْرَهُ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ لِلْعُمْرَةِ وَالثَّانِي لِلْقُدُومِ كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَأَسَاءَ) أَيْ بِتَأْخِيرِ سَعْيِ الْعُمْرَةِ وَتَقْدِيمِ طَوَافِ التَّحِيَّةِ عَلَيْهِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ فِي الْمَنَاسِكِ لَا يُوجِبُ الدَّمَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ طَوَافُ التَّحِيَّةِ سُنَّةٌ، وَتَرْكُهُ لَا يُوجِبُ الدَّمَ فَتَقْدِيمُهُ أَوْلَى، وَالسَّعْيُ بِتَأْخِيرِهِ بِالِاشْتِغَالِ بِعَمَلٍ آخَرَ لَا يُوجِبُ الدَّمَ فَكَذَا بِالِاشْتِغَالِ بِالطَّوَافِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَذَبَحَ) أَيْ شَاةً أَوْ بَدَنَةً أَوْ سُبْعَهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ إرَادَةِ الْكُلِّ لِلْقُرْبَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ جِهَتُهَا، حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ اللَّحْمَ لَمْ يَجُزْ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأُضْحِيَّةَ؛ وَالْجَزُورُ أَفْضَلُ مِنْ الْبَقَرِ، وَالْبَقَرُ أَفْضَلُ مِنْ الشَّاةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا نَهْرٌ. زَادَ فِي الْبَحْرِ: وَالِاشْتِرَاكُ فِي الْبَقَرِ أَفْضَلُ مِنْ الشَّاةِ. اهـ. وَقَيَّدَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ تَبَعًا لِلْوَهْبَانِيَّةِ بِمَا إذَا كَانَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الْبَقَرَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ. اهـ. وَأَفَادَ إطْلَاقُهُمْ الِاشْتِرَاكَ هُنَا جَوَازَهُ فِي دَمِ الْجِنَايَةِ وَالشُّكْرِ بِلَا فَرْقٍ، خِلَافًا لِمَا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ خَصَّهُ بِالثَّانِي كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْجِنَايَاتِ. قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الذَّبْحِ: الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ، وَصِحَّةُ الْقِرَانِ، وَالْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْحُرِّيَّةُ؛ فَيَجِبُ عَلَى الْمَمْلُوكِ الصَّوْمُ لَا الْهَدْيُ، وَيَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ وَهُوَ الْحَرَمُ وَالزَّمَانُ وَهُوَ أَيَّامٌ لِلنَّحْرِ (قَوْلُهُ وَهُوَ دَمُ شُكْرٍ) أَيْ لِمَا وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِسَفَرٍ وَاحِدٍ لُبَابٌ (قَوْلُهُ فَيَأْكُلُ مِنْهُ) أَيْ بِخِلَافِ دَمِ الْجِنَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ، وَيَطْعَمَ الثُّلُثَ، وَيَدَّخِرَ الثُّلُثَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 532 (بَعْدَ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ) لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ (وَإِنْ عَجَزَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً (آخِرُهَا يَوْمَ عَرَفَةَ) نَدْبًا رَجَاءَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ، فَبَعْدَهُ لَا يُجْزِيهِ؛ فَقَوْلُ الْمِنَحِ كَالْبَحْرِ بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ فِيهِ كَلَامٌ (وَسَبْعَةً بَعْدَ) تَمَامِ أَيَّامِ (حَجِّهِ) فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا، وَهُوَ بِمَعْنَى أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (أَيْنَ شَاءَ) لَكِنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لَا تُجْزِيهِ - {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196]- أَيْ فَرَغْتُمْ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ، فَعَمَّ مَنْ وَطَنُهُ مِنًى أَوْ اتَّخَذَهَا مَوْطِنًا   [رد المحتار] وَيُهْدِيَ الثُّلُثَ لُبَابٌ. قَالَ شَارِحُهُ: وَالْأَخِيرُ بَدَلُ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ بَدَلُ الثَّالِثِ (قَوْلُهُ بَعْدَ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ) أَيْ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَقَبْلَ الْحَلْقِ لِمَا مَرَّ. وَعِبَارَةُ اللُّبَابِ: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ (قَوْلُهُ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ) أَيْ تَرْتِيبِ الثَّلَاثَةِ: الرَّمْيِ، ثُمَّ الذَّبْحِ، ثُمَّ الْحَلْقِ عَلَى تَرْتِيبِ حُرُوفِ قَوْلِك رذح، أَمَّا الطَّوَافُ فَلَا يَجِبُ تَرْتِيبُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، وَالْمُفْرِدُ لَا دَمَ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ فِي وَاجِبَاتِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ وَإِنْ عَجَزَ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَضْلٌ عَنْ كَفَافٍ قَدْرَ مَا يَشْتَرِي بِهِ الدَّمَ، وَلَا هُوَ: أَيْ الدَّمُ فِي مِلْكِهِ لُبَابٌ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ حَدُّ الْغَنِيِّ الْمُعْتَبَرِ هُنَا، وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ، وَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ مَكَّةُ لِأَنَّهَا مَكَانُ الدَّمِ كَمَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمَنْسَكِ الْكَبِيرِ لِلسِّنْدِيِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً) أَشَارَ إلَى عَدَمِ لُزُومِ التَّتَابُعِ وَمِثْلُهُ فِي السَّبْعَةِ، وَإِلَى أَنَّ التَّتَابُعَ أَفْضَلُ فِيهِمَا كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ آخِرُهَا يَوْمَ عَرَفَةَ) بِأَنْ يَصُومَ السَّابِعَ وَالثَّامِنَ وَالتَّاسِعَ. قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: لَكِنْ إنْ كَانَ يُضْعِفُهُ ذَلِكَ عَنْ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَاتٍ وَالْوُقُوفِ وَالدَّعَوَاتِ فَالْمُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى هَذِهِ الْأَيَّامِ، حَتَّى قِيلَ يُكْرَهُ الصَّوْمُ فِيهَا إنْ أَضْعَفَهُ عَنْ الْقِيَامِ بِحَقِّهَا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ إلَّا أَنْ يُسِيءَ خُلُقَهُ فَيُوقِعَهُ فِي مَحْظُورٍ (قَوْلُهُ نَدْبًا رَجَاءَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ) لِأَنَّهُ لَوْ صَامَ الثَّلَاثَةَ قَبْلَ السَّابِعِ وَتَالِيَيْهِ اُحْتُمِلَ قُدْرَتُهُ عَلَى الْأَصْلِ فَيَجِبُ ذَبْحُهُ وَيَلْغُو صَوْمُهُ، فَلِذَا نُدِبَ تَأْخِيرُ الصَّوْمِ إلَيْهَا، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ سَقَطَتْ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ فَبَعْدَهُ لَا يَجْزِيهِ) أَيْ لَا يَجْزِيهِ الصَّوْمُ لَوْ أَخَّرَهُ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَيَتَعَيَّنُ الْأَصْلُ، وَالْأَوْلَى إسْقَاطُ هَذَا لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ فَاتَتْ الثَّلَاثَةُ تَعَيَّنَ الدَّمُ (قَوْلُهُ فِيهِ كَلَامٌ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ صَاحِبَ النَّهْرِ وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ آخِرُهَا يَوْمَ عَرَفَةَ دَلَّ عَلَى شَيْئَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَا يَصُومُهَا قَبْلَ السَّابِعِ وَتَالِيَيْهِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ الصَّوْمَ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ، الْأَوَّلُ مَنْدُوبٌ، وَالثَّانِي وَاجِبٌ. وَلَمَّا صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِالثَّانِي حَيْثُ قَالَ فَإِنْ فَاتَتْ الثَّلَاثَةُ إلَخْ اقْتَصَرَ فِي الْمِنَحِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ آخِرُهَا يَوْمَ عَرَفَةَ لِبَيَانِ الْمَنْدُوبِ دُونَ الْوَاجِبِ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ فَاتَتْ إلَخْ بِفَاءِ التَّفْرِيعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قَوْلِهِ آخِرُهَا يَوْمَ النَّحْرِ بَيَانُ الْوَاجِبِ وَهُوَ عَدَمُ التَّأْخِيرِ مَعَ أَنَّهُ الْأَهَمُّ، وَزَادَ الشَّارِحُ التَّنْبِيهَ عَلَى الْمَنْدُوبِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بَعْدَ تَمَامِ أَيَّامِ حَجِّهِ) الْأَوْلَى إبْدَالُ الْأَيَّامِ بِالْأَعْمَالِ كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ لِيُحَسِّنَ قَوْلَهُ فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا فَإِنَّهُ تَعْمِيمٌ لِلْأَعْمَالِ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَالرَّمْيِ وَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ، وَلِيُنَاسِبَ مَا حَمَلَ عَلَيْهِ الْآيَةَ مِنْ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَعْمَالِ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ التَّمَامُ الْمَذْكُورُ بِمَعْنَى أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ الْيَوْمَ الثَّالِثَ مِنْهَا وَقْتٌ لِلرَّمْيِ لِمَنْ أَقَامَ فِيهِ بِمِنًى (قَوْلُهُ أَيْنَ شَاءَ) مُتَعَلِّقٌ بِصَامَ: أَيْ وَصَامَ سَبْعَةً فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ مِنْ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ لَكِنَّ إلَخْ) لَا يَحْسُنُ هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَهُوَ بِمُضِيِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ح وَلَعَلَّ وَجْهَهُ دَفْعُ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ إلَخْ لَيْسَ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ بَلْ شَرْطٌ لِنَفْيِ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْمَنْذُورِ وَنَحْوِهِ: فَإِنَّهُ لَوْ صَامَهُ فِيهَا صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ أَيْنَ شَاءَ بِقَرِينَةِ التَّفْرِيعِ، وَيَجُوزُ جَعْلُهُ عِلَّةً لِلِاسْتِدْرَاكِ لِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ وَقْتَ الصَّوْمِ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَلَا فَرَاغَ إلَّا بِمُضِيِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ عُلَمَائِنَا الرُّجُوعَ بِالْفَرَاغِ عَنْ الْأَفْعَالِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الرُّجُوعِ فَذُكِرَ الْمُسَبَّبُ وَأُرِيدَ السَّبَبُ مَجَازًا، فَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الرُّجُوعِ إلَى وَطَنِهِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، فَلَمْ يَجُزْ صَوْمُهَا بِمَكَّةَ، وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 (فَإِنْ فَاتَتْ الثَّلَاثَةُ تَعَيَّنَ الدَّمُ) فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ تَحَلَّلَ وَعَلَيْهِ دَمَانِ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ قَبْلَ الْحَلْقِ بَطَلَ صَوْمُهُ   [رد المحتار] الْمَجَازِ لِفَرْعٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطَنٌ أَصْلًا وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُهَا بِهَذَا النَّصِّ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَفْسِيرَ الشَّافِعِيِّ لَا يَطَّرِدُ فَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ. وَادَّعَى ابْنُ كَمَالٍ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْأَقْرَبَ الْحَمْلُ عَلَى مَعْنًى حَقِيقِيٍّ، وَهُوَ الرُّجُوعُ مِنْ مِنًى بِالْفَرَاغِ عَنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِ الْحَجِّ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ أَيْضًا إذْ الْحُكْمُ يَعُمُّ الْمُقِيمَ بِمِنًى أَيْضًا، وَلَا رُجُوعَ مِنْهُ إلَّا بِالْفَرَاغِ، فَمَا قَالَهُ الْمَشَايِخُ أَوْلَى اهـ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فَعَمَّ مَنْ وَطَنُهُ مِنًى إلَخْ. قُلْت: لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ إنَّ صَوْمَ السَّبْعَةِ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الرُّجُوعِ مِنْ مِنًى بَعْدَ إتْمَامِ الْأَعْمَالِ الْوَاجِبَاتِ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ فِي الْآيَةِ بِالرُّجُوعِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عُدِمَ قَبْلَ وُجُودِهِ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَإِنْ فَاتَتْ الثَّلَاثَةُ) بِأَنْ لَمْ يَصُمْهَا حَتَّى دَخَلَ يَوْمُ النَّحْرِ تَعَيَّنَ الدَّمُ لِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنْهُ، وَالنَّصُّ خَصَّهُ بِوَقْتِ الْحَجِّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ) أَيْ عَلَى الدَّمِ تَحَلَّلَ: أَيْ بِالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ دَمَانِ) أَيْ دَمُ التَّمَتُّعِ وَدَمُ التَّحَلُّلِ قَبْلَ أَوَانِهِ بَحْرٌ عَنْ الْهِدَايَةِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ وَفِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الدَّمِ، وَقَوْلُهُ بَطَلَ صَوْمُهُ: أَيْ حُكْمُ صَوْمِهِ وَهُوَ خَلْفِيَّتُهُ عَنْ الْهَدْيِ فِي إبَاحَةِ التَّحَلُّلِ بِالْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ فِي وَقْتِهِ فَإِنَّ الْهَدْيَ أَصْلٌ فِي ذَلِكَ لِعَدَمِ جَوَازِ التَّحَلُّلِ قَبْلَهُ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا كَمَا مَرَّ، وَالصَّوْمُ: أَيْ الثَّلَاثَةُ فَقَطْ خَلَفٌ عَنْ الْهَدْيِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ، فَصَارَ الْمَقْصُودُ بِالصَّوْمِ إبَاحَةَ التَّحَلُّلِ بِالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ، فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ وَجَبَ الْأَصْلُ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِخَلَفِهِ كَمَا لَوْ قَدَرَ الْمُتَيَمِّمُ عَلَى الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ قَبْلَ صَلَاتِهِ بِالتَّيَمُّمِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ بَعْدَ الْحَلْقِ أَوْ قَبْلَهُ لَكِنْ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ فِي خِلَالِ الثَّلَاثَةِ أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَزِمَهُ الْهَدْيُ وَسَقَطَ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ خَلَفٌ، وَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ تَأَدِّي الْحُكْمِ بِالْخَلَفِ بَطَلَ الْخَلَفُ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحَلْقِ قَبْلَ أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ فِي أَيَّامِ الذَّبْحِ أَوْ بَعْدَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْهَدْيُ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ قَدْ حَصَلَ بِالْحَلْقِ، فَوُجُودُ الْأَصْلِ بَعْدَهُ لَا يَنْقُضُ الْخَلَفَ كَرُؤْيَةِ الْمُتَيَمِّمِ الْمَاءَ بَعْدَ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَجِدْ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ الذَّبْحِ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ لِأَنَّ الذَّبْحَ مُؤَقَّتٌ بِأَيَّامِ النَّحْرِ، فَإِذَا مَضَتْ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ إبَاحَةُ التَّحَلُّلِ بِلَا هَدْيٍ وَكَأَنَّهُ تَحَلَّلَ ثُمَّ وَجَدَهُ، وَلَوْ صَامَ فِي وَقْتِهِ مَعَ وُجُودِ الْهَدْيِ يَنْظُرُ، فَإِنْ بَقِيَ الْهَدْيُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ لَمْ يُجْزِهِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ، وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ الذَّبْحِ جَازَ لِلْعَجْزِ عَنْ الْأَصْلِ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ وَقْتَ التَّحَلُّلِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ وَالْمُحِيطِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ الْمُعْتَبَرَةِ وُلِلشُّرُنْبُلَالِيِّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا بَدِيعَةُ الْهَدْيِ لِمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ خَالَفَ فِيهَا مَا فِي هَذِهِ الْكُتُبِ، وَادَّعَى وُجُوبَ الْهَدْيِ بِوُجُودِهِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ سَوَاءٌ حَلَقَ أَوْ لَا مُتَمَسِّكًا بِقَوْلِهِمْ الْعِبْرَةُ لِأَيَّامِ النَّحْرِ فِي الْعَجْزِ وَالْقُدْرَةِ، وَتَرْكُ اشْتِرَاطِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ عَدَمُ الْحَلْقِ لِإِقَامَةِ الصَّوْمِ مَقَامَ الْهَدْيِ، وَادَّعَى أَيْضًا أَنَّ كَلَامَ الْفَتْحِ وَغَيْرَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِالْهَدْيِ أَصْلًا وَبِالْحَلْقِ خَلَفًا، وَأَنَّ الْحَلْقَ خَلَفٌ عَنْ الْهَدْيِ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْفَتْحِ ذَلِكَ، وَأَنَّ اتِّبَاعَ الْمَنْقُولِ وَاجِبٌ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَى هَذِهِ الرِّسَالَةِ، وَقَدْ كُتِبَتْ عَلَى هَامِشِهَا فِي عِدَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 (فَإِنْ وَقَفَ) الْقَارِنُ بِعَرَفَةَ (قَبْلَ) أَكْثَرِ طَوَافِ (الْعُمْرَةِ بَطَلَتْ) عُمْرَتُهُ، فَلَوْ أَتَى بِأَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ وَلَوْ بِقَصْدِ الْقُدُومِ أَوْ التَّطَوُّعِ لَمْ تَبْطُلْ، وَيُتِمُّهَا يَوْمَ النَّحْرِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ مِنْ جِنْسِ مَا هُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ فِي وَقْتٍ يَصْلُحُ لَهُ يَنْصَرِفُ لِلْمُتَلَبِّسِ بِهِ (وَقُضِيَتْ) بِشُرُوعِهِ فِيهَا (وَوَجَبَ دَمُ الرَّفْضِ) لِلْعُمْرَةِ، وَسَقَطَ دَمُ الْقِرَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَفَّقْ لِلنُّسُكَيْنِ بَابُ التَّمَتُّعِ (هُوَ) لُغَةً مِنْ الْمَتَاعِ وَالْمُتْعَةِ وَشَرْعًا (أَنْ يَفْعَلَ الْعُمْرَةَ أَوْ أَكْثَرَ أَشْوَاطِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ) فَلَوْ طَافَ الْأَقَلَّ   [رد المحتار] مَوَاضِعَ بَيَانُ مَا فِيهَا مِنْ الْخَلَلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ وَقَفَ) أَيْ بَعْدَ الزَّوَالِ إذْ الْوُقُوفُ قَبْلَهُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ، وَقُيِّدَ بِالْوُقُوفِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ بِمُجَرَّدِ التَّوَجُّهِ إلَى عَرَفَاتٍ هُوَ الصَّحِيحُ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بَطَلَتْ عُمْرَتُهُ) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَتَى إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ قَبْلَ أَكْثَرِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ لَمْ تَبْطُلْ) لِأَنَّهُ أَتَى بِرُكْنِهَا وَلَمْ يَبْقَ إلَّا وَاجِبَاتُهَا مِنْ الْأَقَلِّ وَالسَّعْيِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَيُتِمُّهَا يَوْمَ النَّحْرِ) أَيْ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ لُبَابٌ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ) أَيْ كَالطَّوَافِ الَّذِي نَوَى بِهِ الْقُدُومَ أَوْ التَّطَوُّعَ " وَمِنْ جِنْسِ " حَالٌ مِنْهُ، وَمَا بِمَعْنَى نُسُكٍ، وَضَمِيرُ بِهِ هُوَ لِلشَّخْصِ الْآتِي، وَضَمِيرُ بِهِ وَلَهُ عَائِدٌ عَلَى مَا، وَفِي وَقْتٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَأْتِيِّ، وَقَدَّمْنَا فُرُوعَ هَذَا الْأَصْلِ عِنْدَ طَوَافِ الصَّدْرِ (قَوْلُهُ وَقُضِيَتْ) أَيْ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ شَرْحُ اللُّبَابِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَكْرُوهَ إنْشَاءُ الْعُمْرَةِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لَا فِعْلُهَا فِيهَا بِإِحْرَامٍ سَابِقٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِشُرُوعِهِ فِيهَا) فَإِنَّهُ مُلْزِمٌ كَالنَّذْرِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَوَجَبَ دَمُ الرَّفْضِ) لِأَنَّ كُلَّ مَنْ تَحَلَّلَ بِغَيْرِ طَوَافٍ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ كَالْمُحْصَرِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَفَّقْ لِلنُّسُكَيْنِ) أَيْ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لَبُطْلَانِ عُمْرَتِهِ كَمَا عَلِمْت، فَلَمْ يَبْقَ قَارِنًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ التَّمَتُّعِ] ِ ذَكَرَهُ عَقِبَ الْقِرَانِ لِاقْتِرَانِهِمَا فِي مَعْنَى الِانْتِفَاعِ بِالنُّسُكَيْنِ، وَقَدَّمَ الْقِرَانَ لِمَزِيدِ فَضْلِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ مِنْ الْمَتَاعِ) أَيْ مُشْتَقٌّ مِنْهُ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ مَصْدَرٌ مَزِيدٌ وَالْمُجَرَّدُ أَصْلُ الْمَزِيدِ ط. وَفِي الزَّيْلَعِيِّ: التَّمَتُّعُ مِنْ الْمَتَاعِ أَوْ الْمُتْعَةِ، وَهُوَ الِانْتِفَاعُ أَوْ النَّفْعُ، قَالَ الشَّاعِرُ: وَقَفْت عَلَى قَبْرٍ غَرِيبٍ بِقَفْرَةٍ ... مَتَاعٌ قَلِيلٌ مِنْ غَرِيبٍ مُفَارِقِ جَعَلَ الْأُنْسَ بِالْقَبْرِ مَتَاعًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَشَرْعًا أَنْ يَفْعَلَ الْعُمْرَةَ) أَيْ طَوَافَهَا لِأَنَّ السَّعْيَ لَيْسَ رُكْنًا فِيهَا عَلَى الصَّحِيحِ كَالْحَجِّ، وَقَوْلُهُ الْآتِي ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى يَفْعَلَ، فَهُوَ مِنْ تَتِمَّةِ التَّعْرِيفِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَا كَوْنُ التَّمَتُّعِ فِي عَامِ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ، بَلْ الشَّرْطُ عَامُ فِعْلِهَا، حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ وَأَقَامَ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى شَوَّالٍ مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ كَانَ مُتَمَتِّعًا كَمَا فِي الْفَتْحِ. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي اللُّبَابِ أَنَّ شَرَائِطَ التَّمَتُّعِ أَحَدَ عَشَرَ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَطُوفَ لِلْعُمْرَةِ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. الثَّانِي: أَنْ يُقَدِّمَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ. الثَّالِثُ: أَنْ يَطُوفَ لِلْعُمْرَةِ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَ قَبْلَ إحْرَامِ الْحَجِّ. الرَّابِعُ: عَدَمُ إفْسَادِ الْعُمْرَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 فِي رَمَضَانَ مَثَلًا ثُمَّ طَافَ الْبَاقِيَ فِي شَوَّالٍ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ كَانَ مُتَمَتِّعًا فَتْحٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَلْتُغَيَّرْ النُّسَخُ إلَى هَذَا التَّعْرِيفِ   [رد المحتار] الْخَامِسُ: عَدَمُ إفْسَادِ الْحَجِّ. السَّادِسُ: عَدَمُ الْإِلْمَامِ إلْمَامًا صَحِيحًا كَمَا يَأْتِي. السَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ طَوَافُ الْعُمْرَةِ كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ وَالْحَجُّ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ، فَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ قَبْلَ إتْمَامِ الطَّوَافِ ثُمَّ عَادَ وَحَجَّ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ الطَّوَافِ فِي السَّفَرِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ فِي الثَّانِي كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَهَذَا الشَّرْطُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً عَلَى مَا فِي الْمَشَاهِيرِ. الثَّامِنُ: أَدَاؤُهُمَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَوْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَحَجَّ مِنْ سَنَةٍ أُخْرَى لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا وَإِنْ لَمْ يُلِمَّ بَيْنَهُمَا أَوْ بَقِيَ حَرَامًا إلَى الثَّانِيَةِ. التَّاسِعُ: عَدَمُ التَّوَطُّنِ بِمَكَّةَ فَلَوْ اعْتَمَرَ ثُمَّ عَزَمَ عَلَى الْمَقَامِ بِمَكَّةَ أَبَدًا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَإِنْ عَزَمَ شَهْرَيْنِ أَيْ مَثَلًا وَحَجَّ كَانَ مُتَمَتِّعًا. الْعَاشِرُ: أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْهِ أَشْهُرُ الْحَجِّ وَهُوَ حَلَالٌ بِمَكَّةَ أَوْ مُحْرِمٌ وَلَكِنْ قَدْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَكْثَرَهُ قَبْلَهَا إلَّا أَنْ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ فَيُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ. الْحَادِيَ عَشَرَ: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ وَالْعِبْرَةُ لِلتَّوَطُّنِ، فَلَوْ اسْتَوْطَنَ الْمَكِّيُّ فِي الْمَدِينَةِ مَثَلًا فَهُوَ آفَاقِيٌّ وَبِالْعَكْسِ مَكِّيٌّ، وَمَنْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِهِمَا وَاسْتَوَتْ إقَامَتُهُ فِيهِمَا فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ وَإِنْ كَانَتْ إقَامَتُهُ فِي إحْدَاهَا أَكْثَرَ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ. قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ لِلْكَثِيرِ، وَأُطْلِقَ الْمَنْعُ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ. اهـ. (قَوْلُهُ مَثَلًا) الْمُرَادُ أَنَّهُ طَافَ ذَلِكَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ رَمَضَانُ وَغَيْرُهُ ط (قَوْلُهُ مِنْ عَامِهِ) أَيْ عَامِ الطَّوَافِ لَا عَامِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ كَمَا مَرَّ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ طَافَ الْأَكْثَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا وَلَوْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ الطَّوَافِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا ثُمَّ يُعِيدَهُ فِيهَا أَوْ لَا لِأَنَّ طَوَافَ الْمُحْدِثِ لَا يُرْتَفَضُ بِالْإِعَادَةِ وَكَذَا الْجُنُبُ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ آخِرَ الْبَابِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ: وَالْحِيلَةُ لِمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ يُرِيدُ التَّمَتُّعَ أَنْ لَا يَطُوفَ بَلْ يَصْبِرُ إلَى أَنْ تَدْخُلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ ثُمَّ يَطُوفَ، فَإِنَّهُ مَتَى طَافَ وَقَعَ عَنْ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَوْ أَحْرَمَ بِأُخْرَى بَعْدَ دُخُولِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ عَامَهُ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فِي قَوْلِ الْكُلِّ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الْمَكِّيِّ بِدَلِيلِ أَنَّ مِيقَاتَهُ مِيقَاتُهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلْتُغَيَّرْ النُّسَخُ) أَرَادَ بِالنُّسَخِ مَا وَجَدْته فِي مَتْنٍ مُجَرَّدٍ مِنْ قَوْلِهِ هُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَطُوفَ اهـ فَقُيِّدَ الْإِحْرَامُ بِكَوْنِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَهُوَ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ لَوْ قَدَّمَهُ صَحَّ، وَكَذَا لَوْ أَخَّرَهُ وَإِنْ لَزِمَهُ دَمٌ إذَا لَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ، وَبِكَوْنِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ لَوْ قَدَّمَهُ صَحَّ بِلَا كَرَاهَةٍ وَأُطْلِقَ فِي الطَّوَافِ، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ جَمِيعُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْإِحْرَامُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَالطَّوَافُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ مَعَ أَنَّهُ يَكْفِي وُجُودُ أَكْثَرِهِ فِيهَا فَلِذَلِكَ أَمَرَ الْمُصَنِّفُ بِتَغْيِيرِ النُّسَخِ إلَى النُّسْخَةِ الَّتِي اعْتَمَدَهَا وَهِيَ قَوْلُهُ أَنْ يَفْعَلَ الْعُمْرَةَ أَوْ أَكْثَرَ أَشْوَاطِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ عَنْ إحْرَامٍ بِهَا قَبْلَهَا أَوْ فِيهَا وَيَطُوفَ إلَخْ هَكَذَا شُرِحَ عَلَيْهَا فِي الْمِنَحِ، وَذَكَرَهَا بِعَيْنِهَا فِي الشَّرْحِ أَيْضًا وَالشَّارِحُ أَسْقَطَ مِنْهَا قَوْلَهُ عَنْ إحْرَامٍ بِهَا قَبْلَهَا أَوْ فِيهَا. اهـ. قُلْت: وَلَعَلَّهُ أَسْقَطَهُ اسْتِغْنَاءً بِالْإِطْلَاقِ. وَيَرِدُ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ أَيْضًا مَا لَوْ أَحْرَمَ بِهِمَا فِي عَامَيْنِ أَوْ فِي عَامٍ وَاحِدٍ لَكِنْ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا، وَقَدْ تَفَطَّنَ الشَّارِحُ لِلثَّانِي فَقَيَّدَ فِيمَا سَيَأْتِي بِقَوْلِهِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ إلَخْ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: ثُمَّ يَحُجُّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا كَمَا فِي النَّهْرِ أَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ إذَا أَخَّرَ التَّحَلُّلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 (وَيَطُوفَ وَيَسْعَى) كَمَا مَرَّ (وَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ) إنْ شَاءَ (وَيَقْطَعَ التَّلْبِيَةَ فِي أَوَّلِ طَوَافِهِ) لِلْعُمْرَةِ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ حَلَالًا (ثُمَّ يُحْرِمُ لِلْحَجِّ) فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا غَيْرَ صَحِيحٍ (يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَقَبْلَهُ أَفْضَلُ، وَيَحُجُّ كَالْمُفْرِدِ)   [رد المحتار] بِعُمْرَةٍ إلَى شَوَّالٍ فَتَحَلَّلَ بِهَا فِيهِ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا. وَيُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَفْعَلَ الْعُمْرَةَ يُخْرِجُهُ لِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ لَا يَفْعَلُ الْعُمْرَةَ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لَا بِهَا، وَإِنَّمَا يَتَحَلَّلُ بِصُورَتِهِ أَفْعَالَهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبَحْرِ هُنَا أَيْضًا. وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ فَأَتَى بِأَفْعَالِهَا ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْ يَوْمِهِ بِالْحَجِّ وَبَقِيَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ إلَى قَابِلٍ فَحَجَّ كَانَ مُتَمَتِّعًا اهـ لَكِنَّ هَذَا وَارِدٌ عَلَى قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ ثُمَّ يَحُجُّ. أَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ فَلَا لِصِدْقِهِ بِمَا إذَا أَحْرَمَ بِهِ فِي عَامِ الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَحُجَّ: وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ عَلَيْهِ بِأَنْ يُرَادَ ثُمَّ يُنْشِئُ الْحَجَّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيَطُوفَ وَيَسْعَى إلَخْ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى قَوْلِهِ يَفْعَلَ الْعُمْرَةَ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ بَيَانَ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ تَقَدَّمَ مَعَ أَنَّهُ يُوهِمُ لُزُومَ السَّعْيِ فِي صِحَّةِ التَّمَتُّعِ وَإِنْ كَانَ فِيمَا قَبْلَهُ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِهِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ طَوَافًا وَسَعْيًا مُمَاثِلَيْنِ لِمَا مَرَّ مِنْ بَيَانِ صِفَتِهِمَا (قَوْلُهُ إنْ شَاءَ) رَاجِعٌ لِلْأَمْرَيْنِ أَيْ إنْ شَاءَ حَلَقَ، وَإِنْ شَاءَ قَصَّرَ، وَإِنْ شَاءَ بَقِيَ مُحْرِمًا ح. وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ بِهَا الَّذِي لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ لَا يَلْزَمُهُ التَّحَلُّلُ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ خِلَافُهُ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ طَوَافِهِ لِلْعُمْرَةِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُمْسِكُ عَنْ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ حَلَالًا) هَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي التَّمَتُّعِ، بَلْ إنْ أَقَامَ بِهَا حَجَّ كَأَهْلِهَا فَمِيقَاتُهُ الْحَرَمُ، وَإِنْ أَقَامَ بِالْمَوَاقِيتِ أَوْ دَاخِلِهَا حَجَّ كَأَهْلِهَا فَمِيقَاتُهُ الْحِلُّ، وَإِنْ أَقَامَ خَارِجَ الْمَوَاقِيتِ أَحْرَمَ فِيهَا كَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، فَقَوْلُهُ ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ يَجْرِي عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ ط. [تَنْبِيهٌ] أَفَادَ أَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ الْحَلَالُ، فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ مَا بَدَا لَهُ وَيَعْتَمِرُ قَبْلَ الْحَجِّ، وَصُرِّحَ فِي اللُّبَابِ بِأَنَّهُ لَا يَعْتَمِرُ: أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الْمَكِّيِّ وَأَنَّ الْمَكِّيَّ مَمْنُوعٌ مِنْ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ، وَهُوَ الَّذِي حُطَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْفَتْحِ. وَخَالَفَهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهَا إنْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ فِي عَامٍ وَاحِدٍ لِيَخْرُجَ مَا إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَأَتَى بِأَفْعَالِهَا وَبَقِيَ مُحْرِمًا إلَى الْعَامِ الثَّانِي فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ بِلَا تَخَلُّلِ سَفَرٍ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَمَتِّعًا كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ حَقِيقَةً) أَيْ كَمَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ حَلَالًا ح (قَوْلُهُ أَوْ حُكْمًا بِأَنْ يُلِمَّ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الْعَوْدُ إلَى مَكَّةَ مَطْلُوبًا مِنْهُ، إمَّا بِسَوْقِ الْهَدْيِ، وَإِمَّا بِأَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ؛ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ هَدْيَهُ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَلُّلِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ الْعَوْدَ إلَى الْحَرَمِ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لِلْحَلْقِ فِي الْحَرَمِ، وُجُوبًا عِنْدَهُمَا، وَاسْتِحْبَابًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، فَالْإِلْمَامُ الصَّحِيحُ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ بَعْدَ أَنْ حَلَقَ فِي الْحَرَمِ وَلَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ لِكَوْنِ الْعَوْدِ غَيْرَ مَطْلُوبٍ مِنْهُ. وَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ بِأَنْ لَا يُلِمَّ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ كُوفِيًّا فَلَمَّا اعْتَمَرَ أَلَمَّ بِالْبَصْرَةِ. اهـ. ح وَالْمُرَادُ بِأَنْ لَا يُلِمَّ فِي سَفَرِهِ فَلَا يَصْدُقُ بِعَدَمِ الْإِلْمَامِ أَصْلًا فَافْهَمْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ شُرُوطِ الْإِلْمَامِ الصَّحِيحِ إنَّمَا هُوَ فِي الْآفَاقِيِّ، أَمَّا الْمَكِّيُّ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ بَلْ إلْمَامُهُ صَحِيحٌ مُطْلَقًا لِعَدَمِ تَصَوُّرِ كَوْنِ عَوْدِهِ إلَى الْحَرَمِ غَيْرَ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي الْحَرَمِ، سَوَاءٌ تَحَلَّلَ أَوْ لَا، سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ لَا وَلِذَا لَمْ يَصِحَّ تَمَتُّعُهُ مُطْلَقًا كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) لِأَنَّهُ يَوْمُ إحْرَامِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَإِلَّا فَلَوْ أَحْرَمَ يَوْمَ عَرَفَةَ جَازَ مِعْرَاجٌ: قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَيَجُوزُ مِنْ جَمِيعِ الْحَرَمِ وَمِنْ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ خَارِجِهَا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 لَكِنَّهُ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ قَدَّمَهُمَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ (وَذَبَحَ) كَالْقَارِنِ (وَلَمْ تَنُبْ الْأُضْحِيَّةَ عَنْهُ، فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ دَمٍ (صَارَ كَالْقِرَانِ، وَجَازَ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ إحْرَامِهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ لَكِنْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (لَا قَبْلَهُ) أَيْ الْإِحْرَامِ (وَتَأْخِيرُهُ أَفْضَلُ) رَجَاءَ وُجُودِ الْهَدْيِ كَمَا مَرَّ (وَإِنْ أَرَادَ الْمُتَمَتِّعُ السَّوْقَ) لِلْهَدْيِ (وَهُوَ أَفْضَلُ) أَحْرَمَ ثُمَّ (سَاقَ هَدْيَهُ) مَعَهُ (وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْدِهِ إلَّا إذَا كَانَتْ لَا تَنْسَاقُ) فَيَقُودُهَا (وَقَلَّدَ بَدَنَتَهُ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّجْلِيلِ وَكُرِهَ الْإِشْعَارُ،   [رد المحتار] وَيَصِحُّ وَلَوْ خَارِجَ الْحَرَمِ وَلَكِنْ يَجِبُ كَوْنُهُ فِيهِ إلَّا إذَا خَرَجَ إلَى الْحِلِّ لِحَاجَةٍ فَأَحْرَمَ مِنْهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ خَرَجَ لِقَصْدِ الْإِحْرَامِ اهـ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ) أَيْ لِأَنَّهُ أَوَّلُ طَوَافٍ يَفْعَلُهُ فِي حَجِّهِ: أَيْ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ فَإِنَّهُ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ كَالْقَارِنِ كَمَا مَرَّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَيْسَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ طَوَافُ قُدُومٍ كَمَا فِي الْمُبْتَغَى: أَيْ لَا يَكُونُ مَسْنُونًا فِي حَقِّهِ، بِخِلَافِ الْقَارِنِ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ حِينَ قُدُومِهِ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ فَقَطْ، وَلَيْسَ لَهَا طَوَافُ قُدُومِهِ وَلَا صَدْرٍ اهـ فَالِاسْتِدْرَاكُ فِي مَحَلِّهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ قَدَّمَهُمَا) أَيْ عَقِبَ طَوَافِ تَطَوُّعٍ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، فَلَا دَلَالَةَ فِي هَذَا عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ طَوَافِ الْقُدُومِ لِلْمُتَمَتِّعِ، خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ وَذَبَحَ كَالْقَارِنِ) التَّشْبِيهُ فِي الْوُجُوبِ وَالْأَحْكَامِ الْمَارَّةِ فِي هَدْيِ الْقِرَانِ (قَوْلُهُ وَلَمْ تَنُبْ الْأُضْحِيَّةَ عَنْهُ) لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، إذْ لَا أُضْحِيَّةَ عَلَى الْمُسَافِرِ وَلَمْ يَنْوِ دَمَ التَّمَتُّعِ، وَالتَّضْحِيَةُ إنَّمَا تَجِبُ بِالشِّرَاءِ بِنِيَّتِهَا أَوْ الْإِقَامَةِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَعَلَى فَرْضِ وُجُوبِهَا لَمْ تَجُزْ أَيْضًا لِأَنَّهُمَا غَيْرَانِ، فَإِذَا نَوَى عَنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يَجُزْ عَنْ الْآخَرِ مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِاحْتِيَاجِ دَمِ الْمُتْعَةِ إلَى النِّيَّةِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ طَوَافِ الرُّكْنِ وَلَا مِثْلَهُ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِهِ التَّطَوُّعَ أَجْزَأَهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الدَّمُ كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى. اهـ. وَأَجَابَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِأَنَّ الطَّوَافَ لَمَّا كَانَ مُتَعَيِّنًا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وُجُوبًا كَانَ النَّظَرُ لِإِيقَاعِ مَا طَافَهُ عَنْهُ وَتَلْغُو نِيَّةُ غَيْرِهِ. وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةَ فَهِيَ مُتَعَيِّنَةٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ كَالْمُتْعَةِ فَلَا تَقَعُ الْأُضْحِيَّةَ مَعَ تَعَيُّنِهَا عَنْ غَيْرِهَا اهـ وَالْمُرَادُ بِتَعَيُّنِهَا تَعَيُّنُ زَمَنِهَا لَا وُجُوبُهَا، حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ؛ يَعْنِي أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَا تُسَمَّى أُضْحِيَّةً إلَّا إذَا وَقَعَتْ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَكَذَا دَمُ الْمُتْعَةِ فَلَمَّا كَانَ زَمَنُهَا مُتَعَيِّنًا وَقَدْ نَوَاهَا أُضْحِيَّةً فَلَا تَقَعُ عَنْ دَمِ الْمُتْعَةِ، بِخِلَافِ الطَّوَافِ فَإِنَّ التَّطَوُّعَ بِهِ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ، فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ طَوَافٌ مُؤَقَّتٌ وَنَوَى بِهِ غَيْرَهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَاجِبِ الْمُؤَقَّتِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّطَوُّعُ بَعْدَهُ، وَكَذَا لَوْ نَوَى طَوَافًا آخَرَ وَاجِبًا يَنْصَرِفُ إلَى الَّذِي حَضَرَ وَقْتُهُ وَوَجَبَ فِيهِ وَيَلْغُو الْآخَرُ مُرَاعَاةً لِلتَّرْتِيبِ؛ كَمَا لَوْ نَوَى الْقَارِنُ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ الْقُدُومَ يَقَعُ عَنْ الْعُمْرَةِ كَمَا مَرَّ فَافْهَمْ. وَأَجَابَ الرَّحْمَتِيُّ بِأَنَّ الدَّمَ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَلِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُفْرِدِ بِأَحَدِهِمَا بَلْ وَجَبَ شُكْرًا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ بِهِمَا فَلَمْ يَكُنْ دَاخِلًا تَحْتَ نِيَّةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ النِّيَّةِ وَالتَّعْيِينِ، فَلَوْ نَوَى غَيْرَهُ لَا يُجْزِي كَمَا لَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ، بِخِلَافِ الْأَطْوِفَةِ فَإِنَّهَا مِنْ أَعْمَالِهِمَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ إحْرَامِهَا فَتُجْزِئُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ (قَوْلُهُ أَيْ الْعُمْرَةِ) لِأَنَّهُ صِيَامٌ بَعْدَ وُجُوبِ سَبَبِهِ وَهُوَ التَّمَتُّعُ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِالْعُمْرَةِ عَلَى نِيَّةِ الْمُتْعَةِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ، وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ) مُرْتَبِطٌ بِالصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ، فَلَوْ أَحْرَمَ قَبْلَهَا وَصَامَ فِيهَا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ الْأَشْهُرِ صِحَّةُ الصَّوْمِ، أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ وَتَأْخِيرُهَا) أَيْ إلَى السَّابِعِ وَالثَّامِنِ وَالتَّاسِعِ كَمَا مَرَّ فِي الْقِرَانِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَرَادَ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ التَّمَتُّعِ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ أَفْضَلُ: أَيْ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الَّذِي لَا سَوْقَ هَدْيٍ مَعَهُ لِمَا فِي هَذَا مِنْ الْمُوَافَقَةِ لِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ط (قَوْلُهُ أَحْرَمَ ثُمَّ سَاقَ إلَخْ) أَتَى بِثُمَّ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يُحْرِمُ أَوَّلًا بِالنِّيَّةِ مَعَ التَّلْبِيَةِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ النِّيَّةِ مَعَ السَّوْقِ وَإِنْ صَحَّ بِشُرُوطٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 وَهُوَ شَقُّ سَنَامِهَا مِنْ الْأَيْسَرِ) أَوْ الْأَيْمَنِ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يُحْسِنُهُ، فَأَمَّا مَنْ أَحْسَنَهُ بِأَنْ قَطَعَ الْجِلْدَ فَقَطْ فَلَا بَأْسَ بِهِ (وَاعْتَمَرَ، وَلَا يَتَحَلَّلُ مِنْهَا) حَتَّى يَنْحَرَ (ثُمَّ أَحْرَمَ لِلْحَجِّ كَمَا مَرَّ) فِيمَنْ لَمْ يَسُقْ (وَحَلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ وَ) إذَا حَلَقَ (حَلَّ مِنْ إحْرَامَيْهِ) عَلَى الظَّاهِرِ (وَالْمَكِّيُّ وَمَنْ فِي حُكْمِهِ يُفْرِدُ فَقَطْ) وَلَوْ قَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ جَازَ وَأَسَاءَ، وَعَلَيْهِ دَمُ جَبْرٍ،   [رد المحتار] وَتَفْصِيلٍ قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ وَهُوَ شَقُّ سَنَامِهَا) بِأَنْ يَطْعَنَ بِالرُّمْحِ أَسْفَلَهُ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ ثُمَّ يُلَطِّخَ بِذَلِكَ الدَّمِ سَنَامَهَا لِيَكُونَ ذَلِكَ عَلَامَةَ كَوْنِهَا هَدْيًا كَالتَّقْلِيدِ لُبَابٌ وَشَرْحُهُ (قَوْلُهُ أَوْ الْأَيْمَنِ) اخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ، لَكِنَّ الْأَشْبَهَ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يُحْسِنُهُ) جَرَى عَلَى مَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ مِنْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يَكْرَهْ أَصْلَ الْإِشْعَارِ، وَكَيْفَ يَكْرَهُهُ مَعَ مَا اُشْتُهِرَ فِيهِ مِنْ الْأَخْبَارِ، وَإِنَّمَا كَرِهَ إشْعَارَ أَهْلِ زَمَانِهِ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ خُصُوصًا فِي حَرِّ الْحِجَازِ فَرَأَى الصَّوَابَ حِينَئِذٍ سَدَّ هَذَا الْبَابِ عَلَى الْعَامَّةِ، فَأَمَّا مَنْ وَقَفَ عَلَى الْحَدِّ بِأَنْ قَطَعَ الْجِلْدَ دُونَ اللَّحْمِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ قِوَامِ الدِّينِ وَابْنِ الْهُمَامِ، فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِمَنْ أَحْسَنَهُ شَرْحُ اللُّبَابِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَبِهِ يُسْتَغْنَى عَنْ كَوْنِ الْعَمَلِ عَلَى قَوْلِهِمَا بِأَنَّهُ حَسَنٌ (قَوْلُهُ وَاعْتَمَرَ) أَيْ طَافَ وَسَعَى، وَالشَّرْطُ أَكْثَرُ طَوَافِهَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَحَلَّلُ مِنْهَا حَتَّى يَنْحَرَ) لِأَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ مَانِعٌ مِنْ إحْلَالِهِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، فَلَوْ حَلَقَ لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ إحْرَامِهِ وَلَزِمَهُ دَمٌ: أَيْ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَ ذَبْحِ هَدْيِهِ وَحَلْقِهِ لُبَابٌ وَشَرْحُهُ، وَتَمَامُهُ فِيهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمُقْتَضَاهُ: أَيْ مُقْتَضَى لُزُومِ الدَّمِ بِالْحَلْقِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كُلُّ جِنَايَةٍ عَلَى الْإِحْرَامِ كَأَنَّهُ مُحْرِمٌ. اهـ. قُلْت: بَلْ مُقْتَضَى قَوْلِ اللُّبَابِ لَمْ يَتَحَلَّلْ أَنَّهُ مُحْرِمٌ حَقِيقَةً، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ: إذَا كَانَ لِسَوْقِ الْهَدْيِ تَأْثِيرٌ فِي إثْبَاتِ الْإِحْرَامِ ابْتِدَاءً يَكُونُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي اسْتِدَامَتِهِ بَقَاءً بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَحْرَمَ لِلْحَجِّ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، فَإِنْ كَانَ سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ لَمْ يَسُقْ وَلَكِنْ أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْعُمْرَةِ صَارَ كَالْقَارِنِ، فَيَلْزَمُهُ بِالْجِنَايَةِ مَا يَلْزَمُ الْقَارِنَ، وَإِنْ لَمْ يَسُقْهُ وَأَحْرَمَ بَعْدَ الْحَلْقِ صَارَ كَالْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ إلَّا فِي وُجُوبِ دَمِ الْمُتْعَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَرْحُ اللُّبَابِ. (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ بَقَاءِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ إلَى الْحَلْقِ، وَيَحِلُّ مِنْهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي النِّسَاءِ لِأَنَّ الْمَانِعَ لَهُ مِنْ التَّحَلُّلِ سَوْقُهُ الْهَدْيَ، وَقَدْ زَالَ بِذَبْحِهِ. وَفِي الْقَارِنِ يَحِلُّ مِنْهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي النِّسَاءِ كَإِحْرَامِ الْحَجِّ، وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ وَبَيْنَ الْقَارِنِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا ذَكَرْنَا بَحْرٌ. وَعَلَيْهِ فَإِذَا حَلَقَ ثُمَّ جَامَعَ قَبْلَ الطَّوَافِ لَزِمَهُ دَمٌ وَاحِدٌ لَوْ مُتَمَتِّعًا وَدَمَانِ لَوْ قَارِنًا، وفِي هَذَا رَدٌّ لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ يَنْتَهِي بِالْوُقُوفِ كَمَا أَوْضَحَهُ الْبَحْرُ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَمَنْ فِي حُكْمِهِ) أَيْ مَنْ أَهَلَّ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ (قَوْلُهُ يُفْرِدُ فَقَطْ) هَذَا مَا دَامَ مُقِيمًا، فَإِذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ وَقَرَنَ صَحَّ بِلَا كَرَاهَةٍ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ وَحَجَّتَهُ مِيقَاتَانِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْآفَاقِيِّ. قَالَ الْمَحْبُوبِيُّ: هَذَا إذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَأَمَّا إذَا خَرَجَ بَعْدَهَا فَقَدْ مُنِعَ مِنْ الْقِرَانِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِخُرُوجِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. وَقَوْلُ الْمَحْبُوبِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ، نَقَلَهُ الشَّيْخُ الشِّبْلِيُّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالْقِرَانِ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَمَرَ هَذَا الْمَكِّيُّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ عَامِهِ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا لِأَنَّهُ مُلِمٌّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ حَلَالًا إنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ، وَكَذَا إنْ سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، بِخِلَافِ الْآفَاقِيِّ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ ثُمَّ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ مُحْرِمًا كَانَ مُتَمَتِّعًا لِأَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فَيَمْنَعُ صِحَّةَ إلْمَامِهِ. وَأَمَّا الْمَكِّيُّ فَالْعَوْدُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ وَإِنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَكَانَ إلْمَامُهُ صَحِيحًا، فَلِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ جَازَ وَأَسَاءَ إلَخْ) أَيْ صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَهَذَا مَا مُشِيَ عَلَيْهِ فِي التُّحْفَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَالْعِنَايَةِ وَالسِّرَاجِ وَشَرْحِ الْإِسْبِيجَابِيِّ عَلَى مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] وَاعْلَمْ أَنَّهُ فِي الْفَتْحِ ذَكَرَ أَنَّ قَوْلَهُمَا لَا تَمَتُّعَ وَلَا قِرَانَ لِمَكِّيٍّ يَحْتَمِلُ نَفْيَ الْوُجُودِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْإِلْمَامَ الصَّحِيحَ مِنْ الْآفَاقِيِّ مُبْطِلًا تَمَتُّعَهُ وَالْمَكِّيُّ مُلِمٌّ بِأَهْلِهِ فَيَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ. وَيُحْتَمَلُ نَفْيُ الْحِلِّ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَصِحُّ لَكِنَّهُ يَأْثَمُ بِهِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَعَلَيْهِ فَاشْتِرَاطُهُمْ عَدَمَ الْإِلْمَامِ لِصِحَّةِ التَّمَتُّعِ بِمَعْنَى أَنَّهُ شَرْطٌ لِوُجُودِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ الْمُوجِبِ شَرْعًا لِلشُّكْرِ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ. وَاَلَّذِي حُطَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ اخْتِيَارُ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى كَلَامِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يَعْنِي صَاحِبَ التُّحْفَةِ وَغَيْرَهُ، بَلْ اخْتَارَ أَيْضًا مَنْعَ الْمَكِّيِّ مِنْ الْعُمْرَةِ الْمُجَرَّدَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ، وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ، وَخَالَفَهُ مَنْ بَعْدَهُ كَصَاحِبِ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ وَالشُّرُنْبُلالي وَالْقَارِيّ وَاخْتَارُوا الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ لِأَنَّ إيجَابَ دَمِ الْجَبْرِ فَرْعٌ لِلصِّحَّةِ، وَلِمَا فِي الْمُتُونِ فِي بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ مِنْ أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا طَافَ شَوْطًا لِلْعُمْرَةِ فَأَحْرَمَ بِحَجٍّ رَفَضَهُ. فَإِذَا لَمْ يَرْفُضْ شَيْئًا أَجْزَأَهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ أَدَّى أَفْعَالَهُمَا كَمَا الْتَزَمَهُمَا إلَّا أَنَّهُ مَنْهِيٌّ وَالنَّهْيُ عَنْ فِعْلٍ شَرْعِيٍّ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ عَلَى وَجْهِ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَصْلِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَتَحَمَّلُ إثْمَهُ كَصِيَامِ يَوْمِ النَّحْرِ بَعْدَ نَذْرِهِ اهـ فَهَذَا يُنَاقِضُ مَا اخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ أَوَّلًا: أَيْ فَإِنَّ هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ قِرَانُ الْمَكِّيِّ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. أَقُولُ: وَقَدْ كُنْت كَتَبْت عَلَى هَامِشِهَا بَحْثًا حَاصِلُهُ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ عَدَمَ الْإِلْمَامِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّمَتُّعِ دُونَ الْقِرَانِ، وَأَنَّ الْإِلْمَامَ الصَّحِيحَ مُبْطِلٌ لِلتَّمَتُّعِ دُونَ الْقِرَانِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ تَمَتُّعَ الْمَكِّيِّ بَاطِلٌ لِوُجُودِ الْإِلْمَامِ الصَّحِيحِ بَيْنَ إحْرَامَيْهِ سَوَاءٌ سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ لَا لِأَنَّ الْآفَاقِيَّ إنَّمَا يَصِحُّ إلْمَامُهُ إذَا لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ وَحَلَقَ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى الْعَوْدُ إلَى مَكَّةَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ، وَالْمَكِّيُّ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ عَدَمُ الْعَوْدِ إلَى مَكَّةَ لِكَوْنِهِ فِيهَا كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْإِلْمَامَ الصَّحِيحَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ، وَلَا يَكُونُ الْعَوْدُ إلَى الْعُمْرَةِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ، وَمِنْ هَذَا قُلْنَا لَا تَمَتُّعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ الْمَوَاقِيتِ اهـ أَيْ بِخِلَافِ الْقِرَانِ، فَإِنَّهُ يُتَصَوَّرُ مِنْهُمْ لِأَنَّ عَدَمَ الْإِلْمَامِ فِيهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْقِرَانَ الْمَشْرُوعَ مَا يَكُونُ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا، وَالْإِلْمَامُ الصَّحِيحُ مَا يَكُونُ بَيْنَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَإِحْرَامِ الْحَجِّ، وَهَذَا يَكُونُ فِي التَّمَتُّعِ دُونَ الْقِرَانِ، فَمِنْ هَذَا قُلْنَا إنَّ تَمَتُّعَ الْمَكِّيِّ بَاطِلٌ دُونَ قِرَانِهِ، وَهَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ، لَكِنْ يَدُلُّ عَلَيْهِ تَصْرِيحُ الْبَدَائِعِ بِعَدَمِ تَصَوُّرِ تَمَتُّعِ الْمَكِّيِّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إنَّهُ خَاصٌّ بِمَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ وَحَلَقَ دُونَ مَنْ سَاقَهُ أَوْ لَمْ يَسُقْهُ ولَمْ يَحْلِقْ لِأَنَّ إلْمَامَهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ صَحِيحٍ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا عَلِمْت مِنْ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ إلْمَامَهُ صَحِيحٌ سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ لَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا عِبَارَةُ الْمُحِيطِ الْمَذْكُورَةِ، وَكَذَا مَا مَرَّ مِنْ الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ بُطْلَانِ قِرَانِهِ. ثُمَّ رَأَيْت مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا، وَذَلِكَ مَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْأَسْرَارِ لِلْإِمَامِ أَبِي زَيْدٍ الدَّبُوسِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَلَا مُتْعَةَ عِنْدَنَا وَلَا قِرَانَ لِمَنْ كَانَ وَرَاءَ الْمِيقَاتِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الدَّمَ لَا يَجِبُ نُسُكًا، أَمَّا التَّمَتُّعُ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ لِلْإِلْمَامِ الَّذِي يُوجَدُ مِنْهُ بَيْنَهُمَا. وَأَمَّا الْقِرَانُ فَيُكْرَهُ وَيَلْزَمُهُ الرَّفْضُ لِأَنَّ الْقِرَانَ أَصْلُهُ أَنْ يَشْرَعَ الْقَارِنُ فِي الْإِحْرَامَيْنِ مَعًا وَالشُّرُوعُ مَعًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِخَلَلٍ فِي أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ إنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَرَمِ فَقَطْ أَخَلَّ بِشَرْطِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فَإِنَّ مِيقَاتَهُ الْحِلُّ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِهِمَا مِنْ الْحِلِّ فَقَدْ أَخَلَّ بِمِيقَاتِ الْحَجَّةِ لِأَنَّ مِيقَاتَهَا الْحَرَمُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَهْلُ مَكَّةَ فَلِذَا لَمْ يُشْرَعْ فِي حَقِّ مَنْ وَرَاءِ الْمِيقَاتِ أَيْضًا اهـ أَيْ أَنَّ مَنْ كَانَ وَرَاءَ الْمِيقَاتِ: أَيْ دَاخِلَهُ لَهُمْ حُكْمُ أَهْلِ مَكَّةَ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُمْ التَّمَتُّعُ وَيُتَصَوَّرُ مِنْهُمْ الْقِرَانُ، لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِلْإِخْلَالِ بِمِيقَاتِ أَحَدِ الْإِحْرَامَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 540 وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ لَوْ مُعْسِرًا (وَمَنْ اعْتَمَرَ بِلَا سَوْقِ) هَدْيٍ (ثُمَّ) بَعْدَ عُمْرَتِهِ (عَادَ إلَى بَلَدِهِ) وَحَلَقَ (فَقَدْ أَلَمَّ) إلْمَامًا صَحِيحًا فَبَطَلَ تَمَتُّعُهُ (وَمَعَ سَوْقِهِ تَمَتُّعٌ) كَالْقَارِنِ (وَإِنْ طَافَ لَهَا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَتَمَّهَا فِيهَا وَحَجَّ فَقَدْ تَمَتَّعَ، وَلَوْ طَافَ أَرْبَعَةً قَبْلَهَا لَا) اعْتِبَارًا لِلْأَكْثَرِ (كُوفِيٌّ) أَيْ آفَاقِيٌّ   [رد المحتار] ثُمَّ رَأَيْت مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي كَافِي الْحَاكِمِ الَّذِي هُوَ جَمْعُ كُتُبٍ " ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَنَصُّهُ: وَإِذَا خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى الْكُوفَةِ لِحَاجَةٍ فَاعْتَمَرَ فِيهَا مِنْ عَامِهِ وَحَجَّ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، وَإِنْ قَرَنَ مِنْ الْكُوفَةِ كَانَ قَارِنًا " اهـ وَنَقَلَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ مُعَلِّلًا مُوَضِّحًا فَرَاجِعْهَا. وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْمُتُونِ وَلَا تَمَتُّعَ وَلَا قِرَانَ لِمَكِّيٍّ مَعْنَاهُ نَفْيُ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَالْحِلِّ، وَلَا يُنَافِي عَدَمَ التَّصَوُّرِ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَالْقَرِينَةُ عَلَى هَذَا تَصْرِيحُهُمْ بَعْدَهُ بِبُطْلَانِ التَّمَتُّعِ بِالْإِلْمَامِ الصَّحِيحِ فِيمَا لَوْ عَادَ الْمُتَمَتِّعُ إلَى بَلَدِهِ، وَتَصْرِيحُهُمْ فِي بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ بِأَنَّهُ إذَا قَرَنَ وَلَمْ يَرْفُضْ شَيْئًا مِنْهُمَا أَجْزَأَهُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَاغْتَنِمْهُ فَإِنَّك لَا تَجِدُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (قَوْلُهُ وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ لَوْ مُعْسِرًا) لِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا يَقَعُ بَدَلًا عَنْ دَمِ الشُّكْرِ لَا عَنْ دَمِ الْجَبْرِ شَرْحُ اللُّبَابِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ بَعْدَ عُمْرَتِهِ) قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ عَادَ بَعْدَ مَا طَافَ لَهَا الْأَقَلَّ لَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ لِأَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ مُحْرِمًا بِخِلَافِ مَا إذَا طَافَ الْأَكْثَرَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ عَادَ إلَى بَلَدِهِ) فَلَوْ عَادَ إلَى غَيْرِهِ لَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَسَوَّيَا بَيْنَهُمَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَحَلَقَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَلْقَ بَعْدَ الْعَوْدِ، فَفِيهِ تَرْكُ الْوَاجِبِ عِنْدَهُمَا. وَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ حَذَفَهُ لَفُهِمَ مِمَّا قَبْلَهُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ الْحَلْقُ فَلَا بُدَّ لِلْبُطْلَانِ مِنْهُ لِأَنَّهُ مِنْ وَاجِبَاتِهَا وَبِهِ التَّحَلُّلُ، فَلَوْ عَادَ بَعْدَ طَوَافِهَا قَبْلَ الْحَلْقِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فِي أَهْلِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ لِأَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ عِنْدَ مَنْ جَعَلَ الْحَرَمَ شَرْطَ جَوَازِ الْحَلْقِ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَقَدْ أَلَمَّ إلْمَامًا صَحِيحًا) لِأَنَّ الْعَوْدَ لَمْ يَبْقَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فَبَطَلَ تَمَتُّعُهُ) أَيْ امْتَنَعَ التَّمَتُّعُ الَّذِي أَرَادَهُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ عَدَمُ إلْمَامِ الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ وَمَعَ سَوْقِهِ تَمَتُّعٌ) أَيْ لَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ بِعَوْدِهِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ مَا دَامَ عَلَى نِيَّةِ التَّمَتُّعِ لِأَنَّ السَّوْقَ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَلُّلِ فَلَمْ يَصِحَّ إلْمَامُهُ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي قَوْلِهِ مَا دَامَ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ بَدَا لَهُ بَعْدَ الْعُمْرَةِ أَنْ لَا يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ بَعْدُ. وَإِذَا ذَبَحَ الْهَدْيَ أَوْ أَمَرَ بِذَبْحِهِ وَقَعَ تَطَوُّعًا، أَمَّا إذَا لَمْ يَعُدْ إلَى بَلَدِهِ وَأَرَادَ نَحْرَ الْهَدْيِ وَالْحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ فَعَلَ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَزِمَهُ دَمُ التَّمَتُّعِ وَدَمٌ آخَرُ لِإِحْلَالِهِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ نَهْرٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتْرُكَهُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ لَا، فَإِنْ تَرَكَهُ إلَيْهِ فَتَمَتُّعُهُ صَحِيحٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ سَوَاءٌ عَادَ إلَى أَهْلِهِ أَوْ لَا. وَإِنْ تَعَجَّلَ ذَبْحَهُ، فَإِمَّا أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ أَوْ لَا فَإِنْ رَجَعَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ حَجَّ مِنْ عَامِهِ أَوْ لَا؛ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِمْ. فَإِنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَجَّ مِنْهُ لَزِمَهُ دَمَانِ: دَمُ الْمُتْعَةِ، وَدَمُ الْحِلِّ قَبْلَ أَوَانِهِ (قَوْلُهُ كَالْقَارِنِ) فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ قِرَانُهُ بِعَوْدِهِ نَهْرٌ لِأَنَّ عَدَمَ الْإِلْمَامِ غَيْرُ شَرْطٍ فِيهِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَإِنْ طَافَ لَهَا إلَخْ) قَدَّمَ الشَّارِحُ الْمَسْأَلَةَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا لِلْأَكْثَرِ) عِلَّةٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ ط (قَوْلُهُ أَيْ آفَاقِيٌّ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ ذِكْرَ الْكُوفِيِّ مِثَالٌ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ كَانَ خَارِجَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 541 (حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ فِيهَا) أَيْ الْأَشْهُرِ (وَسَكَنَ بِمَكَّةَ) أَيْ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ (أَوْ بَصْرَةَ) أَيْ غَيْرِ بَلَدِهِ (وَحَجَّ) مِنْ عَامِهِ (مُتَمَتِّعٌ) لِبَقَاءِ سَفَرِهِ (وَلَوْ أَفْسَدَهَا وَرَجَعَ مِنْ الْبَصْرَةِ) إلَى مَكَّةَ (وَقَضَاهَا وَحَجَّ لَا) يَكُونُ مُتَمَتِّعًا لِأَنَّهُ كَالْمَكِّيِّ (إلَّا إذَا أَلَمَّ بِأَهْلِهِ ثُمَّ) رَجَعَ وَ (أَتَى بِهِمَا) لِأَنَّهُ سَفَرٌ آخَرُ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الْعُمْرَةِ قَضَاءً عَمَّا أَفْسَدَهُ (وَأَيُّ) النُّسُكَيْنِ (أَفْسَدَهُ) الْمُتَمَتِّعُ (أَتَمَّهُ بِلَا دَمٍ) لِلتَّمَتُّعِ بَلْ لِلْفَسَادِ   [رد المحتار] الْمِيقَاتِ لِأَنَّ الْمَكِّيَّ لَا تَمَتُّعَ لَهُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ فِيهَا) لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَمَرَ قَبْلَهَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا اتِّفَاقًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَيْ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ ذِكْرَ مَكَّةَ غَيْرُ قَيْدٍ، بَلْ الْمُرَادُ هِيَ أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا (قَوْلُهُ أَيْ غَيْرِ بَلَدِهِ) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ مَكَانٌ لَا أَهْلَ لَهُ فِيهِ سَوَاءٌ اتَّخَذَهُ دَارًا بِأَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ لَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا، وَقُيِّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا اتِّفَاقًا أَيْضًا إنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لِبَقَاءِ سَفَرِهِ) أَمَّا إذَا أَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ فَلِأَنَّهُ تَرَفَّقَ بِنُسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَهُوَ عَلَامَةُ التَّمَتُّعِ وَأَمَّا إذَا أَقَامَ خَارِجَهَا فَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ. عِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ مَنْ كَانَتْ عُمْرَتُهُ مِيقَاتِيَّةً وَحَجَّتُهُ مَكِّيَّةً وَلَهُ أَنَّ حُكْمَ السَّفَرِ الْأَوَّلِ قَائِمٌ مَا لَمْ يَعُدْ إلَى وَطَنِهِ، وَأَثَرُ الْخِلَافِ يَظْهَرُ فِي لُزُومِ الدَّمِ، وَغَلَّطَهُ الْجَصَّاصُ فِي نَقْلِ الْخِلَافِ بَلْ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا اتِّفَاقًا. لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يَحْكِ فِيهَا خِلَافًا. قَالَ أَبُو الْيُسْرِ وَهُوَ الصَّوَابُ. وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ، لَكِنْ قَالَ فِي الْحَقَائِقِ: كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا قَالُوا الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ. وَقَالَ الصَّفَّارُ: كَثِيرًا مَا جَرَّبْنَا الطَّحَاوِيَّ فَلَمْ نَجِدْهُ غَالِطًا. وَكَثِيرًا مَا جَرَّبْنَا الْجَصَّاصَ فَوَجَدْنَاهُ غَالِطًا. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ تُؤَيِّدُ مَا حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَفْسَدَهَا) أَيْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِأَنْ جَامَعَ قَبْلَ أَفْعَالِهَا. أَمَّا لَوْ أَفْسَدَهَا قَبْلَهَا ثُمَّ خَرَجَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقَضَاهَا فِيهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ كَانَ مُتَمَتِّعًا اتِّفَاقًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَرَجَعَ مِنْ الْبَصْرَةِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إلَى الْبَصْرَةِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي مَكَّةَ حِينَ شَرَعَ بِالْعُمْرَةِ. وَعَبَّرَ فِي الْمُلْتَقَى بِقَوْلِهِ وَلَوْ أَفْسَدَهَا وَأَقَامَ بِبَصْرَةَ. وَعَبَّرَ فِي الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ. فَعَلِمَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْبَلَدَيْنِ غَيْرُ قَيْدٍ، وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْمُرَادُ مَوْضِعٌ لَا أَهْلَ لَهُ فِيهِ. دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَلَمَّ بِأَهْلِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَالْمَكِّيِّ) لِأَنَّ سَفَرَهُ انْتَهَى بِالْفَاسِدَةِ وَصَارَتْ عُمْرَتُهُ الصَّحِيحَةُ مَكِّيَّةً. وَلَا تَمَتُّعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَلَمَّ بِأَهْلِهِ) أَيْ بَعْدَمَا أَفْسَدَهَا وَحَلَّ مِنْهَا نَهْرٌ، وَقَوْلُهُ وَأَتَى بِهِمَا: أَيْ بِقَضَاءِ الْعُمْرَةِ وَبِأَدَاءِ الْحَجِّ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَإِذَا لَمْ يُلِمُّ بِأَهْلِهِ، فَإِنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ فَهُوَ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ أَقَامَ بِبَصْرَةَ فَهُوَ غَيْرُ مُتَمَتِّعٍ عِنْدَهُ. وَقَالَا: مُتَمَتِّعٌ لِأَنَّهُ أَنْشَأَ سَفَرًا وَقَدْ تَرَفَّقَ فِيهِ بِنُسُكَيْنِ. وَلَهُ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى سَفَرِهِ مَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى وَطَنِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا مَرَّ عَلَى الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ سَفَرٌ آخَرُ) أَيْ لِأَنَّ رُجُوعَهُ بَعْدَ الْإِلْمَامِ إنْشَاءُ سَفَرٍ آخَرَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا لِبُطْلَانِ سَفَرِهِ الْأَوَّلِ. وَلَا يَضُرُّ تَمَتُّعَهُ كَوْنُ عُمْرَتِهِ قَضَاءً (قَوْلُهُ أَتَمَّهُ) أَيْ مَضَى فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْأَفْعَالِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ بِلَا دَمٍ لِلتَّمَتُّعِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتَرَفَّقْ بِأَدَاءِ نُسُكَيْنِ صَحِيحَيْنِ فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ بَلْ لِلْفَسَادِ) أَيْ بَلْ عَلَيْهِ دَمٌ لِمَا أَفْسَدَهُ وَهُوَ دَمُ جِنَايَةٍ. فَالْمَنْفِيُّ دَمُ الشُّكْرِ. [بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ] بَابُ الْجِنَايَاتِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَقْسَامِ الْمُحْرِمِينَ وَأَحْكَامِهِمْ شَرَعَ فِي بَيَانِ عَوَارِضِهِمْ بِاعْتِبَارِ الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَالْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ. وَقَدَّمَ الْجِنَايَاتِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ الْقَاصِرَ أَفْضَلُ مِنْ الْعَدَمِ وَهِيَ مَا تَجْنِيهِ مِنْ شَرٍّ. تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 542 بَابُ الْجِنَايَاتِ الْجِنَايَةُ: هُنَا مَا تَكُونُ حُرْمَتُهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ أَوْ الْحَرَمِ، وَقَدْ يَجِبُ بِهَا دَمَانِ أَوْ دَمٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ صَدَقَةٌ فَفَصَّلَهَا بِقَوْلِهِ (الْوَاجِبُ دَمٌ عَلَى مُحْرِمٍ بَالِغٍ) فَلَا شَيْءَ عَلَى الصَّبِيِّ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَلَوْ نَاسِيًا) أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا،   [رد المحتار] مِنْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً، وَهُوَ عَامٌّ إلَّا أَنَّهُ خُصَّ بِمَا يَحْرُمُ مِنْ الْفِعْلِ، وَأَصْلُهُ مِنْ جَنْيِ الثَّمَرِ: وَهُوَ أَخْذُهُ مِنْ الشَّجَرِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَالْمُرَادُ هُنَا خَاصٌّ مِنْهُ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَجَمَعَهَا بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ أَوْ الْحَرَمِ) حَاصِلُ الْأَوَّلِ سَبْعَةٌ نَظَمَهَا الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ بِقَوْلِهِ: مُحْرَمُ الْإِحْرَامِ يَا مَنْ يَدْرِي ... إزَالَةُ الشَّعْرِ وَقَصُّ الظُّفْرِ وَاللُّبْسُ وَالْوَطْءُ مَعَ الدَّوَاعِي ... وَالطِّيبُ وَالدَّهْنُ وَصَيْدُ الْبَرِّ زَادَ فِي الْبَحْرِ ثَامِنًا وَهُوَ تَرْكُ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ، فَلَوْ قَالَ. مُحْرِمُ الْإِحْرَامِ تَرْكُ وَاجِبٍ. إلَخْ كَانَ أَحْسَنَ. وَحَاصِلُ الثَّانِي التَّعَرُّضُ لِصَيْدِ الْحَرَمِ وَشَجَرِهِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بِسَبَبٍ إلَخْ ذِكْرُ الْجِمَاعِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مُطْلَقًا فَلَا يُوجِبُ الدَّمَ. وَقَالَ ط: وَفِيهِ أَنَّ ذِكْرَهُ إنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ مُطْلَقًا بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يَجُوزُ قُرْبَانُهُ، أَمَّا الْحَلَائِلُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ إلَّا الْمُحْرِمُ وَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا تَكُونُ حُرْمَتُهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ يَجِبُ بِهَا دَمَانِ) كَجِنَايَةِ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ بَعْدَ أَنْ تَلَبَّسَ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ ط (قَوْلُهُ أَوْ دَمٌ) كَأَكْثَرِ جِنَايَاتِ الْمُفْرِدِ (قَوْلُهُ أَوْ صَوْمٌ أَوْ صَدَقَةٌ) أَوْ فِيهَا لِلتَّخْيِيرِ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا جَنَى عَلَى الصَّيْدِ أَوْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ حَلَقَ بِعُذْرٍ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الذَّبْحِ وَالتَّصَدُّقِ وَالصِّيَامِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، أَوْ أَنَّ الثَّانِيَةَ فَقَطْ لِلتَّخْيِيرِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ فِي نَحْوِ مَا لَوْ قَتَلَ عُصْفُورًا. وَفِي الْهِدَايَةِ: وَكُلُّ صَدَقَةٍ فِي الْإِحْرَامِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ فَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ إلَّا مَا يَجِبُ بِقَتْلِ الْقَمْلَةِ وَالْجَرَادَةِ اهـ زَادَ الشُّرَّاحُ أَوْ بِإِزَالَةِ شَعَرَاتٍ قَلِيلَةٍ، لَكِنْ أَرَادَ بِالصَّدَقَةِ هُنَا الْأَعَمَّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى أَوْ صَدَقَةٌ وَلَوْ رُبْعَ صَاعٍ بِقَتْلِ حَمَامَةٍ أَوْ ثَمَرَةٌ بِقَتْلِ جَرَادَةٍ (قَوْلُهُ فَفَصَّلَهَا) أَيْ فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهَا فَصَّلَهَا ط فَالْفَاءُ تَفْرِيعِيَّةٌ (قَوْلُهُ الْوَاجِبُ دَمٌ) فَسَّرَهُ ابْنُ مَالِكٍ بِالشَّاةِ، وَأَشَارَ فِي الْبَحْرِ إلَى سِرِّهِ بِقَوْلِهِ إنَّ سُبْعَ الْبَدَنَةِ لَا يَكْفِي فِي هَذَا الْبَابِ، بِخِلَافِ دَمِ الشُّكْرِ، لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ فِيمَا لَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِجِمَاعٍ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ أَنَّهُ يَقُومُ الشِّرْكُ فِي الْبَدَنَةِ مَقَامَ الشَّاةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. قُلْت: وَفِي أُضْحِيَّةِ الْقُهُسْتَانِيِّ: لَوْ ذَبَحَ سَبْعَةٌ عَنْ أُضْحِيَّةٍ وَمُتْعَةٍ وَقِرَانٍ وَإِحْصَارٍ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ أَوْ الْحَلْقِ وَالْعَقِيقَةِ وَالتَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي ظَاهِرِ الْأُصُولِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَلَوْ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مُتَقَرِّبٌ جَازَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكْرَهُ كَمَا فِي النَّظْمِ اهـ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْمُحَشِّينَ قَالَ: وَمَا فِي الْبَحْرِ مُنَاقِضٌ لِمَا ذَكَرَهُ هُوَ فِي بَابِ الْهَدْيِ أَنَّ سُبْعَ الْبَدَنَةِ يُجْزِئُ وَكَذَلِكَ أَغْلَبُ كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَالْمَنَاسِكِ مُصَرِّحَةٌ بِالْإِجْزَاءِ اهـ فَافْهَمْ [تَنْبِيهٌ] فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْقَارِيِّ: ثُمَّ الْكَفَّارَاتُ كُلُّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرَاخِي، فَيَكُونُ مُؤَدِّيًا فِي أَيِّ وَقْتٍ، وَإِنَّمَا يَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ فِي وَقْتٍ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤَدِّهِ لَفَاتَ، فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ فِيهِ حَتَّى مَاتَ أَثِمَ وَعَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ بِهِ، وَلَوْ لَمْ يُوصِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَلَوْ تَبَرَّعُوا عَنْهُ جَازَ إلَّا الصَّوْمُ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَاسِيًا إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ: ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ بَيْنَ مَا إذَا جَنَى عَامِدًا أَوْ خَاطِئًا، مُبْتَدِئًا أَوْ عَائِدًا، ذَاكِرًا أَوْ نَاسِيًا، عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا، نَائِمًا أَوْ مُنْتَبِهًا، سَكْرَانًا أَوْ صَاحِيًا، مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مُفِيقًا، مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا بِمُبَاشَرَتِهِ أَوْ مُبَاشَرَةِ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 فَيَجِبُ عَلَى نَائِمٍ غَطَّى رَأْسَهُ (إنْ طَيَّبَ عُضْوًا) كَامِلًا وَلَوْ فَمَه   [رد المحتار] قَالَ شَارِحُهُ الْقَارِي: وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَمَاعَةٍ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ إذَا ارْتَكَبَ مَحْظُورَ الْإِحْرَامِ عَامِدًا يَأْثَمُ، وَلَا يُخْرِجُهُ الْفِدْيَةُ وَالْعَزْمُ عَلَيْهَا عَنْ كَوْنِهِ عَاصِيًا. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَرُبَّمَا ارْتَكَبَ بَعْضُ الْعَامَّةِ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ وَقَالَ أَنَا أَفْدِي مُتَوَهِّمًا أَنَّهُ بِالْتِزَامِ الْفِدَاءِ يَتَخَلَّصُ مِنْ وَبَالِ الْمَعْصِيَةِ، وَذَلِكَ خَطَأٌ صَرِيحٌ وَجَهْلٌ قَبِيحٌ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ، فَإِذَا خَالَفَ أَثِمَ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ مُبِيحَةً لِلْإِقْدَامِ عَلَى فِعْلِ الْمُحَرَّمِ، وَجَهَالَةُ هَذَا كَجَهَالَةِ مَنْ يَقُولُ أَنَا أَشْرَبُ الْخَمْرَ وَأَزْنِي وَالْحَدُّ يُطَهِّرُنِي، وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا يُحْكَمُ بِتَحْرِيمِهِ فَقَدْ أَخْرَجَ حَجَّهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَبْرُورًا اهـ وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِمِثْلِ هَذَا فِي الْحُدُودِ فَقَالُوا إنَّ الْحَدَّ لَا يَكُونُ طُهْرَةً مِنْ الذَّنْبِ وَلَا يَعْمَلُ فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّوْبَةِ، فَإِنْ تَابَ كَانَ الْحَدُّ طُهْرَةً لَهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْعُقُوبَةُ الْأُخْرَوِيَّةُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِلَّا فَلَا، لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ الْمُلْتَقَطِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ: إنَّ الْكَفَّارَةَ تَرْفَعُ الْإِثْمَ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ التَّوْبَةُ مِنْ تِلْكَ الْجِنَايَةِ اهـ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ التَّيْسِيرَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 94] أَيْ اصْطَادَ بَعْدَ هَذَا الِابْتِدَاءِ قِيلَ هُوَ الْعَذَابُ فِي الْآخِرَةِ مَعَ الْكَفَّارَةِ فِي الدُّنْيَا إذَا لَمْ يَتُبْ مِنْهُ فَإِنَّهَا لَا تَرْفَعُ الذَّنْبَ عَنْ الْمُصِرِّ اهـ وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ وَتَقْيِيدٌ مُسْتَحْسَنٌ يُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَالرِّوَايَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ أَيْ فَيُحْمَلُ مَا فِي الْمُلْتَقَطِ عَلَى غَيْرِ الْمُصِرِّ وَمَا فِي غَيْرِهِ عَلَى الْمُصِرِّ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا التَّوْفِيقَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ فِي حَاشِيَةِ الدُّرَرِ. [تَتِمَّةٌ] يُسْتَثْنَى مِنْ الْإِطْلَاقِ الْمَارِّ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ مَا فِي اللُّبَابِ: لَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الْوَاجِبَاتِ بِعُذْرٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ. وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وُجُوبَهُ فِيهَا إلَّا فِيمَا وَرَدَ النَّصُّ بِهِ، وَهِيَ تَرْكُ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةِ وَتَأْخِيرُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ وَقْتِهِ وَتَرْكُ الصَّدْرِ لِلْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَتَرْكُ الْمَشْيِ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَتَرْكُ السَّعْيِ وَتَرْكُ الْحَلْقِ لِعِلَّةٍ فِي رَأْسِهِ اهـ لَكِنْ ذَكَرَ شَارِحُهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُذْرِ مَا لَا يَكُونُ مِنْ الْعِبَادِ حَيْثُ قَالَ عِنْدَ قَوْلِ اللُّبَابِ: وَلَوْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ بِإِحْصَارٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ. هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ الْإِحْصَارَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَعْذَارِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا مَانِعٌ مِنْ جَانِبِ الْمَخْلُوقِ فَلَا يُؤَثِّرُ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ فِيمَنْ أُحْصِرَ بَعْدَ الْوُقُوفِ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ ثُمَّ خُلِّيَ سَبِيلُهُ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا لِتَرْكِ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ وَدَمًا لِتَرْكِ الرَّمْيِ وَدَمًا لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي إحْصَارِ الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ فَيَجِبُ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ الْمَقَامِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الِاخْتِيَارِ الَّذِي أَفَادَهُ ذِكْرُ النَّاسِي وَالْمَكْرُوهِ، وَوَجْهُ الْوُجُوبِ أَنَّ الِارْتِفَاقَ حَصَلَ لِلنَّائِمِ وَعَدَمُ الِاخْتِيَارِ أَسْقَطَ الْإِثْمَ عَنْهُ، كَمَا إذَا أَتْلَفَ شَيْئًا مِنَحٌ ط (قَوْلُهُ غَطَّى رَأْسَهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ. (قَوْلُهُ إنْ طَيَّبَ) أَيْ الْمُحْرِمُ عُضْوًا: أَيْ مِنْ أَعْضَائِهِ كَالْفَخِذِ وَالسَّاقِ وَالْوَجْهِ وَالرَّأْسِ لِتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ بِتَكَامُلِ الِارْتِفَاقِ، وَالطِّيبُ جِسْمٌ لَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْيَاسَمِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَعُلِمَ مِنْ مَفْهُومِ شَرْطِهِ أَنَّهُ لَوْ شَمَّ طِيبًا أَوْ ثِمَارًا طَيِّبَةً لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كُرِهَ، وَقُيِّدَ بِالْمُحْرِمِ لِأَنَّ الْحَلَالَ لَوْ طَيَّبَ عُضْوًا ثُمَّ أَحْرَمَ فَانْتَقَلَ مِنْهُ إلَى آخَرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ مِنْ أَعْضَائِهِ لِأَنَّهُ لَوْ طَيَّبَ عُضْوَ غَيْرِهِ أَوْ أَلْبَسَهُ الْمَخِيطَ مِنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إجْمَاعًا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ كَامِلًا) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْكَثْرَةُ. قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لِاخْتِلَافِ عِبَارَاتِ مُحَمَّدٍ، فَفِي بَعْضِهَا جَعَلَ حَدَّ الْكَثْرَةِ عُضْوًا كَبِيرًا، وَفِي بَعْضِهَا فِي تَنَفُّسِ الطِّيبِ، فَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْأَوَّلَ، وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الثَّانِيَ فَقَالَ: إنْ بِحَيْثُ يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ كَالْكَفَّيْنِ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ وَالْكَفِّ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 بِأَكْلِ طِيبٍ كَثِيرٍ أَوْ مَا يَبْلُغُ عُضْوًا لَوْ جُمِعَ، وَالْبَدَنُ كُلُّهُ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ وَإِلَّا فَلِكُلِّ طِيبٍ كَفَّارَةٌ، وَلَوْ ذَبَحَ وَلَمْ يُزِلْهُ لَزِمَهُ دَمٌ آخَرُ لِتَرْكِهِ، وَأَمَّا الثَّوْبُ الْمُطَيَّبُ أَكْثَرُهُ   [رد المحتار] مِسْكٍ وَغَالِيَةٍ فَهُوَ كَثِيرٌ، وَمَا لَا فَلَا. وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْكَثْرَةَ بِرُبْعِ الْعُضْوِ الْكَبِيرِ، فَقَالَ: لَوْ طَيَّبَ رُبْعَ السَّاقِ أَوْ الْفَخِذَ يَلْزَمُ الدَّمُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ يَلْزَمُ الصَّدَقَةُ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إنْ كَانَ الطِّيبُ فِي نَفْسِهِ قَلِيلًا فَالْعِبْرَةُ لِلْعُضْوِ الْكَامِلِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا يُعْتَبَرُ الْعُضْوُ اهـ مُلَخَّصًا، وَهَذَا تَوْفِيقٌ بَيْنَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ، حَتَّى لَوْ طَيَّبَ بِالْقَلِيلِ عُضْوًا كَامِلًا أَوْ بِالْكَثِيرِ رُبْعَ عُضْوٍ لَزِمَ الدَّمُ وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ التَّوْفِيقَ هُوَ التَّوْفِيقُ وَرُجِّحَ فِي الْبَحْرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا فِي الْمُتُونِ فَافْهَمْ. هَذَا وَقَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: قَوْلُهُ كَالرَّأْسِ بَيَانٌ لِلْمُرَادِ مِنْ الْعُضْوِ فَلَيْسَ كَأَعْضَاءِ الْعَوْرَةِ فَلَا تَكُونُ الْأُذُنُ مَثَلًا عُضْوًا مُسْتَقِلًّا. اهـ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ إنَّ الْمُرَادَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْعُضْوِ الصَّغِيرِ مِثْلَ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ لِمَا عَرَفْت أَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ الْعُضْوَ الْكَامِلَ قَيَّدَهُ بِالْكَبِيرِ اهـ ثُمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ فِيمَا دُونَ الْكَامِلِ صَدَقَةً هُوَ قَوْلُهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجِبُ بِقَدْرِهِ، فَإِنْ بَلَغَ نِصْفَ الْعُضْوِ تَجِبُ صَدَقَةٌ قَدْرَ نِصْفِ قِيمَةِ الشَّاةِ أَوْ رُبْعًا فَرُبْعٌ وَهَكَذَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ بِلَا نَقْلِ خِلَافٍ (قَوْلُهُ بِأَكْلِ طِيبٍ) أَيْ خَالِصٍ بِلَا خَلْطٍ وَبِلَا طَبِيخٍ وَإِلَّا فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ (قَوْلُهُ كَثِيرٍ) هُوَ مَا يَلْتَزِقُ بِأَكْثَرِ فَمِهِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَهَذِهِ تَشْهَدُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْعُضْوِ مُطْلَقًا فِي لُزُومِ الدَّمِ، بَلْ ذَاكَ إذَا لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ الْكَثْرَةِ فِي نَفْسِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. اهـ. بَحْرٌ أَيْ فَإِنَّ لُزُومَ الدَّمِ بِالطِّيبِ الْكَثِيرِ هُنَا وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ جَمِيعَ الْفَمِ يَشْهَدُ لِمَا مَرَّ مِنْ التَّوْفِيقِ، وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ لَوْ فَمَه بَعْدَ قَوْلِهِ عُضْوًا كَامِلًا فِيهِ مَا فِيهِ فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَثِيرِ هُنَا مَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْفَمِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ مَا يَبْلُغُ عُضْوًا إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى عُضْوًا: أَيْ أَوْ طَيَّبَ مَوَاضِعَ لَوْ جُمِعَتْ تَبْلُغُ عُضْوًا كَامِلًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ. وَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُ بُلُوغِ أَصْغَرِ عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ الْمُطَيَّبَةِ كَمَا اعْتَبَرُوهُ بِانْكِشَافِ الْعَوْرَةِ، لَكِنْ بَعْدَ كَوْنِ ذَلِكَ الْأَصْغَرِ عُضْوًا كَبِيرًا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الصَّغِيرَ لَا يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ إلَّا إذَا كَانَ الطِّيبُ كَثِيرًا عَلَى مَا مَرَّ مِنْ التَّوْفِيقِ (قَوْلُهُ فَلِكُلِّ طِيبٍ) أَيْ طِيبِ مَجْلِسٍ مِنْ تِلْكَ الْمَجَالِسِ إنْ شَمِلَ عُضْوًا وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ (قَوْلُهُ كَفَّارَةٌ) سَوَاءٌ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ أَمْ لَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِتَرْكِهِ) لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ كَانَ مَحْظُورًا فَيَكُونُ لِبَقَائِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ الْمُطَيَّبُ أَكْثَرُهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَكْثَرُ الثَّوْبِ لَا كَثْرَةُ الطِّيبِ، وَقَدْ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الشُّرُنْبُلَالِيَّةَ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِيهَا وَفِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَثْرَةُ الطِّيبِ فِي الثَّوْبِ وَأَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهِ الْعُرْفُ، حَتَّى إنَّهُ فِي الْبَحْرِ جَعَلَ هَذَا مُرَجِّحًا لِلْقَوْلِ الثَّانِي مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمَارَّةِ لِأَنَّهُ يَعُمُّ الْبَدَنَ وَالثَّوْبَ. قُلْت: لَكِنْ نَقَلُوا عَنْ الْمُجَرَّدِ إنْ كَانَ فِي ثَوْبِهِ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ فَمَكَثَ عَلَيْهِ يَوْمًا يُطْعِمُ نِصْفَ صَاعٍ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَقَبْضَةٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: يُفِيدُ التَّنْصِيصَ عَلَى أَنَّ الشِّبْرَ فِي الشِّبْرِ دَاخِلٌ فِي الْقَلِيلِ اهـ أَيْ حَيْثُ أَوْجَبَ بِهِ صَدَقَةً لَا دَمًا، وَمَعَ هَذَا يُفِيدُ اعْتِبَارَ الْكَثْرَةِ فِي الثَّوْبِ لَا فِي الطِّيبِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَكْثَرُ الثَّوْبِ، بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الشِّبْرِ كَثِيرٌ مُوجِبٌ لِلدَّمِ لِكَثْرَةِ الطِّيبِ حِينَئِذٍ عُرْفًا، فَرَجَعَ إلَى اعْتِبَارِ الْكَثْرَةِ فِي الطِّيبِ لَا فِي الثَّوْبِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 545 فَيُشْتَرَطُ لِلُزُومِ الدَّمِ دَوَامُ لُبْسِهِ يَوْمًا (أَوْ خَضْبُ رَأْسِهِ بِحِنَّاءٍ) رَقِيقٍ، أَمَّا الْمُتَلَبِّدُ فَفِيهِ دَمَانِ (أَوْ ادَّهَنَ بِزَيْتٍ أَوْ حَلٍّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ الشَّيْرَجُ (وَلَوْ) كَانَا (خَالِصَيْنِ) لِأَنَّهُمَا أَصْلُ الطِّيبِ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَدْهَانِ (فَلَوْ أَكَلَهُ) أَوْ اسْتَعَطَهُ (أَوْ دَاوَى بِهِ) جِرَاحَهُ أَوْ (شُقُوقَ رِجْلَيْهِ أَوْ أَقْطَرَ فِي أُذُنَيْهِ لَا يَجِبُ دَمٌ وَلَا صَدَقَةٌ) اتِّفَاقًا (بِخِلَافِ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالْغَالِيَةُ وَالْكَافُورِ وَنَحْوِهَا) مِمَّا هُوَ طِيبٌ بِنَفْسِهِ (فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ بِالِاسْتِعْمَالِ) وَلَوْ (عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي) وَلَوْ جَعَلَهُ فِي طَعَامٍ قَدْ طُبِخَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ   [رد المحتار] وَعَلَى هَذَا فَيُمْكِنُ إجْرَاءُ التَّوْفِيقِ الْمَارِّ هُنَا أَيْضًا بِأَنَّ الطِّيبَ إذَا كَانَ فِي نَفْسِهِ كَثِيرًا لَزِمَ الدَّمُ وَإِنْ أَصَابَ مِنْ الثَّوْبِ أَقَلَّ مِنْ شِبْرٍ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَا يَلْزَمُ حَتَّى يُصِيبَ أَكْثَرَ مِنْ شِبْرٍ فِي شِبْرٍ، وَرُبَّمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُمْ لَوْ رَبَطَ مِسْكًا أَوْ كَافُورًا أَوْ عَنْبَرًا كَثِيرًا فِي طَرَفِ إزَارِهِ أَوْ رِدَائِهِ لَزِمَهُ دَمٌ، أَيْ إنْ دَامَ يَوْمًا وَلَوْ قَلِيلًا فَصَدَقَةٌ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَيُشْتَرَطُ لِلُزُومِ الدَّمِ) أَفْرَدَ الدَّمَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّوْبِ ثَوْبُ الْمُحْرِمِ مِنْ إزَارٍ أَوْ رِدَاءٍ، أَمَّا لَوْ كَانَ مَخِيطًا فَيَجِبُ بِدَوَامِ لُبْسِهِ دَمٌ آخَرُ سَكَتَ عَنْ بَيَانِهِ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي (قَوْلُهُ دَوَامُ لُبْسِهِ يَوْمًا) أَشَارَ بِتَقْدِيرِ الطِّيبِ فِي الثَّوْبِ بِالزَّمَانِ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُضْوِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الزَّمَانُ، حَتَّى لَوْ غَسَلَهُ مِنْ سَاعَتِهِ فَالدَّمُ وَاجِبٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ (قَوْلُهُ أَوْ خَضَبَ رَأْسَهُ) أَيْ مَثَلًا وَإِلَّا فَلَوْ خَضَبَتْ يَدَهَا أَوْ خَضَبَ لِحْيَتَهُ بِحِنَّاءٍ وَجَبَ الدَّمُ أَيْضًا كَمَا حَرَّرَهُ فِي النَّهْرِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بِحِنَّاءٍ) بِالْمَدِّ مُنَوَّنًا لِأَنَّهُ فُعَالٌ لَا فَعْلَاءُ لِيَمْنَعَ صَرْفَهُ أَلِفُ التَّأْنِيثِ فَتْحٌ، وَصُرِّحَ بِهِ مَعَ دُخُولِهِ فِي الطِّيبِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَمَّا الْمُتَلَبِّدُ إلَخْ) التَّلْبِيدُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ الْخِطْمِيَّ وَالْآسِ وَالصَّمْغِ فَيَجْعَلَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ لِيَتَلَبَّدَ بَحْرٌ؛ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ أَمَّا الثَّخِينُ قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِنْ كَانَ ثَخِينًا فَلَبَّدَ الرَّأْسَ فَفِيهِ دَمَانِ لِلطِّيبِ وَالتَّغْطِيَةِ إنْ دَامَ يَوْمًا وَلَيْلَةً عَلَى جَمِيعِ رَأْسِهِ أَوْ رُبْعِهِ اهـ أَمَّا لَوْ غَطَّاهُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَصَدَقَةٌ وَهَذَا فِي الرَّجُلِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تُمْنَعُ مِنْ تَغْطِيَةِ رَأْسِهَا. وَاسْتُشْكِلَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلْزَامُ الدَّمِ بِالتَّغْطِيَةِ بِالْحِنَّاءِ بِقَوْلِهِمْ إنَّ التَّغْطِيَةَ بِمَا لَيْسَ بِمُعْتَادٍ لَا تُوجِبُ شَيْئًا. قُلْت: وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ التَّغْطِيَةَ بِالتَّلْبِيدِ مُعْتَادَةٌ لِأَهْلِ الْبَوَادِي لِدَفْعِ الشَّعَثِ وَالْوَسَخِ عَنْ الشَّعْرِ، وَقَدْ فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إحْرَامِهِ. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِصْحَابُ التَّغْطِيَةِ الْكَائِنَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الطِّيبِ، لَكِنْ أَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ التَّلْبِيدَ الَّذِي فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا هُوَ سَائِغٌ وَهُوَ الْيَسِيرُ الَّذِي لَا تَحْصُلُ بِهِ تَغْطِيَةٌ. قُلْت: وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْفَتْحِ عَنْ رَشِيدِ الدِّينِ فِي مَنَاسِكِهِ: وَحَسَنٌ أَنْ يُلَبِّدَ رَأْسَهُ قَبْلَ إحْرَامِهِ (قَوْلُهُ أَوْ ادَّهَنَ) بِالتَّشْدِيدِ: أَيْ دَهَنَ عُضْوًا كَامِلًا لُبَابٌ. وَذَكَرَ شَارِحُهُ أَنَّ بَعْضَهُمْ اعْتَبَرَ كَثْرَةَ الطِّيبِ بِمَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ. قَالَ: وَلَعَلَّ مَحَلَّهُ فِيمَا لَا يَكُونُ عُضْوًا كَامِلًا عَلَى مَا مَرَّ: أَيْ مِنْ التَّوْفِيقِ، وَأَنَّهُ فِي النَّوَادِرِ أَوْجَبَ الدَّمَ بِدَهْنِ رُبْعِ الرَّأْسِ أَوْ اللِّحْيَةِ، وَأَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى رِوَايَةِ الرُّبْعِ فِي الطِّيبِ وَالصَّحِيحُ خِلَافُهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا أَصْلُ الطِّيبِ) بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُلْقَى فِيهِمَا الْأَنْوَارُ كَالْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ فَيَصِيرَانِ طِيبًا، وَلَا يَخْلُوَانِ عَنْ نَوْعِ طِيبٍ، وَيَقْتُلَانِ الْهَوَامَّ، وَيُلَيِّنَانِ الشَّعْرَ، وَيُزِيلَانِ التَّفَثَ وَالشَّعَثَ بَحْرٌ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ. وَقَالَا عَلَيْهِ صَدَقَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَدْهَانِ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ: وَأَرَادَ بِالزَّيْتِ دُهْنَ الزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالشَّيْرَجِ، فَخَرَجَ بَقِيَّةُ الْأَدْهَانِ كَالشَّحْمِ وَالسَّمْنِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ خُرُوجُ نَحْوِ دُهْنِ اللَّوْزِ وَنَوَى الْمِشْمِشِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَلَوْ أَكَلَهُ) أَيْ دُهْنَ الزَّيْتِ أَوْ الْحَلِّ، وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ لِمَكَانٍ أَوْ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ ادَّهَنَ (قَوْلُهُ أَوْ اسْتَعَطَهُ) أَيْ اسْتَنْشَقَهُ بِأَنْفِهِ (قَوْلُهُ اتِّفَاقًا) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَإِذَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ عَلَى وَجْهِ التَّطَيُّبِ لَمْ يَظْهَرْ حُكْمُ الطِّيبِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي) لَكِنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الدَّمِ وَالصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ عَلَى مَا سَيَأْتِي نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ جَعَلَهُ) أَيْ الطِّيبَ فِي طَعَامٍ إلَخْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 وَكَانَ مَغْلُوبًا كُرِهَ أَكْلُهُ كَشَمِّ طِيبٍ وَتُفَّاحٍ (أَوْ لَبِسَ مَخِيطًا) لُبْسًا مُعْتَادًا، وَلَوْ اتَّزَرَهُ أَوْ وَضَعَهُ عَلَى كَتِفَيْهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (أَوْ سَتَرَ رَأْسَهُ) بِمُعْتَادٍ إمَّا بِحَمْلِ إجَّانَةٍ أَوْ عِدْلٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (يَوْمًا كَامِلًا) أَوْ لَيْلَةً كَامِلَةً، وَفِي الْأَقَلِّ صَدَقَةٌ (وَالزَّائِدُ) عَلَى الْيَوْمِ (كَالْيَوْمِ)   [رد المحتار] اعْلَمْ أَنَّ خَلْطَ الطِّيبِ بِغَيْرِهِ عَلَى وُجُوهٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُخْلَطَ بِطَعَامٍ مَطْبُوخٍ أَوْ لَا فَفِي الْأَوَّلِ لَا حُكْمَ لِلطِّيبِ سَوَاءٌ كَانَ غَالِبًا أَمْ مَغْلُوبًا، وَفِي الثَّانِي الْحُكْمُ لِلْغَلَبَةِ إنْ غَلَبَ الطِّيبُ وَجَبَ الدَّمُ، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ رَائِحَتُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا وُجِدَتْ مَعَهُ الرَّائِحَةُ كُرِهَ، وَإِنْ خُلِطَ بِمَشْرُوبٍ فَالْحُكْمُ فِيهِ لِلطِّيبِ سَوَاءٌ غَلَبَ غَيْرُهُ أَمْ لَا غَيْرَ أَنَّهُ فِي غَلَبَةِ الطِّيبِ يَجِبُ الدَّمُ، وَفِي غَلَبَةِ الْغَيْرِ تَجِبُ الصَّدَقَةُ إلَّا أَنْ يُشْرَبَ مِرَارًا فَيَجِبَ الدَّمُ. وَبُحِثَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يَنْبَغِي التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ الْمَخْلُوطِ كُلٌّ مِنْهُمَا بِطِيبٍ مَغْلُوبٍ. إمَّا بِعَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ أَصْلًا أَوْ بِوُجُوبِ الصَّدَقَةِ فِيهِمَا، وَتَمَامُهُ فِيهِ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ ابْنُ أَمِيرٍ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ: لَمْ أَرَهُمْ تَعَرَّضُوا بِمَاذَا تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ، وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَا فِي أَكْلِ الطِّيبِ وَحْدَهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ وُجِدَ مِنْ الْمُخَالَطِ رَائِحَةُ الطِّيبِ كَمَا قَبْلَ الْخَلْطِ فَهُوَ غَالِبٌ وَإِلَّا فَمَغْلُوبٌ، وَإِذَا كَانَ غَالِبًا فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ أَوْ شَرِبَ شَيْئًا كَثِيرًا وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ، وَالْكَثِيرُ مَا يَعُدُّهُ الْعَارِفُ الْعَدْلُ كَثِيرًا وَالْقَلِيلُ مَا عَدَاهُ، فَإِنْ أَكَلَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْحَلْوَى الْمُبَخَّرَةِ بِالْعُودِ وَنَحْوِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ وُجِدَتْ الرَّائِحَةُ مِنْهُ كُرِهَ بِخِلَافِ الْحَلْوَى الْمُضَافِ إلَى أَجْزَائِهَا الْمَاوَرْدُ وَالْمِسْكُ، فَإِنَّ فِي أَكْلِ الْكَثِيرِ دَمًا وَالْقَلِيلِ صَدَقَةً. اهـ. نَهْرٌ. قُلْت: لَكِنَّ قَوْلَ الْفَتْحِ الْمَارِّ فِي غَيْرِ الْمَطْبُوخِ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ رَائِحَتُهُ يُفِيدُ اعْتِبَارَ الْغَلَبَةِ بِالْأَجْزَاءِ لَا بِالرَّائِحَةِ، وَقَدْ صُرِّحَ بِهِ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ. ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الْحَلْوَى الْغَيْرَ الْمَطْبُوخَةِ وَإِلَّا فَالْمَطْبُوخُ لَا تَفْصِيلَ فِيهِ كَمَا عَلِمْت تَأَمَّلْ، هَذَا حُكْمُ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ، وَأَمَّا إذَا خُلِطَ بِمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْبَدَنِ كَأُشْنَانٍ وَنَحْوِهِ، فَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ عَنْ الْمُنْتَقَى: إنْ كَانَ إذَا نَظَرَ إلَيْهِ قَالُوا هَذَا أُشْنَانٌ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ، وَإِنْ قَالُوا هَذَا طِيبٌ عَلَيْهِ دَمٌ (قَوْلُهُ كُرِهَ) أَيْ إنْ وُجِدَتْ مَعَهُ الرَّائِحَةُ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ أَوْ لَبِسَ مَخِيطًا) تَقَدَّمَ تَعْرِيفُهُ فِي فَصْلِ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ لُبْسًا مُعْتَادًا) بِأَنْ لَا يَحْتَاجَ فِي حِفْظِهِ عِنْدَ الِاشْتِغَالِ بِالْعَمَلِ إلَى تَكَلُّفٍ. وَضِدُّهُ أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ، بِأَنْ يَجْعَلَ ذَيْلَ قَمِيصِهِ مَثَلًا أَعْلَى وَجَيْبَهُ أَسْفَلَ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ أَوْ وَضَعَهُ إلَخْ) أَيْ لَوْ أَلْقَى الْقَبَاءَ عَلَى كَتِفَيْهِ وَلَمْ يُدْخِلْ فِيهِ يَدَيْهِ وَلَمْ يَزُرَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْكَرَاهَةُ وَتَقَدَّمَ تَمَامُ الْكَلَامِ فِي فَصْلِ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ أَوْ سَتَرَ رَأْسَهُ) أَيْ كُلَّهُ أَوْ رُبْعَهُ، وَمِثْلُهُ الْوَجْهُ كَمَا يَأْتِي؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَصَبَ نَحْوَ يَدِهِ، وَعَطَفَهُ عَلَى لُبْسِ الْمَخِيطِ لِأَنَّ السَّتْرَ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِهِ كَالرِّدَاءِ وَالشَّاشِ أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ بِمُعْتَادٍ) أَيْ بِمَا يُقْصَدُ بِهِ التَّغْطِيَةُ عَادَةً (قَوْلُهُ إجَّانَةٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ: أَيْ مِرْكَنٍ شَرْحُ اللُّبَابِ وَكَطَاسَةٍ وَطَسْتٍ (قَوْلُهُ أَوْ عِدْلٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَقَدْ تُفْتَحُ: أَيْ أَحَدِ شِقَّيْ حِمْلِ الدَّابَّةِ شَرْحُ اللُّبَابِ، وَقُيِّدَ الْعِدْلُ فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ بِالْمَشْغُولِ، بَلْ لَا يُسَمَّى عِدْلًا إلَّا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُعَادَلُ بِهِ قَرِينُهُ، فَلِذَا أَطْلَقَهُ هُنَا رَحْمَتِيٌّ. قُلْت: لَكِنِّي لَمْ أَرَ فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ التَّقْيِيدَ بِمَا ذُكِرَ، فَلْتُرَاجَعْ نُسْخَةٌ أُخْرَى (قَوْلُهُ يَوْمًا كَامِلًا أَوْ لَيْلَةً) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِقْدَارُ أَحَدِهِمَا فَلَوْ لَبِسَ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ انْفِصَالٍ أَوْ بِالْعَكْسِ لَزِمَهُ دَمٌ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَفِي الْأَقَلِّ صَدَقَةٌ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَفِي الْأَقَلِّ صَدَقَةٌ) أَيْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، وَشَمِلَ الْأَقَلُّ السَّاعَةَ الْوَاحِدَةَ أَيْ الْفَلَكِيَّةَ وَمَا دُونَهَا خِلَافًا لِمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ أَنَّهُ فِي سَاعَةٍ نِصْفُ صَاعٍ وَفِي أَقَلَّ مِنْ سَاعَةٍ قَبْضَةٌ مِنْ بُرٍّ. اهـ. بَحْرٌ، وَمُشِيَ فِي اللُّبَابِ عَلَى مَا فِي الْخِزَانَةِ، وَأَقَرَّهُ شَارِحُهُ، وَاعْتَرَضَ بِمُخَالَفَتِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَنَاسِكِ: لَوْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَهُوَ لَابِسٌ الْمَخِيطَ وَأَكْمَلَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَحَلَّ مِنْهُ لَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 547 وَإِنْ نَزَعَهُ لَيْلًا وَأَعَادَهُ نَهَارًا وَلَوْ جَمِيعَ مَا يَلْبَسُ (مَا لَمْ يَعْزِمْ عَلَى التَّرْكِ) لِلُبْسِهِ (عِنْدَ النَّزْعِ، فَإِنْ عَزَمَ عَلَيْهِ) أَيْ التَّرْكِ (ثُمَّ لَبِسَ تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ أَوْ لَا، وَكَذَا) يَتَعَدَّدُ دَمًا لِلُبْسِهِ (ثُمَّ دَامَ عَلَى الْجَزَاءِ لَوْ لَبِسَ يَوْمًا فَأَرَاقَ لُبْسَهُ يَوْمًا آخَرَ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) أَيْضًا لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ فَكَانَ لِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ، وَدَوَامُ اللُّبْسِ بَعْدَمَا أَحْرَمَ وَهُوَ لَابِسُهُ كَإِنْشَائِهِ بَعْدَهُ وَلَوْ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا، وَلَوْ تَعَدَّدَ سَبَبُ اللُّبْسِ تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ، وَلَوْ اُضْطُرَّ إلَى قَمِيصٍ فَلَبِسَ قَمِيصَيْنِ أَوْ إلَى قَلَنْسُوَةٍ فَلَبِسَهَا مَعَ عِمَامَتِهِ لَزِمَهُ دَمٌ وَأَثِمَ؛   [رد المحتار] أَرَ فِيهِ نَصًّا صَرِيحًا، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ أَنَّ الِارْتِفَاقَ الْكَامِلَ الْمُوجِبَ لِلدَّمِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِلُبْسِ يَوْمٍ كَامِلٍ أَنْ تَلْزَمَهُ صَدَقَةٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ التَّقْدِيرَ بِالْيَوْمِ بِاعْتِبَارِ كَمَالِ الِارْتِفَاقِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا طَالَ زَمَنُ الْإِحْرَامِ، أَمَّا إذَا قَصُرَ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا فَقَدْ حَصَلَ كَمَالُ الِارْتِفَاقِ فَيَنْبَغِي وُجُوبُ الدَّمِ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَا بُدَّ مِنْ نَقْلٍ صَرِيحٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَزَعَهُ لَيْلًا وَأَعَادَهُ نَهَارًا) وَمِثْلُهُ الْعَكْسُ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَلَوْ جَمِيعَ مَا يَلْبَسُ) مُبَالَغَةً عَلَى قَوْلِهِ أَوْ لَبِسَ مَخِيطًا: أَيْ لَوْ جَمَعَ اللِّبَاسَ مِنْ قَمِيصٍ وَقَبَاءٍ وَعِمَامَةٍ وَقَلَنْسُوَةٍ وَسَرَاوِيلَ وَخُفٍّ وَلَبِسَ يَوْمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ إنْ اتَّحَدَ السَّبَبُ كَمَا فِي اللُّبَابِ أَيْ إنْ كَانَ لَبِسَ الْكُلَّ لِضَرُورَةٍ أَوْ لِغَيْرِهَا، فَلَوْ اُضْطُرَّ لِلْبَعْضِ تَعَدَّدَ الدَّمُ كَمَا يَأْتِي، وَظَاهِرُ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ لُبْسُ الْكُلِّ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ خِلَافًا لِمَا قَيَّدَهُ بِهِ الْقَارِي. بَلْ يَكْفِي جَمْعُهَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي اللُّبَابِ وَيَتَّحِدُ الْجَزَاءُ مَعَ تَعَدُّدِ اللُّبْسِ بِأُمُورٍ مِنْهَا اتِّحَادُ السَّبَبِ، وَعَدَمُ الْعَزْمِ عَلَى التَّرْكِ عِنْدَ النَّزْعِ، وَجَمْعُ اللِّبَاسِ كُلِّهِ فِي مَجْلِسٍ أَوْ يَوْمٍ اهـ أَيْ مَعَ اتِّحَادِ السَّبَبِ كَمَا عَلِمْت؛ أَمَّا لَوْ لَبِسَ الْبَعْضَ فِي يَوْمٍ وَالْبَعْضَ فِي يَوْمٍ آخَرَ تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ وَإِنْ اتَّحَدَ السَّبَبُ. (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَعْزِمْ عَلَى التَّرْكِ) فَإِنْ نَزَعَهُ عَلَى قَصْدِ أَنْ يَلْبَسَهُ ثَانِيًا أَوْ لِيَلْبَسَ بَدَلَهُ لَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ أُخْرَى لِتَدَاخُلِ لُبْسِهِ وَجَعْلِهِمَا لُبْسًا وَاحِدًا حُكْمًا شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ كَإِنْشَائِهِ بَعْدَهُ) أَيْ فِي وُجُوبِ الدَّمِ إنْ دَامَ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى صِحَّةِ إحْرَامِهِ وَهُوَ لَابِسٌ بِلَا عُذْرٍ خِلَافًا لِمَا يَعْتَقِدُهُ الْعَوَامُّ لِأَنَّ التَّجَرُّدَ عَنْ الْمَخِيطِ مِنْ وَاجِبَاتِ الْإِحْرَامِ لَا مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَعَدَّدَ سَبَبُ اللُّبْسِ) كَمَا إذَا كَانَ بِهِ حُمَّى فَاحْتَاجَ إلَى اللُّبْسِ لَهَا فَزَالَتْ وَأَصَابَهُ مَرَضٌ آخَرُ أَوْ حُمَّى غَيْرُهَا وَلَبِسَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ أَوَّلًا، وَإِذَا حَصَرَهُ الْعَدُوُّ فَاحْتَاجَ إلَى اللُّبْسِ لِلْقِتَالِ أَيَّامًا يَلْبَسُهَا إذَا خَرَجَ وَيَنْزِعُهَا إذَا رَجَعَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يَذْهَبْ هَذَا الْعَدُوُّ، فَإِنْ ذَهَبَ وَجَاءَ عَدُوٌّ غَيْرُهُ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ أُخْرَى، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْحَلَبِيُّ أَنَّهُ إذَا لَبِسَ لِدَفْعِ بَرْدٍ ثُمَّ صَارَ يَنْزِعُ وَيَلْبَسُ لِذَلِكَ ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ الْبَرْدُ وَأَصَابَهُ بَرْدٌ آخَرُ فَلَيْسَ لِذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ اُضْطُرَّ إلَخْ) تَخْصِيصٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ تَعَدُّدِ الْجَزَاءِ بِتَعَدُّدِ السَّبَبِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ لَا تُعْتَبَرُ جِنَايَةً مُبْتَدَأَةً. وَفِي اللُّبَابِ: فَإِنْ تَعَدَّدَ السَّبَبُ كَمَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ ثَوْبٍ فَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ فَإِنْ لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ نَحْوَ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى قَمِيصٍ فَلَبِسَ قَمِيصَيْنِ أَوْ قَمِيصًا وَجُبَّةً أَوْ يَحْتَاجَ إلَى قَلَنْسُوَةٍ فَلَبِسَهَا مَعَ الْعِمَامَةِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ يَتَخَيَّرُ فِيهَا. قَالَ شَارِحُهُ: وَكَذَا إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعَيْنِ لِضَرُورَةٍ بِهِمَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، بِأَنْ لَبِسَ عِمَامَةً وَخُفًّا بِعُذْرٍ فِيهِمَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ اهـ وَإِنْ لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَغَيْرِ الضَّرُورَةِ؛ كَمَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ الْعِمَامَةِ فَلَبِسَهَا مَعَ الْقَمِيصِ مَثَلًا، أَوْ لَبِسَ قَمِيصًا لِلضَّرُورَةِ وَخُفَّيْنِ لِغَيْرِهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ: كَفَّارَةُ الضَّرُورَةِ يَتَخَيَّرُ فِيهَا، وَكَفَّارَةُ الِاخْتِيَارِ لَا يَتَخَيَّرُ فِيهَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَزِمَهُ دَمٌ وَأَثِمَ) لُزُومُ الدَّمِ بِأَحَدِهِمَا وَالْإِثْمُ بِالْآخَرِ، وَالْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ الْمُخَيَّرَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ بِعُذْرٍ لَا يَتَعَيَّنُ الدَّمُ كَمَا سَيَأْتِي، وَلُزُومُ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ فِي لُبْسِ الْعِمَامَةِ مَعَ الْقَلَنْسُوَةِ كَمَا فِي الْقَمِيصَيْنِ هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ عَنْ اللُّبَابِ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْمِعْرَاجِ خِلَافًا لِمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا كَمَا نُبِّهَ عَلَيْهِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ لُزُومِ الْإِثْمِ نُبِّهَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 وَلَوْ تَيَقَّنَ زَوَالَ الضَّرُورَةِ فَاسْتَمَرَّ كَفَّرَ أُخْرَى وَتَغْطِيَةُ رُبْعِ الرَّأْسِ أَوْ الْوَجْهِ كَالْكُلِّ وَلَا بَأْسَ بِتَغْطِيَةِ أُذُنَيْهِ وَقَفَاهُ وَوَضْعِ يَدَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ بِلَا ثَوْبٍ (أَوْ حَلَقَ) أَيْ أَزَالَ (رُبْعَ رَأْسِهِ) أَوْ رُبْعَ لِحْيَتِهِ (أَوْ) حَلَقَ (مَحَاجِمَهُ) يَعْنِي وَاحْتَجَمَ وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ (أَوْ) حَلَقَ (إحْدَى إبِطَيْهِ أَوْ عَانَتَهُ أَوْ رَقَبَتَهُ) كُلَّهَا (أَوْ قَصَّ أَظْفَارَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ) أَوْ الْكُلَّ (فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ) فَلَوْ تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ تَعَدَّدَ الدَّمُ إلَّا إذَا اتَّحَدَ   [رد المحتار] عَنْ الْحَلَبِيِّ، ثُمَّ قَالَ. فَلْيُحْفَظْ هَذَا، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُحْرِمِينَ يَغْفُلُ عَنْهُ كَمَا شَاهَدْنَاهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَيَقَّنَ إلَخْ) أَمَّا لَوْ اسْتَمَرَّ مَعَ الشَّكِّ فِي زَوَالِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَفَّرَ أُخْرَى) أَيْ بِلَا تَخْيِيرٍ إنْ دَامَ يَوْمًا بَعْدَ التَّيَقُّنِ (قَوْلُهُ كَالْكُلِّ) هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِتَغْطِيَةِ أُذُنَيْهِ وَقَفَاهُ) وَكَذَا بَقِيَّةُ الْبَدَنِ إلَّا الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ لِلْمَنْعِ مِنْ لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ وَالْجَوْرَبَيْنِ، وَمَرَّ تَمَامُهُ فِي فَصْلِ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ بِلَا ثَوْبٍ) كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَضْعُ بِالثَّوْبِ فَفِيهِ الْكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِيَّةُ فَقَطْ لِأَنَّ الْأَنْفَ لَا يَبْلُغُ رُبْعَ الْوَجْهِ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ أَيْ أَزَالَ) أَيْ أَرَادَ بِالْحَلْقِ الْإِزَالَةَ بِالْمُوسَى أَوْ غَيْرِهِ مُخْتَارًا أَوْ لَا، فَلَوْ أَزَالَهُ بِالنُّورَةِ أَوْ نَتَفَ لِحْيَتَهُ أَوْ احْتَرَقَ شَعْرُهُ بِخَبْزِهِ أَوْ مَسَّهُ بِيَدِهِ وَسَقَطَ فَهُوَ كَالْحَلْقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَنَاثَرَ شَعْرٌ بِالْمَرَضِ أَوْ النَّارِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. قُلْت: وَشَمِلَ أَيْضًا التَّقْصِيرَ كَمَا فِي اللُّبَابِ، قَالَ شَارِحُهُ وَصُرِّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْكَرْمَانِيِّ وَهُوَ الصَّوَابُ قِيَاسًا عَلَى التَّحَلُّلِ. وَوَقَعَ فِي الْكِفَايَةِ وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ التَّقْصِيرَ لَا يُوجِبُ الدَّمَ. اهـ. (قَوْلُهُ رُبْعَ رَأْسِهِ إلَخْ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَجِبُ الدَّمُ مَا لَمْ يَحْلِقْ أَكْثَرَ رَأْسِهِ شَرْحُ اللُّبَابِ، وَإِنْ كَانَ أَصْلَعَ إنْ بَلَغَ شَعْرُهُ رُبْعَ رَأْسِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ، وَإِنْ بَلَغَتْ لِحْيَتُهُ الْغَايَةَ فِي الْخِفَّةِ إنْ كَانَ قَدْرَ رُبْعِهَا كَامِلَةً فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ لُبَابٌ، وَاللِّحْيَةُ مَعَ الشَّارِبِ عُضْوٌ وَاحِدٌ فَتْحٌ (قَوْلُهُ مَحَاجِمَهُ) أَيْ مَوْضِعَ الْحِجَامَةِ مِنْ الْعُنُقِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجِمْ بَعْدَ الْحَلْقِ فَالْوَاجِبُ صَدَقَةٌ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: لَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي نُسْخَتِي مِنْ الْفَتْحِ. اهـ. قُلْت: كَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَتِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ رَأَيْته فِي الْفَتْحِ، وَاسْتُشْهِدَ لَهُ بِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ: إنَّ حَلْقَهُ لِمَنْ يَحْتَجِمُ مَقْصُودٌ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ، بِخِلَافِ الْحَلْقِ لِغَيْرِهَا (قَوْلُهُ كُلَّهَا) أَيْ كُلَّ الثَّلَاثَةِ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّ الرُّبْعَ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَا يُعْتَبَرُ بِالْكُلِّ، لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ فِيهَا بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْبَعْضِ، فَلَا يَكُونُ حَلْقُ الْبَعْضِ ارْتِفَاقًا كَامِلًا، بِخِلَافِ رُبْعِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَإِنَّهُ مُعْتَادٌ لِبَعْضِ النَّاسِ. وَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ الرَّقَبَةِ كَالْكُلِّ لِأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْبَدَنِ يَقُومُ أَكْثَرُهُ مَقَامَ كُلِّهِ، ضَعِيفٌ، وَكَذَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْإِبِطَ إذَا كَانَ كَثِيرَ الشَّعْرِ يُعْتَبَرُ الرُّبْعُ لِوُجُوبِ الدَّمِ، وَإِلَّا فَالْأَكْثَرُ. وَالْمَذْهَبُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ اعْتِبَارِ الرُّبْعِ فِي الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَالْكُلِّ فِي غَيْرِهِمَا فِي لُزُومِ الدَّمِ بَحْرٌ مُلَخَّصًا. وَذُكِرَ فِي اللُّبَابِ: مِثْلُ الثَّلَاثَةِ مَا لَوْ حَلَقَ الصَّدْرَ أَوْ السَّاقَ أَوْ الرُّكْبَةَ أَوْ الْفَخِذَ أَوْ الْعَضُدَ أَوْ السَّاعِدَ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَقِيلَ صَدَقَةٌ. وَإِنْ حَلَقَ أَقَلَّهُ فَصَدَقَةٌ، وَلَا يَقُومُ الرُّبْعُ مِنْهَا مَقَامَ الْكُلِّ. اهـ. قَالَ شَارِحُهُ: يُشِيرُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ صَدَقَةٌ إلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ مَتَى حَلَقَ عُضْوًا مَقْصُودًا بِالْحَلْقِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ حَلَقَ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فَصَدَقَةٌ. ثُمَّ قَالَ: وَمِمَّا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ حَلْقُ شَعْرِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ، وَمِمَّا هُوَ مَقْصُودٌ حَلْقُ الرَّأْسِ وَالْإِبِطَيْنِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ والتمرتاشي. وَفِي النُّخْبَةِ: وَمَا فِي الْمَبْسُوطِ هُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ إنَّهُ الْحَقُّ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَعْنِي الْإِبِطَ أَوْ الْعَانَةَ وَالرَّقَبَةَ مَقْصُودٌ بِالْحَلْقِ وَحْدَهُ فَيَجِبُ بِهِ دَمٌ، لَكِنْ لَا يَقُومُ رُبْعُهُ مَقَامَ كُلِّهِ لِمَا مَرَّ بِخِلَافِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَنَحْوِهِمَا فَيَجِبُ بِهِمَا صَدَقَةٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ لِأَنَّ الْقَصْدَ إلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 549 الْمَحَلُّ كَحَلْقِ إبِطَيْهِ فِي مَجْلِسَيْنِ أَوْ رَأْسِهِ فِي أَرْبَعَةٍ (أَوْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ) إذْ الرُّبْعُ كَالْكُلِّ (أَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ) لِوُجُوبِهِ بِالشُّرُوعِ (أَوْ لِلصَّدْرِ جُنُبًا) أَوْ حَائِضًا (أَوْ لِلْفَرْضِ مُحْدِثًا   [رد المحتار] حَلْقِهِمَا إنَّمَا هُوَ فِي ضِمْنِ غَيْرِهِمَا، إذْ لَيْسَتْ الْعَادَةُ تَنْوِيرَ السَّاقِ وَحْدَهُ بَلْ تَنْوِيرَ الْمَجْمُوعِ مِنْ الصُّلْبِ إلَى الْقَدَمِ فَكَانَ بَعْضُ الْمَقْصُودِ بِالْحَلْقِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَعَلَى هَذَا فَالتَّقْيِيدُ بِالثَّلَاثَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ مِمَّا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُتَفَرِّقَ مِنْ الْحَلْقِ بِجَمْعٍ كَالطِّيبِ، فَلَوْ حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ مِنْ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ لُبَابٌ وَسَيَأْتِي أَنَّ فِي حَلْقِ الشَّارِبِ صَدَقَةً. [تَنْبِيهٌ] ذِكْرُ الْحَلْقِ فِي الْإِبِطَيْنِ تَبَعًا لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ إيمَاءً إلَى جَوَازِهِ وَإِنْ كَانَ النَّتْفُ هُوَ السُّنَّةَ، وَلِذَا عُبِّرَ بِهِ فِي الْأَصْلِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمَسْنُونِ فِي الشَّارِبِ هَلْ هُوَ الْقَصُّ أَوْ الْحَلْقُ؟ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ الْقَصُّ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: الْقَصُّ حَسَنٌ وَالْحَلْقُ أَحْسَنُ، وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ نَهْرٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَتَفْسِيرُ الْقَصِّ أَنْ يَنْقُصَ حَتَّى يَنْتَقِصَ عَنْ الْإِطَارِ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ: مُلْتَقَى الْجِلْدَةِ وَاللَّحْمِ مِنْ الشَّفَةِ، وَكَلَامُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ عَلَى أَنْ يُحَاذِيَهُ. اهـ. وَأَمَّا طَرَفَا الشَّارِبِ وَهُمَا السِّبَالَانِ، فَقِيلَ هُمَا مِنْهُ، وَقِيلَ مِنْ اللِّحْيَةِ، وَعَلَيْهِ فَقِيلَ لَا بَأْسَ بِتَرْكِهِمَا، وَقِيلَ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ. وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ مَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ أَيْ الْوَارِدُ فِي الصَّحِيحَيْنِ تَرْكُهَا حَتَّى تَكْثُرَ، وَالسُّنَّةُ قَدْرُ الْقَبْضَةِ، فَمَا زَادَ قَطَعَهُ اهـ وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَيْهِ وَمَرَّ بَعْضُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ. وَأَمَّا الْعَانَةُ، فَفِي الْبَحْرِ عَنْ النِّهَايَةِ أَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الْحَلْقُ، لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «عَشْرٌ مِنْ السُّنَّةِ مِنْهَا الِاسْتِحْدَادُ» وَتَفْسِيرُهُ حَلْقُ الْعَانَةِ بِالْحَدِيدِ (قَوْلُهُ كَحَلْقِ إبِطَيْهِ فِي مَجْلِسَيْنِ) كَوْنُ ذَلِكَ مِنْ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ، بِخِلَافِ قَصِّ أَظْفَارِ الْيَدَيْنِ مُشْكِلٌ، وَمَعَ هَذَا فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ: أَيْ بَلْ هُوَ مِنْ تَخْرِيجِ بَعْضِ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ إنْ كَانَ أَحَدٌ نَقَلَ أَنَّ فِيهِ دَمًا وَاحِدًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى صَنِيعِ الشَّارِحِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ. وَأَجَابَ فِي الْعِنَايَةِ عَنْ الْإِشْكَالِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ ثَمَّةَ مَا يُوجِبُ اتِّحَادَ الْمَحَالِّ وَهُوَ التَّنْوِيرُ، فَإِنَّهُ لَوْ نَوَّرَ جَمِيعَ الْبَدَنِ لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْحَلْقُ مِثْلُ التَّنْوِيرِ، وَلَيْسَ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ: أَيْ مَسْأَلَةِ الْقَصِّ مَا يَجْعَلُهَا كَذَلِكَ. اهـ. وَفِيهِ أَنَّ الْقَصَّ كَذَلِكَ، عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَ مَحَلُّ الْحَلْقِ وَاخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ يَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةٌ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ لِكُلِّ مَجْلِسٍ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ أَوْ رَأْسِهِ فِي أَرْبَعَةٍ) أَيْ بِأَنْ حَلَقَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ رُبْعًا مِنْهُ فَفِيهِ دَمٌ وَاحِدٌ اتِّفَاقًا مَا لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ لِوُجُوبِهِ بِالشُّرُوعِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فِي كُلِّ طَوَافٍ هُوَ تَطَوُّعٌ، فَيَجِبُ الدَّمُ لَوْ طَافَهُ جُنُبًا، وَالصَّدَقَةُ لَوْ مُحْدِثًا كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. وَأَفَادَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ الِاصْطِلَاحِيِّ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ الْأَقْوَى وَالْأَضْعَفِ، فَإِنَّ مَا وَجَبَ بِالشُّرُوعِ دُونَ مَا وَجَبَ بِإِيجَابِهِ تَعَالَى كَطَوَافِ الصَّدْرِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْوُجُوبِ الثَّابِتِ بِالدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ، بِخِلَافِ الطَّوَافِ الْفَرْضِ الثَّابِتِ بِالْقَطْعِ فَلِذَا وَجَبَتْ فِيهِ مَعَ الْجِنَايَةِ بَدَنَةٌ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ لِلْفَرْضِ مُحْدِثًا) قُيِّدَ بِالْحَدَثِ لِأَنَّ الطَّوَافَ مَعَ نَجَاسَةِ الثَّوْبِ أَوْ الْبَدَنِ مَكْرُوهٌ فَقَطْ. وَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ إيجَابِ الدَّمِ فِي نَجَاسَةِ كُلِّ الثَّوْبِ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ طَافَ عُرْيَانًا قَدْرَ مَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ بِتَرْكِ السَّتْرِ الْوَاجِبِ، وَقُيِّدَ بِالْفَرْضِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ أَقَلَّهُ مُحْدِثًا وَلَمْ يُعِدْ وَجَبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ إلَّا إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 وَلَوْ جُنُبًا فَبَدَنَةٌ إنْ) لَمْ يُعِدْهُ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُهَا فِي الْجَنَابَةِ وَنَدْبُهَا فِي الْحَدَثِ، وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي جَابِرٌ لَهُ، فَلَا تَجِبُ إعَادَةُ السَّعْيِ جَوْهَرَةٌ وَفِي الْفَتْحِ: لَوْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَ مِنْ طَوَافِهَا شَوْطًا لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلصَّدَقَةِ   [رد المحتار] دَمًا فَيُنْقِصُ مِنْهُ مَا شَاءَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ جُنُبًا فَبَدَنَةٌ) أَمَّا لَوْ طَافَ أَقَلَّهُ جُنُبًا وَلَمْ يُعِدْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَاةٌ، فَإِنْ أَعَادَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ لِتَأْخِيرِ الْأَقَلِّ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بَحْرٌ، لَكِنْ فِي اللُّبَابِ لَوْ طَافَ أَقَلَّهُ جُنُبًا فَعَلَيْهِ لِكُلِّ شَوْطٍ صَدَقَةٌ، وَإِنْ أَعَادَهُ سَقَطَتْ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُعِدْهُ) أَيْ الطَّوَافَ الشَّامِلَ لِلْقُدُومِ وَالصَّدْرِ وَالْفَرْضِ، فَإِنْ أَعَادَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَتَى طَافَ أَيَّ طَوَافٍ مَعَ أَيِّ حَدَثٍ ثُمَّ أَعَادَهُ سَقَطَ مُوجِبُهُ. اهـ. ح قُلْت: لَكِنْ إذَا أَعَادَ طَوَافَ الْفَرْضِ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ لِلتَّأْخِيرِ، وَهَذَا إنْ كَانَتْ الْإِعَادَةُ لِطَوَافِهِ جُنُبًا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَعَادَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَصَحَّحَهُ فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ، وَزَعَمَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ سَهْوٌ لِتَصْرِيحِ الرِّوَايَةِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِلُزُومِ الدَّمِ بِالتَّأْخِيرِ مُطْلَقًا، وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى. [تَنْبِيهٌ] مِنْ فُرُوعِ الْإِعَادَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي اللُّبَابِ: لَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا وَلِلصَّدْرِ طَاهِرًا، فَإِنْ طَافَ لِلصَّدْرِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الصَّدْرِ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى الزِّيَارَةِ، وَإِنْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ ثَانِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْ لِانْتِقَالِ الزِّيَارَةِ إلَى الصَّدْرِ، وَإِنْ طَافَ لِلصَّدْرِ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ: دَمٌ لِتَرْكِ الصَّدْرِ: أَيْ لِتَحَوُّلِهِ إلَى الزِّيَارَةِ وَدَمٌ لِتَأْخِيرِ الزِّيَارَةِ، وَإِنْ طَافَ لِلصَّدْرِ ثَانِيًا سَقَطَ عَنْهُ دَمُهُ، وَإِنْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ مُحْدِثًا وَلِلصَّدْرِ طَاهِرًا، فَإِنْ حَصَلَ الصَّدْرُ فِي النَّحْرِ انْتَقَلَ إلَى الزِّيَارَةِ، ثُمَّ إنْ طَافَ لِلصَّدْرِ ثَانِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِهِ، وَإِنْ حَصَلَ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَا يَنْتَقِلُ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا، وَلَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ مُحْدِثًا وَلِلصَّدْرِ جُنُبًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُهَا) أَيْ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَهُ، وَهَذَا أَيْضًا شَامِلٌ لِلْقُدُومِ وَالصَّدْرِ وَالْفَرْضِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ جُنُبًا لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ. اهـ. وَإِذَا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ فِي الْقُدُومِ فَفِي الصَّدْرِ وَالْفَرْضِ أَوْلَى. اهـ. ح. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْبَحْرِ: الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ إمَّا الشَّاةُ أَوْ الْإِعَادَةُ وَالْإِعَادَةُ هِيَ الْأَصْلُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ لِيَكُونَ الْجَابِرُ مِنْ جِنْسِ الْمَجْبُورِ، فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الدَّمِ. وَأَمَّا إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، فَفِي الْحَدَثِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ بَعْثَ الشَّاةِ أَفْضَلُ مِنْ الرُّجُوعِ. وَفِي الْجَنَابَةِ اخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الرُّجُوعَ أَفْضَلُ لِمَا ذَكَرْنَا. وَاخْتَارَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْبَعْثَ أَفْضَلُ لِمَنْفَعَةِ الْفُقَرَاءِ، وَإِذَا رَجَعَ لِلْأَوَّلِ يَرْجِعُ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ جُنُبًا، فَإِذَا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ يَبْدَأُ بِهَا ثُمَّ يَطُوفُ لِلزِّيَارَةِ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِهِ (قَوْلُهُ وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْأَوَّلُ) عَطْفٌ عَلَى وُجُوبِهَا، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْكَرْخِيُّ وَصَحَّحَهُ فِي الْإِيضَاحِ خِلَافًا لِلرَّازِيِّ، وَهَذَا فِي الْجِنَايَةِ أَمَّا فِي الْحَدَثِ فَالْمُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ اتِّفَاقًا سِرَاجٌ، وَقَوْلُهُ فَلَا تَجِبُ إلَخْ بَيَانٌ لِثَمَرَةِ الْخِلَافِ، فَعَلَى قَوْلِ الرَّازِيّ تَجِبُ إعَادَةُ السَّعْيِ لِأَنَّ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ قَدْ انْفَسَخَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سِرَاجٌ، فَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ لَا ثَمَرَةَ لِلْخِلَافِ خِلَافُ الْوَاقِعِ (قَوْلُهُ وَفِي الْفَتْحِ إلَخْ) عَزَاهُ إلَى الْمُحِيطِ، وَنَقَلَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَمِثْلُهُ فِي اللُّبَابِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ أَوْ أَقَلَّهُ وَلَوْ شَوْطًا جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَالْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ لِلْبَدَنَةِ وَلَا لِلصَّدَقَةِ، بِخِلَافِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَ مِنْهُ أَيْ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ أَقَلَّهُ وَلَوْ شَوْطًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ أَعَادَهُ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ اهـ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ طَافَ أَقَلَّهُ مُحْدِثًا وَجَبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ إلَّا إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ دَمًا فَيَنْقُصُ مِنْهُ مَا شَاءَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي السِّرَاجِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَوْلٌ آخَرُ فَافْهَمْ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 فِي الْعُمْرَةِ (أَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ) وَلَوْ بِنَدِّ بَعِيرِهِ (قَبْلَ الْإِمَامِ) وَالْغُرُوبِ، وَيَسْقُطُ الدَّمُ بِالْعَوْدِ وَلَوْ بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ غَايَةٌ (أَوْ تَرَكَ أَقَلَّ سَبْعِ الْفَرْضِ) يَعْنِي وَلَمْ يَطُفْ غَيْرَهُ، حَتَّى لَوْ طَافَ لِلصَّدْرِ انْتَقَلَ إلَى الْفَرْضِ مَا يُكْمِلُهُ، ثُمَّ إنْ بَقِيَ أَقَلُّ الصَّدْرِ فَصَدَقَةٌ وَإِلَّا فَدَمٌ   [رد المحتار] وَأَمَّا مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَكُلُّ مَا عَلَى الْمُفْرِدِ بِهِ دَمٌ بِسَبَبِ جِنَايَتِهِ عَلَى إحْرَامِهِ فَعَلَى الْقَارِنِ دَمَانِ وَكَذَا الصَّدَقَةُ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَاكَ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ كَالْقَارِنِ، فَلَا يَرِدُ عَلَى مَا هُنَا وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَةُ الْمُتَمَتِّعِ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ وَإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَاكَ الْجِنَايَةُ بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، بِخِلَافِ تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، وَهُنَا الْجِنَايَةُ بِتَرْكِ وَاجِبِ الطَّهَارَةِ فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ الصَّدَقَةِ فِي الْعُمْرَةِ بِفِعْلِ الْمَحْظُورِ، وَلِهَذَا لَمْ يُعَمِّمْ فِي اللُّبَابِ، بَلْ قَالَ لَا مَدْخَلَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ لِلصَّدَقَةِ وَإِنْ أَطْلَقَ الشَّارِحُ الْعِبَارَةَ تَبَعًا لِلْفَتْحِ فَتَنَبَّهْ. (قَوْلُهُ أَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ إلَخْ) بِأَنْ جَاوَزَ حُدُودَهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِنَدِّ بَعِيرِهِ) النَّدُّ بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ: الْهُرُوبُ ح. قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَلَوْ نَدَّ بِهِ بَعِيرُهُ فَأَخْرَجَهُ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ لَزِمَهُ دَمٌ، وَكَذَا لَوْ نَدَّ بَعِيرُهُ فَتَبِعَهُ لِأَخْذِهِ اهـ. قَالَ شَارِحُهُ الْقَارِي: وَفِيهِ أَنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ لِعُذْرٍ مُسْقِطٌ لِلدَّمِ. اهـ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ بِالْعَوْدِ، وَهُوَ مُسْقِطٌ لِلدَّمِ. قُلْت: الْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُذْرِ الْمُسْقِطِ لِلدَّمِ مَا لَا يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ وَسَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ فِي الْإِحْصَارِ (قَوْلُهُ وَالْغُرُوبِ) قَصَدَ بِهَذَا الْعَطْفِ بَيَانَ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْإِمَامِ الْغُرُوبُ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُلَابَسَةِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ لَمَّا كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ النَّفْرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ كَانَ النَّفْرُ مَعَهُ نَفْرًا بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَإِلَّا فَلَوْ غَرَبَتْ فَنَفَرُوا وَلَمْ يَنْفِرْ الْإِمَامُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ نَفَرَ الْإِمَامُ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَتَابَعُوهُ كَانَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ الدَّمُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوُقُوفَ فِي جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ وَاجِبٌ فَبِتَرْكِهِ يَلْزَمُ الدَّمُ كَمَا فِي الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ) إذَا عَادَ بَعْدَهُ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَدَمُ السُّقُوطِ. وَصَحَّحَ الْقُدُورِيُّ رِوَايَةَ ابْنِ شُجَاعٍ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَسْقُطُ. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ يَسْقُطُ الدَّمُ عَلَى الْأَصَحِّ بِالْأَوْلَى كَمَا فِي الْبَحْرِ فَافْهَمْ. وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْقَارِيِّ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ هُوَ الْأَصَحُّ، وَلَوْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَالْأَظْهَرُ عَدَمُ السُّقُوطِ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْوُقُوفِ إلَى الْغُرُوبِ وَاجِبٌ فَيَفُوتُ بِفَوْتِ الْبَعْضِ. اهـ. قُلْت: وَذَكَرَ ابْنُ الْكَمَالِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الشُّرَّاحَ هُنَا أَخْطَئُوا فِي نَقْلِ الرِّوَايَةِ، لِمَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَوْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَقَبْلَ نَفْرِ الْإِمَامِ سَقَطَ عِنْدَنَا خِلَافًا لَزُفَرَ، وَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ بَعْدَمَا خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ عَرَفَةَ رَوَى ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَسْقُطُ وَاعْتَمَدَهُ الْقُدُورِيُّ. وَذُكِرَ فِي الْأَصْلِ عَدَمُهُ، وَلَوْ عَادَ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَا يَسْقُطُ بِلَا خِلَافٍ لِتَقَرُّرِ الْوَاجِبِ فَلَا يُحْتَمَلُ السُّقُوطُ بِالْعَوْدِ. اهـ. (قَوْلُهُ سَبْعِ الْفَرْضِ) بِفَتْحِ السِّينِ، وَالْفَرْضُ بِمَعْنَى الْمَفْرُوضِ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ: أَيْ الطَّوَافِ الْفَرْضِ، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ طَوَافِ الْفَرْضِ، لِقَوْلِ الْوِقَايَةِ أَوْ أَخَّرَ طَوَافَ الْفَرْضِ أَوْ تَرَكَ أَقَلَّهُ، وَعَلَى كُلٍّ فَإِضَافَةُ سَبْعٍ عَلَى مَعْنَى اللَّامِ، وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهَا بَيَانِيَّةً عَلَى مَعْنَى سَبْعٍ هِيَ الْفَرْضُ لِأَنَّ الْفَرْضَ فِي أَشْوَاطِ الطَّوَافِ أَكْثَرُ السَّبْعِ لَا كُلُّهَا وَإِنْ قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ إنَّ الَّذِي يَدِينُ اللَّهَ تَعَالَى بِهِ أَنْ لَا يُجْزِئَ أَقَلُّ مِنْ السَّبْعِ وَلَا يُجْبَرُ بَعْضُهُ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ مِنْ أَبْحَاثِهِ الْمُخَالِفَةِ لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ قَاطِبَةً كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَقَدْ قَالَ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ إنَّ أَبْحَاثَهُ الْمُخَالِفَةَ لِلْمَذْهَبِ لَا تُعْتَبَرُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ طَافَ لِلصَّدْرِ) أَيْ مَثَلًا لِأَنَّ أَيَّ طَوَافٍ حَصَلَ بَعْدَ الْوُقُوفِ كَانَ لِلْفَرْضِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ، وَأَفَادَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ يَعْنِي وَلَمْ يَطُفْ غَيْرَهُ. (قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ بَقِيَ أَقَلُّ الصَّدْرِ) أَيْ إنْ بَقِيَ عَلَيْهِ أَقَلُّ أَشْوَاطِ الصَّدْرِ وَهُوَ قَدْرُ مَا انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى الرُّكْنِ، بِأَنْ تَرَكَ مِنْ الْفَرْضِ ثَلَاثَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 (وَبِتَرْكِ أَكْثَرِهِ بَقِيَ مُحْرِمًا) أَبَدًا فِي حَقِّ النِّسَاءِ (حَتَّى يَطُوفَ) فَكُلَّمَا جَامَعَ لَزِمَهُ دَمٌ إذَا تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الرَّفْضَ فَتْحٌ (أَوْ) تَرَكَ (طَوَافَ الصَّدْرِ أَوْ أَرْبَعَةً مِنْهُ) وَلَا يَتَحَقَّقُ التَّرْكُ إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ (أَوْ) تَرْكِ (السَّعْيِ) أَوْ أَكْثَرِهِ أَوْ رَكْبٍ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ (أَوْ الْوُقُوفَ بِجَمْعٍ فِيهِ) يَعْنِي مُزْدَلِفَةَ   [رد المحتار] أَشْوَاطٍ وَطَافَ لِلصَّدْرِ سَبْعَةً فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ لِطَوَافِ الْفَرْضِ وَتَبْقَى هَذِهِ الثَّلَاثَةُ عَلَيْهِ مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ فَيَلْزَمُهُ لَهَا صَدَقَةٌ، أَمَّا لَوْ كَانَ طَافَ لِلصَّدْرِ سِتَّةً وَانْتَقَلَ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ يَبْقَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ الصَّدْرِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ فَيَلْزَمُهُ لَهَا دَمٌ، ثُمَّ هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ أَخَّرَ طَوَافَ الصَّدْرِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَإِلَّا لَزِمَهُ مَعَ الصَّدَقَةِ أَوْ الدَّمِ صَدَقَةٌ أُخْرَى لِتَأْخِيرِ أَقَلِّ الْفَرْضِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَاللُّبَابِ، لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْفَتْحِ وَإِنْ كَانَ تَرَكَ أَقَلَّهُ: أَيْ أَقَلَّ طَوَافِ الْفَرْضِ لَزِمَهُ لِلتَّأْخِيرِ دَمٌ وَصَدَقَةٌ لِلْمَتْرُوكِ مِنْ الصَّدْرِ اهـ فَأَوْجَبَ دَمًا لِتَأْخِيرِ الْأَقَلِّ كَمَا تَرَى فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بَقِيَ مُحْرِمًا) فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ حَتْمًا أَنْ يَعُودَ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ، وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ الْبَدَلُ لُبَابٌ. (قَوْلُهُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ) لِأَنَّهُ بِالْحَلْقِ حَلَّ لَهُ مَا سِوَاهُنَّ حَتَّى يَطُوفَ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ دَمٌ) أَيْ شَاةٌ أَوْ بَدَنَةٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الرَّفْضَ) أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ بِالثَّانِي شَيْءٌ وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ مَعَ أَنَّ نِيَّةَ الرَّفْضِ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِالْأَعْمَالِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْمَحْظُورَاتُ مُسْتَنِدَةً إلَى قَصْدٍ وَاحِدٍ وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِحْلَالِ كَانَتْ مُتَّحِدَةً فَكَفَاهُ دَمٌ وَاحِدٌ بَحْرٌ قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا نَوَى رَفْضَ الْإِحْرَامِ فَجَعَلَ يَصْنَعُ مَا يَصْنَعُهُ الْحَلَالُ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ وَالتَّطَيُّبِ وَالْحَلْقِ وَالْجِمَاعِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ الْإِحْرَامِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ كَمَا كَانَ مُحْرِمًا، وَيَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِ مَا ارْتَكَبَ وَلَوْ كُلَّ الْمَحْظُورَاتِ، وَإِنَّمَا يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَاتِ إذَا لَمْ يَنْوِ الرَّفْضَ، ثُمَّ نِيَّةُ الرَّفْضِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ بِهَذَا الْقَصْدِ لِجَهْلِهِ مَسْأَلَةَ عَدَمِ الْخُرُوجِ، وَأَمَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِهَذَا الْقَصْدِ فَإِنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ مِنْهُ. اهـ. قُلْت: وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ نِيَّةَ الرَّفْضِ بَاطِلَةٌ وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْأَفْعَالِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِالرَّفْضِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ آخِرَ الْجِنَايَاتِ، وَمِنْ الْمَأْمُورِ بِالرَّفْضِ الْمُحْصَرُ بِمَرَضٍ أَوْ عَدُوٍّ لِأَنَّهُ بِذَبْحِ الْهَدْيِ يَحِلُّ وَيُرْتَفَضُ إحْرَامُهُ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ وَسَنَذْكُرُ هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّ كُلَّ مَنْ مُنِعَ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجَبِ الْإِحْرَامِ لِحَقِّ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِغَيْرِ الْهَدْيِ كَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ لَوْ أَحْرَمَا بِلَا إذْنِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى، فَإِنَّ لَهُمَا أَنْ يُحَلِّلَاهُمَا فِي الْحَالِ بِلَا ذَبْحٍ. وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ انْدَفَعَ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ حَيْثُ زَعَمَ الْمُنَافَاةَ بَيْنَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْأَفْعَالِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ تَحْلِيلِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ بِنَحْوِ قَصِّ ظُفْرٍ أَوْ جِمَاعٍ. (قَوْلُهُ أَوْ أَرْبَعَةً مِنْهُ) أَمَّا لَوْ تَرَكَ أَقَلَّهُ فَفِيهِ صَدَقَةٌ كَمَا سَيَأْتِي. [تَنْبِيهٌ] لَمْ يُصَرِّحُوا بِحُكْمِ طَوَافِ الْقُدُومِ لَوْ شَرَعَ فِيهِ وَتَرَكَ أَكْثَرَهُ أَوْ أَقَلَّهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالصَّدْرِ لِوُجُوبِهِ بِالشُّرُوعِ، وَقَدَّمْنَا تَمَامَهُ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَحَقَّقُ التَّرْكُ إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ) لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِيهَا لَمْ يُطَالَبْ بِهِ مَا لَمْ يُرِدْ السَّفَرَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ بِالتَّرْكِ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِمَا تَرَكَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤَقَّتٍ اهـ أَيْ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ يَفُوتُ بِفَوْتِهِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ النَّهْرِ وَاللُّبَابِ أَنَّهُ لَوْ نَفَرَ وَلَمْ يَطُفْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِيَطُوفَ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْمِيقَاتَ فَخُيِّرَ بَيْنَ إرَاقَةِ الدَّمِ وَالرُّجُوعِ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ بِعُمْرَةٍ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِهِ (قَوْلُهُ بِلَا عُذْرٍ) قَيْدٌ لِلتَّرْكِ وَالرُّكُوبِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَهَذَا حُكْمُ تَرْكِ الْوَاجِبِ فِي هَذَا الْبَابِ اهـ أَيْ أَنَّهُ إنْ تَرَكَهُ بِلَا عُذْرٍ لَزِمَهُ دَمٌ، وَإِنْ بِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. وَقِيلَ فِيمَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ فَقَطْ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 أَوْ الرَّمْيَ كُلَّهُ، أَوْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، أَوْ الرَّمْيَ الْأَوَّلَ، وَأَكْثَرَهُ: أَيْ أَكْثَرَ رَمْيِ يَوْمٍ (أَوْ حَلَقَ فِي حِلٍّ بِحَجٍّ) فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، فَلَوْ بَعْدَهَا فَدَمَانِ (أَوْ عُمْرَةٍ) لِاخْتِصَاصِ الْحَلْقِ بِالْحَرَمِ (لَا) دَمَ (فِي مُعْتَمِرٍ) خَرَجَ (ثُمَّ رَجَعَ مِنْ حِلٍّ) إلَى الْحَرَمِ (ثُمَّ قَصَرَ) وَكَذَا الْحَاجُّ إنْ رَجَعَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَإِلَّا فَدَمٌ لِلتَّأْخِيرِ (أَوْ قَبَّلَ) عَطْفٌ عَلَى حَلْقٍ (أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ أَنْزَلَ أَوْ لَا)   [رد المحتار] كَاللُّبْسِ وَالطِّيبِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مُوجِبُهُ وَلَوْ بِعُذْرٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ، ثُمَّ لَوْ أَعَادَ السَّعْيَ مَاشِيًا بَعْدَمَا حَلَّ وَجَامَعَ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ لِأَنَّ السَّعْيَ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ، بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ بَعْدَ الطَّوَافِ وَقَدْ وُجِدَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ الرَّمْيَ كُلَّهُ) إنَّمَا وَجَبَ بِتَرْكِهِ كُلَّهُ دَمٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ كَمَا فِي الْحَلْقِ، وَالتَّرْكُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ وَهُوَ الرَّابِعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ قُرْبَةٌ إلَّا فِيهَا، وَمَا دَامَتْ الْأَيَّامُ بَاقِيَةً فَالْإِعَادَةُ مُمْكِنَةٌ فَيَرْمِيهَا عَلَى التَّأْلِيفِ، ثُمَّ بِتَأْخِيرِهَا يَجِبُ الدَّمُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا بَحْرٌ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ التَّرْكَ غَيْرُ قَيْدٍ لِوُجُوبِ الدَّمِ بِتَأْخِيرِ الرَّمْيِ كُلِّهِ أَوْ تَأْخِيرِ رَمْيِ يَوْمٍ إلَى مَا يَلِيهِ، أَمَّا لَوْ أَخَّرَهُ إلَى اللَّيْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ فِي بَحْثِ الرَّمْيِ (قَوْلُهُ أَوْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ) وَلَوْ يَوْمَ النَّحْرِ لِأَنَّهُ نُسُكٌ تَامٌّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ الرَّمْيَ الْأَوَّلَ) دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ كَمَا عَلِمْت، لَكِنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فِي بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ يَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الرَّمْيِ فِيهَا بِخِلَافِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهَا كُلُّ رَمْيَةٍ رَحْمَتِيٌّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَأَكْثَرَهُ) كَأَرْبَعِ حَصَيَاتٍ فَمَا فَوْقَهَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ إحْدَى عَشْرَةَ فِيمَا بَعْدَهُ، وَكَذَا لَوْ أَخَّرَ ذَلِكَ. أَمَّا لَوْ تَرَكَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَخَّرَهُ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ حَصَاةٍ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقِصَ مَا شَاءَ لُبَابٌ (قَوْلُهُ أَيْ أَكْثَرَ رَمْيِ يَوْمٍ) الْمَفْهُومُ مِنْ الْهِدَايَةِ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى الرَّمْيِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ رَمْيُ الْعَقَبَةِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا لَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَفْوَدُ. (قَوْلُهُ أَوْ حَلَقَ فِي حِلٍّ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) أَيْ يَجِبُ دَمٌ لَوْ حَلَقَ لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ فِي الْحِلِّ لِتَوَقُّتِهِ بِالْمَكَانِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِلثَّانِي (قَوْلُهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ) مُتَعَلِّقٌ بِحَلَقَ بِقَيْدِ كَوْنِهِ لِلْحَجِّ، وَلِذَا قَدَّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ عُمْرَةٍ فَيَتَقَيَّدُ حَلْقُ الْحَاجِّ بِالزَّمَانِ أَيْضًا، وَخَالَفَ فِيهِ مُحَمَّدٌ، وَخَالَفَ أَبُو يُوسُفَ فِيهِمَا، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي التَّضْمِينِ بِالدَّمِ لَا فِي التَّحَلُّلِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِالْحَلْقِ فِي أَيِّ زَمَانٍ أَوْ مَكَان فَتْحٌ. وَأَمَّا حَلْقُ الْعُمْرَةِ فَلَا يَتَوَقَّتُ بِالزَّمَانِ إجْمَاعًا هِدَايَةٌ، وَكَلَامُ الدُّرَرِ يُوهِمُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ قَيْدٌ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَعَزَاهُ إلَى الزَّيْلَعِيِّ مَعَ أَنَّهُ لَا إيهَامَ فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَتِهِ (قَوْلُهُ فَدَمَانِ) دَمٌ لِلْمَكَانِ وَدَمٌ لِلزَّمَانِ ط (قَوْلُهُ لِاخْتِصَاصِ الْحَلْقِ) أَيْ لَهُمَا بِالْحَرَمِ وَلِلْحَجِّ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ ط (قَوْلُهُ خَرَجَ) أَيْ مِنْ الْحَرَمِ (قَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ مِنْ حِلٍّ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ فِي الْحِلِّ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحَاجُّ إلَخْ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى صَاحِبِ الدُّرَرِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَابْنِ كَمَالٍ حَيْثُ أَطْلَقُوا وُجُوبَ الدَّمِ بِخُرُوجِهِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ ثُمَّ رُجُوعِهِ، فَإِنَّ ذَاتَ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَرَمِ لَا يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ بِهِ شَيْءٌ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَمَنْ اعْتَمَرَ فَخَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ وَقَصَّرَ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى رَجَعَ وَقَصَرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ فِي مَكَانِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ. اهـ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَلَوْ فَعَلَ الْحَاجُّ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ دَمُ التَّأْخِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الدَّمَ الَّذِي يَلْزَمُ الْحَاجَّ إنَّمَا هُوَ لِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَيُفِيدُ أَنَّهُ إذَا عَادَ بَعْدَمَا خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ وَحَلَقَ فِيهِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ مَنْ لَهُ أَدْنَى إلْمَامٍ بِمَسَائِلِ الْفِقْهِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ، أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ قَبَّلَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ دَوَاعِيَ الْجِمَاعِ كَالْمُعَانَقَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ الْفَاحِشَةِ وَالْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرَجِ وَالتَّقْبِيلِ وَاللَّمْسِ بِشَهْوَةٍ مُوجِبَةٌ لِلدَّمِ، أَنْزَلَ أَوْ لَا قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَا يُفْسِدُ حَجَّهُ شَيْءٌ مِنْهَا كَمَا فِي اللُّبَابِ، وَشَمِلَ قَوْلُهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ بَعْدَهُ ثَلَاثَ صُوَرٍ: مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَالْحَلْقِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْحَلْقِ، أَوْ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَالْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ، فَفِي الْأُولَيَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 فِي الْأَصَحِّ أَوْ اسْتَمْنَى بِكَفِّهِ أَوْ جَامَعَ بَهِيمَةً وَأَنْزَلَ (أَوْ أَخَّرَ) الْحَاجُّ (الْحَلْقَ أَوْ طَوَافَ الْفَرْضِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ) لِتَوَقُّتِهِمَا بِهَا (أَوْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى آخَرَ) فَيَجِبُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: الرَّمْيُ، ثُمَّ الذَّبْحُ لِغَيْرِ الْمُفْرِدِ، ثُمَّ الْحَلْقُ ثُمَّ الطَّوَافُ، لَكِنْ لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ طَافَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ؛ نَعَمْ يُكْرَهُ لِبَابٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ، كَمَا لَا شَيْءَ عَلَى الْمُفْرِدِ إلَّا إذَا حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ لِأَنَّ ذَبْحَهُ لَا يَجِبُ (وَيَجِبُ دَمَانِ عَلَى قَارِنٍ حَلَقَ قَبْلَ ذَبْحِهِ) دَمٌ لِلتَّأْخِيرِ، وَدَمٌ لِلْقِرَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ   [رد المحتار] حَصَلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الدَّوَاعِي وَالْجِمَاعِ لِمُقْتَضٍ، وَهُوَ أَنَّ الْجِمَاعَ فِي الْأُولَى مُفْسِدٌ لِتَعَلُّقِ فَسَادِ الْحَجِّ بِالْجِمَاعِ حَقِيقَةً كَمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَفْسُدْ الْحَجُّ بِالدَّوَاعِي كَمَا لَا يَفْسُدُ بِهَا الصَّوْمُ لِأَنَّ فَسَادَهُ مُعَلَّقٌ بِالْجِمَاعِ حَقِيقَةً بِالنَّصِّ، وَالْجِمَاعُ مَعْنًى دُونَهُ فَلَمْ يَلْحَقُ بِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ مُوجِبٌ لِلْبَدَنَةِ لِغِلَظِ الْجِنَايَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلَمْ يُفْسِدْ لِتَمَامِ حَجِّهِ بِالْوُقُوفِ وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ فِي الدَّوَاعِي. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَاشْتَرَكَ الْجِمَاعُ وَدَوَاعِيهِ فِي وُجُوبِ الشَّاةِ لِعَدَمِ الْمَقْضِيِّ لِلتَّفْرِقَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ الْجِمَاعَ هُنَا لَيْسَ جِنَايَةً غَلِيظَةً لِوُجُودِ الْحِلِّ الْأَوَّلِ بِالْحَلْقِ، فَلِذَا لَمْ تَجِبْ بِهِ بَدَنَةٌ وَدَوَاعِيهِ مُلْحَقَةٌ بِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] أَطْلَقَ فِي التَّقْبِيلِ وَاللَّمْسِ فَعَمَّ مَا لَوْ صَدَرَا فِي أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الْحَمَوِيُّ، وَأَخْرَجَ بِهِمَا النَّظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ تَفَكَّرَ؛ وَلَوْ أَطَالَ النَّظَرَ أَوْ تَكَرَّرَ وَكَذَا الِاحْتِلَامُ لَا يُوجِبُ شَيْئًا هِنْدِيَّةٌ ط (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالْإِطْلَاقِ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالْبَدَائِعِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهَا كَمَا فِي اللُّبَابِ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الدَّوَاعِيَ مُحَرَّمَةٌ لِأَجْلِ الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا فَيَجِبُ الدَّمُ مُطْلَقًا، وَاشْتَرَطَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْإِنْزَالَ وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ (قَوْلُهُ وَأَنْزَلَ) قَيْدٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ فِيهِمَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ أَوْ أَخَّرَ الْحَاجُّ) قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّ حَلْقَ الْمُعْتَمِرِ لَا يَتَقَيَّدُ بِالزَّمَانِ وَكَذَا طَوَافُهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ بِتَأْخِيرِهِمَا شَيْءٌ ط (قَوْلُهُ أَوْ طَوَافَ الْفَرْضِ) أَيْ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ فَلَوْ أَخَّرَ أَقَلَّهُ يَجِبُ صَدَقَةٌ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ طَوَافَ الصَّدْرِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ قُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ لِتَوَقُّتِهِمَا) أَيْ الْحَلْقِ وَطَوَافِ الْفَرْضِ بِهَا أَيْ بِأَيَّامِ النَّحْرِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَهَذَا عِلَّةٌ لِوُجُوبِ الدَّمِ بِتَأْخِيرِهِمَا. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَهَذَا إذَا كَانَ تَأْخِيرُ الطَّوَافِ بِلَا عُذْرٍ، حَتَّى لَوْ حَاضَتْ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ وَاسْتَمَرَّ بِهَا حَتَّى مَضَتْ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا بِالتَّأْخِيرِ وَإِنْ حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهَا وَجَبَ الدَّمُ بِالتَّفْرِيطِ فِيمَا تَقَدَّمَ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْوَجِيزِ، وَأَفَادَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ لِعَدَمِ وُجُوبِ الطَّوَافِ عَيْنًا فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ، فَفِي إلْزَامِهَا بِالدَّمِ وَقَدْ حَاضَتْ فِي الْأَثْنَاءِ نَظَرٌ. اهـ. وَتَقَدَّمَ تَمَامُهُ فِي بَحْثِ الطَّوَافِ. (قَوْلُهُ أَوْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى آخَرَ) أَيْ وَقَدْ فَعَلَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ لِئَلَّا يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ أَوْ أَخَّرَ الْحَلْقَ إلَخْ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ فَيَجِبُ إلَخْ) لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ أَوْ قَدَّمَ إلَخْ بَيَانًا لِوُجُوبِ الدَّمِ بِعَكْسِ التَّرْتِيبِ فُرِّعَ عَلَيْهِ أَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ مَعَ بَيَانِ مَا يَجِبُ تَرْتِيبُهُ وَمَا لَا يَجِبُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِغَيْرِ الْمُفْرِدِ) أَمَّا هُوَ فَالذَّبْحُ لَهُ مُسْتَحَبٌّ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لَكِنْ لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ طَافَ) أَيْ مُفْرِدًا أَوْ غَيْرَهُ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ) أَيْ وَكَذَا قَبْلَ الذَّبْحِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ الرَّمْيَ مُقَدَّمٌ عَلَى الذَّبْحِ، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ تَرْتِيبُ الطَّوَافِ عَلَى الرَّمْيِ لَا يَجِبُ عَلَى الذَّبْحِ (قَوْلُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ) أَيْ عِنْدَ ذِكْرِ الْوَاجِبَاتِ (قَوْلُهُ كَمَا لَا شَيْءَ عَلَى الْمُفْرِدِ إلَخْ) فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الرَّمْيِ عَلَى الْحَلْقِ لِلْمُفْرِدِ وَغَيْرِهِ، وَتَقْدِيمُ الرَّمْيِ عَلَى الذَّبْحِ وَالذَّبْحِ عَلَى الْحَلْقِ لِغَيْرِ الْمُفْرِدِ، وَلَوْ طَافَ الْمُفْرِدُ وَغَيْرُهُ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لُبَابٌ وَكَذَا لَوْ طَافَ قَبْلَ الذَّبْحِ كَمَا عَلِمْت. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الطَّوَافَ لَا يَجِبُ تَرْتِيبُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا يَجِبُ تَرْتِيبُ الثَّلَاثَةِ الرَّمْيِ ثُمَّ الذَّبْحِ ثُمَّ الْحَلْقِ، لَكِنَّ الْمُفْرِدَ لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ فَقَطْ. (قَوْلُهُ حَلَقَ قَبْلَ ذَبْحِهِ) وَكَذَا لَوْ حَلَقَ قَبْلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 كَمَا حَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ: وَبِهِ انْدَفَعَ مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ جَعْلِ الدَّمَيْنِ لِلْجِنَايَةِ (وَإِنْ طَيَّبَ) جَوَابُهُ قَوْلُهُ الْآتِي تَصَدَّقَ (أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ وَسَتَرَ رَأْسَهُ أَوْ لَبِسَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ) فِي الْخِزَانَةِ فِي السَّاعَةِ نِصْفُ صَاعٍ، وَفِيمَا دُونَهَا قَبْضَةٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ السَّاعَةَ فَلَكِيَّةٌ (أَوْ حَلَقَ) شَارِبَهُ أَوْ (أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ رَأْسِهِ) أَوْ لِحْيَتِهِ أَوْ بَعْضَ رَقَبَتِهِ (أَوْ قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظَافِيرِهِ أَوْ خَمْسَةٍ) إلَى سِتَّةَ عَشَرَ (مُتَفَرِّقَةٍ) مِنْ كُلِّ عُضْوٍ أَرْبَعَةٌ، وَقَدْ اسْتَقَرَّ أَنَّ لِكُلِّ ظُفْرٍ نِصْفَ صَاعٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقِصَ مَا شَاءَ (أَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ أَوْ لِلصَّدْرِ مُحْدِثًا وَتَرَكَ ثَلَاثَةً مِنْ سَبْعِ الصَّدْرِ) وَيَجِبُ لِكُلِّ شَوْطٍ مِنْهُ وَمِنْ السَّعْيِ نِصْفُ صَاعٍ   [رد المحتار] الرَّمْيِ بِالْأَوْلَى بَحْرٌ، وَإِنَّمَا وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْقَارِنِ لِأَنَّ الْمُفْرِدَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَأْخِيرُ النُّسُكِ وَتَقْدِيمُهُ بِالْحَلْقِ قَبْلَهُ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ كَمَا حَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ تَبَعًا لِشَيْخِهِ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَبِهِ) أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ أَحَدَ الدَّمَيْنِ لِلتَّأْخِيرِ وَالْآخَرَ لِلْقِرَانِ الَّذِي هُوَ دَمُ شُكْرٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ) أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ دَمٌ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ لِأَنَّ أَوَانَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَدَمٌ بِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ الْحَلْقِ اهـ وَقَدْ خَطَّأَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ مِنْ وُجُوهٍ. مِنْهَا: مُخَالَفَتُهُ لِمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ أَنَّ أَحَدَ الدَّمَيْنِ لِلْقِرَانِ وَالْآخَرَ لِلتَّأْخِيرِ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ خَمْسَةُ دِمَاءٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ لَا يَنْتَهِي بِالْوُقُوفِ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى إحْرَامَيْنِ وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ جِنَايَتَانِ فَفِيهِمَا أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ وَدَمُ الْقِرَانِ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى غَيْرُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ وَإِنْ كَانَ الْمَذْهَبُ خِلَافَهُ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ التَّضَاعُفَ عَلَى الْقَارِنِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا إذَا أَدْخَلَ نَقْصًا فِي إحْرَامِ عُمْرَتِهِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ؛ وَلِهَذَا إذَا أَفَاضَ الْقَارِنُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ طَافَ لِلزِّيَادَةِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِلْعُمْرَةِ بِالْوُقُوفِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْجَوَابِ عَنْ بَقِيَّةِ مَا أُورِدَ عَلَيْهِ مَبْسُوطٌ فِيهِ وَفِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ) أَيْ وَلَوْ أَكْثَرَهُ كَمَا مَرَّ ط وَهَذَا إذَا كَانَ الطِّيبُ قَلِيلًا عَلَى مَا مَرَّ مِنْ التَّوْفِيقِ (قَوْلُهُ فِي الْخِزَانَةِ إلَخْ) أَفَادَ فِي الْبَحْرِ ضَعْفَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ أَوْ حَلَقَ شَارِبَهُ) لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلِّحْيَةِ وَلَا يَبْلُغُ رُبْعَهَا، وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الصَّدَقَةِ فِيهِ هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُصَحَّحُ، وَقِيلَ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَقِيلَ دَمٌ كَمَا حُرِّرَ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَوْ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ رَأْسِهِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ كَالْكَنْزِ أَنَّ الْوَاجِبَ نِصْفُ صَاعٍ وَلَوْ كَانَ شَعْرَةً وَاحِدَةً، لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ إنْ نَتَفَ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ أَنْفِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ شَعَرَاتٍ فَلِكُلِّ شَعْرَةٍ كَفٌّ مِنْ طَعَامٍ. وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ فِي خُصْلَةٍ نِصْفُ صَاعٍ فَظَهَرَ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اشْتِبَاهًا لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ الصَّدَقَةَ وَلَمْ يُفَصِّلْهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ اسْتَقَرَّ إلَخْ) إشَارَةً إلَى مَا فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْإِيهَامِ كَعِبَارَةِ الدُّرَرِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَابْنِ كَمَالٍ لِأَنَّ مُفَادَهَا أَنَّهُ يَجِبُ فِيمَا فَوْقَ الْوَاحِدِ إلَى الْخَمْسِ نِصْفُ صَاعٍ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَهُوَ غَلَطٌ لِمَا فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ ظُفْرٍ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَيُنْقِصَ مَا شَاءَ، وَلَوْ قَصَّ سِتَّةَ عَشَرَ ظُفْرًا مِنْ كُلِّ عُضْوٍ أَرْبَعَةٌ يَجِبُ بِكُلِّ ظُفْرٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَحِينَئِذٍ يُنْقِصُ مَا شَاءَ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي اللُّبَابِ: كُلُّ صَدَقَةٍ تَجِبُ فِي الطَّوَافِ فَهِيَ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ، أَوْ فِي الرَّمْيِ فَلِكُلِّ حَصَاةٍ صَدَقَةٌ أَوْ فِي قَلْمِ الْأَظْفَارِ فَلِكُلِّ ظُفْرٍ، أَوْ فِي الصَّيْدِ وَنَبَاتِ الْحَرَمِ فَعَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ اهـ فَلْيُحْفَظْ (قَوْلُهُ فَيُنْقِصَ مَا شَاءَ) أَيْ لِئَلَّا يَجِبَ فِي الْأَقَلِّ مَا يَجِبُ فِي الْأَكْثَرِ. قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَقِيلَ يُنْقِصُ نِصْفَ صَاعٍ اهـ وَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ أَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ) وَكَذَا كُلُّ طَوَافِ تَطَوُّعٍ جَبْرًا لِمَا دَخَلَهُ مِنْ النَّقْصِ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ مِنْ سَبْعِ الصَّدْرِ) أَمَّا لَوْ تَرَكَ ثَلَاثَةً مِنْ سَبْعِ الْقُدُومِ فَلَمْ يَذْكُرُوهُ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَمِنْ السَّعْيِ) أَيْ لَوْ تَرَكَ ثَلَاثَةً مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 (أَوْ إحْدَى الْجِمَارِ الثَّلَاثِ) وَيَجِبُ لِكُلِّ حَصَاةٍ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَكَمَا مَرَّ وَأَفَادَ الْحَدَّادِيُّ أَنَّهُ يُنْقِصُ نِصْفَ صَاعٍ (أَوْ حَلَقَ رَأْسَ) مُحْرِمٍ أَوْ حَلَالٍ (غَيْرَهُ) أَوْ رَقَبَتَهُ أَوْ قَلَّمَ ظُفْرَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَيَّبَ عُضْوَ غَيْرِهِ أَوْ أَلْبَسَهُ مَخِيطًا فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إجْمَاعًا ظَهِيرِيَّةٌ (تَصَدَّقَ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ) كَالْفِطْرَةِ (وَإِنْ طَيَّبَ أَوْ حَلَقَ) أَوْ لَبِسَ (بِعُذْرٍ) خُيِّرَ إنْ شَاءَ   [رد المحتار] فَعَلَيْهِ لِكُلِّ شَوْطٍ مِنْهُ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُخَيَّرَ بَيْنَ الدَّمِ وَتَنْقِيصِ الصَّدَقَةِ لُبَابٌ (قَوْلُهُ أَوْ إحْدَى الْجِمَارِ الثَّلَاثِ) أَيْ الَّتِي بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ ط وَالْمُرَادُ أَنْ يَتْرُكَ أَقَلَّ جِمَارِ يَوْمٍ كَثَلَاثٍ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَعَشْرَةٍ مِمَّا بَعْدَهُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَمَا مَرَّ) أَيْ يُنْقِصُ مَا شَاءَ (قَوْلُهُ وَأَفَادَ الْحَدَّادِيُّ) أَيْ فِي السِّرَاجِ وَتَقَدَّمَ عَنْ اللُّبَابِ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِقِيلَ إشَارَةً إلَى ضَعْفِهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ مِنْ إطْلَاقِ التَّنْقِيصِ بِمَا شَاءَ. لَكِنَّهُ غَيْرُ مُحَرَّرٍ لِأَنَّهُ صَادِقٌ بِمَا لَوْ شَاءَ شَيْئًا قَلِيلًا مِثْلَ كَفٍّ مِنْ طَعَامٍ فِي تَرْكِ ثَلَاثِ حَصَيَاتٍ مَثَلًا لَوْ بَلَغَ الْوَاجِبُ فِيهَا قِيمَةَ دَمٍ مَعَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ حَصَاةً وَاحِدَةً يَجِبُ نِصْفُ صَاعٍ، وَقَدْ الْتَزَمَ ذَلِكَ بَعْضُ شُرَّاحِ اللُّبَابِ وَقَالَ إنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ، وَهُوَ بَعِيدٌ كَمَا عَلِمْت؛ لِأَنَّهُمْ نَقَصُوا عَنْ قِيمَةِ الدَّمِ لِئَلَّا يَجِبَ فِي الْقَلِيلِ مَا يَجِبُ فِي الْكَثِيرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا فِي السِّرَاجِ بَيَانًا لِمَا أَطْلَقُوهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُنْقِصُ مَا شَاءَ إلَّا نِصْفَ صَاعٍ لَا أَكْثَرَ لِمَا قُلْنَا، لَكِنَّ مَا فِي السِّرَاجِ مُجْمَلٌ، وَقَدْ فَسَّرَهُ مَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْبَحْرِ الزَّاخِرِ إذَا بَلَغَ قِيمَةُ الصَّدَقَاتِ دَمًا يُنْقِصُ مِنْهُ نِصْفَ صَاعٍ لِيَبْلُغَ قِيمَةُ الْمَجْمُوعِ أَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الشَّاةِ، وَهَكَذَا إذَا نَقَصَ نِصْفُ صَاعٍ وَكَانَ ثَمَنُ الْبَاقِي مِقْدَارَ ثَمَنِ الشَّاةِ يُنْقِصُ إلَى أَنْ يَصِيرَ ثَمَنُ الصَّدَقَةِ الْبَاقِيَةِ أَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الشَّاةِ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ ابْتِدَاءً نِصْفَ صَاعٍ فَقَطْ بِأَنْ قَلَمَ ظُفْرًا وَاحِدًا وَكَانَ يَبْلُغُ هَدْيًا يَنْقُصُ مِنْهُ مَا شَاءَ بِحَيْثُ يَصِيرُ ثَمَنُ الْبَاقِي أَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْهَدْيِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ حَلَقَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْحَالِقَ وَالْمَحْلُوقَ إمَّا أَنْ يَكُونَا مُحْرِمَيْنِ أَوْ حَلَّالَيْنِ، أَوْ الْحَالِقُ مُحْرِمًا وَالْمَحْلُوقُ حَلَالًا أَوْ بِالْعَكْسِ؛ فَفِي كُلٍّ عَلَى الْحَالِقِ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَا حَلَالَيْنِ، وَعَلَى الْمَحْلُوقِ دَمٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَلَالًا نِهَايَةٌ، لَكِنْ فِي حَلْقِ الْمُحْرِمِ رَأْسَ حَلَالٍ يَتَصَدَّقُ الْحَالِقُ بِمَا شَاءَ، وَفِي غَيْرِهِ الصَّدَقَةُ نِصْفُ صَاعٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ. وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي قَوْلِهِ أَوْ حَلَالٍ، وَوَقَعَ فِي الْعِنَايَةِ: فِيمَا إذَا كَانَ الْحَالِقُ حَلَالًا وَالْمَحْلُوقُ مُحْرِمًا أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْحَالِقِ اتِّفَاقًا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْفَاعِلِ، أَمَّا الْمَفْعُولُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ إذَا كَانَ مُحْرِمًا لُبَابٌ وَشَرْحُهُ (قَوْلُهُ كَالْفِطْرَةِ) أَفَادَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِنِصْفِ الصَّاعِ مِنْ الْبُرِّ اتِّفَاقِيٌّ فَيَجُوزُ إخْرَاجُ الصَّاعِ مِنْ التَّمْرِ أَوْ الشَّعِيرِ ط عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ. قَالَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ: وَأَمَّا الْمَخْلُوطُ بِالشَّعِيرِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلشَّعِيرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ صَاعٌ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْحِنْطَةِ فَنِصْفُهُ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا يَنْبَغِي وُجُوبُ الصَّاعِ احْتِيَاطًا، وَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْفِطْرَةِ يَجْرِي هُنَا. اهـ. (قَوْلُهُ بِعُذْرٍ) قَيْدٌ لِلثَّلَاثَةِ وَلَيْسَتْ الثَّلَاثَةُ قَيْدًا، فَإِنَّ جَمِيعَ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ إذَا كَانَ بِعُذْرٍ فَفِيهِ الْخِيَارَاتُ الثَّلَاثَةُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ قُهُسْتَانِيُّ، وَأَمَّا تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ بِعُذْرٍ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ عَلَى مَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ عَنْ اللُّبَابِ وَفِيهِ: وَمِنْ الْأَعْذَارِ الْحُمَّى وَالْبَرْدُ وَالْجُرْحُ وَالْقُرْحُ وَالصَّدْعُ وَالشَّقِيقَةُ وَالْقَمْلُ، وَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُ الْعِلَّةِ وَلَا أَدَاؤُهَا إلَى التَّلَفِ بَلْ وُجُودُهَا مَعَ تَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ يُبِيحُ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَالْإِغْمَاءُ وَالْإِكْرَاهُ وَالنَّوْمُ وَعَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَفَّارَةِ فَلَيْسَتْ بِأَعْذَارٍ فِي حَقِّ التَّخْيِيرِ وَلَوْ اُرْتُكِبَ الْمَحْظُورُ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَوَاجِبُهُ الدَّمُ عَيْنًا، أَوْ الصَّدَقَةُ فَلَا يَجُوزُ عَنْ الدَّمِ طَعَامٌ وَلَا صِيَامٌ، وَلَا عَنْ الصَّدَقَةِ صِيَامٌ؛ فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ. اهـ. وَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ إنْ عَجَزَ عَنْ الدَّمِ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَفِيهِ: مِنْ الْأَعْذَارِ خَوْفُ الْهَلَاكِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْخَوْفِ الظَّنُّ لَا مُجَرَّدُ الْوَهْمِ، فَتَجُوزُ التَّغْطِيَةُ وَالسَّتْرُ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَدَّى مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ، فَيُغَطِّي رَأْسَهُ بِالْقَلَنْسُوَةِ فَقَطْ إنْ انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِهَا، وَحِينَئِذٍ فَلَفُّ الْعِمَامَةِ عَلَيْهَا مُوجِبٌ لِلدَّمِ أَوْ الصَّدَقَةِ. اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 (ذَبَحَ) فِي الْحَرَمِ (أَوْ تَصَدَّقَ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعِ طَعَامٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ) أَيْنَ شَاءَ (أَوْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً (وَوَطْؤُهُ فِي إحْدَى السَّبِيلَيْنِ) مِنْ آدَمِيٍّ (وَلَوْ نَاسِيًا) أَوْ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمَةً أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا ذَكَرَهُ الْحَدَّادِيُّ، لَكِنْ لَا دَمَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ (قَبْلَ وُقُوفِ فَرْضٍ يُفْسِدُ حَجَّهُ)   [رد المحتار] قُلْت: يَعْنِي إذَا كَانَتْ نَازِلَةً عَنْ الرَّأْسِ بِحَيْثُ تُغَطِّي رُبْعًا مِمَّا تَحْرُمُ تَغْطِيَتُهُ، وَإِلَّا فَقَدَّمْنَا عَنْ الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ التَّصْرِيحَ بِخِلَافٍ وَأَنَّهُ مِثْلُ مَا لَوْ اُضْطُرَّ لِجُبَّةٍ فَلَبِسَ جُبَّتَيْنِ، نَعَمْ يَأْثَمُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ لَبِسَ جُبَّةً وَقَلَنْسُوَةً فَإِنَّ فِيهِ كَفَّارَتَيْنِ (قَوْلُهُ إنْ شَاءَ ذَبَحَ إلَخْ) هَذَا فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ، أَمَّا مَا يَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، إنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ أَوْ أَقَلَّ عَلَى مِسْكِينٍ أَوْ صَامَ يَوْمًا كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ ذَبَحَ) أَفَادَ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِمُجَرَّدِ الذَّبْحِ، فَلَوْ هَلَكَ أَوْ سَرَقَ لَا يَجِبُ غَيْرُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَرَقَ وَهُوَ حَيٌّ وَإِنَّمَا لَا يَأْكُلُ مِنْهُ رِعَايَةً لِجِهَةِ التَّصَدُّقِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فِي الْحَرَمِ) فَلَوْ ذَبَحَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْرُ قِيمَةِ نِصْفِ صَاعِ حِنْطَةٍ فَيُجْزِيهِ بَدَلًا عَنْ الْإِطْعَامِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ تَصَدَّقَ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّمْلِيكِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْفَتْحِ، فَلَا تَكْفِي الْإِبَاحَةُ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. وَاخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعِ طَعَامٍ) بِإِضَافَةِ أَصْوُعٍ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الصَّادِ وَسُكُونِ الْوَاوِ أَوْ بِسُكُونِ الصَّادِ وَضَمِّ الْوَاوِ: جَمْعُ صَاعٍ شَرْحُ النُّقَايَةِ لِلْقَارِيِّ، وَالطَّعَامُ الْبُرُّ بِطَرِيقِ الْغَلَبَةِ قُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ) كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفُ صَاعٍ. حَتَّى لَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْ سَبْعَةٍ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْعَدَدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ. وَعَلَى قَوْلِ مَنْ اكْتَفَى بِالْإِبَاحَةِ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ غَدَّى مِسْكِينًا وَاحِدًا وَعَشَّاهُ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَنْ يَجُوزَ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْكَفَّارَاتِ نَهْرٌ تَبَعًا لِلْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَيْنَ شَاءَ) أَيْ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ أَوْ فِيهِ وَلَوْ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ، بِخِلَافِ الذَّبْحِ وَالتَّصَدُّقِ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ أَفْضَلُ بَحْرٌ، وَكَذَا الصَّوْمُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْحَرَمِ، فَيَصُومُهُ أَيْنَ شَاءَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي بَحْرٍ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا. (قَوْلُهُ وَوَطْؤُهُ) أَيْ بِإِيلَاجِ قَدْرِ الْحَشَفَةِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ وَلَوْ بِحَائِلٍ لَا يَمْنَعُ وُجُودَ الْحَرَارَةِ وَاللَّذَّةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ أَجْنَبِيَّةٍ، أَوْ لَا، مَرَّةً أَوْ مِرَارًا، وَلَا يَتَعَدَّدُ الدَّمُ إلَّا بِتَعَدُّدِ الْمَجْلِسِ إذَا لَمْ يَنْوِ بِالثَّانِي رَفْضَ الْإِحْرَامِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فِي إحْدَى السَّبِيلَيْنِ) السَّبِيلُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ أَيْ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ. قَالَ فِي النَّهْرِ: ثُمَّ هَذَا فِي الدُّبُرِ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا (قَوْلُهُ مِنْ آدَمِيٍّ) فَلَا يَفْسُدُ بِوَطْءِ الْبَهِيمَةِ مُطْلَقًا لِقُصُورِهِ بَحْرٌ أَيْ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَوْ لَا، وَقَدْ أَلْحَقُوا الَّتِي لَا تُشْتَهَى بِالْبَهِيمَةِ كَمَا مَرَّ فِي الصَّوْمِ فَيَقْتَضِي عَدَمَ الْفَسَادِ بِوَطْءِ الْمَيْتَةِ وَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى رَمْلِيٌّ وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَاسِيًا) شَمِلَ التَّعْمِيمُ الْعَبْدَ، لَكِنْ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ وَقَضَاءُ الْحَجِّ بَعْدَ الْعِتْقِ سِوَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَكُلُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْمَالُ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ، بِخِلَافِ مَا فِيهِ الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ لِلْحَالِ، وَلَا يَجُوزُ إطْعَامُ الْمَوْلَى عَنْهُ إلَّا فِي الْإِحْصَارِ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَبْعَثُ عَنْهُ لِيَحِلَّ هُوَ، فَإِذَا عَتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ مُكْرَهًا) وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَحَكَى فِي الْفَتْحِ خِلَافًا فِي رُجُوعِ الْمَرْأَةِ بِالدَّمِ إذَا أَكْرَههَا الزَّوْجُ، وَلَمْ أَرَ قَوْلًا فِي رُجُوعِهَا بِمُؤْنَةِ حَجِّهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ صَبِيًّا) يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُفْسِدَ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُكَلَّفِ وَغَيْرِهِ فَكَذَلِكَ الْحَجُّ، وَمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ ضَعِيفٌ بَحْرٌ وَنَهْرٌ (قَوْلُهُ لَكِنْ لَا دَمَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ، وَأُفْرِدَ الضَّمِيرُ لِمَكَانِ أَوْ، وَكَذَا لَا مُضِيَّ عَلَيْهِمَا فِي إحْرَامِهِمَا لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ قَبْلَ وُقُوفِ فَرْضٍ) بِالْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ: أَيْ وُقُوفٍ هُوَ فَرْضٌ أَوْ بِدُونِهَا مَعَ التَّنْوِينِ فِيهِمَا عَلَى الْوَصْفِيَّةِ: أَيْ وُقُوفٍ مَفْرُوضٍ، وَالْمُرَادُ بِالْفَرْضِيَّةِ الرُّكْنِيَّةُ فَشَمِلَ حَجَّ النَّفْلِ، وَخَرَجَ وُقُوفُ الْمُزْدَلِفَةِ إذَا جَامَعَ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُ الْحَجَّ لَكِنَّ فِيهِ بَدَنَةً (قَوْلُهُ يُفْسِدُ حَجَّهُ) أَيْ يُنْقِصُهُ نُقْصَانًا فَاحِشًا وَلَمْ يُبْطِلْهُ كَمَا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 558 وَكَذَا لَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ حِمَارٍ أَوْ ذَكَرًا مَقْطُوعًا فَسَدَ حَجُّهَا إجْمَاعًا (وَيَمْضِي) وُجُوبًا فِي فَاسِدِهِ كَجَائِزِهِ (وَيَذْبَحُ وَيَقْضِي) وَلَوْ نَفْلًا، وَلَوْ أَفْسَدَ الْقَضَاءَ هَلْ يَجِبُ قَضَاؤُهُ؟ لَمْ أَرَهُ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ الْإِعَادَةُ   [رد المحتار] الْمُضْمَرَاتِ قُهُسْتَانِيُّ. قَالَ صَاحِبُ اللُّبَابِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْهُ: وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ يُزِيلُ بَعْضَ الْإِشْكَالَاتِ. قَالَ الْقَارِي: قُلْت: مِنْ جُمْلَتِهَا الْمُضِيُّ فِي الْأَفْعَالِ، لَكِنَّ فِي عَدَمِ الْإِبْطَالِ أَيْضًا نَوْعَ إشْكَالٍ وَهُوَ الْقَضَاءُ إلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّهُ لِيُؤَدَّى عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ. اهـ. أَقُولُ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْفَسَادِ هُنَا الْبُطْلَانَ بِمَعْنَى عَدَمِ وُجُودِ حَقِيقَةِ الْفِعْلِ الشَّرْعِيَّةِ كَالصَّلَاةِ بِلَا طَهَارَةٍ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْخَلَلُ الْفَاحِشُ الْمُوجِبُ لِعَدَمِ الِاعْتِدَاءِ بِفِعْلِهِ وَلِوُجُوبِ الْقَضَاءِ لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ، فَالْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ مَوْجُودَةٌ نَاقِصَةٌ نُقْصَانًا أَخْرَجَهَا عَنْ الْإِجْزَاءِ، وَلِهَذَا صُرِّحَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ بِإِفْسَادِ الْإِحْرَامِ لَمْ يَصِرْ خَارِجًا عَنْهُ قَبْلَ الْإِعْمَالِ اهـ وَلَوْ كَانَ بَاطِلًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَكَانَ خَارِجًا عَنْهُ، وَلَمَا كَانَ يَلْزَمُهُ مُوجِبُ مَا يَرْتَكِبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ. وَذُكِرَ فِي اللُّبَابِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أُخْرَى يَنْوِي قَبْلَ أَدَائِهَا فَهِيَ هِيَ، وَنِيَّتُهُ لَغْوٌ لَا تَصِحُّ مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْفَاسِدَةِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ بَعْضِ مُعَاصِرِي صَاحِبِ الْبَحْرِ أَنَّ الْحَجَّ إذَا فَسَدَ لَمْ يَفْسُدْ الْإِحْرَامُ مَعْنَاهُ لَمْ يَبْطُلْ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا، فَلَا يَرِدُ مَا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ مِنْ تَصْرِيحِهِمْ بِفَسَادِهِ. ثُمَّ إنَّ هَذَا يُفِيدُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ فِي الْحَجِّ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْعِبَادَاتِ بِخِلَافِ الْمُعَامَلَاتِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ صُرِّحَ فِي اللُّبَابِ فِي فَصْلِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ بِأَنَّ مُفْسِدَهُ الْجِمَاعُ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَمُبْطِلَهُ الرِّدَّةُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ حِمَارٍ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا وَطِئَ بَهِيمَةً حَيْثُ لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ أَنَّ دَاعِيَ الشَّهْوَةِ فِي النِّسَاءِ أَتَمُّ فَلَمْ تَكُنْ فِي جَانِبِهِنَّ قَاصِرَةٌ، بِخِلَافِ الرَّجُلِ إذَا جَامَعَ بَهِيمَةً ط (قَوْلُهُ أَوْ ذَكَرًا مَقْطُوعًا) وَلَوْ لِغَيْرِ آدَمِيٍّ ط (قَوْلُهُ وَيَمْضِي إلَخْ) لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْ الْإِحْرَامِ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَدَاءِ الْأَفْعَالِ أَوْ الْإِحْصَارِ وَلَا وُجُودَ لِأَحَدِهِمَا، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْمُضِيُّ فِيهِ مَعَ فَسَادِهِ لِمَا أَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ، وَلَمْ يَسْقُطْ الْوَاجِبُ بِهِ لِنُقْصَانِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ كَجَائِزِهِ) أَيْ فَيَفْعَلُ جَمِيعَ مَا فَعَلَهُ فِي الْحَجِّ الصَّحِيحِ وَيَجْتَنِبُ مَا يُجْتَنَبُ فِيهِ، وَإِنْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الصَّحِيحِ لُبَابٌ (قَوْلُهُ وَيَذْبَحُ) وَيَقُولُ سُبْعُ الْبَدَنَةِ مَقَامُ الشَّاةِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بَحْرٌ. قُلْت: وَهَذَا صَرِيحٌ، بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ قَبْلَ هَذَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ وَيَقْضِي) أَيْ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا نَقَلَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ الْبَحْرِ الْعَمِيقِ. وَقَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَيَقْضِي أَيْ مِنْ قَابِلٍ لِوُجُوبِ الْمُضِيِّ، فَلَا يَقْضِي إلَّا مِنْ قَابِلٍ، وَسَيَأْتِي فِي مُجَاوَزَةِ الْوَقْتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ أَنَّهُ لَوْ عَادَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجَّةٍ ثُمَّ أَفْسَدَ تِلْكَ الْعُمْرَةَ أَوْ الْحَجَّةَ وَقَضَى الْحَجَّ فِي عَامِهِ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الْقَضَاءِ مِنْ عَامِهِ لِتَدَارُكِ مَا فَاتَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ نَفْلًا) لِوُجُوبِهِ بِالشُّرُوعِ (قَوْلُهُ هَلْ يَجِبُ قَضَاؤُهُ) أَيْ قَضَاءُ الْقَضَاءِ الَّذِي أَفْسَدَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّتَيْنِ لِلْأُولَى وَالثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ لَمْ أَرَهُ إلَخْ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ لَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، لَمْ أَرَ الْمَسْأَلَةَ وَقِيَاسُ كَوْنِهِ إنَّمَا شُرِعَ فِيهِ مُسْقِطًا لَا مُلْزِمًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ، وَالْمُرَادُ الْإِعَادَةُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ اهـ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْقُهُسْتَانِيِّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَأَعَادَ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعُمُرِ وَقْتُهُ. اهـ. وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ إنَّ تَسْمِيَتَهُ قَضَاءً مَجَازٌ قَالَ شَارِحُهُ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ وَهُوَ الْعُمُرُ فَهُوَ أَدَاءٌ عَلَى قَوْلِ مَشَايِخِنَا اهـ أَيْ وَحَيْثُ كَانَ الثَّانِي أَدَاءً لَمْ يَكُنْ حَجًّا آخَرَ أَفْسَدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ مُلْزِمًا نَفْسَهُ حَجًّا آخَرَ، بَلْ شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا لِمَا عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَيْسَ هُوَ ظَانًّا حَتَّى يَرِدَ أَنَّ الظَّانَّ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ فَصْلِ الْإِحْرَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 (وَلَمْ يَتَفَرَّقَا) وُجُوبًا بَلْ نَدْبًا إنْ خَافَ الْوِقَاعَ (وَ) وَطْؤُهُ (بَعْدَ وُقُوفِهِ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ، وَتَجِبُ بَدَنَةٌ، وَبَعْدَ الْحَلْقِ) قَبْلَ الطَّوَافِ (شَاةٌ) لِخِفَّةِ الْجِنَايَةِ (وَ) وَطْؤُهُ (فِي عُمْرَتِهِ قَبْلَ طَوَافِهِ أَرْبَعَةً مُفْسِدٌ لَهَا فَمَضَى وَذَبَحَ وَقَضَى) وُجُوبًا (وَ) وَطْؤُهُ (بَعْدَ أَرْبَعَةٍ ذَبَحَ وَلَمْ يَفْسُدْ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (فَإِنْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا)   [رد المحتار] كَمَا لَا يَخْفَى، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ حَجٍّ آخَرَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ ثَالِثًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ حَجٌّ كَامِلٌ حَتَّى يَسْقُطَ بِهِ الْوَاجِبُ، فَكُلَّمَا أَفْسَدَهُ لَا يَلْزَمُهُ سِوَى الْوَاجِبِ عَلَيْهِ أَوَّلًا كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ فَرْضٍ فَأَفْسَدَهَا. وَقَدْ وَجَدَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ النَّابُلُسِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَنْقُولَةً فَقَالَ: وَلَفْظُ الْمُبْتَغَى لَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ قَابِلٍ يُرِيدُ قَضَاءَ تِلْكَ الْحَجَّةِ فَأَفْسَدَ حَجَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا قَضَاءُ حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ أَفْسَدَ قَضَاءَ صَوْمِ رَمَضَانَ اهـ. [تَنْبِيهٌ] تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْإِعَادَةَ فِعْلٌ مِثْلَ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ لِخَلَلٍ غَيْرِ الْفَسَادِ وَهُنَا الْخَلَلُ هُوَ الْفَسَادُ فَلَا يَكُونُ إعَادَةً، لَكِنَّ مُرَادَهُمْ هُنَاكَ بِالْفَسَادِ الْبُطْلَانُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي الْعِبَادَاتِ، وَقَدْ عَلِمْت آنِفًا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَجِّ فَصَدَقَ عَلَيْهِ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ عَلَى أَنَّا قَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ الْمِيزَانِ تَعْرِيفَهَا بِالْإِتْيَانِ بِمِثْلِ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَفَرَّقَا) أَيْ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي الْقَضَاءِ بَعْدَمَا أَفْسَدَا حَجَّهُمَا بِالْجِمَاعِ أَيْ بِأَنْ يَأْخُذَ كُلٌّ مِنْهُمَا طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِ الْآخَرِ بِحَيْثُ لَا يَرَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ بَلْ نُدِبَا إنْ خَافَ الْوِقَاعَ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَمِثْلُهُ فِي اللُّبَابِ، وَكَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الِاخْتِيَارِ، وَقَدْ رَاجَعْت الِاخْتِيَارَ فَرَأَيْته كَذَلِكَ فَافْهَمْ. قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَأَمَّا مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَيْسَتْ الْفُرْقَةُ بِشَيْءٍ أَيْ بِأَمْرٍ ضَرُورِيٍّ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ: يَعْنِي لَيْسَ بِوَاجِبٍ. وَقَالَ زُفَرُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَجِبُ افْتِرَاقُهُمَا. وَأَمَّا وَقْتُ الِافْتِرَاقِ. فَعِنْدَنَا وَزُفَرَ إذَا أَحْرَمَا وَعِنْدَ مَالِكٍ إذَا خَرَجَا مِنْ الْبَيْتِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا انْتَهَيَا إلَى مَكَانِ الْجِمَاعِ. (قَوْلُهُ بَعْدَ وُقُوفِهِ) أَيْ قَبْلَ الْحَلْقِ وَالطَّوَافِ (قَوْلُهُ وَتَجِبُ بَدَنَةٌ) شَمِلَ مَا إذَا جَامَعَ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ، فَإِنْ اخْتَلَفَ فَبَدَنَةٌ لِلْأَوَّلِ وَشَاةٌ لِلثَّانِي بَحْرٌ، وَشَمِلَ الْعَامِدَ وَالنَّاسِيَ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْمُتُونِ وَاللُّبَابِ خِلَافًا لِمَا فِي السِّرَاجِ مِنْ أَنَّ النَّاسِيَ عَلَيْهِ شَاةٌ. قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْمَشَاهِيرِ مِنْ الرِّوَايَاتِ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي سَائِرِ الْجِنَايَاتِ. وَصُرِّحَ بِخُصُوصِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ قَبْلَ الطَّوَافِ) أَيْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ كُلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ لِخِفَّةِ الْجِنَايَةِ) أَيْ لِوُجُودِ الْحِلِّ الْأَوَّلِ بِالْحَلْقِ فِي حَقِّ غَيْرِ النِّسَاءِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ هُوَ مَا عَلَيْهِ الْمُتُونُ، وَمُشِيَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ والإسبيجابي عَلَى وُجُوبِ الْبَدَنَةِ قَبْلَ الْحَلْقِ وَبَعْدَهُ. وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ لِإِطْلَاقِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وُجُوبَهَا بَعْدَ الْوُقُوفِ بِلَا تَفْصِيلٍ، وَنَاقَشَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. وَأَمَّا لَوْ جَامَعَ بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ كُلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ قَبْلَ الْحَلْقِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ لُبَابٌ. قَالَ شَارِحُهُ الْقَارِي: كَذَا فِي الْبَحْرِ الزَّاخِرِ وَغَيْرِهِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ تَعْظِيمَ الْجِنَايَةِ إنَّمَا كَانَ لِمُرَاعَاةِ هَذَا الرُّكْنِ، وَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَسْتَمِرَّ هَذَا الْحُكْمُ وَلَوْ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ إلَّا أَنَّهُ سُومِحَ فِيهِ لِصُورَةِ التَّحَلُّلِ وَلَوْ كَانَ مُتَوَقِّفًا عَلَى أَدَاءِ الطَّوَافِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجِمَاعِ اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّ وُجُوبَ الشَّاةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا نِزَاعَ فِيهِ لِأَحَدٍ خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْقَارِيِّ حَيْثُ جَعَلَهَا مَحَلَّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ، نَعَمْ اسْتَشْكَلَهَا فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الطَّوَافَ قَبْلَ الْحَلْقِ لَمْ يَحِلَّ بِهِ مِنْ شَيْءٍ فَكَانَ يَنْبَغِي وُجُوبُ الْبَدَنَةِ. وَيُعْلَمُ جَوَابُهُ مِنْ التَّوْجِيهِ الْمَذْكُورِ عَنْ شَرْحِ اللُّبَابِ. هَذَا، وَلَمْ يُذْكَرْ حُكْمُ جِمَاعِ الْقَارِنِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: فَإِنْ جَامَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَطَوَافِ الْعُمْرَةِ فَسَدَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ وَلَزِمَهُ دَمَانِ وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ، وَإِنْ بَعْدَهُمَا قَبْلَ الْحَلْقِ لَزِمَهُ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ. وَاخْتُلِفَ فِيمَا بَعْدَهُ اهـ وَتَوْضِيحُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَوَطْؤُهُ فِي عُمْرَتِهِ) شَمِلَ عُمْرَةَ الْمُتْعَةِ ط (قَوْلُهُ وَذَبَحَ) أَيْ شَاةً بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَوَطْؤُهُ بَعْدَ أَرْبَعَةٍ ذَبَحَ وَلَمْ يَفْسُدْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَفْسُدْ وَذَبَحَ لِيَصِحَّ الْإِخْبَارُ عَنْ الْمُبْتَدَأِ بِلَا تَكَلُّفٍ إلَى تَقْدِيرِ الْعَائِدِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 أَيْ حَيَوَانًا بَرِّيًّا مُتَوَحِّشًا بِأَصْلِ خِلْقَتِهِ (أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ قَاتِلَهُ) مُصَدِّقًا لَهُ   [رد المحتار] قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا طَافَ الْبَاقِيَ وَسَعَى أَوَّلًا لَكِنْ بِشَرْطِ كَوْنِهِ قَبْلَ الْحَلْقِ، وَتَرَكَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ لِأَنَّهُ بِالْحَلْقِ يَخْرُجُ عَنْ إحْرَامِهَا بِالْكُلِّيَّةِ؛ بِخِلَافِ إحْرَامِ الْحَجِّ. وَلَمَّا بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ وَالْمُفْرِدِ بِالْعُمْرَةِ عُلِمَ مِنْهُ حُكْمُ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ حَيَوَانًا بَرِّيًّا إلَخْ) زَادَ غَيْرُهُ فِي التَّعْرِيفِ مُمْتَنِعًا بِجَنَاحِهِ أَوْ قَوَائِمِهِ، احْتِرَازًا عَنْ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَسَائِرِ الْهَوَامِّ. وَالْبَرِّيُّ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ فِي الْبَرِّ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْمَثْوَى، أَيْ الْمَكَانِ. وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْبَحْرِيِّ، وَهُوَ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ فِي الْمَاءِ وَلَوْ كَانَ مَثْوَاهُ فِي الْبَرِّ لِأَنَّ التَّوَالُدَ أَصْلٌ وَالْكَيْنُونَةَ بَعْدَهُ عَارِضٌ، فَكَلْبُ الْمَاءِ وَالضُّفْدَعُ الْمَائِيُّ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ قَالَ وَمِثْلُهُ السَّرَطَانُ وَالتِّمْسَاحُ وَالسُّلَحْفَاةُ الْبَحْرِيُّ يَحِلُّ اصْطِيَادُهُ لِلْمُحْرِمِ بِنَصِّ الْآيَةِ وَعُمُومِهَا مُتَنَاوِلٌ لِغَيْرِ الْمَأْكُولِ مِنْهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. خِلَافًا لِمَا فِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِالسَّمَكِ خَاصَّةً. أَمَّا الْبَرِّيُّ فَحَرَامٌ مُطْلَقًا وَلَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ كَالْخِنْزِيرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ إلَّا مَا يَسْتَثْنِيهِ بَعْدُ مِنْ الذِّئْبِ وَالْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالسَّبْعِ الصَّائِلِ، وَأَمَّا بَاقِي الْفَوَاسِقِ فَلَيْسَتْ بِصَيْدٍ. قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَأَمَّا طُيُورُ الْبَحْرِ فَلَا يَحِلُّ اصْطِيَادُهَا لِأَنَّ تَوَالُدَهَا فِي الْبَرِّ، وَعَزَاهُ شَارِحُهُ إلَى الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ فَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ تَوَالُدَهَا فِي الْمَاءِ سَبْقُ قَلَمٍ وَإِلَّا نَافَى مَا مَرَّ مِنْ اعْتِبَارِ التَّوَالُدِ فَافْهَمْ، وَدَخَلَ فِي الْمُتَوَحِّشِ بِأَصْلِ خِلْقَتِهِ نَحْوُ الظَّبْيِ الْمُسْتَأْنَسِ وَإِنْ كَانَتْ ذَكَاتُهُ بِالذَّبْحِ، وَخَرَجَ الْبَعِيرُ وَالشَّاةُ إذَا اسْتَوْحَشَا وَإِنْ كَانَتْ ذَكَاتُهُمَا بِالْبَقَرِ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِي الصَّيْدِيَّةِ أَصْلُ الْخِلْقَةِ، وَفِي الذَّكَاةِ الْإِمْكَانُ وَعَدَمُهُ بَحْرٌ، وَخَرَجَ الْكَلْبُ وَلَوْ وَحْشِيًّا لِأَنَّهُ أَهْلِيٌّ فِي الْأَصْلِ، وَكَذَا السِّنَّوْرُ الْأَهْلِيُّ، أَمَّا الْبَرِّيُّ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ فَتْحٌ وَجُزِمَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ كَالْكَلْبِ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَاءَ الْبَحْرِ لَوْ وُجِدَ فِي أَرْضِ الْحَرَمِ يَحِلُّ صَيْدُهُ أَيْضًا لِعُمُومِ الْآيَةِ وَحَدِيثِ " هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ " وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ حَيْثُ قَالُوا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَحْرُ فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ. اهـ. وَفِيهِ: وَقَدْ يُوجَدُ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ مَا تَكُونُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَحْشِيَّةَ الْخِلْقَةِ، وَفِي بَعْضِهَا مُسْتَأْنَسَةً كَالْجَامُوسِ، فَإِنَّهُ فِي بِلَادِ السُّودَانِ مُسْتَوْحِشٌ وَلَا يُعْرَفُ مِنْهُ مُسْتَأْنَسٌ عِنْدَهُمْ اهـ وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَهُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُحْرِمَ مِنْهُمْ فِي بِلَادِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ صَيْدُهُ مَا دَامَ فِيهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ قَاتِلُهُ) أَرَادَ بِالدَّلَالَةِ الْإِعَانَةَ عَلَى قَتْلِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ دَلَالَةً حَقِيقِيَّةً بِالْإِعْلَامِ بِمَكَانِهِ وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ لَا بَحْرٌ، فَدَخَلَ فِيهَا الْإِشَارَةُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ وَهِيَ مَا يَكُونُ بِالْحَضْرَةِ، وَفَسَّرَهَا فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهَا تَحْصِيلُ الدَّلَالَةِ بِغَيْرِ اللِّسَانِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الدَّلَالَةَ أَعَمُّ لِحُصُولِهَا بِاللِّسَانِ وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ مَا نَصُّهُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذِكْرَ الدَّلَالَةِ يُغْنِي عَنْ الْإِشَارَةِ، وَقَدْ تُخَصُّ الْإِشَارَةُ بِالْحَضْرَةِ وَالدَّلَالَةُ بِالْغَيْبَةِ اهـ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ الْمُصَنِّفُ أَوْ أَعَانَهُ عَلَيْهِ أَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ» وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «هَلْ أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ؟ قَالُوا لَا. قَالَ: فَكُلُوا» وَقَوْلُ الْبَحْرِ إنَّ الْمُرَادَ بِالدَّلَالَةِ الْإِعَانَةُ لَا يَشْمَلُ الْأَمْرَ، إذْ لَا إعَانَةَ فِيهِ مَا لَمْ تَكُنْ مَعَهُ دَلَالَةٌ عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا، نَعَمْ يَشْمَلُ مَا لَوْ دَخَلَ الصَّيْدُ مَكَانًا فَدَلَّهُ عَلَى طَرِيقِهِ أَوْ عَلَى بَابِهِ، وَمَا لَوْ دَلَّهُ عَلَى آلَةٍ يَرْمِيهِ بِهَا، وَكَذَا لَوْ أَعَارَهَا لَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إلَّا إذَا كَانَ مَعَ الْقَاتِلِ سِلَاحٌ غَيْرُهَا عَلَى مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ. [تَنْبِيهٌ] قُيِّدَ الدَّالُّ بِالْمُحْرِمِ بِإِرْجَاعِ الضَّمِيرِ إلَيْهِ، وَأُطْلِقَ فِي الْقَاتِلِ لِأَنَّ الدَّالَّ الْحَلَالَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْإِثْمُ عَلَى مَا فِي الْمَشَاهِيرِ مِنْ الْكُتُبِ، وَقِيلَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ شَرْحُ اللُّبَابِ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَدْلُولِ مُحْرِمًا فَلَوْ دَلَّ مُحْرِمٌ حَلَالًا فِي الْحِلِّ فَقَتَلَهُ فَعَلَى الدَّالِّ الْجَزَاءُ دُونَ الْمَدْلُولِ لُبَابٌ (قَوْلُهُ مُصَدِّقًا لَهُ) هَذِهِ الشُّرُوطُ لِوُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 غَيْرَ عَالِمٍ وَاتَّصَلَ الْقَتْلُ بِالدَّلَالَةِ أَوْ الْإِشَارَةِ وَالدَّالُّ وَالْمُشِيرُ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ وَأَخَذَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْفَلِتَ عَنْ مَكَانِهِ (بَدْءًا أَوْ عَوْدًا سَهْوًا أَوْ عَمْدًا) مُبَاحًا أَوْ مَمْلُوكًا (فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَلَوْ سَبُعًا غَيْرَ صَائِلٍ) أَوْ مُسْتَأْنَسًا (أَوْ حَمَامًا) وَلَوْ (مُسَرْوَلًا) بِفَتْحِ الْوَاوِ: مَا فِي رِجْلَيْهِ رِيشٌ كَالسَّرَاوِيلِ (أَوْ هُوَ مُضْطَرٌّ إلَى أَكْلِهِ) كَمَا يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ لَوْ قَتَلَ إنْسَانًا وَأَكَلَ لَحْمَهُ، وَيُقَدِّمُ الْمَيْتَةَ عَلَى الصَّيْدِ   [رد المحتار] الدَّالِّ الْمُحْرِمِ؛ أَمَّا الْإِثْمُ فَمُتَحَقِّقٌ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ. زَادَ فِي النَّهْرِ: وَلَيْسَ مَعْنَى التَّصْدِيقِ أَنْ يَقُولَ لَهُ صَدَقْت؛ بَلْ أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ؛ حَتَّى لَوْ أَخْبَرَ مُحْرِمٌ بِصَيْدٍ فَلَمْ يَرَهُ حَتَّى أَخْبَرَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فَلَمْ يُصَدِّقْ الْأَوَّلَ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ ثُمَّ طَلَبَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَزَاءُ؛ وَلَوْ كَذَّبَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ غَيْرَ عَالِمٍ) حَتَّى لَوْ دَلَّهُ وَالْمَدْلُولُ يَعْلَمُ بِهِ: أَيْ بِرُؤْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ لِكَوْنِ دَلَالَتِهِ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ فَكَانَتْ كَلَا دَلَالَةٍ لُبَابٌ وَشَرْحُهُ. وَعَلَيْهِ فَيُشْكِلُ مَا فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْمُنْتَقَى: لَوْ قَالَ خُذْ أَحَدَ هَذَيْنِ وَهُوَ يَرَاهُمَا فَقَتَلَهُمَا فَعَلَى الدَّالِّ جَزَاءٌ وَاحِدٌ وَإِلَّا فَجَزَاءَانِ: وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَخْذِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ فَيُوجِبُ الْجَزَاءَ مُطْلَقًا. قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ: لَوْ أَمَرَ الْمُحْرِمُ غَيْرَهُ بِأَخْذِ صَيْدٍ فَأَمَرَ الْمَأْمُورُ آخَرَ فَالْجَزَاءُ عَلَى الْآمِرِ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِرْ بِالْأَمْرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَلَّ الْأَوَّلُ عَلَى الصَّيْدِ وَأَمَرَهُ فَأَمَرَ الثَّانِي ثَالِثًا بِالْقَتْلِ حَيْثُ يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْأَمْرِ الْمُجَرَّدِ وَالْأَمْرِ مَعَ الدَّلَالَةِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ شَرْطٌ لِلدَّلَالَةِ لَا لِلْأَمْرِ، بَلْ هُوَ مُوجِبٌ لِلْجَزَاءِ مُطْلَقًا بِشَرْطِ الِائْتِمَارِ (قَوْلُهُ وَاتَّصَلَ الْقَتْلُ بِالدَّلَالَةِ) أَيْ تَحْصُلُ بِسَبَبِهَا شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَالدَّالُّ وَالْمُشِيرُ) الْأَوْلَى أَوْ الْمُشِيرُ بِأَوْ لِأَنَّ الْحُكْمَ ثَابِتٌ لِأَحَدِهِمَا وَلِيَصِحَّ قَوْلُهُ بَعْدَ بَاقٍ، وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَمَّا إذَا تَحَلَّلَ الدَّالُّ أَوْ الْمُشِيرُ فَقَتَلَهُ الْمَدْلُولُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيَأْثَمُ هِنْدِيَّةٌ ط (قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْفَلِتَ عَنْ مَكَانِهِ) فَلَوْ انْفَلَتَ عَنْ مَكَانِهِ ثُمَّ أَخَذَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ هِنْدِيَّةٌ ط (قَوْلُهُ بَدْءًا أَوْ عَوْدًا) أَيْ لَا فَرْقَ فِي لُزُومِ الْجَزَاءِ بَيْنَ قَتْلِ أَوَّلِ صَيْدٍ وَبَيْنَ مَا بَعْدَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا جَزَاءَ عَلَى الْعَائِدِ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَشُرَيْحٌ، وَلَكِنْ يُقَالُ لَهُ اذْهَبْ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْك مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا) وَكَذَا مُبَاشِرًا وَلَوْ غَيْرَ مُتَعَدٍّ كَنَائِمٍ انْقَلَبَ عَلَى صَيْدٍ أَوْ مُتَسَبِّبًا إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا، كَمَا إذَا نَصَبَ شَبَكَةً أَوْ حَفَرَ لَهُ حَفِيرَةً بِخِلَافِ مَا لَوْ نَصَبَ فُسْطَاطًا لِنَفْسِهِ فَتَعَلَّقَ بِهِ صَيْدٌ أَوْ حَفَرَ حَفِيرَةً لِلْمَاءِ أَوْ لِحَيَوَانٍ مُبَاحِ الْقَتْلِ كَذِئْبٍ فَعَطِبَ فِيهَا صَيْدٌ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَى حَيَوَانٍ مُبَاحٍ فَأَخَذَ مَا يَحْرُمُ أَوْ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ وَهُوَ حَلَالٌ فَجَاوَزَ إلَى الْحَرَمِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِعَدَمِ التَّعَدِّي، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَوْ مَمْلُوكًا) وَيَلْزَمُهُ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِمَالِكِهِ وَجَزَاؤُهُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ، وَلَوْ كَانَ مُعَلَّمًا فَيَأْتِي حُكْمُهُ. (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ) وَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمَقْتُولِ إلَّا إذَا قَصَدَ بِهِ التَّحَلُّلَ وَرَفَضَ إحْرَامَهُ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْأَصْلِ بَحْرٌ، وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَبُعًا) اسْمٌ لِكُلِّ مُخْتَطِفٍ مُنْتَهِبٍ جَارِحٍ قَاتِلٍ عَادٍ عَادَةً، وَأَرَادَ بِهِ كُلَّ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِمَّا لَيْسَ مِنْ الْفَوَاسِقِ السَّبْعَةِ وَالْحَشَرَاتِ سَوَاءٌ كَانَ سَبُعًا أَمْ لَا وَلَوْ خِنْزِيرًا أَوْ قِرْدًا أَوْ فِيلًا كَمَا فِي الْمَجْمَعِ بَحْرٌ. وَدَخَلَ فِيهِ سِبَاعُ الطَّيْرِ كَالْبَازِي وَالصَّقْرِ، وَقُيِّدَ بِغَيْرِ الصَّائِلِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ صَالَ لَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ (قَوْلُهُ أَوْ مُسْتَأْنَسًا) عَطْفٌ عَلَى سَبُعًا: أَيْ وَلَوْ ظَبْيًا مُسْتَأْنَسًا لِأَنَّ اسْتِئْنَاسَهُ عَارِضٌ، وَالْعِبْرَةُ لِلْأَصْلِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُسَرْوَلًا) صُرِّحَ بِهِ لِخِلَافِ مَالِكٍ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا جَزَاءَ فِيهِ لِأَنَّهُ أَلُوفٌ لَا يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ كَالْبَطِّ (قَوْلُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الْمُضْطَرَّ إلَى الْأَكْلِ (قَوْلُهُ وَيُقَدِّمُ الْمَيْتَةَ عَلَى الصَّيْدِ) أَيْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْحَسَنُ: يَذْبَحُ الصَّيْدَ وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ ح. قُلْت: وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا بِأَنَّ فِي أَكْلِ الصَّيْدِ ارْتِكَابَ حُرْمَتَيْنِ الْأَكْلِ وَالْقَتْلِ، وَفِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ ارْتِكَابُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 وَالصَّيْدَ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ وَلَحْمِ الْإِنْسَانِ، قِيلَ وَالْخِنْزِيرِ؛ وَلَوْ الْمَيِّتُ نَبِيًّا لَمْ يَحِلَّ بِحَالٍ كَمَا لَا يَأْكُلُ طَعَامَ مُضْطَرٍّ آخَرَ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: الصَّيْدُ الْمَذْبُوحُ أَوْلَى اتِّفَاقًا أَشْبَاهٌ، وَيَغْرَمُ أَيْضًا مَا أَكَلَهُ لَوْ بَعْدَ الْجَزَاءِ (وَ) الْجَزَاءُ (هُوَ مَا قَوَّمَهُ عَدْلَانِ) وَقِيلَ الْوَاحِدُ وَلَوْ الْقَاتِلَ يَكْفِي (فِي مَقْتَلِهِ أَوْ فِي أَقْرَبِ مَكَان مِنْهُ)   [رد المحتار] حُرْمَةِ الْأَكْلِ فَقَطْ اهـ وَالْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ، فَالْمَيْتَةُ أَوْلَى اهـ وَالْمُرَادُ بِالْحُرْمَةِ وَالْحُرْمَتَيْنِ مَا هُوَ فِي الْأَصْلِ قَبْلَ الِاضْطِرَارِ إذْ لَا حُرْمَةَ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَالصَّيْدَ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ) تَرْجِيحًا لِحَقِّ الْعَبْدِ لِافْتِقَارِهِ زَيْلَعِيٌّ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: مَنْ وَجَدَ طَعَامَ الْغَيْرِ لَا تُبَاحُ لَهُ الْمَيْتَةُ، وَهَكَذَا عَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ وَبِشْرٍ أَنَّ الْغَصْبَ أَوْلَى مِنْ الْمَيْتَةِ، وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ هُوَ بِالْخِيَارِ (قَوْلُهُ وَلَحْمِ الْإِنْسَانِ) أَيْ لِكَرَامَتِهِ وَلِأَنَّ الصَّيْدَ يَحِلُّ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ أَوْ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْإِحْرَامِ، وَالْآدَمِيُّ لَا يَحِلُّ بِحَالٍ ح (قَوْلُهُ قِيلَ وَالْخِنْزِيرِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْإِنْسَانِ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ الصَّيْدُ أَوْلَى مِنْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ اهـ. وَأَفَادَ الشَّارِحُ ضَعْفَهَا، لَكِنْ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْخِنْزِيرِ الْمَيِّتَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَوَجْهُ الضَّعْفِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ كَبَاقِي الْمَيْتَةِ فِيهِ ارْتِكَابُ حُرْمَةِ الْأَكْلِ فَقَطْ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ صَيْدٌ أَيْضًا فَاصْطِيَادُ غَيْرِهِ أَوْلَى لِأَنَّ فِي كُلٍّ ارْتِكَابَ حُرْمَتَيْنِ، لَكِنَّ حُرْمَتَهُ أَشَدُّ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: وَالْكَلْبُ أَوْلَى مِنْ الصَّيْدِ لِأَنَّ فِي الصَّيْدِ ارْتِكَابَ الْمَحْظُورَيْنِ (قَوْلُهُ وَلَوْ الْمَيِّتُ نَبِيًّا إلَخْ) غَيْرُ مَنْصُوصٍ فِي الْمَذْهَبِ، بَلْ نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ (قَوْلُهُ الصَّيْدُ الْمَذْبُوحُ أَوْلَى) أَيْ مَا ذَبَحَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ أَوْ ذَبَحَهُ هُوَ قَبْلَ الِاضْطِرَارِ لِأَنَّ فِي أَكْلِهِ ارْتِكَابَ مَحْظُورٍ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ اصْطِيَادِ غَيْرِهِ لِلْأَكْلِ (قَوْلُهُ وَيَغْرَمُ أَيْضًا إلَخْ) أَيْ يَغْرَمُ الذَّابِحُ قِيمَةَ مَا أَكَلَهُ زِيَادَةً عَلَى الْجَزَاءِ لَوْ كَانَ الْأَكْلُ بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ أَمَّا قَبْلَهُ فَيَدْخُلُ مَا أَكَلَ فِي ضَمَانِ الصَّيْدِ، فَلَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ بِانْفِرَادِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَكْلِهِ وَإِطْعَامِ كِلَابِهِ. وَقَالَا لَا يَغْرَمُ بِأَكْلِهِ شَيْئًا، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ غَيْرُ الذَّابِحِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَكَلَ الْحَلَالُ مِمَّا ذَبَحَهُ فِي الْحَرَمِ بَعْدَ الضَّمَانِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْأَكْلِ (قَوْلُهُ وَالْجَزَاءُ هُوَ مَا قَوَّمَهُ عَدْلَانِ) أَيْ مَا جَعَلَهُ الْعَدْلَانِ قِيمَةً لِلصَّيْدِ، فَمَا مَصْدَرِيَّةٌ أَوْ مَا قَوَّمَهُ بِهِ عَلَى أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى فَافْهَمْ. وَيُقَوَّمُ بِصِفَتِهِ الْخِلْقِيَّةِ عَلَى الرَّاجِحِ كَالْمَلَاحَةِ وَالْحُسْنِ وَالتَّصْوِيتِ لَا مَا كَانَتْ بِصُنْعِ الْعِبَادِ إلَّا فِي تَضْمِينِ قِيمَتِهِ لِمَالِكِهِ فَيُقَوَّمُ بِهَا أَيْضًا إلَّا إذَا كَانَتْ لِلَّهْوِ كَنَقْرِ الدِّيكِ وَنَطْحِ الْكَبْشِ فَلَا تُعْتَبَرُ كَمَا فِي الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْعَدْلِ مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ وَبَصَارَةٌ بِقِيمَةِ الصَّيْدِ، لَا الْعَدْلُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ بَحْرٌ مُلَخَّصًا، وَأُطْلِقَ فِي كَوْنِ الْجَزَاءِ هُوَ الْقِيمَةُ فَشَمِلَ الصَّيْدَ الَّذِي لَهُ مِثْلٌ وَغَيْرَهُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَخَصَّهُ مُحَمَّدٌ بِمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَأُوجِبَ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ مِثْلُهُ فَفِي نَحْوِ الظَّبْيِ شَاةٌ وَالنَّعَامَةِ بَدَنَةٌ، وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ، وَتَوْجِيهُ كُلٍّ فِي الْمُطَوَّلَاتِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ الْوَاحِدُ وَلَوْ الْقَاتِلَ يَكْفِي) الْأَوْلَى إسْقَاطُ قَوْلِهِ وَلَوْ الْقَاتِلَ لِأَنَّهُ بَحْثٌ مِنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ، وَقَالَ بَعْدَهُ: لَكِنَّهُ يُتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلٍ وَلَمْ أَرَهُ. اهـ. عَلَى أَنَّ صَاحِبَ اللُّبَابِ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ حَيْثُ قَالَ وَيُشْتَرَطُ لِلتَّقْوِيمِ عَدْلَانِ غَيْرُ الْجَانِي، وَقِيلَ الْوَاحِدُ يَكْفِي اهـ وَعُكِسَ فِي الْهِدَايَةِ حَيْثُ اُكْتُفِيَ بِالْوَاحِدِ، وَعُبِّرَ عَنْ الْمُثَنَّى بِقِيلِ مَيْلًا إلَى أَنَّ الْعَدَدَ فِي الْآيَةِ لِلْأَوْلَوِيَّةِ وَتَبِعَهُ فِي التَّبْيِينِ لِلزَّيْلَعِيِّ وَالسِّرَاجِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالْكَافِي، وَهُوَ ظَاهِرُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا فَافْهَمْ وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَاللُّبَابُ اسْتَظْهَرَهُ فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمَبْسُوطِ عَلَى طَرِيقَةِ الْقِيَاسِ: يَكْفِي الْوَاحِدُ لِلتَّقْوِيمِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَإِنْ كَانَ الْمُثَنَّى أَحْوَطَ لَكِنْ تُعْتَبَرُ حُكُومَةُ الْمُثَنَّى بِالنَّصِّ اهـ وَمِثْلُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَمُقْتَضَاهُ اخْتِيَارُ الْمُثَنَّى، وَعَزَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ تَصْحِيحَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَقْتَلِهِ قِيمَةٌ، فَأَوْ لِلتَّوْزِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ (وَ) الْجَزَاءُ فِي (سَبُعٍ) أَيْ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ وَلَوْ خِنْزِيرًا أَوْ فِيلًا (لَا يُزَادُ عَلَى) قِيمَةِ (شَاةٍ وَإِنْ كَانَ) السَّبْعُ (أَكْبَرَ مِنْهَا) لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ لَيْسَ إلَّا بِإِرَاقَةِ الدَّمِ، فَلَا يَجِبُ فِيهِ إلَّا دَمٌ؛ وَكَذَا لَوْ قَتَلَ مُعَلَّمًا ضَمِنَهُ لِحَقِّ اللَّهِ غَيْرَ مُعَلَّمٍ وَلِمَالِكِهِ مُعَلَّمًا (ثُمَّ لَهُ) أَيْ لِلْقَاتِلِ (أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ هَدَايَا وَيَذْبَحَهُ بِمَكَّةَ أَوْ طَعَامًا وَيَتَصَدَّقَ) أَيْنَ شَاءَ (عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ) وَلَوْ ذِمِّيًّا (نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ) كَالْفِطْرَةِ (لَا) يُجْزِئُهُ (أَقَلُّ) أَوْ أَكْثَرُ (مِنْهُ) بَلْ يَكُونُ تَطَوُّعًا (أَوْ صَامَ عَنْ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا وَإِنْ فَضَلَ عَنْ طَعَامِ مِسْكِينٍ) أَوْ كَانَ الْوَاجِبُ ابْتِدَاءً   [رد المحتار] إلَى شَرْحِ الدُّرَرِ، وَكَأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ اقْتِصَارِهِ عَلَيْهِ مُتَنَاوِبُهُ انْدَفَعَ اعْتِرَاضُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَلَيْهِمَا بِأَنَّهُ لَمْ يُصَرَّحْ فِي الدُّرَرِ بِتَصْحِيحِهِ، وَالْمُرَادُ بِالدُّرَرِ لِمُنْلَا خُسْرو وَمِثْلُهُ فِي دُرَرِ الْبِحَارِ لِلْقَنَوِيِّ، وَمَشَى فِي شَرْحِهَا غُرَرَ الْأَذْكَارِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ (قَوْلُهُ فِي مَقْتَلِهِ) أَيْ مَوْضِعِ قَتْلِهِ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ اُعْتُبِرَ مَعَ الْمَكَانِ الزَّمَانُ فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَأَوْ لِلتَّوْزِيعِ إلَخْ) أَيْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ مَكَانُهُ إنْ كَانَ يُبَاعُ فِيهِ الصَّيْدُ وَإِلَّا فَالْمُعْتَبَرُ هُوَ أَقْرَبُ مَكَان يُبَاعُ فِيهِ، لَا أَنَّ الْعَدْلَيْنِ يُخَيَّرَانِ فِي تَقْوِيمِهِ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ فِي سَبُعٍ) أَيْ غَيْرِ صَائِلٍ كَمَا مَرَّ، أَمَّا الصَّائِلُ فَلَا شَيْءَ فِي قَتْلِهِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ أَيْ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ) تَفْسِيرٌ مُرَادٌ، وَإِلَّا فَالسَّبُعُ أَخَصُّ كَمَا عَلِمْت مِنْ تَفْسِيرِهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ: وَلَيْسَ مِنْ الْفَوَاسِقِ السَّبْعَةِ وَالْحَشَرَاتِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ عَلَى قِيمَةِ شَاةٍ) الْمُرَادُ بِهَا هُنَا أَدْنَى مَا يُجْزِئُ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ: وَهُوَ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَكْبَرَ مِنْهَا) الْأَوْلَى أَكْثَرُ قِيمَةً مِنْهَا لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا يُنَاسِبُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ بِاعْتِبَارِ الْمِثْلِ صُورَةً (قَوْلُهُ لَيْسَ إلَّا بِإِرَاقَةِ الدَّمِ) أَيْ دُونَ اللَّحْمِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ. أَمَّا مَأْكُولُ اللَّحْمِ فَفِيهِ فَسَادُ اللَّحْمِ أَيْضًا فَتَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ نَهْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَكَذَا) أَيْ كَمَا أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ وَإِنْ كَانَ السَّبْعُ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْهَا، فَكَذَا لَوْ كَانَ مُعَلَّمًا لَا يَضْمَنُ مَا زَادَ بِالتَّعْلِيمِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، أَمَّا لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا فَيَضْمَنُ قِيمَةً ثَانِيَةً لِمَالِكِهِ مُعَلَّمًا، وَقُيِّدَ بِالتَّعْلِيمِ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا زِيَادَةَ الْوَصْفِ الْخِلْقِيِّ كَالْحُسْنِ وَالْمَلَاحَةِ كَمَا فِي الْحَمَامَةِ الْمُطَوَّقَةِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ ثُمَّ لَهُ أَيْ لِلْقَاتِلِ إلَخْ) وَقِيلَ الْخِيَارُ لِلْعَدْلَيْنِ، وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ فِي جَزَاءِ صَيْدٍ وَاحِدٍ، بِأَنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ هَدَايَا مُتَعَدِّدَةً فَذَبَحَ هَدَايَا وَأَطْعَمَ عَنْ هَدْيٍ وَصَامَ عَنْ آخَرَ، وَكَذَا لَوْ بَلَغَتْ هَدْيَيْنِ، إنْ شَاءَ ذَبَحَهُمَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِمَا أَوْ صَامَ عَنْهُمَا أَوْ ذَبَحَ أَحَدَهُمَا وَأَدَّى بِالْآخَرِ أَيْ الْكَفَّارَاتِ شَاةً أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، وَلَوْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ بَدَنَةً، إنْ شَاءَ اشْتَرَاهَا أَوْ اشْتَرَى سَبْعَ شِيَاهٍ، وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ، وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ الْقِيمَةِ إنْ شَاءَ اشْتَرَى بِهِ هَدْيًا آخَرَ إنْ بَلَغَهُ أَوْ صَرَفَهُ إلَى الطَّعَامِ أَوْ صَامَ وَتَمَامُهُ فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ (قَوْلُهُ وَيَذْبَحَهُ بِمَكَّةَ) أَيْ بِالْحَرَمِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْكَعْبَةِ فِي الْآيَةِ الْحَرَمُ كَمَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ نَهْرٌ؛ فَلَوْ ذَبَحَهُ فِي الْحِلِّ لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْهَدْيِ بَلْ عَنْ الْإِطْعَامِ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِطْعَامِ. وَأَفَادَ بِالذَّبْحِ أَنَّ الْمُرَادَ التَّقَرُّبُ بِالْإِرَاقَةِ فَلَوْ سَرَقَ بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ لَا لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ حَيًّا، وَلَوْ أَكَلَهُ بَعْدَ ذَبْحِهِ غَرِمَهُ وَيَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِكُلِّ لَحْمِهِ أَوْ بِمَا غَرِمَهُ مِنْ قِيمَةِ أَكْلِهِ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ ذِمِّيًّا) تَقَدَّمَ فِي الْمَصْرِفِ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُ الثَّانِي إنَّهُ لَا يَصِحُّ دَفْعُ الْوَاجِبَاتِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ نِصْفَ صَاعٍ) حَالٌ أَوْ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ وَأَعْطَى لِأَنَّ تَصَدَّقَ لَا يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يُضَمَّنَ مَعْنَى قَسَمَ مَثَلًا (قَوْلُهُ كَالْفِطْرَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّ التَّشْبِيهَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمِقْدَارِ لَا غَيْرُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ، فَلَا يَرِدُ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْإِبَاحَةَ هُنَا كَافِيَةٌ كَمَا سَيَأْتِي أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ أَوْ أَكْثَرُ) كَأَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ ثَلَاثَ صِيعَانٍ مَثَلًا دَفَعَهَا إلَى مِسْكِينَيْنِ. وَكَذَا لَوْ دَفَعَ الْكُلَّ إلَى وَاحِدٍ لَكِنَّهُ سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بَلْ يَكُونُ تَطَوُّعًا) أَيْ يَكُونُ الْجَمِيعُ فِي صُورَةِ الْأَقَلِّ وَالزَّائِدِ عَلَى نِصْفِ صَاعِ كُلِّ مِسْكِينٍ فِي صُورَةِ الْأَكْثَرِ تَطَوُّعًا ح (قَوْلُهُ أَوْ صَامَ) أَطْلَقَ فِيهِ وَفِي الْإِطْعَامِ. فَدَلَّ أَنَّهُمَا يَجُوزَانِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 أَقَلَّ مِنْهُ (تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ صَامَ يَوْمًا) بَدَلَهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ نِصْفَ صَاعٍ عَلَى مَسَاكِينَ) قَالَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ: هَكَذَا ذَكَرُوهُ هُنَا وَقُدِّمَ فِي الْفِطْرَةِ الْجَوَازُ فَيَنْبَغِي كَذَلِكَ هُنَا، وَتَكْفِي الْإِبَاحَةُ هُنَا كَدَفْعِ الْقِيمَةِ (وَلَا) أَنْ (يَدْفَعَ) كُلَّ الطَّعَامِ (إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ هُنَا) بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ لِأَنَّ الْعَدَدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ (كَمَا لَا يَجُوزُ دَفْعُهُ) أَيْ الْجَزَاءِ (إلَى) مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ كَ (أَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا، وَفَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ، وَزَوْجَتِهِ وَزَوْجِهَا، وَ) هَذَا   [رد المحتار] وَمُتَفَرِّقًا وَمُتَتَابِعًا لِإِطْلَاقِ النَّصِّ فِيهِمَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَقَلَّ مِنْهُ) بِأَنْ قَتَلَ يَرْبُوعًا أَوْ عُصْفُورًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ أَيْضًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ تَصَدَّقَ بِهِ) أَيْ عَلَى غَيْرِ الَّذِينَ أَعْطَاهُمْ أَوَّلًا شَرْحُ اللُّبَابِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ إلَخْ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ لَا أَقَلَّ مِنْهُ (قَوْلُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ: وَقَدْ حَقَّقْنَا فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ نِصْفَ الصَّاعِ عَلَى مَسَاكِينِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَأَنَّ الْقَائِلَ بِالْمَنْعِ الْكَرْخِيُّ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ هُنَا، وَالنَّصُّ هُنَا مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ كَالْفِطْرَةِ لِأَنَّ الْعَدَدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ اخْتِيَارُ الْجَوَازِ إذَا فَرَّقَ نِصْفَ صَاعٍ عَلَى مَسَاكِينَ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَقِيَاسًا عَلَى الْفِطْرَةِ، إلَّا إذَا أَعْطَى كُلَّ الْوَاجِبِ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ لِتَفْوِيتِ الْعَدَدِ الْمَنْصُوصِ فِي قَوْله تَعَالَى - {طَعَامُ مَسَاكِينَ} [المائدة: 95]- لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ جَوَازَ التَّفْرِيقِ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ. عَلَى أَنَّ إطْلَاقَ النَّصِّ يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ دَفْعُ نِصْفِ الصَّاعِ لِفَقِيرٍ وَاحِدٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَتَكْفِي الْإِبَاحَةُ هُنَا) أَيْ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ كَمَا مَرَّ. قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ الْأَوَّلِ، لَكِنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي كَفَّارَةِ الْحَلْقِ عَنْ الْأَذَى. وَأَمَّا كَفَّارَةُ الصَّيْدِ فَيَجُوزُ الْإِطْعَامُ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ بِلَا خِلَافٍ، فَيَصْنَعُ لَهُمْ طَعَامًا بِقَدْرِ الْوَاجِبِ وَيُمَكِّنُهُمْ مِنْهُ حَتَّى يَسْتَوْفُوا أَكْلَتَيْنِ مُشْبِعَتَيْنِ غَدَاءً وَعِشَاءً. وَإِنْ غَدَّاهُمْ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ الْعِشَاءِ أَوْ بِالْعَكْسِ جَازَ. وَالْمُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ مَأْدُومًا، وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِدَامُ فِي خُبْزِ الْبُرِّ. وَاخْتُلِفَ فِي غَيْرِهِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَانْظُرْ لَوْ لَمْ يَسْتَوْفُوا الْأَكْلَتَيْنِ بِمَا صُنِعَ لَهُمْ مِنْ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَزِيدَ إلَى أَنْ يَشْبَعُوا وَالظَّاهِرُ نَعَمْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَدَفْعِ الْقِيمَةِ) فَيَدْفَعُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، وَلَا يَجُوزُ النَّقْصُ عَنْهَا كَمَا فِي الْعَيْنِ بَحْرٌ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ؛ حَتَّى لَوْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ عَنْ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ وَسَطٍ أَوْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ أَكْثَرَ لَا يُعْتَبَرُ، بَلْ يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَيَلْزَمُهُ تَكْمِيلُ الْبَاقِي شَرْحُ اللُّبَابِ. قُلْت: وَالْمَنْصُوصُ هُوَ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَدَقِيقُهُمَا وَسَوِيقُهُمَا وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ، بِخِلَافِ نَحْوِ الذُّرَةِ وَالْمَاشِّ وَالْعَدَسِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَكَذَا الْخُبْزُ، فَلَا يَجُوزُ مِقْدَارُ وَزْنِ نِصْفِ صَاعٍ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَلَا أَنْ يَدْفَعَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَلَوْ دَفَعَ طَعَامَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ فِي يَوْمٍ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ دَفَعَاتٍ فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ. وَعَامَّتُهُمْ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ فِي يَوْمٍ عَمَّا لَوْ دَفَعَ إلَى وَاحِدٍ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ عِنْدَنَا كَمَا صُرِّحَ بِهِ قَبْلَهُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمِسْكِينَ الْوَاحِدَ غَيْرُ قَيْدٍ، حَتَّى لَوْ دَفَعَ الْكُلَّ إلَى مِسْكِينَيْنِ يَكْفِي عَنْ اثْنَيْنِ فَقَطْ وَالْبَاقِي تَطَوُّعٌ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ (قَوْلُهُ إلَى مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ) عَدَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ تَعْبِيرِهِمْ بِهَذَا إلَى التَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ إلَى أَصْلِهِ إلَخْ وَقَالَ إنَّهُ الْأَوْلَى، فَلِذَا تَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ، لَكِنْ خَالَفَهُ الشَّارِحُ لِأَنَّهُ أَحْضُرُ وَأَظْهَرُ لِشُمُولِهِ مَمْلُوكَهُ، وَلَا يَرِدُ النَّقْضُ بِالشَّرِيكِ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ فِيمَا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا لَا مُطْلَقًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ عَدَمُ جَوَازِ الدَّفْعِ إلَى أَصْلِهِ إلَخْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 565 (هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَدَقَةٍ وَاجِبَةٍ) كَمَا مَرَّ فِي الْمَصْرِفِ (وَوَجَبَ بِجُرْحِهِ وَنَتْفِ شَعْرِهِ وَقَطْعِ عُضْوِهِ مَا نَقَصَ) إنْ لَمْ يَقْصِدْ الْإِصْلَاحَ، فَإِنْ قَصَدَهُ كَتَخْلِيصِ حَمَامَةٍ مِنْ سِنَّوْرٍ أَوْ شَبَكَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَتْ (وَ) وَجَبَ (بِنَتْفِ رِيشِهِ وَقَطْعِ قَوَائِمِهِ) حَتَّى خَرَجَ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ (وَكَسْرِ بَيْضِهِ) غَيْرِ الْمَذِرِ (وَخُرُوجِ فَرْخٍ مَيِّتٍ بِهِ) أَيْ بِالْكَسْرِ (وَذَبْحِ حَلَالٍ صَيْدَ الْحَرَمِ وَحَلْبِهِ) لَبَنَهُ (وَقَطْعِ حَشِيشِهِ وَشَجَرِهِ)   [رد المحتار] قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ فِي الْمَصْرِفِ) أَيْ فِي بَابِ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا حَيْثُ قَالَ وَلَا إلَى مَنْ بَيْنَهُمَا أَوْلَادٌ أَوْ زَوْجِيَّةٌ إلَخْ فَذِكْرُ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْبَابِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَدَقَةٍ وَاجِبَةٍ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَوَجَبَ بِجُرْحِهِ) أَفَادَ بِذِكْرِهِ بَعْدَ ذِكْرِ الْقَتْلِ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْهُ، فَلَوْ غَابَ وَلَمْ يَعْلَمْ مَوْتَهُ وَلَا حَيَاتَهُ فَالِاسْتِحْسَانُ أَنْ يَلْزَمَهُ جَمِيعُ الْقِيمَةِ احْتِيَاطًا، كَمَنْ أَخَذَ صَيْدًا مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ أَرْسَلَهُ وَلَا يَدْرِي أَدَخَلَ الْحَرَمَ أَمْ لَا مُحِيطٌ؛ وَلَوْ بَرِئَ مِنْ الْجُرْحِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ لَا يَسْقُطُ الْجَزَاءُ بَدَائِعُ. وَفِي الْمُحِيطِ خِلَافُهُ وَاسْتُظْهِرَ فِي الْبَحْرِ الْأَوَّلُ، وَمَشَى فِي اللُّبَابِ عَلَى الثَّانِي، وَقَوَّاهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ مَا نَقَصَ) فَيُقَوَّمُ صَحِيحًا ثُمَّ نَاقِصًا، فَيَشْتَرِي بِمَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ هَدَايَا أَوْ يَصُومُ ط عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ. قَالَ: وَهَذَا لَوْ لَمْ يُخْرِجْهُ الْجُرْحُ وَنَحْوُهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ وَإِلَّا ضَمِنَ كُلَّ الْقِيمَةِ اهـ وَلَوْ لَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى قَتَلَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ فَقَطْ وَسَقَطَ نُقْصَانُ الْجِرَاحَةِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ تَبَعًا لِلْبَدَائِعِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَيْهِ (قَوْلُهُ حَتَّى خَرَجَ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ) عَبَّرَ تَبَعًا لِلدُّرَرِ بِحَرْفِ الْغَايَةِ دُونَ التَّعْلِيلِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّيشِ وَالْقَوَائِمِ جِنْسُهُمَا الصَّادِقُ بِالْقَلِيلِ مِنْهُمَا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ كُلِّ الْقِيمَةِ نَتْفُ كُلِّ الرِّيشِ وَقَطْعُ كُلِّ الْقَوَائِمِ، بَلْ الْمُرَادُ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ: أَيْ عَنْ أَنْ يَبْقَى مُمْتَنِعًا بِنَفْسِهِ فَافْهَمْ. وَالْحَيِّزُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ: بِمَعْنَى النَّاحِيَةِ، فَهُوَ هُنَا مُقْحَمٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، فَهُوَ كَظَهْرٍ فِي قَوْلِهِمْ ظَهْرِ الْغَيْبِ، وَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ غَيْرِ الْمَذِرِ) بِكَسْرِ الذَّالِ بِمَعْنَى الْفَاسِدِ، قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَسَرَ بَيْضَةً مَذِرَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ ضَمَانَهَا لَيْسَ لِذَاتِهَا بَلْ لِعَرْضِيَّةِ أَنْ تَصِيرَ صَيْدًا وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الْفَاسِدَةِ وَلَوْ كَانَ لِقِشْرِهَا قِيمَةٌ كَبِيضِ النَّعَامِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْ التَّعَرُّضِ لِلْقِشْرِ كَمَا فِي الْفَتْحِ بَحْرٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَخُرُوجِ فَرْخٍ مَيِّتٍ بِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِنَتْفِ. قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا: أَيْ مِنْ الْبَيْضَةِ فَرْخٌ مَيِّتٌ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْفَرْخِ حَيًّا وَلَا شَيْءَ فِي الْبَيْضَةِ اهـ وَقَوْلُهُ بِهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَيِّتٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ مَوْتَهُ بِغَيْرِ الْكَسْرِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِلْفَرْخِ لِانْعِدَامِ الْإِمَاتَةِ وَلَا لِلْبِيضِ لِعَدَمِ الْعَرْضِيَّةِ اهـ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ الْكَسْرِ أَوْ لَا فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَغْرَمَ غَيْرَ الْبَيْضَةِ لِأَنَّ حَيَاةَ الْفَرْخِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: عَلَيْهِ قِيمَةُ الْفَرْخِ حَيًّا عِنَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَذَبْحِ حَلَالِ صَيْدِ الْحَرَمِ) سَيُعِيدُ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَحَلْبِهِ لَبَنَهُ) لِأَنَّ اللَّبَنَ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّيْدِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي النُّقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى، وَكَذَا لَوْ كَسَرَ بَيْضَهُ أَوْ جَرَحَهُ يَضْمَنُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. ثُمَّ إنَّ ذِكْرَ الشَّارِحِ الْمَفْعُولَ وَهُوَ لَبَنَهُ يُفِيدُ أَنَّ الْحَلْبَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى ضَمِيرِ الْفَاعِلِ وَهُوَ الْحَلَالُ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ فَلَوْ تَرَكَ ذِكْرَ لَبَنِهِ وَجَعَلَ الْمَصْدَرَ مُضَافًا إلَى ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ وَهُوَ الصَّيْدُ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَشْمَلُ حِينَئِذٍ مَا إذَا كَانَ الْحَالِبُ مُحْرِمًا لَكِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِصَيْدِ الْحَرَمِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَطْعِ حَشِيشِهِ وَشَجَرِهِ) ذَكَرَ النَّوَوِيُّ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْعُشْبَ وَالْخَلَا بِالْقَصْرِ اسْمٌ لِلرَّطْبِ وَالْحَشِيشَ لِلْيَابِسِ، وَأَنَّ الْفُقَهَاءَ يُطْلِقُونَ الْحَشِيشَ عَلَى الرَّطْبِ أَيْضًا مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ. اهـ. وَفِي الْفَتْحِ: وَالشَّجَرُ اسْمٌ لِلْقَائِمِ الَّذِي بِحَيْثُ يَنْمُو فَإِذَا جَفَّ فَهُوَ حَطَبٌ. اهـ. وَأُطْلِقَ فِي الْقَاطِعِ فَشَمِلَ الْحَلَالَ وَالْمُحْرِمَ، وَقُيِّدَ بِالْقَطْعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَقْلُوعِ ضَمَانٌ، وَأَشَارَ بِضَمَانِ قِيمَتِهِ إلَى أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلصَّوْمِ هُنَا، وَإِلَى أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ. وَيُكْرَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بَيْعًا وَغَيْرَهُ، وَلَا يُكْرَهُ لِلْمُشْتَرِي، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ مَمْلُوكٍ) يَعْنِي النَّابِتَ بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكًا أَوْ لَا؛ حَتَّى قَالُوا لَوْ نَبَتَ فِي مِلْكِهِ أُمُّ غَيْلَانٍ فَقَطَعَهَا إنْسَانٌ فَعَلَيْهِ قِيمَةٌ لِمَالِكِهَا وَأُخْرَى لِحَقِّ الشَّرْعِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ مَنْ تَمَلَّكَ أَرْضَ الْحَرَمِ (وَلَا مُنْبَتٍ) أَيْ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ فَلَوْ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَقْلُوعٍ وَوَرَقٍ لَمْ يَضُرَّ بِالشَّجَرِ، وَلِذَا حَلَّ قَطْعُ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ لِأَنَّ إثْمَارَهُ أُقِيمَ مَقَامَ الْإِنْبَاتِ (قِيمَتُهُ) فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ (إلَّا مَا جَفَّ) أَوْ انْكَسَرَ لِعَدَمِ النَّمَاءِ، أَوْ ذَهَبَ بِحَفْرِ كَانُونٍ أَوْ ضَرْبِ فُسْطَاطٍ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ (وَالْعِبْرَةُ لِلْأَصْلِ لَا لِغُصْنِهِ وَبَعْضِهِ) أَيْ الْأَصْلِ (كَهُوَ) تَرْجِيحًا لِلْحُرْمَةِ   [رد المحتار] وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ وَلَا مُنْبَتٍ) اعْلَمْ أَنَّ النَّابِتَ فِي الْحَرَمِ إمَّا جَافٌّ أَوْ مُنْكَسِرٌ أَوْ إذْخِرٌ أَوْ غَيْرُهَا، وَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الضَّمَانِ كَمَا يَأْتِي. وَغَيْرُهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ أَنْبَتَهُ النَّاسُ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ لَا شَيْءَ فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ كَالزَّرْعِ أَوْ لَا كَأُمِّ غَيْلَانٍ. وَالثَّانِي إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُونَهُ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَفِيهِ الْجَزَاءُ، فَمَا فِيهِ الْجَزَاءُ هُوَ النَّابِتُ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مِمَّا يُسْتَنْبَتُ، وَمُنْكَسِرًا وَلَا جَافًّا وَلَا إذْخِرًا كَمَا قَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ. وَذُكِرَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِ الْكَنْزِ غَيْرَ مَمْلُوكٍ هُوَ النَّبَاتُ بِنَفْسِهِ مَمْلُوكًا أَوْ لَا، لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ نَبَتَ فِي مِلْكِ رَجُلٍ مَا لَا يُسْتَنْبَتُ كَأُمِّ غَيْلَانٍ فَإِنَّهُ مَضْمُونُ أَيْضًا كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ. وَمَا أَجَابَ بِهِ فِي النَّهْرِ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ صِحَّتِهِ، فَلِذَا خَالَفَ الشَّارِحُ عَادَتَهُ وَلَمْ يُتَابِعْهُ بَلْ تَابَعَ الْبَحْرَ وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي الشَّرْحِ (قَوْلُهُ فَقَطَعَهَا إنْسَانٌ) لَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا قَطَعَهَا الْمَالِكُ. وَنُقِلَ فِي غَايَةِ الْإِتْقَانِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي أُمِّ غَيْلَانٍ تَنْبُتُ فِي الْحَرَمِ فِي أَرْضِ رَجُلٍ لَيْسَ لِصَاحِبِهِ قَطْعُهُ، وَلَوْ قَطَعَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ جَزَاءٌ، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ فَفِيهِ الْقِيمَةُ، سَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكًا أَوْ لَا فَيَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِحَقِّ الشَّرْعِ، أَفَادَهُ نُوحٌ أَفَنْدِي، وَصَرَّحَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِضَمَانِهِ جَازِمًا بِهِ (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا إلَخْ) أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ إنَّ أَرْضَ الْحَرَمِ سَوَائِبُ: أَيْ أَوْقَافٌ فِي حُكْمِ السَّوَائِبِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ قَوْلُهُمْ لَوْ نَبَتَ فِي مِلْكِهِ بَحْرٌ، وَعَلَيْهِ فَالْوَاجِبُ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِحَقِّ الشَّرْعِ فَقَطْ (قَوْلُهُ فَلَوْ مِنْ جِنْسِهِ إلَخْ) لِأَنَّ الَّذِي يُنْبِتُهُ النَّاسُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ لِلْأَمْنِ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَا لَا يُنْبِتُونَهُ عَادَةً إذَا أَنْبَتُوهُ الْتَحَقَ بِمَا يُنْبِتُونَهُ عَادَةً، فَكَانَ مِثْلُهُ بِجَامِعِ انْقِطَاعِ كَمَالِ النِّسْبَةِ إلَى الْحَرَمِ عِنْدَ النِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ بِالْإِنْبَاتِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْعِنَايَةِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ كَمَقْلُوعٍ) أَيْ إذَا انْقَلَعَتْ شَجَرَةٌ إنْ كَانَ عُرُوقُهَا لَا تَسْقِيهَا فَلَا شَيْءَ بِقَطْعِهَا لُبَابٌ (قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِ الشَّجَرِ أَوْ الْحَشِيشِ الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ لَا شَيْءَ فِيهِ مِنْ جَزَاءٍ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَلَا مِنْ حُرْمَةٍ ط (قَوْلُهُ حَلَّ قَطْعُ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ، لَكِنْ إنْ كَانَ لَهُ مَالِكٌ تُوقَفُ عَلَى إجَازَتِهِ وَإِلَّا وَجَبَتْ قِيمَتُهُ لَهُ كَمَا لَا يَخْفَى ط (قَوْلُهُ لِأَنَّ إثْمَارَهُ إلَخْ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلِذَا إلَخْ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ إذَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ إنَّمَا لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا أَنْبَتُوهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ قِيمَتُهُ) فَاعِلُ وَجَبَ، وَقَوْلُهُ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ: أَيْ قِيمَةِ مَا أَتْلَفَهُ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِيَةِ، فَفِي الْأُولَيَيْنِ وَالْخَامِسَةِ قِيمَةُ الصَّيْدِ، وَفِي الثَّالِثَةِ الْبَيْضُ، وَفِي الرَّابِعَةِ الْفَرْخُ، وَفِي السَّادِسَةِ اللَّبَنُ، وَفِي السَّابِعَةِ الْحَشِيشُ، وَفِي الثَّامِنَةِ الشَّجَرُ (قَوْلُهُ إلَّا مَا جَفَّ أَوْ انْكَسَرَ) أَيْ فَلَا يَضْمَنُهُ الْقَاطِعُ إلَّا إذَا كَانَ مَمْلُوكًا فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِمَالِكِهِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، وَالْجَافُّ بِالْجِيمِ: الْيَابِسُ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يُسَمَّى حَطَبًا (قَوْلُهُ أَوْ ضَرْبِ فُسْطَاطٍ) أَيْ خَيْمَةٍ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ ذَهَبَ بِمَشْيِهِ أَوْ مَشْيِ دَوَابِّهِ كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَالصَّوَابُ ذِكْرُ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا لِغُصْنِهِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ وَالْعِبْرَةُ لِلْأَصْلِ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَجْنَاسِ الْأَغْصَانُ تَابِعَةٌ لِأَصْلِهَا وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 (وَالْعِبْرَةُ لِمَكَانِ الطَّائِرِ، فَإِنْ كَانَ) عَلَى غُصْنٍ بِحَيْثُ (لَوْ وَقَعَ) الصَّيْدُ (وَقَعَ فِي الْحَرَمِ فَهُوَ صَيْدُ الْحَرَمِ وَإِلَّا لَا، وَلَوْ كَانَ قَوَائِمُ الصَّيْدِ) الْقَائِمِ (فِي الْحَرَمِ وَرَأْسُهُ فِي الْحِلِّ فَالْعِبْرَةُ لِقَوَائِمِهِ) وَبَعْضُهَا كَكُلِّهَا (لَا لِرَأْسِهِ) وَهَذَا فِي الْقَائِمِ، وَلَوْ كَانَ نَائِمًا فَالْعِبْرَةُ لِرَأْسِهِ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِ قَوَائِمِهِ حِينَئِذٍ، فَاجْتَمَعَ الْمُبِيحُ وَالْمُحَرِّمُ، وَالْعِبْرَةُ لِحَالَةِ الرَّمْيِ إلَّا إذَا رَمَاهُ مِنْ الْحِلِّ وَمَرَّ السَّهْمُ فِي الْحَرَمِ يَجِبُ الْجَزَاءُ اسْتِحْسَانًا بَدَائِعُ (وَلَوْ شَوَى بَيْضًا أَوْ جَرَادًا) أَوْ حَلَبَ لَبَنَ صَيْدٍ (فَضَمِنَهُ لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهُ)   [رد المحتار] أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ أَصْلُهَا فِي الْحَرَمِ وَالْأَغْصَانُ فِي الْحِلِّ، فَعَلَى قَاطِعِ الْأَغْصَانِ الْقِيمَةُ. الثَّانِي عَكْسُهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِمَا. الثَّالِثُ بَعْضُ الْأَصْلِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ ضَمِنَ سَوَاءٌ كَانَ الْغُصْنُ مِنْ جَانِبِ الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْعِبْرَةُ لِمَكَانِ الطَّائِرِ) أَيْ لِمَكَانِهِ مِنْ الشَّجَرَةِ لَا لِأَصْلِهَا لِأَنَّ الصَّيْدَ لَيْسَ تَابِعًا لَهَا ط (قَوْلُهُ بِحَيْثُ لَوْ وَقَعَ الصَّيْدُ) فُسِّرَ الضَّمِيرُ بِهِ مَعَ أَنَّ مَرْجِعَهُ الطَّائِرُ قَصْدًا لِلتَّعْمِيمِ فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخُصُّ الطَّيْرَ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ لَوْ وَقَعَ فِي الْحِلِّ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْحِلِّ، وَلَوْ أَخَذَ الْغُصْنُ شَيْئًا مِنْ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ فَالْعِبْرَةُ لِلْحَرَمِ تَرْجِيحًا لِلْحَاظِرِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ نَظَائِرِهِ ط (قَوْلُهُ الْقَائِمِ) مُحْتَرَزُهُ مَا يَذْكُرُهُ مِنْ النَّائِمِ؛ وَلَوْ قَالَ وَالْعِبْرَةُ لِقَوَائِم الطَّيْرِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ لِأَنَّهُ يُفِيدُ حُكْمَ مَا إذَا كَانَتْ فِي الْحِلِّ ط (قَوْلُهُ وَبَعْضُهَا كَكُلِّهَا) أَيْ لَوْ كَانَ بَعْضُ قَوَائِمِهِ فِي الْحَرَمِ فَهُوَ كَكُلِّهَا فَيَجِبُ الْجَزَاءُ. قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: أَيْ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ مِنْ الْقَوَائِمِ فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ، وَهَذَا فِي الْقَائِمِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ سَابِقًا الْقَائِمِ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ نَائِمًا فَالْعِبْرَةُ لِرَأْسِهِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ رَأْسُهُ فِي الْحِلِّ فَقَطْ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْحِلِّ، وَبِهِ صُرِّحَ فِي السِّرَاجِ، لَكِنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِ فَاجْتَمَعَ الْمُبِيحُ وَالْمُحَرِّمُ أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ. لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ تَرْجِيحُ الْمُحَرِّمِ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ كَالصَّرِيحَةِ فِيمَا قُلْنَا، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي اللُّبَابِ لَوْ كَانَ مُضْطَجِعًا فِي الْحِلِّ وَجُزْءٌ مِنْهُ فِي الْحَرَمِ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ وَرُئِيَ قَالَ شَارِحُهُ الْقَاضِي: أَيُّ جُزْءٍ كَانَ. وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: لَوْ مُضْطَجِعًا فِي الْحِلِّ وَرَأْسُهُ فِي الْحَرَمِ يَضْمَنُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِرَأْسِهِ وَهُوَ مُوهِمٌ أَنَّ الْجُزْءَ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الرَّأْسُ لَا غَيْرُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِرًّا عَلَى قَوَائِمِهِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ مُلْقًى، وَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ فَيُرَجَّحُ جَانِبُ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا. فَفِي الْبَدَائِعِ: إنَّمَا تُعْتَبَرُ الْقَوَائِمُ فِي الصَّيْدِ إذَا كَانَ قَائِمًا عَلَيْهَا وَجَمِيعُهُ إذَا كَانَ مُضْطَجِعًا اهـ وَهُوَ بِظَاهِرِهِ كَمَا قَالَ فِي الْغَايَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْحِلَّ لَا يَثْبُتُ إلَّا إذَا كَانَ جَمِيعُهُ فِي الْحِلِّ حَالَةَ الِاضْطِجَاعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فَفِي الْمَبْسُوطِ: إذَا كَانَ جَزْءٌ مِنْهُ فِي الْحَرَمِ حَالَةَ النَّوْمِ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْعِبْرَةُ لِحَالَةِ الرَّمْيِ) أَيْ الْمُعْتَبَرُ فِي الرَّامِي حَالَةُ الرَّمْيِ لَا حَالَةُ الْوُصُولِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ حَتَّى لَوْ رَمَى مَجُوسِيٌّ إلَى صَيْدٍ فَأَسْلَمَ ثُمَّ وَصَلَ السَّهْمُ إلَيْهِ لَا يُؤْكَلُ؛ وَلَوْ رَمَى مُسْلِمٌ فَارْتَدَّ ثُمَّ وَصَلَ السَّهْمُ يُؤْكَلُ ح عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا رَمَاهُ إلَخْ) أَقُولُ: قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَلَوْ رَمَى صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَهَرَبَ فَأَصَابَهُ السَّهْمُ فِي الْحَرَمِ ضَمِنَ، وَلَوْ رَمَاهُ فِي الْحِلِّ وَأَصَابَهُ فِي الْحِلِّ فَدَخَلَ الْحَرَمُ فَمَاتَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَلَوْ كَانَ الرَّمْيُ فِي الْحِلِّ وَالصَّيْدُ فِي الْحِلِّ إلَّا أَنَّ بَيْنَهُمَا قِطْعَةً مِنْ الْحَرَمِ فَمَرَّ فِيهَا السَّهْمُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُوَ الْمَسْأَلَةُ الْأَخِيرَةُ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ جَزَمَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهَا مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ اسْتِحْسَانٍ أَوْ قِيَاسٍ، وَإِنَّمَا حَكَى ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَيْثُ نَقَلَ أَوَّلًا عَنْ الْخَانِيَّةِ وُجُوبَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 وَجَازَ بَيْعُهُ وَيُكْرَهُ، وَيَجْعَلُ ثَمَنَهُ فِي الْفِدَاءِ إنْ شَاءَ لِعَدَمِ الذَّكَاةِ، بِخِلَافِ ذَبْحِ الْمُحْرِمِ أَوْ صَيْدِ الْحَرَمِ، فَإِنَّهُ مَيْتَةٌ (وَلَا يَرْعَى حَشِيشَهُ) بِدَابَّةٍ (وَلَا يَقْطَعُ) بِمِنْجَلٍ (إلَّا الْإِذْخِرُ، وَلَا بَأْسَ بِأَخْذِ كَمَاءَتِهِ) لِأَنَّهَا كَالْجَافِّ (وَبِقَتْلِ قَمْلَةٍ) مِنْ بَدَنِهِ أَوْ إلْقَائِهَا أَوْ إلْقَاءِ ثَوْبِهِ فِي الشَّمْسِ لِتَمُوتَ (تَصَدَّقَ بِمَا شَاءَ كَجَرَادَةٍ، وَيَجِبُ الْجَزَاءُ فِيهَا) أَيْ الْقَمْلَةِ (بِالدَّلَالَةِ كَمَا فِي الصَّيْدِ، وَ) يَجِبُ (فِي الْكَثِيرِ مِنْهُ نِصْفُ صَاعٍ، وَ) الْكَثِيرُ (هُوَ الزَّائِدُ عَلَى ثَلَاثَةٍ)   [رد المحتار] الْجَزَاءِ وَأَنَّهُ اخْتَلَفَ كَلَامُ الْمَبْسُوطِ، فَفِي مَوْضِعٍ لَا يَجِبُ، وَفِي مَوْضِعٍ يَجِبُ، وَأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ عِنْدَهُ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الرَّمْيِ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَاصَّةً. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْوُجُوبَ اسْتِحْسَانٌ وَعَدَمَهُ قِيَاسٌ، وَوَفَّقَ بِهِ بَيْنَ كَلَامَيْ الْمَبْسُوطِ، وَكَذَا صَرَّحَ الْقَارِي عَنْ الْكَرْمَانِيِّ بِأَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ احْتِيَاطًا فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الشَّارِحَ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالْأُخْرَى، وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ صَاحِبُ النَّهْرِ، وَلَا يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا إذَا مَرَّ السَّهْمُ فِي الْحَرَمِ وَأَصَابَ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الصَّيْدُ وَقْتَ الرَّمْيِ فِي الْحَرَمِ لَمْ تَكُنْ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ اعْتِبَارِ حَالَةِ الرَّمْيِ وَيَكُونُ وُجُوبُ الْجَزَاءِ لَا شَكَّ فِيهِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَمَا نَقَلَهُ ح عَنْ الْبَحْرِ لَمْ أَرَهُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الصَّيْدُ وَقْتَ الرَّمْيِ فِي الْحِلِّ وَالْإِصَابَةُ فِي الْحَرَمِ يَصِيرُ قَوْلُهُ وَمَرَّ السَّهْمُ فِي الْحَرَمِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَجَازَ بَيْعُهُ إلَخْ) وَمِثْلُهُ لَوْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ شَجَرَهُ وَأَدَّى قِيمَتَهُ مَلَكَهُ، وَيُكْرَهُ بَيْعُهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّ مِلْكَهُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ شَرْعًا، فَلَوْ أُطْلِقَ لَهُ بَيْعُهُ لَتَطَرَّقَ النَّاسُ إلَى مِثْلِهِ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ الصَّيْدِ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَيْتَةٍ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الذَّكَاةِ) عِلَّةٌ لِجَوَازِ أَكْلِهِ وَبَيْعِهِ أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الذَّكَاةِ فَلَا يَصِيرُ مَيْتَةً وَلِذَا يُبَاحُ أَكْلُهُ قَبْلَ الشَّيْءِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ ذَبْحِ الْمُحْرِمِ) أَيْ ذَبْحِهِ صَيْدَ الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ، وَقَوْلُهُ أَوْ صَيْدِ الْحَرَمِ عَطْفٌ عَلَى الْحَرَمِ أَيْ وَبِخِلَافِ ذَبْحِ صَيْدِ الْحَرَمِ مِنْ حَلَالٍ أَوْ مُحْرِمٍ، فَالْمَصْدَرُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ وَفِي الْمَعْطُوفِ إلَى مَفْعُولِهِ. وَفِي نُسْخَةٍ أَوْ حَلَالِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَهِيَ أَحْسَنُ، لَكِنَّ كَوْنَ ذَبْحِ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ مَيْتَةً أَحَدُ قَوْلَيْنِ كَمَا سَتَعْرِفُهُ. (قَوْلُهُ وَلَا يَرْعَى حَشِيشَهُ) أَيْ عِنْدَهُمَا. وَجَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ لِلضَّرُورَةِ، فَإِنَّ مَنْعَ الدَّوَابِّ عَنْهُ مُتَعَذِّرٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ الْبُرْهَانِ تَأْيِيدَ قَوْلِهِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الِاحْتِيَاجَ لِلرَّعْيِ فَوْقَ الِاحْتِيَاجِ لِلْآخَرِ. وَأَقْرَبُ حَدِّ الْحَرَمِ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ؛ فَفِي خُرُوجِ الرُّعَاةِ إلَيْهِ ثُمَّ عَوْدِهِمْ قَدْ لَا يَبْقَى مِنْ النَّهَارِ وَقْتٌ تَشْبَعُ فِيهِ الدَّوَابُّ، وَفِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا» وَسُكُوتُهُ عَنْ نَفْيِ الرَّعْيِ إشَارَةٌ لِجَوَازِهِ وَإِلَّا لَبَيَّنَهُ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا لِيَلْحَقَ بِهِ دَلَالَةٌ إذْ الْقَطْعُ فِعْلُ الْعَاقِلِ وَالرَّعْيُ فِعْلُ الْعَجْمَاءِ وَهُوَ جَبَّارٌ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ؛ وَلَيْسَ فِي النَّصِّ دَلَالَةٌ عَلَى نَفْيِ الرَّعْيِ لِيَلْزَمَ مِنْ اعْتِبَارِ الضَّرُورَةِ مُعَارَضَتُهُ، بِخِلَافِ الِاحْتِشَاشِ اهـ لَكِنْ فِي قَوْلِهِ وَالرَّعْيُ فِعْلُ الْعَجْمَاءِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا لَوْ أَرْتَعَتْ بِنَفْسِهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي إرْسَالِهَا لِلرَّعْيِ وَهُوَ مُضَافٌ إلَيْهِ (قَوْلُهُ بِمِنْجَلٍ) كَمِفْصَلٍ: مَا يُحْصَدُ بِهِ الزَّرْعُ (قَوْلُهُ إلَّا الْإِذْخِرُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ: نَبْتٌ بِمَكَّةَ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ لَهُ قُضْبَانٌ دِقَاقٌ يُسْقَفُ بِهَا الْبُيُوتُ بَيْنَ الْخَشَبَاتِ وَيُسَدُّ بِهَا الْخَلَاءُ فِي الْقُبُورِ بَيْنَ اللَّبِنَاتِ قُهُسْتَانِيُّ مُلَخَّصًا. وَوَجْهُ اسْتِثْنَائِهِ فِي الْحَدِيثِ مَذْكُورٌ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ) هِيَ هُنَا لِلْإِبَاحَةِ لِمُقَابَلَتِهَا بِالْحُرْمَةِ لَا لِمَا تَرَكَهُ أَوْلَى قَارِي (قَوْلُهُ وَبِقَتْلِ قَمْلَةٍ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ تَصَدَّقَ وَالْمُرَادُ بِالْقَتْلِ مَا يَشْمَلُ الْمُبَاشَرَةَ وَالتَّسَبُّبَ الْقَصْدِيَّ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ لِتَمُوتَ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ بِإِلْقَاءِ الثَّوْبِ الْقَتْلَ، كَمَا لَوْ غَسَلَ ثَوْبَهُ فَمَاتَتْ وَكَإِلْقَاءِ الثَّوْبِ إلْقَاؤُهَا لِأَنَّ الْمُوجِبَ إزَالَتُهَا عَنْ الْبَدَنِ لَا خُصُوصُ الْقَتْلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَالْمُرَادُ بِالْقَمْلَةِ مَا دُونَ الْكَثِيرِ الْآتِي بَيَانُهُ، وَفُصِّلَ فِي اللُّبَابِ بِأَنَّ فِي الْوَاحِدَةِ تَصَدُّقًا بِكِسْرَةٍ، وَفِي الِاثْنَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 وَالْجَرَادُ كَالْقَمْلِ بَحْرٌ (وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِ غُرَابٍ) إلَّا الْعَقْعَقَ عَلَى الظَّاهِرِ ظَهِيرِيَّةٌ، وَتَعْمِيمُ الْبَحْرِ رَدُّهُ فِي النَّهْرِ (وَحِدَأَةٍ) بِكَسْرٍ فَفَتْحَتَيْنِ وَجَوَّزَ الْبُرْجَنْدِيُّ فَتْحَ الْحَاءِ (وَذِئْبٍ وَعَقْرَبٍ وَحَيَّةٍ وَفَأْرَةٍ) بِالْهَمْزَةِ وَجَوَّزَ الْبُرْجَنْدِيُّ التَّسْهِيلَ (وَكَلْبٍ عَقُورٍ) أَيْ وَحْشِيٍّ، أَمَّا غَيْرُهُ فَلَيْسَ بِصَيْدٍ أَصْلًا (وَبَعُوضٍ وَنَمْلٍ) لَكِنْ لَا يَحِلُّ قَتْلُ مَا لَا يُؤْذِي، وَلِذَا قَالُوا لَمْ يَحِلَّ قَتْلُ الْكَلْبِ الْأَهْلِيِّ إذَا لَمْ يُؤْذِ وَالْأَمْرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ مَنْسُوخٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ: أَيْ إذَا لَمْ تَضُرَّ (وَبُرْغُوثٍ وَقُرَادٍ وَسُلَحْفَاةٍ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَسُكُونٍ (وَفَرَاشٍ) وَذِئَابٍ وَوَزَغٍ وَزُنْبُورٍ وَقُنْفُذٍ وَصَرْصَرٍ وَصَيَّاحِ لَيْلٍ وَابْنِ عِرْسٍ وَأُمِّ حُبَيْنٍ وَأُمِّ أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَكَذَا جَمِيعُ هَوَامِّ الْأَرْضِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَيُودٍ وَلَا مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْبَدَنِ (وَسَبُعٍ)   [رد المحتار] وَالثَّلَاثِ قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ، وَفِي الزَّائِدِ مُطْلَقًا نِصْفُ صَاعٍ (قَوْلُهُ وَالْجَرَادُ كَالْقَمْلِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْجَرَادِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَالْقَمْلِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْقَمْلِ، فَفِي الثَّلَاثِ وَمَا دُونَهَا يَتَصَدَّقُ بِمَا شَاءَ وَفِي الْأَكْثَرِ نِصْفُ صَاعٍ. وَفِي الْمُحِيطِ: مَمْلُوكٌ أَصَابَ جَرَادَةً فِي إحْرَامِهِ، إنْ صَامَ يَوْمًا فَقَدْ زَادَ، وَإِنْ شَاءَ جَمَعَهَا حَتَّى تَصِيرَ عِدَّةَ جَرَادَاتٍ فَيَصُومَ يَوْمًا. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَمْلُ كَذَلِكَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ، لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُكَفِّرُ إلَّا بِالصَّوْمِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ حُكْمِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ مِقْدَارِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَ إلَخْ وَبِهِ انْدَفَعَ اعْتِرَاضُ النَّهْرِ. (قَوْلُهُ إلَّا الْعَقْعَقَ) هُوَ طَائِرٌ أَبْيَضُ فِيهِ سَوَادٌ وَبَيَاضٌ يُشْبِهُ صَوْتُهُ الْعَيْنَ وَالْقَافَ قَامُوسٌ وَمِثْلُهُ فِي الْحُكْمِ الزَّاغُ. وَأَنْوَاعُ الْغُرَابِ عَلَى مَا فِي فَتْحِ الْبَارِي خَمْسَةٌ: الْعَقْعَقُ، وَالْأَبْقَعُ: الَّذِي فِي ظَهْرِهِ أَوْ بَطْنِهِ بَيَاضٌ. وَالْغُدَافُ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ بِالْأَبْقَعِ، وَيُقَالُ لَهُ غُرَابُ الْبَيْنِ، لِأَنَّهُ بَانَ عَنْ نُوحٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاشْتَغَلَ بِجِيفَةٍ حِينَ أَرْسَلَهُ لِيَأْتِيَ بِخَبَرِ الْأَرْضِ. وَالْأَعْصَمُ: وَهُوَ مَا فِي رِجْلِهِ أَوْ جَنَاحِهِ أَوْ بَطْنِهِ بَيَاضٌ أَوْ حُمْرَةٌ. وَالزَّاغُ، وَيُقَالُ لَهُ غُرَابُ الزَّرْعِ: وَهُوَ الْغُرَابُ الصَّغِيرُ الَّذِي يَأْكُلُ الْحَبَّ ح عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ وَتَعْمِيمُ الْبَحْرِ) حَيْثُ جَعَلَ الْعَقْعَقَ كَالْغُرَابِ. وَاعْتَرَضَ عَلَى قَوْلِ الْهِدَايَةِ إنَّهُ لَا يُسَمَّى غُرَابًا وَلَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى بِقَوْلِهِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ دَائِمًا يَقَعُ عَلَى دُبُرِ الدَّابَّةِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ رَدَّهُ فِي النَّهْرِ) أَيْ بِمَا فِي الْمِعْرَاجِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ غَالِبًا، وَبِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْعَقْعَقِ رِوَايَتَانِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ الصُّيُودِ اهـ (قَوْلُهُ وَكَلْبٍ عَقُورٍ) قُيِّدَ بِالْعَقُورِ اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ، وَإِلَّا فَالْعَقُورُ وَغَيْرُهُ، سَوَاءٌ أَهْلِيًّا كَانَ أَوْ وَحْشِيًّا بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَيْ وَحْشِيٍّ) لَيْسَ تَفْسِيرًا لِعَقُورٍ بَلْ تَقْيِيدٌ لَهُ ح أَيْ لِأَنَّ الْعَقُورَ مِنْ الْعَقْرِ: وَهُوَ الْجُرْحُ، وَهُوَ مَا يَفْرُطُ شَرُّهُ وَإِيذَاؤُهُ قُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ أَمَّا غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْوَحْشِيِّ: وَهُوَ الْأَهْلِيُّ، فَلَيْسَ بِصَيْدٍ أَصْلًا فَلَا مَعْنَى لِاسْتِثْنَائِهِ، لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ الْكَلْبَ مُطْلَقًا لَيْسَ بِصَيْدٍ لِأَنَّهُ أَهْلِيٌّ فِي الْأَصْلِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَقْرَبَ وَمَا بَعْدَهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَبَعُوضٍ) هُوَ صَغِيرُ الْبَقِّ، وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ لَكِنْ لَا يَحِلُّ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي النَّمْلِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ جَوَازُ إطْلَاقِ قَتْلِهِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ مَعَ أَنَّ فِيهِ مَا لَا يُؤْذِي، وَهَذَا الْحُكْمُ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا لَا يُؤْذِي كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ط (قَوْلُهُ أَيْ إذَا لَمْ تَضُرَّ) تَقْيِيدٌ لِلنَّسْخِ ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ أَخْذًا مِمَّا فِي الْمُلْتَقَطِ: إذَا كَثُرَتْ الْكِلَابُ فِي قَرْيَةٍ وَأَضَرَّتْ بِأَهْلِهَا أُمِرَ أَرْبَابُهَا بِقَتْلِهَا، فَإِنْ أَبَوْا رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَأْمُرَ بِذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبُرْغُوثٍ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَالْغَيْنِ ط (قَوْلُهُ وَفَرَاشٍ) جَمْعُ فَرَاشَةٍ: هِيَ الَّتِي تَهَافَتْ فِي السِّرَاجِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَوَزَغٍ) هُوَ سَامٌّ أَبْرَصُ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ. (قَوْلُهُ وَأُمِّ حُبَيْنٍ) بِمُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَتَحْتِيَّةٍ عَلَى وَزْنِ زُبَيْرٍ: دُوَيْبَّةٌ تُشْبِهُ الضَّبَّ (قَوْلُهُ وَكَذَا جَمِيعُ هَوَامِّ الْأَرْضِ) الْأَوْلَى إبْدَالُ جَمِيعٍ بِبَاقِي لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْهَوَامِّ وَهِيَ جَمْعُ هَامَّةٍ كُلُّ حَيَوَانٍ ذِي سُمٍّ، وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى مُؤْذٍ لَيْسَ لَهُ سُمٌّ كَالْقَمْلَةِ؛ أَمَّا الْحَشَرَاتُ فَهِيَ جَمْعُ حَشَرَةٍ: وَهِيَ صِغَارُ دَوَابِّ الْأَرْضِ كَمَا فِي الدِّيوَانِ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ وَسَبُعٍ) هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 أَيْ حَيَوَانٍ (صَائِلٌ) لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ إلَّا بِالْقَتْلِ، فَلَوْ أَمْكَنَ بِغَيْرِهِ فَقَتَلَهُ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ كَمَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ لَوْ مَمْلُوكًا (وَلَهُ ذَبْحُ شَاةٍ وَلَوْ أَبُوهَا ظَبْيًا) لِأَنَّ الْأُمَّ هِيَ الْأَصْلُ (وَبَقَرٍ وَبَعِيرٍ وَدَجَاجٍ وَبَطٍّ أَهْلِيٍّ وَأَكْلُ مَا صَادَهُ حَلَالٌ) وَلَوْ لِمُحْرِمٍ (وَذَبْحُهُ) فِي الْحِلِّ (بِلَا دَلَالَةِ مُحْرِمٍ وَ) لَا (أَمْرِهِ بِهِ) وَلَا إعَانَتِهِ عَلَيْهِ، فَلَوْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا حَلَّ لِلْحَلَالِ لَا لِلْمُحْرِمِ عَلَى الْمُخْتَارِ   [رد المحتار] كُلُّ حَيَوَانٍ مُخْتَطِفٍ عَادٍ عَادَةً (قَوْلُهُ أَيْ حَيَوَانٍ) أَشَارَ إلَى مَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخُصُّ السَّبُعَ لِأَنَّ غَيْرَهُ إذَا صَالَ لَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، فَكَانَ عَدَمُ التَّخْصِيصِ أَوْلَى، إذْ الْمَفْهُومُ مُعْتَبَرٌ فِي الرِّوَايَاتِ اتِّفَاقًا اهـ لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْحَيَوَانِ بِغَيْرِ الْمَأْكُولِ؛ لِمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْجَمَلَ لَوْ صَالَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ بَالِغَةً. مَا بَلَغَتْ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي قَتْلِ السَّبُعِ حَاصِلٌ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ وَهُوَ الشَّارِعُ، وَأَمَّا الْجَمَلُ فَلَمْ يَحْصُلْ الْإِذْنُ مِنْ صَاحِبِهِ (قَوْلُهُ صَائِلٍ) أَيْ قَاهِرٍ حَامِلٍ عَلَى الْمُحْرِمِ مِنْ الصَّوْلَةِ أَوْ الصَّأْلَةِ بِالْهَمْزَةِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَقُيِّدَ بِهِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ غَيْرَ الصَّائِلِ يَجِبُ بِقَتْلِهِ الْجَزَاءُ وَلَا يُجَاوِزُ عَنْ شَاةٍ. وَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ هَذَا أَيْ عَدَمَ وُجُوبِ شَيْءٍ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى كَالضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ وَغَيْرِهِمَا، أَمَّا مَا يَبْتَدِئُ بِهِ غَالِبًا كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ فَلِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنْسَبُ نَهْرٌ. قُلْت: وَالْقَائِلُ ابْنُ كَمَالٍ، لَكِنْ ذَكَر فِي الْفَتْحِ أَوَّلَ الْبَابِ كَلَامَ الْبَدَائِعِ، وَجَعَلَهُ مُقَابِلَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ رَأَيْنَاهُ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَسَدُ بِمَنْزِلَةِ الذِّئْبِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ السِّبَاعُ كُلُّهَا صَيْدٌ إلَّا الْكَلْبَ وَالذِّئْبَ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَمَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ) أَيْ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِمَالِكِهِ يَعْنِي وَقِيمَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى لَا تُجَاوِزُ قِيمَةَ شَاةٍ بَحْرٌ. قُلْت: هَذَا لَوْ غَيْرَ صَائِلٍ، أَمَّا الصَّائِلُ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى شَيْءٌ؛ فَلِذَا اقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلَهُ) أَيْ لِلْمُحْرِمِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَبُوهَا ظَبْيًا) أَخْرَجَ الْأُمَّ إذَا كَانَتْ ظَبْيَةً فَإِنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ ط (قَوْلُهُ وَبَطٍّ أَهْلِيٍّ) هُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَسَاكِنِ وَالْحِيَاضِ لِأَنَّهُ أَلُوفٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، احْتِرَازًا عَنْ الَّذِي يَطِيرُ فَإِنَّهُ صَيْدٌ فَيَجِبُ الْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ لِمُحْرِمٍ) اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ: أَيْ وَلَوْ صَادَهُ الْحَلَالُ لِأَجْلِ الْمُحْرِمِ بِلَا أَمْرِهِ خِلَافًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَذَبْحُهُ فِي الْحِلِّ) أَمَّا لَوْ ذَبَحَهُ فِي الْحَرَمِ فَهُوَ مَيْتَةٌ كَمَا قَدَّمَهُ. وَفِي اللُّبَابِ: إذَا ذَبَحَ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ صَيْدًا فَذَبِيحَتُهُ مَيْتَةٌ عِنْدَنَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ مُحْرَمٍ أَوْ حَلَالٍ سَوَاءٌ اصْطَادَهُ هُوَ أَيْ ذَابِحُهُ أَوْ غَيْرُهُ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ وَلَوْ فِي الْحِلِّ، فَلَوْ أَكَلَ الْمُحْرِمُ الذَّابِحُ مِنْهُ شَيْئًا قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ أَوْ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ، وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ غَيْرُ الذَّابِحِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَكَلَ الْحَلَالُ مِمَّا ذَبَحَهُ فِي الْحَرَمِ بَعْدَ الضَّمَانِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْأَكْلِ، وَلَوْ اصْطَادَ حَلَالٌ فَذَبَحَ لَهُ مُحْرِمٌ أَوْ اصْطَادَ مُحْرِمٌ فَذَبَحَ لَهُ حَلَالٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ. اهـ. وَقَالَ شَارِحُهُ الْقَارِي: اعْلَمْ أَنَّهُ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ كَصَاحِبِ الْإِيضَاحِ وَالْبَحْرِ الزَّاخِرِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِمْ بِأَنَّ ذَبْحَ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ يَجْعَلُهُ مَيْتَةً لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِخِلَافٍ. وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ تَنْزِيهًا. وَفِي اخْتِلَافِ الْمَسَائِلِ: اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا ذَبَحَ الْحَلَالُ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ؛ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ فَقَالَ الْكَرْخِيُّ: هُوَ مَيْتَةٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ مُبَاحٌ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى الْمُخْتَارِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ لَا لِلْمُحْرِمِ، وَهَذَا مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ. وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ: لَا يَحْرُمُ، وَغَلَّطَهُ الْقُدُورِيُّ وَاعْتَمَدَ رِوَايَةَ الطَّحَاوِيِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 (وَتَجِبُ قِيمَتُهُ بِذَبْحِ حَلَالٍ صَيْدَ الْحَرَمِ وَتَصَدَّقَ بِهَا، وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ) لِأَنَّهَا غَرَامَةٌ لَا كَفَّارَةٌ حَتَّى لَوْ كَانَ الذَّابِحُ مُحْرِمًا أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ؛ وَقُيِّدَ بِالذَّبْحِ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي دَلَالَتِهِ إلَّا الْإِثْمُ (وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ) وَلَوْ حَلَالًا (أَوْ أَحْرَمَ) وَلَوْ فِي الْحِلِّ (وَفِي يَدِهِ حَقِيقَةً) يَعْنِي الْجَارِحَةَ (صَيْدٌ وَجَبَ إرْسَالُهُ) أَيْ إطَارَتُهُ أَوْ إرْسَالُهُ لِلْحِلِّ وَدِيعَةً قُهُسْتَانِيُّ   [رد المحتار] فَتْحٌ وَبَحْرٌ (قَوْلُهُ وَتَجِبُ قِيمَتُهُ بِذَبْحِ حَلَالٍ) هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ سَابِقًا وَذَبْحُ حَلَالٍ صَيْدَ الْحَرَمِ إلَّا أَنَّهُ أَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ ط وَأَرَادَ بِالذَّبْحِ الْإِتْلَافَ وَلَوْ تَسَبُّبًا عَلَى وَجْهِ الْعُدْوَانِ؛ فَلَوْ أَدْخَلَ فِي الْحَرَمِ بَازِيًا فَأَرْسَلَهُ فَقَتَلَ حَمَامَ الْحَرَمِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ أَقَامَ وَاجِبًا وَمَا قَصَدَ الِاصْطِيَادَ فَلَمْ يَكُنْ تَعَدِّيًا فِي السَّبَبِ بَلْ كَانَ مَأْمُورًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ) إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى نَفْيِ الصَّوْمِ لِيُفِيدَ أَنَّ الْهَدْيَ جَائِزٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي اللُّبَابِ: فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ هَدْيًا اشْتَرَاهُ بِهَا إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى بِهَا طَعَامًا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ كَمَا مَرَّ، وَيَجُوزُ فِيهِ الْهَدْيُ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ الذَّبْحِ مِثْلَ قِيمَةِ الصَّيْدِ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا مِثْلَهَا بَعْدَ الذَّبْحِ. وَأَمَّا الصَّوْمُ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ فَلَا يَجُوزُ لِلْحَلَالِ وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا غَرَامَةٌ) لِأَنَّ الضَّمَانَ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ وَهُوَ الصَّيْدُ فَصَارَ كَغَرَامَةِ الْأَمْوَالِ، بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّ ضَمَانَهُ جَزَاءُ الْفِعْلِ لَا الْمَحَلِّ وَالصَّوْمُ يَصْلُحُ لَهُ لِأَنَّهُ كَفَّارَةٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فِي دَلَالَتِهِ) أَيْ دَلَالَةِ الْحَلَالِ وَلَوْ لِمُحْرِمٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ دَلَالَةِ الْمُحْرِمِ وَدَلَالَةِ الْحَلَالِ أَنَّ الْمُحْرِمَ الْتَزَمَ تَرْكَ التَّعَرُّضِ بِالْإِحْرَامِ، فَلَمَّا دَلَّ تَرَكَ مَا الْتَزَمَهُ فَضَمِنَ كَالْمُودَعِ إذَا دَلَّ السَّارِقَ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَلَا الْتِزَامَ مِنْ الْحَلَالِ فَلَا ضَمَانَ بِهَا كَالْأَجْنَبِيِّ إذَا دَلَّ السَّارِقَ عَلَى مَالِ إنْسَانٍ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَالًا) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ وَهُوَ حَلَالٌ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ. قَالَ: وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ لِتَظْهَرَ فَائِدَةُ قَيْدِ الدُّخُولِ فِي الْحَرَمِ، فَإِنَّ وُجُوبَ الْإِرْسَالِ فِي الْمُحْرِمِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى دُخُولِ الْحَرَمِ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ وَغَيْرِهِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا قِيلَ حَلَالًا أَوْ مُحْرِمًا. اهـ. وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَهُوَ فِي الْحِلِّ بَدَلَ قَوْلِهِ وَلَوْ فِي الْحِلِّ. اهـ. ح. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ كَانَ حَلَالًا فِي الْحِلِّ وَأَرَادَ الْإِحْرَامَ أَوْ دُخُولَ الْحَرَمِ وَكَانَ فِي يَدِهِ صَيْدٌ وَجَبَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ. وَفِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ: اعْلَمْ أَنَّ الصَّيْدَ يَصِيرُ آمِنًا بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: بِإِحْرَامِ الصَّائِدِ، أَوْ بِدُخُولِهِ فِي الْحَرَمِ، أَوْ بِدُخُولِ الصَّيْدِ فِيهِ، وَلَوْ أَخَذَ صَيْدًا فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَوْ فِي الْحَرَمِ وَهُوَ حَلَالٌ لَمْ يَمْلِكْهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ، سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ قَفَصِهِ أَوْ فِي بَيْتِهِ؛ وَلَوْ لَمْ يُرْسِلْهُ حَتَّى هَلَكَ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ (قَوْلُهُ يَعْنِي الْجَارِحَةَ) مُحْتَرَزُهُ قَوْلُهُ لَا إنْ كَانَ فِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ (قَوْلُهُ وَجَبَ إرْسَالُهُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ أَيْ إطَارَتُهُ) لَوْ قَالَ أَيْ إطْلَاقُهُ لَكَانَ أَشْمَلَ لِتَنَاوُلِ الْوَحْشِ فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخُصُّ الطَّيْرَ. اهـ. ح وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ غَصَبَهُ وَهُوَ حَلَالٌ مِنْ حَلَالٍ فَأَحْرَمَ الْغَاصِبُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ؛ فَلَوْ رَدَّهُ لَهُ بَرِئَ وَلَزِمَهُ الْجَزَاءُ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُنْتَقَى نَهْرٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا لُغْزٌ غَاصِبٌ يَجِبُ عَلَيْهِ عَدَمُ الرَّدِّ، بَلْ إذَا فَعَلَ يَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ (قَوْلُهُ أَوْ إرْسَالُهُ لِلْحِلِّ وَدِيعَةً) هَذَا قَوْلٌ ثَانٍ فِي تَفْسِيرِ الْإِرْسَالِ حَكَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ بَعْدَ حِكَايَةِ الْأَوَّلِ، وَعَزَاهُ لِلتُّحْفَةِ. وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الْغَاصِبِ حَيْثُ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَإِنْ رَدَّهُ لِمَالِكِهِ. وَأَيْضًا فَالرَّسُولُ فِي حَالِ أَخْذِ الصَّيْدِ هُوَ فِي الْحَرَمِ فَيَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ وَضَمَانُ قِيمَتِهِ لِلْمَالِكِ كَالْغَاصِبِ كَمَا أَفَادَهُ ط. وَأَيْضًا اعْتَرَضَهُ ابْنُ كَمَالٍ بِأَنَّ يَدَ الْمُودَعِ يَدُ الْمُودِعِ لَكِنْ رَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِمَا فِي فَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ يَدَ خَادِمِهِ كَرِجْلِهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَحْظُورَ كَوْنُ الصَّيْدِ فِي يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ وَيَدُهُ فِيمَا عِنْدَ الْمُودَعِ غَيْرُ حَقِيقَةٍ؛ بَلْ هِيَ مِثْلُ يَدِهِ عَلَى مَا فِي رِجْلِهِ أَوْ قَفَصِهِ أَوْ خَادِمِهِ؛ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ عَنْ ط. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُنَاوِلَهُ فِي طَرَفِ الْحَرَمِ لِمَنْ هُوَ فِي الْحِلِّ أَوْ يُرْسِلَهُ فِي قَفَصٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 572 (عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مُضِيعٍ لَهُ) لِأَنَّ تَسْيِيبَ الدَّابَّةِ حَرَامٌ وَفِي كَرَاهَةِ جَامِعِ الْفَتَاوَى: شَرَى عَصَافِيرَ مِنْ الصَّيَّادِ وَأَعْتَقَهَا جَازَ إنْ قَالَ مَنْ أَخَذَهَا فَهِيَ لَهُ وَلَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِإِعْتَاقِهِ، وَقِيلَ لَا لِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ. اهـ. قُلْت: وَحِينَئِذٍ فَتَقْيِيدُ الْإِطَارَةِ بِالْإِبَاحَةِ   [رد المحتار] ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَقَطْ وَهِيَ مَنْ أَحْرَمَ فِي الْحِلِّ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ، أَمَّا الْأُولَى وَهِيَ لَوْ دَخَلَ الْحَرَمَ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْإِرْسَالُ بِمَعْنَى الْإِطَارَةِ لِقَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَ فِيهِ: أَيْ فِي الْحَرَمِ، وَتَعْلِيلُهُ لَهُ بِأَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ وَصَارَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ، وَكَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ اللُّبَابِ مِنْ أَنَّ الصَّيْدَ يَصِيرُ آمِنًا بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إلَخْ؛ وَكَذَا قَوْلُ اللُّبَابِ: وَلَوْ أَدْخَلَ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ صَيْدَ الْحِلِّ الْحَرَمَ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ صَيْدِ الْحَرَمِ، وَكَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فَلَوْ كَانَ جَارِحًا إلَخْ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ إيدَاعُ الْجَارِحِ بَعْدَمَا أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ لَمْ يَجُزْ لَهُ إرْسَالُهُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ عَادَةَ الْجَارِحِ قَتْلُ الصَّيْدِ، وَكَذَا قَوْلُ اللُّبَابِ لَوْ أَخَذَ صَيْدَ الْحَرَمِ فَأَرْسَلَهُ فِي الْحِلِّ لَا يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ وُصُولَهُ إلَى الْحَرَمِ آمِنًا فَكَيْفَ إذَا أَوْدَعَهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مُضِيعٍ لَهُ) يُفَسِّرُهُ مَا قَبْلَهُ، فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُ عَنْهُ كَمَا فَعَلَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى حَيْثُ قَالَ كَأَنْ يُودِعَهُ أَوْ يُرْسِلَهُ فِي قَفَصٍ (قَوْلُهُ وَفِي كَرَاهَةِ جَامِعِ الْفَتَاوَى) إلَى قَوْلِهِ لَا يَجِبُ سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ إعْتَاقَ الصَّيْدِ أَيْ إطْلَاقَهُ مِنْ يَدِهِ جَائِزٌ إنْ أَبَاحَهُ لِمَنْ يَأْخُذُهُ وَهُوَ تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ لِأَنَّ تَسْيِيبَ الدَّابَّةِ حَرَامٌ، وَقِيلَ لَا: أَيْ لَا يَجُوزُ إعْتَاقُهُ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ حُرْمَةِ التَّسْيِيبِ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَبَاحَهُ فَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي يَدِ أَحَدٍ فَيَبْقَى سَائِبَةً، وَفِيهِ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ، وَقَوْلُهُ وَلَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِإِعْتَاقِهِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ أَحَدٌ فَإِنْ أَخَذَهُ أَحَدٌ بَعْدَ الْإِبَاحَةِ مَلَكَهُ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مُطْلَقًا لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لِمَجْهُولٍ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا أَوْ لَا لِقَوْمٍ مَعْلُومِينَ لِمَا فِي لُقَطَةِ الْبَحْرِ عَنْ الْهِدَايَةِ إنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ شَيْئًا يُعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا كَالنَّوَاةِ وَقِشْرِ الرُّمَّانِ يَكُونُ إلْقَاؤُهُ إبَاحَةً حَتَّى جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ، وَلَكِنْ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ. قَالَ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لِلْمَالِكِ أَخْذُهَا مِنْهُ إلَّا إذَا قَالَ عِنْدَ الرَّمْيِ مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ لِقَوْمٍ مَعْلُومِينَ، وَلَمْ يَذْكُرْ السَّرَخْسِيُّ هَذَا التَّفْسِيرَ اهـ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إعْتَاقُ الصَّيْدِ كَذَلِكَ وَتَكُونَ فَائِدَةُ الْإِبَاحَةِ حِلَّ الِانْتِفَاعِ بِهِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ، لَكِنْ فِي لَفْظَةِ التَّتَارْخَانِيَّة: تَرَكَ دَابَّةً لَا قِيمَةَ لَهَا مِنْ الْهُزَالِ وَلَمْ يُبِحْهَا وَقْتَ التَّرْكِ فَأَخَذَهَا رَجُلٌ وَأَصْلَحَهَا فَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ لِلْآخِذِ كَقُشُورِ الرُّمَّانِ الْمَطْرُوحَةِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: تَكُونُ لِصَاحِبِهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: لِأَنَّا لَوْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ لَجَوَّزْنَا فِي الْجَارِيَةِ تُرْمَى فِي الْأَرْضِ مَرِيضَةً لَا قِيمَةَ لَهَا فَيَأْخُذُهَا رَجُلٌ وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا فَيَطَؤُهَا مِنْ غَيْرِ شِرَاءٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا إرْثٍ وَلَا صَدَقَةٍ أَوْ يُعْتِقُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْلِكَهَا وَهَذَا أَمْرٌ قَبِيحٌ اهـ مُلَخَّصًا. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ غَيْرَ الْحَيَوَانِ كَالْقُشُورِ يَكُونُ طَرْحُهُ إبَاحَةً بِدُونِ تَصْرِيحٍ وَأَنَّهُ يَمْلِكُهُ الْآخِذُ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِالْإِبَاحَةِ كَمَا هُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَلَمْ يُبِحْهَا، وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ. وَعَلَى هَذَا يَتَخَرَّجُ مَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ؛ وَيَأْتِي قَرِيبًا قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّ غَيْرَ الْمُحْرِمِ لَوْ أَرْسَلَهُ يَكُونُ إبَاحَةً لِأَنَّهُ أَرْسَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَيَكُونُ كَقُشُورِ الرُّمَّانِ (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذَا كَانَ إعْتَاقُ الصَّيْدِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا أَبَاحَهُ لِمَنْ يَأْخُذُهُ تَقْيِيدَ الْإِطَارَةِ: أَيْ الَّتِي فُسِّرَ بِهَا الْإِرْسَالُ بِالْإِبَاحَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمِعْرَاجِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ إرْسَالُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ، فَإِنَّ إرْسَالَ الصَّيْدِ لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ كَتَسْيِيبِ الدَّابَّةِ؛ بَلْ هُوَ حَرَامٌ إلَّا أَنْ يُرْسِلَهُ لِلْعَلَفِ أَوْ يُبِيحَ لِلنَّاسِ أَخْذَهُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ اهـ وَقَالَ بَعْدَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُضِيعُ بِأَنْ يُخَلِّيَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 تَأَمَّلْ اهـ وَفِي كَرَاهَةِ مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ: سَيَّبَ دَابَّتَهُ فَأَخَذَهَا آخَرُ وَأَصْلَحَهَا فَلَا سَبِيلَ لِلْمَالِكِ عَلَيْهَا إنْ قَالَ فِي تَسْيِيبِهَا هِيَ لِمَنْ أَخَذَهَا وَإِنْ قَالَ لَا حَاجَةَ لِي بِهَا فَلَهُ أَخْذُهَا، وَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ. اهـ. (لَا) يَجِبُ (إنْ كَانَ) الصَّيْدُ (فِي بَيْتِهِ) لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ الْفَاشِيَةِ بِذَلِكَ، وَهِيَ مِنْ إحْدَى الْحُجَجِ (أَوْ قَفَصِهِ) وَلَوْ الْقَفَصُ فِي يَدِهِ بِدَلِيلِ أَخْذِ الْمُحْدِثِ الْمُصْحَفَ بِغُلَافِهِ. (وَلَا يَخْرُجُ) الصَّيْدُ (عَنْ مِلْكِهِ بِهَذَا الْإِرْسَالِ فَلَهُ إمْسَاكُهُ فِي الْحِلِّ وَ) لَهُ (أَخْذُهُ مِنْ إنْسَانٍ أَخَذَهُ مِنْهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَهُوَ حَلَالٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ لِمَا يَأْتِي لِأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْهُ عَنْ اخْتِيَارٍ   [رد المحتار] فِي بَيْتِهِ أَوْ يُودِعَهُ عِنْدَ حَلَالٍ اهـ لَكِنَّ ظَاهِرَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْسِيرِ الْإِرْسَالِ أَنَّ مَنْ فَسَّرَهُ بِالْإِطَارَةِ لَمْ يُقَيِّدْ بِالْإِبَاحَةِ لِأَنَّهُ يَقُولُ إنَّ الْإِرْسَالَ وَاجِبٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى التَّسْيِيبِ الْمَحْظُورِ، وَمَنْ فَسَّرَ الْإِرْسَالَ الْوَدِيعَةِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ حَيْثُ أَمْكَنَهُ دَفْعُ التَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ بِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِطَارَةِ الْمُضِيعَةِ لِلْمِلْكِ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِدُونِهَا، وَلِذَا قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لَوْ أَحْرَمَ وَالصَّيْدُ فِي يَدِهِ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ، لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ تَرْكُ التَّعَرُّضِ بِإِزَالَةِ الْيَدِ الْحَقِيقِيَّةِ لَا بِإِبْطَالِ الْمِلْكِ. اهـ. وَكَوْنُ الْإِبَاحَةِ تَنْفِي التَّضْيِيعَ مَمْنُوعٌ. لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الصَّيْدِ أَنَّهُ إذَا أُرْسِلَ لَا يُصَادُ ثَانِيًا فَيَبْقَى مِلْكُهُ ضَائِعًا، وَالتَّسْيِيبُ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْإِرْسَالُ مُطْلَقًا فِيمَا صَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ كَمَا مَرَّ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ فَلَيْسَ فِيهِ تَضْيِيعُ مِلْكٍ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِيمَا لَوْ أَخَذَ صَيْدًا ثُمَّ أَحْرَمَ؛ أَمَّا لَوْ دَخَلَ بِهِ الْحَرَمَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ بِمَعْنَى إطَارَتِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إيدَاعُهُ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ (قَوْلُهُ فَتَأَمَّلْ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا قَبْلُ. وَقَالَ ح، هُوَ ظَرْفٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ أَيْ قَبْلَ الْإِطَارَةِ الْعَامِلُ فِيهِ الْإِبَاحَةُ (قَوْلُهُ وَأَصْلَحَهَا) لَيْسَ بِقَيْدٍ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي التَّمْلِيكِ عَلَى الْإِبَاحَةِ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا قُيِّدَ بِهِ لِمَنْعِ الْأَخْذِ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَنْ أَخَذَهَا فَهِيَ لَهُ يَنْزِلُ هِبَةً وَالْإِصْلَاحُ زِيَادَةٌ تَمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ مِنْهَا وَبِدُونِهِ لَهُ الرُّجُوعُ إذْ لَا مَانِعَ وَيُحَرَّرُ ط (قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلْمَالِكِ أَنَّهُ لَمْ يُبِحْهَا لِأَحَدٍ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ إبَاحَةَ التَّمْلِيكِ وَإِنْ بَرْهَنَ الْآخِذُ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ سُلِّمَتْ لِلْآخِذِ ط عَنْ لُقَطَةِ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لَا إنْ كَانَ فِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ اصْطَادَهُ فِي الْإِحْرَامِ أَمَّا لَوْ اصْطَادَهُ فِي الْإِحْرَامِ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ بِالْإِجْمَاعِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ) أَيْ مِنْ لَدُنْ الصَّحَابَةِ إلَى الْآنَ، وَهُمْ التَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ يُحْرِمُونَ وَفِي بُيُوتِهِمْ حَمَامٌ فِي أَبْرَاجٍ وَعِنْدَهُمْ دَوَاجِنُ وَطُيُورٌ لَا يُطْلِقُونَهَا وَهِيَ إحْدَى الْحُجَجِ، فَدَلَّتْ عَلَى أَنَّ اسْتِبْقَاءَهَا فِي الْمِلْكِ مَحْفُوظَةً بِغَيْرِ الْيَدِ لَيْسَ هُوَ التَّعَرُّضَ الْمُمْتَنِعَ فَتْحٌ. وَالدَّوَاجِنُ: جَمْعُ دَاجِنٍ، وَهُوَ الَّذِي أَلِفَ الْمَكَانَ مِنْ صَيُودٍ وَحْشِيَّاتٍ وَمُسْتَأْنَسَةٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ الْقَفَصُ فِي يَدِهِ) أَيْ مَعَ خَادِمِهِ أَوْ فِي رَحْلِهِ مِعْرَاجٌ. وَقِيلَ إنْ كَانَ الْقَفَصُ فِي يَدِهِ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ هِدَايَةٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا فِي النَّهْرِ. قَالَ ح: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ مَا إذَا كَانَ الْحَبْلُ الْمَشْدُودُ فِي رَقَبَةِ الصَّيْدِ فِي يَدِهِ (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ إلَخْ) فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْغِلَافَ بِيَدِهِ لَمْ يَجْعَلْ الْمُصْحَفَ بِيَدِهِ فَكَذَا بِأَخْذِ الْقَفَصِ لَا يَكُونُ الطَّيْرُ فِي يَدِهِ (قَوْلُهُ أَخَذَهُ مِنْهُ) صِفَةٌ لِإِنْسَانٍ، وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ لِلْحِلِّ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْحَرَمِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَا يَمْلِكُهُ الْآخِذُ فَالْمَمْلُوكُ أَوْلَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي لِأَنَّهُ عَيْنُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَهُوَ حَلَالٌ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ خُرُوجِ الصَّيْدِ عَنْ مِلْكِهِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ مَعَ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَمْلِكُ الصَّيْدَ، فَلَوْ قَالَ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ وَهُوَ حَلَالٌ لَكَانَ أَحْسَنُ ح (قَوْلُهُ لِمَا يَأْتِي) أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالصَّيْدُ لَا يَمْلِكُهُ الْمُحْرِمُ إلَخْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْهُ عَنْ اخْتِيَارٍ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَيْ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَلْزَمَهُ بِإِرْسَالِهِ فَكَانَ مُضْطَرًّا شَرْعًا إلَيْهِ، وَالْمُنَاسِبُ عَطْفُهُ بِالْوَاوِ لِأَنَّهُ عِلَّةٌ ثَانِيَةٌ لِقَوْلِهِ وَلَهُ أَخْذُهُ إلَخْ. وَقَدْ عَلَّلَ بِهِ التُّمُرْتَاشِيُّ كَمَا عَزَاهُ إلَيْهِ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ إنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَهُ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ يَكُونُ إبَاحَةً اهـ أَيْ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ مِمَّنْ أَخَذَهُ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْإِبَاحَةِ وَقْتَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 (فَلَوْ) كَانَ (جَارِحًا) كَبَازٍ (فَقَتَلَ حَمَامَ الْحَرَمِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِفِعْلِهِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ (فَلَوْ بَاعَهُ رَدَّ الْمَبِيعَ إنْ بَقِيَ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ تَمْنَعُ بَيْعَ الصَّيْدِ (وَلَوْ أَخَذَ حَلَالٌ صَيْدًا فَأَحْرَمَ ضَمِنَ مُرْسِلُهُ) مِنْ يَدِهِ الْحُكْمِيَّةِ اتِّفَاقًا، وَمِنْ الْحَقِيقِيَّةِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ   [رد المحتار] إرْسَالِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ فَكَانَ مُجَرَّدُ إرْسَالِهِ إبَاحَةً كَإِلْقَاءِ قِشْرِ الرُّمَّانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ جَارِحًا) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَجَبَ إرْسَالُهُ. وَالْجَارِحُ: مِنْ الصَّيْدِ مَا لَهُ نَابٌ أَيْ مِخْلَبٌ يَصِيدُ بِهِ (قَوْلُهُ لِفِعْلِهِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ) وَهُوَ إرْسَالُهُ لَا عَلَى قَصْدِ الِاصْطِيَادِ، وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا دَخَلَ بِهِ الْحَرَمَ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ مَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ بِمَعْنَى إطَارَتِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ، وَلَيْسَ لَهُ إيدَاعُهُ وَإِلَّا لَكَانَ الْوَاجِبُ الْإِيدَاعَ فِي الْجَوَارِحِ دُونَ الْإِرْسَالِ لِأَنَّ الْجَوَارِحَ عَادَتُهَا قَتْلُ الصَّيْدِ فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِإِرْسَالِهِ فِي الْحَرَمِ (قَوْلُهُ فَلَوْ بَاعَهُ) مُفَرَّعٌ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ وَجَبَ إرْسَالُهُ وَالضَّمِيرُ فِيهِ لِلصَّيْدِ الَّذِي أَخَذَهُ حَلَالٌ ثُمَّ أَحْرَمَ أَوْ دَخَلَ بِهِ الْحَرَمَ لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ رَدَّ الْمَبِيعَ إلَخْ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْكَافِي وَالزَّيْلَعِيِّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَ الصَّيْدَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَاعَهُ فَإِنَّ بَيْعَهُ بَاطِلٌ كَمَا سَيَذْكُرُهُ، وَأُطْلِقَ فِي الْبَيْعِ فَشَمِلَ مَا إذَا بَاعَهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ إلَى الْحِلِّ لِأَنَّهُ صَارَ بِالْإِدْخَالِ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ فَلَا يَحِلُّ إخْرَاجُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، كَذَا عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الشَّارِحِينَ؛ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْمُحِيطِ خِلَافُهُ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ وَالْأَكْلِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، لَكِنْ ذُكِرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ. قُلْت: لَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يُؤَدِّ جَزَاءَهُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ، أَمَّا لَوْ أَدَّاهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ وَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ صَيْدَ الْحَرَمِ كَمَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الظَّبْيَةِ. ثُمَّ إنَّ هَذَا أَيْضًا مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْسِلَهُ إلَى الْحِلِّ وَدِيعَةً لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إخْرَاجُهُ بَلْ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ فِي الْحَرَمِ، وَأَمَّا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِهَذَا الْإِرْسَالِ فَلَهُ أَخْذُهُ فِي الْحِلِّ وَلَهُ أَخْذُهُ مِمَّنْ أَخَذَهُ؛ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ لَهُ بَيْعَهُ وَأَكْلَهُ أَيْضًا، فَلَا يُنَافِي مَا هُنَا لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا لَوْ أَرْسَلَهُ وَخَرَجَ الصَّيْدُ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَهُ. قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَلَوْ خَرَجَ الصَّيْدُ مِنْ الْحَرَمِ بِنَفْسِهِ حَلَّ أَخْذُهُ وَإِنْ أَخْرَجَهُ أَحَدٌ لَمْ يَحِلَّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، بِأَنْ أَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ أَوْ غَابَ الْمُشْتَرِي وَلَا يُمْكِنُ إدْرَاكُهُ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) تَقَدَّمَ قَرِيبًا بَيَانُهُ وَأَنَّ الصَّوْمَ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ لَا يَجُوزُ لِلْحَلَالِ وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَرَمِ) أَيْ فِيمَا لَوْ أَدْخَلَ الصَّيْدَ الْحَرَمَ ثُمَّ بَاعَهُ فِيهِ أَوْ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ لِكَوْنِهِ صَارَ صَيْدَ الْحَرَمِ فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهُ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ فَافْهَمْ، وَقَوْلُهُ وَالْإِحْرَامِ: أَيْ فِيمَا لَوْ أَخَذَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَخَذَ حَلَالٌ) أَيْ فِي الْحِلِّ لُبَابٌ، وَقَوْلُهُ ضَمِنَ مُرْسِلُهُ لِأَنَّ الْآخِذَ مَلَكَ الصَّيْدَ مِلْكًا مُحْتَرَمًا فَلَا يَبْطُلُ احْتِرَامُهُ بِإِحْرَامِهِ وَقَدْ أَتْلَفَهُ الْمُرْسِلُ فَيَضْمَنُهُ، بِخِلَافِ مَا أَخَذَهُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ، وَيُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِأَنْ يُخَلِّيَهُ فِي بَيْتِهِ، فَإِذَا قَطَعَ يَدَهُ عَنْهُ كَانَ مُتَعَدِّيًا هِدَايَةٌ، وَمُقْتَضَى هَذَا مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بِهِ الْحَرَمَ فَأَرْسَلَهُ أَحَدٌ لَا يَضْمَنُ الْمُرْسِلُ لِأَنَّ الْآخِذَ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ وَإِنْ كَانَ مِلْكَهُ، وَلَا يُمْكِنُهُ تَخْلِيَتُهُ فِي بَيْتِهِ فَلَمْ يَكُنْ الْمُرْسِلُ مُتَعَدِّيًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ) وَجْهُهُ أَنَّ الْمُرْسِلَ آمِرٌ بِالْمَعْرُوفِ نَاهٍ عَنْ الْمُنْكَرِ وَمَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ -. مَطْلَبٌ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِكَسْرِ آلَاتِ اللَّهْوِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَنَظِيرُهُ الِاخْتِلَافُ فِي كَسْرِ الْمَعَازِفِ أَيْ آلَاتِ اللَّهْوِ كَالطُّنْبُورِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا هُنَا لِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي عَدَمِ الضَّمَانِ بِكَسْرِ الْمَعَازِفِ. اهـ. قَالَ ط: وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى ذَلِكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 (وَلَوْ أَخَذَهُ مُحْرِمٌ لَا) يَضْمَنُ مُرْسِلُهُ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَأْخُذُهُ مِمَّنْ أَخَذَهُ (وَالصَّيْدُ لَا يَمْلِكُهُ الْمُحْرِمُ بِسَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ) كَشِرَاءٍ وَهِبَةٍ (بَلْ) بِسَبَبٍ (جَبْرِيٍّ) وَالسَّبَبُ الْجَبْرِيُّ فِي إحْدَى عَشْرَ مَسْأَلَةً مَبْسُوطَةً فِي الْأَشْبَاهِ فَلِذَا قَالَ تَبَعًا لِلْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ (كَالْإِرْثِ) وَجَعَلَهُ فِي الْأَشْبَاهِ بِالِاتِّفَاقِ، لَكِنْ فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْمِيرَاثِ وَهُوَ الظَّاهِرُ (فَإِنْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ) بَالِغٌ مُسْلِمٌ (ضَمِنَا) جَزَاءَيْنِ الْآخِذُ بِالْأَخْذِ وَالْقَاتِلُ بِالْقَتْلِ (وَرَجَعَ آخِذُهُ عَلَى قَاتِلِهِ) لِأَنَّهُ قَرَّرَ عَلَيْهِ مَا كَانَ بِمَعْرِضِ السُّقُوطِ وَهَذَا (إنْ كَفَّرَ بِمَالٍ وَإِنْ) كَفَّرَ (بِصَوْمٍ فَلَا) عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْكَمَالُ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا (وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ) بَهِيمَةً لَمْ يَرْجِعْ عَلَى رَبِّهَا وَلَوْ (صَبِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا   [رد المحتار] لِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الِاسْتِحْسَانِ إلَّا فِيمَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ مَسَائِلَ قَلِيلَةٍ (قَوْلُهُ لَمْ يَمْلِكْهُ) لِأَنَّ الصَّيْدَ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ، فَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَى الْخَمْرَ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ بَلْ بِسَبَبٍ جَبْرِيٍّ) هُوَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ بِلَا اخْتِيَارٍ وَقَبُولٍ (قَوْلُهُ وَالسَّبَبُ الْجَبْرِيُّ) أَتَى بِهِ ظَاهِرًا. وَلَمْ يَقُلْ وَهُوَ لِيُفِيدَ أَنَّ الْمُرَادَ مُطْلَقُ السَّبَبِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ فِي الصَّيْدِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ فِي إحْدَى عَشَرَ) حَقُّ الْعِبَارَةِ إحْدَى عَشْرَةَ لِأَنَّهُ تَجِبُ الْمُطَابَقَةُ فِيهِ بِتَأْنِيثِ الْجُزْأَيْنِ لِتَأْنِيثِ الْمَعْدُودِ (قَوْلُهُ مَبْسُوطَةً فِي الْأَشْبَاهِ) لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهَا هُنَا، وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُحَشِّيُّ (قَوْلُهُ فَلِذَا قَالَ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَمُثِّلَ لِلْجَبْرِيِّ تَبَعًا لِلْبَحْرِ بِقَوْلِهِ إلَخْ ط. (قَوْلُهُ وَجَعَلَهُ فِي الْأَشْبَاهِ بِالِاتِّفَاقِ) حَيْثُ قَالَ: لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ أَحَدٍ شَيْءٌ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ إلَّا الْإِرْثُ اتِّفَاقًا إلَخْ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي النَّهْرِ إلَخْ) هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّ كَلَامَ الْأَشْبَاهِ كَمَا رَأَيْت مُطْلَقٌ لَا يَتَقَيَّدُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ، وَلَا شَكَّ فِي الِاتِّفَاقِ عَلَى كَوْنِ الْإِرْثِ مُطْلَقًا سَبَبًا جَبْرِيًّا، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ سَبَبًا فِي صُورَةِ الْمُحْرِمِ إذَا مَاتَ مُوَرِّثُهُ عَنْ صَيْدٍ عَلَى كَلَامِ السِّرَاجِ لِقِيَامِ الْمَانِعِ، وَهُوَ الْإِحْرَامُ كَقِيَامِ الْمَوَانِعِ الْأَرْبَعَةِ: أَيْ الرِّقِّ، وَالْكُفْرِ، وَالْقَتْلِ، وَاخْتِلَافِ الْمِلْكِ؛ فَكَمَا لَا يَقْدَحُ قِيَامُ تِلْكَ الْمَوَانِعِ فِي سَبَبِيَّةِ الْإِرْثِ لَا يَقْدَحُ هَذَا فِيهَا. اهـ. ح وَإِنْ جُعِلَ اسْتِدْرَاكًا عَلَى الْمَتْنِ كَانَ فِي مَحَلِّهِ ط (قَوْلُهُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ) هَذَا مِنْ كَلَامِ النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِمَا سَيَأْتِي: أَيْ مِنْ كَوْنِ الصَّيْدِ مُحَرَّمَ الْعَيْنِ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ ظُهُورِهِ، إذْ بَعْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِ الْإِرْثِ وَهُوَ مَوْتُ الْمُوَرِّثِ لَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ نَصٍّ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْإِحْرَامِ مَانِعًا مِنْ إرْثِ الصَّيْدِ كَقِيَامِهِ عَلَى الْمَوَانِعِ الْأَرْبَعَةِ وَكَوْنُ الصَّيْدِ مُحَرَّمَ الْعَيْنِ عَلَى الْمُحْرِمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96]- وَلِذَا لَوْ مُنِعَ مِنْ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ لَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ إرْثِهِ. فَإِنَّ الْجَمْرَةَ مُحَرَّمَةُ الْعَيْنِ أَيْضًا وَتُورَثُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ قَتَلَهُ) أَيْ الصَّيْدَ الَّذِي أَخَذَهُ الْمُحْرِمُ (قَوْلُهُ مُحْرِمٌ آخَرُ إلَخْ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْبَهِيمَةِ. وَبِالْبَالِغِ الْمُسْلِمِ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ كَمَا يَأْتِي، وَكَانَ يَنْبَغِي زِيَادَةُ عَاقِلٍ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمَجْنُونِ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الصَّبِيِّ كَمَا فِي ط عَنْ الْحَمَوِيِّ. وَخَرَجَ أَيْضًا مَا لَوْ قَتَلَهُ حَلَالٌ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ فِي الْحَرَمِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَإِلَّا فَلَا، لَكِنْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْآخِذُ بِمَا ضَمِنَ، فَالرُّجُوعُ فِيهِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُحْرِمِ وَالْحَلَالِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَرَّرَ عَلَيْهِ مَا كَانَ بِمَعْرِضِ السُّقُوطِ) فَإِنَّهُ كَانَ مُحْتَمَلَ الْإِرْسَالِ قَبْلَ قَتْلِهِ؛ وَلِلتَّقْرِيرِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْكَمَالُ) وَجَزَمَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ، وَصُرِّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْمُبْتَغَى. وَظَاهِرُ مَا فِي النِّهَايَةِ أَنْ يَرْجِعَ الْآخِذُ بِالْقِيمَةِ مُطْلَقًا ح عَنْ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى رَبِّهَا) عِبَارَةُ اللُّبَابِ: وَلَوْ قَتَلَهُ بَهِيمَةٌ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ. قَالَ شَارِحُهُ: أَيْ مِنْ صَاحِبِ الْبَهِيمَةِ أَوْ رَاكِبِهَا وَسَائِقِهَا وَقَائِدِهَا، وَالْمَسْأَلَةُ مُصَرَّحَةٌ فِي الْبَحْرِ الزَّاخِرِ. اهـ. أَقُولُ: وَهَذَا فِي الرُّجُوعِ عَلَى الرَّاكِبِ وَنَحْوِهِ، أَمَّا ضَمَانُ الرَّاكِبِ وَنَحْوِهِ الْجَزَاءَ فَلَا شَكَّ فِيهِ. قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَكَذَا لَوْ كَانَ رَاكِبًا أَوْ سَائِقًا أَوْ قَائِدًا فَأَتْلَفَتْ الدَّابَّةُ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ فَمِهَا صَيْدًا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بَالِغٌ مُسْلِمٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ) لِلَّهِ تَعَالَى (وَ) لَكِنْ (رَجَعَ الْآخِذُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ) لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ حُقُوقُ الْعِبَادِ دُونَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى (وَكُلِّ مَا عَلَى الْمُفْرِدِ بِهِ دَمٌ بِسَبَبِ جِنَايَتِهِ عَلَى إحْرَامِهِ) يَعْنِي بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ لَا مُطْلَقًا، إذْ لَوْ تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ أَوْ قَطَعَ نَبَاتَ الْحَرَمِ لَمْ يَتَعَدَّدْ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ لَيْسَ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامِ (فَعَلَى الْقَارِنِ) وَمِثْلُهُ مُتَمَتِّعٌ سَاقَ الْهَدْيَ (دَمَانِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الصَّدَقَةِ) فَتُثَنَّى أَيْضًا لِجِنَايَتِهِ عَلَى إحْرَامَيْهِ (إلَّا بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ (فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِقَارِنٍ   [رد المحتار] وَعِبَارَةُ الْمِعْرَاجِ: لَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْكَافِرِ، فَزَادَ الْمَجْنُونَ لِأَنَّهُ كَالصَّبِيِّ كَمَا مَرَّ، وَعَبَّرَ بِالْكَافِرِ لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ غَيْرُ قَيْدٍ وَإِخْرَاجُهُ عَنْ قَوْلِهِ مُحْرِمٌ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ، وَإِلَّا فَالْكَافِرُ لَيْسَ أَهْلًا لِلنِّيَّةِ الَّتِي هِيَ شَرْطُ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ) بَلْ عَلَى الْآخِذِ وَحْدَهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ حُقُوقُ الْعِبَادِ) وَهُنَا لَمَّا قَرَّرَ عَلَى الْآخِذِ مَا كَانَ بِمَعْرِضِ السُّقُوطِ لَزِمَهُ. (قَوْلُهُ وَكُلِّ مَا عَلَى الْمُفْرِدِ بِهِ دَمٌ) لَوْ قَالَ كَفَّارَةٌ لَشَمِلَ الصَّدَقَةَ وَاسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الصَّدَقَةِ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْكَفَّارَةِ مَا يَشْمَلُ كَفَّارَةَ الضَّرُورَةِ، فَإِنَّ الْقَارِنَ إذَا لَبِسَ أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ لِلضَّرُورَةِ تَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ يَعْنِي بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ إلَخْ) أَيْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ: أَيْ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ بِسَبَبِ نَفْسِ الْإِحْرَامِ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً، وَلَا مَا حَرُمَ بِسَبَبٍ غَيْرِ الْإِحْرَامِ وَذَلِكَ كَاللُّبْسِ وَالتَّطَيُّبِ وَإِزَالَةِ شَعْرٍ أَوْ ظُفْرٍ، فَخَرَجَ مَا لَوْ تَرَكَ وَاجِبًا؛ كَمَا لَوْ تَرَكَ السَّعْيَ أَوْ الرَّمْيَ أَوْ أَفَاضَ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ طَافَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ، وَلَا تَتَعَدَّدُ عَلَى الْقَارِنِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ جِنَايَةً عَلَى نَفْسِ الْإِحْرَامِ بَلْ هُوَ تَرْكُ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ، وَكَذَا لَوْ طَافَ جُنُبًا وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ لَزِمَهُ دَمٌ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ، بِخِلَافِ نَحْوِ اللُّبْسِ فَإِنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْإِحْرَامِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً، وَلِذَا حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي أَفْعَالِهِمَا، فَيَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ عَلَى الْقَارِنِ لِتَلَبُّسِهِ بِإِحْرَامَيْنِ. وَخَرَجَ أَيْضًا مَا لَوْ قَطَعَ نَبَاتَ الْحَرَمِ فَلَا يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بِهِ أَيْضًا عَلَى الْقَارِنِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْغَرَامَاتِ لَا تَعَلُّقَ لِلْإِحْرَامِ بِهِ، بِخِلَافِ صَيْدِ الْحَرَمِ إذَا قَتَلَهُ الْقَارِنُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتَانِ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَى الْإِحْرَامِ وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى كَوْنِهِ جِنَايَةً عَلَى الْحَرَمِ لِأَنَّ أَقْوَى الْحُرْمَتَيْنِ تَسْتَتْبِعُ أَدْنَاهُمَا وَالْإِحْرَامُ أَقْوَى فَكَانَ وُجُوبُ الْقِيمَةِ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ فَقَطْ لَا بِسَبَبِ الْحَرَمِ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى الْحَرَمِ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ حَلَالًا. اهـ. هَذَا مَا ظَهَرَ لِي تَقْرِيرُهُ هُنَا. وَظَاهِرُ تَقْرِيرِ السِّرَاجِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَمَا عَلَى الْمُفْرِدِ بِهِ دَمٌ مَا كَانَ فِعْلًا احْتِرَازًا عَمَّا كَانَ تَرْكًا كَتَرْكِ السَّعْيِ وَحَدِّ الْوُقُوفِ وَالطَّهَارَةِ، وَبِهِ يُشْعِرُ كَلَامُ الشَّارِحِ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ قَطْعُ النَّبَاتِ فَإِنَّهُ فِعْلٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ مُتَمَتِّعٌ سَاقَ الْهَدْيَ) أَوْلَى مِنْهُ قَوْلُ اللُّبَابِ: وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ لُزُومِ الْجَزَاءَيْنِ عَلَى الْقَارِنِ هُوَ حُكْمُ كُلِّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ إحْرَامَيْنِ كَالْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ لَمْ يَسُقْهُ، لَكِنْ لَمْ يَحِلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ حَتَّى أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَكَذَا مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ أَوْ الْعُمْرَتَيْنِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِمِائَةِ حَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ ثُمَّ جَنَى قَبْلَ رَفْضِهَا فَعَلَيْهِ مِائَةُ جَزَاءٍ. اهـ. فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ لِجِنَايَتِهِ عَلَى إحْرَامَيْهِ) أَيْ إحْرَامِ الْحَجِّ وَإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَهُوَ عِلَّةٌ لِتَعَدُّدِ الدَّمِ وَالصَّدَقَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْإِمَامِ مِنْ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلصَّدَقَةِ فِي الْعُمْرَةِ يَقْتَضِي عَدَمَ تَعَدُّدِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْقَارِنِ، لَكِنْ قَدَّمْنَا جَوَابَهُ هُنَاكَ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ) لِتَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ عَنْ الْمِيقَاتِ، وَلَوْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ سَقَطَ الدَّمُ ط. وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ صُورَةً يَلْزَمُ الْقَارِنَ فِيهَا دَمَانِ لِلْمُجَاوَزَةِ، وَهِيَ مَا لَوْ جَاوَزَ فَأَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يَعُدْ إلَى الْحِلِّ مُحْرِمًا، وَهِيَ غَيْرُ وَارِدَةٍ لِأَنَّ الدَّمَ الْأَوَّلَ لِلْمُجَاوَزَةِ، وَالثَّانِيَ لِتَرْكِهِ مِيقَاتَ الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ الْتَحَقَ بِأَهْلِهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ الْمُجَاوَزَةِ لَيْسَ بِقَارِنٍ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِوُجُوبِ الدَّمِ الْوَاحِدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 (وَلَوْ قَتَلَ مُحْرِمَانِ صَيْدًا تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ) لِتَعَدُّدِ الْفِعْلِ (وَلَوْ حَلَالَانِ) صَيْدَ الْحَرَمِ (لَا) لِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ (وَبَطَلَ بَيْعُ مُحْرِمٍ صَيْدًا) وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ (وَشِرَاؤُهُ) إنْ اصْطَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَإِلَّا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ (فَلَوْ قَبَضَ) الْمُشْتَرَى (فَعَطِبَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ وَعَلَى الْبَائِعِ الْجَزَاءُ) وَفِي الْفَاسِدِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ أَيْضًا كَمَا مَرَّ (وَلَدَتْ ظَبْيَةٌ) بَعْدَمَا (أُخْرِجَتْ مِنْ الْحَرَمِ وَمَاتَا غَرِمَهُمَا وَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهَا) أَيْ الْأُمِّ   [رد المحتار] وَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّمَ يَلْزَمُهُ، سَوَاءٌ أَحْرَمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا، أَوْ لَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا، فَلَا دَخْلَ لِكَوْنِهِ قَارِنًا فِي وُجُوبِ ذَلِكَ الدَّمِ ط. (قَوْلُهُ لِتَعَدُّدِ الْفِعْلِ) أَيْ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالشَّرِكَةِ يَصِيرُ جَانِيًا جِنَايَةً تَفُوقُ الدَّلَالَةَ فَيَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ هِدَايَةٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ) فَإِنَّ الضَّمَانَ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ جَزَاءُ الْفِعْلِ، وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ، وَفِي حَقِّ صَيْدِ الْحَرَمِ جَزَاءُ الْمَحَلِّ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَعَدِّدٍ كَرَجُلَيْنِ قَتَلَا رَجُلًا خَطَأً يَجِبُ عَلَيْهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَحَلِّ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ لِأَنَّهَا جَزَاءُ الْفِعْلِ بَحْرٌ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْسَمَ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ إذَا قَتَلَهُ جَمَاعَةٌ، وَلَوْ قَتَلَهُ حَلَالٌ وَمُحْرِمٌ فَعَلَى الْمُحْرِمِ جَمِيعُ الْقِيمَةِ وَعَلَى الْحَلَالِ نِصْفُهَا، وَلَوْ قَتَلَهُ حَلَالٌ وَمُفْرِدٌ وَقَارِنٌ فَعَلَى الْحَلَالِ ثُلُثُ الْجَزَاءِ وَعَلَى الْمُفْرِدِ جَزَاءٌ وَعَلَى الْقَارِنِ جَزَاءَانِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَبَطَلَ بَيْعُ الْمُحْرِمِ صَيْدًا إلَخْ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْعَاقِدَانِ مُحْرِمَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا، فَأَفَادَ أَنَّ بَيْعَ الْمُحْرِمِ بَاطِلٌ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي حَلَالًا وَأَنَّ شِرَاءَهُ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ حَلَالًا. وَأَمَّا الْجَزَاءُ فَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْمُحْرِمِ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْبَائِعُ حَلَالًا وَالْمُشْتَرِي مُحْرِمًا لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ فَقَطْ، وَعَلَى هَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ) أَيْ مِنْ هِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَجَعَلَهُ مَهْرًا وَبَدَلَ خُلْعٍ لِأَنَّ الْعَيْنَ خَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا مَحَلًّا لِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ ط. ثُمَّ الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ وَشِرَاؤُهُ لِيَكُونَ تَعْمِيمًا بَعْدَ تَخْصِيصٍ (قَوْلُهُ إنْ اصْطَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ) أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ كَمَا مَرَّ. وَأَفَادَ بِهَذَا الشَّرْطِ أَنَّ الْبُطْلَانَ إذَا صَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَاعَهُ كَذَلِكَ، أَمَّا لَوْ صَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَاعَهُ وَهُوَ حَلَالٌ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ كَمَا فِي السِّرَاجِ؛ وَلَوْ صَادَهُ وَهُوَ حَلَالٌ وَبَاعَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ كَمَا صُرِّحَ بِهِ تَبَعًا لِلسِّرَاجِ أَيْضًا: أَيْ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي حَلَالًا، أَمَّا لَوْ كَانَ مُحْرِمًا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ حَلَالًا كَمَا مَرَّ آنِفًا. ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الشَّرْطِ إنَّمَا هُوَ فِي بَيْعِ الْمُحْرِمِ كَمَا مَرَّ فِي النَّهْرِ قَالَ ح إذْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِك وَبَطَلَ شِرَاءُ الْمُحْرِمِ إنْ اصْطَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ الشَّرْطَ بَعْدَ الْأَوَّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْفَاسِدِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ) أَيْ يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الصَّيْدِ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ أَيْضًا) أَيْ مَعَ ضَمَانِهِ: أَيْ الْمُشْتَرِي الْجَزَاءَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْلِهِ وَعَلَيْهِ وَعَلَى الْبَائِعِ الْجَزَاءُ فَافْهَمْ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ضَمَانَهُ الْجَزَاءَ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ مُحْرِمًا وَإِلَّا فَلَيْسَ عَلَيْهِ سِوَى ضَمَانِ الْقِيمَةِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) الْكَافُ فِيهِ لِلتَّنْظِيرِ: أَيْ نَظِيرِ مَا مَرَّ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْسِلِ الْقِيمَةَ فِي قَوْلِهِ أَخَذَ حَلَالٌ صَيْدًا ضَمِنَ مُرْسِلُهُ. [تَنْبِيهٌ] ذُكِرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَحَلَّ لَهُ لَحْمُ مَا صَادَهُ حَلَالٌ لَوْ وَهَبَ مُحْرِمٌ لِمُحْرِمٍ صَيْدًا فَأَكَلَهُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَى الْآكِلِ ثَلَاثَةُ أَجْزِأَةٍ: قِيمَةٌ لِلذَّبْحِ، وَقِيمَةٌ لِلْأَكْلِ الْمَحْظُورِ. وَقِيمَةٌ لِلْوَاهِبِ لِأَنَّ الْهِبَةَ كَانَتْ فَاسِدَةً وَعَلَى الْوَاهِبِ قِيمَةٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَى الْآكِلِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِلْوَاهِبِ وَقِيمَةٌ لِلذَّبْحِ، وَلَا شَيْءَ لِلْأَكْلِ عِنْدَهُ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ وُجُوبَ قِيمَةٍ لِلْوَاهِبِ خَاصٌّ فِيمَا إذَا اصْطَادَهُ وَهُوَ حَلَالٌ لِيَكُونَ مِلْكَهُ وَإِلَّا لَمْ يَمْلِكْهُ فَلَا يَجِبُ لَهُ قِيمَةٌ، وَلِذَا كَانَتْ الْهِبَةُ فَاسِدَةً لَا بَاطِلَةً قِيلَ: وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْهِبَةَ الْفَاسِدَةَ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ، أَمَّا عَنْ مُقَابِلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْوَاهِبِ. قُلْت: وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ وَيَضْمَنُ بِمِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ بَعْدَمَا أُخْرِجَتْ) أَيْ أَخْرَجَهَا مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ وَمَاتَا) عُلِمَ حُكْمُ ذَبْحِهِمَا وَإِتْلَافِهِمَا بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ بِالْأَوْلَى ط (قَوْلُهُ غَرِمَهُمَا) لِأَنَّ الصَّيْدَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحَرَمِ بَقِيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 578 (ثُمَّ وَلَدَتْ لَمْ يُجْزِهِ) أَيْ الْوَلَدَ لِعَدَمِ سِرَايَةِ الْأَمْنِ حِينَئِذٍ وَهَلْ يَجِبُ رَدُّهَا بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ الظَّاهِرُ: نَعَمْ (آفَاقِيٌّ) مُسْلِمٌ بَالِغٌ (يُرِيدُ الْحَجَّ) وَلَوْ نَفْلًا (أَوْ الْعُمْرَةَ) فَلَوْ لَمْ يُرِدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ، وَإِنْ وَجَبَ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ إنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ قَرِيبًا (وَجَاوَزَ وَقْتَهُ) ظَاهِرُ مَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ   [رد المحتار] مُسْتَحِقَّ الْأَمْنَ شَرْعًا وَلِهَذَا وَجَبَ رَدُّهُ إلَى مَأْمَنِهِ وَهَذِهِ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَتَسْرِي إلَى الْوَلَدِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ لَمْ يَجْزِهِ) بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ جَزَاهُ بِهِ وَهُوَ ثُلَاثِيٌّ مُعْتَلُّ الْآخِرِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَضَمِيرُهُ الْمُسْتَتِرُ لِلْمُخْرِجِ وَالْبَارِزُ لِلْوَلَدِ ح. وَكُلُّ زِيَادَةٍ فِي الصَّيْدِ كَالسِّمَنِ وَالشَّعْرِ فَضَمَانُهَا عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ نَهْرٌ: أَيْ إنْ لَمْ يُؤَدِّ جَزَاءَهَا قَبْلَ مَوْتِهَا ضَمِنَ الزِّيَادَةَ وَإِنْ أَدَّاهُ فَلَا بَحْرٌ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهَا لَوْ حَبِلَتْ بَعْدَ إخْرَاجِهَا، فَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ لِعَدَمِ سِرَايَةِ الْأَمْنِ) أَيْ إلَى الْوَلَدِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَدَّى ضَمَانَ الْأَصْلِ مَلَكَهَا فَخَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ صَيْدَ الْحَرَمِ وَبَطَلَ اسْتِحْقَاقُ الْأَمْنِ قَاضِي خَانْ. قَالَ فِي النَّهْرِ: حَتَّى لَوْ ذَبَحَ الْأُمَّ وَالْأَوْلَادَ يَحِلُّ، لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْغَايَةِ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ نَعَمْ) نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ فَإِذَا أَدَّى الْجَزَاءَ مَلَكهَا مِلْكًا خَبِيثًا، وَلِذَا قَالُوا بِكَرَاهَةِ أَكْلِهَا وَهِيَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ تَنْصَرِفُ إلَى التَّحْرِيمِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ رَدُّهَا بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ آفَاقِيٌّ إلَخْ) تَرْجَمَهُ فِي الْكَنْزِ بِبَابِ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَوَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا سَبَقَ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ أَيْضًا، لَكِنَّ مَا سَبَقَ جِنَايَةٌ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَهَذَا قَبْلَهُ قَالَ ح: لَوْ عَبَّرَ بِمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْكَنْزِ لَشَمِلَ قَوْلَهُ كَمَكِّيٍّ يُرِيدُ الْحَجَّ إلَخْ وَلَشَمِلَ حَرَمِيًّا أَحْرَمَ لِعُمْرَتِهِ مِنْ الْحَرَمِ وَبُسْتَانِيًّا أَحْرَمَ لِحَجَّتِهِ أَوْ لِعُمْرَتِهِ مِنْ الْحَرَمِ. فَإِنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يُحْرِمْ مِنْ مِيقَاتِهِ الْمُعَيَّنِ لَهُ لَزِمَهُ دَمٌ مَا لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ حَرَمِيًّا أَمْ بُسْتَانِيًّا أَمْ آفَاقِيًّا، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلُزُومِ الْإِحْرَامِ فِي الْبُسْتَانِيِّ وَالْحَرَمِيِّ قَصْدُ النُّسُكِ، وَيَكْفِي الْآفَاقِيَّ قَصْدُ دُخُولِ الْحَرَمِ قَصَدَ مَعَ ذَلِكَ نُسُكًا أَمْ لَا. اهـ. وَأَرَادَ بِالْبُسْتَانِيِّ الْحِلِّيَّ أَيْ مَنْ كَانَ فِي الْحِلِّ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُحْرِمَ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ آفَاقِيٌّ وَحُلِيٌّ وَحَرَمِيٌّ، وَلِكُلٍّ مِيقَاتٌ مَخْصُوصٌ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْمَوَاقِيتِ، فَمَنْ أَرَادَ نُسُكًا وَجَاوَزَ وَقْتَهُ لَزِمَهُ الْعَوْدُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ مُسْلِمٌ بَالِغٌ) فَلَوْ جَاوَزَهُ كَافِرٌ أَوْ صَبِيٌّ فَأَسْلَمَ وَبَلَغَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، وَلَمْ يُقَيَّدْ بِالْحُرِّ لِيَشْمَلَ الرَّقِيقَ. فَإِنَّهُ لَوْ جَاوَزَهُ بِلَا إحْرَامٍ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ فَعَلَيْهِ دَمٌ يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ) كَذَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ، وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَابْنُ كَمَال بَاشَا، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا نَذْكُرُ. وَمَنْشَأُ ذَلِكَ قَوْلُ الْهِدَايَةِ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا أَيْ مِنْ لُزُومِ الدَّمِ بِالْمُجَاوَزَةِ إنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ، فَإِنْ كَانَ دَخَلَ الْبُسْتَانَ لِحَاجَةٍ فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ. اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: يُوهِمُ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ إذَا جَاوَزَ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَجَبَ الدَّمُ إلَّا أَنْ يَتَلَافَاهُ، مَحَلُّهُ مَا إذَا قَصَدَ النُّسُكَ، فَإِنْ قَصَدَ التِّجَارَةَ أَوْ السِّيَاحَةَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ جَمِيعَ الْكُتُبِ نَاطِقَةٌ بِلُزُومِ الْإِحْرَامِ عَلَى مَنْ قَصَدَ مَكَّةَ سَوَاءٌ قَصَدَ النُّسُكَ أَمْ لَا. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي فِعْلِ الْمَوَاقِيتِ، فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ فِيمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ مِنْ الْآفَاقِيِّينَ قَصْدُ النُّسُكِ، فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ إذَا أَرَادَ مَكَّةَ. اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ ح عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِمَكَّةَ خُصُوصَهَا، بَلْ قَصْدُ الْحَرَمِ مُطْلَقًا مُوجِبٌ لِلْإِحْرَامِ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ فَصْلِ الْإِحْرَامِ، وَصُرِّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ يُرِدْ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ ح (قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ أَوَّلَ الْكِتَابِ فِي بَحْثِ الْمَوَاقِيتِ فِي قَوْلِهِ وَحَرُمَ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ عَنْهَا لِمَنْ قَصَدَ دُخُولَ مَكَّةَ وَلَوْ لِحَاجَةٍ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ قَرِيبًا: أَيْ فِي قَوْلِهِ وَعَلَى مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامِ حَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ (قَوْلُهُ وَجَاوَزَ وَقْتَهُ) أَيْ مِيقَاتَهُ، وَالْمُرَادُ آخِرُ الْمَوَاقِيتِ الَّتِي يَمُرُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 579 اعْتِبَارُ الْإِرَادَةِ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ (ثُمَّ أَحْرَمَ لَزِمَهُ دَمٌ؛ كَمَا إذَا لَمْ يُحْرِمْ، فَإِنْ عَادَ) إلَى مِيقَاتٍ مَا (ثُمَّ أَحْرَمَ أَوْ) عَادَ إلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ (مُحْرِمًا لَمْ يَشْرَعْ فِي نُسُكٍ) صِفَةُ: مُحْرِمًا كَطَوَافٍ وَلَوْ شَوْطًا، وَإِنَّمَا قَالَ (وَلَبَّى) لِأَنَّ الشَّرْطَ عِنْدَ الْإِمَامِ تَجْدِيدُ التَّلْبِيَةِ عِنْدَ الْمِيقَاتِ بَعْدَ الْعَوْدِ إلَيْهِ خِلَافًا لَهُمَا (سَقَطَ دَمُهُ) وَالْأَفْضَلُ عَوْدُهُ إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ   [رد المحتار] عَلَيْهَا، إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ أَوَّلِهَا كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ اعْتِبَارُ الْإِرَادَةِ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ) أَيْ أَنَّ الْآفَاقِيَّ الَّذِي جَاوَزَ وَقْتَهُ تُعْتَبَرُ إرَادَتُهُ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَ قَصْدِ الْمُجَاوَزَةِ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ لِحَجٍّ أَوْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَإِلَّا بِأَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَان فِي الْحِلِّ لِحَاجَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَاسْتُظْهِرَ فِي الْبَحْرِ اعْتِبَارُ الْإِرَادَةِ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهِ، لَكِنْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْبُسْتَانِ الْآتِيَةِ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ حَيْثُ ذُكِرَ ذَلِكَ فِيهِمَا، وَسَنَذْكُرُ عِبَارَةَ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إلَى مِيقَاتٍ مَا) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِدُونِ لَفْظَةِ مَا، وَعَلَى كُلٍّ فَالْمُرَادُ أَيُّ مِيقَاتٍ كَانَ، سَوَاءٌ كَانَ مِيقَاتُهُ الَّذِي جَاوَزَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ أَوْ غَيْرُهُ أَقْرَبَ أَوْ أَبْعَدَ لِأَنَّهَا كُلَّهَا فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ سَوَاءٌ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْرِمَ مِنْ وَقْتِهِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَحْرَمَ) أَيْ بِحَجٍّ وَلَوْ نَفْلًا أَوْ بِعُمْرَةٍ، وَهَذَا نَاظِرٌ إلَى قَوْلِ الشَّارِحِ كَمَا إذَا لَمْ يُحْرِمْ، وَقَوْلُهُ أَوْ عَادَ إلَخْ نَاظِرٌ إلَى قَوْلِهِ جَاوَزَ وَقْتَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ. وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ بِمُجَرَّدِهَا فِيهَا حَزَازَةٌ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ صِفَةُ مُحْرِمًا) أَيْ صِفَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ، وَإِلَّا فَجُمْلَةُ لَمْ يَشْرَعْ حَالٌ مِنْ فَاعِلِهِ الْمُسْتَتِرِ أَوْ مِنْ فَاعِلِ عَادَ، فَهِيَ حَالٌ بَعْدَ حَالٍ مُتَدَاخِلَةٌ أَوْ مُتَرَادِفَةٌ (قَوْلُهُ كَطَوَافٍ) وَكَذَا لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لِلْقُدُومِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَوْطًا) أَخَذَهُ مِنْ الْبَحْرِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي لُزُومِ الدَّمِ وَعَدَمِ إمْكَانِ سُقُوطِهِ مِنْ الشَّوْطِ الْكَامِلِ. وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ: وَلَوْ عَادَ بَعْدَ مَا ابْتَدَأَ الطَّوَافَ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ فَقَالَ: وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِالْوَاوِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِهَا بِالْفَاءِ. قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ فِي شَرْحِهَا: إنَّمَا ذَكَرَهُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الشَّوْطُ التَّامُّ، فَإِنَّ الْمَسْنُونَ الْفَصْلُ بَيْنَ الشَّوْطَيْنِ بِالِاسْتِلَامِ، وَإِلَّا فَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْعِنَايَةِ. وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِالِاسْتِلَامِ مَا يَكُونُ بَيْنَ الشَّوْطَيْنِ لَا مَا يَكُونُ فِي أَوَّلِ الطَّوَافِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْبَدَائِعِ بَعْدَ مَا طَافَ شَوْطًا أَوْ شَوْطَيْنِ: وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الدُّرَرِ مِنْ عَطْفِهِ بِأَوْ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِاقْتِضَائِهِ الِاكْتِفَاءَ بِبَعْضِ الشَّوْطِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ إلَخْ) أَيْ فِي سُقُوطِ الدَّمِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ النُّسُكِ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَاجِبٌ حَتَّى يُجْبَرَ بِالدَّمِ، وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَكَانَ فَرْضًا، وَبِتَرْكِهِ يَفْسُدُ الْحَجُّ أَفَادَهُ الْحَمَوِيُّ ط (قَوْلُهُ عِنْدَ الْمِيقَاتِ) احْتِرَازٌ عَنْ دَاخِلِ الْمِيقَاتِ لَا خَارِجِهِ، حَتَّى لَوْ عَادَ مُحْرِمًا وَلَمْ يُلَبِّ فِيهِ لَكِنْ لَبَّى بَعْدَ مَا جَاوَزَهُ ثُمَّ رَجَعَ وَمَرَّ بِهِ سَاكِتًا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ فَوْقَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي تَعْظِيمِ الْبَيْتِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) حَيْثُ قَالَا يَسْقُطُ الدَّمُ وَإِنْ لَمْ يُلَبِّ كَمَا لَوْ مَرَّ مُحْرِمًا سَاكِتًا؛ وَلَهُ أَنَّ الْعَزِيمَةَ فِي الْإِحْرَامِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا تَرَخَّصَ بِالتَّأْخِيرِ إلَى الْمِيقَاتِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ حَقِّهِ بِإِنْشَاءِ التَّلْبِيَةِ، فَكَانَ التَّلَافِي بِعَوْدِهِ مُلَبِّيًا هِدَايَةٌ. وَفِي شَرْحِهَا لِابْنِ الْكَمَالِ: اعْلَمْ أَنَّ النَّاظِرِينَ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ شُرَّاحِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْعَزِيمَةَ لِلْآفَاقِيِّ مَا ذُكِرَ، وَلَا يَخْلُو عَنْ إشْكَالٍ، إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ اتِّفَاقُ الْكُلِّ عَلَى تَرْكِ الْعَزِيمَةِ وَمَا هُوَ الْأَفْضَلُ. اهـ. قُلْت: وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْإِحْرَامِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَيْ مِمَّا قَرُبَ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ مِنْ الْأَمَاكِنِ الْبَعِيدَةِ عَنْ الْمِيقَاتِ، وَقَدْ وَرَدَ فِعْلُ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَوَرَدَ طَلَبُهُ فِي الْحَدِيثِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ عِنْدَ بَحْثِ الْمَوَاقِيتِ. وَفَسَّرَ الصَّحَابَةُ الْإِتْمَامَ فِي - وَأَتِمُّوا الْحَجَّ - بِذَلِكَ، وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ هُنَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ عَوْدُهُ) ظَاهِرُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وُجُوبُ الْعَوْدِ، وَبِهِ صُرِّحَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ) أَيْ فَإِنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 580 (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ أَوْ عَادَ بَعْدَ شُرُوعِهِ (لَا) يَسْقُطُ الدَّمُ (كَمَكِّيٍّ يُرِيدُ الْحَجَّ وَمُتَمَتِّعٍ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ) وَصَارَ مَكِّيًّا (وَخَرَجَا مِنْ الْحَرَمِ وَأَحْرَمَا بِالْحَجِّ) مِنْ الْحِلِّ، فَإِنَّ عَلَيْهَا دَمًا لِمُجَاوَزَةِ مِيقَاتِ الْمَكِّيِّ بِلَا إحْرَامٍ، وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَا بِعُمْرَةٍ مِنْ الْحَرَمِ وَبِالْعَوْدِ كَمَا مَرَّ يَسْقُطُ الدَّمُ (دَخَلَ كُوفِيٌّ) أَيْ آفَاقِيٌّ (الْبُسْتَانَ) أَيْ مَكَانًا مِنْ الْحِلِّ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ (لِحَاجَةٍ) قَصَدَهَا   [رد المحتار] لَا يَعُودُ وَيَمْضِي فِي إحْرَامِهِ، وَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْحَجَّ فَرْضٌ وَالْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَاجِبٌ وَتَرْكُ الْوَاجِبِ أَهْوَنُ مِنْ تَرْكِ الْفَرْضِ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخَفْ الْفَوْتَ يَجِبُ الْعَوْدُ كَمَا قُلْنَا لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ، وَأَنَّهُ إذَا خَافَهُ يَجِبُ عَدَمُ الْعَوْدِ، وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي قَوْلِ النَّهْرِ وَمَتَى خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ لَوْ عَادَ فَالْأَفْضَلُ عَدَمُهُ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ عَوْدُهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. هَذَا وَفِي الْبَحْرِ: وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ: أَيْ مِمَّا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِي الْعُمْرَةِ وَأَنَّهُ يَعُودُ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ أَصْلًا. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا بِالنَّظَرِ إلَى الْفَوَاتِ وَإِلَّا فَقَدْ يَحْصُلُ مَانِعٌ مِنْ الْعَوْدِ غَيْرَ الْفَوَاتِ لِخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ فَيَسْقُطُ وُجُوبُ الْعَوْدِ فِي الْعُمْرَةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ أَوْ عَادَ بَعْدَ شُرُوعِهِ) بَقِيَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ أَوْ قَبْلَ شُرُوعِهِ وَلَمْ يُلَبِّ عِنْدَ الْمِيقَاتِ ح (قَوْلُهُ كَمَكِّيٍّ يُرِيدُ الْحَجَّ إلَخْ) أَمَّا لَوْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ لِحَاجَةٍ فَأَحْرَمَ مِنْهُ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ كَالْآفَاقِيِّ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ قَاصِدًا الْبُسْتَانَ ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْهُ، وَلَمْ أَرَ تَقْيِيدَ مَسْأَلَةِ الْمُتَمَتِّعِ بِمَا إذَا خَرَجَ عَلَى قَصْدِ الْحَجِّ، وَيَنْبَغِي أَنْ تُقَيَّدَ بِهِ؛ وَأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ إلَى الْحِلِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَالْمَكِّيِّ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَصَارَ مَكِّيًّا) لِأَنَّ مَنْ وَصَلَ إلَى مَكَان عَلَى وَجْهٍ مَشْرُوعٍ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ أَهْلِهِ، وَهُنَا لَمَّا وَصَلَ إلَى مَكَّةَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ وَفَرَغَ مِنْهَا صَارَ فِي حُكْمِ الْمَكِّيِّ سَوَاءٌ سَاقَ الْهَدْيَ أَمْ لَا، فَإِذَا أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ فَمِيقَاتُهُ الْحَرَمُ أَوْ الْعُمْرَةُ فَالْحِلُّ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي الْحِلِّيِّ، وَهُوَ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ فَإِنَّ مِيقَاتَهُ لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ الْحِلُّ، فَإِذَا أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ إلَّا أَنْ يَعُودَ كَمَا مَرَّ عَنْ ح وَصَرَّحَ بِهِ هُنَاكَ فِي النَّهْرِ وَاللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَا) أَيْ الْمَكِّيُّ وَالْمُتَمَتِّعُ الَّذِي فِي حُكْمِهِ، فَإِنَّ مِيقَاتَ الْمَكِّيِّ لِلْعُمْرَةِ الْحِلُّ (قَوْلُهُ وَبِالْعَوْدِ) أَرَادَ بِهِ مُطْلَقَ الذَّهَابِ إلَى الْمِيقَاتِ الْوَاجِبِ لِيَشْمَلَ قَوْلَهُ وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَا بِعُمْرَةٍ مِنْ الْحَرَمِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ خُرُوجُهُمَا إلَى الْحِلِّ لِيَسْقُطَ الدَّمُ؛ وَلَيْسَ فِيهِ عَوْدٌ إلَيْهِ بَعْدَ الْكَيْنُونَةِ فِيهِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ عَوْدًا مُمَاثِلًا لِمَا مَرَّ فِي الْآفَاقِيِّ بِأَنْ يَعُودَ إلَى الْمِيقَاتِ ثُمَّ يُحْرِمَ إنْ لَمْ يَكُنْ أَحْرَمَ، وَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ وَلَمْ يَشْرَعْ فِي نُسُكٍ يَعُودُ إلَيْهِ وَيُلَبِّي. (قَوْلُهُ أَيْ آفَاقِيٌّ) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكُوفِيِّ كُلُّ مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمَوَاقِيتِ (قَوْلُهُ الْبُسْتَانَ) أَيْ بُسْتَانَ بَنِي عَامِرٍ: وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ خَارِجَ الْحَرَمِ، وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى الْآنَ نَخْلَةَ مَحْمُودِ بْنِ كَمَالٍ. زَادَ غَيْرُهُ أَنَّ مِنْهُ إلَى مَكَّةَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ مِيلًا. قَالَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ: قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هَذِهِ الْقَرْيَةُ عَلَى يَسَارِ مُسْتَقْبِلِ الْكَعْبَةِ إذَا وَقَفَ بِأَرْضِ عَرَفَاتٍ. وَفِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ: بِالْقُرْبِ مِنْ جَبَلِ عَرَفَاتٍ عَلَى طَرِيقِ الْعِرَاقِ وَالْكُوفَةِ إلَى مَكَّةَ (قَوْلُهُ أَيْ مَكَانًا مِنْ الْحِلِّ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْبُسْتَانَ غَيْرُ قَيْدٍ؛ وَأَنَّ الْمُرَادَ مَكَانٌ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ مِنْ الْحِلِّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْرَطُ أَنْ يَقْصِدَ مَكَانًا مُعَيَّنًا لِأَنَّ الشَّرْطَ عَدَمُ قَصْدِ دُخُولِ الْحَرَمِ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ؛ فَأَيُّ مَكَان قَصَدَهُ مِنْ دَاخِلِ الْمَوَاقِيتِ حَصَلَ الْمُرَادُ كَمَا سَيَتَّضِحُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِحَاجَةٍ) كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا أَرَادَ دُخُولَ مَكَان مِنْ الْحِلِّ لِمُجَرَّدِ الْمُرُورِ إلَى مَكَّةَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ إلَّا مُحْرِمًا فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ، وَإِلَّا فَكُلُّ آفَاقِيٍّ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دُخُولِ مَكَان فِي الْحِلِّ. عَلَى أَنَّهُ فِي الْبَحْرِ جَعَلَ الشَّرْطَ قَصْدَهُ الْحِلَّ مِنْ حِينِ خُرُوجِهِ مِنْ بَيْتِهِ: أَيْ لِيَكُونَ سَفَرُهُ لِأَجْلِهِ لَا لِدُخُولِ الْحَرَمِ كَمَا يَأْتِي، وَلِذَا قَالَ ابْنُ الشَّلَبِيِّ فِي شَرْحِهِ وَمُنْلَا مِسْكِينٍ لِحَاجَةٍ لَهُ بِالْبُسْتَانِ لَا لِدُخُولِ مَكَّةَ، وَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ فَافْهَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 581 وَلَوْ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ عَلَى مَا مَرَّ، وَنِيَّةُ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عَلَى الْمَذْهَبِ (لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ كَمَا مَرَّ، وَهَذِهِ حِيلَةٌ لِآفَاقِيٍّ يُرِيدُ دُخُولَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَلَوْ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ) الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِقَصْدِهَا أَيْ وَلَوْ كَانَ قَصَدَ الْحَاجَةَ الَّتِي هِيَ عِلَّةُ إرَادَتِهِ دُخُولَ الْبُسْتَانِ عِنْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ، أَمَّا بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ قَصْدُ الْحَاجَةِ لِكَوْنِهِ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ كَانَ قَاصِدًا مَكَّةَ فَلَا يَسْقُطُ الدَّمُ مَا لَمْ يَرْجِعْ. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ دُخُولَ الْبُسْتَانِ لِحَاجَةٍ قَبْلَ الْمُجَاوَزَةِ فَهُوَ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى وَإِنْ قَصَدَهُ لِذَلِكَ مِنْ حِينِ خُرُوجِهِ مِنْ بَيْتِهِ غَيْرُ شَرْطٍ، خِلَافًا لِمَا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ عَقِبَ ذِكْرِهِ إنَّ ذَلِكَ حِيلَةٌ لِآفَاقِيٍّ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ، وَلَمْ أَرَ أَنَّ هَذَا الْقَصْدَ لَا بُدَّ مِنْهُ حِينَ خُرُوجِهِ مِنْ بَيْتِهِ أَوَّلًا. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ هُوَ الْأَوَّلُ، فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْآفَاقِيَّ يُرِيدُ دُخُولَ الْحِلِّ الَّذِي بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَالْحَرَمِ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَافِيًا فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ قَصْدِ مَكَان مَخْصُوصٍ مِنْ الْحِلِّ الدَّاخِلِ الْمِيقَاتَ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ لِأَجْلِ دُخُولِ الْحِلِّ وَإِلَّا فَلَا تَحِلُّ لَهُ الْمُجَاوَزَةُ بِلَا إحْرَامٍ. قَالَ فِي النَّهْرِ: الظَّاهِرُ أَنَّ وُجُودَ ذَلِكَ الْقَصْدِ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ كَافٍ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الْبَدَائِعِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ حُكْمَ الْمُجَاوَزَةِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ قَالَ: هَذَا إذَا جَاوَزَ أَحَدٌ هَذِهِ الْمَوَاقِيتَ الْخَمْسَةَ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ أَوْ دُخُولَ مَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بُسْتَانَ بَنِي عَامِرٍ أَوْ غَيْرِهِ لِحَاجَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ فَاعْتُبِرَ الْإِرَادَةُ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ كَمَا تَرَى اهـ أَيْ إرَادَةُ الْحَجِّ وَنَحْوِهِ وَإرَادَةُ دُخُولِ الْبُسْتَانِ، فَالْإِرَادَةُ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ مُعْتَبَرَةٌ فِيهِمَا. وَلِذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ ذَلِكَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَافْهَمْ. وَقَوْلُ الْبَحْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ قَصْدِ مَكَان مَخْصُوصٍ مِنْ الْحِلِّ غَيْرُ ظَاهِرٍ، بَلْ الشَّرْطُ قَصْدُ الْحِلِّ فَقَطْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ ظَاهِرُ مَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ إلَخْ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) مُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ إنَّهُ إنْ نَوَى إقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فِي الْبُسْتَانِ فَلَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ وَإِلَّا فَلَا ح عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ) أَيْ إذَا أَرَادَ دُخُولَ الْبُسْتَانِ لِحَاجَةٍ لَا لِدُخُولِ مَكَّةَ ثُمَّ بَدَا لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ لِحَاجَةٍ لَهُ دُخُولُهَا غَيْرَ مُحْرِمٍ كَمَا فِي شَرْحِ ابْنِ الشَّلَبِيِّ وَمُنْلَا مِسْكِينٍ. قَالَ فِي الْكَافِي لِأَنَّ وُجُوبَ الْإِحْرَامِ عِنْدَ الْمِيقَاتِ عَلَى مَنْ يُرِيدُ دُخُولَ مَكَّةَ وَهُوَ لَا يُرِيدُ دُخُولَهَا، وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْبُسْتَانَ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ التَّعْظِيمَ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِقَصْدِ دُخُولِهِ. اهـ. قُلْت: وَهَذَا إذَا أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ لِحَاجَةٍ غَيْرِ النُّسُكِ وَإِلَّا فَلَا يُجَاوِزُ مِيقَاتَهُ إلَّا بِإِحْرَامٍ، وَلِذَا قَالَ قُبَيْلَ فَصْلِ الْإِحْرَامِ عِنْدَ ذِكْرِ الْمَوَاقِيتِ: وَحَلَّ لِأَهْلِ دَاخِلِهَا دُخُولُ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ مَا لَمْ يُرِدْ نُسُكًا (قَوْلُهُ وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ) أَيْ لَوْ أَرَادَ النُّسُكَ فَمِيقَاتُهُ لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ الْبُسْتَانُ، يَعْنِي جَمِيعَ الْحِلِّ الَّذِي بَيْنَ الْمَوَاقِيتِ وَالْحَرَمِ كَمَا مَرَّ فِي بَحْثِ الْمَوَاقِيتِ فَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ لَزِمَهُ دَمٌ مَا لَمْ يَعُدْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا عَنْ النَّهْرِ وَاللُّبَابِ، إلَّا إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ لِحَاجَةٍ ثُمَّ أَرَادَ النُّسُكَ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ الْحَرَمِ لِأَنَّهُ صَارَ مَكِّيًّا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ، فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ قَبْلَ قَوْلِهِ وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ قُبَيْلَ فَصْلِ الْإِحْرَامِ حَيْثُ قَالَ: أَمَّا لَوْ قَصَدَ مَوْضِعًا مِنْ الْحِلِّ كَخَلِيصٍ وَحِدَةٍ حَلَّ لَهُ مُجَاوَزَتُهُ بِلَا إحْرَامٍ، فَإِذَا حَلَّ بِهِ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ. فَلَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ (قَوْلُهُ هَذِهِ حِيلَةٌ لِآفَاقِيٍّ إلَخْ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِالْحَجِّ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ. ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ مُشْكِلَةٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ مَا لَمْ يَكُنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَان فِي الْحِلِّ لِحَاجَةٍ، وَإِلَّا فَكُلُّ آفَاقِيٍّ يُرِيدُ دُخُولَ مَكَّةَ لَا بُدَّ أَنْ يُرِيدَ دُخُولَ الْحِلِّ وَقَدَّمْنَا أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْحَاجَةِ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ كَانَ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ يُرِيدُ دُخُولَ مَكَّةَ وَإِنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ دُخُولُهَا بِلَا إحْرَامٍ إذَا بَدَا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ دُخُولُهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ ابْنِ الشَّلَبِيِّ وَمُنْلَا مِسْكِينٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 582 (وَ) يَجِبُ (عَلَى مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ) لِكُلِّ مَرَّةٍ (حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ) فَلَوْ عَادَ فَأَحْرَمَ بِنُسُكٍ أَجْزَأَهُ عَنْ آخِرِ دُخُولِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (وَصَحَّ مِنْهُ) أَيْ أَجْزَأَهُ عَمَّا لَزِمَهُ بِالدُّخُولِ (لَوْ أَحْرَمَ عَمَّا عَلَيْهِ) مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ نَذْرٍ أَوْ عُمْرَةٍ مَنْذُورَةٍ لَكِنْ (فِي عَامِهِ ذَلِكَ) لِتَدَارُكِهِ الْمَتْرُوكَ فِي وَقْتِهِ (لَا بَعْدَهُ)   [رد المحتار] فَعُلِمَ أَنَّ الشَّرْطَ لِسُقُوطِ الْإِحْرَامِ أَنْ يَقْصِدَ دُخُولَ الْحِلِّ فَقَطْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْكَافِي مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ دُخُولَهَا أَيْ مَكَّةَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْبُسْتَانَ، وَكَذَا مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بُسْتَانَ بَنِي عَامِرٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي اللُّبَابِ: وَمَنْ جَاوَزَ وَقْتَهُ يَقْصِدُ مَكَانًا مِنْ الْحِلِّ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَقَوْلُهُ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَيْ ظَهَرَ وَحَدَثَ لَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ وَإِنْ أَرَادَ دُخُولَ الْبُسْتَانِ لِأَنَّ دُخُولَ مَكَّةَ لَمْ يَبْدُ لَهُ بَلْ هُوَ مَقْصُودُهُ الْأَصْلِيُّ، وَقَدْ أَشَارَ فِي الْبَحْرِ إلَى هَذَا الْإِشْكَالِ وَأَشَارَ إلَى جَوَابِهِ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ الْبُسْتَانَ مِنْ حِينِ خُرُوجِهِ مِنْ بَيْتِهِ: أَيْ بِأَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ الْمَقْصُودُ لِأَجْلِ الْبُسْتَانِ لَا لِأَجْلِ دُخُولِهِ مَكَّةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَأَجَابَ أَيْضًا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِقَوْلِهِ وَالْوَجْهُ فِي الْجُمْلَةِ أَنْ يَقْصِدَ الْبُسْتَانَ قَصْدًا أَوَّلِيًّا، وَلَا يَضُرُّهُ دُخُولُ الْحَرَمِ بَعْدَهُ قَصْدًا ضِمْنِيًّا أَوْ عَارِضِيًّا، كَمَا إذَا قَصَدَ هِنْدِيٌّ جُدَّةَ لِبَيْعٍ وَشِرَاءٍ أَوَّلًا وَيَكُونُ فِي خَاطِرِهِ أَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ ثَانِيًا، بِخِلَافِ مَنْ جَاءَ مِنْ الْهِنْدِ بِقَصْدِ الْحَجِّ أَوَّلًا وَيَقْصِدُ دُخُولَ جُدَّةَ تَبَعًا وَلَوْ قَصَدَ بَيْعًا وَشِرَاءً. اهـ. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ جَوَابِ الْبَحْرِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنْ سَفَرِهِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فِي الْحِلِّ وَيَكُونُ دُخُولُ مَكَّةَ تَبَعًا، لَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ ثُمَّ بَدَا لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ دُخُولُهَا عَارِضًا غَيْرَ مَقْصُودٍ لَا أَصَالَةً وَلَا تَبَعًا، بَلْ يَكُونُ الْمَقْصُودُ دُخُولَ الْحِلِّ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ جَوَابِ الْبَحْرِ وَكَلَامِ الْكَافِي وَالْبَدَائِعِ وَاللُّبَابِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا مُنَافٍ لِقَوْلِهِمْ إنَّهُ الْحِيلَةُ لِآفَاقِيٍّ يُرِيدُ دُخُولَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قَصْدُهُ دُخُولَ الْحِلِّ فَقَطْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى حِيلَةٍ إذَا بَدَا لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ، عَلَى أَنَّ هَذَا أَيْضًا فِيمَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ لِحَاجَةٍ غَيْرِ النُّسُكِ؛ أَمَّا لَوْ أَرَادَ النُّسُكَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ دُخُولُهَا بِلَا إحْرَامٍ لِأَنَّهُ إذَا صَارَ مِنْ أَهْلِ الْحِلِّ فَمِيقَاتُهُ مِيقَاتُهُمْ وَهُوَ الْحِلُّ كَمَا مَرَّ مِرَارًا، فَكَيْفَ مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ لِأَجْلِ الْحَجِّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَيَجِبُ عَلَى مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ) أَيْ وَالْحَرَمَ سَوَاءٌ قَصَدَ التِّجَارَةَ أَوْ النُّسُكَ أَمْ غَيْرَهُمَا كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ الْبَدَائِعِ السَّابِقَةُ وَتَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِهِ شَرْحًا وَمَتْنًا قُبَيْلَ فَصْلِ الْإِحْرَامِ، وَصُرِّحَ بِهِ فِي اللُّبَابِ أَيْضًا (قَوْلُهُ فَلَوْ عَادَ) أَيْ إلَى الْمِيقَاتِ كَمَا قُيِّدَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ إذَا أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ يُجْزِئُهُ مِيقَاتُ أَهْلِ مَكَّةَ وَهُوَ الْحَرَمُ لِلْحَجِّ وَالْحِلُّ لِلْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ بِمَكَّةَ صَارَ فِي حُكْمِ أَهْلِهَا. اهـ. وَالتَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّ تَحَوُّلَ السَّنَةِ غَيْرُ قَيْدٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ، ثُمَّ التَّقْيِيدُ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمِيقَاتِ لِأَجْلِ سُقُوطِ الدَّمِ لَا لِلْإِجْزَاءِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ أَمْرَانِ: الدَّمُ وَالنُّسُكُ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ عَنْ آخِرِ دُخُولِهِ) أَيْ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ مَا بَقِيَ لُبَابٌ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ) حَيْثُ عُلِّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ قَبْلَ الْأَخِيرِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِالتَّعْيِينِ بِالنِّيَّةِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَصَحَّ مِنْهُ إلَخْ) أَيْ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ وَلَزِمَهُ بِذَلِكَ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ فَخَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ عَمَّا لَزِمَهُ بِالدُّخُولِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي عَامِ الدُّخُولِ لَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إلَخْ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ أَحْرَمَ عَمَّا عَلَيْهِ بِسَبَبِ الدُّخُولِ، فَإِنَّهُ قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ عَادَ إلَخْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ وَنَوَى نُسُكًا نَفْلًا يَقَعُ وَاجِبًا عَمَّا عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ، وَلَا يَكُونُ نَفْلًا لِأَنَّهُ بَعْدَ تَقَرُّرِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَاهُ نَفْلًا قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ فَإِنَّهُ يَقَعُ نَفْلًا لِعَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ عَلَيْهِ بَعْدُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ تَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ بِالْإِحْرَامِ كَمَا حَقَّقْنَاهُ أَوَّلَ الْحَجِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فِي عَامِهِ ذَلِكَ إلَخْ) أَيْ عَامِ الدُّخُولِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ تَلَافَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 583 لِصَيْرُورَتِهِ دَيْنًا بِتَحْوِيلِ السَّنَةِ (جَاوَزَ الْمِيقَاتَ) بِلَا إحْرَامٍ (فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَفْسَدَهَا مَضَى وَقَضَى وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) لِتَرْكِ الْوَقْتِ لِجَبْرِهِ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ فِي الْقَضَاءِ (مَكِّيٌّ) وَمَنْ بِحُكْمِهِ (طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَلَوْ شَوْطًا) أَيْ أَقَلَّ أَشْوَاطِهَا   [رد المحتار] الْمَتْرُوكَ فِي وَقْتِهِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ تَعْظِيمُ هَذِهِ الْبُقْعَةِ بِالْإِحْرَامِ إذَا أَتَاهُ: أَيْ الْمِيقَاتَ مُحْرِمًا بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي الِابْتِدَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَتَأَدَّى إلَّا بِإِحْرَامٍ مَقْصُودٍ كَمَا فِي الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ، فَإِنَّهُ يَتَأَدَّى بِصَوْمِ رَمَضَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ دُونَ الْعَامِ الثَّانِي. اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ سَنَةِ الْمُجَاوَزَةِ وَسَنَةٍ أُخْرَى، فَفِي أَيِّ وَقْتٍ فَعَلَ ذَلِكَ يَقَعُ أَدَاءً إذْ الدَّلِيلُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ فِي سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِيَصِيرَ بِفَوَاتِهَا دَيْنًا يُقْضَى، فَمَهْمَا أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِنُسُكٍ عَلَيْهِ تَأَدَّى هَذَا الْوَاجِبُ فِي ضِمْنِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا تَكَرَّرَ الدُّخُولُ بِلَا إحْرَامٍ مِنْهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى التَّعْيِينِ كَمَنْ عَلَيْهِ يَوْمَانِ مِنْ رَمَضَانَ فَنَوَى مُجَرَّدَ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ، وَكَذَا لَوْ كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا نَقُولُ إذَا رَجَعَ مِرَارًا فَأَحْرَمَ كُلَّ مَرَّةٍ بِنُسُكٍ حَتَّى أَتَى عَلَى عَدَدِ دَخَلَاتِهِ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا عَلَيْهِ. اهـ. وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِصَيْرُورَتِهِ) أَيْ الْمَتْرُوكِ دَيْنًا، وَعَلِمْت مَا فِيهِ مِنْ بَحْثِ الْفَتْحِ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تَسْقُطَ الْعُمْرَةُ الْوَاجِبَةُ بِدُخُولِ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ بِالْعُمْرَةِ الْمَنْذُورَةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ كَالْمَنْذُورَةِ فِي الْأُولَى لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَصِيرُ دَيْنًا لِعَدَمِ تَوَقُّتِهَا بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، بِخِلَافِ الْحَجِّ. وَأَجَابَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ تَأْخِيرَ الْعُمْرَةِ إلَى أَيَّامِ النَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ مَكْرُوهٌ، فَإِذَا أَخَّرَهَا إلَيْهَا صَارَ كَالْمُفَوِّتِ لَهَا فَصَارَتْ دَيْنًا اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ فِعْلُهَا فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ لَا بَعْدَهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ) يُعْلَمُ مِنْهُ مَا إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ بِالْأَوْلَى نَهْرٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِتَرْكِ الْوَقْتِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى مَكَانِهِ أَيْ لِتَرْكِ إحْرَامِهِ فِي الْمِيقَاتِ (قَوْلُهُ لِجَبْرِهِ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ فِي الْقَضَاءِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إلَخْ وَضَمِيرُ مِنْهُ لِلْوَقْتِ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي سُقُوطِ الدَّمِ مِنْ إحْرَامِهِ فِي الْقَضَاءِ مِنْ الْمِيقَاتِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ، فَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ الْمَكِّيِّ لَمْ يَسْقُطْ الدَّمُ وَهُوَ مُسْتَفَادٌ أَيْضًا مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. (قَوْلُهُ مَكِّيٌّ طَافَ لِعُمْرَتِهِ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ إحْرَامَيْنِ، وَهُوَ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ وَمَنْ بِمَعْنَاهُ جِنَايَةٌ دُونَ الْآفَاقِيِّ إلَّا فِي إضَافَةِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَبِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ ذَكَرَهُ فِي الْجِنَايَاتِ، وَبِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي جَعَلَ لَهُ فِي الْكَنْزِ بَابًا عَلَى حِدَةٍ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَقْسَامَهُ أَرْبَعَةٌ: إدْخَالُ إحْرَامِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَالْحَجِّ عَلَى مِثْلِهِ، وَالْعُمْرَةِ عَلَى مِثْلِهَا، وَالْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ؛ قُدِّمَ الْأَوَّلُ لِكَوْنِهِ أَدْخَلَ فِي الْجِنَايَةِ، وَلِذَا لَمْ يَسْقُطْ بِهِ الدَّمُ بِحَالٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الثَّانِيَ مُقَدِّمًا لَهُ عَلَى غَيْرِهِ لِقُوَّةِ حَالِهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَا هُوَ فَرْضٌ، ثُمَّ الثَّالِثَ عَلَى الرَّابِعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاتِّفَاقِ فِي الْكَيْفِيَّةِ وَالْكَمِّيَّةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَمَنْ بِحُكْمِهِ) أَشَارَ إلَى مَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَكِّيِّ غَيْرُ الْآفَاقِيِّ، فَشَمِلَ كُلَّ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ مِنْ الْحِلِّيِّ وَالْحَرَمِيِّ فَافْهَمْ، فَالِاحْتِرَازُ بِالْمَكِّيِّ عَنْ الْآفَاقِيِّ لِأَنَّهُ لَا يَرْفُضُ وَاحِدًا مِنْهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ إنْ أَضَافَ بَعْدَ فِعْلِ الْأَقَلِّ كَانَ قَارِنًا وَإِلَّا فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ كَمَا مَرَّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَيْ أَقَلَّ أَشْوَاطِهَا) يُفِيدُ أَنَّ الشَّوْطَ لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ لَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ. وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْفَتْحِ: وَلَوْ طَافَ الْأَكْثَرَ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَجِّ، فَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ عَلَيْهِ الدَّمَ أَيْضًا لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ، وَلَيْسَ لِلْمَكِّيِّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا صَارَ جَامِعًا مِنْ وَجْهٍ كَانَ عَلَيْهِ الدَّمُ. اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا قَيْدٌ بِالْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ لَوْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَطَافَ لَهُ ثُمَّ بِالْعُمْرَةِ رَفَضَهَا اتِّفَاقًا، وَبِكَوْنِهِ طَافَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَطُفْ رَفَضَهَا أَيْضًا اتِّفَاقًا، وَبِالْأَقَلِّ لِأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالْأَكْثَرِ رَفَضَهُ أَيْ الْحَجَّ اتِّفَاقًا. وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَا يَرْفُضُ وَاحِدًا مِنْهُمَا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 584 (فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ رَفَضَهُ) وُجُوبًا بِالْحَلْقِ لِنَهْيِ الْمَكِّيِّ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا (وَعَلَيْهِ دَمٌ) لِأَجْلِ (الرَّفْضِ وَحَجٌّ وَعُمْرَةٌ) لِأَنَّهُ كَفَائِتِ الْحَجِّ، حَتَّى لَوْ حَجَّ فِي سَنَتِهِ سَقَطَتْ الْعُمْرَةُ، وَلَوْ رَفَضَهَا قَضَاهَا فَقَطْ (فَلَوْ أَتَمَّهَا صَحَّ) وَأَسَاءَ (وَذَبَحَ) وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ، وَفِي الْآفَاقِيِّ دَمُ شُكْرٍ   [رد المحتار] وَجَعَلَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ رَفَضَهُ) أَيْ تَرَكَهُ مِنْ بَابِ طَلَبَ وَضَرَبَ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَهَذَا: أَيْ رَفْضُ الْحَجِّ أَوْلَى عِنْدَ الْإِمَامِ. وَعِنْدَهُمَا الْأَوْلَى رَفْضُ الْعُمْرَةِ لِأَنَّهَا أَدْنَى حَالًا. وَلَهُ أَنَّ إحْرَامَهَا تَأَكَّدَ بِأَدَاءِ شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهَا، وَرَفْضُ غَيْرِ الْمُتَأَكِّدِ أَيْسَرُ وَلِأَنَّ فِي رَفْضِهَا إبْطَالَ الْعَمَلِ وَفِي رَفْضِهِ امْتِنَاعًا عَنْهُ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وُجُوبًا) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ مَا مَرَّ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ رَفْضَ الْحَجِّ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ اهـ أَيْ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ رَفْضُ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ (قَوْلُهُ بِالْحَلْقِ) أَيْ مَثَلًا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ يَذْكُرْ بِمَاذَا يَكُونُ رَافِضًا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّفْضُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ يَحْلِقَ مَثَلًا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَلَا يَكْفِي بِالْقَوْلِ أَوْ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ فِي الْهِدَايَةِ تَحَلُّلًا وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ. اهـ. قُلْت: وَفِي اللُّبَابِ: كُلُّ مَنْ عَلَيْهِ الرَّفْضُ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الرَّفْضِ إلَّا مَنْ جَمَعَ بَيْنَ حَجَّتَيْنِ قَبْلَ فَوَاتِ الْوُقُوفِ أَوْ بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ قَبْلَ السَّعْيِ لِلْأُولَى، فَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ تُرْتَفَضُ إحْدَاهُمَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ رَفْضٍ، لَكِنْ إمَّا بِالسَّيْرِ إلَى مَكَّةَ أَوْ الشُّرُوعِ فِي أَعْمَالِ أَحَدِهِمَا اهـ. فَعُلِمَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا فِي الْبَحْرِ وَاللُّبَابِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ مَعَ نِيَّةِ الرَّفْضِ بِهِ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَائِلَ الْجِنَايَاتِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبِتَرْكِ أَكْثَرِهِ بَقِيَ مُحْرِمًا مِنْ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا نَوَى رَفْضَ الْإِحْرَامِ فَصَنَعَ مَا يَصْنَعُهُ الْحَلَالُ مِنْ لُبْسٍ وَحَلْقٍ وَنَحْوِهِمَا لَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْإِحْرَامِ وَأَنَّ نِيَّةَ الرَّفْضِ بَاطِلَةٌ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِالرَّفْضِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ هُنَاكَ، وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْحَلْقِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ لِئَلَّا يَكُونَ جِنَايَةً عَلَى إحْرَامِهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَفَائِتِ الْحَجِّ) وَحُكْمُهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ مِنْ قَابِلٍ ط (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ حَجَّ) غَايَةٌ لِلتَّعْلِيلِ الْمُفِيدِ أَنَّهُ قَضَاهُ فِي غَيْرِ عَامِهِ ط (قَوْلُهُ سَقَطَتْ الْعُمْرَةُ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ بَلْ كَالْمُحْصَرِ إذَا تَحَلَّلَ ثُمَّ حَجَّ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ ط وَبَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ رَفَضَهَا) أَيْ الْعُمْرَةَ الَّتِي طَافَ لَهَا وَأَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ (قَوْلُهُ قَضَاهَا) أَيْ وَلَوْ فِي ذَلِكَ الْعَامِ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْعُمْرَةِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ جَائِزٌ بِخِلَافِ الْحَجِّ، أَفَادَهُ صَاحِبُ الْهِنْدِيَّةِ ط (قَوْلُهُ فَقَطْ) أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ أُخْرَى كَمَا فِي الْحَجِّ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ نَفْيَ الدَّمِ. لِقَوْلِ الْهِدَايَةِ: وَعَلَيْهِ دَمٌ بِالرَّفْضِ أَيُّهُمَا رَفَضَ. اهـ. ح (قَوْلُهُ صَحَّ) لِأَنَّهُ أَدَّى أَفْعَالَهُمَا كَمَا الْتَزَمَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَأَسَاءَ) أَيْ مَعَ الْإِثْمِ، لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ الْمَكِّيَّ مَنْهِيٌّ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّهُ يَأْثَمُ بِهِ، وَقَدَّمْنَا الِاخْتِلَافَ فِي أَنَّ الْإِسَاءَةَ دُونَ الْكَرَاهَةِ وَفَوْقَهَا وَالتَّوْفِيقَ بَيْنَهُمَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَذَبَحَ) أَيْ لِتَمَكُّنِ النُّقْصَانِ مِنْ نُسُكِهِ بِارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِأَنَّهُ قَارِنٌ، وَلَوْ أَضَافَ بَعْدَ فِعْلِ الْأَكْثَرِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَمُتَمَتِّعٌ، وَلَا تَمَتُّعَ وَلَا قِرَانَ لِمَكِّيٍّ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّ نَفْيَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ لِمَكِّيٍّ مَعْنَاهُ نَفْيُ الْحِلِّ كَمَا مَرَّ نَهْرٌ: أَيْ لَا نَفْيُ الصِّحَّةِ. قُلْت: وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي بَابِ التَّمَتُّعِ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ تَحْقِيقَ قَوْلٍ ثَالِثٍ، وَهُوَ أَنَّ تَمَتُّعَ الْمَكِّيِّ بَاطِلٌ وَقِرَانَهُ صَحِيحٌ غَيْرُ جَائِزٍ فَتَذَكَّرْهُ بِالْمُرَاجَعَةِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ) لِأَنَّ كُلَّ دَمٍ يَجِبُ بِسَبَبِ الْجَمْعِ أَوْ الرَّفْضِ، فَهُوَ دَمُ جَبْرٍ وَكَفَّارَةٌ فَلَا يَقُومُ الصَّوْمُ مَقَامَهُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَلَا أَنْ يُطْعِمَهُ غَنِيًّا، بِخِلَافِ دَمِ الشُّكْرِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 585 (وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ) وَحَجَّ (ثُمَّ أَحْرَمَ يَوْمَ النَّحْرِ بِآخَرَ، فَإِنْ) كَانَ قَدْ (حَلَقَ لِلْأَوَّلِ) لَزِمَهُ الْآخَرُ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ (بِلَا دَمٍ) لِانْتِهَاءِ الْأَوَّلِ (وَإِلَّا) يَحْلِقُ لِلْأَوَّلِ (فَمَعَ دَمٍ قَصَرَ) عَبَّرَ بِهِ لِيَعُمَّ الْمَرْأَةَ (أَوْ لَا) لِجِنَايَتِهِ عَلَى إحْرَامِهِ بِالتَّقْصِيرِ أَوْ التَّأْخِيرِ   [رد المحتار] شَرْحُ اللُّبَابِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ أَعْنِي إدْخَالَ الْحَجِّ عَلَى مِثْلِهِ وَالْعُمْرَةِ عَلَى مِثْلِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِحْرَامَ بِحَجَّتَيْنِ فَصَاعِدًا، إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّرَاخِي، أَوْ مَعًا، أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ؛ فَالْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ وَلِذَا أَتَى بِثُمَّ. وَأَمَّا الْأَخِيرَانِ، فَفِي النَّهْرِ يَلْزَمُهُ الْحَجَّتَانِ عِنْدَ الْإِمَامِ. وَالثَّانِي: لَكِنْ يُرْتَفَضُ أَحَدُهُمَا إذَا تَوَجَّهَ سَائِرًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَقَالَ الثَّانِي: عَقِبَ صَيْرُورَتِهِ مُحْرِمًا بِلَا مُهْلَةٍ، وَأَثَرُ الْخِلَافِ يَظْهَرُ فِيمَا إذَا جَنَى قَبْلَ الشُّرُوعِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَلْزَمُهُ فِي الْمَعِيَّةِ أَحَدُهُمَا وَفِي التَّعَاقُبِ الْأَوَّلُ فَقَطْ، وَالْعُمْرَتَانِ كَالْحَجَّتَيْنِ. اهـ. قُلْت: وَأَثَرُ الْخِلَافِ لُزُومُ دَمَيْنِ بِالْجِنَايَةِ عِنْدَهُمَا، وَدَمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِأَنَّهُ عِنْدَ الثَّانِي يُرْتَفَضُ أَحَدُهُمَا عَقِبَ الْإِحْرَامِ بِلَا مُكْثٍ أَيْ فَلَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ عِنْدَهُ عَلَى إحْرَامَيْنِ بَلْ عَلَى وَاحِدٍ، فَيَلْزَمُهُ بِالْجِنَايَةِ دَمٌ وَاحِدٌ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَحْرَمَ يَوْمَ النَّحْرِ بِآخَرَ) قُيِّدَ بِكَوْنِهِ يَوْمَ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِعَرَفَاتٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا رَفَضَ الثَّانِيَةَ وَعَلَيْهِ دَمُ الرَّفْضِ وَحَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ، ثُمَّ عِنْدَ الثَّانِي يُرْتَفَضُ كَمَا مَرَّ، وَعِنْدَ الْأَوَّلِ بِوُقُوفِهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ لَيْلَةَ النَّحْرِ بَعْدَ الْوُقُوفِ نَهَارًا أَنْ يَرْتَفِضَ بِالْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ لَا بِعَرَفَةَ لِأَنَّهُ سَابِقٌ بَحْرٌ، لَكِنَّ قِيَاسَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمِ أَنْ تَبْطُلَ بِالْمَسِيرِ إلَيْهَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ قَدْ حَلَقَ لِلْأَوَّلِ) أَيْ لِحَجِّهِ الْأَوَّلِ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِالثَّانِي (قَوْلُهُ لَزِمَهُ الْآخَرُ) أَيْ فَيَبْقَى مُحْرِمًا إلَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ لُبَابٌ (قَوْلُهُ لِانْتِهَاءِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْحَلْقِ الرَّمْيُ، وَبِذَلِكَ لَا يَصِيرُ جَانِيًا بِالْإِحْرَامِ ثَانِيًا نَهْرٌ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْإِحْرَامَ الثَّانِيَ وَقَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ وَبَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَيْضًا، وَأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ لَزِمَهُ دَمُ الْجَمْعِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ الْأَوَّلَ بَقِيَ فِي حَقِّ حُرْمَةِ النِّسَاءِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْمَانِيُّ؛ لَكِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ الْمَتْنِ وَغَيْرِهِ كَالْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَالْكَافِي خِلَافُهُ، لِإِطْلَاقِهِمْ نَفْيَ الدَّمِ بَعْدَ الْحَلْقِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَا بَعْدَ الطَّوَافِ أَيْضًا، لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ إنَّ إطْلَاقَهُمْ لَا يُنَافِي تَقْيِيدَ الْكَرْمَانِيِّ اهـ أَيْ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ. قُلْت: لَكِنَّ مَا فِي الْكَرْمَانِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ دَمٍ لِلْجَمْعِ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ كَإِحْرَامَيْ الْعُمْرَةِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ فَمَعَ دَمٍ) الْفَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ فَيَلْزَمُهُ الْآخَرُ مَعَ دَمٍ (قَوْلُهُ قَصَرَ أَوْ لَا) أَيْ إذَا لَمْ يَحْلِقْ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالثَّانِي لَزِمَهُ دَمٌ، سَوَاءٌ حَلَقَ عَقِبَ الْإِحْرَامِ الثَّانِي أَوْ لَا بَلْ أَخَّرَهُ حَتَّى حَجَّ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ، وَهَذَا عِنْدَهُ، وَهُمَا يَخُصَّانِ الْوُجُوبَ بِمَا إذَا حَلَقَ لِأَنَّهُمَا لَا يُوجِبَانِ بِالتَّأْخِيرِ شَيْئًا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ عَبَّرَ بِهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ التَّقْصِيرَ غَيْرُ قَيْدٍ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِهِ لِيَشْمَلَ الْمَرْأَةَ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ عَبَّرَ قَبْلَهُ بِالْحَلْقِ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الِاحْتِبَاكِ، وَهُوَ أَنْ يُصَرِّحَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بِمَا سَكَتَ عَنْهُ فِي الْآخَرِ لِيُفِيدَ إرَادَةَ كُلٍّ مَعَ الِاخْتِصَارِ. وَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالتَّقْصِيرِ الْحَلْقُ إذْ التَّقْصِيرُ لَا دَمَ فِيهِ إنَّمَا فِيهِ الصَّدَقَةُ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَوَّلَ الْجِنَايَاتِ أَنَّ الصَّوَابَ خِلَافُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِجِنَايَتِهِ عَلَى إحْرَامِهِ) أَيْ إحْرَامِ الْحَجَّةِ الثَّانِيَةِ، أَمَّا إحْرَامُ الْحَجَّةِ الْأُولَى فَقَدْ انْتَهَى بِهَذَا التَّقْصِيرِ فَلَا جِنَايَةَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ التَّأْخِيرُ عَطْفٌ عَلَى مَدْخُولِ اللَّامِ لَا عَلَى التَّقْصِيرِ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْحَلْقِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ تَرْكُ وَاجِبِ جِنَايَةٍ عَلَى الْإِحْرَامِ؛ وَلَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ عَلَى إحْرَامِهِ لَكَانَ أَوْلَى، وَأَشَارَ بِجَعْلِ الْعِلَّةِ لِوُجُوبِ الدَّمِ أَحَدَ هَذَيْنِ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجَّيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ جِنَايَةً كَمَا يَأْتِي. أَفَادَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 586 (وَمَنْ أَتَى بِعُمْرَةٍ إلَّا الْحَلْقَ فَأَحْرَمَ بِأُخْرَى ذَبَحَ) الْأَصْلُ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْنِ لِعُمْرَتَيْنِ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا فَيَلْزَمُ الدَّمُ لَا لِحَجَّتَيْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَا يَلْزَمُ (آفَاقِيٌّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ) أَحْرَمَ (بِعُمْرَةٍ لَزِمَاهُ)   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَمَنْ أَتَى بِعُمْرَةٍ إلَّا الْحَلْقَ إلَخْ) قَدَّمْنَا أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ أَيْ فِي اللُّزُومِ وَالرَّفْضِ وَوَقْتُهُ مِمَّا يُتَصَوَّرُ فِي الْعُمْرَةِ كَمَا فِي اللُّبَابِ. ثُمَّ قَالَ: فَلَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَطَافَ لَهَا شَوْطًا أَوْ كُلَّهُ أَوْ لَمْ يَطُفْ شَيْئًا ثُمَّ أَحْرَمَ بِأُخْرَى لَزِمَهُ رَفْضُ الثَّانِيَةِ وَقَضَاؤُهَا وَدَمٌ لِلرَّفْضِ؛ وَلَوْ طَافَ وَسَعَى لِلْأُولَى وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إلَّا الْحَلْقُ فَأَهَلَّ بِأُخْرَى لَزِمَتْهُ وَلَا يَرْفُضُهَا وَعَلَيْهِ دَمُ الْجَمْعِ، وَإِنْ حَلَقَ لِلْأُولَى قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الثَّانِيَةِ لَزِمَهُ دَمٌ آخَرُ، وَلَوْ بَعْدَهُ لَا؛ وَلَوْ أَفْسَدَ الْأُولَى أَيْ بِأَنْ جَامَعَ قَبْلَ طَوَافِهَا فَأَهَلَّ بِالثَّانِيَةِ رَفَضَهَا وَيَمْضِي فِي الْأُولَى، وَلَوْ نَوَى رَفْضَ الْأُولَى وَأَنْ يَكُونَ عَمَلُهُ لِلثَّانِيَةِ لَمْ يَنْفَعْهُ وَكَذَا هَذَا فِي الْحَجَّتَيْنِ اهـ. لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْهُ أَنَّهُ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ عُمْرَتَيْنِ قَبْلَ السَّعْيِ لِلْأُولَى تُرْتَفَضُ إحْدَاهُمَا بِالشُّرُوعِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ رَفْضٍ؛ فَقَوْلُهُ هُنَا لَزِمَهُ رَفْضُ الثَّانِيَةِ فِيهِ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ فَيَلْزَمُ الدَّمُ) أَيْ لِجِنَايَةِ الْجَمْعِ وَلَا دَمَ لِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ هُنَا لِأَنَّهُ فِي الْعُمْرَةِ غَيْرُ مُوَقَّتٍ بِالزَّمَانِ كَمَا مَرَّ إلَّا إذَا حَلَقَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الثَّانِيَةِ فَيَلْزَمُ دَمٌ آخَرُ كَمَا عَلِمْته آنِفًا (قَوْلُهُ لَا لِحَجَّتَيْنِ) عَطْفٌ عَلَى الْعُمْرَتَيْنِ؛ وَقَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُ أَيْ دَمُ الْجَمْعِ، بَلْ يَلْزَمُ دَمُ التَّأْخِيرِ أَوْ التَّقْصِيرِ فَقَطْ كَمَا مَرَّ وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ فِي ذَلِكَ صَاحِبَ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَصَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ أَيْ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامِي حُجِّينِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ بِدْعَةٌ، وَأَفْرَطَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِقَوْلِهِ إنَّهُ حَرَامٌ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَهُوَ سَهْوٌ، لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ إحْرَامِي الْحَجِّ لَا يُكْرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ فِي الْعُمْرَةِ إنَّمَا كُرِهَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي الْفِعْلِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّيهِمَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، بِخِلَافِ الْحَجِّ اهـ فَلِذَا فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ تَبَعًا لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ دَمًا وَاحِدًا لِلْحَجِّ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: يَجِبُ دَمٌ آخَرُ لِلْجَمْعِ اتِّبَاعًا لِرِوَايَةِ الْأَصْلِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي الْبَحْرِ. أَقُولُ: وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْكَافِي: قِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ: أَيْ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَرِوَايَةِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ سَكَتَ فِي الْجَامِعِ عَنْ إيجَابِ الدَّمِ لِلْجَمْعِ وَمَا نَفَاهُ، وَقِيلَ بَلْ فِيهِ رِوَايَتَانِ. اهـ. وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَقَالُوا: فِيهِ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا الْوُجُوبُ، وَبِهِ صَرَّحَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ لَيْسَ إلَّا رِوَايَةُ الْوُجُوبِ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ. اهـ. وَتَعَقَّبَ ابْنُ الْهُمَامِ مَا فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ كَوْنَهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ الثَّانِيَةِ فِي سَنَةٍ لَا يُوجِبُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِعْلًا، فَاسْتَوَى الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ. قُلْت: وَكِتَابُ الْأَصْلِ، وَهُوَ الْمَبْسُوطُ مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا فَلِذَا صَحَّحُوا رِوَايَةَ الْوُجُوبِ بِنَاءً عَلَى تَحَقُّقِ اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ مِنْ كُتُبِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا أَطْلَقَهُ فِي أَحَدِهِمَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَيَّدَهُ فِي الْآخَرِ، فَلِذَا اسْتَوْجَبَهُ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّةَ إلَّا رِوَايَةُ الْوُجُوبِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ مِنْ كَلَامِ الْهِدَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ، فَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ سَهْوٌ مِمَّا لَا يَنْبَغِي، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: الْجَمْعُ بَيْنَ إحْرَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِدْعَةٌ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: الْعَتَّابِيُّ حَرَامٌ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. (قَوْلُهُ آفَاقِيٌّ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ لُبَابٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْمُقَابَلَةُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ طَافَ لَهُ: أَيْ شَرَعَ فِيهِ وَلَوْ قَلِيلًا كَمَا تَعْرِفُهُ قَرِيبًا وَقَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الْقِرَانِ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ خِلَافُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَزِمَاهُ) لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ فَيَصِيرُ بِذَلِكَ قَارِنًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 587 وَصَارَ قَارِنًا مُسِيئًا (وَ) لِذَا (بَطَلَتْ) عُمْرَتُهُ (بِالْوُقُوفِ قَبْلَ أَفْعَالِهَا) لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ مُرَتَّبَةً عَلَى الْحَجِّ (لَا بِالتَّوَجُّهِ) إلَى عَرَفَةَ (فَإِنْ طَافَ لَهُ) طَوَافَ الْقُدُومِ (ثُمَّ أَحْرَمَ بِهَا فَمَضَى عَلَيْهِمَا ذَبَحَ) وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ (وَنُدِبَ رَفْضُهَا) لِتَأَكُّدِهِ بِطَوَافِهِ (فَإِنْ رَفَضَ قَضَى) لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهِمَا (وَأَرَاقَ دَمًا) لِرَفْضِهَا (حَجَّ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ فِي ثَلَاثَةِ) أَيَّامٍ (بَعْدَهُ لَزِمَتْهُ)   [رد المحتار] لَكِنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ فَيَصِيرُ مُسِيئًا هِدَايَةٌ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الْقِرَانِ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا أَوْ يُقَدِّمَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ زَيْلَعِيٌّ لَكِنَّ الثَّانِيَ يُسَمَّى تَمَتُّعًا عُرْفًا (قَوْلُهُ وَصَارَ قَارِنًا مُسِيئًا) قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَعَلَيْهِ دَمُ شُكْرٍ لِقِلَّةِ إسَاءَتِهِ وَلِعَدَمِ وُجُوبِ رَفْضِ عُمْرَتِهِ. اهـ. قُلْت: وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلِعَدَمِ نَدْبِ رَفْضِ عُمْرَتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ لَهَا بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ لِلْحَجِّ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ رَفْضُهَا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْقِرَانِ (قَوْلُهُ وَلِذَا بَطَلَتْ عُمْرَتُهُ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ إلَخْ لِأَنَّ كَوْنَهُ صَارَ قَارِنًا مُسِيئًا مُعَلَّلٌ بِكَوْنِ الْعُمْرَةِ لَمْ تُشْرَعْ مُرَتَّبَةً عَلَى الْحَجِّ، وَبُطْلَانُ عُمْرَتِهِ بِالْوُقُوفِ مُفَرَّعٌ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِالْوُقُوفِ) أَيْ إذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ فَقَدْ صَارَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ بِالْوُقُوفِ، وَإِنْ تَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ وَلَمْ يَقِفْ بِهَا بَعْدُ لَا يَصِيرُ رَافِضًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَارِنًا زَيْلَعِيٌّ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَلَمْ يَأْتِ بِأَكْثَرِ أَشْوَاطِهَا حَتَّى وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ، فَالْإِتْيَانُ بِالْأَقَلِّ كَالْعَدَمِ بَحْرٌ، فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ قَبْلَ أَفْعَالِهَا أَكْثَرُ أَشْوَاطِهَا (قَوْلُهُ فَإِنْ طَافَ لَهُ) أَيْ لِلْحَجِّ وَلَوْ شَوْطًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ الْقِرَانِ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِنْ أَدْخَلَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ شَيْئًا مِنْ طَوَافِ الْقُدُومِ فَهُوَ قَارِنٌ مُسِيءٌ وَعَلَيْهِ دَمُ شُكْرٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا شَرَعَ فِيهِ وَلَوْ قَلِيلًا فَهُوَ أَكْثَرُ إسَاءَةً وَعَلَيْهِ دَمٌ اهـ وَقَدَّمْنَا مِثْلَهُ فِي بَابِ الْقِرَانِ عَنْ اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ فَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ الدَّمِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَأَنَّ الْأَوَّلَ دَمُ شُكْرٍ أَيْ اتِّفَاقًا وَالثَّانِيَ دَمُ جَبْرٍ أَوْ شُكْرٍ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي وَفِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّوَافِ فِيهِمَا الشُّرُوعُ فِيهِ وَلَوْ شَوْطًا فَافْهَمْ. وَأَمَّا مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْأَقَلَّ كَالْعَدَمِ فَذَاكَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَالْكَلَامُ فِي طَوَافِ الْحَجِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَمَضَى عَلَيْهِمَا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُرَادُ بِالْمُضِيِّ عَلَيْهَا أَنْ يُقَدِّمَ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ قَارِنٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَكِنَّهُ أَسَاءَ أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ حَيْثُ أَخَّرَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ عَلَى طَوَافِ الْحَجِّ أَيْ طَوَافِ الْقُدُومِ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ فِيهِ فَيُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ) أَيْ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَدَمُ شُكْرٍ عَلَى مَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ. وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِي جَوَازِ الْأَكْلِ زَيْلَعِيٌّ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ فِي الْهِدَايَةِ وَاخْتَارَ الثَّانِيَ فِي الْفَتْحِ وَقَوَّاهُ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ بَحْرٌ. قُلْت: وَكَذَا اخْتَارَهُ فِي اللُّبَابِ، وَعَبَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ بِقِيلَ (قَوْلُهُ لِتَأَكُّدِهِ بِطَوَافِهِ) أَيْ لِأَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ قَدْ تَأَكَّدَ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطُفْ لِلْحَجِّ هِدَايَةٌ أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ رَفْضُهَا لِعَدَمِ تَأَكُّدِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّمْ إلَّا الْإِحْرَامَ، وَلَا تَرْتِيبَ فِيهِ، أَمَّا هُنَا فَقَدْ فَاتَهُ التَّرْتِيبُ مِنْ وَجْهٍ لِتَقْدِيمِ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الرَّفْضُ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى لَيْسَ بِرُكْنِ الْحَجِّ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ قَضَى) أَيْ الْعُمْرَةَ، وَقَوْلُهُ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ: أَيْ وَهِيَ مِمَّا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ ط. (قَوْلُهُ حَجَّ إلَخْ) مِنْ تَتِمَّةِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّ مَا مَرَّ فِيمَا إذَا أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ قَبْلَ الْوُقُوفِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ قَبْلَهُ، وَهَذَا فِيمَا لَوْ أَدْخَلَهَا بَعْدَ الْوُقُوفِ قَبْلَ الْحَلْقِ أَوْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَوْ بَعْدَهُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَمَا أَفَادَهُ فِي اللُّبَابِ وَصَرَّحَ فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 588 بِالشُّرُوعِ، لَكِنْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ (وَرُفِضَتْ) وُجُوبًا تَخَلُّصًا مِنْ الْإِثْمِ (وَقُضِيَتْ مَعَ دَمٍ) لِلرَّفْضِ (وَإِنْ مَضَى) عَلَيْهَا (صَحَّ وَعَلَيْهِ دَمٌ) لِارْتِكَابِ الْكَرَاهَةِ فَهُوَ دَمُ جَبْرٍ (فَائِتُ الْحَجِّ إذَا أَحْرَمَ بِهِ أَوْ بِهَا وَجَبَ الرَّفْضُ) لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْنِ لِحَجَّتَيْنِ أَوْ لِعُمْرَتَيْنِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ (وَ) لَمَّا فَاتَهُ الْحَجُّ بَقِيَ فِي إحْرَامِهِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ (يَتَحَلَّلَ) عَنْ إحْرَامِ الْحَجِّ (بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ)   [رد المحتار] بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَارِنًا لَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ بِالشُّرُوعِ) لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِيهَا مُلْزِمٌ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَرُفِضَتْ) حَكَى فِيهِ خِلَافًا فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ إذَا حَلَقَ لِلْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ لَا يَرْفُضُهَا عَلَى ظَاهِرِ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ، وَقِيلَ بِرَفْضِهَا احْتِرَازًا عَنْ النَّهْيِ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَمَشَايِخُنَا عَلَى هَذَا اهـ: أَيْ عَلَى وُجُوبِ الرَّفْضِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحَلْقِ وَصَحَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ وَاجِبَاتٌ مِنْ الْحَجِّ كَالرَّمْيِ وَطَوَافِ الصَّدْرِ وَسَنَةِ الْمَبِيتِ. وَقَدْ كُرِهَتْ الْعُمْرَةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، فَيَكُونُ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ بِلَا رَيْبٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ. قُلْت: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَارِنٌ مُسِيءٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ صَحَّ) لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا وَهُوَ كَوْنُهُ مَشْغُولًا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ بِأَدَاءِ بَقِيَّةِ أَعْمَالِ الْحَجِّ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِارْتِكَابِ الْكَرَاهَةِ) أَيْ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا إمَّا فِي الْإِحْرَامِ أَوْ فِي الْأَعْمَالِ الْبَاقِيَةِ هِدَايَةٌ: أَيْ فِي الْإِحْرَامِ إنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَلْقِ، وَفِي الْأَعْمَالِ إنْ أَحْرَمَ بَعْدَهُ مِعْرَاجٌ وَيَلْزَمُ مِنْ الْأَوَّلِ الثَّانِي بِلَا عَكْسٍ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بَعْدَ تَقْرِيرِ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ مَسْأَلَةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ قَدْ يَعْتَمِرُونَ قَبْلَ أَنْ يَسْعَوْا لِحَجِّهِمْ. اهـ. أَيْ فَيَلْزَمُهُمْ دَمُ الرَّفْضِ أَوْ دَمُ الْجَمْعِ لَكِنَّ مُقْتَضَى تَقْيِيدِهِمْ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْدَ هَذِهِ الْأَيَّامِ لَا يَلْزَمُ الدَّمُ لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا عَلِمْته مِنْ تَعْلِيلِ الْهِدَايَةِ فَالسَّعْيُ وَإِنْ جَازَ تَأْخِيرُهُ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ، لَكِنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَعْمَالِ الْحَجِّ. وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْكَرَاهَةِ وَلُزُومِ الرَّفْضِ هِيَ الْجَمْعُ أَوْ وُقُوعُ الْإِحْرَامِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَأَيُّهُمَا وُجِدَ كَفَى لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأَيَّامُ هِيَ أَيَّامُ أَدَاءِ بَقِيَّةِ أَعْمَالِ الْحَجِّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ قَيَّدُوا بِهَا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ؛ وَكَذَا قَوْلُهُ فِيهَا مُعَلِّلًا لِلُزُومِ الرَّفْضِ لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى رُكْنَ الْحَجِّ فَيَصِيرُ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقَدْ كُرِهَتْ الْعُمْرَةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيْضًا فَلِهَذَا يَلْزَمُهُ رَفْضُهَا اهـ فَنَقُولُهُ وقَدْ كُرِهَتْ إلَخْ بَيَانٌ لِلْعِلَّةِ الْأُخْرَى وَلَمَّا لَمْ يَأْتِ بِهَا عَلَى طَرِيقِ التَّعْلِيلِ كَمَا أَتَى بِمَا قَبْلَهَا صُرِّحَ بِكَوْنِهَا عِلَّةً أَيْضًا بِقَوْلِهِ فَلِذَا يَلْزَمُهُ رَفْضُهَا (قَوْلُهُ فَائِتُ الْحَجِّ إلَخْ) مِنْ تَتِمَّةِ مَا قَبْلَهُ أَيْضًا وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَاتَهُ فَإِنَّ الْحَجَّ بِالْفَاءِ التَّفْرِيعِيَّةِ فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا مَرَّ مِنْ الْمَنْعِ عَنْ الْجَمْعِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَنْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَمَنْ فَاتَهُ (قَوْلُهُ بِهِ أَوْ بِهَا) أَيْ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْجَمْعَ إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ حَاجٌّ إحْرَامًا لِأَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ بَاقٍ وَمُعْتَمِرٌ أَدَاءً لِأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقَلِبَ إحْرَامُهُ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ فَإِذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ إحْرَامًا وَهُوَ بِدْعَةٌ فَيَرْفُضُهَا، وَإِنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ أَفْعَالًا وَهُوَ بِدْعَةٌ أَيْضًا فَيَرْفُضُهَا، كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ هُنَا أَمْرَيْنِ. الْأَوَّلُ: أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ حَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ بِإِسْقَاطِ قَوْلِهِ إحْرَامَيْنِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ اللَّازِمَ مِنْ الْإِحْرَامِ بِعُمْرَةٍ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ عُمْرَتَيْنِ أَفْعَالًا لَا إحْرَامًا إذَا لَمْ يَنْقَلِبْ إحْرَامُ الْحَجِّ إحْرَامَ عُمْرَةٍ. وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ مُخَالِفٌ لِمَا مَشَى عَلَيْهِ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْعُمْرَتَيْنِ مَكْرُوهٌ دُونَ الْحَجَّتَيْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَإِنَّ غَيْرَ الْمَشْرُوعِ مَا نَهَى الشَّارِعُ عَنْ فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ وَمِنْ جُمْلَتِهِ الْمَكْرُوهُ، وَالْمَشْرُوعُ بِخِلَافِهِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَكْرُوهَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَلَى الْكَيْدَانِيَّةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 589 بَعْدَهُ (يَقْضِي) مَا أَحْرَمَ بِهِ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ (وَيَذْبَحُ) لِلتَّحَلُّلِ قَبْلَ أَوَانِهِ بِالرَّفْضِ بَابُ الْإِحْصَارِ هُوَ لُغَةً: الْمَنْعُ. وَشَرْعًا: مَنْعٌ عَنْ رُكْنٍ (إذَا أُحْصِرَ بِعُدُوٍّ أَوْ مَرَضٍ) أَوْ مَوْتِ مَحْرَمٍ أَوْ هَلَاكِ نَفَقَةٍ   [رد المحتار] قُلْت: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ لِعُمْرَتَيْنِ مَعْطُوفٌ عَلَى الظَّرْفِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْجَمْعِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ أَيْضًا لَا بِإِحْرَامَيْنِ بِقَرِينَةِ إعَادَتِهِ حَرْفَ الْجَرِّ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ مَشَى عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَقَدْ عَلِمْت تَرْجِيحَهَا أَيْضًا فَلَا مَانِعَ مِنْهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ التَّحَلُّلِ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ لِلرَّفْضِ) أَيْ رَفْضِ مَا أَحْرَمَ بِهِ ثَانِيًا وَهُوَ عِلَّةٌ لِلتَّحَلُّلِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالرَّفْضِ وَفِيهِ قَلْبٌ لِأَنَّ الرَّفْضَ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ يَكُونُ بِالتَّحَلُّلِ: أَيْ بِالْحَلْقِ، أَوْ بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ مَعَ النِّيَّةِ كَمَا مَرَّ، فَالْأَوْلَى عِبَارَةُ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَهِيَ لِلرَّفْضِ بِالتَّحَلُّلِ قَبْلَ أَوَانِهِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْإِحْصَارِ] ِ لَمَّا كَانَ التَّحَلُّلُ بِالْإِحْصَارِ نَوْعَ جِنَايَةٍ بِدَلِيلِ أَنَّ مَا يَلْزَمُهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ ذَكَرَهُ عَقِبَ الْجِنَايَاتِ، وَأَخَّرَهُ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الِاضْطِرَارِ وَتِلْكَ عَلَى الِاخْتِيَارِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لُغَةً الْمَنْعُ) أَيْ بِخَوْفٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ عَجَزٍ أَمَّا لَوْ مَنَعَهُ عَدُوٌّ بِحَبْسٍ فِي سِجْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ فَهُوَ حَصْرٌ كَمَا فِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الْمُغْرِبِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ ابْنِ كَمَالٍ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا مَنْعٌ عَنْ رُكْنَيْنِ) هُمَا الْوُقُوفُ وَالطَّوَافُ فِي الْحَجِّ، لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّ الْعُمْرَةَ يَتَحَقَّقُ فِيهَا الْإِحْصَارُ، وَلَهَا رُكْنٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْوُقُوفُ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنْ رُكْنٍ بِالْإِفْرَادِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَاهِيَّةُ: أَيْ عَمَّا هُوَ رُكْنُ النُّسُكِ مُتَعَدِّدًا أَوْ مُتَّحِدًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِعَدُوٍّ) أَيْ آدَمِيٍّ أَوْ سَبُعٍ (قَوْلُهُ أَوْ مَرَضٍ) أَيْ يَزْدَادُ بِالذَّهَابِ (قَوْلُهُ أَوْ مَوْتِ مَحْرَمٍ) أَرَادَ بِهِ مَنْ لَا تَحْرُمُ خَلْوَتُهُ بِالْمَرْأَةِ فَيَشْمَلُ زَوْجَهَا، وَكَمَوْتِهِمَا عَدَمُهُمَا ابْتِدَاءً؛ فَلَوْ أَحْرَمَتْ وَلَيْسَ لَهَا مَحْرَمٌ وَلَا زَوْجٌ فَهِيَ مُحْصَرَةٌ كَمَا فِي اللُّبَابِ وَالْبَحْرِ، ثُمَّ هَذَا إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسِيرَةُ سَفَرٍ وَبَلَدُهَا أَقَلُّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرُ، لَكِنْ يُمْكِنُهَا الْمُقَامُ فِي مَوْضِعِهَا وَإِلَّا فَلَا إحْصَارَ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ أَوْ هَلَاكُ نَفَقَةٍ) فَإِنْ سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ، إنْ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ وَإِلَّا فَمُحْصَرٌ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ لِلْحَالِ إلَّا أَنَّهُ يَخَافُ الْعَجْزَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ لُبَابٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفَقَةِ مَا يَشْمَلُ الرَّاحِلَةَ تَأَمَّلْ. [تَتِمَّةٌ] زَادَ فِي اللُّبَابِ: مِمَّا يَكُونُ بِهِ مُحْصَرًا أُمُورٌ أُخَرُ. مِنْهَا الْعِدَّةُ، فَلَوْ أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَلَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ صَارَتْ مُحْصَرَةً وَلَوْ مُقِيمَةً أَوْ مُسَافِرَةً مَعَهَا مَحْرَمٌ. وَمِنْهَا لَوْ ضَلَّ عَنْ الطَّرِيقِ لَكِنْ إنْ وَجَدَ مِنْ يَبْعَثُ الْهَدْيَ مَعَهُ فَذَلِكَ الرَّجُلُ يَهْدِيهِ إلَى الطَّرِيقِ وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَلُّلُ لِعَجْزِهِ عَنْ تَبْلِيغِ الْهَدْيِ مَحَلَّهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَهُوَ كَالْمُحْصَرِ الَّذِي لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهَدْيِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 590 حَلَّ لَهُ التَّحَلُّلُ فَحِينَئِذٍ (بَعَثَ الْمُفْرِدُ دَمًا) أَوْ قِيمَتَهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَقِيَ مُحْرِمًا حِينَ يَجِدُ أَوْ يَتَحَلَّلُ بِطَوَافٍ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ يُقَوِّمُ الدَّمَ بِالطَّعَامِ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا (وَالْقَارِنُ دَمَيْنِ) فَلَوْ بَعَثَ وَاحِدًا لَمْ يَتَحَلَّلْ عَنْهُ (وَعُيِّنَ يَوْمُ الذَّبْحِ) لِيُعْلَمَ مَتَى يُتَحَلَّلُ وَيَذْبَحُهُ (فِي الْحَرَمِ وَلَوْ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ) خِلَافًا لَهُمَا (وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بِغَيْرِ تَحَلُّلٍ وَصَبَرَ) مُحْرِمًا   [رد المحتار] وَمِنْهَا مَنْعُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ إذَا أَحْرَمَتْ بِنَفْلٍ بِلَا إذْنِهِ، أَوْ الْمَوْلَى مَمْلُوكَهُ عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةً، فَلَوْ بِإِذْنِهِ أَوْ أَحْرَمَتْ بِفَرْضٍ فَغَيْرُ مُحْصَرَةٍ لَوْ لَهَا مَحْرَمٌ، أَوْ خَرَجَ الزَّوْجُ مَعَهَا، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا وَتَحْلِيلُهَا، وَهَذَا لَوْ إحْرَامُهَا بِالْفَرْضِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ قَبْلَهَا فِي وَقْتِ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهَا أَوْ قَبْلَهُ بِأَيَّامٍ يَسِيرَةٍ، وَإِلَّا فَلَهُ مَنْعُهَا. وَأَمَّا الْمَمْلُوكُ فَيُكْرَهُ لِمَوْلَاهُ مَنْعُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِإِذْنِهِ وَهُوَ مُحْصَرٌ، وَلَيْسَ لِزَوْجِ الْأَمَةِ مَنْعُهَا بَعْدَ إذْنِ الْمَوْلَى. وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ مُنِعَ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجِبِ الْإِحْرَامِ لِحَقِّ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِغَيْرِ الْهَدْيِ، فَإِذَا أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ الْعَبْدُ بِلَا إذْنِ الزَّوْجِ أَوْ الْمَوْلَى فَلَهُمَا أَنْ يُحَلِّلَاهُمَا فِي الْحَالِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ آخِرَ الْحَجِّ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَبْحٍ، وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَبْعَثَ الْهَدْيَ أَوْ ثَمَنَهُ إلَى الْحَرَمِ، وَعَلَيْهَا إنْ كَانَ إحْرَامُهَا بِحَجٍّ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ، وَإِنْ بِعُمْرَةٍ فَعُمْرَةٌ؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ زَوْجُهَا أَوْ مَحْرَمُهَا فِي الطَّرِيقِ فَلَا تَتَحَلَّلُ إلَّا بِالْهَدْيِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ إحْصَارَهَا حَقِيقِيٌّ وَالْأَوْلَى حُكْمِيٌّ؛ وَعَلَى الْعَبْدِ هَدْيُ الْإِحْصَارِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَحَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ. اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ (قَوْلُهُ حَلَّ لَهُ التَّحَلُّلُ) أَفَادَ أَنَّهُ رُخْصَةٌ فِي حَقِّهِ حَتَّى لَا يَمْتَدَّ إحْرَامُهُ فَيَشُقُّ عَلَيْهِ وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَبْقَى مُحْرِمًا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ بَعَثَ الْمُفْرِدُ) أَيْ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ إلَى الْحَرَمِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ دَمًا) سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ الْهَدْيِ، فَلَوْ بَعَثَ دَمَيْنِ تَحَلَّلَ بِأَوَّلِهِمَا لِأَنَّ الثَّانِيَ تَطَوُّعٌ كَمَا فِي الْيَنَابِيعِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ قِيمَتُهُ) أَيْ يُشْتَرَى بِهَا شَاةٌ هُنَاكَ وَتُذْبَحُ عَنْهُ هِدَايَةٌ، وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَقِيَ مُحْرِمًا) فَلَا يَتَحَلَّلُ عِنْدَنَا إلَّا بِالدَّمِ نِهَايَةٌ، وَلَا يَقُومُ الصَّوْمُ وَالْإِطْعَامُ مَقَامَهُ بَحْرٌ، وَلَا يُفِيدُ اشْتِرَاطُ الْإِحْلَالِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ شَيْئًا لُبَابٌ. قَالَ شَارِحُهُ: هَذَا هُوَ الْمَسْطُورُ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَنَقَلَ الْكَرْمَانِيُّ وَالسَّرُوجِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ اشْتَرَطَ الْإِحْلَالَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ إذَا أُحْصِرَ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ بِغَيْرِ هَدْيٍ (قَوْلُهُ أَوْ يَتَحَلَّلُ بِطَوَافٍ) أَيْ وَيَسْعَى وَيَحْلِقُ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَهَذَا إنْ قَدَرَ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ وَعَنْ الْهَدْيِ يَبْقَى مُحْرِمًا أَبَدًا قَالَ فِي الْفَتْحِ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ. (قَوْلُهُ وَعَنْ الثَّانِي) رَدَّهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ (قَوْلُهُ وَالْقَارِنُ دَمَيْنِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِذَبْحِ الثَّانِي وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ أَحَدِهِمَا لِلْحَجِّ وَالْآخَرُ لِلْعُمْرَةِ قُهُسْتَانِيٌّ وَكَالْقَارِنِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ حَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ فَأُحْصِرَ قَبْلَ السَّيْرِ إلَى مَكَّةَ، فَلَوْ بَعْدَهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ لُبَابٌ لِأَنَّهُ يَصِيرُ رَافِضًا لِأَحَدِهِمَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ بَعَثَ وَاحِدًا إلَخْ) عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ: فَإِنْ بَعَثَ بِهَدْيٌ وَاحِدٍ لِيَتَحَلَّلَ عَنْ الْحَجِّ وَيَبْقَى فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَتَحَلَّلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْهُمَا شُرِعَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. اهـ. زَادَ فِي اللُّبَابِ: وَلَوْ بَعَثَ ثَمَنَ هَدْيَيْنِ فَلَمْ يُوجَدْ بِذَلِكَ الْقَدْرِ بِمَكَّةَ إلَّا هَدْيٌ وَاحِدٌ فَذَبَحَ لَمْ يَتَحَلَّلْ عَنْ الْإِحْرَامَيْنِ وَلَا عَنْ أَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ وَعُيِّنَ يَوْمُ الذَّبْحِ) لَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ تَعْيِينِ وَقْتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ إذَا أَرَادَ التَّحَلُّلَ فِيهِ لِئَلَّا يَقَعَ قَبْلَ الذَّبْحِ، فَإِذَا عَيَّنَ وَقْتَ الزَّوَالِ مَثَلًا يَتَحَلَّلُ بَعْدَهُ، وَإِلَّا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الذَّبْحُ وَقْتَ الْعَصْرِ وَالتَّحَلُّلُ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) حَيْثُ قَالَا إنَّهُ لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ لِلْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ إلَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَيَجُوزُ لِلْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ مَتَى شَاءَ هِدَايَةٌ فَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا حَاجَةَ إلَى الْمُوَاعَدَةِ فِي الْحَجِّ لِتَعَيُّنِ يَوْمِ النَّحْرِ وَقْتًا لَهُ إلَّا إذَا كَانَ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ فَيُحْتَاجُ إلَيْهَا عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا فِي الْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ أَفَادَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مُؤَقَّتٌ عِنْدَهُمَا بِأَيَّامٍ النَّحْرِ لَا بِالْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَيُحْتَاجُ إلَى الْمُوَاعَدَةِ لِتَعْيِينِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ. وَقَدْ يُقَالُ: يُمْكِنُهُ الصَّبْرُ إلَى مُضِيِّ الثَّلَاثَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا. اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 591 (حَتَّى زَالَ الْخَوْفُ جَازَ فَإِنْ أَدْرَكَ الْحَجَّ فَبِهَا) وَنِعْمَتْ (وَإِلَّا تَحَلَّلَ بِالْعُمْرَةِ) لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِالذَّبْحِ إنَّمَا هُوَ لِلضَّرُورَةِ حَتَّى لَا يَمْتَدَّ إحْرَامُهُ فَيَشُقَّ عَلَيْهِ زَيْلَعِيٌّ (وَبِذَبْحِهِ يَحِلُّ) وَلَوْ (بِلَا حَلْقٍ وَتَقْصِيرٍ) هَذَا فَائِدَةُ التَّعْيِينِ، فَلَوْ ظَنَّ ذَبْحَهُ فَفَعَلَ كَالْحَلَالِ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْبَحْ أَوْ ذَبَحَ فِي حِلٍّ لَزِمَهُ جَزَاءُ مَا جَنَى (وَ) يَجِبُ (عَلَيْهِ إنْ حَلَّ مِنْ حَجِّهِ) وَلَوْ نَفْلًا (حَجَّةٌ) بِالشُّرُوعِ (وَعُمْرَةٌ) لِلتَّحَلُّلِ إنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ الْخَوْفُ) الْمُرَادُ بِهِ الْمَانِعُ خَوْفًا أَوْ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) بِأَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِفَوْتِ الْوُقُوفِ ط وَهَذَا لَوْ مُحْصَرًا بِالْحَجِّ، فَلَوْ بِالْعُمْرَةِ زَالَ إحْصَارُهُ بِقُدْرَتِهِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ جَازَ (قَوْلُهُ فَيَشُقَّ) بِالنَّصْبِ فِي جَوَابِ النَّفْيِ ط وَهُوَ مِنْ بَابِ نَصَرَ فَالشِّينُ مَضْمُومَةٌ (قَوْلُهُ وَبِذَبْحِهِ يَحِلُّ) فِي اللُّبَابِ: وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِحْرَامِ بِمُجَرَّدِ الذَّبْحِ حَتَّى يَتَحَلَّلَ بِفِعْلٍ. اهـ. أَيْ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَلَوْ بِغَيْرِ حَلْقٍ قَارِي. قُلْت: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا تَظْهَرُ لَهُ ثَمَرَةٌ تَأَمَّلْ. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ سُرِقَ بَعْدَ ذَبْحِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُسْرَقْ تَصَدَّقَ بِهِ وَيَضْمَنُ الْوَكِيلُ قِيمَةَ مَا أَكَلَ مِنْهُ لَوْ غَنِيًّا وَيَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِلَا حَلْقٍ وَتَقْصِيرٍ) لَكِنْ لَوْ فَعَلَهُ كَانَ حَسَنًا وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَعَنْ الثَّانِي رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ يَجِبُ أَحَدُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، كَذَا فِي الْحَقَائِقِ عَنْ مَبْسُوطِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَجَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ. فَلَا خِلَافَ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي السِّرَاجِ: وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ، أَمَّا فِي الْحَرَمِ فَالْحَلْقُ وَاجِبٌ. اهـ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. كَذَا جَزَمَ بِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْكَافِي، وَحَكَاهُ الْبُرْجَنْدِيُّ عَنْ الْمُصَفَّى بِقِيلَ فَقَالَ: وَقِيلَ إنَّمَا لَا يَجِبُ الْحَلْقُ عَلَى قَوْلِهِمَا إذَا كَانَ الْإِحْصَارُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ، أَمَّا فِيهِ فَعَلَيْهِ الْحَلْقُ (قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ مَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ وَبِذَبْحِهِ يَحِلُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَبْلَ الذَّبْحِ (قَوْلُهُ فَفَعَلَ كَالْحَلَالِ) أَيْ كَمَا يَفْعَلُ الْحَلَالُ مِنْ حَلْقٍ وَطِيبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَوْ ذَبَحَ فِي حِلٍّ) مُحْتَرَزُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْحَرَمِ ط (قَوْلُهُ لَزِمَهُ جَزَاءُ مَا جَنَى) وَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَاتِ ط. قُلْت: وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ. نَعَمْ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. وَلْيُنْظَرْ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَوْ نَوَى الرَّفْضَ فَفَعَلَ كَالْحَلَالِ عَلَى ظَنِّ خُرُوجِهِ مِنْ الْإِحْرَامِ بِذَلِكَ لَزِمَهُ دَمٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِ مَا ارْتَكَبَ لِاسْتِنَادِ الْكُلِّ إلَى قَضَاءٍ وَاحِدٍ وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ التَّأْوِيلَ الْفَاسِدَ مُعْتَبَرٌ فِي دَفْعِ الضَّمَانَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ كَالْبَاغِي إذَا أَتْلَفَ مَالَ الْعَادِلِ أَوْ قَتَلَهُ وَلَا يَخْفَى اسْتِنَادُ الْكُلِّ هُنَا إلَى قَصْدٍ وَاحِدٍ أَيْضًا. وَلِذَا قَالَ بَعْضُ مُحَشِّي الزَّيْلَعِيِّ: يَنْبَغِي عَدَمُ التَّعَدُّدِ هُنَا أَيْضًا (قَوْلُهُ وَيَجِبُ) أَيْ يَلْزَمُ، فَيَشْمَلُ الْفَرْضَ الْقَطْعِيَّ. كَمَا لَوْ أُحْصِرَ عَنْ حَجَّةِ الْفَرْضِ. وَالْوَاجِبَ الِاصْطِلَاحِيَّ كَمَا لَوْ أُحْصِرَ عَنْ النَّفْلِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ نَفْلًا) أَفَادَ شُمُولَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالْمَظْنُونِ وَالْمُفْسِدِ وَالْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ، إلَّا أَنَّ وُجُوبَ أَدَاءِ الْقَضَاءِ عَلَى الْعَبْدِ يَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ لُبَابٌ. وَالْمَظْنُونُ: هُوَ مَا لَوْ أَحْرَمَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ عَلَيْهِ الْحَجَّ ثُمَّ ظَهَرَ عَدَمُهُ فَأُحْصِرَ وَصَرَّحَ الْبَزْدَوِيُّ وَصَاحِبُ الْكَشْفِ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، لَكِنْ صَرَّحَ السُّرُوجِيُّ فِي الْغَايَةِ بِأَنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُهُ كَمَا لَوْ أَفْسَدَهُ بِلَا إحْصَارٍ أَفَادَهُ الْقَارِي (قَوْلُهُ بِالشُّرُوعِ) أَيْ بِسَبَبِ شُرُوعِهِ فِيهَا. وَفِيهِ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ فِي النَّفْلِ. أَمَّا الْفَرْضُ فَهُوَ وَاجِبُ الْقَضَاءِ بِالْأَمْرِ لَا بِالْمَشْرُوعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِلتَّحَلُّلِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ. فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِهَا قَضَاهَا نَهْرٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْحَجِّ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ ابْتِدَاءً، وَعِنْدَ الْعَجْزِ تَلْزَمُهُ الْعُمْرَةُ، فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِهِمَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُمَا كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِهِمَا كَمَا فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ) أَمَّا لَوْ حَجَّ مِنْهُ لَمْ يَجِبْ مَعَهَا عُمْرَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 592 (وَعَلَى الْمُعْتَمِرِ عُمْرَةٌ، و) عَلَى (الْقَارِنِ حَجَّةٌ وَعُمْرَتَانِ) إحْدَاهُمَا لِلتَّحَلُّلِ (فَإِنْ بَعَثَ ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ وَقَدَرَ عَلَى) إدْرَاكِ (الْهَدْيِ وَالْحَجِّ) مِمَّا (تَوَجَّهَ) وُجُوبًا (وَإِلَّا) يَقْدِرَ عَلَيْهِمَا (لَا يَلْزَمُهُ) التَّوَجُّهُ وَهِيَ رُبَاعِيَّةٌ (وَلَا إحْصَارَ بَعْدَ مَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ)   [رد المحتار] كَفَائِتِ الْحَجِّ فَتْحٌ. وَأَيْضًا إنَّمَا تَجِبُ عُمْرَةٌ مَعَ الْحَجِّ إذَا حَلَّ بِالذَّبْحِ. أَمَّا إذَا حَلَّ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَلَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ شَرْحُ اللُّبَابِ. [تَنْبِيهٌ] إذَا قَضَى الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إنْ شَاءَ قَضَاهُمَا بِقِرَانٍ أَوْ إفْرَادٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ نِيَّةَ الْقَضَاءِ إنَّمَا تَلْزَمُ إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ اتِّفَاقًا لَوْ إحْصَارُهُ بِحَجِّ نَفْلٍ، فَلَوْ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَلَا لِأَنَّهَا قَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ حِينَ لَمْ يُؤَدِّهَا فَيَنْوِيهَا مِنْ قَابِلٍ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْمُعْتَمِرِ عُمْرَةٌ) أَيْ عَلَى الْمُعْتَمِرِ إذَا أُحْصِرَ قَضَاءُ عُمْرَةٍ، وَهَذَا فَرْعُ تَحَقُّقِ الْإِحْصَارِ عَنْهَا. وَمِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ أَهَلَّ بِنُسُكٍ مُبْهَمٍ، فَإِنْ أُحْصِرَ قَبْلَ التَّعْيِينِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ بِهَدْيٍ وَاحِدٍ وَيَقْضِيَ عُمْرَةً اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْقَارِنِ حَجَّةٌ وَعُمْرَتَانِ) وَيَتَخَيَّرُ فِي الْقَضَاءِ بَيْنَ الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَحَقَّقَهُ فِي الْبَحْرِ، فَيُفْرِدُ كُلًّا مِنْ الثَّلَاثَةِ أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ ثُمَّ يَأْتِي بِعُمْرَةٍ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ. (قَوْلُهُ إحْدَاهُمَا لِلتَّحَلُّلِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ لُزُومَ الْعُمْرَتَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِ الْإِحْصَارِ، إذْ لَوْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ بِأَنْ زَالَ الْإِحْصَارُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَقَدَرَ عَلَى تَجْدِيدِ الْإِحْرَامِ وَالْأَدَاءِ فَفَعَلَ كَانَ عَلَيْهِ عُمْرَةُ الْقِرَانِ فَقَطْ كَمَا فِي الْفَتْحِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ كَفَائِتِ الْحَجِّ، فَلَا تَلْزَمُهُ عُمْرَةُ التَّحَلُّلِ كَمَا مَرَّ فِي الْمُفْرِدِ. قُلْت: وَمِثْلُهُ لَوْ حَلَّ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا مَرَّ (قَوْلُهُ تَوَجَّهَ وُجُوبًا) أَيْ لِيُؤَدِّيَ الْحَجَّ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ نَهْرٌ. وَيَفْعَلُ بِهَدْيِهِ مَا شَاءَ: أَيْ مِنْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا يَقْدِرْ عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى مَجْمُوعِهِمَا، بِأَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ فَقَطْ أَوْ الْحَجِّ فَقَطْ (قَوْلُهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّوَجُّهُ) أَمَّا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمَا أَوْ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ فَقَطْ فَظَاهِرٌ، لَكِنَّهُ لَوْ تَوَجَّهَ لِيَتَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ جَازَ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فِي التَّحَلُّلِ، وَفِيهِ سُقُوطُ الْعُمْرَةِ عَنْهُ. وَأَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى الْحَجِّ دُونَ الْهَدْيِ، فَجَوَازُ التَّحَلُّلِ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَحَلَّلْ لَضَاعَ مَالُهُ مَجَّانًا، وَحُرْمَةُ الْمَالِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ، إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَتَوَجَّهَ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. [تَنْبِيهٌ] لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ الْمُعْتَمِرِ فَقَطْ عَدَمُ إدْرَاكِ الْعُمْرَةِ لِأَنَّ وَقْتَهَا جَمِيعُ الْعُمْرِ فَلَهَا مِنْ الْأَرْبَعِ صُورَتَانِ فَقَطْ: أَنْ يُدْرِكَ الْهَدْيَ وَالْعُمْرَةَ، أَوْ يُدْرِكَ الْعُمْرَةَ فَقَطْ وَقَدْ عُلِمَ حُكْمُهُمَا، أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ، وَنَحْوُهُ فِي اللُّبَابِ. [فَرْعٌ] لَوْ بَعَثَ الْهَدْيَ ثُمَّ زَالَ إحْصَارُهُ وَحَدَثَ إحْصَارٌ آخَرُ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْهَدْيَ وَنَوَى بِهِ إحْصَارَهُ الثَّانِيَ جَازَ وَحَلَّ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ بَعَثَ هَدْيًا لِجَزَاءِ صَيْدٍ ثُمَّ أُحْصِرَ وَنَوَى أَنْ يَكُونَ لِإِحْصَارِهِ جَازَ، وَعَلَيْهِ إقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ لُبَابٌ قَوْلُهُ وَلَا إحْصَارَ بَعْدَ مَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ) فَلَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ مَانِعٌ لَا يَتَحَلَّلُ بِالْهَدْيِ بَلْ يَبْقَى مُحْرِمًا فِي حَقِّ كُلِّ شَيْءٍ إنْ لَمْ يَحْلِقْ: أَيْ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ، وَإِنْ حَلَقَ فَهُوَ مُحْرِمٌ فِي حَقِّ النِّسَاءِ لَا غَيْرَ إلَى أَنْ يَطُوفَ لِلزِّيَارَةِ، فَإِنْ مُنِعَ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ: لِتَرْكِ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ وَالرَّمْيِ، وَتَأْخِيرِ الطَّوَافِ، وَتَأْخِيرِ الْحَلْقِ كَمَا فِي اللُّبَابِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِمَا. مَطْلَبُ كَافِي الْحَاكِمِ هُوَ جَمْعُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي كُتُبِهِ السِّتَّةِ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ الَّذِي هُوَ جَمْعُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي كُتُبِهِ السِّتَّةِ الَّتِي هِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ وَاجِبَ الْحَجِّ إذَا تُرِكَ لِعُذْرٍ لَا شَيْءَ فِيهِ، حَتَّى لَوْ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِمُزْدَلِفَةِ خَوْفَ الزِّحَامِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 593 لِلْأَمْنِ (مِنْ الْفَوَاتِ) وَالْمَمْنُوعُ لَوْ (بِمَكَّةَ عَنْ الرُّكْنَيْنِ مُحْصَرٌ) عَلَى الْأَصَحِّ (وَالْقَادِرُ عَلَى أَحَدِهِمَا لَا) أَمَّا عَلَى الْوُقُوفِ فَلِتَمَامِ حَجِّهِ بِهِ، وَأَمَّا عَلَى الطَّوَافِ فَلِتَحَلُّلِهِ بِهِ كَمَا مَرَّ. بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ   [رد المحتار] كَالْحَائِضِ تَتْرُكُ طَوَافَ الصَّدْرِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِحْصَارَ عُذْرٌ. ثُمَّ أَجَابَ بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى الْإِحْصَارِ بِالْعَدُوِّ لَا مُطْلَقًا فَإِنَّهُ إذَا كَانَ بِالْمَرَضِ فَهُوَ سَمَاوِيٌّ يَكُونُ عُذْرًا فِي تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ، بِخِلَافِ مَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ لَا يُسْقِطُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي التَّيَمُّمِ اهـ وَنَقَلَهُ فِي النَّهْرِ، وَبِهِ جَزَمَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي جِنَايَاتِ شَرْحِ اللُّبَابِ. قُلْت: وَلَا تَرِدُ مَسْأَلَةُ تَرْكِ الْوُقُوفِ لِخَوْفِ الزِّحَامِ لِمَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ أَنَّ الْخَوْفَ إنْ لَمْ يَنْشَأْ بِسَبَبِ وَعِيدِ الْعَبْدِ فَهُوَ سَمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ لِلْأَمْنِ مِنْ الْفَوَاتِ) فِيهِ أَنَّ الْمُعْتَمِرَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَتَوَقَّفُ مَعَ تَحَقُّقِ الْإِحْصَارِ فِيهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ يَلْزَمُهُ ضَرَرٌ بِامْتِدَادِ الْإِحْرَامِ فَوْقَ مَا الْتَزَمَهُ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِالْحَلْقِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ فَلَهُ الْفَسْخُ. أَمَّا الْحَاجُّ فَيُمْكِنُهُ ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّحَلُّلِ بِالْهَدْيِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ، لَكِنْ قِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْلِقَ فِي مَكَانِهِ فِي الْحِلِّ بَلْ يُؤَخِّرُهُ إلَى مَا بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الْعَتَّابِيِّ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ مِنْ أَنَّهُ لَا إحْصَارَ فِي مَكَّةَ الْيَوْمَ لِأَنَّهَا دَارُ إسْلَامٍ (قَوْلُهُ وَالْقَادِرُ عَلَى أَحَدِهِمَا إلَخْ) تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ وَالْمَمْنُوعُ بِمَكَّةَ عَنْ الرُّكْنَيْنِ مُحْصَرٌ، وَذَكَرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَا إحْصَارَ بَعْدَ مَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ مِنْ قَبِيلِ ذِكْرِ الْأَعَمِّ بَعْدَ الْأَخَصِّ فَلَيْسَ بِتَكْرَارٍ مَحْضٍ (قَوْلُهُ فَلِتَمَامِ حَجِّهِ بِهِ) قَالُوا الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ إذَا مَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ يَكُونُ مُجْزِئًا بَحْرٌ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِيهِ أَوَّلَ كِتَابِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ وَأَمَّا عَلَى الطَّوَافِ) سَمَّاهُ أَحَدَ رُكْنَيْ الْحَجِّ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ، وَإِلَّا فَالطَّوَافُ الرُّكْنُ هُوَ مَا يَقَعُ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَلَا وُقُوفَ هُنَا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ فَلِتَحَلُّلِهِ بِهِ) لِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يُتَحَلَّلُ بِهِ وَالدَّمُ بَدَلٌ عَنْهُ فِي التَّحَلُّلِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى الْهَدْيِ زَيْلَعِيٌّ. وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَنَّهُ يَكُونُ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ فَيَتَحَلَّلُ عَنْ إحْرَامِهِ بَعْدَ فَوْتِ الْوُقُوفِ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَا عُمْرَةَ فِي الْقَضَاءِ اهـ فَالِاقْتِصَارُ عَلَى ذِكْرِ الطَّوَافِ لِأَنَّهُ رُكْنُ الْعُمْرَةِ وَإِلَّا فَلَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِمُجَرَّدِ الطَّوَافِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ السَّعْيِ وَالْحَلْقِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ كَمَا مَرَّ أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا تَحَلَّلَ بِالْعُمْرَةِ، وَكَذَا مَرَّ قَبْلَ بَابِ الْقِرَانِ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ لَمْ يَقِفْ فِيهَا فَاتَ حَجُّهُ فَطَافَ وَسَعَى وَتَحَلَّلَ وَقَضَى مِنْ قَابِلٍ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ. [تَنْبِيهٌ] أَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ مِنْ هُنَا بَابَ الْفَوَاتِ الْمَذْكُورِ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَهُ قَبْلَ بَابِ الْقِرَانِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْمُوجِبَةَ لِقَضَاءِ الْحَجِّ أَرْبَعَةٌ: الْفَوَاتُ. وَالْإِحْصَارُ عَنْ الْوُقُوفِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي كَيْفِيَّةِ التَّحَلُّلِ. وَالثَّالِثُ الْإِفْسَادُ بِالْجِمَاعِ وَإِنْ لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ. وَالرَّابِعُ الرَّفْضُ، وَفُرُوعُهُ مَذْكُورَةٌ فِي الْبَابِ السَّابِقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ] ِ اعْتَرَضَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ إدْخَالَ أَلْ عَلَى الْغَيْرِ غَيْرُ وَاقِعٍ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ بَلْ هُوَ مَلْزُومُ الْإِضَافَةِ اهـ لَكِنْ قَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ النُّحَاةِ: مَنَعَ قَوْمٌ دُخُولَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ عَلَى غَيْرٍ وَكُلٍّ وَبَعْضٍ، وَقَالُوا هَذِهِ كَمَا لَا تَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ لَا تَتَعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 594 الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَتَى بِعِبَادَةٍ مَا،   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي دُخُولِ أَلْ عَلَى غَيْرٍ. وَعِنْدِي أَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَيْهَا، فَيُقَالُ فَعَلَ الْغَيْرُ كَذَا، وَالْكُلُّ خَيْرٌ مِنْ الْبَعْضِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ هُنَا لَيْسَتْ لِلتَّعْرِيفِ وَلَكِنَّهَا الْمُعَاقِبَةُ لِلْإِضَافَةِ، لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ أَنَّ غَيْرًا تَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ. ثُمَّ إنَّ الْغَيْرَ قَدْ يُحْمَلُ عَلَى الضِّدِّ وَالْكُلُّ عَلَى الْجُمْلَةِ وَالْبَعْضُ عَلَى الْجُزْءِ، فَيَصْلُحُ دُخُولُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، يَعْنِي أَنَّهَا تَتَعَرَّفُ عَلَى طَرِيقَةِ حَمْلِ النَّظِيرِ عَلَى النَّظِيرِ، فَإِنَّ الْغَيْرَ نَظِيرُ الضِّدِّ وَالْكُلَّ نَظِيرُ الْجُمْلَةِ، وَالْبَعْضَ نَظِيرُ الْجُزْءِ، وَحَمْلُ النَّظِيرِ عَلَى النَّظِيرِ سَائِغٌ شَائِعٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ كَحَمْلِ الضِّدِّ عَلَى الضِّدِّ، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَتَبَّعَ كَلَامَهُمْ، وَقَدْ نَصَّ الْعَلَّامَةُ الزَّمَخْشَرِيّ عَلَى وُقُوعِ هَذَيْنِ الْحَمْلَيْنِ وَشُيُوعِهِمَا فِي لِسَانِهِمْ فِي الْكَشَّافِ أَفَادَهُ ابْنُ كَمَالٍ. مَطْلَبٌ فِي إهْدَاءِ ثَوَابِ الْأَعْمَالِ لِلْغَيْرِ (قَوْلُهُ بِعِبَادَةٍ مَا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا أَوْ صَدَقَةً أَوْ قِرَاءَةً أَوْ ذِكْرًا أَوْ طَوَافًا أَوْ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ زِيَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالشُّهَدَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَتَكْفِينِ الْمَوْتَى، وَجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْبِرِّ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ ط وَقَدَّمْنَا فِي الزَّكَاةِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ الْأَفْضَلُ لِمَنْ يَتَصَدَّقُ نَفْلًا أَنْ يَنْوِيَ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ لِأَنَّهَا تَصِلُ إلَيْهِمْ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ بَحَثَ أَنَّ إطْلَاقَهُمْ شَامِلٌ لِلْفَرِيضَةِ لَكِنْ لَا يَعُودُ الْفَرْضُ فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّ عَدَمَ الثَّوَابِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ السُّقُوطِ عَنْ ذِمَّتِهِ اهـ. عَلَى أَنَّ الثَّوَابَ لَا يَنْعَدِمُ كَمَا عَلِمْت، وَسَنَذْكُرُ فِيمَا لَوْ أَهَلَّ بِحَجٍّ عَنْ أَبَوَيْهِ أَنَّهُ قِيلَ إنَّهُ يَجْزِيهِ عَنْ حَجِّ الْفَرْضِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ فِي الْفَرَائِضِ. وَبَحَثَ أَيْضًا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ عِنْدَ الْفِعْلِ لِلْغَيْرِ أَوْ يَفْعَلَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ يَجْعَلَ ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ لِإِطْلَاقِ كَلَامِهِمْ. اهـ. قُلْت: وَإِذَا قُلْنَا بِشُمُولِهِ لِلْفَرِيضَةِ أَفَادَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَنْوِيهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِذَا صَحَّ جَعْلُ ثَوَابِهِ لِغَيْرِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي وُصُولِ الثَّوَابِ أَنْ يَنْوِيَ الْغَيْرَ عِنْدَ الْفِعْلِ، وَقَدَّمْنَا فِي آخِرِ الْجَنَائِزِ قُبَيْلَ بَابِ الشَّهِيدِ عَنْ ابْنِ الْقَيِّمِ الْحَنْبَلِيِّ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ عِنْدَهُمْ فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْغَيْرِ عِنْدَ الْفِعْلِ؟ فَقِيلَ لَا لِكَوْنِ الثَّوَابِ لَهُ فَلَهُ التَّبَرُّعُ بِهِ لِمَنْ أَرَادَ، وَقِيلَ نَعَمْ وَهُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ لَهُ لَمْ يُقْبَلْ انْتِقَالُهُ عَنْهُ، وَقَدَّمْنَا عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوُصُولِ أَنْ يَهْدِيَهُ بِلَفْظِهِ كَمَا لَوْ أَعْطَى فَقِيرًا بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَمْ تَشْتَرِطْ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ وَنَحْوِهِ، نَعَمْ لَوْ فَعَلَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ نَوَى جَعْلَ ثَوَابِهِ لِغَيْرِهِ لَمْ يَكْفِ كَمَا لَوْ نَوَى أَنْ يَهَبَ أَوْ يَعْتِقَ أَوْ يَتَصَدَّقَ، وَأَنَّهُ يَصِحُّ إهْدَاءُ نِصْفِ الثَّوَابِ أَوْ رُبْعِهِ. وَيُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ أَهْدَى الْكُلَّ إلَى أَرْبَعَةٍ يَحْصُلُ لِكُلٍّ رُبْعُهُ، وَتَمَامُهُ هُنَاكَ. مَطْلَبٌ فِيمَنْ أَخَذَ فِي عِبَادَتِهِ شَيْئًا مِنْ الدُّنْيَا. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ الدُّنْيَا لِيَجْعَلَ شَيْئًا مِنْ عِبَادَتِهِ لِلْمُعْطِي، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ ذَلِكَ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَخَذَهُ عَلَى عِبَادَةٍ سَابِقَةٍ يَكُونُ ذَلِكَ بَيْعًا لَهَا، وَذَلِكَ بَاطِلٌ قَطْعًا، وَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ لِيَعْمَلَ يَكُونُ إجَارَةً عَلَى الطَّاعَةِ وَهِيَ بَاطِلَةٌ أَيْضًا كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى، إلَّا فِيمَا اسْتَثْنَاهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ جَوَازِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 595 لَهُ جَعْلُ ثَوَابِهَا لِغَيْرِهِ وَإِنْ نَوَاهَا عِنْد الْفِعْلِ لِنَفْسِهِ لِظَاهِرِ الْأَدِلَّةِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى - {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39]- أَيْ إلَّا إذَا وَهَبَهُ لَهُ كَمَا حَقَّقَهُ الْكَمَالُ،   [رد المحتار] الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التَّعْلِيمِ وَالْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ وَعَلَّلُوهُ بِالضَّرُورَةِ وَخَوْفِ ضَيَاعِ الدِّينِ فِي زَمَانِنَا لِانْقِطَاعِ مَا كَانَ يُعْطَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَا عَلَى التِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ أَيْضًا، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي رِسَالَتِنَا [شِفَاءُ الْعَلِيلِ وَبَلُّ الْغَلِيلِ، فِي بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِالْخَتَمَاتِ وَالتَّهَالِيلِ] فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَهُ جَعْلُ ثَوَابِهَا لِغَيْرِهِ) أَيْ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي كُلِّ الْعِبَادَاتِ وَلِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ الْمَحْضَةِ كَالصَّلَاةِ وَالتِّلَاوَةِ فَلَا يَقُولَانِ بِوُصُولِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ، وَلَيْسَ الْخِلَافُ فِي أَنَّ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ، بَلْ فِي أَنَّهُ يَنْجَعِلُ بِالْجَعْلِ أَوْ لَا بَلْ يَلْغُو جَعْلُهُ، أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ: أَيْ الْخِلَافَ فِي وُصُولِ الثَّوَابِ وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ لِغَيْرِهِ) أَيْ مِنْ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. قُلْت: وَشَمَلَ إطْلَاقُ الْغَيْرِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ مِنْ أَئِمَّتِنَا، وَفِيهِ نِزَاعٌ طَوِيلٌ لِغَيْرِهِمْ. وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ الْإِمَامُ السُّبْكِيُّ وَعَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ الْجَوَازُ كَمَا بَسَطْنَاهُ آخِرَ الْجَنَائِزِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَاهَا إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ لِظَاهِرِ الْأَدِلَّةِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَهُ جَعْلُ ثَوَابِهَا لِغَيْرِهِ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ: أَيْ لِلْأَدِلَّةِ الظَّاهِرَةِ أَيْ الْوَاضِحَةِ الْجَلِيَّةِ، فَالظُّهُورُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لَا الْأُصُولِيِّ، لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ فِيهِ مُتَوَاتِرَةٌ قَطْعِيَّةُ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ كَمَا تَعْرِفُهُ (قَوْلُهُ أَيْ إلَّا إذَا وَهَبَهُ) جَوَابُ قَوْلِهِ وَأَمَّا، وَأَسْقَطَ الْفَاءَ مِنْ جَوَابِهَا وَهُوَ لَا يَسْقُطُ إلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ كَقَوْلِهِ فَأَمَّا الْقِتَالُ لَاقْتَالَ لَدَيْكُمْ كَمَا فِي الْمُغْنِي. وَأَجَابَ عَنْ قَوْله تَعَالَى {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} [آل عمران: 106] بِأَنَّ الْأَصْلَ فَيُقَالُ لَهُمْ أَكَفَرْتُمْ، فَحَذَفَ الْقَوْلَ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِالْمَقُولِ فَتَبِعَتْهُ الْفَاءُ فِي الْحَذْفِ. قَالَ: وَرُبَّ شَيْءٍ يَصِحُّ تَبَعًا وَلَا يَصِحُّ اسْتِقْلَالًا كَالْحَاجِّ عَنْ غَيْرِهِ يُصَلِّي عَنْهُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، وَلَوْ صَلَّى أَحَدٌ عَنْ غَيْرِهِ ابْتِدَاءً لَا يَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ اهـ وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ هُنَا مَحْذُوفٌ مَعَ الْفَاءِ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِأَيْ الْمُفَسِّرَةِ لَهُ. وَالتَّقْدِيرُ: وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى فَمُؤَوَّلٌ أَيْ إلَّا إذَا وَهَبَهُ، عَلَى أَنَّ الدَّمَامِينِيَّ اخْتَارَ جَوَازَ حَذْفِ الْفَاءِ فِي سَعَةِ الْكَلَامِ وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِالْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ (قَوْلُهُ كَمَا حَقَّقَهُ الْكَمَالُ) حَيْثُ قَالَ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الْآيَةَ وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فِيمَا قَالَهُ الْمُعْتَزِلَةُ، لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ أَوْ مُقَيَّدَةٌ؛ وَقَدْ ثَبَتَ مَا يُوجِبُ الْمَصِيرَ إلَى ذَلِكَ وَهُوَ مَا صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْهُ وَالْآخَرُ عَنْ أُمَّتِهِ» فَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَانْتَشَرَ مُخَرِّجُوهُ؛ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا يَجُوزُ تَقْيِيدُ الْكِتَابِ بِهِ بِمَا لَمْ يَجْعَلْهُ صَاحِبُهُ لِغَيْرِهِ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَالَ: كَانَ لِي أَبَوَانِ أَبَرُّهُمَا حَالَ حَيَاتِهِمَا فَكَيْفَ لِي بِبِرِّهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا؛ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ مِنْ الْبِرِّ بَعْدَ الْمَوْتِ أَنْ تُصَلِّيَ لَهُمَا مَعَ صَلَاتِك وَأَنْ تَصُومَ لَهُمَا مَعَ صَوْمِك» " وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ مَرَّ عَلَى الْمَقَابِرِ وَقَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] إحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً ثُمَّ وَهَبَ أَجْرَهَا لِلْأَمْوَاتِ أُعْطِيَ مِنْ الْأَجْرِ بِعَدَدِ الْأَمْوَاتِ» وَعَنْ «أَنَسٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَتَصَدَّقُ عَنْ مَوْتَانَا وَنَحُجُّ عَنْهُمْ وَنَدْعُو لَهُمْ، فَهَلْ يَصِلُ ذَلِكَ لَهُمْ؟ قَالَ نَعَمْ، إنَّهُ لَيَصِلُ إلَيْهِمْ، وَإِنَّهُمْ لَيَفْرَحُونَ بِهِ كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالطَّبَقِ إذَا أُهْدِيَ إلَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ. وَعَنْهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يس» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَهَذَا كُلُّهُ وَنَحْوُهُ مِمَّا تَرَكْنَاهُ خَوْفَ الْإِطَالَةِ يَبْلُغُ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُ وَهُوَ النَّفْعُ بِعَمَلِ الْغَيْرِ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ، وَكَذَا مَا فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ مِنْ الْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ لِلْوَالِدَيْنِ، وَمِنْ الْإِخْبَارِ بِاسْتِغْفَارِ الْمَلَائِكَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 596 أَوْ اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى كَمَا فِي - {وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ} [غافر: 52]- وَلَقَدْ أَفْصَحَ الزَّاهِدِيُّ عَنْ اعْتِزَالِهِ هُنَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (الْعِبَادَةُ الْمَالِيَّةُ) كَزَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ (تَقْبَلُ النِّيَابَةَ) عَنْ الْمُكَلَّفِ (مُطْلَقًا) عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَالْعَجْزِ وَلَوْ النَّائِبُ ذِمِّيًّا،   [رد المحتار] قَطْعِيٌّ فِي حُصُولِ النَّفْعِ، فَيُخَالِفُ ظَاهِرَ الْآيَةِ الَّتِي اسْتَدَلُّوا بِهَا إذْ ظَاهِرُهَا أَنْ لَا يَنْفَعَ اسْتِغْفَارُ أَحَدٍ لِأَحَدٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سَعْيِهِ، فَقَطَعْنَا بِانْتِفَاءِ إرَادَةِ ظَاهِرِهَا فَقَيَّدْنَاهَا بِمَا لَمْ يَهَبْهُ الْعَامِلُ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ النَّسْخِ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ إذْ لَمْ يُبْطِلْ بَعْدَ الْإِرَادَةَ، وَلِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْإِخْبَارِ وَلَا نَسْخَ فِي الْخَبَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى) جَوَابٌ آخَرُ وَرَدَّهُ الْكَمَالُ بِأَنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ وَمِنْ سِيَاقِهَا فَإِنَّهَا وَعْظٌ لِلَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى. اهـ. وَأَيْضًا فَإِنَّهَا تَتَكَرَّرُ مَعَ قَوْله تَعَالَى {أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: 38] وَأُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ أُخْرَى ذَكَرَهَا الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ. مِنْهَا: النَّسْخُ بِآيَةِ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} [الطور: 21] وَعَلِمْت مَا فِيهِ. وَمِنْهَا: أَنَّهَا خَاصَّةٌ بِقَوْمِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - لِأَنَّهَا حِكَايَةٌ عَمَّا فِي صُحُفِهِمَا. وَمِنْهَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْسَانِ الْكَافِرُ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَرِيقِ الْعَدْلِ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ الْفَضْلِ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا سَعْيُهُ، لَكِنْ قَدْ يَكُونُ سَعْيُهُ بِمُبَاشَرَةِ أَسْبَابِهِ بِتَكْثِيرِ الْإِخْوَانِ وَتَحْصِيلِ الْإِيمَانِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» فَلَا يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ عَمَلِ غَيْرِهِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ. زَيْلَعِيٌّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ» فَهُوَ فِي حَقِّ الْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ لَا فِي حَقِّ الثَّوَابِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَقَدْ أَفْصَحَ الزَّاهِدِيُّ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ فِي الْمُجْتَبَى بَعْدَ ذِكْرِهِ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ. قُلْت: وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَخْ فَعَدَلَ عَنْ الْهِدَايَةِ وَسَمَّى أَهْلَ عَقِيدَتِهِ بِأَهْلِ الْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ، لِقَوْلِهِمْ بِوُجُوبِ الْأَصْلَحِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَكَانَ جَوْرًا مِنْهُ تَعَالَى وَلِقَوْلِهِمْ بِنَفْيِ الصِّفَاتِ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ صِفَاتٌ قَدِيمَةٌ لَتَعَدَّدَ الْقُدَمَاءُ وَالْقَدِيمُ وَاحِدٌ، وَبَيَانُ إبْطَالِ عَقِيدَتِهِمْ الزَّائِغَةِ فِي كُتُبِ الْكَلَامِ، وَقَدْ نَقَلَ كَلَامَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَتَكَفَّلَ بِرَدِّهِ؛ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ مُصْطَفَى الرَّحْمَتِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ فَقَدْ أَطَالَ وَأَطَابَ، وَأَوْضَحَ الْخَطَأَ مِنْ الصَّوَابِ (قَوْلُهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ) لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الْأَفْهَامِ مَا فِيهِ مِنْ حُسْنِ الْإِيهَامِ. [مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْقُرْبَةِ وَالطَّاعَةِ] ِ (قَوْلُهُ الْعِبَادَةُ) قَالَ الْإِمَامُ اللَّامِشِيُّ: الْعِبَادَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْخُضُوعِ وَالتَّذَلُّلِ. وَحَدُّهَا فِعْلٌ لَا يُرَادُ بِهِ إلَّا تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَمْرِهِ. وَالْقُرْبَةُ: مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ أَوْ مَعَ الْإِحْسَانِ لِلنَّاسِ كَبِنَاءِ الرِّبَاطِ وَالْمَسْجِدِ. وَالطَّاعَةُ مَا يَجُوزُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ. قَالَ تَعَالَى {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]- اهـ مُلَخَّصًا مِنْ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ كَزَكَاةٍ) أَيْ زَكَاةِ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ أَوْ أَرْضٍ كَالْعُشْرِ، وَدَخَلَ فِي الْكَافِ النَّفَقَاتُ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَالِيَّةِ مَا كَانَ عِبَادَةً مَحْضَةً أَوْ عِبَادَةً فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ أَوْ مُؤْنَةً فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ (قَوْلُهُ وَكَفَّارَةٍ) أَيْ بِأَنْوَاعِهَا مِنْ إعْتَاقٍ وَإِطْعَامٍ وَكِسْوَةٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ تَقْبَلُ النِّيَابَةَ) الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّكَالِيفِ الِابْتِلَاءُ وَالْمَشَقَّةُ، وَهِيَ فِي الْبَدَنِيَّةِ بِإِتْعَابِ النَّفْسِ وَالْجَوَارِحِ بِالْأَفْعَالِ الْمَخْصُوصَةِ، وَبِفِعْلِ نَائِبِهِ لَا تَتَحَقَّقُ الْمَشَقَّةُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمْ تَجُزْ النِّيَابَةُ مُطْلَقًا إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ وَعَدَمِ الْقُدْرَةِ. وَفِي الْمَالِيَّةِ بِتَنْقِيصِ الْمَالِ الْمَحْبُوبِ لِلنَّفْسِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 597 لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِنِيَّةِ الْمُوَكِّلِ وَلَوْ عِنْدَ دَفْعِ الْوَكِيلِ (وَالْبَدَنِيَّةُ) كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ (لَا) تَقْبَلُهَا (مُطْلَقًا، وَالْمُرَكَّبَةُ مِنْهُمَا) كَحَجِّ الْفَرْضِ (تَقْبَلُ النِّيَابَةَ عِنْدَ الْعَجْزِ فَقَطْ) لَكِنْ (بِشَرْطِ دَوَامِ الْعَجْزِ إلَى الْمَوْتِ) لِأَنَّهُ فَرْضُ الْعُمْرِ حَتَّى تَلْزَمَ الْإِعَادَةُ بِزَوَالِ الْعُذْرِ (وَ) بِشَرْطِ (نِيَّةِ الْحَجِّ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْآمِرِ فَيَقُولُ: أَحْرَمْتُ عَنْ فُلَانٍ وَلَبَّيْتُ عَنْ فُلَانٍ،   [رد المحتار] بِإِيصَالِهِ إلَى الْفَقِيرِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ بِفِعْلِ النَّائِبِ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُجْزِئَ النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ لِتَضَمُّنِهِ الْمَشَقَّتَيْنِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ، وَالْأُولَى لَا يُكْتَفَى فِيهَا بِالنَّائِبِ، لَكِنَّهُ تَعَالَى رَخَّصَ فِي إسْقَاطِهِ بِتَحَمُّلِ الْمَشَقَّةِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَ الْعَجْزِ الْمُسْتَمِرِّ إلَى الْمَوْتِ رَحْمَةً وَفَضْلًا، بِأَنْ تُدْفَعَ نَفَقَةُ الْحَجِّ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِلتَّعْمِيمِ وَبَيَانٌ لِوَجْهِ إنَابَةِ الذِّمِّيِّ فِي الْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ الْمَشْرُوطِ لَهَا النِّيَّةُ بِأَنَّ الشَّرْطَ نِيَّةُ الْأَصْلِ دُونَ النَّائِبِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عِنْدَ دَفْعِ الْوَكِيلِ) دَخَلَ فِي التَّعْمِيمِ مَا لَوْ نَوَى الْمُوَكِّلُ وَقْتَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ أَوْ وَقْتَ دَفْعِ الْوَكِيلِ إلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ فِيمَا بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَبَقِيَ مَا لَوْ عَزَلَهَا وَنَوَى بِهَا الزَّكَاةَ قَبْلَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ. وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ تَشْمَلُهَا وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ كَمَا قَالُوا فِيمَا لَوْ دَفَعَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَى الْفَقِيرِ بِنَفْسِهِ لِوُجُودِ النِّيَّةِ وَقْتَ الدَّفْعِ حُكْمًا. وَعَلَيْهِ يُمْكِنُ دُخُولُهَا أَيْضًا فِي قَوْلِ الْبَحْرِ وَقْتَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ. وَبَقِيَ أَيْضًا مَا لَوْ نَوَى بَعْدَ دَفْعِ الْوَكِيلِ إلَى الْفَقِيرِ وَهِيَ فِي يَدِ الْفَقِيرِ وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ كَمَا قَالُوا فِيمَا لَوْ دَفَعَهَا إلَى الْفَقِيرِ بِنَفْسِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَصَوْمٍ) مَعْنَى كَوْنِهِ بَدَنِيًّا أَنَّ فِيهِ تَرْكَ أَعْمَالِ الْبَدَنِ نَهْرٌ عَنْ الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ الصَّوْمَ إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ: أَيْ مَنْعُ النَّفْسِ عَنْ تَنَاوُلِهَا، وَالْمَنْعُ مِنْ أَعْمَالِ الْبَدَنِ (قَوْلُهُ وَالْمُرَكَّبَةُ مِنْهُمَا) قَالَ فِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ وَفِي الْمَبْسُوطِ: جَعْلُ الْمَالِ فِي الْحَجِّ شَرْطَ الْوُجُوبِ فَلَمْ يَكُنْ الْحَجُّ مُرَكَّبًا مِنْ الْبَدَنِ وَالْمَالِ. قُلْت: وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ الْمَالُ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ إذَا قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ إلَى عَرَفَاتٍ. وَفِي قَاضِي خَانْ: الْحَجُّ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ اهـ وَكَوْنُ الْحَجِّ يُشْتَرَطُ لَهُ الِاسْتِطَاعَةُ وَهِيَ مِلْكُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ الْحَجَّ مُرَكَّبٌ مِنْ الْمَالِ، لِأَنَّ الشَّرْطَ غَيْرُ الْمَشْرُوطِ، وَالشَّيْءَ لَا يَتَرَكَّبُ مِنْ شَرْطِهِ؛ كَمَا أَنَّ صِحَّةَ الصَّلَاةِ يُشْتَرَطُ لَهَا سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَالْمَاءُ لِلطَّهَارَةِ وَهُمَا بِالْمَالِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْمَالِ اهـ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ وَقَدَّمْنَا جَوَابَهُ فِي أَوَّلِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ كَحَجِّ الْفَرْضِ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الْحَجَّةَ الْمَنْذُورَةَ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَقَيَّدَ بِهِ نَظَرُ الشَّرْطِ دَوَامَ الْعَجْزِ إلَى الْمَوْتِ لِأَنَّ الْحَجَّ النَّفَلَ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ عَجْزٍ فَضْلًا عَنْ دَوَامِهِ كَمَا سَتَأْتِي ح وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ الْجِهَادُ لَا مِنْ قِسْمِ الْبَدَنِيَّةِ فَقَطْ كَمَا تُوُهِّمَ، بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ الْحَجِّ، إذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ آلَةِ الْحَرْبِ؛ أَمَّا الْحَجُّ فَقَدْ يَكُونُ بِلَا مَالٍ كَحَجِّ الْمَكِّيِّ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي شَرْحِ ابْنِ كَمَالٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فَرْضُ الْعُمْرِ) تَعْلِيلٌ لِاشْتِرَاطِ دَوَامِ الْعَجْزِ إلَى الْمَوْتِ أَيْ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ عَجْزٌ مُسْتَوْعِبٌ لِبَقِيَّةِ الْعُمْرِ لِيَقَعَ بِهِ الْيَأْسُ عَنْ الْأَدَاءِ بِالْبَدَنِ ابْنُ كَمَالٍ عَنْ الْكَافِي فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] مَحَلُّ وُجُوبِ الْإِحْجَاجِ عَلَى الْعَاجِزِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ عَجَزَ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ. وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الْإِحْجَاجُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ وَهُوَ صَحِيحٌ زَيْلَعِيٌّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْحَجِّ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ عَجَزَ لَزِمَهُ الْإِحْجَاجُ اتِّفَاقًا، أَمَّا مَنْ لَمْ يَمْلِكْ مَالًا حَتَّى عَجَزَ عَنْ الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَأَصْلُهُ أَنَّ صِحَّةَ الْبَدَنِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ عِنْدَهُ، وَلِوُجُوبِ الْأَدَاءِ عِنْدَهُمَا وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْحَجِّ اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ وَأَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ هُوَ الْمَذْهَبُ (قَوْلُهُ حَتَّى تَلْزَمَ الْإِعَادَةُ بِزَوَالِ الْعُذْرِ) أَيْ الْعُذْرِ الَّذِي يُرْجَى زَوَالُهُ كَالْحَبْسِ وَالْمَرَضِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الْعَمَى فَلَا إعَادَةَ لَوْ زَالَ عَلَى مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَبِشَرْطِ نِيَّةِ الْحَجِّ عَنْهُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 598 وَلَوْ نَسِيَ اسْمَهُ فَنَوَى عَنْ الْآمِرِ صَحَّ، وَتَكْفِي نِيَّةُ الْقَلْبِ (هَذَا) أَيْ اشْتِرَاطُ دَوَامِ الْعَجْزِ إلَى الْمَوْتِ (إذَا كَانَ) الْعَجْزُ كَالْحَبْسِ و (الْمَرَضُ يُرْجَى زَوَالُهُ) أَيْ يُمْكِنُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَالْعَمَى وَالزَّمَانَةِ سَقَطَ الْفَرْضُ) بِحَجِّ الْغَيْرِ (عَنْهُ) فَلَا إعَادَةَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ (اسْتَمَرَّ بِهِ ذَلِكَ الْعُذْرُ أَمْ لَا) وَلَوْ أَحَجَّ عَنْهُ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ عَجَزَ وَاسْتَمَرَّ لَمْ يَجْزِهِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ (وَبِشَرْطِ الْأَمْرِ بِهِ) أَيْ بِالْحَجِّ عَنْهُ (فَلَا يَجُوزُ حَجُّ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَّا إذَا حَجَّ) أَوْ أَحَجَّ (الْوَارِثُ عَنْ مُوَرِّثِهِ)   [رد المحتار] كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرُ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ بَعْدَهُ وَبِشَرْطِ الْأَمْرِ، لِأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ تَمَامِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَسِيَ اسْمَهُ إلَخْ) وَلَوْ أَحْرَمَ مُبْهِمًا: أَيْ بِأَنْ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ وَأَطْلَقَ النِّيَّةَ عَنْ ذِكْرِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، فَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْأَفْعَالِ كَمَا فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ. وَقَالَ فِي الشَّرْحِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ الْكَافِي أَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ التَّعْيِينُ إجْمَاعًا: لَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ غَيْرَهُ، بَلْ وَلَوْ عَيَّنَ غَيْرَهُ لَوَقَعَ عَنْهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ كَالْحَبْسِ وَالْمَرَضِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْعُذْرِ سَمَاوِيًّا أَوْ بِصُنْعِ الْعِبَادِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ: وَإِنْ أَحَجَّ لِعَدُوٍّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ، إنْ أَقَامَ الْعَدُوُّ عَلَى الطَّرِيقِ حَتَّى مَاتَ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. وَمِنْ الْعَجْزِ الَّذِي يُرْجَى زَوَالُهُ عَدَمُ وُجُودِ الْمَرْأَةِ مَحْرَمًا فَتَقْعُدُ إلَى أَنْ تَبْلُغَ وَقْتًا تَعْجِزُ عَنْ الْحَجِّ فِيهِ: أَيْ لِكِبَرٍ أَوْ عَمًى أَوْ زَمَانَةٍ، فَحِينَئِذٍ تَبْعَثُ مِنْ يَحُجُّ عَنْهَا، أَمَّا لَوْ بَعَثَتْ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِتَوَهُّمِ وُجُودِ الْمَحْرَمِ إلَّا إنْ دَامَ عَدَمُ الْمَحْرَمِ إلَى أَنْ مَاتَتْ، فَيَجُوزُ كَالْمَرِيضِ إذَا أَحَجَّ رَجُلًا وَدَامَ الْمَرَضُ إلَى أَنْ مَاتَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ فَلَا إعَادَةَ مُطْلَقًا إلَخْ) ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ اشْتِرَاطُ الْعَجْزِ الدَّائِمِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَغَيْرِهِ فِي لُزُومِ الْإِعَادَةِ بَعْدَ زَوَالِهِ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْفَتْحِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ الْحَقُّ التَّفْصِيلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْمِعْرَاجِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ، وَحَقَّقَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَنُقِلَ التَّصْرِيحُ بِهِ عَنْ كَافِي النَّسَفِيِّ (قَوْلُهُ ثُمَّ عَجَزَ) أَيْ بَعْدَ فَرَاغِ النَّائِبِ عَنْ الْحَجِّ، بِأَنْ كَانَ وَقْتَ الْوُقُوفِ صَحِيحًا، أَمَّا لَوْ عَجَزَ قَبْلَ فَرَاغِ النَّائِبِ وَاسْتَمَرَّ أَجْزَأَهُ، وَقَوْلُهُ لَمْ يَجْزِهِ أَيْ عَنْ الْفَرْضِ وَإِنْ وَقَعَ نَفْلًا لِلْآمِرِ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ عَدَمُ صِحَّةِ مَا يَفْعَلُهُ السَّلَاطِينُ وَالْوُزَرَاءُ مِنْ الْإِحْجَاجِ عَنْهُمْ لِأَنَّ عَجْزَهُمْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَمِرًّا إلَى الْمَوْتِ اهـ أَوْ لِعَدَمِ عَجْزِهِمْ أَصْلًا، وَالْمُرَادُ عَدَمُ صِحَّتِهِ عَنْ الْفَرْضِ بَلْ يَقَعُ نَفْلًا ط. قُلْت: لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ شَرْحِ اللُّبَابِ عَنْ شَمْسِ الْإِسْلَامِ أَنَّ السُّلْطَانَ وَمَنْ بِمَعْنَاهُ مِنْ الْأُمَرَاءِ مُلْحَقٌ بِالْمَحْبُوسِ، فَيَجِبُ الْإِحْجَاجُ فِي مَالِهِ الْخَالِي عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ اهـ أَيْ إذَا تَحَقَّقَ عَجْزُهُ بِمَا ذُكِرَ وَدَامَ إلَى الْمَوْتِ (قَوْلُهُ وَبِشَرْطِ الْأَمْرِ بِهِ) صَرَّحَ بِهَذَا الشَّرْطِ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَفِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ) أَيْ لَا يَقَعُ مُجْزِئًا عَنْ حَجَّةِ الْأَصْلِ بَلْ يَقَعُ عَنْ النَّائِبِ، فَلَهُ جَعْلُ ثَوَابِهِ لِلْأَصْلِ، وَسَيَأْتِي تَوْضِيحُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا حَجَّ أَوْ أَحَجَّ الْوَارِثُ) أَيْ فَيُجْزِئُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَاللُّبَابِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُوصِ الْمُوَرِّثُ، أَمَّا لَوْ أَوْصَى بِالْإِحْجَاجِ عَنْهُ فَلَا يَجْزِيهِ تَبَرُّعُ غَيْرِهِ عَنْهُ كَمَا يَأْتِي فِي الْمَتْنِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْوَارِثِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ يُخَالِفُهُ وَإِلَّا لَزِمَ إلْغَاءُ هَذَا الشَّرْطِ مِنْ أَصْلِهِ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُ فِي اللُّبَابِ ذَكَرَ هَذَا الشَّرْطَ وَعَمَّمَ شَارِحُهُ الْوَارِثَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ. وَعِبَارَةُ اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ هَكَذَا (الرَّابِعُ الْأَمْرُ) أَيْ بِالْحَجِّ (فَلَا يَجُوزُ حَجُّ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ إنْ أَوْصَى بِهِ) أَيْ بِالْحَجِّ عَنْهُ فَإِنَّهُ إنْ أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَتَطَوَّعَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ وَارِثٌ لَمْ يَجُزْ (وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ) أَيْ بِالْإِحْجَاجِ (فَتَبَرَّعَ عَنْهُ الْوَارِثُ) وَكَذَا مَنْ هُمْ أَهْلُ التَّبَرُّعِ (فَحَجَّ) أَيْ الْوَارِثُ وَنَحْوُهُ (بِنَفْسِهِ) أَيْ عَنْهُ (أَوْ أَحَجَّ عَنْهُ غَيْرَهُ جَازَ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 599 لِوُجُودِ الْأَمْرِ دَلَالَةً وَبَقِيَ مِنْ الشَّرَائِطِ النَّفَقَةُ مِنْ مَالِ الْآمِرِ كُلُّهَا أَوْ أَكْثَرُهَا وَحَجُّ الْمَأْمُورِ بِنَفْسِهِ وَتَعَيُّنُهُ إنْ عَيَّنَهُ، فَلَوْ قَالَ: يَحُجُّ عَنِّي فُلَانٌ لَا غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ حَجُّ غَيْرِهِ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ لَا غَيْرُهُ جَازَ، وَأَوْصَلَهَا فِي اللُّبَابِ إلَى عِشْرِينَ شَرْطًا مِنْهَا عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْأُجْرَةِ، فَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا، بِأَنْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُك عَلَى أَنْ تَحُجَّ عَنِّي بِكَذَا   [رد المحتار] وَالْمَعْنَى جَازَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا قَالَهُ فِي الْكَبِيرِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا سَبَقَ يُحْكَمُ بِجَوَازِهِ أَلْبَتَّةَ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِالْمَشِيئَةِ. فَفِي مَنَاسِكِ السُّرُوجِيِّ: لَوْ مَاتَ رَجُلٌ بَعْدَ وُجُوبِ الْحَجِّ وَلَمْ يُوصِ بِهِ فَحَجَّ رَجُلٌ عَنْهُ أَوْ حَجَّ عَنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجْزِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبَعْدَ الْوَصِيَّةِ يَجْزِيهِ مِنْ غَيْرِ الْمَشِيئَةِ اهـ ثُمَّ أَعَادَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ الْمَسْأَلَةَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ وَقَالَ: فَلَوْ حَجَّ عَنْهُ الْوَارِثُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ يَجْزِيهِ وَتَسْقُطُ عَنْهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ إيصَالٌ لِلثَّوَابِ، وَهُوَ لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْكَرْمَانِيُّ وَالسَّرُوجِيُّ اهـ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ. فَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي هَذَا الشَّرْطِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ، وَذِكْرَ الْوَارِثِ غَيْرُ قَيْدٍ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الْأَمْرِ دَلَالَةً) لِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ الْمُوَرِّثِ فِي مَالِهِ فَكَأَنَّهُ صَارَ مَأْمُورًا بِأَدَاءِ مَا عَلَيْهِ؛ أَوْ لِأَنَّ الْمَيِّتَ يَأْذَنُ بِذَلِكَ لِكُلِّ أَحَدٍ، بِنَاءً عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْوَارِثَ غَيْرُ قَيْدٍ، وَعَلَّلَ فِي الْبَدَائِعِ بِالنَّصِّ أَيْضًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ حَدِيثَ الْخَثْعَمِيَّةِ (قَوْلُهُ النَّفَقَةُ مِنْ مَالِ الْآمِرِ إلَخْ) أَيْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، وَمُحْتَرَزُهُ قَوْلُهُ الْآتِي: وَلَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إلَخْ وَيَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَحَجَّ الْمَأْمُورُ بِنَفْسِهِ) فَلَيْسَ لَهُ إحْجَاجُ غَيْرِهِ عَنْ الْمَيِّتِ وَإِنْ مَرِضَ مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِذَلِكَ كَمَا يَأْتِي مَتْنًا (قَوْلُهُ وَتَعَيُّنُهُ إنْ عَيَّنَهُ) هَذَا يُغْنِي عَنْ الشَّرْطِ الَّذِي قَبْلَهُ تَأَمَّلْ؛ وَالْمُرَادُ بِتَعْيِينِهِ مَنْعُ حَجِّ غَيْرِهِ عَنْهُ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ حَجُّ غَيْرِهِ) أَيْ وَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ الْمَذْكُورُ لِأَنَّ الْمُوصِيَ صَرَّحَ بِمَنْعِ حَجِّ غَيْرِهِ عَنْهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ لَا غَيْرُهُ) جَازَ قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمَنْعِ بِأَنْ قَالَ يَحُجُّ عَنِّي فُلَانٌ فَمَاتَ فُلَانٌ وَأَحْجُوا عَنْهُ غَيْرَهُ جَازَ. مَطْلَبٌ شُرُوطُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ عِشْرُونَ (قَوْلُهُ وَأَوْصَلَهَا فِي اللُّبَابِ إلَى عِشْرِينَ شَرْطًا) تَقَدَّمَ مِنْهَا سِتَّةٌ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ السَّابِعَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَالثَّامِنُ وُجُوبُ الْحَجِّ، فَلَوْ أَحَجَّ الْفَقِيرُ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَجُّ عَنْ الْفَرْضِ لَمْ يَجُزْ حَجُّ غَيْرِهِ عَنْهُ وَإِنْ وَجَبَ بَعْدَ ذَلِكَ. التَّاسِعُ وُجُودُ الْعُذْرِ قَبْلَ الْإِحْجَاجِ، فَلَوْ أَحَجَّ صَحِيحٌ ثُمَّ عَجَزَ لَا يَجْزِيهِ. الْعَاشِرُ أَنْ يَحُجَّ رَاكِبًا، فَلَوْ حَجَّ مَاشِيًا وَلَوْ بِأَمْرِهِ ضَمِنَ النَّفَقَةَ، وَالْمُعْتَبَرُ رُكُوبُ أَكْثَرِ الطَّرِيقِ إلَّا إنْ ضَاقَتْ النَّفَقَةُ فَحَجَّ مَاشِيًا جَازَ. الْحَادِيَ عَشَرَ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ وَطَنِهِ إنْ اتَّسَعَ الثُّلُثُ وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. الثَّانِيَ عَشَرَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ، فَلَوْ اعْتَمَرَ وَقَدْ أَمَرَهُ بِالْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ لَا يَجُوزُ وَيَضْمَنُ. وَبَحَثَ فِيهِ شَارِحُهُ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَيَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ. قُلْت: قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى قُبَيْلَ بَابِ الْإِحْرَامِ فَرَاجِعْهُ. الثَّالِثَ عَشَرَ أَنْ لَا يُفْسِدَ حَجَّهُ، فَلَوْ أَفْسَدَهُ لَمْ يَقَعْ عَنْ الْآمِرِ وَإِنْ قَضَاهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ. الرَّابِعَ عَشَرَ عَدَمُ الْمُخَالَفَةِ، فَلَوْ أَمَرَهُ بِالْإِفْرَادِ فَقَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ وَلَوْ لِلْمَيِّتِ لَمْ يَقَعْ عَنْهُ وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْعُمْرَةِ فَاعْتَمَرَ ثُمَّ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ بِالْحَجِّ فَحَجَّ ثُمَّ اعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ جَازَ إلَّا أَنَّ نَفَقَةَ إقَامَتِهِ لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ عَنْ نَفْسِهِ فِي مَالِهِ، وَإِذَا فَرَغَ عَادَتْ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ عَكَسَ لَمْ يَجُزْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 600 لَمْ يَجُزْ حَجُّهُ، وَإِنَّمَا يَقُولُ أَمَرْتُك أَنْ تَحُجَّ عَنِّي بِلَا ذِكْرِ إجَارَةٍ.   [رد المحتار] الْخَامِسَ عَشَرَ: أَنْ يُحْرِمَ بِحَجَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَوْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ عَنْ الْآمِرِ ثُمَّ بِأُخْرَى عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا إنْ رَفَضَ الثَّانِيَةَ. السَّادِسَ عَشَرَ: أَنْ يُفْرِدَ الْإِهْلَالَ لِوَاحِدٍ لَوْ أَمَرَهُ رَجُلَانِ بِالْحَجِّ، فَلَوْ أَهَلَّ عَنْهُمَا ضَمِنَ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. السَّابِعَ عَشَرَ وَالثَّامِنَ عَشَرَ: إسْلَامُ الْآمِرِ وَالْمَأْمُورِ وَعَقْلُهُمَا كَمَا سَيَأْتِي، فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ وَلَا مِنْ الْمَجْنُونِ لِغَيْرِهِ وَلَا عَكْسُهُ، لَكِنْ لَوْ وَجَبَ الْحَجُّ عَلَى الْمَجْنُونِ قَبْلَ طُرُوُّ جُنُونِهِ صَحَّ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ. التَّاسِعَ عَشَرَ: تَمْيِيزُ الْمَأْمُورِ، فَلَا يَصِحُّ إحْجَاجُ صَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ وَيَصِحُّ إحْجَاجُ الْمُرَاهِقِ كَمَا سَيَأْتِي. الْعِشْرُونَ: عَدَمُ الْفَوَاتِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَهَذِهِ الشَّرَائِطُ كُلُّهَا فِي الْحَجِّ الْفَرْضِ، وَأَمَّا النَّفَلُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْهَا: إلَّا الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالتَّمْيِيزُ، وَكَذَا الِاسْتِئْجَارُ، وَلَمْ نَجِدْهُ صَرِيحًا فِي النَّفْلِ وَجَزَمَ بِهِ شَارِحُهُ، لَكِنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لَا يَقَعُ عَنْ الْمَيِّتِ، وَفِيهِ مَا نَذْكُرُهُ بُعَيْدَهُ. مَطْلَبٌ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْحَجِّ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ حَجُّهُ عَنْهُ) كَذَا فِي اللُّبَابِ، لَكِنْ قَالَ شَارِحُهُ: وَفِي الْكِفَايَةِ: يَقَعُ الْحَجُّ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ وَبِهِ كَانَ يَقُولُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اهـ. وَصَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ الْجَوَازُ، لَكِنَّهُ قَالَ أَيْضًا: وَلِلْأَجِيرِ أَجْرُ مِثْلِهِ. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي [فَتْحِ الْقَدِيرِ] بِمَا قَالُوا مِنْ أَنَّ مَا يُنْفِقُهُ الْمَأْمُورُ إنَّمَا هُوَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِلْكَهُ لَكَانَ بِالِاسْتِئْجَارِ، وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الطَّاعَاتِ، فَالْعِبَارَةُ الْمُحَرَّرَةُ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَلَهُ نَفَقَةُ مِثْلِهِ. وَزَادَ إيضَاحَهَا فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ: هَذِهِ النَّفَقَةُ لَيْسَ يَسْتَحِقُّهَا بِطَرِيقِ الْعِوَضِ بَلْ بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ لِأَنَّهُ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِعَمَلٍ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْتَأْجَرُ. هَذَا، وَإِنَّمَا جَازَ الْحَجُّ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ بَقِيَ الْأَمْرُ بِالْحَجِّ فَتَكُونُ لَهُ نَفَقَةُ مِثْلِهِ. اهـ. قُلْت: وَعِبَارَةُ كَافِي الْحَاكِمِ. عَلَى مَا نَقَلَهُ الرَّحْمَتِيُّ: رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَحُجَّ عَنْهُ قَالَ: لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ، وَلَهُ نَفَقَةُ مِثْلِهِ. وَتَجُوزُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ عَنْ الْمَسْجُونِ إذَا مَاتَ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ. اهـ. وَمِثْلُهُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ: لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْحَجِّ، فَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَجْرَ فَحَجَّ يَجُوزُ عَنْ الْمَيِّتِ وَلَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِقْدَارُ نَفَقَةِ الطَّرِيقِ وَيُرَدُّ الْفَضْلُ عَلَى الْوَرَثَةِ إلَّا إذَا تَبَرَّعَ بِهِ الْوَرَثَةُ أَوْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِأَنَّ الْفَضْلَ لِلْحَاجِّ اهـ مُلَخَّصًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ لَمْ يَجُزْ حَجُّهُ عَنْهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَنَّ قَوْلَ الْخَانِيَّةِ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ مَعَ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ كَالِاسْتِئْجَارِ عَلَى بَقِيَّةِ الطَّاعَاتِ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ نَفَقَةُ الْمِثْلِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْكَافِي، وَإِنَّمَا سَمَّاهَا أَجْرًا مَجَازًا، وَهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا قِيلَ إنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الطَّاعَاتِ، لِمَا عَلِمْته مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ يُطْلِقُوا ذَلِكَ، بَلْ أَفْتَوْا بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التَّعْلِيمِ وَالْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ لِلضَّرُورَةِ لَا عَلَى جَمِيعِ الطَّاعَاتِ كَمَا أَوْضَحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مِنَحِهِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ، وَإِلَّا لَزِمَ الْجَوَازُ عَلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَلَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ، وَلَا ضَرُورَةَ لِلِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْحَجِّ لِإِمْكَانِ دَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ لِيُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ كَمَا عَلِمْتَ التَّصْرِيحَ بِهِ عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَالْمُتُونُ الْمُصَرَّحُ فِيهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 601 وَلَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ خَلَطَ النَّفَقَةَ بِمَالِهِ وَحَجَّ وَأَنْفَقَ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ جَازَ وَبَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ (وَشَرْطُ الْعَجْزِ) الْمَذْكُورِ (لِلْحَجِّ الْفَرْضِ لَا النَّفْلِ) لِاتِّسَاعِ بَابِهِ. (وَيَقَعُ الْحَجُّ) الْمَفْرُوضُ (عَنْ الْآمِرِ عَلَى الظَّاهِرِ) مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ عَنْ الْمَأْمُورِ نَفْلًا، وَلِلْآمِرِ ثَوَابُ   [رد المحتار] بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التَّعْلِيمِ وَنَحْوِهِ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا جَوَازُهُ عَلَى الْحَجِّ، بَلْ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي عَامَّةِ مُتُونِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْحَجِّ كَالْكَنْزِ وَالْوِقَايَةِ وَالْمَجْمَعِ وَالْمُخْتَارِ وَمَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرِهَا، بَلْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ [بُلُوغِ الْإِرَبِ] إنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْ مَشَايِخِنَا جَوَازَ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْحَجِّ. اهـ. قُلْت: وَلَوْ قِيلَ بِجَوَازِهِ لَزِمَ عَلَيْهِ هَدْمُ فُرُوعٍ كَثِيرَةٍ: مِنْهَا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَأْمُورَ يُنْفِقُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ الْفَضْلِ، وَاشْتِرَاطُ الْإِنْفَاقِ بِقَدْرِ مَالِ الْآمِرِ أَوْ أَكْثَرِهِ، وَأَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ دَفَعَ الْمَالَ لِوَارِثٍ لِيَحُجَّ بِهِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَهُمْ كِبَارٌ لِأَنَّهُ كَالتَّبَرُّعِ بِالْمَالِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْوَارِثِ بِلَا إجَازَةِ الْبَاقِينَ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَلَوْ كَانَ بِطَرِيقِ الِاسْتِئْجَارِ لَمْ يَصِحَّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْفُرُوعِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي رِسَالَتِنَا [شِفَاءُ الْعَلِيلِ] فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِنْ أَنْفَقَ الْأَكْثَرَ أَوْ الْكُلَّ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَفِي الْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَفَاءٌ بِحَجِّهِ رَجَعَ بِهِ فِيهِ، إذْ قَدْ يُبْتَلَى بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِبَغْتَةِ الْحَاجَةِ وَلَا يَكُونُ الْمَالُ حَاضِرًا فَجُوِّزَ ذَلِكَ كَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ يَشْتَرِي لِلْيَتِيمِ وَالْمُوَكِّلِ، وَيُعْطِي الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَيَرْجِعُ بِهِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَالْمُوَكِّلِ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ اشْتِرَاطَهُمْ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ مِنْ مَالِ الْآمِرِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ التَّبَرُّعِ لَا مُطْلَقًا. اهـ. وَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: إذَا خَلَطَ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ النَّفَقَةَ بِمَالِ نَفْسِهِ قَالَ فِي الْكِتَابِ يَضْمَنُ، فَإِنْ حَجَّ وَأَنْفَقَ جَازَ وَبَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ. اهـ. إذَا عَرَفْت هَذَا فَقَوْلُهُ وَأَنْفَقَ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ الضَّمِيرَانِ لِمَالِ الْآمِرِ، وَفِيهِ مُضَافٌ مُقَدَّرٌ أَيْ مِقْدَارُ كُلِّهِ أَوْ مِقْدَارُ أَكْثَرِهِ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَالْمَعْنَى وَلَوْ أَنْفَقَ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَحَجَّ وَأَنْفَقَ مِقْدَارَ كُلِّ مَالِ الْآمِرِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ أَوْ مِقْدَارَ أَكْثَرِهِ جَازَ، وَكَذَا إذَا خَلَطَ النَّفَقَةَ بِمَالِهِ وَحَجَّ وَأَنْفَقَ إلَخْ أَفَادَهُ ح وَقَوْلُهُ وَبَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ أَيْ الْحَاصِلِ بِسَبَبِ الْخَلْطِ عَلَى مَا عَلِمْته، وَهَذَا لَوْ بِلَا إذْنِ الْآمِرِ بَلْ نَقَلَ السَّائِحَانِيُّ عَنْ الذَّخِيرَةِ لَهُ الْخَلْطُ بِدَرَاهِمِ الرُّفْقَةِ أُمِرَ بِهِ أَوْ لَا لِلْعُرْفِ. [تَنْبِيهٌ] سَنَذْكُرُ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِأَلْفٍ مِنْ مَالِهِ فَأَحَجَّ الْوَصِيُّ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِاللَّفْظِ فَيُعْتَبَرُ لَفْظُ الْمُوصِي وَهُوَ أَضَافَ الْمَالَ إلَى نَفْسِهِ فَلَا يُبَدَّلُ اهـ بَحْرٌ. قُلْت: وَعَلَى هَذَا إذَا أَضَافَ الْمَالَ إلَى نَفْسِهِ فَلَيْسَ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يُبْدِلَهُ بِمَالِهِ كَالْوَصِيِّ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَأْمُورَ قَدْ يُضْطَرُّ إلَى ذَلِكَ عَلَى مَا مَرَّ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَشَرْطُ الْعَجْزِ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ اللُّبَابِ أَنَّ الشُّرُوطَ كُلَّهَا شُرُوطٌ لِلْحَجِّ الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِي النَّفْلِ شَيْءٌ مِنْهَا إلَّا الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالتَّمْيِيزُ، وَكَذَا عَدَمُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ لِاتِّسَاعِ بَابِهِ) أَيْ أَنَّهُ يُتَسَامَحُ فِي النَّفْلِ مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي الْفَرْضِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: أَمَّا الْحَجُّ النَّفَلُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَجْزُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ مِنْ الْمَشَقَّتَيْنِ أَيْ مَشَقَّةِ الْبَدَنِ وَمَشَقَّةِ الْمَالِ، فَإِذَا كَانَ لَهُ تَرْكُهُمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَحَمَّلَ إحْدَاهُمَا تَقَرُّبًا إلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَهُ الِاسْتِنَابَةُ فِيهِ صَحِيحًا. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ الْمَذْهَبِ) كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ بَحْرٌ، وَيَشْهَدُ بِذَلِكَ الْآثَارُ مِنْ السُّنَّةِ وَبَعْضُ الْفُرُوعِ مِنْ الْمَذْهَبِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ عَنْ الْمَأْمُورِ نَفْلًا إلَخْ) ذَهَبَ إلَيْهِ عَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا فِي الْكَشْفِ، قَالُوا: وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ اخْتِلَافٌ لَا ثَمَرَةَ لَهُ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا أَنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ عَنْ الْآمِرِ لَا عَنْ الْمَأْمُورِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَهُ عَنْ الْآمِرِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 602 النَّفَقَةِ كَالنَّفْلِ (لَكِنَّهُ يُشْتَرَطُ) لِصِحَّةِ النِّيَابَةِ (أَهْلِيَّةُ الْمَأْمُورِ لِصِحَّةِ الْأَفْعَالِ) ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَجَازَ حَجُّ الصَّرُورَةِ) بِمُهْمَلَةٍ: مَنْ لَمْ يَحُجَّ (وَالْمَرْأَةُ) وَلَوْ أَمَةً (وَالْعَبْدُ وَغَيْرُهُ) كَالْمُرَاهِقِ وَغَيْرُهُمْ أَوْلَى لِعَدَمِ الْخِلَافِ (وَلَوْ أَمَرَ ذِمِّيًّا) أَوْ مَجْنُونًا   [رد المحتار] قُلْت: وَعَلَى الْقَوْلِ بِوُقُوعِهِ عَنْ الْآمِرِ لَا يَخْلُو الْمَأْمُورُ مِنْ الثَّوَابِ، بَلْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ عَنْ مَنَاسِكِ الْقَاضِي حَجُّ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ أَفْضَلُ مِنْ حَجِّهِ عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ أَدَّى فَرْضَ الْحَجِّ لِأَنَّ نَفْعَهُ مُتَعَدٍّ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْقَاصِرِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَالنَّفْلِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ النَّفَلَ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ اتِّفَاقًا، وَلِلْآمِرِ ثَوَابُ النَّفَقَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي اللُّبَابِ. وَرَدَّهُ الْأَتْقَانِيُّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ خِلَافُ الرِّوَايَةِ لِمَا قَالَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي: الْحَجُّ التَّطَوُّعُ عَنْ الصَّحِيحِ جَائِزٌ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْأَصْلِ يَكُونُ الْحَجُّ عَنْ الْمُحِجِّ اهـ. (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يُشْتَرَطُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ، فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ صِحَّتُهُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْأَهْلِ ط أَيْ كَمَا تَصِحُّ إنَابَةُ ذِمِّيٍّ فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ لِصِحَّةِ الْأَفْعَالِ) عَبَّرَ بِالصِّحَّةِ دُونَ الْوُجُوبِ لِيَعُمَّ الْمُرَاهِقَ فَإِنَّهُ أَهْلٌ لِلصِّحَّةِ دُونَ الْوُجُوبِ ط (قَوْلُهُ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْأَهْلِيَّةُ دُونَ اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَدُونَ اشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ (قَوْلُهُ بِمُهْمَلَةٍ) أَيْ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَبِتَخْفِيفِ الرَّاءِ. مَطْلَبٌ فِي حَجِّ الصَّرُورَةِ (قَوْلُهُ مَنْ لَمْ يَحُجَّ) كَذَا فِي الْقَامُوسِ. وَفِي الْفَتْحِ: وَالصَّرُورَةُ يُرَادُ بِهِ الَّذِي لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ. اهـ. أَيْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ هَذَا الَّذِي فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ ذِكْرُهُ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَنْ لَمْ يَحُجَّ أَصْلًا وَمَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ عَنْ نَفْسِهِ نَفْلًا أَوْ نَذْرًا أَوْ فَرْضًا فَاسِدًا أَوْ صَحِيحًا ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَهُ كَمَا أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُمْ أَوْلَى لِعَدَمِ الْخِلَافِ) أَيْ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُجَوِّزُ حَجَّهُمْ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ ح. وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْلِيلَ يُفِيدُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ الْخِلَافِ مُسْتَحَبَّةٌ فَافْهَمْ. وَعَلَّلَ فِي الْفَتْحِ الْكَرَاهَةَ فِي الْمَرْأَةِ بِمَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ حَجَّهَا أَنْقَصُ؛ إذْ لَا رَمَلَ عَلَيْهَا، وَلَا سَعْيَ فِي بَطْنِ الْوَادِي، وَلَا رَفْعَ صَوْتٍ بِالتَّلْبِيَةِ، وَلَا حَلْقَ. وَفِي الْعَبْدِ بِمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِأَدَاءِ الْفَرْضِ عَنْ نَفْسِهِ؛ وَأَطْلَقَ فِي صِحَّةِ إحْجَاجِ الْعَبْدِ، فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمِعْرَاجِ فَافْهَمْ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ خُرُوجًا عَنْ الْخِلَافِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْأَفْضَلُ إحْجَاجُ الْحُرِّ الْعَالِمِ بِالْمَنَاسِكِ الَّذِي حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ كَرَاهَةَ إحْجَاجِ الصَّرُورَةِ لِأَنَّهُ تَارِكٌ فَرْضَ الْحَجِّ. ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ مَا أَطَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ: وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ حَجَّ الصَّرُورَةِ عَنْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ بِمِلْكِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَالصِّحَّةِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لِأَنَّهُ يَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ، وَكَذَا لَوْ تَنَفَّلَ لِنَفْسِهِ وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ لِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لَعَيْنِ الْحَجِّ الْمَفْعُولِ بَلْ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْفَوَاتُ، إذْ الْمَوْتُ فِي سَنَةٍ غَيْرُ نَادِرٍ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَقُّ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ عَلَى الْآمِرِ لِقَوْلِهِمْ وَالْأَفْضَلُ إلَخْ تَحْرِيمِيَّةٌ عَلَى الصَّرُورَةِ الْمَأْمُورِ الَّذِي اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْحَجِّ وَلَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَثِمَ بِالتَّأْخِيرِ اهـ. قُلْت: وَهَذَا لَا يُنَافِي كَلَامَ الْفَتْحِ لِأَنَّهُ فِي الْمَأْمُورِ، وَيُحْمَلُ كَلَامُ الشَّارِحِ عَلَى الْآمِرِ، فَيُوَافِقُ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي حَقّه تَنْزِيهِيَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ فِي حَقِّ الْمَأْمُورِ تَحْرِيمِيَّةً. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي نَهِجْ النَّجَاةِ لِابْنِ حَمْزَةَ النَّقِيبِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ كَلَامَ الْبَحْرِ الْمَارِّ: أَقُولُ: وَظَاهِرُهُ يُفِيدُ أَنَّ الصَّرُورَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 603 (لَا) يَصِحُّ (وَإِذَا مَرِضَ الْمَأْمُورُ) بِالْحَجِّ (فِي الطَّرِيقِ لَيْسَ لَهُ دَفْعُ الْمَالِ إلَى غَيْرِهِ لِيَحُجَّ) ذَلِكَ الْغَيْرُ (عَنْ الْمَيِّتِ إلَّا إذَا) أُذِنَ لَهُ بِذَلِكَ، بِأَنْ (قِيلَ لَهُ وَقْتَ الدَّفْعِ اصْنَعْ مَا شِئْت فَيَجُوزُ لَهُ) ذَلِكَ (مَرِضَ أَوْ لَا) لِأَنَّهُ صَارَ وَكِيلًا مُطْلَقًا (خَرَجَ) الْمُكَلَّفُ (إلَى الْحَجِّ وَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى بِالْحَجِّ عَنْهُ) إنَّمَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِهِ إذَا أَخَّرَهُ بَعْدَ وُجُوبِهِ، أَمَّا لَوْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَا (فَإِنْ فُسِّرَ الْمَالُ) أَوْ الْمَكَانُ.   [رد المحتار] الْفَقِيرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِدُخُولِ مَكَّةَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْبَدَائِعِ بِإِطْلَاقِهِ الْكَرَاهَةَ أَيْ فِي قَوْلِهِ: يُكْرَهُ إحْجَاجُ الصَّرُورَةِ لِأَنَّهُ تَارِكٌ فَرْضَ الْحَجِّ يُفِيدُ أَنَّهُ يَصِيرُ بِدُخُولِ مَكَّةَ قَادِرًا عَلَى الْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ وَقْتُهُ مَشْغُولًا بِالْحَجِّ عَنْ الْآمِرِ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. قُلْت: وَقَدْ أَفْتَى بِالْوُجُوبِ مُفْتِي دَارِ السَّلْطَنَةِ الْعَلَّامَةُ أَبُو السُّعُودِ، وَتَبِعَهُ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ، وَكَذَا أَفْتَى السَّيِّدُ أَحْمَدُ بَادْشَاهْ، وَأَلَّفَ فِيهِ رِسَالَةً. وَأَفْتَى سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ بِخِلَافِهِ وَأَلَّفَ فِيهِ رِسَالَةً لِأَنَّهُ فِي هَذَا الْعَامِ لَا يُمْكِنُهُ الْحَجُّ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّ سَفَرَهُ بِمَالِ الْآمِرِ فَيُحْرِمُ عَنْ الْآمِرِ وَيَحُجُّ عَنْهُ، وَفِي تَكْلِيفِهِ بِالْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ إلَى قَابِلٍ لِيَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَيَتْرُكَ عِيَالَهُ بِبَلَدِهِ حَرَجٌ عَظِيمٌ، وَكَذَا فِي تَكْلِيفِهِ بِالْعَوْدِ وَهُوَ فَقِيرٌ حَرَجٌ عَظِيمٌ أَيْضًا. وَأَمَّا مَا فِي الْبَدَائِعِ فَإِطْلَاقُهُ الْكَرَاهَةَ الْمُنْصَرِفَةَ إلَى التَّحْرِيمِ يَقْتَضِي أَنَّ كَلَامَهُ فِي الصَّرُورَةِ الَّذِي تَحَقَّقَ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ مِنْ قَابِلٍ كَمَا يُفِيدُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ، نَعَمْ قَدَّمْنَا أَوَّلَ الْحَجِّ عَنْ اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ أَنَّ الْفَقِيرَ الْآفَاقِيَّ إذَا وَصَلَ إلَى مِيقَاتٍ فَهُوَ كَالْمَكِّيِّ فِي أَنَّهُ إنْ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَلَا يَنْوِي النَّفَلَ عَلَى زَعْمِ أَنَّهُ فَقِيرٌ لِأَنَّهُ مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَهُوَ آفَاقِيٌّ، فَلَمَّا صَارَ كَالْمَكِّيِّ وَجَبَ عَلَيْهِ؛ حَتَّى لَوْ نَوَاهُ نَفْلًا لَزِمَهُ الْحَجُّ ثَانِيًا اهـ لَكِنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّرُورَةَ الْفَقِيرَ كَذَلِكَ لِأَنَّ قُدْرَتَهُ بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ كَمَا قُلْنَا وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ خَرَجَ لِيَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ فَقِيرٌ فَإِنَّهُ عِنْدَ وُصُولِهِ إلَى الْمِيقَاتِ صَارَ قَادِرًا بِقُدْرَةِ نَفْسِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ تَطَوُّعًا ابْتِدَاءً، وَلَوْ كَانَ الصَّرُورَةُ الْفَقِيرُ مِثْلَهُ لَمَا صَحَّ تَقْيِيدُ ابْنِ الْهُمَامِ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ بِمَا إذَا كَانَ حَجُّهُ عَنْ الْغَيْرِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَتَعْلِيلُهُ لِلْكَرَاهَةِ بِأَنَّهُ تُضَيِّقُ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ) أَيْ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ وَإِذَا مَرِضَ) أَيْ عَرَضَ لَهُ مَانِعٌ مِنْ ذَهَابِهِ كَمَرَضٍ وَحَبْسٍ وَشَمَلَ مَا لَوْ عَيَّنَهُ الْآمِرُ أَوْ لَا (قَوْلُهُ عَنْ الْمَيِّتِ) أَيْ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أُذِنَ لَهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ لِيُنَاسِبَ مَا بَعْدَهُ، وَيَشْمَلُ مَا لَوْ أَذِنَ لَهُ الْمَيِّتُ أَوْ وَصِيُّهُ وَلَمْ يَكُنْ عَيَّنَهُ الْمَيِّتُ بِمَنْعِ إحْجَاجِ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ خَرَجَ الْمُكَلَّفُ إلَخْ) أَمَّا إذَا لَمْ يَخْرُجْ وَأَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَأَطْلَقَ: أَيْ لَمْ يُعَيِّنْ مَالًا وَلَا مَكَانًا فَإِنَّهُ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ مِنْ بَلَدِهِ إنْ بَلَغَ الثُّلُثَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ بَلَدِهِ الَّذِي يَسْكُنُهُ وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ مِنْ مَكَان بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ كَمَا فِي اللُّبَابِ. قَالَ شَارِحُهُ: وَلَعَلَّ الْمَكَانَ مُقَيَّدٌ بِمَا قَبْلَ الْمَوَاقِيتِ وَإِلَّا فَبِأَدْنَى شَيْءٍ يُمْكِنُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ مَكَّةَ، وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِمَالٍ وَسَمَّى مَبْلَغَهُ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ يَبْلُغُ مِنْ بَلَدِهِ فَمِنْهَا وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ. اهـ. وَاحْتُرِزَ بِالْمُكَلَّفِ عَنْ غَيْرِهِ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَإِنَّ وَصِيَّتَهُ لَا تُعْتَبَرُ. وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ إلَى الْحَجِّ عَمَّا لَوْ خَرَجَ لِلتِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا وَأَوْصَى فَإِنَّهُ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ وَطَنِهِ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ، وَقُيِّدَ بِخُرُوجِهِ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ وَمَاتَ الْمَأْمُورُ فِي الطَّرِيقِ فَسَيَذْكُرُ تَفْصِيلَهُ بَعْدُ (قَوْلُهُ وَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ) أَرَادَ بِهِ مَوْتَهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَلَوْ كَانَ بِمَكَّةَ بَحْرٌ. وَفِي التَّجْنِيسِ: إذَا مَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَجْزَأَ عَنْ الْمَيِّتِ لِأَنَّ الْحَجَّ عَرَفَةُ بِالنَّصِّ وَقَدَّمْنَا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى فَرْضِ الْحَجِّ أَنَّ الْحَاجَّ عَنْ نَفْسِهِ إذَا أَوْصَى بِإِتْمَامِ الْحَجِّ تَجِبُ بَدَنَةٌ (قَوْلُهُ إنَّمَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِهِ إلَخْ) كَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 604 (فَالْأَمْرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا فَسَّرَهُ (وَإِلَّا فَيَحُجُّ) عَنْهُ (مِنْ بَلَدِهِ) قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا فَلْيُحْفَظْ، فَلَوْ أَحَجَّ الْوَصِيُّ عَنْهُ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ (إنْ وَفَّى بِهِ) أَيْ بِالْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ (ثُلُثُهُ) وَإِنْ لَمْ يَفِ فَمِنْ حَيْثُ يُبَلِّغُ اسْتِحْسَانًا، وَلِوَصِيِّ الْمَيِّتِ وَوَارِثِهِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَالَ مِنْ الْمَأْمُورِ مَا لَمْ يُحْرِمْ، ثُمَّ إنْ رَدَّهُ لِخِيَانَةٍ مِنْهُ فَنَفَقَةُ الرُّجُوعِ فِي مَالِهِ وَإِلَّا فَفِي مَالِ الْمَيِّتِ   [رد المحتار] فِي التَّجْنِيسِ. قَالَ الْكَمَالُ: وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ فَالْأَمْرُ عَلَيْهِ) أَيْ الشَّأْنُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فَسَّرَهُ أَيْ عَيَّنَهُ، فَإِنْ فَسَّرَ الْمَالَ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ، وَإِنْ فَسَّرَ الْمَكَانَ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْهُ ح. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِمَا يُبْلِغُ مِنْ بَلَدِهِ إنْ كَانَ فِي الثُّلُثِ سَعَةٌ، فَلَوْ أَوْصَى بِمَا دُونَ ذَلِكَ أَوْ عَيَّنَ مَكَانًا دُونَ بَلَدِهِ يَأْثَمُ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ بَلَدٍ يَسْكُنُهُ (قَوْلُهُ مِنْ بَلَدِهِ) فَلَوْ كَانَ لَهُ أَوْطَانٌ فَمِنْ أَقْرَبِهَا إلَى مَكَّةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطَنٌ فَمِنْ حَيْثُ مَاتَ؛ وَلَوْ أَوْصَى خُرَاسَانِيٌّ بِمَكَّةَ أَوْ مَكِّيٌّ بِالرَّيِّ يَحُجُّ عَنْهُمَا مِنْ وَطَنِهِمَا، وَلَوْ أَوْصَى الْمَكِّيُّ أَيْ الَّذِي مَاتَ بِالرَّيِّ أَنْ يُقْرِنَ عَنْهُ مِنْ الرَّيِّ لُبَابٌ: أَيْ لِأَنَّهُ لَا قِرَانَ لِمَنْ بِمَكَّةَ. مَطْلَبُ الْعَمَلِ عَلَى الْقِيَاسِ دُونَ الِاسْتِحْسَانِ هُنَا (قَوْلُهُ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا) الْأَوَّلُ قَوْلُ الْإِمَامِ وَالثَّانِي قَوْلُهُمَا، وَأَخَّرَ دَلِيلَهُ فِي الْهِدَايَةِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مُخْتَارٌ لَهُ، لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ بِهِ فِي عَامَّةِ الصُّوَرِ الِاسْتِحْسَانُ عِنَايَةٌ، وَقَوَّاهُ فِي الْمِعْرَاجِ، لَكِنَّ الْمُتُونَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَذَكَرَ تَصْحِيحَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا فَهُوَ مِمَّا قُدِّمَ فِيهِ الْقِيَاسُ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ فَلْيُحْفَظْ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَحَجَّ الْوَصِيُّ عَنْهُ مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ بَلَدِهِ فِيمَا إذَا وَجَبَ الْإِحْجَاجُ مِنْ بَلَدِهِ لَمْ يَصِحَّ وَيَضْمَنُ وَيَكُونُ الْحَجُّ لَهُ وَيَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ ثَانِيًا لِأَنَّهُ خَالَفَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَكَانُ قَرِيبًا مِنْ بَلَدِهِ بِحَيْثُ يَبْلُغُ إلَيْهِ وَيَرْجِعُ إلَى الْوَطَنِ قَبْلَ اللَّيْلِ كَمَا فِي اللُّبَابِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ ثُلُثُهُ) أَيْ ثُلُثُ مَالِ الْمُوصِي، فَإِنْ بَلَّغَ الثُّلُثُ الْإِحْجَاجَ رَاكِبًا فَأَحَجَّ مَاشِيًا لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ لَمْ يُبَلِّغْ إلَّا مَاشِيًا مِنْ بَلَدِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ بَلَّغَ رَاكِبًا. وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا. وَأَمَّا إنْ كَانَ الثُّلُثُ يَكْفِي لِأَكْثَرَ مِنْ حَجَّةٍ، فَإِنْ عَيَّنَ الْمَيِّتُ حَجَّةً وَاحِدَةً فَالْفَاضِلُ لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ أَطْلَقَ أَحَجَّ عَنْهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ حَجَّةً وَاحِدَةً أَوْ أَحَجَّ فِي سَنَةٍ حِجَجًا وَهُوَ الْأَفْضَلُ تَعْجِيلًا لِتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَهْلِكُ الْمَالُ، وَإِنْ عَيَّنَ الْمَيِّتُ فِي كُلِّ سَنَةٍ حَجَّةً فَهُوَ كَالْإِطْلَاقِ؛ كَمَا لَوْ أَمَرَ الْوَصِيُّ رَجُلًا بِالْحَجِّ السَّنَةَ فَأَخَّرَهُ إلَيَّ الْقَابِلَةِ جَازَ عَنْ الْمَيِّتِ وَلَا يَضْمَنُ، لِأَنَّ ذِكْرَ السَّنَةِ لِلِاسْتِعْجَالِ لَا لِلتَّقْيِيدِ بَحْرٌ. قُلْت: وَمِثْلُ الثُّلُثِ مَا لَوْ قَالَ أَحِجُّوا عَنِّي بِأَلْفٍ وَالْأَلْفُ يُبَلِّغُ حِجَجًا كَمَا فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَفِ فَمِنْ حَيْثُ يُبَلِّغُ) لَكِنْ لَوْ أَحَجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يُبَلِّغُ وَفَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ يُبَلِّغُ مِنْ مَوْضِعٍ أَبْعَدَ مِنْهُ يَضْمَنُ الْوَصِيُّ وَيَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ حَيْثُ يُبَلِّغُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْفَاضِلُ شَيْئًا يَسِيرًا مِنْ زَادٍ أَوْ كِسْوَةٍ فَلَا يَضْمَنُ شَرْحُ اللُّبَابِ، وَنَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَوَارِثُهُ) الْأَوْلَى الْعَطْفُ بِأَوْ كَمَا فَعَلَ فِي اللُّبَابِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَصِيٌّ فَلَا كَلَامَ لِلْوَارِثِ فِي الْوَصِيَّةِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ هُوَ الَّذِي دَفَعَ لِلْمَأْمُورِ ثُمَّ مَاتَ كَانَ لِلْوَارِثِ اسْتِرْدَادُ مَا فِي يَدِ الْمَأْمُورِ وَإِنْ أَحْرَمَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ: أَيْ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْوَصِيِّ لِأَنَّ الْبَاقِيَ صَارَ مِيرَاثًا لِكَوْنِ الْمَيِّتِ لَمْ يُوصِ بِهِ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُحْرِمْ) فَلَوْ أَحْرَمَ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ، وَالْمُحْرِمُ يَمْضِي فِي إحْرَامِهِ وَبَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ لَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ، وَإِنْ أَحْرَمَ حِينَ أَرَادَ الْأَخْذَ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَكُونُ إحْرَامُهُ تَطَوُّعًا عَنْ الْمَيِّتِ شَرْحُ اللُّبَابِ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) يَعْنِي بِأَنْ رَدَّهُ لِعِلَّةٍ غَيْرِ الْخِيَانَةِ كَضَعْفِ رَأْيٍ فِيهِ أَوْ جَهْلٍ بِالْمَنَاسِكِ، أَمَّا لَوْ بِلَا عِلَّةٍ أَصْلًا فَالنَّفَقَةُ فِي مَالِ الدَّافِعِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: إنْ اُسْتُرِدَّ بِخِيَانَةٍ ظَهَرَتْ مِنْهُ: أَيْ مِنْ الْمَأْمُورِ فَالنَّفَقَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 605 (أَوْصَى بِحَجٍّ فَتَطَوَّعَ عَنْهُ رَجُلٌ لَمْ يَجْزِهِ) وَإِنْ أَمَرَهُ الْمَيِّتُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ وَهُوَ ثَوَابُ الْإِنْفَاقِ، لَكِنْ لَوْ حَجَّ عَنْهُ ابْنُهُ لِيَرْجِعَ فِي التَّرِكَةِ جَازَ إنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ مَالِي، وَكَذَا لَوْ أَحَجَّ لَا لِيَرْجِعَ كَالدَّيْنِ إذَا قَضَاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ   [رد المحتار] فِي مَالِهِ خَاصَّةً، وَإِنْ اُسْتُرِدَّ لَا بِخِيَانَةٍ وَلَا تُهْمَةٍ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْوَصِيِّ فِي مَالِهِ خَاصَّةً، وَإِنْ اُسْتُرِدَّ لِضَعْفِ رَأْيٍ فِيهِ أَوْ لِجَهْلِهِ بِأُمُورِ الْمَنَاسِكِ فَأَرَادَ الدَّفْعَ إلَى أَصْلَحَ مِنْهُ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ اُسْتُرِدَّ لِمَنْفَعَةِ الْمَيِّتِ اهـ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ أَوْصَى بِحَجِّ إلَخْ) قَيَّدَ بِالْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَمْ يُوصِ فَتَبَرَّعَ عَنْهُ الْوَارِثُ بِالْحَجِّ أَوْ الْإِحْجَاجِ يَصِحُّ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ: أَيْ يَصِحُّ عَنْ الْمَيِّتِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَنَقَلَ ط عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ عَلَى الْقَبُولِ لَا عَلَى الْجَوَازِ، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا عَنْ شَرْحِ اللُّبَابِ أَنَّ الْوَارِثَ غَيْرُ قَيْدٍ، فَإِذَا لَمْ يُوصِ يُجْزِئُهُ تَبَرُّعُ الْوَارِثِ وَالْأَجْنَبِيِّ عَنْهُ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَتَطَوَّعَ عَنْهُ رَجُلٌ) أَطْلَقَ الرَّجُلَ الْمُتَطَوِّعَ فَشَمَلَ الْوَارِثَ، وَبِهِ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ بِقَوْلِهِ الْمَيِّتُ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِمَالِهِ فَتَبَرَّعَ عَنْهُ الْوَارِثُ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ لَا يَجُوزُ. اهـ. قُلْت: يَعْنِي لَا يَجُوزُ عَنْ فَرْضِ الْمَيِّتِ وَإِلَّا فَلَهُ ثَوَابُ ذَلِكَ الْحَجِّ ح عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لَمْ يَجْزِهِ مِنْ الْإِجْزَاءِ، لَكِنْ سَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّوَابَ إنَّمَا يَحْصُلُ لِلْمَيِّتِ إذَا جَعَلَهُ لَهُ الْحَاجُّ بَعْدَ الْأَدَاءِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَمَرَهُ الْمَيِّتُ) أَيْ أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا أَوْصَى بِالْإِحْجَاجِ عَنْهُ وَأَمَرَ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ زَيْدٌ فَحَجَّ عَنْهُ زَيْدٌ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَمْ يَجْزِ عَنْ الْمَيِّتِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَكِنْ لَوْ حَجَّ عَنْهُ ابْنُهُ) أَيْ مَثَلًا وَإِلَّا فَكَذَا حُكْمُ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ شَرْحُ اللُّبَابِ: قُلْت: بَلْ الْوَصِيُّ كَذَلِكَ كَمَا يُفِيدُهُ مَا يَأْتِي قَرِيبًا عَنْ عُمْدَةِ الْفَتَاوَى. ثُمَّ إنَّ هَذَا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى إطْلَاقِ الرَّجُلِ فِي قَوْلِهِ فَتَطَوَّعَ عَنْهُ رَجُلٌ بِأَنَّ الْوَارِثَ أَوْ الْوَصِيَّ يُخَالِفُ الْأَجْنَبِيَّ فِي أَنَّهُ لَوْ تَطَوَّعَ مِنْ وَجْهٍ بِأَنْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ فِي التَّرِكَةِ جَازَ؛ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةٌ عَنْ الْمَيِّتِ، وَلِذَا لَوْ قَضَى الدَّيْنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ جَازَ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ حَجَّ عَلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنْ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ الْمَيِّتِ وَهُوَ ثَوَابُ الْإِنْفَاقِ. اهـ. قُلْت: وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْوَارِثَ لَيْسَ لَهُ الْحَجُّ بِمَالِ الْمَيِّتِ إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ وَهُمْ كِبَارٌ، لِأَنَّ هَذَا مِثْلُ التَّبَرُّعِ بِالْمَالِ فَالظَّاهِرُ تَقْيِيدُ حَجِّ الْوَارِثِ هُنَا بِذَلِكَ أَيْضًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ مَالِي) فِي الْبَحْرِ عَنْ آخِرِ عُمْدَةِ الْفَتَاوَى لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ: لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِأَلْفٍ مِنْ مَالِهِ فَأَحَجَّ الْوَصِيُّ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِاللَّفْظِ فَيُعْتَبَرُ لَفْظُ الْمُوصِي وَهُوَ أَضَافَ الْمَالَ إلَى نَفْسِهِ فَلَا يُبَدَّلُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ أَحَجَّ لَا لِيَرْجِعَ) أَيْ أَنَّهُ يَجُوزُ. وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَحَجَّ لِيَرْجِعَ أَنَّهُ يَجُوزُ بِالْأَوْلَى، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: إذَا أَوْصَى الرَّجُلُ بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَأَحَجَّ الْوَارِثُ رَجُلًا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ جَازَ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَكَذَا الزَّكَاةُ وَالْكَفَّارَةُ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ لَا يَرْجِعُ؛ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَأَحَجَّ الْوَارِثُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ جَازَ لِلْمَيِّتِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بَعْدَ نَقْلِهِ: وَفِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى اهـ أَيْ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ إذَا كَانَ بِوَصِيَّةٍ الْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ احْتِرَازًا عَنْ التَّبَرُّعِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فَتَجْوِيزُهُ فِيمَا لَوْ أَحَجَّ مِنْ مَالِهِ لَا لِيَرْجِعَ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ. وَلِذَا لَمْ يَجُزْ فِيمَا لَوْ حَجَّ الْوَارِثُ بِنَفْسِهِ لَا لِيَرْجِعَ، وَلَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ مَقْصُودَ الْمَيِّتِ بِالْوَصِيَّةِ ثَوَابُ الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِيمَا لَوْ حَجَّ الْوَارِثُ أَوْ أَحَجَّ عَنْهُ لِيَرْجِعَ دُونَ مَا إذَا أَنْفَقَ لَا لِيَرْجِعَ فِيهِمَا. وَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَيْضًا وَالتَّفْرِقَةُ بِأَنَّهُ فِي الْإِحْجَاجِ قَامَ الْوَارِثُ مَقَامَ الْمَيِّتِ فِي دَفْعِ الْمَالِ، فَكَأَنَّ الْمَأْمُورَ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّ الْوَارِثُ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ دَفْعُ الْمَالِ، بَلْ مَا حَصَلَ مِنْهُ إلَّا مُجَرَّدُ الْأَفْعَالِ، فَلَمْ يَجُزْ مَا لَمْ يَنْوِ الرُّجُوعَ فِي مَالِهِ، غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ حَجَّهُ بِنَفْسِهِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ النَّفَقَةِ أَيْضًا فَافْهَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 606 (وَمَنْ حَجَّ عَنْ) كُلٍّ مِنْ (آمِرَيْهِ وَقَعَ عَنْهُ وَضَمِنَ مَالَهُمَا) لِأَنَّهُ خَالَفَهُمَا (وَلَا يَقْدِرُ عَلَى جَعْلِهِ عَنْ أَحَدِهِمَا) لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَيَنْبَغِي صِحَّةُ التَّعْيِينِ لَوْ أَطْلَقَ الْإِحْرَامَ. وَلَوْ أَبْهَمَهُ، فَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ جَازَ،   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَمَنْ حَجَّ) أَيْ أَهَلَّ بِحَجٍّ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا بِمُجَرَّدِ الْإِهْلَالِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الْأَعْمَالِ أَفَادَهُ ح. قُلْت: أَيْ فِي صُورَةِ الْمَتْنِ وَإِلَّا فَقَدْ لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا إلَّا بِالشُّرُوعِ كَمَا سَيَظْهَرُ لَك (قَوْلُهُ عَنْ آمِرَيْهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَا أَبَوَيْهِ أَوْ أَجْنَبِيَّيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ، فَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ شَمَلَ الْأَبَوَيْنِ وَسَيَأْتِي أَنَّ إخْرَاجَهُمَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْآتِيَ فِي الْإِحْرَامِ عَنْهُمَا بِغَيْرِ أَمْرِهِمَا، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْإِحْرَامِ عَنْ الْآمِرَيْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَقَعَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمَأْمُورِ نَفْلًا، وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بَحْرٌ وَنَهْرٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ خَالَفَهُمَا) عِلَّةٌ لِوُقُوعِهِ عَنْهُ وَلِلضَّمَانِ: أَيْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ إنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يُخْلِصَ النَّفَقَةَ لَهُ، وَقَدْ صَرَفَهَا لِحَجِّ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إيقَاعُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي صِحَّةُ التَّعْيِينِ لَوْ أَطْلَقَ) أَيْ كَمَا لَوْ قَالَ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَسَكَتَ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَإِنْ أَطْلَقَ، بِأَنْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ مُعَيِّنًا وَمُبْهِمًا، قَالَ فِي الْكَافِي لَا نَصَّ فِيهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ التَّعْيِينُ هُنَا إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ. اهـ. وَقَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ التَّعْيِينُ أَيْ تَعْيِينُ أَحَدِ آمِرَيْهِ قَبْلَ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِبْهَامِ، وَقَوْلُهُ إجْمَاعًا. قَالَ شَيْخُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ الْآتِي فِي مَسْأَلَةِ الْإِبْهَامِ لِجَرَيَانِ عِلَّتِهِ الْآتِيَةِ هُنَا أَيْضًا. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَلَوْ أَبْهَمَهُ) بِأَنْ قَالَ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ عَنْ أَحَدِ آمِرَيَّ ح (قَوْلُهُ قَبْلَ الطَّوَافِ) الْمُرَادُ بِهِ طَوَافُ الْقُدُومِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، فَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ إحْرَامَيْنِ لِحَجَّتَيْنِ ثُمَّ شَرَعَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ ارْتُفِضَتْ إحْدَاهُمَا فَإِنْ قُلْتَ: ذِكْرُ الْوُقُوفِ مُسْتَدْرَكٌ. قُلْتُ: يُمْكِنُ أَنْ لَا يَطُوفَ لِلْقُدُومِ فَيَكُونُ الْوُقُوفُ حِينَئِذٍ هُوَ الْمُعْتَبَرُ. اهـ. ح (قَوْلُهُ جَازَ) أَيْ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: بَلْ وَقَعَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ بِلَا تَوَقُّفٍ وَضَمِنَ نَفَقَتَهُمَا وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَهُ بِتَعْيِينِ الْحَجِّ لَهُ فَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْ فَقَدْ خَالَفَ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ: أَنَّ هَذَا إبْهَامٌ فِي الْإِحْرَامِ وَالْإِحْرَامُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ وَإِنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى الْأَفْعَالِ، وَالْمُبْهَمُ يَصْلُحُ وَسِيلَةً بِوَاسِطَةِ التَّعْيِينِ فَاكْتُفِيَ بِهِ شَرْطًا ح عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. قُلْت: وَالْحَاصِلُ أَنَّ صُوَرَ الْإِبْهَامِ أَرْبَعَةٌ: أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةٍ عَنْهُمَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ، أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْإِبْهَامِ، أَوْ يُهِلَّ بِحَجَّةٍ وَيُطْلِقَ، وَالرَّابِعَةُ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ أَحَدِهِمَا مُعَيِّنًا بِلَا تَعْيِينٍ لِمَا أَحْرَمَ بِهِ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ الرَّابِعَةَ لِجَوَازِهَا بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ مَبْنَى الْجَوَابِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ عَلَى أَنَّهُ إذَا وَقَعَ عَنْ نَفْسِ الْمَأْمُورِ لَا يَتَحَوَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْآمِرِ وَأَنَّهُ بَعْدَ مَا صَرَفَ نَفَقَةَ الْآمِرِ إلَى نَفْسِهِ ذَاهِبًا إلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَخَذَ النَّفَقَةَ لَهُ لَا يَنْصَرِفُ الْإِحْرَامُ إلَى نَفْسِهِ إلَّا إذَا تَحَقَّقَتْ الْمُخَالَفَةُ أَوْ عَجَزَ شَرْعًا عَنْ التَّعْيِينِ. فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى مِنْ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ تَحَقَّقَتْ الْمُخَالَفَةُ وَالْعَجْزُ عَنْ التَّعْيِينِ، وَلَا تَرِدُ مَسْأَلَةُ الْأَبَوَيْنِ الْآتِيَةُ؛ لِأَنَّهَا بِدُونِ الْأَمْرِ كَمَا يَأْتِي، فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُخَالَفَةُ فِي تَرْكِ التَّعْيِينِ، وَيُمْكِنُهُ التَّعْيِينُ فِي الِانْتِهَاءِ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ جَعْلُ الثَّوَابِ وَلِذَا لَوْ أَمَرَهُ أَبَوَاهُ بِالْحَجِّ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا فِي الْأَجْنَبِيَّيْنِ. وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْأَرْبَعِ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُخَالَفَةُ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْأَعْمَالِ، وَلَا يُمْكِنُ صَرْفُ الْحَجَّةِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهَا عَنْ نَفْسِهِ بِجَعْلِهَا لِأَحَدِ الْآمِرَيْنِ فَلَا تَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا إذَا وُجِدَ تَحَقُّقُ الْمُخَالَفَةِ أَوْ الْعَجْزِ عَنْ التَّعْيِينِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 607 بِخِلَافِ مَا لَوْ أَهَلَّ بِحَجٍّ عَنْ أَبَوَيْهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَجَانِبِ حَالَ كَوْنِهِ (مُتَبَرِّعًا فَعَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ جَازَ)   [رد المحتار] وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّعْيِينُ إلَّا إذَا شَرَعَ فِي الْأَعْمَالِ وَلَوْ شَوْطًا لِأَنَّ الْأَعْمَالَ لَا تَقَعُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَتَقَعُ عَنْهُ ثُمَّ لَا يُمْكِنُهُ تَحْوِيلُهَا إلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا لَهُ تَحْوِيلُ الثَّوَابِ فَقَطْ، وَلَوْلَا النَّصُّ لَمْ يَتَحَوَّلْ الثَّوَابُ أَيْضًا. وَفِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ لَا خَفَاءَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مُخَالَفَةٌ لِأَحَدِ الْآمِرَيْنِ وَلَا تَعَذُّرُ التَّعْيِينِ وَلَا تَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ. وَأَمَّا الرَّابِعَةُ فَأَظْهَرُ الْكُلِّ. اهـ مَا فِي الْفَتْحِ مُلَخَّصًا. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا قَرَّرَهُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِي الْأَعْمَالِ قَبْلَ تَعْيِينِ أَحَدِ الْآمِرَيْنِ وَقَعَتْ الْحَجَّةُ عَنْ نَفْسِهِ لِتَحَقُّقِ الْمُخَالَفَةِ وَالْعَجْزِ عَنْ التَّعْيِينِ، وَكَذَا تَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ بِالْأَوْلَى فِي الصُّورَةِ الْأُولَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَجْزِيهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهَا تَصِحُّ بِالتَّعْيِينِ وَبِالْإِطْلَاقِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى بِهَا النَّفَلَ وَالْمَأْمُورَ وَإِنْ كَانَ صَرَفَهَا عَنْ نَفْسِهِ بِجَعْلِهَا لِلْآمِرَيْنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا، لَكِنْ لَمَّا تَحَقَّقَتْ الْمُخَالَفَةُ بَطَلَ ذَلِكَ الصَّرْفُ وَإِلَّا لَمْ تَقَعْ عَنْ نَفْسِهِ أَصْلًا فَيَكُونُ حِينَئِذٍ؛ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ ابْتِدَاءً وَلَمْ يَنْوِ النَّفَلَ فَتَقَعُ عَنْ حَجَّةِ، الْإِسْلَامِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَقَرَنَ مَعَهُ عُمْرَةً لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ وَيَضْمَنُ اتِّفَاقًا. ثُمَّ قَالَ: وَلَا تَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا تَقَعُ بِإِطْلَاقِ النِّيَّةِ وَهُوَ قَدْ صَرَفَهَا عَنْهُ فِي النِّيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ كَلَامُهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَ النَّظَرِ مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ تَحَقَّقَتْ الْمُخَالَفَةُ وَوَقَعَتْ عَنْ نَفْسِهِ بَطَلَ صَرْفُ النِّيَّةِ فَتَجْزِيهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، فَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ فِيمَا مَرَّ تَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ نَفْلًا وَلَا تَجْزِيهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ صَرَّحَ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهِ أَيْضًا بِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِهَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، فَهَذَا مَا تَحَرَّرْ لِي فَافْهَمْ وَالسَّلَامُ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَهَلَّ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَمِنْ حَجَّ عَنْ آمِرَيْهِ، وَقَوْلُهُ جَازَ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ جِهَةِ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَإِنَّهُ فِي الْأُولَى لَا يَجُوزُ وَالثَّانِيَةُ بِخِلَافِهَا، لَكِنَّ الْجَوَازَ هُنَا مَشْرُوطٌ بِمَا إذَا لَمْ يَأْمُرَاهُ بِالْحَجِّ، وَقَوْلُهُ عَنْ أَبَوَيْهِ أَوْ غَيْرِهِمَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْأَبَوَيْنِ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ لَيْسَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ وَإِنَّمَا فَائِدَتُهُ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الْوَلَدَ يُنْدَبُ لَهُ ذَلِكَ جِدًّا كَمَا فِي النَّهْرِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْأَبَوَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآمِرَيْنِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا الْأَجْنَبِيَّانِ، بَلْ الْأَبَوَانِ إذَا أَمَرَاهُ فَحُكْمُهُمَا كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْنَبِيَّيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ لِلْآمِرِ وَعَدَمِهِ أَيْ صَرِيحًا كَمَا يَظْهَرُ قَرِيبًا، فَإِذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ عَنْ اثْنَيْنِ أَمَرَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَقَعَ عَنْهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى جَعْلِهِ لِأَحَدِهِمَا، وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْهُمَا بِغَيْرِ أَمْرِهِمَا صَحَّ جَعْلُهُ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا مُبْهَمًا صَحَّ تَعْيِينُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى كَمَا فِي الْفَتْحِ. قَالَ: وَمَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ نِيَّتَهُ لَهُمَا تَلْغُو لِعَدَمِ الْأَمْرِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فَتَقَعُ الْأَعْمَالُ عَنْهُ أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا يُجْعَلُ لَهُمَا الثَّوَابُ وَتَرَتُّبُهُ بَعْدَ الْأَدَاءِ فَتَلْغُو نِيَّتُهُ قَبْلَهُ، فَيَصِحُّ جَعْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا. وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ مُتَنَفِّلًا عَنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ عَلَى أَحَدِهِمَا حَجُّ الْفَرْضِ وَأَوْصَى بِهِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِتَبَرُّعِ الْوَارِثِ عَنْهُ بِمَالِ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ فَتَبَرَّعَ الْوَارِثُ عَنْهُ بِالْإِحْجَاجِ أَوْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجْزِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْخَثْعَمِيَّةِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ» الْحَدِيثُ انْتَهَى. وَبِهَذَا ظَهَرَ فَائِدَةٌ أُخْرَى لِلتَّقْيِيدِ بِالْأَبَوَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ سُقُوطُ الْفَرْضِ عَنْ الَّذِي عَيَّنَهُ لَهُ بَعْدَ الْإِبْهَامِ لَوْ بِدُونِ وَصِيَّةٍ، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا لَغَتْ نِيَّتُهُ لَهُمَا لِعَدَمِ الْأَمْرِ وَوَقَعَتْ الْأَعْمَالُ عَنْهُ أَلْبَتَّةَ كَيْفَ يَصِحُّ تَحْوِيلُهَا إلَى أَحَدِهِمَا؟ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْحَجَّ إذَا وَقَعَ عَنْ الْمَأْمُورِ لَا يُمْكِنُ تَحْوِيلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْآمِرِ، نَعَمْ يُمْكِنُ تَحْوِيلُ الثَّوَابِ فَقَطْ لِلنَّصِّ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ مُتَنَفِّلًا عَنْهُمَا: أَيْ لِأَنَّ غَايَةَ حَالِ الْمُتَنَفِّلِ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ. أَمَّا وُقُوعُ عَمَلِهِ عَنْ فَرْضِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَهُوَ مُشْكِلٌ وَالْجَوَابُ مَا مَرَّ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مِنْ أَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 608 لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالثَّوَابِ فَلَهُ جَعْلُهُ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا،   [رد المحتار] الْوَارِثَ إذَا حَجَّ أَوْ أَحَجَّ عَنْ مُوَرِّثِهِ جَازَ لِوُجُودِ الْأَمْرِ دَلَالَةً: أَيْ فَكَأَنَّهُ مَأْمُورٌ مِنْ جِهَتِهِ بِذَلِكَ، وَعَلَيْهِ فَتَقَعُ الْأَعْمَالُ عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَنْ الْعَامِلِ، فَقَوْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَمَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ نِيَّتَهُ لَهُمَا تَلْغُو إلَخْ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا فَرْضٌ لَمْ يُوصِيَا بِهِ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَدَائِعِ تَعْلِيلَهُ بِالنَّصِّ أَيْضًا وَهُوَ مَا عَلِمْته مِنْ حَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ وَبِهَذَا فَارَقَ الْوَارِثُ الْأَجْنَبِيَّ لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ شَرْحِ اللُّبَابِ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ وَالسَّرُوجِيِّ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ كَذَلِكَ، نَعَمْ هَذَا مُخَالِفٌ لِاشْتِرَاطِ الْأَمْرِ فِي الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ وَالْأَجْنَبِيُّ غَيْرٌ مَأْمُورٌ لَا صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً، وَقَدَّمْنَا الْجَوَابَ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي هَذَا الشَّرْطِ وَالْمَشْهُورُ اشْتِرَاطُهُ، وَحَيْثُ عُلِمَ وُجُودُهُ فِي الْوَارِثِ دَلَالَةٌ ظَهَرَ لِاقْتِصَارِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ عَلَى الْأَبَوَيْنِ فَائِدَةٌ ثَالِثَةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْأَمْرَ دَلَالَةً لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْأَمْرِ حَقِيقَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْأَبَوَيْنِ لَوْ أَمَرَاهُ حَقِيقَةً لَمْ يَصِحَّ تَعْيِينُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْإِبْهَامِ كَمَا فِي الْأَجْنَبِيَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرَاهُ صَرِيحًا صَحَّ التَّعْيِينُ. وَلَوْ فَرَضُوا الْمَسْأَلَةَ ابْتِدَاءً فِي الْأَجْنَبِيَّيْنِ لَتُوُهِّمَ أَنَّ الْأَبَوَيْنِ لَا يَصِحُّ تَعْيِينُ أَحَدِهِمَا لِوُجُودِ الْأَمْرِ دَلَالَةً فَفَرَضُوهَا فِي الْأَبَوَيْنِ لِإِفَادَةِ صِحَّةِ التَّعْيِينِ وَإِنْ وُجِدَ الْأَمْرُ دَلَالَةً وَلِيُفِيدُوا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْأَمْرُ صَرِيحًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ] الَّذِي تَحَصَّلَ لَنَا مِنْ مَجْمُوعِ مَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ عَنْ شَخْصَيْنِ، فَإِنْ أَمَرَاهُ بِالْحَجِّ وَقَعَ حَجُّهُ عَنْ نَفْسِهِ أَلْبَتَّةَ، وَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ. وَلَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ جَعْلُ ثَوَابِهِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرَاهُ فَكَذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ وَارِثًا وَكَانَ عَلَى الْمَيِّتِ حَجُّ الْفَرْضِ وَلَمْ يُوصِ بِهِ فَيَقَعُ عَنْ الْمَيِّتِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِلْأَمْرِ دَلَالَةً وَلِلنَّصِّ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ لِأَنَّ غَرَضَهُ ثَوَابُ الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ، فَلَا يَصِحُّ تَبَرُّعُ الْوَارِثِ عَنْهُ، وَبِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الْأَمْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالثَّوَابِ) بَيَانٌ لِوَجْهِ صِحَّةِ التَّعْيِينِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَبَوَيْنِ دُونَ مَسْأَلَةِ الْآمِرِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْفَتْحِ: وَمَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ نِيَّتَهُ لَهُمَا تَلْغُو لِعَدَمِ الْأَمْرِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ إلَخْ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قُلْت: وَتَعْلِيلُ الْمَسْأَلَةِ يُفِيدُ وُقُوعَ الْحَجِّ عَنْ الْفَاعِلِ، فَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ عَنْهُ وَإِنْ جَعَلَ ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ، وَيُفِيدُ ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الَّتِي رَوَاهَا فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ اعْلَمْ أَنَّ فِعْلَ الْوَلَدِ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ جِدًّا. لِمَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَنْ حَجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ أَوْ قَضَى عَنْهُمَا مَغْرَمًا بُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْأَبْرَارِ» وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ حَجَّ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَقَدْ قَضَى عَنْهُ حَجَّتَهُ وَكَانَ لَهُ فَضْلُ عَشْرِ حِجَجٍ» وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْن أَرْقَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا حَجَّ الرَّجُلُ عَنْ وَالِدَيْهِ تُقُبِّلَ مِنْهُ وَمِنْهُمَا وَاسْتَبْشَرَتْ أَرْوَاحُهُمَا وَكُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ بَرًّا» ". اهـ. أَقُولُ: قَدْ عَلِمْتَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَنَّهُ إذَا حَجَّ الْوَارِثُ عَنْهُمَا وَعَلَى أَحَدِهِمَا فَرْضٌ لَمْ يُوصِ بِهِ يَقَعُ عَنْ الْمَيِّتِ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ عَنْهُ بِذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ دَعْوَى سُقُوطِ الْفَرْضِ بِهِ عَنْ الْفَاعِلِ أَيْضًا وَقَدْ صَرَفَهُ إلَى غَيْرِهِ وَأَجَزْنَا صَرْفَهُ، نَعَمْ يَظْهَرُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَرْضٌ أَوْصَى بِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَرْضٌ أَصْلًا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْفَتْحِ: وَإِنَّمَا يُجْعَلُ لَهُمَا الثَّوَابُ وَتَرَتُّبُهُ بَعْدَ الْأَدَاءِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ: وَإِنَّمَا يُجْعَلُ ثَوَابُ فِعْلِهِ لَهُمَا. وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَجَعْلُ ثَوَابِ حَجِّهِ لِغَيْرِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ الْحَجِّ، فَبَطَلَتْ نِيَّتُهُ فِي الْإِحْرَامِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ الثَّوَابَ لِأَيِّهِمَا شَاءَ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَقَعْ لَهُمَا وَأَنَّ الْأَعْمَالَ وَقَعَتْ لَهُ فَلَهُ جَعْلُ ثَوَابِهَا لِمَنْ شَاءَ بَعْدَ الْأَدَاءِ، فَيُمْكِنُ ادِّعَاءُ سُقُوطِ الْفَرْضِ عَنْ الْفَاعِلِ بِذَلِكَ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْحَجِّ عَنْ الْآمِرَيْنِ، وَبِهِ يُعْلَمُ جَوَازُ جَعْلِ الْإِنْسَانِ ثَوَابَ فَرْضِهِ لِغَيْرِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ فَرْضٌ لَمْ يُوصِ بِهِ وَسَقَطَ بِهِ فَرْضُ الْمَيِّتِ يَلْزَمُ مِنْهُ وُقُوعُ النِّيَّةِ وَالْأَعْمَالِ لَهُ لَا لِلْفَاعِلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 609 وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ حَجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ فَقَدْ قَضَى عَنْهُ حَجَّتَهُ، وَكَانَ لَهُ فَضْلُ عَشْرِ حِجَجٍ، وَبُعِثَ مِنْ الْأَبْرَارِ» . (وَدَمُ الْإِحْصَارِ) لَا غَيْرَ (عَلَى الْآمِرِ فِي مَالِهِ وَلَوْ مَيِّتًا) قِيلَ مِنْ الثُّلُثِ، وَقِيلَ مِنْ الْكُلِّ. ثُمَّ إنْ فَاتَهُ لِتَقْصِيرٍ مِنْهُ ضَمِنَ، وَإِنْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا. (وَدَمُ الْقِرَانِ) وَالتَّمَتُّعِ (وَالْجِنَايَةِ عَلَى الْحَاجِّ) إنْ أَذِنَ لَهُ الْآمِرُ بِالْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ وَإِلَّا فَيَصِيرُ مُخَالِفًا فَيَضْمَنُ (وَضَمِنَ النَّفَقَةَ إنْ جَامَعَ قَبْلَ وُقُوفِهِ) فَيُعِيدُ بِمَالِ نَفْسِهِ (وَإِنْ بَعْدَهُ فَلَا) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ   [رد المحتار] إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْأَعْمَالَ تَقَعُ لِلْعَامِلِ هُنَا أَيْضًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ عِبَارَةِ الْفَتْحِ وَقَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِمَا، وَلَكِنْ يَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ عَنْ الْمَيِّتِ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَمَلًا بِالنَّصِّ، وَهُوَ حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ وَإِنْ خَالَفَ الْقِيَاسَ، وَلِذَا عَلَّقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْمَشِيئَةِ، وَيَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ عَنْ الْفَاعِلِ أَيْضًا أَخْذًا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ وَلِذَا كَانَ الْوَارِثُ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الْأَجْنَبِيِّ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ قُلْت: مَا مَرَّ مِنْ تَعْلِيلِ جَوَازِ حَجِّ الْوَارِثِ بِوُجُودِ الْأَمْرِ دَلَالَةً يَقْتَضِي وُقُوعَ الْأَعْمَالِ عَنْ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ صَرِيحًا وَقَعَتْ عَنْهُ بِلَا شُبْهَةٍ، فَيُخَالِفُ مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. وَحِينَئِذٍ فَلَا يُمْكِنُ سُقُوطُ فَرْضِ الْعَامِلِ بِذَلِكَ أَيْضًا. قُلْتُ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْأَمْرَ دَلَالَةً لَيْسَ كَالْأَمْرِ صَرِيحًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلِذَا صَحَّ تَعْيِينُ أَحَدِ أَبَوَيْهِ بَعْدَ الْإِبْهَامِ، وَلَوْ أَمَرَهُ صَرِيحًا لَمْ يَصِحَّ كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ كَمَا قَدَّمْنَا؛ فَلَوْ اقْتَضَى الْأَمْرُ دَلَالَةً وُقُوعَ الْأَعْمَالِ عَنْ الْمَيِّتِ لَمْ يَصِحَّ التَّعْيِينُ فَقُلْنَا بِوُقُوعِ الْأَعْمَالِ لِلْعَامِلِ، فَيَسْقُطُ فَرْضُهُ بِهَا، وَكَذَا يَسْقُطُ فَرْضُ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ عَمَلًا بِالْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. هَذَا غَايَةُ مَا وَصَلَ إلَيْهِ فَهْمِي الْقَاصِرُ فِي تَحْرِيرِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْمُشْكِلَةِ الَّتِي لَمْ أَرَ مَنْ أَوْضَحَهَا هَذَا الْإِيضَاحَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (قَوْلُهُ وَفِي الْحَدِيثِ) كَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ مَعَ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثَيْنِ كَمَا عَلِمْت مَعَ تَغْيِيرِ بَعْضِ اللَّفْظِ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ جَوَازِ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى لِلْعَارِفِ اهـ ح (قَوْلُهُ لَا غَيْرَ) أَيْ لَا غَيْرَ دَمِ الْإِحْصَارِ مِنْ بَاقِي الدِّمَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ دَمُ الشُّكْرِ فِي الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ وَدَمُ الْجِنَايَةِ (قَوْلُهُ عَلَى الْآمِرِ) هَذَا عِنْدَهُمَا وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الْمَأْمُورِ (قَوْلُهُ قِيلَ مِنْ الثُّلُثِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْحَجِّ تُنَفَّذُ مِنْ الثُّلُثِ، وَهَذَا مِنْ تَوَابِعِ الْوَصِيَّةِ وَقِيلَ مِنْ الْكُلِّ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ حَقًّا لِلْمَأْمُورِ عَلَى الْمَيِّتِ فَيُقْضَى مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ عَبْدُهُ وَيُتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ فَبَاعَهُ الْوَصِيُّ وَضَاعَ الثَّمَنُ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَصِيِّ وَيَرْجِعُ الْوَصِيُّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَخِيرِ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ مِنْ شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ، وَاسْتَوْجَبَهُ ط الْأَوَّلُ وَالرَّحْمَتِيُّ الثَّانِي (قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ فَاتَهُ إلَخْ) أَيْ فَاتَ الْمَأْمُورَ الْمَعْلُومَ مِنْ الْمَقَامِ، وَأَطْلَقَ الْفَوَاتَ فَشَمَلَ مَا يَكُونُ بِسَبَبِ الْإِحْصَارِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّ الْإِحْصَارَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ كَأَنْ تَنَاوَلَ دَوَاءً مُمْرِضًا قَصْدًا حَتَّى أَحْصَرَهُ أَفَادَهُ ح. هَذَا، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ عَلَيْهِ الْحَجَّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ كَفَائِتِ الْحَجِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّهُ فِي الْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ إذَا قَضَى الْحَجَّ هَلْ يَكُونُ عَنْ الْآمِرِ أَوْ يَقَعُ لِلْمَأْمُورِ، وَإِذَا كَانَ لِلْآمِرِ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْحَجِّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ. اهـ. أَقُولُ: قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ يَصْنَعُ مَا يَصْنَعُهُ فَائِتُ الْحَجِّ بَعْدَ شُرُوعِهِ، وَلَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ لِأَنَّهُ فَاتَهُ بِغَيْرِ صُنْعِهِ، وَعَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ لِأَنَّ الْحَجَّةَ قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ فَلَزِمَهُ قَضَاؤُهَا، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْحَجَّ عِنْدَهُ يَقَعُ عَنْ الْحَاجِّ اهـ وَنَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ. ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَضَاءُ عَنْ الْآمِرِ وَتَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ اهـ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي اللُّبَابِ بِأَنَّهُ إنْ فَاتَهُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَمْ يَضْمَنْ وَيَسْتَأْنِفُ الْحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ: أَيْ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ غَيْرِ مُحَمَّدٍ. فَعُلِمَ أَنَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الْحَجُّ عَنْ نَفْسِهِ، وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ عَنْ الْمَيِّتِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُنْتَقَى قَالَ مُحَمَّدٌ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 610 (وَإِنْ مَاتَ) الْمَأْمُورُ (أَوْ سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ فِي الطَّرِيقِ) قَبْلَ وُقُوفِهِ (حَجَّ مِنْ مَنْزِلِ آمِرِهِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفِ فَمِنْ حَيْثُ يُبَلِّغْ فَإِنْ مَاتَ أَوْ سُرِقَتْ ثَانِيًا حَجَّ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي بَعْدَهَا، هَكَذَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَى أَنْ لَا يَبْقَى مِنْ ثُلُثِهِ مَا يُبَلِّغُ الْحَجَّ، فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ   [رد المحتار] يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدِهِ إذَا بَلَّغَتْ النَّفَقَةُ وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ تُبَلِّغُ، وَعَلَى الْمُحْرِمِ قَضَاءُ الْحَجِّ الَّذِي فَاتَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا أَنْفَقَ وَلَا نَفَقَهُ لَهُ بَعْدَ الْفَوْتِ. اهـ. فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ مَالِهِ وَعَلَى الْمَأْمُورِ حَجٌّ آخَرُ قَضَاءً لِمَا شُرِعَ فِيهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ. وَيُخَالِفُهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَيْضًا عَنْ التَّهْذِيبِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا فَسَدَ حَجُّهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ ضَمَانُ النَّفَقَةِ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ الَّذِي أَفْسَدَهُ وَعُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ لِلْآمِرِ؛ وَلَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْفَائِتِ وَحَجٌّ عَنْ الْآمِرِ. اهـ. فَإِنَّهُ قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْفَائِتِ إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّ عَلَيْهِ الْحَجَّتَيْنِ مِنْ مَالِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَحُجَّ عَنْ الْآمِرِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ أَيْ وَعَلَى الْوَرَثَةِ الْإِحْجَاجُ مِنْ مَالِهِ. ثُمَّ إنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا مِنْ مَقُولِ أَبِي يُوسُفَ، فَيُنَافِي مَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَالْجِنَايَةِ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ دَمَ الْجِمَاعِ وَدَمَ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْحَلْقَ وَلُبْسَ الْمَخِيطِ وَالطِّيبَ وَالْمُجَاوَزَةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ عَلَى الْحَاجِّ) أَيْ الْمَأْمُورِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ وَجَبَ شُكْرًا عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَحَقِيقَةُ الْفِعْلِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْحَجُّ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ لِأَنَّهُ وُقُوعٌ شَرْعِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ. وَأَمَّا الثَّانِي فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِجِنَايَتِهِ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَيَصِيرُ مُخَالِفًا) هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِسَفَرٍ يَصْرِفُهُ إلَى الْحَجِّ لَا غَيْرَ، فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ الْآمِرِ فَضَمِنَ بَدَائِعُ. زَادَ فِي الْمُحِيطِ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَقَعُ عَنْ الْآمِرِ لِأَنَّهُ مَا أَمَرَهُ بِهَا فَصَارَ كَأَنَّهُ حَجَّ عَنْهُ وَاعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ مُخَالِفًا؟ وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَاعْتَمَرَ ثُمَّ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحَجٍّ مِيقَاتِيٍّ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْعُمْرَةِ فَاعْتَمَرَ ثُمَّ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا، بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّ أَوَّلًا ثُمَّ اعْتَمَرَ اهـ وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ بَابِ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ وَضَمِنَ النَّفَقَةَ إلَخْ) أَمَّا الدَّمُ فَهُوَ عَلَى الْمَأْمُورِ عَلَى كُلِّ حَالٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَيُعِيدُ بِمَالِ نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ إذَا أَفْسَدَهُ لَمْ يَقَعْ مَأْمُورًا بِهِ فَكَانَ وَاقِعًا عَنْ الْمَأْمُورِ فَيَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ فِي حَجِّهِ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، ثُمَّ إذَا قَضَى الْحَجَّ فِي السَّنَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ لَا يَسْقُطُ الْحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَمَّا خَالَفَ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ بِالْإِفْسَادِ صَارَ الْإِحْرَامُ وَاقِعًا عَنْهُ فَكَذَا الْحَجُّ الْمُؤَدَّى بِهِ صَارَ وَاقِعًا عَنْهُ ابْنُ كَمَالٍ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى لِلْآمِرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّهْذِيبِ أَيْ سِوَى حَجِّ الْقَضَاءِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ قَوْلِهِ وَإِذَا فَسَدَ حَجُّهُ لَزِمَهُ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ، وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّرَدُّدِ فِي وُقُوعِهِ عَنْ الْآمِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ إلَخْ) الْأَنْسَبُ ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ الْمَارِّ خَرَجَ الْمُكَلَّفُ إلَخْ (قَوْلُهُ قَبْلَ وُقُوفِهِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ بَعْدَهُ قَبْلَ الطَّوَافِ جَازَ عَنْ الْآمِرِ لِأَنَّهُ أَدَّى الرُّكْنَ الْأَعْظَمَ خَانِيَّةٌ وَفَتْحٌ، وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ عَنْ التَّجْنِيسِ، فَمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ أَعَظْمِيَّتَهُ لِلْأَمْنِ مِنْ الْإِفْسَادِ بَعْدَهُ لَا لِأَنَّهُ يَكْفِي فَيَجِبُ عَلَى الْآمِرِ الْإِحْجَاجُ اهـ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ؛ وَأَمَّا لَوْ بَقِيَ حَيًّا وَأَتَمَّ الْحَجَّ إلَّا طَوَافَ الزِّيَارَةِ فَرَجَعَ وَلَمْ يَطُفْهُ فَقَالَ فِي الْفَتْحِ: لَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ غَيْرَ أَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى النِّسَاءِ وَيَعُودُ بِنَفَقَةِ نَفْسِهِ لِيَقْضِيَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ جَانٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اهـ (قَوْلُهُ مِنْ مَنْزِلِ آمِرِهِ) أَيْ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَنْزِلًا وَإِلَّا اتَّبَعَ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ) أَيْ الْمَأْمُورُ الثَّانِي (قَوْلُهُ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ النَّفَقَةِ أَيْ ثُلُثِ الْبَاقِي بَعْدَ هَلَاكِهَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ فَافْهَمْ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِالْبَاقِي مِنْ الثُّلُثِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِمَا بَقِيَ مَعَ الْمَأْمُورِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 611 قُلْت: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ فِي تَرِكَةِ الْمَأْمُورِ، فَلْيُرَاجَعْ (لَا مِنْ حَيْثُ مَاتَ) خِلَافًا لَهُمَا، وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ. [فُرُوعٌ] يَصِيرُ مُخَالِفًا بِالْقِرَانِ أَوْ التَّمَتُّعِ كَمَا مَرَّ لَا بِالتَّأْخِيرِ عَنْ السَّنَةِ الْأُولَى وَإِنْ عُيِّنَتْ لِأَنَّهُ لِلِاسْتِعْجَالِ لَا لِلتَّقْيِيدِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ وَعَلَيْهِ رَدُّ مَا فَضَلَ مِنْ النَّفَقَةِ،   [رد المحتار] مِثَالُهُ: أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ وَمَاتَ عَنْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ فَدَفَعَ الْوَصِيُّ لِلْمَأْمُورِ أَلْفًا فَسُرِقَتْ، فَعِنْدَ الْإِمَامِ يُؤْخَذُ مَا يَكْفِي مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ وَهُوَ أَلْفٌ، فَإِنْ سُرِقَتْ يُؤْخَذُ مِنْ ثُلُثِ الْأَلْفَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ، وَهَكَذَا إلَى أَنْ لَا يَبْقَى مَا ثُلُثُهُ يَكْفِي الْحَجَّ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا سُرِقَ الْأَلْفُ الْأَوَّلُ لَمْ يَبْقَ مِنْ ثُلُثِ التَّرِكَةِ إلَّا ثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ فَتُدْفَعُ لَهُ إنْ كَفَّتْ، وَلَا تُؤْخَذُ مَرَّةً أُخْرَى. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ فَضَلَ مِنْ الْأَلْفِ الْأُولَى مَا يُبَلِّغُ الْحَجَّ حَجَّ بِهِ وَإِلَّا فَلَا، هَكَذَا ذَكَرَ الْخِلَافَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ. وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: هَذَا إنْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ وَلَمْ يَزِدْ، أَمَّا لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِثُلُثِ مَالِهِ فَقَوْلُ مُحَمَّدٍ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ وَالْفَتْحِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمَأْمُورِ، فَلَوْ فِي يَدِ الْوَصِيِّ بَعْدَمَا قَاسَمَ الْوَرَثَةَ يُحَجُّ عَنْهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ اتِّفَاقًا كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ فِي تَرِكَةِ الْمَأْمُورِ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لِوَرَثَةِ الْآمِرِ فِي تَرِكَةِ الْمَأْمُورِ بِمَا بَقِيَ مَعَهُ فَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا لِأَنَّ مَا بَقِيَ مَعَ الْمَأْمُورِ لَا يَمْلِكُهُ، بَلْ لَوْ أَتَمَّ الْحَجَّ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ الْفَاضِلِ كَمَا يَأْتِي، فَيُصَدَّقُ عَلَى هَذَا الْبَاقِي أَنَّهُ مِنْ مَالِ الْآمِرِ فَيُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ حَيْثُ قَالَ بِثُلُثِ الْبَاقِي مِمَّا فِي أَيْدِي الْوَرَثَةِ، وَالْمَأْمُورُ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُمْ بِمَا أَنْفَقَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ بِمَا سُرِقَ مِنْهُ فَهُوَ لَا شُبْهَةَ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يُخَالِفْ كَمَا مَرَّ فِيمَا لَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِغَيْرِ صُنْعِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ فِي تَرِكَتِهِ بِمَا يُدْفَعُ لِلْمَأْمُورِ الثَّانِي، فَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِهِمْ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ أَيْ مَالِ الْآمِرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُرَادُ الشَّارِحِ نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِلَا صُنْعِهِ وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ يَكُونُ عَنْ نَفْسِهِ اتِّفَاقًا خِلَافًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ يَكُونُ الْقَضَاءُ عَنْ الْآمِرِ وَتَلْزَمُ الْمَأْمُورَ نَفَقَتُهُ، فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمَأْمُورَ إذَا مَاتَ فِي الطَّرِيقِ تَرْجِعُ وَرَثَةُ الْآمِرِ عَلَى تَرِكَتِهِ بِنَفَقَةِ الَّذِي يَأْمُرُونَهُ بِالْحَجِّ عَنْ مُوَرِّثِهِمْ، وَهَذَا خِلَافُ مَا قَرَّرَهُ الْفُقَهَاءُ هُنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْخِلَافِيَّةِ، حَيْثُ جَعَلُوا الْإِحْجَاجَ ثَانِيًا بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ جَمِيعِ مَالِ الْآمِرِ أَوْ الْبَاقِي مِنْ الثُّلُثِ أَوْ بِالْبَاقِي مَعَ الْمَأْمُورِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ يَكُونُ مِنْ مَالِ الْمَأْمُورِ، فَيُنَافِي مَا تَقَدَّمَ بَحْثًا عَنْ الْبَدَائِعِ وَالسِّرَاجِ وَالنَّهْرِ، فَلِلَّهِ دَرُّ هَذَا الشَّارِحِ مَا أَبْعَدَ مَرْمَاهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فِيمَا يُدْفَعُ ثَانِيًا، وَفِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَجِبُ الْإِحْجَاجُ مِنْهُ ثَانِيًا فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ) يَعْنِي قَوْلَهُمَا فِي الْمَحَلِّ، أَمَّا فِيمَا يُدْفَعُ ثَانِيًا فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الِاسْتِحْسَانَ. وَفِي الْفَتْحِ: قَوْلُ الْإِمَامِ فِي الْأَوَّلِ: أَيْ فِيمَا يُدْفَعُ ثَانِيًا أَوْجَهُ وَقَوْلُهُمَا هُنَا أَوْجَهُ، وَقَدَّمْنَا مَا يُفِيدُ تَرْجِيحَهُ أَيْضًا عَنْ الْعِنَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ، لَكِنْ قَدَّمْنَا أَيْضًا أَنَّ الْمُتُونَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَنَقَلَ تَصْحِيحَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا فَيَصِيرُ مُخَالِفًا فَيَضْمَنُ ح (قَوْلُهُ لَا لِلتَّقْيِيدِ) لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السِّنِينَ، فَفِي أَيِّ سَنَةٍ حَصَلَ فِيهَا وَقَعَ عَنْهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوْلَى إيقَاعُهُ فِي السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ خَوْفًا مِنْ ذَهَابِ النَّفَقَةِ أَوْ تَعَطُّلِ الْحَجِّ ط (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى مَنْزِلِ الْآمِرِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ أَحَجَّ رَجُلًا فَحَجَّ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ جَازَ لِأَنَّ الْفَرْضَ صَارَ مُؤَدًّى وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَحُجَّ ثُمَّ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ رَدُّ مَا فَضَلَ مِنْ النَّفَقَةِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَأْمُورَ لَا يَكُونُ مَالِكًا لِمَا أَخَذَهُ مِنْ النَّفَقَةِ، بَلْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ عَلَى مِلْكِ الْآمِرِ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا مُعَيَّنًا كَانَ الْقَدْرُ أَوْ لَا، وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْفَضْلُ إلَّا بِالشَّرْطِ الْآتِي سَوَاءٌ كَانَ الْفَضْلُ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا كَيَسِيرٍ مِنْ الزَّادِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 612 وَإِنْ شَرَطَهُ لَهُ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ بِهِبَةِ الْفَضْلِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ يُوصِي الْمَيِّتُ بِهِ لِمُعَيَّنٍ، وَلِوَارِثِهِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَالَ مِنْ الْمَأْمُورِ مَا لَمْ يُحْرِمْ وَكَذَا إنْ أَحْرَمَ وَقَدْ دَفَعَ إلَيْهِ لِيَحُجَّ عَنْهُ وَصِيُّهُ فَأَحْرَمَ ثُمَّ مَاتَ الْآمِرُ. وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ بِالدَّفْعِ أَوْ يَكُونَ وَارِثًا وَلَمْ تُجِزْ الْبَقِيَّةُ. وَلَوْ قَالَ: مُنِعْتُ وَكَذَّبُوهُ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا ظَاهِرًا؛ وَلَوْ قَالَ حَجَجْتُ وَكَذَّبُوهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إلَّا إذَا كَانَ مَدْيُونَ الْمَيِّتِ وَقَدْ أُمِرَ بِالْإِنْفَاقِ؛ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُمْ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْبَلَدِ إلَّا إذَا بَرْهَنَّا عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ.   [رد المحتار] قُلْت: وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى الْحَجِّ لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مَا فَضَلَ لِلْمَأْمُورِ يَقُولُ لَهُ وَكَّلْتُك أَنْ تَهَبَ الْفَضْلَ مِنْ نَفْسِك وَتَقْبِضَهُ لِنَفْسِك، فَإِنْ كَانَ عَلَى مَوْتٍ قَالَ وَالْبَاقِي مِنِّي لَك وَصِيَّةً. اهـ. زَادَ فِي اللُّبَابِ: وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْآمِرُ رَجُلًا يَقُولُ لِلْوَصِيِّ أَعْطِ مَا بَقِيَ مِنْ النَّفَقَةِ مَنْ شِئْت، وَإِنْ أَطْلَقَ فَقَالَ وَمَا يَبْقَى مِنْ النَّفَقَةِ فَهُوَ لِلْمَأْمُورِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ. اهـ. أَيْ لِأَنَّهَا لِمَجْهُولٍ (قَوْلُهُ وَلِوَارِثِهِ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ إنْ وَفَّى بِهِ ثُلُثُهُ، لَكِنْ ذُكِرَتْ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ مَعَ زِيَادَةٍ، لَمْ تُوجَدْ فِي الْآخَرِ فَفِي الْأَوَّلِ زَادَ الْوَصِيَّ، وَالتَّفْصِيلَ فِي نَفَقَةِ الرُّجُوعِ وَفِي هَذَا زَادَ قَوْلَهُ كَذَا إنْ أَحْرَمَ إلَخْ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظِمَهُمَا فِي سِلْكٍ وَاحِدٍ ح (قَوْلُهُ وَكَذَا إنْ أَحْرَمَ وَقَدْ دَفَعَ إلَيْهِ لِيَحُجَّ عَنْهُ وَصِيُّهُ إلَخْ) هَذَا التَّرْكِيبُ فَاسِدُ الْمَعْنَى. وَوُجِدَ فِي نُسْخَةٍ لِيَحُجَّ عَنْهُ بِلَا وَصِيَّةٍ وَهِيَ الصَّوَابُ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمَحْجُوجَ عَنْهُ إذَا لَمْ يُوصِ بِالْحَجِّ وَلَكِنَّهُ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ لِيَحُجَّ عَنْهُ ثُمَّ مَاتَ الدَّافِعُ فَلِلْوَرَثَةِ اسْتِرْدَادُ الْمَالِ الْبَاقِي مِنْ الرَّجُلِ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْآمِرِ أَوْصَى بِالْحَجِّ عَنْهُ لِمَا فِي الْمُحِيطِ: لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا لِيَحُجَّ بِهِ عَنْهُ فَأَهَلَّ بِحَجَّةٍ ثُمَّ مَاتَ الْآمِرُ فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يَأْخُذُوا مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ مَعَهُ وَيُضَمِّنُونَهُ مَا أَنْفَقَ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْحَجِّ كَنَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ اهـ (قَوْلُهُ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَحُجَّ إلَخْ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَعَنْ هَذَا قُلْنَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ كَانَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَارِثًا، أَوْ دَفَعَهُ لِوَارِثٍ لِيَحُجَّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ وَهُمْ كِبَارٌ، لِأَنَّ هَذَا كَالتَّبَرُّعِ بِالْمَالِ فَلَا يَصِحُّ لِلْوَارِثِ إلَّا بِإِجَازَةِ الْبَاقِينَ؛ وَلَوْ قَالَ الْمَيِّتُ لِلْوَصِيِّ ادْفَعْ الْمَالَ لِمَنْ يَحُجُّ عَنِّي لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ مُطْلَقًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ مُنِعْتُ) أَيْ عَنْ الْحَجِّ وَكَذَّبُوهُ أَيْ الْوَرَثَةُ لَمْ يُصَدَّقْ وَيَضْمَنُ مَا أَنْفَقَهُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا ظَاهِرًا يَشْهَدُ عَلَى صِدْقِهِ. لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ ظَهَرَ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَفْعِهِ إلَّا بِظَاهِرٍ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ إلَّا إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي قَضَاءَ الدَّيْنِ هَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ خِلَافًا لِمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ أُمِرَ بِالْإِنْفَاقِ) أَيْ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ ط (قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ إلَخْ) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ بَحْرٌ: أَيْ لِأَنَّ مَقْصُودَهُمْ نَفْيُ حَجِّهِ وَإِنْ كَانَتْ صُورَةُ شَهَادَتِهِمْ إثْبَاتًا ح (قَوْلُهُ إلَّا إذَا بَرْهَنَّا إلَخْ) لِأَنَّ إقْرَارَهُ وَهُوَ تَلَفُّظُهُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ إثْبَاتٌ ح، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَرْهَنُوا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ: أَيْ الْوَرَثَةِ، وَهِيَ أَوْلَى. [تَتِمَّةٌ] فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْمُنْتَقِي: أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَلْفٍ وَلِلْمَسَاكِينِ بِأَلْفٍ وَلِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِأَلْفٍ وَالثُّلُثُ أَلْفَانِ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا ثُمَّ تُضَافُ حِصَّةُ الْمَسَاكِينِ إلَى الْحَجَّةِ، فَمَا فَضَلَ عَنْ الْحَجَّةِ فَلِلْمَسَاكِينِ لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالْفَرْضِ أَهَمُّ؛ وَلَوْ عَلَيْهِ حَجَّةٌ وَزَكَاةٌ وَأَوْصَى لِإِنْسَانٍ يَتَحَاصُّونَ فِي الثُّلُثِ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ فَيُبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمُوصِي؛ وَلَوْ فَرِيضَةٌ وَنَذْرٌ بُدِئَ بِالْفَرِيضَةِ، وَلَوْ تَطَوُّعٌ وَنَذْرٌ بُدِئَ بِالنَّذْرِ، وَلَوْ كُلُّهَا تَطَوُّعَاتٌ أَوْ فَرَائِضُ أَوْ وَاجِبَاتٌ بُدِئَ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمَيِّتُ. اهـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 613 بَابُ الْهَدْيِ (هُوَ) فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ (مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ) مِنْ النَّعَمِ (لِيُتَقَرَّبَ بِهِ) فِيهِ (أَدْنَاهُ شَاةٌ، وَهُوَ إبِلٌ) ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ (وَبَقَرٌ) ابْنُ سَنَتَيْنِ (وَغَنَمٌ) ابْنُ سَنَةٍ (وَلَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ) بَلْ يُنْدَبُ فِي دَمِ الشُّكْرِ (وَلَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا إلَّا مَا جَازَ فِي الضَّحَايَا) كَمَا سَيَجِيءُ،   [رد المحتار] وَتَوْضِيحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَيَأْتِي فِي الْوَصَايَا فَاحْفَظْهَا فَإِنَّهَا مُهِمَّةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ، وَبَقِيَ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ مِنْ هَذَا الْبَابِ تُعْلَمُ مِنْ الْفَتْحِ وَاللُّبَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ الْهَدْيِ] ِ لَمَّا دَارَ ذِكْرُ الْهَدْيِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ نُسُكًا وَجَزَاءً اُحْتِيجَ إلَى بَيَانِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ابْنُ كَمَالٍ، وَيُقَالُ فِيهِ هَدِيٌّ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى فَعِيلٍ الْوَاحِدُ هَدِيَّةٌ كَمَطِيَّةٍ وَمَطِيٍّ وَمَطَايَا مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ مَا يُهْدَى) مَأْخُوذٌ مِنْ الْهَدِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَعَمُّ مِنْ الْهُدَى لَا مِنْ الْهَدْيِ، وَإِلَّا لَزِمَ ذِكْرُ الْمُعَرَّفِ فِي التَّعْرِيفِ، فَيَلْزَمُ تَعْرِيفُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ ح. قُلْت: لَوْ أُخِذَ مِنْ الْهَدْيِ يَكُونُ تَعْرِيفًا لَفْظِيًّا وَهُوَ سَائِغٌ ط. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ إلَى الْحَرَمِ عَمَّا يُهْدَى إلَى غَيْرِهِ نَعَمًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَبِقَوْلِهِ مِنْ النَّعَمِ عَمَّا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ مِنْ غَيْرِ النَّعَمِ، فَإِطْلَاقُ الْفُقَهَاءِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَالْهَدْيِ عَلَى غَيْرِهِ مَجَازٌ بَحْرٌ، وَبِقَوْلِهِ لِيُتَقَرَّبَ بِهِ أَيْ بِإِرَاقَةِ دَمِهِ فِيهِ: أَيْ فِي الْحَرَمِ عَمَّا يُهْدَى مِنْ النَّعَمِ إلَى الْحَرَمِ هَدِيَّةً لِرَجُلٍ. وَأَفَادَ بِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ أَيْ وَلَوْ دَلَالَةً. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: الْوَاحِدُ مِنْ النَّعَمِ يَكُونُ هَدْيًا بِجَعْلِهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً، وَهِيَ إمَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ بِسَوْقِ بَدَنَةٍ إلَى مَكَّةَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ نِيَّةَ الْهَدْيِ ثَابِتَةٌ عُرْفًا لِأَنَّ سَوْقَ الْبَدَنَةِ إلَى مَكَّةَ فِي الْعُرْفِ يَكُونُ لِلْهَدْيِ لَا لِلرُّكُوبِ وَالتِّجَارَةِ، قَالَ: وَأَرَادَ السَّوْقَ بَعْدَ التَّقْلِيدِ لَا مُجَرَّدَ السَّوْقِ (قَوْلُهُ أَدْنَاهُ شَاةٌ) أَيْ وَأَعْلَاهُ بَدَنَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَفِي حُكْمِ الْأَدْنَى سُبْعُ بَدَنَةٍ شَرْحُ اللُّبَابِ. وَأَفَادَ بِبَيَانِ الْأَدْنَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ شَاةٌ لِأَنَّهَا الْأَقَلُّ، وَإِنْ عَيَّنَ شَيْئًا لَزِمَهُ؛ وَلَوْ أَهْدَى قِيمَتَهَا جَازَ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي أُخْرَى لَا وَهِيَ الْأَرْجَحُ، وَلَا كَلَامَ فِيمَا لَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُرَاقُ دَمُهُ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ، فَلَوْ عَقَارًا تَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ فِي الْحَرَمِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ التَّصَدُّقِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَاللُّبَابِ (قَوْلُهُ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ إلَخْ) بَيَانٌ لِأَدْنَى السِّنِّ الْجَائِزِ فِي الْهَدْيِ وَهُوَ الثَّنِيُّ، وَهُوَ مِنْ الْإِبِلِ مَا لَهُ خَمْسٌ سِنِينَ وَطَعَنَ فِي السَّادِسَةِ، وَمِنْ الْبَقَرِ مَا طَعَنَ فِي الثَّالِثَةِ، وَمِنْ الْغَنَمِ مَا طَعَنَ فِي الثَّانِيَةِ لَكِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْجَذَعَ مِنْ الْغَنَمِ لَا يَجُوزُ. قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَلَا يُجَوِّزُونَ الثَّنِيَّ إلَّا الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ وَهُوَ مَا أَتَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ السَّنَةِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ عَظِيمًا وَتَفْسِيرُهُ أَنَّهُ لَوْ خُلِطَ بِالثَّنَايَا اشْتَبَهَ عَلَى النَّاظِرِ أَنَّهُ مِنْهَا اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ) أَيْ الذَّهَابُ بِهِ إلَى عَرَفَاتٍ أَوْ تَشْهِيرُهُ بِالتَّقْلِيدِ ح عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بَلْ يُنْدَبُ) أَيْ التَّعْرِيفُ بِمَعْنَيَيْهِ ح، لَكِنَّ الشَّاةَ لَا يُنْدَبُ تَقْلِيدُهَا. وَفِي اللُّبَابِ: وَيُسَنُّ تَقْلِيدُ بُدْنِ الشُّكْرِ دُونَ بُدْنِ الْجَبْرِ، وَحَسُنَ الذَّهَابُ بِهَدْيِ الشُّكْرِ إلَى عَرَفَةَ. اهـ. فَعَبَّرَ فِي الْأَوَّلِ بِالْبُدْنِ لِيُخْرِجَ الشَّاةَ، وَفِي الثَّانِي بِالْهَدْيِ لِيُدْخِلَهَا فِيهِ. وَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّ الْأَوَّلَ سُنَّةٌ وَالثَّانِيَ مَنْدُوبٌ، فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ إجْمَالٌ (قَوْلُهُ فِي دَمِ الشُّكْرِ) أَيْ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ، وَكَذَا يُقَلَّدُ هَدْيُ التَّطَوُّعِ وَالنَّذْرِ؛ وَلَوْ قُلِّدَ دَمُ الْإِحْصَارِ وَالْجِنَايَةِ جَازَ وَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا إلَّا مَا جَازَ فِي الضَّحَايَا) كَذَا عَبَّرَ فِي الْهِدَايَةِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ قُرْبَةٌ تَعَلَّقَتْ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ كَالْأُضْحِيَّةِ فَيَخْتَصَّانِ بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ. اهـ. فَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ مُطَّرِدٌ مُنْعَكِسٌ فَيَجُوزُ هُنَا مَا يَجُوزُ ثَمَّةَ وَلَا يَجُوزُ هُنَا مَا لَا يَجُوزُ ثَمَّةَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 614 فَصَحَّ اشْتِرَاكُ سِتَّةٍ فِي بَدَنَةٍ شُرِيَتْ لِقُرْبَةٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا. (وَتَجُوزُ الشَّاةُ) فِي الْحَجِّ فِي كُلِّ شَيْءٍ (إلَّا فِي طَوَافِ الرُّكْنِ جُنُبًا) أَوْ حَائِضًا (وَوَطْءٍ بَعْدَ الْوُقُوفِ) قَبْلَ الْحَلْقِ كَمَا مَرَّ (وَيَجُوزُ أَكْلُهُ) بَلْ يُنْدَبُ كَالْأُضْحِيَّةِ (مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ) إذَا بَلَغَ الْحَرَمَ (وَالْمُتْعَةَ وَالْقِرَانَ فَقَطْ)   [رد المحتار] وَلَا يَرِدُ عَلَى طَرْدِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ جَوَازِ إهْدَاءِ قِيمَةِ الْمَنْذُورِ فِي رِوَايَةٍ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةَ لِأَنَّ " مَا " وَاقِعَةٌ عَلَى الْحَيَوَانِ كَمَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ وَهُوَ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ، وَلَوْ سُلِّمَ فَتِلْكَ الرِّوَايَةُ مَرْجُوحَةٌ عَلَى أَنَّ الْقِيمَةَ قَدْ تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةَ كَمَا إذَا مَضَتْ أَيَّامُهَا وَلَمْ يُضَحِّ الْغَنِيُّ فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَصَحَّ اشْتِرَاكُ سِتَّةٍ) أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي الضَّحَايَا فَيَجُوزُ هُنَا لِمَا عَلِمْته مِنْ الْقَاعِدَةِ، وَاشْتِرَاكُ افْتِعَالُ، مَصْدَرُ الرُّبَاعِيِّ الْمُتَعَدِّي كَالِاخْتِصَاصِ وَالِاكْتِسَابِ وَهُوَ مُضَافٌ إلَى مَفْعُولِهِ أَيْ اشْتِرَاكُ وَاحِدٍ سِتَّةٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْأَصْلِ وَالْمَبْسُوطِ: فَإِنْ اشْتَرَى بَدَنَةً لِمُتْعَةٍ مَثَلًا ثُمَّ اشْتَرَكَ فِيهَا سِتَّةٌ بَعْدَ مَا أَوْجَبَهَا لِنَفْسِهِ خَاصَّةً لَا يَسَعُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْجَبَهَا صَارَ الْكُلُّ وَاجِبًا بَعْضُهَا بِإِيجَابِ الشَّرْعِ وَبَعْضُهَا بِإِيجَابِهِ؛ فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ وَإِنْ نَوَى أَنْ يُشْرِكَ فِيهَا سِتَّةً أَجْزَأَتْهُ لِأَنَّهُ مَا أَوْجَبَ الْكُلَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالشِّرَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ عِنْدَ الشِّرَاءِ وَلَكِنْ لَمْ يُوجِبْهَا حَتَّى شَرَكَ السِّتَّةَ جَازَ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الشِّرَاءِ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمْ بِأَمْرِ الْبَاقِينَ حَتَّى تَثْبُتَ الشَّرِكَةُ فِي الِابْتِدَاءِ. اهـ. وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَا أَوْجَبَ الْكُلَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالشِّرَاءِ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى إيجَابِهَا لِنَفْسِهِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِنَفْسِهِ أَوْ يَنْوِيَ بَعْدَهُ الْقُرْبَةَ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَيْ بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ وَتَخْصِيصِهَا لَهُ. إذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَالصُّوَرُ سِتَّةٌ: إمَّا أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِنَفْسِهِ خَاصَّةً، أَوْ يَشْتَرِيَهَا بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ يُعَيِّنَهَا لِنَفْسِهِ، أَوْ يَشْتَرِيَهَا بِلَا نِيَّةٍ وَلَمْ يُعَيِّنْهَا لِنَفْسِهِ، أَوْ يَشْتَرِيَهَا بِنِيَّةِ الشَّرِكَةِ أَوْ يَشْتَرِيَهَا مَعَ سِتَّةٍ، أَوْ يَشْتَرِيَهَا وَحْدَهُ بِأَمْرِهِمْ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ شُرِيَتْ لِقُرْبَةٍ لَا يَصْلُحُ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ هُوَ خَاصٌّ بِمَا عَدَا الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّفْصِيلُ مَحْمُولًا عَلَى الْفَقِيرِ لِأَنَّ الْغَنِيَّ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي أُضْحِيَّةِ الْبَدَائِعِ عَنْ الْأَصْلِ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً لِيُضَحِّيَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ فَأَشْرَكَ فِيهَا يُجْزِئُهُمْ وَالْأَحْسَنُ فِعْلُ ذَلِكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ قَالَ: وَهَذَا: أَيْ قَوْلُهُ يُجْزِئُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَنِيِّ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَعَيَّنْ، أَمَّا الْفَقِيرُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْرِكَ فِيهَا لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ بِالشِّرَاءِ لِلْأُضْحِيَّةِ فَتَعَيَّنَتْ اهـ. لَكِنْ سَوَّى فِي الْخَانِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْأُضْحِيَّةَ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا) فِي الْفَتْحِ عَنْ الْأَصْلِ وَالْمَبْسُوطِ: كُلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَنَاسِكِ جَازَ أَنْ يُشَارِكَ سِتَّةَ نَفَرٍ قَدْ وَجَبَتْ الدِّمَاءُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا مِنْ دَمِ مُتْعَةٍ وَإِحْصَارٍ وَجَزَاءِ صَيْدٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الْكُلُّ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ. اهـ. وَذَكَرَ نَحْوَهُ فِي الْبَحْرِ هُنَا، وَبِهِ يَظْهَرُ مَا فِي قَوْلِ الْبَحْرِ فِي الْقِرَانِ وَالْجِنَايَاتِ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ لَا يَكْفِي فِي الْجِنَايَاتِ بِخِلَافِ دَمِ الشُّكْرِ وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ أَوَّلَ بَابِ الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ فِي الْحَجِّ) أَيْ فِي كُلِّ دَمٍ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْحَجِّ كَدَمِ الشُّكْرِ وَالْجِنَايَةِ وَالْإِحْصَارِ وَالنَّفَلِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: فَلَا يَرِدُ أَنَّ مَنْ نَذَرَ بَدَنَةً أَوْ جَزُورًا لَا تُجْزِئُهُ الشَّاةُ (قَوْلُهُ إلَّا إلَخْ) أَيْ فَتَجِبُ فِيهِمَا بَدَنَةٌ وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا فِي الْحَجِّ لُبَابٌ. قَالَ شَارِحُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا مَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَأَوْصَى بِإِتْمَامِ الْحَجِّ تَجِبُ الْبَدَنَةُ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَجَازَ حَجُّهُ، وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجِبُ فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ ثُمَّ قَوْلُهُ فِي الْحَجِّ احْتِرَازٌ عَنْ الْعُمْرَةِ حَيْثُ لَا تَجِبُ الْبَدَنَةُ بِالْجِمَاعِ قَبْلَ أَدَاءِ رُكْنِهَا مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَلَا أَدَاءُ طَوَافِهَا بِالْجَنَابَةِ أَوْ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ اهـ (قَوْلُهُ قَبْلَ الْحَلْقِ) أَمَّا بَعْدَهُ فَفِي وُجُوبِهَا خِلَافٌ وَالرَّاجِحُ وُجُوبُ الشَّاةِ ط عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْجِنَايَاتِ ح (قَوْلُهُ كَالْأُضْحِيَّةِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ وَيُطْعِمَ الْأَغْنِيَاءَ الثُّلُثَ وَيَأْكُلَ وَيَدَّخِرَ الثُّلُثَ ح عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إذَا بَلَغَ الْحَرَمَ) قَيَّدَ بِهِ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ حِلَّ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِغَيْرِ الْفُقَرَاءِ مُقَيَّدٌ بِبُلُوغِهِ مَحَلَّهُ؛ وَأَفَادَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 615 وَلَوْ أَكَلَ مِنْ غَيْرِهَا ضَمِنَ مَا أَكَلَ (وَيَتَعَيَّنُ يَوْمُ النَّحْرِ) أَيْ وَقْتُهُ وَهُوَ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ (لِذَبْحِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ) فَقَطْ، فَلَمْ يُجْزِ قَبْلَهُ بَلْ بَعْدَهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ (وَ) يَتَعَيَّنُ (الْحَرَمُ) لَا مِنًى (لِلْكُلِّ لَا لِفَقِيرِهِ) لَكِنَّهُ أَفْضَلُ (وَيَتَصَدَّقُ بِجِلَالِهِ وَخِطَامِهِ) أَيْ زِمَامِهِ (وَلَمْ يُعْطَ أَجْرُ الْجَزَّارِ) أَيْ الذَّابِحِ (مِنْهُ) فَإِنْ أَعْطَاهُ ضَمِنَهُ، أَمَّا لَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ جَازَ   [رد المحتار] الْقَيْدِ لِأَنَّهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ الْحَرَمَ لَيْسَ بِهَدْيٍ فَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لِيُحْتَاجَ إلَى إخْرَاجِهِ. قَالَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إذَا بَلَغَ الْحَرَمَ فَالْقُرْبَةُ فِيهِ بِالْإِرَاقَةِ وَقَدْ حَصَلَتْ فَالْأَكْلُ بَعْدَ حُصُولِهَا، وَإِذَا لَمْ يَبْلُغْ فَهِيَ بِالتَّصَدُّقِ وَالْأَكْلُ يُنَافِيهِ اهـ. وَنَظَرَ فِيهِ فِي النَّهْرِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ النَّظَرِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ مَنْعُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى هَدْيًا قَبْلَ بُلُوغِهِ الْحَرَمَ، لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى - {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95]- يَدُلُّ عَلَى تَسْمِيَتِهِ هَدْيًا قَبْلَ بُلُوغِهِ، سَوَاءٌ قُدِّرَ بَالِغَ، صِفَةً أَوْ حَالًا مُقَدَّرَةً وَلِأَنَّ الْمُتَوَقِّفَ عَلَى بُلُوغِهِ الْحَرَمَ جَوَازُ الْأَكْلِ مِنْهُ وَإِطْعَامُ الْغَنِيِّ دُونَ كَوْنِهِ هَدْيًا، وَلِذَا لَا يَرْكَبُهُ فِي الطَّرِيقِ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَلَا يَحْلُبُهُ؛ وَلَوْ عَطِبَ أَوْ تَعَيَّبَ قَبْلَهُ نَحَرَهُ وَضَرَبَ صَفْحَةَ سَنَامِهِ بِدَمِهِ لَيُعْلَمَ أَنَّهُ هَدْيٌ لِلْفُقَرَاءِ فَلَا يَأْكُلُهُ غَنِيٌّ كَمَا يَأْتِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَكَلَ مِنْ غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مِنْ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا كَدِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ كُلِّهَا وَالنُّذُورِ وَهَدْيِ الْإِحْصَارِ وَالتَّطَوُّعِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ الْحَرَمَ، وَكَذَا لَوْ أَطْعَمَ غَنِيًّا، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ ضَمِنَ مَا أَكَلَ) أَيْ ضَمِنَ قِيمَتَهُ. وَفِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ: فَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ بِنَفْسِهِ بِأَنْ بَاعَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، بِأَنْ وَهَبَهُ لِغَنِيٍّ أَوْ أَتْلَفَهُ وَضَيَّعَهُ لَمْ يَجُزْ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ أَيْ ضَمَانُ قِيمَتِهِ لِلْفُقَرَاءِ إنْ كَانَ مِمَّا يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا. اهـ. وَفِيهِ كَلَامٌ يُعْلَمُ مِنْ الْبَحْرِ وَمِمَّا عَلَّقْنَاهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَيْ وَقْتُهُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَوْمِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ فَيَعُمُّ أَوْقَاتَ النَّحْرِ أَوْ هُوَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ ط (قَوْلُهُ فَقَطْ) أَيْ لَا يَتَعَيَّنُ غَيْرُهُمَا فِيهَا، وَمِنْهُ هَدْيُ التَّطَوُّعِ إذَا بَلَغَ الْحَرَمَ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَانٍ هُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ كَانَ ذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلَ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ خِلَافًا لِلْقُدُورِيِّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَلَمْ يُجْزِ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ الْإِجْزَاءِ (قَوْلُهُ بَلْ بَعْدَهُ) أَيْ بَلْ يُجْزِئُهُ بَعْدَهُ: أَيْ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ: أَيْ أَيَّامَهُ إلَّا أَنَّهُ تَارِكٌ لِلْوَاجِبِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِلتَّأْخِيرِ؛ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَعَدَمُ التَّأْخِيرِ سُنَّةٌ، حَتَّى لَوْ ذَبَحَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ بِالْحَلْقِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لَا مِنًى) أَيْ بَلْ يُسَنُّ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْهَدَايَا أَيَّامَ النَّحْرِ مِنًى وَفِي غَيْرِ أَيَّامِ النَّحْرِ فَمَكَّةُ هِيَ الْأَوْلَى شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ لِلْكُلِّ) بَيَانٌ لِكَوْنِ الْهَدْيِ مُؤَقَّتًا بِالْمَكَانِ سَوَاءٌ كَانَ دَمَ شُكْرٍ أَوْ جِنَايَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى مِنْ النَّعَمِ إلَى الْحَرَمِ وَدَخَلَ فِيهِ الْهَدْيُ الْمَنْذُورُ، بِخِلَافِ الْبَدَنَةِ الْمَنْذُورَةِ فَلَا تَتَقَيَّدُ بِالْحَرَمِ عِنْدَهُمَا. وَقَاسَهَا أَبُو يُوسُفَ عَلَى الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ لَا لِفَقِيرِهِ) الْمَعْطُوفُ مَحْذُوفٌ تَعَلَّقَ بِهِ الْمَجْرُورُ وَالتَّقْدِيرُ لَا التَّصَدُّقُ لِفَقِيرِهِ وَاللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ ح الصَّوَابُ لَا فَقِيرُهُ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْحَرَمِ ط (قَوْلُهُ فَإِنْ أَعْطَاهُ ضَمِنَهُ) أَيْ إنْ أَعْطَاهُ بِلَا شَرْطٍ، أَمَّا لَوْ شَرَطَهُ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي اللُّبَابِ. قَالَ شَارِحُهُ: وَتَوْضِيحُ مَا قَالَهُ الطَّرَابُلُسِيُّ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ إعْطَاءَهُ مِنْهُ يَبْقَى شَرِيكًا لَهُ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ الْكُلُّ لِقَصْدِهِ اللَّحْمَ. اهـ. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ صَيْرُورَتَهُ شَرِيكًا فَرْعُ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ وَسَيَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ لِآخَرَ غَزْلًا لِيَنْسِجَهُ لَهُ بِنِصْفِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَ بَغْلًا لِيَحْمِلَ طَعَامَهُ بِبَعْضِهِ أَوْ ثَوْرًا لِيَطْحَنَ بُرَّهُ بِبَعْضِ دَقِيقِهِ فَسَدَتْ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِجُزْءٍ مِنْ عَمَلِهِ، وَحَيْثُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ مِنْ الدَّرَاهِمِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَيْضًا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَجِبَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ دَرَاهِمَ، وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ اللَّحْمِ فَلَمْ يَصِرْ شَرِيكًا فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 616 (وَلَا يَرْكَبُهُ) مُطْلَقًا (بِلَا ضَرُورَةٍ) فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى الرُّكُوبِ ضَمِنَ مَا نَقَصَ بِرُكُوبِهِ وَحَمْلِ مَتَاعِهِ وَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. فَإِنْ أَطْعَمَ مِنْهُ غَنِيًّا ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَبْسُوطٌ. وَلَا يَحْلِبُهُ (وَيَنْضَحُ ضَرْعَهَا بِالْمَاءِ الْبَارِدِ) لَوْ الْمَذْبَحُ قَرِيبًا وَإِلَّا حَلَبَهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ (أَوْ يُقِيمُ بَدَلَ هَدْيٍ وَجَبَ أَوْ عَطِبَ أَوْ تَعَيَّبَ بِمَا يَمْنَعُ) الْأُضْحِيَّةَ (وَصَنَعَ بِالْمَعِيبِ مَا شَاءَ، وَلَوْ) كَانَ الْمَعِيبُ (تَطَوُّعًا نَحَرَهُ وَصَبَغَ قِلَادَتَهُ) بِدَمِهِ (وَضَرَبَ بِهِ صَفْحَةَ سَنَامِهِ) لِيُعْلَمَ أَنَّهُ هَدْيٌ لِلْفُقَرَاءِ وَلَا يَطْعَمُ (وَلَا يُطْعِمُ مِنْهُ غَنِيًّا) لِعَدَمِ بُلُوغِهِ مَحِلَّهِ   [رد المحتار] ثُمَّ رَأَيْت فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَا نَصُّهُ: وَالْبِضْعَةُ الَّتِي جُعِلَتْ أُجْرَةً بِمَنْزِلَةِ قَفِيزِ الطَّحَّانِ لِأَنَّهَا مِنْ مَنَافِعِ عَمَلِهِ فَلَا تَكُونُ أُجْرَةً. اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ مِنْهَا جَازَ، ولَوْ أَعْطَاهُ شَيْئًا بِجِزَارَتِهِ ضَمِنَهُ. فَعُلِمَ أَنَّ كَلَامَهُ الْأَوَّلَ فِيمَا لَوْ شَرَطَ الْأُجْرَةَ مِنْهَا وَالْأَخِيرُ فِيمَا لَوْ لَمْ يَشْرِطْهُ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَا يَرْكَبُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ أَوْ لَا نَهْرٌ، قَالَ وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِحُرْمَتِهِ (قَوْلُهُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ) نَقَلَ ذَلِكَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ وَالْبُرْجُنْدِيِّ وَالْهِدَايَةِ وَكَافِي النَّسَفِيِّ وَكَافِي الْحَاكِمِ، وَمِثْلُهُ فِي اللُّبَابِ. فَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا إنْ نَقَصَتْ بِرُكُوبِهِ لِضَرُورَةٍ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْمَنْقُولِ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَطْعَمَ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا ضَمِنَهُ مِنْ النَّقْصِ، وَقَوْلُهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَصِحُّ عَلَى غَنِيٍّ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ: لَوْ رَكِبَهَا أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا فَنَقَصَتْ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ لِأَنَّ جَوَازَ الِانْتِفَاعِ بِهَا لِلْأَغْنِيَاءِ مُعَلَّقٌ بِبُلُوغِ الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ وَيَنْضَحُ) أَيْ بِرَشٍّ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا بَحْرٌ، وَفَائِدَتُهُ قَطْعُ اللَّبَنِ (قَوْلُهُ لَوْ الْمَذْبَحُ قَرِيبًا) مَفْعَلُ بِمَعْنَى الزَّمَانِ: أَيْ زَمَانِ الذَّبْحِ، لِقَوْلِهِمْ: هَذَا إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الذَّبْحِ ح وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: لَوْ الذَّبْحُ بِدُونِ مِيمٍ، وَهَذَا أَوْلَى لِيَشْمَلَ. مَا قَرُبَ وَقْتُهُ وَمَكَانُهُ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْحَرَمِ وَلَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي خَارِجِهِ وَدَخَلَ وَقْتُهُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ كُلٌّ مِنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فِي الْمَصْدَرِ الْمِيمِيِّ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَيَيْهِ، أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ (قَوْلُهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ) أَيْ عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَإِنْ صَرَفَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ أَوْ دَفَعَهُ لِغَنِيٍّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ أَيْ فَيَتَصَدَّقُ بِمِثْلِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَيُقِيمُ إلَخْ) لِأَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَ مُوسِرًا أَمَّا إذَا كَانَ مُعْسِرًا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ الْمَعِيبُ لِأَنَّ الْمُعْسِرَ لَمْ يَتَعَلَّقْ الْإِيجَابُ بِذِمَّتِهِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا عَيَّنَهُ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ وَاجِبٌ) هَلْ يَدْخُلُ فِيهِ هُنَا مَا لَوْ نَذَرَ شَاةً مُعَيَّنَةً فَهَلَكَتْ فَيَلْزَمُهُ غَيْرُهَا أَوْ لَا لِكَوْنِ الْوَاجِبَةِ فِي الْعَيْنِ لَا فِي الذِّمَّةِ بَحْرٌ. وَالظَّاهِرُ الثَّانِي كَمَا يُفِيدُهُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ السِّرَاجِ وَمَا نَنْقُلُهُ عَنْهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ عَطِبَ أَوْ تَعَيَّبَ) أَيْ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى مَحَلِّهِ مِنْ الْحَرَمِ أَوْ زَمَانِهِ الْمُعَيَّنِ لَهُ شَرْحُ اللُّبَابِ وَالْعَطَبُ الْهَلَاكُ وَبَابُهُ عَلِمَ. (قَوْلُهُ بِمَا يَمْنَعُ الْأُضْحِيَّةَ) كَالْعَرَجِ وَالْعَمَى ط عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ مَا شَاءَ) أَيْ مِنْ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَعِيبُ) خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ مَا عَطِبَ لَا يُمْكِنُ ذَبْحُهُ وَلَمَّا فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْهِدَايَةِ فِي الْمَعْطُوبِ قَالَ فِي الْفَتْحِ الْمُرَادُ بِالْعَطَبِ الْأَوَّلِ حَقِيقَتُهُ وبِالثَّانِي الْقُرْبُ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَطَبِ لَا يُمْكِنُ وُصُولُهُ إلَى الْحَرَمِ فَيَنْحَرُهُ فِي الطَّرِيقِ، بِخِلَافِ الْمَعِيبِ الَّذِي لَمْ يَصِلْ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّهُ إذَا أَمْكَنَ سَوْقُهُ لَا دَاعِي لِنَحْرِهِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ بَلْ يَذْبَحُهُ فِيهِ، فَفِي التَّعْبِيرِ بِالْمَعِيبِ إبْهَامٌ (قَوْلُهُ نَحَرَهُ إلَخْ) أَيْ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِذِمَّتِهِ، كَمَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ وَأَشَارَ إلَى عَيْنِهَا فَتَلِفَتْ سَقَطَ الْوُجُوبُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُهَا سِرَاجٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَطْعَمُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ بَابِ عَلِمَ أَيْ لَا يَأْكُلُ ح، فَإِنْ أَكَلَ أَوْ أَطْعَمَ غَنِيًّا ضَمِنَ لُبَابٌ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ بُلُوغِهِ مَحَلَّهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِتَنَاوُلِهِ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ بُلُوغِهِ مَحَلَّهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا إلَّا أَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَتْرُكَهُ جُزُرًا لِلسِّبَاعِ. وَفِيهِ نَوْعُ تَقَرُّبٍ وَالتَّقَرُّبُ هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 617 (وَيُقَلِّدُ) نَدْبًا بَدَنَةَ (التَّطَوُّعِ) وَمِنْهُ النَّذْرُ (وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ فَقَطْ) لِأَنَّ الِاشْتِهَارَ بِالْعِبَادَةِ أَلْيَقُ وَالسِّتْرُ بِغَيْرِهِمَا أَحَقُّ. (شَهِدُوا) بَعْدَ الْوُقُوفِ (بِوُقُوفِهِمْ بَعْدَ وَقْتِهِ لَا نَقْبَلُ) شَهَادَتَهُمْ وَالْوُقُوفُ صَحِيحٌ اسْتِحْسَانًا حَتَّى الشُّهُودُ لِلْحَرَجِ الشَّدِيدِ (وَقَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ وَقْتِهِ (قُبِلَتْ إنْ أَمْكَنَ التَّدَارُكُ) لَيْلًا مَعَ أَكْثَرِهِمْ وَإِلَّا لَا (رَمَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي)   [رد المحتار] الْمَقْصُودُ (قَوْلُهُ بَدَنَةَ التَّطَوُّعِ) قَيَّدَ بِالْبَدَنَةِ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ تَقْلِيدُ الشَّاةِ وَلَا تُقَلَّدُ عَادَةً بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ النَّذْرُ) لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ بِإِيجَابِ الْعَبْدِ كَانَ تَطَوُّعًا أَيْ لَيْسَ بِإِيجَابِ الشَّارِعِ ابْتِدَاءً بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَقَطْ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا يُقَلِّدُ دَمَ الْجِنَايَاتِ وَلَا دَمَ الْإِحْصَارِ لِأَنَّهُ جَابِرٌ فَيَلْحَقُ بِجِنْسِهَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ قَلَّدَهُ لَا يَضُرُّ بَحْرٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ. [فَرْعٌ] كُلُّ مَا يُقَلَّدُ يَخْرُجُ إلَى عَرَفَاتٍ، وَمَا لَا فَلَا، وَيُذْبَحُ فِي الْحَرَمِ؛ وَلَوْ تَرَكَ التَّعْرِيفَ بِمَا يُقَلَّدُ لَا بَأْسَ بِهِ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ شَهِدُوا إلَخْ) بَيَانُهُ مَا فِي اللُّبَابِ إذَا الْتَبَسَ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَوَقَفُوا بَعْدَ إكْمَالِ ذِي الْقَعْدَةِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ تَبَيَّنَ بِشَهَادَةٍ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ فَوُقُوفُهُمْ صَحِيحٌ وَحَجُّهُمْ تَامٌّ، وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى الشُّهُودَ) أَيْ حَجُّهُمْ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ النَّحْرِ؛ حَتَّى لَوْ وَقَفُوا عَلَى رُؤْيَتِهِمْ لَمْ يَجُزْ وُقُوفُهُمْ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُعِيدُوا الْوُقُوفَ مَعَ الْإِمَامِ، وَإِنْ لَمْ يُعِيدُوا فَقَدْ فَاتَهُمْ الْحَجُّ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُحِلُّوا بِالْعُمْرَةِ وَقَضَاءُ الْحَجِّ مِنْ قَابِلٍ كَمَا فِي اللُّبَابِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ لِلْحَرَجِ الشَّدِيدِ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ أَيْ لِأَنَّ فِيهِ بَلْوَى عَامَّةً لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَالتَّدَارُكُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَفِي الْأَمْرِ بِالْإِعَادَةِ حَرَجٌ بَيِّنٌ فَوَجَبَ أَنْ يُكْتَفَى بِهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ يَزُولَ الِاشْتِبَاهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَبْلَهُ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ شَهِدُوا بَعْدَ الْوُقُوفِ بِوُقُوفِهِمْ قَبْلَ وَقْتِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَقَوْلُهُ إنْ أَمْكَنَ التَّدَارُكُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا أَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي وَقَفُوا فِيهِ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَلَا شَكَّ أَنَّ التَّدَارُكَ بِأَنْ يَقِفُوا يَوْمَ عَرَفَةَ مُمْكِنٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ كَمَالٍ. وَاعْتَرَضَ قَوْلَ الْهِدَايَةِ فِي الْجُمْلَةِ إلَخْ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ. قُلْت: لَكِنَّ اعْتِرَاضَهُ سَاقِطٌ لِأَنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ بِأَنْ يَزُولَ الِاشْتِبَاهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا يَوْمَ عَرَفَةَ وَزَالَ الِاشْتِبَاهُ بِشَهَادَتِهِمْ يُمْكِنُ تَدَارُكُ الْوُقُوفِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدُوا يَوْمَ النَّحْرِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّدَارُكُ، فَلَمَّا أَمْكَنَ التَّدَارُكُ هُنَا فِي الْجُمْلَةِ أَيْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ بِأَنَّهُمْ وَقَفُوا بَعْدَ يَوْمِهِ فَإِنَّ التَّدَارُكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ أَصْلًا فَلِذَا لَمْ تُقْبَلْ، وَمُقْتَضَى هَذَا الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّهُ إذَا شَهِدُوا بِالْوُقُوفِ قَبْلَ وَقْتِهِ أَنْ تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ التَّدَارُكُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمْكَنَ التَّدَارُكُ فِي بَعْضِ صُوَرِهَا صَارَ لِقَبُولِهَا مَحَلٌّ فَقُبِلَتْ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ بِالْوُقُوفِ بَعْدَ وَقْتِهِ فَإِنَّهُ حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ التَّدَارُكُ فِيهَا أَصْلًا لَمْ يَكُنْ لِقَبُولِهَا مَحَلٌّ. ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ حَيْثُ قَالَ فِي تَوْجِيهِ الْقِيَاسِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: وَلِهَذَا لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ لَا يُجْزِئُهُمْ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِذَلِكَ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ هُنَاكَ أَنْ تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ وَلَا يَصِحُّ الْحَجُّ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ التَّدَارُكُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا بِوُقُوفِهِمْ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ، فَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ قُبِلَتْ إنْ أَمْكَنَ التَّدَارُكُ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ الشَّهَادَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ مَقْبُولَةٌ مُطْلَقًا، نَعَمْ ذَكَرُوا هَذَا التَّقْيِيدَ فِي مَسْأَلَةٍ ثَالِثَةٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ بَقِيَ هُنَا مَسْأَلَةٌ ثَالِثَةٌ، وَهِيَ مَا إذَا شَهِدُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَالنَّاسُ بِمِنًى أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ يُنْظَرُ فَإِنْ أَمْكَنَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ مَعَ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ نَهَارًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْوُقُوفِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 618 أَوْ الثَّالِثِ أَوْ الرَّابِعِ (الْوُسْطَى وَالثَّالِثَةَ وَلَمْ يَرْمِ الْأُولَى؛ فَعِنْدَ الْقَضَاءِ إنْ رَمَى الْكُلَّ) بِالتَّرْتِيبِ (حَسَنٌ، وَإِنْ قَضَى الْأُولَى جَازَ) لِسُنِّيَّةِ التَّرْتِيبِ. (نَذَرَ) الْمُكَلَّفُ (حَجًّا مَاشِيًا مَشَى) مِنْ مَنْزِلِهِ وُجُوبًا فِي الْأَصَحِّ (حَتَّى يَطُوفَ الْفَرْضَ) لِانْتِهَاءِ الْأَرْكَانِ، وَلَوْ رَكِبَ فِي كُلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ لَزِمَهُ دَمٌ، وَفِي أَقَلِّهِ بِحِسَابِهِ؛ وَلَوْ نَذَر الْمَشْيَ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ غَيْرِهِمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (اشْتَرَى مُحْرِمَةً) وَلَوْ (بِالْإِذْنِ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا) بِلَا كَرَاهَةٍ لِعَدَمِ خُلْفِ وَعْدِهِ (بِقَصِّ شَعْرِهَا أَوْ بِقَلْمِ ظُفْرِهَا) أَوْ بِمَسِّ طَيِّبٍ (ثُمَّ يُجَامِعُ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّحْلِيلِ بِجِمَاعٍ) وَكَذَا لَوْ نَكَحَ حُرَّةً مُحْرِمَةً بِنَفْلٍ بِخِلَافِ الْفَرْضِ إنْ لَهَا مَحْرَمٌ وَإِلَّا فَهِيَ مُحْصَرَةٌ فَلَا تَتَحَلَّلُ إلَّا بِالْهَدْيِ. وَلَوْ أَذِنَ لِامْرَأَتِهِ بِنَفْلٍ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ لِمِلْكِهَا مَنَافِعَهَا وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ إلَّا إذَا أَذِنَ لِأَمَتِهِ فَلَيْسَ لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا. [فُرُوعٌ] حَجُّ الْغَنِيِّ أَفْضَلُ مِنْ حَجِّ الْفَقِيرِ.   [رد المحتار] فَإِنْ لَمْ يَقِفُوا عَشِيَّةً فَاتَهُمْ الْحَجُّ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقِفَ مَعَهُمْ لَيْلًا لَا نَهَارًا فَكَذَلِكَ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقِفَ لَيْلًا مَعَ أَكْثَرِهِمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَقِفُوا مِنْ الْغَدِ اسْتِحْسَانًا، وَالشُّهُودُ فِي هَذَا كَغَيْرِهِمْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْبَلَ فِي هَذَا شَهَادَةَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ. فَإِنْ قُلْت: فَهَلْ يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ. قُلْت: يُمْكِنُ بِتَكَلُّفٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ وَقَبْلَهُ ظَرْفًا لَشَهِدُوا لَا لِوُقُوفِهِمْ وَيُجْعَلَ الْمَشْهُودُ بِهِ مَحْذُوفًا، فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ: وَلَوْ شَهِدُوا قَبْلَ وُقُوفِهِمْ بِأَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ قُبِلَتْ إنْ أَمْكَنَ التَّدَارُكُ إلَخْ. وَاقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى إمْكَانِ التَّدَارُكِ لَيْلًا لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ إمْكَانِهِ نَهَارًا يُفْهِمُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ بِالْأَوْلَى؛ فَافْهَمْ وَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْمُفْرَدَ. [تَتِمَّةٌ] قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَلَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ فَيَلْزَمُ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ أَهْلَ الْمَشْرِقِ؛ وَإِذَا ثَبَتَ فِي مِصْرٍ لَزِمَ سَائِرَ النَّاسِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بَلَدٍ مَطْلَعُ بَلَدِهِمْ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ كَثِيرَةٌ وَقُدِّرَ الْكَثِيرُ بِالشَّهْرِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي الصَّوْمِ؛ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ هُنَا اعْتِبَارُ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ لِمَا عَلِمْته مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ الثَّالِثِ أَوْ الرَّابِعِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْيَوْمَ الثَّانِيَ مِثَالٌ لِمَا يَتَكَرَّرُ فِيهِ الرَّمْيُ، فَهُوَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا رَمْيَ فِيهِ إلَّا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ (قَوْلُهُ حَسَنٌ) الْأَوْلَى فَحَسَنٌ بِالْفَاءِ: أَيْ هُوَ مَسْنُونٌ، لِقَوْلِهِ لِسُنِّيَّةِ التَّرْتِيبِ. ثُمَّ إنْ رَمَى فِي وَقْتِ الرَّمْيِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى الثَّانِي كَانَ عَلَيْهِ بِتَأْخِيرِ الْجَمْرَةِ الْوَاحِدَةِ سَبْعُ صَدَقَاتٍ لِأَنَّهَا أَقَلُّ رَمْيِ يَوْمِهَا، وَإِنْ أَخَّرَ الْكُلَّ أَوْ إحْدَى عَشْرَةَ حَصَاةً الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ رَمْيِ الْيَوْمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَلَا شَيْءَ بِالتَّأْخِيرِ عِنْدَهُمَا رَحْمَتِيٌّ فَافْهَمْ وَقَدَّمْنَا فِي بَحْثِ الرَّمْيِ أَنَّ رَمْيَ كُلِّ يَوْمٍ فِيهِ أَوْ فِي لَيْلَةٍ تَلِيهِ سِوَى الْيَوْمِ الرَّابِعِ أَدَاءٌ، وَفِي الْيَوْمِ الَّذِي يَلِيهِ قَضَاءٌ فِيهِ الْجَزَاءُ، وَبِغُرُوبِ شَمْسِ الرَّابِعِ فَاتَ وَقْتُ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَلَزِمَ الْجَزَاءُ (قَوْلُهُ لِسُنِّيَّةِ التَّرْتِيبِ) هُوَ الْمُخْتَارُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ وَاجِبٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَحْثِ الرَّمْيِ (قَوْلُهُ وُجُوبًا) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ مَشَى وَلِقَوْلِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ، وَقَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ رَاجِعٌ لِلْوُجُوبِ فِيهِمَا، وَمُقَابِلُ الْأَوَّلِ رِوَايَةُ الْأَصْلِ: أَيْ الْمَبْسُوطِ لِمُحَمَّدٍ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ وَرِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الرُّكُوبَ أَفْضَلُ، وَمُقَابِلُ الثَّانِي الْقَوْلُ بِأَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ ابْتِدَاءِ الْمَشْيِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مِنْ مَحَلٍّ يُحْرِمُ مِنْهُ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَجِّ الْإِحْرَامُ وَانْتِهَاءَهُ طَوَافُ الزِّيَارَةِ فَيَلْزَمُهُ بِقَدْرِ مَا الْتَزَمَ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ التَّصْحِيحُ الْأَوَّلُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَوْ أَنَّ بَغْدَادِيًّا قَالَ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَعَلَيَّ أَنْ أَحُجَّ مَاشِيًا فَلَقِيَهُ بِالْكُوفَةِ فَكَلَّمَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ مِنْ بَغْدَادَ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ. [تَنْبِيهٌ] صَرِيحُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّ الْحَجَّ مَاشِيًا أَفْضَلُ مِنْهُ رَاكِبًا خِلَافًا لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ كِتَابِ الْحَجِّ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ حَتَّى يَطُوفَ الْفَرْضَ) وَفِي النَّذْرِ بِالْعُمْرَةِ حَتَّى يَحْلِقَ لُبَابٌ. قَالَ شَارِحُهُ: وَقِيَاسُهُ فِي الْحَجِّ أَنْ يُقَيَّدَ بِحَلْقِهِ قَبْلَ الطَّوَافِ أَوْ بَعْدَهُ لِيَخْرُجَ عَنْ إحْرَامِهِ. اهـ. قُلْت: لَكِنَّ مُجَرَّدَ الطَّوَافِ فِي الْحَجِّ إحْلَالٌ عَنْ غَيْرِ النِّسَاءِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي أَقَلِّهِ بِحِسَابِهِ) أَيْ يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِقَدْرِهِ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ الْوَسَطِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِعَدَمِ الْعُرْفِ بِالْتِزَامِ النُّسُكِ بِهِ وَلِأَنَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ يَجُوزُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 619 حَجُّ الْفَرْضِ أَوْلَى مِنْ طَاعَةِ الْوَالِدَيْنِ،   [رد المحتار] دُخُولُهُ بِلَا إحْرَامٍ فَلَمْ يَصِرْ بِهِ مُلْتَزِمًا لِلْإِحْرَامِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ اشْتَرَى مُحْرِمَةً) وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا مُحْرِمًا لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِالْإِذْنِ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ مُحْرِمَةً بِإِذْنِ الْبَائِعِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ خُلْفِ وَعْدِهِ) أَيْ وَعْدِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ مَا وَعَدَهَا، بِخِلَافِ الْبَائِعِ لَوْ أَذِنَ لَهَا فَإِنَّهُ كَانَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بِقَصِّ شَعْرِهَا إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ التَّحْلِيلُ بِقَوْلِهِ حَلَلْتُكِ بَلْ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهَا بِأَمْرِهِ كَالِامْتِشَاطِ بِأَمْرِهِ بَحْرٌ. قُلْت: وَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ تَحْلِيلُهَا عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ، بَلْ تَخْرُجُ مِنْ الْإِحْرَامِ بِمُجَرَّدِ مَا هُوَ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ. وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ مَنْ فَسَدَ حَجُّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْأَفْعَالِ، وَيَلْزَمُهُ التَّحَلُّلُ بِهَا كَمَا تَوَهَّمَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي الْجِنَايَاتِ لِلْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَ الْمَأْمُورِ بِالرَّفْضِ وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ؟ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِحَجَّيْنِ لَزِمَهُ رَفْضُ أَحَدِهِمَا وَيَتَحَلَّلُ مِنْهُ بِالْحَلْقِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَفْعَالُهُ وَكَذَا الْمُحْصَرُ بِعَدُوٍّ أَوْ مَرَضٍ يَتَحَلَّلُ بِالْهَدْيِ فَكَذَا هُنَا فَإِنَّ الْأَمَةَ مَمْنُوعَةٌ عَنْ الْمُضِيِّ لِحَقِّ الْمَوْلَى وَمِثْلُهَا الزَّوْجَةُ، أَمَّا مَنْ فَسَدَ حَجُّهُ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْمُضِيِّ فِي فَاسِدِهِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي الْجِنَايَاتِ فَافْهَمْ. وَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ تَحْلِيلُهُمَا عَلَى الْهَدْيِ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِمَا بَعْدُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي اللُّبَابِ، فَعَلَيْهِمَا إرْسَالُ هَدْيٍ وَحَجٌّ وَعُمْرَةٌ إنْ كَانَ إحْرَامُهُمَا بِالْحَجِّ، وَعُمْرَةٌ إنْ كَانَ بِالْعُمْرَةِ وَذَلِكَ عَلَى الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ بَابِ الْإِحْصَارِ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَوْلَى إلَخْ) لِأَنَّ الْجِمَاعَ أَعْظَمُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ حَتَّى تَعَلَّقَ بِهِ الْفَسَادُ بَحْرٌ. وَذَكَرَ بَعْدَهُ أَنَّ جِمَاعَهَا تَحْلِيلٌ لَهَا إنْ عَلِمَ بِإِحْرَامِهَا وَإِلَّا فَلَا وَفَسَدَ حَجُّهَا (قَوْلُهُ وَكَذَا) أَيْ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا، وَلَا يَتَأَخَّرُ تَحْلِيلُهُ إيَّاهَا إلَى ذَبْحِ الْهَدْيِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ إنْ لَهَا مَحْرَمٌ) فَإِنَّهَا اسْتَجْمَعَتْ حِينَئِذٍ شَرَائِطَ الْوُجُوبِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا ح (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَحْرَمٌ (قَوْلُهُ فَهِيَ مُحْصَرَةٌ) لِعَدَمِ الْمَحْرَمِ، فَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا لِعَدَمِ وُجُوبِ خُرُوجِهِ مَعَهَا فَكَانَتْ مُحْصَرَةً شَرْعًا (قَوْلُهُ فَلَا تَتَحَلَّلُ إلَّا بِالْهَدْيِ) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا مِنْ سَاعَتِهِ كَمَا فِي حَجِّ النَّفْلِ، بَلْ يَتَأَخَّرُ تَحْلِيلُهُ إيَّاهَا إلَى ذَبْحِ الْهَدْيِ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ وَعَزَاهُ فِي الْمَنْسَكِ الْكَبِيرِ إلَى الْكَرْخِيِّ وَالْمَبْسُوطِ، وَعَزَا إلَى الْأَصْلِ أَنَّ لِلزَّوْجِ تَحْلِيلَهَا بِلَا هَدْيٍ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، فَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ) لِأَنَّهَا حُرَّةٌ مِنْ وَجْهٍ ط (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ) فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بَعْدَ الْإِذْنِ لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا مَنَافِعَهَا وَهِيَ لَا تَمْلِكُ فَيَكُونُ الْأَمْرُ إلَيْهِ ط، لَكِنَّهُ يُكْرَهُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَذِنَ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ ط (قَوْلُهُ فَلَيْسَ لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا) وَذَلِكَ لِأَنَّهَا فِي تَصَرُّفِ السَّيِّدِ بَعْدَ زَوَاجِهَا، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَبْوِئَتُهَا ط. وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ لَعَلَّ هَذَا إذَا لَمْ يُبَوِّئْهَا [فُرُوعٌ فِي الْحَجُّ] (قَوْلُهُ حَجُّ الْغَنِيِّ أَفْضَلُ مِنْ حَجِّ الْفَقِيرِ) لِأَنَّ الْفَقِيرَ يُؤَدِّي الْفَرْضَ مِنْ مَكَّةَ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي ذَهَابِهِ وَفَضِيلَةُ الْفَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ فَضِيلَةِ التَّطَوُّعِ ح عَنْ الْمِنَحِ. وَهَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ فِي حَجِّ الْفَرْضِ كَمَا قَالَهُ ط وَفِيمَا إذَا أَحْرَمَا مِنْ الْمِيقَاتِ؛ أَمَّا لَوْ أَحْرَمَا مِنْ بَلَدِهِمَا فَقَدْ تَسَاوَيَا فِي وُجُوبِ الذَّهَابِ (قَوْلُهُ حَجُّ الْفَرْضِ أَوْلَى مِنْ طَاعَةِ الْوَالِدَيْنِ) لِأَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَكِنْ هَذَا إذَا لَمْ يَضِيعَا بِسَفَرِهِ لِمَا قَدَّمَهُ أَوَّلَ الْحَجِّ أَنَّهُ يُكْرَهُ بِلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 620 بِخِلَافِ النَّفْلِ. بِنَاءُ الرِّبَاطِ أَفْضَلُ مِنْ حَجِّ النَّفْلِ. وَاخْتُلِفَ فِي الصَّدَقَةِ وَرَجَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَفْضَلِيَّةَ الْحَجِّ لِمَشَقَّتِهِ فِي الْمَالِ وَالْبَدَنِ جَمِيعًا، قَالَ: وَبِهِ أَفْتَى أَبُو حَنِيفَةَ حِينَ حَجَّ وَعَرَفَ الْمَشَقَّةَ. لِوَقْفَةِ الْجُمُعَةَ مَزِيَّةُ سَبْعِينَ حَجَّةٍ. وَيُغْفَرُ فِيهَا لِكُلِّ فَرْدٍ بِلَا وَاسِطَةٍ. ضَاقَ وَقْتُ الْعِشَاءِ وَالْوُقُوفِ يَدَعُ الصَّلَاةَ وَيَذْهَبُ لِعَرَفَةَ لِلْحَرَجِ.   [رد المحتار] إذْنٍ مِمَّنْ يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ أَيْ كَأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ الْمُحْتَاجِ إلَى خِدْمَتِهِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْأَجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ كَالْأَبَوَيْنِ عِنْدَ فَقْدِهِمَا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ النَّفْلِ) أَيْ فَإِنَّ طَاعَتَهُمَا أَوْلَى مِنْهُ مُطْلَقًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ عَنْ الْمُلْتَقَطِ [مَطْلَبٌ فِي تَفْضِيلِ الْحَجِّ عَلَى الصَّدَقَةِ] ِ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَفْضَلِيَّةَ الْحَجِّ) حَيْثُ قَالَ الصَّدَقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ تَطَوُّعًا، كَذَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ لَكِنَّهُ لَمَّا حَجَّ وَعَرَفَ الْمَشَقَّةَ أَفْتَى بِأَنَّ الْحَجَّ أَفْضَلُ، وَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَوْ حَجَّ نَفْلًا وَأَنْفَقَ أَلْفًا فَلَوْ تَصَدَّقَ بِهَذِهِ الْأَلْفِ عَلَى الْمَحَاوِيجِ فَهُوَ أَفْضَلُ لَا أَنْ يَكُونَ صَدَقَةً فَلَيْسَ أَفْضَلَ مِنْ إنْفَاقِ أَلْفٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمَشَقَّةُ فِي الْحَجِّ لَمَّا كَانَتْ عَائِدَةً إلَى الْمَالِ وَالْبَدَنِ جَمِيعًا فُضِّلَ فِي الْمُخْتَارِ عَلَى الصَّدَقَةِ. اهـ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ، فَمَا كَانَتْ الْحَاجَةُ فِيهِ أَكْثَرَ وَالْمَنْفَعَةُ فِيهِ أَشْمَلَ فَهُوَ الْأَفْضَلُ كَمَا وَرَدَ «حَجَّةٌ أَفْضَلُ مِنْ عَشْرِ غَزَوَاتٍ» وَوَرَدَ عَكْسُهُ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا كَانَ أَنْفَعَ، فَإِذَا كَانَ أَشْجَعَ وَأَنْفَعَ فِي الْحَرْبِ فَجِهَادُهُ أَفْضَلُ مِنْ حَجِّهِ، أَوْ بِالْعَكْسِ فَحَجُّهُ أَفْضَلُ، وَكَذَا بِنَاءُ الرِّبَاطِ إنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ الصَّدَقَةِ وَحَجِّ النَّفْلِ وَإِذَا كَانَ الْفَقِيرُ مُضْطَرًّا أَوْ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ أَوْ مِنْ آلِ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ يَكُونُ إكْرَامُهُ أَفْضَلَ مِنْ حَجَّاتٍ وَعُمَرَ وَبِنَاءِ رُبُطٍ. كَمَا حَكَى فِي الْمُسَامَرَاتِ عَنْ رَجُلٍ أَرَادَ الْحَجَّ فَحَمَلَ أَلْفَ دِينَارٍ يَتَأَهَّبُ بِهَا فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فِي الطَّرِيقِ وَقَالَتْ لَهُ إنِّي مِنْ آلِ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِي ضَرُورَةٌ فَأَفْرَغَ لَهَا مَا مَعَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ حُجَّاجُ بَلَدِهِ صَارَ كُلَّمَا لَقِيَ رَجُلًا مِنْهُمْ يَقُولُ لَهُ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْك، فَتَعَجَّبَ مِنْ قَوْلِهِمْ، فَرَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَوْمِهِ وَقَالَ لَهُ: تَعَجَّبْت مِنْ قَوْلِهِمْ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْك؟ قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ قَالَ: إنَّ اللَّهَ خَلَقَ مَلَكًا عَلَى صُورَتِك حَجَّ عَنْك؛ وَهُوَ يَحُجُّ عَنْك إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِإِكْرَامِك لِامْرَأَةٍ مُضْطَرَّةٍ مِنْ آلِ بَيْتِي؛ فَانْظُرْ إلَى هَذَا الْإِكْرَامِ الَّذِي نَالَهُ لَمْ يَنَلْهُ بِحَجَّاتٍ وَلَا بِبِنَاءِ رُبُطٍ. [مَطْلَبٌ فِي فَضْلِ وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ] ِ (قَوْلُهُ لَوَقْفَةُ الْجُمُعَةِ إلَخْ) فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ: «أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ إذَا وَافَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؛ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةٍ فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ» ؛ رَوَاهُ رَزِينُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فِي تَجْرِيدِ الصِّحَاحِ اهـ لَكِنْ نَقَلَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ بَعْضِ الْحُفَّاظِ أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ. نَعَمْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ إذَا وَافَقَ يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ غُفِرَ لِكُلِّ أَهْلِ عَرَفَةَ؛ وَهُوَ أَفْضَلُ يَوْمٍ فِي الدُّنْيَا؛ وَفِيهِ «حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّةَ الْوَدَاعِ؛ وَكَانَ وَاقِفًا إذْ نَزَلَ قَوْلُهُ - {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3]- فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: لَوْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: عَلَيْنَا لَجَعَلْنَاهُ يَوْمَ عِيدٍ؛ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَشْهَدُ لَقَدْ أُنْزِلَتْ فِي يَوْمِ عِيدَيْنِ اثْنَيْنِ: يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ» :. اهـ. (قَوْلُهُ بِلَا وَاسِطَةٍ) فِي الْمَنْسَكِ الْكَبِيرِ لِلسِّنْدِيِّ: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ وَرَدَ أَنَّهُ يُغْفَرُ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْوَقْفِ مُطْلَقًا فَمَا وَجْهُ تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قِيلَ لِأَنَّهُ يَغْفِرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 621 هَلْ الْحَجُّ يُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ؟ قِيلَ نَعَمْ كَحَرْبِيٍّ أَسْلَمَ، وَقِيلَ غَيْرُ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْآدَمِيِّ كَذِمِّيٍّ أَسْلَمَ. وَقَالَ عِيَاضٌ: أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّ الْكَبَائِرَ لَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ، وَلَا قَائِلَ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ وَلَوْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَدَيْنِ صَلَاةٍ وَزَكَاةٍ، نَعَمْ إثْمُ الْمَطْلِ وَتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا يَسْقُطُ، وَهَذَا مَعْنَى التَّكْفِيرِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اُسْتُجِيبَ لَهُ حَتَّى فِي الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ»   [رد المحتار] يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَفِي غَيْرِهِ يَهَبُ قَوْمًا لِقَوْمِ، وَقِيلَ إنَّهُ يَغْفِرُ فِي وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ لِلْحَاجِّ وَغَيْرِهِ وَفِي غَيْرِهِ لِلْحَاجِّ فَقَطْ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَكُونُ فِي الْمَوْقِفِ مَنْ لَا يُقْبَلُ حَجُّهُ فَكَيْفَ يَغْفِرُ لَهُ؟ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ تُغْفَرَ لَهُ الذُّنُوبُ وَلَا يُثَابُ ثَوَابَ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ، فَالْمَغْفِرَةُ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالْقَبُولِ، وَاَلَّذِي يُوجِبُ هَذَا أَنَّ الْأَحَادِيثَ وَرَدَتْ بِالْمَغْفِرَةِ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مَطْلَبٌ فِي الْحَجِّ الْأَكْبَرِ [تَتِمَّةٌ] قَالَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ فِي رِسَالَتِهِ الْمُصَنَّفَةِ فِي تَحْقِيقِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ: قِيلَ إنَّهُ الَّذِي حَجَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ يَوْمُ عَرَفَةَ جُمُعَةً أَوْ غَيْرَهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَغَيْرُهُمْ، وَقِيلَ يَوْمُ النَّحْرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَلِيٌّ وَابْنُ أَبِي أَوْفَى وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَقِيلَ إنَّهُ أَيَّامُ مِنًى كُلُّهَا، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ الْقِرَانُ وَالْأَصْغَرُ الْإِفْرَادُ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَعَطَاءٌ: الْأَكْبَرُ الْحَجُّ وَالْأَصْغَرُ الْعُمْرَةُ (قَوْلُهُ ضَاقَ وَقْتُ الْعِشَاءِ وَالْوُقُوفِ) بِأَنْ كَانَ لَوْ مَكَثَ لِيُصَلِّيَ الْعِشَاءَ فِي الطَّرِيقِ يَطْلُعُ الْفَجْرُ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى عَرَفَةَ وَلَوْ ذَهَبَ وَوَقَفَ يَفُوتُ وَقْتُ الْعِشَاءِ (قَوْلُهُ يَدَعُ الصَّلَاةَ إلَخْ) مَشَى عَلَيْهِ فِي السِّرَاجِ وَاخْتَارَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ عَكْسَهُ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْوُقُوفِ لِعُذْرٍ مَعَ إمْكَانِ التَّدَارُكِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ جَائِزٌ، وَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ تَرْكُ فَرْضٍ حَاضِرٍ لِتَحْصِيلِ فَرْضٍ آخَرَ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ الْأَدِلَّةِ النَّقْلِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ، وَهُوَ مُخْتَارُ الرَّافِعِيِّ خِلَافًا لِلنَّوَوِيِّ مِنْ الْأَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ صَاحِبُ النُّخْبَةِ: يُصَلِّي مَاشِيًا مُومِيًا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَاهُ ثُمَّ يَقْضِيهِ احْتِيَاطًا، قَالَ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ وَجَمْعٌ مُسْتَحْسَنٌ. اهـ. . [مَطْلَبٌ فِي تَكْفِيرِ الْحَجِّ الْكَبَائِرَ] َ (قَوْلُهُ قِيلَ نَعَمْ إلَخْ) أَيْ لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ الْمَرْوِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا لِأُمَّتِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَأُجِيبَ إنِّي قَدْ غَفَرْت لَهُمْ مَا خَلَا الْمَظَالِمَ فَإِنِّي آخُذُ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ إنْ شِئْت أَعْطَيْتَ الْمَظْلُومَ الْجَنَّةَ وَغَفَرْتَ لِلظَّالِمِ فَلَمْ يُجِبْ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَلَمَّا أَصْبَحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَعَادَ الدُّعَاءَ فَأُجِيبَ إلَى مَا سَأَلَ» الْحَدِيثُ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: إنَّ كِنَانَةَ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ مُنْكَرَ الْحَدِيثِ وَكِلَاهُمَا سَاقِطُ الِاحْتِجَاجِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الشُّعَبِ، فَإِنْ صَحَّ بِشَوَاهِدِهِ فَفِيهِ الْحُجَّةُ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وَظُلْمُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا دُونَ الشِّرْكِ اهـ وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ غَفَرَ لِأَهْلِ عَرَفَاتٍ وَأَهْلِ الْمَشْعَرِ وَضَمِنَ عَنْهُمْ التَّبَعَاتِ، فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لَنَا خَاصَّةً؟ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَلِمَنْ أَتَى مِنْ بَعْدِكُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَثُرَ خَيْرُ رَبِّنَا وَطَابَ» وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ، وَسَاقَ فِيهِ أَحَادِيثَ أُخَرَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 622 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ مَاجَهْ وَإِنْ ضُعِّفَ فَلَهُ شَوَاهِدُ تُصَحِّحُهُ وَالْآيَةُ أَيْضًا تُؤَيِّدُهُ، وَمِمَّا يَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ مَرْفُوعًا «مَنْ حَجَّ وَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا «إنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَإِنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا، وَإِنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ» " لَكِنْ ذَكَرَ الْأَكْمَلُ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَرْبِيَّ تَحْبَطُ ذُنُوبُهُ كُلُّهَا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ وَالْحَجِّ، حَتَّى لَوْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَأَحْرَزَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يُؤَاخَذْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا كَانَ الْإِسْلَامُ كَافِيًا فِي تَحْصِيلِ مُرَادِهِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْهِجْرَةَ وَالْحَجَّ تَأْكِيدًا فِي بِشَارَتِهِ وَتَرْغِيبًا فِي مُبَايَعَتِهِ فَإِنَّ الْهِجْرَةَ وَالْحَجَّ لَا يُكَفِّرَانِ الْمَظَالِمَ وَلَا يُقْطَعُ فِيهِمَا بِمَحْوِ الْكَبَائِرِ، وَإِنَّمَا يُكَفِّرَانِ الصَّغَائِرَ. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ وَالْكَبَائِرُ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ حُقُوقِ أَحَدٍ كَإِسْلَامِ الذِّمِّيِّ اهـ مُلَخَّصًا، وَكَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ الطِّيبِيِّ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ إنَّ الشَّارِحِينَ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَمَشَى الطِّيبِيِّ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ الْكَبَائِرَ وَالْمَظَالِمَ، وَوَقَعَ مُنَازَعَةٌ غَرِيبَةٌ بَيْنَ أَمِيرِ بَادْشَاهْ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ مَالَ إلَى قَوْلِ الطِّيبِيِّ وَبَيْنَ الشَّيْخِ ابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَدْ مَالَ إلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَكَتَبْتُ رِسَالَةً فِي بَيَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. اهـ. قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْفَتْحِ الْمَيْلُ إلَى تَكْفِيرِ الْمَظَالِمِ أَيْضًا، وَعَلَيْهِ مَشَى الْإِمَامُ وَالسَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَقَاسَ عَلَيْهِ الشَّهِيدُ الصَّابِرُ الْمُحْتَسِبُ، وَعَزَاهُ أَيْضًا الْمُنَاوِيُّ إلَى الْقُرْطُبِيِّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ» إلَخْ فَقَالَ: وَهُوَ يَشْمَلُ الْكَبَائِرَ وَالتَّبَعَاتِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقُرْطُبِيُّ. وَقَالَ عِيَاضٌ: هُوَ مَحْمُولٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَظَالِمِ عَلَى مَنْ تَابَ وَعَجَزَ عَنْ وَفَائِهَا. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمَعَاصِي الْمُتَعَلِّقَةِ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا الْعِبَادِ، وَلَا يَسْقُطُ الْحَقُّ نَفْسُهُ بَلْ مَنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ يَسْقُطُ عَنْهُ إثْمُ تَأْخِيرِهَا لَا نَفْسُهَا، فَلَوْ أَخَّرَهَا بَعْدُ تَجَدَّدَ إثْمٌ آخَرُ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْبَحْرِ، وَحَقَّقَ ذَلِكَ الْبُرْهَانُ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَلَى جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ بِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ» لَا يَتَنَاوَلُ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقَ عِبَادِهِ لِأَنَّهَا فِي الذِّمَّةِ لَيْسَتْ ذَنْبًا وَإِنَّمَا الذَّنْبُ الْمَطْلُ فِيهَا، فَاَلَّذِي يَسْقُطُ إثْمُ مُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَأْخِيرُ الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ وَتَأْخِيرُ نَحْوِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مِنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى، فَيَسْقُطُ إثْمُ التَّأْخِيرِ فَقَطْ عَمَّا مَضَى دُونَ الْأَصْلِ وَدُونَ التَّأْخِيرِ الْمُسْتَقْبَلِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَلَيْسَ مَعْنَى التَّكْفِيرِ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ الدَّيْنَ يَسْقُطُ عَنْهُ، وَكَذَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِذَلِكَ. اهـ. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ كَحَرْبِيٍّ أَسْلَمَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِاقْتِضَائِهِ كَمَا قَالَ ح سُقُوطَ نَفْسِ الْحَقِّ وَلَا قَائِلَ بِهِ كَمَا عَلِمْتَهُ بَلْ هَذَا الْحُكْمُ يَخُصُّ الْحَرْبِيَّ كَمَا مَرَّ عَنْ الْأَكْمَلِ. قُلْتُ: قَدْ يُقَالُ بِسُقُوطِ نَفْسِ الْحَقِّ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْمَقْدِرَةِ عَلَى أَدَائِهِ سَوَاءٌ كَانَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقَّ عِبَادِهِ، وَلَيْسَ فِي تَرِكَتِهِ مَا يَفِي بِهِ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ إثْمُ التَّأْخِيرِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ إثْمٌ بَعْدَهُ فَلَا مَانِعَ مِنْ سُقُوطِ نَفْسِ الْحَقِّ، أَمَّا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا حَقُّ الْعَبْدِ فَاَللَّهُ تَعَالَى يُرْضِي خَصْمَهُ عَنْهُ كَمَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ الْقَائِلِينَ بِتَكْفِيرِ الْمَظَالِمِ أَيْضًا وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ لِلْقَوْلِ بِتَكْفِيرِهَا مَحَلٌّ، عَلَى أَنَّ نَفْسَ مَطْلِ الدَّيْنِ حَقُّ عَبْدٍ أَيْضًا لِأَنَّ فِيهِ جِنَايَةً عَلَيْهِ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ عَنْهُ، فَحَيْثُ قَالُوا بِسُقُوطِهِ فَلْيَسْقُطْ نَفْسُ الدَّيْنِ أَيْضًا عِنْدَ الْعَجْزِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ عِيَاضٍ، لَكِنَّ تَقْيِيدَ عِيَاضٍ بِالتَّوْبَةِ وَالْعَجْزِ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ التَّوْبَةَ مُكَفِّرَةٌ بِنَفْسِهَا وَهِيَ إنَّمَا تُسْقِطُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى لَا حَقَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 623 ضَعِيفٌ. يُنْدَبُ دُخُولُ الْبَيْتِ إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى إيذَاءِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَمَا يَقُولُهُ الْعَوَامُّ مِنْ الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَالْمِسْمَارِ الَّذِي فِي وَسَطِهِ أَنَّهُ سُرَّةُ الدُّنْيَا لَا أَصْلَ لَهُ. وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْكِسْوَةِ مِنْ بَنِي شَيْبَةَ بَلْ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ. وَلَوْ لَبِسَهَا وَلَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا.   [رد المحتار] الْعَبْدِ، فَتَعَيَّنَ كَوْنُ الْمُسْقِطِ هُوَ الْحَجَّ كَمَا اقْتَضَتْهُ الْأَحَادِيثُ الْمَارَّةُ؛ أَمَّا أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ فَنَقُولُ: نَعَمْ ذَلِكَ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَجِّ. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّارِحَيْنِ الْمَارُّ. وَحِينَئِذٍ صَحَّ قَوْلُ الشَّارِحِ كَحَرْبِيٍّ أَسْلَمَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَافْهَمْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ تَجْوِيزَهُمْ تَكْفِيرَ الْكَبَائِرِ بِالْهِجْرَةِ وَالْحَجِّ مُنَافٍ لِنَقْلِ عِيَاضٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ وَلَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ الْمَظَالِمِ أَيْضًا، بَلْ الْقَوْلُ بِتَكْفِيرِ إثْمِ الْمَطْلِ وَتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ يُنَافِيهِ لِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ وَقَدْ كَفَّرَهَا الْحَجُّ بِلَا تَوْبَةٍ. وَكَذَا يُنَافِيهِ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى - {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]- وَهُوَ اعْتِقَادُ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ مَنْ مَاتَ مُصِرًّا عَلَى الْكَبَائِرِ كُلِّهَا سِوَى الْكُفْرِ فَإِنَّهُ قَدْ يُعْفَى عَنْهُ بِشَفَاعَةٍ أَوْ بِمَحْضِ الْفَضْلِ. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ظَنِّيَّةٌ فَلَا يُقْطَعُ بِتَكْفِيرِ الْحَجِّ لِلْكَبَائِرِ مِنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى فَضْلًا عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ ضَعِيفٌ) أَيْ بِكِنَانَةَ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّهُمَا سَاقِطَا الِاحْتِجَاجِ كَمَا مَرَّ لَا بِأَبِيهِ الْعَبَّاسِ بْن مِرْدَاسٍ كَمَا وَقَعَ فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُ صَحَابِيٌّ وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ كَمَا بُيِّنَ فِي مَحَلِّهِ فَافْهَمْ. [مَطْلَبٌ فِي دُخُولِ الْبَيْتِ] ِ (قَوْلُهُ يُنْدَبُ دُخُولُ الْبَيْتِ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ مُصَلَّاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا دَخَلَهُ مَشَى قِبَلَ وَجْهِهِ وَجَعَلَ الْبَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ. ثُمَّ يُصَلِّي يَتَوَخَّى مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَتْ الْبَلَاطَةُ الْخَضْرَاءُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ مُصَلَّاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هـ، فَإِذَا صَلَّى إلَى الْجِدَارِ الْمَذْكُورِ يَضَعُ خَدَّهُ عَلَيْهِ وَيَسْتَغْفِرُ وَيَحْمَدُ ثُمَّ يَأْتِي الْأَرْكَانَ فَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ وَيُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ وَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى مَا شَاءَ وَيَلْزَمُ الْأَدَبَ مَا اسْتَطَاعَ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ إلَخْ) وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ دَفْعُ الرِّشْوَةِ عَلَى دُخُولِهِ لِقَوْلِهِ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَيَحْرُمُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ مِمَّنْ يَدْخُلُ الْبَيْتَ أَوْ يَقْصِدُ زِيَارَةَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَأَئِمَّةِ الْأَنَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. اهـ. وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَا حَرُمَ أَخْذُهُ حَرُمَ دَفْعُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ هُنَا لِأَنَّ دُخُولَ الْبَيْتِ لَيْسَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ [مَطْلَبٌ فِي اسْتِعْمَالِ كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ] ِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ إلَخْ) قِيلَ ذَكَرَ الْمُرْشِدِيُّ فِي تَذْكِرَتِهِ مَا نَصُّهُ: قَالَ الْعَلَّامَةُ قُطْبُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْكِسْوَةَ إنْ كَانَتْ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَأَمْرُهَا رَاجِعٌ إلَيْهِ يُعْطِيهَا لِمَنْ شَاءَ مِنْ الشَّيْبِيِّينَ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَوْقَافِ السَّلَاطِينِ وَغَيْرِهِمْ فَأَمْرُهَا رَاجِعٌ إلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ فِيهَا فَهِيَ لِمَنْ عَيَّنَهَا لَهُ. وَإِنْ جُهِلَ شَرْطُ الْوَاقِفِ فِيهَا عُمِلَ فِيهَا بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَوَائِدُ السَّالِفَةُ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْأَوْقَافِ، وَكِسْوَةُ الْكَعْبَةِ الشَّرِيفَةِ الْآنَ مِنْ أَوْقَافِ السَّلَاطِينِ وَلَمْ يُعْلَمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ فِيهَا، وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ بَنِي شَيْبَةَ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ لِأَنْفُسِهِمْ الْكِسْوَةَ الْعَتِيقَةَ بَعْدَ وُصُولِ الْكِسْوَةِ الْجَدِيدَةِ فَيَبْقُونَ عَلَى عَادَتِهِمْ فِيهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَهُ لُبْسُهَا) أَيْ لِلشَّارِي إنْ كَانَ امْرَأَةً أَوْ كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 624 لَا يُقْتَلُ فِي الْحَرَمِ إلَّا إذَا قَتَلَ فِيهِ، وَلَوْ قَتَلَ فِي الْبَيْتِ لَا يُقْتَلُ فِيهِ. يُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِمَاءِ زَمْزَمَ لَا الِاغْتِسَالُ.   [رد المحتار] رَجُلًا وَكَانَتْ الْكِسْوَةُ مِنْ غَيْرِ الْحَرِيرِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ الْمَنْسَكِ الْكَبِيرِ لِلسِّنْدِيِّ تَقْيِيدَ ذَلِكَ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهَا كِتَابَةٌ لَا سِيَّمَا كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ [مَطْلَبٌ فِيمَنْ جَنَى فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ثُمَّ الْتَجَأَ إلَيْهِ] ِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا قَتَلَ فِيهِ) وَإِلَّا الْمُرْتَدُّ فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ، فَإِنْ أَسْلَمَ سَلِمَ وَإِلَّا قُتِلَ كَذَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْمُنْتَقَى، لَكِنَّ عِبَارَةَ اللُّبَابِ هَكَذَا: مَنْ جَنَى فِي غَيْرِ الْحَرَمِ، بِأَنْ قَتَلَ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ زَنَى أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ أَوْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ ثُمَّ لَاذَ إلَيْهِ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُ مَا دَامَ فِي الْحَرَمِ، وَلَكِنْ لَا يُبَايَعُ وَلَا يُؤَاكَلُ وَلَا يُجَالَسُ وَلَا يُؤْوَى إلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ فَيُقْتَصَّ مِنْهُ وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِيهِ، وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ مُقَاتِلًا قُتِلَ فِيهِ. اهـ. وَكَذَا سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ قُبَيْلَ بَابِ الْقَوَدِ مِنْ الْجِنَايَاتِ. مُبَاحُ الدَّمِ الْتَجَأَ إلَى الْحَرَمِ لَمْ يُقْتَلْ فِيهِ وَلَمْ يُخْرَجْ عَنْهُ لِلْقَتْلِ إلَخْ زَادَ الشَّارِحُ هُنَاكَ: وَأَمَّا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْحَرَمِ إجْمَاعًا. اهـ. وَنَقَلَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ عَنْ النُّتَفِ مِثْلَ مَا مَرَّ عَنْ الْمُنْتَقَى مِنْ التَّفْصِيلِ وَقَالَ إنَّهُ مُخَالِفٌ بِظَاهِرِهِ لِإِطْلَاقِهِمْ. ثُمَّ أَجَابَ بِتَقْيِيدِ إطْلَاقِهِمْ عَدَمَ قَتْلِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ إعْرَاضٌ وَإِبَاءٌ لِأَنَّ إبَاءَهُ عَنْ الْإِسْلَامِ جِنَايَةٌ فِي الْحَرَمِ، وَذَكَرَ أَيْضًا عَنْ الْخَانِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي الْحَرَمِ خِلَافًا لَهُمَا. اهـ. قُلْت: وَتَمَامُ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ: وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِيهِ، فَأَفَادَ كَلَامُ الْخَانِيَّةِ وَكَلَامُ اللُّبَابِ الْمَارُّ أَنَّ الْحُدُودَ لَا تُقَامُ فِي الْحَرَمِ عَلَى مَنْ جَنَى خَارِجَهُ ثُمَّ لَجَأَ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا فَيُفَرَّقُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ بَيْنَ إقَامَةِ الْحَدِّ وَبَيْنَ الْقِصَاصِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحَدَّ فِيهِ لَا يُقَامُ فِي الْحَرَمِ إلَّا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِيهِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ. وَمَنْ جَنَى عَلَى الْمَالِ إذَا لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ يُؤْخَذُ مِنْهُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَكَذَا يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْأَطْرَافِ، بِخِلَافِ الْحَدِّ لِأَنَّهُ حَقُّ الرَّبِّ تَعَالَى وَبِخِلَافِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ. وَأَمَّا مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «مِنْ قَطْعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفَتْحِ يَدَ الْمَخْزُومِيَّةِ بِمَكَّةَ» " فَلَا يُنَافِي مَا قُلْنَاهُ إلَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا سَرَقَتْ خَارِجَ الْحَرَمِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ لَا يُقْتَلُ فِيهِ) لِأَنَّ فِيهِ تَقْدِيرَ الْبَيْتِ الشَّرِيفِ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَطْهِيرِهِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ لِأَنَّهُ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ عَنْ الْأَقْذَارِ رَحْمَتِيٌّ. قُلْت: إنْ كَانَتْ هَذِهِ هِيَ الْعِلَّةُ فَهِيَ شَامِلَةٌ لِكُلِّ مَسْجِدٍ. [مَطْلَبٌ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِمَاءِ زَمْزَمَ] مَطْلَبٌ فِي كَرَاهِيَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِمَاءِ زَمْزَمَ (قَوْلُهُ يُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِمَاءِ زَمْزَمَ) وَكَذَا إزَالَةُ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ مِنْ ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ، حَتَّى ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ تَحْرِيمَ ذَلِكَ. وَيُسْتَحَبُّ حَمْلُهُ إلَى الْبِلَادِ، فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلُهُ وَتُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَحْمِلُهُ» وَفِي غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ «أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُهُ، وَكَانَ يَصُبُّهُ عَلَى الْمَرْضَى وَيَسْقِيهِمْ. وَأَنَّهُ حَنَّكَ بِهِ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -» " مِنْ اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 625 لَا حَرَمَ لِلْمَدِينَةِ عِنْدَنَا وَمَكَّةُ أَفْضَلُ مِنْهَا عَلَى الرَّاجِحِ إلَّا مَا ضَمَّ أَعْضَاءَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مُطْلَقًا حَتَّى مِنْ الْكَعْبَةِ وَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ. وَزِيَارَةُ قَبْرِهِ مَنْدُوبَةٌ، بَلْ قِيلَ وَاجِبَةٌ لِمَنْ لَهُ سَعَةٌ.   [رد المحتار] تَنْبِيهٌ] لَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ التُّرَابِ وَالْأَحْجَارِ الَّتِي فِي الْحَرَمِ، وَكَذَا قِيلَ عَنْ تُرَابِ الْبَيْتِ الْمُعَظَّمِ إذَا كَانَ قَدْرًا يَسِيرًا لِلتَّبَرُّكِ بِهِ بِحَيْثُ لَا تَفُوتُ بِهِ عِمَارَةُ الْمَكَانِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. وَصَوَّبَ ابْنُ وَهْبَانَ الْمَنْعَ عَنْ تُرَابِ الْبَيْتِ لِئَلَّا يَتَسَلَّطَ عَلَيْهِ الْجُهَّالُ فَيُفْضِي إلَى خَرَابِ الْبَيْتِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْكَثِيرِ كَثِيرٌ كَذَا فِي مُعِينِ الْمُفْتِي لِلْمُصَنِّفِ [حرم الْمَدِينَة وَمَكَّة] (قَوْلُهُ لَا حَرَمَ لِلْمَدِينَةِ عِنْدَنَا) أَيْ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. قَالَ فِي الْكَافِي: لِأَنَّا عَرَفْنَا حِلَّ الِاصْطِيَادِ بِالنَّصِّ الْقَاطِعِ، فَلَا يَحْرُمُ إلَّا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَلَمْ يُوجَدْ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَمَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ وَأَكْثَرُ مَنْ لَقِينَا مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ: لَا جَزَاءَ عَلَى قَاتِلِ صَيْدِهِ وَلَا عَلَى قَاطِعِ شَجَرِهِ. وَأَوْجَبَ الْجَزَاءَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَابْنُ نَافِعٍ الْمَالِكِيِّ، وَهُوَ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ، وَتَمَامُهُ فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ عَلَى الرَّاجِحِ) يُوهِمُ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ، وَلَمْ أَرَهُ. مَطْلَبٌ فِي تَفْضِيلِ مَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَفِي آخِرِ اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ أَفْضَلَ الْبِلَادِ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ زَادَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى شَرَفًا وَتَعْظِيمًا. وَاخْتَلَفُوا أَيُّهُمَا أَفْضَلُ، فَقِيلَ مَكَّةُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، وَقِيلَ الْمَدِينَةُ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، قِيلَ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ. وَلَعَلَّ هَذَا مَخْصُوصٌ بِحَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ، وَقِيلَ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ قَوْلٌ مَجْهُولٌ لَا مَنْقُولٌ وَلَا مَعْقُولٌ. مَطْلَبٌ فِي تَفْضِيلِ قَبْرِهِ الْمُكَرَّمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَوْلُهُ إلَّا إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَالْخِلَافُ فِيمَا عَدَا مَوْضِعَ الْقَبْرِ الْمُقَدَّسِ، فَمَا ضَمَّ أَعْضَاءَهُ الشَّرِيفَةَ فَهُوَ أَفْضَلُ بِقَاعِ الْأَرْضِ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. قَالَ شَارِحُهُ: وَكَذَا أَيْ الْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْبَيْتِ: فَإِنَّ الْكَعْبَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ مَا عَدَا الضَّرِيحَ الْأَقْدَسَ وَكَذَا الضَّرِيحُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَفْضِيلِهِ حَتَّى عَلَى الْكَعْبَةِ، وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا عَدَاهُ. وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ الْحَنْبَلِيِّ أَنَّ تِلْكَ الْبُقْعَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْعَرْشِ، وَقَدْ وَافَقَهُ السَّادَةُ الْبَكْرِيُّونَ عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ صَرَّحَ التَّاجُ الْفَاكِهِيُّ بِتَفْضِيلِ الْأَرْضِ عَلَى السَّمَوَاتِ لِحُلُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا، وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْأَكْثَرِينَ لِخَلْقِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْهَا وَدَفْنِهِمْ فِيهَا وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْجُمْهُورُ عَلَى تَفْضِيلِ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهَا مَوَاضِعُ ضَمِّ أَعْضَاءِ الْأَنْبِيَاءِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ (قَوْلُهُ مَنْدُوبَةٌ) أَيْ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي اللُّبَابِ، وَمَا نُسِبَ إلَى الْحَافِظِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ الْحَنْبَلِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَقُولُ بِالنَّهْيِ عَنْهَا فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَقُولُ بِالنَّهْيِ عَنْ شَدِّ الرِّحَالِ إلَى غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثِ. أَمَّا نَفْسُ الزِّيَارَةِ فَلَا يُخَالِفُ فِيهَا كَزِيَارَةِ سَائِرِ الْقُبُورِ، وَمَعَ هَذَا فَقَدْ رَدَّ كَلَامَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَلِلْإِمَامِ السُّبْكِيّ فِيهِ تَأْلِيفٌ مَنِيفٌ. قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَهَلْ تُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلنِّسَاءِ؛ الصَّحِيحُ نَعَمْ بِلَا كَرَاهَةٍ بِشُرُوطِهَا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ. أَمَّا عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ مَذْهَبِنَا وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الرُّخْصَةَ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ ثَابِتَةٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا فَلَا إشْكَالَ. وَأَمَّا عَلَى غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ نَقُولُ بِالِاسْتِحْبَابِ لِإِطْلَاقِ الْأَصْحَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (قَوْلُهُ بَلْ قِيلَ وَاجِبَةٌ) ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَقَالَ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي [الدُّرَّةِ الْمُضِيئَةِ فِي الزِّيَارَةِ الْمُصْطَفَوِيَّةِ] وَذَكَرَهُ أَيْضًا الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ وَقَالَ: وَانْتَصَرَ لَهُ، نَعَمْ عِبَارَةُ اللُّبَابِ وَالْفَتْحِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 626 وَيَبْدَأُ بِالْحَجِّ لَوْ فَرْضًا، وَيُخَيَّرُ لَوْ نَفْلًا مَا لَمْ يَمُرَّ بِهِ فَيَبْدَأُ بِزِيَارَتِهِ لَا مَحَالَةَ وَلْيَنْوِ مَعَهُ زِيَارَةَ مَسْجِدِهِ، فَقَدْ أَخْبَرَ «أَنَّ صَلَاةً فِيهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفٍ فِي غَيْرِهِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» وَكَذَا بَقِيَّةُ الْقُرَبِ؛   [رد المحتار] وَشَرْحِ الْمُخْتَارِ أَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنْ الْوُجُوبِ لِمَنْ لَهُ سَعَةٌ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ مَا وَرَدَ فِي فَضْلِ الزِّيَارَةِ وَذَكَرَ كَيْفِيَّتَهَا وَآدَابَهَا وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَاللُّبَابِ فَلْيُرَاجِعْ ذَلِكَ مَنْ أَرَادَهُ (قَوْلُهُ وَيَبْدَأُ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْحَجُّ فَرْضًا فَالْأَحْسَنُ لِلْحَاجِّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْحَجِّ ثُمَّ يُثَنِّي بِالزِّيَارَةِ، وَإِنْ بَدَأَ بِالزِّيَارَةِ جَازَ اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ يَجُوزُ تَقْدِيمُ النَّفْلِ عَلَى الْفَرْضِ إذَا لَمْ يُخْشَ الْفَوْتُ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَمُرَّ بِهِ) أَيْ بِالْقَبْرِ الْمُكَرَّمِ أَيْ بِبَلَدِهِ، فَإِنْ مَرَّ بِالْمَدِينَةِ كَأَهْلِ الشَّامِ بَدَأَ بِالزِّيَارَةِ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّ تَرْكَهَا مَعَ قُرْبِهَا يُعَدُّ مِنْ الْقَسَاوَةِ وَالشَّقَاوَةِ، وَتَكُونُ الزِّيَارَةُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ الْوَسِيلَةِ وَفِي مَرْتَبَةِ السُّنَّةِ الْقَبْلِيَّةِ لِلصَّلَاةِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَلْيَنْوِ مَعَهُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَالْأَوْلَى فِيمَا يَقَعُ عِنْدَ الْعَبْدِ الضَّعِيفِ تَجْرِيدُ النِّيَّةِ لِزِيَارَةِ قَبْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، ثُمَّ يَحْصُلُ لَهُ إذَا قَدِمَ زِيَارَةَ الْمَسْجِدِ أَوْ يَسْتَمْنِحُ فَضْلَ اللَّهِ تَعَالَى فِي مَرَّةٍ أُخْرَى يَنْوِيهَا فِيهَا لِأَنَّ فِي ذَلِكَ زِيَادَةَ تَعْظِيمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِجْلَالِهِ، وَيُوَافِقُهُ ظَاهِرُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ جَاءَنِي زَائِرًا لَا تَحْمِلُهُ حَاجَةٌ إلَّا زِيَارَتِي كَانَ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أَكُونَ شَفِيعًا لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . اهـ. ح. وَنَقَلَ الرَّحْمَتِيُّ عَنْ الْعَارِفِ الْمُنْلَا جَامِيٍّ أَنَّهُ أَفْرَزَ الزِّيَارَةَ عَنْ الْحَجِّ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ مَقْصِدٌ غَيْرُهَا فِي سَفَرِهِ (قَوْلُهُ فَقَدْ أَخْبَرَ إلَخْ) أَيْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ إنَّهُ مَذْهَبُ عَامَّةِ أَهْلِ الْأَثَرِ شَرْحُ اللُّبَابِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى الْمُضَاعَفَةِ الْمَذْكُورَةِ قُبَيْلَ بَابِ الْقِرَانِ وَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا لِثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» " وَالْمَعْنَى كَمَا أَفَادَهُ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ لِمَسْجِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمُضَاعَفَةِ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْمَسَاجِدِ فَإِنَّهَا مُتَسَاوِيَةٌ فِي ذَلِكَ، فَلَا يُرَدُّ أَنَّهُ قَدْ تُشَدُّ الرِّحَالُ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَصِلَةِ رَحِمٍ وَتَعَلُّمِ عِلْمٍ وَزِيَارَةِ الْمَشَاهِدِ كَقَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْرِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَسَائِرِ الْأَئِمَّةِ (قَوْلُهُ وَكَذَا بَقِيَّةُ الْقُرَبِ) أَيْ كَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَالصَّدَقَةِ وَالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ. وَنَقَلَ الْبَاقَانِيُّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ اخْتِصَاصَ هَذِهِ الْمُضَاعَفَةِ بِالْفَرَائِضِ، وَعَنْ غَيْرِهِ النَّوَافِلِ كَذَلِكَ. [مَطْلَبٌ فِي الْمُجَاوَرَةِ بِالْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ وَمَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ] ِ (قَوْلُهُ وَلَا تُكْرَهُ الْمُجَاوَرَةُ بِالْمَدِينَةِ إلَخْ) وَقِيلَ تُكْرَهُ كَمَكَّةَ، وَقِيلَ إنَّهَا عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَقَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ الْقِرَانِ وَاخْتَارَ فِي اللُّبَابِ أَنَّ الْمُجَاوَرَةَ بِالْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِنْهَا بِمَكَّةَ وَأَيَّدَهُ بِوُجُوهٍ، وَبَحَثَ فِيهَا شَارِحُهُ الْقَارِي تَرْجِيحًا لِمَا اخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ ذَكَرَ فَضْلَ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ، ثُمَّ قَالَ: لَكِنَّ الْفَائِزَ بِهَذَا مَعَ السَّلَامَةِ أَقَلُّ الْقَلِيلِ، فَلَا يُبْنَى الْفِقْهُ بِاعْتِبَارِهِمْ، وَلَا يُذْكَرُ حَالُهُمْ قَيْدًا فِي الْجَوَازِ لِأَنَّ شَأْنَ النُّفُوسِ الدَّعْوَى الْكَاذِبَةُ، وَإِنَّهَا لَأَكْذَبُ مَا تَكُونُ إذَا حَلَفَتْ فَكَيْفَ إذَا ادَّعَتْ. وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ كَوْنُ الْجِوَارِ بِالْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ كَذَلِكَ، فَإِنَّ تَضَاعُفَ السَّيِّئَاتِ أَوْ تَعَاظُمَهَا إنْ فُقِدَ فِيهَا فَمَخَافَةُ السَّآمَةِ وَقِلَّةُ الْأَدَبِ الْمُفْضِي إلَى الْإِخْلَالِ بِوَاجِبِ التَّوْقِيرِ وَالْإِجْلَالِ قَائِمٌ اهـ. قَالَ ح: وَهُوَ وَجِيهٌ، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يَنُصَّ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَيَتْرُكَ التَّقَيُّدَ بِالْوُثُوقِ أَيْ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ مِنْ حَالِ النَّاسِ لَا سِيَّمَا أَهْلُ هَذَا الزَّمَانِ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. [خَاتِمَة فِي الْحَجّ] 1 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 627 وَلَا تُكْرَهُ الْمُجَاوَرَةُ بِالْمَدِينَةِ وَكَذَا بِمَكَّةَ لِمَنْ يَثِقُ بِنَفْسِهِ.   [رد المحتار] خَاتِمَةٌ] يُسْتَحَبُّ لَهُ إذَا عَزَمَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ أَنْ يُوَدِّعَ الْمَسْجِدَ بِصَلَاةٍ، وَيَدْعُوَ بَعْدَهَا بِمَا أَحَبَّ، وَأَنْ يَأْتِيَ الْقَبْرَ الْكَرِيمَ فَيُسَلِّمَ وَيَدْعُوَ وَيَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُوصِلَهُ إلَى أَهْلِهِ سَالِمًا، وَيَقُولَ غَيْرُ مُوَدَّعٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَيَجْتَهِدَ فِي خُرُوجِ الدَّمْعِ فَإِنَّهُ مِنْ أَمَارَاتِ الْقَبُولِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ عَلَى جِيرَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَنْصَرِفَ مُتَبَاكِيًا مُتَحَسِّرًا عَلَى مُفَارَقَةِ الْحَضْرَةِ النَّبَوِيَّةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ: وَفِيهِ: وَمِنْ سُنَنِ الرُّجُوعِ أَنْ يُكَبِّرَ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ وَيَقُولَ " آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ " وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَإِذَا أَشْرَفَ عَلَى بَلَدِهِ حَرَّكَ دَابَّتَهُ وَيَقُولَ آيِبُونَ إلَخْ، وَيُرْسِلَ إلَى أَهْلِهِ مَنْ يُخْبِرُهُمْ وَلَا يَبْغَتُهُمْ فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَإِذَا دَخَلَهَا بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ كَرَاهَةٍ ثُمَّ يَدْخُلُ مَنْزِلَهُ وَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَيَحْمَدُ لِلَّهِ وَيَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَوْلَاهُ مِنْ إتْمَامِ الْعِبَادَةِ وَالرُّجُوعِ بِالسَّلَامَةِ، وَيُدِيمُ حَمْدَهُ وَشُكْرَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، وَيَجْتَهِدُ فِي مُجَانَبَةِ مَا يُوجِبُ الْإِحْبَاطَ فِي بَاقِي عُمْرِهِ وَعَلَامَةُ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ أَنْ يَعُودَ خَيْرًا مِمَّا كَانَ. وَهَذَا إتْمَامُ مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى لِعَبْدِهِ الضَّعِيفِ مِنْ رُبْعِ الْعِبَادَاتِ، أَسْأَلُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ذَا الْجُودِ الْعَمِيمِ أَنْ يُحَقِّقَ لِي فِيهِ الْإِخْلَاصَ، وَيَجْعَلَهُ نَافِعًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ، وَبِالْإِجَابَةِ جَدِيرٌ، وَأَنْ يُسَهِّلَ إكْمَالَ هَذَا الْكِتَابِ مَعَ الْإِخْلَاصِ وَالنَّفْعِ الْعَمِيمِ لِي وَلِعَامَّةِ الْعِبَادِ فِي أَكْثَرِ الْبِلَادِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. نُجِزَ عَلَى يَدِ أَفْقَرِ الْوَرَى جَامِعِهِ الْحَقِيرِ " مُحَمَّدُ عَابِدِينْ " غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَالْمُسْلِمِينَ آمِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ جَاءَ سَنَةَ 1242. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 628 كِتَابُ النِّكَاحِ لَيْسَ لَنَا عِبَادَةٌ شُرِعَتْ مِنْ عَهْدِ آدَمَ إلَى الْآنَ ثُمَّ تَسْتَمِرُّ فِي الْجَنَّةِ إلَّا النِّكَاحَ وَالْإِيمَانَ. (هُوَ) عِنْدَ الْفُقَهَاءِ (عَقْدٌ يُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ) أَيْ حِلَّ اسْتِمْتَاعِ الرَّجُلِ -   [رد المحتار] [كِتَابُ النِّكَاحِ] ذَكَرَهُ عَقِبَ الْعِبَادَاتِ الْأَرْبَعِ أَرْكَانِ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا كَالْبَسِيطِ إلَى الْمُرَكَّبِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ مُعَامَلَةٌ مِنْ وَجْهٍ. وَقَدَّمَهُ عَلَى الْجِهَادِ، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَبَبٌ لِوُجُودِ الْمُسْلِمِ وَالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ بِأَنْكِحَةِ أَفْرَادِ الْمُسْلِمِينَ أَضْعَافُ مَا يَحْصُلُ بِالْقِتَالِ، فَإِنَّ الْغَالِبَ فِي الْجِهَادِ حُصُولُ الْقَتْلِ وَالذِّمَّةِ عَلَى أَنَّ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِوُجُودِ الْمُسْلِمِ تَسَامُحًا نَظَرًا إلَى أَنَّ تَجَدُّدَ الصُّفَّةِ بِمَنْزِلَةِ تَجَدُّدِ الذَّاتِ، وَكَذَا عَلَى الْعِتْقِ وَالْوَقْفِ وَالْأُضْحِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ عِبَادَاتٍ أَيْضًا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعِ، حَتَّى قَالُوا إنَّ الِاشْتِغَالَ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ أَيْ الِاشْتِغَالُ بِهِ، وَمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ، وَإِعْفَافِ النَّفْسِ عَنْ الْحَرَامِ وَتَرْبِيَةِ الْوَلَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَيْسَ لَنَا عِبَادَةٌ إلَخْ) كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ وَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّ كَوْنَهُ عِبَادَةً فِي الدُّنْيَا إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِكَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْفَافِ وَنَحْوِهِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي الْجَنَّةِ، بَلْ وَرَدَ «إنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا يَكُونُ لَهُمْ فِيهَا وَلَدٌ» لَكِنْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «الْمُؤْمِنُ إذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا يَشْتَهِي» وَهَذَا أَوْلَى لِقَوْلِ التِّرْمِذِيِّ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الذِّكْرَ وَالشُّكْرَ فِي الْجَنَّةِ أَكْثَرُ مِنْهُمَا فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ حَالَ الْعَبْدِ يَصِيرُ كَحَالِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتَرُونَ غَايَتُهُ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ لَيْسَتْ بِتَكْلِيفٍ بَلْ هِيَ مُقْتَضَى الطَّبْعِ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ الْمُلُوكِ لَذَّةٌ وَشَرَفٌ، وَتَزْدَادُ بِالْقُرْبِ، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ عَلَى الْأَشْبَاهِ. (قَوْلُهُ: عَقْدٌ) الْعَقْدُ مَجْمُوعُ إيجَابِ أَحَدِ الْمُتَكَلِّمِينَ مَعَ قَبُولِ الْآخَرِ أَوْ كَلَامُ الْوَاحِدِ الْقَائِمِ مَقَامَهُمَا أَعْنِي مُتَوَلِّيَ الطَّرَفَيْنِ بَحْرٌ وَفِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي. (قَوْلُهُ: أَيْ حَلَّ اسْتِمْتَاعُ الرَّجُلِ) أَيْ الْمُرَادُ أَنَّهُ عَقْدٌ يُفِيدُ حُكْمَهُ بِحَسَبِ الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ. وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ مِنْ أَحْكَامِهِ مِلْكَ الْمُتْعَةِ وَهُوَ اخْتِصَاصُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 مِنْ امْرَأَةٍ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ نِكَاحِهَا مَانِعٌ شَرْعِيٌّ فَخَرَجَ الذَّكَرُ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ وَالْوَثَنِيَّةُ لِجَوَازِ ذُكُورَتِهِ   [رد المحتار] الزَّوْجِ بِمَنَافِعِ بُضْعِهَا وَسَائِرِ أَعْضَائِهَا اسْتِمْتَاعًا أَوْ مِلْكُ الذَّاتِ وَالنَّفْسِ فِي حَقِّ التَّمَتُّعِ عَلَى اخْتِلَافِ مَشَايِخِنَا فِي ذَلِكَ. اهـ. بَحْرٌ وَعَزَا الدَّبُوسِيُّ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ إلَى الشَّافِعِيِّ، لَكِنْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَالْكَنْزِ صَرِيحٌ فِي اخْتِيَارِهِ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ كَمَا فِي النَّهْرِ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ، لِقَوْلِ الدَّبُوسِيِّ إنَّ هَذَا الْمِلْكَ لَيْسَ حَقِيقِيًّا بَلْ فِي حُكْمِهِ فِي حَقِّ تَحْلِيلِ الْوَطْءِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا تَتَّصِلُ بِحَقِّ الزَّوْجِيَّةِ. اهـ. فَعَلَى الْقَوْلِ الَّذِي عَزَاهُ الدَّبُوسِيُّ إلَى أَصْحَابِنَا مِنْ أَنَّهُ مِلْكُ الذَّاتِ لَيْسَ مِلْكًا لِلذَّاتِ حَقِيقَةً بَلْ مِلْكُ التَّمَتُّعِ بِهَا: أَيْ اخْتِصَاصُ الزَّوْجِ بِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِلْكُ الْمُتْعَةِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ تَفْسِيرَ الْمِلْكِ هُنَا بِالِاخْتِصَاصِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْبَدَائِعِ أَوْلَى مِنْ تَفْسِيرِهِ بِالْحِلِّ تَبَعًا لِلْبَحْرِ لِأَنَّ الِاخْتِصَاصَ أَقْرَبُ إلَى مَعْنَى الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمِلْكَ نَوْعٌ مِنْهُ بِخِلَافِ الْحِلِّ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ وَهُوَ لَازِمٌ لِاخْتِصَاصِهَا بِالزَّوْجِ شَرْعًا أَيْضًا عَلَى أَنَّ مِلْكَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، فَمِلْكُ الزَّوْجِ الْمُتْعَةَ بِالْعَقْدِ مِلْكٌ شَرْعِيٌّ كَمِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ الْمَنْفَعَةَ بِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْخِدْمَةِ مَثَلًا وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْمِلْكِ الْحِلُّ لَا الْمَلِكُ الشَّرْعِيُّ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَمَهْرُهَا لَهَا وَلَوْ مَلَكَ الِانْتِفَاعَ بِبُضْعِهَا حَقِيقَةً لَكَانَ بَدَلُهُ لَهُ. اهـ. لِأَنَّ مِلْكَهُ الِانْتِفَاعَ بِالْبُضْعِ حَقِيقَةً لَا يَسْتَلْزِمُ مِلْكَهُ الْبَدَلَ، وَإِنَّمَا يَسْتَلْزِمُهُ مِلْكُ نَفْسِ الْبُضْعِ كَمَا لَوْ وُطِئَتْ أَمَتُهُ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَهُ لِمِلْكِهِ نَفْسَ الْبُضْعِ بِخِلَافِ الزَّوْجِ فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] كَلَامُ الشَّارِحِ وَالْبَدَائِعِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْحَقَّ فِي التَّمَتُّعِ لِلرَّجُلِ لَا لِلْمَرْأَةِ كَمَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ قَالَ: يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْأَبْيَارِيُّ شَارِحُ الْكَنْزِ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجَتِك أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك» مِنْ أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِ زَوْجَتِهِ وَحَلْقَةِ دُبُرِهَا، بِخِلَافِهَا حَيْثُ لَا تَنْظُرُ إلَيْهِ إذَا مَنَعَهَا مِنْ النَّظَرِ. اهـ. وَنَقَلَهُ ط وَأَقَرَّهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ لَهَا إجْبَارٌ عَلَى ذَلِكَ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهَا إذَا مَنَعَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ حِلِّ اسْتِمْتَاعِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ، نَعَمْ لَهُ وَطْؤُهَا جَبْرًا إذَا امْتَنَعَتْ بِلَا مَانِعٍ شَرْعِيٍّ وَلَيْسَ لَهَا إجْبَارُهُ عَلَى الْوَطْءِ بَعْدَمَا وَطِئَهَا مَرَّةً، وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ دِيَانَةً أَحْيَانًا عَلَى مَا سَيَأْتِي تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: مِنْ امْرَأَةٍ إلَخْ) مِنْ ابْتِدَائِيَّةٍ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِامْرَأَةٍ وَالْمُرَادُ بِهَا الْمُحَقَّقَةُ أُنُوثَتُهَا بِقَرِينَةِ الِاحْتِرَازِ بِهَا عَنْ بِالْخُنْثَى، وَهَذَا بَيَانٌ لِمَحَلِّيَّةِ الْعَقْدِ قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْفَتْحِ: إنَّ مَحَلِّيَّتَهُ الْأُنْثَى وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَحَلِّيَّتَهُ أُنْثَى مُحَقَّقَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ لَيْسَتْ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَفِي الْعِنَايَةِ مَحَلُّهُ امْرَأَةٌ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ نِكَاحِهَا مَانِعٌ شَرْعِيٌّ فَخَرَجَ الذَّكَرُ لِلذَّكَرِ وَالْخُنْثَى مُطْلَقًا وَالْجِنِّيَّةُ لِلْإِنْسِيِّ، ومَا كَانَ مِنْ النِّسَاءِ مُحَرَّمًا عَلَى التَّأْبِيدِ كَالْمَحَارِمِ. اهـ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّكَاحِ فِي قَوْلِهِ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ نِكَاحِهَا الْعَقْدُ لَا الْوَطْءُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ مَحَلِّيَّةِ الْعَقْدِ، وَلِذَا احْتَرَزَ بِالْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ عَنْ الْمَحَارِمِ، فَالْمُرَادُ مِنْهُ الْمَحْرَمِيَّةُ بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ كَالْمُصَاهَرَةِ وَالرَّضَاعِ، وَأَمَّا نَحْوُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْإِحْرَامِ وَالظِّهَارِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ فَهُوَ مَانِعٌ مِنْ حِلِّ الْوَطْءِ لَا مِنْ مَحَلِّيَّةِ الْعَقْدِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: فَخَرَجَ الذَّكَرُ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ) أَيْ أَنَّ إيرَادَ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا لَا يُفِيدُ مِلْكَ اسْتِمْتَاعِ الرَّجُلِ بِهِمَا لِعَدَمِ مَحَلِّيَّتِهِمَا لَهُ، وَكَذَا عَلَى الْخُنْثَى لِامْرَأَةٍ أَوْ لِمِثْلِهِ، فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ فِي كِتَابِ الْخُنْثَى: لَوْ زَوَّجَهُ أَبُوهُ أَوْ مَوْلَاهُ امْرَأَةً أَوْ رَجُلًا لَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ أَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ خِلَافُ مَا زُوِّجَ بِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ كَانَ صَحِيحًا، وَإِلَّا فَبَاطِلٌ؛ لِعَدَمِ مُصَادَفَةِ الْمَحَلِّ وَكَذَا إذَا زَوَّجَ خُنْثَى مِنْ خُنْثَى آخَرَ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ حَتَّى يَظْهَرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا ذَكَرٌ وَالْآخَرُ أُنْثَى. اهـ. فَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ مُطْلَقًا لَشَمَلَ الصُّوَرَ الثَّلَاثَ لَكِنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى إفَادَةِ بَعْضِ أَحْكَامِهِ وَلَيْسَ فِيهِ إجْمَالٌ، فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَالْوَثَنِيَّةُ) سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَوُجِدَ فِي بَعْضِهَا قَبْلَ قَوْلِهِ وَالْخُنْثَى وَالْأَوْلَى ذِكْرُهَا بَعْدَهُ لِخُرُوجِهَا بِالْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ وَعَبَّرَ بِهَا تَبَعًا لِتَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْمُشْرِكَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الشَّارِحُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 وَالْمَحَارِمُ وَالْجِنِّيَّةُ وَإِنْسَانُ الْمَاءِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَأَجَازَ الْحَسَنُ نِكَاحَ الْجِنِّيَّةِ بِشُهُودٍ قُنْيَةٌ (قَصْدًا) خَرَجَ مَا يُفِيدُ الْحِلَّ ضِمْنًا، كَشِرَاءِ أَمَةٍ لِلتَّسَرِّي (وَ) عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ وَاللُّغَةِ (هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ) فَحَيْثُ جَاءَ فِي الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرَائِنِ يُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ كَمَا فِي - {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22]- فَتَحْرُمُ مَزْنِيَّةُ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ بِخِلَافِ - {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]-   [رد المحتار] هُنَاكَ (قَوْلُهُ: وَالْمَحَارِمُ) هَذَا خَارِجٌ بِالْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ أَيْضًا وَكَذَا قَوْلُهُ: وَالْجِنِّيَّةُ، وَإِنْسَانُ الْمَاءِ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ بِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: 72] بَيَّنَ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] وَهُوَ الْأُنْثَى مِنْ بَنَاتِ آدَمَ فَلَا يَثْبُتُ حِلُّ غَيْرِهَا بِلَا دَلِيلٍ وَلِأَنَّ الْجِنَّ يَتَشَكَّلُونَ بِصُوَرٍ شَتَّى فَقَدْ يَكُونُ ذَكَرًا تَشَكَّلَ بِشَكْلِ أُنْثَى، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ مَنْ سَأَلَ عَنْ جَوَازِ التَّزَوُّجِ بِهَا يُصْفَعُ لِجَهْلِهِ وَحَمَاقَتِهِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ ذَلِكَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ التَّصَوُّرَ مُمْكِنٌ لِأَنَّ تَشَكُّلَهُمْ ثَابِتٌ بِالْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ وَالْحِكَايَاتِ الْكَثِيرَةِ وَلِذَا ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ بَعْضِ الْحَيَّاتِ كَمَا مَرَّ فِي مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ عَلَى أَنَّ عَدَمَ تَصَوُّرِ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى حَمَاقَةِ السَّائِلِ كَمَا قَالَهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَقَالَ أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا اللَّيْثِ ذَكَرَ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ الْكُفَّارَ لَوْ تَتَرَّسُوا بِنَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ هَلْ يُرْمَى فَقَالَ يُسْأَلُ ذَلِكَ النَّبِيُّ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بَعْدَ رَسُولِنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنْ أَجَابَ عَلَى تَقْدِيرِ التَّصَوُّرِ كَذَا هَذَا. اهـ. وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ [سَلُّ الْحُسَامِ الْهِنْدِيِّ لِنُصْرَةِ سَيِّدِنَا خَالِدِ النَّقْشَبَنْدِيِّ] . [تَنْبِيهٌ] فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ: لَا تَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَ بَنِي آدَمَ وَالْجِنِّ، وَإِنْسَانِ الْمَاءِ؛ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ. اهـ. وَمُفَادُ الْمُفَاعَلَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْجِنِّيِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ إنْسِيَّةً أَيْضًا وَهُوَ مُفَادُ التَّعْلِيلِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَأَجَازَ الْحَسَنُ أَيْ الْبَصْرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْأَوْلَى التَّقْيِيدُ بِهِ لِإِخْرَاجِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ تِلْمِيذِ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ مِنْ إطْلَاقِهِ هُنَا أَنَّهُ رِوَايَةٌ فِي الْمَذْهَبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ط لَكِنَّهُ نَقَلَ بَعْدَهُ عَنْ شَرْحِ الْمُنْتَقَى عَنْ زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ نِكَاحُ آدَمِيٍّ جِنِّيَّةً كَعَكْسِهِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَكَانُوا كَبَقِيَّةِ الْحَيَوَانَاتِ. اهـ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ قَوْلُ الْحَسَنِ الْمَذْكُورُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: قَصْدًا) حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ يُفِيدُ وُقُوعَ الْمَصْدَرِ حَالًا، وَإِنْ كَثُرَ سَمَاعِيٌّ ط (قَوْلُهُ: كَشِرَاءِ أَمَةٍ) فَإِنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ مِلْكُ الرَّقَبَةِ وَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعِ ضِمْنِيٌّ، وَلِذَا تَخَلَّفَ فِي شِرَاءِ الْمُحَرَّمَةِ نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا أَوْ اشْتِرَاكًا ح (قَوْلُهُ: لِلتَّسَرِّي) خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا لَا لِلتَّسَرِّي كَانَ حِلُّ الِاسْتِمْتَاعِ ضِمْنِيًّا بِالْأَوْلَى وَلَوْ قَالَ وَلَوْ لِلتَّسَرِّي لَكَانَ أَظْهَرَ وَكَلَامُ الْبَحْرِ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ ثَابِتٌ ضِمْنًا، وَإِنْ قَصَدَهُ الْمُشْتَرِي. ح (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ وَاللُّغَةِ إلَخْ) حَاصِلُهُ: أَنَّ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ مَعْنًى عُرْفِيٌّ لِلْفُقَهَاءِ، وَمَا ذَكَرَهُ مَعْنَاهُ شَرْعًا وَلُغَةً؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْأُصُولِ يَبْحَثُونَ عَنْ مَعْنَى النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ، فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ كَلَامَيْ الْمُصَنِّفِ قَالَ فِي الْبَحْرِ قَدْ تَسَاوَى فِي هَذَا الْمَعْنَى اللُّغَةُ وَالشَّرْعُ، أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ) وَقِيلَ بِالْعَكْسِ وَنَسَبَهُ الْأُصُولِيُّونَ إلَى الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ فِيهِمَا وَقِيلَ مَوْضِعٌ لِلضَّمِّ الصَّادِقِ بِالْعَقْدِ وَالْوَطْءِ، فَهُوَ مُشْتَرَكٌ مَعْنَوِيٌّ وَبِهِ صَرَّحَ مَشَايِخُنَا أَيْضًا بَحْرٌ. اهـ. ح وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ (قَوْلُهُ: مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرَائِنِ) أَيْ مُحْتَمَلًا لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ بِلَا مُرَجِّحٍ خَارِجٍ وَقَوْلُهُ: يُرَادُ الْوَطْءُ أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فَتُرَجَّحُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهَا. (قَوْلُهُ: فَتَحْرُمُ مَزْنِيَّةُ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ) أَيْ عَلَى فُرُوعِهِ فَتَكُونُ حُرْمَتُهَا عَلَيْهِمْ ثَابِتَةً بِالنَّصِّ، وَأَمَّا حُرْمَةُ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا عَقْدًا صَحِيحًا عَلَيْهِمْ فَبِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ نَكَحْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ تَعَلَّقَ بِالْوَطْءِ وَكَذَا لَوْ أَبَانَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا تَطْلُقُ بِهِ لَا بِالْعَقْدِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيَّةِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا لَمَّا حَرُمَ عَلَيْهِ شَرْعًا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مَهْجُورَةً فَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالتَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ) حَالٌ مِنْ مَا الْمَوْصُولَةِ فِي قَوْلِهِ كَمَا وَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 لِإِسْنَادِهِ إلَيْهَا وَالْمُتَصَوَّرُ مِنْهَا الْعَقْدُ لَا الْوَطْءُ إلَّا مَجَازًا. (وَيَكُونُ وَاجِبًا عِنْدَ التَّوَقَانِ) فَإِنْ تَيَقَّنَ الزِّنَا إلَّا بِهِ فُرِضَ نِهَايَةٌ وَهَذَا إنْ مَلَكَ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ، وَإِلَّا فَلَا إثْمَ بِتَرْكِهِ بَدَائِعُ   [رد المحتار] ح مِنْ وَلَا تَنْكِحُوا أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ} [البقرة: 230] حَيْثُ لَمْ يُرَدْ بِهِ الْوَطْءُ بَلْ أُرِيدَ الْعَقْدُ لِعَدَمِ تَجَرُّدِهِ عَنْ الْقَرَائِنِ بَلْ وُجِدَتْ فِيهِ قَرِينَةٌ، وَهِيَ اسْتِحَالَةُ الْوَطْءِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِعْلٌ وَهِيَ مُنْفَعِلَةٌ لَا فَاعِلَةٌ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَالْمُتَصَوَّرُ إلَخْ (قَوْلُهُ:؛ لِإِسْنَادِهِ إلَيْهَا) عِلَّةٌ لِمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْمَقَامِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الْعَقْدُ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ وَطْءِ الْمَحَلِّ فَمَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ الْعُسَيْلَةِ ط (قَوْلُهُ: إلَّا مَجَازًا) قَدْ يُقَالُ إذَا كَانَ لَا انْفِكَاكَ عَنْ الْمَجَازِ عَنْ التَّقْدِيرَيْنِ فَمَا الْمُرَجِّحُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. اهـ. ح يَعْنِي أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالنِّكَاحِ فِي الْآيَةِ الْوَطْءُ كَانَ مَجَازًا عَقْلِيًّا؛ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْفِعْلِ مِنْهَا، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْعَقْدُ كَانَ مَجَازًا لُغَوِيًّا؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ الْوَطْءِ فَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَى أَحَدِهِمَا تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ بَلْ قَدْ يُقَالُ إنَّ حَمْلَهَا عَلَى الْوَطْءِ أَنْسَبُ بِالْوَاقِعِ، فَإِنَّ الْمُطَلِّقَ ثَلَاثًا لَا تَحِلُّ بِدُونِ وَطْءِ الْمُحَلِّلِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَجِّحُ كَثْرَةُ الِاسْتِعْمَالِ ط. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ هُنَا مِنْ إرَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَكِنْ لَمَّا كَانَ النِّزَاعُ فِي أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ أَوْ فِي الْعَقْدِ وَكَانَ الرَّاجِحُ عِنْدَنَا الْأَوَّلَ قَالُوا إنَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ بِمَعْنَى الْعَقْدِ؛ لِكَوْنِهِ أَصْرَحَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْقَائِلِ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ، وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ فِي الْإِسْنَادِ لَصَحَّ أَيْضًا، كَمَا يَصِحُّ فِي قَوْلِك جَرَى النَّهْرُ أَنْ تَجْعَلَهُ مِنْ الْمَجَازِ فِي الْإِسْنَادِ وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ بِعَلَاقَةِ الْحَالِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَالْمُتَصَوَّرُ مِنْهَا الْعَقْدُ لَا الْوَطْءُ إلَّا مَجَازًا يُمْكِنُ حَمْلُهُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ فِي الْإِسْنَادِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ لِإِسْنَادِهِ إلَيْهَا أَيْ أَنَّهُ مِنْ إسْنَادِ الشَّيْءِ إلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ وَقَوْلُهُ: وَالْمُتَصَوَّرُ إلَخْ بَيَانٌ؛ لِكَوْنِ إسْنَادِهِ إلَيْهَا غَيْرَ حَقِيقِيٍّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ التَّوَقَانِ) مَصْدَرُ تَاقَتْ نَفْسُهُ إلَى كَذَا إذَا اشْتَاقَتْ مِنْ بَابِ طَلَبَ بَحْرٌ عَنْ الْمُغْرِبِ وَهُوَ بِالْفَتَحَاتِ الثَّلَاثِ كَالْمَيَلَانِ وَالسَّيَلَانِ، وَالْمُرَادُ شِدَّةُ الِاشْتِيَاقِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ: أَيْ بِحَيْثُ يَخَافُ الْوُقُوعَ فِي الزِّنَا لَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاشْتِيَاقِ إلَى الْجِمَاعِ الْخَوْفُ الْمَذْكُورُ بَحْرٌ. قُلْت: وَكَذَا فِيمَا يَظْهَرُ لَوْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ مَنْعُ نَفْسِهِ عَنْ النَّظَرِ الْمُحَرَّمِ أَوْ عَنْ الِاسْتِمْنَاءِ بِالْكَفِّ، فَيَجِبُ التَّزَوُّجُ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ الْوُقُوعَ فِي الزِّنَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَيَقَّنَ الزِّنَا إلَّا بِهِ فُرِضَ) أَيْ بِأَنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الزِّنَا إلَّا بِهِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى تَرْكِ الْحَرَامِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا بَحْرٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ التَّرْكُ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ النِّكَاحِ وَهُوَ التَّسَرِّي، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ وُجُوبُهُ إلَّا لَوْ فَرَضْنَا الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّهُ لَيْسَ قَادِرًا عَلَيْهِ نَهْرٌ لَكِنْ قَوْلُهُ: لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ إلَّا بِهِ ظَاهِرٌ فِي فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي عَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّسَرِّي وَكَذَا فِي عَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الصَّوْمِ الْمَانِعِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا فَلَوْ قَدَرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ النِّكَاحُ فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا عَيْنًا، بَلْ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا يَمْنَعُهُ عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا إنْ مَلَكَ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ) هَذَا الشَّرْطُ رَاجِعٌ إلَى الْقِسْمَيْنِ أَعْنِي الْوَاجِبَ وَالْفَرْضَ وَزَادَ فِي الْبَحْرِ شَرْطًا آخَرَ فِيهِمَا وَهُوَ عَدَمُ خَوْفِ الْجَوْرِ أَيْ الظُّلْمِ قَالَ: فَإِنْ تَعَارَضَ خَوْفُ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا لَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ وَخَوْفُ الْجَوْرِ لَوْ تَزَوَّجَ قَدَّمَ الثَّانِيَ فَلَا افْتِرَاضَ، بَلْ يُكْرَهُ أَفَادَهُ الْكَمَالُ فِي الْفَتْحِ وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّ الْجَوْرَ مَعْصِيَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعِبَادِ، وَالْمَنْعُ مِنْ الزِّنَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عِنْدَ التَّعَارُضِ لِاحْتِيَاجِهِ وَغِنَى الْمَوْلَى تَعَالَى. اهـ. قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ الْكَرَاهَةُ أَيْضًا عِنْدَ عَدَمِ مِلْكِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ لِأَنَّهُمَا حَقُّ عَبْدٍ أَيْضًا، وَإِنْ خَافَ الزِّنَا لَكِنْ يَأْتِي أَنَّهُ يُنْدَبُ الِاسْتِدَانَةُ لَهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَإِنَّ اللَّهَ ضَامِنٌ لَهُ الْأَدَاءَ فَلَا يَخَافُ الْفَقْرَ إذَا كَانَ مِنْ نِيَّتِهِ التَّحْصِينُ وَالتَّعَفُّفُ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ إذَا خَافَ الزِّنَا، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْمَهْرَ إذَا قَدَرَ عَلَى اسْتِدَانَتِهِ وَهَذَا مُنَافٍ لِلِاشْتِرَاطِ الْمَذْكُورِ إلَّا أَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 (وَ) يَكُونُ (سُنَّةً) مُؤَكَّدَةً فِي الْأَصَحِّ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَيُثَابُ إنْ نَوَى تَحْصِينًا وَوَلَدًا (حَالَ الِاعْتِدَالِ) أَيْ الْقُدْرَةِ عَلَى وَطْءٍ وَمَهْرٍ وَنَفَقَةٍ وَرَجَّحَ فِي النَّهْرِ وُجُوبَهُ لِلْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ وَالْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ رَغِبَ عَنْهُ (، وَمَكْرُوهًا لِخَوْفِ الْجَوْرِ) فَإِنْ تَيَقَّنَهُ حَرُمَ ذَلِكَ   [رد المحتار] يُقَالُ الشَّرْطُ مِلْكُ كُلٍّ مِنْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَلَوْ بِالِاسْتِدَانَةِ أَوْ يُقَالُ هَذَا فِي الْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ جِهَةُ وَفَاءٍ وَقَدَّمَ الشَّارِحُ فِي أَوَّلِ الْحَجِّ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحُجَّ حَتَّى أَتْلَفَ مَالَهُ وَسِعَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ وَيَحُجَّ وَلَوْ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى وَفَائِهِ، وَيُرْجَى أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ أَيْ لَوْ نَاوِيًا وَفَاءَهُ لَوْ قَدَرَ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ قُدْرَتِهِ عَلَى الْوَفَاءِ فِي الْحَالِ مَعَ غَلَبَةِ ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ اجْتَهَدَ قَدَرَ، وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ عَدَمُهُ، وَيَنْبَغِي حَمْلُ مَا ذَكَرَ مِنْ نَدْبِ الِاسْتِدَانَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ ظَنِّهِ الْقُدْرَةَ عَلَى الْوَفَاءِ وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَتْ مَنْدُوبَةً عِنْدَ أَمْنِهِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا يَنْبَغِي وُجُوبُهَا عِنْدَ تَيَقُّنِ الزِّنَا بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُهَا حِينَئِذٍ، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ قُدْرَةُ الْوَفَاءِ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ: كَثِيرًا مَا يَتَسَاهَلُ فِي إطْلَاقِ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى السُّنَّةِ. (قَوْلُهُ: سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي الْأَصَحِّ) وَهُوَ مَحْمَلُ الْقَوْلِ بِالِاسْتِحْبَابِ وَكَثِيرًا مَا يَتَسَاهَلُ فِي إطْلَاقِ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى السُّنَّةِ وَقِيلَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ وَاجِبُ كِفَايَةٍ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ، وَقِيلَ وَاجِبٌ عَيْنًا وَرَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ كَمَا يَأْتِي قَالَ فِي الْبَحْرِ وَدَلِيلُ السُّنِّيَّةِ حَالَةُ الِاعْتِدَالِ الِاقْتِدَاءُ بِحَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفْسِهِ وَرَدُّهُ عَلَى مَنْ أَرَادَ مِنْ أُمَّتِهِ التَّخَلِّيَ لِلْعِبَادَةِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ رَدًّا بَلِيغًا بِقَوْلِهِ «فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْفَتْحِ. اهـ. وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِتَعَلُّمٍ وَتَعْلِيمٍ كَمَا فِي دُرَرِ الْبِحَارِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِلنَّوَافِلِ (قَوْلُهُ: فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ) لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ تَرْكَ الْمُؤَكَّدَةِ مُؤَثِّمٌ كَمَا عُلِمَ فِي الصَّلَاةِ بَحْرٌ، وَقَدَّمْنَا فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ أَنَّ اللَّاحِقَ بِتَرْكِهَا إثْمٌ يَسِيرٌ وَأَنَّ الْمُرَادَ التَّرْكُ مَعَ الْإِصْرَارِ وَبِهَذَا فَارَقَتْ الْمُؤَكَّدَةُ الْوَاجِبَ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَدَائِعِ فِي الْإِمَامَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي الْعِبَارَةِ. (قَوْلُهُ: وَيُثَابُ إنْ نَوَى تَحْصِينَهَا) أَيْ مَنْعَ نَفْسِهِ وَنَفْسِهَا عَنْ الْحَرَامِ، وَكَذَا لَوْ نَوَى مُجَرَّدَ الِاتِّبَاعِ وَامْتِثَالِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى مُجَرَّدَ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَاللَّذَّةِ (قَوْلُهُ: أَيْ الْقُدْرَةِ عَلَى وَطْءٍ) أَيْ الِاعْتِدَالُ فِي التَّوَقَانِ أَنْ لَا يَكُونَ بِالْمَعْنَى الْمَارِّ فِي الْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ وَهُوَ شِدَّةُ الِاشْتِيَاقِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي غَايَةِ الْفُتُورِ كَالْعِنِّينِ وَلِذَا فَسَّرَهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْفُتُورِ وَالشَّوْقِ وَزَادَ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْهُمَا يُسْقِطُ الْفَرْضَ فَيُسْقِطُ السُّنِّيَّةَ بِالْأَوْلَى، وَفِي الْبَحْرِ وَالْمُرَادُ حَالَةُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَطْءِ، وَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ مَعَ عَدَمِ الْخَوْفِ مِنْ الزِّنَا وَالْجَوْرِ وَتَرْكِ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ، فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَوْ خَافَ وَاحِدًا مِنْ الثَّلَاثَةِ أَيْ الْأَخِيرَةِ فَلَيْسَ مُعْتَدِلًا فَلَا يَكُونُ سُنَّةً فِي حَقِّهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَدَائِعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِلْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ وَالْإِنْكَارِ إلَخْ) فَإِنَّ الْمُوَاظَبَةَ الْمُقْتَرِنَةَ بِالْإِنْكَارِ عَلَى التَّرْكِ دَلِيلُ الْوُجُوبِ؛ وَأَجَابَ الرَّحْمَتِيُّ بِأَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ فِيهِ الْإِنْكَارُ عَلَى التَّارِكِ بَلْ عَلَى الرَّاغِبِ عَنْهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الرَّاغِبَ عَنْ السُّنَّةِ مَحَلُّ الْإِنْكَارِ (قَوْلُهُ: وَمَكْرُوهًا) أَيْ تَحْرِيمًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَيَقَّنَهُ) أَيْ تَيَقَّنَ الْجَوْرَ حَرُمَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ إنَّمَا شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ تَحْصِينِ النَّفْسِ، وَتَحْصِيلِ الثَّوَابِ، وَبِالْجَوْرِ يَأْثَمُ وَيَرْتَكِبُ الْمُحَرَّمَاتِ فَتَنْعَدِمُ الْمَصَالِحُ لِرُجْحَانِ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ بَحْرٌ وَتَرَكَ الشَّارِحُ قِسْمًا سَادِسًا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى وَهُوَ الْإِبَاحَةُ إنْ خَافَ الْعَجْزَ عَنْ الْإِيفَاءِ بِمُوجَبِهِ. اهـ. أَيْ خَوْفًا غَيْرَ رَاجِحٍ، وَإِلَّا كَانَ مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوْرِ مِنْ مَوَاجِبِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ إقَامَةَ السُّنَّةِ بَلْ قَصَدَ مُجَرَّدَ التَّوَصُّلِ إلَى قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَلَمْ يَخَفْ شَيْئًا لَمْ يُثَبْ عَلَيْهِ إذْ لَا ثَوَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَيَكُونُ مُبَاحًا أَيْضًا كَالْوَطْءِ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ لَكِنْ «لَمَّا قِيلَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ أَحَدَنَا يَقْضِي شَهْوَتَهُ فَكَيْفَ يُثَابُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا مَعْنَاهُ أَرَأَيْت لَوْ وَضَعَهَا فِي مُحَرَّمٍ أَمَا كَانَ يُعَاقَبُ» فَيُفِيدُ الثَّوَابَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 وَيُنْدَبُ إعْلَانُهُ وَتَقْدِيمُ خُطْبَةٍ وَكَوْنُهُ فِي مَسْجِدِ يَوْمِ جُمُعَةٍ بِعَاقِدٍ رَشِيدٍ وَشُهُودٍ عُدُولٍ، وَالِاسْتِدَانَةُ لَهُ وَالنَّظَرُ إلَيْهَا قَبْلَهُ، وَكَوْنُهَا دُونَهُ سِنًّا وَحَسَبًا وَعِزًّا، وَمَالًا وَفَوْقَهُ خُلُقًا وَأَدَبًا   [رد المحتار] مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ لِأَجْلِ تَحْصِينِ النَّفْسِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْأَشْبَاهِ بِأَنَّ النِّكَاحَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَأَشَارَ بِالْفَاءِ إلَى تَوَقُّفِ كَوْنِهِ سُنَّةً عَلَى النِّيَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْمُبَاحَاتُ فَتَخْتَلِفُ صِفَتُهَا بِاعْتِبَارِ مَا قُصِدَتْ لِأَجْلِهِ فَإِذَا قَصَدَ بِهَا التَّقَوِّي عَلَى الطَّاعَاتِ أَوْ التَّوَصُّلَ إلَيْهَا كَانَتْ عِبَادَةً كَالْأَكْلِ وَالنَّوْمِ وَاكْتِسَابِ الْمَالِ وَالْوَطْءِ. اهـ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتْحِ قَالَ: وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِنِيَّةٍ كَانَ مُبَاحًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ حِينَئِذٍ مُجَرَّدُ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ، وَمَبْنَى الْعِبَادَةِ عَلَى خِلَافِهِ. وَأَقُولُ: بَلْ فِيهِ فَضْلٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ قَضَائِهَا بِغَيْرِ الطَّرِيقِ الْمَشْرُوعِ فَالْعُدُولُ إلَيْهِ مَعَ مَا يَعْلَمُهُ مِنْ أَنَّهُ قَدْ يَسْتَلْزِمُ أَثْقَالًا فِيهِ قَصْدُ تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُنْدَبُ إعْلَانُهُ) أَيْ إظْهَارُهُ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى النِّكَاحِ بِمَعْنَى الْعَقْدِ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ» فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَتَقْدِيمُ خُطْبَةٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ مَا يُذْكَرُ قَبْلَ إجْرَاءِ الْعَقْدِ مِنْ الْحَمْدِ وَالتَّشَهُّدِ، وَأَمَّا بِكَسْرِهَا فَهِيَ طَلَبُ التَّزَوُّجِ وَأَطْلَقَ الْخُطْبَةَ فَأَفَادَ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ، وَإِنْ خَطَبَ بِمَا وَرَدَ فَهُوَ أَحْسَنُ، وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ ط عَنْ صَاحِبِ الْحِصْنِ الْحَصِينِ مِنْ لَفْظِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُ بِهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: 1] إلَى {رَقِيبًا} [النساء: 1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] إلَى قَوْلِهِ {عَظِيمًا} [الأحزاب: 71] » . اهـ. (قَوْلُهُ: فِي مَسْجِدٍ) لِلْأَمْرِ بِهِ فِي الْحَدِيثِ ط (قَوْلُهُ: يَوْمَ جُمُعَةٍ) أَيْ وَكَوْنُهُ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَتْحٌ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَالْبِنَاءُ وَالنِّكَاحُ بَيْنَ الْعِيدَيْنِ جَائِزٌ وَكُرِهَ الزِّفَافُ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَزَوَّجَ بِالصِّدِّيقَةِ فِي شَوَّالٍ وَبَنَى بِهَا فِيهِ» وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا نِكَاحَ بَيْنَ الْعِيدَيْنِ» إنْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ رَجَعَ عَنْ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي أَقْصَرِ أَيَّامِ الشِّتَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَهُ حَتَّى لَا يَفُوتُهُ الرَّوَاحُ فِي الْوَقْتِ الْأَفْضَلِ إلَى الْجُمُعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِعَاقِدٍ رَشِيدٍ وَشُهُودٍ عُدُولٍ) فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْقِدَ مَعَ الْمَرْأَةِ بِلَا أَحَدٍ مِنْ عَصَبَتِهَا، وَلَا مَعَ عَصَبَةٍ فَاسِقٍ، وَلَا عِنْدَ شُهُودٍ غَيْرِ عُدُولٍ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِدَانَةُ لَهُ) لِأَنَّ ضَمَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ «ثَلَاثٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عَوْنُهُمْ: الْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ، وَالْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى» ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ وَتَقَدَّمَ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَالنَّظَرُ إلَيْهَا قَبْلَهُ) أَيْ، وَإِنْ خَافَ الشَّهْوَةَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَهَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُجَابُ فِي نِكَاحِهَا. (قَوْلُهُ: دُونَهُ سِنًّا) لِئَلَّا يُسْرِعَ عُقْمُهَا فَلَا تَلِدَ. (قَوْلُهُ: وَحَسَبًا) هُوَ مَا تَعُدُّهُ مِنْ مَفَاخِرِ آبَائِك ح عَنْ الْقَامُوسِ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الْأُصُولُ أَصْحَابَ شَرَفٍ وَكَرْمٍ وَدِيَانَةٍ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ دُونَهُ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا فِي الْعِزِّ أَيْ الْجَاهِ وَالرِّفْعَةِ وَفِي الْمَالِ تَنْقَادُ لَهُ، وَلَا تَحْتَقِرُهُ، وَإِلَّا تَرَفَّعَتْ عَلَيْهِ وَفِي الْفَتْحِ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لِعِزِّهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إلَّا ذُلًّا، وَمَنْ تَزَوَّجَهَا لِمَالِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إلَّا فَقْرًا، وَمَنْ تَزَوَّجَهَا لِحَسَبِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إلَّا دَنَاءَةً، وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَمْ يُرِدْ بِهَا إلَّا أَنْ يَغُضَّ بَصَرَهُ وَيُحْصِنَ فَرْجَهُ أَوْ يَصِلَ رَحِمَهُ بَارَكَ اللَّهُ لَهُ فِيهَا وَبَارَكَ لَهَا فِيهِ» . [تَتِمَّةٌ] زَادَ فِي الْبَحْرِ: وَيَخْتَارُ أَيْسَرَ النِّسَاءِ خِطْبَةً، وَمُؤْنَةً وَنِكَاحُ الْبِكْرِ أَحْسَنُ لِلْحَدِيثِ «عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 وَوَرَعًا وَجَمَالًا وَهَلْ يُكْرَهُ الزِّفَافُ الْمُخْتَارُ لَا إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى مُفْسِدَةٍ دِينِيَّةٍ. (وَيَنْعَقِدُ) مُتَلَبِّسًا (بِإِيجَابٍ) مِنْ أَحَدِهِمَا (وَقَبُولٍ) مِنْ الْآخِرِ (وَضْعًا لِلْمُضِيِّ) لِأَنَّ الْمَاضِيَ أَدَلُّ عَلَى التَّحْقِيقِ (كَزَوَّجْتُ) نَفْسِي أَوْ بِنْتِي أَوْ مُوَكِّلَتِي مِنْك   [رد المحتار] فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا، وَأَنْقَى أَرْحَامًا، وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ» وَلَا يَتَزَوَّجُ طَوِيلَةً مَهْزُولَةً، وَلَا قَصِيرَةً دَمِيمَةً؛ وَلَا مُكْثِرَةً، وَلَا سَيِّئَةَ الْخُلُقِ، وَلَا ذَاتَ الْوَلَدِ، وَلَا مُسِنَّةً لِلْحَدِيثِ «سَوْدَاءُ وَلُودٌ خَيْرٌ مِنْ حَسْنَاءَ عَقِيمٍ» وَلَا يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ وَلَا زَانِيَةً، وَالْمَرْأَةُ تَخْتَارُ الزَّوْجَ الدَّيِّنَ الْحَسَنَ الْخُلُقِ الْجَوَادَ الْمُوسِرَ، وَلَا تَتَزَوَّجُ فَاسِقًا، وَلَا يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ الشَّابَّةَ شَيْخًا كَبِيرًا وَلَا رَجُلًا دَمِيمًا وَيُزَوِّجُهَا كُفُؤًا، فَإِنْ خَطَبَهَا الْكُفْءُ لَا يُؤَخِّرُهَا وَهُوَ كُلُّ مُسْلِمٍ تَقِيٍّ وَتَحْلِيَةُ. الْبَنَاتِ بِالْحُلِيِّ وَالْحُلَلِ لِيَرْغَبَ فِيهِنَّ الرِّجَالُ سُنَّةٌ وَلَا يَخْطُبُ مَخْطُوبَةَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ جَفَاءٌ وَخِيَانَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَلْ يُكْرَهُ الزِّفَافُ) هُوَ بِالْكَسْرِ كَكِتَابٍ إهْدَاءُ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا قَامُوسٌ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا اجْتِمَاعُ النِّسَاءِ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَهُ عُرْفًا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ (قَوْلُهُ: الْمُخْتَارُ لَا إلَخْ) هَذَا فِي الْفَتْحِ مُسْتَدِلًّا لَهُ بِمَا مَرَّ مِنْ حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ، وَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ زَفَفْنَا امْرَأَةً إلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَا يَكُونُ مَعَهُمْ لَهْوٌ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمْ اللَّهْوُ» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ» وَقَالَ الْفُقَهَاءُ: الْمُرَادُ بِالدُّفِّ مَا لَا جَلَاجِلَ لَهُ. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: ضَرْبُ الدُّفِّ فِي الْعُرْسِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي الْغِنَاءِ فِي الْعُرْسِ وَالْوَلِيمَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ كَرَاهَتِهِ كَضَرْبِ الدُّفِّ. (قَوْلُهُ: وَيَنْعَقِدُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ: الْعَقْدُ رَبْطُ أَجْزَاءِ التَّصَرُّفِ أَيْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ شَرْعًا لَكِنْ هُنَا أُرِيدَ بِالْعَقْدِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ، وَهُوَ الِارْتِبَاطُ لَكِنْ النِّكَاحُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مَعَ ذَلِكَ الِارْتِبَاطُ، إنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ يَعْتَبِرُ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ أَرْكَانَ عَقَدَ النِّكَاحِ لَا أُمُورًا خَارِجِيَّةً كَالشَّرَائِطِ، وَقَدْ ذَكَرْت فِي شَرْحِ التَّنْقِيحِ فِي فَصْلِ النَّهْيِ أَنَّ الشَّرْعَ يَحْكُمُ بِأَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ الْمَوْجُودَيْنِ حِسًّا يَرْتَبِطَانِ ارْتِبَاطًا حُكْمِيًّا، فَيَحْصُلُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ يَكُونُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي أَثَرًا لَهُ فَذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ الْبَيْعُ، فَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَجْمُوعُ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَعَ ذَلِكَ الِارْتِبَاطِ لِلشَّيْءِ لَا أَنَّ الْبَيْعَ مُجَرَّدُ ذَلِكَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَالْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ آلَةٌ لَهُ كَمَا تَوَهَّمَ الْبَعْضُ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُمَا أَرْكَانًا يُنَافِي ذَلِكَ. اهـ. أَيْ يُنَافِي كَوْنَهُمَا آلَةً، وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ جَعَلَ الْبَاءَ لِلْمُلَابَسَةِ كَمَا فِي بَنَيْت الْبَيْتَ بِالْحَجَرِ لَا لِلِاسْتِعَانَةِ، كَمَا فِي كَتَبْت بِالْقَلَمِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ النِّكَاحَ وَالْبَيْعَ وَنَحْوَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ تُوجَدُ حِسًّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، لَكِنْ وَصْفُهَا بِكَوْنِهَا عُقُودًا مَخْصُوصَةً بِأَرْكَانٍ وَشَرَائِطَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَحْكَامٌ، تَنْتَفِي تِلْكَ الْعُقُودُ بِانْتِفَائِهَا وُجُودٌ شَرْعِيٌّ زَائِدٌ عَلَى الْحِسِّيِّ، فَلَيْسَ الْعَقْدُ الشَّرْعِيُّ مُجَرَّدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَا الِارْتِبَاطَ وَحْدَهُ بَلْ هُوَ مَجْمُوعُ الثَّلَاثَةِ وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: وَيَنْعَقِدُ أَيْ النِّكَاحُ أَيْ يَثْبُتُ وَيَحْصُلُ انْعِقَادُهُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ (قَوْلُهُ: مِنْ أَحَدِهِمَا) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ مِنْ كَلَامِ الْعَاقِدِينَ إيجَابٌ سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ كَلَامَ الزَّوْجِ، أَوْ كَلَامَ الزَّوْجَةِ وَالْمُتَأَخِّرَ قَبُولٌ ح عَنْ الْمِنَحِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَقْدِيمُ الْقَبُولِ، فَقَوْلُهُ: تَزَوَّجْت ابْنَتَك إيجَابٌ وَقَوْلُ الْآخَرِ زَوَّجْتُكهَا قَبُولٌ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهُ مِنْ تَقْدِيمِ الْقَبُولِ عَلَى الْإِيجَابِ وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَاضِيَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنَّمَا اُخْتِيرَ لَفْظُ الْمَاضِي؛ لِأَنَّ وَاضِعَ اللُّغَةِ لَمْ يَضَعْ لِلْإِنْشَاءِ لَفْظًا خَاصًّا، وَإِنَّمَا عُرِفَ الْإِنْشَاءُ بِالشَّرْعِ وَاخْتِيَارُ لَفْظِ الْمَاضِي لِدَلَالَتِهِ عَلَى التَّحْقِيقِ وَالثُّبُوتِ دُونَ الْمُسْتَقْبَلِ. اهـ. وَقَوْلُهُ: عَلَى التَّحْقِيقِ أَيْ تَحْقِيقِ وُقُوعِ الْحَدَثِ (قَوْلُهُ: كَزَوَّجْتُ نَفْسِي إلَخْ) أَشَارَ إلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُوجِبُ أَصِيلًا أَوْ وَلِيًّا أَوْ وَكِيلًا وَقَوْلُهُ: مِنْكَ بِفَتْحِ الْكَافِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ اسْتِقْصَاءَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَصْلُحُ لِلْإِيجَابِ، حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ أَنَّ مِثْلَ بِنْتِي ابْنِي، وَمِثْلُ مُوَكِّلَتِي مُوَكِّلِي، وَأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ مِنْك بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا أَوْ مِنْ مُوَلِّيَتِك أَوْ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 (وَ) يَقُولُ الْآخَرُ (تَزَوَّجْت، وَ) يَنْعَقِدُ أَيْضًا (بِمَا) أَيْ بِلَفْظَيْنِ (وُضِعَ أَحَدُهُمَا لَهُ) لِلْمُضِيِّ (وَالْآخَرُ لِلِاسْتِقْبَالِ) أَوْ لِلْحَالِ، فَالْأَوَّلُ الْأَمْرُ (كَزَوِّجْنِي) أَوْ زَوِّجِينِي نَفْسَك أَوْ كُونِي امْرَأَتِي فَإِنَّهُ لَيْسَ بِإِيجَابٍ بَلْ هُوَ تَوْكِيلٌ ضِمْنِيٌّ (فَإِذَا قَالَ) فِي الْمَجْلِسِ (زَوَّجْت) أَوْ قَبِلْت أَوْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ بَزَّازِيَّةٌ قَامَ مَقَامَ الطَّرَفَيْنِ وَقِيلَ هُوَ إيجَابٌ   [رد المحتار] مُوَكَّلَتِك بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا أَيْضًا لِيَعُمَّ الِاحْتِمَالَاتِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَيَقُولُ لِآخَرَ تَزَوَّجْت) أَيْ أَوْ قَبِلْت لِنَفْسِي أَوْ لِمُوَكِّلِي أَوْ ابْنِي، وَمُوَكِّلَتِي ط (قَوْلُهُ: فَالْأَوَّلُ) أَيْ الْمَوْضِعُ لِلِاسْتِقْبَالِ (قَوْلُهُ: نَفْسَك) بِكَسْرِ الْكَافِ مَفْعُولُ زَوِّجِينِي أَوْ بِفَتْحِهَا مَفْعُولُ زَوِّجْنِي فَفِيهِ حَذْفُ مَفْعُولِ أَحَدِ الْفِعْلَيْنِ وَلَوْ حَذَفَهُ لَشَمَلَ الْوَلِيَّ وَالْوَكِيلَ أَيْضًا أَفَادَهُ. ح (قَوْلُهُ: أَوْ كُونِي امْرَأَتِي) ، وَمِثْلُهُ كُونِي امْرَأَةَ ابْنِي أَوْ امْرَأَةَ مُوَكِّلِي وَكَذَا كُنْ زَوْجِي أَوْ كُنْ زَوْجَ بِنْتِي أَوْ زَوْجَ مُوَكِّلَتِي أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَيْسَ بِإِيجَابٍ) الْفَاءُ فَصِيحَةٌ أَيْ إذَا عَرَفْت أَنَّ قَوْلَهُ بِمَا وُضِعَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَعَرَفْت أَيْضًا أَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ عَرَفْت أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ لَيْسَ بِإِيجَابٍ، لَكِنْ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَ الْآخَرِ زَوَّجْت فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَيْسَ بِقَبُولٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ أَيْ لَيْسَ بِقَبُولٍ مَحْضٍ بَلْ هُوَ لَفْظٌ قَامَ مَقَامَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ عَطْفَ الْحَالِ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ يَقْتَضِي أَنَّ نَحْوَ قَوْلِهِ أَتَزَوَّجُك لَيْسَ بِإِيجَابٍ وَأَنَّ قَوْلَهَا قَبِلْت مُجِيبَةً لَهُ لَيْسَ بِقَبُولٍ مَعَ أَنَّهُمَا إيجَابٌ وَقَبُولٌ قَطْعًا ح. (قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ تَوْكِيلٌ ضِمْنِيٌّ) أَيْ أَنَّ قَوْلَهُ زَوِّجْنِي تَوْكِيلٌ بِالنِّكَاحِ لِلْمَأْمُورِ مَعْنًى، وَلَوْ صَرَّحَ بِالتَّوْكِيلِ وَقَالَ وَكَّلْتُك بِأَنْ تُزَوِّجِي نَفْسَك مِنِّي فَقَالَتْ زَوَّجْت صَحَّ النِّكَاحُ فَكَذَا هُنَا غَايَةُ الْبَيَانِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ ضِمْنِيٌّ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا أَوْرَدَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ، مَعَ أَنَّهُ يَقْتَصِرُ. وَتَوْضِيحُ الْجَوَابِ كَمَا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ: أَنَّ الْمُتَضَمَّنَ بِالْفَتْحِ لَا تُعْتَبَرُ شُرُوطُهُ بَلْ شُرُوطُ الْمُتَضَمِّنِ بِالْكَسْرِ وَالْأَمْرُ طَلَبٌ لِلنِّكَاحِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُ النِّكَاحِ مِنْ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ فِي رُكْنَيْهِ لَا شُرُوطُ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنْ الْوَكَالَةِ كَمَا فِي أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ لَمَّا كَانَ الْبَيْعُ فِيهِ ضِمْنِيًّا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِمَا فِي الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْإِعْتَاقِ شَرْطٌ، وَهُوَ تَبَعٌ لِلْمُقْتَضَى وَهُوَ الْعِتْقُ إذْ الشُّرُوطُ اتِّبَاعٌ فَلِذَا ثَبَتَ الْبَيْعُ الْمُقْتَضَى بِالْفَتْحِ بِشُرُوطِ الْمُقْتَضِي بِالْكَسْرِ، وَهُوَ الْعِتْقُ لَا بِشُرُوطِ نَفْسِهِ إظْهَارًا لِلتَّبَعِيَّةِ فَسَقَطَ الْقَبُولُ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الْبَيْعِ وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمِنَحِ فِي آخِرِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا قَالَ) أَيْ الْمَأْمُورُ بِالتَّزْوِيجِ (قَوْلُهُ: أَوْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ أَيْ زَوَّجْت أَوْ قَبِلْت مُلْتَبِسًا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِأَمْرِك وَلَا يَحْصُلُ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِأَمْرِهِ إلَّا بِتَقْدِيرِ الْجَوَابِ مَاضِيًا مُرَادًا بِهِ الْإِنْشَاءُ لِيَتِمَّ شَرْطُ الْعَقْدِ بِكَوْنِ أَحَدِهِمَا لِلْمُضِيِّ (قَوْلُهُ: بَزَّازِيَّةٌ) نَصُّ عِبَارَتِهَا قَالَ زَوِّجِي نَفْسَك مِنِّي فَقَالَتْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ صَحَّ. اهـ. وَنَقَلَ هَذَا الْفَرْعَ فِي الْبَحْرِ عَنْ النَّوَازِلِ وَنَقَلَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْ الْخُلَاصَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ هُوَ إيجَابٌ) مُقَابِلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ، وَمَشَى عَلَى الْأَوَّلِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَجْمَعِ وَنَسَبَهُ فِي الْفَتْحِ إلَى الْمُحَقِّقِينَ، وَعَلَى الثَّانِي ظَاهِرُ الْكَنْزِ وَاعْتَرَضَهُ فِي الدُّرَرِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ بِأَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَفْظُ الْأَمْرِ فِي النِّكَاحِ إيجَابٌ وَكَذَا فِي الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْكَفَالَةِ وَالْهِبَةِ. اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَيْسَ إلَّا اللَّفْظَ الْمُفِيدَ قَصْدَ تَحَقُّقِ الْمَعْنَى أَوَّلًا، وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى لَفْظِ الْأَمْرِ ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ كَوْنِهِ تَوْكِيلًا،، وَإِلَّا بَقِيَ طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَتِمُّ بِقَوْلِهِ بِعْنِيهِ بِكَذَا فَيَقُولُ بِعْت بِلَا جَوَابٍ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ بُيُوعِ الْفَتْحِ الْفَرْقَ بِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَدْخُلُهُ الْمُسَاوَمَةُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ مُقَدِّمَاتٍ، وَمُرَاجَعَاتٍ، فَكَانَ التَّحْقِيقُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. وَأَوْرَدَ فِي الْبَحْرِ عَلَى كَوْنِهِ إيجَابًا مَا فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ هَبْ ابْنَتَك لِفُلَانٍ فَقَالَ الْأَبُ: وَهَبْت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ وَالثَّانِي الْمُضَارِعُ الْمَبْدُوءُ بِهَمْزَةٍ أَوْ نُونٍ أَوْ تَاءٍ كَتُزَوِّجِينِي نَفْسَك إذَا لَمْ يَنْوِ الِاسْتِقْبَالَ،   [رد المحتار] لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ مَا لَمْ يَقُلْ الْوَكِيلُ بَعْدَهُ قَبِلْت؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ، وَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ: هَبْ ابْنَتَك لِابْنِي فَقَالَ: وَهَبْت لَمْ يَصِحَّ مَا لَمْ يَقُلْ أَبُو الصَّبِيُّ قَبِلْت، ثُمَّ أَجَابَ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ بِأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ لَا إيجَابٌ وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ لَكِنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى النَّقْلِ، وَصَرَّحَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَمْرَ تَوْكِيلٌ يَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ بِالْمُجِيبِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ إيجَابٌ يَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ قَائِمًا بِهِمَا. اهـ. أَيْ فَلَا يَلْزَمُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ قَوْلُ الْآمِرِ قَبِلْت، فَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْجَوَابِ الْمَذْكُورِ، وَكَذَا يُخَالِفُهُ تَعْلِيلُ الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ نَعَمْ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُؤَيِّدٌ لِلْجَوَابِ لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُشْكِلٌ إذْ لَا يَصِحُّ تَفْرِيعُهُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ إيجَابٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا عَلَى أَنَّهُ تَوْكِيلٌ لِمَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يُوَكِّلَ بِنِكَاحِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ إذْ بِتَقْدِيرِهِ يَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ بِالْمُجِيبِ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَى قَبُولِ الْأَبِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّهُ تَوْكِيلٌ. اهـ. . لَكِنْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ إنَّمَا تَوَقَّفَ الِانْعِقَادُ عَلَى الْقَبُولِ فِي قَوْلِ الْأَبِ أَوْ الْوَكِيلِ: هَبْ ابْنَتَك لِفُلَانٍ أَوْ لِابْنِي أَوْ أَعْطِهَا مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الطَّلَبِ وَأَنَّهُ مُسْتَقْبَلٌ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَاكِمُ وَالتَّحْقِيقُ، فَلَمْ يَتِمَّ بِهِ الْعَقْدُ بِخِلَافِ زَوِّجْنِي ابْنَتَك بِكَذَا بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي التَّحَقُّقِ وَالْإِثْبَاتِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْإِيجَابِ. اهـ فَتَأَمَّلْ هَذَا. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يُبْتَنَى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُ الشَّاهِدَيْنِ لِلْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عَلَى التَّوْكِيلِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يُشْتَرَطُ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْمِعْرَاجِ مَا يُفِيدُ الِاشْتِرَاطَ مُطْلَقًا وَهُوَ إنْ زَوَّجَنِي، وَإِنْ كَانَ تَوْكِيلًا لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَعْمَلْ زَوَّجْت بِدُونِهِ نَزَلَ مَنْزِلَةَ شَرْطِ الْعَقْدِ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ، وَهُوَ مَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ قَرِيبًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْعَقْدِ بِالْكِتَابَةِ وَيَأْتِي بَيَانُهُ. (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي) أَيْ مَا وُضِعَ لِلْحَالِ الْمُضَارِعِ وَهُوَ الْأَصْلُ عِنْدَنَا، فَفِي قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ يَعْتِقُ مَا فِي مِلْكِهِ فِي الْحَالِ لَا مَا يَمْلِكُهُ بَعْدُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الِاسْتِقْبَالِ فَقَوْلُهُ: أَتَزَوَّجُك يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْحَالَ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ، وَقَدْ أَرَادَ بِهِ التَّحْقِيقَ لَا الْمُسَاوَمَةَ بِدَلَالَةِ الْخُطْبَةِ وَالْمُقَدِّمَاتِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ حَقِيقَةً فِي الْحَالِ فَلَا كَلَامَ فِي صِحَّةِ الِانْعِقَادِ بِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ حَقِيقَةً فِي الِاسْتِقْبَالِ؛ لِقِيَامِ الْقَرِينَةِ عَلَى إرَادَةِ الْحَالِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى إرَادَةَ الِاسْتِقْبَالِ وَالْوَعْدِ لَا يَصْدُقُ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ بِالْقَبُولِ وَيَأْتِي قَرِيبًا مَا يُؤَيِّدُهُ. (قَوْلُهُ: الْمَبْدُوءُ بِهَمْزَةٍ) كَأَتَزَوَّجُك بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا ح (قَوْلُهُ: أَوْ نُونٍ) ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا حَيْثُ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْمُضَارِعَ الْمَبْدُوءَ بِالنُّونِ كَتَزَوُّجِك أَوْ نُزَوِّجُك مِنْ ابْنِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمَبْدُوءِ بِالْهَمْزَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَتُزَوِّجِينِي) بِضَمِّ التَّاءِ وَنَفْسَك بِكَسْرِ الْكَافِ، وَمِثْلُهُ تُزَوِّجُنِي نَفْسَك بِضَمِّ التَّاءِ خِطَابًا لِلْمُذَكَّرِ فَالْكَافُ مَفْتُوحَةٌ. (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَنْوِ الِاسْتِقْبَالَ) أَيْ الِاسْتِيعَادَ أَيْ طَلَبَ الْوَعْدِ وَهَذَا قَيْدٌ فِي الْأَخِيرِ فَقَطْ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ لِمَا عَلِمْنَا أَنَّ الْمُلَاحَظَةَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فِي ثُبُوتِ الِانْعِقَادِ وَلُزُومِ حُكْمِهِ جَانِبَ الرِّضَا عَدَّيْنَا حُكْمَهُ إلَى كُلِّ لَفْظٍ يُفِيدُ ذَلِكَ بِلَا احْتِمَالٍ مُسَاوٍ لِلطَّرَفِ الْآخَرِ فَقُلْنَا لَوْ قَالَ بِالْمُضَارِعِ ذِي الْهَمْزَةِ أَتَزَوَّجُك فَقَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي انْعَقَدَ وَفِي الْمَبْدُوءِ بِالتَّاءِ تُزَوِّجُنِي بِنْتَك فَقَالَ فَعَلْت عِنْدَ عَدَمِ قَصْدِ الِاسْتِيعَادِ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ فِيهِ هَذَا الِاحْتِمَالُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَخْبِرُ نَفْسَهُ عَنْ الْوَعْدِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَالنِّكَاحُ مِمَّا لَا يَجْرِي فِيهِ الْمُسَاوَمَةُ كَانَ لِلتَّحْقِيقِ فِي الْحَالِ فَانْعَقَدَ بِهِ لَا بِاعْتِبَارِ وَضْعِهِ لِلْإِنْشَاءِ، بَلْ بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَرَضِ تَحْقِيقِهِ، وَاسْتِفَادَةِ الرِّضَا مِنْهُ حَتَّى قُلْنَا: لَوْ صَرَّحَ بِالِاسْتِفْهَامِ اُعْتُبِرَ فَهْمُ الْحَالِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ قَالَ هَلْ أَعْطَيْتنِيهَا فَقَالَ أَعْطَيْت إنْ كَانَ الْمَجْلِسُ لِلْوَعْدِ فَوَعْدٌ، وَإِنْ كَانَ لِلْعَقْدِ فَنِكَاحٌ. اهـ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: فَعَلِمْنَا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمَا لَا لِنِيَّتِهِمَا، أَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 وَكَذَا أَنَا مُتَزَوِّجُك أَوْ جِئْتُك خَاطِبًا لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْمُسَاوَمَةِ فِي النِّكَاحِ أَوْ هَلْ أَعْطَيْتنِيهَا إنْ الْمَجْلِسُ لِلنِّكَاحِ، وَإِنْ لِلْوَعْدِ فَوَعْدٌ؛ وَلَوْ قَالَ لَهَا يَا عَرُوسِي فَقَالَتْ لَبَّيْكَ انْعَقَدَ عَلَى الْمَذْهَبِ (فَلَا يَنْعَقِدُ) بِقَبُولٍ بِالْفِعْلِ كَقَبْضِ مَهْرٍ وَلَا بِتَعَاطٍ وَلَا بِكِتَابَةِ حَاضِرٍ بَلْ غَائِبٌ بِشَرْطِ إعْلَامِ الشُّهُودِ بِمَا فِي الْكِتَابِ مَا لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ الْأَمْرِ فَيَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ فَتْحٌ   [رد المحتار] تَرَى أَنَّهُ يَنْعَقِدُ مَعَ الْهَزْلِ وَالْهَازِلُ لَمْ يَنْوِ النِّكَاحَ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ نِيَّةُ الِاسْتِقْبَالِ فِي الْمَبْدُوءِ بِالتَّاءِ لِأَنَّ تَقْدِيرَ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ فِيهِ شَائِعٌ كَثِيرٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمَبْدُوءَ بِالْهَمْزَةِ كَمَا لَا يَصِحُّ فِيهِ الِاسْتِيعَادُ لَا يَصِحُّ فِيهِ الْوَعْدُ بِالتَّزَوُّجِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عِنْدَ قِيَامِ الْقَرِينَةِ عَلَى قَصْدِ التَّحْقِيقِ وَالرِّضَا كَمَا قُلْنَاهُ آنِفًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَكَذَا أَنَا مُتَزَوِّجُك) ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ بَحْثًا حَيْثُ قَالَ وَالِانْعِقَادُ بِقَوْلِهِ أَنَا مُتَزَوِّجُك يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمُضَارِعِ الْمَبْدُوءِ بِالْهَمْزَةِ سَوَاءٌ. اهـ. قَالَ ح: لِأَنَّ مُتَزَوِّجٌ اسْمُ فَاعِلٍ وَهُوَ مَوْضُوعٌ لِذَاتٍ قَامَ بِهَا الْحَدَثُ وَتَحَقَّقَ فِي وَقْتِ التَّكَلُّمِ فَكَانَ دَالًّا عَلَى الْحَالِ، وَإِنْ كَانَتْ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ الْتِزَامِيَّةً. (قَوْلُهُ: أَوْ جِئْتُك خَاطِبًا) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَوْ قَالَ بِاسْمِ الْفَاعِلِ كَجِئْتُك خَاطِبًا ابْنَتَك أَوْ لَتُزَوِّجنِي ابْنَتَك فَقَالَ الْأَبُ زَوَّجْتُك فَالنِّكَاحُ لَازِمٌ وَلَيْسَ لِلْخَاطِبِ أَنْ لَا يَقْبَلَ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْمُسَاوَمَةِ فِيهِ اهـ. قَالَ ح: فَإِنْ قُلْت: إنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ فِي هَذَا مَاضِيَانِ فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِهِ هُنَا: قُلْت: الْمُعْتَبَرُ قَوْلُهُ: خَاطِبًا لَا قَوْلُهُ: جِئْتُك؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ وَلَا دَخْلَ لَهُ فِيهِ (قَوْلُهُ:؛ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْمُسَاوَمَةِ فِي النِّكَاحِ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْبَيْعِ، فَلَوْ قَالَ أَنَا مُشْتَرٍ أَوْ جِئْتُك مُشْتَرِيًا لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ لِجَرَيَانِ الْمُسَاوَمَةِ فِيهِ ط (قَوْلُهُ: أَنَّ الْمَجْلِسَ لِلنِّكَاحِ) أَيْ لِإِنْشَاءِ عَقْدِهِ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ التَّحْقِيقُ فِي الْحَالِ فَإِذَا قَالَ الْآخَرُ أَعْطَيْتُكهَا أَوْ فَعَلْت لَزِمَ وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ أَنْ لَا يَقْبَلَ (قَوْلُهُ: انْعَقَدَ عَلَى الْمَذْهَبِ) صَوَابُهُ لَمْ يَنْعَقِدْ، فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ بِأَنَّ الِانْعِقَادَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ، وَكَذَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ فَوَائِدِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ لِامْرَأَةٍ بِمَحْضَرٍ مِنْ الرِّجَالِ يَا عَرُوسِي قَالَتْ لَبَّيْكَ فَنِكَاحٌ قَالَ الْقَاضِي بَدِيعُ الدِّينِ إنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَنْعَقِدُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ انْعِقَادِهِ بِلَفْظِ إلَخْ ح (قَوْلُهُ: كَقَبْضِ مَهْرٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَلْ يَكُونُ الْقَبُولُ بِالْفِعْلِ كَالْقَبُولِ بِاللَّفْظِ كَمَا فِي الْبَيْعِ؟ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَجَابَ صَاحِبُ الْبِدَايَةِ فِي امْرَأَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِأَلْفٍ مِنْ رَجُلٍ عِنْدَ الشُّهُودِ، فَلَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ شَيْئًا لَكِنْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ فِي الْمَجْلِسِ أَنَّهُ يَكُونُ قَبُولًا، وَأَنْكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَقَالَ الْإِمَامُ مَا لَمْ يَقُلْ بِلِسَانِهِ قَبِلْت بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي وَالنِّكَاحُ لِخَطَرِهِ لَا يَنْعَقِدُ حَتَّى يَتَوَقَّفَ عَلَى الشُّهُودِ وَبِخِلَافِ إجَازَةِ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ بِالْفِعْلِ لِوُجُودِ الْقَوْلِ ثَمَّةَ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَعَاطَ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ بِالْفِعْلِ كَقَبْضِ مَهْرٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِ الْمَتْنِ الْآتِي وَلَا بِتَعَاطٍ، فَإِنَّ مَسْأَلَةَ قَبْضِ الْمَهْرِ الَّتِي قَدَّمْنَا نَقْلَهَا عَنْ الْبَحْرِ بِعَيْنِهَا شَرَحَ بِهَا الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ وَلَا بِتَعَاطٍ ح. مَطْلَبُ التَّزَوُّجِ بِإِرْسَالِ كِتَابٍ (قَوْلُهُ: وَلَا بِكِتَابَةِ حَاضِرٍ) فَلَوْ كَتَبَ تَزَوَّجْتُك فَكَتَبَتْ قَبِلْت لَمْ يَنْعَقِدْ بَحْرٌ وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ فَقَالَتْ قَبِلْت إلَخْ إذْ الْكِتَابَةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ بِلَا قَوْلٍ لَا تَكْفِي وَلَوْ فِي الْغَيْبَةِ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بَلْ غَائِبٌ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْغَائِبُ عَنْ الْمَجْلِسِ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ ط (قَوْلُهُ: فَتْحٌ) فَإِنَّهُ قَالَ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِالْكِتَابِ كَمَا يَنْعَقِدُ بِالْخِطَابِ. وَصُورَتُهُ: أَنْ يَكْتُبَ إلَيْهَا يَخْطُبُهَا فَإِذَا بَلَغَهَا الْكِتَابُ أَحْضَرْت الشُّهُودَ وَقَرَأَتْهُ عَلَيْهِمْ وَقَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْهُ أَوْ تَقُولُ إنَّ فُلَانًا كَتَبَ إلَيَّ يَخْطُبُنِي فَاشْهَدُوا أَنِّي زَوَّجْت نَفْسِي مِنْهُ، أَمَّا لَوْ لَمْ تَقُلْ بِحَضْرَتِهِمْ سِوَى زَوَّجْت نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ سَمَاعَ الشَّطْرَيْنِ شَرْطُ صِحَّةِ النِّكَاحِ، وَبِإِسْمَاعِهِمْ الْكِتَابَ أَوْ التَّعْبِيرَ عَنْهُ مِنْهَا قَدْ سَمِعُوا الشَّطْرَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 وَلَا (بِالْإِقْرَارِ عَلَى الْمُخْتَارِ) خُلَاصَةٌ كَقَوْلِهِ: هِيَ امْرَأَتِي لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إظْهَارٌ لِمَا هُوَ ثَابِتٌ، وَلَيْسَ بِإِنْشَاءٍ (وَقِيلَ إنْ) كَانَ (بِمَحْضَرٍ مِنْ الشُّهُودِ صَحَّ) كَمَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْجُعْلِ (وَجَعَلَ) الْإِقْرَارَ (إنْشَاءً، وَهُوَ الْأَصَحُّ) ذَخِيرَةٌ (وَلَا يَنْعَقِدُ بِتَزَوَّجْتُ نِصْفَك عَلَى الْأَصَحِّ) احْتِيَاطًا خَانِيَةٌ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُضِيفَهُ إلَى كُلِّهَا أَوْ مَا يُعَبِّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ، وَمِنْهُ الظَّهْرُ وَالْبَطْنُ عَلَى الْأَشْبَهِ ذَخِيرَةٌ وَرَجَّحُوا فِي الطَّلَاقِ خِلَافَهُ   [رد المحتار] بِخِلَافِ مَا إذَا انْتَفَيَا قَالَ فِي الْمُصَفَّى: هَذَا أَيْ إذَا كَانَ الْكِتَابُ بِلَفْظِ التَّزَوُّجِ، أَمَّا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ زَوِّجِي نَفْسَك مِنِّي لَا يُشْتَرَطُ إعْلَامُهَا الشُّهُودَ بِمَا فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهَا تَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْكَامِلِ، وَمَا نَقَلَهُ مِنْ نَفْيِ الْخِلَافِ فِي صُورَةِ الْأَمْرِ لَا شُبْهَةَ فِيهِ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْمُحَقِّقِينَ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ لَفْظَةَ الْأَمْرِ إيجَابًا كَقَاضِي خَانْ عَلَى مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ فَيَجِبُ إعْلَامُهَا إيَّاهُمْ مَا فِي الْكِتَابِ. اهـ. وَقَوْلُهُ: لَا شُبْهَةَ فِيهِ إلَخْ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: فِيهِ مُنَاقَشَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ تَوْكِيلٌ يَقُولُ تَوْكِيلٌ ضِمْنِيٌّ فَيَثْبُتُ بِشُرُوطِ مَا تَضَمَّنَهُ وَهُوَ الْإِيجَابُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَمِنْ شُرُوطِهِ سَمَاعُ الشُّهُودِ فَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ السَّمَاعِ هُنَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ قَدْ وُجِدَ النَّصُّ هُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] لَوْ جَاءَ الزَّوْجُ بِالْكِتَابِ إلَى الشُّهُودِ مَخْتُومًا فَقَالَ: هَذَا كِتَابِي إلَى فُلَانَةَ فَاشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يَعْلَمَ الشُّهُودُ مَا فِيهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ، وَفَائِدَةُ هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا إذَا جَحَدَ الزَّوْجُ الْكِتَابَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَشَهِدُوا بِأَنَّهُ كِتَابُهُ وَلَمْ يَشْهَدُوا بِمَا فِيهِ لَا تُقْبَلُ وَلَا يَقْضِي بِالنِّكَاحِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِهِ أَمَّا الْكِتَابُ فَصَحِيحٌ بِلَا إشْهَادٍ، وَإِنَّمَا الْإِشْهَادُ لِتَمَكُّنِ الْمَرْأَةِ مِنْ إثْبَاتِ الْكِتَابِ إذَا جَحَدَهُ الزَّوْجُ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: وَلَا بِالْإِقْرَارِ) لَا يُنَافِيهِ صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ بِالتَّصَادُقِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا أَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَكُونُ مِنْ صِيَغِ الْعَقْدِ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّهُ يَثْبُتُ بِالتَّصَادُقِ أَنَّ الْقَاضِيَ يُثْبِتُهُ بِهِ أَيْ بِالتَّصَادُقِ وَيَحْكُمُ بِهِ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْحَانُوتِيِّ (قَوْلُهُ: كَمَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْجَعْلِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ الشُّهُودُ جَعَلْتُمَا هَذَا نِكَاحًا فَقَالَا نَعَمْ فَيَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِالْجَعْلِ، حَتَّى لَوْ قَالَتْ جَعَلْت نَفْسِي زَوْجَةً لَك فَقَبِلَ تَمَّ فَتْحٌ، وَمُقْتَضَى التَّشْبِيهِ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ أَنَّ هَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَجُعِلَ) مَاضٍ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ مَعْطُوفٌ عَلَى صَحَّ (قَوْلُهُ: ذَخِيرَةٌ) فَإِنَّهُ قَالَ ذَكَرَ فِي صُلْحِ الْأَصْلِ: ادَّعَى رَجُلٌ قِبَلَ امْرَأَةٍ نِكَاحًا فَجَحَدَتْ فَصَالَحَهَا عَلَى مِائَةٍ عَلَى أَنْ تُقِرَّ بِذَلِكَ فَأَقَرَّتْ فَهَذَا الْإِقْرَارُ مِنْهَا جَائِزٌ وَالْمَالُ لَازِمٌ، وَهَذَا الْإِقْرَارُ بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ مَقْرُونٌ بِالْعِوَضِ، فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَمْلِيكٍ مُبْتَدَأٍ فِي الْحَالِ، فَإِنْ كَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الشُّهُودِ صَحَّ النِّكَاحُ، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ. اهـ. مُلَخَّصًا وَقَالَ فِي الْفَتْحِ قَالَ قَاضِي خَانْ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ أَقَرَّا بِعَقْدٍ مَاضٍ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ لَا يَكُونُ نِكَاحًا، وَإِنْ أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ زَوْجُهَا وَهِيَ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ يَكُونُ إنْكَاحًا وَيَتَضَمَّنُ إقْرَارُهُمَا الْإِنْشَاءَ بِخِلَافِ إقْرَارِهِمَا بِمَاضٍ لِأَنَّهُ كَذِبٌ، وَهُوَ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ لَسْت لِي امْرَأَةً وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ يَقَعُ كَأَنَّهُ قَالَ لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَلَوْ قَالَ لَمْ أَكُنْ تَزَوَّجْتهَا وَنَوَى الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ كَذِبٌ مَحْضٌ. اهـ. يَعْنِي إذَا لَمْ تَقُلْ الشُّهُودُ جَعَلْتُمَا هَذَا نِكَاحًا فَالْحَقُّ هَذَا التَّفْصِيلُ لَهُ. (قَوْلُهُ: احْتِيَاطًا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَوْلُهُمْ: إنَّ ذِكْرَ بَعْضَ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ كَطَلَاقِ نِصْفِهَا يَقْتَضِي الصِّحَّةَ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَوْضِعٍ جَوَازَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْفُرُوجَ يُحْتَاطُ فِيهَا، فَلَا يَكْفِي ذِكْرُ الْبَعْضِ لِاجْتِمَاعِ مَا يُوجِبُ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ فِي ذَاتٍ وَاحِدَةٍ فَتُرَجَّحُ الْحُرْمَةُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. اهـ. وَمَا صَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ صَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا وَنَصُّهُ: وَلَوْ أَضَافَ النِّكَاحَ إلَى نِصْفِ الْمَرْأَةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. اهـ. ثُمَّ رَاجَعْت نُسْخَةً أُخْرَى مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ فَرَأَيْتهَا كَذَا فَمَنْ قَالَ إنَّهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ صَحَّحَ الصِّحَّةَ فَكَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَتِهِ لَا الْبَاقِيَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: أَوْ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ) كَالرَّأْسِ وَالرَّقَبَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَرَجَّحُوا فِي الطَّلَاقِ خِلَافَهُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَالُوا الْأَصَحُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 فَيَحْتَاجُ لِلْفَرْقِ. (وَإِذَا وَصَلَ الْإِيجَابَ بِالتَّسْمِيَةِ) لِلْمَهْرِ (كَانَ مِنْ تَمَامِهِ) أَيْ الْإِيجَابِ (فَلَوْ قَبِلَ الْآخَرُ قَبْلَهُ لَمْ يَصِحَّ) لِتَوَقُّفِ أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ لَوْ فِيهِ مَا يُغَيِّرُ أَوَّلَهُ. وَمِنْ شَرَائِطِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ: اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ لَوْ حَاضِرَيْنِ، وَإِنْ طَالَ كَمُخَيَّرَةٍ، وَأَنْ لَا يُخَالِفَ الْإِيجَابُ الْقَبُولَ كَقَبِلْتُ النِّكَاحَ لَا الْمَهْرَ   [رد المحتار] أَنَّهُ لَوْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا لَا يَقَعُ وَكَذَا الْعِتْقُ، فَلَوْ أَضَافَ النِّكَاحَ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا ذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ قَالَ مَشَايِخُنَا الْأَشْبَهُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ، وَذَكَرَ رُكْنُ الْإِسْلَامِ وَالسَّرَخْسِيُّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. اهـ. أَقُول: وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ قَالَ ظَهْرُك طَالِقٌ أَوْ بَطْنُك قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَاسْتَدَلَّ بِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي الْأَصْلِ إذَا قَالَ ظَهْرُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ بَطْنُك عَلَيَّ كَبَطْنِ أُمِّي أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا، وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ فِي شَرْحِهِ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ قَالَ: وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالَ مَشَايِخُنَا فِيمَا إذَا أُضِيفَ عَقْدُ النِّكَاحِ إلَى ظَهْرِ الْمَرْأَةِ أَوْ إلَى بَطْنِهَا أَنَّ الْأَشْبَهَ بِمَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَحْتَاجُ لِلْفَرْقِ) كَذَا قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ قَدْ عَلِمْت مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَوَّلًا وَثَانِيًا أَنَّ الْحَلْوَانِيَّ الَّذِي صَحَّحَ انْعِقَادَ النِّكَاحِ صَحَّحَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ، وَأَنَّ السَّرَخْسِيَّ الَّذِي لَمْ يُصَحِّحْ الِانْعِقَادَ لَمْ يُصَحِّحْ الْوُقُوعَ بَلْ صَحَّحَ عَدَمَهُ عَلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ لِلْفَرْقِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ قَوْلٌ ثَالِثٌ مُلَفَّقٌ عَنْ الْقَوْلَيْنِ وَلَا يَظْهَرُ وَجْهُهُ (قَوْلُهُ: كَانَ) أَيْ التَّسْمِيَةُ وَكَذَا ضَمِيرُ قَبْلَهُ ح أَيْ وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ أَوْ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّسْمِيَةِ الْمُسَمَّى أَيْ الْمَهْرُ (قَوْلُهُ: فَلَوْ قَبِلَ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: كَامْرَأَةٍ قَالَتْ لِرَجُلٍ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك بِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَبِلَ أَنْ تَقُولَ بِمِائَةِ دِينَارٍ قَبْلَ الزَّوْجِ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ يَتَوَقَّفُ عَلَى آخِرِهِ إذَا كَانَ فِي آخِرِهِ مَا يُغَيِّرُ أَوَّلَهُ وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ مُجَرَّدَ زَوَّجْت يَنْعَقِدُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَذَكَرَ الْمُسَمَّى مَعَهُ يُغَيِّرُ ذَلِكَ إلَى تَعْيِينِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَعْمَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ لَمْ يَنْعَقِدْ، فَلَوْ أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا فَقَامَ الْآخَرُ أَوْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ بَطَلَ الْإِيجَابُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الِارْتِبَاطِ اتِّحَادُ الزَّمَانِ فَجُعِلَ الْمَجْلِسُ جَامِعًا تَيْسِيرًا؛ وَأَمَّا الْفَوْرُ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ؛ وَلَوْ عَقَدَا وَهُمَا يَمْشِيَانِ أَوْ يَسِيرَانِ عَلَى الدَّابَّةِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى سَفِينَةٍ سَائِرَةٍ جَازَ. اهـ. أَيْ؛ لِأَنَّ السَّفِينَةَ فِي حُكْمِ مَكَان وَاحِدٍ. [فَرْعٌ] قَالَ فِي الْمُنْيَةِ: قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي فَسَكَتَ الْخَاطِبُ فَقَالَ الصِّهْرُ أَيْ أَبُو الْبِنْتِ ادْفَعْ الْمَهْرَ فَقَالَ نَعَمْ فَهُوَ قَبُولٌ وَقِيلَ لَا. اهـ. وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّ عِنْدَنَا قَوْلًا بِاشْتِرَاطِ الْفَوْرِ، وَأَنْ الْمُخْتَارَ عَدَمُهُ. وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَنْشَأُ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَانَ مُتَّصِفًا بِكَوْنِهِ خَاطِبًا فَحَيْثُ سَكَتَ وَلَمْ يُجِبْ عَلَى الْفَوْرِ كَانَ ظَاهِرًا فِي رُجُوعِهِ، فَقَوْلُهُ: نَعَمْ بَعْدَهُ لَا يُفِيدُ بِمُفْرَدِهِ لَا؛ لِأَنَّ الْفَوْرَ شَرْطٌ مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَوْ حَاضِرِينَ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ كِتَابَةِ الْغَائِبِ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكِتَابِ وَالْخِطَابِ أَنَّ فِي الْخِطَابِ لَوْ قَالَ: قَبِلْت فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ وَفِي الْكِتَابِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ كَمَا وُجِدَ تَلَاشَى فَلَمْ يَتَّصِلْ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَأَمَّا الْكِتَابُ فَقَائِمٌ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، وَقِرَاءَتُهُ بِمَنْزِلَةِ خِطَابِ الْحَاضِرِ فَاتَّصَلَ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ فَصَحَّ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لَا بُدَّ مِنْهَا لِيَحْصُلَ الِاتِّصَالُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَحِينَئِذٍ فَاتِّحَادُ الْمَجْلِسِ شَرْطٌ فِي الْكِتَابِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا الْفَرْقُ هُوَ الْكِتَابُ، وَإِمْكَانُ قِرَاءَتِهِ ثَانِيًا، فَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ حَاضِرِينَ كَالنَّهْرِ لَكَانَ أَوْلَى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَكَانَ الْكِتَابِ رَسُولٌ بِالْإِيجَابِ فَلَمْ تَقْبَلْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ أَعَادَ الرَّسُولُ الْإِيجَابَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَقَبِلَتْ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ رِسَالَتَهُ انْتَهَتْ أَوَّلًا بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ؛ لِبَقَائِهَا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَقَبِلْتُ النِّكَاحَ لَا الْمَهْرَ) تَمْثِيلٌ لِلْمَنْفِيِّ أَيْ إذَا قَالَ تَزَوَّجْتُك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 نَعَمْ يَصِحُّ الْحَطُّ كَزِيَادَةٍ قَبِلْتهَا فِي الْمَجْلِسِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مُضَافًا وَلَا مُعَلَّقًا كَمَا سَيَجِيءُ، وَلَا الْمَنْكُوحَةُ مَجْهُولَةٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِمَعْنَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِيمَا يَسْتَوِي فِيهِ الْجِدُّ وَالْهَزْلُ   [رد المحتار] بِأَلْفٍ فَقَالَتْ قَبِلْت النِّكَاحَ وَلَا أَقْبَلُ الْمَهْرَ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَتْ التَّسْمِيَةُ لَيْسَتْ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْجَبَ النِّكَاحَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ الْمُسَمَّى، فَلَوْ صَحَّحْنَا قَبُولَهَا يَلْزَمُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ بَلْ بِمَا سَمَّى فَيَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ مِنْ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ حَيْثُ سَكَتَ عَنْهُ وَلَوْ قَالَتْ قَبِلْت وَلَمْ تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ صَحَّ النِّكَاحُ بِمَا سَمَّى وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ بِصِحَّةِ الْحَطِّ إلَخْ) أَيْ إذَا قَالَ تَزَوَّجْتُك بِأَلْفٍ فَقَالَتْ قَبِلْت بِخَمْسِمِائَةٍ يَصِحُّ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهَا قَبِلْت الْأَلِفَ وَحَطَّتْ عَنْهُ خَمْسَمِائَةٍ بَحْرٌ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ مِنْهُ لِأَنَّ هَذَا إسْقَاطٌ، وَإِبْرَاءٌ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ كَمَا لَوْ قَالَتْ: زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك بِأَلْفٍ فَقَالَ الزَّوْجُ قَبِلْت بِأَلْفَيْنِ صَحَّ النِّكَاحُ بِأَلْفٍ إلَّا إنْ قَبِلَتْ فِي الْمَجْلِسِ، فَيَصِحُّ بِأَلْفَيْنِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، فَصُورَةُ الْحَطِّ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالزِّيَادَةِ مِنْ الزَّوْجِ كَمَا عَلِمْت وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ. وَقَالَ فِي النَّهْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ بِأَلْفٍ فَقَبِلَهُ بِأَلْفَيْنِ أَوْ بِخَمْسِمِائَةٍ صَحَّ وَتَوَقَّفَ قَبُولُ الزِّيَادَةِ عَلَى قَبُولِهَا فِي الْمَجْلِسِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا أَوْجَبَتْ بِأَلْفٍ وَقَبِلَ الزَّوْجُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْحَطَّ مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ وَهُوَ الْمَرْأَةُ لَا مِمَّنْ عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْقَبُولُ الْإِيجَابَ فَلَا يَصِحُّ، يُحَرَّرُ أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ. (قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَكُونَ مُضَافًا) كَتَزَوَّجْتُك غَدًا وَلَا مُعَلَّقًا أَيْ عَلَى غَيْرِ كَائِنٍ كَتَزَوَّجْتُك إنْ قَدِمَ زَيْدٌ، وَقَوْلُهُ: كَمَا سَيَجِيءُ أَيْ الْكَلَامُ عَلَى الْمُضَافِ وَالْمُعَلَّقِ قَبِيلَ بَابِ الْوَلِيِّ (قَوْلُهُ: وَلَا الْمَنْكُوحَةُ مَجْهُولَةٌ) فَلَوْ زَوَّجَ بِنْتَهُ مِنْهُ وَلَهُ بِنْتَانِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُتَزَوِّجَةً، فَيَنْصَرِفُ إلَى الْفَارِغَةِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ نَهْرٌ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ فَلْيُرَاجَعْ رَحْمَتِيٌّ وَإِطْلَاقُ قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ، وَلَوْ جَرَتْ مُقَدِّمَاتُ الْخِطْبَةِ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهَا لِتَتَمَيَّزَ الْمَنْكُوحَةُ عِنْدَ الشُّهُودِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ رَمْلِيٌّ. قُلْت: وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَوْ جَرَتْ الْمُقَدِّمَاتُ عَلَى مُعَيَّنَةٍ وَتَمَيَّزَتْ عِنْدَ الشُّهُودِ أَيْضًا يَصِحُّ الْعَقْدُ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْيُ الْجَهَالَةِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِتَعَيُّنِهَا عِنْدَ الْعَاقِدَيْنِ وَالشُّهُودِ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِاسْمِهَا كَمَا إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُتَزَوِّجَةً، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ غَائِبَةً وَزَوَّجَهَا وَكِيلُهَا فَإِنْ عَرَفَهَا الشُّهُودُ وَعَلِمُوا أَنَّهُ أَرَادَهَا كَفَى ذِكْرُ اسْمِهَا، وَإِلَّا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ أَيْضًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ زَوَّجْت بِنْتِي وَلَهُ بِنْتَانِ أَقَلُّ إبْهَامًا مِنْ قَوْلِ الْوَكِيلِ زَوَّجْت فَاطِمَةَ وَيَأْتِي تَمَامُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَحُضُورُ شَاهِدَيْنِ حُرَّيْنِ وَعِنْدَ قَوْلِهِ غَلِطَ وَكِيلُهَا إلَخْ. [تَنْبِيهٌ] لَمْ يَذْكُرْ اشْتِرَاطَ تَمْيِيزِ الرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَقْتَ الْعَقْدِ لِلْخِلَافِ لِمَا فِي النَّوَازِلِ فِي صَغِيرَيْنِ قَالَ أَبُو أَحَدِهِمَا زَوَّجْت بِنْتِي هَذِهِ مِنْ ابْنِك هَذَا وَقَبِلَ ثُمَّ ظَهَرَتْ الْجَارِيَةُ غُلَامًا وَالْغُلَامُ جَارِيَةً جَازَ ذَلِكَ، وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ لَا يَجُوزُ بَحْرٌ قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ. قُلْت: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ زَوَّجْت وَتَزَوَّجْت يَصْلُحُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمُنْيَةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ إلَخْ) أَيْ فِيمَا كَانَ بِلَفْظٍ وَنِكَاحٍ بِخِلَافِ مَا كَانَ كِنَايَةً لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ وَفَهْمِ الشُّهُودِ لَكِنْ قَيَّدَ فِي الدُّرَرِ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ بِمَا إذَا عَلِمَا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا حَقِيقَةَ مَعْنَاهُ قَالَ فِي الْفَتْحِ لَوْ لُقِّنَتْ الْمَرْأَةُ زَوَّجْت نَفْسِي بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا تَعْلَمُ مَعْنَاهُ وَقَبِلَ وَالشُّهُودُ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ أَوْ لَا يَعْلَمُونَ صَحَّ كَالطَّلَاقِ، وَقِيلَ لَا كَالْبَيْعِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَمِثْلُ هَذَا فِي جَانِبِ الرَّجُلِ إذَا لَقَّنَهُ وَلَا يَعْلَمُ مَعْنَاهُ وَهَذِهِ مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِلِ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالتَّدْبِيرِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْخُلْعِ، فَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ وَاقِعَةٌ فِي الْحَكَمِ ذَكَرَهُ فِي عَتَاقِ الْأَصْلِ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ، وَإِذَا عَرَفَ الْجَوَابَ قَالَ قَاضِي خَانْ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِمَضْمُونِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 إذْ لَمْ يَحْتَجْ لِنِيَّةٍ بِهِ يُفْتَى. (وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِلَفْظِ تَزْوِيجٍ وَنِكَاحٍ) لِأَنَّهُمَا صَرِيحٌ (وَمَا) عَدَاهُمَا كِنَايَةٌ هُوَ كُلُّ لَفْظٍ (وُضِعَ لِتَمْلِيكِ عَيْنٍ) كَامِلَةٍ فَلَا يَصِحُّ بِالشَّرِكَةِ (وَفِي الْحَالِ) خَرَجَ الْوَصِيَّةُ غَيْرُ الْمُقَيَّدَةِ بِالْحَالِ   [رد المحتار] اللَّفْظِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِأَجْلِ الْقَصْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يَسْتَوِي فِيهِ الْجِدُّ وَالْهَزْلُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا فِي الْخُلْعِ إذْ لُقِّنَتْ اخْتَلَعْتُ نَفْسِي مِنْك بِمَهْرِي وَنَفَقَةِ عِدَّتِي فَقَالَتْهُ وَلَا تَعْلَمُ مَعْنَاهُ وَلَا أَنَّهُ لَفْظُ خُلْعٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ قِيلَ لَا يَصِحُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ الْقَاضِي: وَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ وَلَا النَّفَقَةُ، وَكَذَا لَوْ لُقِّنَتْ أَنْ تُبْرِئَهُ وَكَذَا الْمَدْيُونُ إذَا لَقَّنَ رَبَّ الدِّينِ لَفْظَ الْإِبْرَاءِ لَا يَبْرَأُ. اهـ. قُلْت: وَفِي فَهْمِ الشُّهُودِ اخْتِلَافُ تَصْحِيحٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. (قَوْلُهُ: إذْ لَمْ يَحْتَجْ لِنِيَّةٍ) بِسُكُونِ ذَالِ إذْ فَالْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهَا وَضَمِيرُ يَحْتَجْ لِمَا (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ التَّجْنِيسِ يُفِيدُ تَرْجِيحَهُ. قُلْت: وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْفَتْحِ الْمَارِّ وَبِهِ جَزَمَ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى وَالدُّرَرِ وَالْوِقَايَةِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى أَنَّهُ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَصِحُّ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ التَّصْرِيحَ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ بِلَا خِلَافٍ وَغَيْرُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ لَا خِلَافَ فِي الِانْعِقَادِ بِهِ عِنْدَنَا بَلْ الْخِلَافُ فِي خَارِجِ الْمَذْهَبِ، وَقِسْمٌ فِيهِ خِلَافٌ عِنْدَنَا وَالصَّحِيحُ الِانْعِقَادُ، وَقِسْمٌ فِيهِ خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ عَدَمُهُ وَقِسْمٌ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الِانْعِقَادِ بِهِ، فَالْأَوَّلُ مَا سِوَى لَفْظَيْ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجُ لَفْظُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالتَّمْلِيكِ، وَالْجَعْلُ نَحْوُ جَعَلْت بِنْتِي لَك بِأَلْفٍ وَالثَّانِي نَحْوُ بِعْت نَفْسِي مِنْك بِكَذَا أَوْ ابْنَتِي أَوْ اشْتَرَيْتُك بِكَذَا فَقَالَتْ نَعَمْ وَنَحْوُ السَّلَمِ وَالصَّرْفِ وَالْقَرْضِ وَالصُّلْحِ وَالثَّالِثُ كَالْإِجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالرَّابِعُ كَالْإِبَاحَةِ وَالْإِحْلَالِ وَالْإِعَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْإِقَالَةِ وَالْخُلْعِ أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَمَا عَدَاهُمَا كِنَايَةٌ إلَخْ) فِي هَذَا التَّرْكِيبِ إخْرَاجُ الْمَتْنِ عَنْ مَدْلُولِهِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِجَوَازِهِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ كَيْفَ صَحَّ بِالْكِنَايَةِ مَعَ اشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ فِيهِ وَالْكِنَايَةُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ، وَلَا اطِّلَاعَ لِلشُّهُودِ عَلَيْهَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ قُلْنَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ مَعَ ذِكْرِ الْمَهْرِ وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ مُطْلَقًا لِعَدَمِ اللَّبْسِ وَلِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا صَرَّحْنَا بِهِ وَلَمْ يَبْقَ احْتِمَالٌ. اهـ. وَلِلْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ فِيهِ بَحْثٌ طَوِيلٌ يَأْتِي بَعْضُهُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: هُوَ كُلُّ لَفْظٍ إلَخْ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِأَلْفَاظٍ غَيْرِ مَا ذَكَرَ مِثْلِ كُونِي امْرَأَتِي، وَقَوْلِهَا عَرَّسْتُك نَفْسِي. وَقَوْلُهُ: لِمُبَانَتِهِ: رَاجَعْتُك بِكَذَا وَقَوْلِهَا لَهُ رَدَدْت نَفْسِي عَلَيْك، وَقَوْلِهِ صِرْت لِي أَوْ صِرْت لَك وَقَوْلِهِ: ثَبَتَ حَقِّي فِي مَنَافِعِ بُضْعِك وَذَكَرَ أَلْفَاظَ أُخَرَ وَأَنَّهُ يَنْعَقِدُ فِي الْكُلِّ مَعَ الْقَبُولِ، ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي حَتَّى فِي النِّكَاحِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تُؤَدِّي مَعْنَى النِّكَاحِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ دَاخِلَةٌ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ لَفْظُهُ أَوْ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وُضِعَ لِتَمْلِيكِ عَيْنٍ) خَرَجَ مَا لَا يُفِيدُ التَّمْلِيكَ أَصْلًا كَالرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ، وَمَا يُفِيدُ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ كَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: كَامِلَةٍ) صَرَّحَ بِمَفْهُومِهِ بِقَوْلِهِ فَلَا يَصِحُّ بِالشَّرِكَةِ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهَذَا أَيْ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ التَّمْلِيكَ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْكُلِّ وَهَذَا لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ إذَا قَالَ زَوَّجْتُك نِصْفَ جَارِيَتِي (قَوْلُهُ: خَرَجَ الْوَصِيَّةُ غَيْرُ الْمُقَيَّدَةِ بِالْحَالِ) بِأَنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً أَوْ مُضَافَةً إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَمَّا الْمُقَيَّدَةُ بِالْحَالِ نَحْوُ أَوْصَيْت لَك بِبُضْعِ ابْنَتِي لِلْحَالِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَجَائِزٌ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ، وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ قَائِلًا وَارْتَضَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَخَالَفَهُمْ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا أَطْلَقَهُ الشَّارِحُونَ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مَجَازٌ عَنْ التَّمْلِيكِ فَلَوْ انْعَقَدَ بِهَا لَكَانَ مَجَازًا عَنْ النِّكَاحِ وَالْمَجَازُ لَا مَجَازَ لَهُ كَمَا فِي بُيُوعِ الْعِنَايَةِ. اهـ. وَنَقَلَ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّ الْمَجَازَ لَا مَجَازَ لَهُ مَرْدُودٌ يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ طَالَعَ أَسَاسَ الْبَلَاغَةِ. اهـ. أَيْ كَمَا قَرَّرُوهُ فِي رَأَيْت مِشْفَرَ زَيْدٍ مِنْ أَنَّهُ مَجَازٌ بِمَرْتَبَتَيْنِ، وَكَذَا فِي {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [النحل: 112] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 (كَهِبَةٍ وَتَمْلِيكٍ وَصَدَقَةٍ وَعَطِيَّةٍ وَقَرْضٍ وَسَلَمٍ وَاسْتِئْجَارٍ)   [رد المحتار] قُلْت: لَكِنْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ، وَمَا وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ فِي الْحَالِ لَا يَشْمَلُ الْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي تَمْلِيكِ الْعَيْنِ فِي الْحَالِ كَانَتْ مَجَازًا فَلَمْ يَصِحَّ بِهَا النِّكَاحُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَمْ تُوضَعْ لِلتَّمْلِيكِ فِي الْحَالِ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مَجَازٌ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ وُضِعَ بِمَعْنَى اُسْتُعْمِلَ فَيَشْمَلُ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ أَوْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ مَوْضُوعٌ بِالْوَضْعِ النَّوْعِيِّ كَمَا أَوْضَحَهُ شَارِحُ التَّحْرِيرِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْخَامِسِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَهِبَةٍ) أَيْ إذَا كَانَتْ عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ إمَّا أَمَةٌ أَوْ حُرَّةٌ، فَإِذَا أَضَافَ الْهِبَةَ إلَى الْأَمَةِ بِأَنْ قَالَ لِرَجُلٍ وَهَبْت أَمَتِي هَذِهِ مِنْك، فَإِنْ كَانَ الْحَالُ يَدُلُّ عَلَى النِّكَاحِ مِنْ إحْضَارِ شُهُودٍ وَتَسْمِيَةِ الْمَهْرِ مُعَجَّلًا، وَمُؤَجَّلًا وَنَحْوِ ذَلِكَ يَنْصَرِفُ إلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَالُ دَلِيلًا عَلَى النِّكَاحِ، فَإِنْ نَوَى النِّكَاحَ وَصَدَّقَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَكَذَلِكَ يَنْصَرِفُ إلَى النِّكَاحِ بِقَرِينَةِ النِّيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ يَنْصَرِفُ إلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَإِنْ أُضِيفَتْ إلَى الْحُرَّةِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْقَرِينَةِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ قَبُولِ الْمَحَلِّ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ الْمِلْكُ لِلْحُرَّةِ يُوجِبُ الْحَمْلَ عَلَى الْمَجَازِ فَهُوَ الْقَرِينَةُ، فَإِنْ قَامَتْ الْقَرِينَةُ عَلَى عَدَمِهِ لَا يَنْعَقِدُ، فَلَوْ طَلَبَ مِنْ امْرَأَةٍ الزِّنَى فَقَالَتْ وَهَبْت نَفْسِي مِنْك فَقَالَ الرَّجُلُ قَبِلْت لَا يَكُونُ نِكَاحُهُ كَقَوْلِ أَبِي الْبِنْتِ وَهَبْتهَا لَك لِتَخْدُمَك فَقَالَ قَبِلْت إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ النِّكَاحَ كَذَا فِي الْبَحْرِ ط. (قَوْلُهُ: وَقَرْضٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي الصَّرْفِ وَالْقَرْضِ وَالصُّلْحِ وَالرَّهْنِ قَوْلَانِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ انْعِقَادِهِ بِالصَّرْفِ عَمَلًا بِالْكُلِّيَّةِ لِمَا أَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الْعَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ وَبِهِ يَتَرَجَّحُ مَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ مِنْ تَصْحِيحِ انْعِقَادِهِ بِالْقَرْضِ، وَإِنْ رَجَّحَ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ عَدَمَهُ وَجَزَمَ السَّرَخْسِيُّ بِانْعِقَادِهِ بِالصُّلْحِ وَالْعَطِيَّةِ وَلَمْ يَحْكِ الأتقاني غَيْرَهُ. اهـ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الرَّهْنِ لَكِنْ قَوْلُهُ: وَلَمْ يَحْكِ الأتقاني غَيْرَهُ سَبْقُ قَلَمٍ فَإِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الأتقاني فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالصُّلْحِ وَهَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ، وَعَزَاهُ فِي الْفَتْحِ إلَى الْأَجْنَاسِ، ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ السَّرَخْسِيِّ. قُلْت: وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ وَالتَّوْفِيقُ بِأَنْ يُقَالَ إنْ جَعَلَتْ الْمَرْأَةُ بَدَلَ الصُّلْحِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَبُو الْبِنْتِ لِدَائِنِهِ مَثَلًا صَالَحْتُك عَنْ أَلْفِك الَّتِي لَك عَلَيَّ بِبِنْتِي هَذِهِ، وَإِنْ جَعَلَتْ مُصَالِحًا عَنْهَا بِأَنْ قَالَ " صَالَحْتُك " عَنْ بِنْتِي بِأَلْفٍ لَا يَصِحُّ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ غَايَةِ الْبَيَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ عَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ حَطِيطَةٌ، وَإِسْقَاطٌ لِلْحَقِّ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِسْقَاطَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُصَالَحِ عَنْهُ وَالْمَقْصُودُ مِلْكُ الْمُتْعَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ لَا إسْقَاطُهُ فَلِذَا لَمْ يَصِحَّ أَمَّا بَدَلُ الصُّلْحِ فَالْمَقْصُودُ مِلْكُهُ أَيْضًا فَيَصِحُّ بِهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ. هَذَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِلْخِلَافِ فِي الْعَطِيَّةِ مِثْلُ قَوْلِهِ هِيَ لَك عَطِيَّةٌ بِكَذَا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ وَقَدْ أَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ وَأَمَّا لَفْظُ أَعْطَيْتُك بِنْتِي بِكَذَا كَمَا هُوَ الشَّائِعُ عِنْدَ الْأَعْرَابِ وَالْفَلَّاحِينَ فَيَصِحُّ بِهِ الْعَقْدُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَيَقَعُ كَثِيرًا أَنَّهُ يَقُولُ جِئْتُك خَاطِبًا بِنْتَك لِنَفْسِي فَيَقُولُ أَبُوهَا هِيَ جَارِيَةٌ فِي مَطْبَخِك فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ إذَا قَصَدَ الْعَقْدَ دُونَ الْوَعْدِ أَخْذًا مِمَّا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَحْرِ فِي وَهَبْتهَا لَك لِتَخْدُمَك وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ إذَا قَالَ جَعَلْت ابْنَتِي هَذِهِ لَك بِأَلْفٍ صَحَّ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَعْنَى النِّكَاحِ وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي دُونَ الْأَلْفَاظِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَسَلَمٍ وَاسْتِئْجَارٍ) هَذَا إذَا جُعِلَتْ الْمَرْأَةُ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ أَوْ جُعِلَتْ أُجْرَةً فَيَنْعَقِدُ إجْمَاعًا، أَمَّا إنْ جُعِلَتْ مُسْلَمًا فِيهَا فَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ فِي الْحَيَوَانِ لَا يَصِحُّ، وَقِيلَ يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ لَوْ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ مِلْكًا فَاسِدًا، وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُفْسِدُ الْحَقِيقِيَّ يُفْسِدُ مَجَازِيَّهُ وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 وَصُلْحٍ وَصَرْفٍ وَكُلٍّ مَا تُمْلَكُ بِهِ الرِّقَابُ بِشَرْطِ نِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ وَفَهْمِ الشُّهُودِ الْمَقْصُودَ (لَا) يَصِحُّ (بِلَفْظِ إجَارَةٍ) بِرَاءٍ أَوْ بِزَايٍ (وَإِعَارَةٍ وَوَصِيَّةٍ) وَرَهْنٍ الْوَدِيعَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، لَكِنْ تَثْبُتُ بِهِ الشُّبْهَةُ فَلَا يُحَدُّ وَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى، وَمَهْرِ الْمِثْلِ، وَكَذَا تَثْبُتُ بِكُلِّ لَفْظٍ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ فَلْيُحْفَظْ. (وَأَلْفَاظٍ مُصَحَّفَةٍ كَتَجَوَّزْتُ)   [رد المحتار] مَا فِي الْمُتُونِ، وَإِنْ لَمْ تُجْعَلْ أُجْرَةٌ كَقَوْلِهِ آجَرْتُك ابْنَتِي بِكَذَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُغَيِّرُ مِلْكَ الْعَيْنِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَا تُمْلَكُ بِهِ الرِّقَابُ) كَالْجُعْلِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ نِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ إلَخْ) هَذَا مَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ رَدًّا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ، حَيْثُ لَمْ يَجْعَلْ النِّيَّةَ شَرْطًا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَهْرِ وَعَلَى السَّرَخْسِيِّ حَيْثُ لَمْ يَجْعَلْهَا شَرْطًا مُطْلَقًا. وَحَاصِلُ الرَّدِّ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فَهْمِ الشُّهُودِ الْمُرَادِ فَإِنْ حَكَمَ السَّامِعُ بِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ أَرَادَ مِنْ اللَّفْظِ مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَرِينَةٍ عَلَى إرَادَتِهِ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَلَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِ الشُّهُودِ بِمُرَادِهِ، وَلِذَا قَالَ فِي الدِّرَايَةِ فِي تَصْوِيرِ الِانْعِقَادِ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُهُ أَنْ يَقُولَ آجَرْت بِنْتِي وَنَوَى بِهِ النِّكَاحَ وَأَعْلَمَ الشُّهُودَ. اهـ. بِخِلَافِ قَوْلِهِ بِعْتُك بِنْتِي، فَإِنَّ عَدَمَ قَبُولِ الْمَحَلِّ لِلْبَيْعِ يُوجِبُ الْحَمْلَ عَلَى الْمَجَازِيِّ، فَهُوَ قَرِينَةٌ يَكْتَفِي بِهَا الشُّهُودُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا أَمَةً لَا بُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ زَائِدَةٍ تَدُلُّ عَلَى النِّكَاحِ مِنْ إحْضَارِ الشُّهُودِ وَذِكْرِ الْمَهْرِ مُؤَجَّلًا أَوْ مُعَجَّلًا، وَإِلَّا فَإِنْ نَوَى وَصَدَّقَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ انْصَرَفَ إلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ النِّيَّةِ مِنْ إعْلَامِ الشُّهُودِ وَقَدْ رَجَعَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ إلَى التَّحْقِيقِ حَيْثُ قَالَ وَلِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا صَرَّحَا بِهِ وَلَمْ يَبْقَ احْتِمَالٌ. اهـ. هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الْفَتْحِ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كِنَايَاتِ النِّكَاحِ مِنْ النِّيَّةِ مَعَ قَرِينَةٍ أَوْ تَصْدِيقِ الْقَابِلِ لِلْمُوجِبِ وَفَهْمِ الشُّهُودِ الْمُرَادِ أَوْ إعْلَامِهِمْ بِهِ. (قَوْلُهُ: بِلَفْظِ إجَارَةٍ) أَيْ فِي الْأَصَحِّ كَآجَرْتُكِ نَفْسِي بِكَذَا بِخِلَافِ لَفْظِ الِاسْتِئْجَارِ بِأَنْ جُعِلَتْ الْمَرْأَةُ بَدَلًا مِثْلُ اسْتَأْجَرْت دَارَك بِنَفْسِي أَوْ بِبِنْتِي عِنْدَ قَصْدِ النِّكَاحِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ، وَغَيَّرَ هُنَاكَ بِالِاسْتِئْجَارِ وَهُنَا بِالْإِجَارَةِ إشَارَةً لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ فَلَا تَكْرَارَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَوَصِيَّةٍ) أَيْ غَيْرِ مُقَيَّدَةٍ بِالْحَالِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَرَهْنٍ) فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْبِنَايَةِ، وَرَجَّعَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَا هُنَا مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ وَلَعَلَّ ابْنَ الْهُمَامِ لَمْ يَعْتَبِرْ الْقَوْلَ الْآخَرَ لِعَدَمِ ظُهُورِ وَجْهِهِ فَعَدَّ الرَّهْنَ مِنْ قِسْمِ مَا لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: وَنَحْوُهَا) كَإِبَاحَةٍ، وَإِحْلَالٍ وَتَمَتُّعٍ، وَإِقَالَةٍ وَخُلْعٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ الْآخَرُ بِمَا إذَا لَمْ يُجْعَلْ بَدَلُ الْخُلْعِ، فَإِنْ جُعِلَتْ كَمَا إذَا قَالَ أَجْنَبِيٌّ اخْلَعْ زَوْجَتَك بِبِنْتِي هَذِهِ فَقَبِلَ صَحَّ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ تَثْبُتُ بِهِ) أَيْ بِنَحْوِ الْمَذْكُورَاتِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا تَثْبُتُ بِكُلِّ لَفْظٍ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ) هَذَا سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ الْأَحْسَنُ وَلِذَا قَالَ ح: إنَّهُ مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ لَكِنْ ثَبَتَ بِهِ الشُّبْهَةُ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ بِكُلِّ لَفْظٍ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ شَامِلٌ لِلَفْظٍ لَا دَخْلَ لَهُ أَصْلًا كَقَوْلِهِ لَهَا أَنْتِ صَدِيقَتِي فَقَالَتْ نَعَمْ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَفْظٌ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَثْبُتُ بِهِ الشُّبْهَةُ، بِخِلَافِ الْعِبَارَةِ الْأُولَى فَإِنَّهَا وَقَعَتْ بَيَانًا لِنَحْوِ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْمَتْنِ فَتَخْتَصُّ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفِيدُ الْمِلْكَ وَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ. اهـ. مَطْلَبٌ هَلْ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِالْأَلْفَاظِ الْمُصَحَّفَةِ نَحْوِ تَجَوَّزْت (قَوْلُهُ: وَأَلْفَاظٍ مُصَحَّفَةٍ) مِنْ التَّصْحِيفِ، وَهُوَ تَغْيِيرُ اللَّفْظِ حَتَّى يَتَغَيَّرَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ مِنْ الْوَضْعِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ، وَفِي الْمُغْرِبِ التَّصْحِيفُ أَنْ يَقْرَأَ الشَّيْءَ عَلَى خِلَافِ مَا أَرَادَهُ كَاتِبُهُ أَوْ عَلَى غَيْرِ مَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: كَتَجَوَّزْتُ) أَيْ بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ عَلَى الزَّايِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: جَازَ الْمَكَانَ وَأَجَازَهُ وَجَاوَزَهُ وَتَجَاوَزَهُ إذَا سَارَ فِيهِ وَخَلَّفَهُ، وَحَقِيقَتُهُ قَطَعَ جَوْزَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 لِصُدُورِهِ لَا عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ بَلْ عَنْ تَحْرِيفٍ وَتَصْحِيفٍ، فَلَمْ تَكُنْ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا لِعَدَمِ الْعَلَاقَةِ بَلْ غَلَطًا فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ أَصْلًا تَلْوِيحٌ، نَعَمْ لَوْ اتَّفَقَ قَوْمٌ عَلَى النُّطْقِ بِهَذِهِ الْغَلْطَةِ وَصَدَرَتْ عَنْ قَصْدٍ   [رد المحتار] أَيْ وَسَطَهُ، وَمِنْهُ جَازَ الْبَيْعَ أَوْ النِّكَاحَ إذَا نَفَّذَهُ وَأَجَازَهُ الْقَاضِي إذَا نَفَّذَهُ وَحَكَمَ بِهِ، وَمِنْهُ الْمُجِيزُ الْوَكِيلُ وَالْوَصِيُّ لِتَنْفِيذِهِ مَا أُمِرَ بِهِ، وَجَوَّزَ الْحُكْمَ رَآهُ جَائِزًا وَتَجْوِيزُ الضِّرَابِ الدَّرَاهِمَ أَنْ جَعَلَهَا رَائِجَةً جَائِرَةً وَأَجَازَهُ بِجَائِزَةٍ سَنِيَّةٍ إذَا أَعْطَاهُ عَطِيَّةً، وَمِنْهَا جَوَائِزُ الْوُفُودُ لِلتُّحَفِ وَاللُّطْفِ، وَتَجَاوَزَ عَنْ الْمُسِيءِ وَتَجَوَّزَ عَنْهُ أَغْضَى عَنْهُ وَعَفَا وَتَجَوَّزَ فِي الصَّلَاةِ تَرَخَّصَ فِيهَا وَتَسَاهَلَ، وَمِنْهُ تَجَوَّزَ فِي أَخْذِ الدَّرَاهِمِ. اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: لِصُدُورِهِ لَا عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ) أَشَارَ بِهِ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ انْعِقَادِهِ بِلَفْظٍ أَعْجَمِيٍّ بِأَنَّ اللُّغَةَ الْأَعْجَمِيَّةَ تَصْدُرُ عَمَّنْ تَكَلَّمَ بِهَا عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ، بِخِلَافِ لَفْظِ التَّجْوِيزِ فَإِنَّهُ يَصْدُرُ لَا عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ، بَلْ عَنْ تَحْرِيفٍ وَتَصْحِيفٍ، فَلَا يَكُونُ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا مِنَحٌ مُلَخَّصًا. وَالتَّحْرِيفُ التَّغْيِيرُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالتَّصْحِيفِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: تَلْوِيحٌ) لَيْسَ مُرَادُهُ عَزْوَ الْمَسْأَلَةِ إلَى التَّلْوِيحِ بَلْ عَزْوَ مَضْمُونِ التَّعْلِيلِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَذْكُورَةٍ فِيهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي مَتْنِهِ. وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمِنَحِ أَنَّهُ كَثُرَ الِاسْتِفْتَاءُ عَنْهَا فِي عَامَّةِ الْأَمْصَارِ وَأَنَّهُ كَتَبَ فِيهَا رِسَالَةً حَاصِلُهَا اعْتِمَادُ عَدَمِ الِانْعِقَادِ بِهَذَا اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ لِلْحَالِ وَلَيْسَ لَفْظَ نِكَاحٍ وَلَا تَزْوِيجٍ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَلْفَاظِ النِّكَاحِ عَلَاقَةٌ مُصَحِّحَةٌ لِلْمَجَازِيَّةِ عَنْهَا كَمَا اُسْتُعِيرَ لَفْظُ الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ بِنِكَاحٍ، وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِحْلَالِ وَالْإِجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِعَارَةِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى اللُّغَةِ الْأَعْجَمِيَّةِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ، ثُمَّ اسْتَشْهَدَ لِذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي بَحْثِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مِنْ التَّلْوِيحِ، وَهُوَ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُسْتَعْمَلَ اسْتِعْمَالًا صَحِيحًا جَارِيًا عَلَى الْقَانُونِ إمَّا حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ اُسْتُعْمِلَ فِيمَا وُضِعَ لَهُ فَحَقِيقَةٌ، وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَمَجَازٌ، وَإِلَّا فَمُرْتَجَلٌ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ قِسْمِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ الصَّحِيحَ فِي الْغَيْرِ بِلَا عَلَاقَةٍ وَضْعٌ جَدِيدٌ، فَيَكُونُ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا وُضِعَ لَهُ فَيَكُونُ حَقِيقَةً، وَقَيَّدْنَا الِاسْتِعْمَالَ بِالصَّحِيحِ احْتِرَازًا عَنْ الْغَلَطِ مِثْلُ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْأَرْضِ فِي السَّمَاءِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى وَضْعٍ جَدِيدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ عَقِبَ عِبَارَةِ التَّلْوِيحِ الْمَذْكُورَةِ، نَعَمْ لَوْ اتَّفَقَ قَوْمٌ عَلَى النُّطْقِ بِهَذِهِ الْغَلْطَةِ بِحَيْثُ إنَّهُمْ يَطْلُبُونَ بِهَا الدَّلَالَةَ عَلَى حِلِّ الِاسْتِمَاعِ، وَتَصْدُرُ عَلَى قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ مِنْهُمْ، فَلِلْقَوْلِ بِانْعِقَادِ النِّكَاحِ بِهَا وَجْهٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ يَكُونُ وَضْعًا جَدِيدًا مِنْهُمْ، وَبِانْعِقَادِهِ بَيْنَ قَوْمٍ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْغَلْطَةِ أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو السُّعُودِ مُفْتِي الدِّيَارِ الرُّومِيَّةِ، وَأَمَّا صُدُورُهَا لَا عَنْ قَصْدٍ إلَى وَضْعٍ جَدِيدٍ كَمَا يَقَعُ مِنْ بَعْضِ الْجَهَلَةِ الْأَغْمَارِ، فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ فَقَدْ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ إنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي الْمَوْضُوعِ لَهُ أَوْ غَيْرِهِ طَلَبُ دَلَالَتِهِ عَلَيْهِ، وَإِرَادَتُهُ مِنْهُ فَمُجَرَّدُ الذِّكْرِ لَا يَكُونُ اسْتِعْمَالًا صَحِيحًا فَلَا يَكُونُ وَضْعًا جَدِيدًا. اهـ. . وَحَاصِلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إنْ اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِعْمَالِ التَّجْوِيزِ فِي النِّكَاحِ بِوَضْعٍ جَدِيدٍ قَصْدًا يَكُونُ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً مِثْلَ الْحَقَائِقِ الْمُرْتَجَلَةِ.، وَمِثْلُ الْأَلْفَاظِ الْأَعْجَمِيَّةِ الْمَوْضُوعَةِ لِلنِّكَاحِ، فَيَصِحُّ بِهِ الْعَقْدُ لِوُجُودِ طَلَبِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِ، وَإِرَادَتِهِ مِنْ اللَّفْظِ قَصْدًا، وَإِلَّا فَذِكْرُ هَذَا اللَّفْظِ بِدُونِ مَا ذُكِرَ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً؛ لِعَدَمِ الْوَضْعِ وَلَا مَجَازًا لِعَدَمِ الْعَلَاقَةِ، فَلَا يَصِحُّ بِهِ الْعَقْدُ لِكَوْنِهِ غَلَطًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ نُجَيْمٍ، وَمُعَاصِرِيهِ لَكِنْ أَفْتَى بِخِلَافِهِ الْعَلَّامَةُ الْحَبْرُ الرَّمْلِيُّ فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ، وَنَازَعَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ، وَكَذَا نَازَعَهُ فِي حَاشِيَتِهِ عَنْ الْمِنَحِ، بِأَنَّهُ لَا دَخْلَ لِبَحْثِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ الْمُرَتَّبِ عَلَى عَدَمِ الْعَلَاقَةِ، وَقَدْ أَقَرَّ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ تَصْحِيفٌ، فَكَيْفَ اُتُّجِهَ ذِكْرُ نَفْيِ الْعَلَاقَةِ، بَلْ نُسَلِّمُ كَوْنَهُ تَصْحِيفًا بِإِبْدَالِ حَرْفٍ، فَلَوْ صَدَرَ مِنْ عَارِفٍ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ، وَهُوَ مَحَلُّ فَتْوَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 كَانَ ذَلِكَ وَضْعًا جَدِيدًا فَيَصِحُّ، بِهِ أَفْتَى أَبُو السُّعُودِ. وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَيَقَعُ بِهَا قَضَاءً كَمَا فِي أَوَائِلِ الْأَشْبَاهِ (وَلَا بِتَعَاطٍ)   [رد المحتار] الشَّيْخِ زَيْنِ بْنِ نُجَيْمٍ، وَمُعَاصِرِيهِ فَيَقَعُ الدَّلِيلُ فِي مَحَلِّهِ ح وَالْمَسْأَلَةُ لَمْ تُوجَدْ فِيهَا نَقْلٌ بِخُصُوصِهَا عَنْ الْمَشَايِخِ، فَصَارَتْ حَادِثَةَ الْفَتْوَى. وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ مِنْ عَامِّيٍّ إبْدَالُ الزَّايِ جِيمًا وَعَكْسُهُ مَعَ تَشْدِيدِهِمْ فِي النِّكَاحِ بِحَيْثُ لَمْ يُجَوِّزُوهُ إلَّا بِلَفْظِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْإِفْتَاءُ بِحَسَبِ الْإِنْهَاءِ. فَإِذَا سُئِلَ الْمُفْتِي هَلْ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّجْوِيزِ يُجِيبُ بِلَا لِعَدَمِ التَّعَرُّضِ لِذِكْرِ التَّصْحِيفِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَإِذَا سُئِلَ فِي عَامِّيٍّ قَدَّمَ الْجِيمَ عَلَى الزَّايِ بِلَا قَصْدِ اسْتِعَارَةٍ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهَا بَلْ قَصَدَ حِلَّ الِاسْتِمْتَاعِ بِاللَّفْظِ الْوَارِدِ شَرْعًا فَوَقَعَ لَهُ ذِكْرٌ يَنْبَغِي فِيهِ مُوَافَقَةُ الشَّافِعِيَّةِ، وَبِالْأَوْلَى فِيمَا إذَا اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْغَلْطَةِ كَمَا قَطَعَ بِهِ أَبُو السُّعُودِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْغِلَظِ وَالتَّصْحِيفِ فِي مَوَاضِعَ فَأَوْقَعُوا الطَّلَاقَ بِالْأَلْفَاظِ الْمُصَحَّفَةِ مَعَ اشْتِرَاكِ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ فِي أَنَّ جِدَّهُمَا جِدٌّ وَهَزْلَهُمَا جِدٌّ، وَخَطَرُ الْفُرُوجِ، وَأَفْتَوْا بِالْوُقُوعِ فِي عَلَيَّ الطَّلَاقُ وَأَنَّهُ تَعْلِيقٌ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ إنْ فَعَلْت فَأَنْتِ كَذَا، وَمِثْلُهُ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا مَعَ كَوْنِهِ غَلَطًا ظَاهِرًا لُغَةً وَشَرْعًا لِعَدَمِ وُجُودِ رُكْنِهِ وَعَدَمِ مَحَلِّيَّةِ الرَّجُلِ لِلطَّلَاقِ، وَقَوْلُ أَبِي السُّعُودِ إنَّهُ أَيْ هَذَا الطَّلَاقُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ نَظَرًا لِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ لَا إلَى الِاسْتِعْمَالِ الْفَاشِي لِعَدَمِ وُجُودِهِ فِي بِلَادِهِ، فَإِذَا لَمْ نَعْتَبِرْ هَذَا الْغَلَطَ الْفَاحِشَ لَزَمَنَا أَنْ لَا نَعْتَبِرَهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَعَ فُشُوِّ اسْتِعْمَالِهِ وَكَثْرَةِ دَوَرَانِهِ فِي أَلْسِنَةِ أَهْلِ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ بِحَيْثُ لَوْ لُقِّنَ أَحَدُهُمْ التَّزْوِيجَ لَعَسِرَ عَلَيْهِ النُّطْقُ بِهِ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ لَا يَلْمَحُونَ اسْتِعَارَةً لِنَرُدَّ مَلْمَحَهُمْ بِعَدَمِ الْعَلَاقَةِ، بَلْ هُوَ تَصْحِيفٌ عَلَيْهِمْ فَشَا فِي لِسَانِهِمْ. وَقَدْ اسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَدَمَ فَسَادِ الصَّلَاةِ بِإِبْدَالِ بَعْضِ الْحُرُوفِ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَارَبْ الْمَخْرَجُ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَلْوَى الْعَامَّةِ فَكَيْفَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَيَقَعُ بِهَا إلَخْ) أَيْ بِالْأَلْفَاظِ الْمُصَحَّفَةِ كَتَلَاقٍ وَتَلَاك وَطَلَاك وَطَلَاغٍ وَتَلَاغٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَيَقَعُ قَضَاءً وَلَا يُصَدَّقُ إلَّا إذَا أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ التَّكَلُّمِ بِأَنْ قَالَ امْرَأَتِي تَطْلُبُ مِنِّي الطَّلَاقَ وَأَنَا لَا أُطَلِّقُ فَأَقُولُ هَذَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. ثُمَّ إنَّهُ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ قَاضِي خَانْ إنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِمَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِمَضْمُونِ اللَّفْظِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِأَجْلِ الْقَصْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يَسْتَوِي فِيهِ الْجِدُّ وَالْهَزْلُ. اهـ. قَالَ فَإِذَا عَلِمْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ مَعَ التَّصْحِيفِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ نَافِذًا مَعَهُ أَيْضًا. اهـ. قُلْت: وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّ وُقُوعَ طَلَاقٍ لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْفُرُوجِ فَهُوَ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ، عَلَى أَنَّهُ لَا احْتِيَاطَ فِي التَّفْرِيقِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الزَّوْجِيَّةِ بِمُجَرَّدِ التَّلَفُّظِ بِلَفْظٍ مُصَحَّفٍ أَوْ مُهْمَلٍ لَا مَعْنَى لَهُ، بَلْ الِاحْتِيَاطُ فِي بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمُزِيلُ، فَلَوْلَا أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا الْقَصْدَ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمُصَحَّفِ بِدُونِ وَضْعٍ جَدِيدٍ وَلَا عَلَاقَةٍ لَمْ يُوقِعُوا بِهِ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّ الْغَلَطَ الْخَارِجَ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لَا مَعْنَى لَهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ الْمُرَادَ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا تَحْرِيفَ اللَّفْظِ بَلْ قَوْلُهُمْ يَقَعُ بِهَا قَضَاءً يُفِيدُ أَنَّهُ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْوُقُوعِ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهَا الطَّلَاقَ حَمْلًا عَلَى أَنَّهَا مِنْ أَقْسَامِ الصَّرِيحِ وَلِذَا قَيَّدَ تَصْدِيقَهُ بِالْإِشْهَادِ فَبِالْأَوْلَى إذَا قَالَ الْعَامِّيُّ جَوَّزْت بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ أَوْ زَوَّزْتُ بِالزَّايِ بَدَلَ الْجِيمِ قَاصِدًا بِهِ مَعْنَى النِّكَاحِ يَصِحُّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ جَعَلْت بِنْتِي هَذِهِ لَك بِأَلْفٍ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَعْنَى النِّكَاحِ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي دُونَ الْأَلْفَاظِ، فَهَذَا التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا أَفَادَ مَعْنَى النِّكَاحِ يُعْطَى حُكْمَهُ، لَكِنْ إذَا كَانَ بِلَفْظِ نِكَاحٍ أَوْ تَزْوِيجٍ أَوْ مَا وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ لِلْحَالِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ لَفْظَ جَوَّزْت أَوْ زَوَّزْتُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 احْتِرَامًا لِلْفُرُوجِ. (وَشُرِطَ سَمَاعُ كُلٍّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ لَفْظَ الْآخَرِ) لِيَتَحَقَّقَ رِضَاهُمَا. (وَ) شُرِطَ (حُضُورُ) شَاهِدَيْنِ   [رد المحتار] لَا يَفْهَمُ مِنْهُ الْعَاقِدَانِ وَالشُّهُودُ إلَّا أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ التَّزْوِيجِ، وَلَا يُقْصَدُ مِنْهُ إلَّا ذَلِكَ الْمَعْنَى بِحَسَبِ الْعُرْفِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يُحْمَلُ كَلَامُ كُلِّ عَاقِدٍ وَحَالِفٍ وَوَاقِفٍ عَلَى عُرْفِهِ، وَإِذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِالْأَلْفَاظِ الْمُصَحَّفَةِ وَلَوْ مِنْ عَالِمٍ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَعَارَفَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ فِيهَا يَصِحُّ النِّكَاحُ مِنْ الْعَوَامّ بِالْمُصَحَّفَةِ الْمُتَعَارَفَةِ بِالْأَوْلَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ] عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ جَوَازُ الْعَقْدِ بِلَفْظِ أَزَوَّجْت بِالْهَمْزَةِ فِي أَوَّلِهِ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ عَنْ شَيْخِهِ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ فَكَانَ تَحْرِيفًا وَغَلَطًا (قَوْلُهُ: احْتِرَامًا لِلْفُرُوجِ) أَيْ لِخَطَرِ أَمْرِهَا وَشِدَّةِ حُرْمَتِهَا، فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا إلَّا بِلَفْظٍ صَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ. (قَوْلُهُ: سَمَاعُ كُلٍّ) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا كَالْكِتَابِ إلَى غَائِبَةٍ؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْخِطَابِ كَمَا مَرَّ. وَفِي الْفَتْحِ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ مِنْ الْأَخْرَسِ إذَا كَانَتْ لَهُ إشَارَةٌ مَعْلُومَةٌ (قَوْلُهُ: لِيَتَحَقَّقَ رِضَاهُمَا) أَيْ لِيَصْدُرَ مِنْهُمَا مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى الرِّضَا إذْ حَقِيقَةُ الرِّضَا غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ فِي النِّكَاحِ لِصِحَّتِهِ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالْهَزْلِ رَحْمَتِيٌّ. وَذَكَرَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ أَنَّ الرِّضَا شَرْطٌ مِنْ جَانِبِهَا لَا مِنْ جَانِبِ الرَّجُلِ وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِمَا صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي الْمَهْرِ مِنْ فَسَادِ الْعَقْدِ إذَا كَانَ الْإِكْرَاهُ مِنْ جِهَتِهَا. وَأَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنْ ذَكَرَ فِي النُّقَايَةِ أَنَّ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ إنْ لَمْ يَطَأْهَا، وَإِنْ وَطِئَهَا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فَقَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ: أَيْ الْبَاطِلِ كَالنِّكَاحِ لِلْمَحَارِمِ الْمُؤَبَّدَةِ أَوْ الْمُؤَقَّتَةِ أَوْ بِإِكْرَاهٍ مِنْ جِهَتِهَا إلَخْ، فَقَوْلُهُ: مِنْ جِهَتِهَا مَعْنَاهُ أَنَّهَا إذَا أَكْرَهَتْ الزَّوْجَ عَلَى التَّزْوِيجِ بِهَا لَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِمَا فَكَانَ فِي حُكْمِ الْبَاطِلِ لَا بَاطِلًا حَقِيقَةً، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَهَهَا عَلَى التَّزْوِيجِ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالُوهُ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَزِمَهُ نِصْفُ الْمَهْرِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُكْرَهِ إنْ كَانَ الْمُكْرِهُ لَهُ أَجْنَبِيًّا، فَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ هِيَ الَّتِي أَكْرَهَتْهُ عَلَى الطَّلَاقِ لَمْ يَجِبْ لَهَا شَيْءٌ نَصَّ عَلَيْهِ الْقُهُسْتَانِيُّ هُنَاكَ أَيْضًا. وَأَمَّا مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ نِكَاحَ الْمُكْرَهِ صَحِيحٌ إنْ كَانَ هُوَ الرَّجُلَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَرْأَةَ فَهُوَ فَاسِدٌ فَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْقُهُسْتَانِيِّ السَّابِقُ ذَلِكَ، بَلْ عِبَارَاتُهُمْ مُطْلَقَةٌ فِي أَنَّ نِكَاحَ الْمُكْرَهِ صَحِيحٌ كَطَلَاقِهِ وَعِتْقِهِ مِمَّا يَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ، وَلَفْظُ الْمُكْرَهِ شَامِلٌ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَمَنْ ادَّعَى التَّخْصِيصَ فَعَلَيْهِ إثْبَاتُهُ بِالنَّقْلِ الصَّرِيحِ، نَعَمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الزِّنَا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي إكْرَاهِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْجَوَازِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَوْ أُكْرِهَتْ عَلَى أَنْ تَزَوَّجَتْهُ بِأَلْفٍ، وَمَهْرُ مِثْلِهَا عَشَرَةُ آلَافٍ زَوَّجَهَا أَوْلِيَاؤُهَا مُكْرَهِينَ فَالنِّكَاحُ جَازَ وَيَقُولُ الْقَاضِي لِلزَّوْجِ: إنْ شِئْت أَتْمِمْ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وَهِيَ امْرَأَتُك إنْ كَانَ كُفُؤًا لَهَا، وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَلَا شَيْءَ لَهَا إلَخْ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَشُرِطَ حُضُورُ شَاهِدَيْنِ) أَيْ يَشْهَدَانِ عَلَى الْعَقْدِ، أَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالنِّكَاحِ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّتِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ، وَإِنَّمَا فَائِدَتُهَا الْإِثْبَاتُ عِنْدَ جُحُودِ التَّوْكِيلِ. وَفِي الْبَحْرِ قَيَّدْنَا الْإِشْهَادَ بِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالنِّكَاحِ لِقَوْلِ الْإِسْبِيجَابِيِّ: وَأَمَّا سَائِرُ الْعُقُودِ فَتَنْفُذُ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَلَكِنْ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ مُسْتَحَبٌّ عُلَيَّةُ. اهـ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ أَنَّهُ وَاجِبٌ فِي الْمُدَايَنَاتِ، وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَفِي عِتْقِ الْمُحِيطِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْتُبَ لِلْعِتْقِ كِتَابًا وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ صِيَانَةً عَنْ التَّجَاحُدِ كَمَا فِي الْمُدَايَنَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ التِّجَارَاتِ لِلْحَرَجِ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهَا لَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ كَالْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِيهِ. اهـ. مَطْلَبٌ الْخَصَّافُ كَبِيرٌ فِي الْعِلْمِ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ. [تَنْبِيهٌ] أَشَارَ بِقَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَلَا الْمَنْكُوحَةُ مَجْهُولَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ هُنَا بِقَوْلِهِ: وَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزِ الْمَنْكُوحَةِ عِنْدَ الشَّاهِدَيْنِ لِتَنْتَفِي الْجَهَالَةُ، فَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً مُنْتَقِبَةً كَفَى الْإِشَارَةُ إلَيْهَا وَالِاحْتِيَاطُ كَشْفُ وَجْهِهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 (حُرَّيْنِ) أَوْ حُرٌّ وَحُرَّتَيْنِ (مُكَلَّفَيْنِ سَامِعَيْنِ قَوْلَهُمَا مَعًا)   [رد المحتار] فَإِنْ لَمْ يَرَوْا شَخْصًا وَسَمِعُوا كَلَامَهَا مِنْ الْبَيْتِ، إنْ كَانَتْ وَحْدَهَا فِيهِ جَازَ، وَلَوْ مَعَهَا أُخْرَى فَلَا لِعَدَمِ زَوَالِ الْجَهَالَةِ وَكَذَا إذَا وَكَّلَتْ بِالتَّزْوِيجِ فَهُوَ عَلَى هَذَا. اهـ. أَيْ إنْ رَأَوْهَا أَوْ كَانَتْ وَحْدَهَا فِي الْبَيْتِ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهَا بِالتَّوْكِيلِ إذَا جَحَدَتْهُ، وَإِلَّا فَلَا لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ الْمَرْأَةُ الْأُخْرَى، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِدُونِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَصِيرُ الْعَقْدُ عَقْدَ فُضُولِيٍّ فَيَصِحُّ بِالْإِجَارَةِ بَعْدَهُ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا لِمَا عَلِمْته آنِفًا فَافْهَمْ. ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً وَلَمْ يَسْمَعُوا كَلَامَهَا بِأَنْ عَقَدَ لَهَا وَكِيلُهَا فَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ يَعْرِفُونَهَا كَفَى ذِكْرُ اسْمِهَا إذَا عَلِمُوا أَنَّهُ أَرَادَهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوهَا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ اسْمِهَا وَاسْمِ أَبِيهَا وَجَدِّهَا. وَجَوَّزَ الْخَصَّافُ النِّكَاحَ مُطْلَقًا، حَتَّى لَوْ وَكَّلَتْهُ فَقَالَ بِحَضْرَتِهِمَا زَوَّجْت نَفْسِي مِنْ مُوَكِّلَتِي أَوْ مِنْ امْرَأَةٍ جَعَلَتْ أَمْرَهَا بِيَدِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَهُ. قَالَ قَاضِي خَانْ: وَالْخَصَّافُ كَانَ كَبِيرًا فِي الْعِلْمِ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْمُنْتَقَى كَمَا قَالَ الْخَصَّافُ. اهـ. قُلْت: فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُضْمَرَاتِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَكَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي فَصْلِ الْوَكِيلِ وَالْفُضُولِيِّ أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْخَصَّافُ، وَإِنْ كَانَ الْخَصَّافُ كَبِيرًا. اهـ. وَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْمَرْأَةِ يَجْرِي مِثْلُهُ فِي الرَّجُلِ فَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْفَضْلِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا مُشَارًا إلَيْهِ جَازَ وَلَوْ غَائِبًا فَلَا مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُهُ وَاسْمُ أَبِيهِ وَجَدِّهِ، قَالَ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى الْمَحَلَّةِ أَيْضًا، قِيلَ لَهُ فَإِنْ كَانَ الْغَائِبُ مَعْرُوفًا عِنْدَ الشُّهُودِ؟ قَالَ، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا لَا بُدَّ مِنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ غَيْرِهِ فِي الْغَائِبَةِ إذَا ذُكِرَ اسْمُهَا لَا غَيْرُ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الشُّهُودِ وَعَلِمَ الشُّهُودُ أَنَّهُ أَرَادَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ يَجُوزُ النِّكَاحُ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغَائِبَةَ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ اسْمِهَا وَاسْمِ أَبِيهَا وَجَدِّهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً عِنْدَ الشُّهُودِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْفَضْلِ، وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ يَكْفِي ذِكْرُ اسْمِهَا إنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً عِنْدَهُمْ، وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ وَقَالَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّسْمِيَةِ التَّعْرِيفُ وَقَدْ حَصَلَ وَأَقَرَّهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ. وَعَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ يَكْفِي مُطْلَقًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الشُّهُودُ كَثِيرِينَ لَا يَلْزَمُ مَعْرِفَةُ الْكُلِّ بَلْ إذَا ذَكَرَ اسْمَهَا وَعَرَفَهَا اثْنَانِ مِنْهُمْ كَفَى وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْرِفَةِ أَنْ يَعْرِفَهَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا هِيَ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ لَا مَعْرِفَةُ شَخْصِهَا، وَإِنَّ ذِكْرَ الِاسْمِ غَيْرُ شَرْطٍ، بَلْ الْمُرَادُ الِاسْمُ أَوْ مَا يُعَيِّنُهَا مِمَّا يَقُومُ مَقَامَهُ لِمَا فِي الْبَحْرِ: لَوْ زَوَّجَهُ بِنْتَهُ وَلَمْ يُسَمِّهَا وَلَهُ بِنْتَانِ لَمْ يَصِحَّ لِلْجَهَالَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ لَهُ بِنْتٌ وَاحِدَةٌ إلَّا إذَا سَمَّاهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي التَّنْجِيسِ. اهـ. وَفِيهِ عَنْ الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ لِلْمُزَوِّجِ ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ وَلِلْقَابِلِ ابْنٌ وَاحِدٌ فَقَالَ زَوَّجْت بِنْتِي مِنْ ابْنِك يَجُوزُ النِّكَاحُ، وَإِنْ كَانَ لِلْقَابِلِ ابْنَانِ فَإِنْ سَمَّى أَحَدَهُمَا بِاسْمِهِ صَحَّ إلَخْ، وَفِيهِ عَنْ الْخُلَاصَةِ إذَا زَوَّجَهَا أَخُوهَا فَقَالَ زَوَّجْت أُخْتِي وَلَمْ يُسَمِّهَا جَازَ إنْ كَانَتْ لَهُ أُخْتٌ وَاحِدَةٌ وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا مَنْكُوحَةٌ مَجْهُولَةٌ. (قَوْلُهُ: حُرَّيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَشُرِطَ فِي الشُّهُودِ: الْحُرِّيَّةُ، وَالْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْإِسْلَامُ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ الْعَبِيدِ وَالْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ وَالْكُفَّارِ فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِهَؤُلَاءِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْعَبْدِ بَيْنَ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ، فَلَوْ عَتَقَ الْعَبِيدُ أَوْ بَلَغَ الصِّبْيَانُ بَعْدَ التَّحَمُّلِ ثُمَّ شَهِدُوا إنْ كَانَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ وَقْتَ الْعَقْدِ مِمَّنْ يَنْعَقِدُ بِحُضُورِهِمْ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلٌ لِلتَّحَمُّلِ وَقَدْ انْعَقَدَ الْعَقْدُ بِغَيْرِهِمْ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: أَوْ حُرٍّ وَحُرَّتَيْنِ) كَذَا فِي الْكَنْزِ وَقَدْ نَسِيَهُ الْمُصَنِّفُ فَذَكَرَهُ الشَّارِحُ لِدَفْعِ إيهَامِ اخْتِصَاصِ الذُّكُورِ فِي شَهَادَةِ النِّكَاحِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ: سَامِعَيْنِ قَوْلَهُمَا مَعًا) فَلَا يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ النَّائِمَيْنِ وَالْأَصَمَّيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ، وَتَصْحِيحُ الزَّيْلَعِيِّ الِانْعِقَادَ بِحَضْرَةِ النَّائِمَيْنِ دُونَ الْأَصَمَّيْنِ ضَعِيفٌ رَوَاهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِحَمْلِ النَّائِمَيْنِ عَلَى الْوَسْنَانَيْنِ السَّامِعَيْنِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَحَلَّ وِفَاقٍ لَا خِلَافٍ ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 عَلَى الْأَصَحِّ (فَاهِمَيْنِ) أَنَّهُ نِكَاحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ بَحْرٌ (مُسْلِمَيْنِ لِنِكَاحِ مُسْلِمَةٍ وَلَوْ فَاسِقَيْنِ أَوْ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ   [رد المحتار] لَا يَخْتَلِفَ فِي انْعِقَادِهِ بِالْأَصَمَّيْنِ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ أَخْرَسَ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُ كَمَا قَالُوا يَنْعَقِدُ بِالْإِشَارَةِ حَيْثُ كَانَتْ مَعْلُومَةً. اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَنْ اشْتَرَطَ السَّمَاعَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي التَّزَوُّجِ بِالْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الشُّهُودِ مَا فِي الْكِتَابِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْخُطْبَةِ بِأَنْ تَقْرَأَهُ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِمْ أَوْ سَمَاعِهِمْ الْعِبَارَةَ عَنْهُ بِأَنْ تَقُولَ إنَّ فُلَانًا كَتَبَ إلَيَّ يَخْطُبُنِي ثُمَّ تُشْهِدُهُمْ أَنَّهَا زَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا. اهـ. لَكِنْ إذَا كَانَ الْكِتَابُ بِلَفْظِ الْأَمْرِ بِأَنْ كَتَبَ زَوِّجِي نَفْسَك مِنِّي لَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُ الشَّاهِدَيْنِ لِمَا فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ تَوْكِيلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عَلَى التَّوْكِيلِ، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ إيجَابٌ فَيُشْتَرَطُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَقَدَّمْنَا بَيَانَهُ فِيمَا مَرَّ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مَعًا مَا لَوْ سَمِعَا مُتَفَرِّقَيْنِ بِأَنْ حَضَرَ أَحَدُهُمَا الْعَقْدَ ثُمَّ غَابَ وَأُعِيدَ بِحَضْرَةِ الْآخَرِ، أَوْ سَمِعَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ الْعَقْدَ فَأُعِيدَ فَسَمِعَهُ الْآخَرُ دُونَ الْأَوَّلِ، أَوْ سَمِعَ أَحَدُهُمَا الْإِيجَابَ وَالْآخَرُ الْقَبُولَ ثُمَّ أُعِيدَ فَسَمِعَ كُلٌّ وَحْدَهُ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وُجِدَ عَقْدَانِ لَمْ يَحْضُرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَانِ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ سَامِعَيْنِ وَقَوْلُهُ: مَعًا، وَمُقَابِلُ الْأَوَّلِ الْقَوْلُ بِالِاكْتِفَاءِ بِمُجَرَّدِ حُضُورِهِمَا،، وَمُقَابِلُ الثَّانِي مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ. مِنْ أَنَّهُ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ جَازَ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: فَاهِمَيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: جَزَمَ فِي التَّبْيِينِ بِأَنَّهُ لَوْ عَقَدَا بِحَضْرَةِ هِنْدِيَّيْنِ لَمْ يَفْهَمَا كَلَامَهُمَا لَمْ يَجُزْ وَصَحَّحَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَقَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فَهْمُ أَنَّهُ نِكَاحٌ وَاخْتَارَهُ فِي الْخَانِيَّةِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ، لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ يُحْسِنَانِ الْعَرَبِيَّةَ فَعَقَدَا بِهَا وَالشُّهُودُ لَا يَعْرِفُونَهَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ. اهـ. لَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي اشْتِرَاطِ الْفَهْمِ. اهـ. وَحَمَلَ فِي النَّهْرِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ الْحُضُورِ بِلَا سَمَاعٍ وَلَا فَهْمٍ: أَيْ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ، وَوَفَّقَ الرَّحْمَتِيُّ بِحَمْلِ الْقَوْلِ بِالِاشْتِرَاطِ عَلَى اشْتِرَاطِ فَهْمِ أَنَّهُ عَقْدُ نِكَاحٍ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِهِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ فَهْمِ مَعَانِي الْأَلْفَاظِ بَعْدَمَا فُهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ عَقْدُ النِّكَاحِ (قَوْلُهُ: لِنِكَاحِ مُسْلِمَةٍ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ مُسْلِمَيْنِ احْتِرَازًا عَنْ نِكَاحِ الذِّمِّيَّةِ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ عِنْدَ ذِمِّيَّيْنِ صَحَّ كَمَا يَأْتِي لَكِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ مَا قَبْلَهُ مِنْ الشُّرُوطِ يُشْتَرَطُ فِي أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهَا تَصِحُّ بِغَيْرِ شُهُودٍ إذَا كَانُوا يَدِينُونَ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَلِدَفْعِ ذَلِكَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْمُسْلِمَيْنِ إلَّا بِحُضُورِ شَاهِدَيْنِ حُرَّيْنِ إلَخْ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ سَيَعْقِدُ لِنِكَاحِ الْكَافِرِ بَابًا عَلَى حِدَةٍ. وَلَمَّا كَانَ تَزَوُّجُ الْمُسْلِمِ ذِمِّيَّةً لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إسْلَامُ الشَّاهِدَيْنِ احْتَرَزَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ لِنِكَاحِ مُسْلِمَةٍ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ فَاسِقَيْنِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ النِّكَاحَ لَهُ حُكْمَانِ: حُكْمُ الِانْعِقَادِ، وَحُكْمُ الْإِظْهَارِ، فَالْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ وَالثَّانِي إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ التَّجَاحُدِ، فَلَا يُقْبَلُ فِي الْإِظْهَارِ إلَّا شَهَادَةُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَلِذَا انْعَقَدَ بِحُضُورِ الْفَاسِقَيْنِ وَالْأَعْمَيَيْنِ وَالْمَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ، وَإِنْ لَمْ يَتُوبَا وَابْنَيْ الْعَاقِدَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ أَدَاؤُهُمْ عِنْدَ الْقَاضِي كَانْعِقَادِهِ بِحَضْرَةِ الْعَدُوَّيْنِ بَحْرٌ. مَطْلَبٌ فِي عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ (قَوْلُهُ: أَوْ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ) أَيْ وَقَدْ تَابَا قَالَ فِي النَّهْرِ وَهَذَا الْقَيْدُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَإِلَّا لَزِمَ التَّكْرَارُ. اهـ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فِي الْفَاسِقِ الْمُعْلِنِ وَالْمَحْدُودِ قَبْلَ التَّوْبَةِ، أَمَّا الْمَسْتُورُ وَالْمَحْدُودُ النَّائِبُ فَلَا خِلَافَ لَهُ فِيهِمَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالْحَقَائِقِ، وَأَيْضًا فَالْمَحْدُودُ أَخَصُّ مُطْلَقًا مِنْ الْفَاسِقِ وَذِكْرُ الْأَخَصِّ بَعْدَ الْأَعَمِّ وَاقِعٌ فِي أَفْصَحِ الْكَلَامِ عَلَى أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا قُوبِلَ الْخَاصُّ بِالْعَامِّ يُرَادُ بِهِ مَا عَدَا الْخَاصَّ، لَكِنْ فِي الْمُغْنِي إنَّ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ مِمَّا تَفَرَّدَتْ بِهِ الْوَاوُ وَحَتَّى، لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ يَتَسَامَحُونَ فِي عَطْفِهِ بِأَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 أَوْ أَعْمَيَيْنِ أَوْ ابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ أَوْ ابْنَيْ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النِّكَاحُ بِهِمَا) بِالِابْنَيْنِ (إنْ ادَّعَى الْقَرِيبُ، كَمَا صَحَّ نِكَاحُ مُسْلِمٍ ذِمِّيَّةً عِنْدَ ذِمِّيَّيْنِ) وَلَوْ مُخَالِفَيْنِ لِدِينِهَا (وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ) النِّكَاحُ (بِهِمَا مَعَ إنْكَارِهِ) وَالْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ قَبُولَ النِّكَاحِ بِوِلَايَةِ نَفْسِهِ انْعَقَدَ بِحَضْرَتِهِ. . (أَمَرَ) الْأَبُ (رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَ صَغِيرَتَهُ فَزَوَّجَهَا عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ، وَ) الْحَالُ أَنَّ (الْأَبَ حَاضِرٌ صَحَّ) لِأَنَّهُ يُجْعَلُ عَاقِدًا حَكَمًا (وَإِلَّا لَا) .   [رد المحتار] قُلْت: وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِجَوَازِهِ بِثُمَّ وَبِأَوْ كَمَا فِي حَدِيثِ «، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا» (قَوْلُهُ: أَوْ أَعْمَيَيْنِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَالْوِقَايَةِ وَالْمُخْتَارِ وَالْإِصْلَاحِ وَالْجَوْهَرَةِ وَشَرْحِ النُّقَايَةِ وَالْفَتْحِ وَالْخُلَاصَةِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِمَا فَلَا يَكُونُ كَلَامُهُ شَهَادَةً وَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِحَضْرَتِهِ. اهـ. وَالْمُخْتَارُ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ نُوحٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النِّكَاحُ بِهِمَا) أَيْ بِالِابْنَيْنِ أَيْ بِشَهَادَتِهَا، فَقَوْلُهُ: بِالِابْنَيْنِ بَدَلٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ، وَفِي نُسْخَةٍ لَهُمَا أَيْ لِلزَّوْجَيْنِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ حُكْمِ الِانْعِقَادِ، وَحُكْمِ الْإِظْهَارِ أَيْ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَهَادَتِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهَا عِنْدَ التَّجَاحُدِ وَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِالِابْنَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: إنْ ادَّعَى الْقَرِيبُ) أَيْ لَوْ كَانَا ابْنَيْهِ وَحْدَهُ أَوْ ابْنَيْهَا وَحْدَهَا فَادَّعَى أَحَدُهُمَا النِّكَاحَ وَجَحَدَهُ الْآخَرُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ ابْنَيْ الْمُدَّعِي لَهُ بَلْ تُقْبَلُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَا ابْنَيْهِمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِلْمُدَّعِي، وَلَا عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ شَهَادَتِهِمَا لِأَصْلِهِمَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ابْنَهَا وَالْآخَرُ ابْنَهُ لَا تُقْبَلُ أَصْلًا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: كَمَا صَحَّ إلَخْ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا شُرِطَتْ فِي النِّكَاحِ لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ لَهُ عَلَيْهَا تَعْظِيمًا لِجُزْءِ الْآدَمِيِّ لَا لِثُبُوتِ مِلْكِ الْمَهْرِ لَهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الشَّهَادَةُ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَلِلذِّمِّيِّ شَهَادَةٌ عَلَى مِثْلِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: لَا يَصِحُّ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ، وَأَرَادَ بِالذِّمِّيَّةِ الْكِتَابِيَّةَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ قَالَ ح فَخَرَجَ غَيْرُ الْكِتَابِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَدَخَلَ الْحَرْبِيَّةُ الْكِتَابِيَّةُ، وَإِنْ كُرِهَ نِكَاحُهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي مُحَرَّمَاتِ شَرْحِ الْمُلْتَقَى. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُخَالِفَيْنِ لِدِينِهَا) كَمَا لَوْ كَانَا نَصْرَانِيَّيْنِ وَهِيَ يَهُودِيَّةٌ، وَشَمَلَ إطْلَاقُهُ الذِّمِّيَّيْنِ غَيْرَ الْكِتَابِيَّيْنِ كَمَجُوسِيَّيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِمَا عَنْ الْحَرْبِيَّيْنِ لِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ وَلِلذِّمِّيِّ شَهَادَةٌ عَلَى مِثْلِهِ فَأَفَادَ أَنَّ شَهَادَةَ الْحَرْبِيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ لَا تُقْبَلُ، وَالْمُسْتَأْمَنُ حَرْبِيٌّ أَفَادَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ: مَعَ إنْكَارِهِ) أَيْ إنْكَارِ الْمُسْلِمِ الْعَقْدَ عَلَى الذِّمِّيَّةِ، أَمَّا عِنْدَ إنْكَارِهَا فَمَقْبُولٌ عِنْدَهُمَا مُطْلَقًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ قَالَا كَانَ مَعَنَا مُسْلِمَانِ وَقْتَ الْعَقْدِ قُبِلَ، وَإِلَّا لَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ أَسْلَمَا وَأَدَّيَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ عِنْدَنَا إلَخْ) عِبَارَةُ النَّهْرِ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ صَلَحَ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا فِيهِ بِوِلَايَةِ نَفْسِهِ صَلَحَ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فِيهِ، وَقَوْلُنَا بِوِلَايَةِ نَفْسِهِ لِإِخْرَاجِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ، وَإِنْ مَلَكَ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ لَكِنْ لَا بِوِلَايَةِ نَفْسِهِ بَلْ بِمَا اسْتَفَادَهُ مِنْ الْمَوْلَى. اهـ. وَهَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ انْعِقَادِهِ بِالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَلَمْ أَرَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: أَمَرَ الْأَبُ رَجُلًا) أَيْ وَكَّلَهُ وَالضَّمِيرُ الْبَارِزُ فِي صَغِيرَتِهِ لِلْأَبِ وَالْمُسْتَتِرُ فِي زَوْجِهَا لِلرَّجُلِ الْمَأْمُورِ، وَكَوْنُهُ رَجُلًا مِثَالٌ، فَلَوْ كَانَ امْرَأَةً صَحَّ لَكِنْ اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا رَجُلٌ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ كَمَا أَفَادَ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ عَاقِدًا حُكْمًا) لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ، وَمُعَبِّرٌ يَنْقُلُ عِبَارَةَ الْمُوَكِّلِ، فَإِذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا كَانَ مُبَاشِرًا؛ لِأَنَّ الْعِبَارَةَ تَنْتَقِلُ إلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَيْسَ الْمُبَاشِرُ سِوَى هَذَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَائِبًا؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِهِ الْحُضُورُ، فَظَاهِرٌ أَنَّ إنْزَالَ الْحَاضِرِ مُبَاشِرًا حُبُرِي فَانْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّهُ تَكَلُّفٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَإِنَّ الْأَبَ يَصْلُحُ شَاهِدًا، فَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِهِ مُبَاشِرًا إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْبِنْتِ الْبَالِغَةِ فَتْحٌ مُلَخَّصًا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا لَا يَصِحُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 (وَلَوْ زَوَّجَ بِنْتَهُ الْبَالِغَةَ) الْعَاقِلَةَ (بِمَحْضَرِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ جَازَ إنْ) كَانَتْ ابْنَتُهُ (حَاضِرَةً) لِأَنَّهَا تُجْعَلُ عَاقِدَةً (، وَإِلَّا لَا) الْأَصْلُ أَنَّ الْآمِرَ مَتَى حَضَرَ جُعِلَ مُبَاشِرًا، ثُمَّ إنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَأْمُورِ إذَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ عَقَدَهُ لِئَلَّا يَشْهَدَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ؛ وَلَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْبَالِغَ بِحَضْرَتِهِ وَوَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ عَلَى الظَّاهِرِ. وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فَعَقَدَ بِحَضْرَةِ الْمَوْلَى وَرَجُلٍ صَحَّ، وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى. (وَلَوْ قَالَ) رَجُلٌ لِآخَرَ (زَوَّجْتنِي ابْنَتَك فَقَالَ) الْآخَرُ (زَوَّجْت أَوْ) قَالَ (نَعَمْ) مُجِيبًا لَهُ (لَمْ يَكُنْ نِكَاحًا مَا لَمْ يَقُلْ) الْمُوجِبُ بَعْدَهُ (قَبِلْت) لِأَنَّ زَوَّجْتنِي اسْتِخْبَارٌ وَلَيْسَ بِعَقْدٍ،   [رد المحتار] ؛ لِأَنَّ انْتِقَالَ الْعِبَارَةِ إلَيْهِ حَالَ عَدَمِ الْحُضُورِ لَا يَصِيرُ بِهِ مُبَاشِرًا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَوَّجَ بِنْتَه الْبَالِغَةَ الْعَاقِلَةَ) كَوْنُهَا بِنْتَهُ غَيْرُ قَيْدٍ، فَإِنَّهَا لَوْ وَكَّلْت رَجُلًا غَيْرَهُ فَكَذَلِكَ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ، وَقَيَّدَ بِالْبَالِغَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يَكُونُ الْوَلِيُّ شَاهِدًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ إلَيْهَا بَحْرٌ، وَبِالْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَةَ كَالصَّغِيرَةِ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا تُجْعَلُ عَاقِدَةً) ؛ لِانْتِقَالِ عِبَارَةِ الْوَكِيلِ إلَيْهَا، وَهِيَ فِي الْمَجْلِسِ فَكَانَتْ مُبَاشَرَةً ضَرُورَةً؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا شَاهِدَةً عَلَى نَفْسِهَا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً لَا يَكُونُ الْعَقْدُ نَافِذًا بَلْ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهَا كَمَا فِي الْحَمَوِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْفُضُولِيِّ وَعَقْدُ الْفُضُولِيِّ لَيْسَ بِبَاطِلٍ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ: جُعِلَ مُبَاشِرًا) ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْمَجْلِسِ تَنْتَقِلُ الْعِبَارَةُ إلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَأْمُورِ) يَعْنِي عِنْدَ التَّجَاحُدِ، وَإِرَادَةِ الْإِظْهَارِ، أَمَّا مِنْ حَيْثُ الِانْعِقَادُ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ فَهِيَ مَقْبُولَةٌ مُطْلَقًا كَمَا لَا يَخْفَى، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ إذَا تَوَلَّى الْعَقْدَ، وَمَاتَ الزَّوْجُ وَأَنْكَرَتْ وَرَثَتُهُ كَمَا حُكِيَ عَنْ الصَّفَّارِ. قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ الْعَقْدَ لَا غَيْرُ فَيَقُولُ هَذِهِ مَنْكُوحَتُهُ، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي الْأَخَوَيْنِ إذَا زَوَّجَا أُخْتَهُمَا ثُمَّ أَرَادَا أَنْ يُشْهِدَا عَلَى النِّكَاحِ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَا هَذِهِ مَنْكُوحَتُهُ بَحْرٌ عَنْ الذَّخِيرَةِ. (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَشْهَدَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ) يَرِدُ عَلَيْهِ شَهَادَةُ نَحْوِ الْقَبَّانِيِّ وَالْقَاسِمِ، لِأَنَّهُ يُقْبَلُ مَعَ بَيَانِهِ أَنَّهُ فَعَلَهُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا لَزِمَ بِفِعْلِ الْعَاقِدِ فَشَهَادَتُهُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ شَهَادَةٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أُلْزِمَ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ فَتَلْغُو بِخِلَافِ الْقَبَّانِيِّ وَالْقَاسِمِ فَإِنَّ فِعْلَهُمَا غَيْرُ مُلْزِمٍ. أَمَّا الْقَبَّانِيِّ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْقَاسِمُ فَلِمَا فِي شَهَادَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ وَجْهَ الْقَبُولِ أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ بِالْقِسْمَةِ بَلْ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِاسْتِعْمَالِ الْقُرْعَةِ ثُمَّ التَّرَاضِي عَلَيْهِ. اهـ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ) أَيْ وَأَمَتَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَوْلُهُ: بِحَضْرَتِهِ أَيْ الْعَبْدِ، وَقَوْلُهُ: وَوَاحِدٍ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى هَذَا الضَّمِيرِ وَقَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ عَلَى الظَّاهِرِ ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ، وَنَقَلَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الدِّرَايَةِ فِيمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَبْدِ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ رَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ مُبَاشَرَةَ السَّيِّدِ لَيْسَ فَكًّا لِلْحَجْرِ عَنْهُمَا فِي التَّزَوُّجِ مُطْلَقًا، وَإِلَّا لَصَحَّ فِي مَسْأَلَةِ وَكِيلِهِ: أَيْ فِيمَا لَوْ زَوَّجَ وَكِيلُ السَّيِّدِ الْعَبْدَ بِحُضُورِهِ مَعَ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ: صَحَّ) وَقِيلَ لَا يَصِحُّ لِانْتِقَالِهِ إلَى السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَكِيلٌ عَنْهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: الْأَصَحُّ الْجَوَازُ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ كَوْنِهِمَا أَيْ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَكِيلَيْنِ لِأَنَّ الْإِذْنَ فَكُّ الْحَجْرِ عَنْهُمَا، فَيَتَصَرَّفَانِ بَعْدَهُ وَبِأَهْلِيَّتِهِمْ الَا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى) هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ مُبَاشَرَةَ السَّيِّدِ الْعَقْدَ لَيْسَ فَكًّا لِلْحَجَرِ عَنْ الْعَبْدِ فِي التَّزَوُّجِ، فَلَا يَنْتَقِلُ الْعَقْدُ إلَيْهِ بَلْ يَبْقَى السَّيِّدُ هُوَ الْعَاقِدُ وَلَا يَصْلُحُ شَاهِدًا، بِخِلَافِ إذْنِهِ لَهُ بِهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ مَمْنُوعٌ عَنْ النِّكَاحِ لِحَقِّ السَّيِّدِ لَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ فَبِالْإِذْنِ يَصِير أَصِيلًا لَا نَائِبًا فَلَا يَنْتَقِلُ الْعَقْدُ إلَى السَّيِّدِ وَيَصْلُحُ شَاهِدًا فَيَصِحُّ بِحَضْرَتِهِ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَقُلْ الْمُوجِبُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ قَوْلِ الْآخَرِ زَوَّجْت أَوْ نَعَمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْآخَرِ ذَلِكَ يَكُونُ إيجَابًا فَيَحْتَاجُ إلَى قَوْلِ الْأَوَّلِ قَبِلْت وَسَمَّاهُ مُوجِبًا نَظَرًا إلَى الصُّورَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ زَوَّجْتنِي اسْتِخْبَارٌ) الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْخَانِيَّةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالِاسْتِفْهَامِ فَقَالَ هَلْ أَعْطَيْتنِيهَا فَقَالَ أَعْطَيْتُكهَا، وَكَانَ الْمَجْلِسُ لِلنِّكَاحِ يَنْعَقِدُ فَهَذَا أَوْلَى بِالِانْعِقَادِ، فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ أَوْ يُحْمَلُ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمَجْلِسَ لَيْسَ لِعَقْدِ النِّكَاحِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 بِخِلَافِ زَوِّجْنِي؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ (غَلِطَ وَكِيلُهَا بِالنِّكَاحِ فِي اسْمِ أَبِيهَا بِغَيْرِ حُضُورِهَا لَمْ يَصِحَّ) لِلْجَهَالَةِ وَكَذَا لَوْ غَلِطَ فِي اسْمِ بِنْتِهِ إلَّا إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً وَأَشَارَ إلَيْهَا فَيَصِحُّ؛ وَلَوْ لَهُ بِنْتَانِ أَرَادَ تَزْوِيجَ الْكُبْرَى فَغَلِطَ فَسَمَّاهَا بِاسْمِ الصُّغْرَى   [رد المحتار] وَقَالَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِذَا قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُك بِكَذَا أَمْ كَذَا فَقَالَتْ: قَدْ فَعَلْت فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: قَدْ تَزَوَّجْتُك وَلَيْسَ يَحْتَاجُ فِي هَذَا إلَى أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ قَدْ قَبِلْت، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ قَدْ خَطَبْتُك إلَى نَفْسِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَتْ قَدْ زَوَّجْتُك نَفْسِي هَذَا كُلُّهُ جَائِزٌ إذَا كَانَ عَلَيْهِ شُهُودٌ؛ لِأَنَّ هَذَا كَلَامُ النَّاسِ وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ. اهـ. رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ) أَيْ فَيَكُونُ كَلَامُ الثَّانِي قَائِمًا مَقَامَ الطَّرَفَيْنِ، وَقِيلَ إنَّهُ إيجَابٌ، وَمَرَّ مَا فِيهِ ط (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّ الْغَائِبَةَ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ اسْمِهَا وَاسْمِ أَبِيهَا وَجَدِّهَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا عَرَفَهَا الشُّهُودُ يَكْفِي ذِكْرُ اسْمِهَا فَقَطْ خِلَافًا لِابْنِ الْفَضْلِ وَعِنْدَ الْخَصَّافِ يَكْفِي مُطْلَقًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الِاسْمِ وَحْدَهُ لَا يَصْرِفُهَا عَنْ الْمُرَادِ إلَى غَيْرِهِ، بِخِلَافِ ذِكْرِ الِاسْمِ مَنْسُوبًا إلَى أَبٍ آخَرَ، فَإِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَحْمَدَ لَا تَصْدُقُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ تَأَمَّلْ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا لَوْ غَلِطَ فِي اسْمِهَا (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً إلَخْ) رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ: أَيْ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُشَارًا إلَيْهَا وَغَلِطَ فِي اسْمِ أَبِيهَا أَوْ اسْمِهَا لَا يَضُرُّ لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْإِشَارَةِ الْحِسِّيَّةِ أَقْوَى مِنْ التَّسْمِيَةِ، لِمَا فِي التَّسْمِيَةِ مِنْ الِاشْتِرَاكِ لِعَارِضٍ فَتَلْغُو التَّسْمِيَةُ عِنْدَهَا، كَمَا لَوْ قَالَ اقْتَدَيْت بِزَيْدٍ هَذَا فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو فَإِنَّهُ يَصِحُّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَهُ بِنْتَانِ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ كَانَ اسْمُ الْكُبْرَى مَثَلًا عَائِشَةَ وَالصُّغْرَى فَاطِمَةَ. فَقَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي الْكُبْرَى فَاطِمَةَ وَقَبِلَ صَحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ هِيَ الْمُرَادَةَ وَهَذَا إذَا لَمْ يَصِفْهَا بِالْكُبْرَى، أَمَّا لَوْ قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي الْكُبْرَى فَاطِمَةَ فَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: يَجِبُ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ الْعَقْدُ عَلَى إحْدَاهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ابْنَةٌ كُبْرَى بِهَذَا الِاسْمِ. اهـ. وَنَحْوُهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَلَا تَنْفَعُ النِّيَّةُ هُنَا وَلَا مَعْرِفَةُ الشُّهُودِ بَعْدَ صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ الْمُرَادِ كَمَا قُلْنَا. وَنَظِيرُ هَذَا مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ قَالَ أَبُو الصَّغِيرَةِ لِأَبِي الصَّغِيرِ زَوَّجْت ابْنَتِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ شَيْئًا فَقَالَ أَبُو الصَّغِيرِ قَبِلْت يَقَعُ النِّكَاحُ لِلْأَبِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَيَجِبُ أَنْ يَحْتَاطَ فِيهِ فَيَقُولَ قَبِلْت لِابْنِي. اهـ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ: يَجُوزُ النِّكَاحُ عَلَى الْأَبِ، وَإِنْ جَرَى بَيْنَهُمَا مُقَدِّمَاتُ النِّكَاحِ لِلِابْنِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الْأَبَ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَبُو الصَّغِيرَةِ زَوَّجْت بِنْتِي مِنْ ابْنِك فَقَالَ أَبُو الِابْنِ قَبِلْت وَلَمْ يَقُلْ لِابْنِي يَجُوزُ النِّكَاحُ لِلِابْنِ لِإِضَافَةِ الْمُزَوِّجِ النِّكَاحَ إلَى الِابْنِ بِيَقِينٍ وَقَوْلِ الْقَابِلِ لَهُ، وَالْجَوَابُ يَتَقَيَّدُ بِالْأَوَّلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ قَبِلْت لِابْنِي. اهـ. قُلْت: وَبِهِ يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى حُكْمُ مَا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ حَيْثُ يَقُولُ زَوِّجْ ابْنَتَك لِابْنِي، فَيَقُولُ لَهُ زَوَّجْتُك، فَيَقُولُ الْأَوَّلُ قَبِلْت فَيَقَعُ الْعَقْدُ لِلْأَبِ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ، وَقَدْ سُئِلْت عَنْهُ فَأَجَبْت بِذَلِكَ، وَبِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِلْأَبِ تَطْلِيقُهَا وَعَقْدُهُ لِلِابْنِ ثَانِيًا لِحُرْمَتِهَا عَلَى الِابْنِ مُؤَبَّدًا، وَمِثْلُهُ مَا يَقَعُ كَثِيرًا أَيْضًا حَيْثُ يَقُولُ زَوِّجْنِي بِنْتَك لِابْنِي، فَيَقُولُ زَوَّجْتُك، فَإِنْ قَالَ الْأَوَّلُ قَبِلْت انْعَقَدَ النِّكَاحُ لِنَفْسِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا لَا لَهُ وَلَا لِابْنِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْخَبَرِيَّةِ، وَبَقِيَ مَا إذَا قَالَ زَوِّجْ ابْنَتَك مِنْ ابْنِي فَقَالَ: وَهَبْتهَا لَك أَوْ زَوَّجْتهَا لَك، فَيَصِحُّ لِلِابْنِ بِخِلَافِ مَا مَرَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الْخِطْبَةَ أَمَّا هُنَا فَقَوْلُهُ: زَوِّجْ ابْنَتَك مِنْ ابْنِي تَوْكِيلٌ، حَتَّى لَمْ يَحْتَجْ بَعْدَهُ إلَى قَبُولٍ فَيَصِيرُ قَوْلُ الْآخَرِ وَهَبْتهَا لَك مَعْنَاهُ زَوَّجْتهَا لِابْنِك لِأَجْلِك، وَلَا فَرْقَ فِي الْعُرْفِ بَيْنَ زَوَّجْتهَا لَك وَوَهَبْتهَا لَك كَذَا حَرَّرَهُ فِي الْفَتَاوَى الْخَبَرِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك لَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ إلَّا إذَا قَالَ الْآخَرُ قَبِلْت فَيَصِحُّ لَهُ، وَبَقِيَ أَيْضًا قَوْلُهُمْ زَوَّجْتُك بِنْتِي لِابْنِك فَيَقُولُ قَبِلْت، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَنْعَقِدُ لِلْأَبِ لِإِسْنَادِ التَّزْوِيجِ، وَقَوْلِ أَبِي الْبِنْتِ لِابْنِك مَعْنَاهُ لِأَجْلِ ابْنِك فَلَا يُفِيدُ وَكَذَا لَوْ قَالَ الْآخَرُ قَبِلْت لِابْنِي لَا يُفِيدُ أَيْضًا، نَعَمْ لَوْ قَالَ أَعْطَيْتُك بِنْتِي لِابْنِك فَيَقُولُ قَبِلْت فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ لِلِابْنِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ أَعْطَيْتُك بِنْتِي لِابْنِك مَعْنَاهُ فِي الْعُرْفِ أَعْطَيْتُك بِنْتِي زَوْجَةً لِابْنِك، وَهَذَا الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 صَحَّ لِلصُّغْرَى خَانِيَةٌ. (وَلَوْ بَعَثَ) مَرِيدُ النِّكَاحِ (أَقْوَامًا لِلْخِطْبَةِ فَزَوَّجَهَا الْأَبُ) أَوْ الْوَلِيُّ (بِحَضْرَتِهِمْ صَحَّ) فَيُجْعَلُ الْمُتَكَلِّمُ فَقَطْ خَاطِبًا وَالْبَاقِي شُهُودًا، بِهِ يُفْتَى فَتْحٌ. . [فُرُوعٌ قَالَ زَوِّجْنِي ابْنَتَك عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِك] [فُرُوعٌ] قَالَ زَوِّجْنِي ابْنَتَك عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِك لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَمْرُ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ قَبْلَ النِّكَاحِ. وَكَّلَهُ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ فُلَانَةَ بِكَذَا فَزَادَ الْوَكِيلُ فِي الْمَهْرِ لَمْ يَنْفُذْ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى دَخَلَ بَقِيَ الْخِيَارُ بَيْنَ إجَازَتِهِ وَفَسْخِهِ وَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى، وَمَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ كَالْفَاسِدِ. تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَمْ يَجُزْ، بَلْ قِيلَ يَكْفُرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [رد المحتار] هُوَ الْمُرَادُ عُرْفًا مِنْ قَوْلِهِمْ زَوَّجْتُك بِنْتِي لِابْنِك، لَكِنَّهُ لَا يُسَاعِدُهُ اللَّفْظُ كَمَا عَلِمْت، وَالنِّيَّةُ وَحْدَهَا لَا تَنْفَعُ كَمَا مَرَّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا مَا فِي الْخَيْرِيَّةِ فِيمَنْ خَطَبَ لِابْنِهِ بِنْتَ أَخِيهِ فَقَالَ أَبُوهَا زَوَّجْتُك بِنْتِي فُلَانَةَ لِابْنِك، وَقَالَ الْآخَرُ زَوَّجْت أَجَابَ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ غَيْرُ التَّزْوِيجِ. اهـ. فَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ لَمْ يَنْعَقِدْ لِلِابْنِ لِقَوْلِ أَبِي الْبِنْتِ زَوَّجْتُك بِكَافٍ الْخِطَابِ، وَلَا لِأَبِيهِ لِكَوْنِهِ عَمَّ الْبِنْتِ، حَتَّى لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْهَا انْعَقَدَ النِّكَاحُ لَهُ، بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالِانْعِقَادِ لَهُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ لِحُصُولِ الْإِضَافَةِ. اهـ. فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، بِخِلَافِ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَكَوْنُ مَصْدَرِ زَوَّجْتُك التَّزْوِيجَ، وَمَصْدَرِ تَزَوَّجْت التَّزَوُّجَ لَا يُظْهِرُ وَجْهًا إذْ لَا يَلْزَمُ اتِّحَادُ الْمَادَّةِ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَضْلًا عَنْ اتِّحَادِ الصِّيغَةِ فَلَوْ قَالَ زَوَّجْتُك فَقَالَ قَبِلْت أَوْ رَضِيت جَازَ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: صَحَّ إلَخْ) فِي الْفَتْحِ عَنْ الْفَتَاوَى قِيلَ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ قَبِلَ عَنْ الزَّوْجِ إنْسَانٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ بِغَيْرِ شُهُودٍ؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ كُلَّهُمْ يُخَاطِبُونَ مَنْ تَكَلَّمَ، وَمَنْ لَا؛ لِأَنَّ التَّعَارُفَ هَكَذَا أَنْ يَتَكَلَّمَ وَاحِدٌ وَيَسْكُتَ الْبَاقُونَ وَالْخَاطِبُ لَا يَصِيرُ شَاهِدًا، وَقِيلَ يَصِحُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ فِي جَعْلِ الْكُلِّ خَاطِبًا فَيُجْعَلُ الْمُتَكَلِّمُ فَقَطْ وَالْبَاقِي شُهُودٌ. اهـ. وَنَقَلَ بَعْدَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ خُلَاصَةٍ أَنَّ الْمُخْتَارَ عَدَمُ الْجَوَازِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ لَفْظَ الْفَتْوَى آكُدُ أَلْفَاظِ الصَّحِيحِ، وَوَفَّقَ بَعْضُهُمْ بِحَمْلِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى مَا إذَا قَبِلُوا جَمِيعًا. وَأَقُولُ: يُنَافِيهِ قَوْلُ الْخُلَاصَةِ وَقِيلَ وَاحِدٌ مِنْ الْقَوْمِ، وَمِثْلُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ: وَإِنْ قَبِلَ عَنْ الزَّوْجِ إنْسَانٌ وَاحِدٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَمْرُ إلَخْ) ذَكَرَ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ نَكَحَهَا عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهَا صَحَّ. اهـ. لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ أَنَّ هَذَا لَوْ ابْتَدَأَتْ الْمَرْأَةُ فَقَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي عَلَى أَنَّ أَمْرِي بِيَدِي أُطَلِّقُ نَفْسِي كُلَّمَا أُرِيدُ أَوْ عَلَى أَنِّي طَالِقٌ فَقَالَ: قَبِلْت وَقَعَ الطَّلَاقُ وَصَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا، أَمَّا لَوْ بَدَأَ هُوَ لَا تَطْلُقُ وَلَا يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: بَقِيَ الْخِيَارُ) أَيْ لِلْمُوَكِّلِ (قَوْلُهُ: وَلَهَا الْأَقَلُّ) أَيْ إذَا اخْتَارَ الْفَسْخَ، فَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَهُوَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِهِ فَكَانَتْ مُسْقِطَةً مَا زَادَ عَنْهُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَقَلَّ فَهُوَ لَهَا لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ لَمْ تَلْزَمْ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ، فَإِذَا فَسَدَ الْعَقْدُ فَسَدَ مَا فِي ضِمْنِهِ، وَلَمَّا كَانَ الْعَقْدُ هُنَا مَوْقُوفًا لَا فَاسِدًا أَجَابَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ كَالْفَاسِدِ أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُسَمَّى مَا سَمَّاهُ الْوَكِيلُ لَهَا لَا مَا سَمَّاهُ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ فَإِنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: قِيلَ بِكُفْرٍ) لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَالِمُ الْغَيْبِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَفِي الْحُجَّةِ ذَكَرَ فِي الْمُلْتَقَطِ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ تُعْرَضُ عَلَى رَوْحِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ الرُّسُلَ يَعْرِفُونَ بَعْضَ الْغَيْبِ قَالَ تَعَالَى - {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} [الجن: 26] {إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 27]-. اهـ. قُلْت: بَلْ ذَكَرُوا فِي كُتُبِ الْعَقَائِدِ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ الِاطِّلَاعَ عَلَى بَعْضِ الْمُغَيَّبَاتِ وَرَدُّوا عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ الْمُسْتَدِلِّينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى نَفْيِهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ الْإِظْهَارُ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَالْمُرَادُ مِنْ الرَّسُولِ الْمَلَكُ أَيْ لَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ بِلَا وَاسِطَةٍ إلَّا الْمَلَكَ، أَمَّا النَّبِيُّ وَالْأَوْلِيَاءُ فَيُظْهِرُهُمْ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمَلَكِ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ [سَلُّ الْحُسَامِ الْهِنْدِيِّ لِنُصْرَةِ سَيِّدِنَا خَالِدِ النَّقْشَبَنْدِيِّ] فَرَاجِعْهَا فَإِنَّ فِيهَا فَوَائِدَ نَفِيسَةً، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ أَسْبَابُ التَّحْرِيمِ أَنْوَاعٌ: قَرَابَةٌ، مُصَاهَرَةٌ، رَضَاعٌ، جَمْعٌ، مِلْكٌ، شِرْكٌ، إدْخَالُ أَمَةٍ عَلَى حُرَّةٍ، فَهِيَ سَبْعَةٌ: ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِهَذَا التَّرْتِيبِ وَبَقِيَ التَّطْلِيقُ ثَلَاثًا، وَتَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ بِنِكَاحٍ أَوْ عِدَّةٍ ذَكَرَهُمَا فِي الرَّجْعَةِ. (حَرُمَ) عَلَى الْمُتَزَوِّجِ   [رد المحتار] [فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ] شُرُوعٌ فِي بَيَانِ شَرْطِ النِّكَاحِ أَيْضًا، فَإِنَّ مِنْهُ كَوْنَ الْمَرْأَةِ مُحَلَّلَةً لِتَصِيرَ مَحَلًّا لَهُ وَأُفْرِدَ بِفَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ لِكَثْرَةِ شُعَبِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: قَرَابَةٌ) كَفُرُوعِهِ وَهُمْ بَنَاتُهُ وَبَنَاتُ أَوْلَادِهِ، وَإِنْ سَفَلْنَ، وَأُصُولُهُ وَهُمْ أُمَّهَاتُهُ وَأُمَّهَاتُ أُمَّهَاتِهِ وَآبَائِهِ إنْ عَلَوْنَ وَفُرُوعُ أَبَوَيْهِ، وَإِنْ نَزَلْنَ فَتَحْرُمُ بَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَبَنَاتُ أَوْلَادِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَإِنْ نَزَلْنَ وَفُرُوعُ أَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ بِبَطْنٍ وَاحِدٍ فَلِهَذَا تَحْرُمُ الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ وَتَحِلُّ بَنَاتُ الْعَمَّاتِ وَالْأَعْمَامِ وَالْخَالَاتِ وَالْأَخْوَالِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: مُصَاهَرَةٌ) كَفُرُوعِ نِسَائِهِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ، وَإِنْ نَزَلْنَ، وَأُمَّهَاتِ الزَّوْجَاتِ وَجَدَّاتِهِنَّ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ، وَإِنْ عَلَوْنَ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِالزَّوْجَاتِ وَتَحْرُمُ مَوْطُوءَاتُ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ، وَإِنْ عَلَوْا وَلَوْ بِزِنًى وَالْمَعْقُودَاتُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ، وَمَوْطُوءَاتُ أَبْنَائِهِ وَآبَاءِ أَوْلَادِهِ، وَإِنْ سَفَلُوا وَلَوْ بِزِنًى وَالْمَعْقُودَاتُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ فَتْحٌ، وَكَذَا الْمُقَبَّلَاتُ أَوْ الْمَلْمُوسَاتُ بِشَهْوَةٍ لِأُصُولِهِ أَوْ فُرُوعِهِ أَوْ مَنْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ أُصُولَهُنَّ أَوْ فُرُوعَهُنَّ (قَوْلُهُ: رَضَاعٌ) فَيَحْرُمُ بِهِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ. (قَوْلُهُ: جَمْعٌ) أَيْ بَيْنَ الْمَحَارِمِ كَأُخْتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا أَوْ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّاتِ زِيَادَةً عَلَى أَرْبَعٍ. (قَوْلُهُ: مِلْكٌ) كَنِكَاحِ السَّيِّدِ أَمَتَهُ وَالسَّيِّدَةُ عَبْدَهَا فَتْحٌ، وَعَبَّرَ بَدَلَ الْمَلِكِ بِالتَّنَافِي: أَيْ لِأَنَّ الْمَالِكِيَّةَ تُنَافِي الْمَمْلُوكِيَّةَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَشَمَلَ مِلْكُهَا لِبَعْضِهَا أَوْ مِلْكُهَا لِبَعْضِهِ (قَوْلُهُ: شِرْكٌ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ عَدَمُ الدِّينِ السَّمَاوِيِّ كَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْمُشْرِكَةِ. اهـ. وَتَشْمَلُ أَيْضًا الْمُرْتَدَّةَ وَنَافِيَةَ الصَّانِعِ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: إدْخَالُ أَمَةٍ عَلَى حُرَّةٍ) أَدْخَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي حُرْمَةِ الْجَمْعِ فَقَالَ: وَحُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَالْحُرَّةُ مُتَقَدِّمَةٌ وَهُوَ الْأَنْسَبُ بَحْرٌ: أَيْ لِلضَّبْطِ وَتُقْبَلُ الْأَقْسَامُ، وَكَذَا فَعَلَ فِي الْفَتْحِ لَكِنْ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ وَالْحُرَّةُ غَيْرُ مُتَأَخِّرَةٍ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، فَفِي الزَّيْلَعِيُّ صَحَّ نِكَاحُ الْحُرَّةِ وَبَطَلَ نِكَاحُ الْأَمَةِ. (قَوْلُهُ: وَبَقِيَ إلَخْ) زَادَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى اثْنَيْنِ آخَرِينَ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ قُلْت: وَبَقِيَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ لِجَوَازِ ذُكُورَتِهِ وَالْجِنِّيَّةُ، وَإِنْسَانُ الْمَاءِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ. اهـ. قُلْت: وَكَأَنَّهُ اسْتَغْنَى هُنَا عَنْ ذِكْرِهِمَا بِمَا قَدَّمَهُ أَوَّلَ النِّكَاحِ وَيُزَادُ خَامِسٌ سَيَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ وَهُوَ حُرْمَةُ اللِّعَانِ، وَقَدْ نَظَمْت السَّبْعَةَ مَعَ الْخَمْسَةِ الْمَزِيدَةِ بِقَوْلِي: أَنْوَاعُ تَحْرِيمِ النِّكَاحِ سَبْعٌ ... قَرَابَةٌ مِلْكٌ رَضَاعٌ جَمْعٌ كَذَاك شِرْكُ نِسْبَةِ الْمُصَاهَرَهْ ... وَأَمَةٌ عَنْ حُرَّةٍ مُؤَخَّرَهْ وَزِيدَ خَمْسَةٌ أَتَتْك بِالْبَيَانِ ... تَطْلِيقُهُ لَهَا ثَلَاثًا وَاللِّعَانِ تَعَلُّقٌ بِحَقِّ غَيْرٍ مِنْ نِكَاحِ ... أَوْ عِدَّةٍ بِلَا اتِّضَاحِ وَآخِرُ الْكُلِّ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ ... كَالْجِنِّ وَالْمَائِيِّ لِنَوْعِ الْإِنْسِ. (قَوْلُهُ: وَحَرُمَ عَلَى الْمُتَزَوِّجِ) أَيْ مُرِيدِ التَّزَوُّجِ، وَقَوْلُهُ: ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى بَيَانٌ لِفَائِدَةِ إرْجَاعِ الضَّمِيرِ إلَى الْمُتَزَوِّجِ الشَّامِلِ لَهُمَا لَا إلَى الرَّجُلِ، فَإِنَّ مَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ يَحْرُمُ عَلَى الْأُنْثَى إلَّا مَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ بِدَلِيلِهِ، فَالْمُرَادُ هُنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى نِكَاحُ (أَصْلِهِ وَفُرُوعِهِ) عَلَا أَوْ نَزَلَ (وَبِنْتِ أَخِيهِ وَأُخْتِهِ وَبِنْتِهَا) وَلَوْ مِنْ زِنًى (وَعَمَّتِهِ وَخَالَتُهُ) فَهَذِهِ السَّبْعَةُ   [رد المحتار] أَنَّ الرَّجُلَ كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَزَوُّجُ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ كَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ تَزَوُّجُ أَصْلِهَا أَوْ فَرْعِهَا، وَكَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَزَوُّجُ بِنْتِ أَخِيهِ يَحْرُمُ عَلَيْهَا تَزَوُّجُ ابْنِ أَخِيهَا وَهَكَذَا، فَيُؤْخَذُ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ نَظِيرُ مَا يُؤْخَذُ فِي جَانِبِ الرَّجُلِ لَا عَيْنُهُ وَهَذَا مَعْنَى، قَوْلِهِ فِي الْمِنَحِ: كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِمَنْ ذُكِرَ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِنَظِيرِ مَنْ ذُكِرَ. اهـ. فَلَا يُقَالُ إنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَصِيرَ الْمَعْنَى يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِنْتَ أَخِيهَا؛ لِأَنَّ نَظِيرَ بِنْتِ الْأَخِ فِي جَانِبِ الرَّجُلِ ابْنُ الْأَخِ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ وَلَا يَرِدُ أَيْضًا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ تَزَوُّجِ الرَّجُلِ بِأَصْلِهِ كَأُمِّهِ حُرْمَةُ تَزَوُّجِهَا بِفَرْعِهَا هَذَا؛ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِاللَّازِمِ غَيْرُ مَعِيبٍ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: عَلَا أَوْ نَزَلَ) نَشْرٌ عَلَى تَرْتِيبِ اللَّفِّ. وَتَفْكِيكُ الضَّمَائِرِ إذَا ظَهَرَ الْمُرَادُ يَقَعُ فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَأُخْتِهِ) عَطْفٌ عَلَى بِنْتِ لَا عَلَى أَخِيهِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وَبِنْتُهَا لَكِنَّهُ مَجْرُورٌ بِالنَّظَرِ لِلشَّرْحِ مَرْفُوعٌ بِالنَّظَرِ لِلْمَتْنِ ح؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ وَهُوَ نِكَاحُ الدَّاخِلِ عَلَى قَوْلِهِ أَصْلُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ زِنًى) أَيْ بِأَنْ يَزْنِيَ الزَّانِي بِبِكْرٍ وَيُمْسِكَهَا حَتَّى تَلِدَ بِنْتًا بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ. قَالَ الْحَانُوتِيُّ: وَلَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهَا ابْنَتَهُ مِنْ الزِّنَى إلَّا بِذَلِكَ إذْ لَا يُعْلَمُ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ إلَّا بِهِ. اهـ. أَيْ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُمْسِكْهَا يَحْتَمِلُ أَنَّ غَيْرَهُ زَنَى بِهَا لِعَدَمِ الْفِرَاشِ الْبَاقِي لِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ. قَالَ ح قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ زِنًى تَعْمِيمٌ بِالنَّظَرِ إلَى كُلِّ مَا قَبْلَهُ: أَيْ لَا فَرْقَ فِي أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ أَوْ أُخْتِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الزِّنَى أَوْ لَا، وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ أَخٌ مِنْ الزِّنَى لَهُ بِنْتٌ مِنْ النِّكَاحِ، أَوْ مِنْ النِّكَاحِ لَهُ بِنْتٌ مِنْ الزِّنَى، وَعَلَى قِيَاسِهِ قَوْلُهُ: وَبِنْتُهَا وَعَمَّتُهُ وَخَالَتُهُ: أَيْ أُخْتُهُ مِنْ النِّكَاحِ لَهَا بِنْتٌ مِنْ الزِّنَى أَوْ مِنْ الزِّنَى لَهَا بِنْتٌ مِنْ النِّكَاحِ، أَوْ مِنْ الزِّنَى لَهَا بِنْتٌ مِنْ الزِّنَى وَكَذَا أَبُوهُ مِنْ النِّكَاحِ لَهُ أُخْتٌ مِنْ الزِّنَى أَوْ مِنْ الزِّنَا لَهُ أُخْتٌ مِنْ النِّكَاحِ أَوْ مِنْ الزِّنَى لَهُ أُخْتٌ. مِنْ الزِّنَى وَكَذَا أُمُّهُ مِنْ النِّكَاحِ لَهَا أُخْتٌ مِنْ الزِّنَى أَوْ مِنْ الزِّنَى لَهَا أُخْتٌ مِنْ النِّكَاحِ أَوْ مِنْ الزِّنَى لَهَا أُخْتٌ مِنْ الزِّنَى. إذَا عَرَفْت هَذَا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤَخِّرَ التَّعْمِيمَ عَنْ قَوْلِهِ وَخَالَتُهُ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَحْوَطُ؛ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَا رَآهُ مَنْقُولًا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَدَخَلَ فِي الْبِنْتِ بِنْتُهُ مِنْ الزِّنَى فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ بِصَرِيحِ النَّصِّ؛ لِأَنَّهَا بِنْتُهُ لُغَةً وَالْخِطَابُ إنَّمَا هُوَ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ مَا لَمْ يَثْبُتْ نَقْلٌ كَلَفْظِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهِ فَيَصِيرُ مَنْقُولًا شَرْعِيًّا. وَكَذَا أُخْتُهُ مِنْ الزِّنَى وَبِنْتُ أَخِيهِ وَبِنْتُ أُخْتِهِ أَوْ ابْنُهُ مِنْهُ. اهـ. فَلَوْ أَخَّرَ التَّعْمِيمَ عَنْ الْكُلِّ كَانَ غَيْرَ مُصِيبٍ فِي اتِّبَاعِ النَّقْلِ، عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ هُنَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ نَفْسَهُ فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ مِنْ أَنَّ الْبِنْتَ مِنْ الزِّنَى لَا تَحْرُمُ عَلَى عَمِّ الزَّانِي وَخَالِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهَا مِنْ الزَّانِي حَتَّى يَظْهَرَ فِيهَا حُكْمُ الرِّقَابَةِ، وَأَمَّا التَّحْرِيمُ عَلَى آبَاءِ الزَّانِي وَأَوْلَادِهِ فَلِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ وَلَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَمِّ وَالْخَالِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ هُنَاكَ عَنْ التَّجْنِيسِ وَسَنَذْكُرُ عِبَارَةَ التَّجْنِيسِ قَرِيبًا فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ دَخَلَ بِنْتُ الْمُلَاعَنَةِ أَيْضًا فَلَهَا حُكْمُ الْبِنْتِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ بِسَبِيلِ مِنْ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ وَيَدَّعِيَهَا فَيَثْبُتُ نَسَبُهَا مِنْهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ قَالَ: وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الْمَصْرِفِ عَنْ الْمِعْرَاجِ أَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ الَّذِي نَفَاهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ، وَمُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ الْبِنْتِيَّةِ فِيمَا يُبْنَى عَلَيْهِ الِاحْتِيَاطُ، فَلَا يَجُوزُ لِوَلَدِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ احْتِيَاطًا وَيَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي بِنْتِ الْمُلَاعَنَةِ إنَّهَا تَحْرُمُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا رَبِيبَةٌ وَقَدْ دَخَلَ بِأُمِّهَا لَا لِمَا تَكَلَّفَهُ فِي الْفَتْحِ كَمَا لَا يَخْفَى انْتَهَى لَكِنْ ثُبُوتُ اللِّعَانِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الدُّخُولِ بِأُمِّهَا وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ رَبِيبَتَهُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: فَهَذِهِ السَّبْعَةُ إلَخْ) لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي تَوْجِيهِ حُرْمَةِ الْجَدَّاتِ وَبَنَاتِ الْبَنَاتِ، فَقِيلَ بِوَضْعِ اللَّفْظِ وَحَقِيقَتِهِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ فِي اللُّغَةِ الْأَصْلُ وَالْبِنْتَ الْفَرْعُ فَيَكُونُ الِاسْمُ حِينَئِذٍ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكَّكِ وَقِيلَ بِعُمُومِ الْمَجَازِ، وَقِيلَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 مَذْكُورَةٌ فِي آيَةِ - {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]- وَيَدْخُلُ عَمَّةُ جَدِّهِ وَجَدَّتِهِ وَخَالَتُهُمَا الْأَشِقَّاءُ وَغَيْرُهُنَّ، وَأَمَّا عَمَّةُ عَمَّةِ أُمِّهِ وَخَالَةُ خَالَةِ أَبِيهِ حَلَالٌ كَبِنْتِ عَمِّهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالِهِ وَخَالَتِهِ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] (وَ) حَرَّمَ الْمُصَاهَرَةُ (بِنْتَ زَوْجَتِهِ الْمَوْطُوءَةِ وَأُمَّ زَوْجَتِهِ) وَجَدَّاتِهَا مُطْلَقًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ (وَإِنْ لَمْ تُوطَأْ) الزَّوْجَةُ   [رد المحتار] وَأَفَادَ أَنَّ حُرْمَةَ الْبِنْتِ مِنْ الزِّنَى بِصَرِيحِ النَّصِّ الْمَذْكُورِ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ عَمَّةُ جَدِّهِ وَجَدَّتِهِ) أَيْ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ وَعَمَّتُهُ كَمَا دَخَلَتْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَمَّاتُكُمْ} [النساء: 23] ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: وَخَالَتُهُمَا كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ ح (قَوْلُهُ: الْأَشِقَّاءُ وَغَيْرُهُنَّ) لَا يَخْتَصُّ هَذَا التَّعْمِيمُ بِالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ سِوَى الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ كَذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ الْإِطْلَاقُ لَكِنَّ فَائِدَةَ التَّصْرِيحِ بِهِ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ لِمَا بَعْدَهُ كَمَا تَعْرِفُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا عَمَّةُ عَمَّةِ أُمِّهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَمَّا عَمَّةُ الْعَمَّةِ وَخَالَةُ الْخَالَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْعَمَّةُ الْقُرْبَى لِأُمِّهِ لَا تَحْرُمُ، وَإِلَّا حَرُمَتْ، وَإِنْ كَانَتْ الْخَالَةُ الْقُرْبَى لِأَبِيهِ لَا تَحْرُمُ، وَإِلَّا حَرُمَتْ؛ لِأَنَّ أَبَا الْعَمَّةِ حِينَئِذٍ يَكُونُ زَوْجَ أُمِّ أَبِيهِ، فَعَمَّتُهَا أُخْتُ زَوْجِ الْجَدَّةِ ثُمَّ الْأَبُ وَأُخْتُ زَوْجِ الْأُمِّ لَا تَحْرُمُ فَأُخْتُ زَوْجِ الْجَدَّةِ بِالْأَوْلَى وَأُمُّ الْحَالَةِ الْقُرْبَى تَكُونُ امْرَأَةَ الْجَدِّ أَبِي الْأُمِّ فَأُخْتُهَا أُخْتُ امْرَأَةِ أَبِي الْأُمِّ وَأُخْتُ امْرَأَةِ الْجَدِّ لَا تَحْرُمُ. اهـ. وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ لِأُمِّهِ أَنْ تَكُونَ الْعَمَّةُ أُخْتَ أَبِيهِ لِأُمٍّ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا كَانَتْ أُخْتَ أَبِيهِ لِأَبٍ أَوْ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَإِنَّ عَمَّةَ هَذِهِ الْعَمَّةِ لَا تَحِلُّ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ أُخْتَ الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْخَالَةُ الْقُرْبَى لِأَبِيهِ أَنْ تَكُونَ أُخْتَ أُمِّهِ لِأَبِيهَا احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا كَانَتْ أُخْتَهَا لِأُمِّهَا أَوْ شَقِيقَةً، فَإِنَّ خَالَةَ هَذِهِ الْخَالَةِ تَكُونُ أُخْتَ جَدَّتِهِ أُمِّ أُمِّهِ، فَلَا تَحِلُّ وَكَأَنَّ الشَّارِحَ فَهِمَ مِنْ قَوْلِ النَّهْرِ لِأُمِّهِ وَقَوْلِهِ لِأَبِيهِ أَنَّ الضَّمِيرَ فِيهِمَا رَاجِعٌ إلَى مُرِيدِ النِّكَاحِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ فَقَالَ مَا قَالَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا عَلِمْته فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: وَأَمَّا عَمَّةُ الْعَمَّةِ لِأُمٍّ وَخَالَةُ الْخَالَةِ لِأَبٍ. وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ كَلَامِهِ بِأَنْ تُقَيَّدَ الْعَمَّةُ الْقُرْبَى بِكَوْنِهَا أُخْتَ الْجَدِّ لِأُمِّهِ، وَالْخَالَةُ الْقُرْبَى بِكَوْنِهَا أُخْتَ الْجَدَّةِ لِأَبِيهَا كَمَا أَوْضَحَهُ الْمُحَشِّي وَأَمَّا عَلَى إطْلَاقِهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ (قَوْلُهُ: بِنْتُ زَوْجَتِهِ الْمَوْطُوءَةِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِجْرِهِ أَيْ كَنَفِهِ وَنَفَقَتِهِ أَوْ لَا، ذِكْرُ الْحِجْرِ فِي الْآيَةِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ أَوْ ذُكِرَ لِلتَّشْنِيعِ عَلَيْهِمْ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَاحْتَرَزَ بِالْمَوْطُوءَةِ عَنْ غَيْرِهَا، فَلَا تَحْرُمُ بِنْتُهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَفِي ح عَنْ الْهِنْدِيَّةِ أَنَّ الْحُلْوَةَ بِالزَّوْجَةِ لَا تَقُومُ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي تَحْرِيمِ بِنْتِهَا. اهـ. قُلْت: لَكِنْ فِي التَّجْنِيسِ عَنْ أَجْنَاسِ النَّاطِفِيِّ قَالَ فِي نَوَادِرِ أَبِي يُوسُفَ إذَا خَلَا بِهَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ أَوْ حَالَ إحْرَامِهِ لَمْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَهَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحِلُّ فَإِنَّ الزَّوْجَ لَمْ يُجْعَلْ وَاطِئًا حَتَّى إذَا كَانَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْخَلْوَةِ الْفَاسِدَةِ، أَمَّا الصَّحِيحَةُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا تُحَرِّمُ الْبِنْتَ تَأَمَّلْ، وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْمَهْرِ عِنْدَ ذِكْرِ أَحْكَامِ الْخَلْوَةِ. وَيُشْتَرَطُ وَطْؤُهَا فِي حَالِ كَوْنِهَا مُشْتَهَاةً، أَمَّا لَوْ دَخَلَ بِهَا صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى فَطَلَّقَهَا فَاعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ فَجَاءَتْ بِبِنْتٍ حَلَّ لِوَاطِئِ أُمِّهَا قَبْلَ الِاشْتِهَاءِ التَّزَوُّجُ بِهَا كَمَا يَأْتِي مَتْنًا وَكَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الْوَطْءِ مُشْتَهًى كَمَا نَذْكُرُهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ: وَأُمُّ زَوْجَتِهِ) خَرَجَ أُمُّ أَمَتِهِ فَلَا تَحْرُمُ إلَّا بِالْوَطْءِ أَوْ دَوَاعِيهِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ النِّسَاءِ إذَا أُضِيفَ إلَى الْأَزْوَاجِ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْحَرَائِرَ كَمَا فِي الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ بَحْرٌ، وَأَرَادَ بِالْحَرَائِرِ النِّسَاءَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِنَّ وَلَوْ أَمَةً لِغَيْرِهِ كَمَا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ وَأَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ: وَجَدَّاتُهَا مُطْلَقًا) أَيْ مِنْ قِبَلِ أَبِيهَا وَأُمِّهَا، وَإِنْ عَلَوْنَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ) يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تُوطَأْ ح. (قَوْلُهُ: الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَنْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ بِمُجَرَّدِهِ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بَلْ بِالْوَطْءِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ وَالنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ بَحْرٌ: أَيْ الْإِضَافَةُ إلَى الضَّمِيرِ فِي قَوْله تَعَالَى - {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] أَوْ فِي قَوْلِهِ وَأُمُّ زَوْجَتِهِ وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ زِيَادَةُ قَوْلِهِ فَالْفَاسِدُ لَا يَحْرُمُ إلَّا بِمَسٍّ بِشَهْوَةٍ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ: الزَّوْجَةُ) أَبْدَلَهُ فِي الدُّرَرِ بِالْأُمِّ وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ وَطْءَ الْأُمَّهَاتِ يُحَرِّمُ الْبَنَاتِ وَنِكَاحَ الْبَنَاتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّهَاتِ، وَيَدْخُلُ بَنَاتُ الرَّبِيبَةِ وَالرَّبِيبِ. وَفِي الْكَشَّافِ وَاللَّمْسُ وَنَحْوُهُ كَالدُّخُولِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ (وَزَوْجَةَ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ مُطْلَقًا) وَلَوْ بَعِيدًا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَا. وَأَمَّا بِنْتُ زَوْجَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنُهُ فَحَلَالٌ (وَ) حَرُمَ (الْكُلُّ) مِمَّا مَرَّ تَحْرِيمُهُ نَسَبًا، وَمُصَاهَرَةً (رَضَاعًا) إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ فِي بَابِهِ. . [فُرُوعٌ] يَقَعُ مَغْلَطَةٌ فَيُقَالُ: طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَلَهَا مِنْهُ لَبَنٌ فَاعْتَدَّتْ، فَنَكَحَتْ صَغِيرًا فَأَرْضَعَتْهُ، فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ فَنَكَحَتْ آخَرَ فَدَخَلَ بِهَا   [رد المحتار] (قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَبِنْتُ زَوْجَتِهِ بَنَاتُ الرَّبِيبَةِ وَالرَّبِيبَةُ وَثَبَتَ حُرْمَتُهُنَّ بِالْإِجْمَاعِ وقَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ} [النساء: 23] بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَفِي الْكَشَّافِ إلَخْ) تَبِعَ فِي النَّقْلِ عَنْهُ صَاحِبَ الْبَحْرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتُونَ طَافِحَةٌ بِأَنَّ اللَّمْسَ وَنَحْوَهُ كَالْوَطْءِ فِي إيجَابِهِ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ مِنْ غَيْرِ اخْتِصَاصٍ بِمَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْآيَةُ مُصَرِّحَةً بِحُرْمَةِ الرَّبَائِبِ بِقَيْدِ الدُّخُولِ وَبِعَدَمِهَا عِنْدَ عَدَمِهِ كَانَ ذَلِكَ مَظِنَّةَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ خُصُوصَ الدُّخُولِ هُنَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَأَنَّ تَصْرِيحَهُمْ بِأَنَّ اللَّمْسَ وَنَحْوَهُ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِمَخْصُوصٍ بِمَا عَدَا الرَّبَائِبَ لِظَاهِرِ الْآيَةِ فَنَقْلُ التَّصْرِيحِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْوَطْءِ هُنَا لِدَفْعِ ذَلِكَ الْوَهْمِ، وَلِبَيَانِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَخْرِيجَاتِ الْمَشَايِخِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ التَّصْرِيحَ بِهِ هُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا فِي الْكَشَّافِ فَنَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُ لِأَنَّ الزَّمَخْشَرِيّ مِنْ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي النَّقْلِ، وَلِكَوْنِ الْمَوْضِعِ مَوْضِعَ خَفَاءٍ أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَزَوْجَةُ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] وقَوْله تَعَالَى {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] وَالْحَلِيلَةُ الزَّوْجَةُ وَأَمَّا حُرْمَةُ الْمَوْطُوءَةِ بِغَيْرِ عَقْدٍ فَبِدَلِيلٍ آخَرَ وَذَكَرَ الْأَصْلَابَ لِإِسْقَاطِ حَلِيلَةِ الِابْنِ الْمُتَبَنَّى لَا لِإِحْلَالِ حَلِيلَةِ الِابْنِ رَضَاعًا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ كَالنَّسَبِ بَحْرٌ وَغَيْرُهُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَعِيدًا إلَخْ) بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ أَيْ وَلَوْ كَانَ الْأَصْلُ أَوْ الْفَرْعُ بَعِيدًا كَالْجَدِّ، وَإِنْ عَلَا وَابْنُ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ. وَتُحَرَّمُ زَوْجَةُ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَا (قَوْلُهُ: وَأَمَّا بِنْتُ زَوْجَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ فَحَلَالٌ) وَكَذَا بِنْتُ ابْنِهَا بَحْرٌ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَلَا تَحْرُمُ بِنْتُ زَوْجِ الْأُمِّ وَلَا أُمُّهُ وَلَا أُمُّ زَوْجَةِ الْأَبِ وَلَا بِنْتُهَا وَلَا أُمُّ زَوْجَةِ الِابْنِ وَلَا بِنْتُهَا وَلَا زَوْجَةُ الرَّبِيبِ وَلَا زَوْجَةُ الرَّابِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: نَسَبًا) تَمْيِيزٌ عَنْ نِسْبَةِ تَحْرِيمٍ لِلضَّمِيرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: مُصَاهَرَةً، وَقَوْلُهُ: رَضَاعًا تَمْيِيزٌ عَنْ نِسْبَةِ تَحْرِيمٍ إلَى الْكُلِّ، يَعْنِي يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ أُصُولُهُ وَفُرُوعُهُ وَفُرُوعُ أَبَوَيْهِ وَفُرُوعُهُمْ، وَكَذَا فُرُوعُ أَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ الصُّلْبِيُّونَ، وَفُرُوعُ زَوْجَتِهِ وَأُصُولُهَا وَفُرُوعُ زَوْجِهَا وَأُصُولُهُ وَحَلَائِلُ أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، وَقَوْلُهُ: إلَّا مَا اسْتَثْنَى أَيْ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا، وَهُوَ تِسْعُ صُوَرٍ تَصِلُ بِالْبَسْطِ إلَى مِائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ كَمَا سَنُحَقِّقُهُ ح. [تَنْبِيهٌ] مُقْتَضَى قَوْلِهِ وَالْكُلُّ رَضَاعًا مَعَ قَوْلِهِ سَابِقًا، وَلَوْ مِنْ زِنًى حُرْمَةُ فَرْعِ الْمَزْنِيَّةِ وَأَصْلُهَا رَضَاعًا، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ عَدَمُ الْحُرْمَةِ، ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ كُلٌّ مِنْ الزَّانِي وَالْمَزْنِيَّةِ عَلَى أَصْلِ الْآخَرِ وَفَرْعِهِ رَضَاعًا. اهـ. وَمُقْتَضَى تَقْيِيدِهِ بِالْفَرْعِ وَالْأَصْلِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الْحُرْمَةِ عَلَى غَيْرِهِمَا مِنْ الْحَوَاشِي كَالْأَخِ وَالْعَمِّ. وَفِي التَّنْجِيسِ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَوَلَدَتْ فَأَرْضَعَتْ بِهَذَا اللَّبَنِ صَبِيَّةً لَا يَجُوزُ لِهَذَا الزَّانِي تَزَوُّجُهَا وَلَا لِأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، وَالْعَمِّ الزَّانِي التَّزَوُّجُ بِهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ وَلَدَتْ لَهُ مِنْ الزِّنَى، وَالْخَالُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهَا مِنْ الزَّانِي، حَتَّى يَظْهَرَ فِيهَا حُكْمُ الْقَرَابَةِ وَالتَّحْرِيمُ عَلَى أَبِي الزَّانِي وَأَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ لِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ وَلَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَمِّ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الزِّنَى فَكَذَا فِي الْمُرْضَعَةِ بِلَبَنِ الزِّنَى. اهـ. قُلْت: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ مِنْ التَّعْمِيمِ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ: وَلَوْ مِنْ زِنًى كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ هُنَاكَ. [فُرُوعٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ وَلَهَا مِنْهُ لَبَنٌ فَاعْتَدَّتْ فَنَكَحَتْ صَغِيرًا فَأَرْضَعَتْهُ فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ فَنَكَحَتْ آخَرَ فَدَخَلَ بِهَا] (قَوْلُهُ: تَقَعُ مَغْلَطَةٌ) كَمَفْعَلَةٍ مَحَلُّ الْغَلَطِ أَوْ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَكْسُورَةِ وَضَمِّ الْمِيمِ أَيْ مَسْأَلَةٌ تُغَلِّطُ مَنْ يُجِيبُ عَنْهَا بِلَا تَأَمُّلٍ فِيهَا (قَوْلُهُ: وَلَهَا مِنْهُ لَبَنٌ) أَيْ نَزَلَ مِنْهَا بِسَبَبِ وِلَادَتِهَا مِنْهُ (قَوْلُهُ: فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ) لِكَوْنِهَا صَارَتْ أُمَّهُ رَضَاعًا (قَوْلُهُ: فَدَخَلَ بِهَا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 فَأَبَانَهَا فَهَلْ تَعُودُ لِلْأَوَّلِ بِوَاحِدَةٍ أَمْ بِثَلَاثٍ؟ الْجَوَابُ: لَا تَعُودُ إلَيْهِ أَبَدًا لِصَيْرُورَتِهَا حَلِيلَةَ ابْنِهِ رَضَاعًا. شَرَى أَمَةَ أَبِيهِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ وَطِئَهَا. تَزَوَّجَ بِكْرًا فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا وَقَالَتْ أَبُوك فَضَّنِي، إنْ صَدَّقَهَا بَانَتْ بِلَا مَهْرٍ، وَإِلَّا لَا شُمُنِّيٌّ (وَ) حَرُمَ أَيْضًا بِالصِّهْرِيَّةِ (أَصْلُ مَزْنِيَّتِهِ) أَرَادَ بِالزِّنَا فِي الْوَطْءِ الْحَرَامِ (وَ) أَصْلُ (مَمْسُوسَتِهِ بِشَهْوَةٍ) وَلَوْ لِشَعْرٍ عَلَى الرَّأْسِ بِحَائِلٍ لَا يَمْنَعُ الْحَرَارَةَ   [رد المحتار] قَيَّدَ بِهِ لِيُمْكِنَ تَوَهُّمُ إحْلَالِهَا لِلْأَوَّلِ، وَالصَّغِيرُ لَا يُمْكِنُ مِنْهُ الدُّخُولُ (قَوْلُهُ: بِوَاحِدَةٍ أَمْ بِثَلَاثٍ) الْأَوَّلُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ لَا يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ، وَالثَّانِي بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَهْدِمُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ. (قَوْلُهُ: لِصَيْرُورَتِهَا حَلِيلَةَ ابْنِهِ رَضَاعًا) ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْبُنُوَّةِ بِالْإِرْضَاعِ مُقَارِنٌ لِلزَّوْجِيَّةِ، فَيَصِحُّ وَصْفُهَا بِكَوْنِهَا زَوْجَةَ ابْنِهِ وَابْنِهَا رَضَاعًا، وَكَذَا إنَّ قُلْنَا إنَّ ثُبُوتَ الْبُنُوَّةِ عَارِضٌ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ، وَمُعَاقِبٌ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْوَصْفَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَلِذَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ رَبِيبَتُهُ الْمَوْلُودَةُ بَعْدَ طَلَاقِهِ أُمَّهَا وَزَوْجَةَ أَبِيهَا مِنْ الرَّضَاعِ الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ ارْتِضَاعَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: إنْ عُلِمَ أَنَّهُ وَطِئَهَا) فَإِنْ عُلِمَ عَدَمُ الْوَطْءِ أَوْ شُكَّ تَحِلُّ. اهـ. ح وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ مَا يَشْمَلُ غَلَبَةَ الظَّنِّ إذْ حُصُولُ الْعِلْمِ الْيَقِينِيِّ فِي ذَلِكَ نَادِرٌ، وَمِنْهُ إخْبَارُ الْأَبِ بِأَنَّهُ وَطِئَهَا وَهِيَ فِي مِلْكِهِ، فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: رَجُلٌ لَهُ جَارِيَةٌ فَقَالَ قَدْ وَطِئْتهَا لَا تَحِلُّ لِابْنِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَقَالَ: قَدْ وَطِئْتهَا يَحِلُّ لِابْنِهِ أَنْ يُكَذِّبَهُ وَيَطَأَهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ. اهـ. أَيْ يَشْهَدُ لِلِابْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْإِخْبَارُ بِأَنَّ الْوَطْءَ كَانَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ بَاعَهَا ثُمَّ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ وَطِئَهَا حِينَ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ لَا تَحِلُّ لِابْنِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا) أَيْ حِينَ أَرَادَ جِمَاعَهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ وَذَلِكَ بِإِخْبَارِهَا أَوْ بِأَمْرٍ غَيْرِ الْجِمَاعِ، أَمَّا لَوْ جَامَعَهَا فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا وَجَبَ عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا لِوَطْءِ الشُّبْهَةِ، وَالْوَطْءُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَخْلُو عَنْ عُقْرٍ أَوْ مَهْرٍ رَحْمَتِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَحَرُمَ أَيْضًا بِالصِّهْرِيَّةِ أَصْلُ مَزْنِيَّتِهِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: أَرَادَ بِحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ الْحُرُمَاتِ الْأَرْبَعَ حُرْمَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى أُصُولِ الزَّانِي وَفُرُوعِهِ نَسَبًا وَرَضَاعًا وَحُرْمَةَ أُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا عَلَى الزَّانِي نَسَبًا وَرَضَاعًا كَمَا فِي الْوَطْءِ الْحَلَالِ وَيَحِلُّ لِأُصُولِ الزَّانِي وَفُرُوعِهِ أُصُولُ الْمُزَنِيّ بِهَا وَفُرُوعُهَا. اهـ. وَمِثْلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ النَّظْمِ وَغَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ: وَيَحِلُّ إلَخْ أَيْ كَمَا يَحِلُّ ذَلِكَ بِالْوَطْءِ الْحَلَالِ وَتَقْيِيدُهُ بِالْحُرُمَاتِ الْأَرْبَعِ مُخْرِجٌ لِمَا عَدَاهَا وَتَقَدَّمَ آنِفًا الْكَلَامُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: أَرَادَ بِالزِّنَى الْوَطْءَ الْحَرَامَ) ؛ لِأَنَّ الزِّنَى وَطْءُ مُكَلَّفٍ فِي فَرْجِ مُشْتَهَاةٍ وَلَوْ مَاضِيًا خَالٍ عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ، وَكَذَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ لَوْ وَطِئَ الْمَنْكُوحَةَ فَاسِدًا أَوْ الْمُشْتَرَاةَ فَاسِدًا أَوْ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ أَوْ الْمُكَاتَبَةَ أَوْ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ الْأَمَةَ الْمَجُوسِيَّةَ أَوْ زَوْجَتَهُ الْحَائِضَ أَوْ النُّفَسَاءَ أَوْ كَانَ مُحْرِمًا أَوْ صَائِمًا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالزِّنَى؛ لِأَنَّ فِيهِ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ، وَلِيُفِيدَ أَنَّهَا لَا، تَثْبُتُ بِالْوَطْءِ بِالدُّبُرِ كَمَا يَأْتِي خِلَافًا لِلْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ وَأَحْمَدُ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْأَصَحِّ وَعِمْرَانِ بْنِ الْحُصَيْنِ وَجَابِرٍ وَأُبَيُّ وَعَائِشَةَ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ كَالْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَحَمَّادٍ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ رَاهْوَيْهِ وَتَمَامُهُ مَعَ بَسْطِ الدَّلِيلِ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَأَصْلُ مَمْسُوسَتِهِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْمَسَّ وَالنَّظَرَ سَبَبٌ دَاعٍ إلَى الْوَطْءِ فَيُقَامُ مَقَامَهُ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ هِدَايَةٌ. وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ فِي الْفَتْحِ بِالْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. (قَوْلُهُ: بِشَهْوَةٍ) أَيْ وَلَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِشَعْرٍ عَلَى الرَّأْسِ) خَرَجَ بِهِ الْمُسْتَرْسِلُ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ تَرْجِيحُ أَنَّ مَسَّ الشَّعْرِ غَيْرُ مُحَرِّمٍ وَجَزَمَ فِي الْمُحِيطِ بِخِلَافِهِ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ، وَفَصَّلَ فِي الْخُلَاصَةِ فَخَصَّ التَّحْرِيمَ بِمَا عَلَى الرَّأْسِ دُونَ الْمُسْتَرْسِلِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ وَجَعَلَهُ فِي النَّهْرِ مَحْمَلَ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَلِذَا جَزَمَ بِهِ فِي الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: بِحَائِلٍ لَا يَمْنَعُ الْحَرَارَةَ) أَيْ وَلَوْ بِحَائِلٍ إلَخْ، فَلَوْ كَانَ مَانِعًا لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ، وَكَذَا لَوْ جَامَعَهَا بِخِرْقَةٍ عَلَى ذَكَرِهِ، فَمَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ ظَهِيرَ الدِّينِ أَنَّهُ يُفْتَى بِالْحُرْمَةِ فِي الْقُبْلَةِ عَلَى الْفَمِ وَالذَّقَنِ وَالْخَدِّ وَالرَّأْسِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمِقْنَعَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 (وَأَصْلُ مَاسَّتِهِ وَنَاظِرَةٍ إلَى ذَكَرِهِ وَالْمَنْظُورُ إلَى فَرْجِهَا) الْمُدَوَّرِ (الدَّاخِلِ) وَلَوْ نَظَرَهُ مِنْ زُجَاجٍ أَوْ مَاءٍ هِيَ فِيهِ (وَفُرُوعُهُنَّ) مُطْلَقًا وَالْعِبْرَةُ لِلشَّهْوَةِ عِنْدَ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ لَا بَعْدَهُمَا وَحَدُّهَا فِيهِمَا تَحَرُّكُ آلَتِهِ أَوْ زِيَادَتُهُ بِهِ يُفْتَى وَفِي امْرَأَةٍ وَنَحْوِ شَيْخٍ كَبِيرٍ تَحَرَّكَ قُبُلُهُ أَوْ زِيَادَتُهُ وَفِي الْجَوْهَرَةِ: لَا يُشْتَرَطُ فِي النَّظَرِ لِفَرْجٍ تَحْرِيكُ آلَتِهِ بِهِ يُفْتَى هَذَا إذَا لَمْ يُنْزِلْ فَلَوْ أَنْزَلَ مَعَ مَسٍّ أَوْ نَظَرٍ فَلَا حُرْمَةَ بِهِ يُفْتِي   [رد المحتار] مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ رَقِيقَةً تَصِلُ الْحَرَارَةُ مَعَهَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَأَصْلُ مَاسَّتِهِ) أَيْ بِشَهْوَةٍ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِلَمْسِهَا مَشْرُوطٌ بِأَنْ يُصَدِّقَهَا، وَيَقَعَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ صِدْقُهَا وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي مَسِّهِ إيَّاهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَاهُ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِمَا صِدْقُهُ، ثُمَّ رَأَيْت عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَنَاظِرَةٌ) أَيْ بِشَهْوَةٍ (قَوْلُهُ: وَالْمَنْظُورُ إلَى فَرْجِهَا) قَيَّدَ بِالْفَرْجِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ النَّظَرَ بِشَهْوَةٍ إلَى سَائِرِ أَعْضَائِهَا لَا عِبْرَةَ بِهِ مَا عَدَا الْفَرَجَ، وَحِينَئِذٍ فَإِطْلَاقُ الْكَنْزِ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: الْمُدَوَّرِ الدَّاخِلِ) اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ: وَفِي الْخَانِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْفَتْحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْفَرْجِ، وَالدَّاخِلُ فَرْجٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْخَارِجُ فَرْجٌ مِنْ وَجْهٍ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ الْخَارِجِ مُتَعَذِّرٌ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَتْ مُتَّكِئَةً بَحْرٌ فَلَوْ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ جَالِسَةً غَيْرَ مُسْتَنَدَةٍ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ إسْمَاعِيلُ وَقِيلَ: تَثْبُتُ بِالنَّظَرِ إلَى مَنَابِتِ الشَّعْرِ وَقِيلَ إلَى الشَّقِّ وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: أَوْ مَاءٍ هِيَ فِيهِ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا كَانَتْ فَوْقَ الْمَاءِ فَرَآهُ مِنْ الْمَاءِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَفُرُوعُهُنَّ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى أَصْلِ مَزْنِيَّتِهِ، وَفِيهِ تَغْلِيبُ الْمُؤَنَّثِ عَلَى الذَّكَرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِهِ وَنَاظِرَةٌ إلَى ذَكَرِهِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) يَرْجِعُ إلَى الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ أَيْ، وَإِنْ عَلَوْنَ، وَإِنْ سَفَلْنَ ط (قَوْلُهُ: وَالْعِبْرَةُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَوْلُهُ: بِشَهْوَةٍ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، فَيُفِيدُ اشْتِرَاطَ الشَّهْوَةِ حَالَ الْمَسِّ، فَلَوْ مَسَّ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ، ثُمَّ اشْتَهَى عَنْ ذَلِكَ الْمَسِّ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ. اهـ. وَكَذَلِكَ فِي النَّظَرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، فَلَوْ اشْتَهَى بَعْدَمَا غَضَّ بَصَرَهُ لَا تَحْرُمُ. قُلْت: وَيُشْتَرَطُ وُقُوعُ الشَّهْوَةِ عَلَيْهَا لَا عَلَى غَيْرِهَا لِمَا فِي الْفَيْضِ لَوْ نَظَرَ إلَى فَرَجِ بِنْتِهِ بِلَا شَهْوَةٍ فَتَمَنَّى جَارِيَةً مِثْلَهَا فَوَقَعَتْ لَهُ الشَّهْوَةُ عَلَى الْبِنْتِ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى مَنْ تَمَنَّاهَا فَلَا. (قَوْلُهُ: وَحَدُّهَا فِيهِمَا) أَيْ حَدُّ الشَّهْوَةِ فِي الْمَسِّ وَالنَّظَرِ ح (قَوْلُهُ: أَوْ زِيَادَتُهُ) أَيْ زِيَادَةُ التَّحَرُّكِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَهُمَا (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) وَقِيلَ حَدُّهَا أَنْ يَشْتَهِيَ بِقَلْبِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَهِيًا أَوْ يَزْدَادَ إنْ كَانَ مُشْتَهِيًا، وَلَا يُشْتَرَطُ تَحَرُّكُ الْآلَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالتُّحْفَةِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ بَحْرٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفَرَّعَ عَلَيْهِ مَا لَوْ انْتَشَرَ وَطَلَبَ امْرَأَةً فَأَوْلَجَ بَيْنَ فَخِذَيْ بِنْتِهَا خَطَأً لَا تَحْرُمُ أُمُّهَا مَا لَمْ يَزْدَدْ الِانْتِشَارُ (قَوْلُهُ: وَفِي امْرَأَةٍ وَنَحْوِ شَيْخٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: ثُمَّ هَذَا الْحَدُّ فِي حَقِّ الشَّابِّ أَمَّا الشَّيْخُ وَالْعِنِّينُ فَحَدُّهُمَا تَحَرُّكُ قَلْبِهِ أَوْ زِيَادَتُهُ إنْ كَانَ مُتَحَرِّكًا لَا مُجَرَّدُ مَيَلَانِ النَّفْسِ، فَإِنَّهُ يُوجَدُ فِيمَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ أَصْلًا كَالشَّيْخِ الْفَانِي، ثُمَّ قَالَ وَلَمْ يَحُدُّوا الْحَدَّ الْمُحَرِّمَ مِنْهَا أَيْ مِنْ الْمَرْأَةِ وَأَقَلُّهُ تَحَرُّكُ الْقَلْبِ عَلَى وَجْهٍ يُشَوِّشُ الْخَاطِرَ قَالَ ط: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ فِي الشَّهْوَةِ، وَمُقْتَضَى مُعَامَلَتِهِ بِالْأَضَرِّ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمَرْأَةِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْجَوْهَرَةِ إلَخْ) كَذَا فِي النَّهْرِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَسُّ الْفَرْجِ كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْمَسِّ فَوْقَ تَأْثِيرِ النَّظَرِ بِدَلِيلِ إيجَابِهِ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ إذَا كَانَ بِشَهْوَةٍ بِخِلَافِ النَّظَرِ ح. قُلْت: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ مُفَرَّعًا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فِي حَدِّ الشَّهْوَةِ فَلَا يَكُونُ لِلنَّظَرِ احْتِرَازًا عَنْ مَسِّ الْفَرْجِ وَلَا عَنْ مَسِّ غَيْرِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَلَا حُرْمَةَ) لِأَنَّهُ بِالْإِنْزَالِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مُفْضٍ إلَى الْوَطْءِ هِدَايَةٌ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّهُ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ بِالْإِنْزَالِ أَنَّ الْحُرْمَةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ كَانَ حُكْمُهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 ابْنُ كَمَالٍ وَغَيْرُهُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَطِئَ أُخْتَ امْرَأَتِهِ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ (لَا) تَحْرُمُ (الْمَنْظُورُ إلَى فَرْجِهَا الدَّاخِلِ) إذَا رَآهُ (مِنْ مِرْآةٍ أَوْ مَاءٍ) لِأَنَّ الْمَرْئِيَّ مِثَالُهُ (بِالِانْعِكَاسِ) لَا هُوَ (هَذَا إذَا كَانَتْ حَيَّةً مُشْتَهَاةً) وَلَوْ مَاضِيًا (أَمَّا غَيْرُهَا) يَعْنِي الْمَيِّتَةَ وَصَغِيرَةً لَمْ تُشْتَهَ (فَلَا) تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِهَا أَصْلًا كَوَطْءِ دُبُرٍ مُطْلَقًا وَكَمَا لَوْ أَفْضَاهَا   [رد المحتار] مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ بِالْإِنْزَالِ، فَإِنْ أَنْزَلَ لَمْ تَثْبُتْ، وَإِلَّا ثَبَتَ لَا أَنَّهَا تَثْبُتُ بِالْمَسِّ ثُمَّ بِالْإِنْزَالِ تَسْقُطُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ إذَا ثَبَتَتْ لَا تَسْقُطُ أَبَدًا. (قَوْلُهُ: وَفِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) هَذَا مُحْتَرَزُ التَّقْيِيدِ بِالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَقَوْلُهُ: لَا يَحْرُمُ أَيْ لَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ، فَالْمَعْنَى: لَا تَحْرُمُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً، وَإِلَّا فَتَحْرُمُ إلَى انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمَوْطُوءَةِ لَوْ بِشُبْهَةٍ قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَوْ وَطِئَ أُخْتَ امْرَأَةٍ بِشُبْهَةٍ تَحْرُمُ امْرَأَتُهُ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّةُ ذَاتِ الشُّبْهَةِ، وَفِي الدِّرَايَةِ عَنْ الْكَامِلِ لَوْ زَنَى بِإِحْدَى الْأُخْتَيْنِ لَا يَقْرَبُ الْأُخْرَى حَتَّى تَحِيضَ الْأُخْرَى حَيْضَةً وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْفَتْحِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِمَاءِ الزَّانِي وَلِذَا لَوْ زَنَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ وَجَازَ لَهُ وَطْؤُهَا عَقِبَ الزِّنَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا تَحْرُمُ الْمَنْظُورُ إلَى فَرْجِهَا إلَخْ) تَبِعَ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ صَاحِبَ الدُّرَرِ وَاعْتَرَضَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ لَا يَحْرُمُ أَصْلُ وَفَرْعُ الْمَنْظُورِ إلَى فَرْجِهَا، لِمَا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ نَفْسُ الْمَنْظُورِ إلَى فَرْجِهَا، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَا تَحْرُمُ عَلَى أُصُولِ النَّاظِرِ وَفُرُوعِهِ، وَفِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحُرْمَةِ وَعَدَمِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى أُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا فَالْأَوْلَى إسْقَاطُ لَفْظِ تَحْرُمُ، وَإِبْقَاءُ الْمَتْنِ عَلَى حَالِهِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: لَا الْمَنْظُورُ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ وَالْمَنْظُورُ. وَالْمَعْنَى: لَا يَحْرُمُ أَصْلُهَا وَفَرْعُهَا وَيُعْلَمُ مِنْهُ عَدَمُ حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ وَعَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ بِالْأَوْلَى فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: إذَا رَآهُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِصِحَّةِ تَعَلُّقِ الْجَارِّ بِقَوْلِهِ الْمَنْظُورُ ط (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْمَرْئِيَّ مِثَالُهُ إلَخْ) يُشِيرُ إلَى مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الرُّؤْيَةِ مِنْ الزُّجَاجِ وَالْمِرْآةِ، وَبَيْنَ الرُّؤْيَةِ فِي الْمَاءِ، وَمِنْ الْمَاءِ حَيْثُ قَالَ: كَأَنَّ الْعِلَّةَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ الْمَرْئِيَّ فِي الْمِرْآةِ مِثَالُهُ لَا هُوَ وَبِهَذَا عَلَّلُوا الْحِنْثَ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَنْظُرُ إلَى وَجْهِ فُلَانٍ فَنَظَرَهُ فِي الْمَرْأَةِ أَوْ الْمَاءِ وَعَلَى هَذَا فَالتَّحْرِيمُ بِهِ مِنْ وَرَاءِ الزُّجَاجِ، بِنَاءً عَلَى نُفُوذِ الْبَصَرِ مِنْهُ فَيَرَى نَفْسَ الْمَرْئِيِّ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ، وَمِنْ الْمَاءِ، وَهَذَا يَنْفِي كَوْنَ الْإِبْصَارِ مِنْ الْمِرْآةِ وَالْمَاءِ بِوَاسِطَةِ انْعِكَاسِ الْأَشِعَّةِ، وَإِلَّا لَرَآهُ بِعَيْنِهِ بَلْ بِانْطِبَاعِ مِثْلِ الصُّورَةِ فِيهِمَا، بِخِلَافِ الْمَرْئِيِّ فِي الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْبَصَرَ يَنْفُذُ فِيهِ إذَا كَانَ صَافِيًا فَيَرَى نَفْسَ مَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَرَاهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إذَا اشْتَرَى سَمَكَةً رَآهَا فِي مَاءٍ بِحَيْثُ تُؤْخَذُ مِنْهُ بِلَا حِيلَةٍ. اهـ. وَبِهِ يَظْهَرُ فَائِدَةُ قَوْلِ الشَّارِحِ مِثَالُهُ، لَكِنَّهُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ بِالِانْعِكَاسِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا يَنْفِي إلَخْ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِالِانْعِكَاسِ الْبِنَاءَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الشُّعَاعَ الْخَارِجَ مِنْ الْحَدَقَةِ الْوَاقِعَ عَلَى سَطْحِ الصَّقِيلِ كَالْمِرْآةِ وَالْمَاءِ يَنْعَكِسُ مِنْ سَطْحِ الصَّقِيلِ إلَى الْمَرْئِيِّ، حَتَّى يَلْزَمَ أَنَّهُ يَكُونُ الْمَرْئِيُّ حِينَئِذٍ حَقِيقَتَهُ لَا مِثَالَهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ انْعِكَاسَ نَفْسِ الْمَرْئِيِّ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمِثَالِ فَيَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ وَيُعَبِّرُونَ عَنْهُ بِالِانْطِبَاعِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُقَابِلَ لِلصَّقِيلِ تَنْطَبِعُ صُورَتُهُ، وَمِثَالُهُ فِيهِ لَا عَيْنُهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْبِيرُ قَاضِي خَانْ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ فَرْجَهَا، وَإِنَّمَا رَأَى عَكْسَ فَرْجِهَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِي مَسَائِلِ الْمُصَاهَرَةِ (قَوْلُهُ: مُشْتَهَاةٌ) سَيَأْتِي تَعْرِيفُهَا بِأَنَّهَا بِنْتُ تِسْعٍ فَأَكْثَرَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَاضِيًا) كَعَجُوزٍ شَوْهَاءَ؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ تَحْتَ الْحُرْمَةِ، فَلَا تَخْرُجُ وَلِجَوَازِ وُقُوعِ الْوَلَدِ مِنْهَا كَمَا وَقَعَ لِزَوْجَتَيْ إبْرَاهِيمَ وَزَكَرِيَّا - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (قَوْلُهُ: فَلَا يَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِهَا) أَيْ بِوَطْئِهَا أَوْ لَمْسِهَا أَوْ النَّظَرِ إلَى فَرْجِهَا وَقَوْلُهُ: أَصْلًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِشَهْوَةٍ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ أَنْزَلَ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِصَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ ح عَنْ الْبَحْرِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: أَتَى رَجُلٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 لِعَدَمِ تَيَقُّنِ كَوْنِهِ فِي الْفَرَجِ مَا لَمْ تَحْبَلْ مِنْهُ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ زِنًا وَنِكَاحٍ. (فَلَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى، فَدَخَلَ بِهَا فَطَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ جَازَ) لِلْأَوَّلِ (التَّزَوُّجُ بِبِنْتِهَا) لِعَدَمِ الْإِشْهَاءِ وَكَذَا تُشْتَرَطُ الشَّهْوَةُ فِي الذَّكَرِ؛ فَلَوْ جَامَعَ غَيْرُ مُرَاهِقٍ زَوْجَةَ أَبِيهِ لَمْ تَحْرُمْ فَتْحٌ (وَلَا فَرْقَ) فِيمَا ذَكَرَ (بَيْنَ اللَّمْسِ وَالنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ بَيْنَ عَمْدٍ وَنِسْيَانٍ) وَخَطَأٍ، وَإِكْرَاهٍ، فَلَوْ أَيْقَظَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَيْقَظَتْهُ هِيَ لِجِمَاعِهَا فَمَسَّتْ يَدُهُ بِنْتَهَا الْمُشْتَهَاةَ أَوْ يَدُهَا ابْنَهُ حَرُمَتْ الْأُمُّ أَبَدًا فَتْحٌ. (قَبَّلَ أُمَّ امْرَأَتِهِ)   [رد المحتار] رَجُلًا لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَتَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَوْ كَانَ فِي الْإِنَاثِ لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ فَفِي الذَّكَرِ أَوْلَى. (قَوْلُهُ:؛ لِعَدَمِ تَيَقُّنِ كَوْنِهِ فِي الْفَرْجِ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ إيجَابِ وَطْءِ الْمُفْضَاةِ الْمُصَاهَرَةَ فَقَطْ. وَأَمَّا الْعِلَّةُ فِي عَدَمِ إيجَابِ وَطْءِ الدُّبُرِ الْمُصَاهَرَةَ فَالتَّيَقُّنُ بِعَدَمِ كَوْنِ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْحَرْثِ، وَإِنَّمَا تَرَكَهَا لِانْفِهَامِهَا بِالْأَوْلَى قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَوْرَدَ عَلَيْهِمَا أَيْ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الْوَطْءَ فِيهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِلْحُرْمَةِ، فَالْمَسُّ بِشَهْوَةٍ سَبَبٌ لَهَا بَلْ الْمَوْجُودُ فِيهِمَا أَقْوَى، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْوَطْءُ السَّبَبُ لِلْوَلَدِ وَثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِالْمَسِّ لَيْسَ إلَّا لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِهَذَا الْوَطْءِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِي الصُّورَتَيْنِ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بَيْنَ الْإِنْزَالِ وَعَدَمِهِ ح (قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَحْبَلْ مِنْهُ) زَادَ فِي الْفَتْحِ وَعُلِمَ كَوْنُهُ مِنْهُ أَيْ بِإِمْسَاكِهَا عِنْدَهُ حَتَّى تَلِدَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهَذَا فِي الزِّنَا لَا فِي النِّكَاحِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ زِنًا وَنِكَاحٍ) رَاجِعٌ لِاشْتِرَاطِ كَوْنِهَا مُشْتَهَاةً لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ مُفَرَّعًا عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَلَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً إلَخْ. (قَوْلُهُ: جَازَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِبِنْتِهَا) أَمَّا أُمُّهَا فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ ط (قَوْلُهُ: فَلَوْ جَامَعَ غَيْرُ مُرَاهِقٍ إلَخْ) الَّذِي فِي الْفَتْحِ حَتَّى لَوْ جَامَعَ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ زَوْجَةَ أَبِيهِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ السِّنِّ الْآتِي فِي حَدِّ الْمُشْتَهَاةِ أَعْنِي تِسْعَ سِنِينَ. قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: التَّعْلِيلُ بِعَدَمِ الِاشْتِهَاءِ يُفِيدُ أَنَّ مَنْ لَا يَشْتَهِي لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِجِمَاعِهِ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ ابْنَ تِسْعٍ عَارٍ مِنْ هَذَا، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُرَاهِقًا، ثُمَّ رَأَيْته فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ الصَّبِيُّ الَّذِي يُجَامِعُ مِثْلُهُ كَالْبَالِغِ قَالُوا وَهُوَ أَنْ يُجَامِعَ وَيَشْتَهِيَ، وَتَسْتَحِيَ النِّسَاءُ مِنْ مِثْلِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي اعْتِبَارِ كَوْنِهِ مُرَاهِقًا لَا ابْنَ تِسْعٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْفَتْحِ مَسُّ الْمُرَاهِقِ كَالْبَالِغِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ حَتَّى لَوْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ. اهـ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا عَزَاهُ الشَّارِحُ إلَى الْفَتْحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَرِيحَ كَلَامِهِ لَكِنَّهُ مُرَادُهُ. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا: أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ سِنِّ الْمُرَاهَقَةِ وَأَقَلُّهُ لِلْأُنْثَى تِسْعٌ وَلِلذَّكَرِ اثْنَا عَشَرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ مُدَّةٍ يُمْكِنُ فِيهَا الْبُلُوغُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ بُلُوغِ الْغُلَامِ، وَهَذَا يُوَافِقُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْوَطْءُ الَّذِي يَكُونُ سَبَبًا لِلْوَلَدِ أَوْ الْمَسُّ الَّذِي يَكُونُ سَبَبًا لِهَذَا الْوَطْءِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ غَيْرَ الْمُرَاهِقِ مِنْهُمَا لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْوَلَدُ. (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ التَّحْرِيمِ وَقَوْلُهُ: بَيْنَ اللَّمْسِ وَالنَّظَرِ وَصَوَابُهُ فِي اللَّمْسِ وَالنَّظَرِ، وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ وَلَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِالْمَسِّ بَيْنَ كَوْنِهِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ مُخْطِئًا إلَخْ أَفَادَهُ ح قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فِي الْمَسِّ وَالنَّظَرِ عُلِمَ فِي الْجِمَاعِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ: فَلَوْ أَيْقَظَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْخَطَأِ ط. (قَوْلُهُ: أَوْ يَدُهَا ابْنَهُ) أَيْ الْمُرَاهِقَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَأَمَّا تَقْيِيدُ الْفَتْحِ بِكَوْنِهِ ابْنَهُ مِنْ غَيْرِهَا فَقَالَ فِي النَّهْرِ لِيَعْلَمَ مَا إذَا كَانَ ابْنُهُ مِنْهَا بِالْأَوْلَى، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالشَّهْوَةِ أَوْ ازْدِيَادِهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ (قَوْلُهُ: قَبَّلَ أُمَّ امْرَأَتِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِذَا قَبَّلَهَا أَوْ لَمَسَهَا أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا ثُمَّ قَالَ لَمْ يَكُنْ عَنْ شَهْوَةٍ ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ فِي الْقُبْلَةِ يُفْتَى بِالْحُرْمَةِ، مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ بِلَا شَهْوَةٍ وَفِي الْمَسِّ وَالنَّظَرِ لَا إلَّا إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بِشَهْوَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّقْبِيلِ الشَّهْوَةُ بِخِلَافِ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ، وَفِي بُيُوعِ الْعُيُونِ خِلَافُ هَذَا إذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ عَلَى الصَّحِيحِ جَوْهَرَةٌ (حَرُمَتْ) عَلَيْهِ (امْرَأَتُهُ مَا لَمْ يَظْهَرْ عَدَمُ الشَّهْوَةِ) وَلَوْ عَلَى الْفَمِ كَمَا فَهِمَهُ فِي الذَّخِيرَةِ (وَفِي الْمَسِّ لَا) تَحْرُمُ (مَا لَمْ تُعْلَمْ الشَّهْوَةُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّقْبِيلِ الشَّهْوَةُ، بِخِلَافِ الْمَسِّ (وَالْمُعَانَقَةُ كَالتَّقْبِيلِ) وَكَذَا الْقَرْصُ وَالْعَضُّ بِشَهْوَةٍ، وَلَوْ لِأَجْنَبِيَّةٍ وَتَكْفِي الشَّهْوَةُ مِنْ أَحَدِهِمَا،، وَمُرَاهِقٍ، وَمَجْنُونٍ وَسَكْرَانَ كَبَالِغٍ   [رد المحتار] اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَقَبَّلَهَا أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا ثُمَّ قَالَ لَمْ يَكُنْ عَنْ شَهْوَةٍ، وَأَرَادَ رَدَّهَا صُدِّقَ وَلَوْ كَانَتْ مُبَاشِرَةً لَمْ يُصَدَّقْ،، وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَ فِي الْقُبْلَةِ فَقَالَ إنْ كَانَتْ عَلَى الْفَمِ يُفْتَى بِالْحُرْمَةِ، وَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ بِلَا شَهْوَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الرَّأْسِ أَوْ الذَّقَنِ أَوْ الْخَدِّ فَلَا إلَّا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ بِشَهْوَةٍ وَكَانَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ يُفْتِي بِالْحُرْمَةِ فِي الْقُبْلَةِ مُطْلَقًا، وَيَقُولُ لَا يُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِشَهْوَةٍ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ بُيُوعِ الْعُيُونِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الْقُبْلَةِ عَلَى الْفَمِ أَوْ غَيْرِهِ، وَفِي الْبَقَّالِيِّ إذَا أَنْكَرَ الشَّهْوَةَ فِي الْمَسِّ يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ يَقُومَ إلَيْهَا مُنْتَشِرًا فَيُعَانِقَهَا، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ وَانْتِشَارُهُ دَلِيلُ شَهْوَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ جَوْهَرَةٌ) الَّذِي فِي الْجَوْهَرَةِ لِلْحَدَّادِيِّ خِلَافُ هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ مَسَّ أَوْ قَبَّلَ، وَقَالَ لَمْ أَشْتَهِ صُدِّقَ إلَّا إذَا كَانَ الْمَسُّ عَلَى الْفَرْجِ وَالتَّقْبِيلُ فِي الْفَمِ. اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا سَيَنْقُلُهُ الشَّارِحُ عَنْ الْحَدَّادِي، وَلِمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ قَائِلًا وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَلْحَقَ الْخَدَّ بِالْفَمِ. اهـ. وَقَالَ فِي الْفَيْضِ: وَلَوْ قَامَ إلَيْهَا وَعَانَقَهَا مُنْتَشِرًا أَوْ قَبَّلَهَا، وَقَالَ لَمْ يَكُنْ عَنْ شَهْوَةٍ لَا يُصَدَّقُ، وَلَوْ قَبَّلَ وَلَمْ تَنْتَشِرْ آلَتُهُ وَقَالَ كَانَ عَنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ يُصَدَّقُ وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ لَوْ قَبَّلَهَا عَلَى الْفَمِ وَبِهِ يُفْتَى. اهـ. فَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي تَرْجِيحِ التَّفْصِيلِ، وَأَمَّا تَصْحِيحُ الْإِطْلَاقِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، فَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ نَعَمْ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَفِي الْقُبْلَةِ يُفْتَى بِهَا أَيْ بِالْحُرْمَةِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ بِلَا شَهْوَةٍ وَيَسْتَوِي أَنْ يُقَبِّلَ الْفَمَ أَوْ الذَّقَنَ أَوْ الْخَدَّ أَوْ الرَّأْسَ، وَقِيلَ إنْ قَبَّلَ الْفَمَ يُفْتَى بِهَا، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ بِلَا شَهْوَةٍ، وَإِنْ قَبَّلَ غَيْرَهُ لَا يُفْتَى بِهَا إلَّا إذَا ثَبَتَتْ الشَّهْوَةُ. اهـ. وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ الْإِطْلَاقِ فِي التَّقْبِيلِ لَكِنْ عَلِمْت التَّصْرِيحَ بِتَرْجِيحِ التَّفْصِيلِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ إلَخْ) أَيْ يُفْتَى بِالْحُرْمَةِ إذَا سُئِلَ عَنْهَا، وَلَا يُصَدَّقُ إذَا ادَّعَى عَدَمَ الشَّهْوَةِ إلَّا إذَا ظَهَرَ عَدَمُهَا بِقَرِينَةِ الْحَالِ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَالشَّهِيدِ، وَمُخَالِفٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْجَوْهَرَةِ وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ وَعَلَى هَذَا فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لَا تَحْرُمُ مَا لَمْ تُعْلَمْ الشَّهْوَةُ أَيْ بِأَنْ قَبَّلَهَا مُنْتَشِرًا، أَوْ عَلَى الْفَمِ فَيُوَافِقُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْفَيْضِ وَلِمَا سَيَأْتِي أَيْضًا وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّقْبِيلِ وَالْمَسِّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَى الْفَمِ) مُبَالَغَةٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ لَا عَلَى النَّفْيِ. وَالْمَعْنَى: حَرُمَتْ امْرَأَتُهُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ عَدَمُ اشْتِهَاءٍ، وَهُوَ صَادِقٌ بِظُهُورِ الشَّهْوَةِ وَالشَّكِّ فِيهَا، أَمَّا إذَا ظَهَرَ عَدَمُ الشَّهْوَةِ فَلَا تَحْرُمُ وَلَوْ كَانَتْ الْقُبْلَةُ عَلَى الْفَمِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: كَمَا فَهِمَهُ فِي الذَّخِيرَةِ) أَيْ فَهِمَهُ مِنْ عِبَارَةِ الْعُيُونِ حَيْثُ قَالَ وَظَاهِرُ مَا أَطْلَقَ فِي بُيُوعِ الْعُيُونِ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقُبْلَةِ الشَّهْوَةُ، وَأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى عَدَمِهَا، وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي الْعُيُونِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَذَا الْقَرْصُ وَالْعَضُّ بِشَهْوَةٍ) يَنْبَغِي تَرْكُ قَوْلِهِ: بِشَهْوَةٍ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُعَانَقَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَشْبِيهُ هَذِهِ الْأُمُورِ بِالتَّقْبِيلِ فِي التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ فَلَا مَعْنَى لِلتَّقْيِيدِ. اهـ ح. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِأَجْنَبِيَّةٍ) أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً أَوْ أَجْنَبِيَّةً، أَمَّا الْأَجْنَبِيَّةُ فَصُورَتُهَا ظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَكَمَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَرَصَهَا أَوْ عَضَّهَا أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ عَانَقَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِنْتُهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّعْمِيمَ لَا يَخُصُّ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا قَبْلَهُ كَذَلِكَ ح وَخَصَّ الْبِنْتَ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ تَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ: وَتَكْفِي الشَّهْوَةُ مِنْ إحْدَاهُمَا) هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْمَسِّ أَمَّا فِي النَّظَرِ فَتُعْتَبَرُ الشَّهْوَةُ مِنْ النَّاظِرِ، سَوَاءٌ وُجِدَتْ مِنْ الْآخَرِ أَمْ لَا. اهـ. ط وَهَكَذَا بَحَثَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَخْذًا مِنْ ذِكْرِهِمْ ذَلِكَ فِي بَحْثِ الْمَسِّ فَقَطْ قَالَ: وَالْفَرْقُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي لَذَّةِ الْمَسِّ كَالْمُشْتَرَكِينَ فِي لَذَّةِ الْجِمَاعِ بِخِلَافِ النَّظَرِ (قَوْلُهُ: كَبَالِغٍ) أَيْ فِي ثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِالْوَطْءِ، أَوْ الْمَسِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 بَزَّازِيَّةٌ. وَفِي الْقُنْيَةِ: قَبَّلَ السَّكْرَانُ بِنْتَهُ تَحْرُمُ الْأُمُّ، وَبِحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ لَا يَرْتَفِعُ النِّكَاحُ حَتَّى لَا يَحِلَّ لَهَا التَّزَوُّجُ بِآخَرَ إلَّا بَعْدَ الْمُتَارَكَةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَالْوَطْءُ بِهَا لَا يَكُونُ زِنًا، وَفِي الْخَانِيَّةِ إنَّ النَّظَرَ إلَى فَرَجِ ابْنَتِهِ بِشَهْوَةٍ يُوجِبُ حُرْمَةَ امْرَأَتِهِ وَكَذَا لَوْ فَزِعَتْ فَدَخَلَتْ فِرَاشَ أَبِيهَا عُرْيَانَةً فَانْتَشَرَ لَهَا أَبُوهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا (وَبِنْتُ) سِنِّهَا (دُونَ تِسْعٍ لَيْسَتْ بِمُشْتَهَاةٍ) بِهِ يُفْتَى (وَإِنْ ادَّعَتْ الشَّهْوَةَ) فِي تَقْبِيلِهِ أَوْ تَقْبِيلِهَا ابْنَهُ (وَأَنْكَرَهَا الرَّجُلُ فَهُوَ مُصَدَّقٌ) لَا هِيَ (إلَّا أَنْ يَقُومَ إلَيْهَا مُنْتَشِرًا) آلَتُهُ (فَيُعَانِقَهَا) لِقَرِينَةِ كَذِبِهِ أَوْ يَأْخُذَ ثَدْيَهَا (أَوْ يَرْكَبَ مَعَهَا) أَوْ يَمَسَّهَا عَلَى الْفَرَجِ أَوْ يُقَبِّلَهَا عَلَى الْفَمِ قَالَهُ الْحَدَّادِيُّ وَفِي الْفَتْحِ يَتَرَاءَى   [رد المحتار] أَوْ النَّظَرِ وَلَوْ تَمَّمَ الْمُقَابَلَاتِ بِأَنْ قَالَ كَبَالِغٍ عَاقِلٍ صَالِحٍ لَكَانَ أَوْلَى ط وَفِي الْفَتْحِ: لَوْ مَسَّ الْمُرَاهِقُ وَأَقَرَّ أَنَّهُ بِشَهْوَةٍ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: بَزَّازِيَّةٌ) لَمْ أَرَ فِيهَا إلَّا الْمُرَاهِقَ دُونَ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ نَعَمْ رَأَيْتُهُمَا فِي حَاوِي الزَّاهِدِيِّ (قَوْلُهُ: تَحْرُمُ الْأُمُّ) كَذَا لَمْ يُوجَدْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي عَامَّتِهَا بِدُونِ الْأُمِّ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ كَمَا قَالَ ح وَعِبَارَةُ الْقُنْيَةِ هَكَذَا قَبَّلَ الْمَجْنُونُ أُمَّ امْرَأَتِهِ بِشَهْوَةٍ أَوْ السَّكْرَانُ بِنْتَهُ تَحْرُمُ. اهـ. أَيْ تَحْرُمُ امْرَأَتُهُ (قَوْلُهُ: وَبِحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي نِكَاحِ الْأَصْلِ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَرْتَفِعُ بِحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَالرَّضَاعِ بَلْ يَفْسُدُ حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ التَّفْرِيقِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا بَعْدَ الْمُتَارَكَةِ) أَيْ، وَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا سُنُونَ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَعِبَارَةُ الْحَاوِي إلَّا بَعْدَ تَفْرِيقِ الْقَاضِي أَوْ بَعْدَ الْمُتَارَكَةِ. اهـ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَرْتَفِعُ بَلْ يَفْسُدُ وَقَدْ صَرَّحُوا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِأَنَّ الْمُتَارَكَةَ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْقَوْلِ، إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا كَتَرَكْتُك أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَك، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَقِيلَ تَكُونُ بِالْقَوْلِ وَبِالتَّرْكِ عَلَى قَصْدِ عَدَمِ الْعَوْدِ إلَيْهَا. وَقِيلَ: لَا تَكُونُ إلَّا بِالْقَوْلِ فِيهِمَا، حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا، وَمَضَى عَلَى عِدَّتِهَا سُنُونَ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَالْوَطْءُ بِهَا إلَخْ) أَيْ الْوَطْءُ الْكَائِنُ فِي هَذِهِ الْحُرْمَةِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ وَالْمُتَارَكَةِ لَا يَكُونُ زِنًا قَالَ فِي الْحَاوِي وَالْوَطْءُ فِيهَا لَا يَكُونُ زِنًا؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَعَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ بِوَطْئِهَا بَعْدَ الْحُرْمَةِ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ ح (قَوْلُهُ: فَدَخَلَتْ فِرَاشَ أَبِيهَا) كَنَّى بِهِ عَنْ الْمَسِّ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الدُّخُولِ بِغَيْرِ مَسٍّ لَا يُعْتَبَرُ ط. (قَوْلُهُ: لَيْسَتْ بِمُشْتَهَاةٍ بِهِ يُفْتَى) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ سَمِينَةً أَوْ لَا وَلِذَا قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ بِنْتُ خَمْسٍ لَا تَكُونُ مُشْتَهَاةً اتِّفَاقًا وَبِنْتُ تِسْعٍ فَصَاعِدًا مُشْتَهَاةٌ اتِّفَاقًا وَفِيمَا بَيْنَ الْخَمْسِ وَالتِّسْعِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ وَالْمَشَايِخِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ ادَّعَتْ الشَّهْوَةَ فِي تَقْبِيلِهِ) أَيْ ادَّعَتْ الزَّوْجَةُ أَنَّهُ قَبَّلَ أَحَدَ أُصُولِهَا أَوْ فُرُوعِهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ أَنَّ أَحَدَ أُصُولِهَا أَوْ فُرُوعِهَا قَبَّلَهُ بِشَهْوَةٍ، فَهُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ أَوْ مَفْعُولِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ: أَوْ تَقْبِيلُهَا ابْنَهُ، فَإِنْ كَانَتْ إضَافَتُهُ إلَى الْمَفْعُولِ فَابْنُهُ فَاعِلٌ وَالْأَنْسَبُ لِنَظْمِ الْكَلَامِ إضَافَةُ الْأَوَّلِ لِفَاعِلِهِ وَالثَّانِي لِمَفْعُولِهِ لِيَكُونَ فَاعِلَ يَقُومُ الرَّجُلُ أَوْ ابْنُهُ كَمَا أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ: فَهُوَ مُضَافٌ) لِأَنَّهُ يُنْكِرُ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ وَالْقَوْلِ لِلْمُنْكِرِ، وَهَذَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْمَسِّ لَا فِي التَّقْبِيلِ كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَوْ لَا مِنْ أَنَّهُ فِي التَّقْبِيلِ يُفْتَى بِالْحُرْمَةِ مَا لَمْ يَظْهَرْ عَدَمُ الشَّهْوَةِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الذَّخِيرَةِ نَقْلَ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فَمَا هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فِي بُيُوعِ الْعُيُونِ (قَوْلُهُ: آلَتُهُ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ مُنْتَشِرًا ط (قَوْلُهُ: أَوْ يَرْكَبَ مَعَهَا) أَيْ عَلَى دَابَّةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا رَكِبَتْ عَلَى ظَهْرِهِ وَعَبَرَ الْمَاءَ حَيْثُ يُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ لَا عَنْ شَهْوَةٍ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَفِي الْفَتْحِ إلَخْ) قَالَ فِيهِ: وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِالنَّظَرِ وَأَنْكَرَ الشَّهْوَةَ صُدِّقَ بِلَا خِلَافٍ، وَفِي الْمُبَاشَرَةِ لَا يُصَدَّقُ بِلَا خِلَافٍ فِيمَا أَعْلَمُ وَفِي التَّقْبِيلِ اُخْتُلِفَ فِيهِ قِيلَ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ شَهْوَةٍ غَالِبًا، فَلَا يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ خِلَافُهُ بِالِانْتِشَارِ وَنَحْوِهِ، وَقِيلَ يُقْبَلُ، وَقِيلَ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ كَوْنِهِ عَلَى الرَّأْسِ وَالْجَبْهَةِ وَالْخَدِّ فَيُصَدَّقُ أَوْ عَلَى الْفَمِ فَلَا وَالْأَرْجَحُ هَذَا إلَّا أَنَّ الْخَدَّ يَتَرَاءَى إلْحَاقُهُ بِالْفَمِ. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 إلْحَاقُ الْخَدَّيْنِ بِالْفَمِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ قِيلَ لَهُ مَا فَعَلْت بِأُمِّ امْرَأَتِك فَقَالَ: جَامَعْتهَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ؛ وَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ كَذِبٌ وَلَوْ هَازِلًا. (وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِاللَّمْسِ وَالتَّقْبِيلِ عَنْ شَهْوَةٍ وَكَذَا) تُقْبَلُ (عَلَى نَفْسِ اللَّمْسِ وَالتَّقْبِيلِ) وَالنَّظَرِ إلَى ذَكَرِهِ أَوْ فَرْجِهَا (عَنْ شَهْوَةٍ فِي الْمُخْتَارِ) تَجْنِيسٌ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ مِمَّا يُوقَفُ عَلَيْهَا فِي الْجُمْلَةِ بِانْتِشَارٍ أَوْ آثَارٍ. (وَ) حَرُمَ (الْجَمْعُ) بَيْنَ الْمَحَارِمِ (نِكَاحًا) أَيْ عَقْدًا صَحِيحًا (وَعِدَّةً وَلَوْ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ، وَ) حَرُمَ الْجَمْعُ (وَطْءٍ بِمِلْكِ يَمِينٍ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ أَيَّتُهُمَا فُرِضَتْ ذَكَرًا لَمْ تَحِلَّ لِلْأُخْرَى)   [رد المحتار] وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَظْهَرَ إلَخْ حَقُّهُ أَنْ يُذْكَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَقِيلَ يُقْبَلُ كَمَا لَا يَخْفَى وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَسَّ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ عَدَمُ الشَّهْوَةِ مِثْلُ النَّظَرِ، فَيُصَدَّقُ إذَا أَنْكَرَ الشَّهْوَةَ إلَّا أَنْ يَقُومَ إلَيْهَا مُنْتَشِرًا أَيْ لِأَنَّ الِانْتِشَارَ دَلِيلُ الشَّهْوَةِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَسُّ عَلَى الْفَرْجِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْحَدَّادِيِّ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الشَّهْوَةِ غَالِبًا، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ بَحْثًا مِنْ إلْحَاقِ تَقْبِيلِ الْخَدِّ بِالْفَمِ أَيْ بِخِلَافِ الرَّأْسِ وَالْجَبْهَةِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الذَّخِيرَةِ عَنْ الْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ فَإِنَّ ذَاكَ لَمْ يُفَصَّلْ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ كَذَبَ إلَخْ) أَيْ عِنْدَ الْقَاضِي، أَمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَ كَاذِبًا فِيمَا أَقَرَّ لَمْ تَثْبُتْ الْحُرْمَةُ، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِجِمَاعِ أُمِّهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ لَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّهَا، فَيَجِبُ كَمَالُ الْمُسَمَّى لَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ وَنِصْفُهُ لَوْ قَبْلَهُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: تَجْنِيسٌ) كَذَا عَزَاهُ إلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَكَذَا رَأَيْته فِيهِ أَيْضًا وَنَصُّ عِبَارَتِهِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ تُقْبَلُ إلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ مِمَّا يُوقَفُ عَلَيْهِ بِتَحَرُّكِ الْعُضْوِ مِمَّنْ يَتَحَرَّكُ عُضْوُهُ أَوْ بِآثَارٍ أُخَرَ مِمَّنْ لَا يَتَحَرَّكُ عُضْوُهُ. اهـ. فَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ مِنْ كَلَامِ التَّجْنِيسِ أَيْضًا وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي النَّهْرِ مِنْ عَزْوِهِ إلَى التَّجْنِيسِ أَنَّ الْمُخْتَارَ عَدَمُ الْقَبُولِ سَبْقُ قَلَمٍ. (قَوْلُهُ: بَيْنَ الْمَحَارِمِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ يُغْنِي عَنْهُ؛ وَلِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اخْتِصَاصُ الثَّانِي بِالْجَمْعِ وَطِئَ بِمِلْكِ يَمِينٍ، وَلَا يَصِحُّ إعْرَابُهُ بَدَلًا مِنْهُ بَدَلَ مُفَصَّلٍ مِنْ مُجْمَلٍ؛ لِأَنَّ الشَّارِحَ ذَكَرَ لَهُ عَامِلًا يَخُصُّهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَحَرُمَ الْجِمَاعُ فَافْهَمْ، وَأَرَادَ بِالْمَحَارِمِ مَا يَشْمَلُ النَّسَبَ وَالرَّضَاعَ فَلَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ رَضِيعَتَانِ أَرْضَعَتْهُمَا أَجْنَبِيَّةٌ فَسَدَ نِكَاحُهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: أَيْ عَقْدًا صَحِيحًا) الْأَنْسَبُ حَذْفُ قَوْلِهِ صَحِيحًا كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَلِذَا قَالَ ح: لَا ثَمَرَةَ لِهَذَا الْقَيْدِ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا قَطْعًا، وَلَا فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ، وَكَانَ نِكَاحُ الْأُولَى صَحِيحًا فَإِنَّ نِكَاحَ الثَّانِيَةِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بَاطِلٌ قَطْعًا نَعَمْ لَهُ ثَمَرَةٌ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَ الْأَوْلَى فَاسِدًا فَإِنَّ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَعْقِدَ عَلَى الثَّانِيَةِ وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا وَنِكَاحُ الْأُولَى، وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا يُسَمَّى نِكَاحًا كَمَا شَاعَ فِي عِبَارَاتِهِمْ لَهُ (قَوْلُهُ: وَعِدَّةً) مَعْطُوفٌ عَلَى نِكَاحًا مَنْصُوبٌ مِثْلُهُ عَلَى التَّمْيِيزِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ) شَمَلَ الْعِدَّةَ مِنْ الرَّجْعِيِّ، أَوْ مِنْ إعْتَاقِ أُمِّ وَلَدٍ خِلَافًا لَهُمَا أَوْ مِنْ تَفْرِيقٍ بَعْدَ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ مَنْ طَلَّقَ الْأَرْبَعَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهِنَّ، فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّةُ الْكُلِّ مَعًا جَازَ لَهُ تَزَوُّجُ أَرْبَعٍ، وَإِنْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةً بَحْرٌ. [فَرْعٌ] مَاتَتْ امْرَأَتُهُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُخْتِهَا بَعْدَ يَوْمٍ مِنْ مَوْتِهَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْأَصْلِ، وَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ لِصَدْرِ الْإِسْلَامِ وَالْمُحِيطِ لِلسَّرَخْسِيِّ وَالْبَحْرِ والتتارخانية وَغَيْرِهَا مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَأَمَّا مَا عُزِيَ إلَى النُّتَفِ مِنْ وُجُوبِ الْعِدَّةِ فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَتَمَامُهُ فِي كِتَابِنَا تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ (قَوْلُهُ: بِمِلْكِ يَمِينٍ) مُتَعَلِّقٌ بِوَطْءٍ، وَاحْتَرَزَ بِالْجَمْعِ وَطْءً عَنْ الْجَمْعِ مِلْكًا مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ ط. (قَوْلُهُ: بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ) يَرْجِعُ إلَى الْجَمْعِ نِكَاحًا وَعِدَّةً وَوَطْئًا بِمِلْكِ يَمِينٍ ط أَيْ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَمَّا عَلَى عِبَارَةِ الشَّارِحِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَخِيرِ (قَوْلُهُ: أَيُّهُمَا فُرِضَتْ إلَخْ) أَيْ أَيَّةُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فُرِضَتْ ذَكَرًا لَمْ يَحِلَّ لِلْأُخْرَى كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا، وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا، وَكَالْجَمْعِ بَيْنَ عَمَّتَيْنِ أَوْ خَالَتَيْنِ كَأَنْ يَتَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْ رَجُلَيْنِ أُمَّ الْآخَرِ، فَيُولَدُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 أَبَدًا لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا» وَهُوَ مَشْهُورٌ يَصْلُحُ مُخَصِّصًا لِلْكِتَابِ (فَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبِنْتِ زَوْجِهَا) أَوْ امْرَأَةِ ابْنِهَا أَوْ أَمَةٍ ثُمَّ سَيِّدَتِهَا لِأَنَّهُ لَوْ فُرِضَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ امْرَأَةُ الِابْنِ أَوْ السَّيِّدَةُ ذَكَرًا لَمْ يَحْرُمْ بِخِلَافِ عَكْسِهِ.   [رد المحتار] بِنْتٌ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْبِنْتَيْنِ عَمَّةَ الْأُخْرَى، أَوْ يَتَزَوَّجُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنْتَ الْآخَرِ وَيُولَدُ لَهُمَا بِنْتَانِ، فَكُلٌّ مِنْ الْبِنْتَيْنِ خَالَةُ الْأُخْرَى كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: أَبَدًا) قَيَّدَ بِهِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَغَيْرِهِ لِإِخْرَاجِ مَا لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ سَيِّدَتَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إذَا فُرِضَتْ الْأَمَةُ ذَكَرًا لَا يَصِحُّ لَهُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَى سَيِّدَتِهِ، وَلَوْ فُرِضَتْ السَّيِّدَةُ ذَكَرًا لَا يَحِلُّ لَهُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَى أَمَتِهِ إلَّا فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ كَمَا يَأْتِي لَكِنْ هَذِهِ الْحُرْمَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مُؤَقَّتَةٌ إلَى زَوَالِ مِلْكِ الْيَمِينِ، فَإِذَا زَالَ فَأَيَّتُهُمَا فُرِضَتْ ذَكَرًا صَحَّ إيرَادُ الْعَقْدِ مِنْهُ عَلَى الْأُخْرَى، فَلِذَا جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَاحْتِيجَ إلَى إخْرَاجِ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ بِقَيْدِ الْأَبَدِيَّةِ لَكِنْ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ عَدَمِ الْحِلِّ فِي قَوْلِهِ أَيَّتُهُمَا فُرِضَتْ ذَكَرًا لَمْ تَحِلَّ لِلْأُخْرَى عَدَمُ حِلِّ إيرَادِ الْعَقْدِ، أَمَّا لَوْ أُرِيدَ بِهِ عَدَمُ حِلِّ الْوَطْءِ لَا يَحْتَاجُ فِي إخْرَاجِهَا إلَى قَيْدِ الْأَبَدِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ بِدُونِهِ فَإِنَّهُ لَوْ فُرِضَتْ السَّيِّدَةُ ذَكَرًا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ أَمَتِهِ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا» ) تَمَامُهُ «وَلَا عَلَى خَالَتِهَا وَلَا ابْنَةِ أَخِيهَا وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا» (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَشْهُورٌ) فَإِنَّهُ ثَابِتٌ فِي صَحِيحَيْ مُسْلِمٍ وَابْنِ حِبَّانَ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَتَلَقَّاهُ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ بِالْقَبُولِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَرَوَاهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ وَجَابِرٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَيَصْلُحُ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] مَعَ أَنَّ الْعُمُومَ الْمَذْكُورَ مَخْصُوصٌ بِالْمُشْرِكَةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَبَنَاتِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَلَوْ كَانَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ جَازَ التَّخْصِيصُ بِهِ غَيْرَ مُتَوَقَّفٍ عَلَى كَوْنِهِ مَشْهُورًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ادِّعَاءِ الشُّهْرَةِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ مَوْقِعُهُ النَّسْخُ لَا التَّخْصِيصُ؛ لِأَنَّ {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] نَاسِخٌ لِعُمُومِ {وَأُحِلَّ لَكُمْ} [النساء: 24] إذْ لَوْ تَقَدَّمَ لَزِمَ نَسْخُهُ بِالْآيَةِ فَلَزِمَ حِلُّ الْمُشْرِكَاتِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ أَوْ تَكْرَارُ النَّسْخِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ يَكُونُ السَّابِقُ حُرْمَةَ الْمُشْرِكَاتِ، ثُمَّ يُنْسَخُ بِالْعَامِّ، وَهُوَ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] ثُمَّ يَجِبُ تَقْدِيرُ نَاسِخٍ آخَرَ لِأَنَّ الثَّابِتَ الْآنَ الْحُرْمَةُ فَتْحٌ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّ شَرْطَ التَّخْصِيصِ الْمُقَارَنَةُ عِنْدَنَا وَلَيْسَتْ بِمَعْلُومَةٍ. [تَنْبِيهٌ] مَا ذَكَرَهُ مِنْ الدَّلِيلِ لَا يَكْفِي لِإِثْبَاتِ عُمُومِ الْقَاعِدَةِ مِنْ حُرْمَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ جَمِيعِ الْمَحَارِمِ، فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُنَّ حَرَامٌ؛ لِإِفْضَائِهِ إلَى قَطْعِ الرَّحِمِ لِوُقُوعِ التَّشَاجُرِ عَادَةً بَيْنَ الضَّرَّتَيْنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِهِ مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ بِرِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ» وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. [تَتِمَّةٌ] عَنْ هَذَا أَجَابَ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَعِلَّةُ التَّبَاغُضِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ مُنْتَفِيَةٌ فِي الْجَنَّةِ إلَّا الْأُمَّ وَالْبِنْتَ. اهـ. أَيْ لِعِلَّةِ الْجُزْئِيَّةِ فِيهِمَا وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْجَنَّةِ أَيْضًا بِخِلَافِ نَحْوِ الْأُخْتَيْنِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَمَةٍ ثُمَّ سَيِّدَتِهَا) الْأَوْلَى عَدَمُ ذِكْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ إخْرَاجَهَا مِنْ الْقَاعِدَةِ بِقَيْدِ الْأَبَدِيَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ عَدَمِ الْحِلِّ، عَدَمُ حِلِّ إيرَادِ الْعَقْدِ، وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فَيُنَافِي قَوْلَهُ الْآتِي لَمْ يَحْرُمْ وَلَوْ أُرِيدَ بِعَدَمِ الْحِلِّ عَدَمُ حِلِّ الْوَطْءِ صَحَّ قَوْلُهُ: لَمْ يَحْرُمْ، لَكِنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْ قَيْدِ الْأَبَدِيَّةِ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ جَوَازَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ثَابِتٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ فَافْهَمْ. قَالَ ح: وَأَشَارَ بِثُمَّ إلَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدٍ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا فِي عَقْدَيْنِ وَالسَّيِّدَةُ مُقَدَّمَةٌ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ الْأَمَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْفَصْلِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَحْرُمْ) أَيْ التَّزَوُّجُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الذَّكَرَ الْمَفْرُوضَ فِي الْأَوْلَى يَصِيرُ مُتَزَوِّجًا بِنْتَ الزَّوْجِ وَهِيَ بِنْتُ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ وَفِي الثَّانِيَةِ يَصِيرُ مُتَزَوِّجًا امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً وَفِي الثَّالِثَةِ يَصِيرُ وَاطِئًا لِأَمَتِهِ. (وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ عَكْسِهِ) هُوَ مَا إذَا فُرِضَتْ بِنْتُ الزَّوْجِ أَوْ أُمُّ الزَّوْجِ أَوْ الْأَمَةُ ذَكَرًا حَيْثُ تَحْرُمُ الْأُخْرَى لِأَنَّهُ فِي الْأَوْلَى يَصِيرُ ابْنَ الزَّوْجِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 (وَإِنْ تَزَوَّجَ) بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ (أُخْتَ أَمَةٍ) قَدْ (وَطِئَهَا صَحَّ) النِّكَاحُ لَكِنْ (لَا يَطَأُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يَحْرُمَ) حِلُّ اسْتِمْتَاعِ (إحْدَاهُمَا عَلَيْهِ بِسَبَبٍ مَا) لِأَنَّ لِلْعَقْدِ حُكْمَ الْوَطْءِ حَتَّى لَوْ نَكَحَ مَشْرِقِيٌّ مَغْرِبِيَّةً يَثْبُتُ نَسَبُ أَوْلَادِهَا مِنْهُ لِثُبُوتِ الْوَطْءِ حُكْمًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ الْأَمَةَ لَهُ وَطْءُ الْمَنْكُوحَةِ، وَدَوَاعِي الْوَطْءِ كَالْوَطْءِ ابْنُ كَمَالٍ (وَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا مَعًا) أَيْ الْأُخْتَيْنِ أَوْ مَنْ بِمَعْنَاهُمَا (أَوْ بِعَقْدَيْنِ وَنَسِيَ) النِّكَاحَ (الْأَوَّلَ   [رد المحتار] فَلَا تَحِلُّ لَهُ مَوْطُوءَةُ أَبِيهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ يَصِيرُ أَبَا الزَّوْجِ، فَلَا تَحِلُّ لَهُ امْرَأَةُ ابْنِهِ وَفِي الثَّالِثَةِ يَصِيرُ عَبْدًا فَلَا تَحِلُّ لَهُ سَيِّدَتُهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَزَوَّجَ إلَخْ) قَيَّدَ بِالتَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أُخْتَ أَمَتِهِ الْمَوْطُوءَةِ جَازَ لَهُ وَطْءُ الْأُولَى وَلَيْسَ لَهُ وَطْءُ الثَّانِيَةِ مَا لَمْ يُحَرِّمْ الْأُولَى عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ وَطِئَهَا أَثِمَ ثُمَّ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى، وَيَكُونُ النِّكَاحُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَاسِدًا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمَوْطُوءَةُ مَا لَمْ يَدْخُلْ بِالْمَنْكُوحَةِ؛ لِوُجُودِ الْجَمْعِ حَقِيقَةً، وَأَطْلَقَ فِي الْأُخْتِ الْمُتَزَوِّجَةِ فَشَمَلَ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ، وَأَطْلَقَ فِي الْأَمَةِ فَشَمَلَ أُمَّ الْوَلَدِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهَا مَوْطُوءَةً؛ لِأَنَّ بِدُونِهِ يَجُوزُ لَهُ وَطْءُ الْمَنْكُوحَةِ كَمَا يَأْتِي؛ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَةَ لَيْسَتْ بِمَوْطُوءَةٍ حُكْمًا فَلَمْ يَصِرْ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا لَا حَقِيقَةً، وَلَا حُكْمًا وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِالْمَنْكُوحَةِ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَى أُخْتَهَا لَا يَطَأُ الْمُشْتَرَاةَ؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ مَوْطُوءَةٌ حُكْمًا كَذَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَأَرَادَ بِأُخْتِ الْأَمَةِ مَنْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا جُزْئِيَّةٌ احْتِرَازًا عَنْ أُمِّهَا أَوْ بِنْتِهَا؛ لِأَنَّ وَطْءَ إحْدَاهُمَا يُحَرِّمُ الْأُخْرَى أَبَدًا. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُحَرِّمَ) أَيْ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَتِهِمْ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّهُ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ مِنْ الْمَزِيدِ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ دَلَالَةُ حُكْمِ الْحُرْمَةِ بِدُونِ فِعْلِهِ كَمَوْتِ إحْدَاهُمَا أَوْ رِدَّتِهَا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَلَوْ قُرِئَ بِالْفَتْحِ وَالتَّخْفِيفِ صَحَّ وَشَمَلَ ذَلِكَ مَنْطُوقًا، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ لِمَا عَلِمْت فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: حِلُّ اسْتِمْتَاعٍ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ أَيْ يَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ الْحَلَالُ أَفَادَهُ ط، أَوْ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ يَحْرُمُ شَيْئًا حَلَالًا هُوَ اسْتِمْتَاعٌ أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ وَبِهِ انْدَفَعَ أَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ كَالِاسْتِمْتَاعِ فَلَا يَصِحُّ وَصْفُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: بِسَبَبٍ مَا) فَتَحْرِيمُ الْمَنْكُوحَةِ بِالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالرِّدَّةِ مَعَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَالْمَمْلُوكَةُ يَبِيعُهَا كُلًّا أَوْ بَعْضًا، وَإِعْتَاقُهَا كَذَلِكَ وَهِبَتُهَا مَعَ التَّسْلِيمِ، وَكِتَابَتُهَا وَتَزْوِيجُهَا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ، بِخِلَافِ الْفَاسِدِ إلَّا إذَا دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ فَإِنَّهَا؛ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا مِنْهُ تَحْرُمُ عَلَى الْمَالِكِ، فَتَحِلُّ لَهُ حِينَئِذٍ الْمَنْكُوحَةُ، وَلَا يُؤَثِّرُ الْإِحْرَامُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَالصَّوْمُ وَالرَّهْنُ وَالْإِجَارَةُ وَالتَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّ فَرْجَهَا لَا يَحْرُمُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ بَحْرٌ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِهِمْ مَا لَوْ بَاعَهَا بَيْعًا فَاسِدًا أَوْ وَهَبَهَا كَذَلِكَ، وَقُبِضَتْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحِلُّ وَطْءُ الْمَنْكُوحَةِ لَهُ أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ فَاسِدًا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ وَكَذَا الْمَوْهُوبُ فَاسِدًا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَإِنْ عَادَتْ الْمَوْطُوءَةُ إلَى مِلْكِهِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ سَوَاءٌ كَانَ بِفَسْخٍ أَوْ بِشِرَاءٍ جَدِيدٍ لَمْ يَحِلَّ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأَمَةَ عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبٍ كَمَا كَانَ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ لِلْعَقْدِ حُكْمَ الْوَطْءِ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ لَا يَصِحَّ هَذَا النِّكَاحُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَصِيرَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْءً حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ السَّابِقَ قَائِمٌ حُكْمًا أَيْضًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ بَيْعَهَا يُسْتَحَبُّ لَهُ اسْتِبْرَاؤُهَا وَهَذَا اللَّازِمُ بَاطِلٌ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ مَلْزُومِهِ وَهُوَ صِحَّةُ الْعَقْدِ، وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ لَازِمٌ مُفَارِقٌ؛ لِأَنَّ بِيَدِهِ إزَالَتَهُ فَلَا يَضُرُّ بِالصِّحَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ قَدْ وَطِئَهَا ح (قَوْلُهُ: وَطْءُ الْمَنْكُوحَةِ) فَإِنْ وَطِئَ الْمَنْكُوحَةَ حَرُمَتْ الْمَمْلُوكَةُ حَتَّى يُفَارِقَ الْمَنْكُوحَةَ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ (قَوْلُهُ: وَدَوَاعِي الْوَطْءِ كَالْوَطْءِ) حَتَّى لَوْ كَانَ قَبَّلَ أَمَتَهُ أَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ هِيَ فَعَلَتْ بِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا لَا تَحِلُّ لَهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ بِمَعْنَاهُمَا) هُوَ كُلُّ امْرَأَتَيْنِ أَيَّتُهُمَا فُرِضَتْ ذَكَرًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ لِلْأُخْرَى ح، وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا جَمَعَهُمَا مِنْ الْمَحَارِمِ ط. (قَوْلُهُ: وَنَسِيَ الْأَوَّلُ) فَلَوْ عَلِمَ الصَّحِيحَ وَالثَّانِي بَاطِلٌ، وَلَهُ وَطْءُ الْأُولَى لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 فَرَّقَ) الْقَاضِي (بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا) وَيَكُونُ طَلَاقًا (وَلَهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ) يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ النِّسْيَانِ إذْ الْحَكَمُ فِي تَزَوُّجِهِمَا مَعًا الْبُطْلَانُ وَعَدَمُ وُجُوبِ الْمَهْرِ إلَّا بِالْوَطْءِ كَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ فَتَنَبَّهْ، وَهَذَا إنْ (كَانَ مَهْرَاهُمَا مُتَسَاوِيَيْنِ) قَدْرًا وَجِنْسًا (وَهُوَ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ وَكَانَتْ الْفُرْقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ) وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهَا الْأُولَى، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا،   [رد المحتار] أَنْ يَطَأَ الثَّانِيَةَ فَتَحْرُمُ الْأُولَى إلَى انْقِضَاءِ عِدَّةِ الثَّانِيَةِ كَمَا لَوْ وَطِئَ أُخْتَ امْرَأَتِهِ بِشُبْهَةٍ حَيْثُ تَحْرُمُ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ مَا لَمْ تُنْتَقَضْ عِدَّةُ ذَاتِ الشُّبْهَةِ ح عَنْ الْبَحْرِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ: قَيَّدَ بِالنِّسْيَانِ إذْ الزَّوْجُ لَوْ عَيَّنَ إحْدَاهُمَا بِالْفِعْلِ بِدُخُولِهِ بِهَا أَوْ بِبَيَانِ أَنَّهَا سَابِقَةٌ قَضَى بِنِكَاحِهَا؛ لِتَصَادُقِهِمَا، وَفَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُخْرَى وَلَوْ دَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْأُخْرَى سَابِقَةٌ يُعْتَبَرُ الْبَيَانُ إذْ الدَّلَالَةُ لَا تُعَارِضُ الصَّرِيحَ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ: فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا) يَعْنِي يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ أَنْ يُفَارِقَهُمَا فَإِنْ لَمْ يُفَارِقْهُمَا وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي إنْ عَلِمَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ بَحْرٌ، لَكِنْ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَلَوْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ وَلَا يَدْرِي أَيَّتَهُمَا أَسْبَقُ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِالْبَيَانِ فَإِنْ بَيَّنَ فَعَلَى مَا بَيَّنَ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَرَّى فِي ذَلِكَ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا. اهـ. ح قُلْت لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ بَيَانَ الزَّوْجِ مَبْنِيٌّ عَلَى عِلْمِهِ بِالْأَسْبَقِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الدُّرَرِ، وَلِقَوْلِهِ لَا يَتَحَرَّى تَأَمَّلْ. وَفِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى التَّفْرِيقِ مِنْ الزَّوْجِ أَنَّهُ يُطَلِّقُهُمَا وَلَمْ أَرَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ طَلَاقًا) أَيْ تَفْرِيقُ الْقَاضِي الْمَذْكُورُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْفَتْحِ أَنَّهُ بَحْثٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ طَلَاقٌ حَتَّى يَنْقُصَ مِنْ طَلَاقِ كُلٍّ مِنْهُمَا طَلْقَةٌ لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ عَبَّرَ عَنْ التَّفْرِيقِ الْمَذْكُورِ بِالطَّلَاقِ وَكَذَا قَالَ الأتقاني فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَتَفْرِيقُ الْقَاضِي كَالطَّلَاقِ مِنْ الزَّوْجِ ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِنْ وَقَعَ التَّفْرِيقُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ لِلْحَالِ، وَإِنْ بَعْدَهُ فَلَيْسَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُمَا، وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّةُ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَلَهُ تَزَوُّجُ الَّتِي لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا دُونَ الْأُخْرَى كَيْ لَا يَصِيرَ جَامِعًا، وَإِنْ وَقَعَ بَعْدَ الدُّخُولِ بِإِحْدَاهُمَا فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي الْحَالِ دُونَ الْأُخْرَى فَإِنَّ عِدَّتَهَا تَمْنَعُ مِنْ تَزَوُّجِ أُخْتِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ النِّسْيَانِ) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ: وَيَكُونُ طَلَاقًا وَلِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ إذْ التَّفْرِيقُ فِي الْبَاطِلِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: إذْ الْحُكْمُ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ النِّسْيَانِ صَحَّ نِكَاحُ السَّابِقَةِ دُونَ اللَّاحِقَةِ وَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا لِلْجَهْلِ، وَاَلَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا يَجِبُ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ بِالتَّفْرِيقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَمَّا جُهِلَتْ وَجَبَ لَهُمَا، أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ تَزَوُّجِهِمَا مَعًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَالْبَاطِلُ نِكَاحُ كُلٍّ مِنْهُمَا يَقِينًا، فَإِذَا كَانَ التَّفْرِيقُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهُمَا وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ دَخَلَ بِهِمَا وَجَبَ لِكُلٍّ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى، وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا هُوَ حُكْمُ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَعَلَيْهِمَا الْعِدَّةُ بَحْرٌ قَالَ: وَقَيَّدَ بُطْلَانَهُمَا فِي الْمُحِيطِ بِأَنْ لَا تَكُونَ إحْدَاهُمَا مَشْغُولَةً بِنِكَاحِ الْغَيْرِ أَوْ عِدَّتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ صَحَّ نِكَاحُ الْفَارِغَةِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَةٌ زَوْجَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَأَحَدُهُمَا مُتَزَوِّجٌ بِأَرْبَعَةِ نِسْوَةٍ، فَإِنَّهَا تَكُونُ زَوْجَةً لِلْآخَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْجَمْعُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إذَا كَانَتْ هِيَ لَا تَحِلُّ لِأَحَدِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ وُجُوبُ نِصْفِ الْمَهْرِ لَهُمَا فِي مَسْأَلَةِ النِّسْيَانِ (قَوْلُهُ: مُتَسَاوِيَيْنِ قَدْرًا وَجِنْسًا) كَمَا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ ح (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُسَمًّى) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْمَهْرَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ ح (قَوْلُهُ: وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهَا الْأُولَى) أَمَّا إذَا قَالَتَا لَا نَدْرِي أَيَّ النِّكَاحَيْنِ أَوَّلُ لَا يَقْضِي لَهُمَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ مَجْهُولٌ، وَهُوَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ، كَمَنْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا عَلَيَّ أَلْفٌ لَا يَقْضِي لِأَحَدِهِمَا بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا بِأَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَخْذِ نِصْفِ الْمَهْرِ، فَيَقْضِي لَهُمَا بِهِ وَهَذَا الْقَيْدُ أَيْ دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا زَادَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ تَضْعِيفُهُ لَكِنَّهُ حَسَنٌ بَحْرٌ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 فَإِنْ اخْتَلَفَ مَهْرَاهُمَا، فَإِنْ عَلِمَا فَلِكُلٍّ رُبْعُ مَهْرِهَا، وَإِلَّا فَلِكُلٍّ نِصْفُ أَقَلِّ الْمُسَمَّيَيْنِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فَالْوَاجِبُ مُتْعَةٌ وَاحِدَةٌ لَهُمَا) بَدَلُ نِصْفِ الْمَهْرِ (وَإِنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ وَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَهْرٌ كَامِلٌ) لِتَقَرُّرِهِ بِالدُّخُولِ   [رد المحتار] مِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ عَلَى السَّبْقِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ: أَيْ لِتَهَاتُرِهِمَا. قَالَ ح فَلَوْ أَقَامَتْ إحْدَاهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى السَّبْقِ فَنِكَاحُهَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَالثَّانِي بَاطِلٌ نَظِيرُ مَا قَدَّمْنَا فِي قَوْلِهِ وَنَسِيَ الْأَوَّلُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ اخْتَلَفَ مَهْرَاهُمَا) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ مُتَسَاوِيَيْنِ قَدْرًا وَجِنْسًا وَهُوَ صَادِقٌ بِاخْتِلَافِهِمَا قَدْرًا فَقَطْ، كَأَنْ يَكُونَ مَهْرُ إحْدَاهُمَا وَزْنَ أَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ الْفِضَّةِ وَالْأُخْرَى وَزْنُ أَلْفَيْنِ مِنْهَا، وَجِنْسًا فَقَطْ كَأَنْ يَكُونَ مَهْرُ إحْدَاهُمَا وَزْنَ أَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ الْفِضَّةِ وَالْأُخْرَى وَزْنَ أَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ الذَّهَبِ، وَقَدْرًا وَجِنْسًا كَأَنْ يَكُونَ مَهْرُ إحْدَاهُمَا وَزْنَ أَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ الْفِضَّةِ وَالْأُخْرَى وَزْنَ أَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ الذَّهَبِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَلِمَا إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ مَأْخُوذٌ مِنْ الدُّرَرِ. وَاعْتَرَضَهُ مُحَشُّوهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لِغَيْرِهِ وَاَلَّذِي وُجِدَ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ أَنَّ الْمُسَمَّى لَهُمَا إنْ كَانَ مُخْتَلِفًا يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِرُبْعِ مَهْرِهَا الْمُسَمَّى وَاَلَّذِي وُجِدَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ يُقْضَى لَهُمَا بِالْأَقَلِّ مِنْ نِصْفَيْ الْمَهْرَيْنِ الْمُسَمَّيَيْنِ، فَلَوْ كَانَ مَهْرُ إحْدَاهُمَا مِائَةَ دِرْهَمٍ وَالْأُخْرَى ثَمَانِينَ يُقْضَى عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِلْأُولَى بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَلِلثَّانِيَةِ بِعِشْرِينَ وَعَلَى الثَّانِي بِنِصْفِ أَقَلِّ الْمَهْرَيْنِ الْمُسَمَّيَيْنِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ ثُمَّ بِنِصْفٍ بَيْنَهُمَا، فَيَكُونُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عِشْرُونَ دِرْهَمًا كَذَا فِي حَاشِيَتِهِ لِنُوحٍ أَفَنْدِي. وَفِي شَرْحِهِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ الثَّانِي وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ، مُعَلَّلًا بِأَنَّ فِيهِ يَقِينًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَيْ صَاحِبَ الدُّرَرِ أَرَادَ أَنْ يُوَفِّقَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيمَا إذَا كَانَ مَا سُمِّيَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهَا مَعْلُومًا كَالْخَمْسِمِائَةِ لِفَاطِمَةَ وَالْأَلْفِ لِزَاهِدَةَ وَالثَّانِي فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا كَذَلِكَ بِأَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ سَمَّى لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَمْسَمِائَةٍ وَلِلْأُخْرَى أَلْفًا إلَّا أَنَّهُ نَسِيَ تَعْيِينَ كُلٍّ مِنْهُمَا، لَكِنَّ سِيَاقَ مَا فِي الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ لَا يُؤَدِّي انْحِصَارُهُ فِي ذَلِكَ، وَلِذَا قِيلَ لَوْ حُمِلَ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ كَانَ أَوْلَى. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ، وَإِلَّا فَلِكُلِّ نِصْفٍ أَقَلُّ الْمُسَمَّيَيْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَغَيْرِهَا لِاقْتِضَائِهِ أَنْ تَأْخُذَ مَهْرًا كَامِلًا مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ نِصْفُ مَهْرٍ فَالصَّوَابُ مَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّرْحِ وَهُوَ، وَإِلَّا فَنِصْفُ أَقَلِّ الْمُسَمَّيَيْنِ لَهُمَا وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا فِي الدُّرَرِ مِنْ التَّوْفِيقِ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْ الْمَهْرَيْنِ مُسَمًّى فَالْوَاجِبُ مُتْعَةٌ، وَإِذَا سَمَّى لِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَلِمَنْ لَهَا الْمُسَمَّى أَخْذُ رُبْعِهِ وَاَلَّتِي لَمْ يُسَمِّ لَهَا تَأْخُذُ نِصْفَ الْمُتْعَةِ ح، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ. (قَوْلُهُ: وَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَهْرٌ كَامِلٌ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَلَوْ كَانَ التَّفْرِيقُ بَعْدَ الدُّخُولِ وَجَبَ، لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَهْرُهَا كَامِلًا، وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ يُقْضَى بِمَهْرٍ كَامِلٍ وَعُقْرٍ كَامِلٍ، وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا اتَّحَدَ الْمُسَمَّى لَهُمَا قَدْرًا وَجِنْسًا، أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فَيَتَعَذَّرُ إيجَابُ عُقْرٍ إذْ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى بِجَعْلِهَا ذَاتَ الْعُقْرِ مِنْ الْأُخْرَى لِأَنَّهُ فَرَّعَ الْحُكْمَ بِأَنَّهَا الْمَوْطُوءَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، هَذَا مَعَ أَنَّ الْفَاسِدَ لَيْسَ حُكْمُ الْوَطْءِ فِيهِ إذَا سَمَّى فِيهِ الْعُقْرَ بَلْ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى، وَمَهْرِ الْمِثْلِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ سِوَى قَوْلِهِ مَعَ أَنَّ الْفَاسِدَ إلَخْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ الْفَتْحِ عَبَّرَ أَوَّلًا بِأَنَّهُ يَجِبُ لِكُلٍّ مَهْرٌ كَامِلٌ، ثُمَّ بِالْعُقْرِ تَبَعًا لِمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ، ثُمَّ حَقَّقَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الْوَطْءِ هُوَ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى، وَمَهْرِ الْمِثْلِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِالْعُقْرِ وَفِي الْمُغْرِبِ الْعُقْرُ صَدَاقُ الْمَرْأَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْوَطْءَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَطْءٌ بِشُبْهَةٍ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى، وَمَهْرِ الْمِثْلِ، فَعُلِمَ أَنَّ اقْتِصَارَ الْبَحْرِ عَلَى التَّعْبِيرِ بِالْعُقْرِ صَحِيحٌ فَافْهَمْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّك قَدْ عَلِمْت أَنَّ أَحَدَ النِّكَاحَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ النِّسْيَانِ صَحِيحٌ وَالْآخَرِ فَاسِدٌ، وَبَعْدَ الدُّخُولِ يَجِبُ فِي الصَّحِيحِ الْمُسَمَّى، وَفِي الْفَاسِدِ الْعُقْرُ أَيْ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى، وَمَهْرِ الْمِثْلِ، وَحَيْثُ لَمْ تُعْلَمْ صَاحِبَةُ الصَّحِيحِ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 وَمِنْهُ يُعْلَمُ حُكْمُ دُخُولِهِ بِوَاحِدَةٍ (وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا جَمَعَهُمَا مِنْ الْمَحَارِمِ) فِي نِكَاحٍ. (وَ) حَرُمَ (نِكَاحُ) الْمَوْلَى (أَمَتَهُ   [رد المحتار] الْفَاسِدِ يُقْسَمُ الْمَهْرَانِ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَهْرٌ كَامِلٌ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعُ: لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَّحِدَ الْمُسَمَّى لَهُمَا أَوْ يَخْتَلِفَ، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَتَّحِدَ مَهْرُ مِثْلِهِمَا أَيْضًا أَوْ يَخْتَلِفَ، فَإِنْ اتَّحَدَ الْمُسَمَّيَانِ وَالْمَهْرَانِ فَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّهُ يَجِبُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَهْرُهَا كَامِلًا، وَأَمَّا إذَا اتَّحَدَ الْمُسَمَّيَانِ، وَاخْتَلَفَ الْمَهْرَانِ كَأَنْ سَمَّى لِهِنْدٍ مِائَةً، وَمَهْرُ مِثْلِهَا تِسْعُونَ، وَلِأُخْتِهَا دَعْدٍ مِائَةٌ أَيْضًا، وَمَهْرُ مِثْلِهَا ثَمَانُونَ، فَالْوَاجِبُ لِذَاتِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ الْمُسَمَّى وَهُوَ مِائَةٌ وَلِذَاتِ الْفَاسِدِ الْعُقْرُ، وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ هُنَا بَيْنَ التِّسْعِينَ وَالثَّمَانِينَ، وَيَتَعَذَّرُ إيجَابُ أَحَدِهِمَا إذْ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى بِكَوْنِهَا ذَاتَ الْعُقْرِ، فَلِذَا قَيَّدَ الْمُحَشِّي قَوْلَ الْفَتْحِ وَيَجِبُ حَمْلُهُ أَيْ حَمْلُ وُجُوبِ الْمَهْرِ كَامِلًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَا إذَا اتَّحَدَ الْمُسَمَّى لَهُمَا بِمَا إذَا اتَّحَدَ مَهْرُ مِثْلِهِمَا أَيْضًا، وَأَمَّا قَوْلُ الْفَتْحِ: وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا أَيْ الْمُسَمَّيَانِ فَيَتَعَذَّرُ إيجَابُ الْعُقْرِ، فَفِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الْمَهْرَانِ أَيْضًا كَأَنْ سَمَّى لِهِنْدٍ مِائَةً، وَمَهْرُ مِثْلِهَا ثَمَانُونَ وَلِدَعْدٍ تِسْعِينَ، وَمَهْرُ مِثْلِهَا سِتُّونَ مَثَلًا فَهُنَاكَ تَعَذَّرَ إيجَابُ الْعُقْرِ وَتَعَذَّرَ أَيْضًا إيجَابُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا لَيْسَتْ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى بِكَوْنِهَا ذَاتَ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَوْ ذَاتَ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ حَتَّى نُوجِبَ لَهُمَا أَحَدَ الْمُسَمَّيَيْنِ بِعَيْنِهِ، وَأَحَدُ الْعُقْرَيْنِ بِعَيْنِهِ لِاخْتِلَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الْمُسَمَّيَانِ وَاتَّحَدَ الْمَهْرَانِ كَأَنْ سَمَّى لِهِنْدٍ مِائَةً وَلِدَعْدٍ تِسْعِينَ، وَمَهْرُ مِثْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا ثَمَانُونَ فَلَا يَتَعَذَّرُ إيجَابُ الْعُقْرِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَانُونَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ ذَاتُ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ هِنْدًا أَوْ دَعْدًا بَلْ يَتَعَذَّرُ إيجَابُ الْمُسَمَّى ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ الْحُكْمُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ. وَقَالَ ط: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ إيجَابِ الْعُقْرِ يَجِبُ لِكُلٍّ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى، وَمَهْرِ مِثْلِهَا. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ تَنْقِيصٌ لِحَقِّهِمَا وَتَرْكٌ لِبَعْضِ الْمُتَيَقَّنِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ فِيهِمَا ذَاتَ نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَلَهَا الْمُسَمَّى كَامِلًا وَلَا سِيَّمَا إذَا اتَّحَدَ الْمُسَمَّيَانِ، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ حُكْمُ مَا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ إيجَابُ الْعُقْرِ، بَلْ الَّذِي يَظْهَرُ مَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ أَنَّهُ حَيْثُ جَهِلَ ذَاتَ الصَّحِيحِ مِنْهُمَا وَذَاتَ الْفَاسِدِ وَكَانَ لِإِحْدَاهُمَا الْمُسَمَّى وَلِلْأُخْرَى الْعُقْرُ أَنْ يَأْخُذَ الْمُتَيَقَّنَ وَيَقْتَسِمَانِ بَيْنَهُمَا فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ فَإِذَا اتَّحَدَ كُلٌّ مِنْ الْمُسَمَّيَيْنِ وَالْمَهْرَيْنِ يُعْطَيَانِ أَحَدَ الْمُسَمَّيَيْنِ وَأَحَدَ الْمَهْرَيْنِ، وَإِذَا اتَّحَدَ الْأَوَّلَانِ فَقَطْ يُعْطَيَانِ أَحَدَ الْمُسَمَّيَيْنِ وَأَقَلَّ الْمَهْرَيْنِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الْأَوَّلَانِ فَقَطْ يُعْطَيَانِ أَقَلَّ الْمُسَمَّيَيْنِ وَأَحَدَ الْمَهْرَيْنِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الْأَوَّلَانِ وَالْأَخِيرَانِ يُعْطَيَانِ أَقَلَّ الْمُسَمَّيَيْنِ وَأَقَلَّ الْمَهْرَيْنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ يُعْلَمُ حُكْمُ دُخُولِهِ بِوَاحِدَةٍ) يَعْنِي أَنَّ الْمَدْخُولَ بِهَا يَجِبُ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى وَنِصْفُ الْأَقَلِّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ سَابِقَةً وَجَبَ لَهَا جَمِيعُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً وَجَبَ لَهَا الْأَقَلُّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالْمُسَمَّى فَتَأْخُذُ نِصْفَ كُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا يَجِبُ لَهَا رُبْعُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ سَابِقَةً وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً لَا يَجِبُ لَهَا شَيْءٌ فَيَتَنَصَّفُ النِّصْفُ. اهـ. ح قُلْت: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَأْخُوذٌ مِنْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا دَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا مَعَ إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَيَّهُمَا أَسْبَقُ نِكَاحًا. أَمَّا لَوْ دَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا عَلَى وَجْهِ الْبَيَانِ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِنِكَاحِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَغَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ لَهَا جَمِيعُ الْمُسَمَّى لَهَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُخْرَى وَلَا شَيْءَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهَا الْمُتَأَخِّرَةُ فَيَكُونُ نِكَاحُهَا بَاطِلًا، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْبَاطِلَ لَا يَجِبُ فِيهِ الْمَهْرُ إلَّا بِالْمَدْخُولِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إلَخْ) الْأَحْسَنُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَهُوَ الْحُكْمُ بَيْنَ كُلِّ مَنْ لَا يَجُوزُ جَمْعُهُ مِنْ الْمَحَارِمِ. (قَوْلُهُ: وَحَرُمَ نِكَاحُ الْمَوْلَى أَمَتَهُ إلَخْ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 وَ) الْعَبْدِ (سَيِّدَتَهُ) ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكِيَّةَ تُنَافِي الْمَالِكِيَّةَ، نَعَمْ لَوْ فَعَلَهُ الْمَوْلَى احْتِيَاطًا كَانَ حَسَنًا،   [رد المحتار] أَيْ وَلَوْ مَلَكَ بَعْضَهَا وَكَذَا الْمَرْأَةُ لَوْ لَمْ تَمْلِكْ سِوَى سَهْمٍ وَاحِدٍ مِنْهُ فَتْحٌ. زَادَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَكَذَا إذَا مَلَك أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَوْ بَعْضَهَا فَسَدَ النِّكَاحُ، وَأَمَّا الْمَأْذُونُ وَالْمُدَبَّرُ إذَا اشْتَرَيَا زَوْجَتَهُمَا لَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ لِأَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِهِمَا بِالْعَقْدِ؛ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْمِلْكِ، وَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ، وَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ لَمْ يَفْسُدْ نِكَاحُهَا عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي لَا يَدْخُلُ الْمَبِيعُ فِي مِلْكِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكِيَّةَ إلَخْ) عِلَّةُ الْمَسْأَلَتَيْنِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: لِأَنَّ النِّكَاحَ مَا شُرِعَ إلَّا مُثْمِرًا ثَمَرَاتٍ فِي الْمِلْكِ بَيْنَ الْمُتَنَاكِحَيْنِ، مِنْهَا: مَا تَخْتَصُّ هِيَ بِمِلْكِهِ كَالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالْقَسْمِ وَالْمَنْعِ مِنْ الْعَزْلِ إلَّا بِإِذْنِ، وَمِنْهَا: مَا يَخْتَصُّ هُوَ بِمِلْكِهِ كَوُجُوبِ التَّمْكِينِ، وَالْقَرَارِ فِي الْمَنْزِلِ وَالتَّحَصُّنِ عَنْ غَيْرِهِ، وَمِنْهَا: مَا يَكُونُ الْمِلْكُ فِي كُلٍّ مِنْهَا مُشْتَرَكًا كَالِاسْتِمْتَاعِ مُجَامَعَةً، وَمُبَاشَرَةً وَالْوَلَدُ فِي حَقِّ الْإِضَافَةِ، وَالْمَمْلُوكِيَّةُ تُنَافِي الْمَالِكِيَّةَ فَقَدْ نَافَتْ لَازِمَ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَمُنَافِي اللَّازِمِ مُنَافٍ لِلْمَلْزُومِ وَبِهِ سَقَطَ مَا قِيلَ يَجُوزُ كَوْنُهَا مَمْلُوكَةً مِنْ وَجْهِ الرِّقِّ مَالِكَةً مِنْ وَجْهِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ لَازِمَ النِّكَاحِ مِلْكُ كُلِّ وَاحِدٍ لِمَا ذَكَرْنَا عَلَى الْخُلُوصِ، وَالرِّقُّ يَمْنَعُهُ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ فَعَلَهُ إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُرْمَةِ فِي قَوْلِهِ وَحَرُمَ مُطْلَقُ الْمَنْعِ لَا خُصُوصُ مَا يُتَبَادَرُ مِنْهَا مِنْ الْمَنْعِ عَلَى وَجْهٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْإِثْمُ، وَإِلَّا امْتَنَعَ فِعْلُ الْحَرَامِ لِلتَّنَزُّهِ عَنْ أَمْرٍ مَوْهُومٍ فِي تَزْوِيجِ السَّيِّدِ أَمَتَهُ أَوْ الْمُرَادُ بِهَا نَفْيُ وُجُودِ الْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ الْمُثْمِرِ لِثَمَرَاتِهِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ، وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَكَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ: الْمُرَادُ بِهِ فِي أَحْكَامِ النِّكَاحِ مِنْ ثُبُوتِ الْمَهْرِ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَبَقَاءِ النِّكَاحِ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ، وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ. أَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا مُتَنَزِّهًا عَنْ وَطْئِهَا حَرَامًا عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِمَالِ فَهُوَ حَسَنٌ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حُرَّةً أَوْ مُعْتَقَةَ الْغَيْرِ أَوْ مَحْلُوفًا عَلَيْهَا بِعِتْقِهَا، وَقَدْ حَنِثَ الْحَالِفُ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ لَا سِيَّمَا إذَا تَدَاوَلَتْهَا الْأَيْدِي. اهـ. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي وَطْءِ السَّرَارِيِّ اللَّاتِي يُؤْخَذْنَ غَنِيمَةً فِي زَمَانِنَا. قُلْت: وَلَا سِيَّمَا السَّرَارِيُّ اللَّاتِي يُؤْخَذْنَ غَنِيمَةً فِي زَمَانِنَا لِلتَّيَقُّنِ بِعَدَمِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ، فَيَبْقَى فِيهِنَّ حَقُّ أَصْحَابِ الْخُمُسِ وَبَقِيَّةِ الْغَانِمِينَ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْجِهَادِ عَنْ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ مِنْ أَنَّهُ فِي زَمَانِهِ وَقَعَ مِنْ السُّلْطَانِ التَّنْفِيلُ الْعَامُّ فَبَعْدَ إعْطَاءِ الْخُمُسِ لَا تَبْقَى شُبْهَةٌ فِي حِلِّ وَطْئِهِنَّ. اهـ. فَهُوَ غَيْرُ مُفِيدٍ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ التَّنْفِيلَ الْعَامَّ غَيْرُ صَحِيحٍ سَوَاءٌ شَرَطَ فِيهِ السُّلْطَانُ أَخْذَ الْخُمُسِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ السِّهَامِ الْمُقَدَّرَةِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ السَّيْرِ الْكَبِيرِ، وَأَمَّا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ تَنْفِيلَ سُلْطَانِ زَمَانِهِ وَلَا يَبْقَى إلَى زَمَانِنَا، وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّهُ نَفَى الشُّبْهَةَ بِإِعْطَاءِ الْخُمُسِ. وَمِنْ الْمَعْلُومِ فِي زَمَانِنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ وَصَلَتْ يَدُهُ مِنْ الْعَسْكَرِ إلَى شَيْءٍ يَأْخُذُهُ وَلَا يُعْطِي خُمُسَهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ وَاجِبًا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إنَّ وَطْءَ السَّرَارِيِّ اللَّاتِي يُجْلَبْنَ الْيَوْمَ مِنْ الرُّومِ وَالْهِنْدِ وَالتُّرْكِ حَرَامٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: فِي الْأَشْبَاهِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ عَنْهُ فِي قَاعِدَةِ الْأَصْلُ فِي الْأَبْضَاعِ التَّحْرِيمُ أَنَّ هَذَا وَرَعٌ لَا حُكْمٌ لَازِمٌ فَإِنَّ الْجَارِيَةَ الْمَجْهُولَةَ الْحَالِ الْمَرْجِعُ فِيهَا إلَى صَاحِبِ الْيَدِ إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً، وَإِلَى إقْرَارِهَا إنْ كَانَتْ كَبِيرَةً، وَإِنْ عُلِمَ حَالُهَا فَلَا إشْكَالَ. اهـ. فَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ مَا عُلِمَ أَنَّهَا أُخِذَتْ مِنْ الْغَنِيمَةِ، أَمَّا مَا عُلِمَ فِيهَا ذَلِكَ فَفِيهَا مَا ذَكَرْنَاهُ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَاعَهَا الْإِمَامُ أَوْ أَحَدٌ مِنْ الْعَسْكَرِ وَأَجَازَ الْإِمَامُ بَيْعَهُ، أَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَقَدْ نَصَّ فِي شَرْحِ السَّيْرِ الْكَبِيرِ عَلَى بَيْعِ الْغَازِيِّ سَهْمَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بَاطِلٌ كَإِعْتَاقِهِ لَكِنْ الْعَقْدُ عَلَيْهَا لَا يَرْفَعُ الشُّبْهَةَ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ غَنِيمَةً تَكُونُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَأَصْحَابِ الْخُمُسِ فَلَا يَصِحُّ تَزْوِيجُهَا نَفْسَهَا، بَلْ الرَّافِعُ لِلشُّبْهَةِ شِرَاؤُهَا مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ التَّصَدُّقُ بِهَا عَلَى فَقِيرٍ ثُمَّ شِرَاؤُهَا مِنْهُ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَمَامُ تَحْرِيرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى فِي عَدَمِ عَدِّهَا خَامِسَةً، وَنَحْوُهُ مِنْ عَدَمِ الِاحْتِيَاطِ. (وَ) حَرُمَ نِكَاحُ (الْوَثَنِيَّةِ) بِالْإِجْمَاعِ (وَصَحَّ نِكَاحُ كِتَابِيَّةٍ) ، وَإِنْ كُرِهَ تَنْزِيهًا (مُؤْمِنَةٍ بِنَبِيٍّ) مُرْسَلٍ (مُقِرَّةٍ بِكِتَابٍ) مُنَزَّلٍ، وَإِنْ اعْتَقَدُوا الْمَسِيحَ إلَهًا، وَكَذَا حِلُّ ذَبِيحَتِهِمْ عَلَى الْمَذْهَبِ بَحْرٌ. وَفِي النَّهْرِ مُنَاكَحَةُ الْمُعْتَزِلَةِ لِأَنَّا لَا نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ إنْ وَقَعَ إلْزَامًا فِي الْمَبَاحِثِ. (لَا) يَصِحُّ نِكَاحُ (عَابِدَةِ كَوْكَبٍ لَا كِتَابَ لَهَا) وَلَا وَطْؤُهَا بِمِلْكِ يَمِينٍ (وَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْوَثَنِيَّةِ) هَذَا سَاقِطٌ مِنْ نُسَخِ الشَّرْحِ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ، وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى عَابِدَةِ كَوْكَبٍ.   [رد المحتار] هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجِهَادِ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ إلَخْ) هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَقَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ أَيْ كَعَدَمِ الْقَسْمِ لَهَا وَعَدَمِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا، وَعَدَمِ ثُبُوتِ نَسَبِ وَلَدِهَا بِلَا دَعْوَى، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهَا إنَّمَا هُوَ عِنْدَ احْتِمَالِ عَدَمِ صِحَّةِ الْمِلْكِ احْتِمَالًا قَوِيًّا لِيَقَعَ الْوَطْءُ حَلَالًا بِلَا شُبْهَةٍ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْعَقْدِ عَلَيْهَا لِذَلِكَ أَنْ لَا يَعُدَّهَا عَلَى نَفْسِهِ خَامِسَةً وَنَحْوُهُ، بَلْ نَقُولُ يَنْبَغِي لَهُ الِاحْتِيَاطُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَحَرُمَ نِكَاحُ الْوَثَنِيَّةِ) نِسْبَةٌ إلَى عِبَادَةِ الْوَثَنِ وَهُوَ مَا لَهُ جُثَّةٌ أَيْ صُورَةُ إنْسَانٍ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ جَوْهَرٍ تُنْحَتُ وَالْجَمْعُ أَوْثَانٌ، وَالصَّنَمُ صُورَةٌ بِلَا جُثَّةٍ هَكَذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَقِيلَ لَا فَرْقَ، وَقِيلَ يُطْلَقُ الْوَثَنُ عَلَى غَيْرِ الصُّورَةِ كَذَا فِي الْبِنَايَةِ نَهْرٌ، وَفِي الْفَتْحِ: وَيَدْخُلُ فِي عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ عَبَدَةُ الشَّمْسِ وَالنُّجُومِ وَالصُّوَرِ الَّتِي اسْتَحْسَنُوهَا وَالْمُعَطِّلَةُ وَالزَّنَادِقَةُ وَالْبَاطِنِيَّةُ وَالْإِبَاحِيَّةُ. وَفِي شَرْحِ الْوَجِيزِ وَكُلُّ مَذْهَبٍ يَكْفُرُ بِهِ مُعْتَقِدُهُ. اهـ. قُلْت: وَشَمَلَ ذَلِكَ الدُّرُوزَ وَالنُّصَيْرِيَّةَ وَالتَّيَامِنَةَ، فَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ، وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ سَمَاوِيٌّ وَأَفَادَ بِحُرْمَةِ النِّكَاحِ حُرْمَةَ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ كَمَا يَأْتِي، وَالْمُرَادُ الْحُرْمَةُ عَلَى الْمُسْلِمِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: وَتَحِلُّ الْمَجُوسِيَّةُ وَالْوَثَنِيَّةُ لِكُلِّ كَافِرٍ إلَّا الْمُرْتَدَّ. (قَوْلُهُ: كِتَابِيَّةٍ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الْحَرْبِيَّةَ وَالذِّمِّيَّةَ وَالْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ ح عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كُرِهَ تَنْزِيهًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ ذِمِّيَّةً أَوْ حَرْبِيَّةً، فَإِنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ اسْتَظْهَرَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْكِتَابِيَّةِ الْحَرْبِيَّةِ تَنْزِيهِيَّةٌ فَالذِّمِّيَّةُ أَوْلَى. اهـ. ح قُلْت: عَلَّلَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ التَّحْرِيمِيَّةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ نَهْيٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهَا فِي رُتْبَةِ الْوَاجِبِ. اهـ. وَفِيهِ أَنَّ إطْلَاقَهُمْ الْكَرَاهَةَ فِي الْحَرْبِيَّةِ يُفِيدُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ، وَالدَّلِيلُ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ عَلَى أَنَّ التَّعْلِيلَ يُفِيدُ ذَلِكَ، فَفِي الْفَتْحِ وَيَجُوزُ تَزَوُّجُ الْكِتَابِيَّاتِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ، وَلَا يَأْكُلَ ذَبِيحَتَهُمْ إلَّا لِلضَّرُورَةِ، وَتُكْرَهُ الْكِتَابِيَّةُ الْحَرْبِيَّةُ إجْمَاعًا؛ لِافْتِتَاحِ بَابِ الْفِتْنَةِ مِنْ إمْكَانِ التَّعَلُّقِ الْمُسْتَدْعِي لِلْمُقَامِ مَعَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَتَعْرِيضِ الْوَلَدِ عَلَى التَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ الْكُفْرِ، وَعَلَى الرِّقِّ بِأَنْ تُسْبَى وَهِيَ حُبْلَى فَيُولَدَ رَقِيقًا، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا. اهـ. فَقَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ يُفِيدُ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ فِي غَيْرِ الْحَرْبِيَّةِ، وَمَا بَعْدَهُ يُفِيدُ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ فِي الْحَرْبِيَّةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: مُؤْمِنَةٍ بِنَبِيٍّ) تَفْسِيرٌ لِلْكِتَابِيَّةِ لَا تَقْيِيدٌ ط (قَوْلُهُ: مُقِرَّةٌ بِكِتَابٍ) فِي النَّهْرِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ: وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ دِينًا سَمَاوِيًّا وَلَهُ كِتَابٌ مُنَزَّلٌ كَصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَشِيثٍ وَزَبُورِ دَاوُد فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَتَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُمْ وَأَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ خِلَافًا لِمَا فِي الْمُسْتَصْفَى مِنْ تَقْيِيدِ الْحِلِّ بِأَنْ لَا يَعْتَقِدُوا ذَلِكَ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ يَجِبُ أَنْ لَا يَأْكُلُوا ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ إذَا اعْتَقَدُوا أَنَّ الْمَسِيحَ إلَهٌ، وَأَنَّ عُزَيْرًا إلَهٌ، وَلَا يَتَزَوَّجُوا نِسَاءَهُمْ قِيلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَكِنْ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ يَنْبَغِي أَنَّهُ يَجُوزُ الْأَكْلُ وَالتَّزَوُّجُ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْإِطْلَاقُ لِمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ ذَبِيحَةَ النَّصْرَانِيِّ حَلَالٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قَالَ بِثَالِثِ ثَلَاثَةٍ أَوْ لَا لِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ هُنَا وَالدَّلِيلِ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْقَائِلَ بِذَلِكَ طَائِفَتَانِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى انْقَرَضُوا لَا كُلُّهُمْ مَعَ أَنَّ مُطْلَقَ لَفْظِ الشِّرْكِ إذَا ذُكِرَ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ لَا يَنْصَرِفُ إلَى أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِنْ صَحَّ لُغَةً فِي طَائِفَةٍ أَوْ طَوَائِفَ لِمَا عُهِدَ مِنْ إرَادَتِهِ بِهِ مَنْ عَبَدَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَهُ مِمَّنْ لَا يَدَّعِي اتِّبَاعَ نَبِيٍّ وَكِتَابٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي النَّهْرِ إلَخْ) مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَمُقْتَضَى الْوَجْهِ حِلُّ مُنَاكَحَتِهِمْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عَدَمُ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَإِنْ وَقَعَ إلْزَامًا فِي الْمَبَاحِثِ، بِخِلَافِ مَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 وَقَوْلُهُ (وَالْمُحْرِمَةِ) بِحَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ (وَلَوْ بِمُحْرِمٍ) عَطْفٌ   [رد المحتار] خَالَفَ الْقَوَاطِعَ الْمَعْلُومَةَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الدِّينِ مِثْلُ الْقَائِلِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَنَفْيِ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّاتِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْمُحَقِّقُونَ وَأَقُولُ: وَكَذَا الْقَوْلُ بِالْإِيجَابِ بِالذَّاتِ وَنَفْيِ الِاخْتِيَارِ. اهـ. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ وَقَعَ إلْزَامًا فِي الْمَبَاحِثِ مَعْنَاهُ، وَإِنْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِكُفْرِ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ عِنْدَ الْبَحْثِ مَعَهُمْ فِي رَدِّ مَذْهَبِهِمْ بِأَنَّهُ كُفْرٌ أَيْ يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ بِكَذَا الْكُفْرُ، وَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ كُفْرَهُمْ؛ لِأَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبِهِمْ وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ مَا قَالُوا ذَلِكَ إلَّا لِشُبْهَةِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ عَلَى زَعْمِهِمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فِيهِ، وَلَزِمَهُمْ الْمَحْذُورُ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَدْنَى حَالًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، بَلْ هُمْ مُقِرُّونَ بِأَشْرَفِ الْكُتُبِ، وَلَعَلَّ الْقَائِلَ بِعَدَمِ حِلِّ مُنَاكَحَتِهِمْ يَحْكُمُ بِرِدَّتِهِمْ بِمَا اعْتَقَدُوهُ، وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَصْلُ اعْتِقَادِهِمْ، فَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ كُفْرٌ لَا يَكُونُ رِدَّةً. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ مَذْهَبًا يَكْفُرُ بِهِ إنْ كَانَ قَبْلَ تَقَدُّمِ الِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ فَهُوَ مُشْرِكٌ، وَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ. اهـ. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الرَّافِضِيَّ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ الْأُلُوهِيَّةَ فِي عَلِيٍّ، أَوْ أَنَّ جِبْرِيلَ غَلِطَ فِي الْوَحْيِ، أَوْ كَانَ يُنْكِرُ صُحْبَةَ الصِّدِّيقِ، أَوْ يَقْذِفُ السَّيِّدَةَ الصِّدِّيقَةَ فَهُوَ كَافِرٌ لِمُخَالَفَتِهِ الْقَوَاطِعَ الْمَعْلُومَةَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يُفَضِّلُ عَلِيًّا أَوْ يَسُبُّ الصَّحَابَةَ فَإِنَّهُ مُبْتَدِعٌ لَا كَافِرٌ كَمَا أَوْضَحْته فِي كِتَابِي تَنْبِيهُ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ عَامَّةَ أَحْكَامِ شَاتِمِ خَيْرِ الْأَنَامِ أَوْ أَحَدِ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. [تَنْبِيهٌ] قِيلَ: لَا تَجُوزُ مُنَاكَحَةُ مَنْ يَقُولُ أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ كَافِرٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يَقُولُهُ شَكًّا فِي إيمَانِهِ وَالشَّافِعِيَّةُ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ فَتَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِلَا شُبْهَةٍ. اهـ. وَحَقَّقَ ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّةَ يُرِيدُونَ بِهِ إيمَانَ الْمُوَافَاةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَهُوَ الَّذِي يُقْبَضُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ نَفْسِهِ بِفِعْلٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَوْ اسْتِصْحَابُهُ إلَيْهِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] غَيْرَ أَنَّهُ عِنْدَنَا خِلَافُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ تَعْوِيدَ النَّفْسِ بِالْجَزْمِ فِي مِثْلِهِ لِيَصِيرَ مَلَكَةً خَيْرٌ مِنْ إدْخَالِ أَدَاةِ التَّرَدُّدِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَكُونُ مُؤْمِنًا عِنْدَ الْمُوَافَاةِ أَوْ لَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا عَابِدَةِ كَوَاكِبَ لَا كِتَابَ لَهَا) هَذَا مَعْنَى الصَّابِئَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُتُونِ عَلَى أَحَدِ التَّفْسِيرَيْنِ فِيهَا، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَيَجُوزُ تَزَوُّجُ الصَّابِئَاتِ إنْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِدِينِ نَبِيٍّ وَيُقِرُّونَ بِكِتَابٍ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَإِنْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَلَا كِتَابَ لَهُمْ لَمْ تَجُزْ مِنَّا مُنَاكَحَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ، وَالْخِلَافُ الْمَنْقُولُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى اشْتِبَاهِ مَذْهَبِهِمْ فَكُلٌّ أَجَابَ عَلَى مَا وَقَعَ عِنْدَهُ. وَعَلَى هَذَا حَالُ ذَبِيحَتِهِمْ. اهـ. أَيْ الْخِلَافُ بَيْنَ الْإِمَامِ الْقَائِلِ بِالْحِلِّ، بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِهِ بِأَنَّ لَهُمْ كِتَابًا وَلَكِنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ الْكَوَاكِبَ كَتَعْظِيمِ الْمُسْلِمِ الْكَعْبَةَ، وَبَيْنَ صَاحِبَيْهِ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ الْحِلِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَلَوْ اتَّفَقَ عَلَى تَفْسِيرِهِمْ اتَّفَقَ عَلَى الْحُكْمِ فِيهِمْ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّ مَنْعَ مُنَاكَحَتِهِمْ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ عِبَادَةِ الْكَوَاكِبِ وَعَدَمِ الْكِتَابِ، فَلَوْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَلَهُمْ كِتَابٌ تَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ زَعَمُوا أَنَّ عِبَادَةَ الْكَوَاكِبِ لَا تُخْرِجُهُمْ عَنْ كَوْنِهِمْ أَهْلَ كِتَابٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا حَقِيقَةً فَلَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ.، وَإِنْ كَانُوا يُعَظِّمُونَهَا كَتَعْظِيمِ الْمُسْلِمِينَ لِلْكَعْبَةِ فَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى. اهـ. فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفُ لَا كِتَابَ لَهَا مَفْهُومٌ لَهُ، لَكِنْ مَا مَرَّ مِنْ حِلِّ النَّصْرَانِيَّةِ، وَإِنْ اعْتَقَدَتْ الْمَسِيحَ إلَهًا يُؤَيِّدُ قَوْلَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَالْمَجُوسِيَّةُ) نِسْبَةٌ إلَى مَجُوسٍ وَهُمْ عَبَدَةُ النَّارِ، وَعَدَمُ جَوَازِ نِكَاحِهِمْ وَلَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ خِلَافًا لِدَاوُدَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ وَرُفِعَ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: هَذَا سَاقِطٌ إلَخْ) فِيهِ اعْتِذَارٌ عَنْ تَكْرَارِ الْوَثَنِيَّةِ وَدَفْعُ إيهَامِ الْعَطْفِ فِي الْمُحَرَّمَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِمُحْرِمٍ) الْمُنَاسِبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 عَلَى كِتَابِيَّةٍ فَتَنَبَّهْ (وَالْأَمَةِ وَلَوْ) كَانَتْ (كِتَابِيَّةً أَوْ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ) الْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ وَطْءٍ يَحِلُّ بِمِلْكِ يَمِينٍ يَحِلُّ بِنِكَاحٍ، وَمَا لَا فَلَا (وَإِنْ كُرِهَ) تَحْرِيمًا فِي الْمُحْرِمَةِ وَتَنْزِيهًا فِي الْأَمَةِ (وَحُرَّةٍ عَلَى أَمَةٍ لَا) يَصِحُّ (عَكْسُهُ وَلَوْ) أُمَّ وَلَدٍ (فِي عِدَّةِ حُرَّةٍ) وَلَوْ مِنْ بَائِنٍ   [رد المحتار] لِمُحْرِمٍ بِاللَّامِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمُقَدَّرَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لَا يَتَعَدَّى بِالْبَاءِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ تَضَمُّنَهُ مَعْنَى التَّزَوُّجِ فَإِنَّهُ يَتَعَدَّى بِالْبَاءِ فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ (قَوْلُهُ: أَوْ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ) أَيْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى مَهْرِهَا وَنَفَقَتِهَا وَهُوَ بِالْفَتْحِ فِي الْأَصْلِ الْفَضْلُ، وَيُعَدَّى بِعَلَى، وَإِلَى فَطَوْلُ الْحُرَّةِ مُتَّسَعٌ فِيهِ بِحَذْفِ الصِّلَةِ، ثُمَّ الْإِضَافَةِ إلَى الْمَفْعُولِ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُطَرِّزِيُّ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: الْأَصْلُ إلَخْ) قَدْ يُنَاقَشُ فِيهِ بِالْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ بَعْدَ الْحُرَّةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَطْؤُهَا مِلْكًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْكِحَ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ ط (قَوْلُهُ: تَحْرِيمًا فِي الْمُحَرَّمَةِ وَتَنْزِيهًا فِي الْأَمَةِ) أَمَّا الثَّانِي فَهُوَ مَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ كَلَامِ الْبَدَائِعِ، وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَأَيَّدَهُ بِقَوْلِ الْمَبْسُوطِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مَا فَهِمَهُ فِي النَّهْرِ مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ، وَهُوَ فَهْمٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ فَإِنَّهُ فِي الْفَتْحِ ذَكَرَ دَلِيلَ الْمَسْأَلَةِ لَنَا، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ» وَذَكَرَ دَلِيلَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ» أَيْ بِفَتْحِ الْيَاءِ فِي الْأَوَّلِ وَضَمِّهَا فِي الثَّانِي مَعَ كَسْرِ الْكَافِ، وَمَنْ فَتَحَهَا فِي الثَّانِي فَقَدْ صَحَّفَ بَحْرٌ. زَادَ مُسْلِمٌ «وَلَا يَخْطُبُ» ثُمَّ أَجَابَ بِتَرْجِيحِ الْأَوَّلِ مِنْ وُجُوهٍ. ثُمَّ أَجَابَ عَلَى تَسْلِيمِ التَّعَارُضِ بِحَمْلِ الثَّانِي إمَّا عَلَى نَهْيِ التَّحْرِيمِ وَالنِّكَاحُ فِيهِ لِلْوَطْءِ أَوْ عَلَى نَهْيِ الْكَرَاهِيَةِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ فِي شُغُلٍ عَنْ مُبَاشَرَةِ عُقُودِ الْأَنْكِحَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ شَغْلَ قَلْبِهِ عَنْ إحْسَانِ الْعِبَادَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ خِطْبَةٍ، وَمُرَاوِدَاتٍ وَدَعْوَةٍ وَاجْتِمَاعَاتٍ، وَيَتَضَمَّنُ تَنْبِيهَ النَّفْسِ بِطَلَبِ الْجِمَاعِ، وَهَذَا مَحْمَلُ قَوْلِهِ وَلَا يَخْطُبُ، وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاشَرَ الْمَكْرُوهَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَنُوطَ بِهِ الْكَرَاهَةُ هُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُنَزَّهٌ عَنْهُ، وَلَا بُعْدَ فِي اخْتِلَافِ حُكْمٍ فِي حَقِّنَا وَحَقِّهِ لِاخْتِلَافِ الْمَنَاطِ فِينَا وَفِيهِ كَالْوِصَالِ نَهَانَا عَنْهُ وَفَعَلَهُ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنْ لَا يَنْكِحَ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْوَطْءَ فَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ، وَهَذَا قَطْعِيٌّ لَا شُبْهَةَ فِيهِ أَوْ الْعَقْدَ فَالنَّهْيُ لِلْكَرَاهِيَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْوَجْهِ لَا يَقْتَضِي كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ، وَإِلَّا حَرُمَ تِجَارَةُ الْمُحْرِمِ فِي الْإِمَاءِ، فَإِنَّ فِيهِ أَيْضًا شَغْلَ الْقَلْبِ وَتَنْبِيهَ النَّفْسِ لِلْجِمَاعِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: وَهَذَا مَحْمَلُ قَوْلِهِ: وَلَا يَخْطُبُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ بِأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ. وَقَوْلُ الْكَنْزِ: وَحَلَّ تَزَوُّجُ الْكِتَابِيَّةِ وَالصَّابِئَةِ وَالْمُحْرِمَةِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ تَحْرِيمًا لَا يَحِلُّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ عَكْسُهُ) أَيْ وَلَا جَمْعُهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، بَلْ يَصِحُّ فِي الْجَمْعِ نِكَاحُ الْحُرَّةِ لَا الْأَمَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ. وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ فِي قَاعِدَةِ إذَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَأَنَّهُ يَبْطُلُ فِيهِمَا سَبْقُ قَلَمٍ. هَذَا وَحُرْمَةُ إدْخَالِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ إذَا كَانَ نِكَاحُ الْحُرَّةِ صَحِيحًا، فَلَوْ دَخَلَ بِالْحُرَّةِ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ لَا يَمْنَعُ الْأَمَةَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. [فَرْعٌ] تَزَوَّجَ أَمَةً بِلَا إذْنِ مَوْلَاهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى تَزَوَّجَ حُرَّةً ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ إنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ فَكَانَتْ فِي حُكْمِ الْإِنْشَاءِ فَيَصِيرُ مُتَزَوِّجًا أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ، وَلَوْ تَزَوَّجَ ابْنَتَهَا الْحُرَّةَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمَوْقُوفَ عَدَمٌ فِي حَقِّ الْحِلِّ فَلَا يَمْنَعُ نِكَاحَ غَيْرِهَا بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ أُمَّ وَلَدٍ) شَمَلَ الْمُدَبَّرَةَ وَالْمُكَاتَبَةَ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: فِي عِدَّةِ حُرَّةٍ) مِنْ مَدْخُولِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ وَلَوْ فِي عِدَّةِ حُرَّةٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ بَائِنٍ) أَشَارَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 (وَصَحَّ لَوْ رَاجَعَهَا) أَيْ الْأَمَةَ (عَلَى حُرَّةٍ) لِبَقَاءِ الْمِلْكِ (وَلَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنْ الْإِمَاءِ وَخَمْسًا مِنْ الْحَرَائِرِ فِي عَقْدٍ) وَاحِدٍ (صَحَّ نِكَاحُ الْإِمَاءِ) لِبُطْلَانِ الْخَمْسِ (وَ) صَحَّ (نِكَاحُ أَرْبَعٍ مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ فَقَطْ لِلْحُرِّ) لَا أَكْثَرُ (وَلَهُ التَّسَرِّي بِمَا شَاءَ مِنْ الْإِمَاءِ) فَلَوْ لَهُ أَرْبَعٌ وَأَلْفٌ سُرِّيَّةٍ وَأَرَادَ شِرَاءَ أُخْرَى فَلَامَهُ رَجُلٌ خِيفَ عَلَيْهِ الْكُفْرَ وَلَوْ أَرَادَ فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ أَقْتُلُ نَفْسِي لَا يَمْتَنِعُ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ، لَكِنْ لَوْ تَرَكَ لِئَلَّا يَغُمَّهَا يُؤْجَرُ لِحَدِيثِ «مَنْ رَقَّ لِأُمَّتِي رَقَّ اللَّهُ لَهُ» بَزَّازِيَّةٌ (وَنِصْفُهَا لِلْعَبْدِ) وَلَوْ مُدَبَّرًا (وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ) فَلَا يَحِلُّ لَهُ التَّسَرِّي أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ. إلَّا الطَّلَاقَ (وَ) صَحَّ نِكَاحُ (حُبْلَى مِنْ زِنًى لَا) حُبْلَى (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ الزِّنَى لِثُبُوتِ نَسَبِهِ وَلَوْ مِنْ حَرْبِيٍّ أَوْ سَيِّدِهَا   [رد المحتار] بِهِ إلَى خِلَافِ قَوْلِهِمَا بِجَوَازِهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى الْمَنْعِ فِي الرَّجْعِيِّ (قَوْلُهُ: لِبَقَاءِ الْمِلْكِ) أَيْ مِلْكِ نِكَاحِ الْأَمَةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ عَنْ النِّكَاحِ فَالْحُرَّةُ هِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْأَمَةِ (قَوْلُهُ: فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ) أَيْ عَلَى التِّسْعِ ح (قَوْلُهُ: لِبُطْلَانِ الْخُمُسِ) مُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْحَرَائِرُ أَرْبَعًا صَحَّ فِيهِنَّ وَبَطَلَ فِي الْإِمَاءِ كَمَا فِي جَمْعِ الْحُرَّةِ مَعَ الْأَمَةِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ، يُوَضِّحُهُ مَا نَقَلَهُ الرَّحْمَتِيُّ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ أَنَّهُ يَنْظُرُ فِي نِكَاحِ الْحَرَائِرِ، فَإِنْ كَانَ جَائِزًا لَوْ كُنَّ وَحْدَهُنَّ أَجْزَأَهُ وَأَبْطَلْت نِكَاحَ الْإِمَاءِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ أَبْطَلْته وَأَجَزْت نِكَاحَ الْإِمَاءِ إنْ كَانَ يَجُوزُ لَوْ كُنَّ وَحْدَهُنَّ. اهـ. قُلْت: وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ مَا لَوْ كَانَ جُمْلَةُ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ لَمْ تَزِدْ عَلَى أَرْبَعٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي الْحَرَائِرِ فَقَطْ، وَهُوَ صَرِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ عَكْسُهُ (قَوْلُهُ: سُرِّيَّةٍ) نِسْبَةٌ إلَى السِّرِّ وَهُوَ النِّكَاحُ، وَالْتُزِمَ ضَمُّ السِّينِ كَضَمِّ الدَّالِ فِي دُهْرِيَّةٍ نِسْبَةٌ إلَى الدَّهْرِ أَوْ إلَى السُّرُورِ لِحُصُولِهِ بِهَا ط (قَوْلُهُ: خِيفَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ) {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6]- بَزَّازِيَّةٌ -، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مِثْلَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى التَّزَوُّجِ عَلَى امْرَأَتِهِ، وَمَا فَرَّقَ بِهِ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَرَائِرِ مَشَقَّةً بِسَبَبِ وُجُوبِ الْعَدْلِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ السَّرَارِيِّ فَإِنَّهُ لَا قَسْمَ بَيْنَهُنَّ مِمَّا لَا أَثَرَ لَهُ مَعَ النَّصِّ نَهْرٌ أَيْ لِأَنَّ النَّصَّ نَفْيُ اللَّوْمِ عَنْ الْجِهَتَيْنِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ اللَّوْمِ عَلَى التَّسَرِّي هُوَ اللَّوْمُ عَلَى أَصْلِ الْفِعْلِ بِخِلَافِ اللَّوْمِ عَلَى تَزَوُّجِ أُخْرَى، فَإِنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ اللَّوْمُ عَلَى مَا يَلْحَقُهُ مِنْ خَوْفِ الْجَوْرِ لَا عَلَى أَصْلِ الْفِعْلِ، فَيَكُونُ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] فَهَذَا وَجْهُ مَا فَرَّقَ بِهِ فِي الْبَحْرِ أَخْذًا مِنْ تَنْصِيصِهِمْ عَلَى اللَّوْمِ عَلَى التَّسَرِّي فَقَطْ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ اللَّوْمَ عَلَى أَصْلِ الْفِعْلِ بِمَعْنَى أَنَّك فَعَلْت أَمْرًا قَبِيحًا فَهُوَ كَافِرٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى أَنَّك فَعَلْت مَا تَرَكَهُ لَك أَوْلَى لِمَا يَلْحَقُك مِنْ التَّعَبِ فِي النَّفَقَةِ وَكَثْرَةِ الْعِيَالِ، وَإِضْرَارِ الزَّوْجَةِ بِالتَّسَرِّي أَوْ بِالتَّزَوُّجِ عَلَيْهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا كُفْرَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَلْحَظْ شَيْئًا مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ فَلَا كُفْرَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَيْضًا، لَكِنْ قَالُوا يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ اللَّوْمُ عَلَى أَصْلِ الْفِعْلِ دُونَ الثَّانِي لِتَبَادُرِ خِلَافِهِ كَمَا قُلْنَا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ «مَنْ رَقَّ لِأُمَّتِي» ) أَيْ رَحِمَهَا «رَقَّ اللَّهُ لَهُ» أَيْ أَثَابَهُ وَأَحْسَنَ إلَيْهِ ط (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُدَبَّرًا) مِثْلُهُ الْمُكَاتَبُ وَابْنُ أُمِّ الَّذِي مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهَا كَمَا فِي الْغَايَةِ ط (قَوْلُهُ: وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعَبْدِ وَلَوْ مُكَاتَبًا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: أَصْلًا) أَيْ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ بِهِ الْمَوْلَى (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ) أَيْ فِي هَذَا الْبَابِ إلَّا الطَّلَاقَ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَمْلِكُ غَيْرَهُ كَالْإِقْرَارِ عَلَى نَفْسِهِ وَنَحْوِهِ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّ نِكَاحُ حُبْلَى مِنْ زِنًى) أَيْ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِحُّ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ. وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا وَقِيلَ لَهَا ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْوَطْءِ مِنْ جِهَتِهَا بِخِلَافِ الْحَيْضِ لِأَنَّهُ سَمَاوِيٌّ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: حُبْلَى مِنْ غَيْرٍ إلَخْ) شَمَلَ الْحُبْلَى مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ، وَمَا لَوْ كَانَ الْحَبَلُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ (قَوْلُهُ:؛ لِثُبُوتِ نَسَبِهِ) فَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَنِكَاحُ الْمُعْتَدَّةِ لَا يَصِحُّ ط (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ حَرْبِيٍّ) كَالْمُهَاجِرَةِ وَالْمَسْبِيَّةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَصِحُّ وَصَحَّحَ الزَّيْلَعِيُّ الْمَنْعَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 الْمُقِرِّ بِهِ (وَإِنْ حَرُمَ وَطْؤُهَا) وَدَوَاعِيهِ (حَتَّى تَضَعَ) مُتَّصِلٌ بِالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِئَلَّا يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ إذْ الشَّعْرُ يَنْبُتُ مِنْهُ. [فُرُوعٌ] لَوْ نَكَحَهَا الزَّانِي حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا اتِّفَاقًا وَالْوَلَدُ لَهُ وَلَزِمَهُ النَّفَقَةُ، وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ الْحَامِلَ بَعْدَ عِلْمِهِ قَبْلَ إقْرَارِهِ بِهِ جَازَ وَكَانَ نَفْيًا دَلَالَةً نَهْرٌ عَنْ التَّوْشِيحِ. (وَ) صَحَّ نِكَاحُ (الْمَوْطُوءَةِ بِمِلْكِ) يَمِينٍ وَلَا يَسْتَبْرِئُهَا زَوْجُهَا -   [رد المحتار] وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: الْمُقِرُّ بِهِ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَقَرَّ بِهِ لِقَوْلِهِ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ قَالَ فِي النَّهْرِ: قَالَ فِي التَّوْشِيحِ: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا بَعْدَ الْعِلْمِ قَبْلَ اعْتِرَافِهِ بِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ النِّكَاحُ وَيَكُونُ نَفْيًا. أَقُولُ: وَمِنْ هُنَا قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَ غَيْرَ أُمِّ وَلَدِهِ وَهِيَ حَامِلٌ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ نَفْيًا فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّعْوَى فَفِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ: وَدَوَاعِيهِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَحُكْمُ الدَّوَاعِي عَلَى قَوْلِهَا كَالْوَطْءِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ. اهـ. قَالَ ح: وَاَلَّذِي فِي نَفَقَاتِ الْبَحْرِ جَوَازُ الدَّوَاعِي فَلْيُحَرَّرْ. اهـ. قُلْت: وَاَلَّذِي فِي النَّفَقَاتِ أَنَّ زَوْجَةَ الصَّغِيرِ لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا أَبُوهُ ثُمَّ وَلَدَتْ وَاعْتَرَفَتْ أَنَّهَا حُبْلَى مِنْ الزِّنَى لَا تَرُدُّ شَيْئًا مِنْ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ الْحَبَلَ مِنْ الزِّنَى إنْ مَنَعَ الْوَطْءَ لَا يَمْنَعُ مِنْ دَوَاعِيهِ. اهـ. فَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ مَا هُنَا فِيمَنْ كَانَتْ حُبْلَى مِنْ الزِّنَى ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، وَمَا فِي النَّفَقَاتِ فِي الزَّوْجَةِ إذَا حَبِلَتْ مِنْ الزِّنَى فَتَأَمَّلْ. وَلَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مَا فِي النَّفَقَاتِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْبَحْرِ هُنَا عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِمَا يَعُودُ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ، وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَلَا يَقُولُ بِصِحَّتِهِ مِنْ أَصْلِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: مُتَّصِلٌ بِالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى) الضَّمِيرُ فِي مُتَّصِلٌ عَائِدٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ حَرُمَ وَطْؤُهَا حَتَّى تَضَعَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: إذْ الشَّعْرُ يَنْبُتُ مِنْهُ) الْمُرَادُ ازْدِيَادُ نَبَاتِ الشَّعْرِ لَا أَصْلُ نَبَاتِهِ، وَلِذَا قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَالْكَافِي؛ لِأَنَّ بِهِ يَزْدَادُ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ حِدَةً كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ. اهـ. وَهَذِهِ حِكْمَتُهُ، وَإِلَّا فَالْمُرَادُ الْمَنْعُ مِنْ الْوَطْءِ لِمَا فِي الْفَتْحِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» يَعْنِي إتْيَانَ الْحُبْلَى رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. اهـ. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ: اتِّفَاقًا) أَيْ مِنْهُمَا، وَمِنْ أَبِي يُوسُفَ، فَالْخِلَافُ السَّابِقُ فِي غَيْرِ الزَّانِي كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَالْوَلَدُ لَهُ) أَيْ إنْ جَاءَتْ بَعْدَ النِّكَاحِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُخْتَارَاتُ النَّوَازِلِ، فَلَوْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ، لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ، وَلَا يَرِثُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي، وَلَا يَقُولُ مِنْ الزِّنَى خَانِيَةٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ حَيْثُ الْقَضَاءُ، أَمَّا مِنْ حَيْثُ الدِّيَانَةُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَطَعَ نَسَبَهُ مِنْهُ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ اسْتِلْحَاقُهُ بِهِ وَلِذَا لَوْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ مِنْ الزِّنَى لَا يَثْبُتُ قَضَاءً أَيْضًا، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَوْ لَمْ يُصَرِّحْ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ بِعَقْدٍ سَابِقٍ أَوْ بِشُبْهَةٍ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ، وَكَذَا ثُبُوتُهُ مُطْلَقًا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ النِّكَاحِ لِاحْتِمَالِ عُلُوقِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَأَنَّ مَا قَبْلَ الْعَقْدِ كَانَ انْتِفَاخًا لَا حَمْلًا وَيُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ مَا أَمْكَنَ. مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ إلَخْ) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ الْمُقِرُّ بِهِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ قَبْلُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَسْتَبْرِئُهَا زَوْجُهَا) أَيْ لَا اسْتِحْبَابًا وَلَا وُجُوبًا عِنْدَ هُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا أُحِبُّ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّهُ احْتَمَلَ الشَّغْلَ بِمَاءِ الْمَوْلَى فَوَجَبَ التَّنَزُّهُ كَمَا فِي الشِّرَاءِ هِدَايَةٌ. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ قَوْلُهُ: أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ وَبِهِ نَأْخُذُ بِنَايَةٌ وَوَفَّقَ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا إنَّمَا نَفَى الِاسْتِحْبَابَ، وَهُمَا أَثْبَتَا الْجَوَازَ بِدُونِهِ فَلَا مُعَارَضَةَ وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ خِلَافُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 بَلْ سَيِّدُهَا وُجُوبًا عَلَى الصَّحِيحِ ذَخِيرَةٌ (أَوْ) الْمَوْطُوءَةِ (بِزِنًى) أَيْ جَازَ نِكَاحُ مَنْ رَآهَا تَزْنِي، وَلَهُ وَطْؤُهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ} [النور: 3]- فَمَنْسُوخٌ بِآيَةِ - {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] وَفِي آخِرِ حَظْرِ الْمُجْتَبَى لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ تَطْلِيقُ الْفَاجِرَةِ وَلَا عَلَيْهَا تَسْرِيحُ الْفَاجِرِ إلَّا إذَا خَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَفَرَّقَا، فَمَا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ ضَعِيفٌ كَمَا بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ. (وَ) صَحَّ نِكَاحُ (الْمَضْمُومَةِ إلَى مُحَرَّمَةٍ   [رد المحتار] مَا فِي الْهِدَايَةِ لَكِنْ اسْتَحْسَنَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِي نَفْسِ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى قَوْلٍ. قَالَ وَبِهِ يُسْتَغْنَى عَنْ تَرْجِيحِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ. قُلْت: إذَا كَانَ الصَّحِيحُ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْمَوْلَى يَسُوغُ نَفْيُ اسْتِحْبَابِهِ عَنْ الزَّوْجِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. نَعَمْ لَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا لَا يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِي اسْتِحْبَابِهِ لِلزَّوْجِ، بَلْ لَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ لَمْ يَبْعُدْ، وَيُقَرِّبُهُ أَنَّهُ فِي الْفَتْحِ حَمَلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ لَا أُحِبُّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ لِتَعْلِيلِهِ بِاحْتِمَالِ الشُّغْلِ بِمَاءِ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَقَالَ فَإِنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ كَثِيرًا مَا يُطْلِقُونَ أَكْرَهُ هَذَا فِي التَّحْرِيمِ أَوْ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَأُحِبُّ فِي مُقَابِلِهِ. اهـ. قُلْت: وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ احْتَمَلَ الشُّغْلَ بِمَاءِ الْمَوْلَى فَوَجَبَ التَّنَزُّهُ كَمَا فِي الشِّرَاءِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ. (قَوْلُهُ: بَلْ سَيِّدُهَا) أَيْ بَلْ يَسْتَبْرِئُهَا سَيِّدُهَا وُجُوبًا فِي الصَّحِيحِ، وَإِلَيْهِ مَالَ السَّرَخْسِيُّ، وَهَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَكَانَ يَطَؤُهَا، فَلَوْ أَرَادَ بَيْعَهَا يُسْتَحَبُّ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْبَيْعِ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِهِ عَلَى الْبَائِعِ. وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَكْرَهُ أَنْ يَبِيعَ مَنْ كَانَ يَطَؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَهُ وَطْؤُهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ) أَيْ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا مَا لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا هِدَايَةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّرْجِيحَ الْمَارَّ يَأْتِي هُنَا أَيْضًا وَلِذَا جَزَمَ فِي النَّهْرِ هُنَا بِالنَّدْبِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ مَاءَ الزِّنَى لَا اعْتِبَارَ لَهُ. بَقِيَ لَوْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ يَكُونُ مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُ، فَلَا يُقَالُ إنَّهُ يَكُونُ سَاقِيًّا زَرْعَ غَيْرِهِ، لَكِنْ هَذَا مَا لَمْ تَلِدْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ، فَلَوْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَيْ لِاحْتِمَالِ عُلُوقِهِ مِنْ غَيْرِ الزِّنَى بِأَنْ يَكُونَ بِشُبْهَةٍ فَلَا يَرِدُ صِحَّةُ تَزَوُّجِ الْحُبْلَى مِنْ زِنًى تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَمَنْسُوخٌ بِآيَةِ فَانْكِحُوا إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ امْرَأَتِي لَا تَدْفَعُ يَدَ لَامِسٍ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طَلِّقْهَا فَقَالَ إنِّي أُحِبُّهَا وَهِيَ جَمِيلَةٌ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَمْتِعْ بِهَا» (قَوْلُهُ: تَطْلِيقُ الْفَاجِرَةِ) الْفُجُورُ الْعِصْيَانُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَيْهَا) أَيْ بِأَنْ تُسِيءَ عِشْرَتَهُ أَوْ تَبْذُلَ لَهُ مَالًا لِيُخَالِعَهَا. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا خَافَا) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ حِينَئِذٍ مَنْدُوبٌ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فَلَا بَأْسَ لَكِنْ سَيَأْتِي أَوَّلَ الطَّلَاقِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَوْ مُؤْذِيَةً أَوْ تَارِكَةَ صَلَاةٍ وَيَجِبُ لَوْ فَاتَ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ لَا بَأْسَ عَنَا لِلْوُجُوبِ اقْتِدَاءً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] فَإِنَّ نَفْيَ الْبَأْسِ فِي مَعْنَى نَفْيِ الْجُنَاحِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: فَمَا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَهُ وَطْؤُهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ: فَإِنْ قُلْت: يُشْكِلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مَا فِي شَرْحِ النَّظْمِ الْوَهْبَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ زَنَتْ زَوْجَتُهُ لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى تَحِيضَ لِاحْتِمَالِ عُلُوقِهَا مِنْ الزِّنَى فَلَا يَسْقِي مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، وَصَرَّحَ النَّاظِمُ بِحُرْمَةِ وَطْئِهَا حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ وَهُوَ يَمْنَعُ حَمْلَهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَقُولُ بِالِاسْتِحْبَابِ. قُلْت: مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ النَّظْمِ ذَكَرَهُ فِي النُّتَفِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَوْ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةِ الْغَيْرِ عَالِمًا بِذَلِكَ وَدَخَلَ بِهَا لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا حَتَّى لَا يَحْرُمَ عَلَى الزَّوْجِ وَطْؤُهَا وَبِهِ يُفْتَى لِأَنَّهُ زِنًى وَالْمَزْنِيُّ بِهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا، نَعَمْ لَوْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ وَجَبَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَحَرُمَ عَلَى الزَّوْجِ وَطْؤُهَا، وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي النُّتَفِ عَلَى هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمَضْمُومَةُ إلَى مُحَرَّمَةٍ) بِالتَّشْدِيدِ كَأَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ إحْدَاهُمَا مَحَلٌّ وَالْأُخْرَى غَيْرُ مَحَلٍّ لِكَوْنِهَا مَحْرَمًا أَوْ ذَاتَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 وَالْمُسَمَّى) كُلُّهُ (لَهَا) وَلَوْ دَخَلَ بِالْمُحَرَّمَةِ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. (وَبَطَلَ نِكَاحُ مُتْعَةٍ، وَمُؤَقَّتٍ) ، وَإِنْ جُهِلَتْ الْمُدَّةُ أَوْ طَالَتْ فِي الْأَصَحِّ وَلَيْسَ مِنْهُ مَا لَوْ نَكَحَهَا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ نَوَى مُكْثَهُ مَعَهَا مُدَّةً   [رد المحتار] زَوْجٍ أَوْ مُشْرِكَةً؛ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ فِي إحْدَاهُمَا فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَبَاعَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً حَيْثُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ لِمَا أَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَالْمُسَمَّى كُلُّهُ لَهَا) أَيْ لِلْمُحَلَّلَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ نَظَرًا إلَى أَنَّ ضَمَّ الْمُحَرَّمَةِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ لَغْوٌ كَضَمِّ الْجِدَارِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ وَالِانْقِسَامُ مِنْ حُكْمِ الْمُسَاوَاةِ فِي الدُّخُولِ فِي الْعَقْدِ، وَلَمْ يَجِبْ الْحَدُّ بِوَطْءِ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَهُ مِنْ حُكْمِ صُورَةِ الْعَقْدِ لَا مِنْ حُكْمِ انْعِقَادِهِ فَلَيْسَ قَوْلُهُ: بِعَدَمِ الِانْقِسَامِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ فِي الْعَقْدِ مُنَافِيًا لِقَوْلِهِ بِسُقُوطِ الْحَدِّ لِوُجُودِ صُورَةِ الْعَقْدِ كَمَا تَوَهَّمَ، وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ عَلَى مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ) أَيْ بَالِغًا مَا بَلَغَ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُجَاوِزُ الْمُسَمَّى فَهُوَ قَوْلُهُمَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ بَالِغًا مَا بَلَغَ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ، فَلَا اعْتِبَارَ لِلتَّسْمِيَةِ أَصْلًا. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَا إذَا تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَدَخَلَ بِهِمَا حَيْثُ أَوْجَبْتُمْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالْمُسَمَّى؟ . قُلْت: هُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَحَلٌّ لِإِيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا الْمُمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَلِذَلِكَ قُلْنَا بِدُخُولِهِمَا فِي الْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّ الْمُحَرَّمَةَ لَيْسَتْ مَحَلًّا أَصْلًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ ح. (قَوْلُهُ: وَبَطَلَ نِكَاحُ مُتْعَةٍ، وَمُؤَقَّتٍ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنْ يَذْكُرَ الْوَقْتَ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَفِي الْمُتْعَةِ أَتَمَتَّعُ أَوْ أَسْتَمْتِعُ. اهـ. يَعْنِي مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَادَّةِ مُتْعَةٍ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مَعَ ذَلِكَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الشُّهُودِ فِي الْمُتْعَةِ وَتَعْيِينِ الْمُدَّةِ، وَفِي الْمُؤَقَّتِ الشُّهُودُ وَتَعْيِينُهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ لَهُمْ عَلَى تَعْيِينِ كَوْنِ الْمُتْعَةِ الَّذِي أُبِيحَ ثُمَّ حَرُمَ هُوَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ مَادَّةُ (م ت ع) لِلْقَطْعِ مِنْ الْآثَارِ بِأَنَّهُ كَانَ أَذِنَ لَهُمْ فِي الْمُتْعَةِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ بَاشَرَ هَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُخَاطِبَهَا بِلَفْظِ أَتَمَتَّعُ وَنَحْوِهِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ اللَّفْظَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ مَعْنَاهُ، فَإِذَا قِيلَ تَمَتَّعُوا فَمَعْنَاهُ أَوْجِدُوا مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ،، وَمَعْنَاهُ الْمَشْهُورُ أَنْ يُوجَدَ عَقْدًا عَلَى امْرَأَةٍ لَا يُرَادُ بِهِ مَقَاصِدُ عَقْدِ النِّكَاحِ مِنْ الْقَرَارِ لِلْوَلَدِ وَتَرْبِيَتِهِ، بَلْ إلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ يَنْتَهِي الْعَقْدُ بِانْتِهَائِهَا أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ بِمَعْنَى بَقَاءِ الْعَقْدِ مَا دَامَ مَعَهَا إلَى أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْهَا فَلَا عَقْدَ، فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا بِمَادَّةِ الْمُتْعَةِ وَالنِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ أَيْضًا فَيَكُونُ مِنْ أَفْرَادِ الْمُتْعَةِ، وَإِنْ عَقَدَ بِلَفْظِ التَّزَوُّجِ وَأَحْضَرَ الشُّهُودَ. اهـ. مُلَخَّصًا وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَدِلَّةَ تَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ وَأَنَّهُ كَانَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ وَكَانَ تَحْرِيمُ تَأْبِيدٍ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ وَعُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ إلَّا طَائِفَةً مِنْ الشِّيعَةِ وَنِسْبَةُ الْجَوَازِ إلَى مَالِكٍ كَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ غَلَطٌ، ثُمَّ رَجَّحَ قَوْلَ زُفَرَ بِصِحَّةِ الْمُؤَقَّتِ عَلَى مَعْنًى أَنَّهُ يَنْعَقِدُ مُؤَبَّدًا وَيَلْغُو التَّوْقِيتُ؛ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُؤَقَّتَ مُتْعَةٌ وَهُوَ مَنْسُوخٌ، لَكِنْ الْمَنْسُوخُ مَعْنَاهَا الَّذِي كَانَتْ الشَّرِيعَةُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا يَنْتَهِي الْعَقْدُ فِيهِ بِانْتِهَاءِ الْمُدَّةِ، فَإِلْغَاءُ شَرْطِ التَّوْقِيتِ أَثَرُ النَّسْخِ، وَأَقْرَبُ نَظِيرٌ إلَيْهِ نِكَاحُ الشِّغَارِ وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ بُضْعُ كُلٍّ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ مَهْرًا لِلْأُخْرَى، فَإِنَّهُ صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُ وَقُلْنَا يَصِحُّ مُوجِبًا لِمَهْرِ الْمِثْلِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَمْ يَلْزَمْنَا النَّهْيُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَقَدَ بِلَفْظِ الْمُتْعَةِ وَأَرَادَ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ الْمُؤَبَّدَ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ، وَإِنْ حَضَرَهُ الشُّهُودُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ كَلَفْظِ الْإِحْلَالِ فَإِنَّ مَنْ أَحَلَّ لِغَيْرِهِ طَعَامًا لَا يَمْلِكُهُ فَلَمْ يَصِحَّ مَجَازًا عَنْ مَعْنَى النِّكَاحِ كَمَا مَرَّ. اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ جُهِلَتْ الْمُدَّةُ) كَأَنْ يَتَزَوَّجَهَا إلَى أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ ح (قَوْلُهُ: أَوْ طَالَتْ فِي الْأَصَحِّ) كَأَنْ يَتَزَوَّجَهَا إلَى مِائَتَيْ سَنَةٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ؛ لِأَنَّ التَّأْقِيتَ هُوَ الْمُعَيِّنُ لِجِهَةِ الْمُتْعَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ مِنْهُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَاطِعِ يَدُلُّ عَلَى انْعِقَادِهِ مُؤَبَّدًا وَبَطَلَ الشَّرْطُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ نَوَى إلَخْ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 مُعَيَّنَةً وَلَا بَأْسَ بِتَزَوُّجِ النَّهَارِيَّاتِ عَيْنِيٌّ (وَ) يَحِلُّ (لَهُ وَطْءُ امْرَأَةٍ ادَّعَتْ عَلَيْهِ) عِنْدَ قَاضٍ (أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا) بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ (وَهِيَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهَا (مَحَلٌّ لِلْإِنْشَاءِ) أَيْ لِإِنْشَاءِ النِّكَاحِ خَالِيَةٌ عَنْ الْمَوَانِعِ (وَقَضَى الْقَاضِي بِنِكَاحِهَا بِبَيِّنَةٍ) أَقَامَتْهَا (وَلَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ تَزَوَّجَهَا، وَكَذَا) تَحِلُّ لَهُ (لَوْ ادَّعَى هُوَ نِكَاحَهَا) خِلَافًا لَهُمَا، وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ الْمَوَاهِبِ وَبِقَوْلِهِمَا يُفْتَى (وَلَوْ قَضَى بِطَلَاقِهَا بِشَهَادَةِ الزُّورِ مَعَ عِلْمِهَا) بِذَلِكَ نَفَذَ، وَ (حَلَّ لَهَا التَّزَوُّجُ بِآخَرَ بَعْدَ   [رد المحتار] ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ إنَّمَا يَكُونُ بِاللَّفْظِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِتَزَوُّجِ النَّهَارِيَّاتِ) وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَهَا نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ فَتْحٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا الْوَطْءُ لَازِمًا عَلَيْهَا وَلَهَا أَنْ تَطْلُبَ الْمَبِيتَ عِنْدَهَا لَيْلًا لِمَا عُرِفَ فِي بَابِ الْقَسْمِ. اهـ. أَيْ إذَا كَانَ لَهَا ضَرَّةٌ غَيْرُهَا، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ فِي النَّهَارِ عِنْدَهَا وَفِي اللَّيْلِ عِنْدَ ضَرَّتِهَا، أَمَّا لَوْلَا ضَرَّةَ لَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا الطَّلَبُ، خُصُوصًا إذَا كَانَتْ صَنْعَتُهُ فِي اللَّيْلِ كَالْحَارِسِ بَلْ سَيَأْتِي فِي الْقَسْمِ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ نَحْوَ الْحَارِسِ يُقْسِمُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ نَهَارًا وَاسْتَحْسَنَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَيَحِلُّ لَهُ إلَخْ) وَكَذَا يَحِلُّ لَهَا تَمْكِينُهُ مِنْ الْوَطْءِ، نَعَمْ الْإِثْمُ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَثُبُوتُ الْحِلِّ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ بِنُفُوذِ الْقَضَاءِ بِهَذَا النِّكَاحِ بَاطِنًا، وَكَذَا يَنْفُذُ ظَاهِرًا اتِّفَاقًا فَتَجِبُ النَّفَقَةُ وَالْقَسْمُ وَغَيْرُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: عِنْدَ قَاضٍ) هَلْ الْمُحَكَّمُ مِثْلُهُ لِيُحَرَّرْ ط. قُلْت: الظَّاهِرُ نَعَمْ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِقِصَاصٍ وَحُدُودِيَّةٍ عَلَى عَاقِلَةٍ (قَوْلُهُ: بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ حِلَّ الْوَطْءِ وَلَوْ صَدَرَ حَقِيقَةً ط (قَوْلُهُ: خَالِيَةٌ عَنْ الْمَوَانِعِ) تَفْسِيرٌ لِكَوْنِهَا مَحَلًّا لِلْإِنْشَاءِ وَالْمَوَانِعُ مِثْلُ كَوْنِهَا مُشْرِكَةً أَوْ مَحْرَمًا لَهُ أَوْ زَوْجَةَ الْغَيْرِ أَوْ مُعْتَدَّتَهُ ح (قَوْلُهُ: وَقَضَى الْقَاضِي بِنِكَاحِهَا) وَيُشْتَرَطُ؛ لِنَفَاذِ الْقَضَاءِ بَاطِنًا عِنْدَ الْإِمَامِ حُضُورُ شُهُودٍ عِنْدَ قَوْلِهِ قَضَيْت، وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَقِيلَ: لَا لِأَنَّ الْعَقْدَ ثَبَتَ مُقْتَضَى صِحَّةِ قَضَائِهِ فِي الْبَاطِنِ، وَمَا ثَبَتَ مُقْتَضَى صِحَّةِ الْغَيْرِ لَا يَثْبُتُ بِشَرَائِطِهِ كَالْبَيْعِ فِي قَوْلِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ، وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الْمُتُونِ بَحْرٌ قُلْت: لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ إلَخْ) الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لَهُمَا) رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بَاطِنًا عِنْدَهُمَا بِشَهَادَةِ الزُّورِ، وَلَوْ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ الْحُجَّةَ إذْ الشُّهُودُ كَذَبَةٌ، وَلَهُ أَنَّ الشُّهُودَ صَدَقَةٌ عِنْدَهُ، وَهُوَ الْحُجَّةُ لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَةِ الصِّدْقِ، وَأَمْكَنَ تَنْفِيذُ الْقَضَاءِ بَاطِنًا بِتَقْدِيمِ النِّكَاحِ فَيَنْفُذُ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ. وَطَعَنَ فِيهِ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ بِالطَّلَاقِ، فَأَجَابَهُ الْأَكْمَلُ بِأَنَّك إنْ أَرَدْت الطَّلَاقَ غَيْرَ الْمَشْرُوعِ فَلَا يُعْتَبَرُ أَوْ الْمَشْرُوعُ ثَبَتَ الْمَطْلُوبُ، إذْ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَتَعَقَّبَهُ تِلْمِيذُهُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّ لَهُ أَنْ يُرِيدَ غَيْرَ الْمَشْرُوعِ لِيَكُونَ طَرِيقًا لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ. وَتَعَقَّبَهُمَا تِلْمِيذُهُ ابْنُ الْهُمَامِ بِأَنَّ الْحَقَّ التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنَّهُ يَصْلُحُ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ إنْ كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ أَمَّا لَوْ كَانَ هُوَ الْمُدَّعِيَ فَلَا يُمْكِنُهَا التَّخَلُّصُ مِنْهُ إلَّا بِالنَّفَاذِ بَاطِنًا مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ أَعَمُّ مِنْ دَعْوَاهَا أَوْ دَعْوَاهُ. (قَوْلُهُ: وَبِقَوْلِهِمَا يُفْتَى) قَالَ الْكَمَالُ وَقَوْلُ الْإِمَامِ أَوْجَهُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً ثُمَّ ادَّعَى فَسْخَ بَيْعِهَا كَذِبًا وَبَرْهَنَ فَقَضَى لِلْبَائِعِ وَطْؤُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِ دَعْوَى الْمُشْتَرِي مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ بِالْعِتْقِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إتْلَافُ مَالِهِ، فَإِنَّهُ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا وَذَلِكَ مَا يَسْلَمُ لَهُ فِيهِ دِينُهُ. اهـ. وَلِلْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ رِسَالَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَطَالَ فِيهَا الِاسْتِدْلَالَ لِقَوْلِ الْإِمَامِ فَرَاجِعْهَا. قُلْت: وَحَيْثُ كَانَ الْأَوْجَهُ قَوْلَ الْإِمَامِ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ عَلَى مَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ وَفِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُعْدَلُ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ ضَعْفِ دَلِيلِهِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي مَنْظُومَةِ رَسْمِ الْمُفْتِي وَشَرْحِهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 الْعِدَّةِ وَحَلَّ لِلشَّاهِدِ) زُورًا (تَزَوُّجُهَا وَحَرُمَتْ عَلَى الْأَوَّلِ) وَعِنْدَ الثَّانِي لَا تَحِلُّ لَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ مَا لَمْ يَدْخُلْ الثَّانِي وَهِيَ مِنْ فُرُوعِ الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ كَمَا سَيَجِيءُ (وَالنِّكَاحُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ) كَتَزَوَّجْتُك إنْ رَضِيَ أَبَى لَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ لِتَعْلِيقِهِ بِالْخَطَرِ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَغَيْرِهَا، فَمَا فِي الدُّرَرِ فِيهِ نَظَرٌ (وَلَا إضَافَتُهُ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ) كَتَزَوَّجْتُك غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ لَمْ يَصِحَّ (وَلَكِنْ لَا يَبْطُلُ) النِّكَاحُ (بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَ) إنَّمَا (يَبْطُلُ الشَّرْطُ دُونَهُ) يَعْنِي لَوْ عَقَدَ مَعَ شَرْطٍ فَاسِدٍ لَمْ يَبْطُلْ النِّكَاحُ بَلْ الشَّرْطُ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ (إلَّا أَنْ يُعَلِّقَهُ بِشَرْطٍ) مَاضٍ (كَائِنٍ) لَا مَحَالَةَ (فَيَكُونُ تَحْقِيقًا) فَيَنْعَقِدُ فِي الْحَالِ كَأَنْ خَطَبَ بِنْتًا لِابْنِهِ فَقَالَ أَبُوهَا زَوَّجْتُهَا قَبْلَك مِنْ فُلَانٍ فَكَذَّبَهُ فَقَالَ إنْ لَمْ أَكُنْ زَوَّجْتُهَا لِفُلَانٍ فَقَدْ زَوَّجْتُهَا لِابْنِك فَقَبِلَ ثُمَّ عَلِمَ كَذِبَهُ انْعَقَدَ لِتَعْلِيقِهِ بِمَوْجُودٍ، وَكَذَا إذَا وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ، كَذَا ذَكَرَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَعَمَّمَهُ الْمُصَنِّفُ بَحْثًا   [رد المحتار] قَوْلُهُ: وَحَلَّ لِلشَّاهِدِ) وَكَذَا لِغَيْرِهِ بِالْأَوْلَى لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ (قَوْلُهُ: لَا تَحِلُّ لَهُمَا) أَيْ لِلزَّوْجِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَالزَّوْجِ الثَّانِي. أَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ بِالزُّورِ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ، وَإِنْ لَمْ تَقَعْ بَاطِنًا لَكِنْ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْرَثَ شُبْهَةً؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ زَانِيًا عِنْدَ النَّاسِ فَيَجِدُونَهُ كَذَا فِي رِسَالَةِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَدْخُلْ الثَّانِي) فَإِذَا دَخَلَ بِهَا حَرُمَتْ عَلَى الْأَوَّلِ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ كَالْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ: وَالنِّكَاحُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ) الْمُرَادُ أَنَّ النِّكَاحَ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَا يَصِحُّ لَا مَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ مِنْ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَلْغُو وَيَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ، وَهَذَا مَنْشَأُ تَوَهُّمِ الدُّرَرِ الْآتِي (قَوْلُهُ: لِتَعْلِيقِهِ بِالْخَطَرِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مَا يَكُونُ مَعْدُومًا يُتَوَقَّعُ وُجُودُهُ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: فَمَا فِي الدُّرَرِ) حَيْثُ قَالَ: لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ النِّكَاحِ بِالشَّرْطِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِبِنْتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ زَوَّجْتُك فُلَانًا وَقَالَ فُلَانٌ تَزَوَّجْتهَا فَإِنَّ التَّعْلِيقَ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ صَحَّ النِّكَاحُ (قَوْلُهُ: فِيهِ نَظَرٌ) لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِعَدَمِ صِحَّةِ النِّكَاحِ الْمُعَلَّقِ فِي الْفَتْحِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْأَصْلِ وَالْخَانِيَّةِ والتتارخانية وَفَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْقُنْيَةِ وَلَعَلَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ النِّكَاحُ الْمُعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ بِالنِّكَاحِ الْمَشْرُوطِ مَعَهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَاضِحٌ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: كَتَزَوَّجْتُك) بِفَتْحِ كَافِ الْخِطَابِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ) كَلَامُ الْمَتْنِ غِنًى عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ لَا يَبْطُلُ إلَخْ) لِمَا كَانَ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النِّكَاحِ الْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَالْمَقْرُونِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَمَا وَقَعَ لِصَاحِبِ الدُّورِ أَتَى بِالِاسْتِدْرَاكِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي مَسْأَلَةً مُسْتَقِلَّةً، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ بَعْدَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى مَنْشَأِ وَهْمِ الدُّرَرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: يَعْنِي لَوْ عَقَدَ) أَتَى بِالْعِنَايَةِ لِإِيهَامِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مَعَ أَنَّهُ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَإِنَّمَا أَتَى فِي أَوَّلِهَا بِالِاسْتِدْرَاكِ لِلتَّنْبِيهِ الْمَارِّ. (قَوْلُهُ: مَعَ الشَّرْطِ فَاسِدٌ) كَمَا إذَا قَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَك مَهْرٌ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَفْسُدُ الشَّرْطُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُعَلِّقَهُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ (قَوْلُهُ: مَاضٍ) أَيْ مُسْتَمِرٌّ إلَى الْحَالِ، وَقَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ تَعْلِيقِهِ بِمُسْتَقْبَلٍ كَائِنٍ لَا مَحَالَةَ كَمَجِيءِ الْغَدِ، وَقَوْلُهُ: كَائِنٌ، وَإِنْ كَانَ اسْمَ فَاعِلٍ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْمُتَلَبِّسِ بِالْفِعْلِ فِي الْحَالِ لَكِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُعَلِّقَهُ، وَمِثَالُهُ مَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ: لَوْ قَالَ تَزَوَّجْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إنْ رَضِيَ فُلَانٌ الْيَوْمَ، فَإِنْ كَانَ فُلَانٌ حَاضِرًا فَقَالَ رَضِيَتْ جَازَ النِّكَاحُ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ حَاضِرٍ لَمْ يَجُزْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَمَّمَهُ الْمُصَنِّفُ بَحْثًا) حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الْعِمَادِيَّةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي مَسْأَلَةِ التَّعْلِيقِ بِرِضَا الْأَبِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِيمَا ظَهَرَ. اهـ. أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ إنْ رَضِيَ أَبِي أَوْ إنْ رَضِيَ فُلَانٌ فِي التَّفْصِيلِ فِيهِمَا. قُلْت: بَلْ إذَا جَازَ التَّعْلِيقُ بِرِضَا فُلَانٍ الْأَجْنَبِيِّ الْحَاضِرِ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِرِضَا الْأَبِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَهُ وِلَايَةٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 لَكِنْ فِي النَّهْرِ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّرْفِ فِي مَسْأَلَةِ التَّعْلِيقِ بِرِضَا الْأَبِ وَالْحَقُّ الْإِطْلَاقُ فَلْيَتَأَمَّلْ الْمُفْتِي. بَابُ الْوَلِيِّ (هُوَ) لُغَةً: خِلَافُ الْعَدُوِّ. وَعُرْفًا: الْعَارِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَشَرْعًا: (الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْوَارِثُ) وَلَوْ فَاسِقًا عَلَى الْمَذْهَبِ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَهَتِّكًا، وَخَرَجَ نَحْوُ صَبِيٍّ وَوَصِيٍّ   [رد المحتار] فِي الْجُمْلَةِ، وَلَهُ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ لَوْ الزَّوْجُ غَيْرَ كُفْءٍ، وَلَهُ كَمَالُ الشَّفَقَةِ فَيَخْتَارُ لَهَا الْمُنَاسِبَ فَكَيْفَ يُقَالُ بِالْجَوَازِ فِي الْأَجْنَبِيِّ دُونَ الْأَبِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ نَصَّ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَبِ أَيْضًا فِي الظَّهِيرِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ كَانَ الْأَبُ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ فَقَبِلَ جَازَ فَمَا بَحَثَهُ الْمُصَنِّفُ مُوَافِقٌ لِلْمَنْقُولِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي النَّهْرِ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا بَحَثَهُ الْمُصَنِّفُ. وَعِبَارَةُ النَّهْرِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ الظَّهِيرِيَّةِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ وَالْحَقُّ فِي مَا فِي الْخَانِيَّةِ. اهـ. وَاَلَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ هُوَ قَوْلُهُ: تَزَوَّجْتُك إنْ أَجَازَ أَبِي أَوْ رَضِيَ فَقَالَتْ قَبِلْت لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ وَالنِّكَاحُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ. اهـ. قُلْت: الظَّاهِرُ حَمْلُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْأَبُ غَيْرَ حَاضِرٍ فِي الْمَجْلِسِ، أَوْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَسْأَلَةَ التَّعْلِيقِ بِرِضَا فُلَانٍ فَقَالَ إنْ كَانَ فُلَانٌ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ وَرَضِيَ جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ رَضِيَ. اهـ. وَبِمَا قُلْنَا يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامَيْهِ مَا لَمْ يَثْبُتْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَبِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ عَلِمْت مِنْ عِبَارَةِ الظَّهِيرِيَّةِ عَدَمَهُ وَأَنَّ الْجَوَازَ فِي الْأَبِ ثَابِتٌ بِالْأَوْلَى وَلَمْ نَرَ أَحَدًا صَرَّحَ بِتَصْحِيحِ خِلَافِ هَذَا حَتَّى يُتْبَعَ فَافْهَمْ. [بَابُ الْوَلِيِّ] لَمَّا ذَكَرَ النِّكَاحَ وَأَلْفَاظَهُ وَمَحَلَّهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ عَاقِدِهِ وَأَخَّرَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَالْوَلِيُّ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ ط (قَوْلُهُ وَعُرْفًا) أَيْ فِي عُرْفِ أَهْلِ أُصُولِ الدِّينِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي أُصُولِ الدِّينِ هُوَ الْعَارِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ حَسْبَمَا يُمْكِنُ الْمُوَاظِبُ عَلَى الطَّاعَاتِ الْمُجْتَنِبُ عَنْ الْمَعَاصِي الْغَيْرُ الْمُنْهَمِكِ فِي الشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ كَمَا فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ ح (قَوْلُهُ الْوَارِثُ) كَذَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَذَكَرَهُ مِمَّا لَا يَنْبَغِي إذْ الْحَاكِمُ وَلِيٌّ وَلَيْسَ بِوَارِثٍ. اهـ. قُلْت: وَكَذَا سَيِّدُ الْعَبْدِ فَالتَّعْرِيفُ خَاصٌّ بِالْوَلِيِّ مِنْ جِهَةِ الْقَرَابَةِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْأَبَ أَوْ الْجَدَّ إذَا كَانَ فَاسِقًا، فَلِلْقَاضِي أَنْ يُزَوِّجَ مِنْ الْكُفْءِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ إنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَهَتِّكًا) فِي الْقَامُوسِ: رَجُلٌ مُنْهَتِكٌ وَمُتَهَتِّكٌ وَمُسْتَهْتِكٌ لَا يُبَالِي أَنْ يَتَهَتَّكَ سِتْرُهُ اهـ قَالَ فِي الْفَتْحِ عَقِبَ مَا نَقَلْنَا عَنْهُ آنِفًا، نَعَمْ إذَا كَانَ مُتَهَتِّكًا لَا يَنْفُذُ تَزْوِيجُهُ إيَّاهَا بِنَقْصٍ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَسَيَأْتِي هَذَا. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْفِسْقَ وَإِنْ كَانَ لَا يُسْلَبَ الْأَهْلِيَّةَ عِنْدَنَا، لَكِنْ إذَا كَانَ الْأَبُ مُتَهَتِّكًا لَا يَنْفُذُ تَزْوِيجُهُ إلَّا بِشَرْطِ الْمَصْلَحَةِ وَمِثْلُهُ مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَزِمَ وَلَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ بِغَيْرِ كُفْءٍ إنْ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ جَدًّا لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُمَا سُوءُ الِاخْتِيَارِ وَإِنْ عُرِفَ لَا اهـ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْفَاسِقَ الْمُتَهَتِّكَ وَهُوَ بِمَعْنَى سَيِّئِ الِاخْتِيَارِ لَا تَسْقُطُ وِلَايَتُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَوْ زَوَّجَ مِنْ كُفْءٍ بِمَهْرِ الْمِثْلِ صَحَّ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَهَذَا خِلَافُ مَا مَرَّ عَلَى الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ مَا مَرَّ عَلَى هَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُزَوِّجَ مِنْ الْكُفْءِ يَقْتَضِي سُقُوطَ وِلَايَةِ الْأَبِ أَصْلًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ نَحْوُ صَبِيٍّ) أَيْ كَمَجْنُونٍ وَمَعْتُوهٍ غَيْرَ أَنَّ الصَّبِيَّ خَرَجَ بِقَوْلِهِ الْبَالِغُ وَالْمَجْنُونُ وَالْمَعْتُوهُ بِالْعَاقِلِ ط. (قَوْلُهُ وَوَصِيٌّ) أَيْ وَنَحْوُ وَصِيٍّ مِمَّنْ لَيْسَ بِوَارِثٍ كَعَبْدٍ وَكَكَافِرٍ لَهُ بِنْتٌ مُسْلِمَةٌ وَمُسْلِمٌ لَهُ بِنْتٌ كَافِرَةٌ كَمَا سَيَأْتِي، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْوَصِيُّ قَرِيبًا أَوْ حَاكِمًا يَمْلِكُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 مُطْلَقًا عَلَى الْمَذْهَبِ (وَالْوَلَايَةُ تَنْفِيذُ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ) تَثْبُتُ بِأَرْبَعٍ: قَرَابَةٌ، وَمِلْكٌ، وَوَلَاءٌ، وَإِمَامَةٌ (شَاءَ أَوْ أَبَى) وَهِيَ هُنَا نَوْعَانِ: وِلَايَةُ نَدْبٍ عَلَى الْمُكَلَّفَةِ وَلَوْ بِكْرًا وَوِلَايَةُ إجْبَارٍ عَلَى الصَّغِيرَةِ وَلَوْ ثَيِّبًا وَمَعْتُوهَةٍ وَمَرْقُوقَةٍ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ) أَيْ الْوَلِيُّ (شَرْطُ) صِحَّةِ (نِكَاحِ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَرَقِيقٍ) لَا مُكَلَّفَةٍ (فَنَفَذَ نِكَاحُ حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ   [رد المحتار] التَّزْوِيجَ بِالْوِلَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ عِنْدَ بَيَانِ الْأَوْلِيَاءِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا عَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ سَوَاءٌ أَوْصَى إلَيْهِ الْأَبُ بِذَلِكَ أَمْ لَا، وَفِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ وَكَذَا سَوَاءٌ عَيَّنَ لَهُ الْمُوصَى رَجُلًا فِي حَيَاتِهِ أَوْ لَا خِلَافًا لِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَالْوَلَايَةُ إلَخْ) بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَمَا ذَكَرَهُ تَعْرِيفُهَا الْفِقْهِيُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَإِلَّا فَمَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ الْمَحَبَّةُ وَالنُّصْرَةُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ تَعْرِيفٌ لِأَحَدِ نَوْعَيْهَا وَهُوَ وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ بِقَرِينَةٍ قَوْلُهُ وَهِيَ هُنَا نَوْعَانِ. وَأَفَادَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَتْنِ غَيْرُ خَاصٍّ بِهَذَا الْبَابِ بَلْ مِنْهُ وَلَايَةُ الْوَصِيِّ وَقَيِّمُ الْوَقْفِ وَوَلَايَةُ وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِتَنْفِيذِ الْقَوْلِ مَا يَكُونُ فِي النَّفْسِ أَوْ فِي الْمَالِ أَوْ فِيهِمَا مَعًا، وَالْمُرَادُ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يَشْمَلُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثُ دُونَ الثَّانِي (قَوْلُهُ تَثْبُتُ) أَيْ الْوَلَايَةُ الْمَذْكُورَةُ وَالْمُرَادُ هُنَا وَلَايَةُ الْإِجْبَارِ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَطْ فَفِيهِ شَبَهُ الِاسْتِخْدَامِ، وَإِلَّا فَالْوَلَايَةُ الْمُعَرَّفَةُ أَعَمُّ كَمَا عَلِمْت، وَحَيْثُ كَانَتْ أَعَمَّ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الثَّابِتَةَ لِخُصُوصِ الْوَلِيِّ الْمَعْرُوفِ بِالْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْوَارِثِ حَتَّى يُرَدُّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمِلْكِ وَالْإِمَامَةِ إرْثٌ، وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّكَلُّفِ فِي الْجَوَابِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِرْثِ الْمَأْخُوذِ فِي تَعْرِيفِ الْوَلِيِّ هُوَ أَخْذُ الْمَالِ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ بَابِ عُمُومِ الْمَجَازِ؛ فَالْإِمَامُ يَأْخُذُ مَالَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ لِيَضَعَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَالْوَلِيُّ يَأْخُذُ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ فِي التِّجَارَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إرْثًا حَقِيقَةً فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ ط لَا دَلِيلَ عَلَى هَذَا الْمَجَازِ وَالتَّعْرِيفُ يُصَانُ عَنْ مِثْلِ هَذَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ قَرَابَةٍ) دَخَلَ فِيهَا الْعَصَبَاتُ وَالْأَرْحَامُ (قَوْلُهُ وَمِلْكٍ) أَيْ مِلْكِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ (قَوْلُهُ وَوَلَاءٍ) أَيْ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ وَالْمُوَالَاةِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَإِمَامَةٍ) دَخَلَ فِيهَا الْقَاضِي الْمَأْذُونُ بِالتَّزْوِيجِ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ شَاءَ أَوْ أَبَى) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ وَلَايَةِ الْوَكِيلِ (قَوْلُهُ وَهِيَ هُنَا) فِيهِ شَبَهُ الِاسْتِخْدَامِ لِأَنَّ الْوَلَايَةَ الْمُعَرَّفَةَ خَاصَّةٌ بِوَلَايَةِ الْإِجْبَارِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ هُنَا احْتِرَازًا عَنْ الْوَلَايَةِ فِي غَيْرِ النِّكَاحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وِلَايَةُ نَدْبٍ) أَيْ يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ تَفْوِيضُ أَمْرِهَا إلَى وَلِيِّهَا كَيْ لَا تُنْسَبَ إلَى الْوَقَاحَةِ بَحْرٌ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فِي الْبِكْرِ، وَهَذِهِ فِي الْحَقِيقَةِ وَلَايَةُ وَكَالَةٍ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُكَلَّفَةِ) أَيْ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِكْرًا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ ثَيِّبًا لِيُفِيدَ أَنَّ تَفْوِيضَ الْبِكْرِ إلَى وَلِيِّهَا يَنْدُبُ بِالْأَوْلَى لِمَا عَلِمْته مِنْ عِلَّةِ النَّدْبِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْإِشَارَةَ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ أَيْ أَنَّهَا تَنْدُبُ لَا تَجِبُ وَلَوْ بِكْرًا عِنْدَنَا خِلَافًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ ثَيِّبًا) أَشَارَ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ: إنَّ وَلَايَةَ الْإِجْبَارِ مَنُوطَةٌ بِالْبَكَارَةِ فَيُزَوِّجُهَا بِلَا إذْنِهَا وَلَوْ بَالِغَةً لَا إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَلَوْ صَغِيرَةً، فَالثَّيِّبُ الصَّغِيرَةُ لَا تُزَوَّجُ عِنْدَهُ مَا لَمْ تَبْلُغْ لِسُقُوطِ وَلَايَةِ الْأَبِ (قَوْلُهُ وَمَعْتُوهَةٍ وَمَرْقُوقَةٍ) بِالْجَرِّ فِيهِمَا عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ الصَّغِيرَةِ لِعَدَمِ تَقْيِيدِهِمَا بِالصِّغَرِ، وَالْأَوْلَى تَعْرِيفُهُمَا بِأَلْ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَطْفُهُمَا عَلَى ثَيِّبًا (قَوْلُهُ صَغِيرٍ إلَخْ) الْمَوْصُوفُ مَحْذُوفٌ أَيْ شَخْصٍ صَغِيرٍ إلَخْ فَيَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (قَوْلُهُ لَا مُكَلَّفَةً) الْأَوْلَى زِيَادَةُ حُرَّةٍ لِيُقَابِلَ الرَّقِيقَ ط. وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ الْمَتْنِ ذَكَرَهُ لِيُفِيدَ أَنَّ قَوْلَهُ فَنَفَذَ مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَنَفَذَ إلَخْ) أَرَادَ بِالنَّفَاذِ الصِّحَّةَ وَتَرَتُّبَ الْأَحْكَامِ مِنْ طَلَاقٍ وَتَوَارُثٍ وَغَيْرِهِمَا لَا اللُّزُومَ، إذْ هُوَ أَخَصُّ مِنْهَا لِأَنَّهُ مَا لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ وَهَذَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، فَقَوْلُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَيْ يَنْعَقِدُ لَازِمًا فِي إطْلَاقِهِ نَظَرٍ. وَاحْتُرِزَ بِالْحُرَّةِ عَنْ الْمَرْقُوقَةِ وَلَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ وَبِالْمُكَلَّفَةِ عَنْ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ، فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِوَلِيٍّ كَمَا قَدَّمَهُ، وَأَمَّا حَدِيثُ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَدِيثُ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، فَمُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 بِلَا) رِضَا (وَلِيٍّ) وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَصَرَّفَ فِي مَالِهِ تَصَرَّفَ فِي نَفْسِهِ وَمَا لَا فَلَا (وَلَهُ) أَيْ لِلْوَلِيِّ (إذَا كَانَ عَصَبَةً) وَلَوْ غَيْرَ مُحَرَّمٍ كَابْنِ عَمٍّ فِي الْأَصَحِّ خَانِيَّةٌ، وَخَرَجَ ذَوُو الْأَرْحَامِ وَالْأُمُّ وَالْقَاضِي (الِاعْتِرَاضُ فِي غَيْرِ الْكُفْءِ) فَيَفْسَخُهُ الْقَاضِي وَيَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ النِّكَاحِ (مَا لَمْ) يَسْكُتْ حَتَّى (تَلِدَ مِنْهُ) لِئَلَّا يَضِيعَ الْوَلَدُ وَيَنْبَغِي إلْحَاقُ الْحَبَلِ الظَّاهِرِ بِهِ (وَيُفْتَى) فِي غَيْرِ الْكُفْءِ   [رد المحتار] وَالْأَيِّمُ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا أَوْ لَا فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ إلَّا مُبَاشَرَةُ الْعَقْدِ إذَا رَضِيَتْ وَقَدْ جَعَلَهَا أَحَقَّ مِنْهُ بِهِ. وَيَتَرَجَّحُ هَذَا بِقُوَّةِ السَّنَدِ وَالِاتِّفَاقِ عَلَى صِحَّتِهِ، بِخِلَافِ الْحَدِيثَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَإِنَّهُمَا ضَعِيفَانِ أَوْ حَسَنَانِ، أَوْ يَجْمَعُ بِالتَّخْصِيصِ، أَوْ بِأَنَّ النَّفْيَ لِلْكَمَالِ، أَوْ بِأَنْ يُرَادَ بِالْوَلِيِّ مَنْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ أَيْ لَا نِكَاحَ إلَّا بِمَنْ لَهُ وِلَايَةٌ لِيَنْفِيَ نِكَاحَ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمَةِ وَالْمَعْتُوهَةِ وَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْبَاطِلِ حَقِيقَتُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يُصَحِّحْ مَا بَاشَرَتْهُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، أَوْ حُكْمُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُصَحِّحُهُ أَيْ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُبْطِلَهُ وَكُلُّ ذَلِكَ سَائِغٌ فِي إطْلَاقَاتِ النُّصُوصِ وَيَجِبُ ارْتِكَابُهُ لِدَفْعِ الْمُعَارَضَةِ؛ وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ: وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ بِوَلَايَةِ نَفْسِهِ إلَخْ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ، فَإِنَّهُ وَإِنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ لَكِنْ لَا بِوَلَايَةِ نَفْسِهِ، لَكِنْ يُرَدُّ عَلَى الْعَكْسِ الْمَحْجُورَةُ فَإِنَّهَا تَمْلِكُ النِّكَاحَ وَإِنْ لَمْ تَمْلِكْ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهَا عَلَى قَوْلِهِمَا بِالْحَجْرِ عَلَى الْحُرِّ فَالْأَصْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ عَصَبَةً) أَيْ بِنَفْسِهِ، فَلَا يَرُدُّ الْعَصَبَةَ بِالْغَيْرِ كَالْبِنْتِ مَعَ الِابْنِ، وَلَا الْعُصَبَةَ مَعَ الْغَيْرِ كَالْأُخْتِ مَعَ الْبِنْتِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ الْكُفْءِ) أَيْ فِي تَزْوِيجِهَا نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، وَكَذَا لَهُ الِاعْتِرَاضُ فِي تَزْوِيجِهَا نَفْسَهَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا، حَتَّى يَتِمَّ مَهْرُ الْمِثْلِ أَوْ يُفَرِّقَ الْقَاضِي كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْكَفَاءَةِ (قَوْلُهُ فَيَفْسَخُهُ الْقَاضِي) فَلَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْفُرْقَةُ إلَّا بِالْقَضَاءِ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَكُلٌّ مِنْ الْخَصْمَيْنِ يَتَشَبَّثُ بِدَلِيلٍ، فَلَا يَنْقَطِعُ النِّكَاحُ إلَّا بِفِعْلِ الْقَاضِي وَالنِّكَاحُ قَبْلَهُ صَحِيحٌ يَتَوَارَثَانِ بِهِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ وَهَذِهِ الْفُرْقَةُ فَسْخٌ لَا تُنْقِصُ عَدَدَ الطَّلَاقِ، وَلَا يَجِبُ عِنْدَهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ إنْ وَقَعَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ لَهَا الْمُسَمَّى وَهَذَا بَعْدَ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً فَتْحٌ، وَلَهَا أَنْ لَا تُمَكِّنُهُ مِنْ الْوَطْءِ حَتَّى يَرْضَى الْوَلِيُّ كَمَا اخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لِأَنَّ الْوَلِيَّ عَسَى أَنْ يُفَرِّقَ فَيَصِيرَ وَطْءَ شُبْهَةٍ، وَأَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ الْآتِي فَهُوَ حَرَامٌ لِعَدَمِ الِانْعِقَادِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَيَتَجَدَّدُ) أَيْ اعْتِرَاضُ الْوَلِيِّ بِتَجَدُّدِ النِّكَاحِ، كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بِإِذْنِهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَطَلَّقَهَا ثُمَّ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ ثَانِيًا كَانَ لِذَلِكَ الْوَلِيِّ التَّفْرِيقُ، وَلَا يَكُونُ الرِّضَا بِالْأَوَّلِ رِضًا بِالثَّانِي فَتْحٌ، وَقَيَّدَ بِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا ثُمَّ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ الِاعْتِرَاضُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَسْكُتْ حَتَّى تَلِدَ) زَادَ لَفْظَ يَسْكُتُ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ سُكُوتَهُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ لَا يَكُونُ رِضًا، وَأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا السُّكُوتُ مَنْزِلَةَ الْقَوْلِ كَمَا سَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهَا، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْكُتْ بَلْ خَاصَمَ حِينَ عَلِمَ فَكَذَلِكَ بِالْأَوْلَى فَافْهَمْ، لَكِنْ يَبْقَى الْكَلَامُ فِيمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَصْلًا حَتَّى وَلَدَتْ فَهَلْ لَهُ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ ظَاهِرُ الْمَتْنِ لَا وَظَاهِرُ الشَّرْحِ نَعَمْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَضِيعَ الْوَلَدُ) أَيْ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ أَبَوَيْهِ، فَإِنَّ بَقَاءَهُمَا مُجْتَمَعَيْنِ عَلَى تَرْبِيَتِهِ أَحْفَظُ لَهُ بِلَا شُبْهَةٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ وَيُفْتِي فِي غَيْرِ الْكُفْءِ إلَخْ) قَيَّدَ بِذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَوْدُهُ إلَى قَوْلِهِ: فَنَفَذَ نِكَاحٌ إلَخْ وَلِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ تَزَوَّجَتْ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ لِلْوَلِيِّ الِاعْتِرَاضَ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ الْمُفْتَى بِهِ خَاصٌّ بِغَيْرِ الْكُفْءِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ لِلشَّارِحِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ أَجْرَى هَذَا الْقَوْلَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَالْفَرْقُ إمْكَانُ الِاسْتِدْرَاكِ بِإِتْمَامِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَلِذَا قَالُوا لَهُ الِاعْتِرَاضُ حَتَّى يَتِمَّ مَهْرُ الْمِثْلِ أَوْ يُفَرِّقَ الْقَاضِي فَإِذَا أَتَمَّ الْمَهْرَ زَالَ سَبَبُ الِاعْتِرَاضِ بِخِلَافِ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ، هَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 (بِعَدَمِ جَوَازِهِ أَصْلًا) وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى (لِفَسَادِ الزَّمَانِ) فَلَا تَحِلُّ مُطَلَّقَةٌ ثَلَاثًا نَكَحَتْ غَيْرَ كُفْءٍ بِلَا رِضَا وَلِيٍّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ إيَّاهُ فَلْيُحْفَظْ (وَ) بِنَاءً (عَلَى الْأَوَّلِ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (فَرِضَا الْبَعْضِ) مِنْ الْأَوْلِيَاءِ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ (كَالْكُلِّ) لِثُبُوتِهِ لِكُلٍّ كَمُلَا كَوِلَايَةِ أَمَانٍ وَقَوَدٍ وَسَنُحَقِّقُهُ فِي الْوَقْفِ (لَوْ اسْتَوَوْا فِي الدَّرَجَةِ وَإِلَّا فَلِلْأَقْرَبِ) مِنْهُمْ   [رد المحتار] مَا ظَهَرَ لِي فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ بِعَدَمِ جَوَازِهِ أَصْلًا) هَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهَذَا إذَا كَانَ لَهَا وَلِيٌّ لَمْ يَرْضَ بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ، فَلَا يُفِيدُ الرِّضَا بَعْدَهُ بَحْرٌ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ فَهُوَ صَحِيحٌ نَافِذٌ مُطْلَقًا اتِّفَاقًا كَمَا يَأْتِي لِأَنَّ وَجْهَ عَدَمِ الصِّحَّةِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْأَوْلِيَاءِ، أَمَّا هِيَ فَقَدْ رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا فَتْحٌ، وَقَوْلُ الْبَحْرِ: لَمْ يَرْضَ بِهِ يَشْمَلُ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَصْلًا فَلَا يَلْزَمُ التَّصْرِيحُ بِعَدَمِ الرِّضَا بَلْ السُّكُوتُ مِنْهُ لَا يَكُونُ رِضًا كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ مِنْ رِضَاهُ صَرِيحًا، وَعَلَيْهِ فَلَوْ سَكَتَ قَبْلَهُ ثُمَّ رَضِيَ بَعْدَهُ لَا يُفِيدُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى) وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ كَذَا فِي تَصْحِيحِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ وَلِيٍّ يُحْسِنُ الْمُرَافَعَةَ وَالْخُصُومَةَ وَلَا كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ، وَلَوْ أَحْسَنَ الْوَلِيُّ وَعَدَلَ الْقَاضِي فَقَدْ يَتْرُكُ أَنَفَةً لِلتَّرَدُّدِ عَلَى أَبْوَابِ الْحُكَّامِ، وَاسْتِثْقَالًا لِنَفْسِ الْخُصُومَاتِ فَيَتَقَرَّرُ الضَّرَرُ فَكَانَ مَنْعُهُ دَفْعًا لَهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ نَكَحَتْ) نَعْتٌ لِمُطَلَّقَةِ وَقَوْلُهُ بِلَا رِضَا مُتَعَلِّقٌ بِنَكَحْت وَقَوْلُهُ بَعْدَ ظَرْفٌ لِلرِّضَا، وَالضَّمِيرُ فِي مَعْرِفَتِهِ لِلْوَلِيِّ وَفِي إيَّاهُ لِغَيْرِ الْكُفْءِ، وَقَوْلُهُ بِلَا رِضًا نَفْيٌ مُنْصَبٌّ عَلَى الْمُقَيَّدِ الَّذِي هُوَ رِضَا الْوَلِيِّ وَالْقَيْدِ الَّذِي هُوَ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ إيَّاهُ فَيَصْدُقُ بِنَفْيِ الرِّضَا بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ وَبِعَدَمِهَا وَبِوُجُودِ الرِّضَا مَعَ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ، فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثَةِ لَا تَحِلُّ وَإِنَّمَا تَحِلُّ فِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ وَهُوَ رِضَا الْوَلِيِّ بِغَيْرِ الْكُفْءِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ كَذَلِكَ اهـ ح. قُلْت: وَالْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ عَيْنًا لِمَا فِي الْبَحْرِ: لَوْ قَالَ الْوَلِيُّ رَضِيت بِتَزَوُّجِهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِالزَّوْجِ عَيْنًا هَلْ يَكْفِي صَارَتْ حَادِثَةَ الْفَتْوَى. وَيَنْبَغِي لَا يَكْفِي لِأَنَّ الرِّضَا بِالْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ فِيمَا إذَا اسْتَأْذَنَهَا الْوَلِيُّ وَلَمْ يُسَمِّ الزَّوْجَ فَقَالَ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْمَجْهُولِ لَا يَتَحَقَّقُ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا اهـ. وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ لَكِنْ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ لِمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهَا لَوْ فَوَّضَتْ الْأَمْرَ إلَيْهِ يَصِحُّ كَقَوْلِهَا زَوِّجْنِي مِمَّنْ تَخْتَارُهُ وَنَحْوُهُ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ قَالَ لَهَا أَنَا رَاضٍ بِمَا تَفْعَلِينَ أَوْ زَوِّجِي نَفْسَك مِمَّنْ تَخْتَارِينَ وَنَحْوُهُ أَنَّهُ يَكْفِي وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَيْهَا وَلِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِسْقَاطِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلْيُحْفَظْ) قَالَ فِي الْحَقَائِقِ شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ النَّسَفِيَّةِ وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ حِفْظُهُ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ. اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ: لِأَنَّ الْمُحَلِّلَ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ غَيْرَ كُفْءٍ، وَأَمَّا لَوْ بَاشَرَ الْوَلِيُّ عَقْدَ الْمُحَلِّلِ فَإِنَّهَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ لَهَا وَلِيٌّ وَإِلَّا فَهُوَ صَحِيحٌ مُطْلَقًا اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ) وَبِهِ أَفْتَى كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ بَحْرٌ لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ الثَّانِيَ أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ (قَوْلُهُ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ) فِيهِ أَنَّ الرِّضَا قَبْلَ الْعَقْدِ يَصِحُّ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَأَمَّا الْمَبْنِيُّ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَطْ فَهُوَ الرِّضَا بَعْدَ الْعَقْدِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَيْهِ لَا عَلَى الثَّانِي الْمُفْتَى بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ وَكَلَامِ الْمَتْنِ يُوهِمُ أَنَّهُ عَلَى الثَّانِي لَا يَكُونُ رِضَا الْبَعْضِ كَالْكُلِّ وَلَا وَجْهَ لَهُ وَلَعَلَّ الشَّارِحَ قَصَدَ بِمَا ذَكَرَهُ دَفْعَ هَذَا الْإِيهَامَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِثُبُوتِهِ لِكُلٍّ كَمُلَا) لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاحِدٌ لَا يَتَجَزَّأُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَوِلَايَةِ أَمَانٍ وَقَوَدٍ) فَإِذَا أَمَّنَ مُسْلِمٌ حَرْبِيًّا لَيْسَ لِمُسْلِمٍ آخَرَ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْحَرْبِيِّ أَوْ لِمَالِهِ، وَإِذَا عَفَا أَحَدُ أَوْلِيَاءِ الْقِصَاصِ لَيْسَ لِوَلِيٍّ آخَرَ طَلَبُهُ ح (قَوْلُهُ وَسَنُحَقِّقُهُ فِي الْوَقْفِ) حَيْثُ زَادَ عَلَى مَا هُنَا مِمَّا يَقُومُ فِيهِ الْبَعْضُ مُقَامَ الْكُلِّ بَعْضَ مُسْتَحَقِّي الْوَقْفِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْكُلِّ، وَكَذَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ وَكَذَا إثْبَاتُ الْإِعْسَارِ فِي وَجْهٍ أَحَدِ الْغُرَمَاءِ وَوِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ بِإِزَالَةِ الضَّرَرِ الْعَامِّ عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ وَإِلَّا إلَخْ) أَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 (حَقُّ الْفَسْخِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ فَهُوَ) أَيْ الْعَقْدُ (صَحِيحٌ) نَافِذٌ (مُطْلَقًا) اتِّفَاقًا (وَقَبَضَهُ) أَيْ وَلِيٌّ لَهُ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ (الْمَهْرَ وَنَحْوُهُ) مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا (رِضَا) دَلَالَةً إنْ كَانَ عَدَمُ الْكَفَاءَةِ ثَابِتًا عِنْدَ الْقَاضِي قَبْلَ مُخَاصَمَتِهِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ رِضًا كَمَا (لَا) يَكُونُ (سُكُوتُهُ) رِضًا مَا لَمْ تَلِدْ، وَأَمَّا تَصْدِيقُهُ بِأَنَّهُ كُفْءٌ، فَلَا يُسْقِطُ حَقَّ الْبَاقِينَ مَبْسُوطٌ (وَلَا تُجْبَرُ الْبَالِغَةُ الْبِكْرُ عَلَى النِّكَاحِ) لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ بِالْبُلُوغِ (فَإِنْ اسْتَأْذَنَهَا هُوَ) أَيْ الْوَلِيُّ وَهُوَ السُّنَّةُ   [رد المحتار] وَإِنْ لَمْ يَسْتَوُوا فِي الدَّرَجَةِ، وَقَدْ رَضِيَ الْأَبْعَدُ فَلِلْأَقْرَبِ الِاعْتِرَاضُ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ إلَخْ) أَيْ عَصَبَةٌ كَمَا مَرَّ، وَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْحُكْمِ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ بَحْثًا بِصِيغَةٍ يَنْبَغِي أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْأَوْلِيَاءِ، وَأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ فَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا عَصَبَةٌ صَغِيرٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِهِ الْوَلِيُّ فِي النِّكَاحِ الْعَصَبَةُ إلَخْ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ هُنَاكَ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ أَوْ أَسْلَمَ لَا يَتَجَدَّدُ لَهُ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ لَهَا عَصَبَةٌ غَائِبٌ فَهُوَ كَالْحَاضِرِ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ لَا تَنْقَطِعُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ حَيْثُ هُوَ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ آخَرُ حَاضِرٌ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ كَمَا سَيَأْتِي وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّ هَذَا فِي الْبَالِغَةِ أَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ كَانَ لَهَا عَصَبَةٌ فَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ لَمْ يَصِحَّ فَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عَصَبَةٌ هَذَا كُلُّهُ مَا ظَهَرَ لِي تَفَقُّهًا مِنْ كَلَامِهِمْ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ نَكَحَتْ كُفُؤًا أَوْ غَيْرُهُ ح (قَوْلُهُ اتِّفَاقًا) أَيْ مِنْ الْقَائِلِينَ بِرِوَايَةِ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَالْقَائِلِينَ بِرِوَايَةِ الْحَسَنِ الْمُفْتَى بِهَا (قَوْلُهُ أَيْ وَلِيٌّ لَهُ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ) يُوهِمُ أَنَّ الْوَلِيَّ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْأَرْحَامَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عَلِمْت فَالْمُنَاسِبُ ذِكْرُ هَذَا التَّفْسِيرِ هُنَاكَ لِيُعْلَمَ الْمُرَادُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَيَرْتَفِعُ الْإِيهَامُ الْمَذْكُورُ (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى قَبْضِهِ أَيْ وَنَحْوِ قَبْضِ الْمَهْرِ كَقَبْضِ النَّفَقَةِ أَوْ الْمُخَاصَمَةِ فِي أَحَدِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ وَكَالتَّجْهِيزِ وَنَحْوِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ إلَخْ) كَذَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالشُّرْنُبَلاليّ وَشَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ فِي الرِّضَا دَلَالَةً فَقَطْ، وَأَنَّ مُجَرَّدَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ لَا يَكْفِي هُنَا بِخِلَافِ الرِّضَا الصَّرِيحِ حَيْثُ يَكْفِي فِيهِ الْعِلْمُ فَقَطْ لَكِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْفَتْحِ، وَلَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ الَّذِي جَمَعَ كُتُبَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَيْضًا فَوَجْهُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْفَرْقُ انْحِطَاطَ رُتْبَةِ الدَّلَالَةِ عَنْ الصَّرِيحِ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ: أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ تَزَوَّجَتْ غَيْرَ كُفْءٍ فَخَاصَمَ الْوَلِيَّ، وَأَثْبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي عَدَمَ الْكَفَاءَةِ فَقَبَضَ الْوَلِيُّ الْمَهْرَ قَبْلَ التَّفْرِيقِ أَوْ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَزَوَّجَتْهُ ثَانِيًا بِلَا إذْنِ الْوَلِيِّ فَقَبَضَ الْمَهْرَ (قَوْلُهُ كَمَا لَا يَكُونُ إلَخْ) مُكَرَّرٌ بِقَوْلِهِ الْمَارِّ مَا لَمْ يَسْكُتْ حَتَّى تَلِدَ (قَوْلُهُ وَأَمَّا تَصْدِيقُهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: قَيَّدَ بِالرِّضَا لِأَنَّ التَّصْدِيقَ بِأَنَّهُ كُفْءٌ مِنْ الْبَعْضِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ مَنْ أَنْكَرَهَا. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ ادَّعَى أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ أَنَّ الزَّوْجَ كُفْءٌ وَأَثْبَتَ الْآخَرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالتَّفْرِيقِ لِأَنَّ الْمُصَدِّقُ يُنْكِرَ سَبَبَ الْوُجُوبِ، وَإِنْكَارُ سَبَبِ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ إسْقَاطًا لَهُ. اهـ. وَفِي الْفَوَائِدِ التَّاجِيَّةِ: أَقَامَ وَلِيُّهَا شَاهِدَيْنِ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَأَقَامَ زَوْجُهَا بِالْكَفَاءَةِ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا تُجْبَرُ الْبَالِغَةِ) وَلَا الْحُرُّ الْبَالِغُ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَلَوْ صَغِيرَيْنِ ح عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ الْبِكْرُ) أَطْلَقَهَا فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَطَلُقَتْ قَبْلَ زَوَالِ الْبَكَارَةِ فَتُزَوَّجُ كَمَا تُزَوَّجُ الْأَبْكَارُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ السُّنَّةُ) بِأَنْ يَقُولَ لَهَا قَبْلَ النِّكَاحِ فُلَانٌ يَخْطُبُك أَوْ يَذْكُرُك فَسَكَتَتْ، وَإِنْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ اسْتِئْمَارٍ فَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ وَتَوَقَّفَ عَلَى رِضَاهَا بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. وَاسْتَحْسَنَ الرَّحْمَتِيُّ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الِاسْتِئْذَانِ أَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 (أَوْ وَكِيلُهُ أَوْ رَسُولُهُ أَوْ زَوَّجَهَا) وَلِيُّهَا وَأَخْبَرَهَا رَسُولُهُ أَوْ الْفُضُولِيٌّ عَدْلٌ (فَسَكَتَتْ) عَنْ رَدِّهِ مُخْتَارَةً (أَوْ ضَحِكَتْ غَيْرَ مُسْتَهْزِئَةٍ أَوْ تَبَسَّمَتْ أَوْ بَكَتْ بِلَا صَوْتٍ) فَلَوْ بِصَوْتٍ لَمْ يَكُنْ إذْنًا وَلَا رَدًّا حَتَّى لَوْ رَضِيَتْ بَعْدَهُ انْعَقَدَ سِرَاجٌ وَغَيْرُهُ، فَمَا فِي الْوِقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى فِيهِ نَظَرٌ (فَهُوَ إذْنٌ) أَيْ تَوْكِيلٌ فِي الْأَوَّلِ إنْ اتَّحَدَ الْوَلِيُّ، فَلَوْ تَعَدَّدَ الزَّوْجُ   [رد المحتار] يُرْسِلَ إلَيْهَا نِسْوَةً ثِقَاتٍ يَنْظُرْنَ مَا فِي نَفْسِهَا وَالْأُمُّ بِذَلِكَ أَوْلَى لِأَنَّهَا تَطَّلِعُ عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ وَكِيلُهُ أَوْ رَسُولُهُ) الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ وَكَّلْتُك تَسْتَأْذِنُ لِي فُلَانَةَ فِي كَذَا، وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ: اذْهَبْ إلَى فُلَانَةَ وَقُلْ لَهَا إنَّ أَخَاك فُلَانًا يَسْتَأْذِنُك فِي كَذَا (قَوْلُهُ وَأَخْبَرَهَا رَسُولُهُ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: أَوْ زَوَّجَهَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا زَوَّجَهَا فِي غَيْبَتِهَا، وَهَذَا إنْ كَانَ خِلَافَ الْمُتَبَادِرِ مِنْهُ، لَكِنْ يُرَجِّحُهُ دَفْعُ التَّكْرَارِ مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي وَكَذَا إذَا زَوَّجَهَا عِنْدَهَا فَسَكَتَتْ. وَفِي الْبَحْرِ: وَاخْتَلَفَ فِيمَا إذَا زَوَّجَهَا غَيْرَ كُفْءٍ فَبَلَّغَهَا فَسَكَتَتْ، فَقَالَا لَا يَكُونُ رِضًا، وَقِيلَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَكُونُ رِضًا إنْ كَانَ الْمُزَوِّجُ أَبًا أَوْ جَدًّا وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا فَلَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الصَّغِيرَةِ الْمُزَوَّجَةِ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَجَزَمَ فِي الدِّرَايَةِ بِالْأَوَّلِ بِلَفْظِ قَالُوا (قَوْلُهُ أَوْ فُضُولِيٌّ عَدْلٌ) الشَّرْطُ فِي الْفُضُولِيِّ الْعَدَالَةُ أَوْ الْعَدَدُ، فَيَكْفِي إخْبَارُ وَاحِدٍ عَدْلٍ أَوْ مَسْتُورِينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يَكْفِي إخْبَارُ وَاحِدٍ غَيْرِ عَدْلٍ وَلَهَا نَظَائِرُ سَتَأْتِي فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ فَسَكَتَتْ) أَيْ الْبِكْرُ الْبَالِغَةُ بِخِلَافِ الِابْنِ الْكَبِيرِ فَلَا يَكُونُ سُكُوتُهُ رِضًا حَتَّى يَرْضَى بِالْكَلَامِ كَافِي الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ عَنْ رَدِّهِ) قَيَّدَ بِهِ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ السُّكُوتِ لِأَنَّهَا لَوْ بَلَغَهَا الْخَبَرُ فَتَكَلَّمَتْ بِأَجْنَبِيٍّ فَهُوَ سُكُوتٌ هُنَا فَيَكُونُ إجَازَةً، فَلَوْ قَالَتْ الْحَمْدُ لِلَّهِ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ قَالَتْ هُوَ دَبَّاغٌ لَا أُرِيدُهُ فَهَذَا كَلَامٌ وَاحِدٌ فَهُوَ رَدٌّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مُخْتَارَةً) أَمَّا لَوْ أَخَذَهَا عُطَاسٌ أَوْ سُعَالٌ، حِينَ أُخْبِرَتْ فَلَمَّا ذَهَبَ قَالَتْ لَا أَرْضَى أَوْ أَخَذَ فَمَهَا ثُمَّ تَرَكَ فَقَالَتْ ذَلِكَ صَحَّ رَدُّهَا لِأَنَّ سُكُوتَهَا كَانَ عَنْ اضْطِرَارٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ غَيْرَ مُسْتَهْزِئَةٍ) وَضَحِكُ الِاسْتِهْزَاءِ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ يَحْضُرُهُ لِأَنَّ الضَّحِكَ إنَّمَا جُعِلَ إذْنًا لِدَلَالَتِهِ عَلَى الرِّضَا، فَإِذَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى الرِّضَا لَمْ يَكُنْ إذْنًا بَحْرٌ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ أَوْ بَكَتْ بِلَا صَوْتٍ) هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى لِأَنَّهُ حَزِنَ عَلَى مُفَارَقَةِ أَهْلِهَا بَحْرٌ: أَيْ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِجَازَةِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ فَمَا فِي الْوِقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى) أَيْ مِنْ أَنَّهُ هُوَ وَالْبُكَاءُ بِلَا صَوْتٍ إذْنٌ وَمَعَهُ رَدٌّ (قَوْلُهُ فِيهِ نَظَرٌ) أَيْ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ مَا فِي الْوِقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى ذُكِرَ مِثْلُهُ فِي النُّقَايَةِ وَالْإِصْلَاحِ وَالْمُتُونُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الشُّرُوحِ. وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِير لِقَاضِي خَانْ: وَإِنْ بَكَتْ كَانَ رَدًّا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ يَكُونُ رِضًا. قَالُوا: إنْ كَانَ الْبُكَاءُ عَنْ صَوْتٍ وَوَيْلٍ لَا يَكُونُ رِضًا وَإِنْ كَانَ عَنْ سُكُوتٍ فَهُوَ رِضًا اهـ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ أَصْلَ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْبُكَاءَ هَلْ هُوَ رَدٌّ أَوْ لَا، وَقَوْلُهُ قَالُوا إلَخْ تَوْفِيقٌ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، فَمَعْنَى لَا يَكُونُ رِضًا أَنَّهُ يَكُونُ رَدًّا كَمَا فَهِمَهُ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ وَغَيْرُهُ، وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ حِكَايَةِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا إنْ كَانَ مَعَ الصِّيَاحِ وَالصَّوْتِ فَهُوَ رَدٌّ وَإِلَّا فَهُوَ رِضًا وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ كَيْفَ وَالْبُكَاءُ بِالصَّوْتِ وَالْوَيْلِ قَرِينَةٌ عَلَى الرَّدِّ وَعَدَمِ الرِّضَا، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ حِكَايَةِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمُعَوَّلُ اعْتِبَارُ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ فِي الْبُكَاءِ وَالضَّحِكِ فَإِنْ تَعَارَضَتْ أَوْ أَشْكَلَ اُحْتِيطَ اهـ فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا فِي الْمِعْرَاجِ ضَعِيفٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَهُوَ إذْنٌ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ إذْنٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَيْ تَوْكِيلٌ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِيمَا إذَا اسْتَأْذَنَهَا قَبْلَ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ قَالَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَا أَرْضَى وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْوَلِيُّ فَزَوَّجَهَا صَحَّ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَنْعَزِلُ حَتَّى يَعْلَمَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ تَعَدَّدَ الْمُزَوِّجُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبَحْر، وَلَوْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ مُتَسَاوِيَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَجُلٍ فَأَجَازَتْهُمَا مَعًا بَطَلَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَإِنْ سَكَتَتْ بَقِيَا مَوْقُوفَيْنِ حَتَّى تُجِيزَ أَحَدَهُمَا بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْجَوَابِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 لَمْ يَكُنْ سُكُوتُهَا إذْنًا، وَإِجَازَةٌ فِي الثَّانِي إنْ بَقِيَ النِّكَاحُ لَا لَوْ بَطَلَ بِمَوْتِهِ وَلَوْ قَالَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ: زَوَّجَنِي أَبِي بِأَمْرِي وَأَنْكَرَتْ الْوَرَثَةُ فَالْقَوْلُ لَهَا فَتَرِثُ وَتَعْتَدُّ، وَلَوْ قَالَتْ: بِغَيْرِ أَمْرِي لَكِنَّهُ بَلَّغَنِي فَرَضِيت فَالْقَوْلُ لَهُمْ وَقَوْلُهَا غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ رُدَّ قَبْلَ الْعَقْدِ لَا بَعْدَهُ. وَلَوْ زَوَّجَهَا لِنَفْسِهِ فَسُكُوتُهَا رُدَّ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا قَبْلَهُ، وَلَوْ اسْتَأْذَنَهَا فِي مُعَيَّنٍ فَرَدَّتْ ثُمَّ زَوَّجَهَا مِنْهُ فَسَكَتَتْ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَلَّغَهَا فَرَدَّتْ ثُمَّ قَالَتْ: رَضِيت لَمْ يَجُزْ لِبُطْلَانِهِ بِالرَّدِّ، وَلِذَا اسْتَحْسَنُوا التَّجْدِيدَ عِنْدَ الزِّفَافِ لِأَنَّ الْغَالِبَ إظْهَارُ النُّفْرَةِ عِنْدَ فَجْأَةِ السَّمَاعِ وَلَوْ اسْتَأْذَنَهَا فَسَكَتَتْ فَوَكَّلَ مَنْ يُزَوِّجُهَا   [رد المحتار] وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِي الْإِجَازَةِ وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي التَّوْكِيلِ: أَيْ الْإِذْنُ قَبْلَ الْعَقْدِ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إنْ زَوَّجَاهَا مَعًا بَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ، أَمَّا لَوْ اسْتَأْذَنَاهَا فَسَكَتَتْ فَزَوَّجَاهَا مُتَعَاقِبًا مِنْ رَجُلَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ السَّابِقُ مِنْهُمَا لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِجَازَةٌ) عَطْفٌ عَلَى تَوْكِيلٍ، وَقَوْلُهُ فِي الثَّانِي أَيْ فَبِمَا اسْتَأْذَنَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ. وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَكُونُ السُّكُوتُ بَعْدَ الْعَقْدِ رِضًا كَمَا بَسَطَهُ فِي الْفَتْحِ، وَقَدَّمْنَا الْخِلَافَ أَيْضًا فِيمَا إذَا زَوَّجَهَا غَيْرَ كُفْءٍ فَبَلَّغَهَا فَسَكَتَتْ (قَوْلُهُ لَا لَوْ بَطَلَ بِمَوْتِهِ) لِأَنَّ الْإِجَازَةَ شَرْطُهَا قِيَامُ الْعَقْدِ بَحْرٌ (وَقَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لَهَا) لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمُسْلِمَ الْمُكَلَّفَ لَا يَعْقِدُ إلَّا الْعَقْدَ الصَّحِيحَ النَّافِذَ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لَهُمْ) لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ غَيْرَ تَامٍّ، ثُمَّ ادَّعَتْ النَّفَاذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا لِمَكَانِ التُّهْمَةِ بَحْرٌ، وَحِينَئِذٍ فَلَا تَرِثُ وَهَلْ تَعْتَدُّ؟ فَإِنْ كَانَتْ صَادِقَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا دِيَانَةً وَإِلَّا فَلَا. نَعَمْ لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ تُمْنَعُ مُؤَاخَذَةً لَهَا بِقَوْلِهَا، وَأَمَّا لَوْ تَزَوَّجَتْ فَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ ادَّعَتْ الْعِدَّةَ فَقَالَ الزَّوْجُ تَزَوَّجْتُك بَعْدَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ. اهـ. فَلَعَلَّهُ يُقَالُ هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ إقْرَارَهَا السَّابِقَ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ وَقَوْلُهَا غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ هَذَا الزَّوْجِ (قَوْلُهُ رُدَّ قَبْلَ الْعَقْدِ لَا بَعْدَهُ) فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِذْنُ وَعَدَمُهُ فَقَبْلَ النِّكَاحِ لَمْ يَكُنْ النِّكَاحَ، فَلَا يَجُوزُ بِالشَّكِّ وَبَعْدَهُ كَانَ فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ نِكَاحًا إلَّا بَعْدَ الصِّحَّةِ، وَهِيَ بَعْدَ الْإِذْنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِذْنٍ فِيهِمَا بَحْرٌ. وَأَصْلُ الْإِشْكَالِ لِصَاحِبِ الْفَتْحِ. وَأَجَابَ عَنْهُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا وَقَعَ ثُمَّ وَرَدَ بَعْدَهُ مَا يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ تَقْرِيرًا لَهُ وَكَوْنُهُ رَدًّا تَرَجَّحَ بِوُقُوعِهِ احْتِمَالُ التَّقْرِيرِ، وَإِذَا وَرَدَ قَبْلَهُ مَا يَحْتَمِلُ الْإِذْنَ وَعَدَمَهُ تَرَجَّحَ الرَّدُّ لِعَدَمِ وُقُوعِهِ فَيُمْنَعُ مِنْ إيقَاعِهِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْإِذْنِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ زَوَّجَهَا لِنَفْسِهِ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ زَوَّجَهَا أَيْ أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ تَزَوَّجَهَا كَابْنِ الْعَمِّ إذَا تَزَوَّجَ بِنْتَ عَمِّهِ الْبِكْرَ الْبَالِغَ بِغَيْرِ إذْنِهَا فَبَلَّغَهَا فَسَكَتَتْ لَا يَكُونُ رِضًا لِأَنَّهُ كَانَ أَصِيلًا فِي نَفْسِهِ فُضُولِيًّا فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ فَلَمْ يَتِمَّ الْعَقْدُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَلَا يَعْمَلُ الرِّضَا، وَلَوْ اسْتَأْمَرَهَا فِي التَّزْوِيجِ مِنْ نَفْسِهِ فَسَكَتَتْ، جَازَ إجْمَاعًا بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْفُضُولِيَّ وَلَوْ مِنْ جَانِبٍ إذَا تَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَقْدُهُ عَلَى الْإِجَازَةِ عِنْدَهُمَا بَلْ يَقَعُ بَاطِلًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاشَرَ الْعَقْدَ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ أَصِيلٍ أَوْ وَلِيٍّ أَوْ وَكِيلٍ أَوْ فُضُولِيٍّ آخَرَ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ اتِّفَاقًا كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ الْكَفَاءَةِ (قَوْلُهُ فَسَكَتَتْ) أَمَّا لَوْ قَالَتْ حِينَ بَلَّغَهَا قَدْ كُنْت قُلْت إنِّي لَا أُرِيدُ فُلَانًا وَلَمْ تَزِدْ عَلَى هَذَا لَمْ يَجُزْ النِّكَاحُ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ أَنَّهَا عَلَى إبَائِهَا الْأَوَّلِ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَلَّغَهَا إلَخْ) لِأَنَّ نَفَاذَ التَّزْوِيجِ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ، وَقَدْ بَطَلَ بِالرَّدِّ وَالرَّدُّ فِي الْأَوَّلِ كَانَ لِلِاسْتِئْذَانِ لَا لِلتَّزَوُّجِ الْعَارِضِ بَعْدَهُ، لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: الْأَوْجَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ الرَّدَّ الصَّرِيحَ يُضْعِفُ كَوْنَ ذَلِكَ السُّكُوتِ دَلَالَةَ الرِّضَا اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ قَدْ تَكُونُ عَلِمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِحُسْنِ حَالِهِ، وَقَدْ يَكُونُ رَدُّهَا الْأَوَّلُ حَيَاءً لِمَا عَلِمَتْهُ مِنْ أَنَّ الْغَالِبَ إظْهَارُ النُّفْرَةِ عِنْدَ فَجْأَةِ السَّمَاعِ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى امْتِنَاعِهَا الْأَوَّلِ لَصَرَّحَتْ بِالرَّدِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَوَّلًا وَلَمْ تَسْتَحِ مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 مِمَّنْ سَمَّاهُ جَازَ إنْ عُرِفَ الزَّوْجُ وَالْمَهْرُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ بِلَا إذْنٍ، فَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْجَوَازِ أَوْ أَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ (إنْ عَلِمْت بِالزَّوْجِ) أَنَّهُ مَنْ هُوَ لِتُظْهِرَ الرَّغْبَةَ فِيهِ أَوْ عَنْهُ، وَلَوْ فِي ضِمْنِ الْعَامِّ كَجِيرَانِي أَوْ بَنِي عَمِّي لَوْ يُحْصَوْنَ وَإِلَّا لَا مَا لَمْ تُفَوِّضْ لَهُ الْأَمْرَ (لَا) الْعِلْمُ (بِالْمَهْرِ) وَقِيلَ يُشْتَرَطُ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَحْرٌ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَمَا صَحَّحَهُ فِي الدُّرَرِ عَنْ الْكَافِي رَدَّهُ الْكَمَالُ   [رد المحتار] (قَوْلُهُ إنْ عُرِفَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ ضَمِيرُ الْمَرْأَةِ وَاَلَّذِي فِي الْبَحْرِ: إنْ عَرَفْت (قَوْلُهُ وَالْمَهْرُ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ الْآتِيَةِ ح (قَوْلُهُ وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْبَحْرِ إلَخْ) يُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ النِّكَاحِ فِي أَنَّ قَوْلَهُ: زَوِّجْنِي تَوْكِيلٌ أَوْ إيجَابٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ الْوَكِيلُ: هَبْ ابْنَتَك لِفُلَانٍ فَقَالَ وَهَبْت لَا يَنْعَقِدُ مَا لَمْ يَقُلْ الْوَكِيلُ بَعْدَهُ قَبِلْت لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ ا. هـ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ التَّوْكِيلُ فِي النِّكَاحِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي اسْتَثْنَوْهَا مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ. وَقَالَ الرَّحْمَتِيُّ هُنَاكَ وَفِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ عَلَى الْأَشْبَاهِ عَنْ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ: إنَّ مُبَاشَرَةَ وَكِيلِ الْوَكِيلِ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ فِي النِّكَاحِ لَا تَكُونُ كَمُبَاشَرَةِ الْوَكِيلِ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِهِ فِي الْبَيْعِ، وَفِي مُخْتَصَرِ عِصَامٍ أَنَّهُ جَعَلَهُ كَالْبَيْعِ فَمُبَاشَرَتُهُ بِحَضْرَتِهِ كَمُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ اهـ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَا فِي الْقُنْيَةِ مُفَرَّعًا عَلَى رِوَايَةِ عِصَامٍ لَكِنَّ الْأَصْلَ وَهُوَ الْمَبْسُوطُ مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْجَوَازِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي ضِمْنِ الْعَامّ) وَكَذَا لَوْ سَمَّى لَهَا فُلَانًا أَوْ فُلَانًا فَسَكَتَتْ فَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَوْ يُحْصَوْنَ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ وَهُمْ مَحْصُورُونَ مُعَرَّفُونَ لَهَا. اهـ. وَمُقْتَضَاهَا أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَعْرِفْهُمْ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانُوا مَحْصُورِينَ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) كَقَوْلِهِ أُزَوِّجُك مِنْ رَجُلٍ أَوْ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مَا لَمْ تُفَوِّضْ لَهُ الْأَمْرَ) أَمَّا إذَا قَالَتْ أَنَا رَاضِيَةٌ بِمَا تَفْعَلُهُ أَنْتَ بَعْدَ قَوْلِهِ إنَّ أَقْوَامًا يَخْطُبُونَك أَوْ زَوِّجْنِي مِمَّنْ تَخْتَارُهُ وَنَحْوَهُ، فَهُوَ اسْتِئْذَانٌ صَحِيحٌ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَيْسَ لَهُ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ رَجُلٍ رَدَّتْ نِكَاحَهُ أَوَّلًا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْعُمُومِ غَيْرُهُ كَالتَّوْكِيلِ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهُ مُطَلَّقَتَهُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ قَدْ شَكَا مِنْهَا لِلْوَكِيلِ وَأَعْلَمَهُ بِطَلَاقِهَا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا الْعِلْمِ بِالْمَهْرِ) أَشَارَ بِتَقْدِيرِ الْعِلْمِ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ رَاعَى الْمَعْنَى فِي عَطْفِهِ الْمَهْرَ عَلَى التَّزَوُّجِ، وَأَصْلُ التَّرْكِيبِ بِشَرْطِ الْعِلْمِ بِالزَّوْجِ لَا الْمَهْرِ ح (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ) أَشَارَ إلَى ضَعْفِهِ وَإِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ إنَّهُ الْأَوْجَهُ، لِأَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ صَحَّحَ الْأَوَّلَ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ لِقَوْلِ الذَّخِيرَةِ إنَّ إشَارَاتِ كُتُبِ مُحَمَّدٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ. اهـ. قُلْت: وَعَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ تَسْمِيَتِهِ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَهْرَ الْمِثْلِ فَلَا يَكُونُ السُّكُوتُ رِضًا بِدُونِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَبَقِيَ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الِاشْتِرَاطِ. فَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ؟ حَتَّى لَوْ نَقَصَ عَنْهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ إلَّا بِرِضَاهَا صَارَتْ حَادِثَةَ الْفَتْوَى. وَرَأَيْت فِي الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَهْرَ فَزَوَّجَ الْوَكِيلُ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ الْمِثْلِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ صَحَّ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، لَكِنَّ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقَّ الِاعْتِرَاضِ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ دَفْعًا لِلْعَارِ عَنْهُمْ اهـ أَيْ إذَا رَضِيَتْ بِذَلِكَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَكِيلُ هُوَ الْوَلِيَّ كَمَا فِي حَادِثَتِنَا وَرَضِيَتْ بِهِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمَا صَحَّحَهُ فِي الدُّرَرِ) أَيْ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَهُوَ أَنَّ الْوَلِيَّ إنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا فَذِكْرُ الزَّوْجِ يَكْفِي لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ نَقَصَ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ تَزِيدُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ الزَّوْجِ وَالْمَهْرِ (قَوْلُهُ عَنْ الْكَافِي) أَيْ نَاقِلًا تَصْحِيحَهُ عَنْ الْكَافِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ رَدَّهُ الْكَمَالُ) بِقَوْلِهِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ لَيْسَ بِشَيْءٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 (وَكَذَا إذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ عِنْدَهَا) أَيْ بِحَضْرَتِهَا (فَسَكَتَتْ) صَحَّ (فِي الْأَصَحِّ) إنْ عَلِمَتْهُ كَمَا مَرَّ وَالسُّكُوتُ كَالنُّطْقِ فِي سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً مَذْكُورَةً فِي الْأَشْبَاهِ (فَإِنْ اسْتَأْذَنَهَا غَيْرُ الْأَقْرَبِ) كَأَجْنَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ بَعِيدٍ (فَلَا) عِبْرَةَ لِسُكُوتِهَا (بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ كَالثَّيِّبِ) الْبَالِغَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي السُّكُوتِ لِأَنَّ رِضَاهُمَا يَكُونُ بِالدَّلَالَةِ   [رد المحتار] لِأَنَّ ذَلِكَ فِي تَزْوِيجِهِ الصَّغِيرَةَ بِحُكْمِ الْجَبْرِ، وَالْكَلَامُ فِي الْكَبِيرَةِ الَّتِي وَجَبَتْ مُشَاوَرَتُهُ لَهَا وَالْأَبُ فِي ذَلِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ (قَوْلُهُ إنْ عَلِمَتْهُ) أَيْ الزَّوْجَ وَأَمَّا الْمَهْرُ فَفِيهِ مَا مَرَّ آنِفًا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فِي سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً مَذْكُورَةً فِي الْأَشْبَاهِ) أَيْ فِي قَاعِدَةٍ لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ. وَذَكَرَ الْمُحَشِّي عِبَارَتَهُ بِتَمَامِهَا وَزَادَ عَلَيْهَا ط عَنْ الْحَمَوِيِّ مَسَائِلَ أُخَرَ سَيَذْكُرُهَا الشَّارِحُ فِي الْفَوَائِدِ الَّتِي ذَكَرَهَا بَيْنَ كِتَابِ الْوَقْفِ وَكِتَابِ الْبُيُوعِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا كُلِّهَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ كَأَجْنَبِيٍّ) الْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ فَشَمِلَ الْأَبَ إذَا كَانَ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا لَكِنَّ رَسُولَ الْوَلِيِّ قَائِمٌ مُقَامَهُ فَيَكُونُ سُكُوتُهَا رِضًا عِنْدَ اسْتِئْذَانِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْوَكِيلُ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ أَوْ وَلِيٍّ بَعِيدٍ) كَالْأَخِ مَعَ الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ غَائِبًا غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ فَلَا عِبْرَةَ لِسُكُوتِهَا) وَعَنْ الْكَرْخِيِّ يَكْفِي سُكُوتُهَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَالثَّيِّبِ الْبَالِغَةِ) أَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلَا اسْتِئْذَانَ فِي حَقِّهَا كَالْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ إلَّا فِي السُّكُوتِ) حَيْثُ يَكُونُ سُكُوتُ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ إذْنًا فِي حَقِّ الْوَلِيِّ الْأَقْرَبِ، وَلَا يَكُونُ إذْنًا فِي الثَّيِّبِ الْبَالِغَةِ مُطْلَقًا، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ كَالثَّيِّبِ تَشْبِيهٌ بِالْبِكْرِ الَّتِي اسْتَأْذَنَهَا غَيْرُ الْأَقْرَبِ، وَهَذِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّيِّبِ الْبَالِغَةِ فِي السُّكُوتِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ رِضَاهُمَا يَكُونُ بِالدَّلَالَةِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى مَا أَوْرَدَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ، مِنْ أَنَّ رِضَاهُمَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْقَوْلِ، فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي اشْتِرَاطِ الِاسْتِئْذَانِ وَالرِّضَا وَفِي أَنَّ رِضَاهُمَا قَدْ يَكُونُ صَرِيحًا وَقَدْ يَكُونُ دَلَالَةً، غَيْرَ أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ رِضًا دَلَالَةً لِحَيَائِهَا دُونَ الثَّيِّبِ، لِأَنَّ حَيَاءَهَا قَدْ قَلَّ بِالْمُمَارَسَةِ فَتَخَلَّصَ الْمُصَنِّفُ عَنْ ذَلِكَ بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ: أَوْ مَا هُوَ مَعْنَاهُ إلَخْ لَكِنْ أَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْكُلَّ مِنْ قَبِيلِ الْقَوْلِ إلَّا التَّمْكِينُ فَيَثْبُتُ دَلَالَةً لِأَنَّهُ فَوْقَ الْقَوْلِ: أَيْ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الرِّضَا بِالْقَوْلِ يَثْبُتُ بِالتَّمْكِينِ مِنْ الْوَطْءِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى الرِّضَا وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ قَوْلَ التَّهْنِئَةِ لَيْسَ بِقَوْلٍ بَلْ سُكُوتٍ، زَادَ فِي النَّهْرِ وَلِهَذَا عَدُّوهُ فِي مَسَائِلِ السُّكُوتِ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْفَتْحِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَبُولِ التَّهْنِئَةِ مَا يَكُونُ قَوْلًا بِاللِّسَانِ لَا مُجَرَّدُ السُّكُوتِ. لِأَنَّ مُرَادَهُ إدْخَالُ الْجَمْعِ تَحْتَ الْقَوْلِ، وَلِذَا لَمْ يَسْتَثْنِ إلَّا التَّمْكِينَ. وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ مِنْ قَبِيلِ الْقَوْلِ لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْقَوْلِ الصَّرِيحِ بِالرِّضَا مِثْلُ قَوْلِهَا رَضِيَتْ وَنَحْوِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ قَبْلَهُ إنَّهُ يَكُونُ إمَّا بِالْقَوْلِ كَنَعَمْ وَرَضِيت وَبَارَكَ اللَّهُ لَنَا وَأَحْسَنْت، أَوْ بِالدَّلَالَةِ كَطَلَبِ الْمَهْرِ أَوْ النَّفَقَةِ إلَخْ ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّ الْكُلَّ مِنْ قَبِيلِ الْقَوْلِ أَيْ مِنْ قَبِيلِ الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي النَّهْرِ: وَلِهَذَا إلَخْ فَفِيهِ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي مَسَائِلِ السُّكُوتِ قَوْلُهُمْ إذَا سَكَتَ الْأَبُ وَلَمْ يَنْفِ الْوَلَدُ مُدَّةَ التَّهْنِئَةِ لَزِمَهُ وَمَعْنَاهُ سَكَتَ عَنْ نَفْيِ الْوَلَدِ لَا عَنْ جَوَابِ التَّهْنِئَةِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ اعْتِرَاضِ الْبَحْرِ بِأَنَّ قَوْلَ الْفَتْحِ إنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْقَوْلِ أَيْ لَا مِنْ الْقَوْلِ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَتَهُ فَلَا يُرَدُّ السُّكُوتُ عِنْدَ التَّهْنِئَةِ، فَفِيهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ ذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى اسْتِثْنَاءِ التَّمْكِينِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ دَفْعٌ لِمَا أَوْرَدَهُ الزَّيْلَعِيُّ، لِأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ يَقُولُ إنَّ الدَّلَالَةَ بِمَنْزِلَةِ الْقَوْلِ فِي الْإِلْزَامِ فَافْهَمْ، نَعَمْ الَّذِي يَظْهَرُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ طَلَبَ الْمَهْرِ وَنَحْوِهِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِالْقَوْلِ وَلِذَا عَبَّرَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: مَنْ فَعَلَ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ قَبْضَ الْمَهْرِ وَنَحْوِهِ رِضًا كَمَا مَرَّ مِنْ جَعْلِهِ رِضًا دَلَالَةً فِي حَقِّ الْوَلِيِّ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ بِقَوْلِهِ الْوَلِيُّ إذَا زَوَّجَ الثَّيِّبَ فَرَضِيَتْ بِقَلْبِهَا وَلَمْ تُظْهِرْ الرِّضَا بِلِسَانِهَا كَانَ لَهَا أَنْ تَرُدَّ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا الرِّضَا بِاللِّسَانِ أَوْ الْفِعْلُ الَّذِي يَدُلُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ) مِنْ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا (كَطَلَبِ مَهْرِهَا) وَنَفَقَتِهَا (وَتَمْكِينِهَا مِنْ الْوَطْءِ) وَدُخُولِهِ بِهَا بِرِضَاهَا ظَهِيرِيَّةٌ (وَقَبُولِ التَّهْنِئَةِ) وَالضَّحِكِ سُرُورًا وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ خِدْمَتِهِ أَوْ قَبُولِ هَدِيَّتِهِ (مَنْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِوَثْبَةٍ) أَيْ نَطَّةٍ (أَوْ) دُرُورِ (حَيْضٍ أَوْ) حُصُولِ (جِرَاحَةٍ أَوْ تَعْنِيسٍ) أَيْ كِبَرِ بِكْرٌ حَقِيقَةً كَتَفْرِيقٍ بِجَبٍّ، أَوْ عُنَّةٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ بَعْدَ خَلْوَةٍ قَبْلَ وَطْءٍ (أَوْ زِنًا) وَهَذِهِ فَقَطْ (بِكْرٌ حُكْمًا) إنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ وَلَمْ تُحَدَّ بِهِ وَإِلَّا فَثَيِّبٌ كَمَوْطُوءَةٍ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ (قَالَ) الزَّوْجُ لِلْبِكْرِ الْبَالِغَةِ (بَلَغَك النِّكَاحُ فَسَكَتَ   [رد المحتار] عَلَى الرِّضَا نَحْوَ التَّمْكِينِ. مِنْ الْوَطْءِ وَطَلَبِ الْمَهْرِ وَقَبُولِ الْمَهْرِ دُونَ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ وَكَذَا فِي حَقِّ الْغُلَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَدُخُولِهِ بِهَا إلَخْ) هَذَا مُكَرَّرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَحْرِيفٌ وَالْأَصْلُ وَخَلْوَتِهِ بِهَا، فَإِنَّ الَّذِي فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ خَلَا بِهَا بِرِضَاهَا هَلْ يَكُونُ إجَارَةً لَا رِوَايَةً لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا إجَازَةٌ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الظَّاهِرَةِ أَنَّهُ إجَازَةٌ (قَوْلُهُ وَالضَّحِكِ سُرُورًا) احْتِرَازٌ عَنْ الضَّحِكِ اسْتِهْزَاءً قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَمَّا الضَّحِكُ فَذُكِرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَوَّلًا أَنَّهُ كَالسُّكُوتِ لَا يَكْفِي وَسَلَّمَ هُنَا أَنَّهُ يَكْفِي وَجَعَلَهُ مِنْ قَبِيلِ الْقَوْلِ لِأَنَّهُ حُرُوفٌ. اهـ. قُلْت: وَمَا هُنَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَقَبُولِ الْمَهْرِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ قَبُولُ النَّفَقَةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ خِدْمَتِهِ) أَيْ إنْ كَانَتْ تَخْدُمُهُ مِنْ قَبْلُ فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ أَكَلْت مِنْ طَعَامِهِ أَوْ خِدْمَتِهِ كَمَا كَانَتْ فَلَيْسَ بِرِضًا دَلَالَةٌ (قَوْلُهُ أَيْ نَطَّةٍ) هِيَ مِنْ فَوْقُ إلَى أَسْفَلَ وَالطَّفْرَةُ عَكْسُهَا (قَوْلُهُ أَيْ كِبَرِ) أَيْ بِلَا تَزْوِيجٍ فِي النَّهْرِ عَنْ الصِّحَاحِ يُقَالُ: عَنَسَتْ الْجَارِيَةُ تَعْنُسُ بِضَمِّ النُّونِ عُنُوسًا وَعِنَاسًا فَهِيَ عَانِسٌ إذَا طَالَ مُكْثُهَا بَعْدَ إدْرَاكِهَا فِي مَنْزِلِ أَهْلِهَا حَتَّى خَرَجَتْ عَنْ عِدَادِ الْأَبْكَارِ (قَوْلُهُ بِكْرٌ حَقِيقَةً) خَبَرُ مَنْ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْبِكْرُ اسْمٌ لِامْرَأَةٍ لَمْ تُجَامَعْ: بِنِكَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ. اهـ. لِأَنَّ مُصِيبَهَا أَوَّلُ مُصِيبٍ لَهَا وَمِنْهُ الْبَاكُورَةُ لِأَوَّلِ الثِّمَارِ وَالْبُكْرَةُ بِضَمِّ الْبَاءِ لِأَوَّلِ النَّهَارِ وَحَاصِلُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الزَّائِلَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْعُذْرَةُ أَيْ الْجِلْدَةُ الَّتِي عَلَى الْمَحَلِّ لَا الْبَكَارَةُ فَكَانَتْ بِكْرًا حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَلِذَا تَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ لِأَبْكَارِ بَنِي فُلَانٍ وَلَا يَرُدُّ الْجَارِيَةَ لَوْ شُرِيَتْ عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ، فَوُجِدَتْ زَائِلَةَ الْعُذْرَةِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَهُ رَدُّهَا لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْبَكَارَةِ صِفَةُ الْعُذْرَةِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ كَتَفْرِيقٍ بِجَبٍّ) أَيْ كَذَاتِ تَفْرِيقٍ إلَخْ ط، وَهُوَ تَنْظِيرٌ فِي كَوْنِهَا بِكْرًا حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَا تَمْثِيلَ فَلَا يُرَدُّ أَنَّ هَذِهِ مَا زَالَتْ عُذْرَتُهَا، فَكَيْفَ يُشَبِّهُهَا بِمَنْ زَالَتْ عُذْرَتُهَا (قَوْلُهُ أَوْ طَلَاقٍ) عَطْفٌ عَلَى تَفْرِيقٍ لَا عَلَى جَبٍّ ح. (قَوْلُهُ بَعْدَ خَلْوَةٍ) يَصْلُحُ ظَرْفًا لِلتَّفْرِيقِ وَالطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ قَبْلَ الْوَطْءِ ظَرْفًا لِلْأَخِيرَيْنِ فَقَطْ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْوَطْءِ فِي الْأَوَّلِ: أَمَّا فِي الْجَبِّ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْعُنَّةِ فَلِأَنَّ الْوَطْءَ يَمْنَعُ التَّفْرِيقَ كَانَ الْأَنْسَبُ تَعَلُّقَهُ بِالْأَخِيرَيْنِ فَقَطْ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: بَعْدَ خَلْوَةٍ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ أَوْ الْمَوْتُ قَبْلَ الْخَلْوَةِ كَانَتْ بِكْرًا حَقِيقَةً وَحُكْمًا بِالْأَوْلَى وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ وَطْءٍ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْوَطْءِ ثَيِّبٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَهَذِهِ فَقَطْ بِكْرٌ حُكْمًا) أَرَادَ بِالْحُكْمِيِّ مَا لَيْسَ بِحَقِيقِيٍّ بِدَلَالَةِ الْمُقَابَلَةِ، كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ وَلِذَا حَاوَلَ الشَّارِحُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَقَدَّرَ خَبَرًا لِمَنْ وَمُبْتَدَأً لِبِكْرٍ، وَإِلَّا فَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي نَفْسِهَا صَحِيحَةٌ لِأَنَّ الْحَقِيقِيَّ حُكْمًا أَيْضًا وَالْحُكْمِيُّ أَعَمُّ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ حَقِيقِيٍّ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ إطْلَاقِ الْحُكْمِيِّ إرَادَةَ مَا لَيْسَ بِحَقِيقِيٍّ أَوَّلَ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَقُلْ بِكْرٌ حُكْمًا فَقَطْ لِمَا قُلْنَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ وَلَمْ تُحَدَّ بِهِ) هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ إنْ لَمْ يَشْتَهِرْ زِنَاهَا يَكْتَفِي بِسُكُوتِهَا لِأَنَّ النَّاسَ عَرَفُوهَا بِكْرًا، فَيَعِيبُونَهَا بِالنُّطْقِ، فَيَكْتَفِي بِسُكُوتِهَا كَيْ لَا تَتَعَطَّلَ عَلَيْهَا مَصَالِحُهَا، وَقَدْ نَدَبَ الشَّارِعُ إلَى سَتْرِ الزِّنَا فَكَانَتْ بِكْرًا شَرْعًا بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَهَرَ زِنَاهَا (قَوْلُهُ وَإِلَّا) صَادِقٌ بِثَلَاثِ صُوَرٍ مَا إذَا تَكَرَّرَ مِنْهَا الزِّنَا وَلَمْ تُحَدَّ أَوْ حُدَّتْ، وَلَمْ يَتَكَرَّرْ أَوْ تَكَرَّرَ وَحُدَّتْ ح (قَوْلُهُ كَمَوْطُوءَةٍ بِشُبْهَةٍ) أَيْ فَإِنَّهَا ثَيِّبٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا ح (قَوْلُهُ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ) عَطْفٌ عَلَى بِشُبْهَةٍ أَيْ وَكَمَوْطُوءَةٍ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فَافْهَمْ أَمَّا إذَا لَمْ تُوطَأْ فِيهِ فَهِيَ بِكْرٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 وَقَالَتْ رَدَدْت) النِّكَاحَ (وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا) عَلَى ذَلِكَ (وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا طَوْعًا) فِي الْأَصَحِّ (فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) بِيَمِينِهَا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى سُكُوتِهَا لِأَنَّهُ وُجُودِيٌّ بِضَمِّ الشَّفَتَيْنِ وَلَوْ بَرَّ هُنَا   [رد المحتار] كَمَا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ ط (قَوْلُهُ وَقَالَتْ رَدَدْت) أَيْ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ ط (قَوْلُهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ أَيَّهمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ بَحْرٌ وَإِنْ أَقَامَاهَا فَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَوْ بَرْهَنَا (قَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا طَوْعًا) بِأَنْ لَمْ يَدْخُلْ أَوْ دَخَلَ كُرْهًا وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا إذَا دَخَلَ بِهَا طَوْعًا حَيْثُ لَا تُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ التَّمْكِينَ مِنْ الْوَطْءِ كَالْإِقْرَارِ، وَعَنْ هَذَا صَحَّحَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّهَا لَوْ أَقَامَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الرَّدِّ لَمْ تُقْبَلْ لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الْغَزِّيِّ عَلَى الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ وَقَعَ اخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ فِي قَبُولِ بَيِّنَتِهَا بَعْدَ الدُّخُولِ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ رَدَّتْ النِّكَاحَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ، فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكُتُبِ أَنَّهَا تُقْبَلُ وَصَحَّحَ فِي الْوَاقِعَاتِ عَدَمَهُ لِتَنَاقُضِهَا فِي الدَّعْوَى وَالصَّحِيحُ الْقَبُولُ لِأَنَّهُ وَإِنْ بَطَلَتْ الدَّعْوَى، فَالْبَيِّنَةُ لَا تَبْطُلُ لِقِيَامِهَا عَلَى تَحْرِيمِ الْفَرْجِ وَالْبُرْهَانُ عَلَيْهِ مَقْبُولٌ بِلَا دَعْوَى قَالَ الْغَزِّيِّ: وَقَدْ أَلَّفَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ عَلِيُّ الْمَقْدِسِيَّ فِيهَا رِسَالَةً اعْتَمَدَ فِيهَا تَصْحِيحَ الْقَبُولِ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) لِأَنَّهُ يَدَّعِي لُزُومَ الْعَقْدِ وَمِلْكَ الْبُضْعِ وَالْمَرْأَةُ تَدْفَعُهُ، فَكَانَتْ مُنْكِرَةً، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ وَلِيِّهَا عَلَيْهَا بِالرِّضَا لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَيْهَا بِثُبُوتِ الْمِلْكِ، وَإِقْرَارُهُ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ بَعْدَ بُلُوغِهَا غَيْرُ صَحِيحٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ لَوْ شَهِدَ مَعَ آخَرَ بِالرِّضَا لِكَوْنِهِ سَاعِيًا فِي إتْمَامِ مَا صَدَرَ مِنْهُ فَهُوَ مُتَّهَمٌ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا بَحْرٌ. قُلْت: وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ فَأَنْكَرَتْ الرِّضَا فَشَهِدَ عَلَيْهَا أَبُوهَا وَأَخُوهَا لَمْ يَجُزْ اهـ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ الْمَهْرِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى النِّكَاحِ الْفَاسِدِ مَا نَصُّهُ: وَإِذَا ادَّعَتْ فَسَادَهُ، وَهُوَ صِحَّتُهُ فَالْقَوْلُ لَهُ وَعَلَى عَكْسِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ، وَالْكُلُّ إنْ دَخَلَ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ كَانَ فِي صِغَرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا وَلَا مَهْرَ لَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا قَبْلَ الْإِدْرَاكِ اهـ مَا فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَقَدْ عَلَّلَ الْأَخِيرَةَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ بِقَوْلِهِ: لِاخْتِلَافِهِمَا فِي وُجُودِ الْعَقْدِ وَعَلَّلَهَا فِي الذَّخِيرَةِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي حَالَهِ الصِّغَر قَبْلَ إجَازَةِ الْوَلِيِّ لَيْسَ بِنِكَاحٍ مَعْنًى إلَخْ وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ لَوْ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ، وَلَوْ فِي أَصْلِ وُجُودِ الْعَقْدِ فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الْوُجُودِ. قُلْت: وَعَلَى هَذَا فَلَا اسْتِثْنَاءَ لِأَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْأَوَّلِ وَمَا فِي الْكَافِي مِنْ الثَّانِي وَلَعَلَّ وَجْهَ قَوْلِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَعَلَى عَكْسِهِ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا إلَخْ كَوْنُهُ مُؤَاخَذًا بِإِقْرَارِهِ فَيَسْرِي عَلَيْهِ وَلِذَا كَانَ لَهَا الْمَهْرُ ثُمَّ إنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الِاخْتِلَافِ فِي أَصْلِ وُجُودِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الرَّدَّ صَيَّرَ الْإِيجَابَ بِلَا قَبُولٍ، وَكَذَا الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. (قَوْلُهُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ) وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الدَّعْوَى فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ وُجُودِيٌّ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ بَيِّنَتَهُ عَلَى سُكُوتِهَا بَيِّنَةٌ عَلَى النَّفْيِ، وَهِيَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فَأَجَابَ: بِأَنَّ السُّكُوتَ وُجُودِيٌّ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ ضَمِّ الشَّفَتَيْنِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْكَلَامِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ زَادَ فِي الْبَحْرِ أَوْ هُوَ نَفْيٌ: يُحِيطُ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ، فَيُقْبَلُ كَمَا لَوْ ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا تَكَلَّمَ مِمَّا هُوَ رِدَّةٌ فِي مَجْلِسٍ، فَبَرْهَنَ عَلَى عَدَمِ التَّكَلُّمِ فِيهِ تُقْبَلُ، وَكَذَا إذَا قَالَ الشُّهُودُ كُنَّا عِنْدَهَا وَلَمْ نَسْمَعْهَا تَتَكَلَّمُ ثَبَتَ سُكُوتُهَا كَمَا فِي الْجَوَامِعِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَنْعِ وَالثَّانِي عَلَى التَّسْلِيمِ وَبَحَثَ فِي الْأَوَّلِ فِي السَّعْدِيَّةِ بِمَا فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ، مِنْ أَنَّ السُّكُوتَ تَرْكُ الْكَلَامِ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 فَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ عَلَى رِضَاهَا أَوْ إجَازَتِهَا (كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا) مَثَلًا زَاعِمًا عَدَمَ بُلُوغِهَا (فَقَالَتْ أَنَا بَالِغَةٌ وَالنِّكَاحُ لَمْ يَصِحَّ وَهِيَ مُرَاهِقَةٌ وَقَالَ الْأَبُ) أَوْ الزَّوْجُ (بَلْ هِيَ صَغِيرَةٌ) فَإِنَّ الْقَوْلَ لَهَا إنْ ثَبَتَ أَنَّ سِنَّهَا تِسْعٌ وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الْمُرَاهِقُ بُلُوغَهُ وَلَوْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَةُ الْبُلُوغِ أَوْلَى عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ قَوْلِ الصَّغِيرَةِ رَدَدْتُ حِينَ بَلَغْت وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ لَهُ لِإِنْكَارِهِ زَوَالَ مِلْكِهِ هَذَا لَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ زَمَانِ الْبُلُوغِ وَلَوْ حَالَةَ الْبُلُوغِ فَالْقَوْلُ لَهَا شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ فَلْيُحْفَظْ (وَلِلْوَلِيِّ) الْآتِي بَيَانُهُ (إنْكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ)   [رد المحتار] قُلْت: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ هَذَا تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ، وَبَحْثٌ فِي الثَّانِي أَيْضًا بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي أَيْمَانِ الْهِدَايَةِ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ فِي الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ. مِنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ مُطْلَقًا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ أَوْ لَا اهـ وَكَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ. الْحَاصِلُ: أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ الْمَقْصُودِ لَا تُقْبَلُ، سَوَاءٌ كَانَ نَفْيًا صُورَةً أَوْ مَعْنًى وَسَوَاءٌ أَحَاطَ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ أَوْ لَا اهـ قُلْت: وَهَذَا فِي غَيْرِ الشُّرُوطِ، فَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَكَذَا فَشَهِدَا أَنَّهُ دَخَلَهَا تُقْبَلُ (قَوْلُهُ فَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى) لِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ أَعْنِي الرَّدَّ فَإِنَّهُ زَائِدٌ عَلَى السُّكُوتِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ عَلَى رِضَاهَا أَوْ إجَازَتِهَا) أَيْ فَتَرْجَحُ بِبَيِّنَتِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْإِثْبَاتِ وَزِيَادَةُ بَيِّنَتِهِ بِإِثْبَاتِ اللُّزُومِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ وَعَزَاهُ فِي النِّهَايَةِ لِلتُّمُرْتَاشِيِّ وَكَذَا هُوَ فِي غَيْرِ كِتَابٍ مِنْ الْفِقْهِ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ أَنَّ بَيِّنَتَهَا أَوْلَى فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَلَعَلَّ وِجْهَةُ أَنَّ السُّكُوتَ لَمَّا كَانَ مِمَّا يَتَحَقَّقُ الْإِجَازَةُ بِهِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ الشَّهَادَةِ بِالْإِجَازَةِ كَوْنُهَا بِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى السُّكُوتِ مَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ، وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا صَرَّحَ الشُّهُودُ بِأَنَّهَا قَالَتْ: أَجَزْت أَوْ رَضِيت، وَحَمَلَ الثَّانِي عَلَى مَا إذَا شَهِدُوا بِأَنَّهَا أَجَازَتْ أَوْ رَضِيَتْ لِاحْتِمَالِ إجَازَتِهَا بِالسُّكُوتِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا إلَخْ) أَيْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْبُلُوغِ كَالِاخْتِلَافِ فِي السُّكُوتِ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ مَثَلًا) فَالْمُرَادُ الْوَلِيُّ الْمُجْبِرُ (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْقَوْلَ لَهَا) لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُرَاهِقَةً كَانَ الْمُخْبِرُ بِهِ يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ فَيَقْبَلُ خَبَرَهَا لِأَنَّهَا مُنْكِرَةٌ وُقُوعَ الْمِلْكِ عَلَيْهَا عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إنْ ثَبَتَ أَنَّ سِنَّهَا تِسْعٌ) تَفْسِيرٌ لِلْمُرَاهِقَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمِنَحِ ح (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الْمُرَاهِقُ بُلُوغَهُ) بِأَنْ بَاعَ أَبُوهُ مَا لَهُ فَقَالَ الِابْنُ أَنَا بَالِغٌ وَلَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَقَالَ الْمُشْتَرِي وَالْأَبُ إنَّهُ صَغِيرٌ فَالْقَوْلُ لِلِابْنِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ زَوَالَ مِلْكِهِ وَقَدْ قِيلَ بِخِلَافِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ بَحْرٌ عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَرْهَنَا إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَقِبَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ أَخَّرَهُ لِيُفِيدَ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَافْهَمْ. اسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ تَصَوُّرَ الْبُرْهَانِ عَلَى الْبُلُوغِ. قُلْت: وَهُوَ مُمْكِنٌ بِالْحَبَلِ أَوْ الْإِحْبَالِ أَوْ سِنِّ الْبُلُوغِ أَوْ رُؤْيَةِ الدَّمِ أَوْ الْمَنِيِّ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) رَاجِعٌ لِمَسْأَلَةِ الْمُرَاهِقَةِ وَالْمُرَاهِقِ، فَقَدْ نُقِلَ التَّصْحِيحُ فِيهِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَوْلِ الصَّغِيرَةِ) أَيْ الَّتِي زَوَّجَهَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ أَمَّا مَنْ زَوَّجَاهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا ط (قَوْلُهُ رُدَّتْ حِينَ بَلَغْت إلَخْ) أَيْ قَالَتْ بَعْدَ مَا بَلَغْت: رَدَدْت النِّكَاحَ وَاخْتَرْت نَفْسِي، حِينَ أَدْرَكْت لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ عَلَيْهَا وَتُرِيدُ بِذَلِكَ إبْطَالَ الثَّابِتِ عَلَيْهَا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ فَافْهَمْ. وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهَا ذَلِكَ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَكَأَنَّهُ سَمَّاهَا صَغِيرَةً بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ زَمَنَ الْعَقْدِ أَيْ الْمُتَحَقِّقِ صِغَرُهَا وَقْتَهُ بِخِلَافِ الْمُرَاهِقَةِ الْمُحْتَمَلِ بُلُوغُهَا وَقْتَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَالَةَ الْبُلُوغِ) بِأَنْ قَالَتْ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ الشُّهُودِ: أَدْرَكْت الْآنَ وَفَسَخْت فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَلِلْوَلِيِّ الْآتِي بَيَانُهُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ الْوَلِيُّ فِي النِّكَاحِ الْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ إلَخْ، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْوَلِيِّ الَّذِي لَهُ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ فَإِنَّهُ يَخُصُّ الْعَصَبَةَ كَمَا مَرَّ وَعَنْ الْوَصِيِّ غَيْرُ الْقَرِيبِ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي أَيْضًا (قَوْلُهُ إنْكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ) قَيَّدَ بِالْإِنْكَاحِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهِ عَلَيْهِمَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِشُهُودٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 جَبْرًا (وَلَوْ ثَيِّبًا) كَمَعْتُوهٍ وَمَجْنُونٍ شَهْرًا (وَلَزِمَ النِّكَاحُ وَلَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ) بِنَقْصِ مَهْرِهَا وَزِيَادَةِ مَهْرِهِ (أَوْ) زَوَّجَهَا (بِغَيْرِ كُفْءٍ إنْ كَانَ الْوَلِيُّ) الْمُزَوِّجُ بِنَفْسِهِ بِغَبْنٍ (أَبًا أَوْ جَدًّا) وَكَذَا الْمَوْلَى وَابْنُ الْمَجْنُونَةِ (لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُمَا سُوءُ الِاخْتِيَارِ) مَجَانَةً وَفِسْقًا   [رد المحتار] أَوْ بِتَصْدِيقِهِمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْبَابِ، وَلَوْ قَالَ وَلِلْوَلِيِّ إنْكَاحُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَالرَّقِيقِ لَشَمِلَ الْمَعْتُوهَ وَنَحْوَهُ. [تَتِمَّةٌ] : لَيْسَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ أَنْ يُسَلِّمَ الصَّغِيرَةَ قَبْلَ قَبْضِ مَا تُعُورِفَ قَبْضُهُ مِنْ الْمَهْرِ وَلَوْ سَلَّمَهَا الْأَبُ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا أَفَادَهُ ط وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَلَيْسَ لَهُ تَسْلِيمُهَا لِلدُّخُولِ بِهَا قَبْلَ إطَاقَةِ الْوَطْءِ وَلَا عِبْرَةَ لِلسِّنِّ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ الْمَهْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ ثَيِّبًا) صَرَّحَ بِهِ لِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِلَّةَ الْإِجْبَارِ عِنْدَهُ الْبَكَارَةُ وَعِنْدَنَا الْعَجْزُ بِعَدَمِ الْعَقْلِ أَوْ نُقْصَانِهِ وَتَوْضِيحُهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ (قَوْلُهُ كَمَعْتُوهٍ وَمَجْنُونٍ) أَيْ وَلَوْ كَبِيرَيْنِ وَالْمُرَادُ كَشَخْصٍ مَعْتُوهٍ إلَخْ، فَيَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى. قَالَ فِي النَّهْرِ: فَلِلْوَلِيِّ إنْكَاحُهُمَا إذَا كَانَ الْجُنُونُ مُطْبَقًا، وَهُوَ شُهِرَ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي بَلَغَ مَجْنُونًا أَوْ مَعْتُوهًا تَبْقَى وِلَايَةُ الْأَبِ كَمَا كَانَتْ فَلَوْ جُنَّ أَوْ عَتِهَ بَعْدَ الْبُلُوغِ تَعُودُ فِي الْأَصَحِّ. وَفِي الْخَانِيَّةِ زَوَّجَ ابْنَهُ الْبَالِغَ بِلَا إذْنِهِ فَجُنَّ قَالُوا يَنْبَغِي لِلْأَبِ أَنْ يَقُولَ أَجَزْت النِّكَاحَ عَلَى ابْنِي لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ بَعْدَ الْجُنُونِ. (قَوْلُهُ وَلَزِمَ النِّكَاحُ) أَيْ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى إجَازَةِ أَحَدٍ وَبِلَا ثُبُوتِ خِيَارٍ فِي تَزْوِيجِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْمَوْلَى وَكَذَا الِابْنُ عَلَى مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ) هُوَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ أَيْ لَا يَتَحَمَّلُونَ الْغَبْنُ فِيهِ احْتِرَازًا عَنْ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ، وَهُوَ مَا يَتَغَابَنُونَ فِيهِ أَيْ يَتَحَمَّلُونَهُ. قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَاَلَّذِي يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ مَا دُونَ نِصْفِ الْمَهْرِ كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا مُوَفَّقُ الدِّينِ، وَقِيلَ مَا دُونَ الْعُشْرِ اهـ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْغَبْنُ الْفَاحِشُ النِّصْفُ فَمَا فَوْقَهُ، وَعَلَى الثَّانِي الْعُشْرُ فَمَا فَوْقَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِنَقْصٍ) الْبَاءُ لِتَصْوِيرِ الْغَبْنِ أَيْ أَنَّ الْغَبْنَ يُتَصَوَّرُ فِي جَانِبِ الصَّغِيرَةِ بِالنَّقْصِ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَفِي جَانِبِ الصَّغِيرِ بِالزِّيَادَةِ (قَوْلُهُ أَوْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ) بِأَنْ زَوَّجَ ابْنَهُ أَمَةً أَوْ عَبْدًا، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا غَيْرُ كُفْءٍ وَلَا يَجُوزُ الْحَطُّ وَلَا الزِّيَادَةُ إلَّا بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ ح عَنْ الْمِنَحِ. وَلَا يَنْبَغِي ذِكْرُ الْمِثَالِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَنَحْوِهِ فِي ط. قُلْت وَعَنْ هَذَا قَالَ الشَّارِحُ أَوْ زَوَّجَهَا مُضَافًا إلَى ضَمِيرِ الْمُؤَنَّثَةِ مَعَ تَعْمِيمِهِ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ بِقَوْلِهِ بِنَقْصِ مَهْرِهَا وَزِيَادَةِ مَهْرِهِ فَلِلَّهِ دَرُّهُ مَا أَمْهَرَهُ فَافْهَمْ لَكِنْ هَذَا كَلَامٌ نَذْكُرُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ الْمُزَوِّجُ بِنَفْسِهِ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِتَزْوِيجِهَا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا ح (قَوْلُهُ بِغَبْنٍ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ أَوْ بِغَيْرِ كُفْءٍ، وَلَوْ قَالَ الْمُزَوِّجُ بِنَفْسِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ كَمَا قَالَ فِي الْمِنَحِ لَسَلِمَ مِنْ هَذَا ح (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمَوْلَى) أَيْ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَ أَوْ الصَّغِيرَةَ الْمَرْقُوقَيْنِ ثُمَّ أَعْتَقَهُمَا ثُمَّ بَلَغَا، فَإِنَّ نِكَاحَهُمَا لَازِمٌ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ أَوْ بِغَيْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُمَا خِيَارُ الْبُلُوغِ لِكَمَالِ وِلَايَةِ الْمَوْلَى فَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَلِأَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ يُغْنِي عَنْهُ ط، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي التَّصْوِيرِ. وَأَمَّا تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا كَانَ الْإِعْتَاقُ قَبْلَ التَّزَوُّجِ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَثْبُتُ لَهُمَا خِيَارُ الْبُلُوغِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَالْكَلَامُ فِي اللُّزُومِ بِلَا خِيَارٍ فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَابْنُ الْمَجْنُونَةِ) وَمِثْلُهَا الْمَجْنُونُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: الْمَجْنُونُ وَالْمَجْنُونَةُ إذَا زَوَّجَهُمَا الِابْنُ ثُمَّ أَفَاقَا لَا خِيَارَ لَهُمَا (قَوْلُهُ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهَا إلَخْ) أَيْ مِنْ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الِابْنُ كَذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ، فَيَنْبَغِي نُفُوذُ تَصَرُّفِهِ مُطْلَقًا كَتَصَرُّفِهِ فِي سَائِرِ أَمْوَالِهِ رَحْمَتِيٌّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مَجَانَةً وَفِسْقًا) نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ وَفِي الْمُغْرِبِ الْمَاجِنُ الَّذِي لَا يُبَالِي مَا يَصْنَعُ وَمَا قِيلَ لَهُ وَمَصْدَرُهُ الْمُجُونُ وَالْمَجَانَةُ اسْمٌ مِنْهُ وَالْفِعْلُ مِنْ بَابِ طَلَبَ. اهـ. . وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ حَتَّى لَوْ عُرِفَ مِنْ الْأَبِ سُوءُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 (وَإِنْ عُرِفَ لَا) يَصِحُّ النِّكَاحُ اتِّفَاقًا وَكَذَا لَوْ كَانَ سَكْرَانَ فَزَوَّجَهَا مِنْ فَاسِقٍ، أَوْ شِرِّيرٍ، أَوْ فَقِيرٍ، أَوْ ذِي حِرْفَةٍ دَنِيَّةٍ لِظُهُورِ سُوءِ اخْتِيَارِهِ فَلَا تُعَارِضُهُ شَفَقَتُهُ الْمَظْنُونَةُ بَحْرٌ (وَإِنْ كَانَ الْمُزَوِّجُ غَيْرَهُمَا) أَيْ غَيْرَ الْأَبِ وَأَبِيهِ وَلَوْ الْأُمَّ أَوْ الْقَاضِي   [رد المحتار] الِاخْتِيَارِ لِسَفَهِهِ أَوْ لِطَمَعِهِ لَا يَجُوزُ عَقْدُهُ إجْمَاعًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ عُرِفَ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ) اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِمَا فِي النَّوَازِلِ: لَوْ زَوَّجَ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ مِمَّنْ يُنْكِرُ أَنَّهُ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ، فَإِذَا هُوَ مُدْمِنٌ لَهُ وَقَالَتْ لَا أَرْضَى بِالنِّكَاحِ أَيْ مَا بَعْدَ مَا كَبِرَتْ إنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ الْأَبُ بِشُرْبِهِ وَكَانَ غَلَبَةُ أَهْلِ بَيْتِهِ صَالِحِينَ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا زَوَّجَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ كُفْءٌ اهـ قَالَ إذْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ الْأَبُ بِشُرْبِهِ فَالنِّكَاحُ نَافِذٌ مَعَ أَنَّ مَنْ زَوَّجَ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ الْقَابِلَةَ لِلتَّخَلُّقِ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ شِرِّيبٌ فَاسِقٌ فَسُوءُ اخْتِيَارِهِ ظَاهِرٌ. ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحَقُّقِ سُوءِ اخْتِيَارِهِ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِهِ فَلَا يَلْزَمُ بُطْلَانُ النِّكَاحِ عَنْهُ تَحَقُّقَ سُوءِ الِاخْتِيَارِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ لِلنَّاسِ كَوْنُهُ مَعْرُوفًا بِمِثْلِ ذَلِكَ. اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَانِعَ هُوَ كَوْنُ الْأَبِ مَشْهُورًا بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا بِذَلِكَ ثُمَّ زَوَّجَ بِنْتَه مِنْ فَاسِقٍ صَحَّ وَإِنْ تَحَقَّقَ بِذَلِكَ أَنَّهُ سَيِّئُ الِاخْتِيَارِ وَاشْتُهِرَ بِهِ عِنْدَ النَّاسِ، فَلَوْ زَوَّجَ بِنْتًا أُخْرَى مِنْ فَاسِقٍ لَمْ يَصِحَّ الثَّانِي لِأَنَّهُ كَانَ مَشْهُورًا بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ قَبْلَهُ، بِخِلَافِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ وُجُودِ الْمَانِعِ قَبْلَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَانِعُ مُجَرَّدَ تَحَقُّقِ سُوءِ الِاخْتِيَارِ بِدُونِ الِاشْتِهَارِ لَزِمَ إحَالَةُ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي قَوْلَهُمْ وَلَزِمَ النِّكَاحُ وَلَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ بِغَيْرِ كُفْءٍ إنْ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ جَدًّا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ النَّوَازِلِ مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ سَيَبْطُلُ كَمَا فِي الذَّخِيرَة، لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا لَمْ تَرْضَ الْبِنْتُ بَعْدَمَا كَبِرَتْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْقُنْيَةِ: زَوَّجَ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ مِنْ رَجُلٍ ظَنَّهُ حُرَّ الْأَصْلِ وَكَانَ مُعْتَقًا فَهُوَ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. وَعُلِمَ مِنْ عِبَارَةِ الْقُنْيَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الْكَفَاءَةِ بَيْنَ كَوْنِهِ بِسَبَبِ الْفِسْقِ أَوْ غَيْرِهِ، حَتَّى لَوْ زَوَّجَهَا مِنْ فَقِيرٍ أَوْ ذِي حِرْفَةٍ دَنِيَّةٍ وَلَمْ يَكُنْ كُفُؤًا لَهَا لَمْ يَصِحَّ فَقَصَرَ ابْنُ الْهُمَامِ كَلَامَهُمْ عَلَى الْفَاسِقِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْبَيْتِ إذَا بَلَغْت إنَّمَا هُوَ فِي الصَّغِيرَةِ، أَمَّا لَوْ زَوَّجَ الْأَوْلِيَاءُ الْكَبِيرَةَ بِإِذْنِهَا وَلَمْ يَعْلَمُوا عَدَمَ الْكَفَاءَةِ ثُمَّ ظَهَرَ عَدَمُهَا فَلَا خِيَارَ لِأَحَدٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ الْبَابِ الْآتِي وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ فَزَوَّجَهَا مِنْ فَاسِقٍ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ زَوَّجَهَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فِي الْمَهْرِ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا وَالصَّاحِي يَجُوزُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ السَّكْرَانِ أَنَّهُ لَا يَتَأَمَّلُ إذْ لَيْسَ لَهُ رَأْيٌ كَامِلٌ، فَبَقِيَ النُّقْصَانُ ضَرَرًا مَحْضًا وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الصَّاحِي أَنَّهُ يَتَأَمَّلُ بَحْرٌ عَنْ الذَّخِيرَةِ ثُمَّ قَالَ: وَكَذَا السَّكْرَانُ لَوْ زُوِّجَ مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَبِ مَنْ لَيْسَ بِسَكْرَانَ وَلَا عُرِفَ بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ. اهـ. قُلْت: وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ أَنَّ السَّكْرَانَ أَوْ الْمَعْرُوفَ بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ لَوْ زَوَّجَهَا مِنْ كُفْءٍ بِمَهْرِ الْمِثْلِ صَحَّ لِعَدَمِ الضَّرَرِ الْمَحْضِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الصَّاحِي أَنَّهُ يَتَأَمَّلُ أَيْ أَنَّهُ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ بِالْأُبُوَّةِ لَا يُزَوِّجُ بِنْتَه مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ أَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ تَزِيدُ عَلَى هَذَا الضَّرَرِ كَعِلْمِهِ بِحُسْنِ الْعِشْرَةِ مَعَهَا وَقِلَّةِ الْأَذَى وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا مَقْصُودٌ فِي السَّكْرَانِ وَسَيِّئِ الِاخْتِيَارِ إذَا خَالَفَ لِظُهُورِ عَدَمِ رَأْيِهِ وَسُوءِ اخْتِيَارِهِ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَيْ غَيْرَ الْأَبِ وَأَبِيهِ) الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ وَالِابْنِ وَالْمَوْلَى لِمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَوْ الْأُمَّ أَوْ الْقَاضِيَ) هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ وِلَايَةِ الْأَخِ وَالْعَمِّ، فَإِذَا ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي الْحَاجِبِ فَفِي الْمَحْجُوبِ أَوْلَى بَحْرٌ. وَلِقُصُورِ الرَّأْيِ فِي الْأُمِّ وَنُقْصَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 أَوْ وَكِيلَ الْأَبِ، لَكِنَّ فِي النَّهْرِ بَحْثًا لَوْ عَيَّنَ لِوَكِيلِهِ الْقَدْرَ صَحَّ. (لَا يَصِحُّ) النِّكَاحُ (مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ أَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَصْلًا) وَمَا فِي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ صَحَّ وَلَهُمَا فَسْخُهُ   [رد المحتار] الشَّفَقَةِ فِي الْقَاضِي ذَخِيرَةٌ لَكِنْ سَنَذْكُرُ فِي مَسْأَلَةِ عَضْلِ الْأَقْرَبِ أَنَّ تَزْوِيجَ الْقَاضِي نِيَابَةً عَنْهُ فَلَيْسَ لَهَا الْخِيَارُ وَيَأْتِي تَمَامُهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ لَوْ عَيَّنَ لِوَكِيلِهِ الْقَدْرَ) أَيْ الَّذِي هُوَ غَبْنٌ فَاحِشٌ نَهْرٌ وَكَذَا لَوْ عَيَّنَ لَهُ رَجُلًا غَيْرَ كُفْءٍ كَمَا بَحَثَهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ: هَلْ لِلْعَصَبَةِ تَزْوِيجُ امْرَأَةٍ صَغِيرَةٍ غَيْرَ كُفْءٍ لَهُ [تَنْبِيهٌ] : ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ أَنَّ تَزْوِيجَ الْأَبِ الصَّغِيرَ وَالصَّغِيرَةَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ أَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ جَائِزٌ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْمُحِيطِ الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ إذَا زَادَ أَوْ نَقَصَ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ اهـ وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي عِبَارَةِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ، لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ وَكِيلَ الْأَبِ، بَلْ وَكِيلَ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ الْبَالِغَيْنِ بِقَرِينَةِ مَا فِي الْبَدَائِعِ حَيْثُ ذَكَرَ الْخِلَافَ السَّابِقَ، ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ التَّوْكِيلُ بِأَنْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا مِقْدَارَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ، أَوْ وَكَّلَتْ امْرَأَةٌ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ رَجُلٍ فَزَوَّجَهَا بِدُونِ صَدَاقِ مِثْلِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ اهـ وَقَدَّمْنَاهُ أَيْضًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ، وَعَلَيْهِ فَلَا مُنَافَاةَ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ) مِثْلُهُ قَوْلُ الْكَنْزِ: وَلَوْ زَوَّجَ طِفْلَهُ غَيْرَ كُفْءٍ أَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ صَحَّ وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأَخَ لَوْ زَوَّجَ أَخَاهُ الصَّغِيرَ امْرَأَةً أَدْنَى مِنْهُ لَا يَصِحُّ وَفِيهِ مَا مَرَّ عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْكَفَاءَةَ لَا تُعْتَبَرُ لِلزَّوْجِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا أَيْضًا. وَقَدَّمْنَا أَنَّ الشَّارِحَ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ أَيْضًا وَقَدْ رَاجَعْت كَثِيرًا فَلَمْ أَرَ شَيْئًا صَرِيحًا فِي ذَلِكَ؛ نَعَمْ رَأَيْت فِي الْبَدَائِعِ مِثْلُ مَا فِي الْكَنْزِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا إنْكَاحُ الْأَبِ وَالْجَدِّ الصَّغِيرَ الصَّغِيرَةَ فَالْكَفَاءَةُ فِيهِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِصُدُورِهِ مِمَّنْ لَهُ كَمَالُ النَّظَرِ لِكَمَالِ الشَّفَقَةِ، بِخِلَافِ إنْكَاحِ الْأَخِ وَالْعَمِّ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ اهـ فَقَوْلُهُ بِخِلَافٍ إلَخْ ظَاهِرٌ فِي رُجُوعِهِ إلَى كُلٍّ مِنْ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ، وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ لِلزَّوْجِ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ زَوَّجَ نَفْسَهُ مِنْ امْرَأَةٍ أَدْنَى مِنْهُ لَيْسَ لِعَصَبَاتِهِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ وَبِخِلَافِ الصَّغِيرَيْنِ إذَا زَوَّجَهُمَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَسَنَذْكُرُ فِي أَوَّلِ بَابِ الْكَفَاءَةِ مَا يُؤَيِّدُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ أَصْلًا أَيْ لَا لَازِمًا وَلَا مَوْقُوفًا عَلَى الرِّضَا بَعْدَ الْبُلُوغِ، قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَعَلَى هَذَا ابْتَنَى الْفَرْعُ الْمَعْرُوفُ: لَوْ زَوَّجَ الْعَمُّ الصَّغِيرَةَ حُرَّةَ الْجَدِّ مِنْ مُعْتَقِ الْجَدِّ فَكَبِرَتْ وَأَجَازَتْ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَقْدًا مَوْقُوفًا إذْ لَا مُجِيزَ لَهُ فَإِنَّ الْعَمَّ وَنَحْوَهُ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُمْ التَّزْوِيجُ بِغَيْرِ الْكُفْءِ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلِذَا ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِمَهْرٍ مُسَمًّى وَمَرَّةٍ بِغَيْرِ التَّسْمِيَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي التَّسْمِيَةِ نُقْصَانٌ فَاحِشٌ وَلَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ الْأَوَّلُ يَصِحُّ الثَّانِي. اهـ. وَلَيْسَ لِلتَّزْوِيجِ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ حِيلَةٌ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ (قَوْلُهُ صَحَّ وَلَهُمَا فَسْخُهُ) أَيْ بَعْدَ بُلُوغِهِمَا، وَالْجُمْلَةُ قَصَدَ بِهَا لَفْظَهُمَا مَرْفُوعَةُ الْمَحَلِّ عَلَى أَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ مَا أَوْ مَحْكِيَّةٌ بِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ قَائِلًا. وَقَوْلُهُ: وَهُمْ خَبَرٌ عَنْ مَا، وَعِبَارَةُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِي مَتْنِهِ: وَصَحَّ إنْكَاحُ الْأَبِ وَالْجَدِّ الصَّغِيرَ وَالصَّغِيرَةَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَمِنْ غَيْرِ كُفْءٍ لَا غَيْرِهِمَا. وَقَالَ فِي شَرْحِهِ: أَيْ لَوْ فَعَلَ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ لَا يَكُونُ لِلصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ حَقُّ الْفَسْخِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَإِنْ فَعَلَ غَيْرَهُمَا فَلَهُمَا أَنْ يَفْسَخَا بَعْدَ الْبُلُوغِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْوَهْمَ فِي عِبَارَةِ الشَّرْحِ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى وَهْمِهِ ابْنُ الْكَمَالِ، وَكَذَا الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي التَّلْوِيحِ فِي بَحْثِ الْعَوَارِضِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 وَهْمٌ (وَإِنْ كَانَ مِنْ كُفْءٍ وَبِمَهْرِ الْمِثْلِ صَحَّ وَ) لَكِنْ (لَهُمَا) أَيْ لِصَغِيرٍ وَصَغِيرَةٍ وَمُلْحَقٍ بِهِمَا (خِيَارُ الْفَسْخِ) وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ (بِالْبُلُوغِ أَوْ الْعِلْمِ بِالنِّكَاحِ بَعْدَهُ) لِقُصُورِ الشَّفَقَةِ وَيُغْنِي عَنْهُ خِيَارُ الْعِتْقِ، وَلَوْ بَلَغْت وَهُوَ صَغِيرٌ فَرَّقَ بِحَضْرَةِ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ   [رد المحتار] لَا يُوجَدُ لَهُ رِوَايَةٌ أَصْلًا، وَأَجَابَ الْقُهُسْتَانِيُّ بِأَنَّ صِحَّتَهُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ نَقَلَهَا فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ بَعْضِهِمْ وَبِغَيْرِ كُفْءٍ نَقَلَهَا فِي الْجَامِعِ عَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الرِّوَايَةِ اهـ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مَا كَانَ قَوْلًا لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ قَوْلًا ضَعِيفًا مُخَالِفًا لِمَا فِي مَشَاهِيرِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ الْمُعْتَمَدَةِ (قَوْلُهُ وَلَكِنْ لَهُمَا خِيَارُ الْبُلُوغِ) دُفِعَ بِهِ تَوَهُّمُ اللُّزُومِ الْمُتَبَادِرِ مِنْ الصِّحَّةِ ط وَأَطْلَقَ فَشَمِلَ الذِّمِّيِّينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَمَا إذَا زَوَّجَتْ الصَّغِيرَةُ نَفْسَهَا فَأَجَازَ الْوَلِيُّ لِأَنَّ الْجَوَازَ ثَبَتَ بِإِجَازَةِ الْوَلِيِّ فَالْتَحَقَ بِنِكَاحٍ بَاشَرَهُ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَمُلْحَقٍ بِهِمَا) كَالْمَجْنُونِ وَالْمَجْنُونَةِ إذَا كَانَ الْمُزَوِّجُ لَهُمَا غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالِابْنِ بِأَنْ كَانَ أَخًا أَوْ عَمًّا مَثَلًا. قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْعَصَبَاتِ: وَكُلُّ هَؤُلَاءِ يَثْبُتُ لَهُمْ وِلَايَةَ الْإِجْبَارِ عَلَى الْبِنْتِ وَالذَّكَرِ فِي حَالِ صِغَرِهِمَا أَوْ كِبَرِهِمَا إذَا جُنَّا مَثَلًا غُلَامٌ بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ فَزَوَّجَهُ أَبُوهُ وَهُوَ رَجُلٌ جَازَ إذَا كَانَ مُطْبَقًا فَإِذَا أَفَاقَ فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَإِنْ زَوَّجَهُ أَخُوهُ فَأَفَاقَ فَلَهُ الْخِيَارُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِالْبُلُوغِ) أَيْ إذَا عَلِمَا قَبْلَهُ أَوْ عِنْدَهُ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ الْعِلْمِ بِالنِّكَاحِ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِأَنْ بَلَغَا وَلَمْ يَعْلَمَا بِهِ ثُمَّ عَلِمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ لِقُصُورِ الشَّفَقَةِ) أَيْ وَلِقُصُورِ الرَّأْيِ فِي الْأُمِّ، وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُمَا اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ زَوَّجَهُمَا الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ. (قَوْلُهُ وَيُغْنِي عَنْهُ خِيَارُ الْعِتْقِ) اعْلَمْ أَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ لَا يَثْبُتُ لِلذَّكَرِ بَلْ لِلْأُنْثَى فَقَطْ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً، فَإِذَا زَوَّجَهَا مَوْلَاهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَلَهُمَا الْخِيَارُ لِأَنَّهُ كَانَ يَزُولُ مِلْكُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا بِطَلْقَتَيْنِ فَصَارَ لَا يَزُولُ إلَّا بِثَلَاثٍ، لَكِنْ لَوْ صَغِيرَةً لَا تُخَبَّرُ مَا لَمْ تَبْلُغْ فَإِذَا بَلَغْت خَيَّرَهَا الْقَاضِي خِيَارَ الْعِتْقِ لَا خِيَارَ الْبُلُوغِ، وَإِنْ ثَبَتَ لَهَا أَيْضًا لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَعَمُّ فَيُنَظِّمُ الثَّانِيَ تَحْتَهُ، وَقِيلَ لَا يَثْبُتُ لَهَا خِيَارُ الْبُلُوغِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمَوْلَى وِلَايَةٌ كَامِلَةٌ لِأَنَّهَا بِسَبَبِ الْمِلْكِ فَلَا يَثْبُتُ خِيَارُ الْبُلُوغِ كَمَا فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَلَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ حُرَّةً ثُمَّ أَعْتَقَهُ ثُمَّ بَلَغَ فَلَيْسَ لَهُ خِيَارُ بُلُوغٍ وَلَا خِيَارُ عِتْقٍ لِأَنَّ إنْكَاحَ الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ لَا بِطَرِيقِ النَّظَرِ لَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَهُوَ صَغِيرٌ لِأَنَّهُ بِطَرِيقِ النَّظَرِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْفَصْلِ السَّابِعَ عَشَرَ وَنَحْوِهِ فِي جَامِعِ الصَّفَّارِ لِلْإِمَامِ الْأُسْرُوشَنِيِّ؛ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ: لَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ الصَّغِيرَةَ أَوَّلًا ثُمَّ زَوَّجَهَا ثُمَّ بَلَغْت فَإِنَّ لَهَا خِيَارَ الْبُلُوغِ اهـ: أَيْ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَيْهَا بِطَرِيقِ النَّظَرِ، وَلِأَنَّهَا وِلَايَةُ إعْتَاقٍ وَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ جَمِيعِ الْعَصَبَاتِ فَلَهَا خِيَارُ الْبُلُوغِ كَمَا فِي وِلَايَةِ الْأَخِ وَالْعَمِّ بَلْ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا لَوْ زَوَّجَهَا قَبْلَ الْإِعْتَاقِ، ثُمَّ بَلَغْت فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهَا خِيَارُ الْبُلُوغِ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمِلْكِ أَقْوَى مِنْ وِلَايَةِ الْأَبِ وَالْجَدِّ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ لَا يَثْبُتُ لِلذَّكَرِ الرَّقِيقِ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَيَثْبُتُ لِلْأُنْثَى مُطْلَقًا إذَا زَوَّجَهَا حَالَةَ الرِّقِّ، وَأَنَّ خِيَارَ الْبُلُوغِ يَثْبُتُ لِلصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ إذَا زَوَّجَهُمَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُمَا إذَا زَوَّجَهُمَا قَبْلَهُ لَا اسْتِقْلَالًا وَلَا تَبَعًا لِخِيَارِ الْعِتْقِ لِلصَّغِيرَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَقَوْلُهُ وَيُغْنِي عَنْهُ خِيَارُ الْعِتْقِ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ (قَوْلُهُ بِحَضْرَةِ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ) فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا يُنَصِّبُ الْقَاضِي وَصِيًّا يُخَاصِمُ فَيَحْضُرُهُ وَيَطْلُبُ مِنْهُ حُجَّةً لِلصَّغِيرِ تَبْطُلُ دَعْوَى الْفُرْقَةِ مِنْ بَيِّنَةٍ عَلَى رِضَاهَا بِالنِّكَاحِ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَوْ تَأْخِيرَهَا طَلَبَ الْفُرْقَةِ وَإِلَّا يُحَلِّفُهَا الْخَصْمُ، فَإِنْ حَلَفَتْ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا الْحَاكِمُ بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ بِلَا انْتِظَارٍ إلَى بُلُوغِ الصَّبِيِّ دَأْبَ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 (بِشَرْطِ الْقَضَاءِ) لِلْفَسْخِ (فَيَتَوَارَثَانِ فِيهِ) وَيَلْزَمُ كُلُّ الْمَهْرِ ثُمَّ الْفُرْقَةُ إنْ مِنْ قِبَلِهَا فَفَسْخٌ لَا يُنْقِصُ عَدَدَ طَلَاقٍ وَلَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ إلَّا فِي الرِّدَّةِ وَإِنْ مِنْ قِبَلِهِ فَطَلَاقٌ   [رد المحتار] قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَصِيَّ الْأَبِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَدِّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِهِ، ثُمَّ رَأَيْته هُنَا فِي جَامِعِ الصَّفَّارِ قَالَ فِي امْرَأَةِ الصَّبِيِّ لَوْ وَجَدْته مَجْبُوبًا فَالْقَاضِي يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِخُصُومَتِهَا وَلَوْ وَجَدْته عِنِّينًا يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ وَلَا وَصِيٌّ فَالْجَدُّ أَوْ وَصِيُّهُ خَصْمٌ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَصَبَ الْقَاضِي عَنْهُ خَصْمًا إلَخْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ الْقَضَاءِ) أَيْ لِأَنَّ فِي أَصْلِهِ ضَعْفًا، فَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ، وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ كَانَ غَائِبًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَحْضُرْ لِلُزُومِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ نَهْرٌ. قُلْت: وَبِهِ صَرَّحَ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي جَامِعِهِ (قَوْلُهُ لِلْفَسْخِ) أَيْ هَذَا الشَّرْطُ إنَّمَا هُوَ لِفَسْخِ لَا لِثُبُوتِ الِاخْتِيَارِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُزَوِّجُ لِلصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ، فَلَهُمَا الْخِيَارُ بِالْبُلُوغِ أَوْ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنْ اخْتَارَ الْفَسْخَ لَا يَثْبُتُ الْفَسْخُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَضَاءِ. فَلِذَا فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَيَتَوَارَثَانِ فِيهِ أَيْ فِي هَذَا النِّكَاحِ قَبْلَ ثُبُوتِ فَسْخِهِ (قَوْلُهُ وَيَلْزَمُ كُلُّ الْمَهْرِ) لِأَنَّ الْمَهْرَ كَمَا يَلْزَمُ جَمِيعُهُ بِالدُّخُولِ وَلَوْ حُكْمًا كَالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ، كَذَلِكَ يَلْزَمُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الدُّخُولِ، أَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَيَسْقُطُ وَلَوْ الْخِيَارُ مِنْهُ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِالْخِيَارِ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ وَالْعَقْدُ إذَا انْفَسَخَ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ إنْ مِنْ قِبَلِهَا) أَيْ وَلَيْسَتْ بِسَبَبٍ مِنْ الزَّوْجِ كَذَا فِي النَّهْرِ. وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ التَّخْيِيرِ وَالْأَمْرِ بِالْيَدِ، فَإِنَّ الْفُرْقَةَ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ قِبَلِهَا لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ بِسَبَبٍ مِنْ الزَّوْجِ كَانَتْ طَلَاقًا ح (قَوْلُهُ لَا يُنْقِصُ عَدَدَ طَلَاقٍ) فَلَوْ جَدَّدَ الْعَقْدَ بَعْدَهُ مَلَكَ الثَّلَاثِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ) أَيْ لَا يَلْحَقُ الْمُعْتَدَّةَ بَعْدَ الْفَسْخُ فِي الْعِدَّةِ طَلَاقٌ وَلَوْ صَرِيحًا ح. وَإِنَّمَا تَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ إذَا كَانَ الْفَسْخُ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ النِّهَايَةِ عَلَى خِلَافِ مَا بَحَثَهُ فِي الْفَتْحِ، وَقَيَّدَ بَعْدَهُ الْفَسْخُ لِمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ كُلَّ فِرْقَةٍ بِطَلَاقٍ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ فِي الْعِدَّةِ إلَّا فِي اللِّعَانِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً اهـ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قُبَيْلَ بَابِ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ إلَّا فِي الرِّدَّةِ) يَعْنِي أَنَّ الطَّلَاقَ الصَّرِيحَ يَلْحَقُ الْمُرْتَدَّةَ فِي عِدَّتِهَا وَإِنْ كَانَتْ فُرْقَتُهَا فَسْخًا لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِالرِّدَّةِ غَيْرُ مُتَأَبِّدَةٍ لِارْتِفَاعِهَا بِالْإِسْلَامِ فَيَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ مُسْتَتْبِعًا فَائِدَتَهُ مِنْ حُرْمَتِهَا عَلَيْهَا بَعْدَ الثَّلَاثِ حُرْمَةً مُغَيَّاةً بِوَطْءِ زَوْجٍ آخَرَ كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي قَصْرُ عَدَمِ الْوُقُوعِ فِي الْعِدَّةِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْفُرْقَةُ بِمَا يُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً كَالتَّقْبِيلِ، وَالْإِرْضَاعِ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ لِظَاهِرِ كَلَامِهِمْ عُرِفَ ذَلِكَ مِنْ تَصَفُّحِهِ اهـ أَيْ لِتَصْرِيحِهِمْ بِعَدَمِ اللَّحَاقِ فِي عِدَّةِ خِيَارِ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ، وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، وَنُقْصَانِ الْمَهْرِ وَالسَّبْيِ، وَالْمُهَاجَرَةِ وَالْإِبَاءِ وَالِارْتِدَادِ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْفَتْحِ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالتَّأْبِيدِ مَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الْفَسْخِ. وَذُكِرَ فِي أَوَّلِ طَلَاقِ الْبَحْرِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فِي عِدَّةِ الْفَسْخِ إلَّا فِي ارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا وَتَفْرِيقِ الْقَاضِي بِإِبَاءِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْإِسْلَامِ، لَكِنَّ الشَّارِحَ قَبْلَ بَابِ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ قَالَ تَبَعًا لِلْمِنَحِ لَا يَلْحَقُ الطَّلَاقُ وَعِدَّةُ الرِّدَّةِ مَعَ اللِّحَاقِ، فَيُقَيَّدُ كَلَامُ الْبَحْرِ هُنَا بِعَدَمِ اللِّحَاقِ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَدْ نَظَمَتْ ذَلِكَ بِقَوْلِي: وَيَلْحَقُ الطَّلَاقَ فُرْقَةُ الطَّلَاقِ ... أَوْ الْإِبَا أَوْ رِدَّةٌ بِلَا لَحَاقِ قَالَ ح: وَسَيَأْتِي هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّ الْفُرْقَةَ بِالْإِسْلَامِ لَا يَلْحَقُ الطَّلَاقُ عِدَّتَهَا فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ. اهـ. . قُلْت: مَا ذَكَرَهُ آخِرًا قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ إنَّهُ فِي طَلَاقِ أَهْلِ الْحَرْبِ: أَيْ فِيمَا لَوْ هَاجَرَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ هُنَاكَ وَفِي بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَإِنْ مِنْ قِبَلِهِ فَطَلَاقٌ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 إلَّا بِمِلْكٍ أَوْ رِدَّةٍ أَوْ خِيَارِ عِتْقٍ وَلَيْسَ لَنَا فُرْقَةٌ مِنْهُ وَلَا مَهْرٌ عَلَيْهِ إلَّا إذَا اخْتَارَ نَفْسَهُ بِخِيَارِ عِتْقٍ وَشَرَطَ لِلْكُلِّ الْقَضَاءَ إلَّا ثَمَانِيَةً   [رد المحتار] يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ التَّبَايُنُ وَالتَّقْبِيلُ، وَالسَّبْيُ وَالْإِسْلَامُ وَخِيَارُ الْبُلُوغِ وَالرِّدَّةِ وَالْمِلْكِ طَلَاقًا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ قِبَلِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا سَتَرَاهُ وَاسْتِثْنَاؤُهُ الْمِلْكَ وَالرِّدَّةَ وَخِيَارَ الْعِتْقِ لَا يُجْدِي نَفْعًا لِبَقَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأُخَرِ. فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ وَإِنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مِنْ قِبَلِهَا فَطَلَاقٌ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا طَيَّبَ اللَّهُ تَعَالَى ثَرَاهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْفَسْخِ لِيُفِيدَ أَنَّ هَذِهِ الْفُرْقَةَ فَسْخٌ لَا طَلَاقٌ، فَلَا تَنْقُصُ عَدَدَهُ لِأَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْأُنْثَى وَلَا طَلَاقَ إلَيْهَا اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ وَعِبَارَتُهُ: ثُمَّ الْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ لَيْسَتْ بِطَلَاقٍ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ يَشْتَرِكُ فِي سَبَبِهَا الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ، وَحِينَئِذٍ يُقَالُ فِي الْأَوَّلِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا لَا بِسَبَبٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ قِبَلِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مِنْهَا فَفُسِخَ فَاشْدُدْ يَدَيْك عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أَجْدَى مِنْ تَفَارِيقِ الْعَصَا. اهـ. ح. قُلْت: لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ إبَاءُ الزَّوْجِ عَنْ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ طَلَاقٌ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا، وَكَذَا اللِّعَانُ فَإِنَّهُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ طَلَاقٌ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الْإِبَاءَ فَسْخٌ وَلَوْ كَانَ مِنْ الزَّوْجِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ اللِّعَانَ لَمَّا كَانَ ابْتِدَاؤُهُ مِنْهُ صَارَ كَأَنَّهُ مِنْ قِبَلِهِ وَحْدَهُ فَيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ خِيَارِ عِتْقٍ) يَقْتَضِي أَنَّ لِلْعَبْدِ خِيَارَ عِتْقٍ، وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ فَإِنَّا قَدَّمْنَا عَنْ الْبَحْرِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ يَخْتَصُّ بِالْأُنْثَى وَسَيُصَرِّحُ بِهِ الشَّارِحُ فِي بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ حَيْثُ يَقُولُ: وَلَا يَثْبُتُ لِغُلَامٍ ح (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَنَا فُرْقَةٌ مِنْهُ) أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ ح (قَوْلُهُ إلَّا إذَا اخْتَارَ نَفْسَهُ بِخِيَارِ عِتْقٍ) صَوَابُهُ بِخِيَارِ بُلُوغٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْبَحْرِ: وَلَيْسَ لَنَا فُرْقَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ إلَّا هَذِهِ، فَإِنَّهُ رَاجِعٌ إلَى خِيَارِ الْبُلُوغِ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِيهِ لَا فِي خِيَارِ الْعِتْقِ كَمَا تَعْلَمُهُ بِمُرَاجَعَةٍ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْحَصْرُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ قُبَيْلَ كِتَابِ النَّفَقَاتِ: حُرٌّ تَزَوَّجَ مُكَاتَبَةً بِإِذْنِ سَيِّدِهَا عَلَى جَارِيَةٍ بِعَيْنِهَا فَلَمْ تَقْبِضْ الْمُكَاتَبَةُ الْجَارِيَةَ، حَتَّى زَوَّجَتْهَا مِنْ زَوْجِهَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ جَازَ النِّكَاحَانِ، فَإِنْ طَلَّقَ الزَّوْجُ الْمُكَاتَبَةَ أَوَّلًا ثُمَّ طَلَّقَ الْأَمَةَ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ وَلَا يَقَعُ عَلَى الْأَمَةِ لِأَنَّ بِطَلَاقِ الْمُكَاتَبَةِ تَتَنَصَّفُ الْأَمَةُ وَعَادَ نِصْفُهَا إلَى الزَّوْجِ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ فَيَفْسُدُ نِكَاحُ الْأَمَةِ قَبْلَ وُرُودِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا فَلَمْ يَعْمَلْ طَلَاقُهَا، وَيَبْطُلُ جَمِيعُ مَهْرِ الْأَمَةِ عَنْ الزَّوْجِ مَعَ أَنَّهَا فُرْقَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لِأَنَّ الْفُرْقَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ إنَّمَا لَا تُسْقِطُ كُلَّ الْمَهْرِ إذَا كَانَتْ طَلَاقًا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مِنْ قِبَلِ الدُّخُولِ وَكَانَتْ فَسْخًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تُوجِبُ سُقُوطَ كُلِّ الصَّدَاقِ كَالصَّغِيرِ إذَا بَلَغَ. وَأَيْضًا لَوْ اشْتَرَى مَنْكُوحَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَإِنَّهُ يُسْقِطُ كُلَّ الصَّدَاقِ مَعَ أَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهِ لِأَنَّ فَسَادَ النِّكَاحِ حُكْمٌ مُعَلَّقٌ بِالْمِلْكِ، وَكُلُّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِالْمِلْكِ فَإِنَّهُ بِحَالٍ عَلَى قَبُولِ الْمُشْتَرِي لَا عَلَى إيجَابِ الْبَائِعِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ كُلُّ الصَّدَاقِ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ بِلَفْظِهِ. وَيُرَدُّ عَلَى صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ إذَا ارْتَدَّ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهَا فُرْقَةٌ هِيَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ كُلَّ الْمَهْرِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُهُ، فَالْحَقُّ أَنْ لَا يُجْعَلَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ضَابِطٌ بَلْ يُحْكَمُ فِي كُلِّ فَرْدٍ بِمَا أَفَادَهُ الدَّلِيلُ اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: أَقُولُ: فِي دَعْوَى كَوْنِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهِ فِيمَا إذَا مَلَكَهَا أَوْ بَعْضَهَا نَظَرٌ. فَفِي الْبَدَائِعِ: الْفُرْقَةُ الْوَاقِعَةُ بِمِلْكِهِ إيَّاهَا أَوْ شِقْصًا مِنْهَا فُرْقَةٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ حَصَلَتْ بِسَبَبٍ لَا مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ طَلَاقًا فَتُجْعَلُ فَسْخًا اهـ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي مَحَلِّهِ اهـ كَلَامُ النَّهْرِ ح (قَوْلُهُ إلَّا ثَمَانِيَةً) لِأَنَّهَا تُبْتَنَى عَلَى سَبَبٍ جَلِيٍّ بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ: يُبْتَنَى عَلَى سَبَبٍ خَفِيٍّ لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ شَيْءٌ لَا يُعْرَفُ بِالْحِسِّ وَأَسْبَابُهَا مُخْتَلِفَةٌ وَكَذَا بِنُقْصَانِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَخِيَارُ الْبُلُوغِ مَبْنِيٌّ عَلَى قُصُورِ الشَّفَقَةِ وَهُوَ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ وَالْإِبَاءُ رُبَّمَا يُوجَدُ وَرُبَّمَا لَا يُوجَدُ وَكَذَا فِي الْبَحْرِ ح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 وَنَظَمَ صَاحِبُ النَّهْرِ فَقَالَ: فِرَقُ النِّكَاحِ أَتَتْك جَمْعًا نَافِعًا ... فَسْخُ طَلَاقٍ وَهَذَا الدُّرُّ يَحْكِيهَا تَبَايُنُ الدَّارِ مَعْ نُقْصَانِ مَهْرِ كَذَا ... فَسَادُ عَقْدٍ وَفَقْدُ الْكُفْءِ يَنْعِيهَا تَقْبِيلُ سَبْيٍ وَإِسْلَامُ الْمُحَارِبِ أَوْ ... إرْضَاعُ ضَرَّتِهَا قَدْ عُدَّ ذَا فِيهَا خِيَارُ عِتْقٍ بُلُوغٍ رِدَّةٌ وَكَذَا ... مِلْكٌ لِبَعْضٍ وَتِلْكَ الْفَسْخُ يُحْصِيهَا أَمَّا الطَّلَاقُ فَجَبٌّ عُنَّةٌ وَكَذَا ... إيلَاؤُهُ وَلِعَانٌ ذَاكَ يَتْلُوهَا قَضَاءُ قَاضٍ أَتَى شَرْطُ الْجَمِيعِ خَلَا ... مِلْكٍ وَعِتْقٍ وَإِسْلَامٍ أَتَى فِيهَا تَقْبِيلُ سَبْيٍ مَعَ الْإِيلَاءِ يَا أَمَلِي ... تَبَايُنٌ مَعْ فَسَادِ الْعَقْدِ يُدْنِيهَا رني   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي فِرَقِ النِّكَاحِ (قَوْلُهُ فِرَقُ النِّكَاحِ) هَذَا الشَّطْرُ الْأَوَّلُ مِنْ بَحْرِ الْكَامِلِ وَمَا عَدَاهُ مِنْ الْبَسِيطِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَقَدْ غَيَّرْته إلَى قَوْلِي إنَّ النِّكَاحَ لَهُ فِي قَوْلِهِمْ فِرَقٌ ح (قَوْلُهُ فَسْخُ الطَّلَاقِ) بَدَلٌ مِنْ " فِرَقٌ " بَدَلٌ مُفَصِّلٌ وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ أَتَتْك أَوْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ ط (قَوْلُهُ وَهَذَا الدُّرُّ) اسْمُ الْإِشَارَةِ مُبْتَدَأٌ وَالدُّرُّ بَدَلٌ مِنْهُ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ النَّظْمُ الْمَذْكُورُ شَبَّهَهُ بِالدُّرِّ لِنَفَاسَتِهِ وَجُمْلَةُ يَحْكِيهَا أَيْ يَذْكُرُهَا خَبَرٌ (قَوْلُهُ تَبَايُنُ الدَّارِ) حَقِيقَةً وَحُكْمًا، كَمَا إذَا خَرَجَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْحَرْبِيَّيْنِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ مُسْتَأْمَنٍ بِأَنْ خَرَجَ إلَيْنَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ أَسْلَمَ، أَوْ صَارَ ذِمَّةً فِي دَارِنَا بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ مُسْتَأْمَنًا لِتَبَايُنِ الدَّارِ حَقِيقَةً فَقَطْ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ حَرْبِيَّةً ثَمَّةَ لِتَبَايُنِ الدَّارِ حُكْمًا فَقَطْ ح بِزِيَادَةٍ (قَوْلُهُ مَعْ نُقْصَانِ مَهْرِ) بِتَسْكِينِ عَيْنِ مَعْ وَهُوَ لُغَةٌ وَكَسْرِ رَاءِ مَهْرِ بِلَا تَنْوِينٍ لِلضَّرُورَةِ يَعْنِي إذَا نُكِحَتْ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِهَا وَفَرَّقَ الْوَلِيُّ بَيْنَهُمَا فَهِيَ فَسْخٌ، لَكِنْ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَلَهَا الْمُسَمَّى كَمَا يَأْتِي ط (قَوْلُهُ كَذَا فَسَادُ عَقْدٍ) كَأَنْ نَكَحَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ ط أَوْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ شُهُودٍ (قَوْلُهُ وَفَقْدُ الْكُفْءِ) أَيْ إذَا نَكَحَتْ غَيْرَ الْكُفْءِ فَلِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الْفَسْخِ، وَهَذَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ ط وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا الْمُفْتَى بِهَا (قَوْلُهُ يَنْعِيهَا) النَّعْيُ هُوَ الْإِخْبَارُ بِالْمَوْتِ، وَهُوَ تَكْمِلَةٌ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ كُفْءٍ فَكَأَنَّهَا مَاتَتْ ط. (قَوْلُهُ تَقْبِيلُ) بِالرَّفْعِ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ لِلضَّرُورَةِ: أَيْ فِعَلُهُ مَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِفُرُوعِهَا الْإِنَاثِ وَأُصُولِهَا أَوْ فَعَلَهَا ذَلِكَ بِفُرُوعِهِ الذُّكُورِ وَأُصُولِهِ ط (قَوْلُهُ سَبْيٍ) فِيهِ نَظَرٌ لِمَا فِي بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ وَالْمَرْأَةِ تَبَيَّنَ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لَا بِالسَّبْيِ وَلَئِنْ كَانَ الْمُرَادُ السَّبْيَ مَعَ التَّبَايُنِ فَالتَّبَايُنُ مُغْنٍ عَنْهُ ح (قَوْلُهُ وَإِسْلَامُ الْمُحَارِبِ) أَيْ لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الْمَحْبُوسَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَانَتْ مِنْهُ بِمُضِيِّ ثَلَاثِ حِيَضٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ قَبْلَ إسْلَامِ الْآخَرِ إقَامَةً لِشَرْطِ الْفُرْقَةِ، وَهُوَ مُضِيُّ الْحَيْضِ أَوْ الْأَشْهُرِ مَقَامَ السَّبَبِ، وَهُوَ الْإِبَاءُ لِتَعَذُّرِ الْعَرْضِ بِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ، فَيَصِيرُ مُضِيُّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ تَفْرِيقِ الْقَاضِي وَهَذِهِ الْفُرْقَةُ طَلَاقٌ عِنْدَهُمَا فَسْخٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّهَا طَلَاقٌ فِي إسْلَامِهَا لِأَنَّهُ هُوَ الْآبِي حُكْمًا فَسْخٌ فِي إسْلَامِهِ (قَوْلُهُ أَوْ إرْضَاعُ ضَرَّتِهَا) أَيْ إذَا أَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ ضَرَّتَهَا الصَّغِيرَةَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلَيْنِ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ الرَّضَاعِ لِكَوْنِهِ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْأُمِّ وَبِنْتِهَا ط وَالضَّرَّةُ غَيْرُ قَيْدٍ فَإِنَّ مِنْهُ مَا مَثَّلَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ: لَوْ أَرْضَعَتْ الصَّغِيرَةَ أُمُّ زَوْجِهَا أَوْ أَرْضَعَتْ زَوْجَتَيْهِ الصَّغِيرَتَيْنِ امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ (قَوْلُهُ خِيَارُ عِتْقٍ) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ ح (قَوْلُهُ بُلُوغٍ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى عِتْقٍ بِإِسْقَاطِ الْعَاطِفِ ط. (قَوْلُهُ رِدَّةٌ) ط بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى تَبَايُنٍ بِحَذْفِ الْعَاطِفِ ط وَالْمُرَادُ رِدَّةُ أَحَدِهِمَا فَقَطْ بِخِلَافِ مَا لَوْ ارْتَدَّا مَعًا فَإِنَّهُمَا لَوْ أَسْلَمَا مَعًا يَبْقَى النِّكَاحُ (قَوْلُهُ مِلْكٌ لِبَعْضٍ) أَفَادَ أَنَّ مِلْكَ الْكُلِّ كَذَلِكَ بِدَلَالَةِ الْأَوْلَى ح (قَوْلُهُ وَتِلْكَ الْفَسْخُ يُحْصِيهَا) أَيْ يَجْمَعُهَا وَيَتَحَقَّقُ فِي كُلٍّ مِنْهَا، وَالْإِشَارَةُ إلَى الِاثْنَا عَشَرَ الْمُتَقَدِّمَةَ وَقَدْ عَلِمْت سُقُوطَ السَّبْيِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ بَدَلُهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ: تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ كِتَابِيَّةً يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً فَتَمَجَّسَتْ تَثْبُتُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمَجُوسِيَّةَ لَا تَصْلُحُ لِنِكَاحِ الْمُسْلِمِ، ثُمَّ لَوْ كَانَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا وَلَا نَفَقَةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 (وَبَطَلَ خِيَارُ الْبِكْرِ بِالسُّكُوتِ) لَوْ مُخْتَارَةً (عَالِمَةً بِ) أَصْلِ (النِّكَاحِ) فَلَوْ سَأَلَتْ عَنْ قَدْرِ الْمَهْرِ قَبْلَ الْخَلْوَةِ أَوْ عَنْ الزَّوْجِ أَوْ سَلَّمَتْ عَلَى الشُّهُودِ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا نَهْرٌ بَحْثًا   [رد المحتار] لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ فَكَانَتْ فَسْخًا وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمَهْرُ دُونَ النَّفَقَةِ لِأَنَّهَا جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا اهـ وَقَدْ غَيَّرْتُ الْبَيْتَ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَأَسْقَطْتُ مِنْهُ السَّبْيَ وَزِدْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَقُلْت: إرْضَاعُ إسْلَامٍ حَرْبِيٌّ تَمَجَّسَ ... نَصْرَانِيَّةٌ قَبْلَهُ قَدْ عُدَّ ذَا فِيهَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ كَوْنَ إسْلَامِ الْحَرْبِيِّ فَسْخًا مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ الثَّانِي أَوْ عَلَى مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَمَّا الطَّلَاقُ إلَخْ) أَيْ أَمَّا الْفُرْقَةُ الَّتِي هِيَ طَلَاقُ فَهِيَ الْفُرْقَةُ بِالْجَبِّ، وَالْعُنَّة. وَالْإِيلَاءِ، وَاللِّعَانِ، وَبَقِيَ خَامِسٌ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ إبَاءُ الزَّوْجِ عَنْ الْإِسْلَامِ: أَيْ لَوْ أَسْلَمَتْ زَوْجَةُ الذِّمِّيِّ وَأَبَى عَنْ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ طَلَاقٌ بِخِلَافِ عَكْسِهِ، فَإِنَّهَا لَوْ أَبَتْ يَبْقَى النِّكَاحُ وَقَدْ غَيَّرْتُ الْبَيْتَ إلَى قَوْلِي: أَمَّا الطَّلَاقُ فَجَبٌّ عُنَّةٌ ... وَإِبَاءُ الزَّوْجِ إيلَاؤُهُ وَاللَّعْنُ يَتْلُوهَا وَكَذَا إسْلَامُ أَحَدِ الْحَرْبِيَّيْنِ فُرْقَةً بِطَلَاقٍ عَلَى قَوْلِهِمَا لَكِنْ لَمَّا مَشَى عَلَى كَوْنِهِ فَسْخًا لَمْ تَذْكُرْهُ. [تَتِمَّةٌ] : قَدَّمْنَا عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ كُلَّ فُرْقَةٍ بِطَلَاقٍ يَلْحَقُ الطَّلَاقُ عِدَّتَهَا إلَّا اللِّعَانَ لِأَنَّهُ حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ (قَوْلُهُ خَلَا مِلْكٍ إلَخْ) أَرَادَ بِالْمِلْكِ مِلْكَ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ أَوْ لِبَعْضِهِ وَبِالْعِتْقِ خِيَارَ الْأَمَةِ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا بَعْدَمَا زَوَّجَهَا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَبِالْإِسْلَامِ إسْلَامُ أَحَدِ الْحَرْبِيَّيْنِ، وَبِالتَّقْبِيلِ فِعْلَ مَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ النِّكَاحُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، بَلْ بَعْدَ الْمُتَارَكَةِ أَوْ تَفْرِيقِ الْقَاضِي كَمَا مَرَّ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، فَلَمْ يَتَعَيَّنْ التَّفْرِيقُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ ذِكْرَ السَّبْيِ لَا مَحَلَّ لَهُ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ ثَمَانِيَةٌ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ الْفُرْقَةُ بِالرِّدَّةِ فَسَيَأْتِي أَنَّ ارْتِدَادَ أَحَدِهِمَا فَسْخٌ فِي الْحَالِ وَقَدْ غَيَّرْتُ الْبَيْتَ الْأَخِيرَ إلَى قَوْلِي: إيلَاؤُهُ رِدَّةٌ أَيْضًا مُصَاهَرَةٌ ... تَبَايُنٌ مَعْ فَسَادِ الْعَقْدِ يُدْنِيهَا (قَوْلُهُ وَبَطَلَ خِيَارُ الْبِكْرِ) أَيْ مَنْ بَلَغَتْ وَهِيَ بِكْرٌ (قَوْلُهُ لَوْ مُخْتَارَةً) أَمَّا لَوْ بَلَغَهَا الْخَبَرُ فَأَخَذَهَا الْعُطَاسُ أَوْ السُّعَالُ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهَا قَالَتْ لَا أَرْضَى جَازَ الرَّدُّ إذَا قَالَتْهُ مُتَّصِلًا وَكَذَا إذَا أَخَذَ فَمَهَا فَتَرَكَ فَقَالَتْ لَا أَرْضَى جَازَ الرَّدُّ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ عَالِمَةً بِأَصْلِ النِّكَاحِ) فَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهَا بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا أَوْ أَنَّهُ لَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى؛ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ بَلَغْت وَقَالَتْ الْحَمْدُ لِلَّهِ اخْتَرْت نَفْسِي، فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَيَنْبَغِي أَنْ تَقُولَ فِي فَوْرِ الْبُلُوغِ اخْتَرْت نَفْسِي وَنَقَضْت النِّكَاحَ فَبَعْدَهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّهَا بِالتَّأْخِيرِ حَتَّى يُوجَدَ التَّمْكِينُ اهـ (قَوْلُهُ فَلَوْ سَأَلْت إلَخْ) لَا مَحَلَّ لِهَذَا التَّفْرِيعِ بَلْ الْمَقَامُ مَقَامُ الِاسْتِدْرَاكِ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْخِيَارِ بِعِلْمِهَا بِأَصْلِ النِّكَاحِ يَقْتَضِي بُطْلَانَهُ بِالْأُولَى فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ لَا عَدَمَ بُطْلَانِهِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَصْلِ النِّكَاحِ. وَلَوْ فَرَضَ وُجُودَهَا قِبَلَهُ لَمْ يَحْصُلْ نِزَاعٌ فِي عَدَمِ بُطْلَانِ الْخِيَارِ بِهَا مَعَ أَنَّ النِّزَاعَ قَائِمٌ كَمَا تَرَاهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ نَهْرٌ بَحْثًا) أَيْ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ الْمَنْقُولُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ، وَأَصْلُ الْبَحْثِ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ حَيْثُ قَالَ: وَمَا قِيلَ لَوْ سَأَلَتْ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ أَوْ عَنْ الْمَهْرِ أَوْ سَلَّمَتْ عَلَى الشُّهُودِ بَطَلَ خِيَارُهَا تَعَسُّفٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ كَوْنُ هَذِهِ الْحَالَةِ كَحَالَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 (وَلَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ) لِأَنَّهُ كَالشُّفْعَةِ وَلَوْ اجْتَمَعَتْ مَعَهُ تَقُولُ أَطْلُبُ الْحَقَّيْنِ ثُمَّ تَبْدَأُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ لِأَنَّهُ دِينِيٌّ وَتَشْهَدُ قَائِلَةً بَلَغْت الْآنَ ضَرُورَةَ إحْيَاءِ   [رد المحتار] ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، وَلَوْ سَأَلْت الْبِكْرُ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهَا وَكَذَا عَنْ الْمَهْرِ وَكَذَا السَّلَامُ عَلَى الْقَادِمِ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا كَيْفَ وَإِنَّمَا سَأَلَتْ لِغَرَضِ الْإِشْهَادِ عَلَى الْفَسْخِ اهـ مُلَخَّصًا. وَنَازَعَهُ فِي الْبَحْرِ فِي السَّلَامِ بِأَنَّ خِيَارَ الْبِكْرِ يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالسَّلَامِ فَوْقَ السُّكُوتِ. قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: مَمْنُوعٌ فَقَدْ نَقَلُوا فِي الشُّفْعَةِ أَنَّ سَلَامَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا يُبْطِلُهَا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «السَّلَامُ قَبْلَ الْكَلَامِ» ، وَلَا شَكَّ أَنَّ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ كَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَلَوْ كَانَ السَّلَامُ فَوْقَهُ لَبَطَلَتْ، وَقَالُوا لَوْ قَالَ مَنْ اشْتَرَاهَا وَبِكَمْ اشْتَرَاهَا لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ نَعَمْ مَا وَجَّهَ بِهِ فِي الْمَهْرِ إنَّمَا يُتِمُّ إذَا لَمْ يَخْلُ بِهَا أَمَّا إذَا خَلَا بِهَا خَلْوَةً صَحِيحَةً فَالْوُقُوفُ عَلَى كَمِّيَّتِهِ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ لِوُجُوبِهِ بِهَا فَإِطْلَاقُ عَدَمِ سُقُوطِهِ مِمَّا يَنْبَغِي اهـ كَلَامُ النَّهْرِ وَعَنْ هَذَا الْأَخِيرِ قَالَ الشَّارِحُ قَبْلَ الْخَلْوَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ بُطْلَانُ الْخِيَارِ، وَبَحَثَ فِي الْفَتْحِ عَدَمَهُ فِيهَا وَنَازَعَهُ فِي الْبَحْرِ فِي مَسْأَلَةِ السَّلَامِ فَقَطْ، وَانْتَصَرَ فِي النَّهْرِ لِلْفَتْحِ فِي الْكُلِّ، وَكَذَا الْمُحَقِّقُ الْمَقْدِسِيَّ وَالشُّرُنْبُلالي وَكَأَنَّ أَصْلَ الْحُكْمِ مَذْكُورٌ بِطَرِيقِ التَّخْرِيجِ وَالِاسْتِنْبَاطِ مِنْ بَعْضِ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ، فَنَازَعَهُمْ فِي الْفَتْحِ فِي صِحَّةِ هَذَا التَّخْرِيجِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي قَضَاءِ الْبَحْرِ بَلْ بَلَغَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ كَمَا ذَكَرَ الْمَقْدِسِيَّ فِي بَابِ نِكَاحِ الْعَبْدِ، لَكِنَّهُ لَا يُتَابِعُ فِيمَا يُخَالِفُ الْمَذْهَبَ، فَلَوْ كَانَ هَذَا الْحُكْمُ مَنْقُولًا عَنْ أَحَدِ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ لَمَا سَاغَ لِهَؤُلَاءِ اتِّبَاعُ بَحْثِهِ الْمُخَالِفِ لِمَنْقُولِ الْمَذْهَبِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ قَوْلٌ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ لَا نَصٌّ مَذْهَبِيٌّ قَوْلُ الْمُحَقِّقِ وَمَا قِيلَ إلَخْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ) أَيْ مَجْلِسِ بُلُوغِهَا أَوْ عِلْمِهَا بِالنِّكَاحِ كَمَا فِي الْفَتْحِ: أَيْ إذَا بَلَغَتْ وَهِيَ عَالِمَةٌ بِالنِّكَاحِ أَوْ عَلِمَتْ بِهِ بَعْدَ بُلُوغِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَسْخِ فِي حَالِ الْبُلُوغِ أَوْ الْعِلْمِ فَلَوْ سَكَتَتْ وَلَوْ قَلِيلًا بَطَلَ خِيَارُهَا وَلَوْ قَبْلَ تَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَالشُّفْعَةِ) أَيْ فِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِثُبُوتِهَا أَنْ يَطْلُبَهَا الشَّفِيعُ فَوْرَ عِلْمِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَتَّى لَوْ سَكَتَ لَحْظَةً أَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ لَغْوٍ بَطَلَتْ، وَمَا صَحَّحَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِهَا مِنْ أَنَّهَا تَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ ضَعِيفٌ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَلَوْ اجْتَمَعَتْ مَعَهُ) أَيْ الشُّفْعَةُ مَعَ خِيَارِ الْبُلُوغِ ح (قَوْلُهُ ثُمَّ تَبْدَأُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ) هَذَا قَوْلٌ وَقِيلَ بِالشُّفْعَةِ وَفِي شُفْعَةِ الْبَزَّازِيَّةِ لَهُ حَقُّ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالشُّفْعَةِ فَقَالَ: طَلَبْتهَا وَاخْتَرْت نَفْسِي يَبْطُلُ الْمُؤَخَّرُ وَيَثْبُتُ الْمُقَدَّمُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ طَلَبْتهمَا، أَوْ أَجَزْتهمَا أَوْ اخْتَرْتهمَا جَمِيعًا نَفْسِي وَالشُّفْعَةُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو جَعْفَرٍ: يُقَدِّمُ خِيَارَ الْبُلُوغِ لِأَنَّ فِي خِيَارِ الشُّفْعَةِ ضَرْبَ سَعَةٍ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَنْ اشْتَرَى وَبِكَمْ اشْتَرَى لَا تَبْطُلُ وَقِيلَ يَقُولُ طَلَبْت الْحَقَّيْنِ اللَّذَيْنِ ثَبَتَا لِي شُفْعَةً وَرُدَّ النِّكَاحُ اهـ وَتَوَقَّفَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي وَجْهِ التَّعْيِينِ، وَاسْتَبْعَدَ الْخِلَافَ فِيهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَقَدِّمِينَ قَالَ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ طَلَبْتهمَا نَفْسِي وَالشُّفْعَةَ، وَبَعْضُهُ قَالَ الشُّفْعَةَ وَنَفْسِي فَظَنَّ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ ذَلِكَ حَتْمٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ طَلَبَ الْحَقَّيْنِ جُمْلَةً هُوَ الْمَانِعُ مِنْ السُّقُوطِ فَحَيْثُ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْإِجْمَالِ الْمُتَقَدِّمِ لَا يَضُرُّ فِي الْبَيَانِ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، بَلْ لَوْ قِيلَ لَا حَاجَةَ إلَى التَّفْسِيرِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ اهـ مُلَخَّصًا فَتَأَمَّلْ قُلْت: وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَتَبْدَأُ بِالشُّفْعَةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ خِيَارَهَا يَمْتَدُّ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَتَشْهَدُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ أَدْرَكَتْ بِالْحَيْضِ تَخْتَارُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الدَّمِ، وَلَوْ فِي اللَّيْلِ تَخْتَارُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، ثُمَّ تَشْهَدُ فِي الصُّبْحِ وَتَقُولُ رَأَيْت الدَّمَ الْآنَ لِأَنَّهَا لَوْ أَسْنَدَتْ أَفْسَدَتْ وَلَيْسَ هَذَا بِكَذِبٍ مَحْضٍ بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْمَعَارِيضِ الْمُسَوِّغَةِ لِإِحْيَاءِ الْحَقِّ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُمْتَدَّ لِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ وَالضَّرُورَةُ دَاعِيَةٌ إلَى هَذَا لَا إلَى غَيْرِهِ. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 الْحَقِّ (وَإِنْ جَهِلَتْ بِهِ) لِتَفَرُّغِهَا لِلْعِلْمِ (بِخِلَافِ) خِيَارِ (الْمُعْتَقَةِ) فَإِنَّهُ يَمْتَدُّ لِشُغْلِهَا بِالْمَوْلَى (وَخِيَارُ الصَّغِيرَةِ وَالثَّيِّبِ إذَا بَلَغَا لَا يَبْطُلُ) بِالسُّكُوتِ (بِلَا صَرِيحِ) رِضًا (أَوْ دَلَالَةٍ) عَلَيْهِ (كَقُبْلَةٍ وَلَمْسٍ) وَدَفْعِ مَهْرٍ (لَا) يَبْطُلُ (بِقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ) لِأَنَّ وَقْتَهُ لِلْعُمْرِ فَيَبْقَى حَتَّى يُوجَدَ الرِّضَا، وَلَوْ ادَّعَتْ التَّمْكِينَ كُرْهًا صُدِّقَتْ، وَمَفَادُهُ   [رد المحتار] وَحَاصِلُهُ: أَنَّهَا تَعْنِي بِقَوْلِهَا بَلَغْت الْآنَ إنِّي الْآنَ بَالِغَةٌ، لِئَلَّا يَكُونَ كَذِبًا صَرِيحًا لِأَنَّهُ حَيْثُ أَمْكَنَ إحْيَاءُ الْحَقِّ بِالتَّعْرِيضِ، وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ الْمُتَكَلِّمُ مَا هُوَ خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ مِنْ كَلَامِهِ كَانَ أَوْلَى مِنْ الْكَذِبِ الصَّرِيحِ فَافْهَمْ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَإِنْ قَالُوا مَتَى بَلَغْت تَقُولُ كَمَا بَلَغْت نَقَضْته، لَا تَزِيدُ عَلَى هَذَا فَإِنَّهَا لَوْ قَالَتْ بَلَغْت قَبْلَ هَذَا وَنَقَضْته حِينَ بَلَغْت لَا تُصَدَّقُ وَالْإِشْهَادُ لَا يُشْتَرَطُ لِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا. لَكِنْ شَرَطَ لِإِثْبَاتِهِ بَيِّنَةً لِيَسْقُطَ الْيَمِينُ عَنْهَا وَتَحْلِيفُهَا عَلَى اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا كَتَحْلِيفِ الشَّفِيعِ عَلَى الشُّفْعَةِ فَإِنْ قَالَتْ لِلْقَاضِي: اخْتَرْت نَفْسِي حِينَ بَلَغْت صَدَقَتْ مَعَ الْيَمِينِ وَلَوْ قَالَتْ: بَلَغْت أَمْسِ وَطَلَبْتُ الْفُرْقَةَ لَا يَقُلْ وَتَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ. وَكَذَا الشَّفِيعُ لَوْ قَالَ طَلَبَتْ حِينَ عَلِمْت فَالْقَوْلُ لَهُ، وَلَوْ قَالَ: عَلِمْت أَمْسِ وَطَلَبْت، لَا يُقْبَلُ بِلَا بَيِّنَةٍ. اهـ. قُلْت: وَتَحْصُلُ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ: بَلَغْت الْآنَ وَفَسَخْت تَصْدُقُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ، وَلَوْ قَالَتْ فَسَخْت حِينَ بَلَغْت تَصْدُقُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْيَمِينِ، وَلَوْ قَالَتْ بَلَغْت أَمْسِ وَفَسَخْت، فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ إنْشَاءَ الْفَسْخِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، حَيْثُ لَمْ تُسْنِدْهُ إلَى الْمَاضِي فَقَدْ حَكَتْ مَا تَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ وَإِنْ خَفِيَ عَلَى صَاحِبِ الْفُصُولَيْنِ كَمَا أَفَادَهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ وَإِنْ جَهِلَتْ بِهِ) أَيْ بِأَنَّ لَهَا خِيَارَ الْبُلُوغِ أَوْ بِأَنَّهُ لَا يَمْتَدُّ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَهَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّ خِيَارَهَا لَا يَمْتَدُّ إلَى أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ لَهَا خِيَارًا كَمَا فِي النَّتْفِ (قَوْلُهُ لِتَفَرُّغِهَا لِلْعِلْمِ) أَيْ لِأَنَّهَا تَتَفَرَّغُ لِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَالدَّارُ دَارُ الْعِلْمِ فَلَمْ تُعْذَرْ بِالْجَهْلِ بَحْرٌ أَيْ أَنَّهَا يُمْكِنُهَا التَّفَرُّغُ لِلتَّعَلُّمِ لِفَقْدِ مَا يَمْنَعُهَا مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تُكَلَّفْ بِهِ قَبْلَ بُلُوغِهَا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُعْتَقَةِ فَإِنَّهُ يَمْتَدُّ) أَيْ يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَيَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ فَافْهَمْ، وَكَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْبِكْرِ عَلَى مَا مَرَّ. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي النَّهْرِ: أَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ خَالَفَ خِيَارَ الْبُلُوغِ فِي خَمْسَةٍ ثُبُوتِهِ لِلْأُنْثَى فَقَطْ. وَعَدَمِ بُطْلَانِهِ بِالسُّكُوتِ فِي الْمَجْلِسِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَضَاءِ فِيهِ، وَكَوْنِ الْجَاهِلِ عُذْرًا وَفِي بُطْلَانِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ. وَهَذَا الْأَخِيرُ بِخِلَافِ خِيَارِ الثَّيِّبِ وَالْغُلَامِ عَلَى مَا يَأْتِي اهـ وَأَرَادَ بِالْمُعْتَقَةِ الَّتِي زَوَّجَهَا مَوْلَاهَا قَبْلَ الْعِتْقِ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً، فَيَثْبُتُ لَهَا خِيَارُ الْعِتْقِ لَا خِيَارُ الْبُلُوغِ لَوْ صَغِيرَةً إلَّا إذَا زَوَّجَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ، فَيَثْبُتُ لَهَا وَلِلْعَبْدِ الصَّغِيرِ أَيْضًا بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ لَوْ زَوَّجَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا كَمَا حَرَّرْنَاهُ سَابِقًا (قَوْلُهُ وَالثَّيِّبِ) شَمِلَ مَا لَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا فِي الْأَصْلِ أَوْ كَانَتْ بِكْرًا ثُمَّ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ بَلَغْت كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ أَوْ دَلَالَةٍ) عَطْفٌ عَلَى الصَّرِيحِ وَضَمِيرُ عَلَيْهِ لِلرِّضَا ط (قَوْلُهُ وَدَفْعُ مَهْرٍ) حَمَلَهُ فِي الْفَتْحِ عَلَى مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَمَّا لَوْ دَخَلَ بِهَا قَبْلَ بُلُوغِهِ، يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ دَفْعُ الْمَهْرِ بَعْدَ بُلُوغِهِ رِضًا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ أَقَامَ أَوْ فَسَخَ اهـ بَحْرٌ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي قَبُولِهَا الْمَهْرَ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ الْخَلْوَةِ أَفَادَهُ ط وَمِنْ الرِّضَا دَلَالَةٌ فِي جَانِبِهَا تَمْكِينُهُ مِنْ الْوَطْءِ وَطَلَبِ الْوَاجِبِ مِنْ النَّفَقَةِ، بِخِلَافِ الْأَكْلِ مِنْ طَعَامِهِ وَخِدْمَتِهِ نَهْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَتَقَدَّمَ فِي اسْتِئْذَانِ الْبَالِغَةِ تَقْيِيدُ الْخِدْمَةِ بِمَا إذَا كَانَتْ تَخْدُمُهُ مِنْ قَبْلُ وَالظَّاهِرُ جَرَيَانُهُ هُنَا (قَوْلُهُ لِأَنَّ وَقْتَهُ الْعُمْرُ إلَخْ) عَلَى هَذَا تَظَافَرَتْ كَلِمَتُهُمْ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، فَمَا نُقِلَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ، أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَمَا إذَا اشْتَغَلَتْ بِشَيْءٍ آخَرَ مُشْكِلٌ إذْ يَقْتَضِي تَقَيُّدَهُ بِالْمَجْلِسِ فَتْحٌ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ مُرَادَهُ بِالشَّيْءِ الْآخَرِ عَمَلٌ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا كَالتَّمْكِينِ وَنَحْوِهِ لِتَصْرِيحِهِ بِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ صَدَّقَتْ) أَيْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُصَدِّقُهَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَهَذَا الْفَرْعُ يَدُلُّ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الْإِكْرَاهِ لَوْ فِي حَبْسِ الْوَالِي فَلْيُحْفَظْ (الْوَالِي فِي النِّكَاحِ) لَا الْمَالُ (الْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ) وَهُوَ مَنْ يَتَّصِلُ بِالْمَيِّتِ حَتَّى الْمُعْتَقَةِ (بِلَا تَوْسِطَةِ أُنْثَى) بَيَانٌ لِمَا قَبْلَهُ (عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ وَالْحَجْبِ) فَيُقَدَّمُ ابْنُ الْمَجْنُونَةِ عَلَى أَبِيهَا   [رد المحتار] مَا نَقَلَهُ الْبَزَّازِيُّ وَأَفْتَى بِهِ مَوْلَانَا صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْإِكْرَاهِ إذَا كَانَ فِي حَبْسِ الْوَالِي ح (قَوْلُهُ لَا الْمَالِ) فَإِنَّهُ الْوَلِيُّ فِيهِ الْأَبُ وَوَصِيُّهُ وَالْجَدُّ وَوَصِيُّهُ وَالْقَاضِي وَنَائِبُهُ فَقَطْ ح ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ لَا الْمَالِ عَلَى مَعْنَى فَقَطْ أَيْ الْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ هُنَا الْوَلِيُّ فِي النِّكَاحِ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ وِلَايَةٌ فِي الْمَالِ أَيْضًا كَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْقَاضِي أَوْ كَالْأَخِ لَا الْوَلِيُّ فِي الْمَالِ فَقَطْ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مِنْ أَنَّ فِيهِ تَدَافُعًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ لِأَنَّ لَهُمَا وِلَايَةً فِي الْمَالِ أَيْضًا (قَوْلُهُ الْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ) خَرَجَ بِهِ الْعَصَبَةُ بِالْغَيْرِ كَالْبِنْتِ تَصِيرُ عَصَبَةً بِالِابْنِ، وَلَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَى أُمِّهَا الْمَجْنُونَةِ وَكَذَا الْعَصَبَةُ مَعَ الْغَيْرِ كَالْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ، وَلَا وِلَايَةَ لِلْأُخْتِ عَلَى أُخْتِهَا الْمَجْنُونَةِ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَالْبَحْرِ. وَالْمُرَادُ خُرُوجُهُمَا مِنْ رُتْبَةِ التَّقْدِيمِ وَإِلَّا فَلَهُمَا وِلَايَةٌ فِي الْجُمْلَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةً إلَخْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ وِلَايَةَ مَنْ ذُكِرَ بِالرَّحِمِ لَا بِالتَّعَصُّبِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي حَالِ عُصُوبَتِهَا كَالْبِنْتِ مَعَ الِابْنِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهَا تُزَوِّجُ أُمَّهَا الْمَجْنُونَةَ بِالرَّحِمِ لَا بِكَوْنِهَا عَصَبَةً مَعَ الِابْنِ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَنْ يَتَّصِلُ بِالْمَيِّتِ) الضَّمِيرُ لِلْعَصَبَةِ الْمَذْكُورَةِ الْمُرَادُ بِهِ الْمَعْهُودُ فِي بَابِ الْإِرْثِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ وَالْحَجْبِ، فَيَكُونُ تَعْرِيفُهُ مَا عَرَّفُوهُ بِهِ فِي بَابِ الْإِرْثِ. فَلَا يُرَدُّ مَا قِيلَ إنَّهُ لَا مَيِّتَ هُنَا فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ وَهُوَ مَنْ يَتَّصِلُ بِغَيْرِ الْمُكَلَّفِ فَافْهَمْ. هَذَا وَفِي النَّهْرِ هُوَ مَنْ يَأْخُذُ كُلَّ الْمَالِ إذَا انْفَرَدَ وَالْبَاقِي مَعَ ذِي سَهْمٍ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَعْرِيفِهِ بِذَكَرٍ يَتَّصِلُ بِلَا وَاسِطَةِ أُنْثَى إذْ الْمُعْتَقَةُ لَهَا وِلَايَةُ الْإِنْكَاحِ عَلَى مُعْتِقِهَا الصَّغِيرِ حَيْثُ لَا أَقْرَبُ مِنْهَا. اهـ. فَعَبَّرَ الشَّارِحُ بِمِنْ بَدَلِ ذَكَرٍ لِإِدْخَالِ الْمُعْتَقَةِ فَيَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ النَّهْرِ لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ الرَّحْمَتِيُّ عَصَبَاتُ الْمُعْتَقَةِ فَإِنَّ لَهُمْ وِلَايَةً بَعْدَهَا مَعَ أَنَّهُمْ مُتَّصِلُونَ بِوَاسِطَةِ أُنْثَى. اهـ. فَالْأَوْلَى تَعْرِيفُ النَّهْرِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَصَبَةَ هُنَا لَا يَأْخُذُ كُلَّ الْمَالِ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ لِمَا قَلَّنَا آنِفًا، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ فِي نَفَقَةِ الْأَرْحَامِ تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْوَارِثِ بِقَدْرِ إرْثِهِ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الْحَيِّ أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ مَنْ يُسَمَّى عَصَبَةً لَوْ فَرَضَ الْمَقْصُودُ تَزْوِيجَهُ مَيِّتًا، وَعَلَى كُلٍّ فَتَكَلُّفُ التَّأْوِيلِ عِنْدَ ظُهُورِ الْمَعْنَى غَيْرُ لَازِمٍ، وَالِاعْتِرَاضُ بِمَا لَا يَخْطُرُ بِالْبَالِ غَيْرُ وَارِدٍ بَلْ رُبَّمَا يُعَابُ عَلَى فَاعِلِهِ كَمَا عِيبَ عَلَى مَنْ أَوْرَدَ عَلَى تَعْرِيفِهِمْ الْمَاءَ الْجَارِيَ بِأَنَّهُ مَا يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْحِمَارِ مَثَلًا أَنَّهُ يَذْهَبُ بِهَا (قَوْلُهُ بَيَانٌ لِمَا قَبْلَهُ) أَيْ لِقَوْلِهِ الْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِلَا تَوَسُّطِ أُنْثَى يَعْنِي إذَا كَانَ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ، أَمَّا مِنْ السَّبَبِ فَقَدْ يَكُونُ كَعَصَبَةِ الْمُعْتَقَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بَيَانٌ بِالنِّسْبَةِ لِكَلَامِ الْمَتْنِ أَمَّا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فَهُوَ جَزْءٌ مِنْ التَّعْرِيفِ لِأَنَّهُ أَفَادَ إخْرَاجَ مَنْ يَتَّصِلَ بِالْمَيِّتِ بِوَاسِطَةِ أُنْثَى كَالْجَدِّ لِأُمٍّ مَثَلًا (قَوْلُهُ فَيُقَدَّمُ ابْنُ الْمَجْنُونَةِ عَلَى أَبِيهَا) هَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، حَيْثُ قَدَّمَ الْأَبُ، وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَأْمُرَ الْأَبُ الِابْنَ بِالنِّكَاحِ حَتَّى يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. وَابْنُ الِابْنِ كَالِابْنِ، ثُمَّ يُقَدَّمُ الْأَبُ، ثُمَّ أَبُوهُ، ثُمَّ الْأَخُ الشَّقِيقُ ثُمَّ لِأَبٍ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ تَقْدِيمَ الْجَدِّ عَلَى الْأَخِ قَوْلُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَشْتَرِكَانِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ الشَّقِيقِ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ الْعَمُّ الشَّقِيقُ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُهُ كَذَلِكَ ثُمَّ عَمُّ الْأَبِ كَذَلِكَ ثُمَّ ابْنُهُ كَذَلِكَ ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ كَذَلِكَ ثُمَّ ابْنُهُ كَذَلِكَ كُلُّ هَؤُلَاءِ لَهُمْ إجْبَارُ الصَّغِيرَيْنِ، وَكَذَا الْكَبِيرَيْنِ إذَا جُنَّا ثُمَّ الْمُعْتِقُ وَلَوْ أُنْثَى ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ عَصَبَتُهُ مِنْ النَّسَبِ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ [تَنْبِيهٌ] يُشْتَرَطُ فِي الْمُعْتَقِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ لِيَخْرُجَ مَنْ كَانَتْ أُمُّهَا حُرَّةَ الْأَصْلِ وَأَبُوهَا مُعْتَقٌ فَإِنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِمُعْتَقِ الْأَبِ عَلَيْهَا، وَلَا يَرِثُهَا فَلَا يَلِي إنْكَاحُهَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الدُّرَرِ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ. فَلَوْ لَمْ يُوجَدْ لَهَا سِوَى الْأُمِّ وَمُعْتِقِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 لِأَنَّهُ يَحْجُبُهُ حَجْبَ نُقْصَانٍ (بِشَرْطِ حُرِّيَّةٍ وَتَكْلِيفٍ وَإِسْلَامٍ فِي حَقِّ مُسْلِمَةٍ) تُرِيدُ التَّزَوُّجَ (وَوَلَدِ مُسْلِمٍ) لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ (وَكَذَا لَا وِلَايَةَ) فِي نِكَاحٍ وَلَا فِي مَالٍ (لِمُسْلِمٍ عَلَى كَافِرَةٍ إلَّا) بِالسَّبَبِ الْعَامِّ   [رد المحتار] الْأَبِ، فَالْوِلَايَةُ لِلْأُمِّ دُونَهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ هُنَا أَفَادَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَيْخِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَحْجُبُهُ حَجْبَ نُقْصَانٍ) فِيهِ أَنَّ الْأَبَ لَا يَرِثُ بِالْفَرِيضَةِ أَكْثَرَ مِنْ السُّدُسِ، وَذَلِكَ مَعَ الِابْنِ وَابْنِهِ وَمَعَ الْبِنْتِ يَرِثُهُ بِالْفَرْضِ، وَالْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ وَعِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ بِالتَّعْصِيبِ فَقَطْ، وَلَيْسَ مَا يَرِثُهُ بِالتَّعْصِيبِ مُقَدَّرًا حَتَّى يَنْقُصَ مِنْهُ فَالْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَصَبَةً مَعَ الِابْنِ تَأْوِيلٌ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ حُرِّيَّةٍ إلَخْ) قُلْت: وَبِشَرْطِ عَدَمِ ظُهُورِ رُكُونِ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ سَيِّئِ الِاخْتِيَارِ مَجَانَةً وَفِسْقًا إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَ أَوْ الصَّغِيرَةَ بِغَيْرِ كُفْءٍ أَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَكَوْنُهُ غَيْرَ سَكْرَانَ أَيْضًا كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ، وَاحْتُرِزَ بِالْحُرِّيَّةِ عَنْ الْعَبْدِ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى وَلَدِهِ وَلَوْ مَكَانِيًّا إلَّا عَلَى أَمَتِهِ دُونَ عَبْدِهِ لِنَقْصِهِ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَبِالتَّكْلِيفِ عَنْ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ، فَلَا يُزَوِّجُ فِي حَالِ جُنُونِهِ مُطْبَقًا أَوْ غَيْرَ مُطْبَقٍ، وَيُزَوِّجُ حَالَ إفَاقَتِهِ عَنْ الْمَجْنُونِ بِقِسْمَيْهِ، لَكِنْ إنْ كَانَ مُطْبَقًا تُسْلَبُ وِلَايَتُهُ فَلَا تُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ وَغَيْرُ الْمُطْبَقِ الْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ لَهُ فَتُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ كَالنَّائِمِ، وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّ الْكُفْءَ الْخَاطِبَ إذَا فَاتَ بِانْتِظَارِ إفَاقَتِهِ تَزَوَّجَ مُوَلِّيَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطْبَقًا وَإِلَّا انْتَظَرَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي غَيْبَةِ الْوَلِيِّ الْأَقْرَبِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فَتْحٌ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمُطْبَقُ شَهْرٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بَحْرٌ. مَطْلَبٌ لَا يَصِحُّ تَوْلِيَةُ الصَّغِيرِ شَيْخًا عَلَى خَيْرَاتٍ [تَنْبِيهٌ] عَلَّلَ الزَّيْلَعِيُّ عَدَمَ الْوِلَايَةِ لِمَنْ ذَكَرَ بِأَنَّهُمْ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ وِلَايَةٌ عَلَى غَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَى الْغَيْرِ فَرْعُ الْوِلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ. وَذَكَرَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَيْخِهِ أَنَّ هَذَا نَصٌّ فِي جَوَابِ حَادِثَةٍ سُئِلَ عَنْهَا هِيَ: أَنَّ الْحَاكِمَ قَرَّرَ طِفْلًا فِي مَشْيَخَةٍ عَلَى خَيْرَاتٍ يَقْبِضُ غَلَّاتِهِمْ وَتَوْزِيعِ الْخُبْزِ عَلَيْهِمْ وَالنَّظَرِ فِي مَصَالِحِهِمْ فَأَجَابَ بِبُطْلَانِ التَّوْلِيَةِ أَخْذًا مِمَّا ذُكِرَ (قَوْلُهُ فِي حَقِّ مُسْلِمَةٍ) قَيَّدَ فِي قَوْلِهِ وَإِسْلَامٍ (قَوْلُهُ تُرِيدُ التَّزَوُّجَ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُسْلِمَةِ الْبَالِغَةُ، حَيْثُ أَسْنَدَ التَّزَوُّجَ إلَيْهَا لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ، وَوَلَدٍ مُسْلِمٍ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ لِلْكَافِرِ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ بِنْتِهِ الصَّغِيرَةِ الْمُسْلِمَةِ فَافْهَمْ، وَعَلَى مَا قُلْنَا فَإِذَا زَوَّجَتْ الْمُسْلِمَةُ نَفْسَهَا وَكَانَ لَهَا أَخٌ أَوْ عَمٌّ كَافِرٌ، فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ وَقَدْ مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا فَنِكَاحُهَا صَحِيحٌ نَافِذٌ مُطْلَقًا وَلَوْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ أَوْ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِذَا سَقَطَتْ وِلَايَةُ الْأَبِ الْكَافِرِ عَلَى وَلَدِهِ الْمُسْلِمِ فَبِالْأَوْلَى سُقُوطُ حَقِّ الِاعْتِرَاضِ عَلَى أُخْتِهِ الْمُسْلِمَةِ أَوْ بِنْتِ أَخِيهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا عَصَبَةٌ رَقِيقٌ أَوْ صَغِيرٌ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا عَصَبَةَ لَهَا لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهَا كَمَا عَلِمْته وَقَدَّمْنَا ذَلِكَ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ) تَعْلِيلٌ لِلْمَفْهُومِ يَعْنِي أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَلِي عَلَى الْمُسْلِمَةِ وَوَلَدِهِ الْمُسْلِم لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] ح (قَوْلُهُ وَكَذَا إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى الْمَفْهُومِ الَّذِي قُلْنَاهُ وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِمُسْلِمٍ عَلَى كَافِرَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] (قَوْلُهُ إلَّا بِالسَّبَبِ الْعَامِّ إلَخْ) قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ سَيِّدَ أَمَةٍ كَافِرَةٍ أَوْ سُلْطَانًا قَالَ السُّرُوجِيُّ: لَمْ أَرَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا، وَإِنَّمَا هُوَ الْمَنْسُوبُ إلَى الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ. قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَرَأَيْت فِي مَوْضِعٍ مَعْزُوًّا إلَى الْمَبْسُوطِ الْوِلَايَةُ بِالسَّبَبِ الْعَامِّ تَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ كَوِلَايَةِ السَّلْطَنَةِ وَالشَّهَادَةِ فَقَدْ ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءِ اهـ بَحْرٌ وَفَتْحٌ وَمَقْدِسِيٌّ. وَذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا بِصِيغَةِ وَيَنْبَغِي وَتَبِعَهُ فِي الدُّرَرِ وَالْعَيْنِيِّ وَغَيْرِهِ. فَحَيْثُ عَبَّرُوا كُلُّهُمْ عَنْهُ بِصِيغَةِ يَنْبَغِي كَانَ الْمُنَاسِبُ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُتَابِعَهُمْ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّهُ مَنْقُولٌ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ صَرِيحًا وَقَوْلُ الْمِعْرَاجِ: وَرَأَيْت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 (بِأَنْ يَكُونَ) الْمُسْلِمُ (سَيِّدَ أَمَةٍ كَافِرَةٍ أَوْ سُلْطَانًا) أَوْ نَائِبَهُ أَوْ شَاهِدًا (وَلِلْكَافِرِ وِلَايَةٌ عَلَى) كَافِرٍ (مِثْلِهِ) اتِّفَاقًا (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةً فَالْوِلَايَةُ لِلْأُمِّ) ثُمَّ لِأُمِّ الْأَبِ وَفِي الْقُنْيَةِ عَكْسُهُ، ثُمَّ لِلْبِنْتِ، ثُمَّ لِبِنْتِ الِابْنِ، ثُمَّ لِبِنْتِ الْبِنْتِ، ثُمَّ لِبِنْتِ ابْنِ الِابْنِ، ثُمَّ لِبِنْتِ بِنْتِ الْبِنْتِ، وَهَكَذَا، ثُمَّ لِلْجَدِّ الْفَاسِدِ (ثُمَّ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ لِلْأُخْتِ   [رد المحتار] فِي مَوْضِعٍ إلَخْ لَا يَكْفِي فِي النَّقْلِ لِجَهَالَتِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَنَائِبَهُ) أَيْ كَالْقَاضِي، فَلَهُ تَزْوِيجُ الْيَتِيمَةِ الْكَافِرَةِ حَيْثُ لَا وَلِيَّ لَهَا وَكَانَ ذَلِكَ فِي مَنْشُورِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ) أَيْ لَا نَسَبِيَّةٌ وَلَا سَبَبِيَّةٌ كَالْعِتْقِ وَلَوْ أُنْثَى وَعَصَبَاتُهُ كَمَا مَرَّ فَيُقَدَّمَانِ عَلَى الْأُمِّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَالْوِلَايَةُ لِلْأُمِّ إلَخْ) أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمَعَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَصَحِّ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَيْسَ لِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ وِلَايَةٌ وَإِنَّمَا هِيَ لِلْحَاكِمِ وَالْأَوَّلُ الِاسْتِحْسَانُ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا فَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الثَّانِي غَرِيبٌ لِمُخَالَفَتِهِ الْمُتُونَ الْمَوْضُوعَةَ لِبَيَانِ الْفَتْوَى مِنْ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ عَكْسُهُ) أَيْ حَيْثُ قَالَ فِيهَا أُمُّ الْأَبِ أَوْلَى فِي التَّرْجِيحِ مِنْ الْأُمِّ قَالَ فِي النَّهْرِ وَحُكِيَ عَنْ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَعُمَرَ النَّسَفِيِّ تَقْدِيمَ الْأُخْتِ عَلَى الْأُمِّ لِأَنَّهَا مِنْ قَوْمِ الْأَبِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَرَّجَ مَا فِي الْقُنْيَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ اهـ أَيْ فَيَكُونُ مَنْ اعْتَبَرَ تَرْجِيحَ الْجَدَّةِ قَوْمَ الْأَبِ يُرَجَّحُ لِأَبٍ وَالْأُخْتُ عَلَى الْأُمِّ لَكِنَّ الْمُتُونَ عَلَى ذِكْرِ الْأُمِّ عَقِبَ الْعَصَبَاتِ. وَعَلَى تَرْجِيحِهَا عَلَى الْأُخْتِ وَصَرَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ بِتَقْدِيمِ الْجَدَّةِ عَلَى الْأُخْتِ فَقَالَ وَأُولَاهُمْ الْأُمُّ، ثُمَّ الْجَدَّةُ، ثُمَّ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ. وَنَقَلَ ذَلِكَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ عَنْ شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ وَقَالَ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْجَدَّةَ بِكَوْنِهَا لِأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ، غَيْرَ أَنَّ السِّيَاقَ يَقْتَضِي أَنَّهَا الْجَدَّةُ لِأُمٍّ، وَهَلْ تُقَدَّمُ أُمُّ الْأَبِ عَلَيْهَا أَوْ تَتَأَخَّرُ عَنْهَا أَوْ تُزَاحِمُهَا؟ كَلَامُ الْقُنْيَةِ يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ وَسِيَاقُ كَلَامِ الشَّيْخِ قَاسِمٍ يَدُلُّ عَلَى الثَّانِي، وَقَدْ يُقَالُ بِالْمُزَاحَمَةِ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ وَقَدْ يُقَالُ قَرَابَةُ الْأَبِ لَهَا حُكْمُ الْعَصَبَةِ فَتُقَدَّمُ أُمُّ الْأَبِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ مُلَخَّصًا قُلْت: وَجَزَمَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِهَذَا الْأَخِيرِ فَقَالَ قَيَّدَ فِي الْقُنْيَةِ بِالْأُمِّ لِأَنَّ الْجَدَّةَ لِأَبٍ أَوْلَى مِنْ الْجَدَّةِ لِأُمٍّ قَوْلًا وَاحِدًا فَتَحْصُلُ بَعْدَ الْأُمِّ أُمُّ الْأَبِ ثُمَّ أُمُّ الْأُمِّ ثُمَّ الْجَدُّ الْفَاسِدُ تَأَمَّلْ اهـ وَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّمْلِيُّ أَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ، ثُمَّ هَذَا فِي الْجَدَّةِ الصَّحِيحَةِ أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَهِيَ كَالْجَدِّ الْفَاسِدِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ ثُمَّ لِلْبِنْتِ) إلَى قَوْلِهِ وَهَكَذَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ عَقِبَ الْأُمِّ وَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْبَحْرِ. وَقَوْلِ الْكَنْزِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَصَبَةً فَالْوِلَايَةُ لِلْأُمِّ، ثُمَّ لِلْأُخْتِ إلَخْ يُخَالِفُهُ، لَكِنْ اعْتَذَرَ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكَنْزِ بَعْدَ الْأُمِّ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالْمَجْنُونِ وَالْمَجْنُونَةِ (قَوْلُهُ وَهَكَذَا) أَيْ إلَى آخِرِ الْفُرُوعِ وَإِنْ سَفَلُوا ط (قَوْلُهُ ثُمَّ لِلْجَدِّ الْفَاسِدِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْجَدَّ الْفَاسِدَ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْأُخْتِ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّهُ أَوْلَى مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْوِلَايَةُ لَهُمَا كَمَا فِي الْمِيرَاثِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقِيَاسُ مَا صَحَّحَ فِي الْجَدِّ وَالْأَخِ مِنْ تَقَدُّمِ الْجَدِّ تَقَدُّمُ الْجَدِّ الْفَاسِدِ عَلَى الْأُخْتِ اهـ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الْجَدَّ الْفَاسِدَ بَعْدَ الْأُمِّ قَبْلَ الْأُخْتِ اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ: أَيْ بَعْدَ الْأُمِّ فِي غَيْرِ الْمَجْنُونِ وَالْمَجْنُونَةِ وَإِلَّا فَالْبِنْتُ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ كَمَا عَلِمْت قُلْت: وَوَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْجَدَّ أَبَ الْأَبِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَخِ عِنْدَ الْكُلِّ وَإِنْ اشْتَرَكَ مَعَ الْأَخِ فِي الْمِيرَاثِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْوِلَايَةَ تُبْتَنَيْ عَلَى الشَّفَقَةِ وَشَفَقَةُ الْجَدِّ فَوْقَ شَفَقَةِ الْأَخِ، وَحِينَئِذٍ يُقَاسُ عَلَيْهِ الْجَدُّ الْفَاسِدُ مَعَ الْأُخْتِ فَإِنَّ شَفَقَتَهُ أَقْوَى مِنْهَا. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْجَدَّةَ الْفَاسِدَةَ كَذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ مَنْ أَخَّرَ الْجَدَّ الْفَاسِدَ عَنْ الْأُخْتِ ذَكَرَ مَعَهُ الْجَدَّةَ الْفَاسِدَةَ. وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ حَيْثُ قَالَ: وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْأُمُّ ثُمَّ الْجَدَّةُ الصَّحِيحَةُ. ثُمَّ الْأُخْتُ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ لِأَخٍ، أَوْ الْأُخْتُ لِأُمٍّ وَبَعْدَ هَؤُلَاءِ ذَوُو الْأَرْحَامِ كَجَدٍّ وَجَدَّةٍ فَاسِدَيْنِ، ثُمَّ وَلَدُ أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ. ثُمَّ وَلَدُ أَخٍ لِأُمٍّ. ثُمَّ الْعَمَّةُ، ثُمَّ الْخَالُ، ثُمَّ الْخَالَةُ، ثُمَّ بِنْتُ الْعَمِّ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 لِأَبٍ ثُمَّ لِوَلَدِ الْأُمِّ) الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ، ثُمَّ لِأَوْلَادِهِمْ (ثُمَّ لِذَوِي الْأَرْحَامِ) الْعَمَّاتِ، ثُمَّ الْأَخْوَالِ، ثُمَّ الْخَالَاتِ، ثُمَّ بَنَاتِ الْأَعْمَامِ. وَبِهَذَا التَّرْتِيبِ أَوْلَادُهُمْ شُمُنِّيٌّ ثُمَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ (ثُمَّ لِلسُّلْطَانِ ثُمَّ لِقَاضٍ نَصَّ لَهُ عَلَيْهِ فِي مَنْشُورِهِ) ثُمَّ لِنُوَّابِهِ إنْ فَوَّضَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا لَا (وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ) مِنْ حَيْثُ هُوَ وَصِيٌّ (أَنْ يُزَوِّجَ) الْيَتِيمَ (مُطْلَقًا) وَإِنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْأَبُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ.   [رد المحتار] وَهَكَذَا الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ. اهـ. (قَوْلُهُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ) لِأَنَّ لَفْظَ الْوَلَدِ يَشْمَلُهُمَا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُمَا فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمُقْتَضَى تَقْدِيمِ الْأَخْوَالِ عَلَى الْخَالَاتِ كَمَا يَأْتِي أَنْ يُقَدِّمَ الذَّكَرَ هُنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ثُمَّ لِأَوْلَادِهِمْ) أَيْ أَوْلَادِ الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ كَمَا عَلِمْته مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَبِهَذَا التَّرْتِيبِ أَوْلَادُهُمْ) فَيُقَدَّمُ أَوْلَادُ الْعَمَّاتِ، ثُمَّ أَوْلَادُ الْأَخْوَالِ ثُمَّ أَوْلَادُ الْخَالَاتِ، ثُمَّ أَوْلَادُ بَنَاتِ الْأَعْمَامِ ط (قَوْلُهُ ثُمَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ) هُوَ الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ أَبُو الصَّغِيرَةِ وَوَالَاهُ لِأَنَّهُ يَرِثُ فَتَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ فَتْحٌ أَيْ إذَا كَانَ الْأَبُ مَجْهُولَ النَّسَبِ وَوَالَاهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ جَنَى يَعْقِلُ عَنْهُ، وَإِنْ مَاتَ يَرِثُهُ وَقَدْ تَكُونُ الْمُوَالَاةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا وَشَمِلَ الْمَوْلَى الْأُنْثَى كَمَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ ثُمَّ أَفَاضَ) نَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ النَّظْمِ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأُمِّ. قُلْت: وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْمُتُونِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ نَصَّ لَهُ عَلَيْهِ فِي مَنْشُورِهِ) أَيْ عَلَى تَزْوِيجِ الصِّغَارِ وَالْمَنْشُورُ مَا كَتَبَ فِيهِ السُّلْطَانُ، إنِّي جَعَلْت فُلَانًا قَاضِيًا بِبَلْدَةِ كَذَا، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَنْشُرُهُ وَقْتَ قِرَاءَتِهِ عَلَى النَّاسِ قُهُسْتَانِيٌّ وَسَنَذْكُرُ فِي مَسْأَلَةِ عَضْلِ الْأَقْرَبِ أَنَّهُ تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ فِيهَا لِلْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَنْشُورِهِ أَيْ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ لَهُ فِيهَا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ الْفَاضِلِ دَفْعًا لِظُلْمِهِ، فَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا ثَبَتَتْ لَهُ الْوِلَايَةُ لَا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إنْ فَوَّضَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُفَوِّضْ لِلْقَاضِي التَّزْوِيجَ فَلَيْسَ لِنَائِبِهِ ذَلِكَ لِمَا فِي الْمُجْتَبَى، ثُمَّ لِلْقَاضِي وَنُوَّابِهِ إذَا شَرَطَ فِي عُهْدَةِ تَزْوِيجِ الصِّغَارِ وَالصَّغَائِرِ وَإِلَّا فَلَا اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ: هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْقَاضِي دُونَ نُوَّابِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِيهِمَا، فَإِذَا كَتَبَ فِي مَنْشُورِ قَاضِي الْقُضَاةِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي عَهْدِ نَائِبِهِ مِنْهُ مَلَكَهُ النَّائِبُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَمْ أَرَ فِيهِ مَنْقُولًا صَرِيحًا اهـ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا كَانَ مَأْذُونًا بِالتَّزْوِيجِ، فَهَلْ يَكْفِي ذَلِكَ لِنَائِبِهِ أَمْ لَا بُدَّ أَنْ يَنُصَّ الْقَاضِي لِنَائِبِهِ عَلَى الْإِذْنِ؟ وَعِبَارَةُ الْمُجْتَبَى مُحْتَمِلَةٌ وَالْمُتَبَادِرُ مِنْهَا الْأَوَّلُ، وَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ مَا فِي الْمُجْتَبَى لَا يُفِيدُ عَدَمَ اشْتِرَاطِ تَفْوِيضِ الْأَصِيلِ لِلنَّائِبِ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ رَدَّهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ كَيْفَ لَا يُفِيدُ مَعَ إطْلَاقِهِ فِي نُوَّابِهِ وَالْمُطْلَقُ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ لَهُمْ مَالهُ وِلَايَتُهُ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا التَّزْوِيجُ صَارَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا فَوَّضَ إلَيْهِمْ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُمْ نُوَّابُ السُّلْطَانِ حَيْثُ أَذِنَ لَهُ بِالِاسْتِنَابَةِ عَنْهُ فِيمَا فَرَضَهُ إلَيْهِ اهـ فَافْهَمْ. قُلْت: لَكِنْ قَالَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ الظَّاهِرُ أَنَّ النَّائِبَ الَّذِي لَمْ يَنُصَّ لَهُ الْقَاضِي عَلَى تَزْوِيجِ الصَّغَائِرِ لَا يَمْلِكُهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فَوَّضَ إلَيْهِ الْحُكْمَ بَيْنَ النَّاسِ فَهَذَا مَخْصُوصٌ بِالرَّافِعَاتِ، فَلَا يَتَعَدَّى إلَى التَّزْوِيجِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ اسْتَنَبْتُكَ فِي الْحُكْمِ أَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ اسْتَنَبْتُكَ فِي جَمِيعِ مَا فَوَّضَ إلَيَّ السُّلْطَانُ فَيَمْلِكُهُ حَيْثُ عَمَّمَ لَهُ. اهـ. ثُمَّ اسْتَظْهَرَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ التَّزْوِيجَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ بِهِ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ عَنْ الْقَاضِي، وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ إلَّا بِإِذْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ) أَيْ وَصِيِّ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ بَحْرٌ، وَالْيَتِيمُ بِوَزْنِ فَعِيلٍ يَشْمَلُهُمَا (قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَصِيٌّ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ قَوْلِهِ الْآتِي نَعَمْ لَوْ كَانَ قَرِيبًا أَوْ حَاكِمًا يَمْلِكُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي كَافِي الْحَاكِمِ مُطْلَقًا، حَيْثُ قَالَ وَالْوَصِيُّ لَيْسَ بِوَلِيٍّ وَزَادَ فِي الذَّخِيرَةِ، سَوَاءٌ أَوْصَى إلَيْهِ الْأَبُ بِالنِّكَاحِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 نَعَمْ لَوْ كَانَ قَرِيبًا أَوْ حَاكِمًا يَمْلِكُهُ بِالْوِلَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى. [فُرُوعٌ] لَيْسَ لِلْقَاضِي تَزْوِيجُ الصَّغِيرَةِ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ كَمَا فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ فِعْلَهُ حُكْمٌ وَإِنْ عَرِيَ عَنْ الدَّعْوَى. صَغِيرَةٌ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا وَلَا وَلِيَّ وَلَا حَاكِمَ ثَمَّةَ تَوَقُّفٌ، وَنَفَذَ بِإِجَازَتِهَا بَعْدَ بُلُوغِهَا لِأَنَّ لَهُ مُجِيزًا وَهُوَ السُّلْطَانُ،   [رد المحتار] أَوْ لَا، نَعَمْ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا: أَنَّهُ رَوَى هِشَامٌ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَهُ ذَلِكَ إنْ أَوْصَى إلَيْهِ بِهِ، وَعَلَيْهِ مَشَى الزَّيْلَعِيُّ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهِيَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَاسْتَثْنَى: فِي الْفَتْحِ مَا لَوْ عَيَّنَ لَهُ الْمُوصِي فِي حَيَاتِهِ رَجُلًا وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ إنْ زَوَّجَهَا مِنْ الْمُعَيَّنِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي فَهُوَ وَكِيلٌ لَا وَصِيٌّ وَإِنْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَقَدْ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ وَانْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ لِلْحَاكِمِ عِنْدَ عَدَمِ قَرِيبٍ (قَوْلُهُ يَمْلِكُهُ) أَيْ التَّزْوِيجَ إنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَوْلَى مِنْهُ [فُرُوعٌ لَيْسَ لِلْقَاضِي تَزْوِيجُ الصَّغِيرَةِ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ] (قَوْلُهُ وَلَا مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ) كَأُصُولِهِ وَإِنْ عَلَوْا، وَفُرُوعِهِ وَإِنْ سَفَلُوا ط (قَوْلُهُ عُلِمَ أَنَّ فِعْلَهُ حُكْمٌ) أَيْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ رَعِيَّةٌ وَكَذَا السُّلْطَانُ ح عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. [تَنْبِيهٌ] أَفْتَى ابْنُ نُجَيْمٍ بِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا زَوَّجَ يَتِيمَةً ارْتَفَعَ الْخِلَافُ، فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ أَيْ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ مِنْهُ ثُمَّ رَأَيْت مَا أَفْتَى بِهِ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ (قَوْلُهُ وَإِنْ عَرِيَ عَنْ الدَّعْوَى) وَأَمَّا قَوْلُهُمْ عَلَى شَرْطِ نَفَاذِ الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهِدَاتِ أَنْ يَصِيرَ الْحُكْمُ حَادِثَةً تَجْرِي فِيهِ خُصُومَةٌ صَحِيحَةٌ عِنْدَ الْقَاضِي مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحُكْمِ الْقَوْلِيِّ، أَمَّا الْفِعْلِيُّ يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ تَوْقِيفًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ نَهْرٌ. قُلْت: وَكَذَا الْقَضَاءُ الضِّمْنِيُّ لَا تُشْتَرَطُ لَهُ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةُ كَمَا إذَا شَهِدَا عَلَى خَصْمٍ بِحَقٍّ وَذَكَرَا اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَقَضَى بِذَلِكَ الْحَقِّ كَانَ قَضَاءً بِنَسَبِهِ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَادِثَةِ النَّسَبِ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَا بِأَنَّ فُلَانَةَ زَوْجَةُ فُلَانٍ وَكَّلَتْ زَوْجَهَا فُلَانًا فِي كَذَا عَلَى خَصْمٍ مُنْكَرٍ وَقَضَى بِتَوْكِيلِهَا كَانَ قَضَاءً بِالزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا وَنَظِيرُهُ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ الرَّمَضَانِيَّةِ فِي ضِمْنِ دَعْوَى الْوَكَالَةِ وَتَمَامُهُ فِي قَضَاءِ الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ صَغِيرَةٌ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا) أَيْ مِنْ كُفْءٍ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِلَّا لَمْ يَتَوَقَّفْ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَمْلِكُ الْعَقْدَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ فَلَا يَمْلِكُ إجَازَتَهُ فَكَانَ عَقْدًا بِلَا مُجِيزٍ، نَعَمْ لَوْ كَانَ لَهَا أَبٌ أَوْ جَدٌّ وَزَوَّجَتْ نَفْسَهَا كَذَلِكَ تَوَقَّفَ لِأَنَّ لَهُ مُجِيزًا وَقْتَ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْأَبَ وَالْجَدَّ يَمْلِكَانِ الْعَقْدَ بِذَلِكَ وَالصَّغِيرُ كَالصَّغِيرَةِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ الصَّغِيرَ لَوْ تَزَوَّجَ بَالِغَةً ثُمَّ غَابَ فَتَزَوَّجَتْ آخَرَ وَكَانَ الصَّبِيُّ أَجَازَ بَعْدَ بُلُوغِهِ الْعَقْدَ الَّذِي بَاشَرَهُ فِي صِغَرِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَازَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ الثَّانِي جَازَ الثَّانِي لِأَنَّهَا تَمْلِكُ الْفَسْخَ قَبْلَ إجَازَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَلِلصَّغِيرِ أَبٌ أَوْ جَدٌّ نَفَذَ بِإِجَازَةِ الصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ الثَّانِي (قَوْلُهُ وَلَا حَاكِمَ ثَمَّةَ) أَيْ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ تَوَقَّفَ إلَخْ) هَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فَفِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ: فَإِنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قَاضٍ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ تَحْتَ وِلَايَةِ قَاضِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ يَنْعَقِدُ، وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ ذَلِكَ الْقَاضِي وَإِلَّا فَلَا يَنْعَقِدُ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يَنْعَقِدُ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ. اهـ. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُمْ قَالُوا كُلُّ عَقْدٍ لَا مُجِيزَ لَهُ حَالَ صُدُورِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ لَا يَتَوَقَّفُ ثُمَّ قَالَ التَّوَقُّفُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مُجِيزَهُ السُّلْطَانُ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى كِفَايَةِ كَوْنِ ذَلِكَ الْمَكَانِ تَحْتَ وِلَايَةِ السُّلْطَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَ وِلَايَةِ قَاضٍ، وَعَلَيْهِ فَبُطْلَانُ الْعَقْدِ يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَحْرِ أَوْ الْمَفَازَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْفَتْحِ فِي فَصْلِ الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ حَيْثُ قَالَ: وَمَا لَا مُجِيزَ لَهُ أَيْ مَا لَيْسَ لَهُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِجَازَةِ يَبْطُلُ كَمَا إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَزَوَّجَهُ الْفُضُولِيُّ أَمَةً أَوْ أُخْتَ امْرَأَتِهِ أَوْ خَامِسَةً أَوْ زَوْجَةً مُعْتَدَّةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ صَغِيرَةً يَتِيمَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ إذَا لَمْ يَكُنْ سُلْطَانٌ وَلَا قَاضٍ لِعَدَمِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِمْضَاءِ حَالَةَ الْعَقْدِ فَوَقَعَ بَاطِلًا اهـ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 وَلَوْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ مُسْتَوِيَانِ قُدِّمَ السَّابِقُ فَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَوْ وَقَعَا مَعًا بَطَلَا (وَلِلْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ التَّزْوِيجُ بِغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ) فَلَوْ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ حَالَ قِيَامِ الْأَقْرَبِ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِ وَلَوْ تَحَوَّلَتْ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِجَازَتِهِ بَعْدَ التَّحَوُّلِ قُهُسْتَانِيٌّ وَظَهِيرِيَّةٌ (مَسَافَةَ الْقَصْرِ) وَاخْتَارَ فِي الْمُلْتَقَى مَا لَمْ يَنْتَظِرْ الْكُفْءُ الْخَاطِبُ جَوَابَهُ وَاعْتَمَدَهُ الْبَاقَانِيُّ وَنَقَلَ ابْنُ الْكَمَالِ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَنْ اخْتَفَى فِي الْمَدِينَةِ هَلْ تَكُونُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً (وَلَوْ زَوَّجَهَا الْأَقْرَبُ حَيْثُ هُوَ جَازَ) النِّكَاحُ (عَلَى) الْقَوْلِ (الظَّاهِرِ) ظَهِيرِيَّةٌ   [رد المحتار] وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ الْآتِي وَقَدْ أَطَلْنَا الْكَلَامَ فِي تَحْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْمَأْذُونِ (قَوْلُهُ وَلِيَّانِ مُسْتَوِيَانِ) كَأَخَوَيْنِ شَقِيقَيْنِ فَلَوْ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ أَقْرَبُ مِنْ الْآخَرِ، فَلَا وِلَايَةَ لِلْأَبْعَدِ مَعَ الْأَقْرَبِ إلَّا إذَا غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً، فَنِكَاحُ الْأَبْعَدِ يَجُوزُ إذَا وَقَعَ قَبْلَ عَقْدِ الْأَقْرَبِ بَحْرٌ: أَيْ يَجُوزُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَفِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَدْرِ) يَنْبَغِي أَنَّهَا لَوْ بَلَغْت وَادَّعَتْ أَنَّ أَحَدَهُمَا هُوَ الْأَوَّلُ يُقْبَلُ لِمَا فِي الْفَتْحِ وَلَوْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا وَهِيَ بِكْرٌ بَالِغَةٌ بِأَمْرِهَا وَزَوَّجَتْ هِيَ نَفْسَهَا مِنْ آخَرَ فَأَيُّهُمَا قَالَتْ هُوَ الْأَوَّلُ فَالْقَوْلُ لَهَا وَهُوَ الزَّوْجُ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِمِلْكِ النِّكَاحِ لَهُ عَلَى نَفْسِهَا، وَإِقْرَارُهَا حُجَّةٌ تَامَّةٌ عَلَيْهَا وَإِنْ قَالَتْ: لَا أَدْرِي الْأَوَّلَ وَلَا يُعْلَمُ مِنْ غَيْرِهَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَكَذَا لَوْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ بِأَمْرِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِلْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْأَبْعَدِ مَنْ يَلِي الْغَائِبَ فِي الْقُرْبِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ الْغَائِبُ أَبَاهَا وَلَهَا جَدٌّ وَعَمٌّ، فَالْوِلَايَةُ لِلْجَدِّ لَا لِلْعَمِّ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: وَلَا تَنْتَقِلُ إلَى السُّلْطَانِ لِأَنَّ السُّلْطَانَ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ وَهَذِهِ لَهَا أَوْلِيَاءُ إذْ الْكَلَامُ فِيهِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَبْعَدِ هُنَا الْقَاضِيَ وَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقَاضِي دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ دَفْعِ الظُّلْمِ. اهـ. إنَّمَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ أَيْ مَسْأَلَةِ عَضْلِ الْأَقْرَبِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ بِدَفْعِ الظُّلْمِ فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ فِي الْغَيْبَةِ بِخِلَافِ الْعَضْلِ فَالِاعْتِرَاضُ عَلَى الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِمُخَالَفَتِهَا لِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ نَاشِئٌ عَنْ اشْتِبَاهِ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالْأُخْرَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ حَالَ قِيَامِ الْأَقْرَبِ) أَيْ حُضُورِهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ أَمَّا لَوْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا جَازَ نِكَاحُ الْأَبْعَدِ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْبَالِغَةَ لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا غَيْرَ كُفْءٍ، فَلِلْوَلِيِّ الِاعْتِرَاضُ مَا لَمْ يَرْضَ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً كَقَبْضِ الْمَهْرِ وَنَحْوِهِ، فَلَمْ يَجْعَلُوا سُكُوتَهُ إجَازَةً وَالظَّاهِرُ أَنَّ سُكُوتَهُ هُنَا كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ سُكُوتُهُ إجَازَةً لِنِكَاحِ الْأَبْعَدِ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ مَا لَمْ يَرْضَ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَحَوَّلَتْ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْأَبْعَدِ بِمَوْتِ الْأَقْرَبِ أَوْ غَيْبَتِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً ط (قَوْلُهُ مَسَافَةَ الْقَصْرِ إلَخْ) اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْغَيْبَةِ فَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْكَنْزِ أَنَّهَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَنَسَبَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالزَّيْلَعِيُّ لِأَكْثَرِهِمْ قَالَ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَوْ انْتَظَرَ حُضُورَهُ أَوْ اسْتِطْلَاعَ رَأْيِهِ فَاتَ الْكُفْءُ الَّذِي حَضَرَ فَالْغَيْبَةُ مُنْقَطِعَةٌ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْكِتَابِ. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى وَالْمَبْسُوطِ: أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَفِي النِّهَايَةِ وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْفَضْلِ، وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ. وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهُ الْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ وَأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَكْثَرِ الْمَشَايِخِ أَيْ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمَشَايِخِ الْمُتَقَدِّمُونَ وَفِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى عَنْ الْحَقَائِقِ أَنَّهُ أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الِاخْتِيَارِ وَالنُّقَايَةِ وَيُشِيرُ كَلَامُ النَّهْرِ إلَى اخْتِيَارِهِ وَفِي الْبَحْرِ وَالْأَحْسَنُ الْإِفْتَاءُ بِمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ (قَوْلُهُ هَلْ تَكُونُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً) أَيْ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا وَعَلَى الثَّانِي نَعَمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ مَسَافَةَ السَّفَرِ. قُلْت: لَكِنْ فِيهِ أَنَّ الثَّانِيَ اعْتَبَرَ فَوَاتَ الْكُفْءِ الَّذِي حَضَرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ هُنَا إلَى الْكُفْءِ إنْ رَضِيَ بِالِانْتِظَارِ مُدَّةً يُرْجَى فِيهَا ظُهُورُ الْأَقْرَبِ الْمُخْتَفِي لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ الْأَبْعَدِ وَإِلَّا جَازَ وَلَعَلَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ الِانْتِظَارِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ جَازَ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ وِلَايَةَ الْأَقْرَبِ بَاقِيَةٌ مَعَ الْغَيْبَةِ. وَذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 (وَيَثْبُتُ لِلْأَبْعَدِ) عَلَى أَوْلِيَاءِ النَّسَبِ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ لَكِنَّ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْغِيَاثِيِّ: لَوْ لَمْ يُزَوِّجْ الْأَقْرَبُ زَوَّجَ الْقَاضِي عِنْدَ فَوْتِ الْكُفْءِ (التَّزْوِيجُ بِعَضْلِ الْأَقْرَبِ) أَيْ بِامْتِنَاعِهِ عَنْ التَّزْوِيجِ   [رد المحتار] وَذَكَرَ أَنَّ الْأَصَحَّ الْقَوْلُ بِزَوَالِهَا وَانْتِقَالِهَا لِلْأَبْعَدِ قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي الْمُحِيطِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لِانْقِطَاعِ وِلَايَتِهِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ لَا يَجُوزُ وَلَئِنْ سَلَّمَ، فَلِأَنَّهَا انْتَفَعَتْ بِرَأْيِهِ، وَلَكِنْ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ حَصَلَتْ لَهَا اتِّفَاقًا فَلَا يُبْنَى الْحُكْمُ عَلَيْهَا اهـ. وَكَذَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ الْمَنْعُ ثُمَّ التَّسْلِيمُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ سَلَّمَ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا تَنَزُّلٌ وَأَيَّدَ الزَّيْلَعِيُّ الْمَنْعَ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ وَالْمَنْقُولُ، وَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى الظَّاهِرِ، لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِظْهَارٌ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ؛ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ مِنْ تَصْحِيحِ خِلَافِهِ وَمَنَعَهُ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. أَقُولُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا بِالْأَوْلَى أَنَّ الْوَلِيَّيْنِ لَوْ كَانَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ كَأَخَوَيْنِ غَابَ أَحَدُهُمَا فَزَوَّجَ فِي مَكَانِهِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِحَّ تَزْوِيجُ الْأَقْرَبِ الْغَائِبِ مَعَ حُضُورِ الْأَبْعَدِ، فَعَدَمُ صِحَّةِ الْعَقْدِ مِنْ الْغَائِبِ مَعَ حُضُورِ الْمُسَاوِي لَهُ فِي الدَّرَجَةِ بِالْأَوْلَى فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مِنْ أَوْلِيَاءِ النَّسَبِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْقَاضِي (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ فِيهِ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ، وَهَذَا مَنْقُولٌ وَقَدْ أَيَّدَهُ أَيْضًا الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ سَمَّاهَا كَشْفُ الْمُعْضَلِ فِيمَنْ عَضَلَ بِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَنْ الْمُنْتَقَى إذَا كَانَ لِلصَّغِيرَةِ أَبٌ امْتَنَعَ عَنْ تَزْوِيجِهَا لَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَى الْجَدِّ بَلْ يُزَوِّجُهَا الْقَاضِي، وَنَقَلَ مِثْلَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ الْغَايَةِ عَنْ رَوْضَةِ النَّاطِفِيِّ، وَكَذَا الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الْغَايَةِ وَالنَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَالْفَيْضِ عَنْ الْمُنْتَقَى، وَأَشَارَ إلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ حَيْثُ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ تَزْوِيجِ الْأَبْعَدِ بِغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَلْ يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ اعْتِبَارًا بِعَضْلِهِ، وَكَذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إنَّ نَقَلَ الْوِلَايَةِ إلَى السُّلْطَانِ أَيْ حَالَ غَيْبَةِ الْأَقْرَبِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ وَهَاهُنَا لَهَا وَلِيٌّ أَوْ وَلِيَّانِ، فَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لِلسُّلْطَانِ إلَّا عِنْدَ الْعَضْلِ مِنْ الْوَلِيِّ وَلَمْ يُوجَدْ وَكَذَا فَرَّقَ فِي التَّسْهِيلِ بَيْنَ الْغَيْبَةِ وَالْعَضْلِ بِأَنَّ الْعَاضِلَ ظَالِمٌ بِالِامْتِنَاعِ فَقَامَ السُّلْطَانُ مَقَامَهُ فِي دَفْعِ الظُّلْمِ، بِخِلَافِ الْغَائِبِ خُصُوصًا لِلْحَجِّ وَنَحْوِهِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ الْمَلَكِيِّ وَبِهِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّلَبِيِّ، فَهَذِهِ النُّقُولُ تُفِيدُ الِاتِّفَاقَ عِنْدَنَا عَلَى ثُبُوتِهَا بِعَضْلِ الْأَقْرَبِ لِلْقَاضِي فَقَطْ. وَأَمَّا مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى الْأَبْعَدِ بِعَضْلِ الْأَقْرَبِ إجْمَاعًا فَالْمُرَادُ بِالْأَبْعَدِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ آخِرُ الْأَوْلِيَاءِ فَالتَّفْضِيلُ عَلَى بَابِهِ وَحَمْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَلَى الْأَبْعَدِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ ثُمَّ نَاقَضَ نَفْسَهُ بَعْدَ سَطْرَيْنِ بِقَوْلِهِ قَالُوا وَإِذَا خَطَبَهَا كُفْءٌ وَعَضَلَهَا الْوَلِيُّ تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لِلْقَاضِي نِيَابَةً عَنْ الْعَاضِلِ فَلَهُ التَّزْوِيجُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَنْشُورِهِ. اهـ. هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي الرِّسَالَةِ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهَا عَنْ شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْمُنْتَقَى ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهَا بِالْبُلُوغِ إذَا زَوَّجَهَا الْقَاضِي بِعَضْلِ الْأَقْرَبِ، وَعَنْ الْمُجَرَّدِ عَدَمُ ثُبُوتِهِ وَالْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ تَزْوِيجَهُ بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ وَالثَّانِي عَلَى أَنَّهُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الْعَاضِلِ رَجَّحَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ فِي كَلَامِهِمْ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ التَّسْهِيلِ، وَكَذَا قَوْلُهُمْ فَلَهُ التَّزْوِيجُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَنْشُورِهِ وَيَجِبُ حَمْلُ مَا فِي الْمُجَرَّدِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْعَاضِلُ الْأَبَ أَوْ الْجَدَّ لِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا عِنْدَ تَزْوِيجِ غَيْرِهِمَا فَكَذَا عِنْدَ تَزْوِيجِ الْقَاضِي نِيَابَةً عَنْهُ (قَوْلُهُ عِنْدَ فَوْتِ الْكُفْءِ) أَيْ خَوْفَ فَوْتِهِ (قَوْلُهُ أَيْ بِامْتِنَاعِهِ عَنْ التَّزْوِيجِ) أَيْ مِنْ كُفْءٍ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، أَمَّا لَوْ امْتَنَعَ عَنْ غَيْرِ الْكُفْءِ، أَوْ لِكَوْنِ الْمَهْرِ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَلَيْسَ بِعَاضِلٍ ط وَإِذَا امْتَنَعَ عَنْ تَزْوِيجِهَا مِنْ هَذَا الْخَاطِبِ الْكُفْءِ لِيُزَوِّجَهَا مِنْ كُفْءٍ غَيْرِهِ اسْتَظْهَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يَكُونُ عَاضِلًا قَالَ وَلَمْ أَرَهُ وَتَبِعَهُ الْمَقْدِسِيَّ وَالشُّرُنْبُلالي، وَاعْتَرَضَهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ الْوِلَايَةَ بِالْعَضْلِ تَنْتَقِلُ إلَى الْقَاضِي نِيَابَةً لِدَفْعِ الْأَضْرَارِ بِهَا وَلَا يُوجَدُ مَعَ إرَادَةِ التَّزْوِيجِ بِكُفْءٍ وَغَيْرِهِ اهـ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مَتَى حَضَرَ الْكُفْءُ الْخَاطِبُ لَا يَنْتَظِرُ غَيْرَهُ خَوْفًا مِنْ فَوْتِهِ وَلِذَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَى الْأَبْعَدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 إجْمَاعًا خُلَاصَةً (وَلَا يَبْطُلُ تَزْوِيجُهُ) السَّابِقُ (بِعَوْدِ الْأَقْرَبِ) لِحُصُولِهِ بِوِلَايَةٍ تَامَّةٍ (وَوَلِيُّ الْمَجْنُونَةِ) وَالْمَجْنُونِ وَلَوْ عَارِضًا (فِي النِّكَاحِ) أَمَّا التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ فَلِلْأَبِ اتِّفَاقًا (ابْنُهَا) وَإِنْ سَفَلَ (دُونَ أَبِيهَا) كَمَا مَرَّ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَأْمُرَ الْأَبُ بِهِ لِيَصِحَّ اتِّفَاقًا (وَلَوْ أَقَرَّ وَلِيُّ صَغِيرٍ أَوْ صَغِيرَةٍ أَوْ) أَقَرَّ (وَكِيلُ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ مَوْلًى لِعَبْدٍ النِّكَاحَ لَمْ يَنْفُذْ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ بِخِلَافِ مَوْلَى الْأَمَةِ حَيْثُ يَنْفُذُ إجْمَاعًا لِأَنَّ مَنَافِعَ بَعْضِهَا مِلْكُهُ (إلَّا أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى النِّكَاحِ) بِأَنْ يُنَصِّبَ الْقَاضِي خَصْمًا عَنْ الصَّغِيرِ، حَتَّى يُنْكِرَ فَتُقَامَ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ (أَوْ يُدْرِكَ الصَّغِيرُ أَوْ الصَّغِيرَةُ فَيُصَدِّقَهُ) أَيْ الْوَلِيَّ الْمُقِرَّ (أَوْ يُصَدِّقَ الْمُوَكِّلُ أَوْ الْعَبْدُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ   [رد المحتار] عِنْدَ غَيْبَةِ الْأَقْرَبِ كَمَا مَرَّ. نَعَمْ لَوْ كَانَ الْكُفْءُ الْآخَرُ حَاضِرًا أَيْضًا وَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ مِنْ تَزْوِيجِهَا مِنْ الْكُفْءِ الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ عَاضِلًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ شَفَقَتِهِ عَلَى الصَّغِيرَةِ أَنَّهُ اخْتَارَ لَهَا الْأَنْفَعَ لِتَفَاوُتِ الْأَكْفَاءِ أَخْلَاقًا وَأَوْصَافًا فَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهَذَا التَّفْصِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ تَزْوِيجُهُ) يَعْنِي تَزْوِيجَ الْأَبْعَدِ حَالَ غَيْبَةِ الْأَقْرَبِ، وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلِلْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ التَّزْوِيجُ بِغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ ط (قَوْلُهُ السَّابِقَ) أَيْ الْمُتَحَقِّقَ سَبَقَهُ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ زَوَّجَهَا الْغَائِبَ الْأَقْرَبَ قَبْلَ الْحَاضِرِ الْأَبْعَدِ، فَإِنَّهُ يَلْغُو الْمُتَأَخِّرُ وَعَمَّا لَوْ جَهِلَ التَّارِيخَ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنَاءً عَلَى بَقَاءِ وِلَايَةِ الْغَائِبِ، أَمَّا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ انْقِطَاعِ وِلَايَتِهِ فَالْعِبْرَةُ لِعَقْدِ الْحَاضِرِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ وَوَلِيِّ الْمَجْنُونَةِ وَالْمَجْنُونِ) أَيْ جُنُونًا مُطْبَقًا وَهُوَ شَهْرٌ كَمَا مَرَّ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ الْمَعْتُوهَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَارِضًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ جُنُونُهُمَا عَارِضًا بَعْدَ الْبُلُوغِ خِلَافًا لِزُفَرَ (قَوْلُهُ اتِّفَاقًا) أَيْ بِخِلَافِ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ، فَفِيهَا خِلَافُ مُحَمَّدٍ، فَهِيَ عِنْدَهُ لِلْأَبِ أَيْضًا وَعِنْدَهُمَا لِلِابْنِ (قَوْلُهُ دُونَ أَبِيهَا) أَيْ أَوْ جَدِّهَا وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْمَجْنُونَةُ أَبُوهَا أَوْ جَدُّهَا مَعَ ابْنِهَا، فَالْوِلَايَةُ لِلِابْنِ عِنْدَهُمَا دُونَ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَكَذَا الْبَاقِي الْعَصَبَاتِ تَزْوِيجُهَا عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَارِّ فِيهِمْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ (وَقَوْلُهُ وَلَوْ أَقَرَّ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي الْجَامِعِ لِكُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِذَا أَقَرَّ الْأَبُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى الصَّغِيرِ أَوْ الصَّغِيرَةِ بِالنِّكَاحِ أَمْسِ لَمْ يَصْدُقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِشُهُودٍ أَوْ تَصْدِيقٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَلِكَ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ، وَأَمَّا إقْرَارُهُ عَلَى أَمَتِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَجَائِزٌ مَقْبُولٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: الْإِقْرَارُ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ إقْرَارُ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ اهـ. وَنُقِلَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمُصَفَّى عَنْ أُسْتَاذِهِ الشَّيْخِ حَمِيدِ الدِّينِ: أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا أَقَرَّ الْوَلِيُّ فِي صِغَرِهِمَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ فِيمَا إذَا بَلَغَا وَأَنْكَرَا فَأَقَرَّ الْوَلِيُّ، أَمَّا لَوْ أَقَرَّ فِي صِغَرِهِمَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْأَوَّلَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَأَنَّهُ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَوْلَى الْأَمَةِ) أَيْ إذَا ادَّعَى رَجُلٌ نِكَاحَهَا فَأَقَرَّ لَهُ مَوْلَاهَا يَقْضِي بِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ، وَتَصْدِيقُ دُرَرٍ أَيْ لَوْ عَتَقَتْ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِهَا، وَمُقْتَضَى تَعْلِيلِ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعِتْقِ (قَوْلُهُ بِأَنْ يُنَصِّبَ الْقَاضِي إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْأَبَ مُقِرٌّ، وَالصَّغِيرُ لَا يَصِحُّ إنْكَارُهُ وَلَا بُدَّ فِي الدَّعْوَى عَنْ خَصْمٍ فَيُنَصِّبُ عَنْهُ خَصْمًا حَتَّى يُنْكِرَ فَتُقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، فَيَثْبُتَ النِّكَاحُ عَلَى الصَّغِيرِ أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَيْ الْوَلِيَّ الْمُقِرَّ) بِالنَّصْبِ تَفْسِيرًا لِلضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ (قَوْلُهُ أَوْ يُصَدِّقَ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى يُدْرِكَ، وَقَوْلُهُ الْمُوَكِّلُ أَوْ الْعَبْدُ مَرْفُوعَانِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ أَيْ يَصْدُقُ الْمُوَكِّلُ الْوَكِيلَ أَوْ الْعَبْدُ الْمَوْلَى (قَوْلُهُ وَقَالَا يَصْدُقُ فِي ذَلِكَ) أَيْ يَصْدُقُ الْمُقِرُّ فِي جَمِيعِ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ مِثْلُ إقْرَارِ الْمَوْلَى عَلَى أَمَتِهِ كَمَا سَمِعْت التَّصْرِيحَ بِهِ فِي عِبَارَةِ الْكَافِي وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ) أَيْ مَسْأَلَةُ عَدَمِ قَبُولِ الْإِقْرَارِ مِنْ وَلِيِّ الصَّغِيرِ أَوْ الصَّغِيرَةِ، وَمِنْ الْوَكِيلِ وَمَوْلَى الْعَبْدِ مُخْرَجَةٌ أَيْ مُسْتَثْنَاةٌ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ مِنْ قَاعِدَةِ مَنْ مَلَكَ إنْشَاءَ عَقْدٍ مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ كَالْمَوْلَى إذَا أَقَرَّ بِالْفَيْءِ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَزَوْجُ الْمُعْتَدَّةِ إذَا قَالَ فِي الْعِدَّةِ رَاجَعْتُك، وَهُوَ وَجْهُ قَوْلِهِمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخَرَّجَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ مَنْ مَلَكَ الْإِنْشَاءَ مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ وَلَهَا نَظَائِرُ [فَرْعٌ] هَلْ لِوَلِيِّ مَجْنُونٍ وَمَعْتُوهٍ تَزْوِيجُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ لَمْ أَرَهُ وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَجَوَّزَهُ فِي الصَّبِيِّ لِلْحَاجَةِ. بَابُ الْكَفَاءَةِ مِنْ: كَافَأَهُ؛ إذَا سَاوَاهُ. وَالْمُرَادُ هُنَا مُسَاوَاةٌ مَخْصُوصَةٌ أَوْ كَوْنُ الْمَرْأَةِ أَدْنَى (الْكَفَاءَةُ مُعْتَبَرَةٌ) فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ لِلُزُومِهِ أَوْ لِصِحَّتِهِ (مِنْ جَانِبِهِ) أَيْ الرَّجُلِ لِأَنَّ الشَّرِيفَةَ تَأْبَى أَنْ تَكُونَ فِرَاشًا لِلدَّنِيءِ وَلِذَا (لَا) تُعْتَبَرُ (مِنْ جَانِبِهَا) لِأَنَّ   [رد المحتار] بِالْقَبُولِ هُنَا كَمَا فِي إقْرَارِهِ بِتَزْوِيجِ أَمَتِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ حَدِيثُ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» وَأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَدَائِعِ وَعَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْفَتْحِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّغِيرَيْنِ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي مَفْهُومِ الْقَاعِدَةِ، عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ حَالَ بُلُوغِهِمَا فَلَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا تَكُونُ خَارِجَةً عَنْ الْقَاعِدَةِ (قَوْلُهُ مَلَكَ الْإِقْرَارِ بِهِ) الْأَوْلَى حَذْفُ بِهِ لِعَدَمِ مَرْجِعِ الضَّمِيرِ وَإِنْ عُلِمَ مِنْ الْمَقَامِ لِأَنَّ الْمَعْنَى مَنْ مَلَكَ إنْشَاءَ شَيْءٍ مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ ط (قَوْلُهُ وَلَهَا نَظَائِرُ) كَإِقْرَارِ الْوَصِيِّ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَى الْيَتِيمِ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ مَلَكَ إنْشَاءَ الِاسْتِدَانَةِ بَحْرٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَكَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِعِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَقَالَ الْوَكِيلُ: أَعْتَقْته أَمْسِ وَقَدْ وَكَّلَهُ قَبْلَ الْأَمْسِ لَا يَصْدُقُ بِلَا بَيِّنَةٍ، وَتَمَامُهُ فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ لِلْحَمَوِيِّ مِنْ الْإِقْرَارِ [فَرْعٌ هَلْ لِوَلِيِّ مَجْنُونٍ وَمَعْتُوهٍ تَزْوِيجُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ] (قَوْلُهُ هَلْ لِوَلِيِّ مَجْنُونٍ إلَخْ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّبِيَّ فِي حُكْمِ مَنْ ذَكَرَ ط (قَوْلُهُ وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ) لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِالْوَاحِدَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَجَوَّزَهُ) أَيْ تَزْوِيجُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ [بَابُ الْكَفَاءَةِ] لَمَّا كَانَتْ شَرْطَ اللُّزُومِ عَلَى الْوَلِيِّ إذَا عَقَدَتْ الْمَرْأَةُ بِنَفْسِهَا حَتَّى كَانَ لَهُ الْفَسْخُ عِنْدَ عَدَمِهَا، كَانَتْ فَرْعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ، وَهُوَ بِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ فَقَدَّمَ بَيَانَ الْأَوْلِيَاءِ وَمَنْ تَثْبُتُ لَهُ ثُمَّ أَعْقَبَهُ فِي الْكَفَاءَةِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ كَوْنُ الْمَرْأَةِ أَدْنَى) اعْتَرَضَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِمَا مُلَخَّصُهُ أَنَّ كَوْنَ الْمَرْأَةِ أَدْنَى لَيْسَ بِكَفَاءَةٍ غَيْرَ أَنَّ الْكَفَاءَةَ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ (قَوْلُهُ الْكَفَاءَةُ مُعْتَبَرَةٌ) قَالُوا مَعْنَاهُ مُعْتَبَرَةٌ فِي اللُّزُومِ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ حَتَّى أَنَّ عِنْدَ عَدَمِهَا جَازَ لِلْوَلِيِّ الْفَسْخُ. اهـ. فَتْحٌ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ، وَلِلْوَلِيِّ الِاعْتِرَاضُ، أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْمُخْتَارَةِ لِلْفَتْوَى مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. فَالْمَعْنَى مُعْتَبَرَةٌ فِي الصِّحَّةِ. وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ صَغِيرَةً، وَالْعَاقِدُ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ، فَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي: وَاعْتِبَارُهَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ إلَخْ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ هُنَا (قَوْلُهُ لِلُزُومِهِ أَوْ لِصِحَّتِهِ) الْأَوَّلُ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَالثَّانِي عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْبَابِ السَّابِقِ اخْتِلَافَ الْإِفْتَاءِ فِيهِمَا، وَأَنَّ رِوَايَةَ الْحَسَنِ أَحْوَطُ (قَوْلُهُ مِنْ جَانِبِهِ إلَخْ) أَيْ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُكَافِئًا لَهَا فِي الْأَوْصَافِ الْآتِيَةِ بِأَنْ لَا يَكُونَ دُونَهَا فِيهَا، وَلَا تُعْتَبَرُ مِنْ جَانِبِهَا بِأَنْ تَكُونَ مُكَافِئَةً لَهُ فِيهَا بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ دُونَهُ فِيهَا (قَوْلُهُ وَلِذَا لَا تُعْتَبَرُ) تَعْلِيلٌ لِلْمَفْهُومِ، وَهُوَ أَنَّ الشَّرِيفَ لَا يَأْبَى أَنْ يَكُونَ مُسْتَفْرِشًا لِلدَّنِيئَةِ كَالْأَمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ عَارًا فِي حَقِّهِ بَلْ فِي حَقِّهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ رِقٌّ لِلْمَرْأَةِ وَالزَّوْجُ مَالِكٌ. [تَنْبِيهٌ] تَقَدَّمَ أَنَّ غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَوْ زَوَّجَ الصَّغِيرَ أَوْ الصَّغِيرَةَ غَيْرَ كُفْءٍ لَا يَصِحُّ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْكَفَاءَةَ لِلزَّوْجِ مُعْتَبَرَةٌ أَيْضًا وَقَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا فِي الزَّوْجِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَيْهِ فَمَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى الْكَبِيرِ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ مَعْنَى اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ اعْتِبَارُهَا فِي اللُّزُومِ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ إلَخْ. فَإِنَّ حَاصِلَهُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ لَزِمَ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ وَإِنْ زَوَّجَتْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ لَا يَلْزَمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 الزَّوْجَ مُسْتَفْرِشٌ فَلَا تَغِيظُهُ دَنَاءَةُ الْفِرَاشِ وَهَذَا عِنْدَ الْكُلِّ فِي الصَّحِيحِ، كَمَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ لَكِنَّ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا هَذَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تُعْتَبَرُ فِي جَانِبِهَا أَيْضًا (وَ) الْكَفَاءَةُ (هِيَ حَقُّ الْوَلِيِّ لَا حَقُّهَا) فَلَوْ نَكَحَتْ رَجُلًا وَلَمْ تَعْلَمْ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ لَا خِيَارَ لَهَا بَلْ لِلْأَوْلِيَاءِ وَلَوْ زَوَّجُوهَا بِرِضَاهَا وَلَمْ يَعْلَمُوا بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ ثُمَّ عَلِمُوا لَا خِيَارَ لِأَحَدٍ إلَّا إذَا   [رد المحتار] أَوْ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ جَانِبِ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ بِنَفْسِهِ مُكَافِئَةً لَهُ أَوْ لَا فَإِنَّهُ صَحِيحٌ لَازِمٌ وَقَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: الْكَفَاءَةُ لُغَةً: الْمُسَاوَاةُ وَشَرْعًا: مُسَاوَاةُ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ فِي الْأُمُورِ الْآتِيَةِ وَفِيهِ إشْعَارٌ: بِأَنَّ نِكَاحَ الشَّرِيفِ الْوَضِيعَةَ لَازِمٌ فَلَا اعْتِرَاضَ لِلْوَلِيِّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ اهـ فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ لُزُومَهُ فِي جَانِبِ الزَّوْجِ إذَا زَوَّجَ نَفْسَهُ كَبِيرًا لَا إذَا زَوَّجَهُ الْوَلِيُّ صَغِيرًا، كَمَا أَنَّ الْكَلَامَ فِي الزَّوْجَةِ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا كَبِيرَةً فَثَبَتَ اعْتِبَارُ الْكَفَاءَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الصَّغِيرَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ وَالْجَدِّ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) لَا وَجْهَ لِلِاسْتِدْرَاكِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الصَّحِيحِ فَإِنَّهُ حَيْثُ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ كَانَ حَقُّ التَّرْكِيبِ تَقْدِيمُ الضَّعِيفِ وَالِاسْتِدْرَاكُ عَلَيْهِ بِالصَّحِيحِ، كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ وَذَكَرَ أَنَّ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ غَرِيبٌ وَرَدَّهُ أَيْضًا فِي الْبَدَائِعِ كَمَا بَسَطَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ هِيَ حَقُّ الْوَلِيِّ لَا حَقُّهَا) كَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ هِيَ حَقٌّ لَهَا أَيْضًا بِدَلِيلِ أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ غَيْرَ كُفْءٍ لَا يَصِحُّ، مَا لَمْ يَكُنْ أَبًا أَوْ جَدًّا غَيْرَ ظَاهِرِ الْفِسْقِ وَلِمَا فِي الذَّخِيرَةِ قُبَيْلَ الْفَصْلِ السَّادِسِ، مِنْ أَنَّ الْحَقَّ فِي إتْمَامِ الْمَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْمَرْأَةِ وَلِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الْكَفَاءَةِ وَعِنْدَهُمَا لِلْمَرْأَةِ لَا غَيْرُ. اهـ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ كَحَقِّ الْكَفَاءَةِ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَكَذَا مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، لَوْ انْتَسَبَ الزَّوْجُ لَهَا نَسَبًا غَيْرَ نَسَبِهِ؛ فَإِنْ ظَهَرَ دُونَهُ وَهُوَ لَيْسَ بِكُفْءٍ فَحَقُّ الْفَسْخِ ثَابِتٌ لِلْكُلِّ وَإِنْ كَانَ كُفُؤًا فَحَقُّ الْفَسْخِ لَهَا دُونَ الْأَوْلِيَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَا ظَهَرَ فَوْقَ مَا أَخْبَرَ فَلَا فَسْخَ لِأَحَدٍ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ لَهَا الْفَسْخَ لِأَنَّهَا عَسَى تَعْجِزُ عَنْ الْمُقَامِ مَعَهُ اهـ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ قُبَيْلَ بَابِ الْعِدَّةِ لَوْ تَزَوَّجَتْهُ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ أَوْ سُنِّيٌّ أَوْ قَادِرٌ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فَبَانَ بِخِلَافِهِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ فَإِذَا هُوَ لَقِيطٌ أَوْ ابْنُ زِنًا لَهَا الْخِيَارُ. اهـ. وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ هُنَاكَ زَادَ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِنْ فَعَلَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ فَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ ظَهَرَ بِخِلَافِ مَا أَظْهَرَتْ فَلَا خِيَارَ لِلزَّوْجِ، سَوَاءٌ تَبَيَّنَ أَنَّهَا حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ فِي جَانِبِ النِّسَاءِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ اهـ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْكَلَامَ كَمَا مَرَّ فِيمَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِلَا إذْنِ الْوَلِيِّ وَحِينَئِذٍ لَمْ يَبْقَ لَهَا حَقٌّ فِي الْكَفَاءَةِ لِرِضَاهَا بِإِسْقَاطِهَا فَبَقِيَ الْحَقُّ لِلْوَلِيِّ فَقَطْ فَلَهُ الْفَسْخُ (قَوْلُهُ فَلَوْ نَكَحَتْ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَا حَقُّهَا وَفِيهِ أَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا حَيْثُ لَمْ تَبْحَثْ عَنْ حَالِهِ كَمَا جَاءَ مِنْ قِبَلهَا وَقِبَلِ الْأَوْلِيَاءِ فِيمَا لَوْ زَوَّجُوهَا بِرِضَاهَا، وَلَمْ يَعْلَمُوا بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ. ثُمَّ عَلِمُوا رَحْمَتِيٌّ وَفِي كَلَامِ الْوَلْوَالِجيَّةِ مَا يُفِيدُهُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْجَوَابِ فَالتَّفْرِيعُ صَحِيحٌ لِأَنَّ سُقُوطَ حَقِّهَا إذَا رَضِيَتْ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ وَهُنَا كَذَلِكَ وَلِذَا لَوْ شَرَطَتْ الْكَفَاءَةَ بَقِيَ حَقُّهَا (قَوْلُهُ لَا خِيَارَ لِأَحَدٍ) هَذَا فِي الْكَبِيرَةِ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: نَكَحَتْ رَجُلًا وَقَوْلُهُ: بِرِضًا فَلَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْبَابِ الْمَارِّ عَنْ النَّوَازِلِ لَوْ زَوَّجَ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ مِمَّنْ يُنْكِرُ أَنَّهُ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ، فَإِذَا هُوَ مُدْمِنٌ لَهُ وَقَالَتْ بَعْدَمَا كَبِرَتْ: لَا أَرْضَى بِالنِّكَاحِ إنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ الْأَبُ بِشُرْبِهِ وَكَانَ غَلَبَةُ أَهْلِ بَيْتِهِ صَالِحِينَ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا زَوَّجَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ كُفْءٌ اهـ خِلَافًا لِمَا ظَنَّهُ الْمَقْدِسِيَّ مِنْ إثْبَاتِ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ، قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ أَنَّ الْأَبَ يَصِحُّ تَزْوِيجُهُ الصَّغِيرَةَ مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ لِمَزِيدِ شَفَقَتِهِ وَأَنَّهُ إنَّمَا فَوَّتَ الْكَفَاءَةَ لِمَصْلَحَةٍ تَزِيدُ عَلَيْهَا وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ إذَا عَلِمَهُ غَيْرَ كُفْءٍ، أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْهُ فَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ أَنَّهُ زَوَّجَهَا لِلْمَصْلَحَةِ الْمَذْكُورَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 شَرَطُوا الْكَفَاءَةَ أَوْ أَخْبَرَهُمْ بِهَا وَقْتَ الْعَقْدِ فَزَوَّجُوهَا عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ غَيْرُ كُفْءٍ كَانَ لَهُمْ الْخِيَارُ وَلْوَالِجِيَّةٌ فَلْيُحْفَظْ. (وَتُعْتَبَرُ) الْكَفَاءَةُ لِلُزُومِ النِّكَاحِ خِلَافًا لِمَالِكٍ (نَسَبًا فَقُرَيْشٌ) بَعْضُهُمْ (أَكْفَاءُ) بَعْضٍ (وَ) بَقِيَّةُ (الْعَرَبِ) بَعْضُهُمْ (أَكْفَاءُ) بَعْضٍ وَاسْتَثْنَى فِي الْمُلْتَقَى تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ بَنِي بَاهِلَةَ   [رد المحتار] كَمَا إذَا كَانَ الْأَبُ مَاجِنًا أَوْ سَكْرَانَ، لَكِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ أَصْلًا كَمَا فِي الْأَبِ الْمَاجِنِ وَالسَّكْرَانِ مَعَ أَنَّ الْمُصَرِّحَ بِهِ أَنَّ لَهَا إبْطَالَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَهُوَ فَرْعُ صِحَّتِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَانَ لَهُمْ الْخِيَارُ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْكَفَاءَةَ كَانَ عَدَمُ الرِّضَا بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ مِنْ الْوَلِيِّ وَمِنْهَا ثَابِتًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ حَالَ الزَّوْجِ مُحْتَمَلٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ كُفُؤًا وَأَنْ لَا يَكُونَ، وَالنَّصُّ إنَّمَا أَثْبَتَ حَقَّ الْفَسْخِ بِسَبَبِ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ حَالَ عَدَمِ الرِّضَا بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَثْبُتُ حَالَ وُجُودِ الرِّضَا بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ مِنْ وَجْهٍ بَحْرٌ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ لِلُزُومِ النِّكَاحِ) أَيْ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلِصِحَّتِهِ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْمُخْتَارَةِ لِلْفَتْوَى (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ) فِي اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ خِلَافَ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْكَرْخِيِّ مِنْ مَشَايِخِنَا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَ الْكَرْخِيِّ وَفِي حَاشِيَةِ الدُّرَرِ لِلْعَلَّامَةِ نُوحٍ أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا الْحَسَنِ الْكَرْخِيَّ وَالْإِمَامَ أَبَا بَكْرٍ الْجَصَّاصَ وَهُمَا مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ الْعِرَاقِ، وَمَنْ تَبِعَهُمَا مِنْ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ لَمْ يَعْتَبِرُوا الْكَفَاءَةَ فِي النِّكَاحِ، وَلَوْ لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَهُمْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَمَا اخْتَارُوهَا وَذَهَبَ جُمْهُورُ مَشَايِخِنَا إلَى أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ فِيهِ وَلِقَاضِي الْقُضَاةِ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ مُؤَلَّفٌ مُسْتَقِلٌّ فِي الْكَفَاءَةِ ذَكَرَ فِيهِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى التَّفْصِيلِ وَبَيَّنَ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ السَّنَدِ وَالدَّلِيلِ. اهـ. (قَوْلُهُ نَسَبًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ وَنَظَمَ الْعَلَّامَةُ الْحَمَوِيُّ مَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْكَفَاءَةُ فَقَالَ: إنَّ الْكَفَاءَةَ فِي النِّكَاحِ تَكُونُ فِي ... سِتٍّ لَهَا بَيْتٌ بَدِيعٌ قَدْ ضُبِطْ نَسَبٌ وَإِسْلَامٌ كَذَلِكَ حِرْفَةٌ ... حُرِّيَّةٌ وَدِيَانَةٌ مَالٌ فَقَطْ قُلْت: وَفِي الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ عَنْ وَاقِعَاتِ قَدْرِي أَفَنْدِي عَنْ الْقَاعِدِيَّةِ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ لَوْ زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ مِنْ عِنِّينٍ مَعْرُوفٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْجِمَاعِ شَرْطُ الْكَفَاءَةِ كَالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ بَلْ أَوْلَى اهـ وَأَمَّا الْكَبِيرَةُ فَسَنَذْكُرُ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا الْوَكِيلُ عِنِّينًا مَجْبُوبًا جَازَ وَإِنْ كَانَ لَهَا التَّفْرِيقُ بَعْدَ. (قَوْلِهِ فَقُرَيْشٌ إلَخْ) الْقُرَشِيَّانِ مَنْ جَمَعَهُمَا أَبٌ هُوَ النَّضْرُ بْنُ كِنَانَةَ فَمَنْ دُونَهُ، وَمَنْ لَمْ يَنْتَسِبْ إلَّا لِأَبٍ فَوْقَهُ فَهُوُّ غَيْرُ قُرَشِيٍّ وَالنَّضْرُ هُوَ الْجَدُّ الثَّانِيَ عَشَرَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نَزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ، عَلَى هَذَا اقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ وَالْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءُ بَعْضٍ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا تَفَاضُلَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنْ الْهَاشِمِيِّ وَالنَّوْفَلِيِّ وَالتَّيْمِيِّ وَالْعَدَوِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَلِهَذَا زَوَّجَ عَلِيٌّ وَهُوَ هَاشِمِيٌّ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ فَاطِمَةَ لِعُمَرَ وَهُوَ عَدَوِيٌّ قُهُسْتَانِيٌّ فَلَوْ تَزَوَّجَتْ هَاشِمِيَّةٌ قُرَشِيًّا غَيْرَ هَاشِمِيٍّ لَمْ يُرَدَّ عَقْدُهَا وَإِنْ تَزَوَّجَتْ عَرَبِيًّا غَيْرَ قُرَشِيٍّ لَهُمْ رَدُّهُ كَتَزْوِيجِ الْعَرَبِيَّةِ أَعْجَمِيًّا بَحْرٌ وَقَوْلُهُ لَمْ يُرَدَّ عَقْدُهَا ذُكِرَ مِثْلُهُ فِي التَّبْيِينِ، وَكَثِيرُ مِنْ شُرُوحِ الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ، وَغَالِبِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَقَوْلُهُ فِي الْفَيْضِ الْقُرَشِيُّ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِلْهَاشِمِيِّ كَلِمَةُ لَا فِيهِ مِنْ تَحْرِيفِ النُّسَّاخِ رَمْلِيٌّ. (قَوْلُهُ وَبَقِيَّةُ الْعَرَبِ أَكْفَاءٌ) الْعَرَبُ صِنْفَانِ: عَرَبٌ عَارِبَةٌ: وَهُمْ أَوْلَادُ قَحْطَانَ وَمُسْتَعْرِبَةٌ: وَهُمْ أَوْلَادُ إسْمَاعِيلَ وَالْعَجَمُ أَوْلَادُ فَرُّوخَ أَخِي إسْمَاعِيلَ، وَهُمْ الْمَوَالِي وَالْعُتَقَاءُ وَالْمُرَادُ بِهِمْ غَيْرُ الْعَرَبِ وَإِنْ لَمْ يَمَسَّهُمْ رِقٌّ سُمُّوا بِذَلِكَ إمَّا لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمَّا افْتَتَحَتْ بِلَادَهُمْ وَتَرَكَتْهُمْ أَحْرَارًا بَعْدَ أَنْ كَانَ لِهَؤُلَاءِ الِاسْتِرْقَاقُ، فَكَأَنَّهُمْ أَعْتَقُوهُمْ، أَوْ لِأَنَّهُمْ نَصَرُوا الْعَرَبَ عَلَى قَتْلِ الْكُفَّارِ وَالنَّاصِرُ يُسَمَّى مَوْلًى نَهْرٌ. (قَوْلُهُ بَنِي بَاهِلَةَ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 لِخِسَّتِهِمْ، وَالْحَقُّ الْإِطْلَاقُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ كَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْفَتْحِ وَالشُّرْنُبَلاليّ وَيُعَضِّدُهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِينَ كَالْكَنْزِ وَالدُّرَرِ وَهَذَا فِي الْعَرَبِ (وَ) أَمَّا فِي الْعَجَمِ فَتُعْتَبَرُ (حُرِّيَّةً وَإِسْلَامًا) فَمُسْلِمٌ بِنَفْسِهِ أَوْ مُعْتَقٌ غَيْرُ كُفْءٍ لِمَنْ أَبُوهَا مُسْلِمٌ أَوْ حُرٌّ أَوْ مُعْتَقٌ وَأُمُّهَا حَرَّةُ الْأَصْلِ وَمَنْ أَبُوهُ مُسْلِمٌ أَوْ حُرٌّ غَيْرُ كُفْءٍ لِذَاتِ أَبَوَيْنِ (وَأَبَوَانِ فِيهِمَا كَالْآبَاءِ) لِتَمَامِ النَّسَبِ   [رد المحتار] بَاهِلَةٌ فِي الْأَصْلِ اسْمُ امْرَأَةٍ مِنْ هَمْدَانَ كَانَتْ تَحْتَ مَعْنِ بْنِ أَعْصَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ عَيْلَانَ فَنُسِبَ وَلَدَهُ إلَيْهَا وَهُمْ مَعْرُوفُونَ بِالْخَسَاسَةِ قِيلَ كَانُوا يَأْكُلُونَ بَقِيَّةَ الطَّعَامِ مَرَّةً ثَانِيَةً وَكَانُوا يَأْخُذُونَ عِظَامَ الْمَيْتَةِ يَطْحَنُونَهَا وَيَأْخُذُونَ دُسُومَتَهَا وَلِذَا قِيلَ: وَلَا يَنْفَعُ الْأَصْلُ مِنْ هَاشِمٍ ... إذَا كَانَتْ النَّفْسُ مِنْ بَاهِلَهْ وَقِيلَ: إذَا قِيلَ لِلْكَلْبِ يَا بَاهِلِيُّ ... عَوَى الْكَلْبُ مِنْ شُؤْمِ هَذَا النَّسَبْ (قَوْلُهُ وَالْحَقُّ الْإِطْلَاقُ) فَإِنَّ النَّصَّ لَمْ يَفْصِلْ مَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَعْلَمَ بِقَبَائِلِ الْعَرَبِ وَأَخْلَاقِهِمْ وَقَدْ أَطْلَقَ، وَلَيْسَ كُلُّ بَاهِلِيٍّ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِمْ الْأَجْوَادُ وَكَوْنُ فَصِيلَةٍ مِنْهُمْ أَوْ بَطْنٍ صَعَالِيكَ فَعَلُوا ذَلِكَ لَا يَسْرِي فِي حَقِّ الْكُلِّ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيُعَضِّدُهُ) أَيْ يُقَوِّيهِ. قُلْت: يُعَضِّدُهُ أَيْضًا إطْلَاقُ مُحَمَّدٍ فَفِي كَافِي الْحَاكِمِ قُرَيْشٌ بَعْضُهَا أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ، وَلَيْسُوا بِأَكْفَاءٍ لِقُرَيْشٍ وَمَنْ كَانَ لَهُ مِنْ الْمَوَالِي أَبَوَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فِي الْإِسْلَامِ فَبَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ وَلَيْسُوا بِأَكْفَاءٍ لِلْعَرَبِ اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ التَّفَاوُتُ فِي قُرَيْشٍ حَتَّى أَنَّ أَفْضَلَهُمْ بَنِي هَاشِمٍ أَكْفَاءٌ لِغَيْرِهِمْ مِنْهُمْ، فَكَذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الْعَرَبِ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ كَانَتْ أُمُّهَا عَلَوِيَّةً مَثَلًا وَأَبُوهَا عَجَمِيٌّ يَكُونُ الْعَجَمِيُّ كُفُؤًا لَهَا، وَإِنْ كَانَ لَهَا شَرَفٌ مَا لِأَنَّ النَّسَبَ لِلْآبَاءِ وَلِهَذَا جَازَ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهَا فَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ شَرَفِ الْأُمِّ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَهَذَا فِي الْعَرَبِ) أَيْ اعْتِبَارُ النَّسَبِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْعَرَبِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِمْ الْإِسْلَامُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا وَلَا الدِّيَانَةُ كَمَا فِي النَّظْمِ وَلَا الْحِرْفَةُ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا يَتَّخِذُونَ هَذِهِ الصَّنَائِعَ حِرَفًا، وَأَمَّا الْبَاقِي أَيْ الْحُرِّيَّةُ وَالْمَالُ فَالظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ قُهُسْتَانِيٌّ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ سَتَعْرِفُهُ فِي مَوَاضِعِهِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا فِي الْعَجَمِ) الْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ لَمْ يُنْتَسَبْ إلَى إحْدَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَيُسَمَّوْنَ الْمَوَالِيَ وَالْعُتَقَاءَ كَمَا مَرَّ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى فِي زَمَانِنَا مِنْهُمْ، سَوَاءٌ تَكَلَّمُوا بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا إلَّا مَنْ كَانَ لَهُ مِنْهُمْ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ كَالْمُنْتَسِبِينَ إلَى أَحَدِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَوْ إلَى الْأَنْصَارِ وَنَحْوِهِمْ (قَوْلُهُ فَتُعْتَبَرُ حُرِّيَّةً وَإِسْلَامًا) أَفَادَ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ الْعَرَبِ كَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَفَاخَرُونَ بِهِ، وَإِنَّمَا يَتَفَاخَرُونَ بِالنَّسَبِ فَعَرَبِيٌّ لَهُ أَبٌ كَافِرٌ يَكُونُ كُفُؤًا لِعَرَبِيَّةٍ لَهَا آبَاءٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَهِيَ لَازِمَةٌ لِلْعَرَبِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ، نَعَمْ الْإِسْلَامُ مُعْتَبَرٌ فِي الْعَرَبِ بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِ الزَّوْجِ لَا إلَى أَبِيهِ وَجَدِّهِ، فَعَلَى هَذَا فَالنَّسَبُ مُعْتَبَرٌ فِي الْعَرَبِ فَقَطْ وَإِسْلَامُ الْأَبِ وَالْجَدِّ فِي الْعَجَمِ فَقَطْ وَالْحُرِّيَّةُ فِي الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَكَذَا إسْلَامُ نَفْسِ الزَّوْجِ هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِمَنْ أَبُوهَا مُسْلِمٌ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ مُسْلِمٌ بِنَفْسِهِ ح (قَوْلُهُ أَوْ حُرٌّ أَوْ مُعْتَقٌ) كُلٌّ مِنْهُمَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ مُعْتَقٌ ح (قَوْلُهُ وَأُمُّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ) لِأَنَّ الزَّوْجَ الْمُعْتَقَ فِيهِ أَثَرُ الرِّقِّ وَهُوَ الْوَلَاءُ وَالْمَرْأَةُ لَمَّا كَانَتْ أُمُّهَا حُرَّةَ الْأَصْلِ، كَانَتْ هِيَ حُرَّةَ الْأَصْلِ بَحْرٌ عَنْ التَّجْنِيسِ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ أُمُّهَا رَقِيقَةً فَهِيَ تَبَعٌ لِأُمِّهَا فِي الرِّقِّ فَيَكُونُ الْمُعْتَقُ كُفُؤًا لَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ أُمُّهَا مُعْتَقَةً لِأَنَّ لَهَا أَبًا فِي الْحُرِّيَّةِ لِقَوْلِهِ فِي الْبَحْرِ وَالْحُرِّيَّةُ نَظِيرُ الْإِسْلَامِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ لِذَاتِ أَبَوَيْنِ) أَيْ فِي الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ ط (قَوْلُهُ وَأَبَوَانِ فِيهِمَا كَالْآبَاءِ) أَيْ فَمَنْ لَهُ أَبٌ وَجَدٌّ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ الْحُرِّيَّةِ كُفْءٌ لِمَنْ لَهُ آبَاءٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 بِالْجَدِّ، وَفِي الْفَتْحِ وَلَا يَبْعُدُ مُكَافَأَةُ مُسْلِمٍ بِنَفْسِهِ لِمُعْتَقٍ بِنَفْسِهِ وَأَمَّا مُعْتَقُ الْوَضِيعِ، فَلَا يُكَافِئُ مُعْتَقَةَ الشَّرِيفَ. وَأَمَّا مُرْتَدٌّ أَسْلَمَ فَكُفْءٌ لِمَنْ لَمْ يَرْتَدَّ، وَأَمَّا الْكَفَاءَةُ بَيْنَ الذِّمِّيِّينَ فَلَا تُعْتَبَرُ إلَّا لِفِتْنَةٍ (وَ) تُعْتَبَرُ فِي الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ (دِيَانَةً)   [رد المحتار] قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَأَلْحَقَ أَبُو يُوسُفَ الْوَاحِدَ بِالْمُثَنَّى كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ فِي التَّعْرِيفِ أَيْ فِي الشَّهَادَاتِ وَالدَّعْوَى قِيلَ كَانَ أَبُو يُوسُفَ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُعَدُّ كُفْرَ الْجَدِّ عَيْبًا بَعْدَ أَنْ كَانَ الْأَبُ مُسْلِمًا وَهُمَا قَالَاهُ فِي مَوْضِعٍ يُعَدُّ عَيْبًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا جَمِيعًا إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَيْبًا فِي حَقِّ الْعَرَبِ لِأَنَّهُمْ لَا يُعَيَّرُونَ فِي ذَلِكَ، هَذَا حَسَنٌ وَبِهِ يَنْتَفِي الْخِلَافُ اهـ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَلَا يَبْعُدُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَالَهُ تَفَقُّهًا، وَقَدْ رَأَيْته فِي الذَّخِيرَةِ وَنَصُّهُ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي الرَّجُلِ يُسْلِمُ وَالْمَرْأَةُ مُعْتَقَةٌ أَنَّهُ كُفْءٌ لَهَا. اهـ. وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ وَهُوَ حُرٌّ وَعَتَقَتْ وَهِيَ مُسْلِمَةٌ يَكُونُ فِيهِ أَثَرُ الْكُفْرِ وَفِيهَا أَثَرُ الرِّقِّ وَهُمَا مُنْقِصَانِ وَفِيهِ شَرَفُ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَفِيهَا شَرَفُ إسْلَامِ الْأَصْلِ وَهُمَا مُكَمِّلَانِ فَتَسَاوَيَا بَقِيَ مَا لَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَعَتَقَ الرَّجُلُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ إسْلَامُهُ طَارِئًا وَإِلَّا فَفِيهِ أَثَرُ الْكُفْرِ، وَأَثَرُ الرِّقِّ مَعًا فَلَا يَكُونُ كُفُؤًا لِمَنْ فِيهَا أَثَرُ الْكُفْرِ فَقَطْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَمَّا مُعْتَقُ الْوَضِيعِ إلَخْ) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْمُجْتَبِي وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ قَالَ حَتَّى لَا يَكُونَ مَوْلَى الْعَرَبِ كُفُؤًا لِمَوْلَاةِ بَنِي هَاشِمٍ حَتَّى لَوْ زَوَّجَتْ مَوْلَاةُ بَنِي هَاشِمٍ نَفْسَهَا مِنْ مَوْلَى الْعَرَبِ كَانَ لِمُعْتِقِهَا حَقُّ الِاعْتِرَاضِ، لِأَنَّ الْوَلَاءَ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» اهـ وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ الْكَفَاءَةُ تُعْتَبَرُ فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ فَمُعْتَقَة التَّاجِرِ كُفْءٌ لِمُعْتَقِ الْعَطَّارِ دُونَ الدَّبَّاغِ اهـ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا قَبْلَ مَا قَدَّمْنَاهُ، حَيْثُ قَالَ: وَمَوَالِي الْعَرَبِ أَكْفَاءٌ لِمَوَالِي قُرَيْشٍ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ» اهـ فَتَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] مَوْلَى الْمُوَالَاةِ لَا يُكَافِئُ مَوْلَاةَ الْعَتَاقَةِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: رَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ إنْسَانٍ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِمَوَالِي الْعَتَاقَةِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: مُعْتَقَةُ أَشْرَفِ الْقَوْمِ تَكُونُ كُفُؤًا لِلْمَوَالِي لِأَنَّ لَهَا شَرَفَ الْوَلَاءِ وَلِلْمَوَالِي شَرَفُ إسْلَامِ الْآبَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا مُرْتَدٌّ أَسْلَمَ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مُرْتَدٍّ لَمْ يَطُلْ زَمَنُ رِدَّتِهِ وَلِذَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِاللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ، أَمَّا مَنْ ارْتَدَّ وَطَالَ زَمَنُ رِدَّتِهِ حَتَّى اشْتَهَرَ بِذَلِكَ وَلَحِقَ أَوَّلًا ثُمَّ أَسْلَمَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ كُفُؤًا لِمَنْ لَمْ تَرْتَدَّ فَإِنَّ الْعَارَ الَّذِي يَلْحَقُهَا بِهَذَا أَعْظَمُ مِنْ الْعَارِ بِكَافِرٍ أَصْلِيٍّ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا لِفِتْنَةٍ) أَيْ لِدَفْعِهَا قَالَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَسَبًا مَشْهُورًا كَبِنْتِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ خَدَعَهَا حَائِكٌ أَوْ سَائِسٌ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ لَا لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ بَلْ لِتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِتَسْكِينِهَا بَيْنَهُمْ كَمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَتُعْتَبَرُ فِي الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ التَّقْوَى مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، فَلَا يَكُونُ الْعَرَبِيُّ الْفَاسِقُ كُفُؤًا لِصَالِحَةٍ عَرَبِيَّةً كَانَتْ أَوْ عَجَمِيَّةً هـ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَصَرَّحَ بِهَذَا فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ اهـ وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ الْكَفَاءَةِ مَا لَا فِيهِمَا أَيْضًا. قُلْت وَكَذَا حِرْفَةٌ كَمَا يَظْهَرُ مِمَّا نَذْكُرُهُ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ دِيَانَةً) أَيْ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا إذَا كَانَ يَصْفَعُ وَيَسْخَرُ مِنْهُ، أَوْ يَخْرُجُ إلَى الْأَسْوَاقِ سَكْرَانَ، وَيَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ لِأَنَّهُ مُسْتَخَفٌّ بِهِ هِدَايَةٌ، وَنُقِلَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمُحِيطِ: أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَكِنَّ الَّذِي فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ قِيلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَكَذَا الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَتَصْحِيحُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 أَيْ تَقْوَى فَلَيْسَ فَاسِقٌ كُفُؤًا لِصَالِحَةٍ أَوْ فَاسِقَةٍ بِنْتِ صَالِحٍ مُعْلَنًا كَانَ أَوْ لَا   [رد المحتار] الْهِدَايَةِ مُعَارِضٌ لَهُ فَالْإِفْتَاءُ بِمَا فِي الْمُتُونِ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَيْسَ فَاسِقٌ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَوَقَعَ لِي تَرَدُّدٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ صَالِحَةً دُونَ أَبِيهَا أَوْ كَانَ أَبُوهَا صَالِحًا دُونَهَا هَلْ يَكُونُ الْفَاسِقُ كُفُؤًا لَهَا أَوْ لَا: فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِينَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِصَلَاحِ أَبِيهَا وَجَدِّهَا، فَإِنَّهُمْ قَالُوا لَا يَكُونُ الْفَاسِقُ كُفُؤًا لِبِنْتِ الصَّالِحِينَ، وَاعْتُبِرَ فِي الْمَجْمَعِ صَلَاحُهَا فَقَالَ: فَلَا يَكُونُ الْفَاسِقُ كُفُؤًا لِلصَّالِحَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا يَكُونُ الْفَاسِقُ كُفُؤًا لِلصَّالِحَةِ بِنْتِ الصَّالِحِينَ فَاعْتُبِرَ صَلَاحُ الْكُلِّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّلَاحَ مِنْهَا أَوْ مِنْ آبَائِهَا كَافٍ لِعَدَمِ كَوْنِ الْفَاسِقِ كُفُؤًا لَهَا وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا اهـ وَنَازَعَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ قَوْلَ الْخَانِيَّةِ أَيْضًا إذَا كَانَ الْفَاسِقُ مُحْتَرَمًا مُعَظَّمًا عِنْدَ النَّاسِ كَأَعْوَانِ السُّلْطَانِ يَكُونُ كُفُؤًا لِبَنَاتِ الصَّالِحِينَ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ بَلْخٍ لَا يَكُونُ مُعْلِنًا كَانَ أَوْ لَا وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْفَضْلِ اهـ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ الصَّلَاحِ مِنْ حَيْثُ الْآبَاءُ فَقَطْ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَحِينَئِذٍ فَلَا اعْتِبَارَ بِفِسْقِهَا اهـ أَيْ إذَا كَانَتْ فَاسِقَةً بِنْتَ صَالِحٍ لَا يَكُونُ الْفَاسِقُ كُفُؤًا لَهَا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِصَلَاحِ الْأَبِ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِسْقُهَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْكَفَاءَةَ حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ إذَا أَسْقَطَتْهَا هِيَ لِأَنَّ الصَّالِحَ يُعَيَّرُ بِمُصَاهَرَةِ الْفَاسِقِ، لَكِنَّ مَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ صَلَاحِهَا أَيْضًا كَمَا مَرَّ، وَحِينَئِذٍ فَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ الثَّانِي عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ بِنْتَ الصَّالِحِ صَالِحَةٌ غَالِبًا قَالَ فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ قَوْلُهُ فَلَيْسَ فَاسِقٌ كُفْءَ بِنْتِ صَالِحٍ فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ بِنْتَ الصَّالِحِ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ فَاسِقَةً فَيَكُونُ كُفُؤًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَالْأَوْلَى مَا فِي الْمَجْمَعِ وَهُوَ أَنَّ الْفَاسِقَ لَيْسَ كُفُؤًا لِلصَّالِحَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْغَالِبُ أَنَّ بِنْتَ الصَّالِحِ صَالِحَةٌ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ. اهـ. وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْقُهُسْتَانِيِّ أَيْ وَهِيَ صَالِحَةٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ تَكُونَ الْبِنْتُ صَالِحَةً بِصَلَاحِهِ اهـ وَكَذَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ. قُلْت: اقْتِصَارُهُمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ صَلَاحَهَا يُعْرَفُ بِصَلَاحِهِمْ، لِخَفَاءِ حَالِ الْمَرْأَةِ غَالِبًا لَا سِيَّمَا الْأَبْكَارُ وَالصَّغَائِرُ اهـ وَفِي الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِلْعَدْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الَّذِي يُسْكِرُ إنْ كَانَ يُسِرُّ ذَلِكَ وَلَا يَخْرُجُ سَكْرَانَ كَانَ كُفُؤًا لِامْرَأَةٍ صَالِحَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ، وَإِنْ كَانَ يُعْلِنُ ذَلِكَ فَلَا، قِيلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. قُلْت: وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ صَلَاحِ الْكُلِّ، وَإِنَّ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى صَلَاحِهَا أَوْ صَلَاحِ آبَائِهَا نَظَرَ إلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ صَلَاحَ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ مُتَلَازِمَانِ، فَعَلَى هَذَا فَالْفَاسِقُ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِصَالِحَةٍ بِنْتِ صَالِحٍ بَلْ يَكُونُ كُفُؤًا لِفَاسِقَةٍ بِنْتِ فَاسِقٍ، وَكَذَا لِفَاسِقَةٍ بِنْتِ صَالِحٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ، فَلَيْسَ لِأَبِيهَا حَقُّ الِاعْتِرَاضِ لِأَنَّ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعَارِ بِبِنْتِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْعَارِ بِصِهْرِهِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ صَالِحَةً بِنْتَ فَاسِقٍ فَزَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ فَاسِقٍ فَلَيْسَ لِأَبِيهَا حَقُّ الِاعْتِرَاضِ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ وَهِيَ قَدْ رَضِيَتْ بِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا مِنْ فَاسِقٍ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِفِسْقِهِ صَحَّ الْعَقْدُ، وَلَا خِيَارَ لَهَا إذَا كَبِرَتْ لِأَنَّ الْأَبَ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ مَاجِنًا كَمَا مَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَبُ صَالِحًا وَظَنَّ الزَّوْجَ صَالِحًا فَلَا يَصِحُّ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: زَوَّجَ بِنْتَه مِنْ رَجُلٍ ظَنَّهُ مُصْلِحًا لَا يَشْرَبُ مُسْكِرًا فَإِذَا هُوَ مُدْمِنٌ فَقَالَتْ بَعْدَ الْكِبَرِ: لَا أَرْضَى بِالنِّكَاحِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَبُوهَا يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ، وَلَا عُرِفَ بِهِ وَغَلَبَةُ أَهْلِ بَيْتِهَا مُصْلِحُونَ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ اهـ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ فَإِنَّهُ مُفْرَدٌ. (قَوْلُهُ بِنْتِ صَالِحٍ) نَعْتٌ لِكُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ صَالِحَةٍ وَفَاسِقَةٍ وَأَفْرَدَهُ لِلْعَطْفِ بِأَوْ فَرَجَعَ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ صَلَاحُ الْآبَاءِ فَقَطْ وَأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِفِسْقِهَا بَعْدَ كَوْنِهَا مِنْ بَنَاتِ الصَّالِحِينَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنْ النَّهْرِ فَافْهَمْ نَعَمْ هُوَ خِلَافُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْيَعْقُوبِيَّةِ (قَوْلُهُ مُعْلِنًا كَانَ أَوْ لَا) أَمَّا إذَا كَانَ مُعْلِنًا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعْلِنِ فَهُوَ بِأَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا مِنْ الْمُفَسِّقَاتِ وَهُوَ لَا يَجْهَرُ بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 عَلَى الظَّاهِرِ نَهْرٌ (وَمَالًا) بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْمُعَجَّلِ وَنَفَقَةِ شَهْرٍ لَوْ غَيْرَ مُحْتَرِفٍ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ يَكْتَسِبُ كُلَّ يَوْمٍ كِفَايَتَهَا لَوْ تُطِيقُ الْجِمَاعَ (وَحِرْفَةً) فَمِثْلُ حَائِكٍ غَيْرُ كُفْءٍ لِمِثْلِ خَيَّاطٍ وَلَا خَيَّاطٍ لِبَزَّازٍ وَتَاجِرٍ وَلَا هُمَا لِعَالِمٍ وَقَاضٍ،   [رد المحتار] فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِطَلَبِ الْأَوْلِيَاءِ ط (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) هَذَا اسْتِظْهَارٌ مِنْ صَاحِبِ النَّهْرِ لَا كَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ السَّرَخْسِيِّ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي هَذَا شَيْءٌ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُ أَنَّ الْفِسْقَ لَا يَمْنَعُ الْكَفَاءَةَ اهـ وَقَدَّمْنَا أَنَّ تَصْحِيحَ الْهِدَايَةِ مُعَارِضٌ لِهَذَا التَّصْحِيحِ (قَوْلُهُ وَمَالًا) أَيْ فِي حَقِّ الْعَرَبِيِّ وَالْعَجَمِيِّ كَمَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ لِأَنَّ التَّفَاخُرَ بِالْمَالِ أَكْثَرُ مِنْ التَّفَاخُرِ بِغَيْرِهِ عَادَةً وَخُصُوصًا فِي زَمَانِنَا هَذَا بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْمُعَجَّلِ إلَخْ) أَيْ عَلَى مَا تَعَارَفُوا تَعْجِيلَهُ مِنْ الْمَهْرِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّهُ حَالًّا فَتْحٌ فَلَا تُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْكُلِّ، وَلَا أَنْ يُسَاوِيَهَا فِي الْغِنَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ زَيْلَعِيٌّ، وَلَوْ صَبِيًّا فَهُوَ غَنِيٌّ بِغِنَى أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ جَدِّهِ كَمَا يَأْتِي وَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِ الْمَهْرِ، فَإِنَّهُ كُفْءٌ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ أَيَّ الدَّيْنَيْنِ شَاءَ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَمَا لَوْ كَانَتْ فَقِيرَةً بِنْتَ فُقَرَاءَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَاقِعَاتِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ عَلَيْهِ فَيُعْتَبَرُ هَذَا الْوَصْفُ فِي حَقِّهِ وَمَا لَوْ كَانَ ذَا جَاهٍ كَالسُّلْطَانِ وَالْعَالِمِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَقِيلَ يَكُونُ كُفُؤًا وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ إلَّا النَّفَقَةَ لِأَنَّ الْخَلَلَ يَنْجَبِرُ بِهِ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا الْفَقِيهُ الْعَجَمِيُّ كُفْءٌ لِلْعَرَبِيِّ الْجَاهِلِ (قَوْلُهُ وَنَفَقَةُ شَهْرٍ) صَحَّحَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَصَحَّحَ فِي الْمُجْتَبَى الِاكْتِفَاءَ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا بِالْكَسْبِ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَاسْتَظْهَرَ فِي الْبَحْرِ الثَّانِي وَوَفَّقَ فِي النَّهْرِ بَيْنَهُمَا بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَقَالَ إنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ لَوْ تُطِيقُ الْجِمَاعَ) فَلَوْ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُهُ فَهُوَ كُفْءٌ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَتْحٌ وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ. (قَوْلُهُ وَحِرْفَةً) ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الْكَفَاءَةَ فِيهَا مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ بَنَى الْأَمْرَ فِيهَا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ أَنَّ مَوَالِيَهُمْ يَعْمَلُونَ هَذِهِ الْأَعْمَالَ لَا يَقْصِدُونَ بِهَا الْحِرَفَ، فَلَا يُعَيَّرُونَ بِهَا وَأَجَابَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْبِلَادِ وَأَنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ ذَلِكَ حِرْفَةً، فَيُعَيَّرُونَ بِالدَّنِيِّ مِنْهَا فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا خِلَافٌ فِي الْحَقِيقَةِ بَدَائِعُ فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ مِنْ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبِلَادِ مَنْ يَحْتَرِفُ بِنَفْسِهِ تُعْتَبَرُ فِيهِمْ الْكَفَاءَةُ فِيهَا وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ مُعْتَبَرَةً بَيْنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ (قَوْلُهُ فَمِثْلُ حَائِكٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُلْتَقَى وَشَرْحِهِ: فَحَائِكٌ أَوْ حَجَّامٌ أَوْ كَنَّاسٌ أَوْ دَبَّاغٌ أَوْ حَلَّاقٌ أَوْ بَيْطَارٌ أَوْ حَدَّادٌ أَوْ صَفَّارٌ غَيْرُ كُفْءٍ لِسَائِرِ الْحِرَفِ كَعَطَّارٍ أَوْ بَزَّازٍ أَوْ صَوَّافٍ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحِرَفَ جِنْسَانِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا كُفُؤًا لِلْآخَرِ. لَكِنَّ أَفْرَادَ كُلٍّ مِنْهَا كُفْءٌ لِجِنْسِهَا وَبِهِ يُفْتِي زَاهِدِيٌّ اهـ أَيْ أَنَّ الْحِرَفَ إذَا تَبَاعَدَتْ لَا يَكُونُ أَفْرَادُ إحْدَاهَا كُفُؤًا لِأَفْرَادِ الْأُخْرَى، بَلْ أَفْرَادُ كُلِّ وَاحِدَةٍ أَكْفَاءٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَأَفَادَ كَمَا فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ اتِّحَادُهُمَا فِي الْحِرْفَةِ، بَلْ التَّقَارُبُ كَافٍ فَالْحَائِكُ كُفْءٌ لِحَجَّامٍ وَالدَّبَّاغُ كُفْءٌ لِكَنَّاسٍ وَالصَّفَّارُ كُفْءٌ لِحَدَّادٍ وَالْعَطَّارُ كُفْءٌ لِبَزَّازٍ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْفَتْحِ: أَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ اسْتِنْقَاصُ أَهْلِ الْعُرْفِ فَيَدُورُ مَعَهُ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحَائِكُ كُفُؤًا لِلْعَطَّارِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ لِمَا هُنَاكَ مِنْ حُسْنِ اعْتِبَارِهَا وَعَدَمِ عَدِّهَا نَقْصًا أَلْبَتَّةَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا خَسَاسَةُ غَيْرِهَا. اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ الْحِرَفَ إذَا تَقَارَبَتْ أَوْ اتَّحَدَتْ يَجِبُ اعْتِبَارُ التَّكَافُؤِ مِنْ بَقِيَّةِ الْجِهَاتِ فَالْعَطَّارُ الْعَجَمِيُّ غَيْرُ كُفْءٍ لِعَطَّارٍ أَوْ بَزَّازٍ عَرَبِيٍّ أَوْ عَالِمٍ تَقِيٍّ، النَّظَرُ فِي نَحْوِ دَبَّاغٍ أَوْ حَلَّاقٍ عَرَبِيٍّ، هَلْ يَكُونُ كُفُؤًا لِعَطَّارٍ أَوْ بَزَّازٍ عَجَمِيٍّ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ شَرَفَ النَّسَبِ أَوْ الْعِلْمِ يُجْبِرُ نَقْصَ الْحِرْفَةِ بَلْ يَفُوقُ سَائِرَ الْحِرَفِ، فَلَا يَكُونُ نَحْوُ الْعَطَّارِ الْعَجَمِيِّ الْجَاهِلِ كُفُؤًا لِنَحْوِ حَلَّاقٍ عَرَبِيٍّ أَوْ عَالِمٍ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الَّذِي أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ أَوْ عَتَقَ إذَا أَحْرَزَ مِنْ الْفَضَائِلِ مَا يُقَابِلُ نَسَبَ الْآخَرِ كَانَ كُفُؤًا لَهُ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِبَزَّازٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبَزُّ الثِّيَابُ أَوْ مَتَاعُ الْبَيْتِ مِنْ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا وَبَائِعُهُ الْبَزَّازُ وَحِرْفَتُهُ الْبِزَازَةُ. اهـ. ط (قَوْلُهُ وَلَا هُمَا لِعَالِمٍ وَقَاضٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي الْبِنَايَةِ عَنْ الْغَايَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 وَأَمَّا أَتْبَاعُ الظَّلَمَةِ فَأَخَسُّ مِنْ الْكُلِّ وَأَمَّا الْوَظَائِفُ فَمِنْ الْحِرَفِ فَصَاحِبُهَا كُفْءٌ لِلتَّاجِرِ لَوْ غَيْرَ دَنِيئَةٍ كَبَوَّابَةٍ وَذُو تَدْرِيسٍ أَوْ نَظَرٍ كُفْءٌ لِبِنْتِ الْأَمِيرِ بِمِصْرَ بَحْرٌ (وَ) الْكَفَاءَةُ   [رد المحتار] الْكَنَّاسُ وَالْحَجَّامُ وَالدَّبَّاغُ وَالْحَارِسُ وَالسَّائِسُ وَالرَّاعِي وَالْقَيِّمُ أَيْ الْبَلَّانُ فِي الْحَمَّامِ لَيْسَ كُفُؤًا لِبِنْتِ الْخَيَّاطِ وَلَا الْخَيَّاطُ لِبِنْتِ الْبَزَّازِ وَالتَّاجِرِ وَلَا هُمَا لِبِنْتِ عَالِمٍ وَقَاضٍ وَالْحَائِكُ لَيْسَ كُفُؤًا لِبِنْتِ الدِّهْقَانِ وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً وَقِيلَ هُوَ كُفْءٌ اهـ وَقَدْ غَلَبَ اسْمُ الدِّهْقَانِ عَلَى ذِي الْعَقَارِ الْكَثِيرِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ. اهـ. . قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ نَحْوَ الْخَيَّاطِ إذَا كَانَ أُسْتَاذًا يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ وَلَهُ أُجَرَاءُ يَعْمَلُونَ لَهُ يَكُونُ كُفُؤًا لِبِنْتِ الْبَزَّازِ وَالتَّاجِرِ فِي زَمَانِنَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ الْمَارِّ إذْ لَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ ذَلِكَ نَقْصًا تَأَمَّلْ وَمَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى عَنْ الْكَافِي مِنْ أَنَّ الْخَفَّافَ لَيْسَ بِكُفْءٍ لِلْبَزَّازِ وَالْعَطَّارِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ يَعْمَلُ الْأَخْفَافَ أَوْ النِّعَالِ بِيَدِهِ أَمَّا لَوْ كَانَ أُسْتَاذًا لَهُ أُجَرَاءُ أَوْ يَشْتَرِيهَا مَخِيطَةً وَيَبِيعُهَا فِي حَانُوتِهِ فَلَيْسَ فِي زَمَانِنَا أَنْقَصَ مِنْ الْبَزَّازِ وَالْعَطَّارِ قَالَ ط: وَأَطْلَقُوا فِي الْعَالِمِ وَالْقَاضِي وَلَمْ يُقَيِّدُوا الْعَالِمَ بِذِي الْعَمَلِ، وَلَا الْقَاضِيَ بِمَنْ لَا يَقْبَلُ الرِّشْوَةَ وَالظَّاهِرُ التَّقْيِيدُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ حِينَئِذٍ ظَالِمٌ وَنَحْوُهُ الْعَالِمُ غَيْرُ الْعَالِمِ وَلْيُحَرَّرْ اهـ. قُلْت: لَعَلَّهُمْ أَطْلَقُوا ذَلِكَ لِعِلْمِهِ مِنْ ذِكْرِهِمْ الْكَفَاءَةَ فِي الدِّيَانَةِ فَالظَّاهِرُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْعَالِمَ وَالْقَاضِيَ الْفَاسِقَيْنِ لَا يَكُونَانِ كُفْأَيْنِ لِصَالِحَةٍ بِنْتِ صَالِحَيْنِ لِأَنَّ شَرَفَ الصَّلَاحِ فَوْقَ شَرَفِ الْعِلْمِ وَالْقَضَاءِ مَعَ الْفِسْقِ (قَوْلُهُ فَأَخَسُّ مِنْ الْكُلِّ) أَيْ وَإِنْ كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ وَأَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ لِأَنَّهُ مِنْ آكِلِي دِمَاءِ النَّاسِ وَأَمْوَالِهِمْ كَمَا فِي الْمُحِيطِ نَعَمْ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءُ بَعْضٌ شَرْحُ الْمُلْتَقَى وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْبِنَايَةِ فِي مِصْرٍ جِنْسٌ هُوَ أَخَسُّ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ وَهُمْ الطَّائِفَةُ الَّذِينَ يُسَمَّوْنَ بالسراباتية. اهـ. قُلْت: مَفْهُومُ التَّقْيِيدِ بِالْإِتْبَاعِ أَنَّ الْمَتْبُوعَ كَأَمِيرٍ وَسُلْطَانٍ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ مِنْ التَّاجِرِ عُرْفًا كَمَا يُفِيدُهُ مَا يَأْتِي فِي الشَّارِحِ عَنْ الْبَحْرِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ اسْتِنْقَاصُ أَهْلِ الْعُرْفِ فَيَدُورُ مَعَهُ فَعَلَى هَذَا مَنْ كَانَ أَمِيرًا أَوْ تَابِعًا لَهُ وَكَانَ ذَا مَالٍ وَمُرُوءَةٍ وَحِشْمَةٍ بَيْنَ النَّاسِ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَتَعَيَّرُ بِهِ فِي الْعُرْفِ كَتَعَيُّرِهَا بِدَبَّاغٍ وَحَائِكٍ وَنَحْوِهِمَا فَضْلًا عَنْ سَرَابَاتِيٍّ يَنْزِلُ كُلَّ يَوْمٍ إلَى الْكَنِيفِ، وَيَنْقُلُ نَجَاسَتَهُ فِي بَيْتِ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ، وَإِنْ كَانَ قَاصِدًا بِذَلِكَ تَنْظِيفَ النَّاسِ أَوْ الْمَسَاجِدِ مِنْ النَّجَاسَاتِ وَكَانَ الْأَمِيرُ أَوْ تَابِعُهُ آكِلًا أَمْوَالَ النَّاسِ لِأَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى النَّقْصِ وَالرِّفْعَةِ فِي الدُّنْيَا وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي الدِّيَانَةِ لِأَنَّهَا مِنْ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ، فَلَا تُبْنَى عَلَيْهَا أَحْكَامُ الدُّنْيَا قَالُوا فِي الْجَوَابِ عَنْهُ إنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَا اقْتَضَاهُ الدَّلِيلُ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَعَدَمِهِ، بَلْ اعْتِبَارُ الدِّيَانَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ وَهُوَ تَعْيِيرُ بِنْتِ الصَّالِحِينَ بِفِسْقِ الزَّوْجِ. قُلْت: وَلَعَلَّ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ تَابِعَ الظَّالِمِ أَخَسُّ مِنْ الْكُلِّ كَانَ فِي زَمَنِهِمْ الَّذِي الْغَالِبُ فِيهِ التَّفَاخُرُ بِالدِّينِ وَالتَّقْوَى، دُونَ زَمَانِنَا الْغَالِبُ فِيهِ التَّفَاخُرُ بِالدُّنْيَا فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْوَظَائِفُ) أَيْ فِي الْأَوْقَافِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَمِنْ الْحِرَفِ) لِأَنَّهَا صَارَتْ طَرِيقًا لِلِاكْتِسَابِ فِي مِصْرَ كَالصَّنَائِعِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَوْ غَيْرَ دَنِيئَةٍ) أَيْ عُرْفًا كَبِوَابَةٍ وَسِوَاقَةٍ وَفِرَاشَةٍ وَوَقَّادَةٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَذُو تَدْرِيسٍ) أَيْ فِي عِلْمٍ شَرْعِيٍّ (قَوْلُهُ أَوْ نَظَرٍ) هُوَ بَحْثٌ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِشَرِيفٍ، بَلْ هُوَ كَآحَادِ النَّاسِ وَقَدْ يَكُونُ عَتِيقًا زِنْجِيًّا وَرُبَّمَا أَكَلَ مَالَ الْوَقْفِ وَصَرَفَهُ فِي الْمُنْكَرَاتِ فَكَيْفَ يَكُونُ كُفُؤًا لِمَنْ ذَكَرَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَيِّدَ بِالنَّاظِرِ ذِي الْمُرُوءَةِ وَبِنَاظِرٍ نَحْوِ مَسْجِدٍ بِخِلَافِ نَاظِرِ وَقْفٍ أَهْلِيٍّ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ، فَإِنَّهُ لَا يَزْدَادُ رِفْعَةً بِذَلِكَ ط (قَوْلُهُ كُفْءٌ لِبِنْتِ الْأَمِيرِ بِمِصْرٍ) لَا يَخْفَى أَنَّ تَخْصِيصَ بِنْتِ الْأَمِيرِ بِالذِّكْرِ لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ فَيَكُونُ كُفُؤًا لِبِنْتِ التَّاجِرِ بِالْأَوْلَى، فَيُفِيدُ أَنَّ الْأَمِيرَ أَشْرَفُ مِنْ التَّاجِرِ كَمَا هُوَ الْعُرْفُ، وَهَذَا مُؤَيَّدٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 (اعْتِبَارُهَا عِنْدَ) ابْتِدَاءِ (الْعَقْدِ فَلَا يَضُرُّ زَوَالُهَا بَعْدَهُ) فَلَوْ كَانَ وَقْتَهُ كُفُؤًا ثُمَّ فَجَرَ لَمْ يَفْسَخْ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ دَبَّاغًا فَصَارَ تَاجِرًا فَإِنْ بَقِيَ عَارُهَا لَمْ يَكُنْ كُفُؤًا وَإِلَّا لَا. نَهْرٌ بَحْثًا (الْعَجَمِيُّ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِلْعَرَبِيَّةِ وَلَوْ) كَانَ الْعَجَمِيُّ (عَالِمًا) أَوْ سُلْطَانًا (وَهُوَ الْأَصَحُّ) فَتْحٌ عَنْ الْيَنَابِيعِ وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ لَكِنْ فِي النَّهْرِ فَسَّرَ الْحَسِيبَ بِذِي الْمَنْصِبِ وَالْجَاهِ فَغَيْرُ كُفْءٍ لِلْعَلَوِيَّةِ كَمَا فِي الْيَنَابِيعِ وَإِنْ بِالْعَالِمِ فَكُفْءٌ لِأَنَّ شَرَفَ الْعِلْمِ فَوْقَ شَرَفِ النَّسَبِ وَالْمَالِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَزَّازِيُّ وَارْتَضَاهُ الْكَمَالُ وَغَيْرُهُ   [رد المحتار] لِبَحْثِنَا السَّابِقِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ (وَقَوْلُهُ اعْتِبَارُهَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ) قُلْت: يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ حَجَّامٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مَجْهُولَةَ النَّسَبِ ادَّعَاهَا قُرَشِيٌّ وَأَثْبَتَ أَنَّهَا بِنْتَه لَهُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا لَوْ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ لِرَجُلٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ إبْطَالُ النِّكَاحِ. اهـ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ لَمَّا وَقَعَ، مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ كَانَ عَدَمُ الْكَفَاءَةِ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعَقْدِ لَا أَنَّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً ثُمَّ زَالَتْ حَتَّى يُنَافِيَ كَوْنَ الْعِبْرَةِ لِوَقْتِ الْعَقْدِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْإِقْرَارِ فَلِأَنَّ إقْرَارَهَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهَا، فَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجُ بِمُوجِبِهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُقِرِّ (قَوْلُهُ ثُمَّ فَجَرَ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: ثُمَّ زَالَتْ كَفَاءَتُهُ لِأَنَّ الْفُجُورَ يُقَابِلُ الدِّيَانَةَ وَهِيَ إحْدَى مَا يُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ ط (قَوْلُهُ وَأَمَّا لَوْ كَانَ دَبَّاغًا إلَخْ) هَذَا فَرَّعَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُفُؤًا ثُمَّ اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ بِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الصَّنْعَةَ وَإِنْ أَمْكَنَ تَرْكُهَا يَبْقَى عَارُهَا وَوَفَّقَ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ إنْ بَقِيَ عَارُهَا لَمْ يَكُنْ كُفُؤًا وَإِنْ تَنَاسَى أَمْرَهَا لِتَقَادُمِ زَمَانِهَا كَانَ كُفُؤًا لَكَانَ حَسَنًا اهـ. (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي النَّهْرِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ وَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْعَرَبِيِّ لَا يُكَافِئُ الْعَرَبِيَّ، وَإِنْ كَانَ حَسِيبًا لَكِنْ فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ قَالُوا الْحَسِيبُ يَكُونُ كُفُؤًا لِلنَّسِيبِ، فَالْعَالِمُ الْعَجَمِيُّ يَكُونُ كُفُؤًا لِلْجَاهِلِ الْعَرَبِيِّ وَالْعَلَوِيَّةِ لِأَنَّ شَرَفَ الْعِلْمِ فَوْقَ شَرَفِ النَّسَبِ وَارْتَضَاهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَجَزَمَ بِهِ الْبَزَّازِيُّ وَزَادَ وَالْعَالِمُ الْفَقِيرُ يَكُونُ كُفُؤًا لِلْغَنِيِّ الْجَاهِلِ وَالْوَجْهُ فِيهِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ شَرَفَ الْعِلْمِ فَوْقَ شَرَفِ النَّسَبِ فَشَرَفُ الْمَالِ أَوْلَى. نَعَمْ الْحَسَبُ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْمَنْصِبُ وَالْجَاهُ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ فِي الْمُحِيطِ عَنْ صَدْرِ الْإِسْلَامِ هَذَا لَيْسَ كُفُؤًا لِلْعَرَبِيَّةِ كَمَا فِي الْيَنَابِيعِ. اهـ. كَلَامُ النَّهْرِ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: حَيْثُ كَانَ مَا فِي الْيَنَابِيعِ مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ كَفَاءَةِ الْحَسِيبِ لِلْعَرَبِيَّةِ مَبْنِيًّا عَلَى تَفْسِيرِ الْحَسِيبِ بِذِي الْمَنْصِبِ وَالْجَاهِ لَمْ يَصِحَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ فِي الْعَالِمِ، وَعَزْوِهِ فِي شَرْحِهِ إلَى الْيَنَابِيعِ، وَذَكَرَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ عَنْ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى: الْعَالِمُ يَكُونُ كُفُؤًا لِلْعَلَوِيَّةِ لِأَنَّ شَرَفَ الْحَسَبِ أَقْوَى مِنْ شَرَفِ النَّسَبِ وَعَنْ هَذَا قِيلَ إنَّ عَائِشَةَ أَفْضَلُ مِنْ فَاطِمَةَ لِأَنَّ لِعَائِشَةَ شَرَفُ الْعِلْمِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْفَيْضِ وَجَامِعِ الْفَتَاوَى وَصَاحِبِ الدُّرَرِ ثُمَّ نَقَلَ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ هُنَا ثُمَّ قَالَ: فَتَحَرَّرَ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا وَلَكِنْ حَيْثُ صَحَّ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُكَافِئُهَا، فَهُوَ الْمَذْهَبُ خُصُوصًا وَقَدْ نَصَّ فِي الْيَنَابِيعِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ. اهـ. أَقُولُ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا صَحَّحَهُ فِي الْيَنَابِيعِ غَيْرُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَقَدْ تَبِعَ فِيهِ الْبَحْرَ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ كَوْنَهُ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ مُجَرَّدُ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا سِوَى قَوْلِهِمْ فِي الْمُتُونِ وَغَيْرِهَا وَالْعَرَبُ أَكْفَاءٌ أَيْ فَلَا يُكَافِئُهُمْ غَيْرُهُمْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقَ، وَلَكِنْ قَيَّدَهُ الْمَشَايِخُ بِغَيْرِ الْعَالِمِ وَكَمْ لَهُ مِنْ نَظِيرٍ فَإِنَّ شَأْنَ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ إفَادَةُ قُيُودٍ وَشَرَائِطَ لِعِبَارَاتٍ مُطْلَقَةٍ اسْتِنْبَاطًا مِنْ قَوَاعِدَ كُلِّيَّةٍ أَوْ مَسَائِلَ فَرْعِيَّةٍ أَوْ أَدِلَّةٍ نَقْلِيَّةٍ وَهُنَا كَذَلِكَ، فَقَدْ ذُكِرَ فِي آخِرِ الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ فِي قُرَشِيٍّ جَاهِلٍ تَقَدَّمَ فِي الْمَجْلِسِ عَلَى عَالِمٍ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إذَا كَتَبَ الْعُلَمَاءُ طَافِحَةً بِتَقَدُّمِ الْعَالِمِ عَلَى الْقُرَشِيِّ، وَلَمْ يُفَرِّقْ سُبْحَانَهُ بَيْنَ الْقُرَشِيِّ وَغَيْرِهِ فِي قَوْلِهِ {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ فَرَاجِعْهُ فَحَيْثُ كَانَ شَرَفُ الْعِلْمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 وَالْوَجْهُ فِيهِ ظَاهِرٌ وَلِذَا قِيلَ: إنَّ عَائِشَةَ أَفْضَلُ مِنْ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَالْحَنَفِيُّ كُفْءٌ لِبِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَمَتَى سَأَلْنَا عَنْ مَذْهَبِهِ أَجَبْنَا بِمَذْهَبِنَا كَمَا بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ مَعْزِيًّا لِجَوَاهِرِ الْفَتَاوَى (الْقَرَوِيُّ كُفْءُ لِلْمَدَنِيِّ) فَلَا عِبْرَةَ بِالْبَلَدِ كَمَا لَا عِبْرَةَ بِالْجَمَالِ الْخَانِيَّةِ، وَلَا بِالْعَقْلِ وَلَا بِعُيُوبٍ يَفْسَخُ بِهَا الْبَيْعُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، لَكِنْ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمَرْغِينَانِيِّ الْمَجْنُونُ لَيْسَ بِكُفْءٍ لِلْعَاقِلَةِ (وَكَذَا الصَّبِيُّ كُفْءٌ بِغِنَى أَبِيهِ)   [رد المحتار] أَقْوَى مِنْ شَرَفِ النَّسَبِ بِدَلَالَةِ الْآيَةِ وَتَسْرِيحِهِمْ بِذَلِكَ اقْتَضَى تَقْيِيدَ مَا أَطْلَقُوهُ هُنَا اعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِهِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ، فَلَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ مُخَالِفًا لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَكَيْفَ يَصِحُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ مِثْلَ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِبِنْتِ قُرَشِيٍّ جَاهِلٍ، أَوْ لِبِنْتِ عَرَبِيٍّ بَوَّالٍ عَلَى عَقِبَيْهِ، فَلَا جَرَمَ إنَّهُ جَزَمَ بِمَا قَالَهُ الْمَشَايِخُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَغَيْرُهُ كَمَا عَلِمْت وَارْتَضَاهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ، وَصَاحِبُ النَّهْرِ وَتَبِعَهُمْ الشَّارِحُ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَلِذَا قِيلَ إلَخْ) أَيْ لِكَوْنِ شَرَفِ الْعِلْمِ أَقْوَى قِيلَ إنَّ عَائِشَةَ أَفْضَلُ لِكَثْرَةِ عِلْمِهَا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُقَالُ إنَّ فَاطِمَةَ أَفْضَلُ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَسُوقٌ لِبَيَانِ أَنَّ شَرَفَ الْعِلْمِ أَقْوَى مِنْ شَرَفِ النَّسَبِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ بِإِخْرَاجِ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ ذَلِكَ لِتَحَقُّقِ الْبُضْعِيَّةِ فِيهَا بِلَا وَاسِطَةٍ، وَلِذَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ: إنَّهَا بُضْعَةٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أُفَضِّلُ عَلَى بُضْعَةٍ مِنْهُ أَحَدًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا إطْلَاقُ أَنَّهَا أَفْضَلُ، وَإِلَّا لَزِمَ تَفْضِيلُ سَائِرِ بَنَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَائِشَةَ بَلْ عَلَى الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ كَمَا بَسَطَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتَاوَى الْحَدِيثَةِ وَحِينَئِذٍ فَمَا نُقِلَ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ تَفْضِيلِ عَائِشَةَ مَحْمُولٌ عَلَى بَعْضِ الْجِهَاتِ كَالْعِلْمِ، وَكَوْنُهَا فِي الْجَنَّةِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَاطِمَةُ مَعَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلِهَذَا قَالَ فِي بَدْءِ الْأَمَالِي: وَلِلصِّدِّيقَةِ الرُّجْحَانُ فَاعْلَمْ ... عَلَى الزَّهْرَاءِ فِي بَعْضِ الْخِلَالِ وَقِيلَ إنَّ فَاطِمَةَ أَفْضَلُ وَيُمْكِنُ إرْجَاعُهُ إلَى الْأَوَّلِ وَقِيلَ بِالتَّوَقُّفِ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَاخْتَارَهُ الْأُسْرُوشَنِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا أَوْضَحَهُ مُنْلَا عَلَى الْقَارِئِ فِي شَرْحِ الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ وَشَرْحِ بَدْءِ الْأَمَالِي (قَوْلُهُ وَالْحَنَفِيُّ كُفْءٌ لِبِنْتِ الشَّافِعِيِّ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْكَفَاءَةِ هُنَا صِحَّةُ الْعَقْدِ يَعْنِي لَوْ تَزَوَّجَ حَنَفِيٌّ بِنْتَ شَافِعِيٍّ نَحْكُمُ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَذْهَبِ أَبِيهَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ إذَا كَانَتْ بِكْرًا إلَّا بِمُبَاشَرَةِ وَلِيِّهَا لِأَنَّا نَحْكُمُ بِمَا نَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ فِي مَذْهَبِنَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَسُئِلَ أَيْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ بِكْرٍ بَالِغَةٍ شَافِعِيَّةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ حَنَفِيٍّ أَوْ شَافِعِيٍّ، بِلَا رِضَا الْأَبِ هَلْ يَصِحُّ؟ أَجَابَ نَعَمْ وَإِنْ كَانَا يَعْتَقِدَانِ عَدَمَ الصِّحَّةِ لِأَنَّا نُجِيبُ بِمَذْهَبِنَا لَا بِمَذْهَبِ الْخَصْمِ لِاعْتِقَادِنَا أَنَّهُ خَطَأٌ يَحْتَمِلُ الصَّوَابَ وَإِنْ سُئِلْنَا كَيْفَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ لَا نُجِيبُ بِمَذْهَبِهِ اهـ وَقَوْلُهُ: لِاعْتِقَادِنَا إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُقَلَّدَ يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُ الْأَفْضَلِ لِيَعْتَقِدَ أَرْجَحِيَّةَ مَذْهَبِهِ وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ خِلَافُهُ كَمَا بَسَطْنَاهُ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا مُنَاسَبَةَ لِذِكْرِ هَذَا الْفَرْعِ فِي الْكَفَاءَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ الْقَرَوِيُّ) بِفَتْحِ الْقَافِ نِسْبَةٌ إلَى الْقَرْيَةِ (قَوْلُهُ فَلَا عِبْرَةَ بِالْبَلَدِ) أَيْ بَعْدَ وُجُودِ مَا مَرَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَفَاءَةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَالتَّاجِرُ فِي الْقُرَى كُفْءٌ لِبِنْتِ التَّاجِرِ فِي الْمِصْرِ لِلتَّقَارُبِ (قَوْلُهُ كَمَا لَا عِبْرَةَ بِالْجَمَالِ) لَكِنَّ النَّصِيحَةَ أَنْ يُرَاعِي الْأَوْلِيَاءُ الْمُجَانِسَةَ فِي الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ هِنْدِيَّةٌ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة ط (قَوْلُهُ وَلَا بِالْعَقْلِ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ. وَأَمَّا الْعَقْلُ فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ اهـ أَيْ فِي أَنَّهُ هَلْ يُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ وَلَا بِعُيُوبٍ إلَخْ) أَيْ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ السَّلَامَةُ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي يُفْسَخُ بِهَا الْبَيْعُ كَالْجُذَامِ وَالْجُنُونِ وَالْبَرَصِ وَالْبَخَرِ وَالدَّفَرِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) وَكَذَا لِمُحَمَّدٍ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ إذَا كَانَ بِحَالٍ لَا تُطِيقُ الْمَقَامَ مَعَهُ إلَّا أَنَّ التَّفْرِيقَ أَوْ الْفَسْخَ لِلزَّوْجَةِ لَا لِلْوَلِيِّ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ لِلْعَاقِلَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ مَقَاصِدَ النِّكَاحِ فَكَانَ أَشَدُّ مِنْ الْفَقْرِ دَنَاءَةَ الْحِرْفَةِ، وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ لِأَنَّ النَّاسَ يُعَيِّرُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 أَوْ أُمِّهِ أَوْ جَدِّهِ نَهْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ (بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَهْرِ) يَعْنِي الْمُعَجَّلِ كَمَا مَرَّ (لَا) بِالنِّسْبَةِ إلَى (النَّفَقَةِ) لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْآبَاءَ يَتَحَمَّلُونَ عَنْ الْأَبْنَاءِ الْمَهْرَ لَا النَّفَقَةَ ذَخِيرَةٌ (وَلَوْ نُكِحَتْ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِهَا فَلِلْوَلِيِّ) الْعَصَبَةِ (الِاعْتِرَاضُ حَتَّى يَتِمَّ) مَهْرُ مِثْلِهَا (أَوْ يُفَرِّقَ) الْقَاضِي بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلْعَارِ (وَلَوْ طَلَّقَهَا) الزَّوْجُ (قَبْلَ تَفْرِيقِ الْوَلِيِّ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى) فَلَوْ فَرَّقَ الْوَلِيُّ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا وَإِنْ بَعْدَهُ فَلَهَا الْمُسَمَّى وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ الْمُطَالَبَةُ بِالْإِتْمَامِ لِانْتِهَاءِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ جَوَاهِرُ الْفَتَاوَى   [رد المحتار] بِتَزْوِيجِ الْمَجْنُونِ أَكْثَرَ مِنْ ذِي الْحِرْفَةِ الدَّنِيئَةِ (قَوْلُهُ أَوْ أُمِّهِ أَوْ جَدِّهِ) عَزَاهُ فِي النَّهْرِ إلَى الْمُحِيطِ، وَزَادَ فِي الْفَتْحِ الْجَدَّةَ لَكِنَّ فِيهِ أَنَّ اعْتِبَارَهُ كُفُؤًا بِغِنَى أَبِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْعَادَةِ بِتَحَمُّلِ الْمَهْرِ، وَهَذَا مُسَلَّمٌ فِي الْأُمِّ وَالْجَدِّ أَمَّا الْجَدَّةُ فَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِتَحَمُّلِهَا وَإِنْ وُجِدَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَالًا (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعَادَةَ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَحَمُّلِ النَّفَقَةِ أَيْضًا عَنْ الِابْنِ الصَّغِيرِ كَمَا فِي زَمَانِنَا أَنَّهُ يَكُونُ كُفُؤًا بَلْ فِي زَمَانِنَا يَتَحَمَّلُهَا عَنْ ابْنِهِ الْكَبِيرِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكُونُ كُفُؤًا بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ النَّفَقَةِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ بِمِلْكٍ أَوْ كَسْبٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ كَلَامِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْكَلَامَ فِي مُطْلَقِ الزَّوْجِ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا فَإِنَّهُ قَالَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْقُدْرَةَ عَلَى النَّفَقَةِ دُونَ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ تَجْرِي الْمُسَاهَلَةُ فِي الْمَهْرِ وَيُعَدُّ الْمَرْءُ قَادِرًا عَلَيْهِ بِيَسَارِ أَبِيهِ اهـ. نَعَمْ زَادَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ، لَكِنْ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ نُقِلَ فِي الْبَحْرِ تَصْحِيحُهُ عَنْ الْمُجْتَبَى، وَمُقْتَضَى تَخْصِيصِهِ، بِالصَّبِيِّ أَنَّ الْكَبِيرَ لَيْسَ كَذَلِكَ وَوَجْهُهُ أَنَّ الصَّغِيرَ غَنِيٌّ بِغِنَى أَبِيهِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ بِخِلَافِ الْكَبِيرِ لَكِنْ إذَا كَانَ الْمَنَاطُ جَرَيَانَ الْعَادَةِ بِتَحَمُّلِ الْأَبِ لَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَلَا بَيْنَ الْمَهْرِ، وَالنَّفَقَةُ فِيهِمَا حَيْثُ تُعُورِفَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ بِأَقَلَّ إلَخْ) أَيْ بِحَيْثُ لَا يَتَغَابَنُ فِيهِ وَقَدَّمْنَا تَفْسِيرَهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ فَلِلْوَلِيِّ الْعَصَبَةِ) أَيْ لَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَقَارِبِ وَلَا الْقَاضِي لَوْ كَانَتْ سَفِيهَةً، كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ نَهْرٌ. وَاَلَّذِي فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْحَجْرِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا إذَا تَزَوَّجَتْ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا لَيْسَ لِلْقَاضِي الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْحَجْرَ فِي الْمَالِ لَا فِي النَّفْسِ. اهـ. بَحْرٌ. قُلْت: لَكِنْ فِي حَجْرِ الظَّهِيرِيَّةِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الزَّوْجُ قِيلَ لَهُ أَتِمَّ مَهْرَ مِثْلِهَا، فَإِنْ رَضِيَ وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ دَخَلَ فَعَلَيْهِ إتْمَامُهُ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ التَّفْرِيقَ كَانَ لِلنُّقْصَانِ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَقَدْ انْعَدَمَ حِينَ قَضَى لَهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا بِالدُّخُولِ. اهـ. (قَوْلُهُ الِاعْتِرَاضُ) أَفَادَ أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا لَوْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَ كُفْءٍ. فَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى رِوَايَةُ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ مِثْلَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ هُنَا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِدْرَاكُ هُنَا بِإِتْمَامِ مَهْرِ الْمِثْلِ، بِخِلَافِ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ أَوْ يُفَرِّقَ الْقَاضِي) فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ السِّرَاجِ، وَلَا تَكُونُ هَذِهِ الْفُرْقَةُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي، وَمَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا فَحُكْمُ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَالْمِيرَاثِ بَاقٍ اهـ (قَوْلُهُ دَفْعًا لِلْعَارِ) أَشَارَ إلَى الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِهِمَا لَيْسَ لِلْوَلِيِّ الِاعْتِرَاضُ. لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ حَقُّهَا وَمَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ لَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ يَفْتَخِرُونَ بِغَلَاءِ الْمُهُورِ وَيَتَعَيَّرُونَ بِنُقْصَانِهَا فَأَشْبَهَ الْكَفَاءَةَ بَحْرٌ وَالْمُتُونُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى) أَيْ وَلَيْسَ لَهُمْ طَلَبُ التَّكْمِيلِ لِأَنَّهُ عِنْدَ بَقَاءِ النِّكَاحِ وَقَدْ زَالَ (قَوْلُهُ فَلَا مَهْرَ لَهَا) لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَهِيَ فَسْخٌ ط عَنْ شَرْحِ الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ فَلَهَا الْمُسَمَّى) هَذَا فِي غَيْرِ السَّفِيهَةِ وَفِيهَا لَا تَفْرِيقَ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَلَزِمَ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا عَلِمْته (قَوْلُهُ لِانْتِهَاءِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ) فَلَا يُمْكِنُ الْوَلِيُّ طَلَبَ الْفَسْخِ، فَلَا يَلْزَمُ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْتَزِمُهُ الزَّوْجُ لِخَوْفِ الْفَسْخِ وَقَدْ زَالَ النِّكَاحُ بِالْمَوْتِ ط. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 (أَمَرَهُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ فَزَوَّجَهُ أَمَةً جَازَ وَقَالَا: لَا يَصِحُّ) وَهُوَ اسْتِحْسَانُ مُلْتَقًى تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَوْلُهُمَا أَحْسَنُ لِلْفَتْوَى وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهُ بِنْتَهُ الصَّغِيرَةَ أَوْ مَوْلِيَّتَهُ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِمُعَيَّنَةٍ أَوْ بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ، فَخَالَفَ أَوْ أَمَرَتْهُ بِتَزْوِيجِهَا وَلَمْ تُعَيِّنْ فَزَوَّجَهَا غَيْرَ كُفْءٍ لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا   [رد المحتار] [مَطْلَبٌ فِي الْوَكِيلِ وَالْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاحِ] (قَوْلُهُ أَمَرَهُ بِتَزْوِيجِ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الْوَكِيلِ وَالْفُضُولِيِّ وَذَكَرَهَا فِي بَابِ الْوَلِيِّ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ نَوْعٌ مِنْ الْوِلَايَةِ لِنَفَاذِ تَصَرُّفِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَنَفَاذِ عَقْدِ الْفُضُولِيِّ بِالْإِجَازَةِ يَجْعَلُهُ فِي حُكْمِ الْوَكِيلِ، وَعَقَدَ ذَلِكَ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ فَصْلًا عَلَى حِدَةٍ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ بَلْ عَلَى عَقْدِ الْوَكِيلِ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْوَكَالَةِ إذَا خِيفَ جَحْدُ الْمُوَكِّلِ إيَّاهَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ) أَيْ مُنْكَرَةٍ وَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ وَأَطْلَقَ فِي الْأَمَةِ فَشَمِلَ الْمُكَاتَبَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَكُونَ لِلْوَكِيلِ لِلتُّهْمَةِ، وَمَا لَوْ كَانَتْ عَمْيَاءَ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْيَدَيْنِ أَوْ مَفْلُوجَةً أَوْ مَجْنُونَةً خِلَافًا لَهُمَا أَوْ صَغِيرَةً لَا تُجَامَعُ اتِّفَاقًا، وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ فَتْحٌ زَادَ فِي الْبَحْرِ: أَوْ كِتَابِيَّةً أَوْ مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا أَوْ آلَى مِنْهَا أَوْ فِي عِدَّةِ الْمُوَكِّلِ أَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بِنَفْيِ الْمَهْرِ (قَوْلُهُ جَازَ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ نَفَذَ وَهِيَ أَنْسَبُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي النَّفَاذِ لَا فِي الْجَوَازِ ح (قَوْلُهُ وَقَالَا لَا يَصِحُّ) أَيْ إذَا رَدَّهُ الْآمِرُ وَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِلَا يَنْفُذُ لِيُفِيدَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ. وَوَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَنَّ هَذَا رُجُوعٌ إلَى إطْلَاقِ اللَّفْظِ، وَعَدَمُ التُّهْمَةِ وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ التَّزَوُّجُ بِالْإِكْفَاءِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْعُرْفَ مُشْتَرَكٌ فِي تَزَوُّجِ الْمُكَافِئَاتِ وَغَيْرِهِنَّ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَذَكَرَ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّ اعْتِبَارَ الْكَفَاءَةِ فِي هَذَا اسْتِحْسَانٌ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَعْجِزُ عَنْ التَّزَوُّجِ بِمُطَلِّقُ الزَّوْجَةِ فَكَانَتْ الِاسْتِعَانَةُ فِي التَّزَوُّجِ بِالْكُفْءِ اهـ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى اخْتِيَارِ قَوْلِهِمَا لِأَنَّ الِاسْتِحْسَانَ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا فِي الْمَسَائِلِ الْمَعْلُومَةِ وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ لَيْسَ قِيَاسًا لِأَنَّهُ أَخَذَ بِنَفْسِ اللَّفْظِ الْمَنْصُوصِ فَكَانَ النَّظَرُ فِي أَيِّ الِاسْتِحْسَانَيْنِ أَوْلَى. اهـ. وَالْمُرَادُ بِاللَّفْظِ الْمَنْصُوصِ لَفْظُ الْمُوَكِّلِ (قَوْلُهُ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ) فَلَوْ كَبِيرَةً بِرِضَاهَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَلَوْ زَوَّجَهُ أُخْتَهُ الْكَبِيرَةَ بِرِضَاهَا جَازَ اتِّفَاقًا بَحْرٌ وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ أَوْ مَوْلِيَّتَهُ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ كَمَرْمِيَّةٍ اسْمُ مَفْعُولٍ أَيْ الَّتِي هِيَ مُوَلًّى عَلَيْهَا مِنْ جِهَتِهِ أَيْ لَهُ عَلَيْهَا الْوِلَايَةُ وَهَذَا عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ، وَذَلِكَ كَبِنْتِ أَخِيهِ الصَّغِيرَةِ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِمُعَيَّنَةٍ) مُحْتَرَزُ قَوْلِ الْمَتْنِ امْرَأَةٌ بِالتَّنْكِيرِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ عَيَّنَ الْمَهْرَ كَأَلْفٍ فَزَوَّجَهُ بِأَكْثَرَ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا غَيْرَ عَالِمٍ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ، فَإِنْ فَارَقَهَا فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى، وَمَهْرُ الْمِثْلِ وَلَوْ هِيَ الْمُوَكِّلَةُ وَسَمَّتْ لَهُ أَلْفًا فَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَالَ الزَّوْجُ وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ: تَزَوَّجْتُك بِدِينَارٍ وَصَدَّقَهُ الْوَكِيلُ إنْ أَقَرَّ الزَّوْجَ أَنَّهَا لَمْ تُوَكِّلْ بِدِينَارٍ فَهِيَ بِالْخِيَارِ، فَإِنْ رَدَّتْ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَلَا نَفَقَةَ عِدَّةٍ لَهَا بِالرَّدِّ تَبَيَّنَ أَنَّ الدُّخُولَ حَصَلَ فِي نِكَاحٍ مَوْقُوفٍ فَيُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ دُونَ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَذَّبَهَا الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ لَهَا مَعَ يَمِينِهَا، فَإِنْ رُدَّتْ فَبَاقِي الْجَوَابِ بِحَالِهِ وَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ فِي هَذَا، فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْهُ أَوْلَادٌ ثُمَّ تُنْكِرُ قَدْرَ مَا زَوَّجَهَا بِهِ الْوَكِيلُ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فَتَرُدُّ النِّكَاحَ فَتْحٌ مُلَخَّصًا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَهَذَا إنْ ذَكَرَ الْمَهْرَ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فَزَوَّجَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ أَوْ زَوَّجَهَا بِأَقَلَّ مِنْهُ كَذَلِكَ صَحَّ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا لَكِنَّ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقَّ الِاعْتِرَاضِ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ دَفْعًا لِلْعَارِ عَنْهُمْ. اهـ. وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْوَلِيِّ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا) لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّهَا فَلَوْ كَانَ كُفُؤًا إلَّا أَنَّهُ أَعْمَى أَوْ مُقْعَدٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَعْتُوهٌ، فَهُوَ جَائِزٌ وَكَذَا لَوْ كَانَ خَصِيًّا أَوْ عِنِّينًا، وَإِنْ كَانَ لَهَا التَّفْرِيقُ بَعْدَ ذَلِكَ بَحْرٌ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ زَوَّجَهَا مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 (وَلَوْ) زَوَّجَهُ الْمَأْمُورُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ (امْرَأَتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لَا) يَنْفُذُ لِلْمُخَالَفَةِ وَلَهُ أَنْ يُجِيزَهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا وَلَوْ فِي عَقْدَيْنِ لَزِمَ الْأَوَّلُ وَتَوَقَّفَ الثَّانِي؛ وَلَوْ أَمَرَهُ بِامْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ فَزَوَّجَهُ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فِي عُقْدَتَانِ جَازَ إلَّا إذَا قَالَ: لَا تُزَوِّجْنِي إلَّا امْرَأَتَيْنِ فِي عَقْدَةٍ أَوْ فِي عُقْدَتَيْنِ لَمْ تَجُزْ الْمُخَالَفَةُ (وَلَا يَتَوَقَّفُ الْإِيجَابُ عَلَى قَبُولِ غَائِبٍ عَنْ الْمَجْلِسِ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ) مِنْ نِكَاحٍ وَبَيْعٍ وَغَيْرِهِمَا، بَلْ يَبْطُلُ الْإِيجَابُ، وَلَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ اتِّفَاقًا (وَيَتَوَلَّى طَرْفَيْ النِّكَاحِ وَاحِدٌ) بِإِيجَابٍ يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ فِي خَمْسِ صُوَرٍ كَأَنْ كَانَ وَلِيًّا أَوْ وَكِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَصِيلًا مِنْ جَانِبٍ   [رد المحتار] أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَنْفُذُ فِعْلُ الْوَكِيلِ فَالْعَقْدُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ وَحُكْمُ الرَّسُولِ كَحُكْمِ الْوَكِيلِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَتَوْكِيلُ الْمَرْأَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ بِالتَّزْوِيجِ إذَا طَلُقَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا صَحِيحٌ كَتَوْكِيلِهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ الْمُتَزَوِّجَةَ. فَطَلُقَتْ وَحَلَّتْ فَزَوَّجَهَا فَإِنَّهُ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ) نَكَّرَهَا دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَهَا فَزَوَّجَهَا مَعَ أُخْرَى، لَا يَكُونُ مُخَالِفًا بَلْ يَنْفُذُ عَلَيْهِ فِي الْمُعَيَّنَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ فُلَانَةَ أَوْ فُلَانَةَ فَأَيَّهُمَا زَوَّجَهُ جَازَ وَلَا يَبْطُلُ التَّوْكِيلُ بِهَذِهِ الْجَهَالَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لِلْمُخَالَفَةِ) تَعْلِيلٌ قَاصِرٌ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى تَنْفِيذِهِمَا لِلْمُخَالَفَةِ وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ فِي إحْدَاهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ لِلْجَهَالَةِ وَلَا إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ اهـ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يُجِيزَهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا) اعْتِرَاضُ الزَّيْلَعِيِّ بِهَذَا عَلَى قَوْلِ الْهِدَايَةِ فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ، وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ مُرَادَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ فَإِنْ أَجَازَ نِكَاحَهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا نَفَذَ. (قَوْلُهُ وَتَوَقَّفَ الثَّانِي) لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ فِيهِ ط (قَوْلُهُ إلَّا إذَا قَالَ إلَخْ) فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَمْرُهُ بِامْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ، فَزَوَّجَهُ وَاحِدَةً جَازَ إلَّا إذَا قَالَ لَا تُزَوِّجْنِي إلَّا امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ فَلَا يَجُوزُ اهـ أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهُ وَاحِدَةً فَلَوْ زَوَّجَهُ ثِنْتَيْنِ فِي عُقْدَتَيْنِ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْجَوَازِ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي عُقْدَةٍ دَاخِلٌ تَحْتَ الْحَصْرِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ. وَفِي الْمُحِيطِ أَمْرُهُ بِامْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ فَزَوَّجَهُمَا فِي عُقْدَتَيْنِ جَازَ وَفِي لَا تُزَوِّجْنِي امْرَأَتَيْنِ إلَّا فِي عُقْدَتَيْنِ فَزَوَّجَهُمَا فِي عُقْدَةٍ لَا يَجُوزُ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ أَثْبَتَ الْوَكَالَةَ حَالَةَ الْجَمْعِ، وَلَمْ يَنْفِهَا حَالَةَ التَّفَرُّدِ نَصًّا، بَلْ سَكَتَ وَالتَّنْصِيصُ عَلَى الْجَمْعِ لَا يَنْفِي مَا عَدَاهُ وَفِي الثَّانِي نَفَاهَا حَالَةَ التَّفَرُّدِ وَالنَّفْيُ مُفِيدٌ لِمَا فِي الْجَمْعِ مِنْ تَعْجِيلِ مَقْصُودِهِ فَلَمْ يَصِرْ وَكِيلًا حَالَةَ الِانْفِرَادِ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي صُورَةِ النَّفْيِ هَذِهِ لَوْ زَوَّجَهُ امْرَأَةً يَصِحُّ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَزْوِيجِ الثَّانِيَةِ فِي عَقْدٍ آخَرَ، وَكَذَا فِي صُورَةِ النَّفْيِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، وَهِيَ لَا تُزَوِّجْنِي إلَّا امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَتَيْنِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَفْهُومِ مِنْ كَلَامِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَلَى قَبُولِ غَائِبٍ) أَيْ شَخْصٍ غَائِبٍ فَإِذَا أَوْجَبَ الْحَاضِرُ، وَهُوَ فُضُولِيٌّ مِنْ جَانِبٍ أَوْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْغَائِبِ، بَلْ يَبْطُلُ وَإِنْ قَبِلَ الْعَاقِدُ الْحَاضِرَ بِأَنْ تَكَلَّمَ بِكَلَامَيْنِ كَمَا يَأْتِي وَقَيَّدَ بِالْغَائِبِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَتَارَةً يَتَوَقَّفُ كَالْفُضُولِيِّينَ، وَتَارَةً يَنْفُذُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فُضُولِيًّا وَلَوْ مِنْ جَانِبٍ كَمَا فِي الصُّوَرِ الْخَمْسِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ: هُوَ أَوْلَى مِمَّا وَقَعَ فِي الْكَنْزِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى قَبُولِ نَاكِحٍ غَائِبٍ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَفْهَمَ الِاخْتِصَاصَ بِالنِّكَاحِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ بَلْ يَبْطُلُ) لَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ عَدَمِ التَّوَقُّفِ أَنَّهُ تَامٌّ اكْتِفَاءٌ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ دَفَعَ هَذَا الْإِيهَامَ بِالْإِضْرَابِ، وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ إذَا لَمْ يَقْبَلْ فُضُولِيٌّ عَنْ الْغَائِبِ أَمَّا إذَا قِيلَ عَنْهُ تَوَقُّفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ ط (قَوْلُهُ وَلَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا بَلَغَ الْآخَرَ الْإِيجَابُ فَقِيلَ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا يُجَازُ ط (قَوْلُهُ يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ) كَقَوْلِهِ مَثَلًا: زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ نَفْسِي، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ الشَّطْرَيْنِ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ بَعْدَهُ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ لَفْظٍ هُوَ أَصِيلٌ فِيهِ كَتَزَوَّجْت فُلَانَةَ بِخِلَافِ مَا هُوَ نَائِبٌ فِيهِ كَزَوَّجْتُهَا مِنْ نَفْسِي وَكَلَامُ الْهِدَايَةِ صَرِيحٌ فِي خِلَافِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلِيًّا أَوْ وَكِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ) كَزَوَّجْت ابْنِي بِنْتَ أَخِي أَوْ زَوَّجْت مُوَكِّلِي فُلَانًا مُوَكِّلَتِي فُلَانَةَ قَالَ ط: وَيَكْفِي شَاهِدَانِ عَلَى وَكَالَتِهِ، وَوَكَالَتِهَا وَعَلَى الْعَقْدِ لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 وَوَكِيلًا أَوْ وَلِيًّا مِنْ آخَرَ، أَوْ وَلِيًّا مِنْ جَانِبٍ وَكِيلًا مِنْ آخَرَ كَزَوَّجْت بِنْتِي مِنْ مُوَكِّلِي (لَيْسَ) ذَلِكَ الْوَاحِدُ (بِفُضُولِيٍّ) وَلَوْ (مِنْ جَانِبٍ) وَإِنْ تَكَلَّمَ بِكَلَامَيْنِ عَلَى الرَّاجِحِ لِأَنَّ قَبُولَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْإِيجَابَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ غَائِبٍ (وَنِكَاحُ عَبْدٍ وَأَمَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ مَوْقُوفٌ) عَلَى الْإِجَازَةِ (كَنِكَاحِ الْفُضُولِيِّ) سَيَجِيءُ فِي الْبُيُوعِ تُوقَفُ عُقُودُهُ كُلُّهَا إنْ لَهَا مُجِيزٌ حَالَةَ الْعَقْدِ وَلَا تَبْطُلُ.   [رد المحتار] الشَّاهِدَ يَتَحَمَّلُ الشَّهَادَاتِ الْعَدِيدَةِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْوَكَالَةِ لَا تَلْزَمُ إلَّا عِنْدَ الْجُحُودِ (قَوْلُهُ وَوَكِيلًا أَوْ وَلِيًّا مِنْ آخَرَ) كَمَا لَوْ وَكَّلَتْهُ امْرَأَةً أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ كَانَتْ لَهُ بِنْتُ عَمٍّ صَغِيرَةٌ لَا وَلِيَّ لَهَا أَقْرَبُ مِنْهُ فَقَالَ تَزَوَّجْت مُوَكِّلَتِي أَوْ بِنْتَ عَمِّي (قَوْلُهُ كَزَوَّجْت بِنْتِي مِنْ مُوَكِّلِي) مِثَالٌ لِلصُّورَةِ الْخَامِسَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْرِيفِ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّهُ مَرَّ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ لَيْسَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ) أَيْ الْمُتَوَلِّي لِلطَّرَفَيْنِ بِفُضُولِيٍّ كَمَا فِي الْخَمْسِ الْمَارَّةِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ جَانِبٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فُضُولِيًّا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، أَوْ مِنْ جَانِبَيْنِ أَيْ جَانِبِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ فَإِذَا كَانَ فُضُولِيًّا مِنْهُمَا أَوْ كَانَ فُضُولِيًّا مِنْ أَحَدِهِمَا، وَكَانَ مِنْ الْآخَرِ أَصِيلًا أَوْ وَكِيلًا أَوْ وَلِيًّا فَفِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَبْطُلُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِلثَّانِي، حَيْثُ قَالَ إنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْغَائِبِ، كَمَا يَتَوَقَّفُ اتِّفَاقًا لَوْ قَبِلَ عَنْهُ فُضُولِيٌّ آخَرُ وَالْخَمْسَةُ السَّابِقَةُ نَافِذَةٌ اتِّفَاقًا، وَبَقِيَ صُورَةٌ عَاشِرَةٌ عَقْلِيَّةٌ وَهِيَ الْأَصِيلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَمْ يَذْكُرْهَا لِاسْتِحَالَتِهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِكَلَامَيْنِ) أَيْ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ كَزَوَّجْت فُلَانًا وَقَبِلْت عَنْهُ، وَهَذِهِ مُبَالَغَةٌ عَلَى الْمَفْهُومِ وَهُوَ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ فُضُولِيًّا، وَلَوْ مِنْ جَانِبٍ سَوَاءٌ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ أَوْ بِكَلَامَيْنِ، خِلَافًا لِمَا فِي حَوَاشِي الْهِدَايَةِ وَشَرْحِ الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ يَبْطُلُ عِنْدَهُمَا إذَا تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ أَمَّا لَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ، بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْغَائِبِ اتِّفَاقًا وَرَدَّهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْحَقَّ خِلَافُهُ، وَأَنَّهُ لَا وُجُودَ لِهَذَا الْقَيْدِ فِي كَلَامِ أَصْحَابِ الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا الْمَنْقُولُ أَنَّ الْفُضُولِيَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ مُطْلَقٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ قَبُولَهُ) أَيْ الْفُضُولِيِّ الْمُتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ (قَوْلُهُ لِمَا تَقَرَّرَ إلَخْ) حَاصِلُهُ: أَنَّ الْإِيجَابَ لَمَّا صَدَرَ مِنْ الْفُضُولِيِّ وَلَيْسَ لَهُ قَابِلٌ فِي الْمَجْلِسِ وَلَوْ فُضُولِيًّا آخَرَ صَدَرَ بَاطِلًا غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَى قَبُولِ الْغَائِبِ، فَلَا يُفِيدُ قَبُولَ الْعَاقِدِ بَعْدَهُ وَلَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ فُضُولِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ كَوْنَ كَلَامِي الْوَاحِدِ عَقْدًا تَامًّا هُوَ أَثَرُ كَوْنِهِ مَأْمُورًا مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ مِنْ طَرَفٍ وَلَهُ وِلَايَةُ الطَّرَفِ الْآخَرِ (قَوْلُهُ وَنِكَاحُ عَبْدٍ) أَيْ وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَأَمَةٍ) أَيْ وَلَوْ أُمَّ وَلَدٍ نَهْرٌ (قَوْلُهُ عَلَى الْإِجَازَةِ) أَيْ إجَازَةِ السَّيِّدِ أَوْ إجَازَةِ الْعَبْدِ بَعْدَ الْإِذْنِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْعَقْدِ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ: لَوْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ ثُمَّ أَذِنَ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَيْسَ بِإِجَازَةٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ إجَازَةِ الْعَبْدِ الْعَاقِدِ وَإِنْ صَدَرَ الْعَقْدُ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ كَنِكَاحِ الْفُضُولِيِّ) أَيْ الَّذِي بَاشَرَهُ مَعَ آخَرَ أَصِيلٍ أَوْ وَلِيٍّ أَوْ وَكِيلٍ أَوْ فُضُولِيٍّ أَمَّا لَوْ تَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ، وَهُوَ فُضُولِيٌّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا مَرَّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: الْفُضُولِيُّ مَنْ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ وِلَايَةٍ وَلَا وَكَالَةٍ أَوْ لِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ أَهْلًا وَإِنَّمَا زِدْنَاهُ أَيْ قَوْلُهُ أَوْ لِنَفْسِهِ لِيَدْخُلَ نِكَاحُ الْعَبْدِ بِلَا إذْنٍ إنْ قُلْنَا إنَّهُ فُضُولِيٌّ، وَإِلَّا فَهُوَ مُلْحَقٌ بِهِ فِي أَحْكَامِهِ اهـ وَالصَّبِيُّ كَالْعَبْدِ وَإِنَّمَا قَالَ مَنْ يَتَصَرَّفُ لَا مَنْ يَعْقِدُ لِيَدْخُلَ الْيَمِينُ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَةِ غَيْرِهِ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ مَثَلًا، فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ، فَإِنْ أَجَازَ تَعَلَّقَ، فَتَطْلُقُ بِالدُّخُولِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ لَا قَبْلَهَا مَا لَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ أَجَزْت الطَّلَاقَ عَلَيَّ، وَلَوْ قَالَ أَجَزْت هَذَا الْيَمِينَ عَلَيَّ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ تَدْخُلْ بَعْدَ الْإِجَازَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْجَامِعِ وَالْمُنْتَفَى (قَوْلُهُ إنْ لَهَا مُجِيزٌ إلَخْ) فَسَّرَ الْمُجِيزَ فِي النِّهَايَةِ بِقَابِلٍ يَقْبَلُ الْإِيجَابَ، سَوَاءٌ كَانَ فُضُولِيًّا أَوْ وَكِيلًا أَوْ أَصِيلًا، وَقَالَ فِيهَا فِي فَصْلِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ لَوْ بَاعَ الصَّبِيَّ مَا لَهُ أَوْ اشْتَرَى أَوْ تَزَوَّجَ أَوْ زَوَّجَ أَمَةً أَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ وَنَحْوَهُ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 (وَلِابْنِ الْعَمِّ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَ عَمِّهِ الصَّغِيرَةَ) فَلَوْ كَبِيرَةً فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِئْذَانِ، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بِلَا اسْتِئْذَانٍ فَسَكَتَتْ أَوْ أَفْصَحَتْ بِالرِّضَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ وَكَذَا الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ وَالْحَاكِمُ وَالسُّلْطَانُ جَوْهَرَةٌ بِهِ يُفْتِي بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ كَمَا مَرَّ فَلْيُحَرَّرْ (مِنْ نَفْسِهِ) فَيَكُونُ أَصِيلًا مِنْ جَانِبٍ وَلِيًّا مِنْ آخَرَ (كَمَا لِلْوَكِيلِ)   [رد المحتار] الْوَلِيِّ، فَلَوْ بَلَغَ هُوَ فَأَجَازَ نَفَذَ وَلَوْ طَلَّقَ أَوْ خَلَعَ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ بِدُونِهِ أَوْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ أَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ أَوْ بَاعَ مَا لَهُ بِمُحَابَاةٍ فَاحِشَةٍ أَوْ اشْتَرَى بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَوْ فَعَلَهُ وَلِيُّهُ لَا يَنْفُذُ كَانَ بَاطِلًا لِعَدَمِ الْمُجِيزِ وَقْتَ الْعَقْدِ إلَّا إذَا كَانَ لَفْظُ الْإِجَازَةِ يَصْلُحُ لِابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، فَيَصِحُّ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ كَأَنْ يَقُولَ بِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ. اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يُفَسِّرَ الْمُجِيزَ هُنَا بِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى إمْضَاءِ الْعَقْدِ لَا بِالْقَابِلِ مُطْلَقًا وَلَا بِالْوَلِيِّ إذْ لَا يَتَوَقَّفُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَإِنْ قَبِلَ فُضُولِيٌّ آخَرُ أَوْ وَلِيٌّ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْوَلِيِّ عَلَى إمْضَائِهَا فَعَلَى هَذَا فَمَا لَا مُجِيزَ لَهُ أَيْ مَا لَيْسَ لَهُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِجَازَةِ يَبْطُلُ كَمَا إذَا كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَزَوَّجَهُ الْفُضُولِيّ أَمَةً أَوْ أُخْتَ امْرَأَتِهِ أَوْ خَامِسَةً أَوْ مُعْتَدَّةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ صَغِيرَةً يَتِيمَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ إذَا لَمْ يَكُنْ سُلْطَانٌ، وَلَا قَاضٍ لِعَدَمِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِمْضَاءِ فِي حَالَةِ الْعَقْدِ، فَوَقَعَ بَاطِلًا حَتَّى زَوَالِ الْمَانِعِ بِمَوْتِ امْرَأَتِهِ السَّابِقَةِ، وَانْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمُعْتَدَّةِ فَأَجَازَ لَا يَنْفُذُ وَأَمَّا إذَا كَانَ فَيَجِبُ أَنْ يَتَوَقَّفَ لِوُجُودِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِمْضَاءِ اهـ مُلَخَّصًا. وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا كَانَ أَيْ وُجِدَ سُلْطَانٌ أَوْ قَاضٍ فِي مَكَانِ عَقْدِ الْفُضُولِيِّ عَلَى الْمَجْنُونَةِ أَوْ الْيَتِيمَةِ، فَيَتَوَقَّفُ أَيْ يَنْفُذُ بِإِجَازَتِهَا بِغَيْرِ عَقْلِهَا أَوْ بُلُوغِهَا لِأَنَّ وُجُودَ الْمُجِيزِ حَالَةَ الْعَقْدِ، لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ مِنْ أَوْلِيَاءِ النَّسَبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ السَّابِقِ قَبْلَ قَوْلِهِ وَلِلْوَلِيِّ إلَّا بَعْدَ التَّزْوِيجِ بِغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ (قَوْلُهُ وَلِابْنِ الْعَمِّ إلَخْ) هَذِهِ مِنْ فُرُوعِ قَوْلِهِ: وَيَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ وَاحِدٌ لَيْسَ بِفُضُولِيٍّ مِنْ جَانِبٍ فَيَتَوَلَّاهُ هُنَا بِالْأَصَالَةِ مِنْ جَانِبِهِ وَالْوِلَايَةِ مِنْ جَانِبِهَا وَمِثْلُ الصَّغِيرَةِ الْمَعْتُوهَةُ وَالْمَجْنُونَةُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ حَيْثُ لَا وَلِيَّ أَقْرَبُ مِنْهُ (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِئْذَانِ) أَيْ إذَا زَوَّجَهَا لِنَفْسِهِ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْذَانِهَا قَبْلَ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّهُ تَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ، وَهُوَ فُضُولِيٌّ مِنْ جَانِبِهَا فَلَمْ يَتَوَقَّفْ عِنْدَهُمَا بَلْ بَطَلَ كَمَا مَرَّ، وَإِذَا لَمْ يَتَوَقَّفْ لَا يَنْفُذُ بِالْإِجَازَةِ بَعْدَهُ بِالسُّكُوتِ أَوْ الْإِيضَاحِ، وَهَذَا إذَا زَوَّجَهَا لِنَفْسِهِ كَمَا قُلْنَا أَمَّا لَوْ زَوَّجَهَا لِغَيْرِهِ، وَبِلَا اسْتِئْذَانٍ سَابِقٍ، فَسَكَتَتْ بِكْرًا أَوْ أَفْصَحَتْ بِالرِّضَا ثَيِّبًا يَكُونُ إجَازَةً لِأَنَّهُ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا لِكَوْنِهِ لَمْ يَتَوَلَّ الطَّرَفَيْنِ بِنَفْسِهِ، بَلْ بَاشَرَ الْعَقْدَ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ أَصِيلٍ، أَوْ وَلِيٍّ أَوْ وَكِيلٍ أَوْ فُضُولِيٍّ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ حِينَئِذٍ مِنْ فُرُوعِ قَوْلِهِ كَنِكَاحِ فُضُولِيٍّ (قَوْلُهُ جَوْهَرَةٌ) جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلِابْنِ الْعَمِّ إلَى قَوْلِهِ السُّلْطَانُ عِبَارَةُ الْجَوْهَرَةِ ح (قَوْلُهُ يَعْنِي بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ إلَخْ) تَوْضِيحُهُ أَنَّ قَوْلَ الْجَوْهَرَةِ، وَكَذَا الْمَوْلَى إلَخْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ ذِكْرَ ابْنِ الْعَمِّ أَوَّلًا غَيْرُ قَيْدٍ: بَلْ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّزَوُّجِ وَالتَّزْوِيجِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا التَّعْمِيمَ جَارٍ فِي الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ أَيْ يُزَوِّجُ الْوَلِيُّ الصَّغِيرَةَ مِنْ نَفْسِهِ، وَكَذَا الْكَبِيرَةَ لَكِنْ بِالِاسْتِئْذَانِ، وَهَذَا صَحِيحٌ فِي الْكَبِيرَةِ أَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ وَالسُّلْطَانِ أَنْ يَتَزَوَّجَا صَغِيرَةً لَا وَلِيَّ لَهَا غَيْرُهُمَا لِأَنَّ فِعْلَهُمَا حُكْمٌ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلَ الْجَوْهَرَةِ وَكَذَا إلَخْ رَاجِعًا إلَى قَوْلِهِ: فَلَوْ كَبِيرَةً لِبَيَانِ تَعْمِيمِ الْوَلِيِّ فِيهَا فَقَطْ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ كَمَا مَرَّ أَيْ فِي الْفُرُوعِ مِنْ الْبَابِ السَّابِقِ، فِي قَوْلِهِ: لَيْسَ لِلْقَاضِي تَزْوِيجُ الصَّغِيرَةِ عَلَى نَفْسِهِ إلَخْ لَكِنْ بَعْدَ حَمْلِ كَلَامِ الْجَوْهَرَةِ عَلَى هَذَا يَبْقَى فِيهِ إشْكَالٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْحَاكِمَ وَالسُّلْطَانُ لَا يُزَوِّجَانِ الصَّغِيرَةَ لِنَفْسِهِمَا لِأَنَّ فِعْلَهُمَا حُكْمٌ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا لَا يَظْهَرُ فِي الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ فَقِرَانُهُ مَعَهُمَا فِي الذِّكْرِ، وَإِنْ ظَهَرَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَبِيرَةِ لَكِنَّهُ لَا يَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّغِيرَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْكَبِيرَةِ، فَلِذَا قَالَ فَلْيُحَرَّرْ فَافْهَمْ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ تَزَوُّجِ الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ مُعْتَقَتَهُ الصَّغِيرَةَ لِنَفْسِهِ حَيْثُ الْأَوْلَى أَقْرَبُ مِنْهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 الَّذِي وَكَّلْته أَنْ يُزَوِّجَهَا عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّ لَهُ (ذَلِكَ) فَيَكُونُ أَصِيلًا مِنْ جَانِبٍ وَكِيلًا مِنْ آخَرَ (بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَتْهُ بِتَزْوِيجِهَا مِنْ رَجُلٍ فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ) لِأَنَّهَا نَصَّبَتْهُ مُزَوِّجًا لَا مُتَزَوِّجًا (أَوْ وَكَّلَتْهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي أَمْرِهَا أَوْ قَالَتْ لَهُ زَوِّجْ نَفْسِي مِمَّنْ شِئْت) لَمْ يَصِحَّ تَزْوِيجُهَا مِنْ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ   [رد المحتار] هُوَ الْوَلِيُّ الْمُجْبَرُ فَيَكُونُ أَصِيلًا مِنْ جَانِبِهِ وَلِيًّا مِنْ جَانِبِهَا كَابْنِ الْعَمِّ، فَيَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ قَوْلِهِمْ: وَيَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ وَاحِدٌ لَيْسَ بِفُضُولِيٍّ مِنْ جَانِبٍ، وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ عِبَارَةُ الْجَوْهَرَةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ إذْ لَوْلَا وُجُودُ الْمَانِعِ فِي الْحَاكِمِ، وَهُوَ أَنَّ فِعْلَهُ حُكْمٌ لَكَانَ دَاخِلًا تَحْتَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَلَا مَانِعَ فِي الْمَوْلَى، فَيَبْقَى دَاخِلًا تَحْتَهَا وَأَيْضًا لَوْ كَانَ الْمَوْلَى كَالْحَاكِمِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَمْلِكَ تَزْوِيجَهَا مِنْ ابْنِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْفَتْحِ عَنْ التَّجْنِيسِ لَوْ زَوَّجَ الْقَاضِي الصَّغِيرَةَ الَّتِي هُوَ وَلِيُّهَا مِنْ ابْنِهِ لَا يَجُوزُ كَالْوَكِيلِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْقَاضِي حُكْمٌ وَحُكْمُهُ لِابْنِهِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ اهـ. فَقَوْلُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ يَشْمَلُ الْمَوْلَى الْمُعْتَقَ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَيْسَ كَالْقَاضِي. [تَنْبِيهٌ] تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَقَ آخِرُ الْعَصَبَاتِ وَأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ، وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً ثُمَّ بَنُوهُ وَإِنْ سَفَلُوا ثُمَّ عَصَبَتُهُ مِنْ النَّسَبِ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَحَيْثُ عَلِمْت أَنَّ لَهُ تَزْوِيجَ الصَّغِيرَةِ لِنَفْسِهِ، فَكَذَا بَنُوهُ وَعَصَبَاتُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ امْرَأَةً تُزَوِّجُ مُعْتَقَهَا الصَّغِيرَ لِنَفْسِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ مِنْ نَفْسِهِ) فِي الْمُغْرِبِ زَوَّجَتْهُ امْرَأَةً وَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ تَزَوَّجْت بِامْرَأَةٍ، وَلَا زَوَّجْت مِنْهُ امْرَأَةً (قَوْلُهُ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ) أَيْ تَزْوِيجَهَا لِنَفْسِهِ بِشَرْطِ أَنْ يُعَرِّفَهَا الشُّهُودَ، أَوْ يَذْكُرَ اسْمَهَا وَاسْمَ أَبِيهَا وَجَدِّهَا أَوْ تَكُونُ حَاضِرَةً مُنْتَقِبَةً، فَتَكْفِي الْإِشَارَةُ إلَيْهَا وَعِنْدَ الْخَصَّافِ لَا يُشْتَرَطُ كُلُّ ذَلِكَ: بَلْ يَكْفِي قَوْلُهُ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْ مُوَكِّلَتِي كَمَا بَسَطَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبِشَرْطِ حُضُورِ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ إنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ: فَإِنَّ لَهُ إخْرَاجَ إعْرَابِ الْمَتْنِ عَنْ أَصْلِهِ، وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُغَيِّرْ اللَّفْظَ، وَإِنَّمَا زَادَهُ لِإِصْلَاحِ الْمَتْنِ فَإِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ كَمَا لِلْوَكِيلِ الْكَافُ فِيهِ لِلتَّشْبِيهِ بِمَسْأَلَةِ ابْنِ الْعَمِّ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ أَوْ كَافَّةٌ وَلِلْوَكِيلِ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَالْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ مِنْ أَنَّ وَصِلَتِهَا مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَاسْمُ الْإِشَارَةِ بَدَلٌ مِنْهُ وَفِيهِ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ: إطْلَاقُ الْوَكِيلِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ وَكِيلٌ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ وَالثَّانِي: إنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى زِيَادَةِ اسْمِ الْإِشَارَةِ فَأَصْلَحَ الشَّارِحُ الْأَوَّلَ بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ الَّذِي وَكَّلْته، وَالثَّانِي بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ فَإِنَّ لَهُ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ لِلْوَكِيلِ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَنْ يُزَوِّجَ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِدَلَالَةِ التَّشْبِيهِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ الَّذِي وَكَّلْته إلَخْ نَعْتٌ لِلْوَكِيلِ، وَلَا يَخْفَى حُسْنُ هَذَا السَّبْكِ. نَعَمْ يُمْكِنُ إصْلَاحُ كَلَامِ الْمَتْنِ بِدُونِهِ بِجَعْلِ اسْمِ الْإِشَارَةِ مُبْتَدَأً، وَلِلْوَكِيلِ خَبَرَهُ وَقَوْلُهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا عَلَى تَقْدِيرِ الْبَاءِ الْجَارَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْوَكِيلِ، وَهَذَا وَإِنْ صَحَّ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَبَادِرٍ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ وَعَلَى كُلٍّ فَلَا خَلَلَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مِنْ رَجُلٍ) أَيْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَكَذَا الْمُعَيَّنُ بِالْأَوْلَى، وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ: رَجُلٌ وَكَّلَ امْرَأَةً أَنْ تُزَوِّجَهُ فَزَوَّجْت نَفْسَهَا مِنْهُ لَا يَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ) وَكَذَا لَوْ زَوَّجَهَا مِنْ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَعْقِدُ مَعَ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ لِلتُّهْمَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا إلَخْ) يُوهِمُ الْجَوَازَ لَوْ زَوَّجَهَا مِنْ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ أَوْ وَكَّلَتْهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي أَمْرِهَا) لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَتْهُ بِتَزْوِيجِهَا لَا يَمْلِكُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ فَهَذَا أَوْلَى هِنْدِيَّةٌ عَنْ التَّجْنِيسِ. قُلْت: وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ صِحَّةُ تَزْوِيجِهَا: مِنْ غَيْرِهِ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِالْقَرِينَةِ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ تَزْوِيجِهَا مِنْهُ أَنَّهُ يَصِحُّ كَمَا لَوْ خَطَبَهَا لِنَفْسِهِ فَقَالَتْ: أَنْتَ وَكِيلٌ فِي أُمُورِي (قَوْلُهُ أَوْ قَالَتْ لَهُ) فِي غَالِبِ النُّسَخِ بِأَوْ وَفِي بَعْضِهَا بِالْوَاوِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ فَهِيَ مَسْأَلَةٌ ثَانِيَةٌ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 وَالْأَصْلُ أَنَّ الْوَكِيلَ مَعْرِفَةٌ بِالْخِطَابِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ (وَلَوْ أَجَازَ) مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ (نِكَاحَ الْفُضُولِيِّ بَعْدَ مَوْتِهِ صَحَّ) لِأَنَّ الشَّرْطَ قِيَامُ الْمَعْقُودِ لَهُ وَأَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ لِنَفْسِهِ فَقَطْ (بِخِلَافِ إجَازَةِ بَيْعِهِ) فَإِنَّهُ يَشْتَرِطُ قِيَامَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ كَمَا سَيَجِيءُ. [فُرُوعٌ] الْفُضُولِيُّ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا يَمْلِكُ نَقْضَ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ يُشْتَرَطُ لِلُزُومِ عَقْدِ الْوَكِيلِ مُوَافَقَتُهُ فِي الْمَهْرِ الْمُسَمَّى وَحُكْمُ رَسُولٍ كَوَكِيلٍ. بَابُ الْمَهْرِ   [رد المحتار] أَنَّهُ يَصِحُّ قَالَ الْبَزْدَوِيُّ لَعَلَّ هَذَا الْقَائِلَ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا عَلِمَتْ مِنْ الْوَكِيلِ أَنَّهُ يُرِيدُ تَزْوِيجَهَا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ (قَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ) أَيْ لَمْ يَنْفُذْ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهَا لِأَنَّهُ صَارَ فُضُولِيًّا مِنْ جَانِبِهَا (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّ قَوْلَهَا وَكَّلْتُك أَنْ تُزَوِّجَنِي مِنْ رَجُلٍ؛ الْكَافُ فِيهِ لِلْخِطَابِ، فَصَارَ الْوَكِيلُ مَعْرِفَةً وَقَدْ ذَكَرَتْ رَجُلًا مُنَكَّرًا وَالْمُعَرَّفُ غَيْرُهُ، وَكَذَا قَوْلُهَا مِمَّنْ شِئْت فَإِنَّهُ بِمَعْنَى أَيَّ رَجُلٍ شِئْته (قَوْلُهُ وَأَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ) هُوَ الْعَاقِدُ لِنَفْسِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَصِيلًا أَوْ وَلِيًّا أَوْ وَكِيلًا فَإِنَّهُ عَاقِدٌ لِنَفْسِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ فُضُولِيٍّ تَأَمَّلْ وَانْظُرْ مَا لَوْ كَانَ فُضُولِيًّا بِأَنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ فُضُولِيَّيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّرْطَ قِيَامُ الْمَعْقُودِ لَهُمَا فَقَطْ (قَوْلُهُ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ) وَهُمْ الْعَاقِدَانِ، وَالْمَبِيعُ وَصَاحِبُهُ، وَيُزَادُ الثَّمَنُ إنْ كَانَ عَرَضًا كَمَا فِي الْبَحْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي الْبُيُوعِ [فُرُوعٌ الْفُضُولِيُّ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا يَمْلِكُ نَقْضَ النِّكَاحِ] (قَوْلُهُ لَا يَمْلِكُ نَقْضَ النِّكَاحِ) أَيْ لَا قَوْلًا وَلَا فِعْلًا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: الْعَاقِدُونَ فِي الْفَسْخِ أَرْبَعَةٌ عَاقِدٌ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ قَوْلًا وَفِعْلًا، وَهُوَ الْفُضُولِيُّ حَتَّى لَوْ زَوَّجَ رَجُلًا امْرَأَةً بِلَا إذْنِهِ ثُمَّ قَالَ قَبْلَ إجَازَتِهِ فَسَخْت لَا يَنْفَسِخُ، وَكَذَا لَوْ زَوَّجَهُ أُخْتَهَا يَتَوَقَّفُ الثَّانِي، وَلَا يَكُونُ فَسْخًا لِلْأَوَّلِ، وَعَاقِدٌ يَفْسَخُ بِالْقَوْلِ فَقَطْ وَهُوَ الْوَكِيلُ بِنِكَاحِ مُعَيَّنَةٍ إذَا خَاطَبَ عَنْهَا فُضُولِيٌّ، فَهَذَا الْوَكِيلُ يَمْلِكُ الْفَسْخَ يَمْلِكُ الْفَسْخَ بِالْقَوْلِ وَلَوْ زَوَّجَهُ أُخْتَهَا لَا يَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ وَعَاقِدٌ يَفْسَخُ بِالْفِعْلِ فَقَطْ وَهُوَ الْفُضُولِيُّ إذَا زَوَّجَ رَجُلًا امْرَأَةً بِلَا إذْنِهِ ثُمَّ وَكَّلَهُ الرَّجُلُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَزَوَّجَهُ أُخْتَ الْأَوَّلِ يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْأُولَى، وَلَوْ فَسَخَهُ بِالْقَوْلِ لَا يَصِحُّ، وَعَاقِدٌ يَفْسَخُ بِهِمَا وَهُوَ الْوَكِيلُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا إذَا زَوَّجَهُ امْرَأَةً خَاطَبَ عَنْهَا فُضُولِيٌّ فَإِنَّ فَسَخَهُ الْوَكِيلُ أَوْ زَوَّجَهُ أُخْتِهَا انْفَسَخَ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ) وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالْبَيْعِ تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ، فَلَهُ الرُّجُوعُ كَيْ لَا يَتَضَرَّرُ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الْمَعْقُودِ لَهُ عِمَادِيَّةٌ (قَوْلُهُ مُوَافَقَتُهُ فِي الْمَهْرِ الْمُسَمَّى) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ بِمُعَيَّنَةٍ (قَوْلُهُ وَحُكْمُ رَسُولٍ كَوَكِيلٍ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: ذَكَرَ فِي الرَّسُولِ مِنْ مَسَائِلِ أَصْلِ الْمَبْسُوطِ قَالَ إذَا أَرْسَلَ إلَى الْمَرْأَةِ رَسُولًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا فَقَالَ إنَّ فُلَانًا يَسْأَلُك أَنْ تُزَوِّجِيهِ نَفْسَك، فَأَشْهَدَتْ أَنَّهَا زَوَّجَتْهُ وَسَمِعَ الشُّهُودُ كَلَامَهُمَا أَيْ كَلَامَهَا وَكَلَامَ الرَّسُولِ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالرِّسَالَةِ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا، فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الرِّسَالَةَ لَمَّا لَمْ تَثْبُتْ كَانَ الْآخَرُ فُضُولِيًّا، وَلَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ بِصُنْعِهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا بِعَيْنِهِ فِي الْوَكِيلِ ثُمَّ ذَكَرَ فُرُوعًا كُلُّهَا تَجْرِي فِي الْوَكِيلِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ النِّكَاحِ أَحْكَامَ التَّزَوُّجِ بِإِرْسَالِ الْكِتَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْمَهْرِ] ِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ رُكْنِ النِّكَاحِ وَشَرْطِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِهِ، وَهُوَ الْمَهْرُ فَإِنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ، فَكَانَ حُكْمًا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَاعْتَرَضَهُ فِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّ الْمُسَمَّى مِنْ أَحْكَامِهِ أَيْضًا وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ إنَّمَا خَصَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ هُوَ أَثَرُهُ الثَّابِتُ بِهِ وَالْوَاجِبُ بِالْعَقْدِ إنَّمَا هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلِذَا قَالُوا إنَّهُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي بَابِ النِّكَاحِ وَأَمَّا الْمُسَمَّى، فَإِنَّمَا قَامَ مَقَامَهُ لِلتَّرَاضِي بِهِ ثُمَّ عَرَّفَ الْمَهْرَ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَالِ الَّذِي يَجِبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 وَمِنْ أَسْمَائِهِ: الصَّدَاقُ وَالصَّدَقَةُ، وَالنِّحْلَةُ، وَالْعَطِيَّةُ، وَالْعُقْرُ. وَفِي اسْتِيلَادِ الْجَوْهَرَةِ الْعُقْرُ فِي الْحَرَائِرِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَفِي الْإِمَاءِ عُشْرُ قِيمَةِ الْبِكْرِ وَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ الثَّيِّبِ. (أَقَلُّهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) لِحَدِيثِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ «لَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» وَرِوَايَةُ الْأَقَلِّ تُحْمَلُ عَلَى الْمُعَجَّلِ (فِضَّةً وَزْنُ سَبْعَةٍ) مَثَاقِيلَ كَمَا فِي الزَّكَاةِ (مَضْرُوبَةً كَانَتْ أَوْ لَا)   [رد المحتار] فِي عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَى الزَّوْجِ فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ إمَّا بِالتَّسْمِيَةِ أَوْ بِالْعَقْدِ، وَاعْتُرِضَ بِعَدَمِ شُمُولِهِ لِلْوَاجِبِ بِالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ وَمِنْ ثَمَّ عَرَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ أَوْ الْوَطْءِ وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمَعْرُوفَ مَهْرٌ هُوَ حُكْمُ النِّكَاحِ بِالْعَقْدِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمِنْ أَسْمَائِهِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ لَهُ أَسْمَاءً غَيْرَهَا كَالْأَجْرِ وَالْعَلَائِقِ وَالْحِبَاءِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَقَدْ جَمَعَهَا بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ: صَدَاقٌ وَمَهْرٌ نِحْلَةٌ وَفَرِيضَةٌ ... حِبَاءٌ وَأَجْرٌ ثُمَّ عُقْرٌ عَلَائِقُ لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْعَطِيَّةَ وَالصَّدَقَةَ (قَوْلُهُ وَفِي اسْتِيلَادٍ مِنْ الْجَوْهَرَةِ) أَيْ فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ مِنْ الْجَوْهَرَةِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ (قَوْلُهُ فِي الْحَرَائِرِ مَهْرُ الْمِثْلِ) سَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ وَتَفْصِيلُهُ (قَوْلُهُ وَفِي الْإِمَاءِ إلَخْ) أَيْ عُشْرُ قِيمَةِ الْأَمَةِ إنْ كَانَتْ بِكْرًا وَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ عَدَمُ نُقْصَانِ الْعُشْرِ أَوْ نِصْفِهِ عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَإِنْ نَقَصَ وَجَبَ تَكْمِيلُهُ إلَى الْعَشَرَةِ لِأَنَّ الْمَهْرَ لَا يَنْقُصُ عَنْ عَشَرَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ مُسَمًّى ح قُلْت: وَقَالَ فِي الْقَبْضِ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ، وَقِيلَ فِي الْجَوَارِي يُنْظَرُ إلَى مِثْلِ تِلْكَ الْجَارِيَةِ جَمَالًا وَمَوْلًى بِكَمْ تَتَزَوَّجُ فَيُعْتَبَرُ بِذَلِكَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي عِنْدَ ذِكْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَنَّ مَهْرَ الْأَمَةِ بِقَدْرِ الرَّغْبَةِ فِيهَا، وَفِي بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ مِنْ الْفَتْحِ الْعُقْرُ هُوَ مَهْرُ مِثْلِهَا فِي الْجَمَالِ أَيْ مَا يُرْغَبُ بِهِ فِي مِثْلِهَا جَمَالًا فَقَطْ. وَأَمَّا مَا قِيلَ مَا يُسْتَأْجَرُ بِهِ مِثْلُهَا لِلزِّنَى لَوْ جَازَ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ بَلْ الْعَادَةُ أَنَّ مَا يُعْطَى لِذَلِكَ أَقَلُّ مِمَّا يُعْطَى مَهْرًا لِأَنَّ الثَّانِيَ لِلْبَقَاءِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: إنَّهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ حَسَنٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي بَابِ الْكَفَاءَةِ (قَوْلُهُ وَرِوَايَةُ الْأَقَلِّ إلَخْ) أَيْ مَا يَدُلُّ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ عَلَى مَجَازِ التَّقْدِيرِ بِأَقَلَّ عَلَى عَشَرَةٍ وَكُلُّهَا مُضَعَّفَةٌ إلَّا حَدِيثَ «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» يَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى أَنَّهُ الْمُعَجَّلُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَادَةَ عِنْدَهُمْ تَعْجِيلُ بَعْضِ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ حَتَّى ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ بِهَا حَتَّى يُقَدِّمَ شَيْئًا لَهَا تَمَسُّكًا «بِمَنْعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا أَنْ يَدْخُلَ بِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي شَيْءٌ فَقَالَ أَعْطِهَا دِرْعَك فَأَعْطَاهَا دِرْعَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّدَاقَ كَانَ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهِيَ فِضَّةٌ، لَكِنَّ الْمُخْتَارَ الْجَوَازُ قَبْلَهُ لِمَا رَوَتْ «عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُدْخِلَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَيُحْمَلُ الْمَنْعُ الْمَذْكُورُ عَلَى النَّدْبِ؛ أَيْ نَدْبِ تَقْدِيمِ شَيْءٍ إدْخَالًا لِلْمَسَرَّةِ عَلَيْهَا تَأَلُّفًا لِقَلْبِهَا وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْهُودًا وَجَبَ حَمْلُ مَا خَالَفَ مَا رَوَيْنَاهُ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ. وَهَذَا وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فِي حَدِيثِ «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» لَكِنْ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ بَعْدَهُ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ، فَإِنْ حُمِلَ عَلَى تَعْلِيمِهِ إيَّاهَا مَا مَعَهُ أَوْ نَفْيِ الْمَهْرِ بِالْكُلِّيَّةِ عَارَضَ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ قَوْله تَعَالَى - {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24]- فَقَيَّدَ الْإِحْلَالَ بِالِابْتِغَاءِ بِالْمَالِ، فَوَجَبَ كَوْنُ الْخَبَرِ غَيْرَ مُخَالِفٍ لَهُ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ لَا يَنْسَخُ الْقَطْعِيَّ فِي الدَّلَالَةِ وَتَمَامُ ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فِضَّةً) تَمْيِيزٌ مَنْصُوبٌ أَوْ مَجْرُورٌ فَدَرَاهِمُ تَمْيِيزٌ لِعَشَرَةٍ وَفِضَّةٌ تَمْيِيزٌ لِدِرْهَمٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا آلَةُ الْوَزْنِ (قَوْلُهُ وَزْنٌ) بِالرَّفْعِ صِفَةُ عَشَرَةٍ وَبِالنَّصْبِ حَالٌ عَلَى تَقْدِيرِ ذَاتِ وَزْنٍ ط (لِدَرَاهِمَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ) هُوَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ دِرْهَمٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا شُرُنْبُلَالِيَّةً (قَوْلُهُ مَضْرُوبَةً كَانَتْ أَوْ لَا) فَلَوْ سَمَّى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 وَلَوْ دَيْنًا أَوْ عَرْضًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ وَقْتَ الْعَقْدِ، أَمَّا فِي ضَمَانِهَا بِطَلَاقٍ قَبْلَ الْوَطْءِ فَيَوْمَ الْقَبْضِ (وَتَجِبُ) الْعَشَرَةُ (إنْ سَمَّاهَا أَوْ دُونَهَا وَ) يَجِبُ (الْأَكْثَرُ مِنْهَا إنْ سَمَّى) الْأَكْثَرَ وَيَتَأَكَّدُ (عِنْدَ وَطْءٍ أَوْ خَلْوَةٍ صَحَّتْ) مِنْ الزَّوْجِ (أَوْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَوْ تَزَوَّجَ ثَانِيًا فِي الْعِدَّةِ   [رد المحتار] عَشَرَةً تِبْرًا أَوْ عَرْضًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ تِبْرًا لَا مَضْرُوبَةً صَحَّ، وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ الْمَصْكُوكَةُ فِي نِصَابِ السَّرِقَةِ لِلْقَطْعِ تَقْلِيلًا لِوُجُودِ الْحَدِّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ دَيْنًا) أَيْ فِي ذِمَّتِهَا أَوْ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَكَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَشَرَةٍ لَهُ عَلَى زَيْدٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَتَأْخُذُهَا مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَتْ فَإِنْ اتَّبَعَتْ الْمَدْيُونَ أُجْبِرَ الزَّوْجُ عَلَى أَنْ يُوَكِّلَهَا بِالْقَبْضِ مِنْهُ كَمَا فِي النَّهْرِ: أَيْ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ. اهـ. ح لَكِنْ إذَا أُضِيفَ النِّكَاحُ إلَى دَرَاهِمَ فِي ذِمَّتِهَا تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ لَا بِالْمِثْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْمِثْلِ لِئَلَّا يَكُونَ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ أَوْ عَرْضًا) وَكَذَا لَوْ مَنْفَعَةً كَسُكْنَى دَارِهِ، وَرُكُوبِ دَابَّتِهِ وَزِرَاعَةِ أَرْضِهِ حَيْثُ عُلِمَتْ الْمُدَّةُ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ. قُلْت: وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا مِمَّا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ بِمُقَابَلَتِهَا لِيَخْرُجَ مَا يَأْتِي مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ فِي خِدْمَةِ الزَّوْجِ الْحَرِّ لَهَا وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ (قَوْلُهُ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ وَقْتَ الْعَقْدِ) أَيْ وَإِنْ صَارَتْ يَوْمَ التَّسْلِيمِ ثَمَانِيَةً، فَلَيْسَ لَهَا إلَّا هُوَ وَلَوْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ لَهَا الْعَرْضُ الْمُسَمَّى وَدِرْهَمَانِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِأَنَّ مَا جُعِلَ مَهْرًا لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا التَّغَيُّرُ فِي رَغَبَاتِ النَّاسِ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ أَمَّا فِي ضَمَانِهَا إلَخْ) : يَعْنِي أَمَّا الْحُكْمُ فِي ضَمَانِهَا إلَخْ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَقَبَضَهُ وَقِيمَتُهُ عِشْرُونَ، وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالثَّوْبُ مُسْتَهْلَكٌ رَدَّتْ عَشَرَةً لِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ فِي ضَمَانِهَا بِالْقَبْضِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. وَالْهَلَاكُ كَالِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تُؤَاخَذْ بِمَا زَادَ فِي قِيمَتِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الِاسْتِهْلَاكِ، فَفِي الْهَلَاكِ بِالْأَوْلَى، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ قَائِمًا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الطَّلَاقِ لَا يَوْمَ الْقَبْضِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ مِنْهَا لِيُعْطِيَهَا نِصْفَ قِيمَتِهِ، بَلْ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَغَيَّبُ بِالْقِسْمَةِ كَمَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ أَخَذَ نِصْفَهُ، وَإِلَّا بَقِيَ مُشْتَرَكًا بَعْدَ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسَلِّمًا لَهَا لَمْ يَبْطُلْ مِلْكُهَا، وَيَتَوَقَّفُ عَوْدُهُ، إلَى مِلْكِهِ عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهَا فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ لَا تَصَرُّفُهُ كَذَا أَفَادَهُ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ أَبُو السُّعُودِ، وَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّهَا لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا لَا وَجْهَ لِإِجْبَارِهِ لِأَنَّ لَهُ تَرْكَ الْمُطَالَبَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَكَذَا بَعْدَهُ إذَا صَارَ مُشْتَرَكًا لَا وَجْهَ لِإِجْبَارِهِ عَلَى قَبُولِ قِيمَةِ حِصَّتِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَتَجِبُ الْعَشَرَةُ إنْ سَمَّاهَا إلَخْ) هَذَا إنْ لَمْ تَكْسُدْ الدَّرَاهِمُ الْمُسَمَّاةُ، فَلَوْ كَسَدَتْ وَصَارَ النَّقْدُ غَيْرَهَا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ كَسَدَتْ عَلَى الْمُخْتَارِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ يَبْطُلُ بِكَسَادِ الثَّمَنِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْأَكْثَرُ) أَيْ بَالِغًا مَا بَلَغَ فَالتَّقْدِيرُ بِالْعَشَرَةِ لِمَنْعِ النُّقْصَانِ (قَوْلُهُ وَيَتَأَكَّدُ) أَيْ الْوَاجِبُ مِنْ الْعَشَرَةِ لَوْ الْأَكْثَرَ وَأَفَادَ أَنَّ الْمَهْرَ وَجَبَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لَكِنْ مَعَ احْتِمَالِ سُقُوطِهِ بِرِدَّتِهَا أَوْ تَقْبِيلِهَا ابْنَهُ أَوْ تَنَصُّفِهِ بِطَلَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنَّمَا يَتَأَكَّدُ لُزُومُ تَمَامِهِ بِالْوَطْءِ وَنَحْوِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الدُّرَرِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ عِنْدَ وَطْءٍ مُتَعَلِّقٍ بِالْوُجُوبِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ كَمَا أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَإِذَا تَأَكَّدَ الْمَهْرُ بِمَا ذُكِرَ لَا يَسْقُطُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا لِأَنَّ الْبَدَلَ بَعْدَ تَأَكُّدِهِ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ إلَّا بِالْإِبْرَاءِ كَالثَّمَنِ إذَا تَأَكَّدَ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ. اهـ. (قَوْلُهُ صَحَّتْ) احْتِرَازٌ عَنْ الْخَلْوَةِ الْفَاسِدَةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهَا (قَوْلُهُ عَلَى الزَّوْجِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَطْءٍ أَوْ خَلْوَةٍ عَلَى التَّنَازُعِ لَا بِقَوْلِهِ صَحَّتْ حَتَّى يُرَدَّ أَنَّ شُرُوطَ الصِّحَّةِ لَيْسَتْ مِنْ جَانِبِهِ فَقَطْ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ أَوْ تَزَوَّجَ ثَانِيًا) هَذَا مُؤَكِّدٌ رَابِعٌ زَادَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا بِقَوْلِهِ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُزَادَ رَابِعٌ، وَهُوَ وُجُوبُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا مِنْهُ فِيمَا لَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا بَعْدَ الدُّخُولِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ وَجَبَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 أَوْ إزَالَةِ بَكَارَتِهَا بِنَحْوِ حَجَرٍ بِخِلَافِ إزَالَتِهَا بِدَفْعَةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ النِّصْفُ بِطَلَاقٍ قَبْلَ وَطْءٍ وَلَوْ الدَّفْعُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، فَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِلَّا فَكُلُّهُ نَهْرٌ بَحْثًا -   [رد المحتار] كَمَالُ الْمَهْرِ الثَّانِي بِدُونِ الْخَلْوَةِ وَالدُّخُولِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا فَوْقَ الْخَلْوَةِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ وَفِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ إدْخَالُهُ فِيمَا قَبْلَهُ، وَهُوَ الْوَطْءُ لِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْعِدَّةِ مِنْ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ مَهْرٌ تَامٌّ، وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ لِأَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ فِي يَدِهِ بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ لِبَقَاءِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْعِدَّةُ، وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الْعَشَرَةِ الْمُبَيَّنَةِ عَلَى أَنَّ الدُّخُولَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ دُخُولٌ فِي الثَّانِي (قَوْلُهُ أَوْ إزَالَةُ بَكَارَتِهَا إلَخْ) هَذَا مُؤَكِّدٌ خَامِسٌ زَادَهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ خَامِسٌ، وَهُوَ مَا لَوْ أَزَالَ بَكَارَتَهَا بِحَجَرٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ لَهَا كَمَالَ الْمَهْرِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَزَالَهَا بِدَفْعِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ النِّصْفُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَوْ دَفَعَهَا أَجْنَبِيٌّ فَزَالَتْ بَكَارَتُهَا وَطَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ نِصْفُ الْمُسَمَّى عَلَى الزَّوْجِ، وَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ نِصْفُ صَدَاقِ مِثْلِهَا. اهـ. وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ أَيْضًا وَفِيهِ بَحْثٌ أَيْضًا فَإِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ لِي دُخُولُ هَذَا فِيمَا قَبْلَهُ، وَهُوَ الْخَلْوَةُ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ إزَالَةَ الْبَكَارَةِ بِحَجَرٍ وَنَحْوِهِ كَإِصْبَعٍ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْخَلْوَةِ، فَلِذَا وَجَبَ كُلُّ الْمَهْرِ، بِخِلَافِ إزَالَتِهَا بِدَفْعَةٍ، فَإِنَّ الْمُرَادَ حُصُولُهَا فِي غَيْرِ خَلْوَةٍ، ثُمَّ رَأَيْت مَا يُفِيدُ ذَلِكَ فِي جِنَايَاتِ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ دَفَعَ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَوْ دَفَعَ امْرَأَةَ الْغَيْرِ وَذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ وَجَبَ لَهَا مَهْرَانِ اهـ أَيْ مَهْرٌ بِالدُّخُولِ بِحُكْمِ النِّكَاحِ وَمَهْرٌ بِإِزَالَةِ الْعُذْرَةِ بِالدَّفْعِ كَمَا فِي جِنَايَاتِ الْخَانِيَّةِ فَقَوْلُهُ: وَلَوْ دَفَعَ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا ذَكَرَ مِثْلَهُ فِي جِنَايَاتِ الْخَانِيَّةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ هُنَا وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الدَّفْعِ وَمُشِيرٌ إلَى أَنَّ مَسْأَلَةَ الْحَجَرِ فِي الْخَلْوَةِ إذْ لَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ مُجَرَّدِ إزَالَتِهَا بِحَجَرٍ أَوْ دَفْعَةٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُفَادَ مِنْ إيجَابِ نِصْفِ الْمَهْرِ فِي مَسْأَلَةِ الدَّفْعِ أَنَّ الزَّوْجَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي إزَالَةِ بَكَارَةِ الزَّوْجِيَّةِ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ لِأَنَّ وُجُوبَ نِصْفِ الْمَهْرِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ بِحُكْمِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِلَّا لَوَجَبَ عَلَيْهِ مَهْرٌ آخَرُ لِإِزَالَتِهَا بِالدَّفْعِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ امْرَأَةِ الْغَيْرِ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ لُزُومَ كَمَالِ الْمَهْرِ فِيمَا لَوْ أَزَالَهَا بِحَجَرٍ إنَّمَا هُوَ بِحُكْمِ الطَّلَاقِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ لَا بِسَبَبِ إزَالَتِهَا بِالْحَجَرِ، وَإِلَّا لَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ مَهْرَيْنِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَدْ ضَرَبَهَا بِحَجَرٍ بِدُونِ خَلْوَةٍ فَأَزَالَ بَكَارَتَهَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِإِزَالَةِ الْبَكَارَةِ فَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الْخَلْوَةِ أَيْضًا فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ بِحُكْمِ الطَّلَاقِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الدَّفْعِ. وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ إزَالَتِهَا بِحَجَرٍ أَوْ دَفْعٍ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ بِكْرًا أَجْنَبِيَّةً صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً فَذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا لَزِمَهُ الْمَهْرُ وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِيمَا لَوْ أَزَالَهَا بِحَجَرٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْحَجَرِ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الزَّوْجَةِ مِنْ حَيْثُ الْخَلْوَةُ وَعَدَمُهَا إذْ لَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجِ فِي مُجَرَّدِ إزَالَتِهَا بِالدَّفْعِ لِمِلْكِهِ ذَلِكَ بِالْعَقْدِ فَلَا وَجْهَ لِضَمَانِهِ بِهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَحَيْثُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ أَيْضًا بِمُجَرَّدِ إزَالَتِهَا بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ آلَةٍ وَآلَةٍ فِي هَذِهِ الْإِزَالَةِ فَالدَّفْعُ غَيْرُ قَيْدٍ. ثُمَّ رَأَيْت فِي جِنَايَاتِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ صَرَّحَ بِأَنَّ الزَّوْجَ لَوْ أَزَالَ عُذْرَتَهَا بِالْأُصْبُعِ لَا يَضْمَنُ وَيُعَزَّرُ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فَقَطْ، وَهَلْ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ بِسَبَبِ الْعَجْزِ عَنْ الْوُصُولِ إلَيْهَا بِكْرًا؟ الظَّاهِرُ لَا فَإِنَّهُ يَكُونُ عِنِّينًا بِذَلِكَ، وَيَكُونُ لَهَا حَقُّ التَّفْرِيقِ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لِمَا ثَبَتَتْ عُنَّتُهُ بِذَلِكَ الْعَجْزِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ فَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّ عَلَى الزَّوْجِ نِصْفَ الْمُسَمَّى كَمَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إنْ طَلُقَتْ) أَيْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا (قَوْلُهُ نَهْرٌ بَحْثًا) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَإِلَّا فَكُلُّهُ وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ تَدَافَعَتْ جَارِيَةٌ مَعَ أُخْرَى فَزَالَتْ بَكَارَتُهَا وَجَبَ عَلَيْهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. اهـ. وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يُعْلَمُ مَا لَوْ كَانَتْ الْمَدْفُوعَةُ مُتَزَوِّجَةً فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ وُجُوبُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَامِلًا فِيمَا إذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَتَدَبَّرْهُ انْتَهَى كَلَامُ النَّهْرِ وَفِيهِ: أَنَّ عِبَارَةَ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ كَمَالِ مَهْرِ الْمِثْلِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ مَا إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا كَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 (وَ) يَجِبُ (نِصْفُهُ بِطَلَاقٍ قَبْلَ وَطْءٍ أَوْ خَلْوَةٍ) فَلَوْ كَانَ نِكَاحٌ عَلَى مَا قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ كَانَ لَهَا نِصْفُهُ وَدِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ (وَعَادَ النِّصْفُ إلَى مِلْكِ الزَّوْجِ   [رد المحتار] لَا يَخْفَى، وَحِينَئِذٍ يُعَارِضُ إيجَابَهُمْ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ اهـ ح. وَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ الْوَجْهُ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ إزَالَةَ الْبَكَارَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ غَيْرِ الزَّوْجِ تُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ عَلَى الْمُزِيلِ، سَوَاءٌ كَانَتْ بِدَفْعٍ أَوْ حَجَرٍ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي وُجُوبَ نِصْفِ الْمُسَمَّى عَلَى الزَّوْجِ بِطَلَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ فَإِنَّ سَبَبَ إيجَابِ الْمَهْرِ كَامِلًا عَلَى الدَّافِعِ الْجِنَايَةُ وَسَبَبُ إيجَابِ النِّصْفِ عَلَى الزَّوْجِ الطَّلَاقُ، وَلَوْ كَانَ مَا وَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ مُنْقِصًا لِلْجِنَايَةِ، حَتَّى أَوْجَبَ النِّصْفَ عَلَى الْجَانِي لَزِمَ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى الْجَانِي شَيْءٌ إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ لِوُجُوبِ الْمَهْرِ كَامِلًا عَلَى الزَّوْجِ. هَذَا، وَفِي الْمِنَحِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: وَلَوْ افْتَضَّ مَجْنُونٌ بَكَارَةَ امْرَأَةٍ بِإِصْبَعٍ، فَقَدْ أَشَارَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا افْتَضَّهَا كَرْهًا بِإِصْبَعٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ آلَةٍ مَخْصُوصَةٍ حَتَّى أَفْضَاهَا فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَلَكِنَّ مَشَايِخَنَا يَذْكُرُونَ أَنَّ هَذَا وَقَعَ سَهْوًا، فَلَا يَجِبُ إلَّا بِالْآلَةِ الْمَوْضُوعَةِ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَالْوَطْءِ وَيَجِبُ الْأَرْشُ فِي مَالِهِ. اهـ. قُلْت: وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ الِافْتِضَاضَ إزَالَةُ الْبَكَارَةِ، وَالْإِفْضَاءُ خَلْطُ مَسْلَكَيْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْمَشْهُورُ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ الْمُتَدَاوَلَةِ أَنَّ مُوجَبَ الْأَوَّلِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَوْ بِغَيْرِ آلَةِ الْوَطْءِ كَمَا عَلِمْته مِمَّا قَدَّمْنَاهُ، وَمُوجِبُ الثَّانِي الدِّيَةُ كَامِلَةً إنْ لَمْ تَسْتَمْسِكْ الْبَوْلَ وَإِلَّا فَثُلُثُهَا لِأَنَّهَا جِرَاحَةُ جَائِفَةٍ، وَهَذَا لَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، فَلَوْ مِنْ الزَّوْجِ لَمْ يَجِبْ فِي الْأَوَّلِ ضَمَانٌ كَمَا مَرَّ، وَكَذَا فِي الثَّانِي عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ حَيْثُ جَعَلَ الزَّوْجَ فِيهِ كَأَجْنَبِيٍّ، وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ وَهْبَانَ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي سَلَسِ الْبَوْلِ الدِّيَةُ وَرَدَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، بِأَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الزَّوْجِ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ نِصْفُهُ) أَيْ نِصْفُ الْمَهْرِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ الْعَشَرَةُ إنْ سَمَّاهَا أَوْ دُونَهَا أَوْ الْأَكْثَرُ مِنْهَا إنْ سَمَّاهُ، وَالْمُتَبَادِرُ التَّسْمِيَةُ وَقْتَ الْعَقْدِ، فَخَرَجَ مَا فُرِضَ أَوْ زِيدَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَا يُنَصَّفُ كَالْمُتْعَةِ كَمَا سَيَأْتِي. وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ شَرَطَ مَعَ الْمُسَمَّى مَا لَيْسَ بِمَالٍ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَعَلَى أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ الْأُخْرَى أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى، وَسَقَطَ الشَّرْطُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفِ بِهِ يَجِبُ تَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا يَثْبُتُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمُسَمَّى فَيَتَنَصَّفُ، وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ مَعَ الْمُسَمَّى شَيْئًا مَجْهُولًا كَأَنْ يُهْدِيَ لَهَا هَدِيَّةً، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفِ بِالْهَدِيَّةِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَا مَدْخَلَ لِمَهْرِ الْمِثْلِ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ هَذَا الشَّرْطِ، وَكَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفَيْنِ حَتَّى وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ انْتَهَى (قَوْلُهُ بِطَلَاقٍ) الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ لَا لِلسَّبَبِيَّةِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْوُجُوبَ بِالْعَقْدِ أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ بِكُلِّ فُرْقَةٍ مِنْ قِبَلِهِ لَشَمِلَ مِثْلَ رِدَّتِهِ وَزِنَاهُ وَتَقْبِيلِهِ وَمُعَانَقَتِهِ لِأُمِّ امْرَأَتِهِ وَبِنْتِهَا قَبْلَ الْخَلْوَةِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ النَّظْمِ (قَوْلُهُ قَبْلَ وَطْءٍ أَوْ خَلْوَةٍ) هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْكَنْزِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنَّ الدُّخُولَ يَشْمَلُ الْخَلْوَةَ أَيْضًا لِأَنَّهَا دُخُولٌ حُكْمًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى وَسَيَأْتِي مَتْنًا أَنَّ الْقَوْلَ لَهَا لَوْ ادَّعَتْ الدُّخُولَ وَأَنْكَرَهُ لِأَنَّهَا تُنْكِرُ سُقُوطَ النِّصْفِ (قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ نَكَحَهَا إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَيَجِبُ نِصْفُهُ الشَّامِلُ لِلْعَشْرِ فِيمَا لَوْ سَمَّى مَا دُونَهَا كَمَا قَرَّرْنَاهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَدِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ) لِأَنَّهُ لَمَّا سَمَّى مَا قِيمَتُهُ دُونَ الْعَشَرَةِ لَزِمَ خَمْسَةٌ أُخْرَى تَكْمِلَةَ الْعَشَرَةِ لَمَّا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى وَنِصْفُ التَّكْمِلَةِ (قَوْلُهُ وَعَادَ النِّصْفُ مِلْكَ الزَّوْجِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ تَبَرَّعَ بِهِ عَنْهُ آخَرُ، وَإِذَا كَانَتْ الْفُرْقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ قِبَلِهَا عَادَ إلَيْهِ الْكُلُّ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسَلَّمًا لَهَا، وَإِنْ) كَانَ (مُسَلَّمًا) لَهَا لَمْ يَبْطُلْ مِلْكُهَا مِنْهُ بَلْ (تَوَقَّفَ) عَوْدُهُ إلَى مِلْكِهِ (عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا) فَلِهَذَا (لَا نَفَاذَ لِعِتْقِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (عِيدَ الْمَهْرُ بَعْدَ طَلَاقِهَا قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَنَحْوِهِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ قَبْلَهُ (وَنَفَذَ تَصَرُّفُ الْمَرْأَةِ) قَبْلَهُ (فِي الْكُلِّ لِبَقَاءِ مِلْكِهَا) وَعَلَيْهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْمَهْرِ الْمُنْفَصِلَةَ تَنْتَصِفُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا بَعْدَهُ   [رد المحتار] قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: لَوْ تَبَرَّعَ بِالْمَهْرِ عَنْ الزَّوْجِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا يَعُودُ نِصْفُ الْمَهْرِ فِي الْأَوَّلِ وَالْكُلُّ فِي الثَّانِي إلَى مِلْكِ الزَّوْجِ، بِخِلَافِ الْمُتَبَرِّعِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ إذَا ارْتَفَعَ السَّبَبُ يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْقَاضِي إنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ (قَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ) أَيْ بِالطَّلَاقِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْقَضَاءِ وَالرِّضَا (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسَلَّمًا لَهَا) وَكَذَا إذَا كَانَ دَيْنًا لَمْ تَقْبِضْهُ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ نِصْفُ الْمُسَمَّى بِالطَّلَاقِ، وَيَبْقَى النِّصْفُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ بَلْ تَوَقَّفَ عَوْدُهُ) أَيْ عَوْدُ النِّصْفِ إلَى مِلْكِهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَإِنْ انْفَسَخَ بِالطَّلَاقِ فَقَدْ بَقِيَ الْقَبْضُ بِالتَّسْلِيطِ الْحَاصِلِ بِالْعَقْدِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَلَا يَزُولُ الْمِلْكُ إلَّا بِالْفَسْخِ مِنْ الْقَاضِي لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِسَبَبِ الْمِلْكِ أَوْ بِتَسْلِيمِهَا لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلْقَبْضِ حَقِيقَةً بَدَائِعُ (قَوْلُهُ عَبْدَ الْمَهْرِ) مَفْعُولٌ لِعِتْقِ وَالْمُرَادُ نِصْفُهُ وَكَذَا كُلُّهُ بِالْأَوْلَى إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ (قَوْلُهُ بَعْدَ طَلَاقِهَا قَبْلَهُ) الظَّرْفَانِ مُتَعَلِّقَانِ بِعِتْقٍ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ) الْمُرَادُ بِهِ الرِّضَا. اهـ. ح (قَوْلُهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَنَحْوِهِ، حَتَّى لَوْ قَضَى الْقَاضِي بَعْدَ الْعِتْقِ بِالنِّصْفِ لَهُ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ الْعِتْقُ لِأَنَّهُ عِتْقٌ سَبَقَ مِلْكَهُ كَالْمَقْبُوضِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ إذَا أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ، ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ الْعِتْقُ الَّذِي كَانَ قَبْلَ الرَّدِّ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَنَفَذَ تَصَرُّفُ الْمَرْأَةِ) مِنْ جُمْلَةِ الْمُفَرَّعِ عَلَى قَوْلِهِ بَلْ تَوَقَّفَ إلَخْ ط، وَشَمِلَ التَّصَرُّفُ الْعِتْقَ وَالْبَيْعَ وَالْهِبَةَ وَقَوْلُهُ قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْأَصْلِ إلَخْ) لِأَنَّهُ إذَا نَفَذَ تَصَرُّفُهَا فَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا رَدُّ النِّصْفِ بَعْدَ وُجُوبِهِ فَتَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ لِلزَّوْجِ يَوْمَ قَبَضَتْ بَحْرٌ: أَيْ لِأَنَّهُ بِالْقَبْضِ دَخَلَ فِي ضَمَانِهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْمَهْرِ) تَعْلِيلٌ لِمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْأَصْلِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَهْرَ لَوْ زَادَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا تُضْمَنُ الزِّيَادَةُ، لَكِنْ فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْمَهْرِ إمَّا مُتَّصِلَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْأَصْلِ كَسِمَنِ الْجَارِيَةِ وَجَمَالِهَا وَإِثْمَارِ الشَّجَرِ أَوْ غَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ كَصَبْغِ الثَّوْبِ وَالْبِنَاءِ فِي الدَّارِ أَوْ مُنْفَصِلَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ إذَا جُذَّ أَوْ غَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ كَالْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ وَكُلٌّ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَتَنَصَّفُ إلَّا الْغَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ بِقِسْمَيْهَا أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يَتَنَصَّفُ، فَالْأَقْسَامُ ثَمَانِيَةٌ كَمَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَنْتَصِفُ بَلْ تُسَلَّمُ لِلزَّوْجَةِ إذَا حَدَثَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ مُطْلَقًا أَوْ قَبْلَهُ إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مُتَّصِلَةً وَمُنْفَصِلَةً فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ تَتَنَصَّفُ دُونَ غَيْرِهَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ هَذَا إذَا حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ الطَّلَاقِ، فَلَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ تَنَصَّفَتْ كَالْأَصْلِ وَإِنْ بَعْدَ الْقَبْضِ. فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ لِلزَّوْجِ بِالنِّصْفِ فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا فَالْمَهْرُ فِي يَدِهَا كَالْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ لِأَنَّهُ فَسَدَ مِلْكُهَا النِّصْفَ بِالطَّلَاقِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَبَقِيَ مَسَائِلُ نُقْصَانِ الْمَهْرِ، وَهِيَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً مَذْكُورَةٌ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ تَتَنَصَّفُ، وَالْوَاقِعُ فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ جَعْلُهُ ظَرْفًا لِلزِّيَادَةِ، فَإِنَّ الْمُؤَدَّى وَاحِدٌ ط قُلْت: وَيَصِحُّ جَعْلُ الظَّرْفِ مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ حَالٍ مِنْ زِيَادَةٍ فَتَتَّحِدُ الْعِبَارَتَانِ [مَطْلَبٌ نِكَاحُ الشِّغَارِ] ِ (قَوْلُهُ فِي الشِّغَارِ) بِكَسْرِ الشِّينِ مَصْدَرُ شَاغَرَ اهـ ح (قَوْلُهُ هُوَ أَنْ يُزَوِّجَهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ أَنْ يُشَاغِرَ الرَّجُلَ: أَيْ يُزَوِّجَهُ حَرِيمَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ حَرِيمَتَهُ وَلَا مَهْرَ إلَّا هَذَا، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ: أَيْ عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعَ كُلٍّ صَدَاقًا عَنْ الْآخَرِ، وَهَذَا الْمُقَيَّدُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي مُسَمَّى الشِّغَارِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَلَا مَعْنَاهُ بَلْ قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَك فَقَبِلَ أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُ بِنْتِي صَدَاقًا لِبِنْتِك فَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ بَلْ زَوَّجَهُ بِنْتَه وَلَمْ يَجْعَلْهَا صَدَاقًا لَمْ يَكُنْ شِغَارًا بَلْ نِكَاحًا صَحِيحًا اتِّفَاقًا وَإِنْ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْكُلِّ، لِمَا أَنَّهُ سَمَّى مَا لَا يَصْلُحُ صَدَاقًا، وَأَصْلُ الشُّغُورِ: الْخُلُوُّ، يُقَالُ بَلْدَةٌ شَاغِرَةٌ إذَا خَلَتْ عَنْ السُّكَّانِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْخُلُوُّ عَنْ الْمَهْرِ لِأَنَّهُمَا بِهَذَا الشَّرْطِ كَأَنَّهُمَا أَخْلَيَا الْبُضْعَ عَنْهُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ مُعَاوَضَةً بِالْعَقْدَيْنِ) الْمُرَادُ بِالْعَقْدِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبُضْعُ كَمَا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ: أَيْ عَلَى أَنْ يَكُونَ كُلُّ بُضْعٍ عِوَضَ الْآخَرِ مَعَ الْقَبُولِ مِنْ الْعَاقِدِ الْآخَرِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ لَفْظُ الْمُفَاعَلَةِ، فَاحْتَرَزَ عَمَّا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِكَوْنِ كُلِّ بُضْعٍ عِوَضَ الْبُضْعِ لِلْآخَرِ أَوْ صَرَّحَ بِهِ أَحَدُهُمَا وَقَالَ الْآخَرُ زَوَّجْتُك بِنْتِي كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْمَهْرِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا أَوْرَدَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ مَرْفُوعًا مِنْ النَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَالْجَوَابُ أَنَّ مُتَعَلِّقَ النَّهْيِ مُسَمَّى الشِّغَارِ الْمَأْخُوذِ فِي مَفْهُومِهِ خُلُوُّهُ عَنْ الْمَهْرِ وَكَوْنُ الْبُضْعِ صَدَاقًا، وَنَحْنُ قَائِلُونَ بِنَفْيِ هَذِهِ الْمَاهِيَّةِ وَمَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا شَرْعًا، فَلَا نُثْبِتُ النِّكَاحَ كَذَلِكَ بَلْ نُبْطِلُهُ، فَيَبْقَى نِكَاحًا مُسَمًّى فِيهِ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَيَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِمَهْرِ الْمِثْلِ كَالْمُسَمَّى فِيهِ خَمْرٌ أَوْ خِنْزِيرٌ فَمَا هُوَ مُتَعَلِّقُ النَّهْيِ لَمْ نُثْبِتْهُ، وَمَا أَثْبَتْنَاهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ بَلْ اقْتَضَتْ الْعُمُومَاتُ صِحَّتَهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ زَادَ الزَّيْلَعِيُّ: أَوْ هُوَ أَيْ النَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ اهـ أَيْ وَالْكَرَاهَةُ لَا تُوجِبُ الْفَسَادَ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَعَ إيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ لَمْ يَبْقَ شِغَارًا حَقِيقَةً، وَإِنْ سَلَّمَ فَالنَّهْيُ عَلَى مَعْنَى الْكَرَاهَةِ، فَيَكُونُ الشَّرْعُ أَوْجَبَ فِيهِ أَمْرَيْنِ الْكَرَاهَةَ وَمَهْرَ الْمِثْلِ، فَالْأَوَّلُ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّهْيِ، وَالثَّانِي مِنْ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ مَا سُمِّيَ فِيهِ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا يَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَهَذَا الثَّانِي دَلِيلٌ عَلَى حَمْلِ النَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ دُونَ الْفَسَادِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَ مِنْ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الشِّغَارَ الْآنَ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ لِإِيجَابِنَا فِيهِ مَهْرَ الْمِثْلِ. وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّهُ إذَا حُمِلَ النَّهْيُ عَلَى مَعْنَى الْفَسَادِ فَكَوْنُهُ غَيْرَ مَنْهِيٍّ الْآنَ. أَيْ بَعْدَ إيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ مُسَلَّمٌ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى مَعْنَى الْكَرَاهَةِ فَالنَّهْيُ بَاقٍ فَافْهَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 (وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الشِّغَارِ) هُوَ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِنْتَه عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ بِنْتَه أَوْ أُخْتَهُ مَثَلًا مُعَاوَضَةً بِالْعَقْدَيْنِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْمَهْرِ، فَأَوْجَبْنَا فِيهِ مَهْرَ الْمِثْلِ فَلَمْ يَبْقَ شِغَارًا (وَ) فِي (خِدْمَةِ زَوْجٍ حُرٍّ) سَنَةً (لِلْإِمْهَارِ) لِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ لِأَنَّ فِيهِ قَلْبَ الْمَوْضُوعِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَفِي خِدْمَةِ زَوْجٍ حُرٍّ) أَيْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَهُمَا فِي جَعْلِهِ الْمَهْرَ خِدْمَتَهُ إيَّاهَا سَنَةً. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهَا قِيمَةُ الْخِدْمَةِ، قَيَّدَ بِالْخِدْمَةِ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى سُكْنَى دَارِهِ أَوْ رُكُوبِ دَابَّتِهِ أَوْ الْحَمْلِ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى أَنْ تَزْرَعَ أَرْضُهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ مُدَّةً مَعْلُومَةً صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنَافِعَ مَالٌ أَوْ أُلْحِقَتْ بِهِ لِلْحَاجَةِ نَهْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. وَاحْتَرَزَ بِالْحُرِّ عَنْ الْعَبْدِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَهَا خِدْمَتُهُ لَوْ عَبْدًا، وَزَادَ قَوْلُهُ أَوْ أَمَةً لِقَوْلِ النَّهْرِ إنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحُرَّةِ، بَلْ التَّنَافِي الْمُعَلَّلُ بِهِ أَقْوَى فِي الْأَمَةِ مِنْهُ فِي الْحُرَّةِ (قَوْلُهُ سَنَةً) إنَّمَا ذَكَرَهُ لِتَوَهُّمِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ بِتَعْيِينِ الْمُدَّةِ، فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ فِي الْمُعَيَّنَةِ فَفِي الْمَجْهُولَةِ بِالْأَوْلَى ط (قَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهِ قَلْبَ الْمَوْضُوعِ) لِأَنَّ مَوْضُوعَ الزَّوْجِيَّةِ أَنْ تَكُونَ هِيَ خَادِمَةٌ لَا بِالْعَكْسِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِهَانَةِ وَالْإِذْلَالِ كَمَا يَأْتِي، فَقَدْ سَمَّى مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَصَحَّ الْعَقْدُ وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 كَذَا قَالُوا وَمَفَادُهُ صِحَّةُ تَزَوُّجِهَا عَلَى أَنْ يَخْدُمَ سَيِّدَهَا أَوْ وَلِيَّهَا كَقِصَّةِ شُعَيْبٍ مَعَ مُوسَى كَصِحَّتِهِ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ عَبْدِ الْغَيْرِ بِرِضَا مَوْلَاهُ أَوْ حُرٍّ آخَرَ بِرِضَاهُ (وَ) فِي (تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ) لِلنَّصِّ بِالِابْتِغَاءِ بِالْمَالِ، وَبَاءُ «زَوَّجْتُك بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» -   [رد المحتار] قَالَ فِي النَّهْرِ: وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي رَعْيِ غَنَمِهَا وَزِرَاعَةِ أَرْضِهَا لِتَرَدُّدٍ فِي تَمَحُّضِهَا خِدْمَةً وَعَدَمِهِ، فَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ. أَنَّهُ يَجُوزُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الِابْنَ لَوْ اسْتَأْجَرَ أَبَاهُ لِلْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلرَّعْيِ وَالزِّرَاعَةِ يَصِحُّ هَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَهَذَا شَاهِدٌ قَوِيٌّ، وَمِنْ هُنَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي كَافِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ رِوَايَةِ الْأَصْلِ الصَّوَابُ أَنْ يُسَلِّمَ لَهَا إجْمَاعًا. اهـ. (قَوْلُهُ كَذَا قَالُوا) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِأَنَّ عَادَتَهُمْ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ تَضْعِيفُ الْقَوْلِ وَالتَّبَرِّي عَنْهُ، وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ هُنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمَفَادُهُ إلَخْ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَلِيَّهَا يَضْمَنُ لَهَا حِينَئِذٍ قِيمَةَ الْخِدْمَةِ، بِخِلَافِ سَيِّدِهَا لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِمَهْرِ أَمَتِهِ. وَالظَّاهِرُ هُنَا الِاتِّفَاقُ عَلَى صِحَّةِ التَّزْوِيجِ بِخِلَافِ خِدْمَتِهِ لَهَا. اهـ. قُلْت: لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَهَبَ لِأَبِيهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَهَبَ لَهُ أَوْ لَا، فَإِنْ وَهَبَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي خِدْمَةِ وَلِيِّهَا وَعَدَمِ لُزُومِ الْخِدْمَةِ، وَكَذَا فِي مِثْلِ قِصَّةِ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَوْ فَعَلَ الزَّوْجُ مَا سَمَّى يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى وَلِيِّهَا؛ كَمَا قَالُوا فِيمَا لَوْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ مَعِي فِي كَرْمِي لِأُزَوِّجَك ابْنَتِي فَعَمِلَ وَلَمْ يُزَوِّجْهُ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَقِصَّةِ شُعَيْبٍ) فَإِنَّهُ زَوَّجَ مُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - بِنْتَه عَلَى أَنْ يَرْعَى لَهُ غَنَمَهُ ثَمَانِي سِنِينَ، وَقَدْ قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا بِلَا إنْكَارٍ، فَكَانَ شَرْعًا لَنَا وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى تَرْجِيحِ مَا مَرَّ مِنْ رِوَايَةِ الْجَوَازِ فِي رَعْيِ غَنَمِهَا وَرَدَّهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَتْ الْغَنَمُ مِلْكَ الْبِنْتِ دُونَ شُعَيْبٍ، وَهُوَ مُنْتَفٍ اهـ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ. وَمَفَادُهُ عَلَى صِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى الْجَوَازِ فِي رَعْيِ غَنَمِ الْأَبِ (قَوْلُهُ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدِهِ) أَيْ عَبْدِ الزَّوْجِ أَيْ خِدْمَةِ عَبْدِهِ إيَّاهَا، فَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ أَوْ حُرٍّ آخَرَ بِرِضَاهُ) فِي الْغَايَةِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ فَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ وَتَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ خِدْمَتِهِ. اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَخْدُمُهَا، فَإِمَّا لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ لَا يُؤْمَنُ، الِانْكِشَافُ عَلَيْهِ مَعَ مُخَالَطَتِهِ لِلْخِدْمَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِ ذَلِكَ الْحُرِّ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ وَيَجِبُ أَنْ يَنْظُرَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ وَلَمْ يُجِزْهُ وَجَبَ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ، وَإِنْ بِأَمْرِهِ فَإِنْ كَانَتْ خِدْمَةً مُعَيَّنَةً تَسْتَدْعِي مُخَالَطَةً لَا يُؤْمَنُ مَعَهَا الِانْكِشَافُ وَالْفِتْنَةُ وَجَبَ أَنْ تُمْنَعَ وَتُعْطِيَ هِيَ قِيمَتَهَا، أَوْ لَا تَسْتَدْعِي ذَلِكَ وَجَبَ تَسْلِيمُهَا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ بَلْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنَافِعِ ذَلِكَ الْحُرَّ حَتَّى تَصِيرَ أَحَقَّ بِهَا لِأَنَّهُ أَجِيرٌ وَاحِدٌ فَإِنْ صَرَفَتْهُ فِي الْأَوَّلِ فَكَالْأَوَّلِ أَوْ فِي الثَّانِي فَكَالثَّانِي اهـ أَيْ إنْ صَرَفَتْهُ وَاسْتَخْدَمَهُ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا يَسْتَدْعِي الْمُخَالَطَةَ فَكَالْأَوَّلِ مِنْ الْمَنْعِ وَإِعْطَاءُ قِيمَةِ الْخِدْمَةِ وَإِنْ اسْتَخْدَمَتْهُ بِمَا لَا يَسْتَدْعِي ذَلِكَ فَحُكْمُهُ كَالثَّانِي مِنْ وُجُوبِ تَسْلِيمِ الْخِدْمَةِ (قَوْلُهُ وَفِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ) أَيْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِيمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَعْلَمَهَا الْقُرْآنَ أَوْ نَحْوَهُ مِنْ الطَّاعَاتِ لِأَنَّ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ بَدَائِعُ أَيْ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهَا عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ وَبَاءُ «زَوَّجْتُك بِمَا مَعَك» ) أَيْ الْوَارِدِ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: هَلْ مَعَك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 لِلسَّبَبِيَّةِ أَوْ لِلتَّعْلِيلِ، لَكِنْ فِي النَّهْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَلَهَا خِدْمَتُهُ لَوْ) كَانَ الزَّوْجُ (عَبْدًا) مَأْذُونًا فِي ذَلِكَ، أَمَا الْحُرُّ فَخِدْمَتُهُ لَهَا حَرَامٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِهَانَةِ وَالْإِذْلَالِ وَكَذَا اسْتِخْدَامُهُ عَنْ نَهْرِ الْبَدَائِعِ (وَكَذَا يَجِبُ) مَهْرُ الْمِثْلِ (فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ) مَهْرًا   [رد المحتار] شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَالَ نَعَمْ سِوَى سُورَةِ كَذَا وَسُورَةِ كَذَا سَمَّاهَا، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: قَدْ مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» وَيُرْوَى «أَنْكَحْتُكهَا وَزَوَّجْتُكهَا» ح عَنْ الزَّيْلَعِيِّ، (قَوْلُهُ لِلسَّبِيَّةِ أَوْ لِلتَّعْلِيلِ) أَيْ بِسَبَبٍ أَوْ لِأَجْلِ أَنَّك مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ فَلَيْسَتْ الْبَاءُ مُتَعَيِّنَةً لِلْعِوَضِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي النَّهْرِ) أَصْلُهُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ مَهْرًا، لِأَنَّ مَا جَازَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ فِي مُقَابَلَتِهِ مِنْ الْمَنَافِعِ جَازَ تَسْمِيَتُهُ صَدَاقًا كَمَا قَدَّمْنَا، نَقَلَهُ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُنَا أَنَّهُ لَمَّا جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ أَخْذَ الْأَجْرِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ صَحَّحَ تَسْمِيَتَهُ مَهْرًا فَكَذَا نَقُولُ يَلْزَمُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ صِحَّةُ تَسْمِيَتِهِ صَدَاقًا، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. اهـ. وَاعْتَرَضَهُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ تُلْجِئُ إلَى صِحَّةِ تَسْمِيَتِهِ بَلْ تَسْمِيَةُ غَيْرِهِ تُغْنِي، بِخِلَافِ الْحَاجَةِ إلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهَا تَحَقَّقَتْ لِلتَّكَاسُلِ عَنْ الْخَيْرَاتِ فِي هَذَا الزَّمَانِ اهـ وَفِيهِ أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ أَفْتَوْا بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التَّعْلِيمِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ عَلَى مَا لَا ضَرُورَةَ فِيهِ كَالتِّلَاوَةِ وَنَحْوِهَا، ثُمَّ الضَّرُورَةُ إنَّمَا هِيَ عِلَّةٌ لِأَصْلِ جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ، وَلَا يَلْزَمُ وُجُودُهَا فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ، وَحَيْثُ جَازَ عَلَى التَّعْلِيمِ لِلضَّرُورَةِ صَحَّتْ تَسْمِيَتُهُ مَهْرًا لِأَنَّ مَنْفَعَةً تُقَابَلُ بِالْمَالِ كَسُكْنَى الدَّارِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدٌ وُجُودَ الضَّرُورَةِ فِي الْمُسَمَّى، إذْ يَلْزَمُ أَنْ يُقَالَ مِثْلُهُ فِي تَسْمِيَةِ السُّكْنَى مَثَلًا أَنَّ تَسْمِيَةَ غَيْرِهَا تُغْنِي عَنْهَا مَعَ أَنَّ الزَّوْجَةَ قَدْ تَكُونُ مُحْتَاجَةً إلَى التَّعْلِيمِ دُونَ السُّكْنَى وَالْمَالِ. وَاعْتِرَاضٌ أَيْضًا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَسْمِيَةُ التَّعْلِيمِ لِأَنَّهُ خِدْمَةٌ لَهَا وَلَيْسَتْ مِنْ مُشْتَرَكِ مَصَالِحِهَا: أَيْ بِخِلَافِ رَعْيِ غَنَمِهَا وَزِرَاعَةِ أَرْضِهَا، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ خِدْمَةً لَهَا لَكِنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا. وَأَجَابَ تِلْمِيذُهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَيِّ بِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ تَسْلِيمِ كَوْنِ التَّعْلِيمِ خِدْمَةً لَهَا، فَلَيْسَ كُلُّ خِدْمَةٍ لَا تَجُوزُ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ لَوْ كَانَتْ الْخِدْمَةُ لِلتَّرْذِيلِ. قَالَ ط: وَهُوَ حَسَنٌ لِأَنَّ مُعَلِّمَ الْقُرْآنِ لَا يُعَدُّ خَادِمًا لِلْمُتَعَلِّمِ شَرْعًا وَلَا عُرْفًا. اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوهُ اسْتِئْجَارَ الِابْنِ أَبَاهُ لِرَعْيِ الْغَنَمِ وَالزِّرَاعَةِ خِدْمَةً، وَلَوْ كَانَ رَعْيُ الْغَنَمِ خِدْمَةً أَوْ رَذِيلَةً لَمْ يَفْعَلْهُ نَبِيُّنَا وَمُوسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَلْ هُوَ حِرْفَةٌ كَبَاقِي الْحِرَفِ الْغَيْرِ الْمُسْتَرْذَلَةِ يُقْصَدُ بِهَا الِاكْتِسَابُ فَكَذَا التَّعْلِيمُ لَا يُسَمَّى خِدْمَةً بِالْأَوْلَى. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَعْلِيمُ كُلِّ الْقُرْآنِ إلَّا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْبَعْضِ، وَالْحِفْظُ لَيْسَ مِنْ مَفْهُومِهِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ: أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ تَعْلِيمُهُ عَلَى وَجْهِ الْحِفْظِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهَا (قَوْلُهُ وَلَهَا خِدْمَتُهُ) لِأَنَّ الْخِدْمَةَ إذَا كَانَتْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى صَارَ كَأَنَّهُ يَخْدُمُ الْمَوْلَى حَقِيقَةً بَحْرٌ، فَلَيْسَ فِيهِ قَلْبُ الْمَوْضُوعِ. اهـ. ح وَلِأَنَّ اسْتِخْدَامَ زَوْجَتِهِ إيَّاهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ لِأَنَّهُ عُرْضَةٌ لِلِاسْتِخْدَامِ وَالِابْتِذَالِ لِكَوْنِهِ مُمَلَّكًا مُلْحَقًا بِالْبَهَائِمِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ مَأْذُونًا فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي التَّزْوِيجِ عَلَى خِدْمَتِهِ، فَلَوْ بِلَا إذْنِ مَوْلَاهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ (قَوْلُهُ أَمَّا الْحُرُّ) أَيْ الزَّوْجُ الْحُرُّ (قَوْلُهُ فَخِدْمَتُهُ لَهَا حَرَامٌ) أَيْ إذَا خَدَمَهَا فِيمَا يَخُصُّهَا عَلَى الظَّاهِرِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ اسْتِخْدَامٍ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ عَطْفُ الِاسْتِخْدَامِ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ وَكَذَا اسْتِخْدَامُهُ) صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا وَقَالَ: وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلِابْنِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَبَاهُ لِلْخِدْمَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الِاسْتِخْدَامُ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْخِدْمَةُ (قَوْلُهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا) أَيْ لَمْ يُسَمِّهِ تَسْمِيَةً أَوْ سَكَتَ عَنْهُ نَهْرٌ، فَدَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ سَمَّى غَيْرَ مَالٍ كَخَمْرٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ مَجْهُولَ الْجِنْسِ كَدَابَّةٍ وَثَوْبٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 (أَوْ نَفَى إنْ وَطِئَ) الزَّوْجُ (أَوْ مَاتَ عَنْهَا إذَا لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ) يَصْلُحُ مَهْرًا (وَإِلَّا فَذَلِكَ) الشَّيْءُ (هُوَ الْوَاجِبُ، أَوْ سَمَّى خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ هَذَا الْعَبْدَ وَهُوَ حُرٌّ أَوْ هَذَا الْعَبْدَ وَهُوَ حُرٌّ) لِتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ (أَوْ دَابَّةً) أَوْ ثَوْبًا أَوْ دَارًا و (لَمْ يُبَيِّنْ جِنْسَهَا) لِفُحْشِ الْجَهْلِ   [رد المحتار] قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمِنْ صُوَرِ ذَلِكَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ إلَيْهِ أَلْفًا، أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدِهَا أَوْ قَالَتْ زَوَّجْتُك نَفْسِي بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَأَبْرَأْتُك مِنْهَا فَقَبِلَ، أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حُكْمِهَا أَوْ حُكْمِهِ أَوْ حُكْمِ رَجُلٍ آخَرَ، أَوْ عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ أَوْ أَغْنَامِهِ، أَوْ عَلَى أَنْ يَهَبَ لِأَبِيهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ، أَوْ عَلَى تَأْخِيرِ الدَّيْنِ عَنْهَا سَنَةً وَالتَّأْخِيرُ بَاطِلٌ، أَوْ عَلَى إبْرَاءِ فُلَانٍ مِنْ الدَّيْنِ، أَوْ عَلَى عِتْقِ أَخِيهَا أَوْ طَلَاقِ ضَرَّتِهَا؛ وَلَيْسَ مِنْهُ مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ لِوُجُوبِ قِيمَتِهِ إذَا لَمْ يُجِزْ مَالِكُهُ، أَوْ عَلَى حَجَّةٍ لِوُجُوبِ قِيمَةِ حَجَّةٍ وَسَطٍ، لَا مَهْرَ الْمِثْلِ وَالْوَسَطُ بِرُكُوبِ الرَّاحِلَةِ، أَوْ عَلَى عِتْقِ أَخِيهَا عَنْهَا لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهَا فِي الْأَخِ اقْتِضَاءً، أَوْ تَزَوَّجَتْهُ بِمِثْلِ مَهْرِ أُمِّهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ لِأَنَّهُ بِمِقْدَارِهِ، وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا عَلِمَ اهـ مُلَخَّصًا بِاخْتِصَارٍ (قَوْلُهُ أَوْ نَفَى) بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا ط (قَوْلُهُ إنْ وَطِئَ الزَّوْجُ) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا نَهْرٌ أَيْ بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ فَإِنَّهَا كَالْوَطْءِ فِي تَأَكُّدِ الْمَهْرِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ أَوْ مَاتَ عَنْهَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَوْ قَالَ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ مَوْتَهَا كَمَوْتِهِ كَمَا فِي التَّبَيُّنِ. اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا مَاتَا جَمِيعًا فَعِنْدَهُ لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ، وَعِنْدَنَا لَا يُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ. قَالَ السَّرَخْسِيُّ: هَذَا إذَا تَقَدَّمَ الْعَهْدُ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ عَلَى الْقَاضِي الْوُقُوفُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَتَقَادَمْ يُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ أَيْضًا حَمَوِيٌّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ أَبُو السُّعُودِ. [تَنْبِيهٌ] اسْتَفْتَى الشَّيْخُ صَالِحُ بْنُ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْخَيِّرِ الرَّمْلِيِّ عَمَّا لَوْ طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ مَهْرَ مِثْلِهَا قَبْلَ الْوَطْءِ أَوْ الْمَوْتِ هَلْ لَهَا ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَهُ بِمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَجِبُ بِالْعَقْدِ، وَلِهَذَا كَانَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَيَتَأَكَّدُ وَيَتَقَرَّرُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ بِالدُّخُولِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْمَهْرِ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ. اهـ. وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ وَابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ بَسَطَ ذَلِكَ فِي الْخَيْرِيَّةِ فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يَتَرَاضَيَا) أَيْ بَعْدَ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) بِأَنْ تَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ الْوَاجِبُ بِالْوَطْءِ أَوْ الْمَوْتِ أَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَتَجِبُ الْمُتْعَةُ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَمَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ زِيدَ لَا يَتَنَصَّفُ (قَوْلُهُ أَوْ سَمَّى خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا) أَيْ سَمَّى الْمُسْلِمُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ، أَمَّا غَيْرُ الْمُسْلِمِ فَسَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَكَذَا الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ أَصْلًا، وَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ ذِمِّيَّةً لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْخَمْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ فِي حَقِّهِ وَخَرَجَ مَا لَوْ سَمَّى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَرِطْلَ خَمْرٍ فَلَهَا الْمُسَمَّى وَلَا يُكَمِّلُ مَهْرَ الْمِثْلِ بَحْرٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ أَوْ هَذَا الْخَلُّ وَهُوَ خَمْرٌ إلَخْ) أَيْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ إذَا سَمَّى حَلَالًا وَأَشَارَ إلَى حَرَامٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَلَوْ بِالْعَكْسِ كَهَذَا الْحُرِّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ لَهَا الْعَبْدُ الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ، وَأَشَارَ إلَى وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ بِالْأَوْلَى لَوْ كَانَا حَرَامَيْنِ، وَلَوْ كَانَا حَلَالَيْنِ وَقَدْ اخْتَلَفَا جِنْسًا كَمَا إذَا قَالَ عَلَيَّ هَذَا الدَّنُّ مِنْ الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ زَيْتٌ وَعَلَيَّ هَذَا الْعَبْدُ فَإِذَا هُوَ جَارِيَةٌ كَانَ لَهَا مِثْلُ الدَّنِّ خَلًّا وَعَبْدٌ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ إلَّا أَنَّ الَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ الْمُسَمَّى، وَمُقْتَضَاهُ وُجُوبُ عَبْدٍ وَسَطٍ أَوْ قِيمَتِهِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْجَارِيَةِ بَحْرٌ وَنَهْرٌ مُلَخَّصًا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الْقِسْمَةَ رُبَاعِيَّةٌ لِأَنَّهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَا حَرَامَيْنِ أَوْ حَلَالَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِيمَا إذَا كَانَا حَرَامَيْنِ أَوْ الْمُخْتَارُ إلَيْهِ حَرَامًا، وَتَصِحُّ التَّسْمِيَةُ فِي الْبَاقِينَ قَالَ: وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِوُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ عَيْنًا إلَى أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَوْ كَانَ حُرًّا حَرْبِيًّا فَاسْتَرَقَّ وَمَلَكَهُ الزَّوْجُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ. وَفِي الْأَسْرَارِ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْخَمْرُ لَوْ تَخَلَّلَتْ لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهَا (قَوْلُهُ أَوْ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا) لِأَنَّ الثِّيَابَ أَجْنَاسٌ كَالْحَيَوَانِ وَالدَّابَّةِ، فَلَيْسَ الْبَعْضُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 (وَ) تَجِبُ (مُتْعَةٌ لِمُفَوِّضَةٍ) وَهِيَ مَنْ زُوِّجَتْ بِلَا مَهْرٍ (طَلُقَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ، وَهِيَ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ لَا تَزِيدُ عَلَى نِصْفِهِ) أَيْ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ لَوْ الزَّوْجُ غَنِيًّا (وَلَا تَنْقُصُ عَنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ) لَوْ فَقِيرًا   [رد المحتار] أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ بِالْإِرَادَةِ فَصَارَتْ الْجَهَالَةُ فَاحِشَةً بَحْرٌ، ثُمَّ ذَكَرَ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى فَرَسٍ فَالْوَاجِبُ الْوَسَطُ أَوْ قِيمَتُهُ. [مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْمُتْعَةِ] ِ (قَوْلُهُ وَتَجِبُ مُتْعَةٌ لِمُفَوِّضَةٍ) بِكَسْرِ الْوَاوِ مِنْ فَوَّضَتْ أَمْرَهَا لِوَلِيِّهَا وَزَوْجِهَا بِلَا مَهْرٍ، وَبِفَتْحِهَا مِنْ فَوَّضَهَا وَلِيُّهَا إلَى الزَّوْجِ بِلَا مَهْرٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الْمُتْعَةُ مَا يَكُونُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ سَوَاءٌ فَرَضَ بَعْدَهُ أَوْ لَا أَوْ كَانَتْ التَّسْمِيَةُ فِيهِ فَاسِدَةً كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنَّمَا تَجِبُ فِيمَا لَمْ تَصِحَّ فِيهِ التَّسْمِيَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَوْ صَحَّتْ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ وَإِنْ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ، كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَكَرَامَتِهَا أَوْ عَلَى أَلْفٍ وَأَنْ يُهْدِيَ لَهَا هَدِيَّةً، فَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا نِصْفُ الْأَلْفِ لَا الْمُتْعَةُ مَعَ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بِهَا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَا يَنْقُصُ عَنْ الْأَلْفِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لِأَنَّ الْمُسَمَّى لَمْ يَفْسُدْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ كَرَامَتِهَا وَالْإِهْدَاءُ يَجِبُ الْأَلْفُ لَا مَهْرُ الْمِثْلِ اهـ. وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَدَائِعِ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِمَهْرِ الْمِثْلِ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ طَلُقَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ) أَيْ وَالْخَلْوَةِ بَحْرٌ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهَا وَطْءٌ حُكْمًا، وَالْمُرَادُ بِالطَّلَاقِ فُرْقَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ وَلَمْ يُشَارِكْهُ صَاحِبُ الْمَهْرِ فِي سَبَبِهَا طَلَاقًا كَانَتْ أَوْ فَسْخًا: كَالطَّلَاقِ وَالْفُرْقَةِ بِالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ، وَالْجَبِّ، وَالْعُنَّةِ وَالرِّدَّةِ، وَإِبَائِهِ الْإِسْلَامَ وَتَقْبِيلِهِ ابْنَتَهَا أَوْ أُمَّهَا بِشَهْوَةٍ؛ فَلَوْ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا: كَرِدَّتِهَا وَإِبَائِهَا الْإِسْلَامَ، وَتَقْبِيلِهَا ابْنَهُ بِشَهْوَةٍ وَالرَّضَاعِ، وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ، وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَإِنَّهُ لَا مُتْعَةَ لَهَا، لَا وُجُوبًا، وَلَا اسْتِحْبَابًا كَمَا فِي الْفَتْحِ كَمَا لَا يَجِبُ نِصْفُ الْمُسَمَّى لَوْ كَانَ، وَخَرَجَ مَا لَوْ اشْتَرَى هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ مَنْكُوحَتَهُ مِنْ الْمَوْلَى فَإِنَّ مَالِكَ الْمَهْرِ يُشَارِكُ الزَّوْجَ فِي السَّبَبِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَلِذَا لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ وَلَا نِصْفُ الْمُسَمَّى؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهَا الْمَوْلَى مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ مِنْهُ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَهِيَ دِرْعٌ إلَخْ) الدِّرْعُ: بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ مَا تَلْبِسُهُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ الْقَمِيصِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْقَمِيصَ وَهُوَ الظَّاهِرُ بَحْرٌ. وَأَقُولُ: دِرْعُ الْمَرْأَةِ قَمِيصُهَا وَالْجَمْعُ أَدْرُعٌ، وَعَلَيْهِ جَرَى الْعَيْنِيُّ، وَعَزَاهُ فِي الْبِنَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ، فَكَوْنُهُ فِي الذَّخِيرَةِ لَمْ يَذْكُرْهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ الْمُغْرِبِ وَالْخِمَارُ: مَا تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا. وَالْمِلْحَفَةُ: بِكَسْرِ الْمِيمِ مَا تَلْتَحِفُ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدَمِهَا. قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، هَذَا فِي دِيَارِهِمْ، أَمَّا فِي دِيَارِنَا فَيُزَادُ عَلَى هَذَا إزَارٌ وَمِكْعَبٌ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَلَا يَخْفَى إغْنَاءُ الْمِلْحَفَةِ عَنْ الْإِزَارِ، إذْ هِيَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ إزَارٌ إلَّا أَنْ يُتَعَارَفَ تَغَايُرُهُمَا كَمَا فِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ، وَلَوْ دَفَعَ قِيمَتَهَا أُجْبِرَتْ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ نَهْرٌ وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْأَثْوَابِ الثَّلَاثَةِ أَدْنَى الْمُتْعَةِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْكَمَالِ. وَفِي الْبَدَائِعِ وَأَدْنَى مَا تَكْتَسِي بِهِ الْمَرْأَةُ وَتُسَرُّ بِهِ عِنْدَ الْخُرُوجِ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ. اهـ. قُلْت: وَمُقْتَضَى هَذَا مَعَ مَا مَرَّ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّ هَذَا فِي دِيَارِهِمْ إلَخْ أَنْ يُعْتَبَرَ عُرْفُ كُلِّ بَلْدَةٍ لِأَهْلِهَا فِيمَا تَكْتَسِي بِهِ الْمَرْأَةُ عِنْدَ الْخُرُوجِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْمُحَشِّينَ قَالَ: وَفِي الْبُرْجَنْدِيِّ قَالُوا: هَذِهِ فِي دِيَارِهِمْ: أَمَّا فِي دِيَارِنَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ النِّسَاءَ فِي دِيَارِنَا تَلْبَسُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ فَيَزْدَادُ عَلَى ذَلِكَ إزَارٌ وَمِكْعَبٌ. اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْمِكْعَبُ الْمُوَشَّى مِنْ الْبُرُودِ وَالْأَثْوَابِ اهـ. أَيْ الْمَنْقُوشُ (قَوْلُهُ لَا تَزِيدُ عَلَى نِصْفِهِ إلَخْ) فِي الْفَتْحِ عَنْ الْأَصْلِ وَالْمَبْسُوطِ: الْمُتْعَةُ لَا تَزِيدُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 (وَتُعْتَبَرُ) الْمُتْعَةُ (بِحَالِهِمَا) كَالنَّفَقَةِ بِهِ يُفْتَى (وَتُسْتَحَبُّ الْمُتْعَةُ لِمَنْ سِوَاهَا) أَيْ الْمُفَوِّضَةِ (إلَّا مَنْ سُمِّيَ لَهَا مَهْرٌ وَطَلُقَتْ قَبْلَ وَطْءٍ) فَلَا تُسْتَحَبُّ لَهَا بَلْ لِلْمَوْطُوءَةِ سُمِّيَ لَهَا مَهْرٌ أَوْ لَا فَالْمُطَلَّقَاتُ أَرْبَعٌ (وَمَا فُرِضَ) بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ بِفَرْضِ قَاضٍ مَهْرُ الْمِثْلِ (بَعْدَ الْعَقْدِ) الْخَالِي عَنْ الْمَهْرِ (أَوْ زِيدَ) عَلَى مَا سُمِّيَ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ   [رد المحتار] عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهَا خَلْفَهُ، فَإِنْ كَانَا سَوَاءً فَالْوَاجِبُ الْمُتْعَةُ لِأَنَّهَا الْفَرِيضَةُ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ أَقَلَّ مِنْهَا فَالْوَاجِبُ الْأَقَلُّ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ خَمْسَةً فَيُكَمِّلَ لَهَا الْخَمْسَةَ. اهـ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ أَوَّلًا: لَوْ الزَّوْجُ غَنِيًّا، وَثَانِيًا لَوْ فَقِيرًا لَمْ يَظْهَرْ لِي مِنْ وَجْهِهِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجِ فِي الْمُتْعَةِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا بَعْدَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَتُعْتَبَرُ الْمُتْعَةُ بِحَالِهِمَا) أَيْ فَإِنْ كَانَا غَنِيَّيْنِ فَلَهَا الْأَعْلَى مِنْ الثِّيَابِ، أَوْ فَقِيرَيْنِ فَالْأَدْنَى، أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ فَالْوَسَطُ وَمَا ذَكَرَهُ قَوْلُ الْخَصَّافِ، وَفِي الْفَتْحِ: إنَّهُ الْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ. وَالْكَرْخِيُّ: اعْتَبَرَ حَالَهَا وَاخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ اعْتَبَرَ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ، وَالْأَرْجَحُ قَوْلُ الْخَصَّافِ لِأَنَّ الْوَلْوَالِجِيَّ صَحَّحَهُ وَقَالَ عَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا أَفْتَوْا بِهِ فِي النَّفَقَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مُلَاحَظَةَ الْأَمْرَيْنِ، أَيْ أَنَّهَا لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا تَنْقُصُ عَنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ مُعْتَبَرَةً عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ كَمَا هُوَ صَرِيحِ الْأَصْلِ وَالْمَبْسُوطِ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ اعْتِبَارَ كَوْنِ الْمُتْعَةِ وَسَطًا لَا بِغَايَةِ الْجَوْدَةِ وَلَا بِغَايَةِ الرَّدَاءَةِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ لَا يُوَافِقُ رَأْيًا مِنْ الثَّلَاثَةِ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْكُلِّ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ حَالِهَا لَوْ فَقِيرَةً لَهَا كِرْبَاسٌ وَسَطٌ، وَلَوْ مُتَوَسِّطَةً فَقَزٌّ وَسَطٌ، وَلَوْ مُرْتَفِعَةً فَإِبْرَيْسَمٌ وَسَطٌ، وَكَذَا يُقَالُ عَلَى الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ، وَكَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ حَالَهُمَا لَوْ فَقِيرَيْنِ فَلَهَا كِرْبَاسٌ وَسَطٌ أَوْ غَنِيَّيْنِ فَإِبْرَيْسَمٌ وَسَطٌ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ فَقَزٌّ وَسَطٌ. اهـ. وَفِي النَّهْرِ: إنَّ حَمْلَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ عَلَى هَذَا مُمْكِنٌ. وَاعْتِرَاضُ الْفَتْحِ عَلَيْهِ وَارِدٌ مِنْ حَيْثُ الْإِطْلَاقُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ يَجِبُ مِنْ الْقَزِّ أَبَدًا (قَوْلُهُ أَيْ الْمُفَوِّضَةُ) تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي سِوَاهَا، وَإِنَّمَا أَخْرَجَهَا لِأَنَّ مُتْعَتَهَا وَاجِبَةٌ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ إلَّا مَنْ سُمِّيَ لَهَا مَهْرٌ إلَخْ) هَذَا عَلَى مَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ، وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الدُّرَرِ، لَكِنْ مَشَى فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى عَلَى أَنَّهَا تُسْتَحَبُّ لَهَا، وَمِثْلُهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ، وَهُوَ رِوَايَةُ التَّأْوِيلَاتِ وَصَاحِبِ التَّيْسِيرِ وَالْكَشَّافِ وَالْمُخْتَلِفِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا فِي الْبَدَائِعِ، وَعَزَاهُ فِي الْمِعْرَاجِ إلَى زَادِ الْفُقَهَاءِ وَجَامِعِ الْإِسْبِيجَابِيِّ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى إنَّهُ مَشْهُورٌ. وَقَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ إنَّ مَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ لَا يُصَادِمُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ. قُلْت: فَكَيْفَ مَعَ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ. وَعَلَيْهِ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ إسْقَاطُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ. وَفِي الْبَحْرِ: وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْفُرْقَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا تُسْتَحَبُّ لَهَا الْمُتْعَةُ أَيْضًا لِأَنَّهَا الْجَانِيَةُ (قَوْلُهُ بَلْ لِلْمَوْطُوءَةِ إلَخْ) أَيْ بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ بَعْدَ الدُّخُولِ تُسْتَحَبُّ فِيهَا الْمُتْعَةُ إلَّا أَنْ يَرْتَدَّ أَوْ يَأْبَى الْإِسْلَامَ لِأَنَّ الِاسْتِحْبَابَ طَلَبُ الْفَضِيلَةِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا (قَوْلُهُ فَالْمُطَلَّقَاتُ أَرْبَعٌ) أَيْ مُطَلَّقَةٌ قَبْلَ الْوَطْءِ أَوْ بَعْدَهُ سُمِّيَ لَهَا أَوْ لَا، فَالْمُطَلَّقَةُ قَبْلَهُ إنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا فَمُتْعَتُهَا وَاجِبَةٌ، وَإِنْ سَمَّى فَغَيْرُ وَاجِبَةٍ وَلَا مُسْتَحَبَّةٍ أَيْضًا عَلَى مَا هُنَا، وَالْمُطَلَّقَةُ بَعْدَهُ مُتْعَتُهَا مُسْتَحَبَّةٌ، سَمَّى لَهَا أَوْ لَا (قَوْلُهُ أَوْ بِفَرْضِ قَاضٍ مَهْرَ الْمِثْلِ) بِنَصْبِ مَهْرٍ مَفْعُولِ فَرْضٍ، قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ عِنْدَنَا، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ طَلَبَتْ الْفَرْضَ مِنْ الزَّوْجِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْفَرْضُ، حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ نَابَ مَنَابَهُ فِي الْفَرْضِ، وَهَذَا دَلِيلُ الْوُجُوبِ قَبْلَ الْفَرْضِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ) أَيْ الزِّيَادَةُ إنْ وَطِئَ أَوْ مَاتَ عَنْهَا، وَهَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 بِشَرْطِ قَبُولِهَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ قَبُولِ وَلِيِّ الصَّغِيرَةِ وَمَعْرِفَةِ قَدْرِهَا وَبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ عَلَى الظَّاهِرِ نَهْرٌ. وَفِي الْكَافِي: جُدِّدَ النِّكَاحُ بِزِيَادَةِ أَلْفٍ لَزِمَهُ أَلْفَانِ عَلَى الظَّاهِرِ   [رد المحتار] التَّفْرِيعُ مُسْتَفَادٌ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ لَا يُنَصَّفُ. أَيْ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَيُفِيدُ لُزُومُهُ وَتَأَكُّدُهُ بِالدُّخُولِ وَمِثْلُهُ الْمَوْتُ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ قَبُولِهَا إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ وَلَوْ بِلَا شُهُودٍ أَوْ بَعْدَ هِبَةِ الْمَهْرِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ وَهِيَ مِنْ جِنْسِ الْمَهْرِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ بَحْرٌ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ وَلِيٍّ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْأَبَ وَالْجَدَّ لَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ ثُمَّ زَادَ فِي الْمَهْرِ صَحَّ نَهْرٌ. وَفِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا لَفْظُ الزِّيَادَةِ بَلْ تَصِحُّ بِلَفْظِهَا، وَبِقَوْلِهِ رَاجَعْتُك بِكَذَا إنْ قَبِلْت وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ زِدْتُك فِي مَهْرِك، وَكَذَا بِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ الزِّيَادَةِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ لِزَوْجَتِهِ بِمَهْرٍ وَكَانَتْ قَدْ وَهَبَتْهُ لَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إنْ قَبِلَتْ فِي مَجْلِسِ الْإِقْرَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ الزِّيَادَةِ (قَوْلُهُ وَمَعْرِفَةِ قَدْرِهَا) أَيْ الزِّيَادَةِ، فَلَوْ قَالَتْ زِدْتُك فِي مَهْرِك وَلَمْ يُعَيِّنْ لَمْ تَصِحَّ الزِّيَادَةُ لِلْجَهَالَةِ كَمَا فِي الْوَقْعَانِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ إلَخْ) أَيْ الَّذِي فِي الْبَحْرِ أَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ مَوْتِهَا صَحِيحَةٌ إذَا قَبِلَتْ الْوَرَثَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ الْبُيُوعِ اهـ وَعَزَاهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ إلَى الْقُدُورِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْ الزِّيَادَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الرَّجْعِيِّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ انْقَطَعَ النِّكَاحُ وَفَاتَ مَحَلُّ التَّمْلِيكِ وَبِعِدَّةِ الطَّلَاقِ الْمَحَلُّ بَاقٍ، وَقَدْ ثَبَتَ لَهَا ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي الْمَوْتِ، فَفِي الطَّلَاقِ أَوْلَى. وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ الْمُحِيطِ مِنْ رِوَايَةِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ الْفُرْقَةِ بَاطِلَةٌ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي الزِّيَادَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَكُونُ قَدْ مَشَى عَلَى أَصْلِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ الْإِمَامِ فِي الزِّيَادَةِ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ شَيْءٌ، فَيُحْمَلُ الْجَوَابُ فِيهِ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهُ فِي الزِّيَادَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ. اهـ. وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ: قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْجَوَازِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْبَيْنُونَةِ، وَإِلَيْهِ يُرْشِدُ تَقْيِيدُ الْمُحِيطِ بِحَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ، إذْ نَقَلُوا أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ لَا تَصِحُّ، وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ: تَصِحُّ، وَمِنْ ثَمَّ جَزَمَ فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ شَرْطَهَا بَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ، حَتَّى لَوْ زَادَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا لَمْ تَصِحَّ وَالِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ يَقَعُ مُسْتَنِدًا إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ أَوَّلًا فِي الْحَالِ ثُمَّ يَسْتَنِدَ، وَثُبُوتُهُ مُتَعَذِّرٌ لِانْتِفَاءِ الْمَحَلِّ فَتَعَذَّرَ اسْتِنَادُهُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ النَّوَادِرِ. اهـ. قَالَ ط: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ وَالْمِعْرَاجِ مُخَرَّجٌ عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا يُنَافِي مَا فِي التَّبْيِينِ، وَكَوْنُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَدَمُ صِحَّةِ الزِّيَادَةِ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ هُنَا لِفَرْقٍ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ قَامَ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ فَإِنَّهُ فِي النِّكَاحِ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعَدَمِ نِسْيَانِ الْفَضْلِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ مُرَاعَاةِ الْفَضْلِ، يُؤَيِّدُهُ مَشْرُوعِيَّةُ الْمُتْعَةِ فِيهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْكَافِي إلَخْ) حَاصِلُ عِبَارَةِ الْكَافِي: تَزَوَّجَهَا فِي السِّرِّ بِأَلْفٍ ثُمَّ فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَلْفَيْنِ ظَاهِرُ الْمَنْصُوصِ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَلْفَانِ وَيَكُونُ زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْمَهْرُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ لَغْوٌ. فَيَلْغُو مَا فِيهِ. وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَنَّ الثَّانِيَ وَإِنْ لَغَا لَا يَلْغُو مَا فِيهِ مِنْ الزِّيَادَةِ، كَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ الْأَكْبَرِ سِنًّا مِنْهُ هَذَا ابْنِي لَمَّا لَغَا عِنْدَهُمَا لَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ. وَعِنْدَهُ إنْ لَغَا فِي حُكْمِ النَّسَبِ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْعِتْقِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَشْهَدَا عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ هَزْلٌ وَإِلَّا فَلَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ، فَلَوْ ادَّعَى الْهَزْلَ لَمْ يُقْبَلْ بِلَا بَيِّنَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ اعْتَبَرَ مَا فِي الْعَقْدِ الثَّانِي فَقَطْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ تَغْيِيرُ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي، وَبَعْضُهُمْ أَوْجَبَ كِلَا الْمَهْرَيْنِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ ثَبَتَ ثُبُوتًا لَا مَرَدَّ لَهُ وَالثَّانِي زِيَادَةٌ عَلَيْهِ فَيَجِبُ بِكَمَالِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ قَاضِي خَانْ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ الثَّانِي شَيْءٌ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الزِّيَادَةَ فِي الْمَهْرِ، ثُمَّ وَفَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ اللُّزُومَ بِحَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا بِقَصْدِ الزِّيَادَةِ وَإِنْ لَزِمَ فِي حُكْمِ الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ يُؤَاخِذُهُ بِظَاهِرِ لَفْظِهِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْهَزْلِ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ فَرَاجِعْهُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ وَهَبَتْهُ مَهْرَهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِكَذَا مِنْ الْمَهْرِ وَقَبِلَتْ صَحَّ، وَيُحْمَلُ عَلَى الزِّيَادَةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: الْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِلَا قَصْدِ الزِّيَادَةِ (لَا يُنَصَّفُ) لِاخْتِصَاصِ التَّنْصِيفِ بِالْمَفْرُوضِ فِي الْعَقْدِ بِالنَّصِّ، بَلْ تَجِبُ الْمُتْعَةُ فِي الْأَوَّلِ وَنِصْفُ الْأَصْلِ فِي الثَّانِي. (وَصَحَّ حَطُّهَا) لِكُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ (عَنْهُ) قَبْلَ أَوْ لَا، وَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ   [رد المحتار] أَقُولُ: وَبَقِيَ مَا إذَا جَدَّدَ بِمِثْلِ الْمَهْرِ الْأَوَّلِ، وَمُقْتَضَى مَا مَرَّ مِنْ الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ تَغْيِيرِ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالثَّانِي شَيْءٌ هُنَا إذْ لَا زِيَادَةَ فِيهِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يَجِبُ الْمَهْرَانِ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْقُنْيَةِ: جَدَّدَ لِلْحَلَالِ نِكَاحًا بِمَهْرٍ يَلْزَمُ إنْ جَدَّدَهُ لِأَجْلِ الزِّيَادَةِ لَا احْتِيَاطًا اهـ أَيْ لَوْ جَدَّدَهُ لِأَجْلِ الِاحْتِيَاطِ لَا تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ بِلَا نِزَاعٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا صَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ أَوْ أَشْهَدَ، وَإِلَّا فَلَا يُصَدَّقُ فِي إرَادَتِهِ الِاحْتِيَاطَ كَمَا مَرَّ عَنْ الْجُمْهُورِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ مَهْرِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ (قَوْلُهُ وَيُحْمَلُ عَلَى الزِّيَادَةِ) لِوُجُوبِ تَصْحِيحِ التَّصَرُّفِ مَا أَمْكَنَ، وَاشْتَرَطَ الْقَبُولَ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْمَهْرِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ فَتْحٌ عَنْ التَّجْنِيسِ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ، لَكِنْ ارْتَضَى فِي الْفَتْحِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِأَنَّهُ حَيْثُ ثَبَتَ جَوَازُ الزِّيَادَةِ فِي الْمَهْرِ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَيْهَا بِقَرِينَةِ الْهِبَةِ الدَّالَّةِ عَلَى إرَادَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ لِقَصْدِ التَّعْوِيضِ عَنْهُ، فَلَا يُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الزِّيَادَةَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا يُنَصَّفُ) أَيْ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ بَحْرٌ، وَهَذَا خَبَرُ قَوْلِهِ وَمَا فُرِضَ إلَخْ (قَوْلُهُ بِالْمَفْرُوضِ) مُتَعَلِّقٌ بِاخْتِصَاصٍ، وَقَوْلُهُ فِي الْعَقْدِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَفْرُوضِ، وَقَوْلُهُ بِالنَّصِّ: أَيْ قَوْله تَعَالَى - {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]- مُتَعَلِّقٌ بِاخْتِصَاصٍ: أَيْ وَمَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ زِيدَ بَعْدَهُ لَيْسَ مَفْرُوضًا فِي الْعَقْدِ (قَوْلُهُ بَلْ تَجِبُ الْمُتْعَةُ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِيمَا لَوْ فَرَضَ بَعْدَ الْعَقْدِ لِأَنَّ هَذَا الْفَرْضَ تَعْيِينٌ لِوَاجِبِ الْعَقْدِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَذَلِكَ لَا يَنْتَصِفُ فَكَذَا مَا نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ نَهْرٌ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهَا نِصْفُ مَا فَرَضَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ وَنِصْفُ الْأَصْلِ فِي الثَّانِي) أَيْ فِيمَا لَوْ زَادَ بَعْدَ الْعَقْدِ [مَطْلَبٌ فِي حَطِّ الْمَهْرِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ] ُ (قَوْلُهُ وَصَحَّ حَطُّهَا) الْحَطُّ: الْإِسْقَاطُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَقَيَّدَ بِحَطِّهَا لِأَنَّ حَطَّ أَبِيهَا غَيْرُ صَحِيحٍ لَوْ صَغِيرَةً، وَلَوْ كَبِيرَةً تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهَا. فَفِي هِبَةِ الْخُلَاصَةِ خَوْفُهَا بِضَرْبٍ حَتَّى وَهَبَتْ مَهْرَهَا لَمْ يَصِحَّ لَوْ قَادِرًا عَلَى الضَّرْبِ. اهـ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْإِكْرَاهِ وَلَوْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَةُ الطَّوْعِ أَوْلَى قُنْيَةٌ. وَأَنْ لَا تَكُونَ مَرِيضَةً مَرَضَ الْمَوْتِ. وَلَوْ اخْتَلَفَ مَعَ وَرَثَتِهَا فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ أَنَّهُ كَانَ فِي الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْمَهْرَ خُلَاصَةٌ. وَلَوْ وَهَبَتْهُ فِي مَرَضِهَا فَمَاتَ قَبْلَهَا فَلَا دَعْوَى لَهَا بَلْ لِوَرَثَتِهَا بَعْدَ مَوْتِهَا، وَتَمَامُ الْفُرُوعِ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِكُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ) قَيَّدَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِمَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا أَيْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ لِأَنَّ الْحَطَّ فِي الْأَعْيَانِ لَا يَصِحُّ بَحْرٌ. وَمَعْنَى عَدَمِ صِحَّتِهِ أَنَّ لَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ مِنْهُ مَا دَامَ قَائِمًا، فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ سَقَطَ الْمَهْرُ عَنْهُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: أَبْرَأْتُك عَنْ هَذَا الْعَبْدِ يَبْقَى الْعَبْدُ وَدِيعَةً عِنْدَهُ. اهـ. نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ) أَيْ كَهِبَةِ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ ذَكَرَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ بَحْثًا وَقَالَ لَمْ أَرَهُ. وَاسْتَدَلَّ لَهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا فِي مُدَايَنَاتِ الْقُنْيَةِ قَالَتْ لِزَوْجِهَا أَبْرَأْتُك وَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت، أَوْ كَانَ غَائِبًا فَقَالَتْ أَبْرَأْت زَوْجِي يُبَرَّأُ زَوْجِي إلَّا إذَا رَدَّهُ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ إنَّمَا هُوَ رَدَّ الْحَطَّ وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى أَنَّ الْحَطَّ إبْرَاءٌ مَعْنًى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 (وَالْخَلْوَةُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي كَالْوَطْءِ (بِلَا مَانِعٍ حِسِّيٍّ) كَمَرَضٍ لِأَحَدِهِمَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ (وَطَبْعِيٍّ) كَوُجُودِ ثَالِثٍ عَاقِلٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ، وَجَعَلَهُ فِي الْأَسْرَارِ مِنْ الْحِسِّيِّ، وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ لِلطَّبْعِيِّ مِثَالٌ مُسْتَقِلٌّ (وَشَرْعِيٍّ) كَإِحْرَامٍ لِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ. (وَ) مِنْ الْحِسِّيِّ (رَتَقٌ) بِفَتْحَتَيْنِ: التَّلَاحُمُ (وَقَرْنٌ) بِالسُّكُونِ: عَظْمٌ (وَعَفَلٌ) بِفَتْحَتَيْنِ: غُدَّةٌ (وَصِغَرٌ) وَلَوْ بِزَوْجٍ (لَا يُطَاقُ مَعَهُ الْجِمَاعُ   [رد المحتار] قَوْلُهُ كَمَرَضٍ لِأَحَدِهِمَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ) أَيْ أَوْ يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَقِيلَ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي مَرَضِهَا، وَأَمَّا مَرَضُهُ فَمَانِعٌ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ تَكَسُّرٍ وَفُتُورٍ عَادَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. قُلْت: إنْ كَانَ التَّكَسُّرُ وَالْفُتُورُ مِنْهُ مَانِعًا مِنْ الْوَطْءِ أَوْ مُضِرًّا لَهُ كَانَ مِثْلَ الْمَرْأَةِ فِي اشْتِرَاطِ الْمَنْعِ أَوْ الضَّرَرِ وَإِلَّا فَهُوَ كَالصَّحِيحِ، فَمَا وَجْهُ كَوْنِ مَرَضِهِ مَانِعًا مِنْ صِحَّةِ الْخُلُوِّ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ مَرَضَهُ فِي الْعَادَةِ يَكُونُ مَانِعًا مِنْ وَطْئِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِ التَّفْصِيلِ فِيهِ بِخِلَافِ مَرَضِهَا فَتَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْخَلْوَةِ (قَوْلُهُ وَجَعَلَهُ فِي الْأَسْرَارِ مِنْ الْحِسِّيِّ) قُلْت: وَجَعَلَهُ فِي الْبَحْرِ مَانِعًا لِتَحَقُّقِ الْخَلْوَةِ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ لِإِقَامَةِ الْخَلْوَةِ مَقَامَ الْوَطْءِ شُرُوطًا أَرْبَعَةً: الْخَلْوَةُ الْحَقِيقِيَّةُ، وَعَدَمُ الْمَانِعِ الْحِسِّيِّ أَوْ الطَّبَعِيِّ أَوْ الشَّرْعِيِّ، فَالْأَوَّلُ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ ثَالِثٌ فَلَيْسَتْ بِخَلْوَةٍ وَعَنْ مَكَان لَا يَصْلُحُ لِلْخَلْوَةِ كَالْمَسْجِدِ وَالطَّرِيقِ الْعَامِّ وَالْحَمَّامِ إلَخْ. ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْأَسْرَارِ أَنَّ هَذَيْنِ مِنْ الْمَانِعِ الْحِسِّيِّ، وَعَلَيْهِ فَالْمَانِعُ الْحِسِّيُّ مَا يَمْنَعُهَا مِنْ أَصْلِهَا أَوْ مَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا بَعْدَ تَحَقُّقِهَا كَالْمَرَضِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ لِلطَّبَعِيِّ مِثَالٌ مُسْتَقِلٌّ) فَإِنَّهُمْ مَثَّلُوا لِلطَّبَعِيِّ بِوُجُودِ ثَالِثٍ وَبِالْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ مَعَ أَنَّ الْأَوْلَى مَنْهِيٌّ شَرْعًا وَيَنْفِرُ الطَّبْعُ عَنْهُ فَهُوَ مَانِعٌ حِسِّيٌّ طَبَعِيٌّ شَرْعِيٌّ، وَالثَّانِي طَبَعِيٌّ شَرْعِيٌّ، نَعَمْ سَيَأْتِي عَنْ السَّرَخْسِيِّ أَنَّ جَارِيَةَ أَحَدِهِمَا تَمْنَعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجَةِ بِحَضْرَتِهَا طَبْعًا مَعَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ شَرْعًا، فَهُوَ مَانِعٌ طَبَعِيٌّ لَا شَرْعِيٌّ، لَكِنَّهُ حِسِّيٌّ أَيْضًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَإِحْرَامٍ لِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ) لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ قَبْلَ وُقُوفِ عَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ طَوَافٍ. وَأَطْلَقَ فِي إحْرَامِ النَّفْلِ فَعَمَّ مَا إذَا كَانَ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا إنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ط. قُلْت: فَالظَّاهِرُ التَّعْمِيمُ الْأَخِيرُ غَيْرُ مُرَادٍ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْحُرْمَةُ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ (قَوْلُهُ وَمِنْ الْحِسِّيِّ إلَخْ) لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ الْعَطْفِ يَقْتَضِي أَنَّ الرَّتْقَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ يَخْرُجُ عَنْ الْمَوَانِعِ الثَّلَاثَةِ مَعَ أَنَّهَا مِنْ الْحِسِّيِّ قَدَّرَهُ الشَّارِحُ ط (قَوْلُهُ بِالسُّكُونِ) نَقَلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ لِلْقَاضِي زَكَرِيَّا أَنَّ الْقَرَنَ بِفَتْحِ رَائِهِ أَرْجَحُ مِنْ إسْكَانِهَا (قَوْلُهُ عَظْمٌ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُغْرِبِ: الْقَرَنُ فِي الْفَرْجِ مَانِعٌ يَمْنَعُ مِنْ سُلُوكِ الذَّكَرِ فِيهِ إمَّا غُدَّةٌ غَلِيظَةٌ أَوْ لَحْمٌ أَوْ عَظْمٌ وَامْرَأَةٌ رَتْقَاءُ بِهَا ذَلِكَ اهـ وَمُقْتَضَاهُ تَرَادُفُ الْقَرَنِ وَالرَّتْقِ (قَوْلُهُ وَعَفَلٌ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ، وَقَوْلُهُ غُدَّةٌ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ فِي خَارِجِ الْفَرْجِ. فَفِي الْقَامُوسِ إنَّهُ شَيْءٌ يَخْرُجُ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ شَبِيهٌ بِالْأُدْرَةِ لِلرِّجَالِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِزَوْجٍ) الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ: أَيْ وَلَوْ كَانَ الصِّغَرُ مُصَاحِبَ الزَّوْجِ، يَعْنِي لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا صَغِيرًا. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي خَلْوَةِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ قَوْلَانِ وَجَزَمَ قَاضِي خَانْ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدَ وَلِذَا قَيَّدَ فِي الذَّخِيرَةِ بِالْمُرَاهِقِ اهـ وَتَجِبُ الْعِدَّةُ بِخَلْوَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً لِأَنَّ تَصْرِيحَهُمْ بِوُجُوبِهَا بِالْخَلْوَةِ الْفَاسِدَةِ شَامِلٌ لِخَلْوَةِ الصَّبِيِّ كَذَا فِي الْبَحْرِ مِنْ بَابِ الْعِدَّةِ (قَوْلُهُ لَا يُطَاقُ مَعَهُ الْجِمَاعُ) وَقَدَرَتْ الْإِطَاقَةَ بِالْبُلُوغِ، وَقِيلَ بِالتِّسْعِ وَالْأَوْلَى عَدَمُ التَّقْدِيرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ: وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ تُطِيقُهُ وَأَرَادَ الدُّخُولَ وَأَنْكَرَ الْأَبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 وَ) بِلَا (وُجُودِ ثَالِثٍ مَعَهُمَا) وَلَوْ نَائِمًا أَوْ أَعْمَى (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الثَّالِثُ (صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ) بِأَنْ لَا يُعَبِّرُ عَمَّا يَكُونُ بَيْنَهُمَا (أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ) لَكِنْ فِي. الْبَزَّازِيَّةِ: إنْ فِي اللَّيْلِ صَحَّتْ لَا فِي النَّهَارِ، وَكَذَا الْأَعْمَى فِي الْأَصَحِّ (أَوْ جَارِيَةَ أَحَدِهِمَا) فَلَا تَمْنَعُ بِهِ يُفْتَى مُبْتَغًى (وَالْكَلْبُ يَمْنَعُ إنْ) كَانَ (عَقُورًا) مُطْلَقًا. وَفِي الْفَتْحِ: وَعِنْدِي أَنَّ كَلْبَهُ لَا يَمْنَعُ مُطْلَقًا (أَوْ) كَانَ (لِلزَّوْجَةِ وَإِلَّا) يَكُنْ عَقُورًا وَكَانَ لَهُ (لَا) يَمْنَعُ وَبَقِيَ مِنْهُ   [رد المحتار] فَالْقَاضِي يُرِيهَا لِنِسَاءٍ وَلَمْ يَعْتَبِرْ السِّنَّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَبِلَا وُجُودِ ثَالِثٍ) قَدَّرَ قَوْلَهُ بِلَا لِيَكُونَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ بِلَا مَانِعٍ حِسِّيٍّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ طَبْعِيٌّ فَقَطْ، لَكِنْ عَلِمْت مَا فِيهِ. قَالَ ط: وَلَا يَتَكَرَّرُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ ذَاكَ تَمْثِيلٌ مِنْ الشَّارِحِ وَهَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ تَقْيِيدٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَائِمًا أَوْ أَعْمَى) لِأَنَّ الْأَعْمَى يُحِسُّ، وَالنَّائِمُ يَسْتَيْقِظُ وَيَتَنَاوَمُ فَتْحٌ، وَدَخَلَ فِيهِ الزَّوْجَةُ الْأُخْرَى وَهُوَ الْمَذْهَبُ، بِنَاءً عَلَى كَرَاهَةِ وَطْئِهَا بِحَضْرَةِ ضَرَّتِهَا بَحْرٌ. قُلْت: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ. وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُجَامِعَ زَوْجَتَهُ وَأَمَتَهُ بِحَضْرَةِ النَّائِمِينَ إذَا كَانُوا لَا يَعْلَمُونَ بِهِ، فَإِنْ عَلِمُوهُ كُرِهَ اهـ وَمُقْتَضَاهُ صِحَّةُ الْخَلْوَةِ عِنْدَ تَحَقُّقِ النَّوْمِ تَأَمَّلْ. وَفِي الْبَحْرِ: وَفَصَّلَ فِي الْمُبْتَغَى فِي الْأَعْمَى، فَإِنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى حَالَةٍ تَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ أَصَمَّ إنْ كَانَ نَهَارًا لَا تَصِحُّ وَإِنْ كَانَ لَيْلًا تَصِحُّ اهـ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْأَصَمِّ غَيْرَ الْأَعْمَى، أَمَّا لَوْ كَانَ أَعْمَى أَيْضًا فَلَا فَرْقَ فِي حَقِّهِ بَيْنَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ) وَقِيلَ يَمْنَعَانِ فَتْحٌ قُلْت: يَظْهَرُ لِي الْمَنْعُ فِي الْمَجْنُونِ لِأَنَّهُ أَقْوَى حَالًا مِنْ الْكَلْبِ الْعَقُورِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْأَعْمَى) قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي حَقِّهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) زَادَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ، ثُمَّ قَالَ: وَجَزَمَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَمْنَعُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ غِشْيَانِهَا بَيْنَ يَدَيْ أَمَتِهِ طَبْعًا اهـ أَيْ وَكَذَا بَيْنَ يَدَيْ أَمَتِهَا بِالْأَوْلَى لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ لَا تَحِلُّ لَهُ. قُلْت: وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: لَوْ كَانَ الثَّالِثُ جَارِيَةً لَهُ، رُوِيَ أَنَّ مُحَمَّدًا كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا تَصِحُّ خَلْوَتُهُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا تَصِحُّ اهـ وَلَعَلَّ وَجْهَ الْأَوَّلِ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِوَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ بِمُعَايَنَةِ الْأَمَةِ دُونَ عَكْسِهِ، لَكِنَّ هَذَا يَظْهَرُ فِي أَمَتِهِ دُونَ أَمَتِهَا، عَلَى أَنَّ نَفْيَ الْبَأْسِ شَرْعًا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ نُفْرَةِ الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ عَنْهُ، وَحَيْثُ كَانَ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ كَمَا مَرَّ، وَعَزَاهُ أَيْضًا فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ إلَى الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ وَالْخَانِيِّةِ: لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ لِمُوَافَقَتِهِ الدِّرَايَةَ وَالرِّوَايَةَ، وَلِذَا قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: الْعَجَبُ كَيْفَ يُجْعَلُ الْمَذْهَبُ الْمُفْتَى بِهِ مَا هُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْإِمَامِ وَصَاحِبِيهِ مَعَ عَدَمِ اتِّجَاهِهِ فِي الْمَعْنَى (قَوْلُهُ إنْ كَانَ عَقُورًا مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ كَلْبُهُ أَوْ كَلْبُهَا (قَوْلُهُ لَا يَمْنَعُ مُطْلَقًا) أَيْ عَقُورًا أَوْ لَا، وَعَلَّلَهُ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْكَلْبَ قَطُّ لَا يَعْتَدِي عَلَى سَيِّدِهِ وَلَا عَلَى مَنْ يَمْنَعُهُ مِنْ سَيِّدِهِ عَنْهُ. اهـ. وَحِينَئِذٍ فَلَوْ رَآهُ الْكَلْبُ فَوْقَهَا يَكُونُ سَيِّدُهُ فِي صُورَةِ الْغَالِبِ لَهَا فَلَا يَعْدُو عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَمَرَهَا الزَّوْجُ أَنْ تَكُونَ فَوْقَهُ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي صُورَةِ الْغَالِبَةِ لَهُ وَأَمْكَنَ أَنْ يَعْدُوَ عَلَيْهَا الْكَلْبُ لَكِنْ يَمْنَعُهُ سَيِّدُهُ عَنْهَا فَتَصِحُّ الْخَلْوَةُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ لِلزَّوْجَةِ) أَيْ أَوْ كَانَ غَيْرَ عَقُورٍ وَكَانَ لِلزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَانِعًا لَكِنْ مُقْتَضَى مَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَلْبِهِ وَكَلْبِهَا لِأَنَّ كَلْبَهَا وَإِنْ رَآهَا تَحْتَ الزَّوْجِ يُمْكِنُ أَنْ تَمْنَعَهُ عَنْهُ فَلَا يَعْدُو عَلَيْهِ فَتَصِحُّ الْخَلْوَةُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَانَ لَهُ) بِالْوَاوِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِأَوْ وَهُوَ تَحْرِيفٌ. اهـ. ح أَيْ لِأَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعٌ: عَقُورٌ لَهُ أَوْ لَهَا، وَغَيْرُ عَقُورٍ كَذَلِكَ، فَذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ الْمَانِعَ ثَلَاثُ صُوَرٍ: عَقُورٌ مُطْلَقًا، وَغَيْرُ عَقُورٍ هُوَ لَهَا وَبَقِيَ غَيْرُ مَانِعٍ. الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ هِيَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ عَقُورٍ وَكَانَ لَهُ (قَوْلُهُ وَبَقِيَ إلَخْ) وَبَقِيَ أَيْضًا مِنْ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ أَنْ يُعَلِّقَ طَلَاقَهَا فَإِذَا خَلَا بِهَا طَلُقَتْ فَيَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا عَنْ الْوَاقِعَاتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 عَدَمُ صَلَاحِيَةِ الْمَكَانِ كَمَسْجِدٍ وَطَرِيقٍ وَحَمَّامٍ وَصَحْرَاءَ وَسَطْحِ وَبَيْتٍ بَابُهُ مَفْتُوحٌ، وَمَا إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا. (وَصَوْمُ التَّطَوُّعِ وَالْمَنْذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْقَضَاءِ غَيْرُ مَانِعٍ لِصِحَّتِهَا) فِي الْأَصَحِّ، إذْ لَا كَفَّارَةَ بِالْإِفْسَادِ وَمَفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ نَاسِيًا فَأَمْسَكَ فَخَلَا بِهَا   [رد المحتار] قَالَ: وَزَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ فِي هَذَا الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْوَطْءِ وَسَيَأْتِي وُجُوبُهَا فِي الْخَلْوَةِ الْفَاسِدَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَتَجِبُ الْعِدَّةُ هُنَا احْتِيَاطًا اهـ وَمَشَى الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي فِي صَفْحَةٍ عَلَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ فِيهِ وَسَيَأْتِي أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ افْتَرَقَا أَنَّ امْتِنَاعَهَا مِنْ تَمْكِينِهِ فِي الْخَلْوَةِ يَمْنَعُ صِحَّتَهَا لَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا، لَا لَوْ بِكْرًا (قَوْلُهُ عَدَمُ صَلَاحِيَةِ الْمَكَانِ) أَيْ لِلْخَلْوَةِ وَصَلَاحِيَتِهِ، بِأَنْ يَأْمَنَا فِيهِ اطِّلَاعَ غَيْرِهِمَا عَلَيْهِمَا كَالدَّارِ وَالْبَيْتِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَقْفٌ، وَكَذَا الْمَحَلُّ الَّذِي عَلَيْهِ قُبَّةٌ مَضْرُوبَةٌ، وَالْبُسْتَانُ الَّذِي لَهُ بَابٌ مُغْلَقٌ، بِخِلَافِ مَا لَيْسَ لَهُ بَابٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَحَدٌ بَحْرٌ؛ وَلَوْ كَانَا فِي مَخْزَنٍ مِنْ خَانٍ يَسْكُنُهُ النَّاسُ فَرَدَّ الْبَابَ وَلَمْ يُغْلِقْ وَالنَّاسُ قُعُودٌ فِي وَسَطِهِ غَيْرُ مُتَرَصِّدِينَ لِنَظَرِهِمَا صَحَّتْ، وَإِنْ كَانُوا مُتَرَصِّدِينَ فَلَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَمَسْجِدٍ وَطَرِيقٍ) لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَجْمَعُ النَّاسِ فَلَا يَأْمَنُ الدُّخُولَ عَلَيْهِ سَاعَةً فَسَاعَةً وَكَذَا الْوَطْءُ فِيهِ حَرَامٌ. قَالَ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] وَالطَّرِيقُ مَمَرُّ النَّاسِ عَادَةً وَذَلِكَ يُوجِبُ الِانْقِبَاضَ فَيَمْنَعُ الْوَطْءَ بَدَائِعُ. قُلْت: وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَكَذَا الْوَطْءُ فِيهِ حَرَامٌ إلَخْ أَنَّهُ مَانِعٌ وَإِنْ كَانَ خَالِيًا وَبَابُهُ مُغْلَقٌ فَتَأَمَّلْ. وَفِي الْفَتْحِ وَلَوْ سَافَرَ بِهَا فَعَدَلَ عَنْ الْجَادَّةِ بِهَا إلَى مَكَان خَالٍ فَهِيَ صَحِيحَةٌ (قَوْلُهُ وَحَمَّامٍ) أَيْ بَابُهُ مَفْتُوحٌ، أَمَّا لَوْ كَانَ مَقْفُولًا عَلَيْهِمَا وَحْدَهُمَا فَلَا مَانِعَ مِنْ صِحَّتِهَا كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَسَطْحٍ) أَيْ لَيْسَ عَلَى جَوَانِبِهِ سُتُرٌ وَكَذَا إذَا كَانَ السِّتْرُ رَقِيقًا أَوْ قَصِيرًا بِحَيْثُ لَوْ قَامَ إنْسَانٌ يَطَّلِعُ عَلَيْهِمَا فَتْحٌ. وَفِيهِ: وَلَا تَصِحُّ فِي الْمَسْجِدِ وَالْحَمَّامِ. وَقَالَ شَدَّادٌ: إنْ كَانَتْ ظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ صَحَّتْ لِأَنَّهَا كَالسَّاتِرِ. وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ تَصِحُّ عَلَى سَطْحٍ لَا سَاتِرَ لَهُ إذَا كَانَتْ ظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ. وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا تَصِحَّ لِأَنَّ الْمَانِعَ الْإِحْسَاسُ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْبَصَرِ؛ أَلَا تَرَى إلَى الِامْتِنَاعِ لِوُجُودِ الْأَعْمَى وَلَا إبْصَارَ لِلْإِحْسَاسِ. اهـ. قُلْت: الْإِحْسَاسُ إنَّمَا يُمْكِنُ إذَا كَانَ مَعَهُمَا أَحَدٌ عَلَى السَّطْحِ، أَمَّا لَوْ كَانَ فَوْقَهُ وَحْدَهُمَا وَأَمِنَا مِنْ صُعُودِ أَحَدٍ إلَيْهِمَا لَمْ يَبْقَ الْإِحْسَاسُ إلَّا بِالْبَصَرِ وَالظُّلْمَةِ الشَّدِيدَةِ تَمْنَعُهُ كَمَا لَا يَخْفَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَبَيْتٍ بَابُهُ مَفْتُوحٌ) أَيْ بِحَيْثُ لَوْ نَظَرَ إنْسَانٌ رَآهُمَا، وَفِيهِ خِلَافٌ. فَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: إنْ كَانَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمَا أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنٍ فَهِيَ خَلْوَةٌ. وَاخْتَارَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ مَانِعٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ بَحْرٌ. وَوَجْهُهُ أَنَّ إمْكَانَ النَّظَرِ مَانِعٌ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الدُّخُولِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ (وَقَوْلُهُ وَمَا إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا) لِأَنَّ التَّمَكُّنَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ الْمَعْرِفَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَعْرِفْهُ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ وَطْئِهَا إذَا عَرَفَهَا وَلَمْ تَعْرِفْهُ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ. وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَعْرِفْهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ مِنْهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَمْنَعُهُ مِنْ وَطْئِهَا بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَانِعًا فَتَأَمَّلْ ح. قُلْت: إنَّ هَذَا الْمَانِعَ بِيَدِهِ إزَالَتُهُ، بِأَنْ يُخْبِرَهَا أَنَّهُ زَوْجُهَا فَلَمَّا جَاءَ التَّقْصِيرُ مِنْ جِهَتِهِ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ الْخَلْوَةِ فَيَلْزَمُ الْمَهْرُ ط (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) أَيْ أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، لَكِنْ صَرَّحَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّ رِوَايَةَ الْمَنْعِ فِي التَّطَوُّعِ شَاذَّةٌ وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الْخَانِيَّةِ: وَفِي صَوْمِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْمَنْذُورَاتِ رِوَايَتَانِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْخُلُوَّ وَصَوْمُ التَّطَوُّعِ لَا يَمْنَعُهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَقِيلَ يَمْنَعُ. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 أَنْ تَصِحَّ وَكَذَا كُلُّ مَا أَسْقَطَ الْكَفَّارَةَ نَهْرٌ (بَلْ الْمَانِعُ صَوْمُ رَمَضَانَ) أَدَاءً وَصَلَاةُ الْفَرْضِ فَقَطْ (كَالْوَطْءِ) فِيمَا يَجِيءُ (وَلَوْ) كَانَ الزَّوْجُ (مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا أَوْ خَصِيًّا) أَوْ خُنْثَى إنْ ظَهَرَ حَالُهُ وَإِلَّا فَنِكَاحُهُ مَوْقُوفٌ، وَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْأَشْبَاهِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا بَسَطَهُ فِي النَّهْرِ.   [رد المحتار] وَقَوْلُ الْكَنْزِ وَصَوْمُ الْفَرْضِ يَدْخُلُ فِيهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَاتُ وَالْمَنْذُورَاتُ فَيَكُونُ اخْتِيَارًا مِنْهُ لِرِوَايَةِ الْمَنْعِ فِي غَيْرِ التَّطَوُّعِ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ فِيهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ جَائِزٌ فِي رِوَايَةٍ، وَيُؤَيِّدُ مَا فِي الْكَنْزِ تَعْبِيرُ الْخَانِيَّةِ بِالْأَصَحِّ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ مُقَابِلَهُ صَحِيحٌ، وَكَذَا قَوْلُ الْهِدَايَةِ وَصَوْمُ الْقَضَاءِ وَالْمُنْذَرِ كَالتَّطَوُّعِ فِي رِوَايَةٍ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ رِوَايَةَ كَوْنِهِمَا كَصَوْمِ رَمَضَانَ أَقْوَى، وَبِهَذَا يَتَأَيَّدُ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صَوْمُ الْفَرْضِ وَلَوْ مَنْذُورًا مَانِعًا اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يَحْرُمُ إفْسَادُهُ وَإِنْ كَانَ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ فَهُوَ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ. اهـ. (قَوْلُهُ أَنْ تَصِحَّ) أَيْ الْخَلْوَةُ، لِسُقُوطِ الْكَفَّارَةِ بِشُبْهَةٍ خِلَافُ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَرَى الْفِطْرَ بِأَكْلِهِ نَاسِيًا وَلَا كَفَّارَةَ ط (قَوْلُهُ وَكَذَا كُلُّ مَا أَسْقَطَ الْكَفَّارَةَ) كَشُرْبٍ وَجِمَاعٍ نَاسِيًا وَنِيَّةٍ نَهَارًا وَنِيَّةٍ نَفْلًا ط (قَوْلُهُ وَصَلَاةُ الْفَرْضِ فَقَطْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَا شَكَّ أَنَّ إفْسَادَ الصَّلَاةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ حَرَامٌ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا، فَيَنْبَغِي أَنْ تُمْنَعَ مُطْلَقًا، مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ الصَّلَاةَ الْوَاجِبَةَ لَا تُمْنَعُ كَالنَّفْلِ مَعَ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا. وَأَغْرَبُ مِنْهُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ لَا تُمْنَعُ إلَّا الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا بِمِثْلِ هَذَا الْعُذْرِ اهـ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ وَأَنَّ الْوَاجِبَةَ تَمْنَعُ الْأُولَى. اهـ. قُلْت: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا فِي إحْرَامِ الْحَجِّ بَيْنَ فَرْضِهِ وَنَفْلِهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي لُزُومِ الْقَضَاءِ وَالدَّمِ. وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. أَمَّا الصَّوْمُ فَظَاهِرٌ لِلُزُومِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ فِي فَرْضِهِ، بِخِلَافِ نَفْلِهِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِيهِ بِالْفِطْرِ يَسِيرٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا الْقَضَاءُ لَا غَيْرُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مُشْكِلٌ، إذْ لَيْسَ فِي فَرْضِهَا ضَرَرٌ زَائِدٌ عَلَى الْإِثْمِ وَلُزُومِ الْقَضَاءِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي نَفْلِهَا وَوَاجِبِهَا، نَعَمْ الْإِثْمُ فِي الْفَرْضِ أَعْظَمُ وَفِي كَوْنِهِ مَنَاطًا لِمَنْعِ صِحَّةِ الْخُلُوِّ خَفَاءٌ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ كَالنَّفْلِ، وَلَعَلَّ هَذَا وَجْهُ اخْتِيَارِ الْكَنْزِ إطْلَاقَ فَرْضِ الصَّوْمِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَكَذَا الصَّلَاةُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا كَفَرْضِ الصَّوْمِ، بِخِلَافِ نَفْلِهِ لِأَنَّهُ أَوْسَعُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ إفْطَارُهُ بِلَا عُذْرٍ فِي رِوَايَةٍ، وَنَفْلُ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ قَطْعُهُ بِلَا عُذْرٍ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ فَكَانَ كَفَرْضِهَا، وَلَعَلَّ الْمُجْتَهِدَ قَامَ عِنْدَهُ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا لَمْ يَظْهَرْ لَنَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فِيمَا يَجِيءُ) أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ مَجْبُوبًا) أَيْ مَقْطُوعَ الذَّكَرِ وَالْخُصْيَتَيْنِ، مِنْ الْجَبِّ: وَهُوَ الْقَطْعُ. قَالَ فِي الْغَايَةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَطْعَ الْخُصْيَتَيْنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْمَجْبُوبِ، وَلِذَا اقْتَصَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ عَلَى قَطْعِ الذَّكَرِ ح عَنْ النَّهْرِ. (قَوْلُهُ أَوْ خَصِيًّا) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٌ، وَهُوَ مَنْ سُلَّتْ خُصْيَتَاهُ وَبَقِيَ ذَكَرُهُ ح (قَوْلُهُ إنْ ظَهَرَ حَالُهُ) أَيْ إنْ ظَهَرَ قَبْلَ الْخَلْوَةِ أَنَّ هَذَا الزَّوْجَ وَالْخُنْثَى رَجُلٌ وَظَهَرَ أَنَّ نِكَاحَهُ صَحِيحٌ فَإِنَّ وَطْأَهُ حِينَئِذٍ جَائِزٌ فَتَكُونُ الْخَلْوَةُ كَالْوَطْءِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَالنِّكَاحُ مَوْقُوفٌ لَا يُبِيحُ الْوَطْءَ فَلَا تَكُونُ خَلْوَتُهُ كَالْوَطْءِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمَا فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ أَطْلَقَ صِحَّةَ خَلْوَتِهِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِظُهُورِ حَالِهِ، وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ سَتَعْرِفُهُ (قَوْلُهُ فِي النَّهْرِ) عِبَارَتُهُ: وَيَجِبُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَنْ ظَهَرَ حَالُهُ أَمَّا الْمُشْكِلُ فَنِكَاحُهُ مَوْقُوفٌ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ حَالُهُ، وَلِهَذَا لَا يُزَوِّجُهُ وَلِيُّهُ مَنْ تَخْتِنُهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمَوْقُوفُ لَا يُفِيدُ إبَاحَةَ النَّظَرِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ اهـ أَيْ فَلَا يُبِيحُ الْوَطْءَ بِالْأَوْلَى فَلَا تَصِحُّ خَلْوَتُهُ كَالْخَلْوَةِ بِالْحَائِضِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ قَبْلَ التَّبْيِينِ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَفَادَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ يَتَبَيَّنُ بِالْبُلُوغِ، فَإِنْ ظَهَرَتْ فِيهِ عَلَامَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 وَفِيهِ عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّ الْعُنَّةَ قَدْ تَكُونُ لِمَرَضٍ أَوْ ضَعْفِ خِلْقَةٍ أَوْ كِبَرِ سِنٍّ (فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ) وَلَوْ مِنْ الْمَجْبُوبِ (وَ) فِي (تَأَكُّدِ الْمَهْرِ) الْمُسَمَّى (وَ) مَهْرِ الْمِثْلِ بِلَا تَسْمِيَةٍ وَ (النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالْعِدَّةِ وَحُرْمَةِ نِكَاحِ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا) فِي عِدَّتِهَا (وَحُرْمَةِ نِكَاحِ الْأَمَةِ وَمُرَاعَاةِ وَقْتِ الطَّلَاقِ فِي حَقِّهَا)   [رد المحتار] الرَّجُلِ وَقَدْ زَوَّجَهُ أَبُوهُ امْرَأَةً حُكِمَ بِصِحَّةِ نِكَاحِهِ مِنْ حِينِ عَقْدِ الْأَبِ، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا أُجِّلَ كَالْعِنِّينِ، وَإِنْ زَوَّجَ رَجُلًا تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ صِحَّةِ خَلْوَتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ عَلِمْت أَنَّ مَا نَقَلَهُ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْأَصْلِ: لَوْ زَوَّجَهُ أَبُوهُ رَجُلًا فَوَصَلَ إلَيْهِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ؛ أَوْ امْرَأَةً فَبَلَغَ فَوَصَلَ إلَيْهَا جَازَ وَإِلَّا أُجِّلَ كَالْعِنِّينِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. أَيْ أَنَّ ظَاهِرَ مَا فِي الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ وُصُولِ الرَّجُلِ إلَيْهِ أَيْ وَطْئِهِ لَهُ أَوْ بِوُصُولِهِ إلَى الْمَرْأَةِ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَلَوْ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَظُهُورِ عَلَامَةٍ فِيهِ، وَأَنَّ الْوَطْءَ يَحِلُّ قَبْلَ التَّبْيِينِ، وَأَنَّ الْخَلْوَةَ بِهِ صَحِيحَةٌ، وَأَنَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ قَدْ تَبَيَّنَ حَالُهُ وَقَدْ لَا يَتَبَيَّنُ مَعَ أَنَّهُ فِي الْمَبْسُوطِ جَزَمَ بِتَبَيُّنِ حَالِهِ بِالْبُلُوغِ، وَأَنَّهُ قَبْلَ التَّبَيُّنِ يَكُونُ نِكَاحُهُ مَوْقُوفًا فَهُوَ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ صِحَّةِ الْخَلْوَةِ قَبْلَ التَّبَيُّنِ لِعَدَمِ حِلِّ الْوَطْءِ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ جَازَ مَعْنَاهُ جَازَ الْعَقْدُ بَيَّنَ بِذَلِكَ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ ذَلِكَ رَافِعٌ لِإِشْكَالِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ حِلُّ الْوَطْءِ، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ: أَيْ إنْ لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ هَذِهِ الْعَلَامَةُ لَا أَحْكُمُ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَلَا بِعَدَمِهَا بَلْ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى ظُهُورِ عَلَامَةٍ أُخْرَى وَقَوْلُ الْمَبْسُوطِ إنَّ يَتَبَيَّنُ بِالْبُلُوغِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَالِبِ؛ وَإِلَّا فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ قَدْ يَبْقَى حَالُهُ مُشْكِلًا بَعْدَهُ. كَمَا إذَا حَاضَ مِنْ فَرْجِ النِّسَاءِ وَأَمْنَى مِنْ فَرْجِ الرِّجَالِ؛ وَقَدْ يُتَبَيَّنُ حَالُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ كَأَنْ يَبُولَ مِنْ أَحَدِ الْفَرْجَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَتَصِحُّ خَلْوَتُهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَقْيِيدَ صِحَّةِ الْخَلْوَةِ بِتَبَيُّنِ حَالِهِ ظَاهِرٌ لِعَدَمِ حِلِّ الْوَطْءِ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ لِمَرَضٍ إلَخْ) وَكَذَا السِّحْرُ، وَيُسَمَّى الْمَعْقُودُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ عَنْ الْوَهْبَانِيَّةِ (قَوْلُهُ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ إلَخْ) الَّذِي حَقَّقَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا ثُمَّ رَآهُ مَنْقُولًا عَنْ الْخَصَّافِ أَنَّ الْخَلْوَةَ لَمْ تَقُمْ مُقَامَ الْوَطْءِ إلَّا فِي حَقِّ تَكْمِيلِ الْمَهْرِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ. قَالَ: مَا سِوَاهُ فَهُوَ مِنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ كَالنَّسَبِ، أَيْ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ خَلْوَةٌ أَصْلًا، كَمَا فِي تَزَوُّجِ مَشْرِقِيٍّ مَغْرِبِيَّةً أَوْ مِنْ أَحْكَامِ الْعِدَّةِ كَالْبَقِيَّةِ. وَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ النَّهْرِ حَيْثُ تَابَعَ أَخَاهُ فِي هَذَا التَّحْقِيقِ ثُمَّ خَالَفَهُ النَّظْمُ الْآتِي. وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ سَبَقَهُ إلَيْهِ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي عَقْدِ الْفَوَائِدِ. لَكِنَّهُ أَفَادَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَوْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الطَّلَاقِ ثَبَتَ نَسَبُهُ لِلتَّيَقُّنِ بِأَنَّ الْعُلُوقَ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَأَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَلَوْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ لِعَدَمِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ اخْتَلَى بِهَا فَطَلَّقَهَا يَثْبُتُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. قَالَ: فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَكُونُ الْخُصُوصِيَّةُ لِلْخَلْوَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ الْمَجْبُوبِ) لِإِمْكَانِ إنْزَالِهِ بِالسِّحَاقِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْعِنِّينِ أَنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ إذَا خَلَا بِهَا ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ جَاءَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ (قَوْلُهُ وَفِي تَأَكُّدِ الْمَهْرِ) أَيْ فِي خَلْوَةِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، أَمَّا الْفَاسِدُ فَيَجِبُ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْوَطْءِ لَا بِالْخَلْوَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ فِيهِ، فَكَانَ كَالْخَلْوَةِ بِالْحَائِضِ (قَوْلُهُ وَالْعِدَّةِ) وُجُوبُهَا مِنْ أَحْكَامِ الْخَلْوَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ صَحِيحَةً أَمْ لَا ط: أَيْ إذَا كَانَتْ فِيهِ نِكَاحٌ صَحِيحٌ، أَمَّا الْفَاسِدُ فَتَجِبُ فِيهِ الْعِدَّةُ بِالْوَطْءِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ فِي عِدَّتِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِنِكَاحٍ وَالْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَحُرْمَةِ نِكَاحِ الْأَمَةِ ط (قَوْلُهُ وَحُرْمَةِ نِكَاحِ الْأَمَةِ) أَيْ لَوْ طَلَّقَ الْحُرَّةَ بَعْدَ الْخَلْوَةِ بِهَا لَا يَصِحُّ تَزَوُّجُهُ أَمَةً مَا دَامَتْ الْحُرَّةُ فِي الْعِدَّةِ وَلَوْ الطَّلَاقُ بَائِنًا (قَوْلُهُ وَمُرَاعَاةِ وَقْتِ الطَّلَاقِ فِي حَقِّهَا) بَيَانُهُ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ طَلَاقُهَا فِي الْحَيْضِ بِدْعِيٌّ فَلَا يَحِلُّ بَلْ يُطَلِّقُهَا وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَا وَطْءٌ فِيهِ وَهُوَ أَحْسَنُ أَوْ ثَلَاثَةً مُتَفَرِّقَةً فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ لَا وَطْءٌ فِيهَا وَهُوَ حَسَنٌ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ فَإِنَّ طَلَاقَهَا وَاحِدَةً وَلَوْ فِي الْحَيْضِ حَسَنٌ، وَإِذَا كَانَتْ الْمُخْتَلَى بِهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 وَكَذَا فِي وُقُوعِ طَلَاقٍ بَائِنٍ آخَرَ عَلَى الْمُخْتَارِ (لَا) تَكُونُ كَالْوَطْءِ (فِي حَقِّ) بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ كَالْغُسْلِ وَ (الْإِحْصَانِ وَحُرْمَةِ الْبَنَاتِ وَحِلِّهَا لِلْأَوَّلِ وَالرَّجْعَةِ   [رد المحتار] كَالْمَوْطُوءَةِ تَوَقَّفَ طَلَاقُهَا بِالطُّهْرِ فَلَا يَحِلُّ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي وُقُوعِ طَلَاقٍ بَائِنٍ آخَرَ إلَخْ) فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقٌ آخَرُ فِي عِدَّةِ الْخَلْوَةِ، وَقِيلَ لَا اهـ وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَأَمَّا وُقُوعُ طَلَاقٍ آخَرَ فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ فَقَدْ قِيلَ لَا يَقَعُ وَقِيلَ يَقَعُ، وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَمَّا اخْتَلَفَتْ يَجِبُ الْقَوْلُ بِالْوُقُوعِ احْتِيَاطًا، ثُمَّ هَذَا الطَّلَاقُ يَكُونُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَكُونُ بَائِنًا اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَشَرْحِهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا خَلَا بِهَا خَلْوَةً صَحِيحَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً فَلَا شُبْهَةَ فِي وُقُوعِهَا، فَإِذَا طَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ طَلْقَةً أُخْرَى فَمُقْتَضَى كَوْنِهَا مُطَلَّقَةً قَبْلَ الدُّخُولِ أَنْ لَا تَقَعَ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ، لَكِنْ لَمَّا اخْتَلَفَتْ الْأَحْكَامُ فِي الْخَلْوَةِ فِي أَنَّهَا تَارَةً تَكُونُ كَالْوَطْءِ وَتَارَةً لَا تَكُونُ جَعَلْنَاهَا كَالْوَطْءِ فِي هَذَا فَقُلْنَا بِوُقُوعِ الثَّانِيَةِ احْتِيَاطًا لِوُجُودِهَا فِي الْعِدَّةِ، وَالْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ آخَرُ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً بِخِلَافِ هَذِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَ كَوْنِ الطَّلَاقِ الثَّانِي بَائِنًا هُوَ الِاحْتِيَاطُ أَيْضًا، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلطَّلَاقِ الْأَوَّلِ. وَأَفَادَ الرَّحْمَتِيُّ أَنَّهُ بَائِنٌ أَيْضًا لِأَنَّ طَلَاقَ قَبْلِ الدُّخُولِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْعِدَّةِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِجَعْلِنَا الْخَلْوَةَ كَالْوَطْءِ احْتِيَاطًا، فَإِنَّ الظَّاهِرَ وُجُودُ الْوَطْءِ فِي الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ وَلِأَنَّ الرَّجْعَةَ حَقُّ الزَّوْجِ وَإِقْرَارُهُ بِأَنَّهُ طَلَّقَ قَبْلَ الْوَطْءِ يَنْفُذُ عَلَيْهِ فَيَقَعُ بَائِنًا، وَإِذَا كَانَ الْأَوَّلُ لَا تَعْقُبُهُ الرَّجْعَةُ يَلْزَمُ كَوْنُ الثَّانِي مِثْلَهُ. اهـ. وَيُشِيرُ إلَى هَذَا قَوْلُ الشَّارِحِ طَلَاقٌ بَائِنٌ آخَرُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْأَوَّلَ بَائِنٌ أَيْضًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي قَرِيبًا مِنْ أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ بَعْدَهُ، وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ، وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الذَّخِيرَةِ هُوَ الطَّلَاقُ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَافْهَمْ. ثُمَّ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ وُقُوعُ الْبَائِنِ أَوَّلًا وَثَانِيًا وَإِنْ كَانَ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ، وَطَلَاقُ الْمَوْطُوءَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَيُخَالِفُ الْخَلْوَةُ الْوَطْءَ فِي ذَلِكَ. وَأَجَابَ ح: بِأَنَّ الْمُرَادَ التَّشْبِيهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ وَهُوَ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وُقُوعَ طَلَاقٍ بَعْدَ آخَرَ. اهـ. وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّ الْبَائِنَ قَدْ يَلْحَقُ الْبَائِنَ فِي الْمَوْطُوءِ فَلَا يَدْفَعُ الْمُخَالَفَةَ الْمَذْكُورَةَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَالْغُسْلِ) أَيْ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمُجَرَّدِ الْخَلْوَةِ بِخِلَافِ الْوَطْءِ (قَوْلُهُ وَالْإِحْصَانِ) فَلَوْ زَنَى بَعْدَ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ لَا يَلْزَمُهُ الرَّجْمُ لِفَقْدِ شَرْطِ الْإِحْصَانِ وَهُوَ الْوَطْءُ. قَالَ فِي عَقْدِ الْفَرَائِدِ: وَهَذَا إنْ لَمْ يَفْهَمْ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالرَّجُلِ فَهُوَ سَاكِتٌ عَنْ ثُبُوتِ الْإِحْصَانِ لَهَا بِذَلِكَ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِيهِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ فِيهِ صَرِيحٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْت: وَفِي الْبَحْرِ وَلَمْ يُقِيمُوهَا مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ الْإِحْصَانِ إنْ تَصَادَقَا عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ، وَإِنْ أَقَرَّا بِهِ لَزِمَهُمَا حُكْمُهُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَحَدُهُمَا صَدَقَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ دُونَ صَاحِبِهِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَحُرْمَةُ الْبَنَاتِ) أَيْ لَمْ يُقِيمُوا الْخُلُوَّ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي ذَلِكَ، فَلَوْ خَلَا بِزَوْجَتِهِ بِدُونِ وَطْءٍ وَلَا مَسٍّ بِشَهْوَةٍ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ بَنَاتُهَا، بِخِلَافِ الْوَطْءِ وَالْكَلَامُ فِي الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّبْيِينِ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِمَا، فَمَا حَرَّرَهُ فِي عَقْدِ الْفَرَائِدِ مِمَّا حَاصِلُهُ أَنَّ حُرْمَةَ الْبَنَاتِ بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ لَا خِلَافَ بَيْنَ الصَّاحِبَيْنِ، وَالْخِلَافُ فِي الْفَاسِدَةِ. قَالَ الثَّانِي تَحْرُمُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَحْرُمُ فَهُوَ ضَعِيفٌ، وَمِمَّا ادَّعَاهُ مِنْ عَدَمِ الْخِلَافِ مَمْنُوعٌ كَمَا بَسَطَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَحِلِّهَا لِلْأَوَّلِ) أَيْ لَا تَحِلُّ مُطَلَّقَةُ الثَّلَاثِ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ بِمُجَرَّدِ خَلْوَةِ الثَّانِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وَطْئِهِ لِحَدِيثِ الْعُسَيْلَةِ (قَوْلُهُ وَالرَّجْعَةِ) أَيْ لَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْخَلْوَةِ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 وَالْمِيرَاثِ) وَتَزْوِيجُهَا كَالْأَبْكَارِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَمَا نَظَمَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ فَقَالَ: وَخَلْوَةُ الزَّوْجِ مِثْلُ الْوَطْءِ ... فِي صُوَرٍ وَغَيْرُهُ وَبِهَذَا الْعَقْدِ تَحْصِيلُ تَكْمِيلُ مَهْرٍ وَإِعْدَادٍ كَذَا نَسَبٌ ... إنْفَاقٌ سُكْنَى وَمَنْعُ الْأُخْتِ مَقْبُولُ وَأَرْبَعٌ وَكَذَا قَالُوا الْإِمَا وَلَقَدْ ... رَاعَوْا زَمَانَ فِرَاقٍ فِيهِ تَرْحِيلُ وَأَوْقَعُوا فِيهِ تَطْلِيقًا إذَا لَحِقَا ... وَقِيلَ لَا وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ الْقِيلُ أَمَّا الْمَعَايِرُ فَالْإِحْصَانُ يَا أَمَلِي ... وَرَجْعَةٌ وَكَذَا التَّوْرِيثُ مَعْقُولُ سُقُوطُ وَطْءٍ وَإِحْلَالٍ لَهَا وَكَذَا ... تَحْرِيمُ بِنْتٍ نِكَاحُ الْبِكْرِ مَبْذُولُ كَذَلِكَ الْفَيْءُ وَالتَّكْفِيرُ مَا فَسَدَتْ ... عِبَادَةٌ وَكَذَا بِالْغُسْلِ تَكْمِيلُ   [رد المحتار] بَعْدَ الطَّلَاقِ الصَّرِيحِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ بَحْرٌ: أَيْ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بَائِنًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَالْمِيرَاثِ) أَيْ لَوْ طَلَّقَهَا وَمَاتَ وَهِيَ فِي عِدَّةِ الْخَلْوَةِ لَا تَرِثُ بَزَّازِيَّةٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى. وَحَكَى ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي عَقْدِ الْفَرَائِدِ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهَا تَرِثُ وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَعَلَى هَذَا أَيْ مَا فِي الشَّرْحِ لَوْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ قَبْلَ الْوَطْءِ وَمَاتَ فِي عِدَّتِهَا لَا تَرِثُ، وَبِهِ جَزَمَ الطَّوَّاقِيُّ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى هَذَا الشَّرْحِ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ تِلْمِيذُهُ حَامِدْ أَفَنْدِي الْعِمَادِيُّ مُفْتِي دِمَشْقَ اهـ. (قَوْلُهُ وَتَزْوِيجِهَا كَالْأَبْكَارِ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ كَالثَّيِّبَاتِ لِيُوَافِقَ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْمَعْطُوفَاتِ فَإِنَّهَا مِنْ خَوَاصِّ الْوَطْءِ دُونَ الْخَلْوَةِ، فَالْمَعْنَى أَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْوَطْءِ فِي تَزْوِيجِهَا كَالثَّيِّبَاتِ بَلْ تُزَوَّجُ كَالْأَبْكَارِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ عَلَى الْمُخْتَارِ) وَمَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ أَنَّهَا تُزَوَّجُ كَمَا تُزَوَّجُ الثَّيِّبُ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرِ السَّبْعَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ زِيَادَةِ أَرْبَعَةٍ أُخْرَى فِي النَّظْمِ الْمَذْكُورِ، وَهِيَ: سُقُوطُ الْوَطْءِ، وَالْفَيْءِ، وَالتَّكْفِيرِ، وَعَدَمِ فَسَادِ الْعِبَادَةِ. وَبَقِيَ مَسْأَلَتَانِ أَيْضًا لَمْ يَذْكُرْهُمَا لِعَدَمِ تَسْلِيمِهِمَا، وَهُمَا أَنَّ الْخَلْوَةَ لَا تَكُونُ إجَازَةَ النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَمْنَعُ نَفْسَهَا لِلْمَهْرِ بَعْدَهَا عِنْدَهُمَا. أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَهَا الْمَنْعُ بَعْدَ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ، وَزَادَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ أَيْضًا بَقَاءَ عُنَّةِ الْعِنِّينِ، وَيُمْكِنُ دُخُولُهَا فِي النَّظْمِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى مِثْلٍ وَالضَّمِيرُ لِلْوَطْءِ أَيْ وَمُغَايَرَةٌ لِلْوَطْءِ فِي إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً (قَوْلُهُ وَبِهَذَا الْعَقْدِ تَحْصِيلٌ) جُمْلَةُ مَنْ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَالْعِقْدُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ شُبِّهَ الشِّعْرُ الْمَنْظُومُ بِعِقْدِ الدُّرِّ الْمَنْظُومِ (قَوْلُهُ تَكْمِيلُ مَهْرٍ إلَخْ) بَيَانٌ لِصُوَرِ الْمُمَاثَلَةِ (قَوْلُهُ وَإِعْدَادٌ) بِالْكَسْرِ، وَالْمُرَادُ الْعِدَّةُ (قَوْلُهُ وَأَرْبَعٍ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْأُخْتِ (قَوْلُهُ الْإِمَا) جَمْعُ أَمَةٍ، وَقَصَرَهُ لِلضَّرُورَةِ؛ وَلَوْ أَسْقَطَ لَامَ وَلَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْ قَصْرِهِ (قَوْلُهُ فِرَاقٍ فِيهِ تَرْحِيلُ) الْمُرَادُ بِهِ الطَّلَاقُ. اهـ. ح. وَأَمَّا التَّرْحِيلُ، فَهُوَ مِنْ تَرَحَّلَ الْقَوْمُ عَنْ الْمَكَانِ: انْتَقَلُوا: أَيْ طَلَاقٌ فِيهِ نَقْلُ الزَّوْجَةِ مِنْ بَيْتِهِ أَوْ مِنْ عِصْمَتِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَأَوْقَعُوا فِيهِ) أَيْ فِي الْإِعْدَادِ بِمَعْنَى الْعِدَّةِ. اهـ. ح فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى مَذْكُورٍ وَهُوَ الْإِعْدَادُ الْمَذْكُورُ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إذَا لَحِقَا) الضَّمِيرُ لِلتَّطْلِيقِ وَالْأَلِفُ لِلْإِطْلَاقِ. اهـ. ح وَالْمُرَادُ بِلِحَاقِهِ وُقُوعُهُ فِي الْعِدَّةِ بَعْدَ طَلَاقٍ سَابِقٍ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ الْقِيلُ) بَدَلٌ مِنْ الْأَوَّلِ ح (قَوْلُهُ وَرَجْعَةٌ) أَيْ فِي صُورَتَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي قَوْلِهِ وَالرَّجْعَةُ (قَوْلُهُ سُقُوطُ وَطْءٍ) أَيْ مَا يَلْزَمُهُ فِيهِ بِالْوَطْءِ لَا يَسْقُطُ بِالْخَلْوَةِ، فَحَقُّ الزَّوْجَةِ فِي الْقَضَاءِ الْوَطْءُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْخَلْوَةِ وَكَذَا الْعِنِّينُ إذَا اخْتَلَى بِهَا لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْوَطْءُ بِهَا، فَلِلزَّوْجَةِ طَلَبُ التَّفْرِيقِ، وَعَلَى هَذَا الْحَلِّ يُسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ بَقَاءِ الْعُنَّةِ الْمَذْكُورِ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ، لَكِنْ يُسْتَغْنَى بِهِ أَيْضًا عَنْ ذِكْرِ الْفَيْءِ فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُمَا مَعًا أَوْ إسْقَاطَهُمَا مَعًا تَأَمَّلْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 (وَلَوْ افْتَرَقَا فَقَالَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَالَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَالْقَوْلُ لَهَا) لِإِنْكَارِهَا سُقُوطَ نِصْفِ الْمَهْرِ؛ وَإِنْ أَنْكَرَ الْوَطْءَ وَلَوْ لَمْ تُمَكِّنْهُ فِي الْخَلْوَةِ، فَإِنْ بِكْرًا صَحَّتْ وَإِلَّا لَا لِأَنَّ الْبِكْرَ إنَّمَا تُوطَأُ كَرْهًا   [رد المحتار] قَوْلُهُ كَذَلِكَ الْفَيْءُ) يَعْنِي إنْ آلَى مِنْهَا ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْمُدَّةِ كَانَ فَيْئًا، وَإِنْ خَلَا بِهَا لَا اهـ ح (قَوْلُهُ التَّكْفِيرُ) يَعْنِي إنْ وَطِئَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ خَلَا بِهَا لَا اهـ ح وَفِي النَّهْرِ: وَعَدُّ التَّكْفِيرِ هُنَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي، إذْ الْكَلَامُ فِي الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ وَصَوْمُ الْأَدَاءِ يُفْسِدُهَا كَمَا مَرَّ ط (قَوْلُهُ مَا فَسَدَتْ عِبَادَةٌ) مَا نَافِيَةٌ، يَعْنِي إنْ وَطِئَهَا فِي عِبَادَةٍ يُفْسِدُهَا الْوَطْءُ فَسَدَتْ وَإِنْ خَلَا بِهَا لَا. اهـ. ح. وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ عَلَى سَابِقِهِ، فَإِنَّ مَا يَفْسُدُ بِالْوَطْءِ كَالْإِحْرَامِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْمَنْذُورُ يُفْسِدُ الْخَلْوَةَ وَالْكَلَامَ فِي الصَّحِيحَةِ، إلَّا أَنْ يُمَثِّلَ بِمَا لَا يُفْسِدُ الْخَلْوَةَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ كَصَوْمِ غَيْرِ الْأَدَاءِ وَصَلَاةِ النَّافِلَةِ تَأَمَّلْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَنْبَغِي إسْقَاطُ التَّكْفِيرِ وَفَسَادِ الْعِبَادَةِ وَزِيَادَةُ فَقْدِ الْعُنَّةِ، فَتَصِيرُ الْأَحْكَامُ الَّتِي خَالَفَتْ الْخَلْوَةَ فِيهَا الْوَطْءَ عَشَرَةً، وَقَدْ نَظَمْتُهَا فِي بَيْتَيْنِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهَا لِلْعِلْمِ بِأَنَّ مَا سِوَاهَا لَا يُخَالِفُ فِيهَا الْخَلْوَةُ الْوَطْءَ فَقُلْت وَخَلْوَتُهُ كَالْوَطْءِ فِي غَيْرِ عَشَرَةٍ ... مُطَالَبَةٌ بِالْوَطْءِ إحْصَانٌ تَحْلِيلٌ وَفَيْءٌ وَإِرْثٌ رَجْعَةٌ فَقْدُ عُنَّةٍ ... وَتَحْرِيمُ بِنْتٍ عَقْدُ بِكْرٍ وَتَغْسِيلٌ (قَوْلُهُ فَقَالَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ) يُطْلَقُ الدُّخُولُ عَلَى الْوَطْءِ وَعَلَى الْخَلْوَةِ الْمُجَرَّدَةِ، وَالْمُتَبَادِرُ مِنْهُ الْأَوَّلُ، وَالْمُرَادُ هُنَا الِاخْتِلَافُ فِي الْخَلْوَةِ مَعَ الْوَطْءِ، أَوْ فِي الْخَلْوَةِ الْمُجَرَّدَةِ لَا فِي الْوَطْءِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْخَلْوَةِ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ مُؤَكِّدَةٌ لِتَمَامِ الْمَهْرِ فَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْخَلْوَةِ لَمْ تَظْهَرْ ثَمَرَةٌ لِلِاخْتِلَافِ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لَهَا لِإِنْكَارِهَا سُقُوطَ نِصْفِ الْمَهْرِ) كَذَا فِي الْقُنْيَةِ لِلزَّاهِدِيِّ، وَنَظَمَهُ ابْنُ وَهْبَانَ وَقَالَ فِي شَرْحِهِ إنَّهُ تَتَبَّعَ هَذَا الْفَرْعَ فَمَا ظَفِرَ بِهِ وَلَا وَجَدَ مَا يُنَاقِضُهُ وَوَجْهُهُ مَاشٍ عَلَى الْقَوَاعِدِ لِأَنَّ الْقَوْلَ لِلْمُنْكِرِ. اهـ. قُلْت: رَأَيْته فِي حَاوِي الزَّاهِدِيِّ أَيْضًا، وَحَكَى فِيهِ قَوْلَيْنِ، فَذَكَرَ مَا مَرَّ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ وَكِتَابٍ آخَرَ، ثُمَّ عَزَا إلَى الْأَسْرَارِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُجُوبَ الزِّيَادَةِ عَلَى النِّصْفِ. اهـ. وَيَظْهَرُ لِي أَرْجَحِيَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَلِذَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَالدُّخُولُ أَوْ الْمَوْتُ مُؤَكِّدٌ لَهُ وَالطَّلَاقُ قَبْلَهُمَا مُنَصِّفٌ لَهُ فَسَبَبُ وُجُوبِ الْكُلِّ مُتَحَقِّقٌ وَالْمُصَنَّفُ لَهُ عَارِضٌ، وَالْمَرْأَةُ تُنْكِرُ الْعَارِضَ وَتَتَمَسَّكُ بِالسَّبَبِ الْمُحَقَّقِ الْمُوجِبِ لِلْكُلِّ وَلِذَا تَثْبُتُ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِتَمَامِ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَا يَعُودُ نِصْفُ الْمَهْرِ الْمَقْبُوضِ إلَى مِلْكِهِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمَرْأَةِ فِيهِ وَالزَّوْجِ وَإِنْ أَنْكَرَ الزِّيَادَةَ عَلَى النِّصْفِ لَكِنَّهُ مُقِرٌّ بِسَبَبِهَا، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالْغَصْبِ وَادَّعَى الرَّدَّ وَكَذَّبَهُ الْمَالِكُ فَدَعْوَاهُ الرَّدَّ إنْكَارٌ لِلضَّمَانِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِسَبَبِهِ فَلَا يُقْبَلُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَنْكَرَ الْوَطْءَ) كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَإِنْ أَنْكَرَ الدُّخُولَ لِمَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا لَيْسَ فِي الْوَطْءِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْخَلْوَةِ، لِيَكُونَ إشَارَةً إلَى رَدِّ مَا قَالَهُ فِي الْأَسْرَارِ: أَيْ أَنَّ إنْكَارَهُ لَا يُعْتَبَرُ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ مُدَّعٍ لِسُقُوطِ النِّصْفِ بِالْعَارِضِ عَلَى السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْكُلِّ فَكَانَ إنْكَارُهَا هُوَ الْمُعْتَبَرَ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَإِنْ أَنْكَرَتْ بِالتَّاءِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْقَوْلَ لَهَا وَإِنْ أَنْكَرَتْ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا فِي هَذَا الدُّخُولِ الَّذِي ادَّعَتْهُ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَإِنْ اعْتَرَفَتْ بِعَدَمِ الْوَطْءِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ الْوَطْءَ حَتَّى يُقَابَلَ بِإِنْكَارِهَا لَهُ (قَوْلُهُ إنَّمَا تُوطَأُ كَرْهًا) لِأَنَّهَا تَسْتَحِي بِالطَّبْعِ، فَلَمْ تَكُنْ بِالِامْتِنَاعِ مُخْتَارَةً لِعَدَمِ تَأَكُّدِ الْمَهْرِ، بِخِلَافِ الثَّيِّبِ لِأَنَّ امْتِنَاعَهَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِهَا لِعَدَمِ تَأَكُّدِ الْمَهْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 كَمَا بَحَثَهُ الطَّرَسُوسِيُّ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ. (وَلَوْ قَالَ إنْ خَلَوْت بِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَلَا بِهَا طَلُقَتْ) بَائِنًا لِوُجُودِ الشَّرْطِ (وَوَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ) وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بَزَّازِيَّةٌ (وَتَجِبُ الْعِدَّةُ فِي الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ أَنْوَاعِ الْخَلْوَةِ وَلَوْ فَاسِدًا (احْتِيَاطًا) أَيْ اسْتِحْسَانًا لِتَوَهُّمِ الشُّغْلِ (وَقِيلَ) قَائِلُهُ الْقُدُورِيُّ وَاخْتَارَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَقَاضِي خَانْ (إنْ كَانَ الْمَانِعُ شَرْعِيًّا) كَصَوْمٍ (وَتَجِبُ) الْعِدَّةُ   [رد المحتار] قَوْلُهُ كَمَا بَحَثَهُ الطَّرَسُوسِيُّ) أَيْ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَالْبَحْثُ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّ الطَّرَسُوسِيَّ نَقَلَ أَوَّلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ إذَا خَلَا بِهَا وَلَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ نَفْسِهَا اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ قَالَ: وَفِي طَلَاقِ النَّوَازِلِ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ وَقَالَ قُلْته عَلَى وَجْهِ التَّفَقُّهِ وَلَمْ أَظْفَرْ فِيهِ بِنَقْلٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التَّوْفِيقَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ هَذَا إذَا صَدَّقَتْهُ فِي ذَلِكَ، فَلَوْ كَذَّبَتْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ (قَوْلُهُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ تَبَعًا لِشَيْخِهِ صَاحِبِ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَخَلَا بِهَا) أَيْ خَلْوَةً صَحِيحَةً لِأَنَّهَا الْمُتَبَادِرُ مِنْ لَفْظِ الْخَلْوَةِ. اهـ. ح. أَيْ فِي قَوْلِ الْحَالِفِ إنْ خَلَوْت بِك فَيُرَادُ بِهَا الْخَالِيَةُ عَمَّا يَمْنَعُهَا أَوْ يُفْسِدُهَا مِمَّا مَرَّ، وَالْمُرَادُ مَا يُفْسِدُهَا مِنْ غَيْرِ التَّعْلِيقِ، لِمَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيقَ مُفْسِدٌ لَهَا، فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِمْ، الْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَالْخَلْوَةِ الْفَاسِدَةِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ مَعَ أَنَّهَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَاسِدَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ، فَالْمُرَادُ بِالصَّحِيحَةِ فِيهِ الْخَالِيَةُ عَمَّا يُفْسِدُهَا سِوَى فَسَادِ النِّكَاحِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ بَائِنًا) لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الطَّلَاقَ الْوَاقِعَ بَعْدَ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ يَكُونُ بَائِنًا مِنَحٌ. أَيْ فَهُنَا أَوْلَى لِعَدَمِ صِحَّتِهَا فَإِنَّهَا لَا تُمَاثِلُ الْوَطْءَ إلَّا فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ ط (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ) عِلَّةٌ لِطَلُقَتْ، وَأَمَّا عِلَّةُ كَوْنِهِ بَائِنًا فَهِيَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمِنَحِ أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ وَوَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَهِيَ لِعَدَمِ الْخَلْوَةِ الْمُمَكِّنَةِ مِنْ الْوَطْءِ. اهـ. أَيْ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِمُجَرَّدِ الْخَلْوَةِ فَكَانَ غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ مِنْ الْوَطْءِ شَرْعًا (قَوْلُهُ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهِمَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي وُجُوبُهَا فِي الْخَلْوَةِ الْفَاسِدَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَتَجِبُ الْعِدَّةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ احْتِيَاطًا. اهـ. وَاعْتَرَضَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِقَوْلِهِ كَيْفَ الْقَطْعُ بِوُجُوبِهَا مَعَ مُصَادَمَتِهِ لِلنَّقْلِ، عَلَى أَنَّ هَذِهِ مُطَلَّقَةٌ قَبْلَ الدُّخُولِ فَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ وَالْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ لَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ فَلَيْسَتْ مِنْ قِسْمِ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ وَلَا الْفَاسِدَةِ فَتَأَمَّلْ، وَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِمْ إنَّمَا تُقَامُ مَقَامَ الْوَطْءِ إذَا تَحَقَّقَ التَّسْلِيمُ. اهـ. أَقُولُ: التَّسْلِيمُ مِنْهَا مَوْجُودٌ وَلَكِنْ عَاقَهُ مَانِعٌ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ التَّعْلِيقُ كَالْعِنِّينِ، وَكَمَا لَوْ دَخَلَ عَلَيْهَا فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوْ بِالصَّلَاةِ، وَكَوْنُهَا خَلْوَةً بِأَجْنَبِيَّةٍ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ شَرْطُ الطَّلَاقِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَوُقُوعُ الطَّلَاقِ دَلِيلُ تَحَقُّقِ الْخَلْوَةِ، إذْ لَوْلَاهَا لَمْ يَقَعْ غَيْرَ أَنَّهُ وُجِدَ بَعْدَ تَحَقُّقِهَا مَانِعٌ مِنْ جِهَتِهِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَتَصْرِيحُهُمْ بِوُجُوبِ الْعِدَّةِ بِالْخَلْوَةِ الْفَاسِدَةِ عَلَى الصَّحِيحِ شَامِلٌ لِهَذِهِ الصُّورَةِ فَقَوْلُ الْبَزَّازِيَّةِ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الصَّحِيحِ فَهُوَ مُصَادَمَةُ نَقْلٍ بِنَقْلٍ أَصَحَّ مِنْهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَتَجِبُ الْعِدَّةُ) ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ قَضَاءً وَدِيَانَةً. وَفِي الْفَتْحِ قَالَ الْعَتَّابِيُّ: تَكَلَّمَ مَشَايِخُنَا فِي الْعِدَّةِ الْوَاجِبَةِ بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ ظَاهِرًا أَوْ حَقِيقَةً، فَقِيلَ لَوْ تَزَوَّجَتْ وَهِيَ مُتَيَقِّنَةٌ بِعَدَمِ الدُّخُولِ حَلَّ لَهَا دِيَانَةً لَا قَضَاءً (قَوْلُهُ فِي الْكُلِّ إلَخْ) هَذَا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَمَّا النِّكَاحُ الْفَاسِدُ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ فِي الْخَلْوَةِ فِيهِ بَلْ بِحَقِيقَةِ الدُّخُولِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِتَوَهُّمِ الشَّغْلِ) أَيْ شَغْلِ الرَّحِمِ نَظَرًا إلَى التَّمَكُّنِ الْحَقِيقِيِّ، وَكَذَا فِي الْمَجْبُوبِ لِقِيَامِ احْتِمَالِ الشَّغْلِ بِالسَّحْقِ وَهِيَ حَقُّ الشَّرْعِ وَحَقُّ الْوَلَدِ، وَلِذَا لَا تَسْقُطُ لَوْ أَسْقَطَاهَا، وَلَا يَحِلُّ لَهَا الْخُرُوجُ وَلَوْ أَذِنَ لَهَا الزَّوْجُ، وَتَتَدَاخَلُ الْعِدَّتَانِ وَلَا يَتَدَاخَلُ حَقُّ الْعَبْدِ فَتْحٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ وَاخْتَارَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ إلَخْ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ الْعَتَّابِيُّ (قَوْلُهُ تَجِبُ الْعِدَّةُ) لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 (وَإِنْ) كَانَ (حِسِّيًّا) كَصِغَرٍ وَمَرَضٍ مُدْنِفٍ (لَا) تَجِبُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ نَصُّ مُحَمَّدٍ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. وَفِي الْمُجْتَبَى: الْمَوْتُ أَيْضًا كَالْوَطْءِ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ وَالْمَهْرِ فَقَطْ، حَتَّى لَوْ مَاتَتْ الْأُمُّ قَبْلَ دُخُولِهِ لَهَا حَلَّتْ بِنْتُهَا (قَبَضَتْ أَلْفَ الْمَهْرِ فَوَهَبَتْهُ لَهُ وَطَلُقَتْ قَبْلَ وَطْءٍ رَجَعَ) عَلَيْهَا (بِنِصْفِهِ) لِعَدَمِ تَعَيُّنِ النُّقُودِ فِي الْعُقُودِ (وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْهُ أَوْ قَبَضَتْ نِصْفَهُ فَوَهَبَتْهُ الْكُلَّ) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى (أَوْ مَا بَقِيَ) وَهُوَ النِّصْفُ فِي الثَّانِيَةِ (أَوْ) وَهَبَتْ (عَرْضَ الْمَهْرِ) كَثَوْبٍ مُعَيَّنٍ أَوْ فِي الذِّمَّةِ (قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ لَا) رُجُوعَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. (نَكَحَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلَدِ أَوْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ) نَكَحَهَا (عَلَى أَلْفِ إنْ أَقَامَ بِهَا وَعَلَى أَلْفَيْنِ   [رد المحتار] حَقِيقَةً فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَصِغَرٍ وَمَرَضٍ مُدْنِفٍ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: الْأَوْجَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يُخَصَّ الصِّغَرُ بِغَيْرِ الْقَادِرِ وَالْمَرَضُ بِالْمُدْنِفِ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً فِي غَيْرِهِمَا. اهـ. قُلْت: وَنَصَّ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالْمُدْنِفِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَفِي الْقَامُوسِ: دَنِفَ الْمَرِيضُ كَفَرِحَ ثَقُلَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ نَصُّ مُحَمَّدٍ) أَيْ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الَّذِي رَوَى مَسَائِلَهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ الْإِمَامِ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ تَبَعًا لِشَيْخِهِ فِي الْبَحْرِ، وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ وَالشُّرُنْبُلالِيَّةِ (قَوْلُهُ الْمَوْتُ أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّ الْخَلْوَةَ كَالْوَطْءِ فِيهِمَا، وَالْمُرَادُ الْمَوْتُ قَبْلَ الدُّخُولِ: أَيْ مَوْتُ الرَّجُلِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِدَّةِ، وَمَوْتُ أَيِّهِمَا كَانَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَهْرِ كَمَا أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ وَالْمَهْرِ) أَيْ إذَا مَاتَ عَنْهَا لَزِمَهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَاسْتَحَقَّتْ جَمِيعَ الْمَهْرِ كَالْمَوْطُوءَةِ (قَوْلُهُ فَقَطْ) هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُجْتَبَى وَفِيمَا سِوَاهُ كَالْعَدَمِ. قُلْت: وَلَا يُقَالُ إنَّهُ يُعْطَى حُكْمُهُ أَيْضًا فِي الْإِرْثِ لِأَنَّ الْإِرْثَ مِنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ فَلِذَا تَحَقَّقَ قَبْلَ الْخَلْوَةِ الْخَلْوَةُ الَّتِي هِيَ دُونَ الْوَطْءِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ حَلَّتْ بِبِنْتِهَا) أَيْ كَمَا تَحِلُّ بَعْدَ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ، فَلَا تَحْرُمُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الْوَطْءِ عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ فَوَهَبَتْهُ لَهُ) ذَكَرَ الضَّمِيرَ لِأَنَّ الْأَلِفَ مُذَكَّرٌ لَا يَجُوزُ تَأْنِيثُهُ كَمَا فِي ط عَنْ الْمِصْبَاحِ، وَكَذَا لَوْ وَهَبَتْ نِصْفَهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ قَبْلَ الْوَطْءِ) أَيْ وَخَلْوَةٍ نَهْرٌ، وَهِيَ وَطْءٌ حُكْمًا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ النُّقُودِ فِي الْعُقُودِ) وَلِذَا لَوْ أَشَارَ فِي النِّكَاحِ إلَى دَرَاهِمَ كَانَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا وَيَدْفَعَ مِثْلَهَا جِنْسًا وَنَوْعًا وَقَدْرًا وَصِفَةً؛ وَلَوْ لَمْ تَهَبْ شَيْئًا وَطَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا إمْسَاكُ الْمَقْبُوضِ وَدَفْعُ غَيْرِهِ وَلِذَا تُزَكِّي الْكُلَّ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ بِالْهِبَةِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ نِصْفُ الْمَهْرِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ أَوْ قَبَضَتْ نِصْفَهُ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ قَبَضَتْ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ فَإِنَّهُ تَرُدُّ عَلَيْهِ مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبَضَتْ الْأَقَلَّ وَوَهَبَتْهُ الْبَاقِي فَهُوَ مَعْلُومٌ بِالْأَوْلَى بَحْرٌ أَيْ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ (قَوْلُهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى) الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ فِي الصُّورَتَيْنِ فَيَكُونَ قَوْلُهُ أَوْ الْبَاقِي إشَارَةً إلَى أَنَّ هِبَةَ الْأَلْفِ لَيْسَ بِقَيْدٍ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَمَعْنَى هِبَةِ الْأَلْفِ بَعْدَ قَبْضِ النِّصْفِ أَنَّهَا وَهَبَتْ لَهُ الْمَقْبُوضَ وَغَيْرَهُ (قَوْلُهُ أَوْ وَهَبَتْ عَرْضَ الْمَهْرِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّبْ، إذْ لَوْ وَهَبَتْهُ بَعْدَمَا تَغَيَّبَ فَاحِشًا يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبَضَتْ لِأَنَّهُ صَارَ كَأَنَّهَا وَهَبَتْهُ عَيْنًا أُخْرَى، أَمَّا الْعَيْبُ الْيَسِيرُ فَكَالْعَدَمِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ فِي الْمَهْرِ مُتَحَمَّلٌ، وَقَيَّدَ بِالْهِبَةِ لِأَنَّهَا لَوْ بَاعَتْهُ مِنْهُ يَرْجِعُ بِالنِّصْفِ: أَيْ نِصْفَ قِيمَتِهِ لَا نِصْفَ الثَّمَنِ الْمَدْفُوعِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلَوْ وَهَبَتْهُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِهِ تَرُدُّ مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ، وَلَوْ وَهَبَتْهُ الْأَكْثَرَ أَوْ النِّصْفَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ فِي الذِّمَّةِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَرْضِ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ خُصُوصِ النِّكَاحِ، فَإِنَّ الْعَرْضَ فِيهِ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ لِأَنَّ الْمَالَ فِيهِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فَيَتَسَامَحُ فِيهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ) لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ لِتَعَيُّنِهِ فِي الْفَسْخِ كَتَعَيُّنِهِ فِي الْعَقْدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا دَفْعُ بَدَلِهِ، حَتَّى لَوْ تَغَيَّبَ فَاحِشًا فَوَهَبَتْهُ لَهُ رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ كَمَا مَرَّ نَهْرٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 إنْ أَخْرَجَهَا، فَإِنْ وَفَّى) بِمَا شَرَطَهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى (وَأَقَامَ) بِهَا فِي الثَّانِيَةِ (فَلَهَا الْأَلْفُ) لِرِضَاهَا بِهِ. فَهُنَا صُورَتَانِ: الْأُولَى تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ مَعَ ذِكْرِ شَرْطٍ يَنْفَعُهَا   [رد المحتار] [تَتِمَّةٌ] حُكْمُ الْمَوْزُونِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ مَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ حُكْمُ النَّقْدِ، أَمَّا الْمُعَيَّنُ مِنْهُ فَكَالْعَرْضِ. وَاخْتُلِفَ فِي التِّبْرِ وَالنُّقْرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَفِي رِوَايَةٍ كَالْعَرْضِ، وَفِي أُخْرَى كَالْمَضْرُوبِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ نَهْرٌ، [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى سِتِّينَ وَجْهًا لِأَنَّ الْمَهْرَ إمَّا ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ مِثْلِيٌّ غَيْرُهُمَا أَوْ قِيَمِيٌّ، فَالْأَوَّل عَلَى عِشْرِينَ وَجْهًا لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ إمَّا الْكُلُّ أَوْ النِّصْفُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ بَعْدَ قَبْضِ النِّصْفِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ فَهِيَ عَشَرَةٌ، وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ مَضْرُوبًا أَوْ تِبْرًا فَهِيَ عِشْرُونَ، وَالْعَشَرَةُ الْأُولَى فِي الْمِثْلِيِّ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَوْ لَا، وَكَذَا فِي الْقِيَمِيِّ، وَالْأَحْكَامُ مَذْكُورَةٌ اهـ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ. قُلْت: وَيُزَادُ مِثْلُهَا فَتَصِيرُ مِائَةً وَعِشْرِينَ، بِأَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَوْهُوبَ إمَّا الْكُلُّ أَوْ النِّصْفُ أَوْ الْأَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ أَوْ الْأَقَلُّ. فَهِيَ أَرْبَعَةٌ تُضْرَبُ فِي الْخَمْسَةِ الْمَارَّةِ تَبْلُغُ عِشْرِينَ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ مَضْرُوبًا أَوْ تِبْرًا فَهِيَ أَرْبَعُونَ وَكَذَا فِي كُلٍّ مِنْ الْمِثْلِيِّ وَالْقِيَمِيِّ أَرْبَعُونَ، وَقَدْ مَرَّ حُكْمُ هِبَةِ الْأَكْثَرِ مِنْ النِّصْفِ أَوْ الْأَقَلِّ (قَوْلُهُ فَإِنْ وَفَّى) بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ مَاضِي يُوَفِّي تَوْفِيَةً لَا بِالتَّخْفِيفِ مِنْ وَفَّى يَفِي وَفَاءً بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وَإِلَّا يُوَفِّ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ وَأَقَامَ بِهَا) إنَّمَا ذَكَرَ التَّوْفِيَةَ فِي الْأُولَى دُونَ هَذِهِ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى جَعَلَ الْمُسَمَّى مَالًا وَغَيْرَ مَالٍ وَهُوَ مَا شَرَطَهُ لَهَا وَوَعَدَهَا بِهِ مِنْ عَدَمِ إخْرَاجِهَا أَوْ عَدَمِ التَّزَوُّجِ عَلَيْهَا، أَمَّا هُنَا فَالْمُسَمَّى مَالٌ فَقَطْ رَدَّدَ فِيهِ بَيْنَ الْقَلِيلِ عَلَى تَقْدِيرٍ وَالْكَثِيرِ عَلَى تَقْدِيرٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ، فَلَيْسَ هُنَا فِي الْمُسَمَّى وَعْدٌ بِشَيْءٍ لِيُنَاسِبَهُ التَّعْبِيرُ بِالتَّوْفِيَةِ، يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ قَدْ يُرَدِّدُ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهَا ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا كَمَا يَأْتِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ الْأُولَى إلَخْ) ضَابِطُهَا أَنْ يُسَمِّيَ لَهَا قَدْرًا وَمَهْرَ مِثْلِهَا أَكْثَرَ مِنْهُ وَيَشْتَرِطُ مَنْفَعَةً لَهَا أَوْ لِأَبِيهَا أَوْ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا وَكَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مُبَاحَةَ الِانْتِفَاعِ مُتَوَقِّفَةً عَلَى فِعْلِ الزَّوْجِ لَا حَاصِلَةً بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهَا رَدَّ شَيْءٍ لَهُ، وَذَلِكَ كَأَنْ تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلَدِ، أَوْ عَلَى أَنْ يُكْرِمَهَا أَوْ يُهْدِيَ لَهَا هَدِيَّةً، أَوْ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَ أَبَاهَا ابْنَتَهُ، أَوْ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ أَخَاهَا، أَوْ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ ضَرَّتَهَا، فَلَوْ الْمَنْفَعَةُ لِأَجْنَبِيٍّ وَلَمْ يُوَفِّ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْمُسَمَّى لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَمِثْلُهُ الْأُولَى لَوْ شَرَطَ مَا يَضُرُّهَا كَالتَّزَوُّجِ عَلَيْهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُسَمَّى مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ؛ وَلَوْ كَانَ الْمَشْرُوطُ غَيْرَ مُبَاحٍ كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ، فَلَوْ الْمُسَمَّى عَشَرَةً فَأَكْثَرَ وَجَبَ لَهَا وَبَطَلَ الْمَشْرُوطُ وَلَا يَكْمُلُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْتَفِعُ بِالْحَرَامِ فَلَا يَجِبُ عِوَضٌ بِفَوَاتِهِ؛ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَعِتْقِ أَخِيهَا أَوْ طَلَاقِ ضَرَّتِهَا بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ لَا الْمُضَارِعِ عَتَقَ الْأَخُ وَطَلُقَتْ الضَّرَّةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً لِمُقَابَلَتِهَا بِغَيْرِ مُتَقَوِّمٍ وَهُوَ الْبُضْعُ وَلِلزَّوْجَةِ الْمُسَمَّى فَقَطْ وَالْوَلَاءُ لَهُ إلَّا إذَا قَالَ وَعِتْقُ أَخِيهَا عَنْهَا فَهُوَ لَهَا، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَعَلَى أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ فُلَانَةَ، وَعَلَى أَنْ تَرُدَّ. عَلَيْهِ عَبْدًا يَنْقَسِمُ الْأَلْفُ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا، وَعَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ؛ فَإِنْ كَانَا سَوَاءً صَارَ نِصْفُ الْأَلْفِ ثَمَنًا لِلْعَبْدِ وَالنِّصْفُ صَدَاقًا فَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ ذَلِكَ وَإِنْ بَعْدَهُ نُظِرَ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسَمِائَةٍ أَوْ أَقَلَّ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ وَإِنْ أَكْثَرَ فَإِنْ وَفَّى بِالشَّرْطِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ، وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَفِي اشْتِرَاطِ الْكَرَامَةِ وَالْهَدِيَّةِ كَلَامٌ سَيَأْتِي. وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى وُجُوهٍ لِأَنَّ الشَّرْطَ إمَّا نَافِعٌ لَهَا أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ ضَارٌّ، وَكُلٌّ إمَّا حَاصِلٌ بِمُجَرَّدِ النِّكَاحِ أَوْ مُتَوَقِّفٌ عَلَى فِعْلِ الزَّوْجِ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ السِّتَّةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى أَوْ أَقَلَّ أَوْ مُسَاوِيًا، وَكُلٌّ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، وَكُلٌّ إمَّا أَنْ يُبَاحَ الِانْتِفَاعُ بِالشَّرْطِ أَوْ لَا، وَكُلٌّ إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 وَالثَّانِيَةُ تَسْمِيَةُ مَهْرٍ عَلَى تَقْدِيرٍ وَغَيْرِهِ عَلَى تَقْدِيرٍ (وَإِلَّا) يُوَفِّ وَلَمْ يَقُمْ (فَمَهْرُ الْمِثْلِ) لِفَوْتِ رِضَاهَا بِفَوَاتِ النَّفْعِ (وَ) لَكِنْ (لَا يُزَادُ) الْمَهْرُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ (عَلَى أَلْفَيْنِ وَلَا يُنْقَصُ عَنْ أَلْفٍ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ تَنَصَّفَ الْمُسَمَّى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِسُقُوطِ الشَّرْطِ. وَقَالَا الشَّرْطَانِ صَحِيحَانِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَتْ قَبِيحَةً وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ جَمِيلَةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ الشَّرْطَانِ) اتِّفَاقًا فِي الْأَصَحِّ لِقِلَّةِ الْجَهَالَةِ   [رد المحتار] رَدَّ شَيْءٍ أَوْ لَا، وَكُلٌّ إمَّا أَنْ يَحْصُلَ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ أَوْ لَا، فَهِيَ مِائَتَانِ وَثَمَانِيَةٌ وَثَمَانُونَ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالثَّانِي إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَكَأَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا أَوْ أَنْ لَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا أَوْ أَنْ يُطَلِّقَ ضَرَّتَهَا أَوْ إنْ كَانَتْ مَوْلَاةً أَوْ إنْ كَانَتْ أَعْجَمِيَّةً أَوْ ثَيِّبًا وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَ أَضْدَادَهَا (قَوْلُهُ بِفَوَاتِ النَّفْعِ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى سَمَّى لَهَا مَالَهَا فِيهِ نَفْعٌ وَهُوَ عَدَمُ إخْرَاجِهَا وَعَدَمُ التَّزَوُّجِ عَلَيْهَا وَنَحْوُهُ، فَإِذَا وَفَّى فَلَهَا الْمُسَمَّى لِأَنَّهُ صَلُحَ مَهْرًا وَقَدْ تَمَّ رِضَاهَا بِهِ، وَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَنْعَدِمُ رِضَاهَا بِالْمُسَمَّى فَيُكَمِّلُ مَهْرَ مِثْلِهَا، وَفِي الثَّانِيَةِ سَمَّى تَسْمِيَتَيْنِ ثَانِيَتُهُمَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِلْجَهَالَةِ كَمَا يَأْتِي فَوَجَبَ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ (قَوْلُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ) قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ وَلَا يُزَادُ عَلَى أَلْفَيْنِ فَقَطْ ح. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ ذَاتِ التَّقْدِيرَيْنِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُنْقِصُ عَنْ أَلْفٍ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (قَوْلُهُ لِإِنْفَاقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ) أَيْ لَوْ زَادَ مَهْرُ مِثْلِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى أَلْفَيْنِ لَيْسَ لَهَا أَكْثَرُ مِنْ أَلْفَيْنِ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ مَعَهُ بِهِمَا لِتَرَدُّدِ يَدِهِ لَهَا بَيْنَ الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، فَإِنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَى أَلْفٍ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِالْأَلْفِ وَحْدَهُ بَلْ مَعَ الْوَصْفِ النَّافِعِ وَلَمْ يُجْعَلْ لَهَا، وَلَوْ نَقَصَ عَنْ أَلْفٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَلَهَا الْأَلْفُ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ (قَوْلُهُ لِسُقُوطِ الشَّرْطِ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفِ يَجِبُ تَمَامَ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا يَثْبُتُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمُسَمَّى فَيَنْتَصِفُ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَقَالَا الشَّرْطَانِ صَحِيحَانِ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: حَتَّى كَانَ لَهَا الْأَلْفُ إنْ أَقَامَ بِهَا وَالْأَلْفَانِ إنْ أَخْرَجَهَا. وَقَالَ زُفَرُ الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يُنْقَصُ مِنْ الْأَلْفِ وَلَا يُزَادُ عَلَى أَلْفَيْنِ. وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْإِجَارَاتِ فِي قَوْلِهِ إنْ خَطَّتْهُ الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ وَإِنْ خَطَّهُ غَدًا فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ مَا فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ عَلَى خِلَافٍ، وَضَعَّفَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِقِلَّةِ الْجَهَالَةِ) جَوَابٌ عَمَّا يَرِدُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ حَيْثُ أَفْسَدَ الشَّرْطَ الثَّانِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهِيَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا وَأَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ صَحَّحَ الشَّرْطَيْنِ مَعَ أَنَّ التَّرْدِيدَ مَوْجُودٌ فِي الصُّورَتَيْنِ. وَأَجَابَ فِي الْغَايَةِ بِأَنَّهُ فِي الْمُتَقَدِّمَةِ دَخَلَتْ الْمُخَاطَرَةُ عَلَى التَّسْمِيَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَعْرِفُ هَلْ يُخْرِجُهَا أَوْ لَا، أَمَّا هُنَا فَالْمَرْأَةُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الْحُسْنِ أَوْ الْقُبْحِ وَجَهَالَةُ الزَّوْجِ بِصِفَتِهَا لَا تُوجِبُ خَطَرًا وَرَدَّهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ مِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ إنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَعَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَتْ مَوْلَاةً أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ مَعَ أَنَّهُ لَا مُخَاطَرَةَ وَلَكِنْ جَهِلَ الْحَالَ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْكُلِّ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنَّ الْجَهَالَةَ قَوِيَّةٌ فِي الْحُرِّيَّةِ وَعَدَمِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَمْرًا مُشَاهَدًا، وَلِذَا لَوْ وَقَعَ التَّنَازُعُ اُحْتِيجَ إلَى إثْبَاتِهَا فَكَانَ فِيهَا مُخَاطَرَةٌ مَعْنًى، بِخِلَافِ الْجَمَالِ وَالْقُبْحِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ مُشَاهَدٌ فَجَهَالَتُهُ يَسِيرَةٌ لِزَوَالِهَا بِلَا مَشَقَّةٍ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ عَلَى هَذَا يَنْبَغِي الصِّحَّةُ فِيمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَعَلَى أَلْفٍ إنْ لَمْ تَكُنْ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ بِالتَّسَامُعِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتٍ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ. قُلْت: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّ إثْبَاتَهُ بِالتَّسَامُعِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَى إثْبَاتِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَكُونُ لَهُ امْرَأَةٌ غَائِبَةٌ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى لَا يَعْلَمُ بِهَا أَحَدٌ بِخِلَافِ الْجَمَالِ وَالْقُبْحِ. فَلِذَا اتَّبَعَ الشَّارِحُ مَا فِي الْبَحْرِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ لِمَا فِي النَّهْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 بِخِلَافِ مَا لَوْ رَدَّدَ فِي الْمَهْرِ بَيْنَ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ لِلثُّيُوبَةِ وَالْبَكَارَةِ، فَإِنَّهَا إنْ ثَيِّبًا لَزِمَهُ الْأَقَلُّ وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى الْأَكْثَرِ وَلَا يُنْقَصُ عَنْ الْأَقَلِّ فَتْحٌ، وَلَوْ شَرَطَ الْبَكَارَةَ فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا لَزِمَهُ الْكُلُّ دُرَرٌ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ) أَوْ الْأَلْفَيْنِ (أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَهَذَا الْعَبْدِ) أَوْ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ (وَأَحَدُهُمَا أَوْكَسُ حَكَمَ) الْقَاضِي (مَهْرَ الْمِثْلِ)   [رد المحتار] قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَدَّدَ إلَخْ) هَذَا أَيْضًا مِنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي ذَكَرَ أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِمَسْأَلَةِ التَّرْدِيدِ لِلْقُبْحِ وَالْجَمَالِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَرْدِيدَ الْمَهْرِ بَيْنَ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ إنْ وُجِدَ فِيهِ شَرْطُ الْأَقَلِّ لَزِمَهُ الْأَقَلُّ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ الْأَكْثَرُ بَلْ مَهْرُ الْمِثْلِ، خِلَافًا لَهُمَا إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْقُبْحِ وَالْجَمَالِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْمُسَمَّى فِي أَيَّ شَرْطٍ وُجِدَ اتِّفَاقًا، وَالْفَرْقُ لِلْإِمَامِ مَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَرَطَ إلَخْ) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ اسْتِطْرَادِيَّةٌ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهَا، وَمُنَاسَبَتُهَا تَعْلِيقُ الْمُسَمَّى عَلَى وَصْفٍ مَرْغُوبٍ لَهُ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ الْكُلُّ) لِأَنَّ الْمَهْرَ إنَّمَا شُرِعَ لِمُجَرَّدِ الِاسْتِمْتَاعِ دُونَ الْبَكَارَةِ ح عَنْ مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ) أَقُولُ: عِبَارَتُهَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَإِذَا هِيَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ يَجِبُ الْمَهْرُ حَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ بِأَنْ زَالَتْ بِوَثْبَةٍ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بِأَزْيَدَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَإِذَا هِيَ غَيْرُ بِكْرٍ لَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ، وَالتَّوْفِيقُ وَاضِحٌ لِلْمُتَأَمِّلِ. اهـ. وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ عَنْ فَوَائِدِ الْمُحِيطِ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ قَابَلَ الزِّيَادَةَ بِمَا هُوَ مَرْغُوبٌ وَقَدْ فَاتَ فَلَا يَجِبُ مَا قُوبِلَ بِهِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَلَامَ الْبَزَّازِيَّةِ لَيْسَ فِيهِ تَرْجِيحٌ لِلُزُومِ الْكُلِّ مُطْلَقًا بَلْ فِيهِ تَرْجِيحٌ لِلتَّفْصِيلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّزَوُّجِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَبِأَزْيَدَ مِنْهُ، نَعَمْ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَإِنْ أَعْطَاهَا زِيَادَةً عَلَى الْمُعَجَّلِ عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَإِذَا هِيَ ثَيِّبٌ قِيلَ تَرُدُّ الزَّائِدَ. وَعَلَى قِيَاسِ مُخْتَارِ مَشَايِخِ بُخَارَى فِيمَا إذَا أَعْطَاهَا الْمَالَ الْكَثِيرَ بِجِهَةِ الْمُعَجَّلِ عَلَى أَنْ يُجَهِّزُوهَا بِجِهَازٍ عَظِيمٍ وَلَمْ تَأْتِ بِهِ رَجَعَ بِمَا زَادَ عَلَى مُعَجَّلِ مِثْلِهَا، وَكَذَا أَفْتَى أَئِمَّةُ خُوَارِزْمَ يَنْبَغِي أَنْ يُرْجِعَ الزِّيَادَةَ، وَلَكِنْ صَرَّحَ فِي فَوَائِدِ الْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي كِلْتَا الصُّورَتَيْنِ اهـ أَيْ فِي صُورَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَصُورَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمُعَجَّلِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ مُرَاجَعَةِ الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ، فَقَوْلُ الْبَزَّازِيَّةِ تَبَعًا لِلْعِمَادِيَّةِ وَلَكِنْ صَرَّحَ إلَخْ يُفِيدُ تَرْجِيحُ عَدَمِ الرُّجُوعِ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُ كُلُّ الْمَهْرِ وَلِذَا نَظَمَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَعَبَّرَ عَنْ عَدَمِ وُجُوبِ الزِّيَادَةِ بِقِيلِ، فَأَفَادَ أَيْضًا تَرْجِيحَ لُزُومِ الْكُلِّ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ صَاحِبِ الدُّرَرِ وَالْوِقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا إلَخْ) حَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُسَمِّيَ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقِيمَةِ اتَّحَدَ الْجِنْسُ أَوْ اخْتَلَفَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ الْأَلْفَيْنِ) لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِ بَعْدَ الْأَلْفِ لِلْعِلْمِ قَطْعًا بِأَنَّ الْأَلْفَ غَيْرُ قَيْدٍ، فَالْأَوْلَى قَوْلُ الْبَحْرِ: أَوْ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ أَوْ الْأَلْفَيْنِ، فَهُوَ مِثَالٌ آخَرُ مِثْلُ الَّذِي بَعْدَهُ مِمَّا الِاخْتِلَافُ فِيهِ قِيمَةً مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَيُمْكِنُ عَطْفُ قَوْلِهِ أَوْ الْأَلْفَيْنِ عَلَى مَجْمُوعِ قَوْلِهِ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْأَلْفَيْنِ بِأَنْ يَعْطِفَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ كَأَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ تَزَوَّجْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ هَذَيْنِ الْأَلْفَيْنِ أَوْ يَقُولَ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ أَوْ هَذَيْنِ الْأَلْفَيْنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ) أَيْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَلِمَةِ أَوْ وَلَفْظِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَأَحَدُهُمَا أَوْكَسُ) الْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ فِي الْقَامُوسِ الْوَكْسُ كَالْوَعْدِ: النَّقْصُ وَالتَّنْقِيصُ؛ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ اهـ وَقَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُمَا لَوْ تَسَاوَيَا قِيمَةً صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ اتِّفَاقًا بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ. وَقَالَ قَبْلَهُ، لَوْ كَانَا سَوَاءً فَلَا تَحْكِيمَ وَلَهَا الْخِيَارُ فِي أَخْذِ أَيِّهِمَا شَاءَتْ. (قَوْلُهُ حُكْمُ مَهْرِ الْمِثْلِ) هَذَا قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَهَا الْأَقَلُّ وَالْمُتُونُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَرَجَّحَ فِي التَّحْرِيرِ قَوْلَهُمَا، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ أَصْلٌ عِنْدَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 فَإِنْ مِثْلَ الْأَرْفَعِ أَوْ فَوْقَهُ فَلَهَا الْأَرْفَعُ، وَإِنْ مِثْلَ الْأَوْكَسِ أَوْ دُونَهُ فَلَهَا الْأَوْكَسُ وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ (وَفِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَحْكُمُ بِمُتْعَةِ الْمِثْلِ) لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، حَتَّى لَوْ كَانَ نِصْفُ الْأَوْكَسِ أَقَلَّ مِنْ الْمُتْعَةِ وَجَبَتْ الْمُتْعَةُ فَتْحٌ. (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى فَرَسٍ) أَوْ عَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ أَوْ فِرَاشِ بَيْتٍ أَوْ عَلَى مَعْلُومٍ مِنْ نَحْوِ إبِلٍ (فَالْوَاجِبُ) فِي كُلِّ جِنْسٍ لَهُ وَسَطٌ (الْوَسَطُ أَوْ قِيمَتُهُ) وَكُلِّ مَا لَمْ يَجُزْ السَّلَمُ فِيهِ فَالْخِيَارُ لِلزَّوْجِ وَإِلَّا فَلِلْمَرْأَةِ   [رد المحتار] وَالْمُسَمَّى خَلَفٌ عَنْهُ إنْ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَقَدْ فَسَدَتْ هُنَا لِلْجَهَالَةِ فَيُصَارُ إلَى الْأَصْلِ. وَعِنْدَهُمَا بِالْعَكْسِ، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْخِيَارِ لَهَا أَوْ لَهُ، فَلَوْ قَالَ عَلَى أَنَّهَا بِالْخِيَارِ تَأْخُذُ أَيَّهمَا شَاءَتْ، أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أُعْطِيت أَيَّهمَا شِئْت فَإِنَّهُ يَصِحُّ اتِّفَاقًا لِانْتِفَاءِ الْمُنَازَعَةِ، وَقَيَّدَ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَلَى أَحَدِ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَوْ الْإِعْتَاقَ عَلَيْهِ يُوجِبُ الْأَقَلَّ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُوجِبٌ أَصْلِيٌّ يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ فَوَجَبَ الْأَقَلُّ، وَكَذَا فِي الْإِقْرَارِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَلَهَا الْأَرْفَعُ) لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِالْحَطِّ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فَلَهَا الْأَوْكَسُ) لِأَنَّ الزَّوْجَ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ الْأَرْفَعِ وَالْأَوْكَسِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ) أَيْ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، كَمَا أَنَّ الْأَصْلَ مَهْرُ الْمِثْلِ قَبْلَ الطَّلَاقِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَجَبَتْ الْمُتْعَةُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الدُّرَرِ تَبَعًا لِلْوِقَايَةِ وَالْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ نِصْفُ الْأَوْكَسِ اتِّفَاقًا مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَالِبِ أَنَّ الْمُتْعَةَ لَا تَزِيدُ عَلَى نِصْفِ الْأَوْكَسِ كَمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، حَتَّى لَوْ زَادَتْ وَجَبَتْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالدِّرَايَةِ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: التَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُحَكِّمَ الْمُتْعَةَ أَفَادَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أَزْيَدَ مِنْ نِصْفِ الْأَعْلَى لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِهِ لِرِضَاهَا بِهِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى فَرَسٍ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى مَوْضُوعُهَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومُ الْجِنْسِ دُونَ الْوَصْفِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَوْلُهُ فَالْوَاجِبُ الْوَسَطُ أَوْ قِيمَتُهُ يُفِيدُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ لِأَنَّ الْجِنْسَ الْمَعْلُومَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطُ ذُو حَظٍّ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ مَجْهُولِ الْجِنْسِ لِأَنَّهُ لَا وَسَطَ لَهُ لِاخْتِلَافِ مَعَانِي الْأَجْنَاسِ، وَإِنَّمَا تَخَيَّرَ الزَّوْجُ بَيْنَ دَفْعِ الْوَسَطِ أَوْ قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْوَسَطَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْقِيمَةِ فَصَارَتْ أَصْلًا فِي حَقِّ الْإِيفَاءِ، وَقَيَّدَ بِالْمُبْهَمِ لِأَنَّهُ فِي الْمُعَيَّنِ بِإِشَارَةٍ كَهَذَا الْعَبْدِ أَوْ الْفَرَسِ يَثْبُتُ الْمَلِكُ لَهَا بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ وَإِلَّا فَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ الزَّوْجَ بِشِرَائِهِ لَهَا، فَإِنْ عَجَزَ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ وَكَذَا بِإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ كَعَبْدِي، فَلَا تُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى نَفْسِهِ مِنْ أَسْبَابِ التَّعْرِيفِ كَالْإِشَارَةِ لَكِنْ فِي هَذَا إذَا كَانَ لَهُ أَعْبُدٌ ثَبَتَ مِلْكُهَا فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَسَطٌ وَعَلَيْهِ تَعْيِينُهُ، وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ يَتَوَقَّفُ مِلْكُهَا لَهُ عَلَى تَعْيِينِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ كَوْنُ الْإِضَافَةِ كَالْإِبْهَامِ، فَإِنَّهُ فِي الْإِبْهَامِ لَوْ عَيَّنَ لَهَا وَسَطًا أُجْبِرَتْ عَلَى قَبُولِهِ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ فِي كُلِّ جِنْسٍ لَهُ وَسَطٌ) قَصَدَ بِهَذَا التَّعْمِيمِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخُصُّ الْفَرَسَ وَالْعَبْدَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِمَا، بَلْ يَعُمُّ كُلَّ جِنْسٍ لَهُ وَسَطٌ مَعْلُومٌ ح. (قَوْلُهُ وَكُلٌّ مَا لَمْ يَجُزْ السَّلَمُ فِيهِ إلَخْ) فَإِذَا وَصَفَ الثَّوْبَ كَهَرَوِيٍّ خُيِّرَ الزَّوْجُ بَيْنَ دَفْعِ الْوَسَطِ أَوْ قِيمَتِهِ كَمَا مَرَّ، وَكَذَا لَوْ بَالَغَ فِي وَصْفِهِ، بِأَنْ قَالَ طُولُهُ كَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، نَعَمْ لَوْ ذَكَرَ الْأَجَلَ مَعَ هَذِهِ الْمُبَالَغَةِ كَانَ لَهَا أَنْ لَا تَقْبَلَ الْقِيمَةَ لِأَنَّ صِحَّةَ السَّلَمِ فِي الثِّيَابِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى ذِكْرِ الْأَجَلِ، وَفِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إذَا ذَكَرَ صِفَتَهُ كَجَيِّدَةٍ خَالِيَةٍ مِنْ الشَّعِيرِ صَعِيدِيَّةٍ أَوْ بَحْرِيَّةٍ يَتَعَيَّنُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْأَجَلَ لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ فِيهَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُؤَجَّلًا كَمَا فِي النَّهْرِ وَالْبَحْرِ؛ فَمَعْنَى كَوْنِ الْخِيَارِ لِلْمَرْأَةِ أَنَّ لَهَا أَنْ لَا تَقْبَلَ الْقِيمَةَ إذَا أَرَادَ إجْبَارَهَا عَلَيْهَا لَا بِمَعْنَى أَنَّ لَهَا أَنْ تُجْبِرَهُ عَلَى الْقِيمَةِ إذَا أَرَادَ دَفْعَ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ السَّلَمُ تَعَيَّنَ حَقُّهَا فِي الْعَيْنِ هَذَا وَفِي الْفَتْحِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ احْتِرَازًا عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الزَّوْجَ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ عَيْنِ الْوَسَطِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ: وَعَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ الْأَجَلَ مَعَ الْمُبَالَغَةِ فِي وَصْفِ الثَّوْبِ بِالطُّولِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 (وَكَذَا الْحُكْمُ) وَهُوَ لُزُومُ الْوَسَطِ (فِي كُلِّ حَيَوَانٍ ذُكِرَ جِنْسُهُ) هُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ فِي الْأَحْكَامِ (دُونَ نَوْعِهِ) هُوَ الْمَقُولُ عَامُّهُ عَلَى كَثِيرِينَ مُتَّفِقِينَ فِيهَا،   [رد المحتار] وَالْعَرْضِ وَالرِّقَّةِ تَعَيَّنَ الثَّوْبُ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، ثُمَّ رَجَّحَ رِوَايَةَ زُفَرَ وَصَرَّحَ فِي الْمَجْمَعِ بِأَنَّهَا الْأَصَحُّ، وَكَذَا فِي دُرَرِ الْبِحَارِ وَأَقَرَّهُ فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ وَابْنِ مَالِكٍ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ فَلَا بُدَّ فِي عَيْنِ الْوَسَطِ أَوْ قِيمَتِهِ مِنْ اعْتِبَارِ الْأَوْصَافِ الَّتِي ذَكَرَهَا الزَّوْجُ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ إلَخْ) فَذِكْرُ الْفَرَسِ لَيْسَ قَيْدًا؛ وَلَوْ قَالَ أَوَّلًا وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَعْلُومِ جِنْسٍ وَجَبَ الْوَسَطُ أَوْ قِيمَتُهُ لِمَكَانٍ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ فَإِنَّهُ يَعُمُّ نَحْوَ الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ هُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ إلَخْ) أَمَّا عِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ فَهُوَ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ فِي الْحَقَائِقِ فِي مَا هُوَ. وَالنَّوْعُ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ فِي الْعَدَدِ (قَوْلُهُ مُخْتَلِفِينَ فِي الْأَحْكَامِ) كَإِنْسَانٍ فَإِنَّهُ مَقُولٌ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَأَحْكَامُهُمَا مُخْتَلِفَةٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الثَّوْبَ تَحْتَهُ الْكَتَّانُ وَالْقُطْنُ وَالْحَرِيرُ وَالْأَحْكَامُ مُخْتَلِفَةٌ فَإِنَّ الثَّوْبَ الْحَرِيرَ لَا يَحِلُّ لُبْسُهُ وَغَيْرُهُ يَحِلُّ، فَهُوَ جِنْسٌ عِنْدَهُمْ، وَكَذَا الْحَيَوَانُ تَحْتَهُ الْفَرَسُ وَالْحِمَارُ، وَأَمَّا الدَّارُ فَتَحْتَهَا مَا يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا بِالْبُلْدَانِ وَالْمَحَالِّ وَالسَّعَةِ وَالضِّيقِ وَكَثْرَةِ الْمَرَافِقِ وَقِلَّتِهَا (قَوْلُهُ مُتَّفِقِينَ فِيهَا) أَيْ فِي الْأَحْكَامِ مَثَّلَ لَهُ الْأُصُولِيُّونَ فِي بَحْثِ الْخَاصِّ بِالرَّجُلِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ يَشْمَلُ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ وَالْمَرْأَةَ وَالْعَاقِلَ وَالْمَجْنُونَ وَأَحْكَامَهُمْ الْمُخْتَلِفَةَ. فَأَجَابُوا بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَحْكَامِ بِالْعَرَضِ لَا بِالْأَصَالَةِ بِخِلَافِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَإِنَّ اخْتِلَافَ أَحْكَامِهِمَا بِالْأَصَالَةِ بَحْرٌ [تَنْبِيهٌ] : عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ نَحْوَ الْحَيَوَانِ وَالدَّابَّةِ وَالْمَمْلُوكِ وَالثَّوْبِ جِنْسٌ. وَأَنَّ نَحْوَ الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ وَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ أَوْ الْكَتَّانِ أَوْ الْقُطْنِ نَوْعٌ. وَأَنَّ الَّذِي تَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ وَيَجِبُ فِيهِ الْوَسَطُ أَوْ قِيمَتُهُ الثَّانِي، فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ ذُكِرَ نَوْعُهُ دُونَ وَصْفِهِ كَمَا قَالَ فِي مَتْنِ الْمُخْتَارِ: زَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ فَإِنْ سَمَّى نَوْعَهُ كَالْفَرَسِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَصِفْهُ. وَقَالَ فِي شَرْحِهِ الِاخْتِيَارِ: ثُمَّ الْجَهَالَةُ أَنْوَاعٌ: جَهَالَةُ النَّوْعِ وَالْوَصْفِ كَقَوْلِهِ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ دَارٍ فَلَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ هَذِهِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مَعْلُومُ النَّوْعِ مَجْهُولُ الصِّفَةِ كَقَوْلِهِ عَبْدٌ أَوْ فَرَسٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ أَوْ ثَوْبٌ هَرَوِيٌّ فَإِنَّهُ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَيَجِبُ الْوَسَطُ إلَخْ فَقَدْ جَعَلَ الدَّابَّةَ وَالثَّوْبَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ مَجْهُولَ النَّوْعِ وَالْوَصْفِ، وَجَعَلَ الْعَبْدَ وَالْفَرَسَ وَالثَّوْبَ الْهَرَوِيَّ مَعْلُومَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ مَجْهُولَ الْوَصْفِ. وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ. فِي تَعْرِيفِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ عِنْدَ النَّوْعِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. فَإِنْ قُلْت: قَالَ فِي الْهِدَايَةِ. مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُسَمِّيَ جِنْسَ الْحَيَوَانِ دُونَ الْوَصْفِ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ. أَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ الْجِنْسَ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَابَّةٍ لَا تَجُوزُ التَّسْمِيَةُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. اهـ. فَقَدْ جَعَلَ الْفَرَسَ وَالْحِمَارَ جِنْسًا. قُلْت: أَرَادَ بِالْجِنْسِ النَّوْعَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَلِذَا قَابَلَهُ بِالْوَصْفِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْبَحْرِ: لَا حَاجَةَ إلَى حَمْلِ الْجِنْسِ عَلَى النَّوْعِ لِأَنَّ الْجِنْسَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ إلَخْ فَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ حَمْلُ الْجِنْسِ فِي كَلَامِ الْهِدَايَةِ عَلَى الْجِنْسِ الْفِقْهِيِّ كَمَا لَا يَخْفَى، بَلْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى النَّوْعِ، وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ؛ وَلَوْ سَمَّى جِنْسًا بِأَنْ قَالَ هَرَوِيٌّ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَيُخَيَّرُ الزَّوْجُ فَقَدْ سَمَّى الْهَرَوِيَّ جِنْسًا وَلَيْسَ هُوَ جِنْسًا بِالْمَعْنَى الْمَارِّ، وَلَوْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ الْهِدَايَةَ فَقَالَ ذَكَرَ جِنْسَهُ بِدُونِ وَصْفِهِ بَدَلَ قَوْلِهِ دُونَ نَوْعِهِ لَصَحَّ كَلَامُهُ، بِأَنْ يُرَادَ بِالْجِنْسِ النَّوْعُ لِمُقَابَلَتِهِ لَهُ بِالْوَصْفِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 بِخِلَافِ قَوْلِ الْجِنْسِ كَثَوْبٍ وَدَابَّةٍ لِأَنَّهُ لَا وَسَطَ لَهُ -   [رد المحتار] أَمَّا مَعَ مُقَابَلَتِهِ بِالنَّوْعِ فَلَا يَصِحُّ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَجْهُولِ الْجِنْسِ) أَيْ مَا ذُكِرَ جِنْسُهُ بِلَا تَقْيِيدٍ بِنَوْعٍ كَثَوْبٍ وَدَابَّةٍ فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ، فَلَا يَجِبُ الْوَسَطُ أَوْ قِيمَتُهُ بَلْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. [تَنْبِيهٌ] حَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ النُّقُودِ بِأَنْ كَانَ عَرْضًا أَوْ حَيَوَانًا إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا بِإِشَارَةٍ أَوْ إضَافَةٍ فَيَجِبُ بِعَيْنِهِ أَوْ لَا يَكُونُ مُعَيَّنًا؛ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ، فَإِنْ جُهِلَ نَوْعُهُ كَدَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ عُلِمَ نَوْعُهُ وَجَهِلَ وَصْفُهُ كَفَرَسٍ أَوْ ثَوْبٍ هَرَوِيٌّ أَوْ عَبْدٍ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَتَخَيَّرَ بَيْنَ الْوَسَطِ أَوْ قِيمَتِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ عُلِمَ وَصْفُ الثَّوْبِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَلَى مَا مَرَّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ يَتَعَيَّنُ الْوَسَطُ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ كَالسَّلَمِ، بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ فِي السَّلَمِ؛ وَإِنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، فَإِنْ عُلِمَ نَوْعُهُ وَوَصْفُهُ كَإِرْدَبِّ قَمْحٍ جَيِّدٍ خَالٍ مِنْ الشَّعِيرِ صَعِيدِيٍّ تَعَيَّنَ الْمُسَمَّى وَصَارَ كَالْعَرْضِ الْمُشَارِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ حَالًّا كَالْقَرْضِ وَمُؤَجَّلًا كَالسَّلَمِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ وَصْفُهُ تَخَيَّرَ الزَّوْجُ بَيْنَ الْوَسَطِ أَوْ قِيمَتِهِ كَمَا فِي ذِكْرِ الْفَرَسِ أَوْ الْحِمَارِ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي الِاخْتِيَارِ وَالْفَتْحِ وَالْبَحْرِ مَطْلَبٌ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَثَوْبٍ لَكِنْ يُشْكِلُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَثَوْبٍ وَلَمْ يَصِفْهُ كَانَ لَهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا كَانَ لَهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُتْعَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ فِيمَا إذَا سَمَّى مَجْهُولَ الْجِنْسِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مُسَمًّى مَعْلُومٌ، لَكِنْ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ لَا يُنْظَرَ إلَى الْمُتْعَةِ أَصْلًا لِأَنَّ الْمُسَمَّى هُنَا عَشَرَةٌ فَقَطْ وَذِكْرُ الثَّوْبِ لَغْوٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يُكَمِّلْ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ قَبْلَ الطَّلَاقِ اهـ. وَأَجَابَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ الثَّوْبَ مَحْمُولٌ عَلَى الْعِدَّةِ وَالتَّبَرُّعِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي التَّسْمِيَةِ، إذْ لَوْ دَخَلَ لَأَوْجَبَ فَسَادَهَا لِفُحْشِ الْجَهَالَةِ. وَقَالَ فِي فَتَاوَاهُ الْخَيْرِيَّةِ: إنَّهُ زَاغَ فَهْمُ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَأَخِيهِ فِي جَعْلِ الثَّوْبِ لَغْوًا وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. اهـ. قُلْت حَمْلُهُ عَلَى الْعِدَّةِ وَالتَّبَرُّعِ هُوَ بِمَعْنَى إلْغَائِهِ فِي التَّسْمِيَةِ. وَوَجْهُ إشْكَالِ هَذَا الْفَرْعِ أَنَّ الثَّوْبَ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي التَّسْمِيَةِ لَزِمَ أَنْ يَجِبَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِلَا نَظَرٍ إلَى الْمُتْعَةِ لِصِحَّةِ تَسْمِيَةِ الْعَشَرَةِ وَإِنْ دَخَلَ فِيهَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى حُكْمَ مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَكَرَامَتِهَا أَوْ يُهْدِيَ لَهَا هَدِيَّةً، فَقَدْ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ فِي الْمَبْسُوطِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عِبَارَةَ مُحَمَّدٍ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَكَرَامَتِهَا أَوْ يُهْدِي لَهَا هَدِيَّةً فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يَنْقُصُ عَنْ الْأَلْفِ. قَالَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ أَكْرَمَهَا وَأَهْدَى لَهَا هَدِيَّةً فَلَهَا الْمُسَمَّى، وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ اهـ. قُلْت: فَهُوَ مِثْلُ مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا أَوْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: لَوْ شَرَطَ مَعَ الْمُسَمَّى شَيْئًا مَجْهُولًا كَأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَنْ يُهْدِيَ لَهَا هَدِيَّةً ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفِ بِالْكَرَامَةِ وَالْهِدَايَةِ يَجِبُ تَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ اهـ لَكِنْ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَكَرَامَتِهَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لَا يَنْقُصُ عَنْ أَلْفٍ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَهَا نِصْفُ الْأَلْفِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ الْمُتْعَةِ. اهـ. وَنُقِلَ نَحْوُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] وَالْمُحِيطِ، وَاعْتَرَضَ بِهِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ إيجَابِ الْمُسَمَّى بِأَنَّ الْهَدِيَّةَ وَالْإِكْرَامَ مَجْهُولَتَانِ، وَلَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِالْمَجْهُولِ بَلْ تَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَقَدْ أَجَبْت عَنْهُ فِيمَا عَلَّقَتْهُ عَلَى الْبَحْرِ بِمَا حَاصِلُهُ إنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الِاخْتِيَارِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُكْرِمْهَا أَمَّا إذَا أَكْرَمَهَا فَلَهَا الْمُسَمَّى وَهَذَا عَيْنُ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ كَلَامُ مُحَمَّدٍ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَالْبَدَائِعِ كَمَا مَرَّ، وَجَهَالَةُ الْهِدَايَةِ وَالْإِكْرَامِ تَرْتَفِعُ بَعْدَ وُجُودِهَا. وَالظَّاهِرُ كَمَا فِي النَّهْرِ أَنَّهُ يَكْفِي هُنَا أَدْنَى مَا يُعَدُّ إكْرَامًا وَهَدِيَّةً اهـ فَإِذَا لَمْ يُكْرِمْهَا بِشَيْءٍ بَقِيَتْ التَّسْمِيَةُ مَجْهُولَةً لِعَدَمِ رِضَا الْمَرْأَةِ بِالْأَلْفِ وَحْدَهُ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَكَذَا إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ تَقَرَّرَ الْفَسَادُ فَوَجَبَتْ الْمُتْعَةُ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ أَوْ عِنْدَ فَسَادِهَا، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ فِي الْبَدَائِعِ لُزُومَ نِصْفِ الْأَلْفِ لِأَنَّهُ فِي الْعَادَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْمُتْعَةِ كَمَا عَلِمْته مِنْ كَلَامِ. الِاخْتِيَارِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْأَوْكَسِ فَقَدْ حَصَلَ بِمَا ذَكَرْنَا التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ، وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَدْفَعْ لَهَا ثَوْبًا فَحِينَئِذٍ تَجِبُ لَهَا الْعَشَرَةُ لِأَنَّهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَهُوَ الْوَاجِبُ عِنْدَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ وَتَجِبُ الْمُتْعَةُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَأَمَّا دَعْوَى الرَّمْلِيِّ إلْغَاءَ ذِكْرِ الثَّوْبِ لِجَهَالَتِهِ فَلَا تَصِحُّ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْإِكْرَامِ وَالْهِدَايَةِ أَفْحَشُ مِنْ جَهَالَةِ الثَّوْبِ لِأَنَّ الْإِكْرَامَ تَحْتَ أَجْنَاسِ الثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ وَالنُّقُودِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَمَعَ هَذَا لَمْ يُلْغُوهُ، فَعَدَمُ إلْغَاءِ الثَّوْبِ بِالْأَوْلَى. وَأَيْضًا يُشْكِلُ عَلَى إلْغَائِهِ اعْتِبَارُ الْمُتْعَةِ. وَعَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ لَا إشْكَالَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ مَطْلَبُ مَسْأَلَةِ دَرَاهِمِ النَّقْشِ وَالْحَمَّامِ وَلِفَافَةِ الْكِتَابِ وَنَحْوِهِمَا وَنَظِيرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَانِنَا مِنْ أَنَّ الْبِكْرَ لَهَا أَشْيَاءُ زَائِدَةٌ عَلَى الْمَهْرِ: مِنْهَا مَا يُدْفَعُ قَبْلَ الدُّخُولِ كَدَرَاهِمَ لِلنَّقْشِ وَالْحَمَّامِ وَثَوْبٍ يُسَمَّى لِفَافَةَ الْكِتَابِ وَأَثْوَابٍ أُخَرَ يُرْسِلُهَا الزَّوْجُ لِيَدْفَعَهَا أَهْلُ الزَّوْجَةِ إلَى الْقَابِلَةِ وَبَلَّانَةِ الْحَمَّامِ وَنَحْوِهَا. وَمِنْهَا مَا يُدْفَعُ بَعْدَ الدُّخُولِ كَالْإِزَارِ وَالْخُفِّ وَالْمِكْعَبِ وَأَثْوَابِ الْحَمَّامِ، وَهَذِهِ مَأْلُوفَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرُوطِ عُرْفًا؛ حَتَّى لَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ لَا يَدْفَعَ ذَلِكَ يَشْتَرِطُ نَفْيَهُ وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ يُسَمِّي فِي مُقَابَلَتِهِ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً يَضُمُّهَا إلَى الْمَهْرِ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْهَا فِي الْخَيْرِيَّةِ فَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُقَرَّرَ فِي الْكُتُبِ مِنْ أَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ يُوجِبُ إلْحَاقَ مَا ذُكِرَ بِالْمَشْرُوطِ، وَإِنْ عُلِمَ قَدْرُهُ لَزِمَ كَالْمَهْرِ وَإِلَّا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ إنْ ذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ الْمَهْرِ، وَإِنْ ذَكَرَ عَلَى سَبِيلِ الْعِدَّةِ فَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ بِالْكُلِّيَّةِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْأَخِيرُ، وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ صَرِيحٌ فِيهِ ثُمَّ ذَكَرَ عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ الْمَارَّةِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ اعْتِرَاضِهِ عَلَى الْبَحْرِ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ تُعْتَبَرُ فِي الْعُرْفِ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَهْرِ، غَيْرَ أَنَّ الْمَهْرَ مِنْهُ مَا يُصَرِّحُ بِكَوْنِهِ مَهْرًا وَمِنْهُ مَا يَسْكُتُ عَنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَعْرُوفٌ لَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ إرَادَةِ تَسْلِيمِهِ لَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ نَفْيِهِ أَوْ تَسْمِيَةِ مَا يُقَابِلُهُ كَمَا مَرَّ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرُوطِ لَفْظًا فَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ عِدَّةً وَتَبَرُّعًا، وَكَوْنُ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ صَرِيحًا فِيهِ قَدْ عَلِمْت مَا يُنَاقِضُهُ وَيُنَافِيهِ. وَقَدْ رَأَيْت فِي الْمُلْتَقَطِ التَّصْرِيحِ بِلُزُومِهِ كَمَا قُلْنَا حَيْثُ ذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ مَنْعِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا حَتَّى تَقْبِضَ الْمَهْرَ فَقَالَ: ثُمَّ إنْ شَرَطَ لَهَا شَيْئًا مَعْلُومًا مِنْ الْمَهْرِ مُعَجَّلًا فَأَوْفَاهَا ذَلِكَ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا، وَكَذَلِكَ الْمَشْرُوطُ عَادَةً كَالْخُفِّ وَالْمِكْعَبِ وَدِيبَاجِ اللِّفَافَةِ وَدَرَاهِمِ السَّكَرِ عَلَى مَا هُوَ عَادَةُ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ، وَإِنْ شَرَطُوا أَنْ لَا يُدْفَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يَجِبُ، وَإِنْ سَكَتُوا لَا يَجِبُ إلَّا مَنْ صَدَّقَ الْعُرْفَ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ فِي الْإِعْطَاءِ لِمِثْلِهَا مِنْ مِثْلِهِ وَلِلْعُرْفِ الضَّعِيفِ لَا يَلْحَقُ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ بِالْمَشْرُوطِ. اهـ. ثُمَّ رَأَيْت الْمُصَنِّفَ أَفْتَى بِهِ فِي فَتَاوِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 وَوَسَطُ الْعَبِيدِ فِي زَمَانِنَا الْحَبَشِيُّ (وَإِنْ أَمْهَرَهَا الْعَبْدَيْنِ وَ) الْحَالُ أَنَّ (أَحَدَهُمَا حُرٌّ فَمَهْرُهَا الْعَبْدُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (إنْ سَاوَى أَقَلَّهُ) أَيْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ (وَإِلَّا كَمَّلَ لَهَا الْعَشَرَةَ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْمُسَمَّى وَإِنْ قَلَّ يَمْنَعُ مَهْرَ الْمِثْلِ. وَعِنْدَ الثَّانِي لَهَا قِيمَةَ الْحُرَّ لَوْ عَبْدًا وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ كَمَا لَوْ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا. (وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ) وَهُوَ الَّذِي فَقَدَ شَرْطًا مِنْ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ كَشُهُودٍ   [رد المحتار] وَحَاصِلُهُ أَنَّ ذَلِكَ إنْ صَرَّحَ بِاشْتِرَاطِهِ لَزِمَ تَسْلِيمُهُ، وَكَذَا إنْ سَكَتَ عَنْهُ وَكَانَ الْعُرْفُ بِهِ مَشْهُورًا مَعْلُومًا عِنْدَ الزَّوْجِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ تَبَرُّعًا وَعِدَّةً لَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا لِقَبْضِهِ وَلَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَازِمًا مُفْسِدًا لِلتَّسْمِيَةِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ الْهَدِيَّةِ وَالْإِكْرَامُ تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ بِدَفْعِهِ فَيَجِبُ الْمُسَمَّى دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ. أَوْ يُقَالُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ: إنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ مَعْلُومِ النَّوْعِ مَجْهُولِ الْوَصْفِ كَالْفَرَسِ وَالْعَبْدِ فَإِنَّ التَّفَاوُتَ فِي ذَلِكَ يَسِيرٌ فِي الْعُرْفِ، فَمِثْلُ اللِّفَافَةِ يُعْرَفُ نَوْعُهَا أَنَّهَا مِنْ الْقَبْضِ وَالْحَرِيرِ أَوْ مِنْ الْقُطْنِ وَالْحَرِيرِ بِاعْتِبَارِ الْفَقْرِ وَالْغِنَى وَقِلَّةِ الْمَهْرِ وَكَثْرَتِهِ، وَكَذَا بَاقِي الْمَذْكُورَاتِ، فَيُعْتَبَرُ الْوَسَطُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا، فَهَذَا مَا تَحَرَّرَ لِي فِي هَذَا الْمَقَامِ الَّذِي كَثُرَتْ فِيهِ الْأَوْهَامُ وَزَلَّتْ الْأَقْدَامُ، فَاحْفَظْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَالسَّلَامُ. (قَوْلُهُ وَوَسَطُ الْعَبِيدِ فِي زَمَانِنَا الْحَبَشِيُّ) وَأَمَّا أَعْلَاهُ فَالرُّومِيُّ وَأَدْنَاهُ الزِّنْجِيُّ، كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ. ذَكَرُوا أَنَّ ذَلِكَ عُرْفُ الْقَاهِرَةِ. وَذَكَرَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ أَنَّ الْحَبَشِيَّ فِي عُرْفِنَا لَا يَجِبُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَتَى أُطْلِقَ لَا يَنْصَرِفُ إلَّا لِلْأَسْوَدِ، فَإِذَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْعَبْدِ وَجَبَ الْوَسَطُ مِنْ السُّودَانِ اهـ. قُلْت: وَالْعَبْدُ فِي عُرْفِ الشَّامِ لَا يَشْمَلُ الرُّومِيَّ لِأَنَّهُ يُسَمَّى مَمْلُوكًا بَلْ يَشْمَلُ الْحَبَشِيَّ وَالزِّنْجِيَّ وَكَذَا الْجَارِيَةُ وَالرُّومِيَّةُ تُسَمَّى سَرِيَّةً، وَعَلَيْهِ فَالْوَسَطُ أَعْلَى الزِّنْجِيِّ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَمْهَرَهَا الْعَبْدَيْنِ إلَخْ) أَرَادَ بِالْعَبْدَيْنِ الشَّيْئَيْنِ الْحَلَالَيْنِ وَبِالْحُرِّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا حَرَامًا فَدَخَلَ فِيهِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَهَذَا الْبَيْتِ فَإِذَا الْعَبْدُ حُرٌّ، أَوْ عَلَى مَذْبُوحَتَيْنِ فَإِذَا إحْدَاهُمَا مَيِّتَةٌ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَقَلُّهُ) أَيْ أَقَلُّ الْمَهْرِ (قَوْلُهُ يُمْنَعُ مَهْرُ الْمِثْلِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ، لَهَا الْعَبْدُ الْبَاقِي وَتَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَرَ مِنْهُ (قَوْلُهُ لَهَا قِيمَةُ الْحُرَّ لَوْ عَبْدًا) أَيْ لَهَا مَعَ الْعَبْدِ الْبَاقِي قِيمَةُ الْحُرَّ لَوْ فُرِضَ كَوْنُهُ عَبْدًا (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ) ، وَالْمُتُونُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا) أَيْ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ الْمُسَمَّيَيْنِ، فَإِنَّ لَهَا الْبَاقِي وَقِيمَةَ الْمُسْتَحَقِّ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّا جَمِيعًا فَلَهَا قِيمَتُهُمَا، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بَحْرٌ. [مَطْلَبٌ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ] ِ (قَوْلُهُ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ) وَحُكْمُ الدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ كَالدُّخُولِ فِي الْفَاسِدِ، فَيَسْقُطُ الْحَدُّ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، خِلَافًا لِمَا فِي الِاخْتِيَارِ مِنْ كِتَابِ الْعِدَّةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، وَسَنَذْكُرُ فِي الْعِدَّةِ التَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا فِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الَّذِي إلَخْ) بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَطَ شَرْطًا فَاسِدًا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْهُ عَلَى أَنْ لَا يَطَأَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَفْسُدُ الشَّرْطُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ كَشُهُودٍ) وَمِثْلُهُ تَزَوُّجُ الْأُخْتَيْنِ مَعًا وَنِكَاحُ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ وَنِكَاحُ الْمُعْتَدَّةِ وَالْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ. وَفِي الْمُحِيطِ: تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمَةً فُرِّقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا. اهـ. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا لَا يُحَدَّانِ وَأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ فِيهِ وَالْعِدَّةُ إنْ دَخَلَ بَحْرٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 (بِالْوَطْءِ) فِي الْقُبُلِ (لَا بِغَيْرِهِ) كَالْخَلْوَةِ لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا (وَلَمْ يَزِدْ) مَهْرُ الْمِثْلِ (عَلَى الْمُسَمَّى) لِرِضَاهَا بِالْحَطِّ، وَلَوْ كَانَ دُونَ الْمُسَمَّى لَزِمَ مَهْرُ الْمِثْلِ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ بِفَسَادِ الْعَقْدِ، وَلَوْ لَمْ يُسَمِّ أَوْ جُهِلَ لَزِمَ بَالِغًا مَا بَلَغَ (وَ) يَثْبُتُ (لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ عَنْ صَاحِبِهِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَا)   [رد المحتار] قُلْت: لَكِنْ سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ فَصْلٍ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ عَنْ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى: نَكَحَ كَافِرٌ مُسْلِمَةً فَوَلَدَتْ مِنْهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ وَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ بَاطِلٌ اهـ. وَهَذَا صَرِيحٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمَفْهُومِ فَافْهَمْ، وَمُقْتَضَاهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ فِي النِّكَاحِ، لَكِنْ فِي الْفَتْحِ قُبَيْلَ التَّكَلُّمِ عَلَى نِكَاحِ الْمُتْعَةِ. أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي النِّكَاحِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، نَعَمْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ حِكَايَةُ قَوْلَيْنِ فِي أَنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَاطِلِ مَا وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَلِذَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَلَا الْعِدَّةُ فِي نِكَاحِ الْمَحَارِمِ أَيْضًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي فِي الْحُدُودِ. وَفَسَّرَ الْقُهُسْتَانِيُّ هُنَا الْفَاسِدَ بِالْبَاطِلِ، وَمَثَّلَهُ بِنِكَاحِ الْمَحَارِمِ وَبِإِكْرَاهٍ مِنْ جِهَتِهَا أَوْ بِغَيْرِ شُهُودٍ إلَخْ وَتَقْيِيدُهُ الْإِكْرَاهَ بِكَوْنِهِ مِنْ جِهَتِهَا قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ أَوَّلَ النِّكَاحِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَشَرْطُ حُضُورِ شَاهِدَيْنِ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْعِدَّةِ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ فِي نِكَاحٍ بَاطِلٍ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِهِ كَالنِّكَاحِ بِلَا شُهُودٍ فَالدُّخُولُ فِيهِ مُوجِبٌ لِلْعِدَّةِ. أَمَّا نِكَاحُ مَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ وَمُعْتَدَّتِهِ فَالدُّخُولُ فِيهِ لَا يُوجِبُ الْعِدَّةَ إنْ عُلِمَ أَنَّهَا لِلْغَيْرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِجَوَازِهِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا. قَالَ: فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ فَاسِدِهِ وَبَاطِلِهِ فِي الْعِدَّةِ، وَلِهَذَا يَجِبُ الْحَدُّ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ لِأَنَّهُ زِنَى كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي غَيْرِ الْعِدَّةِ، أَمَّا فِيهَا فَالْفَرْقُ ثَابِتٌ. وَعَلَى هَذَا فَيُقَيَّدُ قَوْلُ الْبَحْرِ هُنَا وَنِكَاحُ الْمُعْتَدَّةِ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ، لَكِنْ يُرَدُّ عَلَى مَا فِي الْمُجْتَبَى مِثْلُ نِكَاحِ الْأُخْتَيْنِ مَعًا فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِجَوَازِهِ وَلَكِنْ لِيُنْظَرْ وَجْهُ التَّقْيِيدِ بِالْمَعِيَّةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعِيَّةَ فِي الْعَقْدِ لَا فِي مِلْكِ الْمُتْعَةِ، إذْ لَوْ تَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَالْمُتَأَخِّرُ بَاطِلٌ قَطْعًا (قَوْلُهُ فِي الْقُبُلِ) فَلَوْ فِي الدُّبُرِ لَا يَلْزَمُهُ مَهْرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلِّ النَّسْلِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْقُنْيَةِ فَلَا يَجِبُ بِالْمَسِّ وَالتَّقْبِيلِ بِشَهْوَةٍ شَيْءٌ بِالْأَوْلَى كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَيْضًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَالْخَلْوَةِ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا) أَيْ فَلَمْ يَثْبُتْ بِهَا التَّمَكُّنُ مِنْ الْوَطْءِ فَهِيَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ كَالْخَلْوَةِ بِالْحَائِضِ فَلَا تُقَامُ مَقَامَ الْوَطْءِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمَشَايِخِ: الْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَالْخَلْوَةِ الْفَاسِدَةِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَفِيهِ مُسَامَحَةٌ لِفَسَادِ الْخَلْوَةِ بَحْرٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالصَّحِيحَةِ هُنَا الْخَالِيَةُ عَمَّا يَمْنَعُهَا أَوْ يُفْسِدُهَا مِنْ وُجُودِ ثَالِثٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ حَيْضٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا سِوَى فَسَادِ الْعَقْدِ لِظُهُورِ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، وَهَذَا سَبَبُ الْمُسَامَحَةِ وَفِيهِ مُسَامَحَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ الْخَلْوَةَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ مَعَ أَنَّ الْفَاسِدَةَ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ تُوجِبُهَا كَمَا مَرَّ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَزِدْ مَهْرُ الْمِثْلِ إلَخْ) الْمُرَادُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ مَا يَأْتِي فِي الْمَتْنِ، بِخِلَافِ مَهْرِ الْمِثْلِ الْوَاجِبِ بِالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ بِغَيْرِ عَقْدٍ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَيَأْتِي بَيَانُهُ فَافْهَمْ. هَذَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ تَزَوَّجَ مَحْرَمَهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلٍ بَالِغًا مَا بَلَغَ اهـ فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ بَاطِلٌ لَا فَاسِدٌ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ الْخِلَافِ وَيَكُونُ ذَلِكَ ثَمَرَةَ الِاخْتِلَافِ وَبَيَانًا لِوَجْهِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِرِضَاهَا بِالْحَطِّ) لِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ تُسَمِّ الزِّيَادَةَ كَانَتْ رَاضِيَةً بِالْحَطِّ مُسْقِطَةً حَقَّهَا فِيهَا لَا لِأَجْلِ أَنَّ التَّسْمِيَةَ صَحِيحَةٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ الْحَقَّ أَنَّهَا فَاسِدَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِوُقُوعِهَا فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فَقَطْ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْعَشَرَةِ فَلَيْسَ لَهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 فِي الْأَصَحِّ خُرُوجًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ. فَلَا يُنَافِي وُجُوبَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا (وَتَجِبُ الْعِدَّةُ بَعْدَ الْوَطْءِ) لَا الْخَلْوَةِ لِلطَّلَاقِ لَا لِلْمَوْتِ (مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ) أَوْ مُتَارَكَةِ الزَّوْجِ   [رد المحتار] غَيْرُهُ، بِخِلَافِ نِكَاحِ الصَّحِيحِ إذَا وَجَبَ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْ عَشَرَةٍ بَحْرٌ، وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مَهْرَ مِثْلِهَا الْمُعْتَبَرَ بِقَوْمِ أَبِيهَا كَيْفَ يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ الْعَشَرَةِ مَعَ أَنَّ الْعَشَرَةَ أَقَلُّ الْوَاجِبِ فِي الْمَهْرِ شَرْعًا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْآخَرِ كَمَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ ح (قَوْلُهُ فَلَا يُنَافِي وُجُوبَهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ لَا يُرِيدُ بِهِ عَدَمَ الْوُجُوبِ، إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ الْمَعْصِيَةِ وَالْخُرُوجُ مِنْهَا وَاجِبٌ بَلْ إفَادَةُ أَنَّهُ أَمْرٌ ثَابِتٌ لَهُ وَحْدَهُ. اهـ. ح وَضَمِيرُ يُنَافِي لِتَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِاللَّامِ فِي قَوْلِهِ وَلِكُلٍّ، وَضَمِيرُ وَحْدَهُ لِكُلٍّ أَيْ يَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَحْدَهُ. (قَوْلُهُ بَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي) أَيْ إنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا (قَوْلُهُ وَتَجِبُ الْعِدَّةُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وُجُوبُهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ قَضَاءً وَدِيَانَةً. وَفِي الْفَتْحِ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي الْقَضَاءِ. أَمَّا إذَا عَلِمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ بَعْدَ آخِرِ وَطْءٍ ثَلَاثًا يَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ لَهَا التَّزَوُّجُ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى قِيَاسِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ نَقْلِ الْعَتَّابِيِّ. اهـ. وَمَحَلُّهُ فِيمَا إذَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. أَمَّا إذَا حَاضَتْ ثَلَاثًا مِنْ آخِرِ وَطْءٍ وَلَمْ يُفَارِقْهَا فَلَيْسَ لَهَا التَّزَوُّجُ اتِّفَاقًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَظَاهِرُ الزَّيْلَعِيِّ يُوهَمُ خِلَافَهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بَعْدَ الْوَطْءِ لَا الْخَلْوَةِ) أَيْ لَا تَجِبُ بَعْدَ الْخَلْوَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ وَطْءٍ، وَوُجُوبُ الْعِدَّةِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ وَلَوْ فَاسِدَةً إنَّمَا هُوَ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الدُّخُولِ فَالْقَوْلُ لَهُ فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ. اهـ. وَفِيهِ عَنْ الْفَتْحِ: وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الْمَوْطُوءَةُ أُخْتَ امْرَأَتِهِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا (قَوْلُهُ لِلطَّلَاقِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ الْعِدَّةِ، وَقَوْلُهُ لَا لِلْمَوْتِ عَطْفٌ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ سَوَاءٌ فَارَقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ الَّتِي هِيَ عِدَّةُ طَلَاقٍ وَهِيَ ثَلَاثُ حِيَضٍ؛ لَا عِدَّةُ مَوْتٍ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمِنَحِ وَالْبَحْرِ: وَالْمُرَادُ بِالْعِدَّةِ هُنَا عِدَّةُ الطَّلَاقِ. وَأَمَّا عِدَّةُ الْوَفَاةِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا مِنْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ. اهـ. وَلَا يَصِحُّ تَعَلُّقُ قَوْلِهِ لِلطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ تَجِبُ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَلْ هُوَ مُتَارَكَةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَكَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ لَا لِلْمَوْتِ مَوْتُ الرَّجُلِ قَبْلَ الْوَطْءِ، لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ بَعْدَهُ تَجِبُ عِدَّةُ الْمَوْتِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ إطْلَاقِ عِبَارَةِ الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَلِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْعِدَّةِ مِنْ أَنَّهَا تَجِبُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ كَوَامِلَ فِي الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ فِي الْمَوْتِ وَالْفُرْقَةِ اهـ أَيْ إنْ كَانَتْ تَحِيضُ وَإِلَّا فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ أَوْ وَضْعُ الْحَمْلِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ) أَيْ تَفْرِيقِ الْقَاضِي، وَمِثْلُهُ التَّفَرُّقُ وَهُوَ فَسْخُهُمَا أَوْ فَسْخُ أَحَدِهِمَا ح، وَهُوَ مُتَعَلَّقُ تَجِبُ: أَيْ لَا مِنْ آخِرِ الْوَقْتِ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَة، وَأَقَرَّهُ شُرَّاحُهَا كَالْفَتْحِ وَالْمِعْرَاجِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ، وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي الْمُلْتَقَى وَالْجَوْهَرَةِ وَالْبَحْرِ. وَلَا يَخْفَى تَقْدِيمُ مَا فِي هَذِهِ الْمُعْتَبَرَاتِ عَلَى مَا فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ مِنْ تَصْحِيحِ قَوْلِ زُفَرَ وَعِبَارَةِ الْمَوَاهِبِ وَاعْتَبَرْنَا الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ لَا مِنْ آخِرِ الْوَطْآتِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ مُتَارَكَةُ الزَّوْجِ) فِي الْبَزَّازِيَّةِ: الْمُتَارَكَةُ فِي الْفَاسِدِ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْقَوْلِ كَخَلَّيْتُ سَبِيلَك أَوْ تَرَكْتُك وَمُجَرَّدُ إنْكَارِ النِّكَاحِ لَا يَكُونُ مُتَارَكَةً. أَمَّا لَوْ أَنْكَرَ وَقَالَ أَيْضًا اذْهَبِي وَتَزَوَّجِي كَانَ مُتَارَكَةً وَالطَّلَاقُ فِيهِ مُتَارَكَةٌ لَكِنْ لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ، وَعَدَمُ مَجِيءِ أَحَدِهِمَا إلَى آخَرَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَيْسَ مُتَارَكَةً لِأَنَّهَا لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالْقَوْلِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ: وَقَبْلَ الدُّخُولِ أَيْضًا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْقَوْلِ. اهـ. وَخَصَّ الشَّارِحُ الْمُتَارَكَةَ بِالزَّوْجِ كَمَا فَعَلَ الزَّيْلَعِيُّ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا لَا تَكُونُ مِنْ الْمَرْأَةِ أَصْلًا مَعَ أَنَّ فَسْخَ هَذَا النِّكَاحِ يَصِحُّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَحْضَرِ الْآخَرِ اتِّفَاقًا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَارَكَةِ وَالْفَسْخِ بَعِيدٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ الْمَرْأَةُ بِالْمُتَارَكَةِ فِي الْأَصَحِّ (وَيَثْبُتُ النَّسَبُ) احْتِيَاطًا بِلَا دَعْوَةٍ (وَتُعْتَبَرُ مُدَّتُهُ) وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ (مِنْ الْوَطْءِ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْهُ إلَى الْوَضْعِ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ) يَعْنِي سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ (يَثْبُتُ) النَّسَبُ (وَإِلَّا) بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (لَا) يَثْبُتُ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَبِهِ يُفْتَى، وَقَالَا: ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ كَالصَّحِيحِ وَرَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَذَكَرَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَنَظَمَ مِنْهَا الْعَشَرَةَ الَّتِي فِي الْخُلَاصَةِ فَقَالَ: وَفَاسِدٌ مِنْ الْعُقُودِ عَشْرٌ ... إجَارَةٌ وَحُكْمُ هَذَا الْأَجْرِ وُجُوبُ أَدْنَى مِثْلٍ أَوْ مُسَمَّى ... أَوْ كُلِّهِ مَعَ فَقْدِك الْمُسَمَّى   [رد المحتار] وَفَرَّقَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمُتَارَكَةَ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ فَيَخْتَصُّ بِهِ الزَّوْجُ، أَمَّا الْفَسْخُ فَرَفَعَ الْعَقْدَ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَى الْمُتَارَكَةِ، وَرَدَّهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْفَاسِدِ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ الْمُتَارَكَةَ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ، فَالْحَقُّ عَدَمُ الْفَرْقِ، وَلِذَا جَزَمَ بِهِ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ إلَخْ، وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ بَابِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ طَلَّقَ الْمَنْكُوحَةَ فَاسِدًا ثَلَاثًا لَهُ تَزَوُّجُهَا بِلَا مُحَلِّلٍ، قَالَ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا فَهَذَا أَيْضًا مُؤَيِّدٌ لِكَوْنِ الطَّلَاقِ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْفَاسِدِ وَلِذَا كَانَ غَيْرَ مُنْقِصٍ لِلْعَدَدِ بَلْ هُوَ مُتَارَكَةٌ كَمَا عَلِمْت، حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا صَحِيحًا عَادَتْ إلَيْهِ بِثَلَاثِ طَلْقَاتٍ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) هَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ مُصَحَّحَيْنِ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ إنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ وَالْآخَرُ أَنَّهُ شَرْطٌ، حَتَّى لَوْ لَمْ يُعْلِمْهَا بِهَا لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا (قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ) أَمَّا الْإِرْثُ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ وَكَذَا النِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ احْتِيَاطًا) أَيْ فِي إثْبَاتِهِ لِإِحْيَاءِ الْوَلَدِ ط (قَوْلُهُ وَتُعْتَبَرُ مُدَّتُهُ) أَيْ ابْتِدَاءُ مُدَّتِهِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا (قَوْلُهُ وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) أَيْ فَأَكْثَرَ (قَوْلُهُ مِنْ الْوَطْءِ) أَيْ إذَا لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ يَعْنِي سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ) أَشَارَ إلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ بِأَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ إنَّمَا هُوَ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا دُونَهُ لَا عَمَّا زَادَ لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ أَوْ الدُّخُولِ وَلَمْ يُفَارِقْهَا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ اتِّفَاقًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ إلَخْ) تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَلِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ بَحْرٌ: [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ إذَا وَقَعَتْ فُرْقَةٌ وَإِلَّا فَمِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ وَالدُّخُولِ عَلَى الْخِلَافِ. وَاعْتِرَاضُهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ أَتَتْ بَعْدَ التَّفْرِيقِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ أَوْ الدُّخُولِ وَلِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مَعَ أَنَّهُ يَثْبُتُ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ اعْتِبَارَ ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ أَوْ الدُّخُولِ مَعْنَاهُ نَفْيُ الْأَقَلِّ كَمَا مَرَّ، وَاعْتِبَارُهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ مَعْنَاهُ نَفْيُ الْأَكْثَرِ، حَتَّى لَوْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَبْلَ التَّفْرِيقِ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَلَوْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ الدُّخُولِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ كَمَا مَرَّ، أَمَّا بَعْدَ التَّفْرِيقِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ حِينِ التَّفْرِيقِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الْوِلَادَةِ وَالْعَقْدِ أَوْ الدُّخُولِ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ) تَرْجِيحُهُ لَا يُعَارِضُ قَوْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ إنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 وَالْوَاجِبُ الْأَكْثَرُ فِي الْكِتَابَةِ ... مِنْ الَّذِي سَمَّاهُ أَوْ مِنْ قِيمَةٍ وَفِي النِّكَاحِ الْمِثْلُ إنْ يَكُنْ دَخَلْ ... وَخَارِجُ الْبَذْرِ لِمَالِكٍ أَجَلْ وَالصُّلْحُ وَالرَّهْنُ لِكُلٍّ نَقْضُهُ ... أَمَانَةً أَوْ كَالصَّحِيحِ حُكْمُهُ ثُمَّ الْهِبَةُ مَضْمُونَةٌ يَوْمَ قَبْضٍ ... وَصَحَّ بَيْعُهُ لِعَبْدٍ اقْتَرَضَ مُضَارَبَةٌ وَحُكْمُهَا الْأَمَانَةُ ... وَالْمِثْلُ فِي الْبَيْعِ وَإِلَّا الْقِيمَةُ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ التَّصَرُّفَاتُ الْفَاسِدَةُ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةِ) أَيْ الَّتِي تَفْسُدُ إذَا فُقِدَ مِنْهَا شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ (قَوْلُهُ وَحُكْمُ هَذَا) أَيْ حُكْمُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ كَمَرَمَّةِ دَارٍ أَوْ بِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى أَوْ بِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ أَوْ بِتَسْمِيَةِ نَحْوِ خَمْرٍ وَالْأَجْرُ خَبَرُ حُكْمٍ وَالْمُرَادُ بِهِ أَجْرُ الْمِثْلِ، أَوْ الْمُسَمَّى فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَأَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ، وَقَدْ فَصَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وُجُوبُ أَدْنَى مِثْلٍ إلَخْ فَأَدْنَى إمَّا مُضَافٌ وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَوْ غَيْرُ مُضَافٍ وَمِثْلٍ بَدَلٌ مِنْهُ كَمَا لَا يَخْفَى ح (قَوْلُهُ وَالْوَاجِبُ الْأَكْثَرُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْكِتَابَةَ الْفَاسِدَةَ كَمَا إذَا كَانَتْ كِتَابَةً عَلَى عَيْنٍ مُعَيِّنَةٍ لِغَيْرِهِ يَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ الْأَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْمُسَمَّى وَتَاءُ الْكِتَابَةِ وَالْقِيمَةِ مَجْرُورَانِ وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِمَا بِالْهَاءِ لِئَلَّا تَخْتَلِفَ الْقَافِيَةُ ح (قَوْلُهُ وَفِي النِّكَاحِ) أَيْ الْفَاسِدِ بِعَدَمِ الشُّهُودِ مِثْلَا مَهْرِ الْمِثْلِ أَيْ بَالِغًا مَا بَلَغَ إنْ لَمْ يُسَمِّ مَا يَصْلُحُ مَهْرًا، وَإِلَّا فَالْأَقَلُّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ الْمُسَمَّى ح (قَوْلُهُ إنْ يَكُنْ دَخَلَ) أَمَّا إذَا لَمْ يَدْخُلْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ ح (قَوْلُهُ وَخَارِجُ الْبَذْرِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُزَارَعَةَ الْفَاسِدَةَ كَمَا إذَا شَرَطَ فِيهَا قُفْزَانَ مُعَيَّنَةً لِأَحَدِهِمَا يَكُونُ الْخَارِجُ فِيهَا لِصَاحِبِ الْبَذْرِ. ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لَهُ فَعَلَيْهِ مِثْلُ أَجْرِ الْعَامِلِ وَإِذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ ح (قَوْلُهُ أَجَلْ) تَكْمِلَةٌ بِمَعْنَى نَعَمْ ح (قَوْلُهُ وَالصُّلْحُ وَالرَّهْنُ) أَيْ الصُّلْحُ الْفَاسِدُ بِنَحْوِ جَهَالَةِ الْبَدَلِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ وَالرَّهْنُ الْفَاسِدُ كَرَهْنِ الْمَشَاعِ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ نَقْضُهُ ح (قَوْلُهُ أَمَانَةً) خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ عَائِدٍ عَلَى كُلٍّ مِنْ بَدَلِ الصُّلْحِ وَالْمَرْهُونِ اللَّذَيْنِ دَلَّ عَلَيْهِمَا الصُّلْحُ وَالرَّهْنُ أَيْ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَا فِي يَدِ الْمُصَالِحِ أَمَانَةً، وَكَذَلِكَ عَلَيْهِ فِي يَدِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ كُلًّا قَبَضَ مَالَ صَاحِبِهِ بِإِذْنِهِ، لَكِنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ لَا لِمَالِكِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ كَالصَّحِيحِ حُكْمُهُ؛ وَحُكْمُ الصَّحِيحِ فِي الصُّلْحِ أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِبَدَلِ الصُّلْحِ، وَصَحِيحُ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدَ رَحْمَتِيٌّ. قُلْت: وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الرَّهْنِ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ فَاسِدَ الرَّهْنِ كَصَحِيحِهِ إذَا كَانَ سَابِقًا عَلَى الدَّيْنِ وَإِلَّا فَلَا، وَيَأْتِي تَمَامُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ ثُمَّ الْهِبَهْ) بِسُكُونِ الْهَاءِ لِلضَّرُورَةِ يَعْنِي أَنَّ الْمَوْهُوبَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ كَهِبَةِ مُشَاعٍ يُقَسَّمُ ح لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ قَبَضَ لِنَفْسِهِ وَلَوْ بِإِذْنِ مَالِكِهِ كَانَ قَبْضُهُ قَبْضَ ضَمَانٍ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَصَحَّ بَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ الْمُسْتَقْرِضِ، وَاللَّامُ لِتَعْدِيَةِ الْبَيْعِ، وَقَوْلُهُ اقْتَرَضَ نَعْتٌ لِعَبْدٍ، وَفَاعِلُهُ مُسْتَتِرٌ عَائِدٌ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ، وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ عَائِدٌ عَلَى الْعَبْدِ، يَعْنِي إذَا اسْتَقْرَضَ عَبْدًا كَانَ قَرْضًا فَاسِدًا لِأَنَّهُ قِيَمِيٌّ يُفِيدُ الْمَلِكَ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ ح. وَقَالَ ط: اللَّامُ فِي الْعَبْدِ زَائِدَةٌ (قَوْلُهُ مُضَارَبَهْ) بِسُكُونِ الْهَاءِ لِلضَّرُورَةِ يَعْنِي أَنَّ الْمُضَارَبَةَ الْفَاسِدَةَ بِنَحْوِ اشْتِرَاطِ عَمَلِ رَبِّ الْمَالِ حُكْمُهَا الْأَمَانَةُ: أَيْ يَكُونُ مَالُ الْمُضَارَبَةِ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ أَمَانَةً ح أَيْ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا لِمَالِكِهَا بِإِذْنِهِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ أَمَانَةٌ وَلِأَنَّهُ لَمَّا فَسَدَتْ صَارَ الْمُضَارِبُ أَجِيرًا وَالْمَالُ فِي يَدِ الْأَجِيرِ أَمَانَةٌ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمِثْلُ فِي الْبَيْعِ) أَيْ الْوَاجِبُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِنَحْوِ شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ ضَمَانُ مِثْلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] الْمَقْبُوضِ الْهَالِكِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا وَتَاءُ الْأَمَانَةِ وَالْقِيمَةِ مَرْفُوعَانِ وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِمَا بِالسُّكُونِ لِمَا مَرَّ ح. وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْإِحْدَى وَالْعِشْرِينَ فَقَالَ فِي النَّهْرِ: وَبَقِيَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةِ: الصَّدَقَةُ وَالْخُلْعُ وَالشَّرِكَةُ وَالسَّلَمُ وَالْكِفَايَةُ وَالْوَكَالَةُ وَالْوَقْفُ وَالْإِقَالَةُ وَالصَّرْفُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْقِسْمَةُ. أَمَّا الصَّدَقَةُ فَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّهَا كَالْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ مَضْمُونَةٌ بِالْقَبْضِ وَأَمَّا الْخُلْعُ، فَحُكْمُهُ أَنَّهُ إذَا بَطَلَ الْعِوَضُ فِيهِ وَقَعَ بَائِنًا، وَذَلِكَ كَالْخُلْعِ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ. وَأَمَّا الشَّرِكَةُ وَهِيَ الْمَفْقُودُ مِنْهَا شَرْطُهَا، مِثْلُ أَنْ يَجْعَلَ الرِّبْحَ فِيهَا عَلَى قَدْرِ الْمَالِ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَوْ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَأَمَّا السَّلَمُ، وَهُوَ مَا فُقِدَ فِيهِ شَرْطٌ مِنْ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ فَحُكْمُ رَأْسِ الْمَالِ فِيهِ كَالْمَغْصُوبِ، فَيَصِحُّ فِيهِ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ مَا بَدَا لَهُ يَدًا بِيَدٍ كَذَا فِي الْفُصُولِ. وَأَمَّا الْكَفَالَةُ كَمَا إذَا جَهِلَ الْمَكْفُولَ عَنْهُ مَثَلًا كَقَوْلِهِ مَا بَايَعْت أَحَدًا فَعَلَيَّ، فَحُكْمُهَا عَدَمُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَرَجَعَ بِمَا أَدَّاهُ حَيْثُ كَانَ الضَّمَانُ فَاسِدًا كَذَا فِي الْفُصُولِ أَيْضًا. وَأَمَّا الْوَكَالَةُ وَالْوَقْفُ وَالْإِقَالَةُ وَالصَّرْفُ وَالْوَصِيَّةُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ فَاسِدِهَا وَبَاطِلِهَا، وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الْإِقَالَةَ كَالنِّكَاحِ لَا يُبْطِلُهَا الشَّرْطُ الْفَاسِدُ، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ فَاسِدِهِ وَبَاطِلِهِ، وَقَالُوا: لَوْ وَقَعَتْ الْإِقَالَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ بَعْدَمَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ فَهِيَ بَاطِلَةٌ. اهـ. أَقُولُ: وَمَا عَزَاهُ إلَى الْمَجْمَعِ فِي قَوْلِهِ وَأَمَّا الشَّرِكَةُ إلَخْ فَغَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهِ وَلَمْ تَرَ أَحَدًا قَالَهُ، بَلْ تَجُوزُ الشَّرِكَةُ مَعَ التَّسَاوِي فِي الرِّبْحِ وَعَدَمِهِ فَالصَّوَابُ أَنْ يُمَثِّلَ بِاَلَّتِي شُرِطَ فِيهَا دَرَاهِمُ مُسَمَّاةٌ لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ مُفْسِدٌ لَهَا، وَحُكْمُ الْفَاسِدَةِ أَنْ يُجْعَلَ الرِّبْحُ فِيهَا عَلَى قَدْرِ الْمَالِ وَإِنْ شُرِطَ التَّفَاضُلُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي فِي الْمَجْمَعِ وَغَرَّهُ فَافْهَمْ، وَذَكَرَ الْقِسْمَةَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِحُكْمِهَا، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فِي بَابِهَا أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِالْقِسْمَةِ الْفَاسِدَةِ كَقِسْمَةٍ عَلَى شَرْطِ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَيْعٍ مِنْ الْمَقْسُومِ أَوْ غَيْرِهِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ وَيُفِيدُ جَوَازَ التَّصَرُّفِ فِيهِ لِقَابِضِهِ وَيَضْمَنُهُ بِالْقِيمَةِ كَالْمَقْبُوضِ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ. وَقِيلَ لَا يَثْبُتُ، وَجَزَمَ بِالْقِيلِ فِي الْأَشْبَاهِ، وَبِالْأَوَّلِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْقُنْيَةِ. اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ فَاسِدِهِ وَبَاطِلِهِ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ. هَذَا، وَقَدْ زَادَ الرَّحْمَتِيُّ الْحَوَالَةَ وَنَظَمَ حُكْمَهَا مَعَ حُكْمِ مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ تَكْمِيلًا لِنَظْمِ النَّهْرِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ فَقَالَ: صَدَقَةٌ كَهِبَةٍ سَوَاءُ ... وَالْخُلْعُ بَائِنٌ وَلَا جَزَاءُ إنْ شَرَطَ الْخَمْرَ أَوْ الْخِنْزِيرَ أَوْ ... الْمَيْتَةَ بَدَلَهُ كَذَا رَأَوْا بِقَدْرِ مَالِ رِبْحِ شِرْكَةٍ فَسَدَ ... كَأَنْ لِقَطْعِ شِرْكَةِ الرِّبْحِ قَصَدَ وَلَا ضَمَانَ بِهَلَاكِ الْمَالِ ... فِي يَدِهِ حُزْت ذُرَا الْمَعَالِي وَسَلِمَ بَعْضُ شُرُوطِهِ فَقَدْ ... فَفَاسِدٌ كَمَا مِنْ الْفِقْهِ شَهِدْ وَرَأْسُ مَالٍ فِيهِ كَالْمَغْصُوبِ عُدْ ... فَخُذْ بِهِ مَا شِئْت إنْ يَدًا بِيَدْ كَفَالَةُ الْمَجْهُولِ مُفْسِدٌ لَهَا ... فَارْجِعْ بِمَا أَدَّيْت إنْ خَبْءٌ دَهَى إذَا بَنَى الدَّفْعَ عَلَى الْكَفَالَهْ ... وَلَا رُجُوعَ إنْ يُرِدْ وَفَا لَهْ وَفَاسِدُ الْقِيمَةِ إنْ شَرَطَ نَمَا ... لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ يَا هَذَا الْكَمَى فَيَمْلِكُ الْمَقْسُومَ بِالْقِيمَةِ إنْ ... يَقْبِضْ وَقِيلَ لَا فَقَدْ فَازَ الْفَطِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 (وَ) الْحُرَّةُ (مَهْرُ مِثْلِهَا) الشَّرْعِيُّ (مَهْرُ مِثْلِهَا) اللُّغَوِيُّ: أَيْ مَهْرُ امْرَأَةٍ تُمَاثِلُهَا (مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا) لَا أُمِّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ قَوْمِهِ كَبِنْتِ عَمِّهِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: يُعْتَبَرُ بِأَخَوَاتِهَا وَعَمَّاتِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبِنْتُ الشَّقِيقَةِ وَبِنْتُ الْعَمِّ انْتَهَى وَمَفَادُهُ اعْتِبَارُ التَّرْتِيبِ فَلْيُحْفَظْ.   [رد المحتار] وَكَالَةٌ وِصَايَةٌ وَالْوَقْفُ ... إقَالَةٌ يَا صَاحِ ثُمَّ الصَّرْفُ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ مَا قَدْ فَسَدَا ... وَبَيْنَ بَاطِلٍ هُدِيتَ الرَّشَدَا حَوَالَةٌ بِشَرْطِ أَنْ يُؤَدِّيَ ... مِنْ بَيْعِ دَارٍ لِلْمُحِيلِ يُرْدِي فَإِنْ يُؤَدِّي الْمَالَ فَهُوَ رَاجِعْ ... عَلَى الْمُحِيلِ أَوْ مُحَالٍ خَاشِعْ وَقَوْلُهُ فَخُذْ بِهِ مَا شِئْت إلَخْ أَيْ لَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ الْفَاسِدِ بِخِلَافِ الصَّحِيحِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ لِئَلَّا يَنْفَصِلَ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَقَوْلُهُ إذَا بَنَى الدَّفْعَ عَلَى الْكَفَالَةِ إلَخْ أَيْ لَوْ ظَنَّ لُزُومَهَا لَهُ فَأَدَّاهُ عَمَّا كَفَلَهُ وَقَالَ هَذَا مَا كَفَلْت لَك بِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ عَلَيْهِ عَلَى زَعْمِ لُزُومِهِ كَمَا لَوْ قَضَاهُ دَيْنَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا قَالَ خُذْ هَذَا وَفَاءً عَمَّا لَك فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَنْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِلَا أَمْرِهِ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ [مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ مَهْرِ الْمِثْلِ] ِ (قَوْلُهُ وَالْحُرَّةُ) احْتَرَزَ بِهَا عَنْ الْأَمَةِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ وَمَهْرُ مِثْلِهَا) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا يَلْزَمُ الْإِخْبَارُ عَنْ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ اخْتِلَافِهِمَا شَرْعًا وَلُغَةً وَلِأَنَّ الثَّانِيَ مُقَيَّدٌ بِقَوْلِهِ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا. ثُمَّ إنْ عَلِمَ أَنَّ اعْتِبَارَ مَهْرِ الْمِثْلِ الْمَذْكُورِ حُكْمُ كُلِّ نِكَاحٍ صَحِيحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ أَصْلًا أَوْ سَمَّى فِيهِ مَا هُوَ مَجْهُولٌ، أَوْ مَا لَا يَحِلُّ شَرْعًا، وَحُكْمُ كُلِّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ بَعْدَ الْوَطْءِ سُمِّيَ فِيهِ مَهْرٌ أَوْ لَا. وَأَمَّا الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْمَهْرُ بِسَبَبِ الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَهْرِ فِيهَا مَهْرَ الْمِثْلِ الْمَذْكُورِ هُنَا لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعُقْرُ، وَفَسَّرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ بِأَنَّهُ يُنْظَرُ بِكَمْ تُسْتَأْجَرُ لِلزِّنَى لَوْ كَانَ حَلَالًا يَجِبُ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَكَذَا نُقِلَ عَنْ مَشَايِخِنَا فِي شَرْحِ الْأَصْلِ لِلسَّرَخْسِيِّ اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ. وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ: لَوْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا لَزِمَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْعُقْرِ الْمَذْكُورِ تَوْفِيقًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا أُمِّهَا) الْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلْأُمِّ وَقَوْمِهَا مَعَ قَوْمِ الْأَبِ، لَا أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ أَصْلًا حَتَّى تَكُونَ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْأَجَانِبِ ط عَنْ الْبُرْجَنْدِيُّ. قُلْت: لَكِنَّ الْأُمَّ قَدْ تَكُونُ مِنْ قَبِيلَةٍ لَا تُمَاثِلُ قَبِيلَةَ الْأَبِ، وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ الْأَجَانِبِ مَنْ كَانَتْ مِنْ قَبِيلَةٍ تُمَاثِلُ قَبِيلَةَ الْأَبِ عَلَى مَا يَأْتِي، فَمَنْ كَانَتْ كَذَلِكَ فَهِيَ أَعْلَى حَالًا مِنْ الْأُمِّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ كَبِنْتِ عَمِّهِ) مِثَالٌ لِلْمَنْفِيِّ ح أَيْ الْمَنْفِيُّ فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ قَوْمِهِ، وَالضَّمِيرُ فِيهِمَا لِلْأَبِ، فَالْأُمُّ إذَا كَانَتْ بِنْتَ عَمِّ الْأَبِ كَانَتْ مِنْ قَوْمِ الْأَبِ وَقَوْلُ الدُّرَرِ كَبِنْتِ عَمِّهَا سَبْقُ قَلَمٍ أَوْ مَجَازٌ (قَوْلُهُ وَمَفَادُهُ اعْتِبَارُ التَّرْتِيبِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ اهـ قُلْت: وَتَظْهَرُ الثَّمَرَةُ فِيمَا لَوْ سَاوَتْهَا أُخْتُهَا وَبِنْتُ عَمِّهَا مَثَلًا فِي الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَاخْتَلَفَ مَهْرَاهُمَا، فَعَلَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ تُعْتَبَرُ الْأُخْتُ. وَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ فَيُشْكِلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْأَوْصَافِ (وَقْتَ الْعَقْدِ سِنًّا وَجَمَالًا وَمَالًا وَبَلَدًا وَعَصْرًا وَعَقْلًا وَدِينًا وَبَكَارَةً وَثُيُوبَةً وَعِفَّةً وَعِلْمًا وَأَدَبًا وَكَمَالَ خُلُقٍ) وَعَدَمَ وَلَدٍ. وَيُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ أَيْضًا، ذَكَرَهُ الْكَمَالُ   [رد المحتار] وَقَدْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا سَاوَتْ الْمَرْأَةُ امْرَأَتَيْنِ مِنْ أَقَارِبِ أَبِيهَا مَعَ اخْتِلَافِ مَهْرِهِمَا، هَلْ يُعْتَبَرُ بِالْمَهْرِ الْأَقَلِّ أَوْ الْأَكْثَرِ؟ وَيَنْبَغِي أَنَّ كُلَّ مَهْرٍ اعْتَبَرَهُ الْقَاضِي وَحَكَمَ بِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ اهـ وَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ التَّفَاوُتُ كَثِيرًا. وَقَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: نَصَّ عُلَمَاؤُنَا عَلَى أَنَّ التَّفْوِيضَ لِقُضَاةِ الْعَهْدِ فَسَادٌ. وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ نَظْمُ الْفَقِيهِ اعْتِبَارُ الْأَقَلِّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ. اهـ. قُلْت: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي مَهْرِ كُلٍّ مِنْ هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ، فَمَنْ وَافَقَ مَهْرُهَا مَهْرَ مِثْلِهَا تُعْتَبَرُ، إذْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَصَلَ فِي مَهْرِ إحْدَاهُمَا مُحَابَاةٌ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فِي الْأَوْصَافِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِإِغْنَاءِ قَوْلِهِ سِنًّا إلَخْ عَنْهُ مَعَ احْتِيَاجِهِ مَعَ تَكَلُّفٍ فِي الْإِعْرَابِ (قَوْلُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ) ظَرْفٌ لِمِثْلِهَا الثَّانِيَةِ بِالنَّظَرِ لِلْمَتْنِ، وَلِتُعْتَبَرَ بِالنَّظَرِ لِلشَّارِحِ. اهـ. ح. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا أَرَدْنَا أَنْ نَعْرِفَ مَهْرَ مِثْلِ الْمَرْأَةِ تَزَوَّجَتْ بِلَا تَسْمِيَةٍ مَثَلًا نَنْظُرُ إلَى صِفَاتِهَا وَقْتَ تَزَوُّجِهَا مِنْ سِنٍّ وَجَمَالٍ إلَخْ وَإِلَى امْرَأَةٍ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا كَانَتْ حِينَ تَزَوَّجَتْ فِي السِّنِّ وَالْجَمَالِ إلَخْ مِثْلُ الْأُولَى، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِنْ زِيَادَةِ جَمَالٍ وَنَحْوِهِ أَوْ نَقْصٍ أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ (قَوْلُنَا سِنًّا) أَرَادَ بِهِ الصِّغَرَ أَوْ الْكِبَرَ بَحْرٌ، وَمِثْلُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَحْدِيدَ السِّنِّ بِالْعَدَدِ كَعِشْرِينَ سَنَةً مَثَلًا، بَلْ مُطْلَقُ الصِّغَرِ أَوْ الْكِبْرِ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّفَاوُتُ عُرْفًا فَبِنْتُ عِشْرِينَ مِثْلُ بِنْتِ ثَلَاثِينَ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ، فَإِنَّ الْغَنِيَّةَ تُنْكَحُ بِأَكْثَرَ مَا تُنْكَحُ بِهِ الْفَقِيرَةُ، وَكَذَا الشَّابَّةُ مَعَ الْعَجُوزِ، وَالْحَسْنَاءُ مَعَ الشَّوْهَاءِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ بَقِيَّةَ الصِّفَاتِ كَذَلِكَ، فَيُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي أَصْلِ الصِّفَةِ احْتِرَازًا عَنْ ضِدِّهَا لَا عَنْ الزِّيَادَةِ فِيهَا (قَوْلُهُ وَجَمَالًا) وَقِيلَ لَا يُعْتَبَرُ الْجَمَالُ فِي بَيْتِ الْحَسَبِ وَالشَّرَفِ بَلْ فِي أَوْسَاطِ النَّاسِ، وَهَذَا جَيِّدٌ فَتْحٌ. وَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُهُ مُطْلَقًا بَحْرٌ، وَكَذَا رَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِإِطْلَاقِ عِبَارَةِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ. قُلْت: وَوَجْهُهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ كَانَتْ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا، فَإِذَا سَاوَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فِي الْحَسَبِ وَالشَّرَفِ وَزَادَتْ عَلَيْهَا فِي الْجَمَالِ كَانَتْ الرَّغْبَةُ فِيهَا أَكْثَرَ (قَوْلُهُ وَبَلَدًا وَعَصْرًا) فَلَوْ كَانَتْ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا اخْتَلَفَ مَكَانُهُمَا أَوْ زَمَانُهُمَا لَا يُعْتَبَرُ بِمَهْرِهَا لِأَنَّ الْبَلَدَيْنِ تَخْتَلِفُ عَادَةُ أَهَلِهِمَا فِي غَلَاءِ الْمَهْرِ وَرُخْصِهِ، فَلَوْ زُوِّجَتْ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي زُوِّجَ فِيهِ أَقَارِبُهَا لَا يُعْتَبَرُ بِمُهُورِهِنَّ فَتْحٌ، وَمِثْلُهُ فِي كَافِي الْحَاكِمِ الَّذِي هُوَ جَمْعُ كُتُبِ مُحَمَّدٍ، حَيْثُ قَالَ: وَلَا يُنْظَرُ إلَى نِسَائِهَا إذَا كُنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ بَلَدِهَا لِأَنَّ مُهُورَ الْبُلْدَانِ مُخْتَلِفَةٌ. اهـ. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَإِنْ قُلْنَا بِالِاكْتِفَاءِ بِبَعْضِ هَذِهِ الصِّفَاتِ عَلَى مَا يَأْتِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَعَقْلًا) هُوَ قُوَّةٌ مُمَيِّزَةٌ بَيْنَ الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ، أَوْ هَيْئَةٍ مَحْمُودَةٍ لِلْإِنْسَانِ فِي مِثْلِ حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ كَمَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى شَامِلٌ لِمَا شَرَطَهُ فِي النُّتَفِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْأَدَبِ وَالتَّقْوَى وَالْعِفَّةِ وَكَمَالِ الْخُلُقِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَدِينًا) أَيْ دِيَانَةً وَصَلَاحًا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَدَمُ وَلَدٍ) أَيْ إنْ كَانَ مَنْ اُعْتُبِرَ لَهَا الْمَهْرُ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ اُعْتُبِرَ مَهْرُ مِثْلِهَا بِمَهْرِ مَنْ لَهَا وَلَدٌ ط (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ) أَيْ نَقْلًا عَنْ الْمَشَايِخِ، وَفَسَّرَهُ بِأَنْ يَكُونَ زَوْجُ هَذِهِ كَأَزْوَاجِ أَمْثَالِهَا مِنْ نِسَائِهَا فِي الْمَالِ وَالْحَسَبِ وَعَدَمِهِمَا اهـ أَيْ وَكَذَا فِي بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ، فَإِنَّ الشَّابَّ وَالْمُتَّقِي مَثَلًا يُزَوَّجُ بِأَرْخَصَ مِنْ الشَّيْخِ وَالْفَاسِقِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 قَالَ: وَمَهْرُ الْأَمَةِ بِقَدْرِ الرَّغْبَةِ فِيهَا (وَيُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ فِي ثُبُوتِ مَهْرِ الْمِثْلِ لِمَا ذُكِرَ (إخْبَارُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ) فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شُهُودٌ عُدُولٌ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ بِيَمِينِهِ، وَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ لِلْقَاضِي فَرْضَ الْمَهْرِ حَمَلَهُ فِي النَّهْرِ عَلَى مَا إذَا رَضِيَا بِذَلِكَ   [رد المحتار] كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ وَمَهْرُ الْأَمَةِ إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ أَوَّلَ الْبَابِ. قَالَ ح: دَخَلَ فِي إطْلَاقِهِ مَا إذَا كَانَ لَهَا قَوْمُ أَبٍ، كَمَا إذَا تَزَوَّجَ حُرٌّ أَمَةَ رَجُلٍ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْحُرِّيَّةَ فَبِنْتُهُ أَمَةٌ، وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا لَكِنْ خَالَفَتْهُمْ فِي الْحُرِّيَّةِ فَلَمْ تَحْصُلْ الْمُمَاثَلَةُ (قَوْلُهُ أَيْ فِي ثُبُوتِ مَهْرِ الْمِثْلِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ ضَمِيرَ فِيهِ عَائِدٌ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ وَهُوَ ثُبُوتٌ (قَوْلُهُ لِمَا ذُكِرَ) عِلَّةٌ لِثُبُوتِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَالْمُرَادُ بِمَا ذُكِرَ الْمُمَاثَلَةُ سِنًّا وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَمْرَيْنِ: الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ مَهْرَ الْأُولَى كَانَ كَذَا ح. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِمَا ذُكِرَ، فَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ: أَيْ لِثُبُوتِهِ بِسَبَبِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْأَوْصَافِ (قَوْلُهُ شُهُودٌ عُدُولٌ) أَشَارَ إلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ مَعَ الْعَدَدِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ الْمَالِ وَالشَّرْطُ فِيهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ الَّتِي تَدَّعِيهَا الْمَرْأَةُ (قَوْلُهُ وَمَا فِي الْمُحِيطِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُنْتَقَى، وَهُوَ مَا مَرَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَبَيْنَ مَا فِي الْمُحِيطِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ فَرَضَ الْقَاضِي أَوْ الزَّوْجُ بَعْدَ الْعَقْدِ جَازَ، لِأَنَّهُ يَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى التَّقْدِيرِ لِمَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ زَادَ أَوْ نَقَصَ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْوَاجِبِ صَحِيحَةٌ وَالْحَطُّ عَنْهُ جَائِزٌ اهـ. وَوَجْهُ الْمُخَالَفَةِ أَنَّ ظَاهِرَ مَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ بِمَهْرٍ بِدُونِ الشَّهَادَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ مِنْ الزَّوْجِ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا رَضِيَا بِذَلِكَ وَإِلَّا فَالزِّيَادَةُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ إبَائِهِ وَالنَّقْصُ عَنْهُ عِنْدَ إبَائِهَا لَا يَجُوزُ. اهـ. أَقُولُ: قَدَّمْنَا عَنْ الْبَدَائِعِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَمَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ زِيدَ لَا يُنَصَّفُ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ طَلَبَتْ الْفَرْضَ مِنْ الزَّوْجِ يَلْزَمُهُ، وَلَوْ امْتَنَعَ يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ نَابَ مَنَابَهُ فِي الْفَرْضِ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ فَرْضُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنْ فَرَضَ الْقَاضِي عِنْدَ عَدَمِ التَّرَاضِي، فَلَا يَصِحُّ حَمْلُ مَا فِي الْمُحِيطِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُحِيطِ زَادَ أَوْ نَقَصَ إلَخْ فَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى صُورَةِ فَرْضِ الزَّوْجِ إذَا رَضِيَتْ بِهَا. وَبَيَانُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ تَنْدَفِعُ بِهِ الْمُخَالَفَةُ أَنَّك قَدْ عَلِمْت أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ إنَّمَا يَجِبُ بِالنَّظَرِ إلَى مَنْ يُسَاوِيهَا مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا، وَقَدْ عَلِمْت أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، فَإِذَا تَزَوَّجَتْ بِلَا مَهْرٍ وَطَلَبَتْ مِنْ الزَّوْجِ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا فَامْتَنَعَ وَرَافَعَتْهُ إلَى الْقَاضِي وَأَتَتْ بِشَاهِدَيْنِ شَهِدَا بِأَنَّ فُلَانَةَ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا تُسَاوِيهَا فِي الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَأَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بِكَذَا يَحْكُمُ لَهَا الْقَاضِي بِمِثْلِ مَهْرِ فُلَانَةَ الْمَذْكُورَةِ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ عِنْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ بِالتَّرَاضِي كَمَا قُلْنَا. وَإِذَا كَانَ فَرْضُ الْقَاضِي مَبْنِيًّا عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ الشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَةِ تَنْدَفِعُ الْمُخَالَفَةُ الَّتِي ادَّعَاهَا فِي الْبَحْرِ لِأَنَّهُ لَا مُسَوِّغَ لِحَمْلِ مَا فِي الْمُحِيطِ، عَلَى أَنَّ الْقَاضِي يَفْرِضُ لَهَا مَهْرًا بِرَأْيِهِ وَيُلْزِمُ أَحَدَهُمَا بِالزِّيَادَةِ أَوْ النَّقْصِ بِلَا رِضَاهُ مَعَ إمْكَانِ الْمَصِيرِ إلَى الْوَاجِبِ لَهَا شَرْعًا عِنْدَ وُجُودِ مَنْ يُسَاوِيهَا فِي الصِّفَاتِ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ حَمْلَ كَلَامِ الْمُحِيطِ عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ مَنْ يُسَاوِيهَا مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا وَمِنْ الْأَجَانِبِ فَلَا يُخَالِفُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُنْتَقَى أَيْضًا لِأَنَّ كَلَامَهُمَا فِي مَهْرِ الْمِثْلِ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْمُمَاثِلِ، فَيَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ عَلَى الشَّهَادَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ. أَمَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمُمَاثِلِ يَكُونُ تَقْدِيرًا لِمَهْرِ الْمِثْلِ جَارِيًا مَجْرَاهُ لَا عَيْنَهُ، فَيَنْظُرُ فِيهِ الْقَاضِي نَظَرَ تَأَمُّلٍ وَاجْتِهَادٍ، فَيَحْكُمُ بِهِ بِدُونِ شُهُودٍ وَإِقْرَارٍ مِنْ الزَّوْجِ، فَمَوْضُوعُ الْكَلَامَيْنِ مُخْتَلِفٌ كَمَا لَا يَخْفَى. وَعَلَى هَذَا لَا يَتَأَتَّى أَيْضًا فِيهِ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ قَبِيلَةِ أَبِيهَا فَمِنْ الْأَجَانِبِ) أَيْ فَمِنْ قَبِيلَةٍ تُمَاثِلُ قَبِيلَةَ أَبِيهَا (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهِ كَمَا مَرَّ. (وَصَحَّ ضَمَانُ الْوَلِيِّ مَهْرَهَا وَلَوْ) الْمَرْأَةُ (صَغِيرَةً) وَلَوْ عَاقِدًا لِأَنَّهُ سَفِيرٌ،   [رد المحتار] إذْ لَا يُمْكِنُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْمُمَاثِلِ، وَلَكِنَّ حَمْلَ كَلَامِ الْمُحِيطِ عَلَى مَا ذُكِرَ يُنَافِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الْحُكْمُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَكَذَا مَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا عَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ عَدَمُ الْمُمَاثِلِ لَا يُعْطَى لَهَا شَيْءٌ، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى حَالَةِ التَّرَاضِي، لِمَا عَلِمْت مِنْ كَلَامِ الْبَدَائِعِ وَلِأَنَّهُ عِنْدَ وُجُودِ التَّرَاضِي يُسْتَغْنَى عَنْ التَّرَافُعِ إلَى الْقَاضِي وَعِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ الشَّاهِدَيْنِ، فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ بِيَمِينِهِ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي فَيَحْكُمُ لَهَا الْقَاضِي بِمَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ) أَيْ مَنْ يُمَاثِلُهَا فِي الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا بَحْرٌ، وَمُقْتَضَاهُ الِاكْتِفَاءُ بِبَعْضِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ؛ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الِاخْتِيَارِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ كُلُّهُ فَاَلَّذِي يُوجَدُ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ اجْتِمَاعُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ فِي امْرَأَتَيْنِ؛ فَيُعْتَبَرُ بِالْمَوْجُودِ مِنْهَا لِأَنَّهَا مِثْلُهَا. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَالِكٍ وَغُرَرُ الْأَذْكَارِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُلْتَقَى. قُلْت: وَلَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ اتِّفَاقُ الْمُتُونِ عَلَى ذِكْرِ مُعْظَمِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ وَتَصْرِيحُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ وَكَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدَّارِ وَالْعَصْرِ اهـ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الرَّغْبَةَ فِي الْبِكْرِ الشَّابَّةِ الْجَمِيلَةِ الْغَنِيَّةِ أَكْثَرُ مِنْ الثَّيِّبِ الْعَجُوزِ الشَّوْهَاءِ الْفَقِيرَةِ وَإِنْ تَسَاوَتَا فِي الْعَقْلِ وَالدِّينِ وَالْعِلْمِ وَالْأَدَبِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَوْصَافِ؛ فَكَيْفَ يُقَدَّرُ مَهْرُ إحْدَاهُمَا بِمَهْرِ الْأُخْرَى مَعَ هَذَا التَّفَاوُتِ؛ وَقَوْلُهُمْ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ اجْتِمَاعُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ فِي امْرَأَتَيْنِ مُسَلَّمٌ لَوْ الْتَزَمْنَا اعْتِبَارَهَا فِي قَوْمِ الْأَبِ فَقَطْ. أَمَّا عِنْدَ اعْتِبَارِهَا مِنْ الْأَجَانِبِ أَيْضًا فَلَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ عَدَمُ الْوُجُودِ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ وَإِنْ امْتَنَعَ يُرْفَعُ الْأَمْرُ لِلْقَاضِي لِيُقَدِّرَ لَهَا مَهْرًا عَلَى مَا مَرَّ؛ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ: مَاتَ فِي غُرْبَةٍ وَخَلَّفَ زَوْجَتَيْنِ غَرِيبَتَيْنِ تَدَّعِيَانِ الْمَهْرَ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا وَلَيْسَ لَهَا أَخَوَاتٌ فِي الْغُرْبَةِ قَالَ يُحْكَمُ بِجَمَالِهِمَا بِكَمْ يُنْكَحُ مِثْلُهُمَا؟ قِيلَ لَهُ يَخْتَلِفُ بِالْبُلْدَانِ قَالَ إنْ وُجِدَ فِي بَلَدِهِمَا يُسْأَلُ وَإِلَّا فَلَا يُعْطَى لَهُمَا شَيْءٌ اهـ أَيْ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْحَلِفِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَكِنْ فِيهِ أَنَّ وَرَثَةَ الزَّوْجِ تَقُومُ مَقَامَهُ فَتَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] جَرَى الْعُرْفُ فِي كَثِيرٍ مِنْ قُرَى دِمَشْقَ بِتَقْدِيرِ الْمَهْرِ بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ لِجَمِيعِ نِسَاءِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ بِلَا تَفَاوُتٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَ السُّكُوتِ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَذْكُورِ الْمُسَمَّى وَقْتَ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُسْأَلُ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [مَطْلَبٌ فِي ضَمَانِ الْوَلِيِّ الْمَهْرَ] (قَوْلُهُ وَصَحَّ ضَمَانُ الْوَلِيِّ مَهْرَهَا) أَيْ سَوَاءٌ وَلِيُّ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ صَغِيرَيْنِ كَانَا أَوْ كَبِيرَيْنِ، أَمَّا ضَمَانُ وَلِيِّ الْكَبِيرِ مِنْهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ. ثُمَّ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ رَجَعَ وَإِلَّا لَا. وَأَمَّا وَلِيُّ الصَّغِيرَيْنِ فَلِأَنَّهُ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ، فَإِذَا مَاتَ كَانَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِي تَرِكَتِهِ وَلِبَاقِي الْوَرَثَةِ الرُّجُوعُ فِي نَصِيبِ الصَّغِيرِ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ صَدَرَتْ بِأَمْرٍ مُعْتَبَرٍ مِنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ لِثُبُوتِ وِلَايَةِ الْأَبِ عَلَيْهِ، فَإِذْنُ الْأَبِ إذْنٌ مِنْهُ مُعْتَبَرٌ، وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْكَفَالَةِ دَلَالَةُ ذَلِكَ مِنْ جِهَتِهِ نَهْرٌ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَاقِدًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي بَاشَرَ عَقْدَ النِّكَاحِ بِالْوِلَايَةِ عَلَيْهَا أَوْ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهِمَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ صَحَّ بِالنِّسْبَةِ لِمَا إذَا كَانَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 لَكِنْ بِشَرْطِ صِحَّتِهِ؛ فَلَوْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَهُوَ وَارِثُهُ لَمْ يَصِحَّ، وَإِلَّا صَحَّ مِنْ الثُّلُثِ، وَقَبُولُ الْمَرْأَةِ أَوْ غَيْرُهَا فِي مَجْلِسِ الضَّمَانِ (وَتَطْلُبُ أَيًّا شَاءَتْ) مِنْ زَوْجِهَا الْبَالِغِ، أَوْ الْوَلِيِّ الضَّامِنِ (فَإِنْ أَدَّى رَجَعَ عَلَى الزَّوْجِ إنْ أَمَرَ) كَمَا هُوَ حُكْمُ الْكَفَالَةِ (وَلَا يُطَالِبُ الْأَبُ بِمَهْرِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ) أَمَّا الْغَنِيُّ فَيُطَالَبُ أَبُوهُ بِالدَّفْعِ مِنْ مَالِ ابْنِهِ لَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ (إذَا زَوَّجَهُ امْرَأَةً إلَّا إذَا ضَمِنَهُ) عَلَى الْمُعْتَمَدِ   [رد المحتار] صَغِيرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَيَصْلُحُ جَوَابًا عَمَّا يُقَالُ لَوْ كَانَ الضَّامِنُ وَلِيَّ الصَّغِيرِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُطَالِبًا وَمُطَالَبًا لِأَنَّ حَقَّ الْمُطَالَبَةِ لَهُ، وَلِذَا لَوْ بَاعَ لَهَا شَيْئًا ثُمَّ ضَمِنَ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي لَمْ يَصِحَّ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ عَنْهَا فَلَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ، وَفِي الْبَيْعِ أَصِيلٌ وَوِلَايَةُ قَبْضِ الْمَهْرِ لَهُ بِحُكْمِ الْأُبُوَّةِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَاقِدٌ، وَلِذَا يَمْلِكُ قَبْضَهُ بَعْدَ بُلُوغِهَا إذَا نَهَتْهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَكِنْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَصَحَّ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ صِحَّتِهِ) أَيْ الْوَلِيِّ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الْمَكْفُولُ عَنْهُ وَالْمَكْفُولُ لَهُ ط (قَوْلُهُ وَارِثُهُ) أَيْ وَارِثُ الْوَلِيِّ كَأَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ أَبَا الزَّوْجِ أَوْ أَبَا الزَّوْجَةِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لِوَارِثِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَتْحٌ زَادَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: وَكَذَا كُلُّ دَيْنٍ ضَمِنَهُ عَنْ وَارِثِهِ أَوْ لِوَارِثِهِ اهـ أَيْ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ لِوَارِثِهِ. لَا يُقَالُ: إنَّهُ لَا تَبَرُّعَ مِنْ الْكَفِيلِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ تَرْجِعُ الْمَرْأَةُ فِي تَرِكَةٍ وَيَرْجِعُ بَاقِي الْوَرَثَةِ فِي نَصِيبِ الِابْنِ لَوْ كَفَلَهُ الْأَبُ بِأَمْرِهِ أَوْ كَانَ صَغِيرًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ. لِأَنَّا نَقُولُ: رُجُوعُ بَاقِي الْوَرَثَةِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ لَا يُخْرِجُ الْكَفَالَةَ عَنْ كَوْنِهَا تَبَرُّعًا ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ قَدْ يَهْلِكُ نَصِيبُهُ وَهُوَ الْمُفْلِسُ أَوْ قَدْ لَا يُمْكِنُهُمْ الرُّجُوعُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ كَفَالَةَ الْمَرِيضِ لِأَجْنَبِيٍّ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ تَبَرُّعًا لَصَحَّتْ مِنْ كُلِّ الْمَالِ كَبَاقِي تَبَرُّعَاتِهِ بَلْ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ وَارِثُهُ شَيْئًا مِنْ مِلْكِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ حَتَّى لَا تَثْبُتَ بِهِ الشُّفْعَةُ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي الْمَجْمَعِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَكْفُولُ لَهُ أَوْ عَنْهُ وَارِثَ الْوَلِيِّ الْكَافِلِ، بِأَنْ كَانَ ابْنَ ابْنِهِ الْحَيِّ أَوْ بِنْتَ عَمِّهِ ط. (قَوْلُهُ صَحَّ) أَيْ الضَّمَانُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي ضَمَانِ الْأَجْنَبِيِّ بَحْرٌ: أَيْ إنْ كَانَ مَالُ الْكَفَالَةِ قَدْرَ ثُلُثِ تَرِكَتِهِ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ صَحَّ بِقَدْرِ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً كَمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ وَقَبُولِ الْمَرْأَةِ) عَطْفٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ بَالِغَةً ح (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرِهَا) وَهُوَ وَلِيُّهَا أَوْ فُضُولِيٌّ غَيْرُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهَا أَوْ قَبُولِ قَابِلٍ فِي الْمَجْلِسِ فَافْهَمْ. قَالَ ح: وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً وَالْكَفِيلُ وَلِيَّ الزَّوْجِ، أَمَّا إذَا كَانَ وَلِيَّهَا فَإِيجَابُهُ يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ فِي مَجْلِسِ الضَّمَانِ) لِأَنَّ شَطْرَ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ غَائِبٍ عَلَى الْمَذْهَبِ ط (قَوْلُهُ أَوْ الْوَلِيِّ الضَّامِنِ) سَوَاءٌ كَانَ وَلِيَّهُ أَوْ وَلِيَّهَا ح، وَقَيَّدَ بِالضَّامِنِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ وَلِأَنَّهُ لَا يُطَالِبُ بِلَا ضَمَانٍ عَلَى مَا يَذْكُرُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ إنْ أَمَرَ) أَيْ إنْ أَمَرَ الزَّوْجُ بِالْكَفَالَةِ. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ عَنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَأَدَّى لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ لِلْعُرْفِ بِتَحَمُّلِ مُهُورِ الصِّغَارِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ أَنَّهُ دَفَعَ لِيَرْجِعَ فَتْحٌ، وَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ بِمَهْرِ ابْنِهِ) أَيْ مَهْرِ زَوْجَةِ ابْنِهِ أَوْ الْمَهْرِ الْوَاجِبِ عَلَى ابْنِهِ (قَوْلُهُ إذَا زَوَّجَهُ امْرَأَةً) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَلَا يُطَالِبُ الْأَبَ إلَخْ لِأَنَّ الْمَهْرَ مَالٌ يَلْزَمُهُ ذِمَّةُ الزَّوْجِ وَلَا يَلْزَمُ الْأَبَ بِالْعَقْدِ، إذْ لَوْ لَزِمَهُ لِمَا أَفَادَ الضَّمَانُ شَيْئًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ) مُقَابَلَةُ مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالتَّتِمَّةِ أَنَّ لَهَا مُطَالَبَةَ أَبِي الصَّغِيرِ ضَمِنَ أَوْ لَمْ يَضْمَنْ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْمَذْكُورُ فِي الْمَنْظُومَةِ أَنَّ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَنَحْنُ نُخَالِفُهُ: ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. قُلْت: وَمِثْلُ مَا فِي الْمَنْظُومَةِ فِي الْمَجْمَعِ وَدُرَرِ الْبِحَارِ وَشُرُوحِهِمَا. وَفِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ: لَوْ زَوَّجَ طِفْلَهُ الْفَقِيرَ لَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ عِنْدَنَا. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ عَمَّا ذَكَرَهُ شَارِحُ الطَّحَاوِيِّ بِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ، بِدَلِيلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 (كَمَا فِي النَّفَقَةِ) فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِهَا إلَّا إذَا ضَمِنَ، وَلَا رُجُوعَ لِلْأَبِ إلَّا إذَا أَشْهَدَ عَلَى الرُّجُوعِ عِنْدَ الْأَدَاءِ   [رد المحتار] أَنَّهُ فِي الْمِعْرَاجِ ذَكَرَ مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْمَهْرَ لَا يَلْزَمُ أَبَا الْفَقِيرِ بِلَا ضَمَانٍ، فَتَعَيَّنَ كَوْنُ الْأَوَّلِ فِي الْغِنَى. قُلْت: وَأَصْرَحُ مِنْ هَذَا مَا فِي الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ نَاقِلًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: إنَّ الْأَبَ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَ امْرَأَةً فَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَطْلُبَ الْمَهْرَ مِنْ أَبِي الزَّوْجِ، فَيُؤَدِّيَ الْأَبُ مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ إلَخْ. وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا مَحَلَّ لَهُ (قَوْلُهُ كَمَا فِي النَّفَقَةِ) أَيْ أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ أَبُو الصَّغِيرُ بِالنَّفَقَةِ إلَّا إذَا ضَمِنَ، كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً وَلَيْسَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ لَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَتُهَا وَيَسْتَدِينُ الْأَبُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الِابْنِ إذَا أَيْسَرَ اهـ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا مَالَ لَهُ لَمْ يُؤَاخَذْ أَبُوهُ بِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَمِنَهَا. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ. قُلْت: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ النَّفَقَةِ فِي الْفُرُوعِ حَيْثُ قَالَ وَفِي الْمُخْتَارِ وَالْمُلْتَقَى، وَنَفَقَةُ زَوْجَةِ الِابْنِ عَلَى أَبِيهِ إنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ فَقِيرًا أَوْ زَمِنًا. اهـ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا سَيَأْتِي عَلَى أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِنْفَاقِ لِيَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى الِابْنِ إذَا أَيْسَرَ، كَمَا لَوْ قَالُوا الِابْنُ الْمُوسِرُ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ وَزَوْجُهَا مُعْسِرَيْنِ يُؤْمَرُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى أُمِّهِ وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى زَوْجِهَا إذَا أَيْسَرَ، وَيُؤَيِّدُهُ عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ الْمَذْكُورَةُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا رُجُوعَ لِلْأَبِ إلَخْ) أَيْ لَوْ أَدَّى الْأَبُ الْمَهْرَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ، قِيلَ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَا رُجُوعَ لَهُ إلَّا بِالْأَمْرِ وَلَمْ يُوجَدْ، لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى كَفَالَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْأَمْرِ لِثُبُوتِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ. وَلِهَذَا لَوْ ضَمِنَهُ أَجْنَبِيٌّ بِإِذْنِ الْأَبِ يَرْجِعُ، فَكَذَا الْأَبُ، نَعَمْ ذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ رُجُوعَ الْأَبِ لِمَا ذُكِرَ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: لَا رُجُوعَ لَهُ لِتَحَمُّلِهِ عَنْهُ عَادَةً بِلَا طَمَعٍ فِي الرُّجُوعِ وَالثَّابِتُ بِالْعُرْفِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ إلَّا إذَا شَرَطَ الرُّجُوعَ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ فَيَرْجِعُ لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ أَعْنِي الْعُرْفَ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِعَدَمِ الْعَادَةِ فِي تَبَرُّعِهِ، فَصَارَ كَبَقِيَّةِ الْأَبِ. اهـ. فَعَدَمُ الرُّجُوعِ بِلَا إشْهَادٍ مَخْصُوصٌ بِالْأَبِ، وَمُقْتَضَى هَذَا رُجُوعُ الْأُمِّ أَيْضًا حَيْثُ لَا عُرْفَ إذَا كَانَتْ وَصِيَّةً وَكَفَلَتْهُ، أَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَقَدْ صَارَ حَادِثَةَ الْفَتْوَى فِي صَبِيٍّ زَوَّجَهُ وَلِيُّهُ وَدَفَعَتْ أُمُّهُ عَنْهُ الْمَهْرَ وَهِيَ غَيْرُ وَصِيٍّ عَلَيْهِ ثُمَّ بَلَغَ فَأَرَادَتْ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ. وَيَنْبَغِي فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ عَدَمُ الرُّجُوعِ لِإِيفَائِهَا دَيْنَ الصَّبِيِّ بِلَا إذْنٍ وَلَا وِلَايَةٍ، لَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ الْآتِي مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِشْهَادِ فِي غَيْرِ الْأَبِ تَأَمَّلْ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا أَشْهَدَ أَيْ الْأَبُ عِنْدَ الْأَدَاءِ أَنَّهُ أَدَّى لِيَرْجِعَ رَجَعَ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عِنْدَ الضَّمَانِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِشْهَادَ عِنْدَ الضَّمَانِ أَوْ الْأَدَاءِ شَرْطُ الرُّجُوعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَقَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ بِمَا إذَا كَانَ الصَّغِيرُ فَقِيرًا وَاعْتِرَاضُهُ فِي النَّهْرِ بِمَا مَرَّ مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ أَيْ مِنْ حَيْثُ مُطْلَقُ عُمُومِ التَّعْلِيلِ بِالْعُرْفِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ مَا فِي الْفَتْحِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ اطِّرَادِ الْعُرْفِ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ غَنِيًّا فَلَهُ الرُّجُوعُ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ وَلَا سِيَّمَا لَوْ كَانَ الْأَبُ فَقِيرًا فَتَأَمَّلْ. وَبَقِيَ مَا لَوْ دَفَعَ بِلَا ضَمَانٍ، وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ بِالْعَادَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، فَيَرْجِعُ إنْ أَشْهَدَ وَإِلَّا لَا وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ الْوَصِيِّ. وَلَوْ اشْتَرَى لِطِفْلِهِ ثَوْبًا أَوْ طَعَامًا وَأَشْهَدَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ يَرْجِعُ بِهِ لَوْ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا لَا لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ ح. وَمِثْلُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 (وَلَهَا مَنْعُهُ مِنْ الْوَطْءِ) وَدَوَاعِيهِ شَرْحُ مَجْمَعٍ (وَالسَّفَرُ بِهَا وَلَوْ بَعْدَ وَطْءٍ وَخَلْوَةٍ رَضِيَتْهُمَا) لِأَنَّ كُلَّ وَطْأَةٍ مَعْقُودٍ عَلَيْهَا، فَتَسْلِيمُ الْبَعْضِ لَا يُوجِبُ تَسْلِيمَ الْبَاقِي   [رد المحتار] لَوْ اشْتَرَى لَهُ دَارًا أَوْ عَبْدًا يَرْجِعُ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَا، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ لَا يَرْجِعُ كَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ حَسَنٌ يَجِبُ حِفْظُهُ. اهـ. قُلْت وَحَاصِلُهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا فَفِي غَيْرِهِمَا لَا يَرْجِعُ إلَّا إذَا أَشْهَدَ سَوَاءٌ كَانَ الصَّغِيرُ فَقِيرًا أَوْ لَا، وَكَذَا فِيهِمَا إنْ كَانَ الصَّغِيرُ غَنِيًّا. أَمَّا لَوْ فَقِيرًا فَلَا رُجُوعَ لَهُ وَإِنْ أَشْهَدَ لِوُجُوبِهِمَا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الدَّارِ وَالْعَبْدِ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْمَهْرَ بِلَا ضَمَانٍ كَالدَّارِ وَالْعَبْدِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ؛ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ إنْ أَشْهَدَ وَلَوْ فَقِيرًا، وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا فِي النَّهْرِ فَتَدَبَّرْ. هَذَا وَسَنَذْكُرُ هُنَاكَ اخْتِلَافَ الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ عَلَى قَصْدِ الرُّجُوعِ هَلْ يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ أَمْ لَا وَالِاسْتِحْسَانُ الْأَوَّلُ. وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَبِ، فَمَا مَرَّ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَشَمِلَ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ مَا لَوْ أَدَّى بَعْدَ بُلُوغِ الِابْنِ كَمَا فِي الْفَيْضِ. وَفِيهِ أَنَّ هَذَا: أَيْ اشْتِرَاطَ الْإِشْهَادِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ دَيْنٌ عَلَى أَبِيهِ، فَلَوْ عَلَى الْأَبِ دَيْنٌ لَهُ فَأَدَّى مَهْرَ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يُشْهِدْ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ أَدَّاهُ مِنْ دَيْنِهِ الَّذِي عَلَيْهِ صُدِّقَ، وَلَوْ كَانَ الِابْنُ كَبِيرًا فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْأَدَاءَ بِلَا أَمْرِهِ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] اشْتِرَاطُ الْإِشْهَادِ لِرُجُوعِ الْأَبِ لَا يُنَافِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَأَخَذَتْ الزَّوْجَةُ مَهْرَهَا مِنْ تَرِكَتِهِ فَلِبَاقِي الْوَرَثَةِ الرُّجُوعُ فِي نَصِيبِ الصَّغِيرِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ صَارَ كَفِيلًا بِالْأَمْرِ دَلَالَةً وَالْكَفِيلُ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى، وَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ لَوْ أَدَّى بِنَفْسِهِ بِلَا إشْهَادٍ لِلْعَادَةِ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي تَبَرُّعًا. أَمَّا إذَا لَمْ يَدْفَعْ بِنَفْسِهِ وَأَخَذَتْ الزَّوْجَةُ مِنْ تَرِكَتِهِ لَمْ يُوجَدْ التَّبَرُّعُ مِنْهُ، فَلِذَا يَرْجِعُ بَاقِي الْوَرَثَةِ فِي نَصِيبِ الصَّغِيرِ مِنْ التَّرِكَةِ. [فَرْعٌ] فِي الْفَيْضِ: وَلَوْ أَعْطَى ضَيْعَةً بِمَهْرِ امْرَأَةِ ابْنِهِ وَلَمْ تَقْبِضْهَا حَتَّى مَاتَ الْأَبُ فَبَاعَتْهَا الْمَرْأَةُ لَمْ يَصِحَّ إلَّا إذَا ضَمِنَ الْأَبُ الْمَهْرَ ثُمَّ أَعْطَى الضَّيْعَةَ بِهِ فَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى الْقَبْضِ. [مَطْلَبٌ فِي مَنْعِ الزَّوْجَةِ نَفْسَهَا لِقَبْضِ الْمَهْرِ] ِ (قَوْلُهُ وَلَهَا مَنْعُهُ إلَخْ) وَكَذَا لِوَلِيِّ الصَّغِيرَةِ الْمَنْعُ الْمَذْكُورُ حَتَّى يَقْبِضَ مَهْرَهَا وَتَسْلِيمَهَا نَفْسَهَا غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهَا، وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ تَسْلِيمُهَا قَبْلَ قَبْضِ الْمَهْرِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ قَبْضِهِ، فَإِنْ سَلَّمَهَا فَهُوَ فَاسِدٌ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا عَلَى كُرْهٍ مِنْهَا إنْ كَانَ امْتِنَاعُهَا لِطَلَبِ الْمَهْرِ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا يَحِلُّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. بَحْرٌ. وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْخِلَافِ بِمَا إذَا كَانَ وَطِئَهَا أَوْ لَا بِرِضَاهَا، أَمَّا إذَا لَمْ يَطَأْهَا وَلَمْ يَخْلُ بِهَا كَذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ اتِّفَاقًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَدَوَاعِيهِ إلَخْ) لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَإِنَّمَا قَالَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، فَقَالَ فِي النَّهْرِ إنَّهُ يَعُمُّ الدَّوَاعِي ط. (قَوْلُهُ وَالسَّفَرِ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْإِخْرَاجِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْكَنْزِ لِيَعُمَّ الْإِخْرَاجَ مِنْ بَيْتِهَا كَمَا قَالَهُ شَارِحُوهُ ط (قَوْلُهُ وَخَلْوَةٍ) يُعْلَمُ حُكْمُهَا مِنْ الْوَطْءِ بِالْأَوْلَى وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ ذِكْرِهَا عَلَى قَوْلِهِمَا الْآتِي (قَوْلُهُ رَضِيَتْهُمَا) وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً بِالْأَوْلَى وَهُوَ بِالِاتِّفَاقِ. أَمَّا مَعَ الرِّضَا، فَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لَهَا الْمَنْعُ وَتَكُونُ بِهِ نَاشِزَةً لَا نَفَقَةَ لَهَا أَيْ إلَّا أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ الْوَطْءِ وَهِيَ فِي بَيْتِهِ بَحْرٌ بَحْثًا، أَخْذًا مِمَّا صَرَّحُوا بِهِ فِي النَّفَقَاتِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِنُشُوزٍ بَعْدَ أَخْذِ الْمَهْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 (لِأَخْذِ مَا بَيْنَ تَعْجِيلِهِ) مِنْ الْمَهْرِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ (أَوْ) أَخَذَ (قَدْرَ مَا يُعَجَّلُ لِمِثْلِهَا عُرْفًا) بِهِ يُفْتَى، لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ (إنْ لَمْ يُؤَجَّلْ) أَوْ يُعَجَّلْ (كُلُّهُ) فَكَمَا شَرَطَ لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ إلَّا إذَا جُهِلَ الْأَجَلُ جَهَالَةً فَاحِشَةً فَيَجِبُ حَالًّا غَايَةٌ، إلَّا التَّأْجِيلُ لِطَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ فَيَصِحُّ لِلْعُرْفِ بَزَّازِيَّةٌ. وَعَنْ الثَّانِي لَهَا مَنْعُهُ إنْ أَجَّلَهُ كُلَّهُ،   [رد المحتار] قَوْلُهُ لِأَخْذِ مَا بَيْنَ تَعْجِيلِهِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَلَهَا مَنْعُهُ، أَوْ غَايَةٌ لَهُ وَاللَّامُ بِمَعْنَى إلَى، فَلَوْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ دِرْهَمًا وَاحِدًا فَلَهَا الْمَنْعُ، وَلَيْسَ لَهُ اسْتِرْجَاعُ مَا قَبَضَتْ هِنْدِيَّةٌ مِنْ السِّرَاجِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ أَحَالَتْ بِهِ رَجُلًا عَلَى زَوْجِهَا لَهَا الِامْتِنَاعُ إلَى أَنْ يَقْبِضَ الْمُحْتَالُ لَا لَوْ أَحَالَهَا بِهِ الزَّوْجُ اهـ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ تَسْلِيمَ الْمَهْرِ مُقَدَّمٌ سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالثَّمَنُ عَيْنٌ فَإِنَّهُمَا يُسَلَّمَانِ مَعًا لِأَنَّ الْقَبْضَ وَالتَّسْلِيمَ مَعًا مُتَعَذِّرٌ هُنَا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ؛ لَكِنْ فِي الْفَيْضِ: لَوْ خَافَ الزَّوْجُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَبُ الْمَهْرَ وَلَا يُسَلِّمُ الْبِنْتَ يُؤْمَرُ الْأَبُ بِجَعْلِهَا مُهَيَّأَةً لِلتَّسْلِيمِ ثُمَّ يَقْبِضُ الْمَهْرَ (قَوْلُهُ أَوْ أَخَذَ قَدْرَ مَا يُعَجَّلُ لِمِثْلِهَا عُرْفًا) أَيْ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ تَعْجِيلَهُ أَوْ تَعْجِيلَ بَعْضِهِ فَلَهَا الْمَنْعُ لِأَخْذِ مَا يُعَجَّلُ لَهَا مِنْهُ عُرْفًا. وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ: الْفَتْوَى عَلَى اعْتِبَارِ عُرْفِ بَلَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الثُّلُثِ أَوْ النِّصْفِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: يُعْتَبَرُ التَّعَارُفُ لِأَنَّ الثَّابِتَ عُرْفًا كَالثَّابِتِ شَرْطًا. قُلْت: وَالْمُتَعَارَفُ فِي زَمَانِنَا فِي مِصْرَ وَالشَّامِ تَعْجِيلُ الثُّلُثَيْنِ وَتَأْجِيلُ الثُّلُثِ، وَلَا تَنْسَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُلْتَقَطِ مِنْ أَنَّ لَهَا الْمَنْعَ أَيْضًا لِلْمَشْرُوطِ عَادَةً كَالْخُفِّ وَالْمِكْعَبِ وَدِيبَاجِ اللِّفَافَةِ وَدَرَاهِمِ السَّكَرِ كَمَا هُوَ عَادَةُ سَمَرْقَنْدَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ دَفْعُهُ عَلَى مَنْ صَدَّقَ الْعُرْفَ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ فِي إعْطَاءِ مِثْلِهَا مِنْ مِثْلِهِ مَا لَمْ يَشْرِطَا عَدَمَ دَفْعِهِ؛ وَالْعُرْفُ الضَّعِيفُ لَا يُلْحِقُ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ بِالْمَشْرُوطِ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُؤَجَّلْ) شَرْطٌ فِي قَوْلِهِ أَوْ أَخَذَ قَدْرَ مَا يُعَجَّلُ لِمِثْلِهَا، يَعْنِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَشْتَرِطَا تَأْجِيلَ الْكُلِّ وَتَعْجِيلَهُ ط وَكَذَا الْبَعْضُ كَمَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا. وَفِي الْفَتْحِ: حُكْمُ التَّأْجِيلِ بَعْدَ الْعَقْدِ كَحُكْمِهِ فِيهِ (قَوْلُهُ فَكَمَا شَرَطَا) جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فَإِنْ أَجَّلَ كُلَّهُ أَوْ عَجَّلَ كُلَّهُ ح. وَفِي مَسْأَلَةِ التَّأْجِيلِ خِلَافٌ يَأْتِي (قَوْلُهُ لِأَنَّ الصَّرِيحَ إلَخْ) أَيْ يُعْتَبَرُ مَا شَرَطَا وَإِنْ تُعُورِفَ تَعْجِيلُ الْبَعْضِ لِأَنَّ الشَّرْطَ صَرِيحٌ وَالْعُرْفَ دَلَالَةٌ، وَالصَّرِيحُ أَقْوَى (قَوْلُهُ إلَّا إذَا جُهِلَ الْأَجَلُ) إذَا هُنَا ظَرْفِيَّةٌ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ أَعَمِّ الظَّرْفِ: أَيْ كَمَا شَرَطَا فِي كُلِّ وَقْتٍ إلَّا فِي وَقْتٍ جُهِلَ الْأَجَلُ فَافْهَمْ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَإِنْ كَانَتْ جَهَالَةً مُتَقَارِبَةً كَالْحَصَّادِ وَالدِّيَاسِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ كَالْمَعْلُومِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَفَاحِشَةً كَإِلَى الْمَيْسَرَةِ أَوْ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ، أَوْ إلَى أَنْ تُمْطِرَ السَّمَاءُ فَالْأَجَلُ لَا يَثْبُتُ وَيَجِبُ الْمَهْرُ حَالًّا، وَكَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا التَّأْجِيلَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْمُسْتَثْنَى ح (قَوْلُهُ فَيَصِحُّ لِلْعُرْفِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ اخْتِلَافًا فِيهِ وَصَحَّحَ أَنَّهُ صَحِيحٌ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَبِالطَّلَاقِ، وَيَتَعَجَّلُ الْمُؤَجَّلُ، وَلَوْ رَاجَعَهَا وَلَا يَتَأَجَّلُ اهـ يَعْنِي إذَا كَانَ التَّأْجِيلُ إلَى الطَّلَاقِ. أَمَّا لَوْ إلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا يَتَعَجَّلُ بِالطَّلَاقِ، كَمَا قَدْ يَقَعُ فِي مِصْرِ مَنْ جَعَلَ بَعْضَهُ حَالًّا وَبَعْضَهُ مُؤَجَّلًا إلَى الطَّلَاقِ، أَوْ الْمَوْتِ وَبَعْضَهُ مُنَجَّمًا، فَإِذَا طَلَّقَهَا تَعَجَّلَ الْبَعْضُ الْمُؤَجَّلُ لَا الْمُنَجَّمُ، فَتَأْخُذُهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ عَلَى نُجُومِهِ كَمَا تَأْخُذُهُ قَبْلَهُ. وَاخْتُلِفَ هَلْ يَتَعَجَّلُ الْمُؤَجَّلُ بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مُطْلَقًا أَوْ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَجَزَمَ فِي الْقُنْيَةِ بِالثَّانِي، وَعَزَاهُ إلَى عَامَّةِ الْمَشَايِخِ. وَلَوْ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَتَزَوَّجَهَا فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِالْمَهْرِ الْمُؤَجَّلِ إلَى الطَّلَاقِ كَمَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 وَبِهِ يُفْتَى اسْتِحْسَانًا وَلْوَالِجِيَّةٌ وَفِي النَّهْرِ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةٍ عَلَى حُكْمِ الْحُلُولِ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ أَرْبَعِينَ لَهَا مَنْعُهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ. (وَ) لَهَا (النَّفَقَةُ) بَعْدَ الْمَنْعِ (وَ) لَهَا (السَّفَرُ وَالْخُرُوجُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا لِلْحَاجَةِ؛ وَ) لَهَا (زِيَارَةُ أَهْلِهَا بِلَا إذْنِهِ مَا لَمْ تَقْبِضْهُ) أَيْ الْمُعَجَّلَ، فَلَا تَخْرُجُ إلَّا لِحَقٍّ لَهَا أَوْ عَلَيْهَا   [رد المحتار] الرِّدَّةَ فَسْخٌ لَا طَلَاقٌ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتَى اسْتِحْسَانًا) لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَبَ تَأْجِيلَهُ كُلَّهُ فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْأُسْتَاذَ ظَهِيرَ الدِّينِ كَانَ يُفْتِي بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ كَانَ يُفْتِي بِأَنَّ لَهَا ذَلِكَ اهـ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ بَحْرٌ. قُلْت: وَالِاسْتِحْسَانُ مُقَدَّمٌ، فَلِذَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ: وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الدُّخُولَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، فَلَوْ شَرَطَهُ وَرَضِيَتْ بِهِ لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ اتِّفَاقًا اهـ. [تَنْبِيهٌ] يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ إنْ أَجَّلَهُ كُلَّهُ أَنَّهُ لَوْ أَجَّلَ الْبَعْضَ وَدَفَعَ الْمُعَجَّلَ لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ عَلَى قَوْلِ الثَّانِي مَعَ أَنَّهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَهْرُ مُؤَجَّلًا لَيْسَ لَهَا الْمَنْعُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلَا بَعْدَهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُؤَجَّلُ بَعْضَهُ وَاسْتَوْفَتْ الْعَاجِلَ، وَكَذَا لَوْ أَجَّلَتْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ. ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَهَا الْمَنْعُ إلَى اسْتِيفَاءِ الْأَجَلِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْفُصُولِ إذَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا إلَخْ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَأَخَذَ مَا بَيْنَ تَعْجِيلِهِ إلَخْ لَكِنْ رَأَيْت فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَنَّهُ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ تَأْجِيلِ الْبَعْضِ أَنَّ لَهُ الدُّخُولَ بِهَا فِي دِيَارِنَا بِلَا خِلَافٍ. لِأَنَّ الدُّخُولَ عِنْدَ أَدَاءِ الْمُعَجَّلِ مَشْرُوطٌ عُرْفًا فَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ نَصًّا؛ أَمَّا فِي تَأْجِيلِ الْكُلِّ فَغَيْرُ مَشْرُوطٍ لَا عُرْفًا وَلَا نَصًّا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الدُّخُولُ عَلَى قَوْلِ الثَّانِي اسْتِحْسَانًا اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ أَرْبَعِينَ) أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ لَهَا مَنْعُهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ) أَيْ تَقْبِضَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ، إذْ لَيْسَ فِي اشْتِرَاطِ تَعْجِيلِ الْبَعْضِ مَعَ نَصٍّ عَلَى حُلُولِ الْجَمِيعِ دَلِيلٌ عَلَى تَأْخِيرِ الْبَاقِي إلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الدَّلَالَاتِ. وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَادَةُ فِي مِثْلِ هَذَا التَّأْخِيرِ إلَى اخْتِيَارِ الْمُطَالَبَةِ بَحْرٌ عَنْ فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ. [فَرْعٌ] فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يَنْقُدَهَا مَا تَيَسَّرَ لَهُ وَالْبَقِيَّةَ إلَى سَنَةٍ فَالْأَلْفُ كُلُّهُ إلَى سَنَةٍ مَا لَمْ تُبَرْهِنْ أَنَّهُ تَيَسَّرَ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ كُلُّهُ فَتَأْخُذَهُ (قَوْلُهُ وَلَهَا النَّفَقَةُ بَعْدَ الْمَنْعِ) أَيْ الْمَنْعِ لِأَجْلِ قَبْضِ الْمَهْرِ، وَيَشْمَلُ الْمَنْعَ مِنْ الْوَطْءِ وَهِيَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكَذَا لَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ النُّقْلَةِ إلَى بَيْتِهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهَا، وَكَذَا لَوْ سَافَرَتْ. وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ النَّفَقَةَ جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ مَغْصُوبَةً أَوْ حَاجَّةً وَهُوَ لَيْسَ مَعَهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَحْتَبِسْ بِعُذْرٍ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ بِعَدَمِ دَفْعِ الْمَهْرِ فَكَانَتْ مُحْتَبِسَةً حُكْمًا كَمَا لَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ مَنْزِلِهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْحَاجَّةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. (قَوْلُهُ فَلَا تَخْرُجُ إلَخْ) جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ: أَيْ فَإِنْ قَبَضَتْهُ فَلَا تَخْرُجُ إلَخْ، وَأَفَادَ بِهِ تَقْيِيدُ كَلَامِ الْمَتْنِ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهَا إنْ قَبَضَتْهُ لَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ لِلْحَاجَةِ وَزِيَارَةُ أَهْلِهَا بِلَا إذْنِهِ مَعَ أَنَّ لَهَا الْخُرُوجَ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَتِهِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى عَنْ الْأَشْبَاهِ، وَكَذَا فِيمَا لَوْ أَرَادَتْ حَجَّ الْفَرْضِ بِمَحْرَمٍ أَوْ كَانَ أَبُوهَا زَمِنًا مَثَلًا يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 أَوْ لِزِيَارَةِ أَبَوَيْهَا كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً أَوْ الْمَحَارِمِ كُلَّ سَنَةٍ، وَلِكَوْنِهَا قَابِلَةً أَوْ غَاسِلَةً لَا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَإِنْ أَذِنَ كَانَا عَاصِيَيْنِ وَالْمُعْتَمَدُ جَوَازُ الْحَمَّامِ بِلَا تَزَيُّنٍ أَشْبَاهٌ وَسَيَجِيءُ فِي النَّفَقَةِ (وَيُسَافِرُ بِهَا بَعْدَ أَدَاءِ كُلِّهِ) مُؤَجَّلًا وَمُعَجَّلًا (إذَا كَانَ مَأْمُونًا عَلَيْهَا وَإِلَّا) يُؤَدِّ كُلَّهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا (لَا) يُسَافِرُ بِهَا وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي شُرُوحِ الْمَجْمَعِ وَاخْتَارَهُ فِي مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ وَمَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، لَكِنْ فِي النَّهْرِ: وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي دِيَارِنَا أَنَّهُ لَا يُسَافِرُ بِهَا جَبْرًا عَلَيْهَا،   [رد المحتار] وَلَوْ كَانَ كَافِرًا أَوْ كَانَتْ لَهَا نَازِلَةٌ وَلَمْ يَسْأَلْ لَهَا الزَّوْجُ عَنْهَا مِنْ عَالِمٍ فَتَخْرُجَ بِلَا إذْنِهِ كُلِّهِ كَمَا بَسَطَهُ فِي نَفَقَاتِ الْفَتْحِ: خِلَافًا لِمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَإِنْ تَبِعَهُ ح حَيْثُ قَالَ بَعْدَ الْأَخْذِ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِلَا إذْنِهِ أَصْلًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ لِزِيَارَةِ أَبَوَيْهَا) سَيَأْتِي فِي بَابِ النَّفَقَاتِ عَنْ الِاخْتِيَارِ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَقْدِرَا عَلَى إتْيَانِهَا، وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهُ الْحَقُّ. قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي زِيَارَتِهِمَا فِي الْحِينِ بَعْدَ الْحِينِ عَلَى قَدْرٍ مُتَعَارَفٍ، أَمَّا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَهُوَ بَعِيدٌ، فَإِنَّ فِي كَثْرَةِ الْخُرُوجِ فَتْحٌ بَابُ الْفِتْنَةِ خُصُوصًا إنْ كَانَتْ شَابَّةً وَالرَّجُلُ مِنْ ذَوِي الْهَيْآتِ (قَوْلُهُ أَوْ لِكَوْنِهَا قَابِلَةً أَوْ غَاسِلَةً) أَيْ تَغْسِلُ الْمَوْتَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ: وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي النَّفَقَاتِ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّهُ لَهُ مَنْعُهَا لِتَقَدُّمِ حَقِّهِ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَكَذَا بَحَثَهُ الْحَمَوِيُّ. وَقَالَ ط: أَنَّهُ لَا يُعَارِضُ الْمَنْقُولَ. وَقَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهَا ذَلِكَ. اهـ. قُلْت: لَكِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ كَلَامِهِمْ الْإِطْلَاقُ، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَزَوُّجُهُ بِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِهَا رِضًا بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي نَفَقَاتِ الْبَحْرِ ذَكَرَ عَنْ النَّوَازِلِ أَنَّهَا تَخْرُجُ بِإِذْنِهِ وَبِدُونِهِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْخَانِيَّةِ تَقْيِيدَهُ بِإِذْنِ الزَّوْجِ (قَوْلُهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ: وَأَمَّا عَدَا ذَلِكَ مِنْ زِيَارَةِ الْأَجَانِبِ وَعِيَادَتِهِمْ وَالْوَلِيمَةِ لَا يَأْذَنُ لَهَا وَلَا تَخْرُجُ إلَخْ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَمَدُ إلَخْ) عِبَارَتُهُ فِيمَا سَيَجِيءُ فِي النَّفَقَةِ: وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْحَمَّامِ إلَّا النُّفَسَاءَ وَإِنْ جَازَ بِلَا تَزَيُّنٍ وَكَشْفِ عَوْرَةِ أَحَدٍ. قَالَ الْبَاقَانِيُّ: وَعَلَيْهِ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِنَّ لِلْعِلْمِ بِكَشْفِ بَعْضِهِنَّ، وَكَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةُ مَعْزِيًّا لِلْكَمَالِ اهـ وَلَيْسَ عَدَمُ التَّزْيِينِ خَاصًّا بِالْحَمَّامِ لِمَا قَالَهُ الْكَمَالُ. وَحَيْثُ أَبَحْنَا لَهَا الْخُرُوجَ فَبِشَرْطِ عَدَمِ الزِّينَةِ فِي الْكُلِّ، وَتَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ إلَى مَا لَا يَكُونُ دَاعِيَةً إلَى نَظَرِ الرِّجَالِ وَاسْتِمَالَتِهِمْ [مَطْلَبٌ فِي السَّفَرِ بِالزَّوْجَةِ] (قَوْلُهُ مُؤَجَّلًا وَمُعَجَّلًا) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ كُلِّهِ وَالنَّصْبُ بِتَقْدِيرِ يَعْنِي. مَطْلَبٌ فِي السَّفَرِ بِالزَّوْجَةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ: وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إذَا أَوْفَاهَا الْمُعَجَّلَ وَالْمُؤَجَّلَ وَكَانَ مَأْمُونًا سَافَرَ بِهَا وَإِلَّا لَا لِأَنَّ التَّأْجِيلَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِحُكْمِ الْعُرْفِ، فَلَعَلَّهَا إنَّمَا رَضِيَتْ بِالتَّأْجِيلِ لِأَجْلِ إمْسَاكِهَا فِي بَلَدِهَا، أَمَّا إذَا أَخْرَجَهَا إلَى دَارِ الْغُرْبَةِ فَلَا إلَخْ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي النَّهْرِ إلَخْ) وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّهُ إذَا أَوْفَاهَا الْمُعَجَّلَ فَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُسَافِرُ بِهَا كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْفَقِيهَيْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ وَأَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ السَّفَرُ مُطْلَقًا بِلَا رِضَاهَا لِفَسَادِ الزَّمَانِ لِأَنَّهَا لَا تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا فِي مَنْزِلِهَا فَكَيْفَ إذَا خَرَجَتْ وَأَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْمُخْتَارِ بِأَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّ جَوَابَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ، أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا، وَقَالَ: فَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ اخْتِلَافِ الْحُكْمِ بِاخْتِلَافِ الْعَصْرِ وَالزَّمَانِ كَمَا قَالُوا فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الطَّاعَاتِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا فِي الْمَتْنِ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِمُصَنِّفِهِ، ثُمَّ قَالَ: فَقَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ وَالْأَحْسَنُ الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِ الْفَقِيهَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا كَمَا فِي الْكَافِي، وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْقَضَاءِ فِي زَمَانِنَا كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 وَجَزَمَ بِهِ الْبَزَّازِيُّ وَغَيْرُهُ. وَفِي الْمُخْتَارِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْفُصُولِ: يُفْتَى بِمَا يَقَعُ عِنْدَهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ (وَيَنْقُلُهَا فِيمَا دُونَ مُدَّتِهِ) أَيْ السَّفَرِ (مِنْ الْمِصْرِ إلَى الْقَرْيَةِ وَبِالْعَكْسِ) وَمِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغُرْبَةٍ، وَقَيَّدَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِقَرْيَةٍ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ اللَّيْلِ إلَى وَطَنِهِ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْكَافِي قَائِلًا: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى -   [رد المحتار] وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ لَا يُعْدَلُ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا لَا يَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى اخْتِلَافِ الزَّمَانِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَقَوْلُ الْبَحْرِ فَجَعَلَهُ إلَخْ فَإِنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى الطَّاعَاتِ كَالتَّعْلِيمِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَقُلْ بِجَوَازِهِ الْإِمَامُ وَلَا صَاحِبَاهُ. وَأَفْتَى بِهِ الْمَشَايِخُ لِلضَّرُورَةِ الَّتِي لَوْ كَانَتْ فِي زَمَانِ الْإِمَامِ لَقَالَ بِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مَذْهَبَهُ حُكْمًا كَمَا أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ أُرْجُوزَتِي الْمَنْظُومَةِ فِي رَسْمِ الْمُفْتِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَجَزَمَ بِهِ الْبَزَّازِيُّ) كَذَا فِي النَّهْرِ مَعَ أَنَّ الَّذِي حَطَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْبَزَّازِيِّ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إلَى الْمُفْتِي، فَإِنَّهُ قَالَ وَبَعْدَ إيفَاءِ الْمَهْرِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهَا إلَى بِلَادِ الْغُرْبَةِ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْغَرِيبَ يُؤْذَى وَيَتَضَرَّرُ لِفَسَادِ الزَّمَانِ: مَا أَذَلَّ الْغَرِيبَ مَا أَشْقَاهُ ... كُلَّ يَوْمٍ يُهِينُهُ مَنْ يَرَاهُ كَذَا اخْتَارَ الْفَقِيهُ وَبِهِ يُفْتِي وَقَالَ الْقَاضِي: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6] أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْفَقِيهِ قِيلَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: 6] فِي آخِرِهِ دَلِيلُ قَوْلِ الْفَقِيهِ. لِأَنَّا قَدْ عَلِمْنَا مِنْ عَادَةِ زَمَانِنَا مُضَارَّةً قَطْعِيَّةً فِي الِاغْتِرَابِ بِهَا. وَاخْتَارَ فِي الْفُصُولِ قَوْلَ الْقَاضِي، فَيُفْتِي بِمَا يَقَعُ عِنْدَهُ مِنْ الْمُضَارَّةِ وَعَدَمِهَا لِأَنَّ الْمُفْتِي إنَّمَا يُفْتِي بِحَسَبِ مَا يَقَعُ عِنْدَهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ . اهـ. فَقَوْلُهُ فَيُفْتِي إلَخْ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِقَوْلِ الْفَقِيهِ وَلَا بِقَوْلِ الْقَاضِي، وَإِنَّمَا جَزَمَ بِتَفْوِيضِ ذَلِكَ إلَى الْمُفْتِي الْمَسْئُولِ عَنْ الْحَادِثَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي طَرْدُ الْإِفْتَاءِ بِوَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَقَدْ يَكُونُ الزَّوْجُ غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهَا يُرِيدُ نَقْلَهَا مِنْ بَيْنِ أَهْلِهَا لِيُؤْذِيَهَا أَوْ يَأْخُذَ مَالَهَا، بَلْ نَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّ رَجُلًا سَافَرَ بِزَوْجَتِهِ وَادَّعَى أَنَّهَا أَمَتَهُ وَبَاعَهَا فَمَنْ عَلِمَ مِنْهُ الْمُفْتِي شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَهُ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، لِأَنَّا نَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَقُلْ بِالْجَوَازِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ. وَقَدْ يَتَّفِقُ تَزَوُّجُ غَرِيبٍ امْرَأَةَ غَرِيبٍ فِي بَلْدَةٍ وَلَا يَتَيَسَّرُ لَهُ فِيهَا الْمَعَاشُ فَيُرِيدُ أَنْ يَنْقُلَهَا إلَى بَلَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا وَهُوَ مَأْمُونٌ عَلَيْهَا، بَلْ قَدْ يُرِيدُ نَقْلَهَا إلَى بَلَدِهَا فَكَيْفَ يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي الصُّورَةِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الضَّرَرُ الَّذِي عَلَّلَ بِهِ الْقَائِلُ بِخِلَافِهِ بَلْ وُجِدَ الضَّرَرُ لِلزَّوْجِ دُونَهَا فَنَعْلَمُ يَقِينًا أَيْضًا أَنَّ مَنْ أَفْتَى بِخِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَقُولُ بِالْجَوَازِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ ذَهَبَ بِزَوْجَتِهِ لِلْحَجِّ فَقَامَ بِهَا فِي مَكَّةَ مُدَّةً ثُمَّ حَجَّ وَامْتَنَعَتْ مِنْ السَّفَرِ مَعَهُ إلَى بَلَدِهِ هَلْ يَقُولُ أَحَدٌ بِمَنْعِهِ عَنْ السَّفَرِ بِهَا وَبِتَرْكِهَا وَحْدَهَا تَفْعَلُ مَا أَرَادَتْ، فَتَعَيَّنَ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إلَى الْمُفْتِي، وَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ لَوْ عَلِمَ الْمُفْتِي أَنَّهُ يُرِيدُ نَقْلَهَا مِنْ مَحَلَّةٍ إلَى مَحَلَّةٍ أُخْرَى فِي بَلْدَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ أَهْلِهَا لِقَصْدِ إضْرَارِهَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى ذَلِكَ وَمَنْ أَرَادَ الِاطِّلَاعَ عَلَى أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَنْظُرْ فِي رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ نَشْرُ الْعَرْفِ فِي بِنَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْعُرْفِ الَّتِي شَرَحْت بِهَا بَيْتًا مِنْ أُرْجُوزَتِي فِي رَسْمِ الْمُفْتِي وَهُوَ قَوْلِي: وَالْعُرْفُ فِي الشَّرْعِ لَهُ اعْتِبَارُ ... لِذَا عَلَيْهِ الْحُكْمُ قَدْ يُدَارُ (قَوْلُهُ وَفِي الْفُصُولِ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْبَزَّازِيَّةِ وَأَنَّ مَا فِي الْفُصُولِ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ) الضَّمِيرُ يَعُودُ إلَى النَّقْلِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ وَيَنْقُلُهَا، وَكَذَا الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَأَطْلَقَهُ، وَقَوْلُهُ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ الْأَوْلَى يُمَكِّنُهَا. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَيَنْبَغِي الْعَمَلُ بِالْقَوْلِ بِعَدَمِ نَقْلِهَا مِنْ الْمِصْرِ إلَى الْقَرْيَةِ فِي زَمَانِنَا لِمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ فَسَادِ الزَّمَانِ، وَالْقَوْلُ بِنَقْلِهَا إلَى الْقَرْيَةِ ضَعِيفٌ، لِقَوْلِ الِاخْتِيَارِ: وَقِيلَ يُسَافِرُ بِهَا إلَى قُرَى الْمِصْرِ الْقَرِيبَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 (وَإِنْ اخْتَلَفَا) فِي الْمَهْرِ (فَفِي أَصْلِهِ) حَلَفَ مُنْكِرُ التَّسْمِيَةِ، فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ، وَإِنْ حَلَفَ (يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ) وَفِي الْمَهْرِ يَحْلِفُ (إجْمَاعًا، وَ) إنْ اخْتَلَفَا (وَفِي قَدْرِهِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ فَالْقَوْلُ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ) بِيَمِينِهِ (وَأَيٌّ أَقَامَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ) سَوَاءٌ (شَهِدَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَهُ، أَوْ لَهَا، أَوْ لَا وَلَا، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَتُهَا) مُقَدَّمَةٌ   [رد المحتار] بِغُرْبَةٍ اهـ وَلَيْسَ الْمُرَادُ السَّفَرَ الشَّرْعِيَّ، بَلْ النَّقْلَ لِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِغُرْبَةٍ اهـ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. قُلْت: وَفِيهِ أَنَّهُ بَعْدَ تَصْرِيحِ الْكَافِي بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى جَوَازِ النَّقْلِ، وَفِي قَوْلِ الْقُنْيَةِ إنَّهُ الصَّوَابُ كَيْفَ يَكُونُ ضَعِيفًا، نَعَمْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى التَّرْجِيحِ بِفَسَادِ الزَّمَانِ لَكَانَ أَوْلَى، لَكِنْ يَنْبَغِي الْعَمَلُ بِمَا مَرَّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ تَفْوِيضِ الْأَمْرِ إلَى الْمُفْتِي، حَتَّى لَوْ رَأَى رَجُلًا يُرِيدُ نَقْلَهَا لِلْإِضْرَارِ بِهَا وَالْإِيذَاءِ لَا يُفْتِيهِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ وَلَمْ تَكُنْ الْقَرْيَةُ مَسْكَنًا لِأَمْثَالِهَا، فَإِنَّ الْمَسْكَنَ يُعْتَبَرُ بِحَالِهَا كَالنَّفَقَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا. [مَطْلَبُ مَسَائِلِ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَهْرِ] ِ (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمَهْرِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: الِاخْتِلَافُ فِي الْمَهْرِ إمَّا فِي قَدْرِهِ أَوْ فِي أَصْلِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِمَا أَوْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ فَفِي أَصْلِهِ) بِأَنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا التَّسْمِيَةَ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ (قَوْلُهُ حَلَفَ) أَيْ بَعْدَ عَجْزِ الْمُدَّعِي عَنْ الْبُرْهَانِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّارِحُونَ لِلتَّحْلِيفِ لِظُهُورِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: ظَاهِرٌ أَنَّهُ يَجِبُ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَا يُزَادُ عَلَى مَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ لَوْ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ لِلتَّسْمِيَةِ، وَلَا يَنْقُصُ عَمَّا ادَّعَاهُ الزَّوْجُ لَوْ هُوَ الْمُدَّعِي لَهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ. اهـ. قُلْت: هَذَا يَظْهَرُ لَوْ سَمَّى الْمُدَّعِي شَيْئًا وَإِلَّا فَلَا تَأَمَّلْ. ثُمَّ هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الطَّلَاقِ مُطْلَقًا أَوْ بَعْدَهُ وَبَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ الْخَلْوَةِ أَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ فَالْوَاجِبُ الْمُتْعَةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ هُنَا لِانْفِهَامِهِ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي وَفِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الْوَطْءِ حُكْمُ مُتْعَةِ الْمِثْلِ (قَوْلُهُ وَفِي الْمَهْرِ يَحْلِفُ إجْمَاعًا) إشَارَةٌ إلَى الرَّدِّ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْلِفَ الْمُنْكِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ عِنْدَهُ فِي النِّكَاحِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ هُنَا عَلَى الْمَالِ لَا عَلَى أَصْلِ النِّكَاحِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَحْلِفَ مُنْكِرُ التَّسْمِيَةِ إجْمَاعًا اهـ وَكَذَا اعْتَرَضَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَابْنُ الْكَمَالِ وَنَسَبَهُ إلَى الْوَهْمِ (قَوْلُهُ إجْمَاعًا) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ يَجِبُ وَلِقَوْلِهِ يَحْلِفُ (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ) أَيْ نَقْدًا كَانَ أَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، وَهُوَ دَيْنٌ مَوْصُوفٌ فِي الذِّمَّةِ أَوْ عَيْنٌ. وَقَيَّدَ بِالْقَدْرِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي جِنْسِهِ كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ أَوْ صِفَتِهِ مِنْ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ أَوْ نَوْعِهِ كَالتُّرْكِيِّ وَالرُّومِيِّ؛ فَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى عَيْنًا فَالْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَهُوَ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْأَصْلِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ) أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، وَكَذَا بَعْدَ الطَّلَاقِ وَالدُّخُولِ رَحْمَتِيٌّ، وَأَمَّا بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَأْتِي (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ) أَيْ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهَا إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا كَمَا قَالَتْ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَهُ إنْ كَانَ كَمَا قَالَ أَوْ أَقَلَّ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَيْ أَكْثَرَ مِمَّا قَالَ وَأَقَلَّ مِمَّا قَالَتْ وَلَا بَيِّنَةَ تَحَالَفَا وَلَزِمَ مَهْرُ الْمِثْلِ كَذَا فِي الْمُلْتَقَى وَشَرْحِهِ، وَهَذَا عَلَى تَخْرِيجِ الرَّازِيّ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّحَالُفَ فِيمَا إذَا خَالَفَ قَوْلَهُمَا، أَمَّا إذَا وَافَقَ قَوْلَ أَحَدِهِمَا فَالْقَوْلُ لَهُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ يَتَحَالَفَانِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ ثُمَّ يَحْكُمُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْكَنْزِ فِي بَابِ التَّحَالُفِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ مَنْ رَجَّحَ الْأَوَّلَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 (إنْ شَهِدَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَهُ، وَبَيِّنَتُهُ) مُقَدَّمَةٌ (إنْ شَهِدَ) مَهْرُ الْمِثْلِ (لَهَا) لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ لِإِثْبَاتِ خِلَافِ الظَّاهِرِ (وَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ بَيْنَهُمَا تَحَالَفَا، فَإِنْ حَلَفَا أَوْ بَرْهَنَا قُضِيَ بِهِ، وَإِنْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا قُبِلَ بُرْهَانُهُ) لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ. (وَفِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الْوَطْءِ حُكْمُ مُتْعَةِ الْمِثْلِ) لَوْ الْمُسَمَّى دَيْنًا   [رد المحتار] وَتَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ تَقْدِيمَ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ لَهُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ يُؤْذِنُ بِتَرْجِيحِهِ وَصَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ: إنَّهُ الْأَوْلَى، وَلَمْ يُذْكَرْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ وَالْأَوْلَى الْبُدَاءَةُ بِتَحْلِيفِ الزَّوْجِ، وَقِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا اهـ. قُلْت: بَقِيَ مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ مَهْرُ الْمِثْلِ كَيْفَ يُفْعَلُ؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُمَاثِلُهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَبَيِّنَتُهُ مُقَدَّمَةٌ إلَخْ) هَذَا مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَى، وَكَذَا الزَّيْلَعِيُّ هُنَا وَفِي بَابِ التَّحَالُفِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُقَدَّمُ بَيِّنَتُهَا أَيْضًا لِأَنَّهَا أَظْهَرَتْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ بِتَصَادُقِهِمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَقَوْلُهُ لِإِثْبَاتِ خِلَافِ الظَّاهِرِ) أَيْ وَالظَّاهِرِ مَعَ مَنْ شَهِدَ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ ط (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ إلَخْ) هَذَا بَيَانٌ لِثَالِثِ الْأَقْسَامِ فِي قَوْلِهِ فَالْقَوْلُ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ إلَخْ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ أَوْ أَقَامَاهَا قَدْ يَشْهَدُ مَهْرُ الْمِثْلِ لَهُ أَوْ لَهَا أَوْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا فَقُدِّمَ بَيَانُ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهَذَا بَيَانٌ الثَّالِثِ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ حَلَفَا رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَقَوْلُهُ أَوْ بَرْهَنَا رَاجِعٌ إلَى الثَّانِيَةِ، لَكِنْ كَانَ عَلَيْهِ حَذْفُ قَوْلِهِ تَحَالَفَا لِأَنَّهُ إذَا بَرْهَنَا لَا تَحَالُفَ (قَوْلُهُ تَحَالَفَا) فَإِنْ نَكَلَ الزَّوْجُ يُقْضَى بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ صَرِيحًا، وَإِنْ نَكَلَتْ الْمَرْأَةُ وَجَبَ الْمُسَمَّى أَلْفٌ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِالْحَطِّ، وَكَذَا فِي الْعِنَايَةِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّهُ إذَا نَكَلَ يُقْضَى بِأَلْفَيْنِ عَلَى مَا عُرِفَ أَنَّ أَيَّهمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ. اهـ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا ادَّعَتْ الْأَلْفَيْنِ وَادَّعَى هُوَ الْأَلْفَ وَكَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ (قَوْلُهُ قُضِيَ بِهِ) أَيْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، لَكِنْ إذَا بَرْهَنَا يَتَخَيَّرُ الزَّوْجُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ بَيْنَ دَفْعِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، بِخِلَافِ التَّحَالُفِ لِأَنَّ بَيِّنَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَنْفِي تَسْمِيَةَ الْآخَرِ فَخَلَا الْعَقْدُ عَنْ التَّسْمِيَةِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَا كَذَلِكَ التَّحَالُفُ لِأَنَّ وُجُوبَ قَدْرِ مَا يُقِرُّ بِهِ الزَّوْجُ بِحُكْمِ الِاتِّفَاقِ وَالزَّائِدُ بِحُكْمِ مَهْرِ الْمِثْلِ بَحْرٌ، وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا إلَخْ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ بَيْنَهُمَا، وَيُغْنِي عَنْ هَذَا قَوْلُهُ قَبْلَهُ وَأَيٌّ أَقَامَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ شَهِدَ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ أَوْ لَا، فَإِنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا صَادِقٌ بِمَا إذَا شَهِدَ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ) أَيْ لِأَنَّ الْمُبَرْهِنَ أَظْهَرَ دَعْوَاهُ وَأَوْضَحَهَا بِإِقَامَةِ بُرْهَانِهِ ط (قَوْلُهُ وَفِي الطَّلَاقِ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ (قَوْلُهُ قَبْلَ الْوَطْءِ) أَيْ أَوْ الْخَلْوَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ حُكْمُ مُتْعَةِ الْمِثْلِ) فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهَا إنْ كَانَتْ مُتْعَةُ الْمِثْلِ كَنِصْفِ مَا قَالَتْ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَهُ إنْ كَانَتْ الْمُتْعَةُ كَنِصْفِ مَا قَالَ أَوْ أَقَلَّ، وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا تَحَالَفَا وَلَزِمَتْ الْمُتْعَةُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ لَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ مَالًا يُتَعَارَفُ مَهْرًا أَوْ مُتْعَةً لَهَا، كَذَا فِي الْمُلْتَقَى وَشَرْحِهِ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ رِوَايَةَ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْقَوْلَ لِلزَّوْجِ فِي نِصْفِ الْمَهْرِ مِنْ غَيْرِ تَحْكِيمٍ لِلْمُتْعَةِ، وَأَنَّهُ صَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْمُتْعَةَ مُوجِبَةٌ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ تَسْمِيَةٌ، وَهُنَا اتَّفَقَا عَلَى التَّسْمِيَةِ فَقُلْنَا بِبَقَاءِ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَهُوَ نِصْفُ مَا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ، وَيَحْلِفُ عَلَى نِصْفِ دَعْوَاهَا الزَّائِدَةِ اهـ. وَالْحَاصِلُ تَرْجِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، لَكِنْ نَقَضَهُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْنَا عَلَى الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لَوْ الْمُسَمَّى دَيْنًا) هُوَ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، بَلْ الْوَصْفُ كَالنُّقُودِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَذْرُوعِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 وَإِنْ عَيْنًا كَمَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ فَلَهَا الْمُتْعَةُ بِلَا تَحْكِيمٍ إلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ بِنِصْفِ الْجَارِيَةِ (وَأَيٌّ أَقَامَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ فَإِنْ أَقَامَا فَبَيِّنَتُهَا) أَوْلَى (وَإِنْ شَهِدَتْ لَهُ) الْمُتْعَةُ (وَبَيِّنَتُهُ إنْ شَهِدَتْ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ) الْمُتْعَةُ (بَيْنَهُمَا تَحَالَفَا، وَإِنْ حَلَفَ وَجَبَ مُتْعَةُ الْمِثْلِ؛ وَمَوْتُ أَحَدِهِمَا كَحَيَاتِهِ فِي الْحُكْمِ) أَصْلًا وَقَدْرًا لِعَدَمِ سُقُوطِهِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا (وَبَعْدَ مَوْتِهِمَا فَفِي الْقَدْرِ الْقَوْلُ لِوَرَثَتِهِ، وَ) فِي الِاخْتِلَافِ (فِي أَصْلِهِ) الْقَوْلُ لِمُنْكِرِ التَّسْمِيَةِ (لَمْ يُقْضَ بِشَيْءٍ) مَا لَمْ يُبَرْهِنْ عَلَى التَّسْمِيَةِ (وَقَالَا يُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ) كَحَالِ حَيَاةٍ (وَبِهِ يُفْتَى وَهَذَا) كُلُّهُ (إذَا لَمْ تُسَلِّمْ نَفْسَهَا، فَإِنْ سَلَّمَتْ وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْحَالَيْنِ) الْحَيَاةِ وَبَعْدَهَا (لَا يُحْكَمُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ) لِأَنَّهَا لَا تُسَلِّمُهُ نَفْسَهَا إلَّا بَعْدَ تَعْجِيلِ شَيْءٍ عَادَةً (بَلْ يُقَالُ لَهَا لَا بُدَّ أَنْ تُقِرِّي بِمَا تَعَجَّلْت وَإِلَّا قَضَيْنَا عَلَيْك بِالْمُتَعَارَفِ) تَعْجِيلُهُ (ثُمَّ يُعْمَلُ فِي الْبَاقِي بِمَا ذَكَرْنَا)   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَإِنْ عَيَّنَا) أَيْ مُعَيَّنًا (قَوْلُهُ كَمَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ) أَيْ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَحْرِ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ قَبْلَ الطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى عَيْنًا بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى هَذِهِ الْجَارِيَةِ إلَخْ فَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي الْمُعَيَّنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ لَا فِي مُطْلَقِ عَبْدٍ وَجَارِيَةٍ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ فَلَهَا الْمُتْعَةُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ فَلَهَا الْمُتْعَةُ مِنْ غَيْرِ تَحْكِيمٍ إلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ أَنْ تَأْخُذَ نِصْفَ الْجَارِيَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ لِأَنَّ نِصْفَ الْأَلْفِ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَسْمِيَةِ الْأَلْفِ، وَالْمِلْكُ فِي نِصْفِ الْجَارِيَةِ لَيْسَ بِثَابِتٍ بِيَقِينٍ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى تَسْمِيَةِ أَحَدِهِمَا فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِنِصْفِ الْجَارِيَةِ إلَّا بِاخْتِيَارِهِمَا فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ سَقَطَ الْبَدَلَانِ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْمُتْعَةِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ تَحَالَفَا) وَتَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ (قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَفَا) الْأَوْلَى التَّفْرِيعُ بِالْفَاءِ (قَوْلُهُ أَصْلًا وَقَدْرًا) فَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْحَيِّ وَوَرَثَةِ الْمَيِّتِ فِي الْأَصْلِ، بِأَنْ ادَّعَى الْحَيُّ أَنَّ الْمَهْرَ مُسَمًّى وَوَرَثَةُ الْآخَرِ أَنَّهُ غَيْرُ مُسَمًّى أَوْ بِالْعَكْسِ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمِقْدَارِ حُكْمُ مَهْرِ الْمِثْلِ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ سُقُوطِهِ) أَيْ مَهْرِ الْمِثْلِ. قَالَ فِي الدُّرَرِ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْمُفَوِّضَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا (قَوْلُهُ الْقَوْلُ لِوَرَثَتِهِ) فَيَلْزَمُهُ مَا اعْتَرَفُوا بِهِ بَحْرٌ، وَلَا يُحْكَمُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ يَسْقُطُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَعْدَ مَوْتِهِمَا دُرَرٌ (قَوْلُهُ الْقَوْلُ لِمُنْكِرِ التَّسْمِيَةِ) هُمْ وَرَثَةُ الزَّوْجِ أَيْضًا كَمَا فِي الْبَحْرِ، فَالْقَوْلُ لَهُمْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْكَنْزِ وَلَوْ مَاتَا وَلَوْ فِي الْقَدْرِ فَالْقَوْلُ لِوَرَثَتِهِ فَلَوْ وَصْلِيَّةٌ كَمَا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ وَالْعَيْنِيُّ، فَتُفِيدُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي التَّسْمِيَةِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ لَمْ يُقْضَ بِشَيْءٍ) الْأَوْلَى وَلَمْ يُقْضَ بِالْعَطْفِ أَيْ لِأَنَّ مَوْتَهُمَا يَدُلُّ عَلَى انْقِرَاضِ أَقْرَانِهِمَا فَلَا يُمْكِنُ لِلْقَاضِي أَنْ يُقَدِّرَ مَهْرَ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ، فَإِذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ يَتَعَذَّرُ الْوُقُوفُ عَلَى مِقْدَارِهِ فَتْحٌ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعَهْدُ قَرِيبًا قُضِيَ بِهِ بَحْرٌ. قُلْت: وَبِهِ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُبَرْهَنْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ: أَيْ مَا لَمْ يُبَرْهِنْ وَرَثَةُ الزَّوْجَةِ (قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتَى) ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ، تَبِعَهُ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ بَعْدَ التَّحَالُفِ. وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا يَجِبُ التَّحَالُفُ فَتْحٌ، وَانْظُرْ إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ كَيْفَ يُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ. وَقَدْ يُقَالُ: يَجْرِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُمَاثِلُهَا مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا وَلَا مِنْ الْأَجَانِبِ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ، لَكِنْ مَرَّ أَنَّ الْقَوْلَ بِهِ بِيَمِينِهِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبَزَّازِيَّةِ مُعْتَرِضًا عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ إنَّ جَوَابَ الْإِمَامِ يَتَّضِحُ فِي تَقَادُمِ الْعَهْدِ بِقَوْلِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَكُونُ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِأَحَدٍ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ لِكَوْنِهِمْ مُدَّعًى عَلَيْهِمْ كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى (قَوْلُهُ وَهَذَا كُلُّهُ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَقَالَ: وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُونَ اهـ وَكَذَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَأَقَرَّهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 وَهَذَا إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ إيصَالَ شَيْءٍ إلَيْهَا بَحْرٌ. (وَلَوْ بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ شَيْئًا وَلَمْ يَذْكُرْ جِهَةً عِنْدَ الدَّفْعِ غَيْرَ) جِهَةِ (الْمَهْرِ) كَقَوْلِهِ لِشَمْعٍ أَوْ حِنَّاءٍ ثُمَّ قَالَ إنَّهُ مِنْ الْمَهْرِ لَمْ يُقْبَلْ قُنْيَةٌ لِوُقُوعِهِ هَدِيَّةً فَلَا يَنْقَلِبُ مَهْرًا (فَقَالَتْ هُوَ) أَيْ الْمَبْعُوثُ (هَدِيَّةً وَقَالَ هُوَ مِنْ الْمَهْرِ) أَوْ مِنْ الْكِسْوَةِ أَوْ عَارِيَّةٌ (فَالْقَوْلُ لَهُ) بِيَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةُ لَهَا، فَإِنْ حَلَفَ وَالْمَبْعُوثُ قَائِمٌ فَلَهَا أَنْ تَرُدَّهُ -   [رد المحتار] قُلْت: وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا مَاتَ زَوْجُهَا وَقَدْ دَخَلَ بِهَا فَجَاءَتْ تَطْلُبُ مَهْرَهَا هِيَ أَوْ وَرَثَتُهَا بَعْدَ مَوْتِهَا وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّهَا لَا تُسَلِّمُ نَفْسَهَا إلَّا بَعْدَ قَبْضِ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ كَمِائَةِ دِرْهَمٍ مَثَلًا لَا يُحْكَمُ لَهَا بِجَمِيعِ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ بَلْ يُنْظَرُ، فَإِنْ أَقَرَّتْ بِمَا تَعَجَّلَتْ مِنْ الْمُتَعَارَفِ وَإِلَّا قُضِيَ عَلَيْهَا بِهِ ثُمَّ يَعْمَلُ فِي الْبَاقِي كَمَا ذَكَرْنَا: أَيْ إنْ حَصَلَ اتِّفَاقٌ عَلَى قَدْرِ الْمُسَمَّى يَدْفَعُ لَهَا الْبَاقِي مِنْهُ، وَإِلَّا فَإِنْ أَنْكَرَ وَرَثَةُ الزَّوْجِ أَصْلَ التَّسْمِيَةِ فَلَهَا بَقِيَّةُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنْ أَنْكَرُوا الْقَدْرَ فَالْقَوْلُ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَبَعْدَ مَوْتِهَا الْقَوْلُ فِي قَدْرِهِ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ، هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، فَسَّرْنَا الْمُتَعَارَفَ تَعْجِيلُهُ بِمِائَةٍ مَثَلًا لِيَأْتِيَ قَوْلُهُ قَضَيْنَا عَلَيْك بِالْمُتَعَارَفِ، وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَعْمَلُ فِي الْبَاقِي كَمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُتَعَارَفُ حِصَّةً شَائِعَةً كَثُلُثَيْ الْمَهْرِ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي زَمَانِنَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهَا بِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى مَعْلُومَ الْقَدْرِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَارُّ، وَلَكِنْ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فَيُقْضَى عَلَيْهَا بِالثُّلُثَيْنِ مَثَلًا وَيَدْفَعُ لَهَا الْبَاقِي. وَفِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ أَوْلَادًا صِغَارًا فَادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ وَدِيعَةً وَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ مَهْرَهَا، قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُؤَدِّيَ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ مَا لَمْ يَثْبُتْ بِالْبَيِّنَةِ. وَأَمَّا الْمَهْرُ: فَإِنْ ادَّعَتْ قَدْرَ مَهْرِ مِثْلِهَا دَفَعَهُ إلَيْهَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ ظَاهِرًا مَعْرُوفًا وَيَكُونُ النِّكَاحُ شَاهِدًا لَهَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: إنْ كَانَ الزَّوْجُ بَنَى بِهَا فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْهَا مِقْدَارَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَعْجِيلِهِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَرْأَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمُعَجَّلِ إلَى تَمَامِ مَهْرِ مِثْلِهَا. اهـ. هَذَا، وَنَقَلَ الرَّحْمَتِيُّ عَنْ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ قَالَ إنَّ فِي هَذَا نَوْعَ نَظَرٍ لِأَنَّ كُلَّ الْمَهْرِ كَانَ وَاجِبًا بِالنِّكَاحِ فَلَا يُقْضَى بِسُقُوطِ شَيْءٍ مِنْهُ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِإِبْطَالِ مَا كَانَ ثَابِتًا اهـ ثُمَّ أَطَالَ فِي تَأْيِيدِ كَلَامِ الْقَاضِي وَرَدَّ عَلَى الرَّمْلِيِّ فِي اعْتِرَاضِهِ عَلَى الْقَاضِي بِأَنَّ النَّظَرَ مَدْفُوعٌ بِغَلَبِ فَسَادِ النَّاسِ، فَقَالَ إنَّ الْفَسَادَ لَا يَسْقُطُ بِهِ حَقٌّ ثَابِتٌ بِلَا دَلِيلٍ وَالْمَهْرُ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَقَضَاءُ بَعْضِهِ إثْبَاتُ دَيْنٍ فِي ذِمَّتِهَا بِقَدْرِهِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ بِظَاهِرِ الْحَالِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلْإِثْبَاتِ. قُلْت: وَذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَرِيبًا مِمَّا قَالَهُ الْقَاضِي، لَكِنَّ مَا قَالَهُ الْفَقِيهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعُرْفَ الشَّائِعَ مُكَذِّبٌ لَهَا فِي دَعْوَاهَا عَدَمَ قَبْضِ شَيْءٍ، وَحَيْثُ أَقَرَّهُ الشَّارِحُونَ وَكَذَا قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ فَيُفْتَى بِهِ وَهُوَ نَظِيرُ إعْمَالِهِمْ الْعُرْفَ وَتَكْذِيبَ الْأَبِ أَنَّ الْجِهَازَ عَارِيَّةٌ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ مَعَ أَنَّهُ هُوَ الْمُمَلِّكُ، فَلَوْلَا الْعُرْفُ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ إلَخْ) هَذَا مِنْ عِنْدِ صَاحِبِ الْبَحْرِ، وَالْمُرَادُ الزَّوْجُ لَوْ كَانَ حَيًّا أَوْ وَرَثَتُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَلَا يَرُدُّ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مِنْ أَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي حَالِ مَوْتِهِمَا. [مَطْلَبٌ فِيمَا يُرْسِلُهُ إلَى الزَّوْجَةِ] (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ شَيْئًا) أَيْ مِنْ النَّقْدَيْنِ أَوْ الْعُرُوضِ أَوْ مِمَّا يُؤْكَلُ قَبْلَ الزِّفَافِ أَوْ بَعْدَ مَا بَنَى بِهَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ إلَخْ) الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْمَهْرَ وَلَا غَيْرَهُ ط (قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ إلَخْ) تَمْثِيلٌ لِلْمَنْفِيِّ وَهُوَ يَذْكُرُ (قَوْلُهُ وَالْبَيِّنَةُ لَهَا) أَيْ إذَا أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً تُقَدَّمُ بَيِّنَتُهَا ط (قَوْلُهُ فَلَهَا أَنْ تَرُدَّهُ) لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِكَوْنِهِ مَهْرًا بَحْرٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 وَتَرْجِعُ بِبَاقِي الْمَهْرِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ. وَلَوْ عَوَّضَتْهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ عَارِيَّةً فَلَهَا أَنْ تَسْتَرِدَّ الْعِوَضَ مِنْ جِنْسِهِ زَيْلَعِيٌّ (فِي غَيْرِ الْمُهَيَّإِ لِلْأَكْلِ) كَثِيَابٍ وَشَاةٍ حَيَّةٍ وَسَمْنٍ وَعَسَلٍ وَمَا يَبْقَى شَهْرًا أَخِي زَادَهْ (وَ) الْقَوْلُ (لَهَا) بِيَمِينِهَا (فِي الْمُهَيَّإِ لَهُ)   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَتَرْجِعُ بِبَاقِي الْمَهْرِ) أَوْ كُلِّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَ لَهَا شَيْئًا مِنْهُ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَإِنْ هَلَكَ وَقَدْ بَقِيَ لِأَحَدِهِمَا شَيْءٌ رَجَعَ بِهِ اهـ أَمَّا لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْهَالِكِ قَدْرَ الْمَهْرِ فَلَا رُجُوعَ لِأَحَدٍ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: اتَّخَذَ لَهَا ثِيَابًا وَلَبِسَتْهَا حَتَّى تَحَرَّقَتْ ثُمَّ قَالَ هُوَ مِنْ الْمَهْرِ وَقَالَتْ هُوَ مِنْ النَّفَقَةِ أَعْنِي الْكِسْوَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ لَهَا، وَلَوْ الثَّوْبُ قَائِمًا لَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِجِهَةِ التَّمْلِيكِ، وَبِخِلَافِ الْهَالِكِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي سُقُوطَ بَعْضِ الْمَهْرِ وَالْمَرْأَةُ تُنْكِرُ، وَبِالْهَلَاكِ خَرَجَ عَنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَحَيْثُ لَا مِلْكَ بِحَالٍ فَالِاخْتِلَافُ فِي جِهَةِ التَّمْلِيكِ بَاطِلٌ، فَيَكُونُ اخْتِلَافًا فِي ضَمَانِ الْهَالِكِ وَبَدَلِهِ، فَالْقَوْلُ لِمَنْ يَمْلِكُ الْبَدَلَ وَالضَّمَانَ اهـ مُلَخَّصًا. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي النَّهْرِ وَقَالَ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْقَوْلَ لَهَا فِي الْهَالِكِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَالْفَرْقُ يَعْسُرُ فَتَدَبَّرْهُ اهـ. قُلْت: بَلْ الْفَرْقُ يَسِيرٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَلِكَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمَتْنِ فِي دَعْوَاهَا أَنَّهُ هَدِيَّةٌ فَلَا تُصَدَّقُ وَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ فِي حَالَتَيْ الْهَلَاكِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّهُ الْمُمَلِّكُ وَلَا شَيْءَ يُخَالِفُ دَعْوَاهُ، وَأَمَّا هُنَا فَقَدْ ادَّعَتْ الْكِسْوَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ فِي الْقَائِمِ لِمَا ذَكَرْنَا وَتَطْلُبُ مِنْهُ مَهْرَهَا وَكِسْوَتَهَا. أَمَّا الْهَالِكُ فَالْقَوْلُ لَهَا فِي أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الظَّاهِرَ يُصَدِّقُهَا فِيهِ كَمَا يَأْتِي فِي الْمُهَيَّأِ لِلْأَكْلِ وَمَا يَنْقُلُهُ الشَّارِحُ عَنْ الْفَقِيهِ. ثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ فِيهِ لَزِمَ ضَيَاعُ حَقِّهَا فِي الْكِسْوَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا مِنْ النَّفَقَةِ وَالنَّفَقَةُ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَلَا يُمْكِنُهَا الْمُطَالَبَةُ عَمَّا مَضَى وَيَلْزَمُ بِذَلِكَ فَتْحُ بَابِ الدَّعَاوَى الْبَاطِلَةِ، بِأَنْ يَدَّعِيَ كُلُّ زَوْجٍ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً أَنَّ جَمِيعَ مَا دَفَعَ لَهَا مِنْ كِسْوَةٍ وَنَفَقَةٍ مِنْ الْمَهْرِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِقِيمَتِهِ، وَفِي ذَلِكَ مَا لَا يَرْضَاهُ الشَّرْعُ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالنِّسَاءِ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ وَالْعَادَةَ تُكَذِّبُهُ. وَأَمَّا فِي الْقَائِمِ فَلَا ضَرَرَ لِأَنَّهَا تُطَالِبُهُ بِكِسْوَةٍ أُخْرَى إذَا لَمْ يَرْضَ بِكَوْنِهِ كِسْوَةً، وَلَا تَقْتَضِي الْعَادَةُ أَنْ يَكُونَ الْمَدْفُوعُ كِسْوَتَهَا لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ أُعْطِيهَا كِسْوَةً غَيْرَهَا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ الْمُيَسِّرُ لِكُلِّ عَسِيرٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَوَّضَتْهُ) وَكَذَا لَوْ عَوَّضَهُ أَبُوهَا مِنْ مَالِهَا بِإِذْنِهَا أَوْ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ أَيْضًا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَكَأَنَّهُ فِي الْبَحْرِ لَمْ يَرَهُ، فَاسْتَشْكَلَ مَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ بَعَثَ أَبُوهَا مِنْ مَالِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ لَوْ قَائِمًا وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ مِنْ مَالِهَا بِإِذْنِهَا فَلَا رُجُوعَ لِأَنَّهُ هِبَةٌ مِنْهَا، وَالْمَرْأَةُ لَا تَرْجِعُ فِي هِبَةِ زَوْجِهَا. اهـ. قُلْت: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَا عَلَى جِهَةِ التَّعْوِيضِ، فَلَا يُنَافِي قَوْلُ الشَّارِحِ وَلَوْ عَوَّضَتْهُ إلَخْ بِقَرِينَةِ مَا نَقَلْنَاهُ أَوَّلًا عَنْ الْفَتْحِ. هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ التَّعْوِيضِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ مُطْلَقَةً وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، لَكِنَّهُ قَالَ فِيهَا: وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ: إنْ صَرَّحَتْ حِينَ بَعَثَتْ أَنَّهَا عِوَضٌ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا كَانَ هِبَةً مِنْهَا وَبَطَلَتْ نِيَّتُهَا اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْهِنْدِيَّةِ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِمُرَادِهِمْ أَوْ حِكَايَةً لِقَوْلِ الْآخَرِ تَأَمَّلْ. وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ الْعُرْفِ فِيمَا يُقْصَدُ بِهِ التَّعْوِيضُ فَيَكُونُ كَالْمَلْفُوظِ تَأَمَّلْ، وَمَا فِي ط مِنْ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْإِسْكَافُ وَعَزَاهُ إلَى الْهِنْدِيَّةِ لَمْ أَرَهُ فِيهَا، نَعَمْ سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْهِبَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَصْرِيحِهَا بِالْعِوَضِ وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ) لَمْ يَذْكُرْ الزَّيْلَعِيُّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ ط، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَهَا، وَفَعَلَ الْمُرَادَ بِهَا أَنَّ الْعِوَضَ لَوْ كَانَ هَالِكًا وَهُوَ مِثْلِيٌّ تَرْجِعُ عَلَيْهِ وَبِمِثْلِهِ فَأَرَادَ بِالْجِنْسِ الْمِثْلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 كَخُبْزٍ وَلَحْمٍ مَشْوِيٍّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ، وَلِذَا قَالَ الْفَقِيهُ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِيمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَخُفٍّ وَمُلَاءَةٍ لَا فِيمَا يَجِبُ كَخِمَارٍ وَدِرْعٍ، يَعْنِي مَا لَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ كِسْوَةٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ. (خَطَبَ بِنْتَ رَجُلٍ وَبَعَثَ إلَيْهَا أَشْيَاءَ وَلَمْ يُزَوِّجْهَا أَبُوهَا فَمَا بَعَثَ لِلْمَهْرِ يُسْتَرَدُّ عَيْنُهُ قَائِمًا) فَقَطْ وَإِنْ تَغَيَّرَ بِالِاسْتِعْمَالِ (أَوْ قِيمَتُهُ هَالِكًا) لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ وَلَمْ تَتِمَّ فَجَازَ الِاسْتِرْدَادُ (وَكَذَا) يَسْتَرِدُّ (مَا بَعَثَ هَدِيَّةً وَهُوَ قَائِمٌ دُونَ الْهَالِكِ وَالْمُسْتَهْلَكَ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْهِبَةِ. (وَلَوْ ادَّعَتْ أَنَّهُ) أَيْ الْمَبْعُوثَ (مِنْ الْمَهْرِ وَقَالَ هُوَ وَدِيعَةٌ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمَهْرِ فَالْقَوْلُ لَهَا، وَإِنْ كَانَ   [رد المحتار] تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مَشْوِيٍّ) لَا مَفْهُومَ لَهُ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاَلَّذِي يَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي دِيَارِنَا أَنَّ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَاللَّوْزِ وَالدَّقِيقِ وَالسَّكَرِ وَالشَّاةِ الْحَيَّةِ وَبَاقِيهَا يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلَ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ يُرْسِلَهُ هَدِيَّةً وَالظَّاهِرُ مَعَهَا لَا مَعَهُ، وَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ إلَّا فِي نَحْوِ الثِّيَابِ وَالْجَارِيَةِ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَذَا الْبَحْثُ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَإِنَّهُ قَالَ إلَّا فِي الطَّعَامِ الَّذِي يُؤْكَلُ فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْمُهَيَّأِ لِلْأَكْلِ وَغَيْرِهِ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَقُولُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ أَيْضًا فِي الثِّيَابِ الْمَحْمُولَةِ مَعَ السَّكَرِ وَنَحْوِهِ لِلْعُرْفِ. اهـ. قُلْت: وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَبْعَثُهُ إلَيْهَا قَبْلَ الزِّفَافِ فِي الْأَعْيَادِ وَالْمَوَاسِمِ مِنْ نَحْوِ ثِيَابٍ وَحُلِيٍّ، وَكَذَا مَا يُعْطِيهَا مِنْ ذَلِكَ أَوْ مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ صَبِيحَةَ لَيْلَةِ الْعُرْسِ وَيُسَمَّى فِي الْعُرْفِ صُبْحَةً، فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ تُعُورِفَ فِي زَمَانِنَا كَوْنُهُ هَدِيَّةً لَا مِنْ الْمَهْرِ وَلَا سِيَّمَا الْمُسَمَّى صُبْحَةٌ، فَإِنَّ الزَّوْجَةَ تُعَوِّضُهُ عَنْهَا ثِيَابُهَا وَنَحْوُهَا صَبِيحَةَ الْعُرْسِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَلِذَا قَالَ الْفَقِيهُ) أَيْ أَبُو اللَّيْثِ (قَوْلُهُ كَخُفٍّ وَمِلَاءَةٍ) لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَمْكِينُهَا مِنْ الْخُرُوجِ بَلْ يَجِبُ مَنْعُهَا إلَّا فِيمَا سَنَذْكُرُهُ فَتْحٌ. قُلْت: يَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا لَمْ تَجْرِ بِهِ الْعَادَةُ، لِمَا حَرَّرْنَاهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ فِي عُرْفِنَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ وَأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَهْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُلْتَقَطِ أَنَّ لَهَا مَنْعَ نَفْسِهَا لِلْمَشْرُوطِ عَادَةً كَالْخُفِّ وَالْمِكْعَبِ وَدِيبَاجِ اللِّفَافَةِ وَدَرَاهِمِ السَّكَرِ إلَخْ وَمِثْلُهُ فِي عُرْفِنَا مَنَاشِفُ الْحَمَّامِ وَنَحْوُهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرُوطِ فِي الْمَهْرِ فَيَلْزَمُهُ دَفْعُهُ وَلَا يُنَافِيهِ وُجُوبُ مَنْعِهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَالْحَمَّامِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ كَخِمَارٍ وَدِرْعٍ) وَمَتَاعِ الْبَيْتِ بَحْرٌ، فَمَتَاعُ الْبَيْتِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ؛ فَهَذَا مَحَلُّ ذِكْرِهِ فَافْهَمْ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي النَّفَقَةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّحْنُ آلَةُ الطَّحْنِ وَآنِيَةُ شَرَابٍ وَطَبْخٍ كَكُوزٍ وَجَرَّةٍ وَقِدْرٍ وَمِغْرَفَةٍ. قَالَ الشَّارِحُ: وَكَذَا سَائِرُ أَدَوَاتِ الْبَيْتِ كَحَصِيرٍ وَلِبْدٍ وَطَنْفَسَةٍ إلَخْ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ كِسْوَةٌ) هَذَا تَقْيِيدٌ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِ الْفَتْحِ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ: أَيْ أَنَّ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ لَوْ ادَّعَاهُ مَهْرًا لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ، أَمَّا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ كِسْوَةٌ وَادَّعَتْ أَنَّهُ هَدِيَّةٌ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُزَوِّجْهَا أَبُوهَا) مِثْلُهُ مَا إذَا أَبَتْ وَهِيَ كَبِيرَةٌ ط (قَوْلُهُ فَمَا بَعَثَ لِلْمَهْرِ) أَيْ مِمَّا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْمَهْرِ أَوْ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ فَقَطْ) قُيِّدَ فِي عَيْنَهُ لَا فِي قَائِمًا، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا تَغَيَّرَ بِالِاسْتِعْمَالِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. قَالَ فِي الْمِنَحِ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْمَالِكِ فَلَا يَلْزَمُ فِي مُقَابَلَةِ مَا انْتَقَصَ بِاسْتِعْمَالِهِ شَيْءٌ ح (قَوْلُهُ أَوْ قِيمَتَهُ) الْأَوْلَى أَوْ بَدَلًا لَهُ لِيَشْمَلَ الْمُسَمَّى (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْهِبَةِ) أَيْ وَالْهَلَاكُ وَالِاسْتِهْلَاكُ مَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ بِهَا، وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ لِأَنَّهُ هِبَةٌ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي اسْتِرْدَادِ الْقَائِمِ الْقَضَاءُ أَوْ الرِّضَا، وَكَذَا يُشْتَرَطُ عَدَمُ مَا يَمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ، كَمَا لَوْ كَانَ ثَوْبًا فَصَبَغَتْهُ أَوْ خَالَطَتْهُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْهَدِيَّةِ احْتِرَازًا عَنْ النَّفَقَةِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْفَاقِ عَلَى مُعْتَدَّةِ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَتْ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ شَيْئًا إلَخْ وَقَالَ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ ادَّعَاهُ مَهْرًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 مِنْ خِلَافِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ) بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ. (أَنْفَقَ) رَجُلٌ (عَلَى مُعْتَدَّةِ الْغَيْرِ   [رد المحتار] لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَتْهُ مَهْرًا وَادَّعَاهُ وَدِيعَةً فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمَهْرِ فَالْقَوْلُ لَهَا وَإِلَّا فَلَهُ. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي دَعْوَى الزَّوْجَةِ لَا فِي دَعْوَى الْمَخْطُوبَةِ الَّتِي لَمْ يُزَوِّجْهَا أَبُوهَا فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهَا قَبْلَ قَوْلِهِ خَطَبَ بِنْتَ رَجُلٍ إلَخْ وَذَلِكَ لِأَنَّ دَعْوَى الْمَخْطُوبَةِ أَنَّ الْمَبْعُوثَ مِنْ الْمَهْرِ أَضَرَّهَا لِأَنَّهُ يَلْزَمُهَا رَدُّهُ قَائِمًا وَهَالِكًا فَالْمُنَاسِبُ أَنْ تَكُونَ دَعْوَى الْوَدِيعَةِ بِهَا وَدَعْوَى الْمَهْرِ لِلزَّوْجِ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا يَلْزَمُهَا رَدُّهَا إذَا هَلَكَتْ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّ دَعْوَاهَا أَنَّهُ مِنْ الْمَهْرِ تَنْفَعُهَا لِمَنْعِ الِاسْتِرْدَادِ مُطْلَقًا، وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ وَدِيعَةٌ تَنْفَعُهُ لِأَنَّهُ يُطَالِبُهَا بِاسْتِرْدَادِهَا قَائِمَةً وَبِضَمَانِهَا مُسْتَهْلَكَةً (قَوْلُهُ بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ) يَرْجِعُ إلَى الصُّورَتَيْنِ ط [مَطْلَبٌ أَنْفَقَ عَلَى مُعْتَدَّةِ الْغَيْرِ] ِ (قَوْلُهُ أَنْفَقَ عَلَى مُعْتَدَّةِ الْغَيْرِ إلَخْ) حَكَى فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ مُصَحَّحَةٍ. حَاصِلُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَرْجِعُ مُطْلَقًا شَرَطَ التَّزَوُّجَ أَوْ لَا، تَزَوَّجَتْهُ أَوْ لَا لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ. وَحَاصِلُ الثَّانِي أَنَّهُ إنْ لَمْ يَشْرِطْ لَا يَرْجِعُ. وَحَاصِلُ الثَّالِثِ وَقَدْ نَقَلَهُ عَنْ فُصُولِ الْعِمَادِيِّ أَنَّهُ إنْ تَزَوَّجَتْهُ لَا يَرْجِعُ، وَإِنْ أَبَتْ رَجَعَ شَرَطَ الرُّجُوعَ أَوْ لَا إنْ دَفَعَ إلَيْهَا الدَّرَاهِمَ لِتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا وَإِنْ أَكَلَ مَعَهَا لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ أَصْلًا اهـ. وَحَاصِلُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حِكَايَةُ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ. وَحَكَى فِي الْبَحْرِ الْأَوَّلَ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا وَقَدْ كَانَ شَرَطَهُ وَصَحَّحَ أَيْضًا، وَإِنْ أَبَتْ وَلَمْ يَكُنْ شَرَطَهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الصَّحِيحِ اهـ فَقَوْلُهُ لَا يَرْجِعُ إذَا تَزَوَّجَتْ نَفْسَهَا إلَخْ يُفْهَمُ مِنْهُ عَدَمُ الرُّجُوعِ بِالْأَوْلَى إذَا تَزَوَّجَتْهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ أَبَتْ إلَخْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ أَبَتْ وَقَدْ شَرَطَهُ يَرْجِعُ، فَصَارَ حَاصِلُ هَذَا الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ مَا إذَا أَبَتْ وَكَانَ شَرَطَ التَّزَوُّجَ. وَلَا يَرْجِعُ فِي ثَلَاثٍ: وَهِيَ مَا إذَا أَبَتْ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ، أَوْ تَزَوَّجَتْهُ وَشَرَطَهُ، أَوْ لَمْ يَشْرِطْ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ كُلُّهَا مُصَحَّحَةٌ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ أَعْنِي الْقَوْلَ الثَّالِثَ وَأَنَّ شَيْخَهُ صَاحِبَ الْبَحْرِ أَفْتَى بِهِ اهـ. قُلْت وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ فَفِيهِ النَّفْسُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ إنْ شَرَطَ التَّزَوُّجَ رَجَعَ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا فَقِيلَ يَرْجِعُ وَقِيلَ لَا ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَتَزَوَّجْ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ كَالْمُسْتَقْرِضِ إذَا أَهْدَى إلَى الْمُقْرِضِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ أَهْدَى إلَيْهِ قَبْلَ الْإِقْرَاضِ كَانَ حَرَامًا، وَكَذَا الْقَاضِي لَا يُجِيبُ الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ، وَلَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ مِنْ رَجُلٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَاضِيًا لَا يُهْدِي إلَيْهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا اهـ وَأَيَّدَهُ فِي الْخَيْرِيَّةِ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ. وَأَفْتَى بِهِ حَيْثُ سُئِلَ فِيمَنْ خَطَبَ امْرَأَةً وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا وَعَلِمَتْ أَنَّهُ يُنْفِقُ لِيَتَزَوَّجَهَا فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ، فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَرْجِعُ وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِكَلَامِ قَاضِي خَانْ الْمَذْكُورِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرُ الْوَجْهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْدَلَ عَنْهُ اهـ. [تَنْبِيهٌ] أَفَادَ مَا فِي الْخَيْرِيَّةِ حَيْثُ اسْتَشْهَدَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَخْطُوبَةِ بِعِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْخِلَافَ الْجَارِي هُنَا جَارٍ فِي مَسْأَلَةِ الْمَخْطُوبَةِ الْمَارَّةِ وَأَنَّ مَا مَرَّ فِيهَا مِنْ أَنَّ لَهُ اسْتِرْدَادَ الْقَائِمِ دُونَ الْهَالِكِ وَالْمُسْتَهْلَكِ خَاصٌّ بِالْهَدِيَّةِ دُونَ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 بِشَرْطِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا) بَعْدَ عِدَّتِهَا (إنْ تَزَوَّجَتْهُ لَا رُجُوعَ مُطْلَقًا، وَإِنْ أَبَتْ فَلَهُ الرُّجُوعُ إنْ كَانَ دَفَعَ لَهَا، وَإِنْ أَكَلَتْ مَعَهُ فَلَا مُطْلَقًا) بَحْرٌ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ. وَفِيهِ عَنْ الْمُبْتَغَى (جَهَّزَ ابْنَتَهُ بِجِهَازٍ وَسَلَّمَهَا ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ مِنْهَا وَلَا لِوَرَثَتِهِ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَهَا ذَلِكَ وَفِي صِحَّتِهِ) بَلْ تَخْتَصُّ بِهِ (وَبِهِ يُفْتَى) وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ لَهَا فِي صِغَرِهَا وَلْوَالِجِيَّةٌ. وَالْحِيلَةُ أَنْ يُشْهِدَ عِنْدَ التَّسْلِيمِ إلَيْهَا أَنَّهُ إنَّمَا سَلَّمَهُ عَارِيَّةً وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْهَا ثُمَّ تُبَرِّئَهُ دُرَرٌ.   [رد المحتار] إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُعْتَدَةَ مَخْطُوبَةٌ أَيْضًا، وَلَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِهَا مُعْتَدَّةً يَحْرُمُ التَّصْرِيحُ بِخِطْبَتِهَا، بَلْ التَّأْثِيرُ لِلشَّرْطِ وَعَدَمِهِ، وَكَوْنُهُ شَرْطًا فَاسِدًا، وَكَوْنُ ذَلِكَ رِشْوَةً كَمَا عَلِمْته مِنْ تَعْلِيلِ الْأَقْوَالِ. وَعَلَى هَذَا فَمَا يَقَعُ فِي قُرَى دِمَشْقَ مِنْ أَنَّ الرَّجُلَ يَخْطُبُ الْمَرْأَةَ وَيَصِيرُ يَكْسُوهَا وَيُهْدِي إلَيْهَا فِي الْأَعْيَادِ وَيُعْطِيهَا دَرَاهِمَ لِلنَّفَقَةِ وَالْمَهْرَ إلَى أَنْ يُكَمِّلَ لَهَا الْمَهْرَ فَيَعْقِدَ عَلَيْهَا لَيْلَةَ الزِّفَافِ، فَإِذَا أَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ الْهَدِيَّةِ الْهَالِكَةِ عَلَى الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ الْمَارَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِالتَّزَوُّجِ كَمَا حَقَّقَهُ قَاضِي خَانْ فِيمَا مَرَّ. وَبَقِيَ مَا إذَا مَاتَتْ فَعَلَى الْقَوْلِ لَا كَلَامَ فِي أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ، أَمَّا عَلَى الثَّالِثِ فَهَلْ يَلْحَقُ بِالْإِبَاءِ؟ لَمْ أَرَهُ. وَيَنْبَغِي الرُّجُوعُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ عِلَّةَ الْقَوْلِ الثَّالِثِ أَنَّهُ كَالْهِبَةِ الْمَشْرُوطِ بِالْعِوَضِ وَهُوَ التَّزَوُّجُ كَمَا يُفِيدُهُ مَا فِي حَاوِي الزَّاهِدِيِّ بِرَمْزِ الْبُرْهَانِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ: بَعَثَتْ الصِّهْرَةُ إلَى بَيْتِ الْخَتْنِ ثِيَابًا لَا رُجُوعَ لَهَا بَعْدَهُ وَلَوْ قَائِمَةً ثُمَّ سُئِلَ، فَقَالَ لَهَا الرُّجُوعُ لَوْ قَائِمًا. قَالَ الزَّاهِدِيُّ: وَالتَّوْفِيقُ أَنَّ الْبَعْثَ الْأَوَّلَ قَبْلَ الزِّفَافِ ثُمَّ حَصَلَ الزِّفَافُ فَهُوَ كَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَقَدْ حَصَلَ فَلَا تَرْجِعُ، وَالثَّانِي بَعْدَ الزِّفَافِ فَتَرْجِعُ اهـ وَكَذَا لَمْ أَرَ مَا لَوْ مَاتَ هُوَ أَوْ أَبِي فَلْيُرَاجَعْ. [تَتِمَّةٌ] لَمْ يَذْكُرْ مَا لَوْ أَنْفَقَ عَلَى زَوْجَتِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ فَسَادُ النِّكَاحِ، بِأَنْ شَهِدُوا بِالرَّضَاعِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا. فَفِي الذَّخِيرَةِ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقَ بِفَرْضِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا أَخَذَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَوْ أَنْفَقَ بِلَا فَرْضٍ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِطَمَعِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا كَمَا عَبَّرَ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) تَفْسِيرُ الْإِطْلَاقِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِهِ شَرَطَ التَّزَوُّجَ أَوْ لَمْ يَشْرُطْهُ، وَلِذَا قُلْنَا الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِطَمَعِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِيَتَأَتَّى الْإِطْلَاقُ الْمَذْكُورُ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الثَّالِثُ قَدْ اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَتْنِهِ وَشَرْحِهِ. وَقَالَ فِي الْفَيْضِ: وَبِهِ يُفْتَى (قَوْلُهُ وَإِنْ أَكَلَتْ مَعَهُ فَلَا) أَيْ أَنَّهُ إبَاحَةٌ لَا تَمْلِيكٌ، أَوْ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يُعْلَمُ قَدْرُهُ تَأَمَّلْ، وَلْيُنْظَرْ وَجْهَ عَدَمِ الرُّجُوعِ فِي الْهَدِيَّةِ الْهَالِكَةِ أَوْ الْمُسْتَهْلَكَةِ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَخْطُوبَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ (قَوْلُهُ بَحْرٌ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ) صَوَابُهُ مِنَحٌ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ، فَإِنَّ مَا فِي الْمَتْنِ عَزَاهُ فِي الْمِنَحِ إلَى الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا. وَأَمَّا مَا فِي الْبَحْرِ فَهُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَوْلَ الثَّالِثَ أَصْلًا وَلَا وَقَعَ فِيهِ الْعَزْوُ إلَى الْعِمَادِيَّةِ (قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ مِنْهَا) هَذَا إذَا كَانَ الْعُرْفُ مُسْتَمِرًّا أَنَّ الْأَبَ يَدْفَعُ مِثْلَهُ جِهَازًا لَا عَارِيَّةً كَمَا ذَكَرَهُ قَرِيبًا وَكَانَ يُغْنِيهِ مَا يَأْتِي عَمَّا ذَكَرَهُ هُنَا. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا بَيَانَ حُكْمِ الدِّيَانَةِ وَالْآتِي بَيَانَ حُكْمِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ فِي صِحَّتِهِ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ سَلَّمَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلْوَارِثِ، وَلَا يَصِحُّ بِدُونِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ لَهَا فِي صِغَرِهَا) أَيْ وَإِنْ سَلَّمَهَا فِي مَرَضِهِ أَوْ لَمْ يُسَلِّمْهَا أَصْلًا لِأَنَّهَا مَلَكَتْهُ بِشِرَاءِ الْأَبِ لَهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَمَا يَأْتِي. وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ دَفْعِ الثَّمَنِ رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى تَرِكَتِهِ وَلَا رُجُوعَ لِلْوَرَثَةِ عَلَيْهَا. فَفِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا الْأَبُ إذَا اشْتَرَى خَادِمًا لِلصَّغِيرِ وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا أَشْهَدَ الرُّجُوعَ وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْهُ حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يَكُنْ أَشْهَدَ أَخَذَ مِنْ تَرِكَتِهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْحِيلَةُ) أَيْ فِيمَا لَوْ أَرَادَ الِاسْتِرْدَادَ مِنْهَا (قَوْلُهُ وَالْأَحْوَطُ) أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اشْتَرَى لَهَا بَعْضَ الْجِهَازِ فِي صِغَرِهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 (أَخَذَ أَهْلُ الْمَرْأَةِ شَيْئًا عِنْدَ التَّسْلِيمِ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ) لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ. (جَهَّزَ ابْنَتَهُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ مَا دَفَعَهُ لَهَا عَارِيَّةً وَقَالَتْ هُوَ تَمْلِيكٌ أَوْ قَالَ الزَّوْجُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهَا لِيَرِثَ مِنْهُ وَقَالَ الْأَبُ) أَوْ وَرَثَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ (عَارِيَّةٌ فَ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ (الْقَوْلَ لِلزَّوْجِ وَلَهَا إذَا كَانَ الْعُرْفُ مُسْتَمِرًّا أَنَّ الْأَبَ يَدْفَعُ مِثْلَهُ جِهَازًا لَا عَارِيَّةً، وَ) أَمَّا (إنْ مُشْتَرَكًا) كَمِصْرِ وَالشَّامِ (فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ)   [رد المحتار] أَخْذُهُ بِهَذَا الْإِقْرَارِ دِيَانَةً كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالدُّرَرِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بَعْدَمَا سَلَّمَهُ إلَيْهَا وَهِيَ كَبِيرَةٌ (قَوْلُهُ عِنْدَ التَّسْلِيمِ) أَيْ بِأَنْ أَبَى أَنْ يُسَلِّمَهَا أَخُوهَا أَوْ نَحْوُهُ حَتَّى يَأْخُذَ شَيْئًا، وَكَذَا لَوْ أَبَى أَنْ يُزَوِّجَهَا فَلِلزَّوْجِ الِاسْتِرْدَادُ قَائِمًا أَوْ هَالِكًا لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ بَزَّازِيَّةٌ. وَفِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ بِرَمْزِ الْأَسْرَارِ لِلْعَلَّامَةِ نَجْمِ الدِّينِ: وَإِنْ أَعْطَى إلَى رَجُلٍ شَيْئًا لِإِصْلَاحِ مَصَالِحِ الْمُصَاهَرَةِ إنْ كَانَ مِنْ قَوْمِ الْخَطِيبَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ الَّذِينَ يَقْدِرُونَ عَلَى الْإِصْلَاحِ وَالْفَسَادِ وَقَالَ هُوَ أُجْرَةٌ لَك عَلَى الْإِصْلَاحِ لَا يَرْجِعُ وَإِنْ قَالَ عَلَى عَدَمِ الْفَسَادِ وَالسُّكُوتِ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ، وَالْأُجْرَةُ إنَّمَا تَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ وَالسُّكُوتُ لَيْسَ بِعَمَلٍ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هُوَ أُجْرَةٌ يَرْجِعُ؛ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، إنْ قَالَ هُوَ عَطِيَّةٌ أَوْ أُجْرَةٌ لَك عَلَى الذَّهَابِ وَالْإِيَابِ أَوْ الْكَلَامِ أَوْ الرِّسَالَةِ بَيْنِي وَبَيْنَهَا لَا يَرْجِعُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا مِنْهَا يَكُونُ هِبَةً لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا إنْ لَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ (قَوْلُهُ وَقَالَتْ هُوَ تَمْلِيكٌ) كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا. وَيُشْكِلُ جَعْلُ الْقَوْلِ لَهَا بِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِمِلْكِيَّةِ الْأَبِ وَانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهَا مِنْ جِهَتِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ أَقَرَّتْ بِأَنَّ هَذَا الْمَتَاعَ اشْتَرَاهُ لِي زَوْجِي سَقَطَ قَوْلُهَا لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِالْمِلْكِ لَهُ ثُمَّ ادَّعَتْ الِانْتِقَالَ إلَيْهَا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ. اهـ. وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ الَّتِي عَمِلُوا فِيهَا بِالظَّاهِرِ كَاخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَأْتِي فِي كِتَابِ الدَّعْوَى آخِرَ بَابِ التَّحَالُفِ، وَمِثْلُهُ مَا مَرَّ فِي الِاخْتِلَافِ فِي دَعْوَى الْمَهْرِ وَالْهَدِيَّةِ (قَوْلُهُ فَالْمُعْتَمَدُ إلَخْ) عَبَّرَ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى. وَمُقَابَلَةُ مَا نَقَلَهُ قَبْلَهُ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ لَهَا أَيْ بِدُونِ تَفْصِيلٍ بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ لِأَنَّ الْعَادَةَ دَفْعُ ذَلِكَ هِبَةً. وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْأَبِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ الْمُعْتَمَدَ تَوْفِيقٌ بَيْنَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ يُجْعَلُ خِلَافًا لَفْظِيًّا (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ) أَيْ مَعَ الْيَمِينِ كَمَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ. قُلْت: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْقَوْلِ لِلْأَبِ بِمَا إذَا كَانَ الْجِهَازُ كُلُّهُ مِنْ مَالِهِ، أَمَّا لَوْ جَهَّزَهَا بِمَا قَبَضَهُ مِنْ مَهْرِهَا فَلَا لِأَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ لَهَا حَيْثُ كَانَتْ رَاضِيَةً بِذَلِكَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ مِنْهَا عُرْفًا نَعَمْ لَوْ زَادَ عَلَى مَهْرِهَا فَالْقَوْلُ لَهُ فِي الزَّائِدِ إنْ كَانَ الْعُرْفُ مُشْتَرَكًا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: إنَّ الْعَادَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ إذَا اطَّرَدَتْ أَوْ غَلَبَتْ، وَلِذَا قَالُوا فِي الْبَيْعِ: لَوْ بَاعَ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فِي بَلَدٍ اخْتَلَفَ فِيهَا النُّقُودُ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَالِيَّةِ وَالزَّوَاجِ انْصَرَفَ الْبَيْعُ إلَى الْأَغْلَبِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ فَيَنْصَرِفُ الْمُطْلَقُ إلَيْهِ اهـ كَلَامُ الْأَشْبَاهِ. مَطْلَبٌ فِي دَعْوَى الْأَبِ أَنَّ الْجِهَازَ عَارِيَّةٌ قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ اسْتِمْرَارِ الْعُرْفِ هُنَا غَلَبَتُهُ، وَمِنْ الِاشْتِرَاكِ كَثْرَةُ كُلِّ مِنْهُمَا إذْ لَا نَظَرَ إلَى النَّادِرِ وَلِأَنَّ حَمْلَ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِ النَّاسِ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ لَا يُمْكِنُ، وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ إحَالَةُ الْمَسْأَلَةِ إذْ لَا شَكَّ فِي صُدُورِ الْعَارِيَّةِ مِنْ بَعْضِ الْأَفْرَادِ وَالْعَادَةُ الْفَاشِيَةُ الْغَالِبَةُ فِي أَشْرَافِ النَّاسِ وَأَوْسَاطِهِمْ دَفْعُ مَا زَادَ عَلَى الْمَهْرِ مِنْ الْجِهَازِ تَمْلِيكًا سِوَى مَا يَكُونُ عَلَى الزَّوْجَةِ لَيْلَةَ الزِّفَافِ مِنْ الْحُلِيِّ وَالثِّيَابِ، فَإِنَّ الْكَثِيرَ مِنْهُ أَوْ الْأَكْثَرَ عَارِيَّةٌ، فَلَوْ مَاتَتْ لَيْلَةَ الزِّفَافِ لَمْ يَكُنْ لِلرَّجُلِ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ لَهَا يَلِي الْقَوْلُ فِيهِ لِلْأَبِ أَوْ الْأُمِّ أَنَّهُ عَارِيَّةٌ أَوْ مُسْتَعَارٌ لَهَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 كَمَا لَوْ أَكْثَرَ مِمَّا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا (وَالْأُمُّ كَالْأَبِ فِي تَجْهِيزِهَا) وَكَذَا وَلِيُّ الصَّغِيرَةِ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ. وَاسْتَحْسَنَ فِي النَّهْرِ تَبَعًا لِقَاضِي خَانْ أَنَّ الْأَبَ إنْ كَانَ مِنْ الْأَشْرَافِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ أَنَّهُ عَارِيَّةٌ. (وَلَوْ دَفَعَتْ فِي تَجْهِيزِهَا لِابْنَتِهَا أَشْيَاءَ مِنْ أَمْتِعَةِ الْأَبِ بِحَضْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَكَانَ سَاكِتًا وَزُفَّتْ إلَى الزَّوْجِ فَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَسْتَرِدَّ ذَلِكَ مِنْ ابْنَتِهِ) لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِهِ (وَكَذَا لَوْ أَنْفَقَتْ الْأُمُّ فِي جِهَازِهَا مَا هُوَ مُعْتَادٌ وَالْأَبُ سَاكِتٌ لَا تَضْمَنُ) الْأُمُّ، وَهُمَا مِنْ الْمَسَائِلِ السَّبْعِ وَالثَّلَاثِينَ   [رد المحتار] الشَّارِحِ، كَمَا لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا وَقَدْ يُقَالُ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْجِهَازِ عُرْفًا. وَبَقِيَ لَوْ جَرَى الْعُرْفُ فِي تَمْلِيكِ الْبَعْضِ وَإِعَارَةِ الْبَعْضِ. وَرَأَيْت فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلسَّيِّدِ مُحَمَّدٍ أَبِي السُّعُودِ عَنْ حَاشِيَةِ الْغَزِّيِّ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الشَّهِيدُ: الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنْ يُحْكَمَ بِكَوْنِ الْجِهَازِ مِلْكًا لَا عَارِيَّةً لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْغَالِبَ إلَّا فِي بَلْدَةٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِدَفْعِ الْكُلِّ عَارِيَّةً فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ. وَأَمَّا إذَا جَرَتْ فِي الْبَعْضِ يَكُونُ الْجِهَازُ تَرِكَةً يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْوَرَثَةِ هُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْبَعْضَ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْأَبُ بِعَيْنِهِ عَارِيَّةٌ لَمْ تَشْهَدْ بِهِ الْعَادَةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِعَارَةِ الْكُلِّ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ وَرَثَتِهَا بَلْ يَكُونُ كُلُّهُ لِلْأَبِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ الْبِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ فِي مَسْأَلَةِ الْجِهَازِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ النِّزَاعُ مِنْ الْأَبِ أَمَّا لَوْ مَاتَ فَادَّعَتْ وَرَثَتُهُ فَلَا خِلَافَ فِي كَوْنِ الْجِهَازِ لِلْبِنْتِ لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: جَهَّزَ ابْنَتَهُ ثُمَّ مَاتَ فَطَلَبَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ الْقِسْمَةَ، فَإِنْ كَانَ الْأَبُ اشْتَرَى لَهَا فِي صِغَرِهَا أَوْ فِي كِبَرِهَا وَسَلَّمَ لَهَا فِي صِحَّتِهِ لَهَا خَاصَّةً. اهـ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كَلَامَ الْوَلْوَالِجيَّةِ فِي مِلْكِ الْبِنْتِ لَهُ بِالشِّرَاءِ لَوْ صَغِيرَةً، وَبِالتَّسْلِيمِ لَوْ كَبِيرَةً. وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَوْتِ الْأَبِ وَحَيَاتِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ مِنْهَا وَلَا لِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي سَمَاعِ دَعْوَى الْعَارِيَّةِ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَوْ التَّسْلِيمِ وَالْمُعْتَمَدُ الْبِنَاءُ عَلَى الْعُرْفِ كَمَا عَلِمْت، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا بَيْنَ مَوْتِ الْأَبِ وَحَيَاتِهِ، فَدَعْوَى وَرَثَتِهِ كَدَعْوَاهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مَا لَوْ كَانَ إلَخْ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ التَّمْيِيزُ فِيمَا زَادَ عَلَى مَا جُهِّزَ بِهِ مِثْلُهَا كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ فِي الْجَمِيعِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْأُمُّ كَالْأَبِ) عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ إلَى فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ، وَكَذَا بَحَثَهُ ابْنُ وَهْبَانَ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَكَذَا وَلِيُّ الصَّغِيرَةِ) ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ فِي شَرْحِ مَنْظُومَتِهِ بَحْثًا حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِيمَا تَدَّعِيهِ الْأُمُّ، وَوَلِيُّ الصَّغِيرَةِ إذَا زَوَّجَهَا كَمَا مَرَّ لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ فِي ذَلِكَ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِهِ قُلْت: وَفِي الْوَلِيِّ عِنْدَ نَظَرٍ. اهـ. وَتَرَدَّدَ فِي الْبَحْرِ فِي الْأُمِّ وَالْجَدِّ، وَقَالَ: إنَّ مَسْأَلَةَ الْجَدِّ صَارَتْ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى وَلَمْ يَجِدْ فِيهَا نَقْلًا. وَكَتَبَ الرَّمْلِيُّ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ بِبَادِي الرَّأْيِ أَنَّ الْأُمَّ وَالْجَدَّ كَالْأَبِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَاسْتَحْسَنَ فِي النَّهْرِ) حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْأَبُ مِنْ الْأَشْرَافِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إنَّهُ عَادَةً، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُجَهِّزُ الْبَنَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ قُبِلَ قَوْلُهُ، وَهَذَا لَعَمْرِي مِنْ الْحُسْنِ بِمَكَانٍ. اهـ. قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَ اسْتِحْسَانِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُغَايِرُ الْقَوْلَ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ تَفْصِيلٌ لَهُ، وَبَيَانُ لِكَوْنِهِ الِاشْتِرَاكَ الَّذِي قَدْ يَقَعُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ الْأَشْرَافِ (قَوْلُهُ وَعِلْمِهِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ، فَالْمَدَارُ عَلَى الْعِلْمِ وَالسُّكُوتِ بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا (قَوْلُهُ وَزُفَّتْ إلَى الزَّوْجِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْبَالِغَةِ بِالتَّسْلِيمِ، وَهُوَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عَادَةً بِالزِّفَافِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ الْجِهَازُ بِيَدِهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مَا هُوَ مُعْتَادٌ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ زَائِدًا عَلَى الْمُعْتَادِ لَا يَكُونُ سُكُوتُهُ رِضًا فَتَضْمَنُ، وَهَلْ تَضْمَنُ الْكُلَّ أَوْ قَدْرَ الزَّائِدِ؟ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ وَجَزَمَ ط بِالثَّانِي (قَوْلُهُ السَّبْعِ وَالثَّلَاثِينَ) قَالَ ح: قَدَّمْنَاهَا فِي بَابِ الْوَلِيِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 بَلْ الثَّمَانِ وَالْأَرْبَعِينَ عَلَى مَا فِي زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ الَّتِي السُّكُوتُ فِيهَا كَالنُّطْقِ [فَرْعٌ] لَوْ زُفَّتْ إلَيْهِ بِلَا جِهَازٍ يَلِيقُ بِهِ فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْأَبِ بِالنَّقْدِ قُنْيَةٌ، زَادَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُبْتَغَى إلَّا إذَا سَكَتَ طَوِيلًا فَلَا خُصُومَةَ لَهُ، وَلَكِنْ فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمَالَ فِي النِّكَاحِ غَيْرُ مَقْصُودٍ   [رد المحتار] عَنْ الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا فِي زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ) أَيْ حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلشَّيْخِ صَالِحٍ ابْنِ مُصَنِّفِ التَّنْوِيرِ، فَإِنَّهُ زَادَ عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً ذَكَرَهَا الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ ح [فَرْعٌ لَوْ زُفَّتْ إلَيْهِ بِلَا جِهَازٍ يَلِيقُ بِهِ] (قَوْلُهُ يَلِيقُ بِهِ) الضَّمِيرُ فِي عِبَارَةِ الْبَحْرِ عَنْ الْمُبْتَغَى عَائِدٌ إلَى مَا بَعَثَهُ الزَّوْجُ إلَى الْأَبِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْمُعْتَبَرُ مَا يُتَّخَذُ لِلزَّوْجِ لَا مَا يُتَّخَذُ لَهَا. اهـ. قُلْت: وَهَذَا الْمَبْعُوثُ يُسَمَّى فِي عُرْفِ الْأَعَاجِمِ بِالدِّسْتِمَانِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ إلَّا إذَا سَكَتَ طَوِيلًا) قَالَ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ وَلَوْ سَكَتَ بَعْدَ الزِّفَافِ زَمَانًا يُعْرَفُ بِذَلِكَ رِضَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُتَّخَذْ لَهُ شَيْءٌ. اهـ. ح وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ يُعْرَفُ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ الْعُرْفُ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي النَّهْرِ إلَخْ) وَمِثْلُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلِسَانِ الْحُكَّامِ عَنْ فَتَاوَى ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ، وَبِهِ أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ. قُلْت وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَا يُفِيدُ التَّوْفِيقَ حَيْثُ قَالَ: تَزَوَّجَهَا وَأَعْطَاهَا ثَلَاثَةَ آلَافِ دِينَارِ الدِّسْتِمَانِ وَهِيَ بِنْتُ مُوسِرٍ وَلَمْ يُعْطِ لَهَا الْأَبُ جِهَازًا أَفْتَى الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ بِأَنَّ لَهُ مُطَالَبَةَ الْجِهَازِ مِنْ الْأَبِ عَلَى قَدْرِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ أَوْ طَلَبُ الدِّسْتِيمَانِ. قَالَ: وَهَذَا اخْتِيَارُ الْأَئِمَّةِ. وَقَالَ الْإِمَامُ الْمَرْغِينَانِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمَالَ فِي النِّكَاحِ غَيْرُ مَقْصُودٍ. وَكَانَ بَعْضُ أَئِمَّةِ خُوَارِزْمَ يَعْتَرِضُ بِأَنَّ الدِّسْتِيمَانَ هُوَ الْمَهْرُ الْمُعَجَّلُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، فَهُوَ مُقَابَلٌ بِنَفْسِ الْمَرْأَةِ، حَتَّى مَلَكَتْ حَبْسَ نَفْسِهَا لِاسْتِيفَائِهِ فَكَيْفَ يَمْلِكُ الزَّوْجُ طَلَبَ الْجِهَازِ وَالشَّيْءُ لَا يُقَابِلُهُ عِوَضَانِ. وَأَجَابَ عَنْهُ الْفَقِيهُ نَاقِلًا عَنْ الْأُسْتَاذِ أَنَّ الدِّسْتِيمَانَ إذَا أُدْرِجَ فِي الْعَقْدِ فَهُوَ الْمُعَجَّلُ الَّذِي ذَكَرْته، وَإِنْ لَمْ يُدْرَجْ فِيهِ وَلَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ، إنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْعَقْدِ وَزُفَّتْ إلَيْهِ بِلَا جِهَازٍ وَسَكَتَ الزَّوْجُ أَيَّامًا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ دَعْوَى الْجِهَازِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُحْتَمَلًا وَسَكَتَ زَمَانًا يَصْلُحُ لِلِاخْتِيَارِ دَلَّ أَنَّ الْغَرَضَ لَمْ يَكُنْ الْجِهَازُ اهـ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْمُعَجَّلَ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ هُوَ الْمَهْرَ الْمُعَجَّلَ دَائِمًا كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْكَافِي حَتَّى يَرُدَّ أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِنَفْسِهَا لَا بِجِهَازِهَا بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ جُعِلَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَهْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَهُوَ الْمَهْرُ الْمُعَجَّلُ وَهُوَ مُقَابَلٌ بِنَفْسِ الْمَرْأَةِ وَإِلَّا فَهُوَ مُقَابَلٌ بِالْجِهَازِ عَادَةً، حَتَّى لَوْ سَكَتَ بَعْدَ الزِّفَافِ وَلَمْ يَطْلُبْ جِهَازًا عُلِمَ أَنَّهُ دَفَعَهُ تَبَرُّعًا بِلَا طَلَبِ عِوَضٍ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي صُورَةِ مَا إذَا كَانَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَإِنْ ذَكَرَ عَلَى أَنَّهُ مَهْرٌ، لَكِنْ مِنْ الْمَعْلُومِ عَادَةً أَنَّ كَثْرَتُهُ لِأَجْلِ كَثْرَةِ الْجِهَازِ، فَهُوَ فِي الْمَعْنَى بَدَلٌ لَهُ أَيْضًا، وَلِهَذَا كَانَ مَهْرُ مَنْ لَا جِهَازَ لَهَا أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ ذَاتِ الْجِهَازِ وَإِنْ كَانَتْ أَجْمَلَ مِنْهَا. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا صَرَّحَ بِكَوْنِهِ مَهْرًا وَهُوَ مَا يَكُونُ بَدَلَ الْبُضْعِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ النِّكَاحِ دُونَ الْجِهَازِ لَمْ يُعْتَبَرْ الْمَعْنَى وَسَيَأْتِي فِي بَابِ النَّفَقَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَزِيدُ بَيَانٍ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ هَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي زَمَانِنَا، بَلْ كُلُّ أَحَدٍ يَعْلَمُ الْجِهَازَ لِلْمَرْأَةِ إذَا طَلَّقَهَا تَأْخُذُهُ كُلَّهُ، وَإِذَا مَاتَتْ يُورَثُ عَنْهَا، وَإِنَّمَا يَزِيدُ الْمَهْرُ طَمَعًا فِي تَزْيِينِ بَيْتِهِ بِهِ وَعَوْدِهِ إلَيْهِ وَلِأَوْلَادِهِ إذَا مَاتَتْ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرُ مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَإِذَا هِيَ ثَيِّبٌ، فَقَدْ مَرَّ الْخِلَافُ فِي لُزُومِ الزِّيَادَةِ وَعَدَمِهِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْمُرَجِّحَ اللُّزُومُ، فَلِذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 (نَكَحَ ذِمِّيٌّ) أَوْ مُسْتَأْمَنٌ (ذِمِّيَّةً أَوْ حَرْبِيٌّ حَرْبِيَّةً ثَمَّةَ بِمَيْتَةٍ أَوْ بِلَا مَهْرٍ بِأَنْ سَكَتَا عَنْهُ أَوْ نَفَيَاهُ وَ) الْحَالُ أَنَّ (ذَا جَائِزٌ عِنْدَهُمْ فَوُطِئَتْ أَوْ خَلَّقَتْ قَبْلَهُ أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا) لَوْ أَسْلَمَا أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا لِأَنَّا أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ (وَتَثْبُتُ) بَقِيَّةُ (أَحْكَامِ النِّكَاحِ فِي حَقِّهِمْ كَالْمُسْلِمِينَ مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ فِي النِّكَاحِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِمَا) كَعِدَّةٍ وَنَسَبٍ وَخِيَارِ بُلُوغٍ وَتَوَارُثٍ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَحُرْمَةِ مُطَلَّقَةٍ ثَلَاثًا وَنِكَاحِ مَحَارِمَ. (وَإِنْ نَكَحَهَا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ عَيْنٍ) أَيْ مُشَارٌ إلَيْهِ (ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهَا ذَلِكَ) فَتَخَلَّلَ الْخَمْرُ وَتَسَيَّبَ الْخِنْزِيرُ، وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُهُ (وَ) لَهَا (فِي غَيْرِ عَيْنٍ) قِيمَةُ الْخَمْرِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْخِنْزِيرِ، إذْ أَخَذَ قِيمَةَ الْقِيَمِيِّ كَأَخْذِ عَيْنِهِ   [رد المحتار] كَانَ الْمُصَحَّحُ هُنَا عَدَمُ الرُّجُوعِ بِشَيْءٍ كَمَا مَرَّ عَنْ الْمَرْغِينَانِيِّ (قَوْلُهُ نَكَحَ ذِمِّيٌّ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ مُهُورِ الْمُسْلِمِينَ ذَكَرَ مُهُورَ الْكُفَّارِ، وَيَأْتِي بَيَانُ أَنْكِحَتِهِمْ، وَقَوْلُهُ أَوْ مُسْتَأْمَنٌ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْكَافِرِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ كَالذِّمِّيِّ هُنَا نَهْرٌ عَنْ الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (قَوْلُهُ بِمَيْتَةٍ) الْمُرَادُ بِهَا كُلُّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالدَّمِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَذَا جَائِزٌ عِنْدَهُمْ) بِأَنْ كَانَ لَا يَلْزَمُ عِنْدَهُمْ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالنَّفْيِ وَبِمَا لَيْسَ بِمَالٍ (قَوْلُهُ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْوَطْءِ (قَوْلُهُ فَلَا مَهْرَ لَهَا) هَذَا قَوْلُهُ. وَعِنْدَهُمَا لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ إذَا دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا، وَالْمُتْعَةُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ، وَقِيلَ فِي الْمَيْتَةِ وَالسُّكُوتِ رِوَايَتَانِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ هِدَايَةٌ، لَكِنْ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي السُّكُوتِ عَنْهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ مُعَاوَضَةٌ، فَمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى نَفْيِ الْعِوَضِ يَكُونُ مُسْتَحَقًّا لَهَا، وَذِكْرُ الْمَيْتَةِ كَالسُّكُوتِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَالً عِنْدَهُمْ فَذِكْرُهَا لَغْوٌ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَسْلَمَا إلَخْ) لَوْ وَصْلِيَّةٌ. وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ: وَلَوْ أَسْلَمَا أَوْ رُفِعَ أَحَدُهُمَا إلَيْنَا أَوْ تَرَافَعَا اهـ وَلَمْ يَقُلْ أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا لِانْفِهَامِهِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ) أَيْ تَرْكِ إعْرَاضٍ لَا تَقْرِيرٍ، وَقَوْلُهُ وَمَا يَدِينُونَ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ أَوْ الْمُصَاحَبَةِ فَلَا نَمْنَعُهُمْ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَبَيْعِهِمَا ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ وَتَثْبُتُ بَقِيَّةُ أَحْكَامِ النِّكَاحِ) أَيْ إنْ اعْتَقَدَاهَا أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا ط (قَوْلُهُ كَعِدَّةٍ) أَيْ لَوْ طَلَّقَهَا وَأَمَرَهَا بِلُزُومِ بَيْتِهَا إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَرُفِعَ الْأَمْرُ إلَيْنَا حَكَمْنَا عَلَيْهَا بِذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ طَلَبَتْ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ أَلْزَمْنَا بِهَا رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَنَسَبٍ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهِ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ بَيْنَنَا رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَخِيَارِ بُلُوغٍ) أَيْ لِصَغِيرٍ وَصَغِيرَةٍ إذَا كَانَ الْمُزَوِّجُ غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ ط (قَوْلُهُ وَتَوَارُثٍ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) هُوَ مَا يَقَرَّانِ عَلَيْهِ إذَا أَسْلَمَا، بِخِلَافِ نِكَاحٍ مُحَرَّمٍ أَوْ فِي عِدَّةِ مُسْلِمٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَرَائِضِ (قَوْلُهُ وَحُرْمَةِ مُطَلَّقَةٍ ثَلَاثًا إلَخْ) فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ بِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَا مُحَرَّمَيْنِ فَلَا يُفَرَّقُ إلَّا بِمُرَافَعَتِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي نِكَاحِ الْكَافِرِ (قَوْلُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَمَّا بَعْدَهُ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا مَا قَبَضَهُ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَقْتَ الْعَقْدِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَلَهَا ذَلِكَ) هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَ الثَّانِي لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الثَّالِثُ لَهَا الْقِيمَةُ فِيهِمَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَتُسَيِّبُ الْخِنْزِيرَ) كَذَا فِي الْفَتْحِ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَالْأَوْلَى فَتَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ (قَوْلُهُ وَلَوْ طَلَّقَهَا إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الْمُعَيَّنِ لَهَا نِصْفُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فِي الْخَمْرِ لَهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ، وَفِي الْخِنْزِيرِ الْمُتْعَةُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْقِيمَةَ فَتَنْتَصِفُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِمَهْرِ الْمِثْلِ لَهَا الْمُتْعَةُ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَتَنَصَّفُ اهـ (قَوْلُهُ إذَا أَخَذَ قِيمَةَ الْقِيَمِيِّ إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّ أَخْذَ الْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ أَوْ الْقِيمَةِ بِمَنْزِلَةِ أَخْذِ الْعَيْنِ، وَالْخَمْرُ مِثْلِيٌّ، فَأَخْذُ قِيمَتِهِ لَيْسَ كَأَخْذِ عَيْنِهِ، بِخِلَافِ الْقِيمَةِ فِي الْقِيَمِيِّ كَالْخِنْزِيرِ فَلِذَا أَوْجَبْنَا فِيهِ مَهْرَ الْمِثْلِ. وَأَوْرَدَ مَا لَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ دَارًا بِخِنْزِيرٍ فَإِنَّ لِشَفِيعِهَا الْمُسْلِمِ أَخْذَهَا بِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قِيمَةَ الْخِنْزِيرِ كَعَيْنِهِ لَوْ كَانَتْ بَدَلًا عَنْهُ كَمَسْأَلَةِ النِّكَاحِ وَالْقِيمَةُ فِي الشُّفْعَةِ بَدَلُ الدَّارِ لَا عَنْ الْخِنْزِيرِ، وَإِنَّمَا صَيَّرَ إلَيْهَا لِلتَّقْدِيرِ بِهَا لَا غَيْرُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 فُرُوعٌ] الْوَطْءُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَخْلُو عَنْ حَدٍّ أَوْ مَهْرٍ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ: صَبِيٌّ نَكَحَ بِلَا إذْنٍ وَطَاوَعَتْهُ، وَبَائِعُ أَمَتِهِ قَبْلَ تَسْلِيمٍ، وَيَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ مَا قَبْلَ الْبَكَارَةِ وَإِلَّا فَلَا.   [رد المحتار] وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا بَدَلٌ عَنْ الْغَيْرِ وَهُوَ الْبُضْعُ وَالْمَصِيرُ إلَيْهِ لِلتَّقْدِيرِ. وَالْجَوَابُ مَا قَالُوا مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَتَاهَا بِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أُجْبِرَتْ عَلَى الْقَبُولِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَهَا حُكْمُ الْعَيْنِ فَكَانَتْ مِنْ مُوجِبَاتِ تِلْكَ التَّسْمِيَةِ وَبِالْإِسْلَامِ تَعَذَّرَ أَخْذُ الْقِيمَةِ فَأَوْجَبْنَا مَا لَيْسَ مِنْ مُوجِبَاتِهَا وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِيمَةَ الْخِنْزِيرِ بَدَلٌ عَنْ النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ عَيْنِهِ وَلِذَا أُجْبِرَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى قَبُولِهَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ لَا بَعْدَهُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الدَّارِ؛ وَلَوْ سُلِّمَ عَدَمُ الْفَرْقِ فَقَدْ يُجَابُ بِمَا مَرَّ آخِرَ الزَّكَاةِ فِي بَابِ الْعَاشِرِ مِنْ أَنَّ جَوَازَ الْأَخْذِ بِالْقِيمَةِ فِي الدَّارِ لِضَرُورَةِ حَقِّ الشَّفِيعِ وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا لِإِمْكَانِ إيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ [فُرُوعٌ الْوَطْءُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ] (قَوْلُهُ الْوَطْءُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) أَيْ إذَا كَانَ بِغَيْرِ مِلْكِ الْيَمِينِ. وَاحْتُرِزَ عَنْ الْوَطْءِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ، وَأَمَّا الْمَهْرُ فَلَمْ أَرَهُ (قَوْلُهُ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ) كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ النِّكَاحِ وَفِيهَا مِنْ أَحْكَامِ غَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى ثَمَانِ مَسَائِلَ، فَزَادَ عَلَى مَا هُنَا الذِّمِّيَّةَ إذَا نَكَحَتْ بِغَيْرِ مَهْرٍ ثُمَّ أَسْلَمَا وَكَانُوا يَدِينُونَ أَنْ لَا مَهْرَ فَلَا مَهْرَ. وَالسَّيِّدُ إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَالْأَصَحُّ أَنْ لَا مَهْرَ وَالْعَبْدُ إذَا وَطِئَ سَيِّدَتَهُ بِشُبْهَةٍ فَلَا مَهْرَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ فِيمَا قَبْلَهَا أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا، وَكَذَا لَوْ وَطِئَ حَرْبِيَّةً أَوْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمَوْقُوفَةَ عَلَيْهِ أَوْ وَطِئَ الْمَرْهُونَةَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ ظَانًّا الْحِلَّ. وَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا مَهْرَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ وَلَمْ أَرَهُ الْآنَ. اهـ. وَنُقِلَ ح عَنْ حُدُودِ الْبَخَرِ فِي نَوْعِ مَا لَا حَدَّ فِيهِ حَدٌّ لِشُبْهَةِ الْمَحَلِّ أَنَّ مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَطْءُ الْمَبِيعَةِ فَاسِدًا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا حَدَّ فِيهِ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْفَسْخِ فَلَهُ حَقُّ الْمِلْكِ فِيهَا، وَكَذَا الْمَبِيعَةُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ بِالْكُلِّيَّةِ هـ. قَالَ ح: لَا مَهْرَ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ؟ إطْلَاقُ الشَّارِحِ يُشْعِرُ بِذَلِكَ، فَلْيُرَاجَعْ قُلْت: أَمَّا الْأُولَى فَدَاخِلَةٌ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْأَمَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا مَهْرَ، وَمِثْلُهَا الْمَبِيعَةُ بِخِيَارٍ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ وَطْأَهَا يَكُونُ فَسْخًا لِلْبَيْعِ، أَمَّا الْمَبِيعَةُ فَاسِدًا بَعْدَ الْقَبْضِ فَيَنْبَغِي لُزُومُ الْمَهْرِ لِوُقُوعِ الْوَطْءِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَكَذَا الْمَبِيعَةُ بِخِيَارٍ لِلْمُشْتَرِي إنْ مَضَى الْبَيْعُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ صَبِيٌّ نَكَحَ إلَخْ) فِي الْخَانِيَّةِ: الْمُرَاهِقُ إذَا تَزَوَّجَ بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ امْرَأَةً وَدَخَلَ بِهَا فَرَدَّ أَبُوهُ نِكَاحَهُ قَالُوا لَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ حَدٌّ وَلَا عُقْرٌ؛ أَمَّا الْحَدُّ فَلِمَكَانِ الصِّبَا، أَمَّا الْعُقْرُ فَلِأَنَّهَا إنَّمَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ مَعَ عِلْمِهَا أَنَّ نِكَاحَهُ لَا يَنْفُذُ فَقَدْ رَضِيَتْ بِبُطْلَانِ حَقِّهَا اهـ وَكَذَا لَوْ زَنَى بِثَيِّبٍ وَهِيَ نَائِمَةٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عُقْرُ أَوْ بِبِكْرٍ بَالِغَةٍ دَعَتْهُ إلَى نَفْسِهَا وَأَزَالَ عُذْرَتَهَا، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ لَوْ مُكْرَهَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ أَمَةً وَلَوْ بِأَمْرِهَا لِعَدَمِ صِحَّةِ أَمْرِ الصَّغِيرَةِ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا وَأَمْرِ الْأَمَةِ فِي إسْقَاطِ حَقِّ الْمَوْلَى، وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِالزِّنَى. اهـ. هِنْدِيَّةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَبَائِعُ أَمَتِهِ) أَيْ إذَا وَطِئَهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا مَهْرَ لِأَنَّهُ مِنْ شُبْهَةِ الْمَحَلِّ لِكَوْنِهَا فِي ضَمَانِهِ وَيَدِهِ، إذْ لَوْ هَلَكَتْ عَادَتْ إلَى مِلْكِهِ وَالْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ، فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ اسْتَحَقَّهُ (قَوْلُهُ يَسْقُطُ) أَيْ عَنْ الْمُشْتَرِي وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْهَا وَلْوَالِجِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَكَارَةٌ فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 تَدَافَعَتْ جَارِيَةٌ مَعَ أُخْرَى فَأَزَالَتْ بَكَارَتَهَا لَزِمَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. لِأَبِي الصَّغِيرَةِ الْمُطَالَبَةُ بِالْمَهْرِ، وَلِلزَّوْجِ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِهَا إنْ تَحَمَّلَتْ الرَّجُلَ. قَالَ الْبَزَّازِيُّ: وَلَا يُعْتَبَرُ السِّنُّ، فَلَوْ تَسَلَّمَهَا فَهَرَبَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَبُهَا، خَدَعَ امْرَأَةً وَأَخَذَهَا حُبِسَ إلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهَا وَيُعْلَمَ مَوْتُهَا. الْمَهْرُ مَهْرُ السِّرِّ، وَقِيلَ الْعَلَانِيَةِ.   [رد المحتار] وَلَا خِيَارَ لَهُ أَيْضًا. وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ وَلْوَالِجِيَّةٌ (قَوْلُهُ تَدَافَعَتْ جَارِيَةٌ إلَخْ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا أَوَّلَ الْبَابِ. مَطْلَبٌ لِأَبِي الصَّغِيرَةِ الْمُطَالَبَةُ بِالْمَهْرِ (قَوْلُهُ لِأَبِي الصَّغِيرَةِ الْمُطَالَبَةُ بِالْمَهْرِ) وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ لَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ التَّجْنِيسِ؛ وَالصَّغِيرَةُ غَيْرُ قَيْدٍ. فَفِي الْهِنْدِيَّةِ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْقَاضِي قَبْضُ صَدَاقِ الْبِكْرِ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً إلَّا إذَا نَهَتْهُ وَهِيَ بَالِغَةٌ صَحَّ النَّهْيُ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ ذَلِكَ، وَالْوَصِيُّ يَمْلِكُ ذَلِكَ عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالثَّيِّبِ الْبَالِغَةِ حَقَّ الْقَبْضِ لَهَا دُونَ غَيْرِهَا. اهـ. وَشَمِلَ قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ الْأُمَّ، وَلَيْسَ لَهَا الْقَبْضُ إلَّا إذَا كَانَتْ وَصِيَّةً، وَحِينَئِذٍ فَتُطَالِبُ الْأُمُّ إذَا بَلَغْت دُونَ الزَّوْجِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْهِنْدِيَّةِ ط. قُلْت أَيْ لَمْ تُطَالِبْ الْأُمُّ إذَا ثَبَتَ الْقَبْضُ بِغَيْرِ إقْرَارِ الْأُمِّ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا: وَأَدْرَكَتْ وَطَلَبَتْ الْمَهْرَ مِنْ الزَّوْجِ فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَى الْأَبِ فِي صِغَرِهَا وَأَقَرَّ الْأَبُ بِهِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهِ وَتَأْخُذُ مِنْ الزَّوْجِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقَبْضِ الْأَبِ فِي وَقْتٍ لَهُ وِلَايَةُ قَبْضِهِ إلَّا إذَا كَانَ قَالَ عِنْدَ الْأَخْذِ أَبْرَأْتُك مِنْ مَهْرِهَا ثُمَّ أَنْكَرَتْ الْبِنْتُ لَهُ الرُّجُوعُ هُنَا عَلَى الْأَبِ. اهـ. وَفِيهَا قَبَضَ الْوَلِيُّ الْمَهْرَ ثُمَّ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى الزَّوْجِ لَا يُصَدَّقُ إذَا كَانَتْ بِكْرًا لِأَنَّهُ يَلِي الْقَبْضَ لَا الرَّدَّ وَلَوْ ثَيِّبًا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ ادَّعَى رَدَّ الْأَمَانَةِ. اهـ. وَفِيهَا قَبَضَ الْأَبُ مَهْرَهَا وَهِيَ بَالِغَةٌ، أَوْ لَا، وَجَهَّزَهَا، أَوْ قَبَضَ مَكَانَ الْمَهْرِ عَيْنًا لَيْسَ لَهَا أَنْ لَا تُجِيزَ لِأَنَّ وِلَايَةَ قَبْضِ الْمَهْرِ إلَى الْآبَاءِ وَكَذَا التَّصَرُّفُ فِيهِ اهـ لَكِنْ فِي الْهِنْدِيَّةِ: وَلَوْ قَبَضَ بِمَهْرِ الْبَالِغَةِ ضَيْعَةً فَلَمْ تَرْضَ إنْ جَرَى التَّعَارُفُ بِذَلِكَ جَازَ لَهُ وَإِلَّا وَلَوْ بِكْرًا وَتَمَامُ مَسَائِلِ قَبْضِ الْمَهْرِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ أَوَّلَ بَابِ الْأَوْلِيَاءِ (قَوْلُهُ قَالَ الْبَزَّازِيُّ إلَخْ) عِبَارَتُهُ: وَلَا يُجْبَرُ الْأَبُ عَلَى دَفْعِ الصَّغِيرَةِ إلَى الزَّوْجِ وَلَكِنْ يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى إيفَاءِ الْمُعَجَّلِ، فَإِنْ زَعَمَ الزَّوْجُ أَنَّهَا تَتَحَمَّلُ الرِّجَالَ وَأَنْكَرَ الْأَبُ فَالْقَاضِي يُرِيهَا النِّسَاءَ وَلَا يَعْتَبِرُ السِّنَّ اهـ. قُلْت: بَلْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: الْبَالِغَةُ إذَا كَانَتْ لَا تَتَحَمَّلُ لَا يُؤْمَرُ بِدَفْعِهَا إلَى الزَّوْجِ. [مَطْلَبٌ فِي مَهْرِ السِّرِّ وَمَهْرِ الْعَلَانِيَةِ] ِ (قَوْلُهُ الْمَهْرُ مَهْرُ السِّرِّ إلَخْ) الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ تَوَاضَعَا فِي السِّرِّ عَلَى مَهْرٍ ثُمَّ تَعَاقَدَا فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَكْثَرَ وَالْجِنْسُ وَاحِدٌ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْمُوَاضَعَةِ فَالْمَهْرُ مَهْرُ السِّرِّ وَإِلَّا فَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ مَا لَمْ يُبَرْهِنْ الزَّوْجُ عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ سُمْعَةٌ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ، فَإِنْ لَمْ يُتَّفَقَا عَلَى الْمُوَاضَعَةِ فَالْمَهْرُ هُوَ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَيْهَا انْعَقَدَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ تَوَاضَعَا فِي السِّرِّ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ دَنَانِيرُ ثُمَّ تَعَاقَدَا فِي الْعَلَانِيَةِ عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا فَالْمَهْرُ مَا فِي السِّرِّ مِنْ الدَّنَانِيرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ الْإِعْرَاضَ عَنْهَا وَإِنْ تَعَاقَدَا عَلَى أَنْ لَا تَكُونَ الدَّنَانِيرُ مَهْرًا لَهَا أَوْ سَكَتَا فِي الْعَلَانِيَةِ عَنْ الْمَهْرِ انْعَقَدَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 الْمُؤَجَّلُ إلَى الطَّلَاقِ يَتَعَجَّلُ بِالرَّجْعِيِّ وَلَا يَتَأَجَّلُ بِمُرَاجَعَتِهَا. وَلَوْ وَهَبَتْهُ الْمَهْرَ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَأَبَى فَالْمَهْرُ بَاقٍ نَكَحَهَا أَوْ لَا. وَلَوْ وَهَبَتْهُ لِأَحَدٍ وَوَكَّلَتْهُ بِقَبْضِهِ صَحَّ. وَلَوْ أَحَالَتْ بِهِ إنْسَانًا ثُمَّ وَهَبَتْهُ لِلزَّوْجِ لَمْ تَصِحَّ، وَهَذِهِ حِيلَةُ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَهَبَ وَلَا تَصِحُّ بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ هُوَ الْمَمْلُوكُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا،   [رد المحتار] الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَتَعَاقَدَا فِي السِّرِّ عَلَى مَهْرٍ ثُمَّ أَقَرَّ فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَكْثَرَ فَإِنْ اتَّفَقَا أَوْ أَشْهَدَا أَنَّ الزِّيَادَةَ سُمْعَةٌ فَالْمَهْرُ مَا ذُكِرَ عِنْدَ الْعَقْدِ فِي السِّرِّ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ فَعِنْدَهُمَا الْمَهْرُ هُوَ الْأَوَّلُ. وَعِنْدَهُ هُوَ الثَّانِي وَيَكُونُ جَمِيعُهُ زِيَادَةً عَلَى الْأَوَّلِ لَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَإِلَّا فَالزِّيَادَةُ بِقَدْرِ مَا زَادَ عَلَى الْأَوَّلِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الذَّخِيرَةِ. وَالْحَاصِلُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا جَرَى فِي الْعَلَانِيَةِ فَقَطْ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي بِالْعَكْسِ أَوْ جَرَى مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي السِّرِّ وَمَرَّةً فِي الْعَلَانِيَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مَبْسُوطًا عَنْ الْفَتْحِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَمَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ زِيدَ لَا يَتَنَصَّفُ وَفِيهِ نَوْعُ مُخَالَفَةٍ لِمَا هُنَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا بِإِمْعَانِ النَّظَرِ (قَوْلُهُ الْمُؤَجَّلُ إلَى الطَّلَاقِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمَهْرِ الْمُؤَجَّلِ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَإِنَّهُ يَبْقَى إلَى أَجَلِهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَقَوْلُهُ يَتَعَجَّلُ بِالرَّجْعِيِّ أَيْ مُطْلَقًا أَوْ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَتَأَجَّلُ لَوْ رَاجَعَهَا وَلَيْسَ الرَّجْعِيُّ بِقَيْدٍ بَلْ الْبَائِنُ مِثْلُهُ بِالْأَوْلَى وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَهَا مَنْعُهُ مِنْ الْوَطْءِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَهَبَتْهُ الْمَهْرَ إلَخْ) أَيْ لَوْ قَالَ لِمُطَلَّقَتِهِ لَا أَتَزَوَّجُك حَتَّى تَهَبِينِي مَا لَك عَلَيَّ مِنْ مَهْرِك فَفَعَلَتْ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَهَا فَأَبَى فَالْمَهْرُ عَلَيْهِ تَزَوَّجَ أَمْ لَا بَزَّازِيَّةٌ، وَقَوْلُهُ فَأَبَى: أَيْ قَالَ لَا أَتَزَوَّجُك فَيَكُونُ رَدًّا لِلْهِبَةِ، فَلِذَا بَقِيَ الْمَهْرُ عَلَيْهِ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْإِبَاءِ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَهَبَتْهُ لِأَحَدٍ) أَيْ غَيْرِ الزَّوْجِ لِأَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ تَصِحُّ مُطْلَقًا أَمَّا هِبَتُهُ لِغَيْرِهِ فَلَا تَصِحُّ مَا لَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَى قَبْضِهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ وَهَبَهُ حِينَ قَبَضَهُ، وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِقَبْضِهِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ لَمْ تَصِحَّ) أَيْ الْهِبَةُ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ حِيلَةٌ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهَا غَيْرُ قَاصِرَةٍ عَلَى الْمَهْرِ، وَفِيهِ بَعْدَ الِاشْتِرَاطِ رِضَا الْمَدْيُونِ بِالْحَوَالَةِ. فَإِذَا كَانَ طَالِبًا لِلْهِبَةِ لَا يَرْضَى بِالْحَوَالَةِ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ فِيمَنْ يَجْهَلُ أَنَّ الْحَوَالَةَ تَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْهِبَةِ. وَأَجَابَ الشَّارِحُ فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ بِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ الْمُحَالُ مِنْ مُطَالَبَةِ الْمَدْيُونِ بِرَفْعِهِ إلَى مَنْ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ: أَيْ كَمَا كَانَ الْمَذْهَبَ تَأَمَّلْ. وَمِنْ الْحِيَلِ شِرَاءُ شَيْءٍ مَلْفُوفٍ مِنْ زَوْجِهَا بِالْمَهْرِ قَبْلَ الْهِبَةِ أَيْ ثُمَّ تَرُدُّهُ بَعْدَهَا بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ يُصَالِحُهَا إنْسَانٌ عَنْ الْمَهْرِ بِشَيْءٍ مَلْفُوفٍ قَبْلَ الْهِبَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ، وَالْأَخِيرَةُ أَحْسَنُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ] ِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ نِكَاحِ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ النِّكَاحِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ الرَّقِيقُ، وَقَدَّمَهُ عَلَى الْكَافِرِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ غَالِبٌ فِيهِمْ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ هُوَ الْمَمْلُوكُ) فِي الصِّحَاحِ الرَّقِيقُ الْمَمْلُوكُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَمْلُوكُ مِنْ الْآدَمِيِّ لِأَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ الْكَافِرَ إذَا أُسِرَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ رَقِيقٌ لَا مَمْلُوكٌ وَإِذَا أُخْرِجَ فَهُوَ مَمْلُوكٌ أَيْضًا، فَعَلَى هَذَا فَكُلُّ مَمْلُوكٍ مِنْ الْآدَمِيِّ رَقِيقٌ لَا عَكْسُهُ اهـ وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِالرَّقِيقِ هُنَا الرَّقِيقُ الْمُحْرَزُ بِدَارِنَا فَالْأَمَةُ إذَا أُسِرَتْ وَلَمْ تَخْرُجْ إلَى دَارِنَا لَوْ تَزَوَّجَتْ لَا يَتَوَقَّفُ نِكَاحُهَا بَلْ يَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَا مُجِيزَ لَهُ وَقْتَ وُقُوعِهِ كَمَا فِي النَّهْرِ بَحْثًا. قُلْت: قَدْ يُقَالُ إنَّ لَهُ مُجِيزًا وَهُوَ الْإِمَامُ لِأَنَّ لَهُ بَيْعَهَا قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَبَعْدَهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا) يَشْمَلُ الْمُبَعَّضَ وَالْمَمْلُوكَ مِلْكًا نَاقِصًا كَالْمُكَاتَبِ وَمَنْ وُلِدَ لَهُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ كَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 وَالْقِنُّ الْمَمْلُوكُ كُلًّا. (تَوَقَّفَ نِكَاحُ قِنٍّ وَأَمَةٍ وَمُكَاتَبٍ وَمُدَبَّرٍ وَأُمِّ وَلَدٍ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى، فَإِنْ أَجَازَ نَفَذَ، وَإِنْ رَدَّ بَطَلَ) فَلَا مَهْرَ مَا لَمْ يَدْخُلْ فَيُطَالَبُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ بَعْدَ عِتْقِهِ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْمَوْلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ كَأَبٍ وَجَدٍّ وَقَاضٍ وَوَصِيٍّ وَمُكَاتَبٍ وَمُفَاوِضٍ وَمُتَوَلٍّ،   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَالْقِنُّ الْمَمْلُوكُ كُلًّا) أَخْرَجَ الْمُبَعَّضَ، لَكِنْ دَخَلَ فِيهِ الْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ لِدُخُولِهِمْ فِي الْمَمْلُوكِ. وَفِي الْمُغْرِبِ: الْقِنُّ مِنْ الْعَبِيدِ مَنْ مُلِكَ هُوَ وَأَبَوَاهُ، وَكَذَلِكَ الِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ وَالْمُؤَنَّثُ وَأَمَّا أَمَةٌ قِنَّةٌ فَلَمْ نَسْمَعْهُ، وَعَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ عَبْدٌ قِنٌّ خَالِصُ الْعُبُودِيَّةِ، وَعَلَيْهِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهُمْ يَعْنُونَ بِهِ خِلَافَ الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ اهـ فَالْمُنَاسِبُ مَا فِي الرَّحْمَتَيْ مِنْ أَنَّ الْقِنَّ الْمَمْلُوكُ مِلْكًا تَامًّا لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ. قَالَ ح: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ كُلًّا مِنْ الرِّقِّ وَالْمِلْكِ كَامِلٌ وَنَاقِصٌ، فَفِي الْقِنِّ كَامِلَانِ، وَفِي مُعْتَقِ الْبَعْضِ نَاقِصَانِ، وَفِي الْمُكَاتَبِ كَمُلَ الرِّقُّ، وَفِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ كَمُلَ الْمِلْكُ. (قَوْلُهُ تَوَقَّفَ نِكَاحُ قِنٍّ) أَطْلَقَ فِي نِكَاحِهِ فَشَمِلَ مَا إذَا تَزَوَّجَ بِنَفْسِهِ أَوْ زَوَّجَهُ غَيْرُهُ، وَقَيَّدَ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّ التَّسَرِّي حَرَامٌ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: [فَرْعٌ] ، مُهِمٌّ لِلتُّجَّارِ رُبَّمَا يَدْفَعُ لِعَبْدِهِ جَارِيَةً لِيَتَسَرَّى بِهَا، وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ أَوْ لَا لِأَنَّ حِلَّ الْوَطْءِ لَا يَثْبُتُ شَرْعًا إلَّا بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَوْ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ مِلْكُ يَمِينٍ فَانْحَصَرَ حِلُّ وَطْئِهِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ. اهـ. بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَأَمَةٌ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْقِنَّ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى. (قَوْلُهُ وَمُكَاتَبٌ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ أَوْجَبَتْ فَكَّ الْحِجْرِ فِي حَقِّ الِاكْتِسَابِ وَمِنْهُ تَزْوِيجُ أَمَتِهِ إذْ بِهِ يَحْصُلُ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ لِلْمَوْلَى، بِخِلَافِ تَزْوِيجِ نَفْسِهِ وَعَبْدِهِ، وَدَخَلَ فِي الْمُكَاتَبِ مُعْتَقُ الْبَعْضِ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ، وَأَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَأُمُّ وَلَدٍ) وَفِي حُكْمِهَا ابْنُهَا مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهَا، كَمَا إذَا زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ مِنْ زَوْجِهَا، وَأَمَّا وَلَدُهَا مِنْ مَوْلَاهَا فَحُرٌّ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ أَجَازَ نَفَذَ إلَخْ) إنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْإِجَازَةِ أَوْ الرَّدِّ قَبْلَ الدُّخُولِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَفِي الرَّدِّ يُطَالَبُ الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فَيُطَالَبُ إلَخْ، وَفِي الْإِجَازَةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ الْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ مَهْرَانِ مَهْرٌ بِالدُّخُولِ وَمَهْرٌ بِالْإِجَازَةِ كَمَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إذَا جَدَّدَهُ صَحِيحًا. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْمُسَمَّى لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ، وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ مَهْرَانِ وَإِنَّهُ مُمْتَنِعٌ. اهـ. ثُمَّ الْإِجَازَةُ تَكُونُ صَرِيحَة وَدَلَالَةً وَضَرُورَةً كَمَا سَيَأْتِي، وَفِيهِ رَمْزٌ إلَى أَنَّ سُكُوتَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ لَيْسَ بِإِجَازَةٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْقُنْيَةِ. (قَوْلُهُ فَلَا مَهْرَ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ بَطَلَ ح أَيْ لَا مَهْرَ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا مَهْرَ لِلْأَمَةِ. (قَوْلُهُ فَيُطَالَبُ) جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ أَيْ فَإِنْ دَخَلَ فَيُطَالَبُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهَا بَحْرٌ وَشَمِلَ الْوَارِثَ وَالْمُشْتَرِيَ، فَلَوْ مَاتَ الْوَلِيُّ أَوْ بَاعَهُ فَأَجَازَ سَيِّدُهُ الْوَارِثُ أَوْ الْمُشْتَرِي يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الْعِمَادِيَّةِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَشَمِلَ الشَّرِيكَيْنِ. فَلَوْ زَوَّجَ أَحَدُهُمَا الْأَمَةَ وَدَخَلَ الزَّوْجُ، فَإِنْ رَدَّ الْآخَرُ فَلَهُ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلِلْمُزَوَّجِ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِهِ وَمِنْ نِصْفِ الْمُسَمَّى بَحْرٌ. (قَوْلُهُ كَأَبٍ) أَيْ أَبِي الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُ أَمَتَهُ وَكَذَا جَدُّهُ وَكَذَا وَصِيُّهُ وَالْقَاضِي ح لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَمُكَاتَبٌ) لِأَنَّهُ كَمَا تَقَدَّمَ يَجُوزُ لَهُ تَزْوِيجُ أَمَتِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ الِاكْتِسَابِ لَا عَبْدِهِ ط وَخَرَجَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ أَيْضًا بَحْرٌ وَمِثْلُهُ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَمُفَاوِضٌ) فَإِنَّهُ يُزَوِّجُ أَمَةَ الْمُفَاوَضَةِ لَا عَبْدَهَا ح عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ، بِخِلَافِ شَرِيكِ الْعِنَانِ فَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ كَمَا مَرَّ وَكَذَا الْمُضَارِبُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَمُتَوَلٍّ) ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا حَيْثُ قَالَ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ نِكَاحِ رَقِيقِ بَيْتِ الْمَالِ وَالرَّقِيقِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُ إلَّا مَنْ يَمْلِكُ إعْتَاقَهُ دُرَرٌ (فَإِنْ) (نَكَحُوا بِالْإِذْنِ فَالْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْقِنِّ وَغَيْرِهِ لِوُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ مِنْهُ (وَيَسْقُطَانِ بِمَوْتِهِمْ) لِفَوَاتِ مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ (وَبِيعَ قِنٌّ فِيهِمَا لَا) يُبَاعُ (غَيْرُهُ) كَمُدَبَّرٍ بَلْ يَسْعَى، وَلَوْ مَاتَ مَوْلَاهُ لَزِمَهُ جُمْلَةً إنْ قَدَرَ نَهْرٌ وَقُنْيَةٌ (وَلَكِنَّهُ يُبَاعُ فِي النَّفَقَةِ مِرَارًا) إنْ تَجَدَّدَتْ   [رد المحتار] فِي الْغَنِيمَةِ الْمُحْرَزَةِ بِدَارِنَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَالْوَقْفِ إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَالْمُتَوَلِّي، وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ فِي الْأَمَةِ دُونَ الْعَبْدِ كَالْوَصِيِّ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ إلَّا مَنْ يَمْلِكُ إعْتَاقَهُ. اهـ. أَيْ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الْعَبْدِ وَأَمَّا فِي الْأَمَةِ فَيَنْبَغِي الْجَوَازُ تَخْرِيجًا عَلَى الْوَصِيِّ كَمَا قَالَ، وَلَعَلَّ الشَّارِحَ اقْتَصَرَ عَلَى الْمُتَوَلِّي وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِمَامُ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْوَصِيِّ وَالْمُتَوَلِّي مُسْتَقَيَانِ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ، لَكِنَّ الْإِمَامَ فِي مَالِ بَيْتِ الْمَالِ مُلْحَقٌ بِالْوَصِيِّ أَيْضًا، حَتَّى إِنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ عَقَارِ بَيْتِ الْمَالِ إلَّا فِيمَا يَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ، وَلَهُ بَيْعُ عَبْدِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ وَبَعْدَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْعَبْدُ إلَخْ) يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ جَارِيَةَ ابْنِهِ مِنْ عَبْدِ ابْنِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ لَكِنْ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَا اسْتِثْنَاءَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ) أَيْ مِنْ مُدَبَّرٍ وَمُكَاتَبٍ. (قَوْلُهُ لِوُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقِنِّ وَغَيْرِهِ فَإِنَّ الْعَقْدَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَقَدْ وُجِدَ مِنْ أَهْلِهِ مَعَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى لِإِذْنِهِ بِالْعَقْدِ. (قَوْلُهُ وَيَسْقُطَانِ بِمَوْتِهِمْ) قَيَّدَ سُقُوطَ الْمَهْرِ فِي الْبَحْرِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَلَوْ زَوَّجَ عَبْدًا مَأْذُونًا بِمَا إذَا لَمْ يَتْرُكْ كَسْبًا، وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ إشَارَةٌ إلَيْهِ أَمَّا النَّفَقَةُ وَلَوْ مَقْضِيَّةً فَتَسْقُطُ عَنْ الْحُرِّ بِمَوْتِهِ فَالْعَبْدُ بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ وَبِيعَ قِنٌّ) أَيْ بَاعَهُ سَيِّدُهُ لِأَنَّهُ دَيْنٌ تَعَلَّقَ فِي رَقَبَتِهِ وَقَدْ ظَهَرَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى بِإِذْنِهِ فَيُؤْمَرُ بِبَيْعِهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ بَاعَهُ الْقَاضِي بِحَضْرَتِهِ إلَّا إذَا رَضِيَ أَنْ يُؤَدِّيَ قَدْرَ ثَمَنِهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ نَهْرٌ، وَاشْتِرَاطُ حَضْرَةِ الْمَوْلَى لِاحْتِمَالِ أَنْ يَفْدِيَهُ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ أَنَّ لِلْغُرَمَاءِ اسْتِسْعَاءَهُ أَيْضًا قَالَ فِي الْبَحْرِ مِنْ النَّفَقَةِ وَمُفَادُهُ أَنَّ زَوْجَتَهُ لَوْ اخْتَارَتْ اسْتِسْعَاءَهُ لِنَفَقَةِ كُلِّ يَوْمٍ أَنْ يَكُونَ لَهَا ذَلِكَ أَيْضًا. اهـ. قُلْت: وَكَذَا لِلْمَهْرِ. (قَوْلُهُ كَمُدَبَّرٍ) أَدْخَلَتْ الْكَافُ الْمُكَاتَبَ وَمُعْتَقَ الْبَعْضِ وَابْنَ أُمِّ الْوَلَدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ بَلْ يَسْعَى) لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْبَيْعَ فَيُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِ لَا مِنْ نَفْسِهِ، فَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ صَارَ الْمَهْرُ دَيْنًا فِي رَقَبَتِهِ فَيُبَاعُ فِيهِ إلَّا إذَا أَدَّى الْمَهْرَ مَوْلَاهُ وَاسْتَخْلَصَهُ كَمَا فِي الْقِنِّ. وَقِيَاسُهُ أَنَّ الْمُدَبَّرَ لَوْ عَادَ إلَى الرِّقِّ بِحُكْمِ شَافِعِيٍّ بِبَيْعِهِ أَنْ يَصِيرَ الْمَهْرُ فِي رَقَبَتِهِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ مَوْلَاهُ إلَخْ) فِي الْقُنْيَةِ: زَوَّجَ مُدَبَّرَهُ امْرَأَةً ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى فَالْمَهْرُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ يُؤْخَذُ بِهِ إذَا عَتَقَ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ حُكْمَهُ السِّعَايَةُ قَبْلَ الْعِتْقِ لَا التَّأَخُّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ بَحْرٌ. قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا مَدْفُوعٌ بِأَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ فِيهِ إفَادَةُ حُكْمٍ سَكَتُوا عَنْهُ، هُوَ أَنَّ الْمُدَبَّرَ إذَا لَزِمَتْهُ السِّعَايَةُ فِي حَيَاةِ الْمَوْلَى هَلْ يُؤَاخَذُ بِالْمَهْرِ بَعْدَ الْعِتْقِ؟ قَالَ نَعَمْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ جُمْلَةً وَاحِدَةً حَيْثُ قَدَرَ عَلَيْهِ وَيَبْطُلُ حُكْمُ السِّعَايَةِ. اهـ. أَقُولُ: حَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُدَبَّرَ يَسْعَى فِي حَيَاةِ مَوْلَاهُ فِي الْمَهْرِ، أَمَّا بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهُ فَإِنَّهُ يَسْعَى أَوَّلًا فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِتَخْلِيصِ رَقَبَتِهِ مِنْ الرِّقِّ وَيَصِيرُ الْمَهْرُ فِي رَقَبَتِهِ يُؤَدِّيهِ بَعْدَ عِتْقِهِ كَدَيْنِ الْأَحْرَارِ لَا بِطَرِيقِ السِّعَايَةِ، فَإِنْ وُجِدَ مَعَهُ جُمْلَةً أُخِذَ مِنْهُ وَإِلَّا عُومِلَ مُعَامَلَةَ الْمَدْيُونِ الْمُعْسِرِ، وَلَمَّا كَانَ فَهْمُ ذَلِكَ مِنْ عِبَارَةِ الْقُنْيَةِ فِيهِ خَفَاءٌ عَزَا ذَلِكَ إلَيْهَا وَإِلَى النَّهْرِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ إنْ تَجَدَّدَتْ) يَعْنِي إنْ لَزِمَهُ نَفَقَةٌ فَبِيعَ فِيهَا فَلَمْ يَفِ ثَمَنُهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ بَقِيَ الْفَضْلُ فِي ذِمَّتِهِ فَيُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ فَلَا يُبَاعُ فِيهِ عِنْدَ السَّيِّدَ الثَّانِي. ثُمَّ إنْ تَجَمَّعَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ عِنْدَ السَّيِّدِ الثَّانِي بِيعَ فِيهَا وَيُفْعَلُ بِالْفَضْلِ كَمَا مَرَّ ح وَوَجْهُهُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّ النَّفَقَةَ يَتَجَدَّدُ وُجُوبُهَا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَذَلِكَ فِي حُكْمِ دَيْنٍ حَادِثٍ. اهـ. أَيْ أَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 (وَفِي الْمَهْرِ مَرَّةٌ) وَيُطَالَبُ بِالْبَاقِي بَعْدَ عِتْقِهِ إلَّا إذَا بَاعَهُ مِنْهَا خَانِيَّةٌ. (وَلَوْ) (زَوَّجَ) الْمَوْلَى (أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ) (لَا يَجِبُ الْمَهْرُ) فِي الْأَصَحِّ وَلْوَالَجِيَّة.   [رد المحتار] مَا تَجَدَّدَ وُجُوبُهُ عِنْدَ السَّيِّدِ الثَّانِي فِي حُكْمِ دَيْنٍ حَادِثٍ فَيُبَاعُ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا تَجَمَّدَ عَلَيْهِ وَبِيعَ فِيهِ أَوَّلًا فَإِنَّهُ لَا يُبَاعُ فِيهِ ثَانِيًا لِاسْتِيفَاءِ بَاقِيهِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ دَيْنٍ وَاحِدٍ، خِلَافًا لِمَا فِي نَفَقَاتِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يُبَاعُ فِي الْبَاقِي أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ مَفْرُوضَةً بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لِأَنَّهَا بِدُونِ ذَلِكَ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي النَّفَقَاتِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي نَفَقَاتِ الْبَحْرِ صُوَرَ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا نَفَقَةَ شَهْرٍ مَثَلًا وَعَجَزَ عَنْ أَدَائِهَا بَاعَهُ الْقَاضِي إنْ لَمْ يَفْدِهِ الْمَوْلَى. وَأَفَادَهُ أَنَّهُ إنَّمَا يُبَاعُ فِيمَا يَعْجِزُ عَنْ أَدَائِهِ لَا لِنَفَقَةِ كُلِّ يَوْمٍ مَثَلًا لِلْإِضْرَارِ بِالْمَوْلَى وَلَا لِاجْتِمَاعِ قَدْرِ قِيمَتِهِ لِلْإِضْرَارِ بِهَا. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ فَرْضُهَا بِتَرَاضِيهِمَا لِحَجْرِ الْعَبْدِ عَنْ التَّصَرُّفِ وَلِاتِّهَامِهِ بِقَصْدِ الزِّيَادَةِ لِإِضْرَارِ الْمَوْلَى، وَلِذَا فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْبَحْرِ فِيمَا إذَا فَرَضَهَا الْقَاضِي تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَفِي الْمَهْرِ مَرَّةٌ) فِيهِ أَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ مَهْرٌ آخَرُ عِنْدَ السَّيِّدِ الثَّانِي كَمَا إذَا طَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بِيعَ ثَانِيًا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ إلَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَتَجَدَّدُ عِنْدَ السَّيِّدِ الثَّانِي وَلَا بُدَّ، بِخِلَافِ الْمَهْرِ ح عَنْ شَيْخِهِ السَّيِّدِ. وَأَجَابَ ط بِأَنَّ النَّفَقَةَ الَّتِي حَدَثَتْ عِنْدَ الثَّانِي سَبَبُهَا مُتَحَقِّقٌ عِنْدَ الْأَوَّلِ فَتَكَرَّرَ بَيْعُهُ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ بَيْعِهِ فِي مَهْرٍ ثَانٍ حَدَثَ عِنْدَ الثَّانِي، فَإِنَّ هَذَا مُسَبَّبٌ عِنْدَ عَقْدٍ مُسْتَقِلٍّ حَتَّى تَوَقَّفَ عَلَى إذْنِهِ. اهـ. قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّ النَّفَقَةَ الْمُتَجَدِّدَةَ عِنْدَ الثَّانِي وَإِنْ كَانَتْ فِي حُكْمِ دَيْنٍ حَادِثٍ وَلِذَا بِيعَ فِيهَا ثَانِيًا إلَّا أَنَّهَا لَمَّا كَانَ سَبَبُهَا مُتَّحِدًا وَهُوَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ لَمْ تَكُنْ دَيْنًا حَادِثًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، أَمَّا الْمَهْرُ الثَّانِي فَهُوَ دَيْنٌ حَادِثٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِوُجُوبِهِ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا جَوَابٌ إقْنَاعِيٌّ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ دَيْنَ الْمَهْرِ. وَالنَّفَقَةِ عَيْبٌ فِي الْعَبْدِ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْبَحْرِ: عَلَّلَ فِي الْمِعْرَاجِ لِعَدَمِ تَكْرَارِ بَيْعِهِ فِي الْمَهْرِ بِأَنَّهُ بِيعَ فِي جَمِيعِ الْمَهْرِ، فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ بِيعَ فِي مَهْرِهَا الْمُعَجَّلِ ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى لِأَنَّهُ إنَّمَا بِيعَ فِي بَعْضِهِ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ قَبْلَهُ عَنْ الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ دُيُونِ الْعَبْدِ بِمَا يُبَاعُ فِيهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَّا النَّفَقَةَ لِأَنَّهُ يَتَجَدَّدُ وُجُوبُهَا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ إلَخْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَهْرَ الْمُؤَجَّلَ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ إلَى حُلُولِهِ، فَلَمْ يَتَجَدَّدْ الْوُجُوبُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي حَتَّى يُبَاعَ ثَانِيًا عِنْدَهُ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَهْرُ أَلْفًا مَثَلًا وَقِيمَةُ الْعَبْدِ مِائَةٌ فَبِيعَ بِمِائَةٍ أَنْ يُبَاعَ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَهَكَذَا لِأَنَّهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لَمْ يُبَعْ فِي كُلِّ الْمَهْرِ وَهُوَ خِلَافُ مَا صَرَّحُوا بِهِ، وَمُرَادُ الْمِعْرَاجِ بِقَوْلِهِ بِيعَ فِي جَمِيعِ الْمَهْرِ أَنَّهُ إنَّمَا بِيعَ لِأَجْلِ جَمِيعِ الْمَهْرِ: أَيْ لِأَجْلِ مَا كَانَ جَمِيعُهُ وَاجِبًا وَقْتَ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ الْحَادِثَةِ عِنْدَ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَمْ يُبَعْ فِيهَا عِنْدَ الْأَوَّلِ فَيُبَاعُ فِيهَا ثَانِيًا عِنْدَ الثَّانِي، فَالْمُرَادُ بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ مِنْ النَّفَقَاتِ فَرَاجِعْهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا بَاعَهُ مِنْهَا) فَإِنَّ مَا عَلَيْهَا مِنْ مِقْدَارِ ثَمَنِهِ يَلْتَقِي قِصَاصًا بِقَدْرِهِ مِمَّا لَهَا وَالْبَاقِي يَسْقُطُ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَسْتَوْجِبُ دَيْنًا عَلَى عَبْدِهِ ح. (قَوْلُهُ وَلَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ إلَخْ) حَاصِلُهُ تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الَّتِي يُبَاعُ فِيهَا الْقِنُّ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْأَمَةُ أَمَةَ مَوْلَى الْعَبْدِ فَهَذَا كَالِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا قَبْلَهُ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مَا إذَا كَانَتْ أَمَةُ الْمَوْلَى مَأْذُونَةً مَدْيُونَةً فَإِنَّهُ يُبَاعُ لَهَا أَيْضًا، وَأَطْلَقَ هُنَا الْأَمَةَ وَالْعَبْدَ، فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَا قِنَّيْنِ أَوْ مُدَبَّرَيْنِ، أَوْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ، أَوْ كَانَ ابْنَ أُمِّ وَلَدٍ. (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ) لِاسْتِلْزَامِهِ الْوُجُوبَ لِنَفْسِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 وَقَالَ الْبَزَّازِيُّ: بَلْ يَسْقُطُ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ تَكُنْ الْأَمَةُ مَأْذُونَةً مَدْيُونَةً، فَإِنْ كَانَتْ بِيعَ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهَا ثُمَّ يَنْتَقِلُ لِلْمَوْلَى نَهْرٌ (فَلَوْ بَاعَهُ سَيِّدُهُ بَعْدَمَا زَوَّجَهُ امْرَأَةً فَالْمَهْرُ بِرَقَبَتِهِ يَدُورُ مَعَهُ أَيْنَمَا دَارَ كَدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ) لَكِنْ لِلْمَرْأَةِ فَسْخُ الْبَيْعِ لَوْ الْمَهْرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ فَكَانَتْ كَالْغُرَمَاءِ مِنَحٌ (وَقَوْلُهُ لِعَبْدِهِ طَلِّقْهَا رَجْعِيَّةً إجَازَةٌ)   [رد المحتار] لَا يُعْقَلُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَهْرَ الْأَمَةِ يَثْبُتُ لِلسَّيِّدِ ابْتِدَاءً فِي غَيْرِ الْمَأْذُونَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَمُعْتَقَةِ الْبَعْضِ كَمَا فِي النَّهْرِ ح. وَفِي اسْتِثْنَاءِ الْمَأْذُونَةِ كَلَامٌ يَأْتِي قَرِيبًا. (قَوْلُهُ بَلْ يَسْقُطُ) أَيْ بَلْ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ ثُمَّ يَسْقُطُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَهْرَ الْأَمَةِ يَثْبُتُ لَهَا أَوَّلًا ثُمَّ يَنْتَقِلُ لِلسَّيِّدِ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْفَتْحِ ح. وَفَائِدَةُ وُجُوبِهِ لَهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ يُسْتَوْفَى مِنْهُ وَيَقْضِي دَيْنَهَا. قَالُوا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ بِيرِيٌّ عَلَى الْأَشْبَاهِ، وَأَيَّدَهُ أَيْضًا فِي الدُّرَرِ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِتَصْحِيحِ الْوَلْوَالِجِيِّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ ثَمَرَةً. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ أَمَةَ الصَّغِيرِ مِنْ عَبْدِهِ، فَعَلَى الثَّانِي يَصِحُّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ التَّزْوِيجُ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَبِهِ جَزَمَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ نِكَاحٌ لِلْأَمَةِ بِغَيْرِ مَهْرٍ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الْعَبْدِ فِي كَسْبِهِ لِلْحَالِ. اهـ. وَاعْتَرَضَهُ الرَّحْمَتِيُّ بِأَنَّهُ لَا اسْتِحَالَةَ فِي وُجُوبِ الْمَالِ لِلصَّغِيرِ عَلَى أَبِيهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ زَوَّجَهُ مِنْ أَمَةِ نَفْسِهِ. قُلْت: وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ مِنْ عَبْدِهِ لِلْأَبِ مَعَ أَنَّهُ لِلصَّغِيرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ. هَذَا، وَجَعَلَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ قَضَاءَ دَيْنِهَا مِنْهُ وَعَدَمَهُ. وَقَالَ: وَيَتَرَجَّحُ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ، وَلِهَذَا صَحَّحَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ. (قَوْلُهُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا بِقَوْلِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْأَمَةُ مَأْذُونَةً مَدْيُونَةً، فَإِنْ كَانَتْ بِيعَ أَيْضًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْفَتْحِ: مَهْرُ الْأَمَةِ يَثْبُتُ لَهَا ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْلَى، حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ قُضِيَ مِنْ الْمَهْرِ. اهـ. قُلْت: أَنْتَ خَبِيرٌ أَنَّ قَوْلَ الْفَتْحِ يَثْبُتُ لَهَا إلَخْ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ، فَكَيْفَ يَجْعَلُهُ دَلِيلًا لِعَدَمِ الْخِلَافِ فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ أَنَّ قَضَاءَ دَيْنِهَا مِنْهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهَا أَوَّلًا أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ لِلسَّيِّدِ ابْتِدَاءً فَلَا قَضَاءَ وَلِهَذَا جَعَلَهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ كَمَا مَرَّ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهَا) أَيْ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَثْبُتُ لِلْأَمَةِ مَأْذُونَةً أَوْ غَيْرَهَا ثُمَّ يَنْتَقِلُ لِلْمَوْلَى إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا دَيْنٌ وَإِلَّا فَلَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْأَمَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهَا مَأْذُونَةً فَهُوَ اسْتِدْلَالٌ بِالْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَالْمَهْرُ بِرَقَبَتِهِ) وَقِيلَ فِي ثَمَنِهِ وَالْأَوَّلُ وَالصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَلَوْ أَعْتَقَهُ كَانَ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةُ كَمَا فِي النُّتَفِ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ يَدُورُ مَعَهُ إلَخْ) أَيْ يُبَاعُ فِيهِ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي مِرَارًا. (قَوْلُهُ كَدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ) أَيْ كَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَ مَالَ إنْسَانٍ عَنْ سَيِّدِهِ. (قَوْلُهُ لَكِنْ لِلْمَرْأَةِ فَسْخُ الْبَيْعِ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى حَيْثُ قَالَ رَجُلٌ زَوَّجَ غُلَامَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ بِدُونِ رِضَا الْمَرْأَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ عَلَى الْعَبْدِ مَهْرٌ فَلِلْمَوْلَى بَيْعُهُ وَإِنْ كَانَ فَلَا إلَّا بِرِضَاهَا وَهَذَا كَمَا قُلْنَا فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمَدْيُونِ إذَا بَاعَهُ بِدُونِ رِضَا الْغُرَمَاءِ فَلَوْ أَرَادَ الْغَرِيمُ الْفَسْخَ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ كَذَلِكَ هُنَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ لِأَنَّ الْمَهْرَ دَيْنٌ. اهـ. أَمَّا لَوْ الْمَوْلَى قَضَاهُ عَنْهُ فَلَا فَسْخَ أَصْلًا. (قَوْلُهُ طَلِّقْهَا رَجْعِيَّةً) مِثْلُهُ أَوْقِعْ عَلَيْهَا الطَّلَاقَ أَوْ طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً تَقَعُ عَلَيْهَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ إجَازَةٌ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، فَكَانَ الْأَمْرُ بِهِ إجَازَةً اقْتِضَاءً، بِخِلَافِ الْبَائِنِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْمُتَارَكَةَ كَمَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْمَوْقُوفِ. وَيَحْتَمِلُ الْإِجَازَةَ فَحُمِلَ عَلَى الْأَدْنَى. وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ تَثْبُتُ بِالدَّلَالَةِ كَمَا تَثْبُتُ بِالصَّرِيحِ وَبِالضَّرُورَةِ، فَالصَّرِيحُ كَرَضِيت وَأَجَزْت وَأَذِنْت وَنَحْوِهِ. وَالدَّلَالَةُ تَكُونُ بِالْقَوْلِ، كَقَوْلِ الْمَوْلَى بَعْدَ بُلُوغِهِ الْخَبَرَ حَسَنٌ أَوْ صَوَابٌ أَوْ لَا بَأْسَ بِهِ وَبِفِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا كَسَوْقِ الْمَهْرِ أَوْ شَيْءٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 لِلنِّكَاحِ (الْمَوْقُوف، لَا طَلِّقْهَا أَوْ فَارِقْهَا) لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلْمُتَارَكَةِ، حَتَّى لَوْ أَجَازَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْفُذُ، بِخِلَافِ الْفُضُولِيِّ (وَإِذْنُهُ لِعَبْدِهِ فِي النِّكَاحِ يَنْتَظِمُ جَائِزَهُ وَفَاسِدَهُ، فَيُبَاعُ الْعَبْدُ لِمَهْرِ مَنْ نَكَحَهَا فَاسِدًا بَعْدَ إذْنِهِ فَوَطِئَهَا) خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ نَوَى الْمَوْلَى الصَّحِيحَ فَقَطْ تَقَيَّدَ بِهِ،   [رد المحتار] مِنْهُ إلَى الْمَرْأَةِ وَالضَّرُورَةِ بِنَحْوِ عِتْقِ الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ فَالْإِعْتَاق إجَازَةٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ لَا يَكُونُ إجَازَةً، فَإِنْ أَجَازَ الْعَبْدُ مَا صَنَعَ جَازَ اسْتِحْسَانًا كَالْفُضُولِيِّ إذَا وَكَّلَ فَأَجَازَ مَا صَنَعَهُ قَبْلَ الْوَكَالَةِ وَكَالْعَبْدِ إذَا زَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ فَأَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي التَّزْوِيجِ فَأَجَازَ مَا صَنَعَهُ الْفُضُولِيُّ كَذَا فِي الْفَتْحِ. أَقُولُ: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْعَقْدَ إذَا وَقَعَ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ فَحَصَلَ الْإِذْنُ بَعْدَهُ مَلَكَ اسْتِئْنَافَ الْعَقْدِ فَيَمْلِكُ إجَازَةَ الْمَوْقُوفِ بِالْأَوْلَى، لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ مِنْ الْإِجَازَةِ الصَّرِيحَةِ لَفْظَ أَذِنْت فَيُنَاقِضُ مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ الْإِذْنَ بَعْدَ التَّزَوُّجِ لَا يَكُونُ إجَازَةً وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا عَلِمَ بِالنِّكَاحِ فَقَالَ أَذِنْت، وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَبِهِ جَزَمَ فِي النَّهْرِ. مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِذْنِ وَالْإِجَازَةِ قُلْت: يَظْهَرُ مِمَّا ذَكَرْنَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِذْنِ وَالْإِجَازَةِ، فَالْإِذْنُ لِمَا سَيَقَعُ، وَالْإِجَازَةُ لِمَا وَقَعَ: وَيَظْهَرُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْإِذْنَ يَكُونُ بِمَعْنَى الْإِجَازَةِ إذَا كَانَ لِأَمْرٍ وَقَعَ وَعَلِمَ بِهِ الْآذِنُ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ الْإِجَازَةُ تَثْبُتُ بِالدَّلَالَةِ وَبِالصَّرِيحِ إلَخْ أَنْسَبُ مِنْ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ الْإِذْنُ يَثْبُتُ إلَخْ. وَعُلِمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَوْ قَالَ إذْنُ بَدَلٍ قَوْلُهُ إجَازَةٌ لَصَحَّ أَيْضًا لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالطَّلَاقِ يَكُونُ بَعْدَ الْعِلْمِ، وَالْإِذْنُ بَعْدَ الْعِلْمِ إجَازَةٌ، فَقَوْلُ النَّهْرِ: وَلَمْ يَقُلْ أَذِنَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَاحْتَاجَ إلَى الْإِجَازَةِ، فِيهِ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ لِلنِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ) يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ الْمَوْقُوفُ أَنَّهُ عَقْدُ فُضُولِيٍّ فَتَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْفُضُولِيِّ مِنْ صِحَّةِ فَسْخِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ قَبْلَ إجَازَةِ الْمَوْلَى، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ قَوْلَ الْمَوْلَى طَلِّقْهَا أَوْ فَارِقْهَا لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلْمُتَارَكَةِ: أَيْ فَيَكُونُ رَدًّا. وَيَحْتَمِلُ الْإِجَازَةَ، فَحُمِلَ عَلَى الرَّدِّ لِأَنَّهُ أَدْنَى لِأَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ، أَوْ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِحَالِ الْعَبْدِ الْمُتَمَرِّدِ عَلَى مَوْلَاهُ فَكَانَتْ الْحَقِيقَةُ مَتْرُوكَةً بِدَلَالَةِ الْحَالِ بَحْرٌ عَنْ الْعِنَايَةِ. وَعَلَى الثَّانِي يَنْبَغِي لَوْ زَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ فَقَالَ الْمَوْلَى لِلْعَبْدِ طَلِّقْهَا أَنَّهُ يَكُونُ إجَازَةً، إذْ لَا تَمَرُّدَ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ نَهْرٌ. قُلْت: التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ يَشْمَلُ هَذِهِ الصُّورَةَ فَلَا يَكُونُ إجَازَةً. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أَجَازَهُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا فُهِمَ مِنْ الْمَقَامِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ رَدٌّ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ، أَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقْهَا أَوْ فَارِقْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إجَازَةً فَهُوَ رَدٌّ فَيَنْفَسِخُ بِهِ نِكَاحُ الْعَبْدِ حَتَّى لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْفُضُولِيِّ) أَيْ إذَا قَالَ لَهُ الزَّوْجُ طَلِّقْهَا يَكُونُ إجَازَةً لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّطْلِيقَ بِالْإِجَازَةِ فَيَمْلِكُ الْأَمْرَ بِهِ، بِخِلَافِ الْمَوْلَى، وَهَذَا مُخْتَارُ صَاحِبِ الْمُحِيطِ. وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ وَمُخْتَارِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَنَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِجَازَةٍ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ فِي الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ، أَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَهِيَ إجَازَةٌ اتِّفَاقًا وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُحَرَّمَ عَلَيْهِ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ إجَازَةٌ أَوَّلًا ثُمَّ طَلَّقَ اهـ وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَإِذْنُهُ لِعَبْدِهِ إلَخْ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَذِنَ لَهُ فِي نِكَاحِ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ لَا فَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْأَمَةِ وَالْمُعَيَّنَةِ اتِّفَاقٌ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ بَعْدَ إذْنِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِنِكَاحِهَا، وَقَيَّدَ بِهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّ قَوْلَهُ وَإِذْنُهُ لِعَبْدِهِ يَدْخُلُ فِيهِ الْإِذْنُ بَعْدَ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْإِذْنَ مَا يَكُونُ قَبْلَ الْوُقُوعِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَوَطِئَهَا) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ الْمَهْرَ لَا يَلْزَمُ فِي الْفَاسِدِ إلَّا بِهِ ط. (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا الْإِذْنُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الصَّحِيحَ فَلَا يُطَالَبُ بِالْمَهْرِ فِي الْفَاسِدِ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ. (قَوْلُهُ تَقَيَّدَ بِهِ) أَيْ وَيُصَدَّقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 كَمَا لَوْ نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ نَصَّ عَلَى الْفَاسِدِ صَحَّ وَصَحَّ الصَّحِيحُ أَيْضًا نَهْرٌ. (وَلَوْ) (نَكَحَهَا ثَانِيًا) صَحِيحًا (أَوْ) نَكَحَ أُخْرَى (بَعْدَهَا صَحِيحًا) (وَقَفَ عَلَى الْإِجَازَةِ) لِانْتِهَاءِ الْإِذْنِ بِمَرَّةٍ وَإِنْ نَوَى مِرَارًا، وَلَوْ مَرَّتَيْنِ صَحَّ لِأَنَّهُمَا كُلُّ نِكَاحِ الْعَبْدِ، وَكَذَا التَّوْكِيلُ بِالنِّكَاحِ (بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ بِهِ) فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ فَلَا يَنْتَهِي وَبِهِ يُفْتَى. وَالْوَكِيلُ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ لَا يَمْلِكُ الصَّحِيحَ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ ابْنُ مَالِكٍ. وَفِي الْأَشْبَاهِ مِنْ قَاعِدَةِ الْأَصْلِ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةِ الْإِذْنُ فِي النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ   [رد المحتار] قَالَ فِي النَّهْرِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ الْخِلَافَ بِمَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْمَوْلَى الصَّحِيحَ فَقَطْ فَإِنْ نَوَاهُ تَقَيَّدَ بِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ مَا تَزَوَّجَ فِي الْمَاضِي يَتَنَاوَلُ يَمِينَهُ الْفَاسِدَ أَيْضًا قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَوْ نَوَى الصَّحِيحَ صُدِّقَ دِيَانَةً وَقَضَاءً وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ رِعَايَةً لِجَانِبِ الْحَقِيقَةِ. اهـ. نَهْرٌ. (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ نَصَّ عَلَيْهِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِهِ اتِّفَاقًا أَيْضًا كَمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ صَحَّ) أَيْ فَإِذَا دَخَلَ بِهَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ وَصَحَّ الصَّحِيحُ أَيْضًا) أَيْ اتِّفَاقًا، وَهَذَا مَا بَحَثَهُ فِي النَّهْرِ عَلَى خِلَافِ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا وَإِذَا تَأَمَّلْت كَلَامَ كُلٍّ مِنْهُمَا يَظْهَرُ لَك أَرْجَحِيَّةُ مَا فِي الْبَحْرِ كَمَا أَوْضَحْته فِيمَا عَلَّقْته عَلَيْهِ وَيَأْتِي قَرِيبًا بَعْضُ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَلَوْ نَكَحَهَا ثَانِيًا) أَيْ بَعْدَ الْفَاسِدِ وَهَذَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَيُبَاعُ إلَخْ فَهُوَ أَيْضًا مِنْ ثَمَرَةِ الْخِلَافِ لِأَنَّهُ إذَا انْتَظَمَ الْفَاسِدُ عِنْدَهُ يَنْتَهِي بِهِ الْإِذْنُ، وَإِذَا لَمْ يَنْتَظِمْهُ لَا يَنْتَهِي بِهِ عِنْدَهُمَا فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ صَحِيحًا بَعْدَهُ بِهَا أَوْ بِغَيْرِهَا. (قَوْلُهُ لِانْتِهَاءِ الْإِذْنِ بِمَرَّةٍ) وَمِثْلُ الْإِذْنِ الْأَمْرُ بِالتَّزْوِيجِ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ تَزَوَّجْ فَإِنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَكَذَا إذَا قَالَ تَزَوَّجْ امْرَأَةً لِأَنَّ قَوْلَهُ امْرَأَةً اسْمٌ لِوَاحِدَةٍ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى مِرَارًا إلَخْ) أَيْ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ تَزَوَّجْ وَنَوَى بِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ وَلَوْ نَوَى ثِنْتَيْنِ يَصِحُّ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلُّ نِكَاحِ الْعَبْدِ، إذْ الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ التَّزَوُّجَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْنِ بَحْرٌ عَنْ شَرْحِ الْمُغْنِي لِلْهِنْدِيِّ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَمْرَ يَتَضَمَّنُ الْمَصْدَرَ وَهُوَ لِلْفَرْدِ الْحَقِيقِيِّ أَوْ الِاعْتِبَارِيِّ أَيْ جُمْلَةُ مَا يَمْلِكُهُ دُونَ الْعَدَدِ الْمَحْضِ، كَمَا قَالُوا فِي طَلِّقْ امْرَأَتِي وَنَوَى الْوَاحِدَةَ أَوْ الثَّلَاثَ يَصِحُّ دُونَ الثِّنْتَيْنِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا التَّوْكِيلُ بِالنِّكَاحِ) بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْ لِي امْرَأَةً لَا يَمْلِكُ أَنْ يُزَوِّجَهُ إلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً، وَلَوْ نَوَى الْمُوَكِّلُ الْأَرْبَعَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ كُلُّ جِنْسِ النِّكَاحِ فِي حَقِّهِ وَلَكِنِّي مَا ظَفِرْت بِالنَّقْلِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُغْنِي لِلْهِنْدِيِّ فِي بَحْثِ الْأَمْرِ بَحْرٌ فَافْهَمْ، لَكِنْ نِيَّةُ الْأَرْبَعِ إنَّمَا تَصِحُّ إذَا لَمْ يَقُلْ امْرَأَةً، أَمَّا لَوْ قَالَهُ كَمَا هُوَ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهُ فَلَا كَمَا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ آنِفًا عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ اسْمٌ لِوَاحِدَةٍ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ بِهِ) أَيْ تَوْكِيلِ مَنْ يُرِيدُ النِّكَاحَ بِهِ، وَهَذَا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْإِذْنُ بِالنِّكَاحِ يَنْتَظِمُ جَائِزَهُ وَفَاسِدَهُ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ) لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَيْسَ بِنِكَاحٍ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَتَزَوَّجَ نِكَاحًا فَاسِدًا لَا يَحْنَثُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْفَاسِدَ بَيْعٌ يُفِيدُ حُكْمَ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمِلْك، وَيَدْخُلُ فِي يَمِينِ الْبَيْعِ فَيَحْنَثُ بِهِ خَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) عِبَارَةُ الْبَحْرِ: فَلَا يَنْتَهِي بِهِ اتِّفَاقًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُصَفَّى، وَأَسْقَطَ الشَّارِحُ اتِّفَاقًا لِأَنَّ قَوْلَهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى يُشْعِرُ بِالْخِلَافِ وَإِرْجَاعُ ضَمِيرٍ عَلَيْهِ إلَى الِاتِّفَاقِ فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا مَعْنَى لِلْإِفْتَاءِ بِالِاتِّفَاقِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ لَا يَمْلِكُ الصَّحِيحَ) لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي الْفَاسِدِ وَهُوَ عَدَمُ لُزُومِ الْمَهْرِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْوَطْءِ. وَفِي الصَّحِيحِ يَلْزَمُ الْمَهْرُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَيَتَأَكَّدُ بِالْخَلْوَةِ وَالْمَوْتِ وَلَوْ بِدُونِ وَطْءٍ، فَفِيهِ إلْزَامٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِمَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ كَمَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَصَحَّ الصَّحِيحُ أَيْضًا. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ) أَيْ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الصَّحِيحَ، لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ بَيْعٌ حَقِيقَةً لِإِفَادَتِهِ الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَبْضِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ الْإِذْنُ فِي النِّكَاحِ) الْأَوْلَى بِالنِّكَاحِ بِالْبَاءِ، وَالْمُرَادُ الْإِذْنُ لِلْعَبْدِ الْمَحْجُورِ وَهُوَ فَكُّ الْحِجْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 وَالتَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ، وَبِالنِّكَاحِ لَا، وَالْيَمِينُ عَلَى نِكَاحٍ وَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَحَجٍّ وَبَيْعٍ، إنْ كَانَتْ عَلَى الْمَاضِي يَتَنَاوَلُهُ، وَإِنْ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ لَا. (وَلَوْ زَوَّجَ عَبْدًا لَهُ مَأْذُونًا مَدْيُونًا صَحَّ وَسَاوَتْ) الْمَرْأَةُ (الْغُرَمَاءَ فِي مَهْرِ مِثْلِهَا) وَالْأَقَلُّ (وَالزَّائِدُ) عَلَيْهِ (تُطَالِبُ بِهِ) بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْغُرَمَاءِ (كَدَيْنِ الصِّحَّةِ مَعَ) دَيْنِ (الْمَرَضِ) إلَّا إذَا بَاعَهُ مِنْهَا   [رد المحتار] وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا حُجِرَ عَنْهُ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَبِالْإِذْنِ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ بِأَهْلِيَّتِهِ. وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ هُوَ تَوْكِيلٌ وَإِنَابَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ خَاصٍّ بِالْعَبْدِ لِأَنَّهُ يُقَالُ أَذِنْت لِزَيْدٍ بِأَكْلِ طَعَامِي أَوْ بِسُكْنَى دَارِي فَفِيهِ فَكُّ حِجْرٍ وَإِسْقَاطُ حَقٍّ، وَكَذَا يُقَالُ أَذِنْت لَهُ بِبَيْعِ دَارِي فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْإِحْلَالِ وَالْإِعَارَةِ وَالتَّوْكِيلِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ الْإِذْنُ لِلْعَبْدِ تَوْكِيلًا عِنْدَنَا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ بِالْإِذْنِ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ لَا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الْمَوْلَى. (قَوْلُهُ وَالتَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ) أَيْ تَوْكِيلُ أَجْنَبِيٍّ بِهِ. وَقَوْلُ الْبَحْرِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْإِذْنَ بِالْبَيْعِ وَهُوَ التَّوْكِيلُ وَبِهِ يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ بِالْأَوْلَى اتِّفَاقًا يُوهِمُ أَنَّ الْإِذْنَ هُوَ التَّوْكِيلُ، وَلَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ عَيْنَهُ مُطْلَقًا بَلْ قَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ، فَمُرَادُهُ الْإِذْنُ الَّذِي بِمَعْنَى تَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ لَا إذْنِ الْعَبْدِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَبِالنِّكَاحِ لَا) أَيْ وَالتَّوْكِيلُ بِالنِّكَاحِ لَا يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ وَالْيَمِينُ عَلَى نِكَاحٍ) كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالصَّحِيحِ. وَأَمَّا إذَا حَلَفَ أَنَّهُ مَا تَزَوَّجَ فِي الْمَاضِي فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْإِعْفَافُ وَفِي الْمَاضِي وُقُوعُ الْعَقْدِ بَحْرٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ. (قَوْلُهُ وَصَلَاةٍ) يُقَالُ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ يَمِينَهُ فِي الْمَاضِي مُنْعَقِدَةٌ عَلَى صُورَةِ الْفِعْلِ وَقَدْ وُجِدَتْ، بِخِلَافِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَمُنْعَقِدَةٌ عَلَى الْمُتَهَيِّئَةِ لِلثَّوَابِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ بِالْفَاسِدِ، وَمِثْلُهَا الصَّوْمُ وَالْحَجُّ ط. قُلْت: وَسَيَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ حَلَفَ لَا يَصُومُ حَنِثَ بِصَوْمِ سَاعَةٍ بِنِيَّةٍ وَإِنْ أَفْطَرَ لِوُجُودِ شَرْطِهِ، وَلَوْ قَالَ صَوْمًا أَوْ يَوْمًا حَنِثَ بِيَوْمٍ، وَحَنِثَ فِي لَا يُصَلِّي بِرَكْعَةٍ، وَفِي لَا يُصَلِّي صَلَاةً بِشَفْعٍ، وَفِي: لَا يَحُجُّ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَقِفَ بِعَرَفَةَ عَنْ الثَّالِثِ أَوْ حَتَّى يَطُوفَ أَكْثَرَ الطَّوَافِ عَنْ الثَّانِي. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّحِيحِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْفِعْلُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ شَرْعًا مَعَ شَرَائِطِهِ، وَذَلِكَ فِي الصَّوْمِ بِسَاعَةٍ، وَفِي الصَّلَاةِ بِرَكْعَةٍ وَإِنْ أَفْسَدَهُ بَعْدَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ صَحَّ) أَيْ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ يُبْتَنَى عَلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَهُوَ بَاقٍ بَعْدَ الدَّيْنِ كَمَا هُوَ قَبْلَهُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَسَاوَتْ الْغُرَمَاءَ) أَيْ أَصْحَابَ الدُّيُونِ، وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمَهْرَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، فَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ وَكَانَ لَهُ كَسْبٌ يُوَفَّى مِنْهُ. وَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ التُّمُرْتَاشِيِّ: لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ سَقَطَ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ يَجِبُ حَمْلُهُ فِي الْمَهْرِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا نَهْرٌ، وَأَصْلُ هَذَا الِاسْتِخْرَاجِ وَالتَّوْفِيقُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَالْأَقَلِّ) أَيْ إنْ كَانَ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ تَسَاوَى الْغُرَمَاءُ فِيهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ لِعِلْمِهِ بِالْأُولَى. (قَوْلُهُ وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَ الْمُسَمَّى أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنَّهَا تُسَاوِيهِمْ فِي قَدْرِهِ وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْغُرَمَاءِ بَحْرٌ: أَيْ فَيَسْعَى لَهَا بِهِ إنْ بَقِيَ فِي مِلْكِ مَوْلَاهُ أَوْ تَصْبِرَ إلَى أَنْ يُعْتَقَ، وَلَوْ بَاعَهُ الْغُرَمَاءُ مَعَهَا لَيْسَ لَهَا بَيْعُهُ ثَانِيًا لِأَخْذِ الزَّائِدِ لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ فِي الْمَهْرِ مَرَّتَيْنِ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِيمَا مَرَّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ كَدَيْنِ الصِّحَّةِ) أَيْ إذَا كَانَ عَلَى الْمَرِيضِ دَيْنُ صِحَّةٍ وَهُوَ مَا ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ مُطْلَقًا أَوْ بِإِقْرَارِهِ صَحِيحًا قُدِّمَ عَلَى دَيْنِ الْمَرَضِ وَهُوَ مَا أَقَرَّ بِهِ مَرِيضًا لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْغُرَمَاءِ فَيُقْضَى بَعْدَ قَضَاءِ دُيُونِهِمْ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا بَاعَهُ مِنْهَا) فِي الْخَانِيَّةِ: زَوَّجَهُ بِأَلْفٍ وَبَاعَهُ مِنْهَا بِتِسْعِمِائَةٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَلْفٌ فَأَجَازَ الْغَرِيمُ الْبَيْعَ كَانَتْ التِّسْعُمِائَةِ بَيْنَهُمَا يَضْرِبُ الْغَرِيمُ فِيهَا بِأَلْفٍ وَالْمَرْأَةُ بِأَلْفٍ، وَلَا تَتْبَعُهُ الْمَرْأَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَتْبَعُهُ الْغَرِيمُ بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ إذَا عَتَقَ اهـ وَقَوْلُهُ وَلَا تَتْبَعُهُ بِتَاءَيْنِ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ: أَيْ لَا تُطَالِبُهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ مَهْرِهَا لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكَهَا وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ وَالسَّيِّدُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 كَمَا مَرَّ. (وَلَوْ زَوَّجَ بِنْتَه مُكَاتَبَهُ ثُمَّ مَاتَ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ) لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْ الْمُكَاتَبَ بِمَوْتِ أَبِيهَا (إلَّا إذَا عَجَزَ فَرُدَّ فِي الرِّقِّ) فَحِينَئِذٍ يَفْسُدُ التَّنَافِي. (زَوَّجَ أَمَتِهِ) أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ (لَا تَجِبُ) عَلَيْهِ (تَبْوِئَتُهَا) وَإِنْ شَرَطَهَا فِي الْعَقْدِ أَمَّا لَوْ شَرَطَ الْحُرُّ   [رد المحتار] لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ مَالًا، بِخِلَافِ مَا بَقِيَ لِلْغَرِيمِ فَإِنَّهُ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ فَيُطَالِبُهُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُبَاعُ فِي دَيْنٍ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ إلَّا النَّفَقَةُ وَلِأَنَّ الْغَرِيمَ لَمَّا أَجَازَ بَيْعَ الْمَوْلَى مِنْهَا تَعَلَّقَ حَقُّهُ فِي الْقِيمَةِ فَقَطْ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ بَيْعَهُ وَعِتْقَهُ كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ إلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهِ لِمَا قُلْنَا، فَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا بَيْعُهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَرِيمِ بِهِ فَهُوَ وَهْمٌ مَنْشَؤُهُ التَّصْحِيفُ، وَلَوْ كَانَتْ النُّسْخَةُ وَلَا تَبِيعُهُ وَيَبِيعُهُ الْغَرِيمُ مِنْ الْبَيْعِ نَافَى قَوْلَهُ إذَا عَتَقَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ ح. (قَوْلُهُ بِنْتَه) الْمُرَادُ مَنْ تَرِثُهُ مِنْ النِّسَاءِ بَعْدَ مَوْتِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِنْتًا أَوْ بِنْتَ ابْنٍ أَوْ أُخْتًا ط. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْ الْمُكَاتَبَ) لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ مَا لَمْ يَعْجِزْ، وَإِنَّمَا تَمْلِكُ مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَأَمَّا صِحَّةُ عِتْقِهَا إيَّاهُ فَلِأَنَّهُ يَبْرَأُ بِهِ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَوَّلًا ثُمَّ يُعْتَقُ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ لِلتَّنَافِي) أَيْ بَيْنَ كَوْنِهِ مَالِكًا لَهَا وَكَوْنِهَا مَالِكَةً لَهُ. (قَوْلُهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ) وَمِثْلُهَا الْمُدَبَّرَةُ، وَلَا تَدْخُلُ الْمُكَاتَبَةُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فَتَخْدُمُهُ: أَيْ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى اسْتِخْدَامَهَا فَلِذَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لَهَا بِدُونِ التَّبْوِئَةِ بَحْرٌ. وَأَمَّا نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ فَتَكُونُ عَلَى الْأُمِّ لِأَنَّ وَلَدَ الْمُكَاتَبَةِ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ. (قَوْلُهُ لَا تَجِبُ تَبْوِئَتُهَا) هِيَ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ بَوَّأْتُهُ مَنْزِلًا أَيْ أَسْكَنْته إيَّاهُ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ عَلَى مَا فِي شَرْحِ النَّفَقَاتِ لِلْخَصَّافِ: أَنْ يُخَلِّيَ الْمَوْلَى بَيْنَ الْأَمَةِ وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَيَدْفَعَهَا إلَيْهِ وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا أَمَّا إذَا كَانَتْ تَذْهَبُ وَتَجِيءُ وَتَخْدُمُ مَوْلَاهَا لَا تَكُونُ تَبْوِئَةً اهـ بَحْرٌ، وَقَالَ قَبْلَهُ وَقَيَّدَ بِالتَّبْوِئَةِ لِأَنَّ الْمَوْلَى إذَا اسْتَوْفَى صَدَاقَهَا أُمِرَ أَنْ يُدْخِلَهَا عَلَى زَوْجِهَا وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُبَوِّئَهَا، وَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ: لَوْ بَاعَهَا بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا سَقَطَ مَهْرُهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا قَتَلَهَا. اهـ. أَيْ سَقَطَ لَوْ قَبْلَ الْوَطْءِ. هَذَا وَفِيمَا نَقَلَهُ عَنْ الْخَصَّافِ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْمَبْسُوطِ شِبْهُ التَّنَافِي، لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَفَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي تَحَقُّقِ مَعْنَى التَّبْوِئَةِ اصْطِلَاحًا مِنْ تَسْلِيمِ الْأَمَةِ إلَى الزَّوْجِ، وَالثَّانِي أَفَادَ أَنَّ التَّسْلِيمَ إلَيْهِ بَعْدَ قَبْضِ الصَّدَاقِ وَاجِبٌ، وَعَدَمُ وُجُوبِ التَّبْوِئَةِ يُنَافِي وُجُوبَ التَّسْلِيمِ الْمَذْكُورِ. وَالْجَوَابُ مَا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ التَّسْلِيمَ الْوَاجِبَ يُكْتَفَى فِيهِ بِالتَّخْلِيَةِ، بَلْ بِالْقَوْلِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ الْمَوْلَى مَتَى ظَفِرْت بِهَا وَطِئْتهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الدِّرَايَةِ، وَالتَّبْوِئَةُ الْمَنْفِيَّةُ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الدَّفْعِ، وَالِاكْتِفَاءُ فِيهَا بِالتَّخْلِيَةِ كَمَا ظَنَّ بَعْضُهُمْ غَيْرُ وَاقِعٍ اهـ. وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا أَجَابَ بِهِ الْمَقْدِسِيَّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّبْوِئَةِ الْمَنْفِيَّةِ التَّبْوِئَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَرَطَهَا) لِأَنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ لِلزَّوْجِ مِلْكُ الْحِلِّ لَا غَيْرُ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ الشَّرْطُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ أَوْ الْإِعَارَةِ، فَلَا يَصِحُّ الْأَوَّلُ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ، وَلَا الثَّانِي لِأَنَّ الْإِعَارَةَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ أَمَّا لَوْ شَرَطَ الْحُرُّ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهُوَ أَنَّ اشْتِرَاطَ حُرِّيَّةِ الْأَوْلَادِ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْتَضِيهِ نِكَاحُ الْأَمَةِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ صَحَّ. لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى تَعْلِيقِ الْحُرِّيَّةِ بِالْوِلَادَةِ وَالتَّعْلِيقُ صَحِيحٌ، وَيَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مُقْتَضَاهُ جَبْرًا، وَبِخِلَافِ اشْتِرَاطِ التَّبْوِئَةِ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ وُجُودُهَا عَلَى فِعْلٍ حِسِّيٍّ اخْتِيَارِيٍّ لِأَنَّهُ وَعْدٌ يَجِبُ الْإِيفَاءُ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَفِ بِهِ لَا يَثْبُتُ مُتَعَلِّقُهُ أَعْنِي نَفْسَ الْمَوْعُودِ بِهِ فَتْحٌ مُلَخَّصًا، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ: وَمُقْتَضَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهِ أَنَّهُ شَرْطٌ غَيْرُ بَاطِلٍ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهِ وُجُودُهُ بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ، لَكِنْ تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ بَاطِلٌ، وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ فَقَالَ: لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ لِلزَّوْجِ كَانَ هَذَا الشَّرْطُ بَاطِلًا وَلَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَ أَمَته، وَلَعَلَّ مَعْنَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهِ أَنَّهُ وَاجِبٌ دِيَانَةً، وَمَعْنَى بُطْلَانِهِ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ قَضَاءً فَتَأَمَّلْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 حُرِّيَّةَ أَوْلَادِهَا فِيهِ صَحَّ وَعَتَقَ كُلُّ مَنْ وَلَدَتْهُ فِي هَذَا النِّكَاحِ لِأَنَّ قَبُولَ الْمَوْلَى الشَّرْطَ وَالتَّزْوِيجَ عَلَى اعْتِبَارِهِ هُوَ مَعْنَى تَعْلِيقِ الْحُرِّيَّةِ بِالْوِلَادَةِ فَيَصِحُّ فَتْحٌ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا قَبْلَ الْوَضْعِ فَلَا حُرِّيَّةَ. وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ الشَّرْطَ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ حَلَفَ الْمَوْلَى نَهْرٌ (لَكِنْ لَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى لَهَا إلَّا بِهَا) بِأَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا (وَتَخْدُمُ الْمَوْلَى وَيَطَأُ الزَّوْجُ إنْ ظَفِرَ بِهَا فَارِغَةً) عَنْ خِدْمَةِ الْمَوْلَى؛   [رد المحتار] تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي النَّهْرِ: وَقَيَّدَ الرَّجُلَ فِي الْفَتْحِ بِالْحُرِّ حَتَّى لَوْ كَانَ عَبْدًا كَانَتْ الْأَوْلَادُ عَبِيدًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. اهـ. وَنَظَرَ فِيهِ ح بِأَنَّ التَّعْلِيقَ الْمَعْنَوِيَّ مَوْجُودٌ. قُلْت: وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ، وَهَذَا الْقَيْدُ غَيْرُ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ، وَلِذَا لَمْ يُقَيِّدْ بِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ مِنْ الْخِلَافِ فَإِنَّمَا رَأَيْتهمْ ذَكَرُوهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ الْمَغْرُورِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَظَهَرَتْ أَمَةٌ، بِخِلَافِ الْحُرِّ الْمَغْرُورِ فَإِنَّ أَوْلَادَهُ أَحْرَارٌ بِالْقِيمَةِ اتِّفَاقًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي النَّهْرِ سَبْقُ نَظَرٍ بِقَرِينَةِ أَنَّهُ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْمَغْرُورِ ثُمَّ قَالَ وَقَيَّدَ الرَّجُلَ فِي الْفَتْحِ إلَخْ فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَسْأَلَةٌ بِمَسْأَلَةٍ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ حُرِّيَّةَ أَوْلَادِهَا) أَيْ أَوْلَادَ الْقِنَّةِ وَنَحْوِهَا، وَقَوْلُهُ فِيهِ: أَيْ فِي الْعَقْدِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ اشْتِرَاطَهَا بَعْدَهُ كَذَلِكَ وَيُحَرَّرُ ط. (قَوْلُهُ فِي هَذَا النِّكَاحِ) أَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ نَكَحَهَا ثَانِيًا فَهُمْ أَرِقَّاءُ إلَّا إذَا شَرَطَ كَالْأَوَّلِ ط. (قَوْلُهُ وَالتَّزْوِيجَ) عَطْفٌ عَلَى قَبُولٍ ط، وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ ح أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى الشَّرْطِ. (قَوْلُهُ عَلَى اعْتِبَارِهِ) حَالًا مِنْ التَّزْوِيجِ وَالْهَاءُ لِلشَّرْطِ ح. (قَوْلُهُ هُوَ مَعْنَى إلَخْ) خَبَرُ أَنَّ ح، فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ وَلَدْت أَوْلَادًا مِنْ هَذَا النِّكَاحِ فَهُمْ أَحْرَارٌ ط. (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ عَدَمٌ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ بَقَاءِ الْمِلْكِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَهَذَا الْبَحْثُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ أَخُوهُ فِي النَّهْرِ وَالْمَقْدِسِيُّ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي التَّعْلِيقِ صَرِيحًا بِقَوْلِهِ كُلُّ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ، فَقَالَ: لَوْ مَاتَ الْمَوْلَى وَهِيَ حُبْلَى لَمْ يُعْتَقْ مَا تَلِدُهُ لِفَقْدِ الْمِلْكِ لِانْتِقَالِهَا لِلْوَرَثَةِ، وَلَوْ بَاعَهَا الْمَوْلَى وَهِيَ حُبْلَى جَازَ بَيْعُهُ، فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَهُ لَمْ تُعْتَقْ. اهـ. إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ التَّعْلِيقِ صَرِيحًا وَالتَّعْلِيقِ مَعْنًى وَلَمْ يَظْهَرْ لِي الْآنَ اهـ. قُلْت: يَظْهَرُ لِي الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ هَذَا التَّعْلِيقَ الْمَعْنَوِيَّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الزَّوْجِ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ أَصَالَةُ الْوَلَدِ وَالرَّقِيقُ مَيِّتٌ حُكْمًا فَصَارَ الْمَقْصُودُ بِهِ أَصَالَةَ حُرِّيَّةِ الْوَلَدِ، فَلَا يَكُونُ فِي حُكْمِ التَّعْلِيقِ الصَّرِيحِ، فَلَا يَبْطُلُ بِزَوَالِ مِلْكِ الْمَوْلَى وَنَظِيرُهُ الْمُكَاتَبُ، فَإِنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ مُعَاوَضَةٌ وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِتَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ عَلَى أَدَاءِ الْبَدَلِ، وَلَا يَبْطُلُ هَذَا التَّعْلِيقُ الضِّمْنِيُّ بِمَوْتِ الْمَوْلَى الْمُعَلَّقِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَغْرُورَ الَّذِي تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ يَكُونُ شَارِطًا لِحُرِّيَّةِ أَوْلَادِهِ مَعْنًى، فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهَا أَمَةٌ تَكُونُ أَوْلَادُهُ أَحْرَارًا مَعَ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمَوْلَى وَفِي مَسْأَلَتِنَا وَقَعَ شَرْطُ الْحُرِّيَّةِ مَعَ الْمَوْلَى صَرِيحًا فَلَا يَنْزِلُ حَالُهُ عَنْ حَالِ الْمَغْرُورِ، فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا وَقَالَ إنَّهُ حَادِثَةُ الْفَتْوَى. وَاسْتَنْبَطَهُ مِمَّا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي الْمَغْرُورِ: وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى، فَإِنْ بَرْهَنَ فَالْأَوْلَادُ أَحْرَارٌ بِالْقِيمَةِ وَإِلَّا حَلَفَ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ، فَإِذَا نَكَلَ يَحْلِفُ. (قَوْلُهُ لَكِنْ لَا نَفَقَةَ إلَخْ) لِأَنَّهَا جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ، وَلِذَا لَمْ تَجِبْ نَفَقَةُ النَّاشِزَةِ وَالْحَاجَّةِ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ وَالْمَغْصُوبَةِ وَالْمَحْبُوسَةِ بِدَيْنٍ عَلَيْهَا رَحْمَتِيٌّ، وَعَطْفُ السُّكْنَى عَلَى النَّفَقَةِ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ لِأَنَّ النَّفَقَةَ اسْمٌ لَهَا وَلِلطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَسْتَخْدِمُهَا) مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ نَفَقَاتِ الْخَصَّافِ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِكَوْنِهَا فِي بَيْتِ الزَّوْجِ لَيْلًا، وَلَا يَضُرُّ الِاسْتِخْدَامُ نَهَارًا. اهـ. وَيَأْتِي مِثْلُهُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ فَارِغَةً عَنْ خِدْمَةِ الْمَوْلَى) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهَا مَشْغُولَةً بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى فِي مَكَان خَالٍ لَيْسَ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 وَيَكْفِي فِي تَسْلِيمِهَا قَوْلُهُ مَتَى ظَفِرْت بِهَا وَطِئْتهَا نَهْرٌ (فَإِنْ) (بَوَّأَهَا ثُمَّ رَجَعَ) عَنْهَا (صَحَّ) رُجُوعُهُ لِبَقَاءِ حَقِّهِ (وَسَقَطَتْ) النَّفَقَةُ. (وَلَوْ) (خَدَمَتْهُ) أَيْ السَّيِّدَ بَعْدَ التَّبْوِئَةِ (بِلَا اسْتِخْدَامِهِ) أَوْ اسْتَخْدَمَهَا نَهَارًا وَأَعَادَهَا لِبَيْتِ زَوْجِهَا لَيْلًا (لَا) تَسْقُطُ لِبَقَاءِ التَّبْوِئَةِ. (وَلَهُ) أَيْ الْمَوْلَى (السَّفَرُ بِهَا) أَيْ بِأَمَتِهِ (وَإِنْ أَبَى الزَّوْجُ) ظَهِيرِيَّةٌ (وَلَهُ إجْبَارُ قِنِّهِ وَأَمَتِهِ) وَلَوْ أُمَّ وَلَدٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ بَلْ يُنْدَبُ، فَلَوْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ فَهُوَ مِنْ الْمَوْلَى وَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ بَحْرٌ مِنْ الِاسْتِيلَادِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ (عَلَى النِّكَاحِ) وَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا لَا مُكَاتَبُهُ وَمُكَاتَبَتُهُ، بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِمَا وَلَوْ صَغِيرَيْنِ إلْحَاقًا بِالْبَالِغِ، فَلَوْ أَدَّيَا وَعَتَقَا عَادَ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى لَا عَلَى إجَازَتِهِمَا   [رد المحتار] وَقَدْ يُقَالُ: إنْ كَانَ اسْتِمْتَاعُهُ لَا يُنْقِصُ خِدْمَةَ الْمَوْلَى أُبِيحَ لَهُ لِأَنَّهُ ظَفِرَ بِحَقِّهِ غَيْرَ مُنْقِصٍ حَقَّ الْمَوْلَى لَا سِيَّمَا وَالْمُدَّةُ قَصِيرَةٌ ط. (قَوْلُهُ وَيَكْفِي فِي تَسْلِيمِهَا) أَيْ الْوَاجِبِ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يُنَافِي عَدَمَ وُجُوبِ التَّبْوِئَةِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ قَبْلُ. (قَوْلُهُ أَوْ اسْتَخْدَمَهَا نَهَارًا إلَخْ) هَذَا مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ الْبَحْرِ أَنَّهُ التَّحْقِيقُ. قَالَ ح: وَتَكُونُ نَفَقَةُ النَّهَارِ عَلَى السَّيِّدِ وَنَفَقَةُ اللَّيْلِ عَلَى الزَّوْجِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْقُنْيَةِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَبَى الزَّوْجُ) أَيْ وَإِنْ أَوْفَى الْمَهْرَ بِتَمَامِهِ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى أَقْوَى ط. (قَوْلُهُ وَلَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى حَيْثُ تَمَّ الْمِلْكُ لَهُ نَهْرٌ، احْتِرَازًا عَنْ الْمُكَاتَبِ، فَإِنَّ مِلْكَهُ فِيهِ نَاقِصٌ، فَوِلَايَةُ الْإِجْبَارِ فِي الْمَمْلُوكِ تَعْتَمِدُ كَمَالَ الْمِلْكِ، وَهُوَ كَامِلٌ فِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَإِنْ كَانَ الرِّقُّ نَاقِصًا، وَالْمُكَاتَبُ عَلَى عَكْسِهِمَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أُمَّ وَلَدٍ) وَمِثْلُهَا الْمُدَبَّرُ وَالْمُدَبَّرَةُ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْقِنَّةَ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى، لَكِنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْقِنِّ لِإِطْلَاقِهِ عَلَيْهِمَا كَمَا مَرَّ، فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ) قَدَّمْنَا فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ أَنَّ الصَّحِيحَ وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى السَّيِّدِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَكَانَ يَطَؤُهَا، وَأَمَّا الزَّوْجُ فَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا يَسْتَبْرِئُهَا لَا اسْتِحْبَابًا وَلَا وُجُوبًا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا أُحِبُّ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا. اهـ. وَرَجَّحَ أَبُو اللَّيْثِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ، وَتَقَدَّمَ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ فَهُوَ مِنْ الْمَوْلَى) أَيْ إنْ ادَّعَاهُ فِي الْقِنَّةِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَلَمْ يَنْفِهِ عَنْهُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ ط. قُلْت: وَهَذَا إذَا زَوَّجَهَا غَيْرَ عَالِمٍ، لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ عَنْ التَّوْشِيحِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا بَعْدَ الْعِلْمِ قَبْلَ اعْتِرَافِهِ بِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ النِّكَاحُ وَيَكُونُ نَفْيًا. (قَوْلُهُ وَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ) فَلَا يَلْزَمُ الْمَهْرُ إلَّا بِوَطْءِ الزَّوْجِ ط. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا) أَشَارَ إلَى مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِجْبَارِ تَزْوِيجُهُمَا بِلَا رِضَاهُمَا لَا إكْرَاهُهُمَا عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كَمَا قِيلَ. اهـ. فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ لَا مُكَاتَبَةُ وَمُكَاتَبَتَهُ) لِأَنَّهُمَا الْتَحَقَا بِالْأَجَانِبِ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ، وَلِهَذَا يَسْتَحِقَّانِ الْأَرْشَ عَلَى الْمَوْلَى بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِمَا وَتَسْتَحِقُّ الْمُكَاتَبَةُ الْمَهْرَ إذَا وَطِئَهَا الْمَوْلَى فَصَارَا كَالْحُرَّيْنِ فَلَا يُجْبَرَانِ عَلَى النِّكَاحِ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ وَلَوْ صَغِيرَيْنِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ الْإِجَازَةُ وَلَوْ فِي حَالِ الصِّغَرِ مَعَ أَنَّ عِبَارَةَ الصَّغِيرَيْنِ الْحُرَّيْنِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ أَصْلًا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ نِكَاحُ الْمَوْلَى عَلَيْهِمَا وَلَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ، بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِمَا بَعْدَ بُلُوغِهِمَا، وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ الْأَوَّلُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَلَوْ أَدَّيَا) أَيْ بَدَلَ الْكِتَابَةِ قَبْلَ رَدِّ الْعَقْدِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ عَادَ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى) لِأَنَّهُ تَجَدَّدَ لَهُ وِلَايَةٌ أُخْرَى غَيْرُ الْوِلَايَةِ الَّتِي قَارَنَهَا رِضَاهُ بِتَزْوِيجِهَا لِأَنَّ تِلْكَ الْوِلَايَةَ كَانَتْ بِحُكْمِ الْمِلْكِ وَهَذِهِ بِحُكْمِ الْوَلَاءِ، فَيُشْتَرَطُ تَجَدُّدُ رِضَاهُ لِتَجَدُّدِ الْوِلَايَةِ وَصَارَ كَالشَّرِيكِ إذَا زَوَّجَ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ ثُمَّ مَلَك بَاقِيَهُ، فَإِنَّ النِّكَاحَ يَحْتَاجُ إلَى إجَازَتِهِ لِتَجَدُّدِ مِلْكِهِ فِي الْبَاقِي، وَكَمَنْ أَذِنَ لِعَبْدِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي التِّجَارَةِ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ فَوَرِثَهُ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَحْتَاجُ فِي التَّصَرُّفِ إلَى إذْنٍ جَدِيدٍ مِنْ الْأَبِ لِتَجَدُّدِ وِلَايَةِ مِلْكِهِ، وَكَمَنْ زَوَّجَ نَافِلَتَهُ مَعَ وُجُودِ ابْنِهِ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ فَالنِّكَاحُ يَحْتَاجُ إلَى إجَازَةِ الْجَدِّ لِتَجَدُّدِ وِلَايَتِهِ، بِخِلَافِ الرَّاهِنِ إذَا بَاعَ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ غَيْرُهُ، وَلَوْ عَجَزَا تَوَقَّفَ نِكَاحُ الْمُكَاتَبِ عَلَى رِضَا الْمَوْلَى ثَانِيًا لِعَوْدِ مُؤَنِ النِّكَاحِ عَلَيْهِ وَبَطَلَ نِكَاحُ الْمُكَاتَبَةِ لِأَنَّهُ طَرَأَ حِلٌّ بَاتٌّ عَلَى مَوْقُوفٍ فَأَبْطَلَهُ، وَالدَّلِيلُ يَعْمَلُ الْعَجَائِبَ، وَبَحْثُ الْكَمَالِ هُنَا غَيْرُ صَائِبٍ.   [رد المحتار] وَالْمَوْلَى إذَا بَاعَ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ ثُمَّ سَقَطَ الدَّيْنُ فِي الصُّورَتَيْنِ بِطَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ السُّقُوطِ حَيْثُ لَا يَفْتَقِرُ الْعَقْدُ فِيهِمَا إلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ ثَانِيًا لِأَنَّ نَفَاذَ الْعَقْدِ فِيهِمَا بِالْوِلَايَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ وِلَايَةُ الْمِلْكِ مِنْ شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمَا) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَمْ تَبْقَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَالصَّغِيرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِجَازَةِ. (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ عَادَ إلَخْ. (قَوْلُهُ ثَانِيًا) رَاجِعٌ إلَى رِضًا لَا إلَى تَوَقُّفٍ: أَيْ رِضَا ثَانِيًا قَالَ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ: لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ إجَازَةِ الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ قَدْ رَضِيَ أَوَّلًا. اهـ. فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ لِعَوْدِ مُؤَنِ النِّكَاحِ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَمَّا زَوَّجَهُ إنَّمَا رَضِيَ بِتَعَلُّقِ مُؤَنِ النِّكَاحِ كَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ بِكَسْبِ الْمُكَاتَبِ لَا بِمِلْكِ نَفْسِهِ، وَكَسْبُ الْمُكَاتَبِ بَعْدَ عَجْزِهِ مِلْكٌ لِلْمَوْلَى، شَرْحُ التَّلْخِيصِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ طَرَأَ حِلٌّ بَاتٌّ) أَيْ حِلُّ وَطْئِهَا لِلسَّيِّدِ عَلَى حِلٍّ مَوْقُوفٍ: أَيْ حِلِّهَا لِلزَّوْجِ فَأَبْطَلَهُ كَالْأَمَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنٍ ثُمَّ مَلَكَهَا مَنْ تَحِلُّ لَهُ بَطَلَ النِّكَاحُ لِطَرَيَانِ الْحِلِّ الْبَاتِّ عَلَى الْمَوْقُوفِ، وَلَا يَبْطُلُ نِكَاحُ الْعَبْدِ الْمُكَاتَبِ لِعَدَمِ الطَّرَيَانِ الْمَذْكُورِ، مِنْ شَرْحِ التَّلْخِيصِ. (قَوْلُهُ وَالدَّلِيلُ يَعْمَلُ الْعَجَائِبَ) وَجْهُ الْعَجَبِ أَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ إلْزَامَ النِّكَاحِ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا قَبْلَهُ، وَأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ الْعِتْقِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ بَعْدَهُ وَأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَوْ رُدَّتْ إلَى الرِّقِّ يَبْطُلُ النِّكَاحُ الَّذِي بَاشَرَهُ الْمَوْلَى وَإِنْ أَجَازَهُ وَلَوْ عَتَقَتْ جَازَ بِإِجَازَتِهِ، وَلِهَذَا قِيلَ إنَّهَا مَهْمَا زَادَتْ مِنْ الْمَوْلَى بُعْدًا زَادَتْ قُرْبًا إلَيْهِ فِي النِّكَاحِ. (قَوْلُهُ وَبَحْثُ الْكَمَالُ هُنَا غَيْرُ صَائِبٍ) قَالَ الْكَمَالُ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ عَدَمُ التَّوَقُّفِ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى بَعْدَ الْعِتْقِ بَلْ بِمُجَرَّدِ عِتْقِهَا يَنْفُذُ النِّكَاحُ، لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَأَعْتَقَهُ نَفَذَ لِأَنَّهُ لَوْ تَوَقَّفَ فَإِمَّا عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى وَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِانْتِفَاءِ وِلَايَتِهِ وَإِمَّا عَلَى الْعَبْدِ وَلَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْ جِهَتِهِ فَكَيْفَ يَتَوَقَّفُ وَلِأَنَّهُ كَانَ نَافِذًا مِنْ جِهَتِهِ وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ عَلَى السَّيِّدِ فَكَذَا السَّيِّدُ هُنَا فَإِنَّهُ وَلِيٌّ مُجْبِرٌ، وَإِنَّمَا التَّوَقُّفُ عَلَى إذْنِهَا لِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَقَدْ زَالَ فَبَقِيَ النَّفَاذُ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ فَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ، وَكَثِيرًا مَا يُقَلِّدُ السَّاهُونَ السَّاهِينَ. وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ سُوءُ أَدَبٍ وَغَلَطٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ صَرَّحَ بِهَا الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فَكَيْفَ يُنْسَبُ السَّهْوُ إلَيْهِ وَإِلَى مُقَلِّدِيهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَّلَ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى بِأَنَّهُ تَجَدَّدَ لَهُ وِلَايَةٌ لَمْ تَكُنْ وَقْتَ الْعَقْدِ وَهِيَ الْوَلَاءُ بِالْعِتْقِ، وَلِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الْإِجَازَةُ إذَا كَانَ لَهَا وَلِيٌّ أَقْرَبُ مِنْهُ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ، فَصَارَ كَالشَّرِيكِ إلَى آخِرِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ التَّلْخِيصِ قَالَ: وَكَثِيرًا مَا يَعْتَرِضُ الْمُخْطِئُ عَلَى الْمُصِيبِينَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ والشُّرُنبُلالِيَّة وَشَرْحِ الْبَاقَانِيِّ. مَطْلَبٌ عَلَى أَنَّ الْكَمَالَ بْنَ الْهُمَامِ بَلَغَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ وَأَجَابَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ مَا بَحَثَهُ الْكَمَالُ هُوَ الْقِيَاسُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ الْحَصِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَإِذَا كَانَ هُوَ الْقِيَاسُ لَا يُقَالُ فِي شَأْنِهِ أَنَّهُ غَلَطٌ وَسُوءُ أَدَبٍ عَلَى أَنَّ الشَّخْصَ الَّذِي بَلَغَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ إذَا قَالَ مُقْتَضَى النَّظَرِ كَذَا الشَّيْءُ هُوَ الْقِيَاسُ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا مَنْقُولٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَبِعَ الدَّلِيلَ الْمَقْبُولَ وَإِنْ كَانَ الْبَحْثُ لَا يَقْضِي عَلَى الْمَذْهَبِ. اهـ. وَاَلَّذِي يَنْفِي عَنْهُ سُوءَ الْأَدَبِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الْفَرْعَ مِنْ تَفْرِيعَاتِ الْمَشَايِخِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ: وَعَنْ هَذَا اسْتَطْرَفْت مَسْأَلَةً نُقِلَتْ مِنْ الْمُحِيطِ، هِيَ أَنَّ الْمَوْلَى إذَا زَوَّجَ مُكَاتَبَتَهُ الصَّغِيرَةَ إلَى أَنْ قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 (وَلَوْ) (قَتَلَ) الْمَوْلَى (أَمَتَهُ قَبْلَ الْوَطْءِ) وَلَوْ خَطَأً فَتْحٌ (وَهُوَ مُكَلَّفٌ) فَلَوْ صَبِيًّا لَمْ يَسْقُطْ عَلَى الرَّاجِحِ (سَقَطَ الْمَهْرُ) لِمَنْعِهِ الْمُبْدَلَ كَحُرَّةٍ ارْتَدَّتْ وَلَوْ صَغِيرَةً (لَا لَوْ فَعَلَتْ ذَلِكَ) الْقَتْلَ (امْرَأَةٌ) وَلَوْ أَمَةً عَلَى الصَّحِيحِ خَانِيَةٌ (بِنَفْسِهَا) أَوْ قَتَلَهَا وَارِثُهَا أَوْ ارْتَدَّتْ الْأَمَةُ أَوْ قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا كَمَا رَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ، إذْ لَا تَفْوِيتَ مِنْ الْمَوْلَى (أَوْ فَعَلَهُ بَعْدَهُ) أَيْ الْوَطْءِ لِتَقَرُّرِهِ بِهِ، وَلَوْ فَعَلَهُ بِعَبْدِهِ   [رد المحتار] هَكَذَا تَوَارَدَهَا الشَّارِحُونَ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهَا غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا فَالْأَنْسَبُ حُسْنُ الظَّنِّ بِهَذَا الْإِمَامِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَتَلَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ) قَيَّدَ بِالْقَتْلِ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا وَذَهَبَ بِهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْمِصْرِ أَوْ غَيَّبَهَا بِمَوْضِعٍ لَا يَصِلُ إلَيْهِ الزَّوْجُ لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ بَلْ تَسْقُطُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ إلَى أَنْ يُحْضِرَهَا. وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ أَبَقَتْ فَلَا صَدَاقَ لَهَا مَا لَمْ تَحْضُرْ فِي قِيَاسِ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ نَهْرٌ، وَكَالْقَتْلِ مَا لَوْ أَعْتَقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَاخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ، وَقَيَّدَ بِالْمَوْلَى لِأَنَّ قَتْلَ غَيْرِهِ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْمَهْرُ اتِّفَاقًا، وَبِالْأَمَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَ الْمَوْلَى الزَّوْجَ لَا يَسْقُطُ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي الْعَاقِدِ دُونَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَأَرَادَ بِالْأَمَةِ الْقِنَّةَ وَالْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ لِأَنَّ مَهْرَ الْمُكَاتَبَةِ لَهَا لَا لِلْمَوْلَى فَلَا يَسْقُطُ بِقَتْلِ الْمَوْلَى إيَّاهَا بَحْرٌ، وَكَالْمُكَاتَبَةِ الْمَأْذُونَةُ وَالْمَدْيُونَةُ عَلَى مَا سَيَجِيءُ. (قَوْلُهُ قَبْلَ الْوَطْءِ) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا نَهْرٌ لِمَا مَرَّ مِرَارًا أَنَّ الْخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ وَطْءٌ حُكْمًا. (قَوْلُهُ وَلَوْ خَطَأً) أَيْ أَوْ تَسَبُّبًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ فَلَوْ صَبِيًّا) مِثْلُهُ الْمَجْنُونُ بِالْأَوْلَى نَهْرٌ. (قَوْلُهُ عَلَى الرَّاجِحِ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْمُصَفَّى فِيهِ قَوْلَيْنِ. وَفِي الْفَتْحِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمُجَازَاةِ بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا زَوَّجَ أَمَتِهِ وَصِيَّهُ مَثَلًا قَالُوا يَجِبُ أَنْ لَا يَسْقُطَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، بِخِلَافِ الْحُرَّةِ الصَّغِيرَةِ إذَا ارْتَدَّتْ يَسْقُطُ مَهْرُهَا لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ مِنْ أَهْلِ الْمُجَازَاةِ عَلَى الرِّدَّةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْأَفْعَالِ لِأَنَّهَا لَمْ تُحْظَرْ عَلَيْهَا وَالرِّدَّةُ مَحْظُورَةٌ عَلَيْهَا اهـ فَتَرَجَّحَ عَدَمُ السُّقُوطِ بَحْرٌ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: لَكِنَّ الصَّبِيَّ مِنْ أَهْلِ الْمُجَازَاةِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ إذَا قَتَلَ وَالضَّمَانُ إذَا أَتْلَفَ، وَالْمَجْنُونُ مِثْلُهُ وَلِذَا تَرَكَ التَّقْيِيدَ بِالْمُكَلَّفِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْوِقَايَةِ وَالدُّرَرِ وَالْمُلْتَقَى وَالْكَنْزِ وَالدَّلِيلُ يُعَضِّدُهُ وَفِيهِمْ الْأُسْوَةُ الْحَسَنَةُ. (قَوْلُهُ سَقَطَ الْمَهْرُ) هَذَا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّهُ مَنَعَ الْمُبْدَلَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَيُجَازَى بِمَنْعِ الْبَدَلِ، وَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا لَزِمَهُ رَدُّ جَمِيعِهِ عَلَى الزَّوْجِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ كَحُرَّةٍ ارْتَدَّتْ) لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ تَقَرُّرِ الْمَهْرِ فَيَسْقُطُ رَحْمَتِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَوْ صَغِيرَةً) لِحَظْرِ الرِّدَّةِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْأَفْعَالِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ لَا لَوْ فَعَلَتْ ذَلِكَ الْقَتْلَ امْرَأَةٌ) أَيْ الْقَتْلَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ مَا يَكُونُ قَبْلَ الْوَطْءِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: لِأَنَّ جِنَايَةَ الْحُرِّ عَلَى نَفْسِهِ هَدَرٌ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَبِتَسْلِيمِ أَنَّهَا لَيْسَتْ هَدَرًا فَقَتْلُهَا نَفْسَهَا تَفْوِيتٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَبِالْمَوْتِ صَارَ لِلْوَرَثَةِ فَلَا يَسْقُطُ وَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ مَعَ أَنَّ الْحَقَّ لَهَا أَوَّلًا فَعَدَمُ السُّقُوطِ بِقَتْلِ الْوَارِثِ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَمَةً) لِأَنَّ الْمَهْرَ لِمَوْلَاهَا وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَنْعُ الْمُبْدَلِ بَحْرٌ. قَالَ ح: حَاصِلُ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي سُقُوطِ الْمَهْرِ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ صَادِرًا مِمَّنْ لَهُ الْمَهْرُ. الثَّانِي أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمٌ دُنْيَوِيٌّ كَالْمَذْكُورِ فِي صَدْرِ الْمَتْنِ، فَفِي الْأَمَةِ غَيْرِ الْمَأْذُونَةِ وَغَيْرِ الْمُكَاتَبَةِ إذَا قَتَلَتْ نَفْسَهَا فُقِدَ الْأَمْرَانِ وَفِي الْحُرَّةِ إذَا قَتَلَتْ نَفْسَهَا وَالْمَوْلَى الْغَيْرِ الْمُكَلَّفِ إذَا قَتَلَ أَمَتَهُ فُقِدَ الثَّانِي، وَفِي الْأَجْنَبِيِّ أَوْ الْوَارِثِ إذَا قَتَلَ حُرَّةً أَوْ أَمَةً فُقِدَ الْأَوَّلُ. اهـ. أَيْ لِأَنَّ الْوَارِثَ بِالْقَتْلِ لَمْ يَبْقَ وَارِثًا مُسْتَحِقًّا لِلْمَهْرِ لِحِرْمَانِهِ بِهِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ أَوْ ارْتَدَّتْ الْأَمَةُ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ كَحُرَّةٍ ارْتَدَّتْ (قَوْلُهُ كَمَا رَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ) رَاجِعٌ لِلْأَخِيرَتَيْنِ، وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ قِيَاسًا عَلَى تَصْحِيحِ عَدَمِ السُّقُوطِ فِي قَتْلِ الْأَمَةِ نَفْسَهَا، فَإِنَّ الزَّيْلَعِيَّ جَعَلَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْكُلِّ، وَإِذَا كَانَ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا فِي مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ عَدَمَ السُّقُوطِ فَلْيَكُنْ كَذَلِكَ هُنَا وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ وَهُوَ الْمَوْلَى لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ فَعَلَهُ) الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ لِلْمَوْلَى الْمُكَلَّفِ وَالْبَارِزُ لِلْقَتْلِ ح. (قَوْلُهُ لِتَقَرُّرِهِ) أَيْ الْمَهْرِ بِهِ أَيْ بِالْوَطْءِ ح. (قَوْلُهُ وَلَوْ فَعَلَهُ بِعَبْدِهِ) صُورَتُهُ زَوَّجَ عَبْدَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ يُوَفِّي مِنْهَا مَهْرَ الْمَرْأَةِ، وَمِثْلُهُ مَا إذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 أَوْ مُكَاتَبَتِهِ أَوْ مَأْذُونَتِهِ الْمَدْيُونَةِ لَمْ يَسْقُطْ اتِّفَاقًا. (وَالْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ) وَهُوَ الْإِنْزَالُ خَارِجَ الْفَرْجِ (لِمَوْلَى الْأَمَةِ لَا لَهَا) لِأَنَّ الْوَلَدَ حَقُّهُ، وَهُوَ يُفِيدُ التَّقْيِيدَ بِالْبَالِغَةِ وَكَذَا الْحُرَّةُ نَهْرٌ. (وَيُعْزَلُ عَنْ الْحُرَّةِ) وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ نَهْرٌ بَحْثًا (بِإِذْنِهَا) لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يُبَاحُ فِي زَمَانِنَا لِفَسَادِهِ   [رد المحتار] بَاعَهُ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْمَدْيُونَ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، فَالْقَتْلُ أَوْلَى ح. (قَوْلُهُ أَوْ مُكَاتَبَتَهُ) لِمَا عُرِفَ أَنَّ مَهْرَ الْمُكَاتَبَةِ لَهَا لَا لِلْمَوْلَى بَحْرٌ. (قَوْلُهُ أَوْ مَأْذُونَتَهُ الْمَدْيُونَةَ) بَحْثٌ لِصَاحِبِ النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ وَأَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ الْخِلَافُ: أَيْ الْخِلَافُ الْمَارُّ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَأْذُونَةً لَحِقَهَا بِهِ دَيْنٌ، فَإِنْ كَانَتْ لَا يَسْقُطُ اتِّفَاقًا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَهْرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَهَا تُوَفِّي مِنْهُ دُيُونَهَا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَفِ بِدَيْنِهَا كَانَ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهَا لِلْغُرَمَاءِ فَتُضَمُّ إلَى الْمَهْرِ وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ اهـ. [تَنْبِيهٌ] الْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا مَاتَتْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ حُرَّةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أَمَةً وَكُلٌّ مِنْ الثَّلَاثِ إمَّا أَنْ يَكُونَ حَتْفَ أَنْفِهَا أَوْ بِقَتْلِهَا نَفْسَهَا أَوْ بِقَتْلِ غَيْرِهَا وَكُلٌّ مِنْ التِّسْعَةِ إمَّا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ فَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ، وَلَا يَسْقُطُ مَهْرُهَا عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً وَقَتَلَهَا سَيِّدُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بَحْرٌ. قُلْت: وَيُزَادُ فِي التَّقْسِيمِ الْمَأْذُونَةُ الْمَدْيُونَةُ فَتَبْلُغُ الصُّوَرُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ. [مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْعَزْلِ] (قَوْلُهُ وَالْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ) أَيْ عَزْلِ زَوْجِ الْأَمَةِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْإِنْزَالُ خَارِجَ الْفَرْجِ) أَيْ بَعْدَ النَّزْعِ مِنْهُ لَا مُطْلَقًا فَقَدْ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: فَائِدَةٌ الْمُجَامِعُ إنْ أَمْنَى فِي الْفَرْجِ الَّذِي ابْتَدَأَ الْجِمَاعَ فِيهِ قِيلَ أَمْنَاه وَأَلْقَى مَاءَهُ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَإِنْ كَانَ لِإِعْيَاءٍ وَفُتُورٍ قِيلَ أَكْسَلَ وَأَقْحَطَ وَفَهَّرَ؛ وَإِنْ نَزَعَ وَأَمْنَى خَارِجَ الْفَرْجِ قِيلَ عَزَلَ وَإِنْ أَوْلَجَ فِي فَرْجٍ آخَرَ فَأَمْنَى فِيهِ قِيلَ فَهَّرَ فَهْرًا مِنْ بَابِ مَنَعَ وَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ. وَإِنْ أَمْنَى قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَ فَهُوَ الزُّمَّلِقُ بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ (قَوْلُهُ لِمَوْلَى الْأَمَةِ) وَلَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي الْوَطْءِ قَدْ تَأَدَّى بِالْجِمَاعِ. وَأَمَّا سَفْحُ الْمَاءِ فَفَائِدَتُهُ الْوَلَدُ وَالْحَقُّ فِيهِ لِلْمَوْلَى فَاعْتُبِرَ إذْنُهُ فِي إسْقَاطِهِ فَإِذَا أَذِنَ فَلَا كَرَاهَةَ فِي الْعَزْلِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ وَبِذَلِكَ تَضَافَرَتْ الْأَخْبَارُ. وَفِي الْفَتْحِ: وَفِي بَعْضِ أَجْوِبَةِ الْمَشَايِخِ الْكَرَاهَةُ، وَفِي بَعْضٍ عَدَمَهَا نَهْرٌ، وَعَنْهُمَا أَنَّ الْإِذْنَ لَهَا. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ لِلسَّيِّدِ الْعَزْلَ عَنْ أَمَتِهِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لِزَوْجِ الْحُرَّةِ بِإِذْنِهَا وَهَلْ لِلْأَبِ أَوْ الْجَدِّ الْإِذْنُ فِي أَمَةِ الصَّغِيرِ؟ فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ شَرْحِ الْحَمَوِيِّ نَعَمْ قَالَ ط: وَفِيهِ أَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ لِلصَّبِيِّ فِيهِ لِأَنَّهُ لَوْ جَاءَ وَلَدٌ يَكُونُ رَقِيقًا لَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ مُتَوَهِّمٌ. اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ التَّوَهُّمُ هُنَا لِمَا تَوَقَّفَ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ يُفِيدُ التَّقْيِيدَ: أَيْ تَقْيِيدَ احْتِيَاجِهِ إلَى الْإِذْنِ بِالْبَالِغَةِ وَكَذَا الْحُرَّةُ بِتَقْيِيدِ احْتِيَاجِهِ بِالْبَالِغَةِ، إذْ غَيْرُ الْبَالِغَةِ لَا وَلَدَ لَهَا قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَكَالْبَالِغَةِ الْمُرَاهِقَةُ إذْ يُمْكِنُ بُلُوغُهَا وَحَبَلُهَا اهـ وَمُفَادُ التَّعْلِيلِ أَيْضًا أَنَّ زَوْجَ الْأُمِّ لَوْ شَرَطَ حُرِّيَّةَ الْأَوْلَادِ لَا يَتَوَقَّفُ الْعَزْلُ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى كَمَا بَحَثَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ. (قَوْلُهُ نَهْرٌ بَحْثًا) أَصْلُهُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِذْنُ إلَيْهَا لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا. اهـ. وَفِيهِ أَنَّ لِلْمَوْلَى حَقًّا أَيْضًا بِاحْتِمَالِ عَجْزِهَا وَرَدِّهَا إلَى الرِّقِّ فَيَنْبَغِي تَوَقُّفُهُ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى أَيْضًا رِعَايَةً لِلْحَقَّيْنِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ) عِبَارَتُهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 قَالَ الْكَمَالُ: فَلْيُعْتَبَرْ عُذْرًا مُسْقِطًا لِإِذْنِهَا، وَقَالُوا يُبَاحُ إسْقَاطُ الْوَلَدِ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَلَوْ بِلَا إذْنِ الزَّوْجِ (وَعَنْ أَمَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا) بِلَا كَرَاهَةٍ، فَإِنْ ظَهَرَ بِهَا حَبَلٌ حَلَّ نَفْيُهُ إنْ لَمْ يَعُدْ قَبْلَ بَوْلٍ (وَخُيِّرَتْ أَمَةٌ) .   [رد المحتار] عَلَى مَا فِي الْبَحْرِ: ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَقَالُوا فِي زَمَانِنَا يُبَاحُ لِسُوءِ الزَّمَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ الْكَمَالُ) عِبَارَتُهُ: وَفِي الْفَتَاوَى إنْ خَافَ مِنْ الْوَلَدِ السُّوءَ فِي الْحُرَّةِ يَسَعُهُ الْعَزْلُ بِغَيْرِ رِضَاهَا لِفَسَادِ الزَّمَانِ، فَلْيُعْتَبَرْ مِثْلُهُ مِنْ الْأَعْذَارِ مُسْقِطًا لِإِذْنِهَا. اهـ. فَقَدْ عُلِمَ مِمَّا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ مَنْقُولَ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْإِبَاحَةِ وَأَنَّ هَذَا تَقْيِيدٌ مِنْ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ لِتَغَيُّرِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ بِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ، وَأَقَرَّهُ فِي الْفَتْحِ وَبِهِ جَزَمَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى الْوَلَدِ السُّوءَ لِفَسَادِ الزَّمَانِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ بِلَا إذْنِهَا. اهـ. لَكِنْ قَوْلُ الْفَتْحِ فَلْيُعْتَبَرْ مِثْلُهُ إلَخْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْمِثْلِ ذَلِكَ الْعُذْرَ، كَقَوْلِهِمْ: مِثْلُك لَا يَبْخَلُ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ إلْحَاقَ مِثْلِ هَذَا الْعُذْرِ بِهِ كَأَنْ يَكُونَ فِي سَفَرٍ بَعِيدٍ، أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَخَافَ عَلَى الْوَلَدِ، أَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ سَيِّئَةَ الْخُلُقِ وَيُرِيدُ فِرَاقَهَا فَخَافَ أَنْ تَحْبَلَ، وَكَذَا مَا يَأْتِي فِي إسْقَاطِ الْحَمْلِ عَنْ ابْنِ وَهْبَانَ فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ إسْقَاطِ الْحَمْلِ (قَوْلُهُ وَقَالُوا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: بَقِيَ هَلْ يُبَاحُ الْإِسْقَاطُ بَعْدَ الْحَمْلِ؟ نَعَمْ يُبَاحُ مَا لَمْ يَتَخَلَّقْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالتَّخْلِيقِ نَفْخَ الرُّوحِ وَإِلَّا فَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ التَّخْلِيقَ يَتَحَقَّقُ بِالْمُشَاهَدَةِ قَبْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَإِطْلَاقُهُمْ يُفِيدُ عَدَمَ تَوَقُّفِ جَوَازِ إسْقَاطِهَا قَبْلَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى إذْنِ الزَّوْجِ. وَفِي كَرَاهَةِ الْخَانِيَّةِ: وَلَا أَقُولُ بِالْحِلِّ إذْ الْمُحْرِمُ لَوْ كَسَرَ بَيْضَ الصَّيْدِ ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ فَلَمَّا كَانَ يُؤَاخَذُ بِالْجَزَاءِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَلْحَقَهَا إثْمٌ هُنَا إذَا سَقَطَ بِغَيْرِ عُذْرِهَا اهـ قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ: وَمِنْ الْأَعْذَارِ أَنْ يَنْقَطِعَ لَبَنُهَا بَعْدَ ظُهُورِ الْحَمْلِ وَلَيْسَ لِأَبِي الصَّبِيِّ مَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ الظِّئْرَ وَيَخَافُ هَلَاكَهُ. وَنُقِلَ عَنْ الذَّخِيرَةِ لَوْ أَرَادَتْ الْإِلْقَاءَ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنٍ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ هَلْ يُبَاحُ لَهَا ذَلِكَ أَمْ لَا؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَكَانَ الْفَقِيهُ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى يَقُولُ: إنَّهُ يُكْرَهُ، فَإِنَّ الْمَاءَ بَعْدَمَا وَقَعَ فِي الرَّحِمِ مَآلُهُ الْحَيَاةُ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْحَيَاةِ كَمَا فِي بَيْضَةِ صَيْدِ الْحَرَمِ، وَنَحْوُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ: فَإِبَاحَةُ الْإِسْقَاطِ مَحْمُولَةٌ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ، أَوْ أَنَّهَا لَا تَأْثَمُ إثْمَ الْقَتْلِ اهـ. وَبِمَا فِي الذَّخِيرَةِ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ مَا أَرَادُوا بِالتَّحْقِيقِ إلَّا نَفْخُ الرُّوحِ، وَأَنَّ قَاضِيَ خَانْ مَسْبُوقٌ بِمَا مَرَّ مِنْ التَّفَقُّهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ اهـ كَلَامُ النَّهْرِ ح. [تَنْبِيهٌ] أُخِذَ فِي النَّهْرِ مِنْ هَذَا وَمِمَّا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْكَمَالِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا سَدُّ فَمِ رَحِمِهَا كَمَا تَفْعَلُهُ النِّسَاءُ مُخَالِفًا لِمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَرَامًا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ قِيَاسًا عَلَى عَزْلِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا. قُلْت: لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ لَهُ مَنْعَ امْرَأَتِهِ عَنْ الْعَزْلِ. اهـ. نَعَمْ النَّظَرُ إلَى فَسَادِ الزَّمَانِ يُفِيدُ الْجَوَازَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. فَمَا فِي الْبَحْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا هُوَ أَصْلُ الْمَذْهَبِ، وَمَا فِي النَّهْرِ عَلَى مَا قَالَهُ الْمَشَايِخُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَعُدْ قَبْلَ بَوْلٍ) بِأَنْ لَمْ يَعُدْ أَصْلًا أَوْ عَادَ بَعْدَ بَوْلٍ نَهْرٌ أَيْ وَعَزَلَ فِي الْعَوْدِ أَيْضًا كَمَا نَقَلَهُ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْحَانُوتِيِّ. وَنَقَلَ أَيْضًا عَنْ خَطِّ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ بَعْدَ غَسْلِ الذَّكَرِ: أَيْ لِنَفْيِ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَلَى رَأْسِ الذَّكَرِ بَقِيَّةٌ مِنْهُ بَعْدَ الْبَوْلِ فَتَزُولَ بِالْغُسْلِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْغُسْلِ أَنَّ النَّوْمَ وَالْمَشْيَ مِثْلُ الْبَوْلِ فِي حُصُولِ الْإِنْقَاءِ لَا يَتَأَتَّى هُنَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَخُيِّرَتْ أَمَةٌ) هَذَا يُسَمَّى خِيَارَ الْعِتْقِ: قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِلَا عِلْمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 وَلَوْ أُمَّ وَلَدٍ (وَمُكَاتَبَةٌ) وَلَوْ حُكْمًا كَمُعْتَقَةِ بَعْضٍ (عَتَقَتْ تَحْتَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ بِرِضَاهَا) دَفْعًا لِزِيَادَةِ الْمِلْكِ عَلَيْهَا بِطَلْقَةٍ ثَالِثَةٍ، فَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا أَوْ زَوْجَهَا فَالْمَهْرُ لِسَيِّدِهَا، وَلَوْ صَغِيرَةً تُؤَخَّرُ لِبُلُوغِهَا، وَلَيْسَ لَهَا خِيَارُ بُلُوغٍ فِي الْأَصَحِّ (أَوْ) (كَانَتْ) الْأَمَةُ (عِنْدَ النِّكَاحِ حُرَّةً ثُمَّ صَارَتْ أَمَةً) بِأَنْ ارْتَدَّا وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَا مَعًا فَأُعْتِقَتْ خُيِّرَتْ عِنْدَ الثَّانِي خِلَافًا لِلثَّالِثِ مَبْسُوطٌ (وَالْجَهْلُ بِهَذَا الْخِيَارِ) خِيَارِ الْعِتْقِ (عُذْرٌ)   [رد المحتار] الزَّوْجِ يَصِحُّ، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ بِغَيْبَتِهِ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أُمَّ وَلَدٍ) أَيْ أَوْ مُدَبَّرَةً، وَشَمِلَ الْكَبِيرَةَ وَالصَّغِيرَةَ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَمُكَاتَبَةً) خَالَفَ زُفَرُ فَقَالَ لَا خِيَارَ لَهَا، وَقَوَّاهُ فِي الْفَتْحِ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ بِرِضَاهَا) وَكَذَا بِدُونِ رِضَاهَا بِالْأَوْلَى. وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ. وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِرِضَاهَا أَوْ بِغَيْرِهِ. اهـ. وَهَذَا التَّعْمِيمُ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْمُكَاتَبَةِ لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ قَرِيبًا مِنْ أَنَّ لَهُ إجْبَارَ قِنِّهِ عَلَى النِّكَاحِ لَا مُكَاتَبِهِ وَلَا مُكَاتَبَتِهِ. وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ، وَبِهِ تَأَيَّدَ قَوْلُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إنَّ نَفْيَ رِضَا الْمُكَاتَبَةِ مَنْفِيٌّ فَإِنَّهُ كَمَا لَا يَنْفُذُ تَزْوِيجُهَا نَفْسَهَا بِدُونِ إذْنِ مَوْلَاهَا لِبَقَاءِ مِلْكِهِ لِرَقَبَتِهَا لَا يَنْفُذُ تَزْوِيجُهُ إيَّاهَا بِدُونِ إذْنِهَا لِمُوجِبِ الْكِتَابَةِ، وَتَمَامُهُ هُنَاكَ. (قَوْلُهُ دَفْعًا لِزِيَادَةِ الْمِلْكِ عَلَيْهَا) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ خُيِّرَتْ، وَذَلِكَ أَنَّ الزَّوْجَ كَانَ يَمْلِكُ عَلَيْهَا طَلْقَتَيْنِ فَلَمَّا صَارَتْ حُرَّةً صَارَ يَمْلِكُ عَلَيْهَا طَلْقَةً ثَالِثَةً وَفِيهِ ضَرَرٌ لَهَا فَمَلَكَتْ رَفْعَ أَصْلِ الْعَقْدِ لِدَفْعِ الزِّيَادَةِ الْمُضِرَّةِ لَهَا، وَلِهَذَا لَمْ يَثْبُتْ خِيَارُ الْعِتْقِ لِلْعَبْدِ الذَّكَرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الطَّلَاقِ. (قَوْلُهُ فَلَا مَهْرَ لَهَا) أَيْ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الزَّوْجُ لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَالْمَهْرُ لِسَيِّدِهَا لِأَنَّ الدُّخُولَ بِحُكْمِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَتَقَرَّرَ بِهِ الْمُسَمَّى بَحْرٌ. (قَوْلُهُ أَوْ زَوْجَهَا) بِالنِّصْفِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ نَفْسَهَا. (قَوْلُهُ فَالْمَهْرُ لِسَيِّدِهَا) أَيْ سَوَاءٌ دَخَلَ الزَّوْجُ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَاجِبٌ بِمُقَابِلِ مَا مَلَكَ الزَّوْجُ مِنْ الْبُضْعِ وَقَدْ مَلَكَهُ عَنْ الْمَوْلَى فَيَكُونُ بَدَلُهُ لِلْمَوْلَى بَحْرٌ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ. قُلْت: وَقَوْلُهُ سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لَا يُنَافِي مَا سَيَأْتِي مَتْنًا مِنْ التَّفْصِيلِ، بِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْعِتْقِ فَالْمَهْرُ لِلْمَوْلَى أَوْ بَعْدَهُ فَلَهَا لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ بِدُونِ إذْنِ الْمَوْلَى وَنَفَذَ النِّكَاحُ بِالْعِتْقِ وَبِهِ تَمْلِكُ مَنَافِعَهَا فَإِذَا وَطِئَ بَعْدَهُ فَالْمَهْرُ لَهَا بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّ النِّكَاحَ بِالْإِذْنِ فَنَفَذَ النِّكَاحُ فِي حَالِ قِيَامِ الرِّقِّ كَمَا سَيَأْتِي فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ صَغِيرَةً) أَيْ لَوْ كَانَتْ الْمُعْتَقَةُ صَغِيرَةً وَقَدْ زَوَّجَهَا مَوْلَاهَا قَبْلَ الْعِتْقِ تَأَخَّرَ خِيَارُهَا إلَى بُلُوغِهَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ لِأَنَّ فَسْخَ النِّكَاحِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمُتَرَدِّدَةِ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ فَلَا تَمْلِكُهُ الصَّغِيرَةُ وَلَا يَمْلِكُهُ وَلِيُّهَا لِقِيَامِهِ مَقَامَهَا، كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، فَإِذَا بَلَغْت كَانَ لَهَا خِيَارُ الْعِتْقِ لَا خِيَارُ الْبُلُوغِ عَلَى الْأَصَحِّ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ اهـ. وَقِيلَ يَثْبُتُ لَهَا خِيَارُ الْبُلُوغِ أَيْضًا، وَيَدْخُلُ تَحْتَ خِيَارِ الْعِتْقِ. وَأَمَّا لَوْ زَوَّجَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ ثُمَّ بَلَغَتْ فَإِنَّ لَهَا خِيَارَ الْبُلُوغِ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمَوْلَى عَلَيْهَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى كَوِلَايَةِ الْأَبِ بَلْ أَقْوَى، وَفِي هَذِهِ كَوِلَايَةِ الْأَخِ وَالْعَمِّ بَلْ أَضْعَفُ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي بَابِ الْوَلِيِّ. (قَوْلُهُ مَعًا) قَيْدٌ فِي الْجُمَلِ الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ بِارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا أَوْ لِحَاقِهِ أَوْ سَبْيِهِ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ اهـ ح. (قَوْلُهُ خُيِّرَتْ عِنْدَ الثَّانِي) لِأَنَّهَا بِالْعِتْقِ مَلَكَتْ أَمْرَ نَفْسِهَا وَازْدَادَ مِلْكُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا ح عَنْ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّالِثِ) أَيْ حَيْثُ قَالَ لَا خِيَارَ لَهَا لِأَنَّ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ثَبَتَ عَلَيْهَا مِلْكٌ كَامِلٌ بِرِضَاهَا ثُمَّ انْتَقَصَ الْمِلْكُ، فَإِذَا أُعْتِقَتْ عَادَ إلَى أَصْلِهِ كَمَا كَانَ، وَلَا يَخْفَى تَرْجِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِدُخُولِهِ تَحْتَ النَّصِّ كَذَا فِي الْبَحْرِ، وَمُرَادُهُ بِالنَّصِّ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَرِيرَةَ حِينَ أُعْتِقَتْ مَلَكْت بُضْعَك فَاخْتَارِي» . اهـ. ح أَيْ حَيْثُ أَفَادَ قَوْلُهُ فَاخْتَارِي أَنَّ عِلَّةَ الِاخْتِيَارِ مِلْكُ الْبُضْعِ عَلَى وَجْهٍ زَادَ مِلْكُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا مِثْلَ زَنَى فَرُجِمَ وَسَرَقَ فَقُطِعَ حَيْثُ أَفَادَتْ الْفَاءُ أَنَّ الْعِلَّةَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، فَلَا يَرِدُ مَا أَوْرَدَهُ الرَّحْمَتِيُّ مِنْ أَنَّ النَّصَّ لَا عُمُومَ فِيهِ لِأَنَّهُ خِطَابٌ لِمُعَيَّنَةٍ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ خِيَارِ الْعِتْقِ) بَدَلٌ مِنْ هَذَا الْخِيَارِ ح. (قَوْلُهُ عُذْرٌ) أَيْ لِاشْتِغَالِهَا بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى فَلَا تَتَفَرَّغُ لِلتَّعَلُّمِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 فَلَوْ لَمْ تَعْلَمْ بِهِ حَتَّى ارْتَدَّا وَلَحِقَا فَعَلِمَتْ فَفَسَخَتْ صَحَّ إلَّا إذَا قَضَى بِاللِّحَاقِ وَلَيْسَ هَذَا حُكْمًا بَلْ فَتْوَى كَافِيٌّ (وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ) وَلَا يَبْطُلُ بِسُكُوتٍ وَلَا يَثْبُتُ لِغُلَامٍ وَيَقْتَصِرُ عَلَى مَجْلِسٍ كَخِيَارِ مُخَيَّرَةٍ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْبُلُوغِ فِي الْكُلِّ خَانِيَّةٌ. (نَكَحَ عَبْدٌ بِلَا إذْنٍ فَعَتَقَ) أَوْ بَاعَهُ فَأَجَازَ الْمُشْتَرِي (نَفَذَ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ (وَكَذَا) حُكْمُ (الْأَمَةِ وَلَا خِيَارَ لَهَا)   [رد المحتار] ثُمَّ إذَا عَلِمَتْ يَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمُ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ، وَلَوْ جَعَلَ لَهَا قَدْرًا عَلَى أَنْ تَخْتَارَهُ فَقُلْت سَقَطَ خِيَارُهَا كَمَا فِي النَّهْرِ. زَادَ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ وَلَا شَيْءَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ضَعِيفٌ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الِاعْتِيَاضِ كَسَائِرِ الْخِيَارَاتِ وَالشُّفْعَةِ وَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ. (قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ تَعْلَمْ بِهِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ أَمَتَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ حَتَّى ارْتَدَّا وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ وَرَجَعَا مُسْلِمَيْنِ ثُمَّ عَلِمَتْ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ أَوْ عَلِمَتْ بِالْخِيَارِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ. اهـ. ح وَكَذَا الْحَرْبِيَّةُ إذَا تَزَوَّجَهَا حَرْبِيٌّ ثُمَّ أُعْتِقَتْ خُيِّرَتْ سَوَاءٌ عَلِمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِنَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا قَضَى بِاللِّحَاقِ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ فَسْخُهَا لِعَوْدِهَا رَقِيقَةً بِالْحُكْمِ بِلَحَاقِهَا لِأَنَّ الْكُفَّارَ فِي دَارِ الْحَرْبِ كُلَّهُمْ أَرِقَّاءُ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مَمْلُوكِينَ لِأَحَدٍ كَمَا يَأْتِي أَوَّلَ الْعَتَاقِ. اهـ. ح، وَأَقَرَّهُ ط وَالرَّحْمَتِيُّ. قُلْت: مَا يَأْتِي مَحْمُولٌ عَلَى الْحَرْبِيِّ إذَا أُسِرَ فَهُوَ رَقِيقٌ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا وَبَعْدَهُ رَقِيقٌ وَمَمْلُوكٌ كَمَا سَيَأْتِي هُنَاكَ وَهُوَ صَرِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ صِحَّةِ الْفَسْخِ كَوْنُ الْحُكْمِ بِاللِّحَاقِ مَوْتًا حُكْمِيًّا يَسْقُطُ بِهِ التَّصَرُّفَاتُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَيَسْقُطُ بِهِ حَقُّ الْفَسْخِ الَّذِي هُوَ حَقٌّ مُجَرَّدٌ بِالْأَوْلَى، ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ عَلَّلَ بِمَا قُلْته، فَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ هَذَا حُكْمًا) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ كَيْفَ حَكَمْتُمْ بِصِحَّةِ فَسْخِ مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَحْكَامُنَا مُنْقَطِعَةٌ عَنْهُمْ ح. (قَوْلُهُ بَلْ فَتْوَى) أَيْ إخْبَارٌ عِنْدَ السُّؤَالِ عَنْ الْحَادِثَةِ ط. (قَوْلُهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ) أَيْ الْفَسْخُ بِخِيَارِ الْعِتْقِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِسُكُوتٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ بِكْرًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الرِّضَا صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً ط. (قَوْلُهُ وَلَا يَثْبُتُ لِغُلَامٍ) أَيْ لِعَبْدٍ ذَكَرٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةُ مِلْكٍ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَسْخِ (قَوْلُهُ وَيَقْتَصِرُ عَلَى مَجْلِسٍ) أَيْ مَجْلِسِ الْعِلْمِ وَيَمْتَدُّ إلَى آخِرِهِ، فَإِذَا قَامَتْ بَطَلَ. (قَوْلُهُ كَخِيَارِ مُخَيَّرَةٍ) أَيْ مَنْ قَالَ لَهَا زَوْجُهَا اخْتَارِي نَفْسَك فَإِنَّهَا تَخْتَارُ مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِسِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ خِيَارِ الْبُلُوغِ فِي الْكُلِّ) أَيْ فِي كُلِّ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنَّ الْجَهْلَ فِيهِ لَيْسَ بِعُذْرٍ، وَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ وَيَبْطُلُ بِسُكُوتِهَا بَعْدَ عِلْمِهَا بِالنِّكَاحِ، وَيَثْبُتُ لِلْأُنْثَى وَالْغُلَامِ وَلَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ إنْ كَانَتْ بِكْرًا، وَلَوْ ثَيِّبًا فَوَقْتُهُ الْعُسْرُ إلَى وُجُودِ الرِّضَا صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً كَمَا فِي الْغُلَامِ إذَا بَلَغَ. (قَوْلُهُ نَكَحَ عَبْدٌ بِلَا إذْنٍ) قَيَّدَ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى لَا يَنْفُذُ الشِّرَاءُ بَلْ يَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَ عَلَيْهِ بِتَغَيُّرِ الْمَالِكِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ فَعَتَقَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَلَا يَجُوزُ ضَمُّهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِأَنَّهُ لَازِمٌ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ ط. (قَوْلُهُ أَوْ بَاعَهُ) أَيْ مَثَلًا وَالْمُرَادُ انْتِقَالُ الْمِلْكِ إلَى آخَرَ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إرْثٍ. (قَوْلُهُ فَأَجَازَ الْمُشْتَرِي) أَيْ أَجَازَ النِّكَاحَ الْوَاقِعَ عِنْدَ الْمَالِكِ الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ النَّفَاذِ كَانَ حَقُّ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ لَمَّا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا حُكْمُ الْأَمَةِ) أَطْلَقَهَا فَشَمِلَ الْقِنَّةَ وَالْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةَ، لَكِنْ فِي الْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي بَحْرٌ، وَهَذَا فِي الْأَمَةِ إذَا أُعْتِقَتْ، أَمَّا لَوْ مَاتَ عَنْهَا أَوْ بَاعَهَا فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ الثَّانِي لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا فَكَالْعَبْدِ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا بَطَلَ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ لِطُرُوِّ الْحِلِّ الْبَاتِّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَلِكَ لِبُطْلَانِ الْمَوْقُوفِ بِاعْتِرَاضِ الْمِلْكِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ غَشَيَانِهَا، وَتَوْضِيحُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَلَا خِيَارَ لَهَا) أَيْ لِلْأَمَةِ، أَمَّا الْعَبْدُ فَلَا خِيَارَ لَهُ أَصْلًا وَإِنْ نَكَحَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 لِكَوْنِ النُّفُوذِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ زِيَادَةُ الْمِلْكِ، وَكَذَا لَوْ اقْتَرَنَا بِأَنْ زَوَّجَهَا فُضُولِيٌّ وَأَعْتَقَهَا فُضُولِيٌّ وَأَجَازَهُمَا الْمَوْلَى، وَكَذَا مُدَبَّرَةٌ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ وَكَذَا أُمُّ الْوَلَدِ إنْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ، وَإِلَّا لَمْ يَنْفُذْ لِأَنَّ عِدَّتَهَا مِنْ الْمَوْلَى تَمْنَعُ نَفَاذَ النِّكَاحِ (فَلَوْ) (وَطِئَ) الزَّوْجُ الْأَمَةَ (قَبْلَهُ) أَيْ الْعِتْقِ (فَالْمَهْرُ الْمُسَمَّى لَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى (أَوْ بَعْدَهُ فَلَهَا) لِمُقَابَلَتِهِ بِمَنْفَعَةٍ مَلَكَتْهَا. (وَمَنْ وَطِئَ قِنَّةَ ابْنِهِ فَوَلَدَتْ) فَلَوْ لَمْ تَلِدْ لَزِمَ عُقْرُهَا   [رد المحتار] بِالْإِذْنِ كَمَا مَرَّ، وَشَمِلَ الْمُكَاتَبَةَ فَإِنَّهَا لَا خِيَارَ لَهَا لِلْعِلَّةِ الْآتِيَةِ، وَبِهَا صَرَّحَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَمَا قَالَهُ ابْنُ كَمَالْ بَاشَا مِنْ أَنَّهُ لَهَا خِيَارٌ كَمَا مَرَّ فَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ، وَكَذَا لَمَّا كَتَبَهُ بِهَامِشِهِ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ زُفَرُ لَا خِيَارَ لَهَا، بِخِلَافِ الْأَمَةِ إلَخْ فَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ إنَّمَا هُوَ فِي مَسْأَلَةِ تَزَوُّجِهَا بِإِذْنِ مَوْلَاهَا، وَكَلَامُنَا فِي التَّزْوِيجِ بِدُونِ إذْنِهِ كَمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي كَلَامِ الْهِدَايَةِ فَتَنَبَّهْ. (قَوْلُهُ لِكَوْنِ النُّفُوذِ بَعْدَ الْعِتْقِ) فَصَارَتْ كَمَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَلِذَا قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: الْأَصْلُ أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ مَتَى تَمَّ عَلَى الْمَرْأَةِ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ ثَبَتَ لَهَا خِيَارُ الْعِتْقِ وَمَتَى تَمَّ عَلَيْهَا وَهِيَ حُرَّةٌ لَا يَثْبُتُ لَهَا خِيَارُ الْعِتْقِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ زِيَادَةُ الْمِلْكِ) أَيْ بِطَلْقَةٍ ثَالِثَةٍ، وَعِلَّةُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ ثُبُوتُ الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ اقْتَرَنَا) أَيْ الْعِتْقُ وَنَفَاذُ النِّكَاحِ، فَإِنَّهُمَا لَمَّا أَجَازَهُمَا الْمَوْلَى مَعًا ثَبَتَا مَعًا (قَوْلُهُ وَكَذَا مُدَبَّرَةٌ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ) أَيْ حُكْمُهَا حُكْمُ مَا إذَا أَعْتَقَا فِي حَيَاتِهِ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ وَكَذَا حُكْمُ الْأَمَةِ. وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ عَتَقَتْ أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ لَمْ يَنْفُذْ حَتَّى تُؤَدِّيَ بَدَلَ السِّعَايَةِ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا جَازَ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: أَيْ لِأَنَّهَا عِنْدَهُمَا تَسْعَى وَهِيَ حُرَّةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا أُمُّ الْوَلَدِ إلَخْ) أَيْ إذَا أَعْتَقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا الْمَوْلَى، إنْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْعِتْقِ نَفَذَ النِّكَاحُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ مِنْ الزَّوْجِ فَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ الْمَوْلَى، أَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ الزَّوْجِ فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ مِنْ الْمَوْلَى، وَوُجُوبُهَا مِنْهُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ يُوجِبُ انْفِسَاخَ النِّكَاحِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الْعِدَّةُ مِنْ الزَّوْجِ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بَعْدَ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ (قَوْلُهُ تَمْنَعُ نَفَاذَ النِّكَاحِ) أَيْ تُبْطِلُهُ، إذْ لَا يُمْكِنُ تَوَقُّفُهُ مَعَ الْعِدَّةِ بَحْرٌ لِأَنَّ الْمُعْتَدَّةَ لَا تَحِلُّ لِغَيْرِ مَنْ اعْتَدَّتْ مِنْهُ (قَوْلُهُ فَلَوْ وَطِئَ الزَّوْجُ الْأَمَةَ) أَيْ الَّتِي نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا ثُمَّ نَفَذَ نِكَاحُهَا بِالْعِتْقِ (قَوْلُهُ فَالْمَهْرُ الْمُسَمَّى لَهُ) أَيْ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ نَهْرٌ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ لِأَنَّ الزَّوْجَ اسْتَوْفَى مَنَافِعَ مَمْلُوكَةً لِلْمَوْلَى بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِمُقَابَلَتِهِ بِمَنْفَعَةٍ مَلَكَتْهَا) لِأَنَّ الْعَقْدَ نَفَذَ بِالْعِتْقِ، وَبِهِ تَمْلِكُ مَنَافِعَهَا، بِخِلَافِ النَّفَاذِ بِالْإِذْنِ وَالرِّقُّ قَائِمٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَمَنْ وَطِئَ قِنَّةَ ابْنِهِ) أَيْ أَوْ بِنْتِهِ حَمَوِيٌّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ، وَشَمِلَ الِابْنَ الْكَافِرَ قُهُسْتَانِيٌّ وَالصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ بَحْرٌ، وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ مَوْطُوءَةً لِلِابْنِ أَوْ لَمْ تَكُنْ ظَهِيرِيَّةٌ مِنْ الْعِتْقِ، وَمُحْتَرَزٌ الْقِنَّةِ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَوْ ادَّعَى وَلَدَ أُمِّ وَلَدِهِ إلَخْ، وَمُحْتَرَز الِابْنِ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ أَوْ وَالِدِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ فَوَلَدَتْ) عَطْفٌ عَلَى وَطِئَ وَتَعْقِيبُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ كَمَا فِي تَزَوَّجَ زَيْدٌ فَوُلِدَ لَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى، بَلْ مُفَادُ قَوْلِهِ فَادَّعَاهُ عَطْفًا عَلَى فَوَلَدَتْ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ وَهِيَ حُبْلَى لَمْ تَصِحَّ حَتَّى تَلِدَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا. وَفِي النَّهْرِ: يَنْبَغِي أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ دَعْوَتِهِ أَنْ تَصِحَّ مَطْلَبٌ فِي تَفْسِيرِ الْعُقْرِ (قَوْلُهُ لَزِمَ عُقْرُهَا) قَالَ فِي الْفَتْحِ: الْعُقْرُ هُوَ مَهْرُ مِثْلِهَا فِي الْجَمَالِ: أَيْ مَا يَرْغَبُ فِيهِ فِي مِثْلِهَا جَمَالًا فَقَطْ، وَأَمَّا مَا قِيلَ مَا يُسْتَأْجَرُ بِهِ مِثْلُهَا لِلزِّنَا لَوْ جَازَ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ، بَلْ الْعَادَةُ أَنَّ مَا يُعْطَى لِذَلِكَ أَقَلُّ مِمَّا يُعْطَى مَهْرًا لِأَنَّ الثَّانِيَ لِلْبَقَاءِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. اهـ. وَإِذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ الْوَطْءُ وَلَمْ تَحْبَلْ لَزِمَهُ مَهْرٌ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ وَطْءِ الِابْنِ جَارِيَةَ الْأَبِ مِرَارًا فَعَلَيْهِ بِكُلِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 وَارْتَكَبَ مُحَرَّمًا، وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ (فَادَّعَاهُ الْأَبُ) وَهُوَ حُرٌّ مُسْلِمٌ عَاقِلٌ (ثَبَتَ نَسَبُهُ) بِشَرْطِ بَقَاءِ مِلْكِ ابْنِهِ مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ إلَى الدَّعْوَةِ، وَبَيْعُهَا لِأَخِيهِ مَثَلًا لَا يَضُرُّ نَهْرٌ بَحْثًا (وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ) لِاسْتِنَادِ الْمِلْكِ   [رد المحتار] وَطْءٍ مَهْرٌ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَجَبَ بِسَبَبِ دَعْوَى الشُّبْهَةِ، وَلَوْ لَمْ يَدَّعِهَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ فَبِتَكَرُّرِ دَعْوَاهَا يَتَكَرَّرُ الْمَهْرُ، بِخِلَافِ الْأَبِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى دَعْوَى الشُّبْهَةِ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَارْتَكَبَ مُحَرَّمًا إلَخْ) كَذَا فِي النَّهْرِ وَأَصْلُهُ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَقَيَّدَ بِالْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ أَمَةَ ابْنِهِ وَلَمْ تَحْبَلْ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَا يَمْلِكُهَا وَيَلْزَمُهُ عُقْرُهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا حَبِلَتْ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْوَطْءَ حَلَالٌ لِتَقَدُّمِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ، وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، أَمَّا إذَا لَمْ تَلِدْ مِنْهُ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، وَأَمَّا إذَا حَبِلَتْ مِنْهُ فَلِأَنَّ شُبْهَةَ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ قَبْلَ الْإِيلَاجِ أَوْ بَعْدَهُ مُسْقِطَةً لِإِحْصَانِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. اهـ. وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْوَطْءَ حَلَالٌ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ مَا هُنَا وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّ ثُبُوتَ مِلْكِهِ لَهَا قُبَيْلَ الْوَطْءِ عِنْدَنَا وَقُبَيْلَ الْعُلُوقِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنَّمَا هُوَ لِضَرُورَةِ ثُبُوتِ النَّسَبِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْفَتْحِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ حِلُّ الْإِقْدَامِ عَلَى هَذَا الْوَطْءِ، كَمَا لَوْ غَصَبَ شَيْئًا وَأَتْلَفَهُ ثُمَّ أَدَّى ضَمَانَهُ لِمَالِكِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِنَادِ الْمِلْكِ إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ حِلُّ مَا صَنَعَ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ حَلَالٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنَا إذْ لَوْ كَانَ زِنًا لَزِمَهُ الْعُقْرُ وَلَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا إطْلَاقُ قَوْلِهِ الْآتِي، وَلِذَا يَحِلُّ لَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ الطَّعَامُ لَا الْوَطْءُ، وَكَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ صِحَّةِ الدَّعْوَى فِي الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ لِلِابْنِ مَعَ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْأَبِ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً فَيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَادَّعَاهُ) أَيْ عِنْدَ قَاضٍ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّلَبِيِّ. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى دَعْوَى الشُّبْهَةِ وَلَا تَصْدِيقُ الِابْنِ فَتْحٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَاءَ لِمُجَرَّدِ التَّرْتِيبِ فَلَا يَلْزَمُ الدَّعْوَى عَقِبَ الْوِلَادَةِ. وَادَّعَى الْحَمَوِيُّ اللُّزُومَ فَوْرًا وَهُوَ بَعِيدٌ، فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ وَهُوَ حُرٌّ مُسْلِمٌ عَاقِلٌ) فَلَوْ كَانَ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ كَافِرًا أَوْ مَجْنُونًا لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ، وَلَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّ مِلَّتَيْهِمَا مُخْتَلِفَةٌ جَازَتْ الدَّعْوَى مِنْ الْأَبِ فَتْحٌ، فَأَفَادَ أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِيمَا لَوْ كَانَ الِابْنُ مُسْلِمًا، أَمَّا لَوْ كَانَ كَافِرًا فَلَا يُشْتَرَطُ إسْلَامُ الْأَبِ وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْمِلَّةُ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ كَانَ الْأَبُ مُسْلِمًا وَالِابْنُ كَافِرًا صَحَّتْ دَعْوَتُهُ، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ مُرْتَدًّا فَدَعْوَتُهُ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَهُ نَافِذَةٌ عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ بِشَرْطٍ إلَخْ) فَلَوْ حَبِلَتْ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَوْ فِيهِ وَأَخْرَجَهَا الِابْنُ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى لِأَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَيَسْتَدْعِي قِيَامَ وِلَايَةِ التَّمَلُّكِ مِنْ حِينِ الْعُلُوقِ إلَى التَّمَلُّكِ هَذَا إنْ كَذَّبَهُ الِابْنُ، فَإِنْ صَدَّقَهُ صَحَّتْ الدَّعْوَى وَلَا يَمْلِكُ الْجَارِيَةَ كَمَا إذَا ادَّعَاهُ أَجْنَبِيٌّ وَيَعْتِقُ عَلَى الْمَوْلَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ بَحْرٌ. قَالَ فِي النَّهْرِ الْمَذْكُورُ فِي الشَّرْحِ لِلزَّيْلَعِيِّ: وَعَلَيْهِ جَرَى فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا دَعْوَى الشُّبْهَةِ وَلَا تَصْدِيقُ الِابْنِ. اهـ. أَقُولُ: كَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْإِشَارَةَ فِي قَوْلِهِ هَذَا إنْ كَذَّبَهُ الِابْنُ رَاجِعَةٌ إلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي مَا إذَا بَقِيَتْ الْجَارِيَةُ فِي مِلْكِ الِابْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ رَاجِعَةٌ إلَى قَوْلِهِ فَلَوْ حَبِلَتْ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَوْ فِيهِ وَأَخْرَجَهَا الِابْنُ عَنْ مِلْكِهِ إلَخْ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّصْدِيقِ لِأَنَّهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِدَلِيلِ أَنَّ اشْتِرَاطَ بَقَائِهَا فِي مِلْكِ الِابْنِ مَذْكُورٌ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ، فَلَوْ كَانَ لَا يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ الِابْنِ وَإِنْ أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ لَمْ يَبْقَ فَائِدَةٌ لِاشْتِرَاطِ بَقَائِهَا فِي مِلْكِهِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الْعِتْقِ: يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْجَارِيَةُ فِي مِلْكِهِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى الدَّعْوَةِ، حَتَّى لَوْ عَلِقَتْ فَبَاعَهَا الِابْنُ ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ بِفَسَادِ الْبَيْعِ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْأَبُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ الِابْنُ. اهـ. فَهَذَا أَيْضًا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَبَيْعُهَا لِأَخِيهِ مَثَلًا) أَيْ أَوْ ابْنِهِ أَوْ ابْنِ أَخِيهِ لَا يَضُرُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 لِوَقْتِ الْعُلُوقِ (وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا) وَلَوْ فَقِيرًا لِقُصُورِ حَاجَةِ بَقَاءِ نَسْلِهِ عَنْ بَقَاءِ نَفْسِهِ وَلِذَا يَحِلُّ لَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ الطَّعَامُ لَا الْوَطْءُ وَيُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ أَبِيهِ لَا عَلَى دَفْعِ جَارِيَةٍ لِتَسَرِّيهِ (لَا عُقْرُهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهَا) مَا لَمْ تَكُنْ مُشْتَرَكَةً فَتَجِبُ حِصَّةُ الشَّرِيكِ وَهَذَا إذَا ادَّعَاهُ وَحْدَهُ، فَلَوْ مَعَ الِابْنِ، فَإِنْ شَرِيكَيْنِ قُدِّمَ الْأَبُ وَإِلَّا فَالِابْنُ وَلَوْ ادَّعَى وَلَدَ أُمِّ وَلَدِهِ الْمَنْفِيِّ أَوْ مُدَبَّرَتِهِ أَوْ مُكَاتَبَتِهِ شُرِطَ تَصْدِيقُ الِابْنِ   [رد المحتار] لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ عَنْ كَوْنِهَا جَارِيَةَ فَرْعِهِ. اهـ. ح. وَفِيهِ أَنَّ بَيْعَهَا لِابْنِهِ لَا يُفِيدُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْجَدِّ عَلَيْهِ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ، نَعَمْ بَيْعُهَا لِابْنِ أَخِيهِ يُفِيدُ إذَا كَانَ أَبُو ذَلِكَ الِابْنِ مَيِّتًا أَوْ مَسْلُوبَ الْوِلَايَةِ بِكُفْرٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ جُنُونٍ لِيَكُونَ لِلْجَدِّ الْمُدَّعِي وِلَايَةٌ لِأَنَّ دَعْوَةَ الْجَدِّ لَا تَصِحُّ إلَّا عِنْدَ الْوِلَايَةِ عَلَى فَرْعِهِ كَمَا يَأْتِي، أَفَادَ الرَّحْمَتِيُّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِوَقْتِ الْعُلُوقِ) كَذَا فِي الْفَتْحِ: أَيْ لِوَقْتِ الْوَطْءِ الْقَرِيبِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ كَيْ لَا يُنَافِيَ مَا يَأْتِي قَرِيبًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا) أَيْ لِوَلَدِهِ يَوْمَ عَلِقَتْ كَمَا فِي مِسْكِينٍ ط. وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ يَأْخُذُهَا وَعُقْرَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا لِأَنَّ الْأَبَ صَارَ مَغْرُورًا، وَيَرْجِعُ الْأَبُ عَلَى الِابْنِ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ دُونَ الْعُقْرِ وَقِيمَةِ الْوَلَدِ لِأَنَّ الِابْنَ مَا ضَمِنَ لَهُ سَلَامَةَ الْأَوْلَادِ. اهـ. بَحْرٌ. (قَوْلُهُ لِقُصُورٍ إلَخْ) أَيْ أَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ تَمَلُّكِ مَالِ ابْنِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى إبْقَاءِ نَفْسِهِ فَكَذَا إلَى صَوْنِ نَسْلِهِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ، لَكِنْ الْأُولَى أَشَدُّ، وَلِذَا يَتَمَلَّكُ الطَّعَامَ بِغَيْرِ قِيمَتِهِ وَالْجَارِيَةَ بِالْقِيمَةِ، وَيَحِلُّ لَهُ الطَّعَامُ عِنْدَ الْحَاجَةِ دُونَ وَطْءِ الْجَارِيَةِ، وَيُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ دُونَ دَفْعِ الْجَارِيَةِ لِلتَّسَرِّي: فَلِلْحَاجَةِ جَازَ لَهُ التَّمَلُّكُ، وَلِقُصُورِهَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهَا الْقِيمَةَ مُرَاعَاةً لِلْحَقَّيْنِ فَتْحٌ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْجَارِيَةِ لِلتَّسَرِّي ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا، وَمِثْلُهُ فِي الدُّرَرِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَالنِّهَايَةِ، وَمَا فِي هَذِهِ الشُّرُوحِ الْمُعْتَبَرَةِ لَا يُعَارِضُهُ مَا سَيَأْتِي فِي النَّفَقَةِ، وَعَزَاهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَى الْجَوْهَرَةِ مِنْ أَنَّهُ يُجْبَرُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لَا عُقْرُهَا) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ قَرِيبًا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَزُفَرَ عَلَيْهِ عُقْرُهَا لِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهَا قُبَيْلَ الْعُلُوقِ لِضَرُورَةِ صِيَانَةِ الْوَلَدِ. وَعِنْدَنَا قُبَيْلَ الْوَطْءِ لِأَنَّ لَازِمَ كَوْنِ الْفِعْلِ زِنًا ضَيَاعُ الْمَاءِ شَرْعًا، فَلَوْ لَمْ يُقَدَّمْ عَلَيْهِ ثَبَتَ لَازِمُهُ فَظَهَرَ أَنَّ الضَّرُورَةَ لَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِإِثْبَاتِهِ قَبْلَ الْإِيلَاجِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ تَحْبَلْ حَيْثُ يَجِبُ الْعُقْرُ فَتْحٌ أَيْ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَحْبَلْ لَمْ تُوجَدْ عِلَّةٌ تُقَدِّمُ مِلْكَهُ فِيهَا وَهِيَ صِيَانَةُ الْوَلَدِ كَمَا أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ وَقِيمَةُ وَلَدِهَا) أَيْ وَلَا قِيمَةَ وَلَدِهَا لِأَنَّهُ عَلَّقَ حُرُّ التَّقَدُّمِ مِلْكَهُ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ مَا لَمْ تَكُنْ مُشْتَرَكَةً) قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَلَوْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ: أَيْ بَيْنَ الِابْنِ وَبَيْنَ أَجْنَبِيٍّ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ عُقْرِهَا وَلَمْ أَرَهُ، وَلَوْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ أَوْ غَيْرِهِ يَجِبُ حِصَّةُ الشَّرِيكِ الِابْنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقْرِ، وَقِيمَةُ بَاقِيهَا إذَا حَبِلَتْ لِعَدَمِ تَقْدِيمِ الْمِلْكِ فِي كُلِّهَا لِانْتِفَاءِ مُوجِبِهِ وَهُوَ صِيَانَةُ النَّسْلِ، إذْ مَا فِيهَا مِنْ الْمِلْكِ يَكْفِي لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ، وَإِذَا صَحَّ ثَبَتَ الْمِلْكُ فِي بَاقِيهَا حُكْمًا لَا شَرْطًا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَاطِئِ فِيهَا شَيْءٌ لَا مَهْرَ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَتْ مُشْتَرَكَةً لَزِمَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا إلَخْ) الْإِشَارَةُ إلَى جَمِيعِ مَا مَرَّ (قَوْلُهُ قُدِّمَ الْأَبُ) لِأَنَّ لَهُ جِهَتَيْنِ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ فِي نَصِيبِهِ وَحَقَّ التَّمَلُّكِ فِي نَصِيبِ وَلَدِهِ بَحْرٌ. قُلْت: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ رَجُلٍ وَابْنِهِ وَجَدِّهِ فَادَّعَوْهُ كُلُّهُمْ فَالْجَدُّ أَوْلَى، وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَبُو الرَّجُلِ مَيِّتًا مَثَلًا لِيَصِيرَ لِلْجَدِّ التَّرْجِيحُ مِنْ جِهَتَيْنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ، وَهَذَا صَادِقٌ بِمَا إذَا كَانَتْ لِلِابْنِ وَحْدَهُ أَوْ لِلْأَبِ وَحْدَهُ، وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ هُنَا لَكِنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ مَفْرُوضٌ فِي جَارِيَةِ الِابْنِ، فَهُوَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلُ فَقَطْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَالِابْنُ) أَيْ تُقَدَّمُ دَعْوَاهُ لِأَنَّهَا سَابِقَةٌ مَعْنًى بَحْرٌ: أَيْ لِأَنَّ لَهُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ وَلِأَبِيهِ حَقُّ التَّمَلُّكِ وَلِأَنَّ مِلْكَ الِابْنِ سَابِقٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ ادَّعَى قَبْلَ الْأَبِ تَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى) أَيْ الْأَبُ، وَقَوْلُهُ الْمَنْفِيَّ بِالنَّصْبِ نَعْتٌ لِوَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَقَوْلُهُ أَوْ مُدَبَّرَتِهِ أَوْ مُكَاتَبَتِهِ مَجْرُورَانِ بِالْعَطْفِ عَلَى أُمِّ. وَهَذَا بَيَانٌ لِمُحْتَرَزِ قَوْلِهِ قِنَّةَ ابْنِهِ: أَيْ لَوْ ادَّعَى وَلَدَ أُمِّ وَلَدِ ابْنِهِ الَّذِي نَفَاهُ ابْنُهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَّا بِتَصْدِيقِ الِابْنِ لِأَنَّ أُمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 (وَجَدَ صَحِيحٌ كَأَبٍ بَعْدَ زَوَالِ وِلَايَتِهِ بِمَوْتٍ وَكُفْرٍ وَجُنُونٍ وَرِقٍّ فِيهِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (لَا) يَكُونُ كَالْأَبِ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ زَوَالِ الْمَذْكُورَةِ، وَيُشْتَرَطُ ثُبُوتُ وِلَايَتِهِ مِنْ الْوَطْءِ إلَى الدَّعْوَةِ. (وَلَوْ) (تَزَوَّجَهَا) وَلَوْ فَاسِدًا (أَبُوهُ) وَلَوْ بِالْوِلَايَةِ (فَوَلَدَتْ) (لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدِهِ) لِتَوَلُّدِهِ مِنْ نِكَاحٍ (وَيَجِبُ الْمَهْرُ لَا الْقِيمَةُ وَوَلَدُهَا حُرٌّ) بِمِلْكِ أَخِيهِ لَهُ، وَمِنْ الْحِيَلِ أَنْ يُمَلِّكَ أَمَتَهُ لِطِفْلِهِ ثُمَّ يَتَزَوَّجَهَا.   [رد المحتار] الْوَلَدِ لَا تَقْبَلُ الِانْتِقَالَ إلَى مِلْكِ غَيْرِ الْمُسْتَوْلِدِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ الْمَنْفِيَّ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْفِهِ الِابْنُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ فَلَا يُمْكِنُ ثُبُوتُهُ مِنْ الْأَبِ وَإِنْ صَدَّقَهُ الِابْنُ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى وَلَدَ مُدَبَّرَةِ ابْنِهِ أَوْ وَلَدِ مُكَاتَبَةِ ابْنِهِ الَّذِي وَلَدَتْهُ فِي الْكِتَابَةِ أَوْ قَبْلَهَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَّا بِتَصْدِيقِ الِابْنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْأَبِ مُتَمَلِّكًا لَهُمَا قَبْلَ الْوَطْءِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ لِاحْتِمَالِ وَطْءِ الْأَبِ بِشُبْهَةٍ وَالظَّاهِرُ لُزُومُ الْعُقْرِ لِلْمُكَاتَبَةِ لِأَنَّ لَهَا الْعُقْرَ بِوَطْءِ الْمَوْلَى، فَبِوَطْءِ أَبِيهِ أَوْلَى، وَحَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ يَنْبَغِي لُزُومُ الْعُقْرِ لِلِابْنِ عَلَى أَبِيهِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِيمَا لَوْ وَطِئَهَا وَلَمْ تَحْبَلْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَجَدٌّ صَحِيحٌ) خَرَجَ بِهِ الْجَدُّ الْفَاسِدُ كَأَبِي الْأُمِّ، وَكَذَا غَيْرُ الْجَدِّ مِنْ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ لِفَقْدِ وِلَايَتِهِمْ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ بَعْدَ زَوَالِ وِلَايَتِهِ) أَيْ الْأَبِ، وَأَرَادَ بِزَوَالِ الْوِلَايَةِ عَدَمَهَا لِيَشْمَلَ مَا لَوْ كَانَ كُفْرُهُ أَوْ جُنُونُهُ أَوْ رِقُّهُ أَصْلِيًّا، أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ، وَالْمُرَادُ بِالْوِلَايَةِ وِلَايَةُ التَّمَلُّكِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فِيهِ) مُتَعَلِّقٌ بِكَافِ التَّشْبِيهِ ح. فَالْمَعْنَى أَنَّ الْجَدَّ مُشَابِهٌ لِلْأَبِ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ ثُبُوتُ وِلَايَتِهِ) أَيْ وِلَايَةِ الْجَدِّ النَّاشِئَةِ عَنْ فَقْدِ وِلَايَةِ الْأَبِ: أَيْ لَا يَكْفِي ثُبُوتُهَا وَقْتَ الدَّعْوَةِ فَقَطْ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهَا مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: حَتَّى لَوْ أَتَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ انْتِقَالِ الْوِلَايَةِ إلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ لِمَا قُلْنَا فِي الْأَبِ اهـ أَيْ مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ، فَيَسْتَدْعِي قِيَامَ وِلَايَةِ التَّمَلُّكِ مِنْ حِينِ الْعُلُوقِ إلَى التَّمَلُّكِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ فَاسِدًا) لِأَنَّ الْفَاسِدَ يَثْبُتُ فِيهِ النَّسَبُ، فَاسْتَغْنَى عَنْ تَقَدُّمِ الْمِلْكِ لَهُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ أَبُوهُ) أَيْ أَوْجَدَهُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِالْوِلَايَةِ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ جَارِيَةَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَوَلَدَتْ مِنْهُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَيَعْتِقُ الْوَلَدُ بِالْقَرَابَةِ. (قَوْلُهُ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ نِكَاحٍ) فَلَمْ تَبْقَ ضَرُورَةٌ إلَى تَمَلُّكِهَا مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ بِدُونِهِ، وَأُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ فَرْعُ التَّمَلُّكِ وَالنِّكَاحُ يُنَافِيهِ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْمَهْرُ) لِالْتِزَامِهِ إيَّاهُ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمَّى مَهْرِ مِثْلِهَا فِي الْجَمَالِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لَا الْقِيمَةُ) لِعَدَمِ تَمَلُّكِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ بِمِلْكِ أَخِيهِ لَهُ) فَعَتَقَ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ هِدَايَةٌ؛ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَلَدَ عَلِقَ رَقِيقًا. وَاخْتُلِفَ فِيهِ؛ فَقِيلَ يَعْتِقُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ، وَقِيلَ بَعْدَهُ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِي الْإِرْثِ، فَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى وَهُوَ الِابْنُ يَرِثُهُ الْوَلَدُ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَالْوَجْهُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْأَخِ مِنْ حِينِ الْعُلُوقِ فَلَمَّا مَلَكَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ بِالْحَدِيثِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. وَالظَّاهِرُ عِنْدِي هُوَ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ قَبْلَ الْوَضْعِ لِقَوْلِهِمْ الْمِلْكُ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ فِي الشَّيْءِ ابْتِدَاءً، وَلَا قُدْرَةَ لِلسَّيِّدِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْجَنِينِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَإِنْ صَحَّ الْإِيصَاءُ بِهِ وَإِعْتَاقُهُ، فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْحَدِيثُ لِأَنَّهُ فِي الْمَمْلُوكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلِذَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ بَحْرٌ، وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ وَالْمَقْدِسِيُّ. (قَوْلُهُ وَمِنْ الْحِيَلِ) أَيْ مِنْ جُمْلَةِ الْحِيَلِ الَّتِي يَدْفَعُ بِهَا الْإِنْسَانُ عَنْهُ مَا يَضُرُّهُ، وَهَذَا حِيلَةٌ لَمَّا إذَا أَرَادَ وَطْءَ الْأَمَةِ وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ كَيْ لَا تَتَمَرَّدَ عَلَيْهِ إذَا وَلَدَتْ وَعَلِمَتْ أَنَّهَا لَا تُبَاعُ فَيُمَلِّكُهَا لِطِفْلِهِ بِهِبَةٍ أَوْ بَيْعٍ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا بِالْوِلَايَةِ فَيَصِيرُ حُكْمُهَا مَا مَرَّ، فَإِذَا احْتَاجَ إلَى بَيْعِهَا بَاعَهَا وَحَفِظَ ثَمَنَهَا لِطِفْلِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 (وَلَوْ) (وَطِئَ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ أَوْ وَالِدِهِ أَوْ جَدِّهِ فَوَلَدَتْ وَادَّعَاهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمَوْلَى) فَلَوْ كَذَّبَهُ ثُمَّ مَلَكَ الْجَارِيَةَ وَقْتًا مَا ثَبَتَ النَّسَبُ وَسَيَجِيءُ فِي الِاسْتِيلَادِ (حُرَّةٌ) مُتَزَوِّجَةٌ بِرَقِيقٍ (قَالَتْ لِمَوْلَى زَوْجِهَا) الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ (أَعْتِقْهُ عَنِّي بِأَلْفٍ) أَوْ زَادَتْ وَرَطْلٍ مِنْ خَمْرٍ إذْ الْفَاسِدُ هُنَا كَالصَّحِيحِ (فَفَعَلَ فَسَدَ النِّكَاحُ) لِتَقَدُّمِ الْمِلْكِ اقْتِضَاءً كَأَنَّهُ قَالَ بِعْته مِنْك وَأَعْتَقْته عَنْك، لَكِنْ لَوْ قَالَ كَذَلِكَ وَقَعَ الْعِتْقُ عَنْ الْمَأْمُورِ لِعَدَمِ الْقَبُولِ كَمَا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ؛   [رد المحتار] أَوْ أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ سَابِقًا قِنَّةَ ابْنِهِ ط (قَوْلُهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمَوْلَى إلَخْ) فِيهِ اخْتِصَارٌ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ: لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ، وَيُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ، فَإِنْ قَالَ أَحَلَّهَا الْمَوْلَى لِي لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَوْلَى فِي الْإِحْلَالِ وَفِي أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا ثَبَتَ النَّسَبُ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ مَلَكَ الْجَارِيَةَ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ ثَبَتَ النَّسَبُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِي الْقُنْيَةِ وَطِئَ جَارِيَةَ أَبِيهِ فَوَلَدَتْ مِنْهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ هَذَا الْوَلَدِ وَادَّعَى الْوَاطِئُ الشُّبْهَةَ أَوَّلًا لِأَنَّهُ وَلَدُ وَلَدِهِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ، كَمَنْ زَنَى بِجَارِيَةِ غَيْرِهِ فَوَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ مَلَك الْوَلَدَ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ. اهـ. قُلْت: وَمَعْنَى أَحَلَّهَا الْمَوْلَى أَيْ بِنِكَاحٍ أَوْ بِهِبَةٍ مَثَلًا لَا بِقَوْلِهِ جَعَلْتهَا حَلَالًا لَك (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ إلَخْ) ذَكَرَ هُنَاكَ مَا يُفِيدُ الْخِلَافَ، وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ قَالَتْ لِمَوْلَى زَوْجِهَا) وَكَذَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ زَوْجُ الْأَمَةِ لِمَوْلَى زَوْجَتِهِ لَكِنْ لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ) قَيَّدَ بِهِ لِيُمْكِنَ الْإِعْتَاقُ؛ وَفِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُعْتَقٍ إنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ عَنْهَا فِيهِ، فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَتَوَقَّفَ بَيْعُ الصَّبِيِّ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ. وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِ لِصِحَّةِ تَوْكِيلِهِ فِيهِ ط. وَصُورَةُ كَوْنِ مَوْلَى الزَّوْجِ غَيْرَ حُرٍّ أَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ عَبْدًا مُتَزَوِّجًا أَوْ يَرِثُهُ الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ مِنْ أَبِيهِ، وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ إلَّا مَنْ يَمْلِكُ إعْتَاقَهُ (قَوْلُهُ وَرَطْلٍ مِنْ خَمْرٍ) مَفْعُولُ زَادَتْ: أَيْ زَادَتْهُ عَلَى قَوْلِهَا بِأَلْفٍ. (قَوْلُهُ كَالصَّحِيحِ) لِأَنَّ الْبَيْعَ هُنَا غَيْرُ مَقْصُودٍ، فَلَا يَلْزَمُ وُجُودُ شُرُوطِهِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ فَفَعَلَ) أَيْ قَالَ أَعْتَقَهُ ح عَنْ النَّهْرِ (قَوْلُهُ اقْتِضَاءً) هُوَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَسْكُوتٍ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِدْقُ الْكَلَامِ أَوْ صِحَّتُهُ؛ فَالْأَوَّلُ كَحَدِيثِ: «رُفِعَ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» ، أَيْ رُفِعَ حُكْمُهُمَا وَهُوَ الْإِثْمُ وَإِلَّا فَهُمَا وَاقِعَانِ فِي الْخَارِجِ، وَالثَّانِي كَمَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إلَّا بِتَقْدِيمِ الْمِلْكِ، إذْ الْمِلْكُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعِتْقِ عَنْهُ، فَتَقَدُّمُ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ مُقْتَضًى بِالْفَتْحِ وَالْإِعْتَاقُ عَنْ الْآمِرِ مُقْتَضٍ بِالْكَسْرِ، فَيَصِيرُ قَوْلُهُ أَعْتَقَ طَلَبَ التَّمْلِيكِ مِنْهُ بِالْأَلْفِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِإِعْتَاقِ عَبْدِ الْآمِرِ عَنْهُ، وَقَوْلُهُ أَعْتَقَتْ تَمْلِيكٌ مِنْهُ ثُمَّ الْإِعْتَاقُ عَنْهُ وَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْآمِرِ فَسَدَ النِّكَاحُ لِلتَّنَافِي بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، ثُمَّ الْمِلْكُ فِيهِ شَرْطٌ وَالشُّرُوطُ أَتْبَاعٌ فَلِذَا ثَبَتَ الْبَيْعُ الْمُقْتَضَى بِالْفَتْحِ بِشُرُوطِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ الْعِتْقُ لَا بِشُرُوطِ نَفْسِهِ إظْهَارًا لِلتَّبَعِيَّةِ، فَيَشْتَرِطُ أَهْلِيَّةَ الْآمِرِ لِلْإِعْتَاقِ، حَتَّى لَوْ كَانَ صَبِيًّا مَأْذُونًا لَمْ يَثْبُتْ الْبَيْعُ وَيَسْقُطُ الْقَبُولُ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الْبَيْعِ، وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ أَوْ عَيْبٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ. فَصَحَّ الْأَمْرُ بِإِعْتَاقِ الْآبِقِ، وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْقَبْضِ فِي الْفَاسِدِ، كَمَا لَوْ قَالَ أَعْتِقْهُ عَنِّي بِأَلْفٍ وَرَطْلٍ مِنْ خَمْرٍ. اهـ. بَحْرٌ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ لَكِنْ لَوْ قَالَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ مَا ثَبَتَ بِالِاقْتِضَاءِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِشُرُوطِ الْمُقْتَضِي بِالْكَسْرِ لَا بِشُرُوطِ نَفْسِهِ كَمَا عَلِمْت، لَكِنْ هَذَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمُقْتَضَى بِالْفَتْحِ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: فَلَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 وَمَفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ قَبِلْت وَقَعَ عَنْ الْآمِرِ (وَالْوَلَاءُ لَهَا) وَلَزِمَهَا الْأَلْفُ وَسَقَطَ الْمَهْرُ (وَيَقَعُ) الْعِتْقُ (عَنْ كَفَّارَتِهَا إنْ نَوَتْهُ) عَنْهَا (وَلَوْ لَمْ تَقُلْ بِأَلْفٍ لَا) يَفْسُدُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ (وَالْوَلَاءُ لَهُ) لِأَنَّهُ الْمُعْتَقُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بَابُ نِكَاحِ الْكَافِرِ يَشْمَلُ الْمُشْرِكَ وَالْكِتَابِيَّ. وَهَاهُنَا ثَلَاثَةُ أُصُولٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ (كُلَّ نِكَاحٍ صَحِيحٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ صَحِيحٌ بَيْنَ أَهْلِ الْكُفْرِ) خِلَافًا لِمَالِكٍ، وَيَرُدُّهُ قَوْله تَعَالَى - {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4]- وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وُلِدْت مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ» (وَ) الثَّانِي أَنَّ (كُلَّ نِكَاحٍ حَرُمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِفَقْدِ شَرْطِهِ)   [رد المحتار] صَرَّحَ بِالْبَيْعِ فَقَالَ بِعْتُكَهُ وَأَعْتَقْته لَا يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ بَلْ عَنْ الْمَأْمُورِ فَيَثْبُتُ الْبَيْعُ ضِمْنًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا يَثْبُتُ صَرِيحًا كَبَيْعِ الْأَجِنَّةِ فِي الْأَرْحَامِ فَإِذَا صَرَّحَ بِهِ ثَبَتَ بِشَرْطِ نَفْسِهِ وَالْبَيْعُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبُولِ وَلَمْ يُوجَدْ فَيَعْتِقُ عَنْ نَفْسِهِ اهـ أَيْ وَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ إلَخْ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ ح. (قَوْلُهُ لَوْ قَالَ) أَيْ الْآمِرُ، وَالْأَوْلَى التَّصْرِيحُ بِهِ وَالْإِتْيَانُ بَعْدَهُ بِضَمِيرِهِ (قَوْلُهُ وَسَقَطَ الْمَهْرُ) لِاسْتِحَالَةِ وُجُوبِهِ عَلَى عَبْدِهَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ لَا يَفْسُدُ) أَيْ النِّكَاحُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ نِكَاحِ الْكَافِرِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ نِكَاحِ الْأَحْرَارِ وَالْأَرِقَّاءِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَرَعَ فِي نِكَاحِ الْكُفَّارِ وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ الْمَهْرِ حُكْمُ مَهْرِ الْكَافِرِ، وَأَنَّهُ تَثْبُتُ بَقِيَّةُ أَحْكَامِ النِّكَاحِ فِي حَقِّهِمْ كَالْمُسْلِمِينَ: مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ فِي النِّكَاحِ، وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِمَا: كَعِدَّةٍ وَنَسَبٍ، وَخِيَارِ بُلُوغٍ، وَتَوَارُثٍ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَحُرْمَةِ مُطَلَّقَةٍ ثَلَاثًا وَنِكَاحِ مَحَارِمَ (قَوْلُهُ يَشْمَلُ الْمُشْرِكَ وَالْكِتَابِيَّ) لَوْ قَالَ يَشْمَلُ الْكِتَابِيَّ وَغَيْرَهُ لَكَانَ أَوْلَى، لِيَدْخُلَ مَنْ لَيْسَ بِمُشْرِكٍ وَلَا كِتَابِيٍّ كَالدَّهْرِيِّ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْكَافِرِ لِشُمُولِهِ الْكِتَابِيَّ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْهِدَايَةِ تَبَعًا لِلْقُدُورِيِّ بِالْمُشْرِكِ. اهـ. ح وَاعْتَذَرَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْمُشْرِكِ مَا يَشْمَلُ الْكِتَابِيَّ إمَّا تَغْلِيبًا أَوْ ذَهَابًا إلَى مَا اخْتَارَهُ الْبَعْضُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ دَاخِلُونَ فِي الْمُشْرِكِينَ، أَوْ بِاعْتِبَارِ قَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَالْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ رَبُّ الْعِزَّةِ وَالْكِبْرِيَاءِ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ) فَلَا يَقُولُ بِصِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ وَلَوْ صَحَّتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَخَذَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِالْأَصْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ بِالْأَوْلَى ط (قَوْلُهُ وَيَرُدُّهُ) أَيْ قَوْلَ مَالِكٍ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ خِلَافًا لِمَالِكٍ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةٍ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَصِحُّ ط (قَوْلُهُ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) أَيْ فَهَذِهِ الْإِضَافَةُ قَاضِيَةٌ عُرْفًا وَلُغَةً بِالنِّكَاحِ، وَقَدْ قَصَّهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مُفِيدَةً لِهَذَا الْمَعْنَى ط (قَوْلُهُ «وُلِدْت مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ» ) أَيْ لَا مِنْ زِنًا، وَالْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُسَافِحُ رَجُلًا مُدَّةً ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا، وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّى مَا وُجِدَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنْكِحَةِ الْجَاهِلِيَّةِ نِكَاحًا. مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَبَوَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَهْلِ الْفَتْرَةِ وَلَا يُقَالُ: إنَّ فِيهِ إسَاءَةَ أَدَبٍ لِاقْتِضَائِهِ كُفْرَ الْأَبَوَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْيَاهُمَا لَهُ وَآمَنَا بِهِ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ. لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ الْحَدِيثَ أَعَمُّ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ وَابْنِ عَسَاكِرَ «خَرَجْت مِنْ نِكَاحٍ وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إلَى أَنْ وَلَدَنِي أَبِي وَأُمِّي لَمْ يُصِبْنِي مِنْ سِفَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ شَيْءٌ» وَإِحْيَاءُ الْأَبَوَيْنِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا لَا يُنَافِي كَوْنَ النِّكَاحِ كَانَ فِي زَمَنِ الْكُفْرِ. وَلَا يُنَافِي أَيْضًا مَا قَالَهُ الْإِمَامُ فِي الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ مِنْ أَنَّ وَالِدَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَا عَلَى الْكُفْرِ، وَلَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «اسْتَأْذَنْت رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي» وَمَا فِيهِ أَيْضًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 لِعَدَمِ شُهُودٍ (يَجُوزُ فِي حَقِّهِمْ إذَا اعْتَقَدُوهُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَيُقَرُّونَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ.) (وَ) الثَّالِثُ (أَنَّ) (كُلَّ نِكَاحٍ حُرِّمَ لِحُرْمَةِ الْمَحَلِّ) كَمَحَارِمَ (يَقَعُ جَائِزًا) . (وَقَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ: لَا) بَلْ فَاسِدًا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ   [رد المحتار] «أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: فِي النَّارِ، فَلَمَّا قَفَّا دَعَاهُ إنَّ أَبِي وَأَبَاك فِي النَّارِ» لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ الْإِحْيَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَكَوْنُ الْإِيمَانِ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ غَيْرُ نَافِعٍ فَكَيْفَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَذَاكَ فِي غَيْرِ الْخُصُوصِيَّةِ الَّتِي أَكْرَمَ اللَّهُ بِهَا نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال عَلَى نَجَاتِهِمَا بِأَنَّهُمَا مَاتَا فِي زَمَنِ الْفَتْرَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أُصُولِ الْأَشَاعِرَةِ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَى يَمُوتُ نَاجِيًا، أَمَّا الْمَاتُرِيدِيَّةُ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ يُمْكِنُهُ فِيهَا التَّأَمُّلُ وَلَمْ يَعْتَقِدْ إيمَانًا وَلَا كُفْرًا فَلَا عِقَابَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اعْتَقَدَ كُفْرًا أَوْ مَاتَ بَعْدَ الْمُدَّةِ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ شَيْئًا. نَعَمْ الْبُخَارِيُّونَ مِنْ الْمَاتُرِيدِيَّةِ وَافَقُوا الْأَشَاعِرَةَ، وَحَمَلُوا قَوْلَ الْإِمَامِ لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي الْجَهْلِ بِخَالِقِهِ عَلَى مَا بَعْدَ الْبِعْثَةِ، وَاخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ، لَكِنْ هَذَا فِي غَيْرِ مَنْ مَاتَ مُعْتَقِدًا لِلْكُفْرِ، فَقَدْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ وَالْفَخْرُ الرَّازِيّ بِأَنَّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْبِعْثَةِ مُشْرِكًا فَهُوَ فِي النَّارِ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ مَا صَحَّ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي تَعْذِيبِ أَهْلِ الْفَتْرَةِ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُشْرِكْ مِنْهُمْ وَلَمْ يُوجَدْ بَلْ بَقِيَ عُمُرُهُ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فَفِيهِمْ الْخِلَافُ، وَبِخِلَافِ مَنْ اهْتَدَى مِنْهُمْ بِعَقْلِهِ كَقُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ وَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فَلَا خِلَافَ فِي نَجَاتِهِمْ، وَعَلَى هَذَا فَالظَّنُّ فِي كَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ أَبَوَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، بَلْ قِيلَ إنَّ آبَاءَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّهُمْ مُوَحِّدُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 219] لَكِنْ رَدَّهُ أَبُو حَيَّانَ فِي تَفْسِيرِهِ بِأَنَّ قَوْلَ الرَّافِضَةِ وَمَعْنَى الْآيَةِ وَتَرَدُّدُك فِي تَصَفُّحِ أَحْوَالِ الْمُتَهَجِّدِينَ فَافْهَمْ. وَبِالْجُمْلَةِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا مَعَ مَزِيدِ الْأَدَبِ. وَلَيْسَتْ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَضُرُّ جَهْلُهَا أَوْ يُسْأَلُ عَنْهَا فِي الْقَبْرِ أَوْ فِي الْمَوْقِفِ، فَحِفْظُ اللِّسَانِ عَنْ التَّكَلُّمِ فِيهَا إلَّا بِخَيْرٍ أَوْلَى وَأَسْلَمُ، وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ كَلَامٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَتَوْبَةُ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ دُونَ إيمَانِ الْيَأْسِ (قَوْلُهُ كَعَدَمِ شُهُودٍ) وَعِدَّةٌ مِنْ كَافِرٍ (قَوْلُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ قُهُسْتَانِيٌّ. وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ، وَهُمَا مَعَ الْإِمَامِ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَمَعَ زُفَرَ فِي النِّكَاحِ فِي عِدَّةِ الْكَافِرِ ح. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحُرْمَةَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَقًّا لِلشَّرْعِ لِأَنَّهُمْ لَا يُخَاطَبُونَ بِحُقُوقِهِ، وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْعِدَّةِ حَقًّا لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ مِنْ الْكَافِرِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَصْلًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ فَلَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ لِلزَّوْجِ بِمُجَرَّدِ طَلَاقِهَا، وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ. وَقِيلَ تَجِبُ، لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ لَا تَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ، فَيَثْبُتُ لِلزَّوْجِ الرَّجْعَةُ وَالنَّسَبُ. وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ وَمِثْلُهُ فِي الْعِنَايَةِ، وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ الْأَوْلَى وَلَكِنْ مَنَعَ عَدَمَ ثُبُوتِ النَّسَبِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْقُلُوا ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ بَلْ فَرَّعُوهُ عَلَى قَوْلِهِ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ فَلَنَا أَنْ نَقُولَ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا وَبِثُبُوتِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ مَنْ لَهُ الْوَلَدُ بِطَرِيقٍ آخَرَ وَجَبَ إلْحَاقُهُ بِهِ بَعْدَ كَوْنِهِ عَنْ فِرَاشٍ صَحِيحٍ، وَمَجِيئُهَا بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الطَّلَاقِ مِمَّا يُفِيدُ ذَلِكَ. اهـ. وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ، وَنَازَعَهُ فِي النَّهْرِ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمُحِيطِ وَالزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ قَالَ: وَقَدْ غَفَلَ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ صَاحِبَ الْفَتْحِ لَمْ يَدَّعِ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَذْكُرُوهُ بَلْ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَازَعَهُمْ فِي التَّخْرِيجِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ثُبُوتِ الْعِدَّةِ عَدَمُ ثُبُوتِ النَّسَبِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِحُرْمَةِ الْمَحَلِّ) أَيْ مَحَلِّ الْعَقْدِ وَهُوَ الزَّوْجَةُ، بِأَنْ كَانَتْ غَيْرَ مَحَلٍّ لَهُ أَصْلًا، فَإِنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ مُنَافِيَةٌ لَهُ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، بِخِلَافِ عَدَمِ الشُّهُودِ وَالْعِدَّةِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ كَمَحَارِمَ) وَكَمُطَلَّقَةٍ ثَلَاثٍ وَمُعْتَدَّةِ مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ بَلْ فَاسِدًا) أَفَادَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ مَعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 وَعَلَيْهِ فَتَجِبُ النَّفَقَةُ وَيُحَدُّ قَاذِفُهُ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَتَوَارَثُونَ لِأَنَّ الْإِرْثَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ مُطْلَقًا فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ ابْنُ مَالِكٍ. (أَسْلَمَ الْمُتَزَوِّجَانِ بِلَا) سَمَاعِ (شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ مُعْتَقِدَيْنِ ذَلِكَ) (أُقِرَّا عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَمَرَنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَعْتَقِدُونَ (وَلَوْ) (كَانَا) أَيْ الْمُتَزَوِّجَانِ اللَّذَانِ أَسْلَمَا (مُحَرَّمَيْنِ أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الْمُحَرَّمَيْنِ أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا وَهُمَا عَلَى الْكُفْرِ) (فَرَّقَ) الْقَاضِي أَوْ الَّذِي حَكَمَاهُ (بَيْنَهُمَا)   [رد المحتار] اتِّفَاقِهِمْ عَلَى عَدَمِ التَّعَرُّضِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَالْمُرَافَعَةِ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ وُقُوعِهِ جَائِزًا تَجِبُ النَّفَقَةُ إذَا طَلَبَتْهَا، وَإِذَا دَخَلَ بِهَا ثُمَّ أَسْلَمَ فَقَذَفَهُ إنْسَانٌ يُحَدُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِوُقُوعِهِ فَاسِدًا لَا تَجِبُ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَلَا يَكُونُ مُحْصَنًا (قَوْلُهُ وَأَجْمَعُوا إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ يَنْبَغِي ثُبُوتُ الْإِرْثِ أَيْضًا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ ثُبُوتِ الْإِرْثِ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّهُمَا أَجْنَبِيَّانِ، لَكِنَّهُ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ مُطْلَقًا أَيْ مَا يُسَمَّى صَحِيحًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَالنِّكَاحِ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا. وَأَمَّا نِكَاحُ الْمَحَارِمِ فَيُسَمَّى صَحِيحًا لَا مُطْلَقًا بَلْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكُفَّارِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ. قُلْت: وَفِيهِ أَنَّ مَا فَقَدَ شَرْطَهُ لَيْسَ صَحِيحًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِيهِ التَّوَارُثُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ، حَيْثُ قَالَ مَعْزِيًّا لِلْجَوْهَرَةِ: وَكُلُّ نِكَاحٍ لَوْ أَسْلَمَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ يَتَوَارَثَانِ بِهِ، وَمَا لَا فَلَا. قَالَ وَصَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ اهـ تَأَمَّلْ ثُمَّ فِي حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ تَبَعًا لِلْبَدَائِعِ نَظَرٌ، فَقَدْ جَرَى الْقُهُسْتَانِيُّ عَلَى ثُبُوتِ الْإِرْثِ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ كَمَا سَمِعْت وَكَذَا قَالَ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ، وَلَا يَتَوَارَثُونَ بِنِكَاحٍ لَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ كَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ اهـ (قَوْلُهُ أَسْلَمَ الْمُتَزَوِّجَانِ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ أُقَرَّا عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْأَوْلَى كَمَا فِي النَّهْرِ وَالْبَحْرِ. (قَوْلُهُ أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ) احْتَرَزَ عَنْ عِدَّةِ مُسْلِمٍ كَمَا يُنَبِّهُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ، وَقَيَّدَ فِي الْهِدَايَةِ الْإِسْلَامَ وَالْمُرَافَعَةَ بِمَا إذَا كَانَا وَالْحُرْمَةُ قَائِمَةٌ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَأَمَّا إذَا كَانَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ مُعْتَقِدَيْنِ ذَلِكَ) فَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا عِنْدَهُمْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا فَيَجِبُ التَّجْدِيدُ بَحْرٌ. وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ ابْنِ كَمَالٍ أَنَّ الشَّرْطَ جَوَازُهُ فِي دِينِ الزَّوْجِ خَاصَّةً. اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الزَّوْجَ الْأَوَّلَ وَهُوَ الَّذِي طَلَّقَهَا لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقُّ الزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ، فَإِذَا كَانَ لَا يَعْتَقِدُهَا لَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا لَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا عَنْ الْهِدَايَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أُقِرَّا عَلَيْهِ) أَيْ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا فِيمَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ فِي الْعِدَّةِ كَمَا مَرَّ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: إذَا أَسْلَمَا وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ لَا يُفَرَّقُ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا إذَا تَرَافَعَا وَهُمَا كَافِرَانِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَالْعِلَّةُ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ حَالَةَ الْإِسْلَامِ وَالْمُرَافَعَةِ حَالَةُ الْبَقَاءِ وَالشَّهَادَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا. وَكَذَا الْعِدَّةُ لَا تُنَافِيهَا كَالْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ. اهـ. ط. أَيْ فَإِنَّ الْمَوْطُوءَةَ بِشُبْهَةٍ تَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ مَعَ زَوْجِهَا وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ فَتْحٌ: أَيْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (قَوْلُهُ مُحَرَّمَيْنِ) بِأَنْ تَزَوَّجَ مَجُوسِيٌّ أُمَّهُ أَوْ بِنْتَه، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ مُطَلَّقَتَهُ ثَلَاثًا أَوْ جَمَعَ بَيْنَ خَمْسٍ أَوْ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا إجْمَاعًا فَتْحٌ، وَكَذَا قَالَ فِي النَّهْرِ، وَلَيْسَ الْحُكْمُ مَقْصُورًا عَلَى الْمَحْرَمِيَّةِ، بَلْ كَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ مُطَلَّقَتَهُ ثَلَاثًا إلَخْ ثُمَّ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ تَزَوَّجَ خَمْسًا فِي عُقْدَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهُنَّ عَلَى التَّعَاقُبِ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَامِسَةِ فَقَطْ، وَلَوْ تَزَوَّجَ وَاحِدَةً ثُمَّ أَرْبَعًا جَازَ نِكَاحُ الْوَاحِدَةِ لَا غَيْرُ، وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَمَا فَارَقَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ أُقِرَّا عَلَيْهِ. اهـ. وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ فَرَّقَ الْقَاضِي) أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَنْكِحَةَ لَهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ (وَبِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا لَا) يُفَرَّقُ لِبَقَاءِ حَقِّ الْآخَرِ، بِخِلَافِ إسْلَامِهِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى (إلَّا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَطَلَبَتْ التَّفْرِيقَ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا) إجْمَاعًا (كَمَا لَوْ) (خَالَعَهَا ثُمَّ أَقَامَ مَعَهَا مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ أَوْ تَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً فِي عِدَّةِ مُسْلِمٍ) أَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ آخَرَ وَقَدْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ يُفَرَّقُ مِنْ غَيْرِ مُرَافَعَةٍ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ   [رد المحتار] حُكْمُ الْبُطْلَانِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَلِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَهَا حُكْمُ الصِّحَّةِ فِي الْأَصَحِّ حَتَّى تَجِبَ النَّفَقَةُ وَيُحَدَّ قَاذِفُهُ إلَّا أَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ وَمَا مَعَهَا تُنَافِي الْبَقَاءَ كَمَا تُنَافِي الِابْتِدَاءَ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ نَهْرٌ. وَفِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ قَالَ الْبُرْجَنْدِيُّ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَقَعُ الْبَيْنُونَةُ بِالْإِسْلَامِ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ: تَبِينُ بِدُونِ تَفْرِيقِ الْقَاضِي، ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ) أَيْ مَحَلِّيَّةِ الْمَحْرَمِيَّةِ وَمَا مَعَهَا لِعَقْدِ الزَّوْجِيَّةِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، وَهَذَا تَعْلِيلٌ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ وَبِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا لَا يُفَرَّقُ) أَيْ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَافَعَا فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ أَيْضًا. لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فَصَارَ الْقَاضِي كَالْمُحَكِّمِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِبَقَاءِ حَقِّ الْآخَرِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِنَا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ إسْلَامِهِ) أَيْ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا بِأَنَّهُ يُفَرَّقُ بِمُرَافَعَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ كَمَا يُفَرَّقُ بِإِسْلَامِهِ. وَبَيَانُ الْجَوَابِ عَلَى قَوْلِهِ بِالْفَرْقِ، وَهُوَ أَنَّهُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا ظَهَرَتْ حُرْمَةُ الْآخَرِ لِتَغَيُّرِ اعْتِقَادِهِ وَاعْتِقَادُ الْمُصِرِّ لَا يُعَارِضُ إسْلَامَ الْمُسْلِمِ، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى، بِخِلَافِ مُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا وَرِضَاهُ فَإِنَّهُ لَا أَحَدِهِمَا لَا يُفَرَّقُ ط (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ هَذَا التَّفْرِيقَ لَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقٍّ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثَ قَاطِعَةٌ لِمِلْكِ النِّكَاحِ فِي الْأَدْيَانِ كُلِّهَا بَحْرٌ قُلْت: لَكِنَّ الْمَشْهُورَ الْآنَ مِنْ اعْتِقَادِ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنَّهُ لَا طَلَاقَ عِنْدَهُمْ، وَلَعَلَّهُ مِمَّا غَيَّرَهُ مِنْ شَرَائِعِهِمْ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ خَالَعَهَا) تَشْبِيهٌ فِي مُطْلَقِ تَفْرِيقٍ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ بَعْدَ مُرَافَعَةِ، لِقَوْلِ الشَّارِحِ بَعْدُ فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ يُفَرَّقُ مِنْ غَيْرِ مُرَافَعَةٍ ط (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ وَالذِّمِّيُّ يَعْتَقِدُ كَوْنَ الطَّلَاقِ مُزِيلًا لِلنِّكَاحِ وَالْوَطْءُ بَعْدَهُ حَرَامٌ فِي الْأَدْيَانِ كُلِّهَا يَحُدُّونَ بِهِ نَهْرٌ أَيْ بِالْوَطْءِ بَعْدَهُ، وَمَحَلُّ الْحَدِّ إنْ لَمْ يَعْتَقِدْ شُبْهَةَ الْحِلِّ فِي الْعِدَّةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْحُدُودِ وَمِثْلُ هَذَا التَّعْلِيلِ يُقَالُ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ الْآتِيَةِ ط (قَوْلُهُ أَوْ تَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً فِي عِدَّةِ مُسْلِمٍ) وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ مُسْلِمَةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً، فَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَيُعَاقَبُ إنْ دَخَلَ بِهَا، وَلَا يَبْلُغُ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَتُعَزَّرُ الْمَرْأَةُ وَمَنْ زَوَّجَهَا لَهُ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ النِّكَاحِ لَمْ يُتْرَكْ عَلَى نِكَاحِهِ. [تَنْبِيهٌ] : قَالَ فِي النَّهْرِ: قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِكَوْنِ الْمُتَزَوِّجِ كَافِرًا لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ تَزَوَّجَ ذِمِّيَّةً فِي عِدَّةِ كَافِرٍ ذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَلَا يُبَاحُ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا عِنْدَهُ، وَقَالَا النِّكَاحُ بَاطِلٌ، وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَلِفَ فِي وُجُوبِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا فِي حَقِّ الْكَافِرِ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِمْ لَا يَدِينُونَهَا وَبِكَوْنِهِ جَائِزًا عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا بِأَنْ اعْتَقَدُوا وُجُوبَهَا يُفَرَّقُ إجْمَاعًا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَيَلْزَمُ فِي الْمُهَاجِرَةِ وُجُوبُ الْعِدَّةِ إنْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ لِأَنَّ الْمُضَافَ إلَى تَبَايُنِ الدَّارِ الْفُرْقَةُ لَا نَفْيُ الْعِدَّةِ. اهـ. قُلْت: قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ قَدْ يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ مِمَّا لَا يَنْبَغِي، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا تَجِبُ حَقًّا لِلزَّوْجِ: أَيْ الَّذِي طَلَّقَهَا وَلَا تَجِبُ لَهُ بِدُونِ اعْتِقَادِهِ، وَلِمَا قَدَّمْنَاهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ كَمَالٍ مِنْ اعْتِبَارِ دِينِ الزَّوْجِ خَاصَّةً، وَكَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ مِنْ الْكَافِرِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَصْلًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ آخَرَ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَأَقَامَ مَعَهَا مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ آخَرَ حَتَّى تَكُونَ مَسْأَلَةً أُخْرَى وَيَشْكُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُ إذَا تَوَقَّفَ التَّفْرِيقُ فِي الْأُولَى عَلَى طَلَبِ الْمَرْأَةِ يَلْزَمُ أَنْ يَتَوَقَّفَ هُنَا عَلَى طَلَبِهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 خِلَافًا لِلزَّيْلَعِيِّ وَالْحَاوِي مِنْ اشْتِرَاطِ الْمُرَافَعَةِ. (وَإِذَا) (أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْمَجُوسِيَّيْنِ أَوْ امْرَأَةُ الْكِتَابِيِّ عُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَى الْآخَرِ، فَإِنْ أَسْلَمَ) فِيهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ أَبَى   [رد المحتار] بِالْأَوْلَى، لِأَنَّهُ إذَا جَدَّدَ عَقْدَهُ عَلَيْهَا قَبْلَ زَوْجٍ آخَرَ حَصَلَتْ شُبْهَةُ الْعَقْدِ، فَكَيْفَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِلَا طَلَبٍ أَصْلًا مَعَ وُجُودِ شُبْهَةِ الْعَقْدِ، وَلَا يُفَرَّقُ إلَّا بِطَلَبٍ عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ شُبْهَةِ الْعَقْدِ، وَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ أَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، إنْ أَمْسَكَهَا مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ عَلَيْهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَتَرَافَعَا إلَى الْقَاضِي، وَإِنْ جَدَّدَهُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ فَلَا تَفْرِيقَ. ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ لِأَنَّهُ سَوَّى فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا أَوْ لَا حَيْثُ لَمْ تَتَزَوَّجْ بِغَيْرِهِ. اهـ. قُلْت: لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ أَيْضًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ مِثْلَ الْمُحَرَّمِينَ مَا لَوْ تَزَوَّجَ مُطَلَّقَتَهُ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ يَخُصَّ ذَلِكَ بِمَا إذَا أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا، لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، حَيْثُ قَالَ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ وَالْخَمْسِ اهـ أَيْ الْخِلَافُ الْمَارُّ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ مِنْ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بِمُرَافَعَتِهِمَا عِنْدَهُ لَا بِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلزَّيْلَعِيِّ إلَخْ) أَقُولُ مَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ لَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا هُنَا، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْحَاوِي الَّتِي نَقَلَهَا الْمُصَنِّفُ فِي مَنْحٍ هـ فَرَاجِعْهَا. وَأَمَّا الزَّيْلَعِيُّ فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ آنِفًا، ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لَوْ طَلَبَتْ التَّفْرِيقَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الزَّوْجِ وَكَذَا فِي الْخُلْعِ وَعِدَّةِ الْمُسْلِمِ لَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ آخَرَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا. اهـ. وَوَجْهُ الْمُخَالَفَةِ أَنَّ قَوْلَهُ وَكَذَا فِي الْخُلْعِ إلَخْ يُفِيدُ تَوَقُّفَ التَّفْرِيقِ عَلَى الطَّلَبِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّشْبِيهِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ ذَكَرَ عِبَارَةَ الْغَايَةِ. وَقَالَ عَقِبَ قَوْلِهِ وَكَذَا فِي الْخُلْعِ: يَعْنِي اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا الذِّمِّيِّ ثُمَّ أَمْسَكَهَا فَرَفَعَتْهُ إلَى الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ إمْسَاكَهَا ظُلْمٌ إلَخْ، " فَمَا عَزَاهُ فِي الْغَايَةِ إلَى الْمُحِيطِ وَنَقَلَهُ عَنْهَا الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْفَتْحِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ تَوَقُّفِهِ عَلَى الْمُرَافَعَةِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ. وَتَوَقُّفِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَقَطْ. وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَيْضًا عِبَارَةَ الْمُحِيطِ الرَّضَوِيِّ وَهِيَ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْمُصَنِّفُ، فَهَذَا هُوَ وَجْهُ الْمُخَالَفَةِ الَّذِي أَرَادَهُ الشَّارِحُ، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ أَيْضًا وَقَدْ خَفِيَ عَلَى الْمُحَشِّينَ فَافْهَمْ، نَعَمْ فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ مُخَالَفَةٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا مِثْلُ الْمُحَرَّمَيْنِ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ قَرِيبًا ثُمَّ ذَكَرَ مَا فِي الْغَايَةِ مِنْ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بِطَلَبِهَا إجْمَاعًا، رَأَيْت فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ مَا يُؤَيِّدُ مَا فِي الْغَايَةِ، وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا طَلَّقَ الذِّمِّيُّ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ أَقَامَ عَلَيْهَا فَرَافَعَتْهُ إلَى السُّلْطَانِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ اخْتَلَعَتْ. وَإِذَا تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ الذِّمِّيَّةَ وَهِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ مُسْلِمٍ قَدْ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَإِنِّي أُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا اهـ لَكِنْ مُفَادُهُ أَنَّ التَّفْرِيقَ فِي هَذِهِ الْأَخِيرَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى مُرَافَعَةٍ وَطَلَبٍ أَصْلًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُسْلِمِ، وَمِثْلُهَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَافِي أَيْضًا. وَهُوَ مَا لَوْ تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ مُسْلِمَةً (قَوْلُهُ وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إلَخْ) حَاصِلُ صُوَرِ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا عَلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ؛ لِأَنَّهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَا كِتَابِيَّيْنِ أَوْ مَجُوسِيَّيْنِ، أَوْ الزَّوْجُ كِتَابِيٌّ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ بِالْعَكْسِ. وَعَلَى كُلٍّ فَالْمُسْلِمُ إمَّا الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ، وَفِي كُلٍّ مِنْ الثَّمَانِيَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَا فِي دَارِنَا أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الزَّوْجُ فَقَطْ فِي دَارِنَا أَوْ بِالْعَكْسِ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. وَفِيهِ أَيْضًا قَيْدٌ بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّةَ إذَا تَهَوَّدَتْ أَوْ عَكْسَهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِمْ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ؛ وَكَذَا لَوْ تَمَجَّسَتْ زَوْجَةُ النَّصْرَانِيِّ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا كَمَا لَوْ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً فِي الِابْتِدَاءِ اهـ وَالْمُرَادُ بِالْمَجُوسِيِّ مَنْ لَيْسَ لَهُ كِتَابٌ سَمَاوِيٌّ، فَيَشْمَلُ الْوَثَنِيَّ وَالدَّهْرِيَّ. وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالزَّوْجَيْنِ الْمُجْتَمِعَيْنِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا ثَمَّةَ إلَخْ (قَوْلُهُ أَوْ امْرَأَةُ الْكِتَابِيِّ) أَمَّا إذَا أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَبْقَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 أَوْ سَكَتَ (فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانَ) الزَّوْجُ (صَبِيًّا مُمَيِّزًا) اتِّفَاقًا عَلَى الْأَصَحِّ (وَالصَّبِيَّةُ كَالصَّبِيِّ) فِيمَا ذُكِرَ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ صَحَّ مِنْهُ الْإِسْلَامُ إذَا أَتَى بِهِ صَحَّ مِنْهُ الْإِبَاءُ إذَا عُرِضَ عَلَيْهِ (وَيُنْتَظَرُ عَقْلُ) أَيْ تَمْيِيزُ (غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَلَوْ) كَانَ (مَجْنُونًا) لَا يُنْتَظَرُ لِعَدَمِ نِهَايَتِهِ بَلْ (يُعْرَضُ) الْإِسْلَامُ (عَلَى أَبَوَيْهِ) فَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ تَبِعَهُ فَيَبْقَى النِّكَاحُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ نَصَبَ الْقَاضِي عَنْهُ وَصِيًّا فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِالْفُرْقَةِ بَاقَانِيٌّ عَنْ الْبَهْنَسِيِّ عَنْ رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ لِلزَّاهِدِيِّ. (وَلَوْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ فَتَهَوَّدَتْ أَوْ تَنَصَّرَتْ بَقِيَ نِكَاحُهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي الِابْتِدَاءِ كَذَلِكَ) لِأَنَّهَا كِتَابِيَّةٌ مَآلًا (وَالتَّفْرِيقُ) بَيْنَهُمَا (طَلَاقٌ) يُنْقِصُ الْعَدَدَ (لَوْ أَبَى لَا لَوْ أَبَتْ)   [رد المحتار] كَمَا يَأْتِي مَتْنًا (قَوْلُهُ أَوْ سَكَتَ) غَيْرَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُكَرِّرُ عَلَيْهِ الْعَرْضَ ثَلَاثًا احْتِيَاطًا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) وَمَا لَمْ يُفَرِّقْ الْقَاضِي فَهِيَ زَوْجَتُهُ، حَتَّى لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ تُسْلِمَ امْرَأَتُهُ الْكَافِرَةُ وَجَبَ لَهَا الْمَهْرُ: أَيْ كَمَالُهُ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ كَانَ قَائِمًا وَيَتَقَرَّرُ بِالْمَوْتِ فَتْحٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَوَارَثَا لِمَانِعِ الْكُفْرِ (قَوْلُهُ صَبِيًّا مُمَيِّزًا) أَيْ يَعْقِلُ الْأَدْيَانَ، لِأَنَّ رِدَّتَهُ مُعْتَبَرَةٌ فَكَذَا إبَاؤُهُ فَتْحٌ. قَالَ فِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ: وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) وَقِيلَ لَا يُعْتَبَرُ إبَاؤُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا لَا تُعْتَبَرُ رِدَّتُهُ عِنْدَهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَالْإِبَاءِ وَالسُّكُوتِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ) أَيْ الصَّبِيُّ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ الْفَتْحِ، وَلَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْبَالِغُ مِثْلُهُ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ نِهَايَتِهِ) بِخِلَافِ عَدَمِ التَّمْيِيزِ فَإِنَّ لَهُ نِهَايَةً (قَوْلُهُ بَلْ يَعْرِضُ الْإِسْلَامَ عَلَى أَبَوَيْهِ إلَخْ) قَالَ فِي التَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ: وَإِنَّمَا يَعْرِضُ الْإِسْلَامَ عَلَى أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ لِصَيْرُورَتِهِ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أُقَرَّا عَلَى النِّكَاحِ وَإِنْ أَبَى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُسْلِمَةِ، وَيَصِيرُ مُرْتَدًّا تَبَعًا بِارْتِدَادِ أَبَوَيْهِ وَلِحَاقِهِمَا بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَاهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ بَلَغَ مُسْلِمًا ثُمَّ جُنَّ أَوْ أَسْلَمَ عَاقِلًا فَجُنَّ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَارْتَدَّا وَلَحِقَا بِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ عَنْهُ زَوَالِ تَبَعِيَّةِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ بِتَقَرُّرِ رُكْنِ الْإِيمَانِ مِنْهُ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَى وَالِدِهِ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ الْآبَاءِ عَلَى الْأَوْلَادِ عَادَةً فَلَعَلَّ ذَلِكَ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يُسْلِمَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَالِدَانِ جَعَلَ الْقَاضِي لَهُ خَصْمًا وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِبَاءَ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ هُنَا لِلتَّعَذُّرِ. اهـ. وَهَذَا مَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَاقَانِيِّ، وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَحَاصِلُهُ أَنَّ فَائِدَةَ نَصْبِ الْوَصِيِّ الْحُكْمُ بِالتَّفْرِيقِ بِلَا عَرْضٍ بَلْ يَسْقُطُ الْعَرْضُ لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِتَبَعِيَّةِ غَيْرِ الْأَبَوَيْنِ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ أُمٌّ فَقَطْ يَعْرِضُ الْإِسْلَامَ عَلَيْهَا، فَإِنْ أَبَتْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا وِلَايَةٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمَنَاطَ هُنَا التَّبَعِيَّةُ لَا الْوِلَايَةُ، فَقَوْلُ بَعْضِ الْمُحَشِّينَ إنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ لَا يَعْرِضُ عَلَى الْأُمِّ بَلْ يَنْصِبُ لَهُ وَصِيًّا غَيْرُ صَحِيحٍ، نَعَمْ لَوْ كَانَ أَبَوَيْهِ مَجْنُونَيْنِ أَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ يَنْصِبَ عَنْهُ وَصِيًّا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَجْنُونَ كَالصَّبِيِّ فِي تَبَعِيَّتِهِ لِأَبَوَيْهِ إسْلَامًا وَكُفْرًا مَا لَمْ يُسْلِمْ قَبْلَ جُنُونِهِ (قَوْلُهُ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ إلَخْ) بِخِلَافِ عَكْسِهِ، وَهُوَ مَا لَوْ كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً وَقْتَ إسْلَامِهِ ثُمَّ تَمَجَّسَتْ فَإِنَّهُ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِلَا عَرْضٍ عَلَيْهَا بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. وَظَاهِرُهُ وُقُوعُ الْفُرْقَةِ بِلَا تَفْرِيقِ الْقَاضِي لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالْمُرْتَدَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ طَلَاقٌ يُنْقِصُ الْعَدَدَ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّلَاقِ حَقِيقَتُهُ لَا الْفَسْخُ، فَلَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا طَلْقَتَيْنِ فَقَطْ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنَّهُ فَسْخٌ، ثُمَّ هَذَا الطَّلَاقُ بَائِنٌ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ بِالطَّلَاقِ إلَى وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً فَقَدْ الْتَزَمَتْ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَمِنْ حُكْمِهِ وُجُوبُ الْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً لَا تَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا فَالزَّوْجُ مُسْلِمٌ وَالْعِدَّةُ حَقُّهُ، وَحُقُوقُنَا لَا تَبْطُلُ بِدِيَانَتِهِمْ وَإِلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ فِي الْعِدَّةِ إنْ كَانَتْ هِيَ مُسْلِمَةً لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ مِنْ النِّسَاءِ (وَإِبَاءُ الْمُمَيِّزِ وَأَحَدُ أَبَوَيْ الْمَجْنُونِ طَلَاقٌ) فِي الْأَصَحِّ، وَهُوَ مِنْ أَغْرَبِ الْمَسَائِلِ حَيْثُ يَقَعُ الطَّلَاقُ مِنْ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ زَيْلَعِيٌّ، وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ الطَّلَاقُ مِنْ الْقَاضِي وَهُوَ عَلَيْهِمَا لَا مِنْهُمَا فَلَيْسَا بِأَهْلٍ لِلْإِيقَاعِ بَلْ لِلْوُقُوعِ،   [رد المحتار] كَافِرَةً وَأَسْلَمَ الزَّوْجُ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ جِهَتِهَا. وَلِذَا لَا مَهْرَ لَهَا إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ اهـ. أَمَّا لَوْ أَسْلَمَتْ وَأَبَى الزَّوْجُ فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَكُلُّهُ بَعْدَهُ كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ. ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ أَيْضًا إلَى وُقُوعِ طَلَاقِهِ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالْخُلْعِ أَوْ بِالْجَبِّ أَوْ الْعُنَّةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْآتِي أَوْ هِيَ. وَظَاهِرُهُ مَا فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِمَا إذَا أَسْلَمَتْ وَأَبَى هُوَ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. اهـ. أَقُولُ: مَا فِي الْفَتْحِ صَرِيحٌ فِي الْأَوَّلِ، حَيْثُ قَالَ: إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الذِّمِّيَّيْنِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِإِبَاءِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْآبِيَةُ مَعَ أَنَّ الْفُرْقَةَ فَسْخٌ وَبِهِ يُنْتَقَضُ مَا قِيلَ إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ اهـ نَعَمْ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ يُفِيدُ أَنَّهُ خَاصٌّ بِمَا إذَا كَانَ هُوَ الْآبِي وَهُوَ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالْخُلْعِ إلَخْ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ مِنْ جَانِبِهِ فَتَكُونُ طَلَاقًا، وَمُعْتَدَّةُ الطَّلَاقِ يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ هِيَ الْآبِيَةُ تَكُونُ الْفُرْقَةُ فَسْخًا وَالْفَسْخُ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي عِدَّتِهِ نَعَمْ فِي الْبَحْرِ أَوَّلَ كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي عِدَّةِ الْفَسْخِ إلَّا فِي ارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا وَتَفْرِيقِ الْقَاضِي بِإِبَاءِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْإِسْلَامِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَا يَقَعُ عَلَى الْآخَرِ طَلَاقُهُ، لَكِنْ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: إنَّ هَذَا فِي طَلَاقِ أَهْلِ الْحَرْبِ: أَيْ فِيمَا لَوْ هَاجَرَ أَحَدُهُمَا إلَيْنَا مُسْلِمًا لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. قُلْت: إنَّ هَذَا الْحَمْلَ مُمْكِنٌ فِي عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ دُونَ عِبَارَةِ طَلَاقِ الْبَحْرِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ آخِرَ بَابِ الْكِنَايَاتِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ مِنْ النِّسَاءِ) بَلْ الَّذِي يَكُونُ مِنْ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْفُرْقَةِ شَرْعًا هُوَ الْفَسْخُ، فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهَا فِيمَا تَمْلِكُهُ (قَوْلُهُ وَإِبَاءُ الْمُمَيِّزِ) أَيْ تَفْرِيقُ الْقَاضِي بِسَبَبِ الْإِبَاءِ، وَإِلَّا فَالْإِبَاءُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ ح (قَوْلُهُ وَأَحَدِ أَبَوَيْ الْمَجْنُونِ) أَيْ إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا أَحَدُهُمَا أَبًا أَوْ أُمًّا، أَمَّا لَوْ وُجِدَا فَلَا بُدَّ مِنْ إبَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا تَبِعَهُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ طَلَاقٌ فِي الْأَصَحِّ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ فِي غَيْرِ الْأَصَحِّ يَكُونُ فَسْخًا أَبُو السُّعُودِ مَطْلَبٌ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَيْسَا بِأَهْلٍ لِإِيقَاعِ طَلَاقٍ بَلْ لِلْوُقُوعِ (قَوْلُهُ فَلَيْسَا بِأَهْلٍ لِلْإِيقَاعِ) أَيْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مِنْهُمَا، بَلْ هُمَا أَهْلٌ لِلْوُقُوعِ: أَيْ حَكَمَ الشَّرْعُ بِوُقُوعِهِ عَلَيْهِمَا عِنْدَ وُجُودِ مُوجِبِهِ. وَفِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَغَيْرُهُ الْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ شَرْعِيَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ عَدَمُهَا عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ. فَأَمَّا عِنْدَ تَحَقُّقِهَا فَمَشْرُوعٌ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: زَعَمَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ أَصْلًا فِي حَقِّ الصَّبِيِّ. حَتَّى أَنَّ امْرَأَتَهُ لَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ، وَهَذَا وَهْمٌ عِنْدِي، فَإِنَّ الطَّلَاقَ يُمْلَكُ بِمِلْكِ النِّكَاحِ إذْ لَا ضَرَرَ فِي إثْبَاتِ أَصْلِ الْمِلْكِ بَلْ الضَّرَرُ فِي الْإِيقَاعِ، حَتَّى إذَا تَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ إلَى صِحَّةِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مِنْ جِهَتِهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَانَ صَحِيحًا، فَإِذَا أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ وَأَبَى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ طَلَاقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَإِذَا ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ وَكَانَ طَلَاقًا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَإِذَا وَجَدَتْهُ مَجْبُوبًا فَخَاصَمَتْهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ طَلَاقًا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 كَمَا لَوْ وَرِثَ قَرِيبَهُ. وَلَوْ قَالَ: إنْ جُنِنْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجُنَّ لَمْ يَقَعْ، بِخِلَافِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَهَا مَجْنُونًا وَقَعَ. (وَلَوْ) (أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الْمَجُوسِيَّيْنِ أَوْ امْرَأَةُ الْكِتَابِيِّ (ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَمُلْحَقٌ بِهَا كَالْبَحْرِ الْمِلْحِ (لَمْ تَبِنْ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثًا) أَوْ تَمْضِيَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ (قَبْلَ إسْلَامِ الْآخَرِ) إقَامَةً لِشَرْطِ الْفُرْقَةِ مَقَامَ السَّبَبِ، وَلَيْسَتْ بِعِدَّةٍ لِدُخُولِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا.   [رد المحتار] قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ كَالْبَالِغِ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ مِنْهُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إيقَاعُهُ مِنْهُ ابْتِدَاءً لِلضَّرَرِ عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى أَنَّهُ إيقَاعٌ مِنْ الْقَاضِي وَلِأَنَّ تَفْرِيقَ الْقَاضِي هُنَا كَتَفْرِيقِهِ بِإِبَاءِ الْبَالِغِ عَنْ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ طَلَاقٌ مِنْهُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ، فَكَذَا فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُمَا أَيْ ابْتِدَاءً وَكَانَ وُقُوعُهُ مِنْهُمَا بِعَارِضٍ غَرِيبًا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ مِنْ أَغْرَبِ الْمَسَائِلِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ وَرِثَ قَرِيبَهُ) أَيْ الرَّحِمَ الْمَحْرَمَ مِنْهُ كَأَنْ وَرِثَ أَبَاهُ الْمَمْلُوكَ لِأَخِيهِ مِنْ أُمٍّ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَكَمَا لَوْ تَزَوَّجَ مَمْلُوكَةَ أَبِيهِ فَوَرِثَهَا مِنْهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ (قَوْلُهُ لَمْ يَقَعْ) لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى مَا يُنَافِي وُقُوعَهُ مِنْهُ، فَإِنَّ الْجَزَاءَ وَهُوَ أَنْتِ طَالِقٌ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الشَّرْطِ صَالِحًا لَهُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ مِتّ فَأَنْتِ طَالِقٌ، كَذَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ وَقَعَ) لَمَّا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ الْأَهْلِيَّةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ لَا وَقْتَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَيْسَ الشَّرْطُ هُنَا وَهُوَ دُخُولُ الدَّارِ مُنَافِيًا لِانْعِقَادِ الْجَزَاءِ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي صِحَّةِ التَّعْلِيقِ مِنْ وُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ وَقْتَهُ وَعَدَمِ مُنَافَاةِ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ لِلْجَزَاءِ الْمُعَلَّقِ وَهُنَا وُجِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ الْأُولَى فَإِنَّهُ وُجِدَتْ فِيهَا الْأَهْلِيَّةُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ وَفُقِدَ الْآخَرُ وَهُوَ عَدَمُ الْمُنَافَاةِ. هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا ثَمَّةَ) هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْمَجُوسِيَّيْنِ أَوْ امْرَأَةُ الْكِتَابِيِّ إلَخْ فَإِنَّهُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا اجْتَمَعَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ هُنَا: أَطْلَقَ فِي إسْلَامِ أَحَدِهِمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْآخَرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَقَامَ الْآخَرُ فِيهَا أَوْ خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ. فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَا يَعْرِضُ الْإِسْلَامُ عَلَى الْمُصِرِّ، سَوَاءٌ خَرَجَ الْمُسْلِمُ أَوْ الْآخَرُ لِأَنَّهُ لَا يُقْضَى لِغَائِبٍ وَلَا عَلَى غَائِبٍ، وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْبَحْرِ الْمِلْحِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا لَيْسَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَا إسْلَامٍ مُلْحَقًا بِدَارِ الْحَرْبِ كَالْبَحْرِ الْمِلْحِ لِأَنَّهُ لَا قَهْرَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ رَاكِبُهُ تَوَقَّفَتْ الْبَيْنُونَةُ عَلَى مُضِيِّ ثَلَاثِ حَيْضٍ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِهِمْ بِتَعَذُّرِ الْعَرْضِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ. اهـ. وَهَلْ حُكْمُ الْبَحْرِ الْمِلْحِ فِي غَيْرِ هَذِهِ حُكْمُ دَارِ الْحَرْبِ، حَتَّى لَوْ خَرَجَ إلَيْهِ الذِّمِّيُّ صَارَ حَرْبِيًّا وَانْتَقَضَ عَهْدُهُ، وَإِذَا خَرَجَ إلَيْهِ الْحَرْبِيُّ وَعَادَ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى دَارِهِ يُنْقَضُ أَمَانُهُ وَيُعْشَرُ مَا مَعَهُ يُحَرَّرُ ط (قَوْلُهُ لَمْ تَبِنْ حَتَّى تَحِيضَ إلَخْ) أَفَادَ بِتَوَقُّفِ الْبَيْنُونَةِ عَلَى الْحَيْضِ أَنَّ الْآخَرَ لَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَلَا بَيْنُونَةَ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ أَوْ تَمْضِي ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) أَيْ إنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَحَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا ح عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ إقَامَةً لِشَرْطِ الْفُرْقَةِ) وَهُوَ مُضِيُّ هَذِهِ الْمُدَّةِ مَقَامَ السَّبَبِ وَهُوَ الْإِبَاءُ لِأَنَّ الْإِبَاءَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْعَرْضِ، وَقَدْ عُدِمَ الْعَرْضُ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ وَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّفْرِيقِ لِأَنَّ الْمُشْرِكَ لَا يَصْلُحُ لِلْمُسْلِمِ وَإِقَامَةُ الشَّرْطِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعِلَّةِ جَائِزٌ، فَإِذَا مَضَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ صَارَ مُضِيُّهَا بِمَنْزِلَةِ تَفْرِيقِ الْقَاضِي وَتَكُونُ فُرْقَةً بِطَلَاقٍ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِغَيْرِ طَلَاقٍ لِأَنَّهَا بِسَبَبِ الْإِبَاءِ حُكْمًا وَتَقْدِيرًا بَدَائِعُ. وَبَحَثَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْمُسْلِمُ هُوَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ فُرْقَةً بِطَلَاقٍ، لِأَنَّ الْآبِيَ هُوَ الزَّوْجُ حُكْمًا وَالتَّفْرِيقُ بِإِبَائِهِ طَلَاقٌ عِنْدَهُمَا. فَكَذَا مَا قَامَ مَقَامَهُ وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ الزَّوْجَ فَهِيَ فَسْخٌ (قَوْلُهُ وَلَيْسَتْ بِعِدَّةٍ) أَيْ لَيْسَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 (وَلَوْ) (أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ) وَلَوْ مَآلًا كَمَا مَرَّ (فَهِيَ لَهُ، وَ) الْمَرْأَةُ (تَبِينُ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ) حَقِيقَةً وَحُكْمًا (لَا) بِ (السَّبْيِ، فَلَوْ) (خَرَجَ) أَحَدُهُمَا (إلَيْنَا مُسْلِمًا) أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ أَسْلَمَ أَوْ صَارَ ذَا ذِمَّةٍ فِي دَارِنَا (أَوْ أُخْرِجَ مَسْبِيًّا) وَأُدْخِلَ فِي دَارِنَا (بَانَتْ) بِتَبَايُنِ الدَّارِ، إذْ أَهْلُ الْحَرْبِ كَالْمَوْتَى، وَلَا نِكَاحَ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيِّتٍ (وَإِنْ) (سُبِيَا) أَوْ خَرَجَا إلَيْنَا (مَعًا) ذِمِّيَّيْنِ أَوْ مُسْلِمَيْنِ أَوْ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ صَارَا ذِمِّيَّيْنِ (لَا) تَبِينُ لِعَدَمِ التَّبَايُنِ. حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَسْبِيَّةُ مَنْكُوحَةَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لَمْ تَبِنْ، وَلَوْ نَكَحَهَا ثَمَّةَ ثُمَّ خَرَجَ قَبْلَهَا بَانَتْ وَإِنْ خَرَجَتْ قَبْلَهُ لَا، وَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمُحِيطِ تَحْرِيفٌ نَهْرٌ.   [رد المحتار] هَذِهِ الْمُدَّةُ عِدَّةً لِأَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ هَذَا الْحُكْمِ، وَلَوْ كَانَتْ عِدَّةً لَاخْتَصَّ ذَلِكَ بِالْمَدْخُولِ بِهَا، وَهَلْ تَجِبُ الْعِدَّةُ بَعْدَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حَرْبِيَّةً فَلَا لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى الْحَرْبِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةُ فَخَرَجَتْ إلَيْنَا فَتَمَّتْ الْحَيْضَ هُنَا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ الْمُهَاجِرَةَ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا سَيَأْتِي بَدَائِعُ وَهِدَايَةٌ وَجَزَمَ الطَّحَاوِيُّ بِوُجُوبِهَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى اخْتِيَارِ قَوْلِهِمَا (وَقَوْلُهُ وَلَوْ أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ أَوْ امْرَأَةُ الْكِتَابِيِّ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي الِابْتِدَاءِ كَذَلِكَ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ فِيمَا مَرَّ يُمْكِنُ انْفِهَامُهُ مِنْ هُنَا بِأَنْ يُرَادَ بِالْكِتَابِيَّةِ الْكِتَابِيَّةُ حَالًا أَوْ مَآلًا. (قَوْلُهُ فَهِيَ لَهُ) لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا ابْتِدَاءً، فَالْبَقَاءُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَسْهَلُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا) الْمُرَادُ بِالتَّبَايُنِ حَقِيقَةُ تَبَاعُدِهِمَا شَخْصًا، وَبِالْحُكْمِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الدَّارِ الَّتِي دَخَلَهَا عَلَى سَبِيلِ الرُّجُوعِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْقَرَارِ وَالسُّكْنَى، حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ لَمْ تَبِنْ زَوْجَتُهُ لِأَنَّهُ فِي دَارِهِ حُكْمًا إلَّا إذَا قَبْلَ الذِّمَّةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لَا بِالسَّبْيِ) تَنْصِيصٌ عَلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ عَكَسَ وَجَعَلَ سَبَبَ الْفُرْقَةِ السَّبْيَ لَا التَّبَايُنَ فَتَفَرَّعَ أَرْبَعُ صُوَرٍ وِفَاقِيَّتَانِ وَخِلَافِيَّتَانِ، فَقَوْلُهُ فَلَوْ خَرَجَ أَحَدُهُمَا إلَخْ وَقَوْلُهُ وَإِنْ سُبِيَا إلَخْ خِلَافِيَّتَانِ، وَقَوْلُهُ أَوْ أُخْرِجَ مَسْبِيًّا، وَقَوْلُهُ أَوْ خَرَجَا إلَيْنَا إلَخْ وِفَاقِيَّتَانِ (قَوْلُهُ فَلَوْ خَرَجَ أَحَدُهُمَا إلَخْ) هَذِهِ خِلَافِيَّةٌ لِوُجُودِ التَّبَايُنِ دُونَ السَّبْيِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: ثُمَّ إنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الَّذِي خَرَجَ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا حَرْبِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. اهـ. وَفِي الْفَتْحِ: لَوْ كَانَ الْخَارِجُ هُوَ الرَّجُلُ يَحِلُّ لَهُ عِنْدَنَا التَّزَوُّجُ بِأَرْبَعٍ فِي الْحَالِ وَبِأُخْتِ امْرَأَتِهِ الَّتِي فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا كَانَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ أَوْ أُخْرِجَ) هَذِهِ وِفَاقِيَّةٌ لِوُجُودِ التَّبَايُنِ وَالسَّبْيِ (قَوْلُهُ وَأُدْخِلَ فِي دَارِنَا) أَفَادَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ التَّبَايُنُ بِمُجَرَّدِ السَّبْيِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِحْرَازِ فِي دَارِنَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ كَالْمَوْتَى) وَلِهَذَا لَوْ الْتَحَقَ بِهِمْ الْمُرْتَدُّ يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمَوْتَى ط (قَوْلُهُ وَإِنْ سُبِيَا) هَذِهِ خِلَافِيَّةٌ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا وِفَاقِيَّةٌ لِعَدَمِ السَّبْيِ فِيهَا (قَوْلُهُ أَوْ ثُمَّ أَسْلَمَا) عِبَارَةُ الْبَحْرِ أَوْ مُسْتَأْمَنَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَا إلَخْ فَأَوْ هُنَا عَاطِفَةٌ لِحَالٍ مَحْذُوفَةٍ عَلَى الْحَالِ السَّابِقَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ ذِمِّيَّيْنِ، وَثُمَّ عَاطِفَةٌ لَأَسْلَمَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ الْمَحْذُوفَةِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى اشْتِرَاطِ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا. (قَوْلُهُ لَمْ تَبِنْ) لِأَنَّ الدَّارَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ حَقِيقَةً لَكِنَّهَا مُتَّحِدَةٌ حُكْمًا لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا نَكَحَهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ ثَمَّةَ ثُمَّ سُبِيَتْ، وَلَا يُمْكِنُ فَرْضُهَا فِيمَا لَوْ نَكَحَهَا هُنَا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ يَمْنَعُ بَقَاءَ النِّكَاحِ فَيَمْنَعُ ابْتِدَاءَهُ بِالْأَوْلَى كَمَا قَالَهُ الرَّحْمَتِيُّ، وَلَوْ نَكَحَهَا وَهِيَ هُنَا بِأَمَانٍ صَارَتْ ذِمِّيَّةً لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَبَعٌ لِزَوْجِهَا فِي الْمُقَامِ كَمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ بَابِ الْمُسْتَأْمِنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَكَحَهَا) أَيْ الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ (قَوْلُهُ بَانَتْ) لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا ط (قَوْلُهُ وَإِنْ خَرَجَتْ قَبْلَهُ لَا) أَيْ لَا تَبِينُ لِأَنَّ الزَّوْجَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا خَرَجَتْ قَبْلَهُ صَارَتْ ذِمِّيَّةً لَا تُمَكَّنُ مِنْ الْعَوْدِ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِزَوْجِهَا فِي الْمُقَامِ كَمَا عَلِمْت فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمَا فِي الْفَتْحِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي الْمُحِيطِ: مُسْلِمٌ تَزَوَّجَ حَرْبِيَّةً فِي دَارِ الْحَرْبِ فَخَرَجَ بِهَا رَجُلٌ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِالتَّبَايُنِ، فَلَوْ خَرَجَتْ بِنَفْسِهَا قَبْلَ زَوْجِهَا لَمْ تَبِنْ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا بِالْتِزَامِهَا أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ، إذْ لَا تُمَكَّنُ مِنْ الْعَوْدِ وَالزَّوْجُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا تَبَايُنَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 (وَمَنْ) (هَاجَرَتْ إلَيْنَا) مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً (حَائِلًا) (بَانَتْ بِلَا عِدَّةٍ) فَيَحْصُلُ تَزَوُّجُهَا، أَمَّا الْحَامِلُ فَحَتَّى تَضَعَ عَلَى الْأَظْهَرِ لَا لِلْعِدَّةِ بَلْ لِشَغْلِ الرَّحِمِ بِحَقِّ الْغَيْرِ (وَارْتِدَادُ أَحَدِهِمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ (فَسْخٌ) فَلَا يُنْقِصُ عَدَدًا (عَاجِلٌ)   [رد المحتار] قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِهِ: يُرِيدُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى إذَا أَخْرَجَهَا الرَّجُلُ قَهْرًا حَتَّى مَلَكَهَا لِتَحَقُّقِ التَّبَايُنِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا حِينَئِذٍ حَقِيقَةً وَحُكْمًا. إمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ، وَإِمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ حُكْمًا وَزَوْجُهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ: وَفِي قَوْلِهِ وَأَمَّا حُكْمًا إلَخْ بَحْثٌ. اهـ. وَلَعَلَّ وَجْهَهُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَعْنَى الْحُكْمِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الدَّارِ الَّتِي دَخَلَهَا عَلَى سَبِيلِ الرُّجُوعِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْقَرَارِ، وَهِيَ هُنَا كَذَلِكَ إذْ لَا تُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ، ثُمَّ رَاجَعْت الْمُحِيطَ الرَّضَوِيَّ فَإِذَا الَّذِي فِيهِ مُسْلِمٌ تَزَوَّجَ حَرْبِيَّةً كِتَابِيَّةً فِي دَارِ الْحَرْبِ فَخَرَجَ عَنْهَا الزَّوْجُ وَحْدَهُ بَانَتْ، وَلَوْ خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الزَّوْجِ لَمْ تَبِنْ، وَعَلَّلَهُ بِمَا مَرَّ وَهَذَا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي نُسْخَةِ صَاحِبِ الْفَتْحِ تَحْرِيفٌ وَالصَّوَابُ مَا أَسْمَعْتُك. اهـ. ح. قُلْت: وَمَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ ذَكَرَ مِثْلَهُ فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فَالصَّوَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الَّتِي نَقَلَهَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهَا لَا تَبِينُ لِاخْتِلَافِ الدَّارِ حَقِيقَةً لَا حُكْمًا (قَوْلُهُ وَمَنْ هَاجَرَتْ إلَيْنَا إلَخْ) الْمُهَاجِرَةُ التَّارِكَةُ دَارَ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ عَلَى عَزْمِ عَدَمِ الْعَوْدِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَخْرُجَ مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ صَارَتْ كَذَلِكَ بَحْرٌ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَاخِلَةٌ فِيمَا قَبْلَهَا، لَكِنْ مَا مَرَّ فِيمَا إذَا خَرَجَ أَحَدُهُمَا مُهَاجِرًا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْمُهَاجِرَةُ الْمَرْأَةَ وَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ حَائِلًا فَتُزَوَّجُ لِلْحَالِ، إلَّا الْحَامِلَ فَتَتَرَبَّصُ لَا عَلَى وَجْهِ الْعِدَّةِ بَلْ لِيَرْتَفِعَ الْمَانِعُ بِالْوَضْعِ. وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَتْحٌ وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُصَنِّفِ بِالْحَائِلِ أَيْ غَيْرِ الْحُبْلَى لَا وَجْهَ لَهُ، بِخِلَافِ قَوْلِ الْكَنْزِ وَتُنْكَحُ الْمُهَاجِرَةُ الْحَائِلُ بِلَا عِدَّةٍ فَإِنَّهَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْحَامِلِ كَمَا عَلِمْت لَكِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْحَامِلَ لَهَا عِدَّةٌ كَمَا تَوَهَّمَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ) مُقَابِلُهُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ أَنَّهُ يَصِحُّ نِكَاحُهَا قَبْلَ الْوَضْعِ، لَكِنْ لَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَضَعَ كَالْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا وَرَجَّحَهَا الْأَقْطَعُ، لَكِنْ الْأَوْلَى ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ نَهْرٌ، وَصَحَّحَهَا الشَّارِحُونَ وَعَلَيْهَا الْأَكْثَرُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا لِلْعِدَّةِ) نَفْيٌ لِقَوْلِهِمَا وَلِمَا تَوَهَّمَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ. (قَوْلُهُ بَلْ لِشَغْلِ الرَّحِمِ بِحَقِّ الْغَيْرِ) أَفَادَ بِهِ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا فَإِنَّ هَذِهِ حَمْلُهَا ثَابِتُ النَّسَبِ فَيُؤَثِّرُ فِي مَنْعِ الْعَقْدِ احْتِيَاطًا لِئَلَّا يَقَعَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بِمَنْزِلَةِ الْجَمْعِ وَطْئًا كَمَا فِي الْفَتْحِ، بِخِلَافِ الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا فَإِنَّ مَاءَ الزِّنَا لَا حُرْمَةَ لَهُ وَلَيْسَ فِيهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَلِذَا صَحَّ نِكَاحُهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَسْخٌ) أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ بِخِلَافِ الْإِبَاءِ عَنْ الْإِسْلَامِ. وَسَوَّى مُحَمَّدٌ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَلَاقٌ وَأَبُو يُوسُفَ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فَسْخٌ، وَفَرَّقَ الْإِمَامُ بِأَنَّ الرِّدَّةَ مُنَافِيَةٌ لِلنِّكَاحِ لِمُنَافَاتِهَا الْعِصْمَةَ، وَالطَّلَاقُ يَسْتَدْعِي قِيَامَ النِّكَاحِ فَتَعَذَّرَ جَعْلُهَا طَلَاقًا، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيَقَعُ طَلَاقُ زَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِالرِّدَّةِ غَيْرُ مُتَأَبَّدَةٍ فَإِنَّهَا تَرْتَفِعُ بِالْإِسْلَامِ فَيَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ مُسْتَتْبِعًا فَائِدَتَهُ مِنْ حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ حُرْمَةً مُغَيَّاةً بِوَطْءِ زَوْجٍ آخَرَ، بِخِلَافِ حُرْمَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ فَإِنَّهَا مُتَأَبَّدَةٌ لَا غَايَةَ لَهَا فَلَا يُفِيدُ لُحُوقُ الطَّلَاقِ فَائِدَةً اهـ. قُلْت: وَهَذَا إذَا لَمْ تَلْحَقْ بِدَارِ الْحَرْبِ. فَفِي الْخَانِيَّةِ قُبَيْلَ الْكِنَايَاتِ: الْمُرْتَدُّ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَا يَقَعُ وَإِنْ عَادَ مُسْلِمًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَطَلَّقَهَا يَقَعُ وَالْمُرْتَدَّةُ إذَا لَحِقَتْ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثُمَّ عَادَتْ مُسْلِمَةً قَبْلَ الْحَيْضِ، فَعِنْدَهُمَا يَقَعُ. (قَوْلُهُ فَلَا يُنْقِصُ عَدَدًا) فَلَوْ ارْتَدَّ مِرَارًا وَجَدَّدَ الْإِسْلَامَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَجَدَّدَ النِّكَاحَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَحِلُّ امْرَأَتُهُ مِنْ غَيْرِ إصَابَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 بِلَا قَضَاءٍ (فَلِلْمَوْطُوءَةِ) وَلَوْ حُكْمًا (كُلُّ مَهْرِهَا) لِتَأَكُّدِهِ بِهِ (وَلِغَيْرِهَا نِصْفُهُ) لَوْ مُسَمًّى أَوْ الْمُتْعَةُ (لَوْ) (ارْتَدَّ) وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ (وَلَا شَيْءَ مِنْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ سِوَى السُّكْنَى) (بِهِ يُفْتَى) (لَوْ ارْتَدَّتْ) لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْهَا قَبْلَ تَأَكُّدِهِ وَلَوْ مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ اسْتِحْسَانًا، وَصَرَّحُوا بِتَعْزِيرِهَا خَمْسَةً وَسَبْعِينَ، وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَعَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ زَجْرًا لَهَا بِمَهْرٍ يَسِيرٍ كَدِينَارٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلْوَالِجِيَّةٌ. وَأَفْتَى مَشَايِخُ بَلْخٍ بِعَدَمِ الْفُرْقَةِ بِرِدَّتِهَا زَجْرًا وَتَيْسِيرًا لَا سِيَّمَا الَّتِي تَقَعُ فِي الْمُكَفِّرِ ثُمَّ تُنْكِرُ، قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْإِفْتَاءُ بِهَذَا أَوْلَى مِنْ الْإِفْتَاءِ بِمَا فِي النَّوَادِرِ لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَنْ تَصَفَّحَ أَحْوَالَ نِسَاءِ زَمَانِنَا وَمَا يَقَعُ مِنْهُنَّ مِنْ مُوجِبَاتِ الرِّدَّةِ مُكَرَّرًا فِي كُلِّ يَوْمٍ لَمْ يَتَوَقَّفْ فِي الْإِفْتَاءِ بِرِوَايَةِ النَّوَادِرِ.   [رد المحتار] زَوْجٍ ثَانٍ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ بِلَا قَضَاءٍ) أَيْ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي، وَكَذَا بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى مُضِيِّ عِدَّةٍ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ حُكْمًا) أَرَادَ بِهِ الْخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ ح (قَوْلُهُ كُلُّ مَهْرِهَا) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ ارْتِدَادَهُ وَارْتِدَادَهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِتَأَكُّدِهِ) أَيْ تَأَكُّدِ تَمَامِ الْمَهْرِ بِهِ: أَيْ بِالْوَطْءِ الْحَقِيقِيِّ أَوْ الْحُكْمِيِّ (قَوْلُهُ أَوْ الْمُتْعَةُ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى (قَوْلُهُ لَوْ ارْتَدَّ) قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ وَلِغَيْرِهَا النِّصْفُ إلَخْ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ) أَيْ لَوْ مَدْخُولًا بِهَا إذْ غَيْرُهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. وَأَفَادَ وُجُوبَ الْعِدَّةِ سَوَاءٌ ارْتَدَّ أَوْ ارْتَدَّتْ بِالْحَيْضِ أَوْ بِالْأَشْهُرِ لَوْ صَغِيرَةً أَوْ آيِسَةً أَوْ بِوَضْعِ الْحَمْلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ مِنْ الْمَهْرِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لِأَنَّهَا مَحَلُّ التَّفْصِيلِ بِقَوْلِهِ لَوْ ارْتَدَّ، وَقَوْلُهُ لَوْ ارْتَدَّتْ. (قَوْلُهُ وَالنَّفَقَةُ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْكَلَامَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَهَذِهِ لَا نَفَقَةَ لَهَا لِعَدَمِ الْعِدَّةِ لَا لِكَوْنِ الرِّدَّةِ مِنْهَا، لَكِنْ الْمَدْخُولُ بِهَا كَذَلِكَ لَا نَفَقَةَ لَهَا لَوْ ارْتَدَّتْ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَحُكْمُ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ كَحُكْمِ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَدُّ فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ، وَإِنْ ارْتَدَّتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا (قَوْلُهُ سِوَى السُّكْنَى) فَلَا تَسْقُطُ سُكْنَى الْمَدْخُولِ بِهَا فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا حَقُّ الشَّرْعِ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ وَلِذَا صَحَّ الْخُلْعُ عَلَى النَّفَقَةِ دُونَ السُّكْنَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَفْرُوضٌ فِيمَا لَوْ أَسْلَمَتْ وَإِلَّا فَالْمُرْتَدَّةُ تُحْبَسُ حَتَّى تَعُودَ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَحْبُوسَةَ كَالْخَارِجَةِ بِلَا إذْنِهِ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى (قَوْلُهُ لَوْ ارْتَدَّتْ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ وَالصَّغِيرَةَ وَالْكَبِيرَةَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ قَبْلَ تَأَكُّدِهِ) أَيْ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ يَتَأَكَّدُ بِالْمَوْتِ أَوْ الدُّخُولِ وَلَوْ حُكْمًا (قَوْلُهُ وَرِثَهَا زَوْجُهَا اسْتِحْسَانًا) هَذَا إذَا ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ ثُمَّ مَاتَتْ أَوْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَبِخِلَافِ رِدَّتِهَا فِي الصِّحَّةِ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ ارْتَدَّ هُوَ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ مُطْلَقًا إذَا مَاتَ أَوْ لَحِقَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْمُعْتَدَّةِ الَّتِي تَرِثُ، وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِي طَلَاقِ الْمَرِيضِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ رِدَّتَهُ فِي مَعْنَى مَرَضِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ يُقْتَلُ فَيَكُونُ فَارًّا فَتَرِثُهُ مُطْلَقًا، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تُقْتَلُ بِالرِّدَّةِ فَلَمْ تَكُنْ فَارَّةً إلَّا إذَا كَانَتْ رِدَّتُهَا فِي الْمَرَضِ (قَوْلُهُ وَصَرَّحُوا بِتَعْزِيرِهَا خَمْسَةً وَسَبْعِينَ) هُوَ اخْتِيَارٌ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ نِهَايَةَ تَعْزِيرِ الْحُرِّ عِنْدَهُ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ وَعِنْدَهُمَا تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ. قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ نَأْخُذُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَعَلَى هَذَا الْمُعْتَمَدُ فِي نِهَايَةِ التَّعْزِيرِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ سَوَاءٌ كَانَ فِي تَعْزِيرِ الْمُرْتَدَّةِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ وَتُجْبَرُ) أَيْ بِالْحَبْسِ إلَى أَنْ تُسْلِمَ أَوْ تَمُوتَ (قَوْلُهُ وَعَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ) فَلِكُلِّ قَاضٍ أَنْ يُجَدِّدَهُ بِمَهْرٍ يَسِيرٍ وَلَوْ بِدِينَارٍ رَضِيَتْ أَمْ لَا وَتُمْنَعُ مِنْ التَّزَوُّجِ بِغَيْرِهِ بَعْدَ إسْلَامِهَا. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا طَلَبَ الزَّوْجُ ذَلِكَ، أَمَّا لَوْ سَكَتَ أَوْ تَرَكَهُ صَرِيحًا فَإِنَّهَا لَا تُجْبَرُ وَتُزَوَّجُ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ تَرَكَ حَقَّهُ بَحْرٌ وَنَهْرٌ (قَوْلُهُ زَجْرًا لَهَا) عِبَارَةُ الْبَحْرِ حَسْمًا لِبَابِ الْمَعْصِيَةِ: وَالْحِيلَةُ لِلْخَلَاصِ مِنْهُ اهـ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ الْجَبْرُ عَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ مَقْصُورًا عَلَى مَا إذَا ارْتَدَّتْ لِأَجْلِ الْخَلَاصِ مِنْهُ، بَلْ قَالُوا ذَلِكَ سَدًّا لِهَذَا الْبَابِ مِنْ أَصْلِهِ سَوَاءٌ تَعَمَّدَتْ الْحِيلَةَ أَمْ لَا كَيْ لَا تَجْعَلَ ذَلِكَ حِيلَةً (قَوْلُهُ قَالَ فِي النَّهْرِ إلَخْ) عِبَارَتُهُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِفْتَاءَ بِمَا اخْتَارَهُ بَعْضُ أَئِمَّةِ بَلْخٍ أَوْلَى مِنْ الْإِفْتَاءِ بِمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 قُلْت: وَقَدْ بَسَطْت فِي الْقُنْيَةِ وَالْمُجْتَبَى وَالْفَتْحِ وَالْبَحْرِ: وَحَاصِلُهَا أَنَّهَا بِالرِّدَّةِ تُسْتَرَقُّ وَتَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَيَشْتَرِيهَا الزَّوْجُ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ يَصْرِفُهَا إلَيْهِ لَوْ مَصْرِفًا. وَلَوْ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الزَّوْجُ بَعْدَ الرِّدَّةِ مَلَكَهَا وَلَهُ بَيْعُهَا مَا لَمْ تَكُنْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَتَكُونُ كَأُمِّ الْوَلَدِ، وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَجَمَ عَلَى نَائِحَةٍ فَضَرَبَهَا بِالدِّرَّةِ حَتَّى سَقَطَ خِمَارُهَا، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ سَقَطَ خِمَارُهَا، فَقَالَ إنَّهَا لَا حُرْمَةَ لَهَا. وَمِنْ هُنَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ حِينَ مَرَّ بِنِسَاءٍ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ كَاشِفَاتٍ الرُّءُوسَ وَالذِّرَاعَ فَقِيلَ لَهُ كَيْفَ تَمُرُّ؟ فَقَالَ، لَا حُرْمَةَ لَهُنَّ إنَّمَا الشَّكُّ فِي إيمَانِهِنَّ كَأَنَّهُنَّ حَرْبِيَّاتٌ (وَبَقِيَ النِّكَاحُ   [رد المحتار] فِي النَّوَادِرِ، وَلَقَدْ شَاهَدْنَا مِنْ الْمَشَاقِّ فِي تَجْدِيدِهَا فَضْلًا عَنْ جَبْرِهِ بِالضَّرْبِ وَنَحْوِهِ مَا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحَدُّ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مِنْ عُلَمَاءِ الْعَجَمِ اُبْتُلِيَ بِامْرَأَةٍ تَقَعُ فِيمَا يُوجِبُ الْكُفْرَ كَثِيرًا ثُمَّ تُنْكِرُ وَعَنْ التَّجْدِيدِ تَأْبَى، وَمِنْ الْقَوَاعِدِ: الْمَشَقَّةُ تَجْلُبُ التَّيْسِيرَ وَاَللَّهُ الْمُيَسِّرُ لِكُلِّ عَسِيرٍ. اهـ. قُلْت: الْمَشَقَّةُ فِي التَّجْدِيدِ لَا تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَئِمَّةِ بَلْخٍ أَوْلَى مِمَّا فِي النَّوَادِرِ، بَلْ أَوْلَى مِمَّا مَرَّ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَهُوَ قَوْلُ الْبُخَارِيِّينَ لِأَنَّ مَا فِي النَّوَادِرِ هُوَ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهَا بِالرِّدَّةِ تُسْتَرَقُّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَدْ بَسَطْت) أَيْ رِوَايَةَ النَّوَادِرِ (قَوْلُهُ وَالْفَتْحُ) فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا تُسْتَرَقُّ الْمُرْتَدَّةُ مَا دَامَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تُسْتَرَقُّ اهـ ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْفَتْحِ بَسَطَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ (قَوْلُهُ وَحَاصِلُهَا إلَخْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ بَعْدَمَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ: وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ عَالِمًا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا بَعْدَ الرِّدَّةِ تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا مِنْ الْإِمَامِ أَوْ يَصْرِفُهَا إلَيْهِ إنْ كَانَ مَصْرِفًا، فَلَوْ أَفْتَى مُفْتٍ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ حَسْمًا لِهَذَا الْأَمْرِ لَا بَأْسَ بِهِ. اهـ.، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَكَذَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى، وَنَقَلَ قَوْلَهُ فَلَوْ أَفْتَى مُفْتٍ إلَخْ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ. اهـ. قُلْت: وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا إلَخْ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَصْرِفًا لَا يَمْلِكُهَا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ تَكُونُ فَيْئًا قَالَ ط: ظَاهِرُهُ وَلَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ لِأَنَّ إسْلَامَ الرَّقِيقِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الرِّقِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الزَّوْجُ) فِيهِ اخْتِصَارٌ مُخِلٌّ. وَعِبَارَةُ الْقُنْيَةِ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ قُلْت: وَفِي زَمَانِنَا بَعْدَ فِتْنَةِ التَّتَرِ الْعَامَّةِ صَارَتْ هَذِهِ الْوِلَايَةُ الَّتِي غَلَبُوا عَلَيْهَا وَأَجْرَوْا أَحْكَامَهُمْ فِيهَا كَخَوَارِزْمَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَخُرَاسَانَ وَنَحْوِهَا صَارَتْ دَارَ الْحَرْبِ فِي الظَّاهِرِ، فَلَوْ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الزَّوْجُ بَعْدَ الرِّدَّةِ يَمْلِكُهَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى شِرَائِهَا مِنْ الْإِمَامِ فَيُفْتَى بِحُكْمِ الرِّقِّ حَسْمًا لِكَيْدِ الْجَهَلَةِ وَمَكْرِ الْمَكَرَةِ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ اهـ فَقَوْلُهُ يَمْلِكُهَا إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّهَا لَا تُسْتَرَقُّ مَا دَامَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِفْتَاءِ بِرِوَايَةِ النَّوَادِرِ لِمَا ذَكذذَرَهُ مِنْ صَيْرُورَةِ دَارِهِمْ دَارَ حَرْبٍ فِي زَمَانِهِمْ فَيَمْلِكُهَا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلَهُ بَيْعُهَا إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْقُنْيَةِ يَمْلِكُهَا وَاسْتَشْهَدَ لِقَوْلِهِ مَا لَمْ تَكُنْ إلَخْ بِمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ لَحِقَتْ أُمُّ الْوَلَدِ بَعْدَ ارْتِدَادِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ وَمَلَكَهَا الزَّوْجُ يَعُودُ كَوْنُهَا أُمَّ وَلَدِهِ وَأُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ تَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِ الْمِلْكِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِالدِّرَّةِ) بِالْكَسْرِ: السَّوْطُ وَالْجَمْعُ دِرَرٌ مِثْلَ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَالذِّرَاعُ) أَلْ لِلْجِنْسِ وَالْمُنَاسِبُ لِمَا قَبْلَهُ الْأَذْرُعُ بِالْجَمْعِ ط (قَوْلُهُ فَقَالَ) تَأْكِيدٌ فَقَالَ الْأَوَّلُ ط وَالدَّاعِي إلَيْهِ طُولُ الْفَاصِلِ (قَوْلُهُ كَأَنَّهُنَّ حَرْبِيَّاتٌ) أَيْ فَهُنَّ فَيْءٌ مَمْلُوكَاتٌ وَالرَّأْسُ وَالذِّرَاعُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مِنْ الرَّقِيقِ. وَوَجْهُ الْأَخْذِ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ إذَا سَقَطَتْ حُرْمَةُ النَّائِحَةِ تَسْقُطُ حُرْمَةُ هَؤُلَاءِ الْكَاشِفَاتِ رُءُوسَهُنَّ فِي مَمَرِّ الْأَجَانِبِ لِمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ حَالِهِنَّ أَنَّهُنَّ مُسْتَخِفَّاتٌ مُسْتَهِينَاتٌ وَهَذَا سَبَبٌ مُسْقِطٌ لِحُرْمَتِهِنَّ فَافْهَمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 إنْ) (ارْتَدَّا مَعًا) بِأَنْ يَعْلَمَ السَّبْقَ فَيُجْعَلُ كَالْغَرْقَى (ثُمَّ أَسْلَمَا كَذَلِكَ) اسْتِحْسَانًا (وَفَسَدَ إنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ) وَلَا مَهْرَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَوْ الْمُتَأَخِّرُ هِيَ، وَلَوْ هُوَ فَنِصْفُهُ أَوْ مُتْعَةٌ. (وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا) إنْ اتَّحَدَتْ الدَّارُ   [رد المحتار] ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا وَصَلْنَ إلَى حَالِ الْكُفْرِ وَصِرْنَ مُرْتَدَّاتٍ فَحُكْمُهُنَّ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُنَّ لَا يُمْلَكْنَ مَا دُمْنَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ مِنْ الْإِفْتَاءِ بِمَا فِي النَّوَادِرِ مِنْ جَوَازِ اسْتِرْقَاقِهِنَّ فَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى رِدَّةِ الزَّوْجَةِ لِلضَّرُورَةِ لَا مُطْلَقًا إذْ لَا ضَرُورَةَ فِي غَيْرِ الزَّوْجَةِ إلَى الْإِفْتَاءِ بِالرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْحُرْمَةِ وَجَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهِنَّ جَوَازُ تَمَلُّكِهِنَّ فِي دَارِنَا لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُنَّ صِرْنَ فَيْئًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهِنَّ جَوَازُ الِاسْتِيلَاءِ وَالتَّمَتُّعُ بِهِنَّ وَطْئًا وَغَيْرَهُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى مَمْلُوكَةِ الْغَيْرِ وَلَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا بِلَا عَقْدِ نِكَاحٍ. وَبِهَذَا ظَهَرَ غَلَطُ مَنْ يَنْسُبُ نَفْسَهُ إلَى الْعِلْمِ فِي زَمَانِنَا فِي زَعْمِهِ الْبَاطِلِ أَنَّ الزَّانِيَاتِ اللَّاتِي يَظْهَرْنَ فِي الْأَسْوَاقِ بِلَا احْتِشَامٍ يَجُوزُ وَطْؤُهُنَّ بِحُكْمِ الِاسْتِيلَاءِ فَإِنَّهُ غَلَطٌ قَبِيحٌ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا حَيْثُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِبَاحَةِ الزِّنَا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. [فَرْعٌ] فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: غَابَ عَنْ امْرَأَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَأَخْبَرَهُ بِرِدَّتِهَا مُخْبِرٌ وَلَوْ مَمْلُوكًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَهُ أَوْ غَيْرُ ثِقَةٍ، لَكِنَّ أَكْبَرَ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأَرْبَعٍ سِوَاهَا وَإِنْ أُخْبِرَتْ بِرِدَّةِ زَوْجِهَا لَهَا التَّزَوُّجُ بِآخَرَ بَعْدَ الْعِدَّةِ فِي رِوَايَةِ الِاسْتِحْسَانِ. قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَهِيَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ إنْ ارْتَدَّا مَعًا) الْمَسْأَلَةُ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا لَمْ يَلْحَقْ أَحَدُهُمَا بِدَارِ الْحَرْبِ، فَإِنْ لَحِقَ بَانَتْ وَكَأَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْهُ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ سَبَبُ الْفُرْقَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ السَّبْقَ) أَمَّا الْمَعِيَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ فَمُتَعَذِّرَةٌ. وَمَا فِي الْبَحْرِ هِيَ مَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُمَا ارْتَدَّا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَفِيهِ بُعْدٌ ظَاهِرٌ، نَعَمْ ارْتِدَادُهُمَا مَعًا بِالْفِعْلِ مُمْكِنٌ، بِأَنْ حَمَلَا مُصْحَفًا وَأَلْقَيَاهُ فِي الْقَاذُورَاتِ أَوْ سَجَدَا لِلصَّنَمِ مَعًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ كَالْغَرْقَى) فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ سَبْقَ أَحَدِهِمْ بِالْمَوْتِ يَنْزِلُونَ مَنْزِلَةَ مَنْ مَاتُوا مَعًا وَلَا يَرِثُ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْآخَرَ فَالتَّشْبِيهُ فِي أَنَّ الْجَهْلَ بِالسَّبْقِ كَحَالَةِ الْمَعِيَّةِ ط (قَوْلُهُ كَذَلِكَ) أَيْ مَعًا بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ السَّبْقَ (قَوْلُهُ وَفَسَدَ إلَخْ) لِأَنَّ رِدَّةَ أَحَدِهِمَا مُنَافِيَةٌ لِلنِّكَاحِ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً نَهْرٌ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ ثُمَّ أَسْلَمَا كَذَلِكَ، وَسَكَتَ عَنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ إنْ ارْتَدَّا مَعًا لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَارْتِدَادُ أَحَدِهِمَا فَسْخٌ عَاجِلٌ (قَوْلُهُ قَبْلَ الْآخَرِ) وَكَذَا لَوْ بَقِيَ أَحَدُهُمَا مُرْتَدًّا بِالْأَوْلَى نَهْرٌ (قَوْلُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ) أَمَّا بَعْدَهُ فَلَهَا الْمَهْرُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَتَقَرَّرُ بِالدُّخُولِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَالدُّيُونُ لَا تَسْقُطُ بِالرِّدَّةِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَوْ الْمُتَأَخِّرُ هِيَ) لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا بِسَبَبِ تَأَخُّرِهَا (قَوْلُهُ فَنِصْفُهُ) أَيْ عِنْدَ التَّسْمِيَةِ أَوْ مُتْعَةٌ عِنْدَ عَدَمِهَا. [مَطْلَبُ الْوَلَدِ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا] (قَوْلُهُ وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا) هَذَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ الْعَارِضِ، بِأَنْ كَانَا كَافِرَيْنِ فَأَسْلَمَ أَوْ أَسْلَمَتْ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ قَبْلَ الْعَرْضِ عَلَى الْآخَرِ، وَالتَّفْرِيقِ أَوْ بَعْدَهُ فِي مُدَّةٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي مِثْلِهَا أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ صَغِيرٌ قَبْلَ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا يَصِيرُ الْوَلَدُ مُسْلِمًا. وَأَمَّا فِي الْإِسْلَامِ الْأَصْلِيِّ فَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأُمُّ كِتَابِيَّةً وَالْأَبُ مُسْلِمًا فَتْحٌ وَنَهْرٌ [تَنْبِيهٌ] يُشْعِرُ التَّعْبِيرُ بِالْأَبَوَيْنِ إخْرَاجَ وَلَدِ الزِّنَا. وَرَأَيْت فِي فَتَاوَى الشِّهَابِ الشَّلَبِيِّ قَالَ: وَاقِعَةُ الْفُتُونِ فِي زَمَانِنَا: مُسْلِمٌ زَنَى بِنَصْرَانِيَّةٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَهَلْ يَكُونُ مُسْلِمًا؟ أَجَابَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِعَدَمِهِ وَبَعْضُهُمْ بِإِسْلَامِهِ. وَذُكِرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 وَلَوْ حُكْمًا، بِأَنْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي دَارِنَا وَالْأَبُ ثَمَّةَ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ (وَالْمَجُوسِيُّ، وَمِثْلُهُ) كَوَثَنِيٍّ   [رد المحتار] أَنَّ السُّبْكِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، فَإِنَّ الشَّارِعَ قَطَعَ نَسَبَ وَلَدِ الزِّنَا وَبِنْتُهُ مِنْ الزِّنَا تَحِلُّ لَهُ عِنْدَهُمْ فَكَيْفَ يَكُونُ مُسْلِمًا. وَأَفْتَى قَاضِي الْقُضَاةِ الْحَنْبَلِيُّ بِإِسْلَامِهِ أَيْضًا، وَتَوَقَّفْت عَنْ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَ النَّسَبِ عَنْ أَبِيهِ حَتَّى لَا يَرِثَهُ فَقَدْ صَرَّحُوا عِنْدَنَا بِأَنَّ بِنْتَه مِنْ الزِّنَا لَا تَحِلُّ لَهُ، وَبِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ زَكَاتَهُ لِابْنِهِ مِنْ الزِّنَا، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَاَلَّذِي يَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا، وَإِنَّمَا أَثْبَتُوا الْأَحْكَامَ الْمَذْكُورَةَ احْتِيَاطًا نَظَرًا لِحَقِيقَةِ الْجُزْئِيَّةِ بَيْنَهُمَا. اهـ. قُلْت: وَيَظْهَرُ لِي الْحُكْمُ بِالْإِسْلَامِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يَكُونَ أَبَوَاهُ هُمَا اللَّذَانِ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ» فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنَّهُ جَعَلَ اتِّفَاقَهُمَا نَاقِلًا لَهُ عَنْ الْفِطْرَةِ، فَإِذَا لَمْ يَتَّفِقَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْفِطْرَةِ أَوْ عَلَى مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا، حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَجُوسِيًّا وَالْآخَرُ كِتَابِيًّا فَهُوَ كِتَابِيٌّ كَمَا يَأْتِي وَهُنَا لَيْسَ لَهُ أَبَوَانِ مُتَّفِقَانِ فَيَبْقَى عَلَى الْفِطْرَةِ وَلِأَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ إلْحَاقَهُ بِالْمُسْلِمِ أَوْ بِالْكِتَابِيِّ أَنْفَعُ لَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّظَرَ لِحَقِيقَةِ الْجُزْئِيَّةِ أَنْفَعُ لَهُ، وَأَيْضًا حَيْثُ نَظَرُوا لِلْجُزْئِيَّةِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ احْتِيَاطًا فَلْيُنْظَرْ إلَيْهَا هُنَا احْتِيَاطًا أَيْضًا، فَإِنَّ الِاحْتِيَاطَ بِالدِّينِ أَوْلَى وَلِأَنَّ الْكُفْرَ أَقْبَحُ الْقَبِيحِ فَلَا يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِهِ عَلَى شَخْصٍ بِدُونِ أَمْرٍ صَرِيحٍ وَلِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي حُرْمَةِ بِنْتِهِ مِنْ الزِّنَا إنَّ الشَّرْعَ قَطَعَ النِّسْبَةَ إلَى الزَّانِي لِمَا فِيهَا مِنْ إشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ فَلَمْ يُثْبِتْ النَّفَقَةَ وَالْإِرْثَ لِذَلِكَ، وَهَذَا لَا يَنْفِي النِّسْبَةَ الْحَقِيقِيَّةَ لِأَنَّ الْحَقَائِقَ لَا مَرَدَّ لَهَا فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النِّسْبَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ. [تَتِمَّةٌ] ذَكَرَ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي سَيْرِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ جَدِّهِ وَلَوْ أَبُوهُ مَيِّتًا، وَأَنَّ هَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا الْجَدُّ كَالْأَبِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَابِعًا لَهُ لَكَانَ تَابِعًا لِجَدِّ الْجَدِّ وَهَكَذَا، فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ النَّاسُ مُسْلِمِينَ بِإِسْلَامِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَفِيهِ أَيْضًا الصَّغِيرُ تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا فِي الدِّينِ فَإِنْ انْعَدَمَا فَلِذِي الْيَدِ فَإِنْ عُدِمَتْ فَلِلدَّارِ وَيَسْتَوِي فِيمَا قُلْنَا أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا أَوْ غَيْرَ عَاقِلٍ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَصِفْ الْإِسْلَامَ. اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ التَّبَعِيَّةَ لَا تَنْقَطِعُ إلَّا بِالْبُلُوغِ أَوْ بِالْإِسْلَامِ بِنَفْسِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ مِنْ بَابِ الْجَنَائِزِ. وَذَكَرَ أَيْضًا الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الصَّغِيرِ بَيْنَ أَنْ يَعْقِلَ أَوْ لَا، وَأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَشَرْحِهِ قُلْت: وَفِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِلْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ مَا نَصُّهُ: وَبِهَذَا تَبَيَّنَ خَطَأُ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الَّذِي يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ، فَقَدْ نَصَّ هَا هُنَا عَلَى أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا اهـ. وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَيْضًا أَنَّ التَّبَعِيَّةَ تَنْقَطِعُ بِبُلُوغِهِ عَاقِلًا. اهـ. أَيْ فَلَوْ بَلَغَ مَجْنُونًا تَبْقَى التَّبَعِيَّةُ، فَقَدْ تَبَيَّنَ لَك أَنَّ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَلَدِ هُنَا الطِّفْلُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ خَطَأٌ كَمَا سَمِعْته مِنْ عِبَارَةِ السَّرَخْسِيِّ وَإِنْ أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ الشَّلَبِيُّ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَالسِّيَرِ الْكَبِيرِ وَلِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ، وَلِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ أَيْضًا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ حُكْمًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الِاتِّحَادُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَأَنْ يَكُونَ خَيْرُ الْأَبَوَيْنِ مَعَ الْوَلَدِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ كَانَ حُكْمًا فَقَطْ كَمَا مَثَّلَ بِهِ الشَّارِحُ. وَاحْتَرَزَ عَنْ اخْتِلَافِهِمَا حَقِيقَةً وَحُكْمًا بِأَنْ كَانَ الْأَبُ فِي دَارِنَا وَالصَّغِيرَةُ ثَمَّةَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ. اهـ. ح. قُلْت وَمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ جَعْلِهِ حُكْمَ الْعَكْسِ كَمَا قَبْلَهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ سَهْوٌ (قَوْلُهُ وَالْمَجُوسِيُّ شَرٌّ مِنْ الْكِتَابِيِّ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَرْدَفَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ لِبَيَانِ أَنَّ أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ لَوْ كَانَ كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا كَانَ الْوَلَدُ كِتَابِيًّا نَظَرًا لَهُ فِي الدُّنْيَا لِاقْتِرَابِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالْأَحْكَامِ مِنْ حِلِّ الذَّبِيحَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ مِنْ نُقْصَانِ الْعِقَابِ كَذَا فِي الْفَتْحِ؛ يَعْنِي أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَأَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْجَنَّةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 وَسَائِرِ أَهْلِ الشِّرْكِ (شَرٌّ مِنْ الْكِتَابِيِّ) وَالنَّصْرَانِيُّ شَرٌّ مِنْ الْيَهُودِيِّ فِي الدَّارَيْنِ لِأَنَّهُ لَا ذَبِيحَةَ لَهُ بَلْ يُخْنَقُ كَمَجُوسِيٍّ وَفِي الْآخِرَةِ أَشَدُّ عَذَابًا. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ قَالَ النَّصْرَانِيَّةُ خَيْرٌ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ أَوْ الْمَجُوسِيَّةِ كَفَرَ لِإِثْبَاتِهِ الْخَيْرَ لِمَا قَبُحَ بِالْقَطْعِيِّ. لَكِنْ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ أَنَّ الْمَجُوسَ أَسْعَدُ حَالَةً مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ لِإِثْبَاتِ الْمَجُوسِ   [رد المحتار] وَتَوَقَّفَ فِيهِمْ الْإِمَامُ كَمَا مَرَّ وَلَمْ يُدْخِلْهُ فِي حَيِّزِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى تَحَامِيًا عَمَّا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ مِنْ إطْلَاقِ الْخَيْرِ عَلَى الْكِتَابِيِّ، بَلْ الشَّرُّ ثَابِتٌ فِيهِ غَيْرَ أَنَّ الْمَجُوسِيَّ شَرٌّ. اهـ.، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا الْمُرَادُ بِهِ دِينُ الْإِسْلَامِ فَقَطْ لِئَلَّا تَتَكَرَّرَ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهَا مُجَرَّدَ بَيَانِ أَنَّ الْمَجُوسِيَّ شَرٌّ مِنْ الْكِتَابِيِّ إذْ لَا دَخْلَ لَهُ فِي بَحْثِهِ، بَلْ الْمُرَادُ بَيَانُ لَازِمِهِ الْمَقْصُودِ هُنَا وَهُوَ تَبَعِيَّةُ الْوَلَدِ لِأَخَفِّهِمَا شَرًّا فَتَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ وَذَبِيحَتُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ عَنْهَا بِالْجُمْلَةِ الْأُولَى بِأَنْ يُرَادَ بِالدِّينِ الْأَعَمُّ تَحَامِيًا عَنْ إطْلَاقِ الْخَيْرِيَّةِ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَسَائِرُ أَهْلِ الشِّرْكِ) مِمَّنْ لَا دِينَ لَهُ سَمَاوِيًّا (قَوْلُهُ وَالنَّصْرَانِيُّ شَرٌّ مِنْ الْيَهُودِيِّ) وَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخَبَّازِيَّةِ. وَنَقَلَ عَنْ الْخُلَاصَةِ عَكْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى الْأَوَّلِ كَوْنُ الْوَلَدِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ يَهُودِيَّةٍ وَنَصْرَانِيٍّ أَوْ عَكْسَهُ تَبَعًا لِلْيَهُودِيِّ لَا النَّصْرَانِيِّ اهـ أَيْ وَلَيْسَ بِالْوَاقِعِ نَهْرٌ. قُلْت: بَلْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَحْرِ أَنَّهُ الْوَاقِعُ لِأَنَّهُ قَالَ إنَّ فَائِدَتَهُ خِفَّةُ الْعُقُوبَةِ فِي الْآخِرَةِ وَكَذَا فِي الدُّنْيَا، لِمَا فِي أُضْحِيَّةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ: يُكْرَهُ الْأَكْلُ مِنْ طَعَامِ الْمَجُوسِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ لِأَنَّ الْمَجُوسِيَّ يَطْبُخُ الْمُنْخَنِقَةَ وَالْمَوْقُوذَةَ وَالْمُتَرَدِّيَةَ وَالنَّصْرَانِيُّ لَا ذَبِيحَةَ لَهُ وَإِنَّمَا يَأْكُلُ ذَبِيحَةَ الْمُسْلِمِ أَوْ يَخْنُقُ وَلَا بَأْسَ بِطَعَامِ الْيَهُودِيِّ لِأَنَّهُ لَا يَأْكُلُ إلَّا مِنْ ذَبِيحَةِ الْيَهُودِيِّ أَوْ الْمُسْلِمِ. اهـ.، فَعُلِمَ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ شَرٌّ مِنْ الْيَهُودِيِّ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا أَيْضًا. اهـ. كَلَامُ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا ذَبِيحَةَ لَهُ) أَيْ لَا يَذْبَحُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَلْ يَخْنُقُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ لِمُنَافَاتِهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ حِلِّ ذَبِيحَتِهِ وَلَوْ قَالَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ خ (قَوْلُهُ أَشَدُّ عَذَابًا) لِأَنَّ نِزَاعَ النَّصَارَى فِي الْإِلَهِيَّاتِ وَنِزَاعَ الْيَهُودِ فِي النُّبُوَّاتِ وقَوْله تَعَالَى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30] كَلَامُ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ قَلِيلَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّفْسِيرِ، وقَوْله تَعَالَى {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً} [المائدة: 82] الْآيَةَ لَا يُرَدُّ لِأَنَّ الْبَحْثَ فِي قُوَّةِ الْكُفْرِ وَشِدَّتِهِ لَا فِي قُوَّةِ الْعَدَاوَةِ وَضَعْفِهَا. اهـ. بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ كَفَرَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْكِتَابِيَّ خَيْرٌ مِنْ الْمَجُوسِيِّ يَكْفُرُ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَقَعَتْ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ بِالْفَرْقِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ لَا خَيْرِيَّةَ لِإِحْدَى الْمِلَّتَيْنِ أَيْ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ عَلَى الْأُخْرَى فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، بِخِلَافِ الْكِتَابِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَجُوسِيِّ لِلْفُرْقَةِ بَيْنَ أَحْكَامِهِمَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. اهـ. قُلْت: وَهَذَا كَلَامٌ غَيْرُ مُحَرَّرٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا حَرَّرَهُ مِنْ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ شَرٌّ مِنْ الْيَهُودِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ؛ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ عِلَّةَ الْإِكْفَارِ هِيَ إثْبَاتُ الْخَيْرِ لِمَا قَبُحَ قَطْعًا لَا لِعَدَمِ خَيْرِيَّةِ إحْدَى الْمِلَّتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ هَذِهِ لَمْ يَلْزَمْ الْإِكْفَارُ، وَحِينَئِذٍ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ النَّصْرَانِيَّةَ خَيْرٌ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ مِثْلُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْكِتَابِيَّ خَيْرٌ مِنْ الْمَجُوسِيِّ لِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْخَيْرِيَّةِ لَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ شَرًّا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ، وَأَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِذَلِكَ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ لَفْظَ خَيْرٍ قَدْ يُرَادُ بِهِ مَا هُوَ أَقَلُّ ضَرَرًا كَمَا يُقَالُ فِي الْمِثْلِ: الرَّمَدُ خَيْرٌ مِنْ الْعَمَى، وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ وَلَكِنْ قَتْلُ الْحُرِّ خَيْرٌ مِنْ الْأَسْرِ ثُمَّ رَأَيْت فِي آخِرِ الْمِصْبَاحِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ يَقُولُونَ هَذَا أَصَحُّ مِنْ هَذَا وَمُرَادُهُمْ أَنَّهُ أَقَلُّ ضَعْفًا وَلَا يُرِيدُونَ أَنَّهُ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ. اهـ. وَهَذَا عَيْنُ مَا قُلْته، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ حِينَئِذٍ، فَالْقَوْلُ بِالْإِكْفَارِ مَبْنِيٌّ عَلَى إرَادَةِ ثُبُوتِ الْخَيْرِيَّةِ سَوَاءٌ اُسْتُعْمِلَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ عَلَى بَابِهِ أَوْ أُرِيدَ أَصْلُ الْفِعْلِ كَمَا فِي - أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ - وَالْقَوْلُ بِعَدَمِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قُلْنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ لَكِنْ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ وَالْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ أَهْلِ السُّنَّةِ إلَخْ، وَوَجْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 خَالِقَيْنِ فَقَطْ وَهَؤُلَاءِ خَالِقًا لَا عَدَدَ لَهُ بَزَّازِيَّةٌ وَنَهْرٌ (وَلَوْ) (تَمَجَّسَ أَبُو صَغِيرَةٍ نَصْرَانِيَّةٍ تَحْتَ مُسْلِمٍ) بَانَتْ بِلَا مَهْرٍ وَلَوْ كَانَ (قَدْ مَاتَتْ الْأُمُّ نَصْرَانِيَّةً) مَثَلًا وَكَذَا عَكْسُهُ (لَمْ تَبِنْ) لِتَنَاهِي التَّبَعِيَّةِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ذِمِّيًّا أَوْ مُسْلِمًا أَوْ مُرْتَدًّا فَلَمْ تَبْطُلْ بِكُفْرِ الْآخَرِ. وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ ارْتَدَّا لَمْ تَبِنْ مَا لَمْ يَلْحَقَا، وَلَوْ بَلَغْت عَاقِلَةً مُسْلِمَةً ثُمَّ جُنَّتْ فَارْتَدَّا   [رد المحتار] الِاسْتِدْرَاكِ أَنَّ تَعْبِيرَ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ بِذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّصْرَانِيَّةَ خَيْرٌ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ وَبِأَنَّ الْكِتَابِيَّ خَيْرٌ مِنْ الْمَجُوسِيِّ لِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ أَسَعْدِيَّةِ الْمَجُوسِ وَخَيْرِيَّتِهِمْ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ كَوْنُهُمْ خَيْرًا مِنْ كَذَا مُطْلَقًا لَا كَوْنُهُمْ أَسْعَدَ حَالًا بِمَعْنَى أَقَلَّ مُكَابَرَةً وَأَدْنَى إثْبَاتًا لِلشِّرْكِ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ كُفْرُ بَعْضِهِمْ أَخَفُّ مِنْ بَعْضٍ وَعَذَابُ بَعْضٍ أَدْنَى مِنْ بَعْضٍ وَأَهْوَنُ، أَوْ الْحَالُ بِمَعْنَى الْوَصْفِ كَذَا قِيلَ وَلَا يَتِمُّ. اهـ. أَيْ لَا يَتِمُّ هَذَا الْجَوَابُ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ تَأْوِيلُ هَذَا بِمَا ذُكِرَ صَحَّ تَأْوِيلُ ذَاكَ بِمِثْلِهِ، وَكَوْنُ أَسْعَدَ مُسْنَدًا إلَى الْحَالِ لِأَنَّهُ فَاعِلَ مَعْنَى أَوْ كَوْنَ الْحَالِ بِمَعْنَى الْوَصْفِ لَا يُفِيدُ. قَالَ فِي النَّهْرِ: لَكِنْ مُقْتَضَى مَا مَرَّ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْقَوْلُ بِالْكُفْرِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلتَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ، وَكَأَنَّهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ. اهـ. وَفِيهِ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْفُصُولَيْنِ مَعَ تَعْلِيلِهِ هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، فَالتَّحْرِيرُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ وَأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ " الْجَوَازُ لِمَا سَمِعْت مِنْ وُقُوعِهِ فِي كَلَامِهِمْ (قَوْلُهُ خَالِقَيْنِ) هُمَا النُّورُ الْمُسَمَّى يَزْدَانُ وَالظُّلْمَةُ الْمُسَمَّاةُ أَهْرَمْنُ ح (قَوْلُهُ خَالِقًا لَا عَدَدَ لَهُ) أَيْ حَيْثُ قَالُوا إنَّ الْحَيَوَانَ يَخْلُقُ أَفْعَالَهُ الِاخْتِيَارِيَّةَ ح. قُلْت: وَتَكْفِيرُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِيهِ كَلَامٌ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ كَمَا سَيَأْتِي بَسْطُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْبُغَاةِ (قَوْلُهُ بَانَتْ) أَيْ تَمَجَّسَتْ الْأُمُّ أَيْضًا، وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ مَعَ هَذَا الْإِيهَامِ، وَالْأَحْسَنُ إبْقَاءُ الْمَتْنِ عَلَى حَالِهِ. وَأَظُنُّ أَنَّ الشَّارِحَ زَادَ أَلِفًا فِي قَوْلِ الْمَتْنِ أَبُو صَغِيرَةٍ فَصَارَ أَبَوْا بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ فَأَسْقَطَهَا النُّسَّاخُ، فَلْتُرَاجِعْ النُّسَخُ. وَذَكَرَ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ أَنَّ مِثْلَ الصَّغِيرَةِ مَا إذَا بَلَغَتْ مَعْتُوهَةً لِبَقَائِهَا تَابِعَةً لِلْأَبَوَيْنِ فِي الدِّينِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَعْتُوهَةِ إسْلَامٌ بِنَفْسِهَا حَقِيقَةً فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (قَوْلُهُ بِلَا مَهْرٍ) أَيْ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا ح (قَوْلُهُ مَثَلًا) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ مَاتَتْ: أَيْ أَنَّ الْمَوْتَ غَيْرُ قَيْدٍ، أَوْ إلَى قَوْلِهِ نَصْرَانِيَّةً أَيْ أَوْ يَهُودِيَّةً (قَوْلُهُ وَكَذَا عَكْسُهُ) بِأَنْ تَمَجَّسَتْ أُمُّهَا بَعْدَ أَنْ مَاتَ أَبُوهَا نَصْرَانِيًّا ح (قَوْلُهُ لِتَنَاهِي التَّبَعِيَّةِ) أَيْ انْتِهَاءِ تَبَعِيَّةِ الْوَلَدِ لِلْأَبَوَيْنِ (قَوْلُهُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ذِمِّيًّا إلَخْ) أَيْ إذَا مَاتَ أَحَدُ الْكِتَابِيَّيْنِ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْلِمًا ثُمَّ تَمَجَّسَ الْبَاقِي مِنْهُمَا لَا يَتْبَعُهُ الْوَلَدُ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا مُرْتَدًّا، لِأَنَّ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ الْجَبْرُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِ، حَتَّى أَنَّ كَسْبَ إسْلَامِهِ يَرِثُهُ وَارِثُهُ الْمُسْلِمُ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْإِسْلَامِ مِنْ الْكِتَابِيِّ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ فِي دَارِنَا مُسْلِمًا أَوْ مُرْتَدًّا ثُمَّ ارْتَدَّ الْآخَرُ وَلَحِقَ بِهَا ثُمَّ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ تَبِنْ وَيُصَلَّى عَلَيْهَا إذَا مَاتَتْ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ حُكْمٌ تَنَاهَى بِالْمَوْتِ مُسْلِمًا وَكَذَا بِالْمَوْتِ مُرْتَدًّا لِأَنَّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ قَائِمَةٌ (قَوْلُهُ فَلَمْ تَبْطُلْ) أَيْ التَّبَعِيَّةُ بِكُفْرِ الْآخَرِ. قَالَ ط: وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ يَتَمَجَّسُ الْآخَرُ لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا كَافِرًا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى حَالَةٍ مِنْ الْكُفْرِ شَرٍّ مِنْ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ التَّبَعِيَّةَ إنَّمَا تَنَاهَتْ وَانْقَطَعَتْ عَمَّنْ بَقِيَ مِنْ الْوَالِدَيْنِ بِتَمَجُّسِهِ لَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ مَنْ بَقِيَ تَبِعَتْهُ ابْنَتُهُ. اهـ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ انْقِطَاعُ التَّبَعِيَّةِ عَنْ الْبَاقِي مِنْهُمَا إذَا انْتَقَلَ إلَى حَالَةٍ دُونَ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا أَوْ أَخَفَّهُمَا شَرًّا، فَالْمُرَادُ بِالتَّبَعِيَّةِ الْمُتَنَاهِيَةِ هَذِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَمْ تَبِنْ) لِأَنَّ الْبِنْتَ مُسْلِمَةٌ تَبَعًا لَهُمَا وَتَبَعًا لِلدَّارِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَلْحَقَا) أَيْ بِالْبِنْتِ، فَإِنْ لَحِقَا بِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ بَانَتْ لِانْقِطَاعِ حُكْمِ الدَّارِ بَحْرٌ أَيْ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَلِأَنَّهَا صَارَتْ مُرْتَدَّةً تَبَعًا لَهُمَا قَالَ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ تَعْقِلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 لَمْ تَبِنْ مُطْلَقًا. مُسْلِمٌ تَحْتَهُ نَصْرَانِيَّةٌ فَتَمَجَّسَا أَوْ تَنَصَّرَا بَانَتْ. (وَلَا) يَصْلُحُ (أَنْ يُنْكِحَ مُرْتَدٌّ أَوْ مُرْتَدَّةٌ أَحَدًا) مِنْ النَّاسِ مُطْلَقًا. (أَسْلَمَ) الْكَافِرُ (وَتَحْتَهُ خَمْسُ نِسْوَةٍ فَصَاعِدًا أَوْ أُخْتَانِ أَوْ أُمٌّ وَبِنْتُهَا) (بَطَلَ نِكَاحُهُنَّ إنْ تَزَوَّجَهُنَّ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ رَتَّبَ فَالْآخَرُ) بَاطِلٌ. وَخَيَّرَهُ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ عَمَلًا بِحَدِيثِ فَيْرُوزَ.   [رد المحتار] وَتُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهَا حَيْثُ لَا تَبِينُ وَإِنْ لَحِقَا بِهَا، إلَّا إذَا ارْتَدَّتْ بِنَفْسِهَا فَحِينَئِذٍ تَبِينُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. اهـ. فَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ التَّبَعِيَّةَ لَا تَنْقَطِعُ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَقَيَّدْنَا بِلِحَاقِهِمَا بِالْبِنْتِ لِأَنَّهُ إذَا لَحِقَا وَتَرَكَاهَا فَإِنَّهَا لَا تَبِينُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ التَّحْرِيرِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا لَوْ تَمَجَّسَا أَوْ ارْتَدَّا تَأَمَّلْ فَتَدَبَّرْ. اهـ. قُلْت: الْفَرْقُ ظَاهِرٌ: وَهُوَ أَنَّ الْبِنْتَ بِارْتِدَادِ أَبَوَيْهَا الْمُسْلِمَيْنِ تَبْقَى مُسْلِمَةً تَبَعًا لَهُمَا وَلِلدَّارِ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ مُسْلِمٌ حُكْمًا لِجَبْرِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَلِذَا لَمْ تَبُنْ مِنْ زَوْجِهَا مَا لَمْ يَلْحَقَا بِهَا لِلتَّبَايُنِ وَانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْجَبْرِ، بِخِلَافِ تَمَجُّسِ أَبَوَيْهَا النَّصْرَانِيِّينَ لِأَنَّهَا تَتْبَعُهُمَا فِي التَّمَجُّسِ لِعَدَمِ جَبْرِهِمَا عَلَى الْعَوْدِ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ فَصَارَ كَارْتِدَادِ الْمُسْلِمَيْنِ مَعَ لِحَاقِهِمَا، وَلَا يُمْكِنُ تَبَعِيَّتُهَا لِلدَّارِ مَعَ بَقَاءِ تَبَعِيَّةِ الْأَبَوَيْنِ فَلِذَا بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لَمْ تَبِنْ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ لَحِقَا بِهَا أَوْ لَا لِأَنَّهَا مُسْلِمَةٌ أَصَالَةً لَا تَبَعًا، وَكَذَلِكَ الصَّبِيَّةُ الْعَاقِلَةُ أَسْلَمَتْ ثُمَّ جُنَّتْ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَصْلًا فِي الْإِسْلَامِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ فَتَمَجَّسَا) أَيْ الْمُسْلِمُ وَزَوْجَتُهُ النَّصْرَانِيَّةُ مَعًا، وَقَوْلُهُ أَوْ تَنَصَّرَا صَوَابُهُ أَوْ تَهَوَّدَا لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الزَّوْجَةَ نَصْرَانِيَّةٌ. قَالَ فِي النَّهْرِ: قَيَّدَ بِالرِّدَّةِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ كَانَ تَحْتَهُ نَصْرَانِيَّةٌ فَتَهَوَّدَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا اتِّفَاقًا. وَاخْتَلَفَ الشَّيْخَانِ فِيمَا لَوْ تَمَجَّسَا. قَالَ أَبُو يُوسُفَ تَقَعُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَقَعُ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يُقِرُّ عَلَى ذَلِكَ وَالْمَرْأَةُ تُقِرُّ فَصَارَ كَرِدَّةِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ. وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ بِأَنَّ الْمَجُوسِيَّةَ لَا تَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ فَأَحْدَثَهَا كَالِارْتِدَادِ اهـ أَيْ فَكَأَنَّهُمَا ارْتَدَّا مَعًا. ثُمَّ الَّذِي فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ تَأْخِيرُ تَعْلِيلِ أَبِي يُوسُفَ وَظَاهِرُهُ اعْتِمَادُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا تَقَعُ الْفُرْقَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَلِذَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا أَوْ مُرْتَدًّا وَهُوَ تَأْكِيدٌ لِمَا فُهِمَ مِنْ النَّكِرَةِ فِي النَّفْيِ ح (قَوْلُهُ وَخَيَّرَهُ مُحَمَّدٌ) أَيْ خَيَّرَ مُحَمَّدٌ هَذَا الَّذِي أَسْلَمَ فِي اخْتِيَارِ الْأَرْبَعِ مُطْلَقًا أَيْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ أَيِّ أَرْبَعٍ كَانَتْ، وَخَيَّرَهُ أَيْضًا فِي اخْتِيَارِ أَيِّ الْأُخْتَيْنِ شَاءَ وَالْبِنْتُ أَيْ يَخْتَارُ الْبِنْتَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا الْأُمَّ أَوْ يَتْرُكُهُمَا جَمِيعًا، لِأَنَّهُ رُوِيَ «أَنَّ غَيْلَانَ الدَّيْلَمِيَّ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرَةُ نِسْوَةٍ أَسْلَمْنَ مَعَهُ، فَخَيَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ، وَكَذَا فَيْرُوزُ الدَّيْلَمِيُّ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ فَخَيَّرَهُ فَاخْتَارَ إحْدَاهُمَا» وَإِنَّمَا يَخْتَارُ الْبِنْتَ لِأَنَّ نِكَاحَهَا أَمْنَعُ فِي نِكَاحِ الْأُمِّ مِنْ نِكَاحِ الْأُمِّ لَهَا. وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْأَنْكِحَةَ فَاسِدَةٌ، لَكِنْ لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ، فَإِذَا أَسْلَمُوا يَجِبُ التَّعَرُّضُ وَتَخْيِيرُ غَيْلَانَ وَفَيْرُوزَ كَانَ فِي التَّزَوُّجِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ ح عَنْ الْمِنَحِ. وَقَوْلُهُ فِي التَّزَوُّجِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ: أَيْ التَّزَوُّجِ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَكَرَهُ فِي نِكَاحِ الْبِنْتِ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ فَإِنْ دَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا ثُمَّ تَزَوَّجَ الثَّانِيَةَ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ لِأَنَّ الدُّخُولَ مُحَرَّمٌ سَوَاءٌ كَانَ بِالْأُمِّ أَوْ الْبِنْتِ، وَإِنْ دَخَلَ بِالثَّانِيَةِ فَقَطْ، فَإِنْ كَانَتْ الْأُمَّ بَطَلَ نِكَاحُهُمَا جَمِيعًا اتِّفَاقًا لِأَنَّ نِكَاحَ الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ وَالدُّخُولُ بِالْأُمِّ يُحَرِّمُ الْبِنْتَ وَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتَ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لَا أَنَّ لَهُ تَزَوُّجَ الْبِنْتِ دُونَ الْأُمِّ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: نِكَاحُ الْبِنْتِ هُوَ الْجَائِزُ قَدْ دَخَلَ بِهَا وَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَنِكَاحُ الْأُمِّ بَاطِلٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 قُلْنَا: كَانَ تَخْيِيرُهُ فِي التَّزَوُّجِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ بَلَغَتْ الْمُسْلِمَةُ الْمَنْكُوحَةُ وَلَمْ تَصِفْ الْإِسْلَامَ بَانَتْ وَلَا مَهْرَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ عِنْدَهَا وَتُقِرُّ بِذَلِكَ، وَتَمَامُهُ فِي الْكَافِي. بَابُ الْقَسْمِ بِفَتْحِ الْقَافِ: الْقِسْمَةُ: وَبِالْكَسْرِ: النَّصِيبُ (يَجِبُ) وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّهُ فَرْضٌ نَهْرٌ (أَنْ يَعْدِلَ) أَيْ أَنْ لَا يَجُورَ (فِيهِ) أَيْ فِي الْقَسْمِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ بَلَغْت الْمُسْلِمَةُ) سَمَّاهَا مُسْلِمَةً بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ لَهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ مِنْ الْحُكْمِ بِالْإِسْلَامِ تَبَعًا لِلْأَبَوَيْنِ، وَلِذَا قِيلَ سَمَّاهَا مُحَمَّدٌ مُرْتَدَّةً، وَقَوْلُهُ بَانَتْ أَيْ مِنْ زَوْجِهَا لِأَنَّهَا لَمْ يَبْقَ لَهَا دِينُ الْأَبَوَيْنِ لِزَوَالِ التَّبَعِيَّةِ بِالْبُلُوغِ، وَلَيْسَ لَهَا دِينُ نَفْسِهَا فَكَانَتْ كَافِرَةً لَا مِلَّةَ لَهَا، كَذَا فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْكَافِي) حَيْثُ قَالَ: مُسْلِمٌ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً نَصْرَانِيَّةً وَلَهَا أَبَوَانِ نَصْرَانِيَّانِ فَكَبِرَتْ وَهِيَ لَا تَعْقِلُ دِينًا مِنْ الْأَدْيَانِ وَلَا تَصِفُهُ وَهِيَ غَيْرُ مَعْتُوهَةٍ فَإِنَّهَا تَبِينُ مِنْ زَوْجِهَا وَكَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ الْمُسْلِمَةُ إذَا بَلَغَتْ عَاقِلَةَ وَهِيَ لَا تَعْقِلُ الْإِسْلَامَ وَلَا تَصِفُهُ وَهِيَ غَيْرُ مَعْتُوهَةٍ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَلَا مَهْرَ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ يَجِبُ الْمُسَمَّى، وَيَجِبُ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ عِنْدَهَا وَيُقَالُ لَهَا أَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِنْ قَالَتْ نَعَمْ بِإِسْلَامِهَا، وَإِنْ قَالَتْ أَعْرِفُهُ وَأَقْدِرُ عَلَى وَصْفِهِ وَلَا أَصِفُهُ بَانَتْ؛ وَلَوْ قَالَتْ لَا أَقْدِرُ عَلَى وَصْفِهِ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَلَوْ عَقَلَتْ الْإِسْلَامَ وَلَمْ تَصِفْهُ لَمْ تَبُنْ، وَإِنْ وَصَفَتْ الْمَجُوسِيَّةُ بَانَتْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ ارْتِدَادِ الصَّبِيِّ. اهـ. ط، وَقَوْلُهُ وَلَوْ عَقَلَتْ الْإِسْلَامَ أَيْ قَبْلَ الْبُلُوغِ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بَلَغَتْ، وَإِنَّمَا لَمْ تَبُنْ لِأَنَّهَا مُسْلِمَةٌ تَبَعًا لِأَبَوَيْهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ كَمَا فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ، وَبِهِ اسْتَدَلَّ عَلَى نَفْيِ وُجُوبِ أَدَاءِ الْإِيمَانِ عَلَى الصَّبِيِّ، وَتَمَامُهُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ شَرْحِ التَّحْرِيرِ. وَفِي سَيْرِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ أَنَّ قَوْلَهُ يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ يَعْنِي صِفَةَ الْإِسْلَامِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " لَا يَكُونُ مُسْلِمًا حَتَّى يَعْلَمَ صِفَةَ الْإِيمَانِ، وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً وَاسْتَوْصَفَهَا الْإِسْلَامَ فَلَمْ تَعْلَمْ لَا تَكُونُ مُؤْمِنَةً. وَصِفَةُ الْإِيمَانِ مَا ذَكَرَهُ فِي «حَدِيثِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى» . اهـ. وَقَدَّمْنَا فِي الْجَنَائِزِ مِثْلَهُ عَنْ الْفَتْحِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ الْقَسْمِ بَيْن الزَّوْجَات] بَابُ الْقَسْمِ (قَوْلُهُ الْقِسْمَةُ) فِي الْمُغْرِبِ: الْقَسْمُ بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ قَسَمَ الْقَسَّامُ الْمَالَ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ: فَرَّقَهُ بَيْنَهُمْ وَعَيَّنَ أَنْصِبَاءَهُمْ وَمِنْهُ الْقَسْمُ بَيْنَ النِّسَاءِ. اهـ. أَيْ لِأَنَّهُ يَقْسِمُ بَيْنَهُنَّ الْبَيْتُوتَةَ وَنَحْوَهَا. وَفِي الْمِصْبَاحِ: قَسَمْته قَسْمًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَالِاسْمُ الْقِسْمُ بِالْكَسْرِ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْحِصَّةِ وَالنَّصِيبِ فَيُقَالُ هَذَا قِسْمِي وَالْجَمْعُ أَقْسَامٌ مِثْلَ حِمْلٍ وَأَحْمَالٍ. وَاقْتَسَمُوا الْمَالَ بَيْنَهُمْ وَالِاسْمُ الْقِسْمَةُ، وَأُطْلِقَتْ عَلَى النَّصِيبِ أَيْضًا وَجَمْعُهَا قِسَمٌ مِثْلَ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ. وَيَجِبُ الْقَسْمُ بَيْنَ النِّسَاءِ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ الْقَسْمَ هُنَا مَصْدَرٌ عَلَى أَصْلِهِ، وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْقِسْمَةُ أَيْ الِاقْتِسَامُ أَوْ النَّصِيبُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّهُ فَرْضٌ) فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] أَمَرَ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَاحِدَةِ عِنْدَ خَوْفِ الْجَوْرِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ، فَيُعْلَمُ إيجَابُ الْعَدْلِ عِنْدَ تَعَدُّدِهِنَّ كَمَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ أَوْ لِلنَّدْبِ، وَيُعْلَمُ إيجَابُ الْعَدْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إنَّمَا يَخَافُ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَعَلَى كُلٍّ فَقَدْ دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى إيجَابِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَيْ أَنْ لَا يَجُوزَ) أَشَارَ بِهِ إلَى التَّخَلُّصِ عَمَّا اعْتَرَضَ بِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ امْرَأَتَانِ حُرَّتَانِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ. وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ مَعْنَى الْعَدْلِ هُنَا التَّسْوِيَةُ لَا ضِدُّ الْجَوْرِ، فَإِذَا كَانَتَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 بِالتَّسْوِيَةِ فِي الْبَيْتُوتَةِ (وَفِي الْمَلْبُوسِ وَالْمَأْكُولِ) وَالصُّحْبَةِ (لَا فِي الْمُجَامَعَةِ) كَالْمَحَبَّةِ بَلْ يُسْتَحَبُّ. وَيَسْقُطُ حَقُّهَا بِمَرَّةٍ وَيَجِبُ دِيَانَةً أَحْيَانًا   [رد المحتار] حُرَّتَيْنِ أَوْ أَمَتَيْنِ فَعَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَتَا حُرَّةً وَأَمَةً فَلَا يَعْدِلُ بَيْنَهُمَا: أَيْ لَا يُسَوِّي بَلْ يَعْدِلُ بِمَعْنَى لَا يَجُورُ، وَهُوَ أَنْ يَقْسِمَ لِلْحُرَّةِ ضِعْفَ الْأَمَةِ فَالْإِيهَامُ نَشَأَ مِنْ اشْتِرَاكِ اللَّفْظِ اهـ. وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِحُرَّةٍ وَلَا غَيْرِهَا نَاسَبَ أَنْ يُفَسَّرَ كَلَامُهُ بِعَدَمِ الْجَوْرِ: أَيْ عَدَمِ الْمَيْلِ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ مِنْ تَسْوِيَةٍ وَضِدِّهَا، فَيَشْمَلُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْحُرَّتَيْنِ أَوْ الْأَمَتَيْنِ وَعَدَمَهَا بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ، وَكَذَا فِي النَّفَقَةِ لِعَدَمِ لُزُومِ التَّسْوِيَةِ فِيهَا مُطْلَقَةً كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ بِالتَّسْوِيَةِ فِي الْبَيْتُوتَةِ) الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ بِالتَّسْوِيَةِ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ كَمَا عَلِمْت بَلْ يَجِبُ عَدَمُهَا. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ التَّسْوِيَةُ إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا: أَيْ يَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ بِإِثْبَاتِهَا بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَبِنَفْيِهَا بَيْنَ الْحُرَّتَيْنِ وَبَيْنَ الْأَمَتَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِقَامَةَ فِي النَّهَارِ لِأَنَّهَا تَجِبُ فِي الْجُمْلَةِ بِلَا تَقْدِيرٍ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ وَفِي الْمَلْبُوسِ وَالْمَأْكُولِ) أَيْ وَالسُّكْنَى، وَلَوْ عَبَّرَ بِالنَّفَقَةِ لَشَمِلَ الْكُلَّ. ثُمَّ إنَّ هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِيهِ، وَضَمِيرُهُ لِلْقَسْمِ الْمُرَادُ بِهِ الْبَيْتُوتَةُ فَقَطْ بِقَرِينَةِ الْعَطْفِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْعَدْلَ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى عَدَمِ الْجَوْرِ لَا بِمَعْنَى التَّسْوِيَةِ فَإِنَّهَا لَا تَلْزَمُ فِي النَّفَقَةِ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: يَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْحُرَّتَيْنِ وَالْأَمَتَيْنِ فِي الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالْمَلْبُوسِ وَالسُّكْنَى وَالْبَيْتُوتَةِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَالْحَقُّ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ حَالَ الرَّجُلِ وَحْدَهُ فِي النَّفَقَةِ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِمَا فَلَا فَإِنَّ إحْدَاهُمَا قَدْ تَكُونُ غَنِيَّةً وَالْأُخْرَى فَقِيرَةً، فَلَا يَلْزَمُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا مُطْلَقًا فِي النَّفَقَةِ. اهـ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ مِنْ جَعْلِهِ مَا فِي الْمَتْنِ مَبْنِيًّا عَلَى اعْتِبَارِ حَالِهِ (قَوْلُهُ وَالصُّحْبَةُ) كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ عَقِبَ قَوْلِهِ فِي الْبَيْتُوتَةِ لِأَنَّ الصُّحْبَةَ أَيْ الْمُعَاشَرَةَ وَالْمُؤَانَسَةَ ثَمَرَةُ الْبَيْتُوتَةِ. فَفِي الْخَانِيَّةِ: وَمِمَّا يَجِبُ عَلَى الْأَزْوَاجِ لِلنِّسَاءِ: الْعَدْلُ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِيمَا يَمْلِكُهُ، وَالْبَيْتُوتَةُ عِنْدَهُمَا لِلصُّحْبَةِ، وَالْمُؤَانَسَةُ لَا فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ الْحُبُّ وَالْجِمَاعُ. (قَوْلُهُ لَا فِي الْمُجَامَعَةِ) لِأَنَّهَا تُبْتَنَى عَلَى النَّشَاطِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ. قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنْ تَرَكَهُ لِعَدَمِ الدَّاعِيَةِ وَالِانْتِشَارِ عُذِرَ، وَإِنْ تَرَكَهُ مَعَ الدَّاعِيَةِ إلَيْهِ لَكِنْ دَاعِيَتُهُ إلَى الضَّرَّةِ أَقْوَى فَهُوَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ فَتْحٌ وَكَأَنَّهُ مَذْهَبُ الْغَيْرِ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُجَامَعَةِ ح. أَمَّا الْمَحَبَّةُ فَهِيَ مَيْلُ الْقَلْبِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُنَّ فِي جَمِيعِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ مِنْ الْوَطْءِ وَالْقُبْلَةِ، وَكَذَا بَيْنَ الْجَوَارِي وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لِيُحْصِنَهُنَّ عَنْ الِاشْتِهَاءِ لِلزِّنَا وَالْمَيْلِ إلَى الْفَاحِشَةِ، وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] فَأَفَادَ أَنَّ الْعَدْلَ بَيْنَهُنَّ لَيْسَ وَاجِبًا (قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ حَقُّهَا بِمَرَّةٍ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاعْلَمْ أَنَّ تَرْكَ جِمَاعِهَا مُطْلَقًا لَا يَحِلُّ لَهُ، صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ جِمَاعَهَا أَحْيَانًا وَاجِبٌ دِيَانَةً، لَكِنْ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ وَالْإِلْزَامِ إلَّا الْوَطْأَةُ الْأُولَى وَلَمْ يُقَدِّرُوا فِيهِ مُدَّةً. وَيَجِبُ أَنْ لَا يَبْلُغَ بِهِ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ إلَّا بِرِضَاهَا وَطِيبِ نَفْسِهَا بِهِ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: فِي هَذَا الْكَلَامِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْجِمَاعَ بَعْدَ الْمَرَّةِ حَقُّهُ لَا حَقُّهَا اهـ. قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ حَقُّهُ وَحَقُّهَا أَيْضًا، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ وَاجِبٌ دِيَانَةً. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَحَيْثُ عُلِمَ أَنَّ الْوَطْءَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَسْمِ فَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ لِلزَّوْجَةِ وَفِي الْبَدَائِعِ: لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِالْوَطْءِ لِأَنَّ حِلَّهُ لَهَا حَقُّهَا، كَمَا أَنَّ حِلَّهَا لَهُ حَقُّهُ، وَإِذَا طَالَبَتْهُ يَجِبُ عَلَيْهِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ مَرَّةً وَالزِّيَادَةُ تَجِبُ دِيَانَةً لَا فِي الْحُكْمِ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 وَلَا يَبْلُغُ الْإِيلَاءَ إلَّا بِرِضَاهَا، وَيُؤْمَرُ الْمُتَعَبِّدُ بِصُحْبَتِهَا أَحْيَانًا، وَقَدَّرَهُ الطَّحَاوِيُّ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ كُلِّ أَرْبَعٍ لِحُرَّةٍ وَسَبْعٍ لِأَمَةٍ. وَلَوْ تَضَرَّرَتْ مِنْ كَثْرَةِ جِمَاعِهِ لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهَا، وَالرَّأْيُ فِي تَعْيِينِ الْمِقْدَارِ لِلْقَاضِي بِمَا يَظُنُّ طَاقَتَهَا نَهْرٌ بَحْثًا   [رد المحتار] وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ وَيَسْقُطُ حَقُّهَا بِمَرَّةٍ فِي الْقَضَاءِ أَيْ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصِبْهَا مَرَّةً يُؤَجِّلُهُ الْقَاضِي سَنَةً ثُمَّ يَفْسَخُ الْعَقْدَ. أَمَّا لَوْ أَصَابَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ عِنِّينٍ وَقْتَ الْعَقْدِ، بَلْ يَأْمُرُهُ بِالزِّيَادَةِ أَحْيَانًا لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ إلَّا لِعُذْرٍ وَمَرَضٍ أَوْ عُنَّةٍ عَارِضَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الظِّهَارِ أَنَّ عَلَى الْقَاضِي إلْزَامَ الْمُظَاهِرِ بِالتَّكْفِيرِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ إلَى أَنْ يُكَفِّرَ أَوْ يُطَلِّقَ وَهَذَا رُبَّمَا يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الْمَارَّ بِأَنَّهُ تَجِبُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا يَبْلُغُ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ) تَقَدَّمَ عَنْ الْفَتْحِ التَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَبْلُغَ إلَخْ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَنْقُولٌ، لَكِنْ ذَكَرَ قَبْلَهُ فِي مِقْدَارِ الدَّوْرِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُطْلِقَ لَهُ مِقْدَارَ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَهَذَا بَحْثٌ مِنْهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْبَحْثِ تَأَمَّلْ، ثُمَّ قَوْلُهُ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ إيلَاءُ الْحُرَّةِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمَّا سَمِعَ فِي اللَّيْلِ امْرَأَةً تَقُولُ: فَوَاَللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ تُخْشَى عَوَاقِبُهُ لَزُحْزِحَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهُ فَسَأَلَ عَنْهَا فَإِذَا زَوْجُهَا فِي الْجِهَادِ، فَسَأَلَ بِنْتَه حَفْصَةَ: كَمْ تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ الرَّجُلِ: فَقَالَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَأَمَرَ أُمَرَاءَ الْأَجْنَادِ أَنْ لَا يَتَخَلَّفَ الْمُتَزَوِّجُ عَنْ أَهْلِهِ أَكْثَرَ مِنْهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ زِيَادَةُ مُضَارَّةٍ بِهَا لَمَا شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى الْفِرَاقَ بِالْإِيلَاءِ فِيهَا. (قَوْلُهُ وَيُؤْمَرُ الْمُتَعَبِّدُ إلَخْ) فِي الْفَتْحِ: فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ فَتَشَاغَلَ عَنْهَا بِالْعِبَادَةِ أَوْ السَّرَارِيِّ اخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ رِوَايَةَ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ كُلِّ أَرْبَعِ لَيَالٍ وَبَاقِيهَا لَهُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّهَا فِي الثَّلَاثِ بِتَزَوُّجِ ثَلَاثِ حَرَائِرَ، وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً فَلَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فِي كُلِّ سَبْعٍ. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ مِقْدَارٌ لِأَنَّ الْقَسْمَ مَعْنَى نِسْبِيٌّ وَإِيجَابُهُ طَلَبُ إيجَادِهِ وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الْمُنْتَسِبِينَ فَلَا يُطْلَبُ قَبْلَ تَصَوُّرِهِ، بَلْ يُؤْمَرُ أَنْ يَبِيتَ مَعَهَا وَيَصْحَبَهَا أَحْيَانًا مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ. اهـ. وَنَقَلَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ (قَوْلُهُ وَسَبْعٍ لِأَمَةٍ) لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا ثَلَاثَ حَرَائِرَ فَيَقْسِمُ لَهُنَّ سِتَّةَ أَيَّامٍ وَلَهَا يَوْمٌ (قَوْلُهُ نَهْرٌ بَحْثًا) حَيْثُ قَالَ: وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهَا، أَمَّا تَعْيِينُ الْمِقْدَارِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ لِأَئِمَّتِنَا، نَعَمْ فِي كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ خِلَافٌ فَقِيلَ يَقْضِي عَلَيْهِمَا بِأَرْبَعٍ فِي اللَّيْلِ وَأَرْبَعٍ فِي النَّهَارِ، وَقِيلَ بِأَرْبَعٍ فِيهِمَا. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَشْرُ مَرَّاتٍ فِيهِمَا. وَفِي دَقَائِقِ ابْنِ فَرْحُونٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ مَرَّةً. وَعِنْدِي أَنَّ الرَّأْيَ فِيهِ لِلْقَاضِي فَيَقْضِي بِمَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا تُطِيقُهُ اهـ. قَالَ الْحَمَوِيُّ عَقِبَهُ: وَأَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهَا الْقَاضِي عَمَّا تُطِيقُ وَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُمَا بِيَمِينِهَا لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا وَهَذَا طِبْقُ الْقَوَاعِدِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مَنُوطًا بِظَنِّ الْقَاضِي فَهُوَ إنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا فَبَعِيدٌ. هَذَا، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ مَجْدٍ أَنَّ فِي تَأْسِيسِ النَّظَائِرِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ نَصٌّ فِي حُكْمٍ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا يَرْجِعُ إلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَقُولُ: لَمْ أَرَ حُكْمَ مَا لَوْ تَضَرَّرَتْ مِنْ عِظَمِ آلَتِهِ بِغِلَظٍ أَوْ طُولٍ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى اهـ. أَقُولُ: مَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ مَجْدٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ غَيْرُهُ، نَعَمْ ذُكِرَ فِي الدُّرَرِ الْمُنْتَقَى فِي بَابِ الرَّجْعَةِ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ دِيبَاجَةِ الْمُصَفَّى أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا مَالَ إلَى أَقْوَالِهِ ضَرُورَةً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 (بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ فَحْلٍ وَخَصِيٍّ وَعِنِّينٍ وَمَجْبُوبٍ وَمَرِيضٍ وَصَحِيحٍ) وَصَبِيٍّ دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ وَبَالِغٍ لَمْ يَدْخُلْ بَحْرٌ بَحْثًا، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَمَرِيضَةٍ وَصَحِيحَةٍ (وَحَائِضٍ وَذَاتِ نِفَاسٍ   [رد المحتار] هَذَا، وَقَدْ صَرَّحُوا عِنْدَنَا بِأَنَّ الزَّوْجَةَ إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ لَا تُسَلَّمُ إلَى الزَّوْجِ حَتَّى تُطِيقَهُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالسِّنِّ بَلْ يُفَوَّضُ إلَى الْقَاضِي بِالنَّظَرِ إلَيْهَا مِنْ سِمَنٍ أَوْ هُزَالٍ. وَقَدَّمْنَا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ الْبَالِغَةَ إذَا كَانَتْ لَا تَحْتَمِلُ لَا يُؤْمَرُ بِدَفْعِهَا إلَى الزَّوْجِ أَيْضًا، فَقَوْلُهُ لَا تَحْتَمِلُ يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ لِضَعْفِهَا أَوْ هُزَالِهَا أَوْ لِكِبَرِ آلَتِهِ. وَفِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَحْكَامِ غَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ فِيمَا يُحَرِّمُ عَلَى الزَّوْجِ وَطْءَ زَوْجَتِهِ مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ قَالَ: وَفِيمَا إذَا كَانَتْ لَا تَحْتَمِلُهُ لِصِغَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ سُمْنَةٍ. اهـ. وَرُبَّمَا يُفْهَمُ مِنْ سِمَنِهِ عِظَمُ آلَتِهِ. وَحَرَّرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ فَمَاتَتْ أَوْ صَارَتْ مُفْضَاةً، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ مُكْرَهَةً أَوْ لَا تُطِيقُ تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ اتِّفَاقًا. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمَا يُؤَدِّي إلَى إضْرَارِهَا فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا تُطِيقُ مِنْهُ عَدَدًا بِنَظَرِ الْقَاضِي أَوْ إخْبَارِ النِّسَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فَبِقَوْلِهَا وَكَذَا فِي غِلَظِ الْآلَةِ، وَيُؤْمَرُ فِي طُولِهَا بِإِدْخَالِ قَدْرِ مَا تُطِيقُهُ مِنْهَا أَوْ بِقَدْرِ آلَةِ الرَّجُلِ مُعْتَدِلِ الْخِلْقَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ بِلَا فَرْقٍ إلَخْ) لِأَنَّهُ حَيْثُ عَلِمَ أَنَّ وُجُوبَ الْقَسْمِ إنَّمَا هُوَ لِلصُّحْبَةِ وَالْمُؤَانَسَةِ دُونَ الْمُجَامَعَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ زَوْجٍ وَزَوْجٍ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَمَرِيضٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ كَيْفِيَّةَ قَسْمِهِ فِي مَرَضِهِ حَيْثُ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّحَوُّلِ إلَى بَيْتِ الْأُخْرَى وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا صَحَّ ذَهَبَ عِنْدَ الْأُخْرَى بِقَدْرِ مَا أَقَامَ عِنْدَ الْأُولَى مَرِيضًا. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الِاخْتِيَارُ فِي مِقْدَارِ الدَّوْرِ إلَيْهِ حَالَ صِحَّتِهِ فَفِي مَرَضِهِ أَوْلَى، فَإِذَا مَكَثَ عِنْدَ الْأُولَى مُدَّةً أَقَامَ عِنْدَ الثَّانِيَةِ بِقَدْرِهَا نَهْرٌ. قُلْت: وَهَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ مُدَّةَ إقَامَتِهِ دَوْرًا حَتَّى لَا يُنَافِيَ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ عِنْدَ إحْدَاهُمَا شَهْرًا هَدَرَ مَا مَضَى (قَوْلُهُ وَصَبِيٍّ دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ) الَّذِي فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ بِامْرَأَتَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّ وُجُوبَهُ لِحَقِّ النِّسَاءِ، وَحُقُوقُ الْعِبَادِ تَتَوَجَّهُ عَلَى الصِّبْيَانِ عِنْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ. وَفِي الْفَتْحِ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَيَدُورُ وَلِيُّ الصَّبِيِّ بِهِ عَلَى نِسَائِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى شَيْءٍ عِنْدَنَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْثَمَ الْوَلِيُّ إذَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَدْرِ بِهِ. اهـ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَقَيَّدَ فِي الْخَانِيَّةِ الصَّبِيَّ بِالْمُرَاهِقِ فَلَا قَسْمَ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمُمَيِّزُ الْمُمْكِنُ وَطْؤُهُ كَذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَالِغٍ لَمْ يَدْخُلْ) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ دَخَلَ بِالْأُولَى ح (قَوْلُهُ بَحْرٌ بَحْثًا) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَبَالِغٍ لَمْ يَدْخُلْ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْمُحِيطِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الصَّغِيرُ بِهَا فَلَا فَائِدَةَ فِي كَوْنِهِ مَعَهَا. اهـ.، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَسْمَ عَلَى الْبَالِغِ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لِأَنَّ فِي كَوْنِهِ مَعَهَا فَائِدَةً وَلِذَا إنَّمَا قَيَّدُوا بِالدُّخُولِ فِي امْرَأَةِ الصَّبِيِّ. اهـ. قُلْت: يَظْهَرُ لِي أَنَّ دُخُولَ الصَّبِيِّ غَيْرُ قَيْدٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ الَّذِي بَلَغَ سِنَّ الدُّخُولِ وَحُصُولَ الصُّحْبَةِ وَالِاسْتِئْنَاسِ بِهِ وَلِذَا لَمْ يُقَيِّدْ فِي الْخَانِيَّةِ بِالدُّخُولِ، بَلْ قَالَ وَالْمُرَاهِقُ وَالْبَالِغُ فِي الْقَسْمِ سَوَاءٌ، فَقَوْلُهُ فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ أَيْ لَمْ يَبْلُغْ هَذَا السِّنَّ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي كَوْنِهِ مَعَهَا إذْ لَا شَكَّ أَنَّ لَهَا فَائِدَةً فِي كَوْنِ الْمُرَاهِقِ مَعَهَا مِنْ الِاسْتِئْنَاسِ بِهِ وَالْعِشْرَةِ مَعَهُ زِيَادَةً عَلَى مَا إذَا كَانَتْ وَحْدَهَا. وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُرَاهِقِ وَالْبَالِغِ فِي وُجُوبِ الْقَسْمِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَبْلَهُ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ عَقْدُ النِّكَاحِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَسْمُ فِي الْبَيْتُوتَةِ مَعَهَا مَا لَمْ تَرْضَ بِالْإِقَامَةِ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا لِإِصْلَاحِ شَأْنِهَا وَإِلَّا فَهُوَ ظَالِمٌ لَهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 وَمَجْنُونَةٍ لَا تُخَافُ وَرَتْقَاءَ وَقَرْنَاءَ) وَصَغِيرَةٍ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا وَمُحْرِمَةٍ وَمُظَاهَرٍ وَمُولًى مِنْهَا وَمُقَابِلَاتِهِنَّ، وَكَذَا مُطَلَّقَةٌ رَجْعِيَّةٌ إنْ قَصَدَ رَجْعَتَهَا وَإِلَّا لَا بَحْرٌ (وَلَوْ) (أَقَامَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ شَهْرًا فِي غَيْرِ سَفَرٍ ثُمَّ خَاصَمَتْهُ الْأُخْرَى) فِي ذَلِكَ (يُؤْمَرُ بِالْعَدْلِ بَيْنَهُمَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهَدَرَ مَا مَضَى وَإِنْ أَثِمَ بِهِ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَكُونُ بَعْدَ الطَّلَبِ (وَإِنْ) (عَادَ إلَى الْجَوْرِ بَعْدَ نَهْيِ الْقَاضِي إيَّاهُ) (عُزِّرَ) بِغَيْرِ حَبْسٍ جَوْهَرَةٌ لِتَفْوِيتِهِ الْحَقَّ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَقُلْ إنَّمَا فَعَلْت ذَلِكَ، لِأَنَّ خِيَارَ الدَّوْرِ إلَيَّ،   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَمَجْنُونَةٍ لَا تُخَافُ) بِضَمِّ التَّاءِ: أَيْ لَا يَخَافُ مِنْهَا الزَّوْجُ، بِأَنْ كَانَتْ لَا تَضْرِبُ وَلَا تُؤْذِي لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَسُكْنَاهَا، وَإِلَّا فَهِيَ فِي حُكْمِ النَّاشِزَةِ (قَوْلُهُ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا) عَبَّرَ عَنْهَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِالْمُرَاهِقَةِ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ: بِخِلَافِ مَا لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا، فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ الْمِنَحِ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا فَإِنَّهُ خَطَأٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمُحْرِمَةٍ) أَيْ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا (قَوْلُهُ وَمُظَاهَرٍ) بِفَتْحِ الْهَاءِ، وَقَوْلُهُ وَمُولًى بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَفَتْحِ اللَّامِ مُنَوَّنَةٌ مِنْ الْإِيلَاءِ، وَقَوْلُهُ مِنْهَا تُنَازِعُهُ كُلٌّ مِنْ مُظَاهَرٍ وَمُولًى ح (قَوْلُهُ وَمُقَابِلَاتِهِنَّ) أَيْ مُقَابِلَ مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ وَحَائِضٍ إلَخْ ط (قَوْلُهُ رَجْعِيَّةً) مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَفْعُولٍ مُطْلَقٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ وَكَذَا مُطَلَّقَةٌ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً ح. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَالْمَحْبُوسَةُ بِدَيْنٍ لَا قُدْرَةَ لَهَا عَلَى وَفَائِهِ وَالنَّاشِزَةُ، وَالْمَسْطُورُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا قَسْمَ لَهَا فِي الْكُلِّ. وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجِبُ لِلْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ لِمُجَرَّدِ الْإِينَاسِ وَدَفْعِ الْوَحْشَةِ، وَفِي الْمَحْبُوسَةِ تَرَدُّدٌ. وَأَمَّا النَّاشِزَةُ فَلَا يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِي سُقُوطِهِ لَهَا لِأَنَّهَا بِخُرُوجِهَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا. اهـ. وَاعْتَرَضَهُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّ الْمَوْطُوءَةَ بِشُبْهَةٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَسْمَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّسْوِيَةِ فِي الْبَيْتُوتَةِ وَالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى. اهـ. زَادَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنَّهُ يَخَافُ مِنْ الْقَسْمِ لَهَا الْوُقُوعَ فِي الْحَرَامِ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ لِلْغَيْرِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَسُّهَا وَتَقْبِيلُهَا فَلَا يَجِبُ لَهَا. وَكَذَا الْمَحْبُوسَةُ لِأَنَّ فِي وُجُوبِهِ عَلَيْهِ ضَرَرًا بِهِ بِدُخُولِهِ الْحَبْسَ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَامَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ شَهْرًا) أَيْ قَبْلَ الْخُصُومَةِ أَوْ بَعْدَهَا خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ سَفَرٍ) أَمَّا إذَا سَافَرَ بِإِحْدَاهُمَا لَيْسَ لِلْأُخْرَى أَنْ تَطْلُبَ مِنْهُ أَنْ يَسْكُنَ عِنْدَهَا مِثْلَ الَّتِي سَافَرَ بِهَا ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ وَهَدَرَ مَا مَضَى) فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَطْلُبَ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا مِثْلَ ذَلِكَ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْقَضَاءِ إذَا طَلَبَتْ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ وَلَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إيفَائِهِ فَتْحٌ: وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ التَّعْلِيلِ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَلِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى النَّفَقَةِ وَهِيَ تَسْقُطُ بِالْمُضِيِّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَكُونُ بَعْدَ الطَّلَبِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ هَدَرَ مَا مَضَى، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْقَسْمِ عَقْدُ النِّكَاحِ وَلِهَذَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ قَبْلَ الطَّلَبِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ بَحْثَ الْفَتْحِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْإِجْبَارَ عَلَى الْقِسْمَةِ مِنْ الْقَاضِي يَكُونُ بَعْدَ الطَّلَبِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّهَا لَوْ طَالَبَتْهُ بِهَا ثُمَّ جَارَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ أَوْ بَعْدَهَا، وَكَذَا تَعْلِيلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ الْقَسْمَ لَا يَصِيرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ مَا بَعْدَ الطَّلَبِ (قَوْلُهُ بَعْدَ نَهْيِ الْقَاضِي) أَفَادَ أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ ط (قَوْلُهُ عُزِّرَ بِغَيْرِ حَبْسٍ) بَلْ يُوجِعُهُ عُقُوبَةً وَيَأْمُرُهُ بِالْعَدْلِ لِأَنَّهُ أَسَاءَ الْأَدَبَ وَارْتَكَبَ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ وَهُوَ الْجَوْرُ مِعْرَاجٌ، وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ لِلْقَاضِي الْخِيَارَ فِي التَّعْزِيرِ بَيْنَ الضَّرْبِ وَالْحَبْسِ بَحْرٌ قُلْت: وَمِثْلُهُ مَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى قَرِيبِهِ (قَوْلُهُ لِتَفْوِيتِهِ الْحَقَّ) الضَّمِيرُ لِلْحَبْسِ ح وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْجَوْهَرَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 فَحِينَئِذٍ يَقْضِي الْقَاضِي بِقَدْرِهِ نَهْرٌ بَحْثًا (وَالْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ وَالْجَدِيدَةُ وَالْقَدِيمَةُ وَالْمُسْلِمَةُ وَالْكِتَابِيَّةُ سَوَاءٌ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ. (وَلِلْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ) وَالْمُبَعَّضَةِ (نِصْفُ مَا لِلْحُرَّةِ) أَيْ مِنْ الْبَيْتُوتَةِ وَالسُّكْنَى مَعَهَا. أَمَّا النَّفَقَةُ فَبِحَالِهِمَا. (وَلَا قَسْمَ فِي السَّفَرِ) دَفْعًا لِلْحَرَجِ (فَلَهُ السَّفَرُ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ وَالْقُرْعَةُ أَحَبُّ) تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِنَّ. (وَلَوْ) (تَرَكَتْ قِسْمَهَا) بِالْكَسْرِ: أَيْ نَوْبَتَهَا (لِضَرَّتِهَا) (صَحَّ، وَلَهَا الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ) فِي الْمُسْتَقْبَلِ،   [رد المحتار] لِأَنَّهُ لَا يَسْتَدْرِكُ الْحَقَّ فِيهِ بِالْحَبْسِ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ اهـ أَيْ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَسْمَ لِلصُّحْبَةِ وَالْمُؤَانَسَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ فِي مُدَّةِ الْحَبْسِ يَفُوتُهَا ذَلِكَ وَكَذَلِكَ عَلَّلُوا لِعَدَمِ الْحَبْسِ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى قَرِيبِهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ يَقْضِي الْقَاضِي بِقَدْرِهِ) أَيْ مَتَى خَاصَمَتْ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ يَسْقُطُ مَا مَضَى مَعَ أَنَّ هَذَا بَعْدَ الْمُخَاصَمَةِ وَالطَّلَبِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْقَسْمَ لَا يَصِيرُ دَيْنًا، وَأَطْلَقَ الْقَدْرَ مَعَ أَنَّ فِيهِ كَلَامًا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَالْبِكْرُ إلَخْ) نَصَّ عَلَى الْأُولَيَيْنِ لِأَنَّ فِيهِمَا خِلَافَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَعَلَى الْأَخِيرَةِ لِدَفْعِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ عَدَمِ مُسَاوَاةِ الْكِتَابِيَّةِ لِلْمُسْلِمَةِ بِسَبَبِ ارْتِفَاعِهَا عَلَيْهَا بِالْإِسْلَامِ، أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِهِ وَالْجَدِيدَةُ وَالْقَدِيمَةُ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ كَانَتْ الْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ جَدِيدَتَيْنِ بِأَنْ تَزَوَّجَهُمَا مَعًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ) أَيْ قَوْله تَعَالَى {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا} [النساء: 129] أَيْ فِي الْمَحَبَّةِ {فَلا تَمِيلُوا} [النساء: 129] فِي الْقَسْمِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وقَوْله تَعَالَى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] وَغَايَتُهُ الْقَسْمُ وقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا} [النساء: 3] وَلِإِطْلَاقِ أَحَادِيثِ النَّهْيِ وَلِأَنَّ الْقَسْمَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ، وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ نَحْوِ «لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ» فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّفْضِيلُ فِي الْبُدَاءَةِ دُونَ الزِّيَادَةِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُ الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ التَّسْوِيَةِ، بَلْ عَلَى اخْتِيَارِ الدَّوْرِ بِالسَّبْعِ وَالثَّلَاثِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رَوَيْنَا (قَوْلُهُ وَلِلْأَمَةِ إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ أَمَةٌ وَحُرَّةٌ فَلِلْأَمَةِ النِّصْفُ وَهَذَا إذَا بَوَّأَهَا السَّيِّدُ مَنْزِلًا، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ وَكَأَنَّهُ لِظُهُورِهِ (قَوْلُهُ أَمَّا النَّفَقَةُ) هِيَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَاللُّبْسُ وَالْمَسْكَنُ (قَوْلُهُ فَبِحَالِهِمَا) أَيْ إنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ غَنِيَّيْنِ فَالْوَاجِبُ نَفَقَةُ الْأَغْنِيَاءِ، أَوْ فَقِيرَيْنِ فَنَفَقَةُ الْفُقَرَاءِ، أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ فَالْوَسَطُ، وَهَذَا هُوَ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا مَرَّ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَا قَسْمَ فِي السَّفَرِ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَا يَتَيَسَّرُ إلَّا بِحَمْلِهِنَّ مَعَهُ، وَفِي إلْزَامِهِ ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ مَا لَا يَخْفَى نَهْرٌ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَثِقُ بِإِحْدَاهُمَا فِي السَّفَرِ وَبِالْأُخْرَى فِي الْحَضَرِ، وَالْقَرَارِ فِي الْمَنْزِلِ لِحِفْظِ الْأَمْتِعَةِ أَوْ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ أَوْ يَمْنَعُ مِنْ السَّفَرِ إحْدَاهُمَا لِكَثْرَةِ سِمَنِهَا فَتَعَيَّنَ مَنْ يَخَافُ صُحْبَتَهَا فِي السَّفَرِ لِلسَّفَرِ لِخُرُوجِ قُرْعَتِهَا إلْزَامٌ لِلضَّرَرِ الشَّدِيدِ، وَهُوَ مُنْدَفِعٌ بِالنَّافِي لِلْحَرَجِ فَتْحٌ، وَانْظُرْ مَا لَوْ سَافَرَ بِهِنَّ هَلْ يَقْسِمُ. (قَوْلُهُ وَالْقُرْعَةُ أَحَبُّ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مُسْتَحَقَّةٌ، لِمَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ» قُلْنَا كَانَ اسْتِحْبَابًا لِتَطْيِيبِ قُلُوبِهِنَّ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ مَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ الْقَسْمُ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ، وَهَذَا مَعَ قَوْلِهِ قَبْلَهُ فَتَعْيِينُ مَنْ يَخَافُ صُحْبَتَهَا إلَخْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا لَا يَلْزَمُهُ السَّفَرُ بِهَا (قَوْلُهُ صَحَّ) شَمِلَ مَا لَوْ كَانَ بِشَرْطِ رِشْوَةٍ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا وَإِنْ بَطَلَ الشَّرْطُ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْفَتْحِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الْبَاقَانِيُّ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ حَقٍّ لَمْ يَجِبْ وَلِذَا لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا. وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مِثْلُ أَخْذِ الْعِوَضِ فِي النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ، لِأَنَّ مَنْ أَجَازَهُ بِنَاءً عَلَى الْعُرْفِ وَلَا عُرْفَ هُنَا فَتَدَبَّرْ نَعَمْ ذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يُسْتَنْبَطُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمِنْ خُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى مَالٍ جَوَازُ النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ بِالدَّرَاهِمِ وَأَنَّهُ أَفْتَى بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالشَّيْخُ نُورُ الدِّينِ الدَّمِيرِيِّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشِّيشِيُّ مِنْ الْحَنَابِلَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 لِأَنَّهُ مَا وَجَبَ فَمَا سَقَطَ، وَلَوْ جَعَلَتْهُ لِمُعَيَّنَةٍ هَلْ لَهُ جَعْلُهُ لِغَيْرِهَا؟ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ لَا. وَفِي الْبَحْرِ بَحْثًا نَعَمْ، وَنَازَعَهُ فِي النَّهْرِ. (وَيُقِيمُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً) لَكِنْ إنَّمَا تَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ فِي اللَّيْلِ، حَتَّى لَوْ جَاءَ لِلْأُولَى بَعْدَ الْغُرُوبِ وَلِلثَّانِيَةِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَقَدْ تَرَكَ الْقَسْمَ، وَلَا يُجَامِعُهَا فِي غَيْرِ نَوْبَتِهَا، وَكَذَا لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا إلَّا لِعِيَادَتِهَا وَلَوْ اشْتَدَّ: فَفِي الْجَوْهَرَةِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا حَتَّى تُشْفَى أَوْ تَمُوتَ انْتَهَى، يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا مَنْ يُؤْنِسُهَا. وَلَوْ مَرِضَ هُوَ فِي بَيْتِهِ دَعَا كُلًّا فِي نَوْبَتِهَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا وَأَرَادَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ. نَهْرٌ (وَإِنْ شَاءَ ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا (وَلَا يُقِيمُ عِنْدَ إحْدَاهُمَا أَكْثَرَ إلَّا بِإِذْنِ الْأُخْرَى) خَاصَّةً   [رد المحتار] قُلْت: وَاضْطَرَبَ فِيهِ رَأْيُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَفْتَى الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِعَدَمِهِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْوَقْفِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ حَقَّهَا وَهُوَ الْقَسْمُ مَا وَجَبَ أَيْ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ، فَمَا سَقَطَ أَيْ فَلَمْ يَسْقُطْ بِإِسْقَاطِهَا ح (قَوْلُهُ وَفِي الْبَحْرِ بَحْثًا نَعَمْ) حَيْثُ قَالَ وَلَعَلَّ الْمَشَايِخَ إنَّمَا لَمْ يَعْتَبِرُوا هَذَا التَّفْصِيلَ لِأَنَّ هَذِهِ الْهِبَةَ إنَّمَا هِيَ إسْقَاطٌ عَنْهُ فَكَانَ الْحَقُّ لَهُ سَوَاءٌ وَهَبَتْ لَهُ أَوْ لِصَاحِبَتِهَا، فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ حِصَّةَ الْوَاهِبَةِ لِمَنْ شَاءَ ح (قَوْلُهُ وَنَازَعَهُ فِي النَّهْرِ) حَيْثُ قَالَ: أَقُولُ كَوْنُ الْحَقِّ لَهُ فِيمَا إذَا وَهَبَتْ لِصَاحِبَتِهَا مَمْنُوعٌ. فَفِي الْبَدَائِعِ فِي تَوْجِيهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّهُ حَقٌّ يَثْبُتُ لَهَا فَلَهَا أَنْ تَسْتَوْفِيَ وَلَهَا أَنْ تَتْرُكَ. اهـ. ح. أَقُولُ: وَقَدْ نَقَلَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَأَقَرَّهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: وَفَرَّعُوا إذَا كَانَتْ لَيْلَةُ الْوَاهِبَةِ تَلِي لَيْلَةَ الْمَوْهُوبَةِ قَسَمَ لَهَا لَيْلَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ. وَإِنْ كَانَتْ لَا تَلِيهَا فَهَلْ لَهُ نَقْلُهَا فَيُوَالِي لَهَا لَيْلَتَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا الَّتِي تَلِيهَا فِي النَّوْبَةِ لِأَنَّهَا قَدْ تَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ اهـ فَمَا اسْتَظْهَرَهُ الْمُحَقِّقُ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ مَا فِي النَّهْرِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ الْعَدْلَ الْوَاجِبَ فِي الْبَيْتُوتَةِ وَالتَّأْنِيسِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَضْبِطَ زَمَانَ النَّهَارِ، فَبِقَدْرِ مَا عَاشَرَ فِيهِ إحْدَاهُمَا يُعَاشِرُ الْأُخْرَى بَلْ ذَلِكَ فِي الْبَيْتُوتَةِ وَأَمَّا النَّهَارُ فَفِي الْجُمْلَةِ اهـ يَعْنِي لَوْ مَكَثَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ أَكْثَرَ النَّهَارِ كَفَاهُ أَنْ يَمْكُثَ عِنْدَ الثَّانِيَةِ وَلَوْ أَقَلَّ مِنْهُ بِخِلَافِهِ فِي اللَّيْلِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُجَامِعُهَا فِي غَيْرِ نَوْبَتِهَا) أَيْ وَلَوْ نَهَارًا ط. (قَوْلُهُ يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ إلَخْ) هَذَا التَّقْيِيدُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ بَحْثًا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَطْلَقَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ مَرِضَ هُوَ فِي بَيْتِهِ) هَذَا إذَا كَانَ لَهُ بَيْتٌ لَيْسَ فِيهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّحَوُّلِ إلَى بَيْتِ الْأُخْرَى يُقِيمُ بَعْدَ الصِّحَّةِ عِنْدَ الْأُخْرَى بِقَدْرِ مَا أَقَامَ عِنْدَ الْأُولَى مَرِيضًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَا يُقِيمُ عِنْدَ إحْدَاهُمَا أَكْثَرَ إلَخْ) لَمْ يُبَيِّنْ مَا لَوْ أَقَامَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ هَلْ يَهْدُرُ الزَّائِدُ أَوْ يُقِيمُ عِنْدَ الْأُخْرَى بِقَدْرِ مَا أَقَامَ عِنْدَ الْأُولَى ثُمَّ يَقْسِمُ بَيْنَهُمَا ثَلَاثَةً وَثَلَاثَةً أَوْ يَوْمًا وَيَوْمًا؛ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي لِأَنَّ هَدْرَ مَا مَضَى فِيمَا إذَا أَقَامَ عِنْدَ إحْدَاهُمَا لَا عَلَى سَبِيلِ الْقَسْمِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُنَا فِي الْإِقَامَةِ عَلَى سَبِيلِ الْقَسْمِ فَلَا يَهْدُرُ شَيْءٌ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ عِنْدَ الْجَدِيدَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ يُقِيمُ عِنْدَ الْأُولَى كَذَلِكَ اهـ لَكِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ الدَّوْرَ مُسْتَمِرًّا ثَلَاثَةً أَوْ سَبْعَةً، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ أَنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِ الدَّوْرِ بِالسَّبْعِ أَوْ الثَّلَاثِ تَأَمَّلْ. وَعَنْ هَذَا نَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالسِّرَاجِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ امْرَأَتِهِ ثَلَاثَةً أَوْ سَبْعَةً وَعِنْدَ أُخْرَى كَذَلِكَ. اهـ. وَاَلَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ يَكُونُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَعَلَ. وَرُوِيَ عَنْ الْأَشْعَثِ عَنْ الْحَكَمِ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ حِينَ دَخَلَ بِهَا إنْ شِئْت سَبْعَةً لَك وَسَبْعَةً لَهُنَّ» اهـ وَمُقْتَضَى رِوَايَتِهِ الْحَدِيثَ أَنَّ لَهُ التَّسْبِيعَ، بَلْ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إنْ شَاءَ ثَلَّثَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 زَادَ فِي الْخَانِيَّةِ (وَالرَّأْيُ فِي الْبُدَاءَةِ) فِي الْقَسْمِ (إلَيْهِ) وَكَذَا فِي مِقْدَارِ الدَّوْرِ هِدَايَةٌ وَتَبْيِينٌ. وَقَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ بَحْثًا بِمُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَوْ جُمُعَةٍ، وَعَمَّمَهُ فِي الْبَحْرِ، وَنَظَرَ فِيهِ فِي النَّهْرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَظَاهِرُ بَحْثِهِمَا أَنَّهُمَا لَمْ يَطَّلِعَا عَلَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ كَمَا عَوَّلْنَا عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فُرُوعٌ] لَوْ كَانَ عَمَلُهُ لَيْلًا كَالْحَارِسِ ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ يَقْسِمُ نَهَارًا وَهُوَ حَسَنٌ، وَحَقُّهُ عَلَيْهَا أَنْ تُطِيعَهُ فِي كُلِّ مُبَاحٍ يَأْمُرُهَا بِهِ، وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْغَزْلِ وَمِنْ أَكَلَ مَا يَتَأَذَّى مِنْ رَائِحَتِهِ، بَلْ وَمِنْ الْحِنَّاءِ وَالنَّقْشِ وَإِنْ تَأَذَّى بِرَائِحَتِهِ نَهْرٌ وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْمُلْتَقَى.   [رد المحتار] وَإِنْ شَاءَ سَبَّعَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ زَادَ فِي الْخَانِيَّةِ) يُوهِمُ أَنَّ عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ صَرِيحَةٌ فِي الْحَصْرِ كَعِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الَّذِي فِيهَا عَلَيْهِ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا، فَيَكُونَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا وَالرَّأْيُ فِي الْبِدَايَةِ إلَيْهِ. اهـ. فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ لَا لِنَفْيِ الزِّيَادَةِ بِقَرِينَةِ عِبَارَتِهِ الْمَارَّةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ) أَيْ قَيَّدَ كَلَامَ الْهِدَايَةِ الْمَذْكُورَ، حَيْثُ قَالَ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ عَلَى صَرَاحَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَدُورَ سَنَةً سَنَةً مَا يَظُنُّ إطْلَاقَ ذَلِكَ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُطْلِقَ لَهُ مِقْدَارَ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ. وَإِذَا كَانَ وُجُوبُهُ لِلتَّأَنُّسِ وَرَفْعِ الْوَحْشَةِ وَجَبَ أَنْ تُعْتَبَرَ الْمُدَّةُ الْقَرِيبَةُ وَأَظُنُّ أَنَّ أَكْثَرَ مِنْ جُمُعَةٍ مُضَارَّةٌ إلَّا أَنْ يَرْضَيَا اهـ فَقَوْلُهُ وَأَظُنُّ إلَخْ إضْرَابٌ إبْطَالِيٌّ عَنْ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ فَيُنَاسِبُ أَنْ تَكُونَ " أَوْ " فِي قَوْلِ الشَّارِحِ أَوْ جُمُعَةٍ بِمَعْنَى بَلْ كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ كَانُوا ثَمَانِينَ أَوْ زَادُوا ثَمَانِيَةً ح (قَوْلُهُ وَعَمَّمَهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ: وَالظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ لِأَنَّهُ لَا مُضَارَّةَ حَيْثُ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْقَسْمِ لِأَنَّهَا مُطْمَئِنَّةٌ بِمَجِيءِ نَوْبَتِهَا (قَوْلُهُ وَنَظَرَ فِيهِ فِي النَّهْرِ) حَيْثُ قَالَ فِي نَفْيِ الْمُضَارَّةِ مُطْلَقًا نَظَرٌ لَا يَخْفَى. اهـ. قُلْت: وَأَيْضًا فَإِنَّ الِاطْمِئْنَانَ بِمَجِيءِ النَّوْبَةِ مُنْتَفٍ مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ كَسَنَةٍ مَثَلًا لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ أَوْ مَوْتِهَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ الْقَسْمُ لِأَجْلِهِ وَهُوَ الِاسْتِئْنَاسُ. (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ بَحْثِهِمَا) أَيْ صَاحِبِ الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ كَمَا فِي الْمِنَحِ ح (قَوْلُهُ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ) قَدْ عَلِمْت مَا يُنَافِي هَذَا التَّقْيِيدَ (قَوْلُهُ وَهُوَ حَسَنٌ) كَذَا قَالَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ فِي كُلِّ مُبَاحٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عِنْدَ الْأَمْرِ بِهِ مِنْهُ يَكُونُ وَاجِبًا عَلَيْهَا كَأَمْرِ السُّلْطَانِ الرَّعِيَّةَ بِهِ ط (قَوْلُهُ وَمِنْ أَكْلِ مَا يَتَأَذَّى بِهِ) أَيْ بِرَائِحَتِهِ كَثُومٍ وَبَصَلٍ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ تَأَذَّى مِنْ رَائِحَةِ الدُّخَانِ الْمَشْهُورُ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ شُرْبِهِ (قَوْلُهُ بَلْ وَمِنْ الْحِنَّاءِ) ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ بَحْثًا أَخْذًا مِمَّا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْمُلْتَقَى) وَعِبَارَتُهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ مَعْزِيًّا لِلْمُنْتَقَى: لَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ وَسَرَارِيُّ أُمِرَ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ أَرْبَعٍ عِنْدَهَا، وَفِي الْبَوَاقِي عِنْدَ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ أُمِرَ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُنَّ، وَيُقِيمُ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِنْدَ مَنْ شَاءَ مِنْ السَّرَارِيِّ؛ وَلَوْ لَهُ أَرْبَعَةٌ أَقَامَ عِنْدَ كُلٍّ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ السَّرَارِيِّ إلَّا وَقْفَةُ الْمَارِّ. وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ وَعِنْدَهَا صَبِيٌّ يَعْقِلُ أَوْ أَعْمَى أَوْ ضَرَّتُهَا أَوْ أَمَتُهَا أَوْ أَمَتُهُ. اهـ. ثُمَّ قَالَ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ الضَّرَائِرِ إلَّا بِالرِّضَا، وَلَوْ قَالَتْ لَا أَسْكُنُ مَعَ أَمَتِك لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ، وَلَوْ أَقَامَ عِنْدَ الْأَمَةِ يَوْمًا فَعَتَقَتْ يُقِيمُ عِنْدَ الْحُرَّةِ يَوْمًا وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ اهـ أَيْ لَوْ أَقَامَ عِنْدَ الْحُرَّةِ يَوْمًا فَعَتَقَتْ زَوْجَتُهُ الْأَمَةُ يَتَحَوَّلُ إلَى الْمُعْتَقَةِ، وَلَا يُكْمِلُ لِلْحُرَّةِ يَوْمَيْنِ تَنْزِيلًا لِلْحُرِّيَّةِ انْتِهَاءَ مَنْزِلَتِهَا ابْتِدَاءً كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ. أَقُولُ: وَمَا نَقَلَهُ أَوَّلًا عَنْ الْمُنْتَقَى مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْمَرْجُوعِ عَنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ لِلْحُرَّةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ كُلِّ أَرْبَعٍ، هَكَذَا خَطَرَ لِي. ثُمَّ رَأَيْت الشُّرُنْبُلَالِيُّ صَرَّحَ بِهِ فِي رِسَالَتِهِ [تَجَدُّدِ الْمَسَرَّاتِ بِالْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ] وَقَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ، وَمَبْنَى الرِّسَالَةِ عَلَى سُؤَالِ فِي رَجُلٍ لَهُ زَوْجَتَانِ وَجَوَارٍ يَقْسِمُ لِلزَّوْجَتَيْنِ ثُمَّ يَبِيتُ عِنْدَ جَوَارِيهِ مَا شَاءَ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 بَابُ الرَّضَاعِ (هُوَ) لُغَةً بِفَتْحٍ وَكَسْرٍ: مَصُّ الثَّدْيِ. وَشَرْعًا (مَصٌّ مِنْ ثَدْيِ آدَمِيَّةٍ) وَلَوْ بِكْرًا أَوْ مَيِّتَةً أَوْ آيِسَةً، وَأُلْحِقَ بِالْمَصِّ الْوَجُورُ وَالسَّعُوطُ (فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ) هُوَ (حَوْلَانِ وَنِصْفٌ عِنْدَهُ وَحَوْلَانِ) فَقَطْ (عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْأَصَحُّ) فَتْحٌ وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ عَنْ الْعَوْنِ، لَكِنْ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّهُ فِي الْحَوْلَيْنِ وَنِصْفٍ، وَلَوْ بَعْدَ الْفِطَامِ   [رد المحتار] زَوْجَتَيْهِ وَيَقْسِمُ لَهُمَا أَجَابَ بِالْجَوَازِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْهُمَامِ اللَّازِمِ أَنَّهُ إذَا بَاتَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ لَيْلَةً يَبِيتُ عِنْدَ الْأُخْرَى كَذَلِكَ لَا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا دَائِمًا، فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْمَبِيتَ عِنْدَ الْكُلِّ بَعْضَ اللَّيَالِيِ وَانْفَرَدَ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ اهـ يَعْنِي بَعْدَ تَمَامِ دَوْرِهِنَّ، وَسَوَاءٌ انْفَرَدَ بِنَفْسِهِ أَوْ كَانَ مَعَ جَوَارِيهِ اهـ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الرَّضَاعِ] لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ النِّكَاحِ الْوَلَدَ وَهُوَ لَا يَعِيشُ غَالِبًا فِي ابْتِدَاءِ إنْشَائِهِ إلَّا بِالرَّضَاعِ وَكَانَ لَهُ أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ وَهِيَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ بِمُدَّةٍ وَجَبَ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ أَحْكَامِهِ، ثُمَّ قِيلَ كِتَابُ الرَّضَاعِ لَيْسَ مِنْ تَصْنِيفِ مُحَمَّدٍ إنَّمَا عَمِلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَنَسَبَهُ إلَيْهِ لِيُزَوِّجَهُ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي مَعَ الْتِزَامِهِ إيرَادَ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ مَحْذُوفَةَ التَّعَالِيلِ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَوَائِلِ مُصَنَّفَاتِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ اكْتِفَاءً بِمَا أَوْرَدَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِفَتْحٍ وَكَسْرٍ) وَلَمْ يَذْكُرُوا الضَّمَّ مَعَ جَوَازِهِ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى أَنْ تُرْضِعَ مَعَهُ آخَرَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ: وَفِيهِ أَنَّ فِعْلَهُ جَاءَ مِنْ بَابِ عَلِمَ فِي لُغَةِ تِهَامَةَ: وَهِيَ مَا فَوْقَ نَجْدٍ، وَمِنْ بَابِ ضَرَبَ فِي لُغَةِ نَجْدٍ؛ وَجَاءَ مِنْ بَابِ كَرَّمَ نَهْرٌ. زَادَ فِي الْمِصْبَاحِ لُغَةً أُخْرَى مِنْ بَابِ فَتَحَ مَصْدَرُهُ رَضَاعًا وَرَضَاعَةً بِالْفَتْحِ (قَوْلُهُ مَصُّ الثَّدْيِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الثَّدْيُ لِلْمَرْأَةِ، وَيُقَالُ فِي الرَّجُلِ أَيْضًا: قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ اهـ وَهَذَا التَّعْرِيفُ قَاصِرٌ لِأَنَّهُ فِي اللُّغَةِ يَعُمُّ الْمَصَّ وَلَوْ مِنْ بَهِيمَةٍ، فَالْأَوْلَى مَا فِي الْقَامُوسِ: هُوَ لُغَةً شُرْبُ اللَّبَنِ مِنْ الضَّرْعِ وَالثَّدْيِ ط (قَوْلُهُ آدَمِيَّةٍ) خَرَجَ بِهَا الرَّجُلُ وَالْبَهِيمَةُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ آيِسَةٍ) ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ أَخْذًا مِنْ إطْلَاقِهِمْ قَالَ: وَهُوَ حَادِثَةُ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ وَأَلْحَقَ بِالْمَصِّ إلَخْ) تَعْرِيضٌ بِالرَّدِّ عَلَى صَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ التَّعْرِيفُ مَنْقُوضٌ طَرْدًا، إذْ قَدْ يُوجَدُ الْمَصُّ وَلَا رَضَاعَ إنْ لَمْ يَصِلْ إلَى الْجَوْفِ وَعَكَسَا، إذْ قَدْ يُوجَدُ الرَّضَاعُ وَلَا مَصَّ كَمَا فِي الْوَجُورِ وَالسَّعُوطِ. ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَصِّ الْوُصُولُ إلَى الْجَوْفِ مِنْ الْمَنْفَذَيْنِ، وَخَصَّهُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْوُصُولِ فَأَطْلَقَ السَّبَبَ وَأَرَادَ الْمُسَبِّبَ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمَصَّ يَسْتَلْزِمُ الْوُصُولَ إلَى الْجَوْفِ لِمَا فِي الْقَامُوسِ: مَصَصْته شَرِبْته شُرْبًا رَقِيقًا، وَجَعَلَ الْوَجُورَ وَالسَّعُوطَ مُلْحَقَيْنِ بِالْمَصِّ ح. وَفِي الْمِصْبَاحِ: الْوَجُورُ بِفَتْحِ الْوَاوِ الدَّوَاءُ يُصَبُّ فِي الْحَلْقِ، وَأَوْجَرْت الْمَرِيضَ إيجَارًا فَعَلْت بِهِ ذَلِكَ، وَوَجَرْته أَجِرُهُ مِنْ بَابِ وَعَدَ لُغَةً. وَالسَّعُوطُ: كَرَسُولِ دَوَاءٌ يُصَبُّ فِي الْأَنْفِ، وَالسُّعُوطُ كَقُعُودٍ مَصْدَرٌ، وَأَسْعَطْتُهُ الدَّوَاءَ يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ (قَوْلُهُ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ) قَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالرَّضِيعِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ بَعْدَ الْمُدَّةِ لَا يُسَمَّى رَضِيعًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ نَهْرٌ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَاَلَّذِي فِي الْعِنَايَةِ أَنَّ الْكَبِيرَ لَا يُسَمَّى رَضِيعًا، ذَكَرَهُ رَدًّا عَلَى مَنْ سَوَّى فِي التَّحْرِيمِ بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ (قَوْلُهُ عَنْ الْعَوْنِ) كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا عَنْ الْعُيُونِ بِالْيَاءِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْوَاوِ، وَهُوَ اسْمُ كِتَابٍ أَيْضًا، وَهُوَ الَّذِي رَأَيْته فِي النَّهْرِ، وَفِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ أَيْضًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَبِهِ يُفْتَى. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ أَفْتَى بِكُلٍّ مِنْهُمَا ط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 مُحَرَّمٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَاسْتَدَلُّوا لِقَوْلِ الْإِمَامِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] أَيْ مُدَّةُ كُلٍّ مِنْهُمَا ثَلَاثُونَ غَيْرَ أَنَّ النَّقْصَ فِي الْأَوَّلِ قَامَ بِقَوْلِ عَائِشَةَ: لَا يَبْقَى الْوَلَدُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَمِثْلُهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا، وَالْآيَةُ مُؤَوَّلَةٌ لِتَوْزِيعِهِمْ الْأَجَلَ عَلَى الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فَلَمْ تَكُنْ دَلَالَتُهَا قَطْعِيَّةً، عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُقَلِّدِ الْعَمَلُ بِقَوْلِ الْمُجْتَهِدِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ دَلِيلُهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي رَسْمِ الْمُفْتَى، لَكِنْ فِي آخِرِ الْحَاوِي: فَإِنْ خَالَفَا قِيلَ يُخَيَّرُ الْمُفْتِي، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ، ثُمَّ الْخِلَافُ فِي التَّحْرِيمِ.   [رد المحتار] (قَوْلُهُ أَيْ مُدَّةُ كُلٍّ مِنْهُمَا ثَلَاثُونَ) تَقْدِيرًا لِمُضَافٍ لَيْسَ لِصِحَّةِ الْحَمْلِ، لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِالزَّمَانِ عَنْ الْمَعْنَى صَحِيحٌ بِلَا تَقْدِيرٍ فَافْهَمْ، بَلْ لِبَيَانِ حَاصِلِ الْمَعْنَى. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ شَيْئَيْنِ وَضَرَبَ لَهُمَا مُدَّةً فَكَانَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَمَالِهَا كَالْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ لِدَيْنَيْنِ عَلَى شَخْصَيْنِ، بِأَنْ قَالَ أَجَّلْت الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ وَالدَّيْنَ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ سَنَةً يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ السَّنَةَ بِكَمَالِهَا لِكُلٍّ (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ النَّقْصَ) أَيْ عَنْ الثَّلَاثِينَ فِي الْأَوَّلِ: يَعْنِي فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ، أَيْ أَكْثَرِ مُدَّتِهِ قَامَ: أَيْ تَحَقَّقَ وَثَبَتَ (قَوْلُهُ لَا يَبْقَى الْوَلَدُ إلَخْ) الَّذِي فِي الْفَتْحِ: الْوَلَدُ لَا يَبْقَى فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَوْ بِقَدْرِ فَلْكَةَ مِغْزَلٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَلَوْ بِقَدْرِ ظِلِّ مِغْزَلٍ. وَسَنُخَرِّجُهُ فِي مَوْضِعِهِ. اهـ. وَفَلْكَةُ الْمِغْزَلِ كَتَمْرَةٍ مَعْرُوفَةٌ مِصْبَاحٌ وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ وَقَدْ جَاءَ صَرِيحًا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَلَوْ بِدَوْرِ فَلْكَةِ مِغْزَلٍ، وَالْغَرَضُ تَقْلِيلُ الْمُدَّةِ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا) لِأَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ لَا يَهْتَدِي الْعَقْلُ إلَيْهَا فَتْحٌ، أَيْ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ الْمَسْمُوعِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَوْلُهُ وَالْآيَةُ مُؤَوَّلَةٌ) أَيْ قَابِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ بِمَعْنَى آخَرَ، فَلَمْ تَكُنْ قَطْعِيَّةَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَجَازَ تَخْصِيصُهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ لِتَوْزِيعِهِمْ) أَيْ الْعُلَمَاءِ كَالصَّاحِبَيْنِ وَغَيْرِهِمَا الْأَجَلَ: أَيْ ثَلَاثُونَ شَهْرًا عَلَى الْأَقَلِّ: أَيْ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَالْأَكْثَرُ: أَيْ أَكْثَرُ مُدَّةِ الرَّضَاعِ وَهُوَ سَنَتَانِ، فَالثَّلَاثُونَ بَيَانٌ لِمَجْمُوعِ الْمُدَّتَيْنِ لَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ إلَخْ) تُرَقُّ فِي الْجَوَابِ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا أَوْرَدَهُ فِي الْفَتْحِ عَلَى دَلِيلِ الْإِمَامِ الْمَارِّ مِنْ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ لَفْظِ ثَلَاثِينَ مُسْتَعْمَلًا فِي إطْلَاقِ وَاحِدٍ فِي مَدْلُولِ ثَلَاثِينَ وَفِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَمِنْ أَنَّ أَسْمَاءَ الْعَدَدِ لَا يَتَجَوَّزُ بِشَيْءٍ مِنْهَا فِي الْآخَرِ نَصَّ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَعْلَامِ عَلَى مُسَمَّيَاتِهَا. اهـ. وَأَجَابَ الرَّحْمَتِيُّ بِأَنَّ حَمْلُهُ وَفِصَالُهُ مُبْتَدَآنِ وَثَلَاثُونَ خَبَرٌ عَنْ أَحَدِهِمَا أَيْ الثَّانِي وَحُذِفَ خَبَرُ الْآخَرِ فَأَحَدُ الْخَبَرَيْنِ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ وَالْآخَرُ فِي مَجَازِهِ فَلَا جَمْعَ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ أَطْلَقَ أَشْهُرٌ فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] عَلَى شَهْرَيْنِ وَبَعْضِ الثَّالِثِ اهـ. قُلْت: وَفِيهِ أَنَّ الشَّهْرَ لَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ الْعَدَدِ، فَالْمُنَاسِبُ الْجَوَابُ بِمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّ عَشَرَةَ إلَّا اثْنَيْنِ أُرِيدَ بِهِ ثَمَانِيَةٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْفَتْحِ، لَكِنْ هَذَا خَاصٌّ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالْكَلَامُ لَيْسَ فِيهِ (قَوْلُهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي رَسْمِ الْمُفْتِي) الْمُفِيدُ لِذَلِكَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي فَضْلِ رَسْمِ الْمُفْتَى مِنْ أَوَّلِ فَتَاوَاهُ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ لَا بِصَرِيحِ الْعِبَارَةِ (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُقَلِّدِ إلَخْ فَإِنَّهُ يُفِيدُ وُجُوبَ اتِّبَاعِهِ سَوَاءٌ وَافَقَهُ صَاحِبَاهُ أَوْ خَالَفَاهُ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ. (قَوْلُهُ قِيلَ يُخَيَّرُ الْمُفْتِي) أَيْ وَقِيلَ لَا يُخَيَّرُ مُطْلَقًا كَمَا عَلِمْت، فَهَذَا قَوْلٌ ثَانٍ. قَالَ فِي السِّرَاجِيَّةِ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُفْتِي مُجْتَهِدًا، وَمُفَادُهُ اخْتِيَارُ الْقَوْلِ الثَّانِي: أَيْ التَّخْيِيرَ إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَخْيِيرَ الْمُجْتَهِدِ إنَّمَا هُوَ فِي النَّظَرِ فِي الدَّلِيلِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْحَاوِي وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ لِأَنَّ قُوَّةَ الدَّلِيلِ لَا تَظْهَرُ لِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ فِي الْمَذْهَبِ تَأَمَّلْ، وَتَمَامُ تَحْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِ أُرْجُوزَتِي فِي رَسْمِ الْمُفْتِي (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يَخْفَى قُوَّةُ دَلِيلِهِمَا، فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} [البقرة: 233] الْآيَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 أَمَّا لُزُومُ أَجْرِ الرَّضَاعِ لِلْمُطَلَّقَةِ فَمُقَدَّرٌ بِحَوْلَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ (وَيَثْبُتُ التَّحْرِيمُ) فِي الْمُدَّةِ فَقَطْ وَلَوْ (بَعْدَ الْفِطَامِ وَالِاسْتِغْنَاءِ بِالطَّعَامِ عَلَى) ظَاهِرِ (الْمَذْهَبِ) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَتْحٌ وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْمُصَنَّفِ كَالْبَحْرِ: فَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّ الْفَتْوَى مَتَى اخْتَلَفَتْ رَجَحَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (وَلَمْ يُبَحْ الْإِرْضَاعُ بَعْدَ مَوْتِهِ) لِأَنَّهُ جَزْءُ آدَمِيٍّ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ حَرَامٌ عَلَى الصَّحِيحِ شَرْحُ الْوَهْبَانِيَّةِ. وَفِي الْبَحْرِ: لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، أَصْلُهُ بَوْلُ الْمَأْكُولِ كَمَا مَرَّ. (وَلِلْأَبِ إجْبَارُ أَمَتِهِ عَلَى فِطَامِ وَلَدِهَا مِنْهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ) أَيْ الْوَلَدَ (الْفِطَامُ) ، (كَمَا لَهُ) أَيْضًا (إجْبَارُهَا) أَيْ أَمَتِهِ (عَلَى الْإِرْضَاعِ، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) يَعْنِي الْإِجْبَارَ   [رد المحتار] لَا رَضَاعَ بَعْدَ التَّمَامِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا} [البقرة: 233] فَإِنَّ مَا هُوَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ بِدَلِيلِ تَقْيِيدِهِ بِالتَّرَاضِي وَالتَّشَاوُرِ، وَبَعْدَهُمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِمَا. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِلْإِمَامِ وقَوْله تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15]- بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُدَّةَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا مَرَّ، فَقَدْ رَجَعَ إلَى الْحَقِّ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ أَنَّ الثَّلَاثِينَ لَهُمَا لِلْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَالْعَامَانِ لِلْفِصَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَمَّا لُزُومُ أَجْرِ الرَّضَاعِ إلَخْ) وَكَذَا وُجُوبُ الْإِرْضَاعِ عَلَى الْأُمِّ دِيَانَةً نَهْرٌ عَنْ الْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ فِي الْمُدَّةِ فَقَطْ) أَمَّا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ إنْ فُطِمَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَاسْتَغْنَى بِالطَّعَامِ لَمْ يَكُنْ رَضَاعًا وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْنِ تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْفَتْوَى إلَخْ) وَلِأَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُبَحْ الْإِرْضَاعُ بَعْدَ مُدَّتِهِ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ بَحْرٌ، لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ اسْتَغْنَى فِي حَوْلَيْنِ حَلَّ الْإِرْضَاعُ بَعْدَهُمَا إلَى نِصْفٍ وَلَا تَأْثَمُ عِنْدَ الْعَامَّةِ خِلَافًا لِخَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ اهـ وَنَقَلَ أَيْضًا قَبْلَهُ عَنْ إجَارَةِ الْقَاعِدِيِّ أَنَّهُ وَاجِبٌ إلَى الِاسْتِغْنَاءِ، وَمُسْتَحَبٌّ إلَى حَوْلَيْنِ، وَجَائِزٌ إلَى حَوْلَيْنِ وَنِصْفٍ اهـ. قُلْت: قَدْ يُوَفَّقُ بِحَمْلِ الْمُدَّةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى حَوْلَيْنِ وَنِصْفٍ بِقَرِينَةِ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ ذَكَرَهُ بَعْدَهَا، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْعَامَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَحْرِ) عِبَارَتُهُ: وَعَلَى هَذَا أَيْ الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلتَّدَاوِي. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَهْلُ الطِّبِّ يُثْبِتُونَ لِلَبَنِ الْبِنْتِ أَيْ الَّذِي نَزَلَ بِسَبَبِ بِنْتٍ مُرْضِعَةٍ نَفْعًا لِوَجَعِ الْعَيْنِ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، قِيلَ لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ يَجُوزُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَزُولُ بِهِ الرَّمَدُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ مُتَعَذِّرَةٌ، فَالْمُرَادُ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وَإِلَّا فَهُوَ مَعْنَى الْمَنْعِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، أَصْلُهُ بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَإِنَّهُ لَا يُشْرَبُ أَصْلًا. اهـ. (قَوْلُهُ بِالْمُحَرَّمِ) أَيْ الْمُحَرَّمُ اسْتِعْمَالُهُ طَاهِرًا كَانَ أَوْ نَجَسًا ح (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ قُبَيْلَ فَصْلِ الْبِئْرِ حَيْثُ قَالَ: فَرْعٌ اُخْتُلِفَ فِي التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْمَنْعُ كَمَا فِي إرْضَاعٍ الْبَحْرِ، لَكِنْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ ثَمَّةَ وَهُنَا عَنْ الْحَاوِي: وَقِيلَ يُرَخَّصُ إذَا عَلِمَ فِيهِ الشِّفَاءَ وَلَمْ يَعْلَمْ دَوَاءً آخَرَ كَمَا خُصَّ الْخَمْرُ لِلْعَطْشَانِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. ح قُلْت: لَفْظُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْنِ مِنْ الْمِنَحِ بَعْدَ الْقَوْلِ الثَّانِي كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ كَمَا عَلِمْته، وَكَذَا رَأَيْته فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ، فَعُلِمَ أَنَّ مَا فِي نُسْخَةِ ط تَحْرِيفٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلِلْأَبِ إجْبَارُ أَمَتِهِ إلَخْ) لِأَنَّهَا لَا حَقَّ لَهَا فِي التَّرْبِيَةِ فِي حَالِ رِقِّهَا. بَلْ الْحَقُّ لَهُ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لَهُ رَحْمَتِيٌّ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ لِلْمَوْلَى إجْبَارَهَا أَيْضًا وَإِنْ شَرَطَ الزَّوْجُ حُرِّيَّةَ الْأَوْلَادِ لِأَنَّ الرَّضَاعَ يُهْزِلُهَا وَيَشْغَلُهَا عَنْ خِدْمَتِهِ (قَوْلُهُ عَلَى الْإِرْضَاعِ) الْإِطْلَاقُ شَامِلٌ لِوَلَدِهِ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا وَلِوَلَدِ أَجْنَبِيٍّ بِأُجْرَةٍ أَوْ بِدُونِهَا لِأَنَّ لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 بِنَوْعَيْهِ (مَعَ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ) وَلَوْ (قَبْلَهُمَا) لِأَنَّ حَقَّ التَّرْبِيَةِ لَهَا جَوْهَرَةٌ (وَيَثْبُتُ بِهِ) وَلَوْ بَيْنَ الْحَرْبِيِّينَ بَزَّازِيَّةٌ (وَإِنْ قَلَّ) إنْ عُلِمَ وُصُولُهُ لِجَوْفِهِ مِنْ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ لَا غَيْرُ، فَلَوْ الْتَقَمَ الْحَلَمَةَ وَلَمْ يُدْرَ أَدَخَلَ اللَّبَنُ فِي حَلْقِهِ أَمْ لَا لَمْ يَحْرُمْ لِأَنَّ فِي الْمَانِعِ شَكًّا وَلْوَالَجِيَّةٌ.   [رد المحتار] اسْتِخْدَامَهَا بِمَا أَرَادَ (قَوْلُهُ بِنَوْعَيْهِ) أَيْ الْإِجْبَارِ عَلَى الْفِطَامِ وَعَلَى الْإِرْضَاعِ (قَوْلُهُ مَعَ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ) أَمَّا زَوْجَتُهُ الْأَمَةُ فَالْحَقُّ لِسَيِّدِهَا وَإِنْ شَرَطَ الزَّوْجُ حُرِّيَّةَ الْأَوْلَادِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَبْلَهُمَا) أَيْ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، وَهَذَا التَّعْمِيمُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ زِيَادَةِ " لَوْ " صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَمِ الْإِجْبَارِ عَلَى الرَّضَاعِ: أَيْ لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهَا عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ مَا لَمْ تَتَعَيَّنْ لِذَلِكَ فِي الْمُدَّةِ بِأَنْ لَمْ يَأْخُذْ ثَدْيَ غَيْرِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ وَلَا لِلصَّغِيرِ مَالٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحَضَانَةِ وَالنَّفَقَةِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّوْعِ الْآخَرِ وَهُوَ عَدَمُ الْإِجْبَارِ عَلَى الْفِطَامِ فَإِنَّمَا يَصِحُّ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، وَأَمَّا بَعْدَهُمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْبِرُهَا عَلَى الْفِطَامِ، لِمَا أَنَّ الْإِرْضَاعَ بَعْدَهُمَا حَرَامٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مُدَّتَهُ الْحَوْلَانِ تَأَمَّلْ ح بِزِيَادَةٍ. قُلْت: وَمَا اسْتَظْهَرَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ السَّابِقِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَيْنَ الْحَرْبِيِّينَ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالرَّضَاعُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارُ الْحَرْبِ سَوَاءٌ، حَتَّى إذَا رَضَعَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَسْلَمُوا وَخَرَجُوا إلَى دَارِنَا تَثْبُتُ أَحْكَامُ الرَّضَاعِ فِيمَا بَيْنَهُمْ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَإِنْ قَلَّ) أَشَارَ بِهِ إلَى نَفْيِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ إلَّا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ مُشْبِعَاتٍ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ» وَقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّقْدِيرَ مَنْسُوخٌ صَرَّحَ بِنَسْخِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قِيلَ: لَهُ إنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ لَا بَأْسَ بِالرَّضْعَةِ وَالرَّضْعَتَيْنِ، فَقَالَ قَضَاءُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ قَضَائِهِ. قَالَ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] فَهَذَا إمَّا أَنْ يَكُونَ رَدًّا لِلرِّوَايَةِ بِنَسْخِهَا أَوْ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا أَوْ لِعَدَمِ إجَازَتِهِ تَقْيِيدَ إطْلَاقِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ إنَّهُ مَرْدُودٌ بِالْكِتَابِ أَوْ مَنْسُوخٌ بِهِ. وَأَمَّا مَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ فَالْمُرَادُ بِهِ نَسْخُ الْكُلِّ نَسْخًا قَرِيبًا، حَتَّى إنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا وَإِلَّا لَزِمَ ضَيَاعُ بَعْضِ الْقُرْآنِ كَمَا تَقُولُهُ الرَّوَافِضُ، وَمَا قِيلَ لَيُكْرَهُ نَسْخُ التِّلَاوَةِ مَعَ بَقَاءِ الْحُكْمِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ ادِّعَاءَ بَقَاءِ حُكْمِهِ بَعْدَ نَسْخِهِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ، وَتَمَامُ ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ وَغَيْرِهِمَا. [تَنْبِيهٌ] نَقَلَ ط عَنْ الْخَيْرِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ قَضَى الشَّافِعِيُّ بِعَدَمِ الْحُرْمَةِ بِرَضْعَةٍ نَفَذَ حُكْمُهُ، وَإِذَا رُفِعَ إلَى حَنَفِيٍّ أَمْضَاهُ اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا غَيْرُ) يَأْتِي مُحْتَرَزُهُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَالِاحْتِقَانُ وَالْإِقْطَارُ فِي أُذُنٍ وَجَائِفَةٍ وَآمَّةٍ (قَوْلُهُ فَلَوْ الْتَقَمَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ إنْ عَلِمَ. وَفِي الْقُنْيَةِ: امْرَأَةٌ كَانَتْ تُعْطِي ثَدْيَهَا صَبِيَّةً وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ تَقُولُ لَمْ يَكُنْ فِي ثَدْيِي لَبَنٌ حِينَ أَلْقَمْتهَا ثَدْيٍ وَلَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا جَازَ لِابْنِهَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَذِهِ الصَّبِيَّةِ. اهـ. ط. وَفِي الْفَتْحِ: لَوْ أَدْخَلَتْ الْحَلَمَةَ فِي فِي الصَّبِيِّ وَشَكَّتْ فِي الِارْتِضَاعِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِالشَّكِّ. ثُمَّ قَالَ: وَالْوَاجِبُ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ لَا يُرْضِعْنَ كُلَّ صَبِيٍّ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَإِذَا أَرْضَعْنَ فَلْيَحْفَظْنَ ذَلِكَ وَلْيُشْهِرْنَهُ وَيَكْتُبْنَهُ احْتِيَاطًا اهـ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 وَلَوْ أَرْضَعَهَا أَكْثَرُ أَهْلِ قَرْيَةٍ ثُمَّ لَمْ يُدْرَ مَنْ أَرْضَعَهَا فَأَرَادَ أَحَدُهُمْ تَزَوُّجَهَا، إنْ لَمْ تَظْهَرْ عَلَامَةٌ وَلَمْ يُشْهَدْ بِذَلِكَ جَازَ خَانِيَّةٌ (أُمُومِيَّةُ الْمُرْضِعَةِ لِلرَّضِيعِ، وَ) يَثْبُتُ (أُبُوَّةُ زَوْجِ مُرْضِعَةٍ) إذَا كَانَ (لَبَنُهَا مِنْهُ) (لَهُ) وَإِلَّا لَا كَمَا سَيَجِيءُ. (فَيَحْرُمُ مِنْهُ) أَيْ بِسَبَبِهِ (مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ إحْدَى وَعِشْرِينَ صُورَةً وَجَمَعَهَا فِي قَوْلِهِ: يُفَارِقُ النَّسَبُ الْإِرْضَاعَ فِي صُوَرٍ ... كَأُمِّ نَافِلَةٍ أَوْ جَدَّةِ الْوَلَدِ   [رد المحتار] وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُرْضِعَ صَبِيًّا بِلَا إذْنِ زَوْجِهَا إلَّا إذَا خَافَتْ هَلَاكَهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ لَمْ يَدْرِ) أَيْ لَمْ يَدْرِ مَنْ أَرْضَعَهَا مِنْهُمْ فَلَا بُدَّ أَنْ تُعْلِمَ الْمُرْضِعَةُ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ تَظْهَرْ عَلَامَةٌ) لَمْ أَرَ مَنْ فَسَّرَهَا. وَيُمْكِنُ أَنْ تُمَثَّلَ بِتَرَدُّدِ الْمَرْأَةِ ذَاتِ اللَّبَنِ عَلَى الْمَحَلِّ الَّذِي فِيهِ الصَّبِيَّةُ أَوْ كَوْنُهَا سَاكِنَةً فِيهِ فَإِنَّهُ أَمَارَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى الْإِرْضَاعِ ط (قَوْلُهُ وَلَمْ يُشْهَدْ بِذَلِكَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ نَائِبُ الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ جَازَ) هَذَا مِنْ بَابِ الرُّخْصَةِ كَيْ لَا يَنْسَدَّ بَابُ النِّكَاحِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَارِجَةٌ عَنْ قَاعِدَةِ: الْأَصْلُ فِي الْإِرْضَاعِ التَّحْرِيمُ، وَمِثْلُهَا مَا لَوْ اخْتَلَطَتْ الرَّضِيعَةُ بِنِسَاءٍ يُحْصَرْنَ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى إخْرَاجِهَا لِأَنَّ سَبَبَ الْحُرْمَةِ غَيْرُ مُتَحَقَّقٍ فِيهَا؛ كَذَا أَفَادَهُ فِي الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ أُمُومِيَّةُ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ يَثْبُتُ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَالْأُمُومَةُ مَصْدَرٌ هُوَ كَوْنُ الشَّخْصِ أُمًّا. اهـ. (قَوْلُهُ وَأُبُوَّةُ زَوْجِ مُرْضِعَةٍ لَبَنُهَا مِنْهُ) الْمُرَادُ بِهِ اللَّبَنُ الَّذِي نَزَلَ مِنْهَا بِسَبَبِ وِلَادَتِهَا مِنْ رَجُلٍ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ فَلَيْسَ الزَّوْجُ قَيْدًا بَلْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ بَحْرٌ. وَأَمَّا إذَا كَانَ اللَّبَنُ مِنْ زِنًا فَفِيهِ خِلَافٌ سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ؛ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ (قَوْلُهُ لَهُ) أَيْ لِلرَّضِيعِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْأُبُوَّةِ ح أَيْ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ مَعْنَاهُ كَوْنُهُ أَبًا ط (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ طَلَّقَ ذَاتَ لَبَنٍ ح (قَوْلُهُ أَيْ بِسَبَبِهِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ مِنْ بِمَعْنَى بَاءِ السَّبَبِيَّةِ ط (قَوْلُهُ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْحُرْمَةَ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ مُعْتَبَرَةٌ بِحُرْمَةِ النَّسَبِ، فَشَمِلَ زَوْجَةَ الِابْنِ وَالْأَبِ مِنْ الرَّضَاعِ لِأَنَّهَا حَرَامٌ بِسَبَبِ النَّسَبِ فَكَذَا بِسَبَبِ الرَّضَاعِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ بَحْرٌ. وَقَدْ اسْتَشْكَلَ فِي الْفَتْحِ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى تَحْرِيمِهَا بِالْحَدِيثِ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا بِسَبَبِ الصِّهْرِيَّةِ لَا النَّسَبِ " وَمُحَرَّمَاتُ النَّسَبِ هِيَ السَّبْعُ الْمَذْكُورَةُ فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ، بَلْ قَيْدُ الْأَصْلَابِ فِيهَا يُخْرِجُ حَلِيلَةَ الْأَبِ وَالِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ فَيُفِيدُ حِلَّهَا وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ، لَكِنْ فِيهِ تَغْيِيرٌ اقْتَضَاهُ تَرْكِيبُ الْمَتْنِ وَهُوَ زِيَادَةُ الْفَاءِ وَوَضْعُ الْمُضْمَرِ مَوْضِعَ الظَّاهِرِ، وَأَصْلُهُ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» ح وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ رِوَايَةُ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى لِلْعَارِفِ، عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَقْصِدْ رِوَايَةَ الْحَدِيثِ ط (قَوْلُهُ يُفَارِقُ النَّسَبَ الْإِرْضَاعُ) بِنَصْبِ النَّسَبِ وَرَفْعِ الْإِرْضَاعِ ح وَلَعَلَّهُ إنَّمَا نُسِبَتْ إلَيْهِ الْمُفَارَقَةُ وَإِنْ كَانَ مُفَاعَلَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِأَنَّهُ الْفَرْعُ وَالنَّسَبُ هُوَ الْأَصْلُ الْمُعْتَبَرُ فِي التَّحْرِيمِ، وَالْمُفَارَقَةُ غَالِبًا تَكُونُ مِنْ الْعَارِضِ ط (قَوْلُهُ فِي صُوَرٍ) أَيْ سَبْعٍ، وَإِنَّمَا كَانَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِ الرَّضَاعِ بِالْمُضَافِ أَوْ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَوْ بِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحُهُ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْبَيْتَيْنِ سِتُّ صُوَرٍ، فَإِنَّ قَوْلَهُ وَأُمُّ أَخٍ مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ وَأُمُّ أُخْتٍ إذْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ كَذَلِكَ، فَإِنَّ أُخْتَ الْبِنْتِ مِثْلُ أُخْتِ الِابْنِ وَأُمَّ الْخَالَةِ مِثْلُ أُمِّ الْخَالِ، وَقِسْ عَلَيْهِ ح. (قَوْلُهُ كَأُمٍّ نَافِلَةٍ) أَشَارَ بِالْكَافِ إلَى عَدَمِ الْحَصْرِ فِي ذَلِكَ؛ لِمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ الْمُحَرَّمَ فِي الرَّضَاعِ وُجُودُ الْمَعْنَى الْمُحَرَّمِ فِي النَّسَبِ، فَإِذَا انْتَفَى فِي شَيْءٍ مِنْ صُوَرِ الرَّضَاعِ انْتَفَتْ الْحُرْمَةُ، فَيُسْتَفَادُ أَنَّهُ لَا حَصْرَ فِيمَا ذُكِرَ اهـ فَافْهَمْ. وَالنَّافِلَةُ الزِّيَادَةُ تُطْلَقُ عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ لِزِيَادَتِهِ عَلَى الْوَلَدِ الصُّلْبِيِّ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ كُلَّ صُورَةٍ مِنْ هَذِهِ السَّبْعِ تَتَفَرَّعُ إلَى ثَلَاثِ صُوَرٍ، فَوَلَدُ وَلَدِك إذَا كَانَ نَسَبِيًّا وَلَهُ أُمٌّ مِنْ الرَّضَاعِ تَحِلُّ لَك، بِخِلَافِ أُمِّهِ مِنْ النَّسَبِ لِأَنَّهَا حَلِيلَةُ ابْنِك، وَإِنْ كَانَ رَضَاعِيًّا بِأَنْ رَضَعَ مِنْ زَوْجَةِ ابْنِك وَلِهَذَا الرَّضِيعُ أُمٌّ نَسَبِيَّةٌ أَوْ رَضَاعِيَّةٌ أُخْرَى تَحِلُّ لَك (قَوْلُهُ أَوْ جَدَّةُ الْوَلَدِ) صَادِقٌ بِأَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ رَضَاعِيًّا بِأَنْ رَضَعَ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 وَأُمِّ أُخْتٍ وَأُخْتِ ابْنٍ وَأُمِّ أَخٍ ... وَأُمِّ خَالٍ وَعَمَّةِ ابْنٍ اعْتَمِدْ (إلَّا أُمَّ أَخِيهِ وَأُخْتِهِ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ حُرْمَةَ مَنْ ذُكِرَ بِالْمُصَاهَرَةِ لَا بِالنَّسَبِ فَلَمْ يَكُنْ الْحَدِيثُ مَتْنًا وَلَا لَمَا اسْتَثْنَاهُ الْفُقَهَاءُ فَلَا تَخْصِيصَ بِالْعَقْلِ كَمَا قِيلَ، فَإِنَّ حُرْمَةَ أُمِّ أُخْتِهِ وَأَخِيهِ نَسَبًا لِكَوْنِهَا أُمَّهُ أَوْ مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ   [رد المحتار] زَوْجَتِكَ وَلَهُ جَدَّةٌ نَسَبِيَّةٌ أَوْ جَدَّةٌ أُمِّ أُمٍّ أُخْرَى أَرْضَعَتْهُ، وَبِأَنْ يَكُونَ نَسَبِيًّا لَهُ جَدَّةٌ رَضَاعِيَّةٌ، بِخِلَافِ النَّسَبِيَّةِ فَلَا تَحِلُّ لَك لِأَنَّهَا أُمُّك أَوْ أُمُّ زَوْجَتِك. وَاحْتَرَزَ بِجَدَّةِ الْوَلَدِ عَنْ أُمِّ الْوَلَدِ لِأَنَّهَا حَلَالٌ مِنْ النَّسَبِ وَكَذَا مِنْ الرَّضَاعِ (قَوْلُهُ وَأُمُّ أُخْتٍ) صَادِقٌ بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ الرَّضَاعِ كَأَنْ يَكُونَ لَك أُخْتٌ مِنْ الرَّضَاعِ لَهَا أُمٌّ أُخْرَى مِنْ الرَّضَاعِ أَرْضَعَتْهَا وَحْدَهَا، وَبِأَنْ تَكُونَ الْأُخْتُ فَقَطْ مِنْ الرَّضَاعِ لَهَا أُمٌّ نَسَبِيَّةٌ، وَبِأَنْ تَكُونَ الْأُمُّ فَقَطْ مِنْ الرَّضَاعِ كَأَنْ تَكُونَ لَك أُخْتٌ نَسَبِيَّةٌ لَهَا أُمٌّ رَضَاعِيَّةٌ، بِخِلَافِ النَّسَبِيَّةِ لِأَنَّهَا إمَّا أُمُّك أَوْ حَلِيلَةُ أَبِيك (قَوْلُهُ وَأُخْتُ ابْنٍ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا رَضَاعِيٌّ أَوْ الْأَوَّلُ رَضَاعِيٌّ وَالثَّانِي نَسَبِيٌّ أَوْ الْعَكْسُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَسَبِيًّا، فَلَا تَحِلُّ أُخْتُ الِابْنِ لِأَنَّهَا إمَّا بِنْتُك أَوْ رَبِيبَتُك، وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ مَا إذَا رَضَعَ وَلَدُك مِنْ أُمِّ أُمِّهِ فَإِنَّ أُمَّهُ لَا تَحْرُمُ عَلَيْك لِكَوْنِهَا أُخْتِ ابْنِك رَضَاعًا أَفَادَهُ الرَّمْلِيُّ ط وَأُخْتُ الْبِنْتِ كَأُخْتِ الِابْنِ. وَأَوْرَدَ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ الْحِلُّ فِي أُخْتِ ابْنِهِ وَبِنْتِهِ نَسَبًا بِأَنْ يَدَّعِيَ شَرِيكَانِ فِي أَمَةٍ وَلَدَهَا، فَإِذَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِنْتٌ مِنْ غَيْرِ الْأَمَةِ حَلَّ لِشَرِيكِهِ التَّزَوُّجُ بِهَا وَهِيَ أُخْتُ وَلَدِهِ نَسَبًا مِنْ الْأَبِ. وَأَلْغَزَ بِهَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَأَجَابَ عَنْهَا شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. (قَوْلُهُ وَأُمُّ أَخٍ) الْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي أُمِّ الْأُخْتِ، وَفِيهِ مَا مَرَّ عَنْ ح (قَوْلُهُ وَأُمُّ خَالٍ) فِيهِ الصُّوَرُ الثَّلَاثُ، أَمَّا إذَا كَانَا نَسَبِيَّيْنِ فَلَا تَحِلُّ، لِأَنَّ أُمَّ خَالِك مِنْ النَّسَبِ جَدَّتُك أَوْ مَنْكُوحَةُ جَدِّك (قَوْلُهُ وَعَمَّةُ ابْنٍ) فِيهِ الصُّوَرُ الثَّلَاثُ أَيْضًا بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا رَضَاعِيًّا كَأَنْ رَضَعَ صَبِيٌّ مِنْ زَوْجَتِك وَرَضَعَ أَيْضًا مِنْ زَوْجَةِ رَجُلٍ آخَرَ لَهُ أُخْتٌ فَهَذِهِ الْأُخْتُ عَمَّةُ ابْنِك مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ الْأَوَّلُ رَضَاعِيًّا فَقَطْ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرَّضِيعُ ابْنَك مِنْ النَّسَبِ أَوْ الثَّانِي فَقَطْ بِأَنْ يَكُونَ ابْنُك مِنْ الرَّضَاعِ لَهُ عَمَّةٌ مِنْ النَّسَبِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ النَّسَبِ فَإِنَّ الْعَمَّةَ لَا تَحِلُّ لَك لِأَنَّهَا أُخْتُك. (قَوْلُهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الْبَيْضَاوِيِّ: إنَّ اسْتِثْنَاءَ أُخْتِ ابْنِهِ وَأُمِّ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ حُرْمَتَهُمَا فِي النَّسَبِ بِالْمُصَاهَرَةِ دُونَ النَّسَبِ اهـ فَعَدَمُ الصِّحَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى جَعْلِ الِاسْتِثْنَاءِ مُتَّصِلًا. وَفِيهِ جَوَابٌ أَيْضًا عَنْ قَوْلِهِ فِي الْغَايَةِ إنَّ هَذَا تَخْصِيصٌ لِلْحَدِيثِ بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ. وَبَيَانُ الْجَوَابِ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ: إنَّ هَذَا سَهْوٌ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ يُوجِبُ عُمُومَ الْحُرْمَةِ لِأَجْلِ الرَّضَاعِ حَيْثُ وُجِدَتْ الْحُرْمَةُ لِأَجْلِ النَّسَبِ وَحُرْمَةُ أُمِّ أَخِيهِ مِنْ النَّسَبِ لَا لِأَجْلِ أَنَّهَا أُمُّ أَخِيهِ بَلْ لِكَوْنِهَا أُمَّهُ أَوْ مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخٌ، وَكَذَا أُخْتُ ابْنِهِ مِنْ النَّسَبِ إنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِأَجْلِ أَنَّهَا بِنْتُهُ أَوْ بِنْتُ امْرَأَتِهِ بِدَلِيلِ حُرْمَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ، وَهَذَا الْمَعْنَى يُوجِبُ الْحُرْمَةَ فِي الرَّضَاعِ أَيْضًا حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّهِ وَلَا مَوْطُوءَةِ أَبِيهِ وَلَا بِنْتِ امْرَأَتِهِ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الرَّضَاعِ فَبَطَلَ دَعْوَى التَّخْصِيصِ اهـ وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْحَدِيثِ لَهُ. هَذَا، وَقَدْ اعْتَرَضَ ح قَوْلُ الشَّارِحِ تَبَعًا لِلْبَيْضَاوِيِّ إنَّ حُرْمَةَ مَنْ ذُكِرَ بِالْمُصَاهَرَةِ بِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا مِنْ وَجْهَيْنِ. الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُصَاهَرَةَ لَا تُتَصَوَّرُ فِي عَمَّةِ وَلَدِهِ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ الشَّقِيقَةُ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، وَكَذَا فِي بِنْتِ عَمَّةِ وَلَدِهِ لِأَنَّهَا بِنْتُ أُخْتِهِ الشَّقِيقَةِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ. الثَّانِي أَنَّ الْمُصَاهَرَةَ فِي الصُّوَرِ السَّبْعَةِ الْبَاقِيَةِ إنَّمَا تُتَصَوَّرُ عَلَى تَقْدِيرٍ وَاحِدٍ فَقَطْ. وَعَلَى التَّقْدِيرِ الْآخَرِ أَوْ التَّقْدِيرَيْنِ الْآخَرَيْنِ فَالْحُرْمَةُ بِالنَّسَبِ لَا بِالْمُصَاهَرَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ فِي الرَّضَاعِ. (وَ) قِسْ عَلَيْهِ (أُخْتَ ابْنِهِ) وَبِنْتِهِ (وَجَدَّةَ ابْنِهِ) وَبِنْتِهِ (وَأُمَّ عَمِّهِ وَعَمَّتِهِ وَأُمَّ خَالِهِ   [رد المحتار] بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ أُمَّ أَخِيك إنَّمَا تَكُونُ حُرْمَتُهَا بِالْمُصَاهَرَةِ إذَا كَانَ الْأَخُ أَخًا لِأَبٍ، فَإِنَّ أُمَّهُ حِينَئِذٍ امْرَأَةُ أَبِيك، بِخِلَافِ الْأَخِ الشَّقِيقِ أَوْ لِأُمٍّ فَإِنَّ حُرْمَةَ أُمِّهِ بِالنَّسَبِ لِأَنَّهَا أُمُّك وَحُرْمَةَ أُخْتِ ابْنِك النَّسَبِيِّ إنَّمَا تَكُونُ بِالْمُصَاهَرَةِ إنْ كَانَتْ أُخْتُ الِابْنِ لِأُمِّهِ لِأَنَّهَا رَبِيبَتُك بِخِلَافِهَا شَقِيقَةٌ أَوْ لِأَبٍ فَإِنَّهَا بِنْتُك وَحُرْمَةُ جَدَّةِ ابْنِك إنَّمَا تَكُونُ بِالْمُصَاهَرَةِ إذَا كَانَتْ أُمَّ أُمِّهِ لِأَنَّهَا أُمُّ امْرَأَتِك، بِخِلَافِهَا أُمُّ أَبِيهِ لِأَنَّهَا أُمُّك، وَحُرْمَةُ أُمِّ عَمِّك إنَّمَا تَكُونُ بِالْمُصَاهَرَةِ لَوْ الْعَمُّ لِأَبٍ بِخِلَافِهِ لَوْ شَقِيقًا أَوْ لِأُمٍّ لِأَنَّهَا جَدَّتُك، وَمِثْلُ أُمِّ الْعَمِّ أُمُّ الْخَالِ، وَحُرْمَةُ بِنْتِ أُخْتِ وَلَدِك إنَّمَا تَكُونُ بِالْمُصَاهَرَةِ لَوْ كَانَتْ الْأُخْتُ لِأُمٍّ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِنْتَ رَبِيبَتِك، بِخِلَافِهَا شَقِيقَةٌ أَوْ لِأَبٍ لِأَنَّهَا بِنْتُ بِنْتِك، وَحُرْمَةُ أُمِّ وَلَدِ وَلَدِك إنَّمَا تَكُونُ بِالْمُصَاهَرَةِ إذَا كَانَتْ أُمَّ ابْنِ ابْنِك لِأَنَّهَا حَلِيلَةُ ابْنِك، بِخِلَافِ أُمِّ بِنْتِ بِنْتِك فَإِنَّهَا بِنْتُك. فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ التَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنَّ حُرْمَةَ أُمِّ أُخْتِهِ إلَخْ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ. اهـ. أَقُولُ: وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ إنَّ حُرْمَةَ مَنْ ذُكِرَ بِالْمُصَاهَرَةِ الْمُرَادُ بِمَنْ ذُكِرَ هُوَ أُمُّ أَخِيهِ وَأُخْتُهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ دُونَ بَقِيَّةِ الصُّوَرِ الْآتِيَةِ، وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَهُ تَعْلِيلًا آخَرَ شَامِلًا لِلْجَمِيعِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِنَّ حُرْمَةَ أُمِّ أُخْتِهِ وَأَخِيهِ إلَخْ مَعَ قَوْلِهِ وَقِسْ عَلَيْهِ أُخْتَ ابْنِهِ إلَخْ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ. وَعَنْ الثَّانِي أَعْنِي قَوْلَهُ إنَّ الْمُصَاهَرَةَ إنَّمَا تُتَصَوَّرُ عَلَى تَقْدِيرٍ وَاحِدٍ فَقَطْ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُوَ ذَلِكَ التَّقْدِيرُ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ يَحْرُمُ نَظِيرُهُ مِنْ الرَّضَاعِ، فَيُقَالُ: تَحْرُمُ الْأُمُّ نَسَبًا فَكَذَا تَحْرُمُ الْأُمُّ رَضَاعًا، وَتَحْرُمُ الْبِنْتُ نَسَبًا فَكَذَا تَحْرُمُ الْبِنْتُ رَضَاعًا، وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الْمُحَرَّمَاتِ النَّسَبِيَّةِ، فَأُمُّ أَخِيك الشَّقِيقِ أَوْ لِأُمٍّ إنَّمَا تَحْرُمُ لِكَوْنِهَا أُمَّك لَا لِكَوْنِهَا أُمَّ أَخِيك وَلِذَا تَحْرُمُ عَلَيْك وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَك أَخٌ مِنْهَا، فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ تَحْرُمُ أُمُّ الْأَخِ الشَّقِيقِ أَوْ لِأُمٍّ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ مَعَ قَوْلِهِمْ تَحْرُمُ الْأُمُّ. فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ أُمُّ الْأَخِ لِأَبٍ فَقَطْ وَلِمَا وَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ أُمَّ الْأَخِ لِأَبٍ إنَّمَا حُرِّمَتْ بِالْمُصَاهَرَةِ، وَالْحَدِيثُ إنَّمَا رَتَّبَ حُرْمَةَ الرَّضَاعِ عَلَى حُرْمَةِ النَّسَبِ لَا عَلَى حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ. أَجَابَ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ، وَكَذَا يُقَالُ أُخْتُ الِابْنِ إذَا كَانَتْ شَقِيقَةً أَوْ لِأَبٍ إنَّمَا تَحْرُمُ لِكَوْنِهَا بِنْتَك، وَقَدْ عُلِمَ تَحْرِيمُ الْبِنْتِ مِنْ النَّسَبِ فَيُرَادُ بِهَا الْأُخْتُ لِأُمٍّ لِأَنَّهَا رَبِيبَتُك، فَلَمْ تَعْلَمْ حُرْمَتَهَا مِنْ مُحَرَّمَاتِ النَّسَبِ فَلَمْ تَكُنْ تَكْرَارًا لَكِنْ لَمَّا لَمْ تَدْخُلْ فِي الْحَدِيثِ كَانَ اسْتِثْنَاؤُهَا مُنْقَطِعًا، وَهَكَذَا يُقَالُ فِي الْبَوَاقِي. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَدِيثَ لَمَّا رَتَّبَ حُرْمَةَ الرَّضَاعِ عَلَى حُرْمَةِ النَّسَبِ وَكَانَ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ مِنْ نَظَائِرِ هَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ قَدْ يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ عَلَى تَقْدِيرٍ وَمِنْ الْمُصَاهَرَةِ عَلَى تَقْدِيرٍ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُرَادَ مِنْهُ التَّقْدِيرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ التَّكْرَارُ بِلَا فَائِدَةٍ، فَتَعَيَّنَ إرَادَةُ التَّقْدِيرِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ مُنْقَطِعًا دَفْعًا لِلتَّكْرَارِ وَتَنْبِيهًا عَلَى بَيَانِ مَا يَحِلُّ لِزِيَادَةِ التَّوْضِيحِ، هَذَا غَايَةُ مَا يُمْكِنُ تَوْجِيهُ كَلَامِهِمْ بِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ فِي الرَّضَاعِ) لِأَنَّ أُمَّ أُخْتِهِ وَأَخِيهِ رَضَاعًا لَيْسَتْ أُمَّهُ وَلَا مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ (قَوْلُهُ وَقِسْ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ قِسْ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَعْنَى أُخْتَ ابْنِهِ وَبِنْتَه إلَخْ بِأَنْ تَقُولَ: إنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُخْتُ ابْنِهِ وَبِنْتُهُ نَسَبًا لِكَوْنِهَا بِنْتَه أَوْ بِنْتَ امْرَأَتِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ فِي الرَّضَاعِ، وَكَذَا جَدَّةُ ابْنِهِ وَبِنْتِهِ نَسَبًا إنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا أُمَّهُ أَوْ أُمَّ امْرَأَتِهِ وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي الرَّضَاعِ وَهَكَذَا الْبَوَاقِي. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ عُلِمَ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّ حُرْمَةَ أُمِّ أُخْتِهِ إلَخْ جَازَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ، لَكِنْ لِكُلِّ صُورَةٍ عِبَارَةٌ تَلِيقُ بِهَا فَلِذَا قَالَ وَقِسْ عَلَيْهِ إلَخْ وَأَنَّ ضَمِيرَ عَلَيْهِ رَاجِعٌ إلَيْهِ لَا إلَى أُمِّ أُخْتِهِ وَأَخِيهِ، حَتَّى يَرِدَ أَنَّهُ لَا مَعْنَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 وَخَالَتِهِ، وَكَذَا عَمَّةُ وَلَدِهِ وَبِنْتُ عَمَّتِهِ وَبِنْتُ أُخْتِ وَلَدِهِ وَأُمُّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ) فَهَؤُلَاءِ مِنْ الرَّضَاعِ حَلَالٌ لِلرَّجُلِ وَكَذَا أَخُو ابْنِ الْمَرْأَةِ لَهَا، فَهَذِهِ عَشْرُ صُوَرٍ تَصِلُ بِاعْتِبَارِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ إلَى عِشْرِينَ، وَبِاعْتِبَارِ مَا يَحِلُّ لَهُ أَوْ لَهَا إلَى أَرْبَعِينَ مَثَلًا يَجُوزُ تَزَوُّجُهُ بِأُمِّ أَخِيهِ وَتَزَوُّجُهَا بِأَبِي أَخِيهَا، وَكُلٌّ مِنْهَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ   [رد المحتار] لِجَعْلِ الْبَعْضِ مَقِيسًا وَالْبَعْضِ مَقِيسًا عَلَيْهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَكَذَا عَمَّةُ وَلَدِهِ) لَمْ يَذْكُرُوا خَالَةَ وَلَدِهِ لِأَنَّهَا حَلَالٌ مِنْ النَّسَبِ أَيْضًا لِأَنَّهَا أُخْتُ زَوْجَتِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَبِنْتُ عَمَّتِهِ) أَيْ عَمَّةِ وَلَدِهِ وَتَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ لِأَنَّهَا بِنْتُ أُخْتِهِ، وَأَمَّا بِنْتُ عَمَّةِ نَفْسِهِ فَإِنَّهَا حَلَالٌ نَسَبًا وَرَضَاعًا ط. (قَوْلُهُ وَبِنْتُ أُخْتِ وَلَدِهِ) وَتَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ لِأَنَّهَا بِنْتُ بِنْتِهِ أَوْ بِنْتُ رَبِيبَتِهِ ط (قَوْلُهُ لِلرَّجُلِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمُسْتَثْنَى فِي قَوْلِهِ إلَّا أُمَّ أُخْتِهِ إلَخْ يَعْنِي أَنَّ شَيْئًا مِنْ النِّسْوَةِ الْمَذْكُورَاتِ لَا يَحْرُمُ لِلرَّجُلِ إذَا كَانَتْ مِنْ الرَّضَاعِ. اهـ. ح عَنْ الْمِنَحِ، وَهَذَا بِالنَّظَرِ إلَى الْمَتْنِ وَإِلَّا فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِ الشَّارِحِ حَلَالٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا أَخُو ابْنِ الْمَرْأَةِ لَهَا) فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْعَاشِرَةِ نَظَرٌ، فَإِنَّهَا مِنْ مُقَابَلَاتِ التِّسْعَةِ لَا قِسْمٌ مُبَايِنٌ لِلتِّسْعَةِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ بِاعْتِبَارِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ) أَيْ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ، فَتَصِيرُ مَعَ الذُّكُورَةِ أُمَّ أَخِيهِ وَأُخْتَ ابْنِهِ وَجَدَّةَ ابْنِهِ وَأُمَّ عَمِّهِ وَأُمَّ خَالِهِ وَعَمَّةَ ابْنِهِ وَبِنْتَ عَمَّةِ ابْنِهِ وَبِنْتَ أُخْتِ ابْنِهِ وَأُمَّ وَلَدِ ابْنِهِ، وَمَعَ الْأُنُوثَةِ أُمَّ أُخْتِهِ وَأُخْتَ بِنْتِهِ وَجَدَّةَ بِنْتِهِ وَأُمَّ عَمَّتِهِ وَأُمَّ خَالَتِهِ وَعَمَّةَ بِنْتِهِ وَبِنْتَ عَمَّةِ بِنْتِهِ وَبِنْتَ أُخْتِ بِنْتِهِ وَأُمَّ وَلَدِ بِنْتِهِ. اهـ. ح فَهَذِهِ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ، وَعَدَّهَا عِشْرِينَ بِالنَّظَرِ إلَى الْعَاشِرَةِ الْمُكَرَّرَةِ. (قَوْلُهُ وَبِاعْتِبَارِ مَا يَحِلُّ لَهُ) أَيْ إذَا نَسَبَ الْحِلَّ لِلرَّجُلِ، بِأَنْ يُقَالَ: تَحِلُّ لَهُ أُمُّ أَخِيهِ وَأُخْتُ ابْنِهِ إلَى آخِرِ الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ أَوَّلُهَا) أَيْ إذَا نَسَبَ الْحِلَّ لَهَا، بِأَنْ يُقَالَ: يَحِلُّ لَهَا أَبُو أَخِيهَا وَأَخُو ابْنِهَا وَجَدُّ ابْنِهَا وَأَبُو عَمِّهَا وَأَبُو خَالِهَا وَخَالِ وَلَدِهَا وَابْنُ خَالَةِ وَلَدِهَا وَابْنُ أُخْتِ وَلَدِهَا وَابْنُ وَلَدِ وَلَدِهَا، وَإِنَّمَا قُلْنَا وَخَالُ وَلَدِهَا وَابْنُ خَالَةِ وَلَدِهَا، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ نَقُولَ وَعَمُّ وَلَدِهَا وَابْنُ عَمَّةِ وَلَدِهَا لِأَنَّهُمَا لَا يَحْرُمَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ النَّسَبِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ أَفَادَهُ ح. وَأَفَادَ ط أَنَّهُ يُمْكِنُ تَقْرِيرُ الْمُقَامِ بِحِلٍّ آخَرَ، فَيُقَالُ فِي مُقَابَلَةِ تَزَوُّجِهِ أُمَّ أَخِيهِ وَأُخْتِهِ تَزَوَّجَهَا أَخَا ابْنِهَا وَبِنْتِهَا، وَفِي أُخْتِ ابْنِهِ أَوْ بِنْتِهِ أَبُو أَخِيهَا أَوْ أُخْتِهَا، وَفِي جَدَّةِ ابْنِهِ أَوْ بِنْتِهِ جَدُّ ابْنِهَا أَوْ بِنْتِهَا، وَفِي أُمِّ عَمِّهِ ابْنُ أَخِي ابْنِهَا، وَفِي أُمِّ عَمَّتِهِ ابْنُ أَخِي بِنْتِهَا، وَفِي أُمِّ خَالِهِ ابْنُ أُخْتِ ابْنِهَا، وَفِي أُمِّ خَالَتِهِ ابْنُ أُخْتِ بِنْتِهَا وَفِي عَمَّةِ وَلَدِهِ عَمُّ وَلَدِهَا، وَفِي بِنْتِ عَمَّةِ وَلَدِهِ خَالُهَا، وَفِي مُقَابَلَةِ تَزَوُّجِهَا بِأَخِي ابْنِهَا تَزَوُّجُهُ بِأُمِّ أَخِيهِ وَهِيَ الْمُكَرَّرَةُ اهـ لَكِنْ الصَّوَابُ فِي الثَّامِنَةِ وَالتَّاسِعَةِ أَنْ يُقَالَ: وَفِي عَمَّةِ وَلَدِهِ أَبُو ابْنِ أَخِيهَا، وَفِي بِنْتِ عَمَّةِ وَلَدِهِ أَبُو ابْنِ خَالِهَا فَافْهَمْ. وَاَلَّذِي قَرَّرَهُ ح هُوَ الَّذِي فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ الْأَوْفَقُ لِقَوْلِ الشَّارِحِ وَتَزَوُّجُهَا بِأَبِي أَخِيهَا. وَحَاصِلُهُ أَنْ تُبَدِّلَ الْمُضَافَ الْأَوَّلَ الْمُؤَنَّثَ بِمُذَكَّرٍ مُقَابِلٍ لَهُ وَتُبَدِّلَ الضَّمِيرَ الْمُذَكَّرَ بِضَمِيرِ الْمُؤَنَّثِ، فَتُبَدِّلَ الْأُمَّ بِالْأَبِ وَالْأُخْتَ بِالْأَخِ وَالْجَدَّةَ بِالْجَدِّ وَهَكَذَا وَتُذَكِّرَ الضَّمِيرَ، فَتَقُولَ فِي أُمِّ أَخِيهِ أَبُو أَخِيهَا، وَفِي أُخْتِ ابْنِهِ أَخُو ابْنِهَا وَفِي جَدَّةِ ابْنِهِ جَدَّ ابْنِهَا إلَخْ. وَحَاصِلُ التَّقْرِيرِ الثَّانِي أَنْ تَنْظُرَ إلَى كُلِّ صُورَةٍ، وَتَنْظُرَ إلَى نِسْبَةِ الْمَرْأَةِ فِيهَا إلَى الزَّوْجِ فَتُسَمِّيَهَا بِاسْمِ تِلْكَ النِّسْبَةِ؛ مَثَلًا إذَا تَزَوَّجَ أُمَّ أَخِيهِ أَوْ أُخْتِهِ تَكُونُ الْمَرْأَةُ قَدْ تَزَوَّجَتْ أَخَا ابْنِهَا أَوْ بِنْتِهَا، وَإِذَا تَزَوَّجَ أُخْتَ ابْنِهِ أَوْ بِنْتِهِ تَكُونُ قَدْ تَزَوَّجَتْ أَبَا أَخِيهَا أَوْ أُخْتِهَا وَهَكَذَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا تَكْرَارٌ مَحْضٌ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ بِالتَّعْبِيرِ فَقَطْ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَتَزَوُّجُهَا بِأَبِي أَخِيهَا) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ الْأَوْفَقُ لِمَا قَرَّرَهُ ح كَمَا عَلِمْت، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِابْنِ أَخِيهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي النَّهْرِ وَلَا وَجْهَ لَهُ، فَإِنَّ هَذَا لَا يُقَابِلُ تَزَوُّجَهُ بِأُمِّ أَخِيهِ عَلَى التَّقْرِيرَيْنِ الْمَارَّيْنِ. وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْبَحْرِ التَّعْبِيرُ بِأَخِي ابْنِهَا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَرَّرَهُ ط كَمَا مَرَّ، وَفِيهِ مَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ وَكُلٌّ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَرْبَعِينَ ح. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: مِنْهُمَا بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ: أَيْ كُلٌّ مِنْ الِاعْتِبَارَيْنِ اللَّذَيْنِ بَلَغَ الْعَدَدُ فِيهِمَا أَرْبَعِينَ فَافْهَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ أَعْنِي مِنْ الرَّضَاعِ تَعَلُّقًا مَعْنَوِيًّا بِالْمُضَافِ كَالْأُمِّ كَأَنْ تَكُونَ لَهُ أُخْتٌ نَسَبِيَّةٌ لَهَا أُمٌّ رَضَاعِيَّةٌ، أَوْ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ كَالْأَخِ كَأَنْ يَكُونَ لَهُ أَخٌ نَسَبِيٌّ لَهُ أُمٌّ رَضَاعِيَّةٌ، أَوْ بِهِمَا كَأَنْ يَجْتَمِعَ مَعَ آخَرَ عَلَى ثَدْيِ أَجْنَبِيَّةٍ وَلِأَخِيهِ رَضَاعًا أُمٌّ أُخْرَى رَضَاعِيَّةٌ فَهِيَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّ كِتَابِنَا. (وَتَحِلُّ أُخْتُ أَخِيهِ رَضَاعًا) يَصِحُّ اتِّصَالُهُ بِالْمُضَافِ كَأَنْ يَكُونَ لَهُ أَخٌ نَسَبِيٌّ لَهُ أُخْتٌ رَضَاعِيَّةٌ، وَبِالْمُضَافِ إلَيْهِ كَأَنْ يَكُونَ لِأَخِيهِ رَضَاعًا أُخْتٌ نَسَبًا وَبِهِمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَ) كَذَا (نَسَبًا) بِأَنْ يَكُونَ لِأَخِيهِ لِأَبِيهِ أُخْتٌ لِأُمٍّ، فَهُوَ مُتَّصِلٌ بِهِمَا لَا بِأَحَدِهِمَا لِلُزُومِ التَّكْرَارِ كَمَا لَا يَخْفَى. (وَلَا حِلَّ بَيْنَ رَضِيعَيْ امْرَأَةٍ) لِكَوْنِهِمَا أَخَوَيْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الزَّمَنُ وَالْأَبُ (وَلَا) حِلَّ (بَيْنَ الرَّضِيعَةِ وَوَلَدِ مُرْضِعَتِهَا) أَيْ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا (وَوَلَدِ وَلَدِهَا) لِأَنَّهُ وَلَدُ الْأَخِ (وَلَبَنُ بِكْرٍ بِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ) فَأَكْثَرَ (مُحَرِّمٌ)   [رد المحتار] قَوْلُهُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ) أَيْ الْمُقَدَّرُ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَالتَّقْدِيرُ: فَيَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ إلَّا أُمَّ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّهَا لَا تَحْرُمُ. اهـ. ح (قَوْلُهُ تَعَلُّقًا مَعْنَوِيًّا) عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ أَوْ حَالٌ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ غَيْرُ مَحْضَةٍ، لِأَنَّ التَّعْرِيفَ الْإِضَافِيَّ هُنَا كَالتَّعْرِيفِ الْجِنْسِيِّ، وَأَمَّا تَعَلُّقُهُ الصِّنَاعِيُّ فَبِاسْتِقْرَارِ مَحْذُوفٍ وُجُوبًا، وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي ح عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ كَالْأَخِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَالْأُخْتِ، أَوْ يَقُولَ فِي الْأَوَّلِ كَأَنْ يَكُونَ لَهُ أَخٌ نَسَبِيٌّ، إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُ التَّنْوِيعُ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ ذُكُورَةً وَأُنُوثَةً ح (قَوْلُهُ كَأَنْ يَكُونَ لَهُ أَخٌ نَسَبِيٌّ لَهُ أُمٌّ رَضَاعِيَّةٌ) تَبِعَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ النَّهْرَ. قَالَ ح: وَصَوَابُهُ كَأَنْ يَكُونَ لَهُ أَخٌ رَضَاعِيٌّ لَهُ أُمٌّ نَسَبِيَّةٌ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّ كِتَابِنَا) اعْلَمْ أَنَّ ابْنَ وَهْبَانَ فِي شَرْحِ مَنْظُومَتِهِ أَوْصَلَهَا إلَى نَيِّفٍ وَسِتِّينَ، وَبَيَّنَهَا صَاحِبُ الْبَحْرِ وَزَادَ عَلَيْهَا حَتَّى أَوْصَلَهَا إلَى إحْدَى وَثَمَانِينَ وَقَالَ إنَّهُ مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الْكِتَابِ، وَأَوْصَلَهَا فِي النَّهْرِ إلَى مِائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَقَالَ إنَّهَا مِنْ خَوَاصِّ كِتَابِهِ، فَأَرَادَ الشَّارِحُ أَنْ يُوَصِّلَهَا إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ بِزِيَادَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْ الصُّوَرِ لِتَكُونَ مِنْ خَوَاصِّ كِتَابِهِ كَمَا قَالَ لَكِنَّهَا مَا تَمَّتْ لَهُ أَفَادَهُ ح أَيْ بَلْ بَقِيَ الْعَدَدُ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ. (قَوْلُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ) كَأَنْ يَكُونَ لَهُ أَخٌ رَضَاعِيٌّ رَضَعَ مَعَ بِنْتٍ مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى (قَوْلُهُ فَهُوَ) أَيْ قَوْلُهُ نَسَبًا ط (قَوْلُهُ لِلُزُومِ التَّكْرَارِ) لِأَنَّهُ إذَا اتَّصَلَ بِالْمُضَافِ فَقَطْ كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَطْ كَانَ الْمُضَافُ مِنْ الرَّضَاعِ، وَهُمَا دَاخِلَانِ فِي قَوْلِهِ وَتَحِلُّ أُخْتُ أَخِيهِ رَضَاعًا ح (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِمَا أَخَوَيْنِ) أَيْ شَقِيقَيْنِ إنْ كَانَ اللَّبَنُ الَّذِي شَرِبَاهُ مِنْهَا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ لِأُمٍّ إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونَانِ لِأَبٍ كَمَا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ امْرَأَتَانِ وَوَلَدَتَا مِنْهُ فَأَرْضَعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ صَغِيرًا فَإِنَّ الصَّغِيرَيْنِ أَخَوَانِ لِأَبٍ، حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أُنْثَى لَا يَحِلُّ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ ح. (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَ الزَّمَنُ) كَأَنْ أَرْضَعَتْ الْوَلَدَ الثَّانِيَ بَعْدَ الْأَوَّلِ بِعِشْرِينَ سَنَةً مَثَلًا وَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ (قَوْلُهُ وَوَلَدِ مُرْضِعَتِهَا) أَيْ مِنْ النَّسَبِ، أَمَّا الَّذِي مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ فُهِمَ حُكْمهُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا حِلَّ بَيْنَ رَضِيعَيْ امْرَأَةٍ ح وَأَطْلَقَهُ فَأَفَادَ التَّحْرِيمَ وَإِنْ لَمْ تُرْضِعْ وَلَدَهَا النَّسَبِيَّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدَانِ أَجْنَبِيَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ارْتِضَاعِهِمَا مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ الْأُولَى وَلِهَذَا لَمْ يَسْتَغْنِ بِهَا عَنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ، وَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ رَدَّهُ فِي النَّهْرِ، وَشَمِلَ أَيْضًا مَا لَوْ وَلَدَتْهُ قَبْلَ إرْضَاعِهَا لِلرَّضِيعَةِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ بِسِنِينَ. [فَرْعٌ] فِي الْبَحْرِ عَنْ آخِرِ الْمَبْسُوطِ: لَوْ كَانَتْ أُمُّ الْبَنَاتِ أَرْضَعَتْ أَحَدَ الْبَنِينَ وَأُمُّ الْبَنِينَ أَرْضَعَتْ إحْدَى الْبَنَاتِ لَمْ يَكُنْ لِلِابْنِ الْمُرْتَضِعِ مِنْ أُمِّ الْبَنَاتِ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ وَكَانَ لِإِخْوَتِهِ أَنْ يَتَزَوَّجُوا بَنَاتَ الْأُخْرَى إلَّا الِابْنَةَ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا أُمُّهُمْ وَجَدُّهَا لِأَنَّهَا أُخْتُهُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ (قَوْلُهُ أَيْ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا) تَفْسِيرٌ لِلْمُضَافِ إلَى الضَّمِيرِ (قَوْلُهُ وَلَبَنُ بِكْرٍ) الْمُرَادُ بِهَا الَّتِي لَمْ تُجَامَعْ قَطُّ بِنِكَاحٍ أَوْ سِفَاحٍ وَإِنْ كَانَتْ الْعَذِرَةُ غَيْرَ بَاقِيَةٍ كَأَنْ زَالَتْ بِنَحْوٍ وَثْبَةٍ حَمَوِيٌّ وَالْحُرْمَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 وَإِلَّا لَا جَوْهَرَةٌ (وَكَذَا) يُحَرِّمُ (لَبَنُ مَيِّتَةٍ) وَلَوْ مَحْلُوبًا، فَيَصِيرُ نَاكِحُهَا مَحْرَمًا لِلْمَيِّتَةِ فَيُيَمِّمُهَا وَيَدْفِنُهَا بِخِلَافِ وَطْئِهَا، وَفَرَّقَ بِوُجُودِ التَّغَذِّي لَا اللَّذَّةِ. (وَمَخْلُوطٌ بِمَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ أَوْ لَبَنِ أُخْرَى أَوْ لَبَنِ شَاةٍ إذَا غَلَبَ لَبَنُ الْمَرْأَةِ وَكَذَا إذَا اسْتَوَيَا) إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ جَوْهَرَةٌ، وَعَلَّقَ مُحَمَّدٌ الْحُرْمَةَ بِالْمَرْأَتَيْنِ مُطْلَقًا، قِيلَ: وَهُوَ الْأَصَحُّ (لَا) يُحَرِّمُ (الْمَخْلُوطُ بِطَعَامٍ) مُطْلَقًا وَإِنْ حَسَاهُ حَسْوًا   [رد المحتار] لَا تَتَعَدَّى إلَى زَوْجِهَا، حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَهُ التَّزَوُّجُ بِرَضِيعَتِهَا لِأَنَّ اللَّبَنَ لَيْسَ مِنْهُ قُهُسْتَانِيٌّ ط؛ أَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَيْسَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِالرَّضِيعَةِ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ الرَّبَائِبِ الَّتِي دَخَلَ بِأُمِّهَا بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ فَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ لَا يَحْرُمُ جَوْهَرَةٌ لِأَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ اللَّبَنَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِمَّنْ تُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِلَادَةُ فَيُحْكَمُ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَبَنًا. كَمَا لَوْ نَزَلَ لِلْبِكْرِ مَاءٌ أَصْفَرُ لَا يَثْبُتُ مِنْ إرْضَاعِهِ تَحْرِيمٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَحْلُوبًا) سَوَاءٌ حُلِبَ قَبْلَ مَوْتِهَا فَشَرِبَهُ الصَّبِيُّ بَعْدَ مَوْتِهَا أَوْ حُلِبَ بَعْدَ مَوْتِهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَيَصِيرُ نَاكِحَهَا) أَيْ نَاكِحَ الرَّضِيعَةِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ الْمَقَامِ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ مَحْرَمًا لِلْمَيِّتَةِ) لِأَنَّهَا أُمُّ امْرَأَتِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَيَمَّمَهَا) أَيْ بِلَا خِرْقَةٍ إذَا مَاتَتْ بَيْنَ رِجَالٍ فَقَطْ، أَمَّا غَيْرُ الْمَحْرَمِ فَيُيَمِّمُهَا بِخِرْقَةٍ، وَقِيلَ تُغَسَّلُ فِي ثِيَابِهَا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَيَدْفِنُهَا) لِأَنَّ الْأَوْلَى بِالدَّفْنِ الْمَحَارِمُ ط (قَوْلُهُ بِخِلَافِ وَطْئِهَا) أَيْ الْمَيِّتَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ. (قَوْلُهُ وَفَرَّقَ بِوُجُودِ التَّغَذِّي لَا اللَّذَّةِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ اللَّبَنِ التَّغَذِّي وَالْمَوْتُ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْوَطْءِ اللَّذَّةُ الْمُعْتَادَةُ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْمَيِّتَةِ بَحْرٌ عَنْ الْجَوْهَرَةِ، وَإِذَا انْتَفَتْ اللَّذَّةُ الْمُعْتَادَةُ بِالْوَطْءِ لِكَوْنِ الْمَيِّتَةِ لَيْسَتْ مَحَلًّا لَهُ عَادَةً صَارَتْ كَالْبَهِيمَةِ بَلْ أَبْلَغُ لِأَنَّ الْمَوْتَ مُنَفِّرٌ طَبْعًا فَيَلْزَمُ انْتِفَاءُ قَصْدِ الْوَلَدِ الَّذِي هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ عِلَّةُ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ، فَالْمُرَادُ نَفْيُ اللَّازِمِ بِانْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ اللَّذَّةَ لَيْسَتْ هِيَ الْعِلَّةُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمَخْلُوطٌ) عُطِفَ عَلَى لَبَنِ مَيِّتَةٍ: أَيْ وَكَذَا يُحَرِّمُ لَبَنُ امْرَأَةٍ مَخْلُوطٌ بِمَاءٍ إلَخْ. اهـ. ح. وَمِثْلُ الْمَاءِ كُلُّ مَائِعٍ بَلْ وَالْجَامِدُ كَذَلِكَ، أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ ط. (قَوْلُهُ إذَا غَلَبَ لَبَنُ الْمَرْأَةِ) أَيْ عَلَى أَحَدِ الْمَذْكُورَاتِ، وَفَسَّرَ الْغَلَبَةَ فِي أَيْمَانِ الْخَانِيَّةِ مِنْ حَيْثُ الْإِجْزَاءُ. وَقَالَ هُنَا فَسَّرَهَا مُحَمَّدٌ فِي الدَّوَاءِ بِأَنْ يُغَيِّرَهُ عَنْ كَوْنِهِ لَبَنًا. وَقَالَ الثَّانِي إنْ غَيَّرَ الطَّعْمَ وَاللَّوْنَ لَا إنْ غَيَّرَ أَحَدَهُمَا نَهْرٌ، وَنَحْوُهُ فِي الْبَحْرِ. وَوَفَّقَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى فَقَالَ: تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ بِالْإِجْزَاءِ فِي الْجِنْسِ، وَفِي غَيْرِهِ بِتَغَيُّرِ طَعْمٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ إلَّا أَنَّهُ اعْتَبَرَ التَّغَيُّرَ فِي غَيْرِ الْجِنْسِ بِوَصْفٍ وَاحِدٍ وَالْمَذْكُورُ آنِفًا أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا إذَا غَيَّرَ الطَّعْمَ وَاللَّوْنَ، نَعَمْ يُوَافِقُهُ مَا فِي الْهِنْدِيَّةِ مِنْ اعْتِبَارِ أَحَدِ الْأَوْصَافِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَعْزُهُ لِأَبِي يُوسُفَ ط. (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا اسْتَوَيَا) أَيْ لَبَنُ الْمَرْأَةِ وَأَحَدُ الْمَذْكُورَاتِ ح (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ) عِلَّةٌ لِاسْتِوَاءِ لَبَنِ الْمَرْأَتَيْنِ، وَأَفَادَ بِهِ ثُبُوتَ التَّحْرِيمِ مِنْهُمَا. وَأَمَّا عِلَّةُ اسْتِوَاءِ لَبَنِ الْمَرْأَةِ مَعَ الْبَاقِي فَهِيَ أَنَّ لَبَنَهَا غَيْرُ مَغْلُوبٍ فَلَمْ يَكُنْ مُسْتَهْلَكًا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَعَلَّقَ مُحَمَّدٌ إلَخْ) مُقَابِلٌ لِمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَبَنُ إحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ غَالِبًا تَعَلَّقَ التَّحْرِيمُ بِهِ فَقَطْ، وَلَوْ اسْتَوَيَا تَعَلَّقَ بِهِمَا (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ تَسَاوَيَا أَوْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ ح (قَوْلُهُ قِيلَ وَهُوَ الْأَصَحُّ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ فِي الْغَايَةِ: وَهُوَ أَظْهَرُ وَأَحْوَطُ، وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: قِيلَ إنَّهُ الْأَصَحُّ. اهـ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَرَجَّحَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ، وَإِلَيْهِ مَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لِتَأْخِيرِهِ دَلِيلَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ غَالِبًا أَوْ مَغْلُوبًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَ: إنْ كَانَ غَالِبًا يَحْرُمُ، وَالْخِلَافُ مُقَيَّدٌ بِاَلَّذِي لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ، فَإِذَا طُبِخَ فَلَا تَحْرِيمَ مُطْلَقًا اتِّفَاقًا، وَبِمَا إذَا كَانَ الطَّعَامُ ثَخِينًا، أَمَّا إذَا كَانَ رَقِيقًا يُشْرَبُ اُعْتُبِرَتْ الْغَلِيَّةُ اتِّفَاقًا، قِيلَ وَبِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ اللَّبَنُ مُتَقَاطِرًا عِنْدَ رَفْعِ اللُّقْمَةِ، أَمَّا مَعَهُ فَيَحْرُمُ اتِّفَاقًا وَالْأَصَحُّ عَدَمُ اعْتِبَارِ التَّقَاطُرِ عَلَى قَوْلِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ حَسَاهُ حَسْوًا) فِي الْقَامُوسِ: حَسَا زَيْدٌ الْمَرَقَ شَرِبَهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ بَحْرٌ، وَمَا أَفَادَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَإِنْ حَسَاهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 وَكَذَا لَوْ جَبَّنَهُ لِأَنَّ اسْمَ الرَّضَاعِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ بَحْرٌ (وَ) لَا (الِاحْتِقَانُ وَالْإِقْطَارُ فِي أُذُنٍ) وَإِحْلِيلٍ (وَجَائِفَةٍ وَآمَّةٍ، وَ) لَا (لَبَنُ رَجُلٍ) وَمُشْكِلٍ إلَّا إذَا قَالَ: النِّسَاءُ إنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَى غَزَارَتِهِ إلَّا لِلْمَرْأَةِ وَإِلَّا لَا جَوْهَرَةٌ (وَ) لَا لَبَنُ (شَاةٍ) وَغَيْرِهَا لِعَدَمِ الْكَرَامَةِ. (وَلَوْ) (أَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ) وَلَوْ مُبَانَةً   [رد المحتار] عَنْ النَّهْرِ، وَكَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ الطَّعَامَ لَوْ كَانَ رَقِيقًا يُشْرَبُ اعْتَبَرْنَا غَلَبَةَ اللَّبَنِ إنْ غَلَبَ وَأَثْبَتْنَا الْحُرْمَةَ، وَكَذَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ حَسَاهُ حَسْوًا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَكَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُسْتَصْفَى وَقَالَ إنَّ وَضْعَ مُحَمَّدٍ فِي الْأَكْلِ يَدُلُّ عَلَيْهِ اهـ أَيْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشُّرْبَ مُحَرَّمٌ، نَعَمْ نَقَلَ ح عَنْ مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ قِيلَ: إنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِكُلِّ حَالٍ، وَإِلَيْهِ مَالَ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا مَرَّ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. اهـ. قُلْت: وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْخَانِيَّةِ وَكَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْهَا هُوَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهَا آنِفًا وَلَيْسَ فِيهَا مَا ذَكَرَهُ عَنْ السَّرَخْسِيِّ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ السَّرَخْسِيِّ لَيْسَ فِي الْحَسْوِ بَلْ فِي غَيْرِهِ. فَفِي الذَّخِيرَةِ: قِيلَ إنَّمَا لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ لَا يَتَقَاطَرُ اللَّبَنُ عِنْدَ حَمْلِ اللُّقْمَةِ، فَلَوْ يَتَقَاطَرُ تَثْبُتُ، وَقِيلَ: لَا تَثْبُتُ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّمَا لَا تَثْبُتُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا أَكَلَ لُقْمَةً لُقْمَةً، فَلَوْ حَسَاهُ حَسْوًا تَثْبُتُ. اهـ. فَمَا قَالَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ إنَّمَا هُوَ عَدَمُ اعْتِبَارِ التَّقَاطُرِ عِنْدَ الْأَكْلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ، وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ أَيْضًا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا كَانَ الطَّعَامُ رَقِيقًا يُشْرَبُ حَسْوًا، وَهَذَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ كَمَا سَمِعْته، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَ خِلَافَهُ؛ وَلَا يُقَالُ: يَلْزَمُ مِنْ تَقَاطُرِ اللَّبَنِ عِنْدَ رَفْعِ اللُّقْمَةِ أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ رَقِيقًا يُشْرَبُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ التَّقَاطُرُ مِنْ اللَّبَنِ وَحْدَهُ بَلْ يَكُونُ مِنْهُمَا مَعًا، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ كَوْنُ الطَّعَامِ ثَخِينًا لَا يُشْرَبُ، وَلَفْظُ اللُّقْمَةِ مُشْعِرٌ بِذَلِكَ أَيْضًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ جَبَّنَهُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ جَعَلَ اللَّبَنَ مَخِيضًا أَوْ رَائِبًا أَوْ شِيرَازًا أَوْ جُبْنًا أَوْ أَقِطًا أَوْ مَصْلًا فَتَنَاوَلَهُ الصَّبِيُّ لَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ لِأَنَّ اسْمَ الرَّضَاعِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَا يُنْبِتُ اللَّحْمَ وَلَا يَنْشِزُ الْعَظْمَ وَلَا يَكْتَفِي بِهِ الصَّبِيُّ فِي الِاغْتِذَاءِ فَلَا يَحْرُمُ. اهـ. ح. وَفِي الْقَامُوسِ: اللَّبَنُ الْمَخِيضُ مَا أُخِذَ زَبَدُهُ. وَالشِّيرَازِيُّ: اللَّبَنُ الرَّائِبُ الْمُسْتَخْرَجُ مَاؤُهُ. وَالْأَقِطُ مُثَلَّثٌ وَيُحَرَّكُ: شَيْءٌ يُتَّخَذُ مِنْ الْمِخْيَطِ الْغَنَمِيِّ. وَالْمَصْلُ: اللَّبَنُ يُوضَعُ فِي وِعَاءٍ خُوصٍ أَوْ خَزَفٍ لِيَقْطُرَ مَاؤُهُ. اهـ. ط. (قَوْلُهُ وَلَا الِاحْتِقَانُ) فِي الْمِصْبَاحِ: حَقَنْت الْمَرِيضَ إذَا أَوْصَلْت الدَّوَاءَ إلَى بَاطِنِهِ مِنْ مَخْرَجِهِ بِالْمِحْقَنَةِ وَاحْتَقَنَ هُوَ وَالِاسْمُ الْحُقْنَةُ مِثْلُ الْغَرْفَةِ مِنْ الِاغْتِرَافِ، ثُمَّ أُطْلِقَتْ عَلَى مَا يُتَدَاوَى بِهِ وَالْجَمْعُ حُقَنٌ مِثْلُ غُرْفَةٍ وَغُرَفٌ. اهـ. بَحْرٌ. وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ وَلَا الْحَقْنُ أَيْ حَقْنُ الصَّبِيِّ بِاللَّبَنِ إذْ الِاحْتِقَانُ مِنْ احْتَقَنَ، وَهُوَ فِعْلٌ قَاصِرٌ وَالصَّبِيُّ لَا يَحْتَقِنُ بِنَفْسِهِ بَلْ يَحْقِنُهُ غَيْرُهُ، وَلَا يَصِحُّ أَخْذُهُ مِنْ احْتُقِنَ الْمَبْنِيِّ لِلْمَجْهُولِ لِأَنَّهُ لَا يُبْنَى مِنْ الْقَاصِرِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَفْسِيرِ الِاحْتِقَانِ فِي تَاجِ الْمَصَادِرِ بِعَمَلِ الْحُقْنَةِ تَعْدِيَتُهُ لِلْمَفْعُولِ الصَّرِيحِ كَالصَّبِيِّ. فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ: حَيْثُ قَالَ إذَا احْتَقَنَ الصَّبِيُّ خِلَافًا لِمَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ، وَتَنْظِيرُ النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَالْإِقْطَارُ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ الِاقْتِطَارُ مِنْ الِافْتِعَالِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَحْرِيفٌ (قَوْلُهُ وَجَائِفَةٍ) الْجِرَاحَةُ فِي الْجَوْفِ. وَالْآمَّةُ بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ: الْجِرَاحَةُ فِي الرَّأْسِ تَصِلُ إلَى أُمِّ الدِّمَاغِ (قَوْلُهُ وَمُشْكِلٍ) أَيْ خُنْثَى مُشْكِلٌ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا قَالَ إلَخْ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَّضِحُ أَنَّهُ امْرَأَةٌ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْخُنْثَى فَيَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) تَكْرَارَ لِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ إطْلَاقِ قَوْلِهِ وَمُشْكِلٍ بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْكَرَامَةِ) لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ بِالرَّضَاعِ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ لِلْجُزْئِيَّةِ فَلَمْ تُعْتَبَرْ الشَّاةُ أُمَّ الصَّبِيِّ وَإِلَّا لَكَانَ الْكَبْشُ أَبَاهُ وَالْأُخْتِيَّةُ فَرْعُ الْأُمِّيَّةِ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ) أَطْلَقَهَا فَشَمِلَ الْمَدْخُولَةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 (ضَرَّتَهَا) الصَّغِيرَةَ وَكَذَا لَوْ أَوْجَرَهُ رَجُلٌ فِي فِيهَا (حُرِّمَتَا) أَبَدًا إنْ دَخَلَ بِالْأُمِّ أَوْ اللَّبَنُ مِنْهُ   [رد المحتار] وَغَيْرَهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ لَبَنُهَا مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَقَعَ الْإِرْضَاعُ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ فِي عِدَّةِ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ بَيْنُونَةٍ صُغْرَى أَوْ كُبْرَى، فَقَوْلُهُ وَلَوْ مُبَانَةً يُفْهَمُ مِنْهُ حُكْمُ الرَّجْعِيَّةِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. ثُمَّ التَّقْيِيدُ بِهَا لَيْسَ احْتِرَازِيًّا لِأَنَّ أُخْتَ الْكَبِيرَةِ وَأُمَّهَا بِنْتُهَا نَسَبًا وَرَضَاعًا إنْ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ مِثْلَهَا لِلُزُومِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِ أُخْتِهَا فِي الْأَوَّلِ وَبَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي الثَّانِي وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِ بِنْتِهَا فِي الثَّالِثِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قَطُّ وَلَا الْمُرْضِعَةِ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ فِي الثَّالِثِ فَإِنَّ الْمُرْضِعَةَ لَا تَحِلُّ لَهُ لِكَوْنِهَا أُمَّ امْرَأَتِهِ وَلَا الْكَبِيرَةَ لِكَوْنِهَا أُمَّ أُمِّ امْرَأَتِهِ، وَتَحِلُّ الصَّغِيرَةُ لِكَوْنِهَا ابْنَةَ ابْنَةِ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ ط (قَوْلُهُ ضَرَّتَهَا الصَّغِيرَةَ) أَيْ الَّتِي فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ، وَلَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ نِكَاحِ الصَّغِيرَةِ وَقْتَ إرْضَاعِهَا بَلْ وُجُودُهُ فِيمَا مَضَى كَافٍ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ: لَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً فَطَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ كَبِيرَةً لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ مَنْكُوحَةٍ كَانَتْ لَهُ فَتَحْرُمُ بِنِكَاحِ الْبِنْتِ اهـ بَحْرٌ. وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِالْأُمِّ حُرِّمَتْ الصَّغِيرَةُ أَيْضًا، لَا لِأَنَّهُ صَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا بَلْ لِأَنَّ الدُّخُولَ بِالْأُمَّهَاتِ يُحَرِّمُ الْبَنَاتِ، وَالْعَقْدُ عَلَى الْبَنَاتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّهَاتِ، وَالرَّضَاعُ الطَّارِئُ عَلَى النِّكَاحِ كَالسَّابِقِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ بِعَبْدِهِ الصَّغِيرِ فَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ السَّيِّدِ حُرِّمَتْ عَلَى زَوْجِهَا وَعَلَى مَوْلَاهَا لِأَنَّ الْعَبْدَ صَارَ ابْنًا لِلْمَوْلَى فَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ وَعَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهَا امْرَأَةُ ابْنِهِ. اهـ. نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ أَوْجَرَهُ) أَيْ لَبَنَ الْكَبِيرَةِ رَجُلٌ فِي فِيهَا أَيْ الصَّغِيرَةِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِرْضَاعِ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى وُصُولِ لَبَنِ الْكَبِيرَةِ إلَى جَوْفِ الصَّغِيرَةِ، فَتَبِينُ كِلَاهُمَا مِنْهُ، وَلِكُلٍّ نِصْفُ الصَّدَاقِ عَلَى الزَّوْجِ، وَيَغْرَمُ الرَّجُلُ لِلزَّوْجِ نِصْفَ مَهْرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إنْ تَعَمَّدَ الْفَسَادَ بِأَنْ أَرْضَعَهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، بِأَنْ كَانَتْ شَبْعَى وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْفَسَادَ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ إنْ دَخَلَ بِالْأُمِّ) سَوَاءٌ كَانَ اللَّبَنُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ وَقَعَ الْإِرْضَاعُ فِي النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَلَوْ بَائِنًا وَلَوْ بَعْدَ الْعِدَّةِ، أَمَّا إذَا كَانَ اللَّبَنُ مِنْهُ وَوَقَعَ الْإِرْضَاعُ فِي النِّكَاحِ أَوْ عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ أَوْ الْبَائِنِ أَوْ بَعْدَ الْعِدَّةِ حُرِّمَتَا أَبَدًا وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ فِي الْأُولَيَيْنِ؛ أَمَّا حُرْمَةُ الصَّغِيرَةِ فَلِأَنَّهَا صَارَتْ بِنْتَه وَبِنْتَ مَدْخُولَتِهِ رَضَاعًا، وَأَمَّا حُرْمَةُ الْكَبِيرَةِ فَلِأَنَّهَا أُمُّ بِنْتِهِ وَأُمُّ مَعْقُودَتِهِ رَضَاعًا. وَإِذَا كَانَ اللَّبَنُ مِنْ غَيْرِهِ حُرِّمَتَا أَيْضًا وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ فِي الْأُولَيَيْنِ، أَمَّا حُرْمَةُ الصَّغِيرَةِ فَلِأَنَّهَا بِنْتُ مَدْخُولَتِهِ رَضَاعًا، وَأَمَّا حُرْمَةُ الْكَبِيرَةِ فَلِأَنَّهَا أُمُّ مَعْقُودَتِهِ رَضَاعًا أَفَادَهُ ح. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْفَسِخُ، لِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَرْتَفِعُ بِحُرْمَةِ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ بَلْ يَفْسُدُ، حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ لَا يُحَدُّ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ فِي الرَّضَاعِ الطَّارِئِ عَلَى النِّكَاحِ أَيْ كَمَا هُنَا؛ أَمَّا لَوْ تَزَوَّجَهَا فَشَهِدَا أَنَّهَا أُخْتُهُ ارْتَفَعَ النِّكَاحُ، حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا يُحَدُّ وَلَهَا التَّزَوُّجُ بَعْدَ الْعِدَّةِ مِنْ غَيْرِ مُتَارَكَةٍ. اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ إلَّا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ اللَّبَنُ مِنْهُ) هَذَا يَقْتَضِي إمْكَانَ انْفِرَادِ كَوْنِ اللَّبَنِ مِنْهُ عَنْ كَوْنِهَا مَدْخُولَةً، وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ اللَّبَنِ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ مَدْخُولَةً. وَفِي نُسْخَةٍ وَاللَّبَنُ مِنْهُ بِالْوَاوِ، وَهِيَ فَاسِدَةٌ أَيْضًا لِأَنَّهَا تَقْتَضِي عَدَمَ حُرْمَتِهَا إذَا كَانَتْ مَدْخُولَةً وَاللَّبَنُ مِنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ فَالصَّوَابُ إسْقَاطُهَا. اهـ. ح. قُلْت: وَالشَّارِحُ مُتَابِعٌ لِلْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمَقْدِسِيِّ. وَأَجَابَ عَنْهُ ط بِإِمْكَانِ أَنْ تَكُونَ حُبْلَى مِنْ زِنَاهُ بِهَا فَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْهَا بِهِ فَقَدْ حُرِّمَتَا وَاللَّبَنُ مِنْهُ مَعَ عَدَمِ تَحْقِيقِ الدُّخُولِ اهـ وَفِيهِ أَنَّ الْحَبَلَ مِنْ الزِّنَا دُخُولٌ بِهَا، وَحَمْلُ الدُّخُولِ الْمَذْكُورِ عَلَى الدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ اللَّاحِقِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الدُّخُولِ فِي الزِّنَا السَّابِقِ. وَأَجَابَ السَّائِحَانِيُّ بِالْحَمْلِ عَلَى مَا إذَا طَلَّقَ ذَاتَ لَبَنِهِ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَبَقِيَ لَبَنُهَا فَأَرْضَعَتْ بِهِ ضَرَّتَهَا وَفِيهِ مَا عَلِمْت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 وَإِلَّا جَازَ تَزَوُّجُ الصَّغِيرَةِ ثَانِيًا (وَلَا مَهْرَ لِلْكَبِيرَةِ إنْ لَمْ تُوطَأْ) لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْهَا (وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُهُ) لِعَدَمِ الدُّخُولِ (وَرَجَعَ) الزَّوْجُ (بِهِ عَلَى الْكَبِيرَةِ) وَكَذَا عَلَى الْمُوجِرِ (إنْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ) بِأَنْ تَكُونَ عَاقِلَةً طَائِعَةً مُتَيَقِّظَةً عَالِمَةً بِالنِّكَاحِ وَبِإِفْسَادِ الْإِرْضَاعِ وَلَمْ تَقْصِدْ دَفْعَ جُوعٍ أَوْ هَلَاكٍ (وَإِلَّا لَا) لِأَنَّ التَّسَبُّبَ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدِّي، وَالْقَوْلُ لَهَا إنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا تَعَمُّدُ الْفَسَادِ مِعْرَاجٌ. (طَلَّقَ ذَاتَ لَبَنٍ فَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ) بِآخَرَ (فَحَبِلَتْ وَأَرْضَعَتْ) (فَحُكْمُهُ مِنْ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ مِنْهُ بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ وَيَكُونُ رَبِيبًا لِلثَّانِي (حَتَّى تَلِدَ) فَيَكُونَ اللَّبَنُ مِنْ الثَّانِي، وَالْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ كَالْحَلَالِ، قِيلَ: وَكَذَا الزِّنَا وَالْأَوْجَهُ لَا فَتْحٌ.   [رد المحتار] وَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ دَخَلَ بِالْأُمِّ عَلَى تَقْدِيرِ قَوْلِنَا وَاللَّبَنُ مِنْ غَيْرِهِ؛ وَقَوْلُهُ أَوْ اللَّبَنُ مِنْهُ عَطْفٌ عَلَى هَذَا الْمُقَدَّرِ وَهُوَ الْقَرِينَةُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لِتَحْصُلَ الْمُقَابَلَةُ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ؛ وَلَوْ قَالَ وَاللَّبَنُ مِنْهُ أَوَّلًا لَكَانَ أَوْضَحَ وَأَوْلَى (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولَةً وَلَبَنُهَا حِينَئِذٍ مِنْ غَيْرِهِ قَطْعًا، وَهَذَا شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ الْإِرْضَاعُ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ انْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا لِكَوْنِهِ جَامِعًا بَيْنَ الْبِنْتِ وَأُمِّهَا رَضَاعًا. وَلَهُ أَنْ يُعِيدَ الْعَقْدَ عَلَى الْبِنْتِ لِعَدَمِ الدُّخُولِ بِالْأُمِّ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْبِنْتِ، وَحُرِّمَتْ الْأُمُّ أَبَدًا فِي الصُّورَتَيْنِ لِلْعَقْدِ عَلَى الْبِنْتِ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ قَاصِرٌ عَلَى الصُّورَةِ الْأُولَى. اهـ. ح. (قَوْلُهُ إنْ لَمْ تُوطَأْ) فَلَوْ وُطِئَتْ لَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ مُطْلَقًا، لَكِنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا وَإِلَّا فَلَهَا النَّفَقَةُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْهَا) فَصَارَ كَرِدَّتِهَا، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ نَائِمَةً فَارْتَضَعَتْهَا الصَّغِيرَةُ أَوْ أَخَذَ شَخْصٌ لَبَنَهَا فَأَوْجَرَ بِهِ الصَّغِيرَةَ أَوْ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ مَجْنُونَةً كَانَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ لِانْتِفَاءِ إضَافَةِ الْفُرْقَةِ إلَيْهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الدُّخُولِ) تَعْلِيلٌ لِتَنْصِيفِ الْمَهْرِ، وَأَمَّا عِلَّةُ أَصْلِ اسْتِحْقَاقِهَا لَهُ فَهِيَ وُقُوعُ الْفُرْقَةِ لَا مِنْ جِهَتِهَا، وَالِارْتِضَاعُ وَإِنْ كَانَ فِعْلُهَا وَبِهِ وَقَعَ الْفَسَادُ لَكِنْ لَا يُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا لِعَدَمِ خِطَابِهَا بِالْأَحْكَامِ كَمَا لَوْ قَتَلَتْ مُوَرِّثَهَا وَلِأَنَّهَا مَجْبُورَةٌ طَبْعًا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ مَهْرُهَا بِارْتِدَادِ أَبَوَيْهَا وَلِحَاقِهَا بِهِمَا مَعَ أَنَّهَا لَا فِعْلَ مِنْهَا أَصْلًا لِأَنَّ الرِّدَّةَ مَحْظُورَةٌ فِي حَقِّ الصَّغِيرَةِ أَيْضًا، وَإِضَافَةُ الْحُرْمَةِ إلَى رِدَّتِهَا التَّابِعَةِ أَبَوَيْهَا وَالِارْتِضَاعُ لَا حَاظِرَ فَيَسْتَحِقُّ النَّظَرَ فَتَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الدُّخُولِ) إذْ لَا يَتَأَتَّى فِي الرَّضِيعَةِ (قَوْلُهُ وَكَذَا عَلَى الْمُوجِرِ) أَيْ يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهِ بِمَا لَزِمَ الزَّوْجَ وَهُوَ نِصْفُ صَدَاقِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ بَحْرٌ، وَقَدَّمْنَا عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ أَيْضًا تَعَمُّدُ الْفَسَادِ (قَوْلُهُ إنْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ) قَيْدٌ فِي الرُّجُوعِ عَلَيْهَا، أَمَّا سُقُوطُ مَهْرِهَا قَبْلَ الْوَطْءِ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ تَعَمُّدُ الْفَسَادِ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ بِأَنْ تَكُونَ عَاقِلَةً) فَلَا رُجُوعَ عَلَى الْمَجْنُونَةِ وَالْمُكْرَهَةِ وَالنَّائِمَةِ. وَفِيهِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْعِلْمِ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ عَاقِلَةً مُتَيَقِّظَةً، أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَلَمْ تَقْصِدْ إلَخْ) فَلَوْ أَرْضَعَتْهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا جَائِعَةٌ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا شَبْعَانَةٌ لَا تَكُونُ مُتَعَمِّدَةً بَحْرٌ (قَوْلُهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ فِي التَّضْمِينِ بِهِ التَّعَدِّي كَحَافِرِ الْبِئْرِ، إنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا ضَمِنَ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ لَهَا) أَيْ فِي أَنَّهَا لَمْ تَتَعَمَّدْ مَعَ يَمِينِهَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ طَلَّقَ ذَاتَ لَبَنٍ) أَيْ مِنْهُ، بِأَنْ وَلَدَتْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُ قَطُّ وَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ وَأَرْضَعَتْ وَلَدًا لَا يَكُونُ الزَّوْجُ أَبًا لِلْوَلَدِ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إلَيْهِ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ مِنْهُ، وَإِذَا انْتَفَتْ انْتَفَتْ النِّسْبَةُ فَكَانَ كَلَبَنِ الْبِكْرِ، وَلِهَذَا لَوْ وَلَدَتْ لِلزَّوْجِ فَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ ثُمَّ جَفَّ لَبَنُهَا ثُمَّ دَرَّ فَأَرْضَعَتْهُ صَبِيَّةً فَإِنَّ لِابْنِ زَوْجِ الْمُرْضِعَةِ التَّزَوُّجَ بِهَذِهِ الصَّبِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا كَانَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأَوْلَادِ هَذَا الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِ الْمُرْضِعَةِ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَيَكُونُ رَبِيبًا لِلثَّانِي) فَيَحِلُّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِبَنَاتِ الثَّانِي مِنْ غَيْرِ الْمُرْضِعَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَالْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ كَالْحَلَالِ) صُورَتُهُ: وُطِئَتْ امْرَأَةٌ بِشُبْهَةٍ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ ثُمَّ أَرْضَعَتْ صَبِيًّا كَانَ ابْنًا لِلْوَاطِئِ. بِشُبْهَةٍ لَا لِلزَّوْجِ، وَمِثْلُهُ صُورَةُ الزِّنَا. اهـ. ح (قَوْلُهُ فَتْحٌ) وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ وَلَبَنُ الزِّنَا كَالْحَلَالِ، فَإِذَا أَرْضَعَتْ بِهِ بِنْتًا حُرِّمَتْ عَلَى الزَّانِي وَآبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ وَإِنْ سَفَلُوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 (قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (هَذِهِ رَضِيعَتِي ثُمَّ رَجَعَ) عَنْ قَوْلِهِ (صُدِّقَ) لِأَنَّ الرَّضَاعَ مِمَّا يَخْفَى فَلَا يُمْنَعُ التَّنَاقُضُ فِيهِ (وَلَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ، بِأَنْ قَالَ) بَعْدَهُ (هُوَ حَقٌّ كَمَا قُلْت وَنَحْوَهُ) هَكَذَا فَسَّرَ الثَّبَاتَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا   [رد المحتار] وَفِي التَّجْنِيسِ عَنْ الْجُرْجَانِيِّ: وَلِعَمِّ الزَّانِي التَّزَوُّجُ بِهَا كَالْمَوْلُودَةِ مِنْ الزَّانِي لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهَا مِنْ الزَّانِي، وَالتَّحْرِيمُ عَلَى آبَاءِ الزَّانِي وَأَوْلَادِهِ لِلْجُزْئِيَّةِ وَلَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَمِّ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الزِّنَا فَكَذَا فِي الْمُرْضِعَةِ بِلَبَنِ الزِّنَا: قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَكَذَا لَوْ لَمْ تَحْبَلْ مِنْ الزِّنَا وَأَرْضَعَتْ لَا بِلَبَنِ الزِّنَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي كَمَا تَحْرُمُ بِنْتُهَا عَلَيْهِ. وَذَكَرَ الْوَبَرِيُّ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ خَاصَّةً مَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ، فَحِينَئِذٍ تَثْبُتُ مِنْ الْأَبِ، وَكَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَصَاحِبُ الْيَنَابِيعِ، وَهُوَ أَوْجَهُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ الزِّنَا لِلْبَعْضِيَّةِ وَذَلِكَ فِي الْمَوْلُودِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ دُونَ اللَّبَنِ، إذْ لَيْسَ اللَّبَنُ كَائِنًا مِنْ مَنِيِّهِ لِأَنَّهُ فَرْعُ التَّغَذِّي. وَهُوَ لَا يَقَعُ إلَّا بِمَا يَدْخُلُ مِنْ أَعْلَى الْمَعِدَةِ لَا مِنْ أَسْفَلِ الْبَدَنِ كَالْحُقْنَةِ فَلَا إنْبَاتَ فَلَا حُرْمَةَ، بِخِلَافِ ثَابِتِ النَّسَبِ لِأَنَّ النَّصَّ أَثْبَتَ الْحُرْمَةَ مِنْهُ؛ وَإِذَا تَرَجَّحَ عَدَمُ حُرْمَةِ الرَّضِيعَةِ بِلَبَنِ الزَّانِي عَلَى الزَّانِي فَعَدَمُهَا عَلَى مَنْ لَيْسَ اللَّبَنُ مِنْهُ أَوْلَى، خِلَافًا لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلِأَنَّهُ يُخَالِفُ الْمَسْطُورَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ إذْ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ بِنْتِ الْمُرْضِعَةِ بِلَبَنِ غَيْرِ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى. اهـ. كَلَامُ الْفَتْحِ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِي حُرْمَةِ الرَّضِيعَةِ بِلَبَنِ الزِّنَا عَلَى الزَّانِي وَكَذَا عَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ رِوَايَتَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ أَيْضًا، وَأَنَّ الْأَوْجَهَ رِوَايَةُ عَدَمِ الْحُرْمَةِ، وَأَنَّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّهَا لَوْ رَضَعَتْ لَا بِلَبَنِ الزَّانِي تَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي. مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْمَسْطُورَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ الرَّضِيعَةَ بِلَبَنِ غَيْرِ الزَّوْجِ لَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ طَلَّقَ ذَاتَ لَبَنٍ إلَخْ. وَكَلَامُ الْخُلَاصَةِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَهَا بِالْأَوْلَى، وَمَا فِي الْفَتَاوَى إذَا خَالَفَ مَا فِي الْمَشَاهِيرِ مِنْ الشُّرُوحِ لَا يُقْبَلُ هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِ الْفَتْحِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي فَهْمِهِ خَبْطٌ كَثِيرٌ مِنْهُ مَا ادَّعَاهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ أُصُولُ الزَّانِي وَفُرُوعُهُ وَأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلزَّانِي اتِّفَاقًا. اهـ. وَالْحَاصِلُ كَمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ لَبَنَ الزَّانِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ وَظَاهِرُ الْمِعْرَاجِ وَالْخَانِيَّةِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ ثُبُوتُهُ. اهـ. قُلْت: وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ لَا يَعْدِلُ عَنْ الدِّرَايَةِ إذَا وَافَقَتْهَا رِوَايَةٌ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْوَجْهَ مَعَ رِوَايَةِ عَدَمِ التَّحْرِيمِ. (قَوْلُهُ قَالَ لِزَوْجَتِهِ) التَّقْيِيدُ بِالزَّوْجَةِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَإِلَّا فَقَوْلُهُ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيَّةٍ قَبْلَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا كَذَلِكَ (قَوْلُهُ هَكَذَا فَسَّرَ الثَّبَاتَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا) أَتَى بِذَلِكَ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ جَعَلَ تَكْرَارَ الْإِقْرَارِ ثَبَاتًا أَيْضًا مِثْلَ قَوْلِهِ هُوَ حَقٌّ وَنَحْوُهُ، وَجَزَمَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ صَارَتْ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى فِي زَمَنِ الْعَلَّامَةِ عَبْدِ الْبَرِّ بْنِ الشِّحْنَةِ، خَالَفَهُ فِي بَعْضِ مُعَاصِرِيهِ وَعَقَدَ لَهَا مَجَالِسَ عَدِيدَةً بِأَمْرِ السُّلْطَانِ قَايِتْبَايْ وَكَتَبَ خُطُوطَ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ، وَسَرَدَ فِيهِ نُصُوصَ أَئِمَّتِنَا. ثُمَّ قَالَ: ظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ أَنَّ الثَّبَاتَ عَلَى الْإِقْرَارِ الْمَانِعِ عَنْ الرُّجُوعِ هُوَ أَنْ يَقُولَ مَا قُلْته حَقٌّ أَوْ مَا أَقْرَرْت بِهِ ثَابِتٌ وَأَمَّا تَكْرَارُ الْإِقْرَارِ فَلَا يَكُونُ مَانِعًا اهـ وَقَدْ لَوَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ الْمِنَحِ آخِرَ الْكِتَابِ إلَى تِلْكَ الْوَاقِعَةِ، وَأَنَّهَا عُرِضَتْ عَلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا الشَّافِعِيِّ فَأَجَابَ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ. اهـ. قُلْت: وَرَأَيْتهَا فِي فَتَاوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فَقَالَ بَعْدَ عَرْضِ النُّقُولِ مِنْ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا مَا صُورَتُهُ: صَرِيحُ هَذِهِ النُّقُولِ وَمَنْطُوقُهَا مَعَ الْعِلْمِ بِوُقُوعِ الْعَطْفِ التَّفْسِيرِيِّ فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ وَمَعَ النَّظَرِ إلَى مَا هُوَ وَاجِبٌ مِنْ الْجَمْعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 (فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ) (أَقَرَّتْ) الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ (ثُمَّ أَكَذَبَتْ نَفْسَهَا وَقَالَتْ: أَخْطَأْت وَتَزَوَّجَهَا) (جَازَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تُكَذِّبَ نَفْسَهَا) وَإِنْ أَصَرَّتْ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ إلَيْهَا، قَالُوا: وَبِهِ يُفْتَى فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ بَزَّازِيَّةٌ. وَمُفَادُهُ أَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بِالثَّلَاثِ مِنْ رَجُلٍ   [رد المحتار] بَيْنَ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَمِنْ النَّظَرِ إلَى الْمَعْنَى الْمَفْهُومِ مِنْ كَلَامِهِمْ شَاهِدٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ وَالْإِصْرَارِ وَاحِدٌ بِأَنَّ الْمُقِرَّ بِأُخُوَّةِ الرَّضَاعِ وَنَحْوِهَا إنْ ثَبَتَ عَلَى إقْرَارِهِ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَإِلَّا قِيلَ، وَبِأَنَّ الثَّبَاتَ عَلَيْهِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقَوْلِ بِأَنْ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ، أَوْ يَقُولَ هُوَ حَقٌّ، أَوْ كَمَا قُلْت أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ؛ كَقَوْلِهِ هُوَ صِدْقٌ أَوْ صَوَابٌ أَوْ صَحِيحٌ أَوْ لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدِي، إذْ لَا رَيْبَ أَنَّ قَوْلَهُ صِدْقٌ آكَدُ مِنْ قَوْلِهِ هُوَ كَمَا قُلْت فَكَلَامُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ هُوَ حَقٌّ وَكَمَا قُلْت كَمَا فَعَلَ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى التَّأْكِيدِ، وَكَلَامُ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهَا وَلَوْ بِطَرِيقِ الْحَصْرِ مُؤَوَّلٌ بِتَقْدِيرِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ كَمَا قُلْنَا فِي قَوْله تَعَالَى {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الأنبياء: 108] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» وَلَيْسَ فِي مَنْطُوقِ النُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ التَّكْرَارَ يَقُومُ مَقَامَ قَوْلِهِ هُوَ حَقٌّ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ حَتَّى يَمْتَنِعَ الرُّجُوعُ بَعْدَهُ، نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْمَبْسُوطِ: وَلَكِنْ الثَّابِتُ عَلَى الْإِقْرَارِ كَالْمُجَدِّدِ لَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَهُ يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ اهـ. قُلْت: لَكِنْ مُرَادُ صَاحِبِ الْمَبْسُوطِ بِقَوْلِهِ كَالْمُجَدِّدِ إلَخْ أَيْ مَعَ الثَّبَاتِ لِأَنَّ مُرَادَهُ بَيَانُ أَنَّ الْإِقْرَارَ قَبْلَ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بَعْدَهُ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ هَكَذَا: وَلَكِنْ الثَّابِتُ عَلَى الْإِقْرَارِ كَالْمُجَدِّدِ لَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَإِقْرَارُهُ بِالْحُرْمَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ صَحِيحٌ مُوجِبٌ لِلْفُرْقَةِ، فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَثَبَتَ عَلَيْهِ حَتَّى تَزَوَّجَهَا. ثُمَّ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ بَعْدَ الْعَقْدِ: وَلَوْ ثَبَتَ عَلَى هَذَا النُّطْقِ وَقَالَ هُوَ حَقٌّ وَشَهِدَتْ عَلَيْهِ الشُّهُودُ بِذَلِكَ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ: أَمَّا الْإِقْرَارُ، فَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا هِيَ أُخْتِي مِنْ الرَّضَاعِ وَيَثْبُتَ عَلَى ذَلِكَ وَيُصِرَّ عَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِهَذَا قَبْلَ النِّكَاحِ وَأَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ وَدَامَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. اهـ. قُلْت: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّضَاعَ لَمَّا كَانَ مِمَّا يَخْفَى لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا بِالسَّمَاعِ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَمْنَعْ التَّنَاقُضَ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهِ بِنَاءً عَلَى مَا أَخْبَرَهُ بِهِ غَيْرُهُ تَبَيَّنَ لَهُ كَذِبُهُ فَرَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِهِ أَقَرَّ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ أَوْ قَالَ هُوَ حَقٌّ أَوْ نَحْوُهُ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عِلْمِهِ بِصِدْقِ الْمُخْبِرِ وَأَنَّهُ جَازِمٌ بِهِ فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ وَلَوْ جَحَدَ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ شَرْطَ الْفُرْقَةِ وَهُوَ الثَّبَاتُ قَدْ وُجِدَ فَلَا يَنْفَعُهُ الْجُحُودُ بَعْدَهُ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ جَازَ) أَيْ صَحَّ النِّكَاحُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ إلَيْهَا) أَيْ لَمْ يَجْعَلْهَا الشَّارِعُ لَهَا فَلَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهَا بِهَا ط. (قَوْلُهُ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ) أَيْ سَوَاءٌ أَقَرَّتْ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ أَصَرَّتْ عَلَيْهِ أَوْ لَا، بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَإِنَّ إصْرَارَهُ مُثْبِتٌ لِلْحُرْمَةِ كَمَا عَلِمْت، وَيُفْهَمُ مِمَّا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ إصْرَارَهَا قَبْلَ الْعَقْدِ مَانِعٌ مِنْ تَزَوُّجِهَا بِهِ، وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ لَكِنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ يُؤَيِّدُ عَدَمَهُ (قَوْلُهُ بَزَّازِيَّةٌ) ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ آخِرَ كِتَابِ الطَّلَاقِ حَيْثُ قَالَ: قُلْت لِرَجُلٍ: أَنَّهُ أَبِي رَضَاعًا وَأَصَرَّتْ عَلَيْهِ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ يُنْكِرُهُ، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِهِ ثُمَّ أَكَذَبَتْهُ فِيهِ لَا يُصَدَّقُ عَلَى قَوْلِهَا لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ إلَيْهَا، حَتَّى لَوْ أَقَرَّتْ بِهِ بَعْدَ النِّكَاحِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْهُ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَبِهِ يُفْتَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الصُّغْرَى لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ بِلَفْظِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 حَلَّ لَهَا تَزَوُّجُهُ (أَوْ) (أَقَرَّا بِذَلِكَ جَمِيعًا ثُمَّ أَكْذَبَا أَنْفُسَهُمَا وَقَالَا) جَمِيعًا (أَخْطَأْنَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا) جَازَ (وَكَذَا) الْإِقْرَارُ (فِي النَّسَبِ لَيْسَ يَلْزَمُهُ إلَّا مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ) فَلَوْ قَالَ: هَذِهِ أُخْتِي أَوْ أُمِّي وَلَيْسَ نَسَبُهَا مَعْرُوفًا ثُمَّ قَالَ: وَهِمْتُ صُدِّقَ، وَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا (وَ) الرَّضَاعُ (حُجَّتُهُ حُجَّةُ الْمَالِ) وَهِيَ شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلٍ وَعِدْلَتَانٍ، لَكِنْ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ إلَّا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي   [رد المحتار] وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَوْ ادَّعَتْ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثَ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ حَلَّ لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْهُ، وَذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ آخِرَ الطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ قَالَتْ طَلَّقَنِي ثَلَاثًا ثُمَّ أَرَادَتْ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا مِنْهُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ أَصَرَّتْ عَلَيْهِ أَوْ أَكَذَبَتْ نَفْسَهَا، وَنَصَّ فِي الرَّضَاعِ عَلَى أَنَّهَا إذَا قَالَتْ هَذَا ابْنِي رَضَاعًا وَأَصَرَّتْ عَلَيْهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ إلَيْهَا. قَالُوا وَبِهِ يُفْتَى فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ اهـ كَلَامُ الْبَزَّازِيَّةِ، فَقَوْلُهُ وَنَصَّ إلَخْ يُرِيدُ بِهِ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى أَنَّ لَهَا التَّزَوُّجَ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ كَمَا فَعَلَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ قُبَيْلَ بَابِ الْإِيلَاءِ حَيْثُ ذَكَرَ عِبَارَةَ الْبَزَّازِيَّةِ هَذِهِ وَأَسْقَطَ قَوْلَهُ وَنَصَّ فِي الرَّضَاعِ إلَخْ (قَوْلُهُ حَلَّ لَهَا تَزَوُّجُهُ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي حَقِّهَا مِمَّا يَخْفَى لِاسْتِقْلَالِ الرَّجُلِ بِهِ فَصَحَّ رُجُوعُهَا نَهْرٌ أَيْ حَلَّ فِي الْحُكْمِ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا إذَا كَانَتْ عَالِمَةً بِالثَّلَاثِ ح (قَوْلُهُ أَوْ أَقَرَّا بِذَلِكَ) أَيْ بِأُخُوَّةِ الرَّضَاعِ أَيْ وَلَمْ يُصِرَّ الرَّجُلُ عَلَى إقْرَارِهِ فَإِنَّهُ إذَا أَصَرَّ لَا يَنْفَعُهُ إكْذَابُ نَفْسِهِ بَعْدَهُ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ وَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا نَسَبٌ مَعْرُوفٌ وَكَانَتْ تَصْلُحُ أُمًّا لَهُ أَوْ بِنْتًا لَهُ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِظُهُورِ السَّبَبِ بِإِقْرَارِهِ مَعَ إصْرَارِهِ. وَإِنْ كَانَ لَهَا نَسَبٌ مَعْرُوفٌ أَوْ لَا تَصْلُحُ أُمًّا لَهُ أَوْ بِنْتًا لَهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ دَامَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ بِيَقِينٍ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ حُجَّتُهُ إلَخْ) أَيْ دَلِيلُ إثْبَاتِهِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِنْكَارِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ مَعَ الْإِصْرَارِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَهِيَ شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ إلَخْ) أَيْ مِنْ الرِّجَالِ. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ امْرَأَةً كَانَ أَوْ رَجُلًا قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكَافِي وَالنِّهَايَةِ تَبَعًا، لِمَا فِي رَضَاعِ الْخَانِيَّةِ: لَوْ شَهِدَتْ بِهِ امْرَأَةٌ قَبْلَ النِّكَاحِ فَهُوَ فِي سِعَةٍ مِنْ تَكْذِيبِهَا، لَكِنْ فِي مُحَرَّمَاتِ الْخَانِيَّةِ إنْ كَانَ قِيلَهُ وَالْمُخْبِرُ عَدْلٌ ثِقَةٌ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ، وَإِنْ بَعْدَهُ وَهُمَا كَبِيرَانِ فَالْأَحْوَطُ التَّنَزُّهُ وَبِهِ جَزَمَ الْبَزَّازِيُّ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الشَّكَّ فِي الْأَوَّلِ وَقَعَ فِي الْجَوَازِ، وَفِي الثَّانِي فِي الْبُطْلَانِ وَالدَّفْعُ أَسْهَلَ مِنْ الدَّفْعِ. وَيُوَفَّقُ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَعْلَمْ عَدَالَةَ الْمُخْبِرِ أَوْ عَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقًا، لَكِنْ نَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْمُغْنِي وَكَرَاهِيَةُ الْهِدَايَةِ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي الرَّضَاعِ الطَّارِئِ بِأَنْ كَانَ تَحْتَهُ مُتَغَيِّرَةٌ فَشَهِدَتْ وَاحِدَةٌ بِأَنَّ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ أَرْضَعَتْهَا بَعْدَ الْعَقْدِ. قُلْت: وَيُشِيرُ إلَيْهِ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ الْخَانِيَّةِ وَهُمَا كَبِيرَانِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ ذَلِكَ: إنَّ ظَاهِرَ الْمُتُونِ أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِهِ مُطْلَقًا، فَلْيَكُنْ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ. قُلْت: وَهُوَ أَيْضًا ظَاهِرُ كَلَامِ كَافِي الْحَاكِمِ الَّذِي هُوَ جَمَعَ كُتُبَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ أَوْ اللَّحْمِ، فَرَاجِعْهُ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْهِنْدِيَّةِ: تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَتْ امْرَأَةٌ أَرْضَعْتُكُمَا فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إنْ صَدَّقَاهَا فَسَدَ النِّكَاحُ وَلَا مَهْرَ إنْ لَمْ يَدْخُلْ، وَإِنْ كَذَّبَاهَا وَهِيَ عَدْلَةٌ فَالتَّنَزُّهُ الْمُفَارَقَةُ وَالْأَفْضَلُ لَهُ إعْطَاءُ نِصْفِ الْمَهْرِ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ، وَالْأَفْضَلُ لَهَا أَنْ لَا تَأْخُذَ شَيْئًا، وَلَوْ دَخَلَ فَالْأَفْضَلُ كَمَالُهُ وَالنَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى، وَالْأَفْضَلُ لَهَا أَخْذُ الْأَقَلِّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالْمُسَمَّى لَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَيَسَعُهُ الْمَقَامُ مَعَهَا، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ غَيْرُ عُدُولٍ أَوْ امْرَأَتَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ، وَإِنْ صَدَّقَهَا الرَّجُلُ وَكَذَّبَتْهَا فَسَدَ النِّكَاحُ وَالْمَهْرُ بِحَالِهِ وَإِنْ بِالْعَكْسِ لَا يَفْسُدُ وَلَهَا أَنْ تُحَلِّفَهُ وَيُفَرَّقَ إذَا نَكَلَ اهـ (قَوْلُهُ وَعَدْلَتَيْنِ) أَيْ وَلَوْ إحْدَاهُمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 لِتَضَمُّنِهَا حَقَّ الْعَبْدِ (وَهَلْ يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ عَلَى دَعْوَى الْمَرْأَةِ؛ الظَّاهِرُ لَا) لِتَضَمُّنِهَا حُرْمَةَ الْفَرْجِ وَهِيَ مِنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى (كَمَا فِي الشَّهَادَةِ بِطَلَاقِهَا) . وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَهَا عَدْلَانِ عَلَى الرَّضَاعِ بَيْنَهُمَا أَوْ طَلَاقِهَا ثَلَاثًا وَهُوَ يَجْحَدُ ثُمَّ مَاتَا أَوْ غَابَا قَبْلَ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي لَا يَسَعُهَا الْمُقَامُ مَعَهُ وَلَا قَتْلُهُ بِهِ يُفْتَى، وَلَا التَّزَوُّجُ بِآخَرَ. وَقِيلَ لَهَا التَّزَوُّجُ دِيَانَةً شَرْحٌ وَهْبَانِيَّةٌ. [فُرُوعٌ] : قَضَى الْقَاضِي بِالتَّفْرِيقِ بِرَضَاعٍ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ لَمْ يَنْفُذْ. مَصَّ رَجُلٌ ثَدْيَ زَوْجَتِهِ لَمْ تَحْرُمْ. تَزَوَّجَ صَغِيرَتَيْنِ فَأَرْضَعَتْ كُلًّا امْرَأَةٌ وَلَبَنُهُمَا مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَضْمَنَا وَإِنْ تَعَمَّدَتَا الْفَسَادَ لِعُرُوضِهِ بِالْأُخْتِيَّةِ قَبَّلَ الِابْنُ زَوْجَةَ أَبِيهِ وَقَالَ: تَعَمَّدْت الْفَسَادَ غَرِمَ الْمَهْرَ.   [رد المحتار] الْمُرْضِعَةُ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ شَهَادَتِهَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهَا لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي ذَلِكَ كَشَهَادَةِ الْقَاسِمِ وَالْوَزَّانِ وَالْكَيَّالِ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ حَيْثُ كَانَ حَاضِرًا بَحْرٌ. قُلْت: وَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ النُّتَفِ مِنْ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُرْضِعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ؛ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ إذَا كَانَتْ وَحْدَهَا احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَإِنْ أَوْهَمَ نَظْمُ الْوَهْبَانِيَّةِ خِلَافَ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِتَضَمُّنِهَا) أَيْ الشَّهَادَةِ حَقَّ الْعَبْدِ أَيْ إبْطَالَ حَقِّهِ وَهُوَ حِلُّ التَّمَتُّعِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ أَيْ إنْ لَمْ تُوجَدْ الْمُتَارَكَةُ لِمَا فِي النَّهْرِ: الْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَنَا كَمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي اللِّعَانِ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَرْتَفِعُ بِحُرْمَةِ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ بَلْ يَفْسُدُ، حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ أَوْ لَمْ يَشْتَبِهْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْفَاسِدِ لَا بُدَّ مِنْ تَفْرِيقِ الْقَاضِي أَوْ الْمُتَارَكَةِ بِالْقَوْلِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَفِي غَيْرِهَا يُكْتَفَى بِالْمُفَارَقَةِ بِالْأَبْدَانِ كَمَا مَرَّ. اهـ. (قَوْلُهُ الظَّاهِرُ لَا) كَذَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْبَحْرِ مُسْتَنِدًا لِمَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ الْمَذْكُورَةِ، وَمِثْلُهَا الشَّهَادَةُ بِعِتْقِ الْأَمَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعَةَ عَشْرَ الَّتِي تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِيهَا حِسْبَةً بِلَا دَعْوَى، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي قَضَاءِ الْأَشْبَاهِ فَتُزَادُ هَذِهِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ ثُمَّ مَاتَا) أَيْ الشَّاهِدَانِ (قَوْلُهُ لَا يَسَعُهَا الْمُقَامُ مَعَهُ) لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ لَوْ قَامَتْ عِنْدَ الْقَاضِي يَثْبُتُ الرَّضَاعُ فَكَذَا إذَا أَقَامَتْ عِنْدَهَا خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَهَا التَّزَوُّجُ دِيَانَةً) أَشَارَ إلَى ضَعْفِهِ، لِمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْقُنْيَةِ عَنْ الْعَلَاءِ التَّرْجُمَانِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ. اهـ. وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ الرَّجْعَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ قَضَى الْقَاضِي) أَيْ الْمُجْتَهِدُ أَوْ الْمُقَلِّدُ كَمَالِكِيٍّ. (قَوْلُهُ لَمْ يَنْفُذْ) لِأَنَّهُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا يُسَوَّغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ وَهِيَ نَيِّفٌ وَثَلَاثُونَ مَذْكُورَةٌ فِي قَضَاءِ الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ مَصَّ رَجُلٌ) قَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَبَنُهُمَا مِنْ رَجُلٍ) أَيْ وَاحِدٍ، وَقَيَّدَ بِهِ لِيُتَصَوَّرَ التَّحْرِيمُ بَيْنَ الصَّغِيرَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا صَارَتَا أُخْتَيْنِ لِأَبٍ رَضَاعًا أَمَّا لَوْ كَانَ لَبَنُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ رَجُلٍ لَمْ تَحْرُمْ الصَّغِيرَتَانِ، وَالْمُرَادُ بِالرَّجُلِ غَيْرُ الزَّوْجِ، إذْ لَوْ كَانَ لَبَنُهُمَا مِنْ الزَّوْجِ فَفِي الْفَتْحِ أَنَّ الصَّوَابَ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لِأَنَّ كُلًّا أَفْسَدَتْ، لِصَيْرُورَةِ كُلِّ صَغِيرَةٍ بِنْتًا لَهُ، خِلَافًا لِمَنْ حَرَّفَ الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ لَبَنُهُمَا مِنْهُ بَدَلَ قَوْلِهِ مِنْ رَجُلٍ اهـ (قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنَا إلَخْ) بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ أَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ ضَرَّتَهَا مُتَعَمِّدَةً الْفَسَادَ حَيْثُ ضَمِنَتْ لِأَنَّ فِعْلَ الْكَبِيرَةِ هُنَاكَ مُسْتَقِلٌّ بِالْإِفْسَادِ فَيُضَافُ الْإِفْسَادُ إلَيْهَا، أَمَّا هُنَا فَفِعْلُ كُلٍّ مِنْ الْكَبِيرَتَيْنِ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِهَا فَلَا يُضَافُ إلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ الْحُرْمَةِ هُنَاكَ لِأَنَّهُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَهُوَ يَقُومُ بِالْكَبِيرَةِ فَتْحٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ غَرِمَ الْمَهْرَ) أَيْ يَجِبُ الْمَهْرُ عَلَى الْأَبِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الِابْنِ وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْهِنْدِيَّةِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، وَقَيَّدَهَا بِمَا إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُكْرَهَةً وَصَدَّقَ الزَّوْجُ أَنَّ التَّقْبِيلَ بِشَهْوَةٍ لِتَقَعَ الْفُرْقَةُ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لَهُ. اهـ. وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً فَلَا مَهْرَ لَهَا لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا ثُمَّ يَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 وَلَوْ وَطِئَهَا وَقَالَ ذَلِكَ لَا لِلُزُومِ الْحَدِّ فَلَمْ يَلْزَمْ الْمَهْرُ. كِتَابُ الطَّلَاقِ (هُوَ) لُغَةً رَفْعُ الْقَيْدِ لَكِنْ جَعَلُوهُ فِي الْمَرْأَةِ طَلَاقًا وَفِي غَيْرِهَا إطْلَاقًا، فَلِذَا كَانَ أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِالسُّكُونِ كِنَايَةً وَشَرْعًا (رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ   [رد المحتار] الرَّحْمَتِيُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُقَيَّدًا بِمَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَهْرِ نِصْفُهُ، أَمَّا بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا غُرْمَ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَجَبَ بِالدُّخُولِ وَالْأَبُ قَدْ اسْتَوْفَاهُ؛ كَمَا قَالُوا فِي رُجُوعِ شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ غَرِمَا نِصْفَ الْمَهْرِ وَإِنْ بَعْدَهُ فَلَا غُرْمَ أَصْلًا (قَوْلُهُ وَقَالَ ذَلِكَ) أَيْ تَعَمَّدْت الْفَسَادَ (قَوْلُهُ لَا) أَيْ لَا يَغْرَمُ مَا لَزِمَ الْأَبَ مِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ بَزَّازِيَّةٌ وَتَعْبِيرُهُ بِالنِّصْفِ مُؤَيِّدٌ لِمَا قَالَهُ الرَّحْمَتِيُّ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَلْزَمْ الْمَهْرَ) لِأَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ حَدٍّ وَمَهْرٍ بَزَّازِيَّةٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى مَا عَلَّمَ [كِتَابُ الطَّلَاقِ] ِ لَمَّا ذَكَرَ النِّكَاحَ وَأَحْكَامَهُ اللَّازِمَةَ وَالْمُتَأَخِّرَةَ عَنْهُ شَرَعَ فِيمَا بِهِ يَرْتَفِعُ، وَقَدَّمَ الرَّضَاعَ لِأَنَّهُ يُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً بِخِلَافِ الطَّلَاقِ تَقْدِيمًا لِلْأَشَدِّ عَلَى الْأَخَفِّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَكِنْ جَعَلُوهُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ قَالُوا: إنَّهُ اسْتَعْمَلَ فِي النِّكَاحِ بِالتَّطْلِيقِ وَفِي غَيْرِهِ بِالْإِطْلَاقِ، حَتَّى كَانَ الْأَوَّلُ صَرِيحًا وَالثَّانِي كِنَايَةَ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى النِّيَّةِ فِي طَلَّقْتُك وَأَنْتِ مُطَلَّقَةٌ بِالتَّشْدِيدِ، وَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا فِي أَطْلَقْتُك وَمُطْلَقَةٌ بِالتَّخْفِيفِ. اهـ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ فِي الْعُرْفِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى فِي اللَّفْظَيْنِ لَا يَخْتَلِفُ فِي اللُّغَةِ وَمِثْلُ هَذَا جَائِزٌ كَمَا يُقَالُ: حَصَانٌ وَحِصَانٌ فَإِنَّهُ بِفَتْحِ الْحَاءِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَرْأَةِ وَبِكَسْرِهَا فِي الْفَرَسِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْعُرْفِ عُرْفَ اللُّغَةِ لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ قَيْدِ النِّكَاحِ، وَصَرَّحَ أَيْضًا بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ فِي اللُّغَةِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ) اعْتَرَضَهُمْ فِي الْبَحْرِ بِأُمُورٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُمْ قَالُوا رُكْنُهُ اللَّفْظُ الْمَخْصُوصُ الدَّالُّ. عَلَى رَفْعِ الْقَيْدِ فَيَنْبَغِي تَعْرِيفُهُ بِهِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الشَّيْءِ رُكْنُهُ، فَعَلَى هَذَا هُوَ لَفْظٌ دَالٌّ عَلَى رَفْعِ قَيْدِ النِّكَاحِ. الثَّانِي أَنَّ الْقَيْدَ صَيْرُورَتُهَا مَمْنُوعَةٌ عَنْ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، فَكَانَ هَذَا التَّعْرِيفُ مُنَاسِبًا لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لَا الشَّرْعِيِّ الثَّالِثُ أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي تَعْرِيفُهُ بِأَنَّهُ رَفْعُ عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ وَلَوْ مَآلًا. اهـ. أَقُولُ: وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الطَّلَاقَ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ التَّطْلِيقُ كَالسَّلَامِ وَالسَّرَاحِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسْرِيحِ، أَوْ مَصْدَرٌ طَلُقَتْ بِضَمِّ اللَّامِ أَوْ فَتْحِهَا طَلَاقًا كَالْفَسَادِ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لُغَةً رَفْعُ الْوَثَاقِ مُطْلَقًا أَيْ حِسِّيًّا كَوَثَاقِ الْبَعِيرِ وَالْأَسِيرِ، وَمَعْنَوِيًّا كَمَا هُنَا وَأَنَّ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ مُسْتَعْمَلٌ فِي اللُّغَةِ أَيْضًا، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ حَقِيقَةَ الطَّلَاقِ الشَّرْعِيِّ هُوَ الْحَدَثُ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ الْمَصْدَرِ لَا نَفْسُ اللَّفْظِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ أَمْرًا مَعْنَوِيًّا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِلَفْظِهِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ قِيلَ: إنَّ رُكْنَهُ اللَّفْظُ فَلَيْسَ اللَّفْظُ حَقِيقَتَهُ بَلْ دَالٌّ عَلَيْهِ فَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْفَتْحِ إنَّهُ رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ، وَعَنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَيْدِ الْعَقْدُ، وَلِذَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: هُوَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لِحَلِّ عُقْدَةِ النِّكَاحِ، فَقَدْ فَسَّرَهُ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ كَمَا قُلْنَا أَوَّلًا، وَعَبَّرَ عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ بِحَلِّ الْعُقْدَةِ أَيْ بِفَكِّ رَابِطَةِ النِّكَاحِ اسْتِعَارَةً، وَالْمُرَادُ بِرَفْعِ الْعَقْدِ رَفْعُ أَحْكَامِهِ لِأَنَّ الْعُقُودَ كَلِمَاتٌ لَا تَبْقَى بَعْدَ التَّكَلُّمِ بِهَا كَمَا حَقَّقَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 فِي الْحَالِ) بِالْبَائِنِ (أَوْ الْمَآلِ) بِالرَّجْعِيِّ (بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ) هُوَ مَا اشْتَمَلَ عَلَى الطَّلَاقِ، فَخَرَجَ الْفُسُوخُ كَخِيَارِ، عِتْقٍ وَبُلُوغٍ وَرِدَّةٍ فَإِنَّهُ فَسْخٌ لَا طَلَاقٌ، وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ عِبَارَةَ الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى مَنْقُوضَةٌ طَرْدًا وَعَكْسًا بَحْرٌ (وَإِيقَاعُهُ مُبَاحٌ) عِنْدَ الْعَامَّةِ لِإِطْلَاقِ الْآيَاتِ أَكْمَلَ (وَقِيلَ) قَائِلُهُ الْكَمَالُ (الْأَصَحُّ حَظْرُهُ) (أَيْ مَنْعُهُ) (إلَّا لِحَاجَةٍ) كَرِيبَةٍ وَكِبْرٍ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ،   [رد المحتار] فِي التَّلْوِيحِ فِي بَحْثِ الْعِلَلِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَرْفَعُ حُكْمَ النِّكَاحِ فَالطَّلَاقُ، وَقَالَ قَبْلَهُ: لِلنِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَحْكَامٌ بَعْضُهَا أَصْلِيٌّ وَبَعْضُهَا مِنْ التَّوَابِعِ؛ فَالْأَوَّلُ حِلُّ الْوَطْءِ إلَّا لِعَارِضٍ. وَالثَّانِي حِلُّ النَّظَرِ وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ وَمِلْكُ الْحَبْسِ وَغَيْرُ ذَلِكَ. اهـ. وَأَمَّا مَا أُورِدَ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ مِنْ آثَارِ الْعَقْدِ الْعِدَّةَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فَلِذَا لَمْ يُفَسِّرُوهُ بِرَفْعِ الْعَقْدِ، فَفِيهِ أَنَّ الْعِدَّةَ لَيْسَتْ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لَهَا، وَكَوْنُهَا مِنْ آثَارِهِ لَا يُنَافِي وُجُودَهَا بَعْدَ رَفْعِ أَحْكَامِهِ كَمَا أَنَّ نَفْسَ الطَّلَاقِ مِنْ آثَارِ عَقْدِ النِّكَاحِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَحْكَامِهِ بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْعُقُودَ عِلَلٌ لِأَحْكَامِهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَقَالُوا أَيْضًا: إنَّ الْخَارِجَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْحُكْمِ إنْ كَانَ مُؤَثِّرًا فِيهِ فَهُوَ الْعِلَّةُ، وَإِنْ كَانَ مُفْضِيًا إلَيْهِ بِلَا تَأْثِيرٍ فَهُوَ السَّبَبُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُؤَثِّرًا فِيهِ وَلَا مُفْضِيًا إلَيْهِ؛ فَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ وُجُودُ الْحُكْمِ فَهُوَ الشَّرْطُ، وَإِلَّا فَإِنْ دَلَّ عَلَيْهِ فَهُوَ الْعَلَامَةُ وَتَمَامُهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، وَلَا شُبْهَةَ أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ عِلَّةٌ لِحَلِّ الْوَطْءِ وَنَحْوِهِ لَا لِرَفْعِ الْحِلِّ بَلْ رَفْعُ الْحِلِّ عِلَّتُهُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ وَضْعٌ لَهُ، نَعَمْ النِّكَاحُ شَرْطُهُ كَمَا أَنَّ الطَّلَاقَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ الْوَاجِبَةِ لِأَجْلِهِ فَقَدْ صَرَّحُوا فِي بَابِ الْعِدَّةِ أَنَّ شَرْطَهَا رَفْعُ النِّكَاحِ أَوْ شُبْهَتِهِ، فَالنِّكَاحُ شَرْطٌ لِانْعِقَادِ الطَّلَاقِ شَرْطًا لِلْعِدَّةِ فَصَحَّ كَوْنُهَا مِنْ آثَارِهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فِي الْحَالِ بِالْبَائِنِ) مُتَعَلِّقَانِ بِرَفْعِ (قَوْلُهُ أَوْ الْمَآلِ) أَيْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ انْضِمَامِ طَلْقَتَيْنِ إلَى الْأُولَى وَعَلَيْهِ فَلَوْ مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَمَا رَاجَعَهَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَبَيَّنَ عَدَمَ وُقُوعِ الطَّلْقَةِ الْأُولَى؛ حَتَّى لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُوقِعْ عَلَيْهَا طَلَاقًا قَطُّ لَا يَحْنَثُ بَحْرٌ. وَفِيهِ أَنَّ الْمُرَاجَعَةَ تَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ، فَقَدْ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْمُرَاجَعَةَ بِدُونِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ مُحَالٌ مَقْدِسِيٌّ فَالصَّوَابُ فِي تَعْرِيفِهِ الشَّامِلِ لِنَوْعَيْهِ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، مِنْ أَنَّهُ إزَالَةُ النِّكَاحِ أَوْ نُقْصَانُ حِلِّهِ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ. قُلْت: وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: أَمَّا الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ فَالْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ لَهُ نُقْصَانُ الْعَدَدِ، فَأَمَّا زَوَالُ الْمِلْكِ وَحِلُّ الْوَطْءِ فَلَيْسَ بِحُكْمٍ أَصْلِيٍّ لَهُ لَازِمٌ حَتَّى لَا يَثْبُتَ لِلْحَالِ بَلْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَهَذَا عِنْدَنَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ زَوَالُ حِلِّ الْوَطْءِ مِنْ أَحْكَامِهِ الْأَصْلِيَّةِ لَهُ حَتَّى لَا يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْمُرَاجَعَةِ (قَوْلُهُ هُوَ مَا اشْتَمَلَ عَلَى الطَّلَاقِ) أَيْ عَلَى مَادَّةِ ط ل ق صَرِيحًا، مِثْلُ أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ كِنَايَةً كَمُطْلَقَةٍ بِالتَّخْفِيفِ وَكَأَنْتِ طَ لِ قُ وَغَيْرِهِمَا كَقَوْلِ الْقَاضِي فَرَّقْت بَيْنَهُمَا عِنْدَ إبَاءِ الزَّوْجِ الْإِسْلَامَ وَالْعُنَّةِ وَاللِّعَانِ وَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ الْمُفِيدَةِ لِلرَّجْعَةِ وَالْبَيْنُونَةِ وَلَفْظِ الْخُلْعِ فَتْحٌ، لَكِنَّ قَوْلَهُ وَغَيْرَهُمَا أَيْ غَيْرَ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي فَرَّقْت، وَالْكِنَايَاتِ وَلَفْظَ الْخُلْعِ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَى مَادَّةِ ط ل ق وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَالْمُنَاسِبُ عَطْفُهُ عَلَى مَا اشْتَمَلَ وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى مَا وَثَنَّاهُ نَظَرًا لِلْمَعْنَى لِأَنَّهُ وَاقِعٌ عَلَى الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ (قَوْلُهُ فَخَرَجَ الْفُسُوخُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَخَرَجَ تَفْرِيقُ الْقَاضِي فِي إبَائِهَا، وَرِدَّةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ، وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، وَنُقْصَانِ الْمَهْرِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ طَلَاقًا. اهـ. وَقَدْ مَرَّ نَظْمٌ فِي بَابِ الْوَلِيِّ، مَا هُوَ طَلَاقٌ وَمَا هُوَ فَسْخٌ وَمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي وَمَا لَا يُشْتَرَطُ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَبِهَذَا) أَيْ بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ أَوْ الْمَآلِ وَقَوْلُهُ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ (قَوْلُهُ عِبَارَةَ الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى) هِيَ رَفْعُ الْقَيْدِ الثَّابِتِ شَرْعًا بِالنِّكَاحِ (قَوْلُهُ مَنْقُوضَةٌ طَرْدًا وَعَكْسًا) أَيْ إنَّهَا غَيْرُ مَانِعَةٍ لِدُخُولِ الْفُسُوخِ فِيهَا وَغَيْرُ جَامِعَةٍ لِخُرُوجِ الرَّجْعِيِّ (قَوْلُهُ كَرِيبَةٍ) هِيَ الظَّنُّ وَالشَّكُّ: أَيْ ظَنُّ الْفَاحِشَةِ (قَوْلُهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ) لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 236]- الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 وَقَوْلُهُمْ الْأَصْلُ فِيهِ الْحَظْرُ، مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّارِعَ تَرَكَ هَذَا الْأَصْلَ فَأَبَاحَهُ،   [رد المحتار] «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَّقَ حَفْصَةَ لَا لِرِيبَةٍ وَلَا كِبْرٍ» ، وَكَذَا فَعَلَهُ الصَّحَابَةُ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - اسْتَكْثَرَ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الطَّلَاقُ» ، فَالْمُرَادُ بِالْحَلَالِ مَا لَيْسَ فِعْلُهُ بِلَازِمٍ الشَّامِلُ لِلْمُبَاحِ وَالْمَنْدُوبِ وَالْوَاجِبِ وَالْمَكْرُوهِ كَمَا قَالَهُ الشُّمُنِّيُّ بَحْرٌ مُلَخَّصًا قُلْت: لَكِنْ حَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ كَوْنَهُ مَبْغُوضًا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ حَلَالًا، فَإِنَّ الْحَلَالَ بِهَذَا الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ وَهُوَ مَبْغُوضٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُرِيدَ بِالْحَلَالِ مَا لَا يَتَرَجَّحُ تَرْكُهُ عَلَى فِعْلِهِ؛ وَأَنْتَ خَبِيرٌ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ مُؤَبِّدٌ لِلْقَوْلِ الثَّانِي، وَيَأْتِي بَعْدَهُ تَأْيِيدُهُ أَيْضًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُمْ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ فِي الْفَتْحِ: إنَّ قَوْلَهُمْ بِإِبَاحَتِهِ وَإِبْطَالِهِمْ قَوْلُ مَنْ قَالَ لَا يُبَاحُ إلَّا لِكِبَرٍ أَوْ رِيبَةٍ «بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَّقَ حَفْصَةَ» وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنَافٌ لِقَوْلِهِمْ الْأَصْلُ فِيهِ الْحَظْرُ لِمَا فِيهِ مِنْ كُفْرَانِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ وَالْإِبَاحَةُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ، وَلِحَدِيثِ «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ» وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ هَذَا الْأَصْلَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحْظُورٌ شَرْعًا، وَإِنَّمَا يُفِيدُ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْحَظْرُ وَتُرِكَ ذَلِكَ بِالشَّرْعِ فَصَارَ الْحِلُّ هُوَ الْمَشْرُوعُ؛ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِمْ: الْأَصْلُ فِي النِّكَاحِ الْحَظْرُ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّوَالُدِ وَالتَّنَاسُلِ، فَهَلْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مَحْظُورٌ؟ فَالْحَقُّ إبَاحَتُهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ طَلَبًا لِلْخَلَاصِ مِنْهَا لِلْأَدِلَّةِ الْمَارَّةِ. اهـ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى مَا بَيْنَ الْأَصْلَيْنِ مِنْ الْفَرْقِ فَإِنَّ الْحَظْرَ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي النِّكَاحِ قَدْ زَالَ بِالْكُلِّيَّةِ؛ فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ حَظْرٌ أَصْلًا إلَّا لِعَارِضٍ خَارِجِيٍّ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي ذَاتِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إزَالَةُ الرِّقِّ، وَأَنَّ هَذَا لَا يُنَافِي الْحَظْرَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ؛ وَهُوَ مَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النِّكَاحِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْمَصَالِحُ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ مَشْرُوعٌ وَمَحْظُورٌ مِنْ جِهَتَيْنِ وَأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ فِي اجْتِمَاعِهِمَا لِاخْتِلَافِ الْحَيْثِيَّةِ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، فَكَوْنُ الْأَصْلِ فِيهِ الْحَظْرُ لَمْ يَزُلْ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ هُوَ بَاقٍ إلَى الْآنَ؛ بِخِلَافِ الْحَظْرِ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ انْتِفَاعًا بِجُزْءِ الْآدَمِيِّ الْمُحْتَرَمِ وَاطِّلَاعًا عَلَى الْعَوْرَاتِ قَدْ زَالَ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّوَالُدِ وَبَقَاءِ الْعَالَمِ. وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْحَظْرُ، بِمَعْنَى أَنَّهُ مَحْظُورٌ إلَّا لِعَارِضٍ يُبِيحُهُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْأَصْلُ فِيهِ الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ، فَإِذَا كَانَ بِلَا سَبَبٍ أَصْلًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَاجَةٌ إلَى الْخَلَاصِ بَلْ يَكُونُ حُمْقًا وَسَفَاهَةَ رَأْيٍ وَمُجَرَّدَ كُفْرَانِ النِّعْمَةِ وَإِخْلَاصِ الْإِيذَاءِ بِهَا وَبِأَهْلِهَا وَأَوْلَادِهَا، وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ سَبَبَهُ الْحَاجَةُ إلَى الْخَلَاصِ عِنْدَ تَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ وَعُرُوضِ الْبَغْضَاءِ الْمُوجِبَةِ عَدَمَ إقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَيْسَتْ الْحَاجَةُ مُخْتَصَّةً بِالْكِبْرِ وَالرِّيبَةِ كَمَا قِيلَ، بَلْ هِيَ أَعَمُّ كَمَا اخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ، فَحَيْثُ تَجَرَّدَ عَنْ الْحَاجَةِ الْمُبِيحَةِ لَهُ شَرْعًا يَبْقَى عَلَى أَصْلِهِ مِنْ الْحَظْرِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا} [النساء: 34] أَيْ لَا تَطْلُبُوا الْفِرَاقَ، وَعَلَيْهِ حَدِيثُ «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيُحْمَلُ لَفْظُ الْمُبَاحِ عَلَى مَا أُبِيحَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَعْنِي أَوْقَاتِ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ الْمُبِيحَةِ اهـ وَإِذَا وُجِدَتْ الْحَاجَةُ الْمَذْكُورَةُ أُبِيحَ وَعَلَيْهَا يُحْمَلُ مَا وَقَعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ أَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ صَوْنًا لَهُمْ عَنْ الْعَبَثِ وَالْإِيذَاءِ بِلَا سَبَبٍ، فَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ إنَّ الْحَقَّ إبَاحَتُهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ طَلَبًا لِلْخَلَاصِ مِنْهَا، إنْ أَرَادَ بِالْخَلَاصِ مِنْهَا الْخَلَاصَ بِلَا سَبَبٍ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِهِمْ إنَّ إبَاحَتَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ، فَلَمْ يُبِيحُوهُ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لَا عِنْدَ مُجَرَّدِ إرَادَةِ الْخَلَاصِ وَإِنْ أَرَادَ الْخَلَاصَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا إنَّ مَا صَحَّحَهُ فِي الْفَتْحِ اخْتِيَارٌ لِلْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَلَيْسَ الْمَذْهَبُ عَنْ عُلَمَائِنَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الضَّعِيفَ هُوَ عَدَمُ إبَاحَتِهِ إلَّا لِكِبَرٍ أَوْ رِيبَةٍ. وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ فِي الْفَتْحِ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِذَلِكَ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ الْحَاجَةَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 بَلْ يُسْتَحَبُّ لَوْ مُؤْذِيَةً أَوْ تَارِكَةً صَلَاةَ غَايَةٍ، وَمُفَادُهُ أَنْ لَا إثْمَ بِمُعَاشَرَةِ مَنْ لَا تُصَلِّي وَيَجِبُ لَوْ فَاتَ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَحْرُمُ لَوْ بِدْعِيًّا. وَمِنْ مَحَاسِنِهِ التَّخَلُّصُ بِهِ مِنْ الْمَكَارِهِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ طَلَاقَ الدَّوْرِ بِنَحْوِ: إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَاقِعٌ إجْمَاعًا كَمَا حَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعْزِيًّا لِجَوَاهِرِ الْفَتَاوَى، حَتَّى لَوْ حَكَمَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ حَاكِمٌ لَا يَنْفُذُ أَصْلًا   [رد المحتار] وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ أَيْضًا زَالَ التَّنَافِي بَيْنَ قَوْلِهِمْ بِإِبَاحَتِهِ، وَقَوْلِهِمْ إنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْحَظْرُ لِاخْتِلَافِ الْحَيْثِيَّةِ وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا ادَّعَاهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَمَا صَحَّحَهُ فِي الْفَتْحِ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ فَإِنَّهُ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ) إضْرَابٌ انْتِقَالِيٌّ ط (قَوْلُهُ لَوْ مُؤْذِيَةً) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الْمُؤْذِيَةَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ بِقَوْلِهَا أَوْ بِفِعْلِهَا ط (قَوْلُهُ أَوْ تَارِكَةَ صَلَاةٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ تَرْكَ الْفَرَائِضِ غَيْرُ الصَّلَاةِ كَالصَّلَاةِ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ لَأَنْ أَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى وَصَدَاقُهَا بِذِمَّتِي خَيْرٌ مِنْ أَنْ أُعَاشِرَ امْرَأَةً لَا تُصَلِّي ط (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ اسْتِحْبَابِ طَلَاقِهَا وَهَذَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ: وَلِهَذَا قَالُوا فِي الْفَتَاوَى: لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقُولُوا عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ فِي ضَرْبِهَا عَلَى تَرْكِهَا رِوَايَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا قَاضِي خَانْ. اهـ. (قَوْلُهُ لَوْ فَاتَ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ) مَا لَوْ كَانَ خَصِيًّا أَوْ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا أَوْ شَكَّازًا أَوْ مُسَحَّرًا وَالشَّكَّازُ: بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ وَبِالزَّايِ هُوَ الَّذِي تَنْتَشِرُ آلَتُهُ لِلْمَرْأَةِ قَبْلَ أَنْ يُخَالِطَهَا ثُمَّ لَا تَنْتَشِرُ آلَتُهُ بَعْدَهُ لِجِمَاعِهَا وَالْمُسَحَّرُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَهُوَ الْمَسْحُورُ، وَيُسَمَّى الْمَرْبُوطُ فِي زَمَانِنَا ح عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ (قَوْلُهُ لَوْ بِدْعِيًّا) يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَمِنْ مَحَاسِنِهِ التَّخَلُّصُ بِهِ مِنْ الْمَكَارِهِ) أَيْ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ بَحْرٌ: أَيْ كَأَنْ عَجَزَ عَنْ إقَامَةِ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ، أَوْ كَانَ لَا يَشْتَهِيهَا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمِنْهَا أَيْ مِنْ مَحَاسِنِهِ جَعْلُهُ بِيَدِ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ لِاخْتِصَاصِهِنَّ بِنُقْصَانِ الْعَقْلِ وَغَلَبَةِ الْهَوَى وَنُقْصَانِ الدِّينِ. وَمِنْهَا شَرْعُهُ ثَلَاثًا لِأَنَّ النَّفْسَ كَذُوبَةٌ رُبَّمَا تَظْهَرُ عَدَمُ الْحَاجَةِ إلَيْهَا ثُمَّ يَحْصُلُ النَّدَمُ فَشُرِعَ ثَلَاثًا لِيُجَرِّبَ نَفْسَهُ أَوَّلًا وَثَانِيًا اهـ مُلَخَّصًا مَطْلَبُ طَلَاقِ الدَّوْرِ (قَوْلُهُ وَبِهِ) أَيْ بِكَوْنِ التَّخَلُّصِ الْمَذْكُورِ مِنْ مَحَاسِنِهِ، إذْ لَوْ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُ الدَّوْرِ لَفَاتَتْ هَذِهِ الْحِكْمَةُ. اهـ. ح وَسُمِّيَ بِالدَّوْرِ لِأَنَّهُ دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ مُتَنَافِيَيْنِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِ الْمُنَجَّزِ وُقُوعُ الثَّلَاثِ الْمُعَلَّقَةِ قَبْلَهُ، وَيَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ عَدَمُ وُقُوعِهِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ الدَّوْرَ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ، وَهُوَ تَوَقُّفُ كُلٍّ مِنْ الشَّيْئَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَيَلْزَمُ تَوَقُّفُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَتَأَخُّرُهُ إمَّا بِمَرْتَبَةٍ أَوْ مَرْتَبَتَيْنِ ط (قَوْلُهُ وَاقِعٌ) أَيْ إذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً يَقَعُ ثَلَاثٌ الْوَاحِدَةُ الْمُنَجَّزَةُ وَثِنْتَانِ مِنْ الْمُعَلَّقَةِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَقَعَتَا وَوَاحِدَةٌ مِنْ الْمُعَلَّقَةِ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا يَقَعْنَ فَيُنَزَّلُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ لَا يُصَادِفُ أَهْلِيَّةً فَيَلْغُوا، وَلَوْ قَالَ: إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَ ثِنْتَانِ الْمُنَجَّزَةُ وَالْمُعَلَّقَةُ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ حَكَمَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَاقِعٌ إجْمَاعًا، ثُمَّ هَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى، فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَبَقَاءِ النِّكَاحِ وَعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ وَيَجِبُ عَلَى حَاكِمٍ آخَرَ تَفْرِيقُهُمَا لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُعَدُّ خِلَافًا لِأَنَّهُ قَوْلٌ مَجْهُولٌ بَاطِلٌ فَاسِدٌ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ وَنَقَلَ قَبْلَهُ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لِأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ قَوْلٌ مُخْتَرَعٌ فَإِنَّ الْأُمَّةَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ السَّلَفِ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ طَلَاقَ الْمُكَلَّفِ وَاقِعٌ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى دَعْوَى الْإِجْمَاعِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ قَالُوا بِصِحَّةِ الدَّوْرِ كَالْمُزَنِيِّ وَابْنِ الْحَدَّادِ وَالْقَفَّالِ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْبَيْضَاوِيِّ وَكَذَا الْغَزَالِيُّ وَالسُّبْكِيُّ لَكِنَّهُمَا رَجَعَا عَنْهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 (وَأَقْسَامُهُ ثَلَاثَةٌ: حَسَنٌ، وَأَحْسَنُ، وَبِدْعِيٌّ يَأْثَمُ بِهِ) وَأَلْفَاظُهُ: صَرِيحٌ، وَمُلْحَقٌ بِهِ وَكِنَايَةٌ (وَمَحَلُّهُ الْمَنْكُوحَةُ) وَأَهْلُهُ زَوْجٌ عَاقِلٌ بَالِغٌ مُسْتَيْقِظٌ وَرُكْنُهُ لَفْظٌ مَخْصُوصٌ   [رد المحتار] وَقَدْ عَزَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْقَوْلَ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ إلَى بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا وَالْقَوْلَ بِصِحَّتِهِ، وَأَنَّهَا لَا تَطْلُقُ إلَى أَكْثَرِهِمْ، وَانْتَصَرَ لَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ، لَكِنْ رَأَيْت مُؤَلَّفًا حَافِلًا لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ حَجَرِ الْمَكِّيِّ فِي بُطْلَانِهِ، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَنَّ الْقَرَافِيَّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ نَقَلَ عَنْ شَيْخِهِ الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الشَّافِعِيِّ الْمُلَقَّبِ بِسُلْطَانِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، بَلْ يَحْرُمُ تَقْلِيدُ الْقَائِلِ بِصِحَّتِهِ وَيَنْقُضُ قَضَاءَ الْقَاضِي بِهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوَاعِدِ الشَّرْعِ، وَقَالَ: إنَّهُ شَنَّعَ عَلَى الْقَائِلِ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَنَّهُ نَقْلُ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ الِاتِّفَاقَ عَلَى فَسَادِ الدَّوْرِ وَإِنَّمَا وَقَعَ عَنْهُمْ فِي وُقُوعِ الثَّلَاثِ أَوْ الْمُنَجَّزِ وَحْدَهُ، وَأَنَّ شَارِحَ الْإِرْشَادِ قَالَ: إنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْفَتْوَى وُقُوعُ الْمُنَجَّزِ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ وَعَزَاهُ الرَّافِعِيُّ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَأَنَّهُ بَالَغَ السُّرُوجِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ: إنَّهُ يُشْبِهُ مَذَاهِبَ النَّصَارَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الزَّوْجُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ عَلَى زَوْجَتِهِ مُدَّةَ عُمُرِهِ اهـ مُلَخَّصًا وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْضًا أَنَّ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ اللُّغَةِ وَلِحُكْمِ الْعَقْلِ وَلِحُكْمِ الشَّرْعِ وَقَرَّرَهُ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فَارْجِعْ إلَيْهِ. [تَنْبِيهٌ] قَدْ بَانَ لَك أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وُقُوعُ الْمُنَجَّزِ فَقَطْ بِنَاءً عَلَى إبْطَالِ الْكَلَامِ كُلِّهِ وَهُوَ جُمْلَةُ التَّعْلِيقِ وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ الْجَزْمُ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ عِنْدَنَا بِنَاءً عَلَى إبْطَالِ لَفْظٍ قَبْلَهُ فَقَطْ لِأَنَّ الدَّوْرَ إنَّمَا حَصَلَ بِهِ وَنَقَلَ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ مُغْنِي الْحَنَابِلَةِ حِكَايَةَ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَهُمْ وَقَدَّمْنَا مَا يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ عِنْدَنَا أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [أَقْسَام الطَّلَاق] (قَوْلُهُ وَأَقْسَامُهُ ثَلَاثَةٌ إلَخْ) يَأْتِي بَيَانُهَا قَرِيبًا. [أَلْفَاظ الطَّلَاق] (قَوْلُهُ صَرِيحٌ) هُوَ مَا لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي حَلِّ عُقْدَةِ النِّكَاحِ سَوَاءً كَانَ الْوَاقِعُ بِهِ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَمُلْحَقٌ بِهِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ احْتِيَاجِهِ إلَى النِّيَّةِ كَلَفْظِ التَّحْرِيمِ أَوْ مِنْ حَيْثُ وُقُوعُ الرَّجْعِيِّ بِهِ وَإِنْ احْتَاجَ إلَى نِيَّةٍ: كَاعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ (قَوْلُهُ وَكِنَايَةٌ) هِيَ مَا لَمْ يُوضَعْ لِلطَّلَاقِ وَاحْتَمَلَهُ وَغَيْرَهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ. [مَحِلّ الطَّلَاق] (قَوْلُهُ وَمَحَلُّهُ الْمَنْكُوحَةُ) أَيْ وَلَوْ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ غَيْرِ ثَلَاثٍ فِي حُرَّةٍ وَثِنْتَيْنِ فِي أَمَةٍ أَوْ عَنْ فَسْخٍ بِتَفْرِيقٍ لِإِبَاءِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْإِسْلَامِ أَوْ بِارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا، وَنَظَمَ ذَلِكَ الْمَقْدِسِيَّ بِقَوْلِهِ: بِعِدَّةٍ عَنْ الطَّلَاقِ يَلْحَقُ ... أَوْ رِدَّةٍ أَوْ بِالْإِبَاءِ يُفَرِّقُ بِخِلَافِ عِدَّةِ الْفَسْخِ بِحُرْمَةٍ مُؤَبَّدَةٍ كَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ، أَوْ غَيْرِ مُؤَبَّدَةٍ كَالْفَسْخِ بِخِيَارِ عِتْقٍ وَبُلُوغٍ وَعَدَمِ كَفَاءَةٍ وَنُقْصَانِ مَهْرٍ وَسَبْيِ أَحَدِهِمَا وَمُهَاجَرَتِهِ، فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهَا كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ، وَكَذَا مَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ: لَوْ حَرَّرَتْ زَوْجَهَا حِينَ مَلَكَتْهُ فَطَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ آخِرَ الْكِنَايَاتِ. [أَهْل الطَّلَاق] (قَوْلُهُ وَأَهْلُهُ زَوْجٌ عَاقِلٌ إلَخْ) احْتَرَزَ بِالزَّوْجِ عَنْ سَيِّدِ الْعَبْدِ وَوَالِدِهِ الصَّغِيرِ، وَبِالْعَاقِلِ وَلَوْ حُكْمًا عَنْ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ وَالْمَدْهُوشِ وَالْمُبَرْسَمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، بِخِلَافِ السَّكْرَانِ مُضْطَرًّا أَوْ مُكْرَهًا، وَبِالْبَالِغِ عَنْ الصَّبِيِّ وَلَوْ مُرَاهِقًا، وَبِالْمُسْتَيْقِظِ عَنْ النَّائِمِ. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا صَحِيحًا طَائِعًا عَامِدًا فَيَقَعُ طَلَاقُ الْعَبْدِ وَالسَّكْرَانِ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ وَالْكَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُكْرَهِ وَالْهَازِلِ وَالْمُخْطِئِ كَمَا سَيَأْتِي [رُكْن الطَّلَاق] (قَوْلُهُ وَرُكْنُهُ لَفْظٌ مَخْصُوصٌ) هُوَ مَا جُعِلَ دَلَالَةً عَلَى مَعْنَى الطَّلَاقِ مِنْ صَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ فَخَرَجَ الْفُسُوخُ عَلَى مَا مَرَّ، وَأَرَادَ اللَّفْظَ وَلَوْ حُكْمًا لِيُدْخِلَ الْكِتَابَةَ الْمُسْتَبِينَةَ وَإِشَارَةَ الْأَخْرَسِ وَالْإِشَارَةَ إلَى الْعَدَدِ بِالْأَصَابِعِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا كَمَا سَيَأْتِي. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَنْ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَأَعْطَاهَا ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ يَنْوِي الطَّلَاقَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظًا لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً لَا يَقَعُ عَلَيْهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ سُكَّانِ الْبَوَادِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 خَالٍ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ (طَلْقَةٌ) رَجْعِيَّةٌ (فَقَطْ فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ) وَتَرَكَهَا حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا (أَحْسَنُ) بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ (وَطَلْقَةٌ لِغَيْرِ مَوْطُوءَةٍ وَلَوْ فِي حَيْضٍ وَلِمَوْطُوءَةٍ تَفْرِيقُ الثَّلَاثِ   [رد المحتار] مِنْ أَمْرِهَا بِحَلْقِ شَعْرِهَا لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَإِنْ نَوَاهُ (قَوْلُهُ خَالٍ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ) أَمَّا إذَا صَاحَبَهُ اسْتِثْنَاءٌ بِشُرُوطِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ طَلَاقٌ كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ تَعَالَى زَادَ فِي الْبَحْرِ: وَأَنْ لَا يَكُونَ الطَّلَاقُ انْتِهَاءَ غَايَةٍ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ لَمْ تَقَعْ الثَّالِثَةُ عِنْدَ الْإِمَامِ ط (قَوْلُهُ طَلْقَةً) التَّاءُ لِلْوَحْدَةِ، وَقَيَّدَ بِهَا لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ بِدْعِيٌّ وَمُتَفَرِّقًا لَيْسَ بِأَحْسَنَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ رَجْعِيَّةً) فَالْوَاحِدَةُ الْبَائِنَةُ بِدْعِيَّةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَا تُكْرَهُ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْخُلْعَ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لَا يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ الْعِوَضِ إلَّا بِهِ. اهـ. وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ وَيَأْتِي تَمَامُهُ. (قَوْلُهُ فِي طُهْرٍ) هَذَا صَادِقٌ بِأَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَقِيلَ وَالثَّانِي أَوْلَى احْتِرَازًا مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَقِيلَ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ مُحَمَّدٍ نَهْرٌ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ فِيهِ بِدْعِيٌّ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ لَا وَطْءَ فِيهِ) جُمْلَةٌ فِي مَحَلِّ جَرٍّ صِفَةٌ لِطُهْرٍ، وَلَمْ يَقُلْ مِنْهُ لِيُدْخِلَ فِي كَلَامِهِ مَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَإِنَّ طَلَاقَهَا فِيهِ حِينَئِذٍ بِدْعِيٌّ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ الزِّنَى فَإِنَّ الطَّلَاقَ فِي طُهْرٍ وَقَعَ فِيهِ سُنِّيٌّ، حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسَّنَةِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ وَلَكِنْ وَطِئَهَا غَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ زَنَى وَقَعَ، وَإِنْ بِشُبْهَةٍ فَلَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَكَأَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ وَطْءَ الزِّنَى لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ النِّكَاحِ فَكَانَ هَدَرًا، بِخِلَافِ الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ وَبِهَذَا عُرِفَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ غَيْرُهُ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ، لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: وَلَا فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ، وَلَا طَلَاقٍ فِيهِمَا، وَلَمْ يَظْهَرْ حَمْلُهَا، وَلَمْ تَكُنْ آيِسَةً وَلَا صَغِيرَةً كَمَا فِي الْبَدَائِعِ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ كَانَ بِدْعِيًّا، وَكَذَا لَوْ كَانَ قَدْ طَلَّقَهَا فِيهِ وَفِي هَذَا الطُّهْرِ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ تَطْلِيقَتَيْنِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا. وَلَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ظُهُورِ حَمْلِهَا أَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ لَا يَكُونُ بِدْعِيًّا لِعَدَمِ الْعِلَّةِ أَعْنِي تَطْوِيلَ الْعِدَّةِ عَلَيْهِمَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَتَرَكَهَا حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا) مَعْنَاهُ التَّرْكُ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ آخَرَ لَا التَّرْكُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ إذَا رَاجَعَهَا لَا يَخْرُجُ الطَّلَاقُ عَنْ كَوْنِهِ أَحْسَنَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَحْسَنَ) أَيْ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الثَّانِي، فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ بِكَرَاهَتِهِ لِانْدِفَاعِ الْحَاجَةِ بِوَاحِدَةٍ بَحْرٌ عَنْ الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ) أَيْ لَا أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ، فَانْدَفَعَ بِهِ مَا قَبْلُ كَيْفَ يَكُونُ حَسَنًا مَعَ أَنَّهُ أَبْغَضُ الْحَلَالِ وَهَذَا أَحَدُ قِسْمَيْ الْمَسْنُونِ، وَمَعْنَى الْمَسْنُونِ هُنَا مَا ثَبَتَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَوْجِبُ عِتَابًا لَا أَنَّهُ الْمُسْتَعْقِبُ لِلثَّوَابِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ عُبَادَةَ فِي نَفْسِهِ لِيَثْبُتَ لَهُ ثَوَابٌ، فَالْمُرَادُ هُنَا الْمُبَاحُ نَعَمْ لَوْ وَقَعَتْ لَهُ دَاعِيَةٌ أَنْ يُطَلِّقَهَا بِدْعِيًّا فَمَنَعَ نَفْسَهُ إلَى وَقْتِ السُّنِّيِّ يُثَابُ عَلَى كَفِّ نَفْسِهِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ لَا عَلَى نَفْسِ الطَّلَاقِ كَكَفِّ نَفْسِهِ عَنْ الزِّنَى مَثَلًا بَعْدَ تَهَيُّؤِ أَسْبَابِهِ وَوُجُودِ الدَّاعِيَةِ، فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى عَدَمِ الزِّنَى لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ الْكَفُّ لَا الْعَدَمُ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ بَحْرٌ وَفَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَطَلْقَةٌ) مُبْتَدَأٌ وَلِغَيْرِ مَوْطُوءَةٍ أَيْ مَدْخُولٍ بِهَا مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٍ لَهُ، وَكَذَا الْجَارُّ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ فِي حَيْضٍ، وَقَوْلُهُ وَلِمَوْطُوءَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِتَفْرِيقِ أَوْ حَالٌ مِنْهُ عَلَى رَأْيٍ وَتَفْرِيقُ مَعْطُوفٌ بِهَذِهِ الْوَاوِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ مُتَعَلِّقٌ بِتَفْرِيقِ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ فِيمَنْ تَحِيضُ حَالٌ مِنْ ثَلَاثٍ الْمُضَافِ إلَيْهِ تَفْرِيقُ لِكَوْنِهِ مَفْعُولَهُ فِي الْمَعْنَى، وَقَوْلُهُ وَفِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ عَطَفَ عَلَى فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ وَقَوْلُهُ حَسَنٌ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَإِمَّا عَطَفَ عَلَيْهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الطَّلَاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْعَدَدِ وَالْوَقْتِ؛ فَالْعَدَدُ وَهُوَ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الْوَاحِدَةِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمَدْخُولَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنَّهُ فِي الْمَدْخُولَةِ خَاصٌّ بِمَا إذَا كَانَ فِي طُهْرٍ وَلَا وَطْءَ فِيهِ وَلَا فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ كَمَا مَرَّ وَإِلَّا فَهُوَ بِدْعِيٌّ وَفِي غَيْرِهَا لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ فِي طُهْرٍ أَوْ فِي حَيْضٍ لِأَنَّ الْوَقْتَ أَعْنِي الطُّهْرَ الْخَالِيَ مِنْ الْجِمَاعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ لَا وَطْءَ فِيهَا وَلَا حَيْضَ قَبْلَهَا وَلَا طَلَاقَ فِيهِ فِيمَنْ تَحِيضُ وَ) فِي ثَلَاثَةِ (أَشْهُرٍ فِي) حَقِّ (غَيْرِهَا) حَسَنٌ وَسُنِّيٌّ فَعُلِمَ أَنَّ الْأَوَّلَ سُنِّيٌّ بِالْأَوْلَى (وَحَلَّ طَلَاقُهُنَّ) أَيْ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْحَامِلِ (عَقِبَ وَطْءٍ) لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيمَنْ تَحِيضُ لِتَوَهُّمِ الْحَبَلِ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا (وَالْبِدْعِيُّ ثَلَاثٌ مُتَفَرِّقَةٌ أَوْ ثِنْتَانِ بِمَرَّةٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ)   [رد المحتار] خَاصٌّ بِالْمَدْخُولَةِ، فَلَزِمَ فِي الْمَدْخُولَةِ مُرَاعَاةُ الْوَقْتِ وَالْعَدَدِ، بِأَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً فِي الطُّهْرِ الْمَذْكُورِ فَقَطْ وَهُوَ السُّنِّيُّ الْأَحْسَنُ، أَوْ ثَلَاثًا مُفَرَّقَةً فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ أَوْ أَشْهُرٍ وَهُوَ السُّنِّيُّ الْحَسَنُ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ أَنَّ الْخَلْوَةَ كَالْوَطْءِ هُنَا وَتَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي أَحْكَامِ الْخَلْوَةِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ (قَوْلُهُ فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ) أَيْ إنْ كَانَتْ حُرَّةً وَإِلَّا فَفِي طُهْرَيْنِ بُرْجُنْدِيٌّ، وَالْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي أَوَّلِ الطُّهْرِ، وَآخِرِهِ يَجْرِي هُنَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَا طَلَاقَ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَيْضِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَوْقَع التَّطْلِيقَتَيْنِ فِي هَذَا الطُّهْرِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَلَا طَلَاقَ فِيهِ وَلَا فِي الطُّهْرِ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ تَفْرِيقُ الثَّلَاثِ فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ ط (قَوْلُهُ وَفِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ) أَيْ هِلَالِيَّةٍ إنْ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَهُوَ اللَّيْلَةُ الَّتِي رُئِيَ فِيهَا الْهِلَالُ وَإِلَّا اُعْتُبِرَ كُلُّ شَهْرٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فِي تَفْرِيقِ الطَّلَاقِ اتِّفَاقًا وَكَذَا فِي حَقِّ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا شَهْرٌ بِالْأَيَّامِ وَشَهْرَانِ بِالْأَهِلَّةِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقِيلَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ أَسْهَلُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهَا) أَيْ فِي حَقِّ مَنْ بَلَغْت بِالسِّنِّ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَوْ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ صَغِيرَةً لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ عَلَى الْمُخْتَارِ، أَوْ آيِسَةً بَلَغْت خَمْسًا وَخَمْسِينَ سَنَةً عَلَى الرَّاجِحِ، أَمَّا مُمْتَدَّةُ الطُّهْرِ فَمِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ لِأَنَّهَا شَابَّةٌ رَأَتْ الدَّمَ فَلَا يُطَلِّقُهَا لِلسَّنَةِ إلَّا وَاحِدَةً مَا لَمْ تَدْخُلْ فِي حَدِّ الْإِيَاسِ، إذْ الْحَيْضُ مَرْجُوٌّ فِي حَقِّهَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ نَهْرٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ قَدْ جَامَعَهَا فِي الطُّهْرِ وَامْتَدَّ لَا يُمْكِنُ تَطْلِيقُهَا لِلسَّنَةِ حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ وَهِيَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فِي الشَّابَّةِ الَّتِي لَا تَحِيضُ زَمَانَ الرَّضَاعِ. اهـ. قُلْت: وَتَقْيِيدُ الصَّغِيرَةِ بِاَلَّتِي لَمْ تَبْلُغْ تِسْعًا يُفِيدُ أَنَّ الَّتِي بَلَغَتْهَا لَا يُفَرَّقُ طَلَاقُهَا عَلَى الْأَشْهُرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي قَوْلِهِ بَعْدَهُ وَحَلَّ طَلَاقُهُنَّ عَقِبَ وَطْءٍ كَمَا تَعْرِفُهُ (قَوْلُهُ بِالْأَوْلَى) لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَحْسَنُ مِنْهُ، وَهَذَا جَوَابٌ لِصَاحِبِ النَّهْرِ عَنْ قَوْلِ الْفَتْحِ لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ هَذَا بِاسْمِ طَلَاقِ السُّنَّةِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَيْضًا كَذَلِكَ فَالْمُنَاسِبُ تَمْيِيزُهُ بِالْمَفْضُولِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ الْأَيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْحَامِلِ) أَيْ الْمَفْهُومَاتِ مِنْ قَوْلِهِ فِي غَيْرِهَا وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ التَّصْرِيحُ بِهِنَّ هُنَاكَ لِيَعُودَ الضَّمِيرُ فِي طَلَاقِهِنَّ إلَى مَذْكُورٍ صَرِيحٍ وَلِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ مَنْ بَلَغْت بِالسِّنِّ وَامْتَدَّ طُهْرُهَا أَوْ بَلَغْت تِسْعًا كَمَا يَظْهَرُ مِمَّا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ كَرَاهَةَ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ جَامِعٍ فِيهِ ذَوَاتُ الْحَيْضِ لِتَوَهُّمِ الْحَبَلِ فَيُشْتَبَهُ وَجْهُ الْعِدَّةِ أَنَّهَا بِالْحَيْضِ أَوْ بِالْوَضْعِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا الْوَجْهُ يَقْتَضِي فِي الَّتِي لَا تَحِيضُ لَا لِصِغَرٍ وَلَا لِكِبَرٍ بَلْ اتَّفَقَ امْتِدَادُ طُهْرِهَا مُتَّصِلًا بِالصِّغَرِ وَفِي الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ بَعْدُ وَقَدْ وَصَلَتْ إلَى سِنِّ الْبُلُوغِ أَنْ لَا يَجُوزَ تَعْقِيبُ وَطْئِهَا بِطَلَاقِهَا لِتَوَهُّمِ الْحَبَلِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا اهـ وَقَالَ قَبْلَهُ: وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: هَذَا فِي الصَّغِيرَةِ لَا يُرْجَى حَبَلُهَا أَمَّا فِيمَنْ يُرْجَى فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِشَهْرٍ كَمَا قَالَ زُفَرُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ زَفَرَ لَيْسَ هُوَ أَفْضَلِيَّةُ الْفَصْلِ بَلْ لُزُومُهُ اهـ وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ التَّشْبِيهَ إنَّمَا هُوَ بِأَصْلِ الْفَاصِلِ وَهُوَ الشَّهْرُ لَا فِي الْأَفْضَلِيَّةِ. اهـ. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُتَّصِلًا بِالصِّغَرِ أَيْ بِأَنْ بَلَغْت بِالسِّنِّ وَامْتَدَّ طُهْرُهَا عَمَّنْ امْتَدَّ طُهْرُهَا بَعْدَمَا بَلَغْت بِالْحَيْضِ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ لِلسَّنَةِ إلَّا وَاحِدَةً كَمَا مَرَّ لِأَنَّهَا شَابَّةٌ قَدْ رَأَتْ الدَّمَ وَهُوَ مَرْجُوُّ الْوُجُودِ سَاعَةً فَسَاعَةً فَبَقِيَ فِيهَا أَحْكَامُ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ بِخِلَافِ مَنْ بَلَغْت وَلَمْ تَرَ الدَّمَ أَصْلًا. (قَوْلُهُ وَالْبِدْعِيُّ) مَنْسُوبٌ إلَى الْبِدْعَةِ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْمُحَرَّمَةُ لِتَصْرِيحِهِمْ بِعِصْيَانِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ ثَلَاثَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ (لَا رَجْعَةَ فِيهِ، أَوْ وَاحِدَةٌ فِي طُهْرٍ وُطِئَتْ فِيهِ، أَوْ) وَاحِدَةٌ فِي (حَيْضِ مَوْطُوءَةٍ) لَوْ قَالَ وَالْبِدْعِيُّ مَا خَالَفَهُمَا لَكَانَ أَوْجَزَ وَأَفْيَدَ (وَتَجِبُ رَجْعَتُهَا) عَلَى الْأَصَحِّ (فِيهِ) أَيْ فِي الْحَيْضِ رَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ   [رد المحتار] وَكَذَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ بِالْأَوْلَى، وَعَنْ الْإِمَامِيَّةِ: لَا يَقَعُ بِلَفْظِ الثَّلَاثِ وَلَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةٌ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَطَاوُسٌ وَعِكْرِمَةُ لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً، فَقَالَ عُمَرُ: إنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ، فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ، فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ» وَذَهَبَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ إلَى أَنَّهُ يَقَعُ ثَلَاثٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ سَوْقِ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ: وَهَذَا يُعَارِضُ مَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا إمْضَاءُ عُمَرَ الثَّلَاثَ عَلَيْهِمْ مَعَ عَدَمِ مُخَالَفَةِ الصَّحَابَةِ لَهُ وَعِلْمُهُ بِأَنَّهَا كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَا يُمْكِنُ إلَّا وَقَدْ اطَّلَعُوا فِي الزَّمَانِ الْمُتَأَخِّرِ عَلَى وُجُودِ نَاسِخٍ أَوْ لِعِلْمِهِمْ بِانْتِهَاءِ الْحُكْمِ لِذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ بِإِنَاطَتِهِ بِمَعَانٍ عَلِمُوا انْتِفَاءَهَا فِي الزَّمَنِ الْمُتَأَخِّرِ وَقَوْلُ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مِائَةِ أَلْفِ عَيْنٍ رَأَتْهُ فَهَلْ صَحَّ لَكُمْ عَنْهُمْ أَوْ عَنْ عُشْرِ عُشْرِ عُشْرِهِمْ الْقَوْلُ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ بَاطِلٌ؟ أَمَّا أَوَّلًا فَإِجْمَاعُهُمْ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ خَالَفَ عُمَرَ حِينَ أَمْضَى الثَّلَاثَ، وَلَا يَلْزَمُ فِي نَقْلِ الْحُكْمِ الْإِجْمَاعِيِّ عَنْ مِائَةِ أَلْفٍ تَسْمِيَةُ كُلٍّ فِي مُجَلَّدٍ كَبِيرٍ لِحُكْمٍ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّهُ إجْمَاعٌ سُكُوتِيٌّ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَالْعِبْرَةُ فِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ نَقْلُ مَا عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ وَالْمِائَةُ أَلْفٍ لَا يَبْلُغُ عِدَّةُ الْمُجْتَهِدِينَ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ كَالْخُلَفَاءِ وَالْعَبَادِلَةِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَنَسِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْبَاقُونَ يَرْجِعُونَ إلَيْهِمْ وَيَسْتَفْتُونَ مِنْهُمْ وَقَدْ ثَبَتَ النَّقْلُ عَنْ أَكْثَرِهِمْ صَرِيحًا بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ مُخَالِفٌ - {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: 32]- وَعَنْ هَذَا قُلْنَا لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِأَنَّهَا وَاحِدَةٌ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ لَا يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ فَهُوَ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ وَغَايَةُ الْأَمْرِ فِيهِ أَنْ يَصِيرَ كَبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أُجْمِعَ عَلَى نَفْيِهِ وَكُنَّ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ يُبَعْنَ اهـ مُلَخَّصًا ثُمَّ أَطَالَ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ) قَيْدٌ لِلثَّلَاثِ وَالثِّنْتَيْنِ (قَوْلُهُ لَا رَجْعَةَ فِيهِ) فَلَوْ تَخَلَّلَ بَيْنَ الطَّلْقَتَيْنِ رَجْعَةٌ لَا يُكْرَهُ إنْ كَانَتْ بِالْقَوْلِ أَوْ بِنَحْوِ الْقُبْلَةِ أَوْ اللَّمْسِ عَنْ شَهْوَةٍ، لَا بِالْجِمَاعِ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ طُهْرٌ فِيهِ جِمَاعٌ، وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ الْآتِيَةِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَكُونُ فَاصِلَةً، وَكَذَا لَوْ تَخَلَّلَ النِّكَاحَ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وُطِئَتْ فِيهِ) أَيْ وَلَمْ تَكُنْ حُبْلَى وَلَا آيِسَةً وَلَا صَغِيرَةً لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فِي حَيْضِ مَوْطُوءَةٍ) أَيْ مَدْخُولٍ بِهَا وَمِثْلُهَا الْمُخْتَلَى بِهَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لَكَانَ أَوْجَزَ وَأَفْيَدَ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَا ذَكَرَهُ وَيَشْمَلُ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ كَمَا مَرَّ، وَمَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي النِّفَاسِ فَإِنَّهُ بِدْعِيٌّ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَمَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ بَلْ فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ وَمَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ طَلَّقَهَا فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَتَجِبُ رَجْعَتُهَا) أَيْ الْمَوْطُوءَةِ الْمُطَلَّقَةِ فِي الْحَيْضِ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ إنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ وَقَعَتْ فَتَعَذَّرَ ارْتِفَاعُهَا، وَوَجْهُ الْأَصَحِّ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا» حِينَ طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ، فَإِنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى وُجُوبَيْنِ: صَرِيحٌ وَهُوَ الْوُجُوبُ عَلَى عُمَرَ أَنْ يَأْمُرَ وَضِمْنِيٌّ وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِابْنِهِ عِنْدَ تَوْجِيهِ الصِّيغَةِ إلَيْهِ فَإِنَّ عُمَرَ نَائِبٌ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ كَالْمُبَلِّغِ، وَتَعَذُّرُ ارْتِفَاعِ الْمَعْصِيَةِ لَا يَصْلُحُ صَارِفًا لِلصِّيغَةِ عَنْ الْوُجُوبِ لِجَوَازِ إيجَابِ رَفْعِ أَثَرِهَا وَهُوَ الْعِدَّةُ وَتَطْوِيلِهَا إذْ بَقَاءُ الشَّيْءِ بَقَاءُ مَا هُوَ أَثَرُهُ مِنْ وَجْهٍ فَلَا تُتْرَكُ الْحَقِيقَةُ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ رَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ) بِالرَّاءِ، وَهِيَ أَوْلَى مِنْ نُسْخَةِ الدَّالِ ط أَيْ لِأَنَّ الدَّفْعَ بِالدَّالِ لَمَّا لَمْ يَقَعْ وَالرَّفْعُ بِالرَّاءِ لِلْوَاقِعِ وَالْمَعْصِيَةُ هُنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 (فَإِذَا طَهُرَتْ) طَلَّقَهَا (إنْ شَاءَ) أَوْ أَمْسَكَهَا، قَيَّدَ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ وَالِاخْتِيَارَ وَالْخُلْعَ فِي الْحَيْضِ لَا يُكْرَهُ مُجْتَبًى وَالنِّفَاسُ كَالْحَيْضِ جَوْهَرَةٌ. (قَالَ لِمَوْطُوءَةٍ وَهِيَ) حَالَ كَوْنِهَا مِمَّنْ تَحِيضُ (أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا) أَوْ ثِنْتَيْنِ (لِلسُّنَّةِ وَقَعَ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةٌ)   [رد المحتار] وَقَعَتْ، وَالْمُرَادُ رَفْعُ أَثَرِهَا وَهُوَ الْعِدَّةُ وَتَطْوِيلُهَا كَمَا عَلِمْت لِأَنَّ رَفْعَ الطَّلَاقِ بَعْدَ وُقُوعِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ. (قَوْلُهُ فَإِذَا طَهُرَتْ طَلَّقَهَا إنْ شَاءَ) ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي طَلَّقَهَا فِي حَيْضِهِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ لِأَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ انْعَدَمَ بِالْمُرَاجَعَةِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِي هَذِهِ الْحَيْضَةِ فَيُسَنُّ تَطْلِيقُهَا فِي طُهْرِهَا لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْكَافِي وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَوْلُ الْكُلِّ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّهُ إذَا رَاجَعَهَا فِي الْحَيْضِ أَمْسَكَ عَنْ طَلَاقِهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ فَيُطَلِّقُهَا ثَانِيَةً. وَلَا يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يُطَلِّقُهَا فِي حَيْضِهِ لِأَنَّهُ بِدْعِيٌّ، كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تَحْتَمِلُهُ. اهـ. ح. وَيَدُلُّ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَتِلْكَ الْعِدَّةُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» بَحْرٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيَظْهَرُ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ تَقْيِيدُ الرَّجْعَةِ بِذَلِكَ الْحَيْضِ الَّذِي أُوقِعَ فِيهِ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ إذَا تُؤَمِّلَ. فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى طَهُرَتْ تَقَرَّرَتْ الْمَعْصِيَةُ. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ، أَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقَرَّرَ الْمَعْصِيَةُ حَتَّى يَأْتِيَ الطُّهْرُ الثَّانِي بَحْرٌ قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ حَدِيثِ وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ يُحْمَلُ الْمَذْهَبُ عَلَيْهِ، فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِالطَّلَاقِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ أَوْ فِي حَيْضِ مَوْطُوءَةٍ، وَالْمُرَادُ أَيْضًا بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ احْتِرَازٌ عَنْ الْبَائِنِ فَإِنَّهُ بِدْعِيٌّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ كَانَ فِي الطُّهْرِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ إلَخْ) أَيْ قَوْلَهُ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَك وَهِيَ حَائِضٌ وَكَذَا لَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْمُنْتَقَى: وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَجْلَعَهَا فِي الْحَيْضِ إذَا رَأَى مِنْهَا مَا يَكْرَهُ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُخَيِّرَهَا فِي الْحَيْضِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا فِي الْحَيْضِ، وَلَوْ أَدْرَكَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَلَا بَأْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَيْضِ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ: وَكَذَا إذَا أَعْتَقَتْ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا وَهِيَ حَائِضٌ وَكَذَا امْرَأَةُ الْعِنِّينِ اهـ وَكَذَا الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ لَا يُكْرَهُ فِي الْحَيْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ. وَالْمُرَادُ بِالْخُلْعِ مَا إذَا كَانَ خُلْعًا بِمَالٍ، لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ تَعْلِيلِ عَدَمِ كَرَاهَتِهِ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ الْعِوَضِ إلَّا بِهِ. وَفِي الْفَتْحِ: مِنْ فَصْلِ الْمَشِيئَةِ عَنْ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْت فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا عَلَى قَوْلِهِمَا أَوْ ثِنْتَيْنِ عَلَى قَوْلٍ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ، فَإِنَّهَا لَوْ فَرَّقَتْ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يُكْرَهُ) لِأَنَّ عِلَّةَ الْكَرَاهَةِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهَا بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الْحَيْطَةَ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطَّلَاقُ لَا تُحْسَبُ مِنْ الْعِدَّةِ وَلَا بِالِاخْتِيَارِ وَالْخُلْعِ قَدْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ رَحْمَتِيٌّ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ حَلُّ الطَّلَاقِ مُطْلَقًا فِي الْحَيْضِ إذَا رَضِيَتْ بِهِ مَعَ أَنَّ إطْلَاقَهُمْ الْكَرَاهَةَ يُنَافِيهِ فَالْأَظْهَرُ تَعْلِيلُ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ بِعِوَضٍ بِمَا مَرَّ عَنْ الْمُحِيطِ، وَبِأَنَّ التَّخْيِيرَ لَيْسَ طَلَاقًا بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَخْتَرْ نَفْسَهَا فَصَارَتْ كَأَنَّهَا أَوْقَعَتْ الطَّلَاقَ عَلَى نَفْسِهَا فِي الْحَيْضِ، وَالْمَمْنُوعُ هُوَ الرَّجُلُ لَا هِيَ أَوْ الْقَاضِي، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَالنِّفَاسُ كَالْحَيْضِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ، وَلَمَّا كَانَ الْمَنْعُ مِنْهُ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا كَانَ النِّفَاسُ مِثْلَهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ قَالَ لِمَوْطُوءَتِهِ) أَيْ لَوْ حُكْمًا كَالْمُخْتَلَى بِهَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لِلسَّنَةِ) اللَّامُ فِيهِ لِلْوَقْتِ وَلَيْسَتْ اللَّامُ بِقَيْدٍ، فَمِثْلُهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 وَتَقَعُ أُولَاهَا فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ، فَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَوْطُوءَةٍ أَوْ لَا تَحِيضُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ لِلْحَالِ ثُمَّ كُلَّمَا نَكَحَهَا أَوْ مَضَى شَهْرٌ تَقَعُ (وَإِنْ نَوَى أَنْ تَقَعَ الثَّلَاثُ السَّاعَةَ أَوْ) أَنْ تَقَعُ عِنْدَ رَأْسِ (كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ صَحَّتْ نِيَّتُهُ) لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ (وَيَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ) وَلَوْ تَقْدِيرًا بَدَائِعُ، لِيَدْخُلَ السَّكْرَانُ (وَلَوْ عَبْدًا أَوْ مُكْرَهًا) فَإِنَّ طَلَاقَهُ صَحِيحٌ لَا إقْرَارَهُ بِالطَّلَاقِ وَقَدْ نَظَمَ فِي النَّهْرِ مَا يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ فَقَالَ:   [رد المحتار] فِي السَّنَةِ أَوْ عَلَيْهَا أَوْ مَعَهَا، وَكَذَا السَّنَةُ لَيْسَتْ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهَا مَا فِي مَعْنَاهُ كَطَلَاقِ الْعَدْلِ وَطَلَاقًا عَدْلًا وَطَلَاقِ الْعِدَّةِ أَوْ لِلْعِدَّةِ وَطَلَاقِ الدَّيْنِ أَوْ الْإِسْلَامِ أَوْ أَحْسَنِ الطَّلَاقِ أَوْ أَجْمَلِهِ أَوْ طَلَاقِ الْحَقِّ أَوْ الْقُرْآنِ أَوْ الْكِتَابِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَتَقَعُ أُولَاهَا) أَيْ أُولَى الْمَذْكُورَاتِ مِنْ الثَّلَاثِ أَوْ الثِّنْتَيْنِ فَافْهَمْ، وَقَوْلُهُ فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ أَيْ وَلَا فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ كَمَا يُفِيدُهُ مَا تَقَدَّمَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الطُّهْرُ هُوَ الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ تَقَعُ فِيهِ وَاحِدَةٌ لِلْحَالِ ثُمَّ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ أُخْرَى، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ جَامَعَهَا فِيهِ لَمْ تَطْلُقَ حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَوْطُوءَةٍ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ لِمَوْطُوءَتِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ لَا تَحِيضُ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ، وَشَمَلَ مَنْ لَا تَحِيضُ الْحَامِلَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ لِلْحَالِ) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ وَأَطْلَقَ فِي الْحَالِ فَشَمَلَ حَالَةَ الْحَيْضِ (قَوْلُهُ ثُمَّ كُلَّمَا نَكَحَهَا) رَاجِعْ الصُّورَةَ الْأُولَى أَيْ فَإِذَا وَقَعَتْ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ لِلْحَالِ بَانَتْ مِنْهُ بِلَا عِدَّةٍ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يَقَعُ غَيْرُهَا، مَا لَمْ يَتَزَوَّجْهَا فَتَقَعُ أُخْرَى بِلَا عِدَّةٍ فَإِذَا تَزَوَّجَهَا أَيْضًا وَقَعَتْ الثَّلَاثَةُ وَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ مَضَى شَهْرٌ) يَرْجِعُ إلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ وُقُوعَ الثَّلَاثِ عَلَى الْأَطْهَارِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا نَوَاهُ أَوْ أَطْلَقَ أَمَّا إذَا نَوَى غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ) وَهَذَا لِأَنَّ اللَّامَ كَمَا جَازَ أَنْ تَكُونَ لِلْوَقْتِ جَازَ أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ لِأَجْلٍ السَّنَةِ الَّتِي أَوْجَبَتْ وُقُوعَ الثَّلَاثِ، وَإِذَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِلْحَالِ فَأَوْلَى أَنْ تَقَعَ عِنْدَ كُلِّ رَأْسِ شَهْرٍ قَيَّدَ بِذِكْرِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ لِلْحَالِ إنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ وَإِلَّا فَحَتَّى تَطْهُرَ وَلَوْ نَوَى ثَلَاثًا مُفَرَّقَةً عَلَى الْأَطْهَارِ صَحَّ، وَلَوْ جُمْلَةً فَقَوْلَانِ وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ وَيَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ) هَذِهِ الْكُلِّيَّةُ مَنْقُوضَةٌ بِزَوْجِ الْمُبَانَةِ إذْ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ بَائِنًا عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ أَنَّ امْتِنَاعَهُ لِعَارِضٍ هُوَ لُزُومُ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ، ثُمَّ كَلَامُهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا وَكَّلَ بِهِ أَوْ أَجَازَهُ مِنْ الْفُضُولِيِّ نَهْرٌ وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ لِيَدْخُلَ السَّكْرَانُ) أَيْ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْعَاقِلِ زَجْرًا لَهُ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِهِ عَاقِلٌ وَقَوْلِهِ الْآتِي أَوْ السَّكْرَانُ مَطْلَبٌ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالْعَتَاقِ (قَوْلُهُ فَإِنَّ طَلَاقَهُ صَحِيحٌ) أَيْ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ وَشَمَلَ مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ فَوَكَّلَ فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ يَقَعُ بَحْرٌ قَالَ مُحَشِّيهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: مِثْلُهُ الْعَتَاقُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. وَأَمَّا التَّوْكِيلُ بِالنِّكَاحِ فَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُهُمَا فِي ذَلِكَ، لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الثَّلَاثَ تَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ اسْتِحْسَانًا. وَقَدْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ أَنَّ الْوُقُوعَ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ الْوَكَالَةُ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْهَزْلِ فَكَذَا مَعَ الْإِكْرَاهِ كَالْبَيْعِ وَأَمْثَالِهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْبَيْعِ وَلَكِنْ يُوجِبُ فَسَادَهُ، فَكَذَا التَّوْكِيلُ يَنْعَقِدُ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْوَكَالَةِ لِكَوْنِهَا مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ؛ فَإِذَا لَمْ تَبْطُلْ فَقَدْ نَفَذَ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ اهـ فَانْظُرْ إلَّا عِلَّةَ الِاسْتِحْسَانِ فِي الطَّلَاقِ تَجِدُهَا فِي النِّكَاحِ فَيَكُونُ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا تَأَمَّلْ اهـ كَلَامُ الرَّمْلِيِّ قُلْت: وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ لَا إقْرَارُهُ بِالطَّلَاقِ) قَيَّدَ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 طَلَاقٌ وَإِيلَاءٌ ظِهَارٌ وَرَجْعَةُ ... نِكَاحٌ مَعَ اسْتِيلَادِ عَفْوٌ عَنْ الْعَمْدِ رَضَاعٌ وَأَيْمَانٌ وَفَيْءٌ وَنَذْرُهُ ... قَبُولٌ لِإِيدَاعٍ   [رد المحتار] وَإِلَّا فَإِقْرَارُ الْمُكْرَهِ بِغَيْرِهِ لَا يَصِحُّ أَيْضًا كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعِتْقٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ رَجْعَةٍ أَوْ فَيْءٍ أَوْ عَفْوٍ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ أَوْ بِعَبْدِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ جَارِيَتِهِ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي. هَذَا، وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الْمُرَادَ الْإِكْرَاهُ عَلَى التَّلَفُّظِ بِالطَّلَاقِ، فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ فَكَتَبَ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْعِبَارَةِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ هُنَا، كَذَا فِي الْخَانِيَّةُ، وَلَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ كَاذِبًا أَوْ هَازِلًا وَقَعَ قَضَاءً لَا دِيَانَةً. اهـ. وَيَأْتِي تَمَامُهُ. [مَطْلَبٌ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي تَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ] ِ (قَوْلُهُ طَلَاقٌ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الْبَائِنَ بِقِسْمَيْهِ وَالرَّجْعِيَّ وَهُوَ مَعَ مَا عَطَفَ عَلَيْهِ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ تَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ آخِرًا فَهَذِهِ تَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ ثُمَّ إنْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ وَطِئَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُكْرَهِ، وَإِلَّا فَلَهُ الرُّجُوعُ بِنِصْفِ الْمُسَمَّى كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْإِكْرَاهِ ط (قَوْلُهُ وَإِيلَاءٌ) فَإِنْ تُرِكَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَانَتْ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا وَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ كَافِي (قَوْلُهُ نِكَاحٍ) يَشْمَلُ مَا إذَا أُكْرِهَ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ، خِلَافًا لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَصِحُّ إذَا أُكْرِهَتْ هِيَ عَلَيْهِ، كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي النِّكَاحِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَشَرْطٌ حُضُورُ شَاهِدَيْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مَعَ اسْتِيلَادِ) بِكَسْرِ الدَّالِ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ لِضَرُورَةِ النَّظْمِ ح. وَصُورَتُهُ: أَنْ يُكْرِهَهُ عَلَى اسْتِيلَادِ أَمَتِهِ، فَإِذَا وَطِئَهَا وَأَتَتْ بِوَلَدٍ ثَبَتَ مِنْهُ. وَلَا يَجُوزُ لَهُ نَفْيُهُ ط وَفِيهِ أَنَّ هَذَا إكْرَاهٌ عَلَى فِعْلٍ حِسِّيٍّ وَهُوَ الْوَطْءُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمٌ آخَرُ وَهُوَ صَيْرُورَتُهَا أُمَّ وَلَدٍ وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ؛ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى دُخُولِ دَارٍ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى دُخُولِهَا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ وَلَا يَضْمَنُ لَهُ الْمُكْرَهُ شَيْئًا وَأُكْرِهَ عَلَى شِرَاءِ عَبْدٍ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى مِلْكِهِ لَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلْبَائِعِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِشَيْءٍ كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ مِنْ الْإِكْرَاهِ. قَالَ: وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَهُ عَلَى شِرَاءِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، أَوْ أَمَةٍ قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ، أَوْ أَمَةٍ قَدْ جَعَلَهَا مُدَبَّرَةً إذَا مَلَكَهَا اهـ وَصَوَّرَهُ الرَّحْمَتِيُّ بِأَنْ يُكْرَهَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ، وَفِيهِ مَا عَلِمْته مِمَّا نَقَلْنَاهُ قَبْلَهُ عَنْ الْكَافِي أَيْضًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ عَفْوٌ عَنْ الْعَمْدِ) أَيْ لَوْ وَجَبَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ قِصَاصٌ فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا دُونَهَا فَأُكْرِهَ بِوَعِيدٍ تَلَفٍ أَوْ حَبْسٍ حَتَّى عَفَا فَالْعَفْوُ جَائِزٌ، وَلَا ضَمَانَ لَهُ عَلَى الْجَانِي وَلَا عَلَى الْمُكْرَهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ لَهُ مَالًا، وَكَذَلِكَ الشُّهُودُ إذَا رَجَعُوا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَلَوْ وَجَبَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ مِنْ مَالٍ أَوْ كَفَالَةٍ بِنَفْسٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَأُكْرِهَ بِوَعِيدٍ بِقَتْلٍ أَوْ حَبْسٍ حَتَّى أَبْرَأَهُ مِنْ ذَلِكَ كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بَاطِلَةً كَذَا فِي الْكَافِي، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ احْتَرَزَ بِالْعَمْدِ عَنْ الْخَطَأِ لِأَنَّ مُوجِبَهُ الْمَالُ فَلَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ (قَوْلُهُ رَضَاعٌ) يَرِدُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الِاسْتِيلَادِ فَإِنَّهُ أَيْضًا فِعْلٌ حِسِّيٌّ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمٌ آخَرُ، وَهَذَا لَا يَنْحَصِرُ كَمَا عَلِمْته؛ وَكَذَا يُقَالُ مِثْلُهُ مَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْخَلْوَةِ بِزَوْجَتِهِ أَوْ عَلَى وَطْئِهَا فَإِنَّهُ يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْمَهْرِ وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى وَطْءِ أُمِّ زَوْجَتِهِ أَوْ بِنْتِهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ. (قَوْلُهُ وَأَيْمَانٌ) جَمْعُ يَمِينٍ. قَالَ فِي الْكَافِي فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ عَلَى النَّذْرِ وَالْيَمِينِ: وَلَوْ أُكْرِهَ رَجُلٌ بِوَعِيدِ تَلَفٍ حَتَّى جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ صَدَقَةً لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ صَوْمًا أَوْ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ غَزْوَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بَدَنَةً أَوْ شَيْئًا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَزِمَهُ ذَلِكَ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرَهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الْيَمِينِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الطَّاعَاتِ أَوْ الْمَعَاصِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَفَيْءٌ) أَيْ فِي الْإِيلَاءِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْإِكْرَاهِ (قَوْلُهُ وَنَذْرُهُ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ قَبُولٌ لِإِيدَاعٍ) أَخَذَ فِي الْبَحْرِ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْقُنْيَةِ أُكْرِهَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 كَذَا الصُّلْحُ عَنْ عَمْدِ ... طَلَاقٍ عَلَى جَعْلِ يَمِينٍ بِهِ أَتَتْ كَذَا الْعِتْقُ وَالْإِسْلَامُ تَدْبِيرُ لِلْعَبْدِ ... وَإِيجَابُ إحْسَانٍ وَعِتْقٌ فَهَذِهِ صَحَّ مَعَ الْإِكْرَاهِ عِشْرِينَ فِي الْعَدِّ   [رد المحتار] عَلَى قَبُولِ الْوَدِيعَةِ فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ فَلِمُسْتَحَقِّهَا تَضْمِينُ الْمُودَعِ اهـ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُودَعَ بِفَتْحِ الدَّالِ. قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ: ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ بِكَسْرِ الدَّالِ، فَلَيْسَ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ: أُكْرِهَ بِالْحَبْسِ عَلَى إيدَاعِ مَالِهِ عِنْدَ هَذَا الرَّجُلِ وَأُكْرِهَ الْمُودِعُ أَيْضًا عَلَى قَبُولِهِ فَضَاعَ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرَهِ وَالْقَابِضِ، لِأَنَّهُ مَا قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ فَأَلْقَتْهُ فِي حِجْرِهِ فَأَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ فَضَاعَ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُ. اهـ. قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلْوَدِيعَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْقُنْيَةِ لَيْسَ لَهُ تَضْمِينُ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُكْرَهًا عَلَى قَبُولِهَا لَمْ يَكُنْ قَابِضًا لِنَفْسِهِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ بِالْكَسْرِ لِأَنَّهُ دَفَعَهَا بِاخْتِيَارِهِ فَلِلْمُسْتَحِقِّ تَضْمِينُهُ وَلَكِنْ مَعَ هَذَا أَيْضًا لَوْ صَحَّ قِرَاءَتُهُ بِالْفَتْحِ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ أَيْضًا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ، وَتَضْمِينُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ قَبُولُهَا لِلْوَدِيعَةِ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ عَدَمُ الضَّمَانِ بِالتَّلَفِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَذَا الصُّلْحُ عَنْ عَمْدٍ) أَيْ قَبُولُ الْقَاتِلِ الصُّلْحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى مَالٍ، كَذَا فِي الْبَحْرِ: أَيْ إذَا أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُصَالِحَ صَاحِبَ الْحَقِّ عَلَى مَالٍ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ أَقَلَّ فَصَالَحَهُ بَطَلَ الدَّمُ وَلَمْ يَلْزَمْ الْجَانِيَ شَيْءٌ كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ وَلِيُّ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى أَنْ صَالَحَ مِنْهُ عَلَى أَلْفٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُ الْأَلِفِ اهـ وَإِنَّمَا لَزِمَ الْمَالُ الْقَاتِلَ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ (قَوْلُهُ طَلَاقٌ عَلَى جُعْلٍ) أَيْ قَبُولُ الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ بَحْرٌ، فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا مِنْ الْمَالِ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ التَّطْلِيقَةِ خُلْعٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمُكْرَهُ عَلَى الْخُلْعِ عَلَى أَلْفٍ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا وَهِيَ غَيْرُ مُكْرَهَةٍ وَقَعَ الْخُلْعُ وَلَزِمَهَا الْأَلْفُ، وَتَمَامُهُ فِي الْكَافِي. (قَوْلُهُ يَمِينٌ بِهِ أَتَتْ) أَيْ بِالطَّلَاقِ وَفَاعِلُ أَتَتْ ضَمِيرُ الْيَمِينِ ح. وَالْمُرَادُ بِهِ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ عَلَى شَيْءٍ، كَمَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَقُولَ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَزَوْجَتِي كَذَا (قَوْلُهُ كَذَا الْعِتْقُ) أَيْ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْيَمِينِ بِالْعِتْقِ. وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى نَفْسِ الْعِتْقِ فَسَيَأْتِي فَافْهَمْ، كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ أَوْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت فَفَعَلَ يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَيَغْرَمُ الَّذِي أَكْرَهَهُ قِيمَتَهُ وَتَمَامُهُ فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ وَالْإِسْلَامُ) وَلَوْ مِنْ ذِمِّيٍّ كَمَا أَطْلَقَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ. وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الذِّمِّيِّ فَلَا يَصِحُّ وَالْحَرْبِيِّ فَيَصِحُّ فَقِيَاسٌ وَالِاسْتِحْسَانُ صِحَّتُهُ مُطْلَقًا أَفَادَهُ الشَّارِحُ فِي الْإِكْرَاهِ ط، وَلَوْ كَانَ أَكْرَهَهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْإِسْلَامِ فِيمَا مَضَى فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ، وَكَذَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ تَدْبِيرُ لِلْعَبْدِ) بِضَمِّ الرَّاءِ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ لِلضَّرُورَةِ ح، وَتَقْيِيدُهُ بِالْعَبْدِ لِمُنَاسَبَةِ الرَّوِيِّ وَالْأَمَةُ مِثْلُهُ ط (قَوْلُهُ وَإِيجَابُ إحْسَانِ) أَيْ إيجَابُ صَدَقَةٍ بَحْرٌ، وَتَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ الْكَافِي. (قَوْلُهُ وَعِتْقٌ) وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمُكْرَهِ إذَا أَعْتَقَهُ لِغَيْرِ كَفَّارَةٍ، وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْإِكْرَاهِ ط وَشَمَلَ الْعِتْقَ بِالْفِعْلِ كَمَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى شِرَاءِ مُحَرَّمَةٍ لَكِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِشَيْءٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَافِي، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْإِكْرَاهِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ فِي الْإِكْرَاهِ عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عِشْرِينَ فِي الْعَدِّ) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ تَصِحُّ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهِيَ تَرْجِعُ إلَى سِتَّةَ عَشَرَ لِدُخُولِ إيجَابِ الْإِحْسَانِ فِي النَّذْرِ وَدُخُولِ الطَّلَاقِ عَلَى جُعْلٍ، وَالْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ فِي الطَّلَاقِ، وَدُخُولِ الْيَمِينِ فِي الْعِتْقِ بِالْعِتْقِ. اهـ. ح وَتَقَدَّمَ عَنْ النَّهْرِ أَنَّ قَبُولَ الْإِيدَاعِ لَيْسَ مِنْهَا فَعَادَتْ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الِاسْتِيلَادَ وَالرَّضَاعَ مِنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا أَمْرٌ آخَرُ فَلَا يَنْبَغِي تَخْصِيصُهُمَا بِالذِّكْرِ فَعَادَتْ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَقَدْ زِدْت عَلَيْهَا خَمْسَةً أُخَرَ الْتَقَطْتهَا مِنْ إكْرَاهِ كَافِي الْحَاكِمِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 (أَوْ هَازِلًا) لَا يَقْصِدُ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ (أَوْ سَفِيهًا)   [رد المحتار] الْأُولَى الْخُلْعُ عَلَى مَالٍ، بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَى خُلْعِ امْرَأَتِهِ عَلَى أَلْفٍ وَقَدْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ وَدَخَلَ بِهَا وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ مُكْرَهَةٍ فَالْخُلْعُ وَاقِعٌ وَلَهَا عَلَيْهَا الْأَلِفُ؛ وَلَا شَيْءَ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ. وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُكْرَهَةُ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ الْفَسْخُ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَتْ وَلَهَا زَوْجٌ حُرٌّ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَأُكْرِهَتْ عَلَى أَنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي مَجْلِسِهَا بَطَلَ الْمَهْرُ عَنْ الزَّوْجِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُكْرَهِ، وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ قَبْلَ ذَلِكَ فَالْمَهْرُ لِمَوْلَاهَا عَلَى الزَّوْجِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ الثَّالِثَةُ التَّكْفِيرُ، كَمَا لَوْ أُكْرِهَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ عَلَى أَنْ يُكَفِّرَ يَمِينًا قَدْ حَنِثَ فِيهَا وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُكْرَهِ وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى عِتْقِ عَبْدِهِ هَذَا عَنْهَا لَمْ يُجْزِهِ وَعَلَى الْمُكْرَهِ قِيمَتُهُ؛ وَلَوْ أُكْرِهَ بِالْحَبْسِ أَجْزَأَهُ عَنْهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ وَجَبَ عَلَيْهِ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ نَذْرٍ أَوْ هَدْيٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ حَجٍّ فَأُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَمْضِيَهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُ الْمُكْرِهُ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ أَجْزَأَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ. الرَّابِعَةُ مَا كَانَ شَرْطًا لِغَيْرِهِ كَمَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدٍ عَلَى شِرَائِهِ أَوْ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ فَأُكْرِهَ عَلَى الشِّرَاءِ أَوْ الدُّخُولِ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى شِرَاءِ ذِي مَحْرَمِهِ أَوْ أَمَةٍ قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الرَّضَاعُ فَإِنَّهُ شَرْطٌ لِلْمَحْرَمِيَّةِ وَالِاسْتِيلَادِ أَيْ الْوَطْءِ لِطَلَبِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ لِثُبُوتِهِ مِنْهُ أَيْضًا الْخَامِسَةُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، فَقَدْ صَارَتْ ثَمَانِي عَشْرَةَ صُورَةً نَظَمْتهَا بِقَوْلِي: طَلَاقٌ وَإِعْتَاقٌ نِكَاحٌ وَرَجْعَةٌ ... ظِهَارٌ وَإِيلَاءٌ وَعَفْوٌ عَنْ الْعَمْدِ يَمِينٌ وَإِسْلَامٌ وَفَيْءٌ وَنَذْرُهُ ... قَبُولٌ لِصُلْحِ الْعَمْدِ تَدْبِيرٌ لِلْعَبْدِ ثَلَاثٌ وَعَشْرٌ صَحَّحُوهَا لِمُكْرَهٍ ... وَقَدْ زِدْت خَمْسًا وَهِيَ خُلْعٌ عَلَى نَقْدٍ وَفَسْخٌ وَتَكْفِيرٌ وَشَرْطٌ لِغَيْرِهِ ... وَتَوْكِيلُ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ فَخُذْ عَدِّي. (قَوْلُهُ أَوْ هَازِلًا) أَيْ فَيَقَعُ قَضَاءً وَدِيَانَةً كَمَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ مُكَابِرٌ بِاللَّفْظِ فَيَسْتَحِقُّ التَّغْلِيظَ، وَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَأَمَّا مَا فِي إكْرَاهِ الْخَانِيَّةِ: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِالطَّلَاقِ فَأَقَرَّ لَا يَقَعُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ هَازِلًا أَوْ كَاذِبًا فَقَالَ فِي الْبَحْرِ، وَإِنَّ مُرَادَهُ لِعَدَمِ الْوُقُوعِ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ عَدَمُهُ دِيَانَةً، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَالْقُنْيَةِ لَوْ أَرَادَ بِهِ الْخَبَرَ عَنْ الْمَاضِي كَذِبًا لَا يَقَعُ دِيَانَةً، وَإِنْ أَشْهَدَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَقَعُ قَضَاءً أَيْضًا. اهـ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى مَا إذَا أَشْهَدَ أَنَّهُ يُقِرُّ بِالطَّلَاقِ هَازِلًا ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْخُلَاصَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَوْ أَنْشَأَ الطَّلَاقَ هَازِلًا. وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ فِيمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ هَازِلًا فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا. قَالَ فِي التَّلْوِيحِ: وَكَمَا أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مُكْرَهًا كَذَلِكَ يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِهِمَا هَازِلًا، لِأَنَّ الْهَزْلَ دَلِيلُ الْكَذِبِ كَالْإِكْرَاهِ، حَتَّى لَوْ أَجَازَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ إنَّمَا تَلْحَقُ سَبَبًا مُنْعَقِدًا يَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ وَالْبُطْلَانَ، وَبِالْإِجَازَةِ لَا يَصِيرُ الْكَذِبُ صِدْقًا، وَهَذَا بِخِلَافِ إنْشَاءِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ فِيهِ لِلْهَزْلِ اهـ. وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ الرَّمْلِيُّ مِنْ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ لَا يَقْصِدُ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ) بَيَانٌ لِمَعْنَى الْهَازِلِ، وَفِيهِ قُصُورٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 خَفِيفَ الْعَقْلِ (أَوْ سَكْرَانَ) وَلَوْ بِنَبِيذٍ أَوْ حَشِيشٍ   [رد المحتار] فَفِي التَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ: الْهَزْلُ لُغَةً اللَّعِبُ. وَاصْطِلَاحًا: أَنْ لَا يُرَادَ بِاللَّفْظِ وَدَلَالَتِهِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ وَلَا الْمَجَازِيَّ بَلْ أُرِيدَ بِهِ غَيْرُهُمَا، وَهُوَ مَا لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ مِنْهُ. وَضِدُّهُ الْجَدُّ، وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ أَحَدُهُمَا (قَوْلُهُ خَفِيفَ الْعَقْلِ) فِي التَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ: السَّفَهُ فِي اللُّغَةِ، الْخِفَّةُ. وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ خِفَّةٌ تَبْعَثُ الْإِنْسَانَ عَلَى الْعَمَلِ فِي مَالِهِ بِخِلَافِ مُقْتَضَى الْعَقْلِ. . [مَطْلَبٌ فِي تَعْرِيفِ السَّكْرَانِ وَحُكْمِهِ] ِ (قَوْلُهُ أَوْ سَكْرَانَ) السُّكْرُ: سُرُورٌ يُزِيلُ الْعَقْلَ فَلَا يَعْرِفُ بِهِ السَّمَاءَ مِنْ الْأَرْضِ. وَقَالَ: بَلْ يَغْلِبُ عَلَى الْعَقْلِ فَيَهْذِي فِي كَلَامِهِ، وَرَجَّحُوا قَوْلَهُمَا فِي الطَّهَارَةِ وَالْأَيْمَانِ وَالْحُدُودِ. وَفِي شَرْحِ بَكْرٍ: السُّكْرُ الَّذِي تَصِحُّ بِهِ التَّصَرُّفَاتُ أَنْ يَصِيرَ بِحَالٍ يَسْتَحْسِنُ مَا يَسْتَقْبِحُهُ النَّاسُ وَبِالْعَكْسِ. لَكِنَّهُ يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ نَهْرٌ. قُلْت: لَكِنْ صَرَّحَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ أَنَّ تَعْرِيفَ السُّكْرِ بِمَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ إنَّمَا هُوَ السُّكْرُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ، لِأَنَّهُ لَوْ مَيَّزَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ كَانَ فِي سُكْرِهِ نُقْصَانٌ وَهُوَ شُبْهَةُ الْعَدَمِ فَيَنْدَرِئُ بِهِ الْحَدُّ وَأَمَّا تَعْرِيفُهُ عِنْدَهُ فِي غَيْرِ وُجُوبِ الْحَدِّ مِنْ الْأَحْكَامِ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ عِنْدَهُ اخْتِلَاطُ الْكَلَامِ وَالْهَذَيَانِ كَقَوْلِهِمَا. وَنَقَلَ شَارِحُهُ ابْنُ أَمِيرٍ حَاجٍّ عَنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ غَالِبُ كَلَامِهِ هَذَيَانًا، فَلَوْ نَصْفُهُ مُسْتَقِيمًا فَلَيْسَ بِسُكْرٍ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الصُّحَاةِ فِي إقْرَارِهِ بِالْحُدُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّكْرَانَ فِي الْعُرْفِ مَنْ اخْتَلَطَ جَدُّهُ بِهَزْلِهِ فَلَا يَسْتَقِرُّ عَلَى شَيْءٍ، وَمَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ إلَى قَوْلِهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَاخْتَارُوهُ لِلْفَتْوَى لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ، وَتَأَيَّدَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا سَكِرَ هَذَى رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَلِضَعْفِ وَجْهِ قَوْلِهِ ثُمَّ بَيَّنَ وَجْهَ الضَّعْفِ فَرَاجِعْهُ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْمُخْتَارَ قَوْلُهُمَا فِي جَمِيعِ الْأَبْوَابِ فَافْهَمْ. وَبَيَّنَ فِي التَّحْرِيرِ حُكْمَهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ سُكْرُهُ بِطَرِيقٍ مُحَرَّمٍ لَا يُبْطِلُ تَكْلِيفَهُ فَتَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ وَتَصِحُّ عِبَارَتُهُ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَالْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ، وَتَزْوِيجِ الصِّغَارِ مِنْ كُفْءٍ، وَالْإِقْرَاضِ وَالِاسْتِقْرَاضِ لِأَنَّ الْعَقْلَ قَائِمٌ، وَإِنَّمَا عَرَضَ فَوَاتُ فَهْمِ الْخِطَابِ بِمَعْصِيَتِهِ، فَبَقِيَ فِي حَقِّ الْإِثْمِ وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَيَصِحُّ إسْلَامُهُ كَالْمُكْرَهِ لِإِرَادَتِهِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ. وَأَمَّا الْهَازِلُ فَإِنَّمَا كَفَّرَ مَعَ عَدَمِ قَصْدِهِ لِمَا يَقُولُ بِالِاسْتِخْفَافِ لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ اسْتِخْفَافًا بِالدِّينِ بِخِلَافِ السَّكْرَانِ (قَوْلُهُ بِنَبِيذٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ سُكْرُهُ مِنْ الْخَمْرِ أَوْ الْأَشْرِبَةِ الْأَرْبَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْعَسَلِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَبِقَوْلِهِ يُفْتَى لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ مُحَرَّمٌ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ الْمُخْتَارُ فِي زَمَانِنَا لُزُومُ الْحَدِّ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ. اهـ. وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ الْوُقُوعِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِمَا مِنْ أَنَّ النَّبِيذَ حَلَالٌ وَالْمُفْتَى بِهِ خِلَافُهُ. وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ أَنَّ الْخِلَافَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا شَرِبَهُ لِلتَّدَاوِي فَلَوْ لِلَّهْوِ وَالطَّرِبِ فَيَقَعُ بِالْإِجْمَاعِ مَطْلَبٌ فِي الْحَشِيشَةِ وَالْأَفْيُونِ وَالْبَنْجِ (قَوْلُهُ وَحَشِيشٍ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: اتَّفَقَ مَشَايِخُ الْمَذْهَبَيْنِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ بِوُقُوعِ طَلَاقِ مَنْ غَابَ عَقْلُهُ بِأَكْلِ الْحَشِيشِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِوَرَقِ الْقُنَّبِ لِفَتْوَاهُمْ بِحُرْمَتِهِ بَعْدَ أَنْ اخْتَلَفُوا فِيهَا. فَأَفْتَى الْمُزَنِيّ بِحُرْمَتِهَا وَأَفْتَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 أَوْ أَفْيُونٍ أَوْ بَنْجٍ زَجْرًا، وَبِهِ يُفْتَى تَصْحِيحُ الْقُدُورِيِّ وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِيمَنْ سَكِرَ مُكْرَهًا أَوْ مُضْطَرًّا، وَنَعَمْ لَوْ زَالَ عَقْلُهُ بِالصُّدَاعِ أَوْ بِمُبَاحٍ لَمْ يَقَعْ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَعْزِيًّا لِلزَّاهِدِيِّ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُمَيِّزْ مَا يَقُومُ بِهِ الْخِطَابُ كَانَ تَصَرُّفُهُ بَاطِلًا. اهـ. وَاسْتَثْنَى فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ تَصَرُّفَاتِ السَّكْرَانِ سَبْعَ مَسَائِلَ: مِنْهَا الْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ صَاحِيًا، لَكِنْ قَيَّدَهُ الْبَزَّازِيُّ   [رد المحتار] أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو بِحِلِّهَا، لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ لَمْ يَتَكَلَّمُوا فِيهَا بِشَيْءٍ لِعَدَمِ ظُهُورِ شَأْنِهَا أَنَّهَا فِيهِمْ فَلَمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْرِهَا مِنْ الْفَسَادِ كَثِيرٌ وَفَشَا عَادَ مَشَايِخُ الْمَذْهَبَيْنِ إلَى تَحْرِيمِهَا. وَأَفْتَوْا بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مِمَّنْ زَالَ عَقْلُهُ بِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ أَفْيُونٍ أَوْ بَنْجٍ) الْأَفْيُونُ: مَا يَخْرُجُ مِنْ الْخَشْخَاشِ. الْبَنْجُ: بِالْفَتْحِ نَبْتٌ مُنْبَتٌ. وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِأَكْلِهِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ زَوَالَ عَقْلِهِ لَمْ يَكُنْ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ. وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ إنْ كَانَ لِلتَّدَاوِي لَمْ يَقَعْ لِعَدَمِ الْمَعْصِيَةِ، وَإِنْ لِلَّهْوِ وَإِدْخَالِ الْآفَةِ قَصْدًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَرَدَّدَ فِي الْوُقُوعِ. وَفِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ عَنْ الْجَوَاهِرِ: وَفِي هَذَا الزَّمَانِ إذَا سَكِرَ مِنْ الْبَنْجِ وَالْأَفْيُونِ يَقَعُ زَجْرًا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ زَجْرًا) أَشَارَ بِهِ إلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لِلتَّدَاوِي لَا يُزْجَرُ عَنْهُ لِعَدَمِ قَصْدِ الْمَعْصِيَةِ ط (قَوْلُهُ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ إلَخْ) فَصَحَّحَ فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا عَدَمَ الْوُقُوعِ. وَجَزَمَ فِي الْخُلَاصَةِ بِالْوُقُوعِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ لِأَنَّ مُوجِبَ الْوُقُوعِ عِنْدَ زَوَالِ الْعَقْلِ لَيْسَ إلَّا التَّسَبُّبَ فِي زَوَالِهِ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ. وَفِي النَّهْرِ عَنْ تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ التَّحْقِيقُ (قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ زَالَ عَقْلُهُ بِالصُّدَاعِ) لِأَنَّ عِلَّةَ زَوَالِ الْعَقْلِ الصُّدَاعُ وَالشُّرْبُ عِلَّةُ الْعِلَّةِ، وَالْحُكْمُ لَا يُضَافُ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْعِلَّةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. هَذَا، وَقَدْ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ فِيمَا إذَا شَرِبَ خَمْرًا فَصَدَّعَ. وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْمُلْتَقَطِ: لَوْ كَانَ النَّبِيذُ غَيْرَ شَدِيدٍ فَصَدَّعَ فَذَهَبَ عَقْلُهُ بِالصُّدَاعِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيذُ شَدِيدًا حَرَامًا فَصَدَّعَ فَذَهَبَ عَقْلُهُ يَقَعُ طَلَاقُهُ. اهـ. فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ بِطَرِيقٍ مُحَرَّمٍ وَغَيْرِ مُحَرَّمٍ كَمَا تَرَى فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ بِمُبَاحٍ) كَمَا إذَا سَكِرَ مِنْ وَرَقِ الرُّمَّانِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَلَا عَتَاقُهُ وَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ كَذَا فِي الْهِنْدِيَّةِ ط. قُلْت: وَكَذَا لَوْ سَكِرَ بِبَنْجٍ أَوْ أَفْيُونٍ تَنَاوَلَهُ لَا عَلَى وَجْهِ الْمَعْصِيَةِ بَلْ التَّدَاوِي كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَخْ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَعْرِيفِ السَّكْرَانِ الَّذِي تَصِحُّ تَصَرُّفَاتُهُ عِنْدَنَا بِأَنَّهُ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْعَقْلِ مَا يَقُومُ بِهِ التَّكْلِيفُ. وَتَعَجَّبَ مِنْهُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ: لَا شَكَّ أَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يُتَّجَهُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ لَا تَصِحُّ تَصَرُّفَاتُهُ (قَوْلُهُ مِنْهَا الْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ صَاحِيًا) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا طَلَّقَ سَكْرَانُ لَا يَقَعُ، وَمِنْهَا الرِّدَّةُ. وَمِنْهَا الْإِقْرَارُ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ. وَمِنْهَا الْإِشْهَادُ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ. وَمِنْهَا تَزْوِيجُ الصَّغِيرَةِ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوَالصَّغِيرَةِ بِأَكْثَرَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ وَمِنْهَا الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَوْ سَكِرَ فَبَاعَ لَمْ يَنْفُذْ عَلَى مُوَكِّلِهِ. وَمِنْهَا الْغَصْبُ مِنْ صَاحٍ وَرَدُّهُ عَلَيْهِ وَهُوَ سَكْرَانُ كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ ح. قُلْت: لَكِنْ اعْتَرَضَهُ مُحَشِّيهِ الْحَمَوِيُّ فِي الْأَخِيرَةِ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْعِمَادِيَّةِ أَنَّ الْغَاصِبَ يَبْرَأُ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ مِنْ الضَّمَانِ فَحُكْمُهُ فِيهَا كَالصَّاحِي، وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْوَكَالَةِ بِالطَّلَاقِ بِأَنَّ الصَّحِيحَ الْوُقُوعُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ لَكِنْ قَيَّدَهُ الْبَزَّازِيُّ) قَالَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: وَكَّلَهُ بِطَلَاقِهَا عَلَى مَالٍ فَطَلَّقَهَا فِي حَالَ السُّكْرِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ، وَإِنْ كَانَ التَّوْكِيلُ وَالْإِيقَاعُ حَالَ السُّكْرِ وَقَعَ وَلَوْ بِلَا مَالٍ وَقَعَ مُطْلَقًا لِأَنَّ الرَّأْيَ لَا بُدَّ مِنْهُ فَتَقْدِيرُ الْبَدَلِ. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 بِكَوْنِهِ عَلَى مَالٍ وَإِلَّا وَقَعَ مُطْلَقًا؛ وَلَمْ يُوقِعْ الشَّافِعِيُّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّفْرِيقِ: وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ (أَوْ أَخْرَسَ) وَلَوْ طَارِئًا إنْ دَامَ لِلْمَوْتِ بِهِ يُفْتَى، وَعَلَيْهِ فَتَصَرُّفَاتُهُ مَوْقُوفَةٌ. وَاسْتَحْسَنَ الْكَمَالُ اشْتِرَاطَ كِتَابَتِهِ (بِإِشَارَتِهِ) الْمَعْهُودَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ كَعِبَارَةِ النَّاطِقِ اسْتِحْسَانًا (أَوْ مُخْطِئًا) بِأَنْ أَرَادَ التَّكَلُّمَ بِغَيْرِ الطَّلَاقِ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الطَّلَاقُ أَوْ تَلَفَّظَ بِهِ غَيْرَ عَالِمٍ بِمَعْنَاهُ أَوْ غَافِلًا أَوْ سَاهِيًا -   [رد المحتار] أَقُولُ: وَالتَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِهَا عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا فِي حَالِ السُّكْرِ وَقَعَ مُطْلَقًا ح (قَوْلُهُ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ) وَكَذَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ عَنْ التَّفْرِيقِ) صَوَابُهُ عَنْ التَّفَرُّدِ بِالدَّالِ آخِرِهِ لَا بِالْقَافِ كَمَا رَأَيْته فِي نُسَخِ التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ) قَدْ عَلِمْت مُخَالَفَتَهُ لِسَائِرِ الْمُتُونِ ح. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: طَلَاقُ السَّكْرَانِ إذَا سَكِرَ مِنْ الْخَمْرِ أَوْ النَّبِيذِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا. (قَوْلُهُ إنْ دَامَ لِلْمَوْتِ) قَيَّدَ فِي طَارِئًا فَقَطْ ح. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَعَلَى هَذَا إذَا طَلَّقَ مَنْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ تَوَقَّفَ، فَإِنْ دَامَ بِهِ إلَى الْمَوْتِ نَفَذَ، وَإِنْ زَالَ بَطَلَ. اهـ. قُلْت: وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ بِالْإِشَارَةِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِعَدَمِ نَفَاذِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَكَذَا سَائِرُ عُقُودِهِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا مِنْ الْحَرَجِ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) وَقَدَّرَ التُّمُرْتَاشِيُّ الِامْتِدَادَ بِسَنَةٍ بَحْرٌ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْيَنَابِيعِ: وَيَقَعُ طَلَاقُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ، وَيُرِيدُ بِهِ الَّذِي وُلِدَ وَهُوَ أَخْرَسُ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَدَامَ حَتَّى صَارَتْ إشَارَتُهُ مَفْهُومَةً وَإِلَّا لَمْ يُعْتَبَرْ (قَوْلُهُ وَاسْتَحْسَنَ الْكَمَالُ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: إنْ كَانَ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ بِالْإِشَارَةِ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِمَا هُوَ أَدَلُّ عَلَى الْمُرَادِ مِنْ الْإِشَارَةِ وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا اهـ. قُلْت: بَلْ هَذَا الْقَوْلُ تَصْرِيحٌ بِمَا الْمَفْهُومُ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. فَفِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ مَا نَصُّهُ: فَإِنْ كَانَ الْأَخْرَسُ لَا يَكْتُبُ وَكَانَ لَهُ إشَارَةٌ تُعْرَفُ فِي طَلَاقِهِ وَنِكَاحِهِ وَشِرَائِهِ وَبَيْعِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَهُوَ بَاطِلٌ. اهـ. فَقَدْ رَتَّبَ جَوَازَ الْإِشَارَةِ عَلَى عَجْزِهِ عَنْ الْكِتَابَةِ، فَيُفِيدُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ لَا تَجُوزُ إشَارَتُهُ ثُمَّ الْكَلَامُ كَمَا فِي النَّهْرِ إنَّمَا هُوَ فِي قَصْرِ صِحَّةِ تَصَرُّفَاتِهِ عَلَى الْكِتَابَةِ وَإِلَّا فَغَيْرُهُ يَقَعُ طَلَاقُهُ بِكِتَابَةٍ كَمَا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ، فَمَا بَالُك بِهِ (قَوْلُهُ بِإِشَارَتِهِ الْمَعْهُودَةِ) أَيْ الْمَقْرُونَةِ بِتَصْوِيتٍ مِنْهُ، لِأَنَّ الْعَادَةَ مِنْهُ ذَلِكَ فَكَانَتْ الْإِشَارَةُ بَيَانًا لِمَا أَجْمَلَهُ الْأَخْرَسُ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ، وَطَلَاقُهُ الْمَفْهُومُ بِالْإِشَارَةِ إذَا كَانَ دُونَ الثَّلَاثَةِ فَهُوَ رَجْعِيٌّ، كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. (قَوْلُهُ بِأَنْ أَرَادَ التَّكَلُّمَ بِغَيْرِ الطَّلَاقِ) بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ، لَكِنْ فِي الْقَضَاءِ كَطَلَاقِ الْهَازِلِ وَاللَّاعِبِ ط عَنْ الْمِنَحِ، وَقَوْلُهُ كَطَلَاقِ الْهَازِلِ وَاللَّاعِبِ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَلِمَا يَأْتِي قَرِيبًا. وَفِي الْفَتْحِ الْقَدِيرِ عَنْ الْحَاوِي مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ أَنَّ أَسَدًا سَأَلَ عَمَّنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ زَيْنَبُ طَالِقٌ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ عَمْرَةُ عَلَى أَيِّهِمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ؟ فَقَالَ: فِي الْقَضَاءِ تَطْلُقُ الَّتِي سَمَّى وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، أَمَّا الَّتِي سَمَّى فَلِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْهَا، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلِأَنَّهَا لَوْ طَلُقَتْ طَلُقَتْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ (قَوْلُهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِمَعْنَاهُ) كَمَا لَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: اقْرَأْ عَلَيَّ اعْتَدِّي أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَفَعَلَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي الْقَضَاءِ لَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ وَلَمْ يَنْوِ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ أَوْ غَافِلًا أَوْ سَاهِيًا) فِي الْمِصْبَاحِ: الْغَفْلَةُ غَيْبَةُ الشَّيْءِ عَنْ بَالِ الْإِنْسَانِ وَعَدَمُ تَذَكُّرِهِ لَهُ. وَفِيهِ أَيْضًا سَهَا عَنْ الشَّيْءِ يَسْهُو غَفَلَ قَلْبُهُ عَنْهُ حَتَّى زَالَ عَنْهُ فَلَمْ يَتَذَكَّرْهُ. وَفَرَّقُوا بَيْنَ السَّاهِي وَالنَّاسِي بِأَنَّ النَّاسِيَ إذَا ذَكَرَ تَذَكَّرَ وَالسَّاهِي بِخِلَافِهِ. اهـ. فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالْغَافِلِ النَّاسِي بِقَرِينَةِ عَطْفِ السَّاهِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 أَوْ بِأَلْفَاظٍ مُصَحَّفَةٍ يَقَعُ قَضَاءً فَقَطْ، بِخِلَافِ الْهَازِلِ وَاللَّاعِبِ فَإِنَّهُ يَقَعُ قَضَاءً وَدِيَانَةً لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ هَزْلَهُ بِهِ جِدًّا فَتْحٌ (أَوْ مَرِيضًا أَوْ كَافِرًا) لِوُجُودِ التَّكْلِيفِ. وَأَمَّا طَلَاقُ الْفُضُولِيِّ وَالْإِجَازَةِ قَوْلًا وَفِعْلًا فَكَالنِّكَاحِ بَزَّازِيَّةٌ (وَ) بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الزَّوْجِ الْمَذْكُورِ (لَا يَقَعُ طَلَاقُ الْمَوْلَى عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِهِ) لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ «الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» إلَّا إذَا قَالَ زَوَّجْتهَا مِنْك عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِي أُطَلِّقُهَا كَمَا شِئْت فَقَالَ الْعَبْدُ: قَبِلْت، وَكَذَا إذَا قَالَ الْعَبْدُ: إذَا تَزَوَّجْتهَا فَأَمْرُهَا بِيَدِك أَبَدًا كَانَ كَذَلِكَ خَانِيَّةٌ -   [رد المحتار] عَلَيْهِ. وَصُورَتُهُ أَنْ يُعَلِّقَ طَلَاقَهَا عَلَى دُخُولِ الدَّارِ مَثَلًا فَدَخَلَهَا نَاسِيًا التَّعْلِيقَ أَوْ سَاهِيًا. (قَوْلُهُ أَوْ بِأَلْفَاظٍ مُصَحَّفَةٍ) نَحْوُ طِلَاعٍ وَتَلَاغٍ وَطَلَاكٍ وَتَلَاكٍ كَمَا يَذْكُرُهُ أَوَّلَ الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ يَقَعُ قَضَاءً) مُتَعَلِّقٌ بِالْمُخْطِئِ وَمَا بَعْدَهُ ح، لَكِنْ فِي وُقُوعِهِ فِي السَّاهِي وَالْغَافِلِ عَلَى مَا صَوَّرْنَاهُ لَا يَظْهَرُ التَّقْيِيدُ بِالْقَضَاءِ، إذْ لَا فَرْقَ فِي مُبَاشَرَةِ سَبَبِ الْحِنْثِ بَيْنَ التَّعَمُّدِ وَغَيْرِهِ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْحَاوِي الزَّاهِدِي: ظَنَّ أَنَّهُ وَقَّعَ الثَّلَاثُ عَلَى امْرَأَتِهِ بِإِفْتَاءِ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْفَتْوَى وَكُلِّفَ الْحَاكِمُ كِتَابَتَهَا فِي الصَّكِّ فَكُتِبَتْ ثُمَّ اسْتَفْتَى مِمَّنْ هُوَ أَقَلُّ لِلْفَتْوَى فَأَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ وَالتَّطْلِيقَاتُ الثَّلَاثَةُ مَكْتُوبَةٌ فِي الصَّكِّ بِالظَّنِّ فَلَهُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهَا دِيَانَةً وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ فِي الْحُكْمِ اهـ (قَوْلُهُ وَاللَّاعِبُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى الْهَازِلِ لِلتَّفْسِيرِ ح (قَوْلُهُ جَعَلَ هَزْلَهُ بِهِ جِدًّا) لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالسَّبَبِ قَصْدًا فَيَلْزَمُهُ حُكْمُهُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ كَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ وَالْيَمِينِ (قَوْلُهُ أَوْ مَرِيضًا) أَيْ لَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ بِالْمَرَضِ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ ط (قَوْلُهُ أَوْ كَافِرًا) أَيْ وَقَدْ تَرَافَعَا إلَيْنَا لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِالْفُرْقَةِ إلَّا فِي ثَلَاثٍ كَمَا مَرَّ فِي نِكَاحِ الْكَافِرِ ط. (قَوْلُهُ لِوُجُودِ التَّكْلِيفِ) عِلَّةٌ لَهُمَا، وَهُوَ جَرَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِأَحْكَامِ الْفُرُوعِ اعْتِقَادًا وَأَدَاءً ط (قَوْلُهُ فَكَالنِّكَاحِ) أَيْ فَكَمَا أَنَّ نِكَاحَ الْفُضُولِيِّ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ فَكَذَا طَلَاقُهُ ح؛ فَلَوْ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ فَطَلَّقَ فُضُولِيٌّ، إنْ أَجَازَ الْقَوْلَ حَنِثَ، وَبِالْفِعْلِ لَا بَحْرٌ. وَالْإِجَازَةُ بِالْفِعْلِ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ بِأَنْ يَدْفَعَ إلَيْهَا مُؤَخَّرَ صَدَاقِهَا بَعْدَمَا طَلَّقَ الْفُضُولِيُّ كَمَا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ، لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ أَنَّهُ نَقَلَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ أَنَّ بَعْثَ الْمَهْرِ إلَيْهَا لَيْسَ بِإِجَازَةٍ لِوُجُوبِهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَأَنَّهُ نَقَلَ عَنْ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ فِي الطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ قَوْلَيْنِ فِي قَبْضِ الْجُعْلِ هَلْ هُوَ إجَازَةٌ أَمْ لَا فَرَاجِعْهُ. اهـ. قُلْت: وَقَدْ يُحْمَلُ مَا فِي الْفَوَائِدِ عَلَى بَعْثِ الْمُعَجَّلِ، فَلَا يُنَافِي مَا فِي النَّهْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ) رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا ابْنُ لَهِيعَةَ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضًا مِنْ غَيْرِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَمُرَادُهُ تَقْوِيَةُ الْحَدِيثِ لِأَنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ مُتَكَلِّمٌ فِيهِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمُحَدِّثُونَ فِي جَرْحِهِ وَتَوْثِيقِهِ (قَوْلُهُ «الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» ) كِنَايَةٌ عَنْ مِلْكِ الْمُتْعَةِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا قَالَ) أَيْ الْمَوْلَى عِنْدَ تَزْوِيجِ أَمَتِهِ مِنْ عَبْدِهِ وَصَوَّرَهَا بِمَا إذَا بَدَأَ الْمَوْلَى، لِأَنَّهُ لَوْ بَدَأَ الْعَبْدُ فَقَالَ: زَوِّجْنِي أَمَتَك هَذِهِ عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِك تُطَلِّقُهَا كَمَا شِئْت فَزَوَّجَهَا مِنْهُ يَجُوزُ النِّكَاحُ وَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِ الْمَوْلَى كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ الْفَرْقِ. وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ فِي مَسْأَلَةٍ قَبْلَهَا، وَهِيَ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا طَالِقٌ جَازَ النِّكَاحُ وَبَطَلَ الطَّلَاقُ. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا إذَا بَدَأَ الزَّوْجُ وَقَالَ: تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنَّك طَالِقٌ، وَإِنْ ابْتَدَأَتْ الْمَرْأَةُ فَقَالَتْ: زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك عَلَى أَنِّي طَالِقٌ أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِيَدِي أُطَلِّقُ نَفْسِي كُلَّمَا شِئْت فَقَالَ الزَّوْجُ: قَبِلْت جَازَ النِّكَاحُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَيَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ كَانَ الطَّلَاقُ وَالتَّفْوِيضُ قَبْلَ النِّكَاحِ فَلَا يَصِحُّ. أَمَّا إذَا كَانَتْ مِنْ الْمَرْأَةِ يَصِيرُ التَّفْوِيضُ بَعْدَ النِّكَاحِ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا قَالَ بَعْدَ كَلَامِ الْمَرْأَةِ قَبِلْت، وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: قَبِلْت عَلَى أَنَّك طَالِقٌ أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِيَدِك فَيَصِيرُ مُفَوَّضًا بَعْدَ النِّكَاحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا إلَخْ) هَذِهِ الصُّورَةُ حِيلَةٌ لِصَيْرُورَةِ الْأَمْرِ بِيَدِ الْمَوْلَى بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى قَبُولِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى قَدْ تَمَّ النِّكَاحُ بِقَوْلِ الْمَوْلَى زَوَّجْتُك أَمَتِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 (وَالْمَجْنُونُ) إلَّا إذَا عَلَّقَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ فَوُجِدَ الشَّرْطُ، أَوْ كَانَ عِنِّينًا أَوْ مَجْبُوبًا أَوْ أَسْلَمَتْ وَهُوَ كَافِرٌ وَأَبَى أَبَوَاهُ الْإِسْلَامَ وَقَعَ الطَّلَاقُ أَشْبَاهٌ (وَالصَّبِيُّ) وَلَوْ مُرَاهِقًا أَوْ أَجَازَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ، أَمَّا لَوْ قَالَ: أَوْقَعْته وَقَعَ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ إيقَاعٍ وَجَوَّزَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدَ (وَالْمَعْتُوهُ) مِنْ الْعَتَهِ، وَهُوَ اخْتِلَالٌ فِي الْعَقْلِ (وَالْمُبَرْسَمِ) مِنْ الْبِرْسَامِ بِالْكَسْرِ عِلَّةٌ كَالْجُنُونِ (وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ) هُوَ لُغَةً الْمَغْشِيُّ (وَالْمُدْهَشُ) فَتْحٌ. وَفِي الْقَامُوسِ: دَهَشَ الرَّجُلُ تَحَيَّرَ وَدُهِشَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَهُوَ مَدْهُوشٌ وَأَدْهَشَهُ اللَّهُ (وَالنَّائِمُ) لِانْتِفَاءِ الْإِرَادَةِ، وَلِذَا لَا يَتَّصِفُ بِصِدْقٍ وَلَا كَذِبٍ وَلَا خَبَرٍ وَلَا إنْشَاءٍ   [رد المحتار] فَيُمْكِنُ الْعَبْدُ أَنْ لَا يَقْبَلَ فَلَا يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِ الْوَلِيِّ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَالْمَجْنُونُ) قَالَ فِي التَّلْوِيحِ: الْجُنُونُ اخْتِلَالُ الْقُوَّةِ الْمُمَيِّزَةِ بَيْنَ الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ الْمُدْرِكَةِ لِلْعَوَاقِبِ، بِأَنْ لَا تَظْهَرَ آثَارُهُ وَتَتَعَطَّلُ أَفْعَالُهَا، إمَّا لِنُقْصَانِ جَبَلٍ عَلَيْهِ دِمَاغُهُ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَإِمَّا لِخُرُوجِ مِزَاجِ الدِّمَاغِ عَنْ الِاعْتِدَالِ بِسَبَبِ خَلْطٍ أَوْ آفَةٍ، وَإِمَّا لِاسْتِيلَاءِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِ وَإِلْقَاءِ الْخَيَالَاتِ الْفَاسِدَةِ إلَيْهِ بِحَيْثُ يَفْرَحُ وَيَفْزَعُ مِنْ غَيْرِ مَا يَصْلُحُ سَبَبًا. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ عَرَفَ أَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: طَلَّقْتَنِي الْبَارِحَةَ فَقَالَ: أَصَابَنِي الْجُنُونُ وَلَا يَعْرِفُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا عَلَّقَ عَاقِلًا إلَخْ) كَقَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَهَا مَجْنُونًا بِخِلَافِ إنْ جُنِنْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجُنَّ لَمْ يَقَعْ، كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ، فَالْمُرَادُ إذَا عَلَّقَ عَلَى غَيْرِ جُنُونِهِ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ عِنِّينًا) أَيْ وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ بِطَلَبِهَا بَعْدَ تَأْجِيلِهِ سَنَةً لِأَنَّ الْجُنُونَ لَا يُعْدِمُ الشَّهْوَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ أَوْ مَجْبُوبًا) أَيْ وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ بِطَلَبِهَا (قَوْلُهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ) جَوَابُ إذَا وَوُقُوعُهُ الْمَسَائِلَ الْأَرْبَعَ لِلْحَاجَةِ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ لَا يُنَافِي عَدَمَ أَهْلِيَّتِهِ لِلطَّلَاقِ فِي غَيْرِهَا كَمَا مَرَّ تَحْقِيقُهُ فِي بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ. (قَوْلُهُ وَالصَّبِيُّ) أَيْ إلَّا إذَا كَانَ مَجْبُوبًا وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَوْ أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ فَعُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَيْهِ مُمَيِّزًا فَأَبَى وَقَعَ الطَّلَاقُ رَمْلِيٌّ. قَالَ: وَقَدْ أَفْتَيْت بِعَدَمِ وُقُوعِهِ فِيمَا إذَا زَوَّجَهُ أَبُوهُ امْرَأَةً وَعَلَّقَ عَلَيْهِ مَتَى تَزَوَّجَ أَوْ تَسَرَّى عَلَيْهِ فَكَذَا فَكَبِرَ فَتَزَوَّجَ عَالِمًا بِالتَّعْلِيقِ أَوَّلًا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ أَجَازَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ) لِأَنَّهُ حِينَ وُقُوعِهِ وَقَعَ بَاطِلًا وَالْبَاطِلُ لَا يُجَازَ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ إيقَاعٍ) لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي أَوْقَعْته رَاجِعٌ إلَى جِنْسِ الطَّلَاقِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَ أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَوْقَعْت الَّذِي تَلَفَّظْته فَإِنَّهُ إشَارَةٌ إلَى الْمُعَيَّنِ الَّذِي حُكِمَ بِبُطْلَانِهِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْفًا ثُمَّ قَالَ: ثَلَاثًا عَلَيْك وَالْبَاقِي عَلَى ضَرَّاتِك، فَإِنَّ الزَّائِدَ عَلَى الثَّلَاثِ مُلْغًى أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَجَوَّزَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ) أَيْ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا يَعْقِلُهُ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ زَوْجَتَهُ تَبِينُ مِنْهُ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مُتُونِ مَذْهَبِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مِنْ الْعَتَهِ) بِالتَّحْرِيكِ مِنْ بَابِ تَعِبَ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ اخْتِلَالٌ فِي الْعَقْلِ) هَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ تَعْرِيفًا لِلْجُنُونِ وَقَالَ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَعْتُوهُ. وَأَحْسَنُ الْأَقْوَالِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَعْتُوهَ هُوَ الْقَلِيلُ الْفَهْمِ الْمُخْتَلِطُ الْكَلَامِ الْفَاسِدِ التَّدْبِيرِ، لَكِنْ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ اهـ وَصَرَّحَ الْأُصُولِيُّونَ بِأَنَّ حُكْمَهُ كَالصَّبِيِّ إلَّا أَنَّ الدَّبُوسِيَّ قَالَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْعِبَادَاتُ احْتِيَاطًا. وَرَدَّهُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّ الْعَتَهَ نَوْعُ جُنُونٍ فَيَمْنَعُ وُجُوبَ أَدَاءِ الْحُقُوقِ جَمِيعًا كَمَا بَسَطَهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ (قَوْلُهُ بِالْكَسْرِ إلَخْ) أَيْ كَسْرِ الْبَاءِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي بَعْضِ كُتُبِ الطِّبِّ أَنَّهُ وَرَمٌ حَارٌّ يَعْرِضُ لِلْحِجَابِ الَّذِي بَيْنَ الْكَبِدِ وَالْأَمْعَاءِ ثُمَّ يَتَّصِلُ بِالدِّمَاغِ ط (قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً الْمَغْشِيُّ) قَالَ فِي التَّحْرِيرِ: الْإِغْمَاءُ آفَةٌ فِي الْقَلْبِ أَوْ الدِّمَاغِ تُعَطِّلُ الْقُوَى الْمُدْرِكَةَ وَالْمُحَرِّكَةَ عَنْ أَفْعَالِهَا مَعَ بَقَاءِ الْعَقْلِ مَغْلُوبًا وَإِلَّا عُصِمَ مِنْهُ الْأَنْبِيَاءُ وَهُوَ فَوْقَ النَّوْمِ فَلَزِمَهُ مَا لَزِمَهُ وَزِيَادَةُ كَوْنِهِ حَدَثًا وَلَوْ فِي جَمِيعِ حَالَاتِ الصَّلَاةِ وَمَنْعِ الْبِنَاءِ، وَبِخِلَافِ النَّوْمِ فِي الصَّلَاةِ إذَا اضْطَجَعَ حَالَةَ النَّوْمِ لَهُ الْبِنَاءُ. (قَوْلُهُ وَفِي الْقَامُوسِ دَهِشَ) أَيْ بِالْكَسْرِ كَفَرِحَ. ثُمَّ إنَّ اقْتِصَارَهُ عَلَى ذِكْرِ التَّحَيُّرِ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّهُ فِي الْقَامُوسِ قَالَ بَعْدَهُ أَوْ: ذَهَبَ عَقْلُهُ حَيَاءً أَوْ خَوْفًا اهـ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَلِذَا جَعَلَهُ فِي الْبَحْرِ دَاخِلًا فِي الْمَجْنُونِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 وَلَوْ قَالَ: أَجَزْته أَوْ أَوْقَعْته لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ أَعَادَ الضَّمِيرَ إلَى غَيْرِ مُعْتَبَرٍ جَوْهَرَةٌ. وَلَوْ قَالَ: أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي طَلَاقِ الْمَدْهُوشِ وَقَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ: غَلِطَ مَنْ فَسَّرَهُ هُنَا بِالتَّحَيُّرِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّحَيُّرِ وَهُوَ التَّرَدُّدُ فِي الْأَمْرِ ذَهَابُ الْعَقْلِ. وَسُئِلَ نَظْمًا فِيمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَهُوَ مُغْتَاظٌ مَدْهُوشٌ، أَجَابَ نَظْمًا أَيْضًا بِأَنَّ الدَّهْشَ مِنْ أَقْسَامِ الْجُنُونِ فَلَا يَقَعُ، وَإِذَا كَانَ يَعْتَادُهُ بِأَنْ عُرِفَ مِنْهُ الدَّهَشُ مَرَّةً يُصَدَّقُ بِلَا بُرْهَانٍ. اهـ. قُلْت: وَلِلْحَافِظِ ابْنِ الْقَيِّمِ الْحَنْبَلِيِّ رِسَالَةٌ فِي طَلَاقِ الْغَضْبَانِ قَالَ فِيهَا: إنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مَبَادِئُ الْغَضَبِ بِحَيْثُ لَا يَتَغَيَّرُ عَقْلُهُ وَيَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَيَقْصِدُهُ، وَهَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ. وَالثَّانِي أَنْ يَبْلُغَ النِّهَايَةَ فَلَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَلَا يُرِيدُهُ، فَهَذَا لَا رَيْبَ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ أَقْوَالِهِ. الثَّالِثُ مَنْ تَوَسَّطَ بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ بِحَيْثُ لَمْ يَصِرْ كَالْمَجْنُونِ فَهَذَا مَحَلُّ النَّظَرِ، وَالْأَدِلَّةُ عَلَى عَدَمِ نُفُوذِ أَقْوَالِهِ. اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ الْغَايَةِ الْحَنْبَلِيَّةِ، لَكِنْ أَشَارَ فِي الْغَايَةِ إلَى مُخَالَفَتِهِ فِي الثَّالِثِ حَيْثُ قَالَ: وَيَقَعُ الطَّلَاقُ مِنْ غَضَبٍ خِلَافًا لِابْنِ الْقَيِّمِ اهـ وَهَذَا الْمُوَافِقُ عِنْدَنَا لِمَا مَرَّ فِي الْمَدْهُوشِ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّا لَمْ نَعْتَبِرْ أَقْوَالَ الْمَعْتُوهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِيهِ أَنْ يَصِلَ إلَى حَالَةٍ لَا يَعْلَمُ فِيهَا مَا يَقُولُ وَلَا يُرِيدُهُ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَعْتُوهَ لَمَّا كَانَ مُسْتَمِرًّا عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ يُمْكِنُ ضَبْطُهَا اُعْتُبِرَتْ فِيهِ وَاكْتُفِيَ فِيهِ بِمُجَرَّدِ نَقْصِ الْعَقْلِ، بِخِلَافِ الْغَضَبِ فَإِنَّهُ عَارِضٌ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ الدَّهَشُ فَإِنَّهُ كَذَلِكَ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَدْهُوشِ وَالْغَضْبَانِ لَا يَلْزَمُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ بَلْ يُكْتَفَى فِيهِ بِغَلَبَةِ الْهَذَيَانِ وَاخْتِلَاطِ الْجَدِّ بِالْهَزْلِ كَمَا هُوَ الْمُفْتَى بِهِ فِي السَّكْرَانِ عَلَى مَا مَرَّ، وَلَا يُنَافِيهِ تَعْرِيفُ الدَّهَشِ بِذَهَابِ الْعَقْلِ فَإِنَّ الْجُنُونَ فُنُونٌ، وَلِذَا فَسَّرَهُ فِي الْبَحْرِ بِاخْتِلَالِ الْعَقْلِ وَأَدْخَلَ فِيهِ الْعَتَهَ وَالْبِرْسَامَ وَالْإِغْمَاءَ وَالدَّهَشَ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا قُلْنَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: الْعَاقِلُ مَنْ يَسْتَقِيمُ كَلَامُهُ وَأَفْعَالُهُ إلَّا نَادِرًا، وَالْمَجْنُونُ ضِدُّهُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ بَعْضَ الْمَجَانِينِ يَعْرِفُ مَا يَقُولُ وَيُرِيدُهُ وَيَذْكُرُ مَا يَشْهَدُ الْجَاهِلُ بِهِ بِأَنَّهُ عَاقِلٌ ثُمَّ يَظْهَرُ مِنْهُ فِي مَجْلِسِهِ مَا يُنَافِيهِ، فَإِذَا كَانَ الْمَجْنُونُ حَقِيقَةً قَدْ يَعْرِفُ مَا يَقُولُ وَيَقْصِدُهُ فَغَيْرُهُ بِالْأَوْلَى، فَاَلَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الْمَدْهُوشِ وَنَحْوِهِ إنَاطَةُ الْحُكْمِ بِغَلَبَةِ الْخَلَلِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ الْخَارِجَةِ عَنْ عَادَتِهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَنْ اخْتَلَّ عَقْلُهُ لِكِبَرٍ أَوْ لِمَرَضٍ أَوْ لِمُصِيبَةٍ فَاجَأَتْهُ: فَمَا دَامَ فِي حَالِ غَلَبَةِ الْخَلَلِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ لَا تُعْتَبَرُ أَقْوَالُهُ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُهَا وَيُرِيدُهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْمَعْرِفَةَ وَالْإِرَادَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِعَدَمِ حُصُولِهَا عَنْ الْإِدْرَاكِ صَحِيحٌ كَمَا لَا تُعْتَبَرُ مِنْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، نَعَمْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي فِي التَّعْلِيقِ عَنْ الْبَحْرِ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ: لَوْ طَلَّقَ فَشَهِدَ عِنْدَهُ اثْنَانِ أَنَّك اسْتَثْنَيْت وَهُوَ غَيْرُ ذَاكِرٍ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ إذَا غَضِبَ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ وَسِعَهُ الْأَخْذُ بِشَهَادَتِهِمَا وَإِلَّا لَا اهـ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ يَقَعُ طَلَاقُهُ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَخْذِ بِقَوْلِهِمَا إنَّك اسْتَثْنَيْت، وَهَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا، وَإِلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ أَنَّهُ لِقُوَّةِ غَضَبِهِ قَدْ يَنْسَى مَا يَقُولُ وَلَا يَتَذَكَّرُهُ بَعْدُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ صَارَ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ مَا لَا يَفْهَمُهُ أَوْ لَا يَقْصِدُهُ إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ فِي أَعْلَى مَرَاتِبِ الْجُنُونِ، وَيُؤَيِّدُهُ هَذَا الْحَمْلُ أَنَّهُ فِي هَذَا الْفَرْعِ عَالِمٌ بِأَنَّهُ طَلَّقَ وَهُوَ قَاصِدٌ لَهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَتَذَكَّرْ الِاسْتِثْنَاءَ لِشِدَّةِ غَضَبِهِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَحْرِيرِ هَذَا الْمَقَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْمَرَامِ ثُمَّ رَأَيْت مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ الْجَوَابَ، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ غَضِبَ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ مَا لَا يَحْفَظُهُ بَعْدَهُ جَازَ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِ الشَّاهِدَيْنِ، فَقَوْلُهُ لَا يَحْفَظُهُ بَعْدَهُ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَعَادَ الضَّمِيرَ إلَى غَيْرِ مُعْتَبَرٍ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ كَلَامِ الصَّبِيِّ وَبَيْنَ كَلَامِ النَّائِمِ هُوَ أَنَّ كَلَامَ الصَّبِيِّ مُعْتَبَرٌ فِي اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الشَّارِعَ أَلْغَاهُ، بِخِلَافِ كَلَامِ النَّائِمِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَ أَحَدٍ. اهـ. ح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 أَوْ جَعَلْته طَلَاقًا وَقَعَ بَحْرٌ (وَإِذَا مَلَك أَحَدُهُمَا الْآخَرَ) كُلَّهُ (أَوْ بَعْضَهُ بَطَلَ النِّكَاحُ، وَلَوْ حَرَّرَتْهُ حِينَ مَلَكَتْهُ فَطَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ خَرَجَتْ الْحَرْبِيَّةُ) إلَيْنَا (مُسْلِمَةً ثُمَّ خَرَجَ زَوْجُهَا كَذَلِكَ) مُسْلِمًا فَطَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ أَلْغَاهُ الثَّانِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (وَأَوْقَعَهُ الثَّالِثُ) فِيهِمَا   [رد المحتار] قُلْت: وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ وَلِذَا لَا يَتَّصِفُ بِصِدْقٍ أَوْ كَذِبٍ وَلَا خَبَرٍ وَلَا إنْشَاءٍ. وَفِي التَّحْرِيرِ: وَتَبْطُلُ عِبَارَتُهُ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ وَالطَّلَاقِ، وَلَمْ تُوصَفْ بِخَبَرٍ وَإِنْشَاءٍ وَصِدْقٍ وَكَذِبٍ كَأَلْحَانِ الطُّيُورِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي التَّلْوِيحِ، فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ كَلَامَ النَّائِمِ لَا يُسَمَّى كَلَامًا لُغَةً وَلَا شَرْعًا بِمَنْزِلَةِ الْمُهْمَلِ. وَأَمَّا فَسَادُ صَلَاتِهِ بِهِ فَلِأَنَّ إفْسَادَهَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ الْكَلَامِ مُعْتَبَرًا فِي اللُّغَةِ أَوْ الشَّرْعِ لِأَنَّهَا تَفْسُدُ بِالْمُهْمَلِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ، فَقَدْ اتَّضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَ كَلَامِهِ وَكَلَامِ الصَّبِيِّ فَافْهَمْ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ أَجَزْته لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِيهِمَا، لِأَنَّ الْإِجَازَةَ لِمَا يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا، وَكُلٌّ مِنْ طَلَاقِ الصَّبِيِّ وَالنَّائِمِ وَقَعَ بَاطِلًا مَوْقُوفًا كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي تَصَرُّفَاتِ الصَّبِيِّ الَّتِي هِيَ ضَرَرٌ مَحْضٌ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، بِخِلَافِ الْمُتَرَدِّدِ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا، حَتَّى لَوْ بَلَغَ فَأَجَازَهُ صَحَّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ بَابِ الْمَهْرِ. وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ أَوْقَعْته فَإِنَّهُ قَدَّمَ فِي الصَّبِيِّ أَنَّهُ يَقَعُ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ إيقَاعٍ وَلَمْ يَجْعَلْ فِي النَّائِمِ كَذَلِكَ. وَتَوْضِيحُ الْفَرْقِ أَنَّ كَلَامَ الصَّبِيِّ لَهُ مَعْنًى لُغَوِيٌّ وَإِنْ لَمْ يُلْزِمْهُ الشَّرْعُ بِمُوجِبِهِ، فَصَحَّ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي أَوْقَعْته إلَى جِنْسِ الطَّلَاقِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ لِزَوْجَتِهِ طَلَّقْتُك بِخِلَافِ النَّائِمِ فَإِنَّ كَلَامَهُ لَمَّا لَمْ يُعْتَبَرْ لُغَةً أَيْضًا فَكَانَ مُهْمَلًا لَمْ يَتَضَمَّنْ شَيْئًا، فَقَدْ عَادَ الضَّمِيرُ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ أَصْلًا فَكَأَنَّهُ قَالَ أَوْقَعْت بِدُونِ ضَمِيرٍ فَلَمْ يَصِحَّ جَعْلُهُ ابْتِدَاءَ إيقَاعٍ (قَوْلُهُ أَوْ جَعَلْته طَلَاقًا) كَذَا عِبَارَةُ الْبَحْرِ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي التَّتَارْخَانِيَّة: أَوْ قَالَ جَعَلْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ طَلَاقًا بِاسْمِ الْإِشَارَةِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. قُلْت: وَيُشْكِلُ الْفَرْقُ، فَإِنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ كَالضَّمِيرِ فِي عَوْدِهِ إلَى مَا سَبَقَ فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْوُقُوعِ هُنَا أَيْضًا. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ لَمَّا لَغَا مَرْجِعُهُ اُعْتُبِرَ لَفْظُ الطَّلَاقِ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: أَوْقَعْت الطَّلَاقَ أَوْ جَعَلْت الطَّلَاقَ طَلَاقًا فَصَحَّ جَعْلُهُ ابْتِدَاءَ إيقَاعٍ، بِخِلَافِ الضَّمِيرِ إذَا لَغَا مَرْجِعُهُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْت مَا تَلَفَّظْت بِهِ فِي حَالَةِ النَّوْمِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا مَرَّ فِي طَلَاقِ الصَّبِيِّ. (قَوْلُهُ وَإِذَا مَلَكَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ) يَعْنِي مِلْكًا حَقِيقِيًّا فَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَزَوْجَتِهِ إذَا اشْتَرَاهَا لِقِيَامِ الرِّقِّ وَالثَّابِتُ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ النِّكَاحِ كَمَا فِي الْفَتْحِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ أَلْغَاهُ الثَّانِي) أَيْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ أَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ أَوْ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فَخَرَجَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ مَحَلِّيَّةِ الطَّلَاقِ، وَبِالْعِدَّةِ لَا تَثْبُتُ الْمَحَلِّيَّةُ كَمَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، قَيَّدَ بِالتَّحْرِيرِ وَالْمُهَاجِرَةِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَهُمَا لَا يَقَعُ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهَا فِي حَقِّ الطَّلَاقِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُهَا فِي حَقِّ التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ كَذَا فِي الْمُصَفَّى. اهـ. ابْنُ مَلَكٍ عَلَى الْمَجْمَعِ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ عَكْسَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهُوَ مَا لَوْ حَرَّرَهَا بَعْدَ شِرَائِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ وَالْحُكْمُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ. وَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ هَذَا وَقَالَ: لَا يَقَعُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَهُ قَاضِي خَانْ، فَعَلَيْهِ تَكُونُ الْفَتْوَى عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْمَجْمَعِ مِنْ عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيمَا لَوْ حَرَّرَتْهُ هِيَ بَعْدَ شِرَائِهَا إيَّاهُ. اهـ. . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 (وَاعْتِبَارُ عَدَدِهِ بِالنِّسَاءٍ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِالرِّجَالِ (فَطَلَاقُ حُرَّةٍ ثَلَاثٌ، وَطَلَاقُ أَمَةٍ ثِنْتَانِ) مُطْلَقًا. (وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِلَفْظِ الْعِتْقِ بِنِيَّةٍ) أَوْ دَلَالَةِ حَالٍ (لَا عَكْسِهِ) لِأَنَّ إزَالَةَ الْمِلْكِ أَقْوَى مِنْ إزَالَةِ الْقَيْدِ. [فُرُوعٌ] كُتِبَ الطَّلَاقُ، وَإِنْ مُسْتَبِينًا عَلَى نَحْوِ لَوْحٍ وَقَعَ إنْ نَوَى، وَقِيلَ مُطْلَقًا، وَلَوْ عَلَى نَحْوِ الْمَاءِ فَلَا مُطْلَقًا. وَلَوْ كُتِبَ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ وَالْخِطَابِ، كَأَنْ يَكْتُبُ يَا فُلَانَةُ: إذَا أَتَاك كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِوُصُولِ الْكِتَابِ جَوْهَرَةٌ.   [رد المحتار] [مَطْلَبٌ اعْتِبَارُ عَدَدِ الطَّلَاقِ بِالنِّسَاءِ] ٍ (قَوْلُهُ وَاعْتِبَارُ عَدَدِهِ بِالنِّسَاءِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ عَائِشَةَ تَرْفَعُهُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ؛ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ. وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ الْقَاسِمُ وَسَالِمٌ: عَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ؛ وَحَقَّقَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا فَهُوَ حَسَنٌ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) رَاجِعٌ إلَى الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْحُرَّةُ أَوْ الْأَمَةُ تَحْتَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ط. (قَوْلُهُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ إلَخْ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَعْتَقْتُك تَطْلُقُ إذَا نَوَى أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ الْحَالُ. وَإِذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: طَلَّقْتُك لَا تَعْتِقُ، لِأَنَّ إزَالَةَ الْمِلْكِ أَقْوَى مِنْ إزَالَةِ الْقَيْدِ، وَلَيْسَتْ الْأُولَى لَازِمَةً لِلثَّانِيَةِ فَلَا تَصِحُّ اسْتِعَارَةُ الثَّانِيَةِ لِلْأُولَى وَيَصِحُّ الْعَكْسُ دُرَرٌ. . [مَطْلَبٌ فِي الطَّلَاقِ بِالْكِتَابَةِ] ِ (قَوْلُهُ كَتَبَ الطَّلَاقَ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: الْكِتَابَةُ عَلَى نَوْعَيْنِ: مَرْسُومَةٍ وَغَيْرِ مَرْسُومَةٍ، وَنَعْنِي بِالْمَرْسُومَةِ أَنْ يَكُونَ مُصَدَّرًا وَمُعَنْوَنًا مِثْلُ مَا يُكْتَبُ إلَى الْغَائِبِ. وَغَيْرُ الْمَرْسُومَةِ أَنْ لَا يَكُونَ مُصَدَّرًا وَمُعَنْوَنًا، وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: مُسْتَبِينَةٍ وَغَيْرِ مُسْتَبِينَةٍ، فَالْمُسْتَبِينَةُ مَا يُكْتَبُ عَلَى الصَّحِيفَةِ وَالْحَائِطِ وَالْأَرْضِ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ فَهْمُهُ وَقِرَاءَتُهُ. وَغَيْرُ الْمُسْتَبِينَةِ مَا يُكْتَبُ عَلَى الْهَوَاءِ وَالْمَاءِ وَشَيْءٌ لَا يُمْكِنُهُ فَهْمُهُ وَقِرَاءَتُهُ. فَفِي غَيْرِ الْمُسْتَبِينَةِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَإِنْ نَوَى، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَبِينَةً لَكِنَّهَا غَيْرَ مَرْسُومَةٍ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَإِلَّا لَا، وَإِنْ كَانَتْ مَرْسُومَةً يَقَعُ الطَّلَاقُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ ثُمَّ الْمَرْسُومَةُ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ أَرْسَلَ الطَّلَاقَ بِأَنْ كَتَبَ: أَمَّا بَعْدُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَكَمَا كَتَبَ هَذَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَتَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْكِتَابَةِ. وَإِنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِمَجِيءِ الْكِتَابِ بِأَنْ كَتَبَ: إذَا جَاءَك كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجَاءَهَا الْكِتَابُ فَقَرَأَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْرَأْ يَقَعُ الطَّلَاقُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ ط (قَوْلُهُ إنْ مُسْتَبِينًا) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ مَرْسُومًا أَيْ مُعْتَادًا وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِهِ لِفَهْمِهِ مِنْ مُقَابَلَةٍ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلَوْ كَتَبَ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ إلَخْ فَإِنَّهُ الْمُرَادُ بِالْمَرْسُومِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) الْمُرَادُ بِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ وَقَوْلُهُ وَلَوْ عَلَى نَحْوِ الْمَاءِ مُقَابِلُ قَوْلِهِ إنْ مُسْتَبِينًا (قَوْلُهُ طَلُقَتْ بِوُصُولِ الْكِتَابِ) أَيْ إلَيْهَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ فِي الْمُسْتَبِينِ الْمَرْسُومِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ أَنَّهُ عَنَى تَجْرِبَةَ الْخَطِّ بَحْرٌ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً فِي الْمَرْسُومِ رَحْمَتِيٌّ. وَلَوْ وَصَلَ إلَى أَبِيهَا فَمَزَّقَهُ وَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهَا، فَإِنَّهُ كَانَ مُتَصَرِّفًا فِي جَمِيعِ أُمُورِهَا فَوَصَلَ إلَيْهِ فِي بَلَدِهَا وَقَعَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا. وَإِنْ أَخْبَرَهَا بِوُصُولِهِ إلَيْهِ وَدَفَعَهُ إلَيْهَا مُمَزَّقًا، وَإِنْ أَمْكَنَ فَهْمُهُ وَقِرَاءَتُهُ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: كَتَبَ فِي قِرْطَاسٍ: إذَا أَتَاك كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ نَسَخَهُ فِي آخَرَ أَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِنَسْخِهِ وَلَمْ يُمْلِهِ عَلَيْهِ فَأَتَاهَا الْكِتَابَانِ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ قَضَاءً إنْ أَقَرَّ أَنَّهُمَا كِتَابَاهُ أَوْ بَرْهَنَتْ، وَفِي الدِّيَانَةِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ بِأَيِّهِمَا أَتَاهَا وَيَبْطُلُ الْآخَرُ؛ وَلَوْ قَالَ لِلْكَاتِبِ: اُكْتُبْ طَلَاقَ امْرَأَتِي كَانَ إقْرَارًا بِالطَّلَاقِ وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ؛ وَلَوْ اسْتَكْتَبَ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 وَفِي الْبَحْرِ: كَتَبَ لِامْرَأَتِهِ: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي غَيْرَك وَغَيْرَ فُلَانَةَ طَالِقٌ ثُمَّ مَحَا اسْمَ الْأَخِيرَةِ وَبَعَثَهُ لَمْ تَطْلُقْ، هَذِهِ حِيلَةٌ عَجِيبَةٌ وَسَيَجِيءُ مَا لَوْ اسْتَثْنَى بِالْكِتَابَةِ. بَابُ الصَّرِيحِ (صَرِيحُهُ مَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ إلَّا فِيهِ) وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ (كَطَلَّقْتُك وَأَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ)   [رد المحتار] آخَرَ كِتَابًا بِطَلَاقِهَا وَقَرَأَهُ عَلَى الزَّوْجِ فَأَخَذَهُ الزَّوْجُ وَخَتَمَهُ وَعَنْوَنَهُ وَبَعَثَ بِهِ إلَيْهَا فَأَتَاهَا وَقَعَ إنْ أَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهُ كِتَابَةٌ أَوْ قَالَ لِلرَّجُلِ: ابْعَثْ بِهِ إلَيْهَا، أَوْ قَالَ لَهُ: اُكْتُبْ نُسْخَةً وَابْعَثْ بِهَا إلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ أَنَّهُ كِتَابُهُ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لَكِنَّهُ وَصَفَ الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ لَا تَطْلُقُ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً، وَكَذَا كُلُّ كِتَابٍ لَمْ يَكْتُبْهُ بِخَطِّهِ وَلَمْ يُمْلِهِ بِنَفْسِهِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ يُقِرَّ أَنَّهُ كِتَابُهُ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ كَتَبَ لِامْرَأَتِهِ) إلَخْ، صُورَتُهُ: لَهُ امْرَأَةٌ تُدْعَى زَيْنَبَ ثُمَّ تَزَوَّجَ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى امْرَأَةً تُدْعَى عَائِشَةَ فَبَلَغَ زَيْنَبَ فَخَافَ مِنْهَا، فَكَتَبَ إلَيْهَا كُلُّ امْرَأَةٍ لِي غَيْرَك وَغَيْرَ عَائِشَةَ طَالِقٌ، ثُمَّ مَحَا قَوْلَهُ وَغَيْرَ عَائِشَةَ. اهـ. ح. قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْهِدَ عَلَى كِتَابَةِ مَا مَحَاهُ لِئَلَّا يَظْهَرَ الْحَالُ فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ الْقَاضِي بِطَلَاقِ عَائِشَةَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَجِيبَةٌ) وَجْهُ الْعَجَبِ نَفْعُ الْكِتَابَةِ بَعْدَ مَحْوِهَا ط (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ مَا لَوْ اسْتَثْنَى بِالْكِتَابَةِ) أَيْ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ عِنْدَ قَوْلِهِ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا. اهـ. ح. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ: وَإِذَا كَتَبَ الطَّلَاقَ وَاسْتَثْنَى بِلِسَانِهِ أَوْ طَلَّقَ بِلِسَانِهِ وَاسْتَثْنَى بِالْكِتَابَةِ هَلْ يَصِحُّ؟ لَا رِوَايَةَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ ط، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. بَابُ الصَّرِيحِ لَمَّا قَدَّمَ ذِكْرَ الطَّلَاقِ نَفْسِهِ وَأَقْسَامِهِ الْأَوَّلِيَّةِ السُّنِّيِّ وَالْبِدْعِيِّ وَبَعْضِ أَحْكَامِ تِلْكَ الْكُلِّيَّاتِ ذَكَرَ أَحْكَامَ بَعْضِ جُزْئِيَّاتِهَا مُضَافَةً إلَى الْمَرْأَةِ أَوْ إلَى بَعْضِهَا وَمَا هُوَ صَرِيحٌ مِنْهَا أَوْ كِنَايَةٌ، فَصَارَ كَتَفْصِيلٍ يَعْقُبُ إجْمَالًا. [بَابُ صَرِيحِ الطَّلَاق] (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ إلَّا فِيهِ) أَيْ غَالِبًا كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْبَحْرِ. وَعَرَّفَهُ فِي التَّحْرِيرِ بِمَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ الشَّرْعِيُّ بِلَا نِيَّةٍ، وَأَرَادَ بِمَا اللَّفْظَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْكِتَابَةِ الْمُسْتَبِينَةِ أَوْ الْإِشَارَةِ الْمَفْهُومَةِ فَلَا يَقَعُ بِإِلْقَاءِ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ إلَيْهَا أَوْ بِأَمْرِهَا بِحَلْقِ شَعْرِهَا وَإِنْ اعْتَقَدَ الْإِلْقَاءَ وَالْحَلْقَ طَلَاقًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ لِأَنَّ رُكْنَ الطَّلَاقِ اللَّفْظُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِمَّا ذُكِرَ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ) فَمَا لَا يُسْتَعْمَلُ فِيهَا إلَّا فِي الطَّلَاقِ فَهُوَ صَرِيحٌ يَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ، وَمَا اُسْتُعْمِلَ فِيهَا اسْتِعْمَالَ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ كِنَايَاتِ الْعَرَبِيَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ بَحْرٌ. وَفِي حَاشِيَةٍ لِلْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّهُ ذَكَرَ كَلَامًا بِالْفَارِسِيَّةِ مَعْنَاهُ إنْ فَعَلَ كَذَا تَجْرِي كَلِمَةُ الشَّرْعِ بَيْنِي وَبَيْنَك يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ الْيَمِينُ عَلَى الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ بَيْنَهُمْ فِيهِ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ قَالَ فِي [نُورِ الْعَيْنِ] الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْيَمِينُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ أَلْفَاظِ الْكُفْرِ: إنَّهُ قَدْ اشْتَهَرَ فِي رَسَاتِيقِ شروان أَنَّ مَنْ قَالَ جَعَلْت كُلَّمَا أَوْ عَلَيَّ كُلَّمَا أَنَّهُ طَلَاقٌ ثَلَاثٌ مُعَلَّقٌ، وَهَذَا بَاطِلٌ وَمِنْ هَذَيَانَاتِ الْعَوَامّ اهـ فَتَأَمَّلْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 بِالتَّشْدِيدِ قَيَّدَ بِخِطَابِهَا، لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: إنْ خَرَجْت يَقَعُ الطَّلَاقُ أَوْ لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي فَإِنِّي حَلَفْت بِالطَّلَاقِ فَخَرَجَتْ لَمْ يَقَعْ لِتَرْكِهِ الْإِضَافَةَ إلَيْهَا (وَيَقَعُ بِهَا) أَيْ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَمَا بِمَعْنَاهَا مِنْ الصَّرِيحِ،   [رد المحتار] مَطْلَبٌ " سن بوش " يَقَعُ بِهِ الرَّجْعِيُّ [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ التَّطْلِيقِ بِلُغَةِ التُّرْكِ هَلْ هُوَ رَجْعِيٌّ بِاعْتِبَارِ الْقَصْدِ أَوْ بَائِنٌ بِاعْتِبَارِ مَدْلُولِ " سن بوش " أَوْ " بوش أَوَّلَ " لِأَنَّ مَعْنَاهُ خَالِيَةٌ أَوْ خَلِيَّةٌ فَيَنْظُرُ. اهـ. قُلْت: وَأَفْتَى الرَّحِيمِيُّ تِلْمِيذُ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ بِأَنَّهُ رَجْعِيٌّ وَقَالَ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو السُّعُودِ. وَنَقَلَ مِثْلَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا التُّرْكُمَانِيُّ عَنْ فَتَاوَى عَلِيِّ أَفَنْدِي مُفْتِي دَارِ السَّلْطَنَةِ وَعَنْ الْحَامِدِيَّةِ (قَوْلُهُ بِالتَّشْدِيدِ) أَيْ تَشْدِيدِ اللَّامِ فِي مُطَلَّقَةٍ، أَمَّا بِالتَّخْفِيفِ فَيُلْحَقُ بِالْكِنَايَةِ بَحْرٌ وَسَيَذْكُرُهُ فِي بَابِهَا (قَوْلُهُ لِتَرْكِهِ الْإِضَافَةَ) أَيْ الْمَعْنَوِيَّةَ فَإِنَّهَا الشَّرْطُ وَالْخِطَابُ مِنْ الْإِضَافَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ، وَكَذَا الْإِشَارَةُ نَحْوُ هَذِهِ طَالِقٌ، وَكَذَا نَحْوُ امْرَأَتِي طَالِقٌ وَزَيْنَبُ طَالِقٌ. اهـ. أَقُولُ: وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَصْلُهُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْبَزَّازِيَّةِ فِي الْأَيْمَانِ قَالَ لَهَا: لَا تَخْرُجِي مِنْ الدَّارِ إلَّا بِإِذْنِي فَإِنِّي حَلَفْت بِالطَّلَاقِ فَخَرَجَتْ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ حَلِفِهِ بِطَلَاقِهَا، وَيَحْتَمِلُ الْحَلِفَ بِطَلَاقِ غَيْرِهَا فَالْقَوْلُ لَهُ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي هَذَا الْأَخْذِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مَفْهُومَ كَلَامِ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْحَلِفَ بِطَلَاقِهَا يَقَعُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقَوْلَ لَهُ فِي صَرْفِهِ إلَى طَلَاقِ غَيْرِهَا، وَالْمَفْهُومُ مِنْ تَعْلِيلِ الشَّارِحِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ عَدَمُ الْوُقُوعِ أَصْلًا لِفَقْدِ شَرْطِ الْإِضَافَةِ، مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ طَلَاقَهَا تَكُونُ الْإِضَافَةُ مَوْجُودَةً وَيَكُونُ الْمَعْنَى فَإِنِّي حَلَفْت بِالطَّلَاقِ مِنْك أَوْ بِطَلَاقِك، وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْإِضَافَةِ صَرِيحَةً فِي كَلَامِهِ؛ لِمَا فِي الْبَحْرِ لَوْ قَالَ: طَالِقٌ فَقِيلَ لَهُ مَنْ عَنَيْت؟ فَقَالَ امْرَأَتِي طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ. اهـ. عَلَى أَنَّهُ فِي الْقُنْيَةِ قَالَ عَازِيًا إلَى الْبُرْهَانِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ: رَجُلٌ دَعَتْهُ جَمَاعَةٌ إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ فَقَالَ: إنِّي حَلَفْت بِالطَّلَاقِ أَنِّي لَا أَشْرَبُ وَكَانَ كَاذِبًا فِيهِ ثُمَّ شَرِبَ طَلُقَتْ. وَقَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ: لَا تَطْلُقُ دِيَانَةً اهـ وَمَا فِي التُّحْفَةِ لَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ طَلُقَتْ قَضَاءً فَقَطْ، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ بِالطَّلَاقِ كَاذِبًا لَا يَقَعُ دِيَانَةً بِخِلَافِ الْهَازِلِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ وَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ إلَى الْمَرْأَةِ صَرِيحًا، نَعَمْ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقُلْ إنِّي أَرَدْت الْحَلِفَ بِطَلَاقِ غَيْرِهَا فَلَا يُخَالِفُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَحْرِ لَوْ قَالَ: امْرَأَةٌ طَالِقٌ أَوْ قَالَ طَلَّقْت امْرَأَةً ثَلَاثًا وَقَالَ لَمْ أَعْنِ امْرَأَتِي يُصَدَّقُ اهـ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ، لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ مَنْ لَهُ امْرَأَةٌ إنَّمَا يَحْلِفُ بِطَلَاقِهَا لَا بِطَلَاقِ غَيْرِهَا، فَقَوْلُهُ إنِّي حَلَفْت بِالطَّلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَيْهَا مَا لَمْ يُرِدْ غَيْرَهَا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَكَرَ اسْمَهَا أَوْ اسْمَ أَبِيهَا أَوْ أُمَّهَا أَوْ وَلَدَهَا فَقَالَ: عَمْرَةُ طَالِقٌ أَوْ بِنْتُ فُلَانٍ أَوْ بِنْتُ فُلَانَةَ أَوْ أُمُّ فُلَانٍ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهَا تَطْلُقُ، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ: لَمْ أَعْنِ امْرَأَتِي لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً إذَا كَانَتْ امْرَأَتُهُ كَمَا وَصَفَ كَمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ الْكِنَايَاتِ وَسَيَذْكُرُ قَرِيبًا أَنَّ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي، وَالْحَرَامُ يَلْزَمُنِي، وَعَلَيَّ الطَّلَاقُ، وَعَلَيَّ الْحَرَامُ، فَيَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ لِلْعُرْفِ إلَخْ. فَأَوْقَعُوا بِهِ الطَّلَاقَ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَيْهَا صَرِيحًا، فَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ امْرَأَتَهُ لِلْعُرْفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَمَا بِمَعْنَاهَا مِنْ الصَّرِيحِ) أَيْ مِثْلُ مَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ نَحْوِ: كُونِي طَالِقًا وَاطَّلَّقِي وَيَا مُطَلَّقَةُ بِالتَّشْدِيدِ، وَكَذَا الْمُضَارِعُ إذَا غَلَبَ فِي الْحَالِ مِثْلُ أُطَلِّقُك كَمَا فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَمِنْهُ فِي عُرْفِ زَمَانِنَا: تَكُونِي طَالِقًا، وَمِنْهُ: خُذِي طَلَاقَك فَقَالَتْ أَخَذْت، فَقَدْ صَرَّحَ الْوُقُوعَ بِهِ بِلَا اشْتِرَاطِ نِيَّةٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ قَوْلُهَا أَخَذْت كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَأَمَّا مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ مِنْهُ: شِئْت طَلَاقَك، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 وَيَدْخُلُ نَحْوُ طَلَاغٍ وَتَلَاغٍ وَطَلَاكٍ وَتَلَاكٍ أَوْ " طَ لَ قَ " أَوْ " طَلَاقٍ بَاشٍ " بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ عَالِمٍ وَجَاهِلٍ، وَإِنْ قَالَ تَعَمَّدْته تَخْوِيفًا لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً إلَّا إذَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ وَبِهِ يُفْتَى؛ وَلَوْ قِيلَ لَهُ: طَلَّقْت امْرَأَتَك فَقَالَ: نَعَمْ أَوْ بَلَى بِالْهِجَاءِ طَلُقَتْ بَحْرٌ (وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً،   [رد المحتار] وَرَضِيت طَلَاقَك، فَفِيهِ خِلَافٌ. وَجَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْ النِّيَّة كَمَا ذَكَرَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: أَيْ فَيَكُونُ كِنَايَةً لِأَنَّ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ. وَأَمَّا مَا فِي الْبَحْرِ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ مِنْهُ: وَهَبْت لَك طَلَاقَك وَأَوْدَعْتُك طَلَاقَك وَرَهَنْتُك طَلَاقَك فَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ تَصْحِيحَ الْوُقُوعِ بِهِ، وَأَمَّا أَنْتِ الطَّلَاقُ فَلَيْسَ بِمَعْنَى الْمَذْكُورَاتِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مَا يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَإِنْ نَوَى خِلَافَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. وَأَنْتِ الطَّلَاقُ تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ كَمَا ذَكَرَهُ عَقِبَهُ. وَأَمَّا أَنْتِ أَطْلَقُ مِنْ فُلَانَةَ، فَفِي النَّهْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّهُ كِنَايَةٌ قَالَ: فَإِنْ كَانَ جَوَابًا لِقَوْلِهَا إنَّ فُلَانًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَقَعَ وَلَا يَدِينُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ قَائِمَةٌ مَقَامَ النِّيَّةِ، حَتَّى لَوْ لَمْ تَكُنْ قَائِمَةً لَمْ يَقَعْ إلَّا بِالنِّيَّةِ اهـ فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ مِنْ الصَّرِيحِ الْأَلْفَاظُ الْمُصَحَّفَةُ (قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ نَحْوُ طَلَاغٍ وَتَلَاغٍ إلَخْ) أَيْ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمِنْهُ الْأَلْفَاظُ الْمُصَحَّفَةُ وَهِيَ خَمْسَةٌ فَزَادَ عَلَى مَا هُنَا ثَلَاثًا. وَزَادَ فِي النَّهْرِ إبْدَالَ الْقَافِ لَامًا. قَالَ ط: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّ فَاءَ الْكَلِمَةِ إمَّا طَاءٌ أَوْ تَاءٌ وَاللَّامُ إمَّا قَافٌ أَوْ عَيْنٌ أَوْ غَيْنٌ أَوْ كَافٌ أَوْ لَامٌ وَاثْنَانِ فِي خَمْسَةٍ بِعَشْرَةٍ تِسْعَةٌ مِنْهَا مُصَحَّفَةٌ، وَهِيَ مَا عَدَا الطَّاءِ مَعَ الْقَافِ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ ط ل ق) ظَاهِرُ مَا هُنَا وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ أَنْ يَأْتِيَ بِمُسَمَّى أَحْرُفِ الْهِجَاءِ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَسْمَائِهَا. فَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَلْفٌ نُونٌ تَاءٌ حَاءٌ رَاءٌ هَاءٌ، أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَلْفٌ نُونٌ تَاءٌ طَاءٌ أَلْفٌ لَامٌ قَافٌ أَنَّهُ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ تَطْلُقُ الْمَرْأَةُ وَتَعْتِقُ الْأَمَةُ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْكِنَايَةِ لِأَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ يُفْهَمُ مِنْهَا مَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ صَرِيحِ الْكَلَامِ، إلَّا أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ كَذَلِكَ فَصَارَتْ كَالْكِنَايَةِ فِي الِافْتِقَارِ إلَى النِّيَّةِ. اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ إذَا افْتَقَرَ إلَى النِّيَّةِ لَا يُنَاسِبُ ذِكْرَهُ هُنَا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَقَعُ بِهِ الرَّجْعِيَّةُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ وَسَيُصَرِّحُ الشَّارِحُ أَيْضًا بَعْدَ صَفْحَةٍ بِافْتِقَارِهِ إلَى النِّيَّةِ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي بَابِ الْكِنَايَةِ، وَقَدَّمْنَاهُ أَيْضًا أَوَّلَ الطَّلَاقِ عَنْ الْفَتْحِ. وَفِي الْبَحْرِ: يَقَعُ بِالتَّهَجِّي كَأَنْتِ ط ل ق، وَكَذَا لَوْ قِيلَ لَهُ طَلَّقْتهَا فَقَالَ ن عِ م أَوْ ب ل ى بِالْهِجَاءِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ أَطْلَقَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ النِّيَّةَ، وَشَرَطَهَا فِي الْبَدَائِعِ اهـ قُلْت: عَدَمُ التَّصْرِيحِ بِالِاشْتِرَاطِ لَا يُنَافِي الِاشْتِرَاطَ، عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ هُوَ مَسْأَلَةُ الْجَوَابِ بِالتَّهَجِّي وَالسُّؤَالُ بِقَوْلِ الْقَائِلِ طَلَّقْتهَا قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ جَوَابِهِ فَيَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ ابْتِدَاءً أَنْتِ طَالِقٌ بِالتَّهَجِّي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ طَلَاقٌ باش) كَلِمَةٌ فَارِسِيَّةٌ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ قَالَ لَهَا سه طَلَاقٌ بَاشٍ أَوْ قَالَ بِطَلَاقٍ باش تُحَكَّمُ النِّيَّةُ، وَكَانَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ يُفْتِي بِالْوُقُوعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِلَا نِيَّةٍ (قَوْلُهُ بِلَا فَرْقٍ إلَخْ) هَذَا ذِكْرُهُ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُصَحَّفَةِ فَكَانَ عَلَيْهِ ذِكْرُهُ عَقِبَهَا بِلَا فَاصِلٍ (قَوْلُهُ تَعَمَّدْته) أَيْ التَّصْحِيفَ تَخْوِيفًا لَهَا بِلَا قَصْدِ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ طَلَّقْت امْرَأَتَك) وَكَذَا تَطْلُقُ لَوْ قِيلَ لَهُ أَلَسْت طَلَّقْت امْرَأَتَك عَلَى مَا بَحَثَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ فِي الْعُرْفِ بَيْنَ الْجَوَابِ بِنَعَمْ أَوْ بَلَى كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ آخِرَ هَذَا الْبَابِ. (قَوْلُهُ طَلُقَتْ) أَيْ بِلَا نِيَّةٍ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ وَاحِدَةٌ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ قَوْلِهِ وَيَقَعُ وَهُوَ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ أَيْ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ رَجْعِيَّةٌ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ مَا يُجْعَلُ بَائِنًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 وَإِنْ نَوَى خِلَافَهَا) مِنْ الْبَائِنِ أَوْ أَكْثَرَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا) وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ الصَّرِيحُ نَوْعَانِ رَجْعِيٌّ وَبَائِنٌ فَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الصَّرِيحَ نَوْعَانِ: صَرِيحٌ رَجْعِيٌّ، وَصَرِيحٌ بَائِنٌ. فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ بِحُرُوفِ الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ حَقِيقَةً غَيْرَ مَقْرُونٍ بِعِوَضٍ وَلَا بِعَدَدِ الثَّلَاثِ لَا نَصًّا وَلَا إشَارَةً وَلَا مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ تُنْبِئُ عَنْ الْبَيْنُونَةِ أَوْ تَدُلُّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَلَا مُشَبَّهٍ بِعَدَدٍ أَوْ صِفَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهَا. وَأَمَّا الثَّانِي فَبِخِلَافِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِحُرُوفِ الْإِبَانَةِ بِحُرُوفِ الطَّلَاقِ، لَكِنْ قَبْلَ الدُّخُولِ حَقِيقَةً أَوْ بَعْدَهُ، لَكِنْ مَقْرُونًا بِعَدَدِ الثَّلَاثِ نَصًّا أَوْ إشَارَةً أَوْ مَوْصُوفًا بِصِفَةٍ تُنْبِئُ عَنْ الْبَيْنُونَةِ أَوْ تَدُلُّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ، أَوْ مُشَبَّهًا بِعَدَدٍ أَوْ صِفَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهَا. اهـ. وَيُعْلَمُ مُحْتَرَزُ الْقُيُودِ مِمَّا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْبَابِ مِنْ وُقُوعِ الثَّلَاثِ فِي أَنْتِ هَكَذَا مُشِيرًا بِأَصَابِعِهِ. وَوُقُوعُ الْبَائِنِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ بِخِلَافٍ وَبَائِنٌ وَبِأَنْتِ طَالِقٌ كَأَلْفٍ أَوْ تَطْلِيقَةً طَوِيلَةً وَاخْتَارَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْقِسْمَ الثَّانِيَ لَيْسَ مِنْ الصَّرِيحِ، فَلَا حَاجَةَ لِاحْتِرَازٍ عَنْهُ. وَاسْتَظْهَرَ فِي الْبَحْرِ مَا فِي الْبَدَائِعِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ حَدَّ الصَّرِيحِ يَشْمَلُ الْكُلَّ. قَالَ فِي النَّهْرِ: لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ عَلَى مَالٍ وَنَحْوِهِ ذَلِكَ لَيْسَ كِنَايَةً، وَإِلَّا لَاحْتَاجَ إلَى النِّيَّةِ أَوْ دَلَالَةِ الْحَالِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا إذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا. اهـ. وَفِيهِ عَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ: لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَلَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك فَرَجْعِيَّةٌ، وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك فَبَائِنٌ. اهـ. وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى الْفَرْعِ الْأَخِيرِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى خِلَافًا) قَيَّدَ بِنِيَّتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ جَعَلْتهَا بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا كَانَتْ كَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَمَعْنَى جَعْلِ الْوَاحِدَةِ ثَلَاثًا عَلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ أَلْحَقَ بِهَا اثْنَتَيْنِ لَا أَنَّهُ جَعَلَ الْوَاحِدَةَ ثَلَاثًا، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَوَافَقَهُ الثَّانِي فِي الْبَيْنُونَةِ دُونَ الثَّلَاثِ وَنَفَاهُمَا الثَّالِثُ نَهْرٌ، وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَفِي الْبَحْرِ: وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْكِنَايَاتِ. وَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَوْ قَرَنَهُ بِالْعَدَدِ ابْتِدَاءً فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ، أَوْ قَالَ ثَلَاثًا يَقَعُ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي أَنَّهُ مَتَى قَرَنَ بِالْعَدَدِ كَانَ الْوُقُوعُ بِهِ وَسَنَذْكُرُ فِي الْكِنَايَاتِ مَا لَوْ أَلْحَقَ الْعَدَدَ بَعْدَمَا سَكَتَ (قَوْلُهُ مِنْ الْبَائِنِ أَوْ أَكْثَرَ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ خِلَافَهَا فَإِنَّ الضَّمِيرَ فِيهِ لِلْوَاحِدَةِ الرَّجْعِيَّةِ فَخِلَافَ الْوَاحِدَةِ الْأَكْثَرِ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا، وَخِلَافَ الرَّجْعِيَّةِ الْبَائِنِ فَفِي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ. وَفِيهِ أَيْضًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ نِيَّةُ الْمُكْرَهِ الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ، فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ تَصِحُّ نِيَّتُهُ قَضَاءً كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ فَقَطْ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ كَمَا يُفَادُ مِنْ الْبَحْرِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِلْإِمَامِ لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ لَفْظِهِ ط. مَطْلَبٌ فِي قَوْلِ الْبَحْرِ: إنَّ الصَّرِيحَ يُحْتَاجُ فِي وُقُوعِهِ دِيَانَةً إلَى النِّيَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا) لِمَا مَرَّ أَنَّ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ فِي وُقُوعِهِ قَضَاءً وَدِيَانَةً مِنْ قَصْدِ إضَافَةِ لَفْظِ الطَّلَاقِ إلَيْهَا عَالِمًا بِمَعْنَاهُ وَلَمْ يَصْرِفْهُ إلَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ، وَحَقَّقَهُ فِي النَّهْرِ، احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ كَرَّرَ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ بِحَضْرَتِهَا، أَوْ كَتَبَ نَاقِلًا مِنْ كِتَابِ امْرَأَتِي طَالِقٌ مَعَ التَّلَفُّظِ، أَوْ حَكَى يَمِينَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ أَصْلًا مَا لَمْ يَقْصِدْ زَوْجَتَهُ، وَعَمَّا لَوْ لَقَّنَتْهُ لَفْظَ الطَّلَاقِ فَتَلَفَّظَ بِهِ غَيْرَ عَالِمٍ بِمَعْنَاهُ فَلَا يَقَعُ أَصْلًا عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ مَشَايِخُ أُوزْجَنْدَ صِيَانَةً عَنْ التَّلْبِيسِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْوُقُوعِ قَضَاءً فَقَطْ. وَعَمَّا لَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ مِنْ قَوْلِ أَنْتِ حَائِضٌ مَثَلًا إلَى أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَقَعُ قَضَاءً فَقَطْ، وَعَمَّا لَوْ نَوَى بِأَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ مِنْ وَثَاقٍ فَإِنَّهُ قَضَاءٌ فَقَطْ أَيْضًا. وَأَمَّا الْهَازِلُ فَيَقَعُ طَلَاقُهُ قَضَاءً وَدِيَانَةً لِأَنَّهُ قَصَدَ السَّبَبَ عَالِمًا بِأَنَّهُ سَبَبٌ فَرَتَّبَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ عَلَيْهِ أَرَادَهُ أَوْ لَمْ يُرِدْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 عَنْ وَثَاقٍ دِينَ إنْ لَمْ يَقْرِنْهُ بِعَدَدٍ؛ وَلَوْ مُكْرَهًا صُدِّقَ قَضَاءً أَيْضًا كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِالْوَثَاقِ أَوْ الْقَيْدِ، وَكَذَا لَوْ نَوَى طَلَاقَهَا مِنْ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ عَلَى الصَّحِيحِ خَانِيَّةٌ؛ وَلَوْ نَوَى عَنْ الْعَمَلِ لَمْ يُصَدَّقْ أَصْلًا؛ وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ دِينَ، فَقَطْ. (وَفِي أَنْتِ الطَّلَاقُ) أَوْ طَلَاقٌ (أَوْ أَنْتِ طَالِقُ الطَّلَاقِ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا يَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا   [رد المحتار] كَمَا مَرَّ، وَبِهَذَا ظَهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ مَا فِي الْبَحْرِ وَالْأَشْبَاهِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ الْقَضَاءُ. أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَمُحْتَاجٌ إلَيْهَا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: وَلَوْ نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ أَوْ سَبْقِ لِسَانِهِ إلَى لَفْظِ الطَّلَاقِ يَقَعُ قَضَاءً فَقَطْ أَيْ لَا دِيَانَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ عَدَمَ وُقُوعِهِ دِيَانَةً فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ صَرْفُ اللَّفْظِ إلَى مَا يَحْتَمِلُهُ، وَفِي الثَّانِي لِعَدَمِ قَصْدِ اللَّفْظِ، وَاللَّازِمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي وُقُوعِهِ دِيَانَةً قَصْدُ اللَّفْظِ وَعَدَمُ التَّأْوِيلِ الصَّحِيحِ. أَمَّا اشْتِرَاطُ نِيَّةِ الطَّلَاقِ فَلَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ الْعَمَلِ لَا يُصَدَّقُ وَيَقَعُ دِيَانَةً أَيْضًا كَمَا يَأْتِي مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ مَعْنَى الطَّلَاقِ وَكَذَا لَوْ طَلَّقَ هَازِلًا. (قَوْلُهُ عَنْ وَثَاقٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا الْقَيْدُ وَجَمْعُهُ وُثُقٌ كَرِبَاطٍ وَرُبُطٌ مِصْبَاحٌ وَعُلِمَ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ قَيْدٍ دِينَ أَيْضًا (قَوْلُهُ دِينَ) أَيْ تَصِحُّ نِيَّتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَيُفْتِيهِ الْمُفْتِي بِعَدَمِ الْوُقُوعِ. أَمَّا الْقَاضِي فَلَا يُصَدِّقُهُ وَيَقْضِي عَلَيْهِ بِالْوُقُوعِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ بِلَا قَرِينَةٍ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُقْرِنْهُ بِعَدَدٍ) هَذَا الشَّرْطُ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ فِيمَا لَوْ صَرَّحَ بِالْوَثَاقِ أَوْ الْقَيْدِ، بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا مِنْ هَذَا الْقَيْدِ فَيَقَعُ قَضَاءً وَدِيَانَةً كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُ الْقَيْدِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَانْصَرَفَ إلَى قَيْدِ النِّكَاحِ كَيْ لَا يَلْغُوَ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ اتِّحَادَ الْحُكْمِ فِيمَا لَوْ قَالَ مَرَّتَيْنِ اهـ وَلِذَا أَطْلَقَ الشَّارِحُ الْعَدَدَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا انْصَرَفَ إلَى قَيْدِ النِّكَاحِ بِسَبَبِ الْعَدَدِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالْقَيْدِ فَمَعَ عَدَمِهِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ صُدِّقَ قَضَاءً أَيْضًا) أَيْ كَمَا يُصَدَّقُ دِيَانَةً لِوُجُودِ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْإِيقَاعِ، وَهِيَ الْإِكْرَاهُ ط. (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ صَرَّحَ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً إلَّا إذَا قَرَنَهُ بِالْعَدَدِ فَلَا يُصَدَّقُ أَصْلًا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ نَوَى إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمِنْهُ أَيْ مِنْ الصَّرِيحِ: يَا طَالِقُ أَوْ يَا مُطَلَّقَةُ بِالتَّشْدِيدِ، وَلَوْ قَالَ: أَرَدْت الشَّتْمَ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً وَدِينَ خُلَاصَةٌ، وَلَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ طَلَّقَهَا قَبْلُ فَقَالَ: أَرَدْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ صُدِّقَ دِيَانَةً بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَقَضَاءً فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَهُوَ حَسَنٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ لَا يُصَدَّقُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ قَدْ مَاتَ. اهـ. قُلْت: وَقَدْ ذَكَرُوا هَذَا التَّفْصِيلَ فِي صُورَةِ النِّدَاءِ كَمَا سَمِعْت، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ فِي الْإِخْبَارِ كَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَمْ يُصَدَّقْ أَصْلًا) أَيْ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً قَالَ فِي الْفَتْحِ: لِأَنَّ الطَّلَاقَ لِرَفْعِ الْقَيْدِ وَهِيَ لَيْسَتْ مُقَيَّدَةً بِالْعَمَلِ فَلَا يَكُونُ مُحْتَمَلَ اللَّفْظِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَدِينُ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّخَلُّصِ (قَوْلُهُ دِينَ فَقَطْ) أَيْ وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً لِأَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّهُ طَلَّقَ ثُمَّ وَصَلَ لَفْظُ الْعَمَلِ اسْتِدْرَاكًا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَصَلَ لَفْظُ الْوَثَاقِ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ قَلِيلًا فَتْحٌ. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْوَثَاقِ وَالْقَيْدِ وَالْعَمَلِ إمَّا أَنْ يُذْكَرَ أَوْ يُنْوَى؛ فَإِنْ ذُكِرَ فَإِمَّا أَنْ يُقْرَنَ بِالْعَدَدِ أَوْ لَا، فَإِنْ قُرِنَ بِهِ بِلَا نِيَّةٍ وَإِلَّا فَفِي ذِكْرِ الْعَمَلِ وَقَعَ قَضَاءً فَقَطْ، وَفِي لَفْظَيْ الْوَثَاقِ وَالْقَيْدِ لَا يَقَعُ أَصْلًا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ بَلْ نَوَى لَا يَدِينُ فِي لَفْظِ الْعَمَلِ وَدِينَ فِي الْوَثَاقِ وَالْقَيْدِ، وَيَقَعُ قَضَاءً إلَّا أَنْ يَكُونَ مُكْرَهًا وَالْمَرْأَةُ كَالْقَاضِي إذَا سَمِعْته أَوْ أَخْبَرَهَا عَدْلٌ لَا يَحِلُّ لَهُ تَمْكِينُهُ. وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا قَتْلُهُ، وَلَا تَقْتُلُ نَفْسَهَا بَلْ تَفْدِي نَفْسَهَا بِمَالٍ أَوْ تَهَرُّبٍ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَتْلُهَا إذَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ وَكُلَّمَا هَرَبَ رَدَّتْهُ بِالسِّحْرِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْأُوزْجَنْدِيِّ أَنَّهَا تَرْفَعُ الْأَمْرَ لِلْقَاضِي، فَإِنَّهُ حَلَفَ وَلَا بَيِّنَةَ لَهَا فَالْإِثْمُ عَلَيْهِ. اهـ. قُلْت: أَيْ إذَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الْفِدَاءِ أَوْ الْهَرَبِ وَلَا عَلَى مَنْعِهِ عَنْهَا فَلَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ وَفِي أَنْتِ الطَّلَاقُ أَوْ طَلَاقٌ إلَخْ) بَيَانٌ لِمَا إذَا أَخْبَرَ عَنْهَا بِمَصْدَرٍ مُعَرَّفٍ أَوْ مُنَكَّرٍ أَوْ اسْمِ فَاعِلٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 أَوْ نَوَى) يَعْنِي بِالصَّدْرِ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى بِطَالِقٍ وَاحِدَةً وَبِالطَّلَاقِ أُخْرَى وَقَعَتَا رَجْعَتَيْنِ لَوْ مَدْخُولًا بِهَا كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ زَيْلَعِيٌّ (وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ) لِأَنَّهُ صَرِيحُ مَصْدَرٍ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ (فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ) لِأَنَّهُ فَرْدٌ حُكْمِيٌّ (وَلِذَا) كَانَ (الثِّنْتَانِ فِي الْأَمَةِ) وَكَذَا فِي حَرَّةٍ تَقَدَّمَهَا وَاحِدَةٌ جَوْهَرَةٌ، لَكِنْ جَزَمَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ سَهْوٌ (بِمَنْزِلَةِ الثَّلَاثِ فِي الْحَرَّةِ) . وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي، وَالْحَرَامُ يَلْزَمُنِي، وَعَلَيَّ الطَّلَاقُ، وَعَلَيَّ الْحَرَامُ فَيَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ لِلْعُرْفِ،   [رد المحتار] بَعْدَهُ مَصْدَرٌ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ يَعْنِي بِالْمَصْدَرِ إلَخْ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ ثِنْتَيْنِ. (قَوْلُهُ وَقَعَتَا رَجْعِيَّتَيْنِ) هَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَيُرْوَى عَنْ الثَّانِي، وَبِهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ. وَمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَبِهِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَأَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ. وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ الْمُرَجَّحُ فِي الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ لَوْ مَدْخُولًا بِهَا) وَإِلَّا بِأَنْتِ بِالْأَوَّلِ فَيَلْغُو الثَّانِي (قَوْلُهُ أَوْ ثِنْتَيْنِ) أَيْ فِي الْحُرَّةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ مَصْدَرٌ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ أَوْ ثِنْتَيْنِ، يَعْنِي أَنَّ الْمَصْدَرَ مِنْ أَلْفَاظِ الْوَاحِدَانِ لَا يُرَاعَى فِيهَا الْعَدَدُ الْمَحْضُ بَلْ التَّوْحِيدُ وَهُوَ بِالْفَرْدِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوْ الْجِنْسِيَّةِ وَالْمُثَنَّى بِمَعْزِلٍ عَنْهُمَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فَرْدٌ حُكْمِيٌّ) لِأَنَّ الثَّلَاثَ كُلُّ الطَّلَاقِ فَهِيَ الْفَرْدُ الْكَامِلُ مِنْهُ، فَإِرَادَتُهَا لَا تَكُونُ إرَادَةَ الْعَدَدِ ط (قَوْلُهُ وَلِذَا كَانَ) أَيْ لِلْفَرْدِيَّةِ الْحُكْمِيَّةِ (قَوْلُهُ لَكِنْ جَزَمَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ سَهْوٌ) حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا مَا فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَقَدَّمَ عَلَى الْحُرَّةِ وَاحِدَةٌ فَإِنَّهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ إذَا نَوَاهُمَا يَعْنِي مَعَ الْأُولَى فَسَهْوٌ ظَاهِرٌ. اهـ. وَنَظَرَ فِيهِ صَاحِبُ النَّهْرِ، بِأَنَّهُ إذَا نَوَى الثِّنْتَيْنِ مَعَ الْأُولَى فَقَدْ نَوَى الثَّلَاثَ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ فِي مِلْكِهِ الِاثْنَتَانِ وَقَعَتَا. اهـ. ح أَقُولُ: إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ نَوَى الثِّنْتَيْنِ مَضْمُومَتَيْنِ إلَى الْأُولَى لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ نِيَّةِ الثِّنْتَيْنِ وَذَلِكَ عَدَدٌ مَحْضٌ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ نَوَى الثَّلَاثَ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْأُولَى فَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ الثَّلَاثَ فَرْدٌ اعْتِبَارِيٌّ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ طَلَّقَ الْحُرَّةَ وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي ثِنْتَيْنِ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ، وَلَوْ نَوَى الثَّلَاثَ تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَتَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ أُخْرَيَانِ اهـ فَافْهَمْ. [فَرْعٌ] فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى الثَّلَاثَ فِي إحْدَاهُمَا وَالْوَاحِدَةَ فِي الْأُخْرَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ فَيَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ لِلْعُرْفِ) أَيْ فَيَكُونُ صَرِيحًا لَا كِنَايَةً، بِدَلِيلِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ فِي لَفْظِ الْحَرَامِ الْبَائِنَ لِأَنَّ الصَّرِيحَ قَدْ يَقَعُ بِهِ الْبَائِنُ كَمَا مَرَّ، لَكِنْ فِي وُقُوعِ الْبَائِنِ بِهِ بَحْثٌ سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْكِنَايَاتِ، وَإِنَّمَا كَانَ مَا ذَكَرَهُ صَرِيحًا لِأَنَّهُ صَارَ فَاشِيًا فِي الْعُرْفِ فِي اسْتِعْمَالِهِ فِي الطَّلَاقِ لَا يَعْرِفُونَ مِنْ صِيَغِ الطَّلَاقِ غَيْرَهُ وَلَا يَحْلِفُ بِهِ إلَّا الرِّجَالُ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الصَّرِيحَ مَا غَلَبَ فِي الْعُرْفِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّلَاقِ بِحَيْثُ لَا يُسْتَعْمَلُ عُرْفًا إلَّا فِيهِ مِنْ أَيِّ لُغَةٍ كَانَتْ، وَهَذَا فِي عُرْفِ زَمَانِنَا كَذَلِكَ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ صَرِيحًا كَمَا أَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ فِي أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ بِأَنَّهُ طَلَاقٌ بَائِنٌ لِلْعُرْفِ بِلَا نِيَّةٍ مَعَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ تَوَقُّفُهُ عَلَى النِّيَّةِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: طَلَاقُك عَلَيَّ لَمْ يَقَعْ لِأَنَّ ذَاكَ عِنْدَ عَدَمِ غَلَبَةِ الْعُرْفِ. وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ أَبُو السُّعُودِ أَفَنْدِي مُفْتِي الرُّومِ، وَمِنْ أَنَّ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ يَلْزَمُنِي الطَّلَاقُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ: أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَعَارَفْ فِي زَمَنِهِ. وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مِنَحِهِ: أَنَّهُ فِي دِيَارِنَا صَارَ الْعُرْفُ فَاشِيًا فِي اسْتِعْمَالِهِ فِي الطَّلَاقِ لَا يَعْرِفُونَ مِنْ صِيَغِ الطَّلَاقِ غَيْرَهُ فَيَجِبُ الْإِفْتَاءُ بِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْحَرَامِ يَلْزَمُنِي وَعَلَيَّ الْحَرَامُ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهِ لِلتَّعَارُفِ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ، وَإِفْتَاءُ أَبِي السُّعُودِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ فِي دِيَارِهِمْ فِي الطَّلَاقِ أَصْلًا كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ قَاسِمُ ذَكَرَهُ قَبْلَهُ شَيْخُهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. وَلِسَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيِّ رِسَالَةٌ فِي ذَلِكَ سَمَّاهَا [رَفْعُ الِانْغِلَاقِ فِي عَلَيَّ الطَّلَاقُ] وَنَقَلَ فِيهَا الْوُقُوعَ عَنْ بَقِيَّةِ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] أَقُولُ: وَقَدْ رَأَيْت الْمَسْأَلَةَ مَنْقُولَةً عِنْدَنَا عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ. فَفِي الذَّخِيرَةِ وَعَنْ ابْنِ سَلَّامٍ فِيمَنْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ عَلَيَّ أَوْ قَالَ عَلَيَّ وَاجِبَاتٌ يُعْتَبَرُ عَادَةُ أَهْلِ الْبَلَدِ هَلْ غَلَبَ ذَلِكَ فِي أَيْمَانِهِمْ اهـ وَكَذَا ذَكَرَهَا السُّرُوجِيُّ فِي الْغَايَةِ كَمَا يَأْتِي وَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ تَبَعًا لِأَبِي السُّعُودِ أَفَنْدِي فَقَدْ رَجَعَ عَنْهُ وَأَفْتَى عَقِبَهُ بِخِلَافِهِ؛ وَقَالَ: أَقُولُ الْحَقَّ. الْوُقُوعُ بِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ لِاشْتِهَارِهِ فِي مَعْنَى التَّطْلِيقِ، فَيَجِبُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ وَالتَّعْوِيلُ عَلَيْهِ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ فِي أَمْرِ الْفُرُوجِ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] عِبَارَةُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ فِي الْفَتْحِ هَكَذَا: وَقَدْ تُعُورِفَ فِي عُرْفِنَا فِي الْحَلِفِ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا يُرِيدُ إنْ فَعَلْته لَزِمَ الطَّلَاقُ وَوَقَعَ فَيَجِبُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ فَعَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَكَذَا تَعَارَفَ أَهْلُ الْأَرْيَافِ الْحَلِفُ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا أَفْعَلُ اهـ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ تَعْلِيقٌ فِي الْمَعْنَى عَلَى فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِغَلَبَةِ الْعُرْفِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَدَاةُ تَعْلِيقٍ صَرِيحًا. وَرَأَيْت التَّصْرِيحَ بِأَنَّ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْحَاوِي عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ فِيمَنْ اُتُّهِمَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْغَدَاةَ فَقَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ أَنَّهُ قَدْ صَلَّاهَا وَقَدْ تَعَارَفُوهُ شَرْطًا فِي لِسَانِهِمْ، قَالَ: أَجْرَى أَمْرَهُمْ عَلَى الشَّرْطِ عَلَى تَعَارُفِهِمْ، كَقَوْلِهِ: عَبْدِي حُرٌّ إنْ لَمْ أَكُنْ صَلَّيْت الْغَدَاةَ وَصَلَّاهَا لَمْ يَعْتِقْ كَذَا هُنَا. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ لَطَلَّقْتُك فَهَذَا رَجُلٌ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَيُطَلِّقَنَّهَا إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَأَضْرِبَنَّكَ، فَهَذَا رَجُلٌ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ لَيَضْرِبَنَّهَا إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ، فَإِنْ دَخَلَتْ الدَّارَ لَزِمَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَإِنْ مَاتَ أَوْ مَاتَتْ فَقَدْ فَاتَ الشَّرْطُ فِي آخِرِ الْحَيَاةِ اهـ أَيْ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي. قُلْت: فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَلَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ وَلَمْ أَضْرِبْك فَعَبْدِي حُرٌّ وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ فِي كُتُبِهِمْ أَنَّهُ جَارٍ مَجْرَى الْقَسَمِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ فَعَلْت كَذَا. مَطْلَبٌ فِي قَوْلِهِمْ عَلَيَّ الطَّلَاقُ عَلَيَّ الْحَرَامُ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي أَوْ الْحَرَامُ وَلَمْ يَقُلْ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَمْ أَجِدْهُ فِي كَلَامِهِمْ اهـ وَفِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ: وَقَدْ ظَفِرَ فِيهِ شَيْخُنَا مُصَرِّحًا بِهِ فِي كَلَامِ الْغَايَةِ لِلسُّرُوجِيِّ مَعْزِيًّا إلَى الْمُغْنِي. وَنَصُّهُ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي أَوْ لَازِمٌ لِي صَرِيحٌ لِأَنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ وَقَعَ طَلَاقُهُ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَكَذَا قَوْلُهُ عَلَيَّ الطَّلَاقُ اهـ. وَنَقَلَ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَوَاهِرِ: الطَّلَاقُ لِي لَازِمٌ يَقَعُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْغَايَةِ مَا إذَا ذَكَرَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ فِي الْعُرْفِ التَّعْلِيقُ وَأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا أَفْعَلُ كَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ لَا أَفْعَلُ كَذَا بَقِيَ قَوْلُهُ عَلَيَّ الطَّلَاقُ بِدُونِ تَعْلِيقٍ وَالْمُتَعَارَفُ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَوْضِعِ التَّعْلِيقِ بِدُونِ الْإِنْشَاءِ، فَإِذَا لَمْ يُتَعَارَفْ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْإِنْشَاءِ مُنَجَّزًا لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي فِيمَا لَوْ قَالَ: طَلَاقُك عَلَيَّ ثُمَّ رَأَيْت سَيِّدِي عَبْدَ الْغَنِيِّ ذَكَرَ نَحْوَهُ فِي رِسَالَتِهِ. [تَتِمَّةٌ] يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ نَوَى الثَّلَاثَ تَصِحُّ نِيَّتُهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَذْكُورٌ بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ، وَقَدْ عَلِمْت صِحَّتَهَا فِيهِ، وَكَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ يَكُونُ يَمِينًا فَيُكَفَّرُ بِالْحِنْثِ تَصْحِيحُ الْقُدُورِيِّ، وَكَذَا عَلَيَّ الطَّلَاقُ مِنْ ذِرَاعِي بَحْرٌ. وَلَوْ قَالَ: طَلَاقُك عَلَيَّ لَمْ يَقَعْ. وَلَوْ زَادَ وَاجِبٌ أَوْ لَازِمٌ أَوْ ثَابِتٌ أَوْ فَرْضٌ هَلْ يَقَعُ؟ قَالَ الْبَزَّازِيُّ: الْمُخْتَارُ لَا. وَقَالَ الْقَاضِي الْخَاصِّيُّ: الْمُخْتَارُ نَعَمْ وَلَوْ قَالَ: طَلَّقَك اللَّهُ هَلْ يَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ؟   [رد المحتار] فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ (قَوْلُهُ يَكُونُ يَمِينًا إلَخْ) يَعْنِي فِي صُورَةِ الْحَلِفِ بِالْحَرَامِ فَإِنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَقَعُ الطَّلَاقُ بِلَفْظِ الْحَرَامِ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ إنْ حَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَالنَّسَفِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ مِنْ ذِرَاعِي (قَوْلُهُ وَكَذَا عَلَيَّ الطَّلَاقُ مِنْ ذِرَاعِي) هَذَا بَحْثٌ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ أَخَذَهُ مِمَّا مَرَّ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ وَلَمْ يَقْرِنْهُ بِالْعَدَدِ وَقَعَ قَضَاءً لَا دِيَانَةً، قَالَ: فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْوُقُوعِ قَضَاءً هُنَا بِالْأَوْلَى وَرَدَّهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ: بِأَنَّهُ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ خَاطَبَ الْمَرْأَةَ الَّتِي هِيَ مَحَلٌّ لِلطَّلَاقِ ثُمَّ ذَكَرَ الْعَمَلَ الَّذِي لَمْ تَكُنْ مُقَيَّدَةً بِهِ حِسًّا وَلَا شَرْعًا فَلَمْ يَصِحَّ صَرْفُ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ الْمُتَعَارَفِ إلَى غَيْرِهِ بِلَا دَلِيلٍ، بِخِلَافِ الْمَقِيسِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ وَهُوَ ذِرَاعُهُ مَعَ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنَا مِنْك طَالِقٌ يَلْغُو اهـ مُلَخَّصًا، وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ. قُلْت: وَقَدْ يُقَالُ: لَيْسَ فِيهِ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا أَفْعَلُ كَذَا بِمَنْزِلَةِ إنْ فَعَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ فِي الْعُرْفِ مُضَافٌ إلَى الْمَرْأَةِ مَعْنًى، وَلَوْلَا اعْتِبَارُ الْإِضَافَةِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يَقَعْ، فَكَذَلِكَ صَارَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ مِنْ ذِرَاعِي فَسَاوَى الْمَقِيسَ عَلَيْهِ فِي الْإِضَافَةِ إلَى الْمَرْأَةِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُ أَنَا مِنْك طَالِقٌ فِيهِ وَصْفُ الرَّجُلِ بِالطَّلَاقِ صَرِيحًا فَلَا يَقَعُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ صِفَةٌ لِلْمَرْأَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيَّ الطَّلَاقُ فَإِنَّ مَعْنَاهُ وُقُوعُ طَلَاقِ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ فَلَيْسَ فِيهِ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ بَلْ إلَى مَحَلِّهِ مَعَ إضَافَةِ الْوُقُوعِ إلَى مَحَلِّهِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ شَاعَ فِي كَلَامِهِمْ قَوْلُهُمْ إذَا قَالَ كَذَا وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، نَعَمْ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: إنَّ الْحَالِفَ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ مِنْ ذِرَاعِي لَا يُرِيدُ بِهِ الزَّوْجَةَ قَطْعًا إذْ عَادَةُ الْعَوَامّ الْإِعْرَاضُ بِهِ عَنْهَا خَشْيَةَ الْوُقُوعِ، فَيَقُولُونَ تَارَةً مِنْ ذِرَاعِي وَتَارَةً مِنْ كُشْتَوَانِيٍّ وَتَارَةً مِنْ مَرْوَتِيٍّ، وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِأَنَّ النِّسَاءَ لَا خَيْرَ فِي ذِكْرِهِنَّ. اهـ. قُلْت: إنْ كَانَ الْعُرْفُ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَرَدَّدَ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى ذِرَاعِهِ وَنَحْوِهِ لَا عَلَى الْمَرْأَةِ ثُمَّ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا مِنْ ذِرَاعِي فَلِلْقَوْلِ بِوُقُوعِهِ وَجْهٌ، لِأَنَّ ذِكْرَ الثَّلَاثِ يُعَيِّنُهُ فَتَأَمَّلْ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ وَطَلَاقُك عَلَيَّ لَمْ يَقَعْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ قَالَ طَلَاقُك عَلَيَّ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِشْهَادِ فَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ طَلَاقُ امْرَأَتِي لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. اهـ. قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ الْوُقُوعِ فِي طَلَاقِك عَلَيَّ أَنَّهُ صِيغَةُ نَذْرٍ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ حَجَّةٌ فَكَأَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يُطَلِّقَهَا النَّذْرُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي عِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ، وَالطَّلَاقُ أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ عِبَادَةً فَلِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ زَادَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ قَوْلَهُ طَلَاقُك عَلَيَّ بِدُونِ زِيَادَةٍ لَيْسَ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ أَيْضًا، لَكِنْ نَقَلَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ عَنْ أَدَبِ الْقَاضِي لِلسَّرَخْسِيِّ: رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: طَلَاقُك عَلَيَّ فَرْضٌ وَلَازِمٌ أَوْ قَالَ طَلَاقُك عَلَيَّ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ فِي الْكُلِّ بِخِلَافِ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَجِبُ فَجُعِلَ إخْبَارًا، وَنَقَلَ مِثْلَهُ عَنْ مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الْخَاصِّيُّ الْمُخْتَارُ نَعَمْ) عِبَارَةُ فَتَاوَى الْخَاصِّيِّ قَالَ لَهَا: طَلَاقُك عَلَيَّ وَاجِبٌ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 قَالَ الْكَمَالُ: الْحَقُّ نَعَمْ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: كُونِي طَالِقًا أَوْ اُطْلُقِي أَوْ يَا مُطَلَّقَةُ بِالتَّشْدِيدِ وَقَعَ، وَكَذَا يَا طَالِ بِكَسْرِ اللَّامِ وَضَمِّهَا لِأَنَّهُ تَرْخِيمٌ أَوْ أَنْتِ طَالِ بِالْكَسْرِ وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ،   [رد المحتار] أَوْ قَالَ وَطَلَاقُك لَازِمٌ لِي يَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ لَفْظَ الْفَتْوَى آكَدُ أَلْفَاظِ التَّصْحِيحِ. وَنَقَلَ فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ يَقَعُ فِي قَوْلِهِ وَاجِبٌ لِتَعَارُفِ النَّاسِ لَا فِي قَوْلِهِ ثَابِتٌ أَوْ فَرْضٌ أَوْ لَازِمٌ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ، وَمُقْتَضَاهُ الْوُقُوعُ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ فِي زَمَانِنَا كَمَا عَلِمْت. وَعَلَّلَ الْخَاصِّيُّ الْوُقُوعَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ وَاجِبًا أَوْ ثَابِتًا بَلْ حُكْمَهُ، وَحُكْمُهُ لَا يَجِبُ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوعِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ ثُبُوتَهُ اقْتِضَاءً، وَيَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّتِهِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ عُرْفٌ فَاشٍ فَيَصِيرَ صَرِيحًا فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً فِي صَرْفِهِ عَنْهُ، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنْ قَصَدَهُ وَقَعَ وَإِلَّا لَا، فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ: هَذَا الْأَمْرُ عَلَيَّ وَاجِبٌ، بِمَعْنَى يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَهُ لَا أَنِّي فَعَلْته فَكَأَنَّهُ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ أُطَلِّقَك. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ الْكَمَالُ الْحَقُّ نَعَمْ) نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَأَقَرَّاهُ عَلَيْهِ بَعْدَ حِكَايَتِهِمَا الْخِلَافَ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الدُّعَاءَ فَتَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ: الْمُخْتَارُ عَدَمُ تَوَقُّفِهِ عَلَيْهَا وَبِهِ كَانَ يُفْتِي ظَهِيرُ الدِّينِ. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: وَيَقَعُ فِي عَصْرِنَا نَظِيرُ هَذَا، يَطْلُبُ الرَّجُلُ مِنْ الْمَرْأَةِ فَتَقُولُ أَبْرَأَك اللَّهُ وَكَانَتْ حَادِثَةَ الْفَتْوَى وَكَتَبَتْ بِصِحَّتِهَا لِتَعَارُفِهِمْ بِذَلِكَ. اهـ. قُلْت: وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَالْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْخُلْعِ (قَوْلُهُ كُونِي طَالِقًا أَوْ اطَّلَّقِي) قَالَ فِي الْفَتْحِ عَنْ مُحَمَّدٍ: إنَّهُ يَقَعُ لِأَنَّ كُونِي لَيْسَ أَمْرًا حَقِيقَةً لِعَدَمِ تَصَوُّرِ كَوْنِهَا طَالِقًا مِنْهَا بَلْ عِبَارَةٌ عَنْ إثْبَاتِ كَوْنِهَا طَالِقًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] لَيْسَ أَمْرًا بَلْ كِنَايَةٌ عَنْ التَّكْوِينِ وَكَوْنُهَا طَالِقًا يَقْتَضِي إيقَاعًا قَبْلُ فَيَتَضَمَّنُ إيقَاعًا سَابِقًا، وَكَذَا قَوْلُهُ اطَّلَّقِي وَمِثْلُهُ لِلْأَمَةِ كُونِي حُرَّةً. (قَوْلُهُ أَوْ يَا مُطَلَّقَةُ) قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ طَلَّقَهَا قَبْلُ فَقَالَ أَرَدْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ صُدِّقَ دِيَانَةً وَكَذَا قَضَاءً فِي الصَّحِيحِ وَفِي. التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ يَا مُطَلَّقَةُ لَا تَقَعُ أُخْرَى (قَوْلُهُ بِالتَّشْدِيدِ) أَيْ تَشْدِيدِ اللَّامِ؛ أَمَّا بِتَخْفِيفِهَا فَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْكِنَايَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَقَعَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ (قَوْلُهُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَضَمِّهَا) ذِكْرُ الضَّمِّ بَحْثٌ لِصَاحِبِ النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الضَّمُّ كَذَلِكَ، إذْ هُوَ لُغَةُ مَنْ لَا يَنْتَظِرُ، بِخِلَافِ الْفَتْحِ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ. اهـ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي تَوَقُّفُ الضَّمِّ أَيْضًا عَلَى النِّيَّةِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْتَظِرْ الْآخَرَ لَمْ تَكُنْ مَادَّةُ ط ل ق مَوْجُودَةً وَلَا مُلَاحَظَةً فَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا، بِخِلَافِ الْكَسْرِ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَنْتَظِرُ. اهـ. قُلْت: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الضَّمَّ فِي نِدَاءِ التَّرْخِيمِ لَمَّا كَانَ لُغَةً ثَابِتَةً لَمْ يَخْرُجْ بِهِ اللَّفْظُ عَنْ إرَادَةِ مَعْنَاهُ الْمُرَادِ بِهِ قَبْلَ النِّدَاءِ فَإِنْ كَانَ كُلُّ مَنْ سَمِعَ اللَّفْظَ الْمُرَخَّمَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نِدَاءَ تِلْكَ الْمَادَّةِ وَأَنَّ انْتِظَارَ الْمَحْذُوفِ وَعَدَمَهُ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ بِدَوْرِهِ لِيَبْنُوا عَلَيْهِ الضَّمَّ وَالْكَسْرَ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُنَادَى اسْمًا آخَرَ غَيْرَ الْمَقْصُودِ نِدَاؤُهُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَوْ أَنْتِ طَالِ بِالْكَسْرِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ، بِخِلَافِ أَنْتِ طَاقُ بِحَذْفِ اللَّامِ فَلَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى لِأَنَّ حَذْفَ آخِرِ الْكَلَامِ مُعْتَادٌ عُرْفًا تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكْسِرْ اللَّامَ فِي غَيْرِ الْمُنَادَى تَوَقَّفَ الْوُقُوعُ عَلَى نِيَّةِ الطَّلَاقِ: أَيْ أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا كَالْمُذَاكَرَةِ وَالْغَضَبِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِي كِنَايَاتِ الْفَتْحِ أَنَّ الْوَجْهَ إطْلَاقُ التَّوَقُّفِ عَلَى النِّيَّةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ بِلَا قَافٍ لَيْسَ صَرِيحًا بِالِاتِّفَاقِ لِعَدَمِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَلَا التَّرْخِيمُ لُغَةً جَائِزٌ فِي غَيْرِ النِّدَاءِ، فَانْتَفَى لُغَةً وَعُرْفًا فَيُصَدَّقُ قَضَاءً مَعَ الْيَمِينِ إلَّا عِنْدَ الْغَضَبِ أَوْ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَيَقَعُ قَضَاءً أَسْكَنَهَا أَوْ لَا، وَتَمَامُهُ فِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 كَمَا لَوْ تَهَجَّى بِهِ أَوْ بِالْعِتْقِ. وَفِي النَّهْرِ عَنْ التَّصْحِيحِ: الصَّحِيحُ عَدَمُ الْوُقُوعِ بِرَهَنْتُكِ طَلَاقَك وَنَحْوَهُ. (وَإِذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَيْهَا) كَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ) إلَى (مَا يُعَبِّرُ بِهِ عَنْهَا كَالرَّقَبَةِ وَالْعُنُقِ وَالرُّوحِ وَالْبَدَنِ وَالْجَسَدِ) الْأَطْرَافُ دَاخِلَةٌ فِي الْجَسَدِ دُونَ الْبَدَنِ. (وَالْفَرْجُ وَالْوَجْهُ وَالرَّأْسُ) وَكَذَا الِاسْتُ، بِخِلَافِ الْبُضْعِ وَالدُّبُرِ   [رد المحتار] قُلْت: وَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ أَنَّ حَذْفَ آخِرِ الْكَلَامِ مُعْتَادٌ عُرْفًا يُفِيدُ الْجَوَابَ، فَإِنَّ لَفْظَ طَالِقٍ صَرِيحٌ قَطْعًا، فَإِذَا كَانَ حَذْفُ الْآخِرِ مُعْتَادًا عُرْفًا لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ صَرَاحَتِهِ، وَقَدْ عُدَّ حَذْفُ آخِرِ الْكَلِمَةِ مِنْ مُحَسِّنَاتِ الْكَلَامِ وَعَدَّهُ أَهْلُ الْبَدِيعِ مِنْ قِسْمِ الِاكْتِفَاءِ، وَنَظَمَ فِيهِ الْمُوَلِّدُونَ كَثِيرًا، وَمِنْهُ أَيْنَ النَّجَاةُ لِعَاشِقٍ أَيْنَ النَّجَا وَأَيْضًا فَإِنَّ إبْدَالَ الْآخِرِ بِحَرْفٍ غَيْرَهُ كَالْأَلْفَاظِ الْمُصَحَّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ صَرَاحَتِهِ مَعَ عَدَمِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهَا، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِكَوْنِهَا أُرِيدَ بِهَا اللَّفْظُ الصَّرِيحُ وَأَنَّ التَّصْحِيفَ عَارِضٌ لِجَرَيَانِهِ عَلَى اللِّسَانِ خَطَأً أَوْ قَصْدًا لِكَوْنِهِ لُغَةَ الْمُتَكَلِّمِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ تَهَجَّى بِهِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَفِي النَّهْرِ عَنْ التَّصْحِيحِ إلَخْ) أَيْ تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ لِلْعَلَّامَةِ قَاسِمِ وَقَصَدَ بِهِ الرَّدَّ عَلَى مَا فَهِمَهُ بِهِ فِي الْبَحْرِ، مِنْ أَنَّ وَهَبْتُك طَلَاقَك مِنْ الصَّرِيحِ، وَكَذَا أَوْدَعْتُك وَرَهَنْتُك. قَالَ فِي النَّهْرِ: نَقَلَ فِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ عَنْ قَاضِي خَانْ: وَهَبْتُك طَلَاقَك الصَّحِيحُ فِيهِ عَدَمُ الْوُقُوعِ اهـ فَفِي أَوْدَعْتُك وَرَهَنْتُك بِالْأَوْلَى وَسَيَأْتِي أَنَّ رَهَنْتُك كِنَايَةٌ. وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ قَالَ رَهَنْتُك طَلَاقَك قَالُوا: لَا يَقَعُ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يُفِيدُ زَوَالَ الْمِلْكِ. اهـ. قُلْت: وَمُقْتَضَى كَوْنِهِ كِنَايَةً أَنَّهُ يَقَعُ بِشَرْطِ النِّيَّةِ وَقَدْ عَدَّهُ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ الْكِنَايَاتِ مِنْهَا، وَكَذَا عَدَّ مِنْهَا: وَهَبْتُك طَلَاقَك، وَأَوْدَعْتُك طَلَاقَك، وَأَقْرَضْتُك طَلَاقَك سَيَأْتِي تَمَامُهُ هُنَاكَ. (قَوْلُهُ كَأَنْتِ طَالِقٌ) وَكَذَا لَوْ أَتَى بِالضَّمِيرِ الْغَائِبِ أَوْ اسْمِ الْإِشَارَةِ الْعَائِدِ إلَيْهَا أَوْ بِاسْمِهَا الْعِلْمِيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جُمْلَتِهَا وَضْعًا، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ إلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهَا مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ بِطَرِيقِ التَّجَوُّزِ كَرَقَبَتِك، وَإِلَّا فَالْكُلُّ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ أَظْهَرُ مِمَّا فِي الزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّ الرُّوحَ وَالْبَدَنَ وَالْجَسَدَ مِثْلُ أَنْتِ كَمَا فِي الْبَحْرِ لِأَنَّ الرُّوحَ بَعْضُ الْجَسَدِ وَكَذَا الْجَسَدُ بِاعْتِبَارِ الرُّوحِ وَالْبَدَنِ لَا تَدْخُلُ فِيهِ الْأَطْرَافُ، أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ كَالرَّقَبَةِ إلَخْ) فَإِنَّهُ عَبَّرَ بِهَا عَنْ الْكُلِّ فِي قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] وَالْعُنُقِ فِي {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4] لِوَصْفِهَا بِجَمْعِ الْمُذَكَّرِ الْمَوْضُوعِ لِلْعَاقِلِ وَالْعَقْلُ لِلذَّوَاتِ لَا لِلْأَعْضَاءِ، وَالرُّوحِ فِي قَوْلِهِمْ: هَلَكَتْ رُوحُهُ أَيْ نَفْسُهُ، وَمِثْلُهَا النَّفْسُ كَمَا فِي {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] (قَوْلُهُ الْأَطْرَافُ إلَخْ) أَيْ الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالرَّأْسُ، وَهَذِهِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْجَسَدِ وَالْبَدَنِ عَزَاهَا فِي النَّهْرِ إلَى ابْنِ كَمَالٍ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ، وَعَزَاهَا الرَّحْمَتِيُّ إلَى الْفَائِقِ لِلزَّمَخْشَرِيِ وَالْمِصْبَاحِ، وَرَأَيْت فِي فَصْلِ الْعِدَّةِ مِنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَالْبَدَنُ هُوَ مِنْ أَلْيَتَيْهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ. (قَوْلُهُ وَالْفَرْجُ) عَبَّرَ عَنْ الْكُلِّ فِي حَدِيثِ «لَعَنْ اللَّهُ الْفُرُوجَ عَلَى السُّرُوجِ» قَالَ فِي الْفَتْحِ إنَّهُ حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا (قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ وَالرَّأْسُ) فِي قَوْله تَعَالَى {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} [القصص: 88] {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27] أَيْ ذَاتُهُ الْكَرِيمَةُ، وَأَعْتَقَ رَأْسًا وَرَأْسَيْنِ مِنْ الرَّقِيقِ، وَأَنَا بِخَيْرٍ مَا دَامَ رَأْسُك سَالِمًا، يُقَالُ مُرَادُهُ بِهِ الذَّاتُ أَيْضًا فَتْحٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْفَتْحِ مِنْ كِتَابِ الْكَفَالَةِ: وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ مَا إذَا كَفَلَ بِعَيْنِهِ قَالَ الْبَلْخِيّ: لَا يَصِحُّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْبَدَنَ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يَصِحَّ فِي الْكَفَالَةِ وَالطَّلَاقِ إذْ الْعَيْنُ مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ، يُقَالُ: عَيْنُ الْقَوْمِ، وَهُوَ عَيْنٌ فِي النَّاسِ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي زَمَانِهِمْ أَمَّا زَمَانُنَا فَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا الِاسْتُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَالِاسْتُ وَإِنْ كَانَ مُرَادِفًا لِلدُّبُرِ لَا يَلْزَمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 وَالدَّمِ عَلَى الْمُخْتَارِ خُلَاصَةٌ (أَوْ) أَضَافَهُ (إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهَا) كَنِصْفِهَا وَثُلُثِهَا إلَى عُشْرِهَا (وَقَعَ) لِعَدَمِ تَجَزُّئِهِ. وَلَوْ قَالَ نِصْفُك الْأَعْلَى طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنِصْفُك الْأَسْفَلِ ثِنْتَيْنِ وَقَعَتْ بِبُخَارَى فَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِطَلْقَةٍ، وَبَعْضُهُمْ بِثَلَاثٍ عَمَلًا بِالْإِضَافَتَيْنِ خُلَاصَةٌ.   [رد المحتار] مُسَاوَاتُهُمَا فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ هُنَا لِكَوْنِ اللَّفْظِ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبُضْعَ مُرَادِفٌ لِلْفَرْجِ وَلَيْسَ حُكْمُهُ هُنَا كَحُكْمِهِ فِي التَّعْبِيرِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاسْتَ وَالْفَرْجَ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْكُلِّ فَيَقَعُ إذَا أُضِيفَ إلَيْهِمَا، بِخِلَافِ مُرَادِفِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الدُّبُرُ وَمُرَادِفِ الثَّانِي وَهُوَ الْبُضْعُ فَلَا يَقَعُ لِعَدَمِ التَّعْبِيرِ بِهِمَا عَنْ الْكُلِّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّرَادُفِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْحُكْمِ لَكِنْ أُورِدَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ اشْتِهَارَ التَّعْبِيرِ يَجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْفَرْجِ: أَيْ لِعَدَمِ اشْتِهَارِ التَّعْبِيرِ بِهِ عَنْ الْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ وُقُوعَ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ اللِّسَانِ يَجِبُ أَنْ يَقَعَ فِي الْيَدِ بِلَا خِلَافٍ لِثُبُوتِ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْكُلِّ فِي قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الحج: 10] أَيْ قَدَّمَتْ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» اهـ. قُلْت: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْأَوَّلُ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ اشْتِهَارُ التَّعْبِيرِ بِهِ عَنْ الْكُلِّ عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ بَلْ فِي عُرْفِ الْمُتَكَلِّمِ فِي بَلَدِهِ مَثَلًا، فَيَقَعُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْيَدِ إذَا اشْتَهَرَ عِنْدَهُ التَّعْبِيرُ بِهَا عَنْ الْكُلِّ، وَلَا يَقَعُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْفَرْجِ إذَا لَمْ يَشْتَهِرْ ثُمَّ رَأَيْت فِي كَلَامِ الْفَتْحِ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَوُقُوعُهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الرَّأْسِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مُعَبَّرًا بِهِ عَنْ الْكُلِّ لَا بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ مُقْتَصِرًا، وَلِذَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ عَنَيْت الرَّأْسَ مُقْتَصِرًا. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَقَعُ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دِيَانَةً. وَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ إذَا كَانَ التَّعْبِيرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ عُرْفًا مُشْتَهِرًا لَا يُصَدَّقُ، وَلَوْ قَالَ عَنَيْت بِالْيَدِ صَاحِبَتَهَا كَمَا أُرِيدَ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ وَتَعَارَفَ قَوْمٌ التَّعْبِيرَ بِهَا عَنْ الْكُلِّ وَقَعَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ، وَلِذَا لَوْ طَلَّقَ النَّبَطِيُّ بِالْفَارِسِيَّةِ يَقَعُ وَلَوْ تَكَلَّمَ بِهِ الْعَرَبِيُّ وَلَا يَدْرِيهِ لَا يَقَعُ اهـ فَقَدْ قَيَّدَ الْوُقُوعَ قَضَاءً فِي الْإِضَافَةِ إلَى الرَّأْسِ أَوْ الْيَدِ بِمَا إذَا كَانَ التَّعْبِيرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ مُتَعَارَفًا، وَصَرَّحَ أَيْضًا بِقَوْلِهِ وَتَعَارَفَ قَوْمٌ التَّعْبِيرَ بِهَا أَيْ بِالْيَدِ، فَأَفَادَ عِنْدَ عَدَمِ تَعَارُفِ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ لَا يَقَعُ مَعَ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالرَّأْسِ وَالْيَدِ عَنْ الْكُلِّ ثَابِتٌ لُغَةً وَشَرْعًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَالدَّمِ) كَانَ الْمُنَاسِبُ إسْقَاطَهُ حَيْثُ ذُكِرَ فِي مَحَلِّهِ فِيمَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا ذِكْرُ الْبُضْعِ وَالدُّبُرِ هُنَا فَلِذِكْرِ مُرَادِفِهِمَا ح (قَوْلُهُ كَنِصْفِهَا وَثُلُثِهَا إلَى عُشْرِهَا) وَكَذَا لَوْ أَضَافَهُ إلَى جُزْءٍ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ مِنْهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لِأَنَّ الْجُزْءَ الشَّائِعَ مَحَلٌّ لِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ هِدَايَةٌ قَالَ ط (إلَّا أَنَّهُ يَتَجَزَّأُ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ) . وَقَالَ شَيْخِي زَادَهُ: أَنَّهُ يَقَعُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ ثُمَّ يَسْرِي إلَى الْكُلِّ لِشُيُوعِهِ فَيَقَعُ فِي الْكُلِّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ تَجَزُّئِهِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ أَوْ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهَا ط، وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْأُصْبُعِ مَثَلًا، فَالْمُنَاسِبُ التَّعْلِيلُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ تَقْيِيدَ الْجُزْءِ بِالشَّائِعِ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمُعَيَّنِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفَرْعِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَقَعَتْ بِبُخَارَى) أَيْ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا نَصٌّ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَا عَنْ الْمُتَأَخِّرِينَ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ عَمَلًا بِالْإِضَافَتَيْنِ) أَيْ لِأَنَّ الرَّأْسَ فِي النِّصْفِ الْأَعْلَى وَالْفَرْجَ فِي الْأَسْفَلِ فَيَصِيرُ مُضِيفًا الطَّلَاقَ إلَى رَأْسِهَا وَإِلَى فَرْجِهَا ط عَنْ الْمُحِيطِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ عُلِمَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ اتِّفَاقًا. اهـ. وَهُوَ مَمْنُوعٌ فِي الثَّانِي كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ نَهْرٌ: أَيْ لِأَنَّ مَنْ أَوْقَعَ وَاحِدَةً بِالْإِضَافَتَيْنِ لَمْ يَعْتَبِرْ كَوْنَ الْفَرَجِ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْإِضَافَةِ الثَّانِيَةِ فَقَطْ كَيْفَ يَقَعُ بِهَا اتِّفَاقًا، نَعَمْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِضَافَةِ الْأُولَى يَقَعُ اتِّفَاقًا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ النِّصْفَ الْأَعْلَى أَوْ الْأَسْفَلَ لَيْسَ جُزْءًا شَائِعًا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 (وَإِذَا قَالَ الرَّقَبَةُ مِنْك أَوْ الْوَجْهُ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الرَّأْسِ وَالْعُنُقِ) أَوْ الْوَجْهِ (قَالَ هَذَا الْعُضْوُ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ عِبَارَةً عَنْ الْكُلِّ بَلْ عَنْ الْبَعْضِ؛ حَتَّى لَوْ لَمْ يَضَعْ يَدَهُ بَلْ قَالَ: هَذَا الرَّأْسُ طَالِقٌ وَأَشَارَ إلَى رَأْسِهَا وَقَعَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ نَوَى تَخْصِيصَ الْعُضْوِ يَنْبَغِي أَنْ يَدِينَ فَتْحٌ. (كَمَا) لَا يَقَعُ (لَوْ أَضَافَهُ إلَى الْيَدِ) إلَّا بِنِيَّةِ الْمَجَازِ (وَالرِّجْلِ وَالدُّبُرِ وَالشَّعْرِ وَالْأَنْفِ وَالسَّاقِ وَالْفَخْذِ وَالظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَاللِّسَانِ وَالْأُذُنِ وَالْفَمِ وَالصَّدْرِ وَالذَّقَنِ وَالسِّنِّ وَالرِّيقِ وَالْعِرْقِ) وَكَذَا فِي الثَّدْيِ وَالدَّمِ جَوْهَرَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُعَبِّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ، فَلَوْ عَبَّرَ بِهِ قَوْمٌ عَنْهَا وَقَعَ،   [رد المحتار] الْكُلِّ، وَوُجُودُ الرَّأْسِ فِي الْأَوَّلِ وَالْفَرْجِ فِي الثَّانِي لَا يُصَيِّرُهُ مُعَبَّرًا بِهِ مِنْ الْكُلِّ، لِأَنَّ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ بِالْإِضَافَةِ إلَى جُزْءٍ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ اسْمِ جُزْءٍ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فَاتَ نَفْسُ الْجُزْءِ لَا يُتَصَوَّرُ التَّعْبِيرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ اهـ. وَحِينَئِذٍ فَالْمَوْجُودُ فِي النِّصْفِ الْأَعْلَى نَفْسُ الرَّأْسِ، وَفِي الْأَسْفَلِ نَفْسُ الْفَرْجِ لَا اسْمُهَا الَّذِي يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ، وَلِهَذَا لَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهَا وَقَالَ: هَذَا الرَّأْسُ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ وَضْعَ الْيَدِ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ نَفْسِ الرَّأْسِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَضَعْهَا عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي لِأَنَّهُ يَكُونُ بِمَعْنَى هَذِهِ الذَّاتِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ الْوَجْهُ) أَيْ مِنْك ط (قَوْلُهُ بَلْ عَنْ الْبَعْضِ) بِقَرِينَةِ ذِكْرِ مِنْك فِي الْأَوَّلِ وَوَضْعِ الْيَدِ فِي الْأَخِيرِ (قَوْلُهُ بَلْ قَالَ هَذَا الرَّأْسُ) وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ هَذَا الْوَجْهُ أَوْ هَذِهِ الرَّقَبَةُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هُنَا لَا بُدَّ مِنْ التَّعْبِيرِ بِاسْمِ الرَّأْسِ وَنَحْوِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ عَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ هَذَا الْعُضْوُ لَمْ يَقَعْ لِأَنَّ الْمُعَبَّرَ بِهِ عَنْ الْكُلِّ هُوَ اسْمُ الرَّأْسِ وَنَحْوِهِ لَا اسْمُ الْعُضْوِ، نَظِيرُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَعَ فِي الْأَصَحِّ) وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: بِعْت مِنْك هَذَا الرَّأْسَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَشَارَ إلَى رَأْسِ عَبْدِهِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي: قَبِلْت جَازَ الْبَيْعُ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ فَتْحٌ) قَدَّمْنَا عِبَارَتَهُ قَبْلَ صَفْحَةٍ (قَوْلُهُ كَمَا لَا يَقَعُ لَوْ أَضَافَهُ إلَى الْيَدِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرْ بَيْنَ النَّاسِ التَّعْبِيرُ بِهَا عَنْ الْكُلِّ، حَتَّى لَوْ اُشْتُهِرَ بَيْنَ قَوْمٍ وَقَعَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ إلَّا بِنِيَّةِ الْمَجَازِ) أَيْ بِإِطْلَاقِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ إذَا لَمْ يَكُنْ مُشْتَهِرًا فَلَوْ اُشْتُهِرَ بِذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى نِيَّةِ الْمَجَازِ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقَعُ بِإِضَافَتِهِ إلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَنَحْوِهِمَا حَقِيقَةً. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ مَحَلُّهُ الْمَرْأَةُ لِأَنَّهَا مَحَلُّ النِّكَاحِ وَمَحَلِّيَّةُ أَجْزَائِهَا لِلنِّكَاحِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا بِالْإِضَافَةِ إلَى ذَاتِهَا أَوْ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهَا هُوَ مَحَلٌّ لِلتَّصَرُّفَاتِ أَوْ إلَى مُعَيَّنٍ عَبَّرَ بِهِ عَنْ الْكُلِّ، حَتَّى لَوْ أُرِيدَ نَفْسُهُ لَمْ يَقَعْ فَالْخِلَافُ فِي أَنَّ مَا يُمْلَكُ تَبَعًا هَلْ يَكُونُ مَحَلًّا لِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَيْهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ صَيْرُورَتِهِ عِبَارَةً عَنْ الْكُلِّ، فَعِنْدَهُ نَعَمْ، وَعِنْدَنَا لَا وَأَمَّا عَلَى كَوْنِهِ مَجَازًا عَنْ الْكُلِّ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ يَقَعُ يَدًا كَانَ أَوْ رَجِلًا بَعْدَ كَوْنِهِ مُسْتَقِيمًا لُغَةً اهـ أَيْ بِخِلَافِ نَحْوِ الرِّيقِ وَالظُّفْرِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ إرَادَةُ الْكُلِّ بِهِ. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ ثَلَاثَةٌ: صَرِيحٌ يَقَعُ قَضَاءً بِلَا نِيَّةٍ كَالرَّقَبَةِ وَكِنَايَةٌ لَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ كَالْيَدِ، وَمَا لَيْسَ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً لَا يَقَعُ بِهِ إنْ نَوَى كَالرِّيقِ وَالسِّنِّ وَالشَّعْرِ وَالظُّفْرِ وَالْكَبِدِ وَالْعِرْقِ وَالْقَلْبِ (قَوْلُهُ وَالذَّقَنِ) قُلْت: إطْلَاقُ الذَّقَنِ مُرَادًا بِهَا الْكُلُّ عُرْفٌ مُشْتَهِرٌ الْآنَ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: لَا أَزَالُ بِخَيْرٍ مَا دَامَتْ هَذِهِ الذَّقَنُ سَالِمَةً فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَالرَّأْسِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا الثَّدْيُ وَالدَّمُ جَوْهَرَةٌ) أَقُولُ: الَّذِي فِي الْجَوْهَرَةِ: إذَا قَالَ دَمُك فِيهِ رِوَايَتَانِ، الصَّحِيحَةُ مِنْهُمَا يَقَعُ لِأَنَّ الدَّمَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ، يُقَال ذَهَبَ دَمُهُ هَدَرًا اهـ وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْ الْجَوْهَرَةِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. وَنُقِلَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ تَصْحِيحُ عَدَمِ الْوُقُوعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِ) أَيْ بِالْمَذْكُورِ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ اهـ ط (قَوْلُهُ فَلَوْ عَبَّرَ بِهِ قَوْمٌ) أَيْ بِمَا ذَكَرَ وَلَا خُصُوصَ لَهُ، بَلْ لَوْ عَبَّرُوا بِأَيِّ عُضْوٍ كَانَ فَهُوَ كَذَلِكَ، ذَكَرَ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الدُّرَرِ، وَنَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْمُحَاكِمَاتِ لِجَلَالِ زَادَهْ مَا نَصُّهُ: يَجِبُ أَنْ يُحْتَاطَ فِي أَمْرِ الطَّلَاقِ إذَا أُضِيفَ إلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ بِاللِّسَانِ التُّرْكِيِّ فَإِنَّهُمَا فِيهِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْجُمْلَةِ وَالذَّاتِ. اهـ. ط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ مِنْ أَسْبَابِ الْحُرْمَةِ لَا الْحِلِّ اتِّفَاقًا (وَجُزْءُ الطَّلْقَةِ) وَلَوْ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ (تَطْلِيقَةٌ) لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ، فَلَوْ زَادَتْ الْأَجْزَاءُ، وَقَعَ أُخْرَى وَهَكَذَا مَا لَمْ يَقُلْ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ وَسُدُسَ طَلْقَةٍ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ، وَلَوْ بِلَا وَاوٍ فَوَاحِدَةً. وَلَوْ قَالَ طَلْقَةً وَنِصْفَهَا فَثِنْتَانِ عَلَى الْمُخْتَارِ جَوْهَرَةٌ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانُ السُّدُسِ رُبُعًا فَثِنْتَانِ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَكَذَا إلَخْ) أَصْلُ هَذَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ مَا يُعَبَّرَ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْإِصْبَعِ وَالدُّبُرِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ. وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ وَالسِّنِّ وَالرِّيقِ وَالْعِرْقِ لَا يَقَعُ. ثُمَّ قَالَ: وَالْعَتَاقُ وَالظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ وَكُلُّ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْحُرْمَةِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ؛ فَلَوْ ظَاهَرَ أَوْ آلَى أَوْ أَعْتَقَ أُصْبُعَهَا لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا وَيَصِحُّ عِنْدَهُمْ، وَكَذَا الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَسْبَابِ الْحِلِّ كَالنِّكَاحِ لَا يَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى الْجُزْءِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ الْكُلِّ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. قُلْتُ: وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ حُكْمُ الْإِضَافَةِ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ أَوْ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ فِي النِّكَاحِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ قَوْلُهُ وَلَا يَنْعَقِدُ بِتَزَوَّجْت نِصْفَك فِي الْأَصَحِّ احْتِيَاطًا خَانِيَّةٌ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُضِيفَهُ إلَى كُلِّهَا أَوْ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ وَمِنْهُ الظَّهْرُ وَالْبَطْنُ عَلَى الْأَشْبَهِ ذَخِيرَةٌ وَرَجَّحُوا فِي الطَّلَاقِ خِلَافَهُ فَيَحْتَاجُ لِلْفَرْقِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ مَنْ اخْتَارَ صِحَّةَ النِّكَاحِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ اخْتَارَ الْوُقُوعَ فِي الطَّلَاقِ، وَمَنْ اخْتَارَ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي النِّكَاحِ اخْتَارَ عَدَمَ الْوُقُوعِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ) بِأَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ مِنْ طَلْقَةٍ ط (قَوْلُهُ لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ) أَيْ فِي الطَّلَاقِ، فَذِكْرُ جُزْئِهِ كَذِكْرِ كُلِّهِ صَوْنًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْإِلْغَاءِ، وَلِذَا جَعَلَ الشَّارِعُ الْعَفْوَ عَنْ بَعْضِ الْقِصَاصِ عَفْوًا عَنْ كُلِّهِ نَهْرٌ. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَرُبُعًا أَوْ نِصْفًا طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ زَادَتْ الْأَجْزَاءُ) أَيْ مَعَ الْإِضَافَةِ إلَى الضَّمِيرِ كَأَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَهَا وَرُبُعَهَا فَقَدْ زَادَتْ الْأَجْزَاءُ عَلَى الْوَاحِدَةِ بِنِصْفِ السُّدُسِ فَتَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ أُخْرَى ط (قَوْلُهُ وَهَكَذَا) يَعْنِي لَوْ زَادَتْ الْأَجْزَاءُ عَلَى الطَّلْقَتَيْنِ وَقَعَ ثَلَاثٌ، نَحْوُ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُلُثَيْ طَلْقَةٍ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا ح. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَّا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي اتِّحَادِ الْمَرْجِعِ وَإِنْ زَادَتْ أَجْزَاءُ وَاحِدَةٍ أَنْ تَقَعَ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْأَجْزَاءَ إلَى وَاحِدَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْمَشَايِخِ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَعَلَى الْأَصَحِّ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنِصْفَهَا تَقَعُ وَاحِدَةٌ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، بِخِلَافِ وَاحِدَةً وَنِصْفًا. اهـ. وَمَا فِي الذَّخِيرَةِ عَزَاهُ فِي الْهِنْدِيَّةِ إلَى الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ، لَكِنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ تَجَاوَزَ الْعَدَدَ عَنْ وَاحِدَةٍ لَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: تَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَاحِدَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ) لِأَنَّ الْمُنْكَرَ إذَا أُعِيدَ مُنْكَرًا كَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ فَيَتَكَامَلُ كُلُّ جُزْءٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ نِصْفُ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثُهَا وَسُدُسُهَا حَيْثُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ عَيْنُ الْأَوَّلِ؛ وَهَذَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا أَمَّا غَيْرُهَا فَلَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِلَا وَاوٍ فَوَاحِدَةٌ) أَيْ بِأَنْ قَالَ: نِصْفَ طَلْقَةٍ، ثُلُثَ طَلْقَةٍ سُدُسَ طَلْقَةٍ لِدَلَالَةِ حَذْفِ الْعَاطِفِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَجْزَاءَ مِنْ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَنَّ الثَّانِيَ بَدَلٌ مِنْ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثَ بَدَلٌ مِنْ الثَّانِي وَالْبَدَلُ هُوَ الْمُبْدَلُ مِنْهُ أَوْ بَعْضُهُ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُخْتَارِ) أَيْ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَقَدْ عَلِمْت عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَرْجِعِ وَأَنَّهُ جَرَى عَلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانُ السُّدُسِ رُبُعًا إلَخْ) نَصُّ عِبَارَةِ الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ: فَلَوْ قَالَ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ وَرُبُعَ تَطْلِيقَةٍ فَثِنْتَانِ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ كَانَ مَكَانُ الرُّبُعِ سُدُسًا فَثَلَاثٌ، وَقِيلَ وَاحِدَةٌ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْ الْقُهُسْتَانِيِّ، فَإِنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 وَاحِدَةً قُهُسْتَانِيٌّ، وَسَيَجِيءُ أَنَّ اسْتِينَاءَ بَعْضِ التَّطْلِيقِ لَغْوٌ بِخِلَافِ إيقَاعِهِ (وَ) يَقَعُ بِقَوْلِهِ (مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ، وَاحِدَةٌ) بِقَوْلِهِ مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ (إلَى ثَلَاثٍ ثِنْتَانِ) الْأَصْلُ فِيمَا أَصْلُهُ الْحَظْرُ دُخُولُ الْغَايَةِ الْأُولَى فَقَطْ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَفِيمَا مَرْجِعُهُ الْإِبَاحَةُ كَخُذْ مِنْ مَالِي مِنْ مِائَةٍ إلَى أَلْفٍ الْغَايَتَيْنِ اتِّفَاقًا (وَ) يَقَعُ (بِثَلَاثَةِ أَنْصَافِ طَلْقَتَيْنِ ثَلَاثَةٌ) وَقِيلَ ثِنْتَانِ (وَبِثَلَاثَةِ أَنْصَافٍ طَلْقَةٌ   [رد المحتار] لَمْ تَزِدْ الْأَجْزَاءُ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَجَعَلَ الْوَاقِعَ فِيهَا، ثَلَاثًا، وَفِي الْأُولَى زَادَتْ وَجَعَلَ الْوَاقِعَ ثِنْتَيْنِ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ ثَلَاثًا فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْأَجْزَاءِ إنَّمَا هُوَ اتِّحَادُ الْمَرْجِعِ؛ أَمَّا عِنْدَ الْإِتْيَانِ بِالِاسْمِ النَّكِرَةِ فَيُعْتَبَرُ كُلُّ جُزْءٍ بِطَلْقَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ. عَلَى أَنَّ عِبَارَةَ الْمُحِيطِ كَمَا نَقَلَهُ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. هَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ وَسُدُسَ تَطْلِيقَةٍ يَقَعُ ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ أَضَافَ كُلَّ جُزْءٍ إلَى تَطْلِيقَةٍ مُنَكَّرَةٍ وَالنَّكِرَةُ إذَا كُرِّرَتْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ غَيْرَ الْأُولَى؛ وَلَوْ قَالَ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَهَا وَسُدُسَهَا يَقَعُ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ جَاوَزَ مَجْمُوعُ الْأَجْزَاءِ تَطْلِيقَةً بِأَنْ قَالَ: نِصْفَ تَطْلِيقَةً وَثُلُثَهَا وَرُبُعَهَا، قِيلَ: تَقَعُ وَاحِدَةٌ، وَقِيلَ: ثِنْتَانِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ فِي الْمَبْسُوطِ صَحَّحَ وُقُوعَ الْوَاحِدَةِ، وَعَلَى كُلٍّ فَمَوْضُوعُ الْخِلَافِ هُوَ الْإِضَافَةُ إلَى الضَّمِيرِ لَا إلَى الِاسْمِ الْمُنَكَّرِ، لَكِنْ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ مَا نَصُّهُ: وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي وَاقِعَاتِهِ: إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ وَرُبُعَ تَطْلِيقَةٍ تَقَعُ ثِنْتَانِ هُوَ الْمُخْتَارُ. فَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ يَنْبَغِي فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ وَسُدُسَ تَطْلِيقَةٍ تَقَعُ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ اهـ وَهَذَا أَقَلُّ إشْكَالًا وَكَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ فِي الْإِضَافَةِ إلَى الِاسْمِ النَّكِرَةِ أَيْضًا كَالْإِضَافَةِ إلَى الضَّمِيرِ، لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا حَرُمَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالْفَتْحِ وَالنَّهْرِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ مُتَنَافِي آخِرَ التَّعْلِيقِ حَيْثُ قَالَ إخْرَاجُ بَعْضِ التَّطْلِيقِ لَغْوٌ، بِخِلَافِ إيقَاعِهِ، فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَقَعَ الثَّلَاثُ فِي الْمُخْتَارِ اهـ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ثِنْتَانِ لِأَنَّ التَّطْلِيقَ لَا يَتَجَزَّأُ فِي الْإِيقَاعِ فَكَذَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إلَّا وَاحِدَةً (قَوْلُهُ بِخِلَافِ إيقَاعِهِ) أَيْ إيقَاعِ الْبَعْضِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا. (قَوْلُهُ وَيَقَعُ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى بِالْمُصَنَّفِ تَأْخِيرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَمَّا بَعْدَهَا كَمَا فَعَلَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ لِيَقَعَ الْكَلَامُ عَلَى الْأَجْزَاءِ مُتَّصِلًا (قَوْلُهُ فِيمَا أَصْلُهُ الْحَظْرُ) أَيْ بِأَنْ لَا يُبَاحَ إلَّا لِدَفْعِ الْحَاجَةِ كَالطَّلَاقِ. (قَوْلُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ) وَقَالَا بِدُخُولِ الْغَايَتَيْنِ، فَيَقَعُ فِي الْأُولَى ثِنْتَانِ، وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَقَعُ فِي الْأُولَى شَيْءٌ، وَيَقَعُ فِي الثَّانِيَةِ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِعَدَمِ دُخُولِ الْغَايَتَيْنِ فِي الْمَحْدُودِ كَبِعْتُك مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ، وَقَوْلُ الثَّلَاثَةِ اسْتِحْسَانٌ بِالْعُرْفِ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَتَى ذُكِرَ فِي الْعُرْفِ وَكَانَ بَيْنَ الْغَايَتَيْنِ عَدَدٌ يُرَادُ بِهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْأَقَلِّ وَالْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ كَقَوْلِك سِنِّي مِنْ سِتِّينَ إلَى سَبْعِينَ أَيْ أَكْثَرُ مِنْ سِتِّينَ وَأَقَلُّ مِنْ سَبْعِينَ؛ فَفِي نَحْوِ: طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى اثْنَتَيْنِ انْتَفَى ذَلِكَ الْعُرْفُ عِنْدَ الْإِمَامِ فَوَجَبَ إعْمَالُ طَالِقٍ فَوَقَعَ بِهِ وَاحِدَةٌ، وَيَدْخُلُ الْكُلُّ فِيمَا أَصْلُهُ الْإِبَاحَةُ كَخُذْ مِنْ مَالِي مِنْ دِرْهَمٍ إلَى دِرْهَمَيْنِ، أَمَّا مَا أَصْلُهُ الْحَظْرُ فَلَا، فَإِنَّ حَظْرَهُ قَرِينَةٌ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْكُلِّ إلَّا أَنَّ الْغَايَةَ الْأُولَى دَخَلَتْ ضَرُورَةً إذْ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الطَّلْقَةُ الثَّانِيَةُ، إذْ لَا ثَانِيَةَ بِلَا أُولَى بِخِلَافِ الْغَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ ثَلَاثٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وُقُوعُ الثَّانِيَةِ بِلَا ثَالِثَةٍ؛ أَمَّا فِي صُورَةٍ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إدْخَالِهَا لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَتَمَامُ تَقْرِيرِهِ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ الْغَايَتَيْنِ) أَيْ دُخُولِ الْغَايَتَيْنِ، فَلَهُ أَخْذُ الْكُلِّ أَيْ الْأَلِفِ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ ثَلَاثَةٌ إلَخْ) لِأَنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَتَيْنِ وَاحِدَةٌ، فَثَلَاثَةُ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ ضَرُورَةً نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ ثِنْتَانِ) لِأَنَّ التَّطْلِيقَتَيْنِ إذَا نُصِّفَتَا كَانَتْ أَرْبَعَةَ أَنْصَافٍ، فَثَلَاثَةٌ مِنْهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ فَتَكْمُلُ تَطْلِيقَتَيْنِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ هَذَا التَّوَهُّمَ مُنْشَؤُهُ اشْتِبَاهٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 أَوْ نِصْفَيْ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَانِ، وَقِيلَ يَقَعُ ثَلَاثٌ) وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (وَبِوَاحِدَةٍ فِي ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ أَوْ نَوَى الضَّرْبَ) لِأَنَّهُ يُكْثِرُ الْأَجْزَاءَ لَا الْأَفْرَادَ (وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثَنَيْنَ فَثَلَاثٌ) لَوْ مَدْخُولًا بِهَا. (وَفِي غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ وَاحِدَةٌ كَ) قَوْلِهِ لَهَا (وَاحِدَةٍ وَثِنْتَيْنِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلثِّنْتَيْنِ مَحَلٌّ (وَإِنْ نَوَى مَعَ الثِّنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ) مُطْلَقًا (وَ) يَقَعُ (بِثِنْتَيْنِ) فِي ثِنْتَيْنِ وَلَوْ (بِنِيَّةِ الضَّرْبِ ثِنْتَانِ) لِمَا مَرَّ، وَلَوْ نَوَى مَعْنَى الْوَاوِ أَوْ مَعَ فَكَمَا مَرَّ (وَ) بِقَوْلِهِ (مِنْ هُنَا إلَى الشَّامِ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً) مَا لَمْ يَصِفْهَا بِطُولٍ أَوْ كِبَرٍ فَبَائِنَةٌ (وَ) أَنْتِ طَالِقٌ (بِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّةَ أَوْ فِي   [رد المحتار] قَوْلُنَا نِصْفَا تَطْلِيقَتَيْنِ وَنَصَّفْنَا كُلًّا مِنْ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَالثَّانِي هُوَ الْمُوجِبُ لِلْأَرْبَعَةِ أَنْصَافٍ، وَاللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُهُ وَلِذَا لَوْ نَوَاهُ دِينَ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ نَهْرٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ أَنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَتَيْنِ تَطْلِيقَةٌ لَا نِصْفَا تَطْلِيقَتَيْنِ (قَوْلُهُ أَوْ نِصْفَيْ طَلْقَتَيْنِ) وَكَذَا نِصْفُ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، وَلَوْ قَالَ: نِصْفَ تَطْلِيقَتَيْنِ فَوَاحِدَةٌ، أَوْ نِصْفَيْ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَثَلَاثٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ طَلْقَتَانِ) لِأَنَّهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ فَيَتَكَامَلُ النِّصْفُ؛ وَفِي نِصْفَيْ طَلْقَتَيْنِ يَتَكَامَلُ كُلُّ نِصْفٍ فَيَحْصُلُ طَلْقَتَانِ. قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَرْبَعَةُ أَثْلَاثِ طَلْقَةٍ وَخَمْسَةُ أَرْبَاعِ طَلْقَةٍ مِثْلَ ثَلَاثَةِ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَقَعُ ثَلَاثٌ) لِأَنَّ كُلَّ نِصْفٍ يَتَكَامَلُ فِي نَفْسِهِ فَتَصِيرُ ثَلَاثًا (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) قَالَ فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَاخْتَارَهُ النَّاطِفِيُّ وَصَحَّحَهُ الْعَتَّابِيُّ. اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ لِلتَّنْصِيفِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ صُورَةً وَذَكَرَ أَحْكَامَهَا فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُكْثِرُ الْأَجْزَاءَ إلَخْ) أَيْ أَنَّ الضَّرْبَ يُؤَثِّرُ فِي تَكْثِيرِ أَجْزَاءِ الْمَضْرُوبِ لَا فِي زِيَادَةِ الْعَدَدِ، وَالطَّلْقَةُ الَّتِي جُعِلَ لَهَا أَجْزَاءٌ كَثِيرَةً لَا تَزِيدُ عَلَى طَلْقَةٍ، وَلَوْ زَادَ فِي الْعَدَدِ لَمْ يَبْقَ فِي الدُّنْيَا فَقِيرٌ لِأَنَّهُ يَضْرِبُ دِرْهَمَهُ فِي مِائَةٍ فَيَصِيرُ مِائَةً ثُمَّ الْمِائَةُ فِي أَلْفٍ فَتَصِيرُ مِائَةَ أَلْفٍ. وَقَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، يَقَعُ ثِنْتَانِ، لِأَنَّ عُرْفَ أَهْلِ الْحِسَابِ فِيهِ تَضْعِيفُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ بِعَدَدِ الْآخَرِ وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَمْنَعُ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِعُرْفِهِمْ وَأَرَادَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَوْقَعَ بِلُغَةٍ أُخْرَى فَارِسِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَهُوَ يَدْرِيهَا. وَالْإِلْزَامُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَبْقَ فِي الدُّنْيَا فَقِيرٌ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ ضَرْبَ دِرْهَمِهِ فِي مِائَةٍ، إنْ كَانَ إخْبَارًا كَقَوْلِهِ عِنْدِي دِرْهَمٌ فِي مِائَةٍ فَهُوَ كَذِبٌ، وَإِنْ كَانَ إنْشَاءً كَجَعَلْتُهُ فِي مِائَةٍ لَا يُمْكِنُ لِأَنَّهُ لَا يُجْعَلُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمَا أَجَابَ بِهِ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ فِي ثِنْتَيْنِ ظَرْفٌ حَقِيقَةً وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لَهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ صَالِحًا لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْعُرْفُ وَلَا النِّيَّةُ، كَمَا لَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ اسْقِنِي الْمَاءَ الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ، رَدَّهُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ: أَيْ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ لِأَهْلِ الْحِسَابِ صَرِيحٌ فِي مَعْنَاهُ الْعُرْفِيِّ، كَذَا رَدَّهُ فِي النَّهْرِ وَالْمِنَحِ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: فَتُزَادُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْمَسَائِلِ الْمُفْتَى بِهَا بِقَوْلِ زُفَرَ اهـ أَيْ لِأَنَّ الْمُحَقِّقَ ابْنَ هَمَّامٍ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ فَثَلَاثٌ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ، فَإِنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ وَالظَّرْفُ يَجْمَعُ الْمَظْرُوفَ، فَصَحَّ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعْنَى الْوَاوِ بَحْرٌ، وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لَوْ مَدْخُولًا بِهَا) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا لِيَشْمَلَ الْمُخْتَلَى بِهَا، فَإِنَّ الطَّلَاقَ فِي الْعِدَّةِ يَلْحَقُهَا احْتِيَاطًا وَهُوَ الْأَقْرَبُ لِلصَّوَابِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَحْكَامِ الْخَلْوَةِ مِنْ بَابِ الْمَهْرِ، وَبَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ لَهَا) أَيْ لِغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَإِنَّهَا تَبِينُ بِقَوْلِهِ وَاحِدَةً لَا إلَى عِدَّةٍ فَلَا يَلْحَقُهَا مَا بَعْدَهَا (قَوْلُهُ فَثَلَاثٌ) لِأَنَّ إرَادَةَ مَعْنَى مَعَ بِفِي ثَابِتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ} [الأحقاف: 16] فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً مَعَ ثِنْتَيْنِ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَا ح (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ يُكْثِرُ الْأَجْزَاءَ لَا الْأَفْرَادَ ح (قَوْلُهُ فَكَمَا مَرَّ) أَيْ فَيَقَعُ فِي صُورَةِ مَعْنَى الْوَاو ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَثِنْتَانِ فِي غَيْرِهَا وَفِي صُورَةِ مَعْنَى مَعَ ثَلَاثٌ مُطْلَقًا ح. (قَوْلُهُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً) لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِالْقَصْرِ لِأَنَّهُ مَتَى وَقَعَ فِي مَكَان وَقَعَ فِي كُلِّ الْأَمَاكِنِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 الدَّارِ أَوْ الظِّلِّ أَوْ الشَّمْسِ أَوْ ثَوْبِ كَذَا تَنْجِيزٌ) يَقَعُ لِلْحَالِ (كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَرِيضَةً أَوْ مُصَلِّيَةٌ) أَوْ أَنْتِ مَرِيضَةٌ أَوْ أَنْتِ تُصَلِّينَ (وَيُصَدَّقُ) فِي الْكُلِّ (دِيَانَةً) لَا قَضَاءً (وَلَوْ قَالَ عَنَيْت إذَا) دَخَلْت أَوْ إذَا (لَبِسْت أَوْ إذَا مَرِضْت) وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ كَقَوْلِهِ: إلَى سَنَةٍ أَوْ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ أَوْ الشِّتَاءِ. (وَإِذَا دَخَلْت مَكَّةَ تَعْلِيقٌ) وَكَذَا فِي دُخُولِك الدَّارَ أَوْ فِي لُبْسِك ثَوْبَ كَذَا أَوْ فِي صَلَاتِك وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّ الظَّرْفَ يُشْبِهُ الشَّرْطَ، وَلَوْ قَالَ لِدُخُولِك أَوْ لِحَيْضِك تَنْجِيزٌ؛ وَلَوْ بِالْبَاءِ تَعَلَّقَ، وَفِي حَيْضِك وَهِيَ حَائِضٌ فَحَتَّى   [رد المحتار] فَتَخْصِيصُهُ بِالشَّامِ تَقْصِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا وَرَاءَهُ ثُمَّ لَا يَحْتَمِلُ الْقَصْرَ حَقِيقَةً، فَكَانَ قَصْرٌ حُكْمُهُ وَهُوَ بِالرَّجْعِيِّ وَطُولُهُ بِالْبَائِنِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَصِفْهَا بِعِظَمٍ وَلَا كِبَرٍ بَلْ مَدَّهَا إلَى مَكَان وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُهُ، فَلَمْ يَثْبُتْ بِهِ زِيَادَةُ شِدَّةٍ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ أَوْ ثَوْبٍ كَذَا) أَيْ وَعَلَيْهَا ثَوْبٌ غَيْرُهُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ يَقَعُ لِلْحَالِ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ تَنْجِيزٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي هُوَ رَفْعُ الْقَيْدِ الشَّرْعِيِّ مَعْدُومٌ فِي الْحَالِ، وَقَدْ جَعَلَ الشَّارِعُ لِمَنْ أَرَادَهُ أَنْ يُعَلِّقَ وُجُودَهُ بِوُجُودِ أَمْرٍ مَعْدُومٍ يُوجَدُ الطَّلَاقُ عِنْدَ وُجُودِهِ وَالْأَفْعَالُ وَالزَّمَانُ هُمَا الصَّالِحَانِ لِذَلِكَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَعْدُومٌ فِي الْحَالِ ثُمَّ يُوجَدُ، بِخِلَافِ الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ عَيْنٌ ثَابِتَةٌ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِنَاطَةُ بِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَا قَضَاءً) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْفِيفِ عَلَى نَفْسِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَيَتَعَلَّقُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَيُصَدَّقُ، وَقَوْلُهُ بِهِ: أَيْ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فِي الصُّوَرِ ط (قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ إلَى سَنَةٍ إلَخْ) فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَى اللَّيْلِ أَوْ إلَى شَهْرٍ أَوْ إلَى سَنَةٍ أَوْ إلَى الصَّيْفِ أَوْ إلَى الشِّتَاءِ أَوْ إلَى الرَّبِيعِ أَوْ إلَى الْخَرِيفِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَنْوِيَ الْوُقُوعَ بَعْدَ الْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَ مُضِيِّهِ، أَوْ يَنْوِيَ الْوُقُوعَ وَيَجْعَلَ الْوَقْتَ لِلِامْتِدَادِ فَيَقَعُ لِلْحَالِ، أَوْ لَا تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ أَصْلًا فَيَقَعُ بَعْدَ الْوَقْتِ عِنْدَنَا، وَلِلْحَالِ عِنْدَ زُفَرَ قَاسَهُ عَلَى مَا إذَا جَعَلَ الْغَايَةَ مَكَانًا كَإِلَى مَكَّةَ أَوْ إلَى بَغْدَادَ فَإِنَّهُ تَبْطُلُ الْغَايَةُ وَيَقَعُ لِلْحَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ تَعْلِيقٌ) لِوُجُودِ حَقِيقَتِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا إلَخْ) أَيْ فَيَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تَفْعَلَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ فِي صَلَاتِك) وَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تَرْكَعَ وَتَسْجُدَ، وَقِيلَ حَتَّى تَرْفَعَ رَأْسَهَا مِنْ السَّجْدَةِ، وَقِيلَ: حَتَّى تُوجَدَ الْقَعْدَةُ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَقَوْلِهِ فِي مَرَضِك أَوْ وَجَعِك فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّ الظَّرْفَ يُشْبِهُ الشَّرْطَ) مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَظْرُوفَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ الظَّرْفِ كَالْمَشْرُوطِ لَا يُوجَدُ بِدُونِ الشَّرْطِ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ مَعْنَاهُ أَعْنِي الظَّرْفَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ تَنْجِيزٌ) الْأَوْلَى تَنَجَّزَ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ جَوَابُ لَوْ كَمَا قَالَ بَعْدَهُ تَعَلَّقَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ، وَإِنَّمَا تَنَجَّزَ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ لِلْحَالِ، وَعَلَّلَهُ بِمَا ذَكَرَ فَيَقَعُ سَوَاءٌ وَجَدَ الدُّخُولَ أَوْ الْحَيْضَ أَوْ لَا رَحْمَتِيٌّ. قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّقَ لَوْ نَوَى بِاللَّامِ التَّوْقِيتَ كَمَا فِي {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] (قَوْلُهُ وَلَوْ بِالْبَاءِ تَعَلَّقَ) لِأَنَّهَا لِلْإِلْصَاقِ، وَقَدْ أَوْقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقًا مُلْصَقًا بِمَا ذَكَرَ فَلَا يَقَعُ إلَّا بِهِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي حَيْضِك إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَيْضِك أَوْ مَعَ حَيْضِك فَحَيْثُمَا رَأَتْ الدَّمَ تَطْلُقُ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَمِرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي لِلظَّرْفِ وَالْحَيْضُ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا فَيُجْعَلُ شَرْطًا وَكَلِمَةُ مَعَ لِلْمُقَارَنَةِ، فَإِذَا اسْتَمَرَّ ثَلَاثًا تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ حَيْضًا مِنْ حِينِ وُجُودِهِ فَيَقَعُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَوْ قَالَ: فِي حَيْضَتِك فَمَا لَمْ تَحِضْ وَتَطْهُرُ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ اسْمٌ لِلْكَامِلِ وَذَلِكَ بِاتِّصَالِ الطُّهْرِ بِهَا، وَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا فِي هَذِهِ الْفُصُولِ كُلِّهَا لَا يَقَعُ مَا لَمْ تَطْهُرْ وَتَحِيضُ أُخْرَى لِأَنَّهُ جَعَلَ الْحَيْضَ شَرْطًا لِلْوُقُوعِ وَالشَّرْطُ مَا يَكُونُ مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَهُوَ الْحَيْضُ الْمُسْتَقْبَلُ لَا الْمَوْجُودُ فِي الْحَالِ اهـ. قُلْت: وَيَنْبَغِي الْوُقُوعُ لَوْ نَوَى فِي مُدَّةِ حَيْضِك الْمَوْجُودِ تَأَمَّلْ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَلَوْ قَالَ لَهَا وَهِيَ حَائِضٌ إذَا حِضْت فَهُوَ عَلَى حَيْضٍ مُسْتَقْبَلٍ فَإِنْ عَنَى مَا يَحْدُثُ مِنْ هَذَا الْحَيْضِ فَكَمَا نَوَى لِأَنَّهُ يَحْدُثُ حَالًا فَحَالًا، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِلْحُبْلَى إذَا حَبِلَتْ وَنَوَى هَذَا الْحَبَلَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَجْزَاءً مُتَعَدِّدَةً. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 تَحِيضَ أُخْرَى، وَفِي حَيْضَتِك فَحَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ، وَفِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تَنْجِيزٌ، وَفِي مَجِيءِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تَعْلِيقٌ بِمَجِيءِ الثَّالِثِ سِوَى يَوْمِ حَلِفِهِ لِأَنَّ الشُّرُوطَ تُعْتَبَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَغْوٌ، وَقَبْلَهُ تَنْجِيزٌ. وَفِي طَالِقٍ تَطْلِيقَةً حَسَنَةً فِي دُخُولِك الدَّارَ إنْ رَفَعَ حَسَنَةً تَنَجَّزَ وَإِنْ نَصَبَهَا تَعَلَّقَ. وَسَأَلَ الْكِسَائِيُّ مُحَمَّدًا عَمَّنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ ... وَإِنْ تَخْرِقِي يَا هِنْدُ فَالْخِرْقُ أَشْأَمُ   [رد المحتار] وَفِي الْخَانِيَّةِ: قَالَ لِحَائِضٍ: إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى حَيْضٍ مُسْتَقْبَلٍ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إذَا حِضْت غَدًا فَهُوَ عَلَى دَوَامِ ذَلِكَ الْحَيْضِ إلَى فَجْرِ الْغَدِ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ حُدُوثُ حَيْضَةٍ فِي الْغَدِ فَيُحْتَمَلُ الدَّوَامُ، وَكَذَا إذَا مَرِضَتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِلصَّحِيحَةِ إذَا صَحَّحْت فَيَقَعُ كَمَا سَكَتَ لِأَنَّ الصِّحَّةَ أَمْرٌ يَمْتَدُّ فَلِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ؛ كَقَوْلِهِ لِلْقَائِمِ إذَا قُمْت، وَلِلْقَاعِدِ إذَا قَعَدْت، وَلِلْمَمْلُوكِ إذَا مَلَكْتُك، وَالْحَيْضُ وَالْمَرَضُ وَإِنْ كَانَ يَمْتَدُّ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا عَلَّقَ بِالْجُمْلَةِ أَحْكَامًا لَا تَتَعَلَّقُ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ فَقَدْ جَعَلَ الْكُلَّ شَيْئًا وَاحِدًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تَنْجِيزٌ) لِأَنَّ الْوَقْتَ يَصْلُحُ ظَرْفًا لِكَوْنِهَا طَالِقًا، وَمَتَى طَلُقَتْ فِي وَقْتٍ طَلُقَتْ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِمَجِيءِ الثَّالِثِ) لِأَنَّ الْمَجِيءَ فِعْلٌ فَلَمْ يَصِحَّ ظَرْفًا فَصَارَ شَرْطًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشُّرُوطَ تُعْتَبَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ سِوَى يَوْمِ حَلِفِهِ، فَإِنَّ مَجِيءَ الْيَوْمِ عِبَارَةٌ عَنْ مَجِيءِ أَوَّلِ جُزْئِهِ، يُقَالُ جَاءَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ قَدْ مَضَى أَوَّلُ جُزْئِهِ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. وَمُفَادُهُ أَنَّ هَذَا فِيمَا لَوْ حَلَفَ نَهَارًا. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَوْ قَالَ فِي اللَّيْلِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَجِيءِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ طَلُقَتْ كَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَلَوْ قَالَ فِي مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إنْ قَالَ ذَلِكَ لَيْلًا طَلُقَتْ بِغُرُوبِ شَمْسِ الثَّالِثِ، هَكَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْجَامِعِ، وَفِي بَعْضِهَا لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَجِيءَ سَاعَةُ حَلِفِهِ مِنْ اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ لَغْوٌ) لِأَنَّ التَّكَالِيفَ رُفِعَتْ فِيهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَنَجَّزْ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْوُقُوعَ فِي زَمَانٍ مُعَيَّنٍ وَالزَّمَانُ يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ إلَّا أَنَّهُ مَنَعَ مَانِعٌ مِنْ إيقَاعِهِ فِيهِ ط (قَوْلُهُ وَقَبْلَهُ تَنْجِيزٌ) لِأَنَّ الْقَبْلِيَّةَ ظَرْفٌ مُتَّسَعٌ فَيَصْدُقُ بِحِينِ التَّكَلُّمِ ط. (قَوْلُهُ إنْ رَفَعَ إلَخْ) الْفَرْقُ أَنَّهُ عَلَى الرَّفْعِ يَكُونُ نَعْتًا لِلْمَرْأَةِ فَاصِلًا، وَعَلَى النَّصْبِ يَكُونُ نَعْتًا لِلتَّطْلِيقَةِ، فَلَمْ يَكُنْ فَاصِلًا نَهْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ: أَيْ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَاصِلٌ أَجْنَبِيٌّ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ فِي دُخُولِك مُسْتَأْنَفًا بَلْ يَتَعَلَّقُ بِطَالِقٍ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ (قَوْلُهُ وَسَأَلَ الْكِسَائِيُّ مُحَمَّدًا إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى رَدِّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي الْمُغْنِي مِنْ بَابِ الْأَوَّلِ مِنْ بَحْثِ اللَّامِ: أَنَّهُ كَتَبَ الرَّشِيدُ إلَى أَبِي يُوسُفَ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ نَحْوِيَّةٌ فِقْهِيَّةٌ وَلَا آمَنُ مِنْ الْخَطَأِ إنْ قُلْت فِيهَا، فَسَأَلْت الْكِسَائِيَّ فَقَالَ: إنْ رَفَعَ ثَلَاثًا طَلُقَتْ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَلَاقٌ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ التَّامَّ ثَلَاثٌ، وَإِنْ نَصَبَهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَمَا بَيْنَهُمَا جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ اهـ مُلَخَّصًا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ بَعْدَ كَوْنِهِ غَلَطًا بَعِيدٌ عَنْ مَعْرِفَةِ مَقَامِ الِاجْتِهَادِ، فَإِنَّ مِنْ شَرْطِهِ مَعْرِفَةَ الْعَرَبِيَّةِ وَأَسَالِيبِهَا " لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يَقَعُ فِي الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ. وَاَلَّذِي نَقَلَهُ أَهْلُ الثَّبْتِ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَمَّنْ قَرَأَ الْفَتْوَى حِينَ وَصَلَتْ خِلَافُهُ، وَأَنَّ الْمُرْسِلَ الْكِسَائِيُّ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَلَا دَخْلَ لِأَبِي يُوسُفَ أَصْلًا وَلَا الرَّشِيدِ وَلَمَقَامُ أَبِي يُوسُفَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ مَعَ إمَامَتِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَبَرَاعَتِهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْأَلْفَاظِ. فَفِي الْمَبْسُوطِ: ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ أَنَّ الْكِسَائِيَّ بَعَثَ إلَى مُحَمَّدٍ بِفَتْوَى فَدَفَعَهَا إلَيَّ فَقَرَأْتهَا عَلَيْهِ، فَكَتَبَ فِي جَوَابِهِ مَا مَرَّ، فَاسْتَحْسَنَ الْكِسَائِيُّ جَوَابَهُ. اهـ. وَذَكَرَ ح عَنْ حَاشِيَةِ الْمُغْنِي لِلْجَلَالِ السُّيُوطِيّ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَرْوِيُّ فِي تَارِيخِ الْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَرْفُقِي إلَخْ) بَعْدَ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ بَيْتٌ ثَالِثٌ وَهُوَ قَوْلُهُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ... ثَلَاثٌ وَمَنْ يَخْرِقْ أَعَقَّ وَأَظْلَمَ كَمْ يَقَعُ؟ فَقَالَ: إنْ رَفَعَ ثَلَاثًا فَوَاحِدَةٌ، وَإِنْ نَصَبَهَا فَثَلَاثٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْمُغْنِي وَفِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْمُلْتَقَى (وَبِ) قَوْلِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ فِي غَدٍ يَقَعُ عِنْدَ) طُلُوعِ (الصُّبْحِ، وَصَحَّ فِي الثَّانِي نِيَّةُ الْعَصْرِ) أَيْ آخِرَ النَّهَارِ (قَضَاءً وَصُدِّقَ   [رد المحتار] فَبِينِي بِهَا إنْ كُنْتِ غَيْرَ رَفِيقَةٍ ... وَمَا لِامْرِئٍ بَعْدَ الثَّلَاثِ مُقَدَّمٌ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي شَرْحِ الشَّوَاهِدِ لِلْجَلَالِ: الرِّفْقُ ضِدُّ الْعُنْفِ، يُقَالُ رَفَقَ بِفَتْحِ الْفَاءِ يَرْفُقُ بِضَمِّهَا. وَالْخُرْقُ: بِالضَّمِّ وَسُكُونِ الرَّاءِ الِاسْمُ؛ مِنْ خَرِقَ بِالْكِسَرِ يَخْرَقُ بِالْفَتْحِ خَرَقًا بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالرَّاءِ: وَهُوَ ضِدُّ الرِّفْقِ وَفِي الْقَامُوسِ أَنَّ مَاضِيَهُ بِالْكَسْرِ كَفَرِحَ وَبِالضَّمِّ كَكَرُمَ وَأَيْمَنَ مِنْ الْيَمِينِ: وَهُوَ الْبَرَكَةُ، وَأَشْأَمَ مِنْ الشُّؤْمِ: وَهُوَ ضِدُّ الْيَمِينِ. وَذَكَرَ ابْنُ يَعِيشَ أَنَّ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي حَذْفَ الْفَاءِ وَالْمُبْتَدَأِ، أَيْ فَهُوَ أَعَقُّ وَإِنْ تَعْلِيلَةٌ وَاللَّامُ مُقَدَّرَةٌ: أَيْ لِأَجْلِ كَوْنَك غَيْرَ رَقِيقَةٍ، وَالْمُقَدَّمُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ مِنْ قَدَّمَ بِمَعْنَى تَقَدَّمَ: أَيْ لَيْسَ لِأَحَدٍ تَقَدُّمٌ إلَى الْعِشْرَةِ وَالْأُلْفَةِ بَعْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِ، إذْ بِهَا تَمَامُ الْفُرْقَةِ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ (قَوْلُهُ فَأَنْتِ طَلَاقٌ) يُقَالُ فِيهِ مَا قِيلَ فِي: زَيْدٌ عَدْلٌ ط (قَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ) أَيْ مَعْزُومٌ عَلَيْهِ لَيْسَ بِلَغْوٍ وَلَا لَعِبٍ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْمُغْنِي) حَيْثُ قَالَ: أَقُولُ: وَإِنَّ الصَّوَابَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ مُحْتَمِلٌ لِوُقُوعِ الثَّلَاثِ وَالْوَاحِدَةِ، أَمَّا الرَّفْعُ فَلِأَنَّ الـ فِي وَالطَّلَاقُ إمَّا لِمَجَازِ الْجِنْسِ كَ: زَيْدٌ الرَّجُلُ: أَيْ هُوَ الرَّجُلُ الْمُعْتَدُّ بِهِ، وَإِمَّا لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ أَيْ وَهَذَا الطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ عَزِيمَةٌ ثَلَاثٌ، فَعَلَى الْعَهْدِيَّةِ تَقَعُ الثَّلَاثُ، وَعَلَى الْجِنْسِيَّةِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ. وَأَمَّا النَّصْبُ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ فَيَقْتَضِي وُقُوعَ الثَّلَاثِ، إذْ الْمَعْنَى فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا ثَلَاثًا ثُمَّ اعْتَرَضَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ: وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الْمُسْتَتِرِ فِي عَزِيمَةٌ وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ وُقُوعُ الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ إذَا كَانَ ثَلَاثًا بَلْ يَقَعُ مَا نَوَاهُ، هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ. وَاَلَّذِي أَرَادَهُ الشَّاعِرُ الثَّلَاثَ لِقَوْلِهِ فَبِينِي بِهَا إلَخْ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الظَّاهِرَ فِي النَّصْبِ الْمَفْعُولُ الْمُطْلَقُ، وَفِي الرَّفْعِ الْعَهْدُ الذِّكْرِيُّ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ، وَلِذَا ظَهَرَ مِنْ الشَّاعِرِ أَنَّهُ أَرَادَهُ. [مَطْلَبٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ] ِ (قَوْلُهُ وَبِقَوْلِهِ أَنْتِ إلَخْ) هَذَا عَقْدٌ لَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فَصْلًا فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ (قَوْلُهُ يَقَعُ عِنْدَ طُلُوعِ الصُّبْحِ) أَيْ الْفَجْرِ الصَّادِقِ لَا الْكَاذِبِ، وَلِكَوْنِهِ أَخَصَّ مِنْ الْفَجْرِ عَبَّرَ بِهِ. وَوَجْهُ الْوُقُوعِ عِنْدَ طُلُوعِهِ أَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ فَيَتَعَيَّنُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَصَحَّ فِي الثَّانِي نِيَّةُ الْعَصْرِ) لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِهِ فِي جُزْءٍ مِنْهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَيْ آخِرَ النَّهَارِ) تَفْسِيرٌ مُرَادٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ وَقْتَ الضَّحْوَةِ أَوْ الزَّوَالِ صُدِّقَ كَذَلِكَ ط (قَوْلُهُ قَضَاءً) وَقَالَا: لَا تَصِحُّ كَالْأَوَّلِ، وَلَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهَا فِيهِمَا دِيَانَةً. وَالْفَرْقُ لَهُ عُمُومُ مُتَعَلِّقِهَا بِدُخُولِهَا مُقَدَّرَةً لَا مَلْفُوظًا بِهَا لِلْفَرْقِ لُغَةً بَيْنَ صُمْت سَنَةً وَفِي سَنَةٍ. وَشَرْعًا بَيْنَ لَأَصُومَنَّ عُمُرِي حَيْثُ لَا يَبَرُّ إلَّا بِصَوْمِ كُلِّهِ وَفِي عُمُرِي حَيْثُ يَبَرُّ بِسَاعَةٍ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ إنْ صُمْت شَهْرًا فَعَبْدُهُ حُرٌّ حَيْثُ يَقَعُ عَلَى صَوْمِ جَمِيعِهِ، بِخِلَافِ إنْ صُمْت فِي هَذَا الشَّهْرِ حَيْثُ يَقَعُ عَلَى صَوْمِ سَاعَةٍ مِنْهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، فَنِيَّةُ جُزْءٍ مِنْ الزَّمَانِ مَعَ ذِكْرِهَا نِيَّةُ الْحَقِيقَةِ وَمَعَ حَذْفِهَا نِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ الزَّمَانُ فِي حَقِّهِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْحَذْفِ وَالْإِثْبَاتِ كَصَمْتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ فِي يَوْمِهَا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 فِيهِمَا دِيَانَةً) وَمِثْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ شَعْبَانَ أَوْ فِي شَعْبَانَ (وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ اُعْتُبِرَ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ) وَلَوْ عَطَفَ بِالْوَاوِ يَقَعُ فِي الْأَوَّلِ وَاحِدَةً وَفِي الثَّانِي ثِنْتَانِ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَوْ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ وَعَكْسَهُ، أَوْ الْيَوْمَ وَرَأْسَ الشَّهْرِ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى أَضَافَ الطَّلَاقَ لِوَقْتَيْنِ كَائِنٍ وَمُسْتَقْبَلٍ بِحَرْفِ عَطْفٍ، فَإِنْ بَدَأَ بِالْكَائِنِ اتَّحَدَ أَوْ بِالْمُسْتَقْبَلِ تَعَدَّدَ، وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَإِذَا جَاءَ غَدًا أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لَا بَلْ غَدًا طَلُقَتْ وَاحِدَةً لِلْحَالِ وَأُخْرَى فِي الْغَدِ (أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوَّلًا أَوْ مَعَ مَوْتَى أَوْ مَعَ مَوْتِك لَغْوٌ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِحَرْفِ الشَّكِّ، وَأَمَّا   [رد المحتار] قُلْت: وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِيمَا يَتَجَزَّأُ زَمَانُهُ مَعَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ شُمُولِهِ مِثْلُ أَكَلْت يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَفِي يَوْمِهَا (قَوْلُهُ أَوْ فِي شَعْبَانَ) فَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ طَلُقَتْ حِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ وَإِنْ نَوَى آخِرَ شَعْبَانَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ اُعْتُبِرَ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ) فَيَقَعُ فِي الْيَوْمِ فِي الْأَوَّلِ وَفِي غَدٍ فِي الثَّانِي لِأَنَّهُ بِذِكْرِهِ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ ثَبَتَ حُكْمُهُ تَنْجِيزًا فِي الْأَوَّلِ وَتَعْلِيقًا فِي الثَّانِي، فَلَا يَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ بِذِكْرِ الثَّانِي لِأَنَّ الْمُنَجَّزَ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَلَا الْمُعَلَّقُ التَّنْجِيزَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَطَفَ إلَخْ) قَالَ فِي التَّبْيِينِ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَنَا إلَى إيقَاعِ الْأُخْرَى فِي الْأُولَى لِإِمْكَانِ وَصْفِهَا غَدًا بِطَلَاقٍ وَاقِعٍ عَلَيْهَا الْيَوْمَ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ فَيَقَعَانِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةً إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ فِي اللَّيْلِ، وَكَذَا أَوَّلُ النَّهَارِ وَآخِرُهُ إنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ح (قَوْلُهُ وَعَكْسُهُ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى مَدْخُولِ الْكَافِ، يَعْنِي إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بِالنَّهَارِ وَاللَّيْلِ أَوْ آخِرَ النَّهَارِ وَأَوَّلُهُ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ بِاللَّيْلِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ أَيْضًا، فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ بِالنَّهَارِ أَوْ آخِرَ النَّهَارِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ فِي الْكُلِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ ح. قُلْت: وَهَذَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ فِي الْمَعْطُوفِ بِلَفْظِ فِي لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ؛ وَلَوْ قَالَ لَيْلًا: أَنْتِ طَالِقٌ فِي لَيْلِك وَفِي نَهَارِك أَوْ قَالَ نَهَارًا: أَنْتِ طَالِقٌ فِي نَهَارِك وَفِي لَيْلِك طَلُقَتْ فِي كُلِّ تَطْلِيقَةٍ، فَإِذَا نَوَى وَاحِدَةً دِينَ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ بِحَمْلِ لَفْظِ " فِي " عَلَى مَعْنَى مَعَ (قَوْلُهُ أَوْ الْيَوْمَ وَرَأْسَ الشَّهْرِ) أَيْ فَيَقَعُ وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ: رَأْسَ الشَّهْرِ وَالْيَوْمَ فَثِنْتَانِ فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَكْسُهُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ كَائِنٍ وَمُسْتَقْبَلٍ) كَالْيَوْمِ وَغَدًا، وَأَمَّا الْمَاضِي وَالْكَائِنُ كَأَمْسِ وَالْيَوْمِ فَفِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي قَرِيبًا فِي الشَّرْحِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: قَالَ لَهَا فِي وَسَطِ النَّهَارِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلَ هَذَا الْيَوْمِ وَآخِرَهُ فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ عَكَسَ فَثِنْتَانِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْوَاقِعَ فِي آخِرِ الْيَوْمِ لَا يَكُونُ وَاقِعًا فِي أَوَّلِهِ فَيَقَعُ طَلَاقَانِ. (قَوْلُهُ اتَّحَدَ) لِأَنَّهَا إذَا طَلُقَتْ الْيَوْمَ تَكُونُ طَالِقًا فِي غَدٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعَدُّدِ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْيَوْمَ وَغَدًا بِمَنْزِلَةِ وَقْتٍ وَاحِدٍ لِدُخُولِ اللَّيْلِ فِيهِ، بِخِلَافِ وَبَعْدَ غَدٍ فَهُمَا كَوَقْتَيْنِ، لِأَنَّ تَرْكَهُ يَوْمًا مِنْ الْبَيْنِ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَتِهِ تَطْلِيقًا آخَرَ فِي بَعْدِ الْغَدِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا مَا يُؤَيِّدُهُ، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ وُقُوعُ الْوَاحِدَةِ فِي الْيَوْمِ وَرَأْسِ الشَّهْرِ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا إذَا كَانَ الْحَلِفُ فِي آخِرِ الْيَوْمِ مِنْ الشَّهْرِ فَلَا يُوجَدُ فَاصِلٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ طَلُقَتْ وَاحِدَةً لِلْحَالِ وَأُخْرَى فِي الْغَدِ) أَمَّا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَإِذَا جَاءَ غَدٌ فَلِأَنَّ الْمَجِيءَ شَرْطٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الْإِيقَاعِ وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَالْمَوْقِعُ لِلْحَالِ لَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِشَرْطٍ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الْمُتَعَلِّقُ تَطْلِيقَةً أُخْرَى، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْوَاوَ لَا تَطْلُقُ إلَّا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَتَوَقَّفَ الْمُنَجَّزُ لِاتِّصَالِ مُغَيِّرِ الْأَوَّلِ بِالْآخَرِ كَذَا فِي الْبَحْرِ. وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا بَلْ غَدًا فَلِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْإِضْرَابِ إبْطَالَ الْمُنَجَّزِ وَلَا يُمْكِنُهُ إبْطَالُهُ وَيَقَعُ بِقَوْلِهِ بَلْ غَدًا أُخْرَى ح (قَوْلُهُ فَلِحَرْفِ الشَّكِّ) هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَالثَّانِي آخِرًا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَالثَّانِي أَوَّلًا تَطْلُقُ رَجْعِيَّةً لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي الْوَاحِدَةِ فَبَقِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ. وَلَهُمَا أَنَّ الْوَصْفَ مَتَى قُرِنَ بِذِكْرِ الْعَدَدِ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْعَدَدِ، بِدَلِيلِ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 الثَّانِي فَلِإِضَافَتِهِ لِحَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلْإِيقَاعِ أَوْ الْوُقُوعِ (كَذَا أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْ أَمْسِ وَ) قَدْ (نَكَحَهَا الْيَوْمَ) وَلَوْ نَكَحَهَا قَبْلَ أَمْسٍ وَقَعَ الْآنَ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ فِي الْمَاضِي إنْشَاءٌ فِي الْحَالِ، وَلَوْ قَالَ أَمْسِ وَالْيَوْمَ تَعَدَّدَ، وَبِعَكْسِهِ اتَّحَدَ، وَقِيلَ: بِعَكْسِهِ (أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أُطَلِّقَ أَوْ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي أَوْ طَلَّقْتُك وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ نَائِمٌ) أَوْ مَجْنُونٌ وَكَانَ مَعْهُودًا كَانَ لَغْوًا. (بِخِلَافِ) قَوْلِهِ (أَنْتِ حُرَّةٌ قَبْلَ أَنْ أَشْتَرِيَك أَوْ أَنْتِ حُرَّةٌ أَمْسِ وَقَدْ اشْتَرَاهُ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ كَمَا) يَعْتِقُ (وَلَوْ أَقَرَّ لِعَبْدٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ) لِإِقْرَارِهِ بِحُرِّيَّتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَمَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرَيْنِ لَمْ تَطْلُقْ) لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ (وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ طَلُقَتْ   [رد المحتار] أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعْنَ، وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْوَصْفِ لَلَغَا ذِكْرُ الثَّلَاثِ نَهْرٌ، وَقَيَّدَ بِالْعَدَدِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلًا لَا يَقَعُ فِي قَوْلِهِمْ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي الْإِيقَاعِ. وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ؛ وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَ أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ لَوْلَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ وَالْإِيقَاعُ إذَا لَحِقَهُ اسْتِثْنَاءٌ أَوْ شَرْطٌ لَمْ يَبْقَ إيقَاعًا بَحْرٌ، وَتَمَامُ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ (قَوْلُهُ لِحَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلْإِيقَاعِ أَوْ الْوَقْعِ) نَشْرٌ مُرَتِّبٌ ح أَيْ لِأَنَّ مَوْتَهُ مُنَافٍ لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ مِنْهُ وَمَوْتَهَا مُنَافٍ لِوُقُوعِهِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ كَذَا أَنْتِ طَالِقٌ إلَخْ) لِأَنَّهُ أَسْنَدَ الطَّلَاقَ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِمَالِكِيَّةِ الطَّلَاقِ فَكَانَ حَاصِلُهُ إنْكَارَ الطَّلَاقِ فَيَلْغُو وَلِأَنَّهُ حِينَ تَعَذَّرَ تَصْحِيحُهُ إنْشَاءً أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا عَنْ عَدَمِ النِّكَاحِ: أَيْ طَالِقٌ أَمْسِ عَنْ قَيْدِ النِّكَاحِ إذْ لَمْ تَنْكِحِي بَعْدُ أَوْ عَنْ طَلَاقٍ كَانَ لَهَا إنْ كَانَ. اهـ. فَتْحٌ. وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ لَمْ يُعَلِّقْهُ بِالتَّزَوُّجِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهُ بِهِ كَانَتْ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك إذَا تَزَوَّجْتُك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا تَزَوَّجْتُك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك فَفِيهِمَا يَقَعُ عِنْدَ التَّزَوُّجِ اتِّفَاقًا وَتَلْغُو الْقَبْلِيَّةَ، وَإِنْ أَخَّرَ الْجَزَاءَ كَإِنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك لَمْ يَقَعْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْفَاءَ رَجَّحَتْ الشَّرْطِيَّةَ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِهِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ التَّزَوُّجِ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَكَحَهَا قَبْلَ أَمْسِ إلَخْ) لَمْ أَرَ مَا لَوْ نَكَحَهَا فِي الْأَمْسِ، وَمُقْتَضَى قَوْلِ الْفَتْحِ الْمَذْكُورِ آنِفًا وَلِأَنَّهُ حِينَ تَعَذَّرَ تَصْحِيحُهُ إنْشَاءً إلَخْ أَنَّهُ يَقَعُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَذَّرْ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِالْوُقُوعِ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ تَزَوَّجَهَا فِيهِ أَوْ قَبْلَهُ تَنَجَّزَ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ فِي الْمَاضِي إنْشَاءٌ فِي الْحَالِ) لِأَنَّهُ مَا أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ، وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا لِكَذِبِهِ وَعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِسْنَادِ، فَكَانَ إنْشَاءً فِي الْحَالِ، وَعَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ حَكَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا فِي مَسْأَلَةِ الدَّوْرِ بِالْوُقُوعِ، وَحَكَمَ أَكْثَرُهُمْ بِعَدَمِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا مُسْتَوْفًى أَوَّلَ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ تَعَدَّدَ) لِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْيَوْمِ لَا يَكُونُ وَاقِعًا فِي الْأَمْسِ، فَاقْتَضَى أُخْرَى بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: أَنْتِ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْأَمْسِ وَالْيَوْمِ تَأْتِي فِي الْيَوْمِ وَالْأَمْسِ، فَتَدَبَّرْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ دَقِيقٌ، عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى الْأَصْلِ: أَيْ الْمُتَقَدِّمَ قَرِيبًا وُقُوعُ وَاحِدَةٍ فِي الْأَمْسِ وَالْيَوْمِ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِالْكَائِنِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ بِعَكْسِهِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ عَازِيًا إلَى الْمُنْتَقَى: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَالْيَوْمُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَفِي عَكْسِهِ ثِنْتَانِ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ اهـ قَالَ ح: وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ لِأَنَّ إيقَاعَهُ فِي الْأَمْسِ إيقَاعٌ فِي الْيَوْمِ كَمَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ (قَوْلُهُ وَكَانَ مَعْهُودًا) أَيْ الْجُنُونَ وَلَوْ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ كَانَ لَغْوًا) لِأَنَّ حَاصِلَهُ إنْكَارُ الطَّلَاقِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لِإِقْرَارِهِ بِحُرِّيَّتِهِ) عِلَّةٌ لِلصُّوَرِ الثَّلَاثِ ط. (قَوْلُهُ قَبْلَ مَوْتِي) مِثْلُهُ قَبْلَ مَوْتِك ط (قَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ) اعْتَرَضَ بِأَنَّ الْمَوْتَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ إلَّا فِي مَعْنَاهُ، بَلْ هُوَ مَعْرُوفٌ لِلْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَلِذَا يَقَعُ مُسْتَنِدًا لَوْ مَاتَ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ، بِخِلَافِ الْقُدُومِ كَمَا سَيَأْتِي. وَأَجَابَ الرَّحْمَتِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ صِحَّةِ الِاسْتِنَادِ لِأَنَّ شَرْطَهُ وُجُودُ زَمَانٍ يَسْتَنِدُ إلَيْهِ الْوُقُوعُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَهُوَ الْمُدَّةُ الْمُعَيَّنَةُ. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 مُسْتَنِدًا) لِأَوَّلِ الْمُدَّةِ لَا عِنْدَ الْمَوْتِ (وَ) فَائِدَتُهُ أَنَّهُ (لَا مِيرَاثَ لَهَا) لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِشَهْرَيْنِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ (قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ) أَوْ كُلَّ جُمُعَةٍ أَوْ رَأْسَ كُلِّ شَهْرٍ (وَلَا نِيَّةَ لَهُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ) فَإِنَّهُ نَوَى كُلَّ يَوْمٍ -   [رد المحتار] قُلْت: عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ لَيْسَ هُوَ الْمَوْتُ بَلْ مُضِيُّ شَهْرَيْنِ بَعْدَ الْحَلِفِ وَهَذَا مُحْتَمَلُ الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ، فَإِذَا لَمْ يَمْضِ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ. فَإِنْ قِيلَ: يُمْكِنُ تَكْمِيلُ ذَلِكَ مِنْ الْمَاضِي كَأَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ. قُلْت: هُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ شَهْرَيْنِ فَاعْتُبِرَ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ بِخِلَافِ الْأَمْسِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مُسْتَنِدًا لِأَوَّلِ الْمُدَّةِ) هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ عِنْدَ الْمَوْتِ مُقْتَصِرًا وَقَدْ انْتَفَتْ أَهْلِيَّةُ الْإِيقَاعِ أَوْ الْوُقُوعِ فَيَلْغُو، فَقَوْلُهُ لَا عِنْدَ الْمَوْتِ رَدٌّ لِقَوْلِهِمَا رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهَا إلَخْ) اعْتَرَضَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ عَدَمَ مِيرَاثِهَا بِنَاءً عَلَى إمْكَانِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِشَهْرَيْنِ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ اقْتِصَارُ الْعِدَّةِ عِنْدَ الْإِمَامِ عَلَى وَقْتِ الْمَوْتِ فَتَرِثُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، إذْ لَا يَظْهَرُ الِاسْتِنَادُ فِي الْمِيرَاثِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ، لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهَا وَمَعَ ضَعْفِهِ فَوَجْهُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ عِدَّةَ زَوْجَةِ الْفَارِّ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ، وَبِمُضِيِّ ثَلَاثِ حِيَضٍ فِي شَهْرَيْنِ حَقِيقَةً لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا وَيَبْقَى شَهْرَانِ وَعَشْرَةُ أَيَّامٍ لِإِتْمَامِ أَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ فَتَرِثُهُ، فَكَيْفَ تُمْنَعُ بِإِمْكَانِ الثَّلَاثِ فِي شَهْرَيْنِ اهـ. وَأَوْضَحَهُ الرَّحْمَتِيُّ بِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عِنْدَهُ مُسْتَنِدًا لِأَوَّلِ الْمُدَّةِ. فَإِنْ كَانَ فِيهَا مَرِيضًا إلَى الْمَوْتِ فَقَدْ تَحَقَّقَ الْفِرَارُ مِنْهُ وَإِلَّا فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ وُقُوعُ طَلَاقِهِ إلَّا بِمَوْتِهِ وَتَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَا لَهُ وَلَا يَتَأَتَّى مَوْتُهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْمَوْتِ عِنْدَهُ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ فِي وُجُودِ سَبَبِهَا، وَعَلَى الضَّعِيفِ مِنْ أَنَّهَا تَسْتَنِدُ إلَى حِينِ الْوُقُوعِ فَإِنَّهَا تَكُونُ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ لَا بِمُجَرَّدِ ثَلَاثِ حِيَضٍ فِي شَهْرَيْنِ؛ وَلَوْ سَلَّمَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ ذَلِكَ، بِأَنْ تَعْتَرِفَ بِأَنَّهَا حَاضَتْ ثَلَاثًا لَا بِمُضِيِّ الشَّهْرَيْنِ بَلْ وَلَا بِمُضِيِّ السَّنَةِ وَالسَّنَتَيْنِ، فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلدُّرَرِ لَا يَنْطَبِقُ عَلَى قَوَاعِدِ الْفِقْهِ بِوَجْهٍ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِشَهْرَيْنِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ) الْبَاءُ الْأُولَى لَلتَّعْدِيَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِتَنْقَضِي وَالثَّانِيَةُ لِلْمُصَاحَبَةِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ شَهْرَيْنِ فَافْهَمْ . (قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمِمَّا تَفَرَّعَ عَلَى حَذْفِ فِي وَإِثْبَاتِهَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ تَقَعُ وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثِ، وَقَالَ زُفَرُ: تَقَعُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ وَلَوْ قَالَ: فِي كُلِّ يَوْمٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَاحِدَةٌ إجْمَاعًا؛ كَمَا لَوْ: قَالَ عِنْدَ كُلِّ يَوْمٍ أَوْ كُلَّمَا مَضَى يَوْمٌ. وَالْفَرْقُ لَنَا أَنَّ " فِي " لِلظَّرْفِ وَالزَّمَانُ إنَّمَا هُوَ ظَرْفٌ مِنْ حَيْثُ الْوُقُوعُ فَيَلْزَمُ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ فِيهِ وُقُوعُ تَعَدُّدِ الْوَاقِعِ، بِخِلَافِ كُلِّ يَوْمٍ فِيهِ الِاتِّصَافُ بِالْوَاقِعِ، فَلَوْ نَوَى نَوَى أَنْ تَطْلُقَ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلِيقَةً أُخْرَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ كُلَّ جُمُعَةٍ) مَحَلُّهُ مَا إذَا نَوَى كُلَّ جُمُعَةٍ تَمُرُّ بِأَيَّامِهَا عَلَى الدَّهْرِ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ عَلَى كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ فَهِيَ طَالِقٌ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ حَتَّى تَبِينَ بِثَلَاثٍ ط عَنْ الْبَحْرِ. وَحَاصِلُهُ إنْ نَوَى بِالْجُمُعَةِ الْأُسْبُوعَ أَوْ أَطْلَقَ فَوَاحِدَةٌ، وَإِنْ نَوَى الْيَوْمَ الْمَخْصُوصَ فَثَلَاثٌ لِوُجُودِ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْأَيَّامِ كَمَا يَتَّضِحُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ أَوْ رَأْسَ كُلِّ شَهْرٍ) الصَّوَابُ حَذْفُ: رَأْسَ. فَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْهِنْطِيَّةِ وَالتَّتَارْخَانِيَّة: أَنْتِ طَالِقٌ رَأْسَ كُلِّ شَهْرٍ تَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ شَهْرٍ طَلُقَتْ وَاحِدَةً لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ فِي الْوُقُوعِ وَلَا كَذَلِكَ الثَّانِي. اهـ. أَيْ لِأَنَّ رَأْسَ الشَّهْرِ أَوَّلُهُ، فَبَيْنَ رَأْسِ الشَّهْرِ وَرَأْسِ الْآخَرِ فَاصِلٌ، فَاقْتَضَى إيقَاعَ طَلْقَةٍ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ؛ وَنَظِيرُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ، فَإِنَّ الْوَقْتَ الْمُضَافَ إلَيْهِ الطَّلَاقُ مُتَّصِلٌ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ وَقْتٍ وَاحِدٍ فَكَانَ الْوَاقِعُ فِي أَوَّلِهِ وَاقِعًا فِي كُلِّهِ وَنَظِيرُهُ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ فَإِنْ نَوَى كُلَّ يَوْمٍ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 أَوْ قَالَ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ مَعَ أَوْ عِنْدَ أَوْ كُلَّمَا مَضَى يَوْمٌ يَقَعُ ثَلَاثٌ فِي أَيَّامٍ ثَلَاثَةٍ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى تَرَكَ كَلِمَةَ الطَّرَفِ اتَّحَدَ وَإِلَّا تَعَدَّدَ. وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ كُلِّ يَوْمٍ تَطْلِيقَةً وَقَعَ ثَلَاثٌ لِلْحَالِ (قَالَ أَطْوَلُكُمَا عَمْرًا طَالِقٌ الْآنَ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَمُوتَ إحْدَاهُمَا فَتَطْلُقُ الْأُخْرَى) لِوُجُودِ شَرْطِهِ حِينَئِذٍ. (قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ فَقَدِمَ بَعْدَ شَهْرٍ وَقَعَ الطَّلَاقُ مُقْتَصِرًا) . -   [رد المحتار] أَيْ نَوَى أَنْ يَقَعَ تَطْلِيقَةٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ أَيْ أُسْبُوعٍ، وَكَذَا لَوْ نَوَى بِالْجُمْلَةِ يَوْمَهَا الْمَخْصُوصَ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ أَوْ قَالَ فِي كُلِّ يَوْمٍ) لِأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ يَوْمٍ ظَرْفًا لِلْوُقُوعِ فَيَتَعَدَّدُ الْوَاقِعُ (قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) كَذَا وَقَعَ فِي الْبَحْرِ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، وَفِيهِ تَحْرِيفٌ بِزِيَادَةِ لَفْظَةِ يَوْمٍ، فَإِنَّ عِبَارَةَ الْخُلَاصَةِ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ بِدُونِ لَفْظَةِ يَوْمٍ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ أَوْ مَعَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ فَتَطْلُقُ الْأُخْرَى) أَيْ مُسْتَنِدًا عِنْدَهُ وَمُقْتَصِرًا عِنْدَهُمَا فَتْحٌ. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: قُلْت فَيَلْزَمُهُ الْعُقْرُ لَوْ وَطِئَهَا بَيْنَهُمَا لَوْ كَانَ بَائِنًا وَيُرَاجِعُ لَوْ رَجْعِيًّا، وَلَوْ قَالَ نَظِيرُهُ لِإِحْدَى أَمَتَيْهِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ وَقَوْلُهُ بَيْنَهُمَا أَيْ بَيْنَ الْحَلِفِ وَالْمَوْتِ (قَوْلُهُ لِوُجُودِ شَرْطِهِ) أَيْ الْمَعْنَوِيِّ وَهُوَ طُولُ الْعُمُرِ وَقَوْلُهُ حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ إذَا مَاتَتْ الْأُخْرَى قَبْلَهَا ط وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِأَطْوَلِكُمَا عُمُرًا مَنْ تَأَخَّرَتْ حَيَاتُهَا عَنْ حَيَاةِ الْأُخْرَى لَا مَنْ زَادَ عُمُرُهَا مِنْ حِينِ الْمَوْلِدِ إلَى حِينِ الْوَفَاةِ عَلَى عُمُرِ الْأُخْرَى، وَإِلَّا فَقَدْ تَكُونُ الَّتِي مَاتَتْ أَوَّلًا أَطْوَلَ عُمُرًا مِنْ الْأُخْرَى، كَأَنْ مَاتَتْ الْأُولَى فِي سِنِّ السَّبْعِينَ مَثَلًا وَكَانَتْ الْأُخْرَى فِي سِنِّ الْعِشْرِينَ. فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الثَّانِي لَمْ تَطْلُقْ الْبَاقِيَةُ حَتَّى يَزِيدَ سِنُّهَا عَلَى السَّبْعِينَ، وَكُلٌّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْعُرْفِ، وَالْأَقْرَبُ لِلْمُرَادِ هُنَا تَعْبِيرُ الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ أَطْوَلُكُمَا حَيَاةً، فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ مَنْ تَأَخَّرَتْ حَيَاتُهَا عَنْ حَيَاةِ الْأُخْرَى فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ التَّعْبِيرَ بِهِ (قَوْلُهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ مُقْتَصِرًا) وَقَالَ زُفَرُ مُسْتَنِدًا، وَإِنْ قَالَ قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ وَقَعَ مُسْتَنِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا مُقْتَصِرًا عَلَى الْمَوْتِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي اعْتِبَارِ الْعِدَّةِ؟ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُعْتَبَرُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ، فَلَوْ كَانَ وَطِئَهَا فِي الشَّهْرِ يَصِيرُ مُرَاجِعًا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، وَلَوْ كَانَ ثَلَاثًا وَوَطِئَهَا فِيهِ غُرْمُ الْعُقْرِ. وَعِنْدَهُمَا تُعْتَبَرُ الْعِدَّةُ فِي الْحَالِ وَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا وَلَا يَلْزَمُهُ عُقْرٌ، وَقِيلَ: تُعْتَبَرُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ اتِّفَاقًا احْتِيَاطًا وَلَوْ مَاتَ زَيْدٌ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ لَا تَطْلُقُ لِعَدَمِ شَهْرٍ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ الْعِدَّةِ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ ثُمَّ وَضَعَتْ حَمْلَهَا أَوْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا فَلَمْ تَجِبْ عِدَّةٌ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ إذْ الْمُسْتَقْبَلُ يَثْبُتُ لِلْحَالِ ثُمَّ يَسْتَنِدُ، كَذَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَالْأَسْرَارِ. وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ الْقُدُومِ وَالْمَوْتِ أَنَّ الْمَوْتَ مُعَرَّفٌ وَالْجَزَاءُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمُعَرَّفِ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ كَانَ زَيْدٌ فِي الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَ مِنْهَا آخِرَ النَّهَارِ طَلُقَتْ مِنْ حِينِ تَكَلَّمَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْتَ فِي الِابْتِدَاءِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ قَبْلَ الشَّهْرِ فَلَا يُوجَدُ الْوَقْتُ أَصْلًا، فَأَشْبَهَ سَائِرَ الشُّرُوطِ فِي احْتِمَالِ الْخَطَرِ، فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ فَقَدْ عَلِمْنَا بِوُجُودِ شَهْرٍ قَبْلَ الْمَوْتِ لِأَنَّ الْمَوْتَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، إلَّا أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ، لِأَنَّا نَحْتَاجُ إلَى شَهْرٍ يَتَّصِلُ بِالْمَوْتِ وَأَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ وَالْمَوْتُ يُعَرِّفُهُ، فَفَارَقَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الشَّرْطَ، وَأَشْبَهَ الْوَقْتَ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ رَمَضَانَ بِشَهْرٍ فَقُلْنَا بِأَمْرٍ بَيْنَ الظُّهُورِ وَالِاقْتِصَارِ وَهُوَ الِاسْتِنَادُ، وَلَوْ قَالَ قَبْلَ رَمَضَانَ بِشَهْرٍ وَقَعَ فِي شَعْبَانَ اتِّفَاقًا وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 اعْلَمْ أَنَّ طَرِيقَ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ أَرْبَعَةٌ: الِانْقِلَابُ، وَالِاقْتِصَارُ، وَالِاسْتِنَادُ، وَالتَّبْيِينُ فَالِانْقِلَابُ: صَيْرُورَةُ مَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ عِلَّةً كَالتَّعْلِيقِ. وَالِاقْتِصَارُ: ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْحَالِ. وَالِاسْتِنَادُ: ثُبُوتٌ فِي الْحَالِ مُسْتَنِدًا إلَى مَا قَبْلَهُ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْمَحَلِّ كُلَّ الْمُدَّةِ، كَلُزُومِ الزَّكَاةِ حِينَ الْحَوْلِ مُسْتَنِدًا لِوُجُودِ النِّصَابِ. وَالتَّبْيِينُ: أَنْ يَظْهَرَ فِي الْحَالِ تَقَدُّمُ الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ إنْ كَانَ زَيْدٌ فِي الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَتَبَيَّنَ فِي الْغَدِ وُجُودُهُ فِيهَا تَطْلُقُ مِنْ حِينِ الْقَوْلِ فَتَعْتَدُّ مِنْهُ (أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ طَلُقَتْ) لِلْحَالِ بِسُكُوتِهِ (وَفِي إنْ لَمْ أُطَلِّقْك   [رد المحتار] [مَطْلَبٌ الِانْقِلَابُ وَالِاقْتِصَارُ وَالِاسْتِنَادُ وَالتَّبْيِينُ] ُ (قَوْلُهُ أَنَّ طَرِيقَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ أَرْبَعَةٌ) الْمُرَادُ جِنْسُ الطَّرِيقِ فَصَحَّ الْإِخْبَارُ بِقَوْلِهِ أَرْبَعَةٌ ط (قَوْلُهُ وَالتَّبْيِينُ) كَذَا عِبَارَتُهُمْ فَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّبَيُّنِ أَيْ الظُّهُورِ (قَوْلُهُ كَالتَّعْلِيقِ) كَمَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ، فَإِنَّ أَنْتِ طَالِقٌ عِلَّةٌ لِثُبُوتِ حُكْمِهِ وَهُوَ الطَّلَاقُ، مِثْلُ بِعْت عِلَّةٌ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ وَأَعْتَقْت عِلَّةٌ لِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ لَكِنَّهُ بِالتَّعْلِيقِ لَمْ يَنْعَقِدْ عِلَّةً إلَّا عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ دُخُولُ الدَّارِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَنْعَقِدُ عِلَّةً فِي الْحَالِ، وَالتَّعْلِيقُ يُؤَخِّرُ نُزُولَ حُكْمِهِ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي قَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَنَا لِانْعِقَادِ عِلَّتِهِ فِي وَقْتِ الْمِلْكِ لَا عِنْدَهُ لِعَدَمِهِ كَمَا بُسِطَ فِي الْأُصُولِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْحَالِ) كَإِنْشَاءِ الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهَا ح عَنْ الْمِنَحِ (قَوْلُهُ وَالِاسْتِنَادُ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ التَّبْيِينِ وَالِاقْتِصَارِ، وَذَلِكَ كَالْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ، وَكَالنِّصَابِ فَإِنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ وُجُودِهِ وَكَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَالْمُتَيَمِّمِ تُنْتَقَضُ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَرُؤْيَةِ الْمَاءِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْحَدَثِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ لَهُمَا. (قَوْلُهُ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْمَحَلِّ إلَخْ) هَذَا الشَّرْطُ هُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ الِاسْتِنَادِ وَالتَّبْيِينِ كَمَا أَوْضَحَهُ عَنْ الْمِنَحِ. وَمِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالُوهُ: لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ قَبْلَ مَوْتِ فُلَانٍ بِشَهْرِ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ بَاعَهُمَا أَوْ لَمْ يَبِعْهُمَا أَوْ بَاعَ الْأُمَّ فَقَطْ أَوْ بِالْعَكْسِ عَتَقَ الْوَلَدُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا، وَعَتَقَتْ الْأُمُّ بِالْإِجْمَاعِ لَوْ لَمْ يَبِعْهَا، وَهَذَا لِأَنَّ عِنْدَهُ لَمَّا اسْتَنَدَ الْعِتْقُ سَرَى إلَى الْوَلَدِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَسْرِي لِعَدَمِ الِاسْتِنَادِ، وَلَوْ بَاعَهَا فِي وَسَطِ الشَّهْرِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا ثُمَّ مَاتَ فُلَانٌ لِتَمَامِ الشَّهْرِ؛ فَعِنْدَهُ لَا تَعْتِقُ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاسْتِنَادِ إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ لِزَوَالِ الْمِلْكِ فِي أَثْنَائِهِ وَعِنْدَهُمَا تَعْتِقُ لِأَنَّهُ مُقْتَصِرٌ وَتَمَامُ الْفُرُوعِ فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ حِينَ الْحَوْلِ) أَيْ حِينَ تَمَامِهِ (قَوْلُهُ مُسْتَنِدًا لِوُجُودِ النِّصَابِ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ بِشَرْطِ وُجُودِ النِّصَابِ كُلَّ الْمُدَّةِ. قَالَ ط: الْمُرَادُ أَنْ لَا يُعْدَمَ كُلُّهُ فِي الْأَثْنَاءِ لِأَنَّهُ إذَا عُدِمَ جَمِيعُهُ ثُمَّ مَلَكَ نِصَابًا آخَرَ وَلَوْ بَعْدَ الْأَوَّلِ بِسَاعَةٍ اُعْتُبِرَ حَوْلٌ مُسْتَأْنَفٌ. (قَوْلُهُ تَطْلُقُ مِنْ حِينِ الْقَوْلِ) أَيْ بِلَا اشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْمَحَلِّ، حَتَّى لَوْ حَاضَتْ بَعْدَ الْقَوْلِ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ فِي الدَّارِ لَا تَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ وُقُوعُ الْأَوَّلِ، وَأَنَّ إيقَاعَ الثَّانِي كَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَمَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْأَكْمَلِ (قَوْلُهُ فَتَعْتَدُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ حِينِ الْقَوْلِ (قَوْلُهُ وَسَكَتَ) مُحْتَرَزُهُ قَوْلُهُ الْآتِي وَفِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتِ طَالِقٌ (قَوْلُهُ طَلُقَتْ لِلْحَالِ) وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ زَمَانَ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ حَيْثُ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ يَوْمَ لَمْ أُطَلِّقْك لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى زَمَانٍ أَوْ مَكَان خَالٍ عَنْ طَلَاقِهَا، وَبِمُجَرَّدِ سُكُوتِهِ وُجِدَ الْمُضَافُ إلَيْهِ فَيَقَعُ " وَمَا " وَإِنْ كَانَتْ مَصْدَرِيَّةً إلَّا أَنَّهَا تَأْتِي نَائِبَةً عَنْ ظَرْفِ الزَّمَانِ، وَمِنْهُ {مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31] وَهِيَ وَإِنْ اُسْتُعْمِلَتْ لِلشَّرْطِ إلَّا أَنَّ الْوَضْعَ لِلْوَقْتِ لِأَنَّ التَّطْلِيقَ اسْتَدْعَى الْوَقْتَ لَا مَحَالَةَ فَرُجِّحَتْ جِهَةُ الْوَقْتِ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. وَفِيهِ: ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ فِي أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك وَنَحْوِهِ. وَمِنْ ثُمَّ قَيَّدَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا وَهُوَ الْأَوْلَى، نَعَمْ لَوْ قَالَ كُلَّمَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ الثَّلَاثُ مُتَتَابِعَاتٍ وَلِذَا لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ لَا غَيْرَ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ أُطَلِّقْك) ذِكْرُهُمْ إنْ وَإِذَا هُنَا بِالتَّبَعِيَّةِ وَإِلَّا فَالْمُنَاسِبُ لَهُمَا بَابُ التَّعْلِيقِ ط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 لَا) تَطْلُقُ بِالسُّكُوتِ بَلْ يَمْتَدُّ النِّكَاحُ (حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ تَطْلِيقِهِ فَتَطْلُقُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ وَيَكُونُ فَارًّا. (وَإِذَا مَا وَإِذَا بِلَا نِيَّةٍ مِثْلَ إنْ عِنْدَهُ وَ) مِثْلَ (مَتَى عِنْدَهُمَا) وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهَا. (وَإِنْ نَوَى الْوَقْتَ أَوْ الشَّرْطَ اُعْتُبِرَتْ) نِيَّتُهُ اتِّفَاقًا مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةُ الْفَوْرِ فَعَلَى الْفَوْرِ. (وَفِي) قَوْلِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ الْوَصْلِ) بِقَوْلِهِ مَا لَمْ أُطَلِّقْك (طَلُقَتْ بِ) الْمُنَجَّزَةِ (الْأَخِيرَةِ) فَقَطْ   [رد المحتار] عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لَا تَطْلُقُ بِالسُّكُوتِ إلَخْ) لِأَنَّ شَرْطَ الْبَرِّ تَطْلِيقُهُ إيَّاهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ مِمَّنْ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَأْتِي مَا لَمْ يَمُتْ أَحَدُهُمَا فَيَتَحَقَّقُ شَرْطُ الْحِنْثِ وَهُوَ عَدَمُ التَّطْلِيقِ، وَهَذَا عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ أَوْ دَلَالَةِ الْفَوْرِ كَمَا يَأْتِي فِي إذَا (قَوْلُهُ حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَوْتَهُ كَمَوْتِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِرِوَايَةِ النَّوَادِرِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ يَقَعُ بِمَوْتِهِ لَا بِمَوْتِهَا لِأَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا يُمْكِنُهُ الدُّخُولُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْيَأْسُ بِمَوْتِهَا فَلَا يَقَعُ، أَمَّا الطَّلَاقُ فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ الْيَأْسُ عَنْهُ بِمَوْتِهَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ) أَيْ شَرْطِ الْحِنْثِ؛ أَمَّا فِي مَوْتِهِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي مَوْتِهَا فَلِتَحَقُّقِ الْيَأْسِ عَنْهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِذَا حَكَمْنَا بِوُقُوعِهِ قَبْلَ مَوْتِهَا لَا يَرِثُهَا الزَّوْجُ لِأَنَّهَا بَانَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَمْ تَبْقَ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ حَالَةَ الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِالْبَيْنُونَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ صَرِيحًا لِانْتِفَاءِ الْعِدَّةِ كَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْوُقُوعَ فِي آخِرِ جُزْءٍ لَا يَتَجَزَّأْ فَلَمْ يَلِهِ إلَّا الْمَوْتُ وَبِهِ تَبَيَّنَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ عَدَمَ إرْثِهِ مِنْهَا مُطْلَقٌ سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَا ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ تَقْيِيدَ الزَّيْلَعِيِّ عَدَمَهُ بِعَدَمِ الدُّخُولِ أَوْ الثَّلَاثِ غَيْرُ صَحِيحٍ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَيَكُونُ فَارًّا) أَيْ إذَا كَانَ هُوَ الْمَيِّتُ لِوُقُوعِ طَلَاقِهِ فِي حَالِ إشْرَافِهِ عَلَى الْمَوْتِ وَيَأْتِي فِي بَابِ طَلَاقِ الْمَرِيضِ: لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ فِي صِحَّتِهِ وَحَنِثَ مَرِيضًا كَانَ فَارًّا وَهَذَا مِنْهُ رَحْمَتِيٌّ، فَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَرِثَتْهُ بِحُكْمِ الْفِرَارِ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا وَإِلَّا لَا تَرِثُهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مِثْلُ إنْ عِنْدَهُ إلَخْ) أَيْ فَلَا تَطْلُقُ عِنْدَهُ مَا لَمْ يَمُتْ أَحَدُهُمَا وَتَطْلُقُ عِنْدَهُمَا لِلْحَالِ بِسُكُوتِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ إذَا عِنْدَهُ هُنَا حَرْفٌ لِمُجَرَّدِ الشَّرْطِ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ ظَرْفًا وَحَرْفًا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِلْحَالِ بِالشَّكِّ، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ النُّحَاةِ كَمَا فِي الْمُغْنِي، لَكِنَّ ذِكْرَ أَنَّ جُمْهُورَهُمْ عَلَى أَنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ مَعْنَى الشَّرْطِ وَلَا تَخْرُجُ عَنْ الظَّرْفِيَّةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ مُرَجِّحٌ لِقَوْلِهِمَا هُنَا، وَقَدْ رَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى الْوَقْتَ أَوْ الشَّرْطَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَيَّدْنَا بِعَدَمِ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى بِإِذَا مَعْنَى مَتَى صُدِّقَ اتِّفَاقًا قَضَاءً وَدِيَانَةً لِتَشْدِيدِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَكَذَا إذَا نَوَى بِإِذَا مَعْنَى إنْ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ عِنْدَهُمَا دِيَانَةً فَقَطْ لِأَنَّهَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرَةٌ فِي الظَّرْفِيَّةِ وَالشَّرْطِيَّةِ احْتِمَالٌ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي اهـ وَالْبَحْثُ أَصْلُهُ لِصَاحِبِ الْفَتْحِ، وَانْظُرْ لَوْ نَوَى بِأَنَّ الْفَوْرَ هَلْ يَصِحُّ: الظَّاهِرُ نَعَمْ؛ كَمَا لَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةُ الْفَوْرِ) وَهِيَ قَدْ تَكُونُ لَفْظِيَّةً وَقَدْ تَكُونُ مَعْنَوِيَّةً، فَمِنْ الْأَوَّلِ طَلِّقْنِي طَلِّقْنِي، فَقَالَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْ فَأَنْتِ كَذَا كَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَمِنْ الثَّانِي مَا لَوْ طَلَبَ جِمَاعَهَا فَأَبَتْ فَقَالَ: إنْ لَمْ تَدْخُلِي الْبَيْتَ فَأَنْتِ كَذَا فَدَخَلَتْهُ بَعْدَمَا سَكَنَتْ شَهْوَتُهُ طَلُقَتْ وَالْبَوْلُ لَا يَقْطَعُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الطِّيبُ وَنَحْوُهُ وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ كَذَلِكَ، وَفِي الصَّلَاةِ خِلَافٌ نَهْرٌ: أَيْ إذَا خَافَتْ خُرُوجَ وَقْتِهَا. قَالَ الْحَسَنُ: لَا تَقْطَعُ الْفَوْرَ وَبِهِ يُفْتَى. وَقَالَ نُصَيْرٌ: تَقْطَعُ وَسَتَأْتِي مَسَائِلُ الْفَوْرِ فِي آخِرِ بَابِ الْيَمِينِ عَلَى الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَحْرٌ، وَفِي الْمِثَالَيْنِ دَلَالَةٌ عَلَى اعْتِبَارِ قَرِينَةِ الْفَوْرِ فِي إنْ وَإِنْ كَانَتْ لِمَحْضِ الشَّرْطِ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ فَعَلَى الْفَوْرِ) جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ أَيْ فَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةُ الْفَوْرِ فَتَطْلُقُ عَلَى الْفَوْرِ ط. (قَوْلُهُ مَعَ الْوَصْلِ) فَلَوْ كَانَ مَفْصُولًا وَقَعَ الْمُنَجَّزُ وَالْمُعَلَّقُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْمُعَلَّقَةِ، وَفَائِدَةُ وُقُوعِ الْمُنَجَّزَةِ دُونَ الْمُعَلَّقَةِ أَنَّ الْمُعَلَّقَ لَوْ كَانَ ثَلَاثًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ بِالْمُنَجَّزِ فَقَطْ بَحْرٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 اسْتِحْسَانًا. [فَرْعٌ] قَالَ: إنْ لَمْ أُطَلِّقْك الْيَوْمَ ثَلَاثًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَحِيلَتُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَى أَلْفٍ وَلَا تَقْبَلُ الْمَرْأَةُ، فَإِنْ مَضَى الْيَوْمُ لَا تَطْلُقُ بِهِ يُفْتَى خَانِيَّةٌ لِأَنَّ التَّطْلِيقَ الْمُقَيَّدَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُطْلَقِ (أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَنَكَحَهَا لَيْلًا حَنِثَ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ) أَيْ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ فَقَدِمَ لَيْلًا لَمْ تَتَخَيَّرْ وَلَوْ نَهَارًا بَقِيَ لِلْغُرُوبِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْيَوْمَ مَتَى قُرِنَ بِفِعْلٍ مُمْتَدٍّ يَسْتَوْعِبُ الْمُدَّةَ يُرَادُ بِهِ النَّهَارُ كَالْأَمْرِ بِالْيَدِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ جَعْلُهُ بِيَدِهَا يَوْمًا أَوْ شَهْرًا، وَمَتَى قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَسْتَوْعِبُهَا يُرَادُ بِهِ مُطْلَقَ الْوَقْتِ   [رد المحتار] قُلْتُ: بَلْ تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ وَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ وَاحِدَةً حَيْثُ لَمْ تَقَعْ الْمُعَلَّقَةُ أَيْضًا بَلْ هَذِهِ فَائِدَةُ تَنْجِيزِ الْوَاحِدَةِ مَوْصُولًا فَإِنَّهُ لَوْلَا إيقَاعُهُ الْوَاحِدَةَ مَوْصُولًا لَوَقَعَ الثَّلَاثُ الْمُعَلَّقَةُ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ وَاحِدَةً فَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَنْجِيزِ الْوَاحِدَةِ وَعَدَمِهِ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ الْآتِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ الْمُضَافُ وَالْمُنَجَّزُ جَمِيعًا إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَإِلَّا وَقَعَ الْمُضَافُ وَحْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ وُجِدَ زَمَانَ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ وَإِنْ قَلَّ، وَهُوَ زَمَانُ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ زَمَانَ الْبِرِّ مُسْتَثْنًى بِدَلَالَةِ حَالِ الْحَالِفِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ بِالْيَمِينِ الْبِرُّ وَلَا يُمْكِنُ إلَّا بِجَعْلِ هَذَا الْقَدْرِ مُسْتَثْنًى، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّطْلِيقَ الْمُقَيَّدَ) أَيْ بِقَوْلِهِ عَلَى أَلْفٍ يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُطْلَقِ أَيْ الَّذِي فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَإِنَّهُ صَادِقٌ بِالْمُقَيَّدِ وَغَيْرِهِ، فَإِذَا وُجِدَ التَّطْلِيقُ وَلَوْ مُقَيَّدًا انْعَدَمَ شَرْطُ الْحِنْثِ وَهُوَ عَدَمُ التَّطْلِيقِ. . مَطْلَبٌ فِي قَوْلِهِمْ الْيَوْمُ مَتَى قُرِنَ بِفِعْلٍ مُمْتَدٍّ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْيَوْمَ إلَخْ) قَيَّدَ بِالْيَوْمِ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَا يُسْتَعْمَلُ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ بَلْ هُوَ اسْمٌ لِسَوَادِ اللَّيْلِ وَضْعًا وَعُرْفًا، فَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت لَيْلًا لَمْ تَطْلُقْ إنْ دَخَلَتْ نَهَارًا، أَمَّا لَفْظُ الْيَوْمِ فَيُطْلَقُ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ حَقِيقَةً اتِّفَاقًا قِيلَ: وَعَلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ حَقِيقَةً أَيْضًا فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا، وَقِيلَ: مَجَازًا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمَجَازَ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ: أَيْ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إلَى تَكَرُّرِ الْوَضْعِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْيَوْمَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالنَّهَارُ مِنْ طُلُوعِهَا إلَى غُرُوبِهَا وَلَوْ نَوَى بِالْيَوْمِ بَيَاضَ النَّهَارِ صُدِّقَ قَضَاءً، لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، ثُمَّ الْيَوْمُ إنَّمَا يَكُونُ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ فِيمَا لَا يَمْتَدُّ إذَا كَانَ مُنَكَّرًا فَلَوْ عُرِّفَ بِأَلْ الَّتِي لِلْعَهْدِ الْحُضُورِيِّ مِثْلُ لَا أُكَلِّمُك الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِبَيَاضِ النَّهَارِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. وَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ الْفَرْعُ الْمَذْكُورُ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ مِمَّا يَمْتَدُّ لَاسْتَغْنَى عَنْ هَذَا التَّقْيِيدِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي دُخُولَ اللَّيْلِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْكَلَامَ لَا يَمْتَدُّ مَعَ أَنَّ الْيَوْمَ مُعَرَّفٌ بِالْعَهْدِ الْحُضُورِيِّ فَكَيْفَ يَكُونُ لِغَيْرِهِ فَالْحَقُّ مَا فِي الْبَحْرِ، نَعَمْ قَدْ يَدْخُلُ اللَّيْلُ إذَا اقْتَرَنَ الْمُعَرَّفُ بِمَا يَدْخُلُهُ كَمَا فِي أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا، فَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ دَخَلَتْ فِيهِ اللَّيْلَةُ. قَالَ فِي التَّلْوِيحِ وَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْيَوْمَ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ بَلْ عَلَى أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ: أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَيْنِ " وَفِي مِثْلِهِ يَسْتَتْبِعُ اسْمُ الْيَوْمِ اللَّيْلَةَ، بِخِلَافِ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ " فَإِنَّ الْيَوْمَ الْمُنْفَرِدَ لَا يَسْتَتْبِعُ بِإِزَائِهِ مِنْ اللَّيْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ مَتَى قُرِنَ بِفِعْلٍ مُمْتَدٍّ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْمُمْتَدِّ مَا يَصِحُّ ضَرْبُ الْمُدَّةِ لَهُ كَالسَّيْرِ وَالرُّكُوبِ وَالصَّوْمِ وَتَخْيِيرِ الْمَرْأَةِ وَتَفْوِيضِ الطَّلَاقِ، وَبِمَا لَا يَمْتَدُّ عَكْسُهُ كَالطَّلَاقِ وَالتَّزَوُّجِ وَالْكَلَامِ وَالْعَتَاقِ وَالدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ بَحْرٌ. فَيُقَالُ: لَبِسْت الثَّوْبَ يَوْمَيْنِ، وَرَكِبْت الْفَرَسَ يَوْمًا، بِخِلَافِ قَدِمْت يَوْمَيْنِ وَدَخَلْت ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تَلْوِيحٌ. وَذَكَرَ بَعْضُ مُحَشِّيهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِامْتِدَادِ اللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ امْتِدَادُ بَقَائِهَا مَجَازًا وَالْقَرِينَةُ التَّقْيِيدُ بِالْيَوْمِ لَا أَصْلُهُمَا أَيْ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الرُّكُوبِ الْحَرَكَةُ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا فَوْقَ الدَّابَّةِ وَاللُّبْسِ جَعْلُ الثَّوْبِ عَلَى بَدَنِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَدٍّ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ يَسْتَوْعِبُ الْمُدَّةَ إلَى مَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ امْتِدَادٌ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَوْعِبَ النَّهَارَ لَا مُطْلَقُ الِامْتِدَادِ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا التَّكَلُّمَ مِنْ قَبِيلِ غَيْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 كَإِيقَاعِ الطَّلَاقِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: طَلَّقْتُك شَهْرًا كَانَ ذِكْرُ الْمُدَّةِ لَغْوًا وَتَطْلُقُ لِلْحَالِ (أَنَا مِنْك طَالِقٌ) أَوْ بَرِيءَ (لَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَوْ نَوَى) بِهِ الطَّلَاقَ (وَتَبِينُ فِي الْبَائِنِ وَالْحَرَامِ) أَيْ أَنَا مِنْك بَائِنٌ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ (إنْ نَوَى) لِأَنَّ الْإِبَانَةَ لِإِزَالَةِ الْوَصْلَةِ وَالتَّحْرِيمَ لِإِزَالَةِ الْحِلِّ وَهُمَا مُشْتَرَكَانِ فَتَصِحُّ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَقُلْ مِنْك أَوْ عَلَيْك لَمْ يَقَعْ بِخِلَافِ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ حَيْثُ يَقَعُ   [رد المحتار] الْمُمْتَدِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَمْتَدُّ زَمَانًا طَوِيلًا لَكِنْ لَا بِحَيْثُ يَسْتَوْعِبُ النَّهَارَ. اهـ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ التَّكَلُّمَ غَيْرُ مُمْتَدٍّ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّهُ الْحَقُّ وَجَزَمَ بِهِ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي بِأَنَّهُ مُمْتَدٌّ، وَجَعَلَ مَا فِي الْهِدَايَةِ ظَنًّا لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَرَجَّحَهُ أَيْضًا فِي الْفَتْحِ. وَعَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِ الِامْتِدَادِ بِنَهَارٍ بَلْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ كَمَا حَقَّقَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ وَالْمَقْدِسِيُّ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ التَّلْوِيحِ: مَا يَصِحُّ ضَرْبُ الْمُدَّةِ لَهُ تَأَمَّلْ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ كَالْأَمْرِ بِالْيَدِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِعْلِ الْمُمْتَدِّ الْمَظْرُوفُ: أَيْ الْعَامِلُ فِي الْيَوْمِ لَا الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ الْيَوْمُ فَإِنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِامْتِدَادِهِ، وَعَدَمِهِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَظْرُوفًا أَيْضًا لَكِنَّهُ ذُكِرَ لِتَعْيِينِ الظَّرْفِ، وَالْمَقْصُودُ بِذِكْرِ الظَّرْفِ إنَّمَا هُوَ إفَادَةُ وُقُوعِ الْعَامِلِ فِيهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْمُضَافُ إلَيْهِ، وَمَظْرُوفُ الْيَوْمِ مِمَّا يَمْتَدُّ كَأَمْرُكِ بِيَدِك يَوْمَ يَرْكَبُ زَيْدٌ وَقَدْ يَكُونَانِ مِنْ غَيْرِ الْمُمْتَدِّ كَأَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ وَفِي هَذَيْنِ لَا فَرْقَ بَيْنَ اعْتِبَارِ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَوْ الْمَظْرُوفِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَظْرُوفُ مُمْتَدًّا وَالْمُضَافَ إلَيْهِ غَيْرُ مُمْتَدٍّ كَأَمْرُكِ بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ، أَوْ بِالْعَكْسِ كَأَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ يَرْكَبُ زَيْدٌ، وَفِي هَذَيْنِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ، وَاتَّفَقُوا فِيهِمَا عَلَى اعْتِبَارِ الْمَظْرُوفِ فَإِذَا قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ رَكِبَ لَيْلًا لَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا وَلَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ اتِّفَاقًا وَوَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمُضَافُ إلَيْهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْهُ فِي هَذَيْنِ بَلْ اعْتَبَرَهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِمَا بَيْنَ اعْتِبَارِ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَوْ الْمَظْرُوفِ، فَعَلَى هَذَا لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا فِي الْكَشْفِ وَالتَّلْوِيحِ وَغَيْرِهِمَا وَبِهِ يُرَدُّ عَلَى مَنْ حَكَى الْخِلَافَ، وَعَلَى مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَشَرْحِ الْوِقَايَةِ مِنْ تَرْجِيحِ اعْتِبَارِ الْمُمْتَدِّ مِنْهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَصْلِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالْخُلُوِّ عَنْ الْمَوَانِعِ، فَلَا تَمْتَنِعُ مُخَالَفَتُهُ لِلْقَرِينَةِ، فَكَثِيرًا مَا يَمْتَدُّ الْفِعْلُ مَعَ كَوْنِ الْيَوْمِ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ، مِثْلُ ارْكَبُوا يَوْمَ يَأْتِيكُمْ الْعَدُوُّ، وَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاَللَّهِ يَوْمَ يَأْتِيكُمْ الْمَوْتُ، وَبِالْعَكْسِ مِثْلُ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَصُومُ زَيْدٌ، وَأَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ تَكْسِفُ الشَّمْسُ، أَفَادَهُ فِي التَّلْوِيحِ (قَوْلُهُ كَإِيقَاعِ الطَّلَاقِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ: الطَّلَاقُ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ الْمُرَادُ بِهِ إيقَاعُهُ لَا كَوْنُ الْمَرْأَةِ طَالِقًا لِأَنَّهُ يَمْتَدُّ بَلْ هُوَ أَمْرٌ مُسْتَمِرٌّ لَا فَائِدَةَ فِي تَعْلِيقِ الظَّرْفِ بِهِ كَمَا أَفَادَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ إنْشَاءُ الطَّلَاقِ وَهُوَ لَا يَمْتَدُّ بَلْ يَنْقَضِي بِمُجَرَّدِ صُدُورِهِ لَا أَثَرِهِ وَهُوَ كَوْنُهَا طَالِقًا. (قَوْلُهُ أَوْ بَرِيءَ) بِخِلَافِ أَنْتِ بَرِيئَةٌ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ الْبَائِنُ كَمَا يَأْتِي فِي الْكِنَايَاتِ، أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ) لِأَنَّ مَحَلِّيَّةَ الطَّلَاقِ قَائِمَةٌ بِهَا لَا بِهِ، فَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ إضَافَةٌ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ فَيَلْغُو نَهْرٌ، وَلِهَذَا لَوْ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ فَطَلَّقَتْهُ لَا يَقَعُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ) الْأَوْلَى وَأَنَا بِالْوَاوِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ) أَيْ لَفْظَهَا مَوْضُوعٌ لِإِزَالَةِ وَصْلَةِ النِّكَاحِ مِنْ الْبَوْنِ وَهُوَ الْفَصْلُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي التَّحْرِيمِ (قَوْلُهُ وَهُمَا مُشْتَرَكَانِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ: أَيْ الْوَصْلَةُ وَالتَّحْرِيمُ مُشْتَرَكَانِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ؛ أَوْ بِكَسْرِهَا مَبْنِيًّا لِلْمَعْلُومِ أَيْ الزَّوْجَانِ مُشْتَرَكَانِ فِي الْوَصْلَةِ وَالتَّحْرِيمِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقُلْ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ قَالَ: أَنَا بَائِنٌ أَوْ أَنَا حَرَامٌ، ثُمَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ لِأَنَّهُ مُحْتَرَزُ التَّقْيِيدِ بِمِنْك وَعَلَيْك كَمَا فِي الْبَحْرِ ط. وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَوْ لَمْ بِدُونِ حَتَّى (قَوْلُهُ لَمْ يَقَعْ الْخِلَافُ إلَخْ) قَالَ فِي التَّبْيِينِ: وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْنُونَةَ أَوْ الْحَرَامَ إذْ كَانَ مُضَافًا إلَيْهَا تَعَيَّنَ لِإِزَالَةِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْوَصْلَةِ وَالْحِلِّ، وَإِذَا أُضِيفَ إلَيْهِ لَا يَتَعَيَّنُ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ لَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى فَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ أَنَا بَائِنٌ مِنْهَا أَوْ حَرَامٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 إذَا نَوَى وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنِّي، نَعَمْ لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا شَرْطُ قَوْلِهَا بَائِنٌ مِنِّي. وَيَقَعُ بِأَبْرَأْتُك عَنْ الزَّوْجِيَّةِ بِلَا نِيَّةٍ (أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاك إيَّاكَ فَأَعْتَقَ) سَيِّدُهَا طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ (وَلَهُ الرَّجْعَةُ) لِوُجُودِ التَّطْلِيقِ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ. وَنَقَلَ ابْنُ الْكَمَالِ أَنَّ كَلِمَةَ مَعَ إذَا أُقْحِمَ بَيْنَ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ يَحِلُّ مَحَلَّ الشَّرْطِ. (وَلَوْ عُلِّقَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (عِتْقُهَا وَطَلَاقُهَا بِمَجِيءِ الْغَدِ فَجَاءَ) الْغَدُ (لَا رَجْعَةَ لَهُ) لِتَعَلُّقِهِمَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ (وَعِدَّتُهَا) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (ثَلَاثُ حِيَضٍ) احْتِيَاطًا.   [رد المحتار] عَلَيْهَا اهـ ح (قَوْلُهُ إذَا نَوَى) هَذَا الْقَيْدُ جَارٍ فِي أَنْتِ حَرَامٌ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ، أَمَّا فِي الْفَتْوَى فَيَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ كَمَا يَأْتِي فِي الْإِيلَاءِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنِّي) رَدَّ عَلَى مَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقُلْ مِنِّي يَكُونُ بَاطِلًا وَهُوَ سَهْوٌ، وَمَحَلُّهُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدُ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ نَعَمْ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْحُرْمَةَ أَوْ الْبَيْنُونَةَ إلَيْهَا كَأَنْتِ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ إلَيْهَا، وَإِنْ أَضَافَ إلَى نَفْسِهِ كَأَنَا حَرَامٌ أَوْ بَائِنٌ لَا يَقَعُ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ إلَيْهَا؛ وَإِنْ خَيَّرَهَا فَأَجَابَتْ بِالْحُرْمَةِ أَوْ الْبَيْنُونَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْإِضَافَتَيْنِ: أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ أَنَا حَرَامٌ عَلَيْك أَنْتِ بَائِنٌ مِنِّي أَنَا بَائِنٌ مِنْك (قَوْلُهُ بِلَا نِيَّةٍ) فِي حَالِ الْغَضَبِ وَغَيْرِهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ طَلَاقٌ صَرِيحٌ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَفِي كِنَايَاتِ الْجَوْهَرَةِ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ نِكَاحِك يَقَعُ إنْ نَوَى؛ وَفِي أَنَا بَرِيءٌ مِنْ طَلَاقِك لَا يَقَعُ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ الشَّيْءِ تَرْكٌ لَهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ) لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّطْلِيقَ بِالْإِعْتَاقِ غَيْرَ أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْعِتْقِ مَجَازًا مِنْ اسْتِعَارَةِ الْحُكْمِ لِلْعِلَّةِ؛ وَالْمُعَلَّقُ يُوجَدُ بَعْدَ الشَّرْطِ فَتَطْلُقُ وَهِيَ حُرَّةٌ. وَهَذَا لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا يَكُونُ مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَلِلْحُكْمِ تَعَلُّقٌ بِهِ وَالْمَذْكُورُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. وَأُورِدُ أَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ فَيَكُونُ مُنَافِيًا لِمَعْنَى الشَّرْطِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهَا قَدْ تُذْكَرُ لِلْمُتَأَخِّرِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْمُقَارِنِ لَتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ وَمِنْهُ {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] وَصُيِّرَ إلَيْهِ هُنَا لِمُوجِبٍ هُوَ وُجُودُ مَعْنَى الشَّرْطِ لَهَا، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ بَيْنَ جِنْسَيْنِ) كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْعُسْرِ وَالْيُسْرِ ط (قَوْلُهُ يَحِلُّ مَحَلَّ الشَّرْطِ) فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ أَعْتَقْتُك فَتَكُونُ مَعَ بِمَعْنَى بَعْدَ ح (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَّقَ إلَخْ) أَيْ عَلَّقَ الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ بِأَنْ قَالَ السَّيِّدُ: إذَا جَاءَ الْغَدُ فَأَنْتِ حَرَّةٌ، وَقَالَ الزَّوْجُ: إذَا جَاءَ الْغَدُ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ ط. (قَوْلُهُ بِمَجِيءِ الْغَدِ) أَيْ مَثَلًا إذْ الْمَدَارُ اتِّحَادُ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ لَا رَجْعَةَ لَهُ) أَيْ اتِّفَاقًا فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ لَمَّا تَعَلَّقَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ وَجَبَ أَنْ تَطْلُقَ زَمَانَ نُزُولِ الْحُرِّيَّةِ فَيُصَادِفُهَا وَهِيَ حُرَّةٌ لِاقْتِرَانِهِمَا وُجُودًا فَلَا تَحْرُمُ بِهِمَا حُرْمَةً غَلِيظَةً. وَلَهُمَا أَنَّ زَمَانَ ثُبُوتِ الْعِتْقِ هُوَ زَمَانُ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ ضَرُورَةَ تَعَلُّقِهِمَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ. وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْعِتْقَ فِي زَمَانِ ثُبُوتِهِ لَيْسَ بِثَابِتٍ لِإِطْبَاقِ الْعُقَلَاءِ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ فِي زَمَانِ ثُبُوتِهِ لَيْسَ بِثَابِتٍ فَلَا تُصَادِفُهُ التَّطْلِيقَتَانِ وَهِيَ حُرَّةٌ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَمَّةَ شَرْطٌ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَهُ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) أَيْ اتِّفَاقًا بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ ثَلَاثُ حِيَضٍ) أَيْ إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ وَإِلَّا فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ أَوْ وَضْعُ الْحَمْلِ ط. (قَوْلُهُ احْتِيَاطًا) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَقَطْ ح يَعْنِي أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالِاحْتِيَاطِ لِوُجُوبِ الِاعْتِدَادِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ خَاصٌّ بِالثَّانِيَةِ لِأَنَّ مُقْتَضَى الطَّلَاقِ عَلَيْهَا وَهِيَ أَمَةٌ أَنْ تَكُونَ عِدَّتُهَا حَيْضَتَيْنِ وَلِذَا بَانَتْ بِالطَّلْقَتَيْنِ، لَكِنْ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ لِلِاحْتِيَاطِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهَا وَإِنْ طَلُقَتْ فِي حَالِ الرِّقِّيَّةِ لَكِنْ لَمَّا أَعْقَبَهُ الْحُرِّيَّةَ بِلَا مُهْلَةٍ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا وَهِيَ حُرَّةٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَإِنْ كَانَ عِلَّةً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 (وَلَوْ) كَانَ الزَّوْجُ (مَرِيضًا لَا تَرِثُ مِنْهُ) لِوُقُوعِهِ وَهِيَ أَمَةٌ فَلَا تَرِثُ مَبْسُوطٌ (أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا مُشِيرًا بِالْأَصَابِعِ) الْمَنْشُورَةِ (وَقَعَ بِعَدَدِهِ) بِخِلَافِ مِثْلِ هَذَا، فَإِنَّهُ إنْ نَوَى ثَلَاثًا وَقَعْنَ وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْكَافَ لِلتَّشْبِيهِ فِي الذَّاتِ وَمِثْلُ لِلتَّشْبِيهِ فِي الصِّفَاتِ، وَلِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إيمَانِي كَإِيمَانِ جِبْرِيلَ لَا مِثْلَ إيمَانِ جِبْرِيلَ بَحْرٌ (وَتُعْتَبَرُ الْمَنْشُورَةُ)   [رد المحتار] لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ وَالْعِلَّةُ مُقَارِنَةٌ لِلْمَعْلُولِ فِي الزَّمَانِ لَكِنَّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْهَا فِي الرُّتْبَةِ تَأَمَّلْ. أَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَوُجُوبُ الِاعْتِدَادِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ ظَاهِرٌ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا بَعْدَ الْإِعْتَاقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلِذَا لَمْ تَبِنْ بِالطَّلْقَتَيْنِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مَرِيضًا) أَيْ وَقْتَ التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ لَا تَرِثُ مِنْهُ) إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ ط، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ. أَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَرِثُ لِأَنَّ التَّطْلِيقَ فِيهَا بَعْدَ الْإِعْتَاقِ كَمَا مَرَّ وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ، فَيَكُونُ قَدْ مَاتَ عَنْهَا وَهِيَ حُرَّةٌ فِي عِدَّةِ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَتَرِثُ مِنْهُ (قَوْلُهُ لِوُقُوعِهِ) أَيْ الطَّلَاقِ وَهِيَ أَمَةٌ أَيْ وَالْأَمَةُ لَا تَرِثُ، فَلَا يَتَحَقَّقُ الْفِرَارُ. قَالَ فِي النَّهْرِ. وَمُقْتَضَى مَا مَرَّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنْ تَرِثَ اهـ أَيْ لِأَنَّ عِنْدَهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا وَهِيَ حُرَّةٌ وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَتَرِثُ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى (قَوْلُهُ الْمَنْشُورَةِ) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَتُعْتَبَرُ الْمَنْشُورَةُ (قَوْلُهُ وَقَعَ بِعَدَدِهِ) أَيْ بِعَدَدِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الْأَصَابِعِ الْإِشَارَةَ اللُّغَوِيَّةَ أَوْ بِعَدَدِ مَا أَشَارَ بِهِ مِنْهَا الْإِشَارَةَ الْحِسِّيَّةَ تَأَمَّلْ، فَإِنْ أَشَارَ بِثَلَاثٍ فَهِيَ ثَلَاثٌ أَوْ بِثِنْتَيْنِ فَثِنْتَانِ أَوْ بِوَاحِدَةٍ فَوَاحِدَةٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّ هَذَا تَشْبِيهٌ بِعَدَدِ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَهُوَ الْعَدَدُ الْمُفَادُ كَمَيِّتُهُ بِالْأَصَابِعِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِذَا لِأَنَّ الْهَاءَ لِلتَّنْبِيهِ وَالْكَافَ لِلتَّشْبِيهِ وَذَا لِلْإِشَارَةِ اهـ وَانْظُرْ هَلْ الْإِشَارَةُ إلَى غَيْرِ الْأَصَابِعِ مِنْ الْمَعْدُودَاتِ كَذَلِكَ أَمْ لِاخْتِصَاصِ إرَادَةِ الْعَدَدِ فِي الْعَادَةِ بِالْأَصَابِعِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مِثْلِ هَذَا) أَيْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ هَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ) أَيْ بَائِنَةٌ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ كَأَلْفٍ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. وَبَيَانُهُ مَا نَقَلَهُ أَيْضًا عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ: أَيْ هَذَا اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ فِي الْعَدَدِ أَوْ الصِّفَةِ وَهِيَ الشِّدَّةُ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يُحْمَلُ عَلَى التَّشْبِيهِ فِي الصِّفَةِ لِأَنَّهُ أَدْنَى اهـ أَيْ إنْ لَمْ يَنْوِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْوَاقِعَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ شَبِيهَةٌ بِالثَّلَاثِ فِي الشِّدَّةِ وَهِيَ الْبَيْنُونَةُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْكَافَ) أَيْ فِي هَذَا ط (قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ الْكَافِ وَمِثْلِ ط. مَطْلَبٌ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ إيمَانِي كَإِيمَانِ جِبْرِيلَ (قَوْلُهُ كَإِيمَانِ جِبْرِيلَ) فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ فِي الْفَرْدَيْنِ وَاحِدَةٌ وَهِيَ التَّصْدِيقُ الْجَازِمُ (قَوْلُهُ لَا مِثْلَ إيمَانِ جِبْرِيلَ) لِزِيَادَتِهِ فِي الصِّفَةِ مِنْ كَوْنِهِ عَنْ مُشَاهَدَةٍ فَيَحْصُلُ بِهِ زِيَادَةُ الِاطْمِئْنَانِ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة: 260] الْآيَةَ. وَبِهِ يَحْصُلُ زِيَادَةُ الْقُرْبِ وَرَفْعُ الْمَنْزِلَةِ، لَكِنْ مَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ هُنَا يُخَالِفُهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ قَوْلِهِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ إيمَانِي كَإِيمَانِ جِبْرِيلَ، وَلَكِنْ يَقُولُ آمَنُ بِمَا آمَنَ بِهِ جِبْرِيلُ اهـ وَكَذَا مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي كِتَابِ الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ إنَّ إيمَانَنَا مِثْلُ إيمَانِ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّا آمَنَّا بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرُبُوبِيَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمِثْلِ مَا أَقَرَّتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ وَصَدَّقَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ، فَمِنْ هَاهُنَا إيمَانُنَا مِثْلُ إيمَانِهِمْ لِأَنَّا آمَنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ آمَنَتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ مِمَّا عَايَنَتْهُ مِنْ عَجَائِبِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ نُعَايِنْهُ نَحْنُ، وَلَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْنَا فَضَائِلُ فِي الثَّوَابِ عَلَى الْإِيمَانِ وَجَمِيعِ الْعِبَادَاتِ إلَخْ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ بَيْنَ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ الثَّلَاثِ تَخَالُفًا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ. وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ الْأُولَى عَلَى الْعَالِمِ لِأَنَّهُ قَالَ: أَقُولُ إيمَانِي كَإِيمَانِ جِبْرِيلَ وَلَا أَقُولُ مِثْلَ إيمَانِ جِبْرِيلَ. وَالثَّانِيَةُ عَلَى غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ: أَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ. وَالثَّالِثَةُ عَلَى مَا إذَا فَصَّلَ، وَصَرَّحَ بِالْمُؤْمِنِ بِهِ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْمِثْلِيَّةِ لِعَدَمِ الْإِيهَامِ بَعْدَ التَّصْرِيحِ، فَيَجُوزُ لِلْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ " الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 لَا الْمَضْمُومَةُ إلَّا دِيَانَةً كَكَفٍّ وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْإِشَارَةِ فِي الْكَفِّ نَشْرُ كُلِّ الْأَصَابِعِ. وَنَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّهُ يُصَدَّقُ قَضَاءً بِنِيَّةِ الْإِشَارَةِ بِالْكَفِّ وَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ هَكَذَا يَقَعُ وَاحِدَةً لِفَقْدِ التَّشْبِيهِ. وَلَوْ قَالَ أَنْتِ هَكَذَا مُشِيرًا   [رد المحتار] وَلِلْعَلَّامَةِ ابْنِ كَمَالٍ بَاشَا رِسَالَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِيهَا (قَوْلُهُ كَكَفٍّ) يَعْنِي إذَا نَوَى الْكَفَّ صُدِّقَ دِيَانَةً وَوُقِفَتْ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّ الْكَفَّ وَاحِدَةٌ ح (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَمَدُ إلَخْ) لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهَذَا الِاعْتِمَادِ، وَكَأَنَّهُ فَهِمَهُ مِنْ عِبَارَةِ الْبَحْرِ، وَهُوَ فَهْمٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ كَمَا تَعْرِفُهُ. وَفِي الْهِدَايَةِ: وَالْإِشَارَةُ تَقَعُ بِالْمَنْشُورَةِ مِنْهَا. فَلَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْمَضْمُومَتَيْنِ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَكَذَا إذَا نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ حَتَّى تَقَعَ فِي الْأُولَى ثِنْتَانِ وَفِي الثَّانِيَةِ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. اهـ. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَأَرَادَ بِالْأُولَى نِيَّةَ الْإِشَارَةِ بِالْمَضْمُومَتَيْنِ، وَبِالثَّانِيَةِ نِيَّتَهَا بِالْكَفِّ، فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً فِي الصُّورَتَيْنِ، وَتَطْلُقُ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ أَشَارَ إلَيْهَا بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ الْمَنْشُورَةِ. اهـ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِنْ كَانَ يَعْنِي بِثَلَاثِ أَصَابِعَ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ وَيَقُولُ: إنَّمَا أَشَرْت بِالْكَفِّ دِينَ وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً، فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ إرَادَةَ الْكَفِّ تَصِحُّ دِيَانَةً مَعَ الْإِشَارَةِ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ فَقَطْ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ: وَالْإِشَارَةُ تَقَعُ بِالْمَنْشُورَةِ مِنْهَا دُونَ الْمَضْمُونَةِ لِلْعُرْفِ وَلِلسُّنَّةِ؛ وَلَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْمَضْمُومَتَيْنِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَكَذَا لَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ وَالْإِشَارَةُ بِالْكَفِّ أَنْ تَقَعَ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَنْشُورَةً، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَهُنَاكَ أَقْوَالٌ ذَكَرَهَا فِي الْمِعْرَاجِ: الْأَوَّلُ لَوْ جَعَلَ ظَهْرَ الْكَفِّ إلَى الْمَرْأَةِ وَبُطُونَ الْأَصَابِعِ الْمَنْشُورَةِ إلَيْهِ صُدِّقَ قَضَاءً وَبِالْعَكْسِ لَا. الثَّانِي لَوْ بَاطِنُ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ فَالْعِبْرَةُ لِلنَّشْرِ وَإِنْ لِلْأَرْضِ فَلِلضَّمِّ الثَّالِثُ إنْ نُشِرَا عَنْ ضَمٍّ فَالْعِبْرَةُ لِلنَّشْرِ، وَإِنْ ضُمَّا عَنْ نَشْرٍ فَلِلضَّمِّ اهـ مُلَخَّصًا فَقَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَالْإِشَارَةُ تَقَعُ بِالْمَنْشُورَةِ: أَيْ بِدُونِ تَفْصِيلٍ بِقَرِينَةِ حِكَايَتِهِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ بَعْدَهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ الْأَقْوَالَ الْمَذْكُورَةَ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ: أَيْ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَنْشُورَةِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ وَالْإِشَارَةُ بِالْكَفِّ أَنْ تَقَعَ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَنْشُورَةً كَمَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ لِمَا عَلِمْت، وَلِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ صَرِيحَ الْهِدَايَةِ وَغَايَةَ الْبَيَانِ وَكَافِي الْحَاكِمِ صِحَّةُ إرَادَةِ الْكَفِّ دِيَانَةً مَعَ نَشْرِ الثَّلَاثَةِ فَقَطْ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اشْتِرَاطِ نَشْرِ الْأَصَابِعِ كُلِّهَا عَزَاهُ فِي الْفَتْحِ إلَى مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَلَعَلَّهُ قَوْلٌ آخَرُ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ حِينَئِذٍ يُصَدَّقُ قَضَاءً كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ الْفَتْحِ كَمَا أَوْضَحْته فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْبَحْرِ، فَيُوَافِقُ مَا يَأْتِي عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ نَشْرَ الْكُلِّ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ الثَّلَاثَ بَلْ الْكَفَّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ نَشْرِ الْبَعْضِ، إذْ لَوْ ضَمَّ الْكُلَّ فَهُوَ أَظْهَرُ فِي إرَادَةِ الْكَفِّ دُونَ الثَّلَاثِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَنَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت ظُهُورَ وَجْهٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلِمَ لَمْ يَقُلْ هَكَذَا) أَيْ بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَأَشَارَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ وَنَوَى الثَّلَاثَ وَلَمْ يَذْكُرْ بِلِسَانِهِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ لِفَقْدِ التَّشْبِيهِ) أَيْ بِالْعَدَدِ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَتَحَقَّقُ الطَّلَاقُ بِدُونِ اللَّفْظِ لَا يَتَحَقَّقُ عَدَدُهُ بِدُونِهِ (قَوْلُهُ لَمْ أَرَهُ) كَذَا قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَحْكَامِ الْإِشَارَةِ وَجَزَمَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ لَغْوٌ وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، وَقَالَ: لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُشْعِرُ بِهِ وَالنِّيَّةُ لَا تُؤَثِّرُ بِغَيْرِ اللَّفْظِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي تَعْلِيلِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْعَدَدِ عُرْفًا وَشَرْعًا إذَا اُقْتُرِنَتْ بِالِاسْمِ الْمُبْهَمِ اهـ وَلِإِطْلَاقٍ هُنَا يُشَارُ إلَيْهِ بِهِ فَتَأَمَّلْ: وَقَدْ رَأَيْت كَمَا ذَكَرْته بِالْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ اهـ كَلَامُ الرَّمْلِيِّ مُلَخَّصًا. وَرَأَيْت بِخَطِّ السَّائِحَانِيِّ: مُقْتَضَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ بِثَلَاثٍ. قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ: إذَا نَوَى يَقَعُ أَنَّهُ يَقَعُ هُنَا إذَا نَوَى. وَفِيهَا أَيْضًا إذَا قَالَ: طَالِقٌ فَقِيلَ: مِنْ عَنَيْت فَقَالَ: امْرَأَتِي طَلُقَتْ؛ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ مِنِّي ثَلَاثًا طَلُقَتْ إنْ نَوَى أَوْ كَانَ فِي مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ، وَإِلَّا قَالُوا: يُخْشَى أَنْ لَا يُصَدَّقَ اهـ وَكَذَا نَقَلَ الرَّحْمَتِيُّ عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ الْأُولَى ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ هَكَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ بِثَلَاثٍ. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 وَلَمْ يَقُلْ طَالِقٌ لَمْ أَرَهُ. (وَلَوْ أَشَارَ بِظُهُورِهَا فَالْمَضْمُومَةُ) لِلْعُرْفِ، وَلَوْ كَانَ رُءُوسُهَا نَحْوَ الْمُخَاطَبِ فَإِنْ نَشَرَ عَنْ ضَمٍّ فَالْعِبْرَةُ لِلنَّشْرِ، وَإِنْ ضُمَّا عَنْ نَشْرٍ فَالضَّمُّ ابْنُ كَمَالٍ. (وَ) يَقَعُ (بِ) قَوْلِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقَعُ رَجْعِيًّا لَوْ مَوْطُوءَةً (أَوْ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ أَوْ الْبِدْعَةِ، أَوْ أَشَرَّ الطَّلَاقِ،   [رد المحتار] أَقُولُ: أَيْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُرْتَبِطٌ بِلَفْظِ: طَالِقٌ مُقَدَّرًا، وَقَوْلُ الرَّمْلِيِّ إنَّ اللَّفْظَ لَا يُشْعِرُ بِهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ لَا يُنَافِيهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْمِ الْمُبْهَمِ لَفْظُ هَكَذَا الْمُرَادُ بِهِ الْعَدَدُ الَّذِي أُشِيرَ بِهِ إلَيْهِ، وَسَمَّاهُ مُبْهَمًا لِكَوْنِهِ لَمْ يُصَرِّحْ بِكَمِّيَّتِهِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي النَّهْرِ. وَالِاسْمُ الْمُبْهَمُ مَذْكُورٌ فِي مَسْأَلَتِنَا، فَيُفِيدُ الْعِلْمَ بِعَدَدِ الطَّلَاقِ الْمُقَدَّرِ الَّذِي نَوَاهُ الْمُتَكَلِّمُ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ بِثَلَاثٍ دَلَّ عَلَى عَدَدِ طَلَاقٍ مُقَدَّرٍ نَوَاهُ الْمُتَكَلِّمُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعَدَدَ فِي أَحَدِهِمَا صَرِيحٌ وَفِي الْآخَرِ غَيْرَ صَرِيحٍ، وَهَذَا الْفَرْقُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا مُشِيرًا إلَى الْأَصَابِعِ الثَّلَاثِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بِثَلَاثٍ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَشَارَ بِظُهُورِهَا فَالْمَضْمُومَةُ) أَرَادَ بِهِ تَقْيِيدَ قَوْلِهِ قَبْلَهُ وَتُعْتَبَرُ الْمَنْشُورَةُ لَا الْمَضْمُومَةُ أَيْ تُعْتَبَرُ إذَا أَشَارَ بِبُطُونِهَا، بِأَنْ جَعَلَ بَاطِنَ الْمَنْشُورَةِ إلَى الْمَرْأَةِ وَظَهْرَهَا إلَى نَفْسِهِ، أَمَّا لَوْ أَشَارَ بِظُهُورِهَا بِأَنْ جَعَلَ ظَهْرَهَا إلَى الْمَرْأَةِ وَبَاطِنَهَا إلَيْهِ فَالْمُعْتَبَرُ الْمَضْمُومَةُ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ عَبَّرَ عَنْهُ فِي الْهِدَايَةِ بِقِيلِ، وَصَرَّحَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَقَالَ: إنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمَنْشُورَةُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ، فَلَا تُعْتَبَرُ الْمَضْمُومَةُ مُطْلَقًا قَضَاءً لِلْعُرْفِ وَالسُّنَّةِ، وَتُعْتَبَرُ دِيَانَةً كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْمَوَاهِبِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْبَحْرِ وَالْفَتْحِ. وَقِيلَ: النَّشْرُ لَوْ عَنْ طَيٍّ وَالطَّيُّ لَوْ عَنْ نَشْرٍ، وَقِيلَ: إنَّ بَطْنَ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ فَالْمَنْشُورُ وَإِنْ لِلْأَرْضِ فَالْمَضْمُومُ اهـ. وَكَذَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْإِطْلَاقُ، وَعَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، فَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الْمُفَصَّلَةُ ضَعِيفَةٌ وَإِنْ مَشَى عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهَا فِي الْوِقَايَةِ وَالدُّرَرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَيَقَعُ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ وُقُوعِ الْبَائِنِ بِوَصْفِ الطَّلَاقِ بِمَا يُنْبِئُ عَنْ الشِّدَّةِ وَالزِّيَادَةِ نَهْرٌ، وَفَاعِلُ يَقَعُ قَوْلُهُ الْآتِي وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ (قَوْلُهُ أَلْبَتَّةَ) مَصْدَرُ بَتَّ أَمْرَهُ إذَا قَطَعَ بِهِ وَجَزَمَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَذَكَرَهُ هُنَا لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ دُونَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي بَعْدَهُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْهِدَايَةِ لَكِنَّ كَلَامَ دُرَرِ الْبِحَارِ وَشَرْحِهِ يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْكُلِّ. (قَوْلُهُ أَوْ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ) أَشَارَ بِهِ إلَى كُلِّ وَصْفٍ عَلَى أَفْعَلَ مِمَّا يَأْتِي لِأَنَّهُ لِلتَّفَاوُتِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْبَيْنُونَةِ، وَهُوَ أَفْحَشُ مِنْ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ أَوْ الْبِدْعَةِ) وَإِنَّمَا وَقَعَ بَائِنًا، لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ سُنِّيٌّ غَالِبًا. فَإِنْ قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ أَوْ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ وَلَا نِيَّةَ، فَإِنْ كَانَ فِي طُهْرٍ فِيهِ جِمَاعٌ أَوْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ سَاعَتِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ حَتَّى تَحِيضَ أَوْ يُجَامِعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ. قُلْت: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا هُوَ وُقُوعُ الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ بِلَا نِيَّةٍ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ تَقَعُ السَّاعَةَ أَوْ بَعْدَ وُجُودِ شَيْءٍ بَحْرٌ، لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وُقُوعُ بَائِنَةٍ لِلْحَالِ وَإِنْ لَمْ تَتَّصِفْ بِهَذَا الْوَصْفِ لِأَنَّ الْبِدْعِيَّ لَمْ يَنْحَصِرْ فِيمَا ذَكَرَهُ، إذْ الْبَائِنُ بِدْعِيٌّ كَمَا مَرَّ. اهـ. قُلْت: وَبِوُقُوعِ الْبَائِنَةِ لِلْحَالِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ هَذَا الْبَابِ: وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ تَكُونُ فِي الْبَائِنِ، وَقَدْ تَكُونُ فِي الطَّلَاقِ حَالَةَ الْحَيْضِ فَيَقَعُ الشَّكُّ فِي الْبَيْنُونَةِ فَلَا تَثْبُتُ بِالشَّكِّ، وَكَذَا إذَا قَالَ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي أَنْتِ طَالِقٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 أَوْ كَالْجَبَلِ أَوْ كَأَلْفٍ، أَوْ مِلْءَ الْبَيْتِ، أَوْ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً، أَوْ طَوِيلَةً، أَوْ عَرِيضَةً أَوْ أَسْوَهُ، أَوْ أَشَدَّهُ، أَوْ أَخْبَثَهُ) أَوْ أَخْشَنَهُ (أَوْ أَكْبَرَهُ أَوْ أَعْرَضَهُ أَوْ أَطْوَلَهُ، أَوْ أَغْلَظَهُ أَوْ أَعْظَمَهُ وَاحِدَةً بَائِنَةً) فِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِمَا يَحْتَمِلُهُ (إنْ لَمْ يَنْوِ ثَلَاثًا) فِي الْحُرَّةِ وَثِنْتَيْنِ فِي الْأَمَةِ، فَيَصِحُّ لِمَا مَرَّ،   [رد المحتار] لِلْبِدْعَةِ إذَا نَوَى وَاحِدَةً بَائِنَةً صَحَّ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ. اهـ. لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ ذَكَرَ أَوَّلًا وُقُوعَ الْبَائِنِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ قَالَ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَكُونُ رَجْعِيًّا، فَعُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا قَوْلُ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ، وَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَوَّلًا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَمْ يُوقِعْ الْبَائِنَ إلَّا بِنِيَّتِهِ، فَإِذَا لَمْ يَنْوِهِ فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ كَالْجَبَلِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: الْحَاصِلُ أَنَّ الْوَصْفَ بِمَا يُنْبِئُ عَنْ الزِّيَادَةِ يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ وَالتَّشْبِيهُ كَذَلِكَ أَيُّ شَيْءٍ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ كَرَأْسِ إبْرَةٍ وَكَحَبَّةِ خَرْدَلٍ وَكَسِمْسِمَةٍ لِاقْتِضَاءِ التَّشْبِيهِ الزِّيَادَةَ وَاشْتَرَطَ أَبُو يُوسُفَ ذِكْرَ الْعِظَمِ مُطْلَقًا. وَزُفَرُ أَنْ يَكُونَ عَظِيمًا عِنْدَ النَّاسِ، فَرَأْسُ إبْرَةٍ بَائِنٌ عِنْدَ الْأَوَّلِ فَقَطْ وَكَالْجَبَلِ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ فَقَطْ، وَكَعِظَمِ الْجَبَلِ عِنْدَ الْكُلِّ، وَكَعِظَمِ إبْرَةٍ عِنْدَ الْأَوَّلِينَ. وَمُحَمَّدٌ قِيلَ مَعَ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ مَعَ الثَّانِي (قَوْلُهُ أَوْ كَأَلْفٍ) لِاحْتِمَالِ كَوْنِ التَّشْبِيهِ فِي الْقُوَّةِ أَوْ فِي الْعَدَدِ، فَإِنْ نَوَى الثَّانِيَ وَقَعَ الثَّلَاثُ وَإِلَّا يَثْبُتُ الْأَقَلُّ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ وَكَذَا مِثْلُ أَلْفٍ وَمِثْلُ ثَلَاثٍ، بِخِلَافِ كَعَدَدِ الْأَلِفِ أَوْ كَعَدَدِ الثَّلَاثِ فَثَلَاثٌ بِلَا نِيَّةٍ، وَفِي وَاحِدَةٍ كَأَلْفِ وَاحِدَةٍ اتِّفَاقًا وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ، لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا تَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَوْ مِلْءِ الْبَيْتِ) وَجْهُ الْبَيْنُونَةِ بِهِ أَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَمْلَأُ الْبَيْتَ لِعِظَمِهِ فِي نَفْسِهِ وَقَدْ يَمْلَؤُهُ لِكَثْرَتِهِ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَعِنْدَ عَدَمِهَا يَثْبُتُ الْأَقَلُّ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ أَوْ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً إلَخْ) لِأَنَّ مَا يَصْعُبُ تَدَارُكُهُ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ وَيُقَالُ فِيهِ لِهَذَا الْأَمْرِ طُولٌ وَعَرْضٌ وَهُوَ الْبَائِنُ بَحْرٌ، قَيَّدَ بِذِكْرِ التَّطْلِيقَةِ لِأَنَّ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَوِيَّةً أَوْ شَدِيدَةً أَوْ طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً كَانَ رَجْعِيًّا لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ صِفَةً لِلطَّلَاقِ بَلْ لِلْمَرْأَةِ قَالَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَبِطَوِيلَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: طُولَ كَذَا أَوْ عَرْضَ كَذَا لَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ وَإِنْ كَانَتْ بَائِنَةً أَيْضًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ أَخْشَنَهُ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ قَبْلَ النُّونِ وَيَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الْأَشَدِّيَّةِ ط (قَوْلُهُ أَوْ أَكْبَرَهُ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، أَمَّا أَكْثَرُهُ بِالْمُثَنَّاةِ أَوْ الْمُثَلَّثَةِ فَيَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِمَا يَحْتَمِلُهُ) وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ الْبَيْنُونَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ لِلْحَالِ، وَكَذَا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَالِ وَبَعْدَهُ إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَيَصِحُّ لِمَا مَرَّ) أَيْ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ مِنْ أَنَّهُ مَصْدَرٌ يَحْتَمِلُ الْفَرْدَ الِاعْتِبَارِيَّ، وَهُوَ الثَّلَاثَةُ فِي الْحُرَّةِ وَالثِّنْتَانِ فِي الْأَمَةِ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ، وَالْفَاءُ فِي جَوَابِ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ فَإِنْ نَوَى مَا ذَكَرَ صَحَّ أَفَادَهُ ح. فَإِنْ قَالَتْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَصْدَرَ فِي نَحْوِ أَشَدَّ الطَّلَاقِ. قُلْت: قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِنَّ الْمَعْنَى طَالِقٌ طَلَاقًا هُوَ أَشَدُّ الطَّلَاقِ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ بَعْضُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ، فَكَانَ أَشَدُّ مُعَبَّرًا بِهِ عَنْ الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ [تَنْبِيهٌ] ظَاهِرُ كَلَامِهِ صِحَّةُ نِيَّةِ الثَّلَاثِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ. وَقَالَ فِي النَّهْرِ: لَكِنْ قَالَ الْعَتَّابِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ فِي تَطْلِيقَةٍ شَدِيدَةٍ أَوْ طَوِيلَةٍ أَوْ عَرِيضَةٍ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تُعْمَلُ فِي الْمُحْتَمِلِ وَتَطْلِيقَةٌ بِتَاءِ الْوَحْدَةِ لَا تَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ وَنَسَبَهُ إلَى السَّرَخْسِيِّ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ. قُلْت: لَكِنَّ الْمُتُونَ عَلَى خِلَافِهِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ التَّاءَ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ هُنَا لِلْوَحْدَةِ بَلْ لِتَأْنِيثِ اللَّفْظِ أَوْ زَائِدَةً كَقَوْلِهِمْ فِي الذَّنَبِ ذَنَبَةٌ، وَفِي أَمْثَالِ الْعَرَبِ: إذَا أَخَذْت بِذَنَبَةِ الضَّبِّ أَغْضَبْته ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ؛ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ التَّاءَ هُنَا لِلْوَحْدَةِ فَيُجَابُ بِأَنَّهُمْ قَدْ عَلَّلُوا صِحَّةَ نِيَّةِ الثَّلَاثِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ بِأَنَّهُ وَصْفُ الطَّلَاقِ بِالْبَيْنُونَةِ، وَهِيَ نَوْعَانِ: خَفِيفَةٌ وَغَلِيظَةٌ، فَإِذَا نَوَى الثَّانِيَةَ صَحَّ، فَيُقَالُ حِينَئِذٍ: إنَّ تَاءَ الْوَحْدَةِ لَا تُنَافِي إرَادَةَ الْبَيْنُونَةِ الْغَلِيظَةِ وَهِيَ مَا لَا تَحِلُّ لَهُ الْمَرْأَةُ مَعَهَا إلَّا بِزَوْجٍ آخَرَ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ نَوَى بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ بَلْ نَوَى حُكْمَ الثَّلَاثِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ الْغَلِيظَةُ، وَنَظِيرُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 كَمَا لَوْ نَوَى بِطَالِقٍ وَاحِدَةً وَبِنَحْوِ بَائِنٍ أُخْرَى فَيَقَعُ ثِنْتَانِ بَائِنَتَانِ؛ وَلَوْ عَطَفَ وَقَالَ وَبَائِنٌ أَوْ ثُمَّ بَائِنٌ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَرَجْعِيَّةٌ؛ وَلَوْ بِالْفَاءِ فَبَائِنَةٌ ذَخِيرَةٌ. (كَمَا) يَقَعُ الْبَائِنُ (لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً تَمْلِكِي بِهَا نَفْسَك) لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا إلَّا بِالْبَائِنِ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك لَهُ الرَّجْعَةُ؛ وَقِيلَ: لَا جَوْهَرَةٌ. وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ الثَّانِي، وَخَطَّأَ مَنْ أَفْتَى بِالرَّجْعِيِّ فِي التَّعَالِيقِ، وَقَوْلُ الْمُوثَقِينَ تَكُونُ طَالِقًا طَلْقَةً تَمْلِكُ بِهَا نَفْسَهَا إلَخْ؛   [رد المحتار] قَوْلُهُمْ: لَوْ نَوَى الثَّلَاثَ بِأَنْتِ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ فَهِيَ ثَلَاثٌ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ لَوْ نَوَى حُكْمَ الثَّلَاثِ لَا لَفْظَهَا لِأَنَّ اللَّفْظَ بَائِنٌ وَحَرَامٌ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ هُنَا، عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ فَرْدٌ اعْتِبَارِيٌّ وَلِهَذَا صَحَّ إرَادَتُهُ بِالْمَصْدَرِ وَلَمْ تَصِحَّ إرَادَةُ الثِّنْتَيْنِ بِهِ لِأَنَّهُمَا عَدَدٌ مَحْضٌ، وَفَرْدِيَّتُهُ بِاعْتِبَارِ مَا قُلْنَا، فَلَا يُنَافِي تَاءَ الْوَحْدَةِ " هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ نَوَى) تَشْبِيهٌ فِي الصِّحَّةِ ط (قَوْلُهُ وَبِنَحْوِ بَائِنٍ) أَيْ مِنْ كُلِّ كِنَايَةٍ قُرِنَتْ بِطَالِقٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَيَقَعُ ثِنْتَانِ بَائِنَتَانِ) أَيْ عَلَى أَنَّ التَّرْكِيبَ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، ثُمَّ بَيْنُونَةُ الْأُولَى ضَرُورَةُ بَيْنُونَةِ الثَّانِيَةِ إذْ مَعْنَى الرَّجْعِيِّ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا وَذَلِكَ مُنْتَفٍ بِاتِّصَالِ الْبَائِنَةِ الثَّانِيَةِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي وَصْفِهَا بِالرَّجْعِيَّةِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَطَفَ إلَخْ) مُحْتَرَزُ تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ الْمَسْأَلَةَ بِدُونِ عَطْفٍ (قَوْلُهُ فَرَجْعِيَّةٌ) أَيْ فَهِيَ طَالِقٌ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِالْفَاءِ فَبَائِنَةٌ) أَيْ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا كَمَا أَفَادَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ عَطَفَ بِالْفَاءِ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا، فَهِيَ طَالِقٌ طَلْقَةً بَائِنَةً اهـ وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ أَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ بِلَا مُهْلَةٍ، وَالطَّلَاقُ الَّذِي يَعْقُبُهُ الْبَيْنُونَةُ لَا يَكُونُ إلَّا بَائِنًا؛ أَمَّا الْوَاوُ فَلَا تَقْتَضِي التَّعَقُّبَ بَلْ تَصْلُحُ لَهُ وَلِلتَّرَاخِي الَّذِي هُوَ مَعْنَى ثُمَّ وَالطَّلَاقُ الَّذِي تَتَرَاخَى عَنْهُ الْبَيْنُونَةُ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ بَائِنًا فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَبَائِنٌ لَغْوًا، وَلَا تَحْتَمِلُ الْوَاوُ عَلَى التَّعْقِيبِ لِأَنَّهُ عِنْدَ الِاحْتِمَالِ يُرَادُ الْأَدْنَى وَهُوَ الرَّجْعِيُّ هُنَا، كَمَا لَا يُرَادُ تَكْرِيرُ الْإِيقَاعِ لِعَدَمِ النِّيَّةِ؛ وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يَتَعَيَّنْ تَكْرِيرُ الْإِيقَاعِ مَعَ وُجُودِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَطْفِ الْمُغَايَرَةُ، فَكَانَ يَنْبَغِي وُقُوعُ بَائِنَتَيْنِ مَعَ الْوَاوِ وَثُمَّ، وَمَفْهُومُ التَّقْيِيدِ بِعَدَمِ النِّيَّةِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى تَكْرِيرَ الْإِيقَاعِ مَعَ الْحُرُوفِ الثَّلَاثَةِ أَوْ نَوَى بِالْبَائِنِ الثَّلَاثَ أَنَّهُ يَقَعُ مَا نَوَى. (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَالَ إلَخْ) يُشْعِرُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ غَيْرُ مَنْقُولٍ حَيْثُ قَالَ: فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ الْبَائِنُ كَمَا أَفْتَى بِهِ مَوْلَانَا صَاحِبُ الْبَحْرِ، وَاسْتَظْهَرَ لَهُ بِمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ إذَا وَصَفَ الطَّلَاقَ بِصِفَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ كَانَ بَائِنًا إلَخْ (قَوْلُهُ تَمْلِكِي بِهَا نَفْسَك) حَقُّهُ أَنْ يُقَالَ تَمْلِكِينَ لِأَنَّهُ مُضَارِعٌ مَرْفُوعٌ بِالنُّونِ، نَعَمْ سُمِعَ حَذْفُهَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ: أَبِيت أُسَرِّي وَتَبِيتِي تَدْلُكِي ... وَجْهَك بِالْعَنْبَرِ وَالْمِسْكِ الذَّكِيِّ وَهُوَ لُغَةٌ خَرَّجَ عَلَيْهَا بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ حَدِيثَ «كَمَا تَكُونُوا يُوَلَّى عَلَيْكُمْ» وَحَدِيثَ «لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا» (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا إلَّا بِالْبَائِنِ) صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَقَالَ أَيْضًا إذَا وُصِفَ الطَّلَاقُ بِصِفَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ كَانَ بَائِنًا اهـ وَهَذِهِ الصِّفَةُ بِمَعْنَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَائِنَةً لِأَنَّ مِلْكَهَا نَفْسَهَا يُنَافِي الرَّجْعِيَّ الَّذِي يَمْلِكُ هُوَ رَجْعَتَهَا فِيهِ بِدُونِ رِضَاهَا. (قَوْلُهُ وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ الثَّانِيَ) وَذَلِكَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا وُصِفَ الطَّلَاقُ بِضَرْبٍ مِنْ الشِّدَّةِ وَالزِّيَادَةِ يَقَعُ بِهِ الْبَائِنُ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقَعُ بِهِ الرَّجْعِيُّ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ فَيَلْغُو كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك. وَرَدَّهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ وَبِأَنَّ مَسْأَلَةَ الرَّجْعَةِ مَمْنُوعَةٌ: أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَقَعُ فِيهَا الرَّجْعِيُّ بَلْ تَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ وَغَايَةُ الْبَيَانِ وَالتَّبْيِينِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ فِي مَسْأَلَةِ الرَّجْعَةِ وَقَوْلِ الْبَائِنِ (قَوْلُهُ وَخَطَّأَ) أَيْ نَسَبَهُ إلَى الْخَطَأِ، مِثْلُ فَسَّقْته نَسَبْته إلَى الْفِسْقِ، وَقَوْلُهُ وَقَوْلُ الْمُوَثِّقِينَ بِالْجَرِّ قَالَ ح: عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى التَّعَالِيقِ وَهُوَ بِكَسْرِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَهُمْ عُدُولُ دَارِ الْقَاضِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا قَالَ لِلْمَدْخُولَةِ: إنْ طَلَّقْتُك وَاحِدَةً فَهِيَ بَائِنَةٌ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا يَقَعُ رَجْعِيًّا، الْوَصْفُ لَا يَسْبِقُ الْمَوْصُوفَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكَذَا ثُمَّ قَبْلَ دُخُولِهَا الدَّارَ قَالَ جَعَلْته بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا انْتَهَى، وَمُفَادُهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فِي: مَتَى تَزَوَّجْت عَلَيْك فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً تَمْلِكِينَ بِهَا نَفْسَك، إذْ غَايَتُهُ مُسَاوَاتُهُ لَأَنْتِ بَائِنٌ، وَالْوَصْفُ لَا يَسْبِقُ الْمَوْصُوفَ. كَذَا حَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي الْكِنَايَاتِ:   [رد المحتار] وَيُسَمُّونَ بِالشُّهُودِ، وَسُمُّوا مُوَثَّقِينَ لِأَنَّهُمْ يُوَثِّقُونَ مَنْ يَشْهَدُ بِبَيَانِ أَنَّهُ ثِقَةٌ اهـ أَوْ لِأَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ صُكُوكَ الْوَثَائِقِ أَفَادَهُ ط. قُلْت: وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْبَحْرِ. وَقَدْ أَلَّفَ فِيهَا رِسَالَةً أَيْضًا هِيَ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: مَتَى ظَهَرَ لِي امْرَأَةٌ غَيْرُك أَوْ أَبْرَأْتِنِي مِنْ مَهْرِك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً تَمْلِكِينَ بِهَا نَفْسَك ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا وَأَبْرَأَتْهُ مِنْ مَهْرِهَا. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ بَائِنٌ وَرُدَّ عَلَى مَنْ أَفْتَى بِأَنَّهُ رَجْعِيٌّ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) انْتِصَارٌ لِذَلِكَ الْمُفْتِي. وَرَدَّهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِي الْمِنَحِ بِأَنَّ الْمُعَلَّقَ فِي حَادِثَةِ التَّعَالِيقِ هُوَ الطَّلَاقُ الْمَوْصُوفُ بِالْبَيْنُونَةِ. وَفِي مَسْأَلَةِ الْبَزَّازِيَّةِ: الْمُعَلَّقُ وَصْفُ الْبَيْنُونَةِ فَقَطْ وَالْمَوْصُوفُ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ، فَهُوَ فِي مَسْأَلَةِ التَّعَالِيقِ كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك فَأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنًا وَلَا قَائِلَ بِمَنْعِهِ تَأَمَّلْ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْبَزَّازِيَّةِ الْأُولَى قَدْ عُلِّقَتْ الصِّفَةُ وَحْدَهَا عَلَى وُجُودِ الْمَوْصُوفِ، وَالْحُكْمُ فِي الْمُعَلَّقِ أَنَّهُ لَوْلَا التَّعْلِيقُ لَوُجِدَ فِي الْحَالِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ فِي الْحَالِ بَيْنُونَةُ طَلْقَةٍ غَيْرِ مَوْجُودَةٍ وَلَا كَوْنُهَا ثَلَاثًا لِأَنَّ الْوَصْفَ لَا يَسْبِقُ مَوْصُوفَهُ، وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ جَعَلَ الطَّلْقَةَ الْمُعَلَّقَةَ بَائِنَةَ أَوْ ثَلَاثًا قَبْلَ وُجُودِهَا فَيَلْزَمُ أَيْضًا سَبْقُ الصِّفَةِ مَوْصُوفَهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ إلَخْ) هَذِهِ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْكِنَايَاتِ مَعَ بَعْضِ تَغْيِيرٍ، وَقَدْ عَلِمْت الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَقِيسَةِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ مُسَاوَاتُهُ لِأَنْتِ بَائِنٌ) كَانَ حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ مُسَاوَاتُهُ لِهُوَ بَائِنٌ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِوَصْفِ الطَّلَاقِ فَقَطْ، وَقَدْ عَلِمْت عَدَمَ الْمُسَاوَاةِ، نَعَمْ هُوَ مُسَاوٍ لِأَنْتِ بَائِنٌ عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْمَوْصُوفِ وَصِفَتِهِ مَعًا فَصَارَ فِي مَعْنَى مَتَى تَزَوَّجْت عَلَيْك فَأَنْتِ بَائِنٌ، فَهَذَا نَطَقَ بِالْحَقِّ بِلَا قَصْدٍ. [تَتِمَّةٌ] يَقَعُ كَثِيرًا فِي كَلَامِ الْعَوَامّ: أَنْتِ طَالِقٌ تَحِلِّي لِلْخَنَازِيرِ وَتَحْرُمِي عَلَيَّ وَأَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ بِأَنَّهُ رَجْعِيٌّ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَتَحْرُمِي عَلَيَّ إنْ كَانَ لِلْحَالِ فَخِلَافُ الْمَشْرُوعِ لِأَنَّهَا لَا تَحْرُمُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلِاسْتِقْبَالِ فَصَحِيحٌ وَلَا يُنَافِي الرَّجْعَةَ، وَكَذَلِكَ أَفْتَى بِالرَّجْعِيِّ فِي قَوْلِهِمْ أَنْتِ طَالِقٌ لَا يَرُدُّك قَاضٍ وَلَا عَالِمٌ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إخْرَاجَهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ الشَّرْعِيِّ. وَأَيَّدَهُ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْمِنَحِ بِمَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَلَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك فَرَجْعِيَّةٌ، وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك فَبَائِنٌ اهـ وَقَالَ: إنَّ قَوْلَهُمْ لَا يَرُدُّك قَاضٍ إلَخْ مِثْلُ قَوْلِهِ وَلَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك لِأَنَّ حَذْفَ الْوَاوِ كَإِثْبَاتِهَا كَمَا لَوْ ظَاهَرَ، لَا مِثْلَ عَلَيَّ أَنْ لَا رَجْعَةَ اهـ. قُلْت: وَالْفَرْقُ أَنَّ عَلَيَّ أَنْ لَا رَجْعَةَ قَيْدٌ لِلطَّلَاقِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ، فَهُوَ فِي مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا مَشْرُوطًا فِيهِ عَدَمُ الرَّجْعَةِ: أَيْ طَلَاقًا بَائِنًا، فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْقَاعِدَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا وَصَفَ الطَّلَاقَ بِضَرْبٍ مِنْ الشِّدَّةِ وَالزِّيَادَةِ يَقَعُ بِهِ الْبَائِنُ كَمَا مَرَّ عَنْ الْهِدَايَةِ. أَمَّا وَلَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك فَلَيْسَ صِفَةً لِلطَّلَاقِ بَلْ هُوَ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ أَخْبَرَ بِهِ عَمَّا هُوَ خِلَافُ الشَّرْعِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ هُوَ وُقُوعُ الرَّجْعِيِّ بِأَنْتِ طَالِقٌ؛ فَقَوْلُهُ وَلَا رَجْعَةَ لَغْوٌ، مِثْلُ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَبَائِنٌ أَوْ ثُمَّ بَائِنٌ بِلَا نِيَّةٍ كَمَا مَرَّ، وَكَذَا قَوْلُهُمْ لَا يَرُدُّك قَاضٍ إلَخْ لَيْسَ صِفَةً لِلطَّلَاقِ بَلْ هُوَ صِفَةٌ لِلْمَرْأَةِ فَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْقَاعِدَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 (بِخِلَافِ) أَنْتِ طَالِقٌ (أَكْثَرِهِ) أَيْ الطَّلَاقِ (بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ الثَّلَاثُ، وَلَا يَدِينُ فِي) إرَادَةِ (الْوَاحِدَةِ) كَمَا لَوْ قَالَ أَكْثَرَ الطَّلَاقِ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ مِرَارًا أَوْ أُلُوفًا أَوْ لَا قَلِيلَ وَلَا كَثِيرَ فَثَلَاثٌ هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ.   [رد المحتار] الْمَذْكُورَةِ؛ وَمِثْلُهُ تَحِلِّي لِلْخَنَازِيرِ وَتَحْرُمِي عَلَيَّ. وَقَدْ خَفِيَ ذَلِكَ عَلَى الرَّحْمَتِيِّ فَجَزَمَ بِأَنَّ هَذَا وَمَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ، نَعَمْ وَلَوْ قَصَدَ بِقَوْلِهِ وَتَحْرُمِي عَلَيَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ وَقَعَ بِهِ أُخْرَى بَائِنَةٌ مَا لَمْ يَنْوِ بِهِ الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ كَمَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ وَبَائِنٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْعَوَامّ فِي زَمَانِنَا أَيْضًا: أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا أَحَلَّك الشَّيْخُ حَرَّمَك شَيْخٌ، فَإِنَّ مُرَادَهُمْ بِالثَّانِي تَأْبِيدُ الْحُرْمَةِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ كُلَّمَا حَلَلْت لِي حُرِّمْت عَلَيَّ فَكُلَّمَا عَقَدَ عَلَيْهَا بَانَتْ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الْكَلَامِ الْإِخْبَارَ عَنْ الطَّلَاقِ الْمَذْكُورِ دُونَ إنْشَاءِ التَّحْرِيمِ وَدُونَ جَعْلِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ صِفَةً لِلطَّلَاقِ الْمَذْكُورِ فَلَا تَحْرُمُ أَبَدًا لِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِخِلَافِ الْمَشْرُوعِ، لَكِنَّ الْعَامِّيَّ لَا يَفْهَمُ ذَلِكَ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرِيدُ إنْشَاءَ تَأْبِيدِ الْحُرْمَةِ؛ فَمَا وَقَعَ فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ إسْمَاعِيلِ الْحَائِكِ مِنْ وُقُوعِ الرَّجْعِيِّ بِهِ فَقَطْ مَرَّةً وَاحِدَةً غَيْرُ ظَاهِرٍ، فَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَحَلِّ فَإِنَّهُ مِمَّا يَخْفَى. (قَوْلُهُ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيَّدَ بِذَلِكَ لِيَعْلَمَ بِالْأُولَى مَا إذَا قَالَهُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَلِيُفِيدَ أَنَّ هَذَا التَّحْرِيفَ هُنَا لَا يَضُرُّ لِأَنَّ ذَلِكَ صَارَ لُغَةً عَامِّيَّةً، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِالْأَلْفَاظِ الْمُصَحَّفَةِ، فَلَا يَرِدُ مَا اعْتَرَضَ بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ هَذَا ذُهُولٌ مِنْهُ وَأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي كَلَامِهِمْ ضَبَطَهُ بِالْمُثَلَّثَةِ، وَلَمْ نَرَ أَحَدًا ضَبَطَهُ بِالْمُثَنَّاةِ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ إلَّا أَكْثَرَهُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ الثَّلَاثُ، وَلَا يَدِينُ إذَا قَالَ نَوَيْت وَاحِدَةً (قَوْلُهُ وَلَا يَدِينُ فِي إرَادَةِ الْوَاحِدَةِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَدِينُ فِي إرَادَةِ الثِّنْتَيْنِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ قَدْ يُرَادُ بِهِ أَصْلُ الْفِعْلِ: أَيْ كَثِيرُ الطَّلَاقِ، فَكَانَ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً. اهـ. ح قُلْت: لَكِنْ يَأْتِي تَرْجِيحُ أَنَّ الْكَثِيرَ ثَلَاثٌ لَا اثْنَتَانِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَكْثَرَ وَكَثِيرٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَالَ: أَكْثَرَ الطَّلَاقِ) أَيْ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ ضَبْطَهُ بِالْمُثَنَّاةِ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمُثَلَّثَةِ (قَوْلُهُ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ مِرَارًا) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِرَارًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا إنْ كَانَ مَدْخُولًا بِهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ قَبْلَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ وَرَقَةٍ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَلْفَ مَرَّةٍ تَقَعُ وَاحِدَةٌ اهـ وَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ آخِرَ بَابِ الْإِيلَاءِ. أَقُولُ: وَلَا يُخَالِفُ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ أَلْفَ مَرَّةٍ بِمَنْزِلَةِ تَكْرِيرِهِ مِرَارًا مُتَعَدِّدَةً، وَالْوَاقِعُ بِهِ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ طَلَاقٌ بَائِنٌ، فَفِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ إذَا أَمْكَنَ جَعْلُ الثَّانِي خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ، كَمَا فِي أَنْتِ بَائِنٌ أَنْتِ بَائِنٌ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْكِنَايَاتِ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الثَّلَاثَ بِأَنْتِ حَرَامٌ أَوْ بِأَنْتِ بَائِنٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ " لِأَنَّ لَفْظَ وَاحِدَةٍ صَالِحٌ لِلْبَيْنُونَةِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى، وَقَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ مِرَارًا بِمَنْزِلَةِ تَكْرَارِ هَذَا اللَّفْظِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَكْثَرَ، وَالْوَاقِعُ بِالْأُولَى رَجْعِيٌّ، وَكَذَا بِمَا بَعْدَهَا إلَى الثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ، وَالصَّرِيحُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَلِذَا قَيَّدَ بِالْمَدْخُولِ بِهَا لِأَنَّ غَيْرَهَا تَبِينُ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى لَا إلَى عِدَّةٍ فَلَا يَلْحَقُهَا مَا بَعْدَهَا، فَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَقَامَ فَقَدْ خَفِيَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْأَفْهَامِ. (قَوْلُهُ أَوْ أُلُوفًا) جَمْعُ أَلْفٍ ح أَيْ فَيَقَعُ بِهِ الثَّلَاثُ وَيَلْغُو الزَّائِدُ (قَوْلُهُ أَوْ لَا قَلِيلَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْجَوْهَرَةِ: وَإِنْ قَالَ أَنْتَ طَالِقٌ لَا قَلِيلَ وَلَا كَثِيرَ تَقَعُ ثَلَاثًا هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الْقَلِيلَ وَاحِدَةٌ وَالْكَثِيرَ ثَلَاثٌ " فَإِذَا قَالَ أَوَّلًا: لَا قَلِيلَ فَقَدْ قَصَدَ الثَّلَاثَ ثُمَّ لَا يُعْمَلُ قَوْلُهُ وَلَا كَثِيرٌ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ يَقَعُ الثَّلَاثُ فِي الْمُخْتَارِ. وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: ثِنْتَانِ فِي الْأَشْبَاهِ اهـ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ اخْتِيَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَعَلَّلَهُ بِمَا مَرَّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 وَلَوْ قَالَ: أَقَلَّ الطَّلَاقِ فَوَاحِدَةٌ؛ وَلَوْ قَالَ عَامَّةَ الطَّلَاقِ أَوْ أَجَلَّهُ أَوْ لَوْنَيْنِ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ الثَّلَاثِ أَوْ كَبِيرَ الطَّلَاقِ فَثِنْتَانِ، وَكَذَا لَا كَثِيرَ وَلَا قَلِيلَ عَلَى الْأَشْبَهِ مُضْمَرَاتٌ. وَفِي الْقُنْيَةِ: طَلَّقْتُك آخِرَ الثَّلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَثَلَاثٌ وَطَالِقٌ آخَرَ، ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فَوَاحِدَةٌ. وَالْفَرْقُ دَقِيقٌ حَسَنٌ. [فُرُوعٌ] يَقَعُ بِأَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ التَّطْلِيقَةِ وَاحِدَةٌ، وَكُلَّ تَطْلِيقَةٍ ثَلَاثٌ،   [رد المحتار] ثُمَّ قَالَ: وَحُكِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: لَا قَلِيلَ فَقَدْ قَصَدَ إيقَاعَ الثِّنْتَيْنِ، لِأَنَّ الثِّنْتَيْنِ كَثِيرٌ فَلَا يُعْمَلُ قَوْلُهُ وَلَا كَثِيرَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ اهـ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ، وَمَبْنَاهُمَا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْكَثِيرِ. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كَثِيرًا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ الْكَثِيرَ هُوَ الثَّلَاثُ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْفَتَاوَى يَقَعُ ثِنْتَانِ. اهـ. قُلْت: وَيَنْبَغِي أَرْجَحِيَّةُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى (قَوْلُهُ فَوَاحِدَةٌ) أَيْ رَجْعِيَّةٌ لِعَدَمِ مَا يُفِيدُ الْبَائِنَ " وَلِأَنَّ الرَّجْعِيَّ أَقَلُّ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: عَامَّةَ الطَّلَاقِ) إنَّمَا وَقَعَ بِهِ ثِنْتَانِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْغَالِبِ وَغَالِبُ الطَّلَاقِ ثِنْتَانِ ط (قَوْلُهُ أَوْ أَجَلَّهُ) كَأَنَّهُ تَحْرِيفٌ مِنْ الْكَاتِبِ. وَاَلَّذِي فِي الْبَحْرِ جُلَّهُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ، وَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَجُلُّ الشَّيْءِ: مُعْظَمُهُ أَمَّا الْأَجَلُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ثَلَاثًا رَحْمَتِيٌّ. وَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ ط مِنْ أَنَّهُ إنْ نَوَى بِالْأَجَلِّ الْأَعْظَمَ مِنْ جِهَةِ الْكَمِّ فَثَلَاثٌ، أَوْ مِنْ جِهَةِ مُوَافَقَتِهِ لِلسُّنَّةِ فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ وَلَا فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ أَوْ لَوْنَيْنِ مِنْهُ) وَهُمَا طَلْقَتَانِ رَجْعِيَّتَانِ؛ وَلَوْ قَالَ: ثَلَاثَةَ أَلْوَانٍ فَثَلَاثَةٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَلْوَانًا مِنْ الطَّلَاقِ فَثَلَاثَةٌ، وَإِنْ نَوَى أَلْوَانَ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ صَحَّ دِيَانَةً، وَكَذَا ضُرُوبًا أَوْ أَنْوَاعًا أَوْ وُجُوهًا مِنْ الطَّلَاقِ ذَخِيرَةٌ. قُلْت: وَيَنْبَغِي فِيمَا لَوْ نَوَى أَلْوَانَ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً لِمَا مَرَّ مِنْ أَصْلِ الْإِمَامِ فِيمَا إذَا وَصَفَ الطَّلَاقَ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَا كَثِيرَ وَلَا قَلِيلَ) الَّذِي فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةٌ وَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا؛ فَلْيُرَاجَعْ كِتَابُ الْمُضْمَرَاتِ؛ نَعَمْ كُلُّ وَجْهٍ فَوَجْهُ الْوَاحِدَةِ أَنَّهُ لَمَّا نَفَى الْكَثِيرَ أَثْبَتَ الْقَلِيلَ فَلَا يُفِيدُ نَفْيُهُ بَعْدُ. وَوَجْهُ الثِّنْتَيْنِ أَنَّ الْكَثِيرَ ثَلَاثٌ وَالْقَلِيلَ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا نَفَاهُمَا ثَبَتَ مَا بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ دَقِيقٌ حَسَنٌ) وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّهُ أَضَافَ الْآخَرَ إلَى ثَلَاثٍ مَعْهُودَةٍ ومعهوديتها بِوُقُوعِهَا بِخِلَافِ الْمُنَكَّرِ. اهـ. ح. أَقُولُ: هَذَا بَعْدَ تَسْلِيمِهِ إنَّمَا يَتِمُّ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ فِي أَوَّلِ بَابِ الطَّلَاقِ الصَّرِيحِ مِنْ تَعْرِيفِ لَفْظِ ثَلَاثٍ فِي الْأُولَى وَتَنْكِيرِهِ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ أَنَّهُ مُنَكَّرٌ فِي الصُّورَتَيْنِ كَمَا رَأَيْته فِي عِدَّةِ كُتُبٍ كالتتارخانية وَالْهِنْدِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَقَدْ ذَكَرَ الْفَرْقَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِأَنَّ الْآخِرَ هُوَ الثَّالِثُ، وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِتَقَدُّمِ مِثْلَيْهِ، عَلَيْهِ لَكِنَّهُ فِي الْأُولَى أَخْبَرَ عَنْ إيقَاعِ الثَّلَاثِ، وَفِي الثَّانِيَةِ وَصَفَ الْمَرْأَةَ بِكَوْنِهَا آخِرَ الثَّلَاثِ بَعْدَ الْإِيقَاعِ وَهِيَ لَا تُوصَفُ بِذَلِكَ فَبَقِيَ أَنْتِ طَالِقٌ وَبِهِ تَقَعُ الْوَاحِدَةُ. اهـ. فَمَنَاطُ الْفَرْقِ فِي التَّعْبِيرِ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي فِي الْأَوَّلِ وَاسْمِ الْفَاعِلِ فِي الثَّانِي لَا مِنْ التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ فَافْهَمْ مُمْكِنٌ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ لَفْظَ آخَرَ فِي الثَّانِيَةِ مَرْفُوعٌ خَبَرًا وَثَانِيًا عَنْ أَنْتِ لِيَصِيرَ وَصْفًا لِلْمَرْأَةِ؛ أَمَّا لَوْ كَانَ مَنْصُوبًا يَكُونُ وَصْفًا لِلطَّلَاقِ فَيُسَاوِي الصُّورَةَ الْأُولَى، وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ مَنْصُوبًا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ خَبَرًا ثَانِيًا بَعِيدٌ (قَوْلُهُ يَقَعُ بِأَنْتِ طَالِقٌ إلَخْ) لِأَنَّ كُلًّا إذَا أُضِيفَتْ إلَى مُعَرَّفٍ أَفَادَتْ عُمُومَ الْأَجْزَاءِ، وَأَجْزَاءُ الطَّلْقَةِ لَا تَزِيدُ عَلَى طَلْقَةٍ، وَإِذَا أُضِيفَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 وَعَدَدَ التُّرَابِ وَاحِدَةٌ، وَعَدَدَ الرَّمْلِ ثَلَاثٌ، وَعَدَدَ شَعْرِ إبْلِيسَ أَوْ عَدَدَ شَعْرِ بَطْنِ كَفِّي وَاحِدَةٌ، وَعَدَدَ شَعْرِ ظَهْرِ كَفِّي أَوْ سَاقِي أَوْ سَاقِك أَوْ فَرْجِك أَوْ عَدَدَ مَا فِي هَذَا الْحَوْضِ مِنْ السَّمَكِ وَقَعَ بِعَدَدِهِ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا لَا لَسْت لَك بِزَوْجِ أَوْ لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ. أَوْ قَالَتْ لَهُ لَسْت لِي بِزَوْجٍ   [رد المحتار] إلَى مُنَكَّرٍ أَفَادَتْ عُمُومَ الْأَفْرَادِ. اهـ. ح وَلِذَا كَانَ قَوْلُك كُلُّ الرُّمَّانِ مَأْكُولٌ كَاذِبًا لِأَنَّ قِشْرَهُ لَا يُؤْكَلُ، بِخِلَافِ كُلِّ رُمَّانٍ بِالتَّنْكِيرِ، وَهَذَا عِنْدَ الْخُلُوِّ عَنْ الْقَرَائِنِ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ قَالَ: كُلَّ الطَّلَاقِ فَوَاحِدَةٌ وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْهَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ أَنَّهُ يَقَعُ ثَلَاثٌ. قُلْت: وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَصْدَرٌ يَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ بِخِلَافِ الطَّلْقَةِ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ كُلَّهُ فَهُوَ ثَلَاثٌ، وَلَا فَرْقَ يَظْهَرُ بَيْنَ كُلِّ الطَّلَاقِ وَالطَّلَاقِ كُلِّهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَعَدَدَ التُّرَابِ وَاحِدَةٌ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَوْ شَبَّهَ بِالْعَدَدِ فِيمَا لَا عَدَدَ لَهُ فَقَالَ طَالِقٌ كَعَدَدِ الشَّمْسِ أَوْ التُّرَابِ أَوْ مِثْلِهِ. فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَجْعِيَّةٌ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، لِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْعَدَدِ فِيمَا لَا عَدَدَ لَهُ لَغْوٌ وَلَا عَدَدَ لِلتُّرَابِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقَعُ ثَلَاثٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِالْعَدَدِ إذَا ذُكِرَ الْكَثْرَةُ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ يَقْتَضِي ضَرْبًا مِنْ الزِّيَادَةِ كَمَا مَرَّ. أَمَّا لَوْ قَالَ: مِثْلَ التُّرَابِ يَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَدَدَ الرَّمْلِ ثَلَاثٌ) أَيْ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ التُّرَابُ غَيْرَ مَعْدُودٍ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ إفْرَادِيٍّ بِخِلَافِ رَمْلٍ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ لَا يَصْدُقُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ نَهْرٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا دَلَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ صَادِقًا عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَالتُّرَابِ وَالْمَاءِ وَالْعَسَلِ، فَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ إفْرَادِيٍّ، بِخِلَافِ مَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، وَمُيِّزَ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ بِالتَّاءِ كَالرَّمْلِ وَالتَّمْرِ فَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ وَالْجَمْعُ ذُو أَفْرَادٍ أَقَلُّهَا ثَلَاثٌ فَيَقَعُ بِإِضَافَةِ الْعَدَدِ إلَى ثَلَاثٍ. (قَوْلُهُ وَعَدَدَ شَعْرِ إبْلِيسَ إلَخْ) أَيْ تَقَعُ وَاحِدَةٌ لَوْ أَضَافَهُ إلَى عَدَدٍ مَجْهُولِ النَّفْي وَالْإِثْبَاتِ أَوْ إلَى عَدَدٍ مَعْلُومِ النَّفْيِ كَالْمِثَالَيْنِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهَا بَائِنَةٌ أَوَّلًا، وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ فِي عَدَدِ التُّرَابِ أَنَّهَا بَائِنَةٌ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَرَجْعِيَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ أَنْ يَلْغُوَ ذِكْرُ الْعَدَدِ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ (قَوْلُهُ وَقَعَ بِعَدَدِهِ) أَيْ مِمَّا يَقْبَلُهُ الْمَحَلُّ وَالزَّائِدُ لَغْوٌ ط (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ الشَّعْرِ بِأَنْ أُطْلِيَ بِالنُّورَةِ مَثَلًا وَلَا وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ السَّمَكِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، وَهَذَا صَحِيحٌ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةِ السَّمَكِ أَمَّا فِيهِمَا فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَكَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحَوْضِ سَمَكٌ تَقَعُ وَاحِدَةٌ فَكَانَ الصَّوَابُ ذِكْرَهَا مَعَ مَسْأَلَةِ شَعْرِ إبْلِيسَ وَشَعْرِ بَطْنِ كَفِّي. وَقَدْ ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ عَلَّلَ فِي الْمُحِيطِ مَسْأَلَةَ السَّمَكِ وَشَعْرِ إبْلِيسَ وَبَطْنِ كَفِّي بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ شَعْرٌ وَلَا سَمَكٌ لَمْ يُعْتَبَرْ ذِكْرُ الْعَدَدِ بَلْ يَصِيرُ لَغْوًا وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ اهـ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَسْأَلَةِ ظَهْرِ كَفِّي وَقَدْ أُطْلِيَ، وَمَسْأَلَةِ بَطْنِ كَفِّي أَنَّهُ فِي الْأُولَى لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى عَدَدِ الشُّعُورِ النَّابِتَةِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَعْرٌ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، وَفِي الثَّانِيَةِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى عَدَدِ الشَّعْرِ. اهـ. قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّ ظَهْرَ الْكَفِّ وَمِثْلُهُ السَّاقُ وَالْفَرْجُ لَمَّا كَانَ مَحَلُّ الشَّعْرِ غَالِبًا وَزَوَالُهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِعَارِضٍ صَارَ الْعَدَدُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَ عَدَمِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَعْلُومَ الِانْتِفَاءِ كَشَعْرِ بَطْنِ كَفِّي أَوْ مَجْهُولَهُ وَلَا يُمْكِنُ عِلْمُهُ كَشَعْرِ إبْلِيسَ أَوْ يُمْكِنُ، لَكِنْ انْتِفَاؤُهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَارِضٍ كَسَمَكِ الْحَوْضِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ عَدَدٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 فَقَالَ صَدَقْت طَلَاقٌ إنْ نَوَاهُ خِلَافًا لَهُمَا. وَلَوْ أَكَّدَ بِالْقَسَمِ أَوْ سُئِلَ أَلِك امْرَأَةٌ؟ فَقَالَ لَا تَطْلُقُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ نَوَى لِأَنَّ الْيَمِينَ وَالسُّؤَالَ قَرِينَتَا إرَادَةِ النَّفْيِ فِيهِمَا. وَفِي الْخُلَاصَةِ: قِيلَ لَهُ: أَلَسْت طَلَّقْتهَا؟ تَطْلُقُ بِبَلَى لَا بِنَعَمْ. وَفِي الْفَتْحِ: يَنْبَغِي عَدَمُ الْفَرْقِ لِلْعُرْفِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَتْ لَهُ: أَنَا امْرَأَتُك، فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ كَانَ إقْرَارًا بِالنِّكَاحِ، وَتَطْلُقُ لِاقْتِضَاءِ الطَّلَاقِ النِّكَاحَ وَضْعًا. عَلِمَ أَنَّهُ حَلَفَ وَلَمْ يَدْرِ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ لَغَا كَمَا لَوْ شَكَّ أَطَلَّقَ أَمْ لَا. وَلَوْ شَكَّ أَطَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ.   [رد المحتار] بَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ مُطْلَقًا لَكِنْ فِي مَسْأَلَةِ السَّمَكِ لَمَّا أَمْكَنَ وُجُودُ الْعَدَدِ فَإِذَا وُجِدَ وَقَعَ بِقَدْرِهِ. (قَوْلُهُ طَلَاقٌ إنْ نَوَاهُ) لِأَنَّ الْجُمْلَةَ تَصْلُحُ لِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ كَمَا تَصْلُحُ لِإِنْكَارِهِ فَيَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُ بِالنِّيَّةِ وَقَيَّدَ. بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ بِدُونِهَا اتِّفَاقًا لِكَوْنِهِ مِنْ الْكِنَايَاتِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهَا دَلَالَةٌ الْحَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا يَصْلُحُ جَوَابًا فَقَطْ وَهُوَ أَلْفَاظٌ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ طَلَاقٌ إلَى أَنَّ الْوَاقِعَ بِهَذِهِ الْكِنَايَةِ رَجْعِيٌّ، كَذَا فِي الْبَحْرِ مِنْ بَابِ الْكِنَايَاتِ (قَوْلُهُ لَا تَطْلُقُ اتِّفَاقًا وَإِنْ نَوَى) وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ لَمْ أَتَزَوَّجْك أَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا نِكَاحٌ، أَوْ لَا حَاجَةَ لِي فِيك بَدَائِعُ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ ذَكَرَ الْوُقُوعَ فِي قَوْلِهِ عِنْدَ سُؤَالِهِ. قَالَ: وَلَوْ قَالَ: لَا نِكَاحَ بَيْنَنَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْأَصْلُ أَنَّ نَفْيَ النِّكَاحِ أَصْلًا لَا يَكُونُ طَلَاقًا بَلْ يَكُونُ جُحُودًا وَنَفْيُ النِّكَاحِ فِي الْحَالِ يَكُونُ طَلَاقًا إذَا نَوَى وَمَا عَدَاهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ اهـ بَحْرٌ (قَوْلُهُ قَرِينَتَا إرَادَةُ النَّفْيِ فِيهِمَا) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمِينَ لِتَأْكِيدِ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ فَلَا يَكُونُ جَوَابُهُ الْأَخِيرَ، وَكَذَا جَوَابُ السُّؤَالِ وَالطَّلَاقِ لَا يَكُونُ إلَّا إنْشَاءً فَوَجَبَ صَرْفُهُ إلَى الْإِخْبَارِ عَنْ نَفْيِ النِّكَاحِ كَاذِبًا (قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ: أَلَسْت طَلَّقْتهَا وَوُجِدَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا فِي ح. قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَنَارِ: وَذَكَرَ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّ مُوجِبَ نَعَمْ تَصْدِيقُ مَا قَبْلَهَا مِنْ كَلَامٍ مَنْفِيٍّ أَوْ مُثْبَتٍ اسْتِفْهَامًا كَانَ أَوْ خَبَرًا كَمَا إذَا قِيلَ لَك: قَامَ زَيْدٌ أَوْ أَقَامَ زَيْدٌ أَوْ لَمْ يَقُمْ زَيْدٌ فَقُلْت: نَعَمْ كَانَ تَصْدِيقًا لِمَا قَبْلَهُ وَتَحْقِيقًا لِمَا بَعْدَ الْهَمْزَةِ، وَمُوجِبُ بَلَى إيجَابُ مَا بَعْدَ النَّفْيِ اسْتِفْهَامًا كَانَ أَوْ خَبَرًا فَإِذَا قِيلَ: لَمْ يَقُمْ زَيْدٌ فَقُلْت: بَلَى كَانَ مَعْنَاهُ قَدْ قَامَ، إلَّا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ الْعُرْفُ حَتَّى يُقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ اهـ (قَوْلُهُ وَفِي الْفَتْحِ إلَخْ) عِبَارَتُهُ: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي عَدَمُ الْفَرْقِ فَإِنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يُفَرِّقُونَ بَلْ يَفْهَمُونَ مِنْهُمَا إيجَابَ الْمَنْفِيِّ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ) أَيْ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ النِّكَاحِ (قَوْلُهُ كَانَ إقْرَارًا بِالنِّكَاحِ وَتَطْلُقُ) أَيْ فَإِذَا كَانَ أَنْكَرَهُ؛ يَلْزَمُهُ مَهْرُهَا وَنَفَقَةُ عِدَّتِهَا؛ وَتَرِثُهُ لَوْ مَاتَ فِي عِدَّتِهَا (قَوْلُهُ لِاقْتِضَاءِ الطَّلَاقِ النِّكَاحَ وَضْعًا) لِأَنَّ الطَّلَاقَ لُغَةً وَشَرْعًا رَفْعُ الْقَيْدِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ فَلَا بُدَّ لِصِحَّتِهِ مِنْ سَبْقِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْمُقْتَضَى مَا يُقَدَّرُ لِصِحَّةِ الْكَلَامِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: نَعَمْ أَنْتِ امْرَأَتِي وَأَنْتِ طَالِقٌ، كَمَا قَالُوا فِي: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ قُلْت: وَهَذَا حَيْثُ لَا مَانِعَ. فَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ النِّكَاحِ عَنْ الْمُنْتَقَى قَالَ لَهَا: مَا أَنْتِ لِي بِزَوْجَةٍ وَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِالنِّكَاحِ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لِقِيَامِ الْقَرِينَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى أَنَّ مَا أَرَادَ الطَّلَاقَ حَقِيقَةً اهـ: أَيْ لِأَنَّ تَصْرِيحَهُ بِنَفْيِ الزَّوْجِيَّةِ يُنَافِي اقْتِضَاءَهَا فَلَا يَكُونُ الطَّلَاقُ مُرَادًا بِهِ حَقِيقَةً. (قَوْلُهُ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ) أَيْ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، إلَّا أَنْ يَسْتَيْقِنَ بِالْأَكْثَرِ أَوْ يَكُونَ أَكْبَرَ ظَنِّهِ. وَعَنْ الْإِمَامِ الثَّانِي إذَا كَانَ لَا يَدْرِي أَثْلَاثٌ أَمْ أَقَلُّ يَتَحَرَّى؛ وَإِنْ اسْتَوَيَا عَمِلَ بِأَشَدِّ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ أَشْبَاهٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ ط: وَعَلَى قَوْلِ الثَّانِي اقْتَصَرَ قَاضِي خَانْ؛ وَلَعَلَّهُ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ بِالِاحْتِيَاطِ خُصُوصًا فِي بَابِ الْفُرُوجِ. اهـ. قُلْت: وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى الْقَضَاءِ وَالثَّانِي عَلَى الدِّيَانَةِ؛ وَيُؤَيِّدُهُ مَسْأَلَةُ الْمُتُونِ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ. لَوْ قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 وَفِي الْجَوْهَرَةِ طَلَّقَ الْمَنْكُوحَةَ فَاسِدًا ثَلَاثًا لَهُ تَزَوُّجُهَا بِلَا مُحَلِّلٍ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا بَابُ طَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا (قَالَ لِزَوْجَتِهِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ) يَا زَانِيَةُ (ثَلَاثًا) فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ لِوُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا وَهِيَ زَوْجَتُهُ ثُمَّ بَانَتْ بَعْدَهُ وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَعَلَّقَ الِاسْتِثْنَاءُ بِالْوَصْفِ بَزَّازِيَّةٌ   [رد المحتار] إنْ وَلَدْت ذَكَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَإِنْ وَلَدْت أُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا وَلَمْ يُدْرَ الْأَوَّلُ تَطْلُقُ وَاحِدَةً قَضَاءً وَثِنْتَيْنِ تَنَزُّهًا أَيْ دِيَانَةً. هَذَا وَفِي الْأَشْبَاهِ أَيْضًا: وَإِنْ قَالَ عَزَمْت عَلَى أَنَّهُ ثَلَاثٌ يَتْرُكُهَا وَإِنْ أَخْبَرَهُ عُدُولٌ حَضَرُوا ذَلِكَ الْمَجْلِسَ بِأَنَّهَا وَاحِدَةٌ وَصَدَّقَهُمْ أَخَذَ بِقَوْلِهِمْ (قَوْلُهُ لَهُ تَزَوُّجُهَا بِلَا مُحَلِّلٍ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَلْحَقُ الْمَنْكُوحَةَ نِكَاحًا صَحِيحًا، أَوْ الْمُعْتَدَّةَ بِعِدَّةِ الطَّلَاقِ، أَوْ الْفَسْخَ بِالرِّدَّةِ، أَوْ الْإِبَاءَ عَنْ الْإِسْلَامِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ ح أَيْ الْمَنْكُوحَةُ فَاسِدًا لَيْسَتْ وَاحِدَةً مِمَّنْ ذَكَرَ ط: أَيْ فَلَا يَتَحَقَّقُ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَا يَنْقُصُ عَدَدًا لِأَنَّهُ مُتَارَكَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ وَالْبَزَّازِيَّةِ فِي بَابِ الْمَهْرِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، فَحَيْثُ كَانَ مُتَارَكَةً لَا طَلَاقًا حَقِيقَةً كَانَ لَهُ تَزَوُّجُهَا بِعَقْدٍ صَحِيحٍ بِلَا مُحَلِّلٍ وَيَمْلِكُ عَلَيْهَا ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [بَابُ طَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا] (قَوْلُهُ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ إلَخْ) أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ، وَأَنَّ قَوْلَهُ يَا زَانِيَةُ لَيْسَ بِفَاصِلٍ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعَدَدِ وَلَا بَيْنَ الْجَزَاءِ وَالشَّرْطِ وَفِي مِثْلِ: أَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَيَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِالدُّخُولِ وَيَقَعُ الثَّلَاثُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ ثَلَاثًا وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِوُقُوعِ الْقَذْفِ وَهِيَ زَوْجَتُهُ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ الْعَدَدَ كَانَ الْوُقُوعُ بِهِ وَلَا لِعَانَ أَيْضًا لِأَنَّ أَثَرَهُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ لَا يَتَأَتَّى بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ بِدُونِ أَثَرِهِ، وَمِثْلُهُ يَا زَانِيَةُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ حَيْثُ يُحَدُّ كَمَا فِي لِعَانِ الْبَحْرِ لِوُقُوعِ الْقَذْفِ بَعْدَ الْإِبَانَةِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ فِي مَسْأَلَتِنَا وَاحِدَةٌ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقَذْفَ فَاصِلًا فَيَلْغُو، قَوْلُهُ ثَلَاثًا، كَانَ الْوُقُوعُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَكَانَ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا فَوَجَبَ الْحَدُّ. اهـ. ح مُلَخَّصًا مَعَ الزِّيَادَةِ. (قَوْلُهُ لِوُقُوعِ الثَّلَاثِ إلَخْ) كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَصَوَابُهُ لِوُقُوعِ الْقَذْفِ، وَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي (بَعْدِهِ) لِلْقَذْفِ كَمَا ظَهَرَ لَك مِمَّا قَرَرْنَاهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا إلَخْ) أَيْ يَقَعُ الثَّلَاثُ وَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّشْبِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَصْفِ مَا وَصَفَهَا بِهِ فِي قَوْلِهِ يَا زَانِيَةُ وَهُوَ الْقَذْفُ، فَإِذَا انْصَرَفَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَيْهِ يَنْتَفِي الْحَدُّ وَاللِّعَانُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ قَذْفًا مُنَجَّزًا وَتَقَعُ الثَّلَاثُ لِعَدَمِ تَعَلُّقِهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى، وَلِعِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ وَنَصُّهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، يَقَعُ، وَصُرِفَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْوَصْفِ، وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ يَا خَبِيثَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ يُصْرَفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْكُلِّ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، كَأَنَّهُ قَالَ يَا فُلَانَةُ وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ إذَا كَانَ يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ أَوْ يَلْزَمُ بِهِ حَدٌّ كَقَوْلِهِ يَا طَالِقُ يَا زَانِيَةُ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْوَصْفِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ بِهِ حَدٌّ وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ كَقَوْلِهِ يَا خَبِيثَةُ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْكُلِّ اهـ لَكِنَّ قَوْلَهُ وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ يَا خَبِيثَةُ صَوَابُهُ: وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَا خَبِيثَةُ كَمَا عَبَّرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنَّهُ تَسَاهَلَ لِظُهُورِ الْمُرَادِ بِذِكْرِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ وَقَوْلُهُ يَقَعُ: أَيْ الطَّلَاقُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَصْفِ الْقَذْفُ لَا الطَّلَاقُ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ وَصُرِفَ الِاسْتِثْنَاءُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 (وَقَعْنَ) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ الْعَدَدَ كَانَ الْوُقُوعُ بِهِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقَعُ لِنُزُولِ الْآيَةِ فِي الْمَوْطُوءَةِ بَاطِلٌ مَحْضٌ مُنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ وَحَمَلَهُ فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ عَلَى كَوْنِهَا مُتَفَرِّقَةً فَلَا يَقَعُ إلَّا الْأُولَى فَقَطْ.   [رد المحتار] إلَى الْوَصْفِ، وَكَذَا مَا قَرَّرَهُ مِنْ الْأَصْلِ. وَأَصْرَحُ مِنْهُ قَوْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ الْقَذْفُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ فَافْهَمْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ عَزَاهُ فِي الذَّخِيرَةِ إلَى النَّوَادِرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَقَدْ ذَكَرَ الْفَارِسِيُّ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ أَنَّ قَوْلَهُ يَا زَانِيَةُ إنْ تَخَلَّلَ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ كَأَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ أَوْ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالِاسْتِثْنَاءِ كَأَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُمَا كَانَ قَذْفًا فِي الْحَالِ وَعَنْ أَبِي يُوسُف أَنَّ الْمُتَخَلِّلَ لَا يَفْصِلُ فَلَا يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بَلْ يَقَعُ لِلْحَالِ وَيَجِبُ اللِّعَانُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ وَيَجِبُ اللَّعَّانُ. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ يَا زَانِيَةُ بَدَاءٌ لِلْإِعْلَامِ بِمَا يُرَادُ بِهِ فَلَا يَفْصِلُ. وَيَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِالشَّرْطِ فَيَتَعَلَّقُ الْقَذْفُ أَيْضًا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الشَّرْطِ اهـ مُلَخَّصًا، فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ انْصِرَافَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْكُلِّ هُوَ الْأَصَحُّ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، وَمَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ (قَوْلُهُ وَقَعْنَ) جَوَابُ الشَّرْطِ الْمُقَدَّرِ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ ذِكْرُهُ عَقِبَ ثَلَاثًا (قَوْلُهُ لِمَا تَقَرَّرَ إلَخْ) لِأَنَّ الْوَاقِعَ عِنْدَ ذِكْرِ الْعَدَدِ مَصْدَرٌ مَوْصُوفٌ بِالْعَدَدِ: أَيْ تَطْلِيقًا ثَلَاثًا فَتَصِيرُ الصِّيغَةُ الْمَوْضُوعَةُ لِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ مُتَوَقِّفًا حُكْمًا عِنْدَ ذِكْرِ الْعَدَدِ عَلَيْهِ بَحْرٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ لِبَيْنُونَتِهَا بِطَالِقٍ، وَلَا يُؤَثِّرُ الْعَدَدُ شَيْئًا. وَنَصَّ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا جَمِيعًا فَقَدْ خَالَفَ السُّنَّةَ وَأَثِمَ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ سَوَاءٌ، بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ وَمَا قِيلَ إلَخْ) عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ كِتَابِ الْمُشْكِلَاتِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ، حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْمُشْكِلَاتِ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْغَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا ثَلَاثًا فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِلَا تَحْلِيلٍ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فَفِي حَقِّ الْمَدْخُولِ بِهَا. اهـ. وَوَجْهُ الرَّدِّ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُرِيدَ عَدَمَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا بَلْ تَقَعُ وَاحِدَةٌ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ عَلِمْتَ رَدَّهُ أَوْ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ أَصْلًا وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ تَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ، لَكِنَّ كَلَامَ الدُّرَرِ يُعَيِّنُ الْأَوَّلَ، أَوْ يُرِيدُ وُقُوعَ الثَّلَاثَةِ مَعَ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُحَلِّلِ وَقَدْ بَالَغَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ هَمَّامٍ فِي رَدِّهِ قَالَ فِي آخِرِ بَابِ الرَّجْعَةِ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ أَيْ اشْتِرَاطِ الْمُحَلِّلِ بَيْنَ كَوْنِ الْمُطَلَّقَةِ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَا لِصَرِيحِ إطْلَاقِ النَّصِّ، وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا تَحِلُّ بِلَا زَوْجٍ، وَهُوَ زَلَّةٌ عَظِيمَةٌ مُصَادِمَةٌ لِلنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ رَآهُ أَنْ يَنْقُلَهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَعْتَبِرَهُ لِأَنَّ فِي نَقْلِهِ إشَاعَتَهُ. وَعِنْدَ ذَلِكَ يَنْفَتِحُ بَابُ الشَّيْطَانِ فِي تَخْفِيفِ الْأَمْرِ فِيهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ مِنْ عَدَمِ مُخَالَفَةِ الْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ، وَالْأَمْرُ فِيهِ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ لَا يَبْعُدُ إكْفَارُ مُخَالِفِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ) أَيْ لَفْظِ النَّصِّ فَإِنَّهُ يَعُمُّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا. وَفِيهِ أَنَّ الْآيَةَ صَرِيحَةٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ ذُكِرَ فِيهَا مُفَرَّقًا وَتَفْرِيقُهُ يَخُصُّهَا وَلَا يَكُونُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إلَّا بِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ، فَالْأَوْلَى الِاسْتِنَادُ إلَى السُّنَّةِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ عَنْ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ ط. (قَوْلُهُ وَحَمَلَهُ فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ) حَيْثُ قَالَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 (وَإِنْ فَرَّقَ) بِوَصْفٍ أَوْ خَبَرٍ أَوْ جُمَلٍ بِعَطْفٍ أَوْ غَيْرِهِ (بَانَتْ بِالْأُولَى) لَا إلَى عِدَّةٍ (وَ) لِذَا (لَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ) بِخِلَافِ الْمَوْطُوءَةِ حَيْثُ يَقَعُ الْكُلُّ وَعَمَّ التَّفْرِيقُ، قَوْلُهُ (وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَاتٍ) أَوْ ثِنْتَيْنِ مَعَ طَلَاقِ إيَّاكِ (فَ) طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَ (وَاحِدَةٌ) كَمَا لَوْ قَالَ نِصْفًا وَوَاحِدَةً عَلَى الصَّحِيحِ جَوْهَرَةٌ وَلَوْ قَالَ: وَاحِدَةً وَنِصْفًا فَثِنْتَانِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ: وَاحِدَةً وَعِشْرِينَ أَوْ وَثَلَاثِينَ فَثَلَاثٌ لِمَا مَرَّ.   [رد المحتار] وَلَا يُشْكِلُ مَا فِي الْمُشْكِلَاتِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ ثَلَاثًا ثَلَاثُ طَلَقَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ لِيُوَافِقَ مَا فِي عَامَّةِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ اهـ فَافْهَمْ قُلْت: يُؤَيِّدُ هَذَا الْحِلَّ قَوْلُهُ فِي الْمُشْكِلَاتِ: وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة: 230] إلَخْ فَإِنَّهُ ذُكِرَ فِي الْآيَةِ مُفَرَّقًا، فَلِذَا أَجَابَ عَنْهُ صَاحِبُ الْمُشْكِلَاتِ بِأَنَّ مَا فِي الْآيَةِ وَارِدٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَإِنْ فَرَّقَ بِوَصْفٍ) نَحْوِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً، أَوْ خَبَرٍ نَحْوِ: أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ، أَوْ أَجْمَلَ نَحْوُ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ ح، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى. (قَوْلُهُ بِعَطْفٍ) أَيْ فِي الثَّلَاثَةِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْوَاوِ أَوْ الْفَاءِ أَوْ ثُمَّ أَوْ بَلْ ح وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ الْعَطْفِ مُنَجَّزَةً وَمُعَلَّقَةً مَعَ تَفْصِيلٍ فِي الْمُعَلَّقَةِ (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرِهِ) الْأَوْلَى أَوْ دُونَهُ ط (قَوْلُهُ بَانَتْ بِالْأُولَى) أَيْ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْكَلَامِ الثَّانِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَعْدَهُ لِجَوَازِ أَنْ يُلْحِقَ بِكَلَامِهِ شَرْطًا أَوْ اسْتِثْنَاءً وَرَجَّحَ السَّرَخْسِيُّ الْأَوَّلَ وَالْخِلَافُ عِنْدَ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ وَثَمَرَتُهُ فِيمَنْ مَاتَتْ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ الثَّانِي وَقَعَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِهَا بَانَتْ لَا إلَى عِدَّةٍ ح (قَوْلُهُ لَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ) الْمُرَادُ بِهَا مَا بَعْدَ الْأُولَى، فَيَشْمَلُ الثَّالِثَةَ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَوْطُوءَةِ) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا كَالْمُخْتَلَى بِهَا فَإِنَّهَا كَالْمَوْطُوءَةِ فِي لُزُومِ الْعِدَّةِ، وَكَذَا فِي وُقُوعِ طَلَاقٍ بَائِنٍ آخَرَ فِي عِدَّتِهَا، وَقِيلَ لَا يَقَعُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْمَهْرِ نَظْمًا وَأَوْضَحْنَاهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ حَيْثُ يَقَعُ الْكُلُّ) أَيْ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِبَقَاءِ الْعِدَّةِ، وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً أَنَّهُ عَنَى الْأُولَى كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ إلَّا إذَا قِيلَ لَهُ مَاذَا فَعَلْتَ فَقَالَ طَلَّقْتُهَا أَوْ قَدْ قُلْتُ هِيَ طَالِقٌ لِأَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنْ الْأَوَّلِ فَانْصَرَفَ الْجَوَابُ إلَيْهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ ثِنْتَيْنِ مَعَ طَلَاقِ إيَّاكِ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ مَعَ هُنَا بِمَعْنَى بَعْدَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاك إيَّاكِ. اهـ. ح أَيْ فَيَكُونُ الطَّلَاقُ شَرْطًا فَإِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَا تَقَعُ الثِّنْتَانِ لِأَنَّ الشَّرْطَ قَبْلَ الْمَشْرُوطِ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَالَ نِصْفًا وَوَاحِدَةً) أَيْ تَقَعُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَمْ يَجْعَلْهُ كُلَّهُ كَلَامًا وَاحِدًا، وَعَزَاهُ فِي الْمُحِيطِ إلَى مُحَمَّدٍ بَحْرٌ أَيْ لِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ عَطْفُ الْكَسْرِ عَلَى الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ الْإِيقَاعَ بِهِمَا لَيْسَ لَهُمَا عِبَارَةٌ يُمْكِنُ النُّطْقُ بِهَا أَخْصَرَ مِنْهُمَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ وَاحِدَةً وَأُخْرَى وَقَعَ ثِنْتَانِ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِ أُخْرَى ابْتِدَاءً نَهْرٌ. لَا يُقَالُ: أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ أَخْصَرُ مِنْهُمَا، لِأَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِيقَاعِ بِالصَّحِيحِ وَالْكَسْرِ وَبِلَفْظِ أُخْرَى فَقَدْ يَكُونُ فِيهِ غَرَضٌ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ فَالْعِبْرَةُ لِلَّفْظِ، وَلَفْظُ ثِنْتَيْنِ لَا يُؤَدِّي مَعْنَى النِّصْفِ؛ وَمَعْنَى أُخْرَى لُغَةً وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِمَا طَلْقَةً، وَبِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً، فَإِنَّهُ يُغْنِي عَنْ طَالِقٍ ثِنْتَيْنِ، فَعُدُولُهُ عَنْ ثِنْتَيْنِ إلَيْهِ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ التَّفْرِيقِ، وَكَذَا نِصْفًا وَوَاحِدَةً لِأَنَّ نِصْفَ الطَّلْقَةِ فِي حُكْمِ الطَّلْقَةِ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً، وَهُوَ مِنْ الْمُفْتَرِقِ بِقَرِينَةِ الْعُدُولِ عَنْ الْأَصْلِ مِنْ تَقْدِيمِ الصَّحِيحِ عَلَى الْكَسْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ. اهـ. ح أَيْ لِأَنَّهُ أَخْصَرُ مَا يَتَلَفَّظُ بِهِ إذَا أَرَادَ الْإِيقَاعَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَهُوَ مُخْتَارٌ فِي التَّعْبِيرِ لُغَةً. اهـ. بَحْرٌ لَكِنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي إحْدَى وَعِشْرِينَ لَا فِي وَاحِدَةٍ وَعِشْرِينَ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْمُحِيطِ: وَلَوْ قَالَ وَاحِدَةً وَعَشْرًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ، بِخِلَافِ أَحَدَ عَشَرَ فَثَلَاثٌ لِعَدَمِ الْعَطْفِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ وَاحِدَةً وَمِائَةً أَوْ وَاحِدَةً وَأَلْفًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 (وَالطَّلَاقُ يَقَعُ بِعَدَدٍ قُرِنَ بِهِ لَا بِهِ) نَفْسِهِ عَنْ ذِكْرِ الْعَدَدِ، وَعِنْدَ عَدَمِهِ الْوُقُوعُ بِالصِّيغَةِ. (فَلَوْ مَاتَتْ) يَعُمُّ الْمَوْطُوءَةَ وَغَيْرَهَا (بَعْدَ الْإِيقَاعِ قَبْلَ) تَمَامِ (الْعَدَدِ لَغَا) لِمَا تَقَرَّرَ. (وَلَوْ مَاتَ) الزَّوْجُ أَوْ أَخَذَ أَحَدٌ فَمَهُ قَبْلَ ذِكْرِ الْعَدَدِ (وَقَعَ وَاحِدَةٌ)   [رد المحتار] أَوْ وَاحِدَةً وَعِشْرِينَ تَقَعُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ فِي الْمُعْتَادِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ فِي الْعَادَةِ مِائَةٌ وَوَاحِدَةٌ وَأَلْفٌ وَوَاحِدَةٌ، فَلَمْ تُجْعَلْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ كَلَامًا وَاحِدًا، بَلْ اُعْتُبِرَ عَطْفًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَاحِدَةٌ وَمِائَةٌ وَمِائَةٌ وَوَاحِدَةٌ سَوَاءٌ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ غَيْرُ الْمُعْتَمَدِ لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَجَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ بِهِ فِي وَاحِدَةٍ وَعِشْرِينَ يُومِئُ إلَى تَرْجِيحِهِ. [مَطْلَبٌ الطَّلَاقُ يَقَعُ بِعَدَدٍ قُرِنَ بِهِ لَا بِهِ] (قَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ يَقَعُ بِعَدَدٍ قُرِنَ بِهِ لَا بِهِ) أَيْ مَتَى قُرِنَ الطَّلَاقُ بِالْعَدَدِ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْعَدَدِ بِدَلِيلِ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِطَالِقٍ لَبَانَتْ لَا إلَى عِدَّةٍ فَلَغَا الْعَدَدُ، وَمِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِطَالِقٍ لَكَانَ الْعَدَدُ فَاصِلًا فَوَقَعَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْوُقُوعَ أَيْضًا بِالْمَصْدَرِ عِنْدَ ذِكْرِهِ، وَكَذَا بِالصِّفَةِ عِنْدَ ذِكْرِهَا كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ، حَتَّى لَوْ قَالَ بَعْدَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا لَا يَقَعُ، وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ لَوَقَعَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسَّنَةِ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ فَمَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ لِلسَّنَةِ أَوْ بَائِنٌ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلْإِيقَاعِ لَا لِلتَّطْلِيقَةِ فَيَتَوَقَّفُ الْإِيقَاعُ عَلَى ذِكْرِ الصِّفَةِ وَأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ الْمَوْتِ اهـ وَكَذَا مَا فِي عِتْقِ الْخَانِيَّةِ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَلْبَتَّةَ فَمَاتَ الْعَبْدُ (قَبْلَ أَلْبَتَّةَ) يَمُوتُ عَبْدًا بَحْرٌ مِنْ الْبَابِ الْمَارِّ عِنْدَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوَّلًا، وَقَالَ هُنَا وَيَدْخُلُ فِي الْعَدَدِ أَصْلُهُ وَهُوَ الْوَاحِدَةُ وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِهِ بِالْإِيقَاعِ، وَلَا يَضُرُّ انْقِطَاعُ النَّفَسِ فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ ثَلَاثًا فَوَاحِدَةٌ، وَلَوْ انْقَطَعَ النَّفَسُ أَوْ أَخَذَ إنْسَانٌ فَمَهُ ثُمَّ قَالَ ثَلَاثًا عَلَى الْفَوْرِ فَثَلَاثٌ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ: أَنْتِ طَالِقٌ يَا فَاطِمَةُ أَوْ يَا زَيْنَبُ ثَلَاثًا وَقَعْنَ؛ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ اشْهَدُوا ثَلَاثًا فَوَاحِدَةٌ، وَلَوْ قَالَ: فَاشْهَدُوا فَثَلَاثٌ، وَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةَ اهـ. قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّ انْقِطَاعَ النَّفَسِ وَإِمْسَاكَ الْفَمِ لَا يَقْطَعُ الِاتِّصَالَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَعَدَدِهِ، وَكَذَا النِّدَاءُ لِأَنَّهُ لِتَعْيِينِ الْمُخَاطَبَةِ، وَكَذَا عَطْفُ فَاشْهَدُوا بِالْفَاءِ لِأَنَّهَا تَعَلَّقَ مَا بَعْدَهَا بِمَا قَبْلَهَا فَصَارَ الْكُلُّ كَلَامًا وَاحِدًا (قَوْلُهُ عِنْدَ ذِكْرِ الْعَدَدِ) أَيْ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِهِ، فَلَا يَكْفِي قَصْدُهُ كَمَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ مَاتَ أَوْ أَخَذَ أَحَدٌ فَمَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بَعْدَ الْإِيقَاعِ) الْمُرَادُ بِهِ ذِكْرُ الصِّيغَةِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْإِيقَاعِ لَوْلَا الْعَدَدُ (قَوْلُهُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَدَدِ) قُدِّرَ لَفْظُ تَمَامٍ تَبَعًا لِلْبَحْرِ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَحَدَ عَشَرَ فَمَاتَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعَدَدِ (قَوْلُهُ لَغَا) أَيْ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ نَهْرٌ، فَيَثْبُتُ الْمَهْرُ بِتَمَامِهِ وَيَرِثُ الزَّوْجُ مِنْهَا ط (قَوْلُهُ لِمَا تَقَرَّرَ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْوُقُوعَ بِالْعَدَدِ وَهِيَ لَمْ تَكُنْ مَحَلًّا عِنْدَ وُقُوعِ الْعَدَدِ ح أَوْ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ يَتَوَقَّفُ عَلَى آخِرِهِ لِوُجُودِ مَا يُغَيِّرُهُ كَالشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ، حَتَّى لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ أَوْ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَمَاتَتْ قَبْلَ الشَّرْطِ أَوْ الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ وُجُودَهُمَا يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ إيقَاعًا، بِخِلَافِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا عَمْرَةُ فَمَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ يَا عَمْرَةُ طَلُقَتْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُغَيِّرٍ، وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَاتَتْ قَبْلَ الثَّانِي لِأَنَّ كُلَّ كَلَامٍ عَامِلٍ فِي الْوُقُوعِ إنَّمَا يَعْمَلُ إذَا صَادَفَهَا وَهِيَ حَيَّةٌ؛ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَمَاتَتْ عِنْدَ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي لَا يَقَعُ لِمَا مَرَّ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ أَوْ أَخَذَ أَحَدٌ فَمَهُ) أَيْ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعَدَدَ عَلَى الْفَوْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 عَمَلًا بِالصِّيغَةِ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِلَفْظِهِ لَا بِقَصْدِهِ. (وَلَوْ قَالَ) لِغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ (أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً) بِالْعَطْفِ (أَوْ قَبْلَ وَاحِدَةٍ أَوْ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ يَقَعُ وَاحِدَةٌ) بَائِنَةٌ، وَلَا تَلْحَقُهَا الثَّانِيَةُ لِعَدَمِ الْعِدَّةِ. (وَفِي) أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً (بَعْدَ وَاحِدَةٍ أَوْ قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدٌ ثِنْتَانِ) ، الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى أَوْقَعَ بِالْأَوَّلِ لَغَا الثَّانِي، أَوْ بِالثَّانِي اقْتَرَنَا، لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ. (وَ) يَقَعُ (بِأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ ثِنْتَانِ لَوْ دَخَلَتْ) لِتَعَلُّقِهِمَا بِالشَّرْطِ دُفْعَةً.   [رد المحتار] عِنْدَ رَفْعِ الْيَدِ عَنْ فَمِهِ، أَمَّا لَوْ قَالَ ثَلَاثًا مَثَلًا عَلَى الْفَوْرِ وَقَعْنَ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ عَمَلًا بِالصِّيغَةِ) أَشَارَ إلَى وَجْهِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَوْتِهَا وَمَوْتِهِ، وَهُوَ أَنَّ الزَّوْجَ وَصَلَ لَفْظَ الطَّلَاقِ بِذِكْرِ الْعَدَدِ فِي مَوْتِهَا وَلَمْ يَتَّصِلْ فِي مَوْتِهِ ذِكْرُ الْعَدَدِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ، فَبَقِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ عَامِلٌ بِنَفْسِهِ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِلَفْظِهِ لَا بِقَصْدِهِ) الضَّمِيرُ أَنَّ لِلزَّوْجِ أَوْ لِلْعَدَدِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ التَّعْلِيلُ لِمَنْطُوقِ الْعِلَّةِ الَّتِي قَبْلَهُ. وَعَلَى الثَّانِي لِمَفْهُومِهَا وَهُوَ عَدَمُ الْعَمَلِ بِالْعَدَدِ الَّذِي قَصَدَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِالْعَطْفِ) أَيْ بِالْوَاوِ فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ لِلْمَعِيَّةِ أَوْ لِلتَّقَدُّمِ أَوْ التَّأَخُّرِ، فَلَا يَتَوَقَّفُ الْأَوَّلُ عَلَى الْآخِرِ إلَّا لَوْ كَانَتْ لِلْمَعِيَّةِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فَيَعْمَلُ كُلُّ لَفْظٍ بِالْأَوْلَى فَلَا يَقَعُ مَا بَعْدَهَا، وَمِثْلُ الْوَاوِ الْعَطْفُ بِالْفَاءِ وَثُمَّ بِالْأَوْلَى لِاقْتِضَاءِ الْفَاءِ التَّعْقِيبَ وَثُمَّ التَّرَاخِي مَعَ التَّرْتِيبِ فِيهِمَا؛ وَأَمَّا بَلْ فِي أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهَا بَاقٍ بِالْأُولَى، وَلَوْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا تَقَعُ ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ غَلِطَ فِي إيقَاعِ الْوَاحِدَةِ وَرَجَعَ عَنْهَا إلَى إيقَاعِ الثِّنْتَيْنِ بَدَلَهَا فَصَحَّ إيقَاعُهُمَا دُونَ رُجُوعِهِ. نَعَمْ لَوْ قَالَ لَهَا: طَلَّقْتُكِ أَمْسِ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ تَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ يَقْبَلُ التَّدَارُكَ فِي الْغَلَطِ، بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ بَحْرٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ أَوْ قَبْلَ وَاحِدَةٍ إلَخْ) الضَّابِطُ أَنَّ الظَّرْفَ حَيْثُ ذُكِرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ إنْ أُضِيفَ إلَى ظَاهِرٍ كَانَ صِفَةً لِلْأَوَّلِ كَجَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَ عَمْرٍو، وَإِنْ أُضِيفَ إلَى ضَمِيرِ الْأَوَّلِ كَانَ صِفَةً لِلثَّانِي كَجَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ عَمْرٌو لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ خَبَرٌ عَنْ الثَّانِي وَالْخَبَرُ وَصْفٌ لِلْمُبْتَدَأِ، وَالْمُرَادُ بِالصِّفَةِ الْمَعْنَوِيَّةُ وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِالْوَصْفِيَّةِ هُوَ الظَّرْفُ فَقَطْ، وَإِلَّا فَالْجُمْلَةُ فِي قَبْلَهُ عَمْرٌو حَالٌ مِنْ زَيْدٍ لِوُقُوعِهَا بَعْدَ مَعْرِفَةٍ وَالْحَالُ وَصْفٌ لِصَاحِبِهَا؛ فَفِي وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ أَوْقَعَ الْأُولَى قَبْلَ الثَّانِيَةِ فَبَانَتْ بِهَا، فَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ وَفِي بَعْدَهَا ثَانِيَةٌ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ وَصَفَ الثَّانِيَةَ بِالْبَعْدِيَّةِ، وَلَوْ لَمْ يَصِفْهَا بِهَا لَمْ تَقَعْ فَهَذَا أَوْلَى. وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَقَعُ ثِنْتَانِ لِوُجُودِ الْعِدَّةِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ ثِنْتَانِ) لِأَنَّهُ فِي وَاحِدَةٍ بَعْدَ وَاحِدَةٍ جَعَلَ الْبَعْدِيَّةَ صِفَةً لِلْأُولَى فَاقْتَضَى إيقَاعَ الثَّانِيَةِ قَبْلَهَا لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ لِامْتِنَاعِ الِاسْتِنَادِ إلَى الْمَاضِي فَيَقْتَرِنَانِ فَتَقَعُ ثِنْتَانِ، وَكَذَا فِي وَاحِدَةٍ قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقَبْلِيَّةَ صِفَةً لِلثَّانِيَةِ فَاقْتَضَى إيقَاعُهَا قَبْلَ الْأُولَى فَيَقْتَرِنَانِ، وَأَمَّا (مَعَ) فَلِلْقِرَانِ فَلَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْإِتْيَانِ بِالضَّمِيرِ، وَإِلَّا فَاقْتَضَى وُقُوعُهُمَا مَعًا تَحْقِيقًا لِمَعْنَاهَا (قَوْلُهُ مَتَى وَقَعَ بِالْأَوَّلِ) كَمَا فِي قَبْلَ وَاحِدَةٍ وَبَعْدَهَا وَاحِدَةٌ فَإِنَّ الْأُولَى فِيهِمَا هِيَ الْوَاقِعَةُ لِوَصْفِهَا بِأَنَّهَا قَبْلَ الثَّانِيَةِ أَوْ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ بَعْدَهَا، وَهُوَ مَعْنَى كَوْنِهَا قَبْلَ الثَّانِيَةِ فَتَكُونُ الثَّانِيَةُ مُتَأَخِّرَةً فِي الصُّورَتَيْنِ فَلَغَتْ (قَوْلُهُ أَوْ بِالثَّانِي اقْتَرَنَا) الْمُرَادُ بِالثَّانِي الْمُتَأَخِّرُ فِي إنْشَاءِ الْإِيقَاعِ لَا فِي اللَّفْظِ وَذَلِكَ كَمَا فِي بَعْدَ وَاحِدَةٍ أَوْ قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ فَإِنَّهُ أَوْقَعَ فِيهِمَا وَاحِدَةً وَهِيَ الْأُولَى الْمَوْصُوفَةُ بِأَنَّهَا بَعْدَ الثَّانِيَةِ، أَوْ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ قَبْلَهَا، وَهُوَ مَعْنَى كَوْنِهَا بَعْدَ الثَّانِيَةِ فَيَقْتَرِنَانِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالثَّانِي اللَّفْظُ الْمُتَأَخِّرُ فَإِنَّهُ سَابِقٌ فِي الْإِيقَاعِ مِنْ حَيْثُ الْإِخْبَارُ لِتَضَمُّنِ الْكَلَامِ الْإِخْبَارَ عَنْ إيقَاعِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْأُولَى (قَوْلُهُ وَيَقَعُ إلَخْ) مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِدُخُولِهِ تَحْتَ قَوْلِهِ وَإِنْ فَرَّقَ فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ عَقِبَهُ (قَوْلُهُ ثِنْتَانِ) أَيْ إنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ زَادَ فَثَلَاثٌ (قَوْلُهُ لِتَعَلُّقِهِمَا بِالشَّرْطِ دُفْعَةً) لِأَنَّ الشَّرْطَ مُغَيِّرٌ لِلْإِيقَاعِ، فَإِذَا اتَّصَلَ الْمُغَيِّرُ تَوَقَّفَ صَدْرُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ كُلٌّ مِنْ الطَّلْقَتَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 (وَ) تَقَعُ (وَاحِدَةٌ إنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ) لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمُنَجَّزِ (وَ) يَقَعُ (فِي الْمَوْطُوءَةِ ثِنْتَانِ) فِي كُلِّهَا لِوُجُودِ الْعِدَّةِ؛ وَمِنْ مَسَائِلِ قَبْلُ وَبَعْدُ مَا قِيلَ: مَا يَقُولُ الْفَقِيهُ أَيَّدَهُ اللَّهُ ... وَلَا زَالَ عِنْدَهُ الْإِحْسَانُ فِي فَتًى عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَهْرٍ ... قَبْلَ مَا بَعْدَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ وَيُنْشَدُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ، فَيَقَعُ بِمَحْضِ قَبْلُ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَبِمَحْضِ بَعْدُ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ وَبِقَبْلٍ أَوَّلًا أَوْ وَسَطًا أَوْ آخِرًا فِي شَوَّالٍ، وَيَبْعُدُ كَذَلِكَ فِي شَعْبَانَ لِإِلْغَاءِ الطَّرَفَيْنِ فَيَبْقَى قَبَله أَوْ بَعْدَهُ رَمَضَانُ.   [رد المحتار] مَعًا فَيَقَعَانِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَّمَ الشَّرْطَ فَلَا يَتَوَقَّفُ لِعَدَمِ الْمُغَيِّرِ (قَوْلُهُ وَتَقَعُ وَاحِدَةٌ إنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ) هَذَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا ثِنْتَانِ أَيْضًا وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمُنَجَّزِ: أَيْ يَصِيرُ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ كَالْمُنَجَّزِ، وَلَوْ نَجَّزَهُ حَقِيقَةً لَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ لِوُجُودِ الْمُغَيِّرِ زَيْلَعِيٌّ. [تَنْبِيهٌ] الْعَطْفُ بِالْفَاءِ كَالْوَاوِ فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ إنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ اتِّفَاقًا عَلَى الْأَصَحِّ وَتَلْغُو الثَّانِيَةُ، وَثِنْتَانِ إنْ أَخَّرَهُ وَفِي الْعَطْفِ بِثُمَّ إنْ أَخَّرَهُ تَنَجَّزَتْ وَاحِدَةٌ وَلَغَا مَا بَعْدَهَا وَلَوْ مَوْطُوءَةً تَعَلَّقَ الْأَخِيرُ وَتَنَجَّزَ مَا قَبْلَهُ، وَإِنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ لَغَا الثَّالِثُ وَتَنَجَّزَ الثَّانِي وَتَعَلَّقَ الْأَوَّلُ، فَيَقَعُ عِنْدَ الشَّرْطِ بَعْدَ التَّزَوُّجِ الثَّانِي، وَلَوْ مَوْطُوءَةً تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَتَنَجَّزَ مَا بَعْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا تَعَلَّقَ الْكُلُّ بِالشَّرْطِ قَدَّمَهُ أَوْ أَخَّرَهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ تَطْلُقُ الْمَوْطُوءَةُ ثَلَاثًا وَغَيْرُهَا وَاحِدَةً وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ كُلِّهَا) أَيْ كُلِّ الصُّوَرِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْعَطْفِ بِلَا تَعْلِيقٍ بِشَرْطٍ وَفِي قَبْلُ وَبَعْدُ وَفِي الشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ أَوْ الْمُتَأَخِّرِ. مَطْلَبٌ فِي قَبْلِ مَا بَعْدَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ (قَوْلُهُ وَمِنْ مَسَائِلِ قَبْلُ وَبَعْدُ مَا قِيلَ) أَيْ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ نَظْمًا مِنْ بَحْرِ الْخَفِيفِ. وَرَأَيْت فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ لِلْأُشْمُونِيِّ شَارِحِ الْأَلْفِيَّةِ أَنَّ هَذَا الْبَيْتَ رُفِعَ لِلْعَلَّامَةِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْحَاجِبِ بِأَرْضِ الشَّامِ وَأَفْتَى فِيهِ وَأَبْدَعَ وَقَالَ إنَّهُ مِنْ الْمَعَانِي الدَّقِيقَةِ الَّتِي لَا يَعْرِفُهَا أَحَدٌ فِي مِثْلِ هَذَا الزَّمَانِ وَأَنَّهُ يُنْشَدُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ لِأَنَّ مَا بَعْدُ " مَا قَدْ يَكُونُ قَبْلَيْنِ أَوْ بَعْدَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ يَكُونُ قَبْلَهُ قَبْلٌ أَوْ بَعْدٌ صَارَتْ ثَمَانِيَةً " وَالْقَاعِدَةُ فِي الْجَمِيعِ أَنَّهُ كُلَّمَا اجْتَمَعَ فِيهِ مِنْهَا قَبْلُ وَبَعْدُ فَأَلْغِهِمَا لِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ حَاصِلٌ بَعْدَ مَا هُوَ قَبْلَهُ وَحَاصِلُ قَبْلُ مَا هُوَ بَعْدَهُ، وَلَا يَبْقَى حِينَئِذٍ إلَّا بَعْدَهُ رَمَضَانُ، فَيَكُونُ شَعْبَانَ أَوْ قَبْلَهُ رَمَضَانُ فَيَكُونُ شَوَّالًا إلَخْ (قَوْلُهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ) لِأَنَّ قَبْلَهُ ذَا الْقِعْدَةِ، وَقَبْلَ هَذَا الْقَبْلِ شَوَّالٌ، وَقَبْلَ قَبْلِ الْقَبْلِ رَمَضَانُ ط (قَوْلُهُ فِي جُمَادَى الْآخَرِ) لِأَنَّ بَعْدَهُ رَجَبًا؛ وَبَعْدَ ذَلِكَ شَعْبَانَ وَبَعْدَ بَعْدِ الْبَعْدِ رَمَضَانَ ط (قَوْلُهُ فِي شَوَّالٍ) صَوَابُهُ فِي شَعْبَانَ ح أَيْ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ قَبْلًا ذَكَرَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَتَكَرَّرَ بَعْدُ فَيَلْغَى لَفْظُ قَبْلُ وَلَفْظُ بَعْدُ مَرَّةً وَيَبْقَى لَفْظُ بَعْدُ الثَّانِي هُوَ الْمُعْتَبَرُ؛ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ رَمَضَانُ وَهُوَ شَعْبَانُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَيَبْعُدُ كَذَلِكَ) أَيْ وَلَا وَسَطًا أَوْ وَاسِطًا أَوْ آخِرَ اح (قَوْلُهُ فِي شَعْبَانَ) صَوَابُهُ فِي شَوَّالٍ ح أَيْ لِنَظِيرِ مَا قُلْنَا (قَوْلُهُ لِإِلْغَاءِ الطَّرَفَيْنِ) الْمُرَادُ قَبْلُ وَبَعْدُ؛ كَأَنَّهُ إنَّمَا أَطْلَقَ عَلَيْهِمَا طَرَفَيْنِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّقَابُلِ. وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ: يُلْغَى قَبْلُ بِبَعْدُ، وَعِبَارَةُ النَّهْرِ: يُلْغَى قَبْلُ وَبَعْدُ لِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ بَعْدَ قَبْلِهِ وَقَبْلَ بَعْدِهِ؛ فَيَبْقَى قَبْلَهُ رَمَضَانُ وَهُوَ شَوَّالُ أَوْ بَعْدَهُ رَمَضَانُ وَهُوَ شَعْبَانُ ح. قُلْت: وَأَمَّا مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْمُلْغَى الطَّرَفَانِ الْأَوَّلَانِ يَعْنِي الْحَالِيَّيْنِ عَنْ الضَّمِيرِ سَوَاءٌ اخْتَلَفَا أَوْ اتَّفَقَا وَفَرَّعَ عَلَيْهِ لِلْأَخِيرِ الْمُضَافِ لِلضَّمِيرِ فَقَطْ فَهُوَ خَطَأٌ مُخَالِفٌ لِمَا قَرَّرَهُ نَفْسُهُ أَوَّلًا وَلِمَا قَرَّرَهُ غَيْرُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 (وَلَوْ قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَلَهُ خِيَارُ التَّعْيِينِ) اتِّفَاقًا. وَأَمَّا تَصْحِيحُ الزَّيْلَعِيِّ فَإِنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ الصَّرِيحِ كَامْرَأَتِي حَرَامٌ كَمَا حَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَيَجِيءُ فِي الْإِيلَاءِ   [رد المحتار] [تَنْبِيهٌ] هَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا مُلْغَاةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنْ الْإِعْرَابِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً أَوْ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً فَتَكُونَ فِي مَحَلِّ جَرٍّ بِإِضَافَةِ الظَّرْفِ الَّذِي قَبْلَهَا إلَيْهَا؛ وَفِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّمَانِيَةُ؛ لَكِنَّ أَحْكَامَهَا تَخْتَلِفُ فَفِي مَحْضِ قَبْلُ يَقَعُ فِي شَوَّالٍ، وَفِي مَحْضِ بَعْدُ فِي شَعْبَانَ، وَفِي قَبْلُ ثُمَّ بَعْدَيْنِ فِي جُمَادَى الْآخَرِ وَفِي بَعْدُ ثُمَّ قَبْلَيْنِ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَفِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ الْبَاقِيَةِ عَلَى عَكْسِ مَا مَرَّ فِي إلْغَاءِ مَا: أَيْ فَمَا وَقَعَ مِنْهَا فِي شَوَّالٍ أَوْ فِي شَعْبَانَ عَلَى تَقْدِيرِ الْإِلْغَاءِ يَقَعُ بِعَكْسِهِ عَلَى تَقْدِيرِ الْمَوْصُولِيَّةِ أَوْ الْمَوْصُوفِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ بَدْرُ الدِّينِ الْغَزِّيِّ الشَّافِعِيُّ، وَرَأَيْتُهُ بِخَطِّهِ مَعْزِيًّا إلَى الْعَلَّامَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقَالَ إنَّ لِلسُّبْكِيِّ فِي ذَلِكَ مُؤَلِّفًا. قُلْت: وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي رِسَالَةٍ كُنْت سَمَّيْتُهَا إتْحَافُ الذَّكِيِّ النَّبِيهِ بِجَوَابِ مَا يَقُولُ الْفَقِيهُ وَبَيَّنْتُ فِيهَا الْمَقَامَ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، وَخُلَاصَةُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ: بِشَهْرٍ قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ عَلَى كَوْنِ مَا زَائِدَةً يَكُونُ رَمَضَانُ مُبْتَدَأً وَالظَّرْفُ الْأَوَّلُ خَبَرٌ عَنْهُ وَهُوَ مُضَافٌ إلَى الثَّانِي لِأَنَّ مَا الزَّائِدَةَ لَا تَكُفُّ عَنْ الْعَمَلِ نَحْوُ - {فَبِمَا رَحْمَةٍ} [آل عمران: 159]- وَغَيْرُ مَا رَجُلٍ وَالثَّانِي مُضَافٌ إلَى الثَّالِثِ وَالْجُمْلَةُ مِنْ الْمُبْتَدَإِ وَالْخَبَرِ صِفَةُ شَهْرٍ، وَالرَّابِطُ الضَّمِيرُ الْمُضَافُ إلَيْهِ الظَّرْفُ الْأَخِيرُ؛ وَالْمَعْنَى بِشَهْرِ رَمَضَانَ كَائِنٍ قَبْلَ قَبْلِ قَبْلَهُ وَهُوَ ذُو الْحِجَّةِ، وَعَلَى كَوْنِ مَا مَوْصُولَةً يَكُونُ الظَّرْفُ الْأَوَّلُ صِفَةً لِشَهْرٍ وَهُوَ مُضَافٌ إلَى الْمَوْصُولِ وَالظَّرْفُ الثَّانِي الْمُضَافُ إلَى الثَّالِثِ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ عَنْ رَمَضَانَ وَالْجُمْلَةُ صِلَةُ مَا وَالْعَائِدُ الضَّمِيرُ الْأَخِيرُ؛ وَالْمَعْنَى بِشَهْرٍ كَائِنٍ قَبْلَ الشَّهْرِ الَّذِي رَمَضَانُ كَائِنٌ قَبْلَ قَبْلِهِ، فَالشَّهْرُ الَّذِي رَمَضَانُ قَبْلَ قَبْلِهِ هُوَ ذُو الْحِجَّةِ، فَاَلَّذِي قَبْلَهُ هُوَ شَوَّالٌ، وَكَذَا يُقَالُ عَلَى تَقْدِيرِ مَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فِي بَاقِي الصُّوَرِ، وَقَدْ نَظَمْت جَمِيعَ مَا مَرَّ مِنْ الصُّوَرِ فَقُلْت: خُذْ جَوَابًا عُقُودُهُ الْمَرْجَانُ ... فِيهِ عَمَّا طَلَبْتَهُ تِبْيَانُ فَجُمَادَى الْأَخِيرُ فِي مَحْضِ بَعْدُ ... وَلِعَكْسٍ ذُو حِجَّةٍ إبَّانُ ثُمَّ شَوَّالٌ لَوْ تَكَرَّرَ قَبْلُ ... مَعَ بَعْدُ وَعَكْسُهُ شَعْبَانُ أَلْغِ ضِدًّا بِضِدِّهِ وَهُوَ بَعْدُ ... مَعَ قَبْلُ وَمَا بَقِيَ الْمِيزَانُ ذَاكَ إنْ تُلْغِ مَا وَأَمَّا إذَا مَا ... وَصَلْتَ أَوْ وَصَفْتَهَا فَالْبَيَانُ جَاءَ شَوَّالٌ فِي تَمَحَّضَ قَبْلُ ... وَلِعَكْسِ شَعْبَانَ جَاءَ الزَّمَانُ وَجُمَادَى لِقَبْلِ مَا بَعْدَ بَعْدُ ... فَهُوَ ثُمَّ ذُو حِجَّةٍ لِعَكْسٍ أَوَانُ وَسِوَى ذَا بِعَكْسِ إلْغَائِهَا افْهَمْ ... فَهُوَ تَحْقِيقُ مَنْ هُمْ الْفُرْسَانُ وَتَوْضِيحُ ذَلِكَ فِي رِسَالَتِنَا الْمَذْكُورَةِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (قَوْلُهُ وَأَمَّا تَصْحِيحُ الزَّيْلَعِيِّ إلَخْ) رَدٌّ عَلَى صَاحِبِ الدُّرَرِ حَيْثُ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ هُوَ الصَّحِيحُ، احْتِرَازًا عَمَّا قِيلَ يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلَاقٌ، وَعَزَاهُ إلَى إيلَاءِ الزَّيْلَعِيِّ. وَاعْتِرَاضُهُ فِي الْمِنَحِ بِأَنَّ عِبَارَةَ الزَّيْلَعِيِّ هَكَذَا وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَالْحَرَامُ عِنْدَهُ طَلَاقٌ وَلَكِنْ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا تَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَقِيلَ تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْبَهُ. وَفِي إيلَاءِ الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ أَنَّ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَقَعُ الطَّلَاقُ بِلَفْظِ الْحَرَامِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ زَوْجَةٍ وَاحِدَةٍ تَقَعُ عَلَى كُلِّ تَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ، بِخِلَافِ الصَّرِيحِ نَحْوَ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَهُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ فَلَا تَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ. وَأَجَابَ الْأُوزَجَنْدِيُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى وَاحِدَةٍ وَهُوَ الْأَشْبَةُ، وَعَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالذَّخِيرَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] وَفِي الْفَتْحِ: الْأَشْبَهُ عِنْدِي مَا فِي الْفَتَاوَى لِأَنَّ قَوْلَهُ حَلَالُ اللَّهِ أَوْ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ يَعُمُّ كُلَّ زَوْجَةٍ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَاقِ كَقَوْلِهِ هُنَّ طَوَالِقُ لَا الْبَدَلُ كَإِحْدَاكُنَّ طَالِقٌ، وَحَيْثُ وَقَعَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَعَ بَائِنًا. مَطْلَبٌ فِيمَنْ قَالَ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ وَفِي الْخَانِيَّةِ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ إلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا فَظَهَرَ أَنَّ التَّصْحِيحَ فِي غَيْرِ الصَّرِيحِ كَحَلَالِ الْمُسْلِمِينَ وَنَحْوِهِ لِكَوْنِهِ يَعُمُّ كُلَّ زَوْجَةٍ لَا كَمَا زَعَمَ فِي الدُّرَرِ اهـ كَلَامُ الْمِنَحِ مُلَخَّصًا وَسَيَأْتِي فِي الْإِيلَاءِ عَنْ النَّهْرِ أَنَّ قَوْلَ الزَّيْلَعِيِّ هُنَا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يَعْنِي التَّحْرِيمَ، لَا بِقَيْدِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مُخَاطِبًا لِوَاحِدَةٍ، بَلْ يَجِبُ فِيهِ أَنْ لَا يَقَعَ إلَّا عَلَى الْمُخَاطَبَةِ. اهـ. أَقُولُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَنَّ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ خِلَافًا لِمَا فِي الدُّرَرِ، وَلَا فِي: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى الْمُخَاطَبَةِ فَقَطْ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا يَعُمُّ كُلَّ زَوْجَةٍ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَاقِ فَاخْتَارَ الْأُوزَجَنْدِيُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى وَاحِدَةٍ فَلَهُ صَرْفُهُ إلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ لَفْظٌ مُفْرَدٌ. وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْكُلِّ لِاسْتِغْرَاقِهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ مَا قُلْنَا إنَّهُ فِي الذَّخِيرَةِ حَكَاهُ فِي حَلَالِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَهُوَ صَرِيحُ تَعْلِيلِ الْفَتْحِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي كُلِّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ لِأَنَّهُ بَعْدَ التَّصْرِيحِ بِأَدَاةِ الْعُمُومِ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى فَرْدٍ خَاصٍّ، بِخِلَافِ الْعُمُومِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْإِضَافَةِ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ عَدَمَ الْخِلَافِ فِي الصَّرِيحِ لَا لِخُصُوصِ صَرَاحَتِهِ بَلْ لِكَوْنِهِ بِلَفْظِ امْرَأَتِي الَّذِي عُمُومُهُ بَدَلِيٌّ: أَيْ صَادِقٌ عَلَى وَاحِدَةٍ لَا بِعَيْنِهَا أَيِّ وَاحِدَةٍ كَانَتْ مِثْلُ قَوْلِهِ إحْدَاهُنَّ طَالِقٌ، حَتَّى لَوْ كَانَ الصَّرِيحُ بِلَفْظِ عُمُومِهِ اسْتِغْرَاقِيًّا مِثْلُ: حَلَالُ اللَّهِ طَالِقٌ أَوْ مَنْ يَحِلُّ لِي طَالِقٌ، أَوْ مَنْ فِي عَقْدِ نِكَاحِي طَالِقٌ، جَرَى فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ وَكَانَ فِيهِ تَرْجِيحُ ابْنِ الْهُمَامِ أَظْهَرَ وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ امْرَأَتِي حَرَامٌ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ، لِمَا عَلِمْتَ مِنْ أَنَّ عُمُومَهُ بَدَلِيٌّ لَا اسْتِغْرَاقِيٌّ فَهُوَ مِثْلُ امْرَأَتِي طَالِقٌ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ حَمْلَ الشَّارِحِ تَصْحِيحَ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى امْرَأَتِي حَرَامٌ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِلْمَقَامِ، وَقَوْلُهُ كَمَا حَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ إلَخْ فِيهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَوْلِهِ فَظَهَرَ أَنَّ التَّصْحِيحَ فِي غَيْرِ الصَّرِيحِ كَحَلَالِ الْمُسْلِمِينَ وَنَحْوِهِ لِكَوْنِهِ يَعُمُّ كُلَّ زَوْجَةٍ فَاَلَّذِي حَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْحَمْلُ عَلَى الْعَامِّ الِاسْتِغْرَاقِيِّ كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْهُمَامِ فَافْهَمْ. وَيَظْهَرُ مِمَّا قَرَرْنَاهُ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ الطَّلَاقُ كَمَا هُوَ الشَّائِعُ فِي زَمَانِنَا مِثْلُ قَوْلِهِ امْرَأَتِي طَالِقٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ كَمَا مَرَّ إنْ فَعَلْت كَذَا لَزِمَ الطَّلَاقُ وَوَقَعَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُحْتَمَلٌ لِأَنَّهُ يَكُونُ الْمُرَادُ لَزِمَ الطَّلَاقُ مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ مِنْ أَكْثَرَ وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ لَهُ صَرْفُهُ إلَى مَنْ شَاءَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ عَلَيَّ الْحَرَامُ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ فَعَلَ كَذَا فَامْرَأَتُهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ. [تَنْبِيهٌ] لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُعَلَّقِ وَالْمُنَجَّزِ، وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ حَلِفِهِ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ، فَلَهُ صَرْفُ الْأَكْثَرِ إلَى وَاحِدَةٍ. فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ فَوَائِدِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ قَالَ: حَلَالُ اللَّهِ عَلَيْهِ حَرَامٌ إنْ فَعَلَ كَذَا وَفَعَلَهُ وَحَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ إنْ فَعَلَ كَذَا وَفَعَلَهُ وَلَهُ امْرَأَتَانِ فَأَرَادَ أَنْ يَصْرِفَ هَذَيْنِ الطَّلَاقَيْنِ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَشَارَ فِي الزِّيَادَاتِ إلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ اهـ لَكِنْ إذَا بَانَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ وُقُوعِ الثَّانِي لَيْسَ لَهُ صَرْفُهُ إلَيْهَا. فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ طَلُقَتْ وَاحِدَةٌ وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ، وَإِنْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا وَمَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَ لَمْ تَنْتَقِضْ الْعِدَّةُ فَالْبَيَانُ إلَيْهِ. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 (قَالَ لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَةٌ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَطْلِيقَةً، وَكَذَا لَوْ قَالَ بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَاتٌ أَوْ ثَلَاثٌ أَوْ أَرْبَعٌ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ قِسْمَةَ كُلِّ وَاحِدَةٍ بَيْنَهُنَّ فَتَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا؛ وَلَوْ قَالَ بَيْنَكُنَّ خَمْسُ تَطْلِيقَاتٍ يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلَاقَانِ هَكَذَا إلَى ثَمَانِ تَطْلِيقَاتٍ فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا) وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ أَشْرَكْتُكُنَّ فِي تَطْلِيقَةٍ خَانِيَةٌ. وَفِيهَا (قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا امْرَأَتِي طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ أَرَدْتُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا لَا يُصَدَّقُ، وَلَوْ مَدْخُولَتَيْنِ فَلَهُ إيقَاعُ الطَّلَاقِ عَلَى إحْدَاهُمَا) لِصِحَّةِ تَفْرِيقِ الطَّلَاقِ عَلَى الْمَدْخُولَةِ لَا عَلَى غَيْرِهَا. (قَالَ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَمْ يُسَمِّ وَلَهُ امْرَأَةٌ) مَعْرُوفَةٌ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ   [رد المحتار] بَقِيَ شَيْءٌ، وَهُوَ مَا لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا فَهَلْ لَهُ أَنْ يُوقِعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةً أَمْ لَا بُدَّ أَنْ يَجْمَعَ الثَّلَاثَ عَلَى وَاحِدَةٍ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهَلْ تَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ بَائِنَةً لِئَلَّا يَلْغُوَ وَصْفُ الْبَيْنُونَةِ وَهِيَ صِفَةُ الْأَصْلِ، أَوْ تَكُونُ رَجْعِيَّةً نَظَرًا لِلْوَاقِعِ. وَرَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيِّ عَنْ الْمُنْيَةِ: لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ ثَلَاثُ نِسَاءٍ فَقَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ يَقَعُ ثَلَاثٌ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمْ طَلَاقًا بَائِنًا وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ لَهُ صَرْفَهُ إلَى مَنْ شَاءَ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قَالَ لِنِسَائِهِ إلَخْ) وَجْهُ وُقُوعِ الْوَاحِدَةِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَنَّ بَعْضَ الطَّلْقَةِ طَلْقَةٌ كَمَا مَرَّ فَيُصِيبُ كُلَّ وَاحِدَةٍ فِي إيقَاعِ طَلْقَةٍ بَيْنَهُنَّ رُبُعُهَا، وَفِي طَلْقَتَيْنِ نِصْفُ طَلْقَةٍ، وَفِي ثَلَاثِ أَرْبَاعٍ طَلْقَةٌ، وَفِي أَرْبَعٍ طَلْقَةٌ كَامِلَةٌ (قَوْلُهُ فَتَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا) أَيْ فِي التَّطْلِيقَتَيْنِ، فَيَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلْقَتَانِ، كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلَاقَانِ إلَخْ) لِأَنَّهُ يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فِي الْخَمْسِ طَلْقَةٌ وَرُبُعُ طَلْقَةٍ، وَفِي السِّتِّ طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ، وَفِي السَّبْعِ طَلْقَةٌ وَثَلَاثُ أَرْبَاعٍ، وَفِي الثَّمَانِ طَلْقَتَانِ، وَهَذَا حَيْثُ لَا نِيَّةَ لَهُ كَمَا فِي الْكَافِي وَالْفَتْحِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا نَوَى قِسْمَةَ كُلِّ وَاحِدَةٍ بَيْنَهُنَّ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ (قَوْلُهُ ثَلَاثًا) لِأَنَّهُ يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّمَانِيَةِ طَلْقَتَانِ وَتُقَسَّمُ التَّاسِعَةُ مِنْهُنَّ، فَيَقَعُ عَلَى كُلٍّ طَلْقَةٌ ثَالِثَةٌ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ بَيْنَ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَلَفْظُ بَيْنَ وَلَفْظُ الْإِشْرَاكِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَيْنِ كُلَّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ لِثَالِثَةٍ أَشْرَكْتُكِ فِيمَا أَوْقَعْتُ عَلَيْهِمَا يَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ. اهـ. وَتَمَامُهُ فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْبَابِ السَّابِقِ: وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَةٍ (قَوْلُهُ امْرَأَتِي طَالِقٌ امْرَأَتِي طَالِقٌ) مِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَ وَامْرَأَتِي بِالْعَطْفِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ لِصِحَّةِ تَفْرِيقِ الطَّلَاقِ إلَخْ) كَذَا عَلَّلَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَيْ لِأَنَّ الْمَدْخُولَةَ مَحَلٌّ لِإِيقَاعِ الثَّانِيَةِ بِسَبَبِ الْعِدَّةِ، فَلَهُ إيقَاعُ الطَّلَاقَيْنِ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأَوَّلِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي إرَادَتِهِ لَهَا بِالثَّانِي كَمَا لَوْ كَانَ طَلَّقَ الْمَدْخُولَةَ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَلَا تَصِحُّ إرَادَتُهَا بِالْأَوَّلِ وَلَا بِالثَّانِي كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا نَقَلَاهُ قَرِيبًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. بَقِيَ، مَا إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا مَدْخُولًا بِهَا فَقَطْ وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ، فَإِنْ أَرَادَهَا بِالطَّلَاقَيْنِ صَحَّ، وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا لَا يُصَدَّقُ فِي الثَّانِي لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ امْرَأَتَهُ، بَلْ الثَّانِيَةُ امْرَأَتُهُ فَيَقَعُ عَلَيْهَا الثَّانِي كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُسَمِّ) أَمَّا لَوْ سَمَّاهَا فَكَذَلِكَ بِالْأُولَى، وَيَقَعُ عَلَى الَّتِي عَنَاهَا أَيْضًا حَتَّى لَوْ كَانَتْ زَوْجَتَهُ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَوْ قَالَ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ أَرَدْتُ امْرَأَةً أُخْرَى أَجْنَبِيَّةً بِذَلِكَ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ لَا يُصَدَّقُ وَيَقَعُ عَلَى امْرَأَتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِمَالٍ لِمُسَمًّى فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ هُوَ وَأَنْكَرَ يُصَدَّقُ بِالْحَلِفِ مَا لَهُ عَلَيَّ هَذَا الْمَالُ لَا مَا هُوَ فُلَانٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ وَهُوَ اسْمُ امْرَأَتِهِ ثُمَّ قَالَ أَرَدْتُ بِهِ غَيْرَ امْرَأَتِي لَا يُصَدَّقُ وَيَقَعُ عَلَيْهِمَا إنْ كَانَتَا زَوْجَةً لَهُ، وَكَذَا لَوْ نَسَبَهَا إلَى أُمِّهَا أَوْ أُخْتِهَا أَوْ وَلَدِهَا وَهِيَ كَذَلِكَ؛ وَلَوْ حَلَفَ إنْ خَرَجَ مِنْ الْمِصْرِ فَامْرَأَتُهُ عَائِشَةُ كَذَا وَاسْمُهَا فَاطِمَةُ لَا تَطْلُقُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 اسْتِحْسَانًا، فَإِنْ قَالَ: لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى إيَّاهَا عَنَيْتُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَلَوْ كَانَ (لَهُ امْرَأَتَانِ كِلْتَاهُمَا مَعْرُوفَةٌ لَهُ صَرَفَ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ) خَانِيَّةٌ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا. [فُرُوعٌ] كَرَّرَ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَقَعَ الْكُلُّ، وَإِنْ نَوَى التَّأْكِيدَ دِينَ. كَانَ اسْمُهَا طَالِقًا أَوْ حَرَّةً فَنَادَاهَا إنْ نَوَى الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ وَقَعَا وَإِلَّا لَا. قَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَذِهِ الْكَلْبَةُ طَالِقٌ طَلُقَتْ، أَوْ لِعَبْدِهِ هَذَا الْحِمَارُ حُرٌّ عَتَقَ. قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ وَعَنَى الْإِخْبَارَ كَذِبًا وَقَعَ قَضَاءً، إلَّا إذَا أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ؛ وَكَذَا الْمَظْلُومُ إذَا أَشْهَدَ عِنْدَ اسْتِحْلَافِ الظَّالِمِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ يَحْلِفُ كَاذِبًا صُدِّقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ. وَفِي النَّهْرِ قَالَ: فُلَانَةُ طَالِقٌ وَاسْمُهَا كَذَلِكَ وَقَالَ عَنَيْتُ غَيْرَهَا دِينَ؛ وَلَوْ غَيْرَهُ صُدِّقَ قَضَاءً وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ لَدَائِنه بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فُلَانَةَ وَاسْمُهَا غَيْرُهُ لَا تَطْلُقُ.   [رد المحتار] إذَا خَرَجَ. اهـ. (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْقِيَاسَ خِلَافُهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كِلْتَاهُمَا مَعْرُوفَةٌ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ وَهُوَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي قَبْلَهَا، وَأَمَّا الْمَجْهُولَتَانِ فَكَالْمَعْرُوفَتَيْنِ، ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَمَا قَالَ ح مُكَرَّرَةٌ مَعَ قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا) رَدٌّ عَلَى صَاحِبِ الدُّرَرِ كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ (قَوْلُهُ كَرَّرَ لَفْظَ الطَّلَاقِ) بِأَنْ قَالَ لِلْمَدْخُولَةِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَدْ طَلَّقْتُكِ قَدْ طَلَّقْتُكِ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ قَدْ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قِيلَ لَهُ مَا قُلْتُ؟ فَقَالَ: قَدْ طَلَّقْتُهَا أَوْ قُلْتُ هِيَ طَالِقٌ فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ جَوَابٌ، كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى التَّأْكِيدَ دِينَ) أَيْ وَوَقَعَ الْكُلُّ قَضَاءً، وَكَذَا إذَا طَلَّقَ أَشْبَاهَ: أَيْ بِأَنْ لَمْ يَنْوِ اسْتِئْنَافًا وَلَا تَأْكِيدًا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّأْكِيدِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ بِأَنْ قَصَدَ النِّدَاءَ أَوْ أَطْلَقَ فَلَا يَقَعُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَشْبَاهُ فِي الْعَاشِرِ مِنْ مَبَاحِثِ النِّيَّةِ، وَذَكَرَ قَبْلَهُ فِي التَّاسِعِ أَنَّهُ فَرَّقَ الْمَحْبُوبِيُّ فِي التَّلْقِيحِ بَيْنَ الطَّلَاقِ فَلَا يَقَعُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ فَيَقَعُ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ. اهـ. قُلْت: وَفِي عِبَارَةِ الْأَشْبَاهِ قُلْتُ: لِأَنَّ الْمَحْبُوبِيَّ فَرَّقَ بِأَنَّ الْحُرَّ اسْمٌ صَالِحٌ لِلتَّسْمِيَةِ وَهُوَ اسْمٌ لِبَعْضِ النَّاسِ، بِخِلَافِ طَالِقٍ أَوْ مُطَلَّقَةٍ فَالنِّدَاءُ بِهِ يَقَعُ عَلَى إثْبَاتِ الْمَعْنَى فَتَطْلُقُ، بِخِلَافِ الْحُرِّ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ: أَشْهَدُ أَنَّ اسْمَ عَبْدِهِ حُرٌّ ثُمَّ دَعَاهُ يَا حُرُّ لَا يُعْتَقُ، وَلَوْ سَمَّى امْرَأَتَهُ طَالِقًا ثُمَّ دَعَاهَا يَا طَالِقُ تَطْلُقُ (قَوْلُهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ هَذِهِ الْكَلْبَةُ طَالِقٌ طَلُقَتْ إلَخْ) لِمَا قَالُوا: مِنْ أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الصِّفَةُ وَالتَّسْمِيَةُ مَعَ الْإِشَارَةِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ بَصِيرَةٌ فَقَالَ امْرَأَتُهُ هَذِهِ الْعَمْيَاءُ طَالِقٌ وَأَشَارَ إلَى الْبَصِيرَةِ تَطْلُقُ، وَلَوْ رَأَى شَخْصًا ظَنَّ أَنَّهُ امْرَأَتُهُ عَمْرَةُ فَقَالَ يَا عَمْرَةُ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يُشِرْ إلَى شَخْصِهَا فَإِذَا الشَّخْصُ غَيْرُ امْرَأَتِهِ تَطْلُقُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَ عَدَمِ الْإِشَارَةِ الِاسْمُ وَقَدْ وُجِدَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَدَّمْنَا بَسْطَ الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْإِشَارَةِ وَالتَّسْمِيَةِ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ (قَوْلُهُ وَعَنَى الْإِخْبَارَ كَذِبًا إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ يُخْبِرُ كَذِبًا (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمَظْلُومُ إذَا أَشْهَدَ إلَخْ) أَقُولُ: التَّقْيِيدُ بِالْإِشْهَادِ إذَا كَانَ مَظْلُومًا غَيْرُ لَازِمٍ فَفِي الْأَشْبَاهِ: وَأَمَّا نِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ فِي الْيَمِينِ فَمَقْبُولَةٌ دِيَانَةً اتِّفَاقًا، وَقَضَاءً عِنْدَ الْخَصَّافِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ إنْ كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا، وَكَذَا اخْتَلَفُوا هَلْ الِاعْتِبَارُ لِنِيَّةِ الْحَالِفِ أَوْ الْمُسْتَحْلِفِ؟ وَالْفَتْوَى عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ إذَا كَانَ مَظْلُومًا إلَّا إنْ كَانَ ظَالِمًا كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ اهـ. وَفِي حَوَاشِيهِ عَنْ مَآلِ الْفَتَاوَى: التَّحْلِيفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى ظُلْمٌ وَالنِّيَّةُ نِيَّةُ الْحَالِفِ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحْلِفُ مُحِقًّا (قَوْلُهُ أَنَّهُ يَحْلِفُ) مُتَعَلِّقٌ بِأَشْهَدَ ح (قَوْلُهُ قَالَ فُلَانَةُ) أَيْ زَيْنَبُ مَثَلًا، وَقَوْلُهُ وَاسْمُهَا كَذَلِكَ أَيْ زَيْنَبُ وَضَمِيرُ غَيْرِهِ عَائِدٌ إلَيْهِ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الِاسْمُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِشَارَةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، وَهَذَا الْفَرْعُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 وَقَدْ كَثُرَ فِي زَمَانِنَا قَوْلُ الرَّجُلِ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى الْأَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِوُقُوعِهِ قَضَاءً وَدِيَانَةً. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي قَوْلِ الْفُقَهَاءِ أَوْ فُلَانٍ الْقَاضِي أَوْ الْمُفْتِي دِينَ. قَالَ: نِسَاءُ الدُّنْيَا أَوْ نِسَاءُ الْعَالَمِ طَوَالِقُ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ، بِخِلَافِ نِسَاءِ الْمَحَلَّةِ وَالدَّارِ وَالْبَيْتِ: وَفِي نِسَاءِ الْقَرْيَةِ وَالْبَلْدَةِ خِلَافُ الثَّانِي وَكَذَا الْعِتْقُ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: طَلِّقْنِي فَقَالَ فَعَلْتُ طَلُقَتْ، فَإِنْ قَالَتْ زِدْنِي فَقَالَ فَعَلْتُ طَلُقَتْ أُخْرَى. وَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي طَلِّقْنِي طَلِّقْنِي، فَقَالَ طُلِّقْتِ فَوَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ؛ وَلَوْ عَطَفَتْ بِالْوَاوِ فَثَلَاثٌ.   [رد المحتار] مَنْقُولٌ ذَكَرْنَاهُ قَرِيبًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِوُقُوعِهِ قَضَاءً وَدِيَانَةً) وَلَا شُبْهَةَ فِي كَوْنِهِ رَجْعِيًّا لَا بَائِنًا لِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ كُلِّهَا عَلَى وُقُوعِ الرَّجْعِيِّ بِأَنْتِ طَالِقٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْخَيْرِيَّةِ؛ وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى مَذْهَبِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَا أَفْتَى بِهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَيْضًا، وَكَذَا: أَنْتِ طَالِقٌ لَا يَرُدُّكِ قَاضٍ وَلَا عَالِمٌ، أَوْ أَنْتِ تَحِلِّي لِلْخَنَازِيرِ وَتَحْرُمِي عَلَيَّ فَيَقَعُ بِالْكُلِّ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ (قَوْلُهُ فِي قَوْلِ الْفُقَهَاءِ إلَخْ) وَكَذَا فِي قَوْلِ الْقُضَاةِ أَوْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْقُرْآنِ فَتَطْلُقُ قَضَاءً وَلَا تَطْلُقُ دِيَانَةً إلَّا بِالنِّيَّةِ خَانِيَّةٌ: لَكِنْ فِي الْفَتْحِ أَوَّلَ الطَّلَاقَ: وَلَوْ قَالَ طَالِقٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ مَعَهُ، فَإِنْ نَوَى طَلَاقَ السُّنَّةِ وَقَعَ فِي أَوْقَاتِهَا وَإِلَّا وَقَعَ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْكِتَابَ يَدُلُّ عَلَى الْوُقُوعِ لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ؛ وَلَوْ قَالَ: عَلَى الْكِتَابِ أَوْ بِهِ عَلَى قَوْلِ الْقُضَاةِ أَوْ الْفُقَهَاءِ أَوْ طَلَاقِ الْقُضَاةِ أَوْ الْفُقَهَاءِ فَإِنْ نَوَى السُّنَّةَ دِينَ، وَفِي الْقَضَاءِ يَقَعُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ قَوْلَ الْقُضَاةِ وَالْفُقَهَاءِ يَقْتَضِي الْأَمْرَيْنِ، فَإِذَا خَصَّصَ دِينَ وَلَا يُسْمَعُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قَالَ نِسَاءُ الدُّنْيَا إلَخْ) فِي الْأَشْبَاهِ عَلَى عِتْقِ الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ قَالَ عَبِيدُ أَهْلِ بَغْدَادَ أَحْرَارٌ وَلَمْ يَنْوِ عَبْدَهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ قَالَ كُلُّ عَبِيدِ أَهْلِ بَغْدَادَ أَوْ كُلُّ عَبْدٍ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي الدُّنْيَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُعْتَقُ عَبْدُهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُعْتَقُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الطَّلَاقُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ وَلَوْ قَالَ: كُلُّ عَبْدٍ فِي هَذِهِ السِّكَّةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ حُرٌّ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ؛ وَلَوْ قَالَ: كُلُّ عَبْدٍ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَعَبِيدُهُ فِيهَا عَتَقُوا فِي قَوْلِهِمْ، لَا لَوْ قَالَ وَلَدُ آدَمَ كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ فِي قَوْلِهِمْ اهـ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْمَحَلَّةِ كَالْبَلْدَةِ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى السِّكَّةِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَوَّلًا الْخِلَافَ فِي نِسَاءِ أَهْلِ بَغْدَادَ طَالِقٌ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَرِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا تَطْلُقُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ عَامٌّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا تَطْلُقُ بِلَا نِيَّةٍ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ أَنَّ فِي الْقَرْيَةِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ، مِنْهُمْ مَنْ أَلْحَقَهَا بِالْبَيْتِ وَالسِّكَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَلْحَقَهَا بِالْمِصْرِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْخِلَافِ فِي السِّكَّةِ، ثُمَّ عَلَّلَ عَدَمَ الْوُقُوعِ فِي الْمِصْرِ وَأَهْلِ الدُّنْيَا، بِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ بِهِ لَكَانَ إنْشَاءً فِي حَقِّهِ فَيَكُونُ إنْشَاءً أَيْضًا فِي حَقِّهِمْ، وَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى إجَازَتِهِمْ وَهِيَ مُتَعَذِّرَةٌ (قَوْلُهُ فَقَالَ فَعَلْت) أَيْ طَلُقَتْ بِقَرِينَةِ الطَّلَبِ (قَوْلُهُ فَوَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ) أَيْ بِأَنْ نَوَى الْوَاحِدَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لِأَنَّهُ بِدُونِ الْعَطْفِ يَحْتَمِلُ تَكْرِيرَ الْأَوَّلِ وَيَحْتَمِلُ الِابْتِدَاءَ، فَأَيَّ ذَلِكَ نَوَى الزَّوْجُ صَحَّتْ نِيَّتُهُ كَذَا فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. وَفِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ تَقَعُ الثَّلَاثُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ نِيَّةَ الزَّوْجِ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَطَفَتْ بِالْوَاوِ فَثَلَاثٌ) لِأَنَّهُ قَرِينَةُ التَّكْرَارِ فَيُطَابِقُهُ الْجَوَابُ وَفِي الْخَانِيَّةِ: قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا فَقَالَ فَعَلْتُ، أَوْ قَالَ طَلَّقْتُ وَقَعْنَ؛ وَلَوْ قَالَ مُجِيبًا لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ فَأَنْتِ طَالِقٌ تَقَعُ وَاحِدَةٌ اهـ أَيْ وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ. وَالْفَرْقُ أَنَّ طَلِّقْنِي أَمْرٌ بِالتَّطْلِيقِ، وَقَوْلُهُ طَلَّقْتُ تَطْلِيقٌ فَصَحَّ جَوَابًا وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ، بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ صِفَةٍ قَائِمَةٍ بِالْمَحَلِّ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ التَّطْلِيقُ اقْتِضَاءً تَصْحِيحًا لِلْوَصْفِ، وَالثَّابِتُ اقْتِضَاءٌ ضَرُورِيٌّ فَيَثْبُتُ التَّطْلِيقُ فِي حَقِّ صِحَّةِ هَذَا الْوَصْفِ لَا فِي حَقِّ كَوْنِهِ جَوَابًا فَبَقِيَ أَنْتِ طَالِقٌ كَلَامًا مُبْتَدَأً وَأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 وَلَوْ قَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي فَأَجَازَ طَلُقَتْ اعْتِبَارًا بِالْإِنْشَاءِ، كَذَا أَبَنْتُ نَفْسِي إذَا نَوَى وَلَوْ ثَلَاثًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. وَفِي اخْتَرْتُ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ إلَّا جَوَابًا. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ: مَنْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ عَلَيْهِ حَرَامًا فَلْيَفْعَلْ هَذَا الْأَمْرَ فَفَعَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَهُوَ إقْرَارٌ مِنْهُ بِحُرْمَتِهَا، وَقِيلَ لَا، انْتَهَى. وَسُئِلَ أَبُو اللَّيْثِ عَمَّنْ قَالَ لِجَمَاعَةٍ: كُلُّ مَنْ لَهُ امْرَأَةٌ مُطَلَّقَةٌ فَلْيُصَفِّقْ بِيَدِهِ فَصَفَّقُوا فَقَالَ طُلِّقْنَ، وَقِيلَ لَيْسَ هُوَ بِإِقْرَارٍ. جَمَاعَةٌ يَتَحَدَّثُونَ فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: مَنْ تَكَلَّمَ بَعْدَ هَذَا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثُمَّ تَكَلَّمَ الْحَالِفُ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ كَلِمَةَ (مَنْ) لِلتَّعْمِيمِ   [رد المحتار] الثَّلَاثَ، أَفَادَهُ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِالْإِنْشَاءِ) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا فَيَمْلِكُ الْإِجَازَةَ الَّتِي هِيَ أَضْعَفُ بِالْأَوْلَى شَرْحُ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِلْفَارِسِيِّ (قَوْلُهُ إذَا نَوَى) صَوَابُهُ إذَا نَوَيَا بِضَمِيرِ الْمُثَنَّى كَمَا هُوَ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ قَالَ الْفَارِسِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَكَذَا لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ أَبَنْتُ نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ أَجَزْتُ لِمَا قُلْنَا، لَكِنْ بِشَرْطِ نِيَّةِ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ وَتَصِحُّ هُنَا نِيَّةُ الثَّلَاثِ. أَمَّا اشْتِرَاطُ نِيَّةِ الزَّوْجِ فَلِأَنَّ لَفْظَ الْبَيْنُونَةِ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، وَأَمَّا نِيَّةُ الْمَرْأَةِ فَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ وَقَالُوا يَجِبُ أَنْ يَشْتَرِطَ حَتَّى يَقَعَ التَّصَرُّفُ تَطْلِيقًا عَلَى الْإِجَازَةِ، وَأَمَّا بِدُونِ نِيَّتِهَا يَقَعُ إخْبَارًا عَنْ بَيْنُونَةِ الشَّخْصِ أَوْ بَيْنُونَةِ شَيْءٍ آخَرَ كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ فَلَا يَحْتَمِلُ الْإِجَازَةَ فَلَا يَتَوَقَّفُ. وَأَمَّا صِحَّةُ نِيَّةِ الثَّلَاثِ فَلِمَا عُرِفَ مِنْ احْتِمَالِ لَفْظِ هَذِهِ الْكِنَايَةِ الثَّلَاثَ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّ قَوْلَهُ أَجَزْتُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ طَلَّقْت فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَلَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ ح (قَوْلُهُ وَفِي اخْتَرْتُ لَا يَقَعُ إلَخْ) أَيْ لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ اخْتَرْتُ نَفْسِي مِنْكَ فَقَالَ الزَّوْجُ أَجَزْتُ وَنَوَى الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّ قَوْلَهَا اخْتَرْتُ لَمْ يُوضَعْ لِلطَّلَاقِ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً، وَلِهَذَا لَوْ أَنْشَأَ بِنَفْسِهِ فَقَالَ لَهَا اخْتَرْتُكِ أَوْ اخْتَرْتُ نَفْسَكِ وَنَوَى الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ وَلَا عُرِفَ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ بِهِ إلَّا إذَا وَقَعَ جَوَابًا لِتَخْيِيرِ الزَّوْجِ إيَّاهَا فِي الطَّلَاقِ شَرْحُ التَّلْخِيصِ (قَوْلُهُ مَنْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ عَلَيْهِ حَرَامًا) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِرَفْعِ حَرَامٍ، وَالصَّوَابُ مَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ مِنْ النَّصْبِ لِأَنَّهُ خَبَرُ كَانَ (قَوْلُهُ فَهُوَ إقْرَارٌ مِنْهُ بِحُرْمَتِهَا) عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: فَهَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ اهـ وَأَفَادَ قَوْلُهُ فِي الْحُكْمِ أَيْ فِي الْقَضَاءِ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ دِيَانَةً إذَا لَمْ يَكُنْ حَرَّمَهَا مِنْ قَبْلُ، كَمَا أَخْبَرَ بِطَلَاقِهَا كَاذِبًا. لَا يُقَالُ: إنَّ هَذِهِ لَا تَصِحُّ لُغْزًا لِأَنَّهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِلَا لَفْظٍ أَصْلًا لَا صَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ وَبِلَا رِدَّةٍ وَإِبَاءٍ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا إقْرَارٌ عَنْ تَحْرِيمٍ مِنْهُ سَابِقٍ طَلَاقٌ لَا إنْشَاءُ طَلَاقٍ فِي الْحَالِ بِغَيْرِ لَفْظٍ، نَعَمْ يُقَالُ هَذَا إقْرَارٌ بِغَيْرِ لَفْظٍ بَلْ بِالْفِعْلِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْإِقْرَارَ قَدْ يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ وَقَدْ يَكُونُ بِلَا لَفْظٍ وَلَا فِعْلٍ كَالسُّكُوتِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا) بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَا يَكُونُ إقْرَارًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَسُئِلَ إلَخْ) تَأْيِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ وَبَيَانٌ لِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفِعْلِ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ وَبَيْنَ التَّحْرِيمِ الْمُفِيدِ الْبَائِنِ وَالتَّطْلِيقِ الْمُفِيدِ الرَّجْعِيِّ (قَوْلُهُ طُلِّقْنَ) أَيْ طُلِّقَ نِسَاءُ كُلٍّ مِنْ الْمُصَفِّقِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا التَّصْفِيقَ إقْرَارٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ تَكَلَّمَ الْحَالِفُ) سَكَتَ عَمَّا إذَا تَكَلَّمَ غَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْمُتَكَلِّمِ لَا يَسْرِي حُكْمُهُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا إذَا قَالَ الْغَيْرُ وَأَنَا كَذَلِكَ مَثَلًا، وَأَمَّا الْفَرْعَانِ السَّابِقَانِ فَجُعِلَا مِنْ الْإِقْرَارِ لَا الْإِنْشَاءِ وَالتَّعْلِيقُ إنْشَاءٌ ط. قُلْتُ: يُؤَيِّدُهُ مَا فِي أَيْمَانِ الْبَزَّازِيَّةِ جَمَاعَةٌ كَأَنْ يَصْفَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مَنْ صَفَعَ صَاحِبَهُ بَعْدَهُ فَامْرَأَتُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 وَالْحَالِفُ لَا يُخْرِجُ نَفْسَهُ عَنْ الْيَمِينِ فَيَحْنَثُ بَابُ الْكِنَايَاتِ (كِنَايَتُهُ) عِنْدَ الْفُقَهَاءِ (مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ) أَيْ الطَّلَاقِ (وَاحْتَمَلَهُ) وَغَيْرَهُ (فَ) الْكِنَايَاتُ (لَا تَطْلُقُ بِهَا)   [رد المحتار] طَالِقٌ فَقَالَ وَاحِدٌ " هَلَّا " ثُمَّ صَفَعَ الْقَائِلُ صَاحِبَهُ لَا يَقَعُ، لِأَنَّ هَلَّا لَيْسَ بِيَمِينٍ اهـ وَهَلَّا كَلِمَةٌ فَارِسِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَالْحَالِفُ لَا يُخْرِجُ نَفْسَهُ عَنْ الْيَمِينِ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ دُخُولَ الْحَالِفِ هُنَا عُمُومُ كَلَامِهِ لِقَرِينَةٍ إنْ قُلْنَا إنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ. وَفِي التَّحْرِيرِ أَنَّ دُخُولَهُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْكِنَايَاتِ] ِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَحْكَامِ الصَّرِيحِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ لِمَا أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْإِفْهَامِ وَالصَّرِيحُ أُدْخِلَ فِيهِ شَرَعَ فِي الْكِنَايَاتِ، وَهُوَ مَصْدَرُ كَنَّا يُكِنُّ إذَا سَتَرَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ كِنَايَتُهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ) أَيْ كِنَايَةُ الطَّلَاقِ الْمُرَادَةُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَإِلَّا فَمَعْنَاهَا عِنْدَهُمْ مُطْلَقًا كَالْأُصُولِيِّينَ: مَا اسْتَتَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ فِي نَفْسِهِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَخَرَجَ بِالْأَخِيرِ مَا اسْتَرَدَّ الْمُرَادَ فِي الصَّرِيحِ بِوَاسِطَةٍ نَحْوُ غَرَابَةِ اللَّفْظِ أَوْ انْكَشَفَ الْمُرَادُ فِي الْكِنَايَةِ بِوَاسِطَةِ التَّفْسِيرِ، وَالصَّرِيحُ وَالْكِنَايَةُ مِنْ أَقْسَامِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَالْحَقِيقَةُ الَّتِي لَمْ تُهْجَرْ صَرِيحٌ وَالْمَهْجُورَةُ الَّتِي غَلَبَ مَعْنَاهَا الْمَجَازُ كِنَايَةٌ، وَالْمَجَازُ الْغَالِبُ الِاسْتِعْمَالِ صَرِيحٌ وَغَيْرُ غَالِبٍ كِنَايَةٌ. اهـ. ح (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ إلَخْ) أَيْ بَلْ وُضِعَ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ حُكْمِهِ لِأَنَّ مَا سِوَى الثَّلَاثِ الرَّجْعِيَّةِ الْآتِيَةِ لَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ أَصْلًا، بَلْ هُوَ حُكْمُهُ فِي الْبَيْنُونَةِ مِنْ النِّكَاحِ؛ وَعَلَيْهِ فَفِي قَوْلِهِ وَاحْتَمَلَهُ تَسَاهُلٌ، وَالْمُرَادُ احْتَمَلَهُ مُتَعَلِّقًا لِمَعْنَاهُ، وَأَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى عَدَمِ حَصْرِهَا، لِذَلِكَ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى ثُمَّ أَلْفَاظُ الْكِنَايَةِ كَثِيرَةٌ تَرْتَقِي إلَى أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةٍ وَخَمْسِينَ لَفْظًا عَلَى مَا فِي النَّظْمِ وَالنُّتَفِ وَزِيدَ غَيْرُهَا فَتَنَبَّهْ. اهـ. وَمِنْهَا عَدَّيْتُ عَنْهَا فَيَقَعُ بِهِ الْبَائِنُ بِالنِّيَّةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ الْحَائِكُ. قُلْت: وَمِنْهَا أَنْتِ خَالِصَةٌ الْمُسْتَعْمَلُ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى خَلِيَّةٍ وَبَرِيَّةٍ تَأَمَّلْ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: قَالَ لِآخَرَ إنْ كُنْت تَضْرِبُنِي لِأَجْلِ فُلَانَةَ الَّتِي تَزَوَّجْتُهَا فَإِنِّي تَرَكْتُهَا فَخُذْهَا وَنَوَى الطَّلَاقَ تَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ. [تَنْبِيهٌ] أَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ مِنْهَا عَلَى يَمِينٍ لَا أَفْعَلُ كَذَا نَاوِيًا الطَّلَاقَ، فَتَقَعُ بِهِ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ لِقَوْلِهِمْ الْكِنَايَةُ مَا احْتَمَلَ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ، وَرَدَّهُ عَلَيْهِ السَّيِّدُ مُحَمَّدُ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ فِي تَعْرِيفِ الْكِنَايَةِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِلَفْظٍ يَصِحُّ خِطَابُهَا بِهِ وَيَصْلُحُ لِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ الَّذِي أَضْمَرَهُ أَوْ لِلْأَخْيَارِ بِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ كَأَنْتِ حَرَامٌ، إذْ يَحْتَمِلُ لِأَنِّي طَلَّقْتُكِ أَوْ حَرَامُ الصُّحْبَةِ وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَلْفَاظِ، وَلَيْسَ لَفْظُ الْيَمِينِ كَذَا إذَا لَا يَصِحُّ بِأَنْ يُخَاطِبَهَا بِأَنْتِ يَمِينٌ فَضْلًا عَنْ إرَادَةِ إنْشَاءِ الطَّلَاقِ بِهِ أَوْ الْإِخْبَارِ بِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ حَتَّى لَوْ قَالَ أَنْتِ يَمِينٌ لِأَنِّي طَلَّقْتُكِ لَا يَصِحُّ فَلَيْسَ كُلُّ مَا احْتَمَلَ الطَّلَاقَ مِنْ كِنَايَتِهِ بَلْ بِهَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ وَلَا بُدَّ مِنْ ثَالِثٍ هُوَ كَوْنُ اللَّفْظِ مُسَبَّبًا عَنْ الطَّلَاقِ وَنَاشِئًا عَنْهُ كَالْحُرْمَةِ فِي أَنْتِ حَرَامٌ وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَدَمَ الْوُقُوعِ، بِلَا أُحِبُّكِ لَا أَشْتَهِيكِ لَا رَغْبَةَ لِي فِيكِ وَإِنْ نَوَى. وَوَجْهُهُ أَنَّ مَعَانِيَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَيْسَتْ نَاشِئَةً عَنْ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْغَالِبَ النَّدَمُ بَعْدَهُ فَتَنْشَأُ الْمَحَبَّةُ وَالِاشْتِهَاءُ وَالرَّغْبَةُ، بِخِلَافِ الْحُرْمَةِ، فَإِذَا لَمْ يَقَعْ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لِأَنِّي طَلَّقْتُكِ، فَفِي لَفْظِ الْيَمِينِ بِالْأَوْلَى، لِأَنَّهُمْ قَسَّمُوا الْكِنَايَةَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ كَمَا يَأْتِي مَا يَصْلُحُ جَوَابًا لِسُؤَالِ الطَّلَاقِ لَا غَيْرُ كَاعْتَدِّي، وَمَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَرَدًّا لِسُؤَالِهَا كَاخْرُجِي؛ وَمَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَسَبًّا كَخَلِيَّةٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ غَيْرُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 قَضَاءً (إلَّا بِنِيَّةٍ أَوْ دَلَالَةِ الْحَالِ) وَهِيَ حَالَةُ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ أَوْ الْغَضَبِ،   [رد المحتار] صَالِحٍ لِشَيْءٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهَا إذَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ لَا يَصْلُحُ جَوَابُهَا بِقَوْلِهِ عَلَيَّ يَمِينٌ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا لِأَنَّ الْجَوَابَ يَكُونُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى إنْشَاءِ الطَّلَاقِ إجَابَةً لِسُؤَالِهَا كَاعْتَدِّي أَوْ عَلَى عَدَمِهِ رَدًّا لِطَلَبِهَا كَاخْرُجِي أَوْ سَبًّا لَهَا كَخَلِيَّةٍ، وَعَلَيَّ يَمِينٌ لَا يَدُلُّ عَلَى إنْشَاءِ الطَّلَاقِ اهـ مُلَخَّصًا مَعَ زِيَادَةٍ، ثُمَّ قَالَ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الطُّورِيِّ إذَا قَالَ أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُنِي تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ خَطَأٌ فَاحِشٌ، وَسَمِعْتُ كَثِيرًا مِنْ شَيْخِنَا أَنَّ فَتَاوَى الطُّورِيِّ كَفَتَاوَى ابْنِ نَجِيمٍ لَا يَوْثُقُ بِهَا إلَّا إذَا تَأَيَّدَتْ بِنَقْلٍ آخَرَ اهـ وَاعْتَرَضَهُ ط بِأَنَّ عَلَيَّ يَمِينٌ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ يَكُونُ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى، فَحَيْثُ نَوَى الطَّلَاقَ عَمِلَتْ نِيَّتُهُ وَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا أَفْعَلُ كَذَا؛ وَتَقَدَّمَ أَنَّ عَلَيَّ الطَّلَاقُ مِنْ التَّعْلِيقِ الْمَعْنَوِيِّ وَمَا فِي فَتَاوَى الطُّورِيِّ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِالطَّلَاقِ لِلْعُرْفِ كَحَلَالِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيَّ حَرَامٌ. اهـ. أَقُولُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَيَّ يَمِينٌ لَيْسَ كِنَايَةً لِمَا مَرَّ، وَلَيْسَ صَرِيحًا لِأَنَّهُ مَا لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الطَّلَاقِ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، لَكِنَّ لَفْظَ الْيَمِينِ جِنْسٌ مِنْ إفْرَادِهِ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ، فَإِذَا عَيَّنَهُ بِالنِّيَّةِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ حَلِفٌ بِالطَّلَاقِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَهُوَ لَوْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَنْوِيِّ صَارَ حَالِفًا بِهِ وَالْأَعَمُّ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْأَخَصُّ ثَبَتَ بِهِ حُكْمُ ذَلِكَ الْأَخَصِّ؛ وَالْأَخَصُّ هُنَا طَلَاقٌ صَرِيحٌ فَتَقَعُ بِهِ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ لَا بَائِنَةٌ. وَفِي أَيْمَانِ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي قَالَ: لِي حَلِفٌ أَوْ قَالَ لِي حَلِفٌ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا أَفْعَلَ كَذَا ثُمَّ فَعَلَ طَلُقَتْ وَحَنِثَ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا وَقَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ فَصْلِ الصَّرِيحِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ إنْ فَعَلْت كَذَا تَجْرِي كَلِمَةُ الشَّرْعِ بَيْنِي وَبَيْنَك يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ الْيَمِينُ عَلَيَّ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ بَيْنَهُمْ فِيهِ؛ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَيْضًا عَنْ الذَّخِيرَةِ لَوْ قَالَ لَهَا أَلِفٌ نُونٌ تَاءٌ طَاءٌ أَلِفٌ لَامٌ قَافٌ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ تَطْلُقُ لِأَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ يُفْهَمُ مِنْهَا مَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الصَّرِيحِ إلَّا أَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ كَذَلِكَ فَصَارَتْ كَالْكِنَايَةِ فِي الِافْتِقَارِ إلَى النِّيَّةِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ بِالْيَمِينِ الطَّلَاقَ يَصِحُّ وَيَقَعُ بِهِ رَجْعِيَّةً إذَا حَنِثَ. وَأَمَّا أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ جَمْعُ يَمِينٍ وَالْإِضَافَةُ إلَى الْمُسْلِمِينَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْأَيْمَانِ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ الْمُعَلَّقَيْنِ وَسَيَأْتِي لِهَذَا زِيَادَةُ بَيَانٍ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ قَضَاءً) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ دِيَانَةً بِدُونِ النِّيَّةِ، وَلَوْ وُجِدَتْ دَلَالَةُ الْحَالِ فَوُقُوعُهُ بِوَاحِدٍ مِنْ النِّيَّةِ أَوْ دَلَالَةِ الْحَالِ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ فَقَطْ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ أَوْ دَلَالَةِ الْحَالِ) الْمُرَادُ بِهَا الْحَالَةُ الظَّاهِرَةُ الْمُفِيدَةُ لِمَقْصُودِهِ وَمِنْهَا مَا تَقَدَّمَ ذِكْرَ الطَّلَاقِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ؛ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِ هُنَا كَالْكَنْزِ أَنَّ الْكِنَايَاتِ كُلَّهَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْقُدُورِيُّ وَالسَّرَخْسِيَّ فِي الْمَبْسُوطِ؛ وَخَالَفَهُمَا فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ فَقَالُوا بَعْضُهَا لَا يَقَعُ بِهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ اهـ وَأَرَادَ بِهَذَا بَعْضَ مَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ كَاخْرُجِي وَاذْهَبِي وَقُومِي؛ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ وَافَقَ الْمَشَايِخَ فِي التَّفْصِيلِ الْآتِي فَبَقِيَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى عِبَارَةِ الْكَنْزِ. وَأَجَابَ عَنْهُ فِي النَّهْرِ بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ بِأَنَّ صَلَاحِيَّةَ هَذِهِ الصُّوَرِ لِلرَّدِّ كَانَتْ مُعَارِضَةً لِحَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَلَمْ يَبْقَ الرَّدُّ دَلِيلًا؛ فَكَانَتْ الصُّورَةُ الْمَذْكُورَةُ خَالِيَةً عَنْ دَلَالَةِ الْحَالِ وَلِذَلِكَ تَوَقَّفَ فِيهَا عَلَى النِّيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهِيَ حَالَةُ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ) أَشَارَ بِهِ إلَى مَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ تَعُمُّ دَلَالَةَ الْمَقَالِ قَالَ: وَعَلَى هَذَا فَتُفَسَّرُ الْمُذَاكَرَةُ بِسُؤَالِ الطَّلَاقِ أَوْ تَقْدِيمِ الْإِيقَاعِ كَمَا فِي اعْتَدِّي ثَلَاثًا وَقَالَ قَبْلَهُ الْمُذَاكَرَةُ أَنْ تَسْأَلَهُ هِيَ أَوْ أَجْنَبِيٌّ الطَّلَاقَ (قَوْلُهُ أَوْ الْغَضَبِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 فَالْحَالَاتُ ثَلَاثٌ: رِضًا وَغَضَبٌ وَمُذَاكَرَةٌ وَالْكِنَايَاتُ ثَلَاثٌ مَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ أَوْ مَا يَصْلُحُ لِلسَّبِّ، أَوْ لَا وَلَا (فَنَحْوُ اُخْرُجِي وَاذْهَبِي وَقُومِي) تَقَنَّعِي تَخَمَّرِي اسْتَتِرِي انْتَقِلِي انْطَلِقِي اُغْرُبِي اُعْزُبِي مِنْ الْغُرْبَةِ أَوْ مِنْ الْعُزُوبَةِ (يَحْتَمِلُ رَدًّا، وَنَحْوُ خَلِيَّةٌ بَرِّيَّةٌ حَرَامٌ   [رد المحتار] مَعْطُوفٌ عَلَى مُذَاكَرَةِ فَيَكُونُ مِنْ دَلَالَةِ الْحَالِ (قَوْلُهُ فَالْحَالَاتُ ثَلَاثٌ) لَمَّا كَانَ الْغَضَبُ يُقَابِلُهُ الرِّضَا فَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْهُ صَحَّ التَّفْرِيعُ وَفِي الْفَتْحِ: وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ التَّقْسِيمِ فِي الْأَحْوَالِ قِسْمَانِ: حَالَةُ الرِّضَا وَحَالَةُ الْغَضَبِ. وَأَمَّا حَالَةُ الْمُذَاكَرَةِ فَتُصَدَّقُ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا بَلْ لَا يُتَصَوَّرُ سُؤَالُهَا الطَّلَاقَ إلَّا فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْأَحْوَالَ ثَلَاثَةٌ: حَالَةٌ مُطْلَقَةٌ عَنْ قَيْدَيْ الْغَضَبِ وَالْمُذَاكَرَةِ وَحَالَةُ الْمُذَاكَرَةِ وَحَالَةُ الْغَضَبِ اهـ. وَفِي النَّهْرِ وَعِنْدِي أَنَّ الْأَوْلَى هُوَ الِاقْتِصَارُ عَلَى حَالَةِ الْغَضَبِ وَالْمُذَاكَرَةِ، إذْ الْكَلَامُ فِي الْأَحْوَالِ الَّتِي تُؤَثِّرُ فِيهَا الدَّلَالَةُ مُطْلَقًا ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي الْبَدَائِعِ بَعْدَ أَنْ قَسَّمَ الْأَحْوَالَ ثَلَاثَةً قَالَ: فَفِي حَالَةِ الرِّضَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ أَوْ الْغَضَبِ، فَقَدْ قَالُوا إنَّ الْكِنَايَاتِ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ إلَخْ وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْكِنَايَاتُ ثَلَاثَةٌ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهَا كُلَّهَا تَصْلُحُ لِلْجَوَابِ: أَيْ إجَابَتِهِ لَهَا فِي سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ مِنْهُ، لَكِنْ مِنْهَا قِسْمٌ يَحْتَمِلُ الرَّدَّ أَيْضًا: أَيْ عَدَمَ إجَابَةِ سُؤَالِهَا، كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا لَا تَطْلُبِي الطَّلَاقَ فَإِنِّي لَا أَفْعَلُهُ وَقِسْمٌ يَحْتَمِلُ السَّبَّ وَالشَّتْمَ لَهَا دُونَ الرَّدِّ، وَقِسْمٌ لَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ وَلَا السَّبَّ بَلْ يَتَمَحَّضُ لِلْجَوَابِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَابْنِ الْكَمَالِ، وَلِذَا عَبَّرَ بِلَفْظٍ يَحْتَمِلُ وَفِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ أَنَّ الِاحْتِمَالَ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يَصْدُقُ بِهِمَا اللَّفْظُ الْوَاحِدُ مَعًا، وَمِنْ ثَمَّ لَا يُقَالُ يُحْتَمَلُ كَذَا أَوْ كَذَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْعِصَامُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ مِنْ بَحْثِ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ فَنَحْوُ اُخْرُجِي وَاذْهَبِي وَقُومِي) أَيْ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ لِيَنْقَطِعَ الشَّرُّ فَيَكُونُ رَدًّا أَوْ لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا فَيَكُونُ جَوَابًا رَحْمَتِيٌّ. وَلَوْ قَالَ فَبِيعِي الثَّوْبَ لَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ عُرْفًا لِأَجْلِ الْبَيْعِ فَكَانَ صَرِيحُهُ خِلَافَ الْمَنْوِيِّ، وَوَافَقَهُ زُفَرُ نَهْرٌ وَلَوْ قَالَ: اذْهَبِي فَتَزَوَّجِي بِالْفَاءِ أَوْ الْوَاوِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ تَقَنَّعِي تَخَمَّرِي اسْتَتِرِي) أَمْرٌ بِأَخْذِ الْقِنَاعِ أَيْ الْخِمَارِ. عَلَى الْوَجْهِ، وَمِثْلُهُ تَخَمَّرِي وَأَمْرٌ بِالِاسْتِتَارِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: أَيْ لِأَنَّك بِنْتٌ وَحُرِّمْتِ عَلَيَّ بِالطَّلَاقِ أَوْ لِئَلَّا يَنْظُرَ إلَيْكِ أَجْنَبِيٌّ. اهـ. فَهُوَ عَلَى الْأَوَّلِ جَوَابٌ، وَعَلَى الثَّانِي رَدٌّ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ قَاضِي خَانْ: لَوْ قَالَ اسْتَتِرِي مِنِّي خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ كِنَايَةً اهـ وَهَلْ الْمُرَادُ عَدَمُ الْوُقُوعِ بِهِ أَصْلًا أَوْ أَنَّهُ يَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ: وَالظَّاهِرُ الثَّانِي، وَعَلَيْهِ فَهَلْ الْوَاقِعُ بَائِنٌ أَوْ رَجْعِيٌّ وَالظَّاهِرُ الْبَائِنُ لِكَوْنِ قَوْلِهِ مِنِّي قَرِينَةً لَفْظِيَّةً عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ بِمَنْزِلَةِ الْمُذَاكَرَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ انْتَقِلِي) مِثْلُ اُخْرُجِي وَقَدْ تَقَدَّمَ ح (قَوْلُهُ مِنْ الْغُرْبَةِ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ رَاجِعٌ لِلْأَوَّلِ، قَوْلُهُ أَوْ مِنْ الْعُزُوبَةِ بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ رَاجِعٌ لِلثَّانِي، مِنْ عَزَبَ عَنِّي فُلَانٌ يَعْزُبُ: أَيْ فَمَعْنَاهُ أَيْضًا تَبَاعَدِي ح بِزِيَادَةٍ فَفِيهِ مَا فِي اُخْرُجِي أَيْضًا مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ (قَوْلُهُ يَحْتَمِلُ رَدًّا) أَيْ وَيَصْلُحُ جَوَابًا أَيْضًا وَلَا يَصْلُحُ سَبًّا وَلَا شَتْمًا ح (قَوْلُهُ خَلِيَّةٌ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ: أَيْ خَالِيَةٍ إمَّا عَنْ النِّكَاحِ أَوْ عَنْ الْخَيْرِ ح: أَيْ فَهُوَ عَنْ الْأَوَّلِ جَوَابٌ، وَعَلَى الثَّانِي سَبٌّ وَشَتْمٌ، وَمِثْلُهُ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ بَرِيَّةٌ) بِالْهَمْزَةِ وَتَرْكِهِ، أَيْ مُنْفَصِلَةٌ إمَّا عَنْ قَيْدِ النِّكَاحِ أَوْ حُسْنِ الْخُلُقِ ح (قَوْلُهُ حَرَامٌ) مِنْ حَرُمَ الشَّيْءُ بِالضَّمِّ حَرَامًا امْتَنَعَ، أُرِيدَ بِهَا هُنَا الْوَصْفُ وَمَعْنَاهُ الْمَمْنُوعُ فَيُحْمَلُ مَا سَبَقَ، وَسَيَأْتِي وُقُوعُ الْبَائِنِ بِهِ بِلَا نِيَّةٍ فِي زَمَانِنَا لِلتَّعَارُفِ، لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] مُحَرَّمَةٍ وَحُرْمَتَكِ، سَوَاءٌ قَالَ عَلَيَّ أَوْ لَا أَوْ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيَّ حَرَامٌ وَكُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ وَأَنْتِ مَعِي فِي الْحَرَامِ، وَفِي قَوْلِهِ حَرَّمْتُ نَفْسِي لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ عَلَيْكِ، وَأَوْرَدَ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِلَا نِيَّةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالصَّرِيحِ فِي أَعْقَابِهِ الرَّجْعِيَّةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ إنَّمَا هُوَ إيقَاعُ الْبَائِنِ لَا الرَّجْعِيِّ حَتَّى لَوْ قَالَ لَمْ أَنْوِ لَمْ يُصَدَّقْ وَلَوْ قَالَ مَرَّتَيْنِ وَنَوَى بِالْأُولَى وَاحِدَةً وَبِالثَّانِيَةِ ثَلَاثًا صَحَّتْ نِيَّتُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ح عَنْ النَّهْرِ. قُلْت: لَكِنَّ عِبَارَةَ الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى الثَّلَاثَ فِي إحْدَاهُمَا وَالْوَاحِدَةَ فِي الْأُخْرَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِيرَادِ وَالْجَوَابِ مَذْكُورٌ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا، وَمُقْتَضَى الْجَوَابِ وُقُوعُ الرَّجْعِيِّ بِهِ فِي زَمَانِنَا لِأَنَّهُ لَمْ يُتَعَارَفْ إيقَاعُ الْبَائِنِ بِهِ فَإِنَّ الْعَامِّيَّ الْجَاهِلَ الَّذِي يَحْلِفُ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الْحَرَامُ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْبَائِنِ وَالرَّجْعِيِّ فَضْلًا عَلَى أَنْ يَكُونَ عَرَّفَهُ إيقَاعَ الْبَائِنِ بِهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُ أَنَّ مَنْ حَنِثَ بِهَذَا الْيَمِينِ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ مِثْلُ قَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا أَفْعَلُ كَذَا، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْوُقُوعَ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ إنَّمَا هُوَ لِلْعُرْفِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ التَّعْلِيقِ، وَكَذَا عَلَيَّ الْحَرَامُ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُقُوعِ أَصْلًا كَمَا فِي طَلَاقِك عَلَيَّ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، فَحَيْثُ كَانَ الْوُقُوعُ بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ لِلْعُرْفِ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ بِهِمَا الْمُتَعَارَفُ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْحَرَامُ فِي الْأَصْلِ كِنَايَةً يَقَعُ بِهَا الْبَائِنُ لِأَنَّهُ لَمَّا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّلَاقِ لَمْ يَبْقَ كِنَايَةً، وَلِذَا لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى النِّيَّةِ أَوْ دَلَالَةِ الْحَالِ، وَلَا شَيْءَ مِنْ الْكِنَايَةِ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ بِلَا نِيَّةٍ أَوْ دَلَالَةِ الْحَالِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ عَقِبَ قَوْلِهِ فِي الْجَوَابِ الْمَارِّ إنَّ الْمُتَعَارَفَ بِهِ إيقَاعُ الْبَائِنِ لَا الرَّجْعِيُّ، حَيْثُ قَالَ مَا نَصُّهُ: بِخِلَافِ فَارِسِيَّةِ قَوْلِهِ سَرَّحْتُكِ وَهُوَ " رهاء كردم " لِأَنَّهُ صَارَ صَرِيحًا فِي الْعُرْفِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ نَجْمٌ الزَّاهِدِيُّ الْخُوَارِزْمِيَّ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ اهـ وَقَدْ صَرَّحَ الْبَزَّازِيُّ أَوَّلًا بِأَنَّ: حَلَالَ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ الْفَارِسِيَّةَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ قَالَ حَلَالُ " أيزدبروي " أَوْ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيْهِ حَرَامٌ لَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ لِلْعُرْفِ وَأَنَّهُ يَقَعُ بِهِ الْبَائِنُ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَرَّحْتُكِ فَإِنَّ سَرَّحْتُك كِنَايَةٌ لَكِنَّهُ فِي عُرْفِ الْفُرْسِ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الصَّرِيحِ فَإِذَا قَالَ " رهاكردم " أَيْ سَرَّحْتُك يَقَعُ بِهِ الرَّجْعِيُّ مَعَ أَنَّ أَصْلَهُ كِنَايَةٌ أَيْضًا، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِأَنَّهُ غَلَبَ فِي عُرْفِ الْفُرْسِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الصَّرِيحَ مَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ إلَّا فِي الطَّلَاقِ مِنْ أَيِّ لُغَةٍ كَانَتْ، لَكِنْ لَمَّا غَلَبَ اسْتِعْمَالُ حَلَالِ اللَّهِ فِي الْبَائِنِ عِنْدَ الْعَرَبِ وَالْفُرْسِ وَقَعَ بِهِ الْبَائِنُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَوَقَعَ بِهِ الرَّجْعِيُّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ خَالَفُوا الْمُتَقَدِّمِينَ فِي وُقُوعِ الْبَائِنِ بِالْحَرَامِ بِلَا نِيَّةٍ حَتَّى لَا يُصَدَّقَ إذَا قَالَ لَمْ أَنْوِ لِأَجْلِ الْعُرْفِ الْحَادِثِ فِي زَمَانِ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَيَتَوَقَّفُ الْآنَ وُقُوعُ الْبَائِنِ بِهِ عَلَى وُجُودِ الْعُرْفِ كَمَا فِي زَمَانِهِمْ. وَأَمَّا إذَا تُعُورِفَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مُجَرَّدِ الطَّلَاقِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ بَائِنًا يَتَعَيَّنُ وُقُوعُ الرَّجْعِيِّ بِهِ كَمَا فِي فَارِسِيَّةِ سَرَّحْتُكِ وَمِثْلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الصَّرِيحِ مِنْ وُقُوعِ الرَّجْعِيِّ بِقَوْلِهِ " سن بوش " أَوْ " بوش " أَوَّلَ فِي لُغَةِ التُّرْكِ مَعَ أَنَّ مَعْنَاهُ الْعَرَبِيَّ أَنْتِ خَلِيَّةٌ، وَهُوَ كِنَايَةٌ لَكِنَّهُ غَلَبَ فِي لُغَةِ التُّرْكِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّلَاقِ، وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَهُ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فَتَأَمَّلْ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي بَعْدَ مُدَّةٍ مَا عَسَى يَصْلُحُ جَوَابًا، وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ حَرَامٍ مَعْنَاهُ عَدَمُ حِلِّ الْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْإِيلَاءِ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، وَيَكُونُ بِالطَّلَاقِ الرَّافِعِ لِلْعَقْدِ، وَهُوَ قِسْمَانِ: بَائِنٌ وَرَجْعِيٌّ، لَكِنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ فَتَعَيَّنَ الْبَائِنُ، وَكَوْنُهُ اُلْتُحِقَ بِالصَّرِيحِ لِلْعُرْفِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 بَائِنٌ) وَمُرَادِفُهَا كَبَتَّةٍ بَتْلَةٍ (يَصْلُحُ سَبًّا، وَنَحْوُ اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك، أَنْتِ وَاحِدَةٌ، أَنْتِ حُرَّةٌ، اخْتَارِي أَمْرَك بِيَدِك سَرَّحْتُكِ، فَارَقْتُكِ لَا يَحْتَمِلُ السَّبَّ وَالرَّدَّ، فَفِي حَالَةِ الرِّضَا) أَيْ غَيْرِ الْغَضَبِ وَالْمُذَاكَرَةِ (تَتَوَقَّفُ الْأَقْسَامُ) الثَّلَاثَةُ تَأْثِيرًا (عَلَى نِيَّةٍ) لِلِاحْتِمَالِ وَالْقَوْلُ لَهُ   [رد المحتار] لَا يُنَافِي وُقُوعَ الْبَائِنِ بِهِ، فَإِنَّ الصَّرِيحَ قَدْ يَقَعُ بِهِ الْبَائِنُ كَتَطْلِيقَةٍ شَدِيدَةٍ وَنَحْوِهِ: كَمَا أَنَّ بَعْضَ الْكِنَايَاتِ قَدْ يَقَعُ بِهِ الرَّجْعِيُّ، مِثْلَ اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَكِ وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمَّا تُعُورِفَ بِهِ الطَّلَاقُ صَارَ مَعْنَاهُ تَحْرِيمَ الزَّوْجَةِ، وَتَحْرِيمُهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِالْبَائِنِ، هَذَا غَايَةُ مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَعَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا أَجَابَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْمُتَعَارَفَ بِهِ إيقَاعُ الْبَائِنِ، لِمَا عَلِمْتَ مِمَّا يَرِدُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ بَائِنٌ) مِنْ بَانَ الشَّيْءُ: انْفَصَلَ أَيْ مُنْفَصِلَةٌ مِنْ وَصْلَةِ النِّكَاحِ أَوْ عَنْ الْخَيْرِ ح (قَوْلُهُ كَبَتَّةٍ) مِنْ الْبَتِّ بِمَعْنَى الْقَطْعِ، فَيَحْتَمِلُ مَا احْتَمَلَهُ الْبَائِنُ، وَأَوْجَبَ سِيبَوَيْهِ فِيهِ الْأَلِفَ وَاللَّامَ، وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ إسْقَاطَهُمَا، أَوْ بَتْلَةٌ مِنْ الْبَتْلِ وَهُوَ الِانْقِطَاعُ، وَبِهِ سُمِّيَتْ مَرْيَمُ لِانْقِطَاعِهَا عَنْ الرِّجَالِ وَفَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ لِانْقِطَاعِهَا عَنْ نِسَاءِ زَمَانِهَا فَضْلًا وَدِينًا وَحَسَبًا وَقِيلَ عَنْ الدُّنْيَا إلَى رَبِّهَا، وَفِيهِ مِنْ الِاحْتِمَالِ مَا مَرَّ مِنْ النَّهْرِ (قَوْلُهُ يَصْلُحُ سَبًّا) أَيْ وَيَصْلُحُ جَوَابًا أَيْضًا وَلَا يَصْلُحُ رَدًّا ح وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ وَابْنِ الْكَمَالِ وَالْبَدَائِعِ، خِلَافًا لِمَا يَظْهَرُ مِنْ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ يَصْلُحُ لِلرَّدِّ أَيْضًا (قَوْلُهُ اعْتَدِّي) أَمْرٌ بِالِاعْتِدَادِ الَّذِي هُوَ مِنْ الْعِدَّةِ أَوْ مِنْ الْعَدِّ: أَيْ اعْتَدِّي نِعَمِي عَلَيْك بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَاسْتَبْرِئِي) أَمْرٌ بِتَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَهِيَ طَهَارَتُهَا مِنْ الْمَاءِ وَأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الِاعْتِدَادِ الَّذِي هُوَ مِنْ الْعِدَّةِ. وَيَحْتَمِلُ اسْتَبْرِئِي لِأُطَلِّقكِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ أَنْتِ وَاحِدَةٌ) أَيْ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْتِ وَاحِدَةٌ عِنْدِي أَوْ فِي قَوْمِكِ مَدْحًا أَوْ ذَمًّا، فَإِذَا نَوَى الْأَوَّلَ فَكَأَنَّهُ قَالَهُ. مَطْلَبٌ لَا اعْتِبَارَ بِالْإِعْرَابِ هُنَا وَلَا اعْتِبَارَ بِإِعْرَابِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْعَوَّامَ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ وُجُوهِهِ وَالْخَوَاصُّ لَا يَلْتَزِمُونَهُ فِي مُخَاطَبَتِهِمْ بَلْ تِلْكَ صِنَاعَتُهُمْ وَالْعُرْفُ لُغَتُهُمْ، وَلِذَا تَرَى أَهْلَ الْعِلْمِ فِي مَجَارِي كَلَامِهِمْ لَا يَلْتَزِمُونَهُ، عَلَى أَنَّ الرَّفْعَ لَا يُنَافِي الْوُقُوعَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ أَنْتِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، فَجَعَلَهَا نَفْسَ الطَّلْقَةِ مُبَالَغَةً كَرَجُلٍ عَدْلٍ، لَكِنْ قَدْ اعْتَبَرُوا الْإِعْرَابَ فِي الْإِقْرَارِ فِيمَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ غَيْرُ دَانِقٍ رَفْعًا وَنَصَبًا فَيُطْلَبُ الْفَرْقُ، وَكَأَنَّهُ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْبَابَيْنِ فَتَدَبَّرْهُ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ أَنْتِ حُرَّةٌ) أَيْ لِبَرَاءَتِكِ مِنْ الرِّقِّ أَوْ مِنْ رَقِّ النِّكَاحِ وَأَعْتَقْتُك مِثْلُ أَنْتِ حَرَّةٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَكَذَا كُونِي حَرَّةً أَوْ اعْتَقِي كَمَا فِي الْبَدَائِعِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ اخْتَارِي أَمْرَكِ بِيَدِكِ) كِنَايَتَانِ عَنْ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ: أَيْ اخْتَارِي نَفْسَك بِالْفِرَاقِ أَوْ فِي عَمَلٍ أَوْ أَمْرُك بِيَدِك فِي الطَّلَاقِ أَوْ فِي تَصَرُّفٍ آخَرَ. وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ: وَهَذَا لَا يُنَاسِبُ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَلَقَدْ وَقَعَ بِسَبَبِ ذَلِكَ خَطَأٌ عَظِيمٌ مِنْ بَعْضِ الْمُفْتِينَ فَزَعَمَ أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَأَفْتَى بِهِ وَحَرَّمَ حَلَالًا نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ اهـ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِهِ خَلَا اخْتَارِي ح أَيْ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِمَا الطَّلَاقُ مَا لَمْ تُطَلِّقْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا أَيْ مَعَ نِيَّةِ الزَّوْجِ تَفْوِيضَ الطَّلَاقِ لَهَا أَوْ دَلَالَةِ الْحَالِ مِنْ غَضَبٍ أَوْ مُذَاكَرَةٍ كَمَا يَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي وَيُعْلَمُ مِمَّا هُنَا (قَوْلُهُ سَرَّحْتُكِ) مِنْ السَّرَاحِ بِفَتْحِ السِّينِ: وَهُوَ الْإِرْسَالُ أَيْ أَرْسَلْتُك لِأَنِّي طَلَّقْتُكِ أَوْ لِحَاجَةٍ لِي، وَكَذَا فَارَقْتُك لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ فِي هَذَا الْمَنْزِلِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لَا يَحْتَمِلُ السَّبَّ وَالرَّدَّ) أَيْ بَلْ مَعْنَاهُ الْجَوَابُ فَقَطْ ح أَيْ جَوَابُ طَلَبِ الطَّلَاقِ أَيْ التَّطْلِيقُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ تَأْثِيرًا) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْفَاعِلِ: أَيْ يَتَوَقَّفُ تَأْثِيرُ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ عَلَى نِيَّةٍ ط (قَوْلُهُ لِلِاحْتِمَالِ) لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 بِيَمِينِهِ فِي عَدَمِ النِّيَّةِ وَيَكْفِي تَحْلِيفُهَا لَهُ فِي مَنْزِلِهِ، فَإِنْ أَبَى رَفَعَتْهُ لِلْحَاكِمِ فَإِنْ نَكَلَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا مُجْتَبًى. (وَفِي الْغَضَبِ) تَوَقَّفَ (الْأَوَّلَانِ) إنْ نَوَى وَقَعَ وَإِلَّا لَا (وَفِي مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ) يَتَوَقَّفُ (الْأَوَّلُ فَقَطْ) وَيَقَعُ   [رد المحتار] مِنْ الْأَلْفَاظِ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ وَالْحَالُ لَا تَدُلُّ عَلَى أَحَدِهِمَا فَيُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ وَيُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ قَضَاءً بَدَائِعُ. قَالَ ط: فَإِنْ قُلْتُ: إنَّ مَا يَصْلُحُ جَوَابًا يَنْبَغِي الْوُقُوعُ بِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ قُلْتُ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ جَوَابًا أَنَّهُ جَوَابٌ لِتَحْصِيلِ الطَّلَاقِ بَلْ هُوَ جَوَابٌ لِكَلَامِهَا بِغَيْرِ السُّؤَالِ، أَمَّا إذَا تَكَلَّمَتْ بِسُؤَالِ الطَّلَاقِ فَقَدْ حَصَلَتْ الْمُذَاكَرَةُ، وَفِيهَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ إلَّا الْأَوَّلُ كَمَا يَأْتِي. اهـ. قُلْت: لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ مِنْ تَفْسِيرِهِ الْمُحْتَمَلِ لِلْجَوَابِ بِأَنَّهُ جَوَابُ طَلَبِ الطَّلَاقِ أَيْ التَّطْلِيقِ فَالْأَوَّلُ الْجَوَابُ عَنْ الْإِيرَادِ بِأَنْ يُقَالَ إنَّ نَحْوَ اعْتَدِّي يَتَمَحَّضُ لِلتَّطْلِيقِ إجَابَةً لِسُؤَالِهَا أَيْ أَنَّهُ إنْ كَانَ هُنَاكَ سُؤَالُ الطَّلَاقِ تَمَحَّضَ لِلتَّطْلِيقِ وَلَا يَلْزَمُ وُجُودُ سُؤَالِ الطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ لِأَنَّهُ قَدْ تَكُونُ الْحَالَةُ حَالَةَ رِضًا فَقَطْ أَوْ حَالَةَ غَضَبٍ فَقَطْ بِدُونِ سُؤَالِ الطَّلَاقِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَخْرُجُ نَحْوُ اعْتَدِّي عَنْ كَوْنِهِ مُتَمَحِّضًا لِلْجَوَابِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ سُؤَالًا لَتَمَحَّضَ جَوَابًا لَهُ وَلِذَا يَقَعُ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى نِيَّةٍ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ السُّؤَالِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ) فَالْيَمِينُ لَازِمَةٌ لَهُ سَوَاءٌ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ أَمْ لَا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى ط عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَإِنْ نَكَلَ) أَيْ عِنْدَ الْقَاضِي لِأَنَّ النُّكُولَ عِنْدَ غَيْرِهِ لَا يُعْتَبَرُ ط (قَوْلُهُ تَوَقَّفَ الْأَوَّلَانِ) أَيْ مَا يَصْلُحُ رَدًّا وَجَوَابًا وَمَا يَصْلُحُ سَبًّا وَجَوَابًا وَلَا يَتَوَقَّفُ مَا يَتَعَيَّنُ لِلْجَوَابِ. بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ حَالَةَ الْغَضَبِ تَصْلُحُ لِلرَّدِّ وَالتَّبْعِيدِ وَالسَّبِّ وَالشَّتْمِ كَمَا تَصْلُحُ لِلطَّلَاقِ، وَأَلْفَاظُ الْأَوَّلِينَ يَحْتَمِلَانِ ذَلِكَ أَيْضًا فَصَارَ الْحَالُ فِي نَفْسِهِ مُحْتَمَلًا لِلطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ، فَإِذَا عَنَى بِهِ غَيْرَهُ فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ وَلَا يُكَذِّبُهُ الظَّاهِرُ فَيُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ، بِخِلَافِ أَلْفَاظِ الْأَخِيرِ: أَيْ مَا يَتَعَيَّنُ لِلْجَوَابِ لِأَنَّهَا وَإِنْ احْتَمَلَتْ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ أَيْضًا لَكِنَّهَا لَمَّا زَالَ عَنْهَا احْتِمَالُ الرَّدِّ وَالتَّبْعِيدِ وَالسَّبِّ وَالشَّتْمِ اللَّذَيْنِ احْتَمَلَتْهُمَا حَالَ الْغَضَبِ تَعَيَّنَتْ الْحَالُ عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الطَّلَاقِ فِي كَلَامِهِ ظَاهِرًا، فَلَا يُصَدَّقُ فِي الصَّرْفِ عَنْ الظَّاهِرِ، فَلِذَا وَقَعَ بِهَا قَضَاءً بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى النِّيَّةِ كَمَا فِي صَرِيحِ الطَّلَاقِ إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ وِثَاقٍ (قَوْلُهُ يَتَوَقَّفُ الْأَوَّلُ فَقَطْ) أَيْ مَا يَصْلُحُ لِلرَّدِّ وَالْجَوَابِ لِأَنَّ حَالَةَ الْمُذَاكَرَةِ تَصْلُحُ لِلرَّدِّ وَالتَّبْعِيدِ كَمَا تَصْلُحُ لِلطَّلَاقِ دُونَ الشَّتْمِ وَأَلْفَاظُ الْأَوَّلِ كَذَلِكَ، فَإِذَا نَوَى بِهَا الرَّدَّ لَا الطَّلَاقَ فَقَدْ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ بِلَا مُخَالَفَةٍ لِلظَّاهِرِ فَتَوَقَّفَ الْوُقُوعُ عَلَى النِّيَّةِ، بِخِلَافِ أَلْفَاظِ الْأَخِيرَيْنِ فَإِنَّهَا وَإِنْ احْتَمَلَتْ الطَّلَاقَ لَكِنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ مَا تَحْتَمِلُهُ الْمُذَاكَرَةُ مِنْ الرَّدِّ وَالتَّبْعِيدِ، فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الطَّلَاقِ ظَاهِرًا فَلَا يُصَدَّقُ فِي الصَّرْفِ عَنْهُ فَلِذَا وَقَعَ بِهَا قَضَاءً بِلَا نِيَّةٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَوَّلَ يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ فِي حَالَةِ الرِّضَا وَالْغَضَبِ وَالْمُذَاكَرَةِ، وَالثَّانِي فِي حَالَةِ الرِّضَا وَالْغَضَبِ فَقَطْ وَيَقَعُ فِي حَالَةِ الْمُذَاكَرَةِ بِلَا نِيَّةٍ، وَالثَّالِثُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا فِي حَالَةِ الرِّضَا فَقَطْ، وَيَقَعُ حَالَةَ الْغَضَبِ وَالْمُذَاكَرَةِ بِلَا نِيَّةٍ وَقَدْ نَظَمْتُ ذَلِكَ بِقَوْلِي: نَحْوُ اُخْرُجِي قُومِي اذْهَبِي رَدًّا يَصِحْ ... خَلِيَّةً بَرِيَّةً سَبًّا صَلُحْ وَاسْتَبْرِئِي اعْتَدِّي جَوَابًا قَدْ حَتَمْ ... فَالْأَوَّلُ الْقَصْدُ لَهُ دَوْمًا لَزِمْ وَالثَّانِي فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا انْضَبَطْ ... لَا الذِّكْرُ وَالثَّالِثُ فِي الرِّضَا فَقَطْ وَرَسَمْتُهَا فِي شُبَّاكٍ لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 بِالْأَخِيرَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّ مَعَ الدَّلَالَةِ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً فِي نَفْيِ النِّيَّةِ لِأَنَّهَا أَقْوَى لِكَوْنِهَا ظَاهِرَةً، وَالنِّيَّةُ بَاطِنَةٌ وَلِذَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا عَلَى الدَّلَالَةِ لَا عَلَى النِّيَّةِ إلَّا أَنْ تُقَامَ عَلَى إقْرَارِهِ بِهَا عِمَادِيَّةٌ، ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فَلَوْ السُّؤَالُ بِهَلْ يَقَعُ بِقَوْلِ نَعَمْ إنْ نَوَيْت، وَلَوْ بِكَمْ يَقَعُ بِقَوْلِ وَاحِدَةٍ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ بَزَّازِيَّةٌ فَلْيُحْفَظْ. (وَتَقَعُ رَجْعِيَّةٌ بِقَوْلِهِ اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَكِ وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ) وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ، وَلَا عِبْرَةَ بِإِعْرَابِ وَاحِدَةٍ فِي الْأَصَحِّ (وَ) يَقَعُ (بِبَاقِيهَا) أَيْ بَاقِي أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ، فَلَا يَرِدُ وُقُوعُ الرَّجْعِيِّ بِبَعْضِ الْكِنَايَاتِ أَيْضًا نَحْوُ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ طَلَاقِكِ،   [رد المحتار] رَدٌّ وَجَوَابٌ، سَبٌّ وَجَوَابٌ، جَوَابٌ فَقَطْ،،،،،، اُخْرُجِي اذْهَبِي، خَلِيَّةٌ بَرِيَّةٌ، اعْتَدِّي اسْتَبْرِئِي،،،،،،، رِضًا، تَلْزَمُ النِّيَّةُ، تَلْزَمُ النِّيَّةُ، تَلْزَمُ النِّيَّةُ،،،،،،، غَضَبٌ، تَلْزَمُ النِّيَّةُ، تَلْزَمُ النِّيَّةُ، يَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ،،،،،،، مُذَاكَرَةٌ، تَلْزَمُ النِّيَّةُ، تَلْزَمُ النِّيَّةُ، يَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ،،،،،، (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَعَ الدَّلَالَةِ) اسْمُ أَنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا) أَيْ الدَّلَالَةَ (قَوْلُهُ بَيِّنَتُهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (قَوْلُهُ عَلَى الدَّلَالَةِ) أَيْ الْغَضَبِ أَوْ الْمُذَاكَرَةِ (قَوْلُهُ لَا عَلَى النِّيَّةِ) أَيْ لَوْ بَرْهَنَتْ فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةِ الطَّلَاقِ أَنَّهُ نَوَى لَا تُقْبَلُ (قَوْلُهُ فَلَوْ السُّؤَالُ بِهَلْ يَقَعُ) يَعْنِي إذَا قَالَ السَّائِلُ: قُلْتُ كَذَا هَلْ يَقَعُ عَلَيَّ الطَّلَاقُ: يَقُولُ الْمُفْتِي نَعَمْ إنْ نَوَيْتَ ح (قَوْلُهُ وَلَوْ بِكَمْ يَقَعُ) يَعْنِي لَوْ قَالَ السَّائِلُ: قُلْتُ كَذَا كَمْ يَقَعُ عَلَيَّ يَقُولُ لَهُ الْمُفْتِي يَقَعُ وَاحِدَةً وَلَا يَتَعَرَّضُ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ؛ يَعْنِي لَا يَقُولُ لَهُ الْمُفْتِي تَقَعُ وَاحِدَةٌ إنْ نَوَيْتَ ح (قَوْلُهُ وَتَقَعُ رَجْعِيَّةٌ) وَإِنْ نَوَى الْبَائِنَ ح (قَوْلُهُ بِقَوْلِهِ اعْتَدِّي) لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِضْمَارِ: أَيْ طَلَّقْتُك فَاعْتَدِّي أَوْ اعْتَدِّي لِأَنِّي طَلَّقْتُك، فَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا يَثْبُتُ الطَّلَاقُ وَتَجِبُ الْعِدَّةُ، وَفِي غَيْرِهَا يَثْبُتُ الطَّلَاقُ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ وَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ، كَذَا فِي التَّلْوِيحِ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَكِ) قَدَّمْنَا عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الِاعْتِدَادِ مِنْ الْعِدَّةِ: فَيُقَالُ فِيهِ مَا قُلْنَاهُ آنِفًا فِي اعْتَدِّي (قَوْلُهُ وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّهُ إذَا نَوَى الطَّلَاقَ صَارَ لَفْظُ وَاحِدَةٍ صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَصَرِيحُ الطَّلَاقِ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ وَالْمَصْدَرُ وَإِنْ احْتَمَلَ نِيَّةَ الثَّلَاثِ، لَكِنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْوَاحِدَةِ يَمْنَعُ إرَادَةَ الثَّلَاثِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) كَذَا صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَلَا يَرِدُ إلَخْ) أَيْ إذَا عَلِمْتَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي بَاقِيهَا عَائِدٌ عَلَى الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَتْنِ، فَلَا يَرِدُ أَنَّ غَيْرَهَا مِنْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ قَدْ يَقَعُ بِهِ الرَّجْعِيُّ مِنْ كُلِّ كِنَايَةٍ كَانَ فِيهَا ذِكْرُ الطَّلَاقِ، لَكِنْ جَعَلَهَا فِي الْبَحْرِ دَاخِلَةً بِالْأَوْلَى تَحْتَ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ الْوَاقِعِ بِهَا الرَّجْعِيُّ لِأَنَّ عِلَّةَ وُقُوعِ الرَّجْعِيِّ بِهَا وُجُودُ الطَّلَاقِ مُقْتَضًى أَوْ مُضْمَرًا، فَمَا ذُكِرَ فِيهَا الطَّلَاقُ يَقَعُ بِهَا الرَّجْعِيُّ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ نَحْوُ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ طَلَاقِكِ) أَيْ يَقَعُ بِهِ الرَّجْعِيُّ إذَا نَوَى فَتْحٌ، لَكِنْ فِي الْجَوْهَرَةِ؛ وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ نِكَاحِك وَقَعَ الطَّلَاقُ إذَا نَوَاهُ، وَإِنْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ طَلَاقِك لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ الشَّيْءِ تَرْكٌ لَهُ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ فِي: بَرِئْتُ مِنْ طَلَاقِكِ، وَجَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ بِتَصْحِيحِ عَدَمِ الْوُقُوعِ بِهِ لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي الْخُلَاصَةِ: اُخْتُلِفَ فِي بَرِئْتُ مِنْ طَلَاقِكِ، وَالْأَوْجَهُ عِنْدِي أَنْ يَقَعَ بَائِنًا لِأَنَّ حَقِيقَةَ تَبْرِئَتِهِ مِنْهُ تَسْتَلْزِمُ عَجْزَهُ عَنْ الْإِيقَاعِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ الثَّلَاثِ أَوْ عَدَمِ الْإِيقَاعِ أَصْلًا وَبِذَلِكَ صَارَ كِنَايَةً، فَإِذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 وَخَلَّيْتُ سَبِيلَ طَلَاقِك، وَأَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِالتَّخْفِيفِ، وَأَنْتِ أَطْلَقُ مِنْ امْرَأَةِ فُلَانٍ، وَهِيَ مُطَلَّقَةٌ، وَأَنْتِ ط ال ق وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا صَرَّحُوا بِهِ (خَلَا اخْتَارِي) فَإِنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ لَا تَصِحُّ فِيهِ أَيْضًا، وَلَا تَقَعُ بِهِ وَلَا بِأَمْرَكِ بِيَدِكِ مَا لَمْ تُطَلِّقْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا كَمَا يَأْتِي (الْبَائِنُ إنْ نَوَاهَا أَوْ الثِّنْتَيْنِ) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الطَّلَاقَ مَصْدَرٌ   [رد المحتار] أَرَادَ الْأَوَّلَ وَقَعَ وَصُرِفَ إلَى إحْدَى الْبَيْنُونَتَيْنِ وَهِيَ الَّتِي دُونَ الثَّلَاثِ. اهـ. قُلْت: مُقْتَضَى هَذَا وُقُوعُ وَاحِدَةٍ بَائِنَةٍ لِأَنَّ الْوُقُوعَ لَيْسَ بِلَفْظِ الصَّرِيحِ بَلْ بِلَفْظِ بَرِئْتُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَخَلَّيْتُ سَبِيلَ طَلَاقِك) وَكَذَا خَلَّيْت طَلَاقَكِ أَوْ تَرَكْت طَلَاقَك، إنْ نَوَى وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا خَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ بِالتَّخْفِيفِ) أَيْ تَخْفِيفِ اللَّامِ، أَمَّا بِالتَّشْدِيدِ فَهُوَ صَرِيحٌ يَقَعُ بِهِ بِلَا نِيَّةٍ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ وَأَنْتِ أَطْلَقُ مِنْ امْرَأَةِ فُلَانٍ) فَإِنْ كَانَ جَوَابًا لِقَوْلِهَا إنَّ فُلَانًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَقَعَ وَلَا يُدَيَّنُ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ قَائِمَةٌ مَقَامَ النِّيَّةِ؛ حَتَّى لَوْ لَمْ تَكُنْ قَائِمَةً لَمْ يَقَعْ إلَّا بِالنِّيَّةِ نَهْرٌ فِي بَابِ الصَّرِيحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ فَلَيْسَ مِنْ الصَّرِيحِ وَإِلَّا لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى النِّيَّةِ، وَعَلَّلَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَيْسَ صَرِيحًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَهِيَ مُطَلَّقَةٌ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ امْرَأَةَ فُلَانٍ مُطَلَّقَةٌ وَإِلَّا فَلَا يَقَعُ، وَهَذَا الْقَيْدُ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ فِي الْفَتْحِ فِي أَوَّلِ بَابِ الصَّرِيحِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا مُطَلَّقَةً أَوْ لَا. قَالَ: وَالْمَعْنَى عِنْدَ عَدَمِ كَوْنِهَا مُطَلَّقَةً لِأَجْلِ فُلَانَةَ، يَعْنِي أَنَّ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ مِنْ امْرَأَةِ فُلَانٍ لِلتَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ وَأَنْتِ ط ل ق) قَدَّمْنَا فِي بَابِ الصَّرِيحِ عَنْ الذَّخِيرَةِ تَعْلِيلَهُ بِأَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ يُفْهَمُ مِنْهَا مَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ صَرِيحِ الْكَلَامِ إلَّا أَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ كَذَلِكَ، فَصَارَتْ كَالْكِنَايَةِ فِي الِافْتِقَارِ إلَى النِّيَّةِ (قَوْلُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ إلَخْ) مِثْلُ: الطَّلَاقُ عَلَيْكِ، وَهَبْتُك طَلَاقَك، بِعْتُكِ طَلَاقَك، إذَا قَالَتْ اشْتَرَيْت مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ خُذِي طَلَاقَك، أَقْرَضْتُك طَلَاقَك، قَدْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقَك أَوْ قَضَاهُ، أَوْ شِئْت؛ فَفِي الْكُلِّ يَقَعُ بِالنِّيَّةِ رَجْعِيٌّ كَمَا فِي الْفَتْحِ: زَادَ فِي الْبَحْرِ: الطَّلَاقُ لَكِ أَوْ عَلَيْكِ، أَنْتِ طَالِ بِحَذْفِ الْآخِرِ، لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ وَمَا أَنَا لَك بِزَوْجٍ، أَعَرْتُك طَلَاقَك، وَيَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا عَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ اهـ وَمِثْلُهُ طَلَّقَكِ اللَّهُ وَهُوَ الْحَقُّ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا تُشْتَرَطُ لَهُ النِّيَّةُ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الصَّرِيحِ، لَكِنْ قَدَّمْنَا هُنَاكَ تَصْحِيحَ عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي خُذِي طَلَاقَك فَهُوَ مِنْ الصَّرِيحِ وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ مِنْ الصَّرِيحِ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ أَعَرْتُكِ طَلَاقَك وَوَهَبْتُهُ لَك وَشِئْتُ طَلَاقَك فَقَدَّمْنَا تَصْحِيحَ خِلَافِهِ هُنَاكَ فَافْهَمْ وَقَدَّمَ الشَّارِحُ هُنَاكَ أَنَّ أَنْتِ طَالِ إنْ بِالْكَسْرِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ وَإِلَّا تَوَقَّفَ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ ثَمَّةَ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ هُنَاكَ: لَوْ قَالَ أَنْتِ بِثَلَاثٍ وَقَعَتْ ثَلَاثٌ إنْ نَوَى لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لَفْظَهُ، وَلَوْ قَالَ لَمْ أَنْوِ لَا يُصَدَّقُ إذَا كَانَ فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ وَإِلَّا صُدِّقَ (قَوْلُهُ خَلَا اخْتَارِي) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَبِبَاقِيهَا بِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِهِ الْآتِي وَثَلَاثٌ إنْ نَوَاهُ، وَلَوْ أَخَّرَهُ بَعْدَهُ: أَنْ يَقُولَ وَثَلَاثٌ إنْ نَوَاهُ إلَّا فِي اخْتَارِي لَكَانَ أَوْلَى ط (قَوْلُهُ لَا تَصِحُّ فِيهِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا لَا تَصِحُّ نِيَّةِ الثَّلَاثِ فِي الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ ط (قَوْلُهُ مَا لَمْ تُطَلِّقْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا) أَيْ مَعَ نِيَّةِ الزَّوْجِ الطَّلَاقَ أَوْ دَلَالَةِ الْحَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ كِنَايَةُ إيقَاعٍ كَمَا يَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ الْبَائِنُ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ يَقَعُ فِي قَوْلِهِ وَيَقَعُ بِبَاقِيهَا (قَوْلُهُ إنْ نَوَاهَا) أَيْ نَوَى الْوَاحِدَةَ وَلَيْسَ الضَّمِيرُ لِلْبَائِنِ، وَأَنَّثَهُ لِكَوْنِهِ بِمَعْنَى الطَّلْقَةِ لِأَنَّ وُقُوعَ الْبَائِنِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّتِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ الثِّنْتَيْنِ عَطْفٌ عَلَى الْهَاءِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا نَوَى الْوَاحِدَةَ أَوْ الثِّنْتَيْنِ لَا تَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً حَتَّى لَوْ طَلَّقَ الْحُرَّةَ وَاحِدَةً ثُمَّ أَبَانَهَا وَنَوَى ثِنْتَيْنِ كَانَتْ وَاحِدَةً، وَلَوْ نَوَى الثَّلَاثَ وَقَعْنَ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ فِي حَقِّهَا بِالثَّنِيَّتَيْنِ وَبِالْوَاحِدَةِ السَّابِقَةِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الصَّرِيحِ أَنَّ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ سَهْوٌ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الطَّلَاقَ مَصْدَرٌ) فِيهِ أَنَّ أَلْفَاظَ الْكِنَايَاتِ سِوَى الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ غَيْرُ مُتَضَمِّنَةٍ لِلَفْظِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ عَمَّا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ حُكْمِهِ لِأَنَّهَا لَمْ يَرِدْ بِهَا الطَّلَاقُ أَصْلًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 لَا يَحْتَمِلُ مَحْضَ الْعَدَدِ (وَثَلَاثٌ إنْ نَوَاهُ) لِلْوَاحِدَةِ الْجِنْسِيَّةِ وَلِذَا صَحَّ فِي الْأَمَةِ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ (قَالَ اعْتَدِّي ثَلَاثًا وَنَوَى بِالْأَوَّلِ طَلَاقًا وَبِالْبَاقِي حَيْضًا صُدِّقَ) قَضَاءً لِنِيَّتِهِ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ) أَيْ بِالْبَاقِي (شَيْئًا فَثَلَاثٌ) لِدَلَالَةِ الْحَالِ بِنِيَّةِ الْأَوَّلِ؛ حَتَّى لَوْ نَوَى بِالثَّانِي فَقَطْ فَثِنْتَانِ أَوْ بِالثَّالِثِ فَوَاحِدَةٌ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ بِالْكُلِّ لَمْ يَقَعْ، وَأَقْسَامُهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ذَكَرَهَا الْكَمَالُ وَيُزَادُ لَوْ نَوَى بِالْكُلِّ وَاحِدَةً   [رد المحتار] بَلْ الْبَيْنُونَةُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ، وَإِلَّا لَكَانَ الْوَاقِعُ بِهَا رَجْعِيًّا كَالْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ وَالْأَلْفَاظِ الْمُصَرَّحِ فِيهَا بِذِكْرِهِ، فَالْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِالْبَيْنُونَةِ فَإِنَّهَا مَصْدَرٌ وَالْمَصْدَرُ مِنْ أَلْفَاظِ الْوِحْدَانِ لَا يُرَاعَى فِيهَا الْعَدَدُ الْمَحْضُ بَلْ التَّوْحِيدُ وَهُوَ بِالْفَرْدِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوْ الْجِنْسِيَّةِ وَالْمُثَنَّى بِمَعْزِلٍ عَنْهُمَا لِأَنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ ثُمَّ رَأَيْتُ صَاحِبَ الْجَوْهَرَةِ عَبَّرَ بِالْبَيْنُونَةِ كَمَا قُلْنَا بَدَلَ الطَّلَاقِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَصْدَرِ نَفْسَ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ حَتَّى يُعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ نَحْوَ سَرَّحْتُك فَارَقْتُك خَلِيَّةٌ بَرِيَّةٌ لَا مَصْدَرَ فِيهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلِذَا صَحَّ فِي الْأَمَةِ إلَخْ) لِأَنَّ الثِّنْتَيْنِ فِي حَقِّهَا كُلُّ الْجِنْسِ كَالثَّلَاثِ لِلْحُرَّةِ (قَوْلُهُ قَالَ اعْتَدِّي ثَلَاثًا) أَيْ قَالَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (قَوْلُهُ وَبِالْبَاقِي حَيْضًا) هَذَا إذَا كَانَ الْخِطَابُ مَعَ مَنْ هِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ لَا فَلَوْ كَانَتْ آيِسَةً أَوْ صَغِيرَةً فَقَالَ أَرَدْتُ بِالْأَوَّلِ طَلَاقًا وَبِالْبَاقِي تَرَبُّصًا بِالْأَشْهُرِ كَانَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِنِيَّتِهِ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ) وَهُوَ إرَادَتُهُ أَمْرَهَا بِالِاعْتِدَادِ بِالْحَيْضِ بَعْدَ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ بِنِيَّةِ الْأَوَّلِ) أَيْ دَلَالَةِ الْحَالِ بِسَبَبِ نِيَّتِهِ الْإِيقَاعَ بِالْأَوَّلِ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَقَدْ ظَهَرَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ حَالَةَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى السُّؤَالِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَدَّمُوهُ مِنْ أَنَّهَا حَالَ سُؤَالِهَا أَوْ سُؤَالِ أَجْنَبِيٍّ طَلَاقُهَا بَلْ هِيَ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ مُجَرَّدِ ابْتِدَاءِ الْإِيقَاعِ. (قَوْلُهُ حَتَّى) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا فُهِمَ مِنْ اعْتِبَارِ دَلَالَةِ الْحَالِ ط (قَوْلُهُ لَوْ نَوَى بِالثَّانِي فَقَطْ) أَيْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَلَمْ يَنْوِ بِغَيْرِهِ شَيْئًا فَثِنْتَانِ: أَيْ يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةً، وَكَذَا بِالثَّالِثِ أُخْرَى وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ لِدَلَالَةِ الْحَالِ بِإِيقَاعِ الثَّانِي، وَلَا يَقَعُ بِالْأَوَّلِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِهِ وَدَلَالَةُ الْحَالِ وُجِدَتْ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ) حَاصِلُهَا أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالْكُلِّ طَلَاقًا أَوْ بِالْأُولَى طَلَاقًا أَوْ حَيْضًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالْأُولَيَيْنِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالْأُولَى وَالثَّالِثَةِ كَذَلِكَ أَوْ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ طَلَاقًا وَبِالْأُولَى حَيْضًا، فَفِي هَذِهِ السِّتَّةِ تَقَعُ الثَّلَاثُ أَوْ بِالثَّانِيَةِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ، أَوْ بِالْأُولَى وَبِالثَّانِيَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ، أَوْ بِالْأُولَى طَلَاقًا وَبِالثَّالِثَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالْأُخْرَيَيْنِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ، أَوْ بِالْأُولَيَيْنِ حَيْضًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالْأُولَى وَالثَّالِثَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ، أَوْ بِالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ طَلَاقًا وَبِالثَّانِيَةِ حَيْضًا أَوْ بِالْأُولَى وَالثَّالِثَةِ طَلَاقًا، وَبِالثَّانِيَةِ حَيْضًا، أَوْ بِالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ حَيْضًا وَبِالثَّالِثَةِ طَلَاقًا أَوْ بِالْأُولَى وَالثَّالِثَةِ حَيْضًا وَبِالثَّانِيَةِ طَلَاقًا أَوْ بِالثَّانِيَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ. فَهَذِهِ إحْدَى عَشَرَةَ تَقَعُ فِيهَا ثِنْتَانِ أَوْ بِكُلٍّ مِنْهَا حَيْضًا أَوْ بِالثَّالِثَةِ طَلَاقًا أَوْ حَيْضًا لَا غَيْرُ، أَوْ بِالثَّانِيَةِ طَلَاقًا وَبِالثَّالِثَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالْأُخْرَيَيْنِ حَيْضًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالْأُولَى طَلَاقًا وَبِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ حَيْضًا؛ وَفِي هَذِهِ السِّتَّةِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ وَالرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ أَنْ لَا يَنْوِيَ بِكُلٍّ مِنْهَا شَيْئًا فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا نَوَى الطَّلَاقَ بِوَاحِدَةٍ ثَبَتَتْ مُذَاكَرَةُ الطَّلَاقِ، فَإِذَا نَوَى بِمَا بَعْدَهَا الْحَيْضَ صُدِّقَ لِظُهُورِ الْأَمْرِ بِالِاعْتِدَادِ بِالْحَيْضِ عَقِبَ الطَّلَاقِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي عَدَمِ نِيَّةِ شَيْءٍ بِمَا بَعْدَهَا. وَإِذَا لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ بِشَيْءٍ صَحَّ وَكَذَا كُلُّ مَا قَبْلَ الْمَنْوِيِّ بِهَا، وَنِيَّةُ الْحَيْضِ وَاحِدَةٌ غَيْرُ مَسْبُوقَةٍ بِوَاحِدَةٍ يَنْوِي بِهَا الطَّلَاقَ يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ وَتَثْبُتُ حَالَةَ الْمُذَاكَرَةِ فَيَجْرِي فِيهَا الْحَكَمُ الْمَذْكُورُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مَسْبُوقَةً بِوَاحِدَةٍ أُرِيدَ بِهَا الطَّلَاقُ حَيْثُ لَا تَقَعُ بِهَا الثَّانِيَةُ كَذَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْفَتْحِ ح. قُلْتُ: وَلِنُبَيِّنْ هَذَا الْأَصْلَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ الْمَارَّةِ لِزِيَادَةِ التَّوْضِيحِ فَإِذَا نَوَى بِالْأُولَى حَيْضًا لَا غَيْرُ وَقَعَ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى بِالْأُولَى الْحَيْضَ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَسْبُوقَةٍ بِإِيقَاعٍ، لَمَّا نَوَى بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ الْحَيْضَ أَيْضًا صَحَّتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 فَوَاحِدَةٌ دِيَانَةً وَثَلَاثٌ قَضَاءً؛ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ اعْتَدِّي أَوْ عَطَفَهُ بِالْوَاوِ أَوْ الْفَاءِ، فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ أَوْ ثِنْتَيْنِ وَقَعَتَا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَفِي الْوَاوِ ثِنْتَانِ وَفِي الْفَاءِ قِيلَ وَاحِدَةٌ وَقِيلَ ثِنْتَانِ. (طَلَّقَهَا وَاحِدَةً) بَعْدَ الدُّخُولِ (فَجَعَلَهَا ثَلَاثًا صَحَّ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا فَجَعَلَهُ) قَبْلَ الرَّجْعَةِ (بَائِنًا) أَوْ ثَلَاثًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ فِي الْعِدَّةِ: أَلْزَمْتُ امْرَأَتِي ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ أَوْ أَلْزَمْتُهَا بِتَطْلِيقَتَيْنِ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ   [رد المحتار] نِيَّتُهُ لِوُقُوعِ الْأُولَى قَبْلَهُمَا؛ وَإِذَا نَوَى بِالْأُولَى طَلَاقًا وَبِالثَّانِيَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ يَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّ نِيَّتَهُ الْحَيْضَ بِالثَّانِيَةِ صَحِيحَةٌ لِسَبْقِهَا بِإِيقَاعِ الْأُولَى؛ وَلَمَّا لَمْ يَنْوِ بِالثَّالِثَةِ شَيْئًا وَقَعَ بِهَا أُخْرَى لِثُبُوتِ الْمُذَاكَرَةِ بِوُقُوعِ الْأُولَى وَإِذَا نَوَى بِالْكُلِّ حَيْضًا تَقَعُ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْأُولَى لِعَدَمِ سَبْقِهَا بِإِيقَاعٍ، وَصَحَّتْ نِيَّتُهُ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ الْحَيْضَ لِسَبْقِ الْإِيقَاعِ بِوَاحِدَةٍ قَبْلَهُمَا وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ (قَوْلُهُ فَوَاحِدَةٌ دِيَانَةً) لِاحْتِمَالِ قَصْدِهِ التَّأْكِيدَ كَأَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَثَلَاثٌ قَضَاءً) لِأَنَّهُ يَكُونُ نَاوِيًا بِكُلِّ لَفْظٍ ثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ، وَهُوَ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ فَيَتَكَامَلُ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالتَّأْكِيدُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَعَلِمْتَ أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالْقَاضِي لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ إذَا عَلِمَتْ مِنْهُ مَا ظَاهِرُهُ خِلَافُ مُدَّعَاهُ. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ عَنَيْتُ تَطْلِيقَةً تَعْتَدُّ بِهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ وَالظَّاهِرُ لَا يُكَذِّبُهُ اهـ قُلْتُ: وَمِثْلُهُ فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ (قَوْلُهُ فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً) أَيْ بِأَنْ نَوَى بِاعْتَدِّي فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْأَمْرَ بِالْعِدَّةِ بِالْحَيْضِ دُونَ الطَّلَاقِ فَيُصَدَّقُ لِظُهُورِ الْأَمْرِ فِيهِ عَقِبَ الطَّلَاقِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَقَعَتَا) وَتَكُونَانِ رَجْعِيَّتَيْنِ لِأَنَّ اعْتَدِّي لَا يَقَعُ بِهِ الْبَائِنُ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ فَفِي الْوَاوِ ثِنْتَانِ) وَكَذَا فِي صُورَةِ عَدَمِ الْعَطْفِ أَصْلًا لِأَنَّهُ فِي الصُّورَتَيْنِ يَكُونُ أَمْرًا مُسْتَأْنَفًا وَكَلَامًا مُبْتَدَأً وَهُوَ فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ، فَيُحْمَلُ عَلَى الطَّلَاقِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ قِيلَ وَاحِدَةٌ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْفَاءَ لِلْوَصْلِ: أَيْ فَتُفِيدُ حَمْلَ الْأَمْرِ عَلَى الِاعْتِدَادِ بِالْحَيْضِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ ثِنْتَانِ) مَشَى عَلَيْهِ فِي الْخَانِيَّةِ، وَوَجْهُهُ حَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى الطَّلَاقِ لِلْمُذَاكَرَةِ. قُلْت: وَالْأَوَّلُ أَوْجُهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً إلَخْ) عِبَارَةُ الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا: طَلَّقَهَا رَجْعِيَّةً ثُمَّ قَالَ فِي الْعِدَّةِ جَعَلْتُ هَذِهِ التَّطْلِيقَةَ بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا صَحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهِيَ أَخْصَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَأَظْهَرُ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ بَعْدَهَا تَصِيرُ الْمَرْأَةُ أَجْنَبِيَّةً فَلَا يُمْكِنُهُ جَعْلُ طَلَاقِهَا ثَلَاثًا أَوْ بَائِنًا، وَلِذَا قَيَّدَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ لِأَنَّهُ لَوْ قَبْلَهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا ثَلَاثًا لِكَوْنِهَا بَانَتْ قَبْلَ الْجَعْلِ لَا إلَى عِدَّةٍ وَبِقَوْلِهِ الرَّجْعَةُ لِأَنَّهُ بَعْدَهَا يَبْطُلُ عَمَلُ الطَّلَاقِ فَيَتَعَذَّرُ جَعْلُهَا بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا أَيْضًا؛ وَإِذَا جَعَلَهَا بَائِنَةً فِي الْعِدَّةِ فَالْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ إيقَاعِ الرَّجْعَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْ لَا مِنْ يَوْمِ الْجَعْلِ وَقَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ بَابِ الصَّرِيحِ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ مَعْنَى جَعْلِ الْوَاحِدَةِ ثَلَاثًا أَنَّهُ أَلْحَقَ بِهَا اثْنَتَيْنِ لَا أَنَّهُ جَعَلَ الْوَاحِدَةَ ثَلَاثًا. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ الطَّلَاقَ بِلَا عَدَدٍ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ مَا سَكَتَ كَمْ؟ فَقَالَ ثَلَاثًا وَقَعَ ثَلَاثٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ؛ وَلَوْ لَمْ يُسْأَلْ وَقَالَ بَعْدَمَا سَكَتَ ثَلَاثًا إنْ كَانَ سُكُوتُهُ لِانْقِطَاعِ النَّفَسِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ لَهُ فَلَا يُعَدُّ فَاصِلًا، وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ مَا سَكَتَ كَمْ؟ فَقَالَ ثَلَاثٌ فَعِنْدَهُ ثَلَاثٌ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّ عِنْدَهُ إذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ جَعَلْتُهَا ثَلَاثًا تَصِيرُ ثَلَاثًا اهـ وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ حُكْمُ مَا لَوْ قِيلَ لِلْمُطَلِّقِ قُلْ بِالثَّلَاثِ فَقَالَ بِالثَّلَاثِ أَنَّهُ يَقَعُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ الْجَعْلَ فِيهِ أَظْهَرُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَقَالَتْ هزار فَقَالَ هزار فَعَلَى مَا نَوَى وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ اهـ وهزار بِالْفَارِسِيَّةِ أَلْفٌ، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا فَهِمْنَاهُ لِأَنَّهَا لَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 فَهُوَ كَمَا قَالَ؛ وَلَوْ قَالَ إنْ طَلَّقْتُكِ فَهِيَ بَائِنٌ أَوْ ثَلَاثٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا يَقَعُ رَجْعِيًّا لِأَنَّ الْوَصْفَ لَا يَسْبِقُ الْمَوْصُوفَ كَمَا مَرَّ فَتَذَكَّرْ (الصَّرِيحُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ وَ) يَلْحَقُ (الْبَائِنُ) بِشَرْطِ الْعِدَّةِ (وَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ) الصَّرِيحُ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ بَائِنًا كَانَ الْوَاقِعُ بِهِ أَوْ رَجْعِيًّا فَتْحٌ،   [رد المحتار] تَأْمُرْهُ أَنْ يَجْعَلَهُ أَلْفًا وَإِنَّمَا تَعَرَّضَتْ تَعْرِيضًا مُحْتَمَلًا، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ أُمِرَ بِأَنْ يُصَيِّرَهُ ثَلَاثًا فَأَجَابَ وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ مَا فِي السُّؤَالِ، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيِّ قُلْت: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهَا لَهُ قُلْ بِالثَّلَاثِ أَمْرٌ بِإِلْحَاقِ الْعَدَدِ بِأَوَّلِ كَلَامِهِ فَلَا يَلْحَقُ كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ بَعْدَ سُكُوتِهِ بِلَا طَلَبٍ، نَعَمْ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ طَلَّقَنِي بِالثَّلَاثِ فَقَالَ بِالثَّلَاثِ، فَإِنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِي كَوْنِهِ جَعْلًا وَإِنْشَاءً لِأَنَّهُ جَوَابٌ لِلطَّلَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فَهُوَ كَمَا قَالَ) أَيْ فَهِيَ ثَلَاثٌ فِي الْأَوَّلِ وَاثْنَانِ فِي الثَّانِي كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ قَدْ أَلْحَقَ بِالطَّلْقَةِ الْأُولَى طَلْقَتَيْنِ فِي الْأُولَى وَطَلْقَةً فِي الثَّانِي (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ قُبَيْلَ طَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا ح، وَقَوْلُهُ فَتَذَكَّرْ أَشَارَ بِهِ إلَى الْبَحْثِ السَّابِقِ هُنَاكَ مَعَ صَاحِبِ الْبَحْرِ فِي مَسْأَلَةِ التَّعَالِيقِ، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فِيهِ مَطْلَبٌ الصَّرِيحُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ وَالْبَائِنَ (قَوْلُهُ الصَّرِيحُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ) كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالِ وَقَعَ الثَّانِي بَحْرٌ، فَلَا فَرْقَ فِي الصَّرِيحِ الثَّانِي بَيْنَ كَوْنِ الْوَاقِعِ بِهِ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا (قَوْلُهُ وَيَلْحَقُ الْبَائِنَ) كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ خَلَعَهَا عَلَى مَال ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ طَالِقٌ بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا لَحِقَ الصَّرِيحُ الْبَائِنَ كَانَ بَائِنًا لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ السَّابِقَةَ عَلَيْهِ تَمْنَعُ الرَّجْعَةَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَقَالَ أَيْضًا: قَيَّدْنَا الصَّرِيحَ اللَّاحِقَ لِلْبَائِنِ بِكَوْنِهِ خَاطَبَهَا بِهِ وَأَشَارَ إلَيْهَا لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لَهُ طَالِقٌ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى الْمُخْتَلِعَةِ إلَخْ وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي قَوْلِهِ وَيُسْتَثْنَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ الْعِدَّةِ) هَذَا الشَّرْطُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي جَمِيعِ صُوَرِ اللِّحَاقِ، فَالْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْهَا. اهـ. ح (قَوْلُهُ الصَّرِيحُ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ) مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَانَ الْوَاجِبُ ذِكْرُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ وَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى أَعْنِي قَوْلَهُ الصَّرِيحُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ وَالْبَائِنَ وَلِأَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّرِيحِ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ خُصُوصُ الرَّجْعِيِّ كَمَا تَعْرِفُهُ قَرِيبًا، يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّرِيحِ هُنَا حَقِيقَتُهُ لَا نَوْعٌ خَاصٌّ مِنْهُ وَهُوَ مَا وَقَعَ بِهِ الرَّجْعِيُّ فَقَطْ بَلْ الْأَعَمُّ. وَأَمَّا الْكِنَايَةُ الرَّوَاجِعُ كَاعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَكِ وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ تَلْحَقُ الْبَائِنَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِشَرْطِ النِّيَّةِ لَكِنَّهَا لَمَّا وَقَعَ بِهَا الرَّجْعِيُّ كَانَتْ فِي مَعْنَى الصَّرِيحِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ: أَيْ فَهِيَ مُلْحَقَةٌ بِالصَّرِيحِ فِي حُكْمِ اللِّحَاقِ لِلْبَائِنِ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ فِي الْمِنَحِ: إنَّ صِحَّةَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِالْإِضْمَارِ؛ فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَنْتِ وَاحِدَةٌ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً فَيَصِيرُ الْحَكَمُ لِلصَّرِيحِ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ لِيَثْبُتَ هَذَا الْمُضْمَرُ اهـ فَأَفَادَ وَجْهَ كَوْنِهَا فِي حُكْمِ الصَّرِيحِ وَهُوَ كَوْنُهُ مُضْمَرًا فِيهَا وَأَنَّ الْإِيقَاعَ إنَّمَا هُوَ بِهِ لَا بِهَا نَفْسِهَا لَكِنَّ ثُبُوتَهُ مُضْمَرًا تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ وَبَعْدَ ثُبُوتِهِ بِالنِّيَّةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ. قَالَ ح: وَلَا يَرِدُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ مِنْ عَدَمِ تَوَقُّفِهِ عَلَى النِّيَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ، وَلَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ لِكَوْنِهِ بَائِنًا لِمَا أَنَّ عَدَمَ تَوَقُّفِهِ عَلَى النِّيَّةِ أَمْرٌ عَرَضَ لَهُ لَا بِحَسَبِ أَصْلِ وَضْعِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ بَائِنًا كَانَ الْوَاقِعُ بِهِ أَوْ رَجْعِيًّا) يُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الصَّرِيحِ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الصَّرِيحَ نَوْعَانِ: صَرِيحٌ رَجْعِيٌّ، وَصَرِيحٌ بَائِنٌ، وَحِينَئِذٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 فَمِنْهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فَيَلْحَقُهُمَا، وَكَذَا الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ فَيَلْحَقُ الرَّجْعِيَّ وَيَجِبُ الْمَالُ، وَالْبَائِنَ وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ اللَّفْظُ لَا الْمَعْنَى عَلَى الْمَشْهُورِ   [رد المحتار] فَيَدْخُلُ فِيهِ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ وَالطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ وَكَذَا مَا مَرَّ قَبْلَ فَصْلِ طَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا مِنْ أَلْفَاظِ الصَّرِيحِ الْوَاقِعِ بِهَا الْبَائِنُ، مِثْلُ: أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ أَوْ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ أَوْ طَلْقَةً طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً إلَخْ فَهَذَا كُلُّهُ صَرِيحٌ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ، وَيَقَعُ بِهِ الْبَائِنُ وَيَلْحَقُ الصَّرِيحَ وَالْبَائِنَ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَالصَّرِيحُ يَلْحَقُ الْبَائِنَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَجْعِيًّا. هَذَا، وَفِي الْمَنْصُورِيِّ شَرْحِ الْمَسْعُودِيِّ لِلرَّاسِخِ الْمُحَقِّقِ أَبِي مَنْصُورٍ السِّجِسْتَانِيِّ: الْمُخْتَلِعَةُ يَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ إذَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَالْكِنَايَةُ أَيْضًا تَلْحَقُهَا إذَا كَانَتْ فِي حُكْمِ الصَّرِيحِ كَاعْتَدِّي إلَخْ. ثُمَّ قَالَ: وَالْكِنَايَاتُ وَالْبَوَائِنُ لَا تَلْحَقُهَا أَيْ الْمُخْتَلِعَةَ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا يَلْحَقُهَا الْكِنَايَاتُ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ بَاقٍ. قَالَ فِي عِقْدِ الْفَرَائِدِ: هَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا فِي الْفَتْحِ؛ وَمَعْنَى الْعَطْفِ فِي قَوْلِ الْمَنْصُورِيِّ (وَالْبَوَائِنُ) مَا أَوْقَعَ مِنْ الْبَوَائِنِ لَا بِلَفْظِ الْكِنَايَاتِ فَإِنَّهُ يَلْغُو ذِكْرَ الْبَائِنِ كَمَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ اهـ وَنَقَلَهُ فِي النَّهْرِ وَأَقَرَّهُ أَقُولُ: وَالصَّوَابُ أَنَّ الْوَاوَ فِي وَالْبَوَائِنُ زَائِدَةٌ مِنْ النَّاسِخِ وَأَنَّ مُرَادَ الْمَنْصُورِيِّ الْكِنَايَاتُ الْبَوَائِنُ الْمُقَابِلَةُ لِلْكِنَايَاتِ الرَّجْعِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا قَبْلَهُ لِمَا عَلِمْته مِنْ أَنَّ الْبَوَائِنَ بِغَيْرِ لَفْظِ الْكِنَايَةِ مِنْ الصَّرِيحِ الَّذِي يَلْحَقُ الْبَائِنَ وَإِلَّا صَارَ مُنَافِيًا لِكَلَامِ الْفَتْحِ لَا مُؤَيِّدًا لَهُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ فَمِنْهُ إلَخْ) أَيْ إذَا عَرَفْتَ أَنَّ قَوْلَهُ الصَّرِيحُ يَلْحَقُ وَالْبَائِنَ الْمُرَادُ بِالصَّرِيحِ فِيهِ مَا ذُكِرَ ظَهَرَ أَنَّ مِنْهُ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ فَيَلْحَقُهُمَا: أَيْ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ وَالْبَائِنَ؛ فَإِذَا أَبَانَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ وَهِيَ وَاقِعَةُ حَلَبَ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: الْحَقُّ أَنَّهُ يَلْحَقُهَا لِمَا سَمِعْتَ مِنْ أَنَّ الصَّرِيحَ وَإِنْ كَانَ بَائِنًا يَلْحَقُ الْبَائِنَ وَمِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَائِنِ الَّذِي لَا يَلْحَقُ هُوَ مَا كَانَ كِنَايَةً اهـ وَتَبِعَهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي عَقْدِ الْفَرَائِدِ، وَكَذَا صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالنَّهْرُ وَالْمِنَحُ وَالْمَقْدِسِيُّ وَالشُّرُنْبُلالي وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ صَرِيحُ مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْخُلَاصَةِ وَأَيَّدَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ كَمَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا خِلَافًا لِمَنْ رَجَّحَ عَدَمَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَكَذَا الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ) أَيْ أَنَّهُ أَيْضًا مِنْ الصَّرِيحِ وَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ بِهِ بَائِنًا (قَوْلُهُ وَالْبَائِنَ) بِالنَّصْبِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ الرَّجْعِيَّ (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ) أَيْ إذَا أَبَانَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ عَلَى مَالٍ وَقَعَ الثَّانِي أَيْضًا، وَلَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ لِأَنَّ إعْطَاءَهُ لِتَحْصِيلِ الْخَلَاصِ الْمُنَجَّزِ وَأَنَّهُ حَاصِلٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: أَيْ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ، فَإِنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا تَوَقَّفَ الْخَلَاصُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ؛ فَإِذَا طَلَّقَهَا بَعْدَهُ بِمَالٍ فِي الْعِدَّةِ لَزِمَ الْمَالُ لِأَنَّهَا بَانَتْ مِنْهُ فِي الْحَالِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَالَ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ أَيْ فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا بُدَّ فِي الْوُقُوعِ مِنْ قَبُولِهَا لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ تَعْلِيقُ طَلَاقِهَا بِالْقَبُولِ فَلَا يَقَعُ بِلَا وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ أَيْ فِي الصَّرِيحِ هُنَا اللَّفْظُ: أَيْ كَوْنُهُ مِنْ أَلْفَاظِ الصَّرِيحِ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ أَيْ الْوَاقِعُ بِهِ الْبَائِنَ، وَالْمُرَادُ بِاللَّفْظِ مَا يَشْمَلُ الْمُضْمَرَ كَمَا فِي الْكِنَايَاتِ الرَّجْعِيَّةِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) رَدٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي وَاقِعَةِ حَلَبَ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا مِنْ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ بَائِنٌ فِي الْمَعْنَى وَالْبَائِنُ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ، وَاعْتِبَارُ الْمَعْنَى أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ اللَّفْظِ، وَجَعَلَهُ الْأَصَحَّ الْمُفْتَى بِهِ أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ. قُلْتُ: وَفِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ عَازِيًا إلَى الْأَسْرَارِ لِنَجْمِ الدِّينِ قَالَ لَهَا: أَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ قَالَ فِي الْعِدَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا يَقَعُ الثَّلَاثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِكَوْنِ الثَّلَاثِ بَيْنُونَةً غَلِيظَةً فِي الْمَعْنَى. وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ لِكَوْنِهَا فِي اللَّفْظِ صَرِيحًا. وَالْأَصَحُّ قَوْلُهُ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ، ثُمَّ عَزَا إلَى شَرْحِ الْعُيُونِ مِثْلَهُ، ثُمَّ عَزَا إلَى كِتَابٍ آخَرَ. قَالَ مُحَمَّدٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 (لَا) يَلْحَقُ الْبَائِنُ (الْبَائِنُ)   [رد المحتار] لَا يَقَعُ الثَّلَاثُ؛ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ. قَالَ: وَفِي فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيِّ مِثْلُهُ اهـ وَقَدْ تَكَفَّلَ بِرَدِّهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَأَقَرَّهُ. وَقَدْ تَكَرَّرَ أَنَّ الزَّاهِدِيَّ يَنْقُلُ الرِّوَايَاتِ الضَّعِيفَةَ فَلَا يُتَابَعُ فِيمَا يَنْفَرِدُ بِهِ وَقَدْ وُجِدَ النَّقْلُ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا بِمَا يُخَالِفُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ فِي الدُّرَرِ وَالْيَعْقُوبِيَّةِ عَلَى خِلَافِهِ أَيْضًا كَمَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا، وَيَكْفِينَا قُدْوَةً مَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ مَنْ بَعْدَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلِذَا اعْتَمَدَهُ الشَّارِحُ وَجَعَلَهُ الْمَشْهُورَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَطْعًا أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ خَلَعَهَا ثُمَّ قَالَ فِي عِدَّةِ الْخُلْعِ أَنْتِ طَالِقٌ فَهَذَا صَرِيحٌ لَفْظًا بَائِنٌ مَعْنًى وَهُوَ وَاقِعٌ قَطْعًا؛ فَقَدْ اسْتَدَلُّوا عَلَى لُحُوقِ الصَّرِيحِ الْبَائِنَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] يَعْنِي الْخُلْعَ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} [البقرة: 230] إلَخْ وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَهُوَ نَصٌّ عَلَى وُقُوعِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الْخُلْعِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الدُّرَرِ عَنْ التَّلْوِيحِ وَفِي حَوَاشِي الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ قَالَ فِي مُشْتَمِلِ الْأَحْكَامِ: وَالْبَائِنُ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ يَعْنِي الْبَائِنَ اللَّفْظِيَّ، أَمَّا الْبَائِنُ الْمَعْنَوِيُّ يَلْحَقُ اللَّفْظِيَّ مِثْلَ الثَّلَاثِ مِنْ الْمَبْسُوطِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنُ الْبَائِنَ) الْمُرَادُ بِالْبَائِنِ الَّذِي لَا يَلْحَقُ هُوَ مَا كَانَ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي لَيْسَ ظَاهِرًا فِي إنْشَاءِ الطَّلَاقِ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ الَّذِي لَا يَلْحَقُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْبَائِنَ الْمُوقَعَ أَوَّلًا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ أَوْ بِلَفْظِ الصَّرِيحِ الْمُفِيدِ لِلْبَيْنُونَةِ كَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالصَّرِيحِ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ أَعْنِي قَوْلَهُمْ فَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ لَا الْبَائِنَ هُوَ الصَّرِيحُ الرَّجْعِيُّ فَقَطْ دُونَ الصَّرِيحِ الْبَائِنِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ أَوَّلًا عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ الصَّرِيحَ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ بَائِنًا كَانَ الْوَاقِعُ بِهِ أَوْ رَجْعِيًّا خَاصٌّ بِالصَّرِيحِ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى: أَعْنِي قَوْلَهُمْ الصَّرِيحُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ وَالْبَائِنَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْفَتْحِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُنَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أُمُورٌ: مِنْهَا مَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ عَدَمَ لُحُوقِ الْبَائِنِ الْبَائِنَ بِإِمْكَانِ جَعْلِ الثَّانِي خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ؛ وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ الْبَائِنُ الْأَوَّلُ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ أَوْ بِلَفْظِ الصَّرِيحِ. وَمِنْهَا مَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ الَّذِي هُوَ جَمْعُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي كُتُبِهِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا فِي عِدَّتِهَا أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَتَّةٌ أَوْ شِبْهُ ذَلِكَ وَهُوَ يُرِيدُ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ وَهِيَ مِنِّي بَائِنٌ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ جَعْلُ الثَّانِي خَبَرًا مِنْ الْأَوَّلِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الصَّرِيحُ الْبَائِنُ بِقَرِينَةِ مُقَابَلَتِهِ لَهُ بِأَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ تَأَمَّلْ وَمِنْهَا قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: أَمَّا كَوْنُ الْبَائِنِ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْقَيْدَ الْحُكْمِيَّ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِبَقَاءِ الِاسْتِمْتَاعِ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّرِيحِ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ هُوَ الصَّرِيحُ الرَّجْعِيُّ، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ بَقَاءَ قَيْدِ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَبَقَاءَ الِاسْتِمْتَاعِ لَا يَكُونُ بَعْدَ الصَّرِيحِ الْبَائِنِ وَمِنْهَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ الْمَنْصُورِيِّ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا يَلْحَقُهَا الْكِنَايَاتُ، لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ بَاقٍ؛ فَتَقْيِيدُهُ بِالرَّجْعِيِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّرِيحَ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُهُ الْكِنَايَاتُ؛ وَكَذَا تَعْلِيلُهُ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ. وَمِنْهَا مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة قُبَيْلَ الْفَصْلِ السَّادِسِ: وَلَوْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ أَوْ خَلَعَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ يَصِحُّ، وَلَوْ طَلَّقَهَا بِمَالٍ ثُمَّ خَلَعَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا يَصِحُّ. اهـ. فَانْظُرْ كَيْف فَرَّقَ بَيْنَ الرَّجْعِيِّ وَالصَّرِيحَ الْبَائِنِ وَهُوَ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ حَيْثُ جَعَلَ الْخُلْعَ وَاقِعًا بَعْدَ الْأَوَّلِ لَا بَعْدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 إذَا أَمْكَنَ جَعْلُهُ إخْبَارًا عَنْ الْأَوَّلِ:   [رد المحتار] الثَّانِي، فَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ أَيْضًا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّرِيحِ هُنَا الرَّجْعِيُّ فَقَطْ، وَبِالْبَائِنِ الْأَوَّلِ مَا يَشْمَلُ الْبَائِنَ الصَّرِيحَ. وَمِنْهَا فَرْعَانِ ذَكَرَهُمَا فِي الْبَحْرِ: الْأَوَّلُ مَا فِي الْقُنْيَةِ عَنْ الْأُوزْجَنْدِيِّ: طَلَّقَهَا عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ ثُمَّ قَالَ فِي عِدَّتِهَا أَنْتِ بَائِنٌ لَا يَقَعُ. اهـ. وَالثَّانِي مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْجِنْسِ السَّادِسِ مِنْ الْخُلْعِ: لَوْ طَلَّقَهَا بِمَالٍ ثُمَّ خَلَعَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَصِحَّ اهـ فَهَذَا أَيْضًا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ، وَبِهِ سَقَطَ مَا فِي الْبَحْرِ، وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ مِنْ اسْتِشْكَالِهِ الْفَرْعَيْنِ: بِنَاءً عَلَى فَهْمِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّرِيحِ مَا يَشْمَلُ الصَّرِيحَ الْبَائِنَ. قَالَ: وَقَدْ جَعَلُوا الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ مِنْ قَبِيلِ الصَّرِيحِ، وَقَالُوا: إنَّ الْبَائِنَ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ فَيَنْبَغِي الْوُقُوعُ فِي الْفَرْعِ الْأَوَّلِ وَصِحَّةُ الْخُلْعِ فِي الْفَرْعِ الثَّانِي. ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا مَخْلَصَ إلَّا بِكَوْنِ الْمُرَادِ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْخُلْعِ عَدَمَ لُزُومِ الْمَالِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ صَاحِبَ الْخُلَاصَةِ صَرَّحَ فِي عَكْسِهِ وَهُوَ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِمَالٍ بَعْدَ الْخُلْعِ أَنَّهُ يَقَعُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. أَقُولُ: وَهَذَا عَجِيبٌ مِنْ مِثْلِهِ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّرِيحِ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ هُوَ الرَّجْعِيُّ فَقَطْ، بِخِلَافِ الصَّرِيحِ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَعْلِيلَاتِهِمْ وَفُرُوعِهِمْ، وَعَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ فِي الْفَرْعَيْنِ أَصْلًا، بَلْ هُمَا دَلِيلَانِ عَلَى مَا قُلْنَاهُ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَخْلَصِ بَعِيدٌ جِدًّا بَلْ الْمَخْلَصِ مَا قُلْنَاهُ؛ وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ دَعْوَاهُ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا الْفَرْعِ وَعَكْسِهِ كَمَا لَا يَخْفَى فِي غَايَةِ الْخَفَاءِ لِلْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا بِمَالٍ بَعْدَ الْخُلْعِ إنَّمَا لَا يَجِبُ الْمَالُ لِأَنَّ إعْطَاءَ الْمَالِ لِتَحْصِيلِ الْخَلَاصِ الْمُنَجَّزِ وَإِنَّهُ حَاصِلٌ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ. أَمَّا إذَا طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ قَبْلَ الْخُلْعِ فَلَا وَجْهَ لِسُقُوطِ الْمَالِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِدُونِهِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْخَلَاصُ الْمُنَجَّزُ بَلْ يَتَوَقَّفُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَقَدْ حَصَلَ بِالْمَالِ مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ بِهِ وَلَا يَبْطُلُ بِالْخُلْعِ الْعَارِضِ بَعْدَهُ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْمَطْلُوبِ بِهِ بَلْ يَبْطُلُ الْخُلْعُ نَفْسُهُ لِأَنَّ الْخَلَاصَ الْمُنَجَّزَ حَاصِلٌ قَبْلَهُ فَلَا يُفِيدُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَقَامِ، الَّذِي زَلَّتْ فِيهِ أَقْدَامُ الْأَفْهَامِ، فَاغْتَنِمْهُ فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا اخْتَصَّ بِهِ هَذَا الْكِتَابُ، بِعَوْنِ الْمَلِكِ الْوَهَّابِ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مَا نَصُّهُ: وَأَيْضًا قَوْلُهُمْ وَالْبَائِنُ الْغَيْرُ الصَّرِيحِ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ الصَّرِيحَ الْبَائِنَ لِاحْتِمَالِ الْخَبَرِيَّةِ عَنْ الْأَوَّلِ كَمَا لَا يَخْفَى، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْبَائِنَيْنِ فَلَا يَصِحُّ الْخَبَرُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ اهـ وَهَذَا عَيْنُ مَا فَهِمْتُهُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّرِيحِ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ الرَّجْعِيُّ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْفَرْقَ إلَخْ قَدْ عَلِمْتَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَوَّلًا عَدَمَ الْفَرْقِ فَإِنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِيهِ لِذِي فَهْمٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ إذَا أَمْكَنَ إلَخْ) قَيْدٌ فِي عَدَمِ لِحَاقِ الْبَائِنِ الْبَائِنَ، وَمُحْتَرَزُهُ مَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ أَبَنْتُكِ بِأُخْرَى إلَخْ ط. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا أَبَانَهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ بَائِنٌ نَاوِيًا طَلْقَةً ثَانِيَةً أَنْ تَقَعَ الثَّانِيَةُ بِنِيَّتِهِ لِأَنَّهُ بِنِيَّتِهِ لَا يَصْلُحُ خَبَرًا، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ أَبَنْتُكِ بِأُخْرَى، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْوُقُوعَ إنَّمَا هُوَ بِلَفْظٍ صَالِحٍ لَهُ وَهُوَ أُخْرَى بِخِلَافِ مُجَرَّدِ النِّيَّةِ. اهـ. وَفِيهِ أَنَّ اللَّفْظَ الثَّانِيَ صَالِحٌ، وَلَوْ أَبْدَلَ صَالِحًا بِمُعَيَّنٍ لَهُ لَكَانَ أَظْهَرَ ط. أَقُولُ: وَيَدْفَعُ الْبَحْثَ مِنْ أَصْلِهِ تَعْبِيرُهُمْ بِالْإِمْكَانِ، وَبِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهِ إنْشَاءً مَتَى أَمْكَنَ جَعْلُهُ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ صَادِقٌ بِقَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ عَلَى أَنَّ الْبَائِنَ لَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، فَقَوْلهمْ الْبَائِنُ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْبَائِنَ الْمَنْوِيَّ، إذْ غَيْرُ الْمَنْوِيِّ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ أَصْلًا وَلَمْ يَشْتَرِطُوا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الطَّلَاقَ الْأَوَّلَ. فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُمْ إذَا أَمْكَنَ إلَخْ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهُ خَبَرًا كَمَا فِي أَبَنْتُكِ بِأُخْرَى، لَا عَمَّا إذَا نَوَى بِهِ طَلَاقًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 كَأَنْتِ بَائِنٌ بَائِنٌ، أَوْ أَبَنْتُكِ بِتَطْلِيقَةٍ فَلَا يَقَعُ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ فَلَا ضَرُورَةَ فِي جَعْلِهِ إنْشَاءً، بِخِلَافِ أَبَنْتُك بِأُخْرَى أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ، أَوْ قَالَ نَوَيْتُ الْبَيْنُونَةَ الْكُبْرَى لِتَعَذُّرِ حَمْلِهِ عَلَى الْإِخْبَارِ فَيُجْعَلُ إنْشَاءً، وَلِذَا وَقَعَ الْمُعَلَّقُ كَمَا قَالَ (إلَّا إذَا كَانَ) الْبَائِنُ (مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ) أَوْ مُضَافًا (قَبْلَ) إيجَادِ (الْمُنَجَّزِ الْبَائِنِ) كَقَوْلِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ بَائِنٌ نَاوِيًا ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ دَخَلَتْ بَانَتْ بِأُخْرَى لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ إخْبَارًا،   [رد المحتار] آخَرَ فَتَدَبَّرْ. وَأَمَّا اعْتَدِّي اعْتَدِّي فَإِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالصَّرِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَلَا يُنَافِي مَا هُنَا حَيْثُ أَوْقَعُوا بِهِ مُكَرَّرًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَأَنْتِ بَائِنٌ بَائِنٌ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مُكَرَّرًا، وَفِي بَعْضِهَا كَأَنْتِ بَائِنٌ بِدُونِ تَكْرَارٍ وَهُوَ الْأَصْوَبُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّمْثِيلُ لِإِيقَاعِ الْبَائِنِ عَلَى الْمُبَانَةِ وَلِأَنَّهُ كَمَا قَالَ ط لَيْسَ الْمُرَادُ الْإِخْبَارَ النَّحْوِيَّ بَلْ الْإِخْبَارَ عَمَّا صَدَرَ أَوَّلًا وَلِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنْ يَلْزَمَ كَوْنُهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ أَبَنْتُكِ بِتَطْلِيقَةٍ) عَطْفٌ عَلَى بَائِنٍ الثَّانِيَةِ أَيْ أَنْتِ بَائِنٌ أَبَنْتُكِ بِتَطْلِيقَةٍ. اهـ. ح وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ اللَّفْظَيْنِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ الْبَائِنَةِ أَوْ الْخُلْعِ أَوْ الطَّلَاقِ الصَّرِيحِ إذَا كَانَ عَلَى مَالٍ أَوْ مَوْصُوفًا بِمَا يُنْبِئُ عَنْ الْبَيْنُونَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ بَعْدَ كَوْنِ الثَّانِي بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ الْبَائِنَةِ كَالْخُلْعِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ كَأَنْتِ حَرَامٌ، بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ الرَّجْعِيَّةِ فَإِنَّهَا فِي حُكْمِ الصَّرِيحِ فَتَلْحَقُ الْبَائِنَ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فَلَا يَقَعُ) أَيْ وَإِنْ نَوَى، لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحَاوِي: وَلَا يَقَعُ بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى. اهـ. ط (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ) أَيْ يُجْعَلُ إخْبَارًا لِأَنَّهُ أَمْكَنَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ أَبَنْتُكِ بِأُخْرَى) : أَيْ لَوْ أَبَانَهَا أَوَّلًا ثُمَّ قَالَ فِي الْعِدَّةِ أَبَنْتُك بِأُخْرَى وَقَعَ لِأَنَّ لَفْظَ أُخْرَى مَنَافٍ لِإِمْكَانِ الْإِخْبَارِ بِالثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ) لِأَنَّ وُقُوعَهُ بِأَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ صَرِيحٌ، وَيَلْغُو قَوْلُهُ بَائِنٌ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ: لِأَنَّ الصَّرِيحَ بَعْدَ الْبَائِنِ بَائِنٌ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ لِلْمُبَانَةِ أَبَنْتُك بِتَطْلِيقَةٍ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَلْغَيْنَا بَائِنًا يَبْقَى قَوْلُهُ طَالِقٌ وَبِهِ يَقَعُ، وَلَوْ أَلْغَيْنَا أَبَنْتُكِ يَبْقَى قَوْلُهُ بِتَطْلِيقَةٍ وَهُوَ غَيْرُ مُفِيدٍ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ طَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا مِنْ أَنَّ الطَّلَاقَ مَتَى قُيِّدَ بِعَدَدٍ أَوْ وَصْفٍ أَوْ مَصْدَرٍ فَالْوُقُوعُ بِالْقَيْدِ، حَتَّى لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَمَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ ثَلَاثًا أَوْ بَائِنٌ لَمْ يَقَعْ، فَهَذَا يُنَافِي مَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ مِنْ إلْغَاءِ الْوَصْفِ هُنَا، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ اعْتِبَارَ الْوُقُوعِ بِهِ هُنَا لَا يَصِحُّ لِسَبْقِ الْبَيْنُونَةِ قَبْلَهُ وَلِوُقُوعِ الْبَائِنِ بِالصَّرِيحِ هُنَا وَإِنْ لَمْ يُوصَفْ، فَتَعَيَّنَ إلْغَاءُ الْوَصْفِ كَمَا عَلِمْتَ آنِفًا. وَبَقِيَ إشْكَالٌ آخَرُ مَذْكُورٌ مَعَ جَوَابِهِ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَوْ قَالَ نَوَيْتُ) أَيْ بِالْبَائِنِ الثَّانِي الْبَيْنُونَةَ الْكُبْرَى أَيْ الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ وَهِيَ الَّتِي لَا حِلَّ بَعْدَهَا إلَّا بِنِكَاحِ زَوْجٍ آخَرَ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَقِيلَ لَا يَقَعُ لِأَنَّ التَّغْلِيظَ صِفَةُ الْبَيْنُونَةِ فَإِذَا أَلْغَتْ النِّيَّةَ فِي أَصْلِ الْبَيْنُونَةِ لِكَوْنِهَا حَاصِلَةً لَغَتْ فِي إثْبَاتِ وَصْفِ التَّغْلِيظِ مُحِيطٌ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي إلْغَاءِ نِيَّةِ الْبَيْنُونَةِ؛ وَمِثْلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْحَاوِي فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ بَيْنُونَةٍ أُخْرَى خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ كَمَا مَرَّ. قَالَ فِي الدُّرَرِ: أَقُولُ وَهَذَا يَدُلُّ قَطْعًا عَلَى أَنَّهُ إذَا أَبَانَهَا ثُمَّ قَالَ فِي الْعِدَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَقَعُ الثَّلَاثُ، لِأَنَّ الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ إذَا ثَبَتَتْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ بِلَا ذِكْرِ الثَّلَاثِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهَا فِي الْمَحَلِّ فَلَأَنْ تَثْبُتَ إذَا صَرَّحَ بِالثَّلَاثِ أَوْلَى، وَتَمَامُهُ فِيهِ وَنَحْوُهُ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ (قَوْلُهُ لِتَعَذُّرِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ بِخِلَافِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ لِتَعَذُّرِ حَمْلِهِ عَلَى الْإِخْبَارِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ الْبَائِنُ مُعَلَّقًا إلَخْ) يَشْمَلُ مَا إذَا آلَى مِنْ زَوْجَتِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ مَضَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْرَبَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ يَقَعُ خِلَافًا لِزُفَرَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ قَبْلَ إيجَادِ الْمُنَجَّزِ) سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ مُحْتَرَزَ الْقَبْلِيَّةَ، وَتَنْجِيزُ الثَّانِي غَيْرُ قَيْدٍ بَلْ لَوْ عَلَّقَهُ قَبْلَ وُقُوعِ الْمُعَلَّقِ الْأَوَّلِ فَكَذَلِكَ كَمَا يَذْكُرُهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ نَاوِيًا) لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ إخْبَارًا) أَيْ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ قَبْلُ فَلَا يَصِحُّ إخْبَارًا عَنْهُ وَكَذَا الْإِضَافَةُ ح وَأَعَادَ التَّعْلِيلَ وَإِنْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 وَمِثْلُهُ الْمُضَافُ كَأَنْتِ بَائِنٌ غَدًا ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ جَاءَ الْغَدُ يَقَعُ أُخْرَى. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَهْبَانِيَّةِ: أَنْتِ بَائِنٌ كِنَايَةٌ مُعَلَّقًا كَانَ أَوْ مُنَجَّزًا فَيُغْتَفَرُ لِلنِّيَّةِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ بَائِنٌ، ثُمَّ قَالَ إنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا فَأَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ دَخَلَتْ وَبَانَتْ ثُمَّ كَلَّمَتْ يَقَعُ أُخْرَى ذَخِيرَةٌ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ كَذَلِكَ لِأَمْرٍ آخَرَ فَفَعَلَ أَحَدَهُمَا بَانَتْ، وَكَذَا لَوْ فَعَلَ الثَّانِيَ عَلَى الْأَشْبَهِ فَلْيُحْفَظْ، قَيَّدَ بِالْقَبْلِيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ أَبَانَهَا أَوَّلًا ثُمَّ أَضَافَ الْبَائِنَ أَوْ عَلَّقَهُ لَمْ يَصِحَّ كَتَنْجِيزِهِ بَدَائِعُ. وَيُسْتَثْنَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: كُلُّ امْرَأَةٍ لَهُ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمُخْتَلِعَةِ، وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَته كَذَا لَمْ يَقَع عَلَى مُعْتَدَّةِ الْبَائِنِ،   [رد المحتار] سَابِقًا وَلِذَا وَقَعَ الْمُعَلَّقُ لِطُولِ الْفَصْلِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ الْمُضَافُ) الْأَوْلَى وَمِثَالُ الْمُضَافِ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْحُكْمِ فُهِمَتْ مِنْ قَوْلِهِ سَابِقًا أَوْ مُضَافًا ط (قَوْلُهُ وَفِي الْبَحْرِ إلَخْ) مُرَادُهُ بِهَذَا النَّقْلِ الِاسْتِدْلَال عَلَى قَوْلِهِ نَاوِيًا ح (قَوْلُهُ فَيَفْتَقِرُ لِلنِّيَّةِ) أَيْ أَوْ الْمُذَاكَرَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت) بَيَانٌ لِمَا إذَا كَانَا مُعَلَّقَيْنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ ثُمَّ دَخَلَتْ وَبَانَتْ) أَشَارَ بِالْعَطْفِ بِثُمَّ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ التَّعْلِيقِ الثَّانِي قَبْلَ وُجُودِ شَرْطِ الْأَوَّلِ: لِأَنَّهَا لَوْ دَخَلَتْ وَبَانَتْ ثُمَّ قَالَ إنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا فَكَلَّمَتْهُ لَا يَقَعُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا وُجِدَ شَرْطُهُ قَبْلَ تَعْلِيقِ الثَّانِي صَارَ مُنَجَّزًا. وَالْمُعَلَّقُ لَا يَلْحَقُ إلَّا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ قَبْلَ إيجَادِ الْمُنَجَّزِ كَمَا عَلِمْتَهُ مِنْ كَلَامِ الْمَتْنِ لِأَنَّ قَوْلَهُ ثَانِيًا فَأَنْتِ بَائِنٌ صَادِقٌ بِثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ أَوَّلًا فَيَصْلُحُ كَوْنُ الثَّانِي خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ، وَبِهِ سَقَطَ مَا قِيلَ إنَّ كَلَامَهُ شَامِلٌ لِكَوْنِ التَّعْلِيقِ الثَّانِي بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ أَوْ قَبْلَهُ، وَكَذَا سَقَطَ قَوْلُ هَذَا الْقَائِلِ إنْ تَعَذَّرَ جَعْلُهُ إخْبَارًا عَنْ الْأَوَّلِ مَوْجُودٌ فِي الْمُعَلَّقِ وَالْمُضَافِ سَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ أَوْ الْإِضَافَةُ قَبْلَ التَّنْجِيزِ أَوْ بَعْدَهُ، فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْفَرْقِ وَإِنْ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ قَبْلَ إيجَادِ الْمُنَجَّزِ اهـ. إذَا لَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْلِيقَ بَعْدَ إيجَادِ الْمُنَجَّزِ يَصْلُحُ كَوْنُ الْمُعَلَّقِ فِيهِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ الثَّانِيَةُ خَبَرًا عَنْ الْمُنَجَّزِ الثَّابِتِ أَوَّلًا، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ فَالْوَجْهُ مَا قَالُوهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ ثُمَّ كَلَّمَتْ) فَلَوْ عَكَسَتْ أَيْ بِأَنْ كَلَّمَتْهُ أَوَّلًا ثُمَّ دَخَلَتْ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَكَمَ كَذَلِكَ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ تَعْلِيقَيْهِ لَا يَصْلُحُ إخْبَارًا عَنْ الْآخَرِ لِعَدَمِ كَوْنِهَا طَالِقًا عِنْدَ كُلٍّ مِنْ التَّعْلِيقَيْنِ اهـ ح (قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ إلَّا فِي لَفْظِ الْبَائِنِ وَالْحَرَامِ وَفِي إفَادَةِ أَنَّهُ يَقَعُ بِأَيِّهِمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ فَفَعَلَ أَحَدَهُمَا وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا بَحَثَهُ الْمُحَشِّي أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ فَعَلَ الثَّانِيَ) أَرَادَ بِالثَّانِي الْآخَرَ لَا التَّرْتِيبَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَحَدَهُمَا ح (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِالْقَبْلِيَّةِ) أَيْ بِقَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ قَبْلَ الْمُنَجَّزِ الْبَائِنِ (قَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُ جَعْلُهُ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ الْمُنَجَّزِ كَمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ وَيُسْتَثْنَى إلَخْ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِمْ الصَّرِيحُ يَلْحَقُ الْبَائِنَ؛ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ لَفْظِ الْمَرْأَةِ مُعْتَدَّةَ الْبَائِنِ؛ حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الْمَرْأَةِ وَقَعَ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي الْمَنْصُورِيِّ شَرْحِ الْمَسْعُودِيِّ: الْمُخْتَلِعَةُ يَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ إذَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ. اهـ. ح. مَطْلَبٌ الْمُخْتَلِعَةُ وَالْمُبَانَةُ لَيْسَتْ امْرَأَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَحَاصِلُهُ أَنَّ عَدَمَ الْوُقُوعِ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ امْرَأَةً لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ تُسَمَّى مُخْتَلِعَةً وَمُبَانَةً، وَإِنْ كَانَ أَثَرُ النِّكَاحِ وَهُوَ الْعِدَّةُ بَاقِيًا مَعْنًى لَحِقَهَا الصَّرِيحُ إذَا أَضَافَهُ إلَيْهَا بِخِطَابٍ أَوْ إشَارَةٍ، وَكَذَا لَوْ نَوَاهَا بِالطَّلَاقِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي لَا تَدْخُلُ الْمُبَانَةُ بِالْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهَا: أَيْ فَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ صَارَتْ فِي حُكْمِ الْأَجْنَبِيَّةِ فَلَا تُسَمَّى امْرَأَتَهُ؛ وَلِذَا قَالَ فِي حَاوِي الزَّاهِدِيِّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ إنَّ كُنْتِ امْرَأَةً لِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ الْأَوَّلُ بَائِنًا لَا يَقَعُ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا يَقَعُ الثَّانِي اهـ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا فِي تَعْلِيقِ الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَةٌ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَطَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَخَرَجَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 وَيَضْبِطُ الْكُلَّ مَا قِيلَ: كُلًّا أَجِزْ لَا بَائِنًا مَعْ مِثْلِهِ ... إلَّا إذَا عَلَّقْتَهُ مِنْ قَبْلِهِ إلَّا بِكُلِّ امْرَأَةٍ وَقَدْ خَلَعْ ... وَالْحَقُّ الصَّرِيحُ بَعْدُ لَمْ يَقَعْ (كُلُّ فُرْقَةٍ هِيَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) كَإِسْلَامٍ   [رد المحتار] يَحْنَثُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ قَبَّلْتُ امْرَأَتِي فَعَبْدِي حُرٌّ فَقَبَّلَهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلتَّعْرِيفِ لَا لِلتَّقْيِيدِ اهـ أَيْ لِتَعْيِينِ ذَاتِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا لَا بِقَيْدِ كَوْنِهَا امْرَأَةً لَهُ، فَإِذَا كَانَ لَفْظُ الْمَرْأَةِ شَامِلًا لَهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَفِي حَالِ بَقَاءِ الْعِدَّةِ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا بِالْأَوْلَى. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمُعَلَّقِ حَالَةُ التَّعْلِيقِ لَا حَالَةُ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَهِيَ فِي حَالَةِ التَّعْلِيقِ كَانَتْ امْرَأَةً لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِذَا وَقَعَ الْبَائِنُ الْمُعَنَّقُ قَبْلَ وُجُودِ الْبَائِنِ الْمُنَجَّزِ كَمَا مَرَّ وَسَنَذْكُرُ تَحْقِيقَ الْمَسْأَلَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي التَّعْلِيقِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَزَوَالُ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ (قَوْلُهُ وَيَضْبِطُ الْكُلَّ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا، فَالْمُرَادُ بِالْكُلِّ صُوَرُ اللِّحَاقِ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهَا ط (قَوْلُهُ مَا قِيلَ) الْبَيْتُ الْأَوَّلُ لِوَالِدِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَبْدِ الْبَرِّ شَارِحِ النَّظْمِ الْوَهْبَانِيِّ كَمَا فِي الْمِنَحِ، وَالْبَيْتُ الثَّانِي لِصَاحِبِ النَّهْرِ ح (قَوْلُهُ كُلًّا أَجِزْ) أَيْ أَجِزْ كُلًّا مِنْ وُقُوعِ الصَّرِيحِ وَالْبَائِنِ بَعْدَ الصَّرِيحِ وَالْبَائِنِ ح وَلَا يَخْفَى مَا فِي قَوْلِهِ كُلًّا مِنْ الْإِبْهَامِ نَهْرٌ قُلْت: وَفِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ الشَّرْحِ لُحُوقًا بَدَلَ كُلًّا وَلَا يَسْتَقِيمُ مَعَهُ الْوَزْنُ (قَوْلُهُ لَا بَائِنًا) عَطْفٌ عَلَى كُلًّا وَمَعْ بِسُكُونِ الْعَيْنِ لِلْوَزْنِ بِمَعْنَى بَعْدَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] نَعْتٌ لِقَوْلِهِ بَائِنًا: أَيْ لَا تُجِزْ بَائِنًا كَائِنًا بَعْدَ مِثْلِهِ، وَهَذَا الْعَطْفُ كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْمَعْنَى كَأَنَّهُ قَالَ كُلًّا أَجِزْ إلَّا بَائِنًا بَعْدَ مِثْلِهِ، وَقَوْلُهُ إلَّا إذَا عَلَّقْتَهُ مِنْ قَبْلِهِ، اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْعَطْفِ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ: أَيْ لَا تُجِزْ بَائِنًا بَعْدَ بَائِنٍ إلَّا إذَا عَلَّقْتَ الْبَائِنَ الْوَاقِعَ بَعْدَ الْمِثْلِ قَبْلَ الْمِثْلِ، فَضَمِيرُ عَلَّقْتَهُ لِلْبَائِنِ الْأَوَّلِ، وَضَمِيرُ قَبْلِهِ لِلْمِثْلِ الَّذِي هُوَ الْبَائِنُ الثَّانِي. اهـ. ح وَالتَّعْبِيرُ بِالْمِثْلِ مُشْعِرٌ بِإِخْرَاجِ الْبَيْنُونَةِ الْكُبْرَى، وَلَا يَخْفَى مَا فِي الْبَيْتِ مِنْ التَّعْقِيدِ، وَالْأَوْضَحُ مَا قِيلَ: صَرِيحُ طَلَاقِ الْمَرْءِ يَلْحَقُ مِثْلَهُ ... وَيَلْحَقُ أَيْضًا بَائِنًا كَانَ قَبْلَهُ كَذَا عَكْسُهُ لَا بَائِنٌ بَعْدَ بَائِنٍ ... سِوَى بَائِنٍ قَدْ كَانَ عُلِّقَ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ إلَّا بِكُلِّ امْرَأَةٍ) اسْتِثْنَاءٌ ثَانٍ مِنْ قَوْلِهِ كُلًّا أَجِزْ فَإِنَّهُ بَعْدَ إخْرَاجِ الْبَائِنِ بَعْدَ الْبَائِنِ مِنْهُ بَقِيَ الْبَائِنُ بَعْدَ الصَّرِيحِ وَالصَّرِيحُ بَعْدَ الصَّرِيحِ وَالصَّرِيحُ بَعْدَ الْبَائِنِ، فَاسْتَثْنَى مِنْهُ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْأَخِيرِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ وَكَانَ لَهُ مُخْتَلِعَةٌ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ لَحِقَ بَائِنًا وَلَمْ يَقَعْ لِمَا قَدَّمْنَا وَبَاءُ بِكُلٍّ بِمَعْنَى فِي، وَكُلٌّ بِالضَّمِّ عَلَى الْحِكَايَةِ وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَقَدْ خَلَعَ، لِلْحَالِ، وَأَلْحَقَ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ مَعْطُوفٌ عَلَى خَلَعَ، وَبَعْدُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ لِقَطْعِهِ عَنْ الْإِضَافَةِ وَنِيَّةِ مَعْنَاهَا وَهُوَ ظَرْفٌ لِلْحَقِّ: أَيْ وَالْحَقُّ الصَّرِيحُ بَعْدَ الْخُلْعِ ح (قَوْلُهُ كُلُّ فُرْقَةٍ إلَخْ) أَفَادَ بِهِ أَنَّ قَوْلَهُ وَالصَّرِيحُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ إلَخْ إنَّمَا هُوَ فِي الطَّلَاقِ لَا الْفَسْخِ. هَذَا، وَيَرِدُ عَلَى الْكُلِّيَّةِ الْأُولَى إبَاءُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْإِسْلَامِ وَارْتِدَادُ أَحَدِهِمَا، وَعَلَى الثَّانِيَةِ الْفُرْقَةُ كَاللِّعَانِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ كَإِسْلَامٍ) أَيْ إسْلَامِ الزَّوْجِ لَوْ امْرَأَتُهُ مَجُوسِيَّةٌ أَبَتْ الْإِسْلَامَ أَوْ إسْلَامِ زَوْجَةِ حَرْبِيٍّ هَاجَرَتْ إلَيْنَا دُونَهُ كَذَا بِخَطِّ السَّائِحَانِيِّ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَوَّلَ كِتَابِ الطَّلَاقِ: إذَا سُبِيَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا وَكَذَا لَوْ هَاجَرَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ خَرَجَا مُسْتَأْمَنَيْنِ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ صَارَ ذِمِّيًّا فَهِيَ امْرَأَتُهُ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ فَتَقَعُ الْفُرْقَةُ بِلَا طَلَاقٍ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقٌ، ثُمَّ قَالَ: إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الذِّمِّيَّيْنِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِإِبَاءِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ وَإِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 وَرِدَّةٍ مَعَ لِحَاقٍ وَخِيَارِ بُلُوغٍ وَعِتْقٍ (لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي عِدَّتِهَا) مُطْلَقًا (وَكُلُّ فُرْقَةٍ هِيَ طَلَاقٌ يَقَعُ) الطَّلَاقُ (فِي عِدَّتِهَا) عَلَى مَا بَيَّنَّا [فُرُوعٌ] إنَّمَا يَلْحَقُ الطَّلَاقُ لِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ،   [رد المحتار] كَانَتْ هِيَ الْآبِيَةُ أَيْ وَإِنْ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً. قَالَ: وَبِهِ يَنْتَقِضُ مَا قِيلَ: إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ. اهـ. قُلْتُ: وَهُوَ رَدٌّ عَلَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَا يَقَعُ عَلَى الْآخَرِ طَلَاقُهُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، لَكِنْ ذَكَرَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَنَّ مَوْضُوعَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي طَلَاقِ أَهْلِ الْحَرْبِ. قُلْت: وَعَلَيْهِ، فَكَانَ لَفْظُ أَسْلَمَ مُحَرَّفٌ عَنْ سَبْيٍ تَأَمَّلْ، وَمَسْأَلَةُ الْإِبَاءِ وَارِدَةٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهَا فَسْخٌ وَلَحِقَ فِيهَا الطَّلَاقُ (قَوْلُهُ وَرِدَّةٍ مَعَ لِحَاقٍ) أَيْ إذَا ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَا يَقَعُ، وَإِنْ عَادَ مُسْلِمًا فَطَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ يَقَعُ، وَالْمُرْتَدَّةُ إذَا لَحِقَتْ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثُمَّ عَادَتْ مُسْلِمَةً قَبْلَ الْحَيْضِ، فَعِنْدَهُ لَا يَقَعُ، وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ خَانِيَّةٌ؛ وَقَيَّدَ بِاللِّحَاقِ إذْ بِدُونِهِ يَقَعُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ غَيْرُ مُتَأَبِّدَةٍ فَإِنَّهَا تَرْتَفِعُ بِالْإِسْلَامِ فَتْحٌ وَمَرَّ تَمَامُهُ فِي بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ تَلْحَقْ وَطَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ لَا لَوْ خَالَعَهَا لِأَنَّهَا بِالِارْتِدَادِ بَانَتْ وَالْمُبَانَةُ يَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ لَا الْخُلْعُ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْفُرْقَةَ بِالرِّدَّةِ فَسْخٌ وَلَوْ بِدُونِ لِحَاقٍ، فَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ وَخِيَارُ بُلُوغٍ وَعِتْقٍ) وَكَذَا الْفُرْقَةُ بِحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ كَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ لِأَنَّهَا حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ فَلَا يُفِيدُ الطَّلَاقُ فَائِدَتَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَوَّلَ الطَّلَاقِ، وَصَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الْفُرْقَةِ بِاللِّعَانِ لِأَنَّهُ حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ أَيْضًا. قُلْت: وَمِثْلُهُ الْفُرْقَةُ بِالرَّضَاعِ، وَصَرَّحَ أَيْضًا بِعَدَمِ اللِّحَاقِ فِي الْفَسْخِ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَنُقْصَانِ الْمَهْرِ. وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا عَدَمَ اللِّحَاقِ فِي مِلْكِهَا زَوْجَهَا وَقَدْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ تَبِيعَهُ أَوْ تُعْتِقَهُ، لَا لَوْ أَخْرَجَتْهُ عَنْ مِلْكِهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ يَقَعُ لِأَنَّهُ مَا دَامَ عَبْدًا لَهَا لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ لَهَا وَلَا سُكْنَى فَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَتْهُ أَوْ أَعْتَقَتْهُ فَيَقَعُ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً ح وَيُفِيدُهُ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَكُلُّ فُرْقَةٍ هِيَ طَلَاقٌ) كَالْفُرْقَةِ فِي الْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمَهْرِ نَظْمًا بَيَانُ الْفَرْقِ، وَبَيَانُ مَا يَكُونُ مِنْهَا فَسْخًا، وَمَا يَكُونُ طَلَاقًا، وَمَا يَتَوَقَّفُ مِنْهَا عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي، وَمَا لَا يَتَوَقَّفُ، وَصَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ مُعْتَدَّةَ اللِّعَانِ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ مَعَ أَنَّ الْفُرْقَةَ بِاللِّعَانِ طَلَاقٌ لَا فَسْخٌ، لَكِنَّ تَعْلِيلَهُ بِأَنَّهَا حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ يُرْجِعُ مَا قَالَهُ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي بَابِهِ أَنَّهَا حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ مَا دَامَا أَهْلًا لِلِّعَانِ، فَإِذَا خَرَجَا عَنْ أَهْلِيَّةِ اللِّعَانِ أَوْ أَحَدِهِمَا لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا، وَكَذَا لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حُدَّ، وَلَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ الصَّرِيحُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ إلَخْ ح (قَوْلُهُ إنَّمَا يَلْحَقُ الطَّلَاقُ لِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ فِي أَوَّلِ طَلَاقِ الْفَتْحُ بِأَنَّهُ غَيْرُ حَاصِرٍ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَدْ تَتَحَقَّقُ بِدُونِ الطَّلَاقِ وَالْوَطْءِ كَمَا لَوْ عَرَضَ الْفَسْخَ بِخِيَارٍ بَعْدَ مُجَرَّدِ الْخَلْوَةِ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْخَلْوَةَ مُلْحَقَةٌ بِالْوَطْءِ ثُمَّ يَقْتَضِي أَنَّ عِدَّةَ الْفَسْخِ لَا يَقَعُ فِيهَا طَلَاقٌ مَعَ أَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَأَبَتْ عَنْ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّ الْفُرْقَةَ فِيهَا فَسْخٌ، وَبِمَا إذَا ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَقَعُ طَلَاقُهُ مَعَ أَنَّ الْفُرْقَةَ بِرِدَّتِهِ فَسْخٌ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَكَذَا بِرِدَّتِهَا إجْمَاعًا اهـ وَهَذَا النَّقْضُ وَارِدٌ أَيْضًا عَلَى عِبَارَةِ الْمَتْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الطَّلَاقَ يَلْحَقُ فِي عِدَّةِ فُرْقَةٍ عَنْ طَلَاقٍ أَوْ إبَاءٍ أَوْ رِدَّةٍ بِدُونِ لِحَاقٍ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَنَظَمْتُ ذَلِكَ بِقَوْلِي: وَيَلْحَقُ الطَّلَاقَ فُرْقَةَ الطَّلَاقِ ... أَوْ الْإِبَا أَوْ رِدَّةٍ بِلَا لِحَاقِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 أَمَّا الْمُعْتَدَّةُ لِلْوَطْءِ فَلَا يَلْحَقُهَا خُلَاصَةٌ. وَفِي الْقُنْيَةِ: زَوَّجَ امْرَأَتَهُ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا ثُمَّ رَقَّمَ، إنْ نَوَى طَلُقْتِ اذْهَبِي وَتَزَوَّجِي تَقَعُ وَاحِدَةٌ بِلَا نِيَّةٍ اذْهَبِي إلَى جَهَنَّمَ يَقَعُ إنْ نَوَى خُلَاصَةٌ، وَكَذَا اذْهَبِي عَنِّي وَأَفْلِحِي وَفَسَخْتُ النِّكَاحَ، وَأَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيِّتَةِ أَوْ كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ حَرَامٌ كَالْمَاءِ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالسُّرْعَةِ، وَلَا يَقَعُ بِأَرْبَعَةِ طُرُقٍ عَلَيْكِ مَفْتُوحَةٍ وَإِنْ نَوَى مَا لَمْ يَقُلْ خُذِي أَيَّ طَرِيقٍ شِئْتِ. بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ لَمَّا ذَكَرَ مَا يُوقِعُهُ بِنَفْسِهِ بِنَوْعَيْهِ ذَكَرَ مَا يُوقِعُهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ. وَأَنْوَاعُهُ ثَلَاثَةٌ:   [رد المحتار] وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْمَقْدِسِيَّ: فِي عِدَّةٍ عَنْ الطَّلَاقِ يَلْحَقُ ... أَوْ رِدَّةٍ أَوْ بِالْإِبَاءِ يَفْرُقُ (قَوْلُهُ أَمَّا الْمُعْتَدَّةُ لِلْوَطْءِ فَلَا يَلْحَقُهَا) مِثَالُهُ لَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا أَوْ خَالَعَهَا ثُمَّ بَعْدَ مُضِيِّ حَيْضَتَيْنِ مِنْ عِدَّتِهَا مَثَلًا وَطِئَهَا عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ فَلَزِمَهَا عِدَّةٌ ثَانِيَةٌ وَتَدَاخَلَتَا، فَإِذَا حَاضَتْ الثَّالِثَةَ فَهِيَ مِنْهُمَا وَلَزِمَهَا حَيْضَتَانِ أَيْضًا لِإِكْمَالِ الثَّانِيَةِ؛ فَلَوْ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ لَا يَقَعُ لِأَنَّهَا عِدَّةُ وَطْءٍ لَا طَلَاقٍ أَفَادَهُ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ رَقَّمَ) أَيْ رَمَّزَ عَازِيًا إلَى كِتَابٍ آخَرَ لِأَنَّ عَادَتَهُ ذِكْرُ حُرُوفٍ اُصْطُلِحَ عَلَيْهَا يُرْمَزُ بِهَا إلَى أَسْمَاءِ الْكُتُبِ (قَوْلُهُ إنْ نَوَى طَلُقَتْ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ قَوْلَهُ زَوَّجْتُكَ امْرَأَتِي فَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى تَقْدِيرِ إنْ صَحَّ تَزْوِيجُهَا مِنْك، أَوْ تَقْدِيرِ لِأَنَّهَا طَالِقٌ مِنِّي، فَإِذَا نَوَى الطَّلَاقَ تَعَيَّنَ الثَّانِي فَتَطْلُقُ. (قَوْلُهُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ بِلَا نِيَّةٍ) لِأَنَّ تَزَوَّجِي قَرِينَةٌ، فَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ بَزَّازِيَّةٌ، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ: وَلَوْ قَالَ اذْهَبِي فَتَزَوَّجِي وَقَالَ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ أَمْكَنَكِ اهـ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْوَاوِ وَالْفَاءِ وَهُوَ بَعِيدٌ هُنَا بَحْرٌ، عَلَى أَنْ تَزَوَّجِي كِنَايَةٌ مِثْلَ اذْهَبِي فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ فَمِنْ أَيْنَ صَارَ قَرِينَةً عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ بِاذْهَبِي مَعَ أَنَّهُ مَذْكُورٌ بَعْدَهُ وَالْقَرِينَةُ لَا بُدَّ أَنْ تَتَقَدَّمَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ فِي اعْتَدِّي ثَلَاثًا فَالْأَوْجَهُ مَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَاوِ وَالْفَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ اذْهَبِي وَتَزَوَّجِي لَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَإِنْ نَوَى فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ (قَوْلُهُ وَأَفْلِحِي) فِي الْبَدَائِعِ قَالَ مُحَمَّدٌ قَالَ لَهَا: أَفْلِحِي يُرِيدُ الطَّلَاقَ يَقَعُ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى اذْهَبِي تَقُولُ الْعَرَبُ أَفْلَحَ بِخَيْرٍ أَيْ ذَهَبَ بِخَيْرٍ، وَيَحْتَمِلُ اظْفَرِي بِمُرَادِك يُقَالُ أَفْلَحَ الرَّجُلُ إذَا ظَفَرَ بِمُرَادِهِ؛ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ) أَيْ يَقَعُ إنْ نَوَى، فَالْمُرَادُ التَّشْبِيهُ بِمَا هُوَ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَمَتَاعِ فُلَانٍ فَلَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى أَفَادَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْ لِأَنَّ مَتَاعَ فُلَانٍ لَيْسَ مُحَرَّمَ الْعَيْنِ وَجَعْلُهُ كَأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ تَوَقُّفِ الْوُقُوعِ بِهِ عَلَى النِّيَّةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالسُّرْعَةِ) الْأَوْلَى فِي السُّرْعَةِ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ حَرَامٌ سَرِيعًا كَسُرْعَةِ الْمَاءِ فِي جَرْيِهِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ أَنْتِ حَرَامٌ مُلْحَقٌ بِالصَّرِيحِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، فَلَعَلَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى غَيْرِ الْمُفْتَى بِهِ ط. قُلْت: وَهُوَ الْمُتَعَيَّنُ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَقُلْ خُذِي أَيَّ طَرِيقٍ شِئْتِ) أَيْ فَإِنْ نَوَى يَقَعُ ثَلَاثٌ فِي رِوَايَةِ أَسَدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَقَالَ ابْنُ سَلَّامٍ: أَخَافُ أَنْ يَقَعَ ثَلَاثٌ لِمَعَانِي كَلَامِ النَّاسِ، كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ مُرَادَ النَّاسِ بِمِثْلِهِ اُسْلُكِي الطَّرِيقَ الْأَرْبَعَ وَإِلَّا فَاللَّفْظُ إنَّمَا يُعْطِي الْأَمْرَ بِسُلُوكِ أَحَدِهَا وَالْأَوْجَهُ أَنْ تَقَعَ وَاحِدَةً بَائِنَةً فَتْحٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ] ِ أَيْ تَفْوِيضُهُ لِلزَّوْجَةِ أَوْ غَيْرِهَا صَرِيحًا كَانَ التَّفْوِيضُ أَوْ كِنَايَةً، يُقَالُ: فَوَّضَ لَهُ الْأَمْرَ: أَيْ رَدَّهُ إلَيْهِ حَمَوِيٌّ، فَالْكِنَايَةُ قَوْلُهُ اخْتَارِي أَوْ أَمْرُكِ بِيَدِكِ، وَالصَّرِيحُ قَوْلُهُ طَلِّقِي نَفْسَك أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ بِنَوْعَيْهِ) أَيْ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ ح (قَوْلُهُ وَأَنْوَاعُهُ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى مَا يُوقِعُهُ الْغَيْرُ لَا لِلتَّفْوِيضِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ تَقْسِيمُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 تَفْوِيضٌ، وَتَوْكِيلٌ، وَرِسَالَةٌ وَأَلْفَاظُ التَّفْوِيضِ ثَلَاثَةٌ: تَخْيِيرٌ وَأَمْرٌ بِيَدٍ، وَمَشِيئَةٌ. (قَالَ لَهَا اخْتَارِي أَوْ أَمْرُكِ بِيَدِك يَنْوِي) تَفْوِيضَ (الطَّلَاقِ) لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ فَلَا يَعْمَلَانِ بِلَا نِيَّةٍ (أَوْ طَلِّقِي نَفْسَك فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهَا بِهِ) مُشَافَهَةً أَوْ إخْبَارًا (وَإِنْ طَالَ) يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ يُوَقِّتْهُ وَيَمْضِي الْوَقْتُ   [رد المحتار] غَيْرِهِ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ تَفْوِيضٌ وَتَوْكِيلٌ) الْمُرَادُ بِالتَّفْوِيضِ تَمْلِيكُ الطَّلَاقِ كَمَا يَأْتِي. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ فِي فَصْلِ الْمَشِيئَةِ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ جَعَلَ مَنَاطَ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّمْلِيكِ وَالتَّوْكِيلِ مَرَّةً بِأَنَّ الْمَالِكَ يَعْمَلُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، وَمَرَّةً بِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِهِ، وَمَرَّةً بِأَنَّهُ يَعْمَلُ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ بِخِلَافِهِ. قَالَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرَّأْيِ وَالْمَشِيئَةِ أَنَّ الْعَمَلَ بِالرَّأْيِ عَمَلٌ بِمَا يَرَاهُ أَصْوَبَ بِلَا اعْتِبَارِ كَوْنِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْعَمَلُ بِمَشِيئَتِهِ أَيْ بِاخْتِيَارِهِ ابْتِدَاءً بِلَا اعْتِبَارِ مُطَابَقَةِ أَمْرِ الْآمِرِ وَلَا اعْتِبَارِ مَعْنَى الْأَصْوَبِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَمَا بَحَثَ فِي الْأَوَّلَيْنِ أَنَّ الْفَرْقَ الثَّالِثَ أَصْوَبُ (قَوْلُ وَرِسَالَةٌ) كَأَنْ يَقُولَ لِرَجُلٍ: اذْهَبْ إلَى فُلَانَةَ وَقُلْ لَهَا إنَّ زَوْجَكِ يَقُولُ لَك اخْتَارِي، فَهُوَ نَاقِلٌ لِكَلَامِ الْمُرْسِلِ لَا مُنْشِئٌ لِكَلَامِهِ بِخِلَافِ الْمَالِكِ وَالْوَكِيلِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ الرَّسُولَ مُعَبِّرٌ وَسَفِيرٌ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ ثَلَاثَةٌ) أَيْ بِالِاسْتِقْرَاءِ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا بِالِاخْتِيَارِ لِثُبُوتِهِ بِصَرِيحِ الْأَخْبَارِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ فَصْلًا عَلَى حِدَةٍ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ شَيْءٌ يَفْصِلُ بِهِ عَمَّا قَبْلَهُ بِخِلَافِ الْأَخِيرَيْنِ، فَاكْتَفَى فِيهِ بِالْبَابِ نَهْرٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّفْوِيضَ أَعَمُّ فَنَاسَبَ أَنْ يُتَرْجِمَ لَهُ بِالْبَابِ، وَالثَّلَاثَةُ أَنْوَاعُهُ فَنَاسَبَ أَنْ يُتَرْجِمَ لِكُلٍّ مِنْهَا بِفَصْلٍ لَكِنْ لَمْ يُتَرْجِمْ بِهِ لِلتَّخْيِيرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ كَلَامٌ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ تَرْجَمَةَ الْمُصَنِّفِ لِلثَّانِي بِالْبَابِ غَيْرُ مُنَاسِبَةٍ (قَوْلُهُ قَالَ لَهَا اخْتَارِي) أَشَارَ بِعَدَمِ ذِكْرِ قَبُولِهَا إلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ يَتِمُّ بِالْمُمَلِّكِ وَحْدَهُ فَلَوْ رَجَعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ لَمْ يَصِحَّ، وَقَيَّدَ بِاقْتِصَارِهِ عَلَى التَّخْيِيرِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي الطَّلَاقَ فَقَالَتْ اخْتَرْتُ الطَّلَاقَ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّهُ لَمَّا صَرَّحَ بِالطَّلَاقِ كَانَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْإِتْيَانِ بِالرَّجْعِيِّ وَتَرْكِهِ ط عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَوْ أَمْرُكِ بِيَدِك) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِذِكْرِ أَحْكَامِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ فِي فَصْلٍ مُسْتَقِلٍّ يَأْتِي ط (قَوْلُهُ تَفْوِيضَ الطَّلَاقِ) دَلَّ عَلَى هَذَا الْمُضَافِ عَقْدُ الْبَابِ لَهُ كَمَا فِي النَّهْرِ ح (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا كِنَايَةٌ) أَيْ مِنْ كِنَايَاتِ التَّفْوِيضِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ فَلَا يَعْمَلَانِ بِلَا نِيَّةٍ) أَيْ قَضَاءً وَدِيَانَةً فِي حَالَةِ الرِّضَا، أَمَّا فِي حَالَةِ الْغَضَبِ أَوْ الْمُذَاكَرَةِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً فِي أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ لِأَنَّهُمَا مِمَّا تَمَحَّضَ لِلْجَوَابِ كَمَا مَرَّ وَلَا يَسَعُهَا الْمُقَامُ مَعَهُ إلَّا بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبَلٍ لِأَنَّهَا كَالْقَاضِي، أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ النِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ النَّفْسَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فِي كَلَامِهِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ فِي كَلَامِهَا فَقَطْ كَمَا يَأْتِي تَحْرِيرُهُ، فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَوْ طَلِّقِي نَفْسَكِ) هَذَا تَفْوِيضٌ بِالصَّرِيحِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَالْوَاقِعُ بِهِ رَجْعِيٌّ؛ وَتَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلَ فَصْلِ الْمَشِيئَةِ (قَوْلُهُ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهَا) أَفَادَ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمَجْلِسِهِ، فَلَوْ خَيَّرَهَا ثُمَّ قَامَ هُوَ لَمْ يَبْطُلْ، بِخِلَافِ قِيَامِهَا بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ ط (قَوْلُهُ مُشَافَهَةً) أَيْ فِي الْحَاضِرَةِ أَوْ إخْبَارًا فِي الْغَائِبَةِ مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِيَّةِ مِنْ عِلْمِهَا (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُوَقِّتْهُ إلَخْ) فَلَوْ قَالَ: جَعَلْتُ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا الْيَوْمَ اُعْتُبِرَ مَجْلِسُ عِلْمِهَا فِي هَذَا الْيَوْمِ، فَلَوْ مَضَى الْيَوْمُ ثُمَّ عَلِمَتْ خَرَجَ الْأَمْرُ عَنْ يَدِهَا، وَكَذَا كُلُّ وَقْتٍ قَيَّدَ التَّفْوِيضَ بِهِ وَهِيَ غَائِبَةٌ وَلَمْ تَعْلَمْ حَتَّى انْقَضَى بَطَلَ خِيَارُهَا فَتْحٌ وَبَحْرٌ وَسَيَأْتِي فُرُوعٌ فِي التَّوْقِيتِ آخِرَ الْبَابِ وَأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْمُوَقَّتُ بِالْإِعْرَاضِ. (قَوْلُهُ وَيَمْضِي الْوَقْتُ) مَعْطُوفٌ عَلَى يُوَقِّتُهُ الْمَجْزُومِ، وَإِثْبَاتُ الْيَاءِ فِيهِ مِنْ تَحْرِيفِ النُّسَّاخِ أَوْ عَلَى لُغَةٍ كَمَا هُوَ أَحَدُ الْأَوْجُهِ الَّتِي يُجَابُ بِهَا عَنْ قَوْله تَعَالَى {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} [يوسف: 90] فِي قِرَاءَةِ رَفْعِ يَصْبِرُ؛ فَالْمَعْنَى لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ طَالَ مُدَّةُ عَدَمِ تَوْقِيتِهِ، وَمَضَى الْوَقْتُ بِأَنْ لَمْ يُوَقِّتْهُ أَوْ وَقَّتَهُ وَلَمْ يَمْضِ، فَإِنْ وَقَّتَهُ وَمَضَى سَقَطَ الْخِيَارُ، وَأَمَّا جَعْلُهُ مَرْفُوعًا فَالْوَاوُ فِيهِ لِلْحَالِ فَهُوَ فَاسِدٌ صِنَاعَةً وَمَعْنًى؛ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 قَبْلَ عِلْمِهَا (مَا لَمْ تَقُمْ) لِتَبَدُّلِ مَجْلِسِهَا حَقِيقَةً (أَوْ) حُكْمًا بِأَنْ (تَعْمَلَ مَا يَقْطَعُهُ) مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولٍ فِي الْمَجْلِسِ لَا تَوْكِيلٍ، فَلَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ، حَتَّى لَوْ خَيَّرَهَا ثُمَّ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا فَطَلُقَتْ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْأَصَحِّ (لَا) تَطْلُقُ (بَعْدَهُ) أَيْ الْمَجْلِسِ (إلَّا إذَا زَادَ) فِي قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَكِ   [رد المحتار] جُمْلَةَ الْحَالِ الَّتِي فِعْلُهَا مُضَارِعٌ مُثْبَتٌ لَا تَقْتَرِنُ بِالْوَاوِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِصَيْرُورَةِ الْمَعْنَى مُدَّةً لَمْ يُوَقِّتْ فِي حَالِ مُضِيِّ الْوَقْتِ وَإِذَا لَمْ يُوَقِّتْ كَيْفَ يَمْضِي الْوَقْتُ فَافْهَمْ، نَعَمْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَبِمُضِيِّ الْوَقْتِ بِالْفَاءِ وَالْبَاءِ الْجَارَّةِ لِلْمَصْدَرِ وَالْمَعْنَى فَإِنْ وَقَّتَ فَيَنْتَهِي الْمَجْلِسُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ (قَوْلُهُ قَبْلَ عِلْمِهَا) لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا بَلْ هُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى الْأَخْفَى لِيُعْلَمَ مُقَابِلُهُ بِالْأَوْلَى كَمَا هُوَ عَادَةُ الشَّارِحِ فِي مَوَاضِعَ لَا تُحْصَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مَا لَمْ تَقُمْ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ لَهُ عَاطِفًا يَعْطِفُهُ عَلَى قَوْلِهِ مَا لَمْ يُوَقِّتْهُ، وَلَوْ قَالَ مَا لَمْ تَفْعَلْ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَفْوَدَ، لِيَصِحَّ عَطْفُ قَوْلِهِ أَوْ حُكْمًا عَلَى حَقِيقَةٍ وَلِأَنَّهُ يُغْنِيهِ عَنْ قَوْلِهِ أَوْ تَعْمَلُ مَا يَقْطَعُهُ، وَلِأَنَّ بُطْلَانَهُ بِكُلِّ قِيَامٍ مُطْلَقًا قَوْلُ الْبَعْضِ وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْإِعْرَاضِ، وَأَثَرُ الْخِلَافِ يَظْهَرُ فِيمَا لَوْ قَامَتْ لِتَدْعُوَ الشُّهُودَ كَمَا يَأْتِي، وَلَوْ أَقَامَهَا أَوْ جَامَعَهَا بَطَلَ كَمَا يَأْتِي لِتَمَكُّنِهَا مِنْ الْمُبَادَرَةِ إلَى اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا فَعَدَمُ ذَلِكَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ (قَوْلُهُ لِتَبَدُّلِ مَجْلِسِهَا حَقِيقَةً) أَفَادَ أَنَّ الْقِيَامَ يَخْتَلِفُ بِهِ الْمَجْلِسُ حَقِيقَةً وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ، فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ الْمَجْلِسَ وَإِنْ لَمْ يَتَبَدَّلْ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ إلَّا أَنَّ الْخِيَارَ يُبْطِلُهُ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ. وَفِي التَّبْيِينِ: الْمَجْلِسُ يَتَبَدَّلُ تَارَةً حَقِيقَةً بِالتَّحَوُّلِ إلَى مَكَان آخَرَ، وَتَارَةً حُكْمًا بِالْأَخْذِ فِي عَمَلٍ آخَرَ. اهـ. ط. قُلْت: وَكَأَنَّ الشَّارِحَ حَمَلَ الْقِيَامَ عَلَى التَّحَوُّلِ فَإِنَّهُ يُقَالُ قَامَ عَنْ مَجْلِسِهِ إذَا تَحَوَّلَ عَنْهُ لَا مُجَرَّدَ الْقِيَامِ عَنْ قُعُودٍ، لِمَا عَلِمْتَ مِنْ أَنَّ بُطْلَانَهُ بِكُلِّ قِيَامٍ مُطْلَقًا خِلَافُ الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ خَيَّرَهَا فَلَبِسَتْ ثَوْبًا أَوْ شَرِبَتْ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا لِأَنَّ اللُّبْسَ قَدْ يَكُونُ لِتَدْعُوَ شُهُودًا، وَالْعَطَشُ قَدْ يَكُونُ شَدِيدًا يَمْنَعُ مِنْ التَّأَمُّلِ، وَدَخَلَ فِي الْعَمَلِ الْكَلَامُ الْأَجْنَبِيُّ، وَهَذَا فِي التَّخْيِيرِ الْمُطْلَقِ، أَمَّا الْمُوَقَّتُ بِشَهْرٍ مَثَلًا فَلَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا كَمَا مَرَّ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ فِيمَا يَكُونُ إعْرَاضًا وَمَا لَا يَكُونُ (قَوْلُهُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهَا فِي الْمَجْلِسِ) أَرَادَ بِالْقَبُولِ الْجَوَابَ، وَالضَّمِيرُ فِي يَتَوَقَّفُ عَائِدٌ عَلَى التَّطْلِيقِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ لَا عَلَى التَّمْلِيكِ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ هَذَا التَّمْلِيكَ يَتِمُّ بِالْمُمَلِّكِ وَحْدَهُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ لِكَوْنِهَا تَطْلُقُ بَعْدَ التَّفْوِيضِ وَهُوَ بَعْدَ تَمَامِ التَّمْلِيكِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ هَذَا التَّمْلِيكَ لَا يَتَوَقَّفُ تَمَامُهُ عَلَى الْقَبُولِ وَلَا عَلَى الْجَوَابِ فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّ الْجَوَابَ: أَيْ التَّطْلِيقَ بَعْدَ تَمَامِهِ وَإِنَّمَا الْمُتَوَقِّفُ عَلَى الْجَوَابِ هُوَ صِحَّةُ التَّطْلِيقِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِهِ لَيْسَ تَوْكِيلًا، فَإِنَّ الْوِكَالَةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ فَلَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَصَحَّ عَزْلُهَا قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ إلَيْهَا، قِيلَ هُوَ وِكَالَةٌ يَمْلِكُ عَزْلَهَا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ اهـ لَكِنْ إذَا كَانَ تَمْلِيكًا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ صِحَّةِ الرُّجُوعِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ قَالَ لِانْتِقَاضِهِ بِالْهِبَةِ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ وَيَصِحُّ الرُّجُوعُ. اهـ. وَعَلَّلَ لَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْيَمِينِ، إذْ هُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا نَفْسَهَا وَاعْتَرَضَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ هَذَا يَجْرِي فِي سَائِرِ الْوِكَالَاتِ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى إذَا بِعْته فَقَدْ أَجَزْته مَعَ أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْهَا صَحِيحٌ وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ هِيَ كَوْنُهُ تَمْلِيكًا يَتِمُّ بِالْمُمَلِّكِ وَحْدَهُ بِلَا قَبُولٍ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ خَيَّرَهَا إلَخْ) تَفْرِيعٌ ثَانٍ عَلَى عَدَمِ كَوْنِهِ تَوْكِيلًا بَلْ هُوَ تَمْلِيكٌ فَإِنَّ عِلَّةَ الْحِنْثِ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَوْنُهَا نَائِبَةً عَنْهُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الزِّيَادَاتِ لِصَاحِبِ الْمُحِيطِ أَيْ لِكَوْنِهَا صَارَتْ مَالِكَةً، وَعَلَيْهِ فَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِطَلَاقِهَا يَحْنَثُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ ذِكْرِ مَا يَحْنَثُ فِيهِ بِفِعْلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 وَأَخَوَاتِهِ (مَتَى شِئْتِ أَوْ مَتَى مَا شِئْت أَوْ إذَا شِئْت أَوْ إذَا مَا شِئْت) فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ (وَلَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ) لِمَا مَرَّ. (وَ) أَمَّا فِي (طَلِّقِي ضَرَّتَكِ أَوْ) قَوْلُهُ لِأَجْنَبِيٍّ (طَلِّقْ امْرَأَتِي) فَ (يَصِحُّ رُجُوعُهُ) مِنْهُ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ مَحْضٌ، وَفِي طَلِّقِي نَفْسَك وَضَرَّتَك كَانَ تَمْلِيكًا فِي حَقِّهَا تَوْكِيلًا فِي حَقِّ ضَرَّتِهَا جَوْهَرَةٌ (إلَّا إذَا عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ) فَيَصِيرُ تَمْلِيكًا لَا تَوْكِيلًا. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي خَمْسَةِ أَحْكَامٍ: فَفِي التَّمْلِيكِ لَا يَرْجِعُ وَلَا يَعْزِلُ وَلَا يَبْطُلُ بِجُنُونِ الزَّوْجِ وَيَتَقَيَّدُ بِمَجْلِسٍ لَا بِعَقْلٍ، فَيَصِحُّ تَفْوِيضُهُ لِمَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ، بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ بَحْرٌ، نَعَمْ لَوْ جُنَّ بَعْدَ التَّفْوِيضِ لَمْ يَقَعْ فَهُنَا تُسُومِحَ ابْتِدَاءً لَا بَقَاءً عَكْسَ الْقَاعِدَةِ فَلْيُحْفَظْ   [رد المحتار] مَأْمُورِهِ (قَوْلُهُ وَأَخَوَاتِهِ) الْأَوْلَى وَأُخْتَيْهِ، وَهُمَا: اخْتَارِي؛ وَأَمْرُكِ بِيَدِكِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا إلَى قَوْلِهِ وَجُلُوسُ الْقَائِمَةِ سَيَذْكُرُهُ أَيْضًا فِي فَصْلِ الْمَشِيئَةِ (قَوْلُهُ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ) أَمَّا فِي مَتَى وَمَتَى مَا فَلِأَنَّهُمَا لِعُمُومِ الْأَوْقَاتِ فَكَأَنَّهُ قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْتِ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَأَمَّا فِي إذَا وَإِذَا مَا فَإِنَّهُمَا وَمَتَى سَوَاءٌ عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَيُسْتَعْمَلَانِ لِلشَّرْطِ كَمَا يُسْتَعْمَلَانِ لِلظَّرْفِ لَكِنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِيَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ ح عَنْ الْمِنَحِ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ تَوْكِيلًا بَلْ لَوْ صَرَّحَ بِتَوْكِيلِهَا لِطَلَاقِهَا يَكُونُ تَمْلِيكًا تَوْكِيلًا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ أَوْ قَوْلُهُ لِأَجْنَبِيٍّ طَلِّقْ امْرَأَتِي) قَيَّدَ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَمْرُ امْرَأَتِي بِيَدِكَ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَصَحِّ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ فِي فَصْلِ الْمَشِيئَةِ وَلَوْ جَمَعَ لَهُ بَيْنَ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَالْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ مَذْكُورٌ هُنَاكَ (قَوْلُهُ فَيَصِحُّ رُجُوعُهُ) زَادَ الشَّارِحُ الْفَاءَ لِتَكُونَ فِي جَوَابِ أَمَّا الَّتِي زَادَهَا قَبْلُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ مَحْضٌ) أَيْ بِخِلَافِ طَلِّقِي نَفْسَكِ لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا فَكَانَ تَمْلِيكًا لَا تَوْكِيلًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَانَ تَمْلِيكًا فِي حَقِّهَا) لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ فِيهِ لِنَفْسِهَا وَقَوْلُهُ تَوْكِيلًا فِي حَقِّ ضَرَّتِهَا لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ فِيهِ لِغَيْرِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ وَلَا مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِهِ طَلِّقِي وَاحِدَةً وَهُوَ الْأَمْرُ بِالتَّطْلِيقِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْحَكَمُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ بِاخْتِلَافِ مُتَعَلَّقِهِ كَمَا قَالَ الْآخَرُ طَلِّقْ امْرَأَتِي وَامْرَأَتَكَ فَإِنَّهُ وَكِيلٌ وَأَصِيلٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَيَصِيرُ تَمْلِيكًا) فَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ، وَالْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ وَالْوَكِيلُ مَطْلُوبٌ مِنْهُ الْفِعْلُ شَاءَ أَوْ لَمْ يَشَأْ ط عَنْ الْمِنَحِ (قَوْلُهُ لَا تَوْكِيلًا) أَيْ وَإِنْ صَرَّحَ بِالْوَكَالَةِ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ لَا يَرْجِعُ وَلَا يَعْزِلُ) لَا يَلْزَمُ عَدَمُ مِلْكِ الرُّجُوعِ عَدَمَ مِلْكِ الْعَزْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ أَمْرُ امْرَأَتِي بِيَدِكَ ثُمَّ قَالَ عَزَلْتُكَ وَجَعَلْتُهُ بِيَدِهَا لَا يَصِحُّ عَزْلُهُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ التَّفْوِيضِ بِالْكُلِّيَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِجُنُونِ الزَّوْجِ) نَظَرًا إلَى أَنَّهُ تَعْلِيقٌ ط (قَوْلُهُ لَا بِعَقْلٍ) هُوَ الْخَامِسُ ط (قَوْلُهُ فَيَصِحُّ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْخَامِسِ. وَبَيَانُهُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ صَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونٍ فَذَلِكَ إلَيْهِ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ فِي ضِمْنِهِ تَعْلِيقٌ، فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ بِاعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ، فَصَحَّحْنَاهُ بِاعْتِبَارِ التَّعْلِيقِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ قَالَ لَكِ الْمَجْنُونُ أَنْتِ طَالِقٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَبِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ. اهـ. ط قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَمِنْ هَذَا اسْتَخْرَجْنَا جَوَابَ مَسْأَلَةٍ صَارَتْ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى. صُورَتُهَا: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ الصَّغِيرَةِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ يَنْوِي الطَّلَاقَ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا صَحَّ لِأَنَّ تَقْدِيرَ كَلَامِهِ: إنْ طَلَّقْتِ نَفْسَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ (قَوْلُهُ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ) بِشَرْطِ أَنْ يَتَكَلَّمَ، فَيَصِحُّ أَنْ يُوقِعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّعْبِيرِ الْعَقْلُ ط عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ) أَيْ فِي الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ، لَكِنْ فِي الْأَخِيرَةِ بَحْثٌ سَأَذْكُرُهُ فِي فَصْلِ الْمَشِيئَةِ (قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ جُنَّ) أَيْ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ ط (قَوْلُهُ فَهُنَا تُسُومِحَ إلَخْ) نَظِيرُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ فَصْلِ الْمَشِيئَةِ: لَوْ جُنَّ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ جُنُونًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 (وَجُلُوسُ الْقَائِمَةِ وَاتِّكَاءُ الْقَاعِدَةِ وَقُعُودُ الْمُتَّكِئَةِ وَدُعَاءُ الْأَبِ) أَوْ غَيْرِهِ (لِلْمَشُورَةِ) بِفَتْحٍ فَضَمٍّ الْمُشَاوَرَةُ (وَ) دُعَاءُ (شُهُودٍ لِلْإِشْهَادِ) عَلَى اخْتِيَارِهَا الطَّلَاقَ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا مَنْ يَدْعُوهُمْ، سَوَاءٌ تَحَوَّلَتْ عَنْ مَكَانِهَا أَوْ لَا فِي الْأَصَحِّ خُلَاصَةٌ (وَإِيقَافُ دَابَّةٍ هِيَ رَاكِبَتُهَا لَا يَقْطَعُ) الْمَجْلِسَ، وَلَوْ أَقَامَهَا أَوْ جَامَعَهَا مُكْرَهَةً بَطَلَ لِتَمَكُّنِهَا مِنْ الِاخْتِيَارِ (وَالْفُلْكُ لَهَا كَالْبَيْتِ وَسَيْرُ دَابَّتِهَا كَسَيْرِهَا) حَتَّى لَا يَتَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ بِجَرْيِ الْفُلْكِ، وَيَتَبَدَّلُ بِسَيْرِ الدَّابَّةِ لِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ إلَّا أَنْ تُجِيبَ مَعَ سُكُوتِهِ أَوْ يَكُونَ فِي مَحَلٍّ يَقُودُهُمَا الْجَمَّالُ فَإِنَّهُ كَالسَّفِينَةِ.   [رد المحتار] يَعْقِلُ فِيهِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ ثُمَّ بَاعَ لَا يَنْعَقِدُ بَيْعُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَ مَجْنُونًا بِهَذِهِ الصُّفَّةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ كَانَ التَّوْكِيلُ بِبَيْعٍ تَكُونُ الْعُهْدَةُ فِيهِ عَلَى الْوَكِيلِ وَبَعْدَمَا جُنَّ تَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَلَا يَنْفُذُ، وَفِي الثَّانِي إنَّمَا وَكَّلَ بِبَيْعِ عُهْدَتِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَ لَا عُهْدَةَ أَصْلًا، لَكِنَّ الزَّوْجَ حِينَ التَّفْوِيضِ لَمْ يُعَلِّقْ إلَّا عَلَى كَلَامِ عَاقِلٍ، فَإِذَا طَلَّقَ وَهُوَ مَجْنُونٌ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَوَّضَ إلَى مَجْنُونٍ ابْتِدَاءً وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ أَصْلًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ، وَفِي التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ كَمَا مَرَّ وَكَأَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَعْتُوهِ وَمِنْ فَرْعَيْ التَّفْوِيضِ وَالتَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ ظَهَرَ أَنَّهُ تُسُومِحَ فِي الِابْتِدَاءِ مَا لَمْ يُتَسَامَحُ فِي الْبَقَاءِ. وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ الْفِقْهِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يَتَسَامَحُ فِي الْبَقَاءِ مَا لَا يَتَسَامَحُ فِي الِابْتِدَاءِ اهـ مَا فِي الْبَحْرِ مُلَخَّصًا قُلْت: وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ عَبَّرَ عَنْهَا فِي الْأَشْبَاهِ: بِقَوْلِهِ: الرَّابِعَةُ يُغْتَفَرُ فِي التَّوَابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهَا فُرُوعًا، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى عَكْسِهَا فَرْعَيْنِ غَيْرَ هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ فَتَصِيرُ فُرُوعُ الْعَكْسِ أَرْبَعَةً بِزِيَادَةِ هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ (قَوْلُهُ وَجُلُوسُ الْقَائِمَةِ) فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ مَشَتْ فِي الْبَيْتِ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ لَمْ يَبْطُلْ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمَعْنَاهُ أَنْ يُخَيِّرَهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ فَمَشَتْ مِنْ جَانِبٍ، إلَى آخَرَ، أَمَّا لَوْ خَيَّرَهَا وَهِيَ قَاعِدَةٌ فِي الْبَيْتِ فَقَامَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا بِمُجَرَّدِ قِيَامِهَا لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ اهـ قُلْتُ: وَفِيهِ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْبَعْضِ وَأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْقِيَامِ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَاتِّكَاءُ الْقَاعِدَةِ) أَمَّا لَوْ اضْطَجَعَتْ، فَقِيلَ لَا يَبْطُلُ وَقِيلَ إنْ هَيَّأَتْ الْوِسَادَةَ كَمَا يُفْعَلُ لِلنَّوْمِ بَطَلَ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ لِلْمَشُورَةِ) فَلَوْ دَعَتْهُ لِغَيْرِهَا بَطَلَ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْكَلَامَ الْأَجْنَبِيَّ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ (قَوْلُهُ بِفَتْحٍ وَضَمٍّ) أَيْ فَتْحِ الْمِيمِ. وَضَمِّ الشِّينِ. وَكَذَا بِسُكُونِ الشِّينِ مَعَ فَتْحِ الْمِيمِ وَالْوَاوِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا مَنْ يَدْعُوهُمْ) صَادِقٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا أَحَدٌ أَصْلًا أَوْ عِنْدَهُ وَلَا يَدْعُوهُمْ، فَلَوْ عِنْدَهَا مَنْ يَدْعُوهُمْ فَدَعَتْ بِنَفْسِهَا بَطَلَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَجْرِي فِي دُعَاءِ الْأَبِ لِلْمَشُورَةِ ط (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ إنْ تَحَوَّلَتْ بَطَلَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ إمَّا تَبَدُّلُ الْمَجْلِسِ أَوْ الْإِعْرَاضُ وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ الْإِعْرَاضِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِتَمَكُّنِهَا مِنْ الِاخْتِيَارِ) أَيْ اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا، فَعَدَمُ ذَلِكَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَالْفُلْكُ) أَيْ السَّفِينَةُ (قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَتَبَدَّلَ إلَخْ) لِأَنَّ سَيْرَهَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَى رَاكِبِهَا بَلْ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الرِّيحِ وَدَفْعِ الْمَاءِ. فَلَا يَبْطُلُ الْخِيَارُ بِسَيْرِهَا بَلْ بِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تُجِيبَ مَعَ سُكُوتِهِ) لِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُهَا الْجَوَابُ بِأَسْرَعَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَتَبَدَّلُ حُكْمًا لِأَنَّ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِيَصِيرَ الْجَوَابُ مُتَّصِلًا بِالْخِطَابِ وَقَدْ وُجِدَ إذَا كَانَ بِلَا فَصْلٍ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَفَسَّرَ الْإِسْرَاعَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنْ يَسْبِقَ جَوَابُهَا خُطْوَتَهَا نَهْرٌ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْفَتْحِ فَلَا يَتَبَدَّلُ حُكْمًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ هَذَا السَّبْقُ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ التَّبَدُّلُ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ كَالسَّفِينَةِ) يَعْنِي بِجَامِعِ أَنَّ السَّيْرَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَى رَاكِبٍ وَقِيَاسُ هَذَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَلَى دَابَّةٍ وَثَمَّةَ مَنْ يَقُودُهَا أَنْ لَا يَبْطُلَ بِسَيْرِهَا نَهْرٌ وَأَقَرَّهُ الرَّمْلِيُّ قُلْت: قَدْ يُقَالُ إنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ فَإِنَّهُمَا لَوْ كَانَا فِي مَحْمِلٍ يَقُودُهُمَا آخَرُ يُنْسَبُ السَّيْرُ إلَى الْقَائِدِ لِعَدَمِ تَمَكُّنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 (وَفِي اخْتَارِي نَفْسَكِ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ) لِعَدَمِ تَنَوُّعِ الِاخْتِيَارِ؛ بِخِلَافِ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ أَمْرُك بِيَدِك (بَلْ تَبِينُ) بِوَاحِدَةٍ (إنْ قَالَتْ اخْتَرْتُ) نَفْسِي (أَوْ) أَنَا (أَخْتَارُ نَفْسِي) اسْتِحْسَانًا، بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَنَا طَالِقٌ أَوْ أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي لَمْ يَقَعْ لِأَنَّهُ وَعْدٌ جَوْهَرَةٌ،   [رد المحتار] رَاكِبِ الْمَحْمَلِ مِنْ تَسْيِيرِ الدَّابَّةِ بِخِلَافِ رَاكِبِ الدَّابَّةِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّسْيِيرُ فَيُنْسَبُ إلَيْهِ وَإِنْ قَادَهُ غَيْرُهُ تَأَمَّلْ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ وَيَنْبَغِي أَنَّ الدَّابَّةَ لَوْ جَمَحَتْ وَعَجَزَتْ عَنْ رَدِّهَا أَنْ تَكُونَ كَالسَّفِينَةِ لِأَنَّ فِعْلَهَا حِينَئِذٍ لَا يُنْسَبُ إلَى الرَّاكِبِ كَمَا يَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ. [تَتِمَّةٌ] لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا فِيمَا لَوْ نَامَتْ قَاعِدَةً أَوْ كَانَتْ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ أَوْ الْوِتْرَ فَأَتَمَّتْهَا، أَوْ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ فِي الْأَصَحِّ أَوْ ضَمَّتْ إلَى النَّافِلَةِ رَكْعَةً أُخْرَى، أَوْ لَبِسَتْ مِنْ غَيْرِ قِيَامٍ، أَوْ أَكَلَتْ قَلِيلًا، أَوْ شَرِبَتْ، أَوْ قَرَأَتْ قَلِيلًا، أَوْ سَبَّحَتْ أَوْ قَالَتْ لِمَ لَا تُطَلِّقْنِي بِلِسَانِكَ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: لِأَنَّ الْمُبَدِّلَ لِلْمَجْلِسِ مَا يَكُونُ قَطْعًا لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَإِفَاضَةً فِي غَيْرِهِ، وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ بَلْ الْكُلُّ يَتَعَلَّقُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الطَّلَاقُ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ تَنَوُّعِ الِاخْتِيَارِ) لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا إنَّمَا يُفِيدُ الْخُلُوصَ وَالصَّفَاءَ، وَالْبَيْنُونَةُ تَثْبُتُ بِهِ مُقْتَضًى وَلَا عُمُومَ لَهُ نَهْرٌ أَيْ مَعْنَى اخْتَرْتُ نَفْسِي اصْطَفَيْتُهَا مِنْ مِلْكِ أَحَدٍ لَهَا وَذَلِكَ بِالْبَيْنُونَةِ فَصَارَتْ الْبَيْنُونَةُ مُقْتَضًى وَهُوَ مَا يُقَدَّرُ ضَرُورَةَ تَصْحِيحِ الْكَلَامِ؛ فَإِنَّ اصْطِفَاءَهَا نَفْسَهَا مَعَ مِلْكِ الزَّوْجِ لَا يُمْكِنُ فَيُقَدَّرُ لِأَنِّي أَبَنْتُ نَفْسِي؛ وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ الصُّغْرَى إذْ بِهَا تَسْتَخْلِصُ نَفْسَهَا وَتَصْطَفِيهَا مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْكُبْرَى لِعَدَمِ احْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهَا رَحْمَتِيٌّ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ أَنْتِ بَائِنٌ) لِأَنَّهُ مَلْفُوظٌ بِهِ لَا مَانِعَ مِنْ عُمُومِهِ؛ فَإِذَا أُطْلِقَ انْصَرَفَ إلَى الْأَدْنَى وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ الصُّغْرَى وَلَوْ نَوَى الْكُبْرَى صَحَّ لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ لَفْظِهِ؛ وَكَذَا قَوْلُهُ أَمْرُكِ بِيَدِكِ؛ وَلَا يَصِحُّ إيقَاعُ الرَّجْعِيِّ بِهِ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ فَالْوَاقِعُ بِهَا الْبَائِنُ وَهُوَ يَحْتَمِلُ الْبَيْنُونَتَيْنِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الصُّغْرَى؛ وَإِنْ نَوَى الْكُبْرَى فَأَوْقَعَتْهَا بِلَفْظِهَا أَوْ بِنِيَّتِهَا صَحَّ لِمَا قُلْنَا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ أَوْ أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي: أَيْ لَوْ ذَكَرَتْ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ سَوَاءٌ ذَكَرَتْ (أَنَا) أَوْ لَا، فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ وَعْدٌ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَوْلُ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا خَيَّرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» ، وَاعْتَبَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَابًا لِأَنَّ الْمُضَارِعَ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ مَجَازٌ فِي الِاسْتِقْبَالِ كَمَا هُوَ أَحَدُ الْمَذَاهِبِ، وَقِيلَ بِالْقَلْبِ، وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى الِاشْتِرَاكِ يَرْجِعُ هُنَا إرَادَةُ الْحَالِ بِقَرِينَةِ كَوْنِهِ إخْبَارًا عَنْ أَمْرٍ قَائِمٍ فِي الْحَالِ وَذَلِكَ مُمْكِنٌ فِي الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ مَحَلَّهُ الْقَلْبُ فَيُصَحِّحُ الْإِخْبَارَ بِاللِّسَانِ عَمَّا هُوَ قَائِمٌ بِمَحَلٍّ آخَرَ حَالَ الْإِخْبَارِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ، بِخِلَافِ قَوْلِهَا أُطَلِّقُ نَفْسِي لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ إخْبَارًا عَنْ طَلَاقٍ قَائِمٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقُومُ بِاللِّسَانِ، فَلَوْ جَازَ لَقَامَ بِهِ الْأَمْرَانِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُحَالٌ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِيقَاعَ لَا يَكُونُ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ تُعُورِفَ جَازَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَقَعَ بِهِ هُنَا لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ لَا إخْبَارٌ، كَذَا فِي الْفَتْحِ مُلَخَّصًا. قَالَ فِي النَّهْرِ وَقَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمِعْرَاجِ بِمَا إذَا لَمْ يَنْوِ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ، فَإِنْ نَوَاهُ وَقَعَ اهـ وَالْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِضَمِيرِ الْمُؤَنَّثِ: لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ هِيَ قَوْلُ الْمَرْأَةِ أُطَلِّقُ نَفْسِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَنَا طَالِقٌ) لَيْسَ هَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَلَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْفَتْحِ بَلْ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي نَقْلًا عَنْ الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ، وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ أَيْضًا هُنَاكَ أَنَّهُ يَقَعُ بِقَوْلِهَا أَنَا طَالِقٌ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُوصَفُ بِالطَّلَاقِ دُونَ الرَّجُلِ اهـ. وَعِبَارَةُ الْجَوْهَرَةِ: وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَكِ فَقَالَتْ أَنَا أُطَلِّقُ لَمْ يَقَعْ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. اهـ. نَعَمْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ فِي فَصْلِ الْمَشِيئَةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنَّ شِئْتِ فَقَالَتْ أَنَا طَالِقٌ لَا يَقَعُ شَيْءٌ اهـ لَكِنَّ عَدَمَ الْوُقُوعِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الثَّلَاثَ عَلَى مَشِيئَتِهَا الثَّلَاثَ، وَلَا يُمْكِنُ إيقَاعُ الثَّلَاثِ بِلَفْظِ طَالِقٍ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 مَا لَمْ يُتَعَارَفْ أَوْ تَنْوِ الْإِنْشَاءَ فَتْحٌ (وَذِكْرُ النَّفْسِ أَوْ الِاخْتِيَارَةِ فِي أَحَدِ كَلَامَيْهِمَا شَرْطُ) صِحَّةِ الْوُقُوعِ بِالْإِجْمَاعِ (وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُهَا مُتَّصِلًا، فَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا فَإِنْ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ) لِأَنَّهَا تَمْلِكُ فِيهِ الْإِنْشَاءَ (وَإِلَّا لَا) إلَّا أَنْ يَتَصَادَقَا عَلَى اخْتِيَارِ النَّفْسِ فَيَصِحُّ وَإِنْ خَلَا كَلَامُهُمَا عَنْ ذِكْرِ النَّفْسِ دُرَرٌ وَالتَّاجِيَّةُ وَأَقَرَّهُ الْبَهْنَسِيُّ وَالْبَاقَانِيُّ، لَكِنْ رَدَّهُ الْكَمَالُ وَنَقَلَهُ الْأَكْمَلُ بِقِيلَ، وَالْحَقُّ ضَعْفُهُ نَهْرٌ. (فَلَوْ قَالَ اخْتَارِي اخْتِيَارَةً أَوْ طَلْقَةً) أَوْ أُمَّك (وَقَعَ لَوْ قَالَتْ اخْتَرْتُ) فَإِنَّ ذِكْرَ الِاخْتِيَارَةِ كَذِكْرِ النَّفْسِ إذْ التَّاءُ فِيهِ لِلْوَحْدَةِ، وَكَذَا ذِكْرُ التَّطْلِيقَةِ وَتَكْرَارُ لَفْظِ اخْتَارِي وَقَوْلُهَا اخْتَرْت أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ أَهْلِي أَوْ الْأَزْوَاجَ يَقُومُ   [رد المحتار] قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: لَا يَقَعُ إلَّا أَنْ تَقُولَ أَنَا طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ لَفْظَ أَنَا طَالِقٌ يَصْلُحُ جَوَابًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعْ هُنَا لِمَا قُلْنَا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ أَوْ تَنْوِ) مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ لِلْمَعْلُومِ فَاعِلُهُ ضَمِيرُ الْمَرْأَةِ مَجْزُومٌ بِحَذْفِ الْيَاءِ عَطْفًا عَلَى يُتَعَارَفُ الْمَبْنِيِّ لِلْمَجْهُولِ ح ثُمَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ عِبَارَةِ الْفَتْحِ بَلْ مِنْ زِيَادَةِ الشَّارِحِ أَخْذًا مِمَّا نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْ النَّهْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ أَوْ الِاخْتِيَارَةِ) مَصْدَرُ اخْتَارِي وَأَفَادَ أَنَّ ذِكْرَ النَّفْسِ لَيْسَ شَرْطًا بِخُصُوصِهِ بَلْ هِيَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ فِي أَحَدِ كَلَامَيْهِمَا) وَإِذَا كَانَتْ النَّفْسُ فِي كَلَامَيْهِمَا فَبِالْأَوْلَى، وَإِذَا دَخَلَتْ عَنْ كَلَامَيْهِمَا لَمْ يَقَعْ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ) لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِلَفْظِ الِاخْتِيَارِ عُرِفَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَإِجْمَاعُهُمْ فِي اللَّفْظَةِ الْمُفَسَّرَةِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ ط عَنْ إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ فِيهِ الْإِنْشَاءَ) أَيْ فَتَمْلِكُ تَفْسِيرَهُ أَيْضًا ط. قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَتْ فِي الْمَجْلِسِ عَنَيْتُ نَفْسِي يَقَعُ لِأَنَّهَا مَا دَامَتْ فِيهِ تَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَتَصَادَقَا) ظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعْدَ الْمَجْلِسِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَالتَّاجِيَّةُ) نِسْبَةٌ إلَى تَاجِ الشَّرِيعَةِ (قَوْلُهُ لَكِنْ رَدَّهُ الْكَمَالُ) حَيْثُ قَالَ الْإِيقَاعُ بِالِاخْتِيَارِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ فِيهِ، وَلَوْلَا هَذَا لَأَمْكَنَ الِاكْتِفَاءُ بِتَفْسِيرِ الْقَرِينَةِ الْحَالِيَّةِ دُونَ الْمَقَالِيَّةِ بَعْدَ أَنْ نَوَى الزَّوْجُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَتَصَادَقَا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ بَطَلَ، وَإِلَّا لَوَقَعَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مَعَ لَفْظٍ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَصْلًا كَاسْقِنِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَنَقَلَهُ الْأَكْمَلُ) أَيْ فِي الْعِنَايَةِ ط (قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ ذِكْرُ النَّفْسِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فِي تَفْسِيرِ الِاخْتِيَارِ (قَوْلُهُ إذْ التَّاءُ فِيهِ لِلْوَحْدَةِ) أَيْ وَاخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا هُوَ الَّذِي يَتَّحِدُ مَرَّةً، بِأَنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي تَقَعُ وَاحِدَةٌ، وَيَتَعَدَّدُ أُخْرَى كَاخْتَارِي نَفْسَكِ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَقَالَتْ اخْتَرْتُ وَقَعْنَ، فَلَمَّا قَيَّدَ بِالْوَحْدَةِ ظَهَرَ أَنَّهُ أَرَادَ تَخْيِيرَهَا فِي الطَّلَاقِ فَكَانَ مُفَسَّرًا وَلَا يَرِدُ أَنَّ هَذَا مُنَاقِضٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الِاخْتِيَارَ لَا يَتَنَوَّعُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِمَّا ذَكَرْنَا كَوْنُ الِاخْتِيَارِ نَفْسِهِ يَتَنَوَّعُ كَالْبَيْنُونَةِ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ حَتَّى يُصَابَ كُلُّ نَوْعٍ مِنْهُ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ لَفْظٍ آخَرَ، أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا ذِكْرُ التَّطْلِيقَةِ) وَتَقَعُ بَائِنَةً إنْ فِي كَلَامِهَا، بِأَنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ بِخِلَافِهَا فِي كَلَامِهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ بِالصَّرِيحِ، وَتَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَتَكْرَارُ لَفْظِ اخْتَارِي) لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي حَجّ الطَّلَاقُ هُوَ الَّذِي يَتَكَرَّرُ فَكَانَ مُتَعَيَّنًا ط عَنْ الْإِيضَاحِ لَكِنْ فِي كَوْنِ التَّكْرَارِ مُفَسَّرًا كَالنَّفْسِ كَلَامٌ يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَقَوْلُهَا اخْتَرْتُ أَبِي إلَخْ) لِأَنَّ الْكَوْنَ عِنْدَهُمْ إنَّمَا يَكُونُ لِلْبَيْنُونَةِ وَعَدَمِ الْوَصْلَةِ مَعَ الزَّوْجِ، بِخِلَافِ اخْتَرْتُ قَوْمِي أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَا يَقَعُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهَا أَبٌ أَوْ أُمٌّ. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ وَكَانَ لَهَا أَخٌ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ عِنْدَهُ عَادَةً، كَذَا فِي الْفَتْحِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَمْ أَرَ مَا لَوْ قَالَتْ اخْتَرْتُ أَبِي أَوْ أُمِّي وَقَدْ مَاتَا وَلَا أَخ لَهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ لِقِيَامِ ذَلِكَ مَقَامَ اخْتَرْت نَفْسِي. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُفَسَّرَ ثَمَانِيَةُ أَلْفَاظٍ: النَّفْسُ، وَالِاخْتِيَارُ وَالتَّطْلِيقَةُ، وَالتَّكْرَارُ، وَأَبِي، وَأُمِّي، وَأَهْلِي، وَالْأَزْوَاجُ وَيُزَادُ تَاسِعٌ وَهُوَ الْعَدَدُ فِي كَلَامِهِ؛ فَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي ثَلَاثًا فَقَالَتْ اخْتَرْتُ يَقَعُ ثَلَاثٌ، لِأَنَّهُ دَلِيلُ إرَادَةِ اخْتِيَارِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 مَقَامَ ذِكْرِ النَّفْسِ وَالشَّرْطِ، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ أَحَدِهِمَا كَمَا مَثَّلْنَا، فَلَمْ يَخْتَصَّ اخْتِيَارُهُ بِكَلَامِ الزَّوْجِ كَمَا ظَنَّ، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي وَزَوْجِي أَوْ نَفْسِي لَا بَلْ زَوْجِي وَقَعَ، وَمَا فِي الِاخْتِيَارِ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ سَهْوٌ، نَعَمْ لَوْ عَكَسَتْ لَمْ يَقَعْ اعْتِبَارٌ لِلْمُقَدَّمِ وَبَطَلَ أَمْرُهَا كَمَا لَوْ عَطَفَتْ بِأَوْ، أَوْ أَرْشَاهَا لِتَخْتَارَهُ فَاخْتَارَتْهُ أَوْ قَالَتْ أَلْحَقْتُ نَفْسِي بِأَهْلِي. (وَلَوْ كَرَّرَهَا) أَيْ لَفْظَةَ اخْتَارِي (ثَلَاثًا) بِعَطْفٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَقَالَتْ) اخْتَرْتُ أَوْ (اخْتَرْت اخْتِيَارَةً أَوْ اخْتَرْت الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةَ يَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ)   [رد المحتار] الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَعَدَّدُ وَقَوْلُهَا اخْتَرْت يَنْصَرِفُ إلَيْهِ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالشَّرْطِ إلَخْ) إنَّمَا اكْتَفَى بِذَكَرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي كَلَامِهِ تَضَمَّنَ جَوَابُهَا إعَادَتَهَا كَأَنَّهَا قَالَتْ فَعَلْت ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ فِي كَلَامِهَا فَقَدْ وُجِدَ مَا يَخْتَصُّ بِالْبَيْنُونَةِ فِي اللَّفْظِ الْعَامِلِ فِي الْإِيقَاعِ. فَإِذَا وُجِدَتْ نِيَّةُ الزَّوْجِ تَمَّتْ عِلَّةُ الْبَيْنُونَةِ فَتَثْبُتُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ النَّفْسَ وَنَحْوَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ الْمُبْهَمَ لَا يُفَسِّرُ الْمُبْهَمَ وَلِلْإِجْمَاعِ الْمَارِّ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَخْتَصَّ إلَخْ) أَخَذَهُ مِنْ الْقُهُسْتَانِيِّ ح، وَكَيْفَ يَخْتَصُّ مَعَ مُخَالِفَتِهِ لِقَوْلِ الْمُتُونِ: وَذِكْرُ النَّفْسِ أَوْ الِاخْتِيَارَةِ فِي أَحَدِ كَلَامَيْهِمَا شَرْطٌ (قَوْلُهُ وَمَا فِي الِاخْتِيَارِ) هُوَ شَرْحُ الْمُخْتَارِ لِمُؤَلِّفِهِ (قَوْلُهُ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْإِضْرَابِ (قَوْلُهُ سَهْوٌ) لِمُخَالِفَتِهِ لِمَا هُوَ الْمَنْقُولُ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَوْ عَكَسَتْ) بِأَنْ قَالَتْ اخْتَرْتُ زَوْجِي لَا بَلْ نَفْسِي أَوْ قَالَتْ زَوْجِي وَنَفْسِي بَحْرٌ (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا لِلْمُقَدَّمِ) لِعَدَمِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَبَطَلَ أَمْرُهَا) عَطْفٌ عَلَى لَمْ يَقَعْ ح: أَيْ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا فِي مَسْأَلَتَيْ الْعَكْسِ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ عَطَفَتْ بِأَوْ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ وَيَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِأَنَّ (أَوْ) لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ فَلَمْ يُعْلَمْ اخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا وَلَا زَوْجَهَا عَلَى التَّعْيِينِ، فَكَانَ اشْتِغَالًا بِمَا لَا يَعْنِيهَا فَكَانَ إعْرَاضًا. اهـ. ح (قَوْلُهُ أَوْ أَرْشَاهَا إلَخْ) أَيْ جَعَلَ لَهَا مَالًا لِتَخْتَارَهُ فَاخْتَارَتْهُ لَا يَقَعُ، وَلَا يَجِبُ الْمَالُ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ إذْ هُوَ اعْتِيَاضٌ عَنْ تَرْكِ حَقِّ تَمَلُّكِ نَفْسِهَا فَهُوَ كَالِاعْتِيَاضِ عَنْ تَرْكِ حَقِّ الشُّفْعَةِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ قَالَتْ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ أَلْحَقْتُ نَفْسِي بِأَهْلِي لَمْ يَقَعْ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ، فَهُوَ كَقَوْلِهَا أَنَا بَائِنٌ اهـ ح وَهَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي وَسَنَذْكُرُ جَوَابَهُ ثَمَّةَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَكُلُّ لَفْظٍ يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ إلَخْ (قَوْلُهُ بِعَطْفٍ) أَيْ بِوَاوٍ أَوْ فَاءٍ أَوْ ثُمَّ وَفِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ لِلْفَارِسِيِّ أَنَّهُ فِي الْعَطْفِ بِثُمَّ لَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ تَكَلُّمِ الزَّوْجِ بِالثَّانِيَةِ وَهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا بَانَتْ بِالْأُولَى وَلَمْ يَقَعْ بِغَيْرِهَا شَيْءٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِلَا نِيَّةٍ) كَذَا فِي الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالْعَتَّابِيِّ، وَوَجْهُهُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ مِنْ دَلَالَةِ التَّكْرَارِ عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ، وَكَذَا قَالَ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَالتَّعَدُّدُ: أَيْ التَّكْرَارُ خَاصٌّ بِالطَّلَاقِ، فَأَغْنَى عَنْ ذِكْرِ النَّفْسِ وَالنِّيَّةِ لَكِنْ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: إنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. اهـ. وَذَهَبَ إلَيْهِ قَاضِي خَانْ وَأَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ. وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ تَكْرَارَ الْأَمْرِ بِالِاخْتِيَارِ لَا يُصَيِّرُهُ ظَاهِرًا فِي الطَّلَاقِ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ اخْتَارِي فِي الْمَالِ أَوْ اخْتَارِي فِي الْمَسْكَنِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالِاخْتِلَافُ فِي الْوُقُوعِ قَضَاءً بِلَا نِيَّةٍ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا بِهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ رِوَايَةً وَدِرَايَةً اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ دُونَ النَّفْسِ. اهـ. أَقُولُ: فَاَلَّذِي مَالَ إلَيْهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَالْمَقْدِسِيُّ هُوَ الْأَوَّلُ، وَقَوْلُ الْبَحْرِ بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ دُونَ النَّفْسِ فِيهِ نَظَرٌ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 مِنْ الزَّوْجِ لِدَلَالَةِ التَّكْرَارِ (ثَلَاثًا) وَقَالَا: يَقَعُ فِي اخْتَرْت الْأُولَى إلَى آخِرِهِ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ بَحْرٌ وَأَقَرَّهُ الشَّيْخُ عَلِيُّ الْمَقْدِسِيَّ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَبِهِ نَأْخُذُ انْتَهَى، فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ قَوْلَهُمَا هُوَ الْمُفْتَى بِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ وَبِهِ نَأْخُذُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُعْلَمِ بِهَا عَلَى الْإِفْتَاءِ، كَذَا بِخَطِّ الشَّرَفِ الْغَزِّيِّ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ. (وَلَوْ قَالَتْ) فِي جَوَابِ التَّخْيِيرِ الْمَذْكُورِ (طَلَّقْتُ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ) أَوْ اخْتَرْت الطَّلْقَةَ الْأُولَى (بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ فِي الْأَصَحِّ)   [رد المحتار] لِأَنَّ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ بِنَاءً عَلَى " التَّكْرَارُ دَلِيلُ إرَادَةِ الطَّلَاقِ " يَقُولُ: لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ النَّفْسِ أَيْضًا بِدَلَالَةِ التَّكْرَارِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ التَّلْخِيصِ الْمَارَّةِ وَصَرِيحُ مَا مَرَّ أَيْضًا مِنْ عَدِّ التَّكْرَارِ مِنْ الْمُفَسِّرَاتِ التِّسْعَةِ. وَمَنْ قَالَ بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ لَمْ يَجْعَلْ التَّكْرَارَ دَلِيلًا عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الْفَتْحِ الْمَارِّ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِقَاضِي خَانْ، فَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ التَّكْرَارُ دَلِيلًا عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ بَقِيَ لَفْظُ الِاخْتِيَارِ بِلَا مُفَسِّرٍ وَتَقَدَّمَ الْإِجْمَاعُ عَلَى اشْتِرَاطِهِ، فَلَزِمَ مِنْ الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ اشْتِرَاطُ ذِكْرِ النَّفْسِ، وَلَا يَحْصُلُ التَّفْسِيرُ بِالنِّيَّةِ لِمَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَالْإِيقَاعُ بِالِاخْتِيَارِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ؛ وَلَوْلَا هَذَا لَأَمْكَنَ الِاكْتِفَاءُ بِتَفْسِيرِ الْقَرِينَةِ الْحَالِيَّةِ دُونَ الْمَقَالِيَّةِ إنْ نَوَى الزَّوْجُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِهِ وَتَصَادَقَا عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ بَاطِلٌ اهـ نَعَمْ حَيْثُ كَانَ الِاخْتِلَافُ الْمَارُّ إنَّمَا هُوَ فِي الْوُقُوعِ قَضَاءً يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّ ذِكْرَ الزَّوْجِ النَّفْسَ مَعَ التَّكْرَارِ لَا يُشْتَرَطُ مَعَهُ النِّيَّةُ اتِّفَاقًا، لِمَا عَلِمْتَهُ مِنْ أَنَّ مَنَاطَ الِاخْتِلَافِ هُوَ أَنَّ التَّكْرَارَ هَلْ يَقُومُ مَقَامَ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ أَوْ لَا، فَإِذَا وُجِدَ التَّصْرِيحُ بِذِكْرِ النَّفْسِ تَعَيَّنَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ، فَلَا يَبْقَى مَحَلٌّ لِلْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ قَضَاءً، لِأَنَّ ذِكْرَ النَّفْسِ يُكَذِّبُهُ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ كَمَا مَرَّ فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ مِنْ أَنَّ الدَّلَالَةَ أَقْوَى مِنْ النِّيَّةِ لِكَوْنِهَا ظَاهِرَةً وَالنِّيَّةُ بَاطِنَةٌ، فَتَعَيَّنَ كَوْنُ الْخِلَافِ الْمَارِّ فِي أَنَّهُ هَلْ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي صُورَةِ التَّكْرَارِ أَوْ لَا تُشْتَرَطُ، مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ النَّفْسَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَقَامِ فَتَدَبَّرْهُ فَإِنَّهُ مُفْرَدٌ، وَمِنْ هُنَا ظَهَرَ لَك أَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَ قَوْلِهِ هُنَا بِلَا نِيَّةٍ وَقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ يَنْوِي الطَّلَاقَ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ تُذْكَرْ النَّفْسُ وَنَحْوُهَا مِنْ الْمُفَسِّرَاتِ فِي كَلَامِ الزَّوْجِ وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ فِي كَلَامِ الْمَرْأَةِ فَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لِتَتِمَّ عِلَّةُ الْبَيْنُونَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ سَابِقًا عَنْ الْفَتْحِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْغَضَبَ أَوْ الْمُذَاكَرَةَ يَقُومُ مَقَامَ النِّيَّةِ فِي الْقَضَاءِ. أَمَّا إذَا ذُكِرَتْ النَّفْسُ وَنَحْوُهَا فِي كَلَامِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ فِي الْقَضَاءِ لِوُجُودِ مَا يَخْتَصُّ بِالْبَيْنُونَةِ، وَهَلْ التَّكْرَارُ فِي كَلَامِهِ مُفَسِّرٌ كَالنَّفْسِ فَيُغْنِي عَنْ النِّيَّةِ أَوْ لَا؟ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي سَمِعْتَهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تُذْكَرْ النَّفْسُ أَوْ نَحْوُهَا لَا فِي كَلَامِهِ وَلَا فِي كَلَامِهَا لَا يَقَعُ أَصْلًا وَإِنْ نَوَى كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ ثَلَاثًا) يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ذِكْرُهَا قَبْلَ قَوْلِهِ بِلَا نِيَّةٍ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْمِنَحِ، وَهُوَ الْأَنْسَبُ لِإِفَادَتِهِ أَنَّ الثَّلَاثَ لَا تُشْتَرَطُ لَهَا النِّيَّةُ أَيْضًا ط (قَوْلُهُ فِي اخْتَرْتُ الْأُولَى) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ فِي قَوْلِهَا اخْتَرْت أَوْ اخْتَرْت اخْتِيَارَةً يَقَعُ ثَلَاثٌ اتِّفَاقًا، وَكَذَا اخْتَرْت مَرَّةً أَوْ بِمَرَّةٍ أَوْ دُفْعَةً أَوْ بِدُفْعَةٍ أَوْ بِوَاحِدَةٍ أَوْ اخْتِيَارَةً وَاحِدَةً تَقَعُ الثَّلَاثُ فِي قَوْلِهِمْ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةِ، فَالْمُرَادُ أَنَّهَا قَالَتْ اخْتَرْت الْأُولَى، أَوْ قَالَتْ اخْتَرْت الْوُسْطَى أَوْ قَالَتْ الْأَخِيرَةَ، وَيُحْتَمَلُ كَوْنُ الْمُرَادِ أَنَّهَا ذَكَرَتْ الثَّلَاثَةَ مَعَ الْعَطْفِ بِأَوْ (قَوْلُهُ وَأَقَرَّهُ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيَّ) فِيهِ أَنَّ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ عَلَى نَظْمِ الْكَنْزِ إنَّمَا حَكَى الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ تَوْجِيهَ قَوْلِهِمَا وَأَعْقَبَهُ بِتَوْجِيهِ قَوْلِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ فَقَدْ أَفَادَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ مَشَى عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ وَأَخَّرَ دَلِيلَهُ فِي الْهِدَايَةِ فَكَانَ هُوَ الْمُرَجَّحَ عِنْدَهُ عَلَى عَادَتِهِ، وَأَطَالَ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ فِي تَوْجِيهِهِ وَدَفَعَ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ، وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدَ لِأَصْحَابِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ، فَلَا يُعَارِضُهُ اعْتِمَادُ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ (قَوْلُهُ فِي جَوَابِ التَّخْيِيرِ الْمَذْكُورِ) أَيْ الْمُكَرَّرِ ثَلَاثًا كَمَا فِي النَّهْرِ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ: فِي جَوَابِ قَوْلِهِ اخْتَارِي (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) الْأَنْسَبُ إبْدَالُهُ بِقَوْلِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 لِتَفْوِيضِهِ بِالْبَائِنِ فَلَا تَمْلِكُ غَيْرَهُ (أَمْرُكِ بِيَدِك فِي تَطْلِيقَةٍ أَوْ اخْتَارِي تَطْلِيقَةً فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا طَلُقَتْ رَجْعِيَّةً) لِتَفْوِيضِهِ إلَيْهَا بِالصَّرِيحِ، وَالْمُفِيدُ لِلْبَيْنُونَةِ إذَا قُرِنَ بِالصَّرِيحِ صَارَ رَجْعِيًّا كَعَكْسِهِ قَيَّدَ بِفِي وَمِثْلُهَا الْبَاءُ بِخِلَافِ لَتُطَلِّقِي نَفْسَك أَوْ حَتَّى تُطَلِّقِي فَهِيَ بَائِنَةٌ كَمَا لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا لَوْ لَمْ تَصِلْ نَفَقَتِي إلَيْكِ فَطَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْت فَلَمْ تَصِلْ فَطَلَّقَتْ كَانَ بَائِنًا لِأَنَّ لَفْظَةَ الطَّلَاقِ لَمْ تَكُنْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. [فُرُوعٌ] قَالَ الرَّجُلُ خَيِّرْ امْرَأَتِي فَلَمْ تَخْتَرْ مَا لَمْ يُخَيِّرْهَا، بِخِلَافِ أَخْبَرْهَا بِالْخِيَارِ لِإِقْرَارِهِ بِهِ. قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت وَاخْتَارِي فَقَالَتْ شِئْتُ وَاخْتَرْتُ وَقَعَ ثِنْتَانِ. قَالَ اخْتَارِي الْيَوْمَ وَغَدًا اتَّحَدَ، وَلَوْ وَاخْتَارِي غَدًا تَعَدَّدَ.   [رد المحتار] هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَبَعْضِ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ أَنَّهُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ جَزَمَ الشَّارِحُونَ بِأَنَّهُ غَلَطٌ. وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ رِوَايَةٌ رَدَّهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ لِتَفْوِيضِهِ بِالْبَائِنِ) لِأَنَّ لَفْظَ التَّخْيِيرِ كِنَايَةٌ فَيَقَعُ بِهِ الْبَائِنُ (قَوْلُهُ فَلَا تَمْلِكُ غَيْرَهُ) لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِإِيقَاعِهَا بَلْ لِتَفْوِيضِ الزَّوْجِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهَا بِالْبَائِنِ أَوْ الرَّجْعِيِّ فَعَكَسَتْ وَقَعَ مَا أَمَرَ بِهِ الزَّوْجُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا) أَشَارَ إلَى أَنَّ اخْتَرْت كَمَا يَصْلُحُ جَوَابًا لِلِاخْتِيَارِ يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ كَمَا يَأْتِي أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَالْمُفِيدُ لِلْبَيْنُونَةِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ هُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْ أَمْرُك بِيَدِك وَاخْتَارِي يُفِيدُ الْبَيْنُونَةَ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا. قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ لِزَوْجَتِهِ رُوحِي طَالِقَةً رَجْعِيٌّ. (قَوْلُهُ كَعَكْسِهِ) يَعْنِي أَنَّ الصَّرِيحَ إذَا قُرِنَ بِالْكِنَايَةِ كَانَ بَائِنًا نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِقَيَّدَ: أَيْ إنَّمَا قَيَّدَ بِفِي بِسَبَبِ مُخَالَفَةِ إلَخْ وَقَوْلُهُ وَمِثْلُهَا الْبَاءُ اعْتِرَاضٌ ح (قَوْلُهُ فَهِيَ بَائِنَةٌ) لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا بِلَفْظِ الْبَائِنِ، وَذِكْرُ الصَّرِيحِ عِلَّةٌ أَوْ غَايَةٌ لَا عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمُفَوَّضُ، بِخِلَافِ فِي لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَمْرَ مَظْرُوفًا فِي التَّطْلِيقَةِ وَالْبَاءُ هُنَا بِمَعْنَى " فِي " رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا) أَيْ بِأَنْ قَالَ أَمْرُكِ بِيَدِك لَوْ لَمْ إلَخْ فَقَوْلُهُ لَوْ لَمْ تَصِلْ شَرْطٌ، وَقَوْلُهُ أَمْرُك بِيَدِك دَلِيلُ جَوَابِهِ وَقَوْلُهُ فَطَلِّقِي تَفْسِيرٌ لِكَوْنِ أَمْرِهَا بِيَدِهَا ح (قَوْلُهُ لِأَنَّ لَفْظَةَ الطَّلَاقِ) عِلَّةٌ لِلْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ ط (قَوْلُهُ لَمْ تَكُنْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ) أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ: أَيْ لَمْ تَكُنْ مَعْمُولًا لَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِنَفْسِ الْأَمْرِ الْوَاقِعِ ح (قَوْلُهُ فَلَمْ تَخْتَرْ) يَعْنِي لَمْ يَكُنْ لَهَا الْخِيَارُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْبَحْرِ، وَحَيْثُ ارْتَكَبَ الشَّارِحُ هَذَا التَّرْكِيبَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْذِفَ الْفَاءَ كَمَا لَا يَخْفَى ح. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: فَلَا خِيَارَ لَهَا مَا لَمْ يُخَيِّرْهَا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ أَخْبَرَهَا بِالْخِيَارِ) أَيْ فَقَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهَا سَمِعْت فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَقَعَ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِخْبَارِ يَقْتَضِي تَقَدُّمَ الْمُخْبَرِ عَنْهُ، فَكَانَ هَذَا إقْرَارًا مِنْ الزَّوْجِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَقَعَ ثِنْتَانِ) إحْدَاهُمَا بِالْمَشِيئَةِ وَأُخْرَى بِالْخِيَارِ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقَيْنِ أَحَدُهُمَا صَرِيحٌ وَالْآخَرُ كِنَايَةٌ فَالْكِنَايَةُ حَالَ ذِكْرِ الصَّرِيحِ لَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ اتَّحَدَ) حَتَّى إذَا رَدَّتْ فِي الْيَوْمِ بَطَلَ أَصْلًا هِنْدِيَّةٌ وَمِثْلُهُ إذَا قَالَ اخْتَارِي فِي الْيَوْمِ وَغَدٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ وَاخْتَارِي غَدًا) بِأَنْ قَالَ اخْتَارِي الْيَوْمَ وَاخْتَارِي غَدًا، فَهُمَا خِيَارَانِ بِقَرِينَةِ إعَادَةِ ذِكْرِ الِاخْتِيَارِ ط وَسَيَأْتِي مَا يَتَّحِدُ وَمَا يَتَعَدَّدُ فِي الْبَابِ الثَّانِي (قَوْلُهُ قَالَ اخْتَارِي فِي الْيَوْمِ إلَخْ) لِمَا ذَكَرَهُ مُعَرَّفًا انْصَرَفَ إلَى الْمَعْهُودِ وَهُوَ الْحَاضِرُ وَلَمْ يُمْكِنْ تَخْيِيرُهَا فِي الْمَاضِي مِنْهُ فَكَانَتْ مُخَيَّرَةً إلَى انْقِضَائِهِ، وَذَلِكَ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ وَبِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي الشَّهْرِ وَبِتَمَامِ ذِي الْحِجَّةِ فِي السَّنَةِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْيَوْمَ أَوْ الشَّهْرَ أَوْ السَّنَةَ، وَأَمَّا لَوْ نَكَّرَهُ انْصَرَفَ إلَى كَامِلِهِ وَكَانَ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ حِينِ التَّخْيِيرِ فَيَنْتَهِي بِمِثْلِهِ مِنْ الْغَدِ، فَيَدْخُلُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ اللَّيْلِ ضَرُورَةً مَعَ أَنَّ اللَّيْلَ لَا يَتْبَعُ الْيَوْمَ الْمُفْرَدَ، وَكَأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ ذَلِكَ رَحْمَتِيٌّ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْجَوْهَرَةِ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي عَنْ الذَّخِيرَةِ: لَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً فَلَهَا الْأَمْرُ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 قَالَ اخْتَارِي الْيَوْمَ أَوْ أَمْرُك بِيَدِك هَذَا الشَّهْرَ خُيِّرَتْ فِي بَقِيَّتِهِمَا، وَإِنْ قَالَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا فَمِنْ سَاعَةِ تَكَلَّمَ إلَى مِثْلِهَا مِنْ الْغَدِ وَإِلَى تَمَامِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَلَوْ جَعَلَهُ لَهَا رَأْسَ الشَّهْرِ خُيِّرَتْ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَيَوْمِهَا، وَلَا يَبْطُلُ الْمُؤَقَّتُ بِالْإِعْرَاضِ بَلْ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ عَلِمَتْ أَوْ لَا. بَابُ الْأَمْرِ بِالْيَدِ هُوَ كَالِاخْتِيَارِ إلَّا فِي نِيَّةِ الثَّلَاثِ لَا غَيْرُ (إذَا قَالَ لَهَا) وَلَوْ صَغِيرَةً لِأَنَّهُ كَالتَّعْلِيقِ بَزَّازِيَّةٌ (أَمْرُك بِيَدِك) أَوْ بِشِمَالِك أَوْ أَنْفِك أَوْ لِسَانِك (يَنْوِي ثَلَاثًا) أَيْ تَفْوِيضَهَا (فَقَالَتْ) فِي مَجْلِسِهَا (اخْتَرْت نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ) أَوْ قَبِلْت نَفْسِي، أَوْ اخْتَرْت أَمْرِي، أَوْ أَنْتَ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ مِنِّي بَائِنٌ، أَوْ أَنَا مِنْك بَائِنٌ أَوْ طَالِقٌ   [رد المحتار] إلَى اسْتِكْمَالِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ اهـ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُكْمِلُ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ يُكْمِلُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي مَعَ دُخُولِ اللَّيْلِ وَعَدَمِهِ، لَكِنْ صَرَّحُوا فِي الْأَيْمَانِ فِي: لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا، بِتَكْمِيلِهِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي مَعَ دُخُولِ اللَّيْلِ كَمَا مَرَّ عَنْ الرَّحْمَتِيِّ (قَوْلُهُ وَإِلَى تَمَامِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا) لِأَنَّ التَّفْوِيضَ حَصَلَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْأَهِلَّةِ فِيهِ فَيُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ بِالْإِجْمَاعِ ذَخِيرَةٌ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حِينَ أَهَلَّ الْهِلَالُ يُعْتَبَرُ بِالْهِلَالِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَيَوْمِهَا) لِأَنَّ الرَّأْسَ الْأَوَّلَ، وَتَحْتَ الشَّهْرِ نَوْعَانِ: اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، فَأَوَّلُ اللَّيَالِيِ اللَّيْلَةُ الْأُولَى، وَأَوَّلُ الْأَشْهُرِ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ ط (قَوْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ الْمُؤَقَّتُ) أَيْ الْخِيَارُ الْمُؤَقَّتُ بِيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ بِالْإِعْرَاضِ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ بَلْ يَمْضِي الْوَقْتُ الْمُعَيَّنُ عَلِمَتْ بِالتَّخْيِيرِ أَوْ لَا، أَمَّا الْخِيَارُ الْمُطْلَقُ فَيَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ ط وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْأَمْرِ بِالْيَدِ] الْأَمْرُ هُنَا بِمَعْنَى الْحَالِ وَالْيَدُ بِمَعْنَى التَّصَرُّفِ بَحْرٌ عَنْ الْمِصْبَاحِ، فَالْمَعْنَى بَابُ بَيَانِ حَالَ طَلَاقِ الْمَرْأَةِ الَّذِي جَعَلَهُ زَوْجُهَا فِي تَصَرُّفِهَا ط وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُنَاسِبَ التَّرْجَمَةُ هُنَا بِالْفَصْلِ بَدَلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ هُوَ كَالِاخْتِيَارِ) أَيْ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ، وَذِكْرِ النَّفْسِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، وَعَدَمِ مِلْكِ الزَّوْجِ الرُّجُوعَ، وَتَقَيُّدِهِ بِمَجْلِسِ التَّفْوِيضِ أَوْ مَجْلِسِ عِلْمِهَا إذَا كَانَتْ غَائِبَةً أَوْ بِالْمُدَّةِ إذَا كَانَ مُؤَقَّتًا (قَوْلُهُ إلَّا فِي نِيَّةِ الثَّلَاثِ) فَإِنَّهَا تَصِحُّ هُنَا لَا فِي التَّخْيِيرِ لِأَنَّ الْأَمْرَ جِنْسٌ يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ وَالْعُمُومَ، فَأَيَّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ. وَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذِكْرِ النَّفْسِ هُنَا مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ صَغِيرَةً) هَذِهِ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فِي الْبَابِ الْمَارِّ عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَالتَّعْلِيقِ) أَيْ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ تَمْلِيكًا لَكِنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي التَّخْيِيرِ (قَوْلُهُ أَمْرُكِ بِيَدِك) مِثْلُهُ الْمُعَلَّقُ، كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَمْرُك بِيَدِك، فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا كَإِنْ وَضَعَتْ الْقَدَمَ فِيهَا طَلُقَتْ وَإِنْ بَعْدَ مَا مَشَتْ خُطْوَتَيْنِ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهَا طَلُقَتْ بَعْدَمَا خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ: وَإِنْ مَشَتْ خُطْوَةً بَطَلَ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ رِجْلُهَا فَوْقَ الْعَتَبَةِ وَالْأُخْرَى دَخَلَتْ بِهَا، وَمَا سَبَقَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ خَارِجَ الْعَتَبَةِ فَبِأَوَّلِ خُطْوَةٍ لَمْ تَتَعَدَّ أَوَّلَ الدُّخُولِ، وَبِالثَّانِيَةِ تَتَعَدَّى وَيَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا مَقْدِسِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بِشِمَالِكِ إلَخْ) وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: أَمْرُك فِي عَيْنَيْك وَأَمْثَالُهُ يُسْأَلُ عَنْ النِّيَّةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ يَنْوِي ثَلَاثَةً) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التَّفْوِيضِ دِيَانَةً أَوْ دَلَالَةِ الْحَالِ قَضَاءً كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ ثَلَاثَةً (قَوْلُهُ أَيْ تَفْوِيضَهَا) أَيْ تَفْوِيضَ الثَّلَاثِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ كِنَايَةٌ عَنْ التَّفْوِيضِ لَا عَنْ الْإِيقَاعِ، حَتَّى لَوْ نَوَى بِهَا الْإِيقَاعَ لَمْ يَقَعْ لِأَنَّ لَفْظَهَا لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ، أَمَّا هُوَ فَيَحْتَمِلُ الْإِيقَاعَ لِأَنَّهُ إذَا أَبَانَهَا كَانَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا وَكَأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ كِنَايَةً عَنْهُ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ فِي مَجْلِسِهَا) اُسْتُفِيدَ هَذَا الْقَيْدُ مِنْ الْفَاءِ التَّعْقِيبِيَّةِ نَهْرٌ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 (وَقَعْنَ) وَكَذَا لَوْ قَالَ أَبُوهَا قَبِلْتُهَا خُلَاصَةٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ بِالصَّغِيرَةِ (وَأَعَرْتُكِ طَلَاقَكِ) وَأَمْرُك بِيَدِ اللَّهِ وَيَدِك وَأَمْرِي بِيَدِك عَلَى الْمُخْتَارِ خُلَاصَةٌ (كَأَمْرُك بِيَدِك) وَذِكْرُ اسْمِهِ تَعَالَى لِلتَّبَرُّكِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ثَلَاثًا فَوَاحِدَةٌ؛ وَلَوْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا فَقَالَ نَوَيْتُ وَاحِدَةً وَلَا دَلَالَةَ حَلَفَ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا عَلَى الدَّلَالَةِ كَمَا مَرَّ (وَاتِّحَادُ الْمَجْلِسِ وَعِلْمُهَا) وَذِكْرُ النَّفْسِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا (شَرْطٌ، فَلَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا وَلَمْ تَعْلَمْ) بِذَلِكَ (وَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَمْ تَطْلُقْ) لِعَدَمِ شَرْطٍ خَانِيَّةٌ. (وَكُلُّ لَفْظٍ يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ مِنْهُ يَصْلُحُ لِلْجَوَابِ مِنْهَا وَمَا لَا) يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ مِنْهُ (فَلَا) يَصْلُحُ لِلْجَوَابِ مِنْهَا، فَلَوْ قَالَتْ: أَنَا طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي وَقَعَ، بِخِلَافِ طَلَّقْتُكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُوصَفُ بِالطَّلَاقِ دُونَ الرَّجُلِ اخْتِيَارٌ (إلَّا لَفْظَ الِاخْتِيَارِ خَاصَّةً)   [رد المحتار] وَهَذَا قَيْدٌ فِي التَّفْوِيضِ الْمُطْلَقِ عَنْ الْوَقْتِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَقَعْنَ) أَيْ الثَّلَاثُ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ لِكَوْنِهِ تَمْلِيكًا كَالتَّخْيِيرِ وَالْوَاحِدَةُ صِفَةٌ لِلِاخْتِيَارِ فَصَارَ كَأَنَّهَا قَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَبِذَلِكَ تَقَعُ الثَّلَاثُ نَهْرٌ. أَمَّا طَلِّقِي نَفْسَكِ فَإِنَّ الِاخْتِيَارَ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا لَهُ كَمَا يَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ. وَعِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ عَنْ الْمُنْتَقَى: لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ أَبِيهَا فَقَالَ أَبُوهَا قَبِلْتُهَا طَلُقَتْ، وَكَذَا لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فَقَالَتْ قَبِلْتُ نَفْسِي طَلُقَتْ اهـ وَفِي مِثْلِ هَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى صِغَرِهَا لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَجْعَلَ الْأَمْرَ بِيَدِ أَجْنَبِيٍّ وَإِنْ كَانَتْ بَالِغَةً، وَلَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فَقَبِلَ أَبُوهَا حَتَّى يَتَأَتَّى مَا بَحَثَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِصَاحِبِ النَّهْرِ رَحْمَتِيٌّ. قُلْت: عَلَى أَنَّهُ إذَا جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا يَكُونُ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ عَلَى اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا، فَلَا يَصِحُّ مِنْ أَبِيهَا وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً، وَكَذَا لَوْ جَعَلَهُ بِيَدِ أَبِيهَا لَا يَصِحُّ مِنْهَا وَلَوْ كَبِيرَةً لِعَدَمِ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَذِكْرُ اسْمِهِ تَعَالَى لِلتَّبَرُّكِ) أَيْ فَتَنْفَرِدُ الْمُخَاطَبَةُ بِالْأَمْرِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ثَلَاثًا) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ يَنْوِي ثَلَاثًا، وَهُوَ صَادِقٌ بِأَنْ لَمْ يَنْوِ عَدَدًا أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فِي الْحُرَّةِ فَإِنَّهَا تَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التَّفْوِيضِ إلَيْهَا دِيَانَةً أَوْ يَدُلُّ الْحَالُ عَلَيْهِ قَضَاءً بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَا دَلَالَةَ) أَمَّا إذَا وُجِدَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى الثَّلَاثِ كَمُذَاكَرَتِهَا أَوْ الْإِشَارَةِ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ فَيُعْمَلُ بِهَا، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ النَّهْرِ كَمَا إذَا كَانَ فِي حَالِ الْغَضَبِ أَوْ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى نِيَّةِ الثَّلَاثِ ط (قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا عَلَى الدَّلَالَةِ) أَيْ عَلَى الْغَضَبِ أَوْ الْمُذَاكَرَةِ مَثَلًا، وَلَا تُقْبَلُ عَلَى النِّيَّةِ إلَّا أَنْ تُقَامَ عَلَى إقْرَارِهِ بِهَا كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْكِنَايَاتِ ح (قَوْلُهُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا) كَالِاخْتِيَارَةِ وَاخْتَرْتُ أَمْرِي ط وَكَاخْتَرْتُ أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ أَهْلِي أَوْ الْأَزْوَاجَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ فِي التَّخْيِيرِ فَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّ التَّكْرَارَ هُنَا مِثْلُهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ فَلَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: وَعِلْمُهَا وَتَرَكَ الْآخَرِينَ لِظُهُورِهِمَا فَلَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ لَا يَقَعُ، وَهَذَا إذَا أَطْلَقَ، أَمَّا إذَا وَقَّتَهُ كَأَمْرُكِ بِيَدِك يَوْمًا فَلَهَا الْخِيَارُ مَا دَامَ الْوَقْتُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك فَقَالَتْ اخْتَرْتُ وَلَمْ تَقُلْ نَفْسِي وَلَا مَا يَقُومُ مَقَامَهَا لَمْ يَقَعْ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ لَمْ تَطْلُقْ) كَالْوَكِيلِ لَا يَصِيرُ وَكِيلًا قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوِكَالَةِ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ لِأَنَّهُ خِلَافَةٌ كَالْوِكَالَةِ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَكُلُّ لَفْظٍ إلَخْ) نَقَلَ هَذَا الْأَصْلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ أَوْضَحَهُ. وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي فِي بَيَانِهِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَخْصِيصَ اللَّفْظِ بِمَادَّتِهِ وَهَيْئَتِهِ وَلَا بِتَغْيِيرِ الضَّمَائِرِ وَالْهَيْئَاتِ كَمَا قِيلَ: بَلْ الْمُرَادُ أَنْ تُسْنِدَ اللَّفْظَ إلَى مَا لَوْ أَسْنَدَهُ إلَيْهِ الزَّوْجُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ، فَبِهَذَا يَكُونُ مَا يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ مِنْهُ يَصْلُحُ لِلْجَوَابِ مِنْهَا، فَقَوْلُهَا: أَنْتَ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ أَنْتَ مِنِّي بَائِنٌ أَوْ أَنَا مِنْكَ بَائِنٌ يَصْلُحُ لِلْجَوَابِ كَمَا مَرَّ لِأَنَّهَا أَسْنَدَتْ الْحُرْمَةَ وَالْبَيْنُونَةَ فِي الْأَوَّلَيْنِ إلَى الزَّوْجِ وَهُوَ لَوْ أَسْنَدَهُمَا إلَيْهَا يَقَعُ بِأَنْ قَالَ: أَنَا عَلَيْكِ حَرَامٌ أَوْ أَنَا مِنْكِ بَائِنٌ، وَفِي الثَّالِثِ أَسْنَدَتْ الْبَيْنُونَةَ إلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَيَصْلُحُ جَوَابًا مِنْهَا بَدَائِعُ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ بِقَبُولِهَا وَقَبُولِ أَبِيهَا كَمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ، وَفِي قَوْلِهَا فِي جَوَابِهِ (طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ تَفْوِيضُ الزَّوْجِ لَا إيقَاعُهَا. (وَلَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ فِي) قَوْلِهِ (أَمْرُكِ بِيَدِك الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ) لِأَنَّهُمَا تَمْلِيكَانِ (فَإِنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي يَوْمِهَا بَطَلَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَكَانَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا بَعْدَ غَدٍ)   [رد المحتار] نَفْسِهَا وَهُوَ لَوْ أَسْنَدَهَا إلَى نَفْسِهَا يَقَعُ بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ مِنِّي بَائِنٌ، وَكَذَا قَوْلُهَا أَنَا طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي أَسْنَدَتْ الطَّلَاقَ إلَى نَفْسِهَا فَيَصِحُّ جَوَابًا لِأَنَّهُ لَوْ أَسْنَدَ الطَّلَاقَ إلَيْهَا يَقَعُ، بِخِلَافِ قَوْلِهَا طَلَّقْتُكَ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهَا أَنْتَ مِنِّي طَالِقٌ لِأَنَّهَا أَسْنَدَتْ الطَّلَاقَ إلَيْهِ، وَهُوَ لَوْ أَسْنَدَهُ إلَى نَفْسِهِ لَمْ يَقَعْ؛ فَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ صَالِحًا لِلْإِيقَاعِ مِنْهُ لَمْ يَصْلُحْ لِلْجَوَابِ مِنْهَا فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الضَّابِطِ، وَبِهِ سَقَطَ مَا قِيلَ إنَّهُ مَنْقُوضٌ بِهَذَا الْأَخِيرِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا طَلَّقْتُك يَقَعُ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ تَغْيِيرُ الضَّمَائِرِ وَالْهَيْئَاتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ مَا ذَكَرْنَا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ: كُلُّ مَا صَلَحَ لِلْإِيقَاعِ مِنْ الزَّوْجِ: مَا يَصْلُحُ لَهُ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى نِيَّةٍ بَعْدَ طَلَبِهَا مِنْهُ الطَّلَاقَ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ الزَّوْجِ طَلَاقٌ إذَا سَأَلَتْهُ فَأَجَابَهَا بِهِ، فَإِذَا أَوْقَعَتْ مِثْلَهُ عَلَى نَفْسِهَا بَعْدَمَا صَارَ الطَّلَاقُ بِيَدِهَا تَطْلُقُ، فَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي فَقَالَ أَنْتِ حَرَامٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ تَطْلُقُ، فَلَوْ قَالَتْهُ بَعْدَمَا صَارَ الطَّلَاقُ بِيَدِهَا تَطْلُقُ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي فَقَالَ الْحَقِي بِأَهْلِك وَقَالَ لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا صُدِّقَ، فَلَوْ قَالَتْهُ بَعْدَمَا صَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا بِأَنْ قَالَتْ أَلْحَقْتُ نَفْسِي بِأَهْلِي لَا تَطْلُقُ أَيْضًا اهـ أَيْ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ الَّتِي تَحْتَمِلُ الرَّدَّ فَتُوقَفُ عَلَى النِّيَّةِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ وَالْمُذَاكَرَةِ، فَلَا تَتَعَيَّنُ لِلْإِيقَاعِ بَعْدَ سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ إلَّا بِالنِّيَّةِ، بِخِلَافِ حَرَامٍ وَبَائِنٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ فِي حَالِ الْمُذَاكَرَةِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ اسْتِشْكَالِهِ الْفَرْقَ بَيْنَ أَلْحَقْتُ نَفْسِي وَأَنَا بَائِنٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ) لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى بِهِ الْإِيقَاعَ لَمْ يَقَعْ لِأَنَّهُ كِنَايَةُ تَفْوِيضٍ لَا إيقَاعٍ، لَكِنَّهُ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَمَا مَرَّ، وَمِثْلُهُ: أَمْرُكِ بِيَدِك، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَثْنِهِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا مِنْهَا، بِأَنْ تَقُولَ أَمْرِي بِيَدِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا الضَّابِطِ صِحَّتُهُ أَيْ صِحَّةُ الْجَوَابِ مِنْهَا بِقَوْلِهَا قَبِلْتُ أَوْ قَوْلِ أَبِيهَا ذَلِكَ إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ إلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْقَبُولَ لَا يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ مِنْهُ، وَهَذَا الْإِيرَادُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهَا قَبِلْتُ عِبَارَةٌ عَنْ اخْتَرْت نَفْسِي فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى (قَوْلُهُ لِمَا تَقَرَّرَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ بَانَتْ، يَعْنِي وَإِنْ أَجَابَتْ بِالصَّرِيحِ الْوَاقِعِ بِهِ الرَّجْعِيُّ، لَكِنْ يَقَعُ بَائِنًا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ تَفْوِيضُ الزَّوْجِ، وَتَفْوِيضُهُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْبَائِنِ لِأَنَّهَا بِهِ تَمْلِكُ أَمْرَهَا لَا بِالرَّجْعِيِّ. وَأَمَّا عِلَّةُ وُقُوعِ الْوَاحِدَةِ دُونَ الثَّلَاثِ فَهِيَ أَنَّ الْوَاحِدَةَ فِي كَلَامِهَا صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ هُوَ طَلْقَةٌ إذْ خُصُوصُ الْعَامِلِ اللَّفْظِيِّ قَرِينَةُ خُصُوصِ الْمُقَدَّرِ، وَبِهَذَا وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ طَلَّقْتُ نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ وَاخْتَرْت نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ، وَانْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّهُ يَنْبَغِي وُقُوعُ الْوَحْدَةِ فِي الثَّانِي أَيْضًا، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ) أَرَادَ بِاللَّيْلِ الْجِنْسَ فَيَشْمَلُ اللَّيْلَتَيْنِ، وَكَذَا لَا يَدْخُلُ الْيَوْمُ الْفَاصِلُ وَسَكَتَ عَنْهُ لِظُهُورِهِ ح. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَلَا يَدْخُلُ اللَّيْلَانِ وَغَدٌ فِيهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَمْلِيكَانِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّ عَطْفَ زَمَنٍ عَلَى زَمَنٍ مُمَاثِلٍ مَفْصُولٍ بَيْنَهُمَا بِزَمَنٍ مُمَاثِلٍ لَهُمَا ظَاهِرٌ فِي قَصْدِ تَقْيِيدِ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ بِالْأَوَّلِ وَتَقْيِيدِ أَمْرٍ آخَرَ بِالثَّانِي، فَيَصِيرُ لَفْظُ (الْيَوْمَ) مُفْرَدًا غَيْرَ مَجْمُوعٍ إلَى مَا بَعْدَهُ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ صَارَ عَطْفَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ: أَيْ أَمْرُكِ بِيَدِك الْيَوْمَ وَأَمْرُك بِيَدِك بَعْدَ غَدٍ، وَلَوْ أَفْرَدَ الْيَوْمَ لَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ فَكَذَا إذَا عَطَفَ جُمْلَةً أُخْرَى. اهـ. ح (قَوْلُهُ فَكَانَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا بَعْدَ غَدٍ) الَّذِي شَرَحَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَكَانَ بِالْوَاوِ وَهِيَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 وَلَوْ طَلَّقَتْ لَيْلًا لَمْ يَصِحَّ وَلَا تُطَلِّقُ إلَّا مَرَّةً (وَيَدْخُلُ) اللَّيْلُ (فِي أَمْرُكِ بِيَدِكِ الْيَوْمَ وَغَدًا، وَإِنْ رَدَّتْهُ فِي يَوْمِهَا لَمْ يَبْقَ فِي الْغَدِ) لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ وَاحِدٌ. (وَلَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَأَمْرُك بِيَدِك غَدًا فَهُمَا أَمْرَانِ) خَانِيَّةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا؛ وَلَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ كَمَا لَا يَخْفَى. [تَنْبِيهٌ] ظَاهِرُ مَا مَرَّ أَنَّهُ يَرْتَدُّ بِرَدِّهَا، لَكِنْ فِي الْعِمَادِيَّةِ أَنَّهُ يَرْتَدُّ قَبْلَ قَبُولِهِ لَا بَعْدَهُ   [رد المحتار] الْأَوْلَى ط. قُلْت: وَهِيَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ وَلَوْ طَلَّقَتْ) مُضَعَّفٌ مَبْنِيٌّ لِلْمَعْلُومِ حُذِفَ مَفْعُولُهُ، يَعْنِي وَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَيْلًا: أَيْ فِي إحْدَى اللَّيْلَتَيْنِ لَا يَصِحُّ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ ح (قَوْلُهُ وَلَا تُطَلِّقُ إلَّا مَرَّةً) أَرَادَ بِهَذَا دَفْعَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ اقْتِضَاءِ كَوْنِهِمَا تَمْلِيكَيْنِ جَوَازَ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَرَّتَيْنِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً. اهـ. ح. أَقُولُ: هَذَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ بِهَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّ كَوْنَهُمَا تَمْلِيكَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا الْيَوْمَ بَعْدَ غَدٍ. فِي الْمِنَحِ: لَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُمَا أَمْرَانِ لِانْفِصَالِ وَقْتِهِمَا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَقْتَيْنِ عَلَى حِدَةٍ فَبِرَدِّ أَحَدِهِمَا لَا يَرْتَدُّ الْآخَرُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ. اهـ. فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ أَنَّهَا لَا تُطَلِّقُ فِي كُلِّ يَوْمٍ إلَّا مَرَّةً. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ. وَلَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي الْوَقْتِ مَرَّةً لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ مَرَّةً أُخْرَى لِأَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي الْوَقْتَ لَا التَّكْرَارَ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي بَحْثِ الْمُؤَقَّتِ كَالْيَوْمِ وَالشَّهْرِ، فَإِذَا كَانَ تَمْلِيكَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَرَّةً فَقَطْ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا عَنْ الْبَدَائِعِ أَيْضًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَدَّتْهُ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَيَدْخُلُ اللَّيْلُ لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا لَيْلًا. وَالثَّانِي لَوْ رَدَّتْ الْأَمْرَ الْيَوْمَ لَمْ تَمْلِكْهُ فِي الْغَدِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْعَطْفَ بِالْوَاوِ أَحْسَنُ مِنْهُ بِالْفَاءِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَمْ يَبْقَ فِي الْغَدِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا غَدًا لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ رَدَّ الْأَمْرِ كَمَا لَا تَمْلِكُ رَدَّ الْإِيقَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا بِيَوْمٍ آخَرَ وَكَانَ جَمْعًا بِحَرْفِ الْجَمْعِ فِي التَّمْلِيكِ الْوَاحِدِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَمْرُكِ بِيَدِك يَوْمَيْنِ، وَفِيهِ تَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ اسْتِعْمَالًا لُغَوِيًّا وَعُرْفِيًّا بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَهُمَا أَمْرَانِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: حَتَّى لَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا الْيَوْمَ أَوْ رَدَّتْ الْأَمْرَ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا غَدًا، لِأَنَّهُ لَمَّا كَرَّرَ اللَّفْظَ فَقَدْ تَعَدَّدَ التَّفْوِيضُ فَرَدُّ أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ رَدًّا لِلْآخَرِ، وَلَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَطَلَّقَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْغَدِ فَأَرَادَتْ أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا فَلَهَا ذَلِكَ، وَتُطَلِّقُ أُخْرَى لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ التَّفْوِيضَيْنِ طَلَاقًا؛ فَالْإِيقَاعُ بِأَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ الْإِيقَاعَ بِالْآخَرِ اهـ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ أَنَّ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً وَاحِدَةً (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا) أَيْ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْخَانِيَّةِ خِلَافًا فِي كَوْنِهِمَا أَمْرَيْنِ، فَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ تَخْصِيصِ أَبِي يُوسُفَ بِرِوَايَةِ ذَلِكَ عَنْهُ لَيْسَ لِإِثْبَاتِ الْخِلَافِ وَإِنَّمَا هُوَ لِأَنَّهُ مَخْرَجُ الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ) لِأَنَّهُ أَثْبَتَ لَهَا الْأَمْرَ فِي يَوْمٍ مُفْرَدٍ وَالثَّابِتُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَلِيهِ أَمْرٌ آخَرُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ ظَاهِرُ مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي يَوْمِهَا بَطَلَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَإِنَّمَا قَالَ ظَاهِرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ بِرَدِّ الْأَمْرِ اخْتِيَارُهَا زَوْجَهَا لَا قَوْلُهَا رَدَدْتُهُ، وَسَتَسْمَعُ التَّفْصِيلَ فِيهِ ح (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْعِمَادِيَّةِ إلَخْ) فِيهِ اخْتِصَارٌ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَا يَرْتَدُّ، وَوَفَّقَ فِي الْعِمَادِيَّةِ إلَخْ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ رَدِّهَا مُنَاقِضٌ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا أَوْ يَدِ أَجْنَبِيٍّ ثُمَّ رَدَّتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 كَالْإِبْرَاءِ، وَأَنَّهُ فِي الْمُتَّحِدِ لَا يَبْقَى فِي الْغَدِ، لَكِنْ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: أَمْرُكِ بِيَدِك إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ فَقَالَتْ اخْتَرْت زَوْجِي بَطَلَ خِيَارُهَا فِي الْيَوْمِ، وَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا فِي الْغَدِ عِنْدَ الْإِمَامِ. وَوَجْهُهُ فِي الدِّرَايَةِ بِأَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ الْوَقْتَ اُعْتُبِرَ تَعْلِيقًا وَإِلَّا فَتَمْلِيكًا.   [رد المحتار] الْأَمْرَ أَوْ رَدَّهُ الْأَجْنَبِيُّ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكُ شَيْءٍ لَازِمٍ فَيَقَعُ لَازِمًا، وَالْمَسْأَلَةُ مَرْوِيَّةٌ عَنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ. قَالَ الْعِمَادِيُّ فِي فُصُولِهِ: وَالتَّوْفِيقُ أَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالْيَدِ عِنْدَ التَّفْوِيضِ لَا بَعْدَ قَبُولِهِ نَظِيرُهُ الْإِقْرَارُ، فَإِنَّ مَنْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِشَيْءٍ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ رَدَّ إقْرَارَهُ لَا يَصِحُّ الرَّدُّ اهـ وَمَشَى عَلَى هَذَا التَّوْفِيقِ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي الْفَتْحِ تَوْفِيقًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ فَإِنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي يَوْمِهَا بَطَلَ هُوَ اخْتِيَارُهَا زَوْجَهَا الْيَوْمَ، وَحَقِيقَتُهُ انْتِهَاءُ مِلْكِهَا، وَالْمُرَادُ بِمَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنْ تَقُولَ رَدَدْتُ اهـ وَإِلَيْهِ يُرْشِدُ قَوْلُ الْهِدَايَةِ لِأَنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا الْيَوْمَ لَا يَبْقَى لَهَا الْخِيَارُ فِي غَدٍ فَكَذَا إذَا اخْتَارَتْ زَوْجَهَا بِرَدِّ الْأَمْرِ. وَوَفَّقَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ، فَيَصِحُّ رَدُّهُ قَبْلَ قَبُولِهِ نَظَرًا إلَى التَّمْلِيكِ، وَلَا يَصِحُّ نَظَرًا إلَى التَّعْلِيقِ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، فَرِوَايَةُ صِحَّةِ الرَّدِّ نَظَرًا لِلتَّمْلِيكِ وَفَسَادِهِ نَظَرًا لِلتَّعْلِيقِ اهـ. وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الْبَحْرِ، وَأَيَّدَهُ بِأَنَّهُ فِي الْهِدَايَةِ نَقَلَ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ رَدَّ الْأَمْرِ كَمَا لَا تَمْلِكُ رَدَّ الْإِيقَاعِ، وَقَالَ: فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا تَكَلَّفَهُ ابْنُ الْهُمَامِ وَالشَّارِحُونَ. وَأَوْرَدَ قَبْلَ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْعِمَادِيُّ وَالشَّارِحُونَ أَنَّ قَوْلَهَا بَعْدَ الْقَبُولِ رَدَدْتُ إعْرَاضٌ مُبْطِلٌ لِخِيَارِهَا وَتَابَعَهُ عَلَى هَذَا الْإِيرَادِ الْمَقْدِسِيَّ فَقَالَ: وَهَذَا حَيْثُ أَبْطَلُوهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَالرَّدِّ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَلَمْ يُبْطِلُوهُ بِصَرِيحِ الرَّدِّ اهـ. أَقُولُ: هَذَا مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُؤَقَّتِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مَا لَمْ يَمْضِ الْوَقْتُ، بِخِلَافِ الْمُطْلَقِ عَنْ الْوَقْتِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ قَبْلَ قَبُولِهِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ: أَيْ قَبُولِ الْمَرْأَةِ التَّفْوِيضَ (قَوْلُهُ كَالْإِبْرَاءِ) أَيْ عَنْ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ، وَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ وَالتَّمْلِيكِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ فِي الْمُتَّحِدِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ إنَّهُ يَرْتَدُّ بِرَدِّهَا أَيْ وَظَاهِرُ مَا مَرَّ أَيْضًا أَنَّهُ فِي الْمُتَّحِدِ، مِثْلَ أَمْرُكِ بِيَدِكِ الْيَوْمَ وَغَدًا لَا يَبْقَى الْغَدُ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا مَنْصُوصٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صَرِيحًا، وَقَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَبْقَى فِي الْغَدِ (قَوْلُهُ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ) أَيْ الشَّهْرِ الْآتِي (قَوْلُهُ بَطَلَ خِيَارُهَا فِي الْيَوْمِ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْيَوْمِ وَالْغَدِ الْمَجْلِسُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة لَا خُصُوصُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي (قَوْلُهُ وَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا فِي الْغَدِ) أَيْ فَقَدْ بَقِيَ مَعَ أَنَّهُ مِنْ الْمُتَّحِدِ ح (قَوْلُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ) وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا فِي الشَّهْرِ كُلِّهِ. وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ الْخِلَافَ عَلَى الْعَكْسِ: أَيْ أَنَّهُ يَخْرُجُ الْأَمْرُ فِي الشَّهْرِ كُلِّهِ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَكَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَقَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ بِأَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ الْوَقْتَ) أَيْ كَأَمْرُكِ بِيَدِكِ الْيَوْمَ وَغَدًا أَوْ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ اُعْتُبِرَ تَعْلِيقًا أَيْ وَالتَّعْلِيقُ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَإِلَّا: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْوَقْتَ كَأَمْرُكِ بِيَدِك يُعْتَبَرُ تَمْلِيكًا أَيْ وَالتَّمْلِيكُ يَرْتَدُّ قَبْلَ قَبُولِهِ كَمَا مَرَّ، وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ. الْأَوَّلُ أَنَّ الْقَبُولَ هُنَا بِمَعْنَى اخْتِيَارِهَا أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ نَفْسَهَا أَوْ زَوْجَهَا، فَإِذَا قَالَتْ اخْتَرْت زَوْجِي وُجِدَ الْقَبُولُ فَلَا تَمْلِكُ الرَّدَّ بَعْدَهُ بِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ اعْتِبَارِ التَّعْلِيقِ وَالتَّمْلِيكِ فَلْيُتَأَمَّلْ. الثَّانِي مَا أَوْرَدَهُ ح مِنْ أَنَّ هَذَا التَّوْجِيهَ لَا يَدْفَعُ التَّنَاقُضَ بَيْنَ مَا فِي الْمَتْنِ وَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَبْقَى الْأَمْرُ بِيَدِهَا فِي الْغَدِ إذَا اخْتَارَتْ زَوْجَهَا الْيَوْمَ فِي أَمْرُكِ بِيَدِكِ الْيَوْمَ وَغَدًا مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. وَأَجَابَ ط بِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّارِحِ ثُبُوتُ التَّنَاقُضِ لَا دَفْعُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 بَقِيَ لَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا هَلْ يَبْطُلُ أَمْرُهَا إنْ كَانَ التَّفْوِيضُ مُنَجَّزًا، نَعَمْ وَإِنْ مُعَلَّقًا كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَمْرُك بِيَدِك أَوْ مُؤَقَّتًا لَا عِمَادِيَّةٌ؛ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمُنَجَّزِ. [فُرُوعٌ] نَكَحَهَا عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهَا صَحَّ؛ وَلَوْ ادَّعَتْ جَعْلَهُ أَمْرَهَا بِيَدِهَا لَمْ تُسْمَعْ إلَّا إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِحُكْمِ الْأَمْرِ ثُمَّ ادَّعَتْهُ فَتُسْمَعُ. قَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي فِي الْمَجْلِسِ بِلَا تَبَدُّلٍ وَأَنْكَرَ فَالْقَوْلُ لَهَا.   [رد المحتار] أَقُولُ: وَالْجَوَابُ عَنْ التَّنَاقُضِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ أَيْضًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا فَهُوَ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ الِاخْتِلَافِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْوَلْوَالَجِيُّ أَيْضًا فَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْيَوْمِ وَغَدًا: لَوْ رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي الْيَوْمِ يَبْقَى فِي الْغَدِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَبْقَى، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا مَرَّ مِنْ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّهْرِ أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَبْقَى فِي الْغَدِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بَقِيَ لَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا إلَخْ) قَيَّدَ بِالْبَائِنِ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا بَقِيَ أَمْرُهَا قَوْلًا وَاحِدًا ح وَأَرَادَ الشَّارِحُ الْجَوَابَ عَنْ مُنَاقَضَةٍ أُخْرَى بَيْنَ كَلَامِهِمْ فَإِنَّ الْعِمَادِيَّ ذَكَرَ فِي فُصُولِهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَمْرُكِ بِيَدِك ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا خَرَجَ مِنْ يَدِهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يَخْرُجُ، ثُمَّ وَفَّقَ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى التَّفْوِيضِ الْمُنَجَّزِ وَالثَّانِي عَلَى الْمُعَلَّقِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَصْلُهُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ إلَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى تَوْفِيقِ الْعِمَادِيِّ، فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنَّهُ إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَمْرُك بِيَدِك ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا يَبْقَى الْأَمْرُ فِي يَدِهَا ثُمَّ رَقَّمَ، لَا يَبْقَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُعَلَّقَ يُخَرَّجُ كَالْمُنَجَّزِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَالْحَقُّ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ، وَأَنْ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ بُطْلَانُهُ بِالْإِبَانَةِ لَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لِقَوْلِهِمْ: إنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا وَالتَّخْيِيرُ بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيقِ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الطَّلَاقِ، وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا مَرَّ مِنْ التَّوْفِيقِ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الْخُلَاصَةِ. قَالَ السَّرَخْسِيُّ: قَالَ لِامْرَأَتِهِ: اخْتَارِي ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا بَطَلَ الْخِيَارُ، وَكَذَا الْأَمْرُ بِالْيَدِ، وَلَوْ رَجْعِيًّا لَا يَبْطُلُ، أَصْلُهُ أَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ، فَلَوْ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا لَا يَعُودُ الْأَمْرُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَمْرُ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ. وَفِي الْإِمْلَاءِ: لَوْ قَالَ اخْتَارِي إذَا شِئْتِ أَوْ أَمْرُك بِيَدِك إذَا شِئْت ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَطْلُقُ بَائِنًا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا. قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ قَوْلُهُ ضَعِيفٌ اهـ فَظَهَرَ بِهَذَا قُوَّةُ مَا وَفَّقَ بِهِ فِي الْفُصُولِ. فَإِنْ قُلْت: نَفْسُ الِاخْتِيَارِ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فَرْقٌ، قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْلِيقِ الصَّرِيحِ وَمَا فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ عِنْدَهُ نَوْعُ تَحْقِيقٍ. وَلِبَعْضِهِمْ هُنَا كَلَامٌ يُغْنِي النَّظَرُ إلَيْهِ عَنْ التَّكَلُّمِ عَلَيْهِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْبَعْضِ صَاحِبَ الْبَحْرِ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ وَتَقْيِيدَهُ الْبُطْلَانَ بِمَا إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا بَعْدَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيقِ يَرُدُّهُ صَرِيحُ كَلَامِ السَّرَخْسِيِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ صَحَّ) مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا ابْتَدَأَتْ الْمَرْأَةُ فَقَالَتْ زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْك عَلَى أَنَّ أَمْرِي بِيَدِي أُطَلِّقُ نَفْسِي كُلَّمَا أُرِيدُ أَوْ عَلَى أَنِّي طَالِقٌ فَقَالَ الزَّوْجُ قَبِلْت، أَمَّا لَوْ بَدَأَ الزَّوْجُ لَا تَطْلُقُ وَلَا يَصِحُّ الْأَمْرُ بِيَدِهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ لَمْ تُسْمَعْ) أَيْ لِعَدَمِ حُصُولِ ثَمَرَتِهِ ط (قَوْلُهُ بِحُكْمِ الْأَمْرِ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ ثَمَرَتُهُ وَأَثَرُهُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ، وَحُكْمُ الْأَمْرِ مِلْكُهَا طَلَاقَ نَفْسِهَا (قَوْلُهُ ثُمَّ ادَّعَتْهُ) أَيْ ادَّعَتْ الْجَعْلَ الْمَذْكُورَ أَوْ الطَّلَاقَ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لَهَا) لِأَنَّهُ وُجِدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 جَعَلَ أَمَرَهَا بِيَدِهَا إنْ ضَرَبَهَا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ، فَضَرَبَهَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا عَلَى الشَّرْطِ الْمَنْفِيِّ كَمَا سَيَجِيءُ. طَلَبَ أَوْلِيَاؤُهَا طَلَاقَهَا فَقَالَ الزَّوْجُ لِأَبِيهَا مَا تُرِيدُ مِنِّي، افْعَلْ مَا تُرِيدُ وَخَرَجَ فَطَلَّقَهَا أَبُوهَا لَمْ تَطْلُقْ إنْ لَمْ يُرِدْ الزَّوْجُ التَّفْوِيضَ فَالْقَوْلُ لَهُ فِيهِ خُلَاصَةٌ. لَا يَدْخُلُ نِكَاحُ الْفُضُولِيِّ مَا لَمْ يَقُلْ إنْ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ فِي نِكَاحِي. جَعَلَ أَمَرَهَا بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَطَلَّقَهَا أَحَدُهُمَا لَمْ يَقَعْ.   [رد المحتار] سَبَبُهُ بِإِقْرَارِهِ وَهُوَ التَّخْيِيرُ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الِاشْتِغَالِ بِشَيْءٍ آخَرَ بَحْرٌ وَلِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالتَّخْيِيرِ وَالطَّلَاقِ صَارَ بِإِنْكَارِهِ مُدَّعِيًا بُطْلَانَ السَّبَبِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِقِنِّهِ جَعَلْت أَمْرَك بِيَدِكَ فِي الْعِتْقِ أَمْسِ فَلَمْ تُعْتِقْ نَفْسَك وَقَالَ الْقِنُّ فَعَلْتُ لَا يُصَدَّقُ إذْ الْمَوْلَى لَمْ يُقِرَّ بِعِتْقِهِ لِأَنَّ جَعْلَ الْأَمْرِ بِيَدِهِ لَا يُوجِبُ الْعِتْقَ مَا لَمْ يُعْتِقْ الْقِنُّ نَفْسَهُ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُهُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِهِ وَادَّعَى إبْطَالَهُ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْبَحْرِ جَوَابًا عَمَّا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي عَدَمُ الْفَرْقِ قَوْلُهُ ثُمَّ اخْتَلَفَا) أَيْ قَالَ ضَرَبْتُهَا بِجِنَايَةٍ وَقَالَتْ بِدُونِهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لَهُ) لِأَنَّهُ يُنْكِرُ صَيْرُورَةَ الْأَمْرِ بِيَدِهَا وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْجِنَايَةَ، وَلَوْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ وَإِنْ قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ لِكَوْنِهَا عَلَى الشَّرْطِ وَالشَّرْطُ يَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ وَإِنْ كَانَ نَفْيًا نَهْرٌ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ عِنْدَ قَوْلِهِ إلَّا إذَا بَرْهَنَتْ (قَوْلُهُ مَا تُرِيدُ مِنِّي) اسْتِفْهَامٌ، وَقَوْلُهُ افْعَلْ مَا تُرِيدُ أَمْرٌ (قَوْلُهُ لَمْ تَطْلُقْ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ لَكِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ تَفْوِيضًا لِاحْتِمَالِ التَّهَكُّمِ أَيْ افْعَلْ إنْ قَدَرْتَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا يَدْخُلُ نِكَاحُ الْفُضُولِيِّ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك امْرَأَةً فَأَمْرُهَا بِيَدِك فَدَخَلَتْ امْرَأَةٌ فِي نِكَاحِهِ بِنِكَاحِ الْفُضُولِيِّ وَأَجَازَ بِالْفِعْلِ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَهَا، وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ فِي نِكَاحِي فَلَهَا ذَلِكَ؛ وَكَذَا فِي التَّوْكِيلِ بِذَلِكَ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الْفُضُولِيِّ مَعَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ بِالْقَوْلِ لَمْ يُصَدَّقْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بَلْ صُدِّقَ أَنَّهَا دَخَلَتْ فِي نِكَاحِهِ، وَمِثْلُ دَخَلَتْ قَوْلُهُ تَحِلُّ لِي لَكِنْ سَيَذْكُرُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ عَدَمَ الْحِنْثِ مُطْلَقًا، حَيْثُ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ تَدْخُلُ فِي نِكَاحِي أَوْ تَصِيرُ حَلَالًا لِي فَكَذَا فَأَجَازَ نِكَاحَ فُضُولِيِّ بِالْفِعْلِ لَا يَحْنَثُ، وَمِثْلُهُ إنْ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً بِنَفْسِي أَوْ بِوَكِيلِي أَوْ بِفُضُولِيٍّ أَوْ دَخَلَتْ فِي نِكَاحِي بِوَجْهٍ مَا تَكُنْ زَوْجَتُهُ طَالِقًا لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ بِفُضُولِيٍّ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِنَفْسِي وَعَامِلُهُ تَزَوَّجْت وَهُوَ خَاصٌّ بِالْقَوْلِ، وَإِنَّمَا يَنْسَدُّ بَابُ الْفُضُولِيِّ لَوْ زَادَ أَوْ أَجَزْتُ نِكَاحَ فُضُولِيٍّ وَلَوْ بِالْفِعْلِ، وَلَا مَخْلَصَ لَهُ إلَّا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ طَلَاقَ الْمُتَزَوِّجَةِ فَيُرْفَعُ الْأَمْرُ إلَى شَافِعِيٍّ لِيَفْسَخَ الْيَمِينَ الْمُضَافَةَ اهـ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُعَلِّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ أَوْ طَلَاقَ الَّتِي يَتَزَوَّجُهَا، فَفِي الثَّانِيَةِ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى شَافِعِيٍّ، وَعُلِمَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ، وَوَجْهُ عَدَمِ الْحِنْثِ فِي: أَوْ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ فِي نِكَاحِي أَنَّ دُخُولَهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّزْوِيجِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُهَا، وَبِتَزْوِيجِ الْفُضُولِيِّ لَا يَصِيرُ مُتَزَوِّجًا، بِخِلَافِ: كُلُّ عَبْدٍ دَخَلَ فِي مِلْكِي فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِعَقْدِ الْفُضُولِيِّ، فَإِنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ لَا يَخْتَصُّ بِالشِّرَاءِ بَلْ لَهُ أَسْبَابٌ سِوَاهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْقَوْلَيْنِ فِي فَتَاوَاهُ وَرَجَّحَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْحِنْثِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي الْأَيْمَانِ (قَوْلُهُ لَمْ يَقَعْ) لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْهُمَا وَهُوَ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ عَلَى فِعْلِهِمَا فَلَمْ يُوجَدْ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ (قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَلَمْ يَنْوِ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً) أَوْ ثِنْتَيْنِ فِي الْحُرَّةِ (فَطَلَّقَتْ وَقَعَتْ رَجْعِيَّةً، وَإِنْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا وَنَوَاهُ وَقَعْنَ) قَيَّدَ بِخِطَابِهَا: لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ طَلِّقِي أَيَّ نِسَائِي شِئْتِ لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ عُمُومِ خِطَابِهِ (وَبِقَوْلِهَا) فِي جَوَابِهِ   [رد المحتار] [فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ] ِ هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ أَنْوَاعِ التَّفْوِيضِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ عَلَى الْمَشِيئَةِ صَرِيحًا بَلْ مَا يَشْمَلُ الضِّمْنِيَّ فَقَدْ قَالَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَكِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مَشِيئَةً فَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَشِيئَةِ، وَلَهَا ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى مَشِيئَتِهَا، وَتَطْلِيقُهَا مَشِيئَةٌ، وَلِذَا قَالَ فِي الْكَافِي: لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً إنْ شِئْتِ فَقَالَتْ قَدْ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً فَهِيَ طَالِقٌ، وَقَدْ شَاءَتْ حَيْثُ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا. اهـ. وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّ الْمُنَاسِبَ لِلتَّرْجَمَةِ الِابْتِدَاءُ بِمَسْأَلَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْمَشِيئَةِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى مَا أَجَابَ عَنْهُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ، مِنْ أَنَّ ذِكْرَ مَا فِيهِ الْمَشِيئَةُ مُنَزَّلٌ مِمَّا لَمْ تُذْكَرْ فِيهِ مَنْزِلَةَ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْمُفْرَدِ يَعْنِي وَالْمُفْرَدُ يَسْبِقُ الْمُرَكَّبَ فَكَذَا مَا نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ اهـ وَإِنْ أَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ، نَعَمْ يَصْلُحُ هَذَا لِلْجَوَابِ عَمَّا قَدْ يُقَالُ لِمَ ذَكَرَ مَسَائِلَ الْمَشِيئَةِ ضِمْنًا قَبْلَ مَسَائِلِ الْمَشِيئَةِ صَرِيحًا وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَقْصُودًا مِنْ هَذَا الْبَابِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً) لَوْ حَذَفَ هَذَا الْعِلْمَ بِالْأَوْلَى نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ ثِنْتَيْنِ فِي الْحُرَّةِ) لِأَنَّهُمَا فِي حَقِّهَا عَدَدٌ مَحْضٌ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَتَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ فِي حَقِّهَا لِأَنَّهُمَا فَرْدٌ اعْتِبَارِيٌّ كَالثَّلَاثِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ (قَوْلُهُ فَطَلَّقَتْ) أَيْ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَكُلٌّ مَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ أَصْلًا أَوْ مَعَ نِيَّةِ الْوَاحِدَةِ أَوْ الثِّنْتَيْنِ فِي الْحُرَّةِ فَهُمْ تِسْعَةٌ، وَالْوَاقِعُ فِيهَا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ. أَمَّا فِي الْأَمَةِ فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ أَفَادَهُ ح لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تُطَلِّقَ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ، وَكُلٌّ مَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ أَوْ مَعَ نِيَّةِ الْوَاحِدَةِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ أَوْ ثَلَاثًا جَارٍ عَلَى قَوْلِهِمَا بِوُقُوعِ وَاحِدَةٍ رَجْعِيَّةٍ أَمَّا عِنْدَ. الْإِمَامِ فَإِنَّهَا إذَا طَلَّقَتْ ثَلَاثًا وَنَوَى وَاحِدَةً أَوْ لَمْ يَنْوِ أَصْلًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّ مُوجِبَ طَلِّقِي هُوَ الْفَرْدُ الْحَقِيقِيُّ فَيَثْبُتُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ، وَالْفَرْدُ الِاعْتِبَارِيُّ أَعْنِي الثَّلَاثَ مُحْتَمَلَةٌ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِنِيَّتِهِ فَإِتْيَانُهَا بِالثَّلَاثِ حِينَئِذٍ اشْتِغَالٌ بِغَيْرِ مَا فُوِّضَ إلَيْهَا فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ كَمَا أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا نَوَى ثِنْتَيْنِ فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا لَا يَقَعُ عِنْدَهُ شَيْءٌ أَيْضًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَنَوَاهُ) أَيْ الثَّلَاثَ، وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ، أَوْ لِأَنَّهَا فَرْدٌ اعْتِبَارِيٌّ وَقَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِ أَصْلًا أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَهُ كَمَا عَلِمْتَ (قَوْلُهُ وَقَعْنَ) أَيْ الثَّلَاثُ سَوَاءٌ أَوْقَعَتْهَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ أَوْ مُتَفَرِّقًا، وَإِنَّمَا صَحَّ إرَادَةُ الثَّلَاثِ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقِي نَفْسَكِ مَعْنَاهُ افْعَلِي التَّطْلِيقَ؛ فَهُوَ مَذْكُورٌ لُغَةً لِأَنَّهُ جَزْءُ مَعْنَى اللَّفْظِ فَصَحَّ نِيَّةُ الْعُمُومِ، غَيْرَ أَنَّ الْعُمُومَ فِي حَقِّ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَفِي حَقِّ الْحُرَّةِ ثَلَاثٌ فَتْحٌ، وَقَوْلُهُ أَوْ مُتَفَرِّقًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى الثَّلَاثَ فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَقَعَ، وَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِوُقُوعِ الْوَاحِدَةِ فِي طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً وَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِخِطَابِهَا) أَيْ بِقَوْلِهِ نَفْسَك فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَبِقَوْلِهَا فِي جَوَابِهِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك قَالَتْ فِي جَوَابِهِ أَبَنْتُ نَفْسِي طَلُقَتْ رَجْعِيَّةً، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي لَمْ تَطْلُقْ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَحَاصِلُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمُفَوَّضَ الطَّلَاقُ وَالْإِبَانَةُ مِنْ أَلْفَاظِهِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي إيقَاعِهِ كِنَايَةً، فَقَدْ أَجَابَ بِمَا فَوَّضَ إلَيْهَا، بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ أَبَنْتُ نَفْسِي تُوقَفُ عَلَى إجَازَتِهِ، وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَا يَلْحَقُهُ إجَازَةٌ وَإِنَّمَا صَارَ كِنَايَةً بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فِيمَا إذَا جَعَلَ جَوَابًا لِلتَّخْيِيرِ، غَيْرَ أَنَّهَا زَادَتْ وَصْفَ تَعْجِيلِ الْبَيْنُونَةِ فِيهِ فَيَلْغُو الْوَصْفُ وَيَثْبُتُ الْأَصْلُ اهـ وَقَوْلُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 (أَبَنْتُ نَفْسِي طَلُقَتْ) رَجْعِيَّةً إنْ أَجَازَهُ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ (لَا بِاخْتَرْتُ) نَفْسِي وَإِنْ أَجَازَهُ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ (وَلَا يَمْلِكُ) الزَّوْجُ (الرُّجُوعَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ التَّفْوِيضِ بِأَنْوَاعِهِ الثَّلَاثَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّعْلِيقِ (وَتَقَيَّدَ بِالْمَجْلِسِ) لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ (إلَّا إذَا زَادَ مَتَى شِئْتِ) وَنَحْوَهُ مِمَّا يُفِيدُ عُمُومَ الْوَقْتِ فَتَطْلُقُ مُطْلَقًا، وَإِذَا قَالَ لِرَجُلٍ ذَلِكَ أَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي ضَرَّتَكِ (لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالْمَجْلِسِ)   [رد المحتار] وَلِهَذَا إلَخْ اسْتِدْلَالٌ عَلَى إثْبَاتِ الْفَرْقِ فِي مَسْأَلَتِنَا بِإِثْبَاتِهِ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ مَا لَوْ ابْتَدَأَتْ وَقَالَتْ أَبَنْت نَفْسِي بِدُونِ قَوْلِهِ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَقَعَ إنْ أَجَازَهُ أَيْ مَعَ النِّيَّةِ مِنْهُ وَكَذَا مِنْهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ الْكِنَايَاتِ عَنْ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ وَشَرْحِهِ وَلَوْ ابْتَدَأَتْ وَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي لَا يَقَعُ وَإِنْ أَجَازَهُ مَعَ النِّيَّةِ لِأَنَّ اخْتَرْتُ لَمْ يُوضَعْ كِنَايَةً إلَّا فِي جَوَابِ التَّخْيِيرِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَرْتُكِ نَاوِيًا الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ. بِخِلَافِ لَفْظِ الْإِبَانَةِ، وَقَوْلُهُ غَيْرُ أَنَّهَا إلَخْ بَيَانٌ لِوُقُوعِ الرَّجْعِيِّ فِي مَسْأَلَتِنَا وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ لَك أَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَى الشَّارِحِ مَسْأَلَةُ الِابْتِدَاءِ بِمَسْأَلَةِ الْجَوَابِ فَالصَّوَابُ إسْقَاطُ قَوْلِهِ إنْ أَجَازَ، وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ وَإِنْ أَجَازَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا ابْتَدَأَتْ بِقَوْلِهَا أَبَنْتُ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت، وَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ قُبَيْلَ الْكِنَايَاتِ، وَكَلَامُنَا الْآنَ فِيمَا إذَا قَالَتْ ذَلِكَ فِي جَوَابِ قَوْلِهِ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَكِ وَذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ أَصْلًا وَلَا عَلَى نِيَّتِهَا الطَّلَاقَ، خِلَافًا لِمَا فِي النَّهْرِ عَنْ التَّلْخِيصِ، لِأَنَّ مَا فِي التَّلْخِيصِ مِنْ اشْتِرَاطِ نِيَّتِهَا إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ الِابْتِدَاءِ لَا فِي مَسْأَلَةِ الْجَوَابِ لِأَنَّ قَوْلَهَا أَبَنْتُ نَفْسِي فِي جَوَابِ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى النِّيَّةِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْوَاقِعَ هُنَا رَجْعِيٌّ وَفِي مَسْأَلَةِ الِابْتِدَاءِ بَائِنٌ، وَرَأَيْتُ ط نَبَّهَ عَلَى بَعْضِ مَا قُلْنَا وَكَذَا الرَّحْمَتِيُّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ طَلَّقْت وَأَمَّا عِلَّةُ كَوْنِهَا رَجْعِيَّةً فَتَقَدَّمَتْ (قَوْلُهُ وَلَا كِنَايَةٍ) أَيْ لَيْسَ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ بَلْ هُوَ كِنَايَةُ تَفْوِيضٍ: وَإِنَّمَا عُرِفَ جَوَابًا بِلَفْظِ اخْتَارِي بِالْإِجْمَاعِ وَأَلْحَقَ الْأَمْرَ بِالْيَدِ، بِخِلَافِ طَلِّقِي فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ الِاخْتِيَارُ جَوَابًا. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَأَفَادَ بِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْجَوَابِ أَنَّ الْأَمْرَ يَخْرُجُ مِنْ يَدِهَا لِاشْتِغَالِهَا بِمَا لَا يَعْنِيهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَدَلَّ اقْتِصَارُهُ عَلَى نَفْيِ الِاخْتِيَارِ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ مِنْ الزَّوْجِ يَصْلُحُ جَوَابًا لِطَلِّقِي نَفْسَكِ كَجَوَابِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِأَنْوَاعِهِ الثَّلَاثِ) أَيْ بِالتَّخْيِيرِ وَالْأَمْرُ بِالْيَدِ وَالْمَشِيئَةِ (قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْلِيقِ) أَوْ لِكَوْنِهِ تَمْلِيكًا يَتِمُّ بِالْمُمَلِّكِ وَحْدَهُ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا عَلَّلَ فِي الْفَتْحِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي التَّفْوِيضِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ) أَيْ وَإِنْ صَرَّحَ بِلَفْظِ الْوِكَالَةِ كَمَا إذَا قَالَ وَكَّلْتُكِ فِي طَلَاقِك كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ: أَيْ لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا وَالْوَكِيلُ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَعْلِيقِ التَّطْلِيقِ أَوْ الطَّلَاقِ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ أَيْ تَقْيِيدِهِ بِالْمَجْلِسِ لِمَا فِي الْمُحِيطِ: إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَكِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَشِيئَةً فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَشِيئَةِ إلَّا فِي خَصْلَةٍ، وَهِيَ أَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ صَحِيحَةٌ فِي طَلِّقِي دُونَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَشَأْ فِي الْمَجْلِسِ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَنَحْوَهُ إلَخْ) كَإِذَا شِئْتِ أَوْ إذَا مَا شِئْت أَوْ حِينَ شِئْت فَإِنَّ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لِعُمُومِ الْأَوْقَاتِ، فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ: فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْتِ، وَكُلَّمَا كَمَتَى مَعَ إفَادَةِ التَّكْرَارِ إلَى الثَّلَاثِ، بِخِلَافِ إنْ وَكَيْفَ وَحَيْثُ وَكَمْ وَأَيْنَ وَأَيْنَمَا فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ، وَالْإِرَادَةُ وَالرِّضَا وَالْمَحَبَّةُ كَالْمَشِيئَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِشَيْءٍ آخَرَ مِنْ أَفْعَالِهَا كَالْأَكْلِ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ نَهْرٌ فِي الْجَمِيعِ بَحْرٌ فَتَأَمَّلْهُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ الْمَشِيئَةَ سَوَاءٌ أَتَى بِلَفْظٍ يُوجِبُ الْعُمُومَ أَوْ لَا إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِلَا قَصْدٍ غَلَطًا لَا يَقَعُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرْهَا حَيْثُ يَقَعُ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدَّمْنَا مَا يُوجِبُ حَمْلَ مَا أَطْلَقَ مِنْ كَلَامِهِمْ مِنْ الْوُقُوعِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ غَلَطًا عَلَى الْوُقُوعِ قَضَاءً لَا دِيَانَةً نَهْرٌ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ لِرَجُلٍ ذَلِكَ) اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فَلَهُ الرُّجُوعُ إلَّا إذَا زَادَ وَكُلَّمَا عَزَلْتُكَ فَأَنْتَ وَكِيلٌ (إلَّا إذَا زَادَ إنْ شِئْتَ) فَيَتَقَيَّدُ بِهِ (وَلَا يَرْجِعُ) لِصَيْرُورَتِهِ تَمْلِيكًا فِي الْخَانِيَّةِ. طَلَّقَهَا إنْ شَاءَتْ لَمْ يَصِرْ وَكِيلًا مَا لَمْ تَشَأْ، فَإِنْ شَاءَتْ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهَا طَلَّقَهَا فِي مَجْلِسِهِ لَا غَيْرُ وَالْوُكَلَاءُ عَنْهُ غَافِلُونَ. (قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا) أَوْ اثْنَتَيْنِ (وَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً وَقَعَتْ) لِأَنَّهَا بَعْضُ مَا فَوَّضَهُ،   [رد المحتار] إلَى الْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ: أَيْ قَالَ لَهُ طَلِّقْ امْرَأَتِي، قَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ أَمْرُ امْرَأَتِي بِيَدِكَ فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا جَعَلْت إلَيْك طَلَاقًا فَطَلِّقْهَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَكُونُ رَجْعِيًّا بَحْرٌ، وَأَرَادَ بِالرَّجُلِ الْعَاقِلَ احْتِرَازًا عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي صِحَّةِ التَّوْكِيلِ مِنْ عَقْلِ الْوَكِيلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ الْوِكَالَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فِي ضِمْنِهِ تَعْلِيقٌ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ قَالَ لَكِ الْمَجْنُونُ أَنْتِ طَالِقٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ التَّمْلِيكُ التَّوْكِيلَ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ التَّفْوِيضِ، لَكِنْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: التَّوْكِيلُ بِالطَّلَاقِ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِلَفْظِ (وَكِيلٍ، وَلِذَا يَقَعُ مِنْهُ حَالَ سُكْرِهِ اهـ) إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا لَا يُنَافِي اشْتِرَاطَ الْعَقْلِ لِصِحَّةِ التَّوْكِيلِ ابْتِدَاءً، لَكِنَّ مُقْتَضَى التَّعْلِيقِ بِلَفْظِ الْوَكِيلِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ عَقْلِهِ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ بِالتَّطْلِيقِ، وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّمْلِيكِ وَالتَّوْكِيلِ فِي ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا زَادَ وَكُلَّمَا عَزَلْتُكَ) إلَخْ أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ وَيَصِيرُ لَازِمًا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا نَهْرٌ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ عَزْلُهُ لِأَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الرُّجُوعِ، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمْلِكُ عَزْلَهُ، وَفِي طَرِيقَتِهِ أَقْوَالٌ. قَالَ السَّرَخْسِيُّ: يَقُولُ عَزَلْتُكَ عَنْ جَمِيعِ الْوِكَالَاتِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْمُعَلَّقِ وَالْمُنَجَّزِ، وَقِيلَ يَقُولُ عَزَلْتُكَ كَمَا وَكَّلْتُكَ، وَقِيلَ يَقُولُ رَجَعْتُ عَنْ الْوِكَالَاتِ الْمُعَلَّقَةِ وَعَزَلْتُكَ عَنْ الْوِكَالَةِ الْمُطْلَقَةِ (قَوْلُهُ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ إلَخْ) لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ وَالْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ هِدَايَةٌ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ شِئْتَ لَا يَقَعُ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَمَرَهُ بِتَطْلِيقِهَا إنْ شَاءَ وَلَمْ يُوجَدْ التَّطْلِيقُ بِقَوْلِهِ شِئْت، وَلَوْ قَالَ هِيَ طَالِقٌ إنْ شِئْتَ فَقَالَ شِئْتُ وَقَعَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ مَشِيئَتُهُ، وَلَوْ قَالَ طَلِّقْهَا فَقَالَ فَعَلْتُ وَقَعَ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ قَوْلِهِ طَلَّقْت بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. وَفِيهِ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ: لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ ثَلَاثًا إنْ نَوَى الزَّوْجُ الثَّلَاثَ وَقَعْنَ وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَهُ وَقَالَا تَقَعُ وَاحِدَةٌ (قَوْلُهُ طَلَّقَهَا فِي مَجْلِسِهِ لَا غَيْرُ) فَلَوْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ بَطَلَ التَّوْكِيلُ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوِكَالَةِ بِالطَّلَاقِ بِنَاءً عَلَى مَا فَوَّضَ إلَيْهَا مِنْ الْمَشِيئَةِ وَمَشِيئَتُهَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَكَذَا الْوِكَالَةُ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يُحْفَظَ هَذَا فَإِنَّهُ مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى، فَإِنَّ الْوُكَلَاءَ يُؤَخِّرُونَ الْإِيقَاعَ عَنْ مَشِيئَتِهَا وَلَا يَدْرُونَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ، وَهَذَا مِمَّا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالْمَجْلِسِ نَهْرٌ وَهَذَا مِمَّا يُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ وِكَالَةٌ تَقَيَّدَتْ بِمَجْلِسِ الْوَكِيلِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً) قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ وَلَوْ قَالَ: وَطَلَّقَتْ أَقَلَّ وَقَعَ مَا أَوْقَعَتْهُ، لَكَانَ أَوْلَى وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا لَوْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يَقَعُ بِالْأَوْلَى وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً أَوْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَعَتْ) أَيْ رَجْعِيَّةً لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا) أَيْ الْوَاحِدَةَ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: لِأَنَّهَا لَمَّا مَلَكَتْ إيقَاعَ الثَّلَاثِ كَانَ لَهَا أَنْ تُوقِعَ مِنْهَا مَا شَاءَتْ كَالزَّوْجِ نَفْسِهِ اهـ قَالَ الرَّمْلِيُّ: مُقْتَضَاهُ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَنَوَى ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ ثِنْتَيْنِ تَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ أَيْضًا إيقَاعَ الثَّلَاثِ فَكَانَ لَهَا أَنْ تُوقِعَ مِنْهَا مَا شَاءَتْ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ فِيهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ إيقَاعِهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 وَكَذَا الْوَكِيلُ مَا لَمْ يَقُلْ بِأَلْفٍ (لَا) يَقَعُ شَيْءٌ (فِي عَكْسِهِ) وَقَالَا وَاحِدَةً طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً (وَ) كَذَا (عَكْسُهُ لَا) يَقَعُ فِيهِمَا لِاشْتِرَاطِ الْمُوَافَقَةِ لَفْظًا لِمَا فِي تَعْلِيقِ الْخَانِيَّةِ أَمَرَهَا بِعَشْرٍ فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا أَوْ بِوَاحِدَةٍ فَطَلَّقَتْ نِصْفًا لَمْ يَقَعْ. (أَمَرَهَا بِبَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ فَعَكَسَتْ فِي الْجَوَابِ وَقَعَ مَا أَمَرَ) الزَّوْجُ (بِهِ) وَيَلْغُو وَصْفُهَا،   [رد المحتار] الثَّلَاثَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ أَوْ مُتَفَرِّقَةً، فَإِنَّا عِنْدَ التَّفْرِيقِ قَدْ حَكَمْنَا بِوُقُوعِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ الثَّالِثَةِ، فَلَوْ اقْتَصَرْنَا عَلَى الثَّانِيَةِ تَقَعُ الثِّنْتَانِ فَلَوْ لَمْ تَمْلِكْ الثِّنْتَيْنِ لَمَا جَازَ التَّفْوِيضُ تَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا الْوَكِيلُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفَرَّقَ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ التَّمْلِيكِ وَالتَّوْكِيلِ، فَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ، فَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً بِكُلِّ الْأَلِفِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ اهـ أَيْ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ وَإِنْ كَانَتْ بَعْضَ مَا فَوَّضَ إلَيْهِ لَكِنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَرْضَ بِالطَّلَاقِ إلَّا بِعِوَضٍ مَخْصُوصٍ فَلَا يَصِحُّ بِدُونِهِ (قَوْلُهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي عَكْسِهِ) أَيْ فِيمَا إذَا أَمَرَهَا بِالْوَاحِدَةِ فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ، أَمَّا لَوْ قَالَتْ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ اتِّفَاقًا لِامْتِثَالِهَا بِالْأُولَى وَيَلْغُو مَا بَعْدَهُ. وَكَذَا لَوْ قَالَ أَمْرُكِ بِيَدِكِ يَنْوِي وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا نَفْسَهَا ثَلَاثًا. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: تَقَعُ وَاحِدَةٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْعَدَدِ لَفْظًا وَاللَّفْظُ صَالِحٌ لِلْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَقَالَا وَاحِدَةً) أَيْ تَقَعُ وَاحِدَةٌ (قَوْلُهُ طَلِّقِي نَفْسَكِ إلَخْ) لَا فَرْقَ فِي الْمُعَلَّقِ بِالْمَشِيئَةِ بَيْنَ كَوْنِهِ أَمْرًا بِالتَّطْلِيقِ أَوْ نَفْسَ الطَّلَاقِ، حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شِئْتِ أَوْ وَاحِدَةً إنْ شِئْتِ فَخَالَفَتْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا عَكْسُهُ) بِأَنْ يَقُولَ طَلِّقِي نَفْسَكِ وَاحِدَةً إنْ شِئْتِ فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا يَقَعُ فِيهِمَا) بِلَا خِلَافٍ فِي الْأُولَى لِأَنَّ تَفْوِيضَ الثَّلَاثِ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ هُوَ مَشِيئَتُهَا إيَّاهَا لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ شِئْتِ الثَّلَاثَ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ لِأَنَّهَا لَمْ تَشَأْ إلَّا وَاحِدَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُقَيِّدْ بِالْمَشِيئَةِ، وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ مَا لَوْ قَالَتْ شِئْتُ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً مُنْفَصِلًا بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ بِالسُّكُوتِ لِأَنَّهُ فَاصِلٌ فَلَمْ تُوجَدْ مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ، بِخِلَافِ الْمُتَّصِلَةِ بِلَا سُكُوتٍ لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ قَدْ وُجِدَتْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْكُلِّ وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَدْخُولَةِ وَغَيْرِهَا وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَعَدَمُ الْوُقُوعِ فِيهَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا تَقَعُ وَاحِدَةٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِاشْتِرَاطِ الْمُوَافَقَةِ لَفْظًا) إنَّمَا تُشْتَرَطُ الْمُوَافَقَةُ لَفْظًا فِيمَا هُوَ أَصْلٌ لَا فِيمَا هُوَ تَبَعٌ وَهُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ بِالْعَدَدِ عِنْدَ ذِكْرِهِ بِالْوَصْفِ، فَإِذَا أَمَرَهَا بِثَلَاثٍ أَوْ بِالْوَاحِدَةِ فَعَكَسَتْ تَكُونُ قَدْ خَالَفَتْ فِي الْأَصْلِ الَّذِي بِهِ الْإِيقَاعُ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَبَنْتُ نَفْسِي فَإِنَّهَا تَطْلُقُ لِأَنَّهَا خَالَفَتْ فِي الْوَصْفِ فَقَطْ فَيَلْغُو وَيَقَعُ الرَّجْعِيُّ كَمَا مَرَّ. لَكِنَّ هَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُعَلَّقِ بِالْمَشِيئَةِ وَغَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي غَيْرِ الْمُعَلَّقِ بِهَا كَطَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا وَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً أَنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ اشْتِرَاطَ الْمُوَافَقَةِ لَفْظًا خَاصٌّ بِالْمُعَلَّقِ بِالْمَشِيئَةِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا لِلْإِتْيَانِ بِصُورَةِ اللَّفْظِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ قَرِيبًا عَنْ الْخَانِيَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِمَا فِي تَعْلِيقِ الْخَانِيَّةِ) عِبَارَتُهُ عَلَى مَا فِي الْبَحْرِ: طَلِّقِي نَفْسَكِ عَشْرًا إنْ شِئْتِ فَقَالَتْ طَلَّقْتُ نَفْسِي ثَلَاثًا لَا يَقَعُ ثُمَّ قَالَ: لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شِئْتِ فَقَالَتْ شِئْتُ نِصْفَ وَاحِدَةٍ لَا تَطْلُقُ اهـ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الشَّارِحَ أَسْقَطَ قَيْدَ الْمَشِيئَةِ وَوَجْهُ عَدَمِ الْوُقُوعِ الْمُخَالَفَةُ فِي اللَّفْظِ وَإِنْ وَافَقَ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ الْعَشَرَةَ لَا يَقَعُ مِنْهَا إلَّا ثَلَاثَةٌ وَالنِّصْفُ يَقَعُ وَاحِدَةً (قَوْلُهُ أَمَرَهَا بِبَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ إلَخْ) بِأَنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك بَائِنَةً فَقَالَتْ طَلَّقْتُ نَفْسِي رَجْعِيَّةً، أَوْ قَالَ لَهَا رَجْعِيَّةً فَقَالَتْ طَلَّقَتْ نَفْسِي بَائِنَةً. وَشَمِلَ مَا إذَا قَالَتْ أَبَنْتُ نَفْسِي لِأَنَّهُ رَاجِعٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَاضِي خَانْ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ فَقَالَ: رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ طَلِّقْ امْرَأَتِي رَجْعِيَّةً فَقَالَ لَهَا الْوَكِيلُ طَلَّقْتُكِ بَائِنَةً تَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَلَوْ قَالَ الْوَكِيلُ أَبَنْتُهَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ اهـ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمَأْمُورَةِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالطَّلَاقِ لَا يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي الْوَصْفِ لَا تُبْطِلُ الْجَوَابَ بِخِلَافِ الْأَصْلِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهَا، فَإِنْ عَلَّقَهُ فَعَكَسَتْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِأَنَّهَا مَا أَتَتْ بِمَشِيئَةِ مَا فُوِّضَ إلَيْهَا خَانِيَّةٌ بَحْرٌ، (قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ فَقَالَتْ شِئْتُ إنْ شِئْتَ أَنْتِ، فَقَالَ: شِئْتُ يَنْوِي الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ شِئْتُ إنْ كَانَ كَذَا لِمَعْدُومٍ) أَيْ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ كَإِنْ شَاءَ أَبِي أَوْ إنْ جَاءَ اللَّيْلُ وَهِيَ فِي النَّهَارِ (بَطَلَ) الْأَمْرُ لِفَقْدِ الشَّرْطِ. (وَإِنْ قَالَتْ شِئْتُ إنْ كَانَ الْأَمْرُ قَدْ مَضَى) أَرَادَ بِالْمَاضِي الْمُحَقَّقَ وُجُودُهُ كَإِنْ كَانَ أَبِي فِي الدَّارِ وَهُوَ فِيهَا، أَوْ إنْ كَانَ هَذَا لَيْلًا وَهِيَ فِيهِ مَثَلًا (طَلُقَتْ) لِأَنَّهُ تَنْجِيزٌ (قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى شِئْت أَوْ مَتَى مَا شِئْت أَوْ إذَا شِئْت   [رد المحتار] لِأَنَّهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى نِيَّتِهِ وَقَدْ أَمَرَهُ بِطَلَاقٍ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ فَكَانَ مُخَالِفًا فِي الْأَصْلِ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ بِكُلِّ لَفْظٍ يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِهِ صَرِيحًا كَانَ أَوْ كِنَايَةً لَكِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ النَّقْلِ بِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِالْكِنَايَةِ بَحْرٌ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْوَكِيلَ يَكُونُ مُخَالِفًا بِإِيقَاعِهِ بِالْكِنَايَةِ. هَذَا وَقَيَّدَ الشِّهَابُ الشَّلَبِيُّ كَلَامَ الْمَتْنِ بِمَا إذَا قَالَتْ طَلَّقْتُ نَفْسِي بَائِنَةً بِخِلَافِ أَبَنْتُ نَفْسِي فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَقَالَ: فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ فَإِنَّك لَا تَجِدُهُ فِي شَرْحٍ مِنْ الشُّرُوحِ، وَنَقَلَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَأَقَرَّهُ. قُلْت: لَكِنَّ الشَّلَبِيَّ قَيَّدَ بِذَلِكَ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ قَاضِي خَانْ فِي الْوَكِيلِ وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَفِيهِ مَا عَلِمْتَ مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْفَصْلِ أَنَّهَا تَطْلُقُ بِقَوْلِهَا أَبَنْت نَفْسِي فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ إنْ كَانَتْ فِي الْوَصْفِ لَا تُبْطِلُ الْجَوَابَ بَلْ يَبْطُلُ الْوَصْفُ الَّذِي بِهِ الْمُخَالَفَةُ وَيَقَعُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَوَّضَ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي الْأَصْلِ حَيْثُ يَبْطُلُ كَمَا إذَا فَوَّضَ وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ فَوَّضَ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ أَلْفًا (قَوْلُهُ خَانِيَّةٌ بَحْرٌ) أَيْ نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَبَحْرٌ بِالْوَاوِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ أَيْضًا، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ مَجْمُوعِ الْكِتَابَيْنِ، فَإِنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ ذَكَرَ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ وَاحِدَةً بَائِنَةً إنْ شِئْتِ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا رَجْعِيَّةً، أَوْ قَالَ وَاحِدَةً أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ إنْ شِئْتُ فَطَلَّقَتْ بَائِنَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا مَا أَتَتْ بِمَشِيئَةِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا فَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ فِي الْبَحْرِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَفْرُوضٌ فِي غَيْرِ الْمُعَلَّقِ بِالْمَشِيئَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَيْ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ) لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ لِمَعْدُومٍ صَادِقًا عَلَى مَا مَضَى وَانْقَطَعَ مَعَ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِهِ تَنْجِيزٌ خَصَّصَهُ بِقَوْلِهِ أَيْ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ ح، وَإِنَّمَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي مُقَابِلِهِ (قَوْلُهُ كَإِنْ شَاءَ إلَخْ) مَثَّلَ بِمِثَالَيْنِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْدُومُ مُحَقَّقَ الْمَجِيءِ أَوْ مُحْتَمِلَهُ ح (قَوْلُهُ بَطَلَ الْأَمْرُ إلَخْ) أَيْ حَالَ الطَّلَاقِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَتِهَا الْمُنَجَّزَةِ وَهِيَ أَنْتِ بِالْمُعَلَّقَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، قَيَّدَ بِقَوْلِهِ شِئْت مُقْتَصِرَةً عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ شِئْتُ طَلَاقِي إلَخْ وَقَعَ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَذْكُرْ الطَّلَاقَ لَا تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ بِلَا لَفْظٍ صَالِحٍ لِلْإِيقَاعِ. وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ شِئْتُ طَلَاقَكِ وَقَعَ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ لِأَنَّهَا مِنْ الشَّيْءِ وَهُوَ الْمَوْجُودُ بِخِلَافِ أَرَدْتُ طَلَاقَكِ لِأَنَّهُ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ، فَقَدْ فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ فِي صِفَاتِ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَا مُتَرَادِفَيْنِ فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى كَمَا هُوَ اللُّغَةُ فِيهِمَا، وَأَحْبَبْتُ وَرَضِيتُ مِثْلُ أَرَدْتُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَتْ) أَيْ فِي الْمَجْلِسِ (قَوْلُهُ أَرَادَ بِالْمَاضِي الْمُحَقَّقَ وُجُودُهُ) أَيْ سَوَاءٌ وُجِدَ وَانْقَضَى، مِثْلُ إنْ كَانَ فُلَانٌ قَدْ جَاءَ وَقَدْ جَاءَ أَوْ كَانَ حَاضِرًا كَمَا مَثَّلَ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ مَثَلًا) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ لَيْلًا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَنْجِيزٌ) أَيْ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِكَائِنٍ تَنْجِيزٌ، وَلِذَا صَحَّ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِكَائِنٍ، وَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ هُوَ كَافِرٌ إنْ كُنْتُ كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ مَعَ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 أَوْ إذَا مَا شِئْت فَرَدَّتْ الْأَمْرَ لَا يَرْتَدُّ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَلَا تُطَلِّقُ) نَفْسَهَا (إلَّا وَاحِدَةً) لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَزْمَانَ لَا الْأَفْعَالَ فَتَمْلِكُ التَّطْلِيقَ فِي كُلِّ زَمَانٍ لَا تَطْلِيقَ بَعْدَ تَطْلِيقٍ (وَلَهَا تَفْرِيقُ الثَّلَاثِ فِي كُلَّمَا شِئْت وَلَا تَجْمَعُ) وَلَا تُثَنِّي   [رد المحتار] لِأَنَّ الْكُفْرَ يَبْتَنِي عَلَى تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ وَتَبَدُّلُهُ غَيْرُ وَاقِعٍ مَعَ ذَلِكَ الْفِعْلِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَرَدَّتْ الْأَمْرَ) بِأَنْ قَالَتْ لَا أَشَاءُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لَا يَرْتَدُّ) فَلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تَشَاءَ لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهَا فِي الْحَالِ شَيْئًا بَلْ أَضَافَهُ إلَى وَقْتِ مَشِيئَتِهَا فَلَا يَكُونُ تَمْلِيكًا قَبْلَهُ فَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَيْسَ تَمْلِيكًا فِي حَالٍ أَصْلًا بَلْ هُوَ تَعْلِيقٌ لِلطَّلَاقِ عَلَى مَشِيئَتِهَا وَقَوْلُهَا طَلَّقْت إيجَادٌ لِلشَّرْطِ الَّذِي هُوَ مَشِيئَتُهَا، وَلَيْسَ الْوَاقِعُ إلَّا طَلَاقَهُ الْمُعَلَّقَ، نَعَمْ هَذَا صَحِيحٌ فِي قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَكِ إنْ شِئْتِ فَتْحٌ وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى التَّعْلِيقِ وَهُوَ لَازِمٌ لَا يَقْبَلُ الْإِبْطَالَ وَمَعْنَى التَّمْلِيكِ. لِأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَهِيَ عَامِلَةٌ فِي التَّطْلِيقِ لِنَفْسِهَا وَالْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ، وَجَوَابُ التَّمْلِيكِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَفِي الْجَامِعِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ أَوْ أَحْبَبْتِ أَوْ هَوَيْتِ لَيْسَ بِيَمِينٍ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مَعْنًى تَعْلِيقٌ صُورَةً، وَلِهَذَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى دُونَ الصُّورَةِ اهـ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَحْلِفُ اهـ. أَقُولُ: وَقَوْلُهُ وَجَوَابُ التَّمْلِيكِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ خَاصٌّ بِمَا إذَا عَلَّقَ بِأَدَاةٍ لَا تُفِيدُ عُمُومَ الْوَقْتِ كَإِنْ وَكَيْفَ وَحَيْثُ وَكَمْ وَأَيْنَ بِخِلَافِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ هُنَا وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَوَّلَ الْفَصْلِ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ) أَمَّا فِي كَلِمَةِ مَتَى وَمَتَى مَا فَلِأَنَّهَا لِلتَّوْقِيتِ وَهِيَ عَامَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا، كَأَنَّهُ قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْتِ وَأَمَّا إذَا وَإِذَا فَكَمَتَى عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ، فَكَمَا تُسْتَعْمَلُ لَهُ تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ لَكِنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِيَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ بِالشَّكِّ، نَعَمْ لَوْ قَالَ أَرَدْتُ مُجَرَّدَ الشَّرْطِ لَنَا أَنْ نَقُولَ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَيَحْلِفُ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ نَهْرٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَزْمَانَ) تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ التَّقْيِيدِ بِالْمَجْلِسِ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ لَا الْأَفْعَالَ، عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَلَا تُطَلِّقُ إلَّا وَاحِدَةً ط. (قَوْلُهُ لَا تَطْلِيقًا) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى التَّطْلِيقِ، وَفِي أَكْثَرِ النُّسَخِ لَا تَطْلِيقَ وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ بِجَعْلِ لَا نَافِيَةً لِلْجِنْسِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ، وَالتَّقْدِيرُ: لَا تَطْلِيقَ بَعْدَ تَطْلِيقِ مَمْلُوكٍ لَهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَا تَجْمَعُ وَلَا تُثَنِّي) عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ: فَلَا تَمْلِكُ الْإِيقَاعَ جُمْلَةً وَجَمْعًا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: قِيلَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَقِيلَ الْجُمْلَةُ أَنْ تَقُولَ طَلَّقْتُ نَفْسِي ثَلَاثًا، وَالْجَمْعُ أَنْ تَقُولَ طَلَّقْتُ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ اهـ يَعْنِي فِي تَفْسِيرِ الْجَمْعِ، فَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى مَا فِي الدِّرَايَةِ حَيْثُ فَسَّرَ الْجَمْعَ بِأَنْ تَقُولَ طَلَّقْتُ وَطَلَّقْتُ وَطَلَّقْتُ قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، يَعْنِي كَوْنَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَذَا فِي النَّهْرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْجُمْلَةِ الثِّنْتَانِ وَبِالْجَمْعِ الثَّلَاثُ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ وَلَا تَجْمَعُ وَلَا تُثَنِّي إشَارَةً إلَى ذَلِكَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا فِي الدِّرَايَةِ مِنْ تَفْسِيرِ الْجَمْعِ، بِأَنْ تَقُولَ طَلَّقْتُ وَطَلَّقْتُ وَطَلَّقْتُ وَأَنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ، يُفِيدُ أَنَّ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ مَا فِي الْعِنَايَةِ أَيْضًا حَيْثُ فَسَّرَهُ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَوَاحِدَةٍ وَوَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ جَمْعٌ لِاتِّحَادِ الْعَامِلِ، بِخِلَافِ مَا فِي الدِّرَايَةِ فَإِنَّهُ تَفْرِيقٌ لَا جَمْعٌ لِتَكْرَارِ الْفِعْلِ. وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ قَوْلِهِ تُطَلِّقُ ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً أَيْ فِي ثَلَاثَةِ مَجَالِسَ، فَلَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا فِي كُلِّ مَجْلِسٍ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ كُلَّمَا لِعُمُومِ الْأَفْرَادِ فَلَا تُطَلِّقُ ثَلَاثًا مُجْتَمَعَةً اهـ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْأَصَحِّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ عَلَى الْمُجْتَمِعَةِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فَلَا تُطَلِّقُ ثَلَاثَةً مُجْتَمِعَةً تَأَمَّلْ. وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَمْرُكِ بِيَدِكِ كُلَّمَا شِئْتِ فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا كُلَّمَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ حَتَّى تَبِينَ بِثَلَاثٍ إلَّا أَنَّهَا لَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا فِي دُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 لِأَنَّهَا لِعُمُومِ الْإِفْرَادِ. (وَلَوْ طَلُقَتْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَا يَقَعُ) إنْ كَانَتْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً وَإِلَّا فَلَهَا تَفْرِيقُهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْهَدْمِ الْآتِيَةِ (أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ شِئْتِ أَوْ أَيْنَ شِئْتِ لَا تَطْلُقُ إلَّا إذَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ، وَإِنْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا قَبْلَ مَشِيئَتِهَا لَا) مَشِيئَةَ لَهَا   [رد المحتار] فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَمْرُكِ بِيَدِكِ، لَكِنْ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ: وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا: مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْتِ قَالَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَإِنْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا وَأَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ حَتَّى تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا إلَخْ. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلَّمَا لِتَعْمِيمِ الْفِعْلِ فَلَهَا مَشِيئَةٌ بِهِ إلَى أَنْ تَسْتَوْفِيَ الثَّلَاثَ فَإِذَا قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ بَطَلَتْ مَشِيئَتُهَا الْمَمْلُوكَةُ لَهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ بِوُجُودِ دَلِيلِ الْإِعْرَاضِ وَلَكِنْ لَهَا مَشِيئَةٌ أُخْرَى بِحُكْمِ كُلَّمَا اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ لَهَا تَفْرِيقَ الثَّلَاثِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ اهـ وَأَصْرَحُ مِنْهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْتِ فَلَهَا ذَلِكَ أَبَدًا كُلَّمَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ حَتَّى تُطَلِّقَ ثَلَاثًا اهـ فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَلَوْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا أَوْ ثِنْتَيْنِ وَقَعَ عِنْدَهُمَا وَاحِدَةٌ وَعِنْدَهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: كُلَّمَا شِئْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَقَالَتْ شِئْتُ وَاحِدَةً فَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ كُلَّمَا شِئْتِ الثَّلَاثَ اهـ. قُلْتُ: فَأَفَادَ أَنَّ تَفْرِيقَ الثَّلَاثِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْعَدَدِ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: كُلَّمَا شِئْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَشَاءَتْ وَاحِدَةً فَذَلِكَ بَاطِلٌ، وَكَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَشَاءَتْ ثَلَاثًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَقُلْ ثَلَاثًا فَشَاءَتْ ثَلَاثًا اهـ أَيْ جُمْلَةً، فَلَوْ مُتَفَرِّقَةً وَلَوْ فِي مَجْلِسٍ جَازَ كَمَا عَلِمْتَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لِعُمُومِ الْإِفْرَادِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ الِانْفِرَادِ، كَذَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَنَارِ، وَكَذَا ضَبَطَهُ ح وَقَالَ هُوَ مَصْدَرٌ فَيُوَافِقُ تَعْبِيرَهُ بِالِانْفِرَادِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْعَيْنِيِّ: لِأَنَّ كُلَّمَا تَعُمُّ الْأَوْقَاتِ وَالْأَفْعَالَ عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ فَيَقْتَضِي إيقَاعُ الْوَاحِدَةِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى إلَّا أَنَّ الْيَمِينَ تُصْرَفُ إلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَقَعُ) لِأَنَّ التَّعْلِيقَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ وَهُوَ الثَّلَاثُ، فَبِاسْتِغْرَاقِهِ يَنْتَهِي التَّفْوِيضُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُطَلِّقْ نَفْسَهَا أَصْلًا أَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ أَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً فَقَطْ أَوْ ثِنْتَيْنِ فِي مَجْلِسٍ ح. مَطْلَبٌ فِي مَسْأَلَةِ الْهَدْمِ (قَوْلُهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْهَدْمِ الْآتِيَةِ) أَيْ فِي آخِرِ بَابِ الرَّجْعَةِ، وَهِيَ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَمَا يَهْدِمُ الثَّلَاثَ، فَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ عَادَتْ إلَيْهِ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ فَيَمْلِكُ عَلَيْهَا ثَلَاثَ طَلَقَاتٍ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنَّمَا يَهْدِمُ الثَّانِي الثَّلَاثَ فَقَطْ لَا مَا دُونَهَا، فَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ عَادَتْ إلَيْهِ بِمَا بَقِيَ وَهُوَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الْعَوْدِ طَلْقَةً وَاحِدَةً لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ حُرْمَةً غَلِيظَةً عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ تَحْرُمُ؛ وَكَذَا إذَا قَالَ: كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْهَا مَرَّتَيْنِ وَوَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ؛ فَعِنْدَهُمَا تَطْلُقُ كُلَّمَا دَخَلَتْ الدَّارَ إلَى أَنْ تَبِينَ بِثَلَاثِ طَلَقَاتٍ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَتَعْلِيقُ الثَّلَاثِ يُبْطِلُ تَنْجِيزَهُ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ هُنَا: قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 لِأَنَّهُمَا لِلْمَكَانِ وَلَا تَعَلُّقَ لِلطَّلَاقِ بِهِ فَجُعِلَا مَجَازًا عَنْ إنْ لِأَنَّهَا أُمُّ الْبَابِ. (وَفِي كَيْفَ شِئْتِ يَقَعُ) فِي الْحَالِ (رَجْعِيَّةً، فَإِنْ شَاءَتْ بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا وَقَعَ) مَا شَاءَتْهُ (مَعَ نِيَّتِهِ) وَإِلَّا فَرَجْعِيَّةٌ لَوْ مَوْطُوءَةً وَإِلَّا بَانَتْ وَبَطَلَ الْأَمْرُ، وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَالْعَيْنِيِّ قَبْلَ الدُّخُولِ صَوَابُهُ بَعْدَهُ فَتَنَبَّهْ.   [رد المحتار] لِأَنَّهَا لَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَلَهَا أَنْ تُفَرِّقَ الثَّلَاثَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْهَدْمِ الْآتِيَةِ اهـ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا بَعْدَ الْعَوْدِ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُطَلِّقُ مَا بَقِيَ فَقَطْ، فَتَفْرِيقُ الثَّلَاثِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَافْهَمْ، نَعَمْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ الْمَارِّ بِأَنَّ التَّعْلِيقَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ وَهُوَ الثَّلَاثُ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا أَصْلًا عِنْدَهُمَا لِأَنَّهَا عَادَتْ إلَيْهِ بِمِلْكٍ حَادِثٍ، وَطَلَقَاتُ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ هَدَمَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي. وَلَا إشْكَالَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً فَقَطْ لِأَنَّهَا الْبَاقِيَةُ لِكَوْنِ الزَّوْجِ الثَّانِي لَمْ يَهْدِمْ مَا دُونَ الثَّلَاثِ عِنْدَهُ ثُمَّ رَأَيْت الْمُحَقِّقَ فِي الْفَتْحِ أَفَادَ الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الْمُعَلَّقَ طَلَقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ الثَّلَاثُ مُقَيَّدٌ بِمَا دَامَ مَالِكًا لَهَا فَإِذَا زَالَ مِلْكُهُ لِبَعْضِهَا صَارَ الْمُعَلَّقُ ثَلَاثًا مُطْلَقَةً (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا لِلْمَكَانِ) فَحَيْثُ ظَرْفُ مَكَان مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ وَأَيْنَ ظَرْفُ مَكَان يَكُونُ اسْتِفْهَامًا، فَإِذَا قِيلَ أَيْنَ زَيْدٌ لَزِمَ الْجَوَابُ بِتَعْيِينِ مَكَانِهِ وَيَكُونُ شَرْطًا أَيْضًا وَتُزَادُ فِيهِ " مَا " فَيُقَالُ أَيْنَمَا تَقُمْ أُقِمْ بَحْرٌ عَنْ الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ وَلَا تَعَلُّقَ لِلطَّلَاقِ بِهِ) وَلِذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّةَ كَانَ تَنْجِيزًا لِلطَّلَاقِ كَمَا مَرَّ فَتَكُونُ طَالِقًا فِي كُلِّ مَكَان فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الزَّمَانِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَتَعَلَّقُ بِهِ (قَوْلُهُ فَجُعِلَا مَجَازًا عَنْ إنْ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ إيرَادَيْنِ. أَحَدِهِمَا أَنَّهُ إذَا أَلْغَى ذِكْرَ الْمَكَانِ صَارَ أَنْتِ طَالِقٌ شِئْت، وَبِهِ يَقَعُ لِلْحَالِ كَأَنْتِ طَالِقٌ دَخَلْتِ الدَّارَ. ثَانِيهِمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ مَجَازًا عَنْ الشَّرْطِ فَلِمَ حَمَلَ عَلَى إنْ دُونَ مَتَى مِمَّا لَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ جَعَلَ الظَّرْفَ مَجَازًا عَنْ الشَّرْطِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُفِيدُ ضَرْبًا مِنْ التَّأْخِيرِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إلْغَائِهِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى إنْ أَوْلَى لِأَنَّهَا أُمُّ الْبَابِ وَلِأَنَّهَا حَرْفُ الشَّرْطِ وَفِيهِ يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ، أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَيَقَعُ فِي الْحَالِ رَجْعِيَّةٌ إلَخْ) أَيْ تَطْلُقُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ ذَلِكَ شَاءَتْ أَوْ لَا، ثُمَّ إنْ قَالَتْ شِئْتُ بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا وَقَدْ نَوَى الزَّوْجُ ذَلِكَ تَصِيرُ كَذَلِكَ لِلْمُوَافَقَةِ، وَهَذَا عِنْدَهُ. أَمَّا عِنْدَهُمَا فَمَا لَمْ تَشَأْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ فَعِنْدَهُ أَصْلُ الطَّلَاقِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهَا بَلْ صِفَتُهُ وَعِنْدَهُمَا يَتَعَلَّقَانِ مَعًا، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. وَكَتَبْتُ فِي حَاشِيَتِي عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا التَّفْوِيضِ وَعَامَّةِ التَّفْوِيضَاتِ حَيْثُ لَمْ تَحْتَجْ إلَى نِيَّةِ الزَّوْجِ أَنَّ الْمُفَوَّضَ هَاهُنَا حَالَ الطَّلَاقِ وَهُوَ مُتَنَوِّعٌ بَيْنَ الْبَيْنُونَةِ وَالْعَدَدِ فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِتَعْيِينِ أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ عَامَّةِ التَّفْوِيضَاتِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَرَجْعِيَّةٌ) صَادِقٌ بِمَا إذَا شَاءَتْ خِلَافَ مَا نَوَى وَبِمَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ لِمَا فِي الْفَتْحِ: وَإِنْ اخْتَلَفَا بِأَنْ شَاءَتْ بَائِنَةً وَالزَّوْجُ ثَلَاثًا أَوْ عَلَى الْقَلْبِ فَهِيَ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّهُ لَغَتْ مَشِيئَتُهَا لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ، فَبَقِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ بِالصَّرِيحِ، وَنِيَّتُهُ لَا تَعْمَلُ فِي جَعْلِهِ بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا وَلَوْ لَمْ تَحْضُرْ الزَّوْجَ نِيَّةٌ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْأَصْلِ، وَيَجِبُ أَنْ تُعْتَبَرَ مَشِيئَتُهَا، حَتَّى لَوْ شَاءَتْ بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا وَلَمْ يَنْوِ الزَّوْجُ يَقَعُ مَا أَوْقَعَتْ بِالِاتِّفَاقِ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ لَوْ مَوْطُوءَةً) قَيَّدَ لِقَوْلِهِ رَجْعِيَّةٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمَهْرِ نَظْمًا أَنَّ الْمُخْتَلَى بِهَا كَالْمَوْطُوءَةِ فِي لُزُومِ الْعِدَّةِ، وَكَذَا فِي وُقُوعِ طَلَاقٍ آخَرَ فِي عِدَّتِهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا طَلُقَتْ طَلْقَةً بَائِنَةً وَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِفَوَاتِ مَحَلِّيَّتِهَا بِعَدَمِ الْعِدَّةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ أَمَّا الْمُخْتَلَى بِهَا فَتَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ كَمَا عَلِمْتَ فَتَطْلُقُ رَجْعِيَّةً وَلَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ) عِبَارَتُهُ: وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَوْضِعَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 (وَفِي كَمْ شِئْتِ أَوْ مَا شِئْتِ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ مَا شَاءَتْ) فِي مَجْلِسِهَا وَلَمْ يَكُنْ بِدْعِيًّا لِلضَّرُورَةِ (وَإِنْ رَدَّتْ) أَوْ أَتَتْ بِمَا يُفِيدُ الْإِعْرَاضَ (ارْتَدَّ) لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ فَجَوَابُهُ كَذَلِكَ. (قَالَ لَهَا طَلِّقِي) نَفْسَك (مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْتِ تَطْلُقُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ، وَمِثْلُهُ اخْتَارِي مِنْ الثَّلَاثِ مَا شِئْتِ) لِأَنَّ مِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ. وَقَالَا: بَيَانِيَّةٌ، فَتَطْلُقُ الثَّلَاثَ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. [فُرُوعٌ] قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ وَإِنْ لَمْ تَشَائِي طَلُقَتْ لِلْحَالِ   [رد المحتار] فِيمَا إذَا قَامَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ، وَفِيمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عِنْدَهُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَالرَّدُّ كَالْقِيَامِ اهـ ح (قَوْلُهُ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ مَا شَاءَتْ) أَيْ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَيَتَعَلَّقُ أَصْلُ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا بِالِاتِّفَاقِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ كَيْفَ شِئْتِ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ كَمْ اسْمٌ لِلْعَدَدِ وَمَا شِئْتِ تَعْمِيمٌ لِلْعَدَدِ وَالْوَاحِدُ عَدَدٌ عَلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ فَكَانَ التَّفْوِيضُ فِي نَفْسِ الْعَدَدِ وَالْوَاقِعُ لَيْسَ إلَّا الْعَدَدَ إذَا ذُكِرَ، فَصَارَ التَّفْوِيضُ فِي نَفْسِ الْوَاقِعِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ مَا لَمْ تَشَأْ فَتْحٌ. [تَنْبِيهٌ] لَمْ يَذْكُرْ اشْتِرَاطَ النِّيَّةِ مِنْ الزَّوْجِ وَشَرَطَهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَنَارِ، وَكَذَا فِي شَرْحِ الْمِرْقَاةِ. وَذَكَرَ فِي الْكَشْفِ أَنَّهُ رَأَى بِخَطِّ شَيْخِهِ. مُعَلَّمًا بِعَلَّامَةِ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّ مُطَابَقَةَ إرَادَةِ الزَّوْجِ شَرْطٌ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْعَدَدِ الْمُبْهَمِ اُحْتِيجَ إلَى النِّيَّةِ وَأَقَرَّهُ فِي التَّقْرِيرِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ الْهِدَايَةِ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَاسْتَظْهَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَنَارِ لِأَنَّهُ لَا اشْتِرَاكَ لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا الْقَدْرُ فَقَطْ وَلَهُ أَفْرَادٌ فَلَا إبْهَامَ، بِخِلَافِهِ فِي كَيْفَ لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا الْحَالُ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ أَيْضًا (قَوْلُهُ فِي مَجْلِسِهَا) لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ بِدْعِيًّا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ مَا شَاءَتْ أَنَّ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَلَا يَكُونُ بِدْعِيًّا إلَّا مَا أَوْقَعَهُ الزَّوْجُ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَوْ فَرَّقَتْ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا. اهـ. قُلْت: وَكَذَا لَوْ كَانَتْ حَائِضًا، وَقَدْ مَرَّ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي أَوَّلِ الطَّلَاقِ. قَالَ ط: وَيُقَالُ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي كَيْفَ شِئْتِ السَّابِقِ إذَا أَوْقَعَتْ ثَلَاثًا مَعَ النِّيَّةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَدَّتْ) بِأَنْ قَالَتْ لَا أُطَلِّقُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِمَا يُفِيدُ الْإِعْرَاضَ) كَالنَّوْمِ وَالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ) احْتِرَازٌ عَنْ إذَا وَمَتَى، يَعْنِي هَذَا تَمْلِيكٌ مُنَجَّزٌ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَاقْتَضَى جَوَابًا فِي الْحَالِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ) لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْبَيَانَ لَكَفَى قَوْلُهُ طَلِّقِي مَا شِئْتِ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ التَّحْرِيرِ ح مَطْلَبٌ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ وَإِنْ لَمْ تَشَائِي (قَوْلُهُ إنْ شِئْتِ وَإِنْ لَمْ تَشَائِي) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا جَعَلَ الْمَشِيئَةَ وَعَدَمَهَا شَرْطًا وَاحِدًا أَوْ الْمَشِيئَةَ وَالْإِبَاءَ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ أَبَدًا لِلتَّعَذُّرِ، كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ وَلَمْ تَشَائِي، أَوْ إنْ شِئْتِ وَأَبَيْتِ، وَإِنْ كَرَّرَ إنْ وَقَدَّمَ الْجَزَاءَ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ وَإِنْ لَمْ تَشَائِي فَشَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ لَمْ تَشَأْ تَطْلُقُ لِأَنَّهُ جَعَلَ كُلًّا مِنْهُمَا شَرْطًا عَلَى حِدَةٍ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ أَوْ لَمْ تَدْخُلِي، وَإِنْ أَخَّرَ الْجَزَاءَ كَإِنْ شِئْتِ وَإِنْ لَمْ تَشَائِي فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ أَبَدًا لِأَنَّهُ مَعَ التَّأْخِيرِ صَارَا كَشَرْطٍ وَاحِدٍ وَتَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَ فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى يُوجَدَا كَإِنْ أَكَلْتِ وَإِنْ شَرِبْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ كَرَّرَ إنْ وَأَحَدُهُمَا الْمَشِيئَةُ وَالْآخَرُ الْإِبَاءُ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ وَإِنْ أَبَيْت وَقَعَ شَاءَتْ أَوْ أَبَتْ، وَإِنْ سَكَتَتْ حَتَّى قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ لَا يَقَعُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَرْطٌ عَلَى حِدَةٍ وَالْإِبَاءُ فِعْلٌ كَالْمَشِيئَةِ فَأَيُّهُمَا وُجِدَ لَا يَقَعُ. وَإِذَا انْعَدَمَا لَا يَقَعُ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يُكَرِّرْ إنْ وَعَطَفَ بِأَوْ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ أَوْ أَبَيْت لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِأَحَدِهِمَا؛ وَلَوْ قَالَ إنْ شِئْت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 وَلَوْ قَالَ: إنْ كُنْت تُحِبِّينَ الطَّلَاقَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ كُنْت تُبْغِضِينَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا تُحِبَّهُ وَلَا تُبْغِضَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَشَاءَ وَلَا تَشَاءُ، وَلَوْ قَالَ لَهُمَا: أَشَدُّكُمَا حُبًّا لِلطَّلَاقِ أَوْ أَشَدُّكُمَا بُغْضًا لَهُ طَالِقٌ فَقَالَتْ كُلٌّ أَنَا أَشَدُّ حُبًّا لَهُ لَمْ يَقَعْ لِدَعْوَى كُلٍّ أَنَّ صَاحِبَتَهَا أَقَلُّ حُبًّا مِنْهَا فَلَمْ يَتِمَّ الشَّرْطُ، ثُمَّ التَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ أَوْ الْإِرَادَةِ أَوْ الرِّضَا أَوْ الْهَوَى أَوْ الْمَحَبَّةِ يَكُونُ تَمْلِيكًا فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ، فَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ كَأَمْرُكِ بِيَدِكِ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِغَيْرِهَا.   [رد المحتار] فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ لَمْ تَشَائِي فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ لِلْحَالِ، بِخِلَافِ إنْ كُنْت تُحِبِّينَ الطَّلَاقَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كُنْت تَبْغُضِينَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا تُحِبَّ وَلَا تُبْغِضَ فَلَمْ يَتَيَقَّنْ شَرْطَ الْوُقُوعِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَشَاءَ وَلَا تَشَاءُ فَيَكُونُ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ ثَابِتًا لَا مَحَالَةَ فَوَقَعَ؛ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَبَيْتِ أَوْ كَرِهَتْ فَقَالَتْ أَبَيْتُ تَطْلُقُ، وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَشَائِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ لَا أَشَاءُ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ أَبَيْت صِيغَةٌ لِإِيجَادِ الْإِبَاءِ، فَقَدْ عَلَّقَ بِالْإِبَاءِ مِنْهَا وَقَدْ وُجِدَ فَوَقَعَ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَشَائِي صِيغَةٌ لِلْعَدَمِ لَا لِلْإِيجَادِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ إنْ لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ، وَعَدَمُ الْمَشِيئَةِ لَا يَتَحَقَّقُ بِقَوْلِهَا لَا أَشَاءُ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَشَاءَ مِنْ بَعْدُ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْمَوْتِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. وَذَكَرَ بَعْدَهُ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهُ بِعَدَمِ مَشِيئَةِ نَفْسِهِ فَهُوَ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ إنْ لَمْ يَشَأْ فُلَانٌ فَقَالَ لَا أَشَاءُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ شَرْطَ الْبِرِّ فِي الْأَجْنَبِيِّ مَشِيئَةُ طَلَاقِهَا فِي الْمَجْلِسِ، وَبِقَوْلِهِ لَا أَشَاءُ تَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إذْ يَكْفِيهِ فِي الْإِيقَاعِ السُّكُوتُ حَتَّى يَقُومَ (قَوْلُهُ لَمْ تَطْلُقْ) مَحَلُّهُ مَا إذَا قَالَتْ لَا أُحِبُّ وَلَا أَبْغَضُ أَوْ سَكَتَتْ، أَمَّا لَوْ قَالَتْ أُحِبُّ أَوْ أَبْغَضُ طَلُقَتْ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَحَبَّةِ وَنَحْوِهَا تَعْلِيقٌ عَلَى الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ وَلَوْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْوَاقِعِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَشَاءَ وَلَا تَشَاءُ) لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْوُجُودِ وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ أَوْ أَشَدُّكُمَا بُغْضًا لَهُ) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ ثَانِيَةٌ، وَقَوْلُهُ: فَقَالَتْ كُلٌّ أَنَا أَشَدُّ حُبًّا إلَخْ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَتَرَكَ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا بِالْمُقَايَسَةِ تَقْدِيرُهُ فَقَالَتْ كُلٌّ أَنَا أَشَدُّ بُغْضًا لَهُ لَمْ يَقَعْ لِدَعْوَى كُلٍّ أَنَّ صَاحِبَتَهَا أَقَلُّ بُغْضًا مِنْهَا فَلَمْ يَتِمَّ الشَّرْطُ ح. (قَوْلُهُ فَقَالَتْ كُلٌّ إلَخْ) أَيْ وَكَذَّبَهُمَا الزَّوْجُ كَمَا قَيَّدَهُ فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَمُقْتَضَاهُ لَوْ صَدَّقَهُمَا وَقَعَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ يَنْتَظِمُ الْوَاحِدَ وَالْأَكْثَرَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَقْفِ فِيمَا لَوْ شَرَطَ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَتِمَّ الشَّرْطُ) لِأَنَّهَا غَيْرُ مُصَدَّقَةٍ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى صَاحِبَتِهَا بَحْر: أَيْ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ أَشَدَّ مِنْ الْأُخْرَى حُبًّا أَوْ بُغْضًا إلَّا إذَا كَانَتْ الْأُخْرَى أَقَلَّ وَهِيَ لَا تُصَدِّقُ مَا فِي قَلْبِ الْأُخْرَى فَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهَا أَشَدَّ مِنْ الْأُخْرَى، وَيُقَالُ فِي الْأُخْرَى كَذَلِكَ فَلَمْ يَثْبُتْ أَشَدِّيَّةُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَلَمْ يَتِمَّ شَرْطُ الْوُقُوعِ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فَقَطْ أَنَا أَشَدُّ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ فِي أَنَّ دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا تَكْذِيبُ كُلٍّ لِلْأُخْرَى، بِخِلَافِ دَعْوَى إحْدَاهُمَا، وَسَيَأْتِي فِي التَّعْلِيقِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ كُنْتِ تُحِبِّينَ كَذَا فَأَنْتِ كَذَا وَفُلَانَةُ فَقَالَتْ أُحِبُّ تُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ثُمَّ التَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ إلَخْ) وَكَذَا التَّعْلِيقُ بِكُلِّ مَا هُوَ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا بَحْرٌ ط (قَوْلُهُ فَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ) وَكَذَا إذَا كَانَتْ كَاذِبَةً فِي الْإِخْبَارِ بِالْمَحَبَّةِ وَالْبُغْضِ يَقَعُ، بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى التَّمْلِيكِ، قِيلَ وَالْأُولَى زِيَادَةٌ وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ لِيَتَفَرَّعَ عَلَى كَوْنِهِ تَعْلِيقًا فَإِنَّهُ أَظْهَرُ مِنْ تَفْرِيعِهِ عَلَى التَّمْلِيكِ. قُلْت: وَفِيهِ أَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ مَا خَالَفَ التَّعْلِيقَ بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ التَّعْلِيقُ بِغَيْرِهَا وَعَدَمُ الرُّجُوعِ عَنْهُ مِمَّا تَوَافَقَ فِيهِ الْجَمِيعُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِغَيْرِهَا) كَالتَّعْلِيقِ عَلَى الْحَيْضِ أَوْ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ فَإِنَّهُ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ، وَكَذَا لَا يَقَعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِالْإِخْبَارِ كَذِبًا كَمَا سَيَأْتِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 بَابُ التَّعْلِيقِ (هُوَ) لُغَةً مِنْ عَلَّقَهُ تَعْلِيقًا قَامُوسٌ: جَعَلَهُ مُعَلَّقًا. وَاصْطِلَاحًا (رَبْطُ حُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ بِحُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ أُخْرَى) وَيُسَمَّى يَمِينًا مَجَازًا   [رد المحتار] [بَابُ التَّعْلِيقِ] ِ ذَكَرَهُ بَعْدَ بَيَانِ تَنْجِيزِ الطَّلَاقِ صَرِيحًا وَكِنَايَةً لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ ذِكْرِ الطَّلَاقِ وَالشَّرْطِ، فَأَخَّرَهُ عَنْ الْمُفْرَدِ نَهْرٌ. مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ فَعَلَّقَ (قَوْلُهُ مِنْ عَلَّقَهُ تَعْلِيقًا) كَذَا فِي الْبَحْرِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَهُوَ مَصْدَرُ عَلَّقَهُ جَعَلَهُ مُعَلَّقًا ط: أَيْ لِأَنَّ كَلَامَهُ يُوهِمُ اشْتِقَاقَ الْمَصْدَرِ بَيَانُ الْمَادَّةِ لِإِفَادَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ لُغَةً مُطْلَقُ التَّعْلِيقِ الشَّامِلِ لِلْحِسِّيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ (قَوْلُهُ وَاصْطِلَاحًا رَبْطُ إلَخْ) فَهُوَ خَاصٌّ بِالْمَعْنَوِيِّ وَالْمُرَادُ بِالْجُمْلَةِ الْأُولَى فِي كَلَامِهِ جُمْلَةُ الْجَزَاءِ، وَبِالثَّانِيَةِ جُمْلَةُ الشَّرْطِ، وَبِالْمَضْمُونِ مَا تَضَمَّنَتْهُ الْجُمْلَةُ مِنْ الْمَعْنَى، فَهُوَ فِي مِثْلِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ رَبَطَ حُصُولَ طَلَاقِهَا بِحُصُولِ دُخُولِهَا الدَّارَ (قَوْلُهُ وَيُسَمَّى يَمِينًا مَجَازًا) لِمَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ التَّعْلِيقَ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ وَجَزَاءٌ فَإِطْلَاقُ الْيَمِينِ عَلَيْهِ مَجَازٌ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ. اهـ. وَفِيهِ أَنَّ هَذَا بَيَانٌ لِلْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلتَّعْلِيقِ الْمُعَرَّفِ بِالرَّبْطِ الْخَاصِّ كَمَا عَلِمْت، وَهَذَا الرَّبْطُ يُسَمَّى يَمِينًا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ الْيَمِينَ فِي الْأَصْلِ الْقُوَّةُ، وَسُمِّيَتْ إحْدَى الْيَدَيْنِ بِالْيَمِينِ لِزِيَادَةِ قُوَّتِهَا عَلَى الْأُخْرَى وَسُمِّيَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى يَمِينًا لِإِفَادَتِهِ الْقُوَّةَ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ بَعْدَ تَرَدُّدِ النَّفْسِ فِيهِ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ تَعْلِيقَ الْمَكْرُوهِ لِلنَّفْسِ عَلَى أَمْرٍ بِحَيْثُ يَنْزِلُ شَرْعًا عِنْدَ نُزُولِهِ يُفِيدُ قُوَّةَ الِامْتِنَاعِ عَنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ وَتَعْلِيقَ الْمَحْبُوبِ لَهَا أَيْ لِلنَّفْسِ عَلَى ذَلِكَ يُفِيدُ الْحَمْلَ عَلَيْهِ فَكَانَ يَمِينًا اهـ لَكِنْ هَذَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ فِي اللُّغَةِ. وَفِي أَيْمَانِ الْبَحْرِ: ظَاهِرُ مَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَمِينٌ فِي اللُّغَةِ أَيْضًا، قَالَ: لِأَنَّ مُحَمَّدًا أَطْلَقَ عَلَيْهِ يَمِينًا وَقَوْلُهُ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ اهـ فَأَفَادَ أَنَّهُ يَمِينٌ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا، وَلِذَا قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: الْيَمِينُ يَقَعُ عَلَى الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى التَّعْلِيقِ: قُلْت: لَكِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْفَتْحِ الْمَارِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّعْلِيقُ عَلَى أَمْرٍ اخْتِيَارِيٍّ لِلْمُعَلَّقِ لِيُفِيدَ قُوَّةَ الِامْتِنَاعِ عَنْ الْأَمْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ قُوَّةَ الْحَمْلِ عَلَيْهِ، نَحْوُ: إنْ بَشَّرْتنِي بِكَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ فَغَيْرُهُ مِنْ التَّعْلِيقِ لَا يُسَمَّى يَمِينًا، مِثْلُ إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ إنْ حِضْتِ فَأَنْتِ كَذَا؛ لَكِنْ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ وَشَرْحِهِ لَلْفَارِسِيِّ: لَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ بِيَمِينٍ حَنِثَ بِتَعْلِيقِ الْجَزَاءِ بِمَا يَصْلُحُ شَرْطًا، سَوَاءٌ كَانَ الشَّرْطُ فِعْلَ نَفْسِهِ أَمْ فِعْلَ غَيْرِهِ أَمْ مَجِيءَ الْوَقْتِ، كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت أَوْ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ إذَا جَاءَ غَدٌ وَكَذَا إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، أَوْ إذَا أَهَلَّ الْهِلَالُ وَالْمَرْأَةُ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ دُونَ الْأَشْهُرِ لِوُجُودِ رُكْنِ الْيَمِينِ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ، وَوُجُودُ الْيَمِينِ شَرْطُ الْحِنْثِ فَيَحْنَثُ، إلَّا أَنْ يُعَلِّقَ بِعَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ كَإِنْ شِئْت أَوْ أَرَدْت أَوْ أَحْبَبْت أَوْ هَوَيْت أَوْ رَضِيت، أَوْ، بِمَجِيءِ الشَّهْرِ كَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ وَالْمَرْأَةُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ فَلَا يَحْنَثُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّمْلِيكِ وَلِذَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَلَمْ يَتَمَحَّضْ لِلتَّعْلِيقِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي بَيَانِ وَقْتِ السَّنَةِ لِأَنَّ رَأْسَ الشَّهْرِ فِي حَقِّهَا وَقْتُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ فَلَمْ يَتَمَحَّضْ لِلتَّعْلِيقِ، وَلِهَذَا لَمْ يَحْنَثْ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالتَّطْلِيقِ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ طَلَّقْتُك لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ الْحِكَايَةِ عَنْ الْوَاقِعِ مِنْ كَوْنِهِ مَالِكًا لِتَطْلِيقِهَا فَلَمْ يَتَمَحَّضْ لِلتَّعْلِيقِ، وَلَا بِقَوْلِهِ لِعَبْدِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ وَإِنْ عَجَزْت فَأَنْتَ رَقِيقٌ وَإِنْ وُجِدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 وَشَرْطُ صِحَّتِهِ كَوْنُ الشَّرْطِ مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ؛ فَالْمُحَقَّقُ كَإِنْ كَانَ السَّمَاءُ فَوْقَنَا تَنْجِيزٌ، وَالْمُسْتَحِيلُ كَإِنْ دَخَلَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ لَغْوٌ   [رد المحتار] الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الْكِتَابَةِ فَلَمْ يَتَمَحَّضْ لِلتَّعْلِيقِ، وَلَا بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ حِضْت حَيْضَةً لِأَنَّ الْحَيْضَةَ الْكَامِلَةَ لَا وُجُودَ لَهَا إلَّا بِوُجُودِ جُزْءٍ مِنْ الطُّهْرِ فَيَقَعُ فِي الطُّهْرِ فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ تَفْسِيرًا لِطَلَاقِ السُّنَّةِ فَلَمْ يَتَمَحَّضْ لِلتَّعْلِيقِ وَإِنَّمَا لَمْ نُحَنِّثْهُ بِمَا لَمْ يَتَمَحَّضْ لِلتَّعْلِيقِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، لِأَنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ مَحْظُورٌ، وَحَمْلُ كَلَامِ الْعَاقِلِ عَلَى وَجْهٍ فِيهِ إعْدَامُ الْمَحْظُورِ أَوْلَى، وَقَدْ أَمْكَنَ حَمْلُهُ هُنَا عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ التَّمْلِيكِ أَوْ التَّفْسِيرِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ، وَإِنَّمَا حَنِثَ فِي قَوْلِهِ إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ وَهُوَ الْيَمِينُ بِذِكْرِ رُكْنِهِ وَهُوَ الْجَزَاءُ وَالشَّرْطُ وَقَوْلُهُ إنْ حِضْت لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ لِتَنَوُّعِ الْبِدْعِيِّ إلَى أَنْوَاعٍ فَلَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهُ تَفْسِيرًا بِخِلَافِ السُّنِّيِّ فَإِنَّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا حَنِثَ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ مَعَ أَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ مَفْقُودٌ وَمَعَ أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مُتَحَقِّقُ الْوُجُودِ لَا يَصْلُحُ شَرْطًا لِأَنَّهُ لَا خَطَرَ فِي وُجُودِهِ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْحَمْلُ وَالْمَنْعُ ثَمَرَةُ الْيَمِينِ وَحِكْمَتُهُ، فَقَدْ تَمَّ الرُّكْنُ فِي الْيَمِينِ دُونَ الثَّمَرَةِ وَالْحِكْمَةِ، إذْ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ فِي الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالصُّورَةِ لَا بِالثَّمَرَةِ وَالْحِكْمَةِ، وَلِذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ فَاسِدًا حَنِثَ لِوُجُودِ رُكْنِ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ وَهُوَ انْتِقَالُ الْمِلْكِ غَيْرَ ثَابِتٍ، وَلَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الْخَطَرِ لِاحْتِمَالِ قِيَامِ السَّاعَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ اهـ مُلَخَّصًا. مَطْلَبٌ لَا يَحْنَثُ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالتَّطْلِيقِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ تَعْلِيقٍ يَمِينٌ سَوَاءٌ كَانَ تَعْلِيقًا عَلَى فِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ غَيْرِهِ أَوْ عَلَى مَجِيءِ الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ ثَمَرَةُ الْيَمِينِ وَهِيَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ فَيَحْنَثُ بِهِ فِي حَلِفِهِ لَا يَحْلِفُ إلَّا إذَا أَمْكَنَ صَرْفُهُ عَنْ صُورَةِ التَّعْلِيقِ إلَى جَعْلِهِ تَمْلِيكًا أَوْ تَفْسِيرًا لِطَلَاقِ السُّنَّةِ أَوْ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ أَوْ لِلْكِتَابَةِ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ الْمُسْتَثْنَاةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِهَذَا يَتَّضِحُ مَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ بِالتَّعْلِيقِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ بَابُ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَشْمَلُ الصُّورِيَّ كَهَذِهِ الْخَمْسِ، وَبَعْضُهَا قَدْ ذُكِرَ فِي هَذَا الْبَابِ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ يَمِينًا كَمَا عَلِمْت وَقَوْلُهُ فِي النَّهْرِ إنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِيهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ يَمِينًا عُرْفًا فَلَا يُنَافِي كَوْنَهَا يَمِينًا فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ سَاقِطٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ عَدَمَ الْحِنْثِ فِيهَا لِعَدَمِ تَمَحُّضِهَا تَعْلِيقًا وَأَنَّهَا لَيْسَتْ يَمِينًا عِنْدَهُمْ. وَأَيْضًا لَوْ كَانَ ذَلِكَ مَبْنِيًّا عَلَى الْعُرْفِ فَمَا الْفَرْقُ فِي الْعُرْفِ بَيْنَ إنْ حِضْت وَإِنْ حِضْت حَيْضَةً حَتَّى كَانَ الْأَوَّلُ يَمِينًا دُونَ الثَّانِي (قَوْلُهُ كَوْنُ الشَّرْطِ) أَيْ مَدْلُولُ فِعْلِ الشَّرْطِ (قَوْلُهُ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ) أَيْ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَأَنْ لَا يَكُونَ لَا مُسْتَحِيلًا وَلَا مُتَحَقِّقًا لَا مَحَالَةَ لِأَنَّ الشَّرْطَ لِلْحَمْلِ وَالْمَنْعِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِمَا شَرْحُ التَّحْرِيرِ (قَوْلُهُ فَالْمُحَقَّقُ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ مَعْدُومًا ح (قَوْلُهُ تَنْجِيزٌ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِيمَا لِبَقَائِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ كَقَوْلِهِ لِعَبْدِهِ إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ حِينَ سَكَتَ، وَقَوْلِهِ لَهَا إنْ أَبْصَرْت أَوْ سَمِعْت أَوْ صَحَحْت وَهِيَ بَصِيرَةٌ أَوْ سَمِيعَةٌ أَوْ صَحِيحَةٌ طَلُقَتْ السَّاعَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ يَمْتَدُّ، فَكَانَ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ، بِخِلَافِ إنْ حِضْت أَوْ مَرِضْت وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ مَرِيضَةٌ فَعَلَى حَيْضَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ لِأَنَّ الْحَيْضَ وَالْمَرَضَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. وَوَجْهُهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْحَيْضَ وَالْمَرَضَ وَإِنْ كَانَ يَمْتَدُّ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا عَلَّقَ بِالْجُمْلَةِ أَحْكَامًا لَا تَتَعَلَّقُ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ فَقَدْ جَعَلَ الْكُلَّ شَيْئًا وَاحِدًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَحِيلُ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ ح (قَوْلُهُ لَغْوٌ) فَلَا يَقَعُ أَصْلًا لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْهُ تَحْقِيقُ النَّفْيِ حَيْثُ عَلَّقَهُ بِأَمْرٍ مُحَالٍ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِمَا إمْكَانُ الْبِرِّ شَرْطُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَعَلَى هَذَا ظَهَرَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ تَرُدِّي عَلَيَّ الدِّينَارَ الَّذِي أَخْذَتَيْهِ مِنْ كِيسِي فَأَنْتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 وَكَوْنُهُ مُتَّصِلًا إلَّا لِعُذْرٍ وَأَنْ لَا يَقْصِدَ بِهِ الْمُجَازَاةَ، فَلَوْ قَالَتْ يَا سِفْلَةُ فَقَالَ: إنْ كُنْتُ كَمَا قُلْتِ فَأَنْتِ كَذَا   [رد المحتار] طَالِقٌ فَإِذَا الدِّينَارُ فِي كِيسِهِ لَا تَطْلُقْ بَحْرٌ، وَمِنْهُ مَا فِي الْقُنْيَةِ: سَكْرَانُ طَرَقَ الْبَابَ فَلَمْ يُفْتَحُ لَهُ فَقَالَ إنْ لَمْ تَفْتَحِي الْبَابَ اللَّيْلَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ أَحَدٌ لَا تَطْلُقُ نَهْرٌ وَمِنْهُ مَسَائِلُ سَتَأْتِي فِي الْفُرُوعِ آخِرَ الْبَابِ. مَطْلَبٌ إنْ لَمْ تَتَزَوَّجِي بِفُلَانٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ. [تَنْبِيهٌ] فِي فَتَاوَى الْكَازَرُونِيِّ عَنْ فَتَاوَى الْمُحَقِّقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُرْشِدِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَتَزَوَّجِي بِفُلَانٍ فَأَجَابَ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ مُرَادَ الزَّوْجِ بِهَذَا التَّعْلِيقِ إنَّمَا هُوَ عَدَمُ تَزَوُّجِهَا بِفُلَانٍ بَعْدَ زَوَالِ سُلْطَانِهِ عَنْهَا بِانْفِصَالِ الْعِصْمَةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَهِيَ حِينَئِذٍ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَيَكُونُ لَغْوًا فَيَلْغُو الشَّرْطُ وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَتَطْلُقُ مُنَجَّزًا كَمَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ، بِنَاءً عَلَى اسْتِحَالَةِ وُجُودِ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حَالَةَ بَقَائِهَا فِي عِصْمَةِ الزَّوْجِ وَاخْتَارَ بَعْضٌ مِنْهُمْ صِحَّةَ التَّعْلِيقِ وَجَعَلَهُ مُمْكِنًا وَأَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ أَوْ حَيَاتِهَا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعَدَمِ وَالْعَدَمُ مُتَحَقِّقٌ مُسْتَمِرٌّ، لَكِنَّهُ لَمَّا عَلَّقَهُ بِالْمُسْتَقْبَلِ صَلُحَ جَمِيعُ زَمَانِ الِاسْتِقْبَالِ لِوُجُودِهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ لَهُ وَقْتٌ آخَرُ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْحَيَاةِ فَيَتَضَيَّقُ فَيَقَعُ. وَلَحَظَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ شَرْطٌ إلْزَامِيٌّ فَكَأَنَّهُ يُرِيدُ إلْزَامَهَا بِعَدَمِ تَزَوُّجِهَا بِفُلَانٍ وَهُوَ إلْزَامُ مَا لَا يَلْزَمُ، فَيَلْغُو وَيَقَعُ الطَّلَاقُ مُنَجَّزًا. أَقُولُ: وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّ مُرَادَ الزَّوْجِ التَّعْلِيقُ بِعَدَمِ إرَادَتِهَا التَّزَوُّجَ بِفُلَانٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ صَوْنًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْإِلْغَاءِ لَمْ يَبْعُدْ وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا كَمَا فِي نَظَائِرِهِ مِنْ الْأُمُورِ الْقَلْبِيَّةِ، نَحْوُ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي، فَإِنْ قَالَتْ لَهُ لَمْ أُرِدْ التَّزَوُّجَ بِهِ بَعْدَك وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِلَّا فَلَا اهـ مُلَخَّصًا. ثُمَّ نَقَلَ الْكَازَرُونِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ثَانِيًا عَنْ الْحَدَّادِيِّ صَاحِبِ الْجَوْهَرَةِ وَأَنَّهُ أَجَابَ عَنْهَا سِرَاجُ الدِّينِ الْهَامِلِيُّ رِوَايَةً عَنْ شَيْخِهِ عَلِيِّ بْنِ نُوحٍ بِأَنَّهَا تَطْلُقُ وَتَتَزَوَّجُ مَنْ أَرَادَتْ. قَالَ الْكَازَرُونِيُّ: وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ: أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِمُسْتَحِيلٍ أَوْ شَرْطٌ إلْزَامِيٌّ، (قَوْلُهُ وَكَوْنُهُ مُتَّصِلًا إلَخْ) أَيْ بِلَا فَاصِلٍ أَجْنَبِيٍّ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا. مَطْلَبٌ التَّعْلِيقُ الْمُرَادُ بِهِ الْمُجَازَاةُ دُونَ الشَّرْطِ (قَوْلُهُ وَأَنْ لَا يَقْصِدَ بِهِ الْمُجَازَاةَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَلَوْ سَبَّتْهُ بِنَحْوِ قَرْطَبَانِ وَسِفْلَةٍ، فَقَالَ: إنْ كُنْت كَمَا قُلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ تَنَجَّزَ، سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كَمَا قَالَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ الزَّوْجَ فِي الْغَالِبِ لَا يُرِيدُ إلَّا إيذَاءَهَا بِالطَّلَاقِ، فَإِنْ أَرَادَ التَّعْلِيقَ يَدِينُ وَفَتْوَى أَهْلِ بُخَارَى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ اهـ يَعْنِي عَلَى أَنَّهُ لِلْمُجَازَاةِ دُونَ الشَّرْطِ كَمَا رَأَيْته فِي الْفَتْحِ وَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَفِيهَا وَالْمُخْتَارُ وَالْفَتْوَى أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ فَهُوَ عَلَى الْمُجَازَاةِ وَإِلَّا فَعَلَى الشَّرْطِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: إنْ أَرَادَ التَّعْلِيقَ لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَكُنْ سَفَلَةً، وَتَكَلَّمُوا فِي مَعْنَى السَّفَلَةِ. عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَكُونُ سِفْلَةً إنَّمَا السِّفْلَةُ الْكَافِرُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ الَّذِي لَا يُبَالِي مَا قَالَ وَمَا قِيلَ لَهُ. وَعَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 تَنْجِيزٌ كَانَ كَذَلِكَ أَوْ لَا وَذِكْرُ الْمَشْرُوطِ، فَنَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَغْوٌ بِهِ يُفْتَى وَوُجُودُ رَابِطٍ حَيْثُ تَأَخَّرَ الْجَزَاءُ كَمَا يَأْتِي (شَرْطُهُ الْمِلْكُ) حَقِيقَةً كَقَوْلِهِ لِقِنِّهِ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ حُكْمًا، وَلَوْ حُكْمًا (كَقَوْلِهِ لِمَنْكُوحَتِهِ) أَوْ مُعْتَدَّتِهِ (إنْ ذَهَبْت فَأَنْتِ طَالِقٌ) (، أَوْ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ) أَيْ الْمِلْكِ الْحَقِيقِيِّ عَامًّا أَوْ خَاصًّا، كَإِنْ مَلَكْت عَبْدًا أَوْ إنْ مَلَّكْتُك لِمُعَيَّنٍ فَكَذَا أَوْ الْحُكْمِيِّ كَذَلِكَ (كَإِنْ) نَكَحْت امْرَأَةً أَوْ إنْ (نَكَحْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ)   [رد المحتار] مُحَمَّدٍ أَنَّهُ الَّذِي يَلْعَبُ بِالْحَمَامِ وَيُقَامِرُ. وَقَالَ خَلَفٌ: إنَّهُ مَنْ إذَا دُعِيَ لِطَعَامٍ يَحْمِلُ مِنْ هُنَاكَ شَيْئًا وَالْفَتْوَى عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ هُوَ السِّفْلَةُ مُطْلَقًا. اهـ. وَالْقَرْطَبَانُ الَّذِي لَا غِيرَةَ لَهُ (قَوْلُهُ تَنْجِيزٌ) الْأَوْلَى تَنَجَّزَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي لِأَنَّهُ جَوَابُ قَوْلِهِ فَلَوْ قَالَ (قَوْلُهُ وَذِكْرُ الْمَشْرُوطِ) أَيْ فِعْلُ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ لِوُجُودِ الْجَزَاءِ (قَوْلُهُ لَغْوٌ) أَيْ فَلَا تَطْلُقُ لِأَنَّهُ مَا أَرْسَلَ الْكَلَامَ إرْسَالًا وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَوْلَا أَوْ إلَّا أَوْ إنْ كَانَ أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ تُطْلَقُ لِلْحَالِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَوُجُودُ رَابِطٍ) أَيْ كَالْفَاءِ وَإِذَا الْفُجَائِيَّةِ ح (قَوْلُهُ كَمَا يَأْتِي) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ ح (قَوْلُهُ شَرْطُهُ الْمِلْكُ) أَيْ شَرْطُ لُزُومِهِ فَإِنَّ التَّعْلِيقَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ لِزَوْجَةِ إنْسَانٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ تَوَقَّفَ عَلَى الْإِجَازَةِ، فَإِنْ أَجَازَهُ لَزِمَ التَّعْلِيقُ فَتَطْلُقُ بِالدُّخُولِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ لَا قَبْلَهَا وَكَذَا الطَّلَاقُ الْمُنَجَّزُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ، فَإِذَا أَجَازَهُ وَقَعَ مُقْتَصِرًا عَلَى وَقْتِ الْإِجَازَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ بِالْإِجَازَةِ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْبَيْعِ وَالضَّابِطُ فِيهِ أَنَّ مَا صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ يَقْتَصِرُ وَمَا لَا يَصِحُّ يَسْتَنِدُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ حَقِيقَةً) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَشْمَلُ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَكَذَا النَّذْرُ كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذَا الثَّوْبِ اُشْتُرِطَ مِلْكُهُ لَهُ حَالَةَ التَّعْلِيقِ أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ (قَوْلُهُ أَوْ حُكْمًا) أَيْ أَوْ كَانَ الْمِلْكُ حُكْمًا كَمِلْكِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ مِلْكُ انْتِفَاعٍ بِالْبُضْعِ لَا مِلْكُ رَقَبَةٍ. ثُمَّ إنَّ هَذَا الْحُكْمِيَّ إنْ كَانَ مِلْكُ النِّكَاحِ قَائِمًا فَهُوَ حُكْمِيٌّ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَهُوَ حُكْمِيٌّ حُكْمًا وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ حُكْمًا ط (قَوْلُهُ لِمَنْكُوحَتِهِ أَوْ مُعْتَدَّتِهِ) فِيهِ نَشْرٌ مُرَتَّبٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدَّمْنَا آخِرَ الْكِنَايَاتِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالصَّرِيحُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ أَنَّ تَعْلِيقَ طَلَاقِ الْمُعْتَدَّةِ فِيهَا صَحِيحٌ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ إلَّا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ بَائِنٍ وَعَلَّقَ بَائِنًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ اعْتِبَارًا لِلتَّعْلِيقِ بِالتَّنْجِيزِ (قَوْلُهُ أَوْ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ) بِأَنْ يَكُونَ مُعَلَّقًا بِالْمِلْكِ كَمَا مَثَّلَ، وَكَقَوْلِهِ: إنْ صِرْت زَوْجَةً لِي أَوْ بِسَبَبِ الْمِلْكِ كَالنِّكَاحِ: أَيْ التَّزَوُّجِ وَكَالشِّرَاءِ فِي إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِعَبْدِ مُوَرِّثِهِ: إنْ مَاتَ سَيِّدُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لِلْمِلْكِ بَلْ لِإِبْطَالِهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالْإِضَافَةِ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ الشَّامِلَةُ لِلتَّعْلِيقِ الْمَحْضِ وَلِلْإِضَافَةِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ كَأَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ أَطَالَ فِي الْبَحْرِ فِي بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ فَكَذَا) أَيْ فَهُوَ حُرٌّ أَوْ فَأَنْتَ حُرٌّ (قَوْلُهُ أَوْ الْحُكْمِيِّ) عَطْفٌ عَلَى الْحَقِيقِيِّ ح (قَوْلُهُ كَذَلِكَ) أَيْ عَامًّا أَوْ خَاصًّا، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى خِلَافِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ خَصَّهُ بِالْخَاصِّ بِامْرَأَةٍ أَوْ بِمِصْرٍ أَوْ قَبِيلَةٍ أَوْ بَكَارَةٍ أَوْ ثُيُوبَةٍ كَكُلِّ بِكْرٍ أَوْ ثَيِّبٍ (قَوْلُهُ كَإِنْ نَكَحْت امْرَأَةً) أَيْ فَهِيَ طَالِقٌ، وَحَذَفَهُ لِدَلَالَةِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَوْ إنْ نَكَحْتُك) لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 وَكَذَا كُلُّ امْرَأَةٍ وَيَكْفِي مَعْنَى الشَّرْطِ إلَّا فِي الْمُعَيَّنَةِ بِاسْمٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ إشَارَةٍ فَلَوْ قَالَ: الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ تَطْلُقُ بِتَزَوُّجِهَا، وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ إلَخْ لَا لِتَعْرِيفِهَا بِالْإِشَارَةِ فَلَغَا الْوَصْفُ (فَلَغَا قَوْلُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ زُرْت زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَنَكَحَهَا فَزَارَتْ) وَكَذَا كُلُّ امْرَأَةٍ أَجْتَمِعُ مَعَهَا فِي فِرَاشٍ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَمْ تَطْلِقْ، وَكُلُّ جَارِيَةٍ أَطَؤُهَا حَرَّةٌ فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا لَمْ تُعْتَقْ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالْإِضَافَةِ إلَيْهِ. وَأَفَادَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ زِيَارَةَ الْمَرْأَةِ فِي عُرْفِنَا لَا تَكُونُ إلَّا بِطَعَامٍ مَعَهَا يُطْبَخُ عِنْدَ الْمَزُورِ فَلْيُحْفَظْ.   [رد المحتار] أَجْنَبِيَّةً أَوْ مُعْتَدَّةً كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَكَذَا كُلُّ امْرَأَةٍ) أَيْ إذَا قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ، وَالْحِيلَةُ فِيهِ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ يُزَوِّجُهُ فُضُولِيٌّ وَيُجِيزُ بِالْفِعْلِ كَسَوْقِ الْوَاجِبِ إلَيْهَا أَوْ يَتَزَوَّجُهَا بَعْدَ مَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ. اهـ. وَقَدَّمْنَا قَبْلَ فَصْلِ الْمَشِيئَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْبَحْثِ. [فَرْعٌ] قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَكَلَّمَ ثُمَّ تَزَوَّجَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَلَّمَ ثُمَّ تَزَوَّجَ ثُمَّ كَلَّمَ طَلُقَتْ الْمُتَزَوَّجَةُ بَعْدَ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ خَانِيَّةٌ وَانْظُرْ مَا فِي الْفَصْلِ الْعَاشِرِ مِنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ بِاسْمٍ أَوْ نَسَبٍ) الَّذِي فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ: وَنَسَبٍ بِالْوَاوِ قَالَ: فَلَوْ قَالَ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَمْ تَطْلُقْ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ لَمَّا لَغَا الْوَصْفَ بِالتَّزَوُّجِ بَقِيَ قَوْلُهُ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ طَالِقٌ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ وَلَمْ تُوجَدْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ إذَا تَزَوَّجَهَا (قَوْلُهُ أَوْ إشَارَةٍ) التَّعْرِيفُ بِالْإِشَارَةِ فِي الْحَاضِرَةِ؛ وَبِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ فِي الْغَائِبَةِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حَاضِرَةً عِنْدَ الْحَلِفِ لَا يَحْصُلُ التَّعْرِيفُ بِذِكْرِ اسْمِهَا وَنَسَبِهَا وَلَا تَلْغُو الصِّفَةُ، وَيَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِالتَّزَوُّجِ. وَعَلَيْهِ مَا فِي الْجَامِعِ: رَجُلٌ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَلَهُ غُلَامٌ فَقَالَ إنْ كَلَّمَ غُلَامَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا أَحَدٌ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَأَشَارَ الْحَالِفُ إلَى الْغُلَامِ لَا إلَى نَفْسِهِ ثُمَّ كَلَّمَ الْغُلَامَ بِنَفْسِهِ تَطْلُقُ لِأَنَّ الْحَالِفَ حَاضِرٌ، فَتَعْرِيفُهُ بِالْإِشَارَةِ أَوْ بِالْإِضَافَةِ وَلَمْ يُوجَدْ فَبَقِيَ مُنَكَّرًا فَدَخَلَ تَحْتَ اسْمِ النَّكِرَةِ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ جَامِعِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ فَلَغَا الْوَصْفُ) أَيْ قَوْلُهُ أَتَزَوَّجُهَا، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ هَذِهِ طَالِقٌ كَقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي تَدْخُلُ الدَّارَ طَالِقٌ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ لِلْحَالِ دَخَلَتْ أَوْ لَا بَحْرٌ، وَإِنَّمَا لَمْ تَطْلُقْ الْأَجْنَبِيَّةُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَعَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ لِإِلْغَاءِ الْوَصْفِ، بِخِلَافِ امْرَأَتِهِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالْإِضَافَةِ إلَيْهِ) أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ فَظَاهِرٌ وَكَذَا فِيمَا بَعْدَهَا لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِي فِرَاشٍ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ عَنْ نِكَاحٍ، كَمَا أَنَّ وَطْءَ الْجَارِيَةِ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ عَنْ مِلْكٍ؛ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ لِوَالِدَيْهِ إنْ زَوَّجْتُمَانِي امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَزَوَّجَاهُ بِلَا أَمَرَهُ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى مِلْكِ النِّكَاحِ لِأَنَّ تَزْوِيجَهُمَا لَهُ بِلَا أَمْرِهِ لَا يَصِحُّ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. ثُمَّ قَالَ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ بِلَا أَمْرِهِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ فِي صُورَةِ الْأَمْرِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَصِحُّ الْيَمِينُ وَتَطْلُقُ اهـ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي وُجُودِ شَرْطِ التَّعْلِيقِ وَهُوَ الْمِلْكُ أَوْ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ، وَتَزْوِيجُ الْأَبَوَيْنِ غَيْرُ سَبَبٍ لِلْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِأَمْرِهِ وَبِدُونِهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْخَانِيَّةِ مَا إذَا قَالَ إنْ زَوَّجْتُمَانِي بِأَمْرِي فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الْيَمِينُ وَتَطْلُقُ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِلتَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ فَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ وَأَفَادَ فِي الْبَحْرِ إلَخْ) قُلْت: هَذَا الْعُرْفُ فِي دِمَشْقَ الْآنَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ بَلْ كَانَ وَبَانَ، نَعَمْ بَقِيَ بَيْنَ أَطْرَافِ النَّاسِ وَقَالَ ط: قُلْت الْعُرْفُ الْجَارِي فِي مِصْرَ الْآنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 (كَمَا لَغَا إيقَاعُهُ) الطَّلَاقَ (مُقَارِنًا لِثُبُوتِ مِلْكٍ) كَأَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك، وَيَصِحُّ مَعَ تَزَوُّجِي إيَّاكَ لِتَمَامِ الْكَلَامِ بِفَاعِلِهِ وَمَفْعُولِهِ (أَوْ زَوَالِهِ) كَمَعَ مَوْتِي أَوْ مَوْتِك. [فَائِدَةٌ] فِي الْمُجْتَبَى عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْمُضَافَةِ لَا يَقَعُ وَبِهِ أَفْتَى أَئِمَّةُ خُوَارِزْمَ انْتَهَى، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَلِلْحَنَفِيِّ تَقْلِيدُهُ بِفَسْخِ قَاضٍ   [رد المحتار] أَنَّهَا تُعَدُّ زَائِرَةً وَلَوْ مَعَهَا شَيْءٌ غَيْرُ مَا يُطْبَخُ (قَوْلُهُ كَمَا لَغَا إلَخْ) أَصْلُ ذَلِكَ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ: وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى النِّكَاحِ لَا يَقَعُ، كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك أَوْ فِي نِكَاحِك ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ تَزَوُّجِي إيَّاكَ فَإِنَّهُ يَقَعُ، وَهُوَ مُشْكِلٌ. وَقِيلَ الْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ التَّزَوُّجَ إلَى فَاعِلِهِ وَاسْتَوْفَى مَفْعُولَهُ جَعَلَ التَّزْوِيجَ مَجَازًا عَنْ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ وَحَمَلَ مَعَ عَلَى بَعْدُ تَصْحِيحًا لَهُ وَفِي نِكَاحِك لَمْ يَذْكُرْ الْفَاعِلَ؛ فَالْكَلَامُ نَاقِصٌ فَلَا يُقَدَّرُ بَعْدَ النِّكَاحِ فَلَا يَقَعُ وَيَصِحُّ النِّكَاحُ. اهـ. وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى هَذَا الْفَرْقِ بِقَوْلِهِ لِتَمَامِ الْكَلَامِ إلَخْ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: مَعَ نِكَاحِي إيَّاكَ؛ أَوْ قَالَ مَعَ تَزَوُّجِك انْعَكَسَ الْحُكْمُ لَكِنْ قَالَ ح: وَفِي النَّفْسِ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ شَيْءٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ مَعَ نِكَاحِك عَلَى تَقْدِيرِ مَعَ نِكَاحِي إيَّاكَ وَالْمُقَدَّرُ كَالْمَلْفُوظِ، وَإِلَى هَذَا الضَّعْفِ أَشَارَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ اهـ. قُلْت: الْأَظْهَرُ الْفَرْقُ بِأَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ بِالْفَاعِلِ يُحْتَمَلُ تَزَوُّجُهُ أَوْ تَزَوُّجُ غَيْرِهِ لَهَا، لَكِنْ مُقْتَضَى هَذَا عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالتَّزَوُّجِ فِي أَنَّهُ إنْ صَرَّحَ بِذِكْرِ الْفَاعِلِ يَقَعُ فِيهِمَا وَإِلَّا فَلَا فِيهِمَا فَتَأَمَّلْ. وَأَقْرَبُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ مَا اسْتَنْبَطَهُ بَعْضُ فُضَلَاءِ الدَّرْسِ أَنَّ التَّزَوُّجَ يَعْقُبُ التَّزْوِيجَ، فَإِذَا قَارَنَ الطَّلَاقُ التَّزَوُّجَ وُجِدَ الْمِلْكُ قَبْلَهُ بِالتَّزْوِيجِ فَيَصِحُّ وَتَطْلُقُ، بِخِلَافِ مَعَ نِكَاحِك لِأَنَّهُ مُقَارِنٌ لِلْمِلْكِ (قَوْلُهُ كَمَعَ مَوْتِي أَوْ مَوْتِك) لِإِضَافَتِهِ لِحَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلْإِيقَاعِ فِي الْأَوَّلِ وَالْوُقُوعِ فِي الثَّانِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الصَّرِيحِ (قَوْلُهُ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْمُضَافَةِ) أَيْ فِي الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ. وَعِبَارَةُ الْمُجْتَبَى عَلَى مَا فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ ظَفِرْت بِرِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ خُوَارِزْمَ اهـ وَأَمَّا مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَبِهِ يُفْتَى فَذَاكَ غَيْرُ مَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلِلْحَنَفِيِّ تَقْلِيدُهُ إلَخْ) أَيْ تَقْلِيدُ الشَّافِعِيِّ. مَطْلَبٌ فِي فَسْخِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلِلْحَنَفِيِّ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى شَافِعِيٍّ يَفْسَخُ الْيَمِينَ الْمُضَافَةَ، فَلَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا فَخَاصَمَتْهُ إلَى قَاضٍ شَافِعِيٍّ وَادَّعَتْ الطَّلَاقَ فَحَكَمَ بِأَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ بِشَيْءٍ حَلَّ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ النِّكَاحِ قَبْلَ الْفَسْخِ ثُمَّ فَسَخَ يَكُونُ الْوَطْءُ حَلَالًا إذَا فَسَخَ، وَإِذَا فَسَخَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ، وَلَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَفَسَخَ الْيَمِينَ ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أُخْرَى لَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَسْخِ فِي كُلِّ امْرَأَةٍ؛ وَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَبِقَوْلِهِ يُفْتَى اهـ. قُلْت: وَمَفْهُومُهُ أَنَّ عِنْدَهُمَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَسْخِ فِي كُلِّ امْرَأَةٍ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا، فَالْخِلَافُ هُنَا فِيمَا إذَا فَسَخَ الْقَاضِي الشَّافِعِيُّ الْيَمِينَ فِي امْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ الْحَالِفُ امْرَأَةً أُخْرَى، فَعِنْدَهُمَا لَا يَكْفِي الْفَسْخُ الْأَوَّلُ بَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى الثَّانِيَةِ مَا لَمْ يَفْسَخْ ثَانِيًا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَكْفِي لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى فَسْخِهَا ثَانِيًا، وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ يُفْتَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الْيَمِينِ عِنْدَهُ، وَأَنَّهُ يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ، فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ عَنْ الْمُجْتَبَى مِنْ أَنَّ عَدَمَ الْوُقُوعِ رِوَايَةً عَنْهُ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ جَعَلَ عَدَمَ الْوُقُوعِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ لَا رِوَايَةً عَنْهُ وَأَنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ فَقَدْ وَهَمَ فَافْهَمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 بَلْ مُحَكَّمٍ بَلْ إفْتَاءِ عَدْلٍ   [رد المحتار] ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِذَا عَقَدَ أَيْمَانًا عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِذَا قَضَى بِصِحَّةِ النِّكَاحِ بَعْدَهُ ارْتَفَعَتْ الْأَيْمَانُ كُلُّهَا، وَإِذَا عَقَدَ عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ يَمِينًا عَلَى حِدَةٍ لَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا فَسَخَ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يَنْفَسِخُ عَلَى الْأُخْرَى، وَإِذَا عَقَدَ يَمِينَهُ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَكْرَارِ الْفَسْخِ فِي كُلِّ يَمِينٍ اهـ فَهِيَ أَرْبَعُ مَسَائِلَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ فَإِنْ أَمْضَاهُ قَاضٍ حَنَفِيٌّ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ أَحْوَطَ اهـ. وَمَحَلُّ الْفَسْخِ مِنْ الشَّافِعِيِّ إذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا لِأَنَّهُ لَوْ فَسَخَ تَطْلُقُ ثَلَاثًا بِالتَّنْجِيزِ بَعْدَ النِّكَاحِ فَلَا يُفِيدُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِيهَا أَيْضًا أَنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يَأْخُذَ الْقَاضِي عَلَيْهِ مَالًا فَلَوْ أَخَذَ لَا يَنْفُذُ عِنْدَ الْكُلِّ إلَّا إنْ أَخَذَ عَلَى الْكِتَابَةِ قَدْرَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَلَوْ أَزْيَدَ لَا يَنْفُذُ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْخُذَ مُطْلَقًا. اهـ. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ: لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ فَتَرَافَعَا إلَى قَاضٍ يَرَاهَا رَجْعِيَّةً وَهُوَ يَرَاهَا بَائِنَةً فَإِنَّهُ يَتَّبِعُ رَأْيَ الْقَاضِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ، فَيَحِلُّ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا. وَقِيلَ إنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحِلُّ هَذَا إنْ قَضَى لَهُ، فَإِنْ قَضَى عَلَيْهِ بِالْبَيْنُونَةِ وَالزَّوْجُ لَا يَرَاهَا يَتَّبِعُ رَأْيَ الْقَاضِي إجْمَاعًا، هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ عَالِمًا لَهُ رَأْيٌ وَاجْتِهَادٌ، فَلَوْ عَامِّيًّا اتَّبَعَ رَأْيَ الْقَاضِي سَوَاءٌ قَضَى لَهُ أَوْ عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا قَضَى لَهُ، أَمَّا إنْ أَفْتَى لَهُ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ السَّابِقِ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُفْتِي فِي حَقِّ الْجَاهِلِ بِمَنْزِلَةِ رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ اهـ أَيْ فَيَلْزَمُ الْجَاهِلَ اتِّبَاعُ قَوْلِ الْمُفْتِي كَمَا يَلْزَمُ الْعَالِمَ اتِّبَاعُ رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ، وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّقْلِيدِ مَعَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مُلْزِمٌ سَوَاءٌ وَافَقَ رَأْيَ الزَّوْجِ أَوْ خَالَفَهُ، وَكَذَا مَعَ الْإِفْتَاءِ لَوْ الزَّوْجُ جَاهِلًا (قَوْلُهُ بَلْ مُحَكَّمٍ) فِي الْخَانِيَّةِ: حُكْمُ الْمُحَكَّمِ كَالْقَضَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَعَنْ الصَّدْرِ أَقُولُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: يُعْلَمُ وَلَا يُفْتَى بِهِ لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ الْجُهَّالُ إلَى هَدْمِ الْمَذْهَبِ اهـ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بَلْ إفْتَاءِ عَدْلٍ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى مَجْرُورِ الْبَاءِ وَهُوَ فَسْخٌ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: وَعَنْ أَصْحَابِنَا مَا هُوَ أَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ. وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا عَدْلًا فَأَفْتَاهُ بِبُطْلَانِ الْيَمِينِ حَلَّ لَهُ الْعَمَلُ بِفَتْوَاهُ وَإِمْسَاكُهَا. وَرُوِيَ أَوْسَعُ مِنْ هَذَا. وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَفْتَاهُ مُفْتٍ بِالْحِلِّ ثُمَّ أَفْتَاهُ آخَرُ بِالْحُرْمَةِ بَعْدَ مَا عَمِلَ بِالْفَتْوَى الْأُولَى فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِفَتْوَى الثَّانِي فِي حَقِّ امْرَأَةٍ أُخْرَى لَا فِي حَقِّ الْأُولَى، وَيَعْمَلُ بِكِلَا الْفَتْوَتَيْنِ وَفِي حَادِثَتَيْنِ لَكِنْ لَا يُفْتَى بِهِ. اهـ. قُلْت: يَعْنِي أَنَّ الْمُفْتِيَ لَا يُفْتِي صَاحِبَ الْحَادِثِ بِمَا يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى فَسْخِ الْيَمِينِ، فَلَا يَقُولُ لَهُ ارْفَعْ الْأَمْرَ إلَى شَافِعِيٍّ أُحَكِّمُهُ فِي ذَلِكَ أَوْ اسْتَفْتِهِ، بَلْ يَقُولُ يَقَعُ عَلَيْك الطَّلَاقُ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ بِمَا يَعْتَقِدُهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى مَا يَهْدِمُ مَذْهَبَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُفْتِيهِ بِفَسْخِ الْيَمِينِ إذَا فَعَلَ صَاحِبُ الْحَادِثَةِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْجَاهِلَ يَلْزَمُهُ اتِّبَاعُ رَأْيِ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي. عَلَى أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ، فَإِذَا فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى الْحَنَفِيِّ أَنْ يُفْتِيَهُ بِصِحَّةِ الْفَسْخِ. لَا يُقَالُ: إذَا كَانَ ذَلِكَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فَكَيْفَ لَا يُفْتِيهِ بِهِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ ذَلِكَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَأَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِ الشَّيْخَيْنِ بِالْوُقُوعِ، وَأَنَّ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا وَلَيْسَ لِلْمُفْتِي الْإِفْتَاءُ بِالرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ، وَكَوْنُهَا أَفْتَى بِهَا كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ خُوَارِزْمَ لَا يُنَافِي ضَعْفَهَا، وَلِذَا تَقَدَّمَ عَنْ الصَّدْرِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَكَذَا مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُعْلَمُ وَلَا يُفْتَى بِهِ، فَلَوْ ثَبَتَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَبَنَوْا الْحُكْمَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَحْتَاجُوا إلَى بِنَائِهِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الْمُجْتَبَى الْمَارُّ فَافْهَمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 وَبِفَتْوَتَيْنِ فِي حَادِثَتَيْنِ، وَهَذَا يُعْلَمُ وَلَا يُفْتَى بِهِ بَزَّازِيَّةٌ (وَيَبْطُلُ تَنْجِيزُ الثَّلَاثِ) لِلْحُرَّةِ وَالثِّنْتَيْنِ لِلْأَمَةِ (تَعْلِيقُهُ) لِلثَّلَاثِ وَمَا دُونَهَا إلَّا الْمُضَافَةَ إلَى الْمِلْكِ كَمَا مَرَّ (لَا تَنْجِيزُ مَا دُونَهَا) . اعْلَمْ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَبْطُلُ بِزَوَالِ الْحِلِّ لَا بِزَوَالِ الْمِلْكِ فَلَوْ عَلَّقَ الثَّلَاثَ أَوْ مَا دُونَهَا بِدُخُولِ الدَّارِ ثُمَّ نَجَّزَ الثَّلَاثَ ثُمَّ نَكَحَهَا بَعْدَ التَّحْلِيلِ بَطَلَ التَّعْلِيقُ فَلَا يَقَعُ بِدُخُولِهَا شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ نَجَّزَ مَا دُونَهَا لَمْ يَبْطُلْ فَيَقَعُ الْمُعَلَّقُ كُلُّهُ، وَأَوْقَعَ مُحَمَّدٌ فِيهِ الْأَوَّلَ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْهَدْمِ الْآتِيَةِ   [رد المحتار] هَذَا، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: وَالتَّزَوُّجُ فِعْلًا أَوْلَى مِنْ فَسْخِ الْيَمِينِ فِي زَمَانِنَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِيءَ إلَى عَالِمٍ وَيَقُولَ لَهُ مَا حَلَفَ وَاحْتِيَاجُهُ إلَى نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ فَيُزَوِّجُهُ الْعَالِمُ امْرَأَةً وَيُجِيزُ بِالْفِعْلِ فَلَا يَحْنَثُ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِجَمَاعَةٍ لِي حَاجَةٌ إلَى نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ فَزَوَّجَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، أَمَّا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ اعْقِدْ لِي عَقْدَ فُضُولِيٍّ يَكُونُ تَوْكِيلًا اهـ (قَوْلُهُ وَبِفَتْوَتَيْنِ) صَوَابُهُ وَبِفَتْوَيَيْنِ بِيَاءَيْنِ إحْدَاهُمَا مُنْقَلِبَةٌ عَنْ الْأَلْفِ الْمَقْصُورَةِ وَالثَّانِيَةُ يَاءُ التَّثْنِيَةِ كَمَا فِي تَثْنِيَةِ حُبْلَى وَقُصْوَى، قَالَ فِي الْأَلْفِيَّةِ: آخِرُ مَقْصُورٍ تُثَنِّي اجْعَلْهُ يَا ... إنْ كَانَ عَنْ ثَلَاثَةٍ مُرْتَقِيَا مَطْلَبٌ فِي مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَيْسَ لِلْمُقَلِّدِ الرُّجُوعُ عَنْ مَذْهَبِهِ (قَوْلُهُ فِي حَادِثَيْنِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ الْمُسْتَفْتِيَ إذَا عَمِلَ بِقَوْلِ الْمُفْتِي فِي حَادِثَةٍ فَأَفْتَاهُ آخَرُ بِخِلَافِ قَوْلِ الْأَوَّلِ لَيْسَ لَهُ نَقْضُ عَمَلِهِ السَّابِقِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ، نَعَمْ لَهُ الْعَمَلُ بِهِ فِي حَادِثَةٍ أُخْرَى كَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ مَثَلًا مَعَ مَسِّ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ مُقَلِّدًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَقَلَّدَ الشَّافِعِيَّ لَيْسَ لَهُ إبْطَالُ تِلْكَ الظُّهْرِ، نَعَمْ يَعْمَلُ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي ظُهْرٍ آخَرَ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ لَيْسَ لِلْمُقَلِّدِ الرُّجُوعُ عَنْ مَذْهَبِهِ وَتَقَدَّمَ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلَ الْكِتَابِ فِي رَسْمِ الْمُفْتِي (قَوْلُهُ وَلَا يُفْتَى بِهِ) عَلِمْت وَجْهَهُ آنِفًا (قَوْلُهُ تَعْلِيقُهُ لِلثَّلَاثِ) هَذَا خَاصٌّ بِالْحُرَّةِ، وَقَوْلُهُمْ وَمَا دُونَهَا يَعُمُّ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ، وَتَقْدِيرُهُ فِي الْأَمَةِ: وَيَبْطُلُ تَنْجِيزُ الثِّنْتَيْنِ فِي الْأَمَةِ تَعْلِيقُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ، وَهُوَ صَادِقٌ بِالثِّنْتَيْنِ وَبِالْوَاحِدَةِ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ أَنَّ ضَمِيرَ تَعْلِيقِهِ لِلزَّوْجِ الْمُعَلِّقِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ عَوْدِهِ عَلَى الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْأَصْلَ إضَافَةُ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ ط (قَوْلُهُ إلَّا الْمُضَافَةَ إلَى الْمِلْكِ) أَيْ فِي نَحْوِ: كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَإِنَّهَا تَطْلُقُ لِأَنَّ مَا نَجَّزَهُ غَيْرُ مَا عَلَّقَهُ، فَإِنَّ الْمُعَلَّقَ طَلَاقُ مِلْكٍ حَادِثٍ فَلَا يُبْطِلُهُ تَنْجِيزُ طَلَاقِ مِلْكٍ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) لَمْ يَتَقَدَّمْ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِ صَرِيحًا. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مَا قَدَّمَهُ فِي فَصْلِ الْمَشِيئَةِ فِيمَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْت فَطَلُقَتْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَا يَقَعُ إنْ كَانَتْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً (قَوْلُهُ يَبْطُلُ بِزَوَالِ الْحِلِّ) وَذَلِكَ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ، وَقَوْلُهُ لَا بِزَوَالِ الْمِلْكِ: أَيْ بِوُقُوعِ مَا دُونَهَا، فَإِنَّ الْمِلْكَ وَإِنْ زَالَ بِهِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَكِنْ الْحِلُّ ثَابِتٌ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهَا بِلَا زَوْجٍ آخَرَ مُحَلِّلٍ، بِخِلَافِ الثَّلَاثِ، فَإِنَّ وُقُوعَهَا يُزِيلُ الْحِلَّ بِالْكُلِّيَّةِ بِحَيْثُ لَا يَعُودُ إلَّا بِمُحَلِّلٍ؛ وَلَمَّا كَانَ الْمُعَلَّقُ هُوَ طَلَقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ بَطَلَ التَّعْلِيقُ بِزَوَالِهَا لَا بِزَوَالِ مَا دُونَهَا. (قَوْلُهُ بَطَلَ التَّعْلِيقُ) أَيْ لِزَوَالِ الْحِلِّ بِتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ (قَوْلُهُ لَمْ يَبْطُلْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ الْحِلُّ بِتَنْجِيزِ مَا دُونَ الثَّلَاثِ وَإِنْ زَالَ الْمِلْكُ (قَوْلُهُ فَيَقَعُ الْمُعَلَّقُ كُلُّهُ) لِأَنَّ بُطْلَانَ التَّعْلِيقِ بِزَوَالِ الْحِلِّ وَلَمْ يَزُلْ فَيَبْقَى التَّعْلِيقُ، فَإِذَا وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ وَهُوَ دُخُولُ الدَّارِ يَقَعُ الْمُعَلَّقُ وَهُوَ الثَّلَاثُ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ إنَّ الْمُعَلَّقَ طَلَقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ وَقَدْ زَالَ بَعْضُهَا لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَتْ الثَّلَاثُ بَاقِيَةً، فَإِذَا زَالَ بَعْضُهَا صَارَ الْمُعَلَّقُ ثَلَاثًا مُطْلَقَةً، كَمَا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ وَقَدَّمْنَاهُ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ (قَوْلُهُ بَقِيَّةَ الْأَوَّلِ) أَيْ مَا بَقِيَ مِنْ طَلَقَاتِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْهَدْمِ الْآتِيَةِ) قَدَّمْنَا قَبْلَ هَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 وَثَمَرَتُهُ فِيمَنْ عَلَّقَ وَاحِدَةً ثُمَّ نَجَّزَ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ نَكَحَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَدَخَلَتْ لَهُ رَجْعَتُهَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَكَذَا يَبْطُلُ بِلَحَاقِهِ مُرْتَدًّا بِدَارِ الْحَرْبِ خِلَافًا لَهُمَا، وَبِفَوْتِ مَحَلِّ الْبِرِّ كَإِنْ كَلَّمْت فُلَانًا أَوْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَمَاتَ أَوْ جَعَلْت بُسْتَانًا كَمَا بَسَطْنَاهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْمُلْتَقَى وَسَتَجِيءُ مَسْأَلَةُ الْكُوزِ بِفَرْعِهَا   [رد المحتار] الْبَابِ الْكَلَامَ عَلَيْهَا. وَحَاصِلُهَا أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ يَهْدِمُ الثَّلَاثَ وَمَا دُونَهَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَهْدِمُ الثَّلَاثَ فَقَطْ (قَوْلُهُ وَثَمَرَتُهُ) أَيْ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْهَدْمِ (قَوْلُهُ لَهُ رَجْعَتُهَا) أَيْ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ عَدِمَ الْوَاحِدَةَ الْبَاقِيَةَ وَعَادَتْ الْمَرْأَةُ إلَى الْأَوَّلِ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ فَيَمْلِكُ عَلَيْهَا ثَلَاثَ طَلَقَاتٍ فَإِذَا دَخَلَتْ الدَّارَ تَقَعُ وَاحِدَةٌ مِنْ الثَّلَاثِ وَيَبْقَى مِنْهَا ثِنْتَانِ فَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَعِنْدَهُ لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِعَوْدِهَا بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ وَقَعَتْ بِالدُّخُولِ ط (قَوْلُهُ وَكَذَا يَبْطُلُ) أَيْ التَّعْلِيقُ، وَهَذَا عَطْفٌ عَلَى الْمَتْنِ ح (قَوْلُهُ بِلَحَاقِهِ) بِفَتْحِ اللَّامِ ط عَنْ الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ لِلصَّاحِبَيْنِ، فَعِنْدَهُمَا لَا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُهُ، وَلَهُ أَنَّ بَقَاءَ تَعْلِيقِهِ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ أَهْلِيَّتِهِ وَبِالِارْتِدَادِ ارْتَفَعَتْ الْعِصْمَةُ فَلَمْ يَبْقَ تَعْلِيقُهُ لِفَوَاتِ الْأَهْلِيَّةِ، فَإِذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ لَمْ يَعُدْ ذَلِكَ التَّعْلِيقُ الَّذِي حَكَمَ بِسُقُوطِهِ بَحْرٌ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ وَبِفَوْتِ مَحَلِّ الْبِرِّ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الثَّانِي، لَكِنْ بِلَفْظِ: وَمِمَّا يُبْطِلُهُ فَوْتُ مَحَلِّ الشَّرْطِ كَفَوْتِ مَحَلِّ الْجَزَاءِ، كَمَا إذَا قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا إلَخْ وَالتَّمْثِيلُ الْمَذْكُورُ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الشَّرْطِ، فَإِنَّ الشَّرْطَ هُوَ كَلَّمْت وَدَخَلْت: أَيْ مَضْمُونُهُمَا وَهُوَ الْكَلَامُ وَالدُّخُولُ، وَمَحَلُّهُمَا هُوَ فُلَانٌ وَالدَّارُ الْمُشَارُ إلَيْهَا، وَفَوْتُ مَحَلِّ الْجَزَاءِ كَمَوْتِ الْمَرْأَةِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الطَّلَاقِ، فَإِنَّ بِفَوْتِ هَذَيْنِ الْمَحَلَّيْنِ يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَمْرٍ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَقَدْ تَحَقَّقَ عَدَمُهُ وَلَا يُقَالُ: يُمْكِنُ حَيَاةُ زَيْدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِعَادَةُ الْبُسْتَانِ دَارًا لِأَنَّ يَمِينَهُ انْعَقَدَتْ عَلَى حَيَاةٍ كَانَتْ فِيهِ. كَمَا قَالُوا فِي لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا، وَمَا أُعِيدَ بَعْدَ الْبِنَاءِ دَارٌ أُخْرَى غَيْرُ الْمُشَارِ إلَيْهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَيْضًا فِي لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ (قَوْلُهُ وَسَتَجِيءُ مَسْأَلَةُ الْكُوزِ بِفُرُوعِهَا) أَيْ فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ. وَحَاصِلُهَا أَنَّ إمْكَانَ تَصَوُّرِ الْبِرِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ شَرْطُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ وَشَرْطُ بَقَائِهَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، فَلَوْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ وَلَا مَاءَ فِيهِ أَوْ كَانَ فِيهِ فَصُبَّ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ انْعِقَادِهَا فِي الْأَوَّلِ وَلِبُطْلَانِهَا فِي الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْيَوْمَ وَلَا مَاءَ فِيهِ فَكَذَلِكَ لِعَدَمِ انْعِقَادِهَا. أَمَّا إذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ اتِّفَاقًا لِانْعِقَادِهَا بِإِمْكَانِ الْبِرِّ ثُمَّ يَحْنَثُ بِالصَّبِّ لِأَنَّ الْبِرَّ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا فَرَغَ، فَإِذَا صُبَّ فَاتَ الْبِرُّ فَيَحْنَثُ كَمَا لَوْ مَاتَ الْحَالِفُ وَالْمَاءُ بَاقٍ، بِخِلَافِ الْمُؤَقَّتَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبِرُّ إلَّا فِي آخِرِ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ. وَمِنْ فُرُوعِهَا لَيَقْتُلَنَّ زَيْدًا الْيَوْمَ، أَوْ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ الْيَوْمَ، أَوْ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ غَدًا فَمَاتَ زَيْدٌ أَوْ أَكَلَ الرَّغِيفَ غَيْرُهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ، أَوْ قَضَى الدَّيْنَ أَوْ أَبْرَأَهُ فُلَانٌ قَبْلَ الْغَدِ لَمْ يَحْنَثْ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ الْأَيْمَانِ. أَقُولُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ فِيهَا أَمْرٌ وُجُودِيٌّ وَهُوَ الْكَلَامُ أَوْ الدُّخُولُ فَإِذَا مَاتَ أَوْ جُعِلَتْ بُسْتَانًا فَقَدْ فَاتَ الْمَحَلُّ وَوَقَعَ الْيَأْسُ مِنْ الْحِنْثِ فَلَا فَائِدَةَ فِي بَقَاءِ الْيَمِينِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً أَوْ مُطْلَقَةً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ شَرْطُ الْحِنْثِ أَمْرًا عَدَمِيًّا، مِثْلُ: إنْ لَمْ أُكَلِّمْ زَيْدًا أَوْ إنْ لَمْ أَدْخُلْ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِفَوْتِ الْمَحَلِّ بَلْ يَتَحَقَّقُ بِهِ الْحِنْثُ لِلْيَأْسِ مِنْ شَرْطِ الْبِرِّ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ شَرْطُ الْبِرِّ مُسْتَحِيلًا، وَإِلَّا فَهُوَ مَسْأَلَةُ الْكُوزِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهَا مِنْ التَّفْصِيلِ، وَلَيْسَ مِنْهَا قَوْلُهُ لَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ، فَإِنَّ الْيَمِينَ فِيهَا مُنْعَقِدَةٌ وَيَحْنَثُ عَقِبَهَا لِأَنَّ صُعُودَ السَّمَاءِ أَمْرٌ مُمْكِنٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 [فَرْعٌ] قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَعَتَقَتْ فَدَخَلَتْ لَهُ رَجْعَتُهَا قُنْيَةٌ (وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ) أَيْ عَلَامَاتُ وُجُودِ الْجَزَاءِ (إنْ) الْمَكْسُورَةُ؛ فَلَوْ فَتَحَهَا وَقَعَ لِلْحَالِ مَا لَمْ يَنْوِ التَّعْلِيقَ فَيَدِينُ، وَكَذَا لَوْ حَذَفَ الْفَاءَ مِنْ الْجَوَابِ   [رد المحتار] فِي نَفْسِهِ، وَقَدْ وَقَعَ لِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَلِلْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَكِنَّهُ يَحْنَثُ عَقِبَ الْيَمِينِ أَوْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فِي الْمُؤَقَّتَةِ لِتَحَقُّقِ الْيَأْسِ عَادَةً، وَهَذَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ، فَإِنَّ شُرْبَ مَا لَيْسَ مَوْجُودًا فِي الْكُوزِ أَوْ مَا أُرِيقَ مِنْهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي نَفْسِهِ وَلَا فِي الْعَادَةِ فَلِذَا تَبْطُلُ الْيَمِينُ، وَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا صَبَّ مِنْهُ وَكَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ فِي الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَانْظُرْ مَا سَنَذْكُرُهُ آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ لَهُ رَجْعَتُهَا) لِأَنَّهُ لَمَّا عَلَّقَ الثَّلَاثَةَ كَانَتْ أَمَةً وَهُوَ لَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا إلَّا ثِنْتَيْنِ فَكَانَ مُعَلِّقًا ثِنْتَيْنِ ح [مطلب فِي أَلْفَاظ الشَّرْط] (قَوْلُهُ وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ) عَدَلَ عَنْ الْأَسْمَاءِ وَالْحُرُوفِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِمَا، وَهُوَ بِسُكُونِ الرَّاءِ مُشْتَقٌّ اشْتِقَاقًا كَبِيرًا مِنْ الشَّرَطِ مُحَرَّكَةً: بِمَعْنَى الْعَلَامَةِ؛ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى تَرْتِيبِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى وَسُمِّيَ الثَّانِي جَوَابًا لِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ صَارَ كَالْكَلَامِ الْآتِي بَعْدَ كَلَامِ السَّائِلِ وَجَزَاءً تَجَوُّزًا لِأَنَّهُ لَمَّا تَرَتَّبَ عَلَى فِعْلٍ آخَرَ أَشْبَهَ الْجَزَاءَ كَمَا فِي النَّهْرِ، فَإِضَافَةُ الْأَلْفَاظِ إلَى الشَّرْطِ إضَافَةُ الْمُسَمَّى إلَى الِاسْمِ ح وَقَدَّمْنَا فِي صَدْرِ الْكِتَابِ الْكَلَامَ عَلَى الِاشْتِقَاقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اشْتِقَاقٌ هُنَا إذْ لَا بُدَّ مِنْ الْمُغَايَرَةِ لَفْظًا بَلْ الشَّرْطُ هُنَا بِمَعْنَى الْعَلَامَةِ عَلَى شَيْءٍ خَاصٍّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَيْ عَلَامَاتُ وُجُودِ الْجَزَاءِ) أَيْ أَنَّ هَذِهِ الْأَدَوَاتِ تَدُلُّ بِالذَّاتِ عَلَى وُجُودِ الْجَزَاءِ كَمَا فِي النَّهْرِ: أَيْ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ح (قَوْلُهُ فَلَوْ فَتَحَهَا وَقَعَ لِلْحَالِ) هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ، وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْعِلَّةِ وَقْتَ الْوُقُوعِ بَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ نَظَرًا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ. وَزَعَمَ الْكِسَائِيُّ مُنَاظِرًا لِلشَّيْبَانِيِّ فِي مَجْلِسِ الرَّشِيدِ أَنَّهَا شَرْطِيَّةٌ بِمَعْنَى إذَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ وَرَجَّحَهُ فِي الْمُغْنِي. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ إذَا نَوَى التَّعْلِيقَ يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ نَهْرٌ مُخْتَصَرًا، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فَيَدِينُ ط. مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ حَذَفَ الْفَاءَ مِنْ الْجَوَابِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ حَذَفَ الْفَاءَ مِنْ الْجَوَابِ) يَعْنِي يَقَعُ لِلْحَالِ مَا لَمْ يَنْوِ التَّعْلِيقَ فَيَدِينُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى الْفَائِدَةِ فَتُضْمَرُ الْفَاءُ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ حَذْفِهَا اخْتِيَارًا، فَأَجَازَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَعَلَيْهِ فَرَّعَ أَبُو يُوسُفَ، وَمَنَعَهُ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَعَلَيْهِ تَفَرَّعَ الْمَذْهَبُ بَحْرٌ. وَذَكَرَ قَبْلَهُ عَنْ الْمُغْنِي أَنَّ الْأَخْفَشَ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ وَاقِعٌ فِي النَّثْرِ الْفَصِيحِ، وَإِنَّ مِنْهُ {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ} [البقرة: 180] وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: يَجُوزُ فِي النَّثْرِ نَادِرًا، وَمِنْهُ حَدِيثُ اللُّقَطَةِ «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا اسْتَمْتَعَ بِهَا» اهـ قُلْت: يَنْبَغِي فِي زَمَانِنَا إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ يَتَعَلَّقَ قَضَاءً لِأَنَّ الْعَامَّةَ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ دُخُولِ الْفَاءِ وَعَدَمِهِ عِنْدَ قَصْدِ التَّعْلِيقِ، وَقَدْ صَارَ ذَلِكَ لُغَتَهُمْ وَلَا سِيَّمَا مَعَ وُقُوعِهِ فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ كَمَا مَرَّ، وَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121] {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ} [الجاثية: 25] {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39] وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ ادَّعَى تَأْوِيلَ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَسَمِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ عَلَى جَعْلِ إذَا لِمُجَرَّدِ الْوَقْتِ بِلَا مُلَاحَظَةِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ مُؤَيِّدٌ لِقَوْلِ الْكُوفِيِّينَ وَالتَّأْوِيلُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَإِذَا صَارَ ذَلِكَ لُغَةً لِلْعَامَّةِ يَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 فِي نَحْوِ: طَلَبِيَّةٌ وَاسْمِيَّةٌ وَبِجَامِدٍ ... وَبِمَا وَقَدْ وَبِلَنْ وَبِالتَّنْفِيسِ كَمَا لَخَّصْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى (وَإِذَا وَإِذَا مَا وَكُلَّ وَ) لَمْ تُسْمَعْ (كُلَّمَا) إلَّا مَنْصُوبَةً وَلَوْ مُبْتَدَأً لِإِضَافَتِهَا لِمَبْنِيٍّ (وَمَتَى وَمَتَى مَا) وَنَحْوُ ذَلِكَ   [رد المحتار] مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ اللُّغَةِ مِنْ الْعَرَبِ وَكَذَا لَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِلَفْظٍ أَعْجَمِيٍّ، وَقَدْ قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ إنَّهُ يُحْمَلُ كَلَامُ كُلِّ عَاقِدٍ وَنَاذِرٍ وَحَالِفٍ عَلَى لُغَتِهِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ كِتَابَتِي لِهَذَا فِي شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ لِلْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ أَقُولُ: يَنْبَغِي تَرْجِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِكَثْرَةِ حَذْفِ الْفَاءِ كَمَا سَمِعْت، وَقَالُوا الْعَوَّامُ لَا يُعْتَبَرُ مِنْهُمْ اللَّحْنُ فِي قَوْلِهِمْ أَنْتِ وَاحِدَةً بِالنَّصْبِ الَّذِي لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. اهـ. مَطْلَبٌ الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَجِبُ اقْتِرَانُهَا بِالْفَاءِ. [تَنْبِيهٌ] وُجُوبُ اقْتِرَانِ الْجَوَابِ بِالْفَاءِ حَيْثُ تَأَخَّرَ الْجَوَابُ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ الْبَابِ، وَإِذَا كَانَتْ الْأَدَاةُ إنْ تَقُومُ إذْ الْفُجَائِيَّةُ مَقَامَ الْفَاءِ فِي رَبْطِ الْجَوَابِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ فِي نَحْوِ طَلَبِيَّةٍ إلَخْ) أَيْ فِي نَحْوِ الْمَوَاضِعِ السَّبْعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ طَلَبِيَّةٌ إلَخْ فَإِنَّهَا إذَا وَقَعَتْ جَوَابًا يَجِبُ اقْتِرَانُهَا بِالْفَاءِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: أَيْ جُمْلَةٌ طَلَبِيَّةٌ كَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَالتَّمَنِّي وَالْعَرْضِ وَالتَّحْضِيضِ وَالدُّعَاءِ، وَأَرَادَ بِالْجَامِدِ نِعْمَ وَبِئْسَ وَعَسَى وَفِعْلَ التَّعَجُّبِ، وَقَوْلُهُ وَبِمَا: أَيْ وَبِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ الْمَقْرُونَةِ بِمَا النَّافِيَةِ، وَبِقَدْ ظَاهِرَةً أَوْ مُقَدَّرَةً كَمَا فِي التَّسْهِيلِ. وَعِبَارَةُ الرَّضِيِّ: كُلُّ جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ مُصَدَّرَةٍ بِحَرْفٍ سِوَى لَا وَلَمْ فِي الْمُضَارِعِ سَوَاءٌ كَانَ الْفِعْلُ الْمُصَدَّرُ مَاضِيًا أَوْ مُضَارِعًا فَدَخَلَ النَّفْيُ بِأَنْ كَمَا زَادَهُ الْمُرَادِيُّ، وَزَادَ الْمَقْرُونَةَ بِالْقَسَمِ أَوْ رُبَّ، لَكِنْ جَعَلَ ابْنُ هِشَامٍ الْقَسَمِيَّةَ مِنْ الطَّلَبِيَّةِ اهـ وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَزِيدَ أَرْبَعَةٌ: الْمَقْرُونَةُ بِسَوْفَ أَوْ إنْ أَوْ رُبَّ أَوْ الْقَسَمِ، فَالْجُمْلَةُ أَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا أَشَارَ إلَيْهَا الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فِي نَحْوِ طَلَبِيَّةٍ إلَخْ، وَنَظَمَهَا الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ: تَعَلَّمْ جَوَابُ الشَّرْطِ حَتْمٌ قِرَانُهُ ... بِفَاءٍ إذَا مَا فِعْلُهُ طَلَبًا أَتَى كَذَا جَامِدًا أَوْ مُقْسِمًا كَإِنْ أَوْ بِقَدْ ... وَرُبَّ وَسِينٍ أَوْ بِسَوْفَ ادْرِ يَا فَتَى أَوْ اسْمِيَّةً أَوْ كَانَ مَنْفِيَّ مَا وَإِنْ ... وَلَنْ مَنْ يَحِدْ عَمَّا حَدَّدْنَاهُ قَدْ عَتَا مَطْلَبٌ مَا يَكُونُ فِي حُكْمِ الشَّرْطِ (قَوْلُهُ وَكُلَّ) لَمْ يَذْكُرْ النُّحَاةُ كُلًّا وَكُلَّمَا فِي أَدَوَاتِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْهَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمَا الْفُقَهَاءُ لِثُبُوتِ مَعْنَى الشَّرْطِ مَعَهُمَا وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِأَمْرٍ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ، وَهُوَ الْفِعْلُ الْوَاقِعُ صِفَةَ الِاسْمِ الَّذِي أُضِيفَا إلَيْهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ تُسْمَعْ كُلَّمَا إلَّا مَنْصُوبَةً إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: نَقَلَ النُّحَاةُ أَنَّ كُلَّمَا الْمُقْتَضِيَةَ لِلتَّكْرَارِ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَالْعَامِلُ فِيهَا مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ جَوَابُ الشَّرْطِ وَالتَّقْدِيرُ: أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَمَا الَّتِي مَعَهَا هِيَ الْمَصْدَرِيَّةُ التَّوْقِيتِيَّةُ. وَزَعَمَ ابْنُ عُصْفُورٍ أَنَّهَا مُبْتَدَأٌ وَمَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ وَجُمْلَةُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ. وَرَدَّهُ أَبُو حَيَّانَ بِأَنَّ كُلَّمَا لَمْ تُسْمَعْ إلَّا مَنْصُوبَةً، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا بَعْدَ تَسْلِيمِهِ لَا يُنَافِي كَوْنَهَا مُبْتَدَأً، إذْ الْفَتْحَةُ فِيهَا فَتْحَةُ بِنَاءٍ وَبُنِيَتْ لِإِضَافَتِهَا إلَى مَبْنِيٍّ اهـ فَمُرَادُ الشَّارِحِ بِالنَّصْبِ مَا يَشْمَلُ فَتْحَةَ الْإِعْرَابِ وَفَتْحَةَ الْبِنَاءِ كَمَا هُوَ عُرْفُ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ مُبْتَدَأً أَيْ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ عُصْفُورٍ أَشَارَ بِهِ إلَى الرَّدِّ عَلَى أَبِي حَيَّانَ، فَإِنَّ الْمَسْمُوعَ فِيهَا فَتْحُ لَامِهَا، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَوْنَهَا مُبْتَدَأً بِجَعْلِ الْفَتْحَةِ فَتْحَةَ بِنَاءٍ لِإِضَافَتِهَا إلَى مَبْنِيٍّ فَقَدْ أَفَادَ مَا فِي النَّهْرِ بِأَوْجَزِ عِبَارَةٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرَ أَلْفَاظِ الشَّرْطِ بِالسِّتَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّ مِنْهَا لَوْ وَمِنْ وَأَيْنَ وَأَيَّانَ وَأَنَّى وَأَيَّ وَمَا وَفِي الْفَتْحِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 كَلَوْ كَأَنْتِ طَالِقٌ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ تَعَلَّقَ بِدُخُولِهَا، وَمِنْ نَحْوِ مَنْ دَخَلَ مِنْكُنَّ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ، فَلَوْ دَخَلَتْ وَاحِدَةٌ مِرَارًا طَلُقَتْ بِكُلِّ مَرَّةٍ لِأَنَّ الدُّخُولَ أُضِيفَ إلَى جَمَاعَةٍ فَازْدَادَ عُمُومًا، كَذَا فِي الْغَايَةِ وَهِيَ غَرِيبَةٌ وَجَعَلَهُ فِي الْبَحْرِ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ (وَفِيهَا) كُلِّهَا (تَنْحَلُّ) أَيْ تَبْطُلُ (الْيَمِينُ) بِبُطْلَانِ التَّعْلِيقِ (إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ مَرَّةً إلَّا فِي كُلَّمَا فَإِنَّهُ يَنْحَلُّ بَعْدَ الثَّلَاثِ) لِاقْتِضَائِهَا عُمُومَ الْأَفْعَالِ   [رد المحتار] فَرْعٌ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا دُخُولُك أَوْ لَوْلَا أَبُوك أَوْ صِهْرُك لَا يَقَعُ وَكَذَا فِي الْإِخْبَارِ بِأَنْ قَالَ: طَلَّقْتُك بِالْأَمْسِ لَوْلَا كَذَا. اهـ. قُلْت: وَمِنْهَا أَفَادَ مَعْنَاهَا. فَفِي الْبَحْرِ: أَنْتِ طَالِقٌ بِدُخُولِ الدَّارِ أَوْ بِحَيْضِك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ أَوْ تَحِيضَ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْوَصْلِ وَالْإِلْصَاقِ وَإِنَّمَا يَتَّصِلُ الطَّلَاقُ وَيَلْصَقُ بِالدُّخُولِ إذَا تَعَلَّقَ بِهِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى دُخُولِك الدَّارَ إنْ قَبِلَتْ يَقَعُ وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الدُّخُولَ اسْتِعْمَالَ الْأَعْوَاضِ فَكَانَ الشَّرْطُ قَبُولَ الْعِوَضِ لَا وُجُودَهُ كَمَا لَوْ قَالَ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ. اهـ. قُلْت: وَقَدْ يَكُونُ الْكَلَامُ مُتَضَمِّنًا لِلتَّعَلُّقِ بِدُونِ تَصْرِيحٍ بِأَدَاتِهِ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ وَيَكْفِي مَعْنَى الشَّرْطِ إلَخْ، وَمِنْهُ مَا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْمُحِيطِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَدَخَلْت فَهَذَا يُخْبِرُ أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَّدَهُ بِالْيَمِينِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ لَمْ أَكُنْ دَخَلْت الدَّارَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ طَلُقَتْ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا دَخَلْت الدَّارَ يَتَعَلَّقُ بِالدُّخُولِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَوَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَهُوَ تَعْلِيقٌ وَيَمِينٌ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا طَلُقَتْ لِلْحَالِ ذَكَرَهُمَا فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ. اهـ. قُلْت: وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْطِفْ الْقَسَمَ تَعَيَّنَ مَا بَعْدَهُ جَوَابًا لَهُ وَصَارَ فَاصِلًا، فَلَمْ يَصِحَّ أَنْتِ طَالِقٌ لِلتَّعْلِيقِ فَتَنَجَّزَ وَمِنْهُ أَيْضًا عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا أَفْعَلُ كَذَا (قَوْلُهُ كَلَوْ) هَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهَا بِمَعْنَى الشَّرْطِ، خِلَافًا لِمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهَا لِتَحْقِيقِ عَدَمِ الشَّرْطِ فَلَا تَأْتِي لِلتَّعْلِيقِ عَلَى مَا فِيهِ خَطَرُ الْوُجُودِ (قَوْلُهُ تَعَلَّقَ بِدُخُولِهَا) كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِيهِ: عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ لَطَلَّقْتُك فَهَذَا رَجُلٌ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَيُطَلِّقَنَّهَا إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَإِذَا دَخَلَتْ لَزِمَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَلَا يَقَعُ إلَّا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا كَقَوْلِهِ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ. اهـ. بَحْرٌ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ أَوَائِلَ بَابِ الصَّرِيحِ (قَوْلُهُ فَازْدَادَ عُمُومًا) فِيهِ أَنَّ الْفِعْلَ لَا عُمُومَ لَهُ. وَعِبَارَةُ الْغَايَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ: لِأَنَّ الْفِعْلَ وَهُوَ الدُّخُولُ أُضِيفَ إلَى جَمَاعَةٍ فَيُرَادُ بِهِ عُمُومُهُ عُرْفًا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى اهـ فَمُرَادُهُ بِالْعُمُومِ التَّكْرَارُ (قَوْلُهُ وَهِيَ غَرِيبَةٌ) أَيْ لِمُخَالَفَتِهَا لِقَوْلِ الْمُتُونِ، وَفِيهَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ مَرَّةً إلَّا فِي كُلَّمَا، وَجَزَمَ بِغَرَابَتِهَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ، وَاسْتَشْكَلَهَا الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ وَجَعَلَهُ فِي الْبَحْرِ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ) ذَكَرَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ: فَفِيهَا إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ حَيْثُ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّ مَا فِي الْغَايَةِ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْقُنْيَةِ فِي مَسْأَلَةِ صُعُودِ السَّطْحِ اهـ وَنَقَلَ هُنَا عَنْ الْمِعْرَاجِ. وَعَنْ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ مَتَى تَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ غَيْرَ كُلَّمَا لَا يُوجِبُ التَّكْرَارَ اهـ فَأَفَادَ ضَعْفَ هَذَا الْقَوْلِ، وَضَعْفَ مَا عَنْ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَيْ تَبْطُلُ الْيَمِينُ) أَيْ تَنْتَهِي وَتَتِمُّ، وَإِذَا تَمَّتْ حَنِثَ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحِنْثُ ثَانِيًا إلَّا بِيَمِينٍ أُخْرَى لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لِلْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ لُغَةً نَهْرٌ (قَوْلُهُ بِبُطْلَانِ التَّعْلِيقِ) فِيهِ أَنَّ الْيَمِينَ هُنَا هِيَ التَّعْلِيقُ (قَوْلُهُ إلَّا فِي كُلَّمَا) فَإِنَّ الْيَمِينَ لَا تَنْتَهِي بِوُجُودِ الشَّرْطِ مَرَّةً، وَأَفَادَ حَصْرَهُ أَنَّ مَتَى لَا تُفِيدُ التَّكْرَارَ، وَقِيلَ تُفِيدُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 كَاقْتِضَاءِ كُلِّ عُمُومَ الْأَسْمَاءِ (فَلَا يَقَعُ إنْ نَكَحَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ إذَا دَخَلَتْ) كُلَّمَا (عَلَى التَّزَوُّجِ نَحْوُ: كُلَّمَا تَزَوَّجْت فَأَنْتِ كَذَا) لِدُخُولِهَا عَلَى سَبَبِ الْمِلْكِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَنَاهٍ، وَمِنْ لَطِيفِ مَسَائِلِهَا لَوْ قَالَ لِمَوْطُوءَتِهِ: كُلَّمَا طَلَّقْتُك   [رد المحتار] وَالْحَقُّ أَنَّهَا إنَّمَا تُفِيدُ عُمُومَ الْأَوْقَاتِ، فَفِي مَتَى خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقٌ الْمُفَادُ أَنَّ أَيَّ وَقْتٍ تَحَقَّقَ فِيهِ الْخُرُوجُ يَقَعُ الطَّلَاقُ ثُمَّ لَا يَقَعُ بِخُرُوجٍ آخَرَ، وَإِنْ الْمَقْرُونَةُ بِلَفْظِ أَبَدًا كَمَتَى، فَإِذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ أَبَدًا فَهِيَ كَذَا فَتَزَوَّجَهَا فَطَلُقَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ التَّأْبِيدَ إنَّمَا يَنْفِي التَّوْقِيتَ فَيَتَأَبَّدُ عَدَمُ التَّزَوُّجِ وَلَا يَتَكَرَّرُ، وَأَيُّ كَذَلِكَ، حَتَّى لَوْ قَالَ: أَيُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا نَهْرٌ. وَالْفَرْقُ أَنَّ لَفْظَ كُلٍّ لِلْعُمُومِ وَلَفْظَ أَيٍّ إنَّمَا يَعُمُّ بِعُمُومِ الصِّفَةِ، لِقَوْلِهِمْ فِي: أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْته فَهُوَ حُرٌّ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا وَاحِدًا لِأَنَّهُ أُسْنِدَ إلَى خَاصٍّ، وَفِي: أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَك يُعْتَقُ الْكُلُّ إذَا ضَرَبُوا لِإِسْنَادِهِ إلَى عَامٍّ، وَفِي: أَيُّ امْرَأَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنِّي فَهِيَ طَالِقٌ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ كَاقْتِضَاءِ كُلٍّ عُمُومَ الْأَسْمَاءِ) لِأَنَّ كُلَّمَا تَدْخُلُ عَلَى الْأَفْعَالِ وَكُلَّ تَدْخُلُ عَلَى الْأَسْمَاءِ، فَيُفِيدُ كُلٌّ مِنْهُمَا عُمُومَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ، فَإِذَا وُجِدَ فِعْلٌ وَاحِدٌ أَوْ اسْمٌ وَاحِدٌ فَقَدْ وُجِدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ وَالْأَسْمَاءِ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا فَيَحْنَثُ كُلَّمَا وُجِدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ طَلَقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ وَهِيَ مُتَنَاهِيَةٌ فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّمَا لِعُمُومِ الْأَفْعَالِ وَعُمُومُ الْأَسْمَاءِ ضَرُورِيٌّ، فَيَحْنَثُ بِكُلِّ فِعْلٍ حَتَّى تَنْتَهِيَ طَلَقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ، وَكُلُّ لِعُمُومِ الْأَسْمَاءِ وَعُمُومُ الْأَفْعَالِ ضَرُورِيٌّ؛ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَّا فِي كُلٍّ وَكُلَّمَا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي كُلٍّ وَإِنْ انْتَهَتْ فِي حَقِّ اسْمٍ بَقِيَتْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْمَاءِ. وَمِنْ فُرُوعِهَا، لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ تَدْخُلُ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ طَلُقَتْ وَلَوْ دَخَلْنَ طَلُقْنَ، فَإِنْ دَخَلَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ مَرَّةً أُخْرَى لَا تَطْلُقُ؛ وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا دَخَلَتْ فَدَخَلَتْ امْرَأَةٌ طَلُقَتْ، وَلَوْ دَخَلَتْ ثَانِيًا تَطْلُقُ وَكَذَا ثَالِثًا، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَعَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ دَخَلَتْ لَمْ تَطْلُقْ خِلَافًا لِزُفَرَ. وَمِنْهَا لَوْ قَالَ: كُلَّمَا دَخَلْت فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَلَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَدَخَلَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَلَمْ يَعْنِ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا يَقَعُ بِكُلِّ دَخْلَةٍ وَاحِدَةٌ، إنْ شَاءَ فَرَّقَهَا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ شَاءَ جَمَعَهَا عَلَى وَاحِدَةٍ بَحْرٌ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: فَرْعٌ يَكْثُرُ وُقُوعُهُ. قَالَ فِي السِّرَاجِ نَقْلًا عَنْ الْمُنْتَقَى قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَكُلَّمَا حَلَّتْ حَرُمَتْ فَتَزَوَّجَهَا فَبَانَتْ بِثَلَاثٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ يَجُوزُ، وَإِنْ عَنَى بِقَوْلِهِ كُلَّمَا حَلَّتْ حَرُمَتْ الطَّلَاقَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَرَادَ بِهِ طَلَاقًا فَهُوَ يَمِينٌ. اهـ. قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ قَوْلَهُ وَكُلَّمَا حَلَّتْ حَرُمَتْ لَيْسَ تَعْلِيقًا بِالْمِلْكِ الْخَاصِّ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ حِلُّهَا بِالْعَقْدِ لِجَوَازِ أَنْ تَرْتَدَّ ثُمَّ تُسْتَرَقَّ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَلَا يَقَعُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنَّهُ يَنْحَلُّ بَعْدَ الثَّلَاثِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعْ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ طَلَقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ وَهِيَ مُتَنَاهِيَةٌ كَمَا مَرَّ. أَمَّا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ الْآخَرُ قَبْلَ الثَّلَاثِ فَإِنَّهُ يَقَعُ مَا بَقِيَ (قَوْلُهُ لِدُخُولِهَا عَلَى سَبَبِ الْمِلْكِ) أَيْ التَّزَوُّجِ، فَكُلَّمَا وُجِدَ هَذَا الشَّرْطُ وُجِدَ مِلْكُ الثَّلَاثِ فَيَتْبَعُهُ جَزَاؤُهُ بَحْرٌ، وَفِيهِ عَنْ الْكَافِي وَغَيْرِهِ: لَوْ قَالَ كُلَّمَا نَكَحْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَنَكَحَهَا فِي يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَوَطِئَهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ وَعَلَيْهِ مَهْرَانِ وَنِصْفٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: بَانَتْ بِثَلَاثٍ، وَعَلَيْهِ أَرْبَعَةُ مُهُورٍ وَنِصْفٌ. اهـ. قُلْت: وَوَجَّهَهُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَهَا أَوَّلًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَوَجَبَ نِصْفُ مَهْرٍ، فَإِذَا دَخَلَ بِهَا وَجَبَ مَهْرٌ كَامِلٌ لِأَنَّهُ وَطْءٌ بِشُبْهَةٍ فِي الْمَحَلِّ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا وَقَعَتْ أُخْرَى وَهَذَا طَلَاقٌ بَعْدَ الدُّخُولِ مَعْنًى، فَإِنَّ مَنْ تَزَوَّجَ الْمُعْتَدَّةَ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يَكُونُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ طَلَاقًا بَعْدَ الدُّخُولِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً تَقَعُ ثِنْتَانِ، وَفِي: كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي يَقَعُ ثَلَاثٌ لِتَكْرَارِ الْوُقُوعِ لَكِنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ (وَزَوَالُ الْمِلْكِ)   [رد المحتار] مَعْنًى فَيَجِبُ مَهْرٌ كَامِلٌ فَصَارَ مَهْرَانِ وَنِصْفٌ، فَإِذَا دَخَلَ بِهَا وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ عَنْ رَجْعِيٍّ صَارَ مُرَاجِعًا وَلَا يَجِبُ بِالْوَطْءِ شَيْءٌ، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا ثَالِثًا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ مَنْكُوحَتُهُ. اهـ. (وَقَوْلُهُ لِتَكْرَارِ الْوُقُوعِ) إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ عَلَّقَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَى إيقَاعِهِ الطَّلَاقَ، فَإِذَا طَلَّقَ مَرَّةً يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا مَرَّةً أُخْرَى، وَلَا تَقَعُ الثَّالِثَةُ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ وَاقِعَةٌ وَلَيْسَتْ بِمُوقَعَةٍ، بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ فِيهِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ الصَّادِقِ بِالْإِيقَاعِ فَإِنَّ الْإِيقَاعَ يَسْتَلْزِمُ الْوُقُوعَ، فَإِذَا طَلَّقَهَا مَرَّةً وُجِدَ الشَّرْطُ فَتَقَعُ أُخْرَى، وَبِوُقُوعِ أُخْرَى وُجِدَ شَرْطٌ آخَرُ فَتَقَعُ أُخْرَى. اهـ. ح. مَطْلَبٌ الْمُنْعَقِدُ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا أَيْمَانٌ مُنْعَقِدَةٌ لِلْحَالِ لَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ. [تَنْبِيهٌ] الْمُنْعَقِدُ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا أَيْمَانٌ مُنْعَقِدَةٌ لِلْحَالِ لِأَنَّ كُلَّمَا بِمَنْزِلَةِ تَكْرَارِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ وَعَلَيْهَا الْفَتْوَى لِأَنَّهَا أَحْوَطُ وَفِي رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ: الْمُنْعَقِدُ لِلْحَالِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَيَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كُلَّمَا حَنِثَ. اهـ. مُحِيطٌ. وَيَنْبَغِي أَنْ تَظْهَرَ الثَّمَرَةُ فِيمَا إذَا قَالَ: كُلَّمَا حَلَفْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ عَلَّقَ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا فَيَقَعُ الْآنَ ثَلَاثٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَوَاحِدَةٌ عَلَى الثَّانِي. وَفِي قَضَاءِ الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ: كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ كَذَا ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا وَفَسَخَ الْيَمِينَ شَافِعِيٌّ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ، فَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ وَهِيَ الْأَصَحُّ يَحْتَاجُ إلَى الْحُكْمِ بِالْفَسْخِ ثَانِيًا بَحْرٌ مُلَخَّصًا [مَطْلَبٌ زَوَالُ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ] (قَوْلُهُ وَزَوَالُ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ) أَيْ زَوَالُهُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَأَطْلَقَهُ اكْتِفَاءً بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَبْطُلُ بِزَوَالِ الْحِلِّ: أَيْ بِتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ، نَعَمْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ مَعَ اللِّحَاقِ خِلَافًا لَهُمَا. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْبُطْلَانَ فِيهِ لِخُرُوجِ الْمُعَلَّقِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ لَا لِزَوَالِ الْمِلْكِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ عِتْقَ مُدَبَّرَيْهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ دَلِيلُ زَوَالِ مِلْكِهِ، وَقَيَّدَ بِزَوَالِ الْمِلْكِ لِأَنَّ زَوَالَ مَحَلِّ الْبِرِّ مُبْطِلٌ لِلْيَمِينِ كَمَا مَرَّ فَإِنْ قُلْت: قَدْ جَعَلُوا زَوَالَ الْمِلْكِ مُبْطِلًا لِلْيَمِينِ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَخَرَجَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَمْ يَحْنَثْ وَبَطَلَتْ الْيَمِينُ بِالْبَيْنُونَةِ، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا ثُمَّ خَرَجَتْ بِلَا إذْنٍ لَمْ يَحْنَثْ. قُلْت: الْيَمِينُ مُقَيَّدَةٌ بِحَالِ وِلَايَةِ الْإِذْنِ وَالْمَنْعِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَذَلِكَ حَالُ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ فَسَقَطَ الْيَمِينُ بِزَوَالِ الزَّوْجِيَّةِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ فَقَضَى دَيْنَهُ ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يَحْنَثْ، بِخِلَافِ إلَّا بِإِذْنِ فُلَانٍ وَلَا مُعَامَلَةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ بَحْرٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا لَمْ تَبْطُلْ لِزَوَالِ الْمِلْكِ بَلْ لِفَقْدِ شَرْطٍ قُيِّدَتْ بِهِ الْيَمِينُ وَنَظِيرُهُ: لَوْ حَلَّفَهُ الْوَالِي لِيُعْلِمَنهُ بِكُلِّ مُفْسِدٍ تَقَيَّدَ بِحَالِ قِيَامِ وِلَايَتِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ. [تَنْبِيهٌ] اسْتَثْنَى فِي الْبَحْرِ مِنْ عَدَمِ بُطْلَانِهَا بِزَوَالِ الْمِلْكِ فَرْعًا. فِي الْقُنْيَةِ: إنْ سَكَنْت فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَخَرَجَ عَلَى الْفَوْرِ وَخَلَعَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ سَكَنَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَتُهُ وَقْتَ وُجُودِ الشَّرْطِ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَقَدْ بَطَلَتْ الْيَمِينُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ هُنَا، فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ كَوْنِ الْجَزَاءِ فَأَنْتِ طَالِقٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 مِنْ نِكَاحٍ أَوْ يَمِينٍ (لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ) فَلَوْ أَبَانَهَا أَوْ بَاعَهُ ثُمَّ نَكَحَهَا أَوْ اشْتَرَاهُ فَوُجِدَ الشَّرْطُ طَلُقَتْ وَعَتَقَ لِبَقَاءِ التَّعْلِيقِ بِبَقَاءِ مَحَلِّهِ (وَتَنْحَلُّ) الْيَمِينُ (بَعْدَ) وُجُودِ (الشَّرْطِ مُطْلَقًا) لَكِنْ إنْ وُجِدَ فِي الْمِلْكِ طَلُقَتْ وَعَتَقَ وَإِلَّا لَا، فَحِيلَةُ مَنْ عَلَّقَ الثَّلَاثَ بِدُخُولِ الدَّارِ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ بَعْدَ الْعِدَّةِ تَدْخُلُهَا فَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ فَيَنْكِحُهَا   [رد المحتار] وَبَيْنَ كَوْنِهِ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لَمْ تَبْقَ امْرَأَتُهُ فَلْيُحْفَظْ هَذَا فَإِنَّهُ حَسَنٌ جِدًّا. اهـ. وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي الْفُرُوعِ. وَحَاصِلُهُ تَقْيِيدُ قَوْلِهِمْ زَوَالُ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْجَزَاءُ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، أَمَّا لَوْ كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ. أَقُولُ: مَا فِي الْقُنْيَةِ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الشَّرْطِ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا وَقْتَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَيْسَتْ امْرَأَتَهُ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَظْهَرِ. فَفِي الْقُنْيَةِ أَيْضًا: إنْ فَعَلْت كَذَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَفَعَلَ أَحَدَ الْفِعْلَيْنِ حَتَّى بَانَتْ امْرَأَتُهُ ثُمَّ فَعَلَ الْآخَرَ، فَقِيلَ لَا يَقَعُ الثَّانِي لِأَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَتَهُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَقِيلَ يَقَعُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ الْأَظْهَرَ اعْتِبَارُ حَالَةِ التَّعْلِيقِ لَا حَالَةَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَهِيَ فِي حَالَةِ التَّعْلِيقِ كَانَتْ امْرَأَتَهُ فَلَا يَضُرُّ بَيْنُونَتُهَا بَعْدَهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا أَطْلَقَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ هُنَا، وَلِمَا صَرَّحُوا بِهِ أَيْضًا فِي الْكِنَايَاتِ مِنْ أَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ إلَّا إذَا كَانَ الْبَائِنُ مُعَلَّقًا قَبْلَ إيجَادِ الْمُنَجَّزِ الْبَائِنِ، كَقَوْلِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ دَخَلَتْ بَانَتْ بِأُخْرَى وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ حَالَةِ التَّعْلِيقِ، فَإِنَّهَا كَانَتْ امْرَأَةً لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ وَلَوْ اعْتَبَرَ حَالَةَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَزِمَ أَنْ لَا يَقَعَ الْمُعَلَّقُ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَجِّحَ اعْتِبَارُ حَالَةِ التَّعْلِيقِ. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ: الْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ لَا لِلتَّقْيِيدِ فِيمَا لَوْ قَالَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتِي مِنْ الدَّارِ وَعَلَيْهِ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَطَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَخَرَجَتْ، أَوْ قَالَ إنْ قَبَّلْتُ امْرَأَتِي فُلَانَةَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَقَبَّلَهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ يَحْنَثُ فِيهِمَا لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلتَّعْرِيفِ لَا لِلتَّقْيِيدِ اهـ وَكَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ: لَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْتُ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَلَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَدَخَلَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ إلَخْ فَإِنَّ تَصْرِيحَهُ بِأَنَّ لَهُ أَنْ يَجْمَعَهَا عَلَى وَاحِدَةٍ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَوْطُوءَةٍ وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّهَا وَقْتَهُ كَانَتْ امْرَأَتَهُ فَدَخَلَتْ فِي الْأَيْمَانِ الثَّلَاثِ، وَلِمَا عَلِمْت مِنْ تَرْجِيحِ أَنَّ الْمُنْعَقِدَ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا أَيْمَانٌ مُنْعَقِدَةٌ لِلْحَالِ، وَيَنْبَغِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ كُلَّمَا حَنِثَ يَنْعَقِدُ يَمِينٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ جَمْعَهَا عَلَى وَاحِدَةٍ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْحِنْثِ لَمْ تَبْقَ امْرَأَتَهُ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ بَعْدَهُ، لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي آخِرِ الْكِنَايَاتِ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي لَا تَدْخُلُ الْمُبَانَةُ بِالْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهَا فَاغْتَنِمْ تَحْقِيقَ هَذَا الْمَقَامِ وَعَلَيْك السَّلَامُ (قَوْلُهُ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ يَمِينٍ) بَيَانٌ لِلْمِلْكِ، وَقَوْلُهُ فَلَوْ أَبَانَهَا أَوْ بَاعَهُ إلَخْ تَفْرِيعٌ عَلَيْهِمَا بِطَرِيقِ النَّشْرِ الْمُرَتَّبِ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَبَانَهَا) أَيْ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ [مَطْلَبٌ فِي اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي وُجُودِ الشَّرْطِ] (قَوْلُهُ وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ إلَخْ) لَا تَكْرَارَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ وَفِيهَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ مَرَّةً لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ الِانْحِلَالُ بِمَرَّةٍ فِي غَيْرِ كُلَّمَا وَهُنَا مُجَرَّدُ الِانْحِلَالِ اهـ ح وَلِأَنَّهُ هُنَا بَيَّنَ انْحِلَالَهَا بِوُجُودِهَا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ ط (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ أَوْ لَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّاحِقُ ح (قَوْلُهُ لَكِنْ إنْ وُجِدَ فِي الْمِلْكِ طَلُقَتْ) أَطْلَقَ الْمِلْكَ فَشَمِلَ مَا إذَا وُجِدَ فِي الْعِدَّةِ وَالْمُرَادُ وُجُودُ تَمَامِهِ فِي الْمِلْكِ لَا جَمِيعُهُ، حَتَّى لَوْ قَالَ: إنْ حِضْت حَيْضَتَيْنِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَحَاضَتْ الْأُولَى فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَالثَّانِيَةَ فِي مِلْكِهِ طَلُقَتْ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ عَلَّقَ الثَّلَاثَ بِشَيْئَيْنِ يَقَعُ الْمُعَلَّقُ إنْ وُجِدَ الثَّانِي فِي الْمِلْكِ وَإِلَّا لَا (قَوْلُهُ فَحِيلَةُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَإِلَّا لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 (فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ) أَيْ ثُبُوتِهِ لِيَعُمَّ الْعَدَمِيَّ (فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ) لِإِنْكَارِهِ الطَّلَاقَ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِعَدَمِ وُصُولِ نَفَقَتِهَا أَيَّامًا فَادَّعَى الْوُصُولَ وَأَنْكَرَتْ أَنَّ الْقَوْلَ لَهُ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْقُنْيَةِ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الْقَوْلَ لَهَا، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَهُوَ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْمُتُونِ؛ لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَجَزَمَ شَيْخُنَا فِي فَتْوَاهُ بِمَا تُفِيدُهُ الْمُتُونُ وَالشُّرُوحُ لِأَنَّهَا الْمَوْضُوعَةُ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ كَمَا لَا يَخْفَى   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي وُجُودِ الشَّرْطِ (قَوْلُهُ فِي وُجُودِ الشَّرْطِ) أَيْ أَصْلًا أَوْ تَحَقُّقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: أَيْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ أَصْلِ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ أَوْ فِي تَحَقُّقِ الشَّرْطِ بَعْدَ التَّعْلِيقِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ أَوْ الشَّرْطَ فَالْقَوْلُ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ النَّسَفِيُّ: ادَّعَى الزَّوْجُ الِاسْتِثْنَاءَ وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ لَهَا وَلَا يُصَدَّقُ بِلَا بَيِّنَةٍ، وَإِنْ ادَّعَى تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالشَّرْطِ وَادَّعَتْ الْإِرْسَالَ فَالْقَوْلُ لَهُ اهـ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ الِاخْتِلَافَ فِي دَعْوَى الِاسْتِثْنَاءِ. وَظَاهِرُ مَا ذُكِرَ عَنْ النَّسَفِيِّ أَنَّ الِاخْتِلَافَ غَيْرُ جَارٍ فِي دَعْوَى الشَّرْطِ تَأَمَّلْ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: ادَّعَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَالزَّوْجُ يَقُولُ طَلَّقْتهَا بِالشَّرْطِ وَلَمْ يُوجَدْ فَالْبَيِّنَةُ فِيهِ لِلْمَرْأَةِ؛ وَلَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَلَفَ لَا يَضْرِبُهَا وَادَّعَى هُوَ أَنَّهُ لَا يَضْرِبُهَا مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَيَثْبُتُ كِلَا الْأَمْرَيْنِ وَتَطْلُقُ بِأَيِّهِمَا كَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ لِيَعُمَّ الْعَدَمِيَّ) نَحْوُ إنْ لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ الْيَوْمَ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وُجُودَهُ إلَّا مِنْهَا فَفِيهِ الْقَوْلُ لَهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ لِإِنْكَارِهِ الطَّلَاقَ) أَيْ إنْكَارِهِ وُقُوعَهُ؛ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ التَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ مِثْلَ: إنْ لَمْ أُجَامِعْك فِي حَيْضَتِك فَالْقَوْلُ لَهُ أَنَّهُ جَامَعَهَا مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: كَوْنُ الْأَصْلِ عَدَمَ الْعَارِضِ، وَكَوْنُ الْحُرْمَةِ مَانِعَةً لَهُ مِنْ الْجِمَاعِ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ إطْلَاقِ قَوْلِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ (قَوْلُهُ إنَّ الْقَوْلَ لَهُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْجُمْلَةُ جَوَابُ لَوْ، وَهِيَ وَجَوَابُهَا خَبَرُ أَنَّ الْأُولَى الْمَفْتُوحَةِ الْهَمْزَةِ وَالْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ مِنْ الْمَفْتُوحَةِ وَجُمْلَتِهَا خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَهُوَ مُفَادُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُتُونِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِعَدَمِ وُصُولِ نَفَقَتِهَا شَهْرًا ثُمَّ ادَّعَى الْوُصُولَ وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَقَوْلُهَا فِي عَدَمِ وُصُولِ الْمَالِ إلَخْ (قَوْلُهُ فَادَّعَى الْوُصُولَ) أَيْ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ الْمُعَيَّنَةِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَالذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْقُنْيَةِ) كَذَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، لَكِنْ الَّذِي رَأَيْته فِي الْقُنْيَةِ رَامِزًا لِلْعُيُونِ وَلِلْأَصْلِ الْقَوْلُ لِلْمَرْأَةِ، ثُمَّ رَمَزَ لِلْمُنْتَقَى عَلَى الْعَكْسِ: أَيْ الْقَوْلُ لِلرَّجُلِ (قَوْلُهُ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ فِي فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ، قِيلَ الْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْوُقُوعَ، لَكِنْ لَا يَثْبُتُ وُصُولُ النَّفَقَةِ إلَيْهَا. وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِي هَذَا وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَدَّعِي إيفَاءَ حَقٍّ وَهِيَ تُنْكِرُ. اهـ. وَقَالَ هُنَا: وَكَأَنَّهُ ثَبَتَ فِي ضِمْنِ قَبُولِ قَوْلِهَا فِي عَدَمِ وُصُولِ الْمَالِ. اهـ. وَنَقَلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَيْضًا تَصْحِيحَهُ عَنْ الْفَيْضِ وَالْفُصُولِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِرَمْزِ فَوَائِدِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ النَّفَقَةِ: لَوْ نَشَزَتْ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَطْلُقَ لِأَنَّهَا لَمَّا نَشَزَتْ لَمْ يَبْقَ لَهَا نَفَقَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْمُتُونِ) أَيْ تَخْصِيصَهَا بِكَوْنِ الْقَوْلِ لَهُ إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ دَعْوَى إيصَالِ مَالٍ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ (قَوْلُهُ وَجَزَمَ شَيْخُنَا) يَعْنِي الشَّيْخَ زَيْنَ بْنَ نُجَيْمٍ صَاحِبَ الْبَحْرِ، حَيْثُ سُئِلَ عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لِدَائِنِهِ أَنَّهُ يَدْفَعُ لَهُ الدَّيْنَ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الدَّفْعِ بِيَمِينِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَلَا يَبْرَأُ مِنْ الدَّيْنِ، وَيَحْلِفُ الدَّائِنُ عَلَى عَدَمِ الْقَبْضِ وَيَسْتَحِقُّهُ اهـ قُلْت: وَهَذَا نَظِيرُ الْمَأْمُورِ بِدَفْعِ الدَّيْنِ إذَا ادَّعَى الدَّفْعَ مِنْ مَالِ الْآمِرِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي حَقِّ بَرَاءَةِ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ بَرَاءَةِ الْآمِرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 إلَّا إذَا بَرْهَنَتْ) فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ عَلَى الشَّرْطِ وَإِنْ كَانَ نَفْيًا كَإِنْ لَمْ تَجِئْ صِهْرَتِي اللَّيْلَةَ فَامْرَأَتِي كَذَا فَشَهِدَ أَنَّهَا لَمْ تَجِئْهُ قُبِلَتْ وَطَلُقَتْ مِنَحٌ وَفِي التَّبْيِينِ: إنْ لَمْ أُجَامِعْك فِي حَيْضَتِك فَأَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ قَالَ جَامَعْتُك إنْ حَائِضًا فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ وَإِلَّا لَا.   [رد المحتار] هَذَا، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُنْيَةِ وَعَنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ فَقَطْ: أَحَدُهُمَا الْقَوْلُ بِالتَّفْصِيلِ. وَالْآخَرُ كَوْنُ الْقَوْلِ لِلْمَرْأَةِ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ وَفِي حَقِّ عَدَمِ وُصُولِ الْمَالِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْقَوْلِ لِلرَّجُلِ فِي الْأَمْرَيْنِ فَلَا قَائِلَ بِهِ خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ، وَكَذَا صَاحِبُ نُورِ الْعَيْنِ مِنْ كَلَامِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ الْقَوْلَ لِلرَّجُلِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْحُكْمِ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْقَوْلَ لَهَا وَأَنَّهُ الْأَصَحُّ، ثُمَّ رَمَزَ لِلذَّخِيرَةِ التَّفْصِيلَ، فَتَوَهَّمَ مِنْهُ أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْقَوْلَ لَهُ فِي إيفَاءِ الْمَالِ إلَيْهَا أَوْ إلَى الدَّائِنِ أَصْلًا، إذْ لَا وَجْهَ لَهُ مَعَ مَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ اتِّخَاذِ ذَلِكَ حِيلَةً لِكُلِّ مَدْيُونٍ أَرَادَ مَنْعَ الْحَقِّ عَنْ مُسْتَحِقِّهِ حَيْثُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَلِّقَ الطَّلَاقَ عَلَى عَدَمِ الْأَدَاءِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ يَدَّعِيَ الْأَدَاءَ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُفَادُ مِنْ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ، فَعُلِمَ أَنَّ مَا حَكَاهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ آخِرًا هُوَ الْمُرَادُ بِالْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوَّلًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْحُكْمِ: أَيْ حُكْمِ التَّعْلِيقِ وَهُوَ الْحِنْثُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا بَرْهَنَتْ) وَكَذَا لَوْ بَرْهَنَ غَيْرُهَا لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ دَعْوَى الْمَرْأَةِ لِلطَّلَاقِ وَلَا أَنْ تُبَرْهِنَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْمَرْأَةِ تُقْبَلُ حِسْبَةً بِلَا دَعْوَى؛ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ؛ وَلَوْ بَرْهَنَا فَالظَّاهِرُ تَرْجِيحُ بُرْهَانِهَا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَوْلُ لَهُ كَانَ بُرْهَانُهُ لَغْوًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ فِيمَا لَوْ ادَّعَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِلَا شَرْطٍ إلَخْ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ نَفْيًا) لِأَنَّهَا عَلَى النَّفْيِ صُورَةً وَعَلَى إثْبَاتِ الطَّلَاقِ حَقِيقَةً، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَقَاصِدِ لَا لِلصُّورَةِ كَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَسْلَمَ وَاسْتَثْنَى وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ تُقْبَلُ الثَّانِيَةُ وَلَوْ كَانَ فِيهَا نَفْيٌ، إذْ غَرَضُهُمَا إثْبَاتُ إسْلَامِهِ. وَيَشْكُلُ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ: لَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ فَشَهِدَا بِنَحْرِهِ بِالْكُوفَةِ لَمْ يُعْتَقْ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِأَنَّهَا شَهَادَةُ نَفْيِ مَعْنًى لِأَنَّهَا بِمَعْنَى لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ النَّفْيِ لَا تُقْبَلُ عَلَى الشَّرْطِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ إنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَوْجَهُ، لَكِنْ قِيلَ إنَّ عِلَّةَ عَدَمِ الْعِتْقِ اشْتِرَاطُ الدَّعْوَى فِي شَهَادَةِ عِتْقِ الْعَبْدِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَتْ أَمَةً تُعْتَقُ اتِّفَاقًا إذْ لَا تُشْتَرَطُ دَعْوَاهَا، فَحِينَئِذٍ لَا إشْكَالَ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ) أَيْ فَلَا يَتَّهِمُ، أَمَّا إنْ كَانَتْ طَاهِرَةً فَلَا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ يُرِيدُ إبْطَالَ حُكْمٍ وَاقِعٍ فِي الظَّاهِرِ لِوُجُودِ وَقْتِ السُّنَّةِ، وَقَدْ اعْتَرَفَ بِالسَّبَبِ لِأَنَّ الْمُضَافَ سَبَبٌ لِلْحَالِ زَيْلَعِيٌّ. قُلْت: وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ الِاعْتِرَافَ بِالسَّبَبِ إنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَ ثُبُوتِ الشَّرْطِ وَقَدْ أَنْكَرَ الشَّرْطَ، نَعَمْ هَذَا يَظْهَرُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ بِدُونِ تَعْلِيقٍ. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْكَافِي: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْمَوْطُوءَةِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ لَا يَقَعُ إلَّا فِي طُهْرٍ خَالٍ عَنْ الطَّلَاقِ، وَالْوَطْءِ عَقِيبَ حَيْضٍ خَالٍ عَنْ الطَّلَاقِ وَالْوَطْءِ، فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ وَادَّعَى الزَّوْجُ جِمَاعَهَا أَوْ طَلَاقَهَا فِي الْحَيْضِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي مَنْعِ الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ لِانْعِقَادِ الْمُضَافِ سَبَبًا لِلْحَالِ، وَإِنَّمَا يَتَرَاخَى حُكْمُهُ فَقَطْ، فَدَعْوَى الطَّلَاقِ أَوْ الْجِمَاعِ بَعْدَهُ دَعْوَى الْمَانِعِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي مَنْعِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ، لَكِنْ يَقَعُ طَلَاقٌ آخَرُ بِإِقْرَارِهِ بِالطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ، وَإِنْ ادَّعَى الطَّلَاقَ أَوْ الْجِمَاعَ وَهِيَ حَائِضٌ صُدِّقَ، وَلَوْ قَالَ: إنْ لَمْ أُجَامِعْك فِي حَيْضَتِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَادَّعَى الْجِمَاعَ فِي الْحَيْضِ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ إنَّمَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا عِنْدَ الشَّرْطِ لِمَا عُرِفَ، فَإِذَا أَنْكَرَ الشَّرْطَ فَقَدْ أَنْكَرَ السَّبَبَ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 قُلْت: فَالْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ وَالْآتِيَةُ لَيْسَتَا عَلَى إطْلَاقِهِمَا (وَمَا لَا يُعْلَمُ) وُجُودُهُ (إلَّا مِنْهَا صُدِّقَتْ فِي حَقِّ نَفْسِهَا خَاصَّةً) اسْتِحْسَانًا بِلَا يَمِينٍ نَهْرٌ بَحْثًا،   [رد المحتار] لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ ثُمَّ ادَّعَى قُرْبَانَهَا فِي الْمُدَّةِ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ سَبَبٌ فِي الْحَالِ لَكِنْ تَرَاخَى وُقُوعُ الطَّلَاقِ إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَقَدْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَوَقَعَ ظَاهِرًا، فَدَعْوَى الْقُرْبَانِ دَعْوَى الْمَانِعِ فَلَا يُقْبَلُ؛ وَلَوْ ادَّعَى الْقُرْبَانَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ بَعْدُ، وَقَدْ أَخْبَرَ عَمَّا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَوْ قَالَ: إنْ لَمْ أَقْرَبْك فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ ثُمَّ ادَّعَى الْقُرْبَانَ فِي الْمُدَّةِ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ، فَمَتَى أَنْكَرَ الشَّرْطَ فَقَدْ أَنْكَرَ السَّبَبَ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ اهـ فَهَذَا كَمَا تَرَى مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَالْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ) هِيَ قَوْلُهُ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ إلَخْ، وَالْآتِيَةُ هِيَ قَوْلُهُ إنْ حِضْت كَمَا بَيَّنَهُ الشَّارِحُ فِيهَا ح. وَالْأَحْسَنُ تَفْسِيرُ الْآتِيَةِ بِقَوْلِهِ وَمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا إلَخْ (قَوْلُهُ لَيْسَتَا عَلَى إطْلَاقِهِمَا) فَتُقَيَّدُ الْأُولَى بِمَا إذَا كَانَ يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ، وَتُقَيَّدُ الْآتِيَةُ بِمَا إذَا كَانَ لَا يَمْلِكُهُ أَخْذًا مِنْ هَذَا التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ هُنَا وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ تَبِعَ فِيهِ ابْنَ كَمَالٍ فِي شَرْحِ الِاصْطِلَاحِ وَفِيهِ بَحْثٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِمَا عَلِمْت مِنْ مُخَالَفَةِ هَذَا التَّفْصِيلِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْكَافِي، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الِاخْتِلَافَ هُنَا فِي الْجِمَاعِ لَا فِي الْحَيْضِ، وَالْجِمَاعُ لَيْسَ مِمَّا لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ إلَّا مِنْهَا لِأَنَّ الرَّجُلَ يَعْلَمُهُ لِكَوْنِهِ فَعَلَهُ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَقْيِيدُ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ هُمَا قَاعِدَتَانِ تَحْتَهُمَا مَسَائِلُ جُزْئِيَّةٌ لَهُمَا، قَدْ أَطْلَقَ بَعْضَهَا وَصَرَّحَ فِي بَعْضِهَا بِمَا يُخَالِفُ هَذَا التَّفْصِيلَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ النَّفَقَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَالْقُنْيَةِ مِنْ دَعْوَى الْوُصُولِ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ الْمُعَيَّنَةِ وَكَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَافِي قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ أَقْرَبْك فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ أَنَّ الدَّعْوَى بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَقَدْ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُعْلَمُ مِنْ غَيْرِهَا تَوَقَّفَ الْوُقُوعُ عَلَى تَصْدِيقِهِ أَوْ الْبَيِّنَةِ كَالدُّخُولِ وَالْكَلَامِ اتِّفَاقًا. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ عَلَّقَ بِوِلَادَتِهَا، فَقَالَا: يَقَعُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ، وَعِنْدَهُ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ جَوْهَرَةٌ، وَلَا يَشْمَلُ مَا لَوْ قَالَ إنْ شَرِبْتُ مُسْكِرًا بِغَيْرِ إذْنِك فَأَمْرُك بِيَدِك وَشَرِبَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ مَعَ أَنَّ الْإِذْنَ لَا يُسْتَفَادُ إلَّا مِنْهَا لَكِنْ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ بِالْقَوْلِ بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَالْمَحَبَّةِ (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّهَا تَدَّعِي شَرْطَ الْحِنْثِ عَلَى الزَّوْجِ وَوُقُوعَ الطَّلَاقِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَا تُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ قِبَلِهَا؛ وَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُخْبِرَ كَيْ لَا تَقَعَ فِي الْحَرَامِ، إذْ الِاجْتِنَابُ عَنْهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا شَرْعًا فَيَجِبُ طَرِيقُهُ وَهُوَ الْإِخْبَارُ فَتَعَيَّنَتْ لَهُ، فَيَجِبُ قَبُولُ قَوْلِهَا لِتَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ نَهْرٌ بَحْثًا) أَصْلُ الْبَحْثِ لِأَخِيهِ صَاحِبِ الْبَحْرِ، حَيْثُ قَالَ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ إنَّ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ بِإِخْبَارِهَا وَقَدْ وُجِدَ، وَلَا فَائِدَةَ فِي التَّحْلِيفِ لِأَنَّهُ وَقَعَ بِقَوْلِهَا وَالتَّحْلِيفُ لِرَجَاءِ النُّكُولِ، وَهِيَ لَوْ أَخْبَرَتْ ثُمَّ قَالَتْ كُنْت كَاذِبَةً لَا يَرْتَفِعُ الطَّلَاقُ لِتَنَاقُضِهَا اهـ لَكِنْ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ: نَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ رَمْزِ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّ عَلَيْهَا الْيَمِينَ بِالْإِجْمَاعِ، إذْ لَيْسَ هَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ قَوْلِهِمْ كُلُّ مَنْ قُبِلَ قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ. اهـ. قُلْت: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِمَا عَلِمْت مِنْ عَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي التَّحْلِيفِ، وَمِنْ وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ، وَعَدَمُ ذِكْرِهَا فِي الْمُسْتَثْنَيَاتِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ كَوْنِهَا مِنْهَا، فَكَمْ مِنْ أَصْلٍ اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ أَشْيَاءُ مَعَ بَقَاءِ غَيْرِهَا لِكَوْنِ ذَلِكَ بِحَسَبِ مَا خَطَرَ فِي ذِهْنِ الْمُسْتَثْنِي وَلَا سِيَّمَا مَعَ ظُهُورِ الْوَجْهِ، نَعَمْ هَذَا فِي الْقَضَاءِ ظَاهِرٌ؟ وَأَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَيَنْبَغِي التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْحَيْضِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 وَمُرَاهِقَةٌ كَالْبَالِغَةِ وَاحْتِلَامٌ كَحَيْضٍ فِي الْأَصَحِّ (كَقَوْلِهِ إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ، أَوْ إنْ كُنْت تُحِبِّينَ عَذَابَ اللَّهِ فَأَنْتِ كَذَا أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ، فَلَوْ قَالَتْ حِضْت) وَالْحَيْضُ قَائِمٌ، فَإِنْ انْقَطَعَ   [رد المحتار] وَالْمَحَبَّةِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الطَّلَاقِ بِإِخْبَارِهَا قَضَاءً وَدِيَانَةً إنَّمَا هُوَ فِي الْمَحَبَّةِ، أَمَّا فِي الْحَيْضِ فَلَا تَطْلُقُ دِيَانَةً إلَّا إذَا كَانَتْ صَادِقَةً كَمَا تَعْرِفُهُ قَرِيبًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمُرَاهِقَةٌ كَبَالِغَةٍ) وَأَمَّا حُكْمُ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا يَحِيضُ مِثْلُهَا وَالْآيِسَةِ؛ فَقَالَ فِي النَّهْرِ لَمْ أَرَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ مِنْ الْآيِسَةِ لَا الصَّغِيرَةِ (قَوْلُهُ وَاحْتِلَامٌ كَحَيْضٍ فِي الْأَصَحِّ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَاخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ احْتَلَمْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَالَ احْتَلَمْت، فَرَوَى هِشَامٌ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُصَدَّقُ لِأَنَّ الِاحْتِلَامَ لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُ كَالْحَيْضِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ إنْ حِضْت إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَحَبَّةِ كَالتَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ إلَّا فِي شَيْئَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَحَبَّةِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ تَخْيِيرًا، حَتَّى لَوْ قَامَتْ وَقَالَتْ أُحِبُّك لَا تَطْلُقُ، وَالتَّعْلِيقُ بِالْحَيْضِ لَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ. الثَّانِي أَنَّهَا إنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فِي الْإِخْبَارِ تَطْلُقُ فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَحَبَّةِ لِمَا قُلْنَا. وَفِي التَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ لَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى زَيْلَعِيٌّ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ: وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كُنْت تُحِبِّينَ كَذَا وَكَذَا لِشَيْءٍ يَعْرِفُ أَنَّهَا تُحِبُّهُ أَوْ لَا تُحِبُّهُ كَالْمَوْتِ وَالْعَذَابِ فَقَالَتْ أَنَا أُحِبُّهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا، وَكَذَا إنْ كُنْت تُبْغِضِينَ كَذَا لِشَيْءٍ يَعْلَمُ أَنَّهَا تُحِبُّهُ كَالْحَيَاةِ وَالْغِنَى فَقَالَتْ أَنَا أُبْغِضُهُ فَهِيَ طَالِقٌ، وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ كُنْت تُحِبِّينَ كَذَا فَقَالَتْ لَسْت أُحِبُّهُ وَهِيَ كَاذِبَةٌ لَمْ يَقَعْ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ كُنْت أَنَا أُحِبُّ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ لَسْت أُحِبُّهُ وَهُوَ كَاذِبٌ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَطَأَهَا وَكَذَلِكَ الْيَمِينُ عَلَى الْبُغْضِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: إنْ كُنْت تُحِبِّينَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِك أَوْ تُرِيدِينَهُ أَوْ تَشْتَهِينَهُ بِقَلْبِك دُونَ لِسَانِك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَقَالَتْ لَا أَشَاءُ وَلَا أُحِبُّ وَلَا أَهْوَى وَلَا أُرِيدُ وَلَا أَشْتَهِي فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَلَا تُصَدَّقُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِهَا خِلَافَهُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ أَوْ سَكَتَتْ فَلَمْ تَقُلْ شَيْئًا حَتَّى يَقُومَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِهَا خِلَافُ مَا أَظْهَرَتْ فَإِنَّهُ يَسَعُهَا أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَسَعُهَا الْمُقَامُ مَعَهُ إنْ كَانَ مَا فِي قَلْبِهَا خِلَافُ مَا أَظْهَرَتْ عَلَى لِسَانِهَا اهـ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ مَسْأَلَةَ إنْ كُنْت أَنَا أُحِبُّ كَذَا إلَخْ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: هَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ مَا فِي قَلْبِهِ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ مَا فِي قَلْبِهَا لَكِنْ الطَّرِيقُ مَا قُلْنَا إنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى الظَّاهِرِ وَهُوَ الْإِخْبَارُ وُجُودًا وَعَدَمًا. وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ سَرَرْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَضَرَبَهَا فَقَالَتْ سَرَّنِي، قَالُوا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا، قَالَ قَاضِي خَانْ: وَفِيهِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ السُّرُورَ مِمَّا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِخَبَرِهَا وَيُقْبَلَ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ وَإِنْ كُنَّا نَتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ بِنَارِ جَهَنَّمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أُحِبُّ يَقَعُ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِقَوْلِ الْهِدَايَةِ إنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا لِأَنَّهَا لِشِدَّةِ بُغْضِهَا إيَّاهُ تُحِبُّ التَّخَلُّصَ مِنْهُ بِالْعَذَابِ اهـ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ بِفِعْلٍ قَلْبِيٍّ وَأَخْبَرَتْ بِهِ، فَإِنْ تَيَقَّنَّا بِكَذِبِهَا لَمْ يَقَعْ وَإِلَّا وَقَعَ. وَفِي الْبَدَائِعِ: إنْ كُنْت تَكْرَهِينَ الْجَنَّةَ تَعَلَّقَ بِإِخْبَارِهَا بِالْكَرَاهَةِ مَعَ أَنَّهَا لَا تَصِلُ إلَى حَالَةٍ تَكْرَهُ الْجَنَّةَ، فَقَدْ تَيَقَّنَّا بِكَذِبِهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا زَيْلَعِيٌّ وَحَدَّادِيٌّ (أَوْ أُحِبُّ طَلُقَتْ هِيَ فَقَطْ) إنْ كَذَّبَهَا الزَّوْجُ، فَإِنْ صَدَّقَهَا أَوْ عَلِمَ وُجُودَ الْحَيْضِ مِنْهَا طَلُقَتَا جَمِيعًا حَدَّادِيٌّ. (وَفِي إنْ حِضْت لَا يَقَعُ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ) لِاحْتِمَالِ الِاسْتِحَاضَةِ (فَإِنْ اسْتَمَرَّ ثَلَاثًا وَقَعَ مِنْ حِينِ رَأَتْ)   [رد المحتار] وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهَا لِشِدَّةِ مَحَبَّتِهَا لِلْحَيَاةِ الدُّنْيَا تَكْرَهُ الْجَنَّةَ لِأَنَّهَا لَا تَتَوَصَّلُ إلَيْهَا إلَّا بِالْمَوْتِ وَهِيَ تَكْرَهُهُ فَلَمْ نَتَيَقَّنْ بِكَذِبِهَا. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّهَا لَا تَكْفُرُ بِقَوْلِهَا أَنَا أُحِبُّ عَذَابَ جَهَنَّمَ وَأَكْرَهُ الْجَنَّةَ. اهـ. وَفَرَّقَ فِي النَّهْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ السُّرُورِ بِأَنَّ إيلَامَ الضَّرْبِ الْقَائِمِ بِهَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى كَذِبِهَا، بِخِلَافِ مُجَرَّدِ مَحَبَّةِ الْعَذَابِ فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى التَّيَقُّنِ بِكَذِبِهَا، لِمَا مَرَّ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ يَبْقَى الْإِشْكَالُ فِي مَسْأَلَةِ إنْ كُنْت أَنَا أُحِبُّ كَذَا إذَا أَخْبَرَ بِخِلَافِ مَا فِي قَلْبِهِ فَإِنَّهُ يَتَيَقَّنُ بِكَذِبِهِ. وَإِذَا أُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى الْإِخْبَارِ كَمَا مَرَّ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ لَمْ يُرِدْ هَذَا، لَكِنْ يَتَوَجَّهُ إشْكَالُ قَاضِي خَانْ فِي مَسْأَلَةِ السُّرُورِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِالْإِخْبَارِ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ غَيْرُ الْمُخْبِرِ بِكَذِبِهِ. وَبِهِ يَنْدَفِعُ إشْكَالُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَإِشْكَالُ قَاضِي خَانْ فَتَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْبَحْرِ: قَيَّدَ بِمَحَبَّتِهَا لِأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهُ بِمَحَبَّةِ غَيْرِهَا، فَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَكُنْ أُمُّك تَهْوَى ذَلِكَ فَقَالَتْ الْأُمُّ أَنَا لَا أَهْوَى وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ لَا تَطْلُقُ، فَإِنْ صَدَّقَهَا طَلُقَتْ لِمَا عُرِفَ. وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: إنْ كَانَ فُلَانٌ مُؤْمِنًا فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ هَذَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا هُوَ وَلَا يُصَدَّقُ هُوَ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُصَلِّي وَيَحُجُّ، وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ لِي إلَيْك حَاجَةٌ فَاقْضِهَا لِي فَقَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَقْضِ حَاجَتَك فَقَالَ حَاجَتِي أَنْ تُطَلِّقَ زَوْجَتَك فَلَهُ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ فِيهِ وَلَا تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ، لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى غَيْرِهِ. اهـ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: فَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْفُرُوعِ أَنَّهُ إنْ عَلَّقَ بِفِعْلِ الْغَيْرِ لَا يُصَدَّقُ ذَلِكَ الْغَيْرُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ أَمْ لَا، وَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِ الزَّوْجِ فِيهِمَا أَوْ الْبَيِّنَةِ فِيمَا يَثْبُتُ بِهَا مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي يُعْلَمُ (قَوْلُهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا) لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ قِيَامُ الشَّرْطِ زَيْلَعِيٌّ أَيْ لِأَنَّ قَبُولَ قَوْلِهَا ضَرُورَةٌ تَرَتَّبَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ عَلَيْهِ وَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ طَلُقَتْ هِيَ فَقَطْ) أَيْ دُونَ فُلَانَةَ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِي حَقِّهَا شَرْعًا الْإِخْبَارُ بِهِ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ، وَفِي حَقِّ ضَرَّتِهَا مُتَّهَمَةٌ، وَشَهَادَتُهَا عَلَى ذَلِكَ شَهَادَةُ فَرْدٍ، وَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ الْإِنْسَانِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ اقْتَصَرَ عَلَى نَصِيبِهِ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الْبَاقُونَ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَوْ عَلِمَ وُجُودَ الْحَيْضِ مِنْهَا) لَا يُنَافِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا إلَخْ لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا أَشْكَلَ أَمْرُهَا، وَذَا فِيمَا لَمْ يَشْكُلْ بِأَنْ أَخْبَرَتْ فِي وَقْتِ عِدَّتِهَا الْمَعْرُوفَةِ لِزَوْجِهَا وَضَرَّتِهَا وَشُوهِدَ الدَّمُ مِنْهَا بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ شَكٌّ تَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي إنْ حِضْت إلَخْ) تَفْصِيلٌ وَبَيَانٌ لِمَا أَجْمَلَهُ أَوَّلًا، وَمِثْلُهُ التَّعْلِيقُ بِفِي أَوْ مَعَ كَأَنْتِ طَالِقٌ فِي حَيْضِك أَوْ مَعَ حَيْضِك كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَقَعَ مِنْ حِينِ رَأَتْ) لِأَنَّهُ بِالِاسْتِمْرَارِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَيْضٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَجِبُ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يُعَيِّنَهُ فَيَقُولَ طَلُقَتْ مِنْ حِينِ رَأَتْ الدَّمَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِنَادِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّبْيِينِ، وَلِذَا قَالَ مِنْ حِينِ رَأَتْ، وَتَمَامُ بَيَانِهِ فِي الْبَحْرِ. وَفِيهِ عَنْ الْكَافِي فِي مَسْأَلَةِ إنْ حِضْت فَعَبْدِي حُرٌّ وَضَرَّتُك طَالِقٌ إذَا رَأَتْ الدَّمَ فَقَالَتْ حِضْت وَصَدَّقَهَا أَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 وَكَانَ بِدْعِيًّا، فَإِنْ غَيْرَ مَدْخُولَةٍ فَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ صَحَّ، فَلَوْ مَاتَتْ فِيهَا فَإِرْثُهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَتُصَدَّقُ فِي حَقِّهَا دُونَ ضَرَّتِهَا. (وَ) فِي (إنْ حِضْت حَيْضَةً) أَوْ نِصْفَهَا أَوْ ثُلُثَهَا أَوْ سُدُسَهَا لِعَدَمِ تَجَزِّيهَا (لَا يَقَعُ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْهَا) لِأَنَّ الْحَيْضَةَ اسْمٌ لِلْكَامِلِ، ثُمَّ إنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا مَا لَمْ تَرَ حَيْضَةً أُخْرَى جَوْهَرَةٌ   [رد المحتار] قَبْلَ الِاسْتِمْرَارِ يُمْنَعُ الزَّوْجُ عَنْ وَطْءِ الْمَرْأَةِ وَاسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ فِي الثَّلَاثَةِ لِاحْتِمَالِ الِاسْتِمْرَارِ (قَوْلُهُ وَكَانَ بِدْعِيًّا) لِوُقُوعِهِ فِي الْحَيْضِ، بِخِلَافِ إنْ حِضْت حَيْضَةً كَمَا يَأْتِي، وَهَذَا بَيَانٌ لِثَمَرَةِ التَّبَيُّنِ. وَتَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ بِالْحَيْضِ عِتْقًا فَجَنَى الْعَبْدُ أَوْ جُنِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ رُؤْيَةِ الدَّمِ، فَبِالِاسْتِمْرَارِ تَكُونُ الْجِنَايَةُ جِنَايَةَ الْأَحْرَارِ، وَفِي أَنَّهَا لَا تُحْتَسَبُ هَذِهِ الْحَيْضَةُ مِنْ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الشَّرْطَ حَيْثُ كَانَ هُوَ رُؤْيَةَ الدَّمِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْوُقُوعُ بَعْدَ بَعْضِهَا وَلِذَا قُلْنَا إنَّهُ بِدْعِيٌّ، وَفِيمَا إذَا خَالَعَهَا فِي الثَّلَاثِ حَيْثُ يَبْطُلُ الْخُلْعُ لِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ قَالَهُ الْحَدَّادِيُّ وَنَظَرَ فِيهِ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْخُلْعَ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا (قَوْلُهُ فَإِنْ غَيْرَ مَدْخُولَةٍ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَقَعَ مِنْ حِينِ رَأَتْ، وَاحْتُرِزَ عَنْ الْمَدْخُولِ بِهَا وَلَوْ حُكْمًا كَالْمُخْتَلَى بِهَا لِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُهَا التَّزَوُّجُ بِآخَرَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا مِنْ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) الْأَوْلَى فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ. وَعِبَارَةُ النَّهْرِ: فَتَزَوَّجَتْ حِينَ رَأَتْ الدَّمَ ح (قَوْلُهُ فَإِرْثُهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَكَانَ ذَلِكَ حَيْضًا أَوْ لَا بَحْرٌ أَيْ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ شَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى عِصْمَتِهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ عَقْدَ الثَّانِي عَلَيْهَا بَاطِلٌ فَلَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ (قَوْلُهُ وَتُصَدَّقُ فِي حَقِّهَا إلَخْ) أَيْ فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا وَطَلَاقَ ضَرَّتِهَا عَلَى حَيْضِهَا، وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْمَارُّ طَلُقَتْ هِيَ فَقَطْ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ: فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ انْقَطَعَ الدَّمُ فِي الثَّلَاثَةِ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ فَالْقَوْلُ لَهُمَا لِأَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ بِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ ظَاهِرًا لِأَنَّ رُؤْيَةَ الدَّمِ فِي وَقْتِهِ تَكُونُ حَيْضًا، وَلِهَذَا تُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، ثُمَّ ادَّعَى عَارِضًا يُخْرِجُ الْمَرْئِيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا فَلَا يُصَدَّقُ؛ فَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ وَكَذَّبَهُ الْعَبْدُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثِ فَالْقَوْلُ لَهُمَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا فَالْقَوْلُ لِلْعَبْدِ (قَوْلُهُ وَفِي إنْ حِضْت حَيْضَةً إلَخْ) مِثْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ حَيْضَتِك أَوْ فِي حَيْضَتِك بِالتَّاءِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ تَجَزِّيهَا) عِلَّةٌ لِمُسَاوَاةِ التَّعْبِيرِ بِنِصْفِهَا وَنَحْوِهِ لِلتَّعْبِيرِ بِحَيْضَةٍ، فَإِنَّ ذِكْرَ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ. وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ: وَلَوْ قَالَ إذَا حِضْت نِصْفَهَا فَأَنْتِ كَذَا وَإِذَا حِضْت نِصْفَهَا الْآخَرَ فَأَنْتِ كَذَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ مَا لَمْ تَحِضْ وَتَطْهُرْ، فَإِذَا طَهُرَتْ وَقَعَ طَلْقَتَانِ (قَوْلُهُ لَا يَقَعُ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْهَا) إمَّا بِانْقِطَاعِهِ لِعَشَرَةٍ أَوْ بِالِاغْتِسَالِ أَوْ بِمَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ صَيْرُورَةِ الصَّلَاةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا إذَا انْقَطَعَ لِمَا دُونَهَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ وَالْحِيضَةُ بِالْكَسْرِ الِاسْمُ وَالْجَمْعُ الْحِيَضُ بَحْرٌ عَنْ الصِّحَاحِ (قَوْلُهُ اسْمٌ لِلْكَامِلِ) أَيْ وَلَا تَكْمُلُ الْحَيْضَةُ إلَّا بِالطُّهْرِ مِنْهَا، فَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ، فَإِنْ نَوَى مَا يَحْدُثُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْضَةِ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ حَبِلْت إلَّا أَنَّ هُنَا إذْ نَوَى الْحَبَلَ الَّذِي هِيَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَجْزَاءٌ مُتَعَدِّدَةٌ، بِخِلَافِ الْحَيْضِ قَالَهُ الْحَدَّادِيُّ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ مَا لَمْ تَرَ حَيْضَةً أُخْرَى) وَذَلِكَ بِأَنْ تُخْبِرَ وَهِيَ مُتَلَبِّسَةٌ بِالْحَيْضِ أَوْ بَعْدَ الطُّهْرِ مِنْهُ، أَمَّا إذَا أَخْبَرَتْ بَعْدَ تَلَبُّسِهَا بِحَيْضَةٍ أُخْرَى لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ الْأُخْرَى، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ إذَا حِضْت وَلَمْ يَقُلْ حَيْضَةً فَإِنَّ الشَّرْطَ إخْبَارُهَا حَالَ قِيَامِ الْحَيْضِ فَلَا يُقْبَلُ بَعْدَهُ كَمَا مَرَّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ فَيُشْتَرَطُ قِيَامُ الشَّرْطِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ حِضْت حَيْضَةً حَيْثُ يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ؛ حَتَّى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 وَفِي إنْ صُمْت يَوْمًا فَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ حِينَ غَرَبَتْ) الشَّمْسُ (مِنْ يَوْمِ صَوْمِهَا، بِخِلَافِ إنْ صُمْت) فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ بِسَاعَتِهِ. (قَالَ لَهَا إنْ وَلَدْت غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ وَلَدْت جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا وَلَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ تَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ قَضَاءً وَثِنْتَانِ تَنَزُّهًا) أَيْ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ الْجَارِيَةِ (وَمَضَتْ الْعِدَّةُ) بِالثَّانِي فَلِذَا لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُقَارِنَ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ، فَإِنْ عَلِمَ الْأَوَّلَ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَإِنْ تَحَقَّقَ وِلَادَتَهُمَا مَعًا وَقَعَ الثَّلَاثُ وَتَعْتَدُّ بِالْإِقْرَاءِ (وَإِنْ وَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَتَيْنِ وَلَا يَدْرِي الْأَوَّلَ يَقَعُ ثِنْتَانِ قَضَاءً وَثَلَاثٌ تَنَزُّهًا) وَإِنْ وَلَدَتْ غُلَامَيْنِ وَجَارِيَةً فَوَاحِدَةٌ قَضَاءً وَثَلَاثٌ تَنَزُّهًا (وَ) هَذَا بِخِلَافِ مَا (لَوْ قَالَ: إنْ كَانَ حَمْلُك غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ   [رد المحتار] لَوْ قَالَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ حِضْت وَطَهُرْت وَأَنَا الْآنَ حَائِضٌ بِحَيْضَةٍ أُخْرَى لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا وَلَا يَقَعُ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَنْ الشَّرْطِ حَالَ عَدَمِهِ، وَلَا يَقَعُ إلَّا إذَا أَخْبَرَتْ عَنْ الطُّهْرِ بَعْدَ انْقِضَاءِ هَذِهِ الْحَيْضَةِ، فَحِينَئِذٍ يَقَعُ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ أَمِينَةً شَرْعًا فِيمَا تُخْبِرُ عَنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ ضَرُورَةَ إقَامَةِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا، فَلَا تَكُونُ مُؤْتَمَنَةً حَالَ عَدَمِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ اهـ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ بِمُجَرَّدِ طُهْرِهَا مِنْ الْحَيْضَةِ الْأُخْرَى بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِخْبَارِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا يَتَعَلَّقُ بِإِخْبَارِهَا. وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ، أَنَّهُ إذَا صَدَّقَهَا يَقَعُ وَإِنْ لَمْ تَطْهُرْ مِنْ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ وَفِي إنْ صُمْت يَوْمًا) نَظِيرُهُ إنْ صُمْت صَوْمًا لَا يَقَعُ إلَّا بِتَمَامِ يَوْمٍ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمِعْيَارٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ إنْ صُمْت إلَخْ) أَيْ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمَا يُسَمَّى صَوْمًا فِي الشَّرْعِ وَقَدْ وُجِدَ بِرُكْنِهِ وَشَرْطِهِ بِإِمْسَاكِ سَاعَةٍ فَيَقَعُ بِهِ وَإِنْ قَطَعْته بَعْدَهُ، وَكَذَا إذَا صُمْت فِي يَوْمٍ أَوْ فِي شَهْرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ إكْمَالَهُ، وَإِذَا صَلَّيْت صَلَاةً يَقَعُ بِرَكْعَتَيْنِ، وَفِي إذَا صَلَّيْت يَقَعُ بِرَكْعَةٍ (قَوْلُهُ فَوَلَدَتْهُمَا) أَيْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ نَهْرٌ، وَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ وَمُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَلَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ (قَوْلُهُ وَثِنْتَانِ تَنَزُّهًا) أَيْ تَبَاعُدًا عَنْ الْحُرْمَةِ نَهْرٌ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: أَيْ دِيَانَةً، يَعْنِي فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. اهـ. قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ طَلْقَةٌ أُخْرَى يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَانَةً أَنْ يُفَارِقَهَا لِلِاحْتِيَاطِ وَالتَّبَاعُدِ عَنْ الْحُرْمَةِ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَلْ يُفْتِيهِ الْمُفْتِي بِذَلِكَ، وَيَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ بِاللُّزُومِ، وَلَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ بِالثِّنْتَيْنِ تَنَزُّهًا وَاحْتِيَاطًا فَتَأَمَّلْ وَإِنَّمَا تَلْزَمُهُ الثِّنْتَانِ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ وُقُوعَهُمَا غَيْرُ مُحَقَّقٍ. وَالْحِلُّ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ بِالِاحْتِمَالِ. قِيلَ: وَلَوْ قَالَ وَأُخْرَى تَنَزُّهًا لَكَانَ أَوْلَى لِإِيهَامِ الْعِبَارَةِ أَنَّ الثِّنْتَيْنِ غَيْرُ الْوَاحِدَةِ، وَإِنْ سَلِمَ فَالتَّنَزُّهُ إنَّمَا هُوَ بِوَاحِدَةٍ وَالْأُخْرَى قَضَاءً (قَوْلُهُ أَوْ مَضَتْ الْعِدَّةُ بِالثَّانِي) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ وَلَا إرْثَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَلَا كَلَامَ) أَيْ فَإِنَّهُ يَقَعُ الْمُعَلَّقُ بِالسَّابِقِ وَلَا يَقَعُ بِالْأُخْرَى شَيْءٌ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الطَّلَاقَ وَالْمُقَارِنَ إلَخْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ) أَيْ لِلطَّلْقَةِ الزَّائِدَةِ، وَهَذَا مِنْ فُرُوعِ قَوْلِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَحَقَّقَ وِلَادَتُهُمَا مَعًا إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ لِاسْتِحَالَتِهِ عَادَةً نَهْرٌ، وَإِنْ وَلَدَتْ خُنْثَى وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَتَوَقَّفَتْ الْأُخْرَى حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ هِنْدِيَّةٌ عَنْ الْبَحْرِ الزَّاخِرِ ط (قَوْلُهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ قَضَاءً إلَخْ) لِأَنَّ الْغُلَامَ إنْ كَانَ أَوَّلًا أَوْ ثَانِيًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَاحِدَةً بِهِ وَثِنْتَيْنِ بِالْجَارِيَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي مَا بَقِيَ فِي الْبَطْنِ وَلَدٌ، وَإِنْ كَانَ آخِرًا يَقَعُ ثِنْتَانِ بِالْجَارِيَةِ الْأُولَى وَلَا يَقَعُ بِالثَّانِيَةِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِالْجَارِيَةِ انْحَلَّتْ بِالْأُولَى، وَلَا يَقَعُ بِالْغُلَامِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَتَرَدَّدَ بَيْنَ ثَلَاثٍ وَثِنْتَيْنِ فَيُحْكَمُ بِالْأَقَلِّ قَضَاءً وَبِالْأَكْثَرِ تَنَزُّهًا فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَوَاحِدَةٌ قَضَاءً) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْغُلَامَانِ أَوَّلًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ بِأَوَّلِهِمَا، وَلَا يَقَعُ بِالثَّانِي شَيْءٌ وَلَا بِالْجَارِيَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 جَارِيَةً فَثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً لَمْ تَطْلُقْ) لِأَنَّ الْحَمْلَ اسْمٌ لِلْكُلِّ، فَمَا لَمْ يَكُنْ الْكُلُّ غُلَامًا أَوْ جَارِيَةً لَمْ تَطْلُقْ (وَكَذَا) لَوْ قَالَ (إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِكِ غُلَامًا) وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لِعُمُومِ مَا (بِخِلَافِ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك) وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا (فَإِنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ) لِعَدَمِ اللَّفْظِ الْعَامِّ. [فُرُوعٌ] عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِحَبَلِهَا لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَلِدَ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ. قَالَ: إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ حَرَّةٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا طَلُقَتْ وَعَتَقَتْ. قَالَ لِأُمِّ وَلَدِهِ: إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ حُرَّةٌ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ جَوْهَرَةٌ (عَلَّقَ) الْعَتَاقَ أَوْ الطَّلَاقَ وَلَوْ (الثَّلَاثَ بِشَيْئَيْنِ   [رد المحتار] الْأَخِيرَةِ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ أَوَّلًا أَوْ وَسَطًا وَقَعَ ثِنْتَانِ بِهَا وَوَاحِدَةٌ بِالْغُلَامِ بَعْدَهَا أَوْ قَبْلَهَا فَتَرَدَّدَ بَيْنَ ثَلَاثٍ وَوَاحِدَةٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْحَمْلَ اسْمٌ لِلْكُلِّ) لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٌ فَيَعُمُّ كُلَّهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا) أَيْ وَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً (قَوْلُهُ لِعُمُومِ مَا) أَيْ فَيَنْقَضِي أَنَّ شَرْطَ وُقُوعِ الْوَاحِدَةِ أَوْ الثِّنْتَيْنِ كَوْنُ جَمِيعِ مَا فِي بَطْنِهَا غُلَامًا أَوْ جَارِيَةً، وَمِثْلُهُ مَا فِي الْفَتْحِ: إنْ كَانَ مَا فِي هَذَا الْعِدْلِ حِنْطَةً فَهِيَ طَالِقٌ أَوْ دَقِيقًا فَطَالِقٌ فَإِذَا فِيهِ حِنْطَةٌ وَدَقِيقٌ لَا تَطْلُقُ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ اللَّفْظِ الْعَامِّ) أَيْ وَلِصِدْقِ اللَّفْظِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ أَنَّهُمَا كَانَا فِي الْبَطْنِ ط. وَفِي الْجَامِعِ: لَوْ قَالَ إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا يَقَعُ الثَّلَاثُ لِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَوْجُودٌ فِي الْمُقَيَّدِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَلِدَ إلَخْ) لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِحُدُوثِ الْحَبَلِ بَعْدَ الْيَمِينِ وَبِتَوَهُّمِ حُدُوثِ الْحَبَلِ قَبْلَ الْيَمِينِ إلَى سَنَتَيْنِ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْمَوْقِعِ فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ بَحْرٌ، وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِالْوَلَدِ كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَإِلَّا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ بِهَا بَلْ يَقَعُ قَبْلَهَا بِالْحَبَلِ لِحَادِثٍ بَعْدَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ، فَقَوْلُهُ حَتَّى تَلِدَ مَعْنَاهُ ظَهَرَ بِالْوِلَادَةِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ أَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ وَقَعَ مِنْ أَوَّلِ الْحَبَلِ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ كَوْنُ الْوِلَادَةِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ لِيَتَحَقَّقَ حُدُوثُ الْحَبَلِ بَعْدَ الْيَمِينِ، إذْ لَوْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ احْتَمَلَ حُدُوثُهُ قَبْلَ الْيَمِينِ فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ، ثُمَّ إذَا ظَهَرَ بِالْوِلَادَةِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ مِنْ وَقْتِ الْحَبَلِ فَوَقْتُ الْحَبَلِ مَجْهُولٌ فَلَمْ يُعْلَمْ وَقْتُ الْوُقُوعِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ بِوُقُوعِهِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لِتَيَقُّنِ الْحَبَلِ فِيهِ وَمَا قَبْلَهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ كَذَا بَحَثَهُ ح [تَنْبِيهٌ] هَذِهِ الْيَمِينُ لَا تُحَرِّمُ الْوَطْءَ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَطَأَهَا إلَّا بِالِاسْتِبْرَاءِ لِتَصَوُّرِ حُدُوثِ الْحَبَلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الِاسْتِبْرَاءُ لِأَنَّ حِلَّ الْوَطْءِ أَصْلٌ، وَحُدُوثَ الْحَبَلِ مَوْهُومٌ كَمَا أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ) فِي الْعِبَارَةِ سَقْطٌ وَالْأَصْلُ عَتَقَتْ لِأَنَّهُ وَلَدٌ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ. وَعِبَارَةُ الْجَوْهَرَةِ هَكَذَا: وَإِذَا قَالَ إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا طَلُقَتْ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مَوْلُودٌ فَيَكُونُ وَلَدًا حَقِيقَةً، وَيُعْتَبَرُ وَلَدًا فِي الشَّرْعِ حَتَّى تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ وَالدَّمُ بَعْدَهُ نِفَاسٌ وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ فَتَحَقَّقَ الشَّرْطُ وَهُوَ وِلَادَةُ الْوَلَدِ اهـ فَقَوْلُهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ غَايَةٌ لِقَوْلِهِ وَيُعْتَبَرُ وَلَدًا فِي الشَّرْعِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مَا يُفْهَمُ مِنْ الشَّرْحِ مِنْ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ عَقِبَ الْحُرِّيَّةِ وَالْحُرِّيَّةُ مُعَلَّقَةٌ بِالْوِلَادَةِ فَهِيَ وَاقِعَةٌ عَقِبَهَا، فَالْوِلَادَةُ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى وُجُوبِ الْعِدَّةِ بِمَرْتَبَتَيْنِ فَكَيْفَ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِالْوِلَادَةِ كَمَا أَفَادَهُ ح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 حَقِيقَةً بِتَكَرُّرِ الشَّرْطِ أَوْ لَا) كَإِنْ جَاءَ زَيْدٌ وَبَكْرٌ فَأَنْتِ كَذَا (يَقَعُ) الْمُعَلَّقُ (إنْ وُجِدَ) الشَّرْطُ (الثَّانِي فِي الْمِلْكِ وَإِلَّا لَا) لِاشْتِرَاطِ الْمِلْكِ حَالَةَ الْحِنْثِ وَالْمَسْأَلَةُ رُبَاعِيَّةٌ   [رد المحتار] [مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ تَكَرَّرَ الشَّرْطُ بِعَطْفٍ أَوْ بِدُونِهِ] (قَوْلُهُ بِتَكَرُّرِ الشَّرْطِ) وَذَلِكَ بِأَنْ عَطَفَ شَرْطًا عَلَى آخَرَ وَأَخَّرَ الْجَزَاءَ، نَحْوُ: إذَا قَدِمَ فُلَانٌ وَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ حَتَّى يَقْدُمَا لِأَنَّهُ عَطَفَ شَرْطًا مَحْضًا عَلَى شَرْطٍ لَا حُكْمَ لَهُ ثُمَّ ذَكَرَ الْجَزَاءَ، فَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا فَصَارَا شَرْطًا وَاحِدًا فَلَا يَقَعُ إلَّا بِوُجُودِهِمَا، فَإِنْ نَوَى الْوُقُوعَ بِأَحَدِهِمَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ بِتَقْدِيمِ الْجَزَاءِ عَلَى أَحَدِهِمَا وَفِيهِ تَغْلِيظٌ. أَوْ بِأَنْ كَرَّرَ أَدَاةَ الشَّرْطِ بِغَيْرِ عَطْفٍ كَإِنْ أَكَلْت إنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَلْبَسْ ثُمَّ تَأْكُلْ وَتَقَدَّمَ الْمُؤَخَّرُ، وَالتَّقْدِيمُ إنْ لَبِسْت، فَإِنْ أَكَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَكَذَا كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا إنْ كَلَّمَتْ فُلَانًا فَهِيَ طَالِقٌ يُقَدِّمُ الْمُؤَخَّرَ، فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ، إنْ كَلَّمَتْ فُلَانًا فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ. وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ: إنْ أَعْطَيْتُك إنْ وَعَدْتُك إنْ سَأَلْتنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَسْأَلَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَعِدَهَا ثُمَّ يُعْطِيَهَا لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَطِيَّةِ الْوَعْدَ وَفِي الْوَعْدِ السُّؤَالَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ سَأَلْتنِي إنْ وَعَدْتُك إنْ أَعْطَيْتُك كَذَا فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ الثَّانِي مُتَرَتِّبًا عَلَى الْأَوَّلِ عَادَةً وَكَانَ الْجَزَاءُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الشَّرْطَيْنِ أَوْ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِمَا وَإِلَّا كَانَ كُلُّ شَرْطٍ فِي مَوْضِعِهِ، كَإِنْ أَكَلْت إنْ شَرِبْت فَأَنْتَ حُرٌّ، حَتَّى إذَا شَرِبَ ثُمَّ أَكَلَ لَمْ يُعْتَقْ، وَكَذَا إنْ دَعَوْتنِي إنْ أَجَبْتُك أَوْ إنْ رَكِبْت الدَّابَّةَ إنْ أَتَيْتنِي يُقَرُّ كُلُّ شَرْطٍ فِي مَوْضِعِهِ لِأَنَّهُمَا إذَا كَانَا مُرَتَّبَيْنِ عُرْفًا أُضْمِرَتْ كَلِمَةُ ثُمَّ، وَكَذَا إنْ تَوَسَّطَ الْجَزَاءُ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ يُقَرُّ كُلُّ شَرْطٍ فِي مَوْضِعِهِ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ الْجَزَاءَ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ بِحَرْفِ الْوَصْلِ وَهُوَ الْفَاءُ، فَيَكُونُ الْأَوَّلُ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ، وَالثَّانِي شَرْطَ الْحِنْثِ كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا وَيُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمِلْكِ عِنْدَ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ جُعِلَ شَرْطَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ كَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الدُّخُولِ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالْيَمِينُ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافَةً إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ صَحَّتْ الْيَمِينُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْكَلَامِ فَإِذَا كَلَّمَتْ يَقَعُ وَإِلَّا بِإِنْ دَخَلَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَلَّمَتْ وَإِذَا دَخَلَتْ الدَّارَ فِي الْعِدَّةِ وَكَلَّمَتْ فِيهَا طَلُقَتْ. مَطْلَبٌ لَوْ تَكَرَّرَتْ أَدَاةُ الشَّرْطِ بِلَا عَطْفٍ فَهُوَ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَرَّرَ أَدَاةَ الشَّرْطِ بِلَا عَطْفٍ تَوَقَّفَ الْوُقُوعُ عَلَى وُجُودِهِمَا، لَكِنْ إنْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ عَلَيْهِمَا أَوْ أَخَّرَهُ فَالْمِلْكُ يُشْتَرَطُ عِنْدَ آخِرِهِمَا وَهُوَ الْمَلْفُوظُ بِهِ أَوَّلًا عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَإِنْ وَسَّطَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمِلْكِ عِنْدَهُمَا وَإِنْ كَانَ بِالْعَطْفِ تَوَقَّفَ عَلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَ الْجَزَاءَ أَوْ وَسَّطَهُ، فَإِنْ أَخَّرَهُ تَوَقَّفَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يُكَرِّرْ أَدَاةَ الشَّرْطِ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الشَّيْئَيْنِ قَدَّمَ الْجَزَاءَ عَلَيْهِمَا أَوْ أَخَّرَهُ بَحْرٌ مُلَخَّصًا، وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ أَوْ لَا) عَطْفٌ عَلَى حَقِيقَةً. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي مَا لَيْسَا شَرْطَيْنِ حَقِيقَةً، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا مُتَعَلِّقًا بِشَيْئَيْنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِمَا نَحْوُ: إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ وَهَذِهِ، أَوْ إنْ كَلَّمْت أَبَا عَمْرٍو وَأَبَا يُوسُفَ فَكَذَا فَإِنَّهُمَا شَرْطٌ وَاحِدٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْوُقُوعَ بِأَحَدِهِمَا فَاشْتُرِطَ لِلْوُقُوعِ قِيَامُ الْمِلْكِ عِنْدَ آخِرِهِمَا، وَكَذَا إذَا كَانَ فِعْلًا قَائِمًا بِاثْنَيْنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قَائِمٌ بِهِمَا نَحْوُ: إنْ جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو فَكَذَا فَإِنَّ الشَّرْطَ مَجِيئُهُمَا اهـ (قَوْلُهُ إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ الثَّانِي فِي الْمِلْكِ) احْتِرَازٌ عَنْ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ عَلَى التَّفْصِيلِ كَمَا عَلِمْت. وَأَمَّا أَصْلُ التَّعْلِيقِ فَشَرْطُ صِحَّتِهِ الْمِلْكُ أَوْ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ فَالْكَلَامُ فِيمَا بَعْدَ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ (قَوْلُهُ وَالْمَسْأَلَةُ رُبَاعِيَّةٌ) لِأَنَّهُمَا إمَّا أَنْ يُوجَدَا فِي الْمِلْكِ أَوْ خَارِجَهُ أَوْ الْأَوَّلُ فَقَطْ فِي الْمِلْكِ أَوْ الْعَكْسُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 (عَلَّقَ الثَّلَاثَ أَوْ الْعِتْقَ) لِأَمَتِهِ (بِالْوَطْءِ) حَنِثَ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَ (لَمْ يَجِبْ) عَلَيْهِ (الْعُقْرِ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (بِاللَّبْثِ) بَعْدَ الْإِيلَاجِ لِأَنَّ اللَّبْثَ لَيْسَ بِوَطْءٍ (وَ) لِذَا (لَمْ يَصِرْ بِهِ مُرَاجِعًا فِي) الطَّلَاقِ (الرَّجْعِيِّ إلَّا إذَا أَخْرَجَ ثُمَّ أَوْلَجَ ثَانِيًا) حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ فَيَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْحَرَكَةِ الثَّانِيَةِ، وَيَجِبُ الْعُقْرُ لَا الْحَدُّ لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ. (لَا تَطْلُقُ) الْجَدِيدَةُ (فِي) قَوْلِهِ لِلْقَدِيمَةِ (إنْ نَكَحْتهَا) أَيْ فُلَانَةَ (عَلَيْك فَهِيَ طَالِقٌ إذَا نَكَحَ) فُلَانَةَ (عَلَيْهَا   [رد المحتار] فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فِي الْمِلْكِ وَقَعَ الطَّلَاقُ سَوَاءٌ كَانَ الْأَوَّلُ فِي الْمِلْكِ أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي خَارِجَ الْمِلْكِ لَا يَقَعُ سَوَاءٌ كَانَ الْأَوَّلُ فِي الْمِلْكِ أَوْ لَا. اهـ. ح. فَفِي قَوْلِهِ إذَا جَاءَ زَيْدٌ وَبَكْرٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا جَاءَا مَعًا وَهِيَ فِي مِلْكِهِ أَوْ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَجَاءَ زَيْدٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَجَاءَ عَمْرٌو طَلُقَتْ، وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ الْعِدَّةِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ أَوْ جَاءَ زَيْدٌ فِي الْعِدَّةِ وَعَمْرٌو بَعْدَهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ لَا تَطْلُقُ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْعُقْرُ) أَشَارَ بِنَفْيِ الْعُقْرِ فَقَطْ إلَى ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِاللَّبْثِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ النَّزْعُ لِلْحَالِ. وَالْعُقْرُ: بِالضَّمِّ مَهْرُ الْمَرْأَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ وَبِالْفَتْحِ: الْجُرْحُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ بَحْرٌ وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْمَهْرِ. (قَوْلُهُ بِاللَّبْثِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْبَاءِ: الْمُكْثُ، مِنْ لَبِثَ كَسَمِعَ، وَهُوَ نَادِرٌ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ مِنْ فَعِلَ بِالْكَسْرِ قِيَاسُهُ التَّحْرِيكُ إذَا لَمْ يَتَعَدَّ بَحْرٌ عَنْ الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ اللَّبْثَ لَيْسَ بِوَطْءٍ) لِأَنَّ الْوَطْءَ أَيْ الْجِمَاعَ إدْخَالُ الْفَرَجِ فِي الْفَرَجِ وَلَيْسَ لَهُ دَوَامٌ حَتَّى يَكُونَ لِدَوَامِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ، كَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ فِيهَا لَا يَحْنَثُ بِاللَّبْثِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَمْ يَصِرْ بِهِ مُرَاجِعًا) أَيْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ فِعْلٌ وَاحِدٌ فَلَيْسَ لِآخِرِهِ حُكْمُ فِعْلٍ عَلَى حِدَةٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِيرُ مُرَاجِعًا لِوُجُودِ الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ نَهْرٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَجَزْمُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ مُرَاجِعًا عِنْدَ الْكُلِّ لِوُجُودِ الْمِسَاسِ بِشَهْوَةٍ، كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ. وَيَنْبَغِي تَصْحِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِظُهُورِ دَلِيلِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْوَطْءِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا (قَوْلُهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا إلَخْ) لَا يَصِحُّ جَعْلُهُ تَعْمِيمًا لِقَوْلِهِ ثُمَّ أَوْلَجَ ثَانِيًا بَعْدَ قَوْلِهِ إذَا أَخْرَجَ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ لَا يُمْكِنُهُ تَحْرِيكُ نَفْسِهِ إلَّا بَعْدَ إيلَاجٍ ثَانٍ حَقِيقَةً فَيَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْإِيلَاجِ الثَّانِي لَا بِالتَّحْرِيكِ، فَيَتَعَيَّنُ جَعْلُهُ تَعْمِيمًا لِمَجْمُوعِ قَوْلِهِ أَخْرَجَ ثُمَّ أَوْلَجَ، وَعَلَى كُلٍّ فَقَوْلُهُ فَيَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْحَرَكَةِ الثَّانِيَةِ لَا وَجْهَ لِتَقْيِيدِهَا بِالثَّانِيَةِ إلَّا أَنْ تُصَوَّرَ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا أَوْلَجَ فَقَالَ إنْ جَامَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: إذَا لَمْ يَنْزِعْ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ حَتَّى أَنْزَلَ لَا تَطْلُقُ، فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ طَلُقَتْ وَيَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْحَرَكَةِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْعُقْرُ) أَيْ فِيمَا إذَا عَلَّقَ الثَّلَاثَ أَوْ عِتْقَ الْأَمَةِ ط لِأَنَّ الْبُضْعَ الْمُحْتَرَمَ لَا يَخْلُو عَنْ عَقْدٍ أَوْ عُقْرٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالْإِيلَاجِ ثَانِيًا وَإِنْ كَانَ جِمَاعًا، لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ أَنَّهُ جِمَاعٌ وَاحِدٌ بِالنَّظَرِ إلَى اتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ، وَقَدْ كَانَ أَوَّلُهُ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ فَلَا يَكُونُ آخِرُهُ مُوجِبًا لَهُ وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ. وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ فِي الْعِتْقِ لِأَنَّهُ وَطْءٌ لَا فِي مِلْكٍ وَلَا فِي شُبْهَتِهِ وَهِيَ الْعِدَّةُ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ لِوُجُودِ الْعِدَّةِ، أَفَادَهُ فِي الْمِعْرَاجِ، لَكِنْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، فَإِنْ لَبِثَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَنْزِعْ وَجَبَ مَهْرَانِ: مَهْرٌ بِالْوَطْءِ أَيْ لِسُقُوطِ الْحَدِّ بِالْعَقْدِ، وَمَهْرٌ بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْنِفْ الْإِدْخَالَ لِأَنَّ دَوَامَهُ عَلَى ذَلِكَ فَوْقَ الْخَلْوَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهَذَا يَشْكُلُ عَلَى مَا مَرَّ، إذْ قَدْ جَعَلَ لَآخِرِ هَذَا الْفِعْلِ الْوَاحِدِ حُكْمًا عَلَى حِدَةٍ اهـ وَأَجَابَ ح تَبَعًا لِلْحَمَوِيِّ بِأَنَّ هَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَذَاكَ قَوْلُهُ فَلَا تَنَافِيَ. وَاعْتَرَضَهُ ط بِمَا فِي الْبَحْرِ عَقِبَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَنَّ تَخْصِيصَ الرِّوَايَةِ بِمُحَمَّدٍ لَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافٍ بَلْ لِأَنَّهَا رُوِيَتْ عَنْهُ دُونَ غَيْرِهِ اهـ فَتَأَمَّلْ. قُلْت: وَالْجَوَابُ الْحَاسِمُ لِلْإِشْكَالِ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ اعْتِبَارَ آخِرِ الْفِعْلِ هُنَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ لِخَلْوَةٍ مُقَرِّرَةٍ لِلْمَهْرِ بَلْ فَوْقَهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ) لِأَنَّ الشَّرْطَ مُشَارَكَتُهَا فِي الْقَسْمِ وَلَمْ يُوجَدْ. (فَلَوْ) نَكَحَ (فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ) أَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَيْك (طَلُقَتْ) الْجَدِيدَةُ ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ، وَقَيَّدَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا بِمَا إذَا أَرَادَ رَجْعَتَهَا وَإِلَّا فَلَا قَسْمَ لَهَا كَمَا مَرَّ (قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا)   [رد المحتار] لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ وَطْئًا، وَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ ذَلِكَ فِي إيجَابِ الْحَدِّ وَثُبُوتِ الرَّجْعَةِ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ لَا تُوجِبُ ذَلِكَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ عَلَيْهَا أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهَا مَنْ يُنَازِعُهَا فِي الْفِرَاشِ وَيُزَاحِمُهَا فِي الْقَسَمِ وَلَمْ يُوجَدْ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ) أَيْ قَيَّدَ الطَّلَاقَ إذَا نَكَحَهَا فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ بِمَا ذُكِرَ أَخْذًا مِنْ مَفْهُومِ التَّعْلِيلِ، وَقَالَ إنَّ هَذِهِ وَارِدَةٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ يَعْنِي صَاحِبَ الْكَنْزِ. قُلْت وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمُزَاحَمَةَ فِي الْقَسَمِ مَوْجُودَةٌ حُكْمًا وَإِنْ لَمْ يُرِدْ مُرَاجَعَتَهَا وَقْتَ الطَّلَاقِ لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِ الْإِرَادَةِ بَعْدَهُ بِإِرَادَةِ الْمُرَاجَعَةِ؛ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا فِي حَالِ سَفَرِهِ أَوْ حَالَ نُشُوزِ الْأُولَى فَإِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ الْوُقُوعُ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْمُزَاحَمَةُ حَقِيقَةً وَقْتَ التَّزَوُّجِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي بَابِ الْقَسَمِ ح. [مَطْلَبٌ مَسَائِلُ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْمَشِيئَةِ] (قَوْلُهُ قَالَ لَهَا إلَخْ) شُرُوعٌ فِي مَسَائِلِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَعَقَدَ لَهَا فِي الْهِدَايَةِ فَصْلًا عَلَى حِدَةٍ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَلْحَقَ الِاسْتِثْنَاءَ بِالتَّعْلِيقِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي مَنْعِ الْكَلَامِ مِنْ إثْبَاتِ مُوجَبِهِ إلَّا أَنَّ الشَّرْطَ يَمْنَعُ الْكُلَّ وَالِاسْتِثْنَاءَ الْبَعْضَ، وَقَدَّمَ مَسْأَلَةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِمُشَابَهَتِهَا الشَّرْطَ فِي مَنْعِ الْكُلِّ، وَذَكَرَ أَدَاةَ التَّعْلِيقِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ عَلَى طَرِيقَةٍ لِأَنَّهُ مَنْعٌ لَا إلَى غَايَةٍ وَالشَّرْطُ مَنْعٌ إلَى غَايَةٍ يُحَقِّقُهُ كَمَا يُفِيدُهُ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إنْ دَخَلُوا، وَلِذَا لَمْ يُورِدْهُ فِي بَحْثِ التَّعْلِيقَاتِ، وَلَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ اسْمٌ تَوْقِيفِيٌّ قَالَ تَعَالَى {وَلا يَسْتَثْنُونَ} [القلم: 18] أَيْ لَا يَقُولُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ. مَطْلَبٌ الِاسْتِثْنَاءُ يَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي صِيَغِ الْإِخْبَارِ لَا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَلِلْمُشَارَكَةِ فِي الِاسْمِ أَيْضًا اتَّجَهَ ذِكْرُهُ فِي فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي صِيَغِ الْإِخْبَارِ وَإِنْ كَانَ إنْشَاءَ إيجَابٍ لَا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ فَلَوْ قَالَ أَعْتِقُوا عَبْدِي مِنْ بَعْدِ مَوْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَعْمَلُ الِاسْتِثْنَاءُ فَلَهُمْ عِتْقُهُ؛ وَلَوْ قَالَ بِعْ عَبْدِي هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ كَانَ لِلْمَأْمُورِ بَيْعُهُ. وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ: كُلُّ مَا يَخْتَصُّ بِاللِّسَانِ يُبْطِلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ كَالطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ، بِخِلَافِ مَا لَا يَخْتَصُّ بِهِ كَالصَّوْمِ لَا يَرْفَعُهُ، لَوْ قَالَ نَوَيْت صَوْمَ غَدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَدَاؤُهُ بِتِلْكَ النِّيَّةِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ؛ وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَوْقِيفِيٌّ أَنَّهُ وَارِدٌ فِي اللُّغَةِ لَا اصْطِلَاحِيٌّ فَقَطْ. مَطْلَبٌ الِاسْتِثْنَاءُ يُطْلَقُ عَلَى الشَّرْطِ لُغَةً وَاسْتِعْمَالًا وَفِي حَاشِيَةِ الْبَيْضَاوِيِّ لِلْخَفَاجِيِّ مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ: الِاسْتِثْنَاءُ يُطْلَقُ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالشَّرْطِ فِي اللُّغَةِ وَالِاسْتِعْمَالِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ السِّيرَافِيُّ فِي شَرْحِ الْكِتَابِ. قَالَ الرَّاغِبُ: الِاسْتِثْنَاءُ رَفْعُ مَا يُوجِبُهُ عُمُومٌ سَابِقٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} [الأنعام: 145] أَوْ رَفْعُ مَا يُوجِبُهُ اللَّفْظُ، كَقَوْلِهِ امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ. اهـ. وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ اسْتَثْنَى» اهـ وَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ إبْطَالٌ أَوْ تَعْلِيقٌ (قَوْلُهُ مُتَّصِلًا) احْتِرَازٌ عَنْ الْمُنْفَصِلِ، بِأَنْ وُجِدَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَاصِلٌ مِنْ سُكُوتٍ بِلَا ضَرُورَةِ تَنَفُّسٍ وَنَحْوِهِ أَوْ مِنْ كَلَامٍ لَغْوٍ كَمَا يَأْتِي وَقَيَّدَ فِي الْفَتْحِ السُّكُوتَ بِالْكَثِيرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 إلَّا لِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ أَوْ جُشَاءٍ أَوْ عُطَاسٍ أَوْ ثِقَلِ لِسَانٍ أَوْ إمْسَاكِ فَمٍ أَوْ فَاصِلٍ مُفِيدٍ لِتَأْكِيدٍ أَوْ تَكْمِيلٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ طَلَاقٍ، أَوْ نِدَاءٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ أَوْ يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ بَزَّازِيَّةٌ وَخَانِيَّةٌ، بِخِلَافِ الْفَاصِلِ اللَّغْوِ كَأَنْتِ طَالِقٌ رَجْعِيًّا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَعَ وَبَائِنًا لَا يَقَعُ؛ وَلَوْ قَالَ: رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا يَقَعُ بِنِيَّةِ الْبَائِنِ لَا الرَّجْعِيِّ قُنْيَةٌ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ ثَلَاثًا تَقَعُ وَاحِدَةٌ وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ ثَلَاثًا، إنْ كَانَ سُكُوتُهُ لِانْقِطَاعِ النَّفَسِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَإِلَّا تَقَعُ وَاحِدَةٌ. وَفِي أَيْمَانِ الْبَزَّازِيَّةِ: أَخَذَهُ الْوَالِي وَقَالَ بِاَللَّهِ فَقَالَ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَتَأْتِيَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ الرَّجُلُ مِثْلَهُ فَلَمْ يَأْتِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ بِالْحِكَايَةِ وَالسُّكُوتِ صَارَ فَاصِلًا بَيْنَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَلِفِهِ، وَكَذَا فِيمَا لَوْ كَانَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا لِتَنَفُّسٍ) أَيْ وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَكَتَ قَدْرَ النَّفَسِ ثُمَّ اسْتَثْنَى لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ لِلْفَصْلِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. فَعُلِمَ أَنَّ السُّكُوتَ قَدْرَ النَّفَسِ بِلَا تَنَفُّسٍ كَثِيرٌ وَأَنَّ السُّكُوتَ لِلتَّنَفُّسِ وَلَوْ بِلَا ضَرُورَةٍ عَفْوٌ (قَوْلُهُ أَوْ إمْسَاكِ فَمٍ) أَيْ إذَا أَتَى بِالِاسْتِثْنَاءِ عَقِبَ رَفْعِ الْيَدِ عَنْ فَمِهِ (قَوْلُهُ لِتَأْكِيدٍ) نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ إذَا قَصَدَ التَّأْكِيدَ فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ قُبَيْلَ الْكِنَايَاتِ أَنَّهُ لَوْ كَرَّرَ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَقَعَ الْكُلُّ، فَإِنْ نَوَى التَّأْكِيدَ دِينَ اهـ وَكَذَا أَنْتَ حُرٌّ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ ح وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَوْ تَكْمِيلٍ) نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ، بِخِلَافِ ثَلَاثًا وَوَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ كَمَا فِي الْبَحْرِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْوَاحِدَةِ بَعْدَ الثَّلَاثِ لَغْوٌ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ (قَوْلُهُ كَأَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ أَوْ يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ) مِثَالَانِ: الْمُفِيدُ الْحَدُّ، وَالطَّلَاقُ عَلَى سَبِيلِ النَّشْرِ الْمُرَتَّبِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَقَعُ وَصُرِفَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْوَصْفِ، وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ يَا صَبِيَّةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ يُصْرَفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْكُلِّ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، كَأَنَّهُ قَالَ يَا فُلَانَةُ، وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ إذَا كَانَ يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ أَوْ يَلْزَمُهُ حَدٌّ، كَقَوْلِهِ: يَا طَالِقُ يَا زَانِيَةُ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْكُلِّ. اهـ. ح. أَقُولُ: فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ تَحْرِيفٌ وَسَقْطٌ، فَالْأَوَّلُ فِي قَوْلِهِ وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ يَا صَبِيَّةُ، فَإِنَّ صَوَابَهُ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَا صَبِيَّةُ إلَخْ كَمَا عَبَّرَ فِي الذَّخِيرَةِ لِمُخَالَفَتِهِ حُكْمَ مَا قَبْلَهُ، وَالثَّانِي فِي قَوْلِهِ وَالْأَصْلُ إلَخْ فَإِنَّ قَوْلَهُ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْكُلِّ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ يَقَعُ، وَصُرِفَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْوَصْفِ: أَيْ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ. وَيُصْرَفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْوَصْفِ: أَيْ مَا وَصَفَهَا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ يَا طَالِقُ أَوْ يَا زَانِيَةُ فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ، وَلَا يَلْزَمُهُ حَدٌّ. فَالصَّوَابُ قَوْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ إذَا كَانَ يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ، أَوْ يَجِبُ بِهِ حَدٌّ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَيْهِ نَحْوُ قَوْلِهِ يَا زَانِيَةُ أَوْ يَا طَالِقُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ بِهِ حَدٌّ وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْكُلِّ نَحْوُ قَوْلِهِ يَا خَبِيثَةُ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِلَفْظٍ وَفِي نَوَادِرِ أَبِي الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ. وَنُقِلَ قَبْلَهُ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ انْصِرَافُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْكُلِّ بِدُونِ تَفْصِيلٍ وَقَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ، فَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ خِلَافُ الصَّحِيحِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ أَوَّلَ بَابِ طَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ هُنَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ، فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ انْصِرَافُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْكُلِّ أَيْ الطَّلَاقِ وَالْوَصْفِ لَا إلَى الْوَصْفِ فَقَطْ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يَلْزَمُهُ حَدٌّ وَلَا لِعَانٌ، لَكِنْ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ كَمَا عَلِمْت فَلَا يُنَاسِبُ عَزْوَ الشَّارِحِ الْمَسْأَلَةَ إلَى الْبَزَّازِيَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَقَعَ) الْأَوْلَى فَإِنَّهُ يَقَعُ، وَإِنَّمَا كَانَ الْفَاصِلُ هُنَا لَغْوًا لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِ الرَّجْعِيِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 وَقَوَّاهُ فِي النَّهْرِ (مَسْمُوعًا) بِحَيْثُ لَوْ قَرَّبَ شَخْصٌ أُذُنَهُ إلَى فِيهِ يَسْمَعُ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْأَصَمِّ خَانِيَّةٌ. (لَا يَقَعُ) لِلشَّكِّ (وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ) وَإِنْ مَاتَ يَقَعُ (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِيهِ (الْقَصْدُ وَلَا التَّلَفُّظُ) بِهِمَا، فَلَوْ تَلَفَّظَ بِالطَّلَاقِ وَكَتَبَ الِاسْتِثْنَاءَ مَوْصُولًا أَوْ عَكَسَ أَوْ أَزَالَ الِاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ الْكِتَابَةِ لَمْ يَقَعْ عِمَادِيَّةٌ (وَلَا الْعِلْمُ بِمَعْنَاهُ) حَتَّى لَوْ أَتَى بِالْمَشِيئَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ جَاهِلًا لَمْ يَقَعْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ   [رد المحتار] لِكَوْنِهِ مَدْلُولَ الصِّيغَةِ شَرْعًا ط، وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يُجْعَلْ تَأْكِيدًا أَوْ تَفْسِيرًا؟ كَمَا قَالُوا فِي: حُرٌّ حُرٌّ أَوْ حُرٌّ وَعَتِيقٌ (قَوْلُهُ وَقَوَّاهُ فِي النَّهْرِ) اعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا إنْ شَاءَ اللَّهُ يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ، فَإِنْ عَنِيَ الرَّجْعِيَّ لَا يَقَعُ، وَإِنْ عَنَى الْبَائِنَ يَقَعُ وَلَا يَعْمَلُ الِاسْتِثْنَاءُ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَصَوَابُهُ إنْ عَنَى الرَّجْعِيَّ يَقَعُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ لِلْفَاصِلِ، وَإِنْ عَنَى الْبَائِنَ لَمْ يَقَعْ لِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: أَقُولُ بَلْ الصَّوَابُ مَا فِي الْقُنْيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَحَدُ هَذَيْنِ، وَبِهَذَا لَا يَكُونُ الرَّجْعِيُّ لَغْوًا وَإِنْ نَوَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْبَائِنَ، وَأَمَّا الْبَائِنُ فَلَيْسَ لَغْوًا عَلَى كُلِّ حَالٍ. اهـ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنْ عَدَمِ الِالْتِئَامِ وَالتَّنَاقُضِ التَّامِّ. بَيَانُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَأَمَّا الْبَائِنُ فَلَيْسَ لَغْوًا عَلَى كُلِّ حَالٍ يَقْتَضِي عَدَمَ الْوُقُوعِ لِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَمُسَاوَاتِهِ لِلرَّجْعِيِّ الَّذِي قَالَ فِيهِ إنَّهُ لَا يَكُونُ لَغْوًا وَإِنْ نَوَاهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَقَعُ فِيهِمَا، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْقُنْيَةِ، وَمُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْبَائِنَ فَافْهَمْ، وَلِذَا قَالَ ح: إنَّ الْحَقَّ مَا فِي الْبَحْرِ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى الرَّجْعِيَّ فَجُمْلَةُ أَنْتِ طَالِقٌ تُفِيدُهُ، فَكَانَ قَوْلُهُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى أَحَدِ هَذَيْنِ لَغْوًا، بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْبَائِنَ فَإِنَّ تِلْكَ الْجُمْلَةَ لَا تُفِيدُهُ فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا لَغْوًا. فَإِنْ قُلْت: لَمَّا نَوَى الْبَائِنَ كَانَ قَوْلُهُ رَجْعِيًّا لَغْوًا إذَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنًا. قُلْت: هُوَ تَرْكِيبٌ صَحِيحٌ لُغَةً وَشَرْعًا، كَمَا فِي إحْدَى امْرَأَتَيْ طَالِقٌ، وَحَيْثُ كَانَ مَقْصُودُهُ الْبَائِنَ وَكَانَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ غَيْرَ مُفِيدٍ لِلْبَائِنِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا وَيَنْوِيَ الْبَائِنَ، وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنًا. اهـ. (قَوْلُهُ مَسْمُوعًا) هَذَا عِنْدَ الْهِنْدُوَانِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ (قَوْلُهُ بِحَيْثُ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْمُوعِ مَا شَأْنُهُ أَنْ يُسْمَعَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ الْمُنْشِئُ لِكَثْرَةِ أَصْوَاتٍ مَثَلًا ط (قَوْلُهُ لِلشَّكِّ) أَيْ لِلشَّكِّ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقَ لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا ح (قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ) لِأَنَّ مَا جَرَى تَعْلِيقٌ لَا تَطْلِيقٌ وَمَوْتُهَا لَا يُنَافِي التَّعْلِيقَ لِأَنَّهُ مُبْطِلٌ وَالْمَوْتُ أَيْضًا مُبْطِلٌ فَلَا يَتَنَافَيَانِ، فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحًا فَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ ح (قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ يَقَعُ) أَيْ إذَا مَاتَ الزَّوْجُ وَهُوَ يُرِيدُهُ يَقَعُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الِاسْتِثْنَاءُ وَتُعْلَمُ إرَادَتُهُ بِأَنْ يَذْكُرَ لِآخَرَ ذَلِكَ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَكَذَا فِي النَّهْرِ ح (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَصْدُ) هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ لَيْسَ طَلَاقًا. قَالَ شَدَّادُ بْنُ حَكِيمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُوَ الَّذِي صَلَّى بِوُضُوءِ الظُّهْرِ ظُهْرَ الْيَوْمِ الثَّانِي سِتِّينَ سَنَةً، خَالَفَنِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ الزَّاهِدُ، فَرَأَيْت أَبَا يُوسُفَ فِي الْمَنَامِ فَسَأَلْته، فَأَجَابَ بِمِثْلِ قَوْلِي وَطَالَبْته بِالدَّلِيلِ فَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ أَوْ غَيْرُ طَالِقٍ أَيَقَعُ؟ قُلْت لَا، قَالَ: هَذَا كَذَلِكَ بَزَّازِيَّةٌ وَفَتْحٌ (وَلَهُ وَلَا التَّلَفُّظُ بِهِمَا) أَيْ بِالطَّلَاقِ وَالِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ أَوْ عَكَسَ) أَيْ كَتَبَ الطَّلَاقَ وَتَلَفَّظَ بِالِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ أَوْ أَزَالَ الِاسْتِثْنَاءَ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى قِسْمٍ رَابِعٍ، وَهُوَ مَا إذَا كَتَبَهُمَا مَعًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَيْضًا وَإِنْ أَزَالَ الِاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَا الْعِلْمُ بِمَعْنَاهُ) فَصَارَ كَسُكُوتِ الْبِكْرِ إذَا زَوَّجَهَا أَبُوهَا وَلَا تَدْرِي أَنَّ السُّكُوتَ رِضًا يَمْضِي بِهِ الْعَقْدُ عَلَيْهَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَصْدُ، وَقَوْلُهُ جَاهِلًا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَلَا الْعِلْمُ بِمَعْنَاهُ ح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 وَأَفْتَى الشَّيْخُ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ بِالطَّلَاقِ فَأَنْشَأَ لَهُ الْغَيْرُ ظَانًّا صِحَّتَهُ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ. اهـ. قُلْت: وَلَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ مِنْ عُلَمَائِنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ شَهِدَ بِهَا وَهُوَ لَا يَذْكُرُهَا، إنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يَدْرِي مَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ لِغَضَبٍ جَازَ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِمَا وَإِلَّا لَا بَحْرٌ (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ إنْ ادَّعَاهُ) وَأَنْكَرَتْهُ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ حَلَفَ وَأَنْشَأَ لَهُ آخَرُ (قَوْلُهُ وَأَفْتَى الشَّيْخُ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ غَيْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ، وَفَرَّعُوا عَلَيْهِ مَا لَوْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مُعْتَمِدًا عَلَى إفْتَاءِ مُفْتٍ بِعَدَمِ حِنْثِهِ بِهِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْإِفْتَاءِ إذْ الْمَدَارُ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ وَعَدَمِهَا لَا عَلَى الْأَهْلِيَّةِ. قَالُوا: وَمِنْهُ قَوْلُ غَيْرِ الْحَالِفِ لَهُ بَعْدَ حَلِفِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُخْبِرُهُ بِأَنَّ مَشِيئَةَ غَيْرِهِ تَنْفَعُهُ فَيَفْعَلُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ اعْتِمَادًا عَلَى خَبَرِ الْمُخْبِرِ اهـ وَبِهَذَا تَعْلَمُ مَا فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ مِنْ الْخَفَاءِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ ظَانًّا صِحَّتَهُ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي لَهُ وَهُوَ مَشْرُوطٌ بِالْإِخْبَارِ كَمَا عَلِمْته، وَقَوْلُهُ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَأَفْتَى (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُقَرَّرَ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَحْنَثُ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلَوْ مُكْرَهًا أَوْ مُخْطِئًا أَوْ ذَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونًا، فَإِذَا كَانَ يَحْنَثُ بِفِعْلِهِ مُكْرَهًا وَنَحْوَهُ فَكَيْفَ لَا يَحْنَثُ بِفِعْلِهِ قَصْدًا مَعَ ظَنِّ عَدَمِ الْحِنْثِ؟ نَعَمْ صَرَّحُوا فِي الْأَيْمَانِ بِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى مَاضٍ أَوْ حَالٍّ يَظُنُّ نَفْسَهُ صَادِقًا لَا يُؤَاخَذُ فِيهَا إلَّا فِي ثَلَاثٍ: طَلَاقٌ وَعَتَاقٌ وَنَذْرٌ، وَقَدْ قَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى غَالِبِ الظَّنِّ إذَا تَبَيَّنَ خِلَافُهُ، وَقَدْ اُشْتُهِرَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ كَانَ بِحَالٍ إلَخْ) أَمَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ بِتِلْكَ الْحَالِ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. قُلْت: وَمُقْتَضَى هَذَا الْفَرْعِ أَنَّ مَنْ وَصَلَ فِي الْغَضَبِ إلَى حَالَةٍ لَا يَدْرِي فِيهَا مَا يَقُولُ يَقَعُ طَلَاقُهُ وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى اعْتِمَادِ قَوْلِ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ اسْتَثْنَى مَعَ أَنَّهُ مَرَّ أَوَّلَ الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُ الْمَدْهُوشِ. وَأَفْتَى بِهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِيمَنْ طَلَّقَ وَهُوَ مُغْتَاظٌ مَدْهُوشٌ لِأَنَّ الدَّهَشَ مِنْ أَقْسَامِ الْجُنُونِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَنْ وَصَلَ إلَى حَالَةٍ لَا يَدْرِي فِيهَا مَا يَقُولُ كَانَ فِي حُكْمِ الْمَجْنُونِ، وَقَدَّمْنَا الْجَوَابَ هُنَاكَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِمَا هُنَا أَنَّهُ وَصَلَ إلَى حَالَةٍ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ بِأَنْ لَا يَقْصِدَهُ وَلَا يَفْهَمَ مَعْنَاهُ بِحَيْثُ يَكُونُ كَالنَّائِمِ وَالسَّكْرَانِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ قَدْ يَنْسَى مَا يَقُولُ لِاشْتِغَالِ فِكْرِهِ بِاسْتِيلَاءِ الْغَضَبِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ وَأَنْكَرَتْهُ الزَّوْجَةُ] مَطْلَبٌ فِيمَنْ لَوْ ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ وَأَنْكَرَتْهُ الزَّوْجَةُ. (قَوْلُهُ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَخْ) قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِي الْمِنَحِ: لَمْ يَذْكُرْ أَهُوَ بِيَمِينِهِ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْكَمَالِ، وَلَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ، وَيَنْبَغِي عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنْ يَكُونَ بِيَمِينِهِ إذَا أَنْكَرَتْهُ الزَّوْجَةُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تُنْكِرْهُ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ إلَّا إذَا اتَّهَمَهُ الْقَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ ادَّعَاهُ وَأَنْكَرَتْهُ) أَيْ ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ، وَمِثْلُهُ الشَّرْطُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. وَقَيَّدَ بِإِنْكَارِهَا لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُنَازِعٌ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ. قُلْت: لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُلْتَقَطِ إذَا سَمِعَتْ الْمَرْأَةُ الطَّلَاقَ وَلَمْ تَسْمَعْ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَسَعُهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ الْوَطْءِ اهـ أَيْ فَيَلْزَمُهَا مُنَازَعَتُهُ إذَا لَمْ تَسْمَعْ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ شَهِدُوا بِأَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ خَالَعَ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ أَوْ شَهِدُوا بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ تُقْبَلُ، وَهَذَا مِمَّا تُقْبَلُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى النَّفْيِ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى أَمْرٌ وُجُودِيٌّ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ ضَمِّ الشَّفَتَيْنِ عَقِيبَ التَّكَلُّمِ بِالْمُوجِبِ، وَإِنْ قَالُوا طَلَّقَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 (فِي ظَاهِرِ الْمَرْوِيِّ) عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ (وَقِيلَ لَا) يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ (وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ) وَالْفَتْوَى احْتِيَاطًا لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ خَانِيَّةٌ، وَقِيلَ إنْ عُرِفَ بِالصَّلَاحِ فَالْقَوْلُ لَهُ (وَحُكْمُ مَا لَمْ يُوقَفْ عَلَى مَشِيئَتِهِ) فِيمَا ذُكِرَ (كَالْإِنْسِ وَالْجِنِّ) وَالْمَلَائِكَةِ وَالْجِدَارِ وَالْحِمَارِ (كَذَلِكَ) وَكَذَا إنْ شَرَكَ كَإِنْ شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ زَيْدٌ لَمْ يَقَعْ أَصْلًا؛ وَمِثْلُ إنْ إلَّا، وَإِنْ لَمْ، وَإِذَا،   [رد المحتار] وَلَمْ نَسْمَعْ مِنْهُ غَيْرَ كَلِمَةِ الْخُلْعِ وَالزَّوْجُ يَدَّعِي الِاسْتِثْنَاءَ فَالْقَوْلُ لَهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ قَالَهُ وَلَمْ يَسْمَعُوهُ وَالشَّرْطُ سَمَاعُهُ لَا سَمَاعُهُمْ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ عَقِبَهُ: وَفِي فَوَائِدِ شَمْسِ الْإِسْلَامِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَفِي الْفُصُولِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. قُلْت: وَكَذَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إذَا ظَهَرَ مِنْهُ دَلِيلُ صِحَّةِ الْخُلْعِ كَقَبْضِ الْبَدَلِ أَوْ نَحْوِهِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَالْمُرَادُ ذِكْرُ الْبَدَلِ لَا حَقِيقَةُ الْأَخْذِ، فَعَلَى هَذَا إذَا ذَكَرَ الْبَدَلَ وَقْتَ الطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً فِي دَعْوَى الِاسْتِثْنَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ إلَخْ) قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: حَيْثُمَا وَقَعَ خِلَافٌ وَتَرْجِيحٌ لِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ مَا عَدَاهَا لَيْسَ مَذْهَبًا لِأَصْحَابِنَا. وَأَيْضًا كَمَا غَلَبَ الْفَسَادُ فِي الرِّجَالِ غَلَبَ فِي النِّسَاءِ، فَقَدْ تَكُونُ كَارِهَةً لَهُ فَتَطْلُبُ الْخَلَاصَ مِنْهُ فَتَفْتَرِي عَلَيْهِ فَيُفْتِي الْمُفْتِي بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الَّذِي هُوَ الْمَذْهَبُ وَيُفَوِّضُ بَاطِنَ الْأَمْرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَتَأَمَّلْ وَأَنْصِفْ مِنْ نَفْسِكَ اهـ. قُلْت: الْفَسَادُ وَإِنْ كَانَ فِي الْفَرِيقَيْنِ لَكِنْ أَكْثَرُ الْعَوَامّ لَا يَعْرِفُونَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُبْطِلٌ لِلْيَمِينِ، وَإِنَّمَا يَعْلَمُهُ ذَلِكَ حِيلَةً بَعْضُ مَنْ لَا يَخَافُ اللَّهَ تَعَالَى وَأَيْضًا فَإِنَّ دَعْوَى الزَّوْجِ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ بِدَعْوَى الِاسْتِثْنَاءِ يَدَّعِي إبْطَالَ الْمُوجِبِ بَعْدَ الِاعْتِرَافِ بِهِ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي وُجُودِ الشَّرْطِ كَدُخُولِهَا الدَّارَ مَثَلًا، فَإِنَّهُ بَعْدَ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَنْعَقِدْ الْمُوجِبُ لِلطَّلَاقِ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ الدُّخُولِ وَهُوَ يُنْكِرُهُ وَالظَّاهِرُ يَشْهَدُ لَهُ أَمَّا هُنَا فَالظَّاهِرُ خِلَافُ قَوْلِهِ وَإِذَا عَمَّ الْفَسَادُ يَنْبَغِي الرُّجُوعُ إلَى الظَّاهِرِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: نَقَلَ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ مَشَايِخَنَا أَجَابُوهُ فِي دَعْوَى الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ فِي أَنْ لَا يُصَدَّقَ الزَّوْجُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَقَدْ فَسَدَ حَالُ النَّاسِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ إنْ عُرِفَ بِالصَّلَاحِ إلَخْ) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ عَقِبَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ آنِفًا، وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنْ يَنْظُرَ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مَعْرُوفًا بِالصَّلَاحِ وَالشُّهُودُ لَا يَشْهَدُونَ عَلَى النَّفْيِ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ بِمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ تَصْدِيقًا لَهُ، وَإِنْ عُرِفَ بِالْفِسْقِ أَوْ جُهِلَ حَالُهُ فَلَا لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ فِي هَذَا الزَّمَانِ اهـ قُلْت: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا تَحْقِيقٌ لِلْقَوْلِ الثَّانِي الْمُفْتَى بِهِ لِأَنَّ الْمَشَايِخَ عَلَّلُوهُ بِفَسَادِ الزَّمَانِ: أَيْ فَيَكُونُ الزَّوْجُ مُتَّهَمًا، وَإِذَا كَانَ صَالِحًا تَنْتَفِي التُّهْمَةُ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ هَذَا قَوْلًا ثَالِثًا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَحُكْمُ مَنْ لَمْ يُوقَفْ عَلَى مَشِيئَتِهِ إلَخْ) تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ، فَإِنَّ الْبَارِيَ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّنْ لَا يُوقَفُ عَلَى مَشِيئَتِهِ. وَأَفَادَ بِالتَّمْثِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَعُمُّ مَنْ لَهُ مَشِيئَةٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا كَإِنْ شَاءَ الْإِنْسُ وَمَنْ لَا مَشِيئَةَ لَهُ أَصْلًا كَإِنْ شَاءَ الْجِدَارُ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ فِيمَا ذُكِرَ) مُتَعَلِّقٌ بِحُكْمٍ وَالْمُرَادُ بِمَا ذُكِرَ التَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ ح (قَوْلُهُ كَذَلِكَ) أَيْ كَالْمُعَلَّقِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ ح (قَوْلُهُ وَكَذَا إنْ شَرِكَ) بِأَنْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَثَلًا وَمَشِيئَةِ مَنْ يُوقَفُ عَلَى مَشِيئَتِهِ (قَوْلُهُ لَمْ يَقَعْ أَصْلًا) أَيْ وَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَمِثْلُ إنْ إلَّا) أَيْ إذَا قَالَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ مِثْلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ إلَّا الْمُرَكَّبَةُ مِنْ إنْ الشَّرْطِيَّةِ وَلَا النَّافِيَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 73] [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: رَجُلٌ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ إلَّا نَاسِيًا فَكَلَّمَهُ نَاسِيًا ثُمَّ كَلَّمَهُ ذَاكِرًا حَنِثَ، بِخِلَافِ إلَّا أَنْ أَنْسَى فَلَا يَحْنَثُ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ أَطْلَقَ وَاسْتَثْنَى الْكَلَامَ نَاسِيًا فَقَطْ، وَفِي الثَّانِي وَقَّتَ الْيَمِينَ بِالنِّسْيَانِ لِأَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ بِمَعْنَى حَتَّى فَيَنْتَهِي الْيَمِينُ بِالنِّسْيَانِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ) أَيْ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَقَعُ شَيْءٌ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِلِاسْتِثْنَاءِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 وَمَا، وَمَا لَمْ يَشَأْ وَمِنْ الِاسْتِثْنَاءِ: أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا أَبُوك، أَوْ لَوْلَا حُسْنُك، أَوْ لَوْلَا أَنِّي أُحِبُّك لَمْ يَقَعْ خَانِيَّةٌ، وَمِنْهُ: سُبْحَانَ اللَّهِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْوَاهُ (قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا) إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ وَحُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَعَتَقَ الْعَبْدُ (عِنْدَ الْإِمَامِ) لِأَنَّ اللَّفْظَ الثَّانِيَ لَغْوٌ، وَلَا وَجْهَ لِكَوْنِهِ تَوْكِيدًا لِلْفَصْلِ بِالْوَاوِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ حُرٌّ حُرٌّ أَوْ حُرٌّ وَعَتِيقٌ لِأَنَّهُ تَوْكِيدٌ وَعَطْفُ تَفْسِيرٍ فَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ (وَكَذَا) يَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ (إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتَ طَالِقٌ) فَإِنَّهُ تَطْلِيقٌ عِنْدَهُمَا   [رد المحتار] لَوْ أَوْقَعْنَاهُ عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَاءَهُ لِأَنَّ الْوُقُوعَ دَلِيلُ الْمَشِيئَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاقِعٍ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ عَلَّقَ بِعَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقَ لَا بِمَشِيئَتِهِ جَلَّ وَعَلَا فَيَبْطُلُ الْإِيقَاعُ ضَرُورَةً بَحْرٌ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي التَّلْوِيحِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى فِي الظَّرْفِيَّةِ (قَوْلُهُ وَمَا) أَيْ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَقَعُ، أَمَّا عَلَى كَوْنِهَا مَصْدَرِيَّةً ظَرْفِيَّةً فَظَاهِرٌ لِلشَّكِّ وَأَمَّا عَلَى كَوْنِهَا مَوْصُولًا اسْمِيًّا فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ الَّذِي شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَشِيئَتُهُ لَا تُعْلَمُ فَلَا يَقَعُ، إذْ الْعِصْمَةُ ثَابِتَةٌ بِيَقِينٍ فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ، أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَمَا لَمْ يَشَأْ) وَمَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ مُدَّةَ عَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ طَلَاقَك، وَالْوَجْهُ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ مَا ذُكِرَ فِي إنْ لَمْ ط (قَوْلُهُ لَوْلَا أَبُوك إلَخْ) إنَّمَا كَانَ هَذَا اسْتِثْنَاءً لِأَنَّ لَوْلَا تَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ الْجَزَاءِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ وُجُودُ الْأَبِ أَوْ حُسْنِهَا ط (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْوَاهُ) كَأَنَّ الشَّارِحَ رَأَى ذَلِكَ فِي فَتْوَى مَعْزُوَّةٍ إلَى ابْنِ الْهُمَامِ لِأَنَّا لَمْ نَسْمَعْ أَنَّ لَهُ كِتَابَ فَتَاوَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ ثَابِتٍ عَنْهُ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، حَيْثُ قَالَ وَيَتَرَاءَى خِلَافٌ فِي الْفَصْلِ بِالذِّكْرِ الْقَلِيلِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي النَّوَازِلِ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ مُسْتَثْنًى دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَفِي الْفَتَاوَى: لَوْ أَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَ رَجُلًا وَيَخَافَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ فِي السِّرِّ يُحَلِّفُهُ وَيَأْمُرُهُ أَنْ يَذْكُرَ عَقِبَ الْحَلِفِ مَوْصُولًا سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْكَلَامِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ بِالْفَصْلِ بِالذِّكْرِ اهـ فَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي أَنَّ نَحْوَ: سُبْحَانَ اللَّهِ عَقِبَ الْيَمِينِ فَاصِلٌ مُبْطِلٌ لِلِاسْتِثْنَاءِ، أَمَا إنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَوْكِيدٌ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ حُرٌّ حُرٌّ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقِيَاسُهُ إذَا كَرَّرَ ثَلَاثًا بِلَا وَاوٍ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ اهـ وَقَوْلُهُ وَعَطْفُ تَفْسِيرٍ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ حُرٌّ وَعَتِيقٌ، فَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ: حُرٌّ وَحُرٌّ مِنْ عَطْفِ التَّفْسِيرِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِغَيْرِ لَفْظِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ لَفْظُ إنْ شَاءَ اللَّهُ هَلْ هُوَ إبْطَالٌ أَوْ تَعْلِيقٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ تَطْلِيقٌ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إبْطَالٌ عِنْدَهُمَا: أَيْ رَفْعٌ لِحُكْمِ الْإِيجَابِ السَّابِقِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَعْلِيقٌ، وَلِهَذَا شَرَطَ كَوْنَهُ مُتَّصِلًا كَسَائِرِ الشُّرُوطِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا طَرِيقَ لِلْوُصُولِ إلَى مَعْرِفَةِ مَشِيئَتِهِ تَعَالَى فَكَانَ إبْطَالًا، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ، وَعَلَى كُلٍّ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي مِثْلِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، نَعَمْ تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي مَوَاضِعَ. مِنْهَا مَا إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ وَلَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ فِي الْجَوَابِ، كَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ. فَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ فَلَا يَخْتَلِفُ. وَعِنْدَهُ يَقَعُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الْفَاءِ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِهَا. وَمِنْهَا مَا إذَا حَلَفَ لَا يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ وَقَالَهُ حَنِثَ عَلَى التَّعْلِيقِ لَا الْإِبْطَالِ كَمَا يَأْتِي، هَذَا مَا قَرَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَابْنُ الْهُمَامِ وَغَيْرُهُمَا، وَمِثْلُهُ فِي مَتْنِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ حَيْثُ قَالَ: وَيَجْعَلُ: أَيْ أَبُو يُوسُفَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِلتَّعْلِيقِ وَهُمَا لِلْإِبْطَالِ وَبِهِ يُفْتِي. فَلَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ كَذَا بِلَا فَاءٍ يَقَعُ عَلَى الْأَوَّلِ وَيَلْغُو عَلَى الثَّانِي اهـ لَكِنْ ذَكَرَ فِي مَتْنِ الْمَجْمَعِ عَكْسَ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ يَجْعَلُهُ تَعْلِيقًا وَهُمَا تَطْلِيقًا، وَحَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مُقَابَلَةَ التَّعْلِيقِ بِالتَّطْلِيقِ تَقْتَضِي عَدَمَ الْوُقُوعِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْقَائِلِ بِالتَّعْلِيقِ وَالْوُقُوعِ عَلَى قَوْلِهِمَا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 تَعْلِيقٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِاتِّصَالِ الْمُبْطِلِ بِالْإِيجَابِ فَلَا يَقَعُ كَمَا لَوْ أَخَّرَ، وَقِيلَ الْخِلَافُ بِالْعَكْسِ، وَعَلَى كُلٍّ فَالْمُفْتَى بِهِ عَدَمُ الْوُقُوعِ إذَا قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ وَلَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ، فَإِنْ أَتَى بِهَا لَمْ يَقَعْ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ والشُّرُنبُلالِيَّة وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهَا فَلْيُحْفَظْ. وَثَمَرَتُهُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ   [رد المحتار] عَلَى أَنَّهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي شَرْحِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ أَدْرَى، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَيْضًا فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ حَيْثُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَجْعَلُهُ تَعْلِيقًا لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لَمَّا اتَّصَلَ بِالْإِيجَابِ أَبْطَلَ حُكْمَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَجَعَلَاهُ تَنْجِيزًا لَمَّا انْتَفَى رَابِطُ الْجُمْلَتَيْنِ وَهُوَ الْفَاءُ بَقِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ مُنَجَّزًا. اهـ. وَقَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِنْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ بِدُونِ حَرْفِ الْفَاءِ فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَبِهِ نَأْخُذُ. وَفِي الْمُحِيطِ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ فِي الْقَضَاءِ وَيَدِينُ إنْ أَرَادَ بِهِ الِاسْتِثْنَاءَ، وَذَكَرَ الْخِلَافَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي الْقُدُورِيِّ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا تَطْلُقُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَتَطْلُقُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اهـ وَمِثْلُهُ وَفِي الذَّخِيرَةِ. وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ قَبْلَ هَذَا أَوَّلَ بَابِ التَّعْلِيقِ مِثْلَ مَا مَرَّ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَائِلٌ بِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تَعْلِيقٌ وَلَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي التَّخْرِيجِ عَلَى قَوْلِهِ، فَقِيلَ تَلْزَمُ الْفَاءُ فِي الْجَوَابِ كَمَا فِي بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ فَيَقَعُ بِدُونِهَا، وَقِيلَ لَا فَلَا يَقَعُ وَإِنَّ مُحَمَّدًا قَائِلٌ بِأَنَّهَا إبْطَالٌ. وَاخْتُلِفَ فِي التَّخْرِيجِ عَلَى قَوْلِهِ، فَقِيلَ إنَّمَا تَكُونُ إبْطَالًا وَإِنْ صَحَّ الرَّبْطُ بِوُجُودِ الْفَاءِ فِي الْجَوَابِ، فَلَوْ حُذِفَتْ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِهَا وَقَعَ مُنَجَّزًا وَهُوَ مَعْنَى كَوْنِهَا حِينَئِذٍ لِلتَّطْلِيقِ، وَقِيلَ إنَّهَا عِنْدَهُ لِلْإِبْطَالِ مُطْلَقًا فَلَا يَقَعُ وَإِنْ سَقَطَتْ الْفَاءُ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقِيلَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ، وَقِيلَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعْلِيقِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ اخْتِلَافِ التَّخْرِيجِ وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَائِلٌ بِأَنَّهَا لِلْإِبْطَالِ وَأَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ بِذَلِكَ، فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَمِعْته عَلَى أَنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي الْخَانِيَّةِ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهَا عِنْدَهُ لِلتَّعْلِيقِ، وَكَذَا مَا فِيهِ مِنْ أَنَّ مَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ غَلَطٌ، وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ، فَهُوَ بَعِيدٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ مُوَافَقَتِهِ لِعِدَّةِ كُتُبٍ مُعْتَبَرَةٍ، وَلِتَصْرِيحِ الْقُدُورِيِّ بِهِ بَلْ هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَقَدْ خَفِيَ هَذَا عَلَى صَاحِبِ الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهِمْ، فَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَقَامِ الَّذِي زَلَّتْ فِيهِ أَقْدَامُ الْأَفْهَامِ (قَوْلُهُ لِاتِّصَالِ الْمُبْطِلِ بِالْإِيجَابِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعْلِيقٌ كَمَا مَرَّ عَنْ شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُبْطِلِ لَفْظُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ وَإِنْ سَقَطَتْ الْفَاءُ مِنْ جَوَابِهِ كَمَا مَرَّ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة فَيَلْغُو الْإِيجَابُ وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ، فَلَا يَقَعُ. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ مُقْتَضَى التَّعْلِيقِ الْوُقُوعُ عِنْدَ عَدَمِ الْفَاءِ لِعَدَمِ الرَّبْطِ. وَأَجَابَ الرَّمْلِيُّ بِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إعْدَامُ الْحُكْمِ لَا التَّعْلِيقِ، وَفِي الْإِعْدَامِ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَرْفِ الْجَزَاءِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّعْلِيقُ فَافْتَرَقَا اهـ. قُلْت: وَهَذَا عَلَى أَحَدِ التَّخْرِيجَيْنِ، وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ. أَمَّا عَلَى التَّخْرِيجِ الْآخَرِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ بِدُونِ الْفَاءِ وَهُوَ مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ فَيَقَعُ كَمَا مَرَّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ الْخِلَافُ بِالْعَكْسِ) يَعْنِي الْخِلَافَ فِي أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ هَلْ هُوَ إبْطَالٌ أَوْ تَعْلِيقٌ لَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ: أَيْ فَقِيلَ إنَّهُ إبْطَالٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَعْلِيقٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْقَائِلُ أَبَا حَنِيفَةَ، وَيُحْتَمَلُ إرَادَةُ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ: أَيْ قِيلَ إنَّهُ يَقَعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا عِنْدَهُمَا كَمَا مَرَّ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَعَلَى كُلٍّ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ قِيلَ إنَّ التَّعْلِيقَ أَوْ الْإِبْطَالَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوْ قَوْلُ غَيْرِهِ. فَالْمُفْتَى بِهِ عَدَمُ الْوُقُوعِ، فَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ خِلَافُ الْمُفْتَى بِهِ (قَوْلُهُ لَمْ يَقَعْ اتِّفَاقًا) إذْ لَا شَكَّ حِينَئِذٍ فِي صِحَّةِ التَّعْلِيقِ (قَوْلُهُ وَثَمَرَتُهُ إلَخْ) هَذَا الضَّمِيرُ لَا مَرْجِعَ لَهُ فِي كَلَامِهِ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ وَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 بِالطَّلَاقِ وَقَالَهُ حَنِثَ عَلَى التَّعْلِيقِ لَا الْإِبْطَالِ (وَبِأَنْتِ طَالِقٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ أَوْ بِإِرَادَتِهِ أَوْ بِمَحَبَّتِهِ أَوْ بِرِضَاهُ) لَا تَطْلُقُ، لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ فَكَانَتْ كَإِلْصَاقِ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ (وَإِنْ أَضَافَهُ) أَيْ الْمَذْكُورَ مِنْ الْمَشِيئَةِ وَغَيْرِهَا (إلَى الْعَبْدِ كَانَ) ذَلِكَ (تَمْلِيكًا فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ) كَمَا مَرَّ (وَإِنْ قَالَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِحُكْمِهِ أَوْ بِقَضَائِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ أَوْ بِعِلْمِهِ أَوْ بِقُدْرَتِهِ يَقَعُ فِي الْحَالِ أُضِيفَ إلَيْهِ تَعَالَى أَوْ إلَى الْعَبْدِ) إذْ يُرَادُ بِمِثْلِهِ التَّنْجِيزُ عُرْفًا (كَقَوْلِهِ) أَنْتِ طَالِقٌ (بِحُكْمِ الْقَاضِي، وَإِنْ) قَالَ ذَلِكَ (بِاللَّامِ يَقَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا) لِأَنَّهُ لِلتَّعْلِيلِ (وَإِنْ) كَانَ ذَلِكَ (بِحَرْفِ فِي إنْ أَضَافَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا يَقَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا) لِأَنَّ فِي بِمَعْنَى الشَّرْطِ (إلَّا فِي الْعِلْمِ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي الْحَالِ) وَكَذَا الْقُدْرَةُ إنْ نَوَى بِهَا ضِدَّ الْعَجْزِ لِوُجُودِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَطْعًا كَالْعِلْمِ (وَإِنْ أَضَافَ إلَى الْعَبْدِ كَانَ تَمْلِيكًا فِي الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ) وَمَا بِمَعْنَاهَا كَالْهَوَى وَالرُّؤْيَةِ (تَعْلِيقًا فِي غَيْرِهَا) وَهِيَ سِتَّةٌ، ثُمَّ الْعَشَرَةُ إمَّا أَنْ تُضَافَ لِلَّهِ أَوْ لِلْعَبْدِ، وَالْعِشْرُونَ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِبَاءٍ أَوْ لَامٍ أَوْ فِي فَهِيَ سِتُّونَ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ كَتَبَ الطَّلَاقَ   [رد المحتار] أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ قَدَّمَهُ، وَأَتَى بِالْفَاءِ فِي الْجَوَابِ، فَهُوَ إبْطَالٌ عِنْدَهُمَا تَعْلِيقٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ، وَهِيَ مَا إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ وَلَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ فِي الْجَوَابِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا وَمِنْهَا هَذِهِ، وَبَيَانُهَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ قَالَ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَلَا تَطْلُقُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَمِينٌ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَيْسَ بِيَمِينٍ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ لِلْإِبْطَالِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ، وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ وَقَالَهُ رَاجِعٌ إلَى مَا لَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ قَدَّمَهُ وَأَتَى بِالْفَاءِ الرَّابِطَةِ كَإِنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ (قَوْلُهُ أَوْ بِرِضَاهُ) الرِّضَا تَرْكُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْفَاعِلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَحَبَّةٌ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ) أَيْ هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لَهَا فَيَلْتَصِقُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ غَيْبٌ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهَا فَلَا تَطْلُقُ بِالشَّكِّ ط (قَوْلُهُ وَإِنْ أَضَافَهُ) أَيْ بِالْبَاءِ (قَوْلُهُ أَيْ الْمَذْكُورَ) جَوَابٌ عَنْ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ أَفْرَدَ الضَّمِيرَ وَمَرْجِعُهُ مُتَعَدِّدٌ ط (قَوْلُهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ) أَيْ مَجْلِسِ عِلْمِهِ، فَإِنْ شَاءَ فِيهِ طَلُقَتْ وَإِلَّا خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي فَصْلِ الْمَشِيئَةِ ح (قَوْلُهُ إذْ يُرَادُ بِمِثْلِهِ التَّنْجِيزُ عُرْفًا) أَيْ فَلَا يُصَدَّقُ فِي إرَادَةِ التَّعْلِيقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْعَشَرَةِ (قَوْلُهُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا) أَيْ سَوَاءٌ أُضِيفَتْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إلَى الْعَبْدِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لِلتَّعْلِيلِ) أَيْ تَعْلِيلِ الْإِيقَاعِ كَقَوْلِهِ طَالِقٌ لِدُخُولِكَ الدَّارَ فَتْحٌ أَيْ وَالْإِيقَاعُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ عِلَّتِهِ كَمَا مَرَّ، فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْمَشِيئَةَ وَنَحْوَهَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ؛ وَلَا كَوْنُ مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلطَّلَاقِ مَعْدُومَةً لِكَوْنِهِ أَبْغَضَ الْحَلَالِ إلَيْهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي بِمَعْنَى الشَّرْطِ) فَيَكُونُ تَعْلِيقًا بِمَا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَتْحٌ قِيلَ وَفِي قَوْلِهِ بِمَعْنَى الشَّرْطِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ شَرْطًا مَحْضًا حَتَّى يَقَعَ الطَّلَاقُ بَعْدَهُ، بَلْ يَقَعُ مَعَهُ. وَتَظْهَرُ الثَّمَرَةُ فِيمَا لَوْ قَالَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي نِكَاحِك فَتَزَوَّجَهَا لَا تَطْلُقُ، كَمَا لَوْ قَالَ مَعَ نِكَاحِك، بِخِلَافِ إنْ تَزَوَّجْتُك تَلْوِيحٌ: أَيْ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَأَخِّرًا عَنْ النِّكَاحِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي الْحَالِ) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى بِحَالٍ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا لَمْ يَكُنْ فَكَانَ تَعْلِيقًا بِأَمْرٍ مَوْجُودٍ فَيَكُونُ إيقَاعًا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ إنْ نَوَى بِهَا ضِدَّ الْعَجْزِ) أَيْ نَوَى حَقِيقَتَهَا لِأَنَّهَا صِفَةٌ مُنَافِيَةٌ لِلْعَجْزِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا بِأَمْرٍ مَوْجُودٍ، أَمَّا لَوْ نَوَى بِهَا التَّقْدِيرَ فَلَا يَقَعُ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَدْ يُقَدِّرُ شَيْئًا وَقَدْ لَا يُقَدِّرُهُ (قَوْلُهُ وَالرُّؤْيَةِ) الْكَثِيرُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ مَصْدَرَ رَأَى الْبَصَرِيَّةِ وَمَصْدَرُ الْقَلْبِيَّةِ الرَّأْيُ وَمَصْدَرُ الْحُلْمِيَّةِ الرُّؤْيَا وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ كُلٌّ فِي الْآخَرِ، وَهَذَا مِنْهُ لِأَنَّ رُؤْيَةَ طَلَاقِهَا بِالْقَلْبِ لَا بِالْبَصَرِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْعَشَرَةُ) الْأَظْهَرُ فِي التَّرْكِيبِ أَنْ يَقُولَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَشَرَةَ إلَخْ كَمَا لَا يَخْفَى ح (قَوْلُهُ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِبَاءٍ) تَرَكَ إنْ مِنْ التَّقْسِيمِ كَمَا تَرَكَ الْمُصَنِّفُ بَقِيَّةَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 وَاسْتَثْنَى بِالْكِتَابَةِ صَحَّ، وَعَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ فَهِيَ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ وَفِي كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ تَطْلُقُ رَجْعِيَّةً (أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً يَقَعُ ثِنْتَانِ، وَفِي الِاثْنَتَيْنِ وَاحِدَةٌ، وَفِي إلَّا ثَلَاثًا) يَقَعُ (ثَلَاثٌ) لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ بَاطِلٌ   [رد المحتار] وَحَاصِلُ حُكْمِهَا أَنَّهَا إبْطَالٌ أَوْ تَعْلِيقٌ فِي الْعَشَرَةِ إنْ أُضِيفَتْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَتَمْلِيكٌ فِيهَا إنْ أُضِيفَتْ إلَى الْعَبْدِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ أَتَى بِإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي الْكُلِّ اهـ يَعْنِي إذَا أُضِيفَتْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَالْأَقْسَامُ حِينَئِذٍ ثَمَانُونَ. اهـ. ح. قُلْت: الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأُوَلَ لِلتَّمْلِيكِ، وَهَذَا وَإِنْ ذَكَرَهُ مَعَ الْبَاءِ وَفِي لَكِنَّهُمَا بِمَعْنَى الشَّرْطِ وَأَصْلُ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ هُوَ إنْ فَلَا تَكُونُ السِّتَّةُ الْبَاقِيَةُ لِلتَّمْلِيكِ أَصْلًا. ثُمَّ رَأَيْت الزَّيْلَعِيَّ صَرَّحَ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ عَشَرَةٌ: أَرْبَعَةٌ مِنْهَا لِلتَّمْلِيكِ، وَهِيَ الْمَشِيئَةُ وَأَخَوَاتُهَا. وَسِتَّةٌ لَيْسَتْ لِلتَّمْلِيكِ وَهِيَ الْأَمْرُ وَأَخَوَاتُهُ إلَخْ. وَعَلَى هَذَا فَإِذَا أُضِيفَتْ إلَى الْعَبْدِ بِإِنْ الشَّرْطِيَّةِ كَانَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ لِلتَّمْلِيكِ فَتَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَالسِّتَّةُ الْبَاقِيَةُ لِلتَّعْلِيقِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، فَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ لَمْ يَقَعْ فِي الْكُلِّ: أَيْ لَمْ يَقَعْ أَصْلًا إنْ أُضِيفَتْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يَقَعْ فِي الْحَالِ إنْ أُضِيفَتْ إلَى الْعَبْدِ فَافْهَمْ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَى الْبَحْرِ كَمَا قَالَ ط إنَّ هَذَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي صُورَةِ الْعِلْمِ إذَا أُضِيفَ إلَيْهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَقَعُ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِأَمْرٍ مَوْجُودٍ فَيَكُونُ تَنْجِيزًا (قَوْلُهُ وَعَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: فَلَوْ تَلَفَّظَ بِالطَّلَاقِ وَكَتَبَ الِاسْتِثْنَاءَ مَوْصُولًا أَوْ عَكَسَ أَوْ أَزَالَ الِاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ الْكِتَابَةِ لَمْ يَقَعْ (قَوْلُهُ فَهِيَ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ) صَوَابُهُ مِائَتَانِ وَأَرْبَعُونَ لِأَنَّ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ صُورَةٌ هِيَ كِتَابَةُ الطَّلَاقِ وَالِاسْتِثْنَاءِ مَعًا، وَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ ثَلَاثَةُ صُوَرٍ وَبِضَرْبِ أَرْبَعَةٍ فِي سِتِّينَ تَبْلُغُ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَقَدْ تَزِيدُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَشَرَةَ إمَّا أَنْ تُضَافَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إلَى مَنْ يُوقَفُ عَلَى مَشِيئَتِهِ مِنْ الْعِبَادِ أَوْ مَنْ لَا يُوقَفُ أَوْ إلَى الثَّلَاثَةِ أَوْ إلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا، فَهِيَ سَبْعَةٌ تُضْرَبُ فِي الْعَشَرَةِ تَبْلُغُ سَبْعِينَ، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا بِإِنْ أَوْ الْبَاءِ أَوْ اللَّامِ أَوْ فِي تَبْلُغُ مِائَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَتَلَفَّظَ بِالطَّلَاقِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَمَا بِمَعْنَاهُ أَوْ يَكْتُبَهُمَا أَوْ يَمْحُوَهُمَا بَعْدَ الْكِتَابَةِ أَوْ يَمْحُوَ الطَّلَاقَ أَوْ الْإِنْشَاءَ أَوْ يَتَلَفَّظَ بِالطَّلَاقِ وَيَكْتُبَ الْآخَرَ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ يَمْحُوَ مَا كَتَبَ. فَهِيَ ثَمَانِيَةٌ فِي مِائَتَيْنِ وَثَمَانِينَ تَبْلُغُ أَلْفَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ (قَوْلُهُ تَطْلُقُ رَجْعِيَّةً) لِأَنَّ الْمُضَافَ إلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَالَ الطَّلَاقِ وَكَيْفِيَّتُهُ مِنْ الْمُفْرَدِ وَالْمُتَعَدِّدِ وَالرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ لَا أَصْلُهُ فَيَقَعُ أَقَلُّهُ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَهُوَ الْوَاحِدَةُ الرَّجْعِيَّةُ (قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً) شُرُوعٌ فِي اسْتِثْنَاءِ التَّحْصِيلِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ اسْتِثْنَاءِ التَّعْطِيلِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ. مَطْلَبٌ أَحْكَامُ الِاسْتِثْنَاءِ الْوَضْعِيِّ وَفِي الْبَحْرِ: الِاسْتِثْنَاءُ نَوْعَانِ: عُرْفِيٌّ وَهُوَ مَا مَرَّ مِنْ التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ، وَوَضْعِيٌّ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَهُوَ بَيَانٌ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا أَنَّ مَا بَعْدَهَا لَمْ يُرَدْ بِحُكْمِ الصَّدْرِ. وَيَبْطُلُ بِخَمْسَةٍ: بِالسَّكْتَةِ اخْتِيَارًا وَبِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَبِالْمُسَاوَاةِ، وَبِاسْتِثْنَاءِ بَعْضِ الطَّلْقَةِ، وَبِإِبْطَالِ الْبَعْضِ كَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَثِنْتَيْنِ إلَّا ثَلَاثًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ اهـ مُلَخَّصًا: أَيْ لِأَنَّ إخْرَاجَ الثَّلَاثِ مِنْ إحْدَى الثِّنْتَيْنِ لَغْوٌ. وَفِي الْفَتْحِ عَنْ الْمُنْتَقَى أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا إلَّا أَرْبَعًا فَهِيَ ثَلَاثٌ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَوْلُهُ وَثَلَاثًا فَاصِلَا لَغْوًا. وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ ثِنْتَانِ كَأَنَّهُ قَالَ سِتًّا إلَّا أَرْبَعًا؛ وَلَوْ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ طُولِبَ بِالْبَيَانِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ طَلُقَتْ وَاحِدَةً هُوَ الصَّحِيحُ، وَفِي رِوَايَةٍ ثِنْتَيْنِ (قَوْلُهُ وَفِي الِاثْنَتَيْنِ وَاحِدَةٌ) عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ بَاطِلٌ) هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 إنْ كَانَ بِلَفْظِ الصَّدْرِ أَوْ مُسَاوِيهِ، وَإِنْ بِغَيْرِهِمَا كَنِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا هَؤُلَاءِ أَوْ إلَّا زَيْنَبَ وَعَمْرَةَ وَهِنْدَ وَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ أَوْ إلَّا سَالِمًا وَغَانِمًا وَرَاشِدًا وَهُمْ الْكُلُّ صَحَّ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْإِقْرَارِ (وَيُعْتَبَرُ) فِي (الْمُسْتَثْنَى كَوْنُهُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا مِنْ جُمْلَةِ الْكَلَامِ إلَّا مِنْ جُمْلَةِ الْكَلَامِ الَّذِي يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ) وَهُوَ الثَّلَاثُ، فَفِي أَنْتِ طَالِقٌ عَشَرًا إلَّا تِسْعًا تَقَعُ وَاحِدَةٌ، وَإِلَّا ثَمَانِيَةً تَقَعُ ثِنْتَانِ، وَإِلَّا سَبْعًا تَقَعُ ثَلَاثٌ، وَمَتَى تَعَدَّدَ الِاسْتِثْنَاءُ بِلَا وَاوٍ كَانَ كُلٌّ إسْقَاطًا مِمَّا يَلِيهِ فَيَقَعُ ثِنْتَانِ بِأَنْتِ طَالِقٌ عَشَرًا إلَّا تِسْعًا إلَّا ثَمَانِيَةً إلَّا سَبْعَةً، وَيَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ   [رد المحتار] بَعْدَهُ اسْتِثْنَاءٌ يَكُونُ جَبْرًا لِلصَّدْرِ، فَإِنْ كَانَ صَحَّ، وَعَلَى هَذَا تَفَرَّعَ مَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً حَيْثُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ؛ وَلَوْ قَالَ إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَ ثِنْتَانِ نَهْرٌ، وَهَذَا مِنْ تَعَدُّدِ الِاسْتِثْنَاءِ وَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَإِنَّمَا بَطَلَ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَهُ شَيْءٌ يَصِيرُ مُتَكَلِّمًا بِهِ وَالِاسْتِثْنَاءُ لَمْ يُوضَعْ إلَّا لِلتَّكَلُّمِ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا لَا لِأَنَّهُ رُجُوعٌ بَعْدَ التَّقَرُّرِ كَمَا قِيلَ، وَإِلَّا لَصَحَّ فِيمَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ؛ كَمَا لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِثُلُثِ مَالِي إلَّا ثُلُثَ مَالِي أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ بِلَفْظِ الصَّدْرِ) أَيْ كَمَا مَثَّلَ بِهِ فِي الْمَتْنِ وَكَقَوْلِهِ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَاءٍ وَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا عَبِيدِي كَمَا فِي الْبَحْرِ ح وَفِي الْفَتْحِ: وَلَوْ قَالَ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ إلَّا ثِنْتَيْنِ أَوْ قَالَ ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةً إلَّا ثِنْتَيْنِ يَقَعُ الثَّلَاثُ وَكَذَا ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّهُ فِي الْأُولَيَيْنِ إخْرَاجُ الثِّنْتَيْنِ مِنْ الثِّنْتَيْنِ أَوْ مِنْ الْوَاحِدَةِ، وَفِي الثَّالِثَةِ وَاحِدَةٌ مِنْ وَاحِدَةٍ فَلَا يَصِحُّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً حَيْثُ تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ لِصِحَّةِ إخْرَاجِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الثِّنْتَيْنِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ، وَإِذَا تَعَقَّبَ جُمَلًا فَهُوَ قَيْدٌ لِلْأَخِيرَةِ مِنْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ مُسَاوِيهِ) نَحْوُ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً، وَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةً، وَنَحْوُ أَنْتُنَّ طَوَالِقُ إلَّا زَيْنَبَ وَعَمْرَةَ وَهِنْدًا وَلَيْسَ لَهُ رَابِعَةٌ، وَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ إلَّا سَالِمًا وَغَانِمًا وَرَاشِدًا وَلَيْسَ لَهُ رَابِعٌ. اهـ. ح، (قَوْلُهُ صَحَّ) أَيْ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ وَكَذَا قَوْلُهُ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ إلَّا هَذِهِ وَلَيْسَ لَهُ سِوَاهَا لَا تَطْلُقُ، لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْوُجُودِ لَا تَمْنَعُ صِحَّتَهُ إنْ عَمَّ وَضْعًا لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ صِيَغِيٌّ بَحْرٌ، يَعْنِي أَنَّهُ يُنْظَرُ فِيهِ إلَى صِيغَةِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَإِنْ عَمَّتْ الْمُسْتَثْنَى وَغَيْرَهُ وَضْعًا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فَإِنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ يَعُمُّ فِي الْوَضْعِ هَذِهِ وَغَيْرَهَا، وَكَذَا لَفْظُ نِسَائِي يَعُمُّ الْمُسَمَّيَاتِ وَغَيْرَهُنَّ، بِخِلَافِ أَنْتُنَّ فَإِنَّهُ لَا يَعُمُّ غَيْرَ الْمُسَمَّيَاتِ الْمُخَاطَبَاتِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عُمُومٌ أَصْلًا، وَمِنْهُ مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ قَالَ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا ثَلَاثًا بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ تَعَدُّدٍ يَصِحُّ مَعَهُ إخْرَاجُ شَيْءٍ اهـ وَكَذَا مَا فِي الْبَحْرِ: لَوْ قَالَ لِلْمَدْخُولَةِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا وَاحِدَةً تَقَعُ الثَّلَاثُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّهُ ذَكَرَ كَلِمَاتٍ مُتَفَرِّقَةً فَيُعْتَبَرُ كُلُّ كَلَامٍ فِي حَقِّ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَكَذَا هَذِهِ طَالِقٌ وَهَذِهِ وَهَذِهِ إلَّا هَذِهِ وَلَوْ قَالَ: أَنْتُنَّ طَوَالِقُ إلَّا هَذِهِ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ. اهـ. (قَوْلُهُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ) وَلَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ مَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ مِنْ الْعَشَرَةِ وَهُوَ الثَّلَاثُ لَزِمَ اسْتِثْنَاءُ التِّسْعَةِ مِنْ الثَّلَاثِ فَيَلْغُو وَيَقَعُ الثَّلَاثُ. مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ تَعَدَّدَ الِاسْتِثْنَاءُ (قَوْلُهُ وَمَتَى تَعَدَّدَ الِاسْتِثْنَاءُ) أَيْ وَأَمْكَنَ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِهِ مِنْ بَعْضٍ، بِخِلَافِ مَا لَا يُمْكِنُ كَقَامُوا إلَّا زَيْدًا إلَّا بَكْرًا إلَّا عَمْرًا " فَإِنَّ حُكْمَ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ كَحُكْمِهِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَصْلُ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ قَوْله تَعَالَى {إِلا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 59] {إِلا امْرَأَتَهُ} [الحجر: 60] (قَوْلُهُ بِلَا وَاوٍ) فَإِنْ كَانَ بِالْوَاوِ كَانَ الْكُلُّ إسْقَاطًا مِنْ الصَّدْرِ، نَحْوُ: أَنْتِ طَالِقٌ عَشْرًا إلَّا خَمْسًا وَإِلَّا ثَلَاثًا وَإِلَّا وَاحِدَةً تَقَعُ وَاحِدَةٌ ح (قَوْلُهُ كَانَ كُلُّ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ إسْقَاطًا مِمَّا يَلِيهِ أَيْ مِمَّا قَبْلَهُ، فَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي يَلِيهِ عَائِدٌ عَلَى كُلٍّ وَالْبَارِزُ عَلَى مَا فَهُوَ صِلَةٌ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ، لَكِنْ اللُّبْسُ مَأْمُونٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 بِلَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا (9) إلَّا (8) إلَّا (7) إلَّا (6) إلَّا (5) إلَّا (4) إلَّا (3) إلَّا (2) إلَّا وَاحِدَةً، وَتَقْرِيبُهُ أَنْ تَأْخُذَ الْعَدَدَ الْأَوَّلَ بِيَمِينِك وَالثَّانِيَ بِيَسَارِك وَالثَّالِثَ بِيَمِينِك وَالرَّابِعَ بِيَسَارِك وَهَكَذَا، ثُمَّ تُسْقِطَ مَا بِيَسَارِك مِمَّا بِيَمِينِك، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ الْوَاقِعُ (إخْرَاجُ بَعْضِ التَّطْلِيقِ لَغْوٌ، بِخِلَافِ إيقَاعِهِ، فَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَقَعَ الثَّلَاثُ فِي الْمُخْتَارِ) وَعَنْ الثَّانِي ثِنْتَانِ فَتْحٌ، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا وَاحِدَةً يَقَعُ ثِنْتَانِ انْتَهَى فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ ثَلَاثٍ مُقَدَّرٍ (سَأَلَتْ امْرَأَةٌ الثَّلَاثَ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ خَمْسِينَ طَلْقَةً فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثٌ تَكْفِينِي فَقَالَ ثَلَاثٌ لَك وَالْبَوَاقِي لِصَوَاحِبِك وَلَهُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ غَيْرِهَا تَطْلُقُ الْمُخَاطَبَةُ ثَلَاثًا لَا غَيْرُهَا أَصْلًا) هُوَ الْمُخْتَارُ لِصَيْرُورَةِ الْبَوَاقِي لَغْوًا، فَلَمْ يَقَعْ بِصَرْفِهِ لِصَوَاحِبِهَا شَيْءٌ. [فُرُوعٌ] فِي أَيْمَانِ الْفَتْحِ مَا لَفْظُهُ، وَقَدْ عُرِفَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ الثَّلَاثُ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ ثَمَّةَ.   [رد المحتار] إسْقَاطِ الْأَكْثَرِ مِنْ الْأَقَلِّ فَلَا يَجِبُ إبْرَازُ الضَّمِيرِ اهـ ح. وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ أَنْ تَسْقُطَ السَّبْعَةُ مِنْ الثَّمَانِيَةِ يَبْقَى وَاحِدٌ تُسْقِطُهُ مِنْ التِّسْعَةِ يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ تُسْقِطُهَا مِنْ الْعَشَرَةِ يَبْقَى ثِنْتَانِ (قَوْلُهُ أَنْ تَأْخُذَ الْعَدَدَ الْأَوَّلَ إلَخْ) بَيَانُهُ أَنْ تَعُدَّ الْأَوْتَارَ بِيَمِينِك أَيْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ، وَهِيَ تِسْعَةٌ وَسَبْعَةٌ وَخَمْسَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَوَاحِدَةٌ وَجُمْلَتُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَتَعُدَّ الْأَشْفَاعَ بِيَسَارِك: أَيْ الثَّانِيَ وَالرَّابِعَ وَالسَّادِسَ وَالثَّامِنَ، وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَاثْنَانِ وَجُمْلَتُهَا عِشْرُونَ تُسْقِطُهَا مِمَّا بِالْيَمِينِ يَبْقَى خَمْسَةٌ. قُلْت: وَلَهُ طَرِيقَةٌ ثَانِيَةٌ، وَهِيَ إخْرَاجُ الْأَوْتَارِ وَإِدْخَالُ الْأَشْفَاعِ، بِأَنْ تُخْرِجَ كُلَّ وَتْرٍ مِنْ شَفْعٍ قَبْلَهُ بَيَانُهُ أَنْ تُخْرِجَ التِّسْعَةَ مِنْ الْعَشَرَةِ يَبْقَى وَاحِدٌ تَضُمُّهُ إلَى الثَّمَانِيَةِ تَصِيرُ تِسْعَةً، أَخْرِجْ مِنْهَا سَبْعَةً يَبْقَى اثْنَانِ تَضُمُّهَا إلَى السِّتَّةِ تَصِيرُ ثَمَانِيَةً، أَخْرِجْ مِنْهَا خَمْسَةً يَبْقَى ثَلَاثَةٌ، تَضُمُّهَا إلَى الْأَرْبَعَةِ تَصِيرُ سَبْعَةً، أَخْرِجْ مِنْهَا ثَلَاثَةً يَبْقَى أَرْبَعَةٌ، تَضُمُّهَا إلَى الِاثْنَيْنِ تَصِيرُ سِتَّةً أَخْرِجْ مِنْهَا الْوَاحِدَ يَبْقَى خَمْسَةٌ. وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ إسْقَاطُ كُلٍّ مِمَّا يَلِيهِ كَمَا مَرَّ، بِأَنْ تُسْقِطَ الْوَاحِدَ مِنْ الِاثْنَيْنِ يَبْقَى وَاحِدٌ أَسْقِطْهُ مِنْ الثَّلَاثَةِ يَبْقَى اثْنَانِ أَسْقِطْهُمَا مِنْ الْأَرْبَعَةِ يَبْقَى اثْنَانِ أَيْضًا أَسْقِطْهُمَا مِنْ الْخَمْسَةِ يَبْقَى ثَلَاثَةٌ أَسْقِطْهَا مِنْ السِّتَّةِ يَبْقَى ثَلَاثَةٌ أَيْضًا أَسْقِطْهَا مِنْ السَّبْعَةِ يَبْقَى أَرْبَعَةٌ، أَسْقِطْهَا مِنْ الثَّمَانِيَةِ يَبْقَى أَرْبَعَةٌ أَيْضًا، أَسْقِطْهَا مِنْ التِّسْعَةِ يَبْقَى خَمْسَةٌ، أَسْقِطْهَا مِنْ الْعَشَرَةِ يَبْقَى خَمْسَةٌ (قَوْلُهُ فَهُوَ الْوَاقِعُ) أَيْ الْمُقَرُّ بِهِ ط (قَوْلُهُ وَعَنْ الثَّانِي ثِنْتَانِ) لِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فِي الْإِيقَاعِ فَكَذَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ إلَّا وَاحِدَةً. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِيقَاعَ إنَّمَا لَا يَتَجَزَّأُ الْمَعْنَى فِي الْمُوقَعِ وَهُوَ لَمْ يُوجَدْ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَيَتَجَزَّأُ فِيهِ، فَصَارَ كَلَامُهُ عِبَارَةً عَنْ تَطْلِيقَتَيْنِ وَنِصْفٍ فَتَطْلُقُ ثَلَاثًا كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ إيقَاعَ نِصْفِ الطَّلْقَةِ مَثَلًا غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ شَرْعًا، فَكَانَ إيقَاعًا لِلْكُلِّ، بِخِلَافِ اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ لَكِنَّهُ يَلْغُو لِأَنَّ النِّصْفَ الْبَاقِيَ تَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ. قُلْت: وَالْأَقْرَبُ فِي الْجَوَابِ أَنَّهُ لَمَّا أَخْرَجَ نِصْفًا لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ وَأَبْقَى نِصْفًا كَذَلِكَ أَوْقَعْنَا عَلَيْهِ طَلْقَةً بِمَا أَبْقَى وَلَمْ يَصِحَّ إخْرَاجُهُ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَزِمَ إخْرَاجُ طَلْقَةٍ حُكْمِيَّةٍ مِنْ طَلْقَةٍ حُكْمِيَّةٍ فَيَلْغُو (قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ ثَلَاثٍ مُقَدَّرٍ) قُلْت: وَجْهُهُ أَنَّ لَفْظَ طَالِقٍ لَا يَحْتَمِلُ الثِّنْتَيْنِ لِأَنَّهُمَا عَدَدٌ مَحْضٌ، بَلْ يَحْتَمِلُ الْفَرْدَ الْحَقِيقِيَّ أَوْ الْجِنْسَ أَعْنِي الثَّلَاثَ، وَالْأَوَّلُ لَا يَصِحُّ هُنَا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ إلْغَاءُ الِاسْتِثْنَاءِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فِي أَيْمَانِ الْفَتْحِ) خَبَرٌ عَنْ مَا وَلَيْسَ نَعْتًا لِفُرُوعٍ لِأَنَّ الْفَرْعَ الْأَوَّلَ فَقَطْ فِي أَيْمَانِ الْفَتْحِ ح (قَوْلُهُ وَقَعَ الثَّلَاثُ) يَعْنِي بِدُخُولِ وَاحِدٍ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 إنْ سَكَنْت هَذِهِ الْبَلْدَةَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَخَرَجَ فَوْرًا وَخَلَعَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ سَكَنَهَا قَبْلَ الْعِدَّةِ لَمْ تَطْلُقْ، بِخِلَافِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلْيُحْفَظْ. إنْ تَزَوَّجْتُك وَإِنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ كَذَا لَمْ يَقَعْ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا مَرَّتَيْنِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ فَلْيَحْفَظْ. إنْ غِبْت عَنْك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَمْرُك بِيَدِك ثُمَّ طَلَّقَهَا فَاعْتَدَّتْ فَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ عَادَتْ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ غَابَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَلَوْ اخْتَلَعَتْ لَا لِأَنَّهُ تَنْجِيزٌ وَالْأَوَّلُ تَعْلِيقٌ. دَعَاهَا لِلْوِقَاعِ فَأَبَتْ فَقَالَ مَتَى يَكُونُ؟ فَقَالَتْ غَدًا، فَقَالَ: إنْ لَمْ تَفْعَلِي هَذَا فَالْمُرَادُ غَدًا فَأَنْتِ كَذَا ثُمَّ نَسِيَاهُ حَتَّى مَضَى الْغَدُ لَا يَقَعُ.   [رد المحتار] أَيْمَانِ الْفَتْحِ، حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَقَرِبَهَا مَرَّةً لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ نَوَى التَّأْكِيدَ يَدِينُ ح. قُلْت: وَتَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا ذَكَرَ لِكُلِّ شَرْطٍ جَزَاءً، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى جُزْءٍ وَاحِدٍ. فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَعَبْدِي حُرٌّ وَهُمَا وَاحِدٌ فَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْحِنْثِ حَتَّى تَدْخُلَ دَخِلَتَيْنِ فِيهَا، وَالِاسْتِحْسَانُ يَحْنَثُ بِدُخُولٍ وَاحِدٍ وَيُجْعَلُ الْبَاقِي تَكْرَارًا وَإِعَادَةً اهـ ثُمَّ ذَكَرَ إشْكَالًا وَجَوَابَهُ وَذَكَرَ عِبَارَتَهُ بِتَمَامِهَا فِي الْبَحْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْمِلْكُ يُشْتَرَطُ لِآخِرِ الشَّرْطَيْنِ، وَقَوْلُهُ وَهُمَا وَاحِدٌ: أَيْ الدَّارَانِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَشَارَ إلَى دَارَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ دُخُولَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ لَمْ تَطْلُقْ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ كَمَا حَقَّقْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَزَوَالُ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ) هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يُؤَخِّرْ الْجَزَاءَ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ، وَأَمَّا مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَّرَ الْجَزَاءَ فَقَالَ ح: صَوَابُهُ قَدَّمَ الْجَزَاءَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ تَرَكَ مَا إذَا وَسَّطَهُ. قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك وَإِنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا مَرَّتَيْنِ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا قَدَّمَ الْجَزَاءَ أَوْ وَسَّطَهُ اهـ كَلَامُ النَّهْرِ، وَفَصَّلَهُ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ فَقَالَ: وَإِنْ كَرَّرَ بِحَرْفِ الْعَطْفِ فَقَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك وَإِنْ تَزَوَّجْتُك، أَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك، فَإِنْ تَزَوَّجْتُك أَوْ إذَا تَزَوَّجْتُك أَوْ مَتَى تَزَوَّجْتُك لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا مَرَّتَيْنِ، وَلَوْ قَدَّمَ الطَّلَاقَ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْتُك وَإِنْ تَزَوَّجْتُك فَهَذَا عَلَى تَزَوُّجٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ تَزَوَّجْتُك طَلُقَتْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ التَّزْوِيجَيْنِ (قَوْلُهُ إنْ غِبْت عَنْك إلَخْ) أَقُولُ: الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا فِي الْبَحْرِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا. وَنَصُّهُ فِي الْقُنْيَةِ: لَوْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ وَتَفَرَّقَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَفِي بَقَاءِ الْأَمْرِ بِيَدِهَا رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَبْقَى قَالَ: إنْ غِبْت عَنْك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَمْرُك بِيَدِك ثُمَّ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ وَغَابَ عَنْهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا. اهـ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ تَنْجِيزٌ لِلتَّخْيِيرِ فَيَبْطُلُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ، وَالثَّانِيَ تَعْلِيقُ التَّخْيِيرِ فَكَانَ يَمِينًا فَلَا يَبْطُلُ اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ، وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مِنْ الْإِيجَازِ الْمُخِلِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّخْيِيرَ يَبْطُلُ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ إذَا كَانَ التَّخْيِيرُ مُنَجَّزًا، بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ وَهَذَا مَا وُفِّقَ بِهِ فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ بَيْنَ كَلَامِهِمْ كَمَا حَرَّرْنَاهُ قُبَيْلَ فَصْلِ الْمَشِيئَةِ (قَوْلُهُ لَا يَقَعُ) لِأَنَّ الْحِنْثَ شَرْطُهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهَا غَدًا وَتَمْتَنِعَ وَلَمْ يَطْلُبْ بَحْرٌ، وَنَحْوُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُنْتَقَى. قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ النِّسْيَانَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ هُنَا، لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ بِأَنَّ تَعْلِيلَهُ إمْكَانَ الْبِرِّ شَرْطٌ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ بَعْدَ انْعِقَادِهَا كَمَا هُوَ شَرْطٌ لِانْعِقَادِهَا، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّ إمْكَانَ الْبِرِّ مُحَقَّقٌ بِالتَّذَكُّرِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 حَلَفَ أَنْ لَا يَأْتِيَهَا فَاسْتَلْقَى فَجَاءَتْ فَجَامَعَتْ إنْ مُسْتَيْقِظًا حَنِثَ إنْ لَمْ أُشْبِعْك مِنْ الْجِمَاعِ فَعَلَى إنْزَالِهَا. إنْ لَمْ أُجَامِعْك أَلْفَ مَرَّةٍ فَكَذَا فَعَلَى الْمُبَالَغَةِ لَا الْعَدَدِ. وَإِنْ وَطِئْتُك فَعَلَى جِمَاعِ الْفَرْجِ، وَإِنْ نَوَى الدَّوْسَ بِالْقَدَمِ حَنِثَ بِهِ أَيْضًا. لَهُ امْرَأَةٌ جُنُبٌ وَحَائِضٌ وَنُفَسَاءُ فَقَالَ أَخْبَثَكُنَّ طَالِقٌ طَلُقَتْ النُّفَسَاءُ، وَفِي أَفْحَشِكُنَّ طَالِقٌ فَعَلَى الْحَائِضِ. قَالَ: لِي إلَيْك حَاجَةٌ فَقَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَقْضِهَا، فَقَالَ هِيَ أَنْ تُطَلِّقَ امْرَأَتَك فَلَهُ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ. قَالَ لِأَصْحَابِهِ إنْ لَمْ أَذْهَبْ بِكُمْ اللَّيْلَةَ إلَى مَنْزِلِي فَامْرَأَتُهُ كَذَا فَذَهَبَ بِهِمْ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُمْ الْعَسَسُ فَحَبَسَهُمْ لَا يَحْنَثُ. إنْ خَرَجْت مِنْ الدَّارِ إلَّا بِإِذْنِي فَخَرَجَتْ لِحَرِيقِهَا لَا يَحْنَثُ.   [رد المحتار] عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ النِّسْيَانُ عُذْرًا فِي عَدَمِ الْحِنْثِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا، وَهُوَ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إنْ مُسْتَيْقِظًا حَنِثَ) لِأَنَّهُ يُسَمَّى إتْيَانًا مِنْهُ قَالَ تَعَالَى {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] (قَوْلُهُ فَعَلَى إنْزَالِهَا) أَيْ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ عَلَى أَنْ يُجَامِعَهَا حَتَّى تُنْزِلَ لِأَنَّ شَبِعَهَا يُرَادُ بِهِ كَسْرُ شَهْوَتِهَا بِهِ (قَوْلُهُ فَعَلَى الْمُبَالَغَةِ لَا الْعَدَدِ) فَلَا تَقْدِيرَ لِذَلِكَ وَالسَّبْعُونَ كَثِيرٌ خَانِيَّةٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يَنْوِ الْعَدَدَ، فَإِنْ نَوَاهُ عَمِلَتْ نِيَّتُهُ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ ط (قَوْلُهُ حَنِثَ بِهِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَحْنَثُ بِالْجِمَاعِ فَلَا يَصِحُّ نَفْيُهُ الْمَعْنَى الْمُتَبَادَرَ وَيُؤَاخَذُ بِمَا نَوَاهُ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ فَأَيُّهُمَا فَعَلَ حَنِثَ بِهِ. بَقِيَ لَوْ فَعَلَ كُلًّا مِنْهُمَا هَلْ يَحْنَثُ مَرَّتَيْنِ؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي الدِّيَانَةِ إلَّا بِمَا نَوَى. قَالَ ط وَلَوْ قَالَ إنْ وَطِئْت مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ امْرَأَةٍ وَلَا ضَمِيرِهَا فَهُوَ عَلَى الدَّوْسِ بِالْقَدَمِ هُوَ اللُّغَةُ وَالْعُرْفُ وَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَنْوِ الْجِمَاعَ وَإِلَّا عَمِلَتْ نِيَّتُهُ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ لَهُ امْرَأَةٌ إلَخْ) لَا مُنَاسَبَةَ لَهَا فِي هَذَا الْبَابِ إذْ لَيْسَ فِيهَا تَعْلِيقٌ، وَقَوْلُهُ طَلُقَتْ النُّفَسَاءُ، لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْخَبِيثَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمُسْتَكْرَهِ رِيحُهُ كَالثُّومِ وَالْبَصَلِ وَدَمُ النُّفَسَاءِ مُنْتِنٌ لِطُولِ مُكْثِهِ (قَوْلُهُ فَعَلَى الْحَائِضِ) لَعَلَّ وَجْهَهُ النَّهْيُ عَنْهُ فِي الْقُرْآنِ نَصًّا أَوْ كَثْرَتُهُ وَزِيَادَةُ أَوْقَاتِهِ وَمِنْهُ غَبْنٌ فَاحِشٌ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ عَلَّلَ لَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ نَصٌّ (قَوْلُهُ فَلَهُ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ) وَلَا تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى غَيْرِهِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. وَلَا يُقَالُ إنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا مِنْهُ، فَالْقَوْلُ لَهُ كَقَوْلِهِ لَهَا إنْ كُنْت تُحِبِّينَ فَقَالَتْ أُحِبُّ لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ لَا مِنْ جِهَةِ أَجْنَبِيٍّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ صَدَّقَهُ حَنِثَ (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ) يُنَافِي مَا يَأْتِي قَرِيبًا مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ إنْ كَانَ عَدَمِيًّا وَعَجَزَ حَنِثَ. اهـ. ح وَأَصْلُهُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ. أَقُولُ: لَا إشْكَالَ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ ذَهَبَ فَعُدِمَ الْحِنْثُ لِوُجُودِ الْبِرِّ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا يَأْتِي مَتْنًا فِي الْأَيْمَانِ: لَا يَخْرُجُ أَوْ لَا يَذْهَبُ إلَى مَكَّةَ فَخَرَجَ يُرِيدُهَا ثُمَّ رَجَعَ حَنِثَ إذَا جَاوَزَ عُمْرَانَ مِصْرِهِ عَلَى قَصْدِهَا اهـ فَإِنَّ عَدَمَ الْحِنْثِ فِيهَا لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ط. قُلْت: وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ تَخْرِيجَ عَدَمِ الْحِنْثِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَسَسِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَأَهْرَقَهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا اهـ وَفِي الذَّخِيرَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا (قَوْلُهُ فَخَرَجَتْ لِحَرِيقِهَا لَا يَحْنَثُ) وَكَذَا لَوْ خَرَجَتْ لِلْغَرَقِ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْخُرُوجُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِغَيْرِ الْغَرَقِ وَالْحَرْقِ بَحْرٌ أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُرَادٍ عُرْفًا يَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ، وَكَذَا يَتَقَيَّدُ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 حَلَفَ لَا يَرْجِعُ الدَّارَ ثُمَّ رَجَعَ لِشَيْءٍ نَسِيَهُ لَا يَحْنَثُ. حَلَفَ لَيُخْرِجَنَّ سَاكِنَ دَارِهِ الْيَوْمَ وَالسَّاكِنُ ظَالِمٌ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إخْرَاجُهُ فَالْيَمِينُ عَلَى التَّلَفُّظِ بِاللِّسَانِ   [رد المحتار] وَعَلَّلَهُ فِي الْفَتْحِ هُنَاكَ بِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَصِحُّ لِمَنْ لَهُ الْمَنْعُ، وَهُوَ مِثْلُ السُّلْطَانِ إذَا حَلَّفَ إنْسَانًا لَيَرْفَعَنَّ إلَيْهِ خَبَرَ كُلِّ دَاعِرٍ فِي الْمَدِينَةِ كَانَ عَلَى مُدَّةِ وِلَايَتِهِ، فَلَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَخَرَجَتْ بِلَا إذْنٍ لَا تَطْلُقُ وَإِنْ كَانَ زَوَالُ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ عِنْدَنَا لِأَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ إلَّا عَلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ اهـ وَمِثْلُهُ تَحْلِيفُ رَبِّ الدَّيْنِ الْغَرِيمَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ إلَّا بِإِذْنِهِ تَقَيَّدَ بِقِيَامِ الدَّيْنِ كَمَا سَيَأْتِي هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ حَلَفَ لَا يَرْجِعُ إلَخْ) فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ خَرَجَ مَعَ الْوَلِيِّ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَرْجِعَ إلَّا بِإِذْنِ الْوَالِي فَسَقَطَ مِنْ الْحَالِفِ شَيْءٌ فَرَجَعَ لِأَجْلِهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذَا الرُّجُوعَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْيَمِينِ عَادَةً اهـ أَيْ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ هُوَ الرُّجُوعُ بِمَعْنَى تَرْكِ الذَّهَابِ مَعَهُ، فَإِذَا رَجَعَ لِحَاجَةٍ عَلَى نِيَّةِ الْعَوْدِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ. مَطْلَبٌ الْيَمِينُ تَتَخَصَّصُ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا تَخَصَّصَتْ الْيَمِينُ فِيهِمَا بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ وَالْعَادَةُ مُخَصِّصَةٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا: رَجُلٌ حَلَّفَ رَجُلًا أَنْ يُطِيعَهُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ عَنْهُ ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ جِمَاعِ امْرَأَتِهِ لَا يَحْنَثُ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سَبَبٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُرِيدُونَ بِهَذَا النَّهْيَ عَنْ جِمَاعِ امْرَأَتِهِ عَادَةً، كَمَا لَا يُرَادُ بِهِ النَّهْيُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. وَفِيهَا أَيْضًا: اتَّهَمَتْهُ امْرَأَتُهُ بِجَارِيَةٍ فَحَلَفَ لَا يَمَسُّهَا انْصَرَفَ إلَى الْمَسِّ الَّذِي تَكْرَهُ الْمَرْأَةُ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ وَضَعْت يَدِي عَلَى جَارِيَتِي فَهِيَ حُرَّةٌ فَضَرَبَهَا وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا لَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ يَمِينُهُ لِأَجْلِ الْمَرْأَةِ وَلِأَمْرٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ الْوَضْعَ لِغَيْرِ الضَّرْبِ. اهـ. قُلْت: وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ مُحَقِّقِي الْحَنَابِلَةِ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ قُلْت لِي كَلَامًا وَلَمْ أَقُلْ لَك مِثْلَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ لَهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَقُلْ لَهَا مِثْلَهُ مِنْ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ كَلَامَ الزَّوْجِ مُخَصَّصٌ بِمَا كَانَ سَبًّا أَوْ دُعَاءً أَوْ نَحْوَهُ إذْ لَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ اشْتَرِ لِي ثَوْبًا أَنْ يَقُولَ لَهَا مِثْلَهُ بَلْ أَرَادَ الْكَلَامَ الَّذِي كَانَ سَبَبَ حَلِفِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَالْيَمِينُ عَلَى التَّلَفُّظِ بِاللِّسَانِ) كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْحَاوِي لِلزَّاهِدِيِّ مَعْزِيًّا لِلْوَبَرِيِّ، وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ عَالِمًا وَقْتَ الْحَلِفِ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إخْرَاجُهُ بِالْفِعْلِ، فَيَنْصَرِفُ إلَى التَّلَفُّظِ بِقَوْلِهِ اُخْرُجْ مِنْ دَارِي، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْيَمِينِ الْمُؤَقَّتَةِ كَمَا فِي لَأَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ وَلَا مَاءَ فِيهِ لَكَانَ يَنْبَغِي عَدَمُ الْحِنْثِ بِمُضِيِّ الْيَوْمِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ اُخْرُجْ وَلَعَلَّهُ لَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهَا لِإِمْكَانِ صَرْفِ الْيَمِينِ إلَى التَّلَفُّظِ الْمَذْكُورِ بِقَرِينَةِ الْعَجْزِ عَنْ الْحَقِيقَةِ. مَطْلَبٌ لَا يَدَعُ فُلَانًا يَسْكُنُ فِي هَذِهِ الدَّارِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدَعُ فُلَانًا يَسْكُنُ فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَقَدْ قَالُوا: إنْ كَانَتْ الدَّارُ مِلْكًا لِلْحَالِفِ فَالْمَنْعُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَإِلَّا فَبِالْقَوْلِ أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَنْعَهُ بِالْفِعْلِ؛ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ آجَرَهُ الدَّارَ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَبَرُّ بِقَوْلِهِ اُخْرُجْ مِنْ دَارِي. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مَلَكَ الْمَنَافِعَ فَصَارَ الْحَالِفُ كَالْأَجْنَبِيِّ الَّذِي لَا مِلْكَ لَهُ فِي الدَّارِ. وَأَمَّا مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ آخِرَ كِتَابِ الْأَيْمَانِ حَيْثُ قَالَ لَا يَدْخُلُ فُلَانٌ دَارِهِ فَيَمِينُهُ عَلَى النَّهْيِ إنْ لَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهُ وَإِلَّا فَعَلَى النَّهْيِ وَالْمَنْعِ جَمِيعًا، فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا رَأَيْته فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ مِنْ ذِكْرِ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي حَلِفِهِ لَا يَدَعُهُ أَوْ لَا يَتْرُكُهُ. فَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قَالَ؛ إنْ أَدْخَلْت فُلَانًا بَيْتِي أَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ بَيْتِي أَوْ قَالَ إنْ تَرَكْت فُلَانًا يَدْخُلُ بَيْتِي فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، فَالْيَمِينُ فِي الْأَوَّلِ عَلَى أَنْ يَدْخُلَ بِأَمْرِهِ لِأَنَّهُ مَتَى دَخَلَ بِأَمْرِهِ فَقَدْ أَدْخَلَهُ، وَفِي الثَّانِي عَلَى الدُّخُولِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 إنْ لَمْ تَجِيئِي بِفُلَانٍ أَوْ إنْ لَمْ تَرُدِّي ثَوْبِي السَّاعَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجَاءَ فُلَانٌ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ بِنَفْسِهِ وَأَخَذَ الثَّوْبَ قَبْلَ دَفْعِهَا لَا يَحْنَثُ، كَذَا إنْ لَمْ أَدْفَعْ إلَيْك الدِّينَارَ الَّذِي عَلَيَّ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ فَكَذَا فَأَبْرَأَتْهُ قَبْلَ رَأْسِ الشَّهْرِ بَطَلَ الْيَمِينُ. بَقِيَ مَا يُكْتَبُ فِي التَّعَالِيقِ مَتَى نَقَلَهَا أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَأَبْرَأَتْهُ مِنْ كَذَا أَوْ مِنْ بَاقِي صَدَاقِهَا، فَلَوْ دَفَعَ لَهَا الْكُلَّ هَلْ تَبْطُلُ؟ الظَّاهِرُ لَا لِتَصْرِيحِهِمْ بِصِحَّةِ بَرَاءَةِ الْإِسْقَاطِ وَالرُّجُوعِ بِمَا دَفَعَهُ   [رد المحتار] أَمَرَ الْحَالِفُ أَوْ لَمْ يَأْمُرْ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّهُ وُجِدَ الدُّخُولُ، وَفِي الثَّالِثِ عَلَى الدُّخُولِ بِعِلْمِ الْحَالِفِ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ التَّرْكُ لِلدُّخُولِ، فَمَتَى عَلِمَ وَلَمْ يَمْنَعْ فَقَدْ تَرَكَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي أَيْمَانِ الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، فَتَعْلِيلُهُ لِلثَّانِي بِأَنَّهُ وُجِدَ الدُّخُولُ صَرِيحٌ فِي انْعِقَادِ الْيَمِينِ عَلَى نَفْسِ فِعْلِ الْغَيْرِ، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ قَالَ لِغَيْرِهِ: وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا فَهُوَ حَالِفٌ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْهُ الْمُخَاطَبُ حَنِثَ إلَخْ فَعُلِمَ أَنَّهُ فِي حَلِفِهِ لَا يَدْخُلُ فُلَانٌ دَارِهِ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ وَإِنْ نَهَاهُ الْحَالِفُ لِأَنَّهُ وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ بِخِلَافِ لَا يَتْرُكُهُ يَدْخُلُ فَإِنَّ فِيهِ التَّفْصِيلَ الْمَارَّ؛ وَلَوْ جَرَى هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْحَلِفِ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ لَزِمَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ دَارِي فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهُ لَوْ نَهَاهُ عَنْ الدُّخُولِ ثُمَّ دَخَلَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا وَأَمَرَهُ بِالْفِعْلِ فَلَمْ يَفْعَلْ لَا يَحْنَثُ. وَقَدْ يُجَابُ بِحَمْلِ قَوْلِ الشَّاعِرِ فِي الْأَيْمَانِ فَيَمِينُهُ عَلَى النَّهْيِ إنْ لَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ كَوْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ظَالِمًا بِقَرِينَةِ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْحَلِفِ عَلَى دَارِ الْحَالِفِ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ مِلْكَ الْحَالِفِ أَوْ مِلْكَ غَيْرِهِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى زِيَادَةُ تَحْرِيرٍ لِهَذَا الْمَحَلِّ فِي الْأَيْمَانِ، وَإِنَّمَا تَعَرَّضْنَا لِذِكْرِ ذَلِكَ هُنَا لِأَنَّ بَعْضَ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ اغْتَرَّ بِعِبَارَةِ الشَّارِحِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَيْمَانِ فَأَفْتَى بِعَدَمِ الْحِنْثِ بِعَدَمِ الدُّخُولِ فِي قَوْلِهِ لَا يَدْخُلُ فُلَانٌ دَارِي، وَهُوَ مَا اُشْتُهِرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَوَامّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْحَلِفِ عَلَى مَا لَا يَمْلِكُهُ وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ تَجِيئِي) بِفِعْلِ الْمُؤَنَّثَةِ الْمُخَاطَبَةِ لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ ح (قَوْلُهُ السَّاعَةَ) رَاجِعٌ إلَيْهِمَا، وَقَيَّدَ بِهَا لِأَنَّ الْمُطْلَقَةَ لَا يَحْنَثُ فِيهَا إلَّا بِالْيَأْسِ بِنَحْوِ مَوْتِ الْحَالِفِ أَوْ ضَيَاعِ الثَّوْبِ ط (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ) لِعَدَمِ إمْكَانِ الْبِرِّ، وَقِيلَ يَحْنَثُ فِيهِمَا ط عَنْ الْبَحْرِ. قُلْت: وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ لَمْ تَجِيئِي بِمَتَاعِ كَذَا غَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَبَعَثَتْ الْمَرْأَةُ بِهِ عَلَى يَدِ إنْسَانٍ فَإِنْ كَانَ نَوَى وُصُولَ الْمَتَاعِ إلَيْهِ غَدًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ لَفْظِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى حَمْلَهَا بِنَفْسِهَا حَنِثَ وَلَا يَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى الْوُصُولِ إلَّا بِالنِّيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ بَطَلَ الْيَمِينُ) لِأَنَّهُ بَعْدَ إبْرَائِهَا مِنْهُ لَمْ يَبْقَ لَهَا عَلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ (قَوْلُهُ مَا يُكْتَبُ فِي التَّعْلِيقِ) أَيْ مَا يَكْتُبُهُ الزَّوْجُ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ خَوْفِ الْمَرْأَةِ مِنْ نَقْلِهَا أَوْ تَزَوُّجِهِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ مَتَى نَقَلَهَا إلَخْ) جَوَابُ مَتَى مَحْذُوفٌ أَيْ فَهِيَ طَالِقٌ، وَقَوْلُهُ وَأَبْرَأَتْهُ بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ عَلَى قَوْلِهِ نَقَلَهَا أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ فَلَوْ دَفَعَ لَهَا الْكُلَّ) أَيْ كُلَّ الدَّيْنِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ مِنْ كَذَا أَوْ كُلَّ بَاقِي الصَّدَاقِ (قَوْلُهُ هَلْ تَبْطُلُ) أَيْ الْيَمِينُ الْمَذْكُورُ، وَوَجْهُ التَّوَقُّفِ أَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطَيْنِ وَهُمَا النَّقْلُ وَالْإِبْرَاءُ أَوْ التَّزَوُّجُ وَالْإِبْرَاءُ فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْآخَرِ وَهُوَ الْإِبْرَاءُ مَعَ أَنَّ الْمُبْرَأَ عَنْهُ قَدْ دَفَعَهُ لَهَا (قَوْلُهُ لِتَصْرِيحِهِمْ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: الْإِبْرَاءُ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ صَحِيحٌ لِأَنَّ السَّاقِطَ بِالْقَضَاءِ الْمُطَالَبَةُ لَا أَصْلُ الدَّيْنِ فَيَرْجِعُ الْمَدْيُونُ بِمَا أَدَّاهُ إذَا أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ وَإِذَا أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ اسْتِيفَاءٍ فَلَا رُجُوعَ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا أَطْلَقَهَا. وَعَلَى هَذَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِإِبْرَائِهَا عَنْ الْمَهْرِ ثُمَّ دَفَعَهُ لَهَا لَا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ، فَإِذَا أَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ وَقَعَ وَرَجَعَ عَلَيْهَا. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ فِي ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ وَالدَّيْنُ يَقْضِي بِمِثْلِهِ أَيْ إذَا أَوْفَى مَا عَلَيْهِ لِغَرِيمِهِ ثَبَتَ لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ مِثْلُ مَا لِغَرِيمِهِ عَلَيْهِ فَتَسْقُطُ الْمُطَالَبَةُ، فَإِذَا أَبْرَأَهُ غَرِيمُهُ بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ سَقَطَ مَا بِذِمَّتِهِ لِغَرِيمِهِ فَتَثْبُتُ لَهُ مُطَالَبَةُ غَرِيمِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 حَلَفَ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ ثُمَّ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ لَا كَفَّارَةَ وَلَا يُعْتَقُ عَبْدُهُ، إمَّا لِصِدْقِهِ أَوْ لِأَنَّهَا غَمُوسٌ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْقَضَاءِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ الْأُولَى بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ حَنِثَ فِي الْيَمِينِ لِدُخُولِهَا فِي الْقَضَاءِ. أَخَذَتْ مِنْ مَالِهِ دِرْهَمًا فَاشْتَرَتْ بِهِ لَحْمًا وَخَلَطَهُ اللَّحَّامُ بِدَرَاهِمِهِ وَقَالَ زَوْجُهَا إنْ لَمْ تَرُدِّيهِ الْيَوْمَ فَأَنْتِ كَذَا فَحِيلَتُهُ أَنْ تَأْخُذَ كِيسَ اللَّحْمِ وَتُسَلِّمَهُ لِلزَّوْجِ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ وَلَا حِنْثَ، وَلَوْ ضَاعَ مِنْ اللَّحْمِ فَمَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ أُذِيبَ أَوْ سَقَطَ فِي الْبَحْرِ لَا يَحْنَثُ. حَلَفَ إنْ لَمْ أَكُنْ الْيَوْمَ فِي الْعَالَمِ أَوْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا فَكَذَا يُحْبَسُ وَلَوْ فِي بَيْتٍ حَتَّى يَمْضِيَ الْيَوْمُ، وَلَوْ حَلَفَ إنْ لَمْ يُخَرِّبْ بَيْتَ فُلَانٍ غَدًا فَقُيِّدَ وَمُنِعَ حَتَّى مَضَى الْغَدُ حَنِثَ وَكَذَا إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ فَكَذَا فَقُيِّدَ، أَوْ إنْ لَمْ أَذْهَبْ بِك إلَى مَنْزِلِي فَأَخَذَهَا فَهَرَبَتْ مِنْهُ، أَوْ إنْ لَمْ تَحْضُرِي اللَّيْلَةَ مَنْزِلِي فَكَذَا فَمَنَعَهَا أَبُوهَا حَنِثَ فِي الْمُخْتَارِ،   [رد المحتار] بِمَا أَوْفَاهُ، فَقَدْ صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ بَعْدَ الدَّفْعِ، فَلَا تَبْطُلُ الْيَمِينُ بَلْ يَتَوَقَّفُ الْوُقُوعُ عَلَى الْبَرَاءَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ اسْتِيفَاءٍ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى إقْرَارِهِ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ وَبِأَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمَدْيُونُ لِعَدَمِ سُقُوطِ مَا بِذِمَّتِهِ بِذَلِكَ. وَأَمَّا لَوْ أَطْلَقَ فَيَنْبَغِي فِي زَمَانِنَا حَمْلُهَا عَلَى الِاسْتِيفَاءِ لِعَدَمِ فَهْمِهِمْ غَيْرَهَا (قَوْلُهُ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا لَا يَدْخُلُ. وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ عَلَى الثَّانِي تَكُونُ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً لِكَوْنِهَا عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ. وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ عَلَى الْمَاضِي لِتَنَاقُضِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ الْأَيْمَانِ الَّتِي يُكَذِّبُ بَعْضُهَا بَعْضًا: حَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ ثُمَّ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَهَا الْيَوْمَ لَا كَفَّارَةَ وَلَا يُعْتَقُ عَبْدُهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَحْنَثْ وَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهِيَ يَمِينُ الْغَمُوسِ فَلَا تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْقَضَاءِ فَلَمْ يَصْرِفْهَا مُكَذِّبًا شَرْعًا، فَلَمْ يَتَحَقَّقْ شَرْطُ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ بِالْعِتْقِ وَهُوَ عَدَمُ الدُّخُولِ؛ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ الْأُولَى بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ حَنِثَ فِي الْيَمِينَيْنِ لِأَنَّ لَهَا مَدْخَلًا فِي الْقَضَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَنِثَ فِي الْيَمِينَيْنِ) لِأَنَّهُ بِكُلٍّ زَعَمَ الْحِنْثَ فِي الْأُخْرَى كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ عِتْقِ الْبَعْضِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَلَوْ ضَاعَ مِنْ اللَّحَّامِ إلَخْ) هَذَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ عَنْ ذِكْرِ الْيَوْمِ، ثُمَّ قَالَ: وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، فَعُلِمَ بِهِ أَنَّ قَوْلَهُمْ يُشْتَرَطُ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ إمْكَانُ الْبِرِّ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُقَيَّدَةِ بِالْوَقْتِ فَعَدَمُهُ مُبْطِلٌ لَهَا أَمَّا الْمُطْلَقَةُ فَعَدَمُهُ مُوجِبٌ لِلْحِنْثِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُقَيَّدَةً بِالْوَقْتِ يَحْنَثُ بِمُضِيِّهِ إلَّا إذَا عَجَزَتْ عَنْ رَدِّهِ بِأَنْ ضَاعَ أَوْ أُذِيبَ أَمَّا لَوْ كَانَتْ مُطْلَقَةً فَلَا يَحْنَثُ وَإِنْ ضَاعَ مَا دَامَا حَيَّيْنِ لِإِمْكَانِ وُجْدَانِهِ أَمَّا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ أُذِيبَ أَوْ سَقَطَ فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ، وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ أَكُنْ إلَخْ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ، وَقَدْ رَاجَعْت عِبَارَةَ الصَّيْرَفِيَّةِ فَرَأَيْت فِيهَا إنْ أَكُنْ بِدُونِ لَمْ وَهُوَ الصَّوَابُ (قَوْلُهُ يُحْبَسُ إلَخْ) سَوَاءٌ حَبَسَهُ الْقَاضِي أَوْ الْوَلِيُّ لِأَنَّ الْحَبْسَ يُسَمَّى نَفْيًا قَالَ تَعَالَى {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] بَحْرٌ عَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ أَيْ فَإِنَّ الْآيَةَ مَحْمُولَةٌ عِنْدَنَا عَلَى الْحَبْسِ. مَطْلَبٌ الْمَحْبُوسُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا وَرَأَيْت فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ الْوَزِيرَ ابْنَ مُقْلَةَ لَمَّا حَبَسَهُ الرَّاضِي بِاَللَّهِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ أَنْشَدَ قَوْلَهُ: خَرَجْنَا مِنْ الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنْ أَهْلِهَا ... فَلَسْنَا مِنْ الْمَوْتَى نُعَدُّ وَلَا الْأَحْيَا إذَا جَاءَنَا السَّجَّانُ يَوْمًا لِحَاجَةٍ ... فَرِحْنَا وَقُلْنَا جَاءَ هَذَا مِنْ الدُّنْيَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 بِخِلَافِ لَا أَسْكُنُ فَأُغْلِقَ الْبَابُ أَوْ قُيِّدَ لَا يَحْنَثُ فِي الْمُخْتَارِ قُلْت قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى عَجَزَ عَنْ شَرْطِ الْحِنْثِ حَنِثَ فِي الْعَدَمِيِّ لَا الْوُجُودِيِّ. قَالَ فِي النَّهْرِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْمُخْتَارِ) لِأَنَّهُ مُسْكَنٌ لَا سَاكِنٌ، وَشَرْطُ الْحِنْثِ هُوَ السُّكْنَى، وَإِنَّمَا تَكُونُ السُّكْنَى بِفِعْلِهِ إذَا كَانَ بِاخْتِيَارِهِ، بِخِلَافِ إنْ لَمْ أَخْرُجْ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ عَدَمُ الْفِعْلِ وَالْعَدَمُ يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الِاخْتِيَارِ أَفَادَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَأَفَادَهُ أَيْضًا أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا أَغْلَقَ الْبَابَ لَا فِيمَا إذَا مُنِعَ بِقَيْدٍ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَنْعُ حِسِّيًّا لَا يَحْنَثُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِهِ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا فِي الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ. مَطْلَبٌ الْأَصْلُ أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ إنْ كَانَ عَدَمِيًّا وَعَجَزَ يَحْنَثُ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ إلَخْ) عِبَارَةُ ابْنِ الشِّحْنَةِ وَالْأَصْلُ أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ إنْ كَانَ عَدَمِيًّا وَعَجَزَ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ فَالْمُخْتَارُ الْحِنْثُ، وَإِنْ كَانَ وُجُودِيًّا وَعَجَزَ فَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْحِنْثِ. اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ مُبَاشَرَتِهِ يَعُودُ إلَى شَرْطِ الْبِرِّ لَا شَرْطِ الْحِنْثِ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الشَّيْءِ فَرْعٌ عَنْ تَطَلُّبِهِ وَالْحَالِفُ إنَّمَا يَطْلُبُ شَرْطَ الْبِرِّ فَيُحَصِّلُهُ أَوْ يَعْجِزُ عَنْهُ فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ مَتَى عَجَزَ عَنْ شَرْطِ الْبِرِّ فَافْهَمْ. هَذَا، وَقَدْ اسْتَشْكَلَ فِي الْبَحْرِ فَرْعَيْنِ: أَحَدَهُمَا مَسْأَلَةُ الْعَسَسِ الْمَارَّةُ، وَالثَّانِيَ مَا فِي الْقُنْيَةِ إنْ لَمْ أَعْمَلْ هَذِهِ السَّنَةَ فِي الْمُزَارَعَةِ بِتَمَامِهَا فَمَرِضَ وَلَمْ يُتِمَّ حَنِثَ، وَلَوْ حَبَسَهُ السُّلْطَانُ لَا يَحْنَثُ اهـ قَالَ: فَإِنَّ الشَّرْطَ فِيهِمَا الْعَدَمُ وَقَدْ أَثَّرَ فِيهِ الْحَبْسُ. اهـ. قُلْت: أَمَّا مَسْأَلَةُ الْعَسَسِ فَقَدْ مَرَّ الْجَوَابُ عَنْهَا، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْقُنْيَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى خِلَافِ الْمُخْتَارِ، وَهُوَ عَدَمُ الْحِنْثِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَنْعُ غَيْرَ حِسِّيٍّ، فَهَذَا فَرْقٌ بَيْنَ الْمَنْعِ بِالْمَرَضِ وَالْمَنْعِ بِحَبْسِ السُّلْطَانِ لِأَنَّ الْحَبْسَ إغْلَاقٌ لِبَابِ الْحَبْسِ فَهُوَ مَنْعٌ غَيْرُ حِسِّيٍّ، بِخِلَافِ الْمَرَضِ فَإِنَّهُ كَالْقَيْدِ فَهُوَ مَنْعٌ حِسِّيٌّ، لَكِنْ فِي أَيْمَانِ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْخَامِسَ عَشَرَ إنْ لَمْ تَحْضُرِينِي اللَّيْلَةَ فَكَذَا فَقُيِّدَتْ وَمُنِعَتْ مَنْعًا حِسِّيًّا، ذَكَرَ الْفَضْلِيُّ أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فَقَدْ صُحِّحَ عَدَمُ الْحِنْثِ فِي الْمَنْعِ الْحِسِّيِّ، لَكِنْ ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْمُخْتَارَ الْحِنْثُ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِكَوْنِهَا مُنِعَتْ مَنْعًا حِسِّيًّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَرْجِيحٌ لِقَوْلِ الْفَضْلِيِّ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَصْلِ الْمَارِّ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُنَا عَدَمِيٌّ وَيَكُونُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْمَنْعِ الْحِسِّيِّ وَغَيْرِهِ خَاصًّا فِيمَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ وُجُودِيًّا، وَيَكُونُ مَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ مَبْنِيًّا عَلَى إجْرَائِهِ فِي الْعَدَمِيِّ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ] اعْلَمْ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ فَوَاتَ الْمَحَلِّ يُبْطِلُ الْيَمِينَ، وَبِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ يُبْطِلُهَا أَيْضًا لَوْ مُؤَقَّتَةً لَا لَوْ مُطْلَقَةً، وَبِأَنَّ إمْكَانَ تَصَوُّرِ الْبِرِّ شَرْطٌ لِانْعِقَادِهَا فِي الِابْتِدَاءِ مُطْلَقًا وَشَرْطٌ لِبَقَائِهَا لَوْ مُؤَقَّتَةً، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُمْ فِي لَيَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ وَلَا مَاءَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ. وَجْهُهُ أَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْبِرِّ ابْتِدَاءً، وَفِيمَا لَوْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ تَبْطُلُ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْبِرِّ بَعْدَ انْعِقَادِهَا، وَالْعَجْزُ فِيهِ نَاشِئٌ عَنْ فَوَاتِ الْمَحَلِّ، وَفِي إنْ لَمْ أَخْرُجْ وَنَحْوِهِ فَقُيِّدَ وَمُنِعَ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْعَجْزَ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ فَوَاتِ الْمَحَلِّ لِأَنَّ الْمَحَلَّ فِيهِ هُوَ الْحَالِفُ أَوْ الْمَرْأَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَهُوَ مَوْجُودٌ، بِخِلَافِ الْمَاءِ الَّذِي صُبَّ، فَإِذَا لَمْ يَخْرُجْ تَحَقَّقَ شَرْطُ الْحِنْثِ لِبَقَاءِ الْمَحَلِّ، وَإِنْ عَجَزَ حَقِيقَةً لِإِمْكَانِ الْبِرِّ عَقْلًا، بِأَنْ يُطْلِقَهُ الْحَابِسُ لَهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ أَمَسَّ السَّمَاءَ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِمُضِيِّهِ لِأَنَّهُ وَإِنْ اسْتَحَالَ عَادَةً، لَكِنَّهُ فِي نَفْسِهِ مُمْكِنٌ لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ صُبَّ الْمَاءُ لِأَنَّ عَوْدَ الْمَاءِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 وَمُفَادُهُ الْحِنْثُ فِيمَنْ حَلَفَ لَيُؤَدِّيَنَّ الْيَوْمَ دَيْنَهُ فَعَجَزَ لِفَقْرِهِ وَفَقْدِ مَنْ يُقْرِضُهُ، خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ فَتَدَبَّرْ بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ عَنَوْنَ بِهِ لِأَصَالَتِهِ، وَيُقَالُ لَهُ الْفَارُّ لِفِرَارِهِ مِنْ إرْثِهَا، فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ   [رد المحتار] أَصْلًا وَفِي لَا أَسْكُنُ فَقُيِّدَ وَمُنِعَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ وُجُودِيٌّ وَهُوَ سُكْنَاهُ بِنَفْسِهِ وَالْوُجُودِيُّ يُمْكِنُ إعْدَامُهُ بِالْإِكْرَاهِ وَالْمَنْعِ بِأَنْ يُنْسَبَ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُكْرِهُ بِالْكَسْرِ. بِخِلَافِ لَا يَخْرُجُ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ عَدَمِيٌّ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ إعْدَامُهُ بِالْإِكْرَاهِ لِتَحَقُّقِهِ مِنْ الْمُكْرَهِ بِالْفَتْحِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْإِكْرَاهُ يُؤَثِّرُ فِي الْوُجُودِيِّ لَا فِي الْعَدَمِيِّ، فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ شَرْطُ الْحِنْثِ عَدَمِيًّا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ شَرْطِ الْبِرِّ بِفَوَاتِ مَحَلِّهِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ مَعَ بَقَاءِ الْمَحَلِّ حَنِثَ سَوَاءٌ كَانَ الْمَانِعُ حِسِّيًّا أَوْ لَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَانِعُ كَوْنَهُ مُسْتَحِيلًا عَادَةً، كَمَسِّ السَّمَاءِ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ وُجُودِيًّا لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ الْمَانِعُ غَيْرَ حِسِّيٍّ فِي الْمُخْتَارِ، وَهَذَا مَا تَحَرَّرَ لِي مِنْ كَلَامِهِمْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ فِيهِ عَدَمِيٌّ وَهُوَ عَدَمُ الْأَدَاءِ وَالْمَحَلِّ وَهُوَ الْحَالِفُ بَاقٍ، وَإِذَا كَانَ يَحْنَثُ فِي حَلِفِهِ لَيَمَسَّ السَّمَاءَ الْيَوْمَ مَعَ كَوْنِ شَرْطِ الْبِرِّ مُسْتَحِيلًا عَادَةً فَحِنْثُهُ هُنَا بِالْأَوْلَى لِأَنَّ شَرْطَ الْبِرِّ مُمْكِنٌ، بِأَنْ يَغْصِبَ مَالًا أَوْ يَجِدَ مَنْ يُقْرِضُهُ أَوْ يَرِثَ قَرِيبًا لَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِأَبْعَدَ مِنْ مَسِّ السَّمَاءِ. وَلَا يَرِدُ مَا قِيلَ إنَّهُ يُسْتَفَادُ عَدَمُ الْحِنْثِ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمِنَحِ: حَلَفَ لَيَقْضِيَن فُلَانًا دَيْنَهُ غَدًا وَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مُضِيِّ الْغَدِ أَوْ قَضَاهُ قَبْلَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ لَمْ تَنْعَقِدْ. اهـ. لِأَنَّ عَدَمَ الْحِنْثِ فِيهِ لَبُطْلَانِ الْيَمِينِ بِفَوَاتِ الْمَحَلِّ كَمَا لَوْ صُبَّ مَا فِي الْكُوزِ فَإِنَّ شَرْطَ الْبِرِّ صَارَ مُسْتَحِيلًا عَقْلًا وَعَادَةً بِخِلَافِ مَسِّ السَّمَاءِ فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ عَقْلًا وَإِنْ اسْتَحَالَ عَادَةً، وَكَذَا لَا يَرِدُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ إنْ لَمْ آكُلْ هَذَا الرَّغِيفَ الْيَوْمَ فَأَكَلَهُ غَيْرُهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مِنْ فُرُوعِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ وَهُوَ الرَّغِيفُ، وَمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ إنَّ قَوْلَهُ فِي الْقُنْيَةِ مَتَى عَجَزَ عَنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْيَمِينُ مُؤَقَّتَةٌ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ يَقْتَضِي بُطْلَانَهَا فِي الْحَادِثَةِ الْمَذْكُورَةِ اهـ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مُرَادَ الْقُنْيَةِ الْعَجْزُ الْحَقِيقِيُّ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ وَإِلَّا نَاقَضَهُ مَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ مِنْ عَدَمِ الْبُطْلَانِ فِي لَأَصْعَدَن السَّمَاءَ. ثُمَّ رَأَيْت الرَّمْلِيَّ نَقَلَ عَنْ فَتَاوَى صَاحِبِ الْبَحْرِ أَنَّهُ أَفْتَى بِالْحِنْثِ فِي مَسْأَلَتِنَا مُسْتَنِدًا إلَى إمْكَانِ الْبِرِّ حَقِيقَةً وَعَادَةً مَعَ الْإِعْسَارِ بِهِبَةٍ أَوْ تَصَدُّقٍ أَوْ إرْثٍ اهـ وَهُوَ عَيْنُ مَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ [بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ] لَمَّا كَانَ الْمَرَضُ مِنْ الْعَوَارِضِ أَخَّرَهُ (قَوْلُهُ عَنْوَنَ بِهِ لِأَصَالَتِهِ) أَيْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْمَرِيضِ فِي التَّرْجَمَةِ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ مَنْ غَالِبُ حَالِهِ الْهَلَاكُ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحُكْمَ فِي غَيْرِ الْمَرِيضِ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ الْمَرِيضُ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ كَانَ فِي حُكْمِهِ مُلْحَقٌ بِهِ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْمَرِيضِ مَنْ غَالِبُ حَالِهِ الْهَلَاكُ مَجَازًا فَيَشْمَلُ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ لِفِرَارِهِ مِنْ إرْثِهَا) أَيْ ظَاهِرًا وَإِنْ اتَّفَقَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْفِرَارَ (قَوْلُهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ) بَيَانٌ لِوَجْهِ تَوْرِيثِهَا مِنْهُ اعْتِبَارًا بِقَاتِلِ مُوَرِّثِهِ بِجَامِعِ كَوْنِهِ فِعْلًا مُحَرَّمًا لِغَرَضٍ فَاسِدٍ، وَتَمَامُ تَقْرِيرِهِ فِي الْفَتْحِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ الْمَرِيضِ التَّطْلِيقُ لِتَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ إذَا رَضِيَتْ بِهِ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الشَّارِعَ حَيْثُ رَدَّ عَلَيْهِ قَصْدَهُ لَمْ يَكُنْ آتِيًا إلَّا بِصُورَةِ الْإِبْطَالِ لَا بِحَقِيقَتِهِ فَتَدَبَّرْ. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْقَصْدُ مَحْظُورًا لَمْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ كَقَتْلِ الْمُوَرِّثِ اسْتِعْجَالًا لِإِرْثِهِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُلْتَقَطِ قَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا مَرِضَ الرَّجُلُ وَقَدْ دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ أَكْرَهُ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 إلَى تَمَامِ عِدَّتِهَا، وَقَدْ يَكُونُ الْفِرَارُ مِنْهَا كَمَا سَيَجِيءُ (مِنْ غَالِبِ حَالَةِ الْهَلَاكِ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ بِأَنْ أَضْنَاهُ مَرَضٌ عَجَزَ بِهِ عَنْ إقَامَةِ مَصَالِحِهِ خَارِجَ الْبَيْتِ) هُوَ الْأَصَحُّ كَعَجْزِ الْفَقِيهِ عَنْ الْإِتْيَانِ إلَى الْمَسْجِدِ وَعَجْزِ السُّوقِيِّ عَنْ الْإِتْيَانِ إلَى دُكَّانِهِ. وَفِي حَقِّهَا أَنْ تَعْجِزَ عَنْ مَصَالِحِهَا دَاخِلَهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَمُفَادُهُ أَنَّهَا لَوْ قَدَرَتْ عَلَى نَحْوِ الطَّبْخِ دُونَ صُعُودِ السَّطْحِ لَمْ تَكُنْ مَرِيضَةً.   [رد المحتار] لَا يُكْرَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَى تَمَامِ عِدَّتِهَا) لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ وَهُوَ الزَّوْجِيَّةُ وَالْعِتْقُ وَالزَّوْجِيَّةُ تَنْقَطِعُ بِالْبَيْنُونَةِ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى خِلَافِ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ بِإِرْثِهَا وَإِنْ مَاتَ تَزَوَّجَهَا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ بَاشَرَتْ سَبَبَ الْفُرْقَةِ وَهِيَ مَرِيضَةٌ إلَخْ ط (قَوْلُهُ بِأَنْ أَضْنَاهُ مَرَضٌ) أَيْ لَازَمَهُ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ عَجَزَ بِهِ إلَخْ) فَلَوْ قَدَرَ عَلَى إقَامَةِ مَصَالِحِهِ فِي الْبَيْتِ كَالْوُضُوءِ وَالْقِيَامِ إلَى الْخَلَاءِ لَا يَكُونُ فَارًّا وَفَسَّرَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنْ يَكُونَ صَاحِبُ فِرَاشٍ وَهُوَ أَنْ لَا يَقُومَ بِحَوَائِجِهِ كَمَا يَعْتَادُ الْأَصِحَّاءُ وَهَذَا أَضْيَقُ مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّ كَوْنَهُ ذَا فِرَاشٍ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ الْعَجْزِ عَنْ مَصَالِحِهِ فِي الْبَيْتِ فَلَوْ قَدَرَ عَلَيْهَا فِيهِ لَا يَكُونُ فَارًّا وَصَحَّحَهُ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: فَأَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ بِهَا فِي الْبَيْتِ لَا فِي خَارِجِهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ صَحِيحٌ. اهـ. أَقُولُ: وَمُقْتَضَى هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَرِيضًا مَرَضًا يَغْلِبُ مِنْهُ الْهَلَاكُ لَكِنَّهُ لَمْ يُعْجِزْهُ مِنْ مَصَالِحِهِ كَمَا يَكُونُ فِي ابْتِدَاءِ الْمَرَضِ لَا يَكُونُ فَارًّا. وَفِي نُورِ الْعَيْنِ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: كَوْنُهُ صَاحِبَ فِرَاشٍ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِكَوْنِهِ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ بَلْ الْعِبْرَةُ لِلْغَلَبَةِ لَوْ الْغَالِبُ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ الْمَوْتُ فَهُوَ مَرَضُ الْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الْبَيْتِ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ صَاحِبِ الْمُحِيطِ أَنَّهُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ مَسَائِلَ تَدُلُّ عَنْ أَنَّ الشَّرْطَ خَوْفُ الْهَلَاكِ غَالِبًا لَا كَوْنُهُ صَاحِبَ فِرَاشٍ اهـ وَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ هُوَ الْأَصَحُّ) صَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَقِيلَ مَنْ لَا يُصَلِّي قَائِمًا، وَقِيلَ مَنْ لَا يَمْشِي، وَقِيلَ مَنْ يَزْدَادُ مَرَضُهُ ط عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ كَعَجْزِ الْفَقِيهِ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْعَجْزَ عَنْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْإِتْيَانِ إلَى الْمَسْجِدِ أَوْ الدُّكَّانِ لِإِقَامَةِ الْمَصَالِحِ الْقَرِيبَةِ فِي حَقِّ الْكُلِّ، إذْ لَوْ كَانَ مُحْتَرِفًا بِحِرْفَةٍ شَاقَّةٍ؛ كَمَا لَوْ كَانَ مُكَارِيًا أَوْ حَمَّالًا عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ دَقَّاقًا أَوْ نَجَّارًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ إقَامَتُهُ مَعَ أَدْنَى مَرَضٍ وَعَجَزَ عَنْهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى الْمَسْجِدِ أَوْ السُّوقِ لَا يَكُونُ مَرِيضًا وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ مَصَالِحَهُ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى الدُّكَّانِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَثَلًا مَرَضًا وَغَيْرَ مَرَضٍ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَصَالِحِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ أَيْضًا فِي حَقِّ مَنْ كَانَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْخُرُوجِ قَبْلَ الْمَرَضِ، أَمَّا لَوْ كَانَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمَرَضِ لِكِبَرٍ أَوْ لِعِلَّةٍ فِي رِجْلَيْهِ فَلَا يَظْهَرُ، فَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ الْهَلَاكِ فِي حَقِّهِ، وَهُوَ مَا مَرَّ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِهِ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَإِنَّ كَلَامَ مُحَمَّدٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلِاطِّرَادِهِ فِيمَنْ كَانَ عَاجِزًا قَبْلَ الْمَرَضِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ مَنْ أُلْحِقَ بِالْمَرِيضِ كَمَنْ بَارَزَ رَجُلًا وَنَحْوَهُ إنَّمَا اُعْتُبِرَ فِيهِ غَلَبَةُ الْهَلَاكِ دُونَ الْعَجْزِ عَنْ الْخُرُوجِ وَلِأَنَّ بَعْضَ مَنْ يَكُونُ مَطْعُونًا أَوْ بِهِ اسْتِسْقَاءٌ قَبْلَ غَلَبَةِ الْمَرَضِ عَلَيْهِ قَدْ يَخْرُجُ لِقَضَاءِ مَصَالِحِهِ مَعَ كَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى الْهَلَاكِ مِنْ مَرِيضٍ ضَعُفَ عَنْ الْخُرُوجِ لِصُدَاعٍ أَوْ هُزَالٍ مَثَلًا. وَقَدْ يُوَفَّقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، بِأَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ بِهِ مَرَضًا مُهْلِكًا غَالِبًا وَهُوَ يَزْدَادُ إلَى الْمَوْتِ فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُهْلِكٌ يُعْتَبَرُ الْعَجْزُ عَنْ الْخُرُوجِ لِلْمَصَالِحِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. فَإِنْ قُلْت: إنَّ مَرَضَ الْمَوْتِ هُوَ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ الْمَوْتُ فَمَا فَائِدَةُ تَعْرِيفِهِ بِمَا ذُكِرَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ الظَّاهِرُ قُلْت: وَفِي آخِرِ وَصَايَا الْمُجْتَبَى: الْمَرَضُ الْمُعْتَبَرُ الْمُضْنِي الْمُبِيحُ لِصَلَاتِهِ قَاعِدًا وَالْمُقْعَدُ وَالْمَفْلُوجُ وَالْمَسْلُولُ إذَا تَطَاوَلَ وَلَمْ يُقْعِدْهُ فِي الْفِرَاشِ كَالصَّحِيحِ ثُمَّ رَمَزَ شح: حَدُّ التَّطَاوُلِ سَنَةً. انْتَهَى وَفِي الْقُنْيَةِ: الْمَفْلُوجُ وَالْمَسْلُولُ وَالْمُقْعَدُ مَا دَامَ يَزْدَادُ كَالْمَرِيضِ (أَوْ بَارَزَ رَجُلًا أَقْوَى) مِنْهُ (أَوْ قُدِّمَ لِيُقْتَلَ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ)   [رد المحتار] قُلْت: فَائِدَتُهُ أَنَّهُ قَدْ يَطُولُ سَنَةً فَأَكْثَرَ كَمَا يَأْتِي فَلَا يُسَمَّى مَرَضَ الْمَوْتِ وَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ. وَأَيْضًا فَقَدْ يَمُوتُ الْمَرِيضُ بِسَبَبٍ آخَرَ كَالْقَتْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَدٍّ فَاصِلٍ تُبْتَنَى عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ (قَوْلُهُ قَالَ فِي النَّهْرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ) رَدٌّ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْفَتْحِ: أَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا الصُّعُودُ إلَى السَّطْحِ فَهِيَ مَرِيضَةٌ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ عَجَزَتْ عَنْهُ لَا عَمَّا دُونَهُ كَالطَّبْخِ تَكُونُ مَرِيضَةً مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ مَا فِي الْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ مِنْ اعْتِبَارِ عَدَمِ قُدْرَتِهَا عَلَى الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ بَيْتِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ الْمَرَضُ) مُبْتَدَأٌ وَالْمُعْتَبَرُ صِفَتُهُ وَالْمُضْنِي خَبَرُهُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ وَالْمُقْعَدُ) هُوَ الَّذِي لَا حَرَاكَ بِهِ مِنْ دَاءٍ فِي جَسَدِهِ كَأَنَّ الدَّاءَ أَقْعَدَهُ، وَعِنْدَ الْأَطِبَّاءِ هُوَ الزَّمِنُ. وَبَعْضُهُمْ فَرَّقَ وَقَالَ: الْمُقْعَدُ الْمُتَشَنِّجُ الْأَعْضَاءُ. وَالزَّمِنُ الَّذِي طَالَ مَرَضُهُ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُقْعِدْهُ فِي الْفِرَاشِ) احْتِرَازًا عَمَّا إذَا تَطَاوَلَ ثُمَّ تَغَيَّرَ حَالُهُ فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ مِنْ ذَلِكَ التَّغَيُّرِ بِغَيْرِ تَصَرُّفِهِ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ رَمَزَ شح) أَيْ شِينٌ وَحَاءٌ وَهُوَ رَمْزٌ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ التُّمُرْتَاشِيِّ: وَفَسَّرَ أَصْحَابُنَا التَّطَاوُلَ بِالسَّنَةِ، فَإِذَا بَقِيَ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ سَنَةً فَتَصَرُّفُهُ بَعْدَهَا كَتَصَرُّفِهِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ اهـ أَيْ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ إلَخْ) قَالَ ح: أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ أَنَّ هَذَا لَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ لِأَنَّ ازْدِيَادَهُ إلَى السَّنَةِ فَقَطْ اهـ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَفِي الْهِنْدِيَّةِ أَيْضًا: الْمُقْعَدُ وَالْمَفْلُوجُ مَا دَامَ يَزْدَادُ مَا بِهِ كَالْمَرِيضِ فَإِنْ صَارَ قَدِيمًا وَلَمْ يَزِدْ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي الْكَافِي، وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ حُسَامُ الْأَئِمَّةِ وَالصَّدْرُ الْكَبِيرُ بُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ، وَفَسَّرَ أَصْحَابُنَا إلَى آخِرِ مَا مَرَّ قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ صَارَ قَدِيمًا بِأَنْ تَطَاوَلَ سَنَةً وَلَمْ يَحْصُلْ فِيهِ ازْدِيَادٌ فَهُوَ صَحِيحٌ، أَمَّا لَوْ مَاتَ حَالَةَ الِازْدِيَادِ الْوَاقِعِ قَبْلَ التَّطَاوُلِ أَوْ بَعْدَهُ فَهُوَ مَرِيضٌ (قَوْلُهُ أَوْ بَارَزَ رَجُلًا أَقْوَى مِنْهُ) بَيَانُ الْحُكْمِ الصَّحِيحِ الْمُلْحَقِ بِالْمَرِيضِ هُنَا، وَهُوَ مَنْ كَانَ غَالِبُ حَالِهِ الْهَلَاكَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ غَالِبًا عَلَى أَنَّ غَالِبًا مُتَعَلِّقٌ بِالْخَوْفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوَاقِعَ غَلَبَةِ الْهَلَاكِ، فَإِنَّ فِي الْمُبَارِزَةِ لَا يَكُونُ الْهَلَاكُ غَالِبًا إلَّا أَنْ يَبْرُزَ لِمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَقْرَانِهِ، بِخِلَافِ غَلَبَةِ خَوْفِ الْهَلَاكِ كَذَا فِي الْبَحْرِ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ أَقْوَى مِنْهُ، وَلِذَا لَمْ يُقَيِّدْ بِهِ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ غَلَبَةُ خَوْفِ الْهَلَاكِ لَا غَلَبَةُ الْهَلَاكِ، فَإِنَّ مَنْ خَرَجَ عَنْ صَفِّ الْقِتَالِ وَبَارَزَ رَجُلًا يَغْلِبُ عَلَيْهِ خَوْفُ الْهَلَاكِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الرَّجُلُ أَقْوَى مِنْهُ وَلَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ، إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ أَقْوَى مِنْهُ، فَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ غَلَبَةُ الْهَلَاكِ، وَعَلَيْهِ جَرَى فِي النَّهْرِ وَقَالَ: وَلِذَا قَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْمُبَارِزَ لَيْسَ مِنْ أَقْرَانِهِ بَلْ أَقْوَى مِنْهُ. اهـ. وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ مُخَالِفٌ لِمَا اخْتَارَهُ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْفَتْحِ فَافْهَمْ، وَيُؤَيِّدُ مَا فِي الْفَتْحِ مَا ذَكَرَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا: وَلَوْ اخْتَلَطَتْ الطَّائِفَتَانِ لِلْقِتَالِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُكَافِئَةٌ لِلْأُخْرَى أَوْ مَقْهُورَةٌ فَهُوَ فِي حُكْمِ مَرَضِ الْمَوْتِ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِطُوا فَلَا اهـ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُكَافَأَةَ تَكْفِي (قَوْلُهُ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ) وَكَذَا لَوْ قَدَّمَهُ ظَالِمٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 أَوْ بَقِيَ عَلَى لَوْحٍ مِنْ السَّفِينَةِ أَوْ افْتَرَسَهُ سَبْعٌ وَبَقِيَ فِي فِيهِ (فَارٌّ بِالطَّلَاقِ) خَبَرُ مِنْ، وَ (لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ فَلَوْ أَبَانَهَا) وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ عَلِمَ بِأَهْلِيَّتِهَا أَمْ لَا، كَأَنْ أَسْلَمَتْ أَوْ أَعْتَقَتْ وَلَمْ يَعْلَمْ (طَائِعًا) بِلَا رِضَاهَا، فَلَوْ أُكْرِهَ أَوْ رَضِيَتْ لَمْ تَرِثْ وَلَوْ أُكْرِهَتْ عَلَى رِضَاهَا   [رد المحتار] لِيَقْتُلَهُ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بَقِيَ عَلَى لَوْحٍ مِنْ السَّفِينَةِ) يُوهِمُ أَنَّ انْكِسَارَ السَّفِينَةِ شَرْطٌ لِكَوْنِهِ فَارًّا وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ فَقَدْ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: فَإِنْ تَلَاطَمَتْ الْأَمْوَاجُ وَخِيفَ الْغَرَقُ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ، وَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَيَّدَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ بِأَنْ يَمُوتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْجِ، أَمَّا لَوْ سَكَنَ ثُمَّ مَاتَ لَا تَرِثُ. اهـ. بَحْرٌ. قُلْت: وَهَذَا شَرْطٌ فِي الْمُبَارَزَةِ وَغَيْرِهَا أَيْضًا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَبَقِيَ فِي فِيهِ) أَمَّا لَوْ تَرَكَهُ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ مَا لَمْ يَجْرَحْهُ جُرْحًا يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ غَالِبًا كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا مَرَّ (قَوْلُهُ فَارٌّ بِالطَّلَاقِ) أَيْ هَارِبٌ مِنْ تَوْرِيثِهَا مِنْ مَالِهِ بِسَبَبِ الطَّلَاقِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (قَوْلُهُ خَبَرُ مَنْ) أَيْ خَبَرُ مَنْ الْمَوْصُولَةِ فِي قَوْلِهِ مَنْ غَالِبُ حَالِهِ الْهَلَاكُ إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ) أَيْ كَوَقْفِهِ وَمُحَابَاتِهِ وَتَزَوُّجِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَاسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَرَضَ فِي حَقِّ الْوَصِيَّةِ وَالْفِرَارِ لَا يَخْتَلِفْ ط، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَبَرُّعُهُ: أَيْ الْأَجْنَبِيِّ فَلَوْ لِوَارِثٍ لَمْ يَصِحَّ أَصْلًا (قَوْلُهُ فَلَوْ أَبَانَهَا) أَيْ بِوَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يَقُلْ أَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا كَمَا قَالَ فِي الْكَنْزِ لِمَا قَالَ فِي النَّهْرِ وَعِنْدِي أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي حَذْفُ الرَّجْعِيِّ مِنْ هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهَا فِيهِ تَرِثُ، وَلَوْ طَلَّقَهَا فِي الصِّحَّةِ مَا بَقِيَتْ الْعِدَّةُ، بِخِلَافِ الْبَائِنِ فَإِنَّهَا لَا تَرِثُهُ إلَّا إذَا كَانَ فِي الْمَرَضِ. وَقَدْ أَحْسَنَ الْقُدُورِيُّ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى الْبَائِنِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا اهـ قَالَ ط وَالطَّلَاقُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ كَذَلِكَ لَوْ أَبَانَهَا بِخِيَارِ بُلُوغِهِ أَوْ تَقْبِيلِهِ أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا أَوْ رِدَّتِهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَكَأَنَّهُ كَنَّى بِهِ عَنْ كُلِّ فِرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهِ حَمَوِيٌّ اهـ لَكِنْ هَذَا فِي قَوْلِ الْكَنْزِ طَلَّقَهَا أَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَبَانَهَا لَا يَحْتَاجُ إلَى دَعْوَى الْكِنَايَةِ (قَوْلُهُ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ كَمَا سَيُوَضِّحُهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ عَلِمَ بِأَهْلِيَّتِهَا أَمْ لَا إلَخْ) هَذَا كُلُّهُ سَيَأْتِي مَتْنًا وَشَرْحًا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ هُنَا (قَوْلُهُ فَلَوْ أُكْرِهَ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ طَائِعًا: أَيْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِهَا الْبَائِنِ لَا تَرِثُ، وَهَذَا لَوْ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِوَعِيدِ تَلَفٍ، فَلَوْ كَانَ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ يَصِيرُ فَارًّا كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ. ثُمَّ إنَّهُ ذَكَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّهُ لَا رِوَايَةَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْكُتُبِ. وَذَكَرَ فِيهَا عَنْ الْمَشَايِخِ قَوْلَيْنِ: الْأَوَّلَ أَنَّهَا تَرِثُ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الطَّلَاقِ بِدَلِيلِ وُقُوعِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ. وَالثَّانِيَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَرِثَ لِلْجَبْرِ، إذْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ مُوَرِّثِهِ يَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهُ الْمُكْرِهُ أَيْ بِالْكَسْرِ لَوْ وَارِثًا وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْقَتْلُ. اهـ. وَاسْتَظْهَرَ الرَّحْمَتِيُّ الْأَوَّلَ لِتَعَلُّقِ حَقِّهَا فِي إرْثِهِ بِمَرَضِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهَا مَا يُبْطِلُهُ إلَّا إذَا كَانَتْ هِيَ الَّتِي أَكْرَهَتْهُ عَلَى الطَّلَاقِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ جَامَعَهَا ابْنُهُ مُكْرَهَةً وَرِثَتْ مَعَ أَنَّ الْفُرْقَةَ لَيْسَتْ بِاخْتِيَارِهِمَا اهـ. قُلْت: الظَّاهِرُ تَرْجِيحُ الثَّانِي، وَلِذَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ لِأَنَّ إرْثَ مَنْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ لِرَدِّ قَصْدِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ فِرَارُهُ مِنْ إرْثِهَا، وَمَعَ الْإِكْرَاهِ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ فِرَارٌ فَيَعْمَلُ الطَّلَاقُ عَمَلَهُ فَلَا تَرِثُهُ كَمَا أَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ إرْثِ الْقَاتِلِ لِمُوَرِّثِهِ قَصْدُهُ تَعْجِيلَ الْمِيرَاثِ فَيُرَدُّ قَصْدُهُ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ مُكْرَهًا لَمْ يَظْهَرْ هَذَا الْقَصْدُ فَيَرِثُهُ مَعَ أَنَّ الْقَتْلَ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ مَعَ الْإِكْرَاهِ غَيْرُ مَحْظُورٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ جَامَعَهَا ابْنُهُ مُكْرَهَةً وَرِثَتْ صَوَابُهُ لَمْ تَرِثْ كَمَا يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ أَوْ رَضِيَتْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِلَا رِضَاهَا: أَيْ كَأَنْ خَالَعَتْ، وَفِي حُكْمِهِ كُلُّ فُرْقَةٍ وَقَعَتْ مِنْ قِبَلِهَا كَاخْتِيَارِ امْرَأَةِ الْعِنِّينِ نَفْسَهَا قُهُسْتَانِيٌّ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ أُكْرِهَتْ عَلَى رِضَاهَا) أَيْ عَلَى مُفِيدِ رِضَاهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 أَوْ جَامَعَهَا ابْنُهُ مُكْرَهَةً وَرِثَتْ (وَهُوَ كَذَلِكَ) بِذَلِكَ الْحَالِ (وَمَاتَ) فِيهِ، فَلَوْ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ فِي عِدَّتِهَا لَمْ تَرِثْ (بِذَلِكَ السَّبَبِ) مَوْتُهُ (أَوْ بِغَيْرِهِ) كَأَنْ يُقْتَلَ الْمَرِيضُ أَوْ يَمُوتَ بِجِهَةٍ أُخْرَى فِي الْعِدَّةِ لِلْمَدْخُولَةِ (وَرِثَتْ هِيَ) مِنْهُ لَا هُوَ مِنْهَا لِرِضَاهُ بِإِسْقَاطِهِ حَقَّهُ.   [رد المحتار] كَسُؤَالِهَا الطَّلَاقَ، وَلَوْ قَالَ عَلَى سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ لَكَانَ أَوْلَى ط (قَوْلُهُ أَوْ جَامَعَهَا ابْنُهُ مُكْرَهَةً) بَحْثٌ لِصَاحِبِ النَّهْرِ وَأَقَرَّهُ الْحَمَوِيُّ عَلَيْهِ. وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ: الْفُرْقَةُ لَوْ وَقَعَتْ بِتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ لَا تَرِثُ مُطَاوِعَةً كَانَتْ أَوْ مُكْرَهَةً، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِرِضَاهَا بِإِبْطَالِ حَقِّهَا، وَأَمَّا الثَّانِي فَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الزَّوْجِ إبْطَالُ حَقِّهَا الْمُتَعَلِّقِ بِالْإِرْثِ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ اهـ وَالْجِمَاعُ كَالتَّقْبِيلِ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ، وَلَيْسَ لَنَا إلَّا اتِّبَاعُ النَّصِّ ط. قُلْت: وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَيْضًا: جَامَعَهَا ابْنُ مَرِيضٍ مُكْرَهَةً لَمْ تَرِثْهُ إلَّا إنْ أَمَرَهُ الْأَبُ بِذَلِكَ فَيَنْتَقِلُ فِعْلُ الِابْنِ إلَى الْأَبِ فِي حَقِّ الْفُرْقَةِ فَيَصِيرُ فَارًّا اهـ وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا لِلْأَصْلِ، وَكَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْهِنْدِيَّةِ وَلِلرَّحْمَتِيِّ هُنَا كَلَامٌ مُصَادِمٌ لِلْمَنْقُولِ فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ (قَوْلُهُ بِذَلِكَ الْحَالِ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ كَذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِهِ حَالُ غَلَبَةِ الْهَلَاكِ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا طَلَّقَ فِي الصِّحَّةِ ثُمَّ مَرِضَ وَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا تَرِثُ مِنْهُ بَحْرٌ: أَيْ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَإِنَّهَا تَرِثُهُ، وَكَذَا يَرِثُهَا لَوْ مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. وَفِيهِ: قَالَ فِي مَرَضِهِ: قَدْ كُنْت أَبْنَتُك فِي صِحَّتِي أَوْ تَزَوَّجْتُك بِلَا شُهُودٍ أَوْ بَيْنَنَا رَضَاعٌ قَبْلَ النِّكَاحِ أَوْ تَزَوَّجْتُك فِي الْعِدَّةِ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ بَانَتْ مِنْهُ وَتَرِثُهُ لَا لَوْ صَدَّقَتْهُ (قَوْلُهُ فَلَوْ صَحَّ) الْأَوْلَى فَلَوْ زَالَ ذَلِكَ الْحَالُ. اهـ. ح أَيْ لِيَعُمَّ مَا لَوْ عَادَ الْمُبَارِزُ إلَى الصَّفِّ أَوْ أُعِيدَ الْمُخْرَجُ لِلْقَتْلِ إلَى الْحَبْسِ أَوْ سَكَنَ الْمَوْجُ ثُمَّ مَاتَ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ إذَا بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَعَزَاهُ إلَيْهَا فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ لَوْ سَكَنَ الْمَوْجُ ثُمَّ مَاتَ لَا تَرِثُ، لَكِنْ فِي الْفَتْحِ: وَلَوْ قُرِّبَ لِلْقَتْلِ فَطَلَّقَ ثُمَّ خُلِّيَ سَبِيلُهُ أَوْ حُبِسَ ثُمَّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ تَرِثُهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ فِرَارُهُ بِذَلِكَ الطَّلَاقِ ثُمَّ تَرَتَّبَ مَوْتُهُ فَلَا يُبَالَى بِكَوْنِهِ بِغَيْرِهِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِدُونِ تَعْلِيلٍ، وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَرِيضَ لَوْ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ أَنْ تَرِثَهُ لِصِدْقِ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ مَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ مِنْ اشْتِرَاطِهِمْ مَوْتَهُ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ: أَيْ الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ حَالَةُ غَلَبَةِ الْهَلَاكِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ بَعْدَ مَا خُلِّيَ سَبِيلُهُ أَوْ أُعِيدَ لِلْحَبْسِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَمُتْ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ بَلْ مَاتَ فِي غَيْرِهِ فِي حَالَةٍ لَا يَغْلِبُ فِيهَا الْهَلَاكُ وَلِذَا لَوْ طَلَّقَ وَهُوَ فِي الْحَبْسِ قَبْلَ إخْرَاجِهِ لِلْقَتْلِ لَمْ يَكُنْ فَارًّا فَكَذَا بَعْدَ إعَادَتِهِ إلَيْهِ، نَعَمْ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّعْلِيلِ إنَّمَا يَصِحُّ لِمَوْتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ كَمَوْتِ الْمَرِيضِ بِقَتْلٍ وَمَوْتِ مَنْ أُخْرِجَ لِلْقَتْلِ بِافْتِرَاسِ سَبْعٍ وَنَحْوِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْفَتْحِ سَقْطًا مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ، وَالْأَصْلُ فِي الْعِبَارَةِ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ إذَا بَرِئَ بِخِلَافِ مَوْتِهِ بِسَبَبِ غَيْرِهِ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ فِرَارُهُ إلَخْ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِذَلِكَ السَّبَبِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَمَاتَ، لَكِنْ زِيَادَةُ الشَّارِحِ قَوْلَهُ: مَوْتُهُ اقْتَضَتْ إعْرَابَهُ خَبَرًا مُقَدَّمًا وَمَوْتَهُ مُبْتَدَأً مُؤَخَّرًا وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَقَدْ سَقَطَتْ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ فِي الْعِدَّةِ) وَالْقَوْلُ لَهَا فِي أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مَعَ الْيَمِينِ، فَإِنْ نَكَلَتْ فَلَا إرْثَ لَهَا، وَلَوْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ قَالَتْ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا، وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً قَدْ عَتَقَتْ وَمَاتَ الزَّوْجُ فَادَّعَتْ الْعِتْقَ فِي حَيَاتِهِ وَادَّعَتْ الْوَرَثَةُ أَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ لَهُمْ وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُ الْمَوْلَى، كَمَا إذَا ادَّعَتْ أَنَّهَا أَسْلَمَتْ فِي حَيَاتِهِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ لَهُمْ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ لِلْمَدْخُولَةِ) أَيْ الْمَدْخُولِ بِهَا حَقِيقَةً أَعْنِي الْمَوْطُوءَةَ لِيَخْرُجَ الْمُخْتَلَى بِهَا فَإِنَّهَا وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ لَكِنَّهَا لَا تَرِثُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْمَهْرِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْخَلْوَةِ وَالدُّخُولِ أَفَادَهُ ط فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَا هُوَ مِنْهَا) أَيْ لَوْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ فَمَاتَتْ هِيَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لَا يَرِثُ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا كَمَا يَأْتِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 وَعِنْدَ أَحْمَدَ تَرِثُ بَعْدَ الْعِدَّةِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ بِآخَرَ. (وَكَذَا) تَرِثُ (طَالِبَةُ رَجْعِيَّةٍ) أَوْ طَلَاقٍ فَقَطْ (طَلُقَتْ) بَائِنًا (أَوْ ثَلَاثًا) لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ حَتَّى حَلَّ وَطْؤُهَا، وَيَتَوَارَثَانِ فِي الْعِدَّةِ مُطْلَقًا، وَتَكْفِي أَهْلِيَّتُهَا لِلْإِرْثِ وَقْتَ الْمَوْتِ، بِخِلَافِ الْبَائِنِ (وَكَذَا) تَرِثُ (مُبَانَةٌ قَبَّلَتْ) أَوْ طَاوَعَتْ (ابْنَ زَوْجِهَا) لِمَجِيءِ الْحُرْمَةِ بِبَيْنُونَتِهِ. (وَمَنْ لَاعَنَهَا فِي مَرَضِهِ أَوْ آلَى مِنْهُمَا مَرِيضًا كَذَلِكَ) أَيْ تَرِثُهُ لِمَا مَرَّ (وَإِنْ آلَى فِي صِحَّتِهِ وَبَانَتْ بِهِ) بِالْإِيلَاءِ (فِي مَرَضِهِ أَوْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ فَصَحَّ فَمَاتَ أَوْ أَبَانَهَا فَارْتَدَّتْ فَأَسْلَمَتْ) فَمَاتَ (لَا) تَرِثُهُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَرَضُ الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ مَرَضَ الْمَوْتِ، فَإِذَا صَحَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَرَضَ الْمَوْتِ، وَلَا بُدَّ فِي الْبَائِنِ أَنْ تَسْتَمِرَّ أَهْلِيَّتُهَا لِلْإِرْثِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً أَوْ مَمْلُوكَةً وَقْتَ الطَّلَاقِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ عَتَقَتْ لَمْ تَرِثْ.   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَحْمَدَ إلَخْ) وَعَنْ مَالِكٍ وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِأَزْوَاجٍ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَرِثُ الْمُخْتَلِعَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَغَيْرُهُمَا يَرِثُ لِأَنَّ الْكِنَايَاتِ عِنْدَهُ رَوَاجِعُ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَكَذَا تَرِثُ طَالِبَةُ رَجْعِيَّةٍ) أَيْ فِي مَرَضِهِ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ، وَاحْتَرَزَ بِالرَّجْعِيَّةِ عَمَّا لَوْ أَبَانَهَا بِأَمْرِهَا كَمَا يَذْكُرُ (قَوْلُهُ أَوْ طَلَاقٍ فَقَطْ) أَيْ بِأَنْ قَالَتْ لَهُ فِي مَرَضِهِ طَلِّقْنِي فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَمَاتَ فِي الْعِدَّةِ تَرِثُهُ إذَا صَارَ مُبْتَدِئًا فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهَا فِي الْإِرْثِ؛ كَقَوْلِهَا طَلِّقْنِي رَجْعِيَّةً فَأَبَانَهَا جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ) أَيْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَيْ فَلَمْ تَكُنْ رَاضِيَةً بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَبَتْ الْبَائِنَ (قَوْلُهُ حَتَّى حَلَّ وَطْؤُهَا) أَيْ بِدُونِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ؛ لَكِنْ إذَا كَانَ الْوَطْءُ قَبْلَ الْمُرَاجَعَةِ بِالْقَوْلِ كَانَ هُوَ مُرَاجَعَةً مَكْرُوهَةً (قَوْلُهُ وَيَتَوَارَثَانِ فِي الْعِدَّةِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ طَلَاقُهُ لَهَا فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ بِرِضَاهَا أَوْ بِدُونِهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ فَأَيُّهُمَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ يَرِثُهُ الْآخَرُ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ زَالَ النِّكَاحُ وَقَدَّمْنَا قَرِيبًا أَنَّ الْقَوْلَ لَهَا فِي أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. بَقِيَ هُنَا مَسْأَلَةٌ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى سَأَلْت عَنْهَا وَلَمْ أَرَهَا صَرِيحَةً فِي رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْمَرِيضَةَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ مَاتَتْ بَعْدَ شَهْرَيْنِ فَادَّعَى عَدَمَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِيَرِثَ مِنْهَا وَادَّعَى وَرَثَتُهَا انْقِضَاءَهَا وَهِيَ لَمْ تُقِرَّ قَبْلَ مَوْتِهَا بِانْقِضَائِهَا وَلَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْيَأْسِ، فَهَلْ الْقَوْلُ لَهُ أَوْ لَهُمْ؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْقَوْلَ لِلزَّوْجِ لِأَنَّ السَّبَبَ الْإِرْثُ وَهُوَ الزَّوْجِيَّةُ كَانَ مُتَحَقِّقًا لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُهُ فَلَا يَزُولُ بِالِاحْتِمَالِ؛ وَهِيَ لَوْ ادَّعَتْ قَبْلَ مَوْتِهَا انْقِضَاءَهَا فِي مُدَّةٍ تَحْتَمِلُهُ يَكُونُ الْقَوْلُ لَهَا لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا بِخِلَافِ وَرَثَتِهَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَائِنِ) فَإِنَّ فِيهِ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِمْرَارِ الْأَهْلِيَّةِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ كَمَا يَذْكُرُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَكَذَا تَرِثُ مُبَانَةٌ إلَخْ) أَيْ مَنْ طَلَّقَهَا بَائِنًا قَيَّدَ، بِهَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً رَجْعِيَّةً لَا تَرِثُ كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، وَكَذَا لَوْ بَانَتْ بِتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ وَلَوْ مُكْرَهَةً كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لِمَجِيءِ الْحُرْمَةِ بِبَيْنُونَتِهِ) أَيْ فَكَانَ الْفِرَارُ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَمَنْ لَاعَنَهَا فِي مَرَضِهِ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْقَذْفُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ الْقَذْفُ فِي الصِّحَّةِ وَاللِّعَانُ فِي الْمَرَضِ لَمْ تَرِثْ نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ آلَى مِنْهَا مَرِيضًا) أَرَادَ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُضِيُّ الْمُدَّةِ فِي الْمَرَضِ أَيْضًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ بِسَبَبٍ مِنْهُ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهَذَا مُلْحَقٌ بِالتَّعْلِيقِ بِفِعْلٍ لَا بُدَّ مِنْهُ، إذْ هِيَ مُلْجَأَةٌ إلَى الْخُصُومَةِ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ آلَى فِي صِحَّتِهِ إلَخْ) وَجْهُ عَدَمِ الْإِرْثِ فِيهَا أَنَّ الْإِيلَاءَ فِي مَعْنَى تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ خَالِيَةٍ عَنْ الْوِقَاعِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي مَرَضِهِ وَهُنَا وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ إبْطَالِهِ بِالْفَيْءِ لَكِنْ بِضَرَرٍ يَلْزَمُهُ وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَمَاتَ) أَيْ فِي عِدَّتِهَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ط (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ فِي الْبَائِنِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ أَيْ وَالرِّدَّةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 كَمَا) لَا تَرِثُ (لَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا) أَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا (فَطَاوَعَتْ) أَوْ قَبَّلَتْ (ابْنَهُ) لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْهَا (أَوْ أَبَانَهَا بِأَمْرِهَا) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهَا لَوْ أَبَانَتْ نَفْسَهَا فَأَجَازَ وَرِثَتْ عَمَلًا بِإِجَازَتِهِ قُنْيَةٌ (أَوْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ أَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا) وَلَوْ بِبُلُوغٍ وَعِتْقٍ وَجَبَ وَعَنْهُ لَمْ تَرِثْ لِرِضَاهَا (وَلَوْ) كَانَ الزَّوْجُ (مَحْصُورًا) بِحَبْسٍ (أَوْ فِي صَفِّ الْقِتَالِ)   [رد المحتار] تَقْطَعُ أَهْلِيَّةَ الْإِرْثِ ط (قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا) أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَعَدَمِ الطَّلَاقِ أَصْلًا (قَوْلُهُ فَطَاوَعَتْ) الْمُطَاوَعَةُ لَيْسَتْ بِقَيْدٍ، إذْ لَوْ كَانَتْ مُكْرَهَةً لَا تَرِثُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الزَّوْجِ إبْطَالُ حَقِّهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ لَكِنْ لَوْ أَمَرَهُ أَبُوهُ بِذَلِكَ وَرِثَتْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْهَا) أَيْ فَكَانَتْ رَاضِيَةً بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا (قَوْلُهُ أَوْ أَبَانَهَا بِأَمْرِهَا) يَصْدُقُ بِمَا إذَا سَأَلَتْهُ وَاحِدَةً بَائِنَةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ لَمْ أَرَ حُكْمَهُ أَيْ صَرِيحًا، ثُمَّ قَالَ كَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا مِيرَاثَ لَهَا لِرِضَاهَا بِالْبَائِنِ. اهـ. (قَوْلُهُ عَمَلًا بِإِجَازَتِهِ) لِأَنَّهَا هِيَ الْمُبْطِلَةُ لِلْإِرْثِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ هَذَا لَا يُجْدِي نَفْعًا فِيمَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ فِي مَرَضِهِ، إذْ دَلِيلُ الرِّضَا فِيهِ قَائِمٌ اهـ. قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِطَلَاقٍ مَوْقُوفٍ غَيْرِ مُبْطِلٍ لِحَقِّهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ رِضَاهَا بِمَا يُبْطِلُهُ. وَعِبَارَةُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَيْسَ هَذَا كَطَلَاقٍ بِسُؤَالِهَا إذْ لَمْ تَرْضَ بِعَمَلِ الْمُبْطِلِ، إذْ قَوْلُهَا طَلَّقْت نَفْسِي لَمْ يَكُنْ مُبْطِلًا بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ، فَإِذَا أَجَازَ فِي مَرَضِهِ فَكَأَنَّهُ أَنْشَأَ الطَّلَاقَ فَكَانَ فَارًّا اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ خَلَعَهَا أَجْنَبِيٌّ مِنْ زَوْجِهَا الْمَرِيضِ فَلَهَا الْإِرْثُ لَوْ مَاتَ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِهَذَا الطَّلَاقِ فَيَصِيرُ الزَّوْجُ فَارًّا بَحْرٌ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. قُلْت: وَمُفَادُ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَوْ خَلَعَهَا مِنْ زَوْجِهَا عَلَى مَهْرِهَا وَأَجَازَتْ فِعْلَهُ تَرِثُ أَيْضًا لِأَنَّ إجَازَتَهَا حَصَلَتْ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهَا بَلْ أَثَّرَتْ فِي سُقُوطِ مَهْرِهَا، فَقَدْ ثَبَتَ الْفِرَارُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فَلَا يَرْتَفِعُ بِهَا، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا لَا تَرِثُ، لِأَنَّ دَلِيلَ الرِّضَا قَائِمٌ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيَامُهُ قَبْلَ الْبَيْنُونَةِ لَا بَعْدَهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِبُلُوغٍ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى اخْتِيَارٍ بِتَفْوِيضِ الطَّلَاقِ. لَا يُقَالُ: إنَّ الْفُرْقَةَ فِي خِيَارِ الْبُلُوغِ تَتَوَقَّفُ عَلَى فَسْخِ الْقَاضِي فَلَمْ تَكُنْ بِفِعْلِهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ أَبَانَتْ نَفْسَهَا فَأَجَازَهُ الزَّوْجُ لِأَنَّ فَسْخَ الْقَاضِي مَوْقُوفٌ عَلَى طَلَبِهَا ذَلِكَ مِنْهُ فَصَارَ كَطَلَبِهَا الْبَائِنَ مِنْ زَوْجِهَا وَذَلِكَ رِضًا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ لِرِضَاهَا) أَيْ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِاخْتِيَارِهَا لِأَنَّهَا تَقْدِرُ عَلَى الصَّبْرِ عَلَيْهِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ مَحْصُورًا بِحَبْسٍ) عِبَارَتُهُ فِي الدُّرَرِ الْمُنْتَفِي فِي حِصْنٍ، وَكَذَا عِبَارَةُ غَيْرِهِ، وَالْحَصْرُ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْمَنْعِ وَيَشْمَلُ الْحَبْسَ وَالْحِصْنَ لَكِنْ مَسْأَلَةُ الْحَبْسِ ذَكَرَهَا بَعْدُ، وَقَوْلُهُ أَوْ فِي صَفِّ الْقِتَالِ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا خَرَجَ عَنْ الصَّفِّ لِلْمُبَارَزَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ فَارًّا كَمَا مَرَّ وَكَذَا لَوْ الْتَحَمَ الْقِتَالُ وَاخْتَلَطَ الصَّفَّانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ فَارًّا هُنَا لِمَا قَالُوا مِنْ أَنَّ الْحِصْنَ لِدَفْعِ بَأْسِ الْعَدُوِّ وَكَذَا الْمَنَعَةُ أَيْ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُقَاتِلِينَ، قَالَ فِي النَّهْرِ: وَإِطْلَاقُهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ فِئَةً قَلِيلَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُخْرَى أَوْ لَا، وَلَمْ أَرَهُ لَهُمْ. اهـ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَا دَامَ فِي الصَّفِّ لَا فَرْقَ، أَمَّا لَوْ اخْتَلَطُوا فَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَرَضِ إلَّا إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا غَالِبَةً. [تَنْبِيهٌ] مِثْلُ مَنْ فِي الصَّفِّ مَنْ كَانَ رَاكِبَ سَفِينَةٍ قَبْلَ خَوْفِ الْغَرَقِ أَوْ نَزَلَ بِمَسْبَعَةٍ أَوْ مُخِيفٍ مِنْ عَدُوٍّ بَحْرٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 وَمِثْلُهُ حَالُ فُشُوِّ الطَّاعُونِ أَشْبَاهٌ (أَوْ قَائِمًا بِمَصَالِحِهِ خَارِجَ الْبَيْتِ مُشْتَكِيًا) مِنْ أَلَمٍ (أَوْ مَحْمُومًا أَوْ مَحْبُوسًا بِقِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ لَا) تَرِثُ لِغَلَبَةِ السَّلَامَةِ (وَالْحَامِلُ لَا تَكُونُ فَارَّةً إلَّا بِتَلَبُّسِهَا بِالْمَخَاضِ) وَهُوَ الطَّلْقُ، لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ كَالْمَرِيضَةِ. وَعِنْدَ مَالِكٍ إذَا تَمَّ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ (إذَا عَلَّقَ) الْمَرِيضُ (طَلَاقَهَا) الْبَائِنُ (بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ وَلَوْ وَلَدَهَا مِنْهُ (أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ وَ) الْحَالُ أَنَّ (التَّعْلِيقَ وَالشَّرْطَ فِي مَرَضِهِ أَوْ) عَلَّقَ طَلَاقَهَا (بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَهُمَا فِي الْمَرَضِ أَوْ الشَّرْطِ فَقَطْ) فِيهِ (أَوْ عَلَّقَ بِفِعْلِهَا وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ)   [رد المحتار] مَطْلَبٌ حَالُ فُشُوِّ الطَّاعُونِ هَلْ لِلصَّحِيحِ حُكْمُ الْمَرِيضِ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ حَالُ فُشُوِّ الطَّاعُونِ) نَقَلَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَرَضِ وَقَالَ وَلَمْ أَرَهُ لِمَشَايِخِنَا اهـ وَقَوَاعِدُ الْحَنَفِيَّةِ تَقْتَضِي أَنَّهُ كَالصَّحِيحِ. قَالَ الْحَافِظُ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي كِتَابِهِ بَذْلِ الْمَاعُونِ: وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ لِي جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَائِهِمْ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ كَمَنْ فِي صَفِّ الْقِتَالِ فَلَا يَكُونُ فَارًّا اهـ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ مَالِكٍ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَلَيْسَ مُسَلَّمًا إذْ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ مَنْ هُوَ مَعَ قَوْمٍ يَدْفَعُونَ عَنْهُ فِي الصَّفِّ وَبَيْنَ مَنْ هُوَ مَعَ قَوْمٍ هُمْ مِثْلُهُ لَيْسَ لَهُمْ قُوَّةُ الدَّفْعِ عَنْ أَحَدٍ حَالَ فُشُوِّ الطَّاعُونِ. اهـ. قُلْت: إذَا دَخَلَ الطَّاعُونُ مَحَلَّةً أَوْ دَارًا يَغْلِبُ عَلَى أَهْلِهَا خَوْفُ الْهَلَاكِ كَمَا فِي حَالِ الْتِحَامِ الْقِتَالِ، بِخِلَافِ الْمَحَلَّةِ أَوْ الدَّارِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْهَا فَيَنْبَغِي الْجَرْيُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِغَلَبَةِ خَوْفِ الْهَلَاكِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِيمَنْ لَمْ يُطْعَنْ (قَوْلُهُ أَوْ مَحْمُومًا) عَطْفٌ عَلَى مُشْتَكِيًا، وَقَوْلُهُ أَوْ مَحْبُوسًا عَطْفٌ عَلَى قَائِمًا، وَلَا يَصِحُّ عَطْفُ مَحْمُومًا عَلَى قَائِمًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ لَا تَرِثَ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِمَصَالِحِهِ خَارِجَ الْبَيْتِ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَحْمُومَ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ لَا يَكُونُ مَرِيضًا وَإِلَّا فَهُوَ مَرِيضٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُلْتَقَى. وَأَمَّا مَا فِي الدِّرَايَةِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ الْمَحْمُومَ مَرِيضٌ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ فَلَا يُخَالِفُ مَا فِي الْمُلْتَقَى. وَأَمَّا مَا فِي النَّهْرِ مِنْ دَعْوَى الْمُخَالَفَةِ وَالتَّوْفِيقِ بِحَمْلِ مَا فِي الدِّرَايَةِ عَلَى مَا إذَا جَاءَتْ نَوْبَةُ الْحُمَّى فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا إذَا جَاءَتْ نَوْبَتُهَا وَلَمْ يَعْجِزْ عَنْ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ لَمْ يَكُنْ مَرِيضًا بِمَنْزِلَةِ الْحَامِلِ الَّتِي يَأْخُذُهَا الطَّلْقُ ثُمَّ يَسْكُنُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ لِغَلَبَةِ السَّلَامَةِ) لِأَنَّ الْحِصْنَ لِدَفْعِ الْعَدُوِّ، وَقَدْ يَتَخَلَّصُ مِنْ الْمَسْبَعَةِ وَالْحَبْسِ بِنَوْعٍ مِنْ الْحِيَلِ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الطَّلْقُ) اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الطَّلْقِ، فَقِيلَ الْوَجَعُ الَّذِي لَا يَسْكُنُ حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَلِدَ، وَقِيلَ وَإِنْ سَكَنَ لِأَنَّ الْوَجَعَ يَسْكُنُ تَارَةً وَيَهِيجُ أُخْرَى، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ بَحْرٌ عَنْ الْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ إذَا عَلَّقَ الْمَرِيضُ) أَيْ مَنْ كَانَ مَرِيضًا عِنْدَ التَّعْلِيقِ وَالشَّرْطِ أَوْ عِنْدَ أَحَدِهِمَا احْتِرَازًا عَمَّا إذَا كَانَ صَحِيحًا عِنْدَ كُلٍّ مِنْ التَّعْلِيقِ وَالشَّرْطِ، فَلَيْسَ مِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ الْبَائِنَ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْفِرَارِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِ بَحْرٌ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا فِرَارَ فِيهِ وَلَوْ نَجَّزَهُ فِي الْمَرَضِ بِدُونِ رِضَاهَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ) سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ أَمْ لَا بَحْرٌ، وَالْمُرَادُ بِالْفِعْلِ مَا يَعُمُّ التَّرْكَ كَمَا فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ ط (قَوْلُهُ أَيْ غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ) دَفَعَ بِهِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ إرَادَةِ حَقِيقَةِ الْأَجْنَبِيِّ: وَهُوَ مَنْ لَا قَرَابَةَ لَهُ ط (قَوْلُهُ أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ) الْمُرَادُ بِهِ التَّعْلِيقُ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ: أَيْ مَا لَا صُنْعَ فِيهِ لِلْعَبْدِ، وَجَعَلَهُ مِنْ التَّعْلِيقِ لِأَنَّ الْمُضَافَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحُكْمَ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ أَوْ لَا (قَوْلُهُ أَوْ الشَّرْطِ فَقَطْ) أَيْ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ كَدُخُولِ الدَّارِ مَثَلًا فِي إنْ دَخَلْت الدَّارَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 طَبْعًا أَوْ شَرْعًا كَأَكْلٍ وَكَلَامِ أَبَوَيْنِ (وَهُمَا فِي الْمَرَضِ أَوْ الشَّرْطِ) فِيهِ فَقَطْ (وَرِثَتْ) لِفِرَارِهِ، وَمِنْهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ: إنْ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَ وَرَثَتُهُ وَلَوْ مَاتَتْ هِيَ لَمْ يَرِثْهَا. (وَفِي غَيْرِهَا لَا يَرِثُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَا فِي الصِّحَّةِ أَوْ التَّعْلِيقِ فَقَطْ أَوْ بِفِعْلِهَا وَلَهَا مِنْهُ بُدٌّ) وَحَاصِلُهَا سِتَّةَ عَشَرَ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ إمَّا بِمَجِيءِ وَقْتٍ أَوْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهَا، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى أَرْبَعَةٍ، لِأَنَّ التَّعْلِيقَ وَالشَّرْطَ   [رد المحتار] قَوْلُهُ كَأَكْلٍ وَكَلَامِ أَبَوَيْنِ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، وَكَالْأَبَوَيْنِ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ كَمَا فِي الْحَمَوِيِّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ ط، وَمِثْلُهُ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ وَاسْتِيفَاؤُهُ نَهْرٌ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى مَنْزِلِ وَالِدَيْهَا فَخَرَجَتْ تَرِثُ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ اهـ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا خَرَجَتْ عَلَى وَجْهٍ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ (قَوْلُهُ أَوْ الشَّرْطِ فِيهِ فَقَطْ) فِيهِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ؛ فَعِنْدَهُ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَصَحَّحُوا قَوْلَ مُحَمَّدٍ، وَنُقِلَ فِي النَّهْرِ تَصْحِيحُهُ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ وَرِثَتْ لِفِرَارِهِ) أَمَّا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ وَوُجِدَا فِي الْمَرَضِ فَلِأَنَّ الْقَصْدَ إلَى الْفِرَارِ قَدْ تَحَقَّقَ بِمُبَاشَرَةِ التَّعْلِيقِ فِي حَالِ حَقِّهَا بِمَالِهِ، وَلِذَا لَوْ كَانَ الْمَوْجُودُ فِي الْمَرَضِ الشَّرْطَ فَقَطْ لَمْ تَرِثْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَكَانَا فِي الْمَرَضِ أَوْ الشَّرْطُ فِيهِ فَقَطْ فَلِأَنَّهُ قَصَدَ إبْطَالَ حَقِّهَا بِالتَّعْلِيقِ وَالشَّرْطِ أَوْ بِالشَّرْطِ وَحْدَهُ وَاضْطِرَارُهُ لَا يُبْطِلُ حَقَّ غَيْرِهِ كَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ حَالَةَ الِاضْطِرَارِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ بِفِعْلِهَا الَّذِي لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ وَكَانَ الشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ فَلِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ فِي الْمُبَاشَرَةِ لِخَوْفِ الْهَلَاكِ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْعُقْبَى نَهْرٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْفِرَارِ وَهُوَ مِنْ قِسْمِ التَّعْلِيقِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا وَرِثَتْهُ لِأَنَّهُ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهُوَ عَدَمُ التَّطْلِيقِ أَوْ عَدَمُ التَّزَوُّجِ قُبَيْلَ مَوْتِهِ وَهُوَ وَقْتُ مَرَضٍ فَكَانَ فَارًّا وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَرِثْهَا لِرِضَاهُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ حَيْثُ أَخَّرَ الشَّرْطَ إلَى مَوْتِهَا. وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ آتِيَ الْبَصْرَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَلَمْ يَأْتِهَا حَتَّى مَاتَ وَرِثَتْهُ لِمَا قُلْنَا، وَأَمَّا إذَا مَاتَتْ هِيَ يَرِثُهَا لِأَنَّهَا مَاتَتْ وَهِيَ زَوْجَتُهُ لِعَدَمِ شَرْطِ الْوُقُوعِ، لِجَوَازِ أَنْ يَأْتِيَ الْبَصْرَةَ بَعْدَ مَوْتِهَا اهـ أَيْ بِخِلَافِ تَطْلِيقِهَا وَتَزَوُّجِهِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ بَعْدَ مَوْتِهَا. [تَنْبِيهٌ] تَقْيِيدُ الشَّارِحِ الطَّلَاقَ بِكَوْنِهِ ثَلَاثًا غَيْرُ لَازِمٍ فِي مَسْأَلَةِ مَوْتِهَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رَجْعِيًّا وَحَكَمْنَا بِالْوُقُوعِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهَا وَهُوَ الْجُزْءُ الَّذِي يَعْقُبُهُ الْمَوْتُ يَكُونُ الْوَاقِعُ بِهِ بَائِنًا، لِعَدَمِ إمْكَانِ الْعِدَّةِ، كَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ فِي بَابِ الصَّرِيحِ عِنْدَ قَوْلِهِ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ (قَوْلُهُ أَوْ التَّعْلِيقِ فَقَطْ) أَيْ التَّعْلِيقِ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْمَتْنِ فِيمَا مَرَّ، فَالتَّعْلِيقُ هُنَا لَا يُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى يَشْمَلَ فِعْلَ نَفْسِهِ، لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِهِ إذَا وُجِدَ فِي الصِّحَّةِ فَقَطْ أَيْ وَوُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْ مِنْهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمَتْنُ فَلَا يَصِحُّ دُخُولُهُ فِي الْعُمُومِ كَذَا بِخَطِّ السَّائِحَانِيِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ بِفِعْلِهَا وَلَهَا مِنْهُ بُدٌّ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ أَوْ أَحَدُهُمَا، أَوْ لَا وَلَا قَالَ فِي التَّبْيِينِ: وَفِي غَيْرِهَا أَيْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّوَرِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا لَا تَرِثُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الصِّحَّةِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، أَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ فِيمَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ، أَوْ كَيْفَمَا كَانَ إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِهَا الَّذِي لَهَا مِنْهُ بُدٌّ فَإِنَّهَا لَا تَرِثُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كُلِّهَا. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَحَاصِلُهَا سِتَّةَ عَشَرَ) يُمْكِنُ بَسْطُهَا إلَى ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ لِأَنَّهُ إذَا عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلِهِ أَوْ فِعْلِهَا أَوْ فِعْلِ أَجْنَبِيٍّ فَالْفِعْلُ إمَّا مِنْهُ بُدٌّ أَوْ لَا، فَهَذِهِ سِتَّةٌ تُضْرَبُ فِي أَوْجُهِ الشَّرْطِ وَالتَّعْلِيقِ الْأَرْبَعَةِ فَتَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَفِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْوَقْتِ أَرْبَعُ صُوَرٍ فَتَبْلُغُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ، لَكِنْ فِي فِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا مِنْهُ بُدٌّ أَوْ لَا، بِخِلَافِ فِعْلِهَا كَمَا عَلِمْت. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَ كُلٍّ مِنْ التَّعْلِيقِ وَالشَّرْطِ فِي الصِّحَّةِ لَا دَخْلَ لَهُ فِي طَلَاقِ الْمَرِيضِ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبَحْرِ، فَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 إمَّا فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَقَدْ عُلِمَ حُكْمُهَا (قَالَ لَهَا فِي صِحَّتِهِ إنْ شِئْت) أَنَا (وَفُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ مَرِضَ فَشَاءَ الزَّوْجُ وَالْأَجْنَبِيُّ الطَّلَاقَ مَعًا أَوْ شَاءَ الزَّوْجُ ثُمَّ الْأَجْنَبِيُّ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ لَا تَرِثُ، وَإِنْ شَاءَ الْأَجْنَبِيُّ أَوَّلًا ثُمَّ الزَّوْجُ وَرِثَتْ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى إذْ بِمَشِيئَةِ الْأَجْنَبِيِّ أَوَّلًا صَارَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا عَلَى فِعْلِهِ فَقَطْ. (تَصَادَقَا) أَيْ الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ وَالزَّوْجَةُ (عَلَى ثَلَاثٍ فِي الصِّحَّةِ وَ) عَلَى (مُضِيِّ الْعِدَّةِ ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ) أَوْ عَيْنٍ (أَوْ وَصَّى لَهَا بِشَيْءٍ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا أَقَرَّ أَوْ أَوْصَى (وَمِنْ الْمِيرَاثِ) لِلتُّهْمَةِ وَتَعْتَدُّ مِنْ وَقْتِ إقْرَارِهِ بِهِ يُفْتَى   [رد المحتار] وَتَكُونُ الصُّوَرُ إحْدَى وَعِشْرِينَ (قَوْلُهُ أَوْ أَحَدَهُمَا) بِالنَّصْبِ أَوْ الرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى اسْمِ إنَّ أَيْ أَوْ أَحَدَهُمَا فِي أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ أَوْ بِالْعَكْسِ (قَوْلُهُ قَالَ لَهَا فِي صِحَّتِهِ) أَمَّا إذَا كَانَ هَذَا التَّعْلِيقُ فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ لِأَنَّهُ مِنْ التَّعْلِيقِ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ وَفِعْلِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ الصُّوَرِ السَّابِقَةِ ط (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ تَعَلَّقَ عَلَى مَشِيئَتِهِمَا فَإِذَا شَاءَا مَعًا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ تَمَامَ الْعِلَّةِ فَلَا يَكُونُ فَارًّا؛ بِخِلَافِ مَا إذَا تَأَخَّرَتْ مَشِيئَةُ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَمَّتْ الْعِلَّةُ بِهِ اهـ أَيْ فَيَكُونُ مِنْ التَّعْلِيقِ بِفِعْلِهِ فَيَكْفِي فِيهِ كَوْنُ الشَّرْطِ فَقَطْ فِي الْمَرَضِ، بِخِلَافِ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَإِنَّهُمَا مِنْ قَبِيلِ التَّعْلِيقِ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ، فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ التَّعْلِيقِ وَالشَّرْطِ فِي الْمَرَضِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ التَّعْلِيقَ فِي الصِّحَّةِ (قَوْلُهُ وَعَلَى مُضِيِّ الْعِدَّةِ) قَيَّدَ بِهِ لِيَظْهَرَ خِلَافُ الصَّاحِبَيْنِ حَيْثُ قَالَا بِجَوَازِ إقْرَارِهِ وَوَصِيَّتِهِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ بِانْتِفَاءِ الْعِدَّةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ تَصَادَقَا عَلَى الثَّلَاثِ فِي الصِّحَّةِ وَلَمْ يَتَصَادَقَا عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ يَكُونُ لَهَا الْأَقَلُّ اتِّفَاقًا. اهـ. ح (قَوْلُهُ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْهُ وَمِنْ الْمِيرَاثِ) مِنْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بَيَانٌ لِلْأَقَلِّ وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ، وَصِلَةُ الْأَقَلِّ مَحْذُوفَةٌ تَقْدِيرُهَا مِنْ الْآخَرِ. وَالْمَعْنَى فَلَهَا الْمُوصَى بِهِ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ مِنْ الْمِيرَاثِ أَوْ الْمِيرَاثُ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ مِنْ الْمُوصَى بِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ لِلْجَمْعِ، إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ فَلَهَا الْمِيرَاثُ وَالْمُوصَى بِهِ اللَّذَانِ هُمَا الْأَقَلُّ وَهُوَ فَاسِدٌ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ صِلَةُ الْأَقَلِّ سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَاوُ لِلْجَمْعِ أَوْ بِمَعْنَى أَوْ إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى عَلَى الْأَوَّلِ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَعَلَى الثَّانِي فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ أَحَدِهِمَا وَكِلَاهُمَا فَاسِدٌ. اهـ. ح أَيْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْأَقَلُّ شَيْئًا خَارِجًا عَنْ الْمِيرَاثِ وَالْمُوصَى بِهِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقَلِّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا هُوَ الْأَقَلُّ مِنْ الْآخَرِ (قَوْلُهُ لِلتُّهْمَةِ) أَيْ تُهْمَةِ مُوَاضَعَةِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْفُرْقَةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِيُعْطِيَهَا الزَّوْجُ زِيَادَةً عَلَى مِيرَاثِهَا، وَهَذِهِ التُّهْمَةُ فِي الزِّيَادَةِ فَقَطْ فَرَدَدْنَاهَا وَقَالَا بِجَوَازِ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً عَنْهُ لِعَدَمِ الْعِدَّةِ، بِدَلِيلِ قَبُولِ شَهَادَتِهِ لَهَا، وَدَفْعِ زَكَاتِهِ لَهَا وَتَزَوُّجِهَا بِآخَرَ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا مُوَاضَعَةَ عَادَةً فِي حَقِّ الزَّكَاةِ وَالشَّهَادَةِ وَالتَّزَوُّجِ فَلَا تُهْمَةَ بَحْرٌ مُلَخَّصًا عَنْ الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا (قَوْلُهُ وَتَعْتَدُّ مِنْ وَقْتِ إقْرَارِهِ إلَخْ) كَذَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخَانِيَّةِ فِي بَابِ الْعِدَّةِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا وَلَا تَزَوُّجُهُ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا وَهُوَ خِلَافُ مَا صَرَّحُوا بِهِ هُنَا، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَحْكِيمُ الْحَالِ فَإِنْ كَانَ جَرَى بَيْنَهُمَا خُصُومَةٌ وَتَرَكَتْ خِدْمَتَهُ فِي مَرَضِهِ فَهُوَ دَلِيلُ عَدَمِ الْمُوَاضَعَةِ فَلَا تُهْمَةَ وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ لِلتُّهْمَةِ بَحْرٌ مُلَخَّصًا، وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا قَرَّرُوهُ هُنَا مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ لَهَا وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ يَقْتَضِي أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعِدَّةِ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الطَّلَاقِ وَمَا صَحَّحُوهُ فِي بَابِ الْعِدَّةِ مِنْ وُجُوبِهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا تَجِبُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ وَإِذَا أَقَرَّ الزَّوْجَانِ بِمُضِيِّهَا صُدِّقَا فِيمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ، وَلِذَا صَرَّحُوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ مُضِيِّهَا فَلَهَا جَمِيعُ مَا أَقَرَّ أَوْ أَوْصَى عِمَادِيَّةٌ؛ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِمَرَضِ مَوْتِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ وَوَصِيَّتُهُ، وَلَوْ كَذَّبَتْهُ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ شَرْحُ الْمَجْمَعِ وَفِي الْفُصُولِ: ادَّعَتْ عَلَيْهِ مَرِيضًا أَنَّهُ أَبَانَهَا فَجَحَدَ وَحَلَّفَهُ الْقَاضِي فَحَلَفَ ثُمَّ صَدَّقَتْهُ وَمَاتَ تَرِثُهُ لَوْ صَدَّقَتْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لَا لَوْ بَعْدَهُ.   [رد المحتار] بِأَنَّهُ لَا تَجِبُ لَهَا نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى عَمَلًا بِتَصْدِيقِهَا لَهُ، وَالشَّهَادَةُ وَنَحْوُهَا مِمَّا مَرَّ لَا تُهْمَةَ فِيهَا إذْ لَا مُوَاضَعَةَ عَادَةً فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ فَلَمْ يُصَدَّقَا فِي حَقِّهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدَّرَ أَنَّ الْعِدَّةَ لَمْ تَنْقَضِ لِإِبْطَالِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ تُهْمَةٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ عَدَمَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ بَلْ فِي مَوْضِعِ التُّهْمَةِ فَقَطْ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ وَالْقَوْلِ بِاعْتِبَارِهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي بَابِ الْعِدَّةِ: إنَّ فَتْوَى الْمُتَأَخِّرِينَ أَيْ بِوُجُوبِهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ مُخَالِفَةٌ لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَحَيْثُ كَانَتْ مُخَالَفَتُهُمْ لِلتُّهْمَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَحَرَّى بِهِ مَحَالَّهَا وَالنَّاسَ الَّذِينَ هُمْ مَظَانُّهَا، وَلِهَذَا فَصَّلَ الْإِمَامُ السَّعْدِيُّ بِحَمْلِ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ عَلَى مَا إذَا كَانَا مُتَفَرِّقَيْنِ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي أَسْنَدَ الطَّلَاقَ إلَيْهِ، أَمَّا إذَا كَانَا مُجْتَمَعَيْنِ فَالْكَذِبُ فِي كَلَامِهِمَا ظَاهِرٌ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي الْإِسْنَادِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ: وَهَذَا هُوَ التَّوْفِيقُ اهـ أَيْ بَيْنَ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، وَبِهِ ظَهَرَ صِحَّةُ مَا قَالَهُ السُّرُوجِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَحْكِيمُ الْحَالِ، لَكِنْ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْخُصُوصَةَ وَتَرْكَ الْخِدْمَةِ دَلِيلُ عَدَمِ الْمُوَاضَعَةِ رَدَّهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ لَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ الْمِيرَاثِ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ تِلْكَ الْخُصُوصَةَ حِيلَةٌ لَيْسَتْ عَلَى حَقِيقَتِهَا اهـ نَعَمْ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ السَّعْدِيُّ مِنْ التَّفَرُّقِ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ الْمُوَاضَعَةِ لِتَصِحَّ وَصِيَّتُهُ لَهَا وَتَزَوُّجُهُ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ] اعْلَمْ أَنَّ مَا تَأْخُذُهُ لَهُ شَبَهٌ بِالْمِيرَاثِ، فَلَوْ تَوَى شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَانَ عَلَى الْكُلِّ، وَلَوْ طَلَبَتْ أَخْذَ الدِّرْهَمِ وَالتَّرِكَةُ عُرُوضٌ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ وَشُبِّهَ بِالدَّيْنِ، حَتَّى كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُعْطُوهَا مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ مُؤَاخَذَةً لَهَا بِزَعْمِهَا أَنَّ مَا تَأْخُذُهُ دَيْنٌ كَذَا أَفَادَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ بَعْدَ مُضِيِّهَا) أَيْ مُضِيِّ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ فَلَهَا جَمِيعُ مَا أَقَرَّ أَوْ أَوْصَى) لِأَنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَا تَأْخُذُهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ شَبَهٌ بِالْمِيرَاثِ أَصْلًا فَلَا يَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ آنِفًا لِأَنَّهَا قَبْلَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ لَمْ تُعْطِ الزَّائِدَ عَلَى الْمِيرَاثِ لِلتُّهْمَةِ فَكَانَ مَا تَأْخُذُهُ إرْثًا نَظَرًا لِلْوَرَثَةِ وَوَصِيَّةً نَظَرًا لِزَعْمِهَا فَاعْتُبِرَ فِيهِ الشَّبَهَانِ، وَبَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ لَمْ تَبْقَ التُّهْمَةُ فَلِذَا اسْتَحَقَّتْ جَمِيعَ مَا أَقَرَّ أَوْ أَوْصَى بِهِ وَتَمَحَّضَ كَوْنُهُ دَيْنًا أَوْ وَصِيَّةً وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَنْ ذَكَرَ الشَّبَهَيْنِ هُنَا تَبَعًا لِظَاهِرِ عِبَارَةِ النَّهْرِ لَمْ يُصِبْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِمَرَضِ مَوْتِهِ) الْبَاءُ بِمَعْنَى فِي: أَيْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا التَّصَادُقُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِأَنْ صَحَّ مِنْهُ أَوْ كَانَ غَيْرَ مَرِيضٍ أَصْلًا ثُمَّ مَاتَ فِي عِدَّتِهَا صَحَّ إقْرَارُهُ وَوَصِيَّتُهُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَذَّبَتْهُ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ تَصَادَقَا ط (قَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ) أَيْ وَلَا وَصِيَّتُهُ مُعَامَلَةً لَهَا بِزَعْمِهَا أَنَّهَا زَوْجَةٌ وَهِيَ وَارِثَةٌ، وَلَا وَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ وَلَا إقْرَارَ لَهُ ط وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا مَاتَ فِي مَرَضِهِ قَبْلَ مُضِيِّ عِدَّتِهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا بَانَتْ مِنْهُ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ كَذَّبَتْهُ وَصَارَ فَارًّا فَإِذَا صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ لَمْ يَصِحَّ وَمَاتَ بَعْدَ الْعِدَّةِ لَمْ تَرِثْ مِنْهُ فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ وَإِقْرَارُهُ لَهَا بِالْمَالِ، وَلَيْسَ تَكْذِيبُهَا لَهُ فِي الطَّلَاقِ السَّابِقِ رِضًا بِالطَّلَاقِ الْوَاقِعِ الْآنَ كَمَا لَا يَخْفَى هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ لَا لَوْ بَعْدَهُ) أَقُولُ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ لَوْ ادَّعَتْ أَنَّ الْإِبَانَةَ كَانَتْ فِي الصِّحَّةِ لِأَنَّ دَعْوَاهَا تَتَضَمَّنُ اعْتِرَافَهَا بِأَنَّهَا لَا تَرِثُ مَعَهُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ فَارٍّ، أَمَّا لَوْ ادَّعَتْ أَنَّ الْإِبَانَةَ فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَلَا، لِأَنَّهَا ادَّعَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 (كَمَنْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا بِأَمْرِهَا فِي مَرَضِهِ ثُمَّ أَوْصَى لَهَا أَوْ أَقَرَّ) فَإِنَّ لَهَا الْأَقَلَّ. (قَالَ صَحِيحٌ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثُمَّ بَيَّنَ) الطَّلَاقَ (فِي مَرَضِهِ) الَّذِي مَاتَ فِيهِ (فِي إحْدَاهُمَا صَارَ فَارًّا بِالْبَيَانِ فَتَرِثُ مِنْهُ) كَافِيٌّ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ صَحِيحًا وَحَنِثَ مَرِيضًا فَبَيَّنَهُ فِي إحْدَاهُمَا صَارَ فَارًّا وَلَمْ أَرَهُ نَهْرٌ (وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ) أَيْ الزَّوْجِ (بِأَهْلِيَّتِهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ لِلْمِيرَاثِ (فَلَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا فِي مَرَضِهِ وَقَدْ كَانَ سَيِّدُهَا أَعْتَقَهَا قَبْلَهُ) أَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً فَأَسْلَمَتْ (وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ كَانَ فَارًّا) فَتَرِثُهُ ظَهِيرِيَّةٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَنْتِ حُرَّةٌ غَدًا وَقَالَ الزَّوْجُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْدَ غَدٍ (وَإِنْ عَلِمَ بِكَلَامِ الْمَوْلَى كَانَ فَارًّا وَإِلَّا) يَعْلَمُ (لَا) تَرِثُ خَانِيَّةٌ.   [رد المحتار] عَلَيْهِ طَلَاقًا تَرِثُ مِنْهُ غَيْرَ أَنَّهَا لَمَّا زَعَمَتْ أَنَّهَا بَانَتْ مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهَا مُفَارَقَتُهُ، فَإِذَا ادَّعَتْ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَاجِبَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ رَاضِيَةً بِطَلَاقِهَا كَمَا لَا يَخْفَى، فَيَجِبُ أَنْ تَرِثَ سَوَاءٌ أَصَرَّتْ عَلَى دَعْوَاهَا أَوْ صَدَّقَتْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهَا بِمَا ادَّعَتْ عَلَيْهِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ، وَكَأَنَّهُمْ سَكَتُوا عَنْهُ لِظُهُورِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَمَنْ طَلُقَتْ إلَخْ) جَعَلَ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مُشَبَّهًا بِهَذِهِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهَا، بِخِلَافِ الْأُولَى كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ بِأَمْرِهَا) الْأَوْلَى بِرِضَاهَا لِيَشْمَلَ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا فِي التَّفْوِيضِ أَفَادَهُ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ ط (قَوْلُهُ فَإِنَّ لَهَا الْأَقَلَّ) أَيْ مِمَّا أَقَرَّ أَوْ أَوْصَى بِهِ وَمِنْ الْإِرْثِ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِوَجْهِ الشَّبَهِ الْمُفَادِ بِالْكَافِ (قَوْلُهُ قَالَ صَحِيحٌ) قَيَّدَ بِهِ لِيَكُونَ فِرَارُهُ بِالْبَيَانِ أَمَّا لَوْ كَانَ مَرِيضًا يَكُونُ فَارًّا بِذَلِكَ الْقَوْلِ لَا بِنَفْسِ الْبَيَانِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ) أَيْ ثَلَاثًا كَمَا فِي عِبَارَةِ الْفَتْحِ عَنْ الْكَافِي وَهُوَ الْمُرَادُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَكُونُ بِهِ فَارًّا وَلَا فِرَارَ فِي الرَّجْعِيِّ (قَوْلُهُ فَتَرِثُ مِنْهُ) لِأَنَّهُ بَيَّنَ الطَّلَاقَ بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ، كَمَا لَوْ أَنْشَأَ فَجُعِلَ إنْشَاءً فِي حَقِّ الْإِرْثِ لِلتُّهْمَةِ، وَلَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَهُ ثُمَّ مَاتَ تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى وَلَمْ تَرِثْ لِأَنَّهُ بَيَانٌ حُكْمِيٌّ فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ عَنْهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. قُلْت: وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ يَصِيرُ فَارًّا بِهَذَا الْبَيَانِ مُؤَيِّدٌ لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الْبَيَانَ فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ إيقَاعٌ لِلطَّلَاقِ مُعَلَّقًا بِشَرْطِ الْبَيَانِ مَعْنًى: أَيْ يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحَالِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْبَيَانِ فَيَقَعُ عِنْدَ الْبَيَانِ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ إيقَاعٌ لِلْحَالِ فِي وَاحِدَةٍ غَيْرِ عَيْنٍ وَالْبَيَانُ تَعْيِينٌ لِمَنْ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِيرَ فَارًّا لِأَنَّ الْوُقُوعَ يَكُونُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِيهِ (قَوْلُهُ لَوْ حَلَفَ صَحِيحًا) أَيْ بِأَنْ عَلَّقَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ كَأَنْ قَالَ: إنْ دَخَلَ زَيْدٌ دَارِهِ فَإِحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثَلَاثًا. أَمَّا لَوْ عَلَّقَ عَلَى فِعْلِهِ صَارَ فَارًّا بِالْفِعْلِ فِي مَرَضِهِ لَا بِنَفْسِ الْبَيَانِ، فَافْهَمْ (قَوْلُهُ صَارَ فَارًّا) يَظْهَرُ لَك وَجْهُهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ أَهْلِيَّةَ الزَّوْجِيَّةِ لِلْمِيرَاثِ شَرْطٌ فِي كَوْنِهِ فَارًّا فَإِذَا كَانَتْ أَمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً فَأَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ لَمْ تَرِثْ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا لِذَلِكَ لَكِنْ لَوْ كَانَتْ أُعْتِقَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ فَأَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ صَارَ فَارًّا وَتَرِثُهُ لِتَحْقِيقِ الشَّرْطِ وَقْتَ الْإِبَانَةِ (قَوْلُهُ بَعْدَ غَدٍ) أَمَّا لَوْ قَالَ لَهَا أَيْضًا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا غَدًا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ مَعًا وَلَا مِيرَاثَ لَهَا، وَلَوْ قَالَ إذَا أُعْتِقْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كَانَ فَارًّا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ يَعْقُبُ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ فَيَتَحَقَّقُ شَرْطُ الْفِرَارِ قَبْلَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّ الْمُضَافَيْنِ إلَى الْغَدِ وَقَعَا مَعًا (قَوْلُهُ وَإِلَّا يَعْلَمُ لَا تَرِثُ) لِأَنَّهُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ لَمْ يَقْصِدْ إبْطَالَ حَقِّهَا حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ وَإِنْ صَارَتْ أَهْلًا قَبْلَ نُزُولِ الطَّلَاقِ وَلَمْ تَكُنْ حَرَّةً وَقْتَ التَّعْلِيقِ لِأَنَّ عِتْقَهَا مُضَافٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً وَقْتَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ. وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّهُ أَمْرٌ ثَابِتٌ تَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] مُقْتَضَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَانَ فَارًّا أَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا ثَلَاثُ طَلَقَاتٍ وَإِلَّا كَانَ رَجْعِيًّا لِأَنَّهَا صَارَتْ حُرَّةً وَلَا فِرَارَ فِي الرَّجْعِيِّ فَافْهَمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 وَلَوْ عَلَّقَهُ بِعِتْقِهَا أَوْ بِمَرَضِهِ أَوْ وَكَّلَهُ بِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ فَأَوْقَعَهُ حَالَ مَرَضِهِ قَادِرًا عَلَى عَزْلِهِ كَانَ فَارًّا (وَلَوْ بَاشَرَتْ) الْمَرْأَةُ (سَبَبَ الْفُرْقَةِ وَهِيَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهَا (مَرِيضَةٌ وَمَاتَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَرِثَهَا) الزَّوْجُ (كَمَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ) بَيْنَهُمَا (بِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا فِي خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ أَوْ بِتَقْبِيلِهَا) أَوْ مُطَاوَعَتِهَا (ابْنَ زَوْجِهَا) وَهِيَ مَرِيضَةٌ لِأَنَّهَا مِنْ قِبَلِهَا وَلِذَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا (بِخِلَافِ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ) بَيْنَهُمَا (بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَاللِّعَانِ) فَإِنَّهُ لَا يَرِثُهَا (عَلَى) مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْفَتْحِ عَنْ الْجَامِعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَكَانَ هُوَ (الْمَذْهَبَ)   [رد المحتار] وَيَشْكُلُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ قُبَيْلَ أَلْفَاظِ الشَّرْطِ مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَعَتَقَتْ فَدَخَلَتْ لَهُ رَجْعَتُهَا اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَقَعَ هُنَا طَلْقَتَانِ وَلَا يَكُونُ فَارًّا وَقَدْ يُجَابُ أَخْذًا مِمَّا قَالُوا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقِ إنَّ الْمُضَافَ يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحَالِ، بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ، حَتَّى لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ غَدًا لَمْ يَمْلِكْ بَيْعُهُ الْيَوْمَ وَيَمْلِكُهُ إذَا قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ كَمَا فِي طَلَاقِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمَّا قَالَ لِأَمَتِهِ أَنْتِ حُرَّةٌ غَدًا انْعَقَدَ سَبَبًا لِلْحَالِ، فَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْدَ غَدٍ انْعَقَدَ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ بَعْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ فَتَطْلُقُ ثَلَاثًا، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّعْلِيقِ فَإِنَّهُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ لَا يَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنْ طَلْقَتَيْنِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ وَقْتَهُ فَلَا يَقَعُ أَكْثَرَ مِمَّا يَمْلِكُ، هَذَا غَايَةُ مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَّقَهُ) أَيْ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ بِعِتْقِهَا وَكَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِفِعْلٍ أَجْنَبِيٍّ ط (قَوْلُهُ أَوْ بِمَرَضِهِ) كَقَوْلِهِ إنْ مَرِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَكُونُ فَارًّا لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ الْحِنْثِ الْمَرَضَ مُطْلَقًا وَالْمَرَضُ الْمُطْلَقُ هُوَ صَاحِبُ الْفِرَاشِ الَّذِي كَانَ الْمَوْتُ غَالِبًا فِيهِ وَذَا مَرَضُ الْمَوْتِ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ تَصْحِيحُهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ. قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ مَرِضَ قَبْلَهُ ثُمَّ صَحَّ مِنْهُ لَمْ تَطْلُقْ لِحَمْلِهِ الْمَرَضَ عَلَى الْمُطْلَقِ أَيْ الْكَامِلِ مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ الْمَوْتُ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ مَرَضٍ بَلْ الْمُرَادُ مَرَضٌ مُطْلَقٌ، وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَاضِحٌ مِثْلُ مَاءٍ مُطْلَقٍ وَمُطْلَقِ مَاءٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ وَكَّلَ بِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَقَالُوا فِيمَنْ فَوَّضَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ إلَى أَجْنَبِيٍّ فِي الصِّحَّةِ وَطَلَّقَهَا فِي الْمَرَضِ إنَّ التَّفْوِيضَ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ عَنْهُ بِأَنْ مَلَّكَهُ الطَّلَاقَ لَا تَرِثُ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى فَسْخِهِ بَعْدَ مَرَضِهِ صَارَ الْإِيقَاعُ فِي الْمَرَضِ كَالْإِيقَاعِ فِي الصِّحَّةِ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُهُ عَزْلُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ صَارَ كَإِنْشَاءِ التَّوْكِيلِ فِي الْمَرَضِ فَتَرِثُهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَاشَرَتْ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي كَوْنِ الْمَرْأَةِ فَارَّةً بَعْدَ بَيَانِ كَوْنِ الرَّجُلِ فَارًّا، وَهَذَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ بِقَوْلِهِ وَقَدْ يَكُونُ الْفِرَارُ مِنْهَا (قَوْلُهُ وَرِثَهَا الزَّوْجُ) لِأَنَّهُ كَمَا تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِمَالِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ مُطَاوَعَتِهَا ابْنَ زَوْجِهَا) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ أَكْرَهَهَا فَإِنَّهُ لَا يَرِثُهَا لِعَدَمِ مُبَاشَرَتِهَا سَبَبَ الْفُرْقَةِ، وَمِثْلُهُ بِالْأَوْلَى مَا لَوْ أَمَرَ ابْنَهُ بِإِكْرَاهِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ هُوَ الْمَرِيضَ وَأَمَرَ ابْنَهُ بِإِكْرَاهِهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ فَارًّا وَتَرِثُهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ فَلَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَهِيَ مَرِيضَةٌ) قَيْدٌ لِلْفُرُوعِ الْمَذْكُورَةِ صَرَّحَ بِهِ لِيَصِحَّ انْدِرَاجُهَا تَحْتَ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَوْ بَاشَرَتْ الْمَرْأَةُ إلَخْ فَلَا تَكْرَارَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا) أَيْ الْفُرْقَةَ بِالْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ وَمِثْلُهَا رِدَّةُ الْمَرْأَةِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِهَا جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا لَمْ تَكُنْ طَلَاقًا بَلْ هِيَ فَسْخٌ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ أَهْلًا لِلطَّلَاقِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُهَا) أَيْ وَلَا تَرِثُهُ كَمَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ أَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا: أَيْ إذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 لِأَنَّهَا طَلَاقٌ فَكَانَتْ مُضَافَةً إلَيْهِ (وَقِيلَ) قَائِلُهُ الزَّيْلَعِيُّ (هُوَ كَالْأَوَّلِ) فَيَرِثُهَا (وَلَوْ ارْتَدَّتْ ثُمَّ مَاتَتْ أَوْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنْ كَانَتْ الرِّدَّةُ فِي الْمَرَضِ وَرِثَهَا زَوْجُهَا) اسْتِحْسَانًا (وَإِلَّا) بِأَنْ ارْتَدَّتْ فِي الصِّحَّةِ (لَا) يَرِثُهَا بِخِلَافِ رِدَّتِهِ فَإِنَّهَا فِي مَعْنَى مَرَضِ مَوْتِهِ فَتَرِثُهُ مُطْلَقًا. وَلَوْ ارْتَدَّا مَعًا، فَإِنْ أَسْلَمَتْ هِيَ وَرِثَتْهُ وَإِلَّا لَا خَانِيَّةٌ (قَالَ آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ ثَلَاثًا فَنَكَحَ امْرَأَةً ثُمَّ أُخْرَى ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ) طَلُقَتْ الْأُخْرَى (عِنْدَ التَّزَوُّجِ) وَ (لَا يَصِيرُ فَارًّا) خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ الْمَوْتَ مَعْرُوفٌ وَاتِّصَافُهُ بِالْآخِرِيَّةِ مِنْ وَقْتِ الشَّرْطِ فَيَثْبُتُ مُسْتَنِدًا دُرَرٌ.   [رد المحتار] كَانَ ذَلِكَ فِي مَرَضِهِ ط، لَكِنْ فِي اللِّعَانِ تَرِثُهُ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ مِنْ جِهَتِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا طَلَاقٌ) فَيُعْتَبَرُ إيقَاعًا مِنْ جِهَتِهِ، فَلَا تَكُونُ فَارَّةً لِاضْطِرَارِهَا إلَى ذَلِكَ. أَمَّا فِي اللِّعَانِ فَلِدَفْعِ الْعَارِ عَنْهَا، وَأَمَّا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ فَلِعَدَمِ حُصُولِ الْإِعْفَافِ الْمَطْلُوبِ مِنْ النِّكَاحِ فَصَارَ مِثْلَ التَّعْلِيقِ بِفِعْلِهَا الَّذِي لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَأَلَتْ الطَّلَاقَ فِي مَرَضِهِ فَطَلَّقَهَا لِرِضَاهَا بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا بِلَا ضَرُورَةٍ فَلَا تَرِثُهُ وَإِنْ كَانَ إيقَاعًا مِنْ جِهَتِهِ فَافْهَمْ، نَعَمْ يَشْكُلُ عَدَمُ إرْثِهَا مِنْهُ بِاخْتِيَارِ نَفْسِهَا فِي مَرَضِهِ لِلْجَبِّ وَالْعُنَّةِ، فَإِنَّ عِلَّةَ عَدَمِ إرْثِهَا كَوْنُهَا رَاضِيَةً كَمَا مَرَّ، فَيُنَافِي دَعْوَى اضْطِرَارِهَا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ إضْرَارًا حَقِيقِيًّا فَلَا مُنَافَاةَ، وَلَوْ سَلِمَ اضْطِرَارُهَا حَقِيقَةً لَا يَلْزَمُ مِنْهُ إرْثُهَا مِنْهُ لِأَنَّ إرْثَهَا مِنْهُ لَا يَكُونُ إلَّا إذَا ثَبَتَ فِرَارُهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْطَرَّهَا إلَى ذَلِكَ فَهِيَ كَمَنْ وَطِئَهَا ابْنُهُ مُكْرَهَةً لَا تَرِثُ مِنْهُ إلَّا إذَا أَمَرَ ابْنَهُ بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ مِنْ اضْطِرَارِهَا فِرَارُهُ لِعَدَمِ جِنَايَتِهِ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّ اضْطِرَارَهَا عُذْرٌ فِي نَفْيِ فِرَارِهَا لِأَنَّهُ مِنْ جِهَتِهَا فَيُؤَثِّرُ فِيهِ، بِخِلَافِ فِرَارِهِ فَإِنَّهُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ اضْطِرَارُهَا فِيهِ كَالْمُكْرَهِ، فَإِنَّ اضْطِرَارَهُ إلَى قَتْلِ غَيْرِهِ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي فِعْلِهِ مِنْ حَيْثُ نَفْيُ الْقَوَدِ عَنْهُ لَا فِي فِعْلِ غَيْرِهِ وَهُوَ مَنْ أَكْرَهَهُ، وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا قَوْلُهُ فِي الْفَتْحِ لَوْ حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ فِي مَرَضِهِ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ لَا تَرِثُهُ لِرِضَاهَا بِالْمُبْطِلِ وَإِنْ كَانَتْ مُضْطَرَّةً لِأَنَّ سَبَبَ الِاضْطِرَارِ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ جَانِيًا فِي الْفُرْقَةِ اهـ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ مَاتَتْ أَوْ لَحِقَتْ) أَيْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ط (قَوْلُهُ وَرِثَهَا) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ قَصْدَهَا الْفِرَارُ ط (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَرِثَهَا لِعَدَمِ جَرَيَانِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ ط (قَوْلُهُ لَا يَرِثُهَا) لِأَنَّهَا بَانَتْ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ مُشْرِفَةً عَلَى الْهَلَاكِ وَلَيْسَتْ بِالرِّدَّةِ مُشْرِفَةً عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ رِدَّتِهِ إلَخْ) لِأَنَّهُ يُقْتَلُ إنْ اسْتَدَامَهَا ط (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ ارْتَدَّا مَعًا إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنْ ارْتَدَّا مَعًا ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا، إنْ مَاتَ الْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْمُرْتَدُّ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي مَاتَ هُوَ الزَّوْجُ وَرِثَتْهُ الْمُسْلِمَةُ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُرْتَدَّةُ قَدْ مَاتَتْ، فَإِنْ كَانَتْ رِدَّتُهَا فِي الْمَرَضِ وَرِثَهَا الزَّوْجُ الْمُسْلِمُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الصِّحَّةِ لَمْ يَرِثْ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ طَلُقَتْ الْأُخْرَى) زَادَ الشَّارِحُ ذَلِكَ تَبَعًا لِلدُّرَرِ لِإِصْلَاحِ عِبَارَةِ الْمَتْنِ لِأَنَّ قَوْلَهُ عِنْدَ التَّزَوُّجِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ طَلُقَتْ، وَعَلَى مَا فِي الْمَتْنِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ مَاتَ وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ وَلَا يَصِيرُ فَارًّا الْوَاوُ فِيهِ مِنْ الشَّرْحِ لِلْعَطْفِ عَلَى طَلُقَتْ، وَإِذَا لَمْ يَصِرْ فَارًّا لَا تَرِثُ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرٌ وَنِصْفٌ، فَالْمَهْرُ بِالدُّخُولِ بِشُبْهَةٍ وَالنِّصْفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَعِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ بِلَا إحْدَادٍ زَيْلَعِيٌّ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ عِنْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي تَحَقَّقَتْ فِيهِ الْآخِرِيَّةُ، وَيَصِيرُ فَارًّا فَتَرِثُهُ، وَلَهَا مَهْرٌ وَاحِدٌ، وَتَعْتَدُّ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ. وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَالْإِحْدَادُ أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَوْتَ مُعَرَّفٌ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِ الْإِمَامِ أَيْ يَعْرِفُ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ آخَرُ امْرَأَةٍ (قَوْلُهُ وَاتِّصَافُهُ) أَيْ التَّزَوُّجِ مِنْ وَقْتِ الشَّرْطِ وَهُوَ التَّزَوُّجُ ط (قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ مُسْتَنِدًا) أَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 [فُرُوعٌ] أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ ثُمَّ قَالَ لَهَا إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ وَمَاتَ فِي مَرَضِهِ لَمْ تَرِثْ لِأَنَّهَا فِي عِدَّةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، وَقَدْ حَصَلَ التَّزَوُّجُ بِفِعْلِهَا فَلَمْ يَكُنْ فِرَارًا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ خَانِيَّةٌ. كَذَّبَهَا الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي الطَّلَاقِ فِي مَرَضِهِ فَالْقَوْلُ لَهَا كَقَوْلِهَا طَلَّقَنِي وَهُوَ نَائِمٌ. وَقَالُوا فِي الْيَقَظَةِ وَالْوَالِجِيَّةُ: طَلَّقَهَا فِي الْمَرَضِ وَمَاتَ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَالْمُشْكِلُ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ لِوَارِثِ الزَّوْجِ لِصَيْرُورَتِهَا أَجْنَبِيَّةً بِخِلَافِهِ فِي الْعِدَّةِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ بَابُ الرَّجْعَةِ بِالْفَتْحِ وَتُكْسَرُ يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى (هِيَ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ الْقَائِمِ)   [رد المحتار] إلَى وَقْتِ التَّزَوُّجِ كَمَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِحَيْضِهَا لَمْ يَحْنَثْ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ، فَإِذَا اسْتَمَرَّ ثَلَاثًا ظَهَرَ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْ أَوَّلِهَا زَيْلَعِيٌّ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَقْتَ التَّزَوُّجِ مَرِيضًا أَنْ يَصِيرَ فَارًّا فَتَرِثُهُ (قَوْلُهُ لَمْ تَرِثْ إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّ عِدَّتَهَا الْأُولَى قَدْ بَطَلَتْ بِالتَّزَوُّجِ فَبَطَلَ إرْثُهَا الثَّابِتُ لَهَا بِسَبَبِ الْإِبَانَةِ فِي مَرَضِهِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَرِثُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَقَدْ زَالَتْ وَوَجَبَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ بِالطَّلَاقِ الثَّانِي كَمَا يَأْتِي فِي الْعِدَّةِ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ مُعْتَدَّتَهُ قَبْلَ الْوَطْءِ يَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَرِثَ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّانِي لِأَنَّ شَرْطَ وُقُوعِهِ التَّزَوُّجُ وَقَدْ حَصَلَ بِفِعْلِهِمَا فَكَانَتْ رَاضِيَةً بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ تَرِثُهُ لِأَنَّ عَلَيْهَا تَمَامَ الْعِدَّةِ الْأُولَى فَقَطْ فَبَقِيَ حُكْمُ الْفِرَارِ بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ لِبَقَاءِ عِدَّتِهِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ كَذَّبَهَا الْوَرَثَةُ إلَخْ) أَيْ لَوْ ادَّعَتْ أَنَّهُ أَبَانَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَأَنَّهُ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ بَلْ فِي الصِّحَّةِ فَالْقَوْلُ لَهَا بِيَمِينِهَا لِإِنْكَارِهَا سُقُوطَ الْإِرْثِ لِأَنَّهَا تُقِرُّ بِطَلَاقٍ لَا يُسْقِطُ الْمِيرَاثَ (قَوْلُهُ فَالْمُشْكِلُ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ) هُوَ مَا يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَمَّا مَا يَصْلُحُ لِأَحَدِهِمَا فَالْقَوْلُ لِكُلٍّ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ التَّحَالُفِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى (قَوْلُهُ لِصَيْرُورَتِهَا أَجْنَبِيَّةً) أَيْ فَلَمْ تَبْقَ ذَاتَ يَدٍ بَلْ الْيَدُ لِلْوَرَثَةِ وَالْقَوْلُ لِذِي الْيَدِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِهِ فِي الْعِدَّةِ) أَيْ بِخِلَافِ مَوْتِهِ فِي عِدَّتِهَا، فَإِنَّ الْمُشْكِلَ حِينَئِذٍ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا تَرِثُ فَلَمْ تَكُنْ أَجْنَبِيَّةً فَكَأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ الطَّلَاقِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [بَابُ الرَّجْعَةِ] ِ ذَكَرَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ لِأَنَّهَا مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُ طَبْعًا فَكَذَا وَضْعًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ: بِالْفَتْحِ وَتُكْسَرُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْفَتْحَ فِيهَا أَفْصَحُ مِنْ الْكَسْرِ خِلَافًا لِلْأَزْهَرِيِّ فِي دَعْوَى أَكْثَرِيَّةِ الْكَسْرِ وَلِمَكِّيٍّ تَبَعًا لِابْنِ دُرَيْدٍ فِي إنْكَارِ الْكَسْرِ عَلَى الْفُقَهَاءِ (قَوْلُهُ: يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى) أَيْ يُسْتَعْمَلُ فِعْلُهُ مُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ وَلَازِمًا فَيَتَعَدَّى بِإِلَى. قَالَ فِي الْفَتْحِ: يُقَالُ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَرَجَعْته إلَيْهِمْ: أَيْ رَدَدْته وَقَالَ تَعَالَى {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 83] وَيُقَالُ فِي مَصْدَرِهِ أَيْضًا رَجْعًا وَرُجُوعًا وَمَرْجِعًا وَالرَّجْعَةُ وَالرَّجْعَى بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَرُبَّمَا قَالُوا إلَى اللَّهِ رَجَعَاتُك (قَوْلُهُ: هِيَ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ) عَبَّرَ بِالِاسْتِدَامَةِ بَدَلَ الرَّدِّ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الرَّجْعَةِ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ مَا يَكُونُ بَعْدَ الزَّوَالِ. فَيُنَافِي قَوْلَهُ " الْقَائِمِ " وَلِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا الْإِبْقَاءُ قَالَ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالرَّدُّ يَصْدُقُ حَقِيقَةً بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِ زَوَالِ الْمِلْكِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَالَ بَعْدُ يُقَالُ: رَدَّ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ فِي بَيْعٍ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ اهـ فَهَذَا الرَّدُّ إبْقَاءٌ لِلْمِلْكِ الْقَائِمِ: أَيْ إدَامَةٌ لَهُ وَإِمْسَاكٌ قَالَ تَعَالَى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 234] أَيْ قَارَبَ الْبُلُوغَ {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْإِمْسَاكُ اسْتِدَامَةُ الْقَائِمِ لَا إعَادَةُ الزَّائِلِ، وَلِذَا صَحَّ الْإِيلَاءُ مِنْهَا وَالظِّهَارُ وَاللِّعَانُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 بِلَا عِوَضٍ مَا دَامَتْ (فِي الْعِدَّةِ) أَيْ عِدَّةِ الدُّخُولِ حَقِيقَةً إذْ لَا رَجْعَةَ فِي عِدَّةِ الْخَلْوَةِ ابْنُ كَمَالٍ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: ادَّعَى الْوَطْءَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَأَنْكَرَتْ فَلَهُ الرَّجْعَةُ لَا فِي عَكْسِهِ. وَتَصِحُّ مَعَ إكْرَاهٍ وَهَزْلٍ وَلَعِبٍ وَخَطَإٍ (بِنَحْوِ) مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِدَامَةُ (رَجَعْتُكِ) وَرَدَدْتُكِ وَمَسَكْتُكِ بِلَا نِيَّةٍ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ (وَ) بِالْفِعْلِ مَعَ الْكَرَاهَةِ   [رد المحتار] وَتَنَاوَلَهَا قَوْلُهُ: زَوْجَاتِي طَوَالِقُ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا شُهُودٌ، وَلَمْ يَجِبْ عِوَضٌ مَالِيٌّ، حَتَّى لَوْ رَاجَعَهَا تَوَقَّفَ لُزُومُهُ عَلَى قَبُولِهَا وَتُجْعَلُ زِيَادَةً فِي مَهْرِهَا، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَصِيرُ زِيَادَةً فَلَا تَجِبُ وَلَوْ رَاجَعَ الْأَمَةَ عَلَى الْحَرَّةِ الَّتِي تَزَوَّجَهَا بَعْدَ طَلَاقِهَا صَحَّ اهـ. (قَوْلُهُ: بِلَا عِوَضٍ) أَيْ بِلَا اشْتِرَاطِ عِوَضٍ، فَالْمُرَادُ نَفْيُ اشْتِرَاطِهِ لَا نَفْيُ وُجُودِهِ لِمَا عَلِمْت، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ تَأْكِيدًا لِدَعْوَى قِيَامِ الْمِلْكِ إذْ لَوْ زَالَ اُشْتُرِطَ فِي رَدِّهَا إلَيْهِ الْعِوَضُ (قَوْلُهُ: أَيْ عِدَّةِ الدُّخُولِ حَقِيقَةً) أَيْ الْوَطْءِ ح (قَوْلُهُ: إذْ لَا رَجْعَةَ فِي عِدَّةِ الْخَلْوَةِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ مَعَهَا لَمْسٌ، أَوْ نَظَرٌ بِشَهْوَةٍ وَلَوْ إلَى الْفَرَجِ الدَّاخِلِ ح وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْعِدَّةِ بَعْدَ الْوَطْءِ تَعَرُّفُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ تَحَفُّظًا عَنْ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ، وَوَجَبَتْ بَعْدَ الْخَلْوَةِ بِلَا وَطْءٍ احْتِيَاطًا، وَلَيْسَ مِنْ الِاحْتِيَاطِ تَصْحِيحُ الرَّجْعَةِ فِيهَا رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: ابْنُ كَمَالٍ) حَيْثُ قَالَ فِي الْعِدَّةِ بَعْدَ الدُّخُولِ: لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَدْ تَجِبُ بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ بِلَا دُخُولٍ وَلَا تَصِحُّ فِيهَا الرَّجْعَةُ. اهـ. قُلْت: وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي بَابِ الْمَهْرِ أَنَّ الْخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ لَا تَكُونُ كَالْوَطْءِ فِي الرَّجْعَةِ. اهـ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ فَالْفَاسِدَةُ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي مَتْنًا وَشَرْحًا، وَقَوْلُهُ: بَعْدَ الدُّخُولِ الْمُرَادُ بِهِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ وَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِيمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ مَعَ إكْرَاهٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمِنْ أَحْكَامِهَا أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إضَافَتُهَا إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَا تَعْلِيقًا بِالشَّرْطِ، كَمَا إذَا قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ رَاجَعْتُكِ، أَوْ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَقَدْ رَاجَعْتُكِ، وَتَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالْهَزْلِ وَاللَّعِبِ وَالْخَطَإِ كَالنِّكَاحِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ ط. وَفِي الْقُنْيَةِ: لَوْ أَجَازَ مُرَاجَعَةَ الْفُضُولِيِّ صَحَّ ذَلِكَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَهَزْلٍ وَلَعِبٍ) فَسَّرَهُمَا فِي الْقَامُوسِ بِضِدِّ الْجِدِّ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: وَخَطَأٍ) كَأَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: اسْقِنِي الْمَاءَ فَقَالَ رَاجَعْتُ زَوْجَتِي (قَوْلُهُ: بِنَحْوِ رَاجَعْتُكِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِالْقَوْلِ نَحْوُ رَاجَعْتُكِ لِيَعْطِفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ الْآتِيَ وَبِالْفِعْلِ ط، وَهَذَا بَيَانٌ لِرُكْنِهَا وَهُوَ قَوْلٌ، أَوْ فِعْلٌ. وَالْأَوَّلُ قِسْمَانِ: صَرِيحٌ كَمَا مَثَّلَ، وَمِنْهُ النِّكَاحُ وَالتَّزْوِيجُ كَمَا يَأْتِي، وَبَدَأَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ. وَكِنَايَةٌ مِثْلُ أَنْتِ عِنْدِي كَمَا كُنْتِ وَأَنْتِ امْرَأَتِي، فَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا إلَّا بِالنِّيَّةِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ: رَاجَعْتُكِ) أَيْ فِي حَالِ خِطَابِهَا، مِثْلُهُ: رَاجَعْتُ امْرَأَتِي فِي حَالِ غَيْبَتِهَا وَحُضُورِهَا أَيْضًا، وَمِنْهُ ارْتَجَعْتُكِ وَرَجَعْتُكِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَرَدَدْتُكِ وَمَسَكْتُكِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي الْمُحِيطِ مَسَكْتُكِ بِمَنْزِلَةِ أَمْسَكْتُكِ وَهُمَا لُغَتَانِ، وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ يُشْتَرَطُ فِي رَدَدْتُكِ ذِكْرُ الصِّلَةِ فَيَقُولُ إلَيَّ، أَوْ إلَى نِكَاحِي أَوْ إلَى عِصْمَتِي وَهُوَ حَسَنٌ إذْ مُطْلَقُهُ يُسْتَعْمَلُ لِضِدِّ الْقَبُولِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِالْفِعْلِ) هَذَا لَيْسَ مِنْ الصَّرِيحِ وَلَا الْكِنَايَةِ لِأَنَّهُمَا مِنْ عَوَارِضِ اللَّفْظِ فَافْهَمْ، نَعَمْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْفِعْلَ فِي حُكْمِ الصَّرِيحِ لِثُبُوتِ الرَّجْعَةِ بِهِ مِنْ الْمَجْنُونِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: مَعَ الْكَرَاهَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْزِيهٌ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الْبَحْرِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ رَمْلِيٌّ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الْفَتْحِ - عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ بِحُرْمَةِ الْوَطْءِ -: إنَّهُ عِنْدَنَا يَحِلُّ لِقِيَامِ مِلْكِ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا يَزُولُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيَكُونُ الْحِلُّ قَائِمًا قَبْلَ انْقِضَائِهَا. اهـ. وَلَا يَرِدُ حُرْمَةُ السَّفَرِ بِهَا لِأَنَّ ذَاكَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَمَا يَأْتِي وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُهُ: فِي الْفَتْحِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 (بِكُلِّ مَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ) كَمَسٍّ وَلَوْ مِنْهَا اخْتِلَاسًا، أَوْ نَائِمًا، أَوْ مُكْرَهًا أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ مَعْتُوهًا إنْ صَدَّقَهَا هُوَ أَوْ وَرَثَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ جَوْهَرَةٌ وَرَجْعَةُ الْمَجْنُونِ بِالْفِعْلِ بَزَّازِيَّةٌ. (وَ) تَصِحُّ (بِتَزَوُّجِهَا فِي الْعِدَّةِ) بِهِ يُفْتَى جَوْهَرَةٌ (وَوَطْئِهَا فِي الدُّبُرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ) لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ مَسٍّ بِشَهْوَةٍ   [رد المحتار] وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُرَاجِعَهَا بِالْقَوْلِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: بِكُلِّ مَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ) بَدَلٌ مِنْ " الْفِعْلِ " بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ ح أَيْ لِأَنَّ مِنْ الْفِعْلِ مَا لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ كَالتَّزَوُّجِ وَالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ وَلِذَا عَطَفَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِهِ بِكُلِّ، فَلَيْسَ مُرَادُهُ الْحَصْرَ بِمَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ فَافْهَمْ، وَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْعَطْفِ يَصِحُّ كَوْنُهُ بَدَلَ مُفَصَّلٍ مِنْ مُجْمَلٍ (قَوْلُهُ: كَمَسٍّ) أَيْ بِشَهْوَةٍ كَمَا فِي الْمِنَحِ، وَيُفِيدُهُ قَوْلُهُ: بِمَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ ح. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَدَخَلَ الْوَطْءُ، وَالتَّقْبِيلُ بِشَهْوَةٍ - عَلَى أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ، فَمًا أَوْ خَدًّا، أَوْ ذَقَنًا، أَوْ جَبْهَةً، أَوْ رَأْسًا -، وَالْمَسُّ - بِلَا حَائِلٍ أَوْ بِحَائِلٍ يَجِدُ الْحَرَارَةَ مَعَهُ بِشَهْوَةٍ -، وَالنَّظَرُ إلَى دَاخِلِ الْفَرَجِ بِشَهْوَةٍ - بِأَنْ كَانَتْ مُتَّكِئَةً -، وَخَرَجَ مَا إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ، أَوْ نَظَرَ إلَى دَاخِلِ الْفَرَجِ بِشَهْوَةٍ وَلَوْ إلَى حَلْقَةِ الدُّبُرِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُرَاجِعًا لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. وَفِي الْقُنْيَةِ وَيَصِيرُ مُرَاجِعًا بِوُقُوعِ بَصَرِهِ عَلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْمُرَاجَعَةِ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ: وَيُكْرَهُ التَّقْبِيلُ وَاللَّمْسُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ إذَا لَمْ يُرِدْ الرَّجْعَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْهَا اخْتِلَاسًا) خَلَسْت الشَّيْءَ خَلْسًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ: اخْتَطَفْته بِسُرْعَةٍ عَلَى غَفْلَةٍ وَاخْتَلَسْته كَذَلِكَ مِصْبَاحٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ التَّقْبِيلِ وَالْمَسِّ وَالنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ مِنْهُ، أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يُصَدِّقَهَا سَوَاءٌ كَانَ بِتَمْكِينِهِ، أَوْ فَعَلَتْهُ اخْتِلَاسًا، أَوْ كَانَ نَائِمًا أَوْ مُكْرَهًا، أَوْ مَعْتُوهًا، أَمَّا إذَا ادَّعَتْهُ وَأَنْكَرَهُ لَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ إلَّا (قَوْلَهُ: إنْ صَدَّقَهَا إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: هَذَا إذَا صَدَّقَهَا الزَّوْجُ فِي الشَّهْوَةِ، فَإِنْ أَنْكَرَ لَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ وَكَذَا إنْ مَاتَ فَصَدَّقَهَا الْوَرَثَةُ، وَلَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الشَّهْوَةِ لِأَنَّهَا غَيْبٌ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ مَرَّ فِي مُحَرِّمَاتِ النِّكَاحِ مَتْنًا وَشَرْحًا: وَإِنْ ادَّعَتْ الشَّهْوَةَ فِي تَقْبِيلِهِ، أَوْ تَقْبِيلِهَا ابْنَهُ وَأَنْكَرَهَا الرَّجُلُ فَهُوَ مُصَدَّقٌ لَا هِيَ، إلَّا أَنْ يَقُومَ إلَيْهَا مُنْتَشِرَةً آلَتُهُ فَيُعَانِقَهَا لِقَرِينَةِ كَذِبِهِ، أَوْ يَأْخُذَ ثَدْيَهَا، أَوْ يَرْكَبَ مَعَهَا، أَوْ يَمَسَّهَا عَلَى الْفَرْجِ، أَوْ يُقَبِّلَهَا عَلَى الْفَمِ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَوْ مَسَّتْ فَرْجَهُ، أَوْ قَبَّلَتْهُ عَلَى الْفَمِ أَنْ تُصَدَّقَ وَإِنْ كَذَّبَهَا وَأَنَّهُ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الشَّهْوَةِ لِأَنَّهَا مِمَّا تُعْرَفُ بِالْآثَارِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ هُنَاكَ وَيَأْتِي تَمَامُهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَرَجْعَةُ الْمَجْنُونِ بِالْفِعْلِ) أَيْ إذَا طَلَّقَ رَجْعِيًّا ثُمَّ جُنَّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ وَرَجْعَةُ الْمَجْنُونِ بِالْفِعْلِ وَلَا تَصِحُّ بِالْقَوْلِ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ وَقِيلَ بِهِمَا. اهـ. وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْبَزَّازِيُّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَعَلَّهُ الرَّاجِحُ لِمَا عُرِفَ أَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ دُونَ أَقْوَالِهِ. عَلَّلَهُ فِي الصَّيْرَفِيَّةِ بِأَنَّ الرِّضَا لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَلِهَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الرَّجْعَةِ بِالْفِعْلِ يَصِحُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ بِتَزَوُّجِهَا) الْأَوْلَى حَذْفُ " تَصِحُّ " لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَبِتَزَوُّجِهَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِكُلِّ الْمُتَعَلِّقِ بِقَوْلِهِ " اسْتِدَامَةُ " (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِينَ إنَّهُ لَيْسَ بِرَجْعَةٍ عِنْدَهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَعُلِمَ أَنَّ لَفْظَ النِّكَاحِ يُسْتَعَارُ لِلرَّجْعَةِ وَلَا تُسْتَعَارُ هِيَ لَهُ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَفِيهِ أَنَّهُ صَرَّحَ نَفْسُهُ فِي النِّكَاحِ بِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ لِمُبَانَتِهِ: رَاجَعْتُكِ بِكَذَا فَافْهَمْ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مُرَادَهُ فِي نِكَاحِ الْأَجْنَبِيَّةِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُعْتَمَدِ) لِأَنَّ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ مَسٍّ بِشَهْوَةٍ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 (إنْ لَمْ يُطَلِّقْ بَائِنًا) فَإِنْ أَبَانَهَا فَلَا (وَإِنْ أَبَتْ) ، أَوْ قَالَ أَبْطَلْتُ رَجْعَتِي، أَوْ لَا رَجْعَةَ لِي فَلَهُ الرَّجْعَةُ بِلَا عِوَضٍ، وَلَوْ سَمَّى هَلْ يُجْعَلُ زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ؟ قَوْلَانِ وَيَتَعَجَّلُ الْمُؤَجَّلُ بِالرَّجْعِيِّ وَلَا يَتَأَجَّلُ بِرَجْعَتِهَا خُلَاصَةٌ. وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ: لَا يَكُونُ حَالًّا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ.   [رد المحتار] الْمُعْتَبَرُ هُنَا الْمَسُّ بِالشَّهْوَةِ، بِخِلَافِ الْمُصَاهَرَةِ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهَا زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ شَهْوَةً تَكُونُ سَبَبًا لِلْوَلَدِ وَلِذَا لَمْ يُوجِبْهَا ذَلِكَ الْوَطْءُ كَمَا لَوْ أَنْزَلَ بَعْدَ الْمَسِّ وَلِذَا لَمْ يَشْرُطْ أَحَدٌ هُنَا عَدَمَ الْإِنْزَالِ بِالْمَسِّ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُطَلِّقْ بَائِنًا) هَذَا بَيَانٌ لِشَرْطِ الرَّجْعَةِ، وَلَهَا شُرُوطٌ خَمْسٌ تُعْلَمُ بِالتَّأَمُّلِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ قُلْت: هِيَ أَنْ لَا يَكُونَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا فِي الْحُرَّةِ، أَوْ ثِنْتَيْنِ فِي الْأَمَةِ وَلَا وَاحِدَةً مُقْتَرِنَةً بِعِوَضٍ مَالِيٍّ وَلَا بِصِفَةٍ تَنْبِئُ عَنْ الْبَيْنُونَةِ - كَطَوِيلَةٍ، أَوْ شَدِيدَةٍ -، وَلَا مُشَبَّهَةً كَطَلْقَةٍ مِثْلِ الْجَبَلِ، وَلَا كِنَايَةً يَقَعُ بِهَا بَائِنٌ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الشَّرْطَ وَاحِدٌ هُوَ كَوْنُ الطَّلَاقِ رَجْعِيًّا، وَهَذِهِ شُرُوطُ كَوْنِهِ رَجْعِيًّا مَتَى فُقِدَ مِنْهَا شَرْطٌ كَانَ بَائِنًا كَمَا أَوْضَحْنَاهُ أَوَّلَ كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يُطَلِّقْ بَائِنًا، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْكَنْزِ إنْ لَمْ يُطَلِّقْ ثَلَاثًا، لَكِنْ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا مَعَ قَوْلِهِ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ الْقَائِمِ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّ الْبَائِنَ لَيْسَ فِيهِ مِلْكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْكَلَامُ فِي الرَّجْعِيِّ لَا فِي الْبَائِنِ، فَقَدْ غَفَلَ أَكْثَرُهُمْ فِي هَذَا الْمَحَلِّ اهـ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُسَاهَلَةَ فِي الْعِبَارَةِ لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ لَا بَأْسَ بِهَا فِي مَقَامِ الْإِفَادَةِ. [تَنْبِيهٌ] شَرْطُ كَوْنِ الثِّنْتَيْنِ فِي الْأَمَةِ كَالثَّلَاثِ فِي الْحُرَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ رِقًّا ثَابِتًا بِإِقْرَارِهَا بَعْدَهُمَا. فَفِي النَّهْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَوْ كَانَ اللَّقِيطُ امْرَأَةً أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ لِآخَرَ بَعْدَمَا طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ كَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَلَوْ بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَا يَمْلِكُهَا وَالْفَرْقُ أَنَّهَا بِإِقْرَارِهَا فِي الْأَوَّلِ تُبْطِلُ حَقًّا ثَابِتًا لَهُ وَهُوَ الرَّجْعَةُ، بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِي إذْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقٌّ أَلْبَتَّةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا) أَيْ فَلَا رَجْعَةَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَبَتْ) أَيْ سَوَاءٌ رَضِيَتْ بَعْدَ عِلْمِهَا، أَوْ أَبَتْ وَكَذَا لَوْ لَمْ تَعْلَمْ بِهَا أَصْلًا. وَمَا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ إعْلَامُ الْغَائِبَةِ بِهَا فَسَهْوٌ لِمَا اسْتَقَرَّ مِنْ أَنَّ إعْلَامَهَا إنَّمَا هُوَ مَنْدُوبٌ فَقَطْ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا " قَالَتْ " بِتَاءِ الْمُؤَنَّثَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيفٌ (قَوْلُهُ: فَلَهُ الرَّجْعَةُ) لِأَنَّهُ حُكْمٌ أَثْبَتَهُ الشَّارِعُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِرِضَاهَا، وَلَا يَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ كَالْمِيرَاثِ، وَقَدْ جَعَلَ الشَّارِحُ " إنْ " الْوَصْلِيَّةَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ شَرْطِيَّةً، وَجَعَلَ قَوْلَهُ فَلَهُ الرَّجْعَةُ جَوَابَهَا ط وَيَجُوزُ إبْقَاؤُهَا وَصْلِيَّةً وَيَكُونُ قَوْلُهُ: فَلَهُ الرَّجْعَةُ تَفْرِيعًا عَلَى مَا فُهِمَ قَبْلَهُ وَتَصْرِيحًا بِهِ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: بِلَا عِوَضٍ) قَدْ قَدَّمْنَا، وَكَأَنَّهُ أَعَادَهُ تَمْهِيدًا لِمَا بَعْدَهُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: قَوْلَانِ) أَيْ قِيلَ: نَعَمْ قُبِلَتْ وَقِيلَ: لَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَوَجْهُ الثَّانِي مَا فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَالْعِوَضُ لَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي مُقَابَلَةِ مِلْكِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَتَعَجَّلُ الْمُؤَجَّلُ بِالرَّجْعِيِّ) أَيْ لَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا صَارَ مَا كَانَ مُؤَجَّلًا بِذِمَّتِهِ مِنْ الْمَهْرِ حَالًّا فَتُطَالِبُهُ بِهِ فِي الْحَالِ وَلَوْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا يَعُودُ مُؤَجَّلًا إذَا رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ مِنْ بَابِ الْمَهْرِ: يَعْنِي إذَا كَانَ التَّأْجِيلُ إلَى الطَّلَاقِ، أَمَّا إذَا كَانَ إلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ يَتَعَجَّلُ بِالطَّلَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ مِنْ بَابِ الْمَهْرِ: وَذَكَرَ قَوْلَيْنِ فِي الْفَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ فِي كَوْنِهِ يَتَعَجَّلُ الْمُؤَجَّلُ بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مُطْلَقًا أَوْ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَجَزَمَ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، قَالَ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا اهـ أَيْ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَأْجِيلُهُ إلَى طَلَاقٍ يُزِيلُ الْمِلْكَ أَوْ إلَى الْمَوْتِ، وَالرَّجْعِيُّ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ فَلَا يَصِيرُ حَالًّا قَبْلَهَا، وَقَدْ ظَهَرَ لَك بِمَا نَقَلْنَاهُ أَنَّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الصَّيْرَفِيَّةِ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ مَا يُفِيدُ حُلُولَهُ بِالْمُرَاجَعَةِ وَإِنْ بَطَلَتْ الْعِدَّةُ بِهَا لِأَنَّ الْقَوْلَ بِحُلُولِهِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِسَبَبِ حُصُولِ الْفُرْقَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 (وَنُدِبَ إعْلَامُهَا بِهَا) لِئَلَّا تَنْكِحَ غَيْرَهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ، فَإِنْ نَكَحَتْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ دَخَلَ شُمُنِّيٌّ. (وَنُدِبَ الْإِشْهَادُ) بِعَدْلَيْنِ وَلَوْ بَعْدَ الرَّجْعَةِ بِالْفِعْلِ (وَ) نُدِبَ (عَدَمُ دُخُولِهِ بِلَا إذْنِهَا عَلَيْهَا) لِتَتَأَهَّبَ وَإِنْ قَصَدَ رَجْعَتَهَا لِكَرَاهَتِهَا بِالْفِعْلِ كَمَا مَرَّ. (ادَّعَاهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ فِيهَا) بِأَنْ قَالَ كُنْتُ رَاجَعْتُكِ فِي عِدَّتِكِ (فَصَدَّقَتْهُ صَحَّ) بِالْمُصَادَقَةِ (وَإِلَّا لَا) يَصِحُّ إجْمَاعًا (وَ) كَذَا (لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بَعْدَ الْعِدَّةِ أَنَّهُ قَالَ فِي عِدَّتِهَا قَدْ رَاجَعْتُهَا، أَوْ) أَنَّهُ (قَالَ: قَدْ جَامَعْتُهَا)   [رد المحتار] وَزَوَالِ الْمِلْكِ كَمَا قُلْنَا لَا بِسَبَبِ زَوَالِ الْعِدَّةِ، وَمَعَ الْمُرَاجَعَةِ لَا يُوجَدُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ الْمَشْرُوطُ لِحُلُولِهِ لِأَنَّ فَائِدَةَ هَذَا الشَّرْطِ عَدَمُ حُلُولِهِ بِالْمُرَاجَعَةِ لَا حُلُولُهُ بِهَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: لِئَلَّا تَنْكِحَ غَيْرَهُ) أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ لِئَلَّا تَقَعَ فِي الْمَعْصِيَةِ إذْ لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ مَعَ عَدَمِ عِلْمِهَا بِالرَّجْعَةِ وَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لِتَقْصِيرِهَا بِتَرْكِ السُّؤَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ إيجَابِ السُّؤَالِ عَلَيْهَا، وَإِثْبَاتَ الْمَعْصِيَةِ بِالْعَمَلِ لِمَا ظَهَرَ عِنْدَهَا، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ إذَا ثَبَتَتْ الْمُرَاجَعَةُ بِالْبَيِّنَةِ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ دَخَلَ: أَيْ الزَّوْجُ الثَّانِي، وَقَوْلُهُ: فِي الْفَتْحِ دَخَلَ بِهَا الْأَوَّلُ أَوَّلًا لَعَلَّهُ مِنْ تَحْرِيفِ النُّسَّاخِ، أَوْ سَبْقُ قَلَمٍ إذْ لَا رَجْعَةَ مَعَ عَدَمِ دُخُولِ الْأَوَّلِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: وَنُدِبَ الْإِشْهَادُ) احْتِرَازًا عَنْ التَّجَاحُدِ وَعَنْ الْوُقُوعِ فِي مَوَاقِعِ التُّهَمِ لِأَنَّ النَّاسَ عَرَفُوهُ مُطَلِّقًا فَيُتَّهَمُ بِالْقُعُودِ مَعَهَا، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ صَحَّ، وَالْأَمْرُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ} [الطلاق: 2] لِلنَّدْبِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَعْدَ الرَّجْعَةِ بِالْفِعْلِ) لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَإِذَا رَاجَعَهَا بِقَلْبِهِ، أَوْ لَمْسٍ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُرَاجِعَهَا بِالْإِشْهَادِ ثَانِيًا اهـ أَيْ الْإِشْهَادِ عَلَى الْقَوْلِ، فَلَا يُشْهِدُ عَلَى الْوَطْءِ وَالْمَسِّ وَالنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ لِلشَّاهِدِ بِهَا كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ دُرٌّ مُنْتَقًى. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ. فَالسُّنِّيُّ أَنْ يُرَاجِعَهَا بِالْقَوْلِ وَيُشْهِدَ عَلَى رَجْعَتِهَا وَيُعْلِمَهَا، وَلَوْ رَاجَعَهَا بِالْقَوْلِ وَلَمْ يُشْهِدْ أَوْ أَشْهَدَ وَلَمْ يُعْلِمْهَا كَانَ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. قُلْت: وَكَذَا لَوْ رَاجَعَهَا بِالْفِعْلِ وَلَمْ يُشْهِدْ ثَانِيًا. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَالْبِدْعِيُّ هُنَا خِلَافُ الْمَنْدُوبِ وَفِي الطَّلَاقِ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا (قَوْلُهُ: بِلَا إذْنِهَا) حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ بِلَا إيذَانِهَا: أَيْ إعْلَامِهَا إذْ لَا يُكْرَهُ دُخُولُهُ إذَا لَمْ تَأْذَنْ لَهُ. وَعِبَارَةُ الْكَنْزِ حَتَّى يُؤْذِنَهَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: أَيْ يُعْلِمَهَا بِدُخُولِهِ إمَّا بِخَفْقِ النَّعْلِ، أَوْ بِالتَّنَحْنُحِ أَوْ بِالنِّدَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَصَدَ رَجْعَتَهَا) خِلَافًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ التَّقْيِيدِ بِعَدَمِ قَصْدِهَا، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا قَصَدَ رَجْعَتَهَا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَرَى الْفَرْجَ بِشَهْوَةٍ فَتَكُونَ رَجْعَةً بِالْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ مِنْ جِهَتَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا، بِأَنْ يَصِيرَ مُرَاجِعًا بِالنَّظَرِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ ثُمَّ يُطَلِّقَهَا وَذَلِكَ إضْرَارٌ بِهَا اهـ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ مَكْرُوهٌ مِنْ جِهَتَيْنِ أَيْ لِكَوْنِهَا رَجْعَةً بِالْفِعْلِ وَبِدُونِ إشْهَادٍ وَالْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ فِيهِمَا كَمَا عَلِمْتَ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. (قَوْلُهُ: ادَّعَاهَا) أَيْ الرَّجْعَةَ بَعْدَ الْعِدَّةِ فِيهَا أَيْ فِي الْعِدَّةِ وَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِادَّعَى، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِالضَّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى الرَّجْعَةِ أَيْ ادَّعَى بَعْدَ الْعِدَّةِ الرَّجْعَةَ فِي الْعِدَّةِ فَهُوَ عَلَى حَدِّ قَوْلِ الشَّاعِرِ: وَمَا هُوَ بِالْحَدِيثِ الْمُتَرْجَمِ أَيْ وَمَا الْحَدِيثُ عَنْهَا (قَوْلُهُ: صَحَّ بِالْمُصَادَقَةِ) لِأَنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا فَالرَّجْعَةُ أَوْلَى بَحْرٌ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَا كَاذِبَيْنِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا حُكْمُ الْقَضَاءِ، أَمَّا الدِّيَانَةُ فَعَلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا يَصِحُّ) أَيْ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الرَّجْعَةِ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ وَهِيَ تُنْكِرُهُ، فَكَانَ الْقَوْلُ لَهَا بِلَا يَمِينٍ لِمَا عُرِفَ فِي الْأَشْيَاءِ بَحْرٌ: أَيْ الْآتِيَةِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى حَيْثُ قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ: وَلَا تَحْلِيفَ فِي نِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ وَفِي إيلَاءٍ وَاسْتِيلَادٍ وَرِقٍّ وَنَسَبٍ وَوَلَاءٍ وَحَدٍّ وَلِعَانٍ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُحَلَّفُ فِي الْأَشْيَاءِ السَّبْعَةِ اهـ أَيْ السَّبْعَةِ الْأُولَى، وَهَذَا قَوْلُهُمَا أَمَّا الْأَخِيرَانِ فَلَا تَحْلِيفَ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: وَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِهِ لَا يُقْبَلُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 وَتَقَدَّمَ قَبُولُهَا عَلَى نَفْسِ اللَّمْسِ وَالتَّقْبِيلِ فَلْيُحْفَظْ (كَانَ رَجْعَةً) لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ الْمَسَائِلِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ إقْرَارُهُ بِإِقْرَارِهِ بَلْ بِالْبَيِّنَةِ (كَمَا لَوْ قَالَ فِيهَا كُنْت رَاجَعْتُكِ أَمْسِ) فَإِنَّهَا تَصِحُّ (وَإِنْ كَذَّبَتْهُ) لِمِلْكِهِ الْإِنْشَاءَ فِي الْحَالِ (بِخِلَافِ) قَوْلِهِ لَهَا (رَاجَعْتُكِ) يُرِيدُ الْإِنْشَاءَ (فَقَالَتْ) عَلَى الْفَوْرِ (مُجِيبَةً لَهُ قَدْ مَضَتْ عِدَّتِي) فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ لِمُقَارَنَتِهَا لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، حَتَّى لَوْ سَكَتَتْ ثُمَّ أَجَابَتْ صَحَّتْ اتِّفَاقًا كَمَا لَوْ نَكَلَتْ عَنْ الْيَمِينِ عَنْ مُضِيِّ الْعِدَّةِ. (قَالَ زَوْجُ الْأَمَةِ - بَعْدَهَا -:) أَيْ الْعِدَّةِ (رَاجَعْتُهَا فِيهَا فَصَدَّقَهُ السَّيِّدُ وَكَذَّبَتْهُ) الْأَمَةُ وَلَا بَيِّنَةَ (أَوْ قَالَتْ: مَضَتْ   [رد المحتار] قَوْلُهُ إذَا لَمْ تُصَدِّقْهُ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً تُقْبَلُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَوْلُ لَهَا تَكُونُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لِإِثْبَاتِ خِلَافِ الظَّاهِرِ وَفِي نُسْخَةٍ وَكَذَا بِالْكَافِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحَتَانِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَتَقَدَّمَ إلَخْ) أَيْ فَصْلُ الْمُحَرَّمَاتِ ح حَيْثُ قَالَ وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِاللَّمْسِ وَالتَّقْبِيلِ عَنْ شَهْوَةٍ، وَكَذَا تُقْبَلُ عَلَى نَفْسِ اللَّمْسِ وَالتَّقْبِيلِ وَالنَّظَرِ إلَى ذَكَرِهِ، أَوْ فَرْجِهَا عَنْ شَهْوَةٍ فِي الْمُخْتَارِ تَجْنِيسٌ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ رُبَّمَا يُوقَفُ عَلَيْهَا فِي الْجُمْلَةِ بِانْتِشَارٍ أَوْ آثَارٍ اهـ وَقَدَّمْنَا قَرِيبًا أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الشَّهْوَةِ فِي الْمُعَانَقَةِ مَعَ الِانْتِشَارِ وَالْمَسِّ لِلْفَرْجِ وَالتَّقْبِيلِ عَلَى الْفَمِ وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ بِالشَّهْوَةِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ الْمَسَائِلِ إلَخْ) نَقَلُوا ذَلِكَ عَنْ مَبْسُوطِ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ أَيْ لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ لَك رَجُلٌ أَقَرَّ بِشَيْءٍ فِي الْحَالِ فَلَمْ يَثْبُتْ إقْرَارُهُ وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ فِي الْمَاضِي يَثْبُتُ فَإِنَّكَ تَتَعَجَّبُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ إقْرَارَهُ فِي الْحَالِ ثَابِتٌ بِالْمُعَايَنَةِ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ كَاذِبَةٌ، وَلِذَلِكَ لَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ بِمَالٍ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهِ بَطَلَتْ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ أَقْوَى وَهُنَا عَكَسُوا ذَلِكَ. وَوَجْهُهُ أَنَّ إقْرَارَهُ فِي الْحَالِ بِأَنَّهُ أَقَرَّ فِي الْعِدَّةِ مُجَرَّدُ دَعْوَى فَلَا تَثْبُتُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَإِذَا ظَهَرَ السَّبَبُ بَطَلَ الْعَجَبُ، فَإِطْلَاقُ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ لَا عَجَبَ نَاشِئٌ عَنْ سُوءِ الْأَدَبِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لِمِلْكِهِ الْإِنْشَاءَ فِي الْحَالِ إلَخْ) أَيْ وَمَنْ مَلَكَ الْإِنْشَاءَ مَلَكَ الْإِخْبَارَ كَالْوَصِيِّ وَالْمَوْلَى وَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَمَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَحْرٌ عَنْ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ (قَوْلُهُ: يُرِيدُ الْإِنْشَاءَ) أَمَّا إذَا أَرَادَ الْإِخْبَارَ فَيُرْجَعُ إلَى تَصْدِيقِهَا ط. (قَوْلُهُ: فَقَالَتْ مُجِيبَةً لَهُ) أَشَارَ إلَى أَنَّهَا قَالَتْهُ مَوْصُولًا كَمَا يَأْتِي مُحْتَرَزُهُ وَإِلَى أَنَّ الزَّوْجَ بَدَأَ، فَلَوْ بَدَأَتْ فَقَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي فَقَالَ الزَّوْجُ رَاجَعْتُكِ فَالْقَوْلُ لَهَا اتِّفَاقًا وَفِي الْفَتْحِ: لَوْ وَقَعَ الْكَلَامَانِ مَعًا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَثْبُتَ الرَّجْعَةُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ تَحْتَمِلُ الِانْقِضَاءَ وَإِلَّا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ إلَّا إنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا وَلَدَتْ وَثَبَتَ ذَلِكَ. وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ حَالَ قِيَامِ الْعِدَّةِ ظَاهِرًا وَأَبُو حَنِيفَةَ يَمْنَعُ قِيَامَهَا حَالَ كَلَامِهِ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي الْإِخْبَارِ، وَأَقْرَبُ زَمَانٍ يُحَالُ عَلَيْهِ خَبَرُهَا زَمَانُ تَكَلُّمِهِ فَتَكُونُ الرَّجْعَةُ مُقَارِنَةً لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا تَصِحُّ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: صَحَّتْ اتِّفَاقًا) لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ بِسَبَبِ سُكُوتِهَا وَعَدَمِ جَوَابِهَا عَلَى الْفَوْرِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ نَكَلَتْ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَتُسْتَحْلَفُ الْمَرْأَةُ هُنَا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ عِدَّتَهَا مُنْقَضِيَةٌ حَالَ إخْبَارِهَا وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الرَّجْعَةِ حَيْثُ لَا تُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُ؛ أَنَّهُ لَمْ يُرَاجِعْهَا فِي الْعِدَّةِ: أَنَّ إلْزَامَ الْيَمِينِ لِفَائِدَةِ النُّكُولِ وَهُوَ بَذْلٌ عِنْدَهُ وَبَذْلُ الرَّجْعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ لَا يَجُوزُ وَالْعِدَّةُ هِيَ الِامْتِنَاعُ عَنْ التَّزَوُّجِ وَالِاحْتِبَاسُ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَبَذْلُهُ جَائِزٌ، ثُمَّ إذَا نَكَلَتْ هُنَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعِدَّةِ لِنُكُولِهَا ضَرُورَةً كَثُبُوتِ النَّسَبِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ بِنَاءً عَلَى شَهَادَتِهَا بِالْوِلَادَةِ اهـ لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ اعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ مَذْهَبَهُمَا صِحَّةُ الرَّجْعَةِ هُنَا فَلَا يُتَصَوَّرُ الِاسْتِخْلَافُ عِنْدَهُمَا، وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَى الِاسْتِحْلَافِ عِنْدَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: عَنْ مُضِيِّ الْعِدَّةِ) الْأَوْلَى عَلَى مُضِيِّ الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْيَمِينِ ط. (قَوْلُهُ: فَصَدَّقَهُ السَّيِّدُ وَكَذَّبَتْهُ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُمَا لَوْ صَدَّقَاهُ تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ اتِّفَاقًا، وَلَوْ كَذَّبَاهُ لَا تَثْبُتُ اتِّفَاقًا ط عَنْ النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَلَا بَيِّنَةَ) فَلَوْ أَقَامَهَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 عِدَّتِي وَأَنْكَرَ) الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى (فَالْقَوْلُ لَهَا) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ (فَلَوْ كَذَّبَهُ الْمَوْلَى وَصَدَّقَتْهُ الْأَمَةُ فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى عَلَى الصَّحِيحِ لِظُهُورِ مِلْكِهِ فِي الْبُضْعِ فَلَا يُمْكِنُهَا إبْطَالُهُ. (قَالَتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي ثُمَّ قَالَتْ: لَمْ تَنْقَضِ كَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ) لِإِخْبَارِهَا بِكَذِبِهَا فِي حَقٍّ عَلَيْهَا شُمُنِّيٌّ، ثُمَّ إنَّمَا تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ لَوْ بِالْحَيْضِ لَا بِالسِّقْطِ، وَلَهُ تَحْلِيفُهَا أَنَّهُ مُسْتَبِينُ الْخَلْقِ، وَلَوْ بِالْوِلَادَةِ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ حُرَّةً فَتْحٌ. (وَتَنْقَطِعُ) الرَّجْعَةُ (إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ الْأَخِيرِ) يَعُمُّ الْأَمَةَ (لِعَشَرَةِ) أَيَّامٍ مُطْلَقًا (وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ وَلِأَقَلَّ لَا) تَنْقَطِعُ (حَتَّى تَغْتَسِلَ) وَلَوْ بِسُؤْرِ حِمَارٍ لِاحْتِمَالِ طَهَارَتِهِ مَعَ وُجُودِ الْمُطْلَقِ، لَكِنْ لَا تُصَلِّي لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ وَلَا تَتَزَوَّجُ احْتِيَاطًا (أَوْ بِمُضِيِّ) جَمِيعِ (وَقْتِ الصَّلَاةِ) فَتَصِيرَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا، وَلَوْ عَاوَدَهَا وَلَمْ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ فَلَهُ الرَّجْعَةُ (أَوْ) حَتَّى (تَتَيَمَّمَ) عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ (وَتُصَلِّيَ) وَلَوْ نَفْلًا صَلَاةً تَامَّةً   [رد المحتار] نَهْرٌ (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لَهَا عِنْدَ الْإِمَامِ) وَقَالَا: الْقَوْلُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ فَيُقْبَلُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ. وَلَهُ أَنَّ حُكْمَ الرَّجْعَةِ مِنْ الصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْعِدَّةِ مِنْ قِيَامِهَا وَانْقِضَائِهَا وَهِيَ أَمِينَةٌ فِيهَا مُصَدَّقَةٌ بِالْإِخْبَارِ بِالِانْقِضَاءِ وَالْبَقَاءِ لَا قَوْلَ لِلْمَوْلَى فِيهَا أَصْلًا، وَإِنَّمَا قُبِلَ قَوْلُهُ: فِي النِّكَاحِ لِانْفِرَادِهِ بِهِ، بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ) أَيْ عِنْدَ الْكُلِّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ الْقَوْلَ لِلْمَوْلَى بِالِاتِّفَاقِ، وَقَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ احْتِرَازٌ عَمَّا فِي الْيَنَابِيعِ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِظُهُورِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْفَرْقُ لِلْإِمَامِ بَيْنَ هَذَا وَمَا مَرَّ أَنَّهَا مُنْقَضِيَةُ الْعِدَّةِ فِي الْحَالِ، وَيَسْتَلْزِمُ ظُهُورُ مِلْكِ الْمَوْلَى الْمُتْعَةَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي إبْطَالِهِ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِالتَّصْدِيقِ فِي الرَّجْعَةِ مُقِرٌّ بِقِيَامِ الْعِدَّةِ فَلَا يَظْهَرُ مِلْكُهُ مَعَ الْعِدَّةِ لِيُقْبَلَ قَوْلُهُ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ عَدَمُ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَ التَّصْوِيرُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنَّمَا تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ) يَعْنِي أَنَّ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي يُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُهَا " انْقَضَتْ عِدَّتِي ": لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُدَّةِ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ، ثُمَّ إنَّمَا يُشْتَرَطُ احْتِمَالُ الْمُدَّةِ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ بِالْحَيْضِ فَلَوْ كَانَتْ الْعِدَّةُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَلَوْ سِقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ فَلَا تُشْتَرَطُ مُدَّةٌ اهـ ح وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ بَيَانُ الْمُدَّةِ. (قَوْلُهُ: يَعُمُّ الْأَمَةَ) لِأَنَّ عِدَّتَهَا حَيْضَتَانِ وَالْأَخِيرُ يَشْمَلُ الثَّانِيَةَ، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ (قَوْلُهُ: لِعَشَرَةِ) عِلَّةٌ لَ طَهُرَتْ أَيْ لِأَجْلِ تَمَامِهَا سَوَاءٌ انْقَطَعَ الدَّمُ، أَوْ لَا نَهْرٌ لَكِنْ إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ عَلَى الْعَشَرَةِ وَلَهَا عَادَةٌ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ مِنْ حِينِ انْتِهَاءِ عَادَتِهَا كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ: انْقَطَعَ الدَّمُ، أَوْ لَا، فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ النَّهْرِ (قَوْلُهُ: احْتِيَاطًا) رَاجِعٌ لِلْكُلِّ لِأَنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ مَشْكُوكٌ فِي طَهُورِيَّتِهِ، فَإِذَا اغْتَسَلَتْ بِهِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ فَالِاحْتِيَاطُ انْقِطَاعُ الرَّجْعَةِ - لِاحْتِمَالِ تَطْهِيرِهِ -، وَعَدَمُ الصَّلَاةِ وَالتَّزَوُّجِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ يَمْضِيَ جَمِيعُ وَقْتِ الصَّلَاةِ) الْمُرَادُ خُرُوجُ الْوَقْتِ بِتَمَامِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الِانْقِطَاعُ قَبْلَهُ فِي وَقْتٍ مُهْمَلٍ كَوَقْتِ الشُّرُوقِ، أَوْ فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ احْتِرَازٌ عَنْ مُضِيِّ زَمَنٍ مِنْهُ يَسَعُ الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ بِتَمَامِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ تَصِيرَ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا، وَلِهَذَا لَوْ طَهُرَتْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَا يَسَعُ الْغُسْلَ وَالتَّحْرِيمَةَ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ الَّذِي بَعْدَهُ لِأَنَّهَا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ لَمْ تَصِرْ الصَّلَاةُ دَيْنًا بِذِمَّتِهَا لِعَدَمِ قُدْرَتِهَا فِيهِ عَلَى الْأَدَاءِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَاوَدَهَا إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنَّمَا شُرِطَ فِي الْأَقَلِّ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ عَوْدَ الدَّمِ لِبَقَاءِ الْمُدَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَتَقَوَّى الِانْقِطَاعُ بِحَقِيقَةِ الِاغْتِسَالِ، أَوْ بِلُزُومِ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ، فَخَرَجَتْ الْكِتَابِيَّةُ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَقَّعُ فِي حَقِّهَا أَمَارَةٌ زَائِدَةٌ فَاكْتُفِيَ بِالِانْقِطَاعِ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَاطِعَ لِلرَّجْعَةِ الِانْقِطَاعُ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ غَيْرَ مُحَقَّقٍ اُشْتُرِطَ مَعَهُ مَا يُحَقِّقُهُ فَأَفَادَ أَنَّهَا لَوْ اغْتَسَلَتْ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ وَلَمْ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ كَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الرَّجْعَةَ لَمْ تَنْقَطِعْ بِالْغُسْلِ، وَلَوْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ لِلْأَقَلِّ قَبْلَ الْغُسْلِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 فِي الْأَصَحِّ، وَفِي الْكِتَابِيَّةِ بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ مُلْتَقًى لِعَدَمِ خِطَابِهَا. قُلْت: وَمُفَادُهُ أَنَّ الْمَجْنُونَةَ وَالْمَعْتُوهَةَ كَذَلِكَ. (وَلَوْ اغْتَسَلَتْ وَنَسِيَتْ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ تَنْقَطِعُ) لِتَسَارُعِ الْجَفَافِ، فَلَوْ تَيَقَّنَتْ عَدَمَ الْوُصُولِ، أَوْ تَرَكَتْهُ عَمْدًا لَا تَنْقَطِعُ. (وَلَوْ) نَسِيَتْ (عُضْوًا لَا) تَنْقَطِعُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ كَالْأَقَلِّ   [رد المحتار] وَمُضِيِّ الْوَقْتِ تَبَيَّنَ صِحَّةُ النِّكَاحِ، هَكَذَا أَفَادَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثًا، وَهُوَ وَإِنْ خَالَفَ ظَاهِرَ الْمُتُونِ لَكِنَّ الْمَعْنَى يُسَاعِدُهُ وَالْقَوَاعِدَ لَا تَأْبَاهُ اهـ أَيْ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُتُونِ تُفِيدُ أَنَّ الْقَاطِعَ لِلرَّجْعَةِ هُوَ الِاغْتِسَالُ، أَوْ مُضِيُّ الْوَقْتِ لَا نَفْسُ الِانْقِطَاعِ: أَيْ انْقِطَاعِ الدَّمِ، فَلَوْ انْقَطَعَ ثُمَّ اغْتَسَلَتْ، أَوْ مَضَى الْوَقْتُ ثُمَّ رَاجَعَهَا، أَوْ تَزَوَّجَتْ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ وَلَمْ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ فَظَاهِرُ الْمُتُونِ صِحَّةُ التَّزَوُّجِ دُونَ الْمُرَاجَعَةِ، وَلَوْ انْقَطَعَ وَلَمْ يُعَاوِدْهَا فَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ وَمُضِيِّ الْوَقْتِ لَمْ يَصِحَّ التَّزَوُّجُ وَبَقِيَتْ الرَّجْعَةُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا خِلَافُ مَا بَحَثَهُ فِي الْفَتْحِ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي النَّهْرِ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ مُرَادَهُمْ بِالِانْقِطَاعِ لِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ الِانْقِطَاعُ حَقِيقَةً بِأَنْ لَا يَكُونَ مَعَهُ مُعَاوَدَةٌ لِأَنَّهُ إذَا عَاوَدَهَا وَلَمْ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ تَبَيَّنَ أَنَّ غُسْلَهَا لَمْ يَصِحَّ وَأَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تَصِرْ دَيْنًا بِذِمَّتِهَا فَبَقِيَتْ الرَّجْعَةُ وَلَمْ يَصِحَّ تَزَوُّجُهَا، لَكِنْ تَبْقَى الْمُخَالَفَةُ فِيمَا لَوْ رَاجَعَهَا، أَوْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ الْغُسْلِ وَمُضِيِّ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُعَاوِدْهَا الدَّمُ أَصْلًا، فَإِنَّ مُقْتَضَى الْمُتُونِ صِحَّةُ الرَّجْعَةِ دُونَ التَّزَوُّجِ، وَهَذَا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ فَمُخَالَفَتُهُ بِمُجَرَّدِ الْبَحْثِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ. وَإِذَا كَانَ الِانْقِطَاعُ هُوَ نَفْسُهُ لِلرَّجْعَةِ فَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يَكُونَ مَشْرُوطًا بِشَرْطٍ يُقَوِّيهِ، وَهُوَ حُكْمُ الشَّرْعِ عَلَيْهَا بِأَخْذِ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ لِأَنَّهَا إذَا اغْتَسَلَتْ يُجَوِّزُ لَهَا الشَّرْعُ الْقِرَاءَةَ وَالطَّوَافَ وَنَحْوَهُمَا، وَكَذَا إذَا حُكِمَ عَلَيْهَا بِصَيْرُورَةِ الصَّلَاةِ دَيْنًا بِذِمَّتِهَا، فَإِنَّ الْقِيَاسَ بَقَاءُ حَيْضِهَا مَا دَامَتْ مُدَّةً يَعُودُ فِيهَا الدَّمُ، فَإِذَا حَكَمَ الشَّرْعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ يَكُونُ حُكْمًا مِنْهُ بِارْتِفَاعِ الْحَيْضِ مَا لَمْ يُتَيَقَّنْ عَدَمُهُ بِالْعَوْدِ فِي الْمُدَّةِ، فَإِذَا عَادَ زَالَ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ وَإِلَّا بَقِيَ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَعْمَلُ الِانْقِطَاعُ عَمَلَهُ مِنْ انْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ وَصِحَّةِ التَّزَوُّجِ إلَّا بِهَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ الْمُسْتَمِرُّ، فَإِذَا زَالَ بِعَوْدِ الدَّمِ بَطَلَ عَمَلُهُ، وَإِنْ بَقِيَ الْحُكْمُ بَقِيَ الْعَمَلُ، وَعَنْ هَذَا - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -. اقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى بَعْضِ الْبَحْثِ الْمَذْكُورِ الَّذِي يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَيْهِ وَتَرَكَ مِنْهُ مَا لَا يُمْكِنُ (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) نَقَلَ تَصْحِيحَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَكَذَا فِي التَّبْيِينِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ، لَكِنْ نَقَلَ فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْفَتَاوَى تَصْحِيحَ انْقِطَاعِهَا بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ، وَلَوْ مَسَّتْ الْمُصْحَفَ، أَوْ قَرَأَتْ الْقُرْآنَ، أَوْ دَخَلَتْ الْمَسْجِدَ، قَالَ الْكَرْخِيُّ تَنْقَطِعُ، وَقَالَ الرَّازِيّ لَا، كَذَا فِي الْفَتْحِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. قَالَ فِي النَّهْرِ وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِالصَّلَاةِ يُومِئُ إلَى مُدَّةِ اخْتِيَارِ قَوْلِ الرَّازِيّ وَهَذِهِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَنْقَطِعُ بِمُجَرَّدِ التَّيَمُّمِ. وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ: بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ) أَيْ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى غُسْلٍ، أَوْ مُضِيِّ وَقْتٍ، أَوْ تَيَمُّمٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ لِعَدَمِ خِطَابِهَا بِالْأَدَاءِ حَالَةَ الْكُفْرِ (قَوْلُهُ: قُلْت: وَمُفَادُهُ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَنَسِيَتْ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ) كَالْأُصْبُعِ وَالْأُصْبُعَيْنِ وَبَعْضِ الْعَضُدِ وَالسَّاعِدِ بَحْرٌ، وَالْمُرَادُ بِالنِّسْيَانِ الشَّكُّ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا وَجَدَتْ بَعْضَ الْعُضْوِ جَافًّا وَلَمْ تَدْرِ هَلْ أَصَابَهُ مَاءٌ، أَوْ لَا بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ وَطَّ (قَوْلُهُ: تَنْقَطِعُ) أَيْ الرَّجْعَةُ، وَقَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا قُرْبَانُهَا وَلَا يَحِلُّ تَزَوُّجُهَا بِآخَرَ مَا لَمْ تَغْسِلْ تِلْكَ اللُّمْعَةَ، أَوْ يَمْضِي عَلَيْهَا أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاغْتِسَالِ بَحْرٌ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ: أَيْ احْتِيَاطًا فِي أَمْرِ الْفُرُوجِ نَهْرٌ فَلِذَا لَمْ يَعْتَبِرُوا هُنَا مَا اعْتَبَرُوهُ فِي الطَّهَارَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا شَكَّ قَبْلَ الْفَرَاغِ غَسَلَ مَا شَكَّ فِيهِ، وَلَوْ بَعْدَهُ لَا يُعْتَبَرُ، فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لِتَسَارُعِ الْجَفَافِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ فِيمَا إذَا حَصَلَ الشَّكُّ قَبْلَ ذَهَابِ الْبَلَّةِ، فَلَوْ شَكَّتْ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ ذَهَبَتْ فِيهَا الْبَلَّةُ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ سَوَاءٌ حَصَلَ الشَّكُّ فِي عُضْوٍ تَامٍّ، أَوْ أَقَلَّ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْعِلَّةِ هُنَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَسِيَتْ عُضْوًا) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 لِأَنَّهُمَا عُضْوٌ وَاحِدٌ عَلَى الصَّحِيحِ بَهْنَسِيٌّ. (طَلَّقَ حَامِلًا مُنْكِرًا وَطْأَهَا فَرَاجَعَهَا) قَبْلَ الْوَضْعِ (فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ وَلِسِتَّةِ أَشْهُرٍ (فَصَاعِدًا) مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ (صَحَّتْ) رَجْعَتُهُ السَّابِقَةُ، وَتَوَقُّفُ ظُهُورِ صِحَّتِهَا عَلَى الْوَضْعِ لَا يُنَافِي صِحَّتَهَا قَبْلَهُ، فَلَا مُسَامَحَةَ فِي كَلَامِ الْوِقَايَةِ.   [رد المحتار] كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا عُضْوٌ وَاحِدٌ) أَيْ بِمَنْزِلَتِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا دُونَ الْعُضْوِ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ تَرْكُ كُلٍّ بِانْفِرَادِهِ كَتَرْكِ عُضْوٍ، وَأَشَارَ إلَى تَصْحِيحِ الْأَوَّلِ فِي الْمُلْتَقَى حَيْثُ قَدَّمَهُ، وَفِي الْهِدَايَةِ حَيْثُ أَخَّرَهُ مَعَ تَعْلِيلِهِ بِأَنَّ فِي فَرْضِيَّتِهِ اخْتِلَافًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ. (قَوْلُهُ: طَلَّقَ حَامِلًا) أَيْ مَنْ ظَهَرَ كَوْنُهَا حَامِلًا وَقْتَ الطَّلَاقِ بِوِلَادَتِهَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ: فَرَاجَعَهَا قَبْلَ الْوَضْعِ) هَذَا زَادَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ كَمَا يَأْتِي لِأَنَّهُ بَعْدَ الْوَضْعِ لَا مُرَاجَعَةَ (قَوْلُهُ: فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ) كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَلِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ، وَهَذِهِ هِيَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ الْوَلَدَ عَلِقَ بَعْدَ النِّكَاحِ قَبْلَ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ: صَحَّتْ رَجْعَتُهُ السَّابِقَةُ) أَيْ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ فَرَاجَعَهَا قَبْلَ الْوَضْعِ، أَيْ ظَهَرَ بِهَذِهِ الْوِلَادَةِ أَنَّ تِلْكَ الرَّجْعَةَ كَانَتْ صَحِيحَةً وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى إنْكَارِهِ الْوَطْءَ أَنَّهَا تَصِحُّ لِأَنَّهَا عَلَى زَعْمِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ وَالْمُطَلَّقَةُ قَبْلَهُ لَا رَجْعَةَ لَهَا، لَكِنْ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا فَصَحَّتْ رَجْعَتُهُ. مَطْلَبٌ فِيمَا قِيلَ إنَّ الْحَبَلَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْوِلَادَةِ (قَوْلُهُ: وَتَوَقُّفُ ظُهُورِ صِحَّتِهَا إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ فِي الْوِقَايَةِ طَلَّقَ ذَاتَ حَمْلٍ، أَوْ وَلَدٍ وَقَالَ: " لَمْ أَطَأْ ": رَاجَعَ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا. وَاعْتَرَضَهُمْ الْمُحَقِّقُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِأَنَّ ذَاتَ الْحَمْلِ فِيهَا إشْكَالٌ وَذَلِكَ أَنَّ وُجُودَ الْحَمْلِ وَقْتَ الطَّلَاقِ إنَّمَا يُعْرَفُ إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِهِ، وَإِذَا وَلَدَتْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَكَيْفَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ. وَلَا يَرِدُ أَنَّهُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ قَبْلَ وَضْعِ الْحَمْلِ أَيْ بِأَنْ يُحْكَمَ بِصِحَّتِهَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ الْوَطْءَ لَمْ يَكُنْ مُكَذَّبًا شَرْعًا إلَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا قَبْلَهَا، فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: وَمَنْ طَلَّقَ حَامِلًا مُنْكِرًا وَطْأَهَا فَرَاجَعَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ اهـ مُلَخَّصًا، وَقَدْ تَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَتْنِهِ كَمَا رَأَيْت، وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى الْجَوَابِ عَنْ الْوِقَايَةِ بِأَنَّ قَوْلَهُ رَاجَعَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ رَاجَعَ قَبْلَ الْوِلَادَةِ صَحَّتْ رَجْعَتُهُ مُتَوَقِّفَةً عَلَى الْوِلَادَةِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَتَوَقُّفُ ظُهُورِ صِحَّتِهَا عَلَى الْوِلَادَةِ لَا يُنَافِي صِحَّتَهَا لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْبُعْدِ، لَكِنْ انْتَصَرَ فِي الْبَحْرِ لِلْمَشَايِخِ، وَرَدَّ قَوْلَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ وُجُودَ الْحَمْلِ إلَخْ بِأَنَّ الْحَمْلَ يَثْبُتُ قَبْلَ الْوَضْعِ وَيَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ، لِمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ أَنَّ حَمْلَ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ يَثْبُتُ بِظُهُورِهِ قَبْلَ الْوَضْعِ، وَفِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالْحَبَلِ الظَّاهِرِ اهـ أَيْ وَإِذَا كَانَ الْحَمْلُ يَثْبُتُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الرَّجْعَةِ قَبْلَهَا. وَرَدَّهُ أَيْضًا يَعْقُوبُ بَاشَا فِي حَوَاشِيهِ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ سَيَجِيءُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ أَنَّهُ لَوْ رَاجَعَهَا ثُمَّ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ عَامَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُ. قَالَ: فَعُلِمَ أَنَّ الْحَمْلَ يُعْرَفُ بِالْوِلَادَةِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. اهـ. وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ. أَقُولُ: وَقَدْ أَجَابَ عَنْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ حَيْثُ قَالَ: إنَّ كَلَامَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ تَحْقِيقٌ بِالْقَبُولِ حَقِيقٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] وَقَوْلُ مَنْ رَدَّهُ بِأَنَّ الْحَمْلَ يَثْبُتُ قَبْلَ الْوَضْعِ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِهِ قَبْلَهُ مَرْدُودٌ. أَمَّا مَا اُسْتُدِلَّ بِهِ فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ فَرِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُرَدُّ بِشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ بِالْعَيْبِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ إنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا لِلْخُصُومَةِ لَا لِلرَّدِّ، وَأَمَّا مَا فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ قَوْلِهِمْ الْحَبَلُ الظَّاهِرُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِالْفِرَاشِ وَالْوِلَادَةِ بِقَوْلِ الْمَرْأَةِ، وَالْخِلَافُ هُنَاكَ مَعْرُوفٌ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ إذَا جَحَدَ الزَّوْجُ وِلَادَةَ الْمُعْتَدَّةِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا فَيَثْبُتَ مَعَهُ بِشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ وَهِيَ الْقَابِلَةُ، فَلَيْسَ فِي هَذَا أَنَّ الْحَبَلَ يَثْبُتُ وَإِنَّمَا ظُهُورُهُ يُؤَيِّدُ شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ. وَأَمَّا ثُبُوتُهُ فَمُتَوَقِّفٌ عَلَى الْوِلَادَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ فِيمَا لَوْ قَالَ إنْ حَبِلْتِ فَطَالِقٌ، فَقَالَ: لَوْ وَطِئَهَا مَرَّةً فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا، ثُمَّ قَالَ: إنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِالْوَلَدِ، فَلَمْ يُثْبِتْهُ إلَّا بِالْوِلَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ، وَظُهُورُهُ لَا يُسَمَّى ثُبُوتًا وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الثُّبُوتِ. اهـ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الَّذِي حَرَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ هُنَاكَ أَنَّ الْوِلَادَةَ تَثْبُتُ بِقَوْلِ الْمَرْأَةِ وَلَدْتُ إذَا كَانَ هُنَاكَ حَبَلٌ ظَاهِرٌ، أَوْ فِرَاشٌ قَائِمٌ أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ الزَّوْجِ بِظُهُورِ الْحَبَلِ، حَتَّى لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا يَقَعُ بِقَوْلِهَا وَلَدْتُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَشَهَادَةُ الْقَابِلَةِ شَرْطٌ عِنْدَهُ لِتَعْيِينِ الْوَلَدِ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَثْبُتُ الْوِلَادَةُ إلَّا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْوِلَادَةَ تَثْبُتُ بِظُهُورِ الْحَبَلِ عِنْدَهُ، وَقَدْ قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ هُنَاكَ: إنَّ الْمُرَادَ بِظُهُورِهِ أَنْ تَظْهَرَ أَمَارَاتُهُ بِحَيْثُ يَغْلِبُ ظَنُّ كُلِّ مَنْ شَاهَدَهَا بِكَوْنِهَا حَامِلًا، نَعَمْ يُعْتَبَرُ ظُهُورُهُ حَيْثُ لَمْ يُعَارِضْهُ غَيْرُهُ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ إقْرَارَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَطَأْ يُنَافِي صِحَّةَ رَجْعَتِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ بِأَنْ تَلِدَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ أَخْبَرَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ ادَّعَتْ الْحَبَلَ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا إلَى ظُهُورِ الْحَبَلِ وَإِنَّمَا نَظَرُوا إلَى وِلَادَتِهَا، فَإِذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِخْبَارِ ثَبَتَ النَّسَبُ لِلتَّيَقُّنِ بِكَذِبِهَا، وَلَوْ لِأَكْثَرَ فَلَا لِلتَّنَاقُضِ، فَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى ظُهُورِ الْحَبَلِ عِنْدَ التَّنَاقُضِ، وَإِنَّمَا نَظَرُوا إلَى مَا يَظْهَرُ بِهِ كَذِبُ الْإِخْبَارِ الْأَوَّلِ يَقِينًا، فَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْوَجْهِ الثَّانِي فَهُوَ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ مَفْرُوضٌ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِالْخَلْوَةِ بِهَا، وَالطَّلَاقَ بَعْدَ الْخَلْوَةِ مُوجِبٌ لِلْعِدَّةِ، وَمُعْتَدَّةُ الرَّجْعِيِّ إذَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ، لَكِنْ إنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ كَانَتْ الْوِلَادَةُ رَجْعَةً وَإِلَّا لَا لِجَوَازِ عُلُوقِهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْعِدَّةِ، فَإِذَا ثَبَتَ نَسَبُهُ وَكَانَ قَدْ رَاجَعَهَا بِالْقَوْلِ مَثَلًا تَبَيَّنَ صِحَّةُ تِلْكَ الرَّجْعَةِ بِالْوِلَادَةِ لِأَقَلَّ مِنْ عَامَيْنِ، أَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ بِالْخَلْوَةِ لِتَلْزَمَهَا الْعِدَّةُ فَإِذَا طَلَّقَهَا يَكُونُ طَلَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ ظَاهِرًا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، فَإِذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ تَبَيَّنَ أَنَّ الطَّلَاقَ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ، فَإِذَا كَانَ قَدْ رَاجَعَهَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ تَبَيَّنَ صِحَّةُ الرَّجْعَةِ لِأَنَّهَا فِي الْعِدَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَنَّ الرَّجْعَةَ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ، لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، فَإِنَّ نَسَبَ وَلَدِهَا لَا يَثْبُتُ مِنْ الزَّوْجِ إلَّا إذَا عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُ مِنْهُ بِأَنْ تَجِيءَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي تَوَقُّفِ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ، وَأَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ فِي مَسْأَلَتِنَا إلَّا بِالْوِلَادَةِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهَا عَلِقَتْ بِهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ لِأَنَّهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 (كَمَا) صَحَّتْ (لَوْ طَلَّقَ مَنْ وَلَدَتْ قَبْلَ الطَّلَاقِ) فَلَوْ وَلَدَتْ بَعْدَهُ فَلَا رَجْعَةَ لِمُضِيِّ الْمُدَّةِ (مُنْكِرًا وَطْأَهَا) لِأَنَّ الشَّرْعَ كَذَّبَهُ بِجَعْلِ الْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ، فَبَطَلَ زَعْمُهُ حَيْثُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِإِقْرَارِهِ حَقُّ الْغَيْرِ (وَلَوْ خَلَا بِهَا ثُمَّ أَنْكَرَهُ) أَيْ الْوَطْءَ (ثُمَّ طَلَّقَهَا لَا) يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُكَذِّبْهُ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ وَأَنْكَرَتْهُ فَلَهُ الرَّجْعَةُ وَلَوْ لَمْ يَخْلُ بِهَا فَلَا رَجْعَةَ لَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهَا وَلْوَالِجِيَّةٌ. (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَرَاجَعَهَا) وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا (فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ حَوْلَيْنِ) مِنْ حِينِ الطَّلَاقِ (صَحَّتْ) رَجْعَتُهُ السَّابِقَةُ لِصَيْرُورَتِهِ مُكَذَّبًا كَمَا مَرَّ. (وَلَوْ قَالَ: إنْ وَلَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ) فَطَلُقَتْ فَاعْتَدَّتْ (ثُمَّ) وَلَدَتْ (آخَرَ بِبَطْنَيْنِ) يَعْنِي بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ امْتِدَادَ الطُّهْرِ لَا غَايَةَ لَهُ إلَّا الْيَأْسُ (فَهُوَ) أَيْ الْوَلَدُ الثَّانِي (رَجْعَةٌ) إذْ يُجْعَلُ الْعُلُوقُ بِوَطْءٍ حَادِثٍ فِي الْعِدَّةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَا بِبَطْنٍ وَاحِدٍ. (وَفِي كُلَّمَا وَلَدْتِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ -   [رد المحتار] مَفْرُوضَةٌ فِي الْمُخْتَلَى بِهَا الْوَاجِبِ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَتَصِحُّ رَجْعَتُهَا وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَقَامِ الَّذِي زَلَّتْ فِيهِ الْأَفْهَامُ وَالسَّلَامُ، فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: مَنْ وَلَدَتْ قَبْلَ الطَّلَاقِ) أَيْ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِإِقْرَارِهِ حَقُّ الْغَيْرِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يَرِدُ مَا أَوْرَدَهُ فِي الْكَافِي بِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِعَبْدٍ لِآخَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مِنْهُ ثُمَّ وَصَلَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَإِنْ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا لِكَوْنِهِ تَعَلَّقَ بِإِقْرَارِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الرَّجْعَةِ اهـ ح (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُكَذِّبْهُ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ إلَّا فِي عِدَّةِ الدُّخُولِ: أَيْ الْوَطْءِ لَا فِي عِدَّةِ الْخَلْوَةِ وَهُوَ قَدْ أَنْكَرَ الْوَطْءَ فَيُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَالرَّجْعَةُ حَقُّهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ الشَّرْعُ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ وَمَا يَأْتِي فَإِنَّهُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا. وَلَا يَرِدُ أَنَّهُ بِالْخَلْوَةِ يَتَأَكَّدُ الْمَهْرُ وَتَجِبُ الْعِدَّةُ لِأَنَّ تَأَكُّدَ الْمَهْرِ يُبْتَنَى عَلَى تَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ وَالْعِدَّةُ تَجِبُ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ الْوَطْءِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ إثْبَاتُ الْوَطْءِ فَلَمْ يَكُنْ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِإِنْكَارِهِ، كَذَا يُفَادُ مِنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: فَلَهُ الرَّجْعَةُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ فَإِنَّ الْخَلْوَةَ دَلَالَةُ الدُّخُولِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا) يَعْنِي اخْتَلَى بِهَا وَأَنْكَرَ وَطْأَهَا (قَوْلُهُ: صَحَّتْ رَجْعَتُهُ) أَيْ ظَهَرَ صِحَّتُهَا (قَوْلُهُ: لِصَيْرُورَتِهِ مُكَذَّبًا) أَيْ فِي قَوْلِهِ لَمْ أُجَامِعْهَا لِأَنَّهُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ نَزَلَ وَاطِئًا قَبْلَ الطَّلَاقِ لَا بَعْدَهُ وَإِنْ أَنْكَرَ لِأَنَّ تَكْذِيبَهُ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الزِّنَا نَهْرٌ، وَقَدَّمْنَا تَحْقِيقَ الْمَسْأَلَةِ. (قَوْلُهُ: فَاعْتَدَّتْ) أَيْ دَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْبَحْرِ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مَضَتْ عِدَّتُهَا حَتَّى يُقَالَ: إنَّ الصَّوَابَ حَذْفُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: بِبَطْنَيْنِ) حَالٌ مِنْ مَفْعُولِ " وَلَدَتْ " الْأَوَّلِ وَ " وَلَدَتْ " الثَّانِي لَا مُتَعَلِّقٌ بِوَلَدَتْ (قَوْلُهُ: يَعْنِي بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ بِبَطْنَيْنِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ الْوِلَادَتَيْنِ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ تَعَيَّنَ كَوْنُ الثَّانِي مَوْجُودًا قَبْلَ وِلَادَةِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ قَدْ اجْتَمَعَا فِي بَطْنٍ، فَلَا تَكُونُ وِلَادَةُ الثَّانِي رَجْعَةً لِأَنَّهُ عَلِقَ قَبْلَ الطَّلَاقِ يَقِينًا (قَوْلُهُ: فَهُوَ رَجْعَةٌ) أَيْ الْوَطْءُ - الَّذِي كَانَ الْوَلَدُ مِنْهُ - رَجْعَةٌ وَأَسْنَدَهَا إلَيْهِ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَمْ يُعْلَمْ إلَّا بِهِ (قَوْلُهُ: بِوَطْءٍ حَادِثٍ) أَيْ بَعْدَ الطَّلَاقِ فِي الْعِدَّةِ فَيَصِيرُ بِهِ مُرَاجِعًا حَمْلًا لِحَالِهِمَا عَلَى الصَّلَاحِ حَيْثُ لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، كَمَا إذَا طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا فَوَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِوَطْءٍ حَادِثٍ أَلْبَتَّةَ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رَجْعَةً لِاحْتِمَالِ عُلُوقِهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ سَاقِطٌ هُنَا لِأَنَّهُمَا مَتَى كَانَا مِنْ بَطْنَيْنِ كَانَ الثَّانِي مِنْ وَطْءٍ حَادِثٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ أَلْبَتَّةَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ مِنْ دَعْوَى الْمُخَالَفَةِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ إلَخْ) قَدْ عَلِمْتَ وَجْهَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 (فَوَلَدَتْ ثَلَاثَ بُطُونٍ تَقَعُ الثَّلَاثُ وَالْوَلَدُ الثَّانِي رَجْعَةٌ) فِي الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ كَمَا مَرَّ وَتَطْلُقُ بِهِ ثَانِيًا (كَالْوَلَدِ الثَّالِثِ) فَإِنَّهُ رَجْعَةٌ فِي الثَّانِي وَتَطْلُقُ بِهِ ثَلَاثًا عَمَلًا بِكُلَّمَا (وَتَعْتَدُّ) الطَّلَاقَ الثَّالِثَ (بِالْحَيْضِ) لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ مَا لَمْ تَدْخُلْ فِي سِنِّ الْيَأْسِ فَبِالْأَشْهُرِ وَلَوْ كَانُوا بِبَطْنٍ يَقَعُ ثِنْتَانِ بِالْأَوَّلَيْنِ لَا بِالثَّالِثِ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِهِ فَتْحٌ. (وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ تَتَزَيَّنُ) وَيَحْرُمُ ذَلِكَ فِي الْبَائِنِ وَالْوَفَاةِ (لِزَوْجِهَا) الْحَاضِرِ لَا الْغَائِبِ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ (إذَا كَانَتْ) الرَّجْعَةُ (مَرْجُوَّةً) وَإِلَّا فَلَا تَفْعَلُ، ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ (وَلَا يُخْرِجُهَا مِنْ بَيْتِهَا) وَلَوْ لِمَا دُونَ السَّفَرِ لِلنَّهْيِ الْمُطْلَقِ (مَا لَمْ يُشْهِدْ عَلَى رَجْعَتِهَا) فَتَبْطُلُ الْعِدَّةُ، وَهَذَا إذَا صَرَّحَ بِعَدَمِ رَجْعَتِهَا، فَلَوْ لَمْ يُصَرِّحْ كَانَ السَّفَرُ رَجْعَةً دَلَالَةً فَتْحٌ بَحْثًا وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ.   [رد المحتار] آنِفًا. (قَوْلُهُ: ثَلَاثَ بُطُونٍ) بِأَنْ كَانَ بَيْنَ كُلِّ وِلَادَتَيْنِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ جَعْلِ الْعُلُوقِ بِوَطْءٍ حَادِثٍ فِي الْعِدَّةِ. لَا يُقَالُ: فِيهِ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ فِي النِّفَاسِ، وَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّ النِّفَاسَ لَيْسَ لِأَقَلِّهِ عَدَدٌ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا تَرَى دَمًا أَصْلًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ: ثَلَاثًا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ ثَالِثًا لِيُوَافِقَ قَوْلَهُ " ثَانِيًا " (قَوْلُهُ: عَمَلًا بِكُلَّمَا) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ " وَتَطْلُقُ " فِي الْمَوْضِعَيْنِ: أَيْ فَإِنَّ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ لِأَنَّهَا لِعُمُومِ الْأَفْعَالِ (قَوْلُهُ: فَبِالْأَشْهُرِ) أَيْ فَتَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ، وَيَبْطُلُ مَا مَضَى مِنْ الْحَيْضِ إنْ وُجِدَ مِنْهُ شَيْءٌ ط (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانُوا بِبَطْنٍ) بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ: لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِهِ) فَيَكُونُ وَقْتُ الشَّرْطِ - وَهُوَ الْوِلَادَةُ - قَارَنَ وَقْتَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ. قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى إلَّا أَنْ تَجِيءَ بِرَابِعٍ أَيْ فَتَطْلُقُ بِالثَّالِثِ، وَلَوْ لَمْ تَلِدْ الثَّالِثَ لَا تَطْلُقُ بِالثَّانِي، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلَانِ فِي بَطْنٍ وَالثَّالِثُ فِي بَطْنٍ تَقَعُ وَاحِدَةٌ بِالْأَوَّلِ وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِالثَّانِي وَلَا يَقَعُ شَيْءٌ بِالثَّالِثِ، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ فِي بَطْنٍ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ فِي بَطْنٍ تَقَعُ ثِنْتَانِ بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِالثَّالِثِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ تَتَزَيَّنُ) لِأَنَّهَا حَلَالٌ لِلزَّوْجِ لِقِيَامِ نِكَاحِهَا وَالرَّجْعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ وَالتَّزَيُّنُ حَامِلٌ عَلَيْهَا فَيَكُونُ مَشْرُوعًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ ذَلِكَ فِي الْبَائِنِ وَالْوَفَاةِ) أَمَّا فِي الْبَائِنِ فَلِحُرْمَةِ النَّظَرِ إلَيْهَا وَعَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ الرَّجْعَةِ، وَأَمَّا فِي الْوَفَاةِ فَلِوُجُوبِ الْإِحْدَادِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: لِفَقْدِ الْعِلَّةِ) وَهِيَ الْحَمْلُ عَلَى الْمُرَاجَعَةِ ط (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُرَاجِعُهَا لِشِدَّةِ بُغْضِهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: ذَكَرَ مِسْكِينٌ) أَيْ ذَكَرَ قَوْلَهُ إذَا كَانَتْ الرَّجْعَةُ مَرْجُوَّةً إلَخْ أَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لِلنَّهْيِ الْمُطْلَقِ) أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] نَزَلَ فِي الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيَّةً وَالنَّهْيُ عَنْ الْإِخْرَاجِ مُطْلَقٌ شَامِلٌ لِمَا دُونَ سَفَرٍ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُشْهِدْ عَلَى رَجْعَتِهَا) لَعَلَّ الْأَوْلَى مَا لَمْ يُرَاجِعْهَا لِأَنَّ الْإِشْهَادَ مَنْدُوبٌ فَقَطْ ط أَيْ فَلَا يَحْسُنُ جَعْلُ الْإِشْهَادِ غَايَةً لِحُرْمَةِ الْإِخْرَاجِ لِأَنَّهَا تَنْتَهِي بِالرَّجْعَةِ مُطْلَقًا. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ مُقْتَضَى مَا فِي الْهِدَايَةِ قَصْرُ كَرَاهَةِ الْمُسَافَرَةِ وَالْخَلْوَةِ أَيْضًا عِنْدَ عَدَمِ قَصْدِ الْمُرَاجَعَةِ عَلَى تَقْدِيرِ مَا إذَا لَمْ يُرَاجِعْهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ أَجْنَبِيَّةً لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَعْمَلْ عَمَلَهُ. وَالْأَوْجَهُ تَحْرِيمُ السَّفَرِ مُطْلَقًا لِإِطْلَاقِ النَّصِّ فِي مَنْعِهِ دُونَ الْخَلْوَةِ لِعَدَمِ النَّصِّ فِيهَا اهـ مُلَخَّصًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: فَتَبْطُلُ الْعِدَّةُ) أَيْ فَإِنْ أَشْهَدَ فَتَبْطُلُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا إلَخْ) الْإِشَارَةُ إلَى مَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ مَا لَمْ يُشْهِدْ أَنَّ الْإِخْرَاجَ لَيْسَ رَجْعَةً، فَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الْمُرَادَ إنْ كَانَ يُصَرِّحُ بِعَدَمِ رَجْعَتِهَا، أَمَّا إذَا سَكَتَ كَانَتْ الْمُسَافَرَةُ رَجْعَةً دَلَالَةً، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْفَتْحِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْقَاضِي وَفَتَاوِيهِ وَالْبَدَائِعِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ مُعَلِّلِينَ بِأَنَّ السَّفَرَ دَلَالَةُ الرَّجْعَةِ فَانْتَفَى بِهِ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّ السَّفَرَ لَيْسَ دَلَالَةَ الرَّجْعَةِ اهـ (قَوْلُهُ: فَتْحٌ بَحْثًا) فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْفَتْحِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ بَحْثٌ مِنْهُ كَيْفَ وَهُوَ مُشَارٌ إلَيْهِ فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ. وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ: وَلِحُرْمَتِهَا أَيْ الْمُسَافَرَةِ بِهَذَا النَّصِّ لَمْ تَكُنْ رَجْعَةً قِيلَ: وَلَا دَلَالَتَهَا: أَيْ وَلَا تَكُونُ دَلَالَةَ الرَّجْعَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ يُصَرِّحُ بِعَدَمِ رَجْعَتِهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 (وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (فَلَوْ وَطِئَ لَا عُقْرَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مُبَاحٌ (لَكِنْ تُكْرَهُ الْخَلْوَةُ بِهَا) تَنْزِيهًا (إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الرَّجْعَةُ وَإِلَّا لَا) تُكْرَهُ (وَيَثْبُتُ الْقَسْمُ لَهَا إنْ كَانَ مِنْ قَصْدِهِ الْمُرَاجَعَةُ وَإِلَّا لَا) قَسْمَ لَهَا بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. قَالَ: وَصَرَّحُوا بِأَنَّ لَهُ ضَرْبَ امْرَأَتِهِ عَلَى تَرْكِ الزِّينَةِ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا. (وَيَنْكِحُ مُبَانَتَهُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا بِالْإِجْمَاعِ) وَمُنِعَ غَيْرُهُ فِيهَا لِاشْتِبَاهِ النَّسَبِ (لَا) يَنْكِحُ (مُطَلَّقَةً) مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ نَافِذٍ   [رد المحتار] وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ التَّقْبِيلَ بِشَهْوَةٍ وَنَحْوَهُ يَكُونُ نَفْسُهُ رَجْعَةً وَإِنْ نَادَى عَلَى نَفْسِهِ بِعَدَمِ الرَّجْعَةِ. وَجَوَابُهُ الْفَرْقُ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ اهـ أَيْ فَإِنَّ التَّقْبِيلَ حَلَالٌ فَيَكُونُ رَجْعَةً وَالْمُسَافَرَةَ حَرَامٌ فَلَا تَكُونُ رَجْعَةً وَلَا دَلَالَةً عَلَيْهَا مَعَ التَّصْرِيحِ بِعَدَمِهَا. فَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ مَنْقُولٌ لَا بَحْثٌ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) مَبْنَى الْخِلَافِ هُوَ أَنَّ الرَّجْعَةَ عِنْدَنَا اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ الْقَائِمِ. وَعِنْدَهُ اسْتِحْدَاثُ الْحِلِّ الزَّائِلِ، فَيَحِلُّ عِنْدَنَا لِقِيَامِ مِلْكِ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا يَزُولُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُبَاحٌ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّ الْوَطْءَ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا لِمُخَالَفَتِهِ لِلسُّنَّةِ كَمَا مَرَّ تَحْرِيرُهُ وَالْمُبَاحُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ خِطَابُ الشَّارِعِ تَخْيِيرًا بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ عَلَى السَّوَاءِ، وَالْمَكْرُوهُ - وَلَوْ تَنْزِيهًا - رَاجِحُ التَّرْكِ فَلَا يَكُونُ مُبَاحًا فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِأَنَّهُ جَائِزٌ فَإِنَّ الْجَائِزَ يُطْلَقُ عَلَى مَا لَا يَحْرُمُ شَرْعًا وَلَوْ وَاجِبًا، أَوْ مَكْرُوهًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْرِيرِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ تُكْرَهُ الْخَلْوَةُ بِهَا) الِاسْتِدْرَاكُ مُسْتَدْرَكٌ فَإِنَّ الْوَطْءَ مِثْلُهَا كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الرَّجْعَةُ) لِأَنَّ الْخَلْوَةَ رُبَّمَا أَدَّتْ إلَى الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ فَيَصِيرُ مُرَاجِعًا وَهُوَ لَا يُرِيدُهَا فَيُطَلِّقُهَا فَتَطُولُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا ط عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَيَثْبُتُ الْقَسْمُ لَهَا إلَخْ) سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْجِمَاعِ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً وَلِذَا اُسْتُحِبَّ مُرَاجَعَتُهَا بِغَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَالْقَسْمُ لِأَجْلِ الِاسْتِئْنَاسِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الْمُرَاجَعَةُ لَا يَثْبُتُ الْقَسْمُ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ مَعَ عَدَمِ قَصْدِهَا رُبَّمَا أَدَّى إلَى الْخَلْوَةِ فَيَلْزَمُ مَا مَرَّ ط. [مَطْلَبٌ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْمُبَانَةِ] (قَوْلُهُ: وَيَنْكِحُ مُبَانَتَهُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ) لَمَّا ذَكَرَ مَا يُتَدَارَكُ بِهِ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ ذَكَرَ مَا يُتَدَارَكُ بِهِ غَيْرُهُ فَتْحٌ وَلِذَا عَقَدَ لَهُ فِي الْهِدَايَةِ هُنَا فَصْلًا (قَوْلُهُ: بِالْإِجْمَاعِ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ فِي الْعِدَّةِ وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ هُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] يَعْنِي انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ عَامٌّ، فَكَيْفَ جَازَ لِلزَّوْجِ تَزَوُّجُهَا فِي الْعِدَّةِ وَالنَّصُّ بِعُمُومِهِ يَمْنَعُهُ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ خُصَّ مِنْهُ الْعِدَّةُ مِنْ الزَّوْجِ نَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: وَمُنِعَ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الزَّوْجِ فِي الْعِدَّةِ لِاشْتِبَاهِ النَّسَبِ بِالْعُلُوقِ، فَإِنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ أَنَّهُ مِنْ الْأَوَّلِ، أَوْ الثَّانِي، وَهَذَا حِكْمَةُ شَرْعِيَّةِ الْعِدَّةِ فِي الْأَصْلِ، وَالْمُرَادُ بِذِكْرِهَا هُنَا بَيَانُ عَدَمِ الْمَنْعِ مِنْ تَحْصِيصِ الزَّوْجِ بِالْإِجْمَاعِ لَا بَيَانُ عِلَّتِهِ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الصَّغِيرَةُ وَالْآيِسَةُ، وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَمُعْتَدَّةُ الصَّبِيِّ وَالْحَيْضَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ فَإِنَّهُ لَا اشْتِبَاهَ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ التَّزَوُّجُ فِي الْمُدَّةِ لِعِلَّةٍ أُخْرَى هِيَ إظْهَارُ خَطَرِ الْمَحَلِّ أَوْ هُوَ حُكْمٌ تَعَبُّدِيٌّ، وَتَمَامُ بَيَانِهِ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: لَا يَنْكِحُ مُطَلَّقَةً) تَقْدِيرُهُ لَفْظَ " يَنْكِحُ " هُوَ مُقْتَضَى الْعَطْفِ عَلَى مَا قَبْلَهُ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ وَلَا يَطَأُ بِمِلْكِ يَمِينٍ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا بِالْعَقْدِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِالْمِلْكِ كَمَا يَأْتِي، وَلَوْ قَالَ لَا تَحِلُّ كَمَا فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ لَشَمِلَ كُلًّا مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ نَافِذٍ) احْتَرَزَ بِالصَّحِيحِ عَنْ الْفَاسِدِ، وَهُوَ مَا عَدِمَ بَعْضَ شُرُوطِ الصِّحَّةِ كَكَوْنِهِ بِغَيْرِ شُهُودٍ فَإِنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ الْوَطْءِ. وَبَعْدَهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَالطَّلَاقُ فِيهِ لَا يَنْقُصُ عَدَدًا لِأَنَّهُ مُتَارَكَةٌ فَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَلَهُ تَزَوُّجُهَا بِلَا مُحَلِّلٍ كَمَا تَقَدَّمَ آخِرَ بَابِ الصَّرِيحِ، وَاحْتَرَزَ بِالنَّافِذِ عَنْ الْمَوْقُوفِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 كَمَا سَنُحَقِّقُهُ (بِهَا) أَيْ بِالثَّلَاثِ (لَوْ حُرَّةً وَثِنْتَيْنِ لَوْ أَمَةً) وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَمَا فِي الْمُشْكِلَاتِ بَاطِلٌ، أَوْ مُؤَوَّلٌ كَمَا مَرَّ (حَتَّى يَطَأَهَا غَيْرُهُ وَلَوْ) الْغَيْرُ (مُرَاهِقًا) يُجَامِعُ مِثْلُهُ، وَقَدَّرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِعَشْرِ سِنِينَ،   [رد المحتار] فَفِي نِكَاحِ الرَّقِيقِ مِنْ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ: إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ، أَوْ الْمُكَاتَبُ، أَوْ الْمُدَبَّرُ أَوْ ابْنُ أُمِّ الْوَلَدِ بِلَا إذْنِ الْمَوْلَى ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ إجَازَةِ الْمَوْلَى فَهَذَا الطَّلَاقُ مُتَارَكَةُ النِّكَاحِ لَا طَلَاقٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَتَّى لَا يَنْقُصَ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ فَإِنْ أَجَازَ الْمَوْلَى النِّكَاحَ بَعْدُ لَا تُعْمَلُ إجَازَتُهُ. وَإِنْ أَذِنَ لَهُ بِتَزَوُّجِهَا بَعْدَهُ كَرِهْتُ لَهُ تَزَوُّجَهَا وَلَمْ أُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا سَنُحَقِّقُهُ) أَيْ فِي بَابِ الْعِدَّةِ حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ: وَالْخَلْوَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ، وَالطَّلَاقُ فِيهِ لَا يَنْقُصُ عَدَدَ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ فَسْخٌ جَوْهَرَةٌ اهـ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَوْقُوفَ هُنَاكَ لِأَنَّهُ مِنْ أَقْسَامِ الْفَاسِدِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مُرَادَهُ مَا يَأْتِي قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ خَرَجَ الْفَاسِدُ وَالْمَوْقُوفُ إلَخْ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْمُحَلِّلِ لَكِنَّهُ يُفْهَمُ أَنَّهُ فِي الَّذِي طَلَّقَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَيْضًا وَلَيْسَ مُرَادُهُ الْإِشَارَةَ إلَى تَحْقِيقِ مَا يَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ فَرْعُ صِحَّتِهِ النِّكَاحُ الْأَوَّلُ إلَخْ. لِأَنَّ مُرَادَهُ بِهِ صِحَّتُهُ فِي الْمَذَاهِبِ كُلِّهَا كَمَا سَتَعْرِفُهُ، وَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَمَا فِي الْمُشْكِلَاتِ) حَيْثُ قَالَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثَلَاثًا فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِلَا تَحْلِيلٍ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا (قَوْلُهُ: بَاطِلٌ) أَيْ إنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّهُ زَلَّةٌ عَظِيمَةٌ مُصَادِمَةٌ لِلنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ رَآهُ أَنْ يَنْقُلَهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَعْتَبِرَهُ لِأَنَّ فِي نَقْلِهِ إشَاعَتَهُ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَنْفَتِحُ بَابُ الشَّيْطَانِ فِي تَخْفِيفِ الْأَمْرِ فِيهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِثْلَهُ مِمَّا لَا يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ مِنْ عَدَمِ مُخَالَفَةِ الْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ، وَالْأَمْرُ فِيهِ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ لَا يَبْعُدُ إكْفَارُ مُخَالِفِهِ. اهـ. أَقُولُ: وَإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ بِمَا ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ فِي آخِرِ الْحَاوِي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحِيَلِ فَإِنَّهُ عَقَدَ فِيهِ فَصْلًا فِي حِيلَةِ تَحْلِيلِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا، وَذَكَرَ فِيهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلتَّأْوِيلِ الْآتِي، وَذَكَرَ حِيَلًا كَثِيرَةً كُلُّهَا بَاطِلَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا يَأْتِي رَدُّهُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالْعَقْدِ بِدُونِ وَطْءٍ (قَوْلُهُ: أَوْ مُؤَوَّلٌ) أَيْ بِمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الْبُخَارِيُّ فِي شَرْحِهِ غُرَرِ الْأَذْكَارِ عَلَى دُرَرِ الْبِحَارِ وَلَا يُشْكِلُ مَا فِي الْمُشْكِلَاتِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ ثَلَاثًا ثَلَاثُ طَلَقَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ لِيُوَافِقْنَ مَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ اهـ وَقَدَّمْنَا تَأْيِيدَ هَذَا التَّأْوِيلِ بِجَوَابِ صَاحِبِ الْمُشْكِلَاتِ عَنْ الْآيَةِ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ ذُكِرَ فِيهَا مُفَرَّقًا مَعَ التَّصْرِيحِ فِيهَا بِعَدَمِ الْحِلِّ، فَأَجَابَ بِهَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي أَوَّلِ بَابِ طَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا (قَوْلُهُ: حَتَّى يَطَأَهَا غَيْرُهُ) أَيْ حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ بِمَجْبُوبٍ فَحَبِلَتْ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَشَمِلَ مَا لَوْ وَطِئَهَا حَائِضًا، أَوْ مُحْرِمَةً، وَشَمِلَ مَا لَوْ طَلَّقَهَا أَزْوَاجٌ كُلُّ زَوْجٍ ثَلَاثًا قَبْلَ الدُّخُولِ فَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ وَدَخَلَ بِهَا تَحِلُّ لِلْكُلِّ بَحْرٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ بَعْدَ مُضِيِّ عِدَّةِ الْأَوَّلِ لَوْ مَدْخُولًا بِهَا، وَسَكَتَ عَنْهُ لِظُهُورِهِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ الدُّخُولِ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الْعَقْدِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَفِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ غَيْرَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ اتَّفَقُوا عَلَى اشْتِرَاطِ الدُّخُولِ، وَفِي الزَّاهِدِيِّ أَنَّهُ ثَابِتٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ. وَفِي الْمُنْيَةِ أَنَّ سَعِيدًا رَجَعَ عَنْهُ إلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ، فَمَنْ عَمِلَ بِهِ يُسَوَّدُ وَجْهُهُ وَيُبْعَدُ، وَمَنْ أَفْتَى بِهِ يُعَزَّرُ، وَمَا نُسِبَ إلَى الصَّدْرِ الشَّهِيدِ فَلَيْسَ لَهُ أَثَرٌ فِي مُصَنَّفَاتِهِ بَلْ فِيهَا نَقِيضُهُ. وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْهُ أَنَّ مَنْ أَفْتَى بِهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ الْإِجْمَاعَ وَلَا يَنْفُذُ قَضَاءُ الْقَاضِي بِهِ وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُرَاهِقًا) هُوَ الدَّانِي مِنْ الْبُلُوغِ نَهْرٌ وَلَا بُدَّ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ لِأَنَّ طَلَاقَهُ غَيْرُ وَاقِعٍ دُرٌّ مُنْتَقًى عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ: يُجَامِعُ مِثْلُهُ) تَفْسِيرٌ لِلْمُرَاهِقِ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ، وَقِيلَ هُوَ الَّذِي تَتَحَرَّكُ آلَتُهُ وَيَشْتَهِي النِّسَاءَ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ نَهْرٌ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ حُرًّا بَالِغًا: فَإِنَّ الْإِنْزَالَ شَرْطٌ عِنْدَ مَالِكٍ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 أَوْ خَصِيًّا،، أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ ذِمِّيًّا لِذِمِّيَّةٍ (بِنِكَاحٍ) نَافِذٍ خَرَجَ الْفَاسِدُ وَالْمَوْقُوفُ، فَلَوْ نَكَحَهَا عَبْدٌ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ وَوَطِئَهَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا يُحِلُّهَا حَتَّى يَطَأَهَا بَعْدَهَا. وَمِنْ لَطِيفِ الْحِيَلِ أَنْ تُزَوَّجَ لِمَمْلُوكٍ مُرَاهِقٍ بِشَاهِدَيْنِ فَإِذَا أَوْلَجَ يُمَلِّكُهُ لَهَا فَيَبْطُلُ النِّكَاحُ ثُمَّ تَبْعَثُهُ لِبَلَدٍ آخَرَ فَلَا يَظْهَرُ أَمْرُهَا، لَكِنْ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْمُفْتَى بِهَا.   [رد المحتار] مَطْلَبٌ: مَالَ أَصْحَابُنَا إلَى بَعْضِ أَقْوَالِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضَرُورَةً فَالْأَوْلَى الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ لِأَنَّهُ كَالتِّلْمِيذِ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَلِذَا مَالَ أَصْحَابُنَا إلَى بَعْضِ أَقْوَالِهِ ضَرُورَةً كَمَا فِي دِيبَاجَةِ الْمُصَفَّى قُهُسْتَانِيٌّ. وَفِي حَاشِيَةِ الْفَتَّالِ: وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي تَأْسِيسِ النَّظَائِرِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ قَوْلٌ فِي مَسْأَلَةٍ يُرْجَعُ إلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْمَذَاهِبِ إلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ خَصِيًّا) بِفَتْحِ الْخَاءِ: وَهُوَ مَنْ قُطِعَتْ خُصْيَتَاهُ، وَإِنَّمَا جَازَ تَحْلِيلُهُ لِوُجُودِ الْآلَةِ ط (قَوْلُهُ: أَوْ مَجْنُونًا) بِنُونَيْنِ ح، وَفِي نُسْخَةٍ، أَوْ مَجْبُوبًا بِبَاءَيْنِ: وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ يُولِجُهُ فِي مَحَلِّ الْخِتَانِ، لَكِنَّ شَرْطَ تَحْلِيلِهِ أَنْ تَحْبَلَ مِنْهُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: أَوْ ذِمِّيًّا لِذِمِّيَّةٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَ التَّحْلِيلُ لِأَجْلِ زَوْجِهَا الْمُسْلِمِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: خَرَجَ الْفَاسِدُ وَالْمَوْقُوفُ) أَيْ خَرَجَا بِقَيْدِ النَّافِذِ. وَفِيهِ أَنَّ الْفَاسِدَ يُقَابِلُ الصَّحِيحَ لَا النَّافِذَ، لِأَنَّ النَّافِذَ مِنْ الْعُقُودِ مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ غَيْرِ الْعَاقِدِ فَالْبَيْعُ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ نَافِذٌ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، نَعَمْ الْمَوْقُوفُ فِيهِ طَرِيقَانِ لِلْمَشَايِخِ، قِيلَ هُوَ قِسْمٌ مِنْ الصَّحِيحِ، وَقِيلَ مِنْ الْفَاسِدِ كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ فِي الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَعَلَى الطَّرِيقِ الثَّانِي كُلُّ مَوْقُوفٍ فَاسِدٌ، وَلَا عَكْسَ لُغَوِيًّا، وَيُقَالُ أَيْضًا كُلُّ صَحِيحٍ نَافِذٌ وَلَا يَصِحُّ الْعَكْسُ عَلَى الطَّرِيقَيْنِ فَافْهَمْ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ مُتَابَعَةُ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ فِي التَّعْبِيرِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَيَخْرُجُ الْفَاسِدُ وَكَذَا الْمَوْقُوفُ عَلَى أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ النِّكَاحَ الْمُطْلَقَ هُوَ الصَّحِيحُ فَيَخْرُجُ بِهِ الْفَاسِدُ (قَوْلُهُ: وَوَطِئَهَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا يُحِلُّهَا) أَيْ وَإِنْ أَجَازَ بَعْدُ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ النِّكَاحَ الْمَشْرُوطَ بِالنَّصِّ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ لِأَنَّهَا الْمَعْهُودُ شَرْعًا بِخِلَافِ الْفَاسِدِ وَالْمَوْقُوفِ وَإِلَّا فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَوْقُوفَ يَنْعَقِدُ سَبَبًا فِي الْحَالِ وَيَتَأَخَّرُ حُكْمُهُ إلَى وَقْتِ الْإِجَازَةِ فَيَظْهَرُ بِهَا الْحِلُّ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ. [مَطْلَبٌ فِي حِيلَةُ إسْقَاطِ عِدَّةِ الْمُحَلِّلِ] مَطْلَبٌ: حِيلَةُ إسْقَاطِ عِدَّةِ الْمُحَلِّلِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ لَطِيفِ الْحِيَلِ إلَخْ) أَيْ حِيَلِ التَّحْلِيلِ عَلَى وَجْهٍ يُؤْمَنُ فِيهِ مِنْ عُلُوقِهَا مِنْهُ، وَمِنْ امْتِنَاعِهِ مِنْ طَلَاقِهَا، وَمِنْ ظُهُورِ أَمْرِ التَّحْلِيلِ بَيْنَ النَّاسِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حُرًّا بَالِغًا (قَوْلُهُ: لَكِنْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى هَذِهِ الْحِيلَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا إنَّمَا تَتِمُّ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ الْكَفَاءَةَ فِي النِّكَاحِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِلِانْعِقَادِ، أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْمُفْتَى بِهَا مِنْ أَنَّهَا شَرْطٌ فَلَا يُحِلُّهَا الرَّقِيقُ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ إنْ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ أَصْلًا، أَوْ كَانَ وَرَضِيَ فَيُحِلُّهَا اتِّفَاقًا كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْكَفَاءَةِ، وَهَذَا أَحَدُ وَجْهَيْنِ أَوْرَدَهُمَا الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ. ثَانِيهِمَا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الْمُرَاهِقَ فِيهِ خِلَافٌ، فَلَعَلَّهُ يُرْفَعُ إلَى حَاكِمٍ يَرَى مَذْهَبَ مَنْ لَا يَقُولُ بِالصِّحَّةِ فَيَفْسَخَهُ فَلَا يَحْصُلَ الْمَرَامُ. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 أَنَّهُ لَا يُحِلُّهَا لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ إنْ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ وَإِلَّا فَيُحِلُّهَا اتِّفَاقًا كَمَا مَرَّ (وَتَمْضِي عِدَّتُهُ) أَيْ الثَّانِي (لَا بِمِلْكِ يَمِينٍ) لِاشْتِرَاطِ الزَّوْجِ بِالنَّصِّ، فَلَا يُحِلُّهَا وَطْءُ الْمَوْلَى وَلَا مِلْكُ أَمَةٍ بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ، أَوْ حُرَّةٍ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَرِدَّةٌ وَسَبْيٌ وَنَظِيرُهُ مَنْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِظِهَارٍ، أَوْ لِعَانٍ ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَسُبِيَتْ ثُمَّ مَلَكَهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَدًا (وَالشَّرْطُ التَّيَقُّنُ بِوُقُوعِ الْوَطْءِ فِي الْمَحَلِّ) الْمُتَيَقَّنِ بِهِ، فَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا لَمْ تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ وَإِلَّا حَلَّتْ وَإِنْ أَفْضَاهَا بَزَّازِيَّةٌ.   [رد المحتار] قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يُحِلُّهَا) الْأَوْلَى حَذْفُ " أَنَّهُ " (قَوْلُهُ: وَتَمْضِي عِدَّتُهُ) ذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ حِيلَةٌ لِإِسْقَاطِ الْعِدَّةِ، بِأَنْ تُزَوَّجَ لِصَغِيرٍ لَمْ يَبْلُغْ عَشْرَ سِنِينَ وَيَدْخُلَ بِهَا مَعَ انْتِشَارِ آلَتِهِ وَيَحْكُمَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ شَافِعِيٌّ ثُمَّ يُطَلِّقَهَا الصَّبِيُّ وَيَحْكُمَ حَنْبَلِيٌّ بِصِحَّةِ طَلَاقِهِ وَأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا أَمَّا لَوْ بَلَغَ عَشْرًا لَزِمَتْ الْعِدَّةُ عِنْدَ الْحَنْبَلِيِّ، أَوْ يُطَلِّقَهَا وَلِيُّهُ إذَا رَأَى فِي ذَلِكَ الْمَصْلَحَةَ وَيَحْكُمَ بِهِ مَالِكِيٌّ وَبِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ بِوَطْئِهِ ثُمَّ يَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ وَيَحْكُمَ شَافِعِيٌّ بِصِحَّتِهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ بَعْدَ تَقَدُّمِ الدَّعْوَى مُسْتَوْفِيًا شَرَائِطَهُ فَتَحِلُّ لِلْأَوَّلِ. اهـ. قُلْت: وَمِنْ شُرُوطِهِ أَنْ لَا يَأْخُذَ عَلَى الْحُكْمِ مَالًا وَفِي قَوْلِهِ " وَيَحْكُمَ بِهِ مَالِكِيٌّ " مُخَالَفَةٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِنْزَالِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَكَأَنَّهُ قَوْلٌ آخَرُ (قَوْلُهُ: أَيْ الثَّانِي) أَيْ النِّكَاحِ الثَّانِي وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالزَّوْجِ الثَّانِي وَعَلَيْهِ جَرَى الزَّيْلَعِيُّ لَكِنَّهُ مَجَازٌ. قَالَ الْعَيْنِيُّ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ. وَالثَّانِي أَظْهَرُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: لَا بِمِلْكِ يَمِينٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِنِكَاحٍ نَافِذٍ (قَوْلُهُ: لِاشْتِرَاطِ الزَّوْجِ بِالنَّصِّ) أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فَإِنَّهُ جُعِلَ غَايَةً لِعَدَمِ الْحِلِّ الثَّابِتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَحِلُّ لَهُ} [البقرة: 230] فَإِذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ بَعْدَ الْعِدَّةِ وَطِئَهَا مَوْلَاهَا لَا يُحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ وَلِأَنَّ الْمَوْلَى لَيْسَ بِزَوْجٍ (قَوْلُهُ: وَلَا مِلْكُ أَمَةٍ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ " وَطْءُ الْمَوْلَى ": أَيْ لَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَهِيَ أَمَةٌ ثُمَّ مَلَكَهَا، أَوْ ثَلَاثًا وَهِيَ حُرَّةٌ فَارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ وَمَلَكَهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى يُزَوِّجَهَا فَيَدْخُلَ بِهَا الزَّوْجُ ثُمَّ يُطَلِّقَهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَمْ يَشْمَلْهَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا مَنْطُوقًا وَلَا مَفْهُومًا فَلَا يَصِحُّ تَفْرِيعُهَا عَلَى قَوْلِهِ لَا بِمِلْكِ يَمِينٍ. لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَنْكِحُهَا الْمُطَلِّقُ حَتَّى يَطَأَهَا غَيْرُهُ بِالنِّكَاحِ لَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَالْمَشْرُوطُ وَطْؤُهُ - بِالنِّكَاحِ لَا بِالْمِلْكِ - هُوَ الْغَيْرُ لَا نَفْسُ الْمُطَلِّقِ بَلْ يَصِحُّ تَفْرِيعُ الْأُولَى وَهِيَ عَدَمُ حِلِّهَا لِلْمُطَلِّقِ بِوَطْءِ الْمَوْلَى، نَعَمْ لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا مَرَّ لَا يَنْكِحُ وَلَا يَطَأُ بِمِلْكِ يَمِينٍ إلَخْ لَصَحَّ تَفْرِيعُ هَذِهِ أَيْضًا كَمَا أَفَادَهُ ح، فَيَتَعَيَّنُ جَعْلُهُ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِهِ لِاشْتِرَاطِ الزَّوْجِ بِالنَّصِّ، فَإِنَّ الزَّوْجَ الْمَشْرُوطَ بِالنَّصِّ جُعِلَ غَايَةً لِعَدَمِ الْحِلِّ كَمَا عَلِمْت، وَهُوَ شَامِلٌ لِعَدَمِ الْحِلِّ بِنِكَاحٍ، أَوْ مِلْكٍ، فَيَصِحُّ تَفْرِيعُ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَيْهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: مَنْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) أَرَادَ بِالتَّفْرِيقِ الْمَنْعُ عَنْ الْوَطْءِ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ فَيَشْمَلُ الْقَاطِعَ وَغَيْرَهُ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَا تَفْرِيقَ فِي الظِّهَارِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَدًا) أَيْ مَا لَمْ يُكَفِّرْ فِي الظِّهَارِ وَيُكَذِّبْ نَفْسَهُ أَوْ تُصَدِّقْهُ فِي اللِّعَانِ ح فَوَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الرِّدَّةَ وَاللَّحَاقَ وَالسَّبْيَ لَمْ تُبْطِلْ حُكْمَ الظِّهَارِ وَاللِّعَانِ كَمَا لَمْ تُبْطِلْ حُكْمَ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ: فِي الْمَحَلِّ الْمُتَيَقَّنِ) هُوَ مَحَلُّ غَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ مِنْ الْقُبُلِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ " وَالشَّرْطُ التَّيَقُّنُ بِوُقُوعِ الْوَطْءِ "، وَقَوْلُهُ: فَلَوْ وَطِئَ مُفْضَاةً تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَحَلِّ الْمُتَيَقَّنِ، وَكَانَ عَلَيْهِ عَطْفُهُ بِالْوَاوِ (قَوْلُهُ: لَمْ تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّ قُبُلَهَا لَا تَغِيبُ فِيهِ الْحَشَفَةُ، وَلِذَا لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ بِمُجَرَّدِ وَطْئِهَا وَلَمْ تَثْبُتْ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ حَتَّى حَلَّ لَوْ وَطِئَهَا تَزَوُّجُ بِنْتِهَا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ صَغِيرَةً يُوطَأُ مِثْلُهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْوَطْءُ فِي مَحَلِّهِ الْمُتَيَقَّنِ الْمُوجِبِ لِلْغُسْلِ كَمَا يَأْتِي وَإِنْ أَفْضَاهَا بِهَذَا الْوَطْءِ لِأَنَّ الْإِفْضَاءَ حَصَلَ بَعْدَ الْوَطْءِ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا، بِخِلَافِ الْمُفْضَاةِ قَبْلَهُ لِحُصُولِ الشَّكِّ فِي كَوْنِ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ، أَوْ فِي الدُّبُرِ، وَهَذَا الشَّكُّ حَاصِلٌ قَبْلَ الْوَطْءِ لَا بَعْدَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: بَزَّازِيَّةٌ) لَمْ أَرَ فِيهَا قَوْلَهُ وَإِنْ أَفْضَاهَا، نَعَمْ رَأَيْته فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 (فَلَوْ وَطِئَ مُفْضَاةً لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا إذَا حَبِلَتْ) لِيُعْلَمَ أَنَّ الْوَطْءَ كَانَ فِي قُبُلِهَا (كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ بِمَجْبُوبٍ) فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ حَتَّى تَحْبَلَ لِوُجُودِ الدُّخُولِ حُكْمًا حَتَّى يَثْبُتُ النَّسَبُ فَتْحٌ، فَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَطْءِ قُصُورٌ إلَّا أَنْ يُعَمَّمَ بِالْحَقِيقِيِّ وَالْحُكْمِيِّ. (وَالْإِيلَاجُ فِي مَحَلِّ الْبَكَارَةِ يُحِلُّهَا وَالْمَوْتُ عَنْهَا لَا) كَمَا فِي الْقُنْيَةِ. وَاسْتَشْكَلَهُ الْمُصَنِّفُ، وَفِي النَّهْرِ: وَكَأَنَّهُ ضَعِيفٌ لِمَا فِي التَّبْيِينِ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْإِيلَاجُ مُوجِبًا لِلْغُسْلِ وَهُوَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ بِلَا حَائِلٍ يَمْنَعُ الْحَرَارَةَ، وَكَوْنُهُ عَنْ قُوَّةِ نَفْسِهِ فَلَا يُحِلُّهَا مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا بِمُسَاعَدَةِ الْيَدِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ: إلَّا إذَا حَبِلَتْ إلَخْ) قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَقَدْ نَظَمَ الْفَقِيهُ الْأَجَلُّ سِرَاجُ الدِّينِ أَبُو بَكْرٍ عَلِيُّ بْنُ أَبِي مُوسَى الْهَامِلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَلِكَ نَظْمًا جَيِّدًا فَقَالَ: وَفِي الْمُفْضَاةِ مَسْأَلَةٌ عَجِيبَهْ ... لَدَى مَنْ لَيْسَ يَعْرِفُهَا غَرِيبَهْ إذَا حَرُمَتْ عَلَى زَوْجٍ وَحَلَّتْ ... لِثَانٍ نَالَ مِنْ وَطْءٍ نَصِيبَهْ فَطَلَّقَهَا فَلَمْ تَحْبَلْ فَلَيْسَتْ ... حَلَالًا لِلْقَدِيمِ وَلَا خَطِيبَهْ لِشَكٍّ أَنَّ ذَاكَ الْوَطْءَ مِنْهَا ... بِفَرْجٍ أَوْ شَكِيلَتِهِ الْقَرِيبَهْ فَإِنْ حَبِلَتْ فَقَدْ وُطِئَتْ بِفَرْجٍ ... وَلَمْ تَبْقَ الشُّكُوكُ لَنَا مُرِيبَهْ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ حَتَّى تَحْبَلَ إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ عَزَاهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ لِلْبَزَّازِيَّةِ. وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ هَكَذَا: فَلَا تَحِلُّ بِسَحْقِهِ حَتَّى تَحْبَلَ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي التَّجْرِيدِ لَوْ كَانَ مَجْبُوبًا لَمْ تَحِلَّ فَإِنْ حَبِلَتْ وَوَلَدَتْ حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَثْبُتُ) بِرَفْعِ " يَثْبُتُ " عَلَى أَنَّ " حَتَّى " ابْتِدَائِيَّةٌ (قَوْلُهُ: فَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَطْءِ قُصُورٌ إلَخْ) أَيْ اقْتِصَارُ الْمُتُونِ عَلَى قَوْلِهِمْ حَتَّى يَطَأَهَا غَيْرُهُ، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ. وَقَالَ الرَّحْمَتِيُّ جَعَلَهُ قُصُورًا مَعَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُتُونُ وَالشُّرُوحُ، وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ الْعُسَيْلَةِ الَّذِي بِهِ الْحُكْمُ، وَمَا تَمَسَّكَ بِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَمْ تُعْتَمَدْ فَتَرْجِيحُهَا عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ هُوَ الْقُصُورُ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ جَزَمَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا: وَكَذَا فِي الْفَتْحِ كَمَا عَلِمْت، وَنَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْغَايَةِ وَقَالَ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَهَذَا يُفِيدُ اعْتِمَادَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، نَعَمْ الْأَوْجَهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَلَا يُنَافِيهِ ثُبُوتُ النَّسَبِ فَإِنَّهُ يَعْتَمِدُ قِيَامَ الْفِرَاشِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ وَطْءٌ حَقِيقَةً، وَالتَّحْلِيلُ يَعْتَمِدُ الْوَطْءَ لَا مُجَرَّدَ الْعَقْدِ الْمُثْبِتِ لِلنَّسَبِ فَإِنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا ثُبُوتُ التَّحْلِيلِ بِتَزَوُّجِ مَشْرِقِيٍّ بِمَغْرِبِيَّةٍ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لِثُبُوتِ نَسَبِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ الْوَطْءِ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِكَوْنِ النَّسَبِ مِمَّا يُحْتَالُ لِإِثْبَاتِهِ بِمَا أَمْكَنَ وَلَوْ تَوَهُّمًا عَمَلًا بِنَصِّ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» وَإِقَامَةً لِلْعَقْدِ مَقَامَ الْوَطْءِ كَالْخَلْوَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْعِدَّةِ، أَمَّا التَّحْلِيلُ فَقَدْ شَدَّدَ الشَّرْعُ فِي ثُبُوتِهِ، وَلِذَا قَالُوا: إنَّ شَرْعِيَّتَهُ لِإِغَاظَةِ الزَّوْجِ عُومِلَ بِمَا يُبْغِضُ حِينَ عَمِلَ أَبْغَضَ مَا يُبَاحُ فَلِذَا اشْتَرَطُوا فِيهِ الْوَطْءَ الْمُوجِبَ لِلْغُسْلِ بِإِيلَاجِ الْحَشَفَةِ بِلَا حَائِلٍ فِي الْمَحَلِّ الْمُتَيَقَّنِ احْتِرَازًا عَنْ الْمُفْضَاةِ وَالصَّغِيرَةِ مِنْ بَالِغٍ، أَوْ مُرَاهِقٍ قَادِرٍ عَلَيْهِ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ لَا فَاسِدٍ وَلَا مَوْقُوفٍ وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ. (قَوْلُهُ: وَالْمَوْتُ عَنْهَا لَا) أَيْ لَوْ مَاتَ عَنْهَا قَبْلَ الْوَطْءِ لَا يُحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ الْمَوْتُ كَالدُّخُولِ فِي إيجَابِ الْعِدَّةِ وَتَقْرِيرِ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى لِأَنَّ الشَّرْطَ هُنَا الْوَطْءُ (قَوْلُهُ: وَاسْتَشْكَلَهُ الْمُصَنِّفُ) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى الْإِحْلَالِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يُحِلُّهَا، وَأَصْلُ الْإِشْكَالِ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْفَرْعِ مَعَ أَنَّهُ نَقَلَ فِي الْمُحِيطِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ أَنَّهُ لَوْ أَتَى امْرَأَةً وَهِيَ عَذْرَاءُ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُنْزِلْ لِأَنَّ الْعُذْرَةَ مَانِعَةٌ مِنْ مُوَارَاةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 إلَّا إذَا انْتَعَشَ وَعَمِلَ وَلَوْ فِي حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَإِحْرَامٍ؛ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا؛ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لِأَنَّ الشَّرْطَ الذَّوْقُ لَا الشِّبَعُ قُلْت: وَفِي الْمُجْتَبَى: الصَّوَابُ حِلُّهَا بِدُخُولِ الْحَشَفَةِ مُطْلَقًا، لَكِنْ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ لِابْنِ مَالِكٍ: لَوْ وَطِئَهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ لَا يُحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ لِعَدَمِ ذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ فِي حَالَةِ الْإِغْمَاءِ كَذَلِكَ. (وَكُرِهَ) التَّزَوُّجُ لِلثَّانِي (تَحْرِيمًا) لِحَدِيثِ «لَعْنِ الْمُحَلِّلِ وَالْمُحَلَّلِ لَهُ» (بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ) كَتَزَوَّجْتُكِ عَلَى أَنْ أُحَلِّلَكِ   [رد المحتار] الْحَشَفَةِ اهـ أَيْ وَلَا يُحِلُّهَا الْوَطْءُ الْمُوجِبُ لِلْغُسْلِ ط وَأَجَابَ الرَّحْمَتِيُّ وَالسَّائِحَانِيُّ بِحَمْلِ مَا فِي الْقُنْيَةِ عَلَى مَا إذَا أَزَالَ الْبَكَارَةَ بِقَرِينَةِ الْإِيلَاجِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بِدُونِهِ. وَفِيهِ أَنَّ عِبَارَةَ الْقُنْيَةِ هَكَذَا إذَا أَوْلَجَ إلَى مَكَانِ الْبَكَارَةِ، وَحَمْلُ " إلَى " عَلَى مَعْنَى " فِي " بَعِيدٌ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، كَيْفَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمَشَاهِيرِ كَقَوْلِ الْهِدَايَةِ وَالشَّرْطُ الْإِيلَاجُ، وَقَوْلِ الْفَتْحِ بِقَيْدِ كَوْنِهِ عَنْ قُوَّةِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ مَلْفُوفًا بِخِرْقَةٍ إذَا كَانَ يَجِدُ حَرَارَةَ الْمَحَلِّ إلَخْ مَا يَأْتِي عَنْ التَّبْيِينِ وَكَذَا مَا مَرَّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَمَسْأَلَةِ الْمُفْضَاةِ وَبَعْدَ اعْتِرَافِ الْمُصَنِّفِ بِإِشْكَالِهِ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ جَعْلُهُ مَتْنًا (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا انْتَعَشَ وَعَمِلَ) هَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي التَّبْيِينِ، نَعَمْ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ الِانْتِعَاشَ الِانْتِهَاضُ، وَالْمُرَادُ بِهِ وَبِالْعَمَلِ أَنْ يَكُونَ لَهُ نَوْعُ انْتِشَارٍ يَحْصُلُ بِهِ إيلَاجٌ كَيْ لَا يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ إدْخَالِ خِرْقَةٍ فِي الْمَحَلِّ فَإِنَّهُ رُبَّمَا لَا يَحْصُلُ بِهِ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ، وَلِذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ: بِخِلَافِ مَنْ فِي آلَتِهِ فُتُورٌ وَأَوْلَجَهَا فِيهَا حَتَّى الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي حَيْضٍ إلَخْ) الْأَوْلَى حَذْفُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ هُنَا وَذِكْرُهَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ حَتَّى يَطَأَهَا غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءً كَانَ الْإِيلَاجُ بِمُسَاعَدَةِ الْيَدِ أَوْ لَا. وَعِبَارَةُ الْمُجْتَبَى: وَقِيلَ إيلَاجُ الشَّيْخِ الْفَانِي بِيَدِهِ يُحِلُّهَا، وَقِيلَ إذَا لَمْ تَنْتَشِرْ آلَتُهُ فَأَدْخَلَهُ بِيَدِهِ، أَوْ بِيَدِهَا أَوْ كَانَ الذَّكَرُ أَشَلَّ لَا يُحِلُّهَا بِالْإِيلَاجِ، وَالصَّوَابُ حِلُّهَا لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِدُخُولِ الْحَشَفَةِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ وَابْنُ الْهُمَامِ وَصَاحِبُ النَّهْرِ كَمَا مَرَّ. وَفِيهِ أَنَّ الْحِلَّ مُعَلَّقٌ بِذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ كَمَا عَلِمْت فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ لَيْسَ مَوْضُوعًا لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ، وَإِطْلَاقُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ يَرُدُّهُ، وَذَوْقُ الْعُسَيْلَةِ لِلنَّائِمَةِ مَوْجُودٌ حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّ النَّائِمَ إذَا وَجَدَ الْبَلَلَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ لَا يُوجِبُهُ إلَّا مَعَ وُجُودِ اللَّذَّةِ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِوُجُودِهَا حُكْمًا لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَصَلْت وَذَهِلَ عَنْهَا بِثِقَلِ النَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَجْنُونَ يُحِلُّهَا، وَالْجُنُونَ فَوْقَ الْإِغْمَاءِ وَالنَّوْمِ رَحْمَتِيٌّ. قُلْت: وَرَأَيْت فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَوَطْءُ النَّائِمَةِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يُحِلُّ عِنْدَنَا وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ اهـ هَكَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ سَقِيمَةٍ فَلْتُرَاجَعْ نُسْخَةٌ أُخْرَى. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ نَوْمَهُ وَإِغْمَاءَهُ كَنَوْمِهَا وَإِغْمَائِهَا، لَكِنْ إذَا قُلْنَا إنَّ إيلَاجَ الشَّيْخِ الْفَانِي لَا يُحِلُّهَا مَا لَمْ يَنْتَعِشْ وَيَعْمَلْ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ النَّائِمَ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَكَذَا فِي جَانِبِهَا، نَعَمْ عَلَى تَصْوِيبِ الْمُجْتَبَى مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِدُخُولِ الْحَشَفَةِ يَظْهَرُ الْإِحْلَالُ فِي الْكُلِّ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ التَّزَوُّجُ لِلثَّانِي) كَذَا فِي الْبَحْرِ: لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَكُرِهَ لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَعَزَاهُ مُحَشِّي مِسْكِينٌ إلَى الْحَمَوِيِّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ الْمَرْأَةُ بَلْ هِيَ أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ فِي الْكَرَاهَةِ لِأَنَّ الْعَقْدَ بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ إنَّمَا جَرَى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّانِي، وَالْأَوَّلُ سَاعٍ فِي ذَلِكَ وَمُتَسَبِّبٌ وَالْمُبَاشِرُ أَوْلَى مِنْ الْمُتَسَبِّبِ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ يَشْمَلُ الْكُلَّ، فَإِنَّ الْمُحَلَّلَ لَهُ يَصْدُقُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ «لَعْنِ الْمُحَلِّلِ وَالْمُحَلَّلِ لَهُ» ) بِإِضَافَةِ " حَدِيثِ " إلَى " لَعْنِ "، فَهُوَ حِكَايَةٌ لِلْمَعْنَى، وَإِلَّا فَلَفْظُ الْحَدِيثِ كَمَا فِي الْفَتْحِ «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» وَهُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ) تَأْوِيلٌ لِلْحَدِيثِ بِحَمْلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 (وَإِنْ حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ) لِصِحَّةِ النِّكَاحِ وَبُطْلَانِ الشَّرْطِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الطَّلَاقِ كَمَا حَقَّقَهُ الْكَمَالُ، خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ الْبَزَّازِيُّ:. وَمِنْ لَطِيفِ الْحِيَلِ قَوْلُهُ: إنْ تَزَوَّجْتُكِ وَجَامَعْتُكِ، أَوْ وَأَمْسَكْتُكِ فَوْقَ ثَلَاثٍ مَثَلًا فَأَنْتِ بَائِنٌ، وَلَوْ خَافَتْ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا تَقُولُ: زَوَّجْتُكَ نَفْسِي عَلَى أَنَّ أَمْرِي بِيَدِي زَيْلَعِيٌّ، وَتَمَامُهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ (أَمَّا إذَا أَضْمَرَ ذَلِكَ لَا) يُكْرَهُ (وَكَانَ) الرَّجُلُ (مَأْجُورًا) لِقَصْدِ الْإِصْلَاحِ، وَتَأْوِيلُ اللَّعْنِ إذَا شَرَطَ الْأَجْرَ ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ   [رد المحتار] اللَّعْنِ عَلَى ذَلِكَ، وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ إلَخْ) هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُفْسِدُ النِّكَاحَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُؤَقَّتِ لَا يُحِلُّهَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَصِحُّ وَلَا يُحِلُّهَا لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ الشَّرْعُ كَمَا فِي قَتْلِ الْمُوَرِّثِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ الْبَزَّازِيُّ) حَيْثُ قَالَ: زَوَّجَتْ الْمُطَلَّقَةُ نَفْسَهَا مِنْ الثَّانِي بِشَرْطِ أَنْ يُجَامِعَهَا وَيُطَلِّقَهَا لِتَحِلَّ لِلْأَوَّلِ. قَالَ الْإِمَامُ: النِّكَاحُ وَالشَّرْطُ جَائِزَانِ حَتَّى إذَا أَبَى الثَّانِي طَلَاقَهَا أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ وَحَلَّتْ لِلْأَوَّلِ اهـ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ رَوْضَةِ الزَّنْدَوَسْتِيِّ. قَالَ فِي النَّهْرِ: قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ: هَذَا الْبَيَانُ لَمْ يُوجَدْ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، هَذَا مِمَّا لَمْ يُعْرَفْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ وَلَا يُحْكَمَ بِهِ لِأَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ ضَعِيفَ الثُّبُوتِ تَنْبُو عَنْهُ قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي النِّكَاحِ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَهُوَ مِمَّا لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، بَلْ يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَيَصِحُّ، فَيَجِبُ بُطْلَانُ هَذَا وَأَنْ لَا يُجْبَرَ عَلَى الطَّلَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ وَأَمْسَكْتُكِ) أَيْ: أَوْ يَقُولُ: إنْ تَزَوَّجْتُكِ وَأَمْسَكْتُكِ، وَهَذَا إذَا خَافَتْ إمْسَاكَهَا مُطْلَقًا، وَالْأَوَّلُ إذَا خَافَتْ إمْسَاكَهَا بَعْدَ الْجِمَاعِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ خَافَتْ إلَخْ) الْأَوْلَى، أَوْ تَقُولُ: زَوَّجْتُك إلَخْ لِأَنَّ الْحِيلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ سَبَبُهُمَا الْخَوْفُ الْمَذْكُورُ ط (قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ) حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ قَالَ لَهَا تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنَّ أَمْرَكِ بِيَدِكِ فَقَبِلَتْ جَازَ النِّكَاحُ وَلَغَا الشَّرْطُ لِأَنَّ الْأَمْرَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِخِلَافِ مَا مَرَّ فَإِنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِيَدِهَا مُقَارِنًا لِصَيْرُورَتِهَا مَنْكُوحَةً. اهـ. نَهْرٌ وَقَدَّمْنَاهُ قَبْلَ فَصْلِ الْمَشِيئَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ صَحِيحٌ إذَا ابْتَدَأَتْ الْمَرْأَةُ لَا إذَا ابْتَدَأَ الرَّجُلُ وَلَكِنَّ الْفَرْقَ خَفِيٌّ نَعَمْ يَظْهَرُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الْمُوجِبُ تَقَدَّمَ، أَوْ تَأَخَّرَ وَالْمَرْأَةَ هِيَ الْقَابِلَةُ كَذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا أَضْمَرَ ذَلِكَ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ (قَوْلُهُ: لَا يُكْرَهُ) بَلْ يَحِلُّ لَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ (قَوْلُهُ: لِقَصْدِ الْإِصْلَاحِ) أَيْ إذَا كَانَ قَصْدُهُ ذَلِكَ لَا مُجَرَّدَ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَنَحْوِهَا. وَأَوْرَدَ السُّرُوجِيُّ أَنَّ الثَّابِتَ عَادَةً كَالثَّابِتِ نَصًّا أَيْ فَيَصِيرُ شَرْطُ التَّحْلِيلِ كَأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ فَيُكْرَهُ. وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَصْدِ الزَّوْجِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بَيْنَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِيمَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِذَلِكَ وَصَارَ مُشْتَهِرًا بِهِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَتَأْوِيلُ اللَّعْنِ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَقِيلَ تَأْوِيلُ اللَّعْنِ إلَخْ كَمَا هُوَ عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ ذَكَرَهُ بَعْدَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّأْوِيلِ الْمَشْهُورِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا لِيُفِيدَ أَنَّهُ تَأْوِيلٌ آخَرُ وَأَنَّهُ ضَعِيفٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُنَا قَوْلٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ مَأْجُورٌ وَإِنْ شَرَطَ لِقَصْدِ الْإِصْلَاحِ، وَتَأْوِيلُ اللَّعْنِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ إذَا شَرَطَ الْأَجْرَ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. قُلْت: وَاللَّعْنُ عَلَى هَذَا الْحَمْلِ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ كَأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى عَسْبِ التَّيْسِ وَهُوَ حَرَامٌ. وَيُقَرِّبُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَمَّاهُ التَّيْسَ الْمُسْتَعَارَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ فَرْعُ صِحَّةِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ، حَتَّى لَوْ كَانَ بِلَا وَلِيٍّ بَلْ بِعِبَارَةِ الْمَرْأَةِ، أَوْ بِلَفْظِ هِبَةٍ، أَوْ بِحَضْرَةِ فَاسِقَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَأَرَادَ حِلَّهَا بِلَا زَوْجٍ   [رد المحتار] وَأُورِدَ عَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَعَ اشْتِرَاطِ التَّحْلِيلِ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، وَفَاعِلُ الْحَرَامِ لَا يَسْتَوْجِبُ اللَّعْنَ فَفَاعِلُ الْمَكْرُوهِ أَوْلَى. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ لَعْنِ الْعُصَاةِ أَقُولُ: حَقِيقَةُ اللَّعْنِ الْمَشْهُورَةُ هِيَ الطَّرْدُ عَنْ الرَّحْمَةِ، وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا لِكَافِرٍ، وَلِذَا لَمْ تَجُزْ عَلَى مُعَيَّنٍ لَمْ يُعْلَمْ مَوْتُهُ عَلَى الْكُفْرِ بِدَلِيلٍ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا مُتَهَوِّرًا كَيَزِيدَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، بِخِلَافِ نَحْوِ إبْلِيسَ وَأَبِي جَهْلٍ فَيَجُوزُ وَبِخِلَافِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَالظَّالِمِينَ وَالْكَاذِبِينَ فَيَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُرَادَ جِنْسُ الظَّالِمِينَ وَفِيهِمْ مَنْ يَمُوتُ كَافِرًا، فَيَكُونُ اللَّعْنُ لِبَيَانِ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ وَصْفُ الْكَافِرِينَ لِلتَّنْفِيرِ عَنْهُ وَالتَّحْذِيرِ مِنْهُ لَا لِقَصْدِ اللَّعْنِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ لِأَنَّ لَعْنَ الْوَاحِدِ الْمُعَيَّنِ كَهَذَا الظَّالِمِ لَا يَجُوزُ فَكَيْفَ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الظَّالِمِينَ، وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ الْجِنْسَ لِمَا قُلْنَا مِنْ التَّنْفِيرِ وَالتَّحْذِيرِ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْمَعْصِيَةُ حَرَامًا مِنْ الْكَبَائِرِ، خِلَافًا لِمَنْ أَنَاطَ اللَّعْنَ بِالْكَبَائِرِ فَإِنَّهُ وَرَدَ اللَّعْنُ فِي غَيْرِهَا كَلَعْنِ الْمُصَوِّرِينَ، وَمَنْ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، وَمَنْ سَلَّ سَخِيمَتَهُ: أَيْ تَغَوَّطَ عَلَى الطَّرِيقِ وَالْمَرْأَةِ السَّلْتَاءِ أَيْ الَّتِي لَا تُخَضِّبُ يَدَهَا وَالْمَرْهَاءِ أَيْ الَّتِي لَا تَكْتَحِلُ، وَالْمَرْأَةِ إذَا خَرَجَتْ مِنْ دَارِهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا، وَنَاكِحِ الْيَدِ، وَزَائِرَاتِ الْقُبُورِ، وَمَنْ جَلَسَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْهُ مَا هُنَا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى مَنْعِ لَعْنِ الْمُعَيَّنِ مَشْرُوعِيَّةُ اللِّعَانِ وَفِيهِ لَعْنُ مُعَيَّنٍ، نَعَمْ يُجَابُ بِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ كَاذِبًا لَكِنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ لَعْنِ مُعَيَّنٍ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي لِعَانِ الْقُهُسْتَانِيِّ قَالَ: اللَّعْنُ فِي الْأَصْلِ الطَّرْدُ. وَشَرْعًا فِي حَقِّ الْكُفَّارِ الْإِبْعَادُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ الْإِسْقَاطُ عَنْ دَرَجَةِ الْأَبْرَارِ. اهـ. وَفِي لِعَانِ الْبَحْرِ: فَإِنْ قُلْت: هَلْ يُشْرَعُ لَعْنُ الْكَاذِبِ الْمُعَيَّنِ. قُلْت: قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ بَابِ الْعِدَّةِ: وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ، وَالْمُبَاهَلَةُ: الْمُلَاعَنَةُ، وَكَانُوا يَقُولُونَ إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ بَهْلَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِ مِنَّا، قَالُوا: هِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي زَمَانِنَا أَيْضًا اهـ. وَعَنْ هَذَا قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ بِاللَّعْنِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الطَّرْدُ عَنْ مَنَازِلِ الْأَبْرَارِ لَا عَنْ رَحْمَةِ الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ. وَقِيلَ: إنَّ الْأَشْبَهَ أَنَّ حَقِيقَةَ اللَّعْنِ هُنَا لَيْسَتْ بِمَقْصُودَةٍ بَلْ الْمَقْصُودُ إظْهَارُ خَسَاسَةِ الْمُحَلِّلِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَالْمُحَلَّلِ لَهُ بِالْعَوْدِ إلَيْهَا بَعْدَ مُضَاجَعَةِ غَيْرِهِ، وَعَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي الْكَشْفِ ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ كَلَامٌ فَتَأَمَّلْ اهـ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا (قَوْلُهُ: ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ) أَيْ كُلُّ مَا مَرَّ مِنْ لُزُومِ التَّحْلِيلِ بِالشُّرُوطِ الْمَارَّةِ وَكَرَاهَةِ التَّصْرِيحِ بِالشَّرْطِ (قَوْلُهُ: فَرْعُ صِحَّةِ النِّكَاحِ) كَذَا عَبَّرَ فِي النَّهْرِ، وَالْمُرَادُ صِحَّتُهُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ لَا صِحَّتُهُ عِنْدَنَا بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ فَافْهَمْ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فَاسِدًا، أَوْ مَوْقُوفًا لَا يَلْزَمُ التَّحْلِيلُ بَلْ تَحِلُّ بِدُونِهِ وَإِنْ كُرِهَ، وَهَلْ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ الْفَسَادَ عِنْدَنَا لِإِسْقَاطِ التَّحْلِيلِ؟ لَمْ أَرَهُ الْآنَ، نَعَمْ يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى بَعْدَ الثَّلَاثِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً قُبِلَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا لَا يُصَدَّقَانِ وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْعِدَّةِ وَتَأْتِي هُنَاكَ حَادِثَةُ الْفَتْوَى فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ: أَوْ بِحَضْرَةِ فَاسِقَيْنِ) أَيْ تَحَقَّقَ فِسْقُهُمَا وَإِلَّا فَظَاهِرُ الْعَدَالَةِ يَكْفِي عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَافْهَمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 يُرْفَعُ الْأَمْرُ لِشَافِعِيٍّ فَيَقْضِي بِهِ وَبِبُطْلَانِ النِّكَاحِ: أَيْ فِي الْقَائِمِ وَالْآتِي لَا فِي الْمُنْقَضِي بَزَّازِيَّةٌ. وَفِيهَا قَالَ الزَّوْجُ الثَّانِي كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا، أَوْ لَمْ أَدْخُلْ بِهَا وَكَذَّبَتْهُ فَالْقَوْلُ لَهَا.   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي حِيلَةِ إسْقَاطِ التَّحْلِيلِ بِحُكْمٍ شَافِعِيٍّ بِفَسَادِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: يُرْفَعُ الْأَمْرُ لِشَافِعِيٍّ إلَخْ) أَقُولُ: الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ مَا حَرَّرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي التُّحْفَةِ مِنْ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ بِفَسْخِ النِّكَاحِ بِالنِّسْبَةِ لِسُقُوطِ التَّحْلِيلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ لَوْ تَوَافَقَا، أَوْ أَقَامَا بَيِّنَةً بِفَسَادِ النِّكَاحِ لَمْ يُلْتَفَتْ لِذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِسُقُوطِ التَّحْلِيلِ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، نَعَمْ يَجُوزُ لَهُمَا الْعَمَلُ بِهِ بَاطِنًا، لَكِنْ إذَا عَلِمَ بِهِمَا الْحَاكِمُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَحِينَئِذٍ فَمَنْ نَكَحَ مُخْتَلَفًا فِيهِ، فَإِنْ قَلَّدَا الْقَائِلَ بِصِحَّتِهِ، أَوْ حَكَمَ بِهَا مَنْ يَرَاهَا ثُمَّ طَلَّقَ ثَلَاثًا تَعَيَّنَ التَّحْلِيلُ وَلَيْسَ لَهُ تَقْلِيدُ مَنْ يَرَى بُطْلَانَهُ لِأَنَّهُ تَلْفِيقٌ لِلتَّقْلِيدِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ قَطْعًا وَإِنْ انْتَفَى التَّقْلِيدُ وَالْحُكْمُ لَمْ يُحْتَجْ لِمُحَلِّلٍ، نَعَمْ يَتَعَيَّنُ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى بَعْدَ الثَّلَاثِ عَدَمَ التَّقْلِيدِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ رَفْعَ التَّحْلِيلِ الَّذِي لَزِمَهُ بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِ فِعْلِهِ. وَأَيْضًا فَفِعْلُ الْمُكَلَّفِ يُصَانُ عَنْ الْإِلْغَاءِ لَا سِيَّمَا إنْ وَقَعَ مِنْهُ مَا يُصَرِّحُ بِالِاعْتِدَادِ بِهِ كَالتَّطْلِيقِ ثَلَاثًا هُنَا. اهـ. وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ مِنْ كَلَامَيْهِ أَنَّ الزَّوْجَ إنْ عَلِمَ بِفَسَادِ النِّكَاحِ فَإِنْ قَلَّدَ الْقَائِلَ بِصِحَّتِهِ، أَوْ حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ يَرَاهَا لَا يَسْقُطُ التَّحْلِيلُ وَإِلَّا سَقَطَ وَلَهُ تَجْدِيدُ الْعَقْدِ بَعْدَ الثَّلَاثِ دِيَانَةً، وَإِذَا عَلِمَ بِهِ الْحَاكِمُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ ادَّعَى عَدَمَ التَّقْلِيدِ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْحَاكِمُ. وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ يُرْفَعُ الْأَمْرُ لِشَافِعِيٍّ إذْ لَا يَحْكُمُ الشَّافِعِيُّ بِسُقُوطِ التَّحْلِيلِ وَلَا يَقْبَلُ مَا يُسْقِطُهُ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ فِي حَاشِيَةِ التُّحْفَةِ: إنَّ لَهُ تَقْلِيدَ شَافِعِيٍّ وَالْعَقْدَ بِلَا مُحَلِّلٍ لِأَنَّ هَذِهِ قَضِيَّةٌ أُخْرَى فَلَا تَلْفِيقَ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّةِ التَّقْلِيدِ الْأَوَّلِ حَاكِمٌ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ هَذَا فِي الدِّيَانَةِ، لِمَا عَلِمْتَ مِنْ أَنَّ الْحَاكِمَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا إذَا عَلِمَ بِهِ لِأَنَّ التَّحْلِيلَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، نَعَمْ صَرَّحَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ بِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْمُسَمَّى وَمَهْرِ الْمِثْلِ وَأُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى فَسَادِهِ يَثْبُتُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَيَسْقُطُ التَّحْلِيلُ تَبَعًا اهـ لَكِنْ اسْتَظْهَرَ ابْنُ حَجَرٍ عَدَمَ سُقُوطِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ قُلْت: يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِهِ عِنْدَنَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِاشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ. قُلْت: لَا يُمْكِنُ فِي زَمَانِنَا لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْقُضَاةُ مَأْمُورُونَ بِالْحُكْمِ بِأَصَحِّ الْأَقْوَالِ، عَلَى أَنَّهُ نَقَلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ سُئِلَ هَلْ يَصِحُّ الْقَضَاءُ بِهِ فَقَالَ لَا أَدْرِي، فَإِنَّ مُحَمَّدًا وَإِنْ شَرَطَ الْوَلِيَّ، لَكِنَّهُ قَالَ: لَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَإِنِّي أَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ اهـ أَيْ فَإِنَّ لَفْظَ " أَكْرَهُ " قَدْ يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْمُجْتَهِدِ فِي الْحَرَامِ (قَوْلُهُ: فَيَقْضِي بِهِ) أَيْ بِحِلِّهَا الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ: وَبِبُطْلَانِ النِّكَاحِ عَطْفُ سَبَبٍ عَلَى مُسَبِّبٍ فَإِنَّ قَضَاءَهُ بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ سَبَبٌ لِحِلِّهَا بِلَا زَوْجٍ آخَرَ اهـ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْقَضَاءَ لِتَصِيرَ الْحَادِثَةُ الْخِلَافِيَّةُ كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهَا ط وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ التَّعْلِيقِ مَا يَنْبَغِي اسْتِذْكَارُهُ هُنَا وَلَا نُعِيدُهُ لِقُرْبِ الْعَهْدِ بِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ فِي الْقَائِمِ وَالْآتِي لَا فِي الْمُنْقَضِي) عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ عَلَى مَا فِي النَّهْرِ: وَبِهِ لَا يَظْهَرُ أَنَّ الْوَطْءَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ كَانَ حَرَامًا، وَأَنَّ فِي الْأَوْلَادِ خُبْثًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ اللَّاحِقَ كَدَلِيلِ النَّسْخِ يُعْمَلُ فِي الْقَائِمِ وَالْآتِي لَا فِي الْمُنْقَضِي اهـ أَيْ لِأَنَّ مَا مَضَى كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى اعْتِقَادِ الْحِلِّ تَقْلِيدًا لِمَذْهَبٍ صَحِيحٍ. وَإِنَّمَا الْعَمَلُ بِخِلَافِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ الْمَلْزُومِ، كَمَا لَوْ نُسِخَ حُكْمٌ إلَى آخَرَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ مَا مَضَى، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ تَغَيَّرَ رَأْيُ الْمُجْتَهِدِ، وَكَذَا لَوْ تَوَضَّأَ حَنَفِيٌّ وَلَمْ يَنْوِ وَصَلَّى بِهِ الظُّهْرَ ثُمَّ صَارَ شَافِعِيًّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْوُضُوءِ بِالنِّيَّةِ دُونَ مَا صَلَّاهُ بِهِ (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لَهَا) كَذَا فِي الْبَحْرِ. وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ: ادَّعَتْ أَنَّ الثَّانِيَ جَامَعَهَا وَأَنْكَرَ الْجِمَاعَ حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ وَعَلَى الْقَلْبِ لَا اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتَاوَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ لَهُ: أَيْ فِي حَقِّ نَفْسِهِ (وَالزَّوْجُ الثَّانِي يَهْدِمُ بِالدُّخُولِ) فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ لَمْ يَهْدِمْ اتِّفَاقًا قُنْيَةٌ (مَا دُونَ الثَّلَاثِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَهْدِمُ الثَّلَاثَ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ إذَا هَدَمَ الثَّلَاثَ فَمَا دُونَهَا أَوْلَى خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، فَمَنْ طَلُقَتْ دُونَهَا وَعَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ آخَرَ عَادَتْ بِثَلَاثٍ لَوْ حُرَّةً وَثِنْتَيْنِ لَوْ أَمَةً. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَبَاقِي الْأَئِمَّةِ بِمَا بَقِيَ وَهُوَ الْحَقُّ فَتْحٌ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ. (وَلَوْ أَخْبَرَتْ مُطَلَّقَةُ الثَّلَاثِ بِمُضِيِّ عِدَّتِهِ وَعِدَّةِ الزَّوْجِ الثَّانِي) بَعْدَ دُخُولِهِ   [رد المحتار] الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْخُلَاصَةِ، وَيُخَالِفُ قَوْلُهُ " وَعَلَى الْقَلْبِ " مَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ: وَلَوْ قَالَتْ دَخَلَ بِي الثَّانِي، وَالثَّانِي مُنْكِرٌ فَالْمُعْتَبَرُ قَوْلُهَا وَكَذَا فِي الْعَكْسِ اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ فِي حَقِّ الْفُرْقَةِ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا لَا فِي حَقِّهَا حَتَّى يَجِبَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى، أَوْ كَمَالُهُ إنْ دَخَلَ بِهَا بَحْرٌ. مَطْلَبٌ مَسْأَلَةُ الْهَدْمِ (قَوْلُهُ: وَالزَّوْجُ الثَّانِي) أَيْ نِكَاحُهُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: مَا دُونَ الثَّلَاثِ) أَيْ يَهْدِمُ مَا وَقَعَ مِنْ الطَّلْقَةِ، أَوْ الطَّلْقَتَيْنِ فَيَجْعَلُهُمَا كَأَنْ لَمْ يَكُونَا، وَمَا قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَهْدِمُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ فَهُوَ مِنْ سُوءِ التَّصَوُّرِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْهِنْدِيُّ، أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: أَيْ كَمَا يَهْدِمُ الثَّلَاثَ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قَالَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]- جُعِلَ غَايَةً لِانْتِهَاءِ الْغَلِيظَةِ فَيَهْدِمُهَا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا هَدَمَهَا يَهْدِمُ مَا دُونَهَا بِالْأَوْلَى فَهُوَ مِمَّا ثَبَتَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ، وَتَمَامُ مَبَاحِثِ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، وَقَوْلُهُمَا مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْحَقُّ) لَيْسَ هَذَا فِي عِبَارَةِ الْفَتْحِ بَلْ ذَكَرَهُ فِي التَّحْرِيرِ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ. وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ بَعْدَمَا أَطَالَ فِي الْكَلَامِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ: فَظَهَرَ أَنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ وَبَاقِي الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَلَقَدْ صَدَقَ قَوْلُ صَاحِبِ الْأَسْرَارِ، وَمَسْأَلَةٌ يُخَالَفُ فِيهَا كِبَارُ الصَّحَابَةِ يُعْوَزُ فِقْهُهَا وَيَصْعُبُ الْخُرُوجُ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ) أَيْ كَصَاحِبِ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمَقْدِسِيِّ وَالشُّرُنْبُلالي وَالرَّمْلِيِّ وَالْحَمَوِيِّ وَكَذَا شَارِحُ التَّحْرِيرِ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ، لَكِنَّ الْمُتُونَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، وَأَشَارَ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى إلَى تَرْجِيحِهِ، وَنَقَلَ تَرْجِيحَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ التَّرْجِيحِ، وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى مَا قَالَهُ شَيْخُهُ فِي الْفَتْحِ وَكَذَا لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ فِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ مِنْ أَنَّهُ كَثِيرًا مَا يَتْبَعُ صَاحِبَ الْفَتْحِ فِي تَرْجِيحِهِ. (قَوْلُهُ: بِمُضِيِّ عِدَّتِهِ) أَيْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ أَسْنَدَ الْعِدَّةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ سَبَبُهَا نَهْرٌ وَإِلَّا فَالْعِدَّةُ لِلطَّلَاقِ (قَوْلُهُ: وَعِدَّةِ الزَّوْجِ الثَّانِي) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا قَالَتْ: مَضَتْ عِدَّتِي مِنْ الثَّانِي فَقَطْ بَلْ قَالَتْ تَزَوَّجْتُ وَدَخَلَ بِي الزَّوْجُ وَطَلَّقَنِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّ قَوْلَهَا مَضَتْ عِدَّتِي لَا يُفِيدُ مَا ذُكِرَ لِوُجُوبِهَا بِالْخَلْوَةِ وَبِمُجَرَّدِهَا لَا تَحِلُّ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: إنَّمَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ إخْبَارَهَا مَبْسُوطًا لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ: حَلَلْتُ لَك فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ الثَّانِي دَخَلَ بِي، إنْ كَانَتْ عَالِمَةً بِشَرَائِطِ الْحِلِّ لَمْ تُصَدَّقْ وَإِلَّا تُصَدَّقُ، وَفِيمَا ذَكَرْتُهُ مَبْسُوطًا لَا تُصَدَّقُ فِي كُلِّ حَالٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 (وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ جَازَ لَهُ) أَيْ لِلْأَوَّلِ (أَنْ يُصَدِّقَهَا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا) وَأَقَلُّ مُدَّةِ عِدَّةٍ عِنْدَهُ بِحَيْضٍ شَهْرَانِ وَلِأَمَةٍ أَرْبَعُونَ يَوْمًا مَا لَمْ تَدَّعِ السِّقْطَ كَمَا مَرَّ.   [رد المحتار] وَعَنْ السَّرَخْسِيِّ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى يَسْتَفْسِرَهَا لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي حِلِّهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ. وَعَنْ الْإِمَامِ الْفَضْلِيِّ: لَوْ قَالَتْ تَزَوَّجْنِي فَإِنِّي تَزَوَّجْت غَيْرَك وَانْقَضَتْ عِدَّتِي ثُمَّ قَالَتْ مَا تَزَوَّجْت صُدِّقَتْ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَقَرَّتْ بِدُخُولِ الثَّانِي. اهـ. لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَنَاقِضَةٍ بِحَمْلِ قَوْلِهَا تَزَوَّجْت عَلَى الْعَقْدِ، وَقَوْلُهَا مَا تَزَوَّجْت مَعْنَاهُ مَا دَخَلَ بِي، فَإِذَا أَقَرَّتْ بِالدُّخُولِ ثَبَتَ تَنَاقُضُهَا كَمَا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ وَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ: لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهَا) لِأَنَّهُ إمَّا مِنْ الْمُعَامَلَاتِ لِكَوْنِ الْبُضْعِ مُتَقَوِّمًا عِنْدَ الدُّخُولِ، أَوْ الدِّيَانَاتِ لِتَعَلُّقِ الْحِلِّ بِهِ، وَقَوْلُ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِيهِمَا دُرَرٌ (قَوْلُهُ: إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ عَدَالَتَهَا لَيْسَتْ شَرْطًا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَكَافِي الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِمَا: لَا بَأْسَ أَنْ يُصَدِّقَهَا إنْ كَانَتْ ثِقَةً عِنْدَهُ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهَا. اهـ. وَكَذَا لَوْ قَالَتْ مَنْكُوحَةُ رَجُلٍ لِآخَرَ: طَلَّقَنِي زَوْجِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي جَازَ تَصْدِيقُهَا إذَا وَقَعَ فِي ظَنِّهِ، عَدْلَةٌ كَانَتْ أَمْ لَا، وَلَوْ قَالَتْ: نِكَاحِي الْأَوَّلُ فَاسِدٌ لَا؛ وَلَوْ عَدْلَةٌ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَأَقَلُّ مُدَّةِ عِدَّةٍ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَهَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ فَلَا احْتِمَالَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِحَيْضٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ " عِدَّةٍ "، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا قِيلَ: أَيْ بِسَبَبِ كَوْنِ الْمَرْأَةِ حَائِضًا فَافْهَمْ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ فِي حَقِّ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ فَإِنَّ عِدَّتَهَا لَيْسَ لَهَا أَقَلُّ وَأَكْثَرُ بَلْ هِيَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ لَوْ حُرَّةً وَنِصْفُهَا لَوْ أَمَةً (قَوْلُهُ: شَهْرَانِ) أَيْ سِتُّونَ يَوْمًا عِنْدَهُ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهُ مُطْلَقًا فِي أَوَّلِ الطُّهْرِ حَذَرًا مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ فَيُحْتَاجُ إلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ بِخَمْسِمِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَثَلَاثِ حِيَضٍ بَخَمْسَةَ عَشَرَ؛ حَمْلًا لِلطُّهْرِ عَلَى أَقَلِّهِ وَالْحَيْضِ عَلَى وَسَطِهِ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ أَقَلِّهِمَا فِي مُدَّةٍ وَاحِدَةٍ نَادِرٌ، وَهَذَا عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ لِقَوْلِ الْإِمَامِ: أَمَّا عَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ فَيَجْعَلُهُ مُطْلَقًا فِي آخِرِ الطُّهْرِ حَذَرًا مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا فَيُحْتَاجُ إلَى طُهْرَيْنِ بِثَلَاثِينَ، وَثَلَاثِ حِيَضٍ بِثَلَاثِينَ حَمْلًا لِلطُّهْرِ عَلَى أَقَلِّهِ وَالْحَيْضِ عَلَى أَكْثَرِهِ لِيُعْتَدَّ، وَلَا تَحْتَاجُ إلَى مِثْلِهَا فِي عِدَّةِ الزَّوْجِ الثَّانِي وَزِيَادَةِ طُهْرٍ عَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ فَتُصَدَّقُ فِي مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَعَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا اهـ أَفَادَهُ ح. قُلْت: وَالْمُرَادُ بِزِيَادَةِ الطُّهْرِ هُوَ الطُّهْرُ الَّذِي تَزَوَّجَهَا فِيهِ الثَّانِي وَطَلَّقَهَا فِي آخِرِهِ، لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا التَّخْرِيجِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِ بِهَا تَأَمَّلْ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ تَخْرِيجَ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ: وَلِأَمَةٍ أَرْبَعُونَ) عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ، كَأَنَّهُ قَالَ لِحُرَّةٍ شَهْرَانِ وَلِأَمَةٍ أَرْبَعُونَ يَوْمًا: أَيْ عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ طُهْرَانِ بِثَلَاثِينَ، وَحَيْضَتَانِ بِعَشَرَةٍ وَعَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا طُهْرٌ بَخَمْسَةَ عَشَرَ وَحَيْضَتَانِ بِعِشْرِينَ، فَتُصَدَّقُ بِثَمَانِينَ يَوْمًا عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ وَخَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا عَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ، وَتَمَامُ التَّفْصِيلِ وَحِكَايَةُ الْخِلَافِ فِي التَّبْيِينِ ح (قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَدَّعِ السِّقْطَ) أَيْ مِنْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إسْقَاطُهَا فِي يَوْمِ الطَّلَاقِ فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِهِ، أَمَّا ادِّعَاؤُهُ مِنْ الثَّانِي فَلَا بُدَّ مِنْ أَنَّهُ يَمْضِي عَلَيْهِ زَمَنٌ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَبِينَ فِيهِ بَعْضُ خَلْقِهِ رَحْمَتِيٌّ قُلْت: وَكَذَا لَوْ ادَّعَتْهُ مِنْ الْأَوَّلِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَقْدِ الْأَوَّلِ مُدَّةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْبَابِ حَلَبِيٌّ. [مَطْلَبٌ الْإِقْدَامُ عَلَى النِّكَاحِ إقْرَارٌ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ] ِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَزَوَّجَتْ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي التَّفَارِيقِ لَوْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَسْأَلْهَا ثُمَّ قَالَتْ مَا تَزَوَّجْت، أَوْ مَا دَخَلَ بِي صُدِّقَتْ إذْ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 وَلَوْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ تَحْتَمِلُهُ ثُمَّ قَالَتْ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي، أَوْ مَا تَزَوَّجْتُ بِآخَرَ لَمْ تُصَدَّقْ لِأَنَّ إقْدَامَهَا عَلَى التَّزَوُّجِ دَلِيلُ الْحِلِّ، وَعَنْ السَّرَخْسِيِّ لَا يَحِلُّ تَزَوُّجُهَا حَتَّى يَسْتَفْسِرَهَا. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: قَالَتْ طَلَّقَنِي ثَلَاثًا ثُمَّ أَرَادَتْ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا مِنْهُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ أَصَرَّتْ عَلَيْهِ أَمْ أَكَذَبَتْ نَفْسَهَا. (سَمِعَتْ مِنْ زَوْجِهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَلَا تَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ نَفْسِهَا) إلَّا بِقَتْلِهِ   [رد المحتار] وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ إقْدَامَهَا عَلَى النِّكَاحِ اعْتِرَافٌ مِنْهَا بِصِحَّتِهِ فَكَانَتْ مُنَاقِضَةً فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهَا، كَمَا لَوْ قَالَتْ بَعْدَ التَّزَوُّجِ بِهَا: كُنْتُ مَجُوسِيَّةً، أَوْ مُرْتَدَّةً، أَوْ مُعْتَدَّةً أَوْ مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ، أَوْ كَانَ الْعَقْدُ بِغَيْرِ شُهُودٍ، ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ قَوْلِهَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي ثُمَّ رَأَيْت فِي الْخُلَاصَةِ مَا يُوَافِقُ الْإِشْكَالَ الْمَذْكُورَ. قَالَ فِي الْفَتَاوَى فِي بَابِ الْبَاءِ: لَوْ قَالَتْ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ مَا تَزَوَّجْتُ بِآخَرَ فَقَالَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ تَزَوَّجْتِ بِآخَرَ وَدَخَلَ بِكِ لَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ اهـ مَا فِي الْفَتْحِ. أَقُولُ: قَدْ يُدْفَعُ الْإِشْكَالُ بِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا قَامَ فِيهَا الْمَانِعُ مِنْ إيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَلَا يَزُولُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ شَرْطِ الْحِلِّ وَذَلِكَ بِأَنْ تُخْبِرَ بِأَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ بِآخَرَ وَدَخَلَ بِهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ، أَوْ تُخْبِرَ بِأَنَّهَا حَلَّتْ لَهُ وَهِيَ عَالِمَةٌ بِشَرَائِطِ الْحِلِّ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ النِّهَايَةِ فَحِينَئِذٍ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا لِلتَّنَاقُضِ أَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَيُقْبَلُ، وَلَا تَنَاقُضَ لِاحْتِمَالِ ظَنِّهَا الْحِلَّ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ ولِأَنَّ إقْدَامَهَا عَلَى الْعَقْدِ بِدُونِ تَفْسِيرٍ لَا يَزُولُ بِهِ الْمَانِعُ فَلَمْ يَكُنْ اعْتِرَافًا، وَلِذَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ اسْتِفْسَارِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْفَضْلِيِّ أَيْضًا، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهَا: كُنْتُ مَجُوسِيَّةً إلَخْ فَإِنَّهَا حِينَ الْعَقْدِ لَمْ يَقُمْ مَانِعٌ مِنْ إيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَصَحَّ الْعَقْدُ فَلَا يُقْبَلُ إخْبَارُهَا بِمَا يُنَافِيهِ لِتَنَاقُضِهَا، فَإِنَّ مُجَرَّدَ إقْدَامِهَا عَلَى الْعَقْدِ اعْتِرَافٌ بِعَدَمِ مَانِعٍ مِنْهُ، فَإِذَا ادَّعَتْ مَا يُنَافِيهِ لَمْ يُقْبَلْ وَمَا مَرَّ عَنْ الْفَتَاوَى مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ مَا فَسَّرَتْ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: تَزَوَّجَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثُمَّ قَالَتْ لِلثَّانِي تَزَوَّجْتَنِي فِي الْعِدَّةِ، إنْ كَانَ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ أَقَلُّ مِنْ شَهْرَيْنِ صُدِّقَتْ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ وَكَانَ النِّكَاحُ الثَّانِي فَاسِدًا، وَإِنْ أَكْثَرَ لَا وَصَحَّ الثَّانِي، وَالْإِقْدَامُ عَلَى النِّكَاحِ إقْرَارٌ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقُّ الْأَوَّلِ، وَالنِّكَاحَ حَقُّ الثَّانِي، وَلَا يَجْتَمِعَانِ فَدَلَّ الْإِقْدَامُ عَلَى الْمُضِيِّ، بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا إذَا تَزَوَّجَتْ بِالْأَوَّلِ بَعْدَ مُدَّةٍ ثُمَّ قَالَتْ: بِك تَزَوَّجْتُ قَبْلَ النِّكَاحِ الثَّانِي حَيْثُ لَا يَكُونُ إقْدَامُهَا دَلِيلًا عَلَى إصَابَةِ الثَّانِي وَنِكَاحِهِ. قَالَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا: تَزَوَّجْتُ غَيْرَك وَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ ثُمَّ قَالَتْ: كُنْتُ كَاذِبَةً فِيمَا قُلْتُ، لَمْ أَكُنْ تَزَوَّجْتُ؛ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَقَرَّتْ بِدُخُولِ الثَّانِي كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا، وَإِنْ كَانَتْ أَقَرَّتْ بِهِ لَمْ تُصَدَّقْ اهـ وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْفُرْقَةِ وَالتَّوْفِيقِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ لَك مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَابَعَ مَا بَحَثَهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَهُوَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ، وَتَمَامُ عِبَارَتِهَا هَكَذَا: وَنَصَّ فِي الرَّضَاعِ عَلَى أَنَّهَا إذَا قَالَتْ هَذَا ابْنِي رَضَاعًا وَأَصَرَّتْ عَلَيْهِ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ إلَيْهَا. الْوَلْوَالِجيَّةِ وَبِهِ يُفْتَى فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّ لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْهُ هُنَا، وَهَذَا مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ الرَّضَاعِ بِقَوْلِهِ وَمُفَادُهُ إلَخْ وَقَدَّمْنَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ نَقَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ بِلَفْظِ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَوْ ادَّعَتْ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثَ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ حَلَّ لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْهُ. اهـ. وَعَلَّلَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي حَقِّهَا مِمَّا يَخْفَى لِاسْتِقْلَالِ الرَّجُلِ بِهِ فَصَحَّ رُجُوعُهَا اهـ أَيْ صَحَّ فِي الْحُكْمِ، أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ لَوْ كَانَتْ عَالِمَةً بِالطَّلَاقِ فَلَا يَحِلُّ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عَلِمْت أَنَّ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ مَنْقُولٌ لَا بَحْثٌ مِنْهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ طَلَّقَهَا) أَيْ ثَلَاثًا لِأَنَّ مَا دُونَهَا يُمْكِنُ فِيهِ تَجْدِيدُ الْعَقْدِ إلَّا إذَا كَانَ يُنْكِرُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 (لَهَا قَتْلُهُ) بِدَوَاءٍ خَوْفَ الْقِصَاصِ، وَلَا تَقْتُلُ نَفْسَهَا. وَقَالَ الْأُوزَجَنْدِيُّ: تَرْفَعُ الْأَمْرَ لِلْقَاضِي، فَإِنْ حَلَفَ وَلَا بَيِّنَةَ فَالْإِثْمُ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَتَلَتْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا. وَالْبَائِنُ كَالثَّلَاثِ، وَفِيهَا شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَهَا التَّزَوُّجُ بِآخَرَ لِلتَّحْلِيلِ لَوْ غَائِبًا انْتَهَى. قُلْت: يَعْنِي دِيَانَةً. وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْجَوَازِ قُنْيَةٌ، وَفِيهَا: لَوْ لَمْ يَقْدِرْ هُوَ أَنْ يَتَخَلَّصَ عَنْهَا وَلَوْ غَابَ سَحَرَتْهُ وَرَدَّتْهُ إلَيْهَا لَا يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهَا، وَيَبْعُدُ عَنْهَا جُهْدَهُ (وَقِيلَ: لَا) تَقْتُلُهُ، قَائِلُهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ (وَبِهِ يُفْتَى) كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَشَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْمُلْتَقَطِ أَيْ، وَالْإِثْمُ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ. (قَالَ بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ طَلَاقِهِ ثَلَاثًا (كَانَ قَبْلَهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَصَدَّقَتْهُ) الْمَرْأَةُ (فِي ذَلِكَ لَا يُصَدَّقَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُفْتَى بِهِ) كَمَا لَوْ لَمْ تُصَدِّقْهُ هِيَ، وَقِيلَ يُصَدَّقَانِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ قَالَ: كُنْتُ طَلَّقْتُهَا قَبْلَهُمَا وَاحِدَةً أُخِذَ بِالثَّلَاثِ.   [رد المحتار] قَوْلُهُ: لَهَا قَتْلُهُ بِدَوَاءٍ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَيَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَفْتَدِيَ بِمَا لَهَا، أَوْ تَهْرَبَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ قَتَلَتْهُ مَتَى عَلِمَتْ أَنَّهُ يَقْرَبُهَا، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ تَقْتُلَهُ بِالدَّوَاءِ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَقْتُلَ نَفْسَهَا، وَإِنْ قَتَلَتْهُ بِالْآلَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ. اهـ. بَحْرٌ (قَوْلُهُ: فَالْإِثْمُ عَلَيْهِ) أَيْ وَحْدَهُ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الِافْتِدَاءِ، أَوْ الْهَرَبِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَتَلَتْهُ إلَخْ) أَفَادَ إبَاحَةَ الْأَمْرَيْنِ ط (قَوْلُهُ: لَوْ غَائِبًا) تَمَامُ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا لَا لِأَنَّ الزَّوْجَ إنْ أَنْكَرَ اُحْتِيجَ بِالْفُرْقَةِ، وَلَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهَا إلَّا بِحَضْرَةِ الزَّوْجِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْجَوَازِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: وَقَالَ يَعْنِي الْبَدِيعَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عَلَى جَوَابِ شَمْسٍ الْأُوزْجَنْدِيِّ وَنَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ وَالسَّيِّدِ أَبِي شُجَاعٍ وَأَبِي حَامِدٍ وَالسَّرَخْسِيِّ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى جَوَابِ الْبَاقِينَ لَا يَحِلُّ، وَفِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ: إذَا أَخْبَرَهَا ثِقَةٌ أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَهَا وَهُوَ غَائِبٌ وَسِعَهَا أَنْ تَعْتَدَّ وَتَتَزَوَّجَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالدِّيَانَةِ اهـ كَذَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ. قُلْت: هَذَا تَأْيِيدٌ لِقَوْلِ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ: فَإِنَّهُ إذَا حَلَّ لَهَا التَّزَوُّجُ بِإِخْبَارِ ثِقَةٍ فَيَحِلُّ لَهَا التَّحْلِيلُ هُنَا بِالْأَوْلَى إذَا سَمِعَتْ الطَّلَاقَ، أَوْ شَهِدَ بِهِ عَدْلَانِ عِنْدَهَا، بَلْ صَرَّحُوا بِأَنَّ لَهَا التَّزَوُّجَ إذَا أَتَاهَا كِتَابٌ مِنْهُ بِطَلَاقِهَا وَلَوْ عَلَى يَدِ غَيْرِ ثِقَةٍ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا أَنَّهُ حَقٌّ؛ وَظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ جَوَازُهُ فِي الْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ عَلِمَ بِهَا الْقَاضِي يَتْرُكُهَا، فَتَصْحِيحُ عَدَمِ الْجَوَازِ هُنَا مُشْكِلٌ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ فَتَأَمَّلْ، نَعَمْ لَوْ طَلَّقَهَا وَهُوَ مُقِيمٌ مَعَهَا يُعَاشِرُهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ لَيْسَ لَهَا التَّزَوُّجُ لِعَدَمِ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْعِدَّةِ. (قَوْلُهُ: لَا يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهَا) يَنْبَغِي جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ، بَلْ الْقَوْلُ بِقَتْلِهَا هُنَا أَقْرَبُ مِنْ الْقَوْلِ بِقَتْلِهَا لَهُ فِيمَا مَرَّ لِأَنَّهَا سَاحِرَةٌ وَالسَّاحِرُ يُقْتَلُ وَإِنْ تَابَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا تَقْتُلُهُ إلَخْ) نَقَلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَيْضًا الْقَوْلَ الْأَوَّلَ بِقَتْلِهِ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي الْقَاسِمِ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ أَبِي الْحَسَنِ عَطَاءِ بْنِ حَمْزَةَ وَالْإِمَامِ أَبِي شُجَاعٍ، وَنَقَلَهُ عَنْ فَتَاوَى الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ السَّمَرْقَنْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَنَقَلَ أَيْضًا أَنَّ الشَّيْخَ الْإِمَامَ نَجْمَ الدِّينِ كَانَ يَحْكِي قَوْلَ الْإِمَامِ أَبِي شُجَاعٍ وَيَقُولُ إنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ وَلَهُ مَشَايِخُ أَكَابِرُ، وَلَا يَقُولُ مَا يَقُولُ إلَّا عَنْ صِحَّةٍ فَالِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِهِ اهـ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ قَوْلٌ مُعْتَمَدٌ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِتَصِيرَ أَجْنَبِيَّةً لَا يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ. أَقُولُ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ مَعْرُوفًا لِمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ الْعِدَّةِ عَنْ الْقُنْيَةِ أَيْضًا: طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَيَقُولُ: كُنْتُ طَلَّقْتُهَا وَاحِدَةً وَمَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَوْ مُضِيُّهَا مَعْلُومًا عِنْدَ النَّاسِ لَمْ تَقَعْ الثَّلَاثُ وَإِلَّا تَقَعُ، وَلَوْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَ إنْكَارِهِ، فَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ طَلْقَةً لَمْ يُقْبَلْ اهـ (قَوْلُهُ: أُخِذَ بِالثَّلَاثِ) لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الطَّلَاقِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْعِصْمَةِ وَتَطْلُقُ ثَلَاثًا عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ وَاحْتِيَاطًا ط وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 بَابُ الْإِيلَاءِ مُنَاسَبَتُهُ الْبَيْنُونَةُ مَآلًا (هُوَ) لُغَةً الْيَمِينُ. وَشَرْعًا (الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِهَا) مُدَّتَهُ وَلَوْ ذِمِّيًّا (وَالْمُولِي هُوَ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ امْرَأَتِهِ إلَّا بِشَيْءٍ) مُشِقٍّ (يَلْزَمُهُ)   [رد المحتار] [بَابُ الْإِيلَاءِ] (قَوْلُهُ: مُنَاسَبَتُهُ الْبَيْنُونَةُ مَآلًا) أَيْ مُنَاسَبَةُ ذِكْرِ هَذَا الْبَابِ عَقِبَ بَابِ الرَّجْعَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْإِيلَاءَ يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ فِي ثَانِي الْحَالِ كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ. اهـ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ لِلْبَائِنِ الْمَذْكُورِ آخِرَ بَابِ الرَّجْعَةِ فِي قَوْلِهِ وَيَنْكِحُ مُبَانَتَهُ إلَخْ لَكِنَّ فِيهِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ إبْدَاءُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ كُلِّ بَابٍ وَمَا قَبْلَهُ، وَالْبَائِنُ ذُكِرَ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ اسْتِطْرَادًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: هُوَ لُغَةً الْيَمِينُ) وَجَمْعُهُ أَلَايَا وَفِعْلُهُ آلَى يُولِي كَتَصْرِيفِ أَعْطَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا الْحَلِفُ إلَخْ) يَشْمَلُ التَّعْلِيقَ بِمَا يَشُقُّ فَإِنَّهُ يُسَمَّى يَمِينًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي الشَّرْعِ هُوَ الْيَمِينُ عَلَى تَرْكِ قِرْبَانِ الزَّوْجَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بِاَللَّهِ تَعَالَى، أَوْ بِتَعْلِيقِ مَا يَسْتَشِقُّهُ عَلَى الْقِرْبَانِ. قَالَ: وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْكَنْزِ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْحَلِفِ يَتَحَقَّقُ فِي نَحْوِ إنْ وَطِئْتُكِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَغْزُوَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُولِيًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَشُقُّ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ تَعَلَّقَ إشْقَاقُهُ بِعَارِضٍ ذَمِيمٍ مِنْ النَّفْسِ مِنْ الْجُبْنِ وَالْكَسَلِ اهـ وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَمَا أَجَابَ بِهِ فِي الْبَحْرِ رَدَّهُ فِي النَّهْرِ وَشَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ. (قَوْلُهُ: عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ حَالًا أَوْ مَآلًا، كَقَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتُ تَنْجِيزِ الْإِيلَاءِ كَمَا يَأْتِي، فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِ ابْنِ كَمَالٍ إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُقَالَ فِي التَّعْرِيفِ حَاصِلًا فِي النِّكَاحِ، أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ فِي النَّهْرِ شَرْطٌ، وَشَأْنُ الشُّرُوطِ خُرُوجُهَا مِنْ التَّعْرِيفِ اهـ وَدَخَلَ فِي الزَّوْجَةِ - حَالًا - مُعْتَدَّةُ الرَّجْعِيِّ، وَمَا لَوْ آلَى مِنْ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ ثُمَّ أَبَانَهَا بِطَلْقَةٍ ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا أُخْرَى كَمَا سَيَأْتِي. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْقُهُسْتَانِيُّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ آلَى مِنْ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَانْقَضَتْ مُدَّتُهُ لَمْ يَقَعْ. اهـ. قُلْت يُجَابُ بِأَنَّ شِرَاءَهَا فَسْخٌ لِلْعَقْدِ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً وَقْتَهُ، أَوْ بِأَنَّ الشَّرْطَ بَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ أَثَرِهَا كَالْعِدَّةِ وَلَا عِدَّةَ هُنَا، كَمَا لَوْ مَضَتْ عِدَّةُ الْحُرَّةِ قَبْلَ الْمُدَّةِ وَدَخَلَ أَيْضًا الصَّغِيرَةُ وَلَوْلَا تُوطَأُ، وَقَيَّدَ بِالْقُرْبَانِ أَيْ الْوَطْءِ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ كَوَاللَّهِ لَا يَمَسُّ جِلْدِي جِلْدَكِ، أَوْ لَا أَقْرَبُ فِرَاشَكِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْوِ الْوَطْءَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: مُدَّتَهُ) أَيْ الْآتِيَ بَيَانُهَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ ذِمِّيًّا) تَعْمِيمٌ لِفَاعِلِ الْمَصْدَرِ وَهُوَ قُرْبَانُهَا ذَكَرَهُ هُنَا، وَإِنْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ إشَارَةً إلَى دُخُولِهِ فِي التَّعْرِيفِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لِصِحَّةِ حَلِفِهِ وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ كَمَا يَأْتِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَالْمُولِي) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ فَاعِلٌ مِنْ آلَى (قَوْلُهُ: إلَّا بِشَيْءٍ مُشِقٍّ يَلْزَمُهُ) الشَّرْطُ كَوْنُهُ مُشِقًّا فِي نَفْسِهِ كَالْحَجِّ وَنَحْوِهِ كَمَا يَأْتِي، فَخَرَجَ غَيْرُهُ كَالْغَزْوِ وَصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ عَرَضَ إشْقَاقُهُ لِجُبْنٍ، أَوْ كَسَلٍ كَمَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ، وَمِنْ الْمُشِقِّ الْكَفَّارَةُ. وَأَوْرَدَ فِي الْبَحْرِ إيلَاءَ الذِّمِّيِّ بِمَا فِيهِ كَفَّارَةٌ كَوَاللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ بِلَا لُزُومِ كَفَّارَةٍ. وَمَا إذَا قَالَ لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُنَّ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ قِرْبَانُ ثَلَاثٍ مِنْهُنَّ بِلَا شَيْءٍ يَلْزَمُهُ. وَأَجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَا فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ مَا خَلَا عَنْ حِنْثٍ لَزِمَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَحْلِفُ فِي الدَّعَاوَى بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَكِنْ مَنَعَ مِنْ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ مَانِعٌ وَهُوَ كَوْنُهَا عِبَادَةً وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 إلَّا لِمَانِعِ كُفْرٍ. وَرُكْنُهُ الْحَلِفُ (وَشَرْطُهُ مَحَلِّيَّةُ الْمَرْأَةِ) بِكَوْنِهَا مَنْكُوحَةً وَقْتَ تَنْجِيزِ الْإِيلَاءِ، وَمِنْهُ: إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ، وَلَوْ زَادَ وَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ بِالْقُرْبَانِ وَوَقَعَ بَائِنٌ بِتَرْكِهِ (وَأَهْلِيَّةُ الزَّوْجِ لِلطَّلَاقِ) وَعِنْدَهُمَا لِلْكَفَّارَةِ (فَصَحَّ إيلَاءُ الذِّمِّيِّ) بِغَيْرِ مَا هُوَ قُرْبَةٌ. وَفَائِدَتُهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ وَمِنْ شَرَائِطِهِ عَدَمُ النَّقْصِ عَنْ الْمُدَّةِ.   [رد المحتار] قُلْت: وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّ الْإِيلَاءَ وَقَعَ عَلَى جُمْلَةِ الْأَرْبَعِ لَا عَلَى بَعْضِهِنَّ وَلِذَا لَمْ يَحْنَثْ بِقُرْبَانِ الْبَعْضِ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بَلْ بَعْضُهُ كَمَا أَفَادَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَعَمْرًا لَا يَحْنَثُ بِأَحَدِهِمَا مَا لَمْ يُكَلِّمْ الْآخَرَ. وَفِي الْبَدَائِعِ: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَأَمَتِهِ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا لَا يَكُونُ مُولِيًا مِنْ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَقْرَبَ الْأَمَةَ. اهـ. أَيْ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ قُرْبَانُهُمَا فَلَا يَحْنَثُ بِقُرْبَانِ إحْدَاهُمَا، لَكِنْ إذَا قَرِبَهَا تَعَيَّنَ شَرْطُ الْبِرِّ بِالْمَنْعِ عَنْ قِرْبَانِ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ هِيَ الزَّوْجَةَ صَارَ مُولِيًا مِنْهَا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ قَرِبَ الثَّلَاثَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ صَارَ مُولِيًا مِنْ الرَّابِعَةِ. [تَنْبِيهٌ] لَوْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانَهَا بِعِتْقِ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ، أَوْ مَاتَ الْعَبْدُ سَقَطَ الْإِيلَاءُ لِأَنَّهُ صَارَ بِحَالٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِقُرْبَانِهَا، فَلَوْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقُرْبَانِ عَادَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: إلَّا لِمَانِعٍ كَفَّرَ) إشَارَةٌ إلَى مَا مَرَّ عَنْ الْكَافِي. (قَوْلُهُ: وَرُكْنُهُ الْحَلِفُ) أَيْ الْحَلِفُ الْمَذْكُورُ (قَوْلُهُ: بِكَوْنِهَا مَنْكُوحَةً) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا كَمُعْتَدَّةِ الرَّجْعِيِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَشَمِلَ مَا لَوْ أَبَانَهَا بَعْدَهُ ثُمَّ مَضَتْ مُدَّتُهُ فِي الْعِدَّةِ كَمَا مَرَّ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالْإِبَانَةِ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَفِي الْإِيلَاءِ لَا يَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ ابْتِدَاءً وَإِنْ كَانَ يَبْقَى بِدُونِ الْمِلْكِ اهـ فَخَرَجَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ وَالْمُبَانَةُ كَمَا سَيَأْتِي، وَكَذَا الْأَمَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ، {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] وَالزَّوْجَةُ هِيَ الْمَمْلُوكَةُ مِلْكَ النِّكَاحِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ كَوْنِهَا مَنْكُوحَةً وَقْتَ تَنْجِيزِ الْإِيلَاءِ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَهِيَ مَنْكُوحَةٌ وَقْتَ التَّنْجِيزِ ج. (قَوْلُهُ: ثُمَّ تَزَوَّجَهَا) أَيْ بَعْدَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ، وَقَوْلُهُ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ إلَخْ مَعْنَاهُ ثَبَتَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ وَعَمِلَ عَمَلَهُ مِنْ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِالْقُرْبَانِ فِي الْمُدَّةِ وَوُقُوعِ الْبَائِنِ بِتَرْكِ الْقُرْبَانِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا عَلَّقَ الْإِيلَاءَ وَالطَّلَاقَ عَلَى التَّزَوُّجِ نَزَلَا مُرَتَّبِينَ فَنَزَلَ الْإِيلَاءُ قَبْلَ الْبَيْنُونَةِ وَنَزَلَ الطَّلَاقُ عَقِبَهُ وَبَانَتْ بِهِ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَزَوَالِ الْمِلْكِ لَا يَبْطُلُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ فَإِذَا تَزَوَّجَهَا فِي مُدَّتِهِ عَمِلَ عَمَلَهُ، أَمَّا لَوْ قَدَّمَ الطَّلَاقَ عَلَى الْإِيلَاءِ بَطَلَ حُكْمُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ يَنْزِلُ عَقِبَ الْبَيْنُونَةِ وَالْإِيلَاءُ لَا يَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ بِقَوْلِهِ: لَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَيَلْغُو الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ يَنْزِلُ الطَّلَاقُ أَوَّلًا فَتَصِيرُ مُبَانَةً وَعِنْدَهُمَا يَنْزِلْنَ جَمِيعًا، وَلَوْ أَخَّرَ الطَّلَاقَ فَتَزَوَّجَهَا وَقَعَ وَصَحَّ الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَأَهْلِيَّةُ الزَّوْجِ لِلطَّلَاقِ) أَفَادَ اشْتِرَاطَ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ، فَلَا يَصِحُّ إيلَاءُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الطَّلَاقِ، وَيَصِحُّ إيلَاءُ الْعَبْدِ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ كَإِنْ قَرِبْتُكِ فَعَلَيَّ صَوْمٌ، أَوْ حَجٌّ، أَوْ عُمْرَةٌ، أَوْ امْرَأَتِي طَالِقٌ، فَإِنْ حَنِثَ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ، أَوْ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ، فَإِنْ حَنِثَ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ بِالصَّوْمِ، بِخِلَافِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ، مِثْلُ فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ مِلْكِ الْمَالِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: فَصَحَّ إيلَاءُ الذِّمِّيِّ) أَيْ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا، لَكِنْ كُلٌّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِأَنَّهُ إيلَاءٌ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ كَالْحَجِّ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا، وَبِمَا لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ قُرْبَةً كَالْعِتْقِ يَصِحُّ اتِّفَاقًا، وَبِمَا فِيهِ كَفَّارَةٌ كَوَاللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ يَصِحُّ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ مَا هُوَ قُرْبَةٌ) أَيْ مَحْضَةٌ، احْتَرَزَ بِهِ عَنْ نَحْوِ الْحَجِّ وَالصَّوْمِ كَمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ: وَفَائِدَتُهُ إلَخْ) أَيْ إنَّ تَصْحِيحَ إيلَاءِ الذِّمِّيِّ وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ لَهُ فَائِدَةٌ، وَهِيَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِتَرْكِ قُرْبَانِهَا فِي الْمُدَّةِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ شَرَائِطِهِ إلَخْ) وَمِنْهَا أَنْ لَا يُقَيِّدَ بِمَكَانٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ قُرْبَانُهَا فِي غَيْرِهِ، وَأَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا كَأَمَتِهِ أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ امْرَأَتِهِ وَحْدَهَا بِلَا لُزُومِ شَيْءٍ كَمَا مَرَّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 (وَحُكْمُهُ وُقُوعُ طَلْقَةٍ بَائِنَةٍ إنْ بَرَّ) وَلَمْ يَطَأْ (وَ) لَزِمَ (الْكَفَّارَةُ، أَوْ الْجَزَاءُ) الْمُعَلَّقُ (إنْ حَنِثَ) بِالْقُرْبَانِ. (وَ) الْمُدَّةُ (أَقَلُّهَا لِلْحُرَّةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَلِلْأَمَةِ شَهْرَانِ) وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهَا، فَلَا إيلَاءَ بِحَلِفِهِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الْأَقَلَّيْنِ. وَسَبَبُهُ كَالسَّبَبِ فِي الرَّجْعِيِّ. وَأَلْفَاظُهُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ   [رد المحتار] وَأَمَّا اشْتِرَاطُ أَنْ لَا يُقَيِّدَ بِزَمَانٍ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالزَّمَانِ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ فَلَا يَصِحُّ نَفْيُهُ، وَإِنْ أُرِيدَ نَفْيُ مَا دُونَهَا فَهُوَ مَا زَادَهُ الشَّارِحُ فَافْهَمْ، نَعَمْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَسْتَثْنِيَ بَعْضَ الْمُدَّةِ، مِثْلُ لَا أَقْرَبُكِ سَنَةً إلَّا يَوْمًا عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ سَيَأْتِي، وَأَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ عَنْ الْقُرْبَانِ فَقَطْ، لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَلَوْ قَالَ: إنْ قَرِبْتُكِ، أَوْ دَعَوْتُكِ إلَى الْفِرَاشِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَصِيرُ مُولِيًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ بِلَا شَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِأَنْ يَدْعُوَهَا إلَى الْفِرَاشِ فَيَحْنَثَ ثُمَّ يَقْرَبَهَا فِي الْمُدَّةِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ) أَيْ الدُّنْيَوِيُّ، أَمَّا الْأُخْرَوِيُّ فَالْإِثْمُ إنْ لَمْ يَفِئْ إلَيْهَا كَمَا يُفِيدُهُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] وَصَرَّحَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ النُّتَفِ بِأَنَّ الْإِيلَاءَ مَكْرُوهٌ، وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ جَزَاءٌ لِظُلْمِهِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّ الْإِيلَاءَ لَا يَلْزَمُهُ الْمَعْصِيَةُ، إذْ قَدْ يَكُونُ بِرِضَاهَا لِخَوْفِ غَيْلٍ عَلَى الْوَلَدِ وَعَدَمِ مُوَافَقَةِ مِزَاجِهَا وَنَحْوِهِ فَيَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ لِقَطْعِ لِجَاجِ النَّفْسِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَطَأْ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَالْمُرَادُ بِالْوَطْءِ حَقِيقَتُهُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَالْقَوْلِ عِنْدَ الْعَجْزِ، فَالْمُرَادُ وَلَمْ يَفِئْ: أَيْ لَمْ يَرْجِعْ إلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَالْكَفَّارَةُ، أَوْ الْجَزَاءُ) بِالْعَطْفِ بِأَوْ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْوَاوِ مُوَافِقًا لِمَا فِي الدُّرَرِ وَشَرْحِ الْمُصَنِّفِ، وَهِيَ بِمَعْنَى " أَوْ " لِأَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ نَوْعَيْهِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ الْآتِي: فَفِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَفِي غَيْرِهِ وَجَبَ الْجَزَاءُ أَيْ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ كَالْحَجِّ وَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْوَاوِ عَلَى مَعْنَاهَا، إذْ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُ الْكَفَّارَةِ وَالْجَزَاءِ فِي نَحْوِ " وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَإِنْ قَرِبْتُكِ فَعَلَيَّ حَجُّ كَذَا " قِيلَ: وَفِيهِ أَنَّهُمَا إيلَاءٌ أَنْ يَجِبَ بِالْحِنْثِ فِي أَحَدِهِمَا الْكَفَّارَةُ وَفِي الْآخَرِ الْجَزَاءُ وَإِنْ وَقَعَ عِنْدَ الْبِرِّ طَلَاقٌ وَاحِدٌ بِدَلِيلِ مَا قَالُوا فِي: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك إذَا كَرَّرَهُ ثَلَاثًا وَلَمْ يَنْوِ التَّأْكِيدَ أَنَّهُ أَيْمَانٌ ثَلَاثَةٌ يَجِبُ لِكُلٍّ كَفَّارَةٌ وَيَقَعُ بِهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: إنْ حَنِثَ بِالْقُرْبَانِ) أَيْ الْوَطْءِ حَقِيقَةً، فَلَا يَحْنَثُ بِالْفَيْءِ بِاللِّسَانِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْوَطْءِ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَلَوْ وَطِئَ بَعْدَهُ فِي الْمُدَّةِ حَنِثَ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ) لَا خِلَافَ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ فِي غُرَّةِ الشَّهْرِ اُعْتُبِرَتْ مُدَّتُهُ بِالْأَهِلَّةِ، وَلَوْ وَقَعَ فِي بَعْضِهِ فَلَا رِوَايَةَ عَنْ الْإِمَامِ. وَقَالَ الثَّانِي: تُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ. وَعَنْ زُفَرَ اعْتِبَارُ بَقِيَّةِ الشَّهْرِ بِالْأَيَّامِ وَالشَّهْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ بِالْأَهِلَّةِ، وَيُكْمَلُ أَيَّامُ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ بِالْأَيَّامِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الرَّابِعِ نَهْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَلِلْأَمَةِ شَهْرَانِ) يَعُمُّ مَا لَوْ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا، وَلَوْ أُعْتِقَتْ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ بَعْدَ مَا طَلُقَتْ انْتَقَلَتْ إلَى مُدَّةِ الْحَرَائِرِ نَهْرٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: فَلَا إيلَاءَ) أَيْ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ بَدَائِعُ: أَيْ لَا فِي حَقِّ الْحِنْثِ، فَلَوْ قَالَ لِحُرَّةٍ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ، وَلَمْ يَقْرَبْهَا فِيهِمَا لَمْ تَطْلُقْ، وَلَوْ قَرِبَهَا فِيهِمَا حَنِثَ. (قَوْلُهُ: وَسَبَبُهُ كَالسَّبَبِ فِي الرَّجْعِيِّ) وَهُوَ الدَّاعِي مِنْ قِيَامِ الْمُشَاجَرَةِ وَعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ نَهْرٌ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَكَأَنَّهُ خَصَّ الرَّجْعِيَّ لِكَوْنِهِ أَشْبَهَ فِي الْبَيْنُونَةِ مَآلًا عَلَى مَا مَرَّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ) وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ: صَرِيحٌ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ وَكِنَايَةٌ، فَالصَّرِيحُ لَفْظَانِ الْجِمَاعُ وَالنَّيْكُ، أَمَّا الْقُرْبَانُ وَالْمُبَاضَعَةُ وَالْوَطْءُ فَهِيَ كِنَايَاتٌ تَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْأَوْلَى جَعْلُ الْكُلِّ مِنْ الصَّرِيحِ لِأَنَّ الصَّرَاحَةَ مَنُوطَةٌ بِتَبَادُرِ الْمَعْنَى لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً، أَوْ مَجَازًا لَا بِالْحَقِيقَةِ، وَإِلَّا لَوَجَبَ كَوْنُ الصَّرِيحِ لَفْظَ النَّيْكِ فَقَطْ. وَفِي الْبَدَائِعِ: الِافْتِضَاضُ فِي الْبِكْرِ يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ اهـ وَسَتَأْتِي أَلْفَاظُ الْكِنَايَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 (فَ) مِنْ الصَّرِيحِ (لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ) وَكُلِّ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ (لَا أَقْرَبُكِ) لِغَيْرِ حَائِضٍ ذَكَرَهُ سَعْدِيٌّ لِعَدَمِ إضَافَةِ الْمَنْعِ حِينَئِذٍ إلَى الْيَمِينِ (أَوْ) وَاَللَّهِ (لَا أَقْرَبُكِ) لَا أُجَامِعُكِ لَا أَطَؤُكِ لَا أَغْتَسِلُ مِنْكِ مِنْ جَنَابَةٍ (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) وَلَوْ   [رد المحتار] وَفِي الْبَحْرِ: لَوْ ادَّعَى فِي الصَّرِيحِ أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ الْجِمَاعَ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً. الْكِنَايَةُ: كُلُّ لَفْظٍ لَا يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ مَعْنَى الْوِقَاعِ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ، وَلَا يَكُونُ إيلَاءً بِلَا نِيَّةٍ وَيُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ: فَمِنْ الصَّرِيحِ إلَخْ) ذَكَرَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَلْفَاظٍ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ بَقِيَ غَيْرُهَا، فَإِنَّ مِنْهُ قَوْلَهُ لِلْبِكْرِ لَا أَفْتَضُّكِ كَمَا مَرَّ. وَفِي الْمُنْتَفَى: " لَا أَنَامُ مَعَكِ " إيلَاءٌ بِلَا نِيَّةٍ، وَكَذَا لَا يَمَسُّ فَرْجِي فَرْجَكِ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنْ لَا أَبِيتَ مَعَكِ فِي فِرَاشٍ كِنَايَةٌ، وَمَا فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا يَمَسُّ جِلْدِي جِلْدَكِ لَا يَصِيرُ مُولِيًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَلُفَّ ذَكَرَهُ بِشَيْءٍ، أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ. وَظَاهِرُ مَا فِي الْجَوَامِعِ أَنَّهُ لَيْسَ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً. قُلْت: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مَا فِي الْمُنْتَقَى مِنْ أَنَّ اللَّفْظَيْنِ مِنْ الصَّرِيحِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الصَّرَاحَةَ مَنُوطَةٌ بِتَبَادُرِ الْمَعْنَى وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِكَ: فُلَانٌ نَامَ مَعَ زَوْجَتِهِ هُوَ الْوَطْءُ، نَعَمْ لَا يَتَبَادَرُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِكَ: بَاتَ مَعَهَا فِي فِرَاشٍ وَتَبْقَى الْمُخَالَفَةُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَسِّ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْإِمْكَانِ لَا يُنَافِي التَّبَادُرَ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْمُبَاضَعَةُ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى وَضْعِ الْبُضْعِ عَلَى الْبُضْعِ أَيْ الْفَرْجِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْجِمَاعُ، وَكَذَا الِافْتِضَاضُ: أَيْ إزَالَةُ الْبَكَارَةِ يُمْكِنُ بِأُصْبُعٍ وَنَحْوِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ إلَخْ) قَيَّدَ بِالْقَسَمِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: لَا أَقْرَبُكِ وَلَمْ يَقُلْ وَاَللَّهِ لَا يَكُونُ مُولِيًا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ بَحْرٌ: أَيْ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لُزُومِ مَا يَشُقُّ. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ) " كُلُّ " مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ تَقْدِيرُهُ كَذَلِكَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ وَاَللَّهِ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ كَقَوْلِهِ تَاللَّهِ، وَعَظَمَةِ اللَّهِ، وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ، فَخَرَجَ مَا لَا يَنْعَقِدُ بِهِ كَقَوْلِهِ وَعِلْمِ اللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ، وَعَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى وَسَخَطُهُ إنْ قَرِبْتُكِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا أَقْرَبُكِ) أَيْ بِلَا بَيَانِ مُدَّةٍ، أَشَارَ إلَى أَنَّهُ كَالْمُؤَقَّتِ بِمُدَّةِ الْإِيلَاءِ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ كَالتَّأْبِيدِ، وَمِثْلُهُ لَوْ جَعَلَ لَهُ غَايَةً لَا يُرْجَى وُجُودُهَا فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ، كَقَوْلِهِ فِي رَجَبٍ لَا أَقْرَبُكِ حَتَّى أَصُومَ الْمُحَرَّمَ، وَكَقَوْلِهِ إلَّا فِي مَكَانِ كَذَا، أَوْ حَتَّى تَفْطِمِي وَلَدَكِ وَبَيْنَهُمَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ، وَلَوْ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا. وَكَذَا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَوْ حَتَّى تَخْرُجَ الدَّابَّةُ أَوْ الدَّجَّالُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ لِلتَّأْبِيدِ، وَكَذَا إنْ كَانَ يُرْجَى وُجُودُهَا فِي مُدَّتِهِ، لَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ النِّكَاحِ مَعَهُ كَحَتَّى تَمُوتِي، أَوْ أَمُوتَ، أَوْ أُطَلِّقَكِ ثَلَاثًا، أَوْ حَتَّى أَمْلِكَكِ أَوْ أَمْلِكَ شِقْصًا مِنْكِ وَهِيَ أَمَةٌ، وَإِنْ تُصُوِّرَ بَقَاؤُهُ كَحَتَّى أَشْتَرِيَكِ لَا يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّ مُطْلَقَ الشِّرَاءِ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِيهَا لِغَيْرِهِ. وَلَوْ زَادَ لِنَفْسِي فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الشِّرَاءُ فَاسِدًا لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالْقَبْضِ. حَتَّى لَوْ قَالَ لِنَفْسِي وَأَقْبِضُكِ كَانَ مُولِيًا فَيَصِيرُ تَقْدِيرُهُ لَا أَقْرَبُكِ مَا دُمْتِ فِي نِكَاحِي، وَلَوْ قَالَ حَتَّى أُعْتِقَ عَبْدِي، أَوْ أُطَلِّقَ زَوْجَتِي فَهُوَ إيلَاءٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِهِ فِي حَتَّى أَدْخُلَ الدَّارَ، أَوْ أُكَلِّمَ زَيْدًا كَمَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لِغَيْرِ حَائِضٍ إلَخْ) فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا لِلشَّامِلِ: حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا وَهِيَ حَائِضٌ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا لِأَنَّ الزَّوْجَ مَمْنُوعٌ عَنْ الْوَطْءِ بِالْحَيْضِ فَلَا يَصِيرُ الْمَنْعُ مُضَافًا لِلْيَمِينِ اهـ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الصَّرِيحَ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لَا يَقَعُ بِهِ لِوُجُودِ صَارِفٍ كَذَا فِي الْبَحْرِ، وَقَيَّدَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بَحْثًا بِمَا ذَكَرَهُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِحَيْضِهَا. وَفَصَّلَ سَعْدِيٌّ فِي حَوَاشِي الْعِنَايَةِ بِحَمْلِ مَا فِي الشَّامِلِ عَلَى مَا إذَا قَالَ: لَا أَقْرَبُكِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِمُدَّةٍ أَمَّا لَوْ قَالَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا وَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ هُنَا لِغَيْرِ حَائِضٍ، وَقَوْلُهُ: بَعْدَهُ فِي الْمُقَيَّدِ وَلَوْ لِحَائِضٍ. وَأَوْضَحَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ إذَا قَيَّدَهُ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يَكُونُ قَرِينَةً عَلَى إضَافَةِ الْمَنْعِ إلَى الْيَمِينِ. اهـ. أَقُولُ: هَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الشَّامِلِ وَهِيَ حَائِضٌ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الزَّوْجِ، لَكِنْ ذَكَرَ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ حَالٌ مِنْ مَفْعُولِ يَقْرَبُهَا لَا مِنْ فَاعِلِ حَلَفَ أَيْ فَهُوَ مِنْ كَلَامِ الزَّوْجِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 لِحَائِضٍ لِتَعْيِينِ الْمُدَّةِ (أَوْ إنْ قَرِبْتُكِ فَعَلَيَّ حَجٌّ، أَوْ نَحْوُهُ) مِمَّا يَشُقُّ، بِخِلَافِ فَعَلَيَّ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ فَلَيْسَ بِمُولٍ لِعَدَمِ مَشَقَّتِهِمَا، بِخِلَافِ فَعَلَيَّ مِائَةُ رَكْعَةٍ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ مُولِيًا بِمِائَةِ خَتْمَةٍ، أَوْ اتِّبَاعِ مِائَةِ جِنَازَةٍ وَلَمْ أَرَهُ (أَوْ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ) وَمِنْ الْكِنَايَةِ لَا أَمَسُّكِ لَا آتِيكِ لَا أَغْشَاكِ لَا أَقْرَبُ فِرَاشَكِ لَا أَدْخُلُ عَلَيْكِ،   [رد المحتار] قُلْت: وَرُبَّمَا أَفَادَهُ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا وَهِيَ حَائِضٌ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَإِنْ حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى تَفْعَلَ شَيْئًا تَقْدِرُ عَلَى فِعْلِهِ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَإِنْ تَأَخَّرَ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَمْ يَضُرَّهُ اهـ فَقَوْلُهُ: حَتَّى تَفْعَلَ مِنْ كَلَامِ الزَّوْجِ قَطْعًا، فَكَذَا قَوْلُهُ: وَهِيَ حَائِضٌ، وَقَدْ أَفَادَ عِلَّتَهُ بِمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ، وَهِيَ أَنَّ مُدَّةَ الْحَيْضِ يُمْكِنُ مُضِيُّهَا قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَا يَصِيرُ مُولِيًا وَإِنْ زَادَتْ عَلَيْهَا، وَيُؤَيِّدُهُ تَعْلِيلُ الْوَلْوَالِجِيِّ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ عَنْ قُرْبَانِهَا فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ وَأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. اهـ. وَلَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مَا مَرَّ مِنْ كَوْنِ الزَّوْجِ مَمْنُوعًا عَنْ الْوَطْءِ بِالْحَيْضِ إلَخْ لَكَانَ الْوَاجِبُ ذِكْرَ ذَلِكَ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ الْإِيلَاءِ، بِأَنْ يُقَالَ: يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ أَنْ لَا يَكُونَ الزَّوْجُ مَمْنُوعًا عَنْ وَطْئِهَا وَقْتَ الْإِيلَاءِ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَتْ مُحْرِمَةً، أَوْ مُعْتَكِفَةً، أَوْ صَائِمَةً أَوْ مُصَلِّيَةً مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ يَصِحُّ الْإِيلَاءُ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَرَمِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَلَا يَكُونُ فَيْؤُهُ بِاللِّسَانِ بَلْ بِالْجِمَاعِ، لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ وَهُوَ لَا يُسْقِطُ حَقَّهَا فِي الْجِمَاعِ، فَقَدْ صَحَّ الْإِيلَاءُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ قُرْبَانِهَا شَرْعًا فِي مُدَّةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَفِي حَالَةِ الْحَيْضِ يَصِحُّ بِالْأَوْلَى، فَمَا كَانَ الْجَوَابُ عَنْ حَالَةِ الْإِحْرَامِ فَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ حَالَةِ الْحَيْضِ، فَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَقَامِ وَالسَّلَامُ. (قَوْلُهُ: لِتَعْيِينِ الْمُدَّةِ) أَيْ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمُدَّةِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ لِلْيَمِينِ لَا لِلْحَيْضِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرْهَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوُهُ مِمَّا يَشُقُّ) كَقَوْلِهِ فَعَلَيَّ عُمْرَةٌ، أَوْ صَدَقَةٌ، أَوْ صِيَامٌ، أَوْ هَدْيٌ أَوْ اعْتِكَافٌ، أَوْ يَمِينٌ، أَوْ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، أَوْ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ الزَّوْجَةُ أُخْرَى، أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ، أَوْ فَعَلَيَّ عِتْقُ عَبْدٍ مِنْهُمْ أَوْ فَعَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ بِخِلَافِ صَوْمِ هَذَا الشَّهْرِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا بَعْدَ مُضِيِّهِ بِلَا شَيْءٍ يَلْزَمُهُ، وَلَوْ قَالَ فَعَلَيَّ اتِّبَاعُ جِنَازَةٍ، أَوْ سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ، أَوْ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، أَوْ تَسْبِيحَةٌ أَوْ صَلَاةٌ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا. وَفِي الذَّخِيرَةِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهَا تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَأَشَارَ فِي الْفَتْحِ إلَى الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى لُزُومِ مَا يَشُقُّ لَا عَلَى صِحَّةِ النَّذْرِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُولِيًا بِالتَّعْلِيقِ عَلَى صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَسْقُطُ النَّذْرُ بِصَلَاتِهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ مَشَقَّتِهِمَا) أَيْ وَإِنْ لَزِمَاهُ بِالْحِنْثِ لِصِحَّةِ النَّذْرِ بِهِمَا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الْمَشَقَّةُ الْعَارِضَةُ بِنَحْوِ كَسَلٍ كَمَا لَا تُعْتَبَرُ الْعَارِضَةُ بِالْجُبْنِ فِي نَحْوِ فَعَلَيَّ غَزْوٌ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَقِيَاسُهُ إلَخْ) هَذَا الْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ، وَهُوَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُولِيَ هُوَ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ زَوْجَتِهِ إلَّا بِشَيْءٍ مُشِقٍّ يَلْزَمُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ لَازِمًا وَكَوْنِهِ مُشِقًّا وَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَتَكْفِينِ الْمَوْتَى كَمَا فِي أَيْمَانِ الْقُهُسْتَانِيِّ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ أَمْكَنَهُ قُرْبَانُهَا بِلَا شَيْءٍ يَلْزَمُهُ أَصْلًا، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ قَرِبْتُكِ فَعَلَيَّ أَلْفُ وُضُوءٍ فَلَا يَكُونُ مُولِيًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَوْ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ) كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ، أَوْ نَحْوُهُ فَإِنْ قَرِبَهَا تَطْلُقُ رَجْعِيَّةً وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مُشِقٌّ كَمَا أَفَادَهُ ط وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْعَبْدَ سَقَطَ الْإِيلَاءُ وَلَوْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ عَادَ، وَلَوْ قَالَ فَعَلَيَّ ذَبْحُ وَلَدِي يَصِحُّ، وَيَلْزَمُهُ بِالْحِنْثِ ذَبْحُ شَاةٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْكِنَايَةِ إلَخْ) وَمِنْهَا لَا أَجْمَعُ رَأْسِي وَرَأْسَكِ لَا أَلْمِسُكِ، لَا أُضَاجِعُكِ، لَأَغِيظَنَّكِ، لَأَسُوأَنَّكِ فَتْحٌ، وَالْأَخِيرَانِ بِاللَّامِ الْجَوَابِيَّةِ. وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ عَدَّ مِنْهَا فِي الْبَدَائِعِ الدُّنُوَّ وَكَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 وَمِنْ الْمُؤَبَّدِ نَحْوُ حَتَّى تَخْرُجَ الدَّابَّةُ أَوْ الدَّجَّالُ، أَوْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا (فَإِنْ قَرِبَهَا فِي الْمُدَّةِ) ، وَلَوْ مَجْنُونًا (حَنِثَ) وَحِينَئِذٍ (فَفِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ، وَفِي غَيْرِهِ وَجَبَ الْجَزَاءُ وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ) لِانْتِهَاءِ الْيَمِينِ (وَإِلَّا) يَقْرَبْهَا (بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ) بِمُضِيِّهَا، وَلَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَ مُضِيِّهَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ (وَسَقَطَ الْحَلِفُ لَوْ) كَانَ (مُؤَقَّتًا) وَلَوْ بِمُدَّتَيْنِ إذْ بِمُضِيِّ الثَّانِيَةِ تَبِينُ بِثَانِيَةٍ وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ (لَا لَوْ كَانَ مُؤَبَّدًا) وَكَانَتْ طَاهِرَةً كَمَا مَرَّ. وَفَرَّعَ عَلَيْهِ (فَلَوْ نَكَحَهَا ثَانِيًا وَثَالِثًا وَمَضَتْ الْمُدَّتَانِ بِلَا فَيْءٍ) أَيْ قُرْبَانٍ (بَانَتْ بِأُخْرَيَيْنِ) وَالْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ   [رد المحتار] لَا أَبِيتُ مَعَكِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْأَخِيرِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمُؤَبَّدِ إلَخْ) لِأَنَّهُ يُذْكَرُ فِي الْعُرْفِ لِلتَّأْبِيدِ. وَلِأَنَّ لَهُ أَمَارَاتٍ سَابِقَةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي مُدَّةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي لَا لَوْ كَانَ مُؤَبَّدًا كَمَا فَعَلَ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَرِبَهَا فِي الْمُدَّةِ إلَخْ) إنَّمَا ذَكَرَهُ وَإِنْ أَغْنَى عَنْهُ قَوْلُهُ: سَابِقًا وَحُكْمُهُ إلَخْ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ ط (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَجْنُونًا) لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ تُعْتَبَرُ وَقْتَ الْحَلِفِ لَا وَقْتَ الْحِنْثِ (قَوْلُهُ: وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ) وَلَوْ كَفَّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ لَا تُعْتَبَرُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَجَبَ الْجَزَاءُ) سَيَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ فِي مِثْلِهِ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَهُ مِنْ النَّذْرِ، أَوْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ رَحْمَتِيٌّ أَيْ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. وَهَذَا إنْ بَقِيَ الْإِيلَاءُ، فَلَوْ سَقَطَ بِمَوْتِ الْعَبْدِ الْمَحْلُوفِ بِعِتْقِهِ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ كَمَا عَلِمْتَ (قَوْلُهُ: وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ) عَطْفٌ عَلَى " حَنِثَ "، فَلَوْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ بِالْحِنْثِ، سَوَاءٌ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ أَطْلَقَ أَوْ عَلَى الْأَبَدِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ) أَيْ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَوْلُهُ: بِمُضِيِّهَا: أَيْ بِسَبَبِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى إنْشَاءِ تَطْلِيقٍ، أَوْ الْحُكْمِ بِالتَّفْرِيقِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ ادَّعَاهُ) أَيْ الْقُرْبَانَ فِي الْمُدَّةِ (قَوْلُهُ: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ: إلَّا بِبَيِّنَةٍ) أَيْ عَلَى إقْرَارِهِ فِي الْمُدَّةِ أَنَّهُ جَامَعَهَا بَحْرٌ لِأَنَّهُ فِي الْمُدَّةِ يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ فَيَمْلِكُ الْإِخْبَارَ فَصَحَّ إشْهَادُهُ عَلَيْهِ. وَتَقَدَّمَ فِي الرَّجْعَةِ نَظِيرُهُ وَأَنَّهُ مِنْ أَعْجَبِ الْمَسَائِلِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِمُدَّتَيْنِ إلَخْ) بِأَنْ حَلَفَ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى تَبَعًا لِلْقُهُسْتَانِيِّ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مِنْ قَوْلِهِ: وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ لَوْ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى مُدَّتَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ لَا يَسْقُطُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ إذْ بِمُضِيِّ الثَّانِيَةِ تَبِينُ بِثَانِيَةٍ، لَكِنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ أَنَّهُ يَسْقُطُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّتَيْنِ (قَوْلُهُ: تَبِينُ بِثَانِيَةٍ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى غَيْرِ الْأَصَحِّ الْآتِي فِي الْمُؤَبَّدِ إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ رَأَيْت الْقُهُسْتَانِيَّ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ: أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْمُدَّتَيْنِ إذَا بَانَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا ثُمَّ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أُخْرَى بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ أُخْرَى وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ. اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ سَنَةً فَمَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَبَانَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَمَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أُخْرَى بَانَتْ أَيْضًا فَإِنْ تَزَوَّجَهَا ثَالِثًا لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ بَعْدَ التَّزَوُّجِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ: لَا لَوْ كَانَ مُؤَبَّدًا) أَيْ لَا يَسْقُطُ الْحَلِفُ: أَيْ الْإِيلَاءُ لَوْ كَانَ مُؤَبَّدًا، قَالَ فِي الْفَتْحِ: هُوَ أَنْ يُصَرِّحَ بِلَفْظِ الْأَبَدِ، أَوْ يُطْلِقَ فَيَقُولَ: لَا أَقْرَبُكِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ حَائِضًا فَلَيْسَ بِمُولٍ أَصْلًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَانَتْ طَاهِرَةً) هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْفَتْحِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَائِضًا وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فِيهِ مِمَّا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَفَرَّعَ عَلَيْهِ فَلَوْ نَكَحَهَا) أَيْ فَرَّعَ هَذَا الْكَلَامَ، وَضَمِيرُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ لَا لَوْ كَانَ مُؤَبَّدًا. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ بِدُونِ تَزَوُّجٍ لِعَدَمِ مَنْعِ حَقِّهَا، وَقِيلَ لَوْ بَانَتْ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِالْإِيلَاءِ ثُمَّ مَضَتْ أَرْبَعَةٌ أُخْرَى وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَتْ أُخْرَى، فَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعَةٌ أُخْرَى وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَتْ أُخْرَى، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ جَزَاءُ الظُّلْمِ، وَلَيْسَ لِلْمُبَانَةِ حَقٌّ فَلَا يَكُونُ ظَالِمًا كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، وَوَافَقَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ (قَوْلُهُ: وَالْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ) سَوَاءٌ كَانَ التَّزَوُّجُ فِي الْعِدَّةِ، أَوْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا قَالَ فِي النَّهْرِ: وَاخْتُلِفَ فِي اعْتِبَارِ ابْتِدَاءِ مُدَّتِهِ. فَفِي الْهِدَايَةِ: وَعَلَيْهِ جَرَى فِي الْكَافِي أَنَّهَا مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 (فَإِنْ نَكَحَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَمْ تَطْلُقْ) لِانْتِهَاءِ هَذَا الْمِلْكِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ بِمَا دُونَ ثَلَاثٍ، أَوْ أَبَانَهَا تَنْجِيزُ الطَّلَاقِ ثُمَّ عَادَتْ بِثَلَاثٍ يَقَعُ بِالْإِيلَاءِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْهَدْمِ (وَإِنْ وَطِئَهَا) بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ (كَفَّرَ) لِبَقَاءِ الْيَمِينِ لِلْحِنْثِ. (وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ وَشَهْرَيْنِ بَعْدَ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ) إيلَاءٌ (لِتَحَقُّقِ) الْمُدَّةِ. .   [رد المحتار] وَقَيَّدَ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ تَبَعًا لِلتُّمُرْتَاشِيِّ والمرغيناني بِمَا إذَا كَانَ التَّزَوُّجُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. فَإِنْ كَانَ فِيهَا اُعْتُبِرَ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِتَكَرُّرِ الطَّلَاقِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ وَقَدْ مَرَّ ضَعْفُهُ قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَالْأَوَّلُ الْإِطْلَاقُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ ح (قَوْلُهُ: فَإِنْ نَكَحَهَا) أَيْ الْمُولِي الَّذِي انْتَهَى مِلْكُهُ بِالثَّلَاثِ ح أَيْ نَكَحَهَا قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ وَكَذَا بَعْدَهُ وَلَكِنَّهَا مَسْأَلَةُ الْهَدْمِ الْآتِيَةُ (قَوْلُهُ: لِانْتِهَاءِ هَذَا الْمِلْكِ) فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَرْعُ مَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالدُّخُولِ مَثَلًا ثُمَّ نَجَّزَ الثَّلَاثَ فَتَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ ثُمَّ أَعَادَهَا فَدَخَلَتْ لَا تَطْلُقُ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَكَذَا لَوْ آلَى مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بَطَلَ الْإِيلَاءُ، حَتَّى لَوْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فِي الْإِيلَاءِ الْمُؤَبَّدِ لَا يَعُودُ الْإِيلَاءُ خِلَافًا لَهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِتَنْجِيزِ الطَّلَاقِ) أَيْ بِتَنْجِيزِ طَلْقَةٍ أَوْ طَلْقَتَيْنِ ح (قَوْلُهُ: ثُمَّ عَادَتْ بِثَلَاثٍ) بِأَنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا إنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ وَيُثْبِتُ حِلًّا جَدِيدًا فَتَعُودُ لِلْأَوَّلِ بِثَلَاثٍ لَا بِمَا بَقِيَ (قَوْلُهُ: يَقَعُ بِالْإِيلَاءِ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى الثَّلَاثِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الطَّلَاقِ الثَّلَاثَ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ " تَقَعُ " - بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ - يَعْنِي تَطْلُقُ كُلَّمَا مَضَى عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهَا حَتَّى تَبِينَ بِثَلَاثٍ، كَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ وَالتَّبْيِينِ قُلْت: وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ كُلِّ مُدَّةٍ عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ لِيَكُونَ الطَّلَاقُ جَزَاءَ الظُّلْمِ كَمَا مَرَّ وَكَأَنَّهُمْ أَطْلَقُوهُ هُنَا لِقُرْبِ الْعَهْدِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَعِنْدَهُ لَا تَقَعُ الثَّلَاثُ بَلْ مَا بَقِيَ مِنْ وَاحِدَةٍ، أَوْ ثِنْتَيْنِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ إنَّ الثَّانِيَ لَا يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ هَذَا الْبَابِ وَمَرَّ اعْتِمَادُ قَوْلِهِ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ) مُكَرَّرٌ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَبْلُ، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ وَكَفَّرَ إنْ وَطِئَ لِيَكُونَ عَطْفًا عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: لَمْ تَطْلُقْ (قَوْلُهُ: لِبَقَاءِ الْيَمِينِ لِلْحِنْثِ) أَيْ لِحَقِّ الْحِنْثِ وَإِنْ لَمْ تَبْقَ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: لَا أَقْرَبُكِ لَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُولِيًا، وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ إذَا قَرِبَهَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: بَعْدَ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ) قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ شَهْرَيْنِ وَشَهْرَيْنِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّبْيِينِ ح وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ: لِتَحَقُّقِ الْمُدَّةِ) أَيْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا يَوْمَيْنِ وَيَوْمَيْنِ كَانَ كَقَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ مَتَى عَطَفَ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ حَرْفِ النَّفْيِ وَلَا تَكْرَارِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينًا وَاحِدًا، وَلَوْ أَعَادَ حَرْفَ النَّفْيِ أَوْ كَرَّرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينَيْنِ وَتَتَدَاخَلُ مُدَّتُهُمَا. بَيَانُهُ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا يَوْمَيْنِ وَلَا يَوْمَيْنِ يَكُونُ يَمِينَيْنِ وَمُدَّتُهُمَا وَاحِدَةٌ، حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، أَوْ الثَّانِي يَحْنَثُ فِيهِمَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ، وَإِنْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا يَحْنَثُ لِانْقِضَاءِ مُدَّتِهِمَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا يَوْمَيْنِ، وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا يَوْمَيْنِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 (وَلَوْ مَكَثَ يَوْمًا) أَرَادَ بِهِ مُطْلَقَ الزَّمَانِ إذْ السَّاعَةُ كَذَلِكَ بَحْرٌ (ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ) لَمْ يَكُنْ مُولِيًا (قَالَ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ) ، أَوْ لَا لِنَقْصِ الْمُدَّةِ لَكِنْ إنْ قَالَهُ اتَّحَدَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا تَعَدَّدَتْ (أَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ سَنَةً   [رد المحتار] يَوْمَيْنِ وَيَوْمَيْنِ كَانَ يَمِينًا وَاحِدًا وَمُدَّتُهُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ، حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِيهِمَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ كَانَتْ يَمِينًا وَاحِدَةً إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِيهَا تَجِبُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمَيْنِ يَكُونُ يَمِينَيْنِ فَمُدَّةُ الْأُولَى يَوْمٌ وَمُدَّةُ الثَّانِيَةِ يَوْمَانِ، حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا يَحْنَثُ لِانْقِضَاءِ مُدَّتِهِمَا، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبِكِ شَهْرَيْنِ وَلَا شَهْرَيْنِ، أَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ لَا يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّهُمَا يَمِينَانِ فَتَتَدَاخَلُ مُدَّتُهُمَا، حَتَّى لَوْ قَرِبَهَا قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرَيْنِ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ، وَلَوْ قَرِبَهَا بَعْدَ مُضِيِّهِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِانْقِضَاءِ مُدَّتِهِمَا زَيْلَعِيٌّ. قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ بِإِعَادَةِ حَرْفِ النَّفْيِ، أَوْ بِتَكْرَارِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَتَى كَانَتْ الْيَمِينُ مُتَعَدِّدَةً كَانَتْ الْمُدَّةُ مُتَّحِدَةً: أَيْ تَكُونُ الْمُدَّةُ فِي الْيَمِينِ الْأُولَى دَاخِلَةً فِي مُدَّةِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ، وَمَتَى كَانَتْ الْيَمِينُ مُتَّحِدَةً كَانَتْ الْمُدَّةُ مُتَعَدِّدَةً: أَيْ تَكُونُ الْمُدَّةُ الثَّانِيَةُ غَيْرَ الْأُولَى، وَقَدْ تَتَعَدَّدُ الْمُدَّةُ مَعَ تَعَدُّدِ الْيَمِينِ بِأَنْ نَصَّ عَلَى مُغَايَرَةِ الْمُدَّةِ الْمُدَّةَ فَيَجِبُ فِي كُلِّ مُدَّةٍ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا يَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَكَثَ يَوْمًا) يَعْنِي بَعْدَ قَوْلِهِ " وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ " (قَوْلُهُ: إذْ السَّاعَةُ كَذَلِكَ) أَيْ الزَّمَانِيَّةُ، فَالْمُرَادُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ الْحَلِفَيْنِ بِفَاصِلٍ (قَوْلُهُ: قَالَ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَوَّلًا) أَيْ إنَّ التَّقْيِيدَ بِالظَّرْفِ هُنَا اتِّفَاقِيٌّ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى (قَوْلُهُ: لِنَقْصِ الْمُدَّةِ) أَيْ بِقَدْرِ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْحَلِفَيْنِ وَهُوَ الْيَوْمُ مَثَلًا لِأَنَّ مُدَّةَ الِامْتِنَاعِ عَنْ قُرْبَانِهَا فِي الْحَلِفِ الْأَوَّلِ شَهْرَانِ وَفِي الثَّانِي شَهْرَانِ بَعْدَهُمَا، وَبَيْنَ الْحَلِفَيْنِ مُدَّةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ بِقُرْبَانِهَا فِيهَا فَلَمْ تُوجَدْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فِيهَا لَا فَاصِلَ بَيْنَهُمَا كَمَا مَرَّ، وَهَذَا إنْ قَالَ هُنَا بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى تَغَايُرِ الْمُدَّةِ وَإِنْ تَعَدَّدَ الْقَسَمُ، أَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْهُ تَتَّحِدُ الْمُدَّةُ لِتَعَدُّدِ الْقَسَمِ بِتَكْرَارِ اسْمِهِ تَعَالَى بِلَا مُوجِبٍ لِتَعَدُّدِ الْمُدَّةِ فَلَمْ تُوجَدْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: لَكِنْ إنْ قَالَهُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ ذِكْرِ الظَّرْفِ وَعَدَمِهِ أَيْ إنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا وَلَكِنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَفَادَهَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ، وَهِيَ أَنَّهُ إنْ قَالَهُ تَتَعَيَّنُ مُدَّةُ الْيَمِينِ الثَّانِيَةُ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ: أَيْ تَصِيرُ مُرَادَةً بِعَيْنِهَا غَيْرَ دَاخِلَةٍ فِيمَا قَبْلَهَا، وَعَبَّرَ الشَّارِحُ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ اتَّحَدَتْ الْكَفَّارَةُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ فِي الْفَتْحِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ: فَلَوْ قَرِبَهَا فِي الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَذَا فِي الشَّهْرَيْنِ الْآخَرَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ عَلَى الشَّهْرَيْنِ يَمِينَانِ بَلْ عَلَى كُلِّ شَهْرَيْنِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ. اهـ. وَمَا تَوَارَدَ عَلَيْهِ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالْقُرْبَانِ كَفَّارَتَانِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّهُ خَطَأٌ لِمَا عَلِمْتَ. قَالَ فِي النَّهْرِ: لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِكُلِّ يَمِينٍ مُدَّةٌ عَلَى حِدَةٍ فَلَا تَدَاخُلَ بَيْنَ الْمُدَّتَيْنِ حَتَّى تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَتَانِ، إلَّا أَنْ يُرَادَ الْقُرْبَانُ فِي مُدَّتَيْهِمَا، كَذَا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ. وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا الْحَلَّ مِمَّا يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ. اهـ. قُلْت: وَمَا وَقَعَ فِي الْفَتْحِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَكِنْ تَتَدَاخَلُ الْمُدَّتَانِ، فَلَوْ قَرِبَهَا فِي الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إلَخْ سَبْقُ قَلَمٍ، وَصَوَابُهُ لَا تَتَدَاخَلُ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ الْمَعْنَى الْكَلَامِ وَلَوَاحِقَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 إلَّا يَوْمًا) لَمْ يَكُنْ مُولِيًا لِلْحَالِ بَلْ إنْ قَرِبَهَا وَبَقِيَ مِنْ السَّنَةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ صَارَ مُولِيًا وَإِلَّا لَا، وَلَوْ حَذَفَ " سَنَةً " لَمْ يَكُنْ مُولِيًا حَتَّى يَقْرَبَهَا فَيَصِيرَ مُولِيًا وَلَوْ زَادَ: إلَّا يَوْمًا أَقْرَبُكِ فِيهِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا أَبَدًا لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى كُلَّ يَوْمٍ يَقْرَبُهَا فِيهِ فَلَمْ يُتَصَوَّرْ مَنْعُهُ أَبَدًا (أَوْ قَالَ - وَهُوَ بِالْبَصْرَةِ -: وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ مَكَّةَ وَهِيَ بِهَا لَا) يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْهَا فَيَطَأَهَا. (آلَى مِنْ الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا صَحَّ) لِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ،   [رد المحتار] تَدُلُّ عَلَيْهِ، وَكَذَا صَرِيحُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ النَّهْرِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ تَصِيرُ مُدَّتُهُمَا وَاحِدَةً وَتَتَأَخَّرُ الثَّانِيَةُ عَنْ الْأُولَى بِيَوْمٍ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَعَبَّرَ الشَّارِحُ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ وَإِلَّا تَعَدَّدَتْ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ تَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ فِي الْفَتْحِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا لِتَدَاخُلِ الْمُدَّتَيْنِ فَتَتَأَخَّرُ الْمُدَّةُ الثَّانِيَةُ عَنْ الْأُولَى بِيَوْمٍ وَاحِدٍ، أَوْ سَاعَةٍ بِحَسَبِ مَا فَصَلَ بَيْنَ الْيَمِينَيْنِ. فَالْحَاصِلُ مِنْ الْيَمِينَيْنِ الْحَلِفُ عَلَى شَهْرَيْنِ وَيَوْمٍ، أَوْ سَاعَةٍ عَلَى حَسَبِ الْفَاصِلِ اهـ. قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ ثُمَّ بَعْدَ يَوْمٍ مَثَلًا قَالَ كَذَلِكَ اتَّحَدَتْ الْمُدَّتَانِ لِتَعَدُّدِ الْقَسَمِ كَمَا مَرَّ لَكِنَّ الْيَوْمَ الْفَاصِلَ بَيْنِ الْيَمِينَيْنِ دَخَلَ فِي الْيَمِينِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ فَلَزِمَ تَكْمِيلُ الشَّهْرَيْنِ فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ بِزِيَادَةِ يَوْمٍ عَلَى الشَّهْرَيْنِ، وَهَذَا الْيَوْمُ الزَّائِدُ دَخَلَ فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى عَكْسَ الْيَوْمِ الْفَاصِلِ، وَلَزِمَ مِنْ هَذَا تَدَاخُلُ الْمُدَّتَيْنِ مَا عَدَا الْيَوْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ عَلَيْهِمَا يَمِينَانِ، فَلَوْ قَرِبَهَا فِي أَحَدِهِمَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ لِدُخُولِهَا تَحْتَ الْيَمِينَيْنِ فَتَتَعَدَّدُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ. هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَقَامِ. (قَوْلُهُ: إلَّا يَوْمًا) مِثْلُهُ السَّاعَةُ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ مُولِيًا لِلْحَالِ) لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى يَوْمًا مُنَكَّرًا فَيَصْدُقُ عَلَى كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ السَّنَةِ حَقِيقَةً فَيُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ، وَصَرْفُهُ إلَى الْأَخِيرِ - كَمَا يَقُولُهُ زُفَرُ - إخْرَاجٌ لَهُ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَهِيَ التَّنْكِيرُ إلَى التَّعْيِينِ بِلَا حَاجَةٍ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إلَّا نُقْصَانَ يَوْمٍ لِأَنَّ النُّقْصَانَ لَا يَكُونُ عُرْفًا إلَّا مِنْ آخِرِهَا، وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ: أَجَّرْتُكَ دَارِي، أَوْ أَجَّلْتُ دَيْنِي سَنَةً إلَّا يَوْمًا فَإِنَّهُ يُرَادُ الْأَخِيرُ لِحَاجَةِ تَصْحِيحِ الْعَقْدِ وَتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ، وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا سَنَةً إلَّا يَوْمًا لِأَنَّ الْحَامِلَ - وَهُوَ الْمُغَايَظَةُ - اقْتَضَى عَدَمَ كَلَامِهِ فِي الْحَالِ فَتَأَخَّرَ، وَالْإِيلَاءُ قَدْ يَكُونُ عَنْ تَرَاضٍ كَمَا مَرَّ وَإِنْ كَانَ عَنْ مُغَايَظَةٍ لَكِنَّ لُزُومَ أَحَدِ الْمَكْرُوهَيْنِ فِيهِ - لَوْ تَأَخَّرَ - عَارَضَ جِهَةَ الْمُغَايَظَةِ فَتَسَاقَطَا وَعُمِلَ بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ وَهُوَ التَّنْكِيرُ، هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ: بَلْ إنْ قَرِبَهَا) أَيْ فِي يَوْمٍ وَلَمْ يَقْرَبْهَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: صَارَ مُولِيًا) أَيْ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا بِمُجَرَّدِ الْقُرْبَانِ. بِخِلَافِ قَوْلِهِ سَنَةً إلَّا مَرَّةً فَإِنَّهُ إذَا قَرِبَهَا صَارَ مُولِيًا مِنْ سَاعَتِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَا يَصِيرُ مُولِيًا (قَوْلُهُ: فَيَصِيرُ مُولِيًا) أَيْ مُؤَبَّدًا لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْيَوْمِ الْمُسْتَثْنَى لَا غَايَةَ لَهُ فَيَجْرِي عَلَيْهِ مَا مَرَّ مِنْ حُكْمِ الْإِيلَاءِ الْمُؤَبَّدِ، وَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ " إلَّا يَوْمًا " وَتَرَكَهَا سَنَةً صَارَ مُولِيًا وَوَقَعَ عَلَيْهِ طَلْقَتَانِ فَقَطْ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَقَدَّمْنَا عِبَارَتَهَا (قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ مُولِيًا أَبَدًا) سَوَاءٌ قَرِبَهَا، أَوْ لَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَهِيَ بِهَا) أَيْ قَالَ ذَلِكَ وَالْحَالُ أَنَّ زَوْجَتَهُ بِمَكَّةَ (قَوْلُهُ: فَيَطَأَهَا) أَيْ فِي الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ، فَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ صَارَ مُولِيًا عَلَى مَا فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ، وَأَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فَالْعِبْرَةُ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ ضَعْفُهُ لِإِمْكَانِ خُرُوجِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ فَيَلْتَقِيَانِ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ بَحْرٌ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْإِيلَاءُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِهَا وَالْحَلِفُ هُنَا عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ مِنْ كِنَايَتِهِ فَلَا يَكُونُ مُولِيًا بِهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ ط (قَوْلُهُ: لِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ) فَيَتَنَاوَلُهَا قَوْله تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْإِيلَاءَ جَزَاءُ الظُّلْمِ بِمَنْعِ حَقِّهَا مِنْ الْجِمَاعِ، وَالرَّجْعِيَّةُ لَا حَقَّ لَهَا فِيهِ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً حَتَّى اُسْتُحِبَّ لَهُ مُرَاجَعَتُهَا بِدُونِ الْجِمَاعِ فَلَا يَكُونُ ظَالِمًا. وَأَجَابَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْكُرْدِيُّ بِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَنْصُوصِ مُضَافٌ إلَى النَّصِّ لَا إلَى الْمَعْنَى. وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: أَلَا تَرَى لَا يَثْبُتُ الْإِيلَاءُ وَإِنْ سَقَطَ حَقُّهَا فِي الْجِمَاعِ لِخَوْفِ الْغَيْلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 وَيَبْطُلُ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ. (وَلَوْ آلَى مِنْ مُبَانَتِهِ أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ نَكَحَهَا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْإِيلَاءِ وَلَمْ يُضِفْهُ لِلْمِلْكِ كَمَا مَرَّ (لَا) يَصِحُّ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَلَوْ وَطِئَهَا كَفَّرَ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ، وَلَوْ آلَى فَأَبَانَهَا إنْ مَضَتْ مُدَّتُهُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ بَانَتْ بِأُخْرَى وَإِلَّا لَا خَانِيَّةٌ. (عَجَزَ) عَجْزًا حَقِيقِيًّا لَا حُكْمِيًّا كَإِحْرَامٍ لِكَوْنِهِ بِاخْتِيَارِهِ (عَنْ وَطْئِهَا لِمَرَضٍ بِأَحَدِهِمَا   [رد المحتار] عَلَى وَلَدٍ، أَوْ غَيْرِهِ، فَعُلِمَ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالظُّلْمِ بِاعْتِبَارِ بِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْغَالِبِ (قَوْلُهُ: وَيَبْطُلُ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ) أَيْ بِمُضِيِّهَا قَبْلَ تَمَامِ مُدَّتِهِ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَامْتَدَّ طُهْرُهَا بَانَتْ بِمُضِيِّ مُدَّتِهِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ مُبَانَتِهِ) أَيْ بِثَلَاثٍ، أَوْ بِبَائِنٍ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: نَكَحَهَا) أَيْ الْأَجْنَبِيَّةَ بَعْدَهُ، فَلَوْ مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ وَلَمْ يَقْرَبْهَا لَمْ تَبِنْ. وَأَمَّا لَوْ نَكَحَ الْمُبَانَةَ فَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُضِفْهُ لِلْمِلْكِ) أَمَّا إذَا أَضَافَهُ بِأَنْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ كَانَ مُولِيًا ط (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَشَرْطُهُ مَحَلِّيَّةُ الْمَرْأَةِ ط (قَوْلُهُ: لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ) لِأَنَّ شَرْطَهُ مَحَلِّيَّةُ الْمَرْأَةِ بِكَوْنِهَا مَنْكُوحَةً وَقْتَ تَنْجِيزِ الْإِيلَاءِ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: لِبَقَاءِ الْيَمِينِ) أَيْ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْحِنْثِ لِأَنَّ انْعِقَادَ الْيَمِينِ يَعْتَمِدُ التَّصَوُّرَ حِسًّا لَا شَرْعًا، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَنْعَقِدُ عَلَى مَا هُوَ مَعْصِيَةٌ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ آلَى) أَيْ مِنْ زَوْجَتِهِ فَأَبَانَهَا بَعْدَهُ صَحَّ، أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ بَقَاءَ النِّكَاحِ بَعْدَهُ غَيْرُ شَرْطٍ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَمْضِ الْمُدَّةُ فِي الْعِدَّةِ بَلْ بَعْدَهَا لَا تَبِينُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا إنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَانَ الْإِيلَاءُ عَلَى حَالِهِ، حَتَّى لَوْ تَمَّتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِيلَاءِ بَانَتْ بِأُخْرَى، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَانَ مُولِيًا، وَتُعْتَبَرُ مُدَّتُهُ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ (قَوْلُهُ: عَجَزَ عَنْ وَطْئِهَا) ظَاهِرُ صَنِيعِهِ أَنَّ الْعَجْزَ حَدَثَ بَعْدَ الْإِيلَاءِ مَعَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْعَجْزِ دَوَامُهُ مِنْ وَقْتِ الْإِيلَاءِ إلَى مُضِيِّ مُدَّتِهِ كَمَا يَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ، فَالْمُرَادُ بِهِ الْعَجْزُ الْقَائِمُ لَا الْعَارِضُ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْفَتْحِ: هَذَا إذَا كَانَ عَاجِزًا مِنْ وَقْتِ الْإِيلَاءِ إلَى مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَخْ. ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْإِيلَاءُ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ فَإِنَّهُ تُعْتَبَرُ الصِّحَّةُ وَالْمَرَضُ فِي حَقِّ جَوَازِ الْفَيْءِ بِاللِّسَانِ حَالَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا حَالَةَ التَّعْلِيقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَجْزًا حَقِيقِيًّا) بِأَنْ لَا يَكُونَ الْمَانِعُ عَنْ الْوَطْءِ شَرْعِيًّا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ شَرْعِيًّا يَكُونُ قَادِرًا عَلَيْهِ حَقِيقَةً عَاجِزًا عَنْ حُكْمِهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: لَا حُكْمِيًّا كَإِحْرَامٍ) أَيْ كَمَا إذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ، أَوْ هُوَ مُحْرِمٌ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْحَجِّ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَإِنَّ فَيْأَهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْفِعْلِ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا فِي فِعْلِهِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. وَعَلَّلَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ بِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ بِاخْتِيَارِهِ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ فِيمَا لَزِمَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ تَخْفِيفًا. اهـ. وَقَوْلُهُ: فِيمَا لَزِمَهُ: أَيْ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُتَسَبِّبِ، وَالطَّرِيقُ الْمَحْظُورُ هُوَ الْإِيلَاءُ فَإِنَّهُ فَعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ، فَكَانَ مُتَسَبِّبًا فِيمَا لَزِمَهُ بِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْجِمَاعِ حَقِيقَةً فَصَارَ ظَالِمًا بِمَنْعِ حَقِّهَا وَهُوَ حَقُّ عَبْدٍ فَلَا يَسْقُطُ وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ حُكْمًا بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ، وَلَا يَكُونُ عَجْزُهُ الْحُكْمِيُّ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ بِالْفَيْءِ بِاللِّسَانِ لِأَنَّهُ بِمُبَاشَرَتِهِ الْمَحْظُورَ لَمْ يَسْتَحِقَّ التَّخْفِيفَ، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّهُ فِي الْعَجْزِ الْحَقِيقِيِّ لِأَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ بِمَا لَا يُطَاقُ، فَصَارَ كَالْعَاصِي بِسَفَرِهِ عَنْ الْمَاءِ يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ بِاخْتِيَارِهِ) أَيْ لِكَوْنِ الْإِيلَاءِ لَهُ لَا الْإِحْرَامِ كَمَا ظَهَرَ لَك مِمَّا قَرَّرْنَاهُ وَلَا سِيَّمَا فِي صُورَةِ إحْرَامِ الْمَرْأَةِ، وَهَذَا يُؤَكِّدُ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ حَيْضَتَهَا غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ صِحَّةِ الْإِيلَاءِ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ فِي مَسْأَلَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 أَوْ صِغَرِهَا، أَوْ رَتَقِهَا) ، أَوْ جَبِّهِ، أَوْ عُنَّتِهِ (أَوْ بِمَسَافَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَطْعِهَا فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ، أَوْ لِحَبْسِهِ) إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى وَطْئِهَا فِي السِّجْنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْغَايَةِ، وَقَوْلُهُ (لَا بِحَقٍّ) لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ فَلْيُرَاجَعْ، وَكَذَا حَبْسُهَا وَنُشُوزُهَا فَفَيْؤُهُ (نَحْوُ) قَوْلِهِ بِلِسَانِهِ (فِئْتُ إلَيْهَا) أَوْ رَاجَعْتُكِ، أَوْ أَبْطَلْتُ الْإِيلَاءَ أَوْ رَجَعْتُ عَمَّا قُلْتُ، وَنَحْوَهُ لِأَنَّهُ آذَاهَا بِالْمَنْعِ فَيُرْضِيهَا بِالْوَعْدِ (فَإِنْ) قَدَرَ عَلَى الْجِمَاعِ فِي الْمُدَّةِ فَفَيْؤُهُ (الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (فَإِنْ وَطِئَ فِي غَيْرِهِ) كَدُبُرٍ (لَا) يَكُونُ فَيْئًا، وَمُفَادُهُ   [رد المحتار] الْإِحْرَامِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: أَوْ صِغَرِهَا) أَمَّا صِغَرُهُ فَهُوَ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الْإِيلَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: أَوْ رَتَقِهَا) رَتِقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَابِ " تَعِبَ " فَهِيَ رَتْقَاءُ: إذَا انْسَدَّ مَدْخَلُ الذَّكَرِ مِنْ فَرْجِهَا وَلَا يُسْتَطَاعُ جِمَاعُهَا مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: أَوْ جَبِّهِ، أَوْ عُنَّتِهِ) أَيْ كَوْنِهِ مَجْبُوبًا، أَوْ عِنِّينًا (قَوْلُهُ: أَوْ بِمَسَافَةٍ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِمَرَضٍ (قَوْلُهُ: فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ) أَيْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ أَكْثَرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَكَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَقَالَ: وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَجُزْ الْفَيْءُ إلَّا بِالْجِمَاعِ أَيْ وَإِنْ مَنَعَهُ سُلْطَانٌ، أَوْ عَدُوٌّ وَلِأَنَّهُ نَادِرٌ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ لِحَبْسِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاخْتُلِفَ فِي الْحَبْسِ، فَصُحِّحَ الْفَيْءُ بِاللِّسَانِ بِسَبَبِهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ خِلَافُهُ وَهُوَ جَوَابُ الرِّوَايَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي، وَوَفَّقَ فِي الْبَدَائِعِ بِحَمْلِ مَا فِي الْكَافِي وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ عَلَى إمْكَانِ الْوُصُولِ إلَى السِّجْنِ بِأَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِ فَيُجَامِعَهَا وَالْحَبْسُ بِحَقٍّ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْفَيْءِ بِاللِّسَانِ وَبِظُلْمٍ يُعْتَبَرُ اهـ فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُوَ التَّوْفِيقُ الْمَذْكُورُ. وَأَفَادَ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ وَالْحَبْسُ بِحَقٍّ إلَخْ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ وَالتَّوْفِيقَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ الْحَبْسُ بِظُلْمٍ، فَلَوْ بِحَقٍّ لَا يُعْتَبَرُ أَصْلًا لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ بِإِيفَاءِ الْحَقِّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى تَوْفِيقٍ آخَرَ وَعَلَيْهِ مَشَى الْمَقْدِسِيَّ (قَوْلُهُ: فَلْيُرَاجَعْ) قَالَ ح رَاجَعْنَاهُ فَرَأَيْنَاهُ مَنْقُولًا فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ عَنْ غَايَةِ السُّرُوجِيِّ. قُلْت: وَلَقَدْ أَبْعَدَ فِي النُّجْعَةِ فَإِنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْفَتْحِ كَمَا سَمِعْته (قَوْلُهُ: وَكَذَا حَبْسُهَا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِحَقٍّ، أَوْ بِظُلْمٍ لِأَنَّ الْعُذْرَ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَفْعِهِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: وَنُشُوزُهَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَدَخَلَ تَحْتَ الْعَجْزِ أَنْ تَكُونَ مُمْتَنِعَةً مِنْهُ وَكَانَتْ فِي مَكَان لَا يَعْرِفُهُ وَهِيَ نَاشِزَةٌ، أَوْ حَالَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا لِشَهَادَةِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لِلتَّزْكِيَةِ. (قَوْلُهُ: فَفَيْؤُهُ إلَخْ) أَيْ الْمُبْطِلُ لِلْإِيلَاءِ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ، أَمَّا فِي حَقِّ بَقَاءِ الْيَمِينِ بِاعْتِبَارِ الْحِنْثِ فَلَا، حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ الْفَيْءِ بِاللِّسَانِ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ لِتَحَقُّقِ الْحِنْثِ بَحْرٌ. لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَنْحَلُّ إلَّا بِالْحِنْثِ، وَالْحِنْثُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ لَيْسَ مَحْلُوفًا عَلَيْهِ فَلَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: بِلِسَانِهِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ الْمَرِيضَ الْوَفَاءُ بِقَلْبِهِ لَا بِلِسَانِهِ لَا يُعْتَبَرُ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ إنْ صَدَّقَتْهُ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ) كَرَجَعْتُكِ وَارْتَجَعْتُكِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ نَحْوُ قَوْلِهِ إلَخْ لِبَيَانِ أَنَّ لَفْظَ فِئْت غَيْرُ قَيْدٍ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ هُنَا " وَنَحْوِهِ " لِبَيَانِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ أَلْفَاظَهُ، لِأَنَّ الْمُرَادَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْفَيْءِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْجِمَاعِ إلَخْ) شَمِلَ مَا إذَا كَانَ قَادِرًا وَقْتَ الْإِيلَاءِ ثُمَّ عَجَزَ بِشَرْطِ أَنْ يَمْضِيَ زَمَنٌ يَقْدِرُ عَلَى وَطْئِهَا بَعْدَ الْإِيلَاءِ، وَمَا إذَا كَانَ عَاجِزًا وَقْتَهُ ثُمَّ قَدَرَ فِي الْمُدَّةِ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ فِي الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَهَا لَا يَبْطُلُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْأَصْلُ) أَيْ وَاللِّسَانُ خَلَفُهُ، وَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ بَطَلَ كَالتَّيَمُّمِ إذَا رَأَى الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَطِئَ فِي غَيْرِهِ) كَذَا إذَا وَطِئَهَا حَالَ الْحَيْضِ أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ، أَوْ لَمَسَهَا، أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ ط. قُلْت: لَكِنَّ الَّذِي فِي الْهِنْدِيَّةِ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ عَنْهَا فِي مَسْأَلَةِ الْحَيْضِ، وَنَصُّهَا: الْمَرِيضُ الْمُولِي إذَا جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ فَيْئًا مِنْهُ، وَإِنْ قَرِبَهَا فِي حَالِ الْحَيْضِ يَكُونُ فَيْئًا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ اهـ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ صِحَّةِ الْفَيْءِ بِالْوَطْءِ حَالَةَ الْإِحْرَامِ، فَإِنَّ الْمَانِعَ الشَّرْعِيَّ مَوْجُودٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَمُفَادُهُ إلَخْ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 اشْتِرَاطُ دَوَامِ الْعَجْزِ مِنْ وَقْتِ الْإِيلَاءِ إلَى مُضِيِّ مُدَّتِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُلْتَقَى. وَفِي الْحَاوِي: آلَى وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ مَرِضَ لَمْ يَكُنْ فَيْؤُهُ إلَّا الْجِمَاعُ. وَبَقِيَ شَرْطٌ ثَالِثٌ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَهُوَ قِيَامُ النِّكَاحِ وَقْتَ الْفَيْءِ بِاللِّسَانِ، فَلَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ فَاءَ بِلِسَانِهِ بَقِيَ الْإِيلَاءُ. (قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ)   [رد المحتار] أَيْ مُفَادُ قَوْلِهِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْجِمَاعِ إلَخْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْفَيْءِ بِاللِّسَانِ دَوَامُ الْعَجْزِ. قُلْت: وَمُفَادُ هَذَا الشَّرْطِ أَنَّهُ لَوْ زَالَ الْعَجْزُ بَطَلَ الْفَيْءُ بِاللِّسَانِ وَإِنْ وُجِدَ فِي الْمُدَّةِ عَجْزٌ غَيْرُهُ، لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي طَلَاقِ الْمَرِيضِ: إذَا آلَى مَرِيضٌ ثُمَّ مَرِضَتْ امْرَأَتُهُ قَبْلَ بُرْئِهِ ثُمَّ بَرِئَ وَبَقِيَتْ مَرِيضَةً إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ، فَإِنَّ فَيْأَهُ بِجِمَاعٍ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ بِلِسَانِهِ. لَنَا أَنَّهُ اخْتَلَفَ سَبَبُ الرُّخْصَةِ إذْ كِلَا الْمَرَضَيْنِ يُوجِبُ جَوَازَ الْفَيْءِ بِلِسَانِهِ وَاخْتِلَافُ أَسْبَابِ الرُّخْصَةِ يَمْنَعُ الِاحْتِسَابَ بِالرُّخْصَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ، وَتَصِيرُ الْأُولَى كَأَنْ لَمْ تَكُنْ: كَمُسَافِرٍ تَيَمَّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ ثُمَّ مَرِضَ مَرَضًا يُبِيحُ لَهُ التَّيَمُّمَ بِانْفِرَادِهِ، كَذَا هُنَا مَرَضُ الْمَرْأَةِ يُبِيحُ الْفَيْءَ بِلِسَانِهِ فَلَا يُبْنَى حُكْمُهُ عَلَى مَرَضِ الزَّوْجِ اهـ وَقَدْ لَخَّصَ الشَّارِحُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ، لَكِنْ فِي الْفَتْحِ وَالْبَدَائِعِ: وَلَوْ آلَى إيلَاءً مُؤَبَّدًا وَهُوَ مَرِيضٌ وَبَانَتْ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ ثُمَّ صَحَّ وَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ فَفَاءَ بِلِسَانِهِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُمَا وَصَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عَلَى مَا قَالُوا لِأَنَّ الْإِيلَاءَ وُجِدَ مِنْهُ وَهُوَ مَرِيضٌ وَعَادَ حُكْمُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ. وَفِي زَمَانِ الصِّحَّةِ هِيَ مُبَانَةٌ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ فَلَا يَعُودُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ فِيهِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ إذَا صَحَّ فِي الْمُدَّةِ الثَّانِيَةِ فَقَدْ قَدَرَ عَلَى الْجِمَاعِ حَقِيقَةً فَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْفَيْءِ بِاللِّسَانِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى جِمَاعِهَا إلَّا بِمَعْصِيَةٍ كَمَا مَرَّ فِيمَا إذَا كَانَ مُحْرِمًا اهـ فَهُنَا اخْتَلَفَ سَبَبُ الرُّخْصَةِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَتَأَمَّلْ، وَلَعَلَّ الْجَوَابَ أَنَّ اخْتِلَافَ أَسْبَابِ الرُّخْصَةِ إنَّمَا يَمْنَعُ الِاحْتِسَابَ بِالرُّخْصَةِ الْأُولَى إذَا اجْتَمَعَ السَّبَبَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ وَيَلْغُو الثَّانِي، فَإِذَا زَالَ الْأَوَّلُ لَمْ يُعْتَبَرْ الثَّانِي بَعْدَ الْحُكْمِ بِإِلْغَائِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ الثَّانِي بَعْدَ زَوَالِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الثَّانِيَ يَعْمَلُ عَمَلَهُ لِعَدَمِ مَا يُلْغِيهِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يُعَلِّلُوا قَوْلَ الْإِمَامَيْنِ بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِ الرُّخْصَةِ كَمَا سَمِعْت، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ فَإِنَّهُ مُفْرَدٌ (قَوْلُهُ: وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُلْتَقَى) قُلْت وَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْحَاوِي إلَخْ) مِنْ فُرُوعِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَرِضَ) أَيْ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ مِنْ صِحَّتِهِ يَقْدِرُ فِيهَا عَلَى الْجِمَاعِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ لِقِصَرِهَا فَفَيْؤُهُ بِالْقَوْلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُفَرِّطٍ فِي تَرْكِ الْجِمَاعِ فَكَانَ مَعْذُورًا بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: وَبَقِيَ شَرْطٌ ثَالِثٌ) أَيْ زَائِدٌ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَجْزِ وَاشْتِرَاطِ دَوَامِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ قِيَامُ النِّكَاحِ) بِأَنْ تَكُونَ زَوْجَتُهُ غَيْرَ بَائِنَةٍ مِنْهُ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: بَقِيَ الْإِيلَاءُ) فَإِذَا تَزَوَّجَهَا وَمَضَتْ الْمُدَّةُ تَبِينُ مِنْهُ، لِأَنَّ الْفَيْءَ بِالْقَوْلِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ إنَّمَا يَرْفَعُ الْإِيلَاءَ فِي حَقِّ حُكْمِ الطَّلَاقِ لِحُصُولِ إيفَاءِ حَقِّهَا بِهِ وَلَا حَقَّ لَهَا حَالَ الْبَيْنُونَةِ، بِخِلَافِ الْفَيْءِ بِالْجِمَاعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَعْدَ ثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ حَتَّى لَا يَبْقَى الْإِيلَاءُ بَلْ يَبْطُلُ، لِأَنَّهُ حَنِثَ بِالْوَطْءِ فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَبَطَلَتْ وَلَمْ يُوجَدْ الْحِنْثُ، وَهَهُنَا لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ وَلَا يَرْتَفِعُ الْإِيلَاءُ بَدَائِعُ. [مَطْلَبٌ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ] ٌ (قَوْلُهُ: قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ إيلَاءٌ إنْ نَوَى التَّحْرِيمَ إلَخْ) أَقُولُ: هَكَذَا عِبَارَةُ الْمُتُونِ هُنَا. وَعِبَارَتُهَا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ: كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهُوَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ تَبِينُ امْرَأَتُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ. وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ هُنَاكَ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِلْعُرْفِ فَإِنَّهُ، يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُتَنَاوَلُ عَادَةً، فَيَحْنَثُ إذَا أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَإِذَا نَوَاهَا كَانَ الْإِيلَاءُ، وَلَا تُصْرَفُ الْيَمِينُ عَنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ، وَهَذَا كُلُّهُ جَوَابُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 وَنَحْوَ ذَلِكَ كَأَنْتِ مَعِي فِي الْحَرَامِ (إيلَاءٌ إنْ نَوَى التَّحْرِيمَ، أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، وَظِهَارٌ إنْ نَوَاهُ، وَهَدَرٌ إنْ نَوَى الْكَذِبَ) وَذَا دِيَانَةً، وَأَمَّا قَضَاءً فَإِيلَاءٌ قُهُسْتَانِيٌّ (وَتَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ) إنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَثَلَاثٌ إنْ نَوَاهَا وَيُفْتَى بِأَنَّهُ طَلَاقٌ بَائِنٌ   [رد المحتار] ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: ثُمَّ ذَكَرَ اخْتِيَارَ الْمَشَايِخِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ تَبِينُ امْرَأَتُهُ بِلَا نِيَّةٍ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ انْصِرَافُهُ لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ عُرْفًا، وَإِذَا نَوَى تَحْرِيمَ الْمَرْأَةِ لَا يَخْتَصُّ بِهَا بَلْ يَصِيرُ شَامِلًا لَهَا وَلِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا هُنَا مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ نِيَّةِ تَحْرِيمِ الْمَرْأَةِ أَوْ الظِّهَارِ، أَوْ الْكَذِبِ، أَوْ الطَّلَاقِ خَاصٌّ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ عَامًّا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَامًّا مِثْلُ كُلِّ حِلٍّ، أَوْ حَلَالِ اللَّهِ أَوْ حَلَالِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ بِلَا نِيَّةٍ لِلْعُرْفِ، وَلِلْمَرْأَةِ أَيْضًا إنْ نَوَاهَا، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ بِانْصِرَافِهِ إلَى الطَّلَاقِ الْبَائِنِ عَامًّا كَانَ، أَوْ خَاصًّا فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ (قَوْلُهُ: وَنَحْوَ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْخَاصَّةِ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: إيلَاءٌ إلَخْ) أَيْ مُطْلَقٌ فِي مَعْنَى الْمُؤَبَّدِ وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُ. قَالَ فِي الدُّرِّ: فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُجْمَلٌ فَكَانَ بَيَانُهُ إلَى الْمُجْمِلِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت بِهِ التَّحْرِيمَ أَوْ لَمْ أُرِدْ بِهِ شَيْئًا كَانَ يَمِينًا وَيَصِيرُ بِهِ مُولِيًا، لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ (قَوْلُهُ: وَظِهَارٌ إنْ نَوَاهُ) لِأَنَّ فِي الظِّهَارِ حُرْمَةً، فَإِذَا نَوَاهُ صَحَّ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ دُرَرٌ (قَوْلُهُ: وَهَدَرٌ) بِالتَّحْرِيكِ أَيْ بَاطِلٌ (قَوْلُهُ: إنْ نَوَى الْكَذِبَ) لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ إذْ حَقِيقَتُهُ وَصْفُهَا بِالْحُرْمَةِ وَهِيَ مَوْصُوفَةٌ بِالْحِلِّ فَكَانَ كَذِبًا. وَأُورِدَ: لَوْ كَانَ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ لَانْصَرَفَ إلَيْهِ بِلَا نِيَّةٍ مَعَ أَنَّهُ بِلَا نِيَّةٍ يَنْصَرِفُ إلَى الْيَمِينِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ حَقِيقَةٌ أُولَى فَلَا تُنَالُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَالْيَمِينَ الْحَقِيقَةُ الثَّانِيَةُ بِوَاسِطَةِ الِاشْتِهَارِ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأُولَى حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ وَالثَّانِيَةَ عُرْفِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَضَاءً فَإِيلَاءٌ) أَيْ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ أَنَّهُ أَرَادَ الْكَذِبَ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ بِالنَّصِّ وَهَذَا قَوْلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَالْفَتْوَى كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْحَلْوَانِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، لَكِنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْعُرْفِ الْحَادِثِ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِيهِ عُرْفَيْنِ: عُرْفٌ أَصْلِيٌّ - وَهُوَ كَوْنُهُ يَمِينًا بِمَعْنَى الْإِيلَاءِ -، وَعُرْفٌ حَادِثٌ - وَهُوَ إرَادَةُ الطَّلَاقِ -، وَمَا قَالَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - مِنْ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ، بَلْ يَكُونُ إيلَاءً - مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ الْأَصْلِيِّ، وَالْفَتْوَى عَلَى الْعُرْفِ الْحَادِثِ لِأَنَّ كَلَامَ كُلِّ عَاقِدٍ وَحَالِفٍ وَنَحْوِهِ يُحْمَلُ عَلَى عُرْفِهِ وَإِنْ خَالَفَ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ، كَمَا قَالُوا مِنْ أَنَّ الْحَاكِمَ أَوْ الْمُفْتِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ، أَوْ يُفْتِيَ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيَتْرُكَ الْعُرْفَ، فَكَانَ الصَّوَابُ مَا قَالَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَلَكِنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْإِيلَاءِ لَيْسَ هُوَ الصَّوَابَ فِي زَمَانِنَا، بَلْ الصَّوَابُ حَمْلُهُ عَلَى الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ الْحَادِثُ الْمُفْتَى بِهِ فَقَوْلُهُ: فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَالْفَتْوَى احْتِرَازٌ عَنْ إرَادَةِ الْيَمِينِ أَيْ الْإِيلَاءِ الَّذِي هُوَ الْعُرْفُ الْأَصْلِيُّ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ سَقَطَ مَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ مِنْ أَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِأَنَّ الْعَمَلَ وَالْفَتْوَى إنَّمَا هُوَ انْصِرَافُهُ إلَى الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لَا فِي كَوْنِهِ يَمِينًا. اهـ. (قَوْلُهُ: إنْ نَوَى الطَّلَاقَ) أَيْ: أَوْ دَلَّتْ عَلَيْهِ الْحَالُ نَهْرٌ: أَيْ بِأَنْ كَانَ فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ، أَمَّا فِي حَالَةِ الرِّضَا أَوْ الْغَضَبِ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَصْلُحُ سَبًّا كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْكِنَايَاتِ فَافْهَمْ، وَشَمِلَ نِيَّةُ الطَّلَاقِ مَا إذَا نَوَى وَاحِدَةً، أَوْ ثِنْتَيْنِ فِي الْحُرَّةِ وَمَا إذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ نَاوِيًا ثِنْتَيْنِ فَإِنَّهُ وَإِنْ تَمَّ بِهِ الثَّلَاثُ لَمْ يَقَعْ بِالْحَرَامِ إلَّا وَاحِدَةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ آخِرَ الْبَابِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: وَثَلَاثٌ إنْ نَوَاهَا) لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مِنْ الْكِنَايَاتِ عَلَى مَا مَرَّ وَفِيهَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ نَهْرٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 (وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ) لِغَلَبَةِ الْعُرْفِ، وَلِذَا لَا يَحْلِفُ بِهِ إلَّا الرِّجَالُ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ   [رد المحتار] وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ لِأَنَّهُمَا عَدَدٌ مَحْضٌ كَمَا مَرَّ إلَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ) هَذَا فِي الْقَضَاءِ، وَأَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَلَا يَقَعُ مَا لَمْ يَنْوِ، وَعَدَمُ نِيَّةِ الطَّلَاقِ صَادِقٌ بِعَدَمِ نِيَّةِ شَيْءٍ أَصْلًا وَبِنِيَّةِ الظِّهَارِ، أَوْ الْإِيلَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ، حَيْثُ قَالَ: وَعَنْ هَذَا لَوْ نَوَى غَيْرَهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً ح. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَصْلًا يَقَعُ دِيَانَةً أَيْضًا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَذَكَرَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ لَا نَقُولُ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لَكِنْ يُجْعَلُ نَاوِيًا عُرْفًا اهـ وَفِي الْفَتْحِ: فَصَارَ كَمَا إذَا تَلَفَّظَ بِطَلَاقِهَا لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ بَلْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى اهـ فَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا قُلْنَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لِغَلَبَةِ الْعُرْفِ) إشَارَةٌ إلَى مَا فِي الْبَحْرِ، حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قُلْت إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِلَا نِيَّةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالصَّرِيحِ فَيَكُونَ الْوَاقِعُ بِهِ رَجْعِيًّا قُلْت: الْمُتَعَارَفُ بِهِ إيقَاعُ الْبَائِنِ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ اهـ أَقُولُ: وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُتَعَارَفْ بِهِ إيقَاعُ الْبَائِنِ يَقَعُ الرَّجْعِيُّ كَمَا فِي زَمَانِنَا، فَإِنَّ الْمُتَعَارَفَ الْآنَ اسْتِعْمَالُ الْحَرَامِ فِي الطَّلَاقِ، وَلَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ عُرْفُهُمْ فِيهِ الْبَائِنَ، وَعَلَى هَذَا فَالتَّعْلِيلُ بِغَلَبَةِ الْعُرْفِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهِ بِلَا نِيَّةٍ، وَأَمَّا كَوْنُهُ بَائِنًا فَلِأَنَّهُ مُقْتَضَى لَفْظِ الْحَرَامِ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُحَرِّمُ الزَّوْجَةَ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ وَصْفُهَا بِالْحَرَامِ بِالْبَائِنِ، وَهَذَا حَاصِلُ مَا بَسَطْنَاهُ فِي الْكِنَايَاتِ فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] : قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ: أَقُولُ: أَكْثَرُ عَوَامِّ بِلَادِنَا لَا يَقْصِدُونَ بِقَوْلِهِمْ أَنْتِ مُحَرَّمَةٌ عَلَيَّ، أَوْ حَرَامٌ عَلَيَّ أَوْ حَرَّمْتُكِ عَلَيَّ إلَّا حُرْمَةَ الْوَطْءِ الْمُقَابِلِ لِحِلِّهِ، وَلِذَلِكَ أَكْثَرُهُمْ يَضْرِبُ مُدَّةً لِتَحْرِيمِهَا، وَلَا يُرِيدُ قَطْعًا إلَّا تَحْرِيمَ الْجِمَاعِ إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَمِينٌ مُوجِبٌ لِلْإِيلَاءِ تَأَمَّلْ، فَقَلَّ مَنْ حَقَّقَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهِهَا، وَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِمْ وَلَا نَقُولُ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ، لَكِنْ يُجْعَلُ نَاوِيًا عُرْفًا، فَهُوَ صَرِيحٌ فِي اعْتِبَارِ الْعُرْفِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ كَذَلِكَ بَلْ كَانَ مُشْتَرَكًا تَعَيَّنَ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ وَتَصْدِيقُ الْحَالِفِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُتَقَدِّمِينَ اهـ. وَفِي أَيْمَانِ الْفَتْحِ: وَقَالَ الْبَزْدَوِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ: لَمْ يَتَّضِحْ لِي عُرْفُ النَّاسِ فِي هَذَا: أَيْ فِي " كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ " لِأَنَّ مَنْ لَا امْرَأَةَ لَهُ يَحْلِفُ بِهِ كَمَا يَحْلِفُ ذُو الْحَلِيلَةِ، وَلَوْ كَانَ الْعُرْفُ مُسْتَفِيضًا فِي ذَلِكَ لَمَا اسْتَعْمَلَهُ إلَّا ذُو الْحَلِيلَةِ فَالصَّحِيحُ أَنْ نَقُولَ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ يَكُونُ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَقِفَ الْإِنْسَانُ فِيهِ وَلَا يُخَالِفَ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَاعْلَمْ أَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ لَمْ يُتَعَارَفْ فِي دِيَارِنَا بَلْ الْمُتَعَارَفُ فِيهِ " حَرَامٌ عَلَيَّ كَلَامُك " وَنَحْوُهُ كَأَكْلِ كَذَا وَلُبْسِهِ دُونَ الصِّيغَةِ الْعَامَّةِ، وَتَعَارَفُوا أَيْضًا: الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الطَّلَاقَ مُعَلَّقًا فَإِنَّهُمْ يَزِيدُونَ بَعْدَهُ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَهِيَ طَلَاقٌ، وَيَجِبُ إمْضَاؤُهُ عَلَيْهِمْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي انْصِرَافِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ - عَرَبِيَّةً، أَوْ فَارِسِيَّةً - إلَى مَعْنًى بِلَا نِيَّةٍ التَّعَارُفُ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يُتَعَارَفْ سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ وَفِيمَا يَنْصَرِفُ بِلَا نِيَّةٍ لَوْ قَالَ أَرَدْت غَيْرَهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً اهـ مَا فِي الْفَتْحِ، وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَالْمُتَعَارَفُ فِي دِيَارِنَا إرَادَةُ الطَّلَاقِ بِقَوْلِهِمْ: عَلَيَّ الْحَرَامُ لَا أَفْعَلُ كَذَا دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: وَلِذَا لَا يَحْلِفُ بِهِ إلَّا الرِّجَالُ) أَيْ حَيْثُ يُقَال إنْ فَعَلْت كَذَا فَكُلُّ حَلَالٍ عَلَيْهِ حَرَامٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَفِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَقَعُ الطَّلَاقُ بِلَفْظِ الْحَرَامِ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ إنْ حَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَالنَّسَفِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 أَوْ حَلَفَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ كَانَ يَمِينًا، كَمَا لَوْ مَاتَتْ، أَوْ بَانَتْ لَا إلَى عِدَّةٍ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ الْمُتَزَوِّجَةُ بِهِ يُفْتَى لِصَيْرُورَتِهَا يَمِينًا وَلَا تَنْقَلِبُ طَلَاقًا، وَمِثْلُهُ: أَنْتِ مَعِي فِي الْحَرَامِ وَالْحَرَامُ يَلْزَمُنِي، وَحَرَّمْتُكِ عَلَيَّ وَأَنْتِ مُحَرَّمَةٌ، أَوْ حَرَامٌ عَلَيَّ أَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ، وَأَنَا عَلَيْكِ حَرَامٌ أَوْ مُحَرَّمٌ، أَوْ حَرَّمْتُ نَفْسِي عَلَيْكِ أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ كَالْحِمَارِ، أَوْ كَالْخِنْزِيرِ بَزَّازِيَّةٌ. (وَلَوْ كَانَ لَهُ) أَرْبَعُ (نِسْوَةٍ) وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا (وَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلْقَةٌ) بَائِنَةٌ (وَقِيلَ: تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ   [رد المحتار] قُلْت: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مَا يُفِيدُ التَّوْفِيقَ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ حَلَفَ بِهَذَا اللَّفْظِ أَنَّهُ مَا كَانَ فَعَلَ كَذَا، وَقَدْ كَانَ فَعَلَ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ جُعِلَ يَمِينًا بِالطَّلَاقِ، وَلَوْ جَعَلْنَاهُ يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ غَمُوسٌ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَفَعَلَ وَلَيْسَ لَهُ امْرَأَةٌ كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ اهـ فَيُحْمَلُ كَلَامُ النَّسَفِيِّ عَلَى الْحَلِفِ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ. وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا فِي أَيْمَانِ النِّهَايَةِ عَنْ النَّوَازِلِ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ مَعْنَاهُ إذَا حَلَفَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ كَذَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَحَنِثَ بِفِعْلِهِ لَا كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ إذَا أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ وَقَالَ لِانْصِرَافِهِ عِنْدَ عَدَمِ الزَّوْجَةِ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ. اهـ. لِأَنَّ انْصِرَافَهُ إلَى ذَلِكَ قَبْلَ تَغَيُّرِ الْعُرْفِ بِإِرَادَةِ الطَّلَاقِ مِنْ لَفْظِ الْحَرَامِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَيَصِيرُ يَمِينًا عِنْدَ عَدَمِ الزَّوْجَةِ كَمَا سَمِعْت مِنْ كَلَامِهِمْ، وَيَأْتِي قَرِيبًا مِثْلُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ حَلَفَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: قَيَّدَ بِالزَّوْجِ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: أَنَا عَلَيْكَ حَرَامٌ، أَوْ حَرَّمْتُكَ صَارَ يَمِينًا، حَتَّى لَوْ جَامَعَهَا طَائِعَةً أَوْ مُكْرَهَةً تَحْنَثُ اهـ وَقَوْلُهُ: طَائِعَةً، أَوْ مُكْرَهَةً أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْفَتْحِ فَلَوْ مَكَّنَتْهُ حَنِثَتْ وَكَفَّرَتْ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ مَاتَتْ إلَخْ) نَصُّ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ: إذَا كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ وَقْتَ الْحَلِفِ وَمَاتَتْ قَبْلَ الشَّرْطِ، أَوْ بَانَتْ لَا إلَى عِدَّةٍ ثُمَّ بَاشَرَ الشَّرْطَ؛ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ الْمُتَزَوِّجَةُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّ حَلِفَهُ صَارَ حَلِفًا بِاَللَّهِ تَعَالَى وَقْتَ الْوُجُودِ فَلَا يَنْقَلِبُ طَلَاقًا اهـ وَهَكَذَا نَقَلَ الْعِبَارَةَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْلِيلَ لَا يُنَاسِبُ مَا قَبْلَهُ، وَفِي الْعِبَارَةِ سَقَطٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ ح عَنْ الْخَانِيَّةِ وَنَصُّهُ: وَإِنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ وَقْتَ الْيَمِينِ فَمَاتَتْ قَبْلَ الشَّرْطِ، أَوْ بَانَتْ لَا إلَى عِدَّةٍ ثُمَّ بَاشَرَ الشَّرْطَ لَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْصَرَفَتْ إلَى الطَّلَاقِ وَقْتَ وُجُودِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ وَقْتَ الْيَمِينِ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ بَاشَرَ الشَّرْطَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: تَبِينُ الْمُتَزَوِّجَةُ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا تَطْلُقُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّ يَمِينَهُ جُعِلَتْ يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى وَقْتَ وُجُودِهَا فَلَا يَصِيرُ طَلَاقًا بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. قُلْت: وَمِثْلُهُ فِي أَيْمَانِ الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، فَقَدْ سَقَطَ مِنْ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ قَوْلُهُ: ثُمَّ بَاشَرَ الشَّرْطَ إلَى قَوْلِهِ ثَانِيًا ثُمَّ بَاشَرَ الشَّرْطَ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ " أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ " وَالْأَوْلَى ذِكْرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عِنْدَ أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا فَعَلَ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَالْحَرَامُ يَلْزَمُنِي) هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَمِثْلُهُ عَلَيَّ الْحَرَامُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ) رَدٌّ عَلَى صَاحِبِ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ حَيْثُ اشْتَرَطَهُ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي الْكِنَايَاتِ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْحُرْمَةَ، أَوْ الْبَيْنُونَةَ إلَيْهَا كَأَنْتِ بَائِنٌ، أَوْ حَرَامٌ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ إلَيْهِ، وَإِنْ أَضَافَ إلَى نَفْسِهِ كَأَنَا حَرَامٌ، أَوْ بَائِنٌ لَا يَقَعُ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ إلَيْهَا، وَإِنْ خَيَّرَهَا فَأَجَابَتْ بِالْحُرْمَةِ، أَوْ الْبَيْنُونَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْإِضَافَتَيْنِ: أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ، أَوْ أَنَا حَرَامٌ عَلَيْكِ، أَنْتِ بَائِنٌ مِنِّي، أَوْ أَنَا بَائِنٌ مِنْكِ اهـ (قَوْلُهُ: أَوْ حَرَّمْتُ نَفْسِي عَلَيْكِ) فِي هَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ عَلَيْكِ نَهْرٌ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْحُرْمَةَ إلَى نَفْسِهِ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: حَتَّى لَوْ قَالَ حَرَّمْت نَفْسِي وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْكِ وَنَوَى الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ (قَوْلُهُ: أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ كَالْحِمَارِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَالْحِمَارِ وَالْخِنْزِيرِ، أَوْ مَا كَانَ مُحَرَّمَ الْعَيْنِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ هَلْ يَكُونُ يَمِينًا فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ طَلَاقًا لِعَدَمِ الْعُرْفِ، بِخِلَافِ " أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ " فَإِنَّ الْعُرْفَ فِيهِ قَامَ مَقَامَ النِّيَّةِ كَمَا مَرَّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 مِنْهُنَّ) وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ كَمَا مَرَّ فِي الصَّرِيحِ (وَهُوَ الْأَظْهَرُ) وَالْأَشْبَهُ، ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْبَزَّازِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ الْكَمَالُ: الْأَشْبَهُ عِنْدِي الْأَوَّلُ، وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي فَتَاوَاهُ، وَصَحَّحَهُ فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ لَكِنْ فِي النَّهْرِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ " وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا "، يَعْنِي التَّحْرِيمَ لَا بِقَيْدِ " أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ " مُخَاطِبًا لِوَاحِدَةٍ كَمَا فِي الْمَتْنِ، بَلْ يَجِبُ فِيهِ أَنْ لَا يَقَعَ إلَّا عَلَى الْمُخَاطَبَةِ. اهـ. قُلْت: يَعْنِي بِخِلَافِ حَلَالِ اللَّهِ، أَوْ حَلَالِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ يَعُمُّ، وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ فَلْيُحْفَظْ.   [رد المحتار] سَيَأْتِي عَلَى النَّهْرِ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ فِي الصَّرِيحِ) أَيْ فِي بَابِ طَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْ لَوْ طَلَّقَ بِالصَّرِيحِ كَقَوْلِهِ امْرَأَتِي طَالِقٌ وَلَهُ أَرْبَعٌ مَثَلًا يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ وَقَدَّمْنَا بَسْطَهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْمَذْكُورِ مَتْنًا وَشَرْحًا مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْكَمَالُ) عِبَارَتُهُ: وَفِي الْفَتَاوَى: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إلَى أَنْ قَالَ: وَإِنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعٌ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةً، وَعَلَى فَتْوَى الْأُوزَجَنْدِيِّ وَالْإِمَامِ مَسْعُودٍ الْكَشَانِيِّ تَقَعُ وَاحِدَةٌ وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ هُوَ الْأَشْبَهُ. وَعِنْدِي أَنَّ الْأَشْبَهَ مَا فِي الْفَتَاوَى لِأَنَّ قَوْلَهُ: حَلَالُ اللَّهِ، أَوْ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ يَعُمُّ كُلَّ زَوْجَةٍ، فَإِذَا كَانَ فِيهِ عُرْفٌ فِي الطَّلَاقِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ هُنَّ طَوَالِقُ لِأَنَّ حَلَالَ اللَّهِ يَشْمَلُهُنَّ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَاقِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ كَمَا فِي قَوْلِهِ إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ. اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ تَعْلِيلَهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ وَالتَّرْجِيحِ هُوَ اللَّفْظُ الْعَامُّ لَا الْخَاصُّ كَأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ مَذْكُورًا فِي عِبَارَةِ الْفَتَاوَى إذْ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِيهِ سِوَى الْمُخَاطَبَةِ، فَلَيْسَ النِّزَاعُ فِيهِ كَمَا يَأْتِي عَنْ النَّهْرِ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُ فِي الذَّخِيرَةِ قَدْ حَكَى الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ فِي " حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيَّ حَرَامٌ " كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي النَّهْرِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ قَبْلَهُ فِي الْكَنْزِ، وَهِيَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مَعَ أَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ، فَيَجِبُ كَوْنُ الْمُرَادِ الْإِتْيَانَ بِلَفْظِ " حَرَامٌ "، لَكِنْ لَا بِالْخِطَابِ مَعَ وَاحِدَةٍ كَمَا وَقَعَ فِي الْمَتْنِ، بَلْ عَلَى وَجْهٍ عَامٍّ كَحَلَالِ اللَّهِ، أَوْ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ كَمَا عَلِمْته مِنْ عِبَارَةِ الْكَمَالِ. (قَوْلُهُ: قُلْت إلَخْ) بَيَانٌ لِقَوْلِ النَّهْرِ لَا بِقَيْدِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُ الزَّيْلَعِيِّ اللَّفْظَ الْخَاصَّ بَلْ الْعَامَّ كَمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ: وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ) أَيْ بِمَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ وَذَلِكَ بِحَمْلِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلْقَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ اللَّفْظُ عَامًّا، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ فَقَطْ عَلَى مَا إذَا كَانَ اللَّفْظُ خَاصًّا، هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ الزَّيْلَعِيَّ قَدْ ذَكَرَ الْخِلَافَ، وَقَدْ حَمَلْنَا كَلَامَهُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ مَا إذَا كَانَ اللَّفْظُ عَامًّا فَيَكُونُ الْخِلَافُ فِيهِ وَهُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الْفَتْحِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ كَمَا عَلِمْت. وَأَيْضًا كَيْفَ يَصِحُّ فِي أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَنْ يُقَالَ يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْ الْأَرْبَعِ وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ، بَلْ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى الْمُخَاطَبَةِ فَقَطْ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ طَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا مِنْ حَمْلِهِ كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى نَحْوِ امْرَأَتِي عَلَيَّ حَرَامٌ، وَتَفْرِقَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِي طَالِقٌ حَيْثُ جَعَلَ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ جَارِيًا فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَعَزَاهُ هُنَاكَ إلَى الْمُصَنِّفِ فَقَدْ ذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ حَمَلَ كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى حَلَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَحَقَّقْنَا هُنَاكَ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِهِ امْرَأَتِي حَرَامٌ وَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَأَنَّهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ. لِأَنَّ لَفْظَ امْرَأَتِي عُمُومُهُ بَدَلِيٌّ يَصْدُقُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لَا بِعَيْنِهَا، بِخِلَافِ حَلَالِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ عُمُومَهُ اسْتِغْرَاقِيٌّ يَعُمُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 فُرُوعٌ] : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَلْفَ مَرَّةٍ تَقَعُ وَاحِدَةٌ. طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ نَاوِيًا اثْنَيْنِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ كَرَّرَهُ مَرَّتَيْنِ وَنَوَى بِالْأَوَّلِ طَلَاقًا وَبِالثَّانِي يَمِينًا صَحَّ. قَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ فَعَلْت كَذَا، وَوُجِدَ الشَّرْطُ وَقَعَ الثَّلَاثُ. قَالَ لَهُمَا: أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى فِي إحْدَاهُمَا ثَلَاثًا وَفِي الْأُخْرَى وَاحِدَةً فَكَمَا نَوَى بِهِ يُفْتَى، وَتَمَامُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. قَالَ: أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ حَنِثَ بِوَطْءِ كُلٍّ. وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِوَطْئِهِمَا، وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى.   [رد المحتار] الْكُلَّ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَإِذَا كَانَ لَا خِلَافَ فِي قَوْلِهِ امْرَأَتِي طَالِقٌ فِي أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى وَاحِدَةٍ يُقَالُ مِثْلُهُ فِي امْرَأَتِي حَرَامٌ، وَكَوْنُ أَحَدِهِمَا صَرِيحًا وَالْآخَرِ كِنَايَةً لَا يُوجِبُ الْفَرْقَ، وَمَنْ ادَّعَاهُ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ " أَنْتِ عَلَيْهِ حَرَامٌ " يَخُصُّ الْمُخَاطَبَةَ وَفِي أَنَّ " كُلُّ حِلٍّ عَلَيْهِ حَرَامٌ " يَعُمُّ الْأَرْبَعَ لِصَرِيحِ أَدَاةِ الْعُمُومِ الِاسْتِغْرَاقِيِّ، وَفِي: امْرَأَتُهُ حَرَامٌ، أَوْ طَالِقٌ يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي نَحْوِ: حَلَالُ اللَّهِ، أَوْ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ، فَقِيلَ يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ نَظَرًا إلَى صُورَةِ أَفْرَادِهِ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَعُمُّ الْكُلَّ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ، فَافْهَمْ وَاغْنَمْ هَذَا التَّقْرِيرَ الْفَرِيدَ، وَانْزِعْ عَنْك قِلَادَةَ التَّقْلِيدِ. (قَوْلُهُ: تَقَعُ وَاحِدَةٌ) كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ تَكْرِيرِ هَذَا اللَّفْظِ أَلْفَ مَرَّةٍ وَهُوَ لَوْ كَرَّرَهُ لَا يَقَعُ إلَّا الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ قُبَيْلَ طَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ فِيمَا لَوْ قَالَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ مِرَارًا، أَوْ أُلُوفًا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ وَالصَّرِيحُ إذَا تَكَرَّرَ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ، وَلِذَا قُيِّدَ بِالْمَدْخُولِ بِهَا لِبَقَاءِ الْعِدَّةِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ هُنَاكَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: نَاوِيًا ثِنْتَيْنِ) أَيْ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَقَوْلُهُ: تَقَعُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الثِّنْتَيْنِ عَدَدٌ مَحْضٌ، وَلَفْظُ حَرَامٍ لَا يَحْتَمِلُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَمَةً لِأَنَّهُ فِي حَقِّهَا الْفَرْدُ الِاعْتِبَارِيُّ، وَفِي قَوْلِهِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ رَدٌّ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ فَإِنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ، وَالْوَاقِعُ فِي عِبَارَاتِهِمْ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الثَّلَاثَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَتَقَعُ ثِنْتَانِ تَكْمِلَةً لِلثَّلَاثِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ أَيْ بِنِيَّتِهِ وَإِنْ وَقَعَ بِلَفْظِهِ تَأَمَّلْ. وَفِيهِ رَدٌّ أَيْضًا عَلَى مَا فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ إذَا نَوَاهُمَا مَعَ الْأُولَى كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي أَوَّلِ بَابِ الصَّرِيحِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ: وَبِالثَّانِي يَمِينًا) أَيْ إيلَاءً وَقَوْلُهُ: صَحَّ: أَيْ مَا نَوَى لِأَنَّ فِيهِ تَشْدِيدًا عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى بِهِ طَلَاقًا، أَوْ أَطْلَقَ وَانْصَرَفَ إلَى الطَّلَاقِ كَمَا هُوَ الْمُفْتَى بِهِ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ بَائِنٌ وَالْبَائِنُ لَا يَلْحَقُ مِثْلَهُ كَمَا مَرَّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَقَعَ الثَّلَاثُ) لِأَنَّ الْبَائِنَ يَلْحَقُ الْبَائِنَ إذَا كَانَ مُعَلَّقًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَصْلُحُ جَعْلُهُ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ. (قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ) وَعِبَارَتُهُ قَالَ: لِامْرَأَتَيْهِ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى الثَّلَاثَ فِي إحْدَاهُمَا وَالْوَاحِدَةَ فِي الْأُخْرَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَلَوْ قَالَ: نَوَيْت الطَّلَاقَ فِي إحْدَاهُمَا وَالْيَمِينَ فِي الْأُخْرَى عِنْدَ الثَّانِي يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا وَعِنْدَهُمَا كَمَا نَوَى. قَالَ لِثَلَاثٍ: أَنْتُنَّ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى الثَّلَاثَ فِي الْوَاحِدَةِ وَالْيَمِينَ فِي الثَّانِيَةِ وَالْكَذِبَ فِي الثَّالِثَةِ طَلُقْنَ ثَلَاثًا، وَقِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ الثَّانِي، وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا نَوَى. اهـ. (قَوْلُهُ: حَنِثَ بِوَطْءِ كُلٍّ) يَعْنِي يَكُونُ إيلَاءً مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَهَذَا عَلَى غَيْرِ الْمُفْتَى بِهِ، وَعَلَى الْمُفْتَى بِهِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ. اهـ. ح أَيْ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ طَلَاقٌ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى) الْفَرْقُ هُوَ أَنَّ هَتْكَ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِوَطْئِهِمَا، وَفِي قَوْلِهِ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ صَارَ إيلَاءً بِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّحْرِيمِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا كَذَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 وَفِي الْجَوْهَرَةِ: كَرَّرَ " وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ " ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ؛ وَإِنْ نَوَى التَّكْرَارَ اتَّحَدَا؛ وَإِلَّا فَالْإِيلَاءُ وَاحِدٌ وَالْيَمِينُ ثَلَاثٌ، وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ تَعَدَّدَ الْإِيلَاءُ وَالْيَمِينُ. بَابُ الْخُلْعِ (هُوَ) لُغَةً الْإِزَالَةُ، وَاسْتُعْمِلَ فِي إزَالَةِ الزَّوْجِيَّةِ بِالضَّمِّ وَفِي غَيْرِهِ بِالْفَتْحِ. وَشَرْعًا كَمَا فِي الْبَحْرِ (إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ) خَرَجَ بِهِ الْخُلْعُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَبَعْدَ الْبَيْنُونَةِ وَالرِّدَّةِ فَإِنَّهُ لَغْوٌ كَمَا فِي الْفُصُولِ   [رد المحتار] وَقَالَ ح: الْفَرْقُ هُوَ أَنَّ فِي قَوْلِهِ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ حَرَّمَهُمَا عَلَى نَفْسِهِ وَتَحْرِيمُهُمَا تَحْرِيمٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَفِي قَوْلِهِ لَا أَقْرَبُكُمَا مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ قُرْبَانِهِمَا جَمِيعًا فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِوَطْئِهِمَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الْفَرْقِ صَاحِبُ النَّهْرِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ حَرَّمَ مِلْكَهُ لَمْ يُحَرَّمْ، حَيْثُ فَرَّقَ بَيْنَ " أَكْلُ هَذَا الرَّغِيفِ عَلَيَّ حَرَامٌ " وَبَيْنَ " لَا آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ " بِأَنَّ بِتَحْرِيمِهِ الرَّغِيفَ عَلَى نَفْسِهِ حَرَّمَ أَجْزَاءَهُ أَيْضًا، وَفِي الثَّانِي إنَّمَا مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ أَكْلِ الرَّغِيفِ كُلِّهِ فَلَا يَحْنَثُ بِالْبَعْضِ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ عَنْ الْخَانِيَّةِ. قَالَ مَشَايِخُنَا: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لُقْمَةٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا الرَّغِيفُ عَلَيَّ حَرَامٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ اهـ أَيْ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ، لَكِنَّ مُقْتَضَى مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَلِفِ بِاسْمِهِ تَعَالَى وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِمَّا أُلْحِقَ بِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إنْ نَوَى التَّكْرَارَ) أَيْ التَّأْكِيدَ اتَّحَدَا أَيْ يَكُونُ الْإِيلَاءُ وَاحِدًا وَيَمِينًا وَاحِدَةً حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْرَبْهَا فِي الْمُدَّةِ طَلُقَتْ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَإِنْ قَرِبَهَا فِيهَا لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، أَوْ أَرَادَ التَّشْدِيدَ وَالتَّغْلِيظَ وَهُوَ الِابْتِدَاءُ دُونَ التَّكْرَارِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: فَالْإِيلَاءُ وَاحِدٌ إلَخْ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْإِيلَاءُ ثَلَاثًا أَيْضًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، حَتَّى إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَقْرَبْهَا تَبِينُ بِتَطْلِيقَةٍ ثُمَّ عَقِيبَهَا تَبِينُ بِأُخْرَى ثُمَّ بِأُخْرَى إلَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَلَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا: الْإِيلَاءُ وَاحِدٌ فَلَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْمُدَّةَ لَمَّا كَانَتْ مُتَّحِدَةً كَانَ الْمَنْعُ مُتَّحِدًا فَلَا يَتَكَرَّرُ الْإِيلَاءُ، وَيَجِبُ بِالْقُرْبَانِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ إجْمَاعًا لِأَنَّ الشَّرْطَ الْوَاحِدَ يَكْفِي لِأَيْمَانٍ كَثِيرَةٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْخُلْعِ] ِ أَخَّرَهُ عَنْ الْإِيلَاءِ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ لِتَجَرُّدِهِ عَنْ الْمَالِ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ الْخُلْعِ فَإِنَّ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ، وَلِأَنَّ مَبْنَى الْإِيلَاءِ نُشُوزٌ مِنْ قِبَلِهِ وَالْخُلْعُ نُشُوزٌ مِنْ قِبَلِهَا غَالِبًا، فَقَدَّمَ مَا بِالرَّجُلِ عَلَى مَا بِالْمَرْأَةِ عِنَايَةً (قَوْلُهُ: هُوَ لُغَةً الْإِزَالَةُ إلَخْ) يُقَالُ: خَلَعْت النَّعْلَ وَغَيْرَهُ خَلْعًا نَزَعْته، وَخَالَعَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مُخَالَعَةً إذَا افْتَدَتْ مِنْهُ فَخَلَعَهَا هُوَ خَلْعًا وَالِاسْمُ الْخُلْعُ بِالضَّمِّ وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ مِنْ خَلْعِ اللِّبَاسِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِبَاسٌ لِلْآخَرِ، فَإِذَا فَعَلَا ذَلِكَ فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ نَزَعَ لِبَاسَهُ عَنْهُ بَحْرٌ عَنْ الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ: وَاسْتُعْمِلَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالضَّمِّ فِي ذَلِكَ وَهُوَ اسْمُ الْمَصْدَرِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا مَرَّ عَنْ الْمِصْبَاحِ وَأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لُغَوِيٌّ، وَنَظِيرُهُ مَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ الطَّلَاقَ وَالْإِطْلَاقَ رَفْعُ الْقَيْدِ مُطْلَقًا لَكِنَّهُ خُصَّ الطَّلَاقُ لُغَةً بِرَفْعِ قَيْدِ النِّكَاحِ وَاسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِهِ الْإِطْلَاقُ (قَوْلُهُ: وَفِي غَيْرِهِ) الْأَنْسَبُ وَفِي غَيْرِهَا ط (قَوْلُهُ: مِلْكِ النِّكَاحِ) شَمِلَ مَا لَوْ خَالَعَ الْمُطَلَّقَةَ رَجْعِيًّا بِمَالٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَجِبُ الْمَالُ بَحْرٌ وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَغْوٌ) لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ، وَبِالْبَيْنُونَةِ وَالرِّدَّةِ حَصَلَتْ الْإِزَالَةُ قَبْلَهُ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْخُلْعِ إزَالَةٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَلَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ وَيَبْقَى لَهُ بَعْدَ الْخُلْعِ وِلَايَةُ الْجَبْرِ عَلَى النِّكَاحِ فِي الرِّدَّةِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ اهـ. قُلْت: وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَوْ بَعْدَ الْوَطْءِ لَكِنْ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: نَكَحَهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 (الْمُتَوَقِّفَةُ عَلَى قَبُولِهَا) خَرَجَ مَا لَوْ قَالَ: خَلَعْتُكِ - نَاوِيًا الطَّلَاقَ - فَإِنَّهُ يَقَعُ بَائِنًا غَيْرَ مُسْقِطٍ لِلْحُقُوقِ لِعَدَمِ تَوَقُّفِهِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ خَالَعْتكِ بِلَفْظِ الْمُفَاعَلَةِ، أَوْ " اخْتَلِعِي " بِالْأَمْرِ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَقَبِلَتْ فَإِنَّهُ خُلْعٌ مُسْقِطٌ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ قَبَضَتْ الْبَدَلَ رَدَّتْهُ خَانِيَّةٌ.   [رد المحتار] فَاسِدًا فَوَطِئَهَا فَاخْتَلَعَتْ بِالْمَهْرِ قِيلَ يَسْقُطُ إذْ الْخُلْعُ يُجْعَلُ كِنَايَةً عَنْ الْإِبْرَاءِ لِأَنَّ الْخُلْعَ وُضِعَ لِهَذَا، وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ لِأَنَّ الْخُلْعَ لَغَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ فِي النِّكَاحِ الْقَائِمِ اهـ. وَفِي الْبَحْرِ أَيْضًا: وَلَوْ خَالَعَهَا بِمَالٍ ثُمَّ خَالَعَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَلَكِنْ يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا خَالَعَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ وَبَيْنَ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِمَالٍ بَعْدَ الْخُلْعِ حَيْثُ يَقَعُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ آخِرَ الْكِنَايَاتِ. اهـ. قُلْت: قَدَّمْنَا الْفَرْقَ هُنَاكَ، وَهُوَ أَنَّ الْخُلْعَ بَائِنٌ وَهُوَ لَا يَلْحَقُ مِثْلَهُ، وَالطَّلَاقَ بِمَالٍ صَرِيحٌ فَيَلْحَقُ الْخُلْعَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْمَالُ هُنَا لِأَنَّ الْمَالَ إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا كَانَتْ تَمْلِكُ بِهِ نَفْسَهَا وَلِذَا يَقَعُ الْبَائِنُ. وَإِذَا طَلَّقَهَا بِمَالٍ بَعْدَ الْخُلْعِ لَمْ يُفِدْ الطَّلَاقُ مِلْكَهَا نَفْسَهَا لِحُصُولِهِ بِالْخُلْعِ قَبْلَهُ، وَلِذَا لَزِمَ الْمَالُ فِيمَا لَوْ طَلَّقَهَا بِمَالٍ ثُمَّ خَلَعَهَا وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ هُنَاكَ (قَوْلُهُ: الْمُتَوَقِّفَةُ) بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِإِزَالَةِ، وَقَوْلُهُ: عَلَى قَبُولِهَا: أَيْ الْمَرْأَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ مِنْهَا حَيْثُ كَانَ عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَ بِلَفْظِ خَالَعْتكِ، أَوْ اخْتَلِعِي. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَقَدْ خَالِعَتك عَلَى أَلْفٍ فَدَخَلَتْ الدَّارَ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِأَلْفٍ يُرِيدُ بِهِ إذَا قَبِلَتْ عِنْدَ الدُّخُولِ اهـ. وَمُفَادُهُ عَدَمُ صِحَّةِ الْقَبُولِ قَبْلَ الشَّرْطِ كَمَا نَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: خَرَجَ مَا لَوْ قَالَ خَلَعْتُكِ إلَخْ) أَيْ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَالَ لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ عَلَى مَالٍ لَزِمَ قَبُولُهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ النِّيَّةِ، أَوْ دَلَالَةِ الْحَالِ، لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّهُ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ صَارَ كَالصَّرِيحِ (قَوْلُهُ: غَيْرَ مُسْقِطٍ لِلْحُقُوقِ) أَيْ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالزَّوْجِيَّةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ خَالَعْتكِ إلَخْ) كَانَ أَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِخِلَافِ مَا إذَا ذَكَرَ الْمَالَ، أَوْ قَالَ خَالَعْتكِ إلَخْ. وَأَفَادَ أَنَّ التَّعْرِيفَ خَاصٌّ بِالْخُلْعِ الْمُسْقِطِ لِلْحُقُوقِ، فَقَوْلُهُ: خَلَعْتُكِ بِلَا ذِكْرِ مَالٍ لَا يُسَمَّى خُلْعًا شَرْعًا بَلْ هُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى قَبُولِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا ذَكَرَ مَعَهُ الْمَالَ بِلَفْظِ الْمُفَاعَلَةِ، أَوْ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهَا كَمَا مَرَّ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جَانِبِهَا كَمَا يَأْتِي. وَالظَّاهِرُ أَنَّ " خَالَعْتكِ " بِلَفْظِ الْمُفَاعَلَةِ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ لِسُقُوطِ الْمَهْرِ لَا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهِ إذْ لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ فِي الْوُقُوعِ بَيْنَ خَالَعْتكِ وَخَلَعْتُك وَسَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ تَأَمَّلْ، وَفِي حِكْمَةِ الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ خُلْعًا، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَ ذِكْرِ الْمَالِ بَيْنَ خَلَعْتُكِ وَخَالَعْتُكِ وَأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا يُسَمَّى خُلْعًا، وَلَا كُلُّ مَا كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ وَيُسْقِطُ الْحُقُوقَ. [تَنْبِيهٌ] : فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا: مُطْلَقُ لَفْظِ الْخُلْعِ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّلَاقِ بِعِوَضٍ؛ حَتَّى لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ اخْلَعْ امْرَأَتِي فَخَلَعَهَا بِلَا عِوَضٍ لَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ: أَوْ اخْتَلِعِي إلَخْ) إذَا قَالَ لَهَا اخْلَعِي نَفْسَكِ فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَقُولَ بِكَذَا فَخَلَعَتْ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ بَعْدَهُ: أَجَزْتُ، أَوْ قَبِلْتُ عَلَى الْمُخْتَارِ؛ وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ بِمَالٍ وَلَمْ يُقَدِّرْهُ، أَوْ بِمَا شِئْتِ فَقَالَتْ: خَلَعْتُ نَفْسِي بِكَذَا، فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَتِمُّ الْخُلْعُ مَا لَمْ يَقْبَلْ بَعْدَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ اخْلَعِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَخَلَعَتْ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَمْ يَكُنْ خُلْعًا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ تَطْلُقُ بِلَا بَدَلٍ، وَبِهِ أَخَذَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ. وَالرَّابِعُ أَنْ يَقُولَ بِلَا مَالٍ فَخَلَعَتْ يَتِمُّ بِقَوْلِهَا، وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ الْخِلَافَ الْمَارَّ، وَذَكَرَ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَخَذَ بِهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، فَمَا فِيهَا خِلَافُ مَا عَزَاهُ إلَيْهَا، نَعَمْ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ: خَالِعَتك فَقَبِلَتْ بَرِئَ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَهْرٌ رَدَّتْ مَا سَاقَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 (بِلَفْظِ الْخُلْعِ) خَرَجَ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْقِطٍ فَتْحٌ، وَزَادَ قَوْلَهُ (أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ) لِيُدْخِلَ لَفْظَ الْمُبَارَأَةِ فَإِنَّهُ مُسْقِطٌ كَمَا سَيَجِيءُ، وَلَفْظَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ كَذَلِكَ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الصُّغْرَى خِلَافًا لِلْخَانِيَّةِ، وَأَفَادَ التَّعْرِيفُ صِحَّةَ خُلْعِ الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا. (وَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ) لِلشِّقَاقِ بِعَدَمِ الْوِفَاقِ (بِمَا يَصْلُحُ لِلْمَهْرِ) بِغَيْرِ عَكْسٍ كُلِّيٍّ لِصِحَّةِ الْخُلْعِ بِدُونِ الْعَشَرَةِ وَبِمَا فِي يَدِهَا وَبَطْنِ غَنَمِهَا وَجَوَّزَ الْعَيْنِيُّ انْعِكَاسَهَا. (وَ) شَرْطُهُ كَالطَّلَاقِ   [رد المحتار] إلَيْهَا، كَذَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ، وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْفَضْلِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَكُونُ إلَّا بِعِوَضٍ اهـ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: بِلَفْظِ الْخُلْعِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِزَالَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْقِطٍ) أَيْ لِلْمَهْرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، نَعَمْ يُسْقِطُ النَّفَقَةَ وَلَوْ مَفْرُوضَةً كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَجِيءُ) فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُسْقِطُ الْخُلْعُ وَالْمُبَارَأَةُ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ كَذَلِكَ) أَيْ خُلْعٌ مُسْقِطٌ لِلْحُقُوقِ بَحْرٌ. قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ: وَذَكَرَ فِي الْمُلْتَقَطِ: لَوْ قَالَ بِعْت مِنْكِ نَفْسَكِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَالًا فَقَالَتْ: اشْتَرَيْتُ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى مَا قَبَضَتْ مِنْ الْمَهْرِ وَتَرُدُّهُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْ سَقَطَ مَا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ. اهـ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْخَانِيَّةِ) حَيْثُ قَالَ إنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْخُلْعَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْمَهْرِ إلَّا بِذِكْرِهِ، وَفِيهِ كَلَامٌ سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: وَأَفَادَ التَّعْرِيفُ إلَخْ) لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ. (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ وَلَوْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ، فَلَا يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ الْعِوَضِ إلَّا بِهِ بَحْرٌ أَوَّلُ كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ: لِلشِّقَاقِ) أَيْ لِوُجُودِ الشِّقَاقِ وَهُوَ الِاخْتِلَافُ وَالتَّخَاصُمُ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: السُّنَّةُ إذَا وَقَعَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ اخْتِلَافٌ أَنْ يَجْتَمِعَ أَهْلُهُمَا لِيُصْلِحُوا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَصْطَلِحَا جَازَ الطَّلَاقُ وَالْخُلْعُ. اهـ. ط، وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ، وَقَدْ أَوْضَحَ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ: بِمَا يَصْلُحُ لِلْمَهْرِ) هَذَا التَّرْكِيبُ يُوهِمُ اشْتِرَاطَ الْبَدَلِ فِي الْخُلْعِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَعَلُّقُهُ بِإِزَالَةِ، مَعَ أَنَّك عَلِمْت أَنَّهُ لَوْ قَالَ خَالَعْتكِ فَقَبِلَتْ تَمَّ الْخُلْعُ بِلَا ذِكْرِ بَدَلٍ، وَبِهَذَا اعْتَرَضَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ حَيْثُ ذَكَرَ التَّعْرِيفُ قَوْلَهُ بِبَدَلٍ، ثُمَّ قَالَ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَهْرُهَا الَّذِي سَقَطَ بِهِ بَدَلٌ فَلَمْ يَعْرَ عَنْ الْبَدَلِ اهـ. وَالْأَوْلَى تَعْبِيرُ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ وَمَا صَلُحَ مَهْرًا صَلُحَ بَدَلَ الْخُلْعِ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا ذُكِرَ فِي الْخُلْعِ بَدَلٌ يَصْلُحُ جَعْلُهُ مَهْرًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا بَطَلَ الْعِوَضُ فِيهِ تَطْلُقُ بَائِنًا مَجَّانًا (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ عَكْسٍ كُلِّيٍّ) فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا لَا يَصْلُحُ بَدَلَ الْخُلْعِ لِأَنَّ بَعْضَ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا يَصْلُحُ بَدَلَ خُلْعٍ كَمَا مَثَّلَ، فَالْكُلِّيَّةُ كَاذِبَةٌ، نَعَمْ يَصْدُقُ عَكْسُهَا مُوجِبَةً جُزْئِيَّةً كَبَعْضِ مَا يَصْلُحُ بَدَلَ خُلْعٍ يَصْلُحُ مَهْرًا (قَوْلُهُ: وَجَوَّزَ الْعَيْنِيُّ انْعِكَاسَهَا) أَيْ كُلِّيَّةً تَبَعًا لِقَوْلِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّهُ مُطَّرِدٌ مُنْعَكِسٌ كُلِّيًّا لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ طَرْدِ الْكُلِّيِّ أَنْ يَكُونَ مَالًا مُتَقَوِّمًا لَيْسَ فِيهِ جَهَالَةٌ مُسْتَتِمَّةٌ وَمَا دُونَ الْعَشَرَةِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، وَمِنْ عَكْسِ الْكُلِّيِّ أَنْ لَا يَكُونَ مَالًا مُتَقَوِّمًا أَوْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ جَهَالَةٌ مُسْتَتِمَّةٌ وَمَا دُونَ الْعَشَرَةِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لَيْسَ فِيهِ جَهَالَةٌ، فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ لَا عَلَى الطَّرْدِ الْكُلِّيِّ وَلَا عَلَى عَكْسِهِ اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ: لَا يَخْفَى أَنَّ الصَّلَاحِيَةَ الْمُطْلَقَةَ هِيَ الْكَامِلَةُ، وَكَوْنُ مُطْلَقِ الْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ خَالِيًا عَنْ الْكَمِّيَّةِ يَصْلُحُ مَهْرًا مَمْنُوعٌ فَلِذَا مَنَعَ الْمُحَقِّقُونَ انْعِكَاسَهَا كُلِّيَّةً. (قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ كَالطَّلَاقِ) وَهُوَ أَهْلِيَّةُ الزَّوْجِ وَكَوْنُ الْمَرْأَةِ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ مُنَجَّزًا، أَوْ مُعَلَّقًا عَلَى الْمِلْكِ. وَأَمَّا رُكْنُهُ فَهُوَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ: إذَا كَانَ بِعِوَضٍ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الطَّلَاقِ بِعِوَضٍ، فَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ، وَلَا يُسْتَحَقُّ الْعِوَضُ بِدُونِ الْقَبُولِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ خَالِعَتك وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِوَضَ وَنَوَى الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ يَقَعُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 وَصِفَتُهُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ يَمِينٌ فِي جَانِبِهِ) لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِقَبُولِ الْمَالِ (فَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ) عَنْهُ (قَبْلَ قَبُولِهَا، وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ لَهُ، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ) أَيْ مَجْلِسِهِ، وَيَقْتَصِرُ قَبُولُهَا عَلَى مَجْلِسِ عِلْمِهَا (وَفِي جَانِبِهَا مُعَاوَضَةٌ) بِمَالٍ (فَصَحَّ رُجُوعُهَا) قَبْلَ قَبُولِهِ (وَ) صَحَّ (شَرْطُ الْخِيَارِ لَهَا) وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَحْرٌ   [رد المحتار] وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ بِلَا عِوَضٍ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ آخِرَ الْبَابِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ " خَالَعْتكِ " مِثْلُ " خَلَعْتُكِ " فِي أَنَّهُ بِلَا ذِكْرِ مَالٍ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ مَا مَرَّ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: تَوَقُّفُ لَفْظِ الْمُفَاعَلَةِ عَلَى الْقَبُولِ شَرْطٌ لِكَوْنِهِ مُسْقِطًا لِلْحُقُوقِ، بِخِلَافِ " خَلَعْتُكِ " فَإِنَّهُ لَا يُسْقِطُ وَلَوْ مَعَ الْقَبُولِ تَأَمَّلْ. وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ " خَالِعَتك " فَقَبِلَتْ يَقَعُ الْبَائِنُ، كَذَا إنْ لَمْ تَقْبَلْ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِقَوْلِهِ خَالَعْتكِ. وَفِيهَا أَيْضًا قَالَ: خَالَعْتكِ عَلَى كَذَا وَسَمَّى مَالًا مَعْلُومًا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ تَقْبَلْ، كَمَا لَوْ قَالَ " طَلَّقْتُكِ " عَلَى أَلْفٍ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَى الْقَبُولِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمَالَ فَلَا يَكُونُ مُعَلَّقًا عَلَى الْقَبُولِ مَعْنًى فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِقَبُولِ الْمَالِ) كَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ قَالَ: خَالِعَتك عَلَى كَذَا وَسَمَّى مَالًا مَعْلُومًا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ تَقْبَلْ، كَمَا لَوْ قَالَ: طَلَّقْتُكِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ لَا يَقَعُ مَا لَمْ تَقْبَلْ اهـ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى مَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ فِي أَوَّلِ الْفُرُوعِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ إلَخْ) أَيْ لَوْ ابْتَدَأَ الزَّوْجُ الْخُلْعَ، فَقَالَ خَالِعَتك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ، وَكَذَا لَا يَمْلِكُ فَسْخَهُ، وَلَا نَهْيَ الْمَرْأَةِ عَنْ الْقَبُولِ، وَلَهُ أَنْ يُعَلِّقَهُ بِشَرْطٍ وَيُضِيفَهُ إلَى وَقْتٍ، مِثْلُ: إذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَقَدْ خَالِعَتك عَلَى كَذَا، أَوْ خَالِعَتك عَلَى كَذَا غَدًا، أَوْ رَأْسَ الشَّهْرِ وَالْقَبُولُ إلَيْهَا بَعْدَ قُدُومِ زَيْدٍ وَمَجِيءِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ تَطْلِيقٌ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْوَقْتِ فَكَانَ قَبُولُهَا قَبْلَ ذَلِكَ لَغْوًا بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ) فَلَا يَبْطُلُ بِقِيَامِهِ عَنْهُ قَبْلَ قَبُولِهَا بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: وَيَقْتَصِرُ قَبُولُهَا إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا مِنْ فُرُوعِ كَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ جَانِبِهَا فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُ، وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ: وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمَرْأَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ غَائِبَةً فَبَلَغَهَا فَلَهَا الْقَبُولُ لَكِنْ فِي مَجْلِسِهَا لِأَنَّهُ فِي جَانِبِهَا مُعَاوَضَةٌ (قَوْلُهُ: وَفِي جَانِبِهَا مُعَاوَضَةٌ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَمِينٌ فِي جَانِبِهِ: أَيْ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَمْلِكُ الطَّلَاقَ بَلْ هُوَ مِلْكُهُ وَقَدْ عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ وَالطَّلَاقُ يَحْتَمِلُهُ وَلَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ وَلَا شَرْطَ الْخِيَارِ بَلْ يَبْطُلُ الشَّرْطُ دُونَهُ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ. وَأَمَّا فِي جَانِبِهَا فَإِنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْمَالِ بِعِوَضٍ فَيُرَاعَى فِيهِ أَحْكَامُ مُعَاوَضَةِ الْمَالِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: فَصَحَّ رُجُوعُهَا) أَيْ إذَا كَانَ الِابْتِدَاءُ مِنْهَا، بِأَنْ قَالَتْ: اخْتَلَعَتْ نَفْسِي مِنْك بِكَذَا فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ قَبْلَ قَبُولِ الزَّوْجِ وَيَبْطُلُ بِقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ وَبِقِيَامِهِ أَيْضًا، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ بِأَنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا، حَتَّى لَوْ بَلَغَهُ وَقَبِلَ لَمْ يَصِحَّ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَلَا إضَافَتُهُ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: وَصَحَّ شَرْطُ الْخِيَارِ لَهَا) بِأَنْ قَالَ خَالِعَتك عَلَى كَذَا عَلَى أَنَّكِ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَبِلَتْ جَازَ الشَّرْطُ عِنْدَهُ، حَتَّى لَوْ اخْتَارَتْ فِي الْمُدَّةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَوَجَبَ الْمَالُ، وَإِنْ رَدَّتْ لَا يَقَعُ وَلَا يَجِبُ. وَعِنْدَهُمَا شَرْطُ الْخِيَارِ بَاطِلٌ وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ وَالْمَالُ لَازِمٌ بَدَائِعُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: قَيَّدَ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَثْبُتُ فِي الْخُلْعِ وَلَا فِي كُلِّ عَقْدٍ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَمَا فِي الْفُصُولِ. وَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فِي بَدَلِ الْخُلْعِ فَثَابِتٌ فِي الْعَيْبِ الْفَاحِشِ، وَهُوَ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْجَوْدَةِ إلَى الْوَسَاطَةِ وَمِنْهَا إلَى الرَّدَاءَةِ دُونَ الْيَسِيرِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) أَيْ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ فِي الْبَيْعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ مِنْ التَّمْلِيكَاتِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْكَشْفِ وَإِذَا أَطْلَقَا أَيْ ذِكْرَ الْمُدَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا الْخِيَارُ فِي مَجْلِسِهَا فَقَطْ اسْتِنْبَاطًا مِمَّا إذَا أَطْلَقَا فِي الْبَيْعِ بَحْرٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْخِيَارَ الْمُطْلَقَ فَفِيهِ أَنَّ ثُبُوتَهُ فِي الْبَيْعِ مُقَيَّدٌ بِمَا بَعْدَ الْعَقْدِ، أَمَّا عِنْدَ الْعَقْدِ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ كَمَا فِي النَّهْرِ، وَحِينَئِذٍ فَإِنَّ ذِكْرَهُ بَعْدَ قَبُولِهَا الْخُلْعَ لَا يُفِيدُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ تَمَامِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَإِنْ ذَكَرَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ لَمْ يَصِحَّ قِيَاسُهُ عَلَى الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا يَثْبُتُ فِيهِ لِأَنَّهُ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِخِلَافِ الْخُلْعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 (وَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ) كَالْبَيْعِ. [فَائِدَةٌ] : يُشْتَرَطُ فِي قَبُولِهَا عِلْمُهَا بِمَعْنَاهُ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ، بِخِلَافِ طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَتَدْبِيرٍ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ وَالْإِسْقَاطُ يَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ (وَطَرَفُ الْعَبْدِ فِي الْعَتَاقِ) عَلَى مَالٍ (كَطَرَفِهَا فِي الطَّلَاقِ، وَ) الْخُلْعُ (يَكُونُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالطَّلَاقِ وَالْمُبَارَأَةِ) كَبِعْتُ نَفْسَكِ، أَوْ طَلَاقَكِ، أَوْ طَلَّقْتُكِ عَلَى كَذَا أَوْ بَارَأْتُكِ: أَيْ فَارَقْتُكِ وَقَبِلَتْ الْمَرْأَةُ.   [رد المحتار] لَكِنْ لَوْ ثَبَتَ فِي الْبَيْعِ لَثَبَتَ مُقْتَصِرًا عَلَى الْمَجْلِسِ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ فِيهِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ فِي الْخُلْعِ لَا يَتَجَاوَزُ الْمَجْلِسَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْخُلْعِ فَيَبْطُلُ بِقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ وَبِقِيَامِهَا أَيْضًا كَمَا مَرَّ. [فَائِدَةٌ فِي شُرَطُ قَبُول الْخُلْعَ وألفاظه] (قَوْلُهُ: يُشْتَرَطُ إلَخْ) فَلَوْ لَقَّنَهَا: اخْتَلَعْتُ مِنْكَ بِالْمَهْرِ وَنَفَقَةِ الْعِدَّةِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَهِيَ لَا تَعْلَمُ مَعْنَاهُ، أَوْ لَقَّنَهَا أَبْرَأْتُكَ مِنْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ كَالتَّوْكِيلِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِعِلْمِ الْوَكِيلِ، وَالْإِبْرَاءُ عَنْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ وَالْمَهْرِ وَإِنْ كَانَ إسْقَاطًا لَكِنَّهُ إسْقَاطٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَصَارَ فِيهِ شُبْهَةُ الْبَيْعِ، وَالْبَيْعُ وَكُلُّ الْمُعَاوَضَاتِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْعِلْمِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ كَثِيرًا مَا تَقَعُ فَتْحٌ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ يَصِحُّ الْخُلْعُ وَلَا يَلْزَمُ الْبَدَلُ لِأَنَّ جَهْلَهَا بِمَعْنَاهُ عُذْرٌ فِي عَدَمِ سُقُوطِ حَقِّهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ طَلَاقِهَا إذَا قَبِلَ فَتَأَمَّلْ، هَذَا، وَعَامَّةُ نِسَاءِ زَمَانِنَا لَا يَعْرِفُونَ مُوجَبَ الْخُلْعِ أَنَّهُ مُسْقِطٌ لِلْحُقُوقِ، فَإِذَا طَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يَخْلَعَهَا فَقَالَ خَالِعَتك وَرَضِيَتْ فَهَلْ يَسْقُطُ مَهْرُهَا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ أَمْ لَا، لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ، وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ فِي سُقُوطِ خِيَارِ الْبُلُوغِ أَنَّهَا لَا تُعْذَرُ بِالْجَهْلِ وَسَيَأْتِي فِي الشَّرِكَةِ أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفَا مَعْنَاهَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: يَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ) أَيْ قَضَاءً فَقَطْ كَمَا قَدَّمَهُ فِي بَابِ الطَّلَاقِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: وَطَرَفُ الْعَبْدِ إلَخْ) أَيْ جَانِبُهُ. قَالَ فِي النُّقَايَةِ وَشَرْحِهَا لِلْقُهُسْتَانِيِّ: وَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ فِي الْعِتْقِ بِمَنْزِلَتِهَا: أَيْ الْمَرْأَةِ فِي الْخُلْعِ فَالْمَوْلَى بِمَنْزِلَتِهِ حَتَّى إنَّهُ إذَا قَالَ الْعَبْدُ لِلْمَوْلَى: اشْتَرَيْت نَفْسِي مِنْك بِكَذَا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ دُخُولِ الْمَوْلَى لَهُ. وَإِذَا قَالَ الْمَوْلَى بِعْت نَفْسَك مِنْك بِكَذَا لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ، وَقِسْ عَلَيْهِ شَرْطَ الْخِيَارِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَجْلِسِ. اهـ. ط. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعِتْقَ بِمَالٍ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ كَالْخُلْعِ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ فَتُعْتَبَرُ مِنْ جَانِبِهِ أَحْكَامُ الْمُعَاوَضَاتِ، بِخِلَافِ جَانِبِ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الزَّوْجِ فَتَنْعَكِسُ فِيهِ تِلْكَ الْأَحْكَامُ (قَوْلُهُ: كَطَرَفِهَا فِي الطَّلَاقِ) أَيْ فِي الْخُلْعِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ وَأَطْلَقَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ بِالْكِنَايَةِ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ أَلْفَاظُ الْخُلْعِ خَمْسَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْخُلْعُ يَكُونُ إلَخْ) فِي الْجَوْهَرَةِ: أَلْفَاظٌ خَمْسَةٌ: خَالَعْتكِ، بَايَنْتُكِ، بَارَأْتُكِ، فَارَقْتُكِ، طَلِّقِي نَفْسَكِ عَلَى أَلْفٍ اهـ وَيُزَادُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ لَفْظِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (قَوْلُهُ: كَبِعْتُ نَفْسَك) تَقَدَّمَ عَنْ الصُّغْرَى تَصْحِيحُ أَنَّهُ مُسْقِطٌ لِلْحُقُوقِ (قَوْلُهُ: أَوْ طَلَاقَكِ) فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْكِ طَلَاقَكِ بِمَهْرِكِ فَقَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي بَانَتْ مِنْهُ بِمَهْرِهَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهَا اشْتَرَيْت، وَقِيلَ يَقَعُ رَجْعِيًّا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك تَطْلِيقَةً فَقَالَتْ اشْتَرَيْت يَقَعُ رَجْعِيًّا مَجَّانًا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ اهـ وَقَيَّدَ الثَّانِيَةَ فِي الْخَانِيَّةِ بِمَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قَالَ بِعْت نَفْسَكِ مِنْكِ، فَقَالَتْ: اشْتَرَيْتُ يَقَعُ طَلَاقٌ بَائِنٌ لِأَنَّ بَيْعَ الطَّلَاقِ تَمْلِيكُ الطَّلَاقِ، فَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ طَلَّقْتُك فَيَكُونُ رَجْعِيًّا. أَمَّا بَيْعُ نَفْسِهَا؛ تَمْلِيكُ النَّفْسِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَمِلْكُ النَّفْسِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْبَائِنِ فَيَكُونُ بَائِنًا اهـ فَأَفَادَ أَنَّ بِعْت مِنْك تَطْلِيقَةً بِكَذَا يَقَعُ بِهِ الْبَائِنُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: أَوْ طَلَّقْتُك عَلَى كَذَا) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ مُسْقِطٌ لِلْمَهْرِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ كَمَا سَيَأْتِي ح أَيْ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمُرَادَ الْخُلْعُ الْمُسْقِطُ لِلْحُقُوقِ وَالطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ لَيْسَ مِنْهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 (وَ) حُكْمُهُ أَنَّ (الْوَاقِعَ بِهِ) وَلَوْ بِلَا مَالٍ (وَبِالطَّلَاقِ) الصَّرِيحِ (عَلَى مَالٍ طَلَاقٌ بَائِنٌ) وَثَمَرَتُهُ فِيمَا لَوْ بَطَلَ الْبَدَلُ كَمَا سَيَجِيءُ. (وَ) الْخُلْعُ (هُوَ مِنْ الْكِنَايَاتِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا) مِنْ قَرَائِنِ الطَّلَاقِ، لَكِنْ لَوْ قُضِيَ بِكَوْنِهِ فَسْخًا نَفَذَ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَقِيلَ لَا.   [رد المحتار] قَوْلُهُ: أَنَّ الْوَاقِعَ بِهِ) أَيْ بِالْخُلْعِ وَلَوْ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالْمُبَارَأَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِلَا مَالٍ) هَذَا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ، أَوْ بِلَفْظِ بَيْعِ النَّفْسِ، بِخِلَافِ بَيْعِ الطَّلَاقِ أَوْ الطَّلْقَةِ بِلَا ذِكْرٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ الرَّجْعِيُّ كَمَا عَلِمْته آنِفًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِالطَّلَاقِ إلَخْ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَبِالطَّلَاقِ بِإِسْقَاطِ " لَوْ " وَهُوَ الْأَوْلَى، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ خَارِجٌ عَنْ الْخُلْعِ الْمُسْقِطِ لِلْحُقُوقِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ بَيَانَ وُقُوعِ الْبَائِنِ بِهِ صَحَّ إطْلَاقُ الْخُلْعِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الصَّرِيحَ نَصًّا عَلَى الْمُتَوَهَّمِ إذْ الْكِنَايَةُ كَذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ ط. وَأَرَادَ بِالْمَالِ مَا يَشْمَلُ الْإِبْرَاءَ مِنْهُ حَتَّى لَوْ قَالَتْ: أَبْرَأْتُكَ عَمَّا لِي عَلَيْكَ عَلَى طَلَاقِي فَفَعَلَ بَرِئَ وَبَانَتْ، وَبِخِلَافِ طَلِّقْنِي عَلَى أَنْ أُؤَخِّرَ مَا لِي عَلَيْك فَإِنَّ التَّأْخِيرَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَصَحَّ التَّأْخِيرُ لَوْ لَهُ غَايَةٌ مَعْلُومَةٌ وَإِلَّا فَلَا، وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ مُطْلَقًا بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. مَطْلَبٌ: أَبْرَأَتْهُ مِنْ حَقٍّ يَكُونُ لِلنِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ وَفِي الْفَتْحِ آخِرَ الْبَابِ قَالَ: أَبْرِئِينِي مِنْ كُلِّ حَقٍّ يَكُونُ لِلنِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ فَفَعَلَتْ فَقَالَ فِي فَوْرِهِ طَلَّقْتُك وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا يَقَعُ بَائِنًا لِأَنَّهُ بِعِوَضٍ. وَإِذَا اخْتَلَعَتْ بِكُلِّ حَقٍّ لَهَا عَلَيْهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ حَالَ الْخُلْعِ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ تَسْمِيَةَ كُلِّ حَقٍّ لَهَا عَلَيْهِ وَكُلِّ حَقٍّ يَكُونُ لِلنِّسَاءِ صَحِيحَةٌ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْقَائِمِ لَهَا إذْ ذَاكَ. اهـ. قُلْت: نَعَمْ لَوْ قَالَتْ مِنْ كُلِّ حَقٍّ لِلنِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ قَبْلَ الْخُلْعِ وَبَعْدَهُ فَإِنَّ النَّفَقَةَ تَسْقُطُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ وَسَيَأْتِي أَيْضًا مَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ (قَوْلُهُ: وَثَمَرَتُهُ) أَيْ ثَمَرَةُ تَقْيِيدِ الطَّلَاقِ بِكَوْنِهِ عَلَى مَالٍ دُونَ الْخُلْعِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ بَطَلَ الْبَدَلُ كَمَا سَيَجِيءُ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا بِخَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ مَيْتَةٍ وَقَعَ بَائِنٌ فِي الْخُلْعِ رَجْعِيٌّ فِي الطَّلَاقِ مَجَّانًا فِيهِمَا لِبُطْلَانِ الْبَدَلِ، وَإِذَا بَقِيَ الْخُلْعُ وَالْوَاقِعُ بِهِ بَائِنٌ، وَلَفْظُ الطَّلَاقِ وَالْوَاقِعُ بِهِ رَجْعِيٌّ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذِكْرُ الْمَالِ شَرْطًا فِي وُقُوعِ الْبَائِنِ بِالطَّلَاقِ دُونَ الْخُلْعِ لَمْ تَظْهَرْ ثَمَرَةٌ لِلتَّقْيِيدِ بِهِ، وَلَكِنَّ الِاقْتِصَارَ فِي بَيَانِ الثَّمَرَةِ عَلَى بُطْلَانِ الْبَدَلِ مَحَلُّ نَظَرٍ، فَإِنَّ مِثْلَهُ مَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ أَصْلًا تَأَمَّلْ. وَأَمَّا كَوْنُ الْخُلْعِ يُسْقِطُ الْحُقُوقَ وَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ لَا يُسْقِطُهَا فَلَيْسَ ثَمَرَةَ التَّقْيِيدِ بِالْمَالِ كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَالْخُلْعُ مِنْ الْكِنَايَاتِ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الِانْخِلَاعَ عَنْ اللِّبَاسِ، أَوْ الْخَيْرَاتِ، أَوْ عَنْ النِّكَاحِ عِنَايَةٌ، وَمِثْلُهُ الْمُبَارَأَةُ (قَوْلُهُ: فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا) وَيَقَعُ بِهِ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ إلَّا إنْ نَوَى ثَلَاثًا فَتَكُونُ ثَلَاثًا، وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً كَمَا فِي الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ: مِنْ قَرَائِنِ الطَّلَاقِ) كَمُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَسُؤَالِهَا لَهُ. وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَتَسْمِيَةُ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا مِنْ الْقَرَائِنِ. اهـ. ط (قَوْلُهُ: لَوْ قُضِيَ بِكَوْنِهِ فَسْخًا) أَيْ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ إنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ بَلْ هُوَ فَسْخٌ لَا يَنْقُصُ الْعِدَدَ بِشَرْطِ عَدَمِ نِيَّةِ الطَّلَاقِ بَحْرٌ. مَطْلَبٌ مَعْنَى الْمُجْتَهَدِ فِيهِ (قَوْلُهُ: نَفَذَ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ) أَيْ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ صَحِيحٍ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً مَشْهُورَةً وَلَا إجْمَاعًا، إذْ لَوْ خَالَفَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي رَأْيِ الْمُجْتَهِدِ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهَدًا فِيهِ، حَتَّى لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ يَرَاهُ لَا يَنْفُذُ كَمَا قَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْآتِي عَنْ الْفَتْحِ مَا يُوضِحُهُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ نَفَذَ هُوَ مَا لَوْ حَكَمَ بِهِ حَنْبَلِيٌّ فِي مَسْأَلَتِنَا بِخِلَافِ الْحَنَفِيِّ فَإِنَّهُ وَإِنْ صَحَّ حُكْمُهُ بِغَيْرِ مَذْهَبِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، لَكِنَّهُ فِي زَمَانِنَا لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 (خَلَعَهَا ثُمَّ قَالَ لَمْ أَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ، فَإِنْ ذَكَرَ بَدَلًا لَمْ يُصَدَّقْ) قَضَاءً فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ (وَإِلَّا صُدِّقَ فِي) مَا إذَا وَقَعَ بِلَفْظِ (الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ) لِأَنَّهُمَا كِنَايَتَانِ وَلَا قَرِينَةَ، بِخِلَافِ لَفْظِ بَيْعٍ وَطَلَاقٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ إلَّا أَنَّ الْمَشَايِخَ قَالُوا لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ هَهُنَا لِأَنَّهُ بِحُكْمِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ صَارَ كَالصَّرِيحِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ مُتَفَرِّقَاتِ طَلَاقِ الْمُحِيطِ. (وَكُرِهَ) تَحْرِيمًا (أَخْذُ شَيْءٍ) وَيُلْحَقُ بِهِ الْإِبْرَاءُ عَمَّا لَهَا عَلَيْهِ (إنْ نَشَزَ وَإِنْ نَشَزَتْ لَا) وَلَوْ مِنْهُ نُشُوزٌ أَيْضًا وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا عَلَى الْأَوْجَهِ فَتْحٌ، وَصَحَّحَ الشُّمُنِّيُّ كَرَاهَةَ الزِّيَادَةِ، وَتَعْبِيرُ الْمُلْتَقَى لَا بَأْسَ بِهِ يُفِيدُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ.   [رد المحتار] لِتَقْيِيدِ السُّلْطَانِ قَضَاءَهُ بِالْحُكْمِ الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِنَا فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ بِالضَّعِيفِ فَضْلًا عَنْ مَذْهَبِ الْغَيْرِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً) أَيْ بَلْ دِيَانَةً لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ بِسِرِّهِ لَكِنْ لَا يَسَعُ الْمَرْأَةَ أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ لِأَنَّهَا كَالْقَاضِي لَا تَعْرِفُ مِنْهُ إلَّا الظَّاهِرَ بَحْرٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ: فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ) أَيْ فِيمَا لَوْ كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ، أَوْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، أَوْ الطَّلَاقِ، أَوْ الْمُبَارَأَةِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ لَفْظِ بَيْعٍ وَطَلَاقٍ) لِأَنَّهُمَا صَرِيحَانِ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَلَكِنَّ صَرَاحَةَ عَلَيْهِ قَطْعِيَّةٌ لَا تَتَخَلَّفُ عَنْهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ زَوَالُ مِلْكِ الْيَمِينِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ قَطْعًا زَوَالُ مِلْكِ الْمُتْعَةِ كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ تَأَمَّلْ. وَأَمَّا صَرَاحَةُ الطَّلَاقِ فَظَاهِرَةٌ وَإِنْ كَانَ لَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْخُلْعِ إلَّا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَالِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ: أَيْ الرَّجْعِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ بِمَالٍ وَلَا يُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ لِكَوْنِهِ صَرِيحًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ) أَيْ اشْتِرَاطِهَا لِلْوُقُوعِ بِهَا دِيَانَةً، وَكَذَا قَضَاءً إذَا لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ مِنْ ذِكْرِ مَالٍ وَنَحْوِهِ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْكِنَايَاتِ (قَوْلُهُ: هَهُنَا) أَيْ فِي لَفْظِ الْخُلْعِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: فَلَوْ كَانَتْ الْمُبَارَأَةُ أَيْضًا كَذَلِكَ: أَيْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الطَّلَاقِ لَمْ تَحْتَجْ إلَى النِّيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْكِنَايَاتِ وَإِلَّا تَبْقَى النِّيَّةُ مَشْرُوطَةً فِيهَا وَفِي سَائِرِ الْكِنَايَاتِ عَلَى الْأَصْلِ اهـ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُبَارَأَةَ لَمْ يَغْلِبْ اسْتِعْمَالُهَا فِي الطَّلَاقِ عُرْفًا، بِخِلَافِ الْخُلْعِ فَإِنَّهُ مُشْتَهِرٌ بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ تَحْرِيمًا أَخْذُ الشَّيْءِ) أَيْ قَلِيلًا كَانَ، أَوْ كَثِيرًا. وَالْحَقُّ أَنَّ الْأَخْذَ إذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْهُ حَرَامٌ قَطْعًا - {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20]- إلَّا أَنَّهُ إنْ أَخَذَ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ، لَكِنْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلسُّيُوطِيِّ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي جَرِيرٍ عَنْ ابْنِ زَيْدٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: ثُمَّ رَخَّصَ بَعْدُ، فَقَالَ - {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]- قَالَ فَنَسَخَتْ هَذِهِ تِلْكَ اهـ وَهُوَ يَقْتَضِي حِلَّ الْأَخْذِ مُطْلَقًا إذَا رَضِيَتْ اهـ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا، أَوْ مِنْهُمَا. لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَوَّلًا عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى فِيمَا إذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْهُ فَقَطْ، وَالثَّانِيَةَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّهُمَا لَوْ تَعَارَضَتَا فَحُرْمَةُ الْأَخْذِ بِلَا حَقٍّ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231]- وَإِمْسَاكُهَا لَا لِرَغْبَةٍ بَلْ إضْرَارًا لِأَخْذِ مَالِهَا فِي مُقَابَلَةِ خَلَاصِهَا مِنْهُ مُخَالِفٌ لِلدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَيُلْحَقُ بِهِ) أَيْ بِالْأَخْذِ (قَوْلُهُ: إنْ نَشَزَ) فِي الْمِصْبَاحِ نَشَزَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا نُشُوزًا مِنْ بَابِ قَعَدَ وَضَرَبَ عَصَتْهُ. وَنَشَزَ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ نُشُوزًا بِالْوَجْهَيْنِ: تَرَكَهَا وَجَفَاهَا، وَأَصْلُهُ الِارْتِفَاعُ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْهُ نُشُوزٌ أَيْضًا) لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى - {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]- يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ إذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِعِبَارَةِ النَّصِّ، وَإذَا كَانَ مِنْ جَانِبِهَا فَقَطْ بِدَلَالَتِهِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ: وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ) أَيْ بَيْنَ مَا رَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ نَفْيِ كَرَاهَةِ أَخْذِ الْأَكْثَرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 (أَكْرَهَهَا) الزَّوْجُ (عَلَيْهِ تَطْلُقُ بِلَا مَالٍ) لِأَنَّ الرِّضَا شَرْطٌ لِلُزُومِ الْمَالِ وَسُقُوطِهِ. (وَلَوْ هَلَكَ بَدَلُهُ فِي يَدِهَا) قَبْلَ الدَّفْعِ (أَوْ اُسْتُحِقَّ فَعَلَيْهَا قِيمَتُهُ لَوْ) الْبَدَلُ (قِيَمِيًّا، وَمِثْلُهُ لَوْ مِثْلِيًّا) لِأَنَّ الْخُلْعَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ. (خَلَعَهَا، أَوْ طَلَّقَهَا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ مَيْتَةٍ وَنَحْوِهَا) مِمَّا لَيْسَ بِمَالٍ (وَقَعَ) طَلَاقٌ (بَائِنٌ فِي الْخُلْعِ رَجْعِيٌّ فِي غَيْرِهِ) وُقُوعًا (مَجَّانًا) فِيهِمَا لِبُطْلَانِ الْبَدَلِ وَهُوَ الثَّمَرَةُ كَمَا مَرَّ؛ وَلَوْ سَمَّتْ حَلَالًا كَهَذَا الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ رَجَعَ بِالْمَهْرِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ وَإِلَّا لَا شَيْءَ لَهُ (كَخَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي) أَيْ الْحِسِّيَّةِ (وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهَا) لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ وَكَذَا عَكْسُهُ، لَكِنْ لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ جَوْهَرَةٌ لَهَا فَقَبِلَتْ فَهِيَ لَهُ عَلِمَتْ أَوْ لَا لِإِضْرَارِهَا نَفْسَهَا بِقَوْلِهَا (وَإِنْ زَادَتْ مِنْ مَالٍ، أَوْ دَرَاهِمَ   [رد المحتار] وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَبَيْنَ مَا رَجَّحَهُ الشُّمُنِّيُّ مِنْ إثْبَاتِهَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ، فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى نَفْيِ التَّحْرِيمِيَّةِ وَالثَّانِي عَلَى إثْبَاتِ التَّنْزِيهِيَّةِ، وَهَذَا التَّوْفِيقُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْفَتْحِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَذَكَرَ النُّصُوصَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ثُمَّ حَقَّقَ ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى هَذَا يَظْهَرُ كَوْنُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَوْجَهَ، نَعَمْ يَكُونُ أَخْذُ الزِّيَادَةِ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَالْمَنْعُ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَوْلَى. اهـ. وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْخُلْعِ مِنَحٌ: أَيْ عَلَى أَنْ تَقُولَ لَهُ خَالِعْنِي. وَفِي الْبَحْرِ عَلَى الْقَبُولِ: أَيْ إذَا كَانَ هُوَ الْمُبْتَدِئَ بِقَوْلِهِ خَالِعَتك فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: تَطْلُقُ) أَيْ بَائِنًا إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ، وَرَجْعِيًّا إنْ كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي (قَوْلُهُ: شَرْطٌ لِلُزُومِ الْمَالِ) أَيْ عَلَيْهَا وَهُوَ الْبَدَلُ الْمَذْكُورُ فِي الْخُلْعِ، وَقَوْلُهُ " وَسُقُوطِهِ " أَيْ عَنْ الزَّوْجِ وَهُوَ الْمَهْرُ الَّذِي عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ اُسْتُحِقَّ) أَيْ ادَّعَاهُ آخَرُ وَأَثْبَتَ أَنَّهُ لَهُ، وَمِثْلُهُ مَا فِي الْفَتْحِ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ لَوْ كَانَ عَبْدًا حَلَالَ الدَّمِ فَقُتِلَ عِنْدَهُ رَجَعَ عَلَيْهَا بِقِيمَتِهِ، وَكَذَا لَوْ وَجَبَ قَطْعُ يَدِهِ فَقُطِعَ عِنْدَهُ رَدَّهُ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: مِمَّا لَيْسَ بِمَالٍ) كَالدَّمِ وَالْخَمْرِ (قَوْلُهُ: وَقَعَ) أَيْ إنْ قَبِلَتْ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: بَائِنٌ فِي الْخُلْعِ) لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى قَطْعِ الْوَصْلَةِ فَكَانَ الْوَاقِعُ مِنْهُ بَائِنًا بِخِلَافِ لَفْظِ " اعْتَدِّي " وَأَخَوَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ؛ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ لَا يَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ أَيْضًا (قَوْلُهُ: مَجَّانًا فِيهِمَا) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ وَالْمَجَّانُ كَشَدَّادٍ: عَطِيَّةُ الشَّيْءِ بِلَا بَدَلٍ. قَالَ فِي الْفَتْحِ أَيْ بِلَا شَيْءٍ يَجِبُ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ فِي الْخُرُوجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَلِذَا لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ فِي الطَّلَاقِ اهـ وَأَوْجَبَ زُفَرُ عَلَيْهَا رَدَّ الْمَهْرِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ بَحْرٌ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمَهْرُ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ " خَالَعْتكِ " مُسْقِطٌ لِلْحُقُوقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِعِوَضٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَثَمَرَتُهُ فِيمَا لَوْ بَطَلَ الْبَدَلُ وَقَدَّمْنَا بَيَانَهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَمَّتْ حَلَالًا إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ: لَوْ خَلَعَهَا عَلَى حَلَالٍ وَحَرَامٍ كَخَمْرٍ وَمَالٍ صَحَّ وَلَا يَجِبُ لَهُ إلَّا الْمَالُ، قِيلَ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ صَحِيحٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: رَجَعَ بِالْمَهْرِ) أَيْ إنْ أَخَذَتْهُ وَإِلَّا سَقَطَ عَنْهُ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ. وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ مِثْلُهُ مِنْ خَلٍّ وَسَطٍ لِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهَا بِتَسْمِيَةِ الْمَالِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: أَيْ الْحِسِّيَّةِ) قَيَّدَ بِهِ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي: وَالْبَيْتُ وَالصُّنْدُوقُ إلَخْ مِمَّا هُوَ فِي يَدِهَا الْحُكْمِيَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهَا) أَمَّا لَوْ كَانَ فِيهَا شَيْءٌ وَلَوْ قَلِيلًا فَهُوَ لَهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ) عِلَّةٌ لِمَا فُهِمَ مِنْ التَّشْبِيهِ، وَهُوَ وُقُوعُ الْبَائِنِ مَجَّانًا أَيْ لِعَدَمِ تَسْمِيَةِ شَيْءٍ تَصِيرُ بِهِ غَارَّةً لَهُ بَحْرٌ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهَا قَدْ يَكُونُ مُتَقَوِّمًا، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَهُ فَكَانَ رَاضِيًا بِذَلِكَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا عَكْسُهُ) بِأَنْ قَالَ لَهَا خَالِعَتك عَلَى مَا فِي يَدِي وَلَا شَيْءَ فِيهَا بَحْرٌ وَهَذَا مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: لَكِنْ إلَخْ) لَمَّا كَانَ عَدَمُ لُزُومِ شَيْءٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِعَدَمِ التَّغْرِيرِ مِنْهَا صَارَ مَظِنَّةً أَنْ يُتَوَهَّمَ هُنَا أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْجَوْهَرَةَ لِتَغْرِيرِهِ لَهَا، فَاسْتَدْرَكَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهَا لَهُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ أَضَرَّتْ بِنَفْسِهَا حَيْثُ قَبِلَتْ الْخُلْعَ قَبْلَ أَنْ تَعْلَمَ مَا فِي يَدِهِ فَهَذَا اسْتِدْرَاكٌ فِي مَحَلِّهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ زَادَتْ) أَيْ عَلَى قَوْلِهَا خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 446 رَدَّتْ) عَلَيْهِ فِي الْأُولَى (مَهْرَهَا) إنْ قَبَضَتْهُ وَإِلَّا لَا شَيْءَ عَلَيْهَا جَوْهَرَةً (أَوْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ) فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ فِي يَدِهَا أَقَلُّ كَمَّلَتْهَا، وَلَوْ سَمَّتْ دَرَاهِمَ فَبَانَ دَنَانِيرَ لَمْ أَرَهُ. (وَالْبَيْتُ وَالصُّنْدُوقُ وَبَطْنُ الْجَارِيَةِ) إذَا لَمْ تَلِدْ لِأَقَلِّ الْمُدَّةِ (وَ) بَطْنُ (الْغَنَمِ) وَثَمَرُ الشَّجَرِ (كَالْيَدِ) فَذِكْرُ   [رد المحتار] أَيْ وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهَا (قَوْلُهُ: رَدَّتْ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى مَهْرَهَا) أَيْ فِي قَوْلِهَا مِنْ مَالٍ؛ وَمِثْلُهُ مِنْ مَتَاعٍ، أَوْ مِنْ مَالِ الْمَهْرِ وَقَدْ أَوْفَاهُ لَهَا، أَوْ عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِي، أَوْ غَنَمِي مِنْ حَمْلٍ لِأَنَّهَا لَمَّا سَمَّتْ مَالًا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ رَاضِيًا بِالزَّوَالِ إلَّا بِالْعِوَضِ، وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى، أَوْ قِيمَتِهِ لِلْجَهَالَةِ وَلَا إلَى قِيمَةِ الْبُضْعِ أَعْنِي مَهْرَ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ فَتَعَيَّنَ إيجَابُ مَا قَامَ عَنْ الزَّوْجِ مِنْ الْمُسَمَّى، أَوْ مَهْرِ الْمِثْلِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهُ بَرِئَ مِنْهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، كَذَا لَا شَيْءَ عَلَيْهَا لَوْ كَانَتْ قَدْ أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: أَوْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ فِي قَوْلِهَا مِنْ دَرَاهِمَ مُعَرَّفًا، أَوْ مُنَكَّرًا لِأَنَّهَا ذَكَرَتْ الْجَمْعَ، وَأَقْصَاهُ لَا غَايَةَ لَهُ، وَأَدْنَاهُ ثَلَاثَةٌ فَوَجَبَتْ. وَلَوْ قَالَتْ: عَلَى مَا فِي هَذَا الْمَكَانِ مِنْ الشِّيَاهِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، أَوْ الثِّيَابِ لَزِمَهَا ثَلَاثَةٌ أَيْضًا كَذَا فِي الدِّرَايَةِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الثِّيَابِ نَظَرٌ لِلْجَهَالَةِ. وَأَقُولُ: يَنْبَغِي إيجَابُ الْوَسَطِ فِي الْكُلِّ؛ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قَالَ نَهْرٌ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الثِّيَابَ مَجْهُولُ الْجِنْسِ مِثْلُ الدَّابَّةِ وَالْعَبْدِ، بِخِلَافِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، وَلِذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ، أَوْ عَبْدٍ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ وَلَوْ عَلَى فَرَسٍ، أَوْ ثَوْبٍ هَرَوِيٌّ وَجَبَ الْوَسَطُ، وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي فِي الثِّيَابِ الْمُطْلَقَةِ رَدُّ الْمَهْرِ كَمَا فِي الْأُولَى، ثُمَّ رَأَيْت فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ مَا نَصُّهُ: وَإِنْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى مَوْصُوفٍ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالثِّيَابِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ بِثَوْبٍ غَيْرِ مَنْسُوبٍ إلَى نَوْعٍ، أَوْ عَلَى دَارٍ كَذَلِكَ فَلَهُ الْمَهْرُ الَّذِي أَعْطَاهُ وَكَذَلِكَ الدَّابَّةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي يَدِهَا أَقَلُّ إلَخْ) وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَلَهُ ذَلِكَ دُرَرٌ عَنْ النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ: لَمْ أَرَهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَوْ سَمَّتْ دَرَاهِمَ فَإِذَا فِي يَدِهَا دَنَانِيرُ لَا يَجِبُ لَهُ غَيْرُ الدَّرَاهِمِ وَلَمْ أَرَهُ. اهـ. ح. قُلْت: وَيَنْبَغِي فِي عُرْفِنَا لُزُومُ الدَّنَانِيرِ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ تُطْلَقُ عُرْفًا عَلَى مَا يَشْمَلُهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا إذَا اخْتَلَعَتْ عَلَى شَيْءٍ غَيْرِ الْمَهْرِ فَهُوَ عَلَى أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُسَمَّى غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ كَالْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ فَيَقَعُ مَجَّانًا. الثَّانِي أَنْ يَحْتَمِلَ كَوْنَهُ مَالًا، أَوْ غَيْرَهُ مِثْلُ مَا فِي بَيْتِهَا، أَوْ يَدِهَا مِنْ شَيْءٍ، فَإِنَّ الشَّيْءَ يَشْمَلُ الْمَالَ وَغَيْرَهُ، وَكَذَا مَا فِي بَطْنِ شَاتِهَا، أَوْ جَارِيَتِهَا، فَإِنَّ مَا فِي الْبَطْنِ قَدْ يَكُونُ رِيحًا، فَإِنْ وُجِدَ الْمُسَمَّى فَهُوَ لَهُ وَإِلَّا وَقَعَ مَجَّانًا. الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ مَالًا سَيُوجَدُ مِثْلُ مَا تُثْمِرُ نَخِيلُهَا أَوْ تَلِدُ غَنَمُهَا الْعَامَ، أَوْ مَا تَكْتَسِبُ الْعَامَ، فَعَلَيْهَا رَدُّ مَا قَبَضَتْ مِنْ الْمَهْرِ سَوَاءٌ وُجِدَ ذَلِكَ، أَوْ لَا. الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ مَالًا لَكِنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَى قَدْرِهِ مِثْلُ مَا فِي بَيْتِهَا، أَوْ يَدِهَا مِنْ الْمَتَاعِ أَوْ مَا فِي نَخِيلِهَا مِنْ الثِّمَارِ، أَوْ مَا فِي بُطُونِ غَنَمِهَا مِنْ الْوَلَدِ، فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ لَهُ وَإِلَّا رَدَّتْ مَا قَبَضَتْ مِنْ الْمَهْرِ. الْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ مَالًا لَهُ مِقْدَارٌ مَعْلُومٌ مِثْلُ مَا فِي يَدِهَا مِنْ دَرَاهِمَ، فَإِنَّ أَقَلَّهُ ثَلَاثٌ فَكَانَ مِقْدَارُهُ مَعْلُومًا فَلَهُ الثَّلَاثَةُ، أَوْ الْأَكْثَرُ. السَّادِسُ إذَا سَمَّتْ مَالًا وَأَشَارَتْ إلَى غَيْرِ مَالٍ كَهَذَا الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ، فَإِنْ عَلِمَ بِأَنَّهُ خَمْرٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِلَّا رَجَعَ بِالْمَهْرِ، هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ تَلِدْ لِأَقَلِّ الْمُدَّةِ) أَيْ مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَهَذَا قَيْدٌ لِعَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ، أَمَّا لَوْ وَلَدَتْ لِأَقَلِّهَا فَهُوَ لَهُ لِتَحَقُّقِ وُجُودِهِ، وَالْأَوْلَى ذِكْرُ هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ " وَبَطْنُ الْغَنَمِ " لِأَنَّ الظَّاهِرَ اعْتِبَارُ أَقَلِّ مُدَّتِهِ أَيْضًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 الْيَدِ مِثَالٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ. قَالَ: وَقَيَّدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا بِعَدَمِ الْعِلْمِ فَقَالَ: لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا مَتَاعَ فِي الْبَيْتِ أَوْ أَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ فِي خُلْعِهَا بِمَهْرِهَا لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ لِأَنَّهَا لَمْ تُطْمِعْهُ فَلَمْ يَصِرْ مَغْرُورًا؛ وَلَوْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ الْمَهْرَ ثُمَّ تَذَكَّرَ عَدَمَهُ رَدَّتْ الْمَهْرَ. (خَالَعَتْ عَلَى عَبْدٍ آبِقٍ لَهَا عَلَى بَرَاءَتِهَا مِنْ ضَمَانِهِ لَمْ تَبْرَأْ) وَعَلَيْهَا تَسْلِيمُهُ إنْ قَدَرَتْ وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَالنِّكَاحِ. (قَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَ فِي الْأَوَّلِ بَائِنَةٌ بِثُلُثِهِ) أَيْ بِثُلُثِ الْأَلْفِ إنْ طَلَّقَهَا فِي مَجْلِسِهِ وَإِلَّا فَمَجَّانًا فَتْحٌ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ كَانَ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ فَلَهُ كُلُّ الْأَلْفِ (وَفِي الثَّانِيَةِ رَجْعِيَّةً مَجَّانًا) لِأَنَّ " عَلَى " لِلشَّرْطِ قَالَا: كَالْبَاءِ.   [رد المحتار] فَائِدَةٌ] : فِي إقْرَارِ الْجَوْهَرَةِ: أَقَلُّ مُدَّةِ حَمْلِ الدَّوَابِّ. سِوَى الشَّاةِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَأَقَلُّ مُدَّةِ حَمْلِ الشَّاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا) كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَ هَذَا عَقِبَ قَوْلِهِ رَدَّتْ مَهْرَهَا، أَوْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ لِيُعْلَمَ أَنَّ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ هُوَ الرَّدُّ الْمَذْكُورُ. وَعِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ هَكَذَا: وَفِي الْفَتَاوَى: رَجُلٌ خَلَعَ امْرَأَتَهُ بِمَا لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ لَهَا عَلَيْهِ بَقِيَّةَ الْمَهْرِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِمَهْرِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ الْمَهْرَ إنْ قَبَضَتْهُ، أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ بِأَنْ وَهَبَتْ صَحَّ الْخُلْعُ وَلَا تَرُدُّ عَلَى الزَّوْجِ شَيْئًا، كَمَا إذَا خَالَعَهَا عَلَى مَا فِي هَذَا الْبَيْتِ مِنْ الْمَتَاعِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا مَتَاعَ فِي هَذَا الْبَيْتِ اهـ وَكَذَا عَلَى مَا فِي يَدِهَا مِنْ الْمَالِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِهَا شَيْءٌ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى. (قَوْلُهُ: عَلَى بَرَاءَتِهَا مِنْ ضَمَانِهِ) مَعْنَاهُ أَنَّهَا إنْ وَجَدَتْهُ سَلَّمَتْهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَأَمَّا لَوْ شَرَطَتْ الْبَرَاءَةَ مِنْ عَيْبٍ فِي الْبَدَلِ صَحَّ الشَّرْطُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لَمْ تَبْرَأْ) لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي سَلَامَةَ الْعِوَضِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) تَعْلِيلٌ لِمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْمَقَامِ أَنَّ الْخُلْعَ صَحِيحٌ فَيَصِحُّ الْخُلْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ، وَمِنْهُ لَوْ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ يُمْسِكَ الْوَلَدَ عِنْدَهُ، أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ صَدَاقُهَا لِوَلَدِهَا، أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ، بِخِلَافِ الشَّرْطِ الْمُلَائِمِ كَمَا لَوْ اخْتَلَعَتْ بِشَرْطِ الصَّكِّ، أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهَا أَقْمِشَتَهَا فَقَبِلَ لَا تَحْرُمُ، وَيُشْتَرَطُ كَتْبُ الصَّكِّ وَرَدُّ الْأَقْمِشَةِ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ) أَمَّا لَوْ قَالَتْ: وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَإِنْ قَالَ بِأَلْفٍ وَقَبِلَتْ وَقَعْنَ، وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَالَ طَلُقَتْ عِنْدَهُ ثَلَاثًا بِلَا شَيْءٍ. وَعِنْدَهُمَا وَاحِدَةٌ بِأَلْفٍ وَثِنْتَانِ بِلَا شَيْءٍ، كَمَا لَوْ فَرَّقَهَا وَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً) مِثْلُهَا ثِنْتَانِ شَلَبِيٌّ وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا كَانَ لَهُ جَمِيعُ الْأَلْفِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، أَوْ مُتَفَرِّقَةً فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ بَحْرٌ. ط (قَوْلُهُ: بِثُلُثِهِ) لِأَنَّ الْبَاءَ تَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ وَهُوَ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمُعَوَّضِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: إنْ طَلَّقَهَا فِي مَجْلِسِهِ) فَلَوْ قَامَ فَطَلَّقَهَا لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ نَهْرٌ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جَانِبِهَا، فَيُشْتَرَطُ فِي قَبُولِهِ الْمَجْلِسُ كَمَا فِي قَبُولِ الْبَيْعِ رَحْمَتِيٌّ. وَلَوْ بَدَأَ هُوَ فَقَالَ خَالَعْتكِ عَلَى أَلْفٍ اُعْتُبِرَ مَجْلِسُهَا دُونَهُ، فَلَوْ ذَهَبَ ثُمَّ قَبِلَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ صَحَّ بَحْرٌ عَنْ الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: لَوْ كَانَ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ) أَيْ قَبْلَ قَوْلِهَا لَهُ طَلِّقْنِي إلَخْ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَعْدَ قَوْلِهَا ذَلِكَ فَلَهُ كُلُّ الْأَلْفِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَتْ طَلِّقْنِي أَرْبَعًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَهِيَ بِالْأَلْفِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَبِثُلُثِ الْأَلْفِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ " عَلَى " لِلشَّرْطِ) وَالْمَشْرُوطُ لَا يَتَوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الشَّرْطِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَزِمَهَا الْأَلْفُ لِأَنَّ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ تَقَعُ عِنْدَهُ رَجْعِيَّةً فَإِيقَاعُ الثَّالِثَةِ وَهِيَ مَنْكُوحَةٌ فَلَهُ الْأَلْفُ؛ وَإِنْ فِي ثَلَاثَةِ مَجَالِسَ فَعِنْدَهُمَا لَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ وَعِنْدَهُ لَا شَيْءَ لَهُ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 (قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ) أَوْ عَلَى أَلْفٍ (فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالْبَيْنُونَةِ إلَّا بِكُلِّ الْأَلْفِ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ لِرِضَاهَا بِهَا بِأَلْفٍ فَبِبَعْضِهَا أَوْلَى (وَقَوْلُهُ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ وَقَبِلَتْ) فِي مَجْلِسِهَا (لَزِمَ) إنْ لَمْ تَكُنْ مُكْرَهَةً كَمَا مَرَّ، وَلَا سَفِيهَةً وَلَا مَرِيضَةً كَمَا يَجِيءُ (الْأَلْفُ) لِأَنَّهُ تَعْوِيضٌ أَوْ تَعْلِيقٌ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة: قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَالْأُخْرَى بِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَبِلَتَا طَلُقَتَا بِغَيْرِ شَيْءٍ (أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْكَ أَلْفٌ طَلُقَتْ وَعَتَقَ مَجَّانًا) وَإِنْ لَمْ يَقْبَلَا، وَ " عَلَيْكَ أَلْفٌ "   [رد المحتار] مَطْلَبٌ: تُسْتَعْمَلُ " عَلَى " فِي الِاسْتِعْلَاءِ وَاللُّزُومِ حَقِيقَةً [تَنْبِيهٌ] : قِيلَ: إنَّ " عَلَى " حَقِيقَةٌ لِلِاسْتِعْلَاءِ مَجَازٌ لِلشَّرْطِ. وَالْحَقُّ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ لِلِاسْتِعْلَاءِ إنْ اتَّصَلَتْ بِالْأَجْسَامِ الْمَحْسُوسَةِ كَقُمْتُ عَلَى السَّطْحِ وَفِي غَيْرِهَا حَقِيقَةٌ فِي مَعْنَى اللُّزُومِ الصَّادِقِ عَلَى الشَّرْطِ الْمَحْضِ نَحْوُ {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ} [الممتحنة: 12] وَأَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ، وَعَلَى الْمُعَاوَضَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَحْضَةِ - كَبِعْنِي هَذَا عَلَى أَلْفٍ -، وَالْعُرْفِيَّةِ - كَافْعَلْ هَذَا عَلَى أَنْ أَشْفَعَ لَك عِنْدَ زَيْدٍ -، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِمَّا يَصِحُّ فِيهِ كُلٌّ مِنْ مَعْنَيَيْ اللُّزُومِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ عَلَى الشَّرْطِ الْمَحْضِ وَالِاعْتِيَاضِ، وَذِكْرُ الْمَالِ لَا يُرَجِّحُ الثَّانِيَ؛ فَإِنَّ الْمَالَ يَصِحُّ جَعْلُهُ شَرْطًا مَحْضًا حَتَّى لَا تَنْقَسِمَ أَجْزَاؤُهُ عَلَى أَجْزَاءِ مُقَابِلِهِ كَمَا يَصِحُّ جَعْلُهُ عِوَضًا مُنْقَسِمًا فَلَا يَجِبُ الْمَالُ بِالشَّكِّ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ لَفْظُ " عَلَى " مُشْتَرَكًا بَيْنَ الِاسْتِعْلَاءِ وَاللُّزُومِ لِقِيَامِ دَلِيلِ الْحَقِيقَةِ فِيهِمَا وَهُوَ التَّبَادُرُ بِمُجَرَّدِ الْإِطْلَاقِ، وَكَوْنُ الْمَجَازِ خَيْرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ هُوَ عِنْدَ التَّرَدُّدِ، وَقَوْلُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ إنَّهَا لِلِاسْتِعْلَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا، فَإِنَّ أَهْلَ الِاجْتِهَادِ هُمْ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي الْفَتْحِ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي التَّحْرِيرِ تَرْجِيحَ الْعِوَضِيَّةِ بِذِكْرِ الْمَالِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ. (قَوْلُهُ: فَبِبَعْضِهَا أَوْلَى) فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهَا قَدْ يَكُونُ لَهَا غَرَضٌ فِي الثَّلَاثِ حَسْمًا لِمَادَّةِ الرُّجُوعِ إلَيْهِ لِشِدَّةِ بُغْضِهِ فَتَخَافُ مِنْ أَنْ يَحْمِلَهَا أَحَدٌ عَلَى الْمُعَاوَدَةِ إلَيْهِ فَلَا يَتِمَّ إلَّا بِالثَّلَاثِ مَقْدِسِيٌّ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِمِلْكِهَا نَفْسَهَا عَلَى أَنَّ إمْكَانَ الْمُعَاوَدَةِ حَاصِلٌ بِالْحِلِّ عَلَى التَّحْلِيلِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَقَبِلَتْ فِي مَجْلِسِهَا) فَلَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَلْزَمْهَا الْمَالُ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ مِنْ جَانِبِهَا كَمَا مَرَّ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا وَلَا مُضَافًا وَإِلَّا اُعْتُبِرَ الْقَبُولُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْوَقْتِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَكْرَهَهَا عَلَيْهِ تَطْلُقُ بِلَا مَالٍ (قَوْلُهُ: وَلَا سَفِيهَةً وَلَا مَرِيضَةً) فَلَوْ سَفِيهَةً لَمْ يَلْزَمْ الْمَالُ وَلَوْ مَرِيضَةً اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَعْوِيضٌ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ لَا بِالْفَاءِ كَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ بِأَلْفٍ، وَقَوْلُهُ: أَوْ تَعْلِيقٌ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ عَلَى أَلْفٍ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهَا لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، أَوْ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ، فَلَا تَنْعَقِدُ الْمُعَاوَضَةُ بِدُونِ الْقَبُولِ وَلَا يَنْزِلُ الْمُعَلَّقُ بِدُونِ الشَّرْطِ إذْ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدِهِمَا فِي إلْزَامِ صَاحِبِهِ بِدُونِ رِضَاهُ، وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ لِأَنَّهَا مَا الْتَزَمَتْ الْمَالَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهَا نَفْسُهَا وَذَلِكَ بِالْبَيْنُونَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: طَلُقَتَا بِغَيْرِ شَيْءٍ) لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهُمَا عَلَى قَبُولِهِمَا وَقَدْ وُجِدَ وَلَمْ يُعْلَمْ مَا يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَإِنَّ لِكُلٍّ أَنْ تَقُولَ لَا يَلْزَمُنِي إلَّا الدَّرَاهِمُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَ لَوْ رَضِيَ مِنْهُمَا بِالدَّرَاهِمِ، وَإِذَا طَلُقَتَا بِلَا شَيْءٍ كَانَ رَجْعِيًّا لِأَنَّهُ بِلَفْظِ رَحْمَتِيٍّ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُمَا رَدُّ مَهْرِهِمَا فَهُوَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي، فَإِنَّ الطَّلَاقَ الصَّرِيحَ وَلَوْ عَلَى مَالٍ غَيْرُ مُسْقِطٍ لِلْمَهْرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا يَأْتِي مَتْنًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقْبَلَا) مُبَالَغَةٌ عَلَى قَوْلِهِ طَلُقَتْ، وَعَتَقَ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْقَبُولِ تَطْلُقُ، وَيَعْتِقُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَالْمُبَالَغَةُ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ قَوْلِهِمَا، وَلَا يَصِحُّ جَعْلُ الْمُبَالَغَةِ لِقَوْلِهِ مَجَّانًا لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ لَهُ أَنْ يَقُولَ وَإِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 جُمْلَةٌ تَامَّةٌ: وَقَالَا: إنْ قَبِلَا صَحَّ وَلَزِمَ الْمَالُ عَمَلًا بِأَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ، وَفِي الْحَاوِي وَبِقَوْلِهِمَا يُفْتَى. (قَالَ: طَلَّقْتُكِ أَمْسِ عَلَى أَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلِي وَقَالَتْ: قَبِلْتُ، فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: بِعْتُكِ طَلَاقَكِ أَمْسِ عَلَى أَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلِي وَقَالَتْ قَبِلْتُ فَالْقَوْلُ لَهَا) وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ كَذَلِكَ (كَقَوْلِهِ) لِغَيْرِهِ (بِعْتُ مِنْكَ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ أَمْسِ فَلَمْ تَقْبَلْ وَقَالَ الْمُشْتَرِي: قَبِلْتُ) فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلْمُشْتَرِي. وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ بِمَالٍ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِهِ، وَهِيَ تَدَّعِي حِنْثَهُ وَهُوَ يُنْكِرُ؛ أَمَّا الْبَيْعُ فَإِقْرَارُهُ بِهِ إقْرَارٌ بِالْقَبُولِ فَإِنْكَارُهُ رُجُوعٌ فَلَا يُسْمَعُ وَلَوْ بَرْهَنَا أُخِذَ بِبَيِّنَتِهَا تَتَارْخَانِيَّةٌ. (وَلَوْ ادَّعَى الْخُلْعَ عَلَى مَالٍ وَهِيَ تُنْكِرُ يَقَعُ الطَّلَاقُ) بِإِقْرَارِهِ (وَالدَّعْوَى فِي الْمَالِ بِحَالِهَا) فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهَا لِأَنَّهَا تُنْكِرُ (وَعَكْسُهُ لَا) يَقَعُ كَيْفَمَا كَانَ بَزَّازِيَّةٌ. [فُرُوعٌ] : أَنْكَرَ الْخُلْعَ، أَوْ ادَّعَى شَرْطًا، أَوْ اسْتِثْنَاءً   [رد المحتار] قَبِلَا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: جُمْلَةٌ تَامَّةٌ) أَيْ فَلَا تَرْتَبِطُ بِمَا قَبْلَهَا إلَّا بِدَلَالَةِ الْحَالِ إذْ الْأَصْلُ فِي الْجُمْلَةِ الِاسْتِقْلَالُ، وَلَا دَلَالَةَ هُنَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ يَنْفَكَّانِ عَنْ الْمَالِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَإِنَّهُمَا لَا يُوجَدَانِ بِدُونِهِ دُرَرٌ. [تَنْبِيهٌ] : اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا لِلْحَالِ فِي " أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ " لِتَعَذُّرِ عَطْفِ الْخَبَرِ عَلَى الْإِنْشَاءِ، وَعَلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى بَاءِ الْمُعَاوَضَةِ فِي " احْمِلْ هَذَا وَلَك دِرْهَمٌ " لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ فِي الْإِجَارَةِ أَصْلِيَّةٌ، وَعَلَى تَعَيُّنِ الْعَطْفِ فِي قَوْلِ الْمُضَارِبِ " خُذْ هَذَا الْمَالَ وَاعْمَلْ بِهِ فِي الْبَزِّ " لِلْإِنْشَائِيَّةِ فَلَا تَتَقَيَّدُ الْمُضَارَبَةُ بِهِ، وَعَلَى احْتِمَالِ الْأَمْرَيْنِ فِي " أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ مَرِيضَةٌ، أَوْ مُصَلِّيَةٌ " إذْ لَا مَانِعَ وَلَا مُعَيِّنَ فَيَتَنَجَّزَ الطَّلَاقُ قَضَاءً، وَيَتَعَلَّقَ دِيَانَةً إنْ نَوَاهُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: عَمَلًا بِأَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ) فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَالَ وُجُوبِ الْأَلْفِ لِي عَلَيْكِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِالْقَبُولِ وَبِهِ يَلْزَمُ الْمَالُ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ كَذَلِكَ) أَيْ كَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَعْتَقْتُك أَمْسِ عَلَى أَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلْ، أَوْ بِعْتُك أَمْسِ نَفْسَك مِنْك بِأَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلْ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: يَمِينٌ مِنْ جَانِبِهِ) فَهُوَ عَقْدٌ تَامٌّ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِهِ إقْرَارًا بِقَبُولِ الْمَرْأَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ بِلَا قَبُولٍ لَيْسَ بِبَيْعٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: أُخِذَ بِبَيِّنَتِهَا) عَلَى أَنَّهَا قَبِلَتْ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَنْ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ لِأَنَّهَا لِإِثْبَاتِ خِلَافِ الظَّاهِرِ وَالظَّاهِرُ لِمَنْ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَهُوَ هُنَا الزَّوْجُ الْمُنْكِرُ وُجُودَ شَرْطِ الْحِنْثِ، وَهُوَ الْقَبُولُ، وَخِلَافُ الظَّاهِرِ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَتُهَا عِنْدَ التَّعَارُضِ، وَلِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الطَّلَاقَ، وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ بَيِّنَتَهَا قَامَتْ عَلَى الْإِثْبَاتِ وَبَيِّنَتَهُ عَلَى النَّفْيِ فَلَمْ تُقْبَلْ فَفِيهِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى النَّفْيِ فِي شَرْطِ الْحِنْثِ مَقْبُولَةٌ كَمَا مَرَّ فِي التَّعْلِيقِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: يَقَعُ الطَّلَاقُ بِإِقْرَارِهِ) أَيْ الطَّلَاقُ الْبَائِنُ وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ الْمَالَ لِأَنَّهُ يَبْقَى لَفْظُ الْخُلْعِ الْمُقَرُّ بِهِ وَهُوَ كِنَايَةٌ فَيَقَعُ بِهِ الْبَائِنُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: بِحَالِهَا) أَيْ عَلَى حَالِهَا الْمَعْرُوفِ فِي الدَّعَاوَى مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمُنْكِرِ وَالْبَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي (قَوْلُهُ: وَعَكْسُهُ) أَيْ لَوْ ادَّعَتْ الْخُلْعَ لَا يَقَعُ بِدَعْوَاهَا شَيْءٌ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الْإِيقَاعَ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: كَيْفَمَا كَانَ) أَيْ سَوَاءٌ ادَّعَتْهُ بِمَالٍ، أَوْ بِدُونِهِ، وَلَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ لِأَنَّهَا إنَّمَا أَقَرَّتْ بِهِ فِي مُقَابَلَةِ الْخُلْعِ، فَحَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ الْخُلْعُ لَمْ يَثْبُتْ الْمَالُ وَلِأَنَّ الزَّوْجَ بِإِنْكَارِهِ قَدْ رَدَّ إقْرَارَهَا بِهِ رَحْمَتِيٌّ. [فَرْعٌ] اخْتَلَفَا فِي كَمِّيَّةِ الْخُلْعِ فَقَالَ مَرَّتَانِ وَقَالَتْ ثَلَاثٌ، قِيلَ الْقَوْلُ لَهُ، قِيلَ لَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ التَّزَوُّجِ فَقَالَتْ: لَمْ يَجُزْ التَّزَوُّجُ لِأَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ الْخُلْعِ الثَّالِثِ وَأَنْكَرَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْعِدَّةِ، أَوْ بَعْدَ مُضِيِّهَا فَقَالَ هِيَ عِدَّةُ الْخُلْعِ الثَّانِي وَقَالَتْ عِدَّةُ الْخُلْعِ الثَّالِثِ فَالْقَوْلُ لَهَا فَلَا يَحِلُّ النِّكَاحُ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: أَنْكَرَ الْخُلْعَ) مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَعَكْسُهُ لَا ". اهـ. ط (قَوْلُهُ: أَوْ ادَّعَى شَرْطًا، أَوْ اسْتِثْنَاءً) بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ قَالَ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ أَوْ إنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: طَلَّقَ أَوْ خَلَعَ ثُمَّ ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ صُدِّقَ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ فِي الْخُلْعِ، لَا لَوْ ذَكَرَهُ بِأَنْ قَالَ: خَلَعْتُك بِكَذَا. وَلَوْ ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ وَقَالَ: مَا قَبَضْته مِنْك فَهُوَ حَقٌّ كَانَ عَلَيْك وَقَالَتْ: إنِّي دَفَعْته لِبَدَلِ الْخُلْعِ فَالْقَوْلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 أَوْ أَنَّ مَا قَبَضَهُ مِنْ دَيْنِهِ، أَوْ اخْتَلَفَا فِي الطَّوْعِ وَالْكُرْهِ فَالْقَوْلُ لَهُ. وَلَوْ قَالَتْ: كَانَ بِغَيْرِ بَدَلٍ فَالْقَوْلُ لَهَا. ادَّعَتْ الْمَهْرَ وَنَفَقَةَ الْعِدَّةِ وَأَنَّهُ طَلَّقَهَا وَادَّعَى الْخُلْعَ وَلَا بَيِّنَةَ فَالْقَوْلُ لَهَا فِي الْمَهْرِ وَلَهُ فِي النَّفَقَةِ. خَلَعَ امْرَأَتَيْهِ عَلَى عَبْدٍ قُسِمَتْ قِيمَتُهُ عَلَى مُسَمَّيْهِمَا. " خَلَعْتُكِ عَلَى عَبْدِي " وُقِفَ عَلَى قَبُولِهَا وَلَمْ يَجِبْ شَيْءٌ بَحْرٌ.   [رد المحتار] لَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ صِحَّةَ الْخُلَعِ فَقَدْ أَنْكَرَ وُجُوبَ الْبَدَلِ عَلَيْهَا وَأَقَرَّ أَنَّ لَهُ عَلَيْهَا مَالًا وَاحِدًا لَا مَالَيْنِ وَالْمَرْأَةُ مُقِرَّةٌ أَنَّ لَهُ عَلَيْهَا مَالًا آخَرَ فَصُدِّقَ الزَّوْجُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِثْنَاءَ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ عَلَيْهَا بَدَلَ الْخُلْعِ، وَالْمُمَلِّكُ هُوَ الْمَرْأَةُ فَقُبِلَ قَوْلُهَا وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ دَعْوَاهُ الِاسْتِثْنَاءَ مَقْبُولَةٌ إلَّا إذَا قَالَ لِي الْخُلْعُ بِبَدَلٍ فَإِنَّ الْبَدَلَ قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِ الْخُلْعِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى إبْطَالِهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ إلَّا إذَا ادَّعَى أَنَّ مَا قَبَضَهُ لَيْسَ بَدَلَ الْخُلْعِ بَلْ عَنْ حَقٍّ آخَرَ فَإِنَّ الْقَوْلَ لَهُ لِإِنْكَارِهِ صِحَّةَ الْخُلْعِ وَوُجُوبِ الْبَدَلِ بِدَعْوَى الِاسْتِثْنَاءِ. قُلْت: لَكِنْ فِيهِ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ دَعْوَى الِاسْتِثْنَاءِ ذِكْرُ الْبَدَلِ فِي عَقْدِ الْخُلْعِ لَا قَبْضُهُ بَعْدَهُ، فَحَيْثُ ذَكَرَ الْبَدَلَ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ الِاسْتِثْنَاءَ فَلَمْ يُقْبَلْ إنْكَارُهُ صِحَّةَ الْخُلْعِ وَوُجُوبَ الْبَدَلِ، بَلْ بَقِيَ الْخُلْعُ بِبَدَلٍ وَادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ مَا قَبَضَهُ هُوَ حَقٌّ آخَرُ وَهِيَ تَقُولُ بَلْ بَدَلُ الْخُلْعِ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا لِأَنَّهَا الْمُمَلِّكَةُ بِالدَّفْعِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُمَلِّكُ فَلَمْ يَبْقَ فَرْقٌ بَيْنَ مَا إذَا ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ، أَوْ لَمْ يَدَّعِهِ، وَلَعَلَّ هَذَا وَجْهُ النَّظَرِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. هَذَا، وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي دَعْوَى الِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ: أَوْ أَنَّ مَا قَبَضَهُ مِنْ دَيْنِهِ) فِي الْبَزَّازِيَّةِ: دَفَعَتْ بَدَلَ الْخُلْعِ وَزَعَمَ الزَّوْجُ أَنَّهُ قَبَضَهُ بِجِهَةٍ أُخْرَى أَفْتَى الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ أَنَّ الْقَوْلَ لَهُ وَقِيلَ لَهَا لِأَنَّهَا الْمُمَلِّكَةُ. اهـ. قُلْت: الظَّاهِرُ الثَّانِي وَلِذَا جَزَمَ بِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ كَمَا عَلِمْت، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ مَبْنَاهَا عَلَى مَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْخُلْعِ بِبَدَلٍ وَاخْتَلَفَا فِي جِهَةِ الْقَبْضِ وَلِذَا عَطَفَهَا بِأَوْ وَيَصِحُّ عَطْفُهَا بِالْوَاوِ فَتَكُونُ مِنْ تَتِمَّةِ مَا قَبْلَهَا، وَلَكِنْ يَرِدُ مَا عَلِمْته مِنْ النَّظَرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفَا فِي الطَّوْعِ وَالْكُرْهِ) أَيْ فِي الْقَبُولِ، وَأَمَّا إيقَاعُ الْخُلْعِ بِإِكْرَاهٍ فَصَحِيحٌ كَمَا يَأْتِي ط (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لَهَا) لِأَنَّ صِحَّةَ الْخُلْعِ لَا تَسْتَدْعِي الْبَدَلَ فَتَكُونُ مُنْكِرَةً وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَادَّعَى الْخُلْعَ) يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُدَّعِيًا أَنَّ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ مِنْ جُمْلَةِ بَدَلِ الْخُلْعِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لَهَا فِي الْمَهْرِ وَلَهُ فِي النَّفَقَةِ) لِأَنَّ الْمَهْرَ كَانَ ثَابِتًا عَلَيْهِ قَبْلَهُ فَدَعْوَى سُقُوطِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ فَلَيْسَتْ وَاجِبَةً قَبْلَهُ وَهِيَ تَدَّعِي اسْتِحْقَاقَهَا بِالطَّلَاقِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ، وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهَا لِأَنَّ الْخُلْعَ وَالطَّلَاقَ يُوجِبَانِ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ فَكَيْفَ تَسْقُطُ بَحْرٌ. قُلْت: وَأَصْلُ الِاسْتِشْكَالِ لِصَاحِبِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَاعْتَرَضَهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ عَلَى أَنَّهُ سَاقِطٌ بِلَا مَيْنٍ. (قَوْلُهُ: قُسِمَتْ قِيمَتُهُ عَلَى مُسَمَّيْهِمَا) فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثِينَ، وَمَهْرُ إحْدَاهُمَا مِائَتَانِ وَمَهْرُ الْأُخْرَى مِائَةٌ لَزِمَ الْأُولَى عِشْرُونَ وَالْأُخْرَى عَشَرَةٌ وَلَا يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً، وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ لِأَجْنَبِيٍّ، أَوْ لَهُمَا وَالْمَهْرَانِ مُتَفَاوِتَانِ، أَمَّا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً وَالْمَهْرَانِ مُتَسَاوِيَانِ يَكُونُ الْعَبْدُ بَدَلَ الْخُلْعِ ط وَفَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ بِمَا إذَا خَلَعَ امْرَأَتَيْهِ عَلَى أَلْفٍ (قَوْلُهُ: وُقِفَ عَلَى قَبُولِهَا) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى: الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنَى بِهِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَمَعْرِفَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَهَمِّ الْمُهِمَّاتِ فِي هَذَا الزَّمَانِ لِأَنَّ النَّاسَ يَعْتَادُونَ إضَافَةَ الْخُلْعِ إلَى مَالِ الزَّوْجِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 (وَيُسْقِطُ الْخُلْعُ) فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَلَوْ بِلَفْظِ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْعِمَادِيُّ وَغَيْرُهُ (وَالْمُبَارَأَةُ) أَيْ الْإِبْرَاءُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (كُلَّ حَقٍّ)   [رد المحتار] بَعْدَ إبْرَائِهَا إيَّاهُ مِنْ الْمَهْرِ، فَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهَا إذَا قَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الزَّوْجِ شَيْءٌ، وَفِي مُنْيَةِ الْفُقَهَاءِ: خَلَعْتُكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنْ الدَّيْنِ وَقَبِلَتْ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يَجِبَ شَيْءٌ وَيَبْطُلَ الدَّيْنُ اهـ مَا فِي الْمُجْتَبَى، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ آخِرَ الْبَابِ صِحَّةَ إيجَابِ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ. (قَوْلُهُ: فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ) ذَكَرَهُ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ وَإِلَّا فَقَدْ أَخْرَجَ الْفَاسِدَ أَوَّلَ الْبَابِ بِقَوْلِهِ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ أَفَادَهُ ط، وَقَدَّمْنَا قَوْلَيْنِ فِي سُقُوطِ الْمَهْرِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الْفَاسِدِ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ خَلَعَهَا عَلَى مَهْرِهَا لَمْ يَسْقُطْ الْمَهْرُ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ شَيْءٌ، وَكَذَا لَوْ ارْتَدَّتْ فَخَالَعَهَا (قَوْلُهُ: كَمَا اعْتَمَدَهُ الْعِمَادِيُّ وَغَيْرُهُ) أَيْ كَصَاحِبِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فَإِنَّهُ صَحَّحَ أَنَّهُ يُسْقِطُ الْمَهْرَ كَالْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ، وَصَحَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُسْقِطُ الْمَهْرَ إلَّا بِذِكْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَيْضًا فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ أَوَّلَ الْبَابِ " خِلَافًا لِلْخَانِيَّةِ " تَبِعَ فِيهِ قَوْلَ الْبَحْرِ وَإِنْ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ بِخِلَافِهِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ تَرْجِيحِ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ قَاضِيَ خَانْ مِنْ أَجَلِّ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَالْمُبَارَأَةُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْبَرَاءَةِ، وَتَرْكُ الْهَمْزَةِ خَطَأٌ، وَهِيَ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ بَرِئْت مِنْ نِكَاحِكِ بِكَذَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ. وَفِي الْفَتْحِ: وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بَارَأْتُكِ عَلَى أَلْفٍ فَتَقْبَلَ نَهْرٌ. قُلْت: وَمَا فِي الْفَتْحِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ، ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ: قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بَارَأَهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا بَرِئْت مِنْ نِكَاحِك وَقَعَ الطَّلَاقُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ بِهِ شَيْءٌ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ الْمُفَاعَلَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ بَدَلًا لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى قَبُولِهَا فَيَقَعَ بِهِ الْبَائِنُ وَلَا يَكُونَ مُسْقِطًا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ خَلَعْتُك، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْمُفَاعَلَةِ، أَوْ ذَكَرَ لَهُ بَدَلًا فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ حَتَّى يَكُونَ مُسْقِطًا، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا نَقَلَهُ أَوَّلًا عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ الْمُصَرِّحِ فِيهِ بِذِكْرِ الْبَدَلِ وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ آخِرًا فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَوَّلَ الْبَابِ أَخْذًا مِنْ عِبَارَةِ الْفَتْحِ أَنَّ الْمُبَارَأَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الْخُلْعِ. قُلْت: وَقَدَّمْنَا عَنْ الْجَوْهَرَةِ التَّصْرِيحَ بِهِ، لَكِنْ تَقَدَّمَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ مِنْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ إلَّا أَنَّ الْمَشَايِخَ قَالُوا: إنَّهُ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهِ صَارَ كَالصَّرِيحِ، فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَإِنَّ الْمُبَارَأَةَ إذَا غَلَبَ فِيهَا الِاسْتِعْمَالُ فَهِيَ كَذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ الْوَاقِعَ بِالْخُلْعِ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ سَوَاءٌ نَوَى الْوَاحِدَةَ، أَوْ الثِّنْتَيْنِ، وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ، وَإِنْ أَخَذَ عَلَيْهِ جُعَلًا لَمْ يُصَدَّقْ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ، قَالَ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ: وَالْمُبَارَأَةُ بِمَنْزِلَةِ الْخُلْعِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَيْ الْإِبْرَاءُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) أَيْ بِأَنْ تَقُولَ لَهُ: بَارِئْنِي فَيَقُولَ لَهَا: بَارَأْتُكِ، أَوْ يَقُولَ لَهَا ذَلِكَ وَتَقُولَ هِيَ قَبِلْتُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ، فَالْمُرَادُ مَا يَعُمُّ الْإِبْرَاءَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْقَبُولَ مِنْ الْآخَرِ ط (قَوْلُهُ: كُلَّ حَقٍّ) شَمِلَ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ وَالْمَاضِيَةَ وَالْكِسْوَةَ كَذَلِكَ وَكَذَا الْمُتْعَةُ تَسْقُطُ بِلَا ذِكْرٍ، وَيُسْتَثْنَى مَا إذَا خَالَعَهَا عَلَى مَهْرِهَا، أَوْ بَعْضِهِ وَكَانَ مَقْبُوضًا فَإِنَّهَا تَرُدُّهُ وَلَا تَبْرَأُ، وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ الْبَرَاءَةَ إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُمْ مَا عَدَا بَدَلَ الْخُلْعِ، وَالْمَهْرُ بَدَلُهُ فَلَا تَبْرَأُ عَنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ مَالًا آخَرَ بَحْرٌ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَسْقُطُ إلَّا مَا سَمَّيَاهُ فِيهِمَا أَيْ فِي الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْمُبَارَأَةِ وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي الْخُلْعِ مُلْتَقًى. مَطْلَبٌ: حَاصِلُ مَسَائِلِ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَجْهًا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ وُجُوهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْبَدَلَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَسْكُوتًا عَنْهُ، أَوْ مَنْفِيًّا أَوْ مُثْبَتًا عَلَى الزَّوْجِ، أَوْ عَلَيْهَا بِمَهْرِهَا كُلِّهِ، أَوْ بَعْضِهِ أَوْ مَالٍ آخَرَ، وَكُلٌّ مِنْ السِّتَّةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا، أَوْ لَا، وَكُلٌّ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 ثَابِتٍ وَقْتَهُمَا (لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ النِّكَاحِ) حَتَّى لَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ نَكَحَهَا ثَانِيًا بِمَهْرٍ آخَرَ فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى مَهْرِهَا بَرِئَ عَنْ الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ، وَمِثْلُهُ الْمُتْعَةُ بَزَّازِيَّةٌ. وَفِيهَا: اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ لَا دَعْوَى لِكُلٍّ عَلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ لَهُ كَذَا مِنْ الْقُطْنِ صَحَّ لِاخْتِصَاصِ الْبَرَاءَةِ بِحُقُوقِ النِّكَاحِ (إلَّا نَفَقَةَ الْعِدَّةِ) وَسُكْنَاهَا فَلَا يَسْقُطَانِ (إلَّا إذَا نَصَّ عَلَيْهَا) فَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ لَا السُّكْنَى.   [رد المحتار] إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ الْبَدَلُ مَسْكُوتًا عَنْهُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا بَرَاءَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْمَهْرِ لَا غَيْرُ، فَلَا تَرُدُّ مَا قَبَضَتْ وَلَا يُطَالِبُ هُوَ بِمَا بَقِيَ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبَرِئَ عَنْ الْمُؤَجَّلِ لَوْ عَلَيْهِ إلَخْ وَإِنْ كَانَ مَنْفِيًّا كَقَوْلِهِ اخْلَعِي نَفْسَكِ مِنِّي بِغَيْرِ شَيْءٍ فَفَعَلَتْ وَقَبِلَ الزَّوْجُ صَحَّ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْمَالِ وَوُقُوعِ الْبَائِنِ فَلَا يَبْرَأُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ حَقِّ صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا عَلَى الزَّوْجِ فَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ؛ وَإِنْ كَانَ بِكُلِّ الْمَهْرِ، فَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا رَجَعَ بِجَمِيعِهِ وَإِلَّا سَقَطَ عَنْهُ كُلُّهُ مُطْلَقًا أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ بَعْدَهُ وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ يَجْعَلَهُ لِوَلَدِهَا، أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ الْخُلْعُ وَالْمَهْرُ لِلزَّوْجِ، وَإِنْ بِبَعْضِهِ كَالْعُشْرِ مَثَلًا، وَالْمَهْرُ عِشْرُونَ، فَإِنْ قَبَضَتْهُ رَجَعَ بِدِرْهَمَيْنِ لَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ وَسَلِمَ لَهَا الْبَاقِي، وَبِدِرْهَمٍ فَقَطْ إنْ كَانَ قَبِلَهُ لِأَنَّهُ عُشْرُ النِّصْفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا سَقَطَ الْكُلُّ مُطْلَقًا الْمُسَمَّى بِحُكْمِ الشَّرْطِ وَالْبَاقِي بِحُكْمِ لَفْظِ الْخُلْعِ، وَإِنْ بِمَالٍ آخَرَ غَيْرِ الْمَهْرِ فَلَهُ الْمُسَمَّى وَبَرِئَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُطْلَقًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغُرَرِ الْأَذْكَارِ. لَكِنَّ الْمُرَادَ بِالْأَخِيرِ مَا إذَا كَانَ مَالًا مَعْلُومًا مَوْجُودًا فِي الْحَالِ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ قَدَّمْنَاهَا عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ: ثَابِتٍ وَقْتَهُمَا) أَيْ وَقْتَ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ حَقٍّ يَثْبُتُ بَعْدَهُمَا كَنَفَقَةِ الْعِدَّةِ وَالسُّكْنَى كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: مِمَّا يَتَعَلَّقُ) أَيْ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ النِّكَاحِ الَّذِي وَقَعَ الْخُلْعُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: لَا الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَقِّ ذَلِكَ النِّكَاحِ بَلْ هُوَ حَقُّ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الْمُتْعَةُ) الْأَوْلَى " وَمِنْهُ ": أَيْ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي يَسْقُطُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَمَّا الْمُتْعَةُ فَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: خَالَعَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَكَانَ لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا تَسْقُطُ الْمُتْعَةُ بِلَا ذِكْرٍ اهـ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْمُتْعَةَ مِثْلُ الْمَهْرِ فَتَسْقُطُ إذَا كَانَتْ مُتْعَةَ ذَلِكَ النِّكَاحِ لَا مُتْعَةَ نِكَاحٍ قَبْلَهُ كَمَا حَمَلَهُ ح (قَوْلُهُ: صَحَّ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمُقْتَضَى الْإِبْرَاءِ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَكَأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ فِي ضِمْنِ الْخُلْعِ تَخَصَّصَ بِمَا هُوَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا نَصَّ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى النَّفَقَةِ فِي الْخُلْعِ، أَمَّا لَوْ لَمْ تُسْقِطْهَا حَتَّى انْخَلَعَتْ ثُمَّ أَسْقَطَتْهَا لَا تَسْقُطُ لِإِسْقَاطِهَا حِينَئِذٍ قَصْدًا لِمَا لَمْ يَجِبْ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا، بِخِلَافِ ذَلِكَ الْإِسْقَاطِ الضِّمْنِيِّ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِاعْتِبَارِ مَا تَسْتَحِقُّهُ وَقْتَ الْخُلْعِ، وَالْبَاقِي سَقَطَ تَبَعًا فِي ضِمْنِ الْخُلْعِ فَتْحٌ. وَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ النَّفَقَةِ: قَالَتْ لِزَوْجِهَا أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ نَفَقَتِي أَبَدًا مَا دُمْتُ امْرَأَتَك لَا يَصِحُّ لِأَنَّ صِحَّةَ الْإِبْرَاءِ تَعْتَمِدُ الْوُجُوبَ أَوْ قِيَامَ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ هُوَ الِاحْتِبَاسُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْحَالِ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا أَبْرَأَتْهُ عَنْ النَّفَقَةِ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لَا يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِذَا شَرَطَتْ فِي الْخُلْعِ يَصِحُّ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ بِعِوَضٍ فَيَكُونُ اسْتِيفَاءً لِمَا وَقَعَتْ الْبَرَاءَةُ عَنْهُ لِأَنَّ الْعِوَضَ قَامَ مَقَامَهُ وَالِاسْتِيفَاءَ قَبْلَ الْوُجُوبِ يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ النَّفَقَةُ وَاجِبَةً وَلَكِنَّ سَبَبَهَا قَائِمٌ فَصَحَّ الْإِبْرَاءُ عَنْهَا اهـ أَيْ فَإِنَّ الْخُلْعَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْبَدَائِعِ فَأَمَّا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ عِنْدَ الْعِدَّةِ فَكَانَ الْخُلْعُ عَلَى النَّفَقَةِ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِهَا أَيْ بِخِلَافِ إبْرَائِهَا عَنْ النَّفَقَةِ قَبْلَ الْخُلْعِ، أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَقِيلَ يَصِحُّ وَهُوَ الْأَشْبَهُ. قُلْت: لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَلِذَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْبَدَائِعِ، وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا بَلْ عَلِمْت أَنَّهُ بِالِاتِّفَاقِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: اخْتَلَعَتْ مِنْهُ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهَا عَلَيْهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ حَقًّا لَهَا وَقْتَ الْخُلْعِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ اخْتَلَعَتْ بِتَطْلِيقَةٍ بَائِنَةٍ عَلَى كُلِّ حَقٍّ يَجِبُ لِلنِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ قَبْلَ الْخُلْعِ وَبَعْدَهُ وَلَمْ تَذْكُرْ الصَّدَاقَ وَنَفَقَةَ الْعِدَّةِ تَثْبُتُ الْبَرَاءَةُ عَنْهُمَا لِأَنَّ الْمَهْرَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْخُلْعِ وَالنَّفَقَةَ بَعْدَهُ اهـ. مَطْلَبٌ: حَادِثَةُ الْفَتْوَى: أَبْرَأَتْهُ عَنْ مَهْرِهَا وَعَنْ أَعْيَانٍ مَعْلُومَةٍ فَقَالَ: إنْ كَانَتْ بَرَاءَتُكِ صَادِقَةً فَأَنْتِ طَالِقَةٌ [تَنْبِيهٌ] : وَقَعَتْ حَادِثَةٌ سُئِلْتُ عَنْهَا فِي امْرَأَةٍ طَلَبَتْ مِنْ زَوْجِهَا الطَّلَاقَ عَلَى أَنْ تُبْرِئَهُ مِنْ مَهْرِهَا وَمِنْ أَعْيَانٍ مَعْلُومَةٍ فَرَضِيَ وَأَبْرَأَتْهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنْ كَانَتْ بَرَاءَتُكِ صَادِقَةً فَأَنْتِ طَالِقَةٌ. فَأَجَبْتُ بِأَنَّهَا لَا تَطْلُقُ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْأَعْيَانِ لَا تَصِحُّ، وَمُرَادُ الزَّوْجِ التَّعْلِيقُ عَلَى صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْكُلِّ لِيَسْلَمَ لَهُ جَمِيعُ الْعِوَضِ، هَكَذَا ظَهَرَ لِي. ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْدَ جَوَابِي هَذَا فِي فَتَاوَى الْكَازَرُونِيِّ نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُرْشِدِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ قَوْلِ الْمَرْأَةِ: أَبْرَأْتُك مِنْ الْمَهْرِ وَنَفَقَةِ الْعِدَّةِ، وَقَوْلِ الزَّوْجِ: طَلَاقُك بِصِحَّةِ بَرَاءَتِكِ فَأَجَابَ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ قَالَ: وَوَافَقَنِي بَعْضُ حَنَفِيَّةِ الْعَصْرِ، وَتَوَقَّفَ بَعْضُهُمْ مُحْتَجًّا بِأَنَّ شَيْخَنَا جَارَ اللَّهِ بْنَ ظَهِيرَةَ كَانَ يُفْتِي بِالْوُقُوعِ لِقَوْلِهِمْ إنَّ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ تَسْقُطُ بِالتَّسْمِيَةِ فَقُلْت هَذَا بِمَعْزِلٍ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِالطَّلَاقِ يَوْمًا فَيَوْمًا وَالْإِبْرَاءَ عَنْ الْمَعْدُومِ بَاطِلٌ وَالْمُعَلَّقَ بِهِ كَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ. وَأَمَّا الْمَذْكُورُ فِي بَابِ الْخُلْعِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمُبَارَأَةُ الَّتِي هِيَ نَوْعٌ مِنْ الْخُلْعِ الْمَوْقُوفِ عَلَى قَبُولِهَا فِي الْمَجْلِسِ، فَإِذَا كَانَ عَلَى الْمَهْرِ وَنَفَقَةِ الْعِدَّةِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ تَبَعًا لَهُ، أَمَّا هُنَا فَهُوَ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ فَلَا يَقَعُ بِبُطْلَانِ بَعْضِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ اهـ مُلَخَّصًا. ثُمَّ رَأَيْت الْبِيرِيَّ فِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ صَوَّبَ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ ظَهِيرَةَ وَرَدَّ عَلَى الْمُرْشِدِيِّ مُسْتَنِدًا لِمَا مَرَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِسُقُوطِ النَّفَقَةِ بِالشَّرْطِ. أَقُولُ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْإِبْرَاءُ مَبْنِيًّا عَلَى طَلَبِ الطَّلَاقِ لَمْ تَسْقُطْ النَّفَقَةُ وَإِنْ طَلَّقَهَا عَقِبَهُ لِأَنَّهُ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ، وَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ سَقَطَتْ وَإِنْ كَانَ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُقَابَلًا بِعِوَضٍ. فَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا: طَلَبَتْ مِنْهُ طَلَاقَهَا فَقَالَ أَبْرِئِينِي عَنْ كُلِّ حَقٍّ لَكِ حَتَّى أُطَلِّقَكِ فَقَالَتْ: أَبْرَأْتُكَ عَنْ كُلِّ حَقٍّ لِلنِّسَاءِ عَلَى الْأَزْوَاجِ فَقَالَ الزَّوْجُ فِي فَوْرِهِ: طَلَّقْتُكِ وَاحِدَةً وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا تَقَعُ بَائِنَةٌ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ بِعِوَضٍ وَهُوَ الْإِبْرَاءُ دَلَالَةً. اهـ. وَأَفَادَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَسْقُطُ بِذَلِكَ لِانْصِرَافِ الْحَقِّ إلَى الْقَائِمِ لَهَا إذْ ذَاكَ اهـ نَعَمْ قَدَّمْنَا آنِفًا، أَنَّهَا لَوْ أَبْرَأَتْهُ عَنْ كُلِّ حَقٍّ قَبْلَ الْخُلْعِ وَبَعْدَهُ تَسْقُطُ، فَكَذَا إذَا طَلَبَ إبْرَاءَهَا لَهُ عَنْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ صَرِيحًا لِيُطَلِّقَهَا فَأَبْرَأَتْهُ وَطَلَّقَهَا فَوْرًا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ بِعِوَضٍ وَهُوَ مَلَّكَهَا نَفْسَهَا فَكَأَنَّهَا اسْتَوْفَتْ النَّفَقَةَ بِاسْتِيفَاءِ بَدَلِهَا وَالِاسْتِيفَاءُ قَبْلَ الْوُجُوبِ يَصِحُّ، كَمَا لَوْ دَفَعَ لَهَا نَفَقَةَ شَهْرٍ يَصِحُّ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ إبْرَاءً بِشَرْطٍ فَإِذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا لَمْ يَبْرَأْ، فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنَّهَا لَوْ أَبْرَأَتْهُ عَمَّا لَهَا عَلَيْهِ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا جَازَتْ الْبَرَاءَةُ وَإِلَّا فَلَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْرَأَتْهُ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَتَصِحُّ الْبَرَاءَةُ دُونَ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَصِحُّ فِيهِ الْجُعْلُ دُونَ الثَّانِي فَيَكُونُ الشَّرْطُ فِيهِ بَاطِلًا. وَفِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ: وَلَوْ أَبْرَأَتْهُ لِيُطَلِّقَهَا فَقَامَ ثُمَّ طَلَّقَهَا يَبْرَأُ إنْ لَمْ يَنْقَطِعْ حُكْمُ الْمَجْلِسِ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ صِحَّةَ هَذِهِ الْبَرَاءَةِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الطَّلَاقِ فَوْرًا أَيْ فِي الْمَجْلِسِ، فَإِذَا قَالَ لَهَا طَلَاقُك بِصِحَّةِ بَرَاءَتِك يَكُونُ قَدْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ فَيَقْتَضِي تَحَقُّقَ صِحَّتِهَا قَبْلَهُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الشَّرْطِ وَلَا صِحَّةَ لَهَا إلَّا بِهِ فَلَمْ يُوجَدْ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَجَّزَ الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ يَقَعُ وَتَصِحُّ بِهِ الْبَرَاءَةُ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْحَقَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 لِأَنَّهَا حَقُّ الشَّرْعِ إلَّا إذَا أَبْرَأَتْهُ عَنْ مُؤْنَةِ السُّكْنَى فَيَصِحُّ فَتْحٌ، وَهُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا ذَكَرْنَا إذْ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لَمْ تَجِبَا وَقْتَهُمَا بَلْ بَعْدَهُمَا (وَقِيلَ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ) مُسْقِطٌ لِلْمَهْرِ (كَالْخُلْعِ وَالْمُعْتَمَدُ لَا) ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ، وَلَا يَبْرَأُ بِ أَبْرَأَكِ اللَّهُ ذَكَرَهُ الْبَهْنَسِيُّ. (شَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ إنْ وَقَّتَا كَسَنَةٍ) صَحَّ (وَلَزِمَ وَإِلَّا لَا) بَحْرٌ، وَفِيهِ عَنْ الْمُنْتَقَى وَغَيْرِهِ: لَوْ كَانَ الْوَلَدُ رَضِيعًا صَحَّ - وَإِنْ لَمْ يُوَقِّتَا - وَتَرْضِعُهُ حَوْلَيْنِ بِخِلَافِ الْفَطِيمِ؛   [رد المحتار] مَا قَالَهُ الْمُرْشِدِيُّ وَلَا يُنَافِيهِ تَصْرِيحُهُمْ بِسُقُوطِ النَّفَقَةِ بِالشَّرْطِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ سُقُوطَهَا مَوْقُوفٌ عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْخُلْعِ فَلَا تُوجَدُ الْبَرَاءَةُ قَبْلَهُ وَإِنَّمَا تُوجَدُ بِطَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ مُنَجَّزٍ لَا مُعَلَّقٍ عَلَى صِحَّتِهَا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ، فَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا حَقُّ الشَّرْعِ) لِأَنَّ سُكْنَاهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ الطَّلَاقِ مَعْصِيَةٌ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أَبْرَأَتْهُ عَنْ مُؤْنَةِ السُّكْنَى) بِأَنْ كَانَتْ سَاكِنَةً فِي بَيْتِ نَفْسِهَا، أَوْ تُعْطِي الْأُجْرَةَ مِنْ مَالِهَا فَيَصِحُّ الْتِزَامُهَا ذَلِكَ فَتْحٌ، لَكِنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِمُؤْنَةِ السُّكْنَى مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ فِي فَصْلِ الْإِحْدَادِ: لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ لَا سُكْنَى لَهَا فَإِنَّ مُؤْنَةَ السُّكْنَى تَسْقُطُ عَنْ الزَّوْجِ وَيَلْزَمُهَا أَنْ تَكْتَرِيَ بَيْتَ الزَّوْجِ، وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا نَفَقَةَ الْعِدَّةِ إلَخْ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا قَدَّرَهُ الشَّارِحُ مِنْ قَوْلِهِ " ثَابِتٍ وَقْتَهُمَا " لِأَنَّ قَوْلَهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِذَلِكَ الْمَحْذُوفِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِحَقٍّ فَإِذَا كَانَ تَقْدِيرُ كَلَامِهِ ذَلِكَ اسْتَغْنَى بِهِ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فَكَانَ الْأَوْلَى تَرْكَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: مُسْقِطٌ لِلْمَهْرِ) قَيَّدَ بِهِ لِمَا فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْجَوْهَرَةِ بِأَنَّ النَّفَقَةَ الْمَقْضِيَّ بِهَا تَسْقُطُ بِطَلَاقٍ، وَأَطْلَقُوهُ فَشَمِلَ الطَّلَاقَ بِمَالٍ وَغَيْرَهُ اهـ وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي فِي النَّفَقَةِ (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ) بِلَفْظِ " وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى "، وَمِثْلُهُ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُونَ وَقَاضِي خَانْ. اهـ. قُلْت: وَحَاصِلُ عِبَارَةِ قَاضِي خَانْ أَنَّ الطَّلَاقَ بِمَالٍ حُكْمُهُ حُكْمُ الْخُلْعِ عِنْدَهُمَا أَيْ إنَّهُ غَيْرُ مُسْقِطٍ لِلْمَهْرِ، وَعِنْدَهُ فِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِهِمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَفِي رِوَايَةٍ كَالْخُلْعِ عِنْدَهُ أَيْ فِي أَنَّهُ مُسْقِطٌ اهـ وَقَدَّمْنَا ذِكْرَ الْخِلَافِ فِي الْخُلْعِ عَنْ الْمُلْتَقَى، وَبِهَذَا تَعْلَمُ مَا فِي عِبَارَةِ النَّهْرِ مِنْ الْإِبْهَامِ الَّذِي أَوْقَعَ غَيْرَهُ فِي الْغَلَطِ فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ فِي الْبَرَاءَةِ بِقَوْلِهَا أَبْرَأَكِ اللَّهُ (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الْبَهْنَسِيُّ) وَتَبِعَهُ تِلْمِيذُهُ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى، وَأَفْتَى بِهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ، لَكِنْ نَقَلَ ط عَنْ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ أَفْتَى بِصِحَّةِ الْبَرَاءَةِ بِهِ لِلتَّعَارُفِ. قُلْت: وَبِهِ أَفْتَى قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَابْنُ الشَّلَبِيِّ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْعُرْفَ عَلَى كَوْنِهِ إبْرَاءً قَالَ: وَكَتَبَ مِثْلَهُ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ الْحَنْبَلِيُّ اهـ وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ، وَأَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ، وَأَيَّدَهُ السَّائِحَانِيُّ بِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. قَالَ: طَلَّقَكِ اللَّهُ، أَوْ لِأَمَتِهِ: أَعْتَقَكِ اللَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ زَادَ فِي الْجَوْهَرَةِ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ. [مَطْلَبٌ فِي الْخُلْعِ عَلَى نَفَقَةِ الْوَلَدِ] (قَوْلُهُ: مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ) شَمِلَ الْحَمْلَ بِأَنْ شَرَطَ بَرَاءَتَهُ مِنْ نَفَقَةٍ إذَا وَلَدَتْهُ (قَوْلُهُ: مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ) وَهِيَ مُؤْنَةُ الرَّضَاعِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ، وَمِثْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ وَالِاخْتِيَارِ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ عَنْ الْمُنْتَقَى إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى إمْسَاكِ الْوَلَدِ إذَا بَيَّنَ الْمُدَّةَ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَا يَصِحُّ سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ رَضِيعًا، أَوْ فَطِيمًا. وَفِي الْمُنْتَقَى إلَخْ قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْخُلْعَ إذَا وَقَعَ عَلَى نَفَقَةٍ، أَوْ إمْسَاكِهِ - وَهُوَ رَضِيعٌ - يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ أَرَادَتْ نَفَقَتَهُ شَهْرًا مَثَلًا، وَالزَّوْجَ يَقُولُ: أَكْثَرَ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ كَوْنَهُ رَضِيعًا قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ، وَقَدْ جَزَمَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْفَطِيمِ) لِأَنَّ مُدَّةَ بَقَائِهِ عِنْدَهَا اسْتِغْنَاءُ الْغُلَامِ وَحَيْضُ الْجَارِيَةِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ. اهـ. ح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 وَلَوْ تَزَوَّجَهَا، أَوْ هَرَبَتْ، أَوْ مَاتَتْ أَوْ مَاتَ الْوَلَدُ رَجَعَ بِبَقِيَّةِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ وَالْعِدَّةِ إلَّا إذَا شَرَطَتْ بَرَاءَتَهَا وَلَهَا مُطَالَبَتُهُ بِكِسْوَةِ الصَّبِيِّ إلَّا إذَا اخْتَلَعَتْ عَلَيْهَا أَيْضًا، وَلَوْ فَطِيمًا فَيَصِحُّ كَالظِّئْرِ. (وَلَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى نَفَقَةِ وَلَدِهِ شَهْرًا) مَثَلًا (وَهِيَ مُعْسِرَةٌ فَطَالَبَتْهُ بِالنَّفَقَةِ يُجْبَرُ عَلَيْهَا) وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ فَتْحٌ. وَفِيهِ لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ تُمْسِكَهُ إلَى الْبُلُوغِ صَحَّ عَنْ الْأُنْثَى لَا الْغُلَامِ؛ وَلَوْ تَزَوَّجَتْ فَلِلزَّوْجِ أَخْذُ الْوَلَدِ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى   [رد المحتار] قُلْت: لَمْ أَرَ هَذَا التَّعْلِيلَ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْخُلْعُ عَلَى إمْسَاكِهِ عِنْدَهَا مُدَّةَ الْحَضَانَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ عَلَى الْقَوْلِ الْمُعْتَمَدِ مِنْ تَقْدِيرِ مُدَّةِ الْحَضَانَةِ بِسَبْعٍ لِلْغُلَامِ وَعَشْرٍ لِلْجَارِيَةِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْخُلْعَ إذَا كَانَ عَلَى نَفَقَةِ الْوَلَدِ وَهُوَ رَضِيعٌ يُرَادُ بِهَا مُؤْنَةُ الرَّضَاعِ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ هِيَ إرْضَاعُهُ وَهُوَ مُؤَقَّتٌ شَرْعًا فَتَنْصَرِفُ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فَطِيمًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْقِيتِ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَخْصُوصٌ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ مُدَّةَ عُمُرِهِ فَلَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ بِدُونِ تَوْقِيتٍ لِلْجَهَالَةِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: رَوَى أَبُو سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَرْأَةِ تَخْتَلِعُ مِنْ زَوْجِهَا بِنَفَقَةِ وَلَدٍ لَهُ مِنْهَا مَا عَاشُوا فَإِنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ الْمَهْرَ الَّذِي أَخَذَتْ مِنْهُ اهـ أَيْ فَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا خَالَعَهَا عَلَى مَا فِي بَيْتِهَا مِنْ الْمَتَاعِ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ شَيْءٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَزَوَّجَهَا) أَيْ وَقَدْ خَالَعَهَا عَلَى نَفَقَةِ الْعِدَّةِ، أَوْ الْوَلَدِ نَهْرٌ ط أَيْ وَكَانَ التَّزَوُّجُ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ (قَوْلُهُ: أَوْ هَرَبَتْ) أَيْ وَتَرَكَتْ الْوَلَدَ عَلَى الزَّوْجِ بَحْرٌ، وَكَذَا لَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى نَفَقَةِ الْعِدَّةِ وَلَمْ تَكُنْ فِي مَنْزِلِ الطَّلَاقِ حَتَّى سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالنَّفَقَةِ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: أَوْ مَاتَ الْوَلَدُ) وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ فِيمَا إذَا خَالَعَهَا عَلَى إرْضَاعِ حَمْلِهَا إذَا وَلَدَتْهُ إلَى سَنَتَيْنِ فَتَرُدُّ قِيمَةَ الرَّضَاعِ. وَلَوْ قَالَتْ: عَشْرَ سِنِينَ رَجَعَ عَلَيْهَا بِأُجْرَةِ رَضَاعِ سَنَتَيْنِ وَنَفَقَتِهِ بَاقِيَ السِّنِينَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: رَجَعَ بِبَقِيَّةِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ) بِأَنْ مَضَتْ سَنَةٌ مِنْ السَّنَتَيْنِ مَثَلًا تَرُدُّ قِيمَةَ رَضَاعِ سَنَةٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَالْعِدَّةِ) أَيْ وَبَقِيَّةِ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ فِيمَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَيْهَا أَيْضًا (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا شَرَطَتْ بَرَاءَتَهَا) أَيْ وَقْتَ الْخُلْعِ بِمَوْتِ الْوَلَدِ، أَوْ مَوْتِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحِيلَةُ فِي بَرَاءَتِهَا أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ: خَالَعْتكِ عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ إلَى سَنَتَيْنِ، فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَهَا فَلَا رُجُوعَ لِي عَلَيْك كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ الظِّئْرَ لِلْإِرْضَاعِ سَنَةً بِكَذَا عَلَى أَنَّهُ إنْ مَاتَ قَبْلَهَا فَالْأَجْرُ لَهَا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ كَذَا فِي إجَارَاتِ الْخُلَاصَةِ. اهـ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: إذْ يَجُوزُ فِي الْخُلْعِ مَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَلَهَا مُطَالَبَتُهُ إلَخْ) أَيْ إنَّ الْكِسْوَةَ لَا تَدْخُلُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهَا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِكِسْوَةِ الصَّبِيِّ إلَّا إذَا اخْتَلَعَتْ عَلَى نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ فَلَيْسَ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ الْكِسْوَةُ مَجْهُولَةً وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ رَضِيعًا، أَوْ فَطِيمًا اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَانْظُرْ مَا فَائِدَةُ التَّعْمِيمِ فِي الْوَلَدِ. هَذَا، وَقَدْ تُعُورِفَ الْآنَ خُلْعُ الْمَرْأَةِ عَلَى كَفَالَتِهَا لِلْوَلَدِ بِمَعْنَى قِيَامِهَا بِمَصَالِحِهِ كُلِّهَا وَعَدَمِ مُطَالَبَةِ أَبِيهِ بِشَيْءٍ مِنْهَا إلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي عَنْ التَّنْصِيصِ عَلَى الْكِسْوَةِ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ كَالظِّئْرِ) أَيْ كَمَا يَصِحُّ فِي اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ وَهِيَ الْمُرْضِعَةُ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهِ سَنَةً وَعَلَى نَفَقَةِ وَلَدِهِ بَعْدَ الْفِطَامِ عَشْرَ سِنِينَ يَصِحُّ وَالْجَهَالَةُ لَا تَمْنَعُ هُنَا، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ظِئْرًا بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا يَصِحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْأَظْآرِ، وَهُنَا يَصِحُّ عِنْدَ الْكُلِّ لِأَنَّهُ لَا تَجْرِي الْمُنَاقَشَةُ وَلَوْ مِنْ لَئِيمٍ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُجْبَرُ عَلَيْهَا) لِأَنَّ بَدَلَ الْخُلْعِ دَيْنٌ عَلَيْهَا فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهَا، كَمَا إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهَا دَيْنٌ آخَرُ وَهِيَ لَا تَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ لَا تَسْقُطُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَنْهُ. قَالَ: وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ لَا عَلَى مَا أَجَابَ بِهِ سَائِرُ الْمُفْتِينَ أَنَّهُ تَسْقُطُ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْحَاوِي، وَنَحْوُهُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. وَأَفَادَ هَذَا أَنَّ الْأَبَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بَعْدَ يَسَارِهَا (قَوْلُهُ: صَحَّ فِي الْأُنْثَى لَا الْغُلَامِ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 تَرْكِهِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْوَلَدِ، وَيُنْظَرُ إلَى مِثْلِ إمْسَاكِهِ لِتِلْكَ الْمُدَّةِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهَا. (خَلَعَ الْأَبُ صَغِيرَتَهُ بِمَالِهَا، أَوْ مَهْرِهَا طَلُقَتْ) فِي الْأَصَحِّ، كَمَا لَوْ قَبِلَتْ هِيَ وَهِيَ مُمَيِّزَةٌ وَلَمْ يَلْزَمْ الْمَالُ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَكَذَا الْكَبِيرَةُ إلَّا إذَا قَبِلَتْ فَيَلْزَمُهَا الْمَالُ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْأُمِّ مَا لَمْ تُلْزَمْ الْبَدَلَ وَلَا عَلَى صَغِيرٍ أَصْلًا (كَمَا لَوْ خَالَعَتْ) الْمَرْأَةُ (بِذَلِكَ) أَيْ بِمَالِهَا، أَوْ بِمَهْرِهَا   [رد المحتار] لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ آدَابِ الرِّجَالِ وَالتَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِهِمْ، فَإِذَا طَالَ مُكْثُهُ مَعَ الْأُمِّ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِ النِّسَاءِ، وَفِي ذَلِكَ مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يَخْفَى، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: وَفِي قَوْلِهِ صَحَّ فِي الْأُنْثَى بَحْثٌ لِأَنَّ الْمُفْتَى بِهِ الْآنَ أَنَّ الْأُنْثَى لَا تَبْقَى عِنْدَ الْأُمِّ إلَى الْبُلُوغِ فَتَأَمَّلْ اهـ. قُلْت: الْعِلَّةُ تَضْيِيعُ حَقِّ الْوَلَدِ، وَلَا تَضْيِيعَ فِي إبْقَاءِ الْأُنْثَى إلَى الْبُلُوغِ عِنْدَ أُمِّهَا، نَعَمْ يَرِدُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مُدَّةَ الْبُلُوغِ مَجْهُولَةٌ وَلَعَلَّ الْجَهَالَةَ تُغْتَفَرُ لِأَنَّ الْغَالِبَ الْبُلُوغُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ حَقُّ الْوَلَدِ) لِأَنَّ إبْقَاءَهُ عِنْدَ زَوْجِهَا الْأَجْنَبِيِّ مُضِرٌّ بِالْوَلَدِ، وَلِذَا سَقَطَ حَقُّهَا فِي الْحَضَانَةِ. وَمِثْلُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ عِنْدَهُ سِنِينَ مَعْلُومَةً صَحَّ الْخُلْعُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ لِأَنَّ كَوْنَ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ عِنْدَ الْأُمِّ حَقُّ الْوَلَدِ فَلَا يَبْطُلُ بِإِبْطَالِهِمَا (قَوْلُهُ: وَيُنْظَرُ إلَى مِثْلِ إمْسَاكِهِ) أَيْ أَجْرِ مِثْلِ إمْسَاكِهِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْخُلَاصَةِ. [مَطْلَبٌ فِي خُلْعِ الصَّغِيرَةِ] (قَوْلُهُ: طَلُقَتْ) أَيْ بَائِنًا لَوْ بِلَفْظِ الْخُلْعِ كَمَا يَأْتِي، وَمَرَّ أَيْضًا (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِلُزُومِ الْمَالِ وَقَدْ عُدِمَ. وَوَجْهُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِقَبُولِ الْأَبِ وَقَدْ وُجِدَ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ قَبِلَتْ هِيَ) أَشَارَ بِالْكَافِ إلَى أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ اتِّفَاقِيَّةٌ فَافْهَمْ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: هَذَا أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْخِلَافِ إذَا قَبِلَ الْأَبُ، فَإِنْ قَبِلَتْ وَهِيَ عَاقِلَةٌ تَعْقِلُ أَنَّ النِّكَاحَ جَالِبٌ وَالْخُلْعَ سَالِبٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ. اهـ. قُلْت: وَيَقَعُ كَثِيرًا أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا بِمُقَابَلَةِ إبْرَائِهَا إيَّاهُ مِنْ مَهْرِهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقَعُ الرَّجْعِيُّ لِعَدَمِ سُقُوطِ الْمَهْرِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مَا نَصُّهُ: وَاقِعَةٌ: وَقَالَ لِامْرَأَتِهِ الصَّبِيَّةِ: أَنْتِ طَالِقٌ بِمَهْرِكِ فَقَبِلَتْ يَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ رَجْعِيًّا وَلَا يَسْقُطَ الْمَهْرُ اهـ وَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَلْزَمْ الْمَالُ) أَيْ لَا عَلَيْهَا وَلَا عَلَى الْأَبِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سَلَمَةَ وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ، جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. وَأَمَّا إذَا ضَمِنَهُ فَلَا كَلَامَ فِي لُزُومِهِ عَلَيْهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ الْآتِيَةُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ الْأَبَ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْخُلْعَ خَيْرٌ لَهَا بِأَنْ كَانَ الزَّوْجُ لَا يُحْسِنُ عِشْرَتَهَا فَالْخُلْعُ عَلَى صَدَاقِهَا صَحِيحٌ فَإِنْ قَضَى بِهِ قَاضٍ نَفَذَ قَضَاؤُهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالْقَاضِي الْمَالِكِيُّ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْكَبِيرَةُ إلَخْ) أَيْ إذَا خَلَعَهَا أَبُوهَا بِلَا إذْنِهَا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّهَا. وَفِي الْفُصُولَيْنِ: إذَا ضَمِنَهُ الْأَبُ، أَوْ الْأَجْنَبِيُّ وَقَعَ الْخُلْعُ. ثُمَّ إنْ أَجَازَتْ نَفَذَ عَلَيْهَا وَبَرِئَ الزَّوْجُ مِنْ الْمَهْرِ وَإِلَّا تَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ وَالزَّوْجُ عَلَى الْمُخَالِعِ، وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ تَوَقَّفَ الْخُلْعُ عَلَى إجَازَتِهَا، فَإِنْ أَجَازَتْ جَازَ وَبَرِئَ الزَّوْجُ عَنْ الْمَهْرِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَا تَطْلُقُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالْقَبُولِ وَقَدْ وُجِدَ اهـ أَيْ بِقَبُولِ الْمُخَالِعِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا فِي حَقِّ الْمَالِ. قَالَ: وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ، وَقِيلَ: لَا يَقَعُ إلَّا بِإِجَازَتِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْأُمِّ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: قَيَّدَ بِالْأَبِ لِأَنَّهُ لَوْ جَرَى الْخُلْعُ بَيْنَ زَوْجِ الصَّغِيرَةِ وَأُمِّهَا، فَإِنْ أَضَافَتْ الْأُمُّ الْبَدَلَ إلَى مَالِ نَفْسِهَا، أَوْ ضَمِنَتْ تَمَّ الْخُلْعُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَإِلَّا فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، بِخِلَافِ الْأَبِ (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى صَغِيرٍ أَصْلًا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَيَّدَ بِالْأُنْثَى، لِأَنَّهُ لَوْ خَلَعَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَتَوَقَّفُ خُلْعُ الصَّغِيرِ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ فِي الصَّغِيرِ لَا يَلْزَمُ الْمَالُ مَعَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَفِي الصَّغِيرِ لَا وُقُوعَ أَصْلًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 (وَهِيَ غَيْرُ رَشِيدَةٍ) فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَلَا يَلْزَمُ، حَتَّى لَوْ كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ يَقَعُ رَجْعِيًّا فِيهِمَا شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ (فَإِنْ خَالَعَهَا) الْأَبُ عَلَى مَالٍ (ضَامِنًا لَهُ) أَيْ مُلْتَزِمًا لَا كَفِيلًا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهَا (صَحَّ وَالْمَالُ عَلَيْهِ) كَالْخُلْعِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ فَالْأَبُ أَوْلَى (بِلَا سُقُوطِ مَهْرٍ) لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ وِلَايَةِ الْأَبِ. وَمِنْ حِيَلِ سُقُوطِهِ أَنْ يَجْعَلَ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي خُلْعِ غَيْرِ الرَّشِيدَةِ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ غَيْرُ رَشِيدَةٍ) الرُّشْدُ: كَوْنُ الشَّخْصِ مُصْلِحًا فِي مَالِهِ وَلَوْ فَاسِقًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحَجْرِ. وَذَكَرُوا هُنَاكَ أَنَّ الْحَجْرَ بِالسَّفَهِ يَفْتَقِرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَى قَضَاءٍ كَالْحَجْرِ بِالدَّيْنِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ السَّفَهِ وَهُوَ تَبْذِيرُ الْمَالِ وَتَضْيِيعُهُ عَلَى خِلَافِ الشَّرْعِ. وَظَاهِرُ مَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ اعْتِمَادُ الثَّانِي، فَإِنَّهُ قَالَ عَنْ الْمَبْسُوطِ: وَإِذَا بَلَغَتْ الْمَرْأَةَ مَفْسَدَةٌ فَاخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِمَالٍ جَازَ الْخُلْعُ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي الْخُلْعِ يَعْتَمِدُ الْقَبُولَ وَقَدْ تَحَقَّقَ مِنْهَا، وَلَمْ يَلْزَمْهَا الْمَالُ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْهُ لَا لِعِوَضٍ هُوَ مَالٌ وَلَا لِمَنْفَعَةٍ ظَاهِرَةٍ فَتُجْعَلُ كَالصَّغِيرَةِ، فَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا لِأَنَّ وُقُوعَهُ بِالصَّرِيحِ لَا يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ إلَّا بِوُجُوبِ الْبَدَلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا تَطْلُقُ إلَخْ) تَصْرِيحٌ بِوَجْهِ الْمُشَابَهَةِ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْ الصَّغِيرَةِ وَغَيْرِ الرَّشِيدَةِ، وَقَوْلُهُ: فِيهِمَا: أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ خَالَعَهَا) أَيْ الصَّغِيرَةَ (قَوْلُهُ: عَلَى مَالٍ) شَمِلَ الْمَهْرَ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ وُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهَا) فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْكَفَالَةُ لِأَنَّهَا ضَمُّ ذِمَّةِ الْكَفِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْأَصِيلِ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْأَصِيلِ ط (قَوْلُهُ: كَالْخُلْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ) أَيْ الْفُضُولِيِّ. وَحَاصِلُ الْأَمْرِ فِيهِ أَنَّهُ إذَا خَاطَبَ الزَّوْجَ، فَإِنْ أَضَافَ الْبَدَلَ إلَى نَفْسِهِ عَلَى وَجْهٍ يُفِيدُ ضَمَانَهُ لَهُ، أَوْ مِلْكَهُ إيَّاهُ كَاخْلَعْهَا بِأَلْفٍ عَلَيَّ، أَوْ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ، أَوْ عَلَى أَلْفِي هَذِهِ، أَوْ عَبْدِي هَذَا فَفَعَلَ صَحَّ وَالْبَدَلُ عَلَيْهِ، فَإِنْ اُسْتُحِقَّ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْمَرْأَةِ، وَإِنْ أَرْسَلَهُ بِأَنْ قَالَ: عَلَى أَلْفٍ، أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ، فَإِنْ قَبِلَتْ لَزِمَهَا تَسْلِيمُهُ، أَوْ قِيمَتِهِ إنْ عَجَزَتْ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى غَيْرِهِ كَعَبْدِ فُلَانٍ اُعْتُبِرَ قَبُولُ فُلَانٍ؛ وَلَوْ خَاطَبَهَا الزَّوْجُ، أَوْ خَاطَبَتْهُ بِذَلِكَ اُعْتُبِرَ قَبُولُهَا سَوَاءٌ كَانَ الْبَدَلُ مُرْسَلًا، أَوْ مُضَافًا إلَيْهَا، أَوْ إلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَلَا يُطَالَبُ الْوَكِيلُ بِالْخُلْعِ بِالْبَدَلِ إلَّا إذَا ضَمِنَهُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهَا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: فَالْأَبُ أَوْلَى) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِلَا سُقُوطِ مَهْرٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْخُلْعُ عَلَى الْمَهْرِ أَوْ عَلَى أَلْفٍ مَثَلًا، وَلَكِنْ إذَا كَانَ عَلَى الْمَهْرِ فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ، وَالزَّوْجُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَبِ لِضَمَانِهِ، أَمَّا لَوْ كَانَ عَلَى أَلْفٍ فَإِنَّهَا إذَا رَجَعَتْ بِالْمَهْرِ عَلَى الزَّوْجِ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ لَهُ الْمَهْرَ بَلْ ضَمِنَ لَهُ الْأَلْفَ وَكَلَامُ الْفَتْحِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ كَمَا فِي النَّهْرِ وَشَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ، خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ فَحَكَمَ عَلَيْهِ بِالْخَطَأِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى فِي حَلِّ هَذَا الْمَحَلِّ فِيهِ إيجَازٌ مُخِلٌّ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ حِيَلِ سُقُوطِهِ) أَيْ سُقُوطِ الْمَهْرِ عَنْ الزَّوْجِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ لَهُ حِيَلًا أُخَرَ: مِنْهَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حُكْمِ مَالِكِيٍّ بِصِحَّتِهِ. وَمِنْهَا أَنْ يُقِرَّ الْأَبُ بِقَبْضِ صَدَاقِهَا وَنَفَقَةِ عِدَّتِهَا لِصِحَّةِ إقْرَارِ الْأَبِ بِقَبْضِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ ثُمَّ يُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ بَائِنًا لَكِنَّهُ يَبْرَأُ فِي الظَّاهِرِ أَمَّا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَاعْتِرَاضُهُمْ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيمَ الْكَذِبِ وَشَغْلَ ذِمَّةِ الزَّوْجِ. وَأَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّهُ عِنْدَ إضْرَارِ الزَّوْجِ بِهَا وَعَدَمِ إمْكَانِ الْخَلَاصِ إلَّا بِذَلِكَ لَا يَضُرُّ. مَطْلَبٌ فِي خُلْعِ الْفُضُولِيِّ (قَوْلُهُ أَنْ يَجْعَلَ) أَيْ الزَّوْجُ. وَفِي نُسْخَةٍ أَنْ يَجْعَلَا أَيْ هُوَ وَالْأَبُ، وَقَوْلُهُ ثُمَّ يُحِيلَ بِهِ: أَيْ بِالْمَهْرِ وَ " الزَّوْجُ " فَاعِلُ " يُحِيلَ "، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَقَوْلُهُ " مَنْ لَهُ وِلَايَةُ " مَفْعُولُ " يُحِيلَ "، وَقَوْلُهُ " قَبْضِ ذَلِكَ مِنْهُ ": أَيْ قَبْضِ الْمَهْرِ مِنْ الزَّوْجِ، وَالْمُرَادُ بِمَنْ لَهُ وِلَايَةُ قَبْضِ الْمَهْرِ مِنْهُ هُوَ الْأَبُ إنْ كَانَ وَإِلَّا نَصَبَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 بَدَلَ الْخُلْعِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ بِقَدْرِ الْمَهْرِ ثُمَّ يُحِيلَ بِهِ الزَّوْجُ عَلَيْهِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ قَبْضِ ذَلِكَ مِنْهُ بَزَّازِيَّةٌ. (وَإِنْ شَرَطَهُ) أَيْ الزَّوْجُ الضَّمَانَ (عَلَيْهَا) أَيْ الصَّغِيرَةِ (فَإِنْ قَبِلَتْ وَهِيَ مِنْ أَهْلِهِ) بِأَنْ تَعْقِلَ أَنَّ النِّكَاحَ جَالِبٌ وَالْخُلْعَ سَالِبٌ (طَلُقَتْ بِلَا شَيْءٍ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْغَرَامَةِ، وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ، أَوْ لَمْ تَعْقِلْ لَمْ تَطْلُقْ، وَإِنْ قَبِلَ الْأَبُ فِي الْأَصَحِّ زَيْلَعِيٌّ. وَلَوْ بَلَغَتْ وَأَجَازَتْ جَازَ فَتْحٌ. (قَالَ) الزَّوْجُ (خَالِعَتك فَقَبِلَتْ) الْمَرْأَةُ وَلَمْ يَذْكُرَا مَالًا (طَلُقَتْ) لِوُجُودِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ (وَبَرِئَ عَنْ) الْمَهْرِ (الْمُؤَجَّلِ لَوْ) كَانَ (عَلَيْهِ وَإِلَّا) يَكُنْ عَلَيْهِ مِنْ الْمُؤَجَّلِ شَيْءٌ (رَدَّتْ) عَلَيْهِ (مَا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فَتُعْتَبَرُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.   [رد المحتار] الْقَاضِي وَصِيًّا. وَصُورَتُهَا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَهْرُ أَلْفًا مَثَلًا يُخَالِعُ الزَّوْجُ مَعَ أَجْنَبِيٍّ عَلَى أَلْفٍ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ يُحِيلُ الزَّوْجُ الْأَبَ، أَوْ الْوَصِيَّ بِالْمَهْرِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِشَرْطِ الْقَبُولِ، وَأَنْ يَكُونَ الْأَجْنَبِيُّ أَمْلَأَ مِنْ الزَّوْجِ، فَحِينَئِذٍ يَبْرَأُ الزَّوْجُ عَنْ الْمَهْرِ وَيَصِيرُ فِي ذِمَّةِ ذَلِكَ الْأَجْنَبِيِّ، لَكِنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ لِلْأَجْنَبِيِّ فَلِذَا قِيلَ ثُمَّ يُبْرِئُهُ الْأَبُ، أَوْ يُقِرُّ بِقَبْضِهِ مِنْهُ، لَكِنْ يَكْفِي فِي الظَّاهِرِ إقْرَارُ الْأَبِ ابْتِدَاءً بِدُونِ هَذَا التَّكَلُّفِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: ثُمَّ يُحِيلُ بِهِ الزَّوْجَ عَلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ قَبْضِ ذَلِكَ مِنْهُ، وَهَذِهِ حِيلَةٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ، وَعَلَيْهَا فَفَاعِلُ " يُحِيلُ " ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَ " الزَّوْجَ " مَفْعُولُهُ، وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ يَعُودُ عَلَى بَدَلِ الْخُلْعِ أَيْ يُحِيلُ الْأَجْنَبِيُّ الزَّوْجَ بِالْأَلْفِ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَبْضِ: أَيْ عَلَى الْأَبِ، أَوْ الْوَصِيِّ فَيَبْرَأُ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ الْبَدَلِ وَيَصِيرُ فِي ذِمَّةِ الْأَبِ وَقَوْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَيَبْرَأُ الزَّوْجُ مِنْهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ تَأَمَّلْ، وَلَكِنْ يُغْنِي عَنْ هَذِهِ الْحِيلَةِ الثَّانِيَةِ الْتِزَامُ الْأَبِ الْبَدَلَ ابْتِدَاءً بِدُونِ هَذَا التَّكَلُّفِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَيْ الزَّوْجُ الضَّمَانَ) تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ وَالْبَارِزِ، وَالْمُرَادُ بِالضَّمَانِ الْمَضْمُونُ لِيُوَافِقَ قَوْلَ الْفَتْحِ: أَيْ لَوْ شَرَطَ الزَّوْجُ الْأَلْفَ عَلَيْهَا تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا إلَخْ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: الْخُلْعُ إذَا جَرَى بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ فَإِلَيْهَا كَانَ الْبَدَلُ مُرْسَلًا، أَوْ مُطْلَقًا، أَوْ مُضَافًا إلَى الْمَرْأَةِ، أَوْ الْأَجْنَبِيِّ إضَافَةَ مِلْكٍ، أَوْ ضَمَانٍ. اهـ. أَمْثِلَةُ ذَلِكَ: اخْلَعْنِي عَلَى هَذَا الْعَبْدِ، أَوْ عَلَى عَبْدِي هَذَا، أَوْ عَلَى عَبْدِ فُلَانٍ (قَوْلُهُ طَلُقَتْ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ قَبُولُهَا، وَالْبَيْنُونَةُ بِالْخُلْعِ تَعْتَمِدُ الْقَبُولَ دُونَ لُزُومِ الْمَالِ كَمَا إذَا سَمَّتْ خَمْرًا، وَنَحْوَهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَبِلَ الْأَبُ) لِأَنَّ قَبُولَهَا شَرْطٌ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَفِي رِوَايَةٍ يَصِحُّ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ إذْ تَتَخَلَّصُ مِنْ عُهْدَتِهِ بِلَا مَالٍ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَأَجَازَتْ) أَيْ أَجَازَتْ قَبُولَ الْأَبِ ح وَمِثْلُهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْفَتْحِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ قَالَ الزَّوْجُ خَالَعْتكِ) قَيَّدَ بِصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: خَلَعْتُكِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ وَلَا يَبْرَأُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الزَّوْجَةِ الْبَالِغَةِ (قَوْلُهُ وَبَرِئَ عَنْ الْمَهْرِ الْمُؤَجَّلِ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ فِي الصُّورَةِ يَبْرَأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الزَّوْجِ مَهْرٌ فَعَلَيْهَا رَدُّ مَا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الْمَهْرِ لِأَنَّ الْمَالَ مَذْكُورٌ عُرْفًا بِذِكْرِ الْخُلْعِ اهـ وَهَكَذَا فِي الْفَتْحِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ أَوَّلِ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْمَهْرَ إذَا كَانَ مَقْبُوضًا فَلَا رُجُوعَ لَهُ وَصَرِيحُ آخِرِهَا الرُّجُوعُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ، فَحِينَئِذٍ لَمْ يَبْرَأْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ. قَالَ: وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ مَحَلَّ الْبَرَاءَةِ مَا إذَا خَالَعَهَا بَعْدَ دَفْعِ الْمُعَجَّلِ فَإِنَّهَا تَبْرَأُ عَنْ الْمُعَجَّلِ وَيَبْرَأُ هُوَ عَنْ الْمُؤَجَّلِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْمَهْرُ، مَا قَبَضَتْ الْمَرْأَةُ فَهُوَ لَهَا، وَمَا بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ يَسْقُطُ اهـ قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ لَمْ يَقُلْ يَبْرَأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، بَلْ قَالَ وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ عَنْ الْمَهْرِ الَّذِي لَهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ مَهْرٌ لَزِمَهَا رَدُّ مَا سَاقَ إلَيْهَا كَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَابْنُ الْفَضْلِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الزَّوْجَ يَبْرَأُ مِمَّا لَهَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْمَهْرِ كُلًّا، أَوْ بَعْضًا، وَأَمَّا هِيَ فَلَا تَبْرَأُ مِنْ الْبَعْضِ، وَلَوْ قَبَضَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 (خُلْعُ الْمَرِيضَةِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ إرْثِهِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِلَّا فَالْأَقَلُّ مِنْ إرْثِهِ، وَالثُّلُثِ إنْ مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ وَلَوْ بَعْدَهَا، أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَهُ الْبَدَلُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفُصُولَيْنِ. (اخْتَلَعَتْ الْمُكَاتَبَةُ لَزِمَهَا الْمَالُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَوْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى) لِحَجْرِهَا عَنْ التَّبَرُّعِ   [رد المحتار] الْكُلَّ لَزِمَهَا رَدُّهُ، وَبِهَذَا ظَهَرَ مَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا رَدَّتْ مَا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الْمُعَجَّلِ، فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا رَدُّ الْمُؤَجَّلِ إذَا قَبَضَتْ كُلَّ الْمَهْرِ، فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ وَإِلَّا رَدَّتْ الْمَهْرَ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهَا إذَا قَبَضَتْ الْكُلَّ صَارَ كُلُّهُ مُعَجَّلًا فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْفَتْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُسْقِطُ الْخُلْعُ وَالْمُبَارَأَةُ كُلَّ حَقٍّ إلَخْ مِنْ أَنَّ الْبَدَلَ إنْ كَانَ مَسْكُوتًا عَنْهُ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ أَصَحُّهَا بَرَاءَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْمَهْرِ لَا غَيْرُ، فَلَا يُطَالِبُ بِهِ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ بَعْدَهُ مَقْبُوضًا أَوْ لَا؛ حَتَّى لَا تَرْجِعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا، وَلَا يَرْجِعَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مَقْبُوضًا كُلُّهُ، وَالْخُلْعُ قَبْلَ الدُّخُولِ لِأَنَّ الْمَالَ مَذْكُورٌ عُرْفًا بِالْخُلْعِ إلَخْ وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَشَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَالْمَقْدِسِيِّ والشُّرُنبُلالِيَّة، وَقَوْلُهُ وَالْخُلْعُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَيْ وَمِثْلُهُ لَوْ بَعْدَهُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهَا إذَا طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ لَزِمَهَا رَدُّ نِصْفِ الْمَهْرِ، فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهَا رَدُّ شَيْءٍ مِنْهُ هُنَا لَمْ يَلْزَمْهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِالْأَوْلَى. وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ: خَلَعَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِوَضَ عِنْدَهُمَا لَا يَبْرَأُ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ عَنْ الْمَالِ الْوَاجِبِ بِالنِّكَاحِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ بَرَاءَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ. اهـ. وَفِي مَتْنِ الْمُخْتَارِ: وَالْمُبَارَأَةُ كَالْخُلْعِ يُسْقِطَانِ كُلَّ حَقٍّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ، حَتَّى لَوْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ، وَلَوْ لَمْ تَقْبِضْ شَيْئًا لَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ اهـ وَمِثْلُهُ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى. وَفِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ إنْ لَمْ يُسَمِّيَا شَيْئًا بَرِئَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ الْآخَرِ قَبَضَتْ الْمَهْرَ أَمْ لَا دَخَلَ بِهَا أَمْ لَا. اهـ. قُلْت: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْفَتَاوَى قَوْلٌ آخَرُ غَيْرُ الْمُصَحَّحِ فِي الشُّرُوحِ وَالْمُتُونِ، وَظَهَرَ بِهَذَا خَلَلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَشَى عَلَى خِلَافِ الصَّحِيحِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهَا تَرُدُّ الْمُعَجَّلَ فَقَطْ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي رَدِّ جَمِيعِ الْمَهْرِ إذَا كَانَتْ قَبَضَتْهُ [مَطْلَبٌ فِي خُلْعِ الْمَرِيضَةِ] ِ (قَوْلُهُ خُلْعُ الْمَرِيضَةِ) أَيْ مَرَضَ الْمَوْتِ، إذْ لَوْ بَرِئَتْ مِنْهُ كَانَ لِلزَّوْجِ كُلُّ الْبَدَلِ لِتَرَاضِيهِمَا، كَمَا لَوْ وَهَبَتْهُ شَيْئًا ثُمَّ بَرِئَتْ مِنْ مَرَضِهَا وَإِنْ مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْبُضْعَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ عِنْدَ الْخُرُوجِ، فَمَا بَذَلَتْهُ مِنْ بَدَلِ الْخُلْعِ تَبَرُّعٌ لَا يَصِحُّ لِوَارِثٍ وَيَنْفُذُ لِلْأَجْنَبِيِّ مِنْ الثُّلُثِ، لَكِنَّهُ يُعْطَى الْأَقَلَّ دَفْعًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ كَمَا مَرَّ فِي طَلَاقِهِ لَهَا فِي مَرَضِهِ (قَوْلُهُ: فَلَهُ الْأَقَلُّ إلَخْ) بَيَانُهُ لَوْ كَانَ إرْثُهُ مِنْهَا خَمْسِينَ وَبَدَلُ الْخُلْعِ سِتِّينَ وَالثُّلُثُ مِائَةً فَقَدْ خَرَجَ الْإِرْثُ وَالْبَدَلُ مِنْ الثُّلُثِ فَلَهَا الْأَقَلُّ وَهُوَ خَمْسُونَ، وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ أَرْبَعِينَ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْهُ وَمِنْ الْإِرْثِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ لَهُ الْأَقَلَّ مِنْ مِيرَاثِهِ وَمِنْ بَدَلِ الْخُلْعِ وَمِنْ الثُّلُثِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِذَلِكَ تَبَعًا لِجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَظْهَرَ (قَوْلُهُ فَلَهُ الْبَدَلُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ إلَى الْإِرْثِ هُنَا لِعَدَمِهِ بِمَوْتِهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ، أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ، فَيُنْظَرُ إلَى الْبَدَلِ وَالثُّلُثِ فَيُعْطَى الْأَقَلَّ، لَكِنْ أَفَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ لَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخُلْعِ عَلَى الْمَهْرِ يَسْقُطُ نِصْفُهُ بِطَلَاقِهَا وَالنِّصْفُ الْآخَرُ وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ الْوَارِثِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ غَيْرُهُ يَسْلَمُ لَهُ ثُلُثُ ذَلِكَ النِّصْفِ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْفُصُولَيْنِ) أَيْ فِي أَحْكَامِ الْمَرَضِ أَوَاخِرَ الْكِتَابِ، وَذَكَرَ عِبَارَتَهُ بِتَمَامِهَا فِي الْبَحْرِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَلَزِمَهَا الْمَالُ. (قَوْلُهُ لِحَجْرِهَا عَنْ التَّبَرُّعِ) أَيْ وَلَوْ بِالْإِذْنِ كَهِبَتِهَا بَحْرٌ، وَهَذَا عِلَّةٌ لِتَأَخُّرِهِ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 460 (وَالْأَمَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ إنْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَزِمَهَا الْمَالُ لِلْحَالِ) فَتُبَاعُ الْأَمَةُ وَتَسْعَى أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ، وَلَوْ بِلَا إذْنٍ فَبَعْدَ الْعِتْقِ. (خَلَعَ الْأَمَةَ مَوْلَاهَا عَلَى رَقَبَتِهَا، وَإِنْ زَوَّجَهَا حُرًّا صَحَّ الْخُلْعُ مَجَّانًا، وَإِنْ) زَوَّجَهَا (مُكَاتَبًا، أَوْ عَبْدًا، أَوْ مُدَبَّرًا صَحَّ وَصَارَتْ أَمَةً لِلسَّيِّدِ) فَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ؛ أَمَّا الْحُرُّ فَلَوْ مَلَكَهَا لَبَطَلَ النِّكَاحُ فَبَطَلَ الْخُلْعُ فَكَانَ فِي تَصْحِيحِهِ إبْطَالُهُ اخْتِيَارٌ. [فُرُوعٌ] : قَالَ خَالِعَتك عَلَى أَلْفٍ قَالَهُ ثَلَاثًا فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ لِتَعْلِيقِهِ بِقَبُولِهَا   [رد المحتار] قَوْلُهُ لَزِمَهُمَا الْمَالُ لِلْحَالِ) لِانْفِكَاكِ الْحَجْرِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَظَهَرَ فِي حَقِّهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَتُبَاعُ الْأَمَةُ) أَيْ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهَا الْمَوْلَى كَسَائِرِ الدُّيُونِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. [فَرْعٌ] الْأَمَةُ تُفَارِقُ الْحُرَّةَ الصَّغِيرَةَ الْعَاقِلَةَ إذَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِأَنَّهَا لَا تُؤَاخَذُ بِبَدَلِ الْخُلْعِ بَعْدَ الْبُلُوغِ كَمَا لَا تُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ طَلَّقَ الصَّبِيَّةَ بِمَالٍ يَصِيرُ رَجْعِيًّا، وَفِي الْأَمَةِ يَصِيرُ بَائِنًا إذْ الطَّلَاقُ بِمَالٍ يَصِحُّ فِي الْأَمَةِ لَكِنَّهُ مُؤَجَّلٌ، وَفِي الصَّبِيَّةِ يَقَعُ بِلَا مَالٍ وَلَوْ عَاقِلَةً. (قَوْلُهُ عَلَى رَقَبَتِهَا) أَيْ جَعَلَ السَّيِّدُ لِلزَّوْجِ رَقَبَتَهَا بَدَلَ الْخُلْعِ ط (قَوْلُهُ صَحَّ الْخُلْعُ مَجَّانًا) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ وَالظَّاهِرُ سُقُوطُهُ لِبُطْلَانِ التَّسْمِيَةِ فَهُوَ كَتَسْمِيَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ط (قَوْلُهُ لِلسَّيِّدِ) أَيْ سَيِّدِ الزَّوْجِ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ (قَوْلُهُ فَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ) لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ مَمْلُوكَةً لِلزَّوْجِ بَلْ لِسَيِّدِهِ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْمِلْكِ وَحَقُّ الْمِلْكِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ النِّكَاحِ فَلَا يَفْسُدُ بَحْرٌ عَنْ الْجَامِعِ. وَمَا فِي الْمِنَحِ مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ مَتْنِهِ يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّ لِلسَّيِّدِ فِيهَا حَقًّا بِحَيْثُ لَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ صَارَتْ لِسَيِّدِهِ أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ (قَوْلُهُ: فَكَانَ فِي تَصْحِيحِهِ إبْطَالُهُ) أَيْ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ وَالْمُرَادُ بُطْلَانُ كَوْنِهِ مُعَاوَضَةً لَا مُطْلَقًا لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّهُ يَمِينٌ فِي جَانِبِ الزَّوْجِ وَمُعَاوَضَةٌ فِي جَانِبِهَا، فَإِذَا بَطَلَتْ جِهَةُ الْمُعَاوَضَةِ بَقِيَتْ الْجِهَةُ الْأُخْرَى وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ لَكِنَّهُ يَقَعُ طَلَاقٌ بَائِنٌ لِأَنَّهُ بَطَلَ الْبَدَلُ، وَبَقِيَ لَفْظُ الْخُلْعِ وَهُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ اهـ. [فروع قَالَ خَالَعْتكِ عَلَى أَلْفٍ قَالَهُ ثَلَاثًا فَقَبِلَتْ] (قَوْلُهُ: طَلُقَتْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ) أَيْ طَلُقَتْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَلَزِمَهَا الْمَالُ وَقَالَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ إلَّا بِقَبُولِهَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَتَعَلَّقُ بِقَبُولِهَا فِي الْخُلْعِ فَوَقَعَ الثَّلَاثُ عِنْدَ قَبُولِهَا جُمْلَةً بِثَلَاثَةِ آلَافٍ. اهـ. قُلْت: وَهَذَا إذَا كَانَ بِمَالٍ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُعَاوَضَةً فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ فَتَقَعُ الْأُولَى وَيَلْغُو مَا بَعْدَهَا لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ، وَلِذَا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: قَالَ لَهَا: قَدْ خَلَعْتُكِ وَكَرَّرَهُ ثَلَاثًا وَأَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَلَوْ قَالَ: قَدْ خَلَعْتُكِ عَلَى مَا لَكِ عَلَيَّ مِنْ الْمَهْرِ قَالَهُ ثَلَاثًا فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ إلَّا بِقَبُولِهَا، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ: خَلَعْتُ نَفْسِي مِنْكَ بِأَلْفٍ قَالَتْهُ ثَلَاثًا فَقَالَ: رَضِيتُ، أَوْ أَجَزْتُ كَانَتْ ثَلَاثًا بِثَلَاثَةِ آلَافٍ، وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي فَتَاوَى الْعِدَّةِ، وَمَا فِي الْعِدَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. قُلْت: وَمَا فِي الْعِدَّةِ هُوَ أَنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةً بِالْمُسَمَّى وَيَبْطُلُ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي وَالثَّانِي بِالثَّالِثِ كَمَا فِي الْمُعَاوَضَاتِ اهـ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَمِينًا مِنْ جَانِبِهِ صَارَ مُعَلَّقًا عَلَى قَبُولِهَا إذَا ابْتَدَأَ، بِخِلَافِ مَا إذَا ابْتَدَأَتْ هِيَ فَإِنَّهُ مِنْ جَانِبِهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَا يَصِيرُ تَعْلِيقًا عَلَى قَبُولِهِ، فَإِذَا قَبِلَ يَكُونُ قَبُولًا لِلْعَقْدِ الثَّالِثِ وَيَلْغُو الثَّانِي بِهِ، وَالْأَوَّلُ بِالثَّانِي، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَيْضًا قَالَ: طَلَّقْتُكِ عَلَى أَلْفٍ طَلَّقْتُك عَلَى ثَلَاثَةِ آلَافٍ، فَقَبِلَتْ فَهُوَ عَلَى الْمَالَيْنِ جَمِيعًا، وَمِثْلُهُ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى آخِرِ الْأَثْمَانِ، إذْ الرُّجُوعُ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ قَبُولِهِ يَصِحُّ بِخِلَافِ عِتْقٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 461 فِي الْمُنْتَقَى: أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ قَبِلَتْ الثَّلَاثَ لَمْ تَطْلُقْ لِتَعْلِيقِهِ بِقَبُولِهَا بِإِزَاءِ الْأَرْبَعِ. أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى دُخُولِكِ الدَّارَ تَوَقَّفَ عَلَى الْقَبُولِ، وَعَلَى أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ تَوَقَّفَ عَلَى الدُّخُولِ. قُلْت: فَيُطْلَبُ الْفَرْقُ، فَإِنَّ " أَنْ " وَالْفِعْلَ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ فَتَدَبَّرْ. قَالَ: خَالِعَتك وَاحِدَةً بِأَلْفٍ وَقَالَتْ: إنَّمَا سَأَلْتُك الثَّلَاثَ فَلَكَ ثُلُثُهَا   [رد المحتار] وَطَلَاقٍ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَوْ ابْتَدَأَتْ هِيَ بِذَلِكَ فَقَبِلَ تَقَعُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بِالْمَالِ فَقَطْ لِأَنَّهُ يَصِحُّ رُجُوعُهَا لَا رُجُوعُهُ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ بِنَاءً عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِهِ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جَانِبِهَا. (قَوْلُهُ: طَلُقَتْ ثَلَاثًا إلَخْ) أَيْ بِأَلْفٍ فَتْحٌ. وَفِيهِ عَنْ الْخُلَاصَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: وَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي أَرْبَعًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَهِيَ بِأَلْفٍ، وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَبِثُلُثِ الْأَلْفِ اهـ أَيْ لِأَنَّهَا إذَا ابْتَدَأَتْ كَانَ مُعَاوَضَةً لَا تَعْلِيقًا، بِخِلَافِ مَا إذَا ابْتَدَأَ كَمَا قُلْنَا. مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ " عَلَى أَنْ تَدْخُلِي " وَ " عَلَى دُخُولِكِ وَعَلَى أَنْ تُعْطِينِي " (قَوْلُهُ: قُلْت فَيُطْلَبُ الْفَرْقُ إلَخْ) وَكَذَا يُطْلَبُ الْفَرْقُ بَيْنَ عَلَى أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ حَيْثُ تَوَقَّفَ عَلَى الدُّخُولِ وَبَيْنَ عَلَى أَنْ تُعْطِينِي كَذَا حَيْثُ تَوَقَّفَ عَلَى الْقَبُولِ مِثْلُ عَلَى دُخُولِك الدَّارَ. وَقَدْ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ فِي الْبَحْرِ فَلَمْ يُبْدِ فَرْقًا، وَنَقَلَ كَلَامَهُ فِي النَّهْرِ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ. مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَصْدَرِ الصَّرِيحِ وَالْمُؤَوَّلِ وَنَقَلَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ شَرْحِ اللُّبَابِ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَصْدَرِ الصَّرِيحِ وَالْمُؤَوَّلِ صِحَّةُ حَمْلِ الثَّانِي عَلَى الْجُثَّةِ دُونَ الْأَوَّلِ أَيْ فَيَصِحُّ: زَيْدٌ إمَّا أَنْ يَقُومَ وَإِمَّا أَنْ يَقْعُدَ، بِخِلَافِ: زَيْدٌ إمَّا قِيَامٌ وَإِمَّا قُعُودٌ، وَلَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ الْفَرْقُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا قَالَهُ ح. أَقُولُ: قَدْ يَظْهَرُ الْفَرْقُ وَلَا بُدَّ مِنْ مُقَدِّمَاتٍ: إحْدَاهَا مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ فِي التَّعْلِيقَاتِ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَصْدَرِ الصَّرِيحِ وَالْمُؤَوَّلِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْحَدَثِ أَنَّ مَوْضُوعَ الصَّرِيحِ الْحَدَثُ فَقَطْ وَهُوَ أَمْرٌ تَصَوُّرِيٌّ، وَالْمُؤَوَّلُ يَزِيدُ عَلَيْهِ بِالْحُصُولِ إمَّا مَاضِيًا وَإِمَّا حَالًا وَإِمَّا مُسْتَقْبَلًا إنْ كَانَ إثْبَاتًا، وَبِعَدَمِ الْحُصُولِ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ مَنْفِيًّا وَهُوَ أَمْرٌ تَصْدِيقِيٌّ، وَلِهَذَا يَسُدُّ " أَنْ " وَالْفِعْلُ مَسَدَّ الْمَفْعُولَيْنِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ النِّسْبَةِ. اهـ. وَنَقَلَهُ السُّيُوطِيّ فِي الْأَشْبَاهِ النَّحْوِيَّةِ. وَنَقَلَ أَيْضًا أَنَّ الْمَصْدَرَ الصَّرِيحَ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بِخِلَافِ الْمُؤَوَّلِ، فَالصَّرِيحُ دَالٌّ عَلَى الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ دَلَالَةً مُبْهَمَةً فَهُوَ عَامٌّ، بِخِلَافِ الْمُؤَوَّلِ. وَأَيْضًا الْمُؤَوَّلُ اسْمٌ تَقْدِيرِيٌّ غَيْرُ مَلْفُوظٍ بِهِ، وَإِنَّمَا الْمَلْفُوظُ بِهِ حَرْفٌ وَفِعْلٌ، وَلَهُ شَبَهٌ بِالْمُضْمَرِ وَلِذَا لَمْ يَصِحَّ وَصْفُهُ، بِخِلَافِ الصَّرِيحِ فَإِنَّهُ يُقَالُ يُعْجِبُنِي ضَرْبُك الشَّدِيدُ، بِخِلَافِ أَنْ تَضْرِبَ الشَّدِيدَ. ثَانِيهَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ أَنَّ عَلَى تُسْتَعْمَلُ حَقِيقَةً لِلِاسْتِعْلَاءِ إنْ اتَّصَلَتْ بِالْأَجْسَامِ، وَفِي غَيْرِهَا لِمَعْنَى اللُّزُومِ الصَّادِقِ عَلَى الشَّرْطِ الْمَحْضِ وَعَلَى الْمُعَاوَضَةِ الشَّرْعِيَّةِ، أَوْ الْعُرْفِيَّةِ، وَتَتَرَجَّحُ الْمُعَاوَضَةُ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُعَوَّضِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ. ثَالِثُهَا أَنَّ الطَّلَاقَ يَتَعَلَّقُ بِالزَّمَانِ دُونَ الْمَكَانِ وَنَحْوِهِ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَقُولُ: إذَا قَالَ لَهَا عَلَى أَنْ تُعْطِينِي كَذَا فَهُوَ تَعْلِيقٌ عَلَى فِعْلٍ مُسْتَقْبَلٍ صَالِحٍ لِلْمُعَاوَضَةِ فَيُشْتَرَطُ قَبُولُهَا لِيَلْزَمَهَا الْمَالُ. فَصَارَ كَأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى الْقَبُولِ إذْ بِهِ يَحْصُلُ غَرَضُهُ مِنْ الطَّلَاقِ بِعِوَضٍ فَتَطْلُقُ بِالْقَبُولِ وَإِنْ لَمْ تُعْطِهِ فِي الْحَالِ. بِخِلَافِ عَلَى أَنْ تَدْخُلِي فَإِنَّهُ صَالِحٌ لِلشَّرْطِ الْمَحْضِ لِعَدَمِ مَا يُفِيدُ الْمُعَاوَضَةَ فَتَعَيَّنَ تَعَلُّقُهُ بِالدُّخُولِ بِلَا تَوَقُّفٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 فَالْقَوْلُ لَهَا. خَلَعَهَا عَلَى أَنَّ صَدَاقَهَا لِوَلَدِهَا، أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ عَلَى أَنْ يُمْسِكَ الْوَلَدَ عِنْدَهُ صَحَّ الْخُلْعُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ. قَالَتْ: اخْتَلَعَتْ مِنْك فَقَالَ لَهَا طَلَّقْتُك بَانَتْ وَقِيلَ رَجْعِيٌّ. وَلَا رِوَايَةَ لَوْ قَالَتْ: أَبْرَأْتُكَ مِنْ الْمَهْرِ بِشَرْطِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَطَلَّقَهَا رَجْعِيًّا،   [رد المحتار] عَلَى قَبُولٍ إذْ لَا غَرَامَةَ تَلْحَقُهَا، وَأَمَّا عَلَى دُخُولِك الدَّارَ فَلَيْسَ فِيهِ فِعْلٌ يَصْلُحُ جَعْلُهُ شَرْطًا بَلْ هُوَ أَمْرٌ تَصَوُّرِيٌّ لَا يَصْلُحُ جَعْلُهُ شَرْطًا إلَّا بِذِكْرِ فِعْلٍ مَعَهُ يَدُلُّ عَلَى الْحُصُولِ فِي أَحَدِ الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ لِيَصِيرَ بِمَنْزِلَةِ إنْ دَخَلْت، أَوْ بِتَقْدِيرِ الْوَقْتِ كَمَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِك الدَّارَ بِقَرِينَةِ " فِي " الظَّرْفِيَّةِ، إذْ الطَّلَاقُ لَا يَكُونُ مَظْرُوفًا فِي الدُّخُولِ بَلْ فِي زَمَانِهِ وَلَا يَحْسُنُ هُنَا تَقْدِيرُ الْوَقْتِ لِعَدَمِ مَا يَقْتَضِيهِ لِأَنَّ جَعْلَ " عَلَى " لِلْمُعَاوَضَةِ يُغْنِي عَنْهُ بِدُونِ تَكَلُّفٍ، فَإِنَّ الْعَاقِلَ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي جَعْلِ الدُّخُولِ مَثَلًا عِوَضًا عَنْ الطَّلَاقِ، هَذَا غَايَةُ مَا ظَهَرَ مِنْ الْفَرْقِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لَهَا) لِأَنَّهَا تُنْكِرُ الزِّيَادَةَ عَلَى ثُلُثِ الْأَلْفِ فَتُصَدَّقُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ مَعَ يَمِينِهَا، فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الزَّوْجِ. اهـ. (قَوْلُهُ: صَحَّ الْخُلْعُ) لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَبَطَلَ الشَّرْطُ) أَيْ فَلَا يَكُونُ الْمَهْرُ لِلْوَلَدِ وَلَا لِلْأَجْنَبِيِّ بَلْ يَكُونُ لِلزَّوْجِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَلَيْسَ لَهُ إمْسَاكُ الْوَلَدِ عِنْدَهُ لِأَنَّ إمْسَاكَهُ عِنْدَ أُمِّهِ حَقُّهُ فَلَا يَبْطُلُ بِإِبْطَالِهِمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: بَانَتْ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: قَالَتْ لَهُ: اخْلَعْنِي عَلَى أَلْفٍ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، قِيلَ: هُوَ جَوَابٌ وَيَتِمُّ الْخُلْعُ، وَقِيلَ لَا بَلْ طَلَاقٌ. وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ جَوَابٌ ظَاهِرًا، فَإِنْ قَالَ لَمْ أَعْنِ بِهِ الْجَوَابَ صُدِّقَ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ بِلَا شَيْءٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ: اخْتَلَعَتْ مِنْكَ فَقَالَ: طَلَّقْتُكِ، قِيلَ: هُوَ جَوَابٌ وَيَتِمُّ الْخُلْعُ، وَقِيلَ: لَا بَلْ رَجْعِيٌّ، وَقِيلَ يُسْأَلُ الزَّوْجُ عَنْ النِّيَّةِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَنْبَغِي أَنْ يُسْأَلَ أَيْضًا. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الْجَوَابَ يَكُونُ جَوَابًا وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِالْخُلْعِ لِأَنَّهُ خَرَجَ جَوَابًا فَيَكُونُ خُلْعًا وَيَبْرَأُ عَنْ الْمَهْرِ (قَوْلُهُ: وَلَا رِوَايَةَ إلَخْ) ذَكَرَ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَمْ يُوجَدْ فِيهَا رِوَايَةٌ وَلَا جَوَابٌ شَافٍ لِلْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَالَ: فَهَلْ يَقَعُ بَائِنًا لِلْمُقَابَلَةِ بِالْمَالِ كَمَسْأَلَةِ الزِّيَادَاتِ أَمْ رَجْعِيًّا؟ وَهَلْ يَبْرَأُ الزَّوْجُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ صُورَةً، أَوْ لَا يَبْرَأُ. اهـ. وَنَقَلَ عِبَارَتَهُ فِي الْبَحْرِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلَزِمَهَا الْمَالُ، وَكَتَبْت فِيمَا عَلَّقْته عَلَيْهِ أَنَّ صَاحِبَ الْقُنْيَةِ ذَكَرَ فِي الْحَاوِي عَنْ الْأَسْرَارِ الْجَوَابَ بِأَنَّ الْوَاقِعَ رَجْعِيٌّ، وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ لِتَرَاضِيهِمَا عَلَى وُقُوعِ الرَّجْعِيِّ، وَمُقَابَلَتُهُ بِالْمَالِ لَا تُغَيِّرُهُ عَنْ وَصْفِهِ بِالرَّجْعِيِّ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الزِّيَادَاتِ فَهِيَ فِيمَا إذَا طَلَبَتْ مِنْهُ الْمَرْأَةُ طَلْقَتَيْنِ بَائِنَتَيْنِ بِأَلْفٍ، فَمُقَابَلَةُ الْمَالِ تُغَيِّرُ وَصْفَهُ بِالرَّجْعِيِّ فَيَلْغُو لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِلُزُومِ الْأَلْفِ مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ ولِأَنَّ الْبَاءَ تَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ، وَالْعِوَضُ يَسْتَلْزِمُ الْمُعَوَّضَ وَهُوَ انْصِرَامُ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: هَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ طَلَبِهَا مِنْهُ الْبَائِنَتَيْنِ، أَمَّا لَوْ ابْتَدَأَ الزَّوْجُ بِذَلِكَ وَقَالَتْ قَبِلْت يَلْزَمُ أَنْ يَقَعَ بِهِ الرَّجْعِيُّ لِوُجُودِ تَرَاضِيهِمَا عَلَى ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْمَنْقُولَ يُخَالِفُهُ. فَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْبَابِ السَّادِسِ فِي الطَّلَاقِ: أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَ فِي الْحَالِ وَاحِدَةٌ بِنِصْفِ الْأَلْفِ وَغَدًا أُخْرَى بِلَا شَيْءٍ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْبَدَلِ بِالطَّلَاقِ زَوَالُ الْمِلْكِ بِهِ وَقَدْ زَالَ الْمِلْكُ بِالْأَوْلَى، لَكِنْ إنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ تَطْلُقُ أُخْرَى غَدًا بِنِصْفِ الْأَلْفِ لِزَوَالِ الْمِلْكِ بِهَا، وَلَوْ قَالَ لِلْمَدْخُولَةِ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَتْ فِي الْحَالِ وَاحِدَةٌ بِلَا شَيْءٍ لِوَصْفِهَا بِمَا يُنَافِي الْبَدَلَ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ بِبَدَلٍ لَا يَكُونُ رَجْعِيًّا وَفِي الْغَدِ تَطْلُقُ أُخْرَى بِأَلْفٍ لِزَوَالِ الْمِلْكِ بِهَا لِأَنَّ الْأُولَى رَجْعِيَّةٌ لَا تُزِيلُهُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ بَائِنَةً وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ تَقَعُ فِي الْحَالِ بَائِنَةٌ بِلَا شَيْءٍ لِأَنَّ الْبَائِنَ بِصَرِيحِ الْإِبَانَةِ لَا يُقَابِلُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 لَكِنْ فِي الزِّيَادَاتِ " أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ رَجْعِيًّا وَغَدًا أُخْرَى رَجْعِيًّا بِأَلْفٍ " فَالْبَدَلُ لَهُمَا وَهُمَا بَائِنَتَانِ، لَكِنْ يَقَعُ غَدًا بِغَيْرِ شَيْءٍ إنْ لَمْ يَعُدْ مِلْكَهُ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: قَالَ لِصَغِيرَةٍ: إنْ غِبْت عَنْك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَمْرُك بِيَدِك بَعْدَ أَنْ تُبْرِئِينِي مِنْ الْمَهْرِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ فَأَبْرَأَتْهُ وَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ وَيَقَعُ الرَّجْعِيُّ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: اخْتَلَعَتْ بِمَهْرِهَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ كَذَا مَنًّا مِنْ الْأَرُزِّ صَحَّ وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ لِأَنَّ الْخُلْعَ أَوْسَعُ مِنْ الْبَيْعِ. قُلْت: وَمُفَادُهُ صِحَّةُ إيجَابِ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَيْهِ فَلْيُحْفَظْ. -   [رد المحتار] شَيْءٌ وَغَدًا أَيْ أُخْرَى بِلَا شَيْءٍ، لِأَنَّ الْمِلْكَ زَالَ بِالْأُولَى لَا بِهَا إلَّا إذَا تَزَوَّجَهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ فَتَقَعُ أُخْرَى بِأَلْفٍ لِزَوَالِ الْمِلْكِ لَهَا. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَغَدًا أُخْرَى رَجْعِيَّةً بِأَلْفٍ يَنْصَرِفُ الْبَدَلُ إلَيْهِمَا، وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ ثَلَاثًا وَغَدًا أُخْرَى بَائِنَةً بِأَلْفٍ، أَوْ السَّاعَةَ وَاحِدَةً بِغَيْرِ شَيْءٍ وَغَدًا أُخْرَى بِغَيْرِ شَيْءٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ يَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا فَتَكُونَانِ بَائِنَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إلْغَاءِ الْوَصْفِ الْمُنَافِي، أَوْ الْبَدَلِ، وَإِلْغَاءُ الْأَوَّلِ أَوْلَى لِأَنَّ الْآخَرَ نَاسِخٌ لَهُ فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ فِي الْحَالِ بِنِصْفِ الْأَلْفِ وَغَدًا أُخْرَى مَجَّانًا إلَّا إذَا تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْغَدِ فَتَقَعُ الثَّانِيَةُ بِنِصْفِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَاحِدَةً وَغَدًا أُخْرَى رَجْعِيَّةً يَنْصَرِفُ الْبَدَلُ إلَيْهِمَا أَيْضًا لِأَنَّهُ وَصَفَ الثَّانِيَةَ بِالْمُنَافِي فَيَنْصَرِفُ الْبَدَلُ إلَى الطَّلْقَتَيْنِ اهـ مُلَخَّصًا. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ لِذَلِكَ أَصْلًا، وَهُوَ أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ طَلَاقَيْنِ وَذَكَرَ عَقِيبَهُمَا مَالًا يَكُونُ مُقَابَلًا بِهِمَا إلَّا إذَا وَصَفَ الْأَوَّلَ بِمَا يُنَافِي وُجُوبَ الْمَالِ فَيَكُونُ الْمَالُ حِينَئِذٍ مُقَابَلًا بِالثَّانِي، وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلُزُومِ الْمَالِ حُصُولُ الْبَيْنُونَةِ بِهِ. اهـ. وَقَوْلُهُ: إلَّا إذَا وَصَفَ الْأَوَّلَ أَيْ فَقَطْ، فَلَوْ وَصَفَ بِالْمُنَافِي كُلًّا مِنْهُمَا، أَوْ الثَّانِيَ فَقَطْ، أَوْ لَمْ يَصِفْ شَيْئًا مِنْهُمَا بِمَا يُنَافِي يَكُونُ الْمَالُ مُقَابَلًا بِهِمَا وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ وُجُوبِ شَيْءٍ بِالثَّانِي لِعَارِضِ بَيْنُونَةٍ سَابِقَةٍ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْعَارِضَ إذَا زَالَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا قَبْلَ وَقْتِ الثَّانِي يَجِبُ الْمَالُ بِهِ أَيْضًا، وَبِهَذَا يَسْهُلُ فَهْمُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الزِّيَادَاتِ إلَخْ) لَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْقُنْيَةِ وَالْحَاوِي الْمَنْقُولَةِ عَنْ الزِّيَادَاتِ لَفْظُ " رَجْعِيًّا " فِي الْمَوْضِعَيْنِ بَلْ فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ، وَالْمُنَاسِبُ مَا فَعَلَهُ الشَّارِحُ مِنْ ذِكْرِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِيُوَافِقَ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، إذْ عَلَى مَا فِي الْقُنْيَةِ لَا يَكُونُ الْبَدَلُ لَهُمَا بَلْ لِلثَّانِي فَقَطْ لِزَوَالِ الْمِلْكِ بِهِ كَمَا مَرَّ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ وَعِبَارَةِ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَقَعُ إلَخْ) هَذَا غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي عِبَارَةِ الزِّيَادَاتِ الْمَنْقُولَةِ فِي الْقُنْيَةِ وَلَا يُنَاسِبُهَا أَيْضًا لِمَا عَلِمْت نَعَمْ هُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَمَرَّ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَافْهَمْ. قَالَ ح: يَعْنِي أَنَّ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ يَقَعُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ بِخَمْسِمِائَةٍ وَفِي غَدٍ تَقَعُ أُخْرَى بِخَمْسِمِائَةٍ إنْ عَقَدَ عَلَيْهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ وَإِلَّا وَقَعَتْ أُخْرَى بِغَيْرِ شَيْءٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) لَمْ أَجِدْهُ فِيهَا، وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ بِلَفْظِ " فَأَمْرُكِ بِيَدِكِ فَطَلِّقِي نَفْسَكِ مَتَى شِئْتِ "، وَمِثْلُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِلَفْظِ " لِتُطَلِّقِي "، وَقَدْ أَسْقَطَهُ الشَّارِحُ وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَيَقَعُ الرَّجْعِيُّ، إذْ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الصَّرِيحَ تَفْسِيرًا لِمَا قَبْلَهُ لَكَانَ الْوَاقِعُ الْبَائِنَ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ بِالْأَمْرِ بِالْيَدِ مِنْ الْكِنَايَاتِ وَيَقَعُ بِهِ الْبَائِنُ وَإِنْ قَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِتَفْوِيضِ الزَّوْجِ لَا لِإِيقَاعِ الْمَرْأَةِ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ، فَإِذَا أَتَى بَعْدَهُ بِالصَّرِيحِ اُعْتُبِرَ كَمَا هُنَا. فَفِي الذَّخِيرَةِ: أَمْرُك بِيَدِك فِي تَطْلِيقَةٍ فَهِيَ رَجْعِيَّةٌ اهـ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ لِعَدَمِ صِحَّةِ إبْرَاءِ الصَّغِيرَةِ وَيَقَعُ الرَّجْعِيُّ لِأَنَّهُ كَالْقَائِلِ لَهَا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى كَذَا، وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَا اهـ وَمِثْلُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. مَطْلَبٌ فِي إيجَابِ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَى الزَّوْجِ (قَوْلُهُ: أَوْ كَذَا مَنًّا) الْمَنُّ رِطْلَانِ. وَالْأَرُزُّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ مَعْرُوفٌ ط (قَوْلُهُ: أَوْسَعُ مِنْ الْبَيْعِ) أَيْ مِنْ السَّلَمِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ ط (قَوْلُهُ: قُلْت وَمُفَادُهُ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَيُسْقِطُ الْخُلْعُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 وَفِي الْقُنْيَةِ اخْتَلَعَتْ بِشَرْطِ الصَّكِّ أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهَا أَقْمِشَتَهَا فَقَبِلَ لَمْ تَحْرُمْ، وَيُشْتَرَطُ كَتْبُهُ الصَّكَّ وَرَدُّ الْأَقْمِشَةِ فِي الْمَجْلِسِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بَابُ الظِّهَارِ: هُوَ لُغَةً مَصْدَرُ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ: إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. -.   [رد المحتار] وَالْمُبَارَأَةُ إلَخْ مِنْ قَوْلِهِ خَلَعْتُكِ عَلَى عَبْدِي وُقِفَ عَلَى قَبُولِهَا وَلَمْ يَجِبْ شَيْءٌ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ الْمُجْتَبَى مَا يُؤَيِّدُهُ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: اخْتَلَعَتْ مَعَ زَوْجِهَا عَلَى مَهْرِهَا وَنَفَقَةِ عِدَّتِهَا عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ يَرُدُّ عَلَيْهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا صَحَّ وَلَزِمَ الزَّوْجَ عِشْرُونَ، دَلِيلُهُ مَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ: خَالَعَتْ عَلَى دَارٍ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ يَرُدُّ عَلَيْهَا أَلْفًا لَا شُفْعَةَ فِيهِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إيجَابَ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَيْهِ يَصِحُّ. وَفِي صُلْحِ الْقُدُورِيِّ: ادَّعَتْ عَلَيْهِ نِكَاحًا وَصَالَحَهَا عَلَى مَالٍ بَدَلِهِ لَهَا لَمْ يَجُزْ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ جَازَ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى تُخَالِفُ الْمُتَقَدِّمَ، وَالتَّوْفِيقُ أَنَّهَا إذَا خَالَعَتْ عَلَى بَدَلٍ يَجُوزُ إيجَابُ الْبَدَلِ عَلَى الزَّوْجِ أَيْضًا وَيَكُونُ مُقَابَلًا بِبَدَلِ الْخُلْعِ. وَكَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ فِي الْخُلْعِ يَكُونُ تَقْدِيرُ النَّفَقَةِ الْعِدَّةَ، أَمَّا إذَا خَالَعَتْ عَلَى نَفَقَةِ الْعِدَّةِ وَلَمْ تَذْكُرْ عِوَضًا آخَرَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ بَدَلُ الْخُلْعِ عَلَى الزَّوْجِ اهـ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ، وَهَذَا مِنْ الْحُسْنِ بِمَكَانٍ النَّهْرُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِإِيجَابِ الْبَدَلِ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مِنْ جِهَتِهَا فَإِنَّهَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا بِمَا تَدْفَعُهُ لَهُ، وَلِذَا كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ بَائِنًا، حَتَّى لَوْ أَبَانَهَا قَبْلَهُ لَمْ يَجِبْ الْمَالُ لِعَدَمِ مَا يُقَابِلُهُ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ، أَوْ عَلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْمَهْرِ، وَشَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ لَهَا مَالًا يُجْعَلُ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءً مِنْ بَدَلِ الْخُلْعِ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ بَدَلَ النَّفَقَةِ يُجْعَلُ تَقْدِيرًا لِنَفَقَةِ الْعِدَّةِ، إلَّا إذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ مُخَالَعًا عَلَيْهَا أَيْضًا فَلَا يَجِبُ الزَّائِدُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْمُخْتَارَ جَوَازُ الْبَدَلِ عَلَيْهِ، وَطَرِيقُهُ بِالْحَمْلِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْمَهْرِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ مَهْرٌ وَإِلَّا فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ النَّفَقَةِ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ زَادَ عَلَى مَهْرِهَا ذَلِكَ الْقَدْرَ قَبْلَ الْخُلْعِ ثُمَّ خَالَعَ تَصْحِيحًا لِلْخُلْعِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ اهـ وَقَوْلُهُ " اسْتِثْنَاءٌ مِنْ النَّفَقَةِ " أَيْ إذَا خَالَعَهَا عَلَيْهَا وَإِلَّا فَهُوَ تَقْدِيرٌ لَهَا كَمَا مَرَّ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّطْوِيلِ وَتَلْحَقُ الزِّيَادَةُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ (قَوْلُهُ: اخْتَلَعَتْ بِشَرْطِ الصَّكِّ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكْتُبَ لَهَا صَكًّا فِيهِ ذَلِكَ. وَالصَّكُّ: الْكِتَابُ الَّذِي يُكْتَبُ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْأَقَارِيرِ، جَمْعُهُ صُكُوكٌ كَفَلْسٍ وَفُلُوسٍ، وَصِكَاكٌ كَسَهْمٍ وَسِهَامٍ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: لَمْ تَحْرُمْ) أَيْ بِمُجَرَّدِ قَبُولِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ كِتَابَةِ الصَّكِّ وَرَدِّ الْأَقْمِشَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ ح، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الظِّهَارِ] مُنَاسَبَتُهُ لِلْخُلْعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَكُونُ عَنْ النُّشُوزِ ظَاهِرًا، أَوْ قَدَّمَ الْخُلْعَ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ فِي بَابِ التَّحْرِيمِ، إذْ هُوَ تَحْرِيمٌ يَقْطَعُ النِّكَاحَ وَهَذَا مَعَ بَقَائِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: هُوَ لُغَةً إلَخْ) هَذَا أَحَدُ مَعَانِيهِ فِي اللُّغَةِ لِأَنَّ " ظَاهَرَ " مُفَاعَلَةٌ مِنْ الظَّهْرِ فَيُقَالُ ظَاهَرْتُهُ إذَا قَابَلْتَ ظَهْرَكَ لِظَهْرِهِ حَقِيقَةً وَإِذَا غَايَظْتَهُ لِأَنَّ الْمُغَايَظَةَ تَقْتَضِي هَذِهِ الْمُقَابَلَةَ وَإِذَا نَصَرْته لِأَنَّهُ يُقَالُ قَوِيَ ظَهْرُهُ إذَا نَصَرَهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. وَفِيهِ: وَإِنَّمَا عُدِّيَ بِمِنْ مَعَ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى التَّبْعِيدِ لِأَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا وَهُوَ مُبْعَدٌ. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِصْبَاحِ: وَإِنَّمَا خُصَّ بِذِكْرِ الظَّهْرِ لِأَنَّهُ مِنْ الدَّابَّةِ مَوْضِعُ الرُّكُوبِ، وَالْمَرْأَةُ مَرْكُوبَةٌ وَقْتَ الْغِشْيَانِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 465 وَشَرْعًا (تَشْبِيهُ الْمُسْلِمِ) فَلَا ظِهَارَ لِذِمِّيٍّ عِنْدَنَا (زَوْجَتَهُ) وَلَوْ كِتَابِيَّةً، أَوْ صَغِيرَةً، أَوْ مَجْنُونَةً (أَوْ) تَشْبِيهُ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهَا مِنْ أَعْضَائِهَا، أَوْ تَشْبِيهُ (جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهَا بِمُحَرَّمٍ عَلَيْهِ تَأْبِيدًا) بِوَصْفٍ لَا يُمْكِنُ زَوَالُهُ،   [رد المحتار] فَرُكُوبُ الْأُمِّ مُسْتَعَارٌ مِنْ رُكُوبِ الدَّابَّةِ ثُمَّ شَبَّهَ رُكُوبَ الزَّوْجَةِ بِرُكُوبِ الْأُمِّ الْمُمْتَنِعِ، وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ لَطِيفَةٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ: رُكُوبُكِ لِلنِّكَاحِ حَرَامٌ عَلَيَّ (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا تَشْبِيهُ الْمُسْلِمِ إلَخْ) شَمِلَ التَّشْبِيهَ الصَّرِيحَ وَالضِّمْنِيَّ، كَمَا لَوْ كَانَتْ امْرَأَةَ رَجُلٍ ظَاهَرَ مِنْهَا زَوْجُهَا فَقَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ فُلَانَةَ يَنْوِي ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَقَالَ لِلْأُخْرَى: أَشْرَكْتُكِ فِي ظِهَارِهَا، أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ هَذِهِ نَاوِيًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مُظَاهِرًا وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَعْدَ التَّكْفِيرِ لِتَضَمُّنِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَشَمِلَ الْمُعَلَّقَ وَلَوْ بِمَشِيئَتِهَا وَالْمُؤَقَّتَ بِيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ مَثَلًا كَمَا سَيَأْتِي بَحْرٌ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ نَحْوِ أَنْتِ أُمِّي بِلَا تَشْبِيهٍ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ وَإِنْ نَوَى كَمَا سَيَأْتِي. وَالْمُرَادُ بِالْمُسْلِمِ الْعَاقِلُ - وَلَوْ حُكْمًا - الْبَالِغُ، فَلَا يَصِحُّ ظِهَارُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ وَالْمَدْهُوشِ وَالْمُبَرْسَمِ وَالْمُغْمًى عَلَيْهِ وَالنَّائِمُ، وَيَصِحُّ مِنْ السَّكْرَانِ وَالْمُكْرَهِ وَالْمُخْطِئِ وَالْأَخْرَسِ بِإِشَارَتِهِ الْمُفْهِمَةِ وَلَوْ بِكِتَابَةِ النَّاطِقِ الْمُسْتَبِينَةِ، أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ نَهْرٌ، وَلَوْ ظَاهَرَ ثُمَّ ارْتَدَّ بَقِيَ ظِهَارُهُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: فَلَا ظِهَارَ لِذِمِّيٍّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ وَيَصِحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ط (قَوْلُهُ: زَوْجَتَهُ) شَمِلَ الْأَمَةَ، وَخَرَجَتْ مَمْلُوكَتُهُ وَالْأَجْنَبِيَّةُ إلَّا إذَا أَضَافَهُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ كَمَا سَيَأْتِي وَالْمُبَانَةُ بِوَاحِدَةٍ، أَوْ ثَلَاثٍ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: حَتَّى لَوْ عَلَّقَ الظِّهَارَ بِشَرْطٍ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْعِدَّةِ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا لِأَنَّهُ وَقْتَ وُجُودِ الشَّرْطِ صَادِقٌ فِي التَّشْبِيهِ، بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ الْمُعَلَّقَةِ لِأَنَّ فَائِدَتَهَا تَنْقِيصُ الْعَدَدِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كِتَابِيَّةً) الْأَوْلَى وَلَوْ كَافِرَةً لِيَشْمَلَ الْمَجُوسِيَّةَ. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: أَسْلَمَ زَوْجُ الْمَجُوسِيَّةِ فَظَاهَرَ مِنْهَا قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهَا صَحَّ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ، وَدَخَلَ فِيهِ الرَّتْقَاءُ وَالْمَدْخُولَةُ وَغَيْرُهَا كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: مِنْ أَعْضَائِهَا) كَالرَّأْسِ وَالرَّقَبَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَشْبِيهُ جُزْءٍ شَائِعٍ) كَنِصْفِك وَنَحْوِهِ. وَالْأَصْوَبُ أَنْ يَقُولَ، أَوْ تَشْبِيهُهُ جُزْءًا شَائِعًا بِالْإِضَافَةِ إلَى ضَمِيرِ الْفَاعِلِ، وَنَصَبَ جُزْءًا شَائِعًا لِأَنَّهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَعْطُوفٌ عَلَى " زَوْجَتَهُ " الْمَنْصُوبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ (قَوْلُهُ: بِمُحَرَّمٍ عَلَيْهِ) أَيْ بِعُضْوٍ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ أَعْضَاءِ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ نَسَبًا، أَوْ صِهْرِيَّةً أَوْ رَضَاعًا كَمَا فِي الْبَحْرِ، أَوْ بِجُمْلَتِهَا كَأَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي فَإِنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالظَّهْرِ وَزِيَادَةٌ كَمَا يَأْتِي، لَكِنَّ هَذَا كِنَايَةٌ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ النِّيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ كَوْنِ الْجُزْءِ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ كَرَأْسِ أُمِّي، أَوْ وَجْهِهَا، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ الْمُشَبَّهَةِ فَإِنَّهُ يَكْفِي ذِكْرُ الْجُزْءِ الَّذِي يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَحْرُمْ النَّظَرُ إلَيْهِ كَرَأْسِكِ فَتَنَبَّهْ، وَخَرَجَ بِالْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ الْأُخْرَى وَأَمَتُهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ ذَلِكَ الْعُضْوِ الظَّهْرَ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا خُصَّ بِاسْمِ الظِّهَارِ تَغْلِيبًا لِلظَّهْرِ لِأَنَّهُ كَانَ الْأَصْلَ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ، وَقَيَّدَ فِي النِّهَايَةِ التَّحْرِيمَ بِكَوْنِهِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ احْتِرَازًا عَنْ أُمِّ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَبِنْتِهَا، فَلَوْ شَبَّهَهَا بِهِمَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا وَعَزَاهُ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، لَكِنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَكُونُ مُظَاهِرًا قِيلَ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ. قَالَ الْقَاضِي ظَهِيرُ الدِّينِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، لَكِنْ رَجَّحَ الْعِمَادِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ نَهْرٌ. مَطْلَبٌ مَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى نَفَاذِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِحِلِّ نِكَاحِهَا وَعَدَمِهِ لَا عَلَى كَوْنِ الْحُرْمَةِ مُجْمَعًا عَلَيْهَا، أَوْ لَا، بَلْ عَلَى كَوْنِهَا يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ، أَوْ لَا، وَعَدَمُ تَسْوِيغِ الِاجْتِهَادِ لِوُجُودِ الْإِجْمَاعِ، أَوْ النَّصِّ الْغَيْرِ الْمُحْتَمِلِ لِلتَّأْوِيلِ بِلَا مُعَارَضَةِ نَصٍّ آخَرَ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ وَإِنْ كَانَتْ الْمُعَارَضَةُ ثَابِتَةً فِي الْوَاقِعِ، وَهَذَا يَخْتَلِفُ فِي كَوْنِ الْمَحَلِّ يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ وَفِي نَفَاذِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِخِلَافِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِوَصْفٍ) الْبَاءُ لِسَبَبِيَّةِ التَّحْرِيمِ، أَوْ التَّأْبِيدِ (قَوْلُهُ: لَا يُمْكِنُ زَوَالُهُ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 فَخَرَجَ تَشْبِيهُهُ بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ، أَوْ بِمُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا وَكَذَا بِمَجُوسِيَّةٍ لِجَوَازِ إسْلَامِهَا، وَقَوْلُهُ بِمُحَرَّمٍ صِفَةٌ لِشَخْصٍ الْمُتَنَاوِلِ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، فَلَوْ شَبَّهَهَا بِفَرْجِ أَبِيهِ أَوْ قَرِيبِهِ كَانَ مُظَاهِرًا، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ. وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ شَرَائِطِ الظِّهَارِ، كَوْنِ الْمُظَاهَرِ بِهِ مِنْ جِنْسِ النِّسَاءِ حَتَّى لَوْ شَبَّهَهَا بِظَهْرِ أَبِيهِ، أَوْ ابْنِهِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُرِفَ بِالشَّرْعِ وَالشَّرْعُ وَرَدَ فِي النِّسَاءِ، نَعَمْ يَرِدُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَالدَّمِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالزِّنَا وَالرِّبَا وَالرِّشْوَةِ وَقَتْلِ الْمُسْلِمِ إنْ نَوَى طَلَاقًا، أَوْ ظِهَارًا فَكَمَا نَوَى عَلَى الصَّحِيحِ كَأَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي فَإِنَّ التَّشْبِيهَ بِالْأُمِّ تَشْبِيهٌ بِظَهْرِهَا وَزِيَادَةٌ، وَذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ مَعْزِيًّا لِلْمُحِيطِ (وَصَحَّ إضَافَتُهُ إلَى مِلْكٍ، أَوْ سَبَبِهِ) كَإِنْ نَكَحْتُكِ فَكَذَا، حَتَّى لَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي مِائَةَ مَرَّةٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ مَرَّةٍ كَفَّارَةٌ تَتَارْخَانِيَّةٌ (وَظِهَارُهَا مِنْهُ لَغْوٌ) فَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهَا وَلَا كَفَّارَةَ وَبِهِ يُفْتَى جَوْهَرَةٌ وَرَجَّحَ ابْنُ الشِّحْنَةِ إيجَابَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ. (وَذَا) أَيْ الظِّهَارُ   [رد المحتار] كَالْأُمِّيَّةِ وَالْأُخْتِيَّةِ وَلَوْ رَضَاعًا وَمُصَاهَرَةً (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ إسْلَامِهَا) أَيْ وَصَيْرُورَتِهَا كِتَابِيَّةً كَمَا فِي الْبَحْرِ، فَحُرْمَتُهَا مُؤَبَّدَةٌ بِالنَّظَرِ إلَى بَقَاءِ وَصْفِ الْمَجُوسِيَّةِ غَيْرُ مُؤَبَّدَةٍ إذَا انْقَطَعَ ط. (قَوْلُهُ: وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِمَا فِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) أَقُولُ: وَمِثْلُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ التَّشْبِيهُ بِالرَّجُلِ أَيَّ رَجُلٍ كَانَ لَا يَكُونُ ظِهَارًا، وَنَحْوُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّهْذِيبِ، وَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةَ ثُمَّ رَأَيْته أَيْضًا صَرِيحًا فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَهَذَا يُعَارِضُ مَا بَحَثَهُ فِي الْمُحِيطِ بِلَفْظِ " وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُظَاهِرًا ". قَالَ فِي النَّهْرِ: وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ جَزَمَ بِمَا فِي الْمُحِيطِ وَلَمْ يَنْقُلْهُ بَحْثًا (قَوْلُهُ: نَعَمْ يَرِدُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) كَذَا فِي النَّهْرِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ، فَإِنَّ الَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ خِلَافُ هَذَا. وَنَصُّهُ: وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَا يَكُونُ إيلَاءً، وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ يَكُونُ طَلَاقًا، وَإِنْ نَوَى الظِّهَارَ لَا يَكُونُ ظِهَارًا اهـ وَكَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة والشُّرُنبُلالِيَّة مَعْزِيًّا لِلْخَانِيَّةِ، فَعُلِمَ أَنَّ لَفْظَةَ " لَا " سَاقِطَةٌ مِنْ نُسْخَةِ صَاحِبِ النَّهْرِ، وَبِهِ تَأَيَّدَ مَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ التَّشْبِيهَ بِالْأُمِّ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قِيلَ إنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَشْبِيهٌ بِعُضْوٍ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ مُحَرَّمَةٍ (قَوْلُهُ: مَعْزِيًّا لِلْمُحِيطِ) الَّذِي رَأَيْته فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَزْوُهُ لِلنَّظْمِ بِدُونِ ذِكْرِ التَّصْحِيحِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَكِنْ لِعَكْسِ مَا قَالَ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: كَإِنْ نَكَحْتُك) أَيْ تَزَوَّجْتُك، وَهَذَا مِثَالٌ لِسَبَبِ الْمِلْكِ، وَمِثَالُ الْمِلْكِ كَإِنْ صِرْتِ زَوْجَةً لِي. (قَوْلُهُ: فَكَذَا) أَيْ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي؛ وَلَوْ زَادَ وَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بَقِيَ حُكْمُ الظِّهَارِ إلَّا إذَا قَدَّمَ فَقَالَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لِأَنَّهَا بَانَتْ بِنُزُولِ الطَّلَاقِ أَوَّلًا لِكَوْنِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِنَاءً عَلَى التَّرْتِيبِ فِي النُّزُولِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى آخِرَ الْبَابِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي التَّعْلِيقِ وَفِي أَوَّلِ بَابِ الْإِيلَاءِ (قَوْلُهُ: مِائَةَ مَرَّةٍ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ مَقُولِ الْقَوْلِ أَيْ قَالَ ذَلِكَ الْكَلَامَ مُكَرِّرًا لَهُ مِائَةَ مَرَّةٍ، وَالْأَقْرَبُ الْمُتَبَادَرُ أَنَّهُ حَالٌ مِنْ جُمْلَةِ جَوَابِ الشَّرْطِ، فَهُوَ مِنْ تَتِمَّةِ مَقُولِ الْقَوْلِ، وَتَكَرُّرُ الظِّهَارِ وَالْكَفَّارَةِ عَلَى الْأَوَّلِ ظَاهِرٌ، وَكَذَا عَلَى الثَّانِي؛ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِرَارًا، أَوْ أُلُوفًا حَيْثُ تَطْلُقُ ثَلَاثًا كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ بَابِ طَلَاقِ: غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَلْفَ مَرَّةٍ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا حَيْثُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ فَقَطْ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ وَكَذَا فِي آخِرِ الْإِيلَاءِ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ تَكْرَارِ هَذَا الْكَلَامِ بِقَدْرِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ، وَالْحَرَامُ إذَا كُرِّرَ مِرَارًا لَا يَقَعُ بِهِ إلَّا وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ بَائِنٌ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ يَلْحَقُ مِثْلَهُ، وَالظِّهَارُ يَلْحَقُ الظِّهَارَ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَظِهَارُهَا مِنْهُ لَغْوٌ) أَيْ إذَا قَالَتْ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ أَنَا عَلَيْكَ كَظَهْرِ أُمِّك فَهُوَ لَغْوٌ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَيْسَ إلَيْهَا ط (قَوْلُهُ: فَلَا حُرْمَةَ إلَخْ) بَيَانٌ لِكَوْنِهِ لَغْوًا أَيْ فَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهَا إذَا مَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا وَلَا كَفَّارَةَ ظِهَارٍ وَلَا يَمِينٍ ط (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) مُقَابِلُهُ مَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ مِنْ صِحَّةِ ظِهَارِهَا وَعَلَيْهَا كَفَّارَةُ الظِّهَارِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ ط (قَوْلُهُ: إيجَابَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ) فَتَجِبُ بِالْحِنْثِ، وَقِيلَ: كَفَّارَةُ ظِهَارٍ، فَإِنْ كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 (كَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي) ، أَوْ أُمِّكِ، وَكَذَا لَوْ حَذَفَ عَلَيَّ كَمَا فِي النَّهْرِ (أَوْ رَأْسُكِ) كَظَهْرِ أُمِّي (وَنَحْوِهِ) كَالرَّقَبَةِ مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ (أَوْ نِصْفُك) وَنَحْوُهُ مِنْ الْجُزْءِ الشَّائِعِ (كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ كَبَطْنِهَا أَوْ كَفَخِذِهَا، أَوْ كَفَرْجِهَا، أَوْ كَظَهْرِ أُخْتِي، أَوْ عَمَّتِي، أَوْ فَرْجِ أُمِّي، أَوْ فَرْجِ بِنْتِي) كَذَا فِي نُسَخِ الشَّرْحِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّكْرَارِ. وَاَلَّذِي فِي نُسَخِ الْمَتْنِ، أَوْ فَرْجِ أَبِي بِالْبَاءِ أَوْ قَرِيبِي، وَقَدْ عَلِمْتَ رَدَّهُ (يَصِيرُ بِهِ مُظَاهِرًا) بِلَا نِيَّةٍ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ (فَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا عَلَيْهِ وَدَوَاعِيهِ) لِلْمَنْعِ عَنْ التَّمَاسِّ الشَّامِلِ لِلْكُلِّ، وَكَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ وَلَا يَحْرُمُ النَّظَرُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ لَهُ تَقْبِيلُهَا لِلشَّفَقَةِ (حَتَّى يُكَفِّرَ)   [رد المحتار] تَعْلِيقًا تَجِبُ مَتَى تَزَوَّجَتْ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ فِي نِكَاحِهِ تَجِبُ لِلْحَالِ مَا لَمْ يُطَلِّقْهَا لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهَا الْعَزْمُ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ الْجِمَاعِ بَحْرٌ عَنْ ابْنِ وَهْبَانَ. (قَوْلُهُ: كَأَنْتِ عَلَيَّ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَ " مِنِّي " وَ " عِنْدِي " وَ " مَعِي " كَعَلَيَّ (قَوْلُهُ: عَلَيَّ كَمَا فِي النَّهْرِ) أَيْ بَحْثًا مُخَالِفًا لِمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مُظَاهِرًا. وَقَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: لَا يَكُونُ ظِهَارًا مَا لَمْ يَنْوِ بِهِ الظِّهَارَ لِأَنَّ حَذْفَ الظَّرْفِ عِنْدَ الْعِلْمِ بِهِ جَائِزٌ، وَإِذَا نَوَاهُ صَحَّ، تَأَمَّلْ اهـ وَعَلَيْهِ فَهُوَ كِنَايَةُ ظِهَارٍ تَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ لِاحْتِمَالِ كَظَهْرِ أُمِّي عَلَى غَيْرِي (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: كُلُّ مَا صَحَّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَيْهِ كَانَ مُظَاهِرًا بِهِ، فَخَرَجَ الْيَدُ وَالرِّجْلُ أَيْ وَنَحْوُهُمَا (قَوْلُهُ: كَظَهْرِ أُمِّي إلَخْ) أَيْ مِنْ كُلِّ عُضْوٍ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ مُحَرَّمَةٍ تَأْبِيدًا كَمَا مَرَّ، فَخَرَجَ مَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْجَنْبِ فَلَا يَكُونُ ظِهَارًا. وَفِي الْخَانِيَّةِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَرُكْبَةِ أُمِّي فِي الْقِيَاسِ يَكُونُ مُظَاهِرًا، وَلَوْ قَالَ: فَخِذُكِ كَفَخِذِ أُمِّي لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا وَكَذَا رَأْسُكِ كَرَأْسِ أُمِّي اهـ أَيْ لِفَقْدِ الشَّرْطِ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ جِهَةِ الْمُشَبَّهِ، وَفِي الثَّالِثَةِ مِنْ جِهَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّكْرَارِ) وَذَلِكَ فِي فَرْجِ الْأُمِّ فَإِنَّهُ ذُكِرَ مَرَّتَيْنِ. وَأَجَابَ ط بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ " أَوْ فَرْجِ أُمِّي، أَوْ فَرْجِ بِنْتِي " أَنَّهُ ذَكَرَهُ مُرَدِّدًا بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي نُسَخِ الْمَتْنِ) أَيْ الْمُجَرَّدِ عَنْ الشَّرْحِ (قَوْلُهُ: يَصِيرُ بِهِ مُظَاهِرًا بِلَا نِيَّةٍ) أَيْ لَا يَكُونُ إلَّا ظِهَارًا، وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْإِسْلَامِ حَتَّى يُوصَفَ بِالنَّسْخِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا: إنَّهُ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ جَعْلَهُ ظِهَارًا لَيْسَ نَاسِخًا بَحْرٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا فِيهِمَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أَرَاك إلَّا قَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ» فَنَزَلَتْ آيَةُ - {قَدْ سَمِعَ} [المجادلة: 1]- (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ صَرِيحٌ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الصَّرِيحَ مَا كَانَ فِيهِ ذِكْرُ الْعُضْوِ دُرٌّ مُنْتَقًى، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ أَلْفَاظَ الْكِنَايَةِ قَالَ ط: فَيَصِحُّ ظِهَارُ الْهَازِلِ، وَلَا يُوجِبُ الظِّهَارُ نُقْصَانَ عَدَدِ الطَّلَاقِ وَلَا بَيْنُونَةً وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ هِنْدِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَدَوَاعِيهِ) مِنْ الْقُبْلَةِ وَالْمَسِّ وَالنَّظَرِ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ، أَمَّا الْمَسُّ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَخَارِجٌ بِالْإِجْمَاعِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: لِلْمَنْعِ عَنْ التَّمَاسِّ إلَخْ) أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى - {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3]- فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِلْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ، وَلَا مُوجِبَ فِيهِ لِلْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ وَهُوَ الْوَطْءُ لِإِمْكَانِ الْحَقِيقَةِ فَيَحْرُمُ الْكُلُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ. قُلْت: وَخُرُوجُ الْمَسِّ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ بِالْإِجْمَاعِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ، خِلَافًا لِمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَحْرُمُ النَّظَرُ) أَيْ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا وَلَا إلَى الشَّعْرِ وَالصَّدْرِ بَحْرٌ أَيْ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ بِخِلَافِ النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: لِلشَّفَقَةِ) أَفَادَ أَنَّ التَّقْبِيلَ لَا يَحْرُمُ إلَّا إذَا كَانَ عَنْ شَهْوَةٍ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْفَمِ لِأَنَّهُ عَلَى الْفَمِ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ مُطْلَقًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: حَتَّى يُكَفِّرَ) غَايَةٌ لِقَوْلِهِ فَيَحْرُمُ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُؤَقَّتًا فَلَوْ مُؤَقَّتًا سَقَطَ بِمُضِيِّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 468 وَإِنْ عَادَتْ إلَيْهِ بِمِلْكِ يَمِينٍ، أَوْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لِبَقَاءِ حُكْمِ الظِّهَارِ وَكَذَا اللِّعَانُ. (فَإِنْ وَطِئَ قَبْلَهُ) تَابَ وَ (اسْتَغْفَرَ وَكَفَّرَ لِلظِّهَارِ فَقَطْ) وَقِيلَ عَلَيْهِ أُخْرَى لِلْوَطْءِ (وَلَا يَعُودُ) لِوَطْئِهَا ثَانِيًا (قَبْلَهَا) قَبْلَ الْكَفَّارَةِ (وَعَوْدُهُ) الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ (عَزْمُهُ) عَزْمًا مُؤَكَّدًا؛ فَلَوْ عَزَمَ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَطَأَهَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ (عَلَى) اسْتِبَاحَةِ (وَطْئِهَا) أَيْ يَرْجِعُونَ عَمَّا قَالُوا فَيُرِيدُونَ الْوَطْءَ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الْعَوْدُ الرُّجُوعُ، وَاللَّامُ بِمَعْنَى عَنْ. . (وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَالِبَهُ بِالْوَطْءِ) لِتَعَلُّقِ حَقِّهَا بِهِ (وَعَلَيْهَا أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ حَتَّى يُكَفِّرَ وَعَلَى الْقَاضِي إلْزَامُهُ بِهِ) بِالتَّكْفِيرِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا بِحَبْسٍ، أَوْ ضَرْبٍ إلَى أَنْ يُكَفِّرَ، أَوْ يُطَلِّقَ، فَإِنْ قَالَ: كَفَّرْتُ صُدِّقَ مَا لَمْ يُعْرَفْ بِالْكَذِبِ،.   [رد المحتار] الْوَقْتِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَادَتْ إلَيْهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَفَادَ بِالْغَايَةِ أَيْ بِقَوْلِهِ حَتَّى يُكَفِّرَ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ تَعُودُ بِالظِّهَارِ؛ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَاشْتَرَاهَا وَانْفَسَخَ الْعَقْدُ، أَوْ كَانَتْ حُرَّةً فَلَحِقَتْ مُرْتَدَّةً بِدَارِ الْحَرْبِ وَسُبِيَتْ ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَا تَحِلُّ لَهُ مَا لَمْ يُكَفِّرْ (قَوْلُهُ: وَكَذَا اللِّعَانُ) أَيْ تَبْقَى حُرْمَتُهُ مُؤَبَّدَةً، وَلَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ حَتَّى تُصَدِّقَهُ، أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ، أَوْ يَخْرُجَا، أَوْ أَحَدُهُمَا عَنْ أَهْلِيَّةِ اللِّعَانِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَهَا أَمَةً، أَوْ مُرْتَدَّةً مُخْرِجٌ لَهَا عَنْ أَهْلِيَّةِ اللِّعَانِ فَلَا يَصِحُّ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِهِمَا أَيْضًا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: تَابَ وَاسْتَغْفَرَ) قَالَ فِي الْبَحْرِ الِاسْتِغْفَارُ مَنْقُولٌ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ؛ وَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّوْبَةُ مِنْ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ، وَهِيَ حُرْمَةُ الْوَطْءِ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ اهـ. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ حَدِيثٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ، لَكِنْ نَقَلَ نُوحٌ أَفَنَدِيٌّ عَنْ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ أَنَّهُ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ فَقَالَ بَابُ الظِّهَارِ. بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَجُلًا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا يَعُودَ حَتَّى يُكَفِّرَ» . مَطْلَبٌ: بَلَاغَاتُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُسْنَدَةٌ وَبَلَاغَاتُ مُحَمَّدٍ مُسْنَدَةٌ، وَقَدْ أَسْنَدَهُ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ عَلَيْهِ أُخْرَى لِلْوَطْءِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَائِلَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِمَا فِي الْفَتْحِ: فَلَا تَجِبُ كَفَّارَتَانِ كَمَا نُقِلَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَبِيصَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ، وَلَا ثَلَاثَ كَفَّارَاتٍ كَمَا هُوَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ (قَوْلُهُ: وَلَا يَعُودُ إلَخْ) فَإِنْ عَادَ تَابَ وَاسْتَغْفَرَ أَيْضًا لِقِيَامِ الْحُرْمَةِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ (قَوْلُهُ: عَزْمًا مُؤَكَّدًا) أَيْ مُسْتَمِرًّا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ ط (قَوْلُهُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لِعَدَمِ الْعَزْمِ الْمُؤَكَّدِ لَا لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الْعَزْمِ ثُمَّ سَقَطَتْ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهَا بَعْدَ سُقُوطِهَا لَا تَعُودُ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ، لَكِنْ فِيهِ فِي الْبَابِ الْآتِي: وَلَوْ عَزَمَ ثُمَّ أَبَانَهَا سَقَطَتْ اهـ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ عَبَّرَ بِهِ عَنْ عَدَمِ الْوُجُوبِ مُسَامَحَةً (قَوْلُهُ: عَلَى اسْتِبَاحَةِ وَطْئِهَا) قَدَّرَ " اسْتِبَاحَةِ " لِقَوْلِهِ فِي الْبَحْرِ: وَمُرَادُ الْمَشَايِخِ مِنْ قَوْلِهِمْ الْعَزْمُ عَلَى وَطْئِهَا الْعَزْمُ عَلَى اسْتِبَاحَةِ وَطْئِهَا لَا الْعَزْمُ عَلَى نَفْسِ الْوَطْءِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ - {ثُمَّ يَعُودُونَ} [المجادلة: 3]- لِنَقْضِ مَا قَالُوا وَرَفْعِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِاسْتِبَاحَتِهَا بَعْدَ تَحْرِيمِهَا لِكَوْنِهِ ضِدًّا لِلْحُرْمَةِ لَا نَفْسَ وَطْئِهَا (قَوْلُهُ: أَيْ يَرْجِعُونَ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ يَعُودُونَ، وَالْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِأَوْ الْعَاطِفَةِ بَدَلَ " أَيْ " التَّفْسِيرِيَّةِ لِأَنَّ تَفْسِيرَ الْعَوْدِ بِالْعَزْمِ عَلَى اسْتِبَاحَةِ الْوَطْءِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ يَعُودُونَ لِضِدِّ، أَوْ لِنَقْضِ مَا قَالُوا كَمَا مَرَّ، وَهَذَا تَفْسِيرٌ آخَرُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الْفَرَّاءِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْقَاضِي إلْزَامُهُ بِهِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلْإِجْبَارِ عَلَى التَّكْفِيرِ إلَّا الْوَطْءُ، وَالْوَطْءُ لَا يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمُرِ كَمَا مَرَّ فِي الْقَسَمِ، وَهَذَا لَوْ صَارَ عِنِّينًا بَعْدَمَا وَطِئَهَا مَرَّةً لَا يُؤَجَّلُ قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يَطَأْهَا قَبْلَ الظِّهَارِ أَبَدًا بَعِيدٌ. وَقَدْ يُقَالُ فَائِدَةُ الْإِجْبَارِ عَلَى التَّكْفِيرِ رَفْعُ الْمَعْصِيَةِ اهـ أَيْ إنَّ الظِّهَارَ مَعْصِيَةٌ حَامِلَةٌ لَهُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ حَقِّهَا الْوَاجِبِ عَلَيْهِ دِيَانَةً فَيَأْمُرُهُ بِرَفْعِهَا لِتَحِلَّ لَهُ كَمَا يَأْمُرُ الْمُولِيَ مِنْ امْرَأَتِهِ بِقُرْبَانِهَا فِي الْمُدَّةِ، أَوْ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَقْرَبْهَا بَانَتْ مِنْهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا (قَوْلُهُ: بِحَبْسٍ، أَوْ ضَرْبٍ) أَيْ بِحَبْسِهِ أَوَّلًا، فَإِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 وَلَوْ قَيَّدَهُ بِوَقْتٍ سَقَطَ بِمُضِيِّهِ، وَتَعْلِيقُهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تُبْطِلُهُ، بِخِلَافِ مَشِيئَةِ فُلَانٍ. (وَإِنْ نَوَى بِأَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي) ، أَوْ كَأُمِّي، وَكَذَا لَوْ حَذَفَ عَلَيَّ خَانِيَّةٌ (بِرًّا، أَوْ ظِهَارًا، أَوْ طَلَاقًا صَحَّتْ نِيَّتُهُ) وَوَقَعَ مَا نَوَاهُ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ (وَإِلَّا) يَنْوِ شَيْئًا، أَوْ حَذَفَ الْكَافَ (لَغَا) وَتَعَيَّنَ الْأَدْنَى أَيْ الْبِرُّ، يَعْنِي الْكَرَامَةَ. وَيُكْرَهُ قَوْلُهُ أَنْتِ أُمِّي وَيَا ابْنَتِي وَيَا أُخْتِي وَنَحْوَهُ (وَبِأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي صَحَّ مَا نَوَاهُ مِنْ ظِهَارٍ، أَوْ طَلَاقٍ) وَتُمْنَعُ إرَادَةُ الْكَرَامَةِ لِزِيَادَةِ لَفْظِ التَّحْرِيمِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ   [رد المحتار] أَبَى ضَرَبَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَيَّدَهُ بِوَقْتٍ إلَخْ) فَلَوْ أَرَادَ قُرْبَانَهَا دَاخِلَ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ بِلَا كَفَّارَةٍ بَحْرٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَقْتَ إذَا كَانَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إيلَاءً لِعَدَمِ رُكْنِهِ وَهُوَ الْحَلِفُ، أَوْ التَّعْلِيقُ بِمُشِقٍّ ط وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَفِي الزَّيْلَعِيِّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ: وَقَوْلُ مَنْ قَالَ " إنَّ الظِّهَارَ يَمِينٌ " فَاسِدٌ لِأَنَّ الظِّهَارَ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ مَحْضٌ وَالْيَمِينُ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ مُبَاحٌ اهـ ثُمَّ رَأَيْت فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَلَا يَدْخُلُ عَلَى الْمُظَاهِرِ إيلَاءٌ وَإِنْ لَمْ يُجَامِعْهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَشِيئَةِ فُلَانٍ) فَإِنَّهَا لَا تُبْطِلُهُ بَلْ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فِي الْمَجْلِسِ كَانَ ظِهَارًا كَمَا فِي النَّهْرِ ح. (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَوَى إلَخْ) بَيَانٌ لِكِنَايَاتِ الظِّهَارِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ تَصْرِيحَهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْعُضْوِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ) أَيْ مِنْ كِنَايَاتِ الظِّهَارِ وَالطَّلَاقِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ بَائِنًا كَلَفْظِ الْحَرَامِ، وَإِنْ نَوَى الْإِيلَاءَ فَهُوَ إيلَاءٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَظِهَارٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ ظِهَارٌ عِنْدَ الْكُلِّ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ مُؤَكَّدٌ بِالتَّشْبِيهِ. اهـ. وَنَظَرَ فِيهِ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَّجِهُ فِي " أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي "، وَالْكَلَامُ فِي مُجَرَّدِ أَنْتِ كَأُمِّي اهـ أَيْ بِدُونِ لَفْظِ " حَرَامٌ ". قُلْت: وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْحُرْمَةَ مُرَادَةٌ وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ صَرِيحًا. هَذَا، وَقَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَكَذَا لَوْ نَوَى الْحُرْمَةَ الْمُجَرَّدَةَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ظِهَارًا، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَدَّقَ قَضَاءً فِي إرَادَةِ الْبِرِّ إذَا كَانَ فِي حَالِ الْمُشَاجَرَةِ وَذِكْرِ الطَّلَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ حَذَفَ الْكَافَ) بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ أُمِّي، وَمِنْ بَعْضِ الظَّنِّ جَعْلُهُ مِنْ بَابِ زَيْدٌ أَسَدٌ دُرٌّ مُنْتَقًى عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ. قُلْت: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَذْكُرُهُ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالْأَدَاةِ (قَوْلُهُ: لَغَا) لِأَنَّهُ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ التَّشْبِيهِ فَمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ مُرَادٌ مَخْصُوصٌ لَا يُحْكَمُ بِشَيْءٍ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ إلَخْ) جَزَمَ بِالْكَرَاهَةِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ: وَفِي أَنْتِ أُمِّي لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ قَوْلَهُ لِزَوْجَتِهِ يَا أُخَيَّةُ مَكْرُوهٌ. وَفِيهِ حَدِيثٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ يَا أُخَيَّةُ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ» وَمَعْنَى النَّهْيِ قُرْبُهُ مِنْ لَفْظِ التَّشْبِيهِ، وَلَوْلَا هَذَا الْحَدِيثُ لَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ هُوَ ظِهَارٌ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ فِي أَنْتِ أُمِّي أَقْوَى مِنْهُ مَعَ ذِكْرِ الْأَدَاةِ، وَلَفْظُ " يَا أُخَيَّةُ " اسْتِعَارَةٌ بِلَا شَكٍّ، وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّشْبِيهِ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ أَفَادَ كَوْنَهُ لَيْسَ ظِهَارًا حَيْثُ لَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ حُكْمًا سِوَى الْكَرَاهَةِ وَالنَّهْيِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كَوْنِهِ ظِهَارًا مِنْ التَّصْرِيحِ بِأَدَاةِ التَّشْبِيهِ شَرْعًا، وَمِثْلُهُ أَنْ يَقُولَ لَهَا يَا بِنْتِي، أَوْ يَا أُخْتِي وَنَحْوَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ ظِهَارٍ) لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا فِي الْحُرْمَةِ بِأُمِّهِ وَهُوَ إذَا شَبَّهَهَا بِظَهْرِهَا يَكُونُ مُظَاهِرًا فَبِكُلِّهَا أَوْلَى نَهْرٌ (قَوْلُهُ: أَوْ طَلَاقٍ) لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مِنْ الْكِنَايَاتِ، وَبِهَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالنِّيَّةِ، أَوْ دَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى مَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ: كَأُمِّي تَأْكِيدٌ لِلْحُرْمَةِ؛ وَلَمْ أَرَ مَا لَوْ قَامَتْ دَلَالَةٌ عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ، بِأَنْ سَأَلَتْهُ إيَّاهُ وَقَالَ نَوَيْت الظِّهَارَ نَهْرٌ. قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَدَّقَ، لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ تُقَدَّمُ عَلَى النِّيَّةِ فِي بَابِ الْكِنَايَاتِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي نِيَّةِ الْأَدْنَى لِأَنَّ فِيهِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ تَأَمَّلْ هَذَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا نَوَى الْإِيلَاءَ، أَوْ مُجَرَّدَ التَّحْرِيمِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ: وَإِنْ نَوَى التَّحْرِيمَ لَا غَيْرُ صَحَّتْ نِيَّتُهُ. وَفِيهَا عَنْ الْخَانِيَّةِ: إنْ نَوَى الطَّلَاقَ، أَوْ الظِّهَارَ أَوْ الْإِيلَاءَ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَإِذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ نِيَّةِ التَّحْرِيمِ يَكُونُ إيلَاءً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَظِهَارًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَعَلَى مَا صُحِّحَ فِيمَا تَقَدَّمَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 470 ثَبَتَ الْأَدْنَى وَهُوَ الظِّهَارُ فِي الْأَصَحِّ (وَبِأَنْتِ عَلَيَّ) حَرَامٌ (كَظَهْرِ أُمِّي ثَبَتَ الظِّهَارُ لَا غَيْرُ) لِأَنَّهُ صَرِيحٌ (وَلَا ظِهَارَ) صَحِيحٌ (مِنْ أَمَتِهِ وَلَا مِمَّنْ نَكَحَهَا بِلَا أَمْرِهَا ثُمَّ ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ أَجَازَتْ) لِعَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ. (أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ظِهَارٌ مِنْهُنَّ) إجْمَاعًا (وَكَفَّرَ لِكُلٍّ) وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ: يَكْفِيهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كَالْإِيلَاءِ. (ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ، أَوْ مَجَالِسَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةٌ، فَإِنْ عَنَى التَّكْرَارَ) وَالتَّأْكِيدَ (فَإِنْ بِمَجْلِسٍ صُدِّقَ) قَضَاءً (وَإِلَّا لَا) عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَكَذَا لَوْ عَلَّقَهُ بِنِكَاحِهَا كَمَا مَرَّ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة. [فُرُوعٌ] " أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كُلَّ يَوْمٍ " اتَّحَدَ، وَلَوْ أَتَى بِفِي تَجَدَّدَ وَلَهُ قُرْبَانُهَا لَيْلًا، وَلَوْ قَالَ: كَظَهْرِ أُمِّي الْيَوْمَ وَكُلَّمَا جَاءَ يَوْمٌ فَكُلَّمَا جَاءَ يَوْمٌ صَارَ مُظَاهِرًا ظِهَارًا آخَرَ مَعَ بَقَاءِ الْأَوَّلِ، وَمَتَى عَلَّقَ بِشَرْطٍ مُتَكَرِّرٍ تَكَرَّرَ؛   [رد المحتار] يَكُونُ ظِهَارًا عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ، لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ مُؤَكَّدٌ بِالتَّشْبِيهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ فِي دِيَارِنَا. اهـ. قُلْت: وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِنْ أَرَادَ التَّحْرِيمَ وَلَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ فَهُوَ ظِهَارٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثَبَتَ الْأَدْنَى) لِعَدَمِ إزَالَتِهِ مِلْكَ النِّكَاحِ وَإِنْ طَالَ ط (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ مُؤَكَّدٌ بِالتَّشْبِيهِ كَمَا مَرَّ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَكُونُ إيلَاءً، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ صَرِيحٌ) لِأَنَّ فِيهِ التَّصْرِيحَ بِالظَّهْرِ، فَكَانَ مُظَاهِرًا سَوَاءٌ نَوَى الطَّلَاقَ، أَوْ الْإِيلَاءَ، أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ بَحْرٌ. وَعِنْدَهُمَا إذَا نَوَى الطَّلَاقَ، أَوْ الْإِيلَاءَ فَعَلَى مَا نَوَى. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ لَزِمَهُ وَلَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ الظِّهَارِ، وَكَذَا إذَا أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ فَيَكُونُ مُولِيًا وَمُظَاهِرًا تَتَارْخَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ أَمَتِهِ) أَيْ لَا يَصِحُّ ظِهَارُهُ مِنْهَا ابْتِدَاءً، أَمَّا بَقَاءً فَيَصِحُّ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بَقِيَ الظِّهَارُ لِأَنَّ حُرْمَةَ الظِّهَارِ إذَا صَادَفَتْ الْمَحَلَّ لَا تَزُولُ إلَّا بِالْكَفَّارَةِ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَجَازَتْ) أَيْ أَجَازَتْ النِّكَاحَ، وَإِنَّمَا بَطَلَ الظِّهَارُ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي التَّشْبِيهِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ بِالْإِرَادَةِ ظِهَارُهُ عَلَى الْإِجَازَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: كَالْإِيلَاءِ) فَإِنَّهُ لَوْ آلَى مِنْهُنَّ كَانَ مُولِيًا مِنْهُنَّ وَلَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَالْفَرْقُ عِنْدَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي الظِّهَارِ لِرَفْعِ الْحُرْمَةِ، وَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ بِتَعَدُّدِهِنَّ، وَفِي الْإِيلَاءِ لِهَتْكِ حُرْمَةِ الِاسْمِ الْكَرِيمِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَعَدِّدٍ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ بِمَجْلِسٍ صُدِّقَ قَضَاءً إلَخْ) أَقُولُ: الَّذِي فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: لَوْ كَرَّرَ الظِّهَارَ مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مَرَّتَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ فِي مَجْلِسٍ، أَوْ مَجَالِسَ تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ بِتَعَدُّدِهِ إلَّا إنْ نَوَى بِمَا بَعْدَ الْأَوَّلِ تَأْكِيدًا فَيُصَدَّقُ قَضَاءً فِيهِمَا لَا كَمَا قِيلَ فِي الْمَجْلِسِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ السِّرَاجِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ فُرِّقَ بَيْنَ الْمَجْلِسِ وَالْمَجَالِسِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ اهـ وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّهُ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ، ثُمَّ رَأَيْتُ ط نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَكَذَا) أَيْ يَتَكَرَّرُ الظِّهَارُ وَالْكَفَّارَةُ لَوْ عَلَّقَهُ بِنِكَاحِهَا بِمَا يُفِيدُ التَّكْرَارَ كَمَا مَرَّ: أَيْ فِي قَوْلِهِ: لَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي مِائَةَ مَرَّةٍ، وَكَذَا لَوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ مُتَكَرِّرٍ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: اتَّحَدَ) أَيْ كَانَ ظِهَارًا وَاحِدًا بَحْرٌ فَيَبْطُلُ بِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ هِنْدِيَّةٌ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا لَيْلًا. اهـ. ط أَيْ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ ظِهَارٌ مُؤَبَّدٌ (قَوْلُهُ: تَجَدَّدَ) أَيْ الظِّهَارُ كُلَّ يَوْمٍ، فَإِذَا مَضَى يَوْمٌ بَطَلَ ظِهَارُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَكَانَ مُظَاهِرًا فِي الْيَوْمِ الْآخَرِ، وَلَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا لَيْلًا بَحْرٌ لِأَنَّ الظَّرْفَ فِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ. اهـ. ط. وَإِذَا عَزَمَ عَلَى وَطْئِهَا نَهَارًا لَزِمَهُ كَفَّارَةُ ذَلِكَ الْيَوْمِ دُونَ مَا مَضَى لِبُطْلَانِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: فَكُلَّمَا جَاءَ يَوْمٌ صَارَ إلَخْ) فِي الْعِبَارَةِ سَقَطٌ يُوَضِّحُهُ مَا فِي الْبَحْرِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي الْيَوْمَ، وَكُلَّمَا جَاءَ يَوْمٌ كَانَ مُظَاهِرًا مِنْهَا الْيَوْمَ، وَإِذَا مَضَى بَطَلَ هَذَا الظِّهَارُ، وَلَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا فِي اللَّيْلِ فَإِذَا جَاءَ غَدٌ كَانَ مُظَاهِرًا ظِهَارًا آخَرَ دَائِمًا غَيْرَ مُوَقَّتٍ، وَكَذَلِكَ كُلَّمَا جَاءَ يَوْمٌ صَارَ مُظَاهِرًا ظِهَارًا آخَرَ مَعَ بَقَاءِ الْأَوَّلِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُكَفِّرَ لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ إذَا عَزَمَ فِيهِ، ثُمَّ بَعْدَهُ إذَا عَزَمَ يُكَفِّرُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَيَّامِ السَّابِقَةِ عَلَى يَوْمِ عَزْمِهِ لِبَقَاءِ ظِهَارِ كُلِّ يَوْمٍ مَعَ تَجَدُّدِ مَا يَأْتِي بَعْدَهُ، لِأَنَّ كُلَّمَا لِتَكْرَارِ الْأَفْعَالِ، بِخِلَافِ كُلٍّ لِأَنَّهَا لِعُمُومِ الْأَفْرَادِ: أَيْ الْأَيَّامِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ كُلَّ يَوْمٍ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ (قَوْلُهُ: بِشَرْطٍ مُتَكَرِّرٍ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 وَلَوْ قَالَ: كَظَهْرِ أُمِّي رَمَضَانَ كُلَّهُ وَرَجَبًا كُلَّهُ اتَّحَدَ اسْتِحْسَانًا، وَيَصِحُّ تَكْفِيرُهُ فِي رَجَبٍ لَا فِي شَعْبَانَ كَمَنْ ظَاهَرَ، وَاسْتَثْنَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَثَلًا، إنْ كَفَّرَ فِي يَوْمِ الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ تَتَارْخَانِيَّةٌ وَبَحْرٌ. بَابُ الْكَفَّارَةِ اُخْتُلِفَ فِي سَبَبِهَا. وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ الظِّهَارُ وَالْعَوْدُ (هِيَ) لُغَةً مِنْ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ الذَّنْبَ: مَحَاهُ -.   [رد المحتار] كَقَوْلِهِ: كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الدُّخُولِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ تَكْفِيرُهُ فِي رَجَبٍ) وَكَذَا فِي رَمَضَانَ فِيمَا يَظْهَرُ بَلْ أَوْلَى (قَوْلُهُ: لَا فِي شَعْبَانَ) لِأَنَّ لَهُ وَطْأَهَا فِيهِ بِلَا كَفَّارَةٍ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي مُدَّةِ الظِّهَارِ وَالْكَفَّارَةُ لِاسْتِبَاحَةِ الْوَطْءِ الْمَمْنُوعِ شَرْعًا عِنْدَ الْعَزْمِ عَلَيْهِ فَلَا تَجِبُ قَبْلَهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِهِ وَطِئَهَا فِي رَجَبٍ، أَوْ لَا لِأَنَّهُ بِالْوَطْءِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَيَلْزَمُهُ التَّكْفِيرُ عِنْدَ الْعَزْمِ عَلَى الْوَطْءِ، وَلُزُومُ التَّكْفِيرِ بِالظِّهَارِ السَّابِقِ لَا بِالْوَطْءِ، فَلَا يَصِحُّ التَّكْفِيرُ فِي غَيْرِ مُدَّتِهِ سَوَاءٌ وَطِئَهَا قَبْلَهُ، أَوْ لَا فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَاب كَفَّارَة الظِّهَار] بَابُ الْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ: اُخْتُلِفَ فِي سَبَبِهَا) أَيْ سَبَبِ وُجُوبِهَا، أَمَّا سَبَبُ مَشْرُوعِيَّتِهَا فَمَا هُوَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ التَّوْبَةِ وَهُوَ إسْلَامُهُ وَعَهْدُهُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا يَعْصِيَهُ، وَإِذَا عَصَاهُ تَابَ لِأَنَّهَا مِنْ تَمَامِ التَّوْبَةِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلتَّكْفِيرِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ الظِّهَارُ وَالْعَوْدُ) أَيْ هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْهَا، وَقِيلَ الظِّهَارُ فَقَطْ وَالْعَوْدُ شَرْطٌ لِأَنَّ سَبَبَهَا مَا تُضَافُ إلَيْهِ، وَقِيلَ عَكْسُهُ، وَقِيلَ الْعَزْمُ عَلَى إبَاحَةِ الْوَطْءِ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ مَشَايِخِنَا وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ أَوَّلَ الْبَابِ السَّابِقِ. مَطْلَبٌ: لَا اسْتِحَالَةَ فِي جَعْلِ الْمَعْصِيَةِ سَبَبًا لِلْعِبَادَةِ وَفِي الْبَحْرِ مَا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ ظِهَارٌ، حَيْثُ قَالَ: وَفِي الطَّرِيقَةِ الْمُعَيَّنَةِ: لَا اسْتِحَالَةَ فِي جَعْلِ الْمَعْصِيَةِ سَبَبًا لِلْعِبَارَةِ الَّتِي حُكْمُهَا أَنْ تُكَفَّرَ الْمَعْصِيَةُ وَتَذْهَبَ السَّيِّئَةُ، خُصُوصًا إذَا صَارَ مَعْنَى الزَّجْرِ فِيهَا مَقْصُودًا، وَإِنَّمَا الْمُحَالُ أَنْ تُجْعَلَ سَبَبًا لِلْعِبَادَةِ الْمُوصِلَةِ إلَى الْجَنَّةِ اهـ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا ثَمَرَةَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ (قَوْلُهُ: مَنْ كَفَّرَ) بَيَانٌ لِمَادَّةِ الِاشْتِقَاقِ لَا لِلْمُشْتَقِّ مِنْهُ لِأَنَّهُ الْمَصْدَرُ لَا الْفِعْلُ (قَوْلُهُ: مَحَاهُ) كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَالْأَنْسَبُ سَتَرَهُ. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهَا مُنْبِئَةٌ عَنْ السَّتْرِ لُغَةً، لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْكُفْرِ وَهُوَ التَّغْطِيَةُ وَالسَّتْرُ اهـ وَمِنْهُ سُمِّيَ الزَّارِعُ كَافِرًا. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تُمْحَى مِنْ الصَّحِيفَةِ بَلْ تُسْتَرُ وَلَا يُؤَاخَذُ بِهَا مَعَ بَقَائِهَا فِيهَا، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَأَنَّ الذَّنْبَ يَسْقُطُ بِهَا بِدُونِ تَوْبَةٍ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ مَا مَرَّ عَنْ الطَّرِيقَةِ الْمُعَيَّنَةِ، لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهَا مِنْ تَمَامِ التَّوْبَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. [تَنْبِيهٌ] رُكْنُ الْكَفَّارَةِ الْفِعْلُ الْمَخْصُوصُ مِنْ إعْتَاقٍ وَصِيَامٍ وَإِطْعَامٍ. وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهَا الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا، وَلِصِحَّتِهَا النِّيَّةُ الْمُقَارِنَةُ لِفِعْلِهَا لَا الْمُتَأَخِّرَةُ، وَمَصْرِفُهَا مَصْرِفُ الزَّكَاةِ، لَكِنَّ الذِّمِّيَّ مَصْرِفٌ لَهَا أَيْضًا دُونَ الْحَرْبِيِّ، وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي. وَصِفَتُهَا أَنَّهَا عُقُوبَةٌ وُجُوبًا عِبَادَةٌ أَدَاءً. وَحُكْمُهَا سُقُوطُ الْوَاجِبِ عَنْ الذِّمَّةِ وَحُصُولُ الثَّوَابِ الْمُقْتَضِي لِتَكْفِيرِ الْخَطَايَا، وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرَاخِي عَلَى الصَّحِيحِ، فَلَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ وَيَكُونُ مُؤَدِّيًا لَا قَاضِيًا وَيَتَضَيَّقُ مِنْ آخِرِ عُمُرِهِ، فَيَأْثَمُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ أَدَائِهَا، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ بِلَا وَصِيَّةٍ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَوْ تَبَرَّعَ الْوَرَثَةُ بِهَا جَازَ إلَّا فِي الْإِعْتَاقِ وَالصَّوْمِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 وَشَرْعًا (تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) قَبْلَ الْوَطْءِ: أَيْ إعْتَاقُهَا بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ، فَلَوْ وَرِثَ أَبَاهُ نَاوِيًا الْكَفَّارَةَ لَمْ يَجُزْ (وَلَوْ صَغِيرًا) رَضِيعًا (أَوْ كَافِرًا) أَوْ مُبَاحَ الدَّمِ، أَوْ مَرْهُونًا، أَوْ مَدْيُونًا، أَوْ آبِقًا عُلِمَتْ حَيَاتُهُ، أَوْ مُرْتَدَّةً، وَفِي الْمُرْتَدِّ وَحَرْبِيٍّ خُلِّيَ سَبِيلُهُ خِلَافٌ (أَوْ أَصَمَّ) وَإِنْ صِيحَ بِهِ يَسْمَعُ وَإِلَّا لَا (أَوْ خَصِيًّا، أَوْ مَجْبُوبًا) ، أَوْ رَتْقَاءَ، أَوْ قَرْنَاءَ (أَوْ مَقْطُوعَ الْأُذُنَيْنِ) .   [رد المحتار] قُلْت: لَكِنْ مَرَّ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى التَّكْفِيرِ لِلظِّهَارِ، وَمُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ بِالتَّأْخِيرِ. وَأَيْضًا فَحَيْثُ كَانَتْ مِنْ تَمَامِ التَّوْبَةِ يَجِبُ تَعْجِيلُهَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الرَّقَبَةُ غَيْرَ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا، لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ والتتارخانية: أَمَةٌ تَحْتَ رَجُلٍ ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا وَأَعْتَقَهَا عَنْ ظِهَارِهِ قَبْلُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ بَحْرٌ. وَفِيهِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَقُ صَحِيحًا، وَإِلَّا فَإِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ وَهُوَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ وَلَوْ بَرِئَ جَازَ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْوَطْءِ) لَيْسَ قَيْدًا لِلصِّحَّةِ بَلْ لِلْوُجُوبِ وَنَفْيِ الْحُرْمَةِ، وَفِي مَعْنَى الْوَطْءِ دَوَاعِيهِ (قَوْلُهُ: بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ) أَيْ نِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِإِعْتَاقِهِ، أَوْ لِشِرَاءِ الْقَرِيبِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: فَلَوْ وَرِثَ أَبَاهُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ " أَيْ إعْتَاقُهَا " فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ صُنْعِهِ وَالْإِرْثُ جَبْرِيٌّ. وَصُورَةُ إرْثِ الْأَبِ أَنْ يَمْلِكَهُ ذُو رَحِمٍ مِنْ الِابْنِ كَخَالَتِهِ ثُمَّ تَمُوتَ عَنْهُ فَلَوْ نَوَى الْكَفَّارَةَ حِينَ مَوْتِهَا لَمْ يَجْزِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَاهَا عِنْدَ شِرَائِهِ أَبَاهُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَغِيرًا إلَخْ) تَعْمِيمٌ لِلرَّقَبَةِ، لِأَنَّ الرَّقَبَةَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الذَّاتِ: أَيْ الشَّيْءِ الْمَرْقُوقِ الْمَمْلُوكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ فَشَمِلَ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ وَقَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَرْقُوقِ لِأَنَّ الْكَمَالَ فِي الرِّقِّ شَرْطٌ دُونَ الْمِلْكِ، وَلِذَا جَازَ الْمُكَاتَبُ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا لَا الْمُدَبَّرُ عِنَايَةٌ، وَخَرَجَ الْجَنِينُ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّهُ رَقَبَةٌ مِنْ وَجْهٍ جَزْءٌ مِنْ الْأُمِّ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَعْتِقَ بِإِعْتَاقِهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَدَخَلَ الْكَبِيرُ وَلَوْ شَيْخًا فَانِيًا، وَالْمَرِيضُ الَّذِي يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَالْمَغْصُوبُ إذَا وَصَلَ إلَيْهِ، بَحْرٌ، لَكِنْ فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ غَايَةِ السُّرُوجِيِّ: وَلَا يُجْزِئُ الْهَرِمُ الْعَاجِزُ (قَوْلُهُ: أَوْ مُبَاحَ الدَّمِ) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى جَامِعِ الْجَوَامِعِ. وَذَكَرَ قَبْلَهُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا قُضِيَ بِدَمِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ عَنْ ظِهَارِهِ ثُمَّ عُفِيَ عَنْهُ لَمْ يَجْزِ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ، وَظَاهِرُ الْأَوَّلِ الْجَوَازُ وَإِنْ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ، وَلْيُرَاجَعْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَوْ مَرْهُونًا) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ: وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مَرْهُونًا فَسَعَى الْعَبْدُ فِي الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّ السِّعَايَةَ لَيْسَتْ بِبَدَلٍ عَنْ الرِّقِّ (قَوْلُهُ: أَوْ مَدْيُونًا) أَيْ وَإِنْ اخْتَارَ الْغُرَمَاءُ اسْتِسْعَاءَهُ لِأَنَّ اسْتِغْرَاقَ الدَّيْنِ وَاسْتِسْعَاءَهُ لَا يُخِلُّ بِالرِّقِّ وَالْمِلْكِ، فَإِنَّ السِّعَايَةَ لَمْ تُوجِبْ الْإِخْرَاجَ عَنْ الْحُرِّيَّةِ فَوَقَعَ تَحْرِيرًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِغَيْرِ بَدَلٍ عَلَيْهِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: أَوْ مُرْتَدَّةً) أَيْ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ، كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُرْتَدِّ إلَخْ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَقَوْلُهُ " خِلَافٌ " مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مُبَاحَ الدَّمِ فِيهِ خِلَافٌ أَيْضًا فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ هُنَا. وَظَاهِرُ الْفَتْحِ اخْتِيَارُ الْجَوَازِ فِي الْمُرْتَدِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَدْخُلُ فِي الْكَافِرَةِ الْمُرْتَدُّ وَالْمُرْتَدَّةُ، وَلَا خِلَافَ فِي الْمُرْتَدَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْمُرْتَدِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ. وَفِي النَّهْرِ: وَفِي الْمُرْتَدِّ خِلَافٌ، وَبِالْجَوَازِ قَالَ الْكَرْخِيُّ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ حَلَالَ الدَّمِ. وَمَنْ مَنَعَ قَالَ إنَّهُ بِالرِّدَّةِ صَارَ حَرْبِيًّا، وَصَرْفُ الْكَفَّارَةِ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ اهـ أَيْ لِأَنَّ إعْتَاقَهُ فِي حُكْمِ صَرْفِ الْكَفَّارَةِ إلَيْهِ، وَمُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ إعْتَاقَ الْحَرْبِيِّ لَا يُجْزِئُ اتِّفَاقًا، وَلِذَا أَطْلَقَ فِي الْفَتْحِ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة: لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا حَرْبِيًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَإِنْ لَمْ يُخَلِّ سَبِيلَهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ خَلَّى سَبِيلَهُ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، بَعْضُهُمْ قَالُوا لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ: إنْ صِيحَ بِهِ يَسْمَعُ وَإِلَّا لَا) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَبِهِ حَصَلَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَرِوَايَةِ النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِحَمْلِ الثَّانِيَةِ عَلَى الَّذِي وُلِدَ أَصَمَّ وَهُوَ الْأَخْرَسُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: أَوْ خَصِيًّا إلَى قَوْلِهِ: أَوْ قَرْنَاءَ) لِأَنَّهُمْ وَإِنْ فَاتَ فِيهِمْ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ لَكِنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فِي الرَّقِيقِ إذْ الْمَقْصُودُ فِيهِ الِاسْتِخْدَامُ ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى، حَتَّى قَالُوا إنْ وَطِئَ الْأَمَةَ مِنْ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ وَطْؤُهَا كَانَ اسْتِخْدَامُهَا قَاصِرًا لَا مُنْعَدِمًا رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ مَقْطُوعَ الْأُذُنَيْنِ) أَيْ إذَا كَانَ السَّمْعُ بَاقِيًا بَحْرٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 أَوْ ذَاهِبَ الْحَاجِبَيْنِ وَشَعْرِ لِحْيَةٍ وَرَأْسٍ، أَوْ مَقْطُوعَ أَنْفٍ أَوْ شَفَتَيْنِ إنْ قَدَرَ عَلَى الْأَكْلِ وَإِلَّا لَا (أَوْ أَعْوَرَ) ، أَوْ أَعْمَشَ، أَوْ مَقْطُوعَ إحْدَى يَدَيْهِ وَإِحْدَى رِجْلَيْهِ مِنْ خِلَافٍ، أَوْ مُكَاتَبًا (لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا) وَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ لَا الْوَارِثُ. (وَكَذَا) يَقَعُ عَنْهَا (شِرَاءُ قَرِيبِهِ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ) لِأَنَّهُ بِصُنْعِهِ بِخِلَافِ الْإِرْثِ. (وَإِعْتَاقُ نِصْفِ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاقِيهِ) عَنْهَا اسْتِحْسَانًا بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ كَمَا يَجِيءُ (لَا) يُجْزِئُ (فَائِتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ) لِأَنَّهُ هَالِكٌ حُكْمًا (كَالْأَعْمَى وَالْمَجْنُونِ) الَّذِي (لَا يَعْقِلُ) فَمَنْ يُفِيقُ يَجُوزُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ وَمَرِيضٌ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَسَاقِطُ الْأَسْنَانِ (وَالْمَقْطُوعُ يَدَاهُ، أَوْ إبْهَامَاهُ) أَوْ ثَلَاثُ أَصَابِعَ مِنْ كُلِّ يَدٍ (أَوْ رِجْلَاهُ، أَوْ يَدٌ وَرِجْلٌ مِنْ جَانِبٍ) وَمَعْتُوهٌ وَمَغْلُوبٌ كَافِي.   [رد المحتار] لِأَنَّ الْفَائِتَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الزِّينَةُ وَهِيَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فِي الرَّقِيقِ، أَمَّا إذَا عَجَزَ عَنْ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى هَلَاكِهِ وَمَنْفَعَةُ الْأَكْلِ فِيهِ مَقْصُودَةٌ، فَكَانَ هَالِكًا حُكْمًا كَالْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ مُكَاتَبًا) لِأَنَّ الرِّقَّ فِيهِ كَامِلٌ وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ نَاقِصًا فِيهِ، وَجَوَازُ الْإِعْتَاقِ عَنْهَا يَعْتَمِدُ كَمَالَ الرِّقِّ لَا كَمَالَ الْمِلْكِ. أَمَّا لَوْ أَدَّى شَيْئًا فَلَا يَجُوزُ عَنْهَا كَمَا يَأْتِي بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لَا الْوَارِثُ) أَيْ لَوْ أَعْتَقَهُ الْوَارِثُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَا يَجُوزُ عَنْهَا لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَنْتَقِلُ إلَى مِلْكِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ لِبَقَاءِ الْكِتَابَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَلَا مِلْكَ لِلْوَارِثِ فِيهِ، بِخِلَافِ سَيِّدِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ إعْتَاقُ الْوَارِثِ لَهُ لِتَضَمُّنِهِ الْإِبْرَاءَ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ الْمُقْتَضِي لِلْإِعْتَاقِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: شِرَاءُ قَرِيبِهِ) أَيْ قَرِيبِ الْعَبْدِ، وَهُوَ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ بِالشِّرَاءِ تَمَلُّكُهُ بِصَنْعَةٍ، فَيَدْخُلُ فِيهِ قَبُولُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ: بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ) الْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ، فَلَوْ تَأَخَّرَتْ النِّيَّةُ عَنْ الشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ لَمْ يُجْزِهِ كَمَا مَرَّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ - مِنْ بَابِ عِتْقِ الْقَرِيبِ: وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ أَبَاهُ فَيُعْتِقَهُ بَعْدَ شَهْرٍ عَنْ ظِهَارِهِ فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ يَعْتِقُ كَمَا اشْتَرَاهُ، وَيَجْزِي عَنْ ظِهَارِ الْآمِرِ اهـ - فَمَبْنِيٌّ عَلَى إلْغَاءِ قَوْلِهِ بَعْدَ شَهْرٍ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَشْرُوعَ وَهُوَ عِتْقُ الْمَحْرَمِ عِنْدَ الشِّرَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْإِرْثِ) أَيْ لَوْ نَوَى إعْتَاقَهُ عَنْهَا عِنْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ الْإِرْثَ جَبْرِيٌّ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ بَاقِيهِ) أَيْ قَبْلَ الْمَسِيسِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: اسْتِحْسَانًا) وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ بِعِتْقِ النِّصْفِ تَمَكَّنَ النُّقْصَانُ فِي الْبَاقِي، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ فَضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا النُّقْصَانَ مِنْ آثَارِ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ بِسَبَبِ الْكَفَّارَةِ فِي مِلْكِهِ وَمِثْلُهُ غَيْرُ مَانِعٍ، كَمَنْ أَضْجَعَ شَاةً لِلتَّضْحِيَةِ وَأَصَابَ السِّكِّينُ عَيْنَهَا فَذَهَبَتْ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ وَهَذَا عِنْدَهُ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْعِتْقُ لَا يَتَجَزَّأُ، فَلَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ وَلَمْ يُعْتِقْ الْبَاقِيَ جَازَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ مِنَحٌ (قَوْلُهُ: لَا يُجْزِئُ فَائِتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ) أَيْ مَنْفَعَةِ الْبَصَرِ وَالسَّمْعِ وَالنُّطْقِ وَالْبَطْشِ وَالسَّعْيِ وَالْعَقْلِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَالْمُرَادُ فَوْتُ مَنْفَعَةٍ بِتَمَامِهَا ط أَيْ مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ مِنْ الْعَبْدِ، فَلَا يَرِدُ فَوَاتُ مَنْفَعَةِ النَّسْلِ فِي الْخَصِيِّ وَنَحْوِهِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَمَرِيضٌ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ) لِأَنَّهُ مَيِّتٌ حُكْمًا بَحْرٌ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَسَاقِطُ الْأَسْنَانِ) لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَضْغِ بَحْرٌ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُفَوِّتُ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنَّمَا يَنْقُصُهَا، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يَجُوزُ عِتْقُ الشَّيْخِ الْفَانِي وَالطِّفْلِ تَأَمَّلْ، وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ: لَا سَاقِطُ الْأَسْنَانِ الْعَاجِزُ عَنْ الْأَكْلِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ عَجَزَ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَعَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ (قَوْلُهُ: وَالْمَقْطُوعُ يَدَاهُ) مِثْلُهُ أَشَلُّ الْيَدَيْنِ، أَوْ الرِّجْلَيْنِ وَالْمَفْلُوجُ الْيَابِسُ الشِّقِّ وَالْمُقْعَدُ وَالْأَصَمُّ الَّذِي لَا يَسْمَعُ شَيْئًا عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ إبْهَامَاهُ) يَعْنِي إبْهَامَيْ الْيَدَيْنِ؛ فَلَوْ قَالَ، أَوْ إبْهَامَاهُمَا لَكَانَ أَوْلَى لِيُخْرِجَ إبْهَامَيْ الرِّجْلَيْنِ، إذْ لَا يَمْنَعُ قَطْعُهُمَا كَمَا فِي السِّرَاجِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ ثَلَاثُ أَصَابِعَ) لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: مِنْ جَانِبٍ) بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا مَرَّ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ بِإِمْسَاكِ الْعَصَا بِالْيَدِ السَّالِمَةِ وَالْمَشْيِ عَلَى الرِّجْلِ الْأُخْرَى (قَوْلُهُ: وَمَعْتُوهٌ وَمَغْلُوبٌ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ عَنْ الْكَافِي: وَكَذَا الْمَعْتُوهُ الْمَغْلُوبُ بِدُونِ وَاوٍ، وَهِيَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا وَمَفْلُوجٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 (وَلَا) يُجْزِئُ (مُدَبَّرٌ وَأُمُّ وَلَدٍ وَمُكَاتَبٌ أَدَّى بَعْضَ بَدَلِهِ) وَلَمْ يُعَجِّزْ نَفْسَهُ، فَإِنْ عَجَزَ فَحَرَّرَهُ جَازَ، وَهِيَ حِيلَةُ الْجَوَازِ بَعْدَ أَدَائِهِ شَيْئًا (وَإِعْتَاقُ نِصْفِ عَبْدٍ) مُشْتَرَكٍ (ثُمَّ بَاقِيهِ بَعْدَ ضَمَانِهِ) لِتَمَكُّنِ النُّقْصَانِ (وَنِصْفِ عَبْدِهِ عَنْ تَكْفِيرِهِ ثُمَّ بَاقِيهِ بَعْدَ وَطْءِ مَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا) لِلْأَمْرِ بِهِ قَبْلَ التَّمَاسِّ. (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الْمُظَاهِرُ (مَا يُعْتِقُ) وَإِنْ احْتَاجَهُ لِخِدْمَتِهِ، أَوْ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ حَقِيقَةً بَدَائِعُ، فَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ: لَهُ عَبْدٌ لِلْخِدْمَةِ لَمْ يَجُزْ الصَّوْمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ زَمِنًا انْتَهَى يَعْنِي الْعَبْدَ لِيَتَوَافَقَ كَلَامُهُمْ، وَيَحْتَمِلُ رُجُوعَهُ لِلْمَوْلَى، لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَسْكَنُهُ. وَلَوْ لَهُ مَالٌ   [رد المحتار] قَوْلُهُ: وَلَا يُجْزِئُ مُدَبَّرٌ وَأُمُّ وَلَدٍ) لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْحُرِّيَّةَ بِجِهَةٍ، فَكَانَ الرِّقُّ فِيهِمَا نَاقِصًا، وَالْإِعْتَاقُ عَنْ الْكَفَّارَةِ يَعْتَمِدُ كَمَالَ الرِّقِّ كَالْبَيْعِ، فَلِذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَمُكَاتَبٌ أَدَّى بَعْضَ بَدَلِهِ) لِأَنَّهُ تَحْرِيرٌ بِعِوَضٍ (قَوْلُهُ: جَازَ) لِأَنَّهُ بِالتَّعْجِيزِ بَطَلَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ مَسْأَلَةُ تَعْجِيزِهِ نَفْسَهُ (قَوْلُهُ: لِتَمَكُّنِ النُّقْصَانِ) لِأَنَّ نَصِيبَ صَاحِبِهِ قَدْ انْتَقَضَ عَلَى مِلْكِهِ لِتَعَذُّرِ اسْتِدَامَةِ الرِّقِّ فِيهِ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إلَيْهِ بِالضَّمَانِ لَوْ مُوسِرًا عِنْدَ الْإِمَامِ أَمَّا لَوْ مُعْسِرًا وَسَعَى الْعَبْدُ فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ حَتَّى عَتَقَ كُلُّهُ فَلَا يُجْزِئُهُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ عَتَقَ بِعِوَضٍ وَعِنْدَهُمَا يُجْزِئُهُ لَوْ مُوسِرًا لِأَنَّهُ عَتَقَ كُلُّهُ بِإِعْتَاقِ الْبَعْضِ بِنَاءً عَلَى تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ: لِلْأَمْرِ بِهِ قَبْلَ التَّمَاسِّ) فَالشَّرْطُ لِلْحِلِّ مُطْلَقًا إعْتَاقُ كُلِّ الرَّقَبَةِ قَبْلَ التَّمَاسِّ وَلَمْ يُوجَدْ فَتَقَرَّرَ الْإِثْمُ بِذَلِكَ الْوَطْءِ، ثُمَّ لَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُ ذَلِكَ النِّصْفِ مِنْ الشَّرْطِ حَتَّى يَكْفِيَ مَعَهُ عِتْقُ النِّصْفِ الْبَاقِي لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ حِينَئِذٍ لَيْسَ قَبْلَ التَّمَاسِّ بَلْ بَعْضُهُ قَبْلَهُ وَبَعْضُهُ بَعْدَهُ، فَلَيْسَ هُوَ الشَّرْطَ، فَتَبْقَى الْحُرْمَةُ بَعْدَ الْمَجْمُوعِ كَمَا كَانَتْ إلَى أَنْ يُوجَدَ الشَّرْطُ وَهُوَ عِتْقُ كُلِّ الرَّقَبَةِ: أَيْ قَبْلَ التَّمَاسِّ الثَّانِي لِيَحِلَّ هُوَ وَمَا بَعْدَهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ، ثُمَّ هَذَا عِنْدَهُ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَإِعْتَاقُ النِّصْفِ قَبْلَ الْوَطْءِ إعْتَاقٌ لِلْكُلِّ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) أَيْ وَقْتَ الْأَدَاءِ لَا وَقْتَ الْوُجُوبِ بَحْرٌ وَسَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ احْتَاجَهُ لِخِدْمَتِهِ) مُبَالَغَةٌ عَلَى الْمَفْهُومِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ أَمَّا إنْ وَجَدَ تَعَيَّنَ عِتْقُهُ وَإِنْ احْتَاجَهُ لِخِدْمَتِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْبَدَائِعِ: لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ رَقَبَةٌ صَالِحَةٌ لِلتَّكْفِيرِ يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْرِيرُهَا سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ حَقِيقَةً. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ تَحْرِيرَ الرَّقَبَةِ الْمَوْجُودَةِ وَيَمْنَعُ وُجُوبَ شِرَائِهَا بِمَالٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي الْعَبْدَ) أَيْ إنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ " يَكُونُ زَمِنًا " رَاجِعٌ لِلْعَبْدِ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ، وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ وَالْمِنَحِ والشُّرُنبُلالِيَّة (قَوْلُهُ: وَيَحْتَمِلُ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ، فَإِنَّ كَوْنَهُ لِلْخِدْمَةِ يُنَافِي كَوْنَهُ زَمِنًا (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ) أَيْ لِأَنَّ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ مُحْتَمَلٌ، وَعَارَضَهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ قَوْلِهِ وَمَنْ مَلَكَ رَقَبَةً لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهَا. اهـ. وَكَذَا قَوْلُ الْبَدَائِعِ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ حَقِيقَةً أَيْ فَإِنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَى إجْزَاءِ الصَّوْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوِجْدَانِ، وَهَذَا وَاجِدٌ. فَإِنْ قُلْت: الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ كَالْعَدَمِ وَلِذَا جَازَ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ مَعَ أَنَّ إجْزَاءَ التَّيَمُّمِ مُرَتَّبٌ فِي النَّصِّ عَلَى عَدَمِ وِجْدَانِ الْمَاءِ. قُلْت: ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْفَرْقَ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَاءَ مَأْمُورٌ بِإِمْسَاكِهِ لِعَطَشِهِ وَاسْتِعْمَالُهُ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْخَادِمِ. وَنَقَلَ ط عَنْ السَّيِّدِ الْحَمَوِيِّ وَلَوْ قِيلَ بِجَوَازِ الصَّوْمِ إذَا كَانَ الْمَوْلَى زَمِنًا لَا يَجِدُ مَنْ يَخْدُمُهُ إذَا أَعْتَقَهُ كَانَ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ. فَإِيجَابُ إعْتَاقِهِ مَعَ ذَلِكَ مِمَّا يُخَالِفُ قَوَاعِدَ الشَّرِيعَةِ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ بِخُصُوصِهِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَلَا يُعْتَبَرُ مَسْكَنُهُ) أَيْ لَا يَكُونُ بِهِ قَادِرًا عَلَى الْعِتْقِ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ بَيْعُهُ وَشِرَاءُ رَقَبَةٍ بَلْ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ كَلِبَاسِهِ وَلِبَاسِ أَهْلِهِ خِزَانَةٌ، وَتَقْيِيدُهُمْ بِالْمَسْكَنِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ بَيْتٌ غَيْرُ مَسْكَنِهِ لَزِمَهُ بَيْعُهُ. وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَلَا تُعْتَبَرُ ثِيَابُهُ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا. اهـ. وَمُفَادُهُ لُزُومُ بَيْعِ مَا لَا يَحْتَاجُهُ مِنْهَا ط (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَهُ مَالٌ إلَخْ) أَيْ ثَمَنُ عَبْدٍ فَاضِلًا عَنْ قَدْرِ كِفَايَتِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ، إنْ أَدَّى الدَّيْنَ أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ. وَلَوْ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ انْتَظَرَهُ. وَلَوْ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَفِي مِلْكِهِ رَقَبَةٌ فَصَامَ عَنْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ أَعْتَقَ عَنْ الْأُخْرَى لَمْ يَجُزْ، وَبِعَكْسِهِ جَازَ (صَامَ شَهْرَيْنِ وَلَوْ ثَمَانِيَةً وَخَمْسِينَ) بِالْهِلَالِ وَإِلَّا فَسِتِّينَ يَوْمًا، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى التَّحْرِيرِ فِي آخِرِ الْأَخِيرِ لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَأَتَمَّ يَوْمَهُ نَدْبًا، وَلَا قَضَاءَ لَوْ أَفْطَرَ وَإِنْ صَارَ نَفْلًا (مُتَتَابِعَيْنِ قَبْلَ الْمَسِيسِ لَيْسَ فِيهِمَا رَمَضَانُ وَأَيَّامٌ نُهِيَ عَنْ صَوْمِهَا) وَكَذَا كُلُّ صَوْمٍ شُرِطَ فِيهِ التَّتَابُعُ.   [رد المحتار] لِأَنَّ قَدْرَهَا مُسْتَحِقٌّ الصَّرْفَ فَصَارَ كَالْعَدَمِ وَمِنْهَا قَدْرُ كِفَايَتِهِ لِقُوتِ يَوْمِهِ لَوْ مُحْتَرِفًا وَإِلَّا فَقُوتُ شَهْرٍ بَحْرٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إنْ مَلَكَ الرَّقَبَةَ لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ وَلَوْ مُحْتَاجًا إلَيْهَا عَلَى مَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهَا مِمَّا هُوَ مَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْمَسْكَنِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْنَ الْوَاجِبِ وَلَا مُعَدًّا لِتَحْصِيلِهِ؛ وَإِنْ وَجَدَ مَا أُعِدَّ لِتَحْصِيلِهِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَهُوَ مَشْغُولٌ بِحَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ، فَإِنْ صَرَفَهَا إلَيْهِ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ لِتَحَقُّقِ عَجْزِهِ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَصِحُّ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْدُومِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا أُعِدَّ لِتَحْصِيلِهِ، فَهُوَ وَاجِدٌ لِلرَّقَبَةِ حُكْمًا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ، وَالْقَوْلَانِ الْمَذْكُورَانِ يُشِيرُ إلَيْهِمَا كَلَامُ مُحَمَّدٍ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ انْتَظَرَهُ) أَيْ لِيُعْتِقَ بِهِ، وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَرِيضًا مَرَضًا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ الصِّحَّةَ لِيَصُومَ بَحْرٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَإِنَّهُ يُطْعِمُ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ لَهُ دَيْنٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ مَدْيُونِهِ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، وَإِنْ قَدَرَ فَلَا، وَكَذَا لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا كَفَّارَةٌ وَقَدْ تَزَوَّجَهَا زَوْجُهَا عَلَى عَبْدٍ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهِ إذَا طَالَبَتْهُ اهـ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ) أَيْ الصَّوْمُ عَنْ الْأُولَى، أَمَّا الْإِعْتَاقُ فَجَائِزٌ مُطْلَقًا، ثُمَّ هَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ وَالْمَقْدِسِيُّ أَخْذًا مِمَّا فِي الْمُحِيطِ: عَلَيْهِ كَفَّارَتَا يَمِينٍ وَعِنْدَهُ طَعَامٌ يَكْفِي لِإِحْدَاهُمَا فَصَامَ عَنْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ أَطْعَمَ عَنْ الْأُخْرَى لَا يَجُوزُ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ أَطْعَمَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ (قَوْلُهُ: بِالْهِلَالِ) حَالٌ مِنْ لَفْظِ الشَّهْرَيْنِ الْمُقَدَّرِ بَعْدَ " لَوْ "، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَوْ بِالْهِلَالِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا ابْتَدَأَ الصَّوْمَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ كَفَاهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ تَامَّيْنِ، أَوْ نَاقِصَيْنِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا تَامًّا وَالْآخَرُ نَاقِصًا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَوْمُهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ بِأَنْ غُمَّ، أَوْ صَامَ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ فَإِنَّهُ يَصُومُ سِتِّينَ يَوْمًا. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ وَإِنْ صَامَ شَهْرًا بِالْهِلَالِ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَقَدْ صَامَ قَبْلَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَبَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَدَرَ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الْوُجُودِ - فِي قَوْلِهِ " فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَخْ " - عَدَمٌ مُسْتَمِرٌّ إلَى فَرَاغِ صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ الْعِتْقُ) وَكَذَا لَوْ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ فِي آخِرِ الْإِطْعَامِ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَانْقَلَبَ الْإِطْعَامُ نَفْلًا شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ صَارَ نَفْلًا) لِأَنَّهُ شُرِعَ مُسْقِطًا لَا مُلْتَزَمًا مِنَحٌ، أَيْ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الظَّانَّ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ إنْ قَطَعَ عَلَى الْفَوْرِ؛ أَمَّا لَوْ مَضَى عَلَيْهِ وَلَوْ قَلِيلًا صَارَ بِمَنْزِلَةِ الشُّرُوعِ فِي النَّفْلِ فَيَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ رَحْمَتِيٌّ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُضِيِّ عَلَيْهِ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ إذْ لَوْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يُمْكِنُهُ الشُّرُوعُ وَلَا يَكُونُ الْعَزْمُ عَلَى الْمُضِيِّ بِمَنْزِلَةِ الشُّرُوعِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي الصَّوْمِ (قَوْلُهُ: لَيْسَ فِيهِمَا رَمَضَانُ إلَخْ) لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ لَا يَسَعُ غَيْرَ فَرْضِ الْوَقْتِ، أَمَّا الْمُسَافِرُ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ. وَفِي الْمَرِيضِ رِوَايَتَانِ كَمَا عُلِمَ فِي الْأُصُولِ فِي بَحْثِ الْأَمْرِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ يَوْمَا الْعِيدِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ الصَّوْمَ بِسَبَبِ النَّهْيِ فِيهَا نَاقِصٌ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَامِلُ. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا وَقْتٌ نَذَرَ صَوْمَهُ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ الْمُعَيَّنَ إذَا نَوَى فِيهِ وَاجِبًا آخَرَ وَقَعَ عَمَّا نَوَى، بِخِلَافِ رَمَضَانَ بَحْرٌ وَصُورَةُ عُرُوضِ يَوْمِ الْفِطْرِ عَلَيْهِ فِيمَا لَوْ كَانَ مُسَافِرًا وَصَامَ رَمَضَانَ عَنْ كَفَّارَتِهِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا كُلُّ صَوْمٍ إلَخْ) كَكَفَّارَةِ قَتْلٍ وَإِفْطَارٍ وَيَمِينٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 (فَإِنْ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ) كَسَفَرٍ وَنِفَاسٍ بِخِلَافِ الْحَيْضِ إلَّا إذَا أَيِسَتْ (أَوْ بِغَيْرِهِ، أَوْ وَطِئَهَا) أَيْ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا، وَأَمَّا لَوْ وَطِئَ غَيْرَهَا وَطْئًا غَيْرَ مُفْطِرٍ لَمْ يَضُرَّ اتِّفَاقًا كَالْوَطْءِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ (فِيهِمَا) أَيْ الشَّهْرَيْنِ (مُطْلَقًا) لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا عَامِدًا، أَوْ نَاسِيًا كَمَا فِي الْمُخْتَارِ وَغَيْرِهِ. وَتَقْيِيدُ ابْنِ مَلِكٍ اللَّيْلَ بِالْعَمْدِ غَلَطٌ بَحْرٌ، لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَا يُخَالِفُهُ قُنْيَةٌ (اُسْتُؤْنِفَ الصَّوْمُ لَا الْإِطْعَامُ، إنْ وَطِئَهَا فِي خِلَالِهِ) لِإِطْلَاقِ النَّصِّ فِي الْإِطْعَامِ، وَتَقْيِيدِهِ فِي تَحْرِيرٍ وَصِيَامٍ. (وَالْعَبْدُ) وَلَوْ مُكَاتَبًا.   [رد المحتار] وَفِي الْبَحْرِ عَنْ أَيْمَانِ الْفَتْحِ: وَكَالْمَنْذُورِ الْمَشْرُوطُ فِيهِ التَّتَابُعُ مُعَيَّنًا، أَوْ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ الْخَالِي عَنْ اشْتِرَاطِهِ فَإِنَّ التَّتَابُعَ فِيهِ وَإِنْ لَزِمَ لَكِنْ لَا يَسْتَقْبِلُ إذَا أَفْطَرَ فِيهِ يَوْمًا كَرَجَبٍ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى رَمَضَانَ، وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَفْطَرَ) أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ نَاسِيًا لَمْ يَضُرَّ كَمَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْحَيْضِ) فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ كَفَّارَةَ قَتْلِهَا وَإِفْطَارِهَا لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ شَهْرَيْنِ خَالِيَيْنِ عَنْهُ، بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَصِلَ مَا بَعْدَ الْحَيْضِ بِمَا قَبْلَهُ، فَلَوْ أَفْطَرَتْ بَعْدَهُ يَوْمًا اسْتَقْبَلَتْ لِتَرْكِهَا التَّتَابُعَ بِلَا ضَرُورَةٍ أَمَّا النِّفَاسُ فَيَقْطَعُ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ كُلِّ كَفَّارَةٍ؛ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أَيِسَتْ) بِأَنْ صَامَتْ شَهْرًا مَثَلًا فَحَاضَتْ ثُمَّ أَيِسَتْ اسْتَقْبَلَتْ لِأَنَّهَا قَدَرَتْ عَلَى مُرَاعَاةِ التَّتَابُعِ فَلَزِمَهَا، بَحْرٌ عَنْ الْمُنْتَقَى: أَيْ قَدَرَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ إكْمَالِ الصَّوْمِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْمُحِيطِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا حَبِلَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي بَنَتْ (قَوْلُهُ: أَوْ بِغَيْرِهِ) أَيْ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا هُوَ مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ: وَطْئًا غَيْرَ مُفْطِرٍ) كَأَنْ وَطِئَهَا لَيْلًا مُطْلَقًا، أَوْ نَهَارًا نَاسِيًا كَذَا فِي الْهِنْدِيَّةِ، أَمَّا إنْ وَطِئَهَا نَهَارًا عَامِدًا بَطَلَ صَوْمُهُ ط وَهَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ أَفْطَرَ (قَوْلُهُ: كَالْوَطْءِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ) فَإِنَّهُ لَوْ وَطِئَ فِيهَا نَاسِيًا لَا يَسْتَأْنِفُ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْوَطْءِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِالصَّوْمِ نَهْرٌ عَنْ الْجَوْهَرَةِ، وَالْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِأَنَّ النَّصَّ اشْتَرَطَ الصَّوْمَ قَبْلَ تَمَامِهَا (قَوْلُهُ: وَغَيْرِهِ) كَالْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَالْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَتَقْيِيدُ ابْنِ مَلِكٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْعَمْدِ وَقَعَ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ، وَالْغَلَطُ مِنْ ابْنِ مَلِكٍ هُوَ جَعْلُهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ النِّسْيَانِ، بَلْ هُوَ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَا يُخَالِفُهُ) حَيْثُ قَالَ: وَكَذَا اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ إنْ وَطِئَهَا: أَيْ الْمُظَاهِرُ مِنْهَا عَمْدًا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالنَّظْمِ وَالْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالْقُدُورِيِّ وَالْمُضْمَرَاتِ وَالزَّاهِدِيِّ وَالنُّتَفِ وَغَيْرِهَا، وَبِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِاللَّيْلِ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا لَا يَلِيقُ أَنْ يُحْمَلَ الْعَمْدُ عَلَى أَنَّهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَمَنْ تَابَعَهُ، وَمِنْ تَأْيِيدِهِ عَدَمُ الْتِفَاتِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ إلَيْهِ. اهـ. قُلْت: وَقَدْ يُقَالُ إنَّ مَا فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ صَرِيحٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمَفْهُومِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ، وَلِذَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَارِ وَغَيْرِهِ كَمَا عَلِمْت، وَمَشَى عَلَيْهِ أَيْضًا الْعَلَّامَةُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي مَتْنِهِ. وَقَالَ فِي هَامِشِ الشَّرْحِ: مِنْ هُنَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَنْ قَالَ لَيْلًا عَمْدًا لَمْ يُحْسِنْ لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالسَّهْوَ فِي الْوَطْءِ بِاللَّيْلِ سَوَاءٌ اهـ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ وَالْعِنَايَةِ: إنَّ جِمَاعَهُمَا لَيْلًا عَامِدًا، أَوْ نَاسِيًا سَوَاءٌ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي وَطْءٍ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ اهـ أَيْ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَالطَّرَفَيْنِ؛ فَعِنْدَهُ جِمَاعُ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا إنَّمَا: يَقْطَعُ التَّتَابُعَ إنْ أَفْسَدَ الصَّوْمَ وَعِنْدَهُمَا مُطْلَقًا لِأَنَّ تَقَدُّمَ الْكَفَّارَةِ عَلَى التَّمَاسِّ شَرْطٌ بِالنَّصِّ، وَتَمَامُ تَقْرِيرِهِ فِي الْفَتْحِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ: إنَّ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ السَّهْوِ وَالْعَمْدِ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ: لِإِطْلَاقِ النَّصِّ إلَخْ) وَمِنْ قَوَاعِدِنَا أَنَّا لَا نَحْمِلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَإِنْ كَانَا فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ بَعْدَ أَنْ يَكُونَا فِي حُكْمَيْنِ وَإِنَّمَا مُنِعَ عَنْ الْوَطْءِ قَبْلَ الْإِطْعَامِ مَنْعَ تَحْرِيمٍ لِجَوَازِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ فَيَقَعَانِ بَعْدَهُ كَذَا قَالُوا، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْقُدْرَةَ حَالَ قِيَامِ الْعَجْزِ بِالْفَقْرِ وَالْكِبَرِ وَالْمَرَضِ الَّذِي لَا يُرْجَى زَوَالُهُ أَمْرٌ مَوْهُومٌ وَبِاعْتِبَارِ الْأُمُورِ الْمَوْهُومَةِ لَا تَثْبُتُ الْأَحْكَامُ ابْتِدَاءً بَلْ يَثْبُتُ الِاسْتِحْبَابُ نَهْرٌ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَالْعَبْدُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: لَا يُجْزِئُهُ إلَّا الصَّوْمُ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ، وَإِنْ مَلَكَ وَالْعِتْقُ وَالْإِطْعَامُ لَا يَصِحُّ إلَّا مِمَّنْ يَمْلِكُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُكَاتَبًا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 477 أَوْ مُسْتَسْعًى وَكَذَا الْحُرُّ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (لَا يُجْزِئُهُ إلَّا الصَّوْمُ) الْمَذْكُورُ وَلَمْ يَتَنَصَّفْ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنْهُ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (أَعْتَقَ سَيِّدُهُ عَنْهُ، أَوْ أَطْعَمَ) وَلَوْ بِأَمْرِهِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ التَّمَلُّكِ إلَّا فِي الْإِحْصَارِ فَيُطْعِمُ عَنْهُ الْمَوْلَى، قِيلَ نَدْبًا، وَقِيلَ وُجُوبًا. (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ) لِمَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَوْ كِبَرٍ (أَطْعَمَ) أَيْ مَلَّكَ (سِتِّينَ مِسْكِينًا) وَلَوْ حُكْمًا، وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ الْمُرَاهِقِ بَدَائِعُ (كَالْفِطْرَةِ) قَدْرًا   [رد المحتار] لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ تَامٍّ بَلْ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ (قَوْلُهُ: أَوْ مُسْتَسْعًى) هُوَ الَّذِي عَتَقَ بَعْضُهُ وَسَعَى فِي بَاقِيهِ وَهَذَا عِنْدَهُ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَعْتِقُ كُلُّهُ وَيَكُونُ حُرًّا مَدْيُونًا فَيَصِحُّ تَكْفِيرُهُ بِالْإِعْتَاقِ وَالْإِطْعَامِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُعْتَمَدِ) أَيْ مِنْ جَرَيَانِ الْحَجْرِ عَلَى الْحُرِّ السَّفِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا فَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْهَا يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ وَلَمْ يَجْزِ عَنْ تَكْفِيرِهِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَغَيْرِهَا نَهْرٌ. لُغْزٌ أَيُّ حُرٍّ لَيْسَ لَهُ كَفَّارَةٌ إلَّا بِالصَّوْمِ؟ وَأَفَادَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يُلْغَزُ فِيهِ فَيُقَالُ: لَنَا حُرٌّ لَيْسَ لَهُ كَفَّارَةٌ إلَّا بِالصَّوْمِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَتَنَصَّفْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالِ كَيْفَ لَزِمَهُ الصَّوْمُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ صَوْمُ شَهْرَيْنِ لَا نِصْفُهُمَا مَعَ أَنَّ الْعَبْدَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يَتَنَصَّفْ لِمَا فِي الْكَفَّارَةِ مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْعِبَادَةُ لَا تَتَنَصَّفُ فِي حَقِّهِ، وَإِنَّمَا تَتَنَصَّفُ الْعُقُوبَةُ كَالْحَدِّ وَالنِّعْمَةِ كَالنِّكَاحِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ صَوْمِ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْمَرْأَةِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ صَوْمِهَا لِعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّ عَبْدٍ بِهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِأَمْرِهِ) أَيْ أَمْرِ السَّيِّدِ لَهُ بِأَنْ مَلَّكَهُ ذَلِكَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِهِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ الِاخْتِيَارِ فِي أَدَاءِ مَا كُلِّفَ بِهِ أَوْ بِأَمْرِ الْعَبْدِ لِلسَّيِّدِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَمْلِيكَهُ؛ ثُمَّ التَّكْفِيرَ بِهِ عَنْهُ كَمَا لَوْ أَمَرَ الْحُرُّ غَيْرَهُ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَيُطْعِمُ عَنْهُ الْمَوْلَى) فِيهِ مُسَامَحَةٌ. وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ إلَّا فِي الْإِحْصَارِ، فَإِنَّ الْمَوْلَى يَبْعَثُ عَنْهُ لِيَحِلَّ هُوَ فَإِذَا عَتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ (قَوْلُهُ: قِيلَ نَدْبًا وَقِيلَ وُجُوبًا) الْخِلَافُ فِي الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ: لَوْ أُحْصِرَ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى قِيلَ لَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى إنْفَاذُ هَدْيٍ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لِلْعَبْدِ عَلَى مَوْلَاهُ حَقٌّ فَإِذَا عَتَقَ وَجَبَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ يَلْزَمُهُ لِأَنَّ هَذَا دَمٌ وَجَبَ لِبَلِيَّةٍ اُبْتُلِيَ بِهَا الْعَبْدُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَصَارَ كَالنَّفَقَةِ اهـ مُلَخَّصًا. قَالَ ط: وَقَدْ يُقَالُ: مَنْ نَفَى الْوُجُوبَ لَا يَنْفِي النَّدْبَ، بَلْ يَقُولُ بِهِ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ الْآخَرِ. (قَوْلُهُ: لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ) فَلَوْ بَرِئَ وَجَبَ الصَّوْمُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: أَيْ مَلَّكَ) الْإِطْعَامُ لَا يَخْتَصُّ بِالتَّمْلِيكِ كَمَا سَيَأْتِي، لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا التَّمْلِيكُ وَبِمَا بَعْدَهُ الْإِبَاحَةُ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: إذَا أَرَادَ التَّمْلِيكَ أَطْعَمَ كَالْفِطْرَةِ، وَإِذَا أَرَادَ الْإِبَاحَةَ أَطْعَمَهُمْ غَدَاءً وَعَشَاءً (قَوْلُهُ: وَلَوْ حُكْمًا) أَيْ فَإِنَّ الْفَقِيرَ مِثْلُهُ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَقَيْدُ الْمِسْكِينِ اتِّفَاقِيٌّ لِجَوَازِ الصَّرْفِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ مَصَارِفِ الزَّكَاةِ اهـ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُبَالَغَةً فِي قَوْلِهِ " سِتِّينَ "، لِيَشْمَلَ مَا لَوْ أَطْعَمَ وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا، لَكِنْ يُغْنِي عَنْهُ مَا يَأْتِي مِنْ تَصْرِيحِ الْمُصَنِّفِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ الْمُرَاهِقِ) أَيْ لَوْ كَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ لَمْ يُرَاهِقْ لَا يُجْزِئُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، وَمَالَ الْحَلْوَانِيُّ إلَى عَدَمِ الْجَوَازِ بَحْرٌ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَالشَّرْطُ غَدَاءَانِ، أَوْ عَشَاءَانِ مُشْبِعَانِ وَذَكَرَ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ - وَهُوَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ عَنْ الْبَدَائِعِ -: وَأَمَّا إطْعَامُ الصَّغِيرِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَجَائِزٌ بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ لَا الْإِبَاحَةِ اهـ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ ذِكْرَ ذَلِكَ هُنَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ وَقَعَ فِي النَّهْرِ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي التَّمْلِيكِ وَهُوَ صَحِيحٌ لِلصَّغِيرِ، فَالصَّوَابُ ذِكْرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ غَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ إلَخْ كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ، وَكَذَا فِي الْمِنَحِ حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ: وَلَوْ كَانَ فِيمَنْ أَطْعَمَهُمْ صَبِيٌّ فَطِيمٌ لَمْ يَجْزِهِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي كَامِلًا. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِذَا دَعَا مَسَاكِينَ وَأَحَدُهُمْ صَبِيٌّ فَطِيمٌ، أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ لَا يَجْزِيهِ كَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ. وَفِي الْمُجَرَّدِ: إذَا كَانُوا غِلْمَانًا يُعْتَمَدُ مِثْلُهُمْ يَجُوزُ. اهـ. وَبِهِ ظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَطِيمِ وَبِغَيْرِ الْمُرَاهِقِ مَنْ لَا يَسْتَوْفِي الطَّعَامَ الْمُعْتَادَ (قَوْلُهُ: كَالْفِطْرَةِ قَدْرًا) أَيْ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ وَدَقِيقٍ كُلٌّ كَأَصْلِهِ، وَكَذَا السَّوِيقُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 478 وَمَصْرِفًا (أَوْ قِيمَةِ ذَلِكَ) مِنْ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ، إذْ الْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ (وَإِنْ) أَرَادَ الْإِبَاحَةَ (فَغَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ) ، أَوْ غَدَّاهُمْ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ الْعَشَاءِ، أَوْ عَكْسُهُ، أَوْ أَطْعَمَهُمْ غَدَاءَيْنِ، أَوْ عَشَاءَيْنِ، أَوْ عَشَاءً وَسَحُورًا وَأَشْبَعَهُمْ (جَازَ) بِشَرْطِ إدَامٍ فِي خُبْزِ شَعِيرٍ وَذُرَةٍ لَا بُرٍّ (كَمَا) جَازَ (لَوْ أَطْعَمَ وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا)   [رد المحتار] وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُعْتَبَرُ الْكَيْلُ، أَوْ الْقِيمَةُ فِيهِمَا كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ بَحْرٌ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ أَدَّى الدَّقِيقَ، أَوْ السَّوِيقَ أَجْزَأَهُ، لَكِنْ قِيلَ يُعْتَبَرُ فِيهِ تَمَامُ الْكَيْلِ، وَذَلِكَ نِصْفُ صَاعٍ فِي دَقِيقِ الْحِنْطَةِ وَصَاعٌ فِي دَقِيقِ الشَّعِيرِ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْقُدُورِيُّ، وَقِيلَ بِالْقِيمَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَمَامُ الْكَيْلِ. اهـ. فَقَوْلُ الْبَحْرِ " وَدَقِيقٍ كُلٌّ كَأَصْلِهِ " مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ دَفَعَ الْبَعْضَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالْبَعْضَ مِنْ الشَّعِيرِ جَازَ إذَا كَانَ قَدْرَ الْوَاجِبِ كَرُبُعِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَنِصْفٍ مِنْ شَعِيرٍ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْإِطْعَامُ؛ وَلَا يَجُوزُ التَّكْمِيلُ بِالْقِيمَةِ كَنِصْفِ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ جَيِّدٍ يُسَاوِي صَاعًا مِنْ الْوَسَطِ (قَوْلُهُ: وَمَصْرِفًا) فَلَا يَجُوزُ إطْعَامُ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَمَمْلُوكِهِ وَالْهَاشِمِيِّ. وَيَجُوزُ إطْعَامُ الذِّمِّيِّ لَا الْحَرْبِيِّ وَلَوْ مُسْتَأْمَنًا بَحْرٌ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَفِي الْحَاوِي وَإِنْ أَطْعَمَ فُقَرَاءَ أَهْلِ الذِّمَّةِ جَازَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ، وَبِهِ نَأْخُذُ. اهـ. قُلْت: بَلْ صَرَّحَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْكُلِّ (قَوْلُهُ: إذْ الْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ) فَإِنَّ عَطْفَ الْقِيمَةِ عَلَى الْمَنْصُوصِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ كَالْفِطْرَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْقِيمَةَ مِنْ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ. اهـ. ح. وَمَا فِي النَّهْرِ - مِنْ قَوْلِهِ: وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْقِيمَةُ أَعَمُّ مِنْ قِيمَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ اهـ - فِيهِ كَلَامٌ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ فَافْهَمْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ دَفْعَ الْقِيمَةِ إنَّمَا يَجُوزُ لَوْ دَفَعَ مِنْ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ، أَمَّا لَوْ دَفَعَ مَنْصُوصًا بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ عَنْ مَنْصُوصٍ آخَرَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ الْمَدْفُوعُ الْكَمِّيَّةَ الْمُقَدَّرَةَ شَرْعًا، فَلَوْ دَفَعَ صَاعَ تَمْرٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ لَا يَجُوزُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ لِمَنْ أَعْطَاهُمْ الْقَدْرَ الْمُقَدَّرَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ الَّذِي دَفَعَهُ لَهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ اسْتَأْنَفَ فِي غَيْرِهِمْ. وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: فَغَدَّاهُمْ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ غَدَّاهُمْ بِدُونِ فَاءٍ كَمَا هُوَ أَصْلُ الْمَتْنِ وَالْأُولَى أَوْلَى، فَزَادَ الشَّارِحُ الْفَاءَ لِأَنَّهُ قَدَّرَ فِعْلًا لِلشَّرْطِ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ هُوَ قَوْلُهُ: جَازَ (قَوْلُهُ: أَوْ غَدَّاهُمْ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ الْعَشَاءِ) أَيْ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِبَاحَةِ وَالتَّمْلِيكِ لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ جَائِزَيْنِ عَلَى الِانْفِرَادِ، وَكَذَا يَجُوزُ إذَا مَلَّكَ ثَلَاثِينَ وَأَطْعَمَ ثَلَاثِينَ وَكَذَا يَجُوزُ تَكْمِيلُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ بَحْرٌ فَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِنْ أَعْطَى كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَمُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَوْ أَطْعَمَهُمْ غَدَاءَيْنِ) أَيْ أَشْبَعَهُمْ بِطَعَامٍ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ مَرَّتَيْنِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ عَشَاءَيْنِ: أَيْ أَشْبَعَهُمْ بِطَعَامٍ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ مَرَّتَيْنِ، كَذَا فِي الدُّرَرِ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَلَا تَكْفِي فِي يَوْمٍ أَكْلَةٌ وَفِي آخَرَ أُخْرَى لَكِنَّ صَرِيحَ مَا يَأْتِي فِي الْفُرُوعِ آخِرَ الْبَابِ يُخَالِفُهُمْ (قَوْلُهُ: وَأَشْبَعَهُمْ) أَيْ وَإِنْ قَلَّ مَا أَكَلُوا كَمَا فِي الْوِقَايَةِ فَالشَّرْطُ فِي طَعَامِ الْإِبَاحَةِ أَكْلَتَانِ مُشْبِعَتَانِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ شَبْعَانُ قَبْلَ الْأَكْلِ، أَوْ صَبِيٌّ غَيْرُ مُرَاهِقٍ لَمْ يَجْزِ بَحْرٌ وَسَيَأْتِي أَيْضًا، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الصَّوَابَ ذِكْرُ الصَّبِيِّ هُنَا لَا فِي التَّمْلِيكِ (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ إدَامٍ إلَخْ) أَيْ لِيُمْكِنَهُمْ الِاسْتِيفَاءُ إلَى الشِّبَعِ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْكَرْخِيُّ، وَالْآخَرُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِخُبْزِ الْبُرِّ لِأَنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ عَلَى الْبُرِّ فِي الزِّيَادَاتِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُغَدِّيَهُمْ وَيُعَشِّيَهُمْ بِخُبْزٍ مَعَهُ إدَامٌ (قَوْلُهُ: كَمَا جَازَ لَوْ أَطْعَمَ) يَشْمَلُ التَّمْلِيكَ وَالْإِبَاحَةَ، وَعَبَّرَ فِي الْكَنْزِ بِأَعْطَى الْمُخْتَصِّ بِالتَّمْلِيكِ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. وَفِيهِ: وَالْكِسْوَةُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ كَالْإِطْعَامِ، حَتَّى لَوْ أَعْطَى وَاحِدًا عَشَرَةَ أَثْوَابٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 479 لِتَجَدُّدِ الْحَاجَةِ (وَلَوْ أَبَاحَهُ كُلَّ الطَّعَامِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ دَفْعَةً أَجْزَأَ عَنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ فَقَطْ) اتِّفَاقًا (وَكَذَا إذَا مَلَّكَهُ الطَّعَامَ بِدَفَعَاتٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ عَلَى الْأَصَحِّ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، لِفَقْدِ التَّعَدُّدِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا. (أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ عَنْ ظِهَارِهِ فَفَعَلَ) ذَلِكَ الْغَيْرُ (صَحَّ) وَهَلْ يَرْجِعُ؟ إنْ قَالَ: عَلَى أَنْ تَرْجِعَ رَجَعَ، وَإِنْ سَكَتَ فَفِي الدَّيْنِ يَرْجِعُ اتِّفَاقًا، وَفِي الْكَفَّارَةِ وَالزَّكَاةِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَذْهَبِ (كَمَا صَحَّتْ الْإِبَاحَةُ) بِشَرْطِ الشِّبَعِ (فِي طَعَامِ الْكَفَّارَاتِ) سِوَى الْقَتْلِ (وَ) فِي (الْفِدْيَةِ) لِصَوْمٍ وَجِنَايَةِ حَجٍّ؛ وَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَ إبَاحَةٍ وَتَمْلِيكٍ (دُونَ الصَّدَقَاتِ وَالْعُشْرِ) وَالضَّابِطُ أَنَّ مَا شُرِعَ بِلَفْظِ إطْعَامٍ وَطَعَامٍ جَازَ فِيهِ الْإِبَاحَةُ، وَمَا شُرِعَ بِلَفْظِ إيتَاءٍ وَأَدَاءٍ شُرِطَ فِيهِ التَّمْلِيكُ. . (حَرَّرَ عَبْدَيْنِ عَنْ ظِهَارَيْنِ) مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ (وَلَمْ يُعَيِّنْ) وَاحِدًا بِوَاحِدٍ (صَحَّ عَنْهُمَا، وَمِثْلُهُ) فِي الصِّحَّةِ (الصِّيَامُ) أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ   [رد المحتار] فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ يَجُوزُ، وَلَوْ غَدَّى وَاحِدًا عِشْرِينَ يَوْمًا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَجْزَأَهُ. اهـ. قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ غَدَّاهُ مِائَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ. ثُمَّ رَأَيْتُهُ صَرِيحًا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا غَدَّى وَاحِدًا مِائَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ (قَوْلُهُ: لِتَجَدُّدِ الْحَاجَةِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِ، وَالْحَاجَةُ تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْأَيَّامِ، فَتَكَرَّرَ الْمِسْكِينُ بِتَكَرُّرِ الْحَاجَةِ حُكْمًا فَكَانَ تَعَدُّدًا حُكْمًا. وَفِي الْمِصْبَاحِ: الْخَلَّةُ بِالْفَتْحِ الْفَقْرُ وَالْحَاجَةُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: دَفْعَةً) أَيْ، أَوْ بِدَفَعَاتٍ، وَقَوْلُهُ بِدَفَعَاتٍ أَيْ، أَوْ بِدَفْعَةٍ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ، فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الِاحْتِبَاكِ، حَيْثُ صَرَّحَ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ بِمَا سَكَتَ عَنْهُ فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا مَلَّكَهُ) أَيْ لَا يُجْزِئُ إلَّا عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَفَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ لِأَنَّ فِي التَّمْلِيكِ خِلَافًا بِخِلَافِ الْإِبَاحَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لِفَقْدِ التَّعَدُّدِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ. قَالَ فِي الْمِنَحِ: لِأَنَّهُ لَمَّا انْدَفَعَتْ حَاجَتُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَانْصَرَفَ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ إطْعَامَ الطَّاعِمِ فَلَا يَجُوزُ ط. (قَوْلُهُ: أَمَرَ غَيْرَهُ إلَخْ) قَيَّدَ بِالْأَمْرِ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَ عَنْهُ بِلَا أَمْرٍ لَمْ يَجْزِ، وَبِالْإِطْعَامِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِالْعِتْقِ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَمْ يَجْزِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ بِجُعْلٍ سَمَّاهُ جَازَ اتِّفَاقًا وَتَكْفِيرُ الْوَارِثِ بِالْإِطْعَامِ جَائِزٌ وَفِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِالْكِسْوَةِ أَيْضًا، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ، وَلِذَا امْتَنَعَ تَبَرُّعُهُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: صَحَّ) لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ التَّمْلِيكَ مَعْنًى، وَيَكُونُ الْفَقِيرُ قَابِضًا لَهُ أَوَّلًا ثُمَّ لِنَفْسِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: فَفِي الدَّيْنِ يَرْجِعُ) أَيْ لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ، وَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ بَزَّازِيَّةٌ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْكَفَّارَةِ وَالزَّكَاةِ) أَيْ لَوْ قَالَ: أَعْطِهِ عَنْ كَفَّارَتِي، أَوْ أَدِّ زَكَاةَ مَالِي، وَكَذَا عَوِّضْ عَنْ هِبَتِي، أَوْ هَبْ لِفُلَانٍ عَنِّي أَلْفًا لَا يَرْجِعُ بِلَا شَرْطِ الرُّجُوعِ، فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَلَكَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ الْمَالَ الْمَرْفُوعَ مُقَابَلًا بِمِلْكِ الْمَالِ فَالْمَأْمُورُ يَرْجِعُ بِلَا شَرْطٍ، وَلَوْ بِلَا مُقَابَلَةِ مَالٍ لَا يَرْجِعُ بِلَا شَرْطٍ بَزَّازِيَّةٌ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ ذَكَرْنَاهُ فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ (قَوْلُهُ: فِي طَعَامِ الْكَفَّارَاتِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ فِي الْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَا يَجُوزُ؛ كَمَا لَوْ أَعَارَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ كُلَّ مِسْكِينٍ ثَوْبًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: سِوَى الْقَتْلِ) فَإِنَّهُ لَا إطْعَامَ فِيهِ فَلَا إبَاحَةَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِلرَّدِّ عَلَى الْعَيْنِيِّ حَيْثُ قَالَ: أَعْنِي كَفَّارَاتِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَالصَّوْمِ وَالْقَتْلِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْفِدْيَةِ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّمْلِيكِ بَحْرٌ (قَوْلِهِ لِصَوْمٍ) أَيْ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي، أَوْ مَنْ أَخْرَجَ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ (قَوْلُهُ: وَجِنَايَةِ حَجٍّ) كَحَلْقٍ، أَوْ لُبْسٍ بِعُذْرٍ فَإِنَّهُ يَذْبَحُ، أَوْ يُطْعِمُ، أَوْ يَصُومُ (قَوْلُهُ: وَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَ إبَاحَةٍ وَتَمْلِيكٍ) مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ الْمَارِّ، أَوْ غَدَّاهُمْ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ الْعَشَاءِ (قَوْلُهُ: دُونَ الصَّدَقَاتِ) أَيْ الزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ (قَوْلُهُ: وَالضَّابِطُ إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّ الْوَارِدَ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالْفِدْيَةِ الْإِطْعَامُ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي التَّمْكِينِ مِنْ الطَّعْمِ، وَإِنَّمَا جَازَ التَّمْلِيكُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَمْكِينٌ، وَفِي الزَّكَاةِ الْإِيتَاءُ وَفِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ الْأَدَاءُ وَهُمَا لِلتَّمَلُّكِ حَقِيقَةً، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ فِي الصِّحَّةِ إلَخْ) قُلْت: وَكَذَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ التَّحْرِيرِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 (وَالْإِطْعَامُ) مِائَةً وَعِشْرِينَ فَقِيرًا لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، بِخِلَافِ اخْتِلَافِهِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِكُلٍّ كُلًّا فَيَصِحَّ (وَإِنْ حَرَّرَ عَنْهُمَا رَقَبَةً) وَاحِدَةً (، أَوْ صَامَ) عَنْهُمَا (شَهْرَيْنِ صَحَّ عَنْ وَاحِدٍ) بِتَعْيِينِهِ، وَلَهُ وَطْءُ الَّتِي كَفَّرَ عَنْهَا دُونَ الْأُخْرَى (وَعَنْ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ لَا) يَصِحُّ لِمَا مَرَّ، مَا لَمْ يُحَرِّرْ كَافِرَةً فَتَصِحَّ عَنْ الظِّهَارِ اسْتِحْسَانًا لِعَدَمِ صَلَاحِيَتِهَا لِلْقَتْلِ. (أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلًّا صَاعًا) بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ (عَنْ ظِهَارَيْنِ) كَمَا مَرَّ (صَحَّ عَنْ وَاحِدٍ) كَذَا فِي نُسَخِ الشَّرْحِ وَنُسَخِ الْمَتْنِ لَمْ يَصِحَّ: أَيْ عَنْهُمَا، خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ (وَعَنْ إفْطَارٍ وَظِهَارٍ صَحَّ) عَنْهُمَا اتِّفَاقًا وَالْأَصْلُ أَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ فِي الْجِنْسِ الْمُتَّحِدِ سَبَبُهُ لَغْوٌ، وَفِي الْمُخْتَلِفِ سَبَبُهُ مُفِيدٌ. -   [رد المحتار] فَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِنْ ظَاهَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا ثُمَّ صَامَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مُتَتَابِعَةً ثُمَّ مَرِضَ وَأَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَلَمْ يَنْوِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا أَجْزَأَهُ عَنْهُنَّ كُلِّهِنَّ اسْتِحْسَانًا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ) أَيْ فَلَا حَاجَةَ إلَى نِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ هِدَايَةٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْأَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ اخْتِلَافِهِ) أَيْ الْجِنْسِ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَكَفَّارَةُ ظِهَارٍ وَكَفَّارَةُ قَتْلٍ فَأَعْتَقَ عَبِيدًا عَنْ الْكَفَّارَاتِ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ وَلَوْ أَعْتَقَ كُلَّ رَقَبَةٍ نَاوِيًا عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهَا جَازَ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا يَضُرُّ جَهَالَةُ الْمُكَفَّرِ عَنْهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ بَحْرٌ، وَقَوْلُهُ: وَلَوْ أَعْتَقَ إلَخْ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الشَّارِحِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ إلَخْ وَإِنْ كَانَ مُوهِمًا خِلَافَ الْمُرَادِ (قَوْلُهُ: بِتَعْيِينِهِ) هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَهَذَا الْجَعْلُ هُوَ تَعْيِينُهُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ رَحْمَتِيٌّ. وَفِي نُسْخَةٍ يُعَيِّنُهُ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الْأُولَى (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) مِنْ قَوْلِهِ بِخِلَافِ اخْتِلَافِهِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ صَلَاحِيَتِهَا) لِلْقَتْلِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ مِنْ كَوْنِهَا مُؤْمِنَةً لِلْآيَةِ وَنَظِيرُهُ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِهَا، أَوْ أُخْتِهَا وَنَكَحَهُمَا مَعًا، فَإِنْ كَانَتَا فَارِغَتَيْنِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُتَزَوِّجَةً صَحَّ فِي الْفَارِغَةِ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: كُلًّا صَاعًا) أَيْ مِنْ الْبُرِّ إذْ لَوْ كَانَ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ يَكُونُ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ كُلًّا صَاعَيْنِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ) أَمَّا لَوْ كَانَ بِدَفَعَاتٍ جَازَ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْكَافِي، مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ كَمِسْكِينٍ آخَرَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) نَعْتٌ لِظِهَارَيْنِ: أَيْ عَنْ ظِهَارَيْنِ مِنْ امْرَأَةٍ، أَوْ امْرَأَتَيْنِ ح (قَوْلُهُ: صَحَّ عَنْ وَاحِدٍ) لِأَنَّ النُّقْصَانَ عَنْ الْعَدَدِ لَا يَجُوزُ فَالْوَاجِبُ فِي الظِّهَارَيْنِ إطْعَامُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الْوَاجِبِ إلَى الْأَقَلِّ، كَمَا لَوْ أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا لِكُلِّ وَاحِدٍ صَاعًا فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي عَنْ ظِهَارٍ وَاحِدٍ، وَفِي الْبَدَائِعِ: وَكَذَا لَوْ أَطْعَمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ عَنْ يَمِينٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ صَاعًا فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: أَيْ عَنْهُمَا) فَلَا يُنَافِي صِحَّتَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا، لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِيهِ إيهَامٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَصْلًا أَصْلَحَهَا الْمُصَنِّفُ حَالَ شَرْحِهِ ط (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) حَيْثُ قَالَ يَصِحُّ عَنْهُمَا (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ) وَكَذَا الْأَتْقَانِيُّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ إلَخْ) لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا اُعْتُبِرَتْ لِتَمْيِيزِ بَعْضِ الْأَجْنَاسِ عَنْ بَعْضٍ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ، فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ لَا تَخْتَلِفُ بِاعْتِبَارِهِ فَلَا تُعْتَبَرُ، فَبَقِيَ فِيهِ مُطْلَقُ نِيَّةِ الظِّهَارِ وَبِمُجَرَّدِهَا لَا يَلْزَمُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ، وَكَوْنُ الْمَدْفُوعِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ لِأَنَّ نِصْفَ الصَّاعِ أَدْنَى الْمَقَادِيرِ، لَا لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ بَلْ النُّقْصَانِ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَرَّقَ الدَّفْعَ، أَوْ كَانَا جِنْسَيْنِ. وَقَدْ يُقَالُ: اعْتِبَارُهَا لِلْحَاجَةِ إلَى التَّمْيِيزِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فِي أَشْخَاصِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ كَمَا فِي الْأَجْنَاسِ، وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُ هَذَا الِاعْتِبَارِ فِيمَا صَرَّحُوا بِهِ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا عَنْ أَحَدِ الظِّهَارَيْنِ بِعَيْنِهِ صَحَّ نِيَّةُ التَّعْيِينِ وَلَمْ تَلْغُ حَتَّى حَلَّ وَطْءُ الَّتِي عَيَّنَهَا. اهـ. فَتْحٌ، وَقَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ بَيَانٌ لِتَرْجِيحِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ أَوَّلًا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَقَدْ قَرَّرَ الْمُرَادَ فِي النِّهَايَةِ بِمَا يَدْفَعُ الْإِيرَادَ فَقَالَ: أَرَادَ بِهِ تَعْمِيمَ الْجِنْسِ بِالنِّيَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا عَيَّنَ ظِهَارَ إحْدَاهُمَا صَحَّ وَحَلَّ لَهُ قُرْبَانُهَا، وَكَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةَ. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 فُرُوعٌ] الْمُعْتَبَرُ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَقْتُ التَّكْفِيرِ، أَطْعَمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ لَمْ يَجُزْ إلَّا عَنْ نِصْفِ الْإِطْعَامِ، فَيُعِيدُ عَلَى سِتِّينَ مِنْهُمْ غَدَاءً، أَوْ عَشَاءً وَلَوْ فِي يَوْمٍ آخَرَ لِلُزُومِ الْعَدَدِ مَعَ الْمِقْدَارِ، وَلَمْ يَجُزْ إطْعَامُ فَطِيمٍ وَلَا شَبْعَانَ. بَابُ اللِّعَانِ: هُوَ لُغَةً مَصْدَرُ لَاعَنَ كَقَاتَلَ، مِنْ اللَّعْنِ: وَهُوَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ، سُمِّيَ بِهِ لَا بِالْغَضَبِ لِلَعْنِهِ نَفْسَهُ قَبْلَهَا وَالسَّبْقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ. وَشَرْعًا (شَهَادَاتٌ) أَرْبَعَةٌ كَشُهُودِ الزِّنَا (مُؤَكَّدَاتٌ بِالْأَيْمَانِ مَقْرُونَةٌ شَهَادَتُهُ) بِاللَّعْنِ وَشَهَادَتُهَا بِالْغَضَبِ لِأَنَّهُنَّ يُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، فَكَانَ الْغَضَبُ أَرْدَعَ لَهَا (قَائِمَةٌ) شَهَادَاتُهُ (مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ وَ) شَهَادَاتُهَا (مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا) أَيْ إذَا تَلَاعَنَا سَقَطَ عَنْهُ حَدُّ الْقَذْفِ وَعَنْهَا حَدُّ الزِّنَا.   [رد المحتار] قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْيِينِ اللَّغْوِ تَعْيِينُ جَمِيعِ أَفْرَادِ الْجِنْسِ لَا فَرْدٍ خَاصٍّ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مُتَّحِدَ الْجِنْسِ يُعْرَفُ بِاتِّحَادِ السَّبَبِ وَمُخْتَلَفِهِ بِاخْتِلَافِهِ، وَلِذَا كَانَ صَوْمُ رَمَضَانَ مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ وَالصَّلَاةُ مِنْ الثَّانِي، وَكَذَا صَوْمُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَيْنِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَقْتُ التَّكْفِيرِ) بِرَفْعِ " وَقْتُ " عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ " الْمُعْتَبَرُ "، حَتَّى لَوْ كَانَ وَقْتَ الظِّهَارِ غَنِيًّا وَوَقْتَ التَّكْفِيرِ فَقِيرًا أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ، وَعَلَى الْعَكْسِ لَمْ يَجْزِهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: أَطْعَمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ) أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ أَكْلَةً وَاحِدَةً (قَوْلُهُ: فَيُعِيدُ عَلَى سِتِّينَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا غَدَّى الْعَدَدَ ثُمَّ غَابُوا أَنْ يَنْتَظِرَ حُضُورَهُمْ، أَوْ يُعِيدَ الْغَدَاءَ مَعَ الْعَشَاءِ عَلَى غَيْرِهِمْ بَحْرٌ، فَلَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ وَصِيًّا يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الِانْتِظَارُ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ وُجُودِهِمْ فَيَسْتَأْنِفَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: لِلُزُومِ الْعَدَدِ) وَهُوَ السِّتُّونَ مَعَ الْمِقْدَارِ، وَهُوَ الْأَكْلَتَانِ الْمُشْبِعَتَانِ فِي الْإِبَاحَةِ، وَالصَّاعُ، أَوْ نِصْفُهُ فِي التَّمْلِيكِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَجُزْ إطْعَامُ فَطِيمٍ وَلَا شَبْعَانَ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَاب اللِّعَان] ِ (قَوْلُهُ: مَصْدَرُ لَاعَنَ) أَيْ سَمَاعًا، وَالْقِيَاسُ الْمُلَاعَنَةُ، لَكِنْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ النُّحَاةِ أَنَّهُ قِيَاسِيٌّ أَيْضًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ: سُمِّيَ بِهِ لَا بِالْغَضَبِ) أَيْ مَعَ أَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى ذِكْرِ الْغَضَبِ فِي جَانِبِهَا كَمَا اشْتَمَلَ عَلَى ذِكْرِ اللَّعْنِ فِي جَانِبِهِ (قَوْلُهُ: شَهَادَاتٌ أَرْبَعَةٌ) هَذَا بَيَانٌ لِرُكْنِهِ، وَدَلَّ عَلَى اشْتِرَاطِ أَهْلِيَّتِهِمَا لِلشَّهَادَةِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا - كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ - لَا أَهْلِيَّةِ الْيَمِينِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ: كَشُهُودِ الزِّنَا) أَيْ اعْتَبَرْنَاهُ بِهِمْ، فَالْمَلَاعِنُ لَمَّا كَانَ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ كُرِّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا، أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى ط (قَوْلُهُ: مُؤَكَّدَاتٌ بِالْأَيْمَانِ) أَيْ مُقَوَّيَاتٌ بِهَا لِأَنَّ لَفْظَهُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: بِاللَّعْنِ) أَيْ بَعْدَ الرَّابِعَةِ وَمِثْلُهُ الْغَضَبُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُنَّ يُكْثِرْنَ اللَّعْنَ) كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «إنَّهُنَّ يُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَيَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ» أَيْ الزَّوْجَ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فَعَسَاهُنَّ يَجْتَرِئْنَ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ لِكَثْرَةِ جَرْيِهِ عَلَى أَلْسِنَتِهِنَّ وَسُقُوطِ وَقْعِهِ عَنْ قُلُوبِهِنَّ، فَقُرِنَ الرُّكْنُ فِي جَانِبِهِنَّ بِالْغَضَبِ رَدْعًا لَهُنَّ عَنْ الْإِقْدَامِ (قَوْلُهُ: فِي حَقِّهِ) أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ كَذِبِهِ: وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ يَقْتَضِي عَدَمَ قَبُولِ شَهَادَتِهِ أَبَدًا، وَبِهِ جَزَمَ الْعَيْنِيُّ هُنَا تَبَعًا لِمَا فِي الِاخْتِيَارِ. وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْقَذْفِ أَنَّهَا تُقْبَلُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَمَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا) أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ صِدْقِهِ كَمَا فِي النَّهْرِ ح (قَوْلُهُ: أَيْ إذَا تَلَاعَنَا إلَخْ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 لِأَنَّ الِاسْتِشْهَادَ بِاَللَّهِ مُهْلِكٌ كَالْحَدِّ بَلْ أَشَدُّ. (وَشَرْطُهُ قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ وَكَوْنُ النِّكَاحِ صَحِيحًا) لَا فَاسِدًا،. (وَسَبَبُهُ قَذْفُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ قَذْفًا يُوجِبُ الْحَدَّ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ) خُصَّتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَقْذُوفَةُ فَتَتِمُّ لَهَا شُرُوطُ الْإِحْصَانِ. وَرُكْنُهُ شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالْيَمِينِ وَاللَّعْنِ. . (وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ الْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بَعْدَ التَّلَاعُنِ وَلَوْ قَبْلَ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا) لِحَدِيثِ «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» . (وَأَهْلُهُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ) عَلَى الْمُسْلِمِ -.   [رد المحتار] بَيَانٌ لِوَجْهِ قِيَامِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَقَامَ الْحَدَّيْنِ (قَوْلُهُ: مُهْلِكٌ) أَيْ إذَا كَانَ كَاذِبًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ح (قَوْلُهُ: بَلْ أَشَدُّ) لِأَنَّ إهْلَاكَ الْحَدِّ دُنْيَوِيٌّ وَإِهْلَاكَ التَّجَرُّؤِ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أُخْرَوِيٌّ - {وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ} [طه: 127]- (قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ) فَلَا لِعَانَ بِقَذْفِ الْمَنْكُوحَةِ فَاسِدًا، أَوْ الْمُبَانَةِ وَلَوْ بِوَاحِدَةٍ، بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيَّةً، وَلَا بِقَذْفِ زَوْجَتِهِ الْمَيِّتَةِ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا: الْحُرِّيَّةُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَالنُّطْقُ وَعَدَمُ الْحَدِّ فِي قَذْفٍ، وَهَذِهِ شُرُوطٌ رَاجِعَةٌ إلَيْهِمَا. وَيُشْتَرَطُ فِي الْقَاذِفِ خَاصَّةً: عَدَمُ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى صِدْقِهِ، وَفِي الْمَقْذُوفِ خَاصَّةً إنْكَارُهَا وُجُودَ الزِّنَا مِنْهَا، وَعِفَّتُهَا عَنْهُ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا كَوْنُ الْقَذْفِ بِصَرِيحِ الزِّنَا، وَكَوْنُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَنَفْيُ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ صَرِيحِ الزِّنَا، وَيَأْتِي أَكْثَرُ هَذِهِ الشُّرُوطِ فِي غُضُونِ كَلَامِهِ. (قَوْلُهُ: يُوجِبُ الْحَدَّ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ) أَيْ بِأَنْ تَكُونَ مُحْصَنَةً (قَوْلُهُ: خُصَّتْ بِذَلِكَ) أَيْ بِاشْتِرَاطِ كَوْنِهَا مُحْصَنَةً. وَحَاصِلُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ الْمَقْذُوفَةُ دُونَهُ، فَاخْتُصَّتْ بِاشْتِرَاطِ كَوْنِهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا بَعْدَ اشْتِرَاطِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ، بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَقْذُوفًا وَهُوَ شَاهِدٌ، فَاشْتُرِطَتْ أَهْلِيَّتُهُ لِلشَّهَادَةِ دُونَ كَوْنِهِ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهُ. اهـ. وَفِيهِ رَدٌّ لِمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ كَوْنَهُ مُحْصَنًا شَرْطٌ أَيْضًا فِي اللِّعَانِ، وَقَدْ خَطَّأَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: فَتَتِمُّ لَهَا شُرُوطُ الْإِحْصَانِ) الْفَاءُ فَصِيحَةٌ: أَيْ فَإِذَا كَانَتْ هِيَ الْمَقْذُوفَةَ دُونَهُ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَتِمَّ لَهَا شُرُوطُ الْإِحْصَانِ الْخَمْسَةُ، وَهِيَ أَنْ تَكُونَ عَفِيفَةً عَنْ الزِّنَا، عَاقِلَةً بَالِغَةً، حُرَّةً مُسْلِمَةً (قَوْلُهُ: وَرُكْنُهُ) يُغْنِي عَنْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي تَعْرِيفِهِ ط. (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِمْتَاعُ) أَيْ بِالدَّوَاعِي، وَمِنْ حُكْمِهِ وُجُوبُ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا وَوُقُوعُ الْبَائِنِ بِهَذَا التَّفْرِيقِ بَحْرٌ ط (قَوْلُهُ: بَعْدَ التَّلَاعُنِ) أَيْ مَا دَامَ حُكْمُهُ بَاقِيًا، فَلَوْ خَرَجَا، أَوْ أَحَدُهُمَا عَنْ أَهْلِيَّةِ اللِّعَانِ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا كَمَا يَأْتِي، وَعَلَيْهِ حُمِلَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ. وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ أَبَدًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف: 20]- أَيْ مَا دُمْتُمْ فِي مِلَّتِهِمْ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ مَبْسُوطٌ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ) أَيْ لِأَدَائِهَا عَلَى الْمُسْلِمِ لَا لِتَحَمُّلِهَا، فَلَا لِعَانَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ وَإِنْ قُبِلَتْ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ عِنْدَنَا، وَلَا بَيْنَ مَمْلُوكَيْنِ، وَلَا مَنْ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَجْنُونٌ، أَوْ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ، أَوْ كَافِرٌ، وَصَحَّ بَيْنَ الْأَعْمَيَيْنِ وَالْفَاسِقَيْنِ لِأَنَّهُمَا أَهْلٌ لِلْأَدَاءِ، إلَّا أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِلْفِسْقِ وَلِعَدَمِ قُدْرَةِ الْأَعْمَى عَلَى التَّمْيِيزِ، وَقَدْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِيمَا يَثْبُتُ بِالتَّسَامُعِ كَالْمَوْتِ وَالنِّكَاحِ وَالنَّسَبِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، لَكِنْ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى قُلْت: الْأَصْلُ عَدَمُ الْقَبُولِ كَمَا سَيَجِيءُ، نَعَمْ عَمَّمَ الْقُهُسْتَانِيُّ الْأَهْلِيَّةَ وَلَوْ بِحُكْمِ الْقَاضِي لِنُفُوذِ الْقَضَاءِ بِشَهَادَتِهِمَا اهـ أَيْ الْمُرَادُ النُّفُوذُ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لِلْقَاضِي فِعْلُهُ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ. قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا: وَأَمَّا الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ فَلَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ أَصْلًا، نَعَمْ لَوْ قُضِيَ بِهَا يَنْفُذُ، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي الْجَوَازِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ وَرَاءَ النَّفَاذِ اهـ. قُلْت: وَيَرِدُ عَلَيْهِ الْفَاسِقُ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِنَفْيِ الْجَوَازِ نَفْيُ الصِّحَّةِ وَبِالنَّفَاذِ نَفَاذُ الْحُكْمِ بِصِحَّتِهَا مِمَّنْ يَرَاهَا كَشَافِعِيٍّ. وَالْفَاسِقُ يَصِحُّ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ، وَكَذَا الْأَعْمَى عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّتِهَا فِيمَا يَثْبُتُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 (فَمَنْ قَذَفَ) بِصَرِيحِ الزِّنَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ (زَوْجَتَهُ) الْحَيَّةَ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ - وَلَوْ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ - الْعَفِيفَةَ عَنْ فِعْلِ الزِّنَا وَتُهْمَتِهِ، بِأَنْ لَمْ تُوطَأْ حَرَامًا وَلَوْ مَرَّةً بِشُبْهَةٍ، وَلَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَلَا لَهَا وَلَدٌ بِلَا أَبٍ (وَصَلَحَا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ) عَلَى الْمُسْلِمِ؛ فَخَرَجَ نَحْوُ قِنٍّ وَصَغِيرٍ، وَدَخَلَ الْأَعْمَى وَالْفَاسِقُ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ (أَوْ) مَنْ (نَفَى نَسَبَ الْوَلَدِ) مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ (وَطَالَبَتْهُ) -   [رد المحتار] بِالتَّسَامُعِ، بِخِلَافِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ. (قَوْلُهُ: بِصَرِيحِ الزِّنَا) كَيَا زَانِيَةُ، أَوْ يَا زَانٍ لِأَنَّهُ تَرْخِيمُ: قَدْ زَنَيْت قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك جَسَدُك، أَوْ نَفْسُك زَانٍ، وَخَرَجَ الْكِنَايَةُ وَالتَّعْرِيضُ نَحْوُ لَسْت أَنَا بِزَانٍ، أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَخَرَجَ بِذِكْرِ الزِّنَا اللِّوَاطُ فَلَا لِعَانَ فِيهِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ فِيهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ ط، وَخَرَجَ أَيْضًا وَجَدْت مَعَهَا رَجُلًا يُجَامِعُهَا لِأَنَّ الْجِمَاعَ لَا يَسْتَلْزِمُ الزِّنَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) أَخْرَجَ دَارَ الْحَرْبِ لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ (قَوْلُهُ: زَوْجَتَهُ) شَمِلَ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: الْحَيَّةَ) لِأَنَّ الْمَيِّتَةَ لَمْ تَبْقَ زَوْجَةً وَلِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى مِنْهَا اللِّعَانُ، فَلَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ الْمَيِّتَةَ فَطَلَبَ مَنْ وَقَعَ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ مِنْ غَيْرِ أَوْلَادِ الْقَاذِفِ يُحَدُّ لِلْقَذْفِ إنْ لَمْ يُبَرْهِنْ. أَمَّا لَوْ طَالَبَهُ مَنْ لِلْقَاذِفِ عَلَيْهِ وِلَادَةٌ يَسْقُطُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُحَدُّ لِوَلَدِهِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) هُوَ إيضَاحٌ لِلتَّقْيِيدِ بِالزَّوْجِيَّةِ، لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ فَاسِدًا غَيْرُ زَوْجَةٍ، وَلَوْ دَخَلَ بِهَا فِيهِ لَمْ تَبْقَ عَفِيفَةً أَيْضًا فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ) خَرَجَتْ الْمُبَانَةُ فَلَا لِعَانَ فِيهَا، لَكِنَّهُ يُحَدُّ كَالْأَجْنَبِيِّ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ط (قَوْلُهُ: الْعَفِيفَةَ) ذَاتٌ لَهَا صِفَةٌ تَغْلِبُ عَلَى الشَّهْوَةِ، وَفِي الشَّرِيعَةِ امْرَأَةٌ بَرِيئَةٌ مِنْ الْوَطْءِ الْحَرَامِ وَالتُّهْمَةِ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ تُوطَأْ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْعِفَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: حَرَامًا: أَيْ وَطْئًا حَرَامًا: أَيْ مُحَرَّمًا لِعَيْنِهِ لَا لِعَارِضٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ مِلْكٍ صَحِيحٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَحَرُمَ لِعَارِضِ حَيْضٍ وَنَحْوِهِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالزِّنَا هُنَا مَا أَوْجَبَ الْحَدَّ، وَلِذَا قَالَ وَلَوْ مَرَّةً بِشُبْهَةٍ: أَيْ وَلَوْ كَانَ بِشُبْهَةٍ كَوَطْءِ مُعْتَدَّتِهِ مِنْ بَائِنٍ وَإِنْ ظَنَّ حِلَّهُ، وَقَوْلُهُ: وَلَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ، الْأَوْلَى، أَوْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ بِشُبْهَةٍ لِأَنَّهُ مِنْ الْوَطْءِ الْحَرَامِ، وَقَوْلُهُ: وَلَا لَهَا وَلَدٌ إلَخْ الْأَوْلَى وَلَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ لَمْ تُوطَأْ لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ " وَتُهْمَتِهِ " فَإِنَّهَا تُتَّهَمُ بِالزِّنَا بِوُجُودِ وَلَدٍ لَهَا بِلَا أَبٍ أَيْ بِلَا أَبٍ مَعْرُوفٍ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْقَذْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ عَدَمُهَا فِي بَلَدِ الْقَذْفِ لَا فِي كُلِّ الْبِلَادِ (قَوْلُهُ: وَصَلَحَا) أَيْ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ (قَوْلُهُ: لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ) لَا لِتَحَمُّلِهَا كَمَا مَرَّ فَإِنَّ الصَّبِيَّ أَهْلٌ لِلتَّحَمُّلِ لَا لِلْأَدَاءِ (قَوْلُهُ: فَخَرَجَ نَحْوُ قِنٍّ إلَخْ) أَيْ مِنْ كُلِّ مَنْ لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ، وَمِنْهُ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ، أَوْ كَافِرًا كَمَا مَرَّ. وَصُورَةُ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ كَافِرًا فَقَطْ مَا فِي الْبَدَائِعِ: أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ ثُمَّ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ قَذَفَهَا بِالزِّنَا اهـ أَيْ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِالزِّنَا، وَلَا شَهَادَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ، وَهَذَا يَرُدُّ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ صَلَاحِيَةُ الشَّهَادَةِ حَالَةَ اللِّعَانِ لَا حَالَةَ الْقَذْفِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ جَرَيَانُهُ بَيْنَ كَافِرَيْنِ وَرَقِيقَيْنِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَالْعِتْقِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْحَالَتَيْنِ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْإِحْصَانِ حَالَةَ الْقَذْفِ (قَوْلُهُ: وَدَخَلَ الْأَعْمَى إلَخْ) تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ مَنْ نَفَى نَسَبَ الْوَلَدِ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا صَرَّحَ مَعَهُ بِالزِّنَا، أَوْ لَا عَلَى مُخْتَارِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَهُوَ الْحَقُّ، خِلَافًا لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْمُبْتَغَى لِأَنَّ قَطْعَ النَّسَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَسْتَلْزِمُ الزِّنَا، وَاحْتِمَالُ كَوْنِ الْوَلَدِ بِوَطْءِ شُبْهَةٍ سَاقِطٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لَسْتُ بِأَبِيكَ يَكُونُ قَاذِفًا لِأُمِّهِ حَتَّى يَلْزَمَهُ حَدُّ الْقَذْفِ مَعَ وُجُودِ هَذَا الِاحْتِمَالِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. [تَنْبِيهٌ] فِي الذَّخِيرَةِ لَا يُشْرَعُ اللِّعَانُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي الْمَجْبُوبِ وَالْخَصِيِّ وَمَنْ لَا يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَجْبُوبَ يُنْزِلُ بِالسَّحْقِ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ اللِّعَانِ مَا يُؤَيِّدُهُ (قَوْلُهُ: مِنْهُ) مُتَعَلِّقٌ بِنَسَبَ، أَوْ بِنَفَى، وَقَوْلُهُ: أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِ زَوْجَتِهِ مِنْ أَبِيهِ (قَوْلُهُ: وَطَالَبَتْهُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 أَوْ طَالَبَهُ الْوَلَدُ الْمَنْفِيُّ (بِهِ) أَيْ بِمُوجَبِ الْقَذْفِ وَهُوَ الْحَدُّ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَوْ بَعْدَ الْعَفْوِ، أَوْ التَّقَادُمِ، فَإِنَّ تَقَادُمَ الزَّمَانِ لَا يُبْطِلُ الْحَقَّ فِي قَذْفٍ وَقِصَاصٍ وَحُقُوقِ عِبَادٍ جَوْهَرَةٌ. وَالْأَفْضَلُ لَهَا السَّتْرُ، وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْمُرَهَا بِهِ (لَاعَنَ) خَبْرٌ لِمَنْ: أَيْ إنْ أَقَرَّ بِقَذْفِهِ، أَوْ ثَبَتَ قَذْفُهُ بِالْبَيِّنَةِ، فَلَوْ أَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ لَهَا لَمْ يُسْتَحْلَفْ وَسَقَطَ اللِّعَانُ (فَإِنْ أَبَى حُبِسَ حَتَّى يُلَاعِنَ، أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فَيُحَدَّ) لِلْقَذْفِ (فَإِنْ لَاعَنَ لَاعَنَتْ) بَعْدَهُ لِأَنَّهُ الْمُدَّعِي، فَلَوْ بَدَأَ بِلِعَانِهَا أَعَادَتْ، فَلَوْ فَرَّقَ قَبْلَ الْإِعَادَةِ صَحَّ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ اخْتِيَارٌ (وَإِلَّا حُبِسَتْ) حَتَّى تُلَاعِنَ أَوْ تُصَدِّقَهُ (فَيَنْدَفِعَ بِهِ اللِّعَانُ، وَلَا تُحَدَّ) .   [رد المحتار] قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تُطَالِبْهُ فَلَا لِعَانَ لِأَنَّهُ حَقُّهَا لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْهَا، وَمُرَادُهُ طَلَبُهَا إذَا كَانَ الْقَذْفُ بِصَرِيحِ الزِّنَا، أَمَّا بِنَفْيِ الْوَلَدِ فَالطَّلَبُ حَقُّهُ أَيْضًا لِاحْتِيَاجِهِ إلَى نَفْيِ مَنْ لَيْسَ وَلَدَهُ عَنْهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: أَوْ طَالَبَهُ الْوَلَدُ الْمَنْفِيُّ) هَذَا سَبْقُ قَلَمٍ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: أَوْ طَالَبَ النَّافِي لِلْوَلَدِ. وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ: وَيُشْتَرَطُ طَلَبُهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقَذْفُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فَإِنَّ الشَّرْطَ طَلَبُهُ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى نَفْيِ مَنْ لَيْسَ وَلَدَهُ عَنْهُ. وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ لَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ لِاحْتِيَاجِهِ إلَخْ، وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَحْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي طَلَبِهِ رَاجِعٌ لِلْقَاذِفِ لَا لِلْوَلَدِ، نَعَمْ طَلَبُ الْوَلَدِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ حَدِّ الْقَذْفِ إنْ كَانَ وَلَدَ غَيْرِ الْقَاذِفِ وَكَانَتْ الْأُمُّ مَيِّتَةً وَإِلَّا فَالشَّرْطُ طَلَبُهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ؛ وَالْكَلَامُ فِي الطَّلَبِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ وُجُوبِ اللِّعَانِ وَلَا يَكُونُ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ جَلِيٌّ ثُمَّ رَأَيْت الرَّحْمَتِيَّ أَشَارَ إلَى بَعْضِ مَا قُلْنَا (قَوْلُهُ: أَيْ بِمُوجَبِ الْقَذْفِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى الْقَذْفِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ " قَذَفَ "؛ لَكِنْ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ وَهُوَ " مُوجَبِ " أَوْ أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَيْهِ بِمَعْنَى مُوجَبِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِخْدَامِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْحَدُّ) أَيْ حَدُّ الْقَذْفِ - إنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ - أَوْ اللِّعَانِ - إنْ أَصَرَّ - كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْقَاضِي) مُتَعَلِّقٌ بِطَالَبَتْهُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ: أَيْ الطَّالِبِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَعْدَ الْعَفْوِ) أَيْ لَا يَسْقُطُ بِالْعَفْوِ، لَكِنْ مَعَ الْعَفْوِ لَا حَدَّ لَا لِصِحَّةِ الْعَفْوِ بَلْ لِتَرْكِ الطَّلَبِ، حَتَّى لَوْ عَادَ الْمَقْذُوفُ وَطَلَبَ يُحَدُّ الْقَاذِفُ، خِلَافًا لِمَنْ فَهِمَ مِنْ عَدَمِ سُقُوطِهِ بِالْعَفْوِ أَنَّ الْقَاضِيَ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِ مَعَ الْعَفْوِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ حَدِّ الْقَذْفِ (قَوْلُهُ: لَا يُبْطِلُ الْحَقَّ فِي قَذْفٍ إلَخْ) بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْحُدُودِ، وَسَيَأْتِي فِي الْقَضَاءِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا نَهَى الْقَاضِيَ عَنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ مُضِيِّ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً صَحَّ، وَلَا يَصِحُّ سَمَاعُهَا مِنْهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْخَصْمُ مُنْكِرًا وَلَمْ يَكُنْ التَّرْكُ بِعُذْرٍ، وَإِلَّا فَإِنَّهُ يَصِحُّ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ سَمَاعِهَا لَا يُسْقِطُ الْحَقَّ بَلْ هُوَ بَاقٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَلِذَا لَوْ أَذِنَ السُّلْطَانُ بِسَمَاعِهَا بَعْدَ ذَلِكَ يَثْبُتُ الْحَقُّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: إنْ أَقَرَّ بِقَذْفِهِ إلَخْ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ " لَاعَنَ "، وَهُوَ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِإِصْرَارِهِ وَبِعَجْزِهِ عَنْ الْبَيِّنَةِ عَلَى زِنَاهَا، أَوْ عَلَى إقْرَارِهَا بِهِ، أَوْ عَلَى تَصْدِيقِهَا لَهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: أَوْ ثَبَتَ قَذْفُهُ بِالْبَيِّنَةِ) هِيَ رَجُلَانِ لَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بَحْرٌ، وَعَلَّلَهُ فِي كَافِي الْحَاكِمِ بِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلنِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَهَذَا مِنْهَا اهـ. فَمَا فِي النَّهْرِ وَتَبِعَهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى - مِنْ قَوْلِهِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ - سَبْقُ قَلَمٍ (قَوْلُهُ: لَمْ يُسْتَحْلَفْ) أَيْ لِأَنَّهُ حَدٌّ كَافٍ أَيْ وَالِاسْتِحْلَافُ فَائِدَتُهُ النُّكُولُ وَهُوَ إقْرَارٌ مَعْنًى لَا صَرِيحٌ فَفِيهِ شُبْهَةٌ يَنْدَرِئُ الْحَدُّ بِهَا (قَوْلُهُ: حُبِسَ حَتَّى يُلَاعِنَ إلَخْ) قَالَ ابْنُ كَمَالٍ: هُنَا غَايَةٌ أُخْرَى يَنْتَهِي الْحَبْسُ بِهَا، وَهِيَ أَنْ تَبِينَ مِنْهُ بِطَلَاقٍ، أَوْ غَيْرِهِ ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ اهـ وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا وَشَرْطُهُ قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ: فَيُحَدَّ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِمُجَرَّدِ امْتِنَاعِهِ خِلَافًا لِمَنْ شَذَّ مِنْ الْمَشَايِخِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْمُدَّعِي) عِلَّةٌ لِلْبَعْدِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ بَدَأَ) ضَمِيرُهُ يَعُودُ لِلْقَاضِي، وَكَذَا ضَمِيرُ فَرَّقَ (قَوْلُهُ: أَعَادَتْ) لِيَكُونَ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَشْرُوعِ بَحْرٌ عَنْ الِاخْتِيَارِ، وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ، لَكِنْ قَالَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ، وَفِي الْغَايَةِ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ، وَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ الْوَجْهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ اهـ وَمِثْلُهَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَا تُحَدُّ) وَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 وَإِنْ صَدَّقَتْهُ أَرْبَعًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ قَصْدًا، وَلَا يَنْتَفِي النَّسَبُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْوَلَدِ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي إبْطَالِهِ، وَلَوْ امْتَنَعَا حُبِسَا، وَحَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَعْفُ الْمَرْأَةُ. وَاسْتَشْكَلَ فِي النَّهْرِ حَبْسَهَا بَعْدَ امْتِنَاعِهِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ. . (وَإِذَا لَمْ يَصْلُحْ) الزَّوْجُ (شَاهِدًا) لِرِقِّهِ أَوْ كُفْرِهِ (وَكَانَ أَهْلًا لِلْقَذْفِ) أَيْ بَالِغًا عَاقِلًا نَاطِقًا (حُدَّ) الْأَصْلُ أَنَّ اللِّعَانَ إذَا سَقَطَ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ فَلَوْ الْقَذْفُ صَحِيحًا حُدَّ وَإِلَّا فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ (فَإِنْ صَلَحَ) شَاهِدًا (وَ) الْحَالُ أَنَّهَا (هِيَ) لَمْ تَصْلُحْ، أَوْ (مِمَّنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا فَلَا حَدَّ) عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ (وَلَا لِعَانَ) .   [رد المحتار] فَتُحَدُّ " غَلَطٌ، لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً فَكَيْفَ يَجِبُ بِالتَّصْدِيقِ مَرَّةً بَحْرٌ وَزَيْلَعِيٌّ. قُلْت: وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَ الْقُدُورِيِّ بِالتَّصْدِيقِ الْإِقْرَارُ بِالزِّنَا لَا مُجَرَّدُ قَوْلِهَا صَدَقْتَ، وَاكْتَفَى عَنْ ذِكْرِ التَّكْرَارِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِهِ، وَيُشِيرُ إلَى هَذَا قَوْلُ الْحَاكِمِ فِي الْكَافِي، وَإِذَا صَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عِنْدَ الْإِمَامِ فَقَالَتْ: صَدَقَ وَلَمْ تَقُلْ: زَنَيْتُ وَأَعَادَتْ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ لَمْ يَلْزَمْهَا حَدُّ الزِّنَا، وَيَبْطُلُ اللِّعَانُ وَلَا يُحَدُّ مَنْ قَذَفَهَا بَعْدَ هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَنْتَفِي النَّسَبُ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْتَفِي بِاللِّعَانِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي شَرْحَيْ الْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ - مِنْ أَنَّهَا إذَا صَدَّقَتْهُ يَنْتَفِي - غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ بَحْرٌ وَسَيَأْتِي أَنَّ شُرُوطَ النَّفْيِ سِتَّةٌ مِنْهَا تَفْرِيقُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بَعْدَ اللِّعَانِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ امْتَنَعَ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا إلَّا بَعْدَ لِعَانِهِ، فَقَبْلَهُ لَيْسَ امْتِنَاعًا لِحَقٍّ وَجَبَ نَهْرٌ. وَأَجَابَ ط بِأَنَّهُ بَعْدَ التَّرَافُعِ مِنْهُمَا صَارَ إمْضَاءُ اللِّعَانِ حَقَّ الشَّرْعِ فَإِذَا لَمْ تَعْفُ وَأَظْهَرَتْ الِامْتِنَاعَ تُحْبَسُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَى هُوَ فَقَطْ فَلَا تُحْبَسُ اهـ فَتَأَمَّلْ. وَأَجَابَ الرَّحْمَتِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمَا امْتَنَعَا فِي آنٍ وَاحِدٍ بَلْ الْمُرَادُ امْتِنَاعُهُ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِهِ وَامْتِنَاعُهَا بَعْدَ لِعَانِهِ فَأَرْجَعَ الْمَسْأَلَةَ إلَى مَا فِي الْمَتْنِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (قَوْلُهُ: لِرِقِّهِ) أَوْ لِكَوْنِهِ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: أَوْ كُفْرِهِ) بِأَنْ أَسْلَمَتْ ثُمَّ قَذَفَهَا قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: أَيْ بَالِغًا عَاقِلًا نَاطِقًا) أَمَّا لَوْ كَانَ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ أَخْرَسَ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ مِنَحٌ لِأَنَّ قَذْفَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ (قَوْلُهُ: إذَا سَقَطَ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ) بِأَنْ لَمْ يَصْلُحْ شَاهِدًا لِرِقِّهِ وَنَحْوِهِ، أَمَّا لَوْ سَقَطَ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا وَهُوَ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ. وَبَقِيَ مَا لَوْ سَقَطَ مِنْ جِهَتِهِمَا كَمَا لَوْ كَانَا مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ فَهُوَ كَالْأَوَّلِ لِأَنَّهُ سَقَطَ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ بِهِ فَلَا تُعْتَبَرُ جِهَتُهَا مَعَهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: فَلَوْ الْقَذْفُ صَحِيحًا) بِأَنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا نَاطِقًا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقَذْفُ صَحِيحًا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ) نَفْيُ اللِّعَانِ تَأْكِيدٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا سَقَطَ (قَوْلُهُ: لَمْ تَصْلُحْ) أَيْ الشَّهَادَةُ، وَإِنَّمَا زَادَهُ لِيَشْمَلَ الْمَحْدُودَةَ فِي قَذْفٍ، فَإِنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا كَذَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ، وَلَوْلَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَكَانَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُحَدُّ لَهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ: فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّ شَرْطَ الْحَدِّ الْإِحْصَانُ، وَهُوَ كَوْنُهَا مُسْلِمَةً حُرَّةً بَالِغَةً عَاقِلَةً عَفِيفَةً كَمَا مَرَّ. وَشَرْطُ اللِّعَانِ: الْإِحْصَانُ وَأَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ، فَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ مُحْصَنَةٍ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ لِفَقْدِ الْإِحْصَانِ، وَإِذَا كَانَتْ مُحْصَنَةً لَكِنَّهَا مَحْدُودَةٌ فِي قَذْفٍ فَلَا لِعَانَ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ، وَلَا حَدَّ أَيْضًا لِأَنَّهُ سَقَطَ اللِّعَانُ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا لَا مِنْ جِهَتِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ كَافِرَةً أَوْ رَقِيقَةً، أَوْ صَغِيرَةً، أَوْ مَجْنُونَةً فَلَا حَدَّ لِعَدَمِ الْإِحْصَانِ وَلَا لِعَانَ لِذَلِكَ وَلِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا لِلشَّهَادَةِ، وَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ عَفِيفَةٍ سَقَطَا أَيْضًا لِعَدَمِ الْإِحْصَانِ وَلِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ وَإِذَا كَانَتْ عَفِيفَةً مَحْدُودَةً فَلِمَا عَلِمْت هَكَذَا يَنْبَغِي تَحْرِيرُ هَذَا الْمَقَامِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ) هَذَا فِي غَيْرِ الْعَفِيفَةِ الْمَحْدُودَةِ، أَمَّا فِيهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 لِأَنَّهُ خَلَفُهُ لَكِنَّهُ يُعَزَّرُ حَسْمًا لِهَذَا الْبَابِ، هَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ. (وَيُعْتَبَرُ الْإِحْصَانُ عِنْدَ الْقَذْفِ، فَلَوْ قَذَفَهَا وَهِيَ أَمَةٌ، أَوْ كَافِرَةٌ ثُمَّ أَسْلَمَتْ، أَوْ أُعْتِقَتْ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ) زَيْلَعِيٌّ. (وَيَسْقُطُ) اللِّعَانُ بَعْدَ وُجُوبِهِ (بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ ثُمَّ لَا يَعُودُ بِتَزْوِيجِهَا بَعْدَهُ) لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ (وَكَذَا) يَسْقُطُ (بِزِنَاهَا وَوَطْئِهَا بِشُبْهَةٍ وَبِرِدَّتِهَا) وَلَا يَعُودُ لَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ (وَيَسْقُطُ بِمَوْتِ شَاهِدِ الْقَذْفِ وَغَيْبَتِهِ لَا) يَسْقُطُ (لَوْ عَمِيَ) الشَّاهِدُ (أَوْ فَسَقَ أَوْ ارْتَدَّ) . (وَلَوْ قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (زَنَيْتِ وَأَنْتِ صَبِيَّةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ وَهُوَ) أَيْ الْجُنُونُ.   [رد المحتار] فَيُحَدُّ الْأَجْنَبِيُّ بِقَذْفِهَا كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ لِأَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ عَنْ الزَّوْجِ لِعِلَّةٍ غَيْرِ مَوْجُودَةٍ فِي الْأَجْنَبِيِّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ خَلَفُهُ) كَذَا فِي الدُّرَرِ. وَالصَّحِيحُ فِي التَّعْلِيلِ مَا قَدَّمْنَاهُ لِأَنَّ هَذَا لَا يَظْهَرُ فِي الْعَفِيفَةِ الْمَحْدُودَةِ لِأَنَّ اللِّعَانَ فِيهَا لَمْ يَسْقُطْ تَبَعًا لِلْحَدِّ بَلْ بِالْعَكْسِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: الضَّمِيرُ فِي " لِأَنَّهُ " لِلْحَدِّ وَفِي " خَلَفُهُ " لِلِّعَانِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ فِي قَذْفِ الزَّوْجِ هُوَ اللِّعَانُ وَالْحَدُّ خَلَفٌ عَنْهُ، بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا سَقَطَ اللِّعَانُ وَجَبَ الْحَدُّ حَيْثُ لَا مَانِعَ مِنْهُ. وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْكَمَالِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يُعَزَّرُ) أَيْ وُجُوبًا لِأَنَّهُ آذَاهَا وَأَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهَا كَذَا فِي الْبَحْرِ. وَظَاهِرُهُ وُجُوبُ التَّعْزِيرِ فِي غَيْرِ الْعَفِيفَةِ قَالَهُ أَبُو السُّعُودِ: وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهَا هِيَ الَّتِي أَلْحَقَتْ الشَّيْنَ بِنَفْسِهَا ط. قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ إنْ كَانَتْ مُجَاهِرَةً وَإِلَّا فَيُعَزَّرُ بِطَلَبِهَا لِإِظْهَارِهِ الْفَاحِشَةَ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ قَوْلُهُ: وَإِذَا لَمْ يَصْلُحْ شَاهِدًا إلَخْ (قَوْلُهُ: تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ قَذْفًا يُوجِبُ الْحَدَّ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: وَصَلَحَا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ غَيْرِ الْعَفِيفَةِ وَعَمَّا إذَا لَمْ يَصْلُحْ وَصَلَحَتْ، أَوْ عَكْسِهِ فَافْهَمْ. [تَتِمَّةٌ] : قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ يَتَعَرَّضْ صَرِيحًا لِمَا إذَا لَمْ يَصْلُحَا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَقَدْ فُهِمَ مِنْ اشْتِرَاطِهِ أَوَّلًا أَنَّهُ لَا لِعَانَ وَأَمَّا الْحَدُّ فَلَا يَجِبُ لَوْ صَغِيرَيْنِ، أَوْ مَجْنُونَيْنِ، أَوْ كَافِرَيْنِ أَوْ مَمْلُوكَيْنِ، وَيَجِبُ لَوْ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ لِامْتِنَاعِ اللِّعَانِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ، وَكَذَا يَجِبُ لَوْ كَانَ هُوَ عَبْدًا وَهِيَ مَحْدُودَةً لِأَنَّ قَذْفَ الْعَفِيفَةِ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ وَلَوْ كَانَتْ مَحْدُودَةً (قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ الْإِحْصَانُ) يُعْلَمُ مِنْهُ وَمِنْ قَوْلِهِ وَكَذَا يَسْقُطُ بِزِنَاهَا اشْتِرَاطُ دَوَامِهِ مِنْ حِينِ الْقَذْفِ إلَى التَّلَاعُنِ ط. (قَوْلُهُ: بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ) لَوْ قَالَ بِالْبَيْنُونَةِ لَشَمِلَ الْبَيْنُونَةَ بِالطَّلَاقِ، أَوْ الْفَسْخِ، أَوْ الْمَوْتِ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ بَانَتْ مِنْهُ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا لِعَانَ لِأَنَّ حَدَّهُ كَانَ اللِّعَانَ فَلَمَّا لَمْ يَسْتَقِرَّ اللِّعَانُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لَمْ يُحَوَّلْ إلَى الْحَدِّ، وَلَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ لَمْ يُحَدَّ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ كَانَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَوْ قَالَ يَا زَانِيَةُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَدُّ وَلَا اللِّعَانُ اهـ أَيْ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ بَعْدَ وُجُوبِ اللِّعَانِ (قَوْلُهُ: وَيَسْقُطُ بِمَوْتِ إلَخْ) أَيْ إذَا شَهِدَ وَعَدَّلَهُ الْقَاضِي ثُمَّ مَاتَ، أَوْ غَابَ لَا يُقْضَى بِهِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي الْجَامِعِ: لَوْ مَاتَ الشَّاهِدَانِ، أَوْ غَابَا بَعْدَمَا عُدِّلَا لَا يُقْضَى بِاللِّعَانِ وَفِي الْمَالِ يُقْضَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَمِيَا أَوْ فَسَقَا، أَوْ ارْتَدَّا حَيْثُ يُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا. اهـ. قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ أَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَاحْتِمَالُ رُجُوعِ الشَّاهِدِ عَنْ شَهَادَتِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ شُبْهَةٌ فَمَا دَامَ حَيًّا حَاضِرًا فَالِاحْتِمَالُ قَائِمٌ، فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ زَالَ الِاحْتِمَالُ، وَبَعْدَ الْقَضَاءِ يَلْغُو ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ لِتَأَكُّدِ الْحَقِّ بِالْقَضَاءِ، أَمَّا إذَا مَاتَ، أَوْ غَابَ فَلَا يُقْضَى بِشَهَادَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا احْتَمَلَ رُجُوعَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَتَأَمَّلْ هَذَا. وَفِي اشْتِرَاطِ حُضُورِ الشَّاهِدَيْنِ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ كَلَامٌ مَذْكُورٌ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فِي بَابِ حَدِّ السَّرِقَةِ فَرَاجِعْهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 (مَعْهُودٌ فَلَا لِعَانَ) لِإِسْنَادِهِ لِغَيْرِ مَحَلِّهِ (بِخِلَافِ) زَنَيْتِ (وَأَنْتِ ذِمِّيَّةٌ، أَوْ أَمَةٌ، أَوْ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَعُمُرُهَا أَقَلُّ) حَيْثُ يَتَلَاعَنَا لِاقْتِصَارِهِ فَتْحٌ. (وَصِفَتُهُ مَا نَطَقَ النَّصُّ) الشَّرْعِيُّ (بِهِ) مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ (فَإِنْ الْتَعَنَا) وَلَوْ أَكْثَرَهُ (بَانَتْ بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ) فَيَتَوَارَثَانِ قَبْلَ تَفْرِيقِهِ (الَّذِي وَقَعَ اللِّعَانُ عِنْدَهُ) وَيُفَرِّقُ (وَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا) بِالْفُرْقَةِ شُمُنِّيٌّ؛ وَلَوْ زَالَتْ أَهْلِيَّةُ اللِّعَانِ، فَإِنْ بِمَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَجُنُونٍ فَرَّقَ وَإِلَّا لَا، وَلَوْ تَلَاعَنَا فَغَابَ أَحَدُهُمَا وَوَكَّلَ بِالتَّفْرِيقِ فَرَّقَ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوَكِّلْ يُنْتَظَرُ (فَلَوْ لَمْ يُفَرِّقْ) الْحَاكِمُ (حَتَّى عُزِلَ، أَوْ مَاتَ اسْتَقْبَلَهُ الْحَاكِمُ الثَّانِي) خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ اخْتِيَارٌ.   [رد المحتار] وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: مَعْهُودٌ) أَيْ عُهِدَ وُقُوعُهُ مِنْهَا (قَوْلُهُ: فَلَا لِعَانَ) أَيْ وَلَا حَدَّ لِعَدَمِ الْإِحْصَانِ (قَوْلُهُ: لِإِسْنَادِهِ لِغَيْرِ مَحَلِّهِ) أَيْ لِإِسْنَادِهِ الزِّنَا، فَإِنَّ مَحَلَّهُ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ. وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ: لَمْ يَكُنْ قَذْفًا فِي الْحَالِ لِأَنَّ فِعْلَهَا لَا يُوصَفُ بِالزِّنَا (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَتَلَاعَنَا) صَوَابُهُ يَتَلَاعَنَانِ بِالنُّونِ فِي آخِرِهِ كَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ: لِاقْتِصَارِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ يَقَعُ مُقْتَصِرًا عَلَى زَمَنِ التَّكَلُّمِ وَلَا يَسْتَنِدُ لِأَنَّهَا تُوصَفُ بِالزِّنَا وَهِيَ ذِمِّيَّةٌ، أَوْ أَمَةٌ فَقَدْ أَلْحَقَ بِهَا الشَّيْنَ فَافْهَمْ، وَكَذَا فِي مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَوْ عُمُرُهَا أَقَلَّ لِأَنَّهُ مُبَالَغَةٌ فِي الْقِدَمِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ) بَيَانٌ لِلنَّصِّ الشَّرْعِيِّ، وَبِهِ اسْتَغْنَى عَمَّا فِي الْبَحْرِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالصِّفَةِ الرُّكْنَ يَعْنِي الْمَاهِيَّةَ إذْ صِفَتُهُ - عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ - لَمْ يَنْطِقْ بِهَا النَّصُّ، وَهُوَ أَنَّ الْقَاضِيَ يُقِيمُهُمَا مُتَقَابِلَيْنِ وَيَقُولُ لَهُ: الْتَعِنْ، فَيَقُولُ الزَّوْجُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا وَفِي الْخَامِسَةِ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا يُشِيرُ إلَيْهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ، ثُمَّ تَقُولُ الْمَرْأَةُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا وَفِي الْخَامِسَةِ غَضَبُ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا كَذَا فِي النَّهْرِ ح. مَطْلَبٌ فِي الدُّعَاءِ بِاللَّعْنِ عَلَى مُعَيَّنٍ [تَنْبِيهٌ] : مُقْتَضَى مَشْرُوعِيَّةِ اللِّعَانِ جَوَازُ الدُّعَاءِ بِاللَّعْنِ عَلَى كَاذِبٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ دُعَاءٌ عَلَى نَفْسِهِ بِاللَّعْنِ عَلَى تَقْدِيرِ كَذِبِهِ؛ فَتَعْلِيقُهُ عَلَى ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ التَّعْيِينِ، نَعَمْ يُقَالُ: إنَّ مَشْرُوعِيَّتَهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَلَوْ كَانَ كَاذِبًا لَا يَحِلُّ لَهُ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ بِمَا فِي عِدَّةِ غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ الْمُبَاهَلَةَ مَشْرُوعَةٌ فِي زَمَانِنَا وَهِيَ الْمُلَاعَنَةُ، كَانُوا يَقُولُونَ إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ: بَهْلَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِ مِنَّا وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ (قَوْلُهُ: بَانَتْ بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ) أَيْ تَكُونُ الْفُرْقَةُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَيَتَوَارَثَانِ قَبْلَ تَفْرِيقِهِ) لِأَنَّهَا امْرَأَتُهُ مَا لَمْ يُفَرِّقْ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا كَافٍ، نَعَمْ يَحْرُمُ الْوَطْءُ وَدَوَاعِيهِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي. ثُمَّ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَفْهُومِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ قَبْلَ تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي السَّعْدِيَّةِ عَنْ الْكِفَايَةِ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ طَلَاقًا بَائِنًا يَقَعُ، وَكَذَا لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حَلَّ لَهُ الْوَطْءُ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ. اهـ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ، وَالْكَلَامُ مَعَهُ مَبْسُوطٌ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا أَحَدُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي شُرِطَ فِيهَا الْقَضَاءُ، وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْمِنَحِ مَنْظُومَةً، وَتَقَدَّمَتْ فِي الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ: الَّذِي وَقَعَ اللِّعَانُ عِنْدَهُ) مُحْتَرَزُهُ قَوْلُهُ: الْآتِي فَلَوْ لَمْ يُفَرِّقْ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَالَتْ إلَخْ) هَذَا أَيْضًا مِنْ فُرُوعِ عَدَمِ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ (قَوْلُهُ: فَرَّقَ) لِأَنَّهُ يُرْجَى عَوْدُ الْإِحْصَانِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ زَالَتْ أَهْلِيَّةُ اللِّعَانِ بِمَا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ، بِأَنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ أَوْ قَذَفَ أَحَدُهُمَا إنْسَانًا فَحُدَّ لِلْقَذْفِ، أَوْ وُطِئَتْ هِيَ وَطْئًا حَرَامًا، أَوْ خَرِسَ أَحَدُهُمَا لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ: يُنْتَظَرُ) لِأَنَّ التَّفْرِيقَ حُكْمٌ فَلَا يَصِحُّ عَلَى الْغَائِبِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: اسْتَقْبَلَهُ الْحَاكِمُ الثَّانِي) أَيْ اسْتَأْنَفَ اللِّعَانَ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَعِنْدَهُ لَا يَسْتَقْبِلُ لِأَنَّ اللِّعَانَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَدِّ فَصَارَ كَإِقَامَةِ الْحَدِّ حَقِيقَةً، وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 (وَلَوْ أَخْطَأَ الْحَاكِمُ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ وُجُودِ الْأَكْثَرِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا صَحَّ وَلَوْ بَعْدَ الْأَقَلِّ) أَيْ مَرَّةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ (لَا) وَلَوْ فَرَّقَ بَعْدَ لِعَانِهِ قَبْلَ لِعَانِهَا نَفَذَ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَقَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِغَيْرِ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ، أَمَّا هُوَ فَلَا يَنْفُذُ (وَحَرُمَ وَطْؤُهَا بَعْدَ اللِّعَانِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ) لِمَا مَرَّ وَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ. (وَإِنْ قَذَفَ) الزَّوْجُ (بِوَلَدٍ) حَيٍّ (نَفَى) الْحَاكِمُ (نَسَبَهُ) عَنْ أَبِيهِ (وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ) بِشَرْطِ صِحَّةِ النِّكَاحِ، وَكَوْنِ الْعُلُوقِ فِي حَالٍ يَجْرِي فِيهِ اللِّعَانُ حَتَّى لَوْ عَلِقَ وَهِيَ أَمَةٌ، أَوْ كِتَابِيَّةٌ فَعَتَقَتْ، أَوْ أَسْلَمَتْ لَا يُنْفَى لِعَدَمِ التَّلَاعُنِ، وَأَمَّا شُرُوطُ النَّفْيِ فَسِتَّةٌ مَبْسُوطَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي الْبَدَائِعِ وَسَيَجِيءُ (وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ) .   [رد المحتار] عَزْلُ الْحَاكِمِ وَمَوْتُهُ. وَلَهُمَا أَنَّ تَمَامَ الْإِمْضَاءِ فِي التَّفْرِيقِ وَالْإِنْهَاءِ فَلَا يَتَنَاهَى قَبْلَهُ فَيَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ حُرْمَةُ الْوَطْءِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ وَسَيَأْتِي خِلَافُهُ، وَمُفَادُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا التَّلَاعُنَ عِنْدَ الْحَاكِمِ الثَّانِي فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: بَعْدَ وُجُودِ الْأَكْثَرِ) بِأَنْ الْتَعَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (قَوْلُهُ: صَحَّ) أَيْ التَّفْرِيقُ وَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ كَافٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ) فَإِنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَائِلٌ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِلِعَانِ الزَّوْجِ فَقَطْ، كَذَا فِي النَّهْرِ ح. قُلْت: وَقَدَّمْنَا فِي الْخُلْعِ وَفِي أَوَّلِ الظِّهَارِ مَعْنَى الْمُجْتَهَدِ فِيهِ، وَإِذَا فَهِمْته تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ مُجْتَهَدًا فِيهِ بِمُجَرَّدِ وُقُوعِ الْخِلَافِ فِيهِ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ) الْمُرَادُ بِغَيْرِهِ مَنْ يَرَى جَوَازَهُ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُ، أَوْ بِتَقْلِيدٍ لِلْمُجْتَهِدِ كَشَافِعِيٍّ (قَوْلُهُ: أَمَّا هُوَ فَلَا يَنْفُذُ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ، وَلَا سِيَّمَا قُضَاةَ زَمَانِنَا الْمَأْمُورِينَ بِالْحُكْمِ بِأَصَحِّ أَقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ: وَحَرُمَ وَطْؤُهَا) أَيْ وَدَوَاعِيهِ كَمَا مَرَّ ط (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ حَدِيثِ «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» ح (قَوْلُهُ: وَلَهَا) أَيْ لِلْمُلَاعِنَةِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ ط (قَوْلُهُ: نَفَقَةُ الْعِدَّةِ) أَيْ وَالسُّكْنَى، وَإِذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ إلَى سَنَتَيْنِ لَزِمَهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ لَزِمَهُ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَمَا فِي الْكَافِي. (قَوْلُهُ: حَيٍّ) فَلَوْ نَفَاهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَاعَنَ وَلَمْ يَقْطَعْ نَسَبَهُ، وَكَذَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا مَيِّتٌ فَنَفَاهُمَا، أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ اللِّعَانِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: نَفَى نَسَبَهُ) أَيْ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: قَطَعْت نَسَبَ هَذَا الْوَلَدِ عَنْهُ بَعْدَمَا قَالَ فَرَّقْت بَيْنَكُمَا كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ التَّفْرِيقِ نَفْيُ النَّسَبِ كَمَا بَعْدَ الْمَوْتِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَنْتَفِي النَّسَبُ بَحْرٌ عَنْ النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ: وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ) هَذَا غَيْرُ لَازِمٍ فِي النَّفْيِ، وَإِنَّمَا خَرَجَ مَخْرَجَ التَّأْكِيدِ نَهْرٌ عَنْ النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ صِحَّةِ النِّكَاحِ) هَذَا الشَّرْطُ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ زَادَهُمَا فِي الْبَحْرِ عَلَى شُرُوطِ النَّفْيِ السِّتَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَدَائِعِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَعُدَّهُمَا الشَّارِحُ مَعَ السِّتَّةِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُمَا لَيْسَا شَرْطَيْنِ لِلنَّفْيِ أَصَالَةً، وَإِنَّمَا هُمَا شَرْطَانِ لِلِّعَانِ كَمَا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ فَهُمَا مِنْ شُرُوطِ النَّفْيِ بِوَاسِطَةٍ لَكِنَّ الثَّانِيَ يُغْنِي عَنْ الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ التَّلَاعُنِ) لِأَنَّهُ نَفَى نَسَبَهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ وَلَيْسَتْ وَقْتَهُ مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ، وَلَا يَنْتَفِي النَّسَبُ بِدُونِ لِعَانٍ (قَوْلُهُ: فَسِتَّةٌ) الْأَوَّلُ التَّفْرِيقُ. الثَّانِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْوِلَادَةِ، أَوْ بَعْدَهَا بِيَوْمٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ. الثَّالِثُ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ مِنْهُ إقْرَارٌ بِهِ - وَلَوْ دَلَالَةً - كَسُكُوتِهِ عِنْدَ التَّهْنِئَةِ مَعَ عَدَمِ رَدِّهِ. الرَّابِعُ حَيَاةُ الْوَلَدِ وَقْتَ التَّفْرِيقِ. الْخَامِسُ أَنْ لَا تَلِدَ بَعْدَ التَّفْرِيقِ وَلَدًا آخَرَ مِنْ بَطْنٍ وَاحِدٍ. السَّادِسُ أَنْ لَا يَكُونَ مَحْكُومًا بِثُبُوتِهِ شَرْعًا كَأَنْ وَلَدَتْ وَلَدًا فَانْقَلَبَ عَلَى رَضِيعٍ فَمَاتَ الرَّضِيعُ وَقُضِيَ بِدِيَتِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ ثُمَّ نَفَى الْأَبُ نَسَبَهُ يُلَاعِنُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَلَا يَقْطَعُ نَسَبَ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ قَضَاءٌ بِكَوْنِ الْوَلَدِ مِنْهُ، وَلَا يَنْقَطِعُ النَّسَبُ بَعْدَهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ: نَفْيُ الْوَلَدِ الْحَيِّ إلَخْ لَكِنَّ الْمَذْكُورَ هُنَاكَ أَكْثَرُ الشُّرُوطِ لَا كُلُّهَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حُدَّ) أَيْ إذَا أَكْذَبَهَا بَعْدَ اللِّعَانِ، فَلَوْ قَبْلَهُ يُنْظَرُ، فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا قَبْلَ الْإِكْذَابِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ أَبَانَهَا ثُمَّ أَكْذَبَ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ زَيْلَعِيٌّ أَيْ لِأَنَّ اللِّعَانَ لَمْ يَسْتَقِرَّ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 وَلَوْ دَلَالَةً بِأَنْ مَاتَ الْوَلَدُ الْمَنْفِيُّ عَنْ مَالٍ فَادَّعَى نَسَبَهُ (حُدَّ) لِلْقَذْفِ (وَلَهُ) بَعْدَمَا كَذَّبَ نَفْسَهُ (أَنْ يَنْكِحَهَا) حُدَّ، أَوْ لَا (وَكَذَا إذَا قَذَفَ غَيْرَهَا فَحُدَّ، أَوْ) صَدَّقَتْهُ، أَوْ (زَنَتْ) وَإِنْ لَمْ تُحَدَّ لِزَوَالِ الْعِفَّةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ لَهُ تَزَوُّجَهَا إذَا خَرَجَا، أَوْ أَحَدُهُمَا عَنْ أَهْلِيَّةِ اللِّعَانِ. . (وَلَا لِعَانَ لَوْ كَانَا أَخْرَسَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا، وَكَذَا لَوْ طَرَأَ ذَلِكَ) الْخَرَسُ (بَعْدَهُ) أَيْ اللِّعَانِ (قَبْلَ التَّفْرِيقِ، فَلَا تَفْرِيقَ وَلَا حَدَّ) لِدَرْئِهِ بِالشُّبْهَةِ مَعَ فَقْدِ الرُّكْنِ وَهُوَ لَفْظُ أَشْهَدُ وَلِذَا لَا تَلَاعُنَ بِالْكِتَابَةِ. (كَمَا لَا لِعَانَ بِنَفْيِ الْحَمْلِ) لِعَدَمِ تَيَقُّنِهِ عِنْدَ الْقَذْفِ،   [رد المحتار] فَلَمْ يُحَوَّلْ إلَى الْحَدِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَافِي. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَقَوْلُهُ: وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ لَيْسَ تَكْرَارًا مَعَ قَوْلِهِ: حُبِسَ حَتَّى يُلَاعِنَ، أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فَيُحَدَّ لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا قَبْلَ اللِّعَانِ وَهَذَا فِيمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ دَلَالَةً) أَيْ سَوَاءً كَانَ الْإِكْذَابُ بِاعْتِرَافِهِ، أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ دَلَالَةٍ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: فَادَّعَى نَسَبَهُ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى النَّسَبِ وَلَا الْمِيرَاثِ وَيُضْرَبُ الْحَدَّ، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ تَرَكَ وَلَدًا ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمُدَّعِي، وَوَرِثَ الْأَبُ مِنْهُ كَافِي الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ: لِلْقَذْفِ) أَيْ لِقَذْفِ الثَّانِي الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ كَلِمَاتُ اللِّعَانِ كَشُهُودِ الزِّنَا إذَا رَجَعُوا فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ لَا لِلْقَذْفِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِمُوجَبِهِ وَهُوَ اللِّعَانُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ، وَأَفَادَ الرَّحْمَتِيُّ أَنَّهُ لَمَّا أَكْذَبَ نَفْسَهُ تَبَيَّنَ أَنَّ اللِّعَانَ لَمْ يَقَعْ مَوْقِعَهُ مِنْ قِيَامِهِ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فَرَجَعْنَا إلَى الْأَصْلِ مِنْ لُزُومِ الْحَدِّ بِالْقَذْفِ الْأَوَّلِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: حُدَّ أَوْ لَا) أَشَارَ إلَى مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ تَقْيِيدَ الزَّيْلَعِيِّ بِالْحَدِّ اتِّفَاقِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ زَنَتْ وَإِنْ لَمْ تُحَدَّ) أَرَادَ الزِّنَا الْوَطْءَ الْحَرَامَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زِنًا شَرْعًا كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ بَحْرٌ. ثُمَّ إنَّ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ: أَوْ زَنَتْ فَحُدَّتْ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: قِيلَ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّهَا إذَا حُدَّتْ كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمَ فَلَا يُتَصَوَّرُ حِلُّهَا لِلزَّوْجِ بَلْ بِمُجَرَّدِ أَنْ تَزْنِيَ تَخْرُجُ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِتَشْدِيدِ النُّونِ بِمَعْنَى نَسَبَتْ غَيْرَهَا لِلزِّنَا وَهُوَ مَعْنَى الْقَذْفِ، فَيَسْتَقِيمُ حِينَئِذٍ تَوَقُّفُ حِلِّهَا لِلْأَوَّلِ عَلَى حَدِّهَا لِأَنَّهُ حَدُّ الْقَذْفِ. وَتَوْجِيهُ تَخْفِيفِهَا أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ وَاللِّعَانُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ زَنَتْ فَحُدَّتْ فَإِنَّ حَدَّهَا حِينَئِذٍ الْجَلْدُ لَا الرَّجْمُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُحْصَنَةٍ. اهـ. وَذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ الزِّنَا فِي الْمَدْخُولَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُضْمَرَاتِ بِأَنْ تَرْتَدَّ وَتَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ تُسْبَى وَتَقَعَ فِي مِلْكِ رَجُلٍ فَيَزْنِيَ رَجُلٌ بِهَا. اهـ. وَفِيهِ أَنَّ الْأَهْلِيَّةَ زَالَتْ بِالرِّدَّةِ لَا بِالزِّنَا. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالتَّخْفِيفِ، فَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْحَدَّ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ تُحَدَّ إلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْحَدِّ غَيْرُ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ عَلَى رِوَايَةِ التَّخْفِيفِ، بِخِلَافِهِ عَلَى التَّشْدِيدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: لِزَوَالِ الْعِفَّةِ) عِلَّةٌ لِحِلِّ النِّكَاحِ فِيمَا إذَا صَدَّقَتْهُ، أَوْ زَنَتْ، أَمَّا إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَلَمْ يُحَدَّ أَوْ حُدَّ بَعْدَ الْقَذْفِ فَلِظُهُورِ أَنَّ اللِّعَانَ لَمْ يَقَعْ مَوْقِعَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: عَنْ أَهْلِيَّةِ اللِّعَانِ) لِأَنَّهُمَا لَمْ يَبْقَيَا مُتَلَاعِنَيْنِ لَا حَقِيقَةً لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ التَّلَاعُنُ حِينَ وُقُوعِهِ، وَلَا حُكْمًا لِزَوَالِ الْأَهْلِيَّةِ الَّتِي كَانَ التَّلَاعُنُ بَاقِيًا بِهَا حُكْمًا بَعْدَ وُقُوعِهِ، فَلَا يُنَافِي الْحَدِيثَ كَمَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: لِدَرْئِهِ بِالشُّبْهَةِ) وَهِيَ احْتِمَالُ تَصْدِيقِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ لَوْ كَانَ نَاطِقًا (قَوْلُهُ: مَعَ فَقْدِ الرُّكْنِ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْخَرَسُ قَبْلَ اللِّعَانِ (قَوْلُهُ: وَلِذَا) أَيْ لِفَقْدِ الرُّكْنِ أَوْ لِلشُّبْهَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ النُّطْقِ فِي الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ، لَكِنَّ فِيهَا شُبْهَةً كَإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ فَيَنْدَرِئُ الْحَدُّ بِهَا. [مَطْلَبٌ الْحَمْلُ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ نَفْخًا] وَفِيهِ حِكَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ تَيَقُّنِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: إذْ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ نَفْخًا أَوْ مَاءً. وَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِي عَنْ بَعْضِ خَوَاصِّهَا أَنَّهُ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَاسْتَمَرَّ إلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَشْكُكْنَ فِيهِ حَتَّى تَهَيَّأَتْ لَهُ بِتَهْيِئَةِ ثِيَابِ الْمَوْلُودِ ثُمَّ أَصَابَهَا طَلْقٌ وَجَلَسَتْ الدَّايَةُ تَحْتَهَا فَلَمْ تَزَلْ تَعْصِرُ الْعَصْرَةَ بَعْدَ الْعَصْرَةِ وَفِي كُلِّ عَصْرَةٍ تَصُبُّ الْمَاءَ حَتَّى قَامَتْ فَارِغَةً مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ. وَأَمَّا تَوْرِيثُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 وَلَوْ تَيَقَّنَاهُ بِوِلَادَتِهَا لِأَقَلِّ الْمُدَّةِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ كُنْتِ حَامِلًا فَكَذَا، وَالْقَذْفُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ. (وَتَلَاعَنَا) بِقَوْلِهِ (زَنَيْتِ وَهَذَا الْحَمْلُ مِنْهُ) لِلْقَذْفِ الصَّرِيحِ (وَلَمْ يَنْفِ) الْحَاكِمُ (الْحَمْلَ) لِعَدَمِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ قَبْلَ وِلَادَتِهِ، وَنَفْيُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَدَ هِلَالٍ لِعِلْمِهِ بِالْوَحْيِ (نَفْيُ الْوَلَدِ) الْحَيِّ (عِنْدَ التَّهْنِئَةِ) وَمُدَّتُهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ عَادَةً (وَ) عِنْدَ (ابْتِيَاعِ آلَةِ الْوِلَادِ صَحَّ وَبَعْدَهُ لَا) لِإِقْرَارِهِ بِهِ دَلَالَةً، وَلَوْ غَائِبًا فَحَالَةُ عِلْمِهِ كَحَالَةِ وِلَادَتِهَا (وَلَاعَنَ فِيهِمَا) فِيمَا إذَا صَحَّ أَوَّلًا لِوُجُودِ الْقَذْفِ، فَقَدْ تَحَقَّقَ اللِّعَانُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ وَلَمْ يَنْتَفِ النَّسَبُ، فَقَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ " وَنَفَى نَسَبَهُ " لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ. . (نَفَى أَوَّلَ التَّوْأَمَيْنِ وَأَقَرَّ بِالثَّانِي حُدَّ) إنْ لَمْ يَرْجِعْ لِتَكْذِيبِهِ نَفْسَهُ   [رد المحتار] وَالْوَصِيَّةُ بِهِ وَلَهُ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ، فَيَثْبُتَانِ لِلْوَلَدِ لَا لِلْحَمْلِ. وَأَمَّا الْعِتْقُ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ فَعِتْقُهُ مُعَلَّقٌ مَعْنًى، وَأَمَّا رَدُّ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ بِالْحَمْلِ فَلِأَنَّ الْحَمْلَ ظَاهِرٌ، وَاحْتِمَالَ الرِّيحِ شُبْهَةٌ، وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ لَا يَمْتَنِعُ بِالشُّبْهَةِ، وَيَمْتَنِعُ اللِّعَانُ بِهَا لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْحُدُودِ، وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ بِالشُّبَهِ فَلَا يُقَاسُ عَلَى الْعَيْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَيَقَّنَاهُ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ يُجْرِيَانِ اللِّعَانَ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِهِ. (قَوْلُهُ: لِعِلْمِهِ بِالْوَحْيِ) أَيْ لِعِلْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَمْلِ وَحْيًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُرَادُ الْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّا بِهِ لِقَوْلِهِمَا إنَّهُ يُلَاعِنُ إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلِّ الْمُدَّةِ. وَعَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّهُ يُلَاعِنُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ، وَهَذَا بَعْدَ تَسْلِيمِ كَوْنِ هِلَالٍ قَذَفَهَا بِنَفْيِ الْحَمْلِ، فَقَدْ أَنْكَرَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ بَلْ قَذَفَهَا بِالزِّنَا وَقَالَ: وَجَدْتُ شَرِيكَ بْنَ سَحْمَاءَ عَلَى بَطْنِهَا يَزْنِي بِهَا عَلَى أَنَّ كَوْنَ لِعَانِهِمَا قَبْلَ الْوَضْعِ مُعَارَضٌ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّهُ بَعْدَهُ، فَلَا يُسْتَدَلُّ بِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لِلتَّعَارُضِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ، وَلَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَاهُ قَبْلَ الْوَضْعِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّارِحِ تَبَعًا لِلنَّهْرِ، وَإِنَّمَا فِيهِ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُنْظُرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِهِلَالٍ، أَوْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِشَرِيكٍ وَأَنَّهَا وَلَدَتْ فَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ وَجَاءَتْ بِهِ أَشْبَهَ النَّاسِ بِشَرِيكٍ» (قَوْلُهُ: عِنْدَ التَّهْنِئَةِ) بِالْهَمْزِ مِنْ هَنَّأْته بِالْوَلَدِ بِالتَّثْقِيلِ وَالْهَمْزِ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: وَمُدَّتُهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ عَادَةً) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَمْ يُقَدَّرْ زَمَنُهَا بِشَيْءٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ الْإِمَامِ تَقْدِيرُهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ سَبْعَةٌ وَضَعَّفَهُ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّ نَصْبَ الْمَقَادِيرِ بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. وَعِنْدَهُمَا تَقْدِيرُهُ بِمُدَّةِ النِّفَاسِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ ابْتِيَاعِ آلَةِ الْوِلَادَةِ) أَيْ عِنْدَ شِرَائِهَا كَالْمَهْدِ وَنَحْوِهِ، وَالْوَاوُ بِمَعْنَى " أَوْ " كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ وَكَلَامُ الْفَتْحِ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَبَعْدَهُ لَا) أَيْ بَعْدَ قَبُولِهِ التَّهْنِئَةَ أَوْ سُكُوتِهِ عِنْدَهَا، أَوْ شِرَاءِ آلَةِ الْوِلَادَةِ، وَسُكُوتِهِ عَنْ النَّفْيِ، وَمُضِيُّ ذَلِكَ الْوَقْتِ إقْرَارٌ مِنْهُ مِنَحٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي اُعْتُبِرَ فِيهَا السُّكُوتُ رِضًا إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي وَلَدِ الْأَمَةِ إذَا هُنِّئَ بِهِ فَسَكَتَ لَا يَكُونُ قَبُولًا لِأَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ إلَّا بِالدَّعْوَةِ، وَالسُّكُوتُ لَيْسَ دَعْوَةً، وَنَسَبُ وَلَدِ الْمَنْكُوحَةِ ثَابِتٌ مِنْهُ فَسُكُوتُهُ يُسْقِطُ حَقَّهُ فِي النَّفْيِ اهـ وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ كَوَلَدِ الْمَنْكُوحَةِ لِأَنَّ لَهَا فِرَاشًا، بِخِلَافِ الْأَمَةِ لِأَنَّهَا لَا فِرَاشَ لَهَا جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ: فَحَالَةُ عِلْمِهِ كَحَالَةِ وِلَادَتِهَا) فَتُجْعَلُ كَأَنَّهَا وَلَدَتْهُ الْآنَ، فَلَهُ النَّفْيُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مِقْدَارِ مَا يَقْبَلُ فِيهِ التَّهْنِئَةَ. وَعِنْدَهُمَا فِي مِقْدَارِ مُدَّةِ النِّفَاسِ بَعْدَ الْقُدُومِ كَمَا فِي الْفَتْحِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ: لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ) بَلْ هُوَ مَشْرُوطٌ بِالشُّرُوطِ السِّتَّةِ الْمَارَّةِ. (قَوْلُهُ: نَفَى أَوَّلَ التَّوْأَمَيْنِ) تَثْنِيَةُ تَوْأَمٍ فَوْعَلٍ، وَالْأُنْثَى تَوْأَمَةٌ، وَالْجَمْعُ تَوَائِمُ وَتُؤَامٌ كَدُخَانٍ مِصْبَاحٌ. وَهُمَا وَلَدَانِ بَيْنَ وِلَادَتِهِمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَرْجِعْ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالثَّانِي يُلَاعِنُ. اهـ. ح. وَذَكَرَ الرَّحْمَتِيُّ أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالدُّرَرِ وَالْمِنَحِ وَغَيْرِهَا وَلَا هُوَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى، وَكَأَنَّهُ غَلَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ لِأَنَّهُ بِإِقْرَارِهِ بِالثَّانِي كَذَّبَ نَفْسَهُ بِنَفْيِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَصَارَ قَاذِفًا، وَرُجُوعُهُ لَا يُسْقِطُ الْحَدَّ عَنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِتَكْذِيبِهِ نَفْسَهُ) أَيْ بِإِقْرَارِهِ بِالثَّانِي، وَهَذَا عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 (وَإِنْ عَكَسَ لَاعَنَ) إنْ لَمْ يَرْجِعْ لِقَذْفِهَا بِنَفْيِهِ (وَالنَّسَبُ ثَابِتٌ فِيهِمَا) لِأَنَّهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ. . (وَلَوْ جَاءَتْ بِثَلَاثَةٍ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَنَفَى) الثَّانِيَ وَأَقَرَّ بِالْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ لَاعَنَ وَهُمْ بَنُوهُ، وَلَوْ نَفَى الْأَوَّلَ وَ (الثَّالِثَ وَأَقَرَّ بِالثَّانِي يُحَدُّ وَهُمْ بَنُوهُ) كَمَوْتِ أَحَدِهِمْ شُمُنِّيٌّ. . (مَاتَ وَلَدُ اللِّعَانِ وَلَهُ وَلَدٌ فَادَّعَاهُ الْمُلَاعِنُ، إنْ وَلَدُ اللِّعَانِ ذَكَرًا يَثْبُتُ نَسَبُهُ) إجْمَاعًا (وَإِنْ) كَانَ (أُنْثَى لَا) لِاسْتِغْنَائِهِ بِنَسَبِ أَبِيهِ خِلَافًا لَهُمَا ابْنُ مَلِكٍ.   [رد المحتار] حُدَّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَكَسَ) بِأَنْ أَقَرَّ بِالْأَوَّلِ وَنَفَى الثَّانِيَ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَرْجِعْ) لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ لَا يُلَاعِنُ بَلْ يُحَدُّ. اهـ. ح لِأَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ، وَهَذَا صَحِيحٌ مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ وَلِمَا يَأْتِي قَرِيبًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لِقَذْفِهَا بِنَفْيِهِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَاعَنَ. اهـ. ح. قَالَ فِي الْفَتْحِ: لَا يُقَالُ ثُبُوتُ نَسَبِ الْأَوَّلِ مُعْتَبَرٌ بَاقٍ بَعْدَ نَفْيِ الثَّانِي؛ فَبِاعْتِبَارِ بَقَائِهِ شَرْعًا يَكُونُ مُكَذِّبًا نَفْسَهُ بَعْدَ نَفْيِ الثَّانِي وَذَلِكَ يُوجِبُ الْحَدَّ. لِأَنَّا نَقُولُ الْحَقِيقَةُ انْقِطَاعُهُ وَثُبُوتُهُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ وَالْحَدُّ لَا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ، فَكَانَ اعْتِبَارُ الْحَقِيقَةِ هُنَا مُتَعَيَّنًا لَا الْحُكْمِيِّ اهـ وَقَوْلُهُ: وَذَلِكَ يُوجِبُ الْحَدَّ يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ ح مِنْ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ يُحَدُّ. وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بَعْدَ نَفْيِ الثَّانِي هُمَا ابْنَايَ، أَوْ لَيْسَا بِابْنَيَّ فَلَا حَدَّ فِيهِمَا اهـ لِعَدَمِ الرُّجُوعِ فِي الْأَوَّلِ وَعَدَمِ الْقَذْفِ فِي الثَّانِي. فَفِي الْفَتْحِ: وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: هُمَا وَلَدَايَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَادِقٌ لِثُبُوتِ نَسَبِهِمَا، وَلَا يَكُونُ رُجُوعًا لِعَدَمِ إكْذَابِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا لِلتَّصْرِيحِ بِالرُّجُوعِ. وَلَوْ قَالَ: لَيْسَا ابْنَيَّ كَانَا ابْنَيْهِ، وَلَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَفَى أَحَدَهُمَا وَذَلِكَ نَفْيٌ لِلتَّوْأَمَيْنِ فَلَيْسَا وَلَدَيْهِ مِنْ وَجْهٍ وَلَمْ يَكُنْ قَاذِفًا لَهَا مُطْلَقًا بَلْ مِنْ وَجْهٍ اهـ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: لَاعَنَ) كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ، وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْوَجِيزِ، وَمُقْتَضَى مَا فِي النَّهْرِ أَنَّهُ يُحَدُّ، وَعَزَاهُ إلَى الْفَتْحِ، وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ فَافْهَمْ، نَعَمْ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: إنَّ مَا هُنَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ بِإِقْرَارِهِ بِالثَّالِثِ صَارَ مُكَذِّبًا نَفْسَهُ فِي نَفْيِ الثَّانِي فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِكْذَابِ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلتَّلَاعُنِ. اهـ. قُلْت: وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْأَوَّلِ كَانَ إقْرَارًا بِالْكُلِّ فَيَكُونُ إقْرَارُهُ بِالثَّالِثِ تَأْكِيدًا لِإِقْرَارِهِ أَوَّلًا، فَلَمْ يَكُنْ رُجُوعًا لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ كَمَا مَرَّ آنِفًا وَلِذَا عَلَّلَ فِي الْفَتْحِ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِثُبُوتِ نَسَبِ بَعْضِ الْحَمْلِ إقْرَارٌ بِالْكُلِّ، كَمَنْ قَالَ: يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ مِنِّي. وَقَالَ: وَكَذَا فِي وَلَدٍ وَاحِدٍ إذَا أَقَرَّ بِهِ وَنَفَاهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ يُلَاعِنُ وَيَلْزَمُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُحَدُّ) لِأَنَّهُ لَمَّا نَفَى الْأَوَّلَ لَزِمَهُ اللِّعَانُ فَلَمَّا أَقَرَّ بِالثَّانِي صَارَ مُكَذِّبًا نَفْسَهُ فَلَزِمَهُ الْحَدُّ وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ بَعْدُ (قَوْلُهُ: كَمَوْتِ أَحَدِهِمْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: لَوْ نَفَاهُمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ قُتِلَ قَبْلَ اللِّعَانِ لَزِمَاهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَفْيُ الْمَيِّتِ لِانْتِهَائِهِ بِالْمَوْتِ وَاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ فَلَا يَنْتَفِي الْحَيُّ لِأَنَّهُ لَا يُفَارِقُهُ، وَيُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الْقَذْفِ، وَاللِّعَانُ يَنْفَكُّ عَنْ نَفْيِ الْوَلَدِ، وَلَا يُلَاعَنُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْقَذْفَ أَوْجَبَ لِعَانًا يَقْطَعُ النَّسَبَ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَاقْتَصَرَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي عَلَى ذِكْرِ الْأَوَّلِ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ، فَعُلِمَ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْكُلِّ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ ذِكْرُ قَوْلِهِ كَمَوْتِ أَحَدِهِمْ عَقِبَ قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَاعَنَ وَهُمْ بَنُوهُ لِيَكُونَ التَّشْبِيهُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ وَاللِّعَانِ، أَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ اللِّعَانِ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيَقْتَضِي وُجُوبَ الْحَدِّ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ اللِّعَانِ، فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْحَدِّ أَيْضًا لِأَنَّ اللِّعَانَ سَقَطَ لِمَعْنًى لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ. (قَوْلُهُ: يَثْبُتُ نَسَبُهُ) أَيْ نَسَبُ وَلَدِ وَلَدِ اللِّعَانِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَوَرِثَ الْأَبُ مِنْهُ اتِّفَاقًا لِحَاجَةِ الْوَلَدِ الثَّانِي إلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ فَبَقَاؤُهُ كَبَقَاءِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: لِاسْتِغْنَائِهِ) أَيْ اسْتِغْنَاءِ وَلَدِ الْأُنْثَى بِنَسَبِ أَبِيهِ، فَإِنَّ وَلَدَ الْبِنْتِ يُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: قَيَّدَ بِمَوْتِهَا أَيْ مَوْتِ الْأُنْثَى الْمَنْفِيَّةِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً ثَبَتَ نَسَبُهَا بِدَعْوَةِ وَلَدِهَا اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 492 فُرُوعٌ] الْإِقْرَارُ بِالْوَلَدِ الَّذِي لَيْسَ مِنْهُ حَرَامٌ كَالسُّكُوتِ لِاسْتِلْحَاقِ نَسَبِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ بَحْرٌ. وَفِيهِ مَتَى سَقَطَ اللِّعَانُ بِوَجْهٍ مَا، أَوْ ثَبَتَ النَّسَبُ بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِطَرِيقِ الْحُكْمِ لَمْ يَنْتَفِ نَسَبُهُ أَبَدًا، فَلَوْ نَفَاهُ وَلَمْ يُلَاعِنْ حَتَّى قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ بِالْوَلَدِ فَحُدَّ فَقَدْ ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ، وَلَا يَنْتَفِي بَعْدَ ذَلِكَ. . نَفَى نَسَبَ التَّوْأَمَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ تَوْأَمِهِ وَأُمِّهِ وَأَخٍ لِأُمٍّ فَالْإِرْثُ أَثْلَاثًا فَرْضًا وَرَدًّا لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأَخَوَيْنِ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي يُرَدُّ عَلَيْهِمْ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ نَفْيَهُ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ عَصَبَةً، قَالُوا وَصَرَّحُوا بِبَقَاءِ نَسَبِهِ بَعْدَ الْقَطْعِ فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ لِقِيَامِ فِرَاشِهَا إلَّا فِي حُكْمَيْنِ: الْإِرْثِ وَالنَّفَقَةِ فَقَطْ، حَتَّى لَا تَصِحَّ دَعْوَةُ غَيْرِ النَّافِي وَإِنْ صَدَّقَهُ الْوَلَدُ انْتَهَى قُلْت: قَالَ الْبَهْنَسِيُّ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ، أَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُلَاعِنِ فَلْيُحْفَظْ.   [رد المحتار] نَسَبُهُ مِنْهُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: الْإِقْرَارُ بِالْوَلَدِ إلَخْ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ نَزَلَتْ آيَةُ الْمُلَاعَنَةِ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ ادَّعَى أَبًا فِي الْإِسْلَامِ غَيْرَ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: بِوَجْهٍ مَا) كَعَدَمِ صُلُوحِ أَحَدِهِمَا لِلشَّهَادَةِ، أَوْ عَدَمِ الْإِحْصَانِ (قَوْلُهُ: فَقَدْ ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ) أَيْ ضِمْنًا لِأَنَّ حَدَّ قَاذِفِهَا يَتَضَمَّنُ ثُبُوتَ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْ أَبِيهِ. (قَوْلُهُ: فَالْإِرْثُ أَثْلَاثًا إلَخْ) الْإِرْثُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ " يَكُونُ "، أَوْ " يَثْبُتُ ". وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ: حُكْمُك مُسَمَّطًا، وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَعَزَاهُ فِي الْبَحْرِ قَبْلَ هَذَا إلَى شَهَادَاتِ الْجَامِعِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْفَرَائِضِ مِنْ أَنَّهُ يَرِثُ مِنْ تَوْأَمِهِ مِيرَاثَ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ، وَمِثْلُهُ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ مَعْزِيًّا إلَى الِاخْتِيَارِ، لَكِنْ نَسَبَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ الْأَوَّلَ إلَى عُلَمَائِنَا وَنَسَبَ الثَّانِيَ إلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي الْفَرَائِضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ: يُرَدُّ عَلَيْهِمْ) أَيْ بِقَدْرِ حِصَصِهِمْ، فَيَخُصُّ كُلًّا ثُلُثٌ، فَالْمَسْأَلَةُ الْفَرْضِيَّةُ مِنْ سِتَّةٍ وَالرَّدِّيَّةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ ط (قَوْلُهُ: وَبِهِ عُلِمَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ قَطْعَ النَّسَبِ جَرَى فِي التَّوْأَمِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْطَعْ نَسَبَهُ عَنْ أَخِيهِ التَّوْأَمِ لَكَانَ عَصَبَةً يَأْخُذُ الثُّلُثَيْنِ وَقَطْعُ النَّسَبِ عَنْ أَخِيهِ التَّوْأَمِ بِالتَّبَعِيَّةِ لِأَبِيهِمَا، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ) فَيَبْقَى النَّسَبُ بَيْنَ الْوَلَدِ وَالْمَلَاعِنِ فِي حَقِّ الشَّهَادَةِ وَالزَّكَاةِ وَالْقِصَاصِ وَالنِّكَاحِ وَعَدَمِ اللُّحُوقِ بِالْغَيْرِ، حَتَّى لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، وَلَا صَرْفُ زَكَاةِ مَالِهِ إلَيْهِ، وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْأَبِ بِقَتْلِهِ، وَلَوْ كَانَ لِابْنِ الْمُلَاعِنَةِ ابْنٌ وَلِلزَّوْجِ بِنْتٌ مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى لَا يَجُوزُ لِلِابْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِتِلْكَ الْبِنْتِ، وَلَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ هَذَا الْوَلَدَ لَا يَصِحُّ إنْ صَدَّقَهُ الْوَلَدُ فِي ذَلِكَ فَتْحٌ عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ: لِقِيَامِ فِرَاشِهَا) أَيْ لِثُبُوتِ كَوْنِهَا فِرَاشًا: أَيْ زَوْجَةً وَقْتَ الْوِلَادَةِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ يُسَمَّى فِرَاشًا لِلْآخَرِ كَمَا يُسَمَّى لِبَاسًا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّ النَّفْيَ بِاللِّعَانِ ثَبَتَ شَرْعًا، بِخِلَافِ الْأَصْلِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ وَظَنِّهِ مَعَ كَوْنِهِ مَوْلُودًا عَلَى فِرَاشِهِ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ سَائِرِ الْأَحْكَامِ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا تَصِحَّ دَعْوَةُ غَيْرِ النَّافِي) أَمَّا دَعْوَةُ النَّافِي فَتَصِحُّ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ الْمَنْفِيُّ كَبِيرًا جَاحِدًا لِلنَّسَبِ مِنْ النَّافِي بَحْرٌ (قَوْلُهُ: قَالَ الْبَهْنَسِيُّ إلَخْ) كَذَا رَأَيْته فِي شَرْحِ الْبَهْنَسِيِّ عَلَى الْمُلْتَقَى غَيْرَ مَعْزِيٍّ لِأَحَدٍ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ بَحْثًا فَإِنَّهُ قَالَ - بَعْدَ نَقْلِهِ مَا مَرَّ عَنْ الذَّخِيرَةِ -: وَهُوَ مُشْكِلٌ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى مِمَّنْ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَادَّعَاهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَلَاعِنِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ وَهُوَ مَقْطُوعُ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ وَوَقَعَ الْإِيَاسُ مِنْ ثُبُوتِهِ مِنْ الْمُلَاعِنِ وَثُبُوتُهُ مِنْ أُمِّهِ لَا يُنَافِيهِ،. اهـ. أَيْ لِإِمْكَانِ كَوْنِهِ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 493 بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ (هُوَ) لُغَةً مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ فِعِّيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ جَمْعُهُ عُنُنٌ. وَشَرْعًا (مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى جِمَاعِ فَرْجِ زَوْجَتِهِ) يَعْنِي لِمَانِعٍ مِنْهُ كَكِبْرِ سِنٍّ، أَوْ سِحْرٍ، إذْ الرَّتْقَاءُ لَا خِيَارَ لَهَا لِلْمَانِعِ مِنْهَا خَانِيَّةٌ. (إذَا وَجَدَتْ) الْمَرْأَةُ (زَوْجَهَا مَجْبُوبًا) ، أَوْ مَقْطُوعَ الذَّكَرِ فَقَطْ أَوْ صَغِيرَهُ جِدًّا كَالزِّرِّ، وَلَوْ قَصِيرًا لَا يُمْكِنُهُ إدْخَالُهُ دَاخِلَ الْفَرْجِ فَلَيْسَ لَهَا الْفُرْقَةُ بَحْرٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ.   [رد المحتار] [بَابُ الْعِنِّينِ] ِ وَغَيْرِهِ: شُرُوعٌ فِي بَيَانِ مَنْ بِهِ مَرَضٌ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالنِّكَاحِ (قَوْلُهُ: وَغَيْرِهِ) الْأَوْلَى وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى جِمَاعِ زَوْجَتِهِ: كَالْمَجْبُوبِ، وَالْخَصِيِّ، وَالْمَسْحُورِ، وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ، وَالشَّكَّازِ - كَشَدَّادٍ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ وَزَايٍ -: مَنْ إذَا حَدَّثَ الْمَرْأَةَ أَنْزَلَ قَبْلَ أَنْ يُخَالِطَهَا قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: عَلَى الْجِمَاعِ) أَيْ جِمَاعِ زَوْجَتِهِ، أَوْ غَيْرِهَا، فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ الْآتِي (قَوْلُهُ: فِعِّيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عُنَّ بِمَعْنَى حُبِسَ لَا مِنْ عَنَّ بِمَعْنَى أَعْرَضَ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَسُمِّيَ عِنِّينًا لِأَنَّ ذَكَرَهُ يَعِنُّ بِقُبُلِ الْمَرْأَةِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ أَيْ يَعْتَرِضُ إذَا أَرَادَ إيلَاجَهُ. وَالْعُنَّةُ: بِالضَّمِّ حَظِيرَةٌ لِلْإِبِلِ وَالْخَيْلِ، فَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ لَوْ عُنَّ عَنْ امْرَأَةٍ يُخَرَّجُ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يُقَالُ عَنَّ عَنْ الشَّيْءِ يَعِنُّ مِنْ بَابِ ضَرَبَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ: إذَا أَعْرَضَ عَنْهُ وَانْصَرَفَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. اهـ. وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَ الْفُقَهَاءِ " بِهِ عُنَّةٌ " - وَفِي كَلَامِ الْجَوْهَرِيِّ مَا يُشْبِهُهُ - كَلَامٌ سَاقِطٌ. وَالْمَشْهُورُ رَجُلٌ عِنِّينٌ بَيِّنُ التَّعْنِينِ وَالْعِنِينَةِ (قَوْلُهُ: جَمْعُهُ عُنُنٌ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: عَلَى جِمَاعِ فَرْجِ زَوْجَتِهِ) - أَيْ مَعَ وُجُودِ الْآلَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ تَقُومُ أَوْ لَا - أَخْرَجَ الدُّبُرَ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُنَّةِ بِالْإِدْخَالِ فِيهِ خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ مِنْ الْحَنَابِلَةِ مِعْرَاجٌ لِأَنَّ الْإِدْخَالَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ أَشَدَّ، لَكِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَمْنُوعًا عَنْ الْإِدْخَالِ فِي الْفَرْجِ لِسِحْرٍ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا مَا لَوْ قَدَرَ عَلَى جِمَاعِ غَيْرِهَا دُونَهَا، أَوْ عَلَى الثَّيِّبِ دُونَ الْبِكْرِ. وَفِي الْمِعْرَاجِ: إذَا أَوْلَجَ الْحَشَفَةَ فَقَطْ فَلَيْسَ بِعِنِّينٍ وَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إيلَاجِ بَقِيَّةِ الذَّكَرِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِقَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا قَطَعَتْ ذَكَرَهُ، وَإِطْلَاقُ الْمَجْبُوبِ يَشْمَلُهُ، لَكِنَّ قَوْلَهُمْ لَوْ رَضِيَتْ بِهِ فَلَا خِيَارَ لَهَا يُنَافِيهِ، وَلَهُ نَظِيرَانِ: أَحَدُهُمَا لَوْ خَرَّبَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ. الثَّانِي لَوْ أَتْلَفَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ اهـ أَيْ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ فَسْخُ الْإِجَارَةِ وَلَا الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ (قَوْلُهُ: لِمَانِعٍ مِنْهُ) أَيْ فَقَطْ؛ فَخَرَجَ مَا إذَا كَانَ الْمَانِعُ مِنْهَا فَقَطْ، أَوْ مِنْهُمَا جَمِيعًا كَمَا يَأْتِي ط (قَوْلُهُ: أَوْ سِحْرٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَهُوَ عِنِّينٌ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَصِلُ إلَيْهَا لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ فِي حَقِّهَا، فَإِنَّ السِّحْرَ عِنْدَنَا حَقٌّ وُجُودَهُ وَتَصَوُّرَهُ وَتَكَوُّنَ أَثَرِهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ: إذْ الرَّتْقَاءُ) أَيْ الَّتِي وَجَدَتْ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا وَالْقَرْنَاءُ مِثْلُهَا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: مَجْبُوبًا) فِي الْمِصْبَاحِ جَبَبْته جَبًّا مِنْ بَابِ قَتَلَ: قَطَعْته وَهُوَ مَجْبُوبٌ بَيِّنُ الْجِبَابِ - بِالْكَسْرِ -: إذَا اُسْتُؤْصِلَتْ مَذَاكِيرُهُ اهـ فَالْمَصْدَرُ هُوَ الْجَبُّ وَالِاسْمُ هُوَ الْجِبَابُ فَافْهَمْ، وَالْمَذَاكِيرُ جَمْعُ ذَكَرٍ وَالْمُرَادُ بِهَا الذَّكَرُ وَالْخُصْيَتَانِ تَغْلِيبًا (قَوْلُهُ: أَوْ مَقْطُوعَ الذَّكَرِ فَقَطْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْطَى هَذَا الْحُكْمَ اهـ وَهَذَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ (قَوْلُهُ: أَوْ صَغِيرَهُ) بِهَاءِ الضَّمِيرِ أَيْ صَغِيرَ الذَّكَرِ، وَقَوْلُهُ: جِدًّا أَيْ نِهَايَةً وَمُبَالَغَةً مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: كَالزِّرِّ) بِالزَّايِ الْمَكْسُورَةِ وَاحِدُ الْأَزْرَارِ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ) أَشَارَ إلَى مَا قَالَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْوَهْبَانِيَّةِ. أَقُولُ: إنَّ هَذَا حَالُهُ دُونَ حَالِ الْعِنِّينِ لِإِمْكَانِ زَوَالِ عُنَّتِهِ فَيَصِلُ إلَيْهَا. وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ هُنَا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَجْبُوبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 494 وَفِيهِ: الْمَجْبُوبُ كَالْعِنِّينِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ؛ التَّأْجِيلِ، وَمَجِيءِ الْوَلَدِ (فَرَّقَ) الْحَاكِمُ بِطَلَبِهَا لَوْ حُرَّةً بَالِغَةً غَيْرَ رَتْقَاءَ وَقَرْنَاءَ وَغَيْرَ عَالِمَةٍ بِحَالِهِ قَبْلَ النِّكَاحِ وَغَيْرَ رَاضِيَةٍ بِهِ بَعْدَهُ (بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ) وَلَوْ الْمَجْبُوبُ صَغِيرًا لِعَدَمِ فَائِدَةِ التَّأْجِيلِ. (فَلَوْ جُبَّ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَيْهَا) مَرَّةً (أَوْ صَارَ عِنِّينًا بَعْدَهُ) أَيْ الْوُصُولِ (لَا) يُفَرَّقُ لِحُصُولِ حَقِّهَا بِالْوَطْءِ مَرَّةً. (جَاءَتْ امْرَأَةُ الْمَجْبُوبِ بِوَلَدٍ) وَلَمْ تَعْلَمْ بِجَبِّهِ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ.   [رد المحتار] بِجَامِعِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إدْخَالُ آلَتِهِ الْقَصِيرَةِ دَاخِلَ الْفَرْجِ، فَالضَّرَرُ الْحَاصِلُ لِلْمَرْأَةِ بِهِ مُسَاوٍ لِضَرَرِ الْمَجْبُوبِ فَلَهَا طَلَبُ التَّفْرِيقِ؛ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ انْتِفَاءَ التَّفْرِيقِ لَا وَجْهَ لَهُ وَهُوَ مِنْ الْقُنْيَةِ فَلَا يُسَلَّمُ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ، بَلْ نَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ. وَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِدَاخِلِ الْفَرْجِ نِهَايَتُهُ الْمُعْتَادُ الْوُصُولُ إلَيْهَا، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُ إدْخَالُهُ أَصْلًا فَإِنَّهُ كَالْمَجْبُوبِ لِتَقْيِيدِهِ بِالدَّاخِلِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي اشْتِرَاطِ إدْخَالِ الْحَشَفَةِ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ؛ التَّأْجِيلِ، وَمَجِيءِ الْوَلَدِ) أَيْ إنَّ الْمَجْبُوبَ لَا يُؤَجَّلُ بَلْ يُفَرَّقُ فِي الْحَالِ، وَلَوْ وَلَدَتْ امْرَأَتُهُ بَعْدَ التَّفْرِيقِ لَا يَبْطُلُ التَّفْرِيقُ كَمَا يَأْتِي. وَزَادَ فِي الْبَحْرِ مَسْأَلَتَيْنِ أَيْضًا: أَنَّهُ يُفَرَّقُ بِلَا انْتِظَارِ بُلُوغِهِ، وَلَا انْتِظَارِ صِحَّتِهِ لَوْ مَرِيضًا (قَوْلُهُ: فَرَّقَ الْحَاكِمُ) وَهُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ كَفُرْقَةِ الْعِنِّينِ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَلَهَا كُلُّ الْمَهْرِ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ إنْ خَلَا بِهَا عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا لَهَا نِصْفُهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَخْلُ بِهَا بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: بِطَلَبِهَا) هُوَ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ: لَوْ حُرَّةً) أَمَّا الْأَمَةُ فَالْخِيَارُ لِمَوْلَاهَا كَمَا يَأْتِي مَتْنًا (قَوْلُهُ: بَالِغَةً) فَلَوْ صَغِيرَةً اُنْتُظِرَ بُلُوغُهَا فِي الْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَرْضَى بِهِمَا بَحْرٌ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا الْعَقْلُ فَغَيْرُ شَرْطٍ فَيُفَرَّقُ بِطَلَبِ وَلِيِّ الْمَجْنُونَةِ أَوْ مَنْ يَنْصِبُهُ الْقَاضِي كَمَا فِي الْفَتْحِ وَيَأْتِي (قَوْلُهُ: غَيْرَ رَتْقَاءَ وَقَرْنَاءَ) أَمَّا هُمَا فَلَا خِيَارَ لَهُمَا لِتَحَقُّقِ الْمَانِعِ مِنْهُمَا كَمَا مَرَّ وَلِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمَا فِي الْجِمَاعِ، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة: لَوْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِهَا رَتْقَاءَ يُرِيهَا النِّسَاءَ (قَوْلُهُ: وَغَيْرَ عَالِمَةٍ بِحَالِهِ إلَخْ) أَمَّا لَوْ كَانَتْ عَالِمَةً فَلَا خِيَارَ لَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا يَأْتِي، وَكَذَا لَوْ رَضِيَتْ بِهِ بَعْدَ النِّكَاحِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ الْمَجْبُوبُ صَغِيرًا) قَيَّدَ بِالْمَجْبُوبِ لِأَنَّ الْعِنِّينَ لَوْ كَانَ صَغِيرًا يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ كَمَا مَرَّ، وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ الْمَجْنُونَ بِالنُّونِ. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ: لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَجْنُونًا فَإِنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ إلَى عَقْلِهِ فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ فِي الْجَبِّ وَبَعْدَ التَّأْجِيلِ فِي الْعِنِّينِ لِأَنَّ الْجُنُونَ لَا يَعْدَمُ الشَّهْوَةَ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَوْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ هَلْ تُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ؟ لَمْ أَرَ الْمَسْأَلَةَ. وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ هُوَ الزَّوْجَ لَا يُنْتَظَرُ، وَفِي الزَّوْجَةِ تُنْتَظَرُ لِجَوَازِ رِضَاهَا بِهِ إذَا هِيَ أَفَاقَتْ كَمَا لَوْ كَانَتْ غَيْرَ بَالِغَةٍ. اهـ. وَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْمَجْنُونَ لَا يُؤَجَّلُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ: وَيُؤَهَّلُ الصَّبِيُّ هُنَا لِلطَّلَاقِ فِي مَسْأَلَةِ الْجَبِّ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ كَمَا يُؤَهَّلُ لِيُعْتِقَ الْقَرِيبَ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ فُرْقَةً بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. اهـ. [تَتِمَّةٌ] : لَوْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِهِ مَجْبُوبًا، فَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ بِالْمَسِّ مِنْ وَرَاءِ الثِّيَابِ أَمَرَ الْقَاضِي أَمِينًا أَنْ يَنْظُرَ إلَى عَوْرَتِهِ فَيُخْبِرَ بِحَالِهِ لِأَنَّهُ يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ خَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: لِحُصُولِ حَقِّهَا بِالْوَطْءِ مَرَّةً) وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فَهُوَ مُسْتَحَقٌّ دِيَانَةً لَا قَضَاءً بَحْرٌ عَنْ جَامِعِ قَاضِي خَانْ، وَيَأْثَمُ إذَا تَرَكَ الدِّيَانَةَ مُتَعَنِّتًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَطْءِ ط. (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَعْلَمْ) أَيْ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَقَيَّدَ بِهِ لِيَثْبُتَ الْخِيَارُ لَهَا (قَوْلُهُ: فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ) الَّذِي فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَأَثْبَتَ الْقَاضِي نَسَبَهُ، فَلَوْ أَتَى بِالْعَطْفِ لَزَالَتْ الرَّكَاكَةُ. قَالَ ط: وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالدَّعْوَى لِدَفْعِ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَمَّا ادَّعَاهُ وَسَلِمَتْ دَعْوَاهُ صَرِيحًا يَسْقُطُ حَقُّهَا، وَإِلَّا فَثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّعْوَى كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ الْهِنْدِيَّةِ. اهـ. قُلْت: وَهُوَ مُفَادُ مَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة. وَفِي عِدَّةِ الْبَحْرِ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ: وَالْخَصِيُّ كَالصَّحِيحِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 495 ثُمَّ عَلِمَتْ فَلَهَا الْفُرْقَةُ تَتَارْخَانِيَّةٌ؛ وَلَوْ وَلَدَتْ (بَعْدَ التَّفْرِيقِ إلَى سَنَتَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُ) لِإِنْزَالِهِ بِالسَّحْقِ (وَالتَّفْرِيقُ) بَاقٍ (بِحَالِهِ) لِبَقَاءِ جَبِّهِ (وَلَوْ) كَانَ (عِنِّينًا بَطَلَ التَّفْرِيقُ) لِزَوَالِ عُنَّتِهِ بِثُبُوتِ نَسَبِهِ كَمَا يَبْطُلُ التَّفْرِيقُ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى إقْرَارِهَا بِالْوُصُولِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ لَا بَعْدَهُ لِلتُّهْمَةِ فَسَقَطَ نَظَرُ الزَّيْلَعِيِّ. (وَلَوْ وَجَدَتْهُ عِنِّينًا) هُوَ مَنْ لَا يَصِلُ إلَى النِّسَاءِ لِمَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ، أَوْ سِحْرٍ وَيُسَمَّى الْمَعْقُودَ وَهْبَانِيَّةٌ (أَوْ خَصِيًّا) لَا يَنْتَشِرُ ذَكَرُهُ، فَإِنْ انْتَشَرَ لَمْ تُخَيَّرْ بَحْرٌ، وَعَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِخَفَائِهِ وَإِنْ كَانَ بِأَوْ لِأَنَّ الْفُقَهَاءَ.   [رد المحتار] فِي الْوَلَدِ وَالْعِدَّةِ وَكَذَا الْمَجْبُوبُ إذَا كَانَ يُنْزِلُ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَلَدُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ فِي الْوَلَدِ وَالْعِدَّةِ (قَوْلُهُ: ثَبَتَ نَسَبُهُ) أَيْ إذَا خَلَا بِهَا. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مَجْبُوبًا فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ لَزِمَهُ الْوَلَدُ خَلَا بِهَا، أَوْ لَمْ يَخْلُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُهُ إلَى سَنَتَيْنِ إذَا خَلَا بِهَا وَالْفُرْقَةُ مَاضِيَةٌ بِلَا خِلَافٍ (قَوْلُهُ: قَبْلَ التَّفْرِيقِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِقْرَارِهَا (قَوْلُهُ: لَا بَعْدَهُ) أَيْ لَا يَبْطُلُ التَّفْرِيقُ لَوْ أَقَرَّتْ بَعْدَهُ إنْ كَانَ وَصَلَ إلَيْهَا بَحْرٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى إقَامَةِ الزَّوْجِ الْبَيِّنَةَ هُنَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لِلتُّهْمَةِ) أَيْ بِاحْتِمَالِ كَذِبِهَا بَلْ هِيَ بِهِ مُتَنَاقِضَةٌ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَسَقَطَ نَظَرُ الزَّيْلَعِيِّ) هُوَ أَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ بِتَفْرِيقِهِ وَهُوَ بَائِنٌ فَكَيْفَ يَبْطُلُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بَعْدَ التَّفْرِيقِ أَنَّهُ كَانَ قَدْ وَصَلَ إلَيْهَا لَا يَبْطُلُ التَّفْرِيقُ. اهـ. وَجَوَابُهُ أَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْ الْمَجْبُوبِ بِاعْتِبَارِ الْإِنْزَالِ بِالسَّحْقِ، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ الْجَبِّ وَهُوَ مَوْجُودٌ، بِخِلَافِ ثُبُوتِهِ مِنْ الْعِنِّينِ فَإِنَّهُ يَظْهَرُ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِنِّينٍ وَالتَّفْرِيقُ بِاعْتِبَارِهِ، بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ مِنْ إقْرَارِهَا فَإِنَّهَا مُتَّهَمَةٌ فِي إبْطَالِ الْقَضَاءِ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهَا فَظَهَرَ أَنَّ الْبَحْثَ بَعِيدٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْرٌ. قُلْت: لَكِنْ قَدْ يُقَرِّبُهُ أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْ الْعِنِّينِ مَعَ بَقَاءِ عُنَّتِهِ بِالسَّحْقِ أَيْضًا، أَوْ بِالِاسْتِدْخَالِ فَلَا يَلْزَمُ زَوَالُ عُنَّتِهِ بِهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ وُجُودُ الْآلَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ حَصَلَ بِالْوَطْءِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ الْغَالِبُ فَلَا يُنْظَرُ إلَى النَّادِرِ بِلَا ضَرُورَةٍ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَجَدَتْهُ) أَيْ لَوْ وَجَدَتْ الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ غَيْرُ الرَّتْقَاءِ - كَمَا مَرَّ فِي زَوْجَةِ الْمَجْبُوبِ - زَوْجَهَا، وَلَوْ مَعْتُوهًا فَيُؤَجَّلُ بِحَضْرَةِ خَصْمٍ عَنْهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَيُشْتَرَطُ لِتَأْجِيلِهِ فِي الْحَالِ كَوْنُهُ بَالِغًا، أَوْ مُرَاهِقًا، وَكَوْنُهُ صَحِيحًا وَغَيْرَ مُتَلَبِّسٍ بِإِحْرَامٍ كَمَا سَيَأْتِي؛ وَشَمِلَ مَا لَوْ وَصَلَ إلَيْهَا ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا فِي النِّكَاحِ الثَّانِي لِتَجَدُّدِ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ بِكُلِّ عَقْدٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: عِنِّينًا) وَمِثْلُهُ الشَّكَّازُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: هُوَ مَنْ لَا يَصِلُ إلَى النِّسَاءِ إلَخْ) هَذَا مَعْنَاهُ لُغَةً، وَأَمَّا مَعْنَاهُ الشَّرْعِيُّ الْمُرَادُ هُنَا: فَهُوَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى جِمَاعِ فَرْجِ زَوْجَتِهِ مَعَ قِيَامِ الْآلَةِ لِمَرَضٍ بِهِ كَمَا مَرَّ، فَالْأَوْلَى حَذْفُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ كَمَا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: لِمَرَضٍ) أَيْ مَرَضِ الْعُنَّةِ: وَهُوَ مَا يَحْدُثُ فِي خُصُوصِ الْآلَةِ مَعَ صِحَّةِ الْجَسَدِ فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمَرِيضَ لَا يُؤَجَّلُ حَتَّى يَصِحَّ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَرَضُ الْمُضْعِفُ لِلْأَعْضَاءِ حَتَّى حَصَلَ بِهِ فُتُورٌ فِي الْآلَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَوْ سِحْرٍ) زَادَ فِي الْعِنَايَةِ، أَوْ ضَعْفٍ فِي أَصْلِ خِلْقَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. مَطْلَبٌ لِفَكِّ الْمَسْحُورِ وَالْمَرْبُوطِ [فَائِدَةٌ] نَقَلَ ط عَنْ تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ عَنْ كِتَابِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ مِمَّا يَنْفَعُ لِلْمَسْحُورِ وَالْمَرْبُوطِ أَنْ يُؤْتَى بِسَبْعِ وَرَقَاتِ سِدْرٍ خُضْرٍ وَتُدَقَّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ ثُمَّ تُمْزَجَ بِمَاءٍ وَيَحْسُوَ مِنْهُ وَيَغْتَسِلَ بِالْبَاقِي فَإِنَّهُ يَزُولُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: أَوْ خَصِيًّا) بِفَتْحِ الْخَاءِ: مَنْ نُزِعَ خُصْيَتَاهُ وَبَقِيَ ذَكَرُهُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَالْجَمْعُ خُصْيَانٌ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ عَلَى التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ لَا يَنْتَشِرُ، وَالْمُرَادُ الْجَوَابُ عَنْ اعْتِرَاضِ الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى عَطْفِهِ عَلَى الْعِنِّينِ لِدُخُولِهِ فِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 496 يَتَسَامَحُونَ فِي ذَلِكَ نَهْرٌ (أُجِّلَ سَنَةً) لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا عِبْرَةَ بِتَأْجِيلِ غَيْرِ قَاضِي الْبَلْدَةِ (قَمَرِيَّةً) بِالْأَهِلَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهِيَ ثَلَثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَبَعْضُ يَوْمٍ، وَقِيلَ: شَمْسِيَّةً بِالْأَيَّامِ وَهِيَ أَزْيَدُ بِأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، قِيلَ وَبِهِ يُفْتَى، وَلَوْ أُجِّلَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَبِالْأَيَّامِ إجْمَاعًا (وَرَمَضَانُ وَأَيَّامُ حَيْضِهَا مِنْهَا) .   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، لَكِنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نُكْتَةٍ كَمَا فِي عَطْفِ جِبْرِيلَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ لِزِيَادَةِ شَرَفِهِ، وَبَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ لِخَفَائِهِ: أَيْ خَفَاءِ دُخُولِهِ فِيهِ بِسَبَبِ تَسْمِيَتِهِ بِاسْمٍ خَاصٍّ. وَلَمَّا كَانَ الْمَشْهُورُ فِي عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ اخْتِصَاصَهُ بِالْوَاوِ وَبِحَتَّى كَمَا فِي: مَاتَ النَّاسُ حَتَّى الْأَنْبِيَاءُ دُونَ " أَوْ "، أَجَابَ بِأَنَّهُ تَسَامُحُ الْفُقَهَاءِ، وَالتَّسَامُحُ اسْتِعْمَالُ كَلِمَةٍ مَكَانَ أُخْرَى لَا لِعَلَاقَةٍ وَقَرِينَةٍ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ وَقَعَ بِأَوْ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا» وَجَوَّزَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِثُمَّ أَيْضًا كَمَا فِي حَدِيثِ «وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ ثُمَّ لْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ، وَلْيُحِدَّ شَفْرَتَهُ» . (قَوْلُهُ: لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ) لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِعِلَّةٍ مُعْتَرِضَةٍ، أَوْ آفَةٍ أَصْلِيَّةٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ عِلَّةٍ مُعْتَرِضَةٍ، فَإِمَّا عَنْ غَلَبَةِ حَرَارَةٍ أَوْ بُرُودَةٍ، أَوْ رُطُوبَةٍ، أَوْ يُبُوسَةٍ، وَالسَّنَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ. مَطْلَبٌ فِي طَبَائِعِ فُصُولِ السَّنَةِ الْأَرْبَعَةِ فَالصَّيْفُ حَارٌّ يَابِسٌ. وَالْخَرِيفُ بَارِدٌ يَابِسٌ، وَهُوَ أَرْدَأُ الْفُصُولِ. وَالشِّتَاءُ بَارِدٌ رَطْبٌ. وَالرَّبِيعُ حَارٌّ رَطْبٌ فَإِنْ كَانَ مَرَضُهُ عَنْ أَحَدِ هَذِهِ تَمَّ عِلَاجُهُ فِي الْفَصْلِ الْمُضَادِّ فِيهِ، أَوْ مِنْ كَيْفِيَّتَيْنِ فَيَتِمُّ فِي مَجْمُوعِ فَصْلَيْنِ مُضَادَّيْنِ، فَكَانَتْ السَّنَةُ تَمَامَ مَا يُتَعَرَّفُ بِهِ الْحَالُ، فَإِذَا مَضَتْ وَلَمْ يَصِلْ عُرِفَ أَنَّهُ بِآفَةٍ أَصْلِيَّةٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ قَدْ يَمْتَدُّ سِنِينَ بِآفَةٍ مُعْتَرِضَةٍ كَالْمَسْحُورِ. فَالْحَقُّ أَنَّ التَّفْرِيقَ إمَّا بِغَلَبَةِ ظَنِّ عَدَمِ زَوَالِهِ لِزَمَانَتِهِ أَوْ لِلْآفَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَمُضِيُّ السَّنَةِ مُوجِبٌ لِذَلِكَ، أَوْ هُوَ عَدَمُ إيفَاءِ حَقِّهَا، وَالسَّنَةُ جُعِلَتْ غَايَةً فِي الصَّبْرِ وَإِبْلَاءِ الْعُذْرِ شَرْعًا، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَلَا عِبْرَةَ بِتَأْجِيلِ غَيْرِ قَاضِي الْبَلْدَةِ) لِأَنَّ هَذَا مُقَدِّمَةُ أَمْرٍ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي وَهُوَ الْفُرْقَةُ فَكَذَا مُقَدِّمَتُهُ وَلْوَالِجِيَّةٌ، فَلَا يُعْتَبَرُ تَأْجِيلُ الْمَرْأَةِ وَلَا تَأْجِيلُ غَيْرِهَا بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَأْجِيلُ غَيْرِ الْحَاكِمِ كَائِنًا مَنْ كَانَ فَتْحٌ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مُحَكَّمًا تَأَمَّلْ. وَفِي الْبَحْرِ: وَلَوْ عُزِلَ الْقَاضِي بَعْدَمَا أَجَّلَهُ بَنَى الْمَوْلَى عَلَى التَّأْجِيلِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: بِالْأَهِلَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَجْهُهُ أَنَّ الثَّابِتَ عَنْ الصَّحَابَةِ كَعُمَرَ وَغَيْرِهِ اسْمُ السَّنَةِ، وَأَهْلُ الشَّرْعِ إنَّمَا يَتَعَارَفُونَ الْأَشْهُرَ وَالسِّنِينَ بِالْأَهِلَّةِ، فَإِذَا أَطْلَقُوا السَّنَةَ انْصَرَفُوا إلَى ذَلِكَ مَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِخِلَافِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَبَعْضُ يَوْمٍ) هُوَ ثَمَانِي سَاعَاتٍ وَأَرْبَعُونَ دَقِيقَةً قُهُسْتَانِيٌّ وَذَلِكَ ثُلُثُ يَوْمٍ وَثُلُثُ عُشْرِ يَوْمٍ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ شَمْسِيَّةٌ) اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَقَاضِي خَانْ وَظَهِيرُ الدِّينِ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَتْحٌ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْعَدَدِيَّةِ وَهِيَ ثَلَثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ يَوْمًا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهِيَ أَزْيَدُ بِأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا) أَيْ وَخَمْسِ سَاعَاتٍ وَخَمْسٍ وَخَمْسِينَ دَقِيقَةً، أَوْ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ دَقِيقَةً، وَتَمَامُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ: فَبِالْأَيَّامِ إجْمَاعًا) ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ اعْتِبَارُ السَّنَةِ الْعَدَدِيَّةِ كُلُّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَأَنَّهُ لَا يَكْمُلُ الْأَوَّلُ ثَلَاثِينَ مِنْ الشَّهْرِ الْأَخِيرِ، وَبَاقِي الْأَشْهُرِ بِالْأَهِلَّةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الصَّاحِبَيْنِ فِي الْإِجَارَةِ، وَقَدْ أَجْرَوْا هَذَا الْخِلَافَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي الْعِدَّةِ، وَبَعْضُهُمْ ذَكَرَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا الْأَيَّامُ إجْمَاعًا وَأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِجَارَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ: وَأَيَّامُ حَيْضِهَا) وَكَذَا نِفَاسِهَا ط عَنْ الْبَحْرِ، لَكِنِّي لَمْ أَرَهُ فِي الْبَحْرِ فَلْتُرَاجَعْ نُسْخَةٌ أُخْرَى (قَوْلُهُ: مِنْهَا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 497 وَكَذَا حَجُّهُ وَغَيْبَتُهُ (لَا مُدَّةُ) حَجِّهَا وَغَيْبَتِهَا وَ (مَرَضِهِ وَمَرَضِهَا) مُطْلَقًا بِهِ يُفْتَى وَلْوَالِجِيَّةٌ. وَيُؤَجَّلُ مِنْ وَقْتِ الْخُصُومَةِ مَا لَمْ يَكُنْ صَبِيًّا، أَوْ مَرِيضًا أَوْ مُحْرِمًا، فَبَعْدَ بُلُوغِهِ وَصِحَّتِهِ وَإِحْرَامِهِ؛ وَلَوْ مُظَاهِرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعِتْقِ أُجِّلَ سَنَةً وَشَهْرَيْنِ (فَإِنْ وَطِئَ) مَرَّةً فَبِهَا (وَإِلَّا بَانَتْ بِالتَّفْرِيقِ) مِنْ الْقَاضِي إنْ أَبَى طَلَاقَهَا (بِطَلَبِهَا) يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ، فَيَعُمُّ امْرَأَةَ الْمَجْبُوبِ كَمَا مَرَّ وَلَوْ مَجْنُونَةً بِطَلَبِ وَلِيِّهَا.   [رد المحتار] أَيْ يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ مِنْ السَّنَةِ وَلَا يُعَوَّضُ عَلَيْهِ بَدَلَهُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا حَجُّهُ وَغَيْبَتُهُ) لِأَنَّ الْعَجْزَ جَاءَ بِفِعْلِهِ، وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مَعَهُ، أَوْ يُؤَخِّرَ الْحَجَّ وَالْغَيْبَةَ فَتْحٌ. وَلَا يُقَالُ: يُعْذَرُ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْحَجِّ فَوْرًا وَعَدَمِ إمْكَانِ إخْرَاجِهَا مَعَهُ لِأَنَّ الْحَجَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَا مُدَّةُ حَجِّهَا وَغَيْبَتِهَا) أَيْ لَا تُحْتَسَبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَجْزَ مِنْ قِبَلِهَا فَكَانَ عُذْرًا فَيُعَوَّضُ. وَكَذَا لَوْ حُبِسَ الزَّوْجُ وَلَوْ بِمَهْرِهَا وَامْتَنَعَتْ مِنْ الْمَجِيءِ إلَى السِّجْنِ، فَإِنْ لَمْ تَمْتَنِعْ وَكَانَ لَهُ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ فِيهِ اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَمَرَضِهِ وَمَرَضِهَا) أَيْ مَرَضًا لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهُ الْوَطْءَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْخِزَانَةِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءً كَانَ شَهْرًا أَوْ دُونَهُ، أَوْ أَكْثَرَ كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةِ كَلَامِ الْوَلْوَالِجيَّةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَصَحَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الشَّهْرَ لَا يُحْتَسَبُ بَلْ مَا دُونَهُ. وَفِي الْمُحِيطِ: أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى نِصْفِ الشَّهْرِ لَا يُحْتَسَبُ اهـ فَافْهَمْ " وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ أَنْ يَسْتَطِيعَ مَعَهُ الْوَطْءَ، أَوْ لَا فَإِنَّهُ لَا وَجْهَ لِعَدَمِ احْتِسَابِ أَيَّامِ الْمَرَضِ الَّتِي يُمْكِنُهُ فِيهَا الْوَطْءُ لِأَنَّ ذَلِكَ تَقْصِيرٌ مِنْهُ فَكَيْفَ يُعَوَّضُ عَلَيْهِ بَدَلَهَا فَافْهَمْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ الْقُهُسْتَانِيِّ الْمَارَّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى مُقَابِلٌ لِلتَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْمُحِيطِ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ الْفَتْوَى، بَلْ اخْتِلَافُ تَصْحِيحٍ فَقَطْ فَافْهَمْ. وَالظَّاهِرُ تَرْجِيحُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لِأَنَّ لَفْظَ الْفَتْوَى آكَدُ أَلْفَاظِ التَّرْجِيحِ، فَيُقَدَّمُ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمُحِيطِ، وَهُوَ أَيْضًا مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُتُونِ كَالْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَالْوِقَايَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ صَبِيًّا) أَيْ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى الْوَطْءِ، لِمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ قَاضِي خَانْ: الْغُلَامُ الَّذِي بَلَغَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى امْرَأَتِهِ، وَيَصِلُ إلَى غَيْرِهَا يُؤَجَّلُ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَإِحْرَامِهِ) كَذَا عَبَّرَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْفَتْحِ، وَالْأَوْلَى إبْدَالُ الْإِحْرَامِ بِالْإِحْلَالِ كَمَا وَقَعَ فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: أُجِّلَ سَنَةً وَشَهْرَيْنِ) الْأَوْلَى أُجِّلَ سَنَةً بَعْدَ شَهْرَيْنِ أَيْ لِأَجْلِ الصَّوْمِ. وَفِي الْفَتْحِ: وَلَوْ رَافَعَتْهُ وَهُوَ مُظَاهِرٌ مِنْهُمَا تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ حِينِ الْمُرَافَعَةِ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْإِعْتَاقِ، وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا أَمْهَلَهُ شَهْرَيْ الْكَفَّارَةِ ثُمَّ أَجَّلَهُ فَيَتِمُّ تَأَجُّلُهُ سَنَةً وَشَهْرَيْنِ، وَلَوْ ظَاهَرَ بَعْدَ التَّأْجِيلِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُزَدْ عَلَى الْمُدَّةِ اهـ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ رَافَعَتْهُ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُمْهِلَهُ رَمَضَانَ وَشَهْرَيْنِ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ صَوْمُ الْكَفَّارَةِ فِيهِ (قَوْلُهُ: فَبِهَا) أَيْ فَبِالْقَضِيَّةِ الْمَطْلُوبَةِ أَتَى (قَوْلُهُ: وَإِلَّا بَانَتْ بِالتَّفْرِيقِ) لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ قَبْلَ الدُّخُولِ حَقِيقَةً، فَكَانَتْ بَائِنَةً وَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِوُجُودِ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: مِنْ الْقَاضِي إنْ أَبَى طَلَاقَهَا) أَيْ إنْ أَبَى الزَّوْجُ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ حِينَ عَجَزَ عَنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِذَا امْتَنَعَ كَانَ ظَالِمًا فَنَابَ عَنْهُ وَأُضِيفَ فِعْلُهُ إلَيْهِ، وَقِيلَ يَكْفِي اخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا وَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ كَخِيَارِ الْعِتْقِ، قِيلَ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَجَعَلَ فِي الْمَجْمَعِ الْأَوَّلَ قَوْلَ الْإِمَامِ وَالثَّانِيَ قَوْلَهُمَا نَهْرٌ. وَفِي الْبَدَائِعِ عَنْ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الثَّانِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَوْلُهُمَا (قَوْلُهُ: بِطَلَبِهَا) أَيْ طَلَبًا ثَانِيًا، فَالْأَوَّلُ لِلتَّأْجِيلِ وَالثَّانِي لِلتَّفْرِيقِ، وَطَلَبُ وَكِيلِهَا عِنْدَ غَيْبَتِهَا كَطَلَبِهَا عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ الْأَفْعَالِ وَهِيَ " فَرَّقَ " وَ " أَجَّلَ " وَ " بَانَتْ " ح عَنْ النَّهْرِ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) الْمُرَادُ بِهِ قَوْلُهُ: بِطَلَبِهَا الْمَذْكُورِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَرَّقَ ح (قَوْلُهُ: بِطَلَبِ وَلِيِّهَا) أَفَادَ أَنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ إلَى عَقْلِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ غَايَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ فَإِنَّهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 498 أَوْ مَنْ نَصَبَهُ الْقَاضِي (وَلَوْ أَمَةً فَالْخِيَارُ لِمَوْلَاهَا) لِأَنَّ الْوَلَدَ لَهُ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْخِيَارُ (عَلَى التَّرَاخِي) لَا الْفَوْرِ. (فَلَوْ وَجَدَتْهُ عِنِّينًا) ، أَوْ مَجْبُوبًا (وَلَمْ تُخَاصِمْ زَمَانًا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهَا) وَكَذَا لَوْ خَاصَمَتْهُ ثُمَّ تَرَكَتْ مُدَّةً فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ وَلَوْ ضَاجَعَتْهُ تِلْكَ الْأَيَّامَ خَانِيَّةٌ (كَمَا لَوْ رَفَعَتْهُ إلَى قَاضٍ فَأَجَّلَهُ سَنَةً وَمَضَتْ) السَّنَةُ (وَلَمْ تُخَاصِمْ زَمَانًا) زَيْلَعِيٌّ. . (وَلَوْ ادَّعَى الْوَطْءَ وَأَنْكَرَتْهُ، فَإِنْ قَالَتْ امْرَأَةٌ ثِقَةٌ) وَالثِّنْتَانِ أَحْوَطُ (هِيَ بِكْرٌ) بِأَنْ تَبُولَ عَلَى جِدَارٍ، أَوْ يُدْخَلَ فِي فَرْجِهَا مُحُّ بَيْضَةٍ (خُيِّرَتْ)   [رد المحتار] يُؤَخَّرُ إلَى بُلُوغِهَا لِاحْتِمَالِ رِضَاهَا بِهِ كَمَا مَرَّ، نَعَمْ يُتَّجَهُ مَا بَحَثَهُ فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تُفِيقُ تُؤَخَّرُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَوْ مَنْ نَصَبَ الْقَاضِي) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ يَنْصِبُ لَهَا الْقَاضِي خَصْمًا عَنْهَا كَمَا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: فَالْخِيَارُ لِمَوْلَاهَا) أَيْ كَمَا فِي الْعَزْلِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهَا كَقَوْلِهِ فِي الْعَزْلِ بَحْرٌ، وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ وَلْوَالِجِيَّةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَلَدَ لَهُ) مُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ لَمْ يَكُنْ الْخِيَارُ لِلْمَوْلَى، لَكِنْ عَلَّلَ فِي الْبَدَائِعِ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ اخْتِيَارَ الْفُرْقَةِ وَالْمُقَامِ مَعَ الزَّوْجِ تَصَرُّفٌ مِنْهَا عَلَى نَفْسِهَا، وَنَفْسُهَا وَجَمِيعُ أَجْزَائِهَا مِلْكُ الْمَوْلَى، فَكَانَ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ لَهُ (قَوْلُهُ: أَيْ هَذَا الْخِيَارُ) الْإِشَارَةُ إلَى الْخِيَارِ فِي هَذَا الْبَابِ: أَيْ خِيَارِ زَوْجَةِ الْعِنِّينِ وَنَحْوِهِ، احْتَرَزَ بِهِ عَنْ خِيَارِ الْبُلُوغِ فَإِنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَحِينَئِذٍ فَيَشْمَلُ خِيَارَ الطَّلَبِ قَبْلَ الْأَجَلِ وَبَعْدَهُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ مَا فِي الْمَتْنِ فَافْهَمْ. وَفِي الْفَتْحِ: وَلَا يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي طَلَبِ الْفُرْقَةِ بِتَأْخِيرِ الْمُرَافَعَةِ قَبْلَ الْأَجَلِ وَلَا بَعْدَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ بَعْدَ التَّأْجِيلِ مَهْمَا أَخَّرَتْ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ لِلتَّجْرِبَةِ وَتَرَجِّي الْوُصُولِ لَا لِلرِّضَا بِهِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهَا بِالشَّكِّ اهـ وَهَذَا قَبْلَ تَخْيِيرِ الْقَاضِي لَهَا، فَلَوْ بَعْدَهُ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهَا) أَيْ مَا لَمْ تَقُلْ: رَضِيتُ بِالْمُقَامِ مَعَهُ كَذَا قَيَّدَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ هُنَا، وَفِي قَوْلِهِ الْآتِي كَمَا لَوْ رَافَعَتْهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: ثُمَّ تَرَكَتْ مُدَّةً) أَيْ قَبْلَ الْمُرَافَعَةِ وَالتَّأْجِيلِ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ بِمَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ ادَّعَى الْوَطْءَ إلَخْ) هَذَا شَامِلٌ لِمَا قَبْلَ التَّأْجِيلِ وَبَعْدَهُ، لَكِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ الْآتِيَ " فِي مَجْلِسِهَا " يُعَيِّنُ الثَّانِيَ كَمَا تَعْرِفُهُ. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْوَطْءِ قَبْلَ التَّأْجِيلِ، فَإِنْ كَانَتْ حِينَ تَزَوَّجَهَا ثَيِّبًا، أَوْ بِكْرًا وَقَالَ النِّسَاءُ: هِيَ الْآنَ ثَيِّبٌ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ قُلْنَ: بِكْرٌ أُجِّلَ، وَكَذَا إنْ نَكَلَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ التَّأْجِيلِ وَهِيَ ثَيِّبٌ، أَوْ بِكْرٌ وَقُلْنَ: ثَيِّبٌ، فَالْقَوْلُ لَهُ، وَإِنْ قُلْنَ: بِكْرٌ، أَوْ نَكَلَ خُيِّرَتْ اهـ. وَحَاصِلُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ أَنَّهَا لَوْ ثَيِّبًا فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، فَإِنْ نَكَلَ فِي الِابْتِدَاءِ أُجِّلَ وَفِي الِانْتِهَاءِ تُخَيَّرُ لِلْفُرْقَةِ، وَلَوْ بِكْرًا أُجِّلَ فِي الِابْتِدَاءِ وَيُفَرَّقُ فِي الِانْتِهَاءِ (قَوْلُهُ: ثِقَةٌ) يُشِيرُ إلَى مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ مِنْ اشْتِرَاطِ عَدَالَتِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالثِّنْتَانِ أَحْوَطُ) وَفِي الْبَدَائِعِ أَوْثَقُ، وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ أَفْضَلُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: بِأَنْ تَبُولَ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ أَنَّهَا بِكْرٌ أَنْ تَدْفَعَ - يَعْنِي الْمَرْأَةَ - فِي فَرْجِهَا أَصْغَرَ بَيْضَةٍ لِلدَّجَاجِ، فَإِنْ دَخَلَتْ مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ فَهِيَ ثَيِّبٌ وَإِلَّا فَبِكْرٌ، أَوْ تُكْسَرَ وَتُسْكَبَ فِي فَرْجِهَا، فَإِنْ دَخَلَتْ فَثَيِّبٌ وَإِلَّا فَبِكْرٌ، وَقِيلَ إنْ أَمْكَنَهَا أَنْ تَبُولَ عَلَى الْجِدَارِ فَبِكْرٌ وَإِلَّا فَثَيِّبٌ اهـ وَتَعْبِيرُهُ فِي الثَّالِثِ بِقِيلَ مُشِيرٌ إلَى ضَعْفِهِ، وَلِذَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَفِيهِ تَرَدُّدٌ، فَإِنَّ مَوْضِعَ الْبَكَارَةِ غَيْرُ الْمَبَالِ اهـ (قَوْلُهُ: أَوْ يُدْخَلَ إلَخْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ يُمْتَحَنَ بِإِدْخَالِ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فَهِيَ بِكْرٌ وَالْأَظْهَرُ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ " أَوْ لَا يُدْخَلَ " بِلَا النَّافِيَةِ (قَوْلُهُ: مُحُّ بَيْضَةٍ) الْمُحُّ بِالضَّمِّ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ: خَالِصُ كُلِّ شَيْءٍ وَصُفْرَةُ الْبَيْضِ كَالْمُحَّةِ أَوْ مَا فِي الْبَيْضِ كُلِّهِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: خُيِّرَتْ) أَيْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا وَيُخَيِّرُهَا الْقَاضِي. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَا تُسْتَحْلَفُ اهـ. قُلْت: صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْبَكَارَةَ فِيهَا أَصْلٌ وَقَدْ تَفُوتُ بِشَهَادَتَيْنِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 499 فِي مَجْلِسِهَا (وَإِنْ قَالَتْ: هِيَ ثَيِّبٌ) ، أَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا (صُدِّقَ بِحَلِفِهِ) فَإِنْ نَكَلَ فِي الِابْتِدَاءِ أُجِّلَ وَفِي الِانْتِهَاءِ خُيِّرَتْ (كَمَا) يُصَدَّقُ (لَوْ وُجِدَتْ ثَيِّبًا وَزَعَمَتْ زَوَالَ عُذْرَتِهَا بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ وَطْئِهِ كَأُصْبُعِهِ مَثَلًا) لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ أَسْبَابٍ أُخَرَ مِعْرَاجٌ (وَإِنْ اخْتَارَتْهُ) وَلَوْ دَلَالَةً (بَطَلَ حَقُّهَا؛ كَمَا لَوْ) وُجِدَ مِنْهَا دَلِيلُ إعْرَاضٍ بِأَنْ (قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا، أَوْ أَقَامَهَا أَعْوَانُ الْقَاضِي) أَوْ قَامَ الْقَاضِي (قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ شَيْئًا) بِهِ يُفْتَى وَاقِعَاتٌ لِإِمْكَانِهِ مَعَ الْقِيَامِ، فَإِنْ اخْتَارَتْ طَلَّقَ، أَوْ فَرَّقَ الْقَاضِي. (تَزَوَّجَ) الْأُولَى، أَوْ امْرَأَةً (أُخْرَى عَالِمَةً بِحَالِهِ لَا خِيَارَ لَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمُفْتَى بِهِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ خِلَافًا لِتَصْحِيحِ الْخَانِيَّةِ.   [رد المحتار] وَإِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَمَرَهُ الْقَاضِي أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَإِنْ أَبَى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: فِي مَجْلِسِهَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْوَاقِعَاتِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجْلِسِ اهـ وَمَشَى عَلَى الْأَوَّلِ فِي الْفَتْحِ. هَذَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ خِيَارَهَا عَلَى التَّرَاخِي لَا عَلَى الْفَوْرِ لَا يُنَافِي مَا هُنَا لِأَنَّ مَا مَرَّ إنَّمَا هُوَ فِي الْخِيَارِ قَبْلَ التَّأْجِيلِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْمُرَافَعَةِ، وَتَخْيِيرِ الْقَاضِي لَهَا، وَمَا هُنَا فِيمَا بَعْدَ التَّأْجِيلِ وَالْمُرَافَعَةِ ثَانِيًا، يَعْنِي أَنَّهَا إذَا وَجَدَتْهُ عِنِّينًا فَلَهَا أَنْ تَرْفَعَهُ إلَى الْقَاضِي لِيُؤَجِّلَهُ سَنَةً؛ وَإِنْ سَكَتَتْ مُدَّةً طَوِيلَةً، فَإِذَا أَجَّلَهُ وَمَضَتْ السَّنَةُ فَلَهَا أَنْ تَرْفَعَهُ ثَانِيًا إلَى الْقَاضِي لِيُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ وَإِنْ سَكَتَتْ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً قَبْلَ الْمُرَافَعَةِ ثَانِيًا، فَإِذَا رَفَعَتْهُ إلَيْهِ وَثَبَتَ عَدَمُ وُصُولِهِ إلَيْهَا خَيَّرَهَا الْقَاضِي، فَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ أَمَرَهُ الْقَاضِي أَنْ يُطَلِّقَهَا. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: فَإِنْ خَيَّرَهَا الْقَاضِي فَأَقَامَتْ مَعَهُ مُطَاوِعَةً فِي الْمُضَاجَعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ دَلِيلَ الرِّضَا بِهِ، وَلَوْ فَعَلَتْ ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ قَبْلَ تَخْيِيرِ الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ رِضًا. وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا خَيَّرَهَا الْحَاكِمُ فَقَامَتْ عَنْ مَجْلِسِهَا قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ، أَوْ قَامَ الْحَاكِمُ، أَوْ أَقَامَهَا عَنْ مَجْلِسِهَا أَعْوَانُهُ وَلَمْ تَقُلْ شَيْئًا فَلَا خِيَارَ لَهَا. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ مُلَخَّصًا فَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْخِيَارَ الثَّابِتَ لَهَا قَبْلَ تَخْيِيرِ الْقَاضِي عَلَى التَّرَاخِي وَلَا يَبْطُلُ بِمُضَاجَعَتِهَا لَهُ؛ وَأَمَّا بَعْدَ تَخْيِيرِ الْقَاضِي فَيَبْطُلُ بِالْمُضَاجَعَةِ وَنَحْوِهَا، وَكَذَا بِقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ اخْتِيَارِ التَّفْرِيقِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى، هَكَذَا فَهِمْته قَبْلَ أَنْ أَرَى النَّقْلَ، وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا) أَيْ حِينَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قَالَتْ (قَوْلُهُ: صُدِّقَ بِحَلِفِهِ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ وَطِئَهَا لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ اسْتِحْقَاقَ الْفُرْقَةِ وَالْأَصْلُ السَّلَامَةُ (قَوْلُهُ: فِي الِابْتِدَاءِ) أَيْ قَبْلَ التَّأْجِيلِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ) أَيْ إنَّ الظَّاهِرَ زَوَالُ عُذْرَتِهَا بِالْوَطْءِ، وَزَوَالُهَا بِسَبَبٍ آخَرَ خِلَافُ الْأَصْلِ. بَقِيَ لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ أَزَالَهَا بِأُصْبُعِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ صَارَ قَادِرًا عَلَى وَطْئِهَا وَوَطِئَهَا فَهَلْ يَبْقَى خِيَارُهَا أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَإِنْ كَانَ يُمْنَعُ عَنْ ذَلِكَ، لِمَا فِي أَحْكَامِ الصَّفَّارِ: مِنْ الْجِنَايَاتِ أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ أَزَالَ عُذْرَةَ الزَّوْجَةِ بِالْأُصْبُعِ لَا يَضْمَنُ وَيُعَزَّرُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَارَتْهُ) أَيْ بَعْدَ تَمَامِ السَّنَةِ وَتَخْيِيرِ الْقَاضِي لَهَا بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ، أَمَّا قَبْلَ تَخْيِيرِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّهَا قَبْلَ التَّأْجِيلِ، أَوْ بَعْدَهُ مَا لَمْ تَرْضَ صَرِيحًا وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ كَمَا مَرَّ تَحْرِيرُهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ دَلَالَةً) أَيْ بِتَأْخِيرِ الِاخْتِيَارِ إلَى أَنْ قَامَتْ، أَوْ أُقِيمَتْ، عِنَايَةٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ وَجَدَ مِنْهَا دَلِيلَ إعْرَاضٍ إلَخْ) بَيَانٌ لِلِاخْتِيَارِ دَلَالَةً كَمَا عَلِمْت، فَإِنَّ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ عَنْ التَّفْرِيقِ دَلِيلُ اخْتِيَارِهَا الزَّوْجَ (قَوْلُهُ: لِإِمْكَانِهِ) أَيْ الِاخْتِيَارِ (قَوْلُهُ: أَوْ فَرَّقَ الْقَاضِي) أَيْ إذَا لَمْ يُطَلِّقْ الزَّوْجُ. (قَوْلُهُ: عَالِمَةً بِحَالِهِ) قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ " أَوْ امْرَأَةً أُخْرَى "، وَأَمَّا الْأُولَى فَمَعْلُومٌ أَنَّهَا عَالِمَةٌ بِحَالِهِ. اهـ. ح وَكَأَنَّهُ حَمَلَ الْأُولَى عَلَى الَّتِي اخْتَارَتْ فُرْقَتَهُ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ لِصِدْقِهَا عَلَى مَنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ عِلْمِهَا بِحَالِهِ كَمَا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِتَصْحِيحِ الْخَانِيَّةِ) حَيْثُ قَالَ: فُرِّقَ بَيْنَ الْعِنِّينِ وَامْرَأَتِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِأُخْرَى تَعْلَمُ بِحَالِهِ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لِلثَّانِيَةِ حَقَّ الْخُصُومَةِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ امْرَأَةٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 (وَلَا يَتَخَيَّرُ أَحَدُهُمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ (بِعَيْبِ الْآخَرِ) فَاحِشًا كَجُنُونٍ وَجُذَامٍ وَبَرَصٍ وَرَتَقٍ وَقَرْنٍ، وَخَالَفَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ فِي الْخَمْسَةِ لَوْ بِالزَّوْجِ، وَلَوْ قُضِيَ بِالرَّدِّ صَحَّ فَتْحٌ. . (وَلَوْ تَرَاضَيَا) أَيْ الْعِنِّينُ وَزَوْجَتُهُ (عَلَى النِّكَاحِ) ثَانِيًا (بَعْدَ التَّفْرِيقِ صَحَّ) وَلَهُ شَقُّ رَتَقِ أَمَتِهِ وَكَذَا زَوْجَتِهِ، وَهَلْ تُجْبَرُ؟ الظَّاهِرُ: نَعَمْ، لِأَنَّ التَّسْلِيمَ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا لَا يُمْكِنُهُ بِدُونِهِ نَهْرٌ. قُلْت: وَأَفَادَ الْبَهْنَسِيُّ أَنَّهَا لَوْ تَزَوَّجَتْهُ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ، أَوْ سُنِّيٌّ، أَوْ قَادِرٌ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فَبَانَ بِخِلَافِهِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ فَإِذَا هُوَ لَقِيطٌ، أَوْ ابْنُ زِنًا كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فَلْيُحْفَظْ.   [رد المحتار] وَلَا يَعْجِزُ عَنْ غَيْرِهَا. اهـ. ح. وَاسْتَظْهَرَ الرَّحْمَتِيُّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنَّ عَجْزَهُ عَنْ الْوُصُولِ إلَى الْأُولَى قَدْ يَكُونُ لِسِحْرِهِ عَنْهَا فَقَطْ. قُلْت: وَوَجْهُ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّهُ بَعْدَ عِلْمِهَا بِتَحَقُّقِ عَجْزِهِ وَعَدَمِ عِلْمِهَا بِأَنَّ عَجْزَهُ مُخْتَصٌّ بِالْأُولَى تَكُونُ رَاضِيَةً بِهِ، وَطَمَعُهَا فِي وُصُولِهِ إلَيْهَا يُؤَكِّدُ رِضَاهَا بِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَخَيَّرُ إلَخْ) أَيْ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ خِيَارُ فَسْخِ النِّكَاحِ بِعَيْبٍ فِي الْآخَرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي زِيَادٍ وَأَبِي قِلَابَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالْخَطَّابِيِّ وَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ وَأَتْبَاعِهِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَجُذَامٍ) هُوَ دَاءٌ يَتَشَقَّقُ بِهِ الْجِلْدُ وَيُنْتِنُ وَيَقْطَعُ اللَّحْمَ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الطِّلْبَةِ (قَوْلُهُ: وَبَرَصٍ) هُوَ بَيَاضٌ فِي ظَاهِرِ الْجِلْدِ يُتَشَاءَمُ بِهِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَرَتَقٍ) بِالتَّحْرِيكِ: انْسِدَادُ مَدْخَلِ الذَّكَرِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ: وَقَرْنٍ) كَفَلْسِ: لَحْمٌ يَنْبُتُ فِي مَدْخَلِ الذَّكَرِ كَالْغُدَّةِ، وَقَدْ يَكُونُ عَظْمًا مِصْبَاحٌ. وَنَقَلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ لِلْقَاضِي زَكَرِيَّا أَنَّ الْفَتْحَ عَلَى إرَادَةِ الْمَصْدَرِ، وَالْإِسْكَانَ عَلَى إرَادَةِ الِاسْمِ، إلَّا أَنَّ الْفَتْحَ أَرْجَحُ لِكَوْنِهِ مُوَافِقًا لِبَاقِي الْعُيُوبِ فَإِنَّهَا كُلَّهَا مَصَادِرُ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ. وَأَمَّا إنْكَارُ بَعْضِهِمْ عَلَى الْفُقَهَاءِ فَتْحَهُ، وَتَلْحِينُهُ إيَّاهُمْ فَلَيْسَ كَمَا ذَكَرَ اهـ (قَوْلُهُ: لَوْ بِالزَّوْجِ) فِي الْعِبَارَةِ خَلَلٌ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي عَدَمَ خِيَارِ الزَّوْجِ عِنْدَهُمْ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْخَمْسَةُ فِي الزَّوْجَةِ وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَصْلَهَا: وَخَالَفَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ فِي الْخَمْسَةِ مُطْلَقًا وَمُحَمَّدٌ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ لَوْ بِالزَّوْجِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. اهـ. ح. قُلْت: وَفِي نُسْخَةٍ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَوْ بِالزَّوْجِ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهَا أَنَّ الرَّتَقَ وَالْقَرْنَ لَا يُوجَدَانِ بِالزَّوْجِ. هَذَا، وَقَدْ تَكَفَّلَ فِي الْفَتْحِ بِرَدِّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَمُحَمَّدٌ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قُضِيَ بِالرَّدِّ صَحَّ) أَيْ لَوْ قَضَى بِهِ حَاكِمٌ يَرَاهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا فِي الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَهَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: صَحَّ) إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ كَتَفْرِقَةِ اللِّعَانِ، وَهَذَا بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ بَحْرٌ عَنْ الْمِعْرَاجِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا زَوْجَتُهُ) أَيْ لَهُ شَقُّ رَتَقِهَا، لَكِنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ غَيْرُ مَنْقُولَةٍ وَإِنَّمَا الْمَنْقُولُ قَوْلُهُمْ فِي تَعْلِيلِ عَدَمِ الْخِيَارِ بِعَيْبِ الرَّتَقِ لِإِمْكَانِ شَقِّهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ، وَلَكِنْ مَا رَأَيْت هَلْ يَشُقُّ جَبْرًا أَمْ لَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّسْلِيمَ الْوَاجِبَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِهِ ارْتِكَابُ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ، فَقَدْ سَقَطَ الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ لِلْمَشَقَّةِ وَسَقَطَ الصَّوْمُ عَنْ الْمُرْضِعِ إذَا خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ وَلَدِهَا، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ هَذَا وَاجِبٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ الْعِبَادِ ط (قَوْلُهُ: لَهَا الْخِيَارُ) أَيْ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ. وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ مَشَايِخِ مَشَايِخِنَا بِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْعَصَبَةِ. قُلْت: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ بَابِ الْكَفَاءَةِ مِنْ أَنَّهَا حَقُّ الْوَلِيِّ لَا حَقُّ الْمَرْأَةِ لَكِنْ حَقَّقْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْكَفَاءَةَ حَقُّهُمَا، وَنَقَلْنَا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ انْتَسَبَ الزَّوْجُ لَهَا نَسَبًا غَيْرَ نَسَبِهِ فَإِنْ ظَهَرَ دُونَهُ وَهُوَ لَيْسَ بِكُفْءٍ فَحَقُّ الْفَسْخِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 501 بَابُ الْعِدَّةِ: (هِيَ) لُغَةً بِالْكَسْرِ الْإِحْصَاءُ، وَبِالضَّمِّ الِاسْتِعْدَادُ لِلْأَمْرِ. وَشَرْعًا تَرَابُصٌ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ، أَوْ الرَّجُلَ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ.   [رد المحتار] ثَابِتٌ لِلْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ كُفُؤًا فَحَقُّ الْفَسْخِ لَهَا دُونَ الْأَوْلِيَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَا ظَهَرَ فَوْقَ مَا أَخْبَرَ فَلَا فَسْخَ لِأَحَدٍ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ لَهَا الْفَسْخَ لِأَنَّهَا عَسَى تَعْجِزُ عَنْ الْمُقَامِ مَعَهُ وَتَمَامُهُ هُنَاكَ، لَكِنْ ظَهَرَ لِي الْآنَ أَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ الْفَسْخِ لَهَا لِلتَّغْرِيرِ لَا لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ كُفُؤًا يَثْبُتُ لَهَا حَقُّ الْفَسْخِ لِأَنَّهُ غَرَّهَا، وَلَا يَثْبُتُ لِلْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّ التَّغْرِيرَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ، وَحَقَّهُمْ فِي الْكَفَاءَةِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ ظُهُورُهُ غَيْرَ كُفْءٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْعِدَّةِ] ِ لَمَّا تَرَتَّبَتْ فِي الْوُجُودِ عَلَى الْفُرْقَةِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا أَوْرَدَهَا عَقِيبَ الْكُلِّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: الْإِحْصَاءُ) يُقَالُ: عَدَدْت الشَّيْءَ عِدَّةً أَحْصَيْته إحْصَاءً، وَتُقَالُ أَيْضًا عَلَى الْمَعْدُودِ فَتْحٌ. قُلْت: وَفِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَغَيْرِهِمَا: عِدَّةُ الْمَرْأَةِ أَيَّامُ أَقْرَائِهَا فَهُوَ مَعْنًى لُغَوِيٌّ أَيْضًا (قَوْلُهُ: الِاسْتِعْدَادُ) أَيْ التَّهَيُّؤُ لِلْأَمْرِ، وَيُقَالُ لِمَا أَعْدَدْته لِحَوَادِثِ الدَّهْرِ مِنْ مَالٍ وَسِلَاحٍ نَهْرٌ وَمِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا تَرَبُّصٌ إلَخْ) أَيْ انْتِظَارُ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ بِالتَّزَوُّجِ، فَحَقِيقَتُهُ التَّرْكُ لِلتَّزَوُّجِ وَالزِّينَةِ اللَّازِمُ شَرْعًا فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ شَرْعًا، قَالُوا: وَرُكْنُهَا حُرُمَاتٌ تَثْبُتُ عِنْدَ الْفُرْقَةِ، وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي التَّعْرِيفِ هِيَ لُزُومُ التَّرَبُّصِ لِيَصِحَّ كَوْنُ رُكْنِهَا حُرُمَاتٍ، لِأَنَّهَا لُزُومَاتٌ، وَإِلَّا فَالتَّرَبُّصُ فِعْلُهَا، وَالْحُرُمَاتُ أَحْكَامُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَكُونُ نَفْسَهُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. قُلْت: لَكِنَّ تَقْدِيرَ اللُّزُومِ مَعَ قَوْلِ الشَّارِحِ - كَالْكَنْزِ - " يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ " رَكِيكٌ، وَأَيُّ مَانِعٍ مِنْ أَنْ يُرَادَ بِالتَّرَبُّصِ الِامْتِنَاعُ مِنْ التَّزَوُّجِ وَالْخُرُوجِ وَنَحْوِهِمَا، وَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ الْحُرُمَاتِ هَذِهِ الِامْتِنَاعَاتِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْعِدَّةَ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِالْمَرْأَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ رُكْنُهَا قَائِمًا بِالْمَرْأَةِ، وَعَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ رُكْنُهَا الْحُرُمَاتِ يَكُونُ التَّعْرِيفُ بِالتَّرَبُّصِ تَعْرِيفًا بِاللَّازِمِ. اهـ. وَعَرَّفَهَا فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهَا أَجَلٌ تُضْرَبُ لِانْقِضَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ. قَالَ: وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هِيَ اسْمٌ لِفِعْلِ التَّرَبُّصِ الَّذِي هُوَ الْكَفُّ. قُلْت: وَهَذَا الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ عَنْ الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الَّذِي حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَإِذَا وُطِئَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِشُبْهَةٍ، وَقَالَ: إنَّ الَّذِي يُفِيدُهُ حَقِيقَةُ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى - وَهُوَ قَوْلُهُ: سُبْحَانَهُ - {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4]- أَنَّهُ نَفْسُ الْمُدَّةِ الْخَاصَّةِ الَّتِي تَعَلَّقَتْ الْحُرُمَاتُ فِيهَا وَتَقَيَّدَتْ بِهَا، لَا الْحُرُمَاتُ الثَّابِتَةُ فِيهَا وَلَا وُجُودُ الْكُفْءِ وَلَا التَّرَبُّصُ. اهـ. وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ كَوْنُ الْحُرُمَاتِ رُكْنًا، لِأَنَّ لَهُ مَنْعَهُ وَلِذَا جَعَلَهَا بَعْضُهُمْ حُكْمَ الْعِدَّةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَتَعْرِيفُ الْبَدَائِعِ شَامِلٌ لِعِدَّةِ الصَّغِيرَةِ، بِخِلَافِ تَعْرِيفِ الْمُصَنِّفِ، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ لَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا بَلْ يَقُولُونَ تَعْتَدُّ، وَالْوُجُوبُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْوَلِيِّ بِأَنْ لَا يُزَوِّجَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: إنَّهَا مُجَرَّدُ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، فَثُبُوتُهَا فِي حَقِّهَا لَا يُؤَدِّي إلَى تَوْجِيهِ خِطَابِ الشَّرْعِ عَلَيْهَا. فَإِنْ قُلْت: كَوْنُ مُسَمَّاهَا الْمُدَّةَ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ خِطَابِ الْوَلِيِّ أَنْ لَا يُزَوِّجَهَا. قُلْت: إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالثَّابِتُ فِيهَا عَدَمُ صِحَّةِ التَّزَوُّجِ لَا خِطَابُ أَحَدٍ بَلْ وَضَعَ الشَّارِعُ عَدَمَ صِحَّةِ التَّزَوُّجِ لَوْ فُعِلَ اهـ وَهُوَ مُلَخَّصٌ مِنْ الْفَتْحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّغِيرَ أَهْلٌ لِخِطَابِ الْوَضْعِ وَهَذَا مِنْهُ كَمَا خُوطِبَ بِضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ كَمَا مَرَّ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: أَوْ الرَّجُلَ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ حُرْمَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 502 وَمَوَاضِعُ تَرَبُّصِهِ عِشْرُونَ مَذْكُورَةٌ فِي الْخِزَانَةٍ، حَاصِلُهَا يَرْجِعُ إلَى أَنَّ مَنْ امْتَنَعَ نِكَاحُهَا عَلَيْهِ لِمَانِعٍ لَزِمَ زَوَالُهُ كَنِكَاحِ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا وَاصْطِلَاحًا (تَرَبُّصٌ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ) أَوْ وَلِيَّ الصَّغِيرَةِ (عِنْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ) فَلَا عِدَّةَ لِزِنًا (أَوْ شُبْهَتِهِ) كَنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَمَزْفُوفَةٍ لِغَيْرِ زَوْجِهَا.   [رد المحتار] تَزَوُّجِهِ بِأُخْتِهَا لَا يَكُونُ مِنْ الْعِدَّةِ بَلْ هُوَ حُكْمُ عِدَّتِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَعْنَى كَوْنِهِ هُوَ أَيْضًا فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّ مَعْنَى الْعِدَّةِ وُجُوبُ الِانْتِظَارِ بِالتَّزَوُّجِ وَهُوَ مُضِيُّ الْمُدَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ غَيْرَ أَنَّ اسْمَ الْعِدَّةِ اصْطِلَاحًا خُصَّ بِتَرَبُّصِهَا لَا بِتَرَبُّصِهِ اهـ مَطْلَبٌ عِشْرُونَ مَوْضِعًا يَعْتَدُّ فِيهَا الرَّجُلُ (قَوْلُهُ: عِشْرُونَ) وَهِيَ: نِكَاحُ أُخْتِ امْرَأَتِهِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا، وَبِنْتِ أَخِيهَا، وَبِنْتِ أُخْتِهَا، وَالْخَامِسَةِ، وَإِدْخَالُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ، وَنِكَاحُ أُخْتِ الْمَوْطُوءَةِ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، أَوْ فِي شُبْهَةِ عَقْدٍ، وَنِكَاحُ الرَّابِعَةِ كَذَلِكَ أَيْ إذَا كَانَ لَهُ ثَلَاثُ زَوْجَاتٍ وَوَطِئَ أُخْرَى بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ، أَوْ شُبْهَةِ عَقْدٍ لَيْسَ لَهُ تَزَوُّجُ الرَّابِعَةِ حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّةُ الْمَوْطُوءَةِ، وَنِكَاحُ الْمُعْتَدَّةِ لِلْأَجْنَبِيِّ أَيْ بِخِلَافِ مُعْتَدَّتِهِ وَنِكَاحُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا أَيْ قَبْلَ التَّحْلِيلِ، وَوَطْءُ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَاةِ أَيْ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَالْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا إذَا تَزَوَّجَهَا أَيْ قَبْلَ الْوَضْعِ، وَالْحَرْبِيَّةِ إذَا أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهَاجَرَتْ إلَيْنَا وَكَانَتْ حَامِلًا فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ أَيْ قَبْلَ الْوَضْعِ، وَالْمَسْبِيَّةُ لَا تُوطَأُ حَتَّى تَحِيضَ، أَوْ يَمْضِيَ شَهْرٌ لَوْلَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ، أَوْ كِبَرٍ، وَنِكَاحُ الْمُكَاتَبَةِ، وَوَطْؤُهَا لِمَوْلَاهَا حَتَّى تَعْتِقَ، أَوْ تُعَجِّزَ نَفْسَهَا، وَنِكَاحُ الْوَثَنِيَّةِ وَالْمُرْتَدَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ لَا يَجُوزُ حَتَّى تُسْلِمَ. اهـ. بَحْرٌ مُوَضَّحًا. وَقَوْلُهُ: وَالْخَامِسَةُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّ مَنْ لَهُ أَرْبَعٌ يُمْنَعُ عَنْ نِكَاحِ الْخَامِسَةِ حَتَّى يُطَلِّقَ إحْدَى الْأَرْبَعِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ إحْدَى الْأَرْبَعِ يُمْنَعُ عَنْ تَزَوُّجِ خَامِسَةٍ مَكَانَهَا حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ، وَهَكَذَا يُقَالُ فِي الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ: وَإِدْخَالُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لِمَانِعٍ) كَحَقِّ الْغَيْرِ عَقْدًا أَوْ عِدَّةً، وَإِدْخَالِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ، وَالزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ، وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْمَحَارِمِ، أَوْ لِوُجُوبِ تَحْلِيلٍ، أَوْ اسْتِبْرَاءٍ (قَوْلُهُ: وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا) أَيْ تَزَوُّجِ أَرْبَعٍ سِوَى امْرَأَتِهِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: وَاصْطِلَاحًا) أَيْ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ الْمَارِّ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ اسْمَ الْعِدَّةِ خُصَّ بِتَرَبُّصِهَا لَا بِتَرَبُّصِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ وَلِيَّ الصَّغِيرَةِ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُرَبِّصَهَا أَيْ يَجْعَلَهَا مُتَّصِفَةً بِصِفَةِ الْمُعْتَدَّاتِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ صِفَتُهَا لَا صِفَةُ وَلِيِّهَا، إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إذَا طَلُقَتْ، أَوْ مَاتَ زَوْجُهَا وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهَا أَنْ يَعْتَدَّ وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ تَعْتَدُّ هِيَ، وَالْوُجُوبُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْوَلِيِّ بِأَنْ لَا يُزَوِّجَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ أَيْ مُدَّةُ الْعِدَّةِ تَأَمَّلْ، وَالْمَجْنُونَةُ كَالصَّغِيرَةِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ) أُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يَزُولُ فِيهِ النِّكَاحُ إلَّا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَالْأَوْلَى تَعْرِيفُ الْبَدَائِعِ الْمَارُّ، وَيَنْدَفِعُ عَنْهُ إيرَادُ الصَّغِيرَةِ، إذْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ اللُّزُومِ، وَأَوْلَى مِنْهُ قَوْلُ ابْنِ كَمَالٍ هِيَ اسْمٌ لِأَجَلٍ ضُرِبَ لِانْتِفَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ، أَوْ الْفِرَاشِ لِشُمُولِهِ عِدَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ ط (قَوْلُهُ: فَلَا عِدَّةَ لِزِنًا) بَلْ يَجُوزُ تَزَوُّجُ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا، لَكِنْ يُمْنَعُ عَنْ الْوَطْءِ حَتَّى تَضَعَ وَإِلَّا فَيُنْدَبُ لَهُ الِاسْتِبْرَاءُ ط وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ: لَوْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَةُ الْغَيْرِ وَدَخَلَ بِهَا عَالِمًا بِذَلِكَ لَا يَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ وَطْؤُهَا لِأَنَّهُ زِنًا (قَوْلُهُ: أَوْ شُبْهَتِهِ) عَطْفٌ عَلَى " زَوَالِ " لَا عَلَى " النِّكَاحِ " لِأَنَّهُ لَوْ عُطِفَ عَلَيْهِ لَاقْتَضَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا عِنْدَ زَوَالِ الشُّبْهَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، كَذَا فِي الْبَحْرِ، وَمُرَادُهُ الرَّدُّ عَلَى الْفَتْحِ حَيْثُ صَرَّحَ بِعَطْفِهِ عَلَى النِّكَاحِ. قُلْت: أَيْ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ الَّتِي هِيَ صِفَةُ الْوَطْءِ السَّابِقِ لَا تَزُولُ عَنْهُ، إذْ لَوْ زَالَتْ لَوَجَبَ بِهِ الْحَدُّ، نَعَمْ إذَا أُرِيدَ زَوَالُ مَنْشَئِهَا صَحَّ عَطْفُ " أَوْ شُبْهَتِهِ " عَلَى النِّكَاحِ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ مَبْدَأَ الْعِدَّةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ مِنْ الْقَاضِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 503 وَيَنْبَغِي زِيَادَةُ " أَوْ شِبْهِهِ " لِيَشْمَلَ عِدَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ. (وَسَبَبُ وُجُوبِهَا) عَقْدُ (النِّكَاحِ الْمُتَأَكِّدُ بِالتَّسْلِيمِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ) مِنْ مَوْتٍ، أَوْ خَلْوَةٍ أَيْ صَحِيحَةٍ، فَلَا عِدَّةَ بِخَلْوَةِ الرَّتْقَاءِ. وَشَرْطُهَا الْفُرْقَةُ. وَرُكْنُهَا حُرُمَاتٌ ثَابِتَةٌ بِهَا كَحُرْمَةِ تَزَوُّجٍ وَخُرُوجٍ (وَصِحَّةِ الطَّلَاقِ فِيهَا) أَيْ فِي الْعِدَّةِ، وَحُكْمُهَا حُرْمَةُ نِكَاحِ أُخْتِهَا. وَأَنْوَاعُهَا حَيْضٌ، وَأَشْهُرٌ، وَوَضْعُ حَمْلٍ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (وَهِيَ فِي) حَقِّ (حُرَّةٍ) وَلَوْ كِتَابِيَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ (تَحِيضُ لِطَلَاقٍ) وَلَوْ رَجْعِيًّا (أَوْ فَسْخٍ بِجَمِيعِ أَسْبَابِهِ) .   [رد المحتار] بَيْنَهُمَا، أَوْ الْمُتَارَكَةِ، وَبِذَلِكَ يَزُولُ مَنْشَؤُهَا الَّذِي هُوَ النِّكَاحُ الْفَاسِدُ، وَفِي الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْوَطْءِ وَاتِّضَاحِ الْحَالِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: زِيَادَةُ " أَوْ شِبْهِهِ ") أَيْ بِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الْبَاءِ، أَوْ بِفَتْحِهِمَا وَكَسْرِ الْهَاءَيْنِ، ثَانِيَتُهُمَا ضَمِيرُ النِّكَاحِ وَالشِّبْهُ الْمِثْلُ (قَوْلُهُ: لِيَشْمَلَ عِدَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ) لِأَنَّ لَهَا فِرَاشًا كَالْحُرَّةِ وَإِنْ كَانَ أَضْعَفَ مِنْ فِرَاشِهَا، وَقَدْ زَالَ بِالْعِتْقِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: عَقْدُ النِّكَاحِ) أَيْ وَلَوْ فَاسِدًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: بِالتَّسْلِيمِ) أَيْ بِالْوَطْءِ (قَوْلُهُ: وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ) عَطْفٌ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالضَّمِيرُ يَعُودُ إلَيْهِ، وَالْأَوْلَى الْعَطْفُ بِأَوْ لِأَنَّ التَّأَكُّدَ يَكُونُ بِأَحَدِهِمَا، وَهَذَا خَاصٌّ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَمَّا الْفَاسِدُ فَلَا تَجِبُ فِيهِ الْعِدَّةُ إلَّا بِالْوَطْءِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْمَهْرِ، وَيَأْتِي. قُلْت: وَمِمَّا جَرَى مَجْرَاهُ مَا لَوْ اسْتَدْخَلَتْ مَنِيَّهُ فِي فَرْجِهَا كَمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ: أَيْ صَحِيحَةٍ) فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمَهْرِ أَنَّ الْمَذْهَبَ وُجُوبُ الْعِدَّةِ لِلْخَلْوَةِ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً. وَقَالَ الْقُدُورِيُّ: إنْ كَانَ الْفَسَادُ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ كَالصَّوْمِ وَجَبَتْ، وَإِنْ كَانَ لِمَانِعٍ حِسِّيٍّ كَالرَّتَقِ لَا تَجِبُ؛ فَكَلَامُ الشَّارِحِ لَمْ يُوَافِقْ وَاحِدًا مِنْ الْقَوْلَيْنِ اهـ ح. قُلْت: يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الثَّانِي بِجَعْلِ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ كَالْعَدَمِ غَيْرَ مُفْسِدٍ لَهَا فَهِيَ صَحِيحَةٌ مَعَهُ، وَإِنَّمَا الْمُفْسِدُ الْمَانِعُ الْحِسِّيُّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَلَا عِدَّةَ بِخَلْوَةِ الرَّتْقَاءِ (قَوْلُهُ: وَشَرْطُهَا الْفُرْقَةُ) أَيْ زَوَالُ النِّكَاحِ، أَوْ شُبْهَتِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. قَالَ: فَالْإِضَافَةُ فِي قَوْلِنَا عِدَّةَ الطَّلَاقِ إلَى الشَّرْطِ (قَوْلُهُ: وَرُكْنُهَا حُرُمَاتٌ) أَيْ لُزُومَاتٌ كَمَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ لَا نَفْسُ التَّحْرِيمِ: أَيْ أَشْيَاءُ لَازِمَةٌ لِلْمَرْأَةِ يَحْرُمُ عَلَيْهَا تَعَدِّيهَا، وَقَوْلُهُ: ثَابِتَةٌ بِهَا عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ بِسَبَبِهَا عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهَا، وَإِلَّا لَزِمَ ثُبُوتُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ رُكْنَ الشَّيْءِ مَاهِيَّتُه تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَحُرْمَةِ تَزَوُّجٍ) أَيْ تَزَوُّجِهَا غَيْرَهُ فَإِنَّهَا حُرْمَةٌ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ تَزَوُّجِهِ أُخْتَهَا، أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا فَإِنَّهُ حُرْمَةٌ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مِنْ الْعِدَّةِ بَلْ هُوَ حُكْمُهَا كَمَا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَخُرُوجٍ) أَيْ حُرْمَةِ خُرُوجِهَا مِنْ مَنْزِلٍ طَلُقَتْ فِيهِ وَسَيَأْتِي فِي الْحُرُمَاتِ فِي فَصْلِ الْحِدَادِ (قَوْلُهُ: وَصِحَّةِ الطَّلَاقِ فِيهَا) لَا وَجْهَ لِجَعْلِهِ رُكْنًا مِنْ الْعِدَّةِ بَلْ هُوَ مِنْ أَحْكَامِهَا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الدُّرَرِ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ بَعْدَ الْبَائِنِ وَلَا فِي عِدَّةِ الثَّلَاثِ، فَذِكْرُهُ هُنَا سَبْقُ قَلَمٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ وَحُكْمُهَا حُرُمَاتٌ إلَخْ فَسَبَقَ قَلَمُهُ إلَى قَوْلِهِ وَرُكْنُهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْبِيرُهُ بِقَوْلِهِ ثَابِتَةٌ بِهَا فَإِنَّهُ يُنَاسِبُ الْحُكْمَ لَا الرُّكْنَ، وَجَعْلُ هَذِهِ الْحُرُمَاتِ أَحْكَامًا تَبَعًا لِصَاحِبِ الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ أَظْهَرُ مِنْ جَعْلِهَا أَرْكَانًا كَمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا حُرْمَةُ نِكَاحِ أُخْتِهَا) أَيْ مِنْ حُكْمِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْأُخْتِ مَا يَشْمَلُ كُلَّ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا، وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَتَرَبَّصُ فِيهَا الرَّجُلُ مِنْ حُكْمِ الْعِدَّةِ وَمِنْهُ صِحَّةُ الطَّلَاقِ فِيهَا كَمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كِتَابِيَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ) لِأَنَّهَا كَالْمُسْلِمَةِ حُرَّتُهَا كَحُرَّتِهَا وَأَمَتُهَا كَأَمَتِهَا بَحْرٌ، وَاحْتَرَزَ عَمَّا لَوْ كَانَتْ تَحْتَ ذِمِّيٍّ وَكَانُوا لَا يَدِينُونَ عِدَّةً كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ: لِطَلَاقٍ، أَوْ فَسْخٍ) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوَلِيِّ نَظْمًا فِرَقُ النِّكَاحِ الَّتِي تَكُونُ فَسْخًا وَاَلَّتِي تَكُونُ طَلَاقًا (قَوْلُهُ: بِجَمِيعِ أَسْبَابِهِ) مِثْلُ الِانْفِسَاخِ بِخِيَارِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 504 وَمِنْهُ الْفُرْقَةُ بِتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ نَهْرٌ (بَعْدَ الدُّخُولِ حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا) أَسْقَطَهُ فِي الشَّرْحِ، وَجَزَمَ بِأَنَّ قَوْلَهُ الْآتِيَ " إنْ وُطِئَتْ " رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ (ثَلَاثَ حِيَضٍ كَوَامِلَ) لِعَدَمِ تَجَزِّي الْحَيْضَةِ، فَالْأُولَى لِتُعْرَفَ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ، وَالثَّانِيَةُ لِحُرْمَةِ النِّكَاحِ، وَالثَّالِثَةُ لِفَضِيلَةِ الْحُرِّيَّةِ. (كَذَا) عِدَّةُ (أُمِّ وَلَدٍ مَاتَ مَوْلَاهَا أَوْ أَعْتَقَهَا) لِأَنَّ لَهَا فِرَاشًا كَالْحُرَّةِ،.   [رد المحتار] الْبُلُوغِ، وَالْعِتْقِ، وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، وَمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ، وَالرِّدَّةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَالِافْتِرَاقِ عَنْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ فَتْحٌ؛ لَكِنَّ الْأَخِيرَ لَيْسَ فَسْخًا. وَيَرِدُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَسْخُ نِكَاحِ الْمَسْبِيَّةِ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ، وَالْمُهَاجِرَةِ إلَيْنَا مُسْلِمَةً، أَوْ ذِمِّيَّةً فَإِنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْبَابِ تَأَمَّلْ. وَقَيَّدَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قَوْلَهُ " وَمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ " بِمَا إذَا مَلَكَتْهُ لِإِخْرَاجِ مَا إذَا مَلَكَهَا، لَكِنْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ مَا يُخَالِفُهُ فِي فَصْلِ الْحِدَادِ وَفِي النَّسَبِ، وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا السَّيِّدُ مُحَمَّدُ أَبُو السُّعُودِ بِأَنَّهُ إذَا مَلَكَهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا لَهُ بَلْ لِغَيْرِهِ. وَأَيْضًا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا لَهُ فِيمَا لَوْ مَلَكَتْهُ فَأَعْتَقَتْهُ فَتَزَوَّجَتْهُ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ. اهـ. قُلْت: وَفِي الْبَحْرِ لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا لَهُ وَتَعْتَدُّ لِغَيْرِهِ فَلَا يُزَوِّجُهَا لِغَيْرِهِ مَا لَمْ تَحِضْ حَيْضَتَيْنِ، وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَهَا السَّيِّدُ فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ لَمْ يَقَعْ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ لِغَيْرِهِ وَلِذَا تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الْفُرْقَةُ إلَخْ) رَدٌّ عَلَى ابْنِ كَمَالٍ حَيْثُ قَالَ: لِلطَّلَاقِ أَوْ الْفَسْخِ، أَوْ الرَّفْعِ فَزَادَ الرَّفْعَ، وَقَالَ اعْلَمْ أَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَ تَمَامِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ عِنْدَنَا، فَكُلُّ فُرْقَةٍ بِغَيْرِ طَلَاقٍ قَبْلَ تَمَامِ النِّكَاحِ - كَالْفُرْقَةِ بِخِيَارِ بُلُوغٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ بِعَدَمِ كَفَاءَةٍ - فَسْخٌ، وَبَعْدَ تَمَامِهِ - كَالْفُرْقَةِ بِمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ أَوْ بِتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ وَنَحْوِهِ - رَفْعٌ، وَهَذَا وَاضِحٌ عِنْدَ مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ فِي هَذَا الْفَنِّ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهَذَا التَّقْسِيمُ لَمْ نَرَ مَنْ عَرَّجَ عَلَيْهِ. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ أَهْلُ الدَّارِ أَنَّ الْقِسْمَةَ ثُنَائِيَّةٌ، وَأَنَّ الْفُرْقَةَ بِالتَّقْبِيلِ مِنْ الْفَسْخِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: أَوْ حُكْمًا) الْمُرَادُ بِهِ الْخَلْوَةُ وَلَوْ فَاسِدَةً كَمَا مَرَّ وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ: أَسْقَطَهُ) أَيْ أَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا مِنْ مَتْنِهِ الَّذِي شَرَحَ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ: رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ) أَيْ لِأَنْوَاعِ الْمُعْتَدَّةِ بِالْحَيْضِ وَالْمُعْتَدَّةِ بِالْأَشْهُرِ، وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ ادِّعَاءِ شُمُولِهِ لِلْوَطْءِ الْحُكْمِيِّ لِيُغْنِيَ عَنْ قَوْلِهِ " أَوْ حُكْمًا " (قَوْلُهُ: ثَلَاثَ حِيَضٍ) بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيْ فِي مُدَّةِ ثَلَاثِ حِيَضٍ لِيُلَائِمَ كَوْنَ مُسَمَّى الْعِدَّةِ تَرَبُّصًا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ، وَالرَّفْعُ إنَّمَا يُنَاسِبُ كَوْنَ مُسَمَّاهَا نَفْسَ الْأَجَلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَطْلَقَهَا عَلَى الْمُدَّةِ مَجَازًا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ نَهْرٌ. [تَنْبِيهٌ] لَوْ انْقَطَعَ دَمُهَا فَعَالَجَتْهُ بِدَوَاءٍ حَتَّى رَأَتْ صُفْرَةً فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ أَجَابَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِأَنَّهُ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْحَيْضِ عَنْ السِّرَاجِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ تَجَزِّي الْحَيْضَةِ) عِلَّةٌ لِكَوْنِ الثَّلَاثِ كَوَامِلَ، حَتَّى لَوْ طَلُقَتْ فِي الْحَيْضِ وَجَبَ تَكْمِيلُ هَذِهِ الْحَيْضَةِ بِبَعْضِ الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ، لَكِنَّهَا لَمَّا لَمْ تَتَجَزَّ اعْتَبَرْنَا تَمَامَهَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ دُرَرٌ، لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِحَيْضٍ طَلُقَتْ فِيهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعِدَّةِ مِنْ الْحَيْضَةِ التَّالِيَةِ لَهُ، وَهُوَ الْأَنْسَبُ لِعَدَمِ التَّجَزِّي لِتَكُونَ الثَّلَاثُ كَوَامِلَ (قَوْلُهُ: فَالْأَوْلَى إلَخْ) بَيَانٌ لِحِكْمَةِ كَوْنِهَا ثَلَاثًا مَعَ أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْعِدَّةِ لِتُعْرَفَ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ أَيْ خُلُوُّهُ عَنْ الْحَمْلِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِمَرَّةٍ فَبَيَّنَ أَنَّ حِكْمَةَ الثَّانِيَةِ لِحُرْمَةِ النِّكَاحِ أَيْ لِإِظْهَارِ حُرْمَتِهِ، وَاعْتِبَارِهِ حَيْثُ لَمْ يَنْقَطِعْ أَثَرُهُ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ، وَزِيدَ فِي الْحُرَّةِ ثَالِثَةً لِفَضِيلَتِهَا. (قَوْلُهُ: كَذَا) أَيْ كَالْحُرَّةِ فِي كَوْنِ عِدَّتِهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ كَوَامِلَ إذَا كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ دُرَرٌ وَغَيْرُهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ لَهَا فِرَاشًا) أَيْ وَقَدْ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بِزَوَالِهِ فَأَشْبَهَ عِدَّةَ النِّكَاحِ، ثُمَّ إمَامُنَا فِيهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ فَإِنَّهُ قَالَ: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ ثَلَاثُ حِيَضٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلِأَنَّ لَهَا فِرَاشًا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ بِالسُّكُوتِ لَكِنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ فِرَاشِ الْحُرَّةِ، وَلِذَا يَنْتَفِي النَّسَبُ بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ بِلَا لِعَانٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 505 مَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا، أَوْ آيِسَةً، أَوْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ، وَلَوْ مَاتَ مَوْلَاهَا وَزَوْجُهَا وَلَمْ يُدْرَ الْأَوَّلُ تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، أَوْ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ بَحْرٌ. وَلَا تَرِثُ مِنْ زَوْجِهَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ حُرِّيَّتِهَا يَوْمَ مَوْتِهِ. وَلَا عِدَّةَ عَلَى أَمَةٍ وَمُدَبَّرَةٍ كَانَ يَطَؤُهَا لِعَدَمِ الْفِرَاشِ جَوْهَرَةٌ (وَ) كَذَا (مَوْطُوءَةٌ بِشُبْهَةٍ) كَمَزْفُوفَةٍ لِغَيْرِ بَعْلِهَا (أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ) .   [رد المحتار] مَطْلَبٌ: حِكَايَةُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ حُكِيَ أَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ لَمَّا أُخْرِجَ مِنْ السِّجْنِ زَوَّجَ السُّلْطَانُ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ مِنْ خُدَّامِهِ الْأَحْرَارِ، فَاسْتَحْسَنَهُ الْعُلَمَاءُ، وَخَطَّأَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّ تَحْتَ كُلِّ خَادِمٍ حُرَّةً، وَهَذَا تَزَوُّجُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ فَقَالَ السُّلْطَانُ: أُعْتِقُهُنَّ وَأُجَدِّدُ الْعَقْدَ فَاسْتَحْسَنَهُ الْعُلَمَاءُ، وَخَطَّأَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّ عَلَيْهِنَّ الْعِدَّةَ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ. وَقِيلَ: إنَّ هَذَا كَانَ سَبَبَ حَبْسِهِ، وَأَنَّ الْقَاضِيَ أَغْرَاهُ عَلَيْهِ وَأَنَّ الطَّلَبَةَ لَمَّا لَمْ تَمْتَنِعْ عَنْهُ مَنَعُوا عَنْهُ كُتُبَهُ فَأَمْلَى الْمَبْسُوطَ مِنْ حِفْظِهِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا) فَإِنْ كَانَتْ فَعِدَّتُهَا الْوَضْعُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: أَوْ آيِسَةً) فَإِنْ كَانَتْ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: أَوْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ) فَلَا عِدَّةَ لِزَوَالِ فِرَاشِهِ قُهُسْتَانِيٌّ. وَأَسْبَابُ الْحُرْمَةِ عَلَيْهِ ثَلَاثٌ: نِكَاحُ الْغَيْرِ وَعِدَّتُهُ وَتَقْبِيلُ ابْنِ الْمَوْلَى، فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِمَوْتِ الْمَوْلَى أَوْ إعْتَاقِهِ بَعْدَ تَقْبِيلِ ابْنِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَاتَ مَوْلَاهَا وَزَوْجُهَا إلَخْ) أَيْ بَعْدَمَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَقَلَّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لِأَنَّ الْمَوْلَى إنْ كَانَ قَدْ مَاتَ أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ وَهِيَ حُرَّةٌ فَلَا يَجِبُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى شَيْءٌ وَتَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ عِدَّةَ الْحُرَّةِ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مَاتَ أَوَّلًا وَهِيَ أَمَةٌ لَزِمَهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ، وَلَا يَلْزَمُهَا بِمَوْتِ الْمَوْلَى شَيْءٌ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةُ الزَّوْجِ، فَفِي حَالٍ يَلْزَمُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ؛ وَفِي حَالٍ نِصْفُهَا فَلَزِمَهَا الْأَكْثَرُ احْتِيَاطًا، وَلَا تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا عَلَى احْتِمَالِ الثَّانِي لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ فِي الْمَوْتِ. الثَّانِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَكْثَرَ، فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ احْتِيَاطًا لِأَنَّ الْمَوْلَى إنْ كَانَ مَاتَ أَوَّلًا لَمْ تَلْزَمْهَا عِدَّتُهُ لِأَنَّهَا مَنْكُوحَةٌ، وَبَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ يَلْزَمُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ أَوَّلًا لَزِمَهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ، وَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْهُ لِأَنَّهَا مُصَوَّرَةٌ أَنَّ بَيْنَهُمَا هَذِهِ الْمُدَّةَ، أَوْ أَكْثَرَ، فَمَوْتُ الْمَوْلَى بَعْدَهُ يُوجِبُ عَلَيْهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا. الثَّالِثُ أَنْ لَا يُعْلَمَ كَمْ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا وَلَا الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَكَالْأَوَّلِ عِنْدَهُ وَكَالثَّانِي عِنْدَهُمَا، كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ بَحْرٌ. وَتَوْجِيهُ الثَّالِثِ مَذْكُورٌ فِي ح عَنْ الْبَحْرِ فَرَاجِعْهُ. وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ إشَارَةٌ إلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ، فَأَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ بِقَوْلِهِ تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَإِلَى الثَّالِثِ عِنْدَهُمَا بِقَوْلِهِ، أَوْ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ (قَوْلُهُ: وَلَا عِدَّةَ عَلَى أَمَةٍ وَأُمِّ وَلَدٍ) أَيْ إذَا مَاتَ مَوْلَاهُمَا، أَوْ أَعْتَقَهُمَا إجْمَاعًا بَحْرٌ، وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَذَا أُمُّ وَلَدٍ (قَوْلُهُ: وَكَذَا مَوْطُوءَةٌ بِشُبْهَةٍ، أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ) أَيْ عِدَّةُ كُلٍّ مِنْهُمَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَرَّةً ثَانِيَةً وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 506 كَمُؤَقَّتٍ (فِي الْمَوْتِ وَالْفُرْقَةِ) يَتَعَلَّقُ بِالصُّورَتَيْنِ مَعًا. (وَ) الْعِدَّةُ (فِي) حَقِّ (مَنْ لَمْ تَحِضْ) حُرَّةً أَمْ أُمَّ وَلَدٍ (لِصِغَرٍ) بِأَنْ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعًا (أَوْ كِبَرٍ) .   [رد المحتار] مَطْلَبٌ: حِكَايَةُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ [لَطِيفَةٌ] حَكَى فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنَيْهِ بِنْتَيْنِ فَأَدْخَلَ النِّسَاءُ زَوْجَةَ كُلِّ أَخٍ عَلَى أَخِيهِ، فَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَجْتَنِبُ الَّتِي أَصَابَهَا وَتَعْتَدُّ لِتَعُودَ إلَى زَوْجِهَا. وَأَجَابَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ إذَا رَضِيَ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَوْطُوءَتِهِ يُطَلِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ زَوْجَتَهُ وَيَعْقِدُ عَلَى مَوْطُوءَتِهِ وَيَدْخُلُ عَلَيْهَا لِلْحَالِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْعِدَّةِ فَفَعَلَا كَذَلِكَ وَرَجَعَ الْعُلَمَاءُ إلَى جَوَابِهِ (قَوْلُهُ: فِي الْمَوْتِ) إنَّمَا تَجِبُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ لِإِظْهَارِ الْحُزْنِ عَلَى زَوْجٍ عَاشَرَهَا إلَى الْمَوْتِ وَلَا زَوْجِيَّةَ هُنَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: يَتَعَلَّقُ بِالصُّورَتَيْنِ مَعًا) أَيْ إنَّ قَوْلَهُ فِي الْمَوْتِ وَالْفُرْقَةِ مُرْتَبِطٌ بِصُورَتَيْ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ، أَوْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ. (قَوْلُهُ: وَالْعِدَّةُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ تَحِضْ) شُرُوعٌ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ أَنْوَاعِ الْعِدَّةِ وَهُوَ الْعِدَّةُ بِالْأَشْهُرِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَهِيَ فِي حَقِّ حُرَّةٍ تَحِيضُ (قَوْلُهُ: حُرَّةً أَمْ أُمَّ وَلَدٍ) أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِيمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ عِدَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَهَذَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ مَوْلَاهَا، أَوْ أَعْتَقَهَا، أَمَّا إذَا كَانَتْ مَنْكُوحَةً فَعِدَّتُهَا نِصْفُ مَا لِلْحُرَّةِ فِي الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ، أَوْ لَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي. ثُمَّ إنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا تَكُونُ إلَّا كَبِيرَةً، فَقَوْلُهُ " لِصِغَرٍ " خَاصٌّ بِالْحُرَّةِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ كِبَرٍ شَامِلٌ لَهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعًا) وَقِيلَ سَبْعًا بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ. مَطْلَبٌ فِي عِدَّةِ الصَّغِيرَةِ الْمُرَاهِقَةِ وَفِي الْفَتْحِ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَهَذَا بَيَانُ أَقَلِّ سِنٍّ يُمْكِنُ فِيهِ بُلُوغُ الْأُنْثَى، وَتَقْيِيدُهُ بِذَلِكَ تَبَعًا لِلْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ لَا يُعْلَمُ مِنْهُ حُكْمُ مَنْ زَادَ سِنُّهَا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ تَبْلُغْ بِالسِّنِّ وَتُسَمَّى الْمُرَاهِقَةَ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ عِدَّتَهَا أَيْضًا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، فَلَوْ أَطْلَقَ الصَّغِيرَةَ وَفَسَّرَهَا بِمَنْ لَمْ تَبْلُغْ بِالسِّنِّ لَشَمِلَ الْمُرَاهِقَةَ وَمَنْ دُونَهَا، وَهِيَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعًا. وَقَدْ يُقَالُ: مُرَادُهُ إخْرَاجُ الْمُرَاهِقَةِ اخْتِيَارًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ وَعَنْ الْإِمَامِ الْفَضْلِيِّ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُرَاهِقَةً لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ بَلْ يُوقَفُ حَالُهَا حَتَّى يَظْهَرَ هَلْ حَبِلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ أَمْ لَا، فَإِنْ ظَهَرَ حَبَلُهَا اعْتَدَّتْ بِالْوَضْعِ وَإِلَّا فَبِالْأَشْهُرِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيَعْتَدُّ بِزَمَنِ التَّوَقُّفِ مِنْ عِدَّتِهَا لِأَنَّهُ كَانَ لِيَظْهَرَ حَالُهَا فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ كَانَ مِنْ عِدَّتِهَا. اهـ. قُلْت: يَعْنِي إذَا ظَهَرَ عَدَمُ حَبَلِهَا يُحْكَمُ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مَضَتْ وَيَكُونُ زَمَنُ التَّوَقُّفِ بَعْدَهَا لَغْوًا حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَتْ فِيهِ صَحَّ عَقْدُهَا. وَفِي نَفَقَاتِ الْفَتْحِ فَرْعٌ: فِي الْخُلَاصَةِ عِدَّةُ الصَّغِيرَةِ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ إلَّا إذَا كَانَتْ مُرَاهِقَةً فَيُنْفِقُ عَلَيْهَا مَا لَمْ يَظْهَرْ فَرَاغُ رَحِمِهَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ وَهُوَ حَسَنٌ اهـ كَلَامُ الْفَتْحِ؛ لَكِنْ يَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِهِ احْتِيَاطًا قَبْلَ الْعَقْدِ بِأَنْ لَا يَعْقِدَ عَلَيْهَا إلَّا بَعْدَ التَّوَقُّفِ، لَكِنْ لَمْ يَذْكُرُوا مُدَّةَ التَّوَقُّفِ الَّتِي يَظْهَرُ بِهَا الْحَمْلُ. وَذَكَرَ فِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ بُيُوعِ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْحَبَلِ فِي رِوَايَةٍ إذَا كَانَ مِنْ حِينِ شِرَائِهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ لَا أَقَلُّ، وَفِي رِوَايَةٍ بَعْدَ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ اهـ وَمَشَى فِي الْحَامِدِيَّةِ عَلَى الْأَخِيرَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي مَسْأَلَتِنَا التَّوَقُّفُ بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، فَالْأَوْلَى الْأَخْذُ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى، فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَلَمْ يَظْهَرْ الْحَبَلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 507 بِأَنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْإِيَاسِ (أَوْ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ) وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ (وَلَمْ تَحِضْ) الشَّابَّةُ الْمُمْتَدَّةُ بِالطُّهْرِ بِأَنْ حَاضَتْ ثُمَّ امْتَدَّ طُهْرُهَا، فَتَعْتَدُّ بِالْحَيْضِ إلَى أَنْ تَبْلُغَ سِنَّ الْإِيَاسِ جَوْهَرَةٌ وَغَيْرُهَا، وَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مِنْ انْقِضَائِهَا بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ الرِّوَايَاتِ فَلَا يُفْتَى بِهِ. كَيْفَ وَفِي نِكَاحِ الْخُلَاصَةِ: لَوْ قِيلَ لِحَنَفِيٍّ مَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي كَذَا وَجَبَ أَنْ يَقُولَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كَذَا، نَعَمْ لَوْ قَضَى مَالِكِيٌّ بِذَلِكَ نَفَذَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَقَدْ نَظَمَهُ شَيْخُنَا الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ سَالِمًا مِنْ النَّقْدِ فَقَالَ: لِمُمْتَدَّةٍ طُهْرًا بِتِسْعَةِ أَشْهُرْ ... وَفَا عِدَّةٍ إنْ مَالِكِيٌّ يُقَدِّرْ   [رد المحتار] عُلِمَ أَنَّ الْعِدَّةَ انْقَضَتْ مِنْ حِينِ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ: بِأَنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْإِيَاسِ) سَيَأْتِي تَقْدِيرُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: أَوْ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ) أَيْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ط عَنْ الْعِنَايَةِ، وَمِثْلُهَا لَوْ بَلَغَتْ بِالْإِنْزَالِ قَبْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَقَوْلُهُ: وَلَمْ تَحِضْ شَامِلٌ لِمَا إذَا لَمْ تَرَ دَمًا أَصْلًا، أَوْ رَأَتْ وَانْقَطَعَ قَبْلَ التَّمَامِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة بَلَغَتْ فَرَأَتْ يَوْمًا دَمًا ثُمَّ انْقَطَعَ حَتَّى مَضَتْ سَنَةٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَعِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ. اهـ. وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّهَا إذَا بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَلَمْ تَحِضْ حُكِمَ بِإِيَاسِهَا وَيَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ: بِأَنْ حَاضَتْ) أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا (قَوْلُهُ: ثُمَّ امْتَدَّ طُهْرُهَا) أَيْ سَنَةً، أَوْ أَكْثَرَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: مِنْ انْقِضَائِهَا بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ) سَنَةٌ مِنْهَا مُدَّةُ الْإِيَاسِ وَثَلَاثَةٌ مِنْهَا لِلْعِدَّةِ. وَرَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيِّ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِوَفَاءِ الْعِدَّةِ مِنْ سَنَةٍ كَامِلَةٍ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ لِمُدَّةِ الْإِيَاسِ وَثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. قُلْت: وَلِذَا عَبَّرَ فِي الْمَجْمَعِ بِالْحَوْلِ. مَطْلَبٌ فِي الْإِفْتَاءِ بِالضَّعِيفِ: (قَوْلُهُ: فَلَا يُفْتَى بِهِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالتَّقْلِيدُ جَائِزٌ بِشَرْطِ عَدَمِ التَّلْفِيقِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ حَسَنٌ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ بَلْ وَمَعَ التَّلْفِيقِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُنْلَا ابْنُ فَرُّوخَ فِي رِسَالَةٍ. قُلْت: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَرُّوخَ رَدَّهُ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي رِسَالَةٍ خَاصَّةٍ، وَالتَّقْلِيدُ وَإِنْ جَازَ بِشَرْطِهِ فَهُوَ لِلْعَامِلِ لِنَفْسِهِ لَا لِلْمُفْتِي لِغَيْرِهِ، فَلَا يُفْتِي بِغَيْرِ الرَّاجِحِ فِي مَذْهَبِهِ، لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي رَسْمِ الْمُفْتِي بِقَوْلِهِ: وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُفْتِي وَالْقَاضِي إلَّا أَنَّ الْمُفْتِيَ مُخْبِرٌ عَنْ الْحُكْمِ، وَالْقَاضِيَ مُلْزِمٌ بِهِ، وَأَنَّ الْحُكْمَ وَالْفُتْيَا بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ جَهْلٌ وَخَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَأَنَّ الْحُكْمَ الْمُلَفَّقَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ التَّقْلِيدِ بَعْدَ الْعَمَلِ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا إلَخْ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ هُنَاكَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَجَبَ أَنْ يَقُولَ إلَخْ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ، وَبُنِيَ عَلَى ذَلِكَ وُجُوبُ اعْتِقَادِ أَنَّ مَذْهَبَهُ صَوَابٌ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ، وَأَنَّ مَذْهَبَ غَيْرِهِ خَطَأٌ يَحْتَمِلُ الصَّوَابَ؛ فَإِذَا سُئِلَ عَنْ حُكْمٍ لَا يُجِيبُ إلَّا بِمَا هُوَ صَوَابٌ عِنْدَهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجِيبَ بِمَذْهَبِ الْغَيْرِ وَقَدَّمْنَا فِي دِيبَاجَةِ الْكِتَابِ تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ قَضَى مَالِكِيٌّ بِذَلِكَ نَفَذَ) لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ، وَهَذَا كُلُّهُ رَدٌّ عَلَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. قَالَ الْعَلَّامَةُ: وَالْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَعَلَى مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ قَضَى قَاضٍ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بَعْدَ مُضِيِّ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ نَفَذَ اهـ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ بِغَيْرِ مَذْهَبِهِ خُصُوصًا قُضَاةُ زَمَانِنَا (قَوْلُهُ: لِمُمْتَدَّةٍ) بِالتَّنْوِينِ وَنَصْبِ " طُهْرًا " عَلَى التَّمْيِيزِ ط (قَوْلُهُ: وَفَا عِدَّةً) بِقَصْرِ " وَفَا " لِلضَّرُورَةِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَالْجُمْلَةُ دَلِيلُ جَوَابِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ إنْ مَالِكِيٌّ يُقَدِّرُ يَعْنِي إنْ حَكَمَ الْقَاضِي الْمَالِكِيُّ بِتَقْدِيرِ التِّسْعَةِ أَشْهُرٍ لِمُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ كَانَ هَذَا الْمِقْدَارُ عِدَّتَهَا وَمِنْ بَعْدِهِ: أَيْ مِنْ بَعْدِ قَضَاءِ الْقَاضِي الْمَالِكِيِّ بِهَذَا الْمِقْدَارِ لَا وَجْهَ لِنَقْضِ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ حُكْمَهُ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، فَقَضَاؤُهُ رَفَعَ الْخِلَافَ. اهـ. ح. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: إنْ مَالِكِيٌّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 508 وَمِنْ بَعْدِهِ لَا وَجْهَ لِلنَّقْضِ هَكَذَا ... يُقَالُ بِلَا نَقْدٍ عَلَيْهِ يُنَظَّرْ وَأَمَّا مُمْتَدَّةُ الْحَيْضِ فَالْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي حَيْضِ الْفَتْحِ تَقْدِيرُ طُهْرِهَا بِشَهْرَيْنِ، فَسِتَّةِ أَشْهُرٍ لِلْإِطْهَارِ وَثَلَاثِ حِيَضٍ بِشَهْرٍ احْتِيَاطًا (ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) بِالْأَهِلَّةِ لَوْ فِي الْغُرَّةِ وَإِلَّا فَبِالْأَيَّامِ بَحْرٌ وَغَيْرُهُ (إنْ وُطِئَتْ) فِي الْكُلِّ وَلَوْ حُكْمًا كَالْخَلْوَةِ وَلَوْ فَاسِدَةً كَمَا مَرَّ، وَلَوْ رَضِيعًا تَجِبُ الْعِدَّةُ لَا الْمَهْرُ قُنْيَةٌ.   [رد المحتار] يُقَرِّرُ بِالرَّاءِ، لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَقْدِيرُ الْمُدَّةِ بِحَوْلٍ، وَنَقَلَهُ أَيْضًا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَجْمَعِ مَعْزِيًّا لِمَالِكٍ (قَوْلُهُ: هَكَذَا يُقَالُ) يَعْنِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ الْخَالِي مِنْ نَقْدٍ وَاعْتِرَاضٍ يُنَظَّرُ بِهِ عَلَيْهِ لَا كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ يُفْتَى بِهِ لِلضَّرُورَةِ. اهـ. ح. قُلْت: لَكِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ إذَا أَمْكَنَ قَضَاءُ مَالِكِيٍّ بِهِ، أَوْ تَحْكِيمُهُ، أَمَّا فِي بِلَادٍ لَا يُوجَدُ فِيهَا مَالِكِيٌّ يَحْكُمُ بِهِ فَالضَّرُورَةُ مُتَحَقِّقَةٌ، وَكَأَنَّ هَذَا وَجْهُ مَا مَرَّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَالْفُصُولَيْنِ، فَلَا يَرِدُ قَوْلُهُ: فِي النَّهْرِ إنَّهُ لَا دَاعِيَ إلَى الْإِفْتَاءِ بِقَوْلٍ نَعْتَقِدُ أَنَّهُ خَطَأٌ يَحْتَمِلُ الصَّوَابَ مَعَ إمْكَانِ التَّرَافُعِ إلَى مَالِكِيٍّ يَحْكُمُ بِهِ اهـ تَأَمَّلْ، وَلِهَذَا قَالَ الزَّاهِدِيُّ: وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُفْتُونَ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلضَّرُورَةِ. اهـ. ثُمَّ رَأَيْت مَا بَحَثْته بِعَيْنِهِ ذَكَرَهُ مُحَشِّي مِسْكِينٌ عَنْ السَّيِّدِ الْحَمَوِيِّ وَسَيَأْتِي نَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ حَيْثُ قِيلَ إنَّهُ يُفْتَى بِقَوْلِ مَالِكٍ إنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعِ سِنِينَ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا مُمْتَدَّةُ الْحَيْضِ) الْأَوْلَى: أَنْ يَقُولَ مُمْتَدَّةُ الدَّمِ، أَوْ الْمُسْتَحَاضَةُ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْمُتَحَيِّرَةُ الَّتِي نَسِيَتْ عَادَتَهَا، وَأَمَّا إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَكَانَتْ تَعْلَمُ عَادَتَهَا فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: فَالْمُفْتَى بِهِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ بِثَلَاثَةٍ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَبِالْأَيَّامِ) فِي الْمُحِيطِ: إذَا اتَّفَقَ عِدَّةُ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ فِي غُرَّةِ الشَّهْرِ اُعْتُبِرَتْ الشُّهُورُ بِالْأَهْلِيَّةِ وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ الْعَدَدِ، وَإِنْ اتَّفَقَ فِي وَسَطِ الشَّهْرِ. فَعِنْدَ الْإِمَامِ يُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ فَتَعْتَدُّ فِي الطَّلَاقِ بِتِسْعِينَ يَوْمًا، وَفِي الْوَفَاةِ بِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ. وَعِنْدَهُمَا يُكْمَلُ الْأَوَّلُ مِنْ الْأَخِيرِ وَمَا بَيْنَهُمَا بِالْأَهِلَّةِ، وَمُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَالْيَمِينِ - أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ -، وَالْإِجَارَةِ - سَنَةً فِي وَسَطِ الشَّهْرِ - وَسِنِّ الرَّجُلِ - إذَا وُلِدَ فِي أَثْنَائِهِ -، وَصَوْمِ الْكَفَّارَةِ إذَا شَرَعَ فِيهِ وَسَطٌ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ اهـ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْمُجْتَبَى تَأْجِيلَ الْعِنِّينِ إذَا كَانَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ إجْمَاعًا بَحْرٌ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي الصُّغْرَى أَنَّ اعْتِبَارَ الْعِدَّةِ بِالْأَيَّامِ إجْمَاعًا إنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْإِجَارَةِ. وَاسْتَشْكَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ بِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: فِي الْكُلِّ) يَعْنِي أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْوَطْءِ شَرْطٌ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ مِنْ مَسَائِلِ الْعِدَّةِ بِالْحَيْضِ وَالْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ كَمَا أَفَادَهُ سَابِقًا بِقَوْلِهِ رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ فَاسِدَةً) أَطْلَقَهَا فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فَسَادُهَا الْمَانِعَ حِسِّيًّا، أَوْ شَرْعِيًّا، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ كَمَا بَيَّنَّاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ " صَحِيحَةٌ ". اهـ. ح (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي بَابِ الْمَهْرِ لَا فِي هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّ الَّذِي قَدَّمَهُ فِيهِ التَّقْيِيدُ بِالصَّحِيحَةِ ط. مَطْلَبٌ فِي عِدَّةِ زَوْجَةٍ صَغِيرَةٍ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ رَضِيعًا إلَخْ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ وُطِئَتْ، وَالرَّضِيعُ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ وَطْءُ زَوْجَتِهِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ غَيْرَ مُرَاهِقٍ. وَعِبَارَةُ الْقُنْيَةِ تَجِبُ الْعِدَّةُ بِدُخُولِ زَوْجِهَا الصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ. وَفِي آحَادِ الْجُرْجَانِيِّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إنَّ الْمَهْرَ وَالْعِدَّةَ وَاجِبَانِ بِوَطْءِ الصَّبِيِّ. وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَجِبُ الْعِدَّةُ دُونَ الْمَهْرِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ لِأَنَّهُمَا أَجَابَا فِي مُرَاهِقٍ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِعْلَاقُ: أَيْ أَنْ تَعْلَقَ مِنْهُ أَيْ تَحْبَلَ وَمُحَمَّدٌ أَجَابَ فِيمَنْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ لِأَنَّ ذَكَرَهُ فِي حُكْمِ أُصْبُعِهِ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِفَسَادِ خَلْوَتِهِ، وَبِوُجُوبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 509 (وَ) الْعِدَّةُ (لِلْمَوْتِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ) بِالْأَهِلَّةِ لَوْ فِي الْغُرَّةِ كَمَا مَرَّ (وَعَشْرٌ) مِنْ الْأَيَّامِ بِشَرْطِ بَقَاءِ النِّكَاحِ صَحِيحًا إلَى الْمَوْتِ (مُطْلَقًا) وُطِئَتْ أَوْ لَا وَلَوْ صَغِيرَةً، أَوْ كِتَابِيَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ وَلَوْ عَبْدًا فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا إلَّا الْحَامِلُ. قُلْت: وَعَمَّ كَلَامُهُ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ كَالْمُرْضِعِ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى، وَلَمْ أَرَهَا لِلْآنَ فَرَاجِعْهُ.   [رد المحتار] الْعِدَّةِ بِالْخَلْوَةِ الْفَاسِدَةِ الشَّامِلَةِ لِخَلْوَةِ الصَّبِيِّ، وَبِوُجُوبِ الْعِدَّةِ إذَا وَطِئَهَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فَكَذَا الصَّحِيحُ بِالْأَوْلَى، ثُمَّ قَالَ: فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ كَالْبَالِغِ فِي الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ، وَفِي الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ فِي الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ وَالتَّفْرِيقِ وَوَضْعِ الْحَمْلِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُحْفَظْ اهـ وَمَسْأَلَةُ عِدَّةِ زَوْجَتِهِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ تَأْتِي قَرِيبًا. وَصُورَةُ الطَّلَاقِ الْمُوجِبِ لِعِدَّتِهَا بَعْدَ الدُّخُولِ أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا فَتُسْلِمَ زَوْجَتُهُ وَيَأْبَى وَلِيُّهُ عَنْ الْإِسْلَامِ أَوْ أَنْ يَخْتَلِيَ بِهَا فِي صِغَرِهِ وَيُطَلِّقَهَا فِي كِبَرِهِ وَصُورَةُ التَّفْرِيقِ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ. [مطلب فِي عدة الْمَوْت] (قَوْلُهُ: وَالْعِدَّةُ لِلْمَوْتِ) أَيْ مَوْتِ زَوْجِ الْحُرَّةِ، أَمَّا الْأَمَةُ فَيَأْتِي حُكْمُهَا بُعَيْدَهُ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: مِنْ الْأَيَّامِ) أَيْ وَاللَّيَالِي أَيْضًا كَمَا فِي الْمُجْتَبَى. وَفِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ: أَيْ عَشْرُ لَيَالٍ مَعَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مِنْ شَهْرٍ خَامِسٍ. وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّ الْمُقَدَّرَ فِيهِ عَشْرُ لَيَالٍ لِدَلَالَةِ حَذْفِ التَّاءِ فِي الْآيَةِ عَلَيْهِ فَلَهَا التَّزَوُّجُ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ. قُلْنَا إنَّ ذِكْرَ كُلٍّ مِنْ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي بِصِيغَةِ الْجَمْعِ لَفْظًا، أَوْ تَقْدِيرًا يَقْتَضِي دُخُولَ مَا يُوَازِيهِ اسْتِقْرَاءً اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ، وَمَا مَرَّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَزَاهُ فِي الْخَانِيَّةِ لِابْنِ الْفَضْلِ وَقَالَ إنَّهُ أَحْوَطُ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِلَيْلَةٍ: أَيْ لَوْ مَاتَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ اللَّيْلَةِ بَعْدَ الْعَاشِرِ. وَعَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ تَنْقَضِي بِغُرُوبِ الشَّمْسِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ هُوَ مُسَاوٍ لِقَوْلِ الْعَامَّةِ لِمَا عَلِمْتَ مِنْ التَّقْدِيرِ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ وَعَشْرِ لَيَالٍ. وَقَدْ يَنْقُصُ عَنْ قَوْلِهِمْ لَوْ فُرِضَ الْمَوْتُ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَكَانَ الْأَحْوَطُ قَوْلَهُمْ لَا قَوْلَهُ (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ بَقَاءِ النِّكَاحِ صَحِيحًا إلَى الْمَوْتِ) لِأَنَّ الْعِدَّةَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ ثَلَاثُ حِيَضٍ لِلْمَوْتِ وَغَيْرِهِ كَمَا مَرَّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلِهَذَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ ثُمَّ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ لَمْ تَجِبْ عِدَّةُ الْوَفَاةِ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا عِدَّةَ أَصْلًا، وَإِنْ دَخَلَ فَوَلَدَتْ مِنْهُ تَعْتَدُّ بِحَيْضَتَيْنِ لِفَسَادِ النِّكَاحِ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً تَعْتَدُّ بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ عِدَّةَ الْوَفَاةِ لِأَنَّهُمَا مَمْلُوكَانِ لِلْمَوْلَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَغِيرَةً) الْأَوْلَى وَلَوْ كَبِيرَةً لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ عِدَّةَ الْمَوْتِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ فَمَنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ بِالْأَوْلَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: تَحْتَ مُسْلِمٍ) أَمَّا لَوْ كَانَتْ تَحْتَ كَافِرٍ لَمْ تَعْتَدَّ إذَا اعْتَقَدُوا ذَلِكَ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَبْدًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ زَوْجُ الْحُرَّةِ عَبْدًا (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا إلَّا الْحَامِلُ) فَإِنَّ عِدَّتَهَا لِلْمَوْتِ وَضْعُ الْحَمْلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَهَذَا إذَا مَاتَ عَنْهَا وَهِيَ حَامِلٌ، أَمَّا لَوْ حَبِلَتْ فِي الْعِدَّةِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا تَتَغَيَّرُ فِي الصَّحِيحِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ: وَعَمَّ كَلَامُهُ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ ذَمِّهِ مَسْأَلَةَ الشَّابَّةِ الْمُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ، يَعْنِي أَنَّهَا مِثْلُهَا فِي أَنَّهَا تَعْتَدُّ لِلطَّلَاقِ بِالْحَيْضِ لَا بِالْأَشْهُرِ. وَأَمَّا ذِكْرُهَا هُنَا فَلَا مَحَلَّ لَهُ لِأَنَّ الَّتِي تَرَى الدَّمَ تَعْتَدُّ لِلْمَوْتِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، فَغَيْرُهَا تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ لَا بِالْحَيْضِ بِالْأَوْلَى، إذْ لَا دَخْلَ لِلْحَيْضِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ. وَأَيْضًا قَوْلُهُ: فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا إلَّا الْحَامِلُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ رَأَيْت الرَّحْمَتِيَّ أَفَادَ بَعْضَ ذَلِكَ. وَقَدَّمْنَا عَنْ السِّرَاجِ مَا يُفِيدُ بَحْثَ الشَّارِحِ؛ وَهُوَ أَنَّ الْمُرْضِعَ إذَا عَالَجَتْ الْحَيْضَ حَتَّى رَأَتْ صُفْرَةً فِي أَيَّامِهِ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَيْضِ الْمُرْضِعِ وَلَوْ بِحِيلَةِ الدَّوَاءِ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ مَا فِي الْمُجْتَبَى. قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا تَأَخَّرَ حَيْضُ الْمُطَلَّقَةِ لِعَارِضٍ، أَوْ غَيْرِهِ بَقِيَتْ فِي الْعِدَّةِ حَتَّى تَحِيضَ، أَوْ تَبْلُغَ حَدَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 510 (وَفِي) حَقِّ (أَمَةٍ لَمْ تَحِضْ) لِطَلَاقٍ، أَوْ فَسْخٍ (حَيْضَتَانِ) لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ (وَ) فِي (أَمَةٍ تَحِيضُ) لِطَلَاقٍ، أَوْ فَسْخٍ (أَوْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا نِصْفُ الْحَرَّةِ) لِقَبُولِ التَّنْصِيفِ. (وَ) فِي حَقِّ (الْحَامِلِ) مُطْلَقًا وَلَوْ أَمَةً، أَوْ كِتَابِيَّةً، أَوْ مِنْ زِنًا بِأَنْ تَزَوَّجَ حُبْلَى مِنْ زِنًا وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ مَاتَ، أَوْ طَلَّقَهَا تَعْتَدُّ بِالْوَضْعِ جَوَاهِرُ الْفَتَاوَى (وَضْعُ) جَمِيعِ (حَمْلِهَا) .   [رد المحتار] الْإِيَاسِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي حَقِّ أَمَةٍ) أَطْلَقَهَا فَشَمِلَ الزَّوْجَةَ الْقِنَّةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةَ وَالْمُكَاتَبَةَ وَالْمُسْتَسْعَاةَ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدِ الدُّخُولِ فِي الْأَمَةِ إلَّا فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بَحْرٌ، وَقَيَّدَ بِالزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَوْطُوءَةً بِمِلْكِ الْيَمِينِ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا إلَّا إذَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ مَاتَ عَنْهَا سَيِّدُهَا، أَوْ أَعْتَقَهَا فَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ) يَعْنِي أَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ، وَمُقْتَضَاهُ لُزُومُ حَيْضَةٍ وَنِصْفٍ لَكِنَّ الْحَيْضَ لَا يَتَجَزَّأُ فَوَجَبَتْ حَيْضَتَانِ (قَوْلُهُ: لِطَلَاقٍ، أَوْ فَسْخٍ) أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: نِصْفُ الْحُرَّةِ) أَيْ شَهْرٌ وَنِصْفٌ فِي طَلَاقٍ وَنَحْوِهِ، وَشَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ فِي الْمَوْتِ. (قَوْلُهُ: وَفِي حَقِّ الْحَامِلِ) أَيْ مِنْ نِكَاحٍ وَلَوْ فَاسِدًا، فَلَا عِدَّةَ عَلَى الْحَامِلِ مِنْ زِنًا أَصْلًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءً كَانَ عَنْ طَلَاقٍ، أَوْ وَفَاةٍ، أَوْ مُتَارَكَةٍ، أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَمَةً) أَيْ مَنْكُوحَةً سَوَاءً كَانَتْ قِنَّةً أَوْ مُدَبَّرَةً، أَوْ مُكَاتَبَةً، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ، أَوْ مُسْتَسْعَاةً ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ، وَمِثْلُ الْمَنْكُوحَةِ أُمُّ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ عَنْهَا سَيِّدُهَا، أَوْ أَعْتَقَهَا كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ: أَوْ كِتَابِيَّةً) لَمْ يَقُلْ تَحْتَ مُسْلِمٍ كَمَا قَالَ فِي سَابِقِهِ، إذْ لَا فَرْقَ هُنَا بَيْنَ كَوْنِهَا تَحْتَ مُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ زِنًا إلَخْ) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ الْحَمْلُ فِي الْعِدَّةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالدُّرِّ الْمُنْتَقَى. وَفِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ: إذَا حَبِلَتْ الْمُعْتَدَّةُ وَوَلَدَتْ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ سَوَاءً كَانَ مِنْ الْمُطَلِّقِ، أَوْ مِنْ زِنًا. وَعَنْهُ لَا تَنْقَضِي بِهِ مِنْ زِنًا وَلَوْ كَانَ الْحَبَلُ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَوَلَدَتْ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ إنْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْمُتَارَكَةِ لَا قَبْلَهَا اهـ لَكِنْ يَأْتِي قَرِيبًا فِيمَنْ حَبِلَتْ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا الصَّبِيِّ أَنَّ لَهَا عِدَّةَ الْمَوْتِ، فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إذَا حَبِلَتْ الْمُعْتَدَّةُ مُعْتَدَّةُ الطَّلَاقِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي النَّهْرِ عِنْدَ مَسْأَلَةِ الْغَارِ الْآتِيَةِ. قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ لَوْ حَمَلَتْ فِي عِدَّتِهَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ عِدَّتَهَا وَضْعُ الْحَمْلِ وَلَمْ يُفَصِّلْ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ أَنَّ هَذَا فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ، أَمَّا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِالْحَمْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ اهـ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة: الْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ إذَا حَبِلَتْ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ وَضَعَتْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا. وَفِيهِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ الْمَوْتِ حُكِمَ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَزِيَادَةٍ، فَتُجْعَلُ كَأَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بِآخَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَحَبِلَتْ مِنْهُ (قَوْلُهُ: بِأَنْ تَزَوَّجَ حُبْلَى مِنْ زِنًا إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْعِدَّةَ لَيْسَتْ مِنْ أَجْلِ الزِّنَا، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا أَصْلًا، وَإِنَّمَا الْعِدَّةُ لِمَوْتِ الزَّوْجِ، أَوْ طَلَاقِهِ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَيُعْلَمُ كَوْنُ الْحَمْلِ مِنْ زِنًا بِوِلَادَتِهَا قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ: وَدَخَلَ بِهَا) هُوَ قَيْدٌ لِغَيْرِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لِمَا مَرَّ أَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا الدُّخُولُ وَدُخُولُهُ بِهَا بِالْخَلْوَةِ، أَوْ بِوَطْئِهَا مَعَ حُرْمَتِهِ لِأَنَّهُ وَإِنْ جَازَ نِكَاحُ الْحُبْلَى مِنْ زِنًا لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا رَحْمَتِيٌّ، وَنَقَلَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ بِدُونِ قَيْدِ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ: وَضْعُ حَمْلِهَا) أَيْ بِلَا تَقْدِيرٍ بِمُدَّةٍ سَوَاءٌ وَلَدَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ، أَوْ الْمَوْتِ بِيَوْمٍ، أَوْ أَقَلَّ جَوْهَرَةٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَمْلُ الَّذِي اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ، أَوْ كُلُّهُ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ بَعْضُهُ لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ لِأَنَّ الْحَمْلَ اسْمٌ لِنُطْفَةٍ مُتَغَيِّرَةٍ، فَإِذَا كَانَ مُضْغَةً، أَوْ عَلَقَةً لَمْ تَتَغَيَّرْ، فَلَا يُعْرَفُ كَوْنُهَا مُتَغَيِّرَةً بِيَقِينٍ إلَّا بِاسْتِبَانَةِ بَعْضِ الْخَلْقِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. وَفِيهِ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَسْتَبِينُ إلَّا فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا. وَفِيهِ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّ الْمُسْتَبِينَ بَعْضُ خَلْقِهِ يُعْتَبَرُ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَتَامَّ الْخَلْقِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَقَدَّمْنَا فِي الْحَيْضِ اسْتِشْكَالَ صَاحِبِ الْبَحْرِ لِهَذَا بِأَنَّ الْمُشَاهَدَ ظُهُورُ الْخَلْقِ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْخُ الرُّوحِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 511 لِأَنَّ الْحَمْلَ اسْمٌ لِجَمِيعِ مَا فِي الْبَطْنِ. وَفِي الْبَحْرِ: خُرُوجُ أَكْثَرِ الْوَلَدِ كَالْكُلِّ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي حِلِّهَا لِلْأَزْوَاجِ احْتِيَاطًا، وَلَا عِبْرَةَ بِخُرُوجِ الرَّأْسِ وَلَوْ مَعَ الْأَقَلِّ، فَلَا قِصَاصَ بِقَطْعِهِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمُبَانَةِ لَوْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ ثُمَّ بَاقِيهِ لِأَكْثَرَ (وَلَوْ) كَانَ (زَوْجُهَا) الْمَيِّتُ (صَغِيرًا) غَيْرَ مُرَاهِقٍ وَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ مِنْ مَوْتِهِ فِي الْأَصَحِّ لِعُمُومِ آيَةِ - {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق: 4]-. (وَفِيمَنْ حَبِلَتْ بَعْدَ مَوْتِ الصَّبِيِّ) بِأَنْ وَلَدَتْ لِنِصْفِ حَوْلٍ فَأَكْثَرَ (عِدَّةُ الْمَوْتِ) إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْحَمْلِ عِنْدَ الْمَوْتِ (وَلَا نَسَبَ فِي حَالَيْهِ) إذْ لَا مَاءَ لِلصَّبِيِّ، نَعَمْ يَنْبَغِي ثُبُوتُهُ مِنْ الْمُرَاهِقِ احْتِيَاطًا، وَلَوْ مَاتَ فِي بَطْنِهَا يَنْبَغِي بَقَاءُ عِدَّتِهَا إلَى أَنْ يَنْزِلَ أَوْ تَبْلُغَ حَدَّ الْإِيَاسِ نَهْرٌ.   [رد المحتار] لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَبْلَهَا، وَقَدَّمْنَا تَمَامَهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَمْلَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِتَقْدِيرِ لَفْظِ الْجَمِيعِ، فَلَوْ وَلَدَتْ وَفِي بَطْنِهَا آخَرُ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِالْآخَرِ، وَإِذَا أَسْقَطَتْ سِقْطًا إنْ اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ انْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّةُ لِأَنَّهُ وُلِدَ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: خُرُوجُ أَكْثَرِ الْوَلَدِ كَالْكُلِّ إلَخْ) هَذَا يُنَافِي تَقْدِيرَ " جَمِيعِ " فِي قَوْلِهِ وَضْعُ جَمِيعِ حَمْلِهَا، إلَّا أَنْ يُرَادَ جَمِيعُ الْأَفْرَادِ لَا جَمِيعُ الْأَجْزَاءِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ قَوْلَهُ " إلَّا فِي حِلِّهَا لِلْأَزْوَاجِ " يَقْتَضِي عَدَمَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِخُرُوجِ الْأَكْثَرِ، وَفِيهِ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَنْقَضِ لَصَحَّتْ مُرَاجَعَتُهَا قَبْلَ خُرُوجِ بَاقِيهِ، فَالْمُرَادُ أَنَّهَا تَنْقَضِي مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ فِي الْهَارُونِيَّاتِ لَوْ خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ. وَقَالَ مَشَايِخُنَا: لَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْكُلِّ فِي حَقِّ انْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ احْتِيَاطًا، وَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي حَقِّ حِلِّهَا لِلْأَزْوَاجِ احْتِيَاطًا. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ) أَيْ فِي انْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ، أَوْ الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ بِوِلَادَتِهَا وَصَيْرُورَتِهَا نُفَسَاءَ، فَلَا تُصَلِّي وَلَا تَصُومُ هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَعَ الْأَقَلِّ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَلَا مَعَ الْأَقَلِّ بِلَا النَّافِيَةِ وَهِيَ الصَّوَابُ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ وَخُرُوجُ الرَّأْسِ فَقَطْ، أَوْ مَعَ الْأَقَلِّ لَا اعْتِبَارَ بِهِ، وَذَكَرَ قَبْلَهُ عَنْ النَّوَادِرِ تَفْسِيرَ الْبَدَنِ بِأَنَّهُ مِنْ الْأَلْيَتَيْنِ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَلَا يَعْتَدُّ بِالرَّأْسِ وَلَا بِالرِّجْلَيْنِ أَيْ فَقَطْ (قَوْلُهُ: فَلَا قِصَاصَ بِقَطْعِهِ) بَلْ فِيهِ الدِّيَةُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَخْ) أَيْ لَوْ جَاءَتْ الْمُبَانَةُ الْمَدْخُولَةُ بِوَلَدٍ فَخَرَجَ رَأْسُهُ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَخَرَجَ الْبَاقِي لِأَكْثَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ حَتَّى يَخْرُجَ الرَّأْسُ وَنِصْفُ الْبَدَنِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا) " لَوْ " وَصْلِيَّةٌ وَهُوَ مُبَالَغَةٌ عَلَى قَوْلِهِ " وَضْعُ حَمْلِهَا " (قَوْلُهُ: غَيْرَ مُرَاهِقٍ) أَيْ لَمْ تَبْلُغْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ إلَخْ) أَيْ لِيَتَحَقَّقَ وُجُودُ الْحَمْلِ وَقْتَ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ مَا رُوِيَ شَاذًّا عَنْ الثَّانِي أَنَّ لَهَا عِدَّةَ الْمَوْتِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ وَلَدَتْ لِنِصْفِ حَوْلٍ فَأَكْثَرَ) وَقِيلَ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْحَمْلِ عِنْدَ الْمَوْتِ) أَيْ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ وُجُودِهِ عِنْدَهُ فَلَمْ تَكُنْ مِنْ أُولَاتِ الْأَحْمَالِ (قَوْلُهُ: فِي حَالَيْهِ) أَيْ حَالَيْ مَوْتِ الصَّبِيِّ أَوْ حَالَيْ وُجُودِ الْحَمْلِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَحُدُوثِهِ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: إذْ لَا مَاءَ لِلصَّبِيِّ) أَيْ فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْعُلُوقُ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِ الْمَشْرِقِيِّ مِنْ مَغْرِبِيَّةٍ إقَامَةً لِلْعَقْدِ مَقَامَ الْعُلُوقِ لِتَصَوُّرِهِ حَقِيقَةً، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ يَنْبَغِي إلَخْ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ: ثُمَّ يَجِبُ كَوْنُ ذَلِكَ الصَّبِيِّ غَيْرَ مُرَاهِقٍ، أَمَّا الْمُرَاهِقُ فَيَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ مِنْهُ إلَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْعَقْدِ اهـ وَأَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ وَلِهَذَا صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي بِمَا إذَا كَانَ رَضِيعًا اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَفْهُومَ الرِّوَايَةِ مُعْتَبَرٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَوْ تَبْلُغَ حَدَّ الْإِيَاسِ) يَعْنِي فَتَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ بَعْدَهُ، وَفِيهِ أَنَّهُ مُنَافٍ - {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق: 4]- الْآيَةَ فَتَأَمَّلْ ح. قُلْت: وَفِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ لِلشَّيْخِ خَيْرِ الدِّينِ: لَا مَعْنَى لِلْقَوْلِ بِالِانْقِضَاءِ مَعَ وُجُودِهِ لِاشْتِغَالِ الرَّحِمِ بِهِ كَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 512 (وَفِي) حَقِّ (امْرَأَةِ الْفَارِّ مِنْ) الطَّلَاقِ (الْبَائِنُ) إنْ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ (أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَعِدَّةِ الطَّلَاقِ) احْتِيَاطًا، بِأَنْ تَتَرَبَّصَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ شُمُنِّيٌّ، وَفِيهِ قُصُورٌ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَرَ فِيهَا حَيْضًا تَعْتَدُّ بَعْدَهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ، حَتَّى لَوْ امْتَدَّ طُهْرُهَا تَبْقَى عِدَّتُهَا حَتَّى تَبْلُغَ سِنَّ الْإِيَاسِ فَتْحٌ (وَ) قَيَّدَ بِالْبَائِنِ لِأَنَّ (لِمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيِّ مَا لِلْمَوْتِ) إجْمَاعًا.   [رد المحتار] فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ. قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: وَلَوْ مَاتَ وَاسْتَمَرَّ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ لَمْ تَنْقَضِ إلَّا بِوَضْعِهِ لِعُمُومِ الْآيَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ، وَلَا مُبَالَاةَ بِتَضَرُّرِهَا بِذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ قَاسِمٍ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: قَالَ شَيْخُنَا الطَّبَلَاوِيُّ أَفْتَى جَمَاعَةُ عَصْرِنَا بِالتَّوَقُّفِ عَلَى خُرُوجِهِ. وَاَلَّذِي أَقُولُهُ عَدَمُ التَّوَقُّفِ إذَا أَيِسَ مِنْ خُرُوجِهِ لِتَضَرُّرِهَا بِمَنْعِهَا مِنْ التَّزَوُّجِ اهـ وَلَا شَيْءَ مِنْ قَوَاعِدِنَا يَدْفَعُ مَا قَالُوهُ فَاعْلَمْ ذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ، أَوْ تَبْلُغَ حَدَّ الْإِيَاسِ هُوَ الْإِيَاسُ مِنْ خُرُوجِهِ، وَهَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ نِهَايَةُ حَدِّ الْحَمْلِ وَهُوَ أَرْبَعُ سِنِينَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَسَنَتَانِ عِنْدَنَا، أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، مُحْتَمَلٌ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْعَمَلُ بِمَا قَالَهُ الْجَمَاعَةُ الْمُوَافِقَةُ صَرِيحَ الْآيَةِ. (قَوْلُهُ: وَفِي حَقِّ امْرَأَةِ الْفَارِّ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ سَابِقًا فِي حَقِّ حُرَّةٍ تَحِيضُ، وَمُتَعَلِّقٌ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ وَهُوَ الضَّمِيرُ الْعَائِدُ عَلَى الْعِدَّةِ، وَقَوْلُهُ " مِنْ الطَّلَاقِ " مُتَعَلِّقٌ بِهِ. وَلَوْ قَالَ لِلطَّلَاقِ بِاللَّامِ لَكَانَ أَظْهَرَ، وَالْمُرَادُ بِامْرَأَةِ الْفَارِّ مَنْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ بِغَيْرِ رِضَاهَا بِحَيْثُ صَارَ فَارًّا وَمَاتَ فِي عِدَّتِهَا فَعِدَّتُهَا أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ وَإِنْ انْقَطَعَ النِّكَاحُ بِالطَّلَاقِ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ بَاقٍ حُكْمًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ فَيُجْمَعُ بَيْنَ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ احْتِيَاطًا، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. قُلْت: وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَوْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ بِرِضَاهَا بِحَيْثُ لَمْ يَصِرْ فَارًّا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ فَقَطْ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى فَلْتُحْفَظْ. وَخَرَجَ أَيْضًا مَا لَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ لَا تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا وَلَا تَرِثُ اتِّفَاقًا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فَارًّا (قَوْلُهُ: إنْ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ) بِأَنْ لَمْ تَحِضْ ثَلَاثًا قَبْلَ مَوْتِهِ، فَإِنْ حَاضَتْ ثَلَاثًا قَبْلَهُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهَا إلَّا إذَا مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. وَقَدْ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ حَنَفِيَّةِ الْعَصْرِ لِعَدَمِ التَّأَمُّلِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ إلَخْ) بَيَانٌ لِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ، فَمِنْ بَيَانِيَّةٌ لَا مُتَعَلِّقَةٌ بِأَبْعَدَ ط (قَوْلُهُ: احْتِيَاطًا) عَلِمْتَ وَجْهَهُ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ قُصُورٌ) لِأَنَّ قَوْلَهُ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْحِيَضُ الثَّلَاثُ، أَوْ بَعْضُهَا فِي مُدَّةِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَعَشْرٍ (قَوْلُهُ: حَتَّى تَبْلُغَ الْإِيَاسَ) فَإِذَا بَلَغَتْ سِنَّ الْإِيَاسِ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بِالْبَائِنِ إلَخْ) حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فِي صِحَّتِهِ، أَوْ مَرَضِهِ وَدَخَلَتْ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ ثُمَّ مَاتَ وَالْعِدَّةُ بَاقِيَةٌ تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْمَوْتِ إجْمَاعًا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ زَوْجَتُهُ وَتَرِثُ مِنْهُ. أَمَّا إذَا كَانَتْ مُنْقَضِيَةً لَمْ تَكُنْ زَوْجَتَهُ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا بِمَوْتِهِ شَيْءٌ وَلَا تَرِثُهُ، وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ فِي عِدَّتِهَا كَمَا مَرَّ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ امْرَأَةَ الْفَارِّ هِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا بَائِنًا فِي مَرَضِهِ وَمَاتَ فِي عِدَّتِهَا فَلَوْ كَانَ رَجْعِيًّا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلْكَنْزِ وَغَيْرِهِ وَلِمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيِّ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ مِنْ الْبَائِنِ يَقْتَضِي أَنَّ امْرَأَةَ الْفَارِّ تَارَةً يَكُونُ طَلَاقُهَا بَائِنًا وَتَارَةً رَجْعِيًّا، وَأَنَّ حُكْمَ طَلَاقِهَا الْبَائِنِ مَا مَرَّ وَهَذَا حُكْمُ طَلَاقِهَا الرَّجْعِيِّ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيِّ لَوْ سُمِّيَتْ امْرَأَةَ الْفَارِّ لَزِمَ مِنْهُ لَوَازِمُ بَاطِلَةٌ، ذَكَرَهَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَأَلَّفَ لَهَا رِسَالَةً خَاصَّةً وَذَكَرَ أَنَّ هَذَا الْإِيهَامَ وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَحَكَمَ عَلَيْهَا بِالْخَطَأِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا سِوَى الْمُسَامَحَةِ فِي الْعَطْفِ عَلَى امْرَأَةِ الْفَارِّ اعْتِمَادًا عَلَى ظُهُورِ الْمُرَادِ لِأَجْلِ الِاخْتِصَارِ لِيُسْتَغْنَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 513 (وَ) الْعِدَّةُ (فِيمَنْ أُعْتِقَتْ فِي عِدَّةِ رَجْعِيٍّ لَا) عِدَّةُ (الْبَائِنِ وَ) لَا (الْمَوْتِ) أَنْ تُتِمَّ (كَعِدَّةِ حُرَّةٍ. وَلَوْ) أُعْتِقَتْ (فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ الْبَائِنِ، أَوْ الْمَوْتِ (فَكَعِدَّةِ أَمَةٍ) لِبَقَاءِ النِّكَاحِ فِي الرَّجْعِيِّ دُونَ الْأَخِيرَيْنِ، وَقَدْ تَنْتَقِلُ الْعِدَّةُ سِتًّا كَأَمَةٍ صَغِيرَةٍ مَنْكُوحَةٍ طَلُقَتْ رَجْعِيًّا فَتَعْتَدُّ بِشَهْرٍ وَنِصْفٍ فَحَاضَتْ تَصِيرُ حَيْضَتَيْنِ فَأُعْتِقَتْ تَصِيرُ ثَلَاثًا فَامْتَدَّ طُهْرُهَا لِلْإِيَاسِ تَصِيرُ بِالْأَشْهُرِ فَعَادَ دَمُهَا تَصِيرُ بِالْحَيْضِ فَمَاتَ زَوْجُهَا تَصِيرُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. (آيِسَةٌ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ عَادَ دَمُهَا) عَلَى جَارِي عَادَتِهَا، أَوْ حَبِلَتْ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ بَطَلَتْ عِدَّتُهَا وَفَسَدَ نِكَاحُهَا وَ (اسْتَأْنَفَتْ بِالْحَيْضِ) لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلَفِيَّةِ تَحَقُّقُ الْإِيَاسِ عَنْ الْأَصْلِ وَذَلِكَ بِالْعَجْزِ الدَّائِمِ إلَى الْمَوْتِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْغَايَةِ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ.   [رد المحتار] عَنْ التَّقْيِيدِ بِمَوْتِهِ فِي الْعِدَّةِ. (قَوْلُهُ: وَالْعِدَّةُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: أَنْ تُتِمَّ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ عِدَّةَ حُرَّةٍ بَلْ انْتَقَلَتْ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ، فَتَبْنِي عَلَى مَا مَضَى وَتُكْمِلُ ثَلَاثَ حِيَضٍ، أَوْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَافْهَمْ، وَأَفَادَ قَوْلُهُ: أُعْتِقَتْ فِي عِدَّةِ رَجْعِيٍّ أَنَّ الْعِتْقَ بَعْدَ طَلَاقِ الزَّوْجِ، إذْ لَوْ كَانَ قَبْلَهُ لَزِمَهَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ ابْتِدَاءً وَأَنَّ هَذِهِ عِدَّةُ طَلَاقٍ لَا عِتْقٍ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ وَأَعْتَقَهَا وَهِيَ مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ، وَأَفَادَ أَنَّ الْعِدَّةَ بَاقِيَةٌ، إذْ لَوْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، أَوْ مَاتَ لَزِمَهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ كَمَا مَرَّ لِأَنَّهَا عَادَتْ فِرَاشًا لَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: فَكَعِدَّةِ أَمَةٍ) أَيْ حَيْضَتَيْنِ، أَوْ شَهْرٍ وَنِصْفٍ أَوْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ بِلَا انْقِلَابٍ إلَى عِدَّةِ الْحُرَّةِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِبَقَاءِ النِّكَاحِ فِي الرَّجْعِيِّ) بَيَانٌ لِلْفَرْقِ، وَهُوَ أَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، وَبِالْعِتْقِ كَمَلَ مِلْكُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا، وَالْعِدَّةُ فِي الْمِلْكِ الْكَامِلِ مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا بِثَلَاثِ حِيَضٍ بِخِلَافِهِ بَعْدَ الْبَائِنِ، أَوْ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ تَنْتَقِلُ الْعِدَّةُ سِتًّا) جَعَلَهَا سِتًّا بِاعْتِبَارِ الْمُنْتَقَلِ عَنْهُ وَإِلَّا فَالِانْتِقَالَاتُ خَمْسٌ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: طَلُقَتْ رَجْعِيًّا) قَيَّدَ بِالرَّجْعِيِّ لِيُمْكِنَ انْتِقَالُهَا بِالْعِتْقِ وَبِالْمَوْتِ، وَقَدْ خَفِيَ ذَلِكَ عَلَى مُحَشِّي مِسْكِينٍ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: فَحَاضَتْ) أَيْ قَبْلَ تَمَامِ الْعِدَّةِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ ط (قَوْلُهُ: تَصِيرُ ثَلَاثًا) أَيْ تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ لِأَنَّ طَلَاقَهَا رَجْعِيٌّ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: لِلْإِيَاسِ) أَيْ إلَى أَنْ وَصَلَتْ إلَى سِنِّ الْإِيَاسِ (قَوْلُهُ: تَصِيرُ بِالْأَشْهُرِ) وَلَا يُعْتَبَرُ الْأَيَّامُ الَّتِي وُجِدَتْ حَالَ الصِّغَرِ قَبْلَ حُدُوثِ الْحَيْضِ ط (قَوْلُهُ: فَعَادَ دَمُهَا) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ حَبِلَتْ، وَلَوْ ذَكَرَهُ لَاسْتَوْفَى الْمِثَالُ أَنْوَاعَ الْعِدَّةِ الثَّلَاثَةَ، وَهِيَ الْعِدَّةُ بِالْحَيْضِ، وَبِالْأَشْهُرِ، وَبِوَضْعِ الْحَمْلِ؛ لَكِنْ لَوْ مَاتَ زَوْجُهَا تَبْقَى عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَلَا تَنْتَقِلُ إلَى الْأَشْهُرِ (قَوْلُهُ: تَصِيرُ بِالْحَيْضِ) مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ: تَصِيرُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةُ الرَّجْعِيِّ فَلَهَا عِدَّةُ الْمَوْتِ كَمَا مَرَّ قُلْت: وَقَدْ اشْتَمَلَ هَذَا الْمِثَالُ عَلَى عِدَّةِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ وَالْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ وَالْحَائِضِ وَالْآيِسَةِ وَالْمُطَلَّقَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَالْمُعْتَقَةِ، وَيُزَادُ عَاشِرَةٌ وَهِيَ الْحُبْلَى عَلَى مَا ذَكَرْنَا. (قَوْلُهُ: ثُمَّ عَادَ دَمُهَا) أَيْ فِي أَثْنَاءِ الْأَشْهُرِ، أَوْ بَعْدَهَا، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: أَوْ حَبِلَتْ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ فَإِنَّ حَبَلَهَا مِنْهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْأَشْهُرِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مُقَابِلُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: لَكِنْ اخْتَارَ الْبَهْنَسِيُّ إلَخْ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: عَلَى جَارِي عَادَتِهَا) مُقْتَضَاهُ اعْتِبَارُ عَادَةِ نَفْسِهَا، وَهَذَا أَحَدُ أَقْوَالٍ وَهُوَ غَيْرُ الْمُعْتَمَدِ، فَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِقَوْلِهِ عَلَى الْعَادَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ إذَا رَأَتْ الدَّمَ عَلَى الْعَادَةِ، فَقِيلَ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ سَائِلًا كَثِيرًا احْتِرَازًا عَمَّا إذَا رَأَتْ بِلَّةً يَسِيرَةً، وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَا ذُكِرَ وَأَنْ يَكُونَ أَحْمَرَ أَوْ أَسْوَدَ لَا أَصْفَرَ وَأَخْضَرَ، أَوْ تُرْبِيَّةً، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ؛ حَتَّى لَوْ كَانَ عَادَتُهَا قَبْلَ الْإِيَاسِ أَصْفَرَ فَرَأَتْهُ كَذَلِكَ انْتَقَضَ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَصَرَّحَ فِي الْمِعْرَاجِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ اهـ وَالْأَخِيرُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلَفِيَّةِ) أَيْ خَلَفِيَّةِ الْأَشْهُرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 514 قَالَهُ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ حِكَايَةِ سِتَّةِ أَقْوَالٍ مُصَحَّحَةٍ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ، لَكِنَّ اخْتِيَارَ الْبَهْنَسِيِّ مَا اخْتَارَهُ الشَّهِيدُ أَنَّهَا إنْ رَأَتْهُ قَبْلَ تَمَامِ الْأَشْهُرِ اسْتَأْنَفَتْ لَا بَعْدَهَا. قُلْت: وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَمُنْلَا خُسْرو وَالْبَاقَانِيُّ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْحَيْضِ، وَعَلَيْهِ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَتَعْتَدُّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالْحَيْضِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَالْمُجْتَبَى أَنَّهُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ: وَهَذَا التَّصْحِيحُ أَوْلَى مِنْ تَصْحِيحِ الْهِدَايَةِ وَفِي النَّهْرِ أَنَّهُ أَعْدَلُ الرِّوَايَاتِ، وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْمُلْتَقَى. . (وَالصَّغِيرَةُ) لَوْ حَاضَتْ بَعْدَ تَمَامِ الْأَشْهُرِ (لَا) تَسْتَأْنِفُ (إلَّا إذَا حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهَا) فَتَسْتَأْنِفُ بِالْحَيْضِ (كَمَا تَسْتَأْنِفُ) الْعِدَّةَ (بِالشُّهُورِ مَنْ حَاضَتْ حَيْضَةً) ، أَوْ ثِنْتَيْنِ (ثُمَّ أَيِسَتْ) تَحَرُّزًا عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ. (وَ) الْإِيَاسُ (سَنَةٌ) لِلرُّومِيَّةِ وَغَيْرِهَا (خَمْسٌ وَخَمْسُونَ) عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقِيلَ الْفَتْوَى عَلَى خَمْسِينَ نَهْرٌ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْجَامِعِ: صَغِيرَةٌ بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَلَمْ تَحِضْ حُكِمَ بِإِيَاسِهَا.   [رد المحتار] عَنْ الْحَيْضِ، وَالْخَلَفُ هُوَ الَّذِي لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَصْلِ كَالْفِدْيَةِ لِلشَّيْخِ الْفَانِي. وَأَمَّا الْبَدَلُ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: سِتَّةِ أَقْوَالٍ مُصَحَّحَةٍ) أَحَدُهَا يَنْتَقِضُ مُطْلَقًا، وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ. الثَّانِي لَا يَنْتَقِضُ مُطْلَقًا وَاخْتَارَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ. الثَّالِثُ يَنْتَقِضُ إنْ رَأَتْهُ قَبْلَ تَمَامِ الْأَشْهُرِ لَا بَعْدَهَا، وَأَفْتَى بِهِ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ. وَفِي الْمُجْتَبَى وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى. الرَّابِعُ يَنْتَقِضُ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ التَّقْدِيرِ لِلْإِيَاسِ الَّتِي هِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، فَإِنَّمَا ثَبَتَ الْأَمْرُ عَلَى ظَنِّهَا فَلَمَّا حَاضَتْ تَبَيَّنَ خَطَؤُهَا، وَلَا يَنْتَقِضُ عَلَى رِوَايَةِ التَّقْدِيرِ لَهُ، وَاخْتَارَهُ فِي الْإِيضَاحِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَجَزَمَ بِهِ الْقُدُورِيُّ وَالْجَصَّاصُ، وَنَصَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ. الْخَامِسُ يَنْتَقِضُ إنْ لَمْ يَكُنْ حُكِمَ بِإِيَاسِهَا، وَإِنْ حُكِمَ بِهِ فَلَا كَأَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا فَسَادَ النِّكَاحِ فَيُقْضَى بِصِحَّتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ، وَصَحَّحَهُ فِي الِاخْتِيَارِ. السَّادِسُ يَنْتَقِضُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا تَعْتَدُّ إلَّا بِالْحَيْضِ لِلطَّلَاقِ بَعْدَهُ لَا الْمَاضِي فَلَا تَفْسُدُ الْأَنْكِحَةُ الْمُبَاشَرَةُ بَعْدَ الِاعْتِدَادِ بِالْأَشْهُرِ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّوَازِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ تَمَامِ الْأَشْهُرِ فَوَقَعَ مُعْتَبَرًا لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْإِيَاسُ بِوُجُودِ سَبَبِهِ وَهُوَ الِانْقِطَاعُ فِي مُدَّتِهِ الَّتِي يَغْلِبُ فِيهَا ارْتِفَاعُ الْحَيْضِ وَهُوَ الْخَمْسُ وَالْخَمْسُونَ، وَلَا تَعْتَدُّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَّا بِالْحَيْضِ لِتَحَقُّقِ الدَّمِ الْمُعْتَادِ خَارِجًا مِنْ الْفَرْجِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْفَسَادِ بَلْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ، فَإِذَا تَحَقَّقَ الْيَأْسُ تَحَقَّقَ حُكْمُهُ وَإِذَا تَحَقَّقَ الْحَيْضُ تَحَقَّقَ حُكْمُهُ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ دَوَامِ الِانْقِطَاعِ إلَى الْمَوْتِ فِي الْيَأْسِ فَلَا دَلِيلَ لَهُ فَقَدْ يَتَحَقَّقُ الْيَأْسُ مِنْ الشَّيْءِ ثُمَّ يُوجَدُ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ، وَهَذَا كَمَا تَرَى تَرْجِيحٌ أَيْضًا لِهَذَا الْقَوْلِ. (قَوْلُهُ: لَا تَسْتَأْنِفُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ بِالْحَيْضِ أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ بِخِلَافِ الْآيِسَةِ ط (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا حَاضَتْ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ ط (قَوْلُهُ: فِي أَثْنَائِهَا) أَيْ قَبْلَ تَمَامِهَا وَلَوْ بِسَاعَةٍ ط (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَيِسَتْ) أَيْ بَلَغَتْ سِنَّ الْإِيَاسِ عِنْدَ الْحَيْضَتَيْنِ وَانْقَطَعَ دَمُهَا فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لِلرُّومِيَّةِ وَغَيْرِهَا) وَقِيلَ لِلرُّومِيَّةِ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ وَلِغَيْرِهَا سِتُّونَ، وَقِيلَ سِتُّونَ مُطْلَقًا، وَقِيلَ سَبْعُونَ: وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ بَلْ أَنْ تَبْلُغَ مِنْ السِّنِّ مَا لَا يَحِيضُ مِثْلُهَا فِيهِ، وَذَلِكَ يُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ وَالْمُمَاثَلَةِ فِي تَرْكِيبِ الْبَدَنِ وَالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ. اهـ. ح عَنْ الْبَحْرِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَقِيلَ: ثَلَاثُونَ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْفَتْوَى عَلَى خَمْسِينَ) قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَبِهِ يُفْتَى الْيَوْمَ كَمَا فِي الْمَفَاتِيحِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْجَامِعِ إلَخْ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ بِتَقْدِيرِهِ بِثَلَاثِينَ، لَكِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ وَلَمْ تَحِضْ أَنَّهَا لَمْ يَسْبِقْ لَهَا حَيْضٌ أَصْلًا وَهِيَ الشَّابَّةُ الَّتِي بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَمَرَّ حُكْمُهَا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْيَنَابِيعِ: امْرَأَةٌ مَا رَأَتْ الدَّمَ وَهِيَ بِنْتُ ثَلَاثِينَ سَنَةً مَثَلًا رَأَتْ يَوْمًا دَمًا لَا غَيْرُ ثُمَّ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَالَ: لَيْسَتْ هِيَ بِآيِسَةٍ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ لِأَنَّهَا مِنْ اللَّاتِي لَمْ يَحِضْنَ وَبِهِ نَأْخُذُ. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 515 (وَعِدَّةُ الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا) فَلَا عِدَّةَ فِي بَاطِلٍ وَكَذَا مَوْقُوفٌ قَبْلَ الْإِجَازَةِ اخْتِيَارٌ، لَكِنَّ الصَّوَابَ ثُبُوتُ الْعِدَّةِ وَالنَّسَبِ بَحْرٌ   [رد المحتار] تَنْبِيهٌ] : هَلْ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهَا إنَّهَا بَلَغَتْ سِنَّ الْيَأْسِ كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا بِالْبُلُوغِ بَعْدَ الصِّغَرِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ؟ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ عُلَمَائِنَا، وَيَنْبَغِي الْأَوَّلُ عَلَى رِوَايَةِ التَّقْدِيرِ بِمُدَّةٍ، أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِهِ فَالْمُعْتَبَرُ اجْتِهَادُ الرَّأْيِ كَمَا مَرَّ تَأَمَّلْ. [تَتِمَّةٌ] : ذَكَرَ فِي الْحَقَائِقِ شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ النَّسَفِيَّةِ فِي بَابِ الْإِمَامِ مَالِكٍ مَا نَصُّهُ: وَعِنْدَنَا مَا لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الْإِيَاسِ لَا تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ، وَحَدُّهُ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً هُوَ الْمُخْتَارُ، لَكِنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْحُكْمِ بِالْإِيَاسِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ أَنْ يَنْقَطِعَ الدَّمُ عَنْهَا مُدَّةً طَوِيلَةً وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فِي الْأَصَحِّ، ثُمَّ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ انْقِطَاعُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِيَاسِ؟ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، حَتَّى لَوْ كَانَ مُنْقَطِعًا قَبْلَ مُدَّةِ الْإِيَاسِ ثُمَّ تَمَّتْ مُدَّةُ الْإِيَاسِ وَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا يُحْكَمُ بِإِيَاسِهَا وَتَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الشِّفَاءِ فِي الْحَيْضِ وَهَذِهِ دَقِيقَةٌ تُحْفَظُ. اهـ. وَنَقَلَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَأَقَرَّهَا الشِّهَابُ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ الشَّلَبِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْكَنْزِ عَنْ خَطِّ الْعَلَّامَةِ بَاكِيرٍ شَارِحِ الْكَنْزِ غَيْرَ مَعْزِيَّةٍ لِأَحَدٍ، وَنَقَلَهَا ط عَنْ السَّيِّدِ الْحَمَوِيِّ. . [مَطْلَبٌ عِدَّةُ الْمَنْكُوحَةِ فَاسِدًا وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ] (قَوْلُهُ: وَعِدَّةُ الْمَنْكُوحَةِ إلَخْ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: الْآتِي الْحِيَضُ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ بِتَمَامِهَا مُسْتَغْنًى عَنْهَا بِقَوْلِهِ سَابِقًا كَذَا أُمُّ وَلَدٍ مَاتَ عَنْهَا مَوْلَاهَا، أَوْ أَعْتَقَهَا وَمَوْطُوءَةٌ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ فِي الْمَوْتِ وَالْفُرْقَةِ ط. عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ هُنَا يُوهِمُ وُجُوبَ الْعِدَّةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَوْ قَبْلَ الْوَطْءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ فِيهِ بِالْخَلْوَةِ بَلْ بِالْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْمَهْرِ (قَوْلُهُ: نِكَاحًا فَاسِدًا) هِيَ الْمَنْكُوحَةُ بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَنِكَاحُ امْرَأَةِ الْغَيْرِ بِلَا عِلْمٍ بِأَنَّهَا مُتَزَوِّجَةٌ، وَنِكَاحُ الْمَحَارِمِ مَعَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ الْحِلِّ فَاسِدٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا فَتْحٌ. مَطْلَبٌ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ. (قَوْلُهُ: فَلَا عِدَّةَ فِي بَاطِلٍ) فِيهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ فِي النِّكَاحِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ كَمَا فِي نِكَاحِ الْفَتْحِ وَالْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى: كُلُّ نِكَاحٍ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِهِ كَالنِّكَاحِ بِلَا شُهُودٍ فَالدُّخُولُ فِيهِ مُوجِبٌ لِلْعِدَّةِ، أَمَّا نِكَاحُ مَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ وَمُعْتَدَّتِهِ فَالدُّخُولُ فِيهِ لَا يُوجِبُ الْعِدَّةَ إنْ عَلِمَ أَنَّهَا لِلْغَيْرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِجَوَازِهِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا، فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ فَاسِدِهِ وَبَاطِلِهِ فِي الْعِدَّةِ، وَلِهَذَا يَجِبُ الْحَدُّ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ لِكَوْنِهَا زِنًا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا. اهـ. قُلْت: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ مَعَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ الْحِلِّ فَاسِدٌ كَمَا عَلِمْت مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِجَوَازِهِ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمَهْرِ أَنَّ الدُّخُولَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ مُوجِبٌ لِلْعِدَّةِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ، وَمَثَّلَ لَهُ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ بِالتَّزَوُّجِ بِلَا شُهُودٍ وَتَزَوُّجِ الْأُخْتَيْنِ مَعًا، أَوْ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ، وَنِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ وَالْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: اخْتِيَارٌ) وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ فِيهِ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَلَمْ يَنْعَقِدْ فِي حَقِّ حُكْمِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ شُبْهَةَ الْمِلْكِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الصَّوَابَ إلَخْ) فَقَدْ نَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ مَا نَصُّهُ: وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى مِنْ الْأَصْلِ: إذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ وَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا فَادَّعَاهُ الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ فَهُوَ ابْنُ الزَّوْجِ، فَقَدْ اعْتَبَرَهُ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ لَا مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ، وَلَمْ يَحْكِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 516 (وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ) وَمِنْهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ الْغَيْرِ غَيْرَ عَالِمٍ بِحَالِهَا كَمَا سَيَجِيءُ، وَلِلْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ أَنْ تُقِيمَ مَعَ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ وَتَخْرُجَ بِإِذْنِهِ فِي الْعِدَّةِ لِقِيَامِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا، إنَّمَا حَرُمَ الْوَطْءُ حَتَّى تَلْزَمَهُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا بَحْرٌ، يَعْنِي إذَا لَمْ تَكُنْ عَالِمَةً رَاضِيَةً   [رد المحتار] خِلَافًا. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفِرَاشَ يَنْعَقِدُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ الْبَعْضُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالدُّخُولِ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ فِيهِ، وَيَتْبَعُهُ وُجُوبُ الْعِدَّةِ، فَكَانَ مَا فِي الْمُحِيطِ وَالِاخْتِيَارِ سَهْوًا، بَحْرٌ. قُلْت: لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا تَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ إنَّمَا يَجِبُ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَالْعِدَّةُ بِالْوَطْءِ لَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَا بِالْخَلْوَةِ لِفَسَادِهَا لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ فِيهَا مِنْ الْوَطْءِ كَالْخَلْوَةِ بِالْحَائِضِ، فَلَا تُقَامُ مَقَامَ الْوَطْءِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا فِي بَابِ الْمَهْرِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ انْعِقَادَ الْفِرَاشِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّسَبِ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ إحْيَاءً لِلْوَلَدِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ أَنَّهُ تُعْتَبَرُ مُدَّةُ النَّسَبِ، وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَيْسَ بِدَاعٍ إلَيْهِ وَالْإِقَامَةُ بِاعْتِبَارِهِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ أَيْ إقَامَةُ الْعَقْدِ مَقَامَ الْوَطْءِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْعَقْدِ دَاعِيًا إلَى الْوَطْءِ. وَعِنْدَهُمَا ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ قِيَاسًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْمَشَايِخُ أَفْتَوْا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَلِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ. اهـ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي الِاخْتِيَارِ وَالْمُحِيطِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ عَدَمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ، وَيُحْمَلُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى قَوْلِهِمَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُذْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَعْتَبِرُ وَقْتَ الدُّخُولِ بِقَرِينَةِ تَمَامِ الْكَلَامِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّوْفِيقَ أَوْلَى مِنْ الْخَطَأِ وَشَقِّ الْعَصَا (قَوْلُهُ: وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ) كَاَلَّتِي زُفَّتْ إلَى غَيْرِ زَوْجِهَا وَالْمَوْجُودَةِ لَيْلًا عَلَى فِرَاشِهِ إذَا ادَّعَى الِاشْتِبَاهَ كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَأَفَادَ فِي النَّهْرِ بَحْثًا أَنَّ مِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ الِاسْتِفْتَاءُ عَنْهُ فِيمَنْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَطِئَهَا ثُمَّ أَثْبَتَتْ أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ وَطِئَ مُعْتَدَّتَهُ بِشُبْهَةٍ وَسَتَأْتِي، وَمِنْهُ مَا فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ إذَا أَدْخَلَتْ مَنِيًّا فَرْجَهَا ظَنَّتْهُ مَنِيَّ زَوْجٍ، أَوْ سَيِّدٍ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ كَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا، وَالْقَوَاعِدُ لَا تَأْبَاهُ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لِتُعْرَفَ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ قِسْمِ الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَدْخَلَ فِي شَرْحِ السَّمَرْقَنْدِيِّ مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ تَحْتَ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ. حَيْثُ قَالَ: أَيْ بِشُبْهَةِ الْمِلْكِ، أَوْ الْعَقْدِ، بِأَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا، أَوْ تَزَوَّجَ مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهَا. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا يَقْتَضِي الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ الْمَنْكُوحَةِ فَاسِدًا إذْ لَا شَكَّ أَنَّهَا مَوْطُوءَةٌ بِشُبْهَةِ الْعَقْدِ أَيْضًا بَلْ هِيَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ مَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ إذْ اشْتِرَاطُ الشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ بِخِلَافِ الْفَرَاغِ عَنْ نِكَاحِ الْغَيْرِ. اهـ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ الشَّارِحَ مُتَابِعٌ لِمَا فِي شَرْحِ السَّمَرْقَنْدِيِّ لَا مُخَالِفٌ لَهُ، إذْ لَوْ قَصَدَ مُخَالَفَتَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ قَوْلَهُ وَمِنْهُ إلَخْ عَقِبَ قَوْلِهِ " الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا " لَا بَعْدَ قَوْلِهِ " وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ " فَافْهَمْ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ السَّمَرْقَنْدِيِّ بِأَنَّهُ حَمَلَ الْمَنْكُوحَةَ نِكَاحًا فَاسِدًا عَلَى مَا سَقَطَ مِنْهُ شَرْطُ الصِّحَّةِ بَعْدَ وُجُودِ الْمَحَلِّيَّةِ كَالنِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ، أَوْ بِغَيْرِ شُهُودٍ، أَمَّا مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ فَهِيَ غَيْرُ مَحَلٍّ إذْ لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُ مِلْكَيْنِ فِي آنٍ وَاحِدٍ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، فَالْعَقْدُ لَمْ يُؤَثِّرْ مِلْكًا فَاسِدًا وَإِنَّمَا أَثَّرَ فِي وُجُودِ الشُّبْهَةِ وَالشَّارِحُ كَثِيرُ الْمُتَابَعَةِ لِلنَّهْرِ، فَلَعَلَّهُ خَالَفَهُ هُنَا إشَارَةً إلَى مَا قُلْنَا (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي الْمَتْنِ آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ: يَعْنِي إذَا لَمْ تَكُنْ عَالِمَةً رَاضِيَةً) هَذَا مَذْكُورٌ أَيْضًا فِي الْبَحْرِ، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 517 كَمَا سَيَجِيءُ. (وَأُمِّ الْوَلَدِ) فَلَا عِدَّةَ عَلَى مُدَبَّرَةٍ وَمُعْتَقَةٍ (غَيْرَ الْآيِسَةِ وَالْحَامِلِ) فَإِنَّ عِدَّتَهُمَا بِالْأَشْهُرِ وَالْوَضْعِ (الْحِيَضُ لِلْمَوْتِ) أَيْ مَوْتِ الْوَاطِئِ (وَغَيْرِهِ) كَفُرْقَةٍ، أَوْ مُتَارَكَةٍ لِأَنَّ عِدَّةَ هَؤُلَاءِ لِتُعْرَفَ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ وَهُوَ بِالْحَيْضِ، وَلَمْ يُكْتَفَ بِحَيْضَةٍ احْتِيَاطًا (وَلَا اعْتِدَادَ بِحَيْضٍ طَلُقَتْ فِيهِ) إجْمَاعًا. . (وَإِذَا وُطِئَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِشُبْهَةٍ) .   [رد المحتار] بِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ إذَا تَزَوَّجَتْ رَجُلًا وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ نَفَقَتُهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا لَمَّا وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ صَارَتْ نَاشِزَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ قُبَيْلَ الْفُرُوعِ. (قَوْلُهُ: وَأُمِّ الْوَلَدِ) أَيْ الَّتِي مَاتَ مَوْلَاهَا، أَوْ أَعْتَقَهَا وَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ أَيْ لِأَنَّهَا عِدَّةُ وَطْءٍ لَا عَقْدٍ (قَوْلُهُ: فَلَا عِدَّةَ عَلَى مُدَبَّرَةٍ وَمُعْتَقَةٍ) الْمُنَاسِبُ " وَأَمَةٍ " بَدَلَ قَوْلِهِ " وَمُعْتَقَةٍ ". قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَيَّدَ بِأُمِّ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَةَ وَالْأَمَةَ إذَا أُعْتِقَتْ أَوْ مَاتَ سَيِّدُهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ لَا فِرَاشَ لَهُمَا كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: غَيْرَ الْآيِسَةِ وَالْحَامِلِ) مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِيَّةِ مِنْ ضَمِيرِ الْمَنْكُوحَةِ وَالْمَوْطُوءَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، أَوْ مَجْرُورٌ نَعْتٌ لَهُنَّ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ قَوْلَهُ: وَغَيْرَ الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ لِكَوْنِهِ صَرَّحَ بِهِ فِيمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: بِالْأَشْهُرِ وَالْوَضْعِ) فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ (قَوْلُهُ: الْحِيَضُ) جَمْعُ حَيْضَةٍ أَيْ عِدَّةُ الْمَذْكُورَاتِ ثَلَاثُ حِيَضٍ إنْ كُنَّ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ وَإِلَّا فَالْأَشْهَرُ، أَوْ وَضْعُ الْحَمْلِ، وَهَذَا إنْ كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا، أَوْ الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ حُرَّةً إذْ لِلْأَمَةِ حَيْضَتَانِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: أَيْ مَوْتِ الْوَاطِئِ) أَيْ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِدُونِ وَطْءٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالْوَاطِئُ فِي الْأَخِيرَةِ هُوَ الْمَوْلَى الَّذِي مَاتَ عَنْهَا، أَوْ أَعْتَقَهَا، أَمَّا لَوْ كَانَ زَوْجًا تَكُونُ عِدَّتُهَا عِدَّةَ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ (قَوْلُهُ: وَغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَوْتِ وَهَذَا خَاصٌّ فِيمَا عَدَا الْأَخِيرَةَ (قَوْلُهُ: كَفُرْقَةٍ) الْأَوْلَى كَتَفْرِيقٍ أَيْ تَفْرِيقِ الْقَاضِي، وَسَيَأْتِي أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعِدَّةِ فِي الْمَوْتِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ أَوْ الْمُتَارَكَةِ؛ وَيَأْتِي بَيَانُ الْمُتَارَكَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ عِدَّةَ هَؤُلَاءِ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ حَاصِلُهُ لِمَ كَانَتْ عِدَّةُ هَؤُلَاءِ بِالْحَيْضِ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فِيهِنَّ عِدَّةَ وَفَاةٍ ط (قَوْلُهُ: لِتُعْرَفَ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ) أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الرَّحِمَ غَيْرُ مَشْغُولٍ لَا لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ إذْ لَا نِكَاحَ صَحِيحٌ وَالْحَيْضُ هُوَ الْمُعَرِّفُ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُكْتَفَ بِحَيْضَةٍ) كَالِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ احْتِيَاطًا مِنَحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا اعْتِدَادَ بِحَيْضٍ طَلُقَتْ فِيهِ) أَيْ إذَا طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْعِدَّةِ لِأَنَّ مَا وُجِدَ قَبْلَ الطَّلَاقِ لَا يُحْتَسَبُ بِهِ مِنْهَا لِعَدَمِ التَّجَزِّي، فَلَوْ اُحْتُسِبَ كَمَلَ مِنْ الرَّابِعَةِ فَوَجَبَتْ كُلُّهَا لِعَدَمِ التَّجَزِّي أَيْضًا نَهْرٌ. قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى، لَوْ قَالَ " بِحَيْضٍ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ فِيهِ " لَكَانَ أَشْمَلَ. [مَطْلَبٌ فِي وَطْءِ الْمُعْتَدَّةِ بِشُبْهَةٍ] (قَوْلُهُ: وَإِذَا وُطِئَتْ الْمُعْتَدَّةُ) أَيْ مِنْ طَلَاقٍ، أَوْ غَيْرِهِ هُوَ مُنْتَقًى، وَكَذَا الْمَنْكُوحَةُ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا كَانَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ أُخْرَى وَتَدَاخَلَتَا كَمَا مَرَّ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: بِشُبْهَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وُطِئَتْ، وَذَلِكَ كَالْمَوْطُوءَةِ لِلزَّوْجِ فِي الْعِدَّةِ بَعْدَ الثَّلَاثِ بِنِكَاحٍ، وَكَذَا بِدُونِهِ إذَا قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي، أَوْ بَعْدَمَا أَبَانَهَا بِأَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ الثَّلَاثِ فِي الْعِدَّةِ بِلَا نِكَاحٍ عَالِمًا بِحُرْمَتِهَا لَا تَجِبُ عِدَّةٌ أُخْرَى لِأَنَّهُ زِنًا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ لَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ بِثَلَاثِ حِيَضٍ، وَيُرْجَمَانِ إذَا عَلِمَا بِالْحُرْمَةِ وَوُجِدَ شَرَائِطُ الْإِحْصَانِ، وَلَوْ كَانَ مُنْكِرًا طَلَاقَهَا لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ، وَلَوْ ادَّعَى الشُّبْهَةَ تَسْتَقْبِلُ. وَجَعَلَ فِي النَّوَازِلِ الْبَائِنَ كَالثَّلَاثِ وَالصَّدْرُ لَمْ يَجْعَلْ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ وَالْخُلْعَ كَالثَّلَاثِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ خَالَعَهَا وَلَوْ بِمَالٍ ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ لِكُلِّ وَطْأَةٍ وَتَتَدَاخَلُ الْعِدَدُ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الْأُولَى، وَبَعْدَهُ تَكُونُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ عِدَّةَ الْوَطْءِ لَا الطَّلَاقِ حَتَّى لَا يَقَعَ فِيهَا طَلَاقٌ آخَرُ وَلَا تَجِبَ فِيهَا نَفَقَةٌ اهـ وَمَا قَالَهُ الصَّدْرُ هُوَ ظَاهِرُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 518 وَلَوْ مِنْ الْمُطَلِّقِ (وَجَبَتْ عِدَّةٌ أُخْرَى) لِتَجَدُّدِ السَّبَبِ (وَتَدَاخَلَتَا، وَالْمَرْئِيُّ) مِنْ الْحَيْضِ (مِنْهَا، وَ) عَلَيْهَا أَنْ (تُتِمَّ) الْعِدَّةَ (الثَّانِيَةَ إنْ تَمَّتْ الْأُولَى) وَكَذَا لَوْ بِالْأَشْهُرِ، أَوْ بِهِمَا لَوْ مُعْتَدَّةَ وَفَاةٍ، فَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ وَالْمَرْئِيُّ مِنْهُمَا لَعَمَّهُمَا وَعَمَّ الْحَائِلَ لَوْ حَبِلَتْ فَعِدَّتُهَا الْوَضْعُ إلَّا مُعْتَدَّةَ الْوَفَاةِ.   [رد المحتار] مَا قَدَّمْنَاهُ أَنْفًا عَنْ الْفَتْحِ حَيْثُ جَعَلَ الْوَطْءَ بَعْدَ الْإِمَاتَةِ أَلْفَاظَ الْكِنَايَةِ مِنْ الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ أَيْ لِقَوْلِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهَا الْبَائِنُ فَأَوْرَثَ الْخِلَافُ فِيهَا شُبْهَةً (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ الْمُطَلِّقِ) أَيْ كَمَا مَثَّلْنَا آنِفًا. ثُمَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْمُطَلِّقِ لِمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَافَقَنَا فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَاطِئُ الْمُطَلِّقَ. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ غَيْرَ الْمُطَلِّقِ هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ التَّنْصِيصَ عَلَيْهِ لِيَدْخُلَ الْمُطَلِّقُ بِالْأَوْلَى. وَفِي الدُّرَرِ: اعْلَمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا وَجَبَ عَلَيْهَا عِدَّتَانِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ رَجُلَيْنِ، أَوْ مِنْ وَاحِدٍ، فَفِي الثَّانِي لَا شَكَّ أَنَّ الْعِدَّتَيْنِ تَدَاخَلَتَا، وَفِي الْأَوَّلِ إنْ كَانَتَا مِنْ جِنْسَيْنِ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، أَوْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْمُطَلَّقَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا فَوَطِئَهَا الثَّانِي وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا تَدَاخَلَتَا عِنْدَنَا وَيَكُونُ مَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ مُحْتَسَبًا مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ الْأُولَى وَلَمْ تُكْمِلْ الثَّانِيَةَ فَعَلَيْهَا إتْمَامُ الثَّانِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمَرْئِيُّ مِنْهُمَا إلَخْ) بَيَانٌ لِلتَّدَاخُلِ، فَلَوْ كَانَتْ وُطِئَتْ بَعْدَ حَيْضَةٍ مِنْ الْأُولَى فَعَلَيْهَا حَيْضَتَانِ تَكْمِلَةَ الْأُولَى وَتَحْتَسِبُ بِهِمَا مِنْ عِدَّةِ الثَّانِي، فَإِذَا حَاضَتْ وَاحِدَةً بَعْدَ ذَلِكَ تَمَّتْ الثَّانِيَةُ أَيْضًا نَهْرٌ، وَهَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْوَاطِئِ الثَّانِي، أَمَّا إذَا حَاضَتْ حَيْضَةً قَبْلَهُ فَهِيَ مِنْ عِدَّةِ الْأَوَّلِ خَاصَّةً، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ. وَقَالَ: وَإِذَا كَانَ الْوَاطِئُ هُوَ الْمُطَلِّقَ فَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ التَّفْرِيقِ أَيْضًا؛ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا. اهـ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ التَّفْرِيقَ حُكْمُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ لِرَفْعِ شُبْهَتِهِ، أَمَّا الْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ بِدُونِ عَقْدٍ فَإِنَّ الشُّبْهَةَ تَرْتَفِعُ بِمُجَرَّدِ الْعِلْمِ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: وَإِذَا تَمَّتْ عِدَّةُ الْأَوَّلِ حَلَّ لِلثَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لَا لِغَيْرِهِ مَا لَمْ تَتِمَّ عِدَّةُ الثَّانِي بِثَلَاثِ حِيَضٍ مِنْ حِينِ التَّفْرِيقِ، وَإِذَا كَانَ طَلَاقُ الْأَوَّلِ رَجْعِيًّا كَانَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فِي عِدَّتِهِ، وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الثَّانِي اهـ مُلَخَّصًا. وَفِيهِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ: ثُمَّ إذَا تَدَاخَلَتَا - وَالْعِدَّةُ مِنْ رَجْعِيٍّ - فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ مِنْ بَائِنٍ فَنَفَقَتُهَا عَلَى الْأَوَّلِ، وَالزَّوْجَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ بِآخَرَ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا لِأَنَّهَا مَنَعَتْ نَفْسَهَا فِي الْعِدَّةِ. اهـ. قُلْت: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ فِي الْبَائِنِ أَنَّ الْمَنْعَ بِالْبَيْنُونَةِ لَا بِالْعِدَّةِ مِنْ الثَّانِي بِخِلَافِ الرَّجْعِيِّ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ عَلَى الْوَاطِئِ لِأَنَّ عِدَّتَهَا مِنْهُ عِدَّةُ وَطْءٍ وَلَا نَفَقَةَ فِيهَا تَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] : يُمْكِنُ انْقِضَاءُ الْعِدَّتَيْنِ مَعًا كَمُعْتَدَّةٍ بِالْأَشْهُرِ لِوَفَاةٍ وُطِئَتْ فِيهَا بِشُبْهَةٍ وَحَاضَتْ فِيهَا ثَلَاثًا، وَانْقِضَاءُ الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْأُولَى، كَمَا لَوْ تَمَّتْ الْحِيَضُ قَبْلَ تَمَامِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَيُمْكِنُ تَأَخُّرُ الثَّانِيَةِ بِجُمْلَتِهَا عَنْ الْأُولَى كَمَا لَوْ حَاضَتْ بَعْدَ تَمَامِ الْأَشْهُرِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ بِالْأَشْهُرِ) كَآيِسَةٍ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فِي خِلَالِ عِدَّتِهَا فَإِنَّهَا تُتِمُّ الثَّانِيَةَ بِالْأَشْهُرِ أَيْضًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ: أَوْ بِهِمَا لَوْ مُعْتَدَّةَ وَفَاةٍ) مِثَالُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّنْبِيهِ آنِفًا، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ أَوْ بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَهُوَ مَسْأَلَةُ الْحَائِلِ الْآتِيَةُ (قَوْلُهُ: فَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ " وَالْمَرْئِيُّ مِنْهُمَا ") أَيْ الَّذِي هُوَ قَاصِرٌ عَلَى الْحَيْضِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَرْئِيِّ الْحَاصِلُ بِالْعِلْمِ لَا بِرُؤْيَةِ الْبَصَرِ ط (قَوْلُهُ: لَعَمَّهُمَا) أَيْ لَعَمَّ مَنْ تَعْتَدُّ الْعِدَّتَيْنِ بِالْأَشْهُرِ وَمَنْ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ لِلْوَفَاةِ وَبِالْحَيْضِ لِوَطْءِ الشُّبْهَةِ (قَوْلُهُ: وَعَمَّ الْحَائِلَ لَوْ حَبِلَتْ) عَطْفٌ عَلَى لَعَمَّهُمَا: أَيْ وَلَعَمَّ مَنْ تَعْتَدُّ الْعِدَّتَيْنِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ كَالْحَائِلِ بِالْهَمْزِ وَهِيَ مَنْ لَمْ تَكُنْ حُبْلَى، فَإِذَا حَبِلَتْ فِي الْعِدَّةِ تَنْقَضِي بِوَضْعِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْمُطَلِّقِ، أَوْ مِنْ زِنًا، أَوْ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ إذَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْمُتَارَكَةِ لَا قَبْلَهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ (قَوْلُهُ: إلَّا مُعْتَدَّةَ الْوَفَاةِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَائِلِ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ، أَوْ فَسْخٍ بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ وَفَاةٍ فَافْهَمْ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَكُلُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 519 فَلَا تَتَغَيَّرُ بِالْحَمْلِ كَمَا مَرَّ، وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ. (وَمَبْدَأُ الْعِدَّةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَ) بَعْدَ (الْمَوْتِ) عَلَى الْفَوْرِ (وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ وَإِنْ جَهِلَتْ) الْمَرْأَةُ (بِهِمَا) أَيْ بِالطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ لِأَنَّهَا أَجَلٌ فَلَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِمُضِيِّهِ سَوَاءٌ اعْتَرَفَ بِالطَّلَاقِ، أَوْ أَنْكَرَ. (فَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ أَنْكَرَهُ وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَقَضَى الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ) كَأَنْ ادَّعَتْهُ عَلَيْهِ فِي شَوَّالٍ وَقَضَى بِهِ فِي الْمُحَرَّمِ (فَالْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَا مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ) بَزَّازِيَّةٌ. وَفِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ مِنْ وَقْتِ الْبَيَانِ، وَلَوْ شَهِدَا بِطَلَاقِهَا ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ عُدِّلَا فَقَضَى بِالْفُرْقَةِ فَالْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الشَّهَادَةِ لَا الْقَضَاءِ، بِخِلَافِ مَا (لَوْ أَقَرَّ بِطَلَاقِهَا مُنْذُ زَمَانٍ) مَاضٍ فَإِنَّ الْفَتْوَى أَنَّهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ مُطْلَقًا.   [رد المحتار] مَنْ حَمَلَتْ فِي عِدَّتِهَا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، وَفِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا حَمَلَتْ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ فَعِدَّتُهَا بِالشَّهْرِ اهـ وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ. اهـ. وَاَلَّذِي مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ عِنْدَ مَسْأَلَةِ عِدَّةِ الْفَارِّ، وَهُوَ الَّذِي كَتَبْنَاهُ فِي عِدَّةِ الْحَامِلِ عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ مِنْ زِنًا حَيْثُ قَالَ أَمَّا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِالْحَمْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَيْ بَلْ تَبْقَى عِدَّتُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلِلْمَوْتِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ مُطْلَقًا، حَيْثُ قَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا إلَّا الْحَامِلُ يَعْنِي مَنْ مَاتَ عَنْهَا وَهِيَ حَامِلٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا عِنْدَ الْمَوْتِ وَحَمَلَتْ بَعْدَهُ فَهِيَ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ فَلَا تَتَغَيَّرُ عِدَّتُهَا بَلْ تَبْقَى بِالْأَشْهُرِ وَيُعْلَمُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَهُ وَفِيمَنْ حَبِلَتْ بِهِ بَعْدَ مَوْتِ الصَّبِيِّ عِدَّةُ الْمَوْتِ إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْحَمْلِ عِنْدَ الْمَوْتِ اهـ فَافْهَمْ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا بِالنَّظَرِ إلَى الْوَفَاةِ، أَمَّا عِدَّةُ الْوَطْءِ الَّذِي حَصَلَ مِنْهُ الْحَمْلُ فَلَا تَنْقَضِي إلَّا بِوَضْعِهِ إنْ كَانَ بِشُبْهَةٍ لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مِنْ زِنًا لِأَنَّ الزِّنَا لَا عِدَّةَ لَهُ أَصْلًا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا أَجَلٌ) أَيْ لِأَنَّ الْعِدَّةَ أَجَلٌ فَلَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِمُضِيِّهِ أَيْ بِمُضِيِّ الْأَوَّلِ. اهـ. ح وَفِي عَامَّةِ النُّسَخِ لِأَنَّهُمَا بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ أَيْ عِدَّةَ الطَّلَاقِ وَعِدَّةَ الْمَوْتِ. قُلْت: وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَعْرِيفِ الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الْعِدَّةَ أَجَلٌ ضُرِبَ لِانْقِضَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ وَقَدَّمْنَا تَرْجِيحَهُ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ طَلَّقَ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَتْنِ ط (قَوْلُهُ: مِنْ وَقْتِ الْبَيَانِ) لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ بَحْرٌ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: وَمَبْدَأُ الْعِدَّةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ. اهـ. ح. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: قَوْلُهُ: وَابْتِدَاؤُهَا عَقِيبَهُمَا أَيْ عَقِيبَ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مِنْ بَيْنِ طَلَاقِهَا فَإِنَّ عِدَّتَهَا مِنْ وَقْتِ الْبَيَانِ لَا مِنْ وَقْتِ قَوْلِهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ تُسْتَكْمَلُ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. اهـ. وَسَيَأْتِي اسْتِثْنَاءُ مَسَائِلَ أُخَرَ فِي كَلَامِهِ (قَوْلُهُ: عُدِّلَا) أَيْ الشَّاهِدَانِ أَيْ زَكَّاهُمَا غَيْرُهُمَا لِيَصِحَّ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِمَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ (قَوْلُهُ: مِنْ وَقْتِ الشَّهَادَةِ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ: أَيْ مِنْ وَقْتِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ مِنْ وَقْتِ أَدَائِهَا، فَإِنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا فِي الْمُحَرَّمِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي شَوَّالٍ كَانَ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ مِنْ شَوَّالٍ كَمَا تَقَدَّمَ ح قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنْ يُرَادَ وَقْتُ الشَّهَادَةِ عَلَى ظَاهِرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَدَاءَهَا حَصَلَ وَقْتَ التَّحَمُّلِ لِأَنَّهَا شَهَادَةُ حِسْبَةٍ يَفْسُقُ الشَّاهِدُ بِتَأْخِيرِهَا بِلَا عُذْرٍ فَلَا تُقْبَلُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ فَالْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْفَتْوَى أَنَّهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ صَدَّقَتْهُ أَمْ كَذَّبَتْهُ أَمْ قَالَتْ لَا أَدْرِي كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي الْمَبْسُوطِ وَعِبَارَةِ الْكَنْزِ اعْتِبَارُهُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ إلَّا أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ اخْتَارُوا وُجُوبَهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ حَتَّى لَا يَحِلَّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا زَجْرًا لَهُ حَيْثُ كَتَمَ طَلَاقَهَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الصُّغْرَى اهـ وَوَفَّقَ السَّعْدِيُّ بِحَمْلِ كَلَامِ مُحَمَّدٍ عَلَى مَا إذَا كَانَا مُتَفَرِّقَيْنِ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي أُسْنِدَ الطَّلَاقُ إلَيْهِ، أَمَّا إذَا كَانَا مُجْتَمِعَيْنِ فَالْكَذِبُ فِي كَلَامِهِمَا ظَاهِرٌ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي الْإِسْنَادِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَذَا هُوَ التَّوْفِيقُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 520 نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ، لَكِنْ (إنْ كَذَّبَتْهُ) فِي الْإِسْنَادِ، أَوْ قَالَتْ لَا لَا أَدْرِي (وَجَبَتْ) الْعِدَّةُ (مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ وَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فَكَذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّهُ) إنْ وَطِئَهَا لَزِمَهُ مَهْرٌ ثَانٍ اخْتِيَارٌ، وَ (لَا نَفَقَةَ) وَلَا كِسْوَةَ (وَلَا سُكْنَى) لَهَا لِقَبُولِ قَوْلِهَا عَلَى نَفْسِهَا خَانِيَّةٌ. وَفِيهَا: أَبَانَهَا ثُمَّ أَقَامَ مَعَهَا زَمَانًا، إنْ مُقِرًّا بِطَلَاقِهَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا لَا إنْ مُنْكِرَهُ وَفِي أَوَّلِ طَلَاقِ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: أَبَانَهَا وَأَقَامَ مَعَهَا فَإِنْ اشْتَهَرَ طَلَاقُهَا فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ تَنْقَضِي وَإِلَّا لَا؛ وَكَذَا لَوْ خَالَعَهَا، فَإِنْ بَيْنَ النَّاسِ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ تَنْقَضِي وَإِلَّا لَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَكَذَا لَوْ كَتَمَ طَلَاقَهَا لَمْ تَنْقَضِ زَجْرًا اهـ.   [رد المحتار] إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي الْفَتْحِ أَنَّ فَتْوَى الْمُتَأَخِّرِينَ مُخَالِفَةٌ لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَحَيْثُ كَانَتْ مُخَالَفَتُهُمْ لِلتُّهْمَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَحَرَّى بِهِ مَحَالُّهَا وَالنَّاسُ الَّذِينَ هُمْ مَظَانُّهَا، وَلِهَذَا فَصَّلَ السَّعْدِيُّ بِمَا مَرَّ اهـ مُلَخَّصًا، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ: نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ) أَيْ الْمُوَافَقَةِ عَلَى الطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِيَصِحَّ إقْرَارُ الْمَرِيضِ لَهَا بِالدَّيْنِ، أَوْ لِيَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا، أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ حَيْثُ سَكَتَ فِيهِ عَنْ بَيَانِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فَإِنَّ فِيهَا فَرْقًا بَيْنَ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ، وَكَانَ الْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ فَإِنَّهُ الْفَتْوَى أَنَّهَا إنْ كَذَّبَتْهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: إنْ وَطِئَهَا لَزِمَهُ مَهْرٌ ثَانٍ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ فِي عِدَّةِ مَا دُونَ الثَّلَاثِ أَوْ فِي عِدَّةِ الثَّلَاثِ، لَكِنْ مَعَ ظَنِّهِ الْحِلَّ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا فِي عِدَّةِ الثَّلَاثِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ كَانَ زِنًا. بَقِيَ هَلْ يَتَكَرَّرُ الْمَهْرُ بِتَكَرُّرِ الْوَطَآتِ؟ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ الْمَهْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: لَوْ وَطِئَ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ ثَلَاثٍ وَادَّعَى الشُّبْهَةَ يَلْزَمُهُ مَهْرٌ وَاحِدٌ أَمْ بِكُلِّ وَطْءٍ مَهْرٌ؟ قِيلَ إنْ كَانَتْ الطَّلَقَاتُ الثَّلَاثُ جُمْلَةً فَظَنَّ أَنَّهَا لَمْ تَقَعْ فَهُوَ ظَنٌّ فِي مَوْضِعِهِ فَيَلْزَمُهُ مَهْرٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهَا تَقَعُ لَكِنْ ظَنَّ أَنَّ وَطْأَهَا حَلَالٌ فَهُوَ ظَنٌّ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَيَلْزَمُهُ بِكُلِّ وَطْءٍ مَهْرٌ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَا نَفَقَةَ إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَ الزَّمَنُ الْمَاضِي اسْتَغْرَقَ الْعِدَّةَ، أَمَّا إذَا بَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى فِيهِ ط (قَوْلُهُ: لِقَبُولِ قَوْلِهَا عَلَى نَفْسِهَا) أَيْ فِي حَقِّ نَفْسِهَا فَيَسْقُطُ مَا وَجَبَ لَهَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا إنْ كَذَّبَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ، أَوْ قَالَتْ: لَا أَدْرِي فَمِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فَفِي حَقِّهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ وَفِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ. اهـ. وَفِيهِ أَنَّ السُّكْنَى مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَمُقْتَضَاهُ لُزُومُهَا وَإِنْ صَدَّقَتْهُ ط. قُلْت: وَلَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْبَحْرِ لَفْظُ السُّكْنَى بَلْ عِبَارَتُهُ وَلَكِنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا كِسْوَةَ إنْ صَدَّقَتْهُ وَهَكَذَا فِي النَّهْرِ. وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْخَانِيَّةِ كَمَا عَزَاهُ الشَّارِحُ إلَيْهَا. وَعِبَارَتُهَا: وَفِي الْفَتْوَى عَلَيْهَا الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ وَلَا يَظْهَرُ أَثَرُ تَطْلِيقِهَا إلَّا فِي إبْطَالِ النَّفَقَةِ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ ذِكْرَ السُّكْنَى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُسْتَدْرَكٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَقَامَ مَعَهَا) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا وَطِئَهَا، أَوْ لَا. اهـ. ط (قَوْلُهُ: إنْ مُقِرًّا بِطَلَاقِهَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا) أَيْ يَكُونُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ إقْرَارُهُ بَيْنَ النَّاسِ لَا مُجَرَّدُ إقْرَارِهِ بِهِ عِنْدَهَا مَعَ تَصْدِيقِهَا لَهُ، وَأَنَّ الْمُرَادَ إقْرَارُهُ بِهِ مِنْ حِينِ التَّطْلِيقِ، وَبِهِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ الْمَتْنِ فَإِنَّهَا مَفْرُوضَةٌ فِيمَا لَوْ كَتَمَ طَلَاقَهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ زَمَانٍ وَظَهَرَ أَيْضًا عَدَمُ مُخَالَفَتِهِ لِلتَّصْحِيحِ الْآتِي عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى مِنْ اعْتِبَارِ الِاشْتِهَارِ وَلَا لِمَا سَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ مِنْ اعْتِبَارِهِ أَيْضًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ اشْتَهَرَ إلَخْ) فَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بَعْدَ هَذِهِ الطَّلْقَةِ الْمُشْتَهِرَةِ لَا تَقَعُ الثَّلَاثُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ خَالَعَهَا) هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ أَبَانَهَا، لَكِنَّ الْإِبَانَةَ قَدْ تَكُونُ بِدُونِ عِلْمِهَا بِخِلَافِ الْمُخَالَعَةِ لِأَنَّهَا مُفَاعَلَةٌ فَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اشْتِرَاطِ الِاشْتِهَارِ بَيْنَ كَوْنِهَا عَالِمَةً، أَوْ لَا، فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَأَشْهَدَ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الِاشْتِهَارَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِإِقْرَارِهِ بَيْنَ النَّاسِ لَا بِمُجَرَّدِ سَمَاعِهِمْ مِنْ غَيْرِهِ وَإِلَى أَنَّ إقْرَارَهُ عِنْدَ رَجُلَيْنِ يَكْفِي فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ عِنْدَ أَكْثَرَ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ إشْهَارٌ كَمَا قَالُوهُ فِي النِّكَاحِ مِنْ أَنَّ الْإِعْلَانَ الَّذِي قَالَ بِاشْتِرَاطِهِ الْإِمَامُ مَالِكٌ يَحْصُلُ بِالشَّاهِدَيْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ كَتَمَ طَلَاقَهَا لَمْ تَنْقَضِ زَجْرًا) أَيْ زَجْرًا لَهُ عَنْ الْكِتْمَانِ، وَهَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 521 وَحِينَئِذٍ فَمَبْدَؤُهَا مِنْ وَقْتِ الثُّبُوتِ وَالظُّهُورِ. (وَ) مَبْدَؤُهَا (فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ) بَعْدَ التَّفْرِيقِ مِنْ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا، ثُمَّ لَوْ وَطِئَهَا حُدَّ جَوْهَرَةٌ وَغَيْرُهَا، وَقَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا بِكَوْنِهِ بَعْدَ الْعِدَّةِ لِعَدَمِ الْحَدِّ بِوَطْءِ الْمُعْتَدَّةِ (أَوْ) الْمُتَارَكَةِ.   [رد المحتار] التَّعْلِيلُ ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ، وَتَقَدَّمَ تَعْلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ " نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ "، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْهِدَايَةِ. وَذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُكَرَّرٌ بِمَا مَرَّ فِي الْمَتْنِ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ فِيمَا لَوْ كَتَمَ طَلَاقَهَا ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِ بَعْدَ زَمَانٍ كَمَا مَرَّ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ " وَلِذَا " - بِاللَّامِ - وَهِيَ أَوْلَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَتَمَهُ ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ فَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْإِسْنَادِ بَلْ تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ سَوَاءٌ صَدَّقَتْهُ، أَوْ كَذَّبَتْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكْتُمْهُ بَلْ أَقَرَّ بِهِ مِنْ وَقْتِ وُقُوعِهِ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ بَيْنَ النَّاسِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ اشْتَهَرَ بَيْنَهُمْ تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ حِينِ وُقُوعِهِ وَتَنْقَضِي إنْ كَانَ زَمَانُهَا مَضَى، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةِ ظَنِّ الْحِلِّ وَإِلَّا وَجَبَتْ بِالْوَطْءِ عِدَّةً أُخْرَى وَتَدَاخَلَتَا كَمَا مَرَّ، وَكَذَا كُلَّمَا وَطِئَهَا تَجِبُ عِدَّةٌ أُخْرَى فَلَا يَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ بِآخَرَ مَا لَمْ تَمْضِ عِدَّةُ الْوَطْءِ الْأَخِيرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَطْءُ بِلَا شُبْهَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ عِدَّةً لِتَمَحُّضِهِ زِنًا وَالزِّنَا لَا يُوجِبُ عِدَّةً كَمَا مَرَّ، فَلَهَا التَّزَوُّجُ بِآخَرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ الطَّلَاقِ: أَيْ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ مُشْتَهِرًا وَمَضَتْ عِدَّتُهُ كَمَا عَلِمْته وَإِلَّا فَلَا، وَلُحُوقُ الثَّلَاثِ بَعْدَ هَذِهِ الطَّلْقَةِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ فَمَبْدَؤُهَا مِنْ وَقْتِ الثُّبُوتِ وَالظُّهُورِ) أَيْ وَحِينَ إذْ عَلِمْت هَذَا التَّفْصِيلَ الَّذِي ذَكَرْنَا حَاصِلَهُ ظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ إذَا لَمْ يَكُنْ الطَّلَاقُ فِيهَا مُشْتَهِرًا يَكُونُ مَبْدَأُ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الثُّبُوتِ أَيْ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ وَظُهُورِهِ بَيْنَهُمْ، قَوْلُهُ " وَالظُّهُورِ " عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَيْ يَكُونُ مَبْدَؤُهَا مِنْ وَقْتِ إقْرَارِهِ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ فَتَكُونُ هَذِهِ الْمَسَائِلُ مُسْتَثْنَاةً أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ: وَمَبْدَأُ الْعِدَّةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُشْتَهِرًا مِنْ الْأَصْلِ فَإِنَّهَا تَكُونُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْإِقْرَارَ فِي عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ بِمَعْنَى الْإِشْهَارِ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ حِينِ التَّطْلِيقِ، هَكَذَا يَنْبَغِي حَلُّ هَذَا الْمَقَامِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَمَبْدَؤُهَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ إلَخْ) وَقَالَ زُفَرُ: مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ لِأَنَّ الْوَطْءَ هُوَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ. وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْعِدَّةِ شُبْهَةُ النِّكَاحِ وَرَفْعُ هَذِهِ الشُّبْهَةِ بِالتَّفْرِيقِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَبَعْدَهُ يَجِبُ، فَلَا تَصِيرُ شَارِعَةً فِي الْعِدَّةِ مَا لَمْ تَرْتَفِعْ الشُّبْهَةُ بِالتَّفْرِيقِ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. اهـ. سَائِحَانِيٌّ. قُلْتُ: وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِمَبْدَإِ الْعِدَّةِ فِي الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ بِلَا عَقْدٍ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ عِنْدَ زَوَالِ الشُّبْهَةِ، بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهَا غَيْرُ زَوْجَتِهِ، وَأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إذْ لَا عَقْدَ هُنَا فَلَمْ يَبْقَ سَبَبٌ لِلْعِدَّةِ سِوَى الْوَطْءِ الْمَذْكُورِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: بَعْدَ التَّفْرِيقِ مِنْ الْقَاضِي) أَيْ عَقِبَهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ فِي زَمَانٍ يَصْلُحُ لِابْتِدَائِهَا فَلَا يُشْكِلُ بِمَا إذَا فُرِّقَ فِي الْحَيْضِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا بَعْدَهُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثِ حِيَضٍ أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَالْمُرَادُ بِالتَّفْرِيقِ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِهِ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِنَايَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا إلَخْ) أَقُولُ: لَوْ كَانَ مُرَادُهُمْ وُجُوبَ الْحَدِّ إذَا كَانَ الْوَطْءُ بَعْدَ الْعِدَّةِ لَمْ يَبْقَ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ، إذْ هَذَا حُكْمُ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَيُعْلَمُ مِنْهُ الْفَاسِدُ بِالْأَوْلَى، وَقَدْ نَازَعَهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ يُقَالُ: هَذِهِ الْعِدَّةُ تُخَالِفُ غَيْرَهَا فِي هَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّهَا أَثَرُ نِكَاحٍ فَاسِدٍ كَمَا خَالَفَتْهُ فِي أَنَّهَا لَا تَعْتَدُّ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ. اهـ. وَأَيْضًا فَقَدْ رَدَّهُ السَّائِحَانِيُّ بِأَنَّ هَذَا الْبَحْثَ - وَإِنْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ - فِيهِ غَفْلَةٌ عَنْ فَهْمِ تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ مَا مَرَّ فِي الرَّدِّ عَلَى زُفَرَ مِنْ ارْتِفَاعِ الشُّبْهَةِ بِالتَّفْرِيقِ إلَخْ أَيْ فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ التَّفْرِيقِ مَا يَنْدَرِئُ بِهِ الْحَدُّ. وَرَدَّهُ الرَّحْمَتِيُّ أَيْضًا بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ دَرْءَ الْحَدِّ قَبْلَ التَّفْرِيقِ بِشُبْهَةِ الْعَقْدِ، وَالْعِدَّةُ بَعْدَهُ تَكُونُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، بِخِلَافِ عِدَّةِ الثَّلَاثِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ إذَا ظَنَّ الْحِلَّ فَإِنَّهَا شُبْهَةُ الْفِعْلِ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ فِي بَيْتِهِ، وَنَفَقَتُهُ دَارَّةٌ عَلَيْهَا وَهُنَا لَا نَفَقَةَ وَلَا احْتِبَاسَ. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 522 أَيْ (إظْهَارِ الْعَزْمِ) مِنْ الزَّوْجِ (عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا) بِأَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ: تَرَكْتُكِ بِلَا وَطْءٍ وَنَحْوَهُ، وَمِنْهُ الطَّلَاقُ وَإِنْكَارُ النِّكَاحِ لَوْ بِحَضْرَتِهَا وَإِلَّا لَا، لَا مُجَرَّدُ الْعَزْمِ لَوْ مَدْخُولَةً وَإِلَّا فَيَكْفِي تَفَرُّقُ الْأَبَدَانِ. وَالْخَلْوَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ، وَالطَّلَاقُ فِيهِ لَا يُنْقِصُ عَدَدَ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ فَسْخٌ جَوْهَرَةٌ. وَلَا تَعْتَدُّ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ بَزَّازِيَّةٌ. (قَالَتْ: مَضَتْ عِدَّتِي وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ قُبِلَ قَوْلُهَا مَعَ حَلِفِهَا وَإِلَّا) تَحْتَمِلْهُ الْمُدَّةُ (لَا) لِأَنَّ الْأَمِينَ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِيمَا لَا يُخَالِفُهُ الظَّاهِرُ، ثُمَّ لَوْ بِالشُّهُورِ فَالْمُقَدَّرُ الْمَذْكُورُ، وَلَوْ بِالْحَيْضِ فَأَقَلُّهَا لِحُرَّةٍ سِتُّونَ يَوْمًا.   [رد المحتار] قُلْت: لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ فَاسِدًا أُخْتَ امْرَأَتِهِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ أَثَرِ هَذَا النِّكَاحِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ بَقَاءَ أَثَرِهِ بِالْعِدَّةِ لَا يَمْنَعُ كَوْنَ وَطْئِهِ فِيهَا زِنًا بِهِ، كَمَا لَوْ وَطِئَ مُعْتَدَّتَهُ مِنْ الثَّلَاثِ عَالِمًا بِحُرْمَتِهَا فَإِنَّهُ زِنًا يُحَدُّ بِهِ مَعَ بَقَاءِ أَثَرِ النِّكَاحِ قَطْعًا (قَوْلُهُ: مِنْ الزَّوْجِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا لَا تَكُونُ مِنْ الْمَرْأَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَرَجَّحْنَا فِي بَابِ الْمَهْرِ أَنَّهَا تَكُونُ مِنْ الْمَرْأَةِ أَيْضًا، وَلِذَا ذَكَرَ مِسْكِينٌ مِنْ صُوَرِهَا أَنْ تَقُولَ: فَارَقْتُكَ. اهـ. وَرَجَّحَهُ بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخَ هَذَا النِّكَاحِ، وَالْفَسْخُ مُتَارَكَةٌ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَقَدَّمْنَا مَا يَدْفَعُهُ اهـ أَيْ ذَكَرَ هُنَاكَ أَنَّ الْمُتَارَكَةَ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ فَيَخْتَصُّ بِهَا الزَّوْجُ. اهـ. وَرَدَّهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ لَا طَلَاقَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَتَقَدَّمَ تَمَامُهُ هُنَاكَ وَأَنَّ الْمَقْدِسِيَّ تَابَعَ الْبَحْرَ (قَوْلُهُ: وَنَحْوَهُ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ " تَرَكْتُكِ " أَيْ كَخَلَّيْتُ سَبِيلَكِ، أَوْ فَارَقْتُكِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ النَّحْوِ، أَوْ مِنْ الْإِظْهَارِ (قَوْلُهُ: لَا مُجَرَّدُ الْعَزْمِ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الطَّلَاقِ، أَوْ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى إظْهَارِ الْعَزْمِ قَصَدَ بِهِ التَّنْبِيهَ عَلَى مَا فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مِنْ قَوْلِهِ " أَوْ الْعَزْمُ " عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا وَأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ إظْهَارُ الْعَزْمِ كَمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِابْنِ كَمَالٍ، لِمَا فِي الْعِنَايَةِ أَنَّ الْعَزْمَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ وَلَهُ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَيَكْفِي تَفَرُّقُ الْأَبْدَانِ) أَيْ مَعَ الْعَزْمِ عَلَى تَرْكِهَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ مِنْ الْمَهْرِ: وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَتَتَحَقَّقُ الْمُتَارَكَةُ بِالْقَوْلِ، وَبِالتَّرْكِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَهُوَ تَرْكُهَا عَلَى قَصْدِ أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهَا، وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا تَكُونُ الْمُتَارَكَةُ إلَّا بِالْقَوْلِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: وَالْخَلْوَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ صَحِيحَةً، أَوْ فَاسِدَةً ح. وَفِيهِ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فَاسِدَةً لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ شَرْعًا عَنْ وَطْئِهَا كَالْخَلْوَةِ بِالْحَائِضِ، لَكِنَّ الْمُرَادَ فَسَادُهَا بِغَيْرِ فَسَادِ النِّكَاحِ بِأَنْ كَانَ ثَمَّ مَانِعٌ آخَرُ (قَوْلُهُ: لَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ) أَيْ وَلَا الْمَهْرَ وَإِنَّمَا يَجِبَانِ بِحَقِيقَةِ الْوَطْءِ (قَوْلُهُ: وَلَا تَعْتَدُّ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ) لِأَنَّهَا فِي حَالِ قِيَامِ الْعَقْدِ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهَا فِي احْتِبَاسِهَا فِي بَيْتِهِ فَبَعْدَهُ أَوْلَى لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْآتِي خِلَافُهُ، فَمَا هُنَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَيَأْتِي تَمَامُهُ. [تَتِمَّةٌ] : ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ قَدَّمَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ مِنْ بَابِ الْمَهْرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْعِدَّةِ عِدَّةُ الْمُتَارَكَةِ، فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِمَوْتِهِ إلَّا الْحَيْضَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَأَنَّهُ لَا حِدَادَ وَلَا نَفَقَةَ فِيهَا، وَأَنَّهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ لَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا فَاسِدًا إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَأَنَّ وُجُوبَهَا فِي الْقَضَاءِ. أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ لَوْ عَلِمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ بَعْدَ آخِرِ وَطْءٍ ثَلَاثًا حَلَّ لَهَا التَّزَوُّجُ بِلَا تَفْرِيقٍ وَنَحْوِهِ، وَأَنَّ الْأَرْجَحَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ عِلْمِهَا بِالْمُتَارَكَةِ. (قَوْلُهُ: قَالَتْ مَضَتْ عِدَّتِي إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ لَا يَنْحَصِرُ فِي إخْبَارِهَا بَلْ يَكُونُ بِهِ وَبِالْفِعْلِ، بِأَنْ تَزَوَّجَتْ بِآخَرَ بَعْدَ مُدَّةٍ تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا الْعِدَّةُ، فَلَوْ قَالَتْ بَعْدَهُ لَمْ تَنْقَضِ لَمْ تُصَدَّقْ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ دَلِيلُ الْإِقْرَارِ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ) وَأَمَّا إذَا ادَّعَى هُوَ مُضِيَّ عِدَّتِهَا وَكَذَّبَتْهُ فَسَيَأْتِي آخِرَ الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ: قُبِلَ قَوْلُهَا مَعَ حَلِفِهَا) أَيْ لَوْ كَانَتْ مُرْضِعًا لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ مِنْ بَعْضِهِنَّ كَمَا فِي الْأَنْقِرْوِيِّ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ لَوْ بِالشُّهُورِ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ أَدْنَى مَا تَحْتَمِلُهُ الْمُدَّةُ (قَوْلُهُ: فَالْمُقَدَّرُ الْمَذْكُورُ) أَيْ إذَا كَانَتْ مِمَّنْ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا الْمَذْكُورِ فِيمَا مَرَّ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ لِلْحُرَّةِ وَنِصْفُهَا لِلْأَمَةِ (قَوْلُهُ: سِتُّونَ يَوْمًا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 523 وَلِأَمَةٍ أَرْبَعُونَ، مَا لَمْ تَدَّعِ السِّقْطَ كَمَا مَرَّ فِي الرَّجْعَةِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقُهَا مُعَلَّقًا بِوِلَادَتِهَا فَيَضُمُّ لِذَلِكَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ لِلنِّفَاسِ كَمَا مَرَّ فِي الْحَيْضِ. (نَكَحَ) نِكَاحًا صَحِيحًا (مُعْتَدَّتَهُ) وَلَوْ مِنْ فَاسِدٍ (وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ) وَلَوْ حُكْمًا (وَجَبَ عَلَيْهِ مَهْرٌ تَامٌّ وَ)   [رد المحتار] فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ بَعْدَ الْوَطْءِ، وَيُؤْخَذُ لَهَا أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ لِأَكْثَرِهِ، وَأَوْسَطُ الْحَيْضِ خَمْسَةٌ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ أَقَلِّهِمَا نَادِرٌ، فَثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَثَلَاثُ حِيَضٍ بَخَمْسَةَ عَشَرَ فَصَارَتْ سِتِّينَ، وَهَذَا عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ لِقَوْلِ الْإِمَامِ، وَعَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ لَهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَيُؤْخَذُ لَهَا أَقَلُّ الطُّهْرِ وَأَكْثَرُ الْحَيْضِ لِيَعْتَدِلَا، فَطُهْرَانِ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَثَلَاثُ حِيَضٍ بِثَلَاثِينَ أَيْضًا، وَعِنْدَهُمَا أَقَلُّ مُدَّةٍ تُصَدَّقُ فِيهَا الْحُرَّةُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا، ثَلَاثُ حِيَضٍ بِتِسْعَةِ أَيَّامٍ، وَطُهْرَانِ بِثَلَاثِينَ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: وَلِأَمَةٍ أَرْبَعُونَ) هَذَا عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ: طُهْرَانِ بِثَلَاثِينَ، وَحَيْضَتَانِ بِعَشَرَةٍ، وَعَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ: خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا طُهْرٌ بَخَمْسَةَ عَشَرَ، وَحَيْضَتَانِ بِعِشْرِينَ ط. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْبَحْرِ أَنَّهُ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ ثَلَاثُونَ، وَصَوَابُهُ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَدَّعِ السِّقْطَ) غَايَةٌ لِاشْتِرَاطِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ. قَالَ ط: وَالْمُرَادُ السِّقْطُ الَّذِي ظَهَرَ بَعْضُ خَلْقِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ يُحْتَمَلُ فِيهَا ظُهُورُ ذَلِكَ اهـ أَيْ فَلَوْ نَكَحَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ مَثَلًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا لِأَنَّهُ لَا يَسْتَبِينُ بَعْضُ خَلْقِهِ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا لَوْ ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ وَلَمْ تُقِرَّ بِسِقْطٍ لَا تُصَدَّقُ وَقِيلَ تُصَدَّقُ لِاحْتِمَالِهِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: وَالثَّانِي ضَعِيفٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ فَرَاجِعْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ فِي الرَّجْعَةِ) حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ: ثُمَّ إنَّمَا تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ لَوْ بِالْحَيْضِ لَا بِالسِّقْطِ، وَلَهُ تَحْلِيفُهَا أَنَّهُ مُسْتَبِينُ الْخَلْقِ، وَلَوْ بِالْوِلَادَةِ لَمْ تُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ حُرَّةً فَتْحٌ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ صَرَّحُوا فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ أَنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي بِإِقْرَارِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَأَنَّ تَوَقُّفَ الْوِلَادَةِ عَلَى الْبَيِّنَةِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ ثُبُوتِ النَّسَبِ (قَوْلُهُ: وَمَا لَمْ يَكُنْ) عَطْفٌ عَلَى مَا " لَمْ تَدَّعِ " (قَوْلُهُ: مُعَلَّقًا بِوِلَادَتِهَا) مِثْلُهُ مَا لَوْ أَوْقَعَهُ عَقِبَ الْوِلَادَةِ بِلَا فَاصِلٍ ط (قَوْلُهُ: فَيَضُمُّ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَضَمِيرُهُ عَائِدٌ إلَى الْإِمَامِ، وَقَوْلُهُ " خَمْسَةً وَعِشْرِينَ " مَفْعُولُهُ، وَفِي نُسْخَةٍ " وَعِشْرُونَ " بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ " يَضُمُّ " مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ فِي الْحَيْضِ) حَيْثُ قَالَ: وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ: أَيْ النِّفَاسِ إلَّا إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِعِدَّةٍ، كَقَوْلِهِ: إذَا وَلَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ: مَضَتْ عِدَّتِي، فَقَدَّرَهُ الْإِمَامُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا مَعَ ثَلَاثِ حِيَضٍ وَالثَّانِي بِأَحَدَ عَشَرَ، وَالثَّالِثُ بِسَاعَةٍ. اهـ. قُلْت: وَعَلَيْهِ فَإِذَا طَلُقَتْ عَقِبَ الْوِلَادَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ لِلنِّفَاسِ ثُمَّ تَعْتَدُّ بِسِتِّينَ يَوْمًا كَمَا مَرَّ، فَأَقَلُّ مُدَّةٍ تُصَدَّقُ فِيهَا عِنْدَهُ خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ، وَهَذَا عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ لِقَوْلِ الْإِمَامِ. وَعَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ أَقَلُّ الْمُدَّةِ مِائَةُ يَوْمٍ بِتَقْدِيرِ النِّفَاسِ وَطُهْرِهِ أَرْبَعِينَ. وَعَلَى قَوْلِ الثَّانِي أَقَلُّهَا خَمْسَةٌ وَسِتُّونَ إذْ لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا لِلنِّفَاسِ ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ تَعْتَدُّ بِتِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ. وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ: أَقَلُّهَا أَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَسَاعَةٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ سَاعَةٍ لِلنِّفَاسِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ لِلطُّهْرِ ثُمَّ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ، وَتَقَدَّمَ تَمَامُهُ فِي الْحَيْضِ. (قَوْلُهُ: مُعْتَدَّتَهُ) أَيْ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ غَيْرِ ثَلَاثٍ دُرٌّ مُنْتَقًى لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُعْتَدَّتَهُ مِنْ رَجْعِيٍّ فَالْعَقْدُ الثَّانِي رَجْعَةٌ، وَلَوْ مِنْ ثَلَاثٍ لَمْ تَحِلَّ لَهُ قَبْلَ زَوْجٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ فَاسِدٍ) بِأَنْ تَزَوَّجَهَا فَاسِدًا وَدَخَلَ بِهَا فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا صَحِيحًا فِي الْعِدَّةِ، أَمَّا عَكْسُهَا بِأَنْ تَزَوَّجَهَا أَوَّلًا صَحِيحًا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فَتَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ فَاسِدًا فَلَا مَهْرَ وَلَا اسْتِئْنَافَ عِدَّةٍ بَلْ عَلَيْهَا إتْمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى بِالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، فَلَا يُجْعَلُ وَاطِئًا حُكْمًا لِعَدَمِ إمْكَانِ الْحَقِيقَةِ، وَلِذَا لَا تَجِبُ عِدَّةٌ وَلَا مَهْرٌ بِالْخَلْوَةِ فِي الْفَاسِدِ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حُكْمًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْوَطْءُ حُكْمًا، وَهُوَ الْخَلْوَةُ، وَالْمَعْنَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 524 عَلَيْهَا (عِدَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ) لِأَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ فِي يَدِهِ بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ لِبَقَاءِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْعِدَّةُ، وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الْعَشْرِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى أَنَّ الدُّخُولَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ دُخُولٌ فِي الثَّانِي، وَقَوْلُ زُفَرَ: لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فَتَحِلَّ لِلْأَزْوَاجِ أَبْطَلَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا يَطُولُ وَجَزَمَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ الْمُقَلِّدَ إذَا خَالَفَ مَشْهُورَ مَذْهَبِهِ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِي الْأَصَحِّ.   [رد المحتار] قَبْلَ الْوَطْءِ وَالْخَلْوَةِ ح (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ فِي يَدِهِ إلَخْ) أَيْ فَيَنُوبُ عَنْ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ الثَّانِي كَالْغَاصِبِ إذَا اشْتَرَى الْمَغْصُوبَ الَّذِي فِي يَدِهِ يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، فَكَانَ طَلَاقًا بَعْدَ الدُّخُولِ. لَا يُقَالُ: الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ يَمْلِكُ بِهِ الرَّجْعَةَ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ هُنَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إقَامَتِهِ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي فِي حَقِّ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ فِي حَقِّ الرَّجْعَةِ كَالْخَلْوَةِ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّهِمَا وَلَمْ تُقَمْ مَقَامَ مِلْكِ الرَّجْعَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ. قُلْت: وَأَيْضًا فَإِنَّ الطَّلَاقَ الْأَوَّلَ بَائِنٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَكَيْفَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِي عِدَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي رَجْعِيًّا (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الْعَشْرِ) وَهِيَ لَوْ تَزَوَّجَ مُعْتَدَّتَهُ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ، أَوْ مُعْتَدَّتَهُ مِنْ فَاسِدٍ فَهَذِهِ ثِنْتَانِ مَرَّ بَيَانُهُمَا. ثَالِثُهَا تَزَوَّجَ مُعْتَدَّتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَكُونُ فَارًّا. رَابِعُهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَنَكَحَهَا فِي الْعِدَّةِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا قَبْلَ الدُّخُولِ. خَامِسُهَا تَزَوَّجَ صَغِيرَةً، أَوْ أَمَةً وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ فَبَلَغَتْ، أَوْ عَتَقَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ. سَادِسُهَا تَزَوَّجَ الصَّغِيرَةَ، أَوْ الْأَمَةَ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِالْبُلُوغِ أَوْ الْعِتْقِ بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ. سَابِعُهَا تَزَوَّجَ مُعْتَدَّتَهُ فَارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَاقِي الصُّوَرِ وَقَعَ فِي الْبَحْرِ مُكَرَّرًا بَلْ الصُّورَتَانِ الْأُولَيَانِ وَاحِدَةٌ فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ سِتَّةٌ فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ: الدُّخُولُ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ دُخُولٌ فِي الثَّانِي فِي مَسَائِلَ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ الدُّخُولَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ دُخُولٌ فِي الثَّانِي) هَذَا عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَا يَكُونُ دُخُولًا فِي الثَّانِي فَلَا عِدَّةَ مُبْتَدَأَةٌ وَيَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ، لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ تَكْمِيلُ الْعِدَّةِ الْأُولَى. وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجِبُ. اهـ. ح أَيْ فَتَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ فَيَصْلُحُ حِيلَةً لِإِسْقَاطِ عِدَّةِ الْمُحَلِّلِ، بِأَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ يَعْقِدَ عَلَيْهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَتَحِلَّ لِلْأَوَّلِ بِلَا عِدَّةٍ (قَوْلُهُ: أَبْطَلَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا يَطُولُ) نَقَلَ ح عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ بِطُولِهَا. وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ قَالَ: وَقَدْ يَقَعُ كَثِيرًا فِي دِيَارِنَا الْعَمَلُ بِقَوْلِ زُفَرَ مِنْ بَعْضِ الْقُضَاةِ الَّذِينَ لَا خَوْفَ لَهُمْ طَمَعًا فِي تَحْصِيلِ الْحُطَامِ الْفَانِي. قَالَ الْكَمَالُ فِي فَتْحِهِ: وَمَا قَالَهُ زُفَرُ فَاسِدٌ لِاسْتِلْزَامِهِ إبْطَالَ الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِيَّتِهَا وَهُوَ عَدَمُ اشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ، وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ بَلْ صَرَّحَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِأَنَّهُ لَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ نَفَذَ قَضَاؤُهُ لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِصَرِيحِ قَوْله تَعَالَى - {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49]-. اهـ. وَالْوَجْهُ عِنْدِي فِي هَذَا الزَّمَانِ عَدَمُ نَفَاذِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ لِأَخْذِ الْمَالِ بِمُقَابَلَتِهِ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ فِي قُضَاةِ زَمَانِنَا. وَقَدْ سُئِلَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْكَرْخِيُّ عَمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْقُضَاةِ مِنْ الْأَخْذِ بِقَوْلِ زُفَرَ بِعَدَمِ الْعِدَّةِ فَقَالَ: قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: إنَّ مَا قَالَهُ زُفَرُ فَاسِدٌ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَنْ زُفَرَ أَنَّهُ يُوَافِقُ الْمَشَايِخَ الثَّلَاثَةَ فِي عَدَمِ حِلِّ الْوَطْءِ لِلْأَوَّلِ قَبْلَ الْعِدَّةِ وَإِنْ صَحَّ نِكَاحُهُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهِ حِلُّ الْوَطْءِ، لَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ زُفَرَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي يَفْعَلُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 525 كَمَا لَوْ ارْتَشَى إلَّا إنْ نَصَّ السُّلْطَانُ عَلَى الْعَمَلِ بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ فَيَسُوغُ فَيَصِيرُ حَنَفِيًّا زُفَرِيًّا، وَهَذَا لَمْ يَقَعْ بَلْ الْوَاقِعُ خِلَافُهُ فَلْيُحْفَظْ. (ذِمِّيَّةٌ غَيْرُ حَامِلٍ طَلَّقَهَا ذِمِّيٌّ، أَوْ مَاتَ عَنْهَا لَمْ تَعْتَدَّ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (إذَا اعْتَقَدُوا ذَلِكَ) لِأَنَّا أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَعْتَقِدُونَ (وَلَوْ) كَانَتْ الذِّمِّيَّةُ (حَامِلًا تَعْتَدُّ بِوَضْعِهِ) اتِّفَاقًا، وَقَيَّدَ الْوَلْوَالِجِيُّ بِمَا إذَا اعْتَقَدُوهَا. (وَ) الذِّمِّيَّةُ (لَوْ طَلَّقَهَا مُسْلِمٌ) أَوْ مَاتَ عَنْهَا (تَعْتَدُّ) اتِّفَاقًا مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَعْتَقِدُهُ. (وَكَذَا لَا تَعْتَدُّ مَسْبِيَّةٌ افْتَرَقَتْ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ) لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَيْثُ وَجَبَتْ إنَّمَا وَجَبَتْ حَقًّا لِلْعِبَادِ، وَالْحَرْبِيُّ مُلْحَقٌ بِالْجَمَادِ (إلَّا الْحَامِلَ) .   [رد المحتار] قُضَاةُ زَمَانِنَا لَا كَثَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُمْ فَيُزَوِّجُونَ فِي حَالَةِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الِاسْتِئْجَالِ وَلَا يَنْظُرُونَ إلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا ارْتَشَى فِي حَادِثَةٍ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِيهَا، وَالْمُقَلِّدُ إذَا خَالَفَ إمَامَهُ فِي مَسْأَلَةٍ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِيهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَمُرَادُ مَنْ قَالَ بِنَفَاذِ حُكْمِ الْقَاضِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ. قَالَ الشَّيْخُ حَافِظُ الدِّينِ: لَا خَفَاءَ أَنَّ عِلْمَ قُضَاتِنَا لَيْسَ بِشُبْهَةٍ فَضْلًا عَنْ الْحُجَّةِ. قَالَهُ عَنْ قُضَاةِ زَمَانِهِ وَبِلَادِهِ، فَكَيْفَ الْيَوْمَ وَأَكْثَرُهُمْ جَاهِلُونَ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْجَرَاءَةِ عَلَى أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى بِلَا عِلْمٍ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي الْمُقَلِّدِ إلَّا اتِّبَاعُ مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ وَلَا سِيَّمَا الَّذِي يَقُولُ لَهُ السُّلْطَانُ: وَلَّيْتُكَ الْقَضَاءَ عَلَى مَذْهَبِ فُلَانٍ، وَقَدْ عَمِلَ الْمُتَأَخِّرُونَ بِقَوْلِ زُفَرَ فِي مَسَائِلَ مَعْرُوفَةٍ لِمُوَافَقَتِهَا الدَّلِيلَ وَالْعُرْفَ وَأَعْرَضُوا عَنْ هَذِهِ لِمَا فِيهَا مِنْ خَطَرِ الشُّبْهَةِ لِاخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ، وَلَقَدْ صَحِبْتُ الْعُلَمَاءَ الْعَامِلِينَ الْأَكَابِرَ قَرِيبًا مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً فَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ أَفْتَى بِهَا وَلَا حَكَمَ بِهَا وَلَا سَمِعْتُهُ عَنْهُمْ، فَجَزَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى خَيْرًا وَقَدَّسَ أَرْوَاحَهُمْ، حَيْثُ اجْتَنَبُوا مَا يَرِيبُ وَاسْتَمْسَكُوا بِمَا لَا يَرِيبُ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا إنْ نَصَّ السُّلْطَانُ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ مُخَالَفَةَ الْقَاضِي مَشْهُورَ الْمَذْهَبِ تَصِحُّ إذَا نَصَّ لَهُ السُّلْطَانُ؛ مَعَ أَنَّا قَدَّمْنَا فِي هَذَا الْبَابِ مَا مَرَّ أَوَّلَ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ وَالْفُتْيَا بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ جَهْلٌ وَخَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: طَلَّقَهَا ذِمِّيٌّ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمُسْلِمِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: لَمْ تَعْتَدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) فَلَوْ تَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فِي فَوْرِ طَلَاقِهَا جَازَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْرٌ. قُلْت: وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا مُسْلِمًا حَيْثُ تَعْتَدُّ مَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا حَقُّهُ وَمُعْتَقَدُهُ: أَيْ إنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا تَجِبُ حَقًّا لِلزَّوْجِ، فَإِذَا كَانَ كَافِرًا لَا يَعْتَقِدُهَا لَا تَجِبُ لَهُ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا فَتَجِبُ لِأَجْلِ حَقِّهِ وَاعْتِقَادِهِ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا ذِمِّيٌّ مِثْلُهَا وَكَانَ لَا يَعْتَقِدُهَا، وَبِهِ سَقَطَ مَا بَحَثَهُ فِي النَّهْرِ مِنْ بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْتَلَفَ فِي وُجُوبِهَا إذَا تَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا إلَخْ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا لِنَفْسِهِ لِتَحْصِينِ مَائِهِ وَلَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا لِكَافِرٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَعْتَقِدُ مَا ثَبَتَ عِنْدَ مُجْتَهِدِهِ، نَعَمْ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ هُنَاكَ الذِّمِّيُّ إذَا أَبَانَ امْرَأَتَهُ الذِّمِّيَّةَ فَتَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ مِنْ سَاعَتِهِ ذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُهَا وَلَا يُبَاحُ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِ صَاحِبَيْهِ نِكَاحُهَا بَاطِلٌ حَتَّى تَعْتَدَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّا أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَعْتَقِدُونَ) فَحَيْثُ لَمْ يَعْتَقِدُوهَا حَقًّا لِأَنْفُسِهِمْ لَا نُلْزِمُهُمْ بِهَا أَيْ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمُعْتَقَدِهِمْ، فَمَا مَصْدَرِيَّةٌ وَالْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ الْوَلْوَالِجِيُّ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ: وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ مُطْلَقًا بِأَنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا ثَابِتَ النَّسَبِ. وَعَنْ الْإِمَامِ: يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَلَا يَطَؤُهَا كَالْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. اهـ. مَا فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: اتِّفَاقًا) أَيْ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ، وَقَوْلُهُ: مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءً كَانَتْ حَائِلًا، أَوْ حَامِلًا مِنَحٌ، وَسَوَاءً اعْتَقَدَتْهَا هِيَ، أَوْ لَا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَعْتَقِدُهُ) أَيْ يَعْتَقِدُ لُزُومَ الِاعْتِدَادِ مِنْ نِكَاحِهِ فَكَانَتْ حَقَّ آدَمِيٍّ، فَتُخَاطَبُ بِهِ الذِّمِّيَّةُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: وَالْحَرْبِيُّ مُلْحَقٌ بِالْجَمَادِ) حَتَّى كَانَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ، هِدَايَةٌ أَيْ وَالْجَمَادُ لَا يُرَاعَى وَإِنْ اعْتَقَدَهَا (قَوْلُهُ: لَا لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ إلَخْ) الْمَذْكُورُ فِي حَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ نُوحٍ عَلَى الدُّرَرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 526 فَلَا يَصِحُّ تَزَوُّجُهَا لَا لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ، بَلْ لِأَنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا ثَابِتَ النَّسَبِ (كَحَرْبِيَّةٍ خَرَجَتْ إلَيْنَا مُسْلِمَةً، أَوْ ذِمِّيَّةً، أَوْ مُسْتَأْمَنَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَصَارَتْ ذِمِّيَّةً) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْجَمَادِ (إلَّا الْحَامِلَ) لِمَا مَرَّ. (وَكَذَا لَا عِدَّةَ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ الْغَيْرِ) وَوَطِئَهَا (عَالِمًا بِذَلِكَ) وَفِي نُسَخِ الْمَتْنِ (وَدَخَلَ بِهَا) وَلَا بُدَّ مِنْهُ وَبِهِ يُفْتَى، وَلِهَذَا يُحَدُّ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ لِأَنَّهُ زِنًا، وَالْمَزْنِيُّ بِهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: لَوْ زَنَتْ الْمَرْأَةُ لَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَحِيضَ لِاحْتِمَالِ عُلُوقِهَا مِنْ الزِّنَا فَلَا يَسْقِي مَاؤُهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، فَلْيُحْفَظْ لِغَرَابَتِهِ (بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ) حَيْثُ تَحْرُمُ عَلَى الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ، وَلَا نَفَقَةَ لِعِدَّتِهَا عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا صَارَتْ نَاشِزَةً خَانِيَّةٌ. قُلْت: يَعْنِي لَوْ عَالِمَةً رَاضِيَةً كَمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ.   [رد المحتار] أَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ بِلَا خِلَافٍ، فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا مَا لَمْ تَضَعْ لِأَنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا ثَابِتَ النَّسَبِ فَيَمْنَعُ التَّزَوُّجَ كَحَمْلِ أُمِّ الْوَلَدِ يَمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْ تَزْوِيجِهَا لِأَنَّ الْوَلَدَ إذَا كَانَ ثَابِتَ النَّسَبِ كَانَ الْفِرَاشُ قَائِمًا فَنِكَاحُهَا يَسْتَلْزِمُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ اهـ مُلَخَّصًا فَافْهَمْ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا فِي حُكْمِ الْحُبْلَى أَيْ مِنْ الزِّنَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: كَحَرْبِيَّةٍ إلَخْ) بِخِلَافِ مَا إذَا هَاجَرَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا، أَوْ ذِمِّيًّا، أَوْ مُسْتَأْمَنًا ثُمَّ صَارَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا وَتَرَكَهَا فَإِنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا هُنَاكَ إجْمَاعًا، حَتَّى جَازَ لَهُ تَزَوُّجُ أُخْتِهَا، أَوْ أَرْبَعٍ سِوَاهَا كَمَا دَخَلَ دَارَنَا لِعَدَمِ تَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ لَهَا ثَمَّةَ لَا لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِالْعِدَّةِ لِأَنَّهَا حَقُّ الْآدَمِيِّ فَتُخَاطَبُ بِهَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ: خَرَجَتْ إلَيْنَا) فِي نِكَاحِ الْهِدَايَةِ وَالْمُضْمَرَاتِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْخُرُوجَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَمَضَى ثَلَاثُ حِيَضٍ بَانَتْ مِنْهُ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: إلَّا الْحَامِلَ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا ثَابِتَ النَّسَبِ. (قَوْلُهُ: وَوَطِئَهَا) أَيْ الْمُتَزَوِّجُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَدَخَلَ بِهَا لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَوْجُودًا فِي نُسَخِ الْمَتْنِ الْمُجَرَّدَةِ وَقَدْ أَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ النُّسْخَةِ الَّتِي شَرَحَ عَلَيْهَا عُلِمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ عَوَّلَ عَلَى عَدَمِ ذِكْرِهِ فَذَكَرَ الشَّارِحُ قَوْلَهُ وَوَطِئَهَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا) أَيْ لِكَوْنِهِ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَقَوْلُهُ " لِأَنَّهُ زِنًا " عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ فَتَكُونُ عِلَّةً لِلْمَعْلُولِ أَيْضًا بِوَاسِطَةٍ، وَلَوْ قَدَّمَ الْعِلَّةَ الثَّانِيَةَ عَلَى الْأُولَى لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَالْمَزْنِيُّ بِهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا) فَلَهُ وَطْؤُهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا مَا لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا كَمَا مَرَّ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ (قَوْلُهُ: لَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَارِحُ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَهَذَا يَمْنَعُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِالِاسْتِحْبَابِ، كَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَقَدَّمْنَا عَنْهُ أَنَّ مَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ ذَكَرَهُ فِي النُّتَفِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: فَلْيُحْفَظْ لِغَرَابَتِهِ) أَمَرَ بِحِفْظِهِ لَا لِيُعْتَمَدَ بَلْ لِيُجْتَنَبَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ لِغَرَابَتِهِ، فَإِنْ الْمَشْهُورَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ مَاءَ الزِّنَا لَا حُرْمَةَ لَهُ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي شَكَا إلَيْهِ امْرَأَتَهُ إنَّهَا لَا تَدْفَعُ يَدَ لَامِسٍ: طَلِّقْهَا، فَقَالَ إنِّي أُحِبُّهَا وَهِيَ جَمِيلَةٌ، فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَمْتِعْ بِهَا» وَأَمَّا قَوْلُهُ: «فَلَا يَسْقِي مَاؤُهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» فَهُوَ وَإِنْ كَانَ وَارِدًا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَطْءُ الْحُبْلَى لِأَنَّهُ قَبْلَ الْحَبَلِ لَا يَكُونُ زَرْعًا بَلْ مَاءً مَسْفُوحًا، وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ تَزَوَّجَ حُبْلَى مِنْ زِنًا لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى تَضَعَ لِئَلَّا يَسْقِيَ زَرْعَ غَيْرِهِ لِأَنَّ بِهِ يَزْدَادُ سَمْعُ الْوَلَدِ وَبَصَرُهُ حِدَةً. فَقَدْ ظَهَرَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ الْفَرْقُ بَيْنَ جَوَازِ وَطْءِ الزَّوْجَةِ إذَا رَآهَا تَزْنِي وَبَيْنَ عَدَمِ جَوَازِ وَطْءِ الَّتِي تَزَوَّجَهَا وَهِيَ حُبْلَى مِنْ زِنًا فَاغْتَنِمْهُ (قَوْلُهُ: لَوْ عَالِمَةً رَاضِيَةً) فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَالِمَةً بِأَنْ رَاجَعَهَا وَهِيَ لَا تَشْعُرُ، أَوْ أَكْرَهَهَا عَلَى النِّكَاحِ لَمْ تَكُنْ نَاشِزَةً لِأَنَّهَا لَمْ تَقْصِدْ مَنْعَ نَفْسِهَا عَنْ الْأَوَّلِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ " الجزء: 3 ¦ الصفحة: 527 فُرُوعٌ] أَدْخَلَتْ مَنِيَّهُ فِي فَرْجِهَا هَلْ تَعْتَدُّ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا؟ نَعَمْ لِاحْتِيَاجِهَا لِتَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ. وَفِي النَّهْرِ بَحْثًا إنْ ظَهَرَ حَمْلُهَا نَعَمْ وَإِلَّا لَا. وَفِي الْقُنْيَةِ: وَلَدَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَمَضَى سَبْعَةُ أَشْهُرٍ فَنَكَحَتْ آخَرَ لَمْ يَصِحَّ إذَا لَمْ تَحِضْ فِيهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاضَتْ قَبْلَ الْوِلَادَةِ لِأَنَّ مَنْ لَا تَحِيضُ لَا تَحْبَلُ وَفِيهَا: طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَيَقُولُ كُنْت طَلَّقْتُهَا وَاحِدَةً وَمَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَوْ مُضِيُّهَا مَعْلُومًا عِنْدَ النَّاسِ لَمْ يَقَعْ الثَّلَاثُ وَإِلَّا يَقَعُ وَلَوْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَ إنْكَارِهِ،.   [رد المحتار] وَقَدْ أَطَالَ هُنَاكَ عَلَى مَا هُنَا ط. [فَرْعٌ أَدْخَلَتْ مَنِيَّهُ فِي فَرْجِهَا هَلْ تَعْتَدُّ] (قَوْلُهُ: أَدْخَلَتْ مَنِيَّهُ) أَيْ مَنِيَّ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ وَلَا دُخُولٍ، أَمَّا لَوْ أَدْخَلَتْ مَنِيَّ غَيْرِهِ فَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ (قَوْلُهُ: فِي الْبَحْرِ بَحْثًا نَعَمْ) حَيْثُ قَالَ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا وَطِئَهَا فِي دُبُرِهَا، أَوْ أَدْخَلَتْ مَنِيَّهُ فِي فَرْجِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا مِنْ غَيْرِ إيلَاجٍ فِي قُبُلِهَا. وَفِي تَحْرِيرِ الشَّافِعِيَّةِ وُجُوبُهَا فِيهِمَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِهِ فِي الثَّانِي لِأَنَّ إدْخَالَ الْمَنِيِّ يَحْتَاجُ إلَى تَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ أَكْثَرَ مِنْ مُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ اهـ يَعْنِي وَأَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلَا لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ إنْ كَانَ فِي الْخَلْوَةِ فَالْعِدَّةُ تَجِبُ بِالْخَلْوَةِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ خَلْوَةٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَعَرُّفِ الْبَرَاءَةِ لِأَنَّهُ سَفْحُ الْمَاءِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَرْثِ فَلَا يَكُونُ مَظِنَّةَ الْعُلُوقِ (قَوْلُهُ: وَفِي النَّهْرِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: أَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ ظَهَرَ حَمْلُهَا كَانَ عِدَّتُهَا وَضْعَ الْحَمْلِ وَإِلَّا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. اهـ. وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ بِأَنَّ الِانْتِظَارَ إلَى ظُهُورِ الْحَمْلِ وَعَدَمِهِ هُوَ الْعِدَّةُ الَّتِي فَرَرْتَ مِنْهَا وَإِنْ جَوَّزْتَ تَزَوُّجَهَا بَعْدَ إدْخَالِ الْمَنِيِّ احْتَجْتَ إلَى نَقْلٍ. اهـ. أَقُولُ: سَنَذْكُرُ فِي الِاسْتِيلَادِ عَنْ الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ مَا نَصُّهُ: إذَا عَالَجَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ فَأَخَذَتْ الْجَارِيَةُ مَاءَهُ فِي شَيْءٍ فَاسْتَدْخَلَتْهُ فِي فَرْجِهَا فِي حِدْثَانِ ذَلِكَ فَعَلِقَتْ الْجَارِيَةُ وَوَلَدَتْ فَالْوَلَدُ وَلَدُهُ، وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ اهـ فَهَذَا الْفَرْعُ يُؤَيِّدُ بَحْثَ صَاحِبِ الْبَحْرِ. اهـ. ح. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا إثْبَاتُهُمْ الْعِدَّةَ بِخَلْوَةِ الْمَجْبُوبِ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِتَوَهُّمِ الْعُلُوقِ مِنْهُ بِسَحْقِهِ. (قَوْلُهُ: وَمَضَى سَبْعَةُ أَشْهُرٍ) لَعَلَّ الْأَوْلَى " تِسْعَةُ " بِتَقْدِيمِ التَّاءِ عَلَى السِّينِ لِيَكُونَ إشَارَةً إلَى مَا مَرَّ نَظْمًا عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ مِنْ أَنَّ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ مَا لَمْ تَحِضْ وَإِنْ مَضَى تِسْعَةُ أَشْهُرٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ إلَخْ) هَذَا ظَاهِرٌ إذَا صَدَّقَهَا الزَّوْجُ فِي أَنَّهَا لَمْ تَحِضْ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لَهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ عِنْدَ قَوْلِهِ قَالَتْ: مَضَتْ عِدَّتِي، وَمِثْلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الرَّجْعَةِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ لَوْ قَالَتْ لِلثَّانِي تَزَوَّجْتَنِي فِي الْعِدَّةِ، إنْ كَانَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ أَقَلُّ مِنْ شَهْرَيْنِ صُدِّقَتْ عِنْدَهُ وَفَسَدَ النِّكَاحُ، وَإِنْ أَكْثَرُ لَا وَصَحَّ النِّكَاحُ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى النِّكَاحِ إقْرَارٌ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَنْ لَا تَحِيضُ لَا تَحْبَلُ) أَيْ فَلَمَّا حَبِلَتْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْحَيْضِ فَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا إلَّا بِثَلَاثِ حِيَضٍ (قَوْلُهُ: فَلَوْ مُضِيُّهَا مَعْلُومًا عِنْدَ النَّاسِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ أَقَرَّ وَقْتَ الطَّلَاقِ بِهِ وَأَشْهَرَهُ بَيْنَهُمْ وَمَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ فِيهَا انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ تَنْقَضِي وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا مَعَهَا لِأَنَّ إقَامَتَهُ مَعَهَا بَعْدَ اشْتِهَارِ الطَّلَاقِ لَا تَمْنَعُ مُضِيَّهَا فِي الصَّحِيحِ كَمَا قَدَّمَهُ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى. لَكِنْ إذَا وَطِئَهَا عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ بِلَا شُبْهَةٍ كَانَ زِنًا فَلَا تَجِبُ عِدَّةٌ أُخْرَى، وَلَوْ كَانَ الْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ وَجَبَ لِكُلِّ وَطْءٍ عِدَّةٌ أُخْرَى وَتَدَاخَلَتْ مَعَ الَّتِي قَبْلَهَا، فَلَا يَحِلُّ تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مِنْ الْوَطْءِ الْأَخِيرِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ لَمْ تَقَعْ وَإِنْ كَانَتْ فِي عِدَّةِ الْوَطْءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ؛ وَبِهِ ظَهَرَ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى فِي رَجُلٍ أَبَانَ زَوْجَتَهُ بِلَفْظِ الْحَرَامِ فَاسْتَفْتَى شَافِعِيًّا فَأَفْتَاهُ بِأَنَّهُ رَجْعِيٌّ وَأَقَامَ مَعَهَا مُدَّةً ثُمَّ أَبَانَهَا كَذَلِكَ فَرَاجَعَهَا لَهُ شَافِعِيٌّ أَيْضًا وَمَضَتْ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ أَيْضًا ثُمَّ أَبَانَهَا أَيْضًا كَذَلِكَ فَأَفْتَاهُ شَافِعِيٌّ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا الْآنَ ثَلَاثًا وَكَانَ مُقِرًّا بِالثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَاشْتَهَرَتْ بَيْنَ النَّاسِ وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَمُقْتَضَى مَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ سِوَى طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْأُولَى حَيْثُ كَانَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 528 فَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ طَلْقَةً لَمْ يُقْبَلْ بَحْرٌ. وَفِيهِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ: أَخْبَرَهَا ثِقَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ مَاتَ، أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، أَوْ أَتَاهَا مِنْهُ كِتَابٌ عَلَى يَدِ ثِقَةٍ بِالطَّلَاقِ. إنْ أَكْبَرُ رَأْيِهَا أَنَّهُ حَقٌّ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَعْتَدَّ وَتَتَزَوَّجَ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ امْرَأَتُهُ لِرَجُلٍ طَلَّقَنِي زَوْجِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي لَا بَأْسَ أَنْ يَنْكِحَهَا. وَفِيهِ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ: لَوْ شَكَّتْ فِي وَقْتِ مَوْتِهِ تَعْتَدُّ مِنْ وَقْتٍ تَسْتَيْقِنُ بِهِ احْتِيَاطًا. وَفِيهِ عَنْ الْمُحِيطِ: كَذَّبَتْهُ فِي مُدَّةٍ تَحْتَمِلُهُ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا، وَلَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا عَمَلًا بِخَبَرَيْهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ،.   [رد المحتار] مَشْهُورَةً وَهُوَ مُقِرٌّ بِهَا وَمَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ وَلَا مَا بَعْدَهَا وَإِنْ وَطِئَهَا فِي تِلْكَ الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ كَمَا عَلِمْته، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: لَمْ يُقْبَلْ) أَيْ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ هَذِهِ الطَّلْقَةِ لَا تَنْقَضِي مَا لَمْ يَكُنْ الطَّلَاقُ مُشْتَهِرًا كَمَا عَلِمْته وَلَوْ كَانَ مُشْتَهِرًا لَتَمَسَّكَ بِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الْحُكْمِ بِهَا، فَعُدُولُهُ عَنْ ذَلِكَ إلَى إنْكَارِ الثَّلَاثِ دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ إنَّ الدَّفْعَ بَعْدَ الْحُكْمِ صَحِيحٌ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. (قَوْلُهُ: عَلَى يَدِ ثِقَةٍ) هَذَا غَيْرُ قَيْدٍ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. مَطْلَبٌ فِي الْمَنْعِيِّ إلَيْهَا زَوْجُهَا وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَخْبَرَهَا وَاحِدٌ بِمَوْتِ زَوْجِهَا أَوْ بِرِدَّتِهِ، أَوْ بِتَطْلِيقِهَا حَلَّ لَهَا التَّزَوُّجُ، وَلَوْ سَمِعَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ آخَرُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الدِّينِ فَيَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالنَّسَبِ. أَخْبَرَهَا عَدْلٌ أَوْ غَيْرُ عَدْلٍ فَأَتَاهَا بِكِتَابٍ مِنْ زَوْجِهَا بِطَلَاقٍ وَلَا تَدْرِي أَنَّهُ كِتَابُهُ، أَوْ لَا إلَّا أَنَّ أَكْبَرَ رَأْيِهَا أَنَّهُ حَقٌّ فَلَا بَأْسَ بِالتَّزَوُّجِ. اهـ. وَتَقَدَّمَ قُبَيْلَ الْإِيلَاءِ مَا يُفِيدُ أَنَّ هَذَا فِي الدِّيَانَةِ. ثُمَّ رَأَيْت بِخَطِّ السَّائِحَانِيِّ عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى: شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ الْغَائِبَ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ لَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ بِطَلَاقِ الْغَائِبِ وَتُقْبَلُ فِي حَقِّ سُكُوتِ الْحَاكِمِ فِي أَنَّهَا تَعْتَدُّ وَتَتَزَوَّجُ بِآخَرَ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَسُوغُ لِلْحَاكِمِ السُّكُوتُ - لِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ - لَا إثْبَاتُ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى غَائِبٍ فَلَا يَصِحُّ. وَيَظْهَرُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ وَقَعَ الطَّلَاقُ لَا مِنْ وَقْتِ الْإِخْبَارِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقِيمٍ مَعَهَا فَلَا تُهْمَةَ، وَقَوْلُهُ: فَلَا بَأْسَ يُفِيدُ أَنَّ الْأَوْلَى عَدَمُهُ. وَفِي الْبَحْرِ: أَخْبَرَهَا رَجُلٌ بِمَوْتِهِ وَآخَرُ بِحَيَاتِهِ، فَإِنْ شَهِدَ أَنَّهُ عَايَنَ مَوْتَهُ، أَوْ جِنَازَتَهُ وَهُوَ عَدْلٌ وَسِعَهَا أَنْ تَعْتَدَّ وَتَتَزَوَّجَ مَا لَمْ يُؤَرِّخَا، وَتَارِيخُ الْحَيَاةِ مُتَأَخِّرٌ. وَلَوْ تَزَوَّجَتْ وَأَخْبَرَهَا جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ حَيٌّ، إنْ صَدَّقَتْ الْأَوَّلَ صَحَّ النِّكَاحُ (قَوْلُهُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَنْكِحَهَا) فِي الْخَانِيَّةِ قَالَتْ: ارْتَدَّ زَوْجِي بَعْدَ النِّكَاحِ وَسِعَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى خَبَرِهَا وَيَتَزَوَّجَهَا؛ وَإِنْ أَخْبَرَتْ بِالْحُرْمَةِ بِأَمْرٍ عَارِضٍ بَعْدَ النِّكَاحِ؛ رَضَاعٍ طَارِئٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ ثِقَةً، أَوْ لَمْ تَكُنْ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا إلَّا لَوْ قَالَتْ كَانَ نِكَاحِي فَاسِدًا أَوْ كَانَ زَوْجِي عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ بِأَمْرٍ مُسْتَنْكَرٍ اهـ أَيْ لِأَنَّ الْأَصْلَ صِحَّةُ النِّكَاحِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لَوْ شَكَّتْ) أَيْ الَّتِي أَتَاهَا خَبَرُ مَوْتِ زَوْجِهَا (قَوْلُهُ: وَفِيهِ عَنْ الْمُحِيطِ) صَوَابُهُ " عَنْ الْفَتْحِ " وَعِبَارَتُهُ هَكَذَا: وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: إذَا قَالَ الزَّوْجُ أَخْبَرَتْنِي بِأَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ فَإِنْ كَانَتْ فِي مُدَّةٍ لَا تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَا قَوْلُهَا إلَّا أَنْ تَبَيَّنَ مَا هُوَ مُحْتَمَلٌ مِنْ إسْقَاطِ سِقْطٍ مُسْتَبِينِ الْخَلْقِ فَحِينَئِذٍ يُقْبَلُ قَوْلُهَا، وَلَوْ كَانَ فِي مُدَّةٍ تَحْتَمِلُهُ فَكَذَّبَتْهُ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا، وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا لِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 529 فَلَوْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَمْ يَفْسُدْ نِكَاحُ أُخْتِهَا فِي الْأَصَحِّ، فَتَرِثُهُ لَوْ مَاتَ دُونَ الْمُعْتَدَّةِ [مَطْلَبٌ فِي الْمَنْعِيِّ إلَيْهَا زَوْجُهَا] فَصْلٌ فِي الْحِدَادِ جَاءَ مِنْ بَابِ أَعَدَّ وَمَدَّ وَفَرَّ، وَرُوِيَ بِالْجِيمِ، وَهُوَ لُغَةً كَمَا فِي الْقَامُوسِ: تَرْكُ الزِّينَةِ لِلْعِدَّةِ. وَشَرْعًا تَرْكُ الزِّينَةِ وَنَحْوِهَا لِمُعْتَدَّةِ بَائِنٍ، أَوْ مَوْتٍ. (تَحُدُّ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا كَمَا مَرَّ (مُكَلَّفَةٌ مُسْلِمَةٌ - وَلَوْ أَمَةً - مَنْكُوحَةٌ) بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَدَخَلَ بِهَا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ.   [رد المحتار] فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِخَبَرَيْهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ بِخَبَرِهِ فِيمَا هُوَ حَقُّهُ وَحَقُّ الشَّرْعِ وَبِخَبَرِهَا فِي حَقِّهَا مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى. اهـ. وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي الِاخْتِلَافِ مَعَ زَوْجِهَا الَّذِي طَلَّقَهَا (قَوْلُهُ: ثَبَتَ نَسَبُهُ) أَيْ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي النَّسَبِ أَصْلِيٌّ كَحَقِّ الْوَلَدِ لِأَنَّهَا تُعَيَّرُ بِوَلَدٍ لَا أَبَ لَهُ فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَلَا يَنْفُذُ نِكَاحُ أُخْتِهَا لِأَنَّهُ صَارَ مُكَذَّبًا فِي خَبَرِهِ شَرْعًا، بِخِلَافِ الْقَضَاءِ بِالنَّفَقَةِ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ لِغَيْرِ الْعِدَّةِ، فَكَأَنَّهُ وَجَبَتْ فِي حَقِّهَا بِسَبَبِ الْعِدَّةِ وَفِي حَقِّهِ بِسَبَبٍ آخَرَ، فَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَمَاتَ فَالْمِيرَاثُ لِلْأُخْتِ، وَقِيلَ: إنْ قَالَ هَذَا فِي الصِّحَّةِ فَالْمِيرَاثُ لِلْأُخْتِ وَإِلَّا فَلِلْمُعْتَدَّةِ، فَإِذَا قُضِيَ بِهِ لِلْمُعْتَدَّةِ قِيلَ: يَفْسُدُ نِكَاحُ الْأُخْتِ وَالْأَصَحُّ لَا لِتَصَوُّرِ اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ بِغَيْرِ الزَّوْجِيَّةِ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ، بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا لَوْ وَلَدَتْ الَّتِي أَقَرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ يَفْسُدُ نِكَاحُ أُخْتِهَا لِأَنَّهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا. ثَانِيَتُهُمَا لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا فَمَاتَ تَرِثُهُ الْأُخْتُ دُونَ الْمُعْتَدَّةِ، وَقِيلَ: هَذَا لَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ، فَلَوْ فِي مَرَضِهِ صَارَ فَارًّا فَتَرِثُهُ الْمُعْتَدَّةُ، وَإِذَا وَرَثَتُهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ نِكَاحُ أُخْتِهَا، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إرْثِهَا كَوْنُهُ بِطَرِيقِ الزَّوْجِيَّةِ حَتَّى يَفْسُدَ نِكَاحُ الْأُخْتِ لِتَصَوُّرِهِ بِطَرِيقٍ آخَرَ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ اخْتِصَارًا مُخِلًّا. وَصَوَابُ التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ مَاتَ تَرِثُهُ الْأُخْتُ، وَقِيلَ: الْمُعْتَدَّةُ إنْ قَالَ ذَلِكَ فِي مَرَضِهِ وَلَمْ يَفْسُدْ نِكَاحُ أُخْتِهَا فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَفَسَدَ نِكَاحُ أُخْتِهَا، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الْحِدَادِ] ِ لَمَّا ذَكَرَ نَفْسَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ وَكَيْفِيَّةَ وُجُوبِهَا أَخَذَ يَذْكُرُ مَا وَجَبَ فِيهَا عَلَى الْمُعْتَدَّاتِ، فَإِنَّهُ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَصْلِ وُجُوبِهَا فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: جَاءَ مِنْ بَابِ أَعَدَّ وَمَدَّ وَفَرَّ) أَيْ أَنَّهُ جَاءَ مِنْ الْمَزِيدِ وَمِنْ الْمُجَرَّدِ الَّذِي كَنَصَرَ، أَوْ كَضَرَبَ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: أَحَدَّتْ الْمَرْأَةُ إحْدَادًا فَهِيَ مُحِدٌّ وَمُحِدَّةٌ إذَا تَرَكَتْ الزِّينَةَ لِمَوْتِهِ، وَحَدَّتْ تَحُدُّ وَتَحِدُّ حِدَادًا بِالْكَسْرِ فَهِيَ حَادٌّ بِغَيْرِهَا، وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الثُّلَاثِيَّ فَاقْتَصَرَ عَلَى الرُّبَاعِيِّ اهـ وَلِذَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: وَرُوِيَ بِالْجِيمِ) أَيْ مِنْ جَدَدْت الشَّيْءَ: قَطَعْته، فَكَأَنَّهَا انْقَطَعَتْ عَنْ الزِّينَةِ وَمَا كَانَتْ عَلَيْهِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: تَرْكُ الزِّينَةِ لِلْعِدَّةِ) أَيْ مُطْلَقًا وَلَوْ مِنْ رَجْعِيٍّ، أَوْ كَانَتْ كَافِرَةً، أَوْ صَغِيرَةً فَيَكُونُ أَعَمَّ مِنْ الشَّرْعِيِّ ط. (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهَا) كَالطِّيبِ وَالدُّهْنِ وَالْكُحْلِ ط. (قَوْلُهُ: تَحُدُّ) أَيْ وُجُوبًا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: بِضَمِّ الْحَاءِ) يَعْنِي وَفَتْحِ التَّاءِ مِنْ بَابِ " مَدَّ ". اهـ. ح. (قَوْلُهُ: وَكَسْرِهَا) يَعْنِي: وَفَتْحِ التَّاءِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ فَرَّ، أَوْ ضَمِّهَا فَيَكُونُ مِنْ بَابِ أَعَدَّ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: مُكَلَّفَةٌ) أَيْ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ، وَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ وَمُحْتَرَزُ بَاقِي الْقُيُودِ. (قَوْلُهُ: مُسْلِمَةٌ) شَمِلَ مَنْ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ، فَتَحُدُّ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا جَوْهَرَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَمَةً) لِأَنَّهَا مُكَلَّفَةٌ بِحُقُوقِ الشَّرْعِ مَا لَمْ يَفُتْ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ بَحْرٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحِدَادَ لَا يُفَوِّتُ حَقَّ الْمَوْلَى لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، بِخِلَافِ اعْتِدَادِهَا فِي بَيْتِ الزَّوْجِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: مَنْكُوحَةٌ) بِالرَّفْعِ نَعْتٌ لِمُكَلَّفَةٍ ح. (قَوْلُهُ: وَدَخَلَ بِهَا) هَذَا الْقَيْدُ صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ لِمُعْتَدَّةِ الْبَتِّ، أَمَّا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 530 (إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةَ بَتٍّ، أَوْ مَوْتٍ) وَإِنْ أَمَرَهَا الْمُطَلِّقُ، أَوْ الْمَيِّتُ بِتَرْكِهِ لِأَنَّهُ حَقُّ الشَّرْعِ، إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ النِّكَاحِ (بِتَرْكِ الزِّينَةِ) بِحُلِيٍّ أَوْ حَرِيرٍ، أَوْ امْتِشَاطٍ بِضَيِّقِ الْأَسْنَانِ (وَالطِّيبِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ إلَّا فِيهِ (وَالدُّهْنِ) وَلَوْ بِلَا طِيبٍ كَزَيْتٍ خَالِصٍ (وَالْكُحْلِ وَالْحِنَّاءِ وَلُبْسِ الْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ) وَمَصْبُوغٍ بِمَغْرَةٍ، أَوْ وَرْسٍ (إلَّا بِعُذْرٍ)   [رد المحتار] مُعْتَدَّةُ الْمَوْتِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولَةٍ فَيَجِبُ فِيهَا الْحِدَادُ، فَكَانَ الصَّوَابُ إسْقَاطَ هَذَا الْقَيْدِ فَإِنَّ لَفْظَ مُعْتَدَّةٍ يُغْنِي عَنْهُ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةَ بَتٍّ) مِنْ الْبَتِّ: وَهُوَ الْقَطْعُ: أَيْ الْمَبْتُوتُ طَلَاقُهَا وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا، أَوْ وَاحِدَةً بَائِنَةً، وَالْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَنَحْوِهِمَا نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ حَقُّ الشَّرْعِ) أَيْ فَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ إسْقَاطَهُ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ دَوَاعِي الرَّغْبَةِ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ عَنْ النِّكَاحِ، فَتَجْتَنِبُهَا لِئَلَّا تَصِيرَ ذَرِيعَةً إلَى الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ هِدَايَةٌ ط. (قَوْلُهُ: بِتَرْكِ الزِّينَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَحُدُّ وَالْبَاءُ لِلْآلَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ لِأَنَّ التَّرْكَ عَدَمِيٌّ أَوْ لِلتَّصْوِيرِ، أَوْ لِلسَّبَبِيَّةِ، أَوْ لِلْمُلَابَسَةِ لِأَنَّ فِي " تَحُدُّ " مَعْنَى تَتَأَسَّفُ، أَوْ لِأَنَّ الْحَدَّ فِي الْأَصْلِ الْمَنْعُ، فَلَا يَرِدُ أَنَّ فِيهِ مُلَابَسَةَ الشَّيْءِ لِنَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: بِحُلِيٍّ) أَيْ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَجَوَاهِرَ بَحْرٌ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَالزِّينَةُ مَا تَتَزَيَّنُ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ حُلِيٍّ أَوْ كُحْلٍ كَمَا فِي الْكَشَّافِ، فَقَدْ اسْتَدْرَكَ مَا بَعْدَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي قَاضِي خَانْ: الْمُعْتَدَّةُ تَجْتَنِبُ عَنْ كُلِّ زِينَةٍ نَحْوُ الْخِضَابِ وَلُبْسِ الْمُطَيَّبِ. اهـ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَا بَعْدَهُ تَفْصِيلٌ لِذَلِكَ الْإِجْمَالِ. قُلْت: فِيهِ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ غَيْرُ مُوفٍ بِالْمَقْصُودِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالزِّينَةِ نَوْعًا مِنْهَا، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْحُلِيِّ وَالْحَرِيرِ لِأَنَّهُ قِوَامُهَا، وَغَيْرَهُ خَفِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَعَطَفَهُ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: أَوْ حَرِيرٍ) أَيْ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ وَأَلْوَانِهِ وَلَوْ أَسْوَدَ بَحْرٌ، وَقَوْلُهُ: وَلَوْ أَسْوَدَ أَشَارَ بِهِ إلَى خِلَافِ مَالِكٍ حَيْثُ قَالَ يُبَاحُ لَهَا الْحَرِيرُ الْأَسْوَدُ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْأَسْوَدِ كَمَا وَقَعَ فِي الدُّرَرِ الْمُنْتَقَى عَنْ الْبَهْنَسِيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَذْهَبَنَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: بِضَيِّقِ الْأَسْنَانِ) فَلَهَا الِامْتِشَاطُ بِأَسْنَانِ الْمُشْطِ الْوَاسِعَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَبَحَثَ فِيهِ فِي الْفَتْحِ، لَكِنْ يَأْتِي عَنْ الْجَوْهَرَةِ تَقْيِيدُهُ بِالْعُذْرِ. (قَوْلُهُ: وَالطِّيبِ) أَيْ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْبَدَنِ، أَوْ الثَّوْبِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَأَعَمُّ مِنْهُ قَوْلُهُ: فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ: فَلَا تَحْضُرُ عَمَلَهُ وَلَا تَتَّجِرُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَالدُّهْنِ) بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ، وَالْأَوَّلُ مَصْدَرٌ وَالثَّانِي اسْمٌ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ بِلَا طِيبٍ يُؤَيِّدُ إرَادَةَ اسْمِ الْعَيْنِ، لَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَلَوْ بِلَا اسْتِعْمَالِ طِيبٍ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: كَزَيْتٍ خَالِصٍ) أَيْ مِنْ الطِّيبِ وَكَالشَّيْرَجِ وَالسَّمْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُلِينُ الشَّعْرَ فَيَكُونُ زِينَةً زَيْلَعِيٌّ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْمَمْنُوعَ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ فِيهِ زِينَةٌ، فَلَا تُمْنَعُ مِنْ مَسِّهِ بِيَدٍ لِعَصْرٍ، أَوْ بَيْعٍ أَوْ أَكْلٍ كَمَا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ. (قَوْلُهُ: وَالْكُحْلِ) بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ كَمَا مَرَّ فِي الدُّهْنِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا تَحْصُلُ بِهِ الزِّينَةُ كَالْأَسْوَدِ وَنَحْوِهِ، بِخِلَافِ الْأَبْيَضِ مَا لَمْ يَكُنْ مُطَيَّبًا. (قَوْلُهُ: وَلُبْسِ الْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ إلَخْ) أَيْ لُبْسِ الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ بِالْعُصْفُرِ وَالزَّعْفَرَانِ، وَالْمُرَادُ بِالثَّوْبِ مَا كَانَ جَدِيدًا تَقَعُ بِهِ الزِّينَةُ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ إلَّا سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَالْأَحْكَامُ تُبْتَنَى عَلَى الْمَقَاصِدِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَمَصْبُوغٍ بِمَغْرَةٍ، أَوْ وَرْسٍ) الْمَغْرَةُ الطِّينُ الْأَحْمَرُ بِفَتْحَتَيْنِ، وَالتَّسْكِينُ لُغَةُ تَخْفِيفٍ. وَالْوَرْسُ: نَبْتٌ أَصْفَرُ يُزْرَعُ بِالْيَمَنِ وَيُصْبَغُ بِهِ، قِيلَ: هُوَ صِنْفٌ مِنْ الْكُرْكُمِ، وَقِيلَ يُشْبِهُهُ مِصْبَاحٌ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَا يَحِلُّ لُبْسُ الْمُمَشَّقِ وَهُوَ الْمَصْبُوغُ بِالْمِشْقِ وَهُوَ الْمَغْرَةُ. وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ لُبْسَ الْعَصْبِ مَكْرُوهٌ: وَهُوَ ثَوْبٌ مُوَشًّى يُعْمَلُ فِي الْيَمَنِ، وَقِيلَ ضَرْبٌ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ يُنْسَجُ أَبْيَضَ ثُمَّ يُصْبَغُ. اهـ. وَفِي الْمُغْرِبِ لِأَنَّهُ يُعْصَبُ غَزْلُهُ ثُمَّ يُصْبَغُ ثُمَّ يُحَاكُ. وَفِي الْمِصْبَاحِ الْمِشْقُ وِزَانُ حِمْلٍ: الْمَغْرَةُ، وَقَالُوا ثَوْبٌ مُمَشَّقٌ بِالتَّثْقِيلِ وَالْفَتْحِ، وَالْعَصْبُ بِالْعَيْنِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ مِثْلُ فَلْسٍ. قُلْت: وَوَقَعَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَلَا ثَوْبُ قَصَبٍ بِالْقَافِ. فِي الْمِصْبَاحِ: الْقَصَبُ ثِيَابٌ مِنْ كَتَّانٍ نَاعِمَةٌ وَاحِدُهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 531 رَاجِعٍ لِلْجَمِيعِ إذْ الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ، وَلَا بَأْسَ بِأَسْوَدَ وَأَزْرَقَ وَمُعَصْفَرٍ خَلَقٍ لَا رَائِحَةَ لَهُ (لَا) حِدَادَ عَلَى سَبْعَةٍ: كَافِرَةٍ وَصَغِيرَةٍ، وَمَجْنُونَةٍ وَ (مُعْتَدَّةِ عِتْقٍ) كَمَوْتِهِ عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ (وَ) مُعْتَدَّةِ (نِكَاحٍ فَاسِدٍ) أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ أَوْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ.   [رد المحتار] قَصَبِيٌّ عَلَى النِّسْبَةِ. (قَوْلُهُ: رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ) فَإِنْ كَانَ وَجَعٌ بِالْعَيْنِ فَتَكْتَحِلُ، أَوْ حَكَّةٌ فَتَلْبَسُ الْحَرِيرَ، أَوْ تَشْتَكِي رَأْسَهَا فَتَدْهُنُ وَتَمْشُطُ بِالْأَسْنَانِ الْغَلِيظَةِ الْمُتَبَاعِدَةِ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ الزِّينَةِ لِأَنَّ هَذَا تَدَاوٍ لَا زِينَةٌ جَوْهَرَةٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي الْكَافِي إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا ثَوْبٌ إلَّا الْمَصْبُوغُ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِضَرُورَةِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، لَكِنْ لَا تَقْصِدُ الزِّينَةَ؛ وَيَنْبَغِي تَقَيُّدُهُ بِقَدْرِ مَا تَسْتَحْدِثُ ثَوْبًا غَيْرَهُ إمَّا بِبَيْعِهِ وَالِاسْتِخْلَافِ بِثَمَنِهِ، أَوْ مِنْ مَالِهَا إنْ كَانَ لَهَا. اهـ. قُلْت: وَقَيَّدَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ الِاكْتِحَالَ لِلْعُذْرِ بِكَوْنِهِ لَيْلًا ثُمَّ تَنْزِعُهُ نَهَارًا كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَأَخْرَجَ الْحَدِيثَ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا، وَلَمْ أَرَ مَنْ قَيَّدَ بِذَلِكَ مِنْ عُلَمَائِنَا، وَكَأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ قَاعِدَةِ إنَّ الضَّرُورَةَ تُتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، لَكِنْ إنْ كَفَاهَا اللَّيْلَ، أَوْ النَّهَارَ اقْتَصَرَتْ عَلَى اللَّيْلِ وَلَا تَعْكِسُ لِأَنَّ اللَّيْلَ أَخْفَى لِزِينَةِ الْكُحْلِ وَهُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِأَسْوَدَ) فِي الْفَتْحِ: وَيُبَاحُ لَهَا لُبْسُ الْأَسْوَدِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَجَعَلَهُ الظَّاهِرِيَّةُ كَالْأَحْمَرِ وَالْأَخْضَرِ. اهـ. وَعَلَّلَ الزَّيْلَعِيُّ جَوَازَهُ بِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ الزِّينَةُ. قُلْت: وَالْمُرَادُ الْأَسْوَدُ مِنْ غَيْرِ الْحَرِيرِ خِلَافًا لِمَالِكٍ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَأَزْرَقَ) ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا إذَا كَانَ بَرَّاقًا صَافِيَ اللَّوْنِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حِينَئِذٍ قَصْدُ الزِّينَةِ. (قَوْلُهُ: وَمُعَصْفَرٍ خَلَقٍ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ الْخَلَقُ الَّذِي لَا رَائِحَةَ لَهُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ اهـ فَافْهَمْ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَالْمُرَادُ بِمَا لَا رَائِحَةَ لَهُ مَا لَمْ تَحْصُلْ بِهِ الزِّينَةُ لِأَنَّهَا الْمَانِعُ لَا الرَّائِحَةَ بِخِلَافِ الْمُحَرَّمِ؛ أَلَا يُرَى مَنْعُ الْمَغْرَةِ وَلَا رَائِحَةَ لَهَا. اهـ. قُلْت: وَأَعَمُّ مِنْهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالثِّيَابِ الْمَذْكُورَةِ الْجَدِيدُ مِنْهَا، أَمَّا لَوْ كَانَ خَلَقًا لَا تَقَعُ فِيهِ الزِّينَةُ فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ وَمِثْلُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ. وَفِي الْقَامُوسِ: خَلَقَ الثَّوْبُ كَنَصَرَ وَكَرُمَ وَسَمِعَ خُلُوقَةً وَخَلَقًا مُحَرَّكَةً بَلِيَ. [تَنْبِيهٌ] مُقْتَضَى اقْتِصَارِهِمْ عَلَى مَنْعِهَا مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْإِحْدَادَ خَاصٌّ بِالْبَدَلِ، فَلَا تُمْنَعُ مِنْ تَجْمِيلِ فِرَاشٍ وَأَثَاثِ بَيْتٍ، وَجُلُوسٍ عَلَى حَرِيرٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ. وَنُقِلَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَهَا أَنْ تَدْخُلَ الْحَمَّامَ وَتَغْسِلَ رَأْسَهَا بِالْخِطْمِيِّ وَالسِّدْرِ اهـ وَلَمْ يُذْكَرْ حُكْمُهُ عِنْدَنَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى تَرْكِ مَا ذُكِرَ يُفِيدُ جَوَازَ دُخُولِ الْحَمَّامِ لَهَا. (قَوْلُهُ: لَا حِدَادَ) أَيْ وَاجِبٌ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ. (قَوْلُهُ: عَلَى سَبْعَةٍ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي مُحْتَرَزَاتِ الْقُيُودِ الْمَارَّةِ وَيُزَادُ ثَامِنَةٌ، وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ، مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً. (قَوْلُهُ: كَافِرَةٍ وَصَغِيرَةٍ وَمَجْنُونَةٍ) لَكِنْ لَوْ أَسْلَمَتْ الْكَافِرَةُ فِي الْعِدَّةِ لَزِمَهَا الْإِحْدَادُ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا كَمَا مَرَّ عَنْ الْجَوْهَرَةِ، وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ إذَا بَلَغَتْ وَأَفَاقَتْ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَإِنَّمَا لَزِمَتْ الْعِدَّةُ عَلَيْهِنَّ دُونَ الْإِحْدَادِ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا مَرَّ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ لِأَنَّ اللُّبْسَ وَالتَّطَيُّبَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ مَحْكُومٌ بِحُرْمَتِهِ، بِخِلَافِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا مِنْ رَبْطِ الْمُسَبَّبَاتِ بِالْأَسْبَابِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ عِنْدَ الْبَيْنُونَةِ يَثْبُتُ شَرْعًا عَدَمُ صِحَّةِ نِكَاحِهِنَّ فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَهُوَ حُكْمٌ بِعَدَمٍ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى خِطَابِ التَّكْلِيفِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْفَتْحِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَمُعْتَدَّةِ عِتْقٍ) هِيَ أُمُّ الْوَلَدِ الَّتِي أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا، وَمِثْلُهَا الَّتِي مَاتَ عَنْهَا مَوْلَاهَا فَإِنَّهَا عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ. وَلَمَّا كَانَ فِي دُخُولِهَا خَفَاءٌ صَرَّحَ بِهَا الشَّارِحُ وَسَكَتَ عَنْ الْأُولَى لِظُهُورِهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ " مَنْكُوحَةٌ " فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ مَعَ مُعْتَدَّةِ الْعِتْقِ. (قَوْلُهُ: أَوْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 532 وَيُبَاحُ الْحِدَادُ عَلَى قَرَابَةٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ، وَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا لِأَنَّ الزِّينَةَ حَقُّهُ فَتْحٌ، وَيَنْبَغِي حِلُّ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ، أَوْ لَمْ تَكُنْ مُزَوَّجَةً نَهْرٌ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَا تُعْذَرُ فِي لُبْسِ السَّوَادِ، وَهِيَ آثِمَةٌ إلَّا الزَّوْجَةَ فِي حَقِّ زَوْجِهَا فَتُعْذَرُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُهُ مَنْعُهَا مِنْ السَّوَادِ تَأَسُّفًا عَلَى مَوْتِ زَوْجِهَا فَوْقَ الثَّلَاثَةِ. وَفِي النَّهْرِ: لَوْ بَلَغْت فِي الْعِدَّةِ لَزِمَهَا الْحِدَادُ فِيمَا بَقِيَ. (وَالْمُعْتَدَّةُ) أَيَّ مُعْتَدَّةٍ كَانَتْ عَيْنِيٌّ، فَتَعُمُّ مُعْتَدَّةَ عِتْقٍ وَنِكَاحٍ فَاسِدٍ. وَأَمَّا الْخَالِيَةُ فَتُخْطَبُ إذَا لَمْ يَخْطُبْهَا غَيْرُهُ.   [رد المحتار] كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَزِيدَ مَعَهُ الْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُمَا خَرَجَتَا بِقَوْلِهِ " مُعْتَدَّةَ بَتٍّ " أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ: وَيُبَاحُ الْحِدَادُ إلَخْ) أَيْ حَدِيثُ الصَّحِيحِ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَحُدَّ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجِهَا فَإِنَّهَا تَحُدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» فَدَلَّ عَلَى حَمْلِهِ فِي الثَّلَاثِ دُونَ مَا فَوْقَهَا، وَعَلَيْهِ حُمِلَ إطْلَاقُ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ عَدَمَ الْحِلِّ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا تَرْكُهُ أَيْ تَرْكُهُ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: وَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا إلَخْ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ: وَيَنْبَغِي أَنَّهَا لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَحُدَّ عَلَى قَرَابَةٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَهَا زَوْجٌ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا لِأَنَّ الزِّينَةَ حَقُّهُ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِهَا إذَا امْتَنَعَتْ وَهُوَ يُرِيدُهَا، وَهَذَا الْإِحْدَادُ مُبَاحٌ لَهَا لَا وَاجِبٌ، وَبِهِ يَفُوتُ حَقُّهُ. اهـ. وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَمُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَالْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ، وَحِينَئِذٍ فَيُحْمَلُ الْحِلُّ فِي الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ مَنْعِهِ اهـ أَيْ بِأَنْ يُقَالَ: إنَّ الْحِلَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَمْنَعْهَا زَوْجُهَا لِأَنَّ كُلَّ حِلٍّ ثَبَتَ لِشَيْءٍ يُقَيَّدُ بِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا يَحِلُّ كَمَا هُنَا وَلَمَّا كَانَ بَحْثُ الْفَتْحِ دَاخِلًا تَحْتَ قَوْلِهِمْ لَهُ ضَرْبُهَا عَلَى تَرْكِ الزِّينَةِ كَانَ بَحْثًا مُوَافِقًا لِلْمَنْقُولِ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ مَنْ بَعْدَهُ فَلِذَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ، وَلَيْسَ الْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ فَقَطْ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي حِلُّ الزِّيَادَةِ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ صَرِيحَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ نَفْيُ الْحِلِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ، وَإِذَا قُيِّدَ الْحِلُّ - فِي الثَّلَاثِ - الثَّابِتُ فِي الْحَدِيثِ بِمَا إذَا رَضِيَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ رِضَاهُ مُبِيحًا مَا ثَبَتَ عَدَمُ حِلِّهِ وَهُوَ الْإِحْدَادُ فَوْقَ الثَّلَاثِ كَمَا لَا يَخْفَى: وَقَالَ الرَّحْمَتِيُّ: الْحَدِيثُ مُطْلَقٌ، وَقَدْ حَمَلَهُ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِالطِّيبِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهَا بِثَلَاثٍ، وَكَذَلِكَ زَيْنَبُ بَعْدَ مَوْتِ أَخِيهَا وَقَالَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا: مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ " لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ إلَخْ " كَيْفَ وَقَدْ أَطْلَقَ مُحَمَّدٌ عَدَمَ حِلِّ الْإِحْدَادِ لِمَنْ مَاتَ أَبُوهَا، أَوْ ابْنُهَا وَقَالَ إنَّمَا هُوَ فِي الزَّوْجِ خَاصَّةً. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إلَخْ) عِبَارَتُهَا: سُئِلَ أَبُو الْفَضْلِ عَنْ الْمَرْأَةِ يَمُوتُ زَوْجُهَا، أَوْ أَبُوهَا أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ الْأَقَارِبِ فَتَصْبُغُ ثَوْبَهَا أَسْوَدَ فَتَلْبَسُهُ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، أَوْ أَرْبَعَةً تَأَسُّفًا عَلَى الْمَيِّتِ أَتُعْذَرُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا. وَسُئِلَ عَنْهَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ فَقَالَ: لَا تُعْذَرُ، وَهِيَ آثِمَةٌ إلَّا الزَّوْجَةَ فِي حَقِّ زَوْجِهَا فَإِنَّهَا تُعْذَرُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ مَنْعُهَا مِنْ السَّوَادِ إلَخْ) أَيْ فَيُقَيَّدُ بِهِ إطْلَاقُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَسْوَدَ. وَأَجَابَ ط بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى صَبْغِهِ لِأَجْلِ التَّأَسُّفِ وَلُبْسِهِ، وَمَا مَرَّ عَلَى مَا كَانَ مَصْبُوغًا أَسْوَدَ قَبْلَ مَوْتِ الزَّوْجِ لِتَتَوَافَقَ عِبَارَاتُهُمْ، لَكِنْ يُنَافِيهِ إبَاحَتُهُ فِي الثَّلَاثِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَفِي النَّهْرِ) هُوَ بَحْثٌ سَبَقَهُ إلَيْهِ فِي الْبَحْرِ أَخْذًا مِنْ عِبَارَةِ الْجَوْهَرَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْكَافِرَةِ (قَوْلُهُ: وَنِكَاحٍ فَاسِدٍ) فَتَحْرُمُ خِطْبَتُهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا حَيْثُ رَضِيَتْ بِهِ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ تَرْضَى بِهِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْخَالِيَةُ) أَيْ عَنْ نِكَاحٍ وَعِدَّةٍ. (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَخْطُبْهَا غَيْرُهُ وَتَرْضَى بِهِ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَالَ: وَلَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا، وَأَصْلُهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ «لَا يَخْطُبْ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» وَقَيَّدُوهُ بِأَنْ لَا يَأْذَنَ لَهُ اهـ أَيْ بِأَنْ لَا يَأْذَنَ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عِنْدَنَا، فَقَدْ قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَفِي الذَّخِيرَةِ كَمَا «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الِاسْتِيَامِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 533 وَتَرْضَى بِهِ، فَلَوْ سَكَتَتْ فَقَوْلَانِ (تَحْرُمُ خِطْبَتُهَا) بِالْكَسْرِ وَتُضَمُّ. (وَصَحَّ التَّعْرِيضُ) كَأُرِيدُ التَّزَوُّجَ (لَوْ مُعْتَدَّةَ الْوَفَاةِ) لَا الْمُطَلَّقَةَ إجْمَاعًا لِإِفْضَائِهِ إلَى عَدَاوَةِ الْمُطَلِّقِ، وَمُفَادُهُ جَوَازُهُ لِمُعْتَدَّةِ عِتْقٍ وَنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَوَطْءِ شُبْهَةٍ نَهْرٌ، لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ أَنَّ بِنَاءَ التَّعْرِيضِ عَلَى الْخُرُوجِ.   [رد المحتار] عَلَى سَوْمِ الْغَيْرِ» نَهَى عَنْ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ الْغَيْرِ وَالْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَرْكَنَ قَلْبُ الْمَرْأَةِ إلَى خَاطِبِهَا الْأَوَّلِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي بَابِ الْكَرَاهِيَةِ فَافْهَمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ سَكَتَتْ فَقَوْلَانِ) أَيْ لِلشَّافِعِيَّةِ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَقَوْلُهُمْ لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الْجَوَازِ. اهـ. قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يُعْلَمْ رُكُونُ قَلْبِهَا إلَى الْأَوَّلِ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ وَإِلَّا فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ بِالرِّضَا. (قَوْلُهُ: بِالْكَسْرِ وَتُضَمُّ) لَكِنَّ الضَّمَّ مُخْتَصٌّ بِالْمَوْعِظَةِ وَالْكَسْرَ بِطَلَبِ الْمَرْأَةِ قُهُسْتَانِيٌّ، نَعَمْ الضَّمُّ فِي الْمَعْنَى الثَّانِي غَرِيبٌ كَمَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّ التَّعْرِيضُ) خِلَافُ التَّصْرِيحِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ التَّعْرِيضَ هُوَ أَنْ يُقْصَدَ مِنْ اللَّفْظِ مَعْنَاهُ حَقِيقَةً، أَوْ مَجَازًا، أَوْ كِنَايَةً، وَمِنْ السِّيَاقِ مَعْنَاهُ مُعَرَّضًا بِهِ، فَالْمَوْضُوعُ لَهُ وَالْمُعَرَّضُ بِهِ كِلَاهُمَا مَقْصُودَانِ لَكِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ اللَّفْظُ فِي الْمُعَرَّضِ بِهِ، كَقَوْلِ السَّائِلِ جِئْتُك لِأُسَلِّمَ عَلَيْك، فَيَقْصِدُ مِنْ اللَّفْظِ السَّلَامَ وَمِنْ السِّيَاقِ طَلَبَ شَيْءٍ. (قَوْلُهُ: كَأُرِيدُ التَّزَوُّجَ) وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ - إلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا - قَالَ: يَقُولُ: إنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ نَجْتَمِعَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِالتَّزْوِيجِ وَالنِّكَاحِ، وَنَحْوُهُ: إنَّكِ لَجَمِيلَةٌ، أَوْ صَالِحَةٌ فَتْحٌ. وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقُولُ: أَرْجُو أَنْ نَجْتَمِعَ وَإِنَّكِ لَجَمِيلَةٌ إذْ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُشَافِهَ أَجْنَبِيَّةً بِهِ اهـ وَوَجْهُ الرَّدِّ أَنَّ هَذَا تَفْسِيرٌ مَأْثُورٌ وَأَقَرَّهُ مَشَايِخُ الْمَذْهَبِ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مِنْ التَّعْرِيضِ الْمَأْذُونِ فِيهِ لِإِرَادَةِ التَّزَوُّجِ، وَمَنْعُهُ هُوَ الْمَمْنُوعُ، فَإِنَّهُ لَوْ خَاطَبَ أَجْنَبِيَّةً بِصَرِيحِ التَّزَوُّجِ وَالنِّكَاحِ عَلَى وَجْهِ الْخِطْبَةِ يَجُوزُ حَيْثُ لَا مَانِعَ مِنْهُ فَالتَّعْرِيضُ أَوْلَى نَعَمْ يُمْنَعُ خِطَابُهَا بِمَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْرِضِ الْخِطْبَةِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لَا الْمُطَلَّقَةَ إجْمَاعًا إلَخْ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ، وَشَمِلَ الْمُطَلَّقَةَ الْبَائِنَ وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ. وَفِي الْفَتْحِ أَنَّ التَّعْرِيضَ لَا يَجُوزُ فِي الْمُطَلَّقَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ مِنْ مَنْزِلِهَا أَصْلًا، فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّعْرِيضِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَخْفَى عَلَى النَّاسِ وَلِإِفْضَائِهِ إلَى عَدَاوَةِ الْمُطَلِّقِ. اهـ. وَيُنَافِي نَقْلُ الْإِجْمَاعِ مَا فِي الِاخْتِيَارِ حَيْثُ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْمَبْتُوتَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ فَلَا يَجُوزُ التَّصْرِيحُ وَلَا التَّلْوِيحُ لِأَنَّ نِكَاحَ الْأَوَّلِ قَائِمٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ التَّعْلِيلِ حَيْثُ قُيِّدَ بِعَدَاوَةِ الْمُطَلِّقِ، وَالضَّمِيرُ فِي جَوَازِهِ لِلتَّعْرِيضِ، وَبِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْخِطْبَةِ وَالتَّعْرِيضِ ط أَيْ لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ خِطْبَةُ مُعْتَدَّةِ عِتْقٍ وَنِكَاحٍ فَاسِدٍ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَخْ) عِبَارَتُهُ هَكَذَا: وَلَمْ يُوجَدْ نَصٌّ فِي مُعْتَدَّةِ عِتْقٍ وَمُعْتَدَّةِ وَطْءٍ بِالشُّبْهَةِ وَفُرْقَةٍ وَنِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَرِّضَ لِلْأُولَيَيْنِ بِخِلَافِ الْأُخْرَيَيْنِ. فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَا يَجُوزُ خُرُوجُهُمَا مِنْ الْبَيْتِ، بِخِلَافِ الْأُولَيَيْنِ. وَفِي الْمُضْمَرَاتِ أَنَّ بِنَاءَ التَّعْرِيضِ عَلَى الْخُرُوجِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأُولَيَيْنِ - أَيْ مُعْتَدَّةَ الْعِتْقِ وَمُعْتَدَّةَ وَطْءِ الشُّبْهَةِ - يَجُوزُ أَنْ يُعَرِّضَ لَهُمَا لِجَوَازِ خُرُوجِهِمَا مِنْ بَيْتِ الْعِدَّةِ، بِخِلَافِ مُعْتَدَّةِ الْفُرْقَةِ أَيْ الْفَسْخِ وَمُعْتَدَّةِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، فَلَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ لَهُمَا لِعَدَمِ جَوَازِ خُرُوجِهِمَا، فَإِنَّ جَوَازَ التَّعْرِيضِ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ الْخُرُوجِ إذْ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ التَّعْرِيضِ لِمَنْ لَا تَخْرُجُ، لَكِنْ نَصَّ فِي كَافِي الْحَاكِمِ عَلَى جَوَازِ خُرُوجِ مُعْتَدَّةِ الْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ، نَعَمْ يُشْكِلُ ذَلِكَ فِي مُعْتَدَّةِ الْعِتْقِ فَإِنَّك عَلِمْت مِمَّا مَرَّ تَعْلِيلَ حُرْمَةِ التَّعْرِيضِ بِإِفْضَائِهِ إلَى عَدَاوَةِ الْمُطَلِّقِ، وَمُعْتَدَّةُ الْعِتْقِ فِيهَا ذَلِكَ، فَإِنَّ سَيِّدَهَا الَّذِي أَعْتَقَهَا وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ إذَا كَانَ مُرَادُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 534 (وَلَا تَخْرُجُ مُعْتَدَّةُ رَجْعِيٍّ وَبَائِنٌ) بِأَيِّ فُرْقَةٍ كَانَتْ عَلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ مُخْتَلِعَةً عَلَى نَفَقَةِ عِدَّتِهَا فِي الْأَصَحِّ اخْتِيَارٌ، أَوْ عَلَى السُّكْنَى فَيَلْزَمُهَا أَنْ تَكْتَرِيَ بَيْتَ الزَّوْجِ مِعْرَاجٌ (لَوْ حُرَّةً) أَوْ أَمَةً مُبَوَّأَةً وَلَوْ مِنْ فَاسِدٍ (مُكَلَّفَةً مِنْ بَيْتِهَا أَصْلًا) لَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا وَلَا إلَى صَحْنِ دَارٍ فِيهَا مَنَازِلُ لِغَيْرِهِ وَلَوْ بِإِذْنِهِ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى.   [رد المحتار] تَزَوُّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ يُعَادِي مَنْ نَازَعَهُ فِي ذَلِكَ أَكْثَرَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِمُعْتَدَّةِ الْعِتْقِ الَّتِي مَاتَ عَنْهَا سَيِّدُهَا، فَلَا يُشْكِلُ لِكَوْنِهَا مُعْتَدَّةَ وَفَاةٍ، هَذَا. وَقَدْ سَقَطَتْ مُعْتَدَّةُ الْعِتْقِ مِنْ نُسْخَةِ الْقُهُسْتَانِيِّ الَّتِي وَقَعَتْ لِلْمُحَشِّي، فَحُمِلَ كَلَامُهُ عَلَى غَيْرِ الْمُرَادِ فَافْهَمْ. . (قَوْلُهُ: بِأَيِّ فُرْقَةٍ كَانَتْ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ بِمَعْصِيَةٍ كَتَقْبِيلِهَا ابْنَ زَوْجِهَا بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: قَيَّدَ بِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ، لِأَنَّ مُعْتَدَّةَ الْوَطْءِ لَا تُمْنَعُ مِنْ الْخُرُوجِ كَالْمُعْتَدَّةِ عَنْ عِتْقٍ وَنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَوَطْءٍ بِشُبْهَةٍ إلَّا إذَا مَنَعَهَا لِتَحْصِينِ مَائِهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ خِلَافُهُ، حَيْثُ قَالَ: سَائِرُ وُجُوهِ الْفَرْقِ الَّتِي تُوجِبُ الْعِدَّةَ مِنْ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ سَوَاءٌ، يَعْنِي فِي حَقِّ حُرْمَةِ الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهَا، وَحَكَى فَتْوَى الْأُوزْجَنْدِيِّ أَنَّهَا لَا تَعْتَدُّ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ اهـ وَالضَّمِيرُ فِي أَنَّهَا لِلْمَنْكُوحَةِ فَاسِدًا لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ عَلَيْهَا بَحْرٌ أَيْ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَا يُفِيدُ الْمَنْعَ مِنْ الْخُرُوجِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَكَذَا بَعْدَهُ وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ آخِرَ الْفَصْلِ حِكَايَةَ الْخِلَافِ مَعَ إفَادَةِ التَّوْفِيقِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ كَلَامِ الْبَدَائِعِ وَيَأْتِي تَمَامُهُ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي اخْتَارَتْ إبْطَالَ حَقِّهَا فَلَا يَبْطُلُ بِهِ حَقٌّ عَلَيْهَا كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَمُقَابِلُهُ مَا قِيلَ إنَّهَا تَخْرُجُ نَهَارًا لِأَنَّهَا قَدْ تَحْتَاجُ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا. مُطْلَبٌ: الْحَقُّ أَنَّ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَنْظُرَ فِي خُصُوصِ الْوَقَائِعِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْحَقُّ أَنَّ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَنْظُرَ فِي خُصُوصِ الْوَقَائِعِ، فَإِنْ عَلِمَ فِي وَاقِعَةٍ عَجْزَ هَذِهِ الْمُخْتَلِعَةِ عَنْ الْمَعِيشَةِ إنْ لَمْ تَخْرُجْ أَفْتَاهَا بِالْحِلِّ، وَإِنْ عَلِمَ قُدْرَتَهَا أَفْتَاهَا بِالْحُرْمَةِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ والشُّرُنبُلالِيَّة. (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى السُّكْنَى) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فَكَانَ كَمَا اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ لَا سُكْنَى لَهَا، فَإِنَّ مُؤْنَةَ السُّكْنَى تَسْقُطُ عَنْ الزَّوْجِ، يَلْزَمُهَا أَنْ تَكْتَرِيَ بَيْتَ الزَّوْجِ، وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ أَيْ لِأَنَّ سُكْنَاهَا فِي بَيْتِهِ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا شَرْعًا فَلَا تَمْلِكُ إسْقَاطَهَا بَلْ تَسْقُطُ مُؤْنَتُهَا. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ التَّصْرِيحُ بِمُؤْنَةِ السُّكْنَى بَلْ مُجَرَّدُ الْخُلْعِ عَلَى السُّكْنَى مُسْقِطٌ لِمُؤْنَتِهَا كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي بَابِ الْخُلْعِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لَوْ حُرَّةً) أَمَّا غَيْرُهَا فَلَهَا الْخُرُوجُ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ، إذْ لَا يَلْزَمُهَا الْمُقَامُ فِي مَنْزِلِ زَوْجِهَا فِي حَالِ النِّكَاحِ فَكَذَا بَعْدَهُ، وَلِأَنَّ الْخِدْمَةَ حَقُّ الْمَوْلَى فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهَا إلَّا إذَا بَوَّأَهَا مَنْزِلًا فَحِينَئِذٍ لَا تَخْرُجُ وَلَهُ الرُّجُوعُ، وَلَوْ بَوَّأَهَا فِي النِّكَاحِ ثُمَّ طَلُقَتْ فَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ حَتَّى يَطْلُبَهَا الْمَوْلَى كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَمَةً مُبَوَّأَةً) أَيْ أَسْكَنَهَا الْمَوْلَى فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَلَمْ يَطْلُبْهَا كَمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ فَاسِدٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ بِأَيِّ فُرْقَةٍ كَانَتْ كَمَا بَيَّنَّاهُ ح. (قَوْلُهُ: مُكَلَّفَةً) أَخْرَجَ الصَّغِيرَةَ وَالْمَجْنُونَةَ وَالْكَافِرَةَ. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ: أَمَّا الْأُولَيَانِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ التَّكَالِيفِ، وَأَمَّا الْكِتَابِيَّةُ فَلِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِحَقِّ الشَّرْعِ، وَلَكِنْ لِلزَّوْجِ مَنْعُ الْمَجْنُونَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ صِيَانَةً لِمَائِهِ، وَكَذَا إذَا أَسْلَمَ زَوْجُ الْمَجُوسِيَّةِ وَأَبَتْ الْإِسْلَامَ. اهـ. وَفِيهِ عَنْ الْمِعْرَاجِ وَشَرْحِ النُّقَايَةِ: الْمُرَاهِقَةُ كَالْبَالِغَةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ وَكَالْكِتَابِيَّةِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْإِحْدَادِ اهـ أَيْ لِاحْتِمَالِ عُلُوقِهَا مِنْهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَلَهُ مَنْعُهَا تَحْصِينًا لِمَائِهِ. (قَوْلُهُ: مِنْ بَيْتِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلَا تَخْرُجُ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يُضَافُ إلَيْهَا بِالسُّكْنَى حَالَ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ هِدَايَةٌ، سَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكًا لِلزَّوْجِ، أَوْ غَيْرِهِ، حَتَّى لَوْ كَانَ غَائِبًا، وَهِيَ فِي دَارٍ بِأُجْرَةٍ قَادِرَةٌ عَلَى دَفْعِهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بَلْ تَدْفَعُ وَتَرْجِعُ إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ بَحْرٌ وَزَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَصْلًا) تَعْمِيمٌ لِقَوْلِهِ لَا تَخْرُجُ، وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ لَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا. (قَوْلُهُ: فِيهَا مَنَازِلُ لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الزَّوْجِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ لَهُ فَإِنَّ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَيْهَا وَتَبِيتَ فِي أَيِّ مَنْزِلٍ شَاءَتْ لِأَنَّهَا تُضَافُ إلَيْهَا بِالسُّكْنَى زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِإِذْنِهِ) تَعْمِيمٌ أَيْضًا لِقَوْلِهِ وَلَا تَخْرُجُ، حَتَّى إنَّ الْمُطَلَّقَةَ رَجْعِيًّا وَإِنْ كَانَتْ مَنْكُوحَةً حُكْمًا لَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِ الْعِدَّةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 535 بِخِلَافِ نَحْوِ أَمَةٍ لِتَقَدُّمِ حَقِّ الْعَبْدِ (وَمُعْتَدَّةُ مَوْتٍ تَخْرُجُ فِي الْجَدِيدَيْنِ وَتَبِيتُ) أَكْثَرَ اللَّيْلِ (فِي مَنْزِلِهَا) لِأَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَيْهَا فَتَحْتَاجُ لِلْخُرُوجِ، حَتَّى لَوْ كَانَ عِنْدَهَا كِفَايَتُهَا صَارَتْ كَالْمُطَلَّقَةِ فَلَا يَحِلُّ لَهَا الْخُرُوجُ فَتْحٌ. وَجَوَّزَ فِي الْقُنْيَةِ خُرُوجَهَا لِإِصْلَاحِ مَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ كَزِرَاعَةٍ وَلَا وَكِيلَ لَهَا (طَلُقَتْ) أَوْ مَاتَ وَهِيَ زَائِرَةٌ (فِي غَيْرِ مَسْكَنِهَا عَادَتْ إلَيْهِ فَوْرًا) لِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا (وَتَعْتَدَّانِ) أَيْ مُعْتَدَّةُ طَلَاقٍ وَمَوْتٍ (فِي بَيْتٍ وَجَبَتْ فِيهِ) وَلَا يَخْرُجَانِ مِنْهُ (إلَّا أَنْ تُخْرَجَ أَوْ يَتَهَدَّمَ الْمَنْزِلُ، أَوْ تَخَافُ) انْهِدَامَهُ، أَوْ (تَلَفَ مَالِهَا، أَوْ لَا تَجِدَ كِرَاءَ الْبَيْتِ) وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الضَّرُورَاتِ فَتَخْرُجُ لِأَقْرَبِ مَوْضِعٍ إلَيْهِ،   [رد المحتار] وَلَوْ بِإِذْنِهِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بَعْدَ الْعِدَّةِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَمْلِكَانِ إبْطَالَهُ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا لِأَنَّهَا حَقُّ الزَّوْجِ فَيَمْلِكُ إبْطَالَهُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ نَحْوِ أَمَةٍ) أَرَادَ بِالْأَمَةِ الْقِنَّةَ، وَبِنَحْوِهَا الْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةَ، وَالْمُرَادُ إذَا لَمْ تَكُنْ مُبَوَّأَةً لِأَنَّ الْخِدْمَةَ حَقُّ الْمَوْلَى كَمَا مَرَّ، وَعَدَمَ الْخُرُوجِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، فَيُقَدَّمُ حَقُّ الْعَبْدِ لِاحْتِيَاجِهِ. (قَوْلُهُ: فِي الْجَدِيدَيْنِ) أَيْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَإِنَّهُمَا يَتَجَدَّدَانِ دَائِمًا ط. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَيْهَا) أَيْ لَمْ تَسْقُطْ بِاخْتِيَارِهَا، بِخِلَافِ الْمُخْتَلِعَةِ كَمَا مَرَّ وَهَذَا بَيَانٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ مُعْتَدَّةِ الْمَوْتِ وَمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَلِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَتَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ نَهَارًا لِطَلَبِ الْمَعَاشِ وَقَدْ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يَهْجُمَ اللَّيْلُ وَلَا كَذَلِكَ الْمُطَلَّقَةُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ دَارَّةٌ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا. اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَدَارَ حِلِّ خُرُوجِهَا بِسَبَبِ قِيَامِ شُغْلِ الْمَعِيشَةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، فَمَتَى انْقَضَتْ حَاجَتُهَا لَا يَحِلُّ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ صَرْفُ الزَّمَانِ خَارِجَ بَيْتِهَا. اهـ. وَبِهَذَا انْدَفَعَ قَوْلُ الْبَحْرِ إنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِهِمْ جَوَازُ خُرُوجِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَفَاةٍ نَهَارًا وَلَوْ كَانَ عِنْدَهَا نَفَقَةٌ، وَإِلَّا لَقَالُوا: لَا تَخْرُجُ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ، أَوْ مَوْتٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَإِنَّ الْمُطَلَّقَةَ تَخْرُجُ لِلضَّرُورَةِ لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا اهـ. وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّ مُعْتَدَّةَ الْمَوْتِ لَمَّا كَانَتْ فِي الْعَادَةِ مُحْتَاجَةً إلَى الْخُرُوجِ لِأَجْلِ أَنْ تَكْتَسِبَ لِلنَّفَقَةِ قَالُوا: إنَّهَا تَخْرُجُ فِي النَّهَارِ وَبَعْضِ اللَّيْلِ، بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ. وَأَمَّا الْخُرُوجُ لِلضَّرُورَةِ فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَهُمَا كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ فِيمَا يَأْتِي، فَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا غَيْرُ الضَّرُورَةِ، وَلِهَذَا بَعْدَمَا أَطْلَقَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ مَنْعَ خُرُوجِ الْمُطَلَّقَةِ قَالَ: وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَخْرُجُ بِالنَّهَارِ لِحَاجَتِهَا وَلَا تَبِيتُ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهَا، فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، نَعَمْ عِبَارَةُ الْمُتُونِ يُوهِمُ ظَاهِرُهَا مَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ، فَلَوْ قَيَّدُوا خُرُوجَهَا بِالْحَاجَةِ كَمَا فَعَلَ فِي الْكَافِي لَكَانَ أَظْهَرَ. (قَوْلُهُ: وَجَوَّزَ فِي الْقُنْيَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَا بُدَّ أَنْ يُقَيَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ تَبِيتَ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا. (قَوْلُهُ: أَيْ مُعْتَدَّةُ طَلَاقٍ وَمَوْتٍ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: هَذَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَلَوْ بَائِنًا فَلَا بُدَّ مِنْ سُتْرَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا فَإِنَّهَا تَخْرُجُ اهـ فَأَفَادَ أَنَّ مُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيِّ لَا تَخْرُجُ وَلَا تَجِبُ سُتْرَةٌ وَلَوْ فَاسِقًا لِقِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا صَارَ مُرَاجِعًا (قَوْلُهُ: فِي بَيْتٍ وَجَبَتْ فِيهِ) هُوَ مَا يُضَافُ إلَيْهِمَا بِالسُّكْنَى قَبْلَ الْفُرْقَةِ وَلَوْ غَيْرَ بَيْتِ الزَّوْجِ كَمَا مَرَّ آنِفًا، وَشَمِلَ بُيُوتَ الْأَخْبِيَةِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْرُجَانِ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَالْمُنَاسِبُ " تَخْرُجَانِ " - بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ -؛ لِأَنَّهُ مُثَنَّى الْمُؤَنَّثِ الْغَائِبِ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تُخْرَجَ) الْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ ط، وَشَمِلَ إخْرَاجَ الزَّوْجِ ظُلْمًا، أَوْ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهَا عَلَى الْكِرَاءِ، أَوْ الْوَارِثِ إذَا كَانَ نَصِيبُهَا مِنْ الْبَيْتِ لَا يَكْفِيهَا بَحْرٌ: أَيْ لَا يَكْفِيهَا إذَا قَسَمَتْهُ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى سُكْنَاهَا مَعَهُ إذَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ، أَوْ الْمُهَايَأَةَ وَلَوْ كَانَ نَصِيبُهَا يَزِيدُ عَلَى كِفَايَتِهَا. (قَوْلُهُ: أَوْ لَا تَجِدَ كِرَاءَ الْبَيْتِ) أَفَادَ أَنَّهَا لَوْ قَدَرَتْ عَلَيْهِ لَزِمَهَا مِنْ مَالِهَا، وَتَرْجِعُ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ عَلَى الزَّوْجِ إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَنَحْوَ ذَلِكَ) مِنْهُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ خَافَتْ بِاللَّيْلِ مِنْ أَمْرِ الْمَيِّتِ وَالْمَوْتِ وَلَا أَحَدَ مَعَهَا لَهَا التَّحَوُّلُ - وَالْخَوْفُ شَدِيدٌ - وَإِلَّا فَلَا. (قَوْلُهُ: فَتَخْرُجُ) أَيْ مُعْتَدَّةُ الْوَفَاةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 536 وَفِي الطَّلَاقِ إلَى حَيْثُ شَاءَ الزَّوْجُ، وَلَوْ لَمْ يَكْفِهَا نَصِيبُهَا مِنْ الدَّارِ اشْتَرَتْ مِنْ الْأَجَانِبِ مُجْتَبًى، وَظَاهِرُهُ وُجُوبُ الشِّرَاءِ - لَوْ قَادِرَةً -، أَوْ الْكِرَاءِ بَحْرٌ، وَأَقَرَّهُ أَخُوهُ وَالْمُصَنِّفُ. قُلْت: لَكِنَّ الَّذِي رَأَيْته بِنُسْخَتَيْ الْمُجْتَبَى اسْتَتَرَتْ مِنْ الِاسْتِتَارِ فَلْيُحَرَّرْ (وَلَا بُدَّ مِنْ سُتْرَةٍ بَيْنَهُمَا فِي الْبَائِنِ) لِئَلَّا يَخْتَلِيَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الْحَائِلَ يَمْنَعُ الْخَلْوَةَ الْمُحَرَّمَةَ (وَإِنْ ضَاقَ الْمَنْزِلُ عَلَيْهِمَا، أَوْ كَانَ الزَّوْجُ فَاسِقًا فَخُرُوجُهُ أَوْلَى) لِأَنَّ مُكْثَهَا وَاجِبٌ لَا مُكْثُهُ، وَمُفَادُهُ وُجُوبُ الْحُكْمِ بِهِ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ (وَحَسُنَ أَنْ يَجْعَلَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا امْرَأَةً) ثِقَةً.   [رد المحتار] كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ ط. (قَوْلُهُ: وَفِي الطَّلَاقِ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هَذَا فِي الْوَفَاةِ ط، وَتَعْيِينُ الْمَنْزِلِ الثَّانِي لِلزَّوْجِ فِي الطَّلَاقِ وَلَهَا فِي الْوَفَاةِ فَتْحٌ؛ وَكَذَا إذَا طَلَّقَهَا وَهُوَ غَائِبٌ فَالتَّعْيِينُ لَهَا مِعْرَاجٌ. وَفِيهِ أَيْضًا عُيِّنَ انْتِقَالُهَا إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِمَّا انْهَدَمَ فِي الْوَفَاةِ وَإِلَى حَيْثُ شَاءَتْ فِي الطَّلَاقِ بَحْرٌ، فَأَفَادَ أَنَّ تَعْيِينَ الْأَقْرَبِ مُفَوَّضٌ إلَيْهَا فَافْهَمْ وَحُكْمُ مَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ حُكْمُ الْمَسْكَنِ الْأَصْلِيِّ فَلَا تَخْرُجُ مِنْهُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: فَلْيُحَرَّرْ) أَقُولُ الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَتَيْ الْمُجْتَبَى اشْتَرَتْ مِنْ الشِّرَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ فِي الْمُجْتَبَى قَالَ: اشْتَرَتْ مِنْ الْأَجَانِبِ وَأَوْلَادِهِ الْكِبَارِ. اهـ. إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الِاسْتِتَارُ مِنْ أَوْلَادِ زَوْجِهَا، لَكِنْ رَأَيْت فِي كَافِي الْحَاكِمِ مَا نَصُّهُ: وَإِذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَلَيْسَ لَهَا إلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حِجَابًا، وَكَذَلِكَ فِي الْوَفَاةِ إذَا كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ رِجَالٌ مِنْ غَيْرِهَا فَجَعَلُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا سِتْرًا أَقَامَتْ وَإِلَّا انْتَقَلَتْ اهـ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا نَصُّ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ. وَلَعَلَّ وَجْهَهُ خَشْيَةُ الْفِتْنَةِ حَيْثُ كَانُوا رِجَالًا مَعَهَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانُوا مَحَارِمَ لَهَا بِكَوْنِهِمْ أَوْلَادَ زَوْجِهَا كَمَا قَالُوا بِكَرَاهَةِ الْخَلْوَةِ بِالصِّهْرَةِ الشَّابَّةِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ: وَكَذَلِكَ حُكْمُ السُّتْرَةِ إذَا مَاتَ زَوْجُهَا وَلَهُ أَوْلَادٌ كِبَارٌ أَجَانِبُ اهـ فَسَمَّاهُمْ أَجَانِبَ لِمَا قُلْنَا: وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِنُسْخَةِ الشَّارِحِ. وَلَا يُنَافِيهِ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ نَصِيبَهَا لَا يَكْفِيهَا، فَإِذَا كَانَ لَا يَكْفِيهَا فَكَيْفَ تُؤْمَرُ بِالْمُكْثِ فِيهِ مَعَ الِاسْتِتَارِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَكْفِيهَا بِأَنْ تَخْتَلِيَ فِيهِ وَحْدَهَا وَلِذَا فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْكَافِي كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْتِ الْوَاحِدِ ثُمَّ إنَّ قَوْلَ الْكَافِي وَإِلَّا انْتَقَلَتْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الشِّرَاءُ، وَمِثْلُهُ مَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا: لَوْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ مَنْ لَيْسَ مَحْرَمًا لَهَا وَحِصَّتُهَا لَا تَكْفِيهَا، فَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجُوهَا اهـ فَهَذَا أَيْضًا مُؤَيِّدٌ لِنُسْخَةِ الشَّارِحِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ سَقَطَ تَحَامُلُ الْمُحَشِّينَ كُلِّهِمْ عَلَى الشَّارِحِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ سُتْرَةٍ بَيْنَهُمَا فِي الْبَائِنِ) وَفِي الْمَوْتِ تَسْتَتِرُ عَنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لَهَا هِنْدِيَّةٌ. وَظَاهِرُهُ أَنْ لَا سُتْرَةَ فِي الرَّجْعِيِّ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي: وَمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيِّ كَالْبَائِنِ يُفِيدُ طَلَبَ السُّتْرَةِ فِيهِ أَيْضًا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ عَلَى مُطَلَّقَةٍ إلَّا أَنْ يُؤْذِنَهَا ثُمَّ الظَّاهِرُ نَدْبُ السُّتْرَةِ فِيهِ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ أَجْنَبِيَّةً وَيُحَرَّرُ ط. قُلْتُ: وَقَدَّمْنَا عَنْ الْجَوْهَرَةِ مَا يُفِيدُ عَدَمَ لُزُومِ السُّتْرَةِ فِي الرَّجْعِيِّ وَلَوْ الزَّوْجُ فَاسِقًا لِقِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ وَإِعْلَامِهَا بِالدُّخُولِ لِئَلَّا يَصِيرَ مُرَاجِعًا وَهُوَ لَا يُرِيدُهَا، فَلَا يُسْتَلْزَمُ وُجُوبُ السُّتْرَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ، نَعَمْ لَا مَانِعَ مِنْ نَدْبِهَا. (قَوْلُهُ: وَمُفَادُهُ أَنَّ الْحَائِلَ إلَخْ) أَيْ مُفَادُ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْحَائِلَ يَمْنَعُ الْخَلْوَةَ الْمُحَرَّمَةَ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّتَهُ إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ بِخِلَافِهِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ الزَّوْجُ فَاسِقًا) لِأَنَّهُ إنَّمَا اُكْتُفِيَ بِالْحَائِلِ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَعْتَقِدُ الْحُرْمَةَ فَلَا يُقْدِمُ عَلَى الْمُحَرَّمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ التَّعْلِيلِ بِوُجُوبِ مُكْثِهَا وُجُوبُ الْحُكْمِ بِهِ أَيْ بِخُرُوجِهِ عَنْهَا. وَقَوْلُهُمْ: وَخُرُوجُهُ أَوْلَى لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ أَرْجَحُ، كَمَا يُقَالُ: إذَا تَعَارَضَ مُحَرَّمٌ وَمُبِيحٌ فَالْمُحَرَّمُ أَوْلَى، أَوْ أَرْجَحُ فَإِنَّهُ يُرَادُ الْوُجُوبُ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَحَسُنَ) أَيْ إذَا كَانَ فَاسِقًا وَلَمْ يَخْرُجْ يَحْسُنُ أَنْ يُجْعَلَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: امْرَأَةً ثِقَةً) لَا يُقَالُ: إنَّ الْمَرْأَةَ عَلَى أَصْلِكُمْ لَا تَصْلُحُ لِلْحَيْلُولَةِ، حَتَّى لَمْ تُجِيزُوا لِلْمَرْأَةِ السَّفَرَ مَعَ نِسَاءٍ ثِقَاتٍ وَقُلْتُمْ: بِانْضِمَامِ غَيْرِهَا تَزْدَادُ الْفِتْنَةُ لِأَنَّا نَقُولُ: تَصْلُحُ لِلْحَيْلُولَةِ فِي الْبَلَدِ لِبَقَاءِ الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ الْعَشِيرِ وَإِمْكَانِ الِاسْتِغَاثَةِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 537 تُرْزَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بَحْرٌ عَنْ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ (قَادِرَةً عَلَى الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُمَا) وَفِي الْمُجْتَبَى الْأَفْضَلُ الْحَيْلُولَةُ بِسِتْرٍ، وَلَوْ فَاسِقًا فَبِامْرَأَةٍ. قَالَ: وَلَهُمَا أَنْ يَسْكُنَا بَعْدَ الثَّلَاثِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ إذَا لَمْ يَلْتَقِيَا الْتِقَاءَ الْأَزْوَاجِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ خَوْفُ فِتْنَةٍ انْتَهَى. وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ زَوْجَيْنِ افْتَرَقَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا سِتُّونَ سَنَةً وَبَيْنَهُمَا أَوْلَادٌ تَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمَا مُفَارَقَتُهُمْ فَيَسْكُنَانِ فِي بَيْتِهِمْ وَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي فِرَاشٍ وَلَا يَلْتَقِيَانِ الْتِقَاءَ الْأَزْوَاجِ هَلْ لَهُمَا ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ. (أَبَانَهَا، أَوْ مَاتَ عَنْهَا فِي سَفَرٍ) وَلَوْ فِي مِصْرٍ (وَلَيْسَ بَيْنَهَا) وَبَيْنَ مِصْرِهَا مُدَّةُ سَفَرٍ رَجَعَتْ وَلَوْ بَيْنَ مِصْرِهَا مُدَّتُهُ وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا أَقَلُّ مَضَتْ (وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ) أَيْ مُدَّةُ السَّفَرِ (مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) مِنْهُمَا وَلَا يُعْتَبَرُ مَا فِي مَيْمَنَةٍ وَمَيْسَرَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مَفَازَةٍ (خُيِّرَتْ) بَيْنَ رُجُوعٍ وَمُضِيٍّ (مَعَهَا وَلِيٌّ، أَوْ لَا فِي الصُّورَتَيْنِ، وَالْعَوْدُ أَحْمَدُ) لِتَعَدٍّ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ (وَ) لَكِنْ (إنْ مَرَّتْ) بِمَا يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. زَادَ فِي النَّهْرِ: وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا   [رد المحتار] بِخِلَافِ الْمَفَاوِزِ زَيْلَعِيٌّ، وَأَفَادَ أَنَّ مَعْنَى قُدْرَتِهَا عَلَى الْحَيْلُولَةِ إمْكَانُ الِاسْتِغَاثَةِ. (قَوْلُهُ: تُرْزَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ تَمْنَعُ الزَّوْجَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْفُرُوجِ، فَكَانَتْ نَفَقَتُهَا فِي مَالِهِ تَعَالَى ذَخِيرَةً مِنْ النَّفَقَاتِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْتُوتَةِ بِسِتْرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا فَيُحَالُ بِامْرَأَةٍ ثِقَةٍ، وَإِنْ تَعَذَّرَ فَلْتَخْرُجْ هِيَ وَخُرُوجُهُ أَوْلَى اهـ مُلَخَّصًا، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا مَرَّ، فَإِنَّ السُّتْرَةَ لَا بُدَّ مِنْهَا كَمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِحُرْمَةِ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ) حَيْثُ أَطْلَقُوهُ يَنْصَرِفُ إلَى بَكْرٍ الْمَشْهُورِ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِنَقْلِ هَذَا تَخْصِيصَ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُجْتَبَى بِمَا إذَا كَانَتْ السُّكْنَى مَعَهَا لِحَاجَةٍ، كَوُجُودِ أَوْلَادٍ يُخْشَى ضَيَاعُهُمْ لَوْ سَكَنُوا مَعَهُ، أَوْ مَعَهَا، أَوْ كَوْنِهِمَا كَبِيرَيْنِ لَا يَجِدُ هُوَ مَنْ يَعُولُهُ وَلَا هِيَ مَنْ يَشْتَرِي لَهَا، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِكَوْنِ سِنِّهِمَا سِتِّينَ سَنَةً وَبِوُجُودِ الْأَوْلَادِ مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِهِ كَانَ كَذَلِكَ فِي حَادِثَةِ السُّؤَالِ كَمَا أَفَادَهُ ط. . (قَوْلُهُ: رَجَعَتْ) سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مِصْرٍ، أَوْ غَيْرِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَقْصِدُ مُدَّةَ سَفَرٍ بَحْرٌ أَيْ فَيَجِبُ الرُّجُوعُ لِئَلَّا تَصِيرَ مُسَافِرَةً فِي الْعِدَّةِ بِلَا مَحْرَمٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَقْصِدِ مُدَّةُ سَفَرٍ فَإِنَّهَا تُخَيَّرُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لِعَدَمِ السَّفَرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَيْنَ مِصْرِهَا إلَخْ) هَذِهِ عَكْسُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. (قَوْلُهُ: مَضَتْ) أَيْ إلَى الْمَقْصِدِ، لِأَنَّ فِي رُجُوعِهَا إنْشَاءَ سَفَرٍ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ إلَخْ) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ ثَالِثَةٌ، وَفِي حُكْمِهَا عَكْسُهَا، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُدَّةَ سَفَرٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَتُخَيَّرُ، وَالرُّجُوعُ أَحْمَدُ، وَهَذَا عَلَى مَا فِي الْكَافِي، أَمَّا عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا فَيَتَعَيَّنُ الرُّجُوعُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَمْ يُرَجَّحْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَيَظْهَرُ لِي أَرْجَحِيَّةُ الثَّانِي لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ السَّفَرِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إتْمَامِهِ إلَّا إذَا لَزِمَ مِنْ قَطْعِهِ إنْشَاءُ سَفَرٍ آخَرَ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ. ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْفَتْحِ قَالَ إنَّهُ الْأَوْجَهُ وَإِنَّهُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ الرُّجُوعَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَيْ حَيْثُ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِمَا قَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُعْتَبَرُ مَا فِي مَيْمَنَةٍ وَمَيْسَرَةٍ) أَيْ مِنْ الْأَمْصَارِ، أَوْ الْقُرَى لِأَنَّهُ لَيْسَ وَطَنًا وَلَا مَقْصِدًا، فَفِي اعْتِبَارِهِ إضْرَارٌ بِهَا. (قَوْلُهُ: فِي الصُّورَتَيْنِ) أَيْ صُورَةِ تَعْيِينِ الرُّجُوعِ وَصُورَةِ التَّخْيِيرِ. (قَوْلُهُ: لِتَعْتَدَّ إلَخْ) لِأَنَّهُمَا حَيْثُ تَسَاوَيَا فِي مُدَّةِ السَّفَرِ كَانَ فِي الْعَوْدِ مُرَجِّحٌ وَهُوَ حُصُولُ الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ فَكَانَ أَوْلَى وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِعَدَمِ التَّوَصُّلِ إلَيْهِ إلَّا بِمَسِيرَةِ سَفَرٍ. (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ إنْ مَرَّتْ) أَيْ فِي الْمُضِيِّ، أَوْ الْعَوْدِ بَحْرٌ. وَالْأَنْسَبُ فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ: وَإِنْ كَانَتْ فِي مِصْرٍ تَعْتَدُّ ثَمَّةَ لِيَكُونَ مُقَابِلًا لِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَتْ فِي مَفَازَةٍ ثُمَّ يَقُولَ: وَكَذَا إنْ مَرَّتْ بِمَا يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ فَتَأَمَّلْ ط. (قَوْلُهُ: وَبَيْنَهُ) أَيْ بَيْنَ مَا مَرَّتْ بِهِ مِمَّا يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا الَّذِي كَانَتْ ذَاهِبَةً إلَيْهِ، وَانْظُرْ مَا فَائِدَةُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ الْمُرُورُ عَلَى ذَلِكَ فِي رُجُوعِهَا إلَى مِصْرِهَا، أَوْ مُضِيِّهَا وَبَيْنَ الْجَانِبَيْنِ مُدَّةُ سَفَرٍ، ثُمَّ رَجَعَتْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 538 سَفَرٌ (أَوْ كَانَتْ فِي مِصْرٍ) أَوْ قَرْيَةٍ تَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ (تَعْتَدُّ ثَمَّةَ) إنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا اتِّفَاقًا، وَكَذَا إنْ وَجَدَتْ عِنْدَ الْإِمَامِ (ثُمَّ تَخْرُجُ بِمَحْرَمٍ) إنْ كَانَ (وَتَنْتَقِلُ الْمُعْتَدَّةُ) الْمُطَلَّقَةُ بِالْبَادِيَةِ فَتْحٌ (مَعَ أَهْلِ الْكَلَأِ) فِي مِحَفَّةٍ، أَوْ خَيْمَةٍ مَعَ زَوْجِهَا (إنْ تَضَرَّرَتْ بِالْمُكْثِ فِي الْمَكَانِ) الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ فَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِهَا وَإِلَّا لَا وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ الْمُسَافَرَةُ بِالْمُعْتَدَّةِ وَلَوْ عَنْ رَجْعِيٍّ بَحْرٌ. (وَمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيِّ كَالْبَائِنِ) فِيمَا مَرَّ (غَيْرَ أَنَّهَا تُمْنَعُ مِنْ مُفَارَقَةِ زَوْجِهَا فِي) مُدَّةِ (سَفَرٍ) لِقِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ. بِخِلَافِ الْمُبَانَةِ كَمَا مَرَّ. [فُرُوعٌ] : طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُسْكِنَهَا بِجِوَارِهِ لَا يُجِيبُهُ وَإِنَّمَا تَعْتَدُّ فِي مَسْكَنِ الْمُفَارَقَةِ ظَهِيرِيَّةٌ. قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا فَلَهَا السُّكْنَى لَا النَّفَقَةُ. تَتَارْخَانِيَّةٌ لَا تُمْنَعُ مُعْتَدَّةُ نِكَاحٍ فَاسِدٍ مِنْ الْخُرُوجِ مُجْتَبًى. قُلْت: مَرَّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ خِلَافُهُ، لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ لَهَا مَنْعُهَا لِتَحْصِينِ مَائِهِ كَكِتَابِيَّةٍ وَمَجْنُونَةٍ وَأُمِّ وَلَدٍ أَعْتَقَهَا فَلْيُحْفَظْ.   [رد المحتار] النَّهْرُ فَلَمْ أَرَهَا فِيهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ) أَيْ حِينَ الطَّلَاقِ، أَوْ الْمَوْتِ. (قَوْلُهُ: تَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ) بِأَنْ تَأْمَنَ فِيهَا عَلَى نَفْسِهَا وَمَالِهَا وَتَجِدَ مَا تَحْتَاجُهُ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ إلَخْ) أَيْ لَيْسَ لَهُ إذَا طَلَّقَهَا فِي مَنْزِلِهَا أَنْ يُسَافِرَ بِهَا. (قَوْلُهُ: فِي مِحَفَّةٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ: مَرْكَبُ النِّسَاءِ كَالْهَوْدَجِ قَامُوسٌ. (قَوْلُهُ: مَعَ زَوْجِهَا) أَيْ حَالَةَ كَوْنِهَا مَعَهُ فِي الْمِحَفَّةِ، أَوْ الْخَيْمَةِ فَلَوْ قَدَّمَ الظَّرْفَ عَلَى الْمَجْرُورِ لَكَانَ أَوْلَى وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: طَلَّقَهَا بِالْبَادِيَةِ وَهِيَ مَعَهُ فِي مِحَفَّةٍ أَوْ خَيْمَةٍ وَالزَّوْجُ يَنْتَفِلُ مِنْ مَوْضِعٍ إلَخْ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ انْفِرَادُهَا فِي الْمِحَفَّةِ، أَوْ الْخَيْمَةِ عَنْهُ، وَلَا عَمَلُ سَاتِرٍ بَيْنَهُمَا قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا يَجِبُ أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُمَا بِامْرَأَةٍ ثِقَةٍ قَادِرَةٍ عَلَى الْحَيْلُولَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَلَا عَنْ رَجْعِيٍّ) . تَقَدَّمَ لِلْكَمَالِ فِي الرَّجْعَةِ عَدُّ السَّفَرِ رَجْعَةً ط. (قَوْلُهُ: فِيمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ فِي السَّفَرِ، هَكَذَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُبَانَةِ) فَإِنَّهَا تَرْجِعُ، أَوْ تَمْضِي مَعَ مَنْ شَاءَتْ لِارْتِفَاعِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا فَصَارَ أَجْنَبِيًّا زَيْلَعِيٌّ. [فُرُوعٌ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُسْكِنَ الْمُعْتَدَّة بِجِوَارِهِ] (قَوْلُهُ: طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي إلَخْ) عُلِمَ هَذَا مِمَّا مَرَّ مَتْنًا. (قَوْلُهُ: فَلَهَا السُّكْنَى) لِأَنَّهَا حَقُّ الشَّرْعِ لَا النَّفَقَةُ، لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ بِمَعْصِيَتِهَا ط. (قَوْلُهُ: مَرَّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ خِلَافُهُ) أَيْ مَرَّ فِي بَابِ الْعِدَّةِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قَالَتْ: مَضَتْ عِدَّتِي إلَخْ حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ: وَلَا تَعْتَدُّ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ بَزَّازِيَّةٌ اهـ فَافْهَمْ، لَكِنَّ هَذَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمُجْتَبَى لَا مُخَالِفٌ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: مَرَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ خِلَافُهُ: أَيْ مَرَّ فِي هَذَا الْفَصْلِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا تَخْرُجُ مُعْتَدَّةُ رَجْعِيٍّ وَبَائِنٍ حَيْثُ قَالَ الشَّارِحُ بِأَيِّ فُرْقَةٍ كَانَتْ عَلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَقَدَّمْنَا عِبَارَتَهَا هُنَاكَ، وَمِنْهَا حِكَايَةُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْأُوزْجَنْدِيِّ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) كَأَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا الِاسْتِدْرَاكِ رَفْعَ التَّنَافِي بَيْنَ النَّصَّيْنِ بِحَمْلِ جَوَازِ الْخُرُوجِ عَلَى عَدَمِ مَنْعِ الزَّوْجِ وَعَدَمِ الْخُرُوجِ عَلَى الْمَنْعِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. ح. قُلْت: لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ لِأَنَّ حَقَّ زَوْجِهَا مُقَدَّمٌ، ويُؤَيِّدُهُ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَلَيْسَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ فِي عِدَّتِهَا مِنْ سَيِّدِهَا وَلَا عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ اتِّقَاءُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَلَهُمَا أَنْ تَخْرُجَا وَتَبِيتَا فِي غَيْرِ مَنَازِلِهِمَا، أَلَا تَرَى أَنَّ امْرَأَةَ رَجُلٍ لَوْ تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَرُدَّتْ إلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ كَانَ لَهَا أَنْ تَتَشَوَّفَ إلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ وَتَتَزَيَّنَ لَهُ وَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْآخَرِ ثَلَاثُ حِيَضٍ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 539 فَصْلٌ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ (أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ) لِخَبَرِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَمَا مَرَّ فِي الرَّضَاعِ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَرْبَعُ سِنِينَ (وَأَقَلُّهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ) إجْمَاعًا (فَيَثْبُتُ نَسَبُ) وَلَدِ (مُعْتَدَّةِ الرَّجْعِيِّ) وَلَوْ بِالْأَشْهُرِ لِإِيَاسِهَا بَدَائِعُ، وَفَاسِدُ النِّكَاحِ فِي ذَلِكَ كَصَحِيحِهِ قُهُسْتَانِيٌّ. (وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ) وَلَوْ لِعِشْرِينَ سَنَةً فَأَكْثَرَ لِاحْتِمَالِ امْتِدَادِ طُهْرِهَا وَعُلُوقِهَا فِي الْعِدَّةِ (مَا لَمْ تُقِرَّ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ) وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ (وَكَانَتْ) الْوِلَادَةُ (رَجْعَةً) لَوْ (فِي الْأَكْثَرِ مِنْهُمَا) .   [رد المحتار] [فَصْلٌ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ] أَيْ فِي بَيَانِ مَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِيهِ وَمَا لَا يَثْبُتُ. قَالَ فِي النَّهْرِ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَنْوَاعِ الْمُعْتَدَّاتِ ذَكَرَ مَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِدَادِ ذَوَاتِ الْحَمْلِ وَهُوَ ثُبُوتُ النَّسَبِ، وَهُوَ مَصْدَرُ " نَسَبَهُ " إلَى أَبِيهِ. (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ عَائِشَةَ) هُوَ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا أَنَّهَا قَالَتْ «مَا تَزِيدُ الْمَرْأَةُ فِي الْحَمْلِ عَلَى سَنَتَيْنِ قَدْرَ مَا يَتَحَوَّلُ ظِلُّ عَمُودِ الْمِغْزَلِ» وَفِي لَفْظٍ «لَا يَكُونُ الْحَمْلُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ» إلَخْ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظِلُّ الْمِغْزَلِ مَثَلٌ لِلْقِلَّةِ لِأَنَّهُ حَالَ الدَّوَرَانِ أَسْرَعُ زَوَالًا مِنْ سَائِرِ الظِّلَالِ. (قَوْلُهُ: أَرْبَعُ سِنِينَ) لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: هَذِهِ جَارَتُنَا امْرَأَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ امْرَأَةُ صِدْقٍ وَزَوْجُهَا رَجُلُ صِدْقٍ حَمَلَتْ ثَلَاثَةَ أَبْطُنٍ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً كُلَّ بَطْنٍ فِي أَرْبَعِ سِنِينَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مِمَّا لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى هَذَا لِأَنَّهُ بَعْدَ صِحَّةِ نِسْبَتِهِ إلَى الشَّارِعِ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الْخَطَأُ، بِخِلَافِ الْحِكَايَةِ فَإِنَّهَا بَعْدَ صِحَّةِ نِسْبَتِهَا إلَى مَالِكٍ يُحْتَمَلُ خَطَؤُهَا، وَكَوْنُ دَمِهَا انْقَطَعَ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَيَجُوزُ أَنَّهَا امْتَدَّ طُهْرُهَا سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ حَبِلَتْ وَلَوْ وَجَدَتْ حَرَكَةً فِي الْبَطْنِ مَثَلًا فَلَيْسَ قَطْعًا فِي الْحَمْلِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِالْأَشْهُرِ لِإِيَاسِهَا) أَيْ لِظَنِّ إيَاسِهَا لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِوِلَادَتِهَا أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ آيِسَةً ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ. قُلْت: وَهَذَا تَعْمِيمٌ لِلْمُعْتَدَّةِ أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعْتَدَّةِ بِالْحَيْضِ أَوْ بِالْأَشْهُرِ فِي الْبَائِنِ وَالرَّجْعِيِّ إذَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَائِهَا مُفَسَّرًا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَكُنْ بِالْأَشْهُرِ فَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهَا، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِهِ مُطْلَقًا فِي مُدَّةٍ تَصْلُحُ لِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ، فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُذْ أَقَرَّتْ ثَبَتَ النَّسَبُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ الْيَأْسُ حُمِلَ إقْرَارُهَا عَلَى الِانْقِضَاءِ بِالْأَقْرَاءِ حَمْلًا لِكَلَامِهَا عَلَى الصِّحَّةِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ اهـ مِنْ الْبَدَائِعِ مُلَخَّصًا، وَاخْتَصَرَهُ فِي الْبَحْرِ اخْتِصَارًا مُخِلًّا. (قَوْلُهُ: وَفَاسِدُ النِّكَاحِ فِي ذَلِكَ كَصَحِيحِهِ) فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ لَا يُلَائِمُ قَوْلَهُمْ، إذَا أَتَتْ بِهِ لِتَمَامِ السَّنَتَيْنِ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا كَانَ رَجْعَةً لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي عِدَّةِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يُوجِبُ الرَّجْعَةَ فَتَأَمَّلْ ح. وَأَجَابَ ط بِأَنَّ الْإِشَارَةَ فِي قَوْلِهِ ذَلِكَ لِثُبُوتِ النَّسَبِ لَا لِلرَّجْعَةِ. قَالَ: ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ ثُبُوتِ النَّسَبِ فِيهِ إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْمُفَارَقَةِ لَا لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا، وَيُحَرَّرُ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا أَتَتْ بِهِ لِتَمَامِهَا اهـ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الْمَهْرِ تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ) أَيْ تَحْتَمِلُ الْمُضِيَّ، وَهَذَا الْقَيْدُ لِمَفْهُومِ الْمَتْنِ لَا لِمَنْطُوقِهِ لِأَنَّ عَدَمَ إقْرَارِهَا بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ فِيمَا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ لَا يَصِحُّ تَقْيِيدُهُ بِاحْتِمَالِ الْمُضِيِّ. وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ: مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَائِهَا وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ بِأَنْ تَكُونَ سِتِّينَ يَوْمًا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَتِسْعَةً وَثَلَاثِينَ عَلَى قَوْلِهِمَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَيَظْهَرُ كَذِبُهَا، وَكَذَا هَذَا فِي الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا إذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلِأَقَلَّ يَثْبُتُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَكْثَرِ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 540 أَوْ لِتَمَامِهِمَا لِعُلُوقِهَا فِي الْعِدَّةِ (لَا فِي الْأَقَلِّ) لِلشَّكِّ وَإِنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ (كَمَا) يَثْبُتُ بِلَا دَعْوَةٍ احْتِيَاطًا (فِي مَبْتُوتَةٍ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْهُمَا) مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لِجَوَازِ وُجُودِهِ وَقْتَهُ وَلَمْ تُقِرَّ بِمُضِيِّهَا كَمَا مَرَّ (وَلَوْ لِتَمَامِهَا لَا) يَثْبُتُ النَّسَبُ، وَقِيلَ يَثْبُتُ لِتَصَوُّرِ الْعُلُوقِ فِي حَالِ الطَّلَاقِ؛ وَزَعَمَ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّهُ الصَّوَابُ (إلَّا بِدَعْوَتِهِ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ، وَهِيَ شُبْهَةُ عَقْدٍ أَيْضًا، وَإِلَّا إذَا وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ أَحَدَهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَالْآخَرَ لِأَكْثَرَ.   [رد المحتار] السَّنَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: أَوْ لِتَمَامِهِمَا) تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ لَا فِي الْأَقَلِّ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ مَعَ فَهْمِهِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْأَكْثَرِ لِبَيَانِ أَنَّ حُكْمَ السَّنَتَيْنِ حُكْمُ الْأَكْثَرِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: لِعُلُوقِهَا فِي الْعِدَّةِ) فَيَصِيرُ بِالْوَطْءِ مُرَاجِعًا نَهْرٌ، فَقَوْلُهُ: وَكَانَتْ الْوِلَادَةُ رَجْعَةً مَعْنَاهُ أَنَّهَا دَلِيلُ الرَّجْعَةِ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ حَقِيقَةٌ بِالْوَطْءِ السَّابِقِ لَا بِهَا. (قَوْلُهُ: لِلشَّكِّ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ الْعُلُوقُ قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَيُحْتَمَلُ بَعْدَهُ فَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالشَّكِّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ) لِوُجُودِ الْعُلُوقِ فِي النِّكَاحِ، أَوْ فِي الْعِدَّةِ جَوْهَرَةٌ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي مَبْتُوتَةٍ) يَشْمَلُ الْبَتَّ بِالْوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثِ، وَالْحُرَّةَ، وَالْأَمَةَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَمْلِكَهَا كَمَا يَأْتِي، وَيَشْمَلُ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ، أَوْ لَا بَحْرٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ اشْتِرَاطَ كَوْنِ الْمَبْتُوتَةِ مَدْخُولًا بِهَا فَلَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ لَا يَثْبُتُ، وَإِنْ لِأَقَلَّ مِنْهَا ثَبَتَ: أَيْ إذَا كَانَ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ. اهـ. 1 - مُطْلَبٌ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ الْمُطَلَّقَةِ. وَفِي الْبَحْرِ: وَاعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ ثُبُوتِ النَّسَبِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ وَلَدِ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ وَالْبَائِنَةِ مُقَيَّدٌ بِمَا سَيَأْتِي مِنْ الشَّهَادَةِ بِالْوِلَادَةِ أَوْ اعْتِرَافٍ مِنْ الزَّوْجِ بِالْحَبَلِ، أَوْ حَبَلٍ ظَاهِرٍ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ وُجُودِهِ) أَيْ الْحَمْلِ وَقْتَهُ: أَيْ وَقْتَ الطَّلَاقِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ تُقِرَّ بِمُضِيِّهَا) فَلَوْ أَقَرَّتْ بِهِ فَكَالرَّجْعِيِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْإِقْرَارِ الْمَذْكُورُ مُمَاثِلٌ لِمَا مَرَّ فِي الرَّجْعِيِّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِتَمَامِهِمَا لَا) خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ فِي الْوِلَادَةِ لِلْأَكْثَرِ لَا يَثْبُتُ بِالْأَوْلَى. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ) لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَزِمَ سَبْقُ الْعُلُوقِ عَلَى الطَّلَاقِ إذْ لَا يَحِلُّ الْوَطْءُ بَعْدَهُ؛ بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ، فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ كَوْنُ الْوَلَدِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ بَحْرٌ. . (قَوْلُهُ: لِتَصَوُّرِ الْعُلُوقِ فِي حَالِ الطَّلَاقِ) أَيْ فَيَكُونُ قَبْلَ زَوَالِ الْفِرَاشِ كَمَا قَرَّرَهُ قَاضِي خَانْ وَهُوَ حَسَنٌ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْوَلَدِ فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَزَعَمَ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّهُ الصَّوَابُ) حَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّ قَوْلَ الْقُدُورِيِّ " لَا يَثْبُتُ " سَهْوٌ، لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّهُ يَثْبُتُ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْحَقُّ حَمْلُهُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ لِتَوَارُدِ الْمُتُونِ عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِهِ كَمَا قَالَ الْقُدُورِيُّ، إذْ قَدْ جَرَى الْكَنْزُ وَالْوَافِي، وَهَكَذَا صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبُ الْمَجْمَعِ وَهُمْ بِالرِّوَايَةِ أَدْرَى. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ) أَيْ وَلَهُ وَجْهٌ بِأَنْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ فِي الْعِدَّةِ هِدَايَةٌ وَغَيْرُهَا. (قَوْلُهُ: وَهِيَ شُبْهَةُ عَقْدٍ أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّهَا شُبْهَةُ فِعْلٍ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى الْجَوَابِ عَنْ اعْتِرَاضِ الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّ الْمَبْتُوتَةَ بِالثَّلَاثِ إذَا وَطِئَهَا الزَّوْجُ بِشُبْهَةٍ كَانَتْ شُبْهَةً فِي الْفِعْلِ، وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ شُبْهَةَ الْفِعْلِ لَا يَثْبُتُ فِيهَا النَّسَبُ وَإِنْ ادَّعَاهُ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ وَطْءَ الْمُطَلَّقَةِ بِالثَّلَاثِ، أَوْ عَلَى مَالٍ لَمْ تَتَمَحَّضْ لِلْفِعْلِ بَلْ هِيَ شُبْهَةُ عَقْدٍ أَيْضًا فَلَا تَنَاقُضَ أَيْ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ لِوُجُودِ شُبْهَةِ الْعَقْدِ، عَلَى أَنَّهُ صَرَّحَ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِأَنَّ مَنْ وَطِئَ امْرَأَةً زُفَّتْ إلَيْهِ وَقِيلَ لَهُ إنَّهَا امْرَأَتُك فَهِيَ شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ وَأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ إذَا ادَّعَاهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ شُبْهَةٍ فِي الْفِعْلِ تَمْنَعُ دَعْوَى النَّسَبِ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي الْحُدُودِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْقِيقُ الْفَرْقِ بَيْنَ شُبْهَةِ الْفِعْلِ وَشُبْهَةِ الْعَقْدِ وَشُبْهَةِ الْمَحَلِّ. اهـ. ح مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا إذَا وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ إلَخْ) أَيْ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُمَا، كَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً فَجَاءَتْ بِتَوْأَمَانٍ كَذَلِكَ فَادَّعَاهُمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 541 وَإِلَّا إذَا مَلَكَهَا فَيَثْبُتُ إنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ وَلَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ وَكَالطَّلَاقِ سَائِرُ أَسْبَابِ الْفُرْقَةِ بَدَائِعُ، لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الدَّعْوَةَ مَشْرُوطَةٌ فِي الْوِلَادَةِ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا (وَإِنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ) الْمَرْأَةُ (لَا فِي رِوَايَةٍ) وَهِيَ الْأَوْجَهُ فَتْحٌ. (وَ) يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُطَلَّقَةِ وَلَوْ رَجْعِيًّا (الْمُرَاهِقَةِ وَالْمَدْخُولِ بِهَا) وَكَذَا غَيْرُ الْمَدْخُولَةِ (إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ) مِنْ الْأَقَلِّ غَيْرِ الْمُقِرَّةِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا،   [رد المحتار] الْبَائِعُ يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا وَيُنْقَضُ الْبَيْعُ وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَثْبُتُ لِأَنَّ الثَّانِيَ مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْإِبَانَةِ، فَيَتْبَعُهُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ، قِيلَ هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ وَلَدَ الْجَارِيَةِ الثَّانِيَ يَجُوزُ كَوْنُهُ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ قَبْلَ بَيْعِهِ، بِخِلَافِ الْوَلَدِ الثَّانِي فِي الْمَبْتُوتَةِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا إذَا مَلَكَهَا) أَقُولُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ سَتَأْتِي فِي أَوَّلِ الْفُرُوعِ. وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ إذَا طَلَّقَ أَمَتَهُ فَاشْتَرَاهَا، فَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، وَالثَّانِي إمَّا رَجْعِيٌّ، أَوْ بَائِنٌ بِوَاحِدَةٍ، أَوْ اثْنَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ اُشْتُرِطَ لِثُبُوتِ نَسَبِهِ وِلَادَتُهُ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ مُذْ طَلَّقَهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ بِطَلْقَتَيْنِ اُشْتُرِطَ سَنَتَانِ فَأَقَلُّ مُذْ طَلَّقَهَا، وَلَا اعْتِبَارَ لِوَقْتِ الشِّرَاءِ فِيهِمَا وَإِنْ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ فَكَذَلِكَ، وَلَوْ رَجْعِيًّا يَثْبُتُ وَلَوْ لِعَشْرِ سِنِينَ بَعْدَ الطَّلَاقِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُذْ شَرَاهَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ " وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ " خَاصٌّ بِالرَّجْعِيِّ، وَكَلَامُنَا فِي الْبَائِنِ، فَالصَّوَابُ حَذْفُ لَفْظِ " أَكْثَرَ " فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: بَدَائِعُ) حَيْثُ قَالَ: وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْته فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ فَهُوَ الْجَوَابُ فِي الْمُعْتَدَّةِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ مِنْ أَسْبَابِ الْفُرْقَةِ. اهـ. بَحْرٌ: أَيْ كَالْفُرْقَةِ بِرِدَّةٍ، أَوْ بِخِيَارِ بُلُوغٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ عَدَمِ كَفَاءَةٍ، أَوْ عَدَمِ مَهْرِ مِثْلٍ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ لِتَمَامِهِمَا لَا إلَّا بِدَعْوَتِهِ. وَعِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ: لَكِنْ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الدَّعْوَةَ مَشْرُوطَةٌ فِي الْوِلَادَةِ لِأَكْثَرَ مِنْهَا اهـ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى دَعْوَةٍ فِي الْوِلَادَةِ لِتَمَامِهِمَا وَيُمْكِنُ جَرَيَانُهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي جَرَى عَلَيْهَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ ط فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ) أَيْ فِي أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ الْأَوْجَهُ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مِنْهُ وَقَدْ ادَّعَاهُ وَلَا مُعَارِضَ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ اشْتِرَاطَ تَصْدِيقِهَا فِي رِوَايَةٍ إلَّا السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشَّامِلِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي ضَعْفِهَا وَغَرَابَتِهَا فَتْحٌ. مَطْلَبٌ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ الصَّغِيرَةِ. (قَوْلُهُ: وَيَثْبُتُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الصَّغِيرَةَ إذَا طَلُقَتْ، فَإِمَّا قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ بِهِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْهَا لَا يَثْبُتُ. لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنْ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَلَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ لِتَلْزَمَ الْعِدَّةُ؛ وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، فَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ ثَبَتَ، وَإِنْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَوْ أَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِإِقْرَارِهَا، وَلَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ قَبْلَهَا حَتَّى يُتَيَقَّنَ بِكَذِبِهَا وَإِنْ لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَائِهَا وَلَمْ تَدَّعِ حَبَلًا؛ فَعِنْدَهُمَا إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ ثَبَتَ وَإِلَّا فَلَا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَثْبُتُ إلَى سَنَتَيْنِ فِي الْبَائِنِ وَإِلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا فِي الرَّجْعِيِّ لِاحْتِمَالِ وَطْئِهَا فِي آخِرِ عِدَّتِهَا الثَّلَاثَةِ الْأَشْهُرِ وَإِنْ ادَّعَتْ حَبَلًا فَكَالْكَبِيرَةِ فِي أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ لَا مُطْلَقًا اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَلَدِ الْمُطَلَّقَةِ) أَمَّا الصَّغِيرَةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَيَأْتِي بَيَانُهَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ رَجْعِيًّا) إنَّمَا بَالَغَ بِهِ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ حُكْمَ الْبَائِنِ بِالسُّهُولَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَأَفَادَ بِهَا اتِّحَادَهُ مَعَ الْبَائِنِ هُنَا ط. (قَوْلُهُ: الْمُرَاهِقَةِ) الْمُقَارِبَةِ لِلْبُلُوغِ، وَهِيَ مَنْ بَلَغَتْ سِنًّا يُمْكِنُ أَنْ تَبْلُغَ فِيهِ وَهُوَ تِسْعُ سِنِينَ وَلَمْ تُوجَدْ مِنْهَا عَلَامَةُ الْبُلُوغِ أَمَّا مَنْ دُونَهَا فَلَا يُمْكِنُ فِيهَا الْحَبَلُ. (قَوْلُهُ: إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ الْأَقَلِّ) أَيْ مِنْ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 542 وَكَذَا الْمُقِرَّةُ إنْ وَلَدَتْ لِذَلِكَ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ إذَا لَمْ تَدَّعِ حَبَلًا، فَلَوْ ادَّعَتْهُ فَكَبَالِغَةٍ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مُذْ طَلَّقَهَا لِكَوْنِ الْعُلُوقِ فِي الْعِدَّةِ (وَإِلَّا لَا) لِكَوْنِهِ بَعْدَهَا، لِأَنَّهَا لِصِغَرِهَا يُجْعَلُ سُكُوتُهَا كَالْإِقْرَارِ بِمُضِيِّ عِدَّتِهَا. (فَلَوْ ادَّعَتْ حَبَلًا فَهِيَ كَكَبِيرَةٍ) فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ (لِاعْتِرَافِهَا بِالْبُلُوغِ) . (وَ) يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ مُعْتَدَّةِ (الْمَوْتِ لِأَقَلَّ مِنْهُمَا مِنْ وَقْتِهِ) أَيْ الْمَوْتِ (إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً وَلَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا) أَمَّا الصَّغِيرَةُ، فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ ثَبَتَ وَإِلَّا لَا. وَلَوْ أَقَرَّتْ بِمُضِيِّهَا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فَوَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ. وَأَمَّا الْآيِسَةُ فَكَحَائِضٍ لِأَنَّ عِدَّةَ الْمَوْتِ بِالْأَشْهُرِ لِلْكُلِّ.   [رد المحتار] فَالْمَعْنَى لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ: أَيْ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْمُقِرَّةُ) أَيْ مَنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَائِهَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ. (قَوْلُهُ: إنْ وَلَدَتْ لِذَلِكَ) أَيْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ أَيْ وَلِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لِظُهُورِ كَذِبِهَا بِيَقِينٍ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَعَدَمِهِ فِي أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَّا إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِعَدَمِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ فِيهِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا مَرَّ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّتْ فَإِنَّهُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا عَلِمْت أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ: فَلَوْ ادَّعَتْهُ فَكَبَالِغَةٍ) تَكْرَارٌ مَعَ مَا يَأْتِي فِي الْمَتْنِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِطْلَاقِ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ ح. (قَوْلُهُ: لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُطَلَّقَةِ الْمُرَاهِقَةِ: أَيْ وَلَدِهَا الْمَوْلُودِ لِأَقَلَّ إلَخْ وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ عِدَّتَهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَأَدْنَى مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، فَإِذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ طَلَّقَهَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْحَمْلَ كَانَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ لِكَوْنِ الْعُلُوقِ فِي الْعِدَّةِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَقَلَّ بَلْ وَلَدَتْهُ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ لِأَنَّهُ حَمْلٌ حَادِثٌ بَعْدَ الْعِدَّةِ أَمَّا إنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَائِهَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تُقِرَّ فَكَانَ الْقِيَاسُ عَلَى الْكَبِيرَةِ يَقْتَضِي أَنْ يَثْبُتَ إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ. وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ لِانْقِضَاءِ عِدَّةِ الصَّغِيرَةِ جِهَةً وَاحِدَةً فِي الشَّرْعِ فَيُمْضِيهَا بِحُكْمِ الشَّرْعِ بِالِانْقِضَاءِ، وَهِيَ فِي الدَّلَالَةِ فَوْقَ إقْرَارِهَا، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ بَعْدَهَا) عِلَّةٌ لِعَدَمِ الثُّبُوتِ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهَا إلَخْ عِلَّةٌ لِلْبَعْدِيَّةِ، وَقَوْلُهُ " لِصِغَرِهَا " عِلَّةٌ لِلْجَعْلِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَعْلُولِهَا. (قَوْلُهُ: فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ) أَيْ فِي حَقِّ ثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، بَلْ يَثْبُتُ إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ لَوْ الطَّلَاقُ بَائِنًا، وَلِأَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا لَوْ رَجْعِيًّا لَا مُطْلَقًا؛ فَإِنَّ الْكَبِيرَةَ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَإِنْ طَالَ إلَى سِنِّ الْإِيَاسِ لِجَوَازِ امْتِدَادِ طُهْرِهَا وَوَطْئِهِ إيَّاهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ بَحْرٌ. أَمَّا الصَّغِيرَةُ فَإِنَّ عِدَّتَهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فَيُحْتَمَلُ وَطْؤُهَا فِي آخِرِ عِدَّتِهَا ثُمَّ تَحْبَلُ سَنَتَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا مِنْ حِينِ الْإِقْرَارِ. (قَوْلُهُ: لِاعْتِرَافِهَا بِالْبُلُوغِ) لِأَنَّ غَيْرَ الْبَالِغَةِ لَا تَحْبَلُ. (قَوْلُهُ: لِأَقَلَّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ سَنَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ كَبِيرَةً) أَيْ وَلَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّتْ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ الْآتِي، وَكَذَا الْمُقِرَّةُ بِمُضِيِّهَا إلَخْ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: أَمَّا " الصَّغِيرَةُ) أَيْ الَّتِي لَمْ تُقِرَّ بِالْحَبَلِ وَلَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَثْبُتُ إلَى سَنَتَيْنِ. وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّا فِي الْمُعْتَدَّةِ الصَّغِيرَةِ مِنْ الطَّلَاقِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: ثَبَتَ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ مُضِيِّ عِدَّةِ الْوَفَاةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) لِأَنَّهُ حَادِثٌ بَعْدَ مُضِيِّهَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَقَرَّ بِمُضِيِّهَا إلَخْ) يَعْنِي عَنْهُ مَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ الْمُقِرَّةِ، لَكِنَّهُ لَمَّا رَأَى الْمُصَنِّفَ قَيَّدَ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ بِالْكَبِيرَةِ دَفَعَ تَوَهُّمَ عَدَمِ دُخُولِ الصَّغِيرَةِ فِي كَلَامِهِ الْآتِي فَخَصَّهَا بِالذِّكْرِ هُنَا. وَبَقِيَ مَا لَوْ ادَّعَتْ الصَّغِيرَةُ الْحَبَلَ وَهِيَ كَالْكَبِيرَةِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَى سَنَتَيْنِ، لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ) أَيْ فَصَاعِدًا زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَثْبُتْ) لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْآيِسَةُ فَكَحَائِضٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا مِنْ حُكْمِ الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ تَبِعَ فِيهِ الزَّيْلَعِيَّ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ، وَكَذَا فِي الْبَحْرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 543 إلَّا الْحَامِلَ زَيْلَعِيٌّ. (وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا) مِنْ وَقْتِهِ (لَا) يَثْبُتُ بَدَائِعُ، وَلَوْ لَهُمَا فَكَالْأَكْثَرِ بَحْرٌ بَحْثًا (وَ) كَذَا (الْمُقِرَّةُ بِمُضِيِّهَا) لَوْ (لِأَقَلَّ مِنْ أَقَلِّ مُدَّتِهِ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ) وَلِأَقَلَّ مِنْ أَكْثَرِهَا مِنْ وَقْتِ الْبَتِّ لِلتَّيَقُّنِ بِكَذِبِهَا (وَإِلَّا لَا) يَثْبُتُ، لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ. (وَ) يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ (الْمُعْتَدَّةِ) بِمَوْتٍ، أَوْ طَلَاقٍ (إنْ جُحِدَتْ وِلَادَتُهَا   [رد المحتار] فِي مَسْأَلَةِ الْمُرَاهِقَةِ السَّابِقَةِ، لَكِنَّهُ خَالَفَ هُنَا فَقَالَ: وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ، أَوْ الْأَشْهُرِ لَكِنْ قَيَّدَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنْ تَكُونَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ. قَالَ: وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ، فَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً، أَوْ صَغِيرَةً فَحُكْمُهَا فِي الْوَفَاةِ مَا هُوَ حُكْمُهَا فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. اهـ. وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ ذَلِكَ فِي الْبَدَائِعِ. قُلْت: فَلَعَلَّهُ سَاقِطٌ مِنْ نُسْخَتِهِ فَقَدْ رَأَيْته فِيهَا. (قَوْلُهُ: إلَّا الْحَامِلَ) فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ لِلْمَوْتِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: مِنْ وَقْتِهِ) أَيْ الْمَوْتِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَهُمَا) أَيْ وَلَوْ وَلَدَتْهُ لِسَنَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: فَكَالْأَكْثَرِ) قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ فِي مُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ الْبَتِّ، لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْمُقِرَّةُ بِمُضِيِّهَا) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا - أَيْ مُطْلَقًا - سَوَاءٌ كَانَتْ مُعْتَدَّةَ بَائِنٌ أَوْ رَجْعِيٍّ، أَوْ وَفَاةٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الْمُطَلَّقَةِ الْآيِسَةِ إلَى سَنَتَيْنِ وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَائِهَا، وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ فَارْجِعْ إلَيْهِ بَحْرٌ. وَشَمِلَ الْإِطْلَاقُ الْمُرَاهِقَةَ أَيْضًا كَمَا فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ الشَّلَبِيِّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْكَنْزِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَوَّلِ الْفَصْلِ إلَى هُنَا قَبْلَ الِاعْتِرَافِ بِمُضِيِّهَا. (قَوْلُهُ: لَوْ لِأَقَلَّ مِنْ أَقَلِّ مُدَّتِهِ) أَيْ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَيْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. (قَوْلُهُ: وَلِأَقَلَّ مِنْ أَكْثَرِهَا) أَيْ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَيْ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ. فَإِنَّ الْأَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ وَلَوْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: لِلتَّيَقُّنِ بِكَذِبِهَا) اسْتَشْكَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِمَا إذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَائِهَا بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ مَثَلًا ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ فِي شَهْرَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ ثُمَّ أَقَرَّتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إقْرَارِهَا بِانْقِضَائِهَا أَنْ تَنْقَضِيَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. فَلَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهَا بِيَقِينٍ إلَّا إذَا قَالَتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي السَّاعَةَ ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَقَلِّ الْمُدَّةِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ اهـ. وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ: يَجِبُ حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَيْهِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ، وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ والشُّرُنبُلالِيَّة: لَا يُقَالُ: إنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْوَلَدِ فَيُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ نَظَرًا لِلْوَلَدِ. لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ عِنْدَ قِيَامِ الْعَقْدِ، أَمَّا بَعْدَ زَوَالِهِ أَصْلًا فَلَا، وَهُنَا لَمَّا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ زَالَ الْعَقْدُ أَصْلًا وَحَكَمَ الشَّرْعُ بِحِلِّهَا لِلْأَزْوَاجِ مَا لَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُ إقْرَارَهَا وَيُتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا. وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَثْبُتَ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ مَعَ أَنَّهُمْ أَطْبَقُوا عَلَى خِلَافِهِ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَلِدْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِتَمَامِهَا أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، أَوْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْهَا وَلِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْبَتِّ، وَقَوْلُهُ " لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ " قَاصِرٌ عَلَى الْأَوَّلِ، أَمَّا الْعِلَّةُ فِي الثَّانِي فَهِيَ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَمْكُثُ فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: بِمَوْتٍ، أَوْ طَلَاقٍ) أَيْ بَائِنٍ، أَوْ رَجْعِيٍّ وَبِهِ صَرَّحَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَعَلَيْهِ جَرَى قَاضِي خَانْ، وَقَيَّدَهُ السَّرَخْسِيُّ بِالْبَائِنِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَقُّ أَنَّهَا فِي الرَّجْعِيِّ، إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ اُحْتِيجَ إلَى الشَّهَادَةِ كَالْبَائِنِ وَإِنْ لِأَقَلَّ يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ اتِّفَاقًا لِقِيَامِ الْفِرَاشِ نَهْرٌ. وَعَلَيْهِ جَرَى الشَّارِحُ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ كَمَا تَكْفِي فِي مُعْتَدَّةِ رَجْعِيٍّ إلَخْ. فَيُحْمَلُ الطَّلَاقُ هُنَا عَلَى الْبَائِنِ لِيُوَافِقَ كَلَامَهُ الْآتِيَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: إنْ جُحِدَتْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَالْفَاعِلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 544 بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ) وَاكْتَفَيَا بِالْقَابِلَةِ، قِيلَ: وَبِرَجُلٍ (أَوْ حَبَلٍ ظَاهِرٍ) وَهَلْ تَكْفِي الشَّهَادَةُ بِكَوْنِهِ كَانَ ظَاهِرًا؟ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا نَعَمْ (أَوْ إقْرَارِ) الزَّوْجِ (بِهِ) بِالْحَبَلِ، وَلَوْ أُنْكِرَ تَعْيِينُهُ تَكْفِي شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ إجْمَاعًا كَمَا تَكْفِي فِي مُعْتَدَّةِ رَجْعِيٍّ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ.   [رد المحتار] الْوَرَثَةُ فِي الْمَوْتِ، وَالزَّوْجُ فِي الطَّلَاقِ ح. (قَوْلُهُ: بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيَثْبُتُ: أَيْ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. وَيُصَوَّرُ فِيمَا إذَا دَخَلَتْ الْمَرْأَةُ بِحَضْرَتِهِمْ بَيْتًا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهَا ثُمَّ خَرَجَتْ مَعَ الْوَلَدِ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ، وَفِيمَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدُوا النَّظَرَ بَلْ وَقَعَ اتِّفَاقًا، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا أُورِدَ مِنْ أَنَّ شَهَادَةَ الرِّجَالِ تَسْتَلْزِمُ فِسْقَهُمْ فَلَا تُقْبَلُ فَتْحٌ وَنَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَاكْتَفَيَا بِالْقَابِلَةِ) أَيْ إذَا كَانَتْ حُرَّةً مُسْلِمَةً عَدْلَةٌ كَمَا فِي النَّسَفِيِّ. (قَوْلُهُ: قِيلَ: وَبِرَجُلٍ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَعَبَّرَ بِقِيلَ تَبَعًا لِلْفَتْحِ وَغَيْرِهِ إشَارَةً إلَى ضَعْفِهِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَفِي الْخُلَاصَةِ يُقْبَلُ عَلَى أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ، كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى. اهـ. وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ شَهَادَةَ الرَّجُلِ أَقْوَى مِنْ شَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: أَوْ حَبَلٍ ظَاهِرٍ) ظُهُورُهُ بِأَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَمَا فِي السِّرَاجِ. وَقَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ: الْمُرَادُ بِظُهُورِهِ أَنْ تَكُونَ أَمَارَاتُ حَمْلِهَا بَالِغَةً مَبْلَغًا يُوجِبُ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِكَوْنِهَا حَامِلًا لِكُلِّ مَنْ شَاهَدَهَا اهـ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. وَمَشَى فِي النَّهْرِ عَلَى الثَّانِي حَيْثُ قَالَ: أَوْ حَبَلٍ ظَاهِرٍ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ اهـ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْحَبَلَ قَدْ يَثْبُتُ بِدُونِ وِلَادَةٍ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ. (قَوْلُهُ: وَهَلْ تَكْفِي الشَّهَادَةُ) أَيْ إذَا وَلَدَتْ وَجَحَدَ الزَّوْجُ الْوِلَادَةَ بِظُهُورِ الْحَبَلِ لِأَنَّ الْحَبَلَ وَقْتَ الْمُنَازَعَةِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا حَتَّى يَكْفِيَ ظُهُورُهُ بَحْرٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ إذَا كَانَ ظَاهِرًا يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَبَحَثَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ تَكْفِي الشَّهَادَةُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ ظَاهِرًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أُنْكِرَ تَعْيِينُهُ إلَخْ) بِبِنَاءِ " أُنْكِرَ " لِلْمَجْهُولِ فَيَشْمَلُ إنْكَارَ الزَّوْجِ وَإِنْكَارَ الْوَرَثَةِ. اهـ. ح يَعْنِي لَوْ اعْتَرَفَ بِوِلَادَتِهَا وَأَنْكَرَ تَعْيِينًا لِوَلَدٍ يَثْبُتُ تَعْيِينُهُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ إجْمَاعًا، وَلَا يَثْبُتُ بِدُونِهَا إجْمَاعًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ هَذَا الْمُعَيَّنِ بَحْرٌ. [تَنْبِيهٌ] لَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا اعْتَرَفَ بِالْحَبَلِ، أَوْ كَانَ ظَاهِرًا، أَوْ كَانَ الْفِرَاشُ قَائِمًا هَلْ يُحْتَاجُ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ إلَى شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ لِتَعْيِينِ الْوَلَدِ أَمْ لَا؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ لَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ، وَكَذَا فِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ وَأَنْكَرَ عَلَى صَاحِبِ مُلْتَقَى الْبِحَارِ اشْتِرَاطَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لَكِنْ رَدَّهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ سَهْوٌ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا لِتَعْيِينِ الْوَلَدِ إجْمَاعًا فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ، وَأَطَالَ فِيهِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ كَمَالٍ، وَمِثْلُهُ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا وَأَرَادَتْ إلْزَامَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ اهـ وَهُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الْهِدَايَةِ آخِرًا، وَكَذَا كَلَامُ الْكَافِي النَّسَفِيِّ وَالِاخْتِيَارِ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِمْ، وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: إنَّهُ بَعِيدٌ عَنْ التَّحْقِيقِ. وَرَدَّهُ أَيْضًا الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ لَا تَكُونُ حُجَّةً فِي تَعْيِينِ الْوَلَدِ إلَّا إذَا تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ مِنْ ظُهُورِ حَبَلٍ، أَوْ اعْتِرَافٍ مِنْهُ، أَوْ فِرَاشٍ قَائِمٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي مُلْتَقَى الْبِحَارِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي ثُبُوتِ نَفْسِ الْوِلَادَةِ بِقَوْلِهَا: فَعِنْدَهُ يَثْبُتُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ. وَعِنْدَهُمَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ، فَلَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِوِلَادَتِهَا يَقَعُ عِنْدَهُ بِقَوْلِهَا وَلَدَتْ لِاعْتِرَافِهِ بِالْحَبَلِ، أَوْ لِظُهُورِهِ. وَعِنْدَهُمَا لَا يُقْبَلُ حَتَّى تَشْهَدَ الْقَابِلَةُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِيضَاحِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: كَمَا تَكْفِي إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ " أَوْ طَلَاقٍ " الشَّامِلِ لِلرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ؛ لِأَنَّ مُعْتَدَّةَ الرَّجْعِيِّ إذَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَمْ تَكُنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا يَكُونُ ذَلِكَ رَجْعَةً أَفَادَهُ ح أَيْ رَجْعَةً بِالْوَطْءِ السَّابِقِ فَتَكُونُ قَدْ وَلَدَتْ وَالنِّكَاحُ قَائِمٌ، فَلَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُ الْوِلَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ إذَا أَنْكَرَهَا بَلْ يَكْفِي شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ لِقِيَامِ الْفِرَاشِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 545 لَا لِأَقَلَّ (أَوْ تَصْدِيقِ) بَعْضِ (الْوَرَثَةِ) فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّينَ (وَ) إنَّمَا (يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ) حَتَّى النَّاسِ كَافَّةً (إنْ تَمَّ نِصَابُ الشَّهَادَةِ بِهِمْ) بِأَنْ شَهِدَ مَعَ الْمُقِرِّ رَجُلٌ آخَرُ، وَكَذَا لَوْ صَدَّقَ الْمُقِرَّ عَلَيْهِ الْوَرَثَةُ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّصْدِيقِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَلَا يَنْفَعُ الرُّجُوعُ (وَإِلَّا) يَتِمَّ نِصَابُهَا (لَا) يُشَارِكُ الْمُكَذِّبِينَ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَمَجْلِسُ الْحُكْمِ؟ الْأَصَحُّ لَا، نَظَرًا لِشِبْهِ الْإِقْرَارِ، وَشَرَطُوا الْعَدَدَ نَظَرًا لِشِبْهِ الشَّهَادَةِ. وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ مَا يُفِيدُ اشْتِرَاطَ الْعَدَالَةِ، ثُمَّ قَالَ: فَقَوْلُ شَيْخِنَا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُشْتَرَطَ الْعَدَالَةُ مِمَّا لَا يَنْبَغِي. قُلْت: وَفِيهِ أَنَّهُ كَيْفَ تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي الْمُقِرِّ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ لِأَجْلِ السِّرَايَةِ فَتَأَمَّلْ، وَلْيُرَاجَعْ.   [رد المحتار] فَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِالْفِرَاشِ، وَتَعْيِينُ الْوِلَادَةِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي وِلَادَةِ الْمَنْكُوحَةِ. (قَوْلُهُ: لَا لِأَقَلَّ) أَيْ لَا تَكْفِي شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَلَمْ تَبْقَ زَوْجَةً، وَالْوِلَادَةُ لِتَمَامِ السَّنَتَيْنِ كَذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى ح. (قَوْلُهُ: أَوْ تَصْدِيقِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ) الْمُرَادُ بِالْبَعْضِ مَنْ لَا يَتِمُّ بِهِ نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْعَدْلُ، أَوْ الْأَكْثَرُ مَعَ عَدَمِ الْعَدَالَةِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ مُقَابِلِهِ ح. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ لَوْ ادَّعَتْ مُعْتَدَّةُ الْوَفَاةِ الْوِلَادَةَ فَصَدَّقَهَا الْوَرَثَةُ وَلَمْ يَشْهَدْ بِهَا أَحَدٌ فَهُوَ ابْنُ الْمَيِّتِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الْإِرْثَ خَالِصُ حَقِّهِمْ فَيُقْبَلُ تَصْدِيقُهُمْ فِيهِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّينَ) الْأَوْلَى فِي حَقِّ مَنْ أَقَرَّ لِيَشْمَلَ الْوَاحِدَ وَلِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا جَمَاعَةً ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ أَيْضًا، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانُوا غَيْرَ عُدُولٍ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ) أَيْ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُصَدِّقْ. (قَوْلُهُ: حَتَّى النَّاسِ كَافَّةً) فَإِذَا ادَّعَى هَذَا الْوَلَدُ دَيْنًا لِلْمَيِّتِ عَلَى رَجُلٍ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى إثْبَاتِ نَسَبِهِ ثَانِيًا. (قَوْلُهُ: إنْ تَمَّ نِصَابُ الشَّهَادَةِ بِهِمْ) أَيْ بِالْمُقِرِّينَ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ شَهِدَ مَعَ الْمُقِرِّ رَجُلٌ آخَرُ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي تَمَامِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُمْ وَرَثَةً، لَكِنْ إذَا كَانَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ أَجْنَبِيًّا لَا بُدَّ مِنْ شُرُوطِ الشَّهَادَةِ مِنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَالْخُصُومَةِ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ؛ إذْ هُمْ شُهُودٌ مَحْضٌ لَيْسُوا بِمُقِرِّينَ بِوَجْهٍ رَحْمَتِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ صَدَّقَ الْمُقِرَّ عَلَيْهِ الْوَرَثَةُ إلَخْ) كَذَا فِي أَغْلَبِ النُّسَخِ، فَالْمُقِرُّ اسْمُ فَاعِلٍ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ " صَدَّقَ "، وَعَلَيْهِ مُتَعَلِّقٌ بِ صَدَّقَ: أَيْ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَ " الْوَرَثَةُ " بِالرَّفْعِ فَاعِلُ " صَدَّقَ ". وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: لَوْ صَدَّقَهُ عَلَيْهِ الْوَرَثَةُ. وَفِي بَعْضِهَا: لَوْ صَدَّقَ الْمُقِرَّ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ إلَخْ، وَهُمَا أَحْسَنُ مِنْ النُّسْخَةِ الْأُولَى. (قَوْلُهُ: وَهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّصْدِيقِ) الْمُنَاسِبُ: وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: أَمَّا فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ الْمَيِّتِ لِيَظْهَرَ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً، قَالُوا: إذَا كَانَ الْوَرَثَةُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ بِأَنْ يَكُونُوا ذُكُورًا مَعَ إنَاثٍ وَهُمْ عُدُولٌ ثَبَتَ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ، فَيُشَارِكُ الْمُقِرِّينَ مِنْهُمْ وَالْمُنْكِرِينَ، وَيُطَالِبُ غَرِيمَ الْمَيِّتِ بِدَيْنِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا يَتِمَّ نِصَابُهَا) بِأَنْ كَانَ الْمُصَدِّقُ رَجُلًا وَامْرَأَةً مَثَلًا، وَكَذَا لَوْ كَانَا رَجُلَيْنِ غَيْرَ عَدْلَيْنِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْفَتْحِ الْمَذْكُورَةِ وَمِمَّا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: لَا يُشَارِكُ الْمُكَذِّبِينَ) الْمُنَاسِبُ لِعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فَلَا يُشَارِكُ الْمُكَذِّبِينَ. (قَوْلُهُ: الْأَصَحُّ لَا) هَذَا إذَا كَانَ الشُّهُودُ وَرَثَةً، فَلَوْ فِيهِمْ غَيْرُ وَارِثٍ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ الشَّهَادَةِ وَمَجْلِسِ الْحُكْمِ وَالْخُصُومَةِ لِعَدَمِ شُبْهَةِ الْإِقْرَارِ فِي حَقِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ رَحْمَتِيٌّ، وَالْمُرَادُ مَا إذَا لَمْ يَتِمَّ النِّصَابُ مِنْ الْوَرَثَةِ، إذْ لَوْ تَمَّ بِهِمْ لَمْ يُنْظَرْ إلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمْ. (قَوْلُهُ: نَظَرًا لِشِبْهِ الْإِقْرَارِ) عَلَّلَهُ فِي الْفَتْحِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ الثُّبُوتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ تَبَعٌ لِلثُّبُوتِ فِي حَقِّهِمْ، وَلَا يُرَاعَى لِلتَّبَعِ شَرَائِطُهُ إلَّا إذَا ثَبَتَ أَصَالَةً. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَّا فِي حَقِّ الْمُقِرِّينَ مِنْهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَنْ الزَّيْلَعِيِّ) حَيْثُ قَالَ: وَيَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ أَيْضًا إذَا كَانُوا امِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، بِأَنْ كَانَ فِيهِمْ رَجُلَانِ عَدْلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عُدُولٌ فَيُشَارِكُ الْمُصَدِّقِينَ وَالْمُكَذِّبِينَ. اهـ. وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْفَتْحِ الْمَارُّ وَهُمْ عُدُولٌ، وَتَعْبِيرُهُ بِأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ. (قَوْلُهُ: فَقَوْلُ شَيْخِنَا) الشَّيْخِ زَيْنِ بْنِ نُجَيْمٍ صَاحِبِ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُقَالَ لِأَجْلِ السِّرَايَةِ) أَيْ لِأَجْلِ سِرَايَةِ ثُبُوتِ النَّسَبِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 546 (وَلَوْ وَلَدَتْ فَاخْتَلَفَا) فِي الْمُدَّةِ (فَقَالَتْ) الْمَرْأَةُ (نَكَحْتَنِي مُنْذُ نِصْفِ حَوْلٍ وَادَّعَى الْأَقَلَّ فَالْقَوْلُ لَهَا بِلَا يَمِينٍ) وَقَالَا تُحَلَّفُ وَبِهِ يُفْتَى كَمَا سَيَجِيءُ فِي الدَّعْوَى (وَهُوَ) أَيْ الْوَلَدُ (ابْنُهُ) بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ لَهَا بِالْوِلَادَةِ مِنْ نِكَاحٍ حَمْلًا لَهَا عَلَى الصَّلَاحِ. (قَالَ: إنْ نَكَحْتُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَنَكَحَهَا فَوَلَدَتْ لِنِصْفِ حَوْلٍ مُنْذُ نَكَحَهَا لَزِمَهُ نَسَبُهُ) احْتِيَاطًا لِتَصَوُّرِ الْوَطْءِ حَالَةَ الْعَقْدِ؛ وَلَوْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْهُ لَمْ يَثْبُتْ، وَكَذَا لِأَكْثَرَ وَلَوْ بِيَوْمٍ، وَلَكِنْ بَحَثَ فِيهِ فِي الْفَتْحِ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ (وَ) لَزِمَهُ (مَهْرُهَا)   [رد المحتار] إلَى غَيْرِ الْمُقِرِّ، وَهَذَا الْجَوَابُ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّأَمُّلِ وَالْمُرَاجَعَةِ ح. (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَجِيءُ فِي الدَّعْوَى) أَيْ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا بِالتَّحْلِيفِ فِي الْمَسَائِلِ السِّتَّةِ. (قَوْلُهُ: بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ لَهَا إلَخْ) وَهُوَ لَهُ ظَاهِرٌ يَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا وَهُوَ إضَافَةُ الْحَادِثِ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ، لَكِنْ تَرَجَّحَ ظَاهِرُهَا بِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ نَهْرٌ وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِهَذَا النَّفْيِ فَتْحٌ. [تَنْبِيهٌ] : لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ وَلَا بَيِّنَةُ وَرَثَتِهِ عَلَى تَارِيخِ نِكَاحِهَا بِمَا يُطَابِقُ قَوْلَهُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ مَعْنًى فَلَا تُقْبَلُ وَالنَّسَبُ يُحْتَالُ لِإِثْبَاتِهِ مَهْمَا أَمْكَنَ وَالْإِمْكَانُ هُنَا بِسَبْقِ التَّزَوُّجِ بِهَا سِرًّا بِمَهْرٍ يَسِيرٍ وَجَهْرًا بِأَكْثَرَ سُمْعَةً وَيَقَعُ ذَلِكَ كَثِيرًا، وَهَذَا جَوَابِي لِحَادِثَةٍ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: فَوَلَدَتْ لِنِصْفِ حَوْلٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ نَسَبُهُ) لِأَنَّهَا فِرَاشُهُ لِأَنَّهَا لَمَّا وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ فَقَدْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، فَكَانَ الْعُلُوقُ قَبْلَهُ فِي حَالَةِ النِّكَاحِ وَالتَّصَوُّرُ ثَابِتٌ إلَخْ هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِتَصَوُّرِ الْوَطْءِ حَالَةَ الْعَقْدِ) بِأَنْ عَقَدَا بِأَنْفُسِهِمَا وَسَمِعَ الشُّهُودُ كَلَامَهُمَا وَهُوَ مُخَالِطٌ لَهَا فَوَافَقَ النِّكَاحُ الْإِنْزَالَ، أَوْ وَكَّلَا فِي الْعَقْدِ فِي لَيْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَوَطِئَهَا فِيهَا فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُقَارَنَةِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ تَقَدُّمُ الْعَقْدِ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّلَبِيِّ، أَوْ يَتَزَوَّجَهَا عِنْدَ الشُّهُودِ، وَالْعَاقِدُ مِنْ طَرَفِهَا فُضُولِيٌّ وَيَكُونَ تَمَامُ الْعَقْدِ بِرِضَاهَا حَالَ الْمُوَاقَعَةِ كَمَا فِي مُنْهَوَاتِ ابْنِ كَمَالٍ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الثُّبُوتَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْفِرَاشِ وَهُوَ يَثْبُتُ مُقَارِنًا لِلنِّكَاحِ الْمُقَارِنِ لِلْعُلُوقِ فَتَعْلَقُ وَهِيَ فِرَاشٌ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَثْبُتْ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ سَابِقًا عَلَى النِّكَاحِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لِأَكْثَرَ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا عَلِقَتْ بَعْدَهُ، لِأَنَّا حَكَمْنَا حِينَ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ بُطْلَانُ هَذَا الْحُكْمِ زَيْلَعِيٌّ. أَمَّا إذَا وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا غَيْرُ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِحَمْلِهَا بِثَابِتِ النَّسَبِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ أَيْ لِأَنَّهُ حُكِمَ بِعُلُوقِهَا وَقْتَ النِّكَاحِ قَبْلَ الطَّلَاقِ كَمَا عَلِمْت مِنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ، فَقَدْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا وَهِيَ حَامِلٌ، وَعَلَيْهِ فَهُوَ طَلَاقٌ بَعْدَ الدُّخُولِ فَتَعْتَدُّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ هَذَا الطَّلَاقَ رَجْعِيٌّ وَبِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْوَضْعِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِيَوْمٍ) أَيْ لَحْظَةٍ ح. (قَوْلُهُ: وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ: وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ مَنْعَهُمْ النَّسَبَ هُنَا فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ - وَهِيَ سَنَتَانِ - يُنَافِي الِاحْتِيَاطَ فِي إثْبَاتِهِ، وَالِاحْتِمَالُ الْمَذْكُورُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، فَإِنَّ الْعَادَةَ الْمُسْتَمِرَّةَ كَوْنُ الْحَمْلِ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَرُبَّمَا تَمْضِي دُهُورٌ وَلَمْ يُسْمَعْ فِيهَا بِوِلَادَةِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَكَانَ الظَّاهِرُ عَدَمَ حُدُوثِهِ، وَحُدُوثُهُ احْتِمَالٌ، فَأَيُّ احْتِيَاطٍ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ إذَا نَفَيْنَاهُ لِاحْتِمَالٍ ضَعِيفٍ يَقْتَضِي نَفْيَهُ وَتَرَكْنَا ظَاهِرًا يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ، وَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّ الِاحْتِمَالَيْنِ: أَبْعَدُ الِاحْتِمَالُ الَّذِي فَرَضُوهُ لِتَصَوُّرِ الْعُلُوقِ مِنْهُ لِثُبُوتِ النَّسَبِ وَهُوَ كَوْنُهُ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ يَطَؤُهَا وَوَافَقَ الْإِنْزَالُ الْعَقْدَ، أَوْ احْتِمَالُ كَوْنِ الْحَمْلِ إذَا زَادَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِيَوْمٍ يَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ اهـ ح. أَقُولُ: وَحَاصِلُهُ إلْحَاقُ الْوِلَادَةِ لِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ بِالْوِلَادَةِ لِنِصْفِهِ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِالْفَرْقِ، وَهُوَ أَنَّهُ فِي صُورَةِ النِّصْفِ كَانَ الْوَلَدُ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعَقْدِ يَقِينًا، فَإِذَا أَمْكَنَ حُدُوثُهُ مِنْ الْعَاقِدِ وَلَوْ بِوَجْهٍ بَعِيدٍ تَعَيَّنَ ارْتِكَابُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَ حُدُوثُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ، بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ وَلَوْ بِيَوْمٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يُتَيَقَّنْ بِوُجُودِهِ وَقْتَهُ حَتَّى يُرْتَكَبَ لَهُ الْوَجْهُ الْبَعِيدُ مَعَ حُكْمِ الشَّرْعِ عَلَيْهَا بِمَا يُنَافِي وُجُودَهُ وَهُوَ عَدَمُ الْعِدَّةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 547 بِجَعْلِهِ وَاطِئًا حُكْمًا وَلَا يَكُونُ بِهِ مُحْصَنًا نِهَايَةٌ. (عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا لَمْ تَطْلُقْ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ) بَلْ بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا مَرَّ. (وَلَوْ أَقَرَّ) الْمُعَلِّقُ (مَعَ ذَلِكَ بِالْحَبَلِ) أَوْ كَانَ ظَاهِرًا (طَلُقَتْ) بِالْوِلَادَةِ (بِلَا شَهَادَةٍ) لِإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ وَأَمَّا النَّسَبُ وَلَوَازِمُهُ كَأُمُومَةِ الْوَلَدِ فَلَا يَثْبُتُ بِدُونِ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ اتِّفَاقًا بَحْرٌ. (قَالَ لِأَمَتِهِ: إنْ كَانَ فِي بَطْنِكِ وَلَدٌ) أَوْ إنْ كَانَ بِهَا حَبَلٌ (فَهُوَ مِنِّي فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ) ظَاهِرُهُ يَعُمُّ غَيْرَ الْقَابِلَةِ.   [رد المحتار] وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ الِاحْتِمَالَ الْبَعِيدَ الْمُخَالِفَ لِلْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، لَكِنْ إذَا زَادَ عَلَيْهَا بِيَوْمٍ مَثَلًا اُحْتُمِلَ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ، وَقَدْ عَارَضَ احْتِمَالُ الْوُجُودِ الْحُكْمَ عَلَيْهَا بِعَدَمِ الْعِدَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَزِدْ لِلتَّيَقُّنِ بِوُجُودِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ مَعَ فَقْدِ الْمُعَارِضِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ. (قَوْلُهُ: بِجَعْلِهِ وَاطِئًا) لِأَنَّهُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ جُعِلَ وَاطِئًا حُكْمًا، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَكَانَ يَنْبَغِي وُجُوبُ مَهْرَيْنِ؛ مَهْرٍ بِالْوَطْءِ، وَمَهْرٍ بِالنِّكَاحِ؛ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً حَالَ وَطْئِهَا، وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِمَنْعِ الْفَرْعِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَأَنَّهُ مُشْكِلٌ لِمُخَالَفَتِهِ صَرِيحَ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْأَصَحَّ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ إمْكَانُ الدُّخُولِ وَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِتَزَوُّجِهَا حَالَ وَطْئِهَا الْمُبْتَدَأِ بِهِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ، وَقَدْ حُكِمَ فِيهِ بِمَهْرٍ وَاحِدٍ فِي صَرِيحِ الرِّوَايَةِ، فَالْحُكْمُ بِمَهْرَيْنِ فِي الْفَرْعِ الْمُشَبَّهِ بِهِ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ. قُلْت: الْفَرْعُ مَنْقُولٌ، فَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْوَطْءَ فِي مَسْأَلَتِنَا يُمْكِنُ تَصَوُّرُهُ حَالَةَ التَّزَوُّجِ كَمَا مَرَّ تَصْوِيرُهُ عَنْ ابْنِ الشَّلَبِيِّ وَابْنِ كَمَالٍ، فَلَا يَلْزَمُ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ بِالدُّخُولِ الْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ بِخِلَافِ الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ الْعَقْدَ فِيهِ عَارِضٌ عَلَى الْوَطْءِ فَلِذَا وَجَبَ فِيهِ مَهْرَانِ. وَنَقَلَ ح عَنْ شَيْخِهِ فِي تَصْوِيرِ الْمُقَارَنَةِ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ قَالَ أَوَّلًا: تَزَوَّجْتُكِ ثُمَّ أَوْلَجَ وَأَمْنَى وَقَالَتْ: قَبِلْتُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَكَانَ الْوَطْءُ حَاصِلًا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ غَيْرَ مُتَقَدِّمٍ عَلَيْهِ وَلَا مُتَأَخِّرٍ عَنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ اهـ وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَقْرَبُ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَحْسَنَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ وَهُوَ أَنَّهُ جُعِلَ وَاطِئًا حُكْمًا ضَرُورَةَ ثُبُوتِ النَّسَبِ لَا حَقِيقَةً فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مُوجِبُ الْمَهْرَيْنِ فَوَجَبَ أَحَدُهُمَا بِخِلَافِ الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ بِهِ مُحْصَنًا) لِأَنَّهُ وَطْءٌ حُكْمِيٌّ كَمَا عَلِمْت، فَإِذَا زَنَى يُجْلَدُ وَلَا يُرْجَمُ. (قَوْلُهُ: لَمْ تَطْلُقْ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ) أَيْ عَلَى الْوِلَادَةِ إذَا أَنْكَرَهَا لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ ضَرُورِيَّةٌ فِي حَقِّ الْوِلَادَةِ فَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْهَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " إنْ جُحِدَتْ وِلَادَتُهَا إلَخْ ": وَاكْتَفَيَا بِالْقَابِلَةِ ط، وَقَدَّمْنَا تَقْيِيدَهَا بِكَوْنِهَا حُرَّةً مُسْلِمَةً عَدْلَةٌ. (قَوْلُهُ: مَعَ ذَلِكَ) أَيْ التَّعْلِيقِ ط. (قَوْلُهُ: بِلَا شَهَادَةٍ) أَيْ أَصْلًا. وَعِنْدَهُمَا تُشْتَرَطُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: لِإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ) أَيْ حُكْمًا لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْحَبَلِ إقْرَارٌ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا فَلِأَنَّ الطَّلَاقَ تَعَلَّقَ بِأَمْرٍ كَائِنٍ لَا مَحَالَةَ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا النَّسَبُ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ لَمْ تَطْلُقْ، يَعْنِي أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ، وَكَذَا مَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ كَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ لَوْ كَانَتْ الْمُعَلَّقُ طَلَاقُهَا أَمَةً، حَتَّى لَوْ مَلَكَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَكَثُبُوتِ اللِّعَانِ فِيمَا إذَا نَفَاهُ، وَوُجُوبِ الْحَدِّ بِنَفْيِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلِّعَانِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: أَوْ إنْ كَانَ بِهَا حَبَلٌ) أَيْ، أَوْ قَالَ: إنْ كَانَ بِهَا حَبَلٌ فَهُوَ مِنِّي فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بَحْرٌ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ " إنْ كَانَ " بِدُونِ عَطْفٍ، وَفِي بَعْضِهَا " وَكَانَ " بِدُونِ إنْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا تَحْرِيفٌ. (قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ إلَخْ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ أَخُوهُ فِي النَّهْرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَمَنْ عَبَّرَ بِالْقَابِلَةِ بَنَاهُ عَلَى الْأَغْلَبِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 548 (بِالْوِلَادَةِ، فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ) إجْمَاعًا (إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ مِنْ وَقْتِ مَقَالَتِهِ، وَإِنْ لِأَكْثَرَ مِنْهُ لَا) لِاحْتِمَالِ عُلُوقِهِ بَعْدَ مَقَالَتِهِ، قَيَّدَ بِالتَّعْلِيقِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذِهِ حَامِلٌ مِنِّي ثَبَتَ نَسَبُهُ إلَى سَنَتَيْنِ حَتَّى يَنْفِيَهُ غَايَةٌ. . (قَالَ لِغُلَامٍ: هُوَ ابْنِي وَمَاتَ) الْمُقِرُّ (فَقَالَتْ أُمُّهُ) الْمَعْرُوفَةُ بِحُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَالْإِسْلَامِ وَبِأَنَّهَا أُمُّ الْغُلَامِ (أَنَا امْرَأَتُهُ وَهُوَ ابْنُهُ تَرِثَانِهِ اسْتِحْسَانًا، فَإِنْ جُهِلَتْ حُرِّيَّتُهَا) أَوْ أُمُومَتُهَا لَمْ تَرِثْ، وَقَوْلُهُ (فَقَالَ وَارِثُهُ: أَنْتِ أُمُّ وَلَدِ أَبِي) قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ، إذْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا، أَوْ كَانَ صَغِيرًا كَمَا فِي الْبَحْرِ (أَوْ كُنْتِ نَصْرَانِيَّةً وَقْتَ مَوْتِهِ، وَلَمْ يُعْلَمْ إسْلَامُهَا) وَقْتَهُ (أَوْ قَالَ) وَارِثُهُ   [رد المحتار] قَوْلُهُ: فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ) لِأَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ النَّسَبِ - وَهُوَ الدَّعْوَةُ - قَدْ وُجِدَ مِنْ الْمَوْلَى بِقَوْلِهِ: فَهُوَ مِنِّي، وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ إلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ وَهُوَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ اتِّفَاقًا دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لِأَكْثَرَ مِنْهُ لَا) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ. وَزَادَ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَالدُّرَرِ: أَوْ لِتَمَامِهَا، وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حِينَئِذٍ عُلُوقُهُ بَعْدَ مَقَالَتِهِ لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا دُونَ نِصْفِ الْحَوْلِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُرَاجَعْ رَحْمَتِيٌّ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَنْفِيَهُ) هُوَ كَذَلِكَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. وَقَدْ يُقَالُ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَنْفِيَهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ رَحْمَتِيٌّ: قُلْت بَلْ لِي وَقْفَةٌ فِي ثُبُوتِ نَسَبِهِ لَوْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَرَأَيْت فِي النَّهْرِ مِنْ بَابِ الِاسْتِيلَادِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ مِنْ وَقْتِ الِاعْتِرَافِ، فَلَوْ لِأَكْثَرَ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ ثُمَّ نَقَلَهُ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: قَالَ لِغُلَامٍ) أَيْ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَلَمْ يَكُنْ مَعْرُوفَ النَّسَبِ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ ط. (قَوْلُهُ: الْمَعْرُوفَةُ بِحُرِّيَّةِ الْأَصْلِ) كَذَا عَبَّرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. وَذَكَرَ ابْنُ الشَّلَبِيِّ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْأَصْلِ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ يَكْفِي كَوْنُهَا حُرَّةً اهـ أَيْ لِأَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِحُرِّيَّةِ الْأَصْلِ كَوْنُ أَوْصَالِهَا أَحْرَارًا فَهُوَ غَيْرُ شَرْطٍ، وَكَذَا لَوْ أُرِيدَ بِهِ كَوْنُهَا حُرَّةً مِنْ حِينِ أَصْلِ خِلْقَتِهَا لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ الْعَارِضَةَ تَكْفِي، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْحُرِّيَّةَ الْعَارِضَةَ لَا تَكْفِي إلَّا إذَا كَانَتْ قَبْلَ وِلَادَةِ ذَلِكَ الْغُلَامِ بِسَنَتَيْنِ وَإِلَّا فَلَا لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا أَمَةً لَهُ وَاسْتَوْلَدَهَا، أَوْ لِغَيْرِهِ وَتَزَوَّجَهَا مِنْهُ ثُمَّ وَلَدَتْ هَذَا الْغُلَامَ وَأَقَرَّ بِهِ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْإِرْثِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عُلِمَتْ حُرِّيَّتُهَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ بِسَنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فَإِنَّهُ يُعْلَمُ كَوْنُهَا حُرَّةً وَقْتَ الْعُلُوقِ وَأَنَّهَا وَلَدَتْ بِالزَّوْجِيَّةِ كَمَا يَأْتِي، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. (قَوْلُهُ: وَهُوَ ابْنُهُ) لَمْ يَظْهَرُ لِي وَجْهُ التَّقْيِيدِ بِهِ فَإِنَّ الْبُنُوَّةَ ثَابِتَةٌ بِإِقْرَارِ الْمَيِّتِ تَأَمَّلْ. اهـ. ح. قُلْت: لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ: أَنَا امْرَأَتُهُ وَهَذَا ابْنِي مِنْ رَجُلٍ غَيْرِهِ تَكُونُ مُكَذِّبَةً لَهُ فِيمَا تَوَصَّلَتْ بِهِ إلَى إثْبَاتِ كَوْنِهَا امْرَأَتَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: هُوَ ابْنِي. (قَوْلُهُ: يَرِثَانِهِ) أَيْ هِيَ وَالْغُلَامُ. (قَوْلُهُ: اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا مِيرَاثَ لَهَا لِأَنَّ النَّسَبَ كَمَا يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَبِالْوَطْءِ عَنْ شُبْهَةٍ وَبِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ إقْرَارًا بِالنِّكَاحِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالْحُرِّيَّةِ وَبِكَوْنِهَا أُمَّ الْغُلَامِ، وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ لِذَلِكَ وَضْعًا وَعَادَةً لِأَنَّهُ الْمَوْضُوعُ لِحُصُولِ الْأَوْلَادِ دُونَ غَيْرِهِ، فَهُمَا احْتِمَالَانِ لَا يُعْتَبَرَانِ فِي مُقَابَلَةِ الظَّاهِرِ الْقَوِيِّ، كَذَا احْتِمَالُ كَوْنِهِ طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النِّكَاحُ وَجَبَ الْحُكْمُ بِقِيَامِهِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ زَوَالُهُ كَذَا فِي الْبَحْرِ ح. (قَوْلُهُ: فَإِنْ جُهِلَتْ حُرِّيَّتُهَا) أَيْ بِأَنْ لَمْ تُعْلَمْ أَصْلًا أَوْ عُلِمَ عُرُوضُهَا وَلَمْ تَتَحَقَّقْ وَقْتَ الْعُلُوقِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا. (قَوْلُهُ: أَوْ أُمُومَتُهَا) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِيَاءٍ وَتَاءٍ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ، لِأَنَّ الْمَصْدَرَ الْأُمُومَةُ قَالَ ط: وَالْمُنَاسِبُ زِيَادَةُ " أَوْ إسْلَامُهَا " لِيَكُونَ مُحْتَرَزَ الثَّالِثِ. (قَوْلُهُ: قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ) فَائِدَةُ ذِكْرِهِ أَنَّ لِلْوَارِثِ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ ح وَكَانَ يَنْبَغِي تَأْخِيرُ ذَلِكَ إلَى آخِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ صَغِيرًا) أَيْ الْوَارِثُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 549 (كَانَتْ زَوْجَةً لَهُ وَهِيَ أَمَةٌ لَا) تَرِثُ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ، وَهَلْ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ؟ قِيلَ: نَعَمْ. (زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ الْمَوْلَى يَثْبُتُ نَسَبُهُ) لِلُزُومِ فَسْخِ النِّكَاحِ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ (وَعَتَقَ) الْوَلَدُ (وَتَصِيرُ) الْأَمَةُ (أُمَّ وَلَدِهِ) لِإِقْرَارِهِ بِبُنُوَّتِهِ وَأُمُومَتِهَا. (وَلَدَتْ أَمَتُهُ الْمَوْطُوءَةُ لَهُ وَلَدًا تَوَقَّفَ ثُبُوتُ نَسَبِهِ عَلَى عَوْدَتِهِ) لِضَعْفِ فِرَاشِهَا (كَأَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ اسْتَوْلَدَهَا وَاحِدٌ) عِبَارَةُ الدُّرَرِ: اسْتَوْلَدَاهَا (ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِدُونِهَا) لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا كَأُمِّ وَلَدٍ كَاتَبَهَا مَوْلَاهَا وَسَيَجِيءُ فِي الِاسْتِيلَادِ أَنَّ الْفِرَاشَ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ وَقَدْ اكْتَفَوْا بِقِيَامِ الْفِرَاشِ بِلَا دُخُولٍ كَتَزَوُّجِ الْمَغْرِبِيِّ بِمَشْرِقِيَّةٍ بَيْنَهُمَا سَنَةٌ فَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا لِتَصَوُّرِهِ كَرَامَةً، أَوْ اسْتِخْدَامًا فَتْحٌ،   [رد المحتار] قَوْلُهُ: لَا تَرِثُ) لِأَنَّ ظُهُورَ الْحُرِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ الدَّارِ حُجَّةٌ فِي دَفْعِ الرِّقِّ لَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ هِدَايَةٌ، فَهِيَ كَالْمَفْقُودِ يُجْعَلُ حَيًّا فِي مَالِهِ حَتَّى لَا يَرِثَ غَيْرُهُ مِنْهُ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ حَتَّى لَا يَرِثَ مِنْ أَحَدٍ فَتْحٌ، وَكَذَا إسْلَامُهَا الْآنَ لَا يُثْبِتُ إسْلَامَهَا وَقْتَ مَوْتِهِ لِيَثْبُتَ لَهَا حَقُّ الْإِرْثِ. (قَوْلُهُ: قِيلَ: نَعَمْ) قَائِلُهُ التُّمُرْتَاشِيُّ، قَالَ: لِأَنَّهُمْ أَقَرُّوا بِالدُّخُولِ وَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهَا أُمَّ وَلَدٍ بِقَوْلِهِمْ اهـ. وَارْتَضَاهُ فِي النِّهَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَرَدَّهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الدُّخُولَ إنَّمَا يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ فِي غَيْرِ صُورَةِ النِّكَاحِ إذَا كَانَ الْوَطْءُ عَنْ شُبْهَةٍ وَلَمْ يَثْبُتْ النِّكَاحُ هُنَا وَالْأَصْلُ عَدَمُ الشُّبْهَةِ، فَبِأَيِّ دَلِيلٍ يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِمَا إذَا قَالَ: أَنْتِ أُمُّ وَلَدِ أَبِي أَمَّا لَوْ قَالَ: كُنْتِ نَصْرَانِيَّةً فَقَدْ أَقَرَّ بِالنِّكَاحِ وَكَذَا فِي قَوْلِهِ كَانَتْ زَوْجَةً وَهِيَ أَمَةٌ لَكِنَّ فِي هَذِهِ مُطَالَبَةَ الْمَهْرِ لِمَوْلَاهَا لَا لَهَا. (قَوْلُهُ: فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ) أَيْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ ثُبُوتُ نَسَبِهِ مِنْهُ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ لَوْ وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ الزَّوْجِ وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهَا حَامِلًا مِنْ زِنًا حَتَّى يَصِحَّ بَلْ يُحْتَمَلَ كَوْنُهُ مِنْ زَوْجٍ، أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ فَإِذَا فَسَدَ النِّكَاحُ هُنَا صَحَّتْ دَعْوَاهُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي حَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ نُوحٍ نَقْلَ ذَلِكَ عَنْ حَاشِيَةِ الدُّرَرِ لِلْوَانِيِّ وَعَنْ غَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ) يَعْنِي بَعْدَ تَمَامِهِ احْتِرَازًا عَنْ فَسْخِهِ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَبِالْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ. وَأَمَّا بِالرِّدَّةِ وَبِتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّمَامِ لَكِنَّهُ انْفِسَاخٌ لَا فَسْخٌ أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ: لِإِقْرَارِهِ بِبُنُوَّتِهِ وَأُمُومَتِهَا) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ فَالْأَوَّلُ عِلَّةٌ لِعِتْقِهِ وَالثَّانِي لِصَيْرُورَتِهَا أُمَّ وَلَدِهِ فَتَعْتِقُ بِمَوْتِهِ. (قَوْلُهُ: عِبَارَةُ الدُّرَرِ اسْتَوْلَدَاهَا) أَيْ بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ وَنَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ مَا هُنَا سَبْقُ قَلَمٍ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَوْلَدَهَا الشَّرِيكَانِ بِأَنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا تَبْقَى مُشْتَرَكَةً فَإِذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِلَا دَعْوَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا وَلَزِمَهُ لِشَرِيكِهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا وَنِصْفُ عُقْرِهَا وَصَارَتْ مُخْتَصَّةً بِهِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا فَلَا يَحْتَاجُ الْوَلَدُ الثَّانِي إلَى دَعْوَةٍ أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: كَأُمِّ وَلَدٍ كَاتَبَهَا مَوْلَاهَا) فَإِنَّهَا إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ مِنْ الْمَوْلَى إلَّا إذَا ادَّعَاهُ لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا عَلَيْهِ اهـ ح وَالتَّشْبِيهُ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ الثَّانِي إلَّا بِدَعْوَتِهِ فَحَالُ الْوَلَدِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ يُخَالِفُ قَبْلَهَا فَإِنَّهُ قَبْلَهَا يَثْبُتُ بِلَا دَعْوَةٍ ط. مَطْلَبٌ: الْفِرَاشُ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ) ؛ ضَعِيفٌ: وَهُوَ فِرَاشُ الْأَمَةِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِيهِ إلَّا بِالدَّعْوَةِ. وَمُتَوَسِّطٌ: وَهُوَ فِرَاشُ أُمِّ الْوَلَدِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِيهِ بِلَا دَعْوَةٍ، لَكِنَّهُ يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ. وَقَوِيٌّ: وَهُوَ فِرَاشُ الْمَنْكُوحَةِ وَمُعْتَدَّةِ الرَّجْعِيِّ فَإِنَّهُ فِيهِ لَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ. وَأَقْوَى: كَفِرَاشِ مُعْتَدَّةِ الْبَائِنِ، فَإِنَّ الْوَلَدَ لَا يَنْتَفِي فِيهِ أَصْلًا، لِأَنَّ نَفْيَهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى اللِّعَانِ وَشَرْطُ اللِّعَانِ الزَّوْجِيَّةُ ح. (قَوْلُهُ: بِلَا دُخُولٍ) الْمُرَادُ نَفْيُهُ ظَاهِرًا وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِهِ وَإِمْكَانِهِ وَلِذَا لَمْ يُثْبِتُوا النَّسَبَ مِنْ زَوْجَةِ الطِّفْلِ وَلَا مِمَّنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ عَلَى مَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 550 لَكِنْ فِي النَّهْرِ: الِاقْتِصَارُ عَلَى الثَّانِي أَوْلَى لِأَنَّ طَيَّ الْمَسَافَةِ لَيْسَ مِنْ الْكَرَامَةِ عِنْدَنَا. قُلْت: لَكِنْ فِي عَقَائِدِ التَّفْتَازَانِيُّ جَزَمَ بِالْأَوَّلِ تَبَعًا لِمُفْتِي الثَّقَلَيْنِ النَّسَفِيِّ، بَلْ سُئِلَ عَمَّا يُحْكَى أَنَّ الْكَعْبَةَ كَانَتْ تَزُورُ وَاحِدًا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ هَلْ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ؟ فَقَالَ: خَرْقُ الْعَادَةِ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَامَةِ لِأَهْلِ الْوِلَايَةِ جَائِزٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَلَا لَبْسَ بِالْمُعْجِزَةِ لِأَنَّهَا أَثَرُ دَعْوَى الرِّسَالَةِ وَبِادِّعَائِهَا يُكَفَّرُ فَوْرًا فَلَا كَرَامَةَ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مِنْ السِّيَرِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَمَنْ - لِوَلِيٍّ قَالَ طَيُّ مَسَافَةٍ يَجُوزُ - جَهُولٌ ثُمَّ بَعْضٌ يَكْفُرُ وَإِثْبَاتُهَا فِي كُلِّ مَا كَانَ خَارِقًا عَنْ النَّسَفِيِّ النَّجْمِ يُرْوَى وَيَنْصُرُ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي ثُبُوتِ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَالِاسْتِخْدَامَات. وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ: وَالْحَقُّ أَنَّ التَّصَوُّرَ شَرْطٌ، وَلِذَا لَوْ جَاءَتْ امْرَأَةُ الصَّبِيِّ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ، وَالتَّصَوُّرُ ثَابِتٌ فِي الْمَغْرِبِيَّةِ لِثُبُوتِ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَالِاسْتِخْدَامَات، فَيَكُونُ صَاحِبَ خُطْوَةٍ، أَوْ جِنِّيًّا. اهـ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ مِنْ الْكَرَامَةِ عِنْدَنَا) لِمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ أَنَّهُ سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزَّعْفَرَانِيُّ عَمَّا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ بِالْبَصْرَةِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَرُئِيَ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: كَانَ ابْنُ مُقَاتِلٍ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ اعْتِقَادَ ذَلِكَ كُفْرٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْكَرَامَاتِ بَلْ هُوَ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ، وَأَمَّا أَنَا فَأَسْتَجْهِلُهُ وَلَا أُطْلِقُ عَلَيْهِ الْكُفْرَ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي عَقَائِدِ التَّفْتَازَانِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْعَقَائِدِ النَّسَفِيَّةِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: جَزَمَ، وَكَذَا قَوْلُهُ: بِالْأَوَّلِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ إثْبَاتِ طَيِّ الْمَسَافَةِ كَرَامَةً، وَذَلِكَ أَنَّ التَّفْتَازَانِيُّ: قَالَ إنَّمَا الْعَجَبُ مِنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ حَيْثُ حَكَمَ بِالْكُفْرِ عَلَى مُعْتَقِدِ مَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ إلَخْ ثُمَّ قَالَ: وَالْإِنْصَافُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ حِينَ سُئِلَ عَنْ مَا يُحْكَى أَنَّ الْكَعْبَةَ كَانَتْ تَزُورُ وَاحِدًا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ هَلْ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ؟ فَقَالَ: نَقْضُ الْعَادَةِ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَامَةِ لِأَهْلِ الْوِلَايَةِ جَائِزٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ. اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشِّحْنَةِ: قُلْت: النَّسَفِيُّ هَذَا هُوَ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ عُمَرُ مُفْتِي الْإِنْسِ وَالْجِنِّ رَأْسُ الْأَوْلِيَاءِ فِي عَصْرِهِ. اهـ. وَعِبَارَةُ النَّسَفِيِّ فِي عَقَائِدِهِ: وَكَرَامَاتُ الْأَوْلِيَاءِ حَقٌّ، فَتَظْهَرُ الْكَرَامَةُ عَلَى طَرِيقِ نَقْضِ الْعَادَةِ لِلْوَلِيِّ، مِنْ قَطْعِ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ فِي الْمُدَّةِ الْقَلِيلَةِ، وَظُهُورِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَاللِّبَاسِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَالْمَشْيِ عَلَى الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ، وَكَلَامِ الْجَمَادِ وَالْعَجْمَاءِ، وَانْدِفَاعِ الْمُتَوَجِّهِ مِنْ الْبَلَاءِ، وَكِفَايَةِ الْمُهِمِّ مِنْ الْأَعْدَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَشْيَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بَلْ سُئِلَ) أَيْ النَّسَفِيُّ، وَقَوْلُهُ: فَقَالَ إلَخْ جَوَابٌ بِالْجَوَازِ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ، وَقَدَّمْنَا فِي بَحْثِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ عَنْ عُدَّةِ الْفَتَاوَى وَغَيْرِهَا: لَوْ ذَهَبَتْ الْكَعْبَةُ لِزِيَارَةِ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ فَالصَّلَاةُ إلَى هَوَائِهَا. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا لَبْسَ بِالْمُعْجِزَةِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ الْمُنْكِرِينَ الْكَرَامَاتِ لِلْأَوْلِيَاءِ، لِأَنَّهَا لَوْ ظَهَرَتْ لَاشْتَبَهَتْ بِالْمُعْجِزَةِ فَلَمْ يَتَمَيَّزْ النَّبِيُّ مِنْ غَيْرِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُعْجِزَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَدَّعِي الرِّسَالَةَ تَصْدِيقًا لِدَعْوَاهُ، وَالْوَلِيُّ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا لِنَبِيٍّ وَتَكُونَ كَرَامَتُهُ مُعْجِزَةً لِنَبِيِّهِ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ وَلِيًّا مَا لَمْ يَكُنْ مُحِقًّا فِي دِيَانَتِهِ وَاتِّبَاعِهِ لِنَبِيِّهِ؛ حَتَّى لَوْ ادَّعَى الِاسْتِقْلَالَ بِنَفْسِهِ وَعَدَمَ الْمُتَابَعَةِ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا بَلْ يَكُونُ كَافِرًا وَلَا تَظْهَرُ لَهُ كَرَامَةٌ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَمْرَ الْخَارِقَ لِلْعَادَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّبِيِّ مُعْجِزَةٌ، سَوَاءٌ ظَهَرَ مِنْ قِبَلِهِ، أَوْ مِنْ قِبَلِ آحَادِ أُمَّتِهِ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَلِيِّ كَرَامَةٌ لِخُلُوِّهِ عَنْ دَعْوَى النُّبُوَّةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْعَقَائِدِ وَشَرْحِهَا. (قَوْلُهُ: وَمَنْ لِوَلِيٍّ إلَخْ) مَنْ مَوْصُولٌ مُبْتَدَأٌ، وَقَالَ: صِلَتُهُ وَ " لِوَلِيٍّ " مُتَعَلِّقٌ بِيَجُوزُ وَ " طَيُّ " مُبْتَدَأٌ وَجُمْلَةُ " يَجُوزُ " خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ الْخَبَرِيَّةُ مَقُولُ الْقَوْلِ وَجَهُولٌ خَبَرُ " مَنْ "، وَالْقَوْلُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 551 أَيْ يُنْصَرُ هَذَا الْقَوْلُ بِنَصِّ مُحَمَّدٍ: إنَّا نُؤْمِنُ بِكَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ. (غَابَ عَنْ امْرَأَتِهِ فَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ وَوَلَدَتْ أَوْلَادًا) ثُمَّ جَاءَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ (فَالْأَوْلَادُ لِلثَّانِي عَلَى الْمَذْهَبِ) الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهَا. وَفِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمَنَارِ لِابْنِ الْحَنْبَلِيِّ. وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى إنْ احْتَمَلَهُ الْحَالُ، لَكِنْ فِي آخِرِ دَعْوَى الْجَمْعِ حَكَى أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ ثُمَّ أَفْتَى بِمَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ، وَعَلَّلَهُ ابْنُ مَالِكٍ بِأَنَّهُ الْمُسْتَفْرِشُ حَقِيقَةً، فَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ الْحَقِيقِيِّ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا وَتَمَامُهُ فِيهِ فَرَاجِعْهُ.   [رد المحتار] بِالتَّجْهِيلِ، أَوْ التَّكْفِيرِ هُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ. (قَوْلُهُ: أَيْ يُنْصَرُ هَذَا الْقَوْلُ إلَخْ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ وَقَعَ الْخِلَافُ عِنْدَنَا فِي مَسْأَلَةِ طَيِّ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ؛ فَمَشَايِخُ الْعِرَاقِ قَالُوا: لَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا مُعْجِزَةً، فَاعْتِقَادُهُ كَرَامَةً جَهْلٌ، أَوْ كُفْرٌ. وَمَشَايِخُ خُرَاسَانَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ أَثْبَتُوهُ كَرَامَةً، وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ سِوَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ هَذَا، وَلَمْ يُفَسِّرْ ذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ مَسْأَلَةَ تَزَوُّجِ الْمَغْرِبِيِّ بِمَشْرِقِيَّةٍ تُؤَيِّدُ الْجَوَازَ أَيْ فَإِنَّهَا نَصُّ الْمَذْهَبِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي ثُبُوتِ الْكَرَامَةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمُعْجِزَاتِ الْكِبَارِ وَالْمُعْتَمَدُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا إلَّا فِيمَا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ عَدَمُ إمْكَانِهِ كَالْإِتْيَانِ بِسُورَةٍ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي حَاشِيَةِ ح. (قَوْلُهُ: غَابَ عَنْ امْرَأَتِهِ إلَخْ) شَامِلٌ لِمَا إذَا بَلَغَهَا مَوْتُهُ أَوْ طَلَاقُهُ فَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ، وَلِمَا إذَا ادَّعَتْ ذَلِكَ ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ اهـ ح. (قَوْلُهُ: وَفِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمَنَارِ إلَخْ) قَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَنَارِ: لَكِنَّ الصَّحِيحَ مَا أَوْرَدَهُ الْجُرْجَانِيُّ أَنَّ الْأَوْلَادَ مِنْ الثَّانِي إنْ احْتَمَلَهُ الْحَالُ، وَأَنَّ الْإِمَامَ رَجَعَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي حَاشِيَةِ ابْنِ الْحَنْبَلِيِّ عَنْ [الْوَاقِعَاتِ وَالْأَسْرَارِ] وَنَقَلَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ اهـ وَاحْتِمَالُ الْحَالِ بِأَنْ تَلِدَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ. (قَوْلُهُ: حَكَى أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ) حَاصِلُ عِبَارَتِهِ مَعَ شَرْحِهِ لِابْنِ مَالِكٍ أَنَّ الْأَوْلَادَ لِلْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَوْ لَا، لِأَنَّ نِكَاحَ الْأُولَى صَحِيحٌ فَاعْتِبَارُهُ أَوْلَى. وَفِي رِوَايَةٍ لِلثَّانِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ الْحَقِيقِيِّ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلْأَوَّلِ إنْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ عَقْدِ الثَّانِي لِتَيَقُّنِ الْعُلُوقِ مِنْ الْأَوَّلِ، وَإِنْ لِأَكْثَرَ فَلِلثَّانِي. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلْأَوَّلِ إنْ كَانَ بَيْنَ وَطْءِ الثَّانِي وَالْوِلَادَةِ أَقَلُّ مِنْ سَنَتَيْنِ، فَلَوْ أَكْثَرَ مِنْهُمَا فَلِلثَّانِي لِتَيَقُّنِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ مَعَ احْتِمَالِ الْعُلُوقِ مِنْهُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ، وَإِنَّمَا وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْوَلَدِ إذْ الْمَرْأَةُ تُرَدُّ إلَى الْأَوَّلِ إجْمَاعًا. اهـ. قُلْت: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ يَكُونُ الْوَلَدُ لِلثَّانِي مُطْلَقًا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُ الْإِطْلَاقِ قَبْلَهُ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى التَّفْصِيلِ بَعْدَهُ، وَهَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَنْبَلِيِّ، وَهَذَا وَجْهُ الِاسْتِدْرَاكِ لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَقَدْ ذَكَرْنَا قَرِيبًا أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ لَوْ وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ زَوْجٍ وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ أَيْ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِ الْعُلُوقِ مِنْهُ وَفِيمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ لَهَا زَوْجًا غَيْرَهُ فَكَيْفَ إذَا ظَهَرَ زَوْجٌ غَيْرُهُ فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ ثُبُوتِهِ مِنْ الثَّانِي، وَلِهَذَا قَالَ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ: إنَّ هَذَا مُشْكِلٌ فِيمَا إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُذْ تَزَوَّجَهَا. اهـ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْإِطْلَاقَ غَيْرُ مُرَادٍ وَأَنَّ الصَّوَابَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَنْبَلِيِّ، وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ الْإِمَامِ الْمُفْتَى بِهَا هِيَ الَّتِي أَخَذَ بِهَا أَبُو يُوسُفَ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَجْمَعِ بِمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَنْبَلِيِّ، وَأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلِاسْتِدْرَاكِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 552 [فُرُوعٌ] : نَكَحَ أَمَةً فَطَلَّقَهَا فَشَرَاهَا فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ مُنْذُ شَرَاهَا لَزِمَهُ وَإِلَّا لَا، إلَّا الْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالْمُبَانَةَ بِثِنْتَيْنِ فَمُذْ طَلَّقَهَا، لَكِنْ فِي الثَّانِيَةِ يَثْبُتُ لِسَنَتَيْنِ فَأَقَلَّ.   [رد المحتار] عَلَيْهِ بِمَا فِي الْمَجْمَعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ نَكَحَ أَمَةً فَطَلَّقَهَا فَشَرَاهَا فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ مُنْذُ شَرَاهَا] (قَوْلُهُ: نَكَحَ أَمَةً إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: قَوْلُهُ: وَمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً فَطَلَّقَهَا: أَيْ بَعْدَ الدُّخُولِ وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ رَجْعِيَّةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ اشْتَرَاهَا لَزِمَهُ، وَقَيَّدَ بِبَعْدِ الدُّخُولِ وَبِوَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ تَجِيءَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ فَارَقَهَا لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ لَهَا، أَوْ بَعْدَهُ وَالطَّلَاقُ ثِنْتَانِ ثَبَتَ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، ثُمَّ إذَا كَانَتْ الْوَاحِدَةُ رَجْعِيَّةً فَهُوَ وَلَدُ الْمُعْتَدَّةِ فَيَلْزَمُهُ وَإِنْ جَاءَتْ لِعَشْرِ سِنِينَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَأَكْثَرَ بَعْدَ كَوْنِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الشِّرَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا ثَبَتَ إلَى أَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ، أَوْ تَمَامِ السَّنَتَيْنِ بَعْدَ كَوْنِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الشِّرَاءِ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْمُبَانَةَ بِالثِّنْتَيْنِ لَا اعْتِبَارَ فِيهِمَا لِوَقْتِ الشِّرَاءِ، بَلْ لِوَقْتِ الطَّلَاقِ، فَفِي الْأُولَى يُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ نَسَبِهِ وِلَادَتُهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ لِسَنَتَيْنِ فَأَقَلَّ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ رَجْعِيًّا يَثْبُتُ وَلَوْ لِعَشْرِ سِنِينَ بَعْدَ الطَّلَاقِ، أَوْ أَكْثَرَ وَلَوْ وَاحِدَةً بَائِنَةً، فَلَا بُدَّ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ، أَوْ أَقَلَّ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: فَطَلَّقَهَا) أَيْ بَعْدَ الدُّخُولِ طَلْقَةً وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ رَجْعِيَّةً بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ الْآتِي، وَالطَّلَاقُ غَيْرُ قَيْدٍ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهَا وَلَمْ يُطَلِّقْهَا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: فَشَرَاهَا) أَيْ مَلَكَهَا بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ أَيْ قَبْلَ أَنْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كَمَا مَرَّ لِأَنَّهُ مَعَ الْإِقْرَارِ يُشْتَرَطُ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ كَمَا مَرَّ لَا مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ كَمَا هُنَا نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ) لِأَنَّهُ وَلَدُ الْمُعْتَدَّةِ لِتَحَقُّقِ كَوْنِ الْعُلُوقِ سَابِقًا عَلَى الشِّرَاءِ وَوَلَدُهَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِلَا دَعْوَةٍ نَهْرٌ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ بَحْرٌ، لَكِنْ فِي الرَّجْعِيَّةِ: وَلَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْهَا لَا: أَيْ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ وَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ لِأَنَّهُ شَرَاهَا، وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْهُ، وَوَطْؤُهَا حَلَالٌ لَهُ، أَمَّا فِي الرَّجْعِيِّ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْبَائِنِ فَلِأَنَّ عِدَّتَهَا مِنْهُ لَا تُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ، فَإِذَا أَمْكَنَ عُلُوقُهُ فِي الْمِلْكِ أُسْنِدَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْحَادِثَ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ، وَوَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ دَعْوَةٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَائِنِ بَيْنُونَةً غَلِيظَةً فَإِنَّ شِرَاءَهَا لَا يُحِلُّهَا فَتَعَيَّنَ الْعُلُوقُ قَبْلَهُ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: إلَّا الْمُطَلَّقَةَ إلَخْ) لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ " فَطَلَّقَهَا " شَامِلًا لِمَا إذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَبَائِنَةٌ وَثِنْتَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَكَانَ الْحُكْمُ الْمُتَقَدِّمُ مُخْتَصًّا بِالْمُطَلَّقَةِ وَاحِدَةً بَعْدَ الدُّخُولِ رَجْعِيَّةً، أَوْ بَائِنَةً اسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّوَرَ الثَّلَاثَ، فَقَوْلُهُ " قَبْلَ الدُّخُولِ " شَامِلٌ لِلطَّلْقَةِ وَالطَّلْقَتَيْنِ وَالصُّورَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ: وَالْمُبَانَةَ لِثِنْتَيْنِ يَعْنِي بَعْدَ الدُّخُولِ. اهـ. ح فَافْهَمْ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِثِنْتَيْنِ لِأَنَّهَا أَمَةٌ وَبَيْنُونَتُهَا الْغَلِيظَةُ ثِنْتَانِ فَقَطْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ خَمْسٌ، لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يَكُونُ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلِذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى ثَلَاثَ صُوَرٍ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: فَمُذْ طَلَّقَهَا) أَيْ فَالْمُعْتَبَرُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ الْمُسْتَثْنَاةِ وَقْتُ الطَّلَاقِ، وَلَا اعْتِبَارَ فِيهَا لِوَقْتِ الشِّرَاءِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الثَّانِيَةِ) لَمَّا كَانَ قَضِيَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَنْ تَلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ مُذْ طَلَّقَهَا بَيَّنَ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَاحِدَةً، أَوْ ثِنْتَيْنِ، فَلَوْ وَلَدَتْ لِنِصْفِ حَوْلٍ، أَوْ أَكْثَرَ لَا يَلْزَمُهُ لِعَدَمِ الْعِدَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ. أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ ثِنْتَيْنِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ وَلَدُهَا لِسَنَتَيْنِ فَأَقَلَّ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ لِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ حُرْمَةً غَلِيظَةً حَتَّى تَنْكِحَ غَيْرَهُ فَلَا يُحِلُّهَا الشِّرَاءُ، فَتَعَذَّرَ الْعُلُوقُ فِيهِ وَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ قَبْلَهُ فَيَلْزَمُهُ لِسَنَتَيْنِ مُذْ طَلَّقَهَا لِجَوَازِ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الطَّلَاقِ لَا لِأَكْثَرَ لِتَيَقُّنِ عَدَمِهِ، لَكِنَّ ثُبُوتَهُ لِتَمَامِ السَّنَتَيْنِ مَبْنِيٌّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 553 وَفِي الرَّجْعِيِّ لِأَكْثَرَ مُطْلَقًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ مُنْذُ شِرَائِهَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ. وَلَوْ بَاعَهَا فَوَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ الْأَقَلِّ مُذْ بَاعَهَا فَادَّعَاهُ هَلْ يَفْتَقِرُ لِتَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي؟ قَوْلَانِ. مَاتَ عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ، أَوْ أَعْتَقَهَا وَوَلَدَتْ لِدُونِ سَنَتَيْنِ لَزِمَهُ وَلِأَكْثَرَ لَا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ؛ وَلَوْ تَزَوَّجَتْ فِي الْعِدَّةِ فَوَلَدَتْ لِسَنَتَيْنِ مِنْ عِتْقِهِ، أَوْ مَوْتِهِ وَلِنِصْفِ حَوْلٍ فَأَكْثَرَ مُنْذُ تَزَوَّجَتْ وَادَّعَيَاهُ مَعًا كَانَ لِلْمَوْلَى اتِّفَاقًا لِكَوْنِهَا مُعْتَدَّةً، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَتْ أُمُّ الْوَلَدِ بِلَا إذْنِهِ فَإِنَّهُ لِلزَّوْجِ اتِّفَاقًا. . وَلَوْ تَزَوَّجَتْ مُعْتَدَّةُ بَائِنٌ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مُذْ بَانَتْ وَلِأَقَلَّ مِنْ الْأَقَلِّ مُذْ تَزَوَّجَتْ فَالْوَلَدُ لِلْأَوَّلِ لِفَسَادِ نِكَاحِ الْآخَرِ، وَلَوْ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا مُذْ بَانَتْ وَلِنِصْفِ حَوْلٍ مُذْ تَزَوَّجَتْ فَالْوَلَدُ لِلثَّانِي، وَلَوْ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِهِ لَمْ يَلْزَمْ الْأَوَّلَ وَلَا الثَّانِيَ وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ.   [رد المحتار] عَلَى مَا زَعَمَ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّهُ الصَّوَابُ، وَهُوَ أَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَفِي الرَّجْعِيِّ لِأَكْثَرَ مُطْلَقًا) أَيْ يَثْبُتُ فِيهِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ بِلَا تَقْيِيدٍ لِذَلِكَ الْأَكْثَرِ بِمُدَّةٍ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ الرَّجْعِيِّ وَمَسْأَلَةِ الطَّلْقَةِ الْبَائِنَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْبَحْرِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُوهِمُ أَنَّ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ الْبَائِنَةُ بِثِنْتَيْنِ لِأَنَّ الْبَائِنَةَ الْوَاحِدَةَ لَا ذِكْرَ لَهَا هُنَا، فَلِذَا أُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُبَانَةَ بِثِنْتَيْنِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا وَقْتُ الشِّرَاءِ أَصْلًا كَمَا مَرَّ، لَكِنْ لَمَّا ذَكَرَ الشَّارِحُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ اخْتِصَاصَ وَقْتِ الشِّرَاءِ بِالْمُطَلَّقَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنَةً بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَهُ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَذَكَرَ هُنَا الرَّجْعِيَّ بَيَّنَ أَنَّ قَرِينَتَهُ الثَّانِيَةَ مِثْلُهُ، لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْخَفَاءِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ صَرَّحَ بِهِ أَوَّلًا فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْخَطَإِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ) لِأَنَّ الْعِتْقَ مَا زَادَهَا إلَّا بُعْدًا مِنْهُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ إلَى سَنَتَيْنِ بِلَا دَعْوَاهُ مُذْ شَرَاهَا لِأَنَّهُ بَطَلَ النِّكَاحُ بِالشِّرَاءِ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ، لَكِنَّهَا لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّهِ لِلْمِلْكِ وَبِالْعِتْقِ ظَهَرَتْ، وَحُكْمُ مُعْتَدَّةِ بَائِنٍ لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَائِهَا ذَلِكَ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: قَوْلَانِ) فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَفْتَقِرُ لِبُطْلَانِ النِّكَاحِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَةِ هُنَا لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَمْ تَظْهَرْ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ) لِأَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الدَّعْوَةِ، لَكِنَّهُ يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ فَهَلْ يَصِحُّ نَفْيُهُ هُنَا يُرَاجَعُ رَحْمَتِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلِأَكْثَرَ لَا) لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ تَمَامِ السَّنَتَيْنِ، وَتَقَدَّمَ حِكَايَةُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي مُعْتَدَّةِ الْبَتِّ، وَبَحَثَ الْبَحْرُ فِي مُعْتَدَّةِ الْمَوْتِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ، وَيَأْتِي قَرِيبًا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّمَامَ كَالْأَقَلِّ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ) أَيْ فِي صُورَةِ الْعِتْقِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَزَوَّجَتْ) أَيْ أُمُّ الْوَلَدِ. (قَوْلُهُ: وَادَّعَيَاهُ مَعًا) هَذَا ظَاهِرٌ فِي صُورَةِ الْعِتْقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي صُورَةِ الْمَوْتِ: ادَّعَاهُ وَرَثَتُهُ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَانَ لِلْمَوْلَى اتِّفَاقًا) كَذَا فِي عِدَّةِ الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ، فَقَدْ ثَبَتَ النَّسَبُ هُنَا بِالْوِلَادَةِ لِتَمَامِ السَّنَتَيْنِ فَكَانَ التَّمَامُ فِي حُكْمِ الْأَقَلِّ. (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهَا مُعْتَدَّةً) أَيْ مِنْ الْمَوْلَى وَنِكَاحُ الزَّوْجِ بَاطِلٌ، فَيَكُونُ الْوَلَدُ لِصَاحِبِ الْعِدَّةِ إذَا ادَّعَاهُ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَتْ) أَيْ فَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مُذْ تَزَوَّجَتْ فَادَّعَيَاهُ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لِلزَّوْجِ اتِّفَاقًا) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهَا لَمَّا لَزِمَهَا الْعِدَّةُ مِنْهُ لِلْوَطْءِ بِشُبْهَةِ الْعَقْدِ وَحَرُمَ عَلَى الْمَوْلَى وَطْؤُهَا لِذَلِكَ كَانَ إثْبَاتُهُ لِصَاحِبِ الْعِدَّةِ أَوْلَى لِأَنَّهُ الْمُسْتَفْرِشُ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا تَأَمَّلْ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ الْآنَ فِي أُمِّ وَلَدٍ لَمْ يُعْتِقْهَا مَوْلَاهَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: لِفَسَادِ نِكَاحِ الْآخَرِ) يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْفِرَاشِ الْحَقِيقِيِّ وَلَوْ فَاسِدًا، فَالْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِعَدَمِ إمْكَانِ جَعْلِهِ مِنْ الثَّانِي لِعَدَمِ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ رَحْمَتِيٌّ وَتَعْلِيلُ الشَّارِحِ لَمْ أَرَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: فَالْوَلَدُ لِلثَّانِي) لِإِمْكَانِهِ مَعَ تَعَذُّرِ كَوْنِهِ مِنْ الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِهِ) أَيْ مَعَ كَوْنِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مُذْ بَانَتْ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَلْزَمْ الْأَوَّلَ وَلَا الثَّانِيَ) لِأَنَّ النِّسَاءَ لَا يَلِدْنَ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَافِي الْحَاكِمِ. (قَوْلُهُ: وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ) أَيْ عِنْدَهُمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 554 وَلَوْ لِأَقَلَّ مِنْهُمَا وَلِنِصْفِهِ فَفِي عِدَّةِ الْبَحْرِ بَحْثًا أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ، لَكِنَّهُ نَقَلَ هُنَا عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لِلثَّانِي مُعَلِّلًا بِأَنَّ إقْدَامَهَا عَلَى التَّزَوُّجِ دَلِيلُ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا؛ حَتَّى لَوْ عَلِمَ بِالْعِدَّةِ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ وَوَلَدُهَا لِلْأَوَّلِ إنْ أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ مِنْهُ بِأَنْ تَلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مُذْ طَلَّقَ أَوْ مَاتَ. وَلَوْ نَكَحَ امْرَأَةً فَجَاءَتْ بِسِقْطٍ مُسْتَبِينِ الْخَلْقِ، فَإِنْ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَنَسَبُهُ لِلثَّانِي، وَإِنْ لِأَرْبَعَةٍ إلَّا يَوْمًا فَنَسَبُهُ لِلْأَوَّلِ وَفَسَدَ النِّكَاحُ الْكُلُّ مِنْ الْبَحْرِ. قُلْت: وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى: نَكَحَ كَافِرٌ مُسْلِمَةً فَوَلَدَتْ مِنْهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ وَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ بَاطِلٌ. بَابُ الْحَضَانَةِ: بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا: تَرْبِيَةُ الْوَلَدِ. (تَثْبُتُ لِلْأُمِّ) .   [رد المحتار] وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ مِنْ الثَّانِي كَانَ مِنْ الزِّنَا، وَنِكَاحُ الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا صَحِيحٌ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُهُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِمَا وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الزِّنَا لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ بِشُبْهَةٍ، وَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ زِنًا. فَفِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ: لَوْ وَلَدَتْ الْمَنْكُوحَةُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُذْ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لِأَنَّ الْعُلُوقَ سَابِقٌ عَلَى النِّكَاحِ، وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ، أَوْ بِشُبْهَةٍ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِأَقَلَّ مِنْهُمَا) أَيْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ وَلِنِصْفِهِ أَيْ لِنِصْفِ حَوْلٍ مِنْ وَقْتِ تَزَوُّجِ الثَّانِي فَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا جَعْلُهُ مِنْ الْأَوَّلِ، أَوْ مِنْ الثَّانِي. (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ نَقَلَ هُنَا) أَيْ فِي هَذَا الْبَابِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ أَيْ وَالنَّصُّ هُوَ الْمُتَّبَعُ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَى الْبَحْثِ مَعَهُ ط. (قَوْلُهُ: دَلِيلُ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَائِهَا. (قَوْلُهُ: إنْ أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ مِنْهُ) أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مُذْ بَانَتْ وَلِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُذْ تَزَوَّجَتْ فَهُوَ لِلثَّانِي كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَكَحَ امْرَأَةً) الْأَوْلَى نَكَحَهَا لِيَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى مُعْتَدَّةِ الْبَائِنِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ أَعَمَّ لَكِنْ لِيُوَافِقَ آخِرَ الْكَلَامِ. (قَوْلُهُ: فَنَسَبُهُ لِلثَّانِي) أَيْ وَجَازَ النِّكَاحُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: فَنَسَبُهُ لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّ الْخَلْقَ لَا يَسْتَبِينُ إلَّا فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَيَكُونُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً وَأَرْبَعِينَ عَلَقَةً وَأَرْبَعِينَ مُضْغَةً بَحْرٌ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَقَدَّمْنَا فِي الْعِدَّةِ كَلَامًا فِيهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ نِكَاحٌ بَاطِلٌ) أَيْ فَالْوَطْءُ فِيهِ زِنًا لَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ، بِخِلَافِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ وَطْءٌ بِشُبْهَةٍ فَيَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ وَلِذَا تَكُونُ بِالْفَاسِدِ فِرَاشًا لَا بِالْبَاطِلِ رَحْمَتِيٌّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْحَضَانَةِ] ِ لَمَّا ذَكَرَ ثُبُوتَ نَسَبِ الْوَلَدِ عَقِيبَ أَحْوَالِ الْمُعْتَدَّةِ ذَكَرَ مَنْ يَكُونُ عِنْدَهُ الْوَلَدُ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا) كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَالْبَحْرِ عَنْ الْمُغْرِبِ، لَكِنْ فِي الْقَامُوسِ: حَضَنَ الصَّبِيَّ حَضْنًا وَحِضَانَةً بِالْكَسْرِ جَعَلَهُ فِي حِضْنِهِ، أَوْ رَبَّاهُ كَاحْتَضَنَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَحَضَنَ فُلَانًا حَضْنًا وَحَضَانَةً بِفَتْحِهِمَا نَحَّاهُ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: تَرْبِيَةُ الْوَلَدِ) هَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ، أَمَّا الشَّرْعِيُّ فَهُوَ تَرْبِيَةُ الْوَلَدِ لِمَنْ لَهُ حَقُّ الْحَضَانَةِ كَمَا أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ. (قَوْلُهُ: تَثْبُتُ لِلْأُمِّ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَقَّ لَهَا وَقِيلَ: لِلْوَلَدِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ. مَطْلَبٌ: شُرُوطُ الْحَضَانَةِ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَيُشْتَرَطُ فِي الْحَاضِنَةِ أَنْ تَكُونَ حُرَّةً بَالِغَةً عَاقِلَةً أَمِينَةً قَادِرَةً، وَأَنْ تَخْلُوَ مِنْ زَوْجٍ أَجْنَبِيٍّ، وَكَذَا فِي الْحَاضِنِ الذَّكَرِ سِوَى الشَّرْطِ الْأَخِيرِ، هَذَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 555 النِّسْبِيَّةِ (وَلَوْ) كِتَابِيَّةً، أَوْ مَجُوسِيَّةً أَوْ (بَعْدَ الْفُرْقَةِ) (إلَّا أَنْ تَكُونَ مُرْتَدَّةً) فَحَتَّى تُسْلِمَ لِأَنَّهَا تُحْبَسُ (أَوْ فَاجِرَةً) فُجُورًا يَضِيعُ الْوَلَدُ بِهِ كَزِنًا وَغِنَاءٍ وَسَرِقَةٍ وَنِيَاحَةٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ بَحْثًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْعَمَلُ بِإِطْلَاقِهِمْ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْفَاسِقَةَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ لَا حَضَانَةَ لَهَا. وَفِي الْقُنْيَةِ: الْأُمُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ وَلَوْ سَيِّئَةَ السِّيرَةِ مَعْرُوفَةً بِالْفُجُورِ مَا لَمْ يَعْقِلْ ذَلِكَ (أَوْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ) .   [رد المحتار] قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ بَعْدَ قَوْلِهِ " حُرَّةً ": أَوْ مُكَاتَبَةً وَلَدَتْ فِي الْكِتَابَةِ وَأَنْ يَزِيدَ أَنْ تَكُونَ رَحِمًا مَحْرَمًا وَلَمْ تَكُنْ مُرْتَدَّةً وَلَمْ تُمْسِكْهُ فِي بَيْتِ الْمُبْغِضِ لِلْوَلَدِ وَلَمْ تَمْتَنِعْ عَنْ تَرْبِيَتِهِ مَجَّانًا عِنْدَ إعْسَارِ الْأَبِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهَا أَمِينَةً أَنْ لَا يَضِيعَ الْوَلَدُ عِنْدَهَا بِاشْتِغَالِهَا عَنْهُ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهَا كُلَّ وَقْتٍ وَأَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ الْمُرَاهِقَةَ لَهَا حَقُّ الْحَضَانَةِ، لِقَوْلِ الْعَيْنِيِّ: أَحْكَامُ الْمُرَاهِقِينَ أَحْكَامُ الْبَالِغِينَ فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ. قُلْت: لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا عِنْدَ ادِّعَاءِ الْبُلُوغِ وَإِلَّا فَهُوَ فِي حُكْمِ الْقَاصِرِ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ وَأَفْتَى بِهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا بَصِيرَةً؟ فَفِي الْأَشْبَاهِ فِي أَحْكَامِ الْأَعْمَى: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ ذَبْحِهِ وَصَيْدِهِ وَحَضَانَتِهِ وَرُؤْيَتِهِ لِمَا اشْتَرَاهُ بِالْوَصْفِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ ذَبْحُهُ. وَأَمَّا حَضَانَتُهُ فَإِنْ أَمْكَنَهُ حِفْظُ الْمَحْضُونِ كَانَ أَهْلًا وَإِلَّا فَلَا اهـ وَهُوَ بَحْثٌ وَجِيهٌ، وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِ الرَّمْلِيِّ " قَادِرَةً " كَمَا يُعْلَمُ مِنْهُ حُكْمُ مَا إذَا كَانَتْ مَرِيضَةً أَوْ كَبِيرَةً عَاجِزَةً. (قَوْلُهُ: النَّسَبِيَّةِ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْأُمِّ الرَّضَاعِيَّةِ فَلَا تَثْبُتُ لَهَا. اهـ. ح. وَكَذَا الْأُخْتُ رَضَاعًا وَنَحْوَهَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كِتَابِيَّةً، أَوْ مَجُوسِيَّةً) لِأَنَّ الشَّفَقَةَ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ. وَصُورَةُ الثَّانِيَةِ أَنْ يَكُونَا مَجُوسِيَّيْنِ تَرَافَعَا إلَيْنَا، أَوْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَحْدَهُ، وَسَيَأْتِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَعْقِلْ الْوَلَدُ دِينًا. (قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَ الْفُرْقَةِ) عَطْفٌ عَلَى مَدْخُولِ " لَوْ " إشَارَةً إلَى عَدَمِ اخْتِصَاصِ الْحَضَانَةِ بِمَا بَعْدَهَا، فَتَرْبِيَةُ الْوَلَدِ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ تُسَمَّى حَضَانَةً. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا تُحْبَسُ) أَيْ وَتُضْرَبُ فَلَا تَتَفَرَّغُ لِلْحَضَانَةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ بَحْثًا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْفِسْقِ فِي كَلَامِهِمْ هُنَا الزِّنَا الْمُقْتَضِيَ لِاشْتِغَالِ الْأُمِّ عَنْ الْوَلَدِ - بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ وَنَحْوِهِ - لَا مُطْلَقَهُ الصَّادِقَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ، لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الذِّمِّيَّةَ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ، فَالْفَاسِقَةُ الْمُسْلِمَةُ أَوْلَى. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَقُولُ فِي قَصْرِهِ عَلَى الزِّنَا قُصُورٌ، إذْ لَوْ كَانَتْ سَارِقَةً، أَوْ مُغَنِّيَةً، أَوْ نَائِحَةً فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ فِسْقٌ يَضِيعُ الْوَلَدُ بِهِ. اهـ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الْبَحْرِ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ " وَنَحْوِهِ " مَرْفُوعًا عَطْفًا عَلَى الزِّنَا. ثُمَّ رَأَيْت الْخَيْرَ الرَّمْلِيَّ أَجَابَ كَذَلِكَ. قَالَ ح: وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ صَالِحَةً كَثِيرَةَ الصَّلَاةِ قَدْ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا مَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى وَخَوْفُهُ حَتَّى شَغَلَاهَا عَنْ الْوَلَدِ وَلَزِمَ ضَيَاعُهُ اُنْتُزِعَ مِنْهَا وَلَمْ أَرَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) عِبَارَتُهُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عِبَارَةَ الْبَحْرِ: لَكِنْ عِنْدِي فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ نَظَرٌ لِأَنَّ الذِّمِّيَّةَ إنَّمَا تَفْعَلُ مَا تَفْعَلُ مِمَّا يُوجِبُ الْفِسْقَ عَلَى جِهَةِ اعْتِقَادِهِ دِينًا لَهَا فَكَيْفَ يُلْحَقُ بِهَا الْفَاسِقَةُ الْمُسْلِمَةُ، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ إجْرَاءُ كَلَامِ الْكَمَالِ وَغَيْرِهِ عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ أَنَّ الْفَاسِقَةَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ لَا حَضَانَةَ لَهُ. اهـ. وَبَعْد مَا عَلِمْت أَنَّ الْمَنَاطَ هُوَ الضِّيَاعُ حَقَّقْت أَنَّ بَحْثَ الْمُصَنِّفِ لَا حَاصِلَ لَهَا. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: وَفِي الْقُنْيَةِ إلَخْ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ نَقَلَهُ عَقِبَ عِبَارَتِهِ السَّابِقَةِ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَعْقِلْ ذَلِكَ) أَيْ مَا لَمْ يَعْقِلْ الْوَلَدُ حَالَهَا، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ تَقْيِيدُ الْفُجُورِ بِأَنْ لَا يَلْزَمَ مِنْهُ ضَيَاعُ الْوَلَدِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَفِي النَّهْرِ: مَا لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ، وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ أَيْ مَا لَمْ يَثْبُتْ فِعْلُهُ عَنْهَا وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا اهـ ح. وَفِيهِ أَنَّ قَوْلَ الْقُنْيَةِ " مَعْرُوفَةً بِالْفُجُورِ " يَقْتَضِي فِعْلَهَا لَهُ ط فَالْمُنَاسِبُ الْأَوَّلُ وَتَكُونُ الْفَاجِرَةُ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابِيَّةِ، فَإِنَّ الْوَلَدَ يَبْقَى عِنْدَهَا إلَى أَنْ يَعْقِلَ الْأَدْيَانَ كَمَا سَيَأْتِي خَوْفًا عَلَيْهِ مِنْ تَعَلُّمِهِ مِنْهَا مَا تَفْعَلُهُ فَكَذَا الْفَاجِرَةُ. وَقَدْ جَزَمَ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ مَا فِي النَّهْرِ تَصْحِيفٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 556 ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى بِأَنْ تَخْرُجَ كُلَّ وَقْتٍ وَتَتْرُكَ الْوَلَدَ ضَائِعًا (أَوْ) تَكُونَ (أَمَةً، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ، أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً وَلَدَتْ ذَلِكَ الْوَلَدَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ) لِاشْتِغَالِهِنَّ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى، لَكِنْ إنْ كَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا كُنَّ أَحَقَّ بِهِ لِأَنَّهُ لِلْمَوْلَى مُجْتَبًى (أَوْ مُتَزَوِّجَةً بِغَيْرِ مَحْرَمِ) الصَّغِيرِ (أَوْ أَبَتْ أَنْ تُرَبِّيَهُ مَجَّانًا وَ) الْحَالُ أَنَّ (الْأَبَ مُعْسِرٌ، وَالْعَمَّةَ تَقْبَلُ ذَلِكَ) أَيْ تَرْبِيَتَهُ مَجَّانًا وَلَا تَمْنَعُهُ عَنْ الْأُمِّ قِيلَ لِلْأُمِّ: إمَّا أَنْ تُمْسِكِيهِ مَجَّانًا أَوْ تَدْفَعِيهِ لِلْعَمَّةِ.   [رد المحتار] وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَاضِنَةَ إنْ كَانَتْ فَاسِقَةً فِسْقًا يَلْزَمُ مِنْهُ ضَيَاعُ الْوَلَدِ عِنْدَهَا سَقَطَ حَقُّهَا وَإِلَّا فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ إلَى أَنْ يَعْقِلَ فَيُنْزَعَ مِنْهَا كَالْكِتَابِيَّةِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ تَخْرُجَ كُلَّ وَقْتٍ إلَخْ) الْمُرَادُ كَثْرَةُ الْخُرُوجِ، لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى تَرْكِ الْوَلَدِ ضَائِعًا وَالْوَلَدُ فِي حُكْمِ الْأَمَانَةِ عِنْدَهَا، وَمُضَيِّعُ الْأَمَانَةِ لَا يُسْتَأْمَنُ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهَا لِمَعْصِيَةٍ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ بِمَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهَا؛ كَمَا لَوْ كَانَتْ قَابِلَةً، أَوْ غَاسِلَةً، أَوْ بَلَّانَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنْ كَانَتْ فَاسِقَةً أَوْ تَخْرُجُ كُلَّ وَقْتٍ إلَخْ فَعَطْفُهُ عَلَى الْفَاسِقَةِ يُفِيدُ مَا قُلْنَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: أَوْ أُمَّ وَلَدٍ) أَيْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، أَمَّا إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُطَلَّقَةِ الْحُرَّةِ كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ. (قَوْلُهُ: وَلَدَتْ ذَلِكَ الْوَلَدَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ) أَمَّا لَوْ بَعْدَهَا فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْكِتَابَةِ فَتْحٌ عَنْ التُّحْفَةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهَا بَعْدَ الْكِتَابَةِ لَا يَثْبُتُ لَهَا حَقٌّ فِي الْمَوْلُودِ قَبْلَهَا وَإِنْ لَمْ تَبْقَ مَشْغُولَةً بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي كِتَابَتِهَا، فَبَقِيَ قِنًّا مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَصَارَ كَوَلَدِ الْقِنَّةِ لَوْ أُعْتِقَتْ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُ الْكَنْزِ: وَلَا حَقَّ لِلْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ مَا لَمْ يَعْتِقَا. قَالَ فِي الدُّرَرِ: فَإِذَا عَتَقَا كَانَ لَهُمَا حَقُّ الْحَضَانَةِ فِي أَوْلَادِهِمَا الْأَحْرَارِ لِأَنَّهُمَا وَأَوْلَادَهُمَا أَحْرَارٌ حَالَ ثُبُوتِ الْحَقِّ اهـ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ إنْ كَانَ الْوَلَدُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْحَقَّ فِي حَضَانَةِ وَلَدِ الْأَمَةِ لِلْمَوْلَى، أَوْ لِغَيْرِهِ. وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ، فَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ رَقِيقًا فَمَوْلَاهُ أَحَقُّ بِهِ حُرًّا كَانَ أَبُوهُ، أَوْ عَبْدًا، وَكَذَا لَوْ عَتَقَتْ أُمُّهُ بَعْدَ وَضْعِهِ فَلَا حَقَّ لَهَا فِي حَضَانَتِهِ إنَّمَا الْحَقُّ لِلْمَوْلَى سَوَاءٌ كَانَتْ مَنْكُوحَةَ أَبِيهِ أَوْ فَارَقَهَا لِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ - أَيْ الصَّغِيرُ - حُرًّا فَالْحَضَانَةُ لِأَقْرِبَائِهِ الْأَحْرَارِ إنْ كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً، لَا لِمَوْلَاهَا وَلَا لِمَوْلَاهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ، وَإِنْ أُعْتِقَتْ كَانَتْ الْحَضَانَةُ لَهَا اهـ. (قَوْلُهُ: كَانَ أَحَقَّ بِهِ) قَالَ فِي الدُّرَرِ: وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ إنْ كَانَا فِي مِلْكِهِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْبَحْرِ، فَالْمُرَادُ بِالْأَحَقِّيَّةِ عَدَمُ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ الْحَقِّ لِلْمَوْلَى تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ مَحْرَمٍ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الرَّحِمِ فَلَوْ كَانَ مَحْرَمًا غَيْرَ رَحِمٍ كَالْعَمِّ رَضَاعًا، أَوْ رَحِمًا مِنْ النَّسَبِ مَحْرَمًا مِنْ الرَّضَاعِ كَابْنِ عَمِّهِ نَسَبًا هُوَ عَمُّهُ رَضَاعًا فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ. (قَوْلُهُ: وَالْحَالُ أَنَّ الْأَبَ مُعْسِرٌ) كَذَا قَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ. وَظَاهِرُهُ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ مَعَ يَسَارِهِ، لِأَنَّ الْمَفْهُومَ فِي التَّصَانِيفِ حُجَّةٌ يُعْمَلُ بِهِ رَمْلِيٌّ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: تَقْيِيدُ الدَّفْعِ لِلْعَمَّةِ بِيَسَارِهَا وَإِعْسَارِ الْأَبِ يُفِيدُ أَنَّ الْأَبَ الْمُوسِرَ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الْأُجْرَةِ لِلْأُمِّ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ اهـ. قُلْت: وَالْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْأُجْرَةِ أُجْرَةُ الْحَضَانَةِ كَمَا هُوَ مَفْهُومٌ مِنْ سِيَاقِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلْفَتْحِ وَالدُّرَرِ وَالْبَحْرِ خِلَافًا لِمَا فِي الْعَزْمِيَّةِ عَلَى الدُّرَرِ مِنْ أَنَّهَا أُجْرَةُ الرَّضَاعِ، وَالْمُرَادُ بِيَسَارِ الْعَمَّةِ قُدْرَتُهَا عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى الْوَلَدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، إذْ لَا وَجْهَ لِتَقْدِيرِهِ بِنِصَابٍ. (قَوْلُهُ: وَالْعَمَّةَ تَقْبَلُ ذَلِكَ) أَيْ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِمَّنْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَمَّةِ مُتَبَرِّعًا بِمِثْلِ الْعَمَّةِ، وَمَعَ ذَلِكَ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا تَكُونَ مُتَزَوِّجَةً بِغَيْرِ مَحْرَمٍ لِلصَّغِيرِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا تَمْنَعُهُ عَنْ الْأُمِّ) أَيْ عَنْ رُؤْيَتِهَا لَهُ وَتَعَهُّدِهَا إيَّاهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَدْفَعِيهِ لِلْعَمَّةِ) صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يُنْزَعُ مِنْ الْأُمِّ مَعَ أَنَّ الْأُمَّ لَوْ طَلَبَتْ أَجْرًا عَلَى الْإِرْضَاعِ وَوُجِدَتْ مُتَبَرِّعَةٌ بِهِ قُدِّمَتْ وَتُرْضِعُهُ عِنْدَ الْأُمِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَلَكِنَّ هَذَا إذَا بَقِيَتْ مُسْتَحِقَّةً لِلْحَضَانَةِ. وَفِي مَسْأَلَتِنَا سَقَطَ حَقُّهَا مِنْهَا فَلِذَا يُنْزَعُ مِنْهَا. وَمِثْلُهُ مَا لَوْ تَزَوَّجَتْ بِأَجْنَبِيٍّ وَصَارَتْ الْحَضَانَةُ لِغَيْرِهَا كَالْأُخْتِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 557 (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَهَلْ يَرْجِعُ الْعَمُّ وَالْعَمَّةُ عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ، قِيلَ: نَعَمْ مُجْتَبًى، وَالْعَمَّةُ لَيْسَتْ بِقَيْدٍ فِيمَا يَظْهَرُ. وَفِي الْمُنْيَةِ: تَزَوَّجَتْ أُمُّ صَغِيرٍ تُوُفِّيَ أَبُوهُ وَأَرَادَتْ تَرْبِيَتَهُ بِلَا نَفَقَةٍ مُقَدَّرَةٍ وَأَرَادَ وَصِيُّهُ تَرْبِيَتَهُ بِهَا دُفِعَ إلَيْهَا لَا إلَيْهِ إبْقَاءً لِمَالِهِ.   [رد المحتار] فَإِنَّهَا لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تُرَبِّيَهُ، أَوْ تُرْضِعَهُ عِنْدَ الْأُمِّ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ) لَمْ أَرَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا قَالُوا عَلَى الصَّحِيحِ وَهَذَا لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَصِّ الْمَذْهَبِ بَلْ يَحْتَمِلُ التَّخْرِيجَ تَأَمَّلْ، وَمُقَابِلُهُ مَا قِيلَ أَنَّ الْأُمَّ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: مُجْتَبًى) هُوَ شَرْحُ الزَّاهِدِيِّ عَلَى مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ، وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِي النَّفَقَاتِ وَهَلْ يَرْجِعُ الْعَمُّ، أَوْ الْعَمَّةُ عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى الصَّغِيرِ؟ ثُمَّ رَمَزَ لِبَعْضِ الْكُتُبِ: لَا يَرْجِعُ مَنْ يُؤَدِّي النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ وَلَا عَلَى الِابْنِ، بِخِلَافِ الْأُمِّ إذَا أَيْسَرَ زَوْجُهَا ثُمَّ رَمَزَ يَرْجِعُ، ثُمَّ رَمَزَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ اهـ وَهَذَا مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا وَوَجَبَتْ نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى عَمِّهِ، أَوْ عَمَّتِهِ، أَوْ أُمِّهِ، فَالْأُمُّ تَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ؛ وَفِي الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ، فَلَا مَحَلَّ لِذِكْرِ هَذَا هُنَا وَلَا لِذِكْرِ الْعَمِّ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعَمَّةِ إذَا أَخَذَتْهُ لِتَحْضُنَهُ مَجَّانًا، إذَا كَانَ لَهَا الرُّجُوعُ فَلَا فَائِدَةَ فِي أَخْذِهِ مِنْ الْأُمِّ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ أَنْ لَا تَرْجِعَ بِأُجْرَةِ الْحَضَانَةِ، وَأَمَّا النَّفَقَةُ عَلَى الْوَلَدِ إذَا لَمْ تَتَبَرَّعْ بِهَا فَهَلْ لَهَا الرُّجُوعُ بِهَا عَلَى الْأَبِ؟ قِيلَ: نَعَمْ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالْعَمَّةُ لَيْسَتْ بِقَيْدٍ إلَخْ) هُوَ بَحْثٌ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ الْآتِي. قَالَ: بَلْ كُلُّ حَاضِنَةٍ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهَا مِنْ قَرَابَةِ الْأُمِّ. وَقَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ كَالْعَمَّةِ إذَا كَانَتْ مُتَبَرِّعَةً. وَلَا تُقَاسُ عَلَى الْعَمَّةِ لِأَنَّهَا حَاضِنَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ كَثُرَ السُّؤَالُ عَنْهَا فِي زَمَانِنَا. وَظَاهِرُ الْمُتُونِ أَنَّ الْأُمَّ تَأْخُذُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَلَا تَكُونُ الْأَجْنَبِيَّةُ أَوْلَى. بِخِلَافِ الْعَمَّةِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ. اهـ. قُلْت: وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ بَعْدَ كَلَامٍ مَا نَصُّهُ: وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا - أَيْ الْأُمَّ - أَوْلَى مِنْ الْمَحْرَمِ وَإِنْ طَلَبَتْ أَجْرًا وَالْمَحْرَمُ لَمْ يَطْلُبْهُ. وَالْأَصَحُّ أَنْ يُقَالَ لَهَا: أَمْسِكِيهِ، أَوْ ادْفَعِيهِ إلَى الْمَحْرَمِ كَمَا فِي النَّظْمِ. اهـ. فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْعَمَّةَ غَيْرُ قَيْدٍ بَلْ مِثْلُهَا بَقِيَّةُ الْمَحَارِمِ، وَفِي أَنَّ غَيْرَ الْمَحْرَمِ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَفِي حَاشِيَةِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ عَلَى الْبَحْرِ أَنَّ هَذَا تَفَقُّهٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ: وَقَدْ سُئِلْت عَنْ صَغِيرَةٍ لَهَا أُمٌّ تَطْلُبُ زِيَادَةً عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ وَبِنْتُ ابْنِ عَمٍّ تُرِيدُ حَضَانَتَهَا مَجَّانًا، فَأَجَبْتُ بِأَنَّهَا تَدْفَعُ لِلْأُمِّ لَكِنْ بِأَجْرِ الْمِثْلِ فَقَطْ. لِأَنَّ تِلْكَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْحَضَانَةِ أَصْلًا فَلَا يُعْتَبَرُ تَبَرُّعُهَا، لِأَنَّ فِي دَفْعِ الصَّغِيرِ إلَيْهَا ضَرَرًا بِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ مَعَهُ الضَّرَرُ فِي الْمَالِ، لِأَنَّ حُرْمَتَهُ دُونَ حُرْمَتِهِ، وَلِذَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي نَحْوِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ عِنْدَ الْيَسَارِ فَلَا يُدْفَعُ إلَيْهِمَا. إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُوسِرِ فِي دَفْعِ الْأُجْرَةِ، وَبِهِ تَتَحَرَّرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَاغْتَنِمْهُ، فَقَدْ قَلَّ مَنْ تَفَطَّنَ لَهُ اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَبُ حَيًّا وَطَلَبَتْ الْأُمُّ النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ وَأَرَادَ الْأَبُ تَرْبِيَتَهُ عِنْدَهُ بِمَالِ نَفْسِهِ لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْأُمِّ مَعَ أَنَّ الْأَبَ أَشْفَقُ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ. نَعَمْ لَوْ كَانَ لِلْأَبِ أُمٌّ أَوْ أُخْتٌ عِنْدَهُ تَحْضُنُ الْوَلَدَ مَجَّانًا وَلَا يَرْضَى مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْهَا إلَّا بِأُجْرَةٍ فَلَهَا أَنْ تُرَبِّيَهُ عِنْدَ الْأَبِ وَهَذِهِ تَقَعُ كَثِيرًا لَكِنَّ هَذَا إذَا طَلَبَتْ الْأُمُّ أُجْرَةً عَلَى الْحَضَانَةِ فَلَوْ تَبَرَّعَتْ بِالْحَضَانَةِ وَطَلَبَتْ الْأُجْرَةَ عَلَى الْإِرْضَاعِ وَقَالَ الْأَبُ: إنَّ أُمِّي أَوْ أُخْتِي تُرْضِعُهُ مَجَّانًا تَكُونُ أَوْلَى، وَلَكِنْ يُقَالُ لَهَا: أَرْضِعِيهِ فِي بَيْتِ الْأُمِّ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ حَضَانَتَهَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: بِلَا نَفَقَةٍ) أَيْ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ الْمَوْرُوثِ لَهُ مِنْ أَبِيهِ فَتْحٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ نَفَقَةُ الصَّبِيِّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ أُجْرَةَ الْحَضَانَةِ كَذَلِكَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إبْقَاءً لِمَالِهِ) هَذَا تَعْلِيلٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ فِي الْمَنْحِ كَلَامَ الْمُنْيَةِ قَالَ: وَلَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ لِأَنَّ رِعَايَةَ الْمَصْلَحَةِ فِي إبْقَاءِ مَالِهِ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ عَدَمِ لُحُوقِ الضَّرَرِ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ لِكَوْنِهِ عِنْدَ الْأَجْنَبِيِّ. اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْأَجْنَبِيِّ زَوْجُ الْأُمِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْوَصِيَّ أَجْنَبِيٌّ كَزَوْجِ الْأُمِّ إذَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ رَحِمٌ مَحْرَمٌ مِنْهُ، فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى أَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 558 وَفِي الْحَاوِي: تَزَوَّجَتْ بِأَجْنَبِيٍّ وَطَلَبَتْ تَرْبِيَتَهُ بِنَفَقَةٍ وَالْتَزَمَهُ ابْنُ عَمِّهِ مَجَّانًا وَلَا حَاضِنَةَ لَهُ فَلَهُ ذَلِكَ. (وَلَا تُجْبَرُ) مَنْ لَهَا الْحَضَانَةُ (عَلَيْهَا إلَّا إذَا تَعَيَّنَتْ لَهَا) بِأَنْ لَمْ يَأْخُذْ ثَدْيَ غَيْرِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ وَلَا لِلصَّغِيرِ مَالٌ بِهِ يُفْتَى خَانِيَّةٌ وَسَيَجِيءُ فِي النَّفَقَةِ. وَإِذَا أَسْقَطَتْ الْأُمُّ حَقَّهَا صَارَتْ كَمَيِّتَةٍ، أَوْ مُتَزَوِّجَةٍ فَتَنْتَقِلُ لِلْجَدَّةِ بَحْرٌ. (وَلَا تَقْدِرُ الْحَاضِنَةُ عَلَى إبْطَالِ حَقِّ الصَّغِيرِ فِيهَا) حَتَّى لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ تَتْرُكَ وَلَدَهَا عِنْدَ التَّزَوُّجِ صَحَّ الْخُلْعُ.   [رد المحتار] فِي دَفْعِهِ لِلْأُمِّ مَصْلَحَةً زَائِدَةً وَهِيَ إبْقَاءُ مَالِهِ فَكَانَتْ أَوْلَى، بَلْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أُخْرَى وَهِيَ كَوْنُ الْأُمِّ أَشْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ الْوَصِيِّ وَهِيَ أَهْلٌ لِلْحَضَانَةِ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ. وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الرَّمْلِيِّ حَيْثُ لَمْ يَعْتَبِرْ الضَّرَرَ فِي الْمَالِ لِأَنَّ ذَاكَ عِنْدَ لُزُومِ دَفْعِهِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ الَّتِي لَا حَقَّ لَهَا فِي الْحَضَانَةِ أَصْلًا بِخِلَافِ مَا هُنَا، حَتَّى لَوْ طَلَبَتْ الْأُمُّ الْمُتَزَوِّجَةُ بِالْأَجْنَبِيِّ تَرْبِيَتَهُ بِنَفَقَةٍ مُقَدَّرَةٍ وَتَبَرَّعَ الْوَصِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهَا أَيْضًا عَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ الرَّمْلِيُّ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَبَرُّعُ الْوَصِيِّ تَأَمَّلْ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ مُتَبَرِّعٍ مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ كَالْعَمَّةِ، أَوْ الْخَالَةِ وَإِلَّا فَهِيَ أَحَقُّ مِنْ الْأُمِّ وَالْأَجْنَبِيِّ. [تَنْبِيهٌ] : وَقَعَتْ حَادِثَةُ الْفَتْوَى سُئِلْتُ عَنْهَا قَدِيمًا، وَهِيَ: صَغِيرٌ مَاتَتْ أُمُّهُ وَتَرَكَتْ لَهُ مَالًا وَلَهُ أَبٌ مُعْسِرٌ، وَجَدَّةٌ أُمُّ أُمٍّ، وَجَدَّةٌ أُمُّ أَبٍ مُتَزَوِّجَةٌ بِجَدِّهِ أَرَادَتْ أُمُّ أُمِّهِ تَرْبِيَتَهُ بِأَجْرٍ، وَأُمُّ أَبِيهِ تَرْضَى بِذَلِكَ مَجَّانًا. فَأَجَبْتُ بِأَنَّهُ يُدْفَعُ لِلْمُتَبَرِّعَةِ أَخْذًا مِمَّا هُنَا، فَإِنَّهُ إذَا دُفِعَ لِلْأُمِّ السَّاقِطَةِ الْحَضَانَةِ إبْقَاءً لِمَالِهِ مَعَ كَوْنِهَا تُرَبِّيهِ فِي حِجْرِ زَوْجِهَا الْأَجْنَبِيِّ فَبِالْأَوْلَى دَفْعُهُ لِأُمِّ أَبِيهِ الْمُتَبَرِّعَةِ إبْقَاءً لِمَالِهِ مَعَ كَوْنِهِ فِي حِجْرِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ الشَّفُوقَيْنِ عَلَيْهِ، وَكُنْت جَمَعْت فِيهَا رِسَالَةً سَمَّيْتُهَا [الْإِبَانَةَ عَنْ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْحَضَانَةِ] وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَالْتَزَمَهُ ابْنُ عَمِّهِ مَجَّانًا) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَالْتَزَمَ ابْنُ الْعَمِّ أَنْ يُرَبِّيَهُ مَجَّانًا وَهِيَ أَظْهَرُ. (قَوْلُهُ: وَلَا حَاضِنَةَ لَهُ) أَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ حَاضِنَةٌ كَالْعَمَّةِ، أَوْ الْخَالَةِ فَهِيَ أَوْلَى مِنْ أُمِّهِ لِسُقُوطِ حَقِّهَا بِالتَّزَوُّجِ بِأَجْنَبِيٍّ وَمِنْ ابْنِ الْعَمِّ لِتَقَدُّمِهَا عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا أَوْلَى وَإِنْ طَلَبَتْ النَّفَقَةَ لِأَنَّهَا الْحَاضِنَةُ حَقِيقَةً. (قَوْلُهُ: فَلَهُ ذَلِكَ) أَيْ الِالْتِزَامُ الْمَفْهُومُ مِنْ الْتَزَمَهُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ ابْنَ الْعَمِّ لَهُ حَقُّ حَضَانَةِ الْغُلَامِ حَيْثُ لَا حَاضِنَةَ غَيْرُهُ، وَالْأُمَّ سَاقِطَةُ الْحَضَانَةِ هُنَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ طَلَبَ النَّفَقَةَ أَيْضًا لِأَنَّهُ هُوَ الْحَاضِنُ حَقِيقَةً، ثُمَّ رَأَيْت السَّائِحَانِيَّ كَتَبَ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَلَا تُجْبَرُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْحَضَانَةِ. وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: وَلَا تُجْبَرُ عَلَى الْإِرْضَاعِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ النَّفَقَةِ، حَيْثُ قَالَ: وَلَيْسَ عَلَى أُمِّهِ إرْضَاعُهُ إلَّا إذَا تَعَيَّنَتْ، وَبِهَذَا تَنْدَفِعُ الْمُنَافَاةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ وَلَا تَقْدِرُ الْحَاضِنَةُ إلَخْ فَإِنَّهُ بِمَعْنَى أَنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى الْحَضَانَةِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ كَمَا يَأْتِي، وَإِلَّا فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى قَوْلَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يَأْخُذْ إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ فِي مَقَامِ تَعَيُّنِهَا لِلْإِرْضَاعِ، فَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا صَوَّبْنَاهُ، وَقَوْلُهُ " وَسَيَجِيءُ فِي النَّفَقَةِ " مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَا أَيْضًا فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي سَيَجِيءُ هُنَاكَ. (قَوْلُهُ: فَتَنْتَقِلُ لِلْجَدَّةِ) أَيْ تَنْتَقِلُ الْحَضَانَةُ لِمَنْ يَلِي الْأُمَّ فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَالْجَدَّةِ إنْ كَانَتْ، وَإِلَّا فَلِمَنْ يَلِيهَا فِيمَا يَظْهَرُ، وَاسْتَظْهَرَ الرَّحْمَتِيُّ أَنَّ هَذَا الْإِسْقَاطَ لَا يَدُومُ فَلَهَا الرُّجُوعُ لِأَنَّ حَقَّهَا يَثْبُتُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَسْقُطُ الْكَائِنُ لَا الْمُسْتَقْبَلُ اهـ أَيْ فَهُوَ كَإِسْقَاطِهَا الْقَسْمَ لِضَرَّتِهَا، فَلَا يَرِدُ أَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ لِأَنَّ الْعَائِدَ غَيْرُ السَّاقِطِ، بِخِلَافِ إسْقَاطِ حَقِّ الشُّفْعَةِ. ثُمَّ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ: وَعَنْ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ: مَسْأَلَةٌ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَلَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ مِنْهُ وَأَسْقَطَتْ حَقَّهَا مِنْ الْحَضَانَةِ وَحَكَمَ بِذَلِكَ حَاكِمٌ فَهَلْ لَهَا الرُّجُوعُ بِأَخْذِ الْوَلَدِ؟ الْجَوَابُ: نَعَمْ لَهَا ذَلِكَ فَإِنَّ أَقْوَى الْحَقَّيْنِ فِي الْحَضَانَةِ لِلصَّغِيرِ، وَلَئِنْ أَسْقَطَتْ الزَّوْجَةُ حَقَّهَا فَلَا تَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِ حَقِّهِ أَبَدًا. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَلَا تَقْدِرُ الْحَاضِنَةُ إلَخْ) اُخْتُلِفَ فِي الْحَضَانَةِ، هَلْ هِيَ حَقُّ الْحَاضِنَةِ، أَوْ حَقُّ الْوَلَدِ؟ فَقِيلَ بِالْأَوَّلِ فَلَا تُجْبَرُ إذَا امْتَنَعَتْ وَرَجَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 559 وَبَطَلَ الشَّرْطُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْوَلَدِ، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُبْطِلَهُ بِالشَّرْطِ؛ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا أُجْبِرَتْ بِلَا خِلَافٍ فَتْحٌ، وَهَذَا يَعُمُّ مَا لَوْ وُجِدَ وَامْتَنَعَ مِنْ الْقَبُولِ بَحْرٌ، وَحِينَئِذٍ فَلَا أُجْرَةَ لَهَا جَوْهَرَةٌ. (تَسْتَحِقُّ) الْحَاضِنَةُ   [رد المحتار] وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقِيلَ بِالثَّانِي فَتُجْبَرُ، وَاخْتَارَهُ الْفُقَهَاءُ الثَّلَاثَةُ أَبُو اللَّيْثِ وَالْهِنْدُوَانِي وَخُوَاهَرْ زَادَهْ، وَأَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ بِمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ الَّذِي هُوَ جَمْعُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ مِنْ مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ الْمَذْكُورَةِ. قَالَ: فَأَفَادَ: أَيْ كَلَامُ الْحَاكِمِ أَنَّ قَوْلَ الْفُقَهَاءِ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَالتَّرْجِيحُ قَدْ اخْتَلَفَ، وَالْأَوْلَى الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِ الْفُقَهَاءِ الثَّلَاثَةِ، لَكِنْ قَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنْ لَا يَكُونَ لِلصَّغِيرِ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ، حِينَئِذٍ تُجْبَرُ الْأُمُّ كَيْ لَا يَضِيعَ الْوَلَدُ؛ أَمَّا لَوْ امْتَنَعَتْ الْأُمُّ وَكَانَ لَهُ جَدَّةٌ رَضِيَتْ بِإِمْسَاكِهِ دُفِعَ إلَيْهَا لِأَنَّ الْحَضَانَةَ كَانَتْ حَقًّا لِلْأُمِّ فَصَحَّ إسْقَاطُهَا حَقَّهَا، وَعُزِيَ هَذَا التَّفْصِيلُ لِلْفُقَهَاءِ الثَّلَاثَةِ. وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهَا لَمَّا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا بَقِيَ حَقُّ الْوَلَدِ، فَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتَةِ، أَوْ الْمُتَزَوِّجَةِ فَتَكُونُ الْجَدَّةُ أَوْلَى اهـ مَا فِي الْبَحْرِ مُلَخَّصًا قُلْت: وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْحَاضِنَةِ وَالْمَحْضُونِ حَقًّا فِي الْحَضَانَةِ، وَمِثْلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ؛ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ " إنَّهَا حَقُّ الْحَاضِنَةِ فَلَا تُجْبَرُ " مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ لَهَا، وَاقْتَصَرَ عَلَى أَنَّهَا حَقُّهَا لِأَنَّ الْمَحْضُونَ حِينَئِذٍ لَا يَضِيعُ حَقُّهُ لِوُجُودِ مَنْ يَحْضُنُهُ غَيْرُهَا، وَمَنْ قَالَ " إنَّهَا حَقُّ الْمَحْضُونِ فَتُجْبَرُ " مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَعَيَّنَتْ وَاقْتَصَرَ عَلَى أَنَّهَا حَقُّهُ لِعَدَمِ مَنْ يَحْضُنُهُ غَيْرُهَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا مَرَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ حَيْثُ عُزِيَ إلَى الْفُقَهَاءِ الثَّلَاثَةِ الْقَائِلِينَ بِالْجَبْرِ أَنَّهَا تُجْبَرُ عِنْدَهُمْ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا لَا إذَا وُجِدَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: فِي النَّهْرِ إنَّ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا أُجْبِرَتْ بِلَا خِلَافٍ، فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ عَلَى مَا عَلِمْت مِنْ التَّوْفِيقِ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ حِكَايَةُ الْقَوْلَيْنِ تُفِيدُ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا وُجِدَ غَيْرُهَا، وَلَكِنْ حَيْثُ أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ كَانَ أَوْلَى وَيَكُونُ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا، وَكَمْ لَهُ مِنْ نَظِيرٍ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ الْحَضَانَةَ وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ نَظَرًا لِلْخَبَرِ ط. (قَوْلُهُ: أُجْبِرَتْ بِلَا خِلَافٍ) وَلَوْ وُجِدَ غَيْرُهَا لَمْ تُجْبَرْ بِلَا خِلَافٍ أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّوْفِيقِ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا يَعُمُّ إلَخْ) أَيْ قَوْلُهُ " وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا " يَشْمَلُ عَدَمَ الْوُجُودِ حَقِيقَةً وَعَدَمَهُ حُكْمًا، بِأَنْ وُجِدَ غَيْرُهَا وَامْتَنَعَ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ هَكَذَا: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأُمَّ إذَا امْتَنَعَتْ وَعُرِضَ عَلَى مَنْ دُونَهَا مِنْ الْحَاضِنَاتِ فَامْتَنَعَتْ أُجْبِرَتْ الْأُمُّ لَا مَنْ دُونَهَا. (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا فَلَا أُجْرَةَ لَهَا لِأَنَّهَا قَامَتْ بِأَمْرٍ وَاجِبٍ عَلَيْهَا شَرْعًا ط. وَعِبَارَةُ الْجَوْهَرَةِ: إذَا كَانَ لَا يُوجَدُ سِوَاهَا تُجْبَرُ عَلَى إرْضَاعِهِ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الْهَلَاكِ وَعَلَيْهِ لَا أُجْرَةَ لَهَا. اهـ. فَكَلَامُ الْجَوْهَرَةِ فِي الرَّضَاعِ وَكَأَنَّ الشَّارِحَ قَاسَ الْحَضَانَةَ عَلَيْهِ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ بَحْثٌ مِنْهُ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ لَا أُجْرَةَ لَهَا. وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْهِنْدِيَّةِ وَغَيْرِهَا: لَوْ اُسْتُؤْجِرَ لَهُ مَنْ تَرْضِعُهُ شَهْرًا ثُمَّ مَضَى وَلَمْ يَأْخُذْ ثَدْيَ غَيْرِهَا تُجْبَرُ عَلَى إبْقَاءِ الْإِجَارَةِ، فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَإِلَّا لَقِيلَ تُجْبَرُ عَلَى الْإِرْضَاعِ مَجَّانًا. وَرَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيِّ قَالَ الْبُرْجَنْدِيُّ: تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْحَضَانَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ، وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ. وَفِي الْمَنْصُورِيَّةِ أَنَّ أُمَّ الصَّغِيرَةِ إذَا امْتَنَعَتْ عَنْ إمْسَاكِهَا وَلَا زَوْجَ لِلْأُمِّ تُجْبَرُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ. تُجْبَرُ وَيُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ الصَّغِيرَةِ، وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْأُجْرَةَ تُؤْخَذُ مَعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 560 (أُجْرَةَ الْحَضَانَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ مَنْكُوحَةً وَلَا مُعْتَدَّةً لِأَبِيهِ) وَهِيَ غَيْرُ أُجْرَةِ إرْضَاعِهِ وَنَفَقَتِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ، خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى. وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْبَاقَانِيِّ عَنْ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ: سُئِلَ أَبُو حَفْصٍ عَمَّنْ لَهَا إمْسَاكُ الْوَلَدِ وَلَيْسَ لَهَا مَسْكَنٌ مَعَ الْوَلَدِ؟ فَقَالَ: عَلَى الْأَبِ سُكْنَاهُمَا جَمِيعًا.   [رد المحتار] الْجَبْرِ اهـ وَيَأْتِي بَيَانُ وَجْهِهِ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ تَكُنْ مَنْكُوحَةً وَلَا مُعْتَدَّةً لِأَبِيهِ) هَذَا قَيْدٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْحَاضِنَةُ أُمًّا فَلَوْ كَانَتْ غَيْرَهَا فَالظَّاهِرُ اسْتِحْقَاقُهَا أُجْرَةَ الْحَضَانَةِ بِالْأَوْلَى، وَقَوْلُهُ: لِأَبِيهِ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ كَانَتْ فِي نِكَاحِ أَوْ عِدَّةِ رَجُلٍ غَيْرِ الْأَبِ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ عَلَيْهَا، لَكِنْ إذَا كَانَ النَّاكِحُ مَحْرَمًا لِلصَّغِيرِ وَإِلَّا فَلَا حَضَانَةَ لَهَا كَمَا مَرَّ هَذَا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ: وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ مَنْكُوحَةً وَلَا مُعْتَدَّةً لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُجُوبُ أُجْرَةِ الْحَضَانَةِ لَهَا إذَا كَانَتْ أَهْلًا، وَمَا ذُكِرَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ أَجْرِ الرَّضَاعِ لَهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا تُسْتَأْجَرُ لَهُ إذَا لَمْ تَكُنْ مَنْكُوحَةً، أَوْ مُعْتَدَّةً. اهـ. وَنَازَعَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمِنَحِ بِأَنَّ امْتِنَاعَ وُجُوبِ أَجْرِ الرَّضَاعِ لِلْمَنْكُوحَةِ وَمُعْتَدَّةِ الرَّجْعِيِّ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا دِيَانَةً وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْحَضَانَةِ، بَلْ دَعْوَى الْأَوْلَوِيَّةِ فِيهَا غَيْرُ بَعِيدٍ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ. قُلْت: عَلَى أَنَّك قَدْ عَلِمْتَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا أَنَّ الْأُجْرَةَ تُسْتَحَقُّ مَعَ وُجُودِ الْجَبْرِ فَلَا تُنَافِي الْوُجُوبَ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ نَفَقَةَ الصَّغِيرِ لَهَا وَجَبَتْ عَلَى أَبِيهِ لَوْ غَنِيًّا وَإِلَّا فَمِنْ مَالِ الصَّغِيرِ كَانَ مِنْ جُمْلَتِهَا الْإِنْفَاقُ عَلَى حَاضِنَتِهِ الَّتِي حَبَسَتْ نَفْسَهَا لِأَجْلِهِ عَنْ التَّزَوُّجِ، وَمِثْلُهَا أُجْرَةُ إرْضَاعِهِ، فَلَمْ تَكُنْ أُجْرَةً خَالِصَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى يُنَافِيَهَا الْوُجُوبُ بَلْ لَهَا شَبَهُ الْأُجْرَةِ وَشَبَهُ النَّفَقَةِ، فَإِذَا كَانَتْ مَنْكُوحَةً، أَوْ مُعْتَدَّةً لِأَبِيهِ لَمْ تَسْتَحِقَّ أُجْرَةً لَا عَلَى الْحَضَانَةِ وَلَا عَلَى الْإِرْضَاعِ لِوُجُوبِهِمَا عَلَيْهَا دِيَانَةً، النَّفَقَةُ ثَابِتَةٌ لَهَا بِدُونِهِمَا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّهَا عَمَلًا بِشَبَهِ الْأُجْرَةِ، وَعَنْ هَذَا كَانَ الْأَوْجَهُ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ مُعْتَدَّةِ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْكَنْزِ. وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ تَرْجِيحُهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الرَّضَاعِ أَنَّ فِي مُعْتَدَّةِ الْبَائِنِ رِوَايَتَيْنِ، وَآخَرُ دَلِيلَ عَدَمِ الْجَوَازِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا تَصْحِيحَ الْجَوَازِ، وَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي. (قَوْلُهُ: وَهِيَ غَيْرُ أُجْرَةِ إرْضَاعِهِ وَنَفَقَتِهِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ ثَلَاثَةٌ: أُجْرَةُ الرَّضَاعِ، وَأُجْرَةُ الْحَضَانَةِ، وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. (قَوْلُهُ: عَنْ السِّرَاجِيَّةِ) الْمُرَادُ بِهَا هُنَا فَتَاوَى سِرَاجِ الدِّينِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ فَإِنَّهُ فِي الْبَابِ الْآتِي عَزَا ذَلِكَ إلَيْهَا صَرِيحًا، فَلَا مَحَلَّ لِتَرْدِيدِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةَ الْمَشْهُورَةَ مَعَ قَوْلِهِ لَكِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِيهَا فَافْهَمْ، لَكِنَّ قَوْلَهُ إذَا لَمْ تَكُنْ مَنْكُوحَةً وَلَا مُعْتَدَّةً لِأَبِيهِ نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ وَلَمْ أَرَهُ فِيهَا، فَإِنَّ عِبَارَةَ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ: سُئِلَ هَلْ تَسْتَحِقُّ الْمُطَلَّقَةُ أُجْرَةً بِسَبَبِ حَضَانَةِ وَلَدِهَا خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ إرْضَاعٍ لَهُ؟ فَأَجَابَ: نَعَمْ تَسْتَحِقُّ أُجْرَةً عَلَى الْحَضَانَةِ، وَكَذَا إذَا احْتَاجَ إلَى خَادِمٍ يُلْزَمُ بِهِ اهـ وَأَفْتَى بِذَلِكَ أَيْضًا صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي فَتَاوَاهُ، وَكَذَا فِي الْخَيْرِيَّةِ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ الْعَمَّةِ وَالْخَالِ إنَّ الْأَبَ مُعْسِرٌ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ) حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ: لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ مَا فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى قَالَ: سُئِلَ قَاضِي الْقُضَاةِ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ عَنْ الْمَبْتُوتَةِ هَلْ لَهَا أُجْرَةُ الْحَضَانَةِ بَعْدَ فِطَامِ الْوَلَدِ؟ فَقَالَ لَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. قُلْت: يُمْكِنُ حَمْلُ الْمَبْتُوتَةِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ بَاتٍّ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْبَائِنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا، لَكِنَّ التَّقْيِيدَ بِمَا بَعْدَ فِطَامِ الْوَلَدِ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُهُ، وَلَعَلَّهُ لِكَوْنِهِ الْوَاقِعَ فِي حَادِثَةِ الْفَتْوَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 561 وَقَالَ نَجْمُ الْأَئِمَّةِ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السُّكْنَى فِي الْحَضَانَةِ، وَكَذَا إنْ احْتَاجَ الصَّغِيرُ إلَى خَادِمٍ يُلْزَمُ الْأَبُ بِهِ. وَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: مُؤْنَةُ الْحَضَانَةِ فِي مَالِ الْمَحْضُونِ لَوْ لَهُ وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَقَوَاعِدُنَا تَقْتَضِيهِ فَيُفْتَى بِهِ ثُمَّ حَرَّرَ أَنَّ الْحَضَانَةَ كَالرَّضَاعِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ الْأُمِّ بِأَنْ مَاتَتْ، أَوْ لَمْ تَقْبَلْ أَوْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي لُزُوم أُجْرَةِ مَسْكَنِ الْحَضَانَةِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ نَجْمُ الْأَئِمَّةِ: الْمُخْتَارُ أَنَّ عَلَيْهِ السُّكْنَى) فِي نَفَقَاتِ الْبَحْرِ عَنْ التَّفَارِيقِ: لَا تَجِبُ فِي الْحَضَانَةِ أُجْرَةُ الْمَسْكَنِ. وَقَالَ آخَرُونَ: تَجِبُ إنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ. اهـ. وَفِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ عَدَمِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَجْرِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ الْمَسْكَنِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ. اهـ. قُلْت: صَاحِبُ النَّهْرِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ، فَلَا يُعَارِضُ تَرْجِيحُهُ تَرْجِيحَ نَجْمِ الْأَئِمَّةِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ ضَعْفِ تَعْلِيلِهِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ أُجْرَةِ الْمَسْكَنِ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى وُجُوبِ الْأَجْرِ عَلَى الْحَضَانَةِ بَلْ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ؛ فَقَدْ تَكُونُ الْحَاضِنَةُ لَا مَسْكَنَ لَهَا أَصْلًا بَلْ تَسْكُنُ عِنْدَ غَيْرِهَا فَكَيْفَ يَلْزَمُهَا أُجْرَةُ مَسْكَنٍ لِتَحْضُنَ فِيهِ الْوَلَدَ، بَلْ الْوَجْهُ لُزُومُهُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، فَإِنَّ الْمَسْكَنَ مِنْ النَّفَقَةِ. وَنَقَلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي لُزُومِهِ وَالْأَظْهَرُ اللُّزُومُ كَمَا فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَهَذَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ: إذَا احْتَاجَ الصَّغِيرُ لِخَادِمٍ يَلْزَمُ الْأَبَ، فَإِنَّ احْتِيَاجَهُ إلَى الْمَسْكَنِ مُقَرَّرٌ اهـ. قُلْت: وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ مُخَالِفًا لِمَا اخْتَارَهُ ابْنُ وَهْبَانَ وَشَيْخُهُ الطَّرَسُوسِيُّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَوْجَهَ لُزُومُهُ لِمَا قُلْنَا، لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَسْكَنٌ، أَمَّا لَوْ كَانَ لَهَا مَسْكَنٌ يُمْكِنُهَا أَنْ تَحْضُنَ فِيهِ الْوَلَدَ وَيَسْكُنَ تَبَعًا لَهَا فَلَا لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إلَيْهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ أَبِي حَفْصٍ وَلَيْسَ لَهَا مَسْكَنٌ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَرْفَقُ لِلْجَانِبَيْنِ فَلْيَكُنْ عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إلَخْ) قَدَّمْنَاهُ عَنْ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: قَالَ شَيْخُنَا) يَعْنِي الْخَيْرَ الرَّمْلِيَّ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْبَحْرِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَقَوَاعِدُنَا تَقْتَضِيهِ) . قُلْت: مَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا عَنْ خَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيِّ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ وَافَقَ بَحْثُهُ الْمَنْقُولَ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ حَرَّرَ) أَيْ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَنَّ الْحَضَانَةَ كَالرَّضَاعِ أَيْ فِي أَنَّهَا لَا أَجْرَ لِلْأُمِّ فِيهَا لَوْ مَنْكُوحَةً، أَوْ مُعْتَدَّةً، وَإِلَّا فَلَهَا الْأُجْرَةُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا فَمِنْ مَالِ أَبِيهِ، أَوْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا حَطَّ عَلَيْهِ رَأْيُهُ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ، وَقَدْ عَلِمْت تَأْيِيدَهُ بِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ خَطِّ السَّائِحَانِيِّ. قُلْت: وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ مُتَبَرِّعٌ بِالْحَضَانَةِ، فَإِنْ وُجِدَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَجْنَبِيًّا عَنْ الصَّغِيرِ، أَوْ لَا. وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ مُعْسِرًا أَوْ لَا، وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ، أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا يُدْفَعُ لِلْأَهْلِ لِلْحَضَانَةِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَلَوْ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ؛ وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَرِّعُ غَيْرَ أَجْنَبِيٍّ، فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا وَالصَّغِيرُ لَهُ مَالٌ، أَوْ لَا يُقَالُ لِلْأُمِّ: إمَّا أَنْ تُمْسِكِيهِ مَجَّانًا، أَوْ تَدْفَعِيهِ لِلْعَمَّةِ - مَثَلًا - الْمُتَبَرِّعَةِ صَوْنًا لِمَالِهِ لَوْ لَهُ مَالٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا وَالصَّغِيرُ لَهُ مَالٌ فَكَذَلِكَ، لِأَنَّ الْأُجْرَةَ حِينَئِذٍ عَلَى الصَّغِيرِ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا وَلَا مَالَ لِلصَّغِيرِ فَالْأُمُّ مُقَدَّمَةٌ وَإِنْ طَلَبَتْ الْأُجْرَةَ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ بِلَا ضَرَرٍ لَهُ فِي مَالِهِ، هَذَا حَاصِلُ مَا تَحَرَّرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَضَانَةَ كَالرَّضَاعِ، وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي رِسَالَتِنَا " الْإِبَانَةُ عَنْ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْحَضَانَةِ ". (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ تَقْبَلْ، أَوْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا) مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ الْجَبْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 562 أَوْ تَزَوَّجَتْ بِأَجْنَبِيٍّ (أُمِّ الْأُمِّ) وَإِنْ عَلَتْ عِنْدَ عَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْقُرْبَى (ثُمَّ أُمِّ الْأَبِ وَإِنْ عَلَتْ) بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا أُمُّ أَبِي الْأُمِّ فَتُؤَخَّرُ عَنْ أُمِّ الْأَبِ بَلْ عَنْ الْخَالَةِ أَيْضًا بَحْرٌ (ثُمَّ الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأُمٍّ) لِأَنَّ هَذَا الْحَقَّ لِقَرَابَةِ الْأُمِّ (ثُمَّ) الْأُخْتِ (لِأَبٍ) ثُمَّ بِنْتِ الْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ (ثُمَّ الْخَالَاتِ كَذَلِكَ) أَيْ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ بِنْتِ الْأُخْتِ لِأَبٍ ثُمَّ بَنَاتِ الْأَخِ (ثُمَّ الْعَمَّاتِ كَذَلِكَ) ثُمَّ خَالَةِ الْأُمِّ كَذَلِكَ، ثُمَّ خَالَةِ الْأَبِ كَذَلِكَ ثُمَّ عَمَّاتِ الْأُمَّهَاتِ وَالْآبَاءِ بِهَذَا التَّرْتِيبِ؛ ثُمَّ الْعَصَبَاتِ بِتَرْتِيبِ الْإِرْثِ، فَيُقَدَّمُ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الْأَخُ الشَّقِيقُ، ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ بَنُوهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ الْعَمُّ ثُمَّ بَنُوهُ. وَإِذَا اجْتَمَعُوا فَالْأَوْرَعُ ثُمَّ الْأَسَنُّ، اخْتِيَارٌ،   [رد المحتار] كَمَا لَا يَخْفَى ح وَمَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَزَوَّجَتْ بِأَجْنَبِيٍّ) أَشْمَلُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْبَحْرِ، أَوْ لَمْ تَكُنْ أَهْلًا لِلْحَضَانَةِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ مَا لَوْ كَانَتْ فَاجِرَةً، أَوْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ عَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْقُرْبَى) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَإِنْ عَلَتْ لِأَنَّ الْبَعِيدَةَ لَا حَقَّ لَهَا عِنْدَ أَهْلِيَّةِ الْقُرْبَى. (قَوْلُهُ: بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ) هُوَ عَدَمُ أَهْلِيَّةِ الْقُرْبَى. (قَوْلُهُ: بَحْرٌ) أَيْ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْخَصَّافِ إنَّ أُمَّ أَبِي الْأُمِّ لَا تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قَرَابَةِ الْأُمِّ مِنْ قِبَلِ أُمِّهَا، وَكَذَا كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ أَبِي الْأُمِّ. اهـ. زَادَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لِأَنَّ هَذَا الْحَقَّ لِقَرَابَةِ الْأُمِّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُهُ تَأْخِيرُ أُمِّ أَبِي الْأُمِّ عَنْ أُمِّ الْأَبِ بَلْ عَنْ الْخَالَةِ أَيْضًا، وَقَدْ صَارَتْ حَادِثَةَ الْفَتْوَى. اهـ. قَالَ ط: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأُخْتَ لِأُمٍّ وَالْخَالَاتِ مُتَأَخِّرَاتٌ عَنْ أُمِّ الْأَبِ فَإِذَا كُنَّ أَوْلَى مِنْ أُمِّ أَبِي الْأُمِّ لِكَوْنِهِنَّ مِنْ قَرَابَةِ الْأُمِّ فَمَنْ كَانَتْ مُقَدَّمَةً عَلَيْهِنَّ - وَهِيَ أُمُّ الْأَبِ - أَوْلَى بِالتَّقَدُّمِ اهـ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ) أَيْ أُخْتِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ قَرَابَةَ الْأَبِ وَإِنْ كَانَتْ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِيمَا يُعْتَبَرُ، وَهُوَ الْإِدْلَاءُ بِالْأُمِّ لَكِنَّهَا تَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ خِلَافًا لِقَوْلِ زُفَرَ بِاشْتِرَاكِهَا مَعَ الْأُخْتِ لِأُمٍّ، أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا الْحَقَّ) أَيْ الْحَضَانَةَ، وَهَذَا عِلَّةٌ لِكَوْنِ الْأُخْتِ لِأُمٍّ تَلِي الْأُخْتَ الشَّقِيقَةَ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْأُخْتِ لِأَبٍ) تَقْدِيمُهَا عَلَى الْخَالَةِ هُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ اعْتِبَارًا لِقُرْبِ الْقَرَابَةِ، وَتَقْدِيمُ الْمُدْلِي بِالْأُمِّ عَلَى الْمُدْلِي بِالْأَبِ عِنْدَ اتِّحَادِ مَرْتَبَتِهِمَا قُرْبًا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَذِهِ رِوَايَةُ كِتَابِ النِّكَاحِ. وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ: الْخَالَةُ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ وَتِلْكَ بِالْأَبِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ بِنْتِ الْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأُمٍّ) كَوْنُهُمَا أَحَقَّ مِنْ الْخَالَةِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ. وَأَمَّا بِنْتُ الْأُخْتِ لِأَبٍ فَفِي رِوَايَةٍ أَحَقُّ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخَالَةَ أَحَقُّ مِنْهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالزَّيْلَعِيِّ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ لِأَبٍ) هَذَا سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَا عَلِمْتَ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِمَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْخَالَاتِ) أَيْ خَالَاتِ الصَّغِيرِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ بِنْتِ الْأُخْتِ لِأَبٍ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا عَلِمْت وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: ثُمَّ بَنَاتِ الْأَخِ) أَيْ لِأَبٍ وَأُمٍّ، أَوْ لِأُمٍّ، أَوْ لِأَبٍ فِيمَا يَظْهَرُ ح أَيْ عَلَى التَّرْتِيبِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَبَنَاتُ الْأُخْتِ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَخِ لِأَنَّ الْأُخْتَ لَهَا حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ دُونَ الْأَخِ فَكَانَ الْمُدْلِي بِهَا أَوْلَى. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْعَمَّاتِ كَذَلِكَ) أَيْ تُقَدَّمُ الْعَمَّةُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ بَنَاتَ الْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُنَّ لِأَنَّهُنَّ غَيْرُ مَحْرَمٍ بَحْرٌ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ عَمَّاتِ الْأُمَّهَاتِ وَالْآبَاءِ) قِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخَالَاتِ تَقْدِيمُ عَمَّاتِ الْأُمِّ عَلَى عَمَّاتِ الْأَبِ، وَيُفِيدُهُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ هَذَا الْحَقَّ لِقَرَابَةِ الْأُمِّ، وَكَذَا مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ مِنْ قَوْلِهِ وَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَهُوَ أَوْلَى مِمَّنْ هُوَ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ. (قَوْلُهُ: بِهَذَا التَّرْتِيبِ) أَيْ الْعَمَّةِ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْعَصَبَاتِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ أَحَدٌ مِنْ مَحَارِمِهِ النِّسَاءِ بَحْرٌ،، أَوْ كَانَ إلَّا أَنَّهُ سَاقِطُ الْحَضَانَةِ لِأَنَّهُ كَالْمَعْدُومِ رَمْلِيٌّ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْجَدُّ) أَيْ أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ بَنُوهُ كَذَلِكَ) أَيْ بَنُو الْأَخِ الشَّقِيقِ ثُمَّ بَنُو الْأَخِ لِأَبٍ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ سَفَلَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْعَمُّ ثُمَّ بَنُوهُ) يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ كَذَلِكَ لِمَا فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ: ثُمَّ الْعَمُّ شَقِيقُ الْأَبِ ثُمَّ لِأَبٍ؛ وَأَمَّا أَوْلَادُهُ فَيُدْفَعُ إلَيْهِمْ الْغُلَامُ لَا الصَّغِيرَةُ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَحَارِمَ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا اجْتَمَعُوا إلَخْ) أَيْ كَعَمَّيْنِ ط وَيَنْبَغِي إسْقَاطُهُ وَالِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ بِمَا سَيَأْتِي فَإِنَّهُ رَاجِعٌ لِلْكُلِّ ح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 563 سِوَى فَاسِقٍ وَمَعْتُوهٍ وَابْنِ عَمٍّ لِمُشْتَهَاةٍ وَهُوَ غَيْرُ مَأْمُونٍ، ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ فَلِذَوِي الْأَرْحَامِ، فَتُدْفَعُ لِأَخٍ لِأُمٍّ ثُمَّ لِابْنِهِ ثُمَّ لِلْعَمِّ لِلْأُمِّ ثُمَّ لِلْخَالِ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأُمٍّ بُرْهَانٌ وَعَيْنِيٌّ بَحْرٌ، فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَصْلَحُهُمْ ثُمَّ أَوْرَعُهُمْ ثُمَّ أَكْبَرُهُمْ، وَلَا حَقَّ لِوَلَدِ عَمٍّ وَعَمَّةٍ وَخَالٍ وَخَالَةٍ لِعَدَمِ الْمَحْرَمِيَّةِ. (وَ) الْحَاضِنَةُ (الذِّمِّيَّةُ) .   [رد المحتار] قَوْلُهُ: سِوَى فَاسِقٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ " ثُمَّ الْعَصَبَاتِ ". قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا لِلْعَصَبَةِ الْفَاسِقِ وَلَا إلَى مَوْلَى الْعَتَاقَةِ تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ. اهـ. مَطْلَبٌ: لَوْ كَانَتْ الْإِخْوَةُ أَوْ الْأَعْمَامُ غَيْرَ مَأْمُونِينَ لَا تُسَلَّمُ الْمَحْضُونَةُ إلَيْهِمْ وَفِي الْبَدَائِعِ: حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْإِخْوَةُ وَالْأَعْمَامُ غَيْرَ مَأْمُونِينَ عَلَى نَفْسِهَا، أَوْ مَالِهَا لَا تُسَلَّمُ إلَيْهِمْ، وَيَنْظُرُ الْقَاضِي امْرَأَةً ثِقَةً عَدْلَةٌ أَمِينَةً فَيُسَلِّمُهَا إلَيْهَا إلَى أَنْ تَبْلُغَ. (قَوْلُهُ: وَمَعْتُوهٍ) فِي نُسْخَةٍ وَمُعْتِقٍ: أَيْ بِكَسْرِ التَّاءِ لِقَوْلِ الْبَحْرِ الْمَارِّ وَلَا إلَى مَوْلَى الْعَتَاقَةِ. وَفِي الْفَتْحِ وَيُدْفَعُ الذَّكَرُ إلَى مَوْلَى الْعَتَاقَةِ لِأَنَّهُ آخِرُ الْعَصَبَاتِ وَلَا تُدْفَعُ الْأُنْثَى إلَيْهِ. اهـ. قُلْت: يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ امْرَأَةً أَنْ تُدْفَعَ الْأُنْثَى إلَيْهَا دُونَ الذَّكَرِ. [تَنْبِيهٌ] : اشْتَرَطَ فِي الْبَدَائِعِ فِي الْعَصَبَةِ اتِّحَادَ الدِّينِ، حَتَّى لَوْ كَانَ لِلصَّبِيِّ الْيَهُودِيِّ أَخَوَانِ أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ يُدْفَعُ لِلْيَهُودِيِّ لِأَنَّهُ عَصَبَتُهُ لَا لِلْمُسْلِمِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَابْنِ عَمٍّ لِمُشْتَهَاةٍ إلَخْ) أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تُشْتَهَى كَبِنْتِ سَنَةٍ مَثَلًا فَلَا مَنْعَ لِأَنَّهُ لَا فِتْنَةَ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ تُشْتَهَى وَكَانَ مَأْمُونًا بَحْرٌ بَحْثًا، وَأَيَّدَهُ بِمَا فِي التُّحْفَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْجَارِيَةِ غَيْرُ ابْنِ الْعَمِّ فَالِاخْتِيَارُ لِلْقَاضِي، إنْ رَآهُ أَصْلَحَ ضَمَّهَا إلَيْهِ وَإِلَّا تُوضَعُ عَلَى يَدٍ أَمِينَةٍ. اهـ. قُلْت: مَا فِي التُّحْفَةِ عَلَّلَهُ فِي شَرْحِهَا الْبَدَائِعُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَيْهِ فَيُرَاعَى الْأَصْلَحُ. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا حَقَّ لِابْنِ الْعَمِّ فِي الْجَارِيَةِ مُطْلَقًا وَأَنَّ لِلْقَاضِي دَفْعَهَا لِأَجْنَبِيَّةٍ وَلَوْ مَأْمُونًا حَيْثُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الْحَقُّ لَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي الِاخْتِيَارُ. وَقَدْ رَدَّ الرَّمْلِيُّ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ بِنَحْوِ مَا قُلْنَا، وَبِتَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّ ابْنَ الْعَمِّ غَيْرُ مَحْرَمٍ وَأَنَّهُ لَا حَقَّ لِغَيْرِ الْمَحْرَمِ. قَالَ: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَهُ حَضَانَتُهَا كَانَتْ عِنْدَهُ إلَى أَنْ تُشْتَهَى فَتَقَعَ الْفِتْنَةُ فَحُسِمَ مِنْ أَصْلِهِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَصَبَةً إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْعَصَبَاتِ مُقَدَّمُونَ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ الذُّكُورِ، وَالْمُرَادُ الْعَصَبَةُ الْمُسْتَحِقُّ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَسْتَحِقَّ كَابْنِ عَمٍّ لِجَارِيَةٍ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ مِثْلُ الْأَخِ لِأُمٍّ وَالْخَالِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَالْمُرَادُ بِذَوِي الْأَرْحَامِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مَحْرَمًا احْتِرَازًا عَنْ ابْنِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: فَتُدْفَعُ لِأَخٍ لِأُمٍّ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ أَوَّلًا الْجَدَّ لِأُمٍّ. فَفِي الْهِنْدِيَّةِ أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الْأَخِ لِأُمٍّ وَالْخَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ لِأُمٍّ) الَّذِي فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ، وَكَذَا فِي الْفَتْحِ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ لِأُمٍّ. (قَوْلُهُ: بُرْهَانٌ وَعَيْنِيٌّ بَحْرٌ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَسَقَطَ مِنْ بَعْضِهَا لَفْظُ بَحْرٍ وَهُوَ الْأَوْلَى، لِأَنَّهُ فِي الْبَحْرِ لَمْ يَعْزُهُ إلَى الْبُرْهَانِ وَالْعَيْنِيِّ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَسَاوَوْا) كَإِخْوَةٍ أَشِقَّاءَ مَثَلًا. (قَوْلُهُ: وَلَا حَقَّ لِوَلَدِ عَمٍّ إلَخْ) كَانَ الْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرَ بِالْبَنَاتِ بَدَلَ الْوَلَدِ، لِأَنَّ الْوَلَدَ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ ابْنَ الْعَمِّ لَهُ حَقٌّ فِي الْغُلَامِ دُونَ الْجَارِيَةِ. وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَهَاةِ وَغَيْرِهَا فَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ فَافْهَمْ. وَفِي الْبَحْرِ لَا حَقَّ لِبَنَاتِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ لِأَنَّهُنَّ غَيْرُ مَحْرَمٍ، وَكَذَلِكَ بَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ بِالْأَوْلَى، كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ. اهـ. وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ الْعَمَّةَ وَالْخَالَةَ مُقَدَّمَتَانِ عَلَى الْعَمِّ وَالْخَالِ مَعَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِبَنَاتِهِمَا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِبِنْتِ الْعَمَّةِ وَنَحْوِهَا فِي حَضَانَةِ الْجَارِيَةِ، وَلَا لِابْنِ الْعَمَّةِ فِي حَضَانَةِ الْغُلَامِ، وَيَنْبَغِي إجْرَاءُ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي ابْنِ الْعَمِّ هُنَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ تَأَمَّلْ. وَسُئِلْتُ عَنْ صَغِيرٍ لَهُ جَدٌّ أَبُو أُمٍّ، وَبِنْتُ عَمَّةٍ وَلَا شُبْهَةَ أَنَّ الْحَضَانَةَ لِلْجَدِّ كَمَا عَلِمْته مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ، أَمَّا لَوْ كَانَ الصَّغِيرُ أُنْثَى، فَإِنْ قُلْنَا إنَّ لِبِنْتِ الْعَمَّةِ حَقًّا فِي الْأُنْثَى يَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا عَلَى الْجَدِّ لِأُمٍّ لِأَنَّ النِّسَاءَ أَقْدَرُ لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا مَرَّ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالْحَاضِنَةُ الذِّمِّيَّةُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ مَا فِي الْكَنْزِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْأُمِّ اتِّفَاقِيٌّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 564 وَلَوْ مَجُوسِيَّةً (كَمُسْلِمَةٍ مَا لَمْ يَعْقِلْ دِينًا) يَنْبَغِي تَقْدِيرُهُ بِسَبْعِ سِنِينَ لِصِحَّةِ إسْلَامِهِ حِينَئِذٍ نَهْرٌ (أَوْ) إلَى أَنْ (يُخَافَ أَنْ يَأْلَفَ الْكُفْرَ) فَيُنْزَعَ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ دِينًا بَحْرٌ. (وَ) الْحَاضِنَةُ (يَسْقُطُ حَقُّهَا بِنِكَاحِ غَيْرِ مَحْرَمِهِ) أَيْ الصَّغِيرِ، وَكَذَا بِسُكْنَاهَا عِنْدَ الْمُبْغِضِينَ لَهُ؛ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ: لَوْ تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ بِآخَرَ فَأَمْسَكَتْهُ أُمُّ الْأُمِّ فِي بَيْتِ الرَّابِّ فَلِلْأَبِ أَخْذُهُ. وَفِي الْبَحْرِ: قَدْ تَرَدَّدْتُ فِيمَا لَوْ أَمْسَكَتْهُ الْخَالَةُ وَنَحْوُهَا فِي بَيْتِ أَجْنَبِيٍّ عَازِبَةٍ وَالظَّاهِرُ السُّقُوطُ قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ، لَكِنْ فِي النَّهْرِ: وَالظَّاهِرُ عَدَمُهُ لِلْفَرْقِ الْبَيِّنِ بَيْنَ زَوْجِ الْأُمِّ وَالْأَجْنَبِيِّ. قَالَ: وَالرَّحِمُ فَقَطْ - كَابْنِ الْعَمِّ كَالْأَجْنَبِيِّ.   [رد المحتار] بَلْ كُلُّ حَاضِنَةٍ ذِمِّيَّةٍ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَجُوسِيَّةً) بِأَنْ أَسْلَمَ زَوْجُهَا وَأَبَتْ. (قَوْلُهُ: بِسَبْعِ سِنِينَ) فَائِدَةُ هَذَا تَظْهَرُ فِي الْأُنْثَى لِأَنَّ الذَّكَرَ تَنْتَهِي حَضَانَتُهُ بِالسَّبْعِ حَمَوِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَوْ إلَى أَنْ يُخَافَ) أَشَارَ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ " أَوْ يُخَافَ " مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ بَعْدَ " أَوْ " الَّتِي بِمَعْنَى " إلَى " كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَهَذَا زَادَهُ فِي الْهِدَايَةِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا خِيفَ أَنْ يَأْلَفَ الْكُفْرَ نُزِعَ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ دِينًا بَحْرٌ. قَالَ ط: وَلَمْ يُمَثِّلُوا لِأَلْفِ الْكُفْرِ. وَالظَّاهِرُ أَنْ يُفَسَّرَ سَبَبُهُ بِنَحْوِ أَخْذِهِ لِمَعَابِدِهِمْ. وَفِي الْفَتْحِ: وَتُمْنَعُ أَنْ تُغَذِّيَهُ الْخَمْرَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ، وَإِنْ خِيفَ ضُمَّ إلَى نَاسٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَقَوْلُ الْبَحْرِ: لَمْ يُنْزَعْ مِنْهَا بَلْ يُضَمُّ إلَى أُنَاسٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ تَحْرِيفٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ " لَمْ " زَائِدَةٌ، وَإِلَّا تَنَاقَضَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بِنِكَاحِ غَيْرِ مَحْرَمِهِ) أَيْ سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا، أَوْ لَا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: غَيْرِ مَحْرَمِهِ النَّسَبِيِّ، لِأَنَّ الرَّضَاعَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي سُقُوطِ حَضَانَتِهَا بِهِ رَمْلِيٌّ. قُلْت: يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْغُلَامِ سِوَى ابْنَيْ عَمٍّ تَزَوَّجَتْ أُمُّهُ أَحَدَهُمَا أَنْ لَا يَسْقُطَ حَقُّهَا لِأَنَّ الْآخَرَ أَجْنَبِيٌّ مِثْلُهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي دَفْعِهِ إلَيْهِ بَلْ إبْقَاؤُهُ عِنْدَهَا أَوْلَى. وَاحْتَرَزَ عَمَّا كَانَ زَوْجُ الْجَدَّةِ الْجَدَّ أَوْ زَوْجُ الْأُمِّ، أَوْ الْخَالَةِ الْعَمَّ وَنَحْوَهُ. (قَوْلُهُ: فِي بَيْتِ الرَّابِّ) بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ اسْمُ فَاعِلٍ، مِنْ التَّرْبِيَةِ: وَهُوَ زَوْجُ الْأُمِّ، وَالْوَلَدُ رَبِيبٌ لَهُ. (قَوْلُهُ: فَلِلْأَبِ أَخْذُهُ) أَيْ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَسْكَنٌ وَطَلَبَتْ مِنْ الْأَبِ أَنْ يُسْكِنَهَا فِي مَسْكَنٍ فَإِنَّ السُّكْنَى فِي الْحَضَانَةِ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: لِلْفَرْقِ الْبَيِّنِ إلَخْ) اسْتَظْهَرَ هَذَا الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَيْضًا بِقَوْلِهِمْ: إنَّ زَوْجَ الْأُمِّ الْأَجْنَبِيَّ يُطْعِمُهُ نَزْرًا: أَيْ قَلِيلًا، وَيَنْظُرُ إلَيْهِ شَزْرًا: أَيْ نَظَرَ الْبُغْضِ، وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي الْأَجْنَبِيِّ عَنْ الْحَاضِنَةِ. قَالَ ح: وَفِي النَّفْسِ مِنْ هَذَا الْفَرْقِ شَيْءٌ فَإِنَّ الرَّابَّ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْأَجْنَبِيُّ أَوْلَى كَمَا هُوَ الْمُشَاهَدُ. اهـ. قُلْت: الْأَصْوَبُ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ أَنَّ الْحَاضِنَةَ إذَا كَانَتْ تَأْكُلُ وَحْدَهَا وَابْنُهَا مَعَهَا فَلَهَا حَقٌّ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى وَلَدِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي عِيَالِ ذَلِكَ الْأَجْنَبِيِّ، أَوْ كَانَتْ زَوْجَةً لَهُ، وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ سُقُوطَ الْحَضَانَةِ بِذَلِكَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الصَّغِيرِ، فَيَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يَكُونَ ذَا بَصِيرَةٍ لِيُرَاعِيَ الْأَصْلَحَ لِلْوَلَدِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ قَرِيبٌ مُبْغِضٌ لَهُ يَتَمَنَّى مَوْتَهُ وَيَكُونُ زَوْجُ أُمِّهِ مُشْفِقًا عَلَيْهِ يَعِزُّ عَلَيْهِ فِرَاقُهُ فَيُرِيدُ قَرِيبُهُ أَخْذَهُ مِنْهَا لِيُؤْذِيَهُ وَيُؤْذِيَهَا، أَوْ لِيَأْكُلَ مِنْ نَفَقَتِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ زَوْجَةٌ تُؤْذِيهِ أَضْعَافَ مَا يُؤْذِيهِ زَوْجُ أُمِّهِ الْأَجْنَبِيُّ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ أَوْلَادٌ يَخْشَى عَلَى الْبِنْتِ مِنْهُمْ الْفِتْنَةَ لِسُكْنَاهَا مَعَهُمْ، فَإِذَا عَلِمَ الْمُفْتِي، أَوْ الْقَاضِي شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ نَزْعُهُ مِنْ أُمِّهِ لِأَنَّ مَدَارَ أَمْرِ الْحَضَانَةِ عَلَى نَفْعِ الْوَلَدِ، وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ: لَوْ كَانَتْ الْإِخْوَةُ وَالْأَعْمَامُ غَيْرَ مَأْمُونِينَ عَلَى نَفْسِهَا، أَوْ مَالِهَا لَا تُسَلَّمُ إلَيْهِمْ. وَقَدَّمْنَا فِي الْعِدَّةِ عَنْ الْفَتْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ إنَّ الْمُخْتَلِعَةَ لَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا فِي الْأَصَحِّ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَنْظُرَ فِي خُصُوصِ الْوَقَائِعِ، فَإِنْ عَلِمَ عَجْزَهَا عَنْ الْمَعِيشَةِ إنْ لَمْ تَخْرُجْ أَفْتَاهَا بِالْحِلِّ لَا إنْ عَلِمَ قُدْرَتَهَا. (قَوْلُهُ: قَالَ) أَيْ فِي النَّهْرِ، وَأَصْلُهُ لِلْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَدَخَلَ تَحْتَ غَيْرِ الْمَحْرَمِ الرَّحِمُ الَّذِي لَيْسَ بِمَحْرَمٍ كَابْنِ الْعَمِّ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ هُنَا اهـ أَيْ فَإِذَا تَزَوَّجَتْهُ سَقَطَ حَقُّهَا، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ مُسْتَحِقٌّ لِلْحَضَانَةِ أَقْرَبُ مِنْهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 565 (وَتَعُودُ) الْحَضَانَةُ (بِالْفُرْقَةِ) الْبَائِنَةِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَالْقَوْلُ لَهَا فِي نَفْيِ الزَّوْجِ وَكَذَا فِي تَطْلِيقِهِ إنْ أَبْهَمَتْهُ لَا إنْ عَيَّنَتْهُ. (وَالْحَاضِنَةُ) أُمًّا، أَوْ غَيْرَهَا (أَحَقُّ بِهِ) أَيْ بِالْغُلَامِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْ النِّسَاءِ وَقُدِّرَ بِسَبْعٍ وَبِهِ يُفْتَى لِأَنَّهُ الْغَالِبُ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي سِنِّهِ، فَإِنْ أَكَلَ وَشَرِبَ وَلَبِسَ وَاسْتَنْجَى وَحْدَهُ دُفِعَ إلَيْهِ وَلَوْ جَبْرًا وَإِلَّا لَا (وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ) لِأُمٍّ، أَوْ لِأَبٍ (أَحَقُّ بِهَا) بِالصَّغِيرَةِ (حَتَّى تَحِيضَ) أَيْ تَبْلُغَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي حَيْضِهَا فَالْقَوْلُ لِلْأُمِّ بَحْرٌ بَحْثًا. وَأَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُحَكَّمَ سِنُّهَا وَيُعْمَلَ بِالْغَالِبِ. وَعِنْدَ مَالِكٍ، حَتَّى يَحْتَلِمَ الْغُلَامُ، وَتَتَزَوَّجَ الصَّغِيرَةُ وَيَدْخُلَ بِهَا الزَّوْجُ عَيْنِيٌّ (وَغَيْرُهُمَا أَحَقُّ بِهَا حَتَّى تُشْتَهَى) وَقُدِّرَ بِتِسْعٍ وَبِهِ يُفْتَى.   [رد المحتار] فَلَوْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ وَكَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا يَبْقَى عِنْدَ أُمِّهِ؛ وَكَذَا لَوْ كَانَ أُنْثَى لَا تُشْتَهَى، أَوْ كَانَ مَأْمُونًا عَلَى مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: الْبَائِنَةِ) أَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَلَا بُدَّ مِنْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِيهَا نَهْرٌ، وَمُقْتَضَاهُ الْعَوْدُ فِي الْبَائِنَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مَعَ أَنَّهَا تَعْتَدُّ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ ارْتِفَاعُ وِلَايَتِهِ عَلَيْهَا فَلَا ضَرَرَ لِلْوَلَدِ عِنْدَهُ، وَفِي ذَلِكَ تَأْيِيدٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ تَأَمَّلْ. قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَكَذَا: أَيْ تَعُودُ الْحَضَانَةُ لَوْ زَالَتْ بِجُنُونٍ وَرِدَّةٍ، ثُمَّ زَالَ الْمَانِعُ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ فَالْأَحْسَنُ: وَيَعُودُ الْحَقُّ بِزَوَالِ مَانِعِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِزَوَالِ الْمَانِعِ) أَيْ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ عَوْدِ السَّاقِطِ حَتَّى يُقَالَ إنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ، فَقَوْلُهُمْ يَسْقُطُ حَقُّهَا مَعْنَاهُ مَنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ كَقَوْلِهِمْ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِالنُّشُوزِ، وَالْوِلَايَةُ بِالْجُنُونِ ثُمَّ تَعُودُ بِزَوَالِ ذَلِكَ أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ السَّاقِطَ لَمْ يَعُدْ بَلْ عَادَ حَقٌّ جَدِيدٌ لِقِيَامِ سَبَبِهِ، بِخِلَافِ سُقُوطِ الشُّفْعَةِ لِأَنَّهَا حَقٌّ وَاحِدٌ كَمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ لَهَا إلَخْ) أَيْ لَوْ ادَّعَى تَزَوُّجَهَا وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ لَهَا، وَلَوْ أَقَرَّتْ بِهِ لَكِنَّهَا ادَّعَتْ الطَّلَاقَ، فَإِنْ لَمْ تُعَيِّنْ الزَّوْجَ فَالْقَوْلُ لَهَا لَا إنْ عَيَّنَتْهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَ الْيَمِينِ فِي الْفَصْلَيْنِ نَهْرٌ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ دَعْوَاهَا طَلَاقَ الْمُعَيَّنِ لَمَّا أَبْطَلَهَا الشَّرْعُ بِدُونِ تَصْدِيقِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا أَصْلًا. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْ النِّسَاءِ) بِأَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَسْتَنْجِيَ وَحْدَهُ، وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِنْجَاءِ تَمَامُ الطَّهَارَةِ بِأَنْ يَتَطَهَّرَ بِالْمَاءِ بِلَا مُعِينٍ، وَقِيلَ مُجَرَّدُ الِاسْتِنْجَاءِ وَهُوَ التَّطْهِيرُ مِنْ النَّجَاسَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَمَامِ الطَّهَارَةِ زَيْلَعِيٌّ أَيْ الطَّهَارَةِ الشَّامِلَةِ لِلْوُضُوءِ. (قَوْلُهُ: وَقُدِّرَ بِسَبْعٍ) هُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ بَلْ عَيْنُهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَسْتَنْجِي وَحْدَهُ، أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مُرُوا صِبْيَانَكُمْ إذَا بَلَغُوا سَبْعًا» وَالْأَمْرُ بِمَا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ يُفْتَى) وَقِيلَ بِتِسْعِ سِنِينَ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْغَالِبُ) أَيْ الِاسْتِغْنَاءَ هُوَ الْغَالِبُ فِي هَذَا السِّنِّ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَكَلَ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُحَلِّفُ أَحَدَهُمَا بَلْ يَنْظُرُ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْيَمِينَ لِلنُّكُولِ وَلَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا إبْطَالَ حَقِّ الْوَلَدِ مِنْ كَوْنِهِ عِنْدَ أُمِّهِ قَبْلَ السَّبْعِ وَعِنْدَ أَبِيهِ بَعْدَهَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَبْرًا) أَيْ إنْ لَمْ يَأْخُذْهُ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى. وَفِي الْفَتْحِ: وَيُجْبَرُ الْأَبُ عَلَى أَخْذِ الْوَلَدِ بَعْدَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْأُمِّ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ وَصِيَانَتَهُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: وَإِذَا اسْتَغْنَى الْغُلَامُ عَنْ الْخِدْمَةِ أُجْبِرَ الْأَبُ، أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَلِيُّ عَلَى أَخْذِهِ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى تَأْدِيبِهِ وَتَعْلِيمِهِ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا: وَإِذَا اسْتَغْنَى الْغُلَامُ وَبَلَغَتْ الْجَارِيَةُ فَالْعَصَبَةُ أَوْلَى، يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَلَا حَقَّ لِابْنِ الْعَمِّ فِي حَضَانَةِ الْجَارِيَةِ. اهـ. قُلْت: بَقِيَ مَا إذَا انْتَهَتْ الْحَضَانَةُ وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ عَصَبَةٌ وَلَا وَصِيٌّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُتْرَكُ عِنْدَ الْحَاضِنَةِ، إلَّا أَنْ يَرَى الْقَاضِي غَيْرَهَا أَوْلَى لَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) بِأَنْ فُقِدَتْ الْأَرْبَعَةُ، أَوْ بَعْضُهَا لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ ط. (قَوْلُهُ: وَالْجَدَّةُ) أَيْ وَإِنْ عَلَتْ ط. (قَوْلُهُ: أَيْ تَبْلُغَ) وَبُلُوغُهَا إمَّا بِالْحَيْضِ، أَوْ الْإِنْزَالِ، أَوْ السِّنِّ ط. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّهَا بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ تَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ آدَابِ النِّسَاءِ وَالْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ أَقْدَرُ، وَبَعْدَ الْبُلُوغِ تَحْتَاجُ إلَى التَّحْصِينِ وَالْحِفْظِ، وَالْأَبُ فِيهِ أَقْوَى وَأَهْدَى. (قَوْلُهُ: فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) مُقَابِلُهُ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ الْآتِيَةُ. (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لِلْأُمِّ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي سُقُوطَ حَقِّهَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَأَقُولُ إلَخْ) هُوَ لِصَاحِبِ النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ: وَأَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ إلَى سِنِّهَا، فَإِنْ بَلَغَتْ سِنًّا تَحِيضُ فِيهِ الْأُنْثَى غَالِبًا فَالْقَوْلُ لَهُ وَإِلَّا لَهَا. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 566 وَبِنْتُ إحْدَى عَشْرَةَ مُشْتَهَاةٌ اتِّفَاقًا زَيْلَعِيٌّ. (وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ كَذَلِكَ) وَبِهِ يُفْتَى لِكَثْرَةِ الْفَسَادِ زَيْلَعِيٌّ. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا تَسْقُطُ الْحَضَانَةُ بِتَزَوُّجِهَا مَا دَامَتْ لَا تَصْلُحُ لِلرِّجَالِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ الثَّانِي إذَا كَانَ يَسْتَأْنِسُ. كَمَا فِي الْقُنْيَةِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: امْرَأَةٌ قَالَتْ: هَذَا ابْنُك مِنْ بِنْتِي وَقَدْ مَاتَتْ أُمُّهُ فَأَعْطِنِي نَفَقَتَهُ، فَقَالَ: صَدَقْتِ لَكِنَّ أُمَّهُ لَمْ تَمُتْ وَهِيَ فِي مَنْزِلِي وَأَرَادَ أَخْذَ الصَّبِيِّ.، يُمْنَعُ حَتَّى يُعْلِمَ الْقَاضِي أُمَّهُ وَتَحْضُرَ عِنْدَهُ فَتَأْخُذَهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهَا جَدَّتُهُ وَحَاضِنَتُهُ ثُمَّ ادَّعَى أَحَقِّيَّةَ غَيْرِهَا وَذَا مُحْتَمَلٌ، فَإِنْ (أَحْضَرَ الْأَبُ امْرَأَةً فَقَالَ: هَذِهِ ابْنَتُكِ وَهَذَا) ابْنِي (مِنْهَا، وَقَالَتْ الْجَدَّةُ: لَا) مَا هَذِهِ ابْنَتِي (وَقَدْ مَاتَتْ ابْنَتِي أُمُّ هَذَا الْوَلَدِ فَالْقَوْلُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ: الَّتِي مَعَهُ وَيُدْفَعُ الصَّبِيُّ إلَيْهِمَا) لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُمَا فَيَكُونُ الْوَلَدُ لَهُمَا (كَزَوْجَيْنِ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَادَّعَى) الزَّوْجُ (أَنَّهُ ابْنُهُ لَا مِنْهَا) بَلْ مِنْ غَيْرِهَا (وَعَكَسَتْ) فَقَالَتْ: هُوَ ابْنِي لَا مِنْهُ (حُكِمَ بِكَوْنِهِ ابْنًا لَهُمَا) لِمَا قُلْنَا؛ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ الْجَدَّةُ: هَذَا ابْنُك مِنْ بِنْتِي الْمَيِّتَةِ فَقَالَ: بَلْ مِنْ غَيْرِهَا فَالْقَوْلُ لَهُ وَيَأْخُذُ الصَّبِيَّ مِنْهَا، وَكَذَا لَوْ أَحْضَرَ امْرَأَةً وَقَالَ: ابْنِي مِنْ هَذِهِ لَا مِنْ بِنْتِكِ وَكَذَّبَتْهُ الْجَدَّةُ وَصَدَّقَتْهَا الْمَرْأَةُ فَالْأَبُ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ هَذَا ابْنِي مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ فَقَدْ أَنْكَرَ كَوْنَهَا جَدَّتَهُ فَيَكُونُ مُنْكِرًا لِحَقِّ حَضَانَتِهَا وَهِيَ أَقَرَّتْ لَهُ بِالْحَقِّ انْتَهَى مُلَخَّصًا. (وَلَا خِيَارَ لِلْوَلَدِ عِنْدَنَا مُطْلَقًا) ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. قُلْت: وَهَذَا قَبْلَ الْبُلُوغِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَبَوَيْهِ، وَإِنْ أَرَادَ الِانْفِرَادَ فَلَهُ ذَلِكَ مُؤَيَّدٌ زَادَهُ مَعْزِيًّا لِلْمُنْيَةِ،   [رد المحتار] وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الرُّجُوعُ إلَى الصَّغِيرَةِ، فَإِنْ ادَّعَتْ الْبُلُوغَ فِي سِنٍّ يَحْتَمِلُهُ صُدِّقَتْ كَمَا هُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي بَاقِي الْأَحْكَامِ أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ. (قَوْلُهُ: مُشْتَهَاةٌ اتِّفَاقًا) بَلْ فِي مُحَرَّمَاتِ الْمَنْحِ: بِنْتُ تِسْعٍ فَصَاعِدًا مُشْتَهَاةٌ اتِّفَاقًا سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ فِي كَوْنِهَا أَحَقَّ بِهَا حَتَّى تُشْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَبِهِ يُفْتَى) قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِ تَصْحِيحِهِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَأَفَادَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ حَتَّى تُشْتَهَى مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ. (قَوْلُهُ: بِتَزَوُّجِهَا) أَيْ الصَّغِيرَةِ. (قَوْلُهُ: مَا دَامَتْ لَا تَصْلُحُ لِلرِّجَالِ) فَإِنْ صَلُحَتْ تَسْقُطُ وَسَيَأْتِي فِي أَوَّلِ النَّفَقَاتِ أَنَّ الَّتِي تُشْتَهَى لِلْوَطْءِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا، وَكَذَا الَّتِي تَصْلُحُ لِلْخِدْمَةِ، أَوْ لِلِاسْتِئْنَاسِ إنْ أَمْسَكَهَا فِي بَيْتِهِ عِنْدَ الثَّانِي وَاخْتَارَهُ فِي التُّحْفَةِ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ صُلُوحَهَا لِلرِّجَالِ يَكْفِي بِالْوَطْءِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَلِذَا لَزِمَهُ نَفَقَتُهَا، بِخِلَافِ مَنْ تَصْلُحُ لِلْخِدْمَةِ وَالِاسْتِئْنَاسِ فَقَطْ حَيْثُ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا إلَّا إنْ رَضِيَ بِهَا وَأَمْسَكَهَا فِي بَيْتِهِ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي رِوَايَةٍ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى ضَعْفِهَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إذَا صَلُحَتْ لِلرِّجَالِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَقَدْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا لَا حَضَانَةَ لِأُمِّهَا اتِّفَاقًا، وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ لَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ " حَتَّى تَحِيضَ " فَيَحْتَاجُ إطْلَاقُهُ إلَى تَقْيِيدٍ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ: أَيْ تَقْيِيدِ قَوْلِهِ " حَتَّى تَحِيضَ " بِمَا إذَا لَمْ تَتَزَوَّجْ. (قَوْلُهُ: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) دُخُولٌ عَلَى الْمَتْنِ ط. (قَوْلُهُ: لَكِنَّ أُمَّهُ) أَيْ الَّتِي هِيَ ابْنَتُك. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهَا) لِكَوْنِ النِّكَاحِ يَثْبُتُ بِالتَّصَادُقِ. (قَوْلُهُ: لِمَا قُلْنَا) مِنْ أَنَّ الْفِرَاشَ لَهُمَا. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ قَالَتْ الْجَدَّةُ) سَمَّاهَا جَدَّةً نَظَرًا لِزَعْمِهَا. (قَوْلُهُ: فَقَالَ بَلْ مِنْ غَيْرِهَا) أَيْ مِنْ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ عَنْك، وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ فِي الْأُولَى اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ مِنْ ابْنَتِهَا وَأَنَّهَا جَدَّتُهُ. (قَوْلُهُ: وَكَذَّبَتْهُ الْجَدَّةُ) بِأَنْ قَالَتْ: مَا هَذِهِ أُمُّهُ بَلْ أُمُّهُ ابْنَتِي ظَهِيرِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: وَصَدَّقَتْهَا الْمَرْأَةُ) بِأَنْ قَالَتْ: صَدَقْتِ مَا أَنَا بِأُمِّهِ وَقَدْ كَذَبَ هَذَا الرَّجُلُ وَلَكِنِّي امْرَأَتُهُ ظَهِيرِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ هَذَا ابْنِي مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ) وَكَذَا قَوْلُهُ: بَلْ مِنْ غَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: انْتَهَى مُلَخَّصًا) أَيْ انْتَهَى كَلَامُ الظَّهِيرِيَّةِ حَالَ كَوْنِهَا مُلَخَّصًا، أَفَادَ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِعَيْنِ عِبَارَتِهَا بَلْ حَذَفَ بَعْضَهَا اخْتِصَارًا، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ اسْتَوْفَى صُوَرَ الْمَسْأَلَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلَا خِيَارَ لِلْوَلَدِ عِنْدَنَا) أَيْ إذَا بَلَغَ السِّنَّ الَّذِي يُنْزَعُ مِنْ الْأُمِّ يَأْخُذُهُ الْأَبُ، وَلَا خِيَارَ لِلصَّغِيرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 567 وَأَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ مَبْلَغَ النِّسَاءِ، إنْ بِكْرًا ضَمَّهَا الْأَبُ إلَى نَفْسِهِ) إلَّا إذَا دَخَلَتْ فِي السِّنِّ وَاجْتَمَعَ لَهَا رَأْيٌ فَتَسْكُنُ حَيْثُ أَحَبَّتْ حَيْثُ لَا خَوْفَ عَلَيْهَا (وَإِنْ ثَيِّبًا لَا) يَضُمُّهَا (إلَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مَأْمُونَةً عَلَى نَفْسِهَا) فَلِلْأَبِ وَالْجَدِّ وِلَايَةُ الضَّمِّ لَا لِغَيْرِهِمَا كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ. (وَالْغُلَامُ إذَا عَقَلَ وَاسْتَغْنَى بِرَأْيِهِ لَيْسَ لِلْأَبِ ضَمُّهُ إلَى نَفْسِهِ) إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا عَلَى نَفْسِهِ فَلَهُ ضَمُّهُ لِدَفْعِ فِتْنَةٍ، أَوْ عَارٍ، وَتَأْدِيبُهُ إذَا وَقَعَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ بَحْرٌ.   [رد المحتار] لِأَنَّهُ لِقُصُورِ عَقْلِهِ يَخْتَارُ مَنْ عِنْدَهُ اللُّعَبُ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُخَيِّرُوا. وَأَمَّا حَدِيثُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ فَلِكَوْنِهِ قَالَ اللَّهُمَّ اهْدِهِ» فَوُفِّقَ لَا اخْتِيَارًا لَا نَظَرَ بِدُعَائِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَأَفَادَهُ) أَيْ أَفَادَ مَا ذُكِرَ مِنْ ثُبُوتِ التَّخْيِيرِ وَالِانْفِرَادِ لِلْبَالِغِ مَعَ زِيَادَةِ تَفْصِيلٍ وَتَقْيِيدٍ لِذَلِكَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: مَبْلَغَ النِّسَاءِ) أَيْ بِمَا تَبْلُغُ بِهِ النِّسَاءُ مِنْ الْحَيْضِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ حَذَفَهُ لَكَانَ أَوْضَحَ. (قَوْلُهُ: ضَمَّهَا الْأَبُ إلَى نَفْسِهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا الْفَسَادَ لَوْ حَدِيثَةَ السِّنِّ بَحْرٌ، وَالْأَبُ غَيْرُ قَيْدٍ، فَإِنَّ الْأَخَ وَالْعَمَّ كَذَلِكَ عِنْدَ فَقْدِ الْأَبِ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا مِنْهُمَا، فَيَنْظُرُ الْقَاضِي امْرَأَةً مُسْلِمَةً ثِقَةً فَتُسَلَّمُ إلَيْهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا دَخَلَتْ فِي السِّنِّ) عِبَارَةُ الْوَجِيزِ مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ: إلَّا إذَا كَانَتْ مُسِنَّةً وَلَهَا رَأْيٌ. وَفِي كِفَايَةِ الْمُتَحَفِّظِ وَفِقْهِ اللُّغَةِ: مَنْ رَأَى الْبَيَاضَ فَهُوَ أَشْيَبُ وَأَشْمَطُ ثُمَّ شَيْخٌ، فَإِذَا ارْتَفَعَ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ مُسِنٌّ رَحْمَتِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَا لِغَيْرِهِمَا إلَخْ) الْفَرْقُ أَنَّ الْأَبَ وَالْجَدَّ كَانَ لَهُمَا وِلَايَةُ الضَّمِّ فِي الِابْتِدَاءِ، فَجَازَ أَنْ يُعِيدَاهَا إلَى حِجْرِهِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَأْمُونَةً، أَمَّا غَيْرُهُمَا فَلَمْ تَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ الضَّمِّ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا تَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ الْإِعَادَةِ أَيْضًا بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمُتُونَ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ امْرَأَةٌ فَالْحَضَانَةُ لِلْعَصَبَاتِ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ، فَفِي ذَلِكَ إثْبَاتُ وِلَايَةِ الضَّمِّ ابْتِدَاءً لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ " أَمَّا غَيْرُهُمَا " الْعَصَبَةَ غَيْرَ الْمَحْرَمِ كَابْنِ الْعَمِّ وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ، فَإِنَّ الْأُنْثَى لَا تُضَمُّ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ. وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ: إلَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ عَلَى نَفْسِهَا لَا يُوثَقُ بِهَا فَلِلْأَبِ أَنْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ، وَكَذَا لِلْأَخِ وَالْعَمِّ الضَّمُّ إذَا لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا، فَإِنْ كَانَ فَحِينَئِذٍ يَضَعُهَا الْقَاضِي عِنْدَ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ اهـ. وَزَادَ الزَّيْلَعِيُّ: وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ عَصَبَةٍ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا. اهـ. وَهَذَا الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ. (قَوْلُهُ: وَالْغُلَامُ إذَا عَقَلَ إلَخْ) كَانَ يَنْبَغِي الِابْتِدَاءُ بِمَسْأَلَةِ الْغُلَامِ، أَوْ ذِكْرُهَا آخِرًا لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فِي الْجَارِيَةِ؛ ثُمَّ الْمُرَادُ الْغُلَامُ الْبَالِغُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ. وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ: ثُمَّ الْغُلَامُ إذَا بَلَغَ رَشِيدًا فَلَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا مَخُوفًا عَلَيْهِ إلَخْ. وَاحْتَرَزَ عَمَّا إذَا بَلَغَ مَعْتُوهًا. فَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَمَنْ بَلَغَ مَعْتُوهًا كَانَ عِنْدَ الْأُمِّ سَوَاءٌ كَانَ ابْنًا، أَوْ بِنْتًا. اهـ. وَفِي الْفَتْحِ وَالْمَعْتُوهُ لَا يُخَيَّرُ وَيَكُونُ عِنْدَ أُمٍّ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا فِي الْفَتْحِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِتَخْيِيرِ الْوَلَدِ، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَالْمَعْتُوهُ إذَا بَلَغَ السِّنَّ الْمَذْكُورَ: أَيْ الَّذِي يُنْزَعُ فِيهِ مِنْ الْأُمِّ يَكُونُ عِنْدَ الْأَبِ اهـ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَلَهُ ضَمُّهُ) أَيْ لِلْأَبِ وِلَايَةُ ضَمِّهِ إلَيْهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجَدَّ كَذَلِكَ بَلْ غَيْرَهُ مِنْ الْعَصَبَاتِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ، وَلَعَلَّهُمْ اعْتَمَدُوا عَنْ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْمَعَاصِي، وَهَذَا فِي زَمَانِنَا غَيْرُ وَاقِعٍ فَيَتَعَيَّنُ الْإِفْتَاءُ بِوِلَايَةِ ضَمِّهِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْتَمَنُ عَلَيْهِ مِنْ أَقَارِبِهِ وَيَقْدِرُ عَلَى حِفْظِهِ، فَإِنَّ دَفْعَ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ لَا سِيَّمَا مَنْ يَلْحَقُهُ عَارُهُ، وَذَلِكَ أَيْضًا مِنْ أَعْظَمِ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَالشَّرْعُ أَمَرَ بِصِلَتِهَا وَبِدَفْعِ الْمُنْكَرِ مَا أَمْكَنَ. قَالَ تَعَالَى - {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]- ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ لِلرَّمْلِيِّ ذَكَرَ ذَلِكَ بَحْثًا أَيْضًا وَقَالَ وَلَمْ أَرَهُ ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ رَأَيْت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 568 (وَالْجَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِيهِ) فِيمَا ذُكِرَ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ وَلَا جَدٌّ، وَ) لَكِنْ (لَهَا أَخٌ أَوْ عَمٌّ فَلَهُ ضَمُّهَا إنْ لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا، وَإِنْ كَانَ) مُفْسِدًا (لَا) يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ. (وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ عَصَبَةٍ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ وَلَا جَدٌّ وَلَا غَيْرُهُمَا مِنْ الْعَصَبَاتِ أَوْ كَانَ لَهَا عَصَبَةٌ مُفْسِدٌ فَالنَّظَرُ فِيهَا إلَى الْحَاكِمِ، فَإِنْ) كَانَتْ (مَأْمُونَةً خَلَّاهَا تَنْفَرِدُ بِالسُّكْنَى وَإِلَّا وَضَعَهَا عِنْدَ) امْرَأَةٍ (أَمِينَةٍ قَادِرَةٍ عَلَى الْحِفْظِ، بِلَا فَرْقٍ فِي ذَلِكَ بَيْنَ بِكْرٍ وَثَيِّبٍ) لِأَنَّهُ جُعِلَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ، ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ. وَإِذَا بَلَغَ الذُّكُورُ حَدَّ الْكَسْبِ يَدْفَعُهُمْ الْأَبُ إلَى عَمَلٍ لِيَكْتَسِبُوا، أَوْ يُؤَجِّرُهُمْ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْ أُجْرَتِهِمْ بِخِلَافِ الْإِنَاثِ؛ وَلَوْ الْأَبُ مُبَذِّرًا يُدْفَعُ كَسْبُ الِابْنِ إلَى أَمِينٍ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْلَاكِ مُؤَيَّدٌ زَادَهُ مَعْزِيًّا لِلْخُلَاصَةِ. (لَيْسَ لِلْمُطَلَّقَةِ) بَائِنًا بَعْدَ عِدَّتِهَا (الْخُرُوجُ بِالْوَلَدِ مِنْ بَلْدَةٍ إلَى أُخْرَى بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ) فَلَوْ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُبْصِرَ وَلَدَهُ ثُمَّ يَرْجِعَ فِي نَهَارِهِ لَمْ تُمْنَعْ.   [رد المحتار] النَّقْلَ فِيهِ وَهُوَ مَا فِي الْمِنْهَاجِ وَالْخُلَاصَةِ والتتارخانية، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ أَبٌ وَانْقَضَتْ الْحَضَانَةُ فَمَنْ سِوَاهُ مِنْ الْعَصَبَةِ أَوْلَى الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، غَيْرَ أَنَّ الْأُنْثَى لَا تُدْفَعُ إلَّا إلَى مَحْرَمٍ. اهـ. قُلْت: كَلَامُنَا فِيمَا إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ، وَمَا نَقَلَهُ فِيمَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ التَّفْصِيلَ بَيْنَ كَوْنِهِ مَأْمُونًا، أَوْ غَيْرَهُ. (قَوْلُهُ: فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ أَحْكَامِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وَالْغُلَامِ وَالتَّأْدِيبِ ط (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا) أَيْ لِلْبِكْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَافِي، وَكَذَا الثَّيِّبُ كَمَا عَلِمْته خِلَافًا لِمَا مَرَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِهِ بَعْدُ فِي قَوْلِهِ بِلَا فَرْقٍ فِي ذَلِكَ بَيْنَ بِكْرٍ وَثَيِّبٍ. [تَنْبِيهٌ] : حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْوَلَدِ إذَا بَلَغَ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِكْرًا مُسِنَّةً أَوْ ثَيِّبًا مَأْمُونَةً، أَوْ غُلَامًا كَذَلِكَ فَلَهُ الْخِيَارُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِكْرًا شَابَّةً، أَوْ يَكُونَ ثَيِّبًا، أَوْ غُلَامًا غَيْرَ مَأْمُونَيْنِ فَلَا خِيَارَ لَهُمْ بَلْ يَضُمُّهُمْ الْأَبُ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا بَلَغَ الذُّكُورُ حَدَّ الْكَسْبِ) أَيْ قَبْلَ بُلُوغِهِمْ مَبْلَغَ الرِّجَالِ إذْ لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهُمْ عَلَيْهِ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْإِنَاثِ) فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُنَّ فِي عَمَلٍ، أَوْ خِدْمَةٍ تَتَارْخَانِيَّةٌ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرُ يَخْلُو بِهَا وَذَلِكَ سَيِّئٌ فِي الشَّرْعِ ذَخِيرَةٌ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ يَدْفَعُهَا إلَى امْرَأَةٍ تُعَلِّمُهَا حِرْفَةً كَتَطْرِيزٍ وَخِيَاطَةٍ إذْ لَا مَحْذُورَ فِيهِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي النَّفَقَاتِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ الْأَبُ مُبَذِّرًا) أَيْ يُخْشَى مِنْهُ إتْلَافُ كَسْبِ الِابْنِ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْلَاكِ) أَيْ أَمْلَاكِ الصِّبْيَانِ تَتَارْخَانِيَّةٌ: أَيْ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَنْصِبُ لَهُمْ وَصِيًّا يَحْفَظُ لَهُمْ مَا لَهُمْ إذَا كَانَ الْأَبُ مُبَذِّرًا. (قَوْلُهُ: لَيْسَ لِلْمُطَلَّقَةِ بَائِنًا إلَخْ) أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ رَجْعِيَّةً فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمَنْكُوحَةِ لَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ، لِأَنَّ حَقَّ السُّكْنَى لِلزَّوْجِ، وَأَمَّا الْمُعْتَدَّةُ فَلَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مُطْلَقًا بَحْرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا كَالْمُطَلَّقَةِ فِي ذَلِكَ، فَلَا تَمْلِكُ ذَلِكَ بِلَا إذْنِ الْأَوْلِيَاءِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَ الْأَبِ، وَمَا فِيهِ إضْرَارٌ بِالْوَلَدِ ظَاهِرُ الْمَنْعِ اهـ رَمْلِيٌّ. لَا يُقَالُ: إنَّ مُعْتَدَّةَ الْمَوْتِ تَخْرُجُ يَوْمًا وَبَعْضَ اللَّيْلِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الِانْتِفَالُ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى وَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ. وَأَمَّا بَعْدَ انْقِضَائِهَا فَلَمْ أَرَهُ، وَقَوْلُ الرَّمْلِيِّ " لِقِيَامِ الْأَوْلِيَاءِ مَقَامَ الْأَبِ " يُفِيدُ مَنْعَهَا مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِدَّةِ أَيْضًا لَكِنْ سُئِلَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَلَّامَةُ الْفَقِيهُ مُنْلَا عَلِيٌّ التُّرْكُمَانِيُّ عَنْ يَتِيمٍ فِي حَضَانَةِ أُمِّهِ لَهُ جَدٌّ لِأَبٍ تُرِيدُ أُمُّهُ السَّفَرَ بِهِ مِنْ بَلَدِهَا الَّتِي تَزَوَّجَتْ فِيهَا إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى فَهَلْ لِجَدِّهِ مَنْعُهَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ مُتُونًا وَشُرُوحًا تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِالْمُطَلَّقَةِ وَالْأَبِ؟ وَلَمْ نَرَ مَنْ أَجْرَاهَا فِي غَيْرِهِمَا، وَمُفَادُهُ أَنَّ الْجَدَّ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا، وَمَا قَالَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ لَمْ يَسْتَنِدْ فِيهِ إلَى نَقْلٍ فَيَنْبَغِي التَّوَقُّفُ حَتَّى نَرَى النَّقْلَ الصَّرِيحَ فَإِنَّ الْعِلْمَ أَمَانَةٌ، هَذَا حَاصِلُ مَا رَأَيْته بِخَطِّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَوَجْهُ تَوَقُّفِهِ التَّقْيِيدُ بِالْأَبِ وَالْمُطَلَّقَةِ، فَيُحْتَمَلُ كَوْنُهُ لِلِاحْتِرَازِ بِقَرِينَةِ تَخْصِيصِهِمْ هَذَا الْحُكْمَ بِالْأُمِّ الْمُطَلَّقَةِ فَقَطْ، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ لِمَا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: لَمْ تُمْنَعْ) إلَّا إذَا انْتَقَلَتْ مِنْ مِصْرٍ إلَى قَرْيَةٍ كَمَا يَأْتِي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 569 مُطْلَقًا لِأَنَّهُ كَالِانْتِفَالِ مِنْ مَحَلَّةٍ إلَى مَحَلَّةٍ شُمُنِّيٌّ (إلَّا إذَا انْتَقَلَتْ مِنْ الْقَرْيَةِ إلَى الْمِصْرِ، وَفِي عَكْسِهِ لَا) لِضَرَرِ الْوَلَدِ بِتَخَلُّقِهِ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ السَّوَادِ (إلَّا إذَا كَانَ) مَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ (وَطَنَهَا وَقَدْ نَكَحَهَا ثَمَّةَ) أَيْ عَقَدَ عَلَيْهَا فِي وَطَنِهَا وَلَوْ قَرْيَةً فِي الْأَصَحِّ إلَّا دَارَ الْحَرْبِ إلَّا أَنْ يَكُونَا مُسْتَأْمَنَيْنِ (وَهَذَا) الْحُكْمُ (فِي الْأُمِّ) الْمُطَلَّقَةِ فَقَطْ (أَمَّا غَيْرُهَا) كَجَدَّةٍ وَأُمِّ وَلَدٍ أُعْتِقَتْ (فَلَا تَقْدِرُ عَلَى نَقْلِهِ) لِعَدَمِ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا (إلَّا بِإِذْنِهِ) كَمَا يُمْنَعُ الْأَبُ مِنْ إخْرَاجِهِ مِنْ بَلَدِ أُمِّهِ.   [رد المحتار] قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) سَوَاءً كَانَ وَطَنًا لَهَا، أَوْ لَا، وَقَعَ الْعَقْدُ فِيهِ، أَوْ لَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ مَحَلَّةٍ إلَى مَحَلَّةٍ) أَيْ فِي بَلَدٍ وَاحِدَةٍ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَحَلَّتَيْنِ تَفَاوُتٌ تُمْنَعُ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا انْتَقَلَتْ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِي الْمِنَحِ: هَذَا خَطَأٌ تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْبَحْرِ، إذْ لَيْسَ لَهَا نَقْلُهُ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى مِصْرٍ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ. وَالْعَجَبُ فِي حُكْمٍ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ جَعَلَهُ مَتْنًا بِمُجَرَّدِ تَقْلِيدِهِ لِلْبَحْرِ. اهـ. وَفِي ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ: وَإِنْ أَرَادَتْ نَقْلَهُ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى مِصْرٍ جَامِعٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِصْرَهَا وَلَا وَقَعَ النِّكَاحُ فِيهَا فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمِصْرُ قَرِيبًا مِنْ الْقَرْيَةِ عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي قُلْنَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي عَكْسِهِ لَا إلَخْ) أَيْ وَفِي انْتِقَالِهَا مِنْ الْمِصْرِ إلَى الْقَرْيَةِ لَا تُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ الْقَرْيَةُ قَرِيبَةً لِتَضَرُّرِ الْوَلَدِ بِتَخَلُّقِهِ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ السَّوَادِ: أَيْ أَهْلِ الْقُرَى الْمَجْبُولَةِ عَلَى الْجَفَاءِ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ " وَفِي عَكْسِهِ لَا "، وَمِثْلُهُ مَا إذَا انْتَقَلَتْ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى مِصْرٍ أَوْ إلَى قَرْيَةٍ، أَوْ مِنْ مِصْرٍ إلَى مِصْرٍ، وَلِذَا عَمَّمَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ مَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ. وَيُمْكِنُ جَعْلُهُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ لَيْسَ لِلْمُطَلَّقَةِ الْخُرُوجُ، وَلَكِنْ كَانَ حَقُّهُ الْعَطْفَ بِالْوَاوِ وَأَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: أَيْ عَقَدَ عَلَيْهَا فِي وَطَنِهَا) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّكَاحِ مُجَرَّدُ الْعَقْدِ، وَأَنَّ الْإِشَارَةَ بِثَمَّةَ لِلْوَطَنِ، فَلَا بُدَّ فِي جَوَازِ الِانْتِقَالِ إلَى الْبَلْدَةِ الْبَعِيدَةِ مِنْ شَرْطَيْنِ: كَوْنِهَا وَطَنَهَا، وَكَوْنِ الْعَقْدِ فِيهَا. وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اشْتِرَاطُ الْعَقْدِ دُونَ الْوَطَنِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ فِي دَارٍ لَيْسَ الْتِزَامًا لِلْمُقَامِ فِيهَا عُرْفًا فَلَا يَكُونُ لَهَا النُّقْلَةُ إلَيْهَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَرْيَةً فِي الْأَصَحِّ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْوَطَنُ الْوَاقِعُ فِيهِ الْعَقْدُ قَرْيَةً خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الْبَقَّالِيِّ فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: إلَّا دَارَ الْحَرْبِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْمَتْنِ، وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَا مُسْتَأْمَنَيْنِ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا دَارَ الْحَرْبِ أَيْ لَهَا الِانْتِقَالُ إلَى وَطَنِهَا الَّذِي نَكَحَهَا فِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَارَ الْحَرْبِ، وَالزَّوْجُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ، فَلَوْ كَانَا حَرْبِيَّيْنِ مُسْتَأْمَنَيْنِ فَلَهَا ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِبَارَةَ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ فِي غَايَةِ الْخَفَاءِ مَعَ التَّطْوِيلِ فَالْأَظْهَرُ وَالْأَخْصَرُ أَنْ يُقَالَ: وَلِلْمُطَلَّقَةِ الْخُرُوجُ بِالْوَلَدِ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى مِصْرٍ قَرِيبَةٍ لَا عَكْسُهُ، وَمِنْ بَلْدَةٍ إلَى أُخْرَى هِيَ وَطَنُهَا وَقَدْ نَكَحَهَا فِيهَا، وَلَوْ دَارَ حَرْبٍ لَوْ زَوْجُهَا حَرْبِيًّا مِثْلَهَا فَهَذِهِ عِبَارَةٌ مُوجَزَةٌ نَافِعَةٌ جَامِعَةٌ مَانِعَةٌ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا الْحُكْمُ) أَيْ الَّذِي ذُكِرَ مِنْ الْخُرُوجِ وَالتَّفْصِيلِ فِيهِ ط. (قَوْلُهُ: كَجَدَّةٍ) وَغَيْرُ الْجَدَّةِ مِنْ الْحَاضِنَاتِ مِثْلُهَا بِالْأَوْلَى كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الزَّوْجَةِ فِي وَطَنِهَا دَلِيلُ الرِّضَا بِإِقَامَتِهَا بِالْوَلَدِ فِيهِ وَلَا عَقْدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَدَّةِ. (قَوْلُهُ: إلَّا بِإِذْنِهِ) أَيْ إذْنِ الْأَبِ وَكَذَا مَنْ لَهُ حَقُّ الْحَضَانَةِ مِنْ الرِّجَالِ ط تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: مِنْ إخْرَاجِهِ) أَيْ إلَى مَكَان بَعِيدٍ، أَوْ قَرِيبٍ يُمْكِنُهَا أَنْ تُبْصِرَهُ فِيهِ ثُمَّ تَرْجِعَ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ لَهَا الْحَضَانَةُ يُمْنَعُ مِنْ أَخْذِهِ مِنْهَا فَضْلًا عَنْ إخْرَاجِهِ، فَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْعَبْدِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي عَنْ الْحَاوِي غَيْرُ صَحِيحٍ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: مِنْ بَلَدِ أُمِّهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ غَيْرَهَا مِنْ الْحَاضِنَاتِ كَذَلِكَ ط. (قَوْلُهُ: مَا بَقِيَتْ حَضَانَتُهَا) كَذَا فِي النَّهْرِ وَفِيهِ كَلَامٌ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ أَخَذَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِ مَا قَبْلَهُ. وَفِي الْمَجْمَعِ: وَلَا يَخْرُجُ الْأَبُ بِوَلَدِهِ قَبْلَ الِاسْتِغْنَاءِ وَعَلَّلَهُ فِي شَرْحِهِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْأُمِّ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا فِي الْحَضَانَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَضَانَتَهَا إذَا سَقَطَتْ جَازَ لَهُ السَّفَرُ بِهِ ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ السِّرَاجِيَّةِ الْمَذْكُورَ وَقَالَ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 570 بِلَا رِضَاهَا مَا بَقِيَتْ حَضَانَتُهَا،. فَلَوْ (أَخَذَ الْمُطَلِّقُ وَلَدَهُ مِنْهَا لِتَزَوُّجِهَا) جَازَ (لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إلَى أَنْ يَعُودَ حَقُّ أُمِّهِ) كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ، وَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَنْتَقِلُ الْحَقُّ إلَيْهِ بَعْدَهَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَفِي الْحَاوِي: لَهُ إخْرَاجُهُ إلَى مَكَان يُمْكِنُهَا أَنْ تُبْصِرَ وَلَدَهَا كُلَّ يَوْمٍ كَمَا فِي جَانِبِهَا فَلْيُحْفَظْ. قُلْت: وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: إذَا سَقَطَتْ حَضَانَةُ الْأُمِّ وَأَخَذَهُ الْأَبُ لَا يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُرْسِلَهُ لَهَا، بَلْ هِيَ إذَا أَرَادَتْ أَنْ تَرَاهُ لَا تُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. وَأَفْتَى شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ يُسَافِرُ بِهِ بَعْدَ تَمَامِ حَضَانَتِهَا، وَبِأَنَّ غَيْرَ الْأَبِ مِنْ الْعَصَبَاتِ كَالْأَبِ، وَعَزَاهُ لِلْخُلَاصَةِ والتتارخانية. [فَرْعٌ] : خَرَجَ بِالْوَلَدِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَطَالَبَتْهُ بِرَدِّهِ، إنْ أَخْرَجَهُ بِإِذْنِهَا لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ، وَإِنْ بِغَيْرِ إذْنِهَا لَزِمَهُ كَمَا لَوْ خَرَجَ بِهِ مَعَ أُمِّهِ ثُمَّ رَدَّهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَعَلَيْهِ رَدُّهُ بَحْرٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. بَابُ النَّفَقَةِ هِيَ لُغَةً: مَا يُنْفِقُهُ الْإِنْسَانُ عَلَى عِيَالِهِ.   [رد المحتار] لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ وَكَذَا لَا يَخْرُجُ الْأَبُ بِهِ مِنْ مَحَلِّ إقَامَتِهِ قَبْلَ اسْتِغْنَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ بِزَوَالِ الْمَانِعِ اهـ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِمَّا يَأْتِي عَنْ فَتَاوَى الرَّمْلِيِّ وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي الْحَاوِي كَمَا تَعْرِفُ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ بِالْحَقِّ الْحَالَ أَوْ الْمُسْتَقْبَلَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ) الْمُرَادُ بِهَا فَتَاوَى سِرَاجِ الدِّينِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) وَكَذَا قَيَّدَهُ فِي النَّهْرِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهَا إذَا تَزَوَّجَتْ وَكَانَ لَهَا أُمٌّ أَهْلٌ لِلْحَضَانَةِ، أَوْ غَيْرُهَا فَلَيْسَ لِأَبِيهِ أَخْذُهُ مِنْهَا فَضْلًا عَنْ السَّفَرِ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْحَاوِي) يَعْنِي الْقُدْسِيَّ. (قَوْلُهُ: إخْرَاجُهُ إلَخْ) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقُّ الْحَضَانَةِ إذْ لَوْ كَانَ لَهَا الْحَضَانَةُ لَا تُمَكِّنُهُ مِنْ أَخْذِهِ مِنْهَا فَضْلًا عَنْ إخْرَاجِهِ عَنْهَا إلَى قَرْيَةٍ، أَوْ بَلْدَةٍ قَرِيبَةٍ، أَوْ بَعِيدَةٍ خِلَافًا لِمَا فِي النَّهْرِ كَمَا مَرَّ فَافْهَمْ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ وَلِمَا يَأْتِي عَنْ شَيْخِهِ الرَّمْلِيِّ بَلْ وَلِمَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمَعِ وَالْبُرْهَانِ لِأَنَّ مَا فِي الْحَاوِي يَشْمَلُ مَا بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ وَهَذَا هُوَ الْأَرْفَقُ بِالْأُمِّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة: الْوَلَدُ مَتَى كَانَ عِنْدَ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ لَا يُمْنَعُ الْآخَرُ عَنْ النَّظَرِ إلَيْهِ وَعَنْ تَعَهُّدِهِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ السَّفَرَ أَعْظَمُ مَانِعٍ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي جَانِبِهَا) أَيْ كَمَا أَنَّهَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ عِنْدَهَا لَهَا إخْرَاجُهُ إلَى مَكَان يُمْكِنُهُ أَنْ يُبْصِرَ وَلَدَهُ كُلَّ يَوْمٍ. (قَوْلُهُ: لَا يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُرْسِلَهُ) وَكَذَا يُقَالُ فِي جَانِبِهَا وَقْتَ حَضَانَتِهَا ط. وَيُفِيدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ يُسَافِرُ بِهِ بَعْدَ تَمَامِ حَضَانَتِهَا) لَمْ أَرَهُ فِي الْخَيْرِيَّةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ. (قَوْلُهُ: وَبِأَنَّ غَيْرَ الْأَبِ إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّ غَيْرَ الْأَبِ لَهُ السَّفَرُ بِهِ أَيْضًا إذَا كَانَ عِنْدَهُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، بَلْ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ فَلَا يُخْرِجُهُ الْأَبُ إلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ، وَلَا غَيْرُهُ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ. اهـ. وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ الرَّمْلِيُّ فِي الْخَيْرِيَّةِ هُوَ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ بِأَجْنَبِيٍّ وَلِلصَّغِيرِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ طَلَبُهُ. قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ لِلْعُقَيْلِيِّ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ أَبٌ وَانْقَضَتْ الْحَضَانَةُ فَمَنْ سِوَاهُ مِنْ الْعَصَبَةِ أَوْلَى الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، غَيْرَ أَنَّ الْأُنْثَى لَا تُدْفَعُ إلَى غَيْرِ الْمَحْرَمِ، وَمِثْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ والتتارخانية وَغَيْرِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ) بَلْ يُقَالُ: اذْهَبِي وَخُذِيهِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ رَدُّهُ) لِأَنَّهُ وَإِنْ أَخْرَجَهُ بِإِذْنِهَا لَكِنَّهَا لَمَّا خَرَجَتْ مَعَهُ لَمْ تَكُنْ رَاضِيَةً بِفِرَاقِهِ، فَإِذَا رَدَّهَا وَحْدَهَا ثُمَّ أَطْلَقَهَا لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَيْهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا أَذِنَتْ بِإِخْرَاجِهِ وَحْدَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ النَّفَقَةِ] ِ (قَوْلُهُ هِيَ لُغَةً إلَخْ) النَّفَقَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ النُّفُوقِ: وَهُوَ الْهَلَاكُ، نَفَقَتْ الدَّابَّةُ نُفُوقًا: هَلَكَتْ، أَوْ مِنْ النَّفَاقِ وَهُوَ الرَّوَاجُ، نَفَقَتْ السِّلْعَةُ نَفَاقًا: رَاجَتْ، ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيّ أَنَّ كُلَّ مَا فَاؤُهُ نُونٌ وَعَيْنُهُ فَاءٌ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْخُرُوجِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 571 وَشَرْعًا: (هِيَ الطَّعَامُ وَالْكُسْوَةُ وَالسُّكْنَى) وَعُرْفًا هِيَ: الطَّعَامُ (وَنَفَقَةُ الْغَيْرِ تَجِبُ عَلَى الْغَيْرِ بِأَسْبَابٍ ثَلَاثَةٍ: زَوْجِيَّةٌ، وَقَرَابَةٌ، وَمِلْكٌ) بَدَأَ بِالْأَوَّلِ لِمُنَاسِبَةِ مَا مَرَّ أَوْ؛ لِأَنَّهَا أَصْلُ الْوَلَدِ (فَتَجِبُ لِلزَّوْجَةِ) بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَلَوْ بَانَ فَسَادُهُ أَوْ بُطْلَانُهُ رَجَعَ بِمَا أَخَذَتْهُ مِنْ النَّفَقَةِ بِحُرٍّ (عَلَى زَوْجِهَا) ؛ لِأَنَّهَا جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ، وَكُلُّ مَحْبُوسٍ لِمَنْفَعَةِ غَيْرِهِ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ   [رد المحتار] وَالذَّهَابِ مِثْلُ نَفَقَ وَنَفَرَ وَنَفَخَ وَنَفِسَ وَنَفَى وَنَفِدَ. وَفِي الشَّرْعِ: الْإِدْرَارُ عَلَى شَيْءٍ بِمَا فِيهِ بَقَاؤُهُ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. قُلْت: وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ بَيَانٌ لِأَصْلِ مَادَّتِهَا وَمَأْخَذِ اشْتِقَاقِهَا وَوَجْهِ تَسْمِيَتِهَا فَإِنَّ بِهَا هَلَاكَ الْمَالِ وَرَوَاجَ الْحَالِ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ أَيْضًا إنَّهَا فِي اللُّغَةِ مَا يُنْفِقُهُ الْإِنْسَانُ عَلَى عِيَالِهِ وَنَحْوِهِمْ، فَإِنَّهُ بَيَانٌ لِحَقِيقَةِ مَدْلُولِهَا وَأَنَّهَا اسْمُ عَيْنٍ لَا حَدَثٍ. مَطْلَبٌ: اللَّفْظُ جَامِدٌ وَمُشْتَقٌّ وَعَنْ هَذَا قَالُوا: إنَّ اللَّفْظَ قِسْمَانِ: جَامِدٌ وَهُوَ مَا لَمْ يُوَافِقْ مَصْدَرًا بِحُرُوفِهِ الْأُصُولِ وَمَعْنَاهُ كَرَجُلٍ وَأَسَدٍ، وَمُشْتَقٌّ وَهُوَ خِلَافُهُ. وَهُوَ قِسْمَانِ: مُطَّرِدٌ وَغَيْرَهُ. فَالْأَوَّلُ كَاسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَبَقِيَّةِ الْمُشْتَقَّاتِ السَّبْعَةِ، فَضَارِبٌ مَثَلًا يَطَّرِدُ إطْلَاقُهُ عَلَى كُلِّ مَنْ اتَّصَفَ بِمَعْنَى الْمُشْتَقِّ هُوَ مِنْهُ. وَالثَّانِي مَا كَانَ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ مُرَجِّحًا لِلتَّسْمِيَةِ غَيْرَ دَاخِلٍ فِيهَا كَقَارُورَةٍ حَتَّى لَا يَطَّرِدَ فِي كُلِّ مَا وُجِدَ فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، فَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ قَارُورَةٍ عَلَى نَحْوِ الْبِئْرِ وَإِنْ وُجِدَ فِيهِ قَرَارُ الْمَاءِ فَالنَّفَقَةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لَا مِنْ الْمُطَّرِدِ وَلَا مِنْ الْجَامِدِ غَيْرِ الْمُشْتَقِّ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ فِي الْبَحْرِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَشَرْعًا هِيَ الطَّعَامُ إلَخْ) كَذَا فَسَّرَهَا مُحَمَّدٌ بِالثَّلَاثَةِ لَمَّا سَأَلَهُ هِشَامٌ عَنْهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ وَعُرْفًا) أَيْ فِي الْعُرْفِ الطَّارِئِ فِي لِسَانِ أَهْلِ الشَّرْعِ هِيَ الطَّعَامُ فَقَطْ، وَلِذَا يَعْطِفُونَ عَلَيْهِ الْكُسْوَةَ وَالسُّكْنَى وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ رَحْمَتِيٌّ، وَعِبَارَةُ الْمُتُونِ كَالْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِمَا عَلَى هَذَا (قَوْلُهُ وَمِلْكٌ) شَامِلٌ لِنَفَقَةِ الْمَمْلُوكِ مِنْ بَنِي آدَمَ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالْعَقَارِ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى، لَكِنَّ فِي الْأَخِيرِ لَا يُجْبَرُ قَضَاءً، وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ لِمُنَاسَبَةِ مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ؛ لِأَنَّهَا أَصْلُ الْوَلَدِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِالتَّوَالُدِ، وَالْوَلَدُ الَّذِي تَكَوَّنَ ابْنًا أَوْ أَبًا أَوْ أَخًا أَوْ عَمًّا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالزَّوْجِيَّةِ فَقَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَيْهَا لِتَقَدُّمِهَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) فَلَا نَفَقَةَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ حَقُّ الْحَبْسِ الثَّابِتُ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ وَكَذَا فِي عِدَّتِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ وَإِنْ ثَبَتَ لَكِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِالنِّكَاحِ بَلْ لِتَحْصِينِ الْمَاءِ، وَلِأَنَّ حَالَ الْعِدَّةِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ حَالِ النِّكَاحِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ فَلَوْ بَانَ فَسَادُهُ أَوْ بُطْلَانُهُ إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَحْرِ الْبُطْلَانَ، وَقَدَّمْنَا فِي الْعِدَّةِ عَنْ الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ فِي النِّكَاحِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَفَرَضَ لَهَا الْقَاضِي النَّفَقَةَ وَأَخَذَتْهَا شَهْرًا ثُمَّ ظَهَرَ فَسَادُ النِّكَاحِ بِأَنْ شَهِدُوا أَنَّهَا أُخْتُهُ رَضَاعًا وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَا أَخَذَتْ؛ وَلَوْ أَنْفَقَ بِلَا فَرْضِ الْقَاضِي لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ. اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ أَيْضًا عَنْ الْخُلَاصَةِ: وَأَجْمَعُوا أَنَّ فِي النِّكَاحِ بِلَا شُهُودٍ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ. اهـ قَالَ ط: وَنَظَرَ فِيهِ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الْفَاسِدِ. اهـ. قُلْت: وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّوَابَ لَا تَسْتَحِقُّ بِلَا النَّافِيَةِ إذْ لَا احْتِبَاسَ فِيهِ (قَوْلُهُ عَلَى زَوْجِهَا) أَيْ وَلَوْ عَبْدًا حَتَّى يُبَاعَ فِي نَفَقَتِهَا (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَحْبُوسٍ إلَخْ) هَذِهِ كُبْرَى قِيَاسٍ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ طُوِيَتْ صُغْرَاهُ لِلْعِلْمِ بِهَا مِنْ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ، وَالتَّقْدِيرُ: الزَّوْجَةُ مَحْبُوسَةٌ لِمَنْفَعَةِ الزَّوْجِ إلَخْ، وَيَنْتِجُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 572 كَمُفْتٍ وَقَاضٍ وَوَصِيٍّ زَيْلَعِيٌّ، وَعَامِلٍ وَمُقَاتِلَةٍ قَامُوا بِدَفْعِ الْعَدُوِّ وَمُضَارِبٍ سَافَرَ بِمَالِ مُضَارِبِهِ، وَلَا يَرِدُ الرَّهْنُ لِحَبْسِهِ لِمَنْفَعَتِهِمَا. (وَلَوْ صَغِيرًا) جِدًّا فِي مَالِهِ لَا عَلَى أَبِيهِ إلَّا إذَا كَانَ ضَمِنَهَا كَمَا مَرَّ فِي الْمَهْرِ (لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ)   [رد المحتار] لُزُومُ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ كَمُفْتٍ وَقَاضٍ) أَيْ وَوَالٍ، فَلَهُمْ قَدْرُ مَا يَكْفِيهِمْ وَيَكْفِي مَنْ تَلْزَمُهُمْ نَفَقَتُهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِاحْتِبَاسِهِمْ فِي مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَوَصِيٍّ) فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ نَفَقَتِهِ وَأَجْرِ عَمَلِهِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ. رَحْمَتِيٌّ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ غَنِيًّا أَوْ وَصِيَّ الْمَيِّتِ وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَابِهِ آخِرَ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ زَيْلَعِيٌّ) يُوهِمُ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ ذَكَرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ فَقَطْ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ السِّتَّةَ وَزَادَ عَلَيْهِمْ الْوَالِي ح (قَوْلُهُ وَعَامِلٍ) أَيْ فِي الصَّدَقَاتِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ قَامُوا بِدَفْعِ الْعَدُوِّ) أَيْ نَصَّبُوا أَنْفُسَهُمْ لِذَلِكَ وَتَرْقُبُوا غُرَّتَهُ فَتَجِبُ النَّفَقَةُ لَهُمْ وَلِذُرِّيَّتِهِمْ (قَوْلُهُ وَمُضَارِبٍ) فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ مَا دَامَ مُسَافِرًا لِاحْتِبَاسِهِ لَهَا، فَلَوْ كَانَ مُضَارِبًا بِالرَّجُلَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَنَفَقَتُهُ عَلَى حَسَبِ الْمَالِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يَرُدُّ الرَّهْنَ) قَالَ فِي الْبَحْرِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الرَّهْنَ مَحْبُوسٌ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ الِاسْتِيفَاءُ، وَلِذَا كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ مَعَ أَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الرَّاهِنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِحَقِّ الرَّاهِنِ أَيْضًا، وَهُوَ وَفَاءُ دَيْنِهِ عَنْهُ عِنْدَ الْهَلَاكِ مَعَ كَوْنِهِ مِلْكًا لَهُ. اهـ فَقَوْلُهُ مَعَ كَوْنِهِ مِلْكًا لَهُ تَرْجِيحٌ لِجَانِبِ الرَّاهِنِ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ مَعَ كَوْنِهِ مَحْبُوسًا لِحَقِّهِمَا وَالشَّارِحُ أَخَلَّ بِهِ ح. قُلْت: لَا إخْلَالَ بِتَرْكِهِ، فَإِنَّ الْمُحَقِّقَ ابْنَ الْهُمَامِ لَمْ يَذْكُرْهُ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْحَبْسِ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُخْتَصَّةٍ بِالْغَيْرِ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْغَيْرِ، فَهُوَ كَالْأَجِيرِ إذَا عَمِلَ فِي الْمُشْتَرَكِ لَا يَسْتَحِقُّ أَجْرًا؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ فَافْهَمْ. [مَطْلَبٌ لَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَةُ زَوْجَةِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ] ِ (قَوْلُهُ فِي مَالِهِ لَا عَلَى أَبِيهِ إلَخْ) كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ، حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا مَالَ لَهُ لَمْ يُؤْخَذْ أَبُوهُ بِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَمِنَهَا. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً وَلَيْسَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ لَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَتُهَا، وَيَسْتَدِينُ الْأَبُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الِابْنِ إذَا أَيْسَرَ. اهـ. وَعَزَاهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ إلَى الْخُلَاصَةِ أَيْضًا. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ. اهـ. قُلْت: وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فِي بَابِ الْمَهْرِ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ أَنَّ الْكَافِيَ هُوَ نَصُّ الْمَذْهَبِ وَلَا سِيَّمَا وَأَكْثَرُ الْكُتُبِ عَلَيْهِ، فَيُقَدَّمُ عَلَى مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي الْفُرُوعِ عَنْ الْمُخْتَارِ وَالْمُلْتَقَى مِنْ وُجُوبِهَا عَلَى أَبِيهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِدَانَةِ لِيَرْجِعَ تَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَقُولُ: هَذَا إذَا كَانَ فِي تَزْوِيجِ الصَّغِيرِ مَصْلَحَةٌ، وَلَا مَصْلَحَةَ فِي تَزْوِيجِ قَاصِرٍ مُرْضِعٍ بَالِغَةٍ حَدَّ الشَّهْوَةِ وَطَاقَةِ الْوَطْءِ بِمَهْرٍ كَثِيرٍ وَلُزُومِ نَفَقَةٍ يُقَرِّرُهَا الْقَاضِي فَتَسْتَغْرِقُ مَالَهُ إنْ كَانَ أَوْ يَصِيرُ ذَا دَيْنٍ كَثِيرٍ وَنَصُّ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا عُرِفَ الْأَبُ بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ مَجَانَةً أَوْ فِسْقًا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَلِيِّ. اهـ. قُلْت: الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ أَنَّ لِلْأَبِ تَزْوِيجَ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ غَيْرَ كُفْءٍ وَبِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ؛ لِأَنَّ كَمَالَ شَفَقَةِ الْأَبِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِ الْمَصْلَحَةِ مَا لَمْ يَكُنْ سَكْرَانَ أَوْ مَعْرُوفًا بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَأَمُّلِهِ فِي الْمَصْلَحَةِ؛ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْرُوفًا بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَا يَثْبُتُ سُوءُ اخْتِيَارِهِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ الْمَذْكُورِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يُتَصَوَّرَ صِحَّةُ عَقْدِهِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَلِغَيْرِ الْكُفْءِ كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ فِي بَابِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 573 ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ قِبَلِهِ (أَوْ فَقِيرًا وَلَوْ) كَانَتْ (مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً أَوْ كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً تُطِيقُ الْوَطْءَ) أَوْ تَشْتَهِي لِلْوَطْءِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، حَتَّى لَوْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ الْمَانِعُ مِنْهَا فَلَا نَفَقَةَ كَمَا لَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ (فَقِيرَةً أَوْ غَنِيَّةً مَوْطُوءَةً أَوْ لَا) كَأَنْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا أَوْ كَانَتْ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ أَوْ مَعْتُوهَةً أَوْ كَبِيرَةً لَا تُوطَأُ، وَكَذَا صَغِيرَةٌ تَصْلُحُ لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِلِاسْتِئْنَاسِ (إنْ أَمْسَكَهَا فِي بَيْتِهِ عِنْدَ الثَّانِي وَاخْتَارَهُ فِي التُّحْفَةِ؛ وَلَوْ مَنَعَتْ نَفْسَهَا لِلْمَهْرِ) دَخَلَ بِهَا أَوْ لَا وَلَوْ كُلَّهُ مُؤَجَّلًا عِنْدَ الثَّانِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَارْتَضَاهُ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ؛ لِأَنَّهُ مُنِعَ بِحَقٍّ فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ (بِقَدْرِ حَالِهِمَا) بِهِ يُفْتَى، -   [رد المحتار] الْوَلِيِّ. فَظَهَرَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ وَزَوَّجَ طِفْلَهُ امْرَأَةً صَحَّ ذَلِكَ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ إقَامَةً لِشَفَقَتِهِ مَقَامَ الْمَصْلَحَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ قِبَلِهِ) دَخَلَ فِي هَذَا الْمَجْبُوبُ وَالْعِنِّينُ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ فَقِيرًا) لَيْسَ عِنْدَهُ قَدْرُ النَّفَقَةِ لِزَوْجَتِهِ مِنَحٌ، فَتَسْتَدِينُ عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي ط وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَوْ مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً) الْأَوْلَى إسْقَاطُ مُسْلِمَةً (قَوْلُهُ تُطِيقُ الْوَطْءَ) أَيْ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْفَتْحِ وَأَشَارَ إلَى مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ تَقْدِيرِهِ بِالسِّنِّ، فَإِنَّ السَّمِينَةَ الضَّخْمَةَ تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ وَلَوْ صَغِيرَةَ السِّنِّ (قَوْلُهُ أَوْ تَشْتَهِي لِلْوَطْءِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَنْ كَانَتْ كَذَلِكَ فَهِيَ مُطِيقَةٌ لِلْجِمَاعِ فِي الْجُلَّةِ وَإِنْ لَمْ تُطِقْهُ مِنْ خُصُوصِ زَوْجٍ مَثَلًا فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَلَا نَفَقَةَ) أَيْ مَا لَمْ يُمْسِكْهَا فِي بَيْتِهِ لِلْخِدْمَةِ أَوْ الِاسْتِئْنَاسِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْوَطْءِ وُجِدَ مِنْهَا وَوُجُودُهُ مِنْهُ أَيْضًا لَا يَضُرُّ بَعْدَ عَدَمِ وُجُودِ التَّسْلِيمِ الْمُوجِبِ، لِلنَّفَقَةِ مِنْهَا (قَوْلُهُ مَوْطُوءَةً أَوْ لَا) أَيْ سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَمْ لَا (قَوْلُهُ كَأَنْ كَانَ الزَّوْجُ إلَخْ) تَمْثِيلٌ لِقَوْلِهِ أَوْ لَا أَفَادَ بِهِ أَنَّ عَدَمَ وَطْئِهَا لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَا مَانِعَ مِنْهُ أَصْلًا أَوْ لَهُ مَانِعٌ مِنْ جِهَتِهِ أَوْ مِنْ جِهَتِهَا وَهِيَ مُشْتَهَاةٌ كَالْقَرْنَاءِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ الِاحْتِبَاسُ لِانْتِفَاعِ مَقْصُودٍ مِنْ وَطْءٍ أَوْ مِنْ دَوَاعِيهِ، وَلِذَا وَجَبَتْ لِصَغِيرَةٍ تَشْتَهِي لِلْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ كَمَا مَرَّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ مَعْتُوهَةً) فِي التَّتَارْخَانِيَّة: الْمَجْنُونَةُ لَهَا النَّفَقَةُ إذَا لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ (قَوْلُهُ وَكَذَا صَغِيرَةٌ) أَيْ لَا تَشْتَهِي أَصْلًا وَلَوْ لِلْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَإِلَّا لَزِمَهُ نَفَقَتُهَا أَمْسَكَهَا أَوْ لَا كَمَا مَرَّ آنِفًا. (قَوْلُهُ إنْ أَمْسَكَهَا فِي بَيْتِهِ) وَإِنْ رَدَّهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا بَدَائِعُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ. أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمُشْتَهَاةِ فَلَا تَخْيِيرَ بَلْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا مُطْلَقًا كَمَا عَلِمْته فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَنَعَتْ نَفْسَهَا لِلْمَهْرِ) أَيْ الَّذِي تُعُورِفَ تَقْدِيمُهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْعٌ يَحِقُّ لِتَقْصِيرٍ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَا) تَعْمِيمٌ لِلْمَنْعِ: أَيْ لَهَا النَّفَقَةُ بِالْمَنْعِ الْمَذْكُورِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي الْمَنْعِ إذَا دَخَلَ بِهَا بِرِضَاهَا (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) أَيْ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَبَ تَأْجِيلَهُ كُلَّهُ فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْأُسْتَاذَ ظَهِيرَ الدِّينِ كَانَ يُفْتِي بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ وَالصَّدْرَ الشَّهِيدَ كَانَ يُفْتِي بِأَنَّ لَهَا ذَلِكَ. اهـ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ بَحْرٌ مِنْ بَابِ الْمَهْرِ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ مُقَدَّمٌ، فَلِذَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الدُّخُولَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، فَلَوْ شَرَطَهُ وَرَضِيَتْ بِهِ لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ عَلَى قَوْلِ الثَّانِي. اهـ. وَتَمَامُ الْكَلَامِ قَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْمَهْرِ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتِي) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْخَصَّافِ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اعْتِبَارُ حَالِهِ فَقَطْ، وَبِهِ قَالَ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ. وَفِي التُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ بَحْرٌ، لَكِنَّ الْمُتُونَ وَالشُّرُوحَ عَلَى الْأَوَّلِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ يُعْتَبَرُ حَالُ الْمَرْأَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْمُوسِرِينَ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ، وَعَلَى نَفَقَةِ الْمُعْسِرِينَ إذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 574 وَيُخَاطَبُ بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَالْبَاقِي دَيْنٌ إلَى الْمَيْسَرَةِ، وَلَوْ مُوسِرًا وَهِيَ فَقِيرَةٌ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُطْعِمَهَا مِمَّا يَأْكُلُ بَلْ يُنْدَبُ. (وَلَوْ هِيَ فِي بَيْتِ أَبِيهَا) إذَا لَمْ يُطَالِبْهَا الزَّوْجُ بِالنَّقْلَةِ بِهِ يُفْتَى؛ وَكَذَا إذَا طَالَبَهَا وَلَمْ تَمْتَنِعْ أَوْ امْتَنَعَتْ (لِلْمَهْرِ أَوْ مَرِضَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ) فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ اسْتِحْسَانًا لِقِيَامِ الِاحْتِبَاسِ، وَكَذَا لَوْ مَرِضَتْ ثُمَّ إلَيْهِ نُقِلَتْ، أَوْ فِي مَنْزِلِهَا بَقِيَتْ وَلِنَفْسِهَا مَا مَنَعَتْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: مَرِضَتْ عِنْدَ الزَّوْجِ فَانْتَقَلَتْ لِدَارِ أَبِيهَا، إنْ لَمْ يَكُنْ نَقْلُهَا بِمِحَفَّةٍ وَنَحْوِهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ وَإِلَّا لَا كَمَا لَا يَلْزَمُهُ مُدَاوَاتُهَا. (لَا) نَفَقَةَ لِأَحَدِ عَشْرَ: مُرْتَدَّةٌ، وَمُقَبِّلَةُ ابْنِهِ، وَمُعْتَدَّةُ مَوْتٍ،   [رد المحتار] وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا، فَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الِاعْتِبَارُ لِحَالِ الرَّجُلِ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَهِيَ مُعْسِرَةٌ فَعَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ، وَفِي عَكْسِهِ نَفَقَةُ الْمُعْسِرِينَ. وَأَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَتَجِبُ نَفَقَةُ الْوَسَطِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ فَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَةِ وَدُونَ نَفَقَةِ الْمُوسِرَةِ. اهـ[تَنْبِيهٌ] صَرَّحُوا بِبَيَانِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فِي نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَلَمْ أَرَ مَنْ عَرَّفَهُمَا فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، وَلَعَلَّهُمْ وَكَّلُوا ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ وَالنَّظَرِ إلَى الْحَالِ مِنْ التَّوَسُّعِ فِي الْإِنْفَاقِ وَعَدَمِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْبَدَائِعِ: حَتَّى لَوْ كَانَ الرَّجُلُ مُفْرِطًا فِي الْيَسَارِ يَأْكُلُ خُبْزَ الْحُوَّارَى وَلَحْمَ الدَّجَاجِ وَالْمَرْأَةُ مُفْرِطَةً فِي الْفَقْرِ تَأْكُلُ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا خُبْزَ الشَّعِيرِ يُطْعِمُهَا خُبْزَ الْحِنْطَةِ وَلَحْمَ الشَّاةِ (قَوْلُهُ وَيُخَاطَبُ إلَخْ) صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَقَدْ غَفَلَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَقَالَ: إذَا كَانَ مُعْسِرًا وَهِيَ مُوسِرَةٌ وَأَوْجَبْنَا الْوَسَطَ فَقَطْ كَلَّفْنَاهُ بِمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ (قَوْلُهُ وَالْبَاقِي) أَيْ مَا يُكْمِلُ نَفَقَةَ الْوَسَطِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ هِيَ فِي بَيْتِ أَبِيهَا) تَعْمِيمٌ لِقَوْلِهِ فَتَجِبُ لِلزَّوْجَةِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، فَتَجِبُ النَّفَقَةُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ وَإِنْ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ إذَا لَمْ يَطْلُبْهَا. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: لَا تَجِبُ مَا لَمْ تُزَفَّ إلَى مَنْزِلِهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ وَلَيْسَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يُطَالِبْهَا إلَخْ) الْأَخْصَرُ وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ بِهِ يُفْتَى إذَا لَمْ تَمْتَنِعْ مِنْ النَّقْلَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ (قَوْلُهُ لِقِيَامِ الِاحْتِبَاسِ) فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِسُ بِهَا وَيَمَسُّهَا وَتَحْفَظُ الْبَيْتَ، وَالْمَانِعُ لِعَارِضٍ فَأَشْبَهَ الْحَيْضَ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ مَرِضَتْ إلَخْ) هَذَا خِلَافُ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ مَرِضَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ: أَيْ بَعْدَمَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا صَحِيحَةً، فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهَا لَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا مَرِيضَةً لَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، لَكِنْ حَقَّقَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ تَعَلُّقِهَا بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ لَا بِالتَّسْلِيمِ فَالْمُخْتَارُ وُجُوبُ النَّفَقَةِ لِقِيَامِ الِاحْتِبَاسِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ أَمْكَنَ نَقْلُهَا إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ بِمِحَفَّةٍ وَنَحْوِهَا فَلَمْ تَنْتَقِلْ لَا نَفَقَةَ لَهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ لِمَنْعِهَا نَفْسَهَا عَنْ النَّقْلَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَقْدِرْ أَصْلًا، لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّهَا لَا تَجِبُ لِمَرِيضَةٍ لَمْ تُزَفَّ إذَا لَمْ يُمْكِنْهَا الِانْتِقَالُ مَعَهُ أَصْلًا، فَقَدْ جُعِلَ عَدَمُ إمْكَانِ الِانْتِقَالِ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَهُنَا جُعِلَ مُوجِبًا لَهَا. وَقَدْ يُجَابُ بِالْفَرْقِ، وَهُوَ أَنَّهَا هُنَا لَمَّا انْتَقَلَتْ إلَى بَيْتِهِ فَقَدْ تَحَقَّقَ التَّسْلِيمُ وَلَا تَصِيرُ بَعْدَهُ نَاشِزَةً إلَّا إذَا أَمْكَنَهَا الِانْتِقَالُ إلَيْهِ وَامْتَنَعَتْ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ تَسْلِيمٌ أَصْلًا وَمَرِضَتْ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهَا الِانْتِقَالُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ أَصْلًا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا وَسَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ (قَوْلُهُ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ مُدَاوَاتُهَا) أَيْ إتْيَانُهُ لَهَا بِدَوَاءِ الْمَرَضِ وَلَا أُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَلَا الْفَصْدِ وَلَا الْحِجَامَةِ هِنْدِيَّةٌ عَنْ السِّرَاجِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْهَا مَا تَسْتَعْمِلُهُ النُّفَسَاءُ مِمَّا يُزِيلُ الْكَلَفَ وَنَحْوَهُ، وَأَمَّا أُجْرَةُ الْقَابِلَةِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ لَا نَفَقَةَ لِأَحَدَ عَشَرَ) أَيْ بِعَدِّ الْمَنْكُوحَةِ فَاسِدًا وَعِدَّتِهَا أَمْرًا وَاحِدًا، وَذَكَرَ الْعَدَدَ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ. اهـ. ح وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا هُنَا خَمْسَةً، وَذَكَرَ الشَّارِحُ سِتَّةً، لَكِنْ مَا زَادَهُ الشَّارِحُ سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ مُفَرَّقًا سِوَى مَنْكُوحَةِ فَاسِدٍ وَعِدَّتِهِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ زَوْجَةٍ وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا فِي مَحَالِّهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 575 وَمَنْكُوحَةٌ فَاسِدًا وَعِدَّتُهُ، وَأَمَةٌ لَمْ تُبَوَّأْ، وَصَغِيرَةٌ لَا تُوطَأُ، وَ (خَارِجَةٌ مِنْ بَيْتِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ) وَهِيَ النَّاشِزَةُ حَتَّى تَعُودَ وَلَوْ بَعْدَ سَفَرِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالْقَوْلُ لَهَا فِي عَدَمِ النُّشُوزِ بِيَمِينِهَا، وَتَسْقُطُ بِهِ الْمَفْرُوضَةُ لَا الْمُسْتَدَانَةُ فِي الْأَصَحِّ كَالْمَوْتِ، قَيَّدَ بِالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ مَانَعَتْهُ مِنْ الْوَطْءِ لَمْ تَكُنْ نَاشِزَةً -   [رد المحتار] وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ الْمَوْطُوءَةَ بِشُبْهَةٍ، لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ: كُلُّ مَنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا. اهـ.؛ لِأَنَّ زَوْجَهَا مَمْنُوعٌ عَنْهَا بِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا، وَيُمْكِنُ إدْخَالُهَا فِي النَّاشِزَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمَنْكُوحَةٌ فَاسِدًا وَعِدَّتُهُ) الْأَوْلَى وَمُعْتَدَّتُهُ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْمَنْكُوحَةِ فَاسِدًا. وَفِي الْخَانِيَّةِ: غَابَ عَنْهَا فَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ وَدَخَلَ بِهَا وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ عَوْدِ الْأَوَّلِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي عِدَّتِهَا لَا عَلَى الْأَوَّلِ وَلَا عَلَى الثَّانِي، بِخِلَافِ الْمَدْخُولَةِ إذَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ فِي الْعِدَّةِ وَدَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى عَلَى الْأَوَّلِ. اهـ أَيْ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ مِنْ الْأَوَّلِ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَإِنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ وَلَا عَلَى زَوْجِهَا؛ لِأَنَّهَا مَنَعَتْ نَفْسَهَا بِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ: اُتُّهِمَ بِامْرَأَةٍ فَتَزَوَّجَهَا وَأَنْكَرَ أَنَّ حَبَلَهَا مِنْهُ لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِمْتَاعِهَا بِمَعْنًى مِنْ قِبَلِهَا وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَتْهُ. [تَنْبِيهٌ] تَزَوَّجَ مُعْتَدَّةَ الْبَائِنِ إنَّمَا لَا يَسْقُطُ نَفَقَتُهَا مَا دَامَتْ فِي بَيْتِ الْعِدَّةِ وَإِلَّا صَارَتْ نَاشِزَةً كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ صَغِيرَةٌ لَا تُوطَأُ) وَكَذَا إنْ صَلَحَتْ لِلْخِدْمَةِ أَوْ الِاسْتِئْنَاسِ وَلَمْ يُمْسِكْهَا فِي بَيْتِهِ كَمَا مَرَّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ) ذَكَرَ مُحْتَرَزَهُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ خَرَجَتْ إلَخْ، وَكَذَا هُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ خَرَجَتْ حَتَّى يَدْفَعَ لَهَا الْمَهْرَ وَلَهَا الْخُرُوجُ فِي مَوَاضِعَ مَرَّتْ فِي الْمَهْرِ وَسَيَأْتِي بَعْضُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ (قَوْلُهُ وَهِيَ النَّاشِزَةُ) أَيْ بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ أَمَّا فِي اللُّغَةِ فَهِيَ الْعَاصِيَةُ عَلَى الزَّوْجِ الْمُبْغِضَةُ لَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْدَ سَفَرِهِ) أَيْ لَوْ عَادَتْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ بَعْدَمَا سَافَرَ خَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا نَاشِزَةً بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ بِأَيٍّ فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فَتَكْتُبُ إلَيْهِ لِيُنْفِقَ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ أَمْرَهَا لِلْقَاضِي لِيَفْرِضَ لَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةً، أَمَّا لَوْ أَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا بِدُونِ ذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ لَهَا؛ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهَا تَسْقُطُ بِالْمُضِيِّ بِدُونِ قَضَاءٍ وَلَا تَرَاضٍ. (قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ لَهَا إلَخْ) أَيْ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ، وَهَذَا أَخَذَهُ فِي الْبَحْرِ مِمَّا فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ هِيَ نَاشِزَةٌ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَوْفَاهَا الْمُعَجَّلَ وَهِيَ لَمْ تَكُنْ فِي بَيْتِهِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي طَاعَتِهِ لِلْجِمَاعِ لَمْ تُقْبَلْ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا فِي بَيْتِهِ وَلَا تَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَغْلِبُ عَلَيْهَا. اهـ. قُلْت: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا تَقْيِيدُ كَوْنِ الْقَوْلِ لَهَا بِمَا إذَا كَانَتْ فِي بَيْتِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي نُشُوزٍ فِي الْحَالِ. أَمَّا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهَا سُقُوطَ النَّفَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ فِي شَهْرٍ مَاضٍ مَثَلًا لِنُشُوزِهَا فِيهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ لَهَا أَيْضًا لِإِنْكَارِهَا مُوجِبَ الرُّجُوعِ عَلَيْهَا تَأَمَّلْ. وَلَوْ ادَّعَتْ أَنَّ خُرُوجَهَا إلَى بَيْتِ أَهْلِهَا كَانَ بِإِذْنِهِ وَأَنْكَرَ أَوْ ثَبَتَ نُشُوزُهَا ثُمَّ ادَّعَتْ أَنَّهُ بَعْدَهُ بِشَهْرٍ مَثَلًا أَذِنَ لَهَا بِالْمُكْثِ هُنَاكَ هَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ لَهَا أَمْ لَا لَمْ أَرَهُ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي لِتَحَقُّقِ الْمُسْقِطِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَتَسْقُطُ بِهِ) أَيْ بِالنُّشُوزِ النَّفَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ، يَعْنِي إذَا كَانَ لَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةُ أَشْهُرٍ مَفْرُوضَةٍ ثُمَّ نَشَزَتْ سَقَطَتْ تِلْكَ الْأَشْهُرُ الْمَاضِيَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ فَاسْتَدَانَتْ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ. اهـ. ح قُلْت: وَسُقُوطُ الْمَفْرُوضَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ، أَمَّا الْمُسْتَدَانَةُ فَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي سُقُوطِهَا بِالْمَوْتِ وَالْأَصَحُّ مِنْهُمَا عَدَمُ السُّقُوطِ. اهـ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهَا لَوْ عَادَتْ إلَى بَيْتِهِ لَا يَعُودُ مَا سَقَطَ، وَهَلْ يَبْطُلُ الْفَرْضُ فَيَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِهِ بَعْدَ الْعَوْدِ إلَى بَيْتِهِ أَمْ لَا؟ لَمْ أَرَهُ، وَيَظْهَرُ عَدَمُ بُطْلَانِهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي سُقُوطِ الْمَفْرُوضِ لَا الْفَرْضِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لَوْ مَانَعَتْهُ مِنْ الْوَطْءِ إلَخْ) قَيَّدَهُ فِي السِّرَاجِ بِمَنْزِلِ الزَّوْجِ وَبِقُدْرَتِهِ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 576 وَشَمِلَ الْخُرُوجَ الْحُكْمِيَّ كَأَنْ كَانَ الْمَنْزِلُ لَهَا فَمَنَعَتْهُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فَهِيَ كَالْخَارِجَةِ مَا لَمْ تَكُنْ سَأَلَتْهُ النَّقْلَةَ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ شُبْهَةٌ كَبَيْتِ السُّلْطَانِ فَامْتَنَعَتْ مِنْهُ فَهِيَ نَاشِزَةٌ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الشُّبْهَةِ فِي زَمَانِنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ الْغَصْبِ أَوْ أَبَتْ الذَّهَابَ إلَيْهِ أَوْ السَّفَرَ مَعَهُ أَوْ مَعَ أَجْنَبِيٍّ بَعَثَهُ لِيَنْقُلَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ، وَكَذَا لَوْ أَجَّرَتْ نَفْسَهَا لِإِرْضَاعِ صَبِيٍّ وَزَوْجُهَا شَرِيفٌ وَلَمْ تَخْرُجْ، وَقِيلَ تَكُونُ نَاشِزَةً. وَلَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ أَوْ عَكْسُهُ فَلَا نَفَقَةَ لِنَقْصِ التَّسْلِيمِ. قَالَ فِي الْمُجْتَبَى: وَبِهِ عُرِفَ جَوَابُ وَاقِعَةٍ فِي زَمَانِنَا أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ مِنْ الْمُحْتَرِفَاتِ الَّتِي تَكُونُ بِالنَّهَارِ فِي مَصَالِحِهَا وَبِاللَّيْلِ عِنْدَهُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا انْتَهَى، قَالَ فِي النَّهْرِ. وَفِيهِ نَظَرٌ.   [رد المحتار] وَطْئِهَا كَرْهًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا نَاشِزَةٌ. اهـ وَالثَّانِي وَجِيهٌ فِي حَقِّ مَنْ يَسْتَحِي، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ هَذَا الْمَنْعَ فِي مَنْزِلِهَا نُشُوزٌ بِالِاتِّفَاقِ سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ لَهَا) أَيْ مِلْكًا أَوْ إجَارَةً (قَوْلُهُ مَا لَمْ تَكُنْ سَأَلَتْهُ النَّقْلَةَ) بِأَنْ قَالَتْ لَهُ حَوِّلْنِي إلَى مَنْزِلِكَ أَوْ اكْتَرِ لِي مَنْزِلًا فَإِنِّي مُحْتَاجَةٌ إلَى مَنْزِلِي هَذَا آخُذُ كِرَاءَهُ فَلَهَا النَّفَقَةُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الشُّبْهَةِ فِي زَمَانِنَا) نَقَلَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى فِي الْمَغْصُوبِ حَرَامٌ وَالِامْتِنَاعَ عَنْ الْحَرَامِ وَاجِبٌ، بِخِلَافِ الِامْتِنَاعِ عَنْ الشُّبْهَةِ، فَإِنَّهُ مَنْدُوبٌ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ حَقُّ الزَّوْجِ الْوَاجِبِ. وَسُئِلْت عَنْ امْرَأَةٍ أَسْكَنَهَا زَوْجُهَا فِي بِلَادِ الدُّرُوزِ الْمُلْحِدِينَ ثُمَّ امْتَنَعَتْ وَطَلَبَتْ مِنْهُ السُّكْنَى فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ خَوْفًا عَلَى دِينِهَا، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِلَادَ الدُّرُوزِ فِي زَمَانِنَا شَبِيهَةٌ بِدَارِ الْحَرْبِ. (قَوْلُهُ أَوْ السَّفَرَ مَعَهُ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْمُفْتَى بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ السَّفَرُ بِهَا لِفَسَادِ الزَّمَانِ فَامْتِنَاعُهَا بِحَقٍّ (قَوْلُهُ أَوْ مَعَ أَجْنَبِيٍّ إلَخْ) هَذَا مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهَا إذَا اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ عِنْدَ امْتِنَاعِهَا عَنْ السَّفَرِ مَعَهُ فَمَعَ الْأَجْنَبِيِّ بِالْأَوْلَى، أَوْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ لِلزَّوْجِ السَّفَرَ بِهَا لَكِنَّهُ لَمَّا بَعَثَ إلَيْهَا أَجْنَبِيًّا لِيَأْتِيَهُ بِهَا كَانَ امْتِنَاعُهَا مِنْ السَّفَرِ مَعَهُ بِحَقٍّ وَلِذَا قَيَّدَ بِالْأَجْنَبِيِّ، إذْ لَوْ كَانَ مَحْرَمًا لَهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ، وَمَسْأَلَةُ السَّفَرِ فِيهَا كَلَامٌ بَسَطْنَاهُ فِي بَابِ الْمَهْرِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ تَكُونُ نَاشِزَةً) أَشَارَ إلَى ضَعْفِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ قَوَّاهُ الرَّحْمَتِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ قَائِمٌ بِمَصَالِحِهَا وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْغَزْلِ وَنَحْوِهِ، وَعَنْ كُلِّ مَا يَتَأَذَّى بِرَائِحَتِهِ كَالْحِنَّاءِ وَالنَّقْشِ، وَالْإِرْضَاعُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُهْزِلُهَا وَيَلْحَقُهُ عَارٌ بِهِ إذَا كَانَ مِنْ الْأَشْرَافِ. أَقُولُ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَا يَدُلُّ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَصِيرُ بِذَلِكَ نَاشِزَةً؛ لِأَنَّهَا الْخَارِجَةُ بِغَيْرِ حَقٍّ كَمَا مَرَّ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّهَا تَصِيرُ نَاشِزَةً إذَا خَالَفَتْهُ فِي الْغَزْلِ وَالنَّقْشِ وَالْحِنَّاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تُخَالِفُ بِهِ أَمْرَهُ وَهِيَ فِي بَيْتِهِ، وَفَسَادُهُ لَا يَخْفَى نَعَمْ يُفِيدُ أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ هَذَا الْإِيجَارِ، بَلْ ذَكَرَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ إرْضَاعِ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ وَتَرْبِيَتِهِ أَخْذًا مِمَّا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْكَافِي فِي إجَارَةِ الظِّئْرِ، وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ امْرَأَتَهُ عَمَّا يُوجِبُ خَلَلًا فِي حَقِّهِ وَمَا فِيهَا أَيْضًا عَنْ السِّغْنَاقِيِّ وَلِأَنَّهَا فِي الْإِرْضَاعِ وَالسَّهَرِ تَتْعَبُ وَذَلِكَ يُنْقِصُ جَمَالَهَا وَجَمَالُهَا حَقُّ الزَّوْجِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا. اهـ. فَافْهَمْ (قَوْلُهُ قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِيهِ نَظَرٌ) وَجْهُهُ أَنَّهَا مَعْذُورَةٌ لِاشْتِغَالِهَا بِمَصَالِحِهَا، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا لَا عُذْرَ لَهَا فَنَقْصُ التَّسْلِيمِ مَنْسُوبٌ إلَيْهَا أَفَادَهُ ح، وَفِيهِ أَنَّ الْمَحْبُوسَةَ ظُلْمًا وَالْمَغْصُوبَةَ وَحَاجَّةَ الْفَرْضِ مَعَ غَيْرِهِ مَعْذُورَةٌ وَقَدْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ فِي الْأَمَةِ إذَا سَلَّمَهَا السَّيِّدُ لِزَوْجِهَا لَيْلًا فَقَطْ فَعَلَيْهِ نَفَقَةُ النَّهَارِ، وَعَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ اللَّيْلِ وَقِيَاسُهُ هُنَا كَذَلِكَ ط. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 577 (وَمَحْبُوسَةٌ) وَلَوْ ظُلْمًا إلَّا إذَا حَبَسَهَا هُوَ بِدَيْنٍ لَهُ فَلَهَا النَّفَقَةُ فِي الْأَصَحِّ جَوْهَرَةٌ، وَكَذَا لَوْ قَدَرَ عَلَى الْوُصُولِ إلَيْهَا فِي الْحَبْسِ صَيْرَفِيَّةٌ كَحَبْسِهِ مُطْلَقًا، لَكِنْ فِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ: لَوْ حُبِسَ فِي سِجْنِ السُّلْطَانِ فَالصَّحِيحُ سُقُوطُهَا. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ مَآلِ الْفَتَاوَى: وَلَوْ خِيفَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ تُحْبَسُ مَعَهُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَمَرِيضَةٌ لَمْ تُزَفَّ) أَيْ لَا يُمْكِنُهَا الِانْتِقَالُ مَعَهُ أَصْلًا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ لَمْ تَمْنَعْ -   [رد المحتار] قُلْت: وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَتُفْرَضُ لِزَوْجَةِ الْغَائِبِ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ الْغَزْلِ وَكُلِّ عَمَلٍ وَلَوْ قَابِلَةً وَمُغَسِّلَةً. اهـ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ عَصَتْهُ وَخَرَجَتْ بِلَا إذْنِهِ كَانَتْ نَاشِزَةً مَا دَامَتْ خَارِجَةً، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهَا لَمْ تَكُنْ نَاشِزَةً، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَمَحْبُوسَةٌ وَلَوْ ظُلْمًا) شَمِلَ حَبْسَهَا بِدَيْنٍ تَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ أَوْ لَا قَبْلَ النَّفَقَةِ إلَيْهِ أَوْ بَعْدَهَا، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ زَيْلَعِيٌّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَتْحٌ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي سُقُوطِ نَفَقَتِهَا فَوَاتُ الِاحْتِبَاسِ لَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ صَيْرَفِيَّةٌ) كَذَا نَقَلَهُ عَنْهَا فِي الْمِنَحِ وَأَقَرَّهُ، وَنَقَلَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ كَحَبْسِهِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ أَيْ كَكَوْنِهِ مَحْبُوسًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ ظُلْمًا أَوْ حَبَسَتْهُ هِيَ لِدَيْنٍ عَلَيْهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: قَيَّدَ بِحَبْسِهَا؛ لِأَنَّ حَبْسَهُ مُطْلَقًا غَيْرُ مُسْقِطٍ لِنَفَقَتِهَا كَذَا فِي غَيْرِ كِتَابٍ، إلَّا أَنَّهُ فِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ نَقَلَ عَنْ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ لَوْ حُبِسَ فِي سِجْنِ السُّلْطَانِ ظُلْمًا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ. اهـ. قُلْت: وَنَقَلَ الْمَقْدِسِيَّ عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ كَذَلِكَ، وَقَالَ كَذَا فِي نُسْخَةِ الْمُؤَيِّدِيَّةِ وَنُسَخٍ جَدِيدَةٍ لَعَلَّهَا كُتِبَتْ مِنْهَا. وَفِي نُسْخَتِي الْعَتِيقَةِ الَّتِي عَلَيْهَا خَطُّ بَعْضِ الْمَشَايِخِ حَذْفُ لَا، فَلْيُحَرَّرْ. اهـ قُلْت: وَهَكَذَا رَأَيْتُهُ بِدُونِ لَا فِي نُسْخَةٍ عَتِيقَةٍ عِنْدِي مِنْ الْخَانِيَّةِ وَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ، فَلَعَلَّ صَاحِبَ تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ نَقَلَ ذَلِكَ مِنْ نُسْخَةِ الْمَدْرَسَةِ الْمُؤَيِّدِيَّةِ أَيْضًا أَوْ مِمَّا نُقِلَ عَنْهَا فَتَكُونُ لَا زَائِدَةً، لِيُوَافِقَ مَا فِي بَقِيَّةِ النُّسَخِ الْقَدِيمَةِ وَمَا فِي غَيْرِ كِتَابٍ، وَالْمَعْنَى يُسَاعِدُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ جَاءَ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ لَا مِنْ جِهَتِهَا كَمَا لَوْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ صَغِيرًا جِدًّا أَوْ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا (قَوْلُهُ وَفِي الْبَحْرِ إلَخْ) عِبَارَتُهُ: وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهَا إذَا حَبَسَتْهُ وَطَلَبَ أَنْ تُحْبَسَ مَعَهُ فَإِنَّهَا لَا تُحْبَسُ. وَذَكَرَ فِي مَآلِ الْفَتَاوَى إلَخْ. قُلْت: وَهَذَا إذَا كَانَ فِي الْحَبْسِ مَوْضِعٌ خَالٍ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة؛ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ تَقْيِيدَهُ بِمَا لَوْ خِيفَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي أَنَّ قَصْدَهَا بِحَبْسِهِ أَنْ تَفْعَلَ مَا تُرِيدُ حَيْثُ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ التُّهْمَةِ وَالْفَسَادِ لَا بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الزَّوْجِ ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَحَرَّى فِي ذَلِكَ، فَقَدْ وَقَعَ فِي زَمَانِنَا أَنَّ امْرَأَةً حَبَسَتْ زَوْجَهَا بِدَيْنٍ لَهَا عَلَيْهِ فَطَلَبَ حَبْسَهَا مَعَهُ لِأَجْلِ أَنْ تُخْرِجَهُ مِنْ الْحَبْسِ وَيَأْكُلَ مَالَهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ حَبْسَهَا لَهُ غَيْرُ قَيْدٍ، بَلْ لَوْ حَبَسَهُ غَيْرُهَا وَخَافَ عَلَيْهَا الْفَسَادَ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ خَوْفُ الْفَسَادِ (قَوْلُهُ لَمْ تُزَفَّ) أَيْ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا (قَوْلُهُ أَيْ لَا يُمْكِنُهَا إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْمُصَحَّحَ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى وُجُوبُ النَّفَقَةِ لِلْمَرِيضَةِ قَبْلَ النَّقْلَةِ أَوْ بَعْدَهَا أَمْكَنَهُ جِمَاعُهَا أَوْ لَا، مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ لَا حَيْثُ لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا إذَا طَلَبَ نَقْلَتَهَا، فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّحِيحَةِ لِوُجُودِ التَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ كَمَا فِي الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَنْبَغِي إدْخَالُهَا فِيمَنْ لَا نَفَقَةَ لَهُنَّ. لَكِنَّ ظَاهِرَ التَّجْنِيسِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَرَضًا مَانِعًا مِنْ النَّقْلَةِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ بِالْكُلِّيَّةِ فَهَذَا مُرَادُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَرِيضَةِ وَالصَّحِيحَةِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، هَذَا حَاصِلُ مَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ، وَمَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ حَيْثُ ذَكَرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ إذَا مَرِضَتْ بَعْدَ النَّقْلَةِ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ أَوْ قَبْلَ النَّقْلَةِ ثُمَّ انْتَقَلَتْ إلَى بَيْتِهِ أَوْ لَمْ تَنْتَقِلْ وَلَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا، ثُمَّ ذَكَرَ هُنَا أَنَّ الَّتِي لَا نَفَقَةَ لَهَا هِيَ الَّتِي مَرِضَتْ قَبْلَ النَّقْلَةِ مَرَضًا لَا يُمْكِنُهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 578 نَفْسَهَا لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ تَقْدِيرًا بَحْرٌ (وَمَغْصُوبَةٌ) كُرْهًا (وَحَاجَّةٌ) وَلَوْ نَفْلًا (لَا مَعَهُ وَلَوْ بِمَحْرَمٍ) لِفَوَاتِ الِاحْتِبَاسِ. (وَلَوْ مَعَهُ فَعَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَضَرِ خَاصَّةً) لَا نَفَقَةُ السَّفَرِ وَالْكِرَاءِ (امْتَنَعَتْ الْمَرْأَةُ) مِنْ الطَّحْنِ وَالْخَبْزِ (إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَخْدِمُ) أَوْ كَانَ بِهَا عِلَّةٌ (فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِطَعَامٍ مُهَيَّإٍ وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَخْدِمُ نَفْسَهَا وَتَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ (لَا) يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا دِيَانَةً وَلَوْ شَرِيفَةً؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَسَّمَ الْأَعْمَالَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ، فَجَعَلَ أَعْمَالَ الْخَارِجِ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالدَّاخِلِ عَلَى فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَعَ أَنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ بَحْرٌ. (وَيَجِبُ عَلَيْهِ آلَةُ طَحْنٍ وَخُبْزٍ وَآنِيَةُ شَرَابٍ وَطَبْخٍ كَكُوزٍ وَجَرَّةٍ وَقِدْرٍ وَمِغْرَفَةٍ) وَكَذَا سَائِرُ أَدَوَاتِ الْبَيْتِ كَحُصُرٍ وَلِبْدٍ وَطِنْفَسَةٍ، وَمَا تَتَنَظَّفُ بِهِ وَتُزِيلُ الْوَسَخَ كَمُشْطٍ وَأُشْنَانٍ وَمَا يَمْنَعُ الصُّنَانَ، وَمَدَاسِ رِجْلِهَا، وَتَمَامُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْبَحْرِ. وَفِيهِ أُجْرَةُ الْقَابِلَةِ عَلَى مَنْ اسْتَأْجَرَهَا مِنْ زَوْجَةٍ وَزَوْجٍ وَلَوْ جَاءَتْ بِلَا اسْتِئْجَارٍ، -   [رد المحتار] الِانْتِقَالُ مَعَهُ، وَقَدَّمْنَا الْفَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الَّتِي مَرِضَتْ عِنْدَ الزَّوْجِ ثُمَّ عَادَتْ إلَى دَارِ أَبِيهَا وَلَا يُمْكِنُهَا الِانْتِقَالُ. (قَوْلُهُ وَمَغْصُوبَةٌ) أَيْ مَنْ أَخَذَهَا رَجُلٌ وَذَهَبَ بِهَا، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَهَا النَّفَقَةُ وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ الِاحْتِبَاسِ لَيْسَ مِنْهُ لِيُجْعَلَ بَاقِيًا تَقْدِيرًا هِدَايَةٌ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ كَرْهًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ بِهَا عَلَى صُورَةِ الْغَصْبِ لَكِنْ بِرِضَاهَا فَلَا خِلَافَ فِيهَا إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهَا نَاشِزَةٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَفْلًا) الْمُنَاسِبُ وَلَوْ فَرْضًا فَيُفْهِمُ عَدَمَ الْوُجُوبِ فِي النَّفْلِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. أَمَّا الْفَرْضُ فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ عُذْرٌ فَلَهَا نَفَقَةُ الْحَضَرِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ مَعَهَا وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ لَا مَعَهُ) عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ: أَيْ حَاجَّةٌ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ لَا مَعَهُ. (قَوْلُهُ لِفَوَاتِ الِاحْتِبَاسِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا نَفَقَةَ لِأَحَدَ عَشَرَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَعَهُ) أَيْ وَلَوْ حَجَّتْ مَعَ الزَّوْجِ وَلَوْ كَانَ الْحَجُّ نَفْلًا كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ ط. قُلْت: وَكَذَا لَوْ خَرَجَتْ مَعَهُ لِعُمْرَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ لِقِيَامِ الِاحْتِبَاسِ لِكَوْنِهَا مَعَهُ (قَوْلُهُ لَا نَفَقَةُ السَّفَرِ وَالْكِرَاءِ) فَيُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الطَّعَامِ فِي الْحَضَرِ لَا فِي السَّفَرِ بَحْرٌ قُلْت: لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إذَا خَرَجَ مَعَهَا لِأَجْلِهَا، أَمَّا لَوْ أَخْرَجَهَا هُوَ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ مِنْ الطَّحْنِ وَالْخَبْزِ) عِبَارَةُ الْهِنْدِيَّةِ مِنْ الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِطَعَامٍ مُهَيَّإٍ) أَوْ يَأْتِيَهَا بِمَنْ يَكْفِيهَا عَمَلَ الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ هِنْدِيَّةٌ (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ) وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ: تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ السَّرَخْسِيُّ: لَا تُجْبَرُ، وَلَكِنْ إذَا لَمْ تَطْبُخْ لَا يُعْطِيهَا الْإِدَامَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَمَا نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ الْمَوَاضِعِ عَزَاهُ فِي الْبَدَائِعِ إلَى أَبِي اللَّيْثِ، وَمُقْتَضَى مَا صَحَّحَهُ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ سِوَى الْخَبْزِ تَأَمَّلْ، لَكِنْ رَأَيْت صَاحِبَ النَّهْرِ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا يُعْطِيهَا الْإِدَامَ، أَيْ إدَامٌ هُوَ طَعَامٌ لَا مُطْلَقًا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى الطَّحْنِ وَالْخَبْزِ (قَوْلُهُ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا دِيَانَةً) فَتُفْتَى بِهِ، وَلَكِنَّهَا لَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ إنْ أَبَتْ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَرِيفَةً) كَذَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَخْدِمُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِطَعَامٍ وَإِلَّا لَا، فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهَا دِيَانَةً لَمْ يَبْقَ فَرْقٌ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الشَّرِيفَةَ قَدْ تَكُونُ مِمَّنْ تَخْدِمُ نَفْسَهَا وَقَدْ لَا تَكُونُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ اعْتِبَارُ حَالِهَا فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ لَا فِي الشَّرَفِ وَعَدَمِهِ فَإِنَّ الشَّرِيفَةَ الْفَقِيرَةَ تَخْدِمُ نَفْسَهَا، وَحَالُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَحَالُ أَهْلِ بَيْتِهِ فِي غَايَةٍ مِنْ التَّقَلُّلِ مِنْ الدُّنْيَا فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ حَالُ أَهْلِ التَّوَسُّعِ تَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ تُؤَيِّدُهُ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ تَخْدِمُ نَفْسَهَا فَعَلَيْهَا الطَّبْخُ وَالْخَبْزُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ (قَوْلُهُ وَلِبْدٍ) كَجِلْدٍ وَاحِدُ اللُّبُودِ وَالطِّنْفَسَةُ مُثَلَّثًا الْبِسَاطُ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ) حَيْثُ قَالَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَا تُنَظِّفُ بِهِ وَتُزِيلُ الْوَسَخَ كَالْمُشْطِ وَالدُّهْنِ وَالسِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ وَالْأُشْنَانِ وَالصَّابُونِ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ، أَمَّا الْخِضَابُ وَالْكُحْلُ فَلَا يَلْزَمُهُ بَلْ هُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 579 قِيلَ عَلَيْهِ وَقِيلَ عَلَيْهَا. (وَتُفْرَضُ لَهَا الْكُسْوَةُ فِي كُلِّ نِصْفِ حَوْلٍ مَرَّةً) لِتَجَدُّدِ الْحَاجَةِ حَرًّا وَبَرْدًا (وَلِلزَّوْجِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ) وَلَوْ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي خُلَاصَةٌ (إلَّا أَنْ يَظْهَرَ لِلْقَاضِي عَدَمُ إنْفَاقِهِ فَيَفْرِضُ) أَيْ يُقَدِّرُ (لَهَا) بِطَلَبِهَا مَعَ   [رد المحتار] عَلَى اخْتِيَارِهِ، وَأَمَّا الطِّيبُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مَا يَقْطَعُ بِهِ السَّهُوكَةَ لَا غَيْرُ، وَعَلَيْهِ مَا تَقْطَعُ بِهِ الصُّنَانَ لَا الدَّوَاءُ لِلْمَرَضِ وَلَا أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَلَا الْفِصَادُ وَلَا الْحِجَامُ، وَعَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ مَا تَغْسِلُ بِهِ ثِيَابَهَا وَبَدَنَهَا لَا شِرَاءُ مَاءِ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ بَلْ يَنْقُلُهُ إلَيْهَا أَوْ يَأْذَنُ لَهَا بِنَقْلِهِ وَإِنْ كَانَتْ مُوسِرَةً اسْتَأْجَرَتْ مَنْ يَنْقُلُهُ إلَيْهَا وَعَلَيْهِ مَاءُ الْوُضُوءِ. اهـ لَكِنْ فِي الْهِنْدِيَّةِ أَنَّ ثَمَنَ مَاءِ الِاغْتِسَالِ عَلَى الزَّوْجِ وَكَذَا مَاءُ الْوُضُوءِ، وَعَلَيْهِ فَتْوَى مَشَايِخِ بَلْخٍ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ قَاضِي خَانْ. اهـ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَا تُفْرَضُ لَهَا الْفَاكِهَةُ، وَالسَّهَكُ بِالتَّحْرِيكِ: رِيحُ الْعَرَقِ، وَالصُّنَانُ: دَفَرُ الْإِبْطِ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ نَتَنُهُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. [تَنْبِيهٌ] قَدْ عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لَهَا الْقَهْوَةُ وَالدُّخَانُ وَإِنْ تَضَرَّرَتْ بِتَرْكِهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنْ كَانَ مِنْ قَبِيلِ الدَّوَاءِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ التَّفَكُّهِ فَكُلٌّ مِنْ الدَّوَاءِ وَالتَّفَكُّهِ لَا يَلْزَمُهُ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ قِيلَ عَلَيْهِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْجِمَاعِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَيْهَا كَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ اهـ وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُهُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ قِيَاسٌ ذُو وَجْهَيْنِ لَمْ يَجْزِمْ أَحَدٌ مِنْ الْمَشَايِخِ بِأَحَدِهِمَا خِلَافُ مَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ، وَيَظْهَرُ لِي تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ نَفْعَ الْقَابِلَةِ مُعْظَمَهُ يَعُودُ إلَى الْوَلَدِ فَيَكُونُ عَلَى أَبِيهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَتُفْرَضُ لَهَا الْكُسْوَةُ) كَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَصِلَ الْكَلَامَ عَلَى الْكُسْوَةِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، بِأَنْ يُقَدِّمَ قَوْلَهُ وَتُزَادُ فِي الشِّتَاءِ إلَخْ هُنَا أَوْ يُؤَخِّرَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ هُنَاكَ ط. وَاعْلَمْ أَنَّ تَقْدِيرَ الْكُسْوَةِ مِمَّا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَالْعَادَاتِ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي اعْتِبَارُ الْكِفَايَةِ بِالْمَعْرُوفِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَكَانٍ، فَإِنْ شَاءَ فَرَضَهَا أَصْنَافًا، وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَقَضَى بِالْقِيمَةِ، كَذَا فِي الْمُجْتَبَى. وَفِي الْبَدَائِعِ: الْكُسْوَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ كَالنَّفَقَةِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِ فَقَطْ أَوْ حَالِهِمَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ فِي كُلِّ نِصْفِ حَوْلٍ مَرَّةً) إلَّا إذَا تَزَوَّجَ وَبَنَى بِهَا وَلَمْ يَبْعَثْ لَهَا كُسْوَةً فَتُطَالِبُهُ بِهَا قَبْلَ نِصْفِ الْحَوْلِ، وَالْكُسْوَةُ كَالنَّفَقَةِ فِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُضِيُّ الْمُدَّةِ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا تَجِبُ لَهَا مُعَجَّلَةً لَا بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُجَدِّدُ لَهَا الْكُسْوَةَ مَا لَمْ يَتَخَرَّقْ مَا عِنْدَهَا أَوْ يَبْلُغْ الْوَقْتَ الَّذِي يَكْسُوهَا كَافِي الْحَاكِمِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ سَيَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلِخَادِمِهَا. (قَوْلُهُ وَلِلزَّوْجِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ) لِكَوْنِهِ قَوَّامًا عَلَيْهَا لَا لِيَأْخُذَ مَا فَضَلَ، فَإِنَّ الْمَفْرُوضَةَ أَوْ الْمَدْفُوعَةَ لَهَا مِلْكٌ لَهَا، فَلَهَا الْإِطْعَامُ مِنْهَا وَالتَّصَدُّقُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَوْ أَمَرَتْهُ بِإِنْفَاقِ بَعْضِ الْمُقَرَّرِ لَهَا فَالْبَاقِي لَهَا أَوْ بِشِرَاءِ طَعَامٍ لَيْسَ لَهُ أَكْلُ مَا فَضَلَ عَنْهَا. وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ أَكَلَتْ مِنْ مَالِهَا أَوْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ لَهَا الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِالْمَفْرُوضِ بَحْرٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي) لَا مَحَلَّ لَهُ هُنَا؛ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ فَرْضِ الْقَاضِي أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَطْلُهُ وَعَدَمُ إنْفَاقِهِ كَمَا تَعْرِفُهُ (قَوْلُهُ فَيَفْرِضُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَبَيَانُ نَتِيجَتِهِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَدِّلَهُ بِقَوْلِهِ فَيَأْمُرَهُ لِيُعْطِيَهَا: أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا، بَلْ يَدْفَعَ لَهَا مَا تُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهَا، وَقَدْ صَلَّحَ الشَّارِحُ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ عَطَفَ قَوْلَهُ وَيَأْمُرُهُ إلَخْ عَلَى قَوْلِهِ فَيَفْرِضُ لَكِنْ كَانَ عَلَيْهِ حَذْفُ قَوْلِهِ إنْ شَكَتْ مَطْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَظْهَرَ لِلْقَاضِي عَدَمُ إنْفَاقِهِ مَعَ إيهَامِهِ الِاكْتِفَاءَ بِمُجَرَّدِ الشِّكَايَةِ، وَيُوَضِّحُ مَا قُلْنَاهُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالذَّخِيرَةِ الزَّوْجُ هُوَ الَّذِي يَلِي الْإِنْفَاقَ إلَّا إذَا ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي مَطْلُهُ، فَحِينَئِذٍ يَفْرِضُ النَّفَقَةَ وَيَأْمُرُهُ لِيُعْطِيَهَا لِتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا نَظَرًا لَهَا، فَإِنْ لَمْ يُعْطِ حَبَسَهُ وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ النَّفَقَةُ. اهـ وَقَوْلُهُ بِطَلَبِهَا مَعَ حَضْرَتِهِ بَيَانٌ لِشَرْطَيْنِ لِجَوَازِ فَرْضِ الْقَاضِي النَّفَقَةَ ذَكَرَهُمَا فِي الْبَدَائِعِ، لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ فَرْضُهَا عَلَى الْغَائِبِ لَوْ لَهُ مَالٌ عِنْدَ مَنْ يُقِرُّ بِهِ وَبِالزَّوْجِيَّةِ وَمُطْلَقًا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ الْمُفْتَى بِهِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ شَرْطٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ ظُهُورُ مَطْلِهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 580 حَضْرَتِهِ وَيَأْمُرُهُ لِيُعْطِيَهَا إنْ شَكَتْ مَطْلَهُ وَلَمْ يَكُنْ صَاحِبَ مَائِدَةٍ؛ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَأْكُلَ مِنْ طَعَامِهِ وَتَتَّخِذَ ثَوْبًا مِنْ كِرْبَاسِهِ بِلَا إذْنِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْطِ حَبَسَهُ وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ النَّفَقَةُ خُلَاصَةٌ وَغَيْرُهَا، وَقَوْلُهُ (فِي كُلِّ شَهْرٍ) أَيْ كُلِّ مُدَّةٍ تُنَاسِبُهُ كَيَوْمٍ لِلْمُحْتَرِفِ وَسَنَةٍ لِلدِّهْقَانِ، وَلَهُ الدَّفْعُ كُلَّ يَوْمٍ، كَمَا لَهَا الطَّلَبُ كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ الْمَسَاءِ لِلْيَوْمِ الْآتِي. -   [رد المحتار] وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ صَاحِبَ مَائِدَةٍ بَيَانٌ لِشَرْطٍ رَابِعٍ ذَكَرَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ: إذَا كَانَ لَهُ طَعَامٌ كَثِيرٌ وَهُوَ صَاحِبُ مَائِدَةٍ يُمَكِّنُ الْمَرْأَةَ مِنْ تَنَاوُلِ مِقْدَارِ كِفَايَتِهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِفَرْضِ النَّفَقَةِ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَإِنْ رَضِيَتْ أَنْ تَأْكُلَ مَعَهُ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَإِنْ خَاصَمَتْهُ يَفْرِضُ لَهَا بِالْمَعْرُوفِ. اهـ وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِصَاحِبِ الْمَائِدَةِ مَنْ يُمْكِنُهَا تَنَاوُلُ كِفَايَتِهَا مِنْ طَعَامِهِ سَوَاءٌ كَانَ يُنْفِقُ عَلَى مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ أَوْ لَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ لَهَا إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِمَا فُهِمَ مِنْ الشَّرْطِ الرَّابِعِ، أَيْ لِكَوْنِهَا يَحِلُّ لَهَا تَنَاوُلُ كِفَايَتِهَا وَلَوْ بِدُونِ إذْنِهِ لَا يَفْرِضُ لَهَا إذَا أَمْكَنَهَا ذَلِكَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُعْطِ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ لِيُعْطِيَهَا: وَفِي الْفَتْحِ: امْتَنَعَ عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مَعَ الْيُسْرِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَيَبِيعُ الْحَاكِمُ مَالَهُ عَلَيْهِ وَيَصْرِفُهُ فِي نَفَقَتِهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَالَهُ يَحْبِسُهُ حَتَّى يُنْفِقَ عَلَيْهَا وَلَا يَفْسَخُ وَلَا يُبَاعُ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أُصُولِ حَوَائِجِهِ وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى دُيُونِهِ، وَقِيلَ يَبِيعُ مَا سِوَى الْإِزَارِ إلَّا فِي الْبَرْدِ، وَقِيلَ مَا سِوَى دَسْتُ مِنْ الثِّيَابِ وَإِلَيْهِ مَالَ الْحَلْوَانِيُّ، وَقِيلَ دَسْتَيْنِ وَإِلَيْهِ مَالَ السَّرَخْسِيُّ، وَلَا تُبَاعُ عِمَامَتُهُ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْمُحِيطِ دُرٌّ مُنْتَقَى. وَالدَّسْتُ مِنْ الثِّيَابِ: مَا يَلْبَسُهُ الْإِنْسَانُ وَيَكْفِيهِ لِتَرَدُّدِهِ فِي حَوَائِجِهِ جَمْعُهُ دُسُوتٌ مِصْبَاحٌ. (قَوْلُهُ أَيْ كُلِّ مُدَّةٍ تُنَاسِبُهُ إلَخْ) قَالُوا: يُعْتَبَرُ فِي الْفَرْضِ الْأَصْلَحُ، وَالْأَيْسَرُ فَفِي الْمُحْتَرِفِ يَوْمًا بِيَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ نَفَقَةِ شَهْرٍ دُفْعَةً، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعْطِيهَا مُعَجَّلًا، وَيُعْطِيهَا كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ الْمَسَاءِ عَنْ الْيَوْمِ الَّذِي يَلِي ذَلِكَ الْمَسَاءَ لِتَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّرْفِ فِي حَاجَتِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَإِنْ كَانَ تَاجِرًا فَنَفَقَةُ شَهْرٍ بِشَهْرِ، أَوْ مِنْ الدَّهَاقِينِ فَنَفَقَةُ سَنَةٍ بِسَنَةٍ أَوْ مِنْ الصُّنَّاعِ الَّذِينَ لَا يَنْقَضِي عَمَلُهُمْ إلَّا بِانْقِضَاءِ الْأُسْبُوعِ كَذَلِكَ فَتْحٌ وَغَيْرُهُ. قُلْت: وَمَشَى فِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّقْدِيرِ بِشَهْرِ؛ لِأَنَّهُ وَسَطٌ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ، نَعَمْ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ السَّرَخْسِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ وَأَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ اعْتَبَرَ مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي حَالِ الزَّوْجِ (قَوْلُهُ وَلَهُ الدَّفْعُ كُلَّ يَوْمٍ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا حَيْثُ ذَكَرَ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ مَا إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ، وَإِلَّا فَلَوْ قَالَ أَنَا أَدْفَعُ نَفَقَةَ كُلِّ يَوْمٍ مُعَجَّلًا لَا يُجِيزُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اعْتَبَرَ مَا ذَكَرَ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ يَضُرُّهُ لَا يَفْعَلُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ كُلَّ مُدَّةٍ نَاسَبَتْ حَالَ الزَّوْجِ أَنَّهُ يُعَجِّلُ نَفَقَتَهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْيَوْمِ. اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا لَهَا الطَّلَبُ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ مَا مَرَّ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ التَّقْدِيرِ بِشَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْآجَالِ الْمُعْتَادَةِ ثُمَّ قَالَ وَفَرَّعَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْفَعْ لَهَا فَأَرَادَتْ أَنْ تَطْلُبَ كُلَّ يَوْمٍ فَإِنَّمَا تَطْلُبُ عِنْدَ الْمَسَاءِ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ كُلِّ يَوْمٍ مَعْلُومَةٌ فَيُمْكِنُ طَلَبُهَا بِخِلَافِ مَا دُونَ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالسَّاعَاتِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ. اهـ فَأَفَادَ أَنَّ الْخِيَارَ لَهَا فِي طَلَبِ كُلِّ يَوْمٍ إذَا لَمْ يَدْفَعْ لَهَا نَفَقَةَ الشَّهْرِ، فَلَا يُنَافِي مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ جَعْلِ الْخِيَارِ لَهُ فِي الدَّفْعِ كُلَّ يَوْمٍ فَافْهَمْ، نَعَمْ جَعْلُ الْخِيَارِ لَهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ إضْرَارٌ بِهَا كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ حَيْثُ يُحْوِجُهَا إلَى الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَإِلَى الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُنَازَعَةِ، وَرُبَّمَا لَا تَجِدُهُ وَإِنْ وَجَدَتْهُ لَا يُعْطِيهَا، فَالْأَوْلَى فِي زَمَانِنَا مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ مِنْ التَّقْدِيرِ بِالشَّهْرِ وَجَعْلِ الْخِيَارِ لَهَا فِي الْأَخْذِ كُلَّ يَوْمٍ، لَكِنْ إذَا مَاطَلَهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ إذَا دَفَعَ لَهَا نَفَقَةَ كُلِّ شَهْرٍ فَامْتَنَعَتْ وَطَلَبَتْ الْأَخْذَ كُلَّ يَوْمٍ تَكُونُ مُتَعَنِّتَةً قَاصِدَةً لِإِضْرَارِهِ وَمُخَاصَمَتِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، فَيَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الْمُوَافِقِ لِقَوَاعِدِ الشَّرْعِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَالْخُصُومَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 581 وَلَهَا أَخْذُ كَفِيلٍ بِنَفَقَةِ شَهْرٍ فَأَكْثَرَ خَوْفًا مِنْ غَيْبَتِهِ عِنْدَ الثَّانِي وَبِهِ يُفْتَى وَقِسْ سَائِرَ الدُّيُونِ عَلَيْهِ وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ جَوَاهِرُ الْفَتَاوَى مِنْ كَفَالَةِ الْبَابِ الْأَوَّلِ. وَلَوْ كَفَلَ لَهَا كُلَّ شَهْرٍ كَذَا أَبَدًا وَقَعَ عَلَى الْأَبَدِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقُلْ أَبَدًا عِنْدَ الثَّانِي، -   [رد المحتار] [مَطْلَبٌ فِي أَخْذِ الْمَرْأَةِ كَفِيلًا بِالنَّفَقَةِ] ِ (قَوْلُهُ وَلَهَا أَخْذُ كَفِيلٍ إلَخْ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ: امْرَأَةٌ قَالَتْ: إنَّ زَوْجِي يُطِيلُ الْغَيْبَةَ عَنِّي فَطَلَبْت كَفِيلًا بِالنَّفَقَةِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَأْخُذُ كَفِيلًا بِنَفَقَةِ شَهْرٍ وَاحِدٍ اسْتِحْسَانًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَمْكُثُ فِي السَّفَرِ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ أَخَذَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْكَفِيلَ بِأَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ. اهـ فَظَهَرَ أَنَّ مَحَلَّ أَخْذِ الْكَفِيلِ بِنَفَقَةِ شَهْرٍ هُوَ عَدَمُ الْعِلْمِ بِقَدْرِ غَيْبَتِهِ، فَيَخَافُ أَنْ يَمْكُثَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الشَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْآجَالِ الْمُعْتَادَةِ كَمَا مَرَّ، وَمَحَلُّ الْأَكْثَرِ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَغِيبُ أَكْثَرَ كَمَا لَوْ خَرَجَ لِلْحَجِّ مَثَلًا فَيُؤْخَذُ بِقَدْرِهَا فَافْهَمْ، نَعَمْ فِي عِبَارَةِ الشَّرْحِ اخْتِصَارٌ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ، وَمَا أَفَادَهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَحَلَّيْنِ لَا فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الْفَتْحِ الْمَذْكُورَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَقِسْ سَائِرَ الدُّيُونِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى دَيْنِ النَّفَقَةِ. قَالَ فِي [نُورِ الْعَيْنِ] وَفِي آخِرِ كَفَالَةِ الْمُحِيطِ: وَالْفَتْوَى فِي مَسْأَلَةِ النَّفَقَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي سَائِرِ الدُّيُونِ: لَوْ أَفْتَى مُفْتٍ بِذَلِكَ كَانَ حَسَنًا رِفْقًا بِالنَّاسِ، وَفِي الْأَقْضِيَةِ أَجْمَعُوا أَنَّ فِي الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إذَا قَرُبَ حُلُولُ الْأَجَلِ وَأَرَادَ الْمَدْيُونُ السَّفَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعْطَاءُ الْكَفِيلِ، وَفِي الصُّغْرَى الْمَدْيُونُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَغِيبَ لَيْسَ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِإِعْطَاءِ الْكَفِيلِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَوْ قَالَ قَائِلٌ بِأَنَّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ قِيَاسًا عَلَى نَفَقَةِ شَهْرٍ لَا يَبْعُدُ. وَفِي الْمُنْتَقَى: رَبُّ الدَّيْنِ لَوْ قَالَ لِلْقَاضِي إنَّ مَدْيُونِي فُلَانًا يُرِيدُ أَنْ يَغِيبَ عَنِّي فَإِنَّهُ يُطَالِبُهُ بِإِعْطَاءِ الْكَفِيلِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا. اهـ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى هُنَا التَّقْيِيدُ بِالشَّهْرِ، بَلْ الْمُرَادُ الْكَفَالَةُ بِكُلِّ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَإِنَّهَا تَزْدَادُ بِزِيَادَةِ الْمُدَّةِ فَتَتَقَيَّدُ الْكَفَالَةُ بِقَدْرِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُقَسَّطًا يَظْهَرُ التَّقْيِيدُ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ بِأَقْسَاطِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَفَلَ لَهَا كُلَّ شَهْرٍ كَذَا إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ مَا مَرَّ إنَّمَا هُوَ فِي الْخِلَافِ فِي جَوَازِ أَخْذِهَا الْكَفِيلَ مِنْهُ جَبْرًا عِنْدَ خَوْفِ الْغَيْبَةِ، وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي تَصِحُّ بِهَا الْكَفَالَةُ، فَإِنْ كَفَلَ لَهَا كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، فَإِنْ قَالَ أَبَدًا أَوْ مَا دُمْتُمَا زَوْجَيْنِ وَقَعَ عَلَى الْأَبَدِ اتِّفَاقًا، وَإِلَّا وَقَعَ عَلَى شَهْرٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى الْأَبَدِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ أَرْفَقُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَمُفَادُهُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ قَبْلَ الْفَرْضِ أَوْ التَّرَاضِي عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ مَضَتْ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا، لَكِنْ نَقَلَ بَعْدَهُ عَنْ الْوَاقِعَاتِ لَوْ قَالَتْ: إنَّهُ يُرِيدُ الْغَيْبَةَ وَطَلَبَتْ مِنْهُ كَفِيلًا لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَمْ تَجِبْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَسْتَحْسِنُ أَخْذَ كَفِيلٍ بِنَفَقَةِ شَهْرٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهَا إنْ لَمْ تَجِبْ لِلْحَالِ تَجِبْ بَعْدَهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ كَفَلَ بِمَا ذَابَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ فَيُجْبَرُ اسْتِحْسَانًا رِفْقًا بِالنَّاسِ. قَالَ: وَزَادَ فِي الذَّخِيرَةِ: إنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا مَفْرُوضَةً أَوْ لَا. اهـ. قُلْت: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ قَبْلَ الْفَرْضِ أَوْ التَّرَاضِي، وَوَفَّقَ الرَّمْلِيُّ بِحَمْلِ مَا قَبْلَهُ عَلَى حَالِ الْحُضُورِ وَحَمْلِ هَذَا عَلَى حَالِ إرَادَةِ الْغَيْبَةِ فَيَصِحُّ فِي الْغِيبَةِ مُطْلَقًا اسْتِحْسَانًا، وَعَلَيْهِ فَمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْأَبَ لَا يُطَالَبُ بِنَفَقَةِ زَوْجَةِ ابْنِهِ إلَّا إذَا ضَمِنَهَا مُقَيَّدٌ بِالْمَفْرُوضَةِ أَوْ الْمَقْضِيَّةِ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ قُلْت: وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: إذَا ضَمِنَ النَّفَقَةَ وَالْمَهْرَ عَنْ زَوْجِهَا فَضَمَانُ النَّفَقَةِ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ شَيْئًا بِأَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى شَيْءٍ مُقَدَّرٍ لِنَفَقَةِ كُلِّ شَهْرٍ ثُمَّ يَضْمَنُهُ رَجُلٌ، فَيَجُوزُ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ بِهَذَا الِاصْطِلَاحِ فَيَصِحُّ الضَّمَانُ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفَقَةِ شَهْرٍ. اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ، إذْ لَا يَصِحُّ الضَّمَانُ بِمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ قَبْلَ الِاصْطِلَاحِ عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا وَلِذَا تَسْقُطُ بِالْمُضِيِّ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ، لَكِنْ عَلِمْت مِمَّا مَرَّ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 582 وَبِهِ يُفْتَى بَحْرٌ. وَفِيهِ عَلَيْهَا دَيْنٌ لِزَوْجِهَا لَمْ يَلْتَقِيَا قِصَاصًا إلَّا بِرِضَاهُ لِسُقُوطِهِ بِالْمَوْتِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ. وَفِيهِ آجَرَتْ دَارَهَا مِنْ زَوْجِهَا وَهُمَا يَسْكُنَانِ فِيهِ لَا أَجْرَ عَلَيْهِ. وَلَوْ دَخَلَ بِهَا فِي مَنْزِلٍ كَانَتْ فِيهِ بِأَجْرٍ فَطُولِبَتْ بِهِ بَعْدَ سَنَةٍ فَقَالَتْ لَهُ: أَخْبَرْتُك بِأَنَّ الْمَنْزِلَ بِالْكِرَاءِ عَلَيْك الْأَجْرُ فَهُوَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا الْعَاقِدَةُ بَزَّازِيَّةٌ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَوْ سَكَنَتْ بِغَيْرِ إجَارَةٍ فِي وَقْفٍ أَوْ مَالِ يَتِيمٍ أَوْ مُعَدٍّ لِلِاسْتِغْلَالِ، فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ فَلْيُحْفَظْ (وَيُقَدِّرُهَا بِقَدْرِ الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ وَلَا تُقَدَّرُ بِدَرَاهِمَ) وَدَنَانِيرَ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ، وَعَزَاهُ الْمُصَنِّفُ لِشَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ ثُمَّ الْمُجْتَبَى: إنْ شَاءَ الْقَاضِي فَرَضَهَا أَصْنَافًا أَوْ قَوَّمَهَا بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ يُقَدِّرُ بِالدَّرَاهِمِ. -   [رد المحتار] الْجَوَازُ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ لِلْحَالِ وَأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ كَفَلَ لَهَا بِمَا ذَابَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ، أَيْ بِمَا ثَبَتَ لَهَا عَلَيْهِ بَعْدُ، وَالْكَفَالَةُ بِذَلِكَ جَائِزَةٌ فِي غَيْرِ النَّفَقَةِ فَكَذَا فِي النَّفَقَةِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ عِلَّةَ الِاسْتِحْسَانِ جَارِيَةٌ فِي مَسْأَلَتَيْ الْحَضْرَةِ وَالْغَيْبَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إطْلَاقُهُمْ مَسْأَلَةَ ضَمَانِ الْأَبِ نَفَقَةَ زَوْجَةِ الِابْنِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ ضَمِنَ لَهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ جَازَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي مِنْ التَّوْفِيقِ، وَهُوَ بِالْقَبُولِ حَقِيقٌ فَاغْتَنِمْهُ. [تَنْبِيهٌ] هَذِهِ الْكَفَالَةُ تَتَضَمَّنُ زَمَانَ الْعِدَّةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ كَفِيلٌ مَا دَامَ النِّكَاحُ، وَهُوَ فِي الْعِدَّةِ بَاقٍ مِنْ وَجْهٍ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَنَحْوُهُ فِي الْفَتْحِ. وَلَوْ كَفَلَ لَهَا بِنَفَقَةِ وَلَدِهَا أَبَدًا أَوْ بِنَفَقَةِ خَادِمِهَا مَا عَاشَ لَمْ يَصِحَّ لِسُقُوطِ النَّفَقَةِ عَنْهُ إذَا أَيْسَرَ الْوَلَدُ أَوْ بَلَغَ أَوْ اسْتَغْنَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ الْخَادِمِ فَكَانَ الْوَقْتُ مَجْهُولًا، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ لِوُجُوبِهَا مَا بَقِيَ النِّكَاحُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ دَيْنًا صَحِيحًا وَهُوَ مَا لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ، وَدَيْنُ النَّفَقَةِ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ، فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ فِيهِ الْكَفَالَةُ، وَكَأَنَّهُمْ أَخَذُوا بِالِاسْتِحْسَانِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِسُقُوطِهِ) أَيْ لِسُقُوطِ دَيْنِ النَّفَقَةِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَكَذَا بِالطَّلَاقِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، فَكَانَ أَضْعَفَ مِنْ دَيْنِ الزَّوْجِ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ. اهـ ح. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَقَعُ التَّقَاصُّ فِيهَا تَقَاصًّا أَوْ لَا بِشَرْطِ التَّسَاوِي، فَلَوْ اخْتَلَفَا كَمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا جَيِّدًا وَالْآخَرُ رَدِيئًا فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا صَاحِبِ الْجَيِّدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ وَفِيهِ) أَيْ فِي الْبَحْرِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَالسُّكْنَى فِي بَيْتٍ خَالٍ إلَخْ، لَكِنَّ هَذَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لَا أَجْرَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ سُكْنَى الدَّارِ تَعُودُ إلَيْهَا، لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْإِجَارَاتِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الصِّحَّةِ لِتَبَعِيَّتِهَا لَهُ فِي السُّكْنَى أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ وَمَفْهُومُهُ إلَخْ) مِنْ كَلَامِ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ، وَهِيَ تَابِعَةٌ لِلزَّوْجِ فِي السُّكْنَى وَلَمْ يُوجَدْ الْعَقْدُ مِنْهَا. وَاعْتَرَضَهُ ط بِأَنَّ سُكْنَاهُ عَارِضَةٌ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْغَصْبِ مِنْهَا وَلَا اعْتِبَارَ لِنِسْبَةِ السُّكْنَى الْعَارِضَةِ إلَيْهِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْفِعْلِ مِنْهَا. اهـ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ تَابِعَةً لَهُ فِي السُّكْنَى صَارَتْ الْيَدُ لَهُ فَصَارَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ، لَكِنَّ مُقْتَضَى هَذَا جَوَازُ تَضْمِينِهَا وَتَضْمِينِهِ الْأُجْرَةَ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ (قَوْلُهُ بِقَدْرِ الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ) أَيْ يُرَاعَى كُلُّ وَقْتٍ أَوْ مَكَان بِمَا يُنَاسِبُهُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ ثُمَّ رَخُصَ تَسْقُطُ الزِّيَادَةُ وَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ وَبِالْعَكْسِ لَهَا طَلَبُ الزِّيَادَةِ اهـ وَكَذَا لَوْ صَالَحَتْهُ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ غَلَا السِّعْرُ أَوْ رَخُصَ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ (قَوْلُهُ وَلَا تُقَدَّرُ بِدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ) أَيْ لَا تُقَدَّرُ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ بِحَيْثُ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ فِي كُلِّ مَكَان وَزَمَانٍ، وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ تَقْدِيرِهَا عَلَى الْمُعْسِرِ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَا شَاهَدَ فِي زَمَانِهِ، وَإِنَّمَا عَلَى الْقَاضِي فِي زَمَانِنَا اعْتِبَارُ الْكِفَايَةِ بِالْمَعْرُوفِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 583 وَفِيهِ: لَوْ قَتَّرَتْ عَلَى نَفْسِهَا فَلَهُ أَنْ يَرْفَعَهَا لِلْقَاضِي لِتَأْكُلَ مِمَّا فَرَضَ لَهَا خَوْفًا عَلَيْهَا مِنْ الْهُزَالِ فَإِنَّهُ يَضُرُّهُ كَمَا لَهُ أَنْ يَرْفَعَهَا لِلْقَاضِي لِلُبْسِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الزِّينَةَ حَقُّهُ. (وَتُزَادُ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةً) وَسِرْوَالًا وَمَا يُدْفَعُ بِهِ أَذَى حَرٍّ وَبَرْدٍ (وَلِحَافًا وَفِرَاشًا) وَحْدَهَا؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا تَعْتَزِلُ عَنْهُ أَيَّامَ حَيْضِهَا وَمَرَضِهَا (إنْ طَلَبَتْهُ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ يَسَارًا وَإِعْسَارًا وَحَالًا وَبَلَدًا) اخْتِيَارٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ خُفُّهَا بَلْ خُفُّ أَمَتِهَا مُجْتَبًى. وَفِي الْبَحْرِ: قَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا أَمْتِعَةٌ مِنْ فُرُشٍ وَنَحْوِهَا لَا يَسْقُطُ عَنْ الزَّوْجِ ذَلِكَ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَقَدْ رَأَيْنَا مَنْ يَأْمُرُهَا بِفَرْشِ أَمْتِعَتِهَا لَهُ وَلِأَضْيَافِهِ جَبْرًا عَلَيْهَا وَذَلِكَ حَرَامٌ كَمَنْعِ كُسْوَتِهَا. اهـ لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي الْمَهْرِ عَنْهُ   [رد المحتار] إذَا أَرَادَ فَرْضَ النَّفَقَةِ أَنْ يَنْظُرَ فِي سِعْرِ الْبَلَدِ وَيَنْظُرَ مَا يَكْفِيهَا بِحَسَبِ عُرْفِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَيُقَوِّمَ الْأَصْنَافَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ يُقَدِّرَ بِالدَّرَاهِمِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، إمَّا بِاعْتِبَارِ حَالِهِ أَوْ بِاعْتِبَارِ حَالِهِمَا كَمَا مَرَّ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْمُجْتَبَى إنْ شَاءَ فَرَضَ لَهَا أَصْنَافًا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَفَرَضَ لَهَا بِالْقِيمَةِ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا لَا يُنَافِي مَا عَزَاهُ إلَى الِاخْتِيَارِ وَالْمَجْمَعِ مِنْ عَدَمِ تَقْدِيرِهَا بِدَرَاهِمَ: أَيْ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ بَلْ هُوَ مُؤَكِّدٌ لَهُ وَمُفَسِّرٌ، فَلَا وَجْهَ لِلِاسْتِدْرَاكِ عَلَيْهِ؛ فَالْأَوْلَى جَعْلُ قَوْلِهِ لَكِنْ إلَخْ اسْتِدْرَاكًا عَلَى قَوْلِهِ وَيُقَدِّرُهَا بِقَدْرِ الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ يُفِيدُ أَنَّ الْقَاضِيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ فَرْضِهَا أَصْنَافًا: أَيْ مِنْ خُبْزٍ وَإِدَامٍ وَدُهْنٍ وَصَابُونٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِذَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي عَدَمُ إنْفَاقِهِ بِنَفْسِهِ يَأْمُرُهُ بِدَفْعِ ذَلِكَ أَوْ بِقِيمَتِهِ بِقَدْرِ كِفَايَتِهَا، وَحِينَئِذٍ فَالِاسْتِدْرَاكُ صَحِيحٌ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ) أَيْ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا (قَوْلُهُ كَمَا لَهُ أَنْ يَرْفَعَهَا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْفَعَهَا إلَخْ لِيُفِيدَ أَنَّهُ بَحْثٌ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ الْخُلَاصَةِ، ثُمَّ قَالَ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ إلَخْ. (قَوْلُهُ وَتُزَادُ فِي الشِّتَاءِ إلَخْ) أَيْ تُزَادُ عَلَى مَا قَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْكُسْوَةِ بِدِرْعَيْنِ وَخِمَارَيْنِ وَمِلْحَفَةٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ. قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: إنَّ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ، أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَيَجِبُ السَّرَاوِيلُ وَالْجُبَّةُ وَالْفِرَاشُ وَاللِّحَافُ وَمَا تَدْفَعُ بِهِ أَذَى الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَفِي الشِّتَاءِ دِرْعُ خَزْرَجِيَّةِ قَزٍّ وَخِمَارُ إبْرَيْسَمَ. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ عَلَى عَادَتِهِمْ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ حَرًّا وَبَرْدًا وَالْعَادَاتِ، فَعَلَى الْقَاضِي اعْتِبَارُ الْكِفَايَةِ بِالْمَعْرُوفِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَكَانٍ، وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْته فِي النَّفَقَةِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِ أَوْ حَالِهِمَا فَهُوَ الْجَوَابُ فِي الْكُسْوَةِ. (قَوْلُهُ وَمَا يَدْفَعُ إلَخْ) مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ، إذْ عَطْفُهُ عَلَى جُبَّةٍ لَا يُنَاسِبُهُ تَقْيِيدُ الْفِعْلِ بِالشِّتَاءِ، وَمَا يَدْفَعُ أَذَى الْحَرِّ يُنَاسِبُ الصَّيْفَ (قَوْلُهُ إنْ طَلَبَتْهُ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَيُقَدِّرُهَا وَقَوْلِهِ وَتُزَادُ (قَوْلُهُ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ إلَخْ) هُوَ مَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَعَنْ الذَّخِيرَةِ، وَقَوْلُهُ وَحَالًا: أَيْ حَالَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، فَهُوَ عَطْفٌ مُرَادِفٌ تَأَمَّلْ، وَلَوْ قَالَ بَدَلَهُ وَوَقْتًا لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ خُفُّهَا إلَخْ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْخُفَّ وَالْإِزَارَ فِي كُسْوَةِ الْمَرْأَةِ وَذَكَرَهُمَا فِي كُسْوَةِ الْخَادِمِ وَذَلِكَ فِي دِيَارِهِمْ بِحُكْمِ الْعُرْفِ وَفِي دِيَارِنَا يُفْرَضُ الْإِزَارُ وَالْمُكَعَّبُ وَمَا تَنَامُ عَلَيْهِ. اهـ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: وَلَمْ يُوجِبْ مُحَمَّدٌ الْإِزَارَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحْتَاجُ لِلْخُرُوجِ وَالْمَرْأَةُ مَنْهِيَّةٌ عَنْهُ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: هَذَا التَّعْلِيلُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُفْرَضُ لِلْمَرْأَةِ الْإِزَارُ فِي دِيَارِنَا أَيْضًا. اهـ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اخْتَلَفَ التَّعْلِيلُ لِعَدَمِ ذِكْرِ الْإِزَارِ، فَقِيلَ لِلْعُرْفِ وَلِذَا أَوْجَبَهُ الْخَصَّافُ لِاخْتِلَافِ الْعُرْفِ فِي زَمَانِهِ وَقِيلَ لِحُرْمَةِ الْخُرُوجِ، وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّهَا يَحِلُّ لَهَا الْخُرُوجُ فِي مَوَاضِعَ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ سَاتِرٍ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجِبُ لَهَا مَدَاسُ رِجْلِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَا تَلْبَسُهُ فِي الْبَيْتِ، وَكَذَا الْخُفُّ أَوْ الْجَوْرَبُ فِي الشِّتَاءِ لِدَفْعِ الْبَرْدِ الشَّدِيدِ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَحْرِ إلَخْ) وَعِبَارَتُهُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا تَسْلِيمُ نَفْسِهَا فِي بَيْتِهِ، وَعَلَيْهِ لَهَا جَمِيعُ مَا يَكْفِيهَا بِحَسَبِ حَالِهَا مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلُبْسٍ وَفُرُشٍ، وَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَمَتَّعَ بِمَا هُوَ مِلْكُهَا وَلَا أَنْ تَفْرِشَ لَهُ شَيْئًا مِنْ فُرُشِهَا إلَخْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 584 عَنْ الْمُبْتَغَى. لَوْ زُفَّتْ إلَيْهِ بِلَا جِهَازٍ يَلِيقُ بِهِ فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْأَبِ بِالنَّقْدِ إلَّا إذَا سَكَتَ انْتَهَى. وَعَلَيْهِ فَلَوْ زُفَّتْ بِهِ إلَيْهِ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَفِي عُرْفِنَا يَلْتَزِمُونَ كَثْرَةَ الْمَهْرِ لِكَثْرَةِ الْجِهَازِ وَقِلَّتَهُ لِقِلَّتِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ فَيَنْبَغِي الْعَمَلُ بِمَا مَرَّ كَذَا فِي النَّهْرِ. وَفِيهِ عَنْ قَضَاءِ الْبَحْرِ: هَلْ تَقْدِيرُ الْقَاضِي لِلنَّفَقَةِ حُكْمٌ مِنْهُ؟ قُلْت: نَعَمْ؛ لِأَنَّ طَلَبَ التَّقْدِيرِ بِشَرْطِهِ دَعْوًى فَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ. وَلَوْ فَرَضَ لَهَا كُلَّ يَوْمٍ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ هَلْ يَكُونُ قَضَاءً مَا دَامَ النِّكَاحُ؟ -   [رد المحتار] قُلْت: وَمُفَادُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كُسْوَتُهَا مِنْ حِينِ عَقْدِهِ عَلَيْهَا أَوْ دُخُولِهِ بِهَا؛ وَمَرَّ التَّصْرِيحُ بِهِ عَنْ الْخُلَاصَةِ فَتَجِبُ حَالَّةً لَا مُؤَجَّلَةً إلَى مُضِيِّ نِصْفِ الْحَوْلِ، وَإِنْ زُفَّتْ إلَيْهِ بِثِيَابٍ فَلَا يَلْزَمُهَا اسْتِعْمَالُهَا، كَمَا لَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ تَلْبَسْ مَا دَفَعَهُ لَهَا فَلَهَا عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي، وَكَمَا لَوْ كَانَتْ تَمْلِكُ طَعَامًا يَكْفِيهَا أَوْ قَتَّرَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَبَقِيَ مَعَهَا دَرَاهِمُ مِمَّا فُرِضَ لَهَا عَلَيْهِ فَيَجِبُ لَهَا غَيْرُهُ عَلَيْهِ. [مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ زُفَّتْ إلَيْهِ بِلَا جِهَازٍ] ٍ (قَوْلُهُ بِلَا جِهَازٍ يَلِيقُ بِهِ) الضَّمِيرُ فِي عِبَارَةِ الْبَحْرِ عَنْ الْمُبْتَغَى عَائِدٌ إلَى مَا بَعَثَهُ الزَّوْجُ إلَى الْأَبِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ ثُمَّ قَالَ: وَالْمُعْتَبَرُ مَا يُتَّخَذُ لِلزَّوْجِ لَا مَا يُتَّخَذُ لَهَا. اهـ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الْمَهْرِ أَنَّ هَذَا الْمَبْعُوثَ إلَى الْأَبِ يُسَمَّى فِي عُرْفِ الْأَعَاجِمِ بِالدَّسْتِيمَانِ وَأَنَّهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ فَسَّرَهُ بِالْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ، وَأَنَّ غَيْرَهُ فَصَّلَ، وَقَالَ: إنْ أُدْرِجَ فِي الْعَقْدِ فَهُوَ الْمَهْرُ الْمُعَجَّلُ حَتَّى مَلَكَتْ الْمَرْأَةُ مَنْعَ نَفْسِهَا لِاسْتِيفَائِهِ فَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ طَلَبَ الْجِهَازِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُقَابِلُهُ عِوَضَانِ وَإِنْ لَمْ يُدْرَجْ فِيهِ وَلَمْ يُعْقَدْ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ، فَلَهُ طَلَبُ الْجِهَازِ عَلَى قَدْرِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ أَوْ طَلَبُ الدِّسْتِيمَانِ، وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ (قَوْلُهُ فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْأَبِ بِالنَّقْدِ) أَيْ الْمَنْقُودِ، وَهُوَ مَا بَعَثَهُ إلَى الْأَبِ لَا عَلَى كَوْنِهِ مِنْ الْمَهْرِ، بَلْ عَلَى كَوْنِهِ بِمُقَابَلَةِ مَا يُتَّخَذُ لِلزَّوْجِ فِي الْجِهَازِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ هِبَةٌ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهَا عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَوَّضِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا سَكَتَ) أَيْ زَمَانًا يُعْرَفُ بِهِ رِضَاهُ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ يَبْتَنِي عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِلْكَهُ حِينَ تَسَلَّمَهُ بَعْدَ الزِّفَافِ (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي الْعَمَلُ بِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِلَا إذْنِهَا. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ هُنَاكَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي النِّكَاحِ غَيْرُ مَقْصُودٍ. اهـ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمُعَجَّلَ أُدْرِكَ فِي الْعَقْدِ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ بِأَنَّ الْمَالَ وَهُوَ الْجِهَازُ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يُجْعَلُ بَدَلًا عَنْ الْبُضْعِ وَحْدَهُ. لَا يُقَالُ: إنَّهُ وَإِنْ أُدْرِجَ فِي الْعَقْدِ يُعْتَبَرُ بَدَلًا عَنْ الْجِهَازِ أَيْضًا بِحُكْمِ الْعُرْفِ فَصَارَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ كُلًّا مِنْهُمَا.؛ لِأَنَّا نَقُولُ يَلْزَمُ مِنْهُ فَسَادُ التَّسْمِيَةِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِمَا يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَأَيْضًا حَيْثُ صُرِّحَ بِجَعْلِهِ مَهْرًا وَهُوَ بَدَلُ الْبُضْعِ لَا يُعْتَبَرُ الْمَعْنَى، عَلَى أَنَّ هَذَا الْعُرْفَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي زَمَانِنَا، فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ الْجِهَازَ مِلْكُ الْمَرْأَةِ وَأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا تَأْخُذُهُ كُلَّهُ، وَإِذَا مَاتَتْ يُورَثُ عَنْهَا وَلَا يَخْتَصُّ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ يَزِيدُ فِي الْمَهْرِ لِتَأْتِي بِجِهَازٍ كَثِيرٍ لِيُزَيِّنَ بِهِ بَيْتَهُ وَيَنْتَفِعَ بِهِ بِإِذْنِهَا وَيَرِثَهُ هُوَ وَأَوْلَادُهُ إذَا مَاتَتْ، كَمَا يَزِيدُ فِي مَهْرِ الْغَنِيَّةِ لِأَجْلِ ذَلِكَ لَا لِيَكُونَ الْجِهَازُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ مِلْكًا لَهُ وَلَا لِيَمْلِكَ الِانْتِفَاعَ بِهِ وَإِنْ لَمْ تَأْذَنْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ هَلْ تَقْدِيرُ الْقَاضِي) أَيْ مِنْ غَيْرِ قَوْلِهِ حَكَمْت بِذَلِكَ ط. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالدَّالِ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ مِنْ الْمَوَاضِعِ وَيَصِحُّ بِالرَّاءِ، وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَالنَّفَقَةُ لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا (قَوْلُهُ بِشَرْطِهِ) هُوَ شَكْوَى الْمَطْلِ. وَحُضُورِ الزَّوْجِ، وَكَوْنِهِ غَيْرَ صَاحِبِ مَائِدَةٍ ط (قَوْلُهُ فَلَا تَسْقُطُ) أَيْ النَّفَقَةُ، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِهِ حُكْمًا ح (قَوْلُهُ هَلْ يَكُونُ قَضَاءً إلَخْ) قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 585 قُلْت: نَعَمْ إلَّا لِمَانِعٍ، وَلِذَا قَالُوا الْإِبْرَاءُ قَبْلَ الْفَرْضِ بَاطِلٌ وَبَعْدَهُ يَصِحُّ مِمَّا مَضَى وَمِنْ شَهْرٍ مُسْتَقْبَلٍ، حَتَّى لَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَالْكُسْوَةَ كُسْوَةُ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ لَمْ يَلْزَمْ فَلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ طَلَبُ التَّقْدِيرِ فِيهِمَا. وَلَوْ حَكَمَ بِمُوجِبِ الْعَقْدِ مَالِكِيٌّ يَرَى ذَلِكَ فَلِلْحَنَفِيِّ تَقْدِيرُهَا لِعَدَمِ الدَّعْوَى وَالْحَادِثَةِ. -   [رد المحتار] فِي الْبَحْرِ: وَمَسْأَلَةُ الْإِبْرَاءِ أَيْ الْآتِيَةُ قَرِيبًا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ مُنْجِزٌ وَفِيمَا بَعْدَهُ مُضَافٌ فَيَتَنَجَّزُ بِدُخُولِهِ وَهَكَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا لِمَانِعٍ) كَنُشُوزِهَا فَتَسْقُطُ فِي مُدَّتِهِ كَمَا مَرَّ، وَكَتَغَيُّرِ السِّعْرِ غَلَاءً أَوْ رُخْصًا فَتَنْقُصُ أَوْ تُزَادُ (قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ لَمَّا عَلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ النَّفَقَةَ تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ ط (قَوْلُهُ قَبْلَ الْفَرْضِ) يَشْمَلُ الْفَرْضَ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالرِّضَا، وَقَوْلُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ دَيْنًا بِدُونِ الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ، فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ قُصُورٌ فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ فِي الْإِبْرَاءِ عَنْ النَّفَقَةِ [تَنْبِيهٌ] يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ تُبْرِئَهُ مِنْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِهِ؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ بِعِوَضٍ وَهُوَ اسْتِيفَاءٌ قَبْلَ الْوُجُوبِ فَيَجُوزُ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ إسْقَاطٌ لِلشَّيْءِ قَبْلَ وُجُوبِهِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَمِنْ شَهْرٍ مُسْتَقْبَلٍ) أَيْ إذَا كَانَتْ مَفْرُوضَةً بِالْأَشْهُرِ، فَلَوْ بِالْأَيَّامِ يَبْرَأُ مِنْ نَفَقَةِ يَوْمٍ مُسْتَقْبَلٍ، وَكَذَا لَوْ بِالسِّنِينَ يَبْرَأُ عَنْ نَفَقَةِ سَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُسْتَقْبَلِ مَا دَخَلَ أَوَّلُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَنَجَّزُ بِدُخُولِهِ كَمَا عَلِمْته آنِفًا، وَقَبْلَ دُخُولِ حُكْمِهِ حُكْمَ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَشْهُرِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَحْرِ: وَكَذَا لَوْ قَالَتْ أَبْرَأْتُك عَنْ نَفَقَةِ سَنَةٍ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا مِنْ نَفَقَةٍ شَهْر وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا فَرَضَ نَفَقَةَ كُلِّ شَهْرٍ فَإِنَّمَا فَرَضَ لِمَعْنًى يَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الشَّهْرِ؛ فَمَا لَمْ يَتَجَدَّدْ الشَّهْرُ لَا يَتَجَدَّدُ الْفَرْضُ وَمَا لَمْ يَتَجَدَّدْ الْفَرْضُ لَا تَصِيرُ نَفَقَةُ الشَّهْرِ الثَّانِي وَاجِبَةً إلَخْ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ النَّفَقَةَ تُفْرَضُ لِمَعْنَى الْحَاجَةِ الْمُتَجَدِّدَةِ، فَإِذَا فُرِضَتْ كُلَّ شَهْرٍ كَذَا صَارَتْ الْحَاجَةُ مُتَجَدِّدَةً بِتَجَدُّدِ كُلِّ شَهْرٍ، فَقَبْلَ تَجَدُّدِهِ لَا يَتَجَدَّدُ الْفَرْضُ فَلَمْ تَجِبْ النَّفَقَةُ قَبْلَهُ، وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَمَّا لَمْ يَجِبْ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ فَرَضَهَا كُلَّ سَنَةٍ كَذَا صَحَّ الْإِبْرَاءُ عَنْ سَنَةٍ دَخَلَتْ لَا عَنْ أَكْثَرَ وَلَا عَنْ سَنَةٍ لَمْ تَدْخُلْ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ شَرَطَ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِ كَوْنِ تَقْدِيرِ الْقَاضِي النَّفَقَةَ حُكْمًا مِنْهُ. اهـ ح، وَالْمَفْهُومُ هُوَ كَوْنُهَا بِدُونِ تَقْدِيرِ الْقَاضِي لَا تَكُونُ لَازِمَةً، وَفِيهِ أَنَّهَا تَلْزَمُ بِالتَّرَاضِي عَلَى قَدْرٍ مَعْلُومٍ وَتَصِيرُ بِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ فَيَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ تَفْرِيعًا عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ الْإِبْرَاءُ قَبْلَ الْفَرْضِ بَاطِلٌ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْفَرْضَ شَامِلٌ لِلْقَضَاءِ وَالرِّضَا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ مَعْنَاهُ التَّقْدِيرُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَمَفْهُومُ أَنَّهَا قَبْلَ الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ لَا تَكُونُ لَازِمَةً؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ كَمَا يَظْهَرُ قَرِيبًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا تَمْوِينٌ بَدَلُ تَكُونُ، فَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ تَفْسِيرٌ لِلتَّمْوِينِ (قَوْلُهُ وَالْكُسْوَةُ كُسْوَةُ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ) أَيْ يَأْتِيهَا بِالْكُسْوَةِ الْوَاجِبَةِ فِي كُلِّ نِصْفِ حَوْلٍ، بِأَنْ يَأْتِيَهَا بِهَا ثِيَابًا بِلَا تَقْوِيمٍ وَتَقْدِيرٍ بِدَرَاهِمَ بَدَلَ الثِّيَابِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ لَمْ يَلْزَمْ إلَخْ) كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا. وَوَجْهُهُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ سَوَاءٌ شَرَطَهُ أَوْ لَا، وَإِنَّمَا يَعْدِلُ إلَى التَّقْدِيرِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ بِالصُّلْحِ وَالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي إذَا ظَهَرَ لَهُ مَطْلُهُ، فَتَصِيرُ النَّفَقَةُ بِذَلِكَ لَازِمَةً عَلَيْهِ وَدَيْنًا بِذِمَّتِهِ حَتَّى لَا تَسْقُطَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْهَا وَقَبْلَ ذَلِكَ لَا تَصِيرُ كَذَلِكَ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ فَلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ مَا ذَكَرَ مِنْ الشَّرْطِ طَلَبُ التَّقْدِيرِ فِي النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ الْقَاضِي بِشَرْطِهِ الْمَارِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَكَمَ بِمُوجِبِ الْعَقْدِ مَالِكِيٌّ إلَخْ) أَيْ لَوْ تَرَافَعَا إلَى مَالِكِيٍّ بَعْدَ الْمُنَازَعَةِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ فَقَالَ حَكَمْت بِصِحَّتِهِ وَصِحَّةِ شُرُوطِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 586 بَقِيَ لَوْ حَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِفَرْضِهَا دَرَاهِمَ هَلْ لِلشَّافِعِيِّ بَعْدَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالتَّمْوِينِ؟ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي مُوجِبَاتِ الْأَحْكَامِ: لَا، وَعَلَيْهِ فَلَوْ حَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِالتَّمْوِينِ لَيْسَ لِلْحَنَفِيِّ الْحُكْمُ بِخِلَافِهِ فَلْيُحْفَظْ، نَعَمْ لَوْ اتَّفَقَا بَعْدَ الْفَرْضِ عَلَى أَنْ تَأْكُلَ مَعَهُ تَمْوِينًا بَطَلَ الْفَرْضُ السَّابِقُ لِرِضَاهَا بِذَلِكَ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: قَدَّرَ كُسْوَتَهَا دَرَاهِمَ وَرَضِيَتْ وَقَضَى بِهِ هَلْ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ وَتَطْلُبَ كُسْوَةً قُمَاشًا؟ أَجَابَ نَعَمْ، وَقَالُوا: مَا بَقِيَ مِنْ النَّفَقَةِ لَهَا فَيُقْضَى بِأُخْرَى، بِخِلَافِ إسْرَافٍ وَسَرِقَةٍ وَهَلَاكٍ وَنَفَقَةِ مَحْرَمٍ وَكُسْوَةٍ، إلَّا إذَا تَخَرَّقَتْ -   [رد المحتار] وَبِمُوجِبِهِ: أَيْ بِمَا يَسْتَوْجِبُهُ الْعَقْدُ وَيَقْتَضِيهِ مِنْ لُزُومِ الْمَهْرِ وَلَزِمَ تَسْلِيمُهَا نَفْسَهَا وَنَحْوَهُ صَحَّ الْحُكْمُ، لَكِنَّ لِلْحَنَفِيِّ تَقْدِيرَ النَّفَقَةِ دَرَاهِمَ وَإِنْ كَانَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيِّ لُزُومَ الشَّرْطِ بِالتَّمْوِينِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ حُكْمُ الْمَالِكِيِّ فِيهِ إذْ لَا بُدَّ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ مِنْ الدَّعْوَى وَالْحَادِثَةِ: أَيْ تَرَافُعُهُمَا لَدَيْهِ فِي الْحَادِثَةِ الَّتِي يَحْكُمُ بِهَا، وَلَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا تَنَازُعٌ فِي صِحَّةِ اشْتِرَاطِ التَّمْوِينِ حَتَّى يَصِحَّ حُكْمُهُ بِهِ وَإِنْ قَالَ حَكَمْت بِشُرُوطِهِ وَمُوجِبِهِ، إذْ لَيْسَ لُزُومُ اشْتِرَاطِ التَّمْوِينِ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ اللَّازِمَةِ لَهُ فَلِلْحَنَفِيِّ الْحُكْمُ بِخِلَافِهِ. (قَوْلُهُ بَقِيَ لَوْ حَكَمَ الْحَنَفِيُّ) أَيْ حُكْمًا مُسْتَوْفِيًا شَرَائِطَهُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لَا) أَيْ لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِالتَّمْوِينِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالُ قَضَاءِ الْحَنَفِيِّ ط (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ إلَخْ) هَذَا بَحْثٌ لِصَاحِبِ النَّهْرِ ط (قَوْلُهُ فَلَوْ حَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِالتَّمْوِينِ) بِأَنْ تَرَافَعَا إلَيْهِ وَطَلَبَتْ مِنْهُ التَّقْدِيرَ وَأَبَى وَلَمْ يَظْهَرْ لِلْقَاضِي مَطْلُهُ فَحَكَمَ لَهَا بِالتَّمْوِينِ لَمْ يَكُنْ لِلْحَنَفِيِّ نَقْضُهُ. قُلْت: إلَّا أَنْ يَظْهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَطْلُهُ، فَيَفْرِضُهَا دَرَاهِمَ لِكَوْنِ ذَلِكَ حَادِثَةً أُخْرَى غَيْرَ الَّتِي حَكَمَ بِهَا الشَّافِعِيُّ (قَوْلُهُ بَطَلَ الْفَرْضُ السَّابِقُ) أَيْ الْفَرْضُ الْحَاصِلُ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالرِّضَا (قَوْلُهُ لِرِضَاهَا بِذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ كَانَ حَقُّهَا لِكَوْنِهِ أَنْفَعَ لَهَا فَإِنَّ النَّفَقَةَ تَصِيرُ بِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا تَسْقُطُ بِالْمُضِيِّ، فَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى التَّمْوِينِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يَكُونُ إعْرَاضًا عَنْ الْفَرْضِ السَّابِقِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا فِي الْبَحْرِ بَحْثًا وَقَالَ إنَّهَا كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ. وَقَدْ أَخَذَهَا مِمَّا فِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ صَالَحَتْهُ عَلَى ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ كُلُّ شَهْرٍ قَبْلَ التَّقْدِيرِ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا أَوْ بَعْدَهُ كَانَ تَقْدِيرًا لِلنَّفَقَةِ، فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ لَوْ قَالَتْ لَا يَكْفِينِي، وَالنُّقْصَانُ عَنْهُ لَوْ قَالَ لَا أُطِيقُهُ وَعَلِمَ الْقَاضِي صِدْقَهُ بِالسُّؤَالِ عَنْهُ وَإِلَّا لَا؛ لِأَنَّ الْتِزَامَهُ ذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ دَلِيلُ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ صَالَحَتْهُ عَلَى نَحْوِ ثَوْبٍ أَوْ عَبْدٍ مِمَّا لَا يَصِحُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَهُ فِي النَّفَقَةِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ التَّقْدِيرِ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا كَانَ تَقْدِيرًا أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ كَانَ مُعَاوَضَةً فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَلَا النُّقْصَانُ. اهـ مُلَخَّصًا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ تَرَاضِيهِمَا عَلَى مَا يَصْلُحُ لِلنَّفَقَةِ مُبْطِلٌ لِفَرْضِ الْقَاضِي، فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُمَا لَوْ اتَّفَقَا إلَخْ (قَوْلُهُ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ إلَخْ) أَيْ فَتَاوَى سِرَاجِ الدِّينِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ، وَكَوْنُ ذَاكَ مَفْرُوضًا فِي النَّفَقَةِ وَهَذَا فِي الْكُسْوَةِ لَا يُجْدِي نَفْعًا فِي الْفَرْقِ تَأَمَّلْ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ ذَاكَ فِي فَرْضِ الْقَاضِي وَهَذَا فِي التَّرَاضِي بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَرَضِيت، وَقَوْلُهُ وَقَضَى بِهِ لَمْ يُرَدَّ بِهِ الْقَضَاءُ الْحَقِيقِيُّ بَلْ الصُّورِيُّ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ صَحَّ بِتَرَاضِيهِمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ شَرْطَ الْقَضَاءِ ظُهُورُ الْمَطْلِ وَبِمُجَرَّدِ التَّرَاضِي لَمْ يَظْهَرْ مَطْلٌ، وَحِينَئِذٍ فَرُجُوعُهَا وَطَلَبُ الْكُسْوَةِ قُمَاشًا لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ قَضَاءٍ سَابِقٍ بَلْ فِيهِ إعْرَاضٌ عَنْ حَقِّهَا لِكَوْنِ التَّقْدِيرِ بِرِضَاهُمَا أَنْفَعُ لَهَا كَمَا مَرَّ فِي فَرْضِ الْقَاضِي، وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ السَّابِقَ لَوْ اتَّفَقَا إلَخْ غَيْرُ قَيْدٍ بَلْ يَكْفِي طَلَبُهَا. وَيَظْهَرُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ طَلَبِهَا بَعْدَ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا وَلِذَا ذَكَرَ مَا فِي السِّرَاجِيَّةِ عَقِبَ قَوْلِهِ لَوْ اتَّفَقَا إلَخْ، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا مَرَّ عَنْ الشَّيْخِ قَاسِمٍ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَصِحَّ حُكْمُ الشَّافِعِيِّ بِالتَّمْوِينِ بَعْدَ حُكْمِ الْحَنَفِيِّ بِالتَّقْدِيرِ بِالدَّرَاهِمِ فَعَدَمُ صِحَّةِ طَلَبِهَا بِدُونِ حُكْمٍ يَكُونُ بِالْأَوْلَى فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَقَالُوا إلَخْ) الْأَصْلُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا ظَهَرَ لَهُ الْخَطَأُ فِي التَّقْدِيرِ يَرُدُّهُ وَإِلَّا فَلَا فَلَوْ قَدَّرَ لَهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ نَفَقَةَ شَهْرٍ فَمَضَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 587 بِالِاسْتِعْمَالِ الْمُعْتَادِ أَوْ اسْتَعْمَلَتْ مَعَهَا أُخْرَى فَيَفْرِضُ أُخْرَى. (وَ) تَجِبُ (لِخَادِمِهَا الْمَمْلُوكِ) لَهَا عَلَى الظَّاهِرِ مِلْكًا تَامًّا وَلَا شُغْلَ لَهُ غَيْرُ خِدْمَتِهَا بِالْفِعْلِ " فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهَا أَوْ لَمْ يَخْدِمْهَا لَا نَفَقَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ بِإِزَاءِ الْخِدْمَةِ،   [رد المحتار] الشَّهْرُ وَبَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ يَفْرِضُ لَهَا عَشَرَةً أُخْرَى إذَا لَمْ يَظْهَرْ خَطَؤُهُ فِي التَّقْدِيرِ بِيَقِينٍ لِجَوَازِ أَنَّهَا قَتَّرَتْ عَلَى نَفْسِهَا فَيَبْقَى التَّقْدِيرُ مُعْتَبَرًا فَيَقْضِي لَهَا بِأُخْرَى، بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْرَفَتْ فِيهَا أَوْ سَرَقَتْ أَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ لَا يَقْضِي بِأُخْرَى مَا لَمْ يَمْضِ الْوَقْتِ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْخَطَأِ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْمَحْرَمِ وَكَذَا كُسْوَتُهُ فَإِنَّهُ إذَا مَضَى الْوَقْتُ وَبَقِيَ شَيْءٌ لَا يَقْضِي بِأُخْرَى؛ لِأَنَّهَا فِي حَقِّهِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ، وَلِذَا لَوْ ضَاعَتْ مِنْهُ يُفْرَضُ لَهُ أُخْرَى، وَفِي حَقِّ الْمَرْأَةِ مُعَاوَضَةٌ عَنْ الِاحْتِبَاسِ. وَبِخِلَافِ كُسْوَةِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا لَا يُقْضَى لَهَا بِأُخْرَى إلَّا إذَا تَخَرَّقَتْ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمُعْتَادِ فَيَقْضِي لَهَا بِأُخْرَى قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ لِظُهُورِ خَطَئِهِ فِي التَّقْدِيرِ حَيْثُ وَقَّتَ وَقْتًا لَا تَبْقَى مَعَهُ الْكُسْوَةُ، وَإِلَّا إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَهِيَ بَاقِيَةٌ لِكَوْنِهَا اسْتَعْمَلَتْ أُخْرَى مَعَهَا فَيَقْضِي لَهَا بِأُخْرَى أَيْضًا لِعَدَمِ ظُهُورِ الْخَطَأِ، وَمِثْلُهُ مَا إذَا لَمْ تَسْتَعْمِلْهَا أَصْلًا وَسَكَتَ عَنْهُ الشَّارِحُ لِعِلْمِهِ بِالْأُولَى. وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهَا إذَا تَخَرَّقَتْ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ بِاسْتِعْمَالٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ لَا يَقْضِي بِأُخْرَى مَا لَمْ تَمْضِ الْمُدَّةُ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْخَطَأِ فِي التَّقْدِيرِ، وَأَنَّهَا إذَا بَقِيَتْ فِي الْمُدَّةِ مَعَ اسْتِعْمَالِهَا وَحْدَهَا فَكَذَلِكَ لَا يَقْضِي لَهَا بِأُخْرَى مَا لَمْ تَتَخَرَّقْ لِظُهُورِ خَطَئِهِ حَيْثُ وَقَّتَ وَقْتًا تَبْقَى الْكُسْوَةُ بَعْدَهُ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ. [مَطْلَبٌ فِي نَفَقَةِ خَادِمِ الْمَرْأَةِ] ِ (قَوْلُهُ وَتَجِبُ لِخَادِمِهَا الْمَمْلُوكِ لَهَا) ؛ لِأَنَّ كِفَايَتَهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَهَذَا مِنْ تَمَامِهَا إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ هِدَايَةٌ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهَا إذَا مَرِضَتْ وَجَبَ عَلَيْهِ إخْدَامُهَا وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً، وَبِهِ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوَاعِدِ مَذْهَبِنَا؛ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَإِنْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ رَمْلِيٌّ. قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ. فَفِي الْبَحْرِ: قِيلَ هُوَ أَيْ الْخَادِمُ كُلُّ مَنْ يَخْدِمُهَا حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا مِلْكًا لَهَا أَوْ لَهُ أَوْ لَهُمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ مَمْلُوكُهَا، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا خَادِمٌ لَا يَفْرِضُ عَلَيْهِ نَفَقَةَ خَادِمٍ؛ لِأَنَّهَا بِسَبَبِ الْمِلْكِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهَا لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. اهـ. ثُمَّ قَالَ: وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا خَادِمٌ مَمْلُوكٌ لَا يَلْزَمُهُ كِرَاءُ غُلَامٍ يَخْدِمُهَا، لَكِنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا مَا تَحْتَاجُهُ مِنْ السُّوقِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي السِّرَاجِيَّةِ. اهـ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هَذَا فِي غَيْرِ الْمَرِيضَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى لَهَا مَا تَحْتَاجُهُ تَسْتَغْنِي عَنْهُ، بِخِلَافِ الْمَرِيضَةِ إذَا لَمْ تَجِدْ مَنْ يُمَرِّضُهَا فَيَكُونُ مِنْ تَمَامِ الْكِفَايَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الزَّوْجِ. نَعَمْ إذَا طَلَبَتْهُ لِيَقُومَ عَنْهَا فِي الطَّبْخِ وَنَحْوِهِ، فَقَدْ مَرَّ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَفْعَلْ يَأْتِيهَا بِمَنْ يَكْفِيهَا ذَلِكَ إذَا كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَخْدِمُ أَوْ لَا تَقْدِرُ، وَكَذَا إذَا كَانَ لِخِدْمَةِ أَوْلَادِهِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ مِلْكًا تَامًّا) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الزَّوْجَةِ الْمُكَاتَبَةِ إذَا كَانَ لَهَا مَمْلُوكٌ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ لَا تَجِبُ عَلَى زَوْجِهَا كَمَا فِي الْمِنَحِ أَخْذًا مِنْ تَقْيِيدِ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ بِالْحُرَّةِ، بَقِيَ لَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً وَكَاتَبَتْ أَمَتَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى الزَّوْجِ إنْ لَمْ تَشْتَغِلْ عَنْ خِدْمَتِهَا؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْحُرَّةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ إخْرَاجُ أَمَتِهَا الْمُكَاتَبَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ بِالْفِعْلِ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِي حَالِ تَلَبُّسِهِ بِالْخِدْمَةِ دُونَ مَا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا إذْ لَا يَتَوَهَّمُهُ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الِاحْتِرَازُ عَمَّا إذَا لَمْ يَخْدِمْهَا وَإِنْ كَانَ لَا شُغْلَ لَهُ غَيْرُ خِدْمَتِهَا وَلِذَا قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهَا أَوْ كَانَ لَهُ شُغْلٌ غَيْرُ خِدْمَتِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شُغْلٌ لَكِنْ لَمْ يَخْدِمْهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهُ. اهـ فَقَدْ فَرَّعَ عَلَى الْقُيُودِ الثَّلَاثَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 588 وَلَوْ جَاءَهَا بِخَادِمٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا بِرِضَاهَا فَلَا يَمْلِكُ إخْرَاجَ خَادِمِهَا بَلْ مَا زَادَ عَلَيْهِ بَحْرٌ بَحْثًا (لَوْ) حُرَّةً لَا أَمَةً جَوْهَرَةٌ لِعَدَمِ مِلْكِهَا (مُوسِرًا) لَا مُعْسِرًا فِي الْأَصَحِّ وَالْقَوْلُ لَهُ فِي الْعِسَارِ، وَلَوْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى خَانِيَّةٌ (وَلَوْ لَهُ أَوْلَادٌ لَا يَكْفِيهِ خَادِمٌ وَاحِدٌ فُرِضَ عَلَيْهِ) نَفَقَةٌ (لِخَادِمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ اتِّفَاقًا) فَتْحٌ. وَعَنْ الثَّانِي: غَنِيَّةٌ زُفَّتْ إلَيْهِ بِخَدَمٍ كَثِيرٍ اسْتَحَقَّتْ نَفَقَةَ الْجَمِيعِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْغَايَةِ وَبِهِ نَأْخُذُ. قَالَ: وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: وَيُفْرَضُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ خَادِمِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَشْرَافِ فُرِضَ نَفَقَةُ خَادِمَيْنِ، -   [رد المحتار] وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: نَفَقَةُ الْخَادِمِ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ بِإِزَاءِ الْخِدْمَةِ، فَإِذَا امْتَنَعَتْ عَنْ الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَأَعْمَالِ الْبَيْتِ لَمْ تَجِبْ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا بِمُقَابَلَةِ الِاحْتِبَاسِ. اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ جَاءَهَا بِخَادِمٍ إلَخْ) أَيْ قَاصِدًا إخْرَاجَ خَادِمِهَا مِنْ بَيْتِهِ فَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ خَانِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا قَدْ لَا تَتَهَيَّأُ لَهَا الْخِدْمَةُ بِخَادِمِ الزَّوْجِ وَلْوَالِجِيَّةٌ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ مِنْ خَادِمِهَا أَمَّا إذَا تَضَرَّرَ مِنْهُ بِأَنْ كَانَ يَخْتَلِسُ مِنْ ثَمَنِ مَا يَشْتَرِيهِ كَمَا هُوَ دَأْبُ صِغَارِ الْعَبِيدِ فِي دِيَارِنَا وَلَمْ تَسْتَبْدِلْ بِهِ غَيْرَهُ وَجَاءَهَا بِخَادِمٍ أَمِينٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاهَا. اهـ وَفِيهِ أَنَّهُ يُمْكِنُ الزَّوْجَ تَعَاطِي الشِّرَاءِ بِخَادِمَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ خِدْمَتِهَا الْخَاصَّةِ بِهَا وَالْكَلَامُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ط، نَعَمْ لَوْ كَانَ خَادِمُهَا يَخْتَلِسُ أَمْتِعَةَ بَيْتِهِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عُذْرًا لِلزَّوْجِ فِي إخْرَاجِهِ (قَوْلُهُ بَحْرٌ بَحْثًا) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ بَلْ مَا زَادَ. وَعِبَارَتُهُ: وَظَاهِرُهُ أَيْ ظَاهِرُ قَوْلِهِمْ لَا يَمْلِكُ إخْرَاجَ خَادِمِهَا أَنَّهُ يَمْلِكُ إخْرَاجَ مَا عَدَا خَادِمٍ وَاحِدٍ مِنْ بَيْتِهِ؛ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى قَوْلِهِمَا. اهـ. أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآتِي فَلَا. (قَوْلُهُ لَوْ حُرَّةً) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ الْمَمْلُوكِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ أَفَادَهُ ح وَأَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ لِعَدَمِ مِلْكِهَا (قَوْلُهُ مُوسِرًا) مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ الْمُقَدَّرَةِ بَعْدَ لَوْ، وَعَلَى حَلَّ. الشَّارِحُ صَارَ مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِيَّةِ مِنْ الزَّوْجِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوَّلَ الْبَابِ فَتَجِبُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا فَإِنَّ قَوْلَهُ هُنَا وَلِخَادِمِهَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِلزَّوْجَةِ فَافْهَمْ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَالْيَسَارُ مُقَدَّرٌ بِنِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ لَا بِنِصَابِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ. اهـ وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَلَا تُقَدَّرُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ بِالدَّرَاهِمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ بَلْ يُفْرَضُ لَهُ مَا يَكْفِيهِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَكِنْ لَا تَبْلُغُ نَفَقَتُهُ نَفَقَتَهَا؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا فَتَنْقُصُ نَفَقَتُهُ عَنْهَا فِي الْإِدَامِ، وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ مِنْ ثِيَابِ الْخَادِمِ فَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى عَادَاتِهِمْ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ فِي كُلِّ وَقْتٍ؛ فَعَلَى الْقَاضِي اعْتِبَارُ الْكِفَايَةِ فِيمَا يُفْرَضُ لَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَكَانٍ. اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ مُحَمَّدٌ مِنْ أَنَّهُ يُفْرَضُ لِخَادِمِهَا وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ لَهُ فِي الْعِسَارِ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ مِنَحٌ " وَلِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِسَبَبِ الْوُجُوبِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ، وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْخَبَرِ الْعَدَدُ وَالْعَدَالَةُ لَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: الْعِسَارُ اسْمٌ مِنْ الْإِعْسَارِ أَيْ الِافْتِقَارِ يَسْتَعْمِلُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَسْمُوعٍ كَمَا فِي الطِّلْبَةِ، وَقَالَ الْمُطَرِّزِيُّ. إنَّهُ خَطَأٌ مَحْضٌ، وَكَأَنَّهُمْ ارْتَكَبُوهَا لِمُزَاوَجَةِ الْيَسَارِ (قَوْلُهُ لَا يَكْفِيهِ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ لَا يَكْفِيهِمْ (قَوْلُهُ فَرَضَ عَلَيْهِ لِخَادِمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخَدَمَ لَهَا أَيْ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ أَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ لَهَا إلَّا إذَا احْتَاجَهُمْ لِأَوْلَادِهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا خَدَمٌ وَاحْتَاجَ أَوْلَادُهُ إلَى أَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ نَفَقَتِهِمْ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَعَنْ الثَّانِي) أَيْ أَبِي يُوسُفَ، أَشَارَ إلَى أَنَّ هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ يُفْرَضُ لِخَادِمَيْنِ لِاحْتِيَاجِ أَحَدِهِمَا لِمَصَالِحِ الدَّاخِلِ وَالْآخَرِ لِمَصَالِحِ الْخَارِجِ (قَوْلُهُ زُفَّتْ إلَيْهِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالُهَا فِي بَيْتِ أَبِيهَا لَا حَالُهَا الطَّارِئُ عَلَيْهَا فِي بَيْتِ الزَّوْجِ تَأَمَّلْ، رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ وَفِي الْبَحْرِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ هَكَذَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 589 وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِعَجْزِهِ عَنْهَا) بِأَنْوَاعِهَا الثَّلَاثَةِ (وَلَا بِعَدَمِ إيفَائِهِ) لَوْ غَائِبًا (حَقَّهَا وَلَوْ مُوسِرًا) وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ بِإِعْسَارِ الزَّوْجِ وَبِتَضَرُّرِهَا بِغَيْبَتِهِ، وَلَوْ قَضَى بِهِ حَنَفِيٌّ لَمْ يَنْفُذْ، نَعَمْ لَوْ أَمَرَ شَافِعِيًّا فَقَضَى بِهِ نَفَذَ -   [رد المحتار] وَرَوَى صَاحِبُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ مِمَّنْ يَجِلُّ مِقْدَارُهَا عَنْ خِدْمَةِ خَادِمٍ وَاحِدٍ أَنْفَقَ عَلَى مَنْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ مِنْ الْخَدَمِ مِمَّنْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْخَادِمِ الْوَاحِدِ أَوْ الِاثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة: الْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ مِنْ بَنَاتِ الْأَشْرَافِ وَلَهَا خَدَمٌ يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى نَفَقَةِ خَادِمَيْنِ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ مُطْلَقًا. وَالْمَأْخُوذُ بِهِ عِنْدَ الْمَشَايِخِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. [مَطْلَبٌ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ بِالْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ وَبِالْغَيْبَةِ] ِ (قَوْلُهُ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِعَجْزِهِ عَنْهَا) أَيْ غَائِبًا كَانَ أَوْ حَاضِرًا (قَوْلُهُ بِأَنْوَاعِهَا) وَهِيَ مَأْكُولٌ وَمَلْبُوسٌ وَمَسْكَنٌ ح (قَوْلُهُ حَقَّهَا) أَيْ مِنْ النَّفَقَةِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ مَفْعُولُ الْمَصْدَرِ وَهُوَ إيفَاءُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُوسِرًا) الْمُنَاسِبُ وَلَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُ عَدَمُ الْفَسْخِ بِمَنْعِ الْمُوسِرِ حَقَّهَا كَمَذْهَبِنَا (قَوْلُهُ بِإِعْسَارِ الزَّوْجِ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِعَجْزِهِ ط (قَوْلُهُ وَبِتَضَرُّرِهَا بِغَيْبَتِهِ) أَيْ تَضَرُّرِ الْمَرْأَةِ بِعَدَمِ وُصُولِ النَّفَقَةِ بِسَبَبِ غَيْبَتِهِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَبِتَعَذُّرِهَا بِغَيْبَتِهِ: أَيْ تَعَذُّرِ النَّفَقَةِ وَهِيَ أَظْهَرُ، وَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ وَلَا بِعَدَمِ إيفَائِهِ حَقَّهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا أَعْسَرَ الزَّوْجُ بِالنَّفَقَةِ فَلَهَا الْفَسْخُ، وَكَذَا إذَا غَابَ وَتَعَذَّرَ تَحْصِيلُهَا مِنْهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَهُمْ أَنْ لَا فَسْخَ مَا دَامَ مُوسِرًا وَإِنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ وَتَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ النَّفَقَةِ مِنْ مَالِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأُمِّ. قَالَ فِي التُّحْفَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ: فَجَزَمَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ بِالْفَسْخِ فِي مُنْقَطِعِ خَبَرٍ لَا مَالَ لَهُ حَاضِرٌ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ كَمَا عَلِمْت. وَلَا فَسْخَ بِغَيْبَةِ مَنْ جُهَلِ حَالُهُ يَسَارًا وَإِعْسَارًا بَلْ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ غَابَ مُعْسِرًا فَلَا فَسْخَ مَا لَمْ تَشْهَدْ بِإِعْسَارِهِ الْآنَ وَإِنْ عُلِمَ اسْتِنَادُهَا لِلِاسْتِصْحَابِ أَوْ ذَكَرَتْهُ تَقْوِيَةً لَا شَكًّا كَمَا يَأْتِي. اهـ (قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ أَمَرَ شَافِعِيًّا) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ بِالِاسْتِنَابَةِ خَانِيَّةٌ. قَالَ فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَشَايِخَنَا اسْتَحْسَنُوا أَنْ يُنَصِّبَ الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ نَائِبًا مِمَّنْ مَذْهَبُهُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا وَأَبَى عَنْ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْحَاجَةِ الدَّائِمَةِ لَا يَتَيَسَّرُ بِالِاسْتِدَانَةِ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَجِدُ مَنْ يُقْرِضُهَا وَغِنَى الزَّوْجِ مَآلًا أَمْرٌ مُتَوَهَّمٌ، فَالتَّفْرِيقُ ضَرُورِيٌّ إذَا طَلَبَتْهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَا يُفَرَّقُ؛ لِأَنَّ عَجْزَهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ حَالَ غَيْبَتِهِ، وَإِنْ قُضِيَ بِالتَّفْرِيقِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ لَمْ يَثْبُتْ. اهـ. وَنُقِلَ فِي الْبَحْرِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَأَنَّ الصَّحِيحَ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ عَدَمُ النَّفَاذِ لِظُهُورِ مُجَازَفَةِ الشُّهُودِ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَالْفَتْحِ. وَذَكَرَ فِي قَضَاءِ الْأَشْبَاهِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا يَنْفُذُ فِيهَا قَضَاءُ الْقَاضِي أَنَّ مِنْهَا التَّفْرِيقَ لِلْعَجْزِ عَنْ الْإِنْفَاقِ غَائِبًا عَلَى الصَّحِيحِ لَا حَاضِرًا. اهـ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّفْرِيقَ بِالْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ حَالَ حَضْرَةِ الزَّوْجِ وَكَذَا حَالَ غَيْبَتِهِ مُطْلَقًا أَوْ مَا لَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ بِإِعْسَارِهِ الْآنَ كَمَا عَلِمْت مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ التُّحْفَةِ، وَالْحَالَةُ الْأُولَى جَعَلَهَا مَشَايِخُنَا حُكْمًا مُجْتَهَدًا فِيهِ فَيَنْفُذُ فِيهِ الْقَضَاءُ دُونَ الثَّانِيَةِ، وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ حَيْثُ جَزَمَ بِالنَّفَاذِ فِيهِمَا فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الصَّحِيحِ الْمَارِّ عَنْ الذَّخِيرَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 590 إذَا لَمْ يَرْتَشِ الْآمِرُ وَالْمَأْمُورُ بَحْرٌ. (وَ) بَعْدَ الْفَرْضِ (يَأْمُرُهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ) لِتُحِيلَ (عَلَيْهِ) وَإِنْ أَبَى الزَّوْجُ.   [رد المحتار] وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ يُمْكِنُ الْفَسْخُ بِغَيْرِ طَرِيقِ إثْبَاتِ عَجْزِهِ بَلْ بِمَعْنَى فَقْدِهِ، وَهُوَ أَنْ تَتَعَذَّرَ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا. وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التُّحْفَةِ حَيْثُ رَدَّ عَلَى شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ، فَعَلَى هَذَا مَا يَقَعُ فِي زَمَانِنَا مِنْ فَسْخِ الْقَاضِي الشَّافِعِيِّ بِالْغَيْبَةِ لَا يَصِحُّ، وَلَيْسَ لِلْحَنَفِيِّ تَنْفِيذُهُ سَوَاءٌ بَنَى عَلَى إثْبَاتِ الْفَقْرِ أَوْ عَلَى عَجْزِ الْمَرْأَةِ عَنْ تَحْصِيلِ النَّفَقَةِ مِنْهُ بِسَبَبِ غَيْبَتِهِ، فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ، نَعَمْ يَصِحُّ الثَّانِي عِنْدَ أَحْمَدَ كَمَا ذَكَرَ فِي كُتُبِ مَذْهَبِهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ سَأَلَ عَمَّنْ غَابَ زَوْجُهَا وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً. فَأَجَابَ: إذَا أَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ وَطَلَبَتْ فَسْخَ النِّكَاحِ مِنْ قَاضٍ يَرَاهُ فَفَسَخَ نَفَذَ وَهُوَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ، وَفِي نَفَاذِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ رِوَايَتَانِ عِنْدَنَا، فَعَلَى الْقَوْلِ بِنَفَاذِهِ يَسُوغُ لِلْحَنَفِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ الْغَيْرِ بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَإِذَا حَضَرَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ وَبَرْهَنَ عَلَى خِلَافِ مَا ادَّعَتْ مِنْ تَرْكِهَا بِلَا نَفَقَةٍ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الْأُولَى تَرَجَّحَتْ بِالْقَضَاءِ فَلَا تَبْطُلُ بِالثَّانِيَةِ. اهـ. وَأَجَابَ عَنْ نَظِيرِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّهُ إذَا فَسَخَ النِّكَاحَ حَاكِمٌ يَرَى ذَلِكَ وَنَفَّذَ فَسْخَهُ قَاضٍ آخَرُ وَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ صَحَّ الْفَسْخُ وَالتَّنْفِيذُ وَالتَّزَوُّجُ بِالْغَيْرِ، وَلَا يَرْتَفِعُ بِحُضُورِ الزَّوْجِ وَادِّعَائِهِ أَنَّهُ تَرَكَ عِنْدَهَا نَفَقَةً فِي مُدَّةِ غَيْبَتِهِ. إلَخْ، فَقَوْلُهُ مِنْ قَاضٍ يَرَاهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فَضْلًا عَنْ الْحَنَفِيِّ، بَلْ يُرَادُ بِهِ الْحَنْبَلِيُّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَرْتَشِ الْآمِرُ وَالْمَأْمُورُ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ نَصْبَ الْقَاضِي بِالرِّشْوَةِ لَا يَصِحُّ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ حُكْمَهُ بِهَا لَا يَصِحُّ، وَلَوْ صَحَّ نَصْبُهُ، وَعَلَيْهِ فَالْمُنَاسِبُ الْعَطْفُ بِأَوْ. [مَطْلَبٌ فِي الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَى الزَّوْجِ] ِ (قَوْلُهُ وَبَعْدَ الْفَرْضِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ كَلَامًا مَطْوِيًّا بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِعَجْزِهِ عَنْهَا إلَخْ تَقْدِيرُهُ بَلْ يَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ عَلَيْهِ وَيَأْمُرُهَا بِالِاسْتِدَانَةِ، لَكِنَّ الْفَرْضَ يَظْهَرُ فِيمَا لَوْ كَانَ الْمُعْسِرُ عَنْ النَّفَقَةِ حَاضِرًا؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ لَا يَفْرِضُ لَهَا نَفَقَةً عَلَيْهِ كَمَا فِي الْحَاكِمِ، وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ، نَعَمْ سَيَذْكُرُ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُ زُفَرَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِالِاسْتِدَانَةِ) ذَكَرَ الْخَصَّافُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُونَ أَنَّهَا الشِّرَاءُ بِالنَّسِيئَةِ لِتَقْضِيَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ. وَفِي الْمُجْتَبَى أَنَّهَا الِاسْتِقْرَاضُ بَحْرٌ. وَنَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ. قَالَ: وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ الْمُغْرِبِ. اهـ وَفِي الْيَعْقُوبِيَّةِ أَنَّهُ الْأَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى. قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى، لَكِنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ فَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ. اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْحَمَوِيِّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ. قُلْت: الثَّانِي أَيْسَرُ عَلَى الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ لَا تَجِدُ مَنْ يَبِيعُهَا بِالنَّسِيئَةِ مَا تَحْتَاجُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ، بِخِلَافِ الِاسْتِقْرَاضِ لِنَفَقَةِ شَهْرٍ مَثَلًا، وَيَأْتِي قَرِيبًا الْجَوَابُ عَنْ الْإِيرَادِ. [تَنْبِيهٌ] فِي قَضَاءِ الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَنْ تَسْتَدِينُ مِنْهُ عَلَيْهِ اكْتَسَبَتْ وَأَنْفَقَتْ وَجَعَلَتْهُ دَيْنًا عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي، وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الِاكْتِسَابِ لَهَا السُّؤَالُ لِيَوْمِهَا وَتَجْعَلُ مَسْئُولَهَا دَيْنًا عَلَيْهِ أَيْضًا بِأَمْرِهِ بِهِ (قَوْلُهُ لِتُحِيلَ عَلَيْهِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ لِلْمَرْأَةِ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَى الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي سَوَاءٌ أَكَلَتْ مِنْ مَالِهَا أَوْ اسْتَدَانَتْهَا بِأَمْرِ الْقَاضِي أَوْ بِدُونِهِ، وَلَكِنَّ فَائِدَةَ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ عَدَمُ سُقُوطِهَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَطَلَاقِهَا يَسْقُطُ الْمَفْرُوضُ إلَّا إذَا اسْتَدَانَتْ بِأَمْرِ قَاضٍ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى فَائِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ مَا فِي تَجْرِيدِ الْقُدُورِيِّ وَالْهِدَايَةِ: مِنْ أَنَّ فَائِدَةَ الْأَمْرِ بِهَا أَنْ تُحِيلَ الْغَرِيمَ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 591 أَمَّا بِدُونِ الْأَمْرِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا وَهِيَ عَلَيْهِ إنْ صَرَّحَتْ بِأَنَّهَا عَلَيْهِ أَوْ نَوَتْ، وَلَوْ أَنْكَرَ نِيَّتَهَا فَالْقَوْلُ لَهُ مُجْتَبًى، وَتَجِبُ الْإِدَانَةُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَنَفَقَةُ الصِّغَارِ لَوْلَا الزَّوْجُ كَأَخٍ وَعَمٍّ، وَيُحْبَسُ الْأَخُ وَنَحْوُهُ إذَا امْتَنَعَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ زَيْلَعِيٌّ وَاخْتِيَارٌ، وَسَيَتَّضِحُ (قَضَى بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ ثُمَّ أَيْسَرَ فَخَاصَمَتْهُ تَمَّمَ) الْقَاضِي نَفَقَةَ يَسَارِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ -   [رد المحتار] وَبِدُونِ الْأَمْرِ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ عَنْ التُّحْفَةِ أَنَّ فَائِدَتَهُ رُجُوعُ الْغَرِيمِ عَلَى الزَّوْجِ أَوْ عَلَى الْمَرْأَةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ لِلْغَرِيمِ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بِلَا حَوَالَةٍ مِنْهَا، وَعَلَى مَا فِي التَّجْرِيدِ لَا رُجُوعَ لَهُ بِلَا حَوَالَةٍ. اهـ قُلْت: الظَّاهِرُ عَدَمُ الْمُخَالَفَةِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِحَالَةِ دَلَالَتُهَا الْغَرِيمَ عَلَى زَوْجِهَا لِيُطَالِبَهُ، بِأَنْ تَقُولَ لَهُ: إنَّ زَوْجِي فُلَانٌ فَطَالِبْهُ بِالدَّيْنِ، إذْ لَا يُمْكِنُ إرَادَةُ حَقِيقَةِ الْحَوَالَةِ هُنَا بِدَلِيلِ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ لِلْغَرِيمِ مُطَالَبَةَ الْمَرْأَةِ بِهَا أَيْضًا، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رِضَا الزَّوْجِ بِالْحَوَالَةِ، هَذَا وَقَدْ صَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ بِأَمْرِ الْقَاضِي إيجَابُ الدَّيْنِ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةٌ كَامِلَةٌ عَلَيْهِ فَلِذَا كَانَ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ وَبِدُونِ الْأَمْرِ بِهَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بَلْ عَلَيْهَا وَهِيَ تَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ، فَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الِاسْتِدَانَةَ بِالْأَمْرِ تَقَعُ لَهَا، وَيَجِبُ بِهَا الدَّيْنُ عَلَى الزَّوْجِ بِسَبَبِ وِلَايَةِ الْقَاضِي عَلَيْهِ لَا بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ عَنْ الزَّوْجِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ التَّوَكُّلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَصِحُّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ إنْ صَرَّحَتْ إلَخْ) لَا يَصِحُّ جَعْلُهُ قَيْدًا لِقَوْلِهِ وَهِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ ثَابِتٌ لَهَا قَبْلَ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ كَمَا عَلِمْته، بَلْ هُوَ قَيْدٌ لِقَوْلِهِ لِتُحِيلَ عَلَيْهِ. وَعِبَارَةُ الْمُجْتَبَى: فَإِذَا اسْتَدَانَتْ هَلْ تُصَرِّحُ بِأَنِّي أَسْتَدِينُ عَلَى زَوْجِي أَوْ تَنْوِي؟ أَمَّا إذَا صَرَّحَتْ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا نَوَتْ، وَإِذَا لَمْ تُصَرِّحْ وَلَمْ تَنْوِ لَا يَكُونُ اسْتِدَانَةً عَلَيْهِ؛ وَلَوْ ادَّعَتْ أَنَّهَا نَوَتْ الِاسْتِدَانَةَ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ لَهُ. اهـ. قُلْت: وَفَائِدَةُ إنْكَارِهِ عَدَمُ رُجُوعِ الْغَرِيمِ عَلَيْهِ بَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا وَهِيَ تَرْجِعُ عَلَيْهِ وَأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ طَلَاقِهَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَى الزَّوْجِ إذْ كَيْفَ يَحْلِفُ عَلَى عَدَمِ نِيَّتِهَا وَلِذَا لَمْ يُقَيِّدْ بِالْيَمِينِ، خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الرَّحْمَتِيُّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِهِ فَإِنِّي لَمْ أَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَلَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَتَجِبُ الْإِدَانَةُ إلَخْ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: الْمُعْسِرَةُ إذَا كَانَ زَوْجُهَا مُعْسِرًا وَلَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ مُوسِرٌ أَوْ أَخٌ مُوسِرٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَى زَوْجِهَا، وَيُؤْمَرُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ، وَيَحْبِسُ الِابْنَ أَوْ الْأَخَ إذَا امْتَنَعَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْإِدَانَةَ لِنَفَقَتِهَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا وَهِيَ مُعْسِرَةٌ تَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَتْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لَوْلَا الزَّوْجُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُعْسِرِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إنْفَاقِهِمْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ لَوْلَا الْأَبُ كَالْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْيَسَارِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ مَعَ الْإِعْسَارِ فَكَانَ كَالْمَيِّتِ. اهـ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْرٌ. قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأُمِّ وَغَيْرِهَا فِي ثُبُوتِ الرُّجُوعِ عَلَى الْأَبِ مَعَ أَنَّهُ سَيَذْكُرُ قُبَيْلَ الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ فِي الصَّحِيحِ إلَّا لِلْأُمِّ، وَفِيهِ كَلَامٌ سَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ كَأَخٍ وَعَمٍّ) يَصِحُّ رُجُوعُهُ لِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالصِّغَارِ. اهـ ح أَيْ كَأَنْ يَكُونَ لَهَا أَخٌ أَوْ عَمٌّ وَلِأَوْلَادِهَا أَخٌ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ عَمٌّ فَتَسْتَدِينُ لِنَفْسِهَا مِنْ أَخِيهَا أَوْ عَمِّهَا وَلِأَوْلَادِهَا مِنْ أَخِيهِمْ أَوْ عَمِّهِمْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُقَدِّمُ الْأَخَ عَلَى الْعَمِّ هُنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَسَيَتَّضِحُ) أَيْ فِي الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَيْسَرَ) أَيْ الزَّوْجُ كَمَا فَسَّرَهُ فِي الْمِنَحِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ ثُمَّ أَيْسَرَ أَحَدُهُمَا ح. قُلْت: وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَيْسَرَا (قَوْلُهُ فَخَاصَمَتْهُ) إذْ لَا تَقْدِيرَ بِدُونِ طَلَبِهَا (قَوْلُهُ تَمَّمَ) أَيْ الْقَاضِي نَفَقَةَ يَسَارِهِ: أَيْ يَسَارِ الزَّوْجِ الَّذِي امْرَأَتُهُ فَقِيرَةٌ وَهِيَ الْوَسَطُ. وَلَوْ قَالَ وَجَبَ الْوَسَطُ كَمَا قَالَ فِيمَا بَعْدَهُ لَكَانَ أَوْضَحَ ح (قَوْلُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ) أَمَّا الْمَاضِي قَبْلَ الْمُخَاصَمَةِ فَقَدْ رَضِيَتْ بِهِ وَلَوْ بَعْدَ عُرُوضِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 592 (وَبِالْعَكْسِ وَجَبَ الْوَسَطُ) كَمَا مَرَّ. (صَالَحَتْ زَوْجَهَا عَنْ نَفَقَةِ كُلِّ شَهْرٍ عَلَى دَرَاهِمَ ثُمَّ) قَالَتْ لَا تَكْفِينِي زِيدَتْ، وَلَوْ (قَالَ الزَّوْجُ لَا أُطِيقُ ذَلِكَ فَهُوَ لَازِمٌ) فَلَا الْتِفَاتَ لِمَقَالَتِهِ بِكُلِّ حَالٍ (إلَّا إذَا تَغَيَّرَ سِعْرُ الطَّعَامِ وَعَلِمَ) الْقَاضِي (أَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ) الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ (يَكْفِيهَا) فَحِينَئِذٍ يَفْرِضُ كِفَايَتَهَا، نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْخَانِيَّةِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ إلَّا أَنْ يَتَعَرَّفَ الْقَاضِي عَنْ حَالِهِ بِالسُّؤَالِ مِنْ النَّاسِ فَيُوجِبُ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ صَالَحَهَا عَنْ نَفَقَةٍ كُلُّ شَهْرٍ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَالزَّوْجُ مُحْتَاجٌ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا نَفَقَةُ مِثْلِهَا.   [رد المحتار] الْيَسَارِ (قَوْلُهُ وَبِالْعَكْسِ) بِأَنْ قَضَى بِنَفَقَةِ الْيَسَارِ لِكَوْنِهِمَا مُوسِرَيْنِ ثُمَّ أَعْسَرَ الزَّوْجُ عَلَى مَا قَالَ أَوْ ثُمَّ أَعْسَرَ أَحَدُهُمَا عَلَى مَا هُوَ الْأَوْلَى؛ وَلَوْ قَالَ قَضَى بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ ثُمَّ أَيْسَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ بِالْعَكْسِ وَجَبَ الْوَسَطُ لَكَانَ أَوْضَحَ وَأَخْصَرَ. اهـ. ح (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) فِي قَوْلِهِ بِقَدْرِ حَالِهِمَا ح. [مَطْلَبٌ فِي الصُّلْحِ عَنْ النَّفَقَةِ] ِ (قَوْلُهُ صَالَحَتْ زَوْجَهَا إلَخْ) قَدَّمْنَا عِنْدَ قَوْلِهِ لِرِضَاهَا بِذَلِكَ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى النَّفَقَةِ تَارَةً يَكُونُ تَقْدِيرًا لِلنَّفَقَةِ كَالصُّلْحِ عَلَى نَحْوِ الدَّرَاهِمِ قَبْلَ تَقْدِيرِ النَّفَقَةِ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا أَوْ بَعْدَهُ، فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَالنُّقْصَانُ عَنْهُ: أَيْ بِالْغَلَاءِ أَوْ الرُّخْصِ، وَتَارَةً يَكُونُ مُعَاوَضَةً كَالصُّلْحِ عَلَى نَحْوِ عَبْدٍ إنْ كَانَ بَعْدَ تَقْدِيرِهَا بِمَا ذُكِرَ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَلَا النُّقْصَانُ، وَلَوْ قَبْلَ التَّقْدِيرِ فَهُوَ تَقْدِيرٌ فَكَلَامُهُ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَاوَضَةً، وَلِذَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَلَى دَرَاهِمَ (قَوْلُهُ زِيدَتْ) أَيْ يَسْمَعُ الْقَاضِي دَعْوَاهَا وَيَزِيدُ لَهَا إذَا كَانَتْ لَا تَكْفِيهَا؛ لِمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ: صَالَحَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى نَفَقَةٍ لَا تَكْفِيهَا فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ وَتُطَالِبَ بِالْكِفَايَةِ. اهـ (قَوْلُهُ فَلَا الْتِفَاتَ لِمَقَالَتِهِ) فَإِنَّهُ الْتَزَمَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى أَدَاءِ مَا الْتَزَمَ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَتَعَرَّفَ الْقَاضِي عَنْ حَالِهِ بِالسُّؤَالِ مِنْ النَّاسِ فَإِذَا أَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لَا يُطِيقُ ذَلِكَ نَقَصَ عَنْهُ وَأَوْجَبَ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ ذَخِيرَةٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِتَنَاقُضِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْقَاضِي حَالُهُ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ لَا تَنَاقُضَ مِنْهَا فَإِنَّهَا غَيْرُ مُلْتَزِمَةٍ؛ لِأَنَّ لَهَا الرُّجُوعَ عَنْ الصُّلْحِ كَمَا مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ، فَحَيْثُ لَمْ تَكُنْ مُتَنَاقِضَةً تُسْمَعُ دَعْوَاهَا عَلَى الزَّوْجِ بِعَدَمِ الْكِفَايَةِ فَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ أَلْزَمَهُ بِالزِّيَادَةِ، وَإِنْ أَنْكَرَ حَلَّفَهُ أَوْ طَلَبَ مِنْهَا بَيِّنَةً وَلَا يَفْعَلُ كَذَلِكَ فِي دَعْوَى الزَّوْجِ لِعَدَمِ سَمَاعِهَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي بَيَانِهِ فَافْهَمْ. هَذَا، وَأَمَّا مَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ فَرَضَ لَهَا مَالًا يَكْفِيهَا فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ خَطَؤُهُ فَعَلَيْهِ التَّدَارُكُ بِالْقَضَاءِ بِمَا يَكْفِيهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ فَرَضَ عَلَى الزَّوْجِ زِيَادَةً عَلَى الْكِفَايَةِ فَلَهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهَا. اهـ فَلَا يَرِدُ عَلَى مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي الْقَضَاءِ بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ عَلَى الزَّوْجِ فَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ التَّنَاقُضُ مِنْهُ، بِخِلَافِ الصُّلْحِ بِرِضَاهُ، وَقَدْ خَفِيَ هَذَا عَلَى غَيْرِ وَاحِدٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِكُلِّ حَالٍ) تَابَعَ فِيهِ الْمُصَنِّفَ فِي شَرْحِهِ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ مَعَ عَدَمِ ظُهُورِ وَجْهِهِ، فَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ سِعْرُ الطَّعَامِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَارِضٌ فَلَا يَكُونُ بِهِ مُتَنَاقِضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَقْتَ الصُّلْحِ بَلْ عَرَضَ بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي دَعْوَى الْمَرْأَةِ بِالْأَوْلَى وَكَالصُّلْحِ الْقَضَاءُ. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةَ: إذَا فَرَضَ الْقَاضِي لِلْمَرْأَةِ النَّفَقَةَ فَغَلَا الطَّعَامُ أَوْ رَخُصَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُغَيِّرُ ذَلِكَ الْحُكْمَ. اهـ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَتَعَرَّفَ إلَخْ) أَيْ يَطْلُبَ الْمَعْرِفَةَ، وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَلَا الْتِفَاتَ لِمَقَالَتِهِ كَمَا عَلِمْته فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ عَقِبَهُ (قَوْلُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا نَفَقَةُ مِثْلِهَا) لِظُهُورِ أَنَّ الْمِائَةَ لِكُلِّ شَهْرٍ عَلَى الْفَقِيرِ الْمُحْتَاجِ شَيْءٌ كَثِيرٌ فِي زَمَانِهِمْ لَا يَتَغَابَنُ فِيهِ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ صَالَحَتْهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حُقُوقِهَا فِي النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ، إنْ كَانَ قَدْرَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 593 (وَالنَّفَقَةُ لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا) أَيْ اصْطِلَاحِهِمَا عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ أَصْنَافًا أَوْ دَرَاهِمَ، فَقَبْلَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ، وَبَعْدَهُ تَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَتْ وَلَوْ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا بِلَا أَمْرِ قَاضٍ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْمُدَّةِ -   [رد المحتار] جَازَ وَإِلَّا فَالزِّيَادَةُ مَرْدُودَةٌ وَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ. اهـ. وَعَلَيْهِ فَلَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ، إذْ لَوْ بَطَلَ أَصْلُ الْقَضَاءِ لَسَقَطَتْ بِالْمُضِيِّ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْقَضَاءِ التَّقْدِيرَ تَأَمَّلْ. [مَطْلَبٌ لَا تَصِيرُ النَّفَقَةُ دَيْنًا إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا] (قَوْلُهُ وَالنَّفَقَةُ لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَخْ) أَيْ إذَا لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا بِأَنْ غَابَ عَنْهَا أَوْ كَانَ حَاضِرًا فَامْتَنَعَ فَلَا يُطَالَبُ بِهَا بَلْ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزُوًّا إلَى الذَّخِيرَةِ أَنَّ نَفَقَةَ مَا دُونَ الشَّهْرِ لَا تَسْقُطُ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْقَلِيلَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، إذْ لَوْ سَقَطَتْ بِمُضِيِّ يَسِيرٍ مِنْ الزَّمَانِ لَمَا تَمَكَّنَتْ مِنْ الْأَخْذِ أَصْلًا. اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ، وَكَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ وَوَجْهُهُ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ لِمَنْ تَدَبَّرْ فَافْهَمْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفَقَةِ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ فَإِنَّهَا لَا تَصِيرُ دَيْنًا وَلَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَالرِّضَا، حَتَّى لَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ بَعْدَهُمَا تَسْقُطُ كَمَا يَأْتِي وَسَيَأْتِي أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ اسْتَثْنَى نَفَقَةَ الصَّغِيرِ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قَضَى بِنَفَقَةِ غَيْرِ الزَّوْجَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ إلَّا بِالْقَضَاءِ) بِأَنْ يَفْرِضَهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ أَصْنَافًا أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَقَبْلَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) أَيْ لَا يَلْزَمُهُ عَمَّا مَضَى قَبْلَ الْقَرْضِ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا وَلَا عَمَّا يَسْتَقْبِلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ، وَلِذَا لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْهَا قَبْلَ الْفَرْضِ وَبَعْدَهُ يَصِحُّ مِمَّا مَضَى، وَمِنْ شَهْرٍ مُسْتَقْبَلٍ كَمَا تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ وَلِخَادِمِهَا وَأَمَّا الْكَفَالَةُ بِهَا شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ فَصَرَّحَ فِي الْبَحْرِ هُنَا عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ قَبْلَ الْفَرْضِ وَالتَّرَاضِي، وَنَقَلَ بَعْدَهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَيْضًا مَا يُخَالِفُهُ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ وَالتَّوْفِيقَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ (قَوْلُهُ وَبَعْدَهُ) أَيْ وَبَعْدَ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا تَرْجِعُ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَهُ صَارَتْ مِلْكًا لَهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ أَكَلَتْ مِنْ مَالِهَا أَوْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ، لَهَا الرُّجُوعُ بِالْمَفْرُوضِ. اهـ. وَكَذَا لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةٌ تَرْجِعُ بِهَا وَلَا تَسْقُطُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ أَوْ الرِّضَا، فَأَمَّا مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ حَنَفِيَّةِ الْعَصْرِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ بِغَيْرِ فَرْضٍ وَلَا رِضَا ثُمَّ رَضِيَ الزَّوْجُ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ لَا يَفْهَمُهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ. اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِهَذَا الرِّضَا لِكَوْنِ مَا مَضَى قَبْلَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فَهُوَ الْتِزَامُ مَا لَمْ يَلْزَمْ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ مَا يَمْضِي بَعْدَ الرِّضَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ وَاجِبًا بِهِ كَالْقَضَاءِ، وَأَطْلَقَ فِي الرُّجُوعِ فَشَمِلَ مَا إذَا شَرَطَ الرُّجُوعَ لَهَا أَوْ لَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ. وَأَمَّا مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا فَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ فَقَالَ الزَّوْجُ اسْتَقْرِضِي كُلَّ شَهْرٍ كَذَا وَأَنْفِقِي لَا تَرْجِعُ مَا لَمْ يَقُلْ وَتَرْجِعِي بِذَلِكَ عَلَيَّ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ لَا تَرْجِعُ بِمَا اسْتَقْرَضَتْ بَلْ بِالْمَفْرُوضِ فَقَطْ وَإِلَّا فَهُوَ غَلَطٌ مَحْضٌ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. وَأَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ التَّوْكِيلَ فِي الْقَرْضِ لَا يَصِحُّ، وَإِذَا شَرَطَ الرُّجُوعَ يَكُونُ كَالِاصْطِلَاحِ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ فَتَرْجِعُ بِهِ، وَكَذَا أَجَابَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ الْأَمْرُ بِالِاسْتِقْرَاضِ عَلَيْهِ صَارَتْ مُسْتَقْرِضَةً عَلَى نَفْسِهَا مُتَبَرِّعَةً إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ. [تَنْبِيهٌ] أَطْلَقَ النَّفَقَةَ فَشَمِلَ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ إذَا لَمْ تَقْبِضْهَا حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ: فَفِي الْفَتْحِ أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ، وَسَنَذْكُرُ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ الصَّحِيحَ السُّقُوطُ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إصْلَاحِ الْمُتُونِ هُنَا لِإِطْلَاقِهَا عَدَمَ السُّقُوطِ، وَأَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَدَانَةِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْمُدَّةِ) أَيْ فِي قَدْرِ مَا مَضَى مِنْهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 594 فَالْقَوْلُ لَهُ وَالْبَيِّنَةُ عَلَيْهَا. وَلَوْ أَنْكَرَتْ إنْفَاقَهُ فَالْقَوْلُ لَهَا بِيَمِينِهَا ذَخِيرَةٌ (وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَطَلَاقِهَا) وَلَوْ رَجْعِيًّا ظَهِيرِيَّةٌ وَخَانِيَّةٌ وَاعْتَمَدَ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا عَدَمَ سُقُوطِهَا بِالطَّلَاقِ، لَكِنْ اعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ مَا فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى، وَالْفَتْوَى عَدَمُ سُقُوطِهَا بِالرَّجْعِيِّ كَيْ لَا يَتَّخِذَ النَّاسُ ذَلِكَ حِيلَةً وَاسْتَحْسَنَهُ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ، وَبِالْأَوَّلِ أَفْتَى شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، لَكِنْ صَحَّحَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْوَهْبَانِيَّةِ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ عَدَمِ السُّقُوطِ وَلَوْ بَائِنًا قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَرَدَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فَيُتَأَمَّلُ عِنْدَ الْفَتْوَى (يَسْقُطُ الْمَفْرُوضُ)   [رد المحتار] مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا، وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ أَوْ جِنْسِهَا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لَهُ) ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي زِيَادَةَ دَيْنٍ وَهُوَ يُنْكِرُ، فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ ذَخِيرَةٌ. (قَوْلُهُ وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَطَلَاقِهَا) وَكَذَا بِنُشُوزِهَا كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَتَسْقُطُ بِهِ: أَيْ بِالنُّشُوزِ الْمَفْرُوضَةُ لَا الْمُسْتَدَانَةُ فِي الْأَصَحِّ كَالْمَوْتِ. اهـ وَمَوْتُ أَحَدِهِمَا غَيْرُ قَيْدٍ فَكَذَا مَوْتُهُمَا بِالْأَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَقَيَّدَ السُّقُوطَ بِالطَّلَاقِ شَيْخُنَا الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ سِرَاجِ الدِّينِ الْحَانُوتِيُّ بِمَا إذَا مَضَى شَهْرٌ يَعْنِي فَأَزْيَدُ، وَهُوَ قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ تَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَاعْتَمَدَ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا إلَخْ) فَإِنَّهُ أَوَّلًا نَقَلَ السُّقُوطَ بِالطَّلَاقِ عَنْ النُّقَايَةِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْمُجْتَبَى وَالذَّخِيرَةِ، وَأَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا عَلِيٍّ النَّسَفِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَرْوِيٌّ، وَأَنَّهُ أَفْتَى بِهِ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ، وَشَبَّهَهُ بِالذِّمِّيِّ إذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ خَرَاجُ رَأْسِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ يَسْقُطُ عَنْهُ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: فَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَهُمْ سُقُوطُهَا بِالطَّلَاقِ كَالْمَوْتِ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: يَنْبَغِي ضَعْفُ الْقَوْلِ بِسُقُوطِهَا بِالطَّلَاقِ وَلَوْ بَائِنًا لِأُمُورٍ، وَذَكَرَ ثَلَاثَةً اثْنَانِ مِنْهَا ضَعِيفَانِ، وَقَالَ الثَّالِثُ وَهُوَ أَقْوَاهَا مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ الْخُلْعِ لَوْ قَالَ: خَالَعْتكِ وَنَوَى الطَّلَاقَ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ. قَالَ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَفِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا: وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِهِ عَنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهَا بِسَبَبِ النِّكَاحِ. اهـ فَاَلَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ عَلَى كُلِّ مُفْتٍ وَقَاضٍ اعْتِمَادُ عَدَمِ السُّقُوطِ خُصُوصًا مَا تَضَمَّنَهُ الْقَوْلُ بِالسُّقُوطِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالنِّسَاءِ اهـ مُلَخَّصًا. وَرَدَّ عَلَيْهِ الْعَلَامَةُ الْمَقْدِسِيَّ وَالْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِإِمْكَانِ حَمْلِ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي لَا تَسْقُطُ عَلَى الْمَهْرِ وَنَفَقَةِ مَا دُونَ الشَّهْرِ وَالنَّفَقَةِ الْمُسْتَدَانَةِ بِأَمْرٍ، وَبِأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ قَدْ أَفْتَى بِهَا مَنْ تَقَدَّمَ وَذُكِرَتْ فِي الْمُتُونِ كَالْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَالْإِصْلَاحِ وَالْغُرَرِ وَغَيْرِهَا، قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: وَلِهَذَا تَوَقَّفْت كَثِيرًا فِي الْفَتْوَى بِالسُّقُوطِ وَظَفِرْت بِنَقْلٍ صَرِيحٍ فِي تَصْحِيحِ عَدَمِ السُّقُوطِ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ. وَفِي الْجَوَاهِرِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِسُقُوطِهَا بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِئَلَّا يَتَّخِذَهَا النَّاسُ وَسِيلَةً لِقَطْعِ حَقِّ النِّسَاءِ. اهـ وَاَلَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: يَتَأَمَّلُ عِنْدَ الْفَتْوَى كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْمَشَايِخِ فِي هَذَا الْمَقَامِ. اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) اسْتِدْرَاك عَلَى إطْلَاقِ الطَّلَاقِ الشَّامِلِ لِلْبَائِنِ وَالرَّجْعِيِّ بِتَخْصِيصِ السُّقُوطِ بِالْبَائِنِ وَعَدَمِهِ بِالرَّجْعِيِّ (قَوْلُهُ وَالْفَتْوَى إلَخْ) هَذِهِ عِبَارَةُ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى كَمَا فِي الْمِنَحِ فَيَكُونُ بَدَلًا مِنْ مَا. اهـ. ح. وَفِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ مُخَالَفَةٌ لِمَا نَقَلَهُ الْمَقْدِسِيَّ عَنْهَا (قَوْلُهُ وَبِالْأَوَّلِ) أَيْ بِالسُّقُوطِ بِالطَّلَاقِ مُطْلَقًا ح (قَوْلُهُ أَفْتَى شَيْخُنَا) يَعْنِي الْخَيْرَ الرَّمْلِيَّ: قَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ بَعْدَ عَزْوِهِ إلَى الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَأَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ بْنُ نُجَيْمٍ وَوَالِدُ شَيْخِنَا الشَّيْخُ أَمِينُ الدِّينِ، وَهِيَ فِي فَتَاوِيهِمَا (قَوْلُهُ لَكِنْ صَحَّحَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ إلَخْ) وَعِبَارَتُهُ: الْمَرْأَةُ إذَا طَلُقَتْ وَقَدْ تَجَمَّدَ لَهَا نَفَقَةٌ مَفْرُوضَةٌ، قِيلَ تَسْقُطُ وَهُوَ غَيْرُ الْمُخْتَارِ. وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ: أَيْ ابْنُ وَهْبَانَ بِصِيغَةِ قِيلَ. وَالْأَصَحُّ عَدَمُ السُّقُوطِ وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لِئَلَّا يُتَّخَذَ حِيلَةً لِسُقُوطِ حُقُوقِ النِّسَاءِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَيْ ابْنُ الشِّحْنَةِ غَيْرُ التَّحْقِيقِ فِي الْمَسْأَلَةِ. اهـ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ أَنَّ الْمَفْرُوضَةَ لَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ. ط (قَوْلُهُ فَيَتَأَمَّلُ عِنْدَ الْفَتْوَى) بِأَنْ يَنْظُرَ فِي حَالِ الرَّجُلِ هَلْ فَعَلَ ذَلِكَ تَخَلُّصًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 595 ؛ لِأَنَّهَا صِلَةٌ (إلَّا إذَا اسْتَدَانَتْ بِأَمْرِ الْقَاضِي) فَلَا تَسْقُطُ بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ فِي الصَّحِيحِ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا كَاسْتِدَانَتِهِ بِنَفْسِهِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْكَمَالِ: إلَّا إذَا اسْتَدَانَتْ بَعْدَ فَرْضِ قَاضٍ آخَرَ وَلَوْ بِلَا أَمْرِهِ فَلْيُحَرَّرْ. (وَلَا تُرَدُّ) النَّفَقَةُ وَالْكُسْوَةُ (الْمُعَجَّلَةُ) بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ عَجَّلَهَا الزَّوْجُ أَوْ أَبُوهُ وَلَوْ قَائِمَةً بِهِ يُفْتَى. (يُبَاعُ الْقِنُّ) وَيَسْعَى مُدَبَّرٌ وَمُكَاتَبٌ لَمْ يَعْجِزْ (الْمَأْذُونُ فِي النِّكَاحِ) وَبِدُونِهِ يُطَالَبُ بَعْدَ عِتْقِهِ (فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ) -   [رد المحتار] مِنْ النَّفَقَةِ أَوْ لِسُوءِ أَخْلَاقِهَا مَثَلًا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ يُلْزَمُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ لَا يُلْزَمُ، وَهَذَا مَا قَالَهُ الْمَقْدِسِيَّ وَيَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ ط. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا صِلَةٌ) أَيْ وَالصِّلَاتُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ هِدَايَةٌ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَظْهَرُ فِي الطَّلَاقِ وَتَعْلِيلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا كَخَرَاجِ رَأْسِ الذِّمِّيِّ (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ) كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ عَنْ النِّهَايَةِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهَا وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ الْخَصَّافِ بِسُقُوطِهَا وَلَوْ مَعَ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ أَنَّهَا مَعَ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ لَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ بِأَمْرِ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ تَامَّةٌ عَلَيْهِ كَالِاسْتِدَانَةِ بِنَفْسِهِ فَلَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ سُقُوطُهَا بَعْدَ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ بِالطَّلَاقِ وَالصَّحِيحُ لَا تَسْقُطُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ إلَخْ) لَمْ يَمُرَّ هَذَا فِي كَلَامِهِ ط (قَوْلُهُ فَلْيُحَرَّرْ) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. اهـ. ح وَقَدْ عَلِمْت قَوْلَ الْخَصَّافِ بِسُقُوطِ الْمَفْرُوضَةِ مَعَ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ فَكَيْفَ بِدُونِهِ؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَمَالٍ سَبْقُ قَلَمٍ (قَوْلُهُ بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ) هَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَرْفَعُ عَنْهَا حِصَّةَ مَا مَضَى، وَيَجِبُ رَدُّ الْبَاقِي إنْ كَانَ قَائِمًا، وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا ذَخِيرَةٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ وَالْمَوْتُ وَالطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ سَوَاءٌ. وَفِي نَفَقَةِ الْمُطَلَّقَةِ إذَا مَاتَ الزَّوْجُ اخْتَلَفُوا فِيهِ، قِيلَ تَرُدُّ وَقِيلَ لَا تَسْتَرِدُّ بِالِاتِّفَاقِ،؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَائِمَةٌ فِي مَوْتِهِ، كَذَا فِي الْأَقْضِيَةِ. اهـ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ وَمِمَّا فِي الذَّخِيرَةِ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى: طَلَّقَهَا بَائِنًا وَعَجَّلَ لَهَا نَفَقَةَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ فَأَسْقَطَتْ سَقْطًا بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَانْقَضَتْ بِذَلِكَ عِدَّتُهَا هَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا زَادَ عَلَى حِصَّةِ الْعَشَرَةِ أَمْ لَا؟ الْجَوَابُ لَا يَرْجِعُ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ الْقِيَاسُ (قَوْلُهُ عَجَّلَهَا الزَّوْجُ أَوْ أَبُوهُ) لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا أَبُو الزَّوْجِ إذَا دَفَعَ نَفَقَةَ امْرَأَةِ ابْنِهِ مِائَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا دَفَعَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَاهَا الزَّوْجُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَكَذَا إذَا أَعْطَاهَا أَبُوهُ. اهـ وَوَجْهُهُ أَنَّهَا صِلَةٌ لِزَوْجَتِهِ، وَلَا رُجُوعَ فِيمَا يَهَبُهُ لِزَوْجَتِهِ، وَالْعِبْرَةُ لِوَقْتِ الْهِبَةِ لَا لِوَقْتِ الرُّجُوعِ، فَالزَّوْجِيَّةُ مِنْ الْمَوَانِعِ مِنْ الرُّجُوعِ كَالْمَوْتِ، وَدَفْعُ الْأَبِ كَدَفْعِ الِابْنِ، فَلَا إشْكَالَ بَحْرٌ. قُلْت: وَظَاهِرُهُ أَنَّ دَفْعَ الْأَجْنَبِيِّ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْأَبَ يَدْفَعُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ ابْنِهِ عَادَةً فَكَانَ هِبَةً مِنْ الِابْنِ فَلَا رُجُوعَ، بِخِلَافِ دَفْعِ الْأَجْنَبِيِّ فَتَأَمَّلْ. [مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ لِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ] ِ (قَوْلُهُ يُبَاعُ الْقِنُّ) أَيْ يَبِيعُهُ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ تَعَلَّقَ فِي رَقَبَتِهِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَيُؤْمَرُ بِبَيْعِهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ بَاعَهُ الْقَاضِي بِحَضْرَتِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ النَّهْرِ فِي نِكَاحِ الرَّقِيقِ. وَالْقِنُّ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَنْ لَا حُرِّيَّةَ فِيهِ بِوَجْهٍ. وَفِي اللُّغَةِ: مَنْ مُلِكَ هُوَ وَأَبُوهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَيَسْعَى مُدَبَّرٌ وَمُكَاتَبٌ) لِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهِمَا، وَمِثْلُهُمَا وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ، وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِيهِ سَقْطٌ، وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ عِنْدَ الْإِمَامِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ هِنْدِيَّةٌ عَنْ الْمُحِيطِ، وَلَوْ اخْتَارَتْ اسْتِسْعَاءَ الْقِنِّ دُونَ بَيْعِهِ يَنْبَغِي أَنَّ لَهَا ذَلِكَ كَمَا قَالُوا فِي الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ إذَا اخْتَارَ الْغُرَمَاءُ اسْتِسْعَاءَهُ بَحْرٌ، وَأَقَرَّهُ أَخُوهُ وَالْمَقْدِسِيُّ (قَوْلُهُ لَمْ يَعْجِزْ) أَمَّا لَوْ عَجَزَ نَفْسُهُ عَادَ إلَى الرِّقِّ فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْقِنِّ (قَوْلُهُ وَبِدُونِهِ إلَخْ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَ الْقِنُّ أَوْ الْمُدَبَّرُ وَنَحْوُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 596 الْمَفْرُوضَةِ (إذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مَا يَعْجِزُ عَنْ أَدَائِهِ وَلَمْ يَفْدِهِ) ذَخِيرَةٌ وَلَوْ بِنْتَ الْمَوْلَى، لَا أَمَتِهِ وَلَا نَفَقَةِ وَلَدِهِ وَلَوْ زَوْجَتُهُ حُرَّةً، بَلْ نَفَقَتُهُ عَلَى أُمِّهِ وَلَوْ مُكَاتَبَةً لِتَبَعِيَّتِهِ لِلْأُمِّ وَلَوْ مُكَاتَبَيْنِ سَعَى لِأُمِّهِ وَنَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ جَوْهَرَةٌ (مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى) أَيْ لَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ أُخْرَى بَعْدَ مَا اشْتَرَاهُ مَنْ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ثُمَّ عَلِمَ فَرَضِيَ بِيعَ ثَانِيًا، وَكَذَا الْمُشْتَرِي الثَّالِثُ وَهَلُمَّ جَرًّا؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ حَادِثٌ قَالَهُ الْكَمَالُ وَابْنُ الْكَمَالِ: فَمَا فِي الدُّرَرِ تَبَعًا لِلصَّدْرِ سَهْوٌ. -   [رد المحتار] بِلَا إذْنِ السَّيِّدِ يُطَالَبُ بِالنَّفَقَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ: أَيْ بِالنَّفَقَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لَا الَّتِي فِي حَالِ رِقِّهِ لِعَدَمِ كَوْنِهَا زَوْجَةً وَقْتَهُ. قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: فَإِنْ تَزَوَّجَ هَؤُلَاءِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا مَهْرَ، كَذَا فِي الْكَافِي، وَإِنْ أَعْتَقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ جَازَ نِكَاحُهُ حِينَ عَتَقَ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ الْمَفْرُوضَةِ) كَذَا قَيَّدَ بِهِ فِي النَّهْرِ وَعَزَاهُ إلَى الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ أَيْ؛ لِأَنَّهَا بِدُونِ الْفَرْضِ تَسْقُطُ بِالْمُضِيِّ كَنَفَقَةِ زَوْجَةِ الْحُرِّ. وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ فَرْضُهَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَهَلْ بِالتَّرَاضِي كَذَلِكَ لَمْ أَرَهُ، وَذَكَرْتُ فِي بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ بَحْثًا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ فَرْضُهَا بِتَرَاضِيهِمَا لِحَجْرِ الْعَبْدِ عَنْ التَّصَرُّفِ وَلِاتِّهَامِهِ بِقَصْدِ الزِّيَادَةِ لِإِضْرَارِ الْمَوْلَى تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ إذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ بِالْقَدْرِ الْيَسِيرِ كَنَفَقَةِ كُلِّ يَوْمٍ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَصِيرَ إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ قَدْرُ قِيمَتِهِ، لِمَا فِي الْأَوَّلِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمَوْلَى، وَمَا فِي الثَّانِي مِنْ الْإِضْرَارِ بِهَا، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِيَارَ لِلْمَوْلَى، إنْ شَاءَ بَاعَهُ جَمِيعَهُ أَوْ بَاعَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَالِهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ إذَا تَجَمَّدَ لَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةٌ أُخْرَى يُبَاعُ مِنْ حِصَّةِ كُلٍّ مِنْ السَّيِّدِ وَالْمُشْتَرِي بِقَدْرِ مَا يَخُصُّهُ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مُشْتَرَكٌ لَزِمَهُ دَيْنٌ فَيَغْرَمُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُهُ وَهَكَذَا لَوْ بِيعَ مِنْهُ لِثَالِثٍ وَرَابِعٍ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَفْدِهِ) فَلَوْ اخْتَارَ الْمَوْلَى فِدَاءَهُ لَا يُبَاعُ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي النَّفَقَةِ لَا فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِنْتَ الْمَوْلَى) تَعْمِيمٌ لِلزَّوْجَةِ، فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ عَلَى عَبْدِ أَبِيهَا؛ لِأَنَّ الْبِنْتَ تَسْتَحِقُّ الدَّيْنَ عَلَى الْأَبِ فَكَذَا عَلَى عَبْدِهِ بَحْرٌ عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ لَا أَمَتِهِ) أَيْ أَمَةِ مَوْلَاهُ أَيْ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ الَّتِي هِيَ أَمَةُ مَوْلَاهُ، سَوَاءٌ بَوَّأَهَا أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِلْكُ الْمَوْلَى وَنَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ بَحْرٌ، وَيَنْظُرُ مَا لَوْ كَانَ مُكَاتَبًا لِلْمَوْلَى وَلَعَلَّهَا عَلَيْهِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَا نَفَقَةِ وَلَدِهِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ حُرَّةً فَأَوْلَادُهَا أَحْرَارٌ تَبَعًا لَهَا، وَنَفَقَتُهُمْ عَلَيْهَا لَوْ قَادِرَةً وَإِلَّا فَعَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِمَّنْ يَرِثُهُمْ؛ وَإِذَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً فَأَوْلَادُهَا تَبَعٌ لَهَا فِي الْكِتَابَةِ فَنَفَقَتُهُمْ عَلَيْهَا. وَإِذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ قِنَّةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فَأَوْلَادُهَا تَبَعٌ لَهَا فِي الرِّقِّ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ، وَنَفَقَتُهُمْ عَلَى مَوْلَاهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مِلْكُهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لِتَبَعِيَّةِ الْأُمِّ: أَيْ لَا تَلْزَمُ الْعَبْدَ نَفَقَةُ وَلَدِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ زَوْجَتُهُ حُرَّةً أَوْ غَيْرَهَا لِتَبَعِيَّةِ الْوَلَدِ لِأُمِّهِ فِي الْحُرِّيَّةِ لَوْ حُرَّةً، وَالْكِتَابَةِ لَوْ مُكَاتَبَةً، وَالرِّقِّ لَوْ قِنَّةً، وَالتَّدْبِيرِ أَوْ الِاسْتِيلَادِ لَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُكَاتَبَيْنِ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ وَشَرْحِهِ لِلنَّسَفِيِّ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالشَّامِلِ، وَكَذَا فِي الْفَتْحِ، الْمُكَاتَبُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ امْرَأَتُهُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً لِهَذَا الْمَعْنَى. وَإِذَا كَانَتْ امْرَأَةُ الْمُكَاتَبِ مُكَاتَبَةً وَهُمَا لِمَوْلًى وَاحِدٍ فَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لِلْأُمِّ فِي كِتَابَتِهَا، وَلِهَذَا كَانَ كَسْبُ الْوَلَدِ لَهَا وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لَهَا وَمِيرَاثُهُ لَهَا فَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ تَكُونُ عَلَيْهَا. اهـ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ سَعَى، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ عَائِدٌ عَلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ مَعْنَى كَوْنِ كَسْبِهِ لِأُمِّهِ وَلَا ضَرُورَةَ لِإِرْجَاعِهِ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِ الْمُكَاتَبِ، أَمَّا نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ فَعُلِمَ حُكْمُهَا مِنْ قَوْلِهِ وَمُكَاتَبٌ لَمْ يَعْجِزْ فَافْهَمْ، نَعَمْ قَوْلُهُ وَنَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْ صَاحِبِ الْجَوْهَرَةِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ صَرِيحِ هَذِهِ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ مِنْ أَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى أُمِّهِ وَنَحْوُهُ فِي ح عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ عَلِمَ فَرَضِيَ) أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِحَالِهِ أَوْ عَلِمَ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَلَمْ يَرْضَ فَلَهُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ اُطُّلِعَ عَلَيْهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ حَادِثٌ) أَيْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَتَجَدَّدُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ تَجَدُّدِ الزَّمَانِ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ فِي حَقِّ السَّيِّدِ، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ دَيْنٌ حَادِثٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَمَا فِي الدُّرَرِ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 597 (وَتَسْقُطُ بِمَوْتِهِ وَقَتْلِهِ) فِي الْأَصَحِّ (وَيُبَاعُ فِي دَيْنِ غَيْرِهَا) مَرَّةً لِعَدَمِ التَّجَدُّدِ، وَسَيَجِيءُ فِي الْمَأْذُونِ أَنَّ لِلْغُرَمَاءِ اسْتِسْعَاءَهُ وَمُفَادُهُ أَنَّ لَهَا اسْتِسْعَاءَهُ وَلَوْ لِنَفَقَةِ كُلِّ يَوْمٍ بَحْرٌ، قَالَ: وَهَلْ يُبَاعُ فِي كَفَنِهَا؟ يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ الثَّانِي الْمُفْتَى بِهِ نَعَمْ كَمَا يُبَاعُ فِي كُسْوَتِهَا. . (وَنَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ) وَلَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ، أَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَكَالْحُرَّةِ (إنَّمَا تَجِبُ) عَلَى الزَّوْجِ وَلَوْ عَبْدًا (بِالتَّبْوِئَةِ) بِأَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ -   [رد المحتار] بَعْدَمَا اشْتَرَاهُ، وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ حَادِثٌ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إنَّمَا يُبَاعُ ثَانِيًا بِمَا يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ عِنْدِ الْأَوَّلِ، كَمَا إذَا بِيعَ فَلَمْ يَفِ ثَمَنُهُ بِمَا عَلَيْهِ لَا يُبَاعُ ثَانِيًا بِمَا بَقِيَ بَلْ بِمَا يَحْدُثُ عِنْدَ الثَّانِي، وَلِهَذَا رُدَّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ عَلَى مَا فِي الدُّرَرِ تَبَعًا لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ، حَيْثُ قَالَا: صُورَتُهُ عَبْدٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَفَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ عَلَيْهِ فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَبِيعَ بِخَمْسِمِائَةٍ وَهِيَ قِيمَتُهُ وَالْمُشْتَرِي عَالِمٌ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنَ النَّفَقَةِ يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ أَلْفٌ بِسَبَبٍ آخَرَ فَبِيعَ بِخَمْسِمِائَةٍ لَا يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى. اهـ وَأَجَابَ ح بِأَنَّ قَوْلَهُ يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ يُبَاعُ فِيمَا تَجَدَّدَ لَا فِي الْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ فَالْأَحْسَنُ قَوْلُ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فِيهِ تَسَاهُلٌ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ يُبَاعُ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَلْفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ فِيمَا يَتَجَدَّدُ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ فِي الْمَذْهَبِ اهـ لَكِنَّ قَوْلَهُ بِخِلَافِ إلَخْ يَمْنَعُ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ لَا تَسْقُطُ بِالْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ أَخْلَفَ الْقِيمَةَ فَتَنْتَقِلُ إلَيْهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقِيمَةِ إذَا كَانَ دَيْنًا لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ وَهَذَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَيُبَاعُ فِي دَيْنٍ غَيْرِهَا) بِتَنْوِينِ دَيْنٍ وَجَرِّ غَيْرِهَا عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لَهُ أَيْ غَيْرِ النَّفَقَةِ كَالْمَهْرِ، وَمَا لَزِمَهُ بِتِجَارَةٍ بِإِذْنٍ أَوْ بِضَمَانِ مُتْلِفٍ. قَالَ ح: وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّ الدِّينَ الْحَادِثَ فِي مِلْكِ مَوْلًى إذَا بِيعَ فِيهِ لَا يُبَاعُ فِي بَقِيَّتِهِ عِنْدَ مَوْلًى آخَرَ نَفَقَةً كَانَ أَوْ غَيْرَهَا. إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ سَبَبَ النَّفَقَةِ لَمَّا كَانَ أَمْرًا وَاحِدًا مُسْتَمِرًّا يُقَالُ إنَّهُ بِيعَ فِيهِ مِرَارًا عِنْدَ مَوَالٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ أَنَّ لَهَا اسْتِسْعَاءَهُ) لِكَوْنِهَا مِنْ جُمْلَةِ الْغُرَمَاءِ وَلِذَا تُحَاصِصُهُمْ ط (قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ صَاحِبُ الْبَحْرِ، وَأَقَرَّهُ أَخُوهُ وَالْمَقْدِسِيُّ، وَذَكَرَ الرَّمْلِيُّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَ كَذَلِكَ قَبْلَ وُقُوفِهِ عَلَى مَا فِي الْبَحْرِ. اهـ. قُلْت: وَرَأَيْتُهُ مُصَرَّحًا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِ الثَّانِي) أَيْ مِنْ أَنَّ مُؤْنَةَ تَجْهِيزِهَا عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ تَرَكَتْ مَالًا؛ لِأَنَّ الْكَفَنَ كَالْكُسْوَةِ حَالَ الْحَيَاةِ. (قَوْلُهُ الْمَنْكُوحَةِ) أَيْ الَّتِي زَوَّجَهَا سَيِّدُهَا لِرَجُلٍ، أَمَّا غَيْرُ الْمَنْكُوحَةِ فَنَفَقَتُهَا عَلَى سَيِّدِهَا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ أَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَكَالْحُرَّةِ) لِمِلْكِهَا مَنَافِعَهَا، فَلَمْ يَبْقَ لِلْمَوْلَى عَلَيْهَا وِلَايَةُ الِاسْتِخْدَامِ، فَلَهَا النَّفَقَةُ بِمُجَرَّدِ التَّمْكِينِ مِنْ نَفْسِهَا وَإِنْ لَمْ تَنْتَقِلْ، وَتَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ كَالْحُرَّةِ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ عَبْدًا) أَيْ لِغَيْرِ سَيِّدِ الْأَمَةِ: إذْ لَوْ كَانَ عَبْدَهُ فَنَفَقَتُهَا عَلَى السَّيِّدِ بَوَّأَهَا أَوْ لَا ط عَنْ الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ يُخَلِّيَ الْمَوْلَى بَيْنَ الْأَمَةِ وَزَوْجِهَا فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَلَا يَسْتَخْدِمُهَا، كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ بَحْرٌ؛ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالتَّبْوِئَةِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ تَفْرِيغُهَا لِمَصَالِحِ الزَّوْجِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّبْوِئَةِ، وَإِنْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا لِزَوَالِ الْمُوجِبِ زَيْلَعِيٌّ. أَيْ لِزَوَالِ الِاحْتِبَاسِ الْمُوجِبِ لِلنَّفَقَةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ اسْتَخْدَمَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ الزَّوْجِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ إذَا بَوَّأَهَا مَعَهُ أَيْ مَعَ الزَّوْجِ مَنْزِلًا فَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ الِاحْتِبَاسُ وَلَوْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ الِاحْتِبَاسُ، وَفَسَّرَ التَّبْوِئَةَ بِمَا مَرَّ، فَعُلِمَ أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِالتَّبْوِئَةِ؛ لِأَنَّ بِهَا يَحْصُلُ الِاحْتِبَاسُ الْمُوجِبُ، فَلَوْ اسْتَخْدَمَهَا وَهِيَ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ بِخِيَاطَةٍ أَوْ غَزْلٍ مَثَلًا لَمْ تَسْقُطْ النَّفَقَةُ لِبَقَاءِ الِاحْتِبَاسِ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ. وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ لَوْ اسْتَخْدَمَهَا سَقَطَتْ النَّفَقَةُ فَإِنَّ الْمُرَادَ اسْتِخْدَامُهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ الزَّوْجِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 598 وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا (فَلَوْ اسْتَخْدَمَهَا الْمَوْلَى) أَوْ أَهْلُهُ (بَعْدَهَا أَوْ بَوَّأَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ لِأَجْلِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا قَبْلَهُ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ بَوَّأَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ (سَقَطَتْ) بِخِلَافِ حُرَّةٍ نَشَزَتْ فَطَلُقَتْ فَعَادَتْ. وَفِي الْبَحْرِ بَحْثًا: فَرْضُهَا قَبْلَ التَّبْوِئَةِ بَاطِلٌ وَنَفَقَاتُ الزَّوْجَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ مُخْتَلِفَةٌ بِحَالِهِمَا. (وَكَذَا تَجِبُ لَهَا السُّكْنَى فِي بَيْتٍ خَالٍ عَنْ أَهْلِهِ)   [رد المحتار] الزَّيْلَعِيِّ وَالْهِدَايَةِ، خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُمْ وَلَا يَسْتَخْدِمُهَا فِي تَعْرِيفِ التَّبْوِئَةِ شَرْطٌ آخَرُ لَهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ، فَمَعْنَاهُ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ: ثُمَّ إذَا اسْتَخْدَمَهَا الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يُخَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِفَوَاتِ مُوجِبِ النَّفَقَةِ وَهُوَ التَّبْوِئَةُ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، فَشَابَهَتْ الْحُرَّةَ النَّاشِزَةَ، فَهَذَا كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الِاسْتِخْدَامَ بِدُونِ فَوَاتِ التَّخْلِيَةِ لَا يَضُرُّ، إذْ لَا تُشْبِهُ النَّاشِزَةَ إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِ الزَّوْجِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلَوْ اسْتَخْدَمَهَا الْمَوْلَى) أَيْ فِي غَيْرِ بَيْتِ الزَّوْجِ كَمَا عَلِمْت فَافْهَمْ، وَقَيَّدَ بِالِاسْتِخْدَامِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَأْتِي إلَى الْمَوْلَى فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَتَخْدِمُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حَقُّ الْمَوْلَى فَلَا تَسْقُطُ بِصُنْعِ غَيْرِهِ ذَخِيرَةٌ. [فَرْعٌ] لَوْ سَلَّمَهَا لِلزَّوْجِ لَيْلًا وَاسْتَخْدَمَهَا نَهَارًا فَعَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ اللَّيْلِ، كَمَا أَفْتَى بِهِ وَالِدُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ أَوْ أَهْلُهُ) أَيْ لَوْ جَاءَتْ إلَى بَيْتِهِ وَلَيْسَ هُوَ فِيهِ فَاسْتَخْدَمَهَا أَهْلُ الْبَيْتِ وَمَنَعُوهَا مِنْ الرُّجُوعِ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ اسْتِخْدَامَ أَهْلِ الْمَوْلَى إيَّاهَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِخْدَامِهِ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ التَّبْوِئَةِ (قَوْلُهُ لِأَجْلِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) الْأَوْلَى لِأَجْلِ الِاعْتِدَادِ؛ لِأَنَّ انْقِضَاءَهَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّبْوِئَةِ وَقَدْ مَرَّ فِي فَصْلِ الْحِدَادِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَمَةِ الْمُطَلَّقَةِ الْخُرُوجُ إلَّا إذَا كَانَتْ مُبَوَّأَةً (قَوْلُهُ أَيْ وَلَمْ يَكُنْ بَوَّأَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ؛ وَالْمُرَادُ نَفْيُ التَّبْوِئَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ إلَى وَقْتِ الطَّلَاقِ لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَوَّأَهَا ثُمَّ أَخْرَجَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إعَادَتُهَا لِتُطَالِبَ بِالنَّفَقَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ سَقَطَتْ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِخْدَامِ بَعْدَ التَّبْوِئَةِ أَمَّا لَوْ لَمْ يُبَوِّئْهَا إلَّا بَعْدَ الطَّلَاقِ لَمْ تَجِب أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَسْتَحِقَّ النَّفَقَةَ بِهَذَا الطَّلَاقِ فَلَا تَسْتَحِقُّ بَعْدَهُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ وَيُبَوِّئَهَا ثَانِيًا وَثَالِثًا وَهَكَذَا فَتَجِبُ النَّفَقَةُ، وَكُلَّمَا اسْتَرَدَّهَا سَقَطَتْ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ حُرَّةٍ نَشَزَتْ إلَخْ) أَيْ أَنَّ الْحُرَّةَ إذَا نَشَزَتْ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى إذَا عَادَتْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ وَالْفَرْقُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالِاحْتِبَاسِ وَهُوَ التَّبْوِئَةُ. وَالتَّبْوِئَةُ لَا تَجِبُ فِيهِ، وَنِكَاحُ الْحُرَّةِ حَالَ الطَّلَاقِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ إلَّا أَنَّهَا فَوَّتَتْ بِالنُّشُوزِ فَإِذَا عَادَتْ وَجَبَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْبَحْرِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ عَقِبَ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ تَقْدِيرَ النَّفَقَةِ مِنْ الْقَاضِي قَبْلَ التَّبْوِئَةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ السَّبَبِ، وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا. اهـ (قَوْلُهُ وَنَفَقَاتُ الزَّوْجَاتِ إلَخْ) فِي الذَّخِيرَةِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة: وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ نِسْوَةٌ بَعْضُهُنَّ أَحْرَارٌ مُسْلِمَاتٌ وَبَعْضُهُنَّ إمَاءٌ ذِمِّيَّاتٌ فَهُنَّ فِي النَّفَقَةِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ لِلْكِفَايَةِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ وَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ إلَّا أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مُفَرَّعًا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَلَسْنَ فِي النَّفَقَةِ سَوَاءٌ لِاخْتِلَافِ حَالِهِنَّ يَسَارًا وَعُسْرًا فَلَيْسَتْ نَفَقَةُ الْمُوسِرَةِ كَنَفَقَةِ الْمُعْسِرَةِ، وَلَا نَفَقَةُ الْحُرَّةِ كَالْأَمَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ. اهـ قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: وَلَا مَعْنَى لِهَذَا بَعْدَ قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مَشْرُوعَةٌ لِلْكِفَايَةِ إلَخْ. اهـ أَيْ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ. [مَطْلَبٌ فِي مَسْكَنِ الزَّوْجَةِ] ِ (قَوْلُهُ وَكَذَا تَجِبُ لَهَا) أَيْ لِلزَّوْجَةِ السُّكْنَى أَيْ الْإِسْكَانُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ اسْمَ النَّفَقَةِ يَعُمُّهَا؛ لَكِنَّهُ أَفْرَدَهَا؛ لِأَنَّ لَهَا حُكْمًا يَخُصُّهَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ خَالٍ عَنْ أَهْلِهِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِمُشَارَكَةِ غَيْرِهَا فِيهِ؛؛ لِأَنَّهَا لَا تَأْمَنُ عَلَى مَتَاعِهَا وَيَمْنَعُهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 599 سِوَى طِفْلِهِ الَّذِي لَا يَفْهَمُ الْجِمَاعَ وَأَمَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ (وَأَهْلِهَا) وَلَوْ وَلَدَهَا مِنْ غَيْرِهِ (بِقَدْرِ حَالِهِمَا) كَطَعَامٍ وَكُسْوَةٍ وَبَيْتٍ مُنْفَرِدٍ مِنْ دَارٍ لَهُ غَلْقٌ. زَادَ فِي الِاخْتِيَارِ وَالْعَيْنِيِّ: وَمَرَافِقَ، وَمُرَادُهُ لُزُومُ كَنِيفٍ وَمَطْبَخٍ، وَيَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِهِ بَحْرٌ (كَفَاهَا) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ هِدَايَةٌ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الدَّارِ أَحَدٌ -   [رد المحتار] ذَلِكَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ زَوْجِهَا وَمِنْ الِاسْتِمْتَاعِ إلَّا أَنْ تَخْتَارَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِانْتِقَاصِ حَقِّهَا هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَأَمَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَمَّا أَمَتُهُ، فَقِيلَ أَيْضًا لَا يُسْكِنُهَا مَعَهَا إلَّا بِرِضَاهَا وَالْمُخْتَارُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى اسْتِخْدَامِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا بِحَضْرَتِهَا كَمَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ زَوْجَتِهِ بِحَضْرَتِهَا وَلَا بِحَضْرَةِ الضَّرَّةِ. اهـ وَذَكَرَ أُمَّ الْوَلَدِ فِي الْبَحْرِ مَعْزِيَّا إلَى آخِرِ الْكَنْزِ. قُلْت: وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ هَذَا مُشْكِلٌ، أَمَّا عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَلِأَنَّهُ تُكْرَهُ الْمُجَامَعَةُ بَيْنَ يَدَيْ أَمَتِهِ. اهـ. قُلْت: وَقَدْ يَكُونُ إضْرَارُ أُمِّ وَلَدِهِ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ إضْرَارِ ضَرَّتِهَا. وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ كَأَهْلِهِ (قَوْلُهُ وَأَهْلِهَا) أَيْ لَهُ مَنْعُهُمْ مِنْ السُّكْنَى مَعَهَا فِي بَيْتِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِلْكًا لَهُ أَوْ إجَارَةً أَوْ عَارِيَّةً (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِهِ) حَالٌ مِنْ وَلَدِهَا لَا صِفَةٌ لَهُ وَإِلَّا لَزِمَ حَذْفُ الْمَوْصُولِ مَعَ بَعْضِ الصِّلَةِ قُهُسْتَانِيٌّ، إذْ التَّقْدِيرُ الْكَائِنُ مِنْ غَيْرِهِ. اهـ ح. وَأَطْلَقَ وَلَدَهَا فَشَمِلَ الَّذِي لَا يَفْهَمُ الْجِمَاعَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إسْكَانُ وَلَدِهَا فِي بَيْتِهِ. وَفِي حَاشِيَةِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ عَلَى الْبَحْرِ: لَهُ مَنْعُهَا مِنْ إرْضَاعِهِ وَتَرْبِيَتِهِ؛ لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعَهَا عَمَّا يُوجِبُ خَلَلًا فِي حَقِّهِ. وَمَا فِيهَا عَنْ السِّغْنَاقِيِّ وَلِأَنَّهَا فِي الْإِرْضَاعِ وَالسَّهَرِ يَنْقُصُ جَمَالُهَا وَجَمَالُهَا حَقُّهُ فَلَهُ مَنْعُهَا تَأَمَّلْ. اهـ. قُلْت: وَعَلَيْهِ فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ إرْضَاعِهِ وَلَوْ كَانَ الْبَيْتُ لَهَا (قَوْلُهُ بِقَدْرِ حَالِهِمَا) أَيْ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، فَلَيْسَ مَسْكَنُ الْأَغْنِيَاءِ كَمَسْكَنِ الْفُقَرَاءِ كَمَا فِي الْبَحْرِ؛ لَكِنْ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَنِيًّا وَالْآخَرُ فَقِيرًا؛ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يَجِبُ لَهَا فِي الطَّعَامِ وَالْكُسْوَةِ الْوَسَطُ، وَيُخَاطَبُ بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَالْبَاقِي دَيْنٌ عَلَيْهِ إلَى الْمَيْسَرَةِ، فَانْظُرْ هَلْ يَتَأَتَّى ذَلِكَ هُنَا (قَوْلُهُ وَبَيْتٍ مُنْفَرِدٍ) أَيْ مَا يُبَاتُ فِيهِ؛ وَهُوَ مَحَلٌّ مُنْفَرِدٌ مُعَيَّنٌ قُهُسْتَانِيٌّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُنْفَرِدِ مَا كَانَ مُخْتَصًّا بِهَا لَيْسَ فِيهِ مَا يُشَارِكُهَا بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ (قَوْلُهُ لَهُ غَلَقٌ) بِالتَّحْرِيكِ: مَا يُغْلَقُ وَيُفْتَحُ بِالْمِفْتَاحِ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ زَادَ فِي الِاخْتِيَارِ وَالْعَيْنِيِّ) وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ، وَأَقَرَّهُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَمَا نَقَلَ عَنْ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ غَلَقٌ يَخُصُّهُ وَكَانَ الْخَلَاءُ مُشْتَرَكًا لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِمَسْكَنٍ آخَرَ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ لُزُومُ كَنِيفٍ وَمَطْبَخٍ) أَيْ بَيْتِ الْخَلَاءِ وَمَوْضِعِ الطَّبْخِ بِأَنْ يَكُونَا دَاخِلَ الْبَيْتِ أَوْ فِي الدَّارِ لَا يُشَارِكُهَا فِيهِمَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ. قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي غَيْرِ الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ فِي الرُّبُوعِ وَالْأَحْوَاشِ بِحَيْثُ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَيْتٌ يَخُصُّهُ وَبَعْضُ الْمَرَافِقِ مُشْتَرَكَةً كَالْخَلَاءِ وَالتَّنُّورِ وَبِئْرِ الْمَاءِ وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ) هُوَ أَنَّهَا عَلَى مَتَاعِهَا؛ وَعَدَمِ مَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ زَوْجِهَا وَالِاسْتِمْتَاعِ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ: فَإِنْ كَانَتْ دَارٌ فِيهَا بُيُوتٌ وَأَعْطَى لَهَا بَيْتًا يُغْلَقُ وَيُفْتَحُ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَطْلُبَ بَيْتًا آخَرَ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ أَحَدٍ مِنْ أَحْمَاءِ الزَّوْجِ يُؤْذِيهَا. اهـ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ: فَهِمَ شَيْخُنَا أَنَّ قَوْلَهُ ثَمَّةَ أَشَارَ لِلدَّارِ لَا الْبَيْتِ؛ لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: أَبَتْ أَنْ تَسْكُنَ مَعَ أَحْمَاءِ الزَّوْجِ وَفِي الدَّارِ بُيُوتٌ إنْ فَرَّغَ لَهَا بَيْتًا لَهُ غَلَقٌ عَلَى حِدَةٍ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ لَا تُمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَتِهِ بِبَيْتٍ آخَرَ. اهـ فَضَمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِلْبَيْتِ لَا الدَّارِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الدَّارِ مِنْ الْأَحْمَاءِ مَنْ يُؤْذِيهَا وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْبَزَّازِيِّ. اهـ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 600 مِنْ أَحْمَاءِ الزَّوْجِ يُؤْذِيهَا، وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُلْتَقَطِ كِفَايَتَهُ مَعَ الْأَحْمَاءِ لَا مَعَ الضَّرَائِرِ فَلِكُلٍّ مِنْ زَوْجَتَيْهِ مُطَالَبَتُهُ بِبَيْتٍ مِنْ دَارٍ عَلَى حِدَةٍ.   [رد المحتار] قُلْت: وَفِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُسْكِنَهَا مَعَ ضَرَّتِهَا أَوْ مَعَ أَحْمَائِهَا كَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ وَبِنْتِهِ فَأَبَتْ فَعَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَهَا فِي مَنْزِلٍ مُنْفَرِدٍ؛ لِأَنَّ إبَاءَهَا دَلِيلُ الْأَذَى وَالضَّرَرِ وَلِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى جِمَاعِهَا وَمُعَاشَرَتِهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ يَتَّفِقُ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ مَعَ ثَالِثٍ؛ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي الدَّارِ بُيُوتٌ وَجَعَلَ لِبَيْتِهَا غَلَقًا عَلَى حِدَةٍ قَالُوا لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِآخَرَ. اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَمُ وُجْدَانِ أَحَدٍ فِي الْبَيْتِ لَا فِي الدَّارِ. (قَوْلُهُ مِنْ أَحْمَاءِ الزَّوْجِ) صَوَابُهُ مِنْ أَحْمَاءِ الْمَرْأَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ؛؛ لِأَنَّ أَقَارِبَ الزَّوْجِ أَحْمَاءُ الْمَرْأَةِ وَأَقَارِبَهَا أَحْمَاؤُهُ. اهـ. ح. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الزَّوْجَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَيْضًا، وَهَذَا التَّأْوِيلُ بَعِيدٌ، وَهُوَ فِي عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ الْمَارَّةِ أَبْعَدُ (قَوْلُهُ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُلْتَقَطِ إلَخْ) وَعِبَارَتُهُ: وَفَرَّقَ فِي الْمُلْتَقَطِ لِصَدْرِ الْإِسْلَامِ بَيْنَ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ فِي دَارٍ وَأَسْكَنَ كُلًّا فِي بَيْتٍ لَهُ غَلَقٌ عَلَى حِدَةٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ تُطَالِبَ بِبَيْتٍ فِي دَارٍ عَلَى حِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَفَّرُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا حَقُّهَا إلَّا إذَا كَانَ لَهَا دَارٌ عَلَى حِدَةٍ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ مَعَ الْأَحْمَاءِ، فَإِنَّ الْمُنَافَرَةَ فِي الضَّرَائِرِ أَوْفَرُ. اهـ. قُلْت: وَهَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْمُلْتَقَطِ الْمَذْكُورِ. وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْمُلْتَقَطِ لِأَبِي الْقَاسِمِ الْحُسَيْنِيِّ وَكَذَا فِي تَجْنِيسِ الْمُلْتَقَطِ الْمَذْكُورِ لِلْإِمَامِ الْأُسْرُوشَنِيِّ هَكَذَا: أَبَتْ أَنْ تَسْكُنَ مَعَ ضَرَّتِهَا أَوْ صِهْرَتِهَا، إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهَا بَيْتًا عَلَى حِدَةٍ فِي دَارِهِ لَيْسَ لَهَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُسْكِنَ امْرَأَتَهُ وَأُمَّهُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا وَفِي الْبَيْتِ غَيْرُهُمَا؛ وَإِنْ أَسْكَنَ الْأُمَّ فِي بَيْتِ دَارِهِ وَالْمَرْأَةَ فِي بَيْتٍ آخَرَ فَلَيْسَ لَهَا غَيْرُ ذَلِكَ. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ لَهَا أَنْ تَقُولَ: لَا أَسْكُنُ مَعَ وَالِدَيْكَ وَأَقْرِبَائِك فِي الدَّارِ فَأَفْرِدْ لِي دَارًا. قَالَ صَاحِبُ الْمُلْتَقَطِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمُوسِرَةِ الشَّرِيفَةِ، وَمَا ذَكَرْنَا قَبْلَهُ أَنَّ إفْرَادَ بَيْتٍ فِي الدَّارِ كَافٍ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَرْأَةِ الْوَسَطِ اعْتِبَارًا فِي السُّكْنَى بِالْمَعْرُوفِ. اهـ قُلْت: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَشْهُورَ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُتُونِ أَنَّهُ يَكْفِيهَا بَيْتٌ لَهُ غَلَقٌ مِنْ دَارٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي الدَّارِ ضَرَّتُهَا أَوْ أَحْمَاؤُهَا. وَعَلَى مَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ وَارْتَضَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ لَا يَكْفِي ذَلِكَ إذَا كَانَ فِي الدَّارِ أَحَدٌ مِنْ أَحْمَائِهَا يُؤْذِيهَا، وَكَذَا الضَّرَّةُ بِالْأَوْلَى. وَعَلَى مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ مُلْتَقَطِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ يَكْفِي مَعَ الْأَحْمَاءِ لَا مَعَ الضَّرَّةِ، وَعَلَى مَا نَقَلْنَا عَنْ مُلْتَقَطِ أَبِي الْقَاسِمِ وَتَجْنِيسِهِ لِلْأُسْرُوشَنِيِّ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، فَفِي الشَّرِيفَةِ ذَاتِ الْيَسَارِ لَا بُدَّ مِنْ إفْرَادِهَا فِي دَارٍ، وَمُتَوَسِّطِ الْحَالِ يَكْفِيهَا بَيْتٌ وَاحِدٌ مِنْ دَارٍ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْإِعْسَارِ يَكْفِيهَا بَيْتٌ وَلَوْ مَعَ أَحْمَائِهَا وَضَرَّتِهَا كَأَكْثَرِ الْأَعْرَابِ وَأَهْلِ الْقُرَى وَفُقَرَاءِ الْمُدُنِ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ فِي الْأَحْوَاشِ وَالرُّبُوعِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمُوَافِقُ، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَسْكَنَ يُعْتَبَرُ بِقَدْرِ حَالِهِمَا، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى - {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6]- وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ فِي زَمَانِنَا هَذَا فَقَدْ مَرَّ أَنَّ الطَّعَامَ وَالْكُسْوَةَ يَخْتَلِفَانِ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَأَهْلُ بِلَادِنَا الشَّامِيَّةِ لَا يَسْكُنُونَ فِي بَيْتٍ مِنْ دَارٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى أَجَانِبَ، وَهَذَا فِي أَوْسَاطِهِمْ فَضْلًا عَنْ أَشْرَافِهِمْ إلَّا أَنْ تَكُونَ دَارًا مَوْرُوثَةً بَيْنَ إخْوَةٍ مَثَلًا، فَيَسْكُنُ كُلٌّ مِنْهُمْ فِي جِهَةٍ مِنْهَا مَعَ الِاشْتِرَاكِ فِي مَرَافِقِهَا، فَإِذَا تَضَرَّرَتْ زَوْجَةُ أَحَدِهِمْ مِنْ أَحْمَائِهَا أَوْ ضَرَّتِهَا وَأَرَادَ زَوْجُهَا إسْكَانَهَا فِي بَيْتٍ مُنْفَرِدٍ مِنْ دَارٍ لِجَمَاعَةٍ أَجَانِبَ وَفِي الْبَيْتِ مَطْبَخٌ وَخَلَاءٌ يَعُدُّونَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْعَارِ عَلَيْهِمْ، فَيَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِلُزُومِ دَارٍ مِنْ بَابِهَا، نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ إسْكَانُهَا فِي دَارٍ وَاسِعَةٍ كَدَارِ أَبِيهَا أَوْ كَدَارِهِ الَّتِي هُوَ سَاكِنٌ فِيهَا؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَوْسَاطِ وَالْأَشْرَافِ يَسْكُنُونَ الدَّارَ الصَّغِيرَةَ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُلْتَقَطِ مِنْ قَوْلِهِ اعْتِبَارًا فِي السُّكْنَى بِالْمَعْرُوفِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 601 (وَلَا يَلْزَمُهُ إتْيَانُهَا بِمُؤْنِسَةٍ) وَيَأْمُرُهُ بِإِسْكَانِهَا بَيْنَ جِيرَانٍ صَالِحِينَ بِحَيْثُ لَا تَسْتَوْحِشُ سِرَاجِيَّةٌ. وَمُفَادُهُ أَنَّ الْبَيْتَ بِلَا جِيرَانٍ لَيْسَ مَسْكَنًا شَرْعِيًّا بَحْرٌ. وَفِي النَّهْرِ: وَظَاهِرُهُ وُجُوبُهَا لَوْ الْبَيْتُ خَالِيًا عَنْ الْجِيرَانِ لَا سِيَّمَا إذَا خَشِيَتْ عَلَى عَقْلِهَا مِنْ سَعَتِهِ. قُلْت: لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِمَا مَرَّ أَنَّ مَا لَا جِيرَانَ لَهُ غَيْرُ مَسْكَنٍ شَرْعِيٍّ، فَتَنَبَّهْ (وَلَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ) فِي كُلِّ جُمُعَةٍ إنْ لَمْ يَقْدِرَا عَلَى إتْيَانِهَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ وَلَوْ أَبُوهَا   [رد المحتار] إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَعْرُوفَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، فَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَنْظُرَ إلَى حَالِ أَهْلِ زَمَانِهِ وَبَلَدِهِ، إذْ بِدُونِ ذَلِكَ لَا تَحْصُلُ الْمُعَاشَرَةُ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى - {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6]-. [مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُؤْنِسَةِ] ِ (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ إتْيَانُهَا بِمُؤْنِسَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَمْ نَجِدْ فِي كَلَامِهِمْ ذِكْرَ الْمُؤْنِسَةِ إلَّا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ قَالَ إنَّهَا لَا تَجِبُ إلَخْ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ: هَكَذَا قَالُوا لِلزَّوْجِ أَنْ يُسْكِنَهَا حَيْثُ أَحَبَّ وَلَكِنْ بَيْنَ جِيرَانٍ صَالِحِينَ؛ وَلَوْ قَالَتْ إنَّهُ يَضْرِبُنِي وَيُؤْذِينِي فَمُرْهُ أَنْ يُسْكِنَنِي بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ؛ فَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ زَجَرَهُ وَمَنَعَهُ عَنْ التَّعَدِّي فِي حَقِّهَا وَإِلَّا يَسْأَلُ الْجِيرَانَ عَنْ صَنِيعِهِ، فَإِنْ صَدَّقُوهَا مَنَعَهُ عَنْ التَّعَدِّي فِي حَقِّهَا، وَلَا يَتْرُكُهَا ثَمَّةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي جِوَارِهَا مَنْ يُوثَقُ بِهِ أَوْ كَانُوا يَمِيلُونَ إلَى الزَّوْجِ أَمَرَهُ بِإِسْكَانِهَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ. اهـ وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّهُ يَضْرِبُ وَإِنَّمَا قَالُوا زَجَرَهُ وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَطْلُبْ تَعْزِيرَهُ وَإِنَّمَا طَلَبَتْ الْإِسْكَانَ بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْبَيْتَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ جِيرَانٌ لَيْسَ بِمَسْكَنٍ شَرْعِيٍّ. اهـ (قَوْلُهُ لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ إلَخْ) أَيْ نَظَرَ فِي كَلَامِ النَّهْرِ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا رَضِيَتْ بِذَلِكَ وَلَمْ تُطَالِبْهُ بِمَسْكَنٍ لَهُ جِيرَانٌ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِفْتَاءَ بِلُزُومِ الْمُؤْنِسَةِ وَعَدَمِهِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَسَاكِنِ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْجِيرَانِ، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا كَمَسَاكِنِ الرُّبُوعِ وَالْحِيْشَانِ فَلَا يَلْزَمُ لِعَدَمِ الِاسْتِيحَاشِ بِقُرْبِ الْجِيرَانِ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا كَالدَّارِ الْخَالِيَةِ مِنْ السُّكَّانِ الْمُرْتَفِعَةِ الْجُدَرَانِ يَلْزَمُ لَا سِيَّمَا إنْ خَشِيَتْ عَلَى عَقْلِهَا كَمَا أَفَادَهُ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ أَبُو السُّعُودِ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ، وَهُوَ كَلَامٌ وَجِيهٌ؛ لِأَنَّ مَا فِي السِّرَاجِيَّةِ مِنْ عَدَمِ اللُّزُومِ مَشْرُوطٌ بِشَرْطَيْنِ: إسْكَانُهَا بَيْنَ جِيرَانٍ صَالِحِينَ، وَعَدَمُ الِاسْتِيحَاشِ، فَإِذَا أَسْكَنَهَا فِي دَارٍ وَكَانَ يَخْرُجُ لَيْلًا لِيَبِيتَ عِنْدَ ضَرَّتِهَا وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ لَهَا وَلَدٌ أَوْ خَادِمٌ تَسْتَأْنِسُ بِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا مَنْ يَدْفَعُ عَنْهَا إذَا خَشِيَتْ مِنْ اللُّصُوصِ أَوْ ذَوِي الْفَسَادِ كَانَ مِنْ الْمُضَارَّةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةَ السِّنِّ فَيَلْزَمُهُ إتْيَانُهَا بِمُؤْنِسَةٍ أَوْ إسْكَانُهَا فِي بَيْتٍ مِنْ دَارٍ عِنْدَ مَنْ لَا يُؤْذِيهَا إنْ كَانَ مَسْكَنًا يَلِيقُ بِحَالِهِمَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ) الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ: هَكَذَا قِيلَ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ وَقِيلَ يَمْنَعُ؛ وَلَا يَمْنَعُهُمَا مِنْ الدُّخُولِ إلَيْهَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ وَغَيْرَهُمْ مِنْ الْأَقَارِبِ فِي كُلِّ سَنَةٍ هُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ فَقَوْلُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ مُقَابِلُهُ الْقَوْلُ بِالشَّهْرِ فِي دُخُولِ الْمَحَارِمِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الدُّرَرِ وَالْفَتْحِ، نَعَمْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ اخْتَارَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ تَقْيِيدُ خُرُوجِهَا بِأَنْ لَا يَقْدِرَا عَلَى إتْيَانِهَا، فَإِنْ قَدَرَا لَا تَذْهَبُ وَهُوَ حَسَنٌ، وَقَدْ اخْتَارَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مَنْعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْهِمَا وَأَشَارَ إلَى نَقْلِهِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ. وَالْحَقُّ الْأَخْذُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ الْأَبَوَانِ بِالصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْت، وَإِلَّا يَنْبَغِي أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي زِيَارَتِهِمَا فِي الْحِينِ بَعْدَ الْحِينِ عَلَى قَدْرٍ مُتَعَارَفٍ، أَمَّا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَهُوَ بَعِيدٌ، فَإِنَّ فِي كَثْرَةِ الْخُرُوجِ فَتْحُ بَابِ الْفِتْنَةِ خُصُوصًا إذَا كَانَتْ شَابَّةً وَالزَّوْجُ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ، بِخِلَافِ خُرُوجِ الْأَبَوَيْنِ فَإِنَّهُ أَيْسَرَ. اهـ. وَهَذَا تَرْجِيحٌ مِنْهُ لِخِلَافِ مَا ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ أَنَّهَا تَخْرُجُ لِلْوَالِدَيْنِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ بِإِذْنِهِ وَبِدُونِهِ، وَلِلْمَحَارِمِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً بِإِذْنِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 602 زَمِنًا مَثَلًا فَاحْتَاجَهَا فَعَلَيْهَا تَعَاهُدُهُ وَلَوْ كَافِرًا وَإِنْ أَبَى الزَّوْجُ فَتْحٌ (وَلَا يَمْنَعُهُمَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، وَفِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَحَارِمِ فِي كُلِّ سَنَةٍ) لَهَا الْخُرُوجُ وَلَهُمْ الدُّخُولُ زَيْلَعِيٌّ (وَيَمْنَعُهُمْ مِنْ الْكَيْنُونَةِ) وَفِي نُسْخَةٍ: مِنْ الْبَيْتُوتَةِ لَكِنَّ عِبَارَةَ مُنْلَا مِسْكِينٍ: مِنْ الْقَرَارِ (عِنْدَهَا) بِهِ يُفْتَى خَانِيَّةٌ، وَيَمْنَعُهَا مِنْ زِيَارَةِ الْأَجَانِبِ وَعِيَادَتِهِمْ وَالْوَلِيمَةِ، وَإِنْ أَذِنَ كَانَا عَاصِيَيْنِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْمَهْرِ. وَفِي الْبَحْرِ: لَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْغَزْلِ وَكُلِّ عَمَلٍ وَلَوْ تَبَرُّعًا لِأَجْنَبِيٍّ وَلَوْ قَابِلَةً أَوْ مُغَسِّلَةً -   [رد المحتار] وَبِدُونِهِ (قَوْلُهُ زَمِنًا) أَيْ مَرِيضًا مَرَضًا طَوِيلًا (قَوْلُهُ فَعَلَيْهَا تَعَاهُدُهُ) أَيْ بِقَدْرِ احْتِيَاجِهِ إلَيْهَا، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَقُومُ عَلَيْهِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَافِرًا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمُصَاحَبَةِ بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ أَبَى الزَّوْجُ) لِرُجْحَانِ حَقِّ الْوَالِدِ، وَهَلْ لَهَا النَّفَقَةُ؟ الظَّاهِرُ لَا وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَةً مِنْ بَيْتِهِ بِحَقٍّ كَمَا لَوْ خَرَجَتْ لِفَرْضِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَهُ الْمَنْعُ مِنْ الدُّخُولِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْمَنْزِلَ مِلْكُهُ، وَلَهُ حَقُّ الْمَنْعِ مِنْ دُخُولِ مِلْكِهِ دُونَ الْقِيَامِ عَلَى بَابِ الدَّارِ، وَلِمَنْ قَالَ لَا مَنْعَ مِنْ الدُّخُولِ بَلْ مِنْ الْقَرَارِ؛ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ فِي الْمُكْثِ وَطُولِ الْكَلَامِ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. وَظَاهِرُ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ اخْتِيَارُ الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ مِنْ الدُّخُولِ مُطْلَقًا وَاخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ، وَقَالَ: وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا وَالْكَلَامِ مَعَهَا خَارِجَ الْمَنْزِلِ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَيْهَا الْفَسَادَ فَلَهُ مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا (قَوْلُهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ) وَقِيلَ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لَهَا الْخُرُوجُ وَلَهُمْ الدُّخُولُ زَيْلَعِيٌّ) الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ. وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ: وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ إلَخْ (قَوْلُهُ وَيَمْنَعُهُمْ مِنْ الْكَيْنُونَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلَى الْأَبَوَيْنِ وَالْمَحَارِمِ (قَوْلُهُ وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ الْبَيْتُوتَةِ إلَخْ) وَبِهِ عَبَّرَ فِي النَّهْرِ، وَتَعْبِيرُ مُنْلَا مِسْكِينٍ يُؤَيِّدُ النُّسْخَةَ الْأُولَى، وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْبَحْرِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ مِنْ التَّعْلِيلِ بِأَنَّ الْفِتْنَةَ فِي الْمُكْثِ وَطُولِ الْكَلَامِ (قَوْلُهُ وَيَمْنَعُهَا إلَخْ) وَلَا تَتَطَوَّعُ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ. قُلْت: يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الصَّلَاةِ بِصَلَاةِ التَّهَجُّدِ فِي اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَنْعًا لِحَقِّهِ وَتَنْقِيصًا لِجَمَالِهَا بِالسَّهَرِ وَالتَّعَبِ وَجَمَالُهَا حَقُّهُ أَيْضًا كَمَا مَرَّ، أَمَّا غَيْرُهُ وَلَا سِيَّمَا السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهَا مِنْهَا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَالْوَلِيمَةِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ عِنْدَ الْمَحَارِمِ،؛ لِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى جَمْعٍ فَلَا تَخْلُو مِنْ الْفَسَادِ عَادَةً رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَكُلِّ عَمَلٍ وَلَوْ تَبَرُّعًا لِأَجْنَبِيٍّ) كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي عَدَمُ تَخْصِيصِ الْغَزْلِ، بَلْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا الْمُقْتَضِيَةِ لِلْكَسْبِ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَغْنِيَةٌ عَنْهُ لِوُجُوبِ كِفَايَتِهَا عَلَيْهِ وَكَذَا مِنْ الْعَمَلِ تَبَرُّعًا لِأَجْنَبِيٍّ بِالْأَوْلَى. اهـ وَقَوْلُهُ بِالْأَوْلَى يُنَافِي قَوْلَ الشَّارِحِ وَلَوْ تَبَرُّعًا لِاقْتِضَاءِ لَوْ الْوَصْلِيَّةِ كَوْنَ غَيْرِ التَّبَرُّعِ أَوْلَى وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ كَذَا قِيلَ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَا كَانَ غَيْرَ تَبَرُّعٍ بَلْ بِالْأُجْرَةِ قَدْ يَسْتَدْعِي خُرُوجَهَا لِمُطَالَبَةِ الْأَجْنَبِيِّ بِالْأُجْرَةِ تَأَمَّلْ. قُلْت: ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُمْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْغَزْلِ يَشْمَلُ غَزْلَهَا لِنَفْسِهَا، فَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ فِيهِ السَّهَرُ وَالتَّعَبُ الْمُنْقِصُ لِجَمَالِهَا فَلَهُ مَنْعُهَا عَمَّا يُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ لَا مَا دُونَهُ وَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ اسْتِغْنَاءَهَا عَنْ الْكَسْبِ كَمَا مَرَّ، فَفِيهِ أَنَّهَا قَدْ تَحْتَاجُ إلَى مَا لَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ شِرَاؤُهُ لَهَا، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي تَحْرِيرُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْعُهَا عَنْ كُلِّ عَمَلٍ يُؤَدِّي إلَى تَنْقِيصِ حَقِّهِ أَوْ ضَرَرِهِ أَوْ إلَى خُرُوجِهَا مِنْ بَيْتِهِ أَمَّا الْعَمَلُ الَّذِي لَا ضَرَرَ لَهُ فِيهِ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهَا عَنْهُ خُصُوصًا فِي حَالِ غَيْبَتِهِ مِنْ بَيْتِهِ، فَإِنَّ تَرَكَ الْمَرْأَةَ بِلَا عَمَلٍ فِي بَيْتِهَا يُؤَدِّي إلَى وَسَاوِسِ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ أَوْ الِاشْتِغَالِ بِمَا لَا يَعْنِي مَعَ الْأَجَانِبِ وَالْجِيرَانِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَابِلَةً وَمُغَسِّلَةً) أَيْ الَّتِي تَغْسِلُ الْمَوْتَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْهَا تَقْيِيدَ خُرُوجِهَا بِإِذْنِ الزَّوْجِ بَعْدَمَا نَقَلَ عَنْ النَّوَازِلِ أَنَّ لَهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 603 لِتَقَدُّمِ حَقِّهِ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَمِنْ مَجْلِسِ الْعِلْمِ إلَّا لِنَازِلَةٍ امْتَنَعَ زَوْجُهَا مِنْ سُؤَالِهَا، وَمِنْ الْحَمَّامِ إلَّا النُّفَسَاءَ وَإِنْ جَازَ بِلَا تَزَيُّنٍ وَكَشْفِ عَوْرَةِ أَحَدٍ. قَالَ الْبَاقَانِيُّ: وَعَلَيْهِ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِنَّ لِلْعِلْمِ بِكَشْفِ بَعْضِهِنَّ، وَكَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مَعْزِيًّا لِلْكَمَالِ. . (وَتُفْرَضُ) النَّفَقَةُ بِأَنْوَاعِهَا الثَّلَاثَةِ (لِزَوْجَةِ الْغَائِبِ) مُدَّةَ سَفَرٍ صَيْرَفِيَّةٌ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْبَحْرِ وَلَوْ مَفْقُودًا (وَطِفْلِهِ) وَمِثْلُهُ كَبِيرٌ زَمِنٌ وَأُنْثَى مُطْلَقًا (وَأَبَوَيْهِ) فَقَطْ، فَلَا تُفْرَضُ لِمَمْلُوكِهِ وَأَخِيهِ،   [رد المحتار] الْخُرُوجَ بِلَا إذْنِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ، وَقَوَّى فِي الْبَحْرِ الْأَوَّلَ بِمَا عَلَّلَ بِهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ) بِخِلَافِ فَرْضِ الْعَيْنِ كَالْحَجِّ فَلَهَا الْخُرُوجُ إلَيْهِ مَعَ مَحْرَمٍ (قَوْلُهُ وَمِنْ مَجْلِسِ الْعِلْمِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ الْغَزْلِ، فَإِنْ لَمْ تَقَعْ لَهَا نَازِلَةٌ، وَأَرَادَتْ الْخُرُوجَ لِتَعَلُّمِ مَسَائِلِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ، إنْ كَانَ الزَّوْجُ يَحْفَظُ ذَلِكَ وَيُعَلِّمُهَا لَهُ مَنْعُهَا، وَإِلَّا فَالْأَوْلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهَا أَحْيَانَا بَحْرٌ. مَطْلَبٌ فِي مَنْعِ النِّسَاءِ مِنْ الْحَمَّامِ (قَوْلُهُ وَمِنْ الْحَمَّامِ إلَخْ) الْمَنْعُ مِنْهُ قَوْلُ الْفَقِيهِ، وَخَالَفَهُ قَاضِي خَانْ فَقَالَ: دُخُولُهُ مَشْرُوعٌ لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ، خِلَافًا لِمَا قَالَهُ بَعْضُ النَّاسِ، لَكِنْ إنَّمَا يُبَاحُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إنْسَانٌ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ. اهـ وَعَلَى ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِنَّ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُنَّ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ تُؤَيِّدُ قَوْلَ الْفَقِيهِ وَوَرَدَ اسْتِثْنَاءُ النُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ، وَقَالَ قَبْلَهُ: وَحَيْثُ أَبَحْنَا لَهَا الْخُرُوجَ فَإِنَّمَا يُبَاحُ بِشَرْطِ عَدَمِ الزِّينَةِ وَتَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ إلَى مَا يَكُونُ دَاعِيَةً لِنَظَرِ الرِّجَالِ وَالِاسْتِمَالَةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب: 33]- اهـ وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ جَازَ إلَى قَوْلِ قَاضِي خَانْ، وَإِلَى أَنَّهُ لَا يُنَافِي مَنْعَ الزَّوْجِ لَهَا مِنْ دُخُولِهِ مَعَ مَشْرُوعِيَّتِهِ لَهَا كَمَا لَا يُنَافِي مَنْعَهَا مِنْ صَوْمِ النَّفْلِ وَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا، نَعَمْ يُنَافِي مَنْعَهَا مِنْ دُخُولِهِ وَلَوْ بِإِذْنِ الزَّوْجِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ الْفَقِيهِ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ. [مَطْلَبٌ فِي فَرْضِ النَّفَقَةِ لِزَوْجَةِ الْغَائِبِ] ِ (قَوْلُهُ وَتُفْرَضُ النَّفَقَةُ) وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مَفْرُوضَةً وَمَضَتْ مُدَّةٌ ثُمَّ غَابَ لَهَا أَخَذَ الْمَاضِيَ مِنْ مَالِهِ الْمَذْكُورِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ مُدَّةَ سَفَرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالْغَائِبِ (قَوْلُهُ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْبَحْرِ) قَالَ: وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ يَجِبُ حِفْظُهُ فَإِنَّهُ فِيمَا دُونَهَا يَسْهُلُ إحْضَارُهُ وَمُرَاجَعَتُهُ. اهـ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَيَفْرِضُ الْقَاضِي نَفَقَةَ عُرْسِ الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ سَفَرٍ أَوْ لَا كَمَا فِي الْمُنْيَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تُفْرَضَ نَفَقَةُ عُرْسِ الْمُتَوَارِي فِي الْبَلَدِ، وَيَدْخُلَ فِيهِ الْمَفْقُودُ. اهـ. ح. وَفِي الْحَمَوِيِّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ عَنْ الْقُنْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ: سَوَاءٌ كَانَتْ الْغَيْبَةُ مُدَّةَ سَفَرٍ أَوْ لَا، حَتَّى لَوْ ذَهَبَ إلَى الْقَرْيَةِ وَتَرَكَهَا فِي الْبَلَدِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لَهَا النَّفَقَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَطِفْلِهِ) أَيْ الْفَقِيرِ الْحُرِّ ط (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ كَبِيرٌ زَمِنٌ) الْمُرَادُ بِهِ الِابْنُ الْعَاجِزُ عَنْ الْكَسْبِ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَأُنْثَى مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ غَيْرَ مَرِيضَةٍ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْأُنُوثَةِ عَجْزٌ ط وَالْمُرَادُ بِهَا الْبِنْتُ الْفَقِيرَةُ (قَوْلُهُ وَأَبَوَيْهِ) أَيْ الْفَقِيرَيْنِ وَلَوْ قَادِرَيْنِ عَلَى الْكَسْبِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ فَلَا تُفْرَضُ لِمَمْلُوكِهِ وَأَخِيهِ) الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِمَّا سِوَى قَرَابَةِ الْوِلَادِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ لَا تَجِبُ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ مَالِهِ شَيْئًا قَبْلَ الْقَضَاءِ إذَا ظَفِرُوا بِهِ فَكَانَ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِمْ ابْتِدَاءَ إيجَابٍ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْغَائِبِ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ وَقَرَابَةِ الْوِلَادِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ الْأَخْذَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِلَا رِضَاهُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 604 وَلَا يَقْضِي عَنْهُ دَيْنَهُ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ (فِي مَالٍ لَهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمْ) كَتِبْرٍ أَوْ طَعَامٍ، أَمَّا خِلَافُهُ فَيَفْتَقِرُ لِلْبَيْعِ، وَلَا يُبَاعُ مَالُ الْغَائِبِ اتِّفَاقًا (عِنْدَ) أَوْ عَلَى (مَنْ يُقِرُّ بِهِ) عِنْدَهُ لِلْأَمَانَةِ، وَعَلَى لِلدَّيْنِ، وَيَبْدَأُ بِالْأَوَّلِ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمُودِعِ فِي الدَّفْعِ لِلنَّفَقَةِ لَا الْمَدْيُونِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِهَا بَحْرٌ وَسَيَجِيءُ؛ وَلَوْ أَنْفَقَا بِلَا فَرْضٍ ضَمِنَا بِلَا رُجُوعٍ (وَبِالزَّوْجِيَّةِ وَ) بِقَرَابَةِ (الْوِلَادِ وَكَذَا) الْحُكْمُ ثَابِتٌ (إذَا عَلِمَ قَاضٍ بِذَلِكَ) أَيْ بِمَالٍ وَزَوْجِيَّةٍ وَنَسَبٍ، وَلَوْ عَلِمَ   [رد المحتار] فَيَكُونُ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِمْ إعَانَةً وَفَتْوًى مِنْ الْقَاضِي كَمَا فِي الدُّرَرِ. وَيَرِدُ الْمَمْلُوكُ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ وَامْتَنَعَ مَوْلَاهُ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فَإِنَّ لَهُ الْأَخْذَ مِنْ مَالِ مَوْلَاهُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَفْرِضَ لِلْعَاجِزِ فِي مَالِ مَوْلَاهُ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَجِبُ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَوْلَاهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَإِذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَأْكُلُهُ فِي بَيْتِ مَوْلَاهُ وَلَمْ يَفْرِضْ لَهُ الْقَاضِي كَيْفَ يَفْعَلُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْجِرَهُ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ لَوْ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ وَيَبِيعَهُ لَوْ عَاجِزًا كَمَا يَأْتِي فِي الْعَبْدِ الْوَدِيعَةِ، وَلَمْ أَرَهُ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي عَنْهُ دَيْنَهُ) فَلَوْ أَحْضَرَ صَاحِبُ الدَّيْنِ غَرِيمًا أَوْ مُودِعًا لِلْغَائِبِ لَمْ يَأْمُرْهُ الْقَاضِي بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِالْمَالِ وَبِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَأْمُرُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ بِمَا يَكُونُ نَظَرًا لَهُ وَحِفْظًا لِمِلْكِهِ. وَفِي الْإِنْفَاقِ عَلَى زَوْجَتِهِ مِنْ مَالِهِ حِفْظُ مِلْكِهِ، وَفِي وَفَاءِ دَيْنِهِ قَضَاءٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِ الْغَيْرِ بَحْرٌ عَنْ الذَّخِيرَةِ. وَلَا يَرِدُ الْمَمْلُوكَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي عَلَى مَوْلَاهُ بِنَفَقَتِهِ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَلَا تُفْرَضُ وَلِقَوْلِهِ وَلَا يَقْضِي (قَوْلُهُ فِي مَالٍ لَهُ) فَلَوْلَا مَالَ لَهُ فَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ ط (قَوْلُهُ كَتِبْرٍ) هُوَ غَيْرُ الْمَضْرُوبِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ مِنْهُ وَمِنْ الْفِضَّةِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَبُرٍّ، وَيُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ أَوْ طَعَامٍ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى، وَدَخَلَ فِيهِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ بِالْأَوْلَى. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالتِّبْرُ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ فِي هَذَا الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ قِيمَةً لِلْمَضْرُوبِ. اهـ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا وَقَعَ بِهِ التَّعَامُلُ كَمَا قَالَهُ الرَّحْمَتِيُّ. (قَوْلُهُ أَوْ طَعَامٍ) زَادَ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ أَوْ كُسْوَةٍ (قَوْلُهُ أَمَّا خِلَافُهُ) أَيْ خِلَافُ جِنْسِ الْحَقِّ كَعُرُوضٍ وَعَقَارٍ (قَوْلُهُ عِنْدَ أَوْ عَلَيَّ إلَخْ) يَشْمَلُ مَا كَانَ مَالَ وَدِيعَةٍ أَوْ مُضَارَبَةٍ بَحْرٌ، وَمِثْلُهُ الِاسْتِحْقَاقُ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ إذَا أَقَرَّ بِهِ النَّاظِرُ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ كَوَكِيلٍ عَنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَكَذَا غَلَّةُ الْعَبْدِ وَالدَّارِ كَمَا فِي النَّهْرِ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْمَالِ عِنْدَ شَخْصٍ، إذْ لَوْ كَانَ فِي بَيْتِهِ وَعَلِمَ الْقَاضِي بِالنِّكَاحِ فَرَضَ لَهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إيفَاءٌ لِحَقِّهَا لَا قَضَاءٌ عَلَى الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ غَابَ وَلَهُ مِنْ جِنْسِهِ مَالٌ فِي بَيْتِهِ يَقْضِي لِصَاحِبِ الدَّيْنِ فِيهِ بَحْرٌ، وَقَيَّدَ بِإِقْرَارِهِ بِمَا ذَكَرَ لِمَا يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَيَبْدَأُ بِالْأَوَّلِ) أَيْ بِمَالِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَصَّبَ نَاظِرًا فَيَبْدَأُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ لِلْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَحْفُوظٌ لَا يَحْتَمِلُ الْهَلَاكَ، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ فَتْحٌ وَذَخِيرَةٌ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: الْوَدِيعَةُ أَوْلَى مِنْ الدَّيْنِ فِي الْبُدَاءَةِ بِالْإِنْفَاقِ مِنْهَا. وَذَكَرَ الرَّحْمَتِيُّ أَنَّ الْقَاضِيَ وَالسُّلْطَانُ وَوَلِيَّ الْيَتِيمِ وَالْمُتَوَلِّيَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْعَمَلُ بِمَا هُوَ الْأَوْلَى وَإِلَّا نَظَرَ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ تَأَمَّلْ. قُلْت: وَإِذَا خَافَ إفْلَاسَ الْمَدْيُونِ أَوْ هَرَبَهُ أَوْ إنْكَارَهُ فَالْبُدَاءَةُ بِهِ أَوْلَى (قَوْلُهُ لَا الْمَدْيُونِ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ، فَإِذَا فَرَضَ النَّفَقَةَ فِي ذَلِكَ الْمَالِ صَارَ الْمُودِعُ مَأْمُورًا بِالدَّفْعِ مِنْهُ إلَى الْمَفْرُوضِ لَهُ، فَإِذَا ادَّعَى دَفْعَ الْأَمَانَةِ صُدِّقَ، بِخِلَافِ الْمَدْيُونِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي ثُبُوتَ دَيْنٍ لَهُ بِذِمَّةِ الْغَائِبِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا (قَوْلُهُ أَوْ إقْرَارِهَا) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهَا مُقِرَّةٌ عَلَى نَفْسِهَا. اهـ أَيْ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَصِيرُ بِالْقَضَاءِ دَيْنًا لَهَا عَلَى الزَّوْجِ. قُلْت: لَكِنْ يَنْبَغِي صِحَّةُ إقْرَارِهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا، فَلَا تَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ لَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَنْفَقَا إلَخْ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَذْكُورَةٌ قَبْلَ قَوْلِهِ وَيُقْبَلُ، وَالْمُرَادُ بِضَمَانِ الْمَدْيُونِ عَدَمُ بَرَاءَتِهِ، وَقَوْلُهُ وَلَا رُجُوعَ: أَيْ لَهُمَا عَلَى مَنْ أَنْفَقَا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَبِالزَّوْجِيَّةِ) عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ مَنْ يُقِرُّ بِهِ وَلِذَا أَعَادَ الْجَارَّ (قَوْلُهُ إذَا عَلِمَ قَاضٍ بِذَلِكَ) أَيْ وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ الْمَدْيُونُ وَالْمُودِعُ، وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلُهُمْ إنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ قَضَاءً بَلْ إعَانَةٌ وَفَتْوَى، أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ. (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلِمَ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 605 بِأَحَدِهِمَا اُحْتِيجَ لِلْإِقْرَارِ بِالْآخَرِ، وَلَا يَمِينَ وَلَا بَيِّنَةَ هُنَا لِعَدَمِ الْخَصْمِ (وَكَفَلَهَا) أَيْ أَخَذَ مِنْهَا كَفِيلًا بِمَا أَخَذَتْهُ لَا بِنَفْسِهَا وُجُوبًا فِي الْأَصَحِّ (وَيُحَلِّفُهَا مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْكَفِيلِ احْتِيَاطًا، وَكَذَا كُلُّ آخِذٍ نَفَقَتَهُ؛ فَلَوْ ذَكَّرَ الضَّمِيرَ كَابْنِ الْكَمَالِ لَكَانَ أَوْلَى (أَنَّ الْغَائِبَ لَمْ يُعْطِهَا النَّفَقَةَ) وَلَا كَانَتْ نَاشِزَةً وَلَا مُطَلَّقَةً مَضَتْ عِدَّتُهَا، فَإِنْ حَضَرَ الزَّوْجُ وَبَرْهَنَ أَنَّهُ أَوْفَاهَا النَّفَقَةَ طُولِبَتْ هِيَ أَوْ كَفِيلُهَا بِرَدِّ مَا أَخَذَتْ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يُبَرْهِنْ وَنَكَلَتْ،   [رد المحتار] أَيْ الْقَاضِي بِأَحَدِهِمَا أَيْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، بِأَنْ عَلِمَ بِالْمَالِ مَثَلًا اُحْتِيجَ إلَى إقْرَارِ الْمَدْيُونِ أَوْ الْمُودِعِ بِالْآخَرِ: أَيْ بِالزَّوْجِيَّةِ أَوْ النَّسَبِ (قَوْلُهُ وَلَا يَمِينَ وَلَا بَيِّنَةَ هُنَا إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ مَنْ يُقِرُّ بِهِ إلَخْ أَيْ إنَّهُ لَوْ جَحَدَ الْمَالَ أَوْ النِّكَاحَ أَوْ جَحَدَهُمَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِخَصْمٍ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ وَلَا عَلَى الزَّوْجِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ وَالْمَدْيُونَ لَيْسَا بِخَصْمٍ فِي إثْبَاتِ النِّكَاحِ عَلَى الْغَائِبِ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحْلِفُ إلَّا مَنْ كَانَ خَصْمًا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ كُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لَزِمَهُ، فَإِذَا أَنْكَرَهُ يَحْلِفُ بَحْرٌ. وَلَوْ قَالَ: أَوْفَيْته فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَمِينَ لَهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ خَصْمًا فِي ذَلِكَ رَمْلِيٌّ، وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّ زَوْجَهَا دَفَعَ لَهَا قَبْلَ غَيْبَتِهِ نَفَقَةً تَكْفِيهَا أَوْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَمَضَتْ عِدَّتُهَا يَنْبَغِي قَبُولُهُ فِي حَقِّ مَنْعِ مَا تَحْتَ يَدِهِ مَقْدِسِيٌّ. قُلْت: إلَّا أَنْ تَدَّعِيَ ضَيَاعَ مَا دَفَعَهُ لَهَا أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَكْفِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَفَلَهَا) لِجَوَازِ أَنَّهُ عَجَّلَ لَهَا النَّفَقَةَ أَوْ كَانَتْ نَاشِزَةً أَوْ مُطَلَّقَةً انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ بِمَا أَخَذَتْهُ، وَقَوْلِهِ وُجُوبًا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَصَّبَ نَاظِرًا لِلْعَاجِزِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَيْهِ وَمُقَابِلُ الْأَوَّلِ الْقَوْلُ بِأَخْذِ كَفِيلٍ بِنَفْسِهَا، وَمُقَابِلُ الثَّانِي قَوْلُ الْخَصَّافِ إنَّهُ حَسَنٌ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ وَيُحَلِّفُهَا) كَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يُحَلِّفُ أَوَّلًا ثُمَّ يُعْطِي النَّفَقَةَ وَيَأْخُذُ الْكَفِيلَ كَمَا فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ. اهـ ح (قَوْلُهُ أَيْ مَعَ الْكَفِيلِ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ مَعَ أَخْذِ الْكَفِيلِ. وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ مَعَ التَّكْفِيلِ (قَوْلُهُ وَكَذَا كُلُّ آخِذٍ نَفَقَتَهُ) بِتَنْوِينِ آخِذٍ وَنَصْبِ نَفَقَتَهُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُهُ (قَوْلُهُ كَابْنِ الْكَمَالِ) حَيْثُ قَالَ وَيُحَلِّفُهُ: أَيْ يُحَلِّفُ مَنْ يَطْلُبُ النَّفَقَةَ وَيَكْفُلُهُ، وَنَقَلَ مِثْلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُسْتَصْفَى. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَلَكِنَّهُ لَوْ كَانَ صَغِيرًا كَيْفَ يُحَلَّفُ فَلْيُنْظَرْ. اهـ قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحَلِّفُ أُمَّهُ أَنَّ أَبَاهُ مَا دَفَعَ لَهَا نَفَقَتَهُ فَافْهَمْ. وَفِي الْبَحْرِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ مِنْ الْوَالِدَيْنِ أَيْضًا، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ لِلْغَائِبِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْوَالِدَيْنِ لِاحْتِمَالِ التَّعْجِيلِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ النَّفَقَةَ الْمُعَجَّلَةَ لِلْقَرِيبِ إذَا هَلَكَتْ أَوْ سُرِقَتْ يُقْضَى لَهُ بِأُخْرَى بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَلَيْسَ فِي تَكْفِيلِهِ احْتِيَاطٌ لِلْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى هَلَاكَهَا قُبِلَ مِنْهُ. اهـ وَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ يَدَّعِي عَدَمَ الْأَخْذِ دُونَ الْهَلَاكِ، فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي تَكْفِيلِهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلَا كَانَتْ نَاشِزَةً) كَذَا فِي الْبَحْرِ، وَالْأَوْلَى وَلَا هِيَ نَاشِزَةٌ الْآنَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ نَاشِزَةً ثُمَّ عَادَتْ لِبَيْتِهِ وَلَوْ بَعْدَ غَيْبَتِهِ عَادَتْ نَفَقَتُهَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ طُولِبَتْ هِيَ أَوْ كَفِيلُهَا) أَيْ يُخَيَّرُ الزَّوْجُ بَيْنَ مُطَالَبَتِهَا وَمُطَالَبَةِ كَفِيلِهَا (قَوْلُهُ وَكَذَا) أَيْ يُخَيَّرُ الزَّوْجُ أَيْضًا إذَا اسْتَحْلَفَهَا وَنَكَلَتْ، وَلَوْ أَقَرَّتْ يَأْخُذُ مِنْهَا دُونَ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ فَيَظْهَرُ فِي حَقِّهَا فَقَطْ بَدَائِعُ، وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ حَلَّفَهَا فَنَكَلَتْ رَجَعَ عَلَى الْكَفِيلِ أَوْ الزَّوْجَةِ، فَإِذَا أَقَرَّتْ بِأَخْذِهَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا فَقَطْ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. قُلْت: وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ أَيْضًا، فَمَا وَجْهُ الْفَرْقِ هُنَا؟ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ نَكَلَتْ خُيِّرَ الزَّوْجُ وَإِنْ لَمْ يَنْكُلْ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ وَالْأَصِيلَ إذَا أَقَرَّ بِالْمَالِ لَزِمَ الْكَفِيلَ وَإِنْ جَحَدَ الْكَفِيلُ. اهـ وَهَذَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ التَّخْيِيرِ فِيهِمَا. وَلَا إشْكَالَ فِيهِ، لَكِنْ اعْتَرَضَ فِي الْبَحْرِ عَلَى قَوْلِهِ وَالْأَصِيلُ إذَا أَقَرَّ إلَخْ بِأَنَّ هَذَا فِيمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 606 وَلَوْ أَقَرَّتْ طُولِبَتْ فَقَطْ (لَا) تُفْرَضُ عَلَى غَائِبٍ (بِإِقَامَةِ) الزَّوْجَةِ (بَيِّنَةً عَلَى النِّكَاحِ) أَوْ النَّسَبِ (وَلَا) تُفْرَضُ أَيْضًا (إنْ لَمْ يُخَلِّفْ مَالًا فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً لِيُفْرَضَ عَلَيْهِ وَيَأْمُرُهَا بِالِاسْتِدَانَةِ وَلَا يَقْضِي بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ (وَقَالَ زُفَرُ يَقْضِي بِهَا) أَيْ النَّفَقَةِ (لَا بِهِ) أَيْ بِالنِّكَاحِ (وَعَمَلُ الْقُضَاةِ الْيَوْمَ عَلَى هَذَا لِلْحَاجَةِ فَيُفْتَى بِهِ) وَهَذَا مِنْ السِّتِّ الَّتِي يُفْتَى بِهَا بِقَوْلِ زُفَرَ -   [رد المحتار] يَجِبُ كَقَوْلِهِ مَا ثَبَتَ لَك عَلَيْهِ أَوْ ذَابَ. أَمَّا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ قَائِمٍ فِي الْحَالِ كَقَوْلِهِ كَفَلْت بِمَالِك عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ، وَهُنَا ضَمِنَ مَا أَخَذَتْهُ ثَانِيًا فَكَانَ الدَّيْنُ قَائِمًا وَقْتَ الضَّمَانِ فِي ذِمَّتِهَا لِلْحَالِّ فَلَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ. قَالَ: فَالْحَقُّ مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ أَنَّهَا إذَا أَقَرَّتْ بِالْأَخْذِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا فَقَطْ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ يَعُودُ الْإِشْكَالُ الْمَارُّ، فَقَدْ عَلِمْت مِمَّا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَرَّقَ بَيْنَ النُّكُولِ وَالْإِقْرَارِ، وَلَعَلَّ لَهُ وَجْهًا لَمْ يَظْهَرْ لَنَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَرَّتْ طُولِبَتْ فَقَطْ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَفِي بَعْضِهَا: وَلَوْ حَلَفَتْ وَكَأَنَّهُ فَهِمَهُ مِمَّا فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ بَيِّنَةٌ وَحَلَفَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ عَلَيْهَا شَيْئًا، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُحَلِّفُ الْكَفِيلَ أَيْضًا بَلْ حَلِفُهَا يَكْفِي عَنْهَا وَعَنْهُ فِي دَفْعِ الْمُطَالَبَةِ، كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ وَهُوَ كَلَامٌ جَيِّدٌ، إذْ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا شَيْءٌ فَمَا فَائِدَةُ التَّحْلِيفِ وَيَلْزَمُ أَنْ يَقُولَ الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ بِلَا بَيِّنَةٍ، وَلَا يَخْفَى فَسَادُهُ. (قَوْلُهُ بِإِقَامَةِ الزَّوْجَةِ بَيِّنَةً عَلَى النِّكَاحِ أَوْ النَّسَبِ) هَذَا مُحْتَرَزُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اشْتِرَاطِ إقْرَارِ الْمُودِعِ أَوْ الْمَدْيُونِ بِالزَّوْجِيَّةِ أَوْ النَّسَبِ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي بِذَلِكَ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ، وَلَا يَمِينَ وَلَا بَيِّنَةَ هُنَا. قَالَ ح: وَكَانَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ أَوْ النَّسَبِ أَنْ يَقُولَ قَبْلَهُ لَا تُفْرَضُ عَلَى غَائِبٍ بِإِقَامَةِ الزَّوْجَةِ أَوْ الْقَرِيبِ وِلَادًا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُخَلِّفْ مَالًا) أَيْ إنْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا فِي بَيْتِهِ وَلَا عِنْدَ مُودَعٍ وَلَا عَلَى مَدْيُونٍ، وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ فِي مَالٍ لَهُ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: إنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ مَالٌ حَاضِرٌ وَأَرَادَتْ إقَامَةَ بَيِّنَةٍ عَلَى النِّكَاحِ أَوْ كَانَ الْقَاضِي يَعْلَمُ بِهِ وَطَلَبَتْ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا النَّفَقَةَ وَيَأْمُرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ لَا يُجِيبُهَا إلَى ذَلِكَ خِلَافًا لِزُفَرَ (قَوْلُهُ وَيَأْمُرَهَا) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى يَفْرِضَ، وَقَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي بِهِ: أَيْ بِالنِّكَاحِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ لَا تُفْرَضُ ح (قَوْلُهُ يَقْضِي بِهَا) وَتُعْطَاهَا مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا تُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ، وَلَا تَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُخَلِّفْ نَفَقَةً بَحْرٌ. (قَوْلُهُ لِلْحَاجَةِ) ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ كَثِيرًا مَا يَغِيبُ وَيَتْرُكُهَا بِلَا نَفَقَةٍ خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا هَذَا. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ؛ لِأَنَّ فِي قَبُولِ الْبَيِّنَةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ نَظَرًا لَهَا، وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ وَصَدَّقَهَا أَوْ أَثْبَتَتْ ذَلِكَ بِطَرِيقَةٍ كَانَتْ آخِذَةً لِحَقِّهَا وَإِلَّا فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى الْكَفِيلِ (قَوْلُهُ فَيُفْتَى بِهِ) وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. وَقَالَ الْخَصَّافُ: وَهَذَا أَرْفَقُ بِالنَّاسِ كَمَا فِي النَّهْرِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ وَفِي غَيْرِهِ، وَبِهِ يُفْتَى شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَاسْتَحْسَنَهُ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ فَيُفْتَى بِهِ شَرْحُ مَجْمَعٍ (قَوْلُهُ وَهَذَا مِنْ السِّتِّ الَّتِي يُفْتَى بِهَا بِقَوْلِ زُفَرَ) أَوْصَلَهَا الْحَمَوِيُّ إلَى خَمْسَ عَشَرَةَ مَسْأَلَةً، وَنَظَمَهَا فِي قَصِيدَةٍ إحْدَاهَا هَذِهِ قُعُودُ الْمَرِيضِ فِي الصَّلَاةِ كَهَيْئَةِ الْمُتَشَهِّدِ قُعُودُ الْمُتَنَفِّلِ كَذَلِكَ تَغْرِيمُ مَنْ سَعَى إلَى ظَالِمٍ يُبْرِئُ فَغَرَّمَهُ لَا بُدَّ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ مِنْ بَيَانِ حُدُودِهِ الْأَرْبَعِ قَبُولُ شَهَادَةِ الْأَعْمَى فِيمَا فِيهِ تَسَامُعٌ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ لَا يَمْلِكُ قَبْضَ الْمَالِ لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي بِرُؤْيَةِ الدَّارِ مِنْ صِحَّتِهَا لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِرُؤْيَةِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا يُشْتَرَطُ تَسْلِيمُ الْكَفِيلِ الْمَكْفُولَ عَنْهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ إذَا تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ يَجِبُ عَلَى الْمُرَابِحِ بَيَانُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ سَلِيمًا بِكَذَا تَأْخِيرُ الشَّفِيعِ الشُّفْعَةَ شَهْرًا بَعْدَ الْإِشْهَادِ يُبْطِلُهَا إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ نَقْدِهِ وَغَنَمِهِ فَضَاعَ الثُّلُثَانِ فَلَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي مِنْهُمَا إذَا قَضَى الْغَرِيمُ جِيَادًا بَدَلَ زُيُوفِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ إذَا أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ عَلَى اللُّقَطَةِ وَحَبَسَهَا لِلِاسْتِيفَاءِ فَهَلَكَتْ سَقَطَ مَا أَنْفَقَهُ. اهـ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 607 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] قُلْت: وَيَجِبُ إسْقَاطُ ثَلَاثَةٍ: وَهِيَ دَعْوَى الْعَقَارِ، وَشَهَادَةُ الْأَعْمَى وَالْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ النَّقْدِ، فَإِنَّ الْمُفْتَى بِهِ خِلَافُ قَوْلِ زُفَرَ فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ وَغَيْرُهَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى النَّظْمِ الْمَذْكُورِ هَذَا. وَقَدْ زِدْت عَلَى ذَلِكَ ثَمَانِيَ مَسَائِلَ: إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ وَأَرَادَ الضَّرْبَ تَقَعُ ثِنْتَانِ عِنْدَهُ وَرَجَّحَهُ الْمُحَقِّقُ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ وَالْأَتْقَانِيُّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ تَعْلِيقُ عِتْقِ الْعَبْدِ بِقَوْلِهِ: إنْ مِتُّ أَوْ قُتِلْت فَأَنْتَ حُرٌّ تَدْبِيرٌ عِنْدَهُ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْهُمَامِ وَمَنْ بَعْدَهُ النِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ يَصِحُّ عِنْدَهُ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْهُمَامِ بِإِهْمَالِ التَّوْقِيتِ وَقْفُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ يَصِحُّ عِنْدَ زُفَرَ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَنْصَارِيِّ عَنْهُ، وَعَلَيْهَا الْعَمَلُ الْيَوْمَ فِي بِلَادِ الرُّومِ لِتَعَارُفِهِ عِنْدَهُمْ، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ وَقْفٌ مَنْقُولٌ فِيهِ تَعَامُلٌ وَسَيَأْتِي فِي الْوَقْفِ تَحْقِيقُهُ لَوْ وَجَدَ فِي بَيْتِهِ امْرَأَةً فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ ظَنَّهَا امْرَأَتَهُ فَوَطِئَهَا لَا يُحَدُّ، وَلَوْ نَهَارًا يُحَدُّ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُحَدُّ مُطْلَقًا. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ الْكَبِيرُ وَبِرِوَايَةِ زُفَرَ يُؤْخَذُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ حَلَفَ لَا يُعِيرُ زَيْدًا كَذَا فَدَفَعَ لِمَأْمُورِ زَيْدٍ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ زُفَرَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَهَذَا إذَا أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ، بِأَنْ قَالَ إنَّ زَيْدًا يَسْتَعِيرُ مِنْك كَذَا، وَإِلَّا حَنِثَ كَمَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ جَوَازُ التَّيَمُّمِ لِمَنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ إذَا تَوَضَّأَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَقَدَّمْنَا فِي التَّيَمُّمِ تَرْجِيحَهُ، لَكِنْ مَعَ الْأَمْرِ بِالْإِعَادَةِ احْتِيَاطًا طَهَارَةُ زِبْلِ الدَّوَابِّ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ يُفْتَى بِهَا فِي مَحَلِّ الضَّرُورَةِ كَمَجْرَى مِيَاهِ دِمَشْقَ وَالشَّامِ كَمَا حَرَّرَهُ الْعِمَادِيُّ فِي هَدِيَّتِهِ وَشَرْحِهَا لِسَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الطَّهَارَةِ، فَصَارَتْ جُمْلَةُ الْمَسَائِلِ عِشْرِينَ مَسْأَلَةً بَعْدَ إسْقَاطِ الثَّلَاثَةِ الْمَارَّةِ، وَقَدْ نَظَمْتهَا كَذَلِكَ بِقَوْلِي: بِحَمْدِ إلَهِ الْعَالَمِينَ مُبَسْمِلَا ... أُتَوِّجُ نَظْمِي وَالصَّلَاةُ عَلَى الْعُلَا وَبَعْدُ فَلَا يُفْتَى بِمَا قَالَهُ زُفَرُ ... سِوَى صُوَرٍ عِشْرِينَ تَقْسِيمُهَا انْجَلَى جُلُوسُ مَرِيضٍ مِثْلُ حَالِ تَشَهُّدِ ... كَذَا مَنْ يُصَلِّي قَاعِدًا مُتَنَفِّلًا وَتَقْدِيرُ إنْفَاقٍ لِمَنْ غَابَ زَوْجُهَا ... بِلَا تَرْكِ مَالٍ مِنْهُ تَرْجُو تَخَوُّلَا يُرَابِحُ شَارِي مَا تَعَيَّبَ عِنْدَهُ ... إذَا قَالَ إنِّي ابْتَعْتُهُ سَالِمَ الْحِلَى وَلَيْسَ يَلِي قَبْضًا وَكِيلُ خُصُومَةٍ ... وَيَضْمَنُ سَاعٍ بِالْبَرِيءِ تَقَوَّلَا وَتَسْلِيمُ مَكْفُولٍ بِمَجْلِسِ حَاكِمِ ... تَحَتَّمَ أَنْ يُشْرَطْ عَلَى مَنْ تَكَفَّلَا وَيَبْقَى خِيَارٌ عِنْدَ رُؤْيَةِ مُشْتَرٍ ... لِثَوْبٍ بِلَا نَشْرٍ لِمَطْوِيِّهِ جَلَا كَذَا رُؤْيَةٌ لِلْبَيْتِ مِنْ صَحْنِ دَارِهِ ... إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ دَاخِلٍ قَدْ تَأَمَّلَا قَضَاهُ جِيَادًا عَنْ زُيُوفٍ أَدَانَهَا ... فَلَا جَبْرَ إنْ لَمْ يَرْضَ أَنْ يَتَقَبَّلَا مُبَادِرُ إشْهَادٍ عَلَى أَخْذِ شُفْعَةٍ ... بِتَأْخِيرِهِ شَهْرًا لِذَلِكَ أَبْطَلَا نَوَى لُقْطَةً فِي حَالِ حَبْسٍ لِأَخْذِ مَا ... صُرِفَتْ عَلَيْهَا مُسْقِطٌ ذَا مُكَمَّلَا وَزِدْ ضَرْبَ حِسَابٍ أَرَادَ مُطَلِّقٌ ... يَصِحُّ بِتَرْجِيحِ الْكَمَالِ تَعَدُّلَا وَرَجَّحَ أَيْضًا عَقْدَ تَدْبِيرِ عَبْدِهِ ... بِتَرْدِيدِهِ بِالْقَتْلِ وَالْمَوْتِ فَانْقُلَا وَأَيْضًا نِكَاحًا فِيهِ تَوْقِيتُ مُدَّةِ ... يَصِحُّ وَذَا التَّوْقِيتُ يُجْعَلُ مُرْسَلًا وَوَقْفُ دَنَانِير أَجِزْ وَدَرَاهِم ... كَمَا قَالَهُ الْأَنْصَارِيُّ دَامَ مُبَجَّلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 608 وَعَلَيْهِ، وَلَوْ غَابَ وَلَهُ زَوْجَةٌ وَصِغَارٌ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا عَلَى النِّكَاحِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ ثُمَّ يُفْرَضُ لَهُمْ ثُمَّ يَأْمُرُهَا بِالْإِنْفَاقِ أَوْ الِاسْتِدَانَةِ لِتَرْجِعَ بَحْرٌ. (وَ) تَجِبُ (لِمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ، وَالْفُرْقَةُ بِلَا مَعْصِيَةٍ كَخِيَارِ عِتْقٍ، وَبُلُوغٍ وَتَفْرِيقٍ بِعَدَمِ كَفَاءَةِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالْكُسْوَةِ) إنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ،   [رد المحتار] وَوَاطِئُ مَنْ قَدْ ظَنَّهَا زَوْجَةً إذَا ... أَتَتْهُ بِلَيْلٍ حَدُّهُ صَارَ مُهْمَلَا وَيَحْنَثُ فِي وَاَللَّهِ لَسْت مُعِيرَ ذَا ... لِزَيْدٍ إذَا أَعْطَى لِمَنْ جَاءَ مُرْسَلَا لِمَنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ سَاغَ تَيَمُّمٌ ... وَلَكِنْ لِيَحْتَطْ بِالْإِعَادَةِ غَاسِلَا طَهَارَةُ زِبْلٍ فِي مَحَلِّ ضَرُورَةِ ... كَمَجْرَى مِيَاهِ الشَّامِ صِينَتْ مِنْ الْبَلَا فَهَاكَ عَرُوسًا بِالْجَمَالِ تَسَرْبَلَتْ ... وَجَاءَتْ عُقُودُ الدُّرِّ فِي جِيدِهَا حِلَى وَصَلَّى عَلَى خَتْمِ النَّبِيِّينَ رَبُّنَا ... وَآلٍ وَأَصْحَابٍ وَمَنْ بِالتُّقَى عَلَا (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ، وَهَذَا تَفْرِيعٌ مِنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا عَلَى النِّكَاحِ) أَيْ لَا لِيَقْضِيَ بِهِ بَلْ لِيَفْرِضَ لَهَا النَّفَقَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَيِّنَةَ عَلَى النَّسَبِ؛ إمَّا اخْتِصَارًا، أَوْ لِأَنَّهَا حَيْثُ قَامَتْ عَلَى النِّكَاحِ تَكُونُ قَائِمَةً عَلَى النَّسَبِ ضِمْنًا لِقِيَامِ الْفِرَاشِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ) إذْ لَوْ كَانَ عَالِمًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى بَيِّنَةٍ وَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلِ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَفْرِضُ لَهُمْ) أَيْ لِلزَّوْجَةِ وَالصِّغَارِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَأْمُرُهَا بِالْإِنْفَاقِ أَوْ الِاسْتِدَانَةِ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ: ثُمَّ يَأْمُرُهَا بِالِاسْتِدَانَةِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمُنَاسِبَ عَطْفُ الِاسْتِدَانَةِ بِالْوَاوِ كَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَسْتَدِنْ وَمَضَتْ مُدَّةٌ تَسْقُطُ نَفَقَةُ غَيْرِ الزَّوْجَةِ وَلَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ كَمَا مَرَّ، لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ جَعَلَ الصَّغِيرَ كَالزَّوْجَةِ فِي عَدَمِ السُّقُوطِ بِالْمُضِيِّ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ، وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. [مَطْلَبٌ فِي نَفَقَةِ الْمُطَلَّقَةِ] ِ (قَوْلُهُ وَتَجِبُ لِمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ) كَانَ عَلَيْهِ إبْدَالُ الْمُطَلَّقَةِ بِالْمُعْتَدَّةِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَابِعَةٌ لِلْعِدَّةِ، وَقَيَّدَ بِالرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَعَمَّا لَوْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا فَفِي الْبَحْرِ لَوْ تَزَوَّجَتْ مُعْتَدَّةُ الْبَائِنِ وَفَرَّقَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا نَفَقَةَ عَلَى الثَّانِي لِفَسَادِ نِكَاحِهِ وَلَا عَلَى الْأَوَّلِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ لِنُشُوزِهَا. وَفِي الْمُجْتَبَى: نَفَقَةُ الْعِدَّةِ كَنَفَقَةِ النِّكَاحِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَتَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ وَتَعُودُ بِالْعَوْدِ، وَأَطْلَقَ فَشَمِلَ الْحَامِلَ وَغَيْرَهَا وَالْبَائِنَ بِثَلَاثٍ أَوْ أَقَلَّ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى فَلَهَا السُّكْنَى وَمِنْ النَّفَقَةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ وَيَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَالْفُرْقَةُ بِلَا مَعْصِيَةٍ) أَيْ مِنْ قِبَلِهَا، فَلَوْ كَاتَبَ بِمَعْصِيَتِهِمَا فَلَيْسَ لَهَا سِوَى السُّكْنَى كَمَا يَأْتِي. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفُرْقَةَ إمَّا مِنْ قِبَلِهِ أَوْ مِنْ قِبَلِهَا، فَلَوْ مِنْ قِبَلِهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ بِمَعْصِيَةٍ أَوْ لَا طَلَاقًا أَوْ فَسْخًا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ قِبَلِهَا فَإِنْ كَانَتْ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَهَا السُّكْنَى فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ. اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ وَتَفْرِيقٍ بِعَدَمِ كَفَاءَةٍ) وَمِثْلُهُ عَدَمُ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِي الْبَالِغَةِ الَّتِي زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِلَا وَلِيٍّ، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلِلْوَلِيِّ حَقُّ الْفَسْخِ، لَكِنَّ الْمُفْتَى بِهِ الْآنَ بُطْلَانُهُ كَالصَّغِيرَةِ الَّتِي زَوَّجَهَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ غَيْرَ كُفْءٍ أَوْ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا بَعْدَ الدُّخُولِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا نَفَقَةَ لِعَدَمِ الْعِدَّةِ (قَوْلُهُ النَّفَقَةُ إلَخْ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ تَجِبُ (قَوْلُهُ وَالسُّكْنَى) يَلْزَمُ أَنْ تَلْزَمَ الْمَنْزِلَ الَّذِي يَسْكُنَانِ فِيهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْعِدَّةِ (قَوْلُهُ إنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ) أَشَارَ إلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ مُحَمَّدٍ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ الْكُسْوَةَ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 609 وَلَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ عَلَى الْمُخْتَارِ بَزَّازِيَّةٌ؛ وَلَوْ ادَّعَتْ امْتِدَادَ الطُّهْرِ فَلَهَا النَّفَقَةُ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِانْقِضَائِهَا مَا لَمْ تَدَّعِ الْحَبَلَ فَلَهَا النَّفَقَةُ إلَى سَنَتَيْنِ مُنْذُ طَلَّقَهَا، فَلَوْ مَضَتَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنْ لَا حَبَلَ فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهَا، وَإِنْ شَرَطَ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ بَحْرٌ، وَلَوْ صَالَحَهَا عَنْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ إنْ بِالْأَشْهُرِ صَحَّ، وَإِنْ بِالْحَيْضِ لَا لِلْجَهَالَةِ. (لَا) تَجِبُ النَّفَقَةُ بِأَنْوَاعِهَا (لِمُعْتَدَّةِ مَوْتٍ مُطْلَقًا) وَلَوْ حَامِلًا (إلَّا إذَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَهِيَ حَامِلٌ) مِنْ مَوْلَاهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ جَوْهَرَةٌ. -   [رد المحتار] لَا تَطُولُ غَالِبًا فَيُسْتَغْنَى عَنْهَا، حَتَّى لَوْ احْتَاجَتْ إلَيْهَا لِطُولِ الْمُدَّةِ كَمُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ يَجِبُ. (قَوْلُهُ وَلَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ إلَخْ) أَيْ إذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْعِدَّةِ وَلَمْ تَقْبِضْهَا فَلَهَا أَخْذُهَا لَوْ مَفْرُوضَةً أَيْ أَوْ مُصْطَلَحًا عَلَيْهَا، لَكِنْ لَوْ مُسْتَدَانَةً بِأَمْرِ الْقَاضِي فَلَا كَلَامَ، وَإِلَّا فَفِيهِ خِلَافٌ اخْتَارَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ أَيْضًا، وَأَشَارَ السَّرَخْسِيُّ إلَى أَنَّهَا تَسْقُطُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَعَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إصْلَاحِ الْمُتُونِ، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا وَتَصِيرُ دَيْنًا، وَهُنَا لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا إذَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ لَكِنْ فِي النَّهْرِ أَنَّ إطْلَاقَ الْمُتُونِ يَشْهَدُ لِمَا اخْتَارَهُ الْحَلْوَانِيُّ. قُلْت: وَظَاهِرُ الْفَتْحِ اخْتِيَارُهُ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَلَهَا النَّفَقَةُ) أَيْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فِي عَدَمِ انْقِضَائِهَا مَعَ يَمِينِهَا وَلَهَا النَّفَقَةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِانْقِضَائِهَا) فَإِنْ حَكَمَ بِهِ، بِأَنْ أَقَامَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِهَا بِهِ بَرِئَ مِنْهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ مَا لَمْ تَدَّعِ الْحَبَلَ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَمَا لَمْ تَدَّعِ بِالْعَطْفِ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ وَهِيَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهَا إذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فِي مُدَّةٍ تَحْتَمِلُهُ ثُمَّ وَلَدَتْ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ، فَكَيْفَ تَجِبُ النَّفَقَةُ؟ نَعَمْ يَثْبُتُ لَوْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ أَقَلِّهِ مِنْ حِينِ الْإِقْرَارِ وَلِأَقَلَّ مِنْ أَكْثَرِهِ مِنْ حِينِ الطَّلَاقِ لِظُهُورِ كَذِبِهَا فِي الْإِقْرَارِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ فَلَهَا النَّفَقَةُ إلَى سَنَتَيْنِ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ: وَإِنْ ادَّعَتْ حَبَلًا إلَخْ وَلَا غُبَارَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهَا) أَيْ إذَا قَالَتْ ظَنَنْت الْحَبَلَ وَلَمْ أَحِضْ وَأَنَا مُمْتَدَّةُ الطُّهْرِ وَقَالَ الزَّوْجُ: قَدْ ادَّعَيْت الْحَبَلَ وَأَكْثَرُهُ سَنَتَانِ، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ وَتَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثًا أَوْ تَبْلُغَ سِنَّ الْيَأْسِ وَتَمْضِيَ بَعْدَهُ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، فَلَوْ أَقَرَّتْ أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ مُنْذُ كَذَا وَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَا أَخَذَتْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا كَمَا لَا يَخْفَى. [فَرْعٌ] فِي الْخُلَاصَةِ: عِدَّةُ الصَّغِيرَةِ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ إلَّا إذَا كَانَتْ مُرَاهِقَةً فَيُنْفِقُ عَلَيْهَا مَا لَمْ يَظْهَرْ فَرَاغُ رَحِمِهَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ وَهُوَ حَسَنٌ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي الْعِدَّةِ بِأَبْسَطَ مِمَّا هُنَا (قَوْلُهُ وَإِنْ شَرَطَ إلَخْ) ذُكِرَ فِي الْبَحْرِ جَوَابًا عَنْ حَادِثَةٍ فِي زَمَانِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ بِالْحَيْضِ لَا لِلْجَهَالَةِ) أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمْتَدَّ الطُّهْرُ بِهَا، كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْحَامِلَ كَذَلِكَ هَذَا. وَيَرِدُ عَلَى التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّ جَهَالَةَ الْمَصَالِحِ عَنْهُ لَا تَضُرُّ، ثُمَّ رَأَيْت الْمَقْدِسِيَّ فِي بَابِ الْخُلْعِ اعْتَرَضَ كَذَلِكَ؛ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ جَهَالَةُ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ الثَّابِتِ فِي الذِّمَّةِ إذَا صُولِحَ عَنْهُ فَإِنَّ جَهَالَتَهُ لَا تَضُرُّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ حَامِلًا) قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَقِيلَ لِلْحَامِلِ النَّفَقَةُ فِي جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ ح (قَوْلُهُ مِنْ مَوْلَاهَا) لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْجَوْهَرَةِ، بَلْ ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إذَا حَبِلَتْ أَمَةٌ مِنْ سَيِّدِهَا وَاعْتَرَفَ بِأَنَّ الْحَمْلَ مِنْهُ لَكِنَّهَا لَمْ تَلِدْ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ. اهـ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَبِعَ فِيهِ الْمُصَنِّفُ صَاحِبَ الْجَوْهَرَةِ وَقَالَ إنَّهَا وَارِدَةٌ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمُتُونِ. وَاعْتَرَضَهُ الرَّحْمَتِيُّ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ أَوْ مَنْ تَابَعَهُ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ الشَّاذَّةُ لَا تُعَارِضُ الْمُتُونَ الْمَوْضُوعَةَ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ مَعَ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهَا؛ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ وَتَصِيرُ أَجْنَبِيَّةً عَنْهُ فَلَا وَجْهَ لِإِيجَابِ نَفَقَتِهَا فِي تَرِكَتِهِ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ: إذَا أُعْتِقَتْ أُمُّ الْوَلَدِ أَوْ مَاتَ عَنْهَا مَوْلَاهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا عِدَّةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 610 (وَتَجِبُ السُّكْنَى) فَقَطْ (لِمُعْتَدَّةِ فُرْقَةٍ بِمَعْصِيَتِهَا) إلَّا إذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ فَلَا سُكْنَى لَهَا فِي هَذِهِ الْفُرْقَةِ قُهُسْتَانِيٌّ وَكِفَايَةٌ (كَرِدَّةٍ) وَتَقْبِيلِ ابْنِهِ (لَا غَيْرُ) مِنْ طَعَامٍ وَكُسْوَةٍ، وَالْفَرْقُ أَنَّ السُّكْنَى حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَسْقُطُ بِحَالٍ، وَالنَّفَقَةَ حَقُّهَا فَتَسْقُطُ بِالْفُرْقَةِ بِمَعْصِيَتِهَا (وَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِرِدَّتِهَا بَعْدَ الْبَتِّ) أَيْ إنْ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ وَإِلَّا فَوَاجِبَةٌ قُهُسْتَانِيٌّ (لَا بِتَمْكِينِ ابْنِهِ) لِعَدَمِ حَبْسِهَا، بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ، حَتَّى لَوْ لَمْ تُحْبَسْ فَلَهَا النَّفَقَةُ إلَّا إذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ عَادَتْ وَتَابَتْ لِسُقُوطِ الْعِدَّةِ بِاللَّحَاقِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَوْتِ بَحْرٌ، وَهُوَ مُشِيرٌ إلَى أَنَّهُ قَدْ حُكِمَ بِلَحَاقِهَا وَإِلَّا فَتَعُودُ نَفَقَتُهَا بِعَوْدِهَا فَلْيُحْفَظْ.   [رد المحتار] الْوَطْءِ كَعِدَّةِ الْمَنْكُوحَةِ فَاسِدًا. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَا نَفَقَةَ لَهَا إذَا أَعْتَقَهَا وَإِنْ كَانَتْ مَمْنُوعَةً مِنْ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَبْسَ لَمْ يَثْبُتْ بِسَبَبِ النِّكَاحِ بَلْ لِتَحْصِينِ الْمَاءِ فَأَشْبَهَتْ مُعْتَدَّةَ الْفَاسِدِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَكَذَا لَوْ مَاتَ عَنْهَا لَا نَفَقَةَ فِي تَرِكَتِهِ، وَلَكِنْ إنْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ وَلَوْ صَغِيرًا، فَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ تَشْمَلُ الْحَامِلَ وَغَيْرَهَا، وَإِذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةُ الْمَوْتِ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَوْ حَامِلًا فَكَيْفَ الْأَمَةُ الَّتِي عِدَّتُهَا عِدَّةُ وَطْءٍ لَا عِدَّةُ عَقْدٍ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِاسْتِثْنَائِهَا (قَوْلُهُ بِمَعْصِيَتِهَا) احْتِرَازٌ عَنْ مَعْصِيَتِهِ؛ كَتَقْبِيلِهِ بِنْتَهَا أَوْ إيلَائِهِ أَوْ رِدَّتِهِ أَوْ إبَائِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ، وَعَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بِمَعْصِيَةٍ مِنْهُ وَلَا مِنْهَا؛ كَخِيَارِ بُلُوغٍ وَنَحْوِهِ وَوَطْءِ ابْنِ الزَّوْجِ لَهَا مُكْرَهَةً فَإِنَّ النَّفَقَةَ وَاجِبَةٌ لَهَا بِأَنْوَاعِهَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ قُهُسْتَانِيٌّ وَكِفَايَةٌ) الْأَوْلَى قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْكِفَايَةِ. وَعِبَارَتُهُ: وَهَذَا إذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ وَإِلَّا فَوَاجِبٌ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الْكِفَايَةِ. اهـ ح (قَوْلُهُ كَرِدَّةٍ وَتَقْبِيلِ ابْنِهِ) أَيْ كَرِدَّتِهَا وَتَقْبِيلِهَا ابْنَهُ (قَوْلُهُ لَا غَيْرُ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى السُّكْنَى (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ) أَيْ بَيْنَ السُّكْنَى وَغَيْرِهَا. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا: لَوْ شَرَطَ فِي الْخُلْعِ أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى فَلَهَا السُّكْنَى لَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حَقُّهَا، وَالسُّكْنَى فِي بَيْتِ الْعِدَّةِ حَقُّهَا وَحَقُّ الشَّرْعِ، وَإِسْقَاطُهَا لَا يَعْمَلُ فِي حَقِّ الشَّرْعِ، حَتَّى لَوْ شَرَطَ الزَّوْجُ عَدَمَ مُؤْنَةِ السُّكْنَى وَرَضِيَتْ السُّكْنَى فِي بَيْتِهَا أَوْ فِي بَيْتٍ كَانَا يَسْكُنَانِ فِيهِ بِالْكِرَاءِ صَحَّ وَلَزِمَهَا الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْضُ حَقِّهَا (قَوْلُهُ حَقُّ اللَّهِ) أَيْ مِنْ وَجْهٍ حَيْثُ أَوْجَبَ عَلَيْهَا الْقَرَارَ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَفِيهِ حَقُّهَا مِنْ وَجْهٍ لِوُجُوبِهِ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ (قَوْلُهُ بَعْدَ الْبَتِّ) أَيْ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ بِوَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَتَقْيِيدُ الْهِدَايَةِ بِالثَّلَاثِ اتِّفَاقِيٌّ؛ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ مُعْتَدَّةِ الرَّجْعِيِّ إذَا طَاوَعَتْ ابْنَ زَوْجِهَا أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَقَعْ بِالطَّلَاقِ بَلْ بِمَعْصِيَتِهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ لَمْ تُحْبَسْ فَلَهَا النَّفَقَةُ) يَعْنِي إنْ بَقِيَتْ فِي بَيْتِهِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الْقُهُسْتَانِيِّ الْمَارَّةِ وَحِينَئِذٍ يُسْتَغْنَى عَنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِعِبَارَةِ الْقُهُسْتَانِيِّ وَيُقَالُ بَدَلُهَا: فَإِنْ عَادَتْ إلَى بَيْتِهِ عَادَتْ النَّفَقَةُ إلَّا إذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ بِلَحَاقِهَا ثُمَّ عَادَتْ. اهـ ح وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّدَّةِ وَالتَّمْكِينِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لَوْ لَمْ تُحْبَسْ لَهَا النَّفَقَةُ كَالْمُمَكِّنَةِ، وَالْمُمَكِّنَةُ إذَا لَمْ تَلْزَمْ بَيْتَ الْعِدَّةِ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَلَيْسَ لِلرِّدَّةِ أَوْ التَّمْكِينِ دَخْلٌ فِي الْإِسْقَاطِ وَعَدَمِهِ، بَلْ إنْ وُجِدَ الِاحْتِبَاسُ فِي بَيْتِ الْعِدَّةِ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا. اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُشِيرٌ إلَخْ) أَيْ التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ كَالْمَوْتِ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ قَدْ حَكَمَ بِلَحَاقِهَا، وَهُوَ مَحْمَلُ مَا فِي الْجَامِعِ مِنْ عَدَمِ عَوْدِ النَّفَقَةِ بَعْدَمَا لَحِقَتْ وَعَادَتْ، وَمَحْمَلُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّهَا تَعُودُ نَفَقَتُهَا بِعَوْدِهَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يُحْكَمْ بِلَحَاقِهَا تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَتَعُودُ نَفَقَتُهَا بِعَوْدِهَا) كَالنَّاشِزَةِ إذَا عَادَتْ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، بِخِلَافِ الْمُبَانَةِ بِالرِّدَّةِ إذَا أَسْلَمَتْ لَا تَعُودُ نَفَقَتُهَا لِسُقُوطِ نَفَقَتِهَا بِمَعْصِيَتِهَا وَالسَّاقِطُ لَا يَعُودُ بَحْرٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 611 (وَتَجِبُ) النَّفَقَةُ بِأَنْوَاعِهَا عَلَى الْحُرِّ (لِطِفْلِهِ) يَعُمُّ الْأُنْثَى وَالْجَمْعَ (الْفَقِيرِ) الْحُرِّ، فَإِنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَى مَالِكِهِ وَالْغَنِيِّ فِي مَالِهِ الْحَاضِرِ؛ فَلَوْ غَائِبًا فَعَلَى الْأَبِ ثُمَّ يَرْجِعُ إنْ أَشْهَدَ لَا إنْ نَوَى إلَّا دِيَانَةً؛ فَلَوْ كَانَا فَقِيرَيْنِ فَالْأَبُ يَكْتَسِبُ أَوْ يَتَكَفَّفُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ لَمْ يَتَيَسَّرْ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ الْقَرِيبُ   [رد المحتار] [مَطْلَبٌ الصَّغِيرُ وَالْمُكْتَسِبُ نَفَقَةً فِي كَسْبِهِ لَا عَلَى أَبِيهِ] ِ (قَوْلُهُ بِأَنْوَاعِهَا) مِنْ الطَّعَامِ وَالْكُسْوَةِ وَالسُّكْنَى، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ هُنَا أُجْرَةَ الطَّبِيبِ وَثَمَنَ الْأَدْوِيَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا عَدَمَ الْوُجُوبِ لِلزَّوْجَةِ، نَعَمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ مَرِيضًا أَوْ بِهِ زَمَانَةٌ يَحْتَاجُ إلَى الْخِدْمَةِ فَعَلَى ابْنِهِ خَادِمُهُ وَكَذَلِكَ الِابْنُ (قَوْلُهُ لِطِفْلِهِ) هُوَ الْوَلَدُ حِينَ يَسْقُطُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ إلَى أَنْ يَحْتَلِمَ، وَيُقَالُ جَارِيَةٌ، طِفْلٌ، وَطِفْلَةٌ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ. وَقِيلَ أَوَّلُ مَا يُولَدُ صَبِيٌّ ثُمَّ طِفْلٌ ح عَنْ النَّهْرِ (قَوْلُهُ يَعُمُّ الْأُنْثَى وَالْجَمْعَ) أَيْ يُطْلَقُ عَلَى الْأُنْثَى كَمَا عَلِمْته، وَعَلَى الْجَمْعِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا} [النور: 31] فَهُوَ مِمَّا يَسْتَوِي فِيهِ الْمُفْرَدُ وَالْجَمْعُ كَالْجُنُبِ وَالْفُلْكِ وَالْإِمَامِ - {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74]- وَلَا يُنَافِيهِ جَمْعُهُ عَلَى أَطْفَالٍ أَيْضًا كَمَا جُمِعَ إمَامٌ عَلَى أَئِمَّةٍ أَيْضًا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ الْفَقِيرِ) أَيْ إنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْكَسْبِ، فَإِنْ بَلَغَهُ كَانَ لِلْأَبِ أَنْ يُؤْجِرَهُ أَوْ يَدْفَعَهُ فِي حِرْفَةٍ لِيَكْتَسِبَ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ لَوْ كَانَ ذَكَرًا، بِخِلَافِ الْأُنْثَى كَمَا قَدَّمَهُ فِي الْحَضَانَةِ عَنْ الْمُؤَيِّدِيَّةِ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: لَوْ اسْتَغْنَتْ الْأُنْثَى بِنَحْوِ خِيَاطَةٍ وَغَزْلٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهَا فِي كَسْبِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا نَقُولُ تَجِبُ عَلَى الْأَبِ مَعَ ذَلِكَ، إلَّا إذَا كَانَ لَا يَكْفِيهَا فَتَجِبُ عَلَى الْأَبِ كِفَايَتُهَا بِدَفْعِ الْقَدْرِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ، وَلَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا. وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ بِخِلَافِ الْأُنْثَى؛ لِأَنَّ الْمَمْنُوعَ إيجَارُهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ إلْزَامِهَا بِحِرْفَةٍ تَعْلَمُهَا. اهـ أَيْ الْمَمْنُوعَ إيجَارُهَا لِلْخِدْمَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا فِيهِ تَسْلِيمُهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَخْلُو بِهَا وَذَا لَا يَجُوزُ فِي الشَّرْعِ، وَعَلَيْهِ فَلَهُ دَفْعُهَا لِامْرَأَةٍ تُعَلِّمُهَا حِرْفَةً كَتَطْرِيزٍ وَخِيَاطَةٍ مَثَلًا. (قَوْلُهُ عَلَى مَالِكِهِ) أَيْ لَا عَلَى أَبِيهِ الْحُرِّ أَوْ الْعَبْدِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَالْغَنِيِّ فِي مَالِهِ الْحَاضِرِ) يَشْمَلُ الْعَقَارَ وَالْأَرْدِيَةَ وَالثِّيَابَ، فَإِذَا اُحْتِيجَ إلَى النَّفَقَةِ كَانَ لِلْأَبِ بَيْعُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَحْرٌ وَفَتْحٌ، لَكِنْ سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَنَّ الْفَقِيرَ مَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ وَلَوْ لَهُ مَنْزِلٌ وَخَادِمٌ عَلَى الصَّوَابِ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَلَوْ غَائِبًا) أَيْ فَلَوْ كَانَ لِلْوَلَدِ مَالٌ لَكِنَّهُ غَائِبٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ إلَى أَنْ يُحْضِرَ مَالَهُ. وَسُئِلَ الرَّمْلِيُّ عَمَّا إذَا كَانَ لَهُ غَلَّةٌ فِي وَقْفٍ: فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ الْغَائِبِ. (قَوْلُهُ إنْ أَشْهَدَ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ لِيَرْجِعَ، وَكَالْإِشْهَادِ الْإِنْفَاقُ بِإِذْنِ الْقَاضِي كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لَا إنْ نَوَى) أَيْ لَا يَرْجِعُ إنْ نَوَى الرُّجُوعَ بِلَا إشْهَادٍ وَلَا إذْنِ قَاضٍ: أَيْ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ أَنَّهُ نَوَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ يَكْتَسِبُ أَوْ يَتَكَفَّفُ) قَدَّمَ الْكَسْبَ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ أَوَّلًا، إذْ لَا يَجُوزُ التَّكَفُّفُ: أَيْ طَلَبُ الْكَفَافِ بِمَسْأَلَةِ النَّاسِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الِاكْتِسَابِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ تُفْرَضُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ فَيَكْتَسِبُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ عَجَزَ لِكَوْنِهِ زَمِنًا أَوْ مُقْعَدًا يَتَكَفَّفُ النَّاسَ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمْ كَذَا فِي نَفَقَاتِ الْخَصَّافِ. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَفْرِضُهَا الْقَاضِي عَلَى الْأَبِ وَيَأْمُرُ الْمَرْأَةَ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَى الزَّوْجِ، فَإِذَا قَدَرَ طَالَبَتْهُ بِمَا اسْتَدَانَتْ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ فَرَضَهَا عَلَيْهِ ثُمَّ امْتَنَعَ مَعَ قُدْرَتِهِ. اهـ. وَقَالَ أَيْضًا: وَإِنْ امْتَنَعَ عَنْ الْكَسْبِ حُبِسَ؛ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ. ولَا يُحْبَسُ وَالِدٌ وَإِنْ عَلَا فِي دَيْنِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ إلَّا فِي النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافَ الصَّغِير (قَوْلُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ؛ وَقِيلَ نَفَقَتُهُمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ بَحْرٌ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ: وَتُفْرَضُ عَلَى الْمُعْسِرِ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ. وَعَلَى الْمُوسِرِ بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَتَيَسَّرْ) أَيْ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمْ أَوْ الِاكْتِسَابُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِنْ لَمْ يَفِ كَسْبُهُ بِحَاجَتِهِمْ أَوْ لَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 612 وَرَجَعَ عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ ذَخِيرَةٌ. وَلَوْ خَاصَمَتْهُ الْأُمُّ فِي نَفَقَتِهِمْ فَرَضَهَا الْقَاضِي وَأَمَرَهُ بِدَفْعِهَا لِلْأُمِّ مَا لَمْ تَثْبُتْ خِيَانَتُهَا فَيَدْفَعُ لَهَا صَبَاحًا وَمَسَاءً أَوْ يَأْمُرُ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، وَصَحَّ صُلْحُهَا عَنْ نَفَقَتِهِمْ وَلَوْ بِزِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ تَدْخُلُ تَحْتَ التَّقْدِيرِ، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ طُرِحَتْ، وَلَوْ عَلَى مَا لَا يَكْفِيهِمْ زِيدَتْ بَحْرٌ؛ وَلَوْ ضَاعَتْ رَجَعَتْ بِنَفَقَتِهِمْ دُونَ حِصَّتِهَا. وَفِي الْمُنْيَةِ: أَبٌ مُعْسِرٌ وَأُمٌّ مُوسِرَةٌ تُؤْمَرُ الْأُمُّ بِالْإِنْفَاقِ وَيَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ وَهِيَ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ الْمُوسِرِ،   [رد المحتار] يَكْتَسِبْ لِعَدَمِ تَيَسُّرِ الْكَسْبِ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ الْقَرِيبُ إلَخْ؛ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ إنْفَاقَ الْقَرِيبِ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ عَجْزِ الْأَبِ عَنْ الْكَسْبِ؛ وَيُنَافِيهِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْهُ يَتَكَفَّفُ؛ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَتَكَفَّفُ إنْ لَمْ يُوجَدْ قَرِيبٌ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ الْمَنْقُولَتَيْنِ آنِفًا عَنْ الْخَصَّافِ؛ لَكِنْ فِي الثَّانِيَةِ أَمَرَ الزَّوْجَةَ بِالِاسْتِدَانَةِ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ مُعْسِرَةً؛ فَلَوْ مُوسِرَةً تُنْفِقُ مِنْ مَالِهَا لِتَرْجِعَ، وَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّهَا أَوْلَى بِالتَّحَمُّلِ مِنْ سَائِرِ الْأَقَارِبِ. مَطْلَبٌ. الْكَلَامُ عَلَى نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ (قَوْلُهُ وَرَجَعَ عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ) فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ: إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ مَالٌ وَالْجَدُّ أَوْ الْأُمُّ أَوْ الْخَالُ أَوْ الْعَمُّ مُوسِرٌ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ الصَّغِيرِ وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ، وَكَذَا يُجْبَرُ الْأَبْعَدُ إذَا غَابَ الْأَقْرَبُ؛ فَإِنْ كَانَ لَهُ أُمٌّ مُوسِرَةٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهَا؛ وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ إلَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ فِي الْأَوَّلِ. اهـ فَتْحٌ. قُلْت: وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا يُشَارِكُ الْأَبَ فِي نَفَقَةِ أَوْلَادِهِ أَحَدٌ فَلَا يُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ بِمُجَرَّدِ إعْسَارِهِ لِتَجِبَ النَّفَقَةُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ بَلْ تُجْعَلُ دَيْنًا عَلَيْهِ؛ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ تَصْحِيحَ خِلَافِهِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إصْلَاحِ الْمُتُونِ؛ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ زَمِنًا عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ وَإِلَّا قُضِيَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْجَدِّ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْأَبِ حِينَئِذٍ وَاجِبَةٌ عَلَى الْجَدِّ فَكَذَا نَفَقَةُ الصِّغَارِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَنَا الْآنَ فِي الْأَبِ الْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ خَاصَمَتْهُ الْأُمُّ) أَيْ بِأَنْ شَكَتْ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ أَوْ أَنَّهُ يُقَتِّرُ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ مَا لَمْ تَثْبُتْ خِيَانَتُهَا) أَيْ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: إنَّهَا لَا تُنْفِقُ أَوْ تُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ وَدَعْوَى الْخِيَانَةِ عَلَى الْأَمِينِ لَا تُسْمَعُ بِلَا حُجَّةٍ فَيَسْأَلُ الْقَاضِي جِيرَانَهَا مِمَّنْ يُدَاخِلُهَا؛ فَإِنْ أَخْبَرُوهُ بِمَا قَالَ الْأَبُ زَجَرَهَا، وَمَنَعَهَا عَنْ ذَلِكَ نَظَرًا لَهُمْ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ فَيَدْفَعُ لَهَا إلَخْ) هَذَا نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ عَقِبَ مَا مَرَّ فَقَالَ: إنْ شَاءَ الْقَاضِي دَفَعَهَا إلَى ثِقَةٍ يَدْفَعُ لَهَا صَبَاحًا وَمَسَاءً وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهَا جُمْلَةً، وَإِنْ شَاءَ أَمَرَ غَيْرَهَا لِيُنْفِقَ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ وَصَحَّ صُلْحُهَا) قِيلَ فِي وَجْهِهِ إنَّ الْأَبَ هُوَ الْعَاقِدُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَقِيلَ مِنْ جَانِبِ نَفْسِهِ وَالْأُمُّ مِنْ جَانِبِ الصِّغَارِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ مِنْ أَسْبَابِ الْحَضَانَةِ وَهِيَ لِلْأُمِّ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ تَدْخُلُ تَحْتَ التَّقْدِيرِ) تَفْسِيرٌ لِلْيَسِيرَةِ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَشَرَةً، وَإِذَا نَظَرَ النَّاسَ فَبَعْضُهُمْ يُقَدِّرُ الْكِفَايَةَ بِعَشَرَةٍ وَبَعْضُهُمْ بِتِسْعَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى خَمْسَةَ عَشْرَ أَوْ عَلَى عِشْرِينَ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ حِينَئِذٍ تُطْرَحُ عَنْ الْأَبِ. قُلْت: وَتَقَدَّمَ مَتْنًا أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ عَلَى نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ ثُمَّ قَالَ لَا أُطِيقُ ذَلِكَ فَهُوَ لَازِمٌ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ سِعْرُ الطَّعَامِ إلَخْ. وَالْفَرْقُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ النَّفَقَةَ فِي حَقِّ الْقَرِيبِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَالْكِفَايَةِ، وَفِي حَقِّ الزَّوْجَةِ مُعَارَضَتُهُ عَنْ الِاحْتِبَاسِ، وَلِذَا لَوْ مَضَى الْوَقْتُ وَبَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ يَقْضِي بِأُخْرَى لَهَا لَا لَهُ وَكَذَا لَوْ ضَاعَتْ (قَوْلُهُ زِيدَتْ) أَيْ إلَى قَدْرِ الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ ضَاعَتْ إلَخْ) الْفَرْقُ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا (قَوْله وَهِيَ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ الْمُوسِرِ) أَيْ لَوْ كَانَ مَعَ الْأُمِّ الْمُوسِرَةِ جَدٌّ مُوسِرٌ أَيْضًا تُؤْمَرُ الْأُمُّ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهَا لِتَرْجِعَ عَلَى الْأَبِ، وَلَا يُؤْمَرُ الْجَدُّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الصَّغِيرِ فَالْأُمُّ أَوْلَى بِالتَّحَمُّلِ مِنْ سَائِرِ الْأَقَارِبِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 613 وَفِيهَا: لَا نَفَقَةَ عَلَى الْحُرِّ لِأَوْلَادِهِ مِنْ الْأَمَةِ وَلَا عَلَى الْعَبْدِ لِأَوْلَادِهِ وَلَوْ مِنْ حُرَّةٍ، وَعَلَى الْكَافِرِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ الْمُسْلِمِ وَسَيَجِيءُ بَحْرٌ. (وَكَذَا) تَجِبُ (لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ الْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ) كَأُنْثَى مُطْلَقًا وَزَمِنٍ وَمَنْ يَلْحَقُهُ الْعَارُ بِالتَّكَسُّبِ وَطَالِبِ عِلْمٍ لَا يَتَفَرَّغُ لِذَلِكَ، كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْعَيْنِيِّ. وَأَفْتَى أَبُو حَامِدٍ بِعَدَمِهَا لِطَلَبَةِ زَمَانِنَا كَمَا بَسَطَهُ فِي الْقُنْيَةِ، وَلِذَا قَيَّدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِذِي رُشْدٍ (لَا يُشَارِكُهُ) أَيْ الْأَبُ   [رد المحتار] قُلْت: اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْأَبُ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأُمِّ وَالْجَدِّ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمَا أَثْلَاثًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَلَى الْجَدِّ وَحْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا فَهِيَ عَلَى الْأَبِ وَتَسْتَدِينُهَا الْأُمُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ مِنْ الْجَدِّ، هَذَا عَلَى ظَاهِرِ الْمُتُونِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَمَّا عَلَى مَا يَأْتِي تَصْحِيحُهُ مِنْ أَنَّ الْمُعْسِرَ يُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا تُجْعَلُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِأَوْلَادِهِ مِنْ الْأَمَةِ) بَلْ نَفَقَتُهُمْ عَلَى سَيِّدِ الْأَمَةِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الزَّوْجُ حُرِّيَّتَهُمْ فَنَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَمَةِ غَيْرُ الْمُكَاتَبَةِ، أَمَّا هِيَ فَنَفَقَتُهُمْ عَلَيْهَا لِتَبَعِيَّتِهِمْ لَهَا فِي الْكِتَابَةِ ط وَتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ حُرَّةٍ) بَلْ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً لِمَوْلَاهُ فَنَفَقَةُ الْجَمِيعِ عَلَيْهِ، أَوْ لِغَيْرِهِ فَنَفَقَتُهُمْ عَلَى مَوْلَى الْأُمِّ كَمَا عَلِمْت. وَنَفَقَةُ الْعَبْدِ عَلَى مَوْلَاهُ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْكَافِرِ إلَخْ) فِي الْجَوْهَرَةِ: ذِمِّيٌّ تَزَوَّجَ ذِمِّيَّةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَلَهَا مِنْهُ وَلَدٌ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ تَبَعًا لَهَا وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ الْكَافِرِ، وَكَذَا الصَّبِيُّ إذَا ارْتَدَّ فَارْتِدَادُهُ صَحِيحٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ. اهـ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) يَأْتِي ذَلِكَ فِي عُمُومِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا نَفَقَةَ مَعَ الِاخْتِلَافِ دِينًا إلَّا لِلزَّوْجَةِ وَالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ الذِّمِّيِّينَ. (قَوْلُهُ لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ إلَخْ) فَإِذَا طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لَهُ النَّفَقَةَ عَلَى أَبِيهِ أَجَابَهُ وَيَدْفَعُهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّهُ وَلَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ ذَخِيرَةٌ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ لَهُ الْأَبُ: أَنَا أُطْعِمُك وَلَا أَدْفَعُ إلَيْك لَا يُجَابُ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي نَفَقَةِ كُلِّ مَحْرَمٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَأُنْثَى مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِهَا زَمَانَةٌ تَمْنَعُهَا عَنْ الْكَسْبِ فَمُجَرَّدُ الْأُنُوثَةِ عَجْزٌ إلَّا إذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ مَا دَامَتْ زَوْجَةً وَهَلْ إذَا نَشَزَتْ عَنْ طَاعَتِهِ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ عَلَى أَبِيهَا مَحَلُّ تَرَدُّدٍ فَتَأَمَّلْ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يُؤْجِرَهَا فِي عَمَلٍ أَوْ خِدْمَةٍ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا كَسْبٌ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَزَمِنٍ) أَيْ مَنْ بِهِ مَرَضٌ مُزْمِنٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا مِنْ بِهِ مَا يَمْنَعُهُ عَنْ الْكَسْبِ كَعَمًى وَشَلَلٍ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى اكْتِسَابِ مَا لَا يَكْفِيهِ فَعَلَى أَبِيهِ تَكْمِيلُ الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ وَمَنْ يَلْحَقُهُ الْعَارُ بِالتَّكَسُّبِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالزَّيْلَعِيِّ. وَاعْتَرَضَهُ الرَّحْمَتِيُّ بِأَنَّ الْكَسْبَ لِمُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ عِيَالِهِ فَرْضٌ فَكَيْفَ يَكُونُ عَارًا، الْأَوْلَى مَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ إذَا كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الْكِرَامِ وَلَا يَسْتَأْجِرُهُ النَّاسُ فَهُوَ عَاجِزٌ. اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ. (قَوْلُهُ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْقُنْيَةِ) حَاصِلُهُ أَنَّ السَّلَفَ قَالُوا بِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ عَلَى الْأَبِ، لَكِنْ أَفْتَى أَبُو حَامِدٍ بِعَدَمِهِ لِفَسَادِ أَحْوَالِ أَكْثَرِهِمْ، وَمَنْ كَانَ بِخِلَافِهِمْ نَادِرٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَلَا يُفْرَدُ بِالْحُكْمِ دَفْعًا لِحَرَجِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُصْلِحِ وَالْمُفْسِدِ. قَالَ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ: لَكِنْ بَعْدَ الْفِتْنَةِ الْعَامَّةِ يَعْنِي فِتْنَةَ التَّتَارِ الَّتِي ذَهَبَ بِهَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ نَرَى الْمُشْتَغِلِينَ بِالْفِقْهِ وَالْأَدَبِ اللَّذَيْنِ هُمَا قَوَاعِدُ الدِّينِ وَأُصُولُ كَلَامِ الْعَرَبِ يَمْنَعُهُمْ الِاشْتِغَالُ بِالْكَسْبِ عَنْ التَّحْصِيلِ وَيُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ الْعِلْمِ وَالتَّعْطِيلِ، فَكَانَ الْمُخْتَارُ الْآنَ قَوْلُ السَّلَفِ، وَهَفَوَاتُ الْبَعْضِ لَا تَمْنَعُ الْوُجُوبَ كَالْأَوْلَادِ وَالْأَقَارِبِ. اهـ مُلَخَّصًا، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ ح: وَأَقُولُ الْحَقُّ الَّذِي تَقْبَلُهُ الطِّبَاعُ الْمُسْتَقِيمَةُ وَلَا تَنْفِرُ مِنْهُ الْأَذْوَاقُ السَّلِيمَةُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا لِذِي الرُّشْدِ لَا غَيْرِهِ، وَلَا حَرَجَ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُصْلِحِ وَالْمُفْسِدِ لِظُهُورِ مَسَالِكِ الِاسْتِقَامَةِ وَتَمْيِيزِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ (قَوْلُهُ وَلِذَا إلَخْ) أَيْ لِكَوْنِهَا لَا تَجِبُ لِطَلَبَةِ زَمَانِنَا الْغَالِبِ عَلَيْهِمْ الْفَسَادُ (قَوْلُهُ لَا يُشَارِكُهُ) جُمْلَةٌ اسْتِئْنَافِيَّةٌ أَوْ حَالِيَّةٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 614 وَلَوْ فَقِيرًا (أَحَدٌ فِي ذَلِكَ كَنَفَقَةِ أَبَوَيْهِ وَعُرْسِهِ) بِهِ يُفْتَى مَا لَمْ يَكُنْ مُعْسِرًا فَيَلْحَقُ بِالْمَيِّتِ، فَتَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ بِلَا رُجُوعٍ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ إلَّا لِأُمٍّ مُوسِرَةٍ بَحْرٌ. قَالَ: وَعَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إصْلَاحِ الْمُتُونِ جَوْهَرَةٌ.   [رد المحتار] مِنْ الضَّمِيرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ فِي تَجِبُ لِطِفْلِهِ الْفَقِيرِ إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ فَقِيرًا) هَذَا مُجَارَاةٌ لِظَاهِرِ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْأَبَ تَبَعًا لِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ فَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ مُعْسِرًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي نَفَقَةِ طِفْلِهِ وَوَلَدِهِ الْكَبِيرِ الْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ (قَوْلُهُ كَنَفَقَةِ أَبَوَيْهِ وَعُرْسِهِ) أَيْ كَمَا لَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ فِي نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ وَلَا فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ الْفُرُوعِ، وَمُقَابِلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَلَدِ عَلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ أَثْلَاثًا يَعْنِي الْكَبِيرَ، أَمَّا الصَّغِيرُ فَعَلَى أَبِيهِ خَاصَّةً بِلَا خِلَافٍ: قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ لِلْأَبِ فِي الصَّغِيرِ وِلَايَةٌ وَمُؤْنَةٌ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ صَدَقَةُ فِطْرِهِ فَاخْتَصَّ بِلُزُومِ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْكَبِيرُ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ فَتُشَارِكُهُ الْأُمُّ. اهـ. ط وَصَرَّحَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ بِأَنَّ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَبِأَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى فَلِذَا تَبِعَهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ مُعْسِرًا إلَخْ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْأَبِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ كَانَ لِلْفَقِيرِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَجَدٌّ مُوسِرٌ يُؤْمَرُ الْجَدُّ بِالْإِنْفَاقِ صِيَانَةً لِوَلَدِ الْوَلَدِ وَيَكُونُ دَيْنًا عَلَى وَالِدِهِمْ هَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ، فَلَمْ يَجْعَلْ النَّفَقَةَ عَلَى الْجَدِّ حَالَ عُسْرَةِ الْأَبِ، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ. وَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأَبَ الْفَقِيرَ يَلْحَقُ بِالْمَيِّتِ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ عَلَى الْجَدِّ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ زَمِنًا يُقْضَى بِهَا عَلَى الْجَدِّ بِلَا رُجُوعٍ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْأَبِ حِينَئِذٍ عَلَى الْجَدِّ فَكَذَا نَفَقَةَ الصِّغَارِ. اهـ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا قَبْلَ هَذَا: وَلَوْ لَهُمْ أُمٌّ مُوسِرَةٌ أُمِرَتْ أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِمْ فَيَكُونُ دَيْنًا تَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ وَهِيَ أَوْلَى بِالتَّحَمُّلِ مِنْ سَائِرِ الْأَقَارِبِ إلَخْ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْأَبِ الْمُعْسِرِ إنَّمَا هُوَ إذَا أَنْفَقَتْ الْأُمُّ الْمُوسِرَةُ، وَإِلَّا فَالْأَبُ كَالْمَيِّتِ وَالْوُجُوبُ عَلَى غَيْرِهِ لَوْ كَانَ مَيِّتًا وَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ. وَعَلَى هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ إصْلَاحِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ أَيْ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ: إنَّ الْأَبَ لَا يُشَارِكُهُ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ أَحَدٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَأَمَرَ الْقَاضِي غَيْرَهُ بِالْإِنْفَاقِ يَرْجِعُ سَوَاءٌ كَانَ أُمًّا أَوْ جَدًّا أَوْ غَيْرَهُمَا، إذْ لَوْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ لَحَصَلَتْ الْمُشَارَكَةُ وَأَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ بِحَمْلِ مَا فِي الْمُتُونِ عَلَى حَالَةِ الْيَسَارِ، لَكِنْ قَالَ الرَّمْلِيُّ: لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَقَدْ اخْتَارَهَا أَهْلُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ مُقْتَصِرِينَ عَلَيْهَا. اهـ. قُلْت: وَعَلَى هَذَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُنْفِقِ أُمًّا أَوْ جَدًّا أَوْ غَيْرَهُمَا فِي ثُبُوتِ الرُّجُوعِ عَلَى الْأَبِ، مَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ زَمِنًا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ اتِّفَاقًا وَقَدَّمْنَا عَنْ جَوَامِعِ الْفِقْهِ مَا يُؤَيِّدُ مَا فِي الْمُتُونِ، وَمِثْلُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ نَفَقَةَ الصِّغَارِ وَالْإِنَاثِ الْمُعْسِرَاتِ عَلَى الْأَبِ لَا يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ وَلَا تَسْقُطُ بِفَقْرِهِ. اهـ وَكَذَا مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ لَهُمْ جَدٌّ مُوسِرٌ لَمْ تُفْرَضْ عَلَيْهِ بَلْ يُؤْمَرُ بِهَا لِيَرْجِعَ عَلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْجَدِّ عِنْدَ وُجُودِ الْأَبِ الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْجَدِّ نَفَقَةُ ابْنِهِ الْمَذْكُورِ فَنَفَقَةُ أَوْلَادِهِ أَوْلَى، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْأَبُ زَمِنًا قُضِيَ بِنَفَقَتِهِمْ وَنَفَقَةِ الْأَبِ عَلَى الْجَدِّ. اهـ عَلَى أَنَّ مَا صَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ يَرِدُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ رُجُوعَ الْأُمِّ مَعَ أَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى أَوْلَادِهَا مِنْ الْجَدِّ وَالْعَمِّ وَالْخَالِ، فَكَيْفَ يَرْجِعُ الْأَقْرَبُ دُونَ الْأَبْعَدِ؟ . وَمَسْأَلَةُ رُجُوعِ الْأُمِّ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ، وَهِيَ تُثْبِتُ رُجُوعَ غَيْرِهَا بِالْأَوْلَى، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْبَحْرِ: الْفَقِيرُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ غَيْرِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالزَّوْجَةِ. اهـ وَشَمِلَ الْفُرُوعُ الْوَلَدَ الْكَبِيرَ الْعَاجِزَ وَالْأُنْثَى، وَتَقَدَّمَ آنِفًا فِي عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ جَوْهَرَةٌ) كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَلَا وَجْهَ لَهُ، فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 615 فُرُوعٌ] لَوْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى نَفَقَةِ أَحَدِ وَالِدَيْهِ فَالْأُمُّ أَحَقُّ، وَلَوْ لَهُ أَبٌ وَطِفْلٌ فَالطِّفْلُ أَحَقُّ بِهِ، وَقِيلَ يَقْسِمُهَا فِيهِمَا. وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ بَلْ وَتَزْوِيجُهُ أَوْ تَسَرِّيهِ، وَلَوْ لَهُ زَوْجَاتٌ فَعَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَاحِدَةٌ يَدْفَعُهَا لِلْأَبِ لِيُوَزِّعَهَا عَلَيْهِنَّ. وَفِي الْمُخْتَارِ وَالْمُلْتَقَى: وَنَفَقَةُ زَوْجَةِ الِابْنِ عَلَى أَبِيهِ إنْ كَانَ صَغِيرًا فَقِيرًا أَوْ زَمِنًا. وَفِي وَاقِعَاتِ الْمُفْتِينَ لِقَدْرِي أَفَنْدِي: وَيُجْبَرُ الْأَبُ -   [رد المحتار] لَمْ يَنْقُلْهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ وَلَا هُوَ مَوْجُودٌ فِيهَا. وَفِي نُسْخَةِ الرَّحْمَتِيِّ: وَفِي الْجَوْهَرَةِ فُرُوعٌ إلَخْ وَهِيَ الصَّوَابُ، فَإِنَّ هَذِهِ الْفُرُوعَ إلَى قَوْلِهِ. وَفِي الْمُخْتَارِ ذَكَرَهَا فِي الْجَوْهَرَةِ فَيَكُونُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ خَبَرًا مُقَدَّمًا وَفُرُوعٌ مُبْتَدَأً مُؤَخَّرًا (قَوْلُهُ فَالْأُمُّ أَحَقُّ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَبُ أَحَقُّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الِابْنِ فِي صِغَرِهِ دُونَ الْأُمِّ، وَقِيلَ يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمَا جَوْهَرَةٌ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ «عَنْ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ أُمُّك، قُلْت: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ أُمُّك. قُلْت، ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أَبَاك، ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ» أَوْرَدَ الْحَدِيثَ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَقْسِمُهَا فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. [مَطْلَبٌ فِي نَفَقَةِ زَوْجَةِ الْأَبِ] ِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ زَوْجَةِ أَبِيهِ) أَيْ فِي رِوَايَةٍ. وَفِي أُخْرَى إنْ كَانَ الْأَبُ مَرِيضًا أَوْ بِهِ زَمَانَةٌ يَحْتَاجُ لِلْخِدْمَةِ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ، فَإِنَّ الِابْنَ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ يُجْبَرُ الْأَبُ عَلَى نَفَقَةِ خَادِمِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ وُجُوبِ نَفَقَةِ امْرَأَةِ الْأَبِ أَوْ جَارِيَتِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بِالْأَبِ عِلَّةٌ، وَأَنَّ الْوُجُوبَ مُطْلَقًا عَنْ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ: وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ فِي نَفَقَةِ الْخَادِمِ وَأَنَّهُ إذَا احْتَاجَ أَحَدُهُمَا لِخَادِمٍ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ كَمَا وَجَبَتْ نَفَقَةُ الْمَخْدُومِ فَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ نَفَقَتِهِ، وَإِذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ، فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَاغْتَنِمْهُ فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ قُلْت: بَقِيَ مَا إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ أُمَّ الِابْنِ فَهَلْ تَجِبُ نَفَقَتُهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى الِابْنِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ كَانَتْ مُعْسِرَةً فَالظَّاهِرُ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ مُحْتَاجًا إلَيْهَا لِقَوْلِهِمْ لَا يُشَارِكُ الْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ أَحَدٌ؛ وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ مُوسِرَةً وَالْأَبُ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهَا لِيَرْجِعَ عَلَى أَبِيهِ أَوْ تُنْفِقُ هِيَ لِتَرْجِعَ عَلَى الْأَبِ، وَهَذَا أَقْرَبُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بَلْ وَتَزْوِيجُهُ أَوْ تَسَرِّيهِ) ذَكَرَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَيْضًا عَنْ الْجَوْهَرَةِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ فِي بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ وَعَزَوْنَاهُ إلَى الزَّيْلَعِيِّ وَالدُّرَرِ وَشُرُوحِ الْهِدَايَةِ فَيُقَدَّمُ عَلَى مَا هُنَا (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَاحِدَةٌ) بِالْإِضَافَةِ، فَلَوْ مُوسِرَاتٍ فَالْوَسَطُ، أَوْ مُعْسِرَاتٍ فَالدُّونُ، وَلَوْ مُخْتَلِفَاتٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَدْفَعُ نِصْفَ نَفَقَةِ الْوَسَطِ وَنِصْفَ الدُّونِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ لِيُوَزِّعَهَا عَلَيْهِنَّ) وَلَهُنَّ رَفْعُ أَمْرِهِنَّ لِلْقَاضِي لِيَأْمُرَهُنَّ بِاسْتِدَانَةِ الْبَاقِي مِنْ كِفَايَتِهِنَّ لِتَكُونَ دَيْنًا عَلَى الزَّوْجِ. وَتَجِبُ الْإِدَانَةُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُنَّ كَمَا تَقَدَّمَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَفِي الْمُخْتَارِ وَالْمُلْتَقَى إلَخْ) هَذَا خِلَافُ نَصِّ الْمَذْهَبِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ زَمِنًا) أَيْ أَوْ كَبِيرًا زَمِنًا (قَوْلُهُ لِقَدْرِي أَفَنْدِي) هُوَ مِنْ مُتَأَخِّرِي عُلَمَاءِ الرُّومِ، اسْمُهُ عَبْدُ الْقَادِرِ (قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ الْأَبُ إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي الْقُنْيَةِ وَالْمُجْتَبَى، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 616 عَلَى نَفَقَةِ امْرَأَةِ ابْنِهِ الْغَائِبِ وَوَلَدِهَا، وَكَذَا الْأُمُّ عَلَى نَفَقَةِ الْوَلَدِ لِتَرْجِعَ بِهَا عَلَى الْأَبِ، وَكَذَا الِابْنُ عَلَى نَفَقَةِ الْأُمِّ لِيَرْجِعَ عَلَى زَوْجِ أُمِّهِ، وَكَذَا الْأَخُ عَلَى نَفَقَةِ أَوْلَادِ أَخِيهِ لِيَرْجِعَ بِهَا عَلَى الْأَبِ، وَكَذَا الْأَبْعَدُ إذَا غَابَ الْأَقْرَبُ انْتَهَى. . وَفِي الْفُصُولَيْنِ مِنْ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ: أَجْنَبِيٌّ أَنْفَقَ عَلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ فَقَالَ: أَنْفَقْت بِأَمْرِ الْمُوصِي وَأَقَرَّ بِهِ الْوَصِيُّ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِ الْوَصِيِّ بَعْدَمَا أَنْفَقَ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ لَوْ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ صَغِيرًا. اهـ وَفِيهِ قَالَ أَنْفِقْ عَلَيَّ أَوْ عَلَى   [رد المحتار] وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِزَوْجَةِ الِابْنِ وَلَوْ صَغِيرًا فَقِيرًا، فَلَوْ كَانَ كَبِيرًا غَائِبًا بِالْأَوْلَى إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ هُنَا بِمَعْنَى أَنَّ الْأَبَ يُؤْمَرُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا لِيَرْجِعَ بِهَا عَلَى الِابْنِ إذَا حَضَرَ، لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ زَوْجَةَ الْغَائِبِ يَفْرِضُ الْقَاضِي لَهَا النَّفَقَةَ عَلَى زَوْجِهَا وَيَأْمُرُهَا بِالِاسْتِدَانَةِ وَأَنَّهُ تَجِبُ الْإِدَانَةُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا (قَوْلُهُ وَكَذَا الْأُمُّ إلَخْ) أَيْ إذَا غَابَ الْأَبُ وَلَمْ يَتْرُكْ نَفَقَةً تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى الْوَلَدِ مِنْ مَالِهَا إنْ كَانَ لَهَا مَالٌ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَقَدَّمَ الشَّارِحُ عَنْ الْبَحْرِ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّهَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا عَلَى النِّكَاحِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي عَالِمًا بِهِ ثُمَّ يَفْرِضُ لَهُمْ وَيَأْمُرُهَا بِالْإِنْفَاقِ وَالِاسْتِدَانَةِ لِتَرْجِعَ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَتْرُكْ مَالًا عِنْدَهُ أَوْ عَلَى مَنْ يُقِرُّ بِهِ وَبِالزَّوْجِيَّةِ وَالْوِلَادِ، وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يَفْرِضُ لَهَا فِي ذَلِكَ الْمَالَ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَ مَالًا فِي بَيْتِهِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا الِابْنُ) أَيْ الْمُوسِرُ إذَا غَابَ زَوْجُ أُمِّهِ الْفَقِيرَةِ، هَذَا ظَاهِرُ السِّيَاقِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْغَيْبَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا وَهُوَ مُعْسِرٌ، لَكِنَّ هَذِهِ تَقَدَّمَتْ قُبَيْلَ قَوْلِهِ قَضَى بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ، وَهَذَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا غَيْرَ أَبِيهِ، فَلَوْ كَانَ أَبَاهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرَ؟ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَكَذَا الْأَخُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَوْلَادِ أُمٌّ مُوسِرَةٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْأُمَّ أَوْلَى بِالتَّحَمُّلِ مِنْ سَائِرِ الْأَقَارِبِ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى أَوْلَادِهَا (قَوْلُهُ وَكَذَا الْأَبْعَدُ إذَا غَابَ الْأَقْرَبُ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ، فَيَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الْغَائِبُ ابْنًا أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوْ أَخًا وَالْحَاضِرُ الْمُوسِرُ خَالٌ أَوْ عَمٌّ أَوْ جَدٌّ، وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِمَّا هُنَا وَكَذَا مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ جَوَامِعِ الْفِقْهِ أَنَّ الْغَيْبَةَ كَالْإِعْسَارِ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبْعَدِ وَرُجُوعِهِ عَلَى الْأَقْرَبِ بَعْدَ حُضُورِهِ أَوْ يَسَارِهِ، وَلَيْسَ الرُّجُوعُ عَلَى الْأَبِ خَاصًّا بِالْأُمِّ خِلَافًا لِقَوْلِهِ الْمَارِّ إلَّا لِأُمٍّ مُوسِرَةٍ. (قَوْلُهُ أَجْنَبِيٌّ أَنْفَقَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قُبَيْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَدَبِ الْقَاضِي: ادَّعَى وَصِيٌّ أَوْ قَيِّمٌ أَنَّهُ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَالْوَقْفِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، إذْ يَدَّعِي دَيْنًا لِنَفْسِهِ عَلَى الْيَتِيمِ وَالْوَقْفِ فَلَا يَصِحُّ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، فَلَوْ ادَّعَى الْإِنْفَاقَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ وَالْيَتِيمِ نَفَقَةَ الْمِثْلِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ صُدِّقَ. اهـ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ أَوْ يُفَرَّقَ بَيْنَ مَالِ الْأَجْنَبِيِّ وَمَالِ الْوَصِيِّ، لَكِنَّ فِيهِ إثْبَاتَ دَيْنٍ لِلْأَجْنَبِيِّ عَلَى الْيَتِيمِ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِ الْوَصِيِّ، وَلَمْ أَرَ صَرِيحًا صِحَّتَهُ، نَعَمْ فِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا: أَوْ أَنْفَقَ مَالَهُ عَلَى الصَّغِيرِ وَلَمْ يُشْهِدْ، فَلَوْ كَانَ الْمُنْفِقُ أَبًا لَمْ يَرْجِعْ وَفِي الْوَصِيِّ اخْتِلَافٌ. اهـ. وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الْمَهْرِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى ضَمَانِ الْوَلِيِّ الْمَهْرَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِشْهَادِ اسْتِحْسَانٌ، وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَصِيِّ وَالْأَبِ إنْ كَانَتْ الْعَادَةُ أَنَّ الْأَبَ يُنْفِقُ تَبَرُّعًا وَمَرَّ تَمَامُ الْكَلَامِ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ، وَسَيَأْتِي أَيْضًا آخِرَ الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. مَطْلَبٌ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالْإِنْفَاقِ وَنَحْوِهِ هَلْ يَرْجِعُ (قَوْلُهُ وَفِيهِ إلَخْ) أَقُولُ: فِي الْخَانِيَّةِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا أَمَرَ صَيْرَفِيًّا فِي الْمُصَارَفَةِ أَنْ يُعْطِيَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ قَضَاءً عَنْهُ أَوْ لَمْ يَقُلْ قَضَاءً عَنْهُ فَفَعَلَ يُرْجَعُ عَلَى الْآمِرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَيْرَفِيًّا لَا يُرْجَعُ إلَّا أَنْ يَقُولَ عَنِّي، وَلَوْ أَمَرَهُ بِشِرَائِهِ أَوْ بِدَفْعِ الْفِدَاءِ يُرْجَعُ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ عَلَيَّ بِذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْفِقْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 617 عِيَالِي أَوْ عَلَى أَوْلَادِي فَفَعَلَ، قِيلَ يَرْجِعُ بِلَا شَرْطِهِ، وَقِيلَ لَا. وَلَوْ قَضَى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ رَجَعَ بِلَا شَرْطِهِ، وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ مُطَالَبًا بِهِ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ كَجِنَايَةٍ وَمُؤَنٍ مَالِيَّةٍ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْأَسِيرَ وَمَنْ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ لِيُصَادِرَهُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ خَلِّصْنِي فَدَفَعَ الْمَأْمُورُ مَالًا فَخَلَّصَهُ، قِيلَ يَرْجِعُ، وَقِيلَ لَا فِي الصَّحِيحِ بِهِ يُفْتَى. (وَلَيْسَ عَلَى أُمِّهِ إرْضَاعُهُ) قَضَاءً بَلْ دِيَانَةً (إلَّا إذَا تَعَيَّنَتْ) فَتُجْبَرُ كَمَا مَرَّ فِي الْحَضَانَةِ، وَكَذَا الظِّئْرُ تُجْبَرُ عَلَى إبْقَاءِ الْإِجَارَةِ بَزَّازِيَّةٌ (وَيَسْتَأْجِرُ الْأَبُ مَنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَهَا) ؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ لَهَا وَالنَّفَقَةَ عَلَيْهِ؛ وَلَا يَلْزَمُ الظِّئْرَ الْمُكْثُ   [رد المحتار] مِنْ مَالِكَ عَلَى عِيَالِي أَوْ فِي بِنَاءِ دَارِي يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ اقْضِ دَيْنِي يَرْجِعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَوْ قَضَى نَائِبَةَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ هُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. قُلْت: وَالْمُرَادُ بِالصَّيْرَفِيِّ مَنْ يَسْتَدِينُ مِنْهُ التُّجَّارُ وَيَقْبِضُ لَهُمْ فَيَرْجِعُ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ لِلْعُرْفِ بِأَنَّ مَا يُؤْمَرُ بِإِعْطَائِهِ هُوَ دَيْنٌ عَلَى الْآمِرِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الصَّيْرَفِيِّ فَلَا يَرْجِعُ بِقَوْلِهِ أَعْطِ فُلَانًا كَذَا إلَّا بِشَرْطِ الرُّجُوعِ (قَوْلُهُ كَجِنَايَةٍ) الَّذِي فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ جِبَايَةٍ بِالْبَاءِ بَعْدَ الْجِيمِ لَا بِالنُّونِ، وَالْمُرَادُ بِهَا مَا يَجْبِيهِ السُّلْطَانُ بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ قُبَيْلَ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ أَنَّهُ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالنَّوَائِبِ وَلَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ، كَجِبَايَاتِ زَمَانِنَا فَإِنَّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ كَالدُّيُونِ بَلْ فَوْقَهَا (قَوْلُهُ وَمُؤَنٍ مَالِيَّةٍ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ لِشُمُولِهِ مِثْلَ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ، لَكِنَّ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَيْضًا الْأَمْرَ بِإِنْفَاقٍ وَأَدَاءِ خَرَاجٍ وَصَدَقَاتٍ وَاجِبَةٍ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِلَا شَرْطٍ إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ عَطْفُ مُرَادِفٍ لِئَلَّا يَشْمَلَ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ (قَوْلُهُ لِيُصَادِرَهُ) أَيْ لِيَأْخُذَ مِنْهُ مَالَهُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا فِي الصَّحِيحِ) سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ تَصْحِيحَ الْأَوَّلِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ تَصْحِيحِ الرُّجُوعِ بِلَا شَرْطٍ فِي النَّائِبَةِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّائِبَةَ تَشْمَلُ مَسْأَلَةَ الْأَسِيرِ وَالْمُصَادَرَةِ وَقَاضِي خَانْ مِنْ أَجَلِّ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَى تَصْحِيحِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْبُيُوعِ. [مَطْلَبٌ فِي إرْضَاعِ الصَّغِيرِ] ِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ عَلَى أُمِّهِ) أَيْ الَّتِي فِي نِكَاحِ الْأَبِ أَوْ الْمُطَلَّقَةِ ط (قَوْلُهُ إلَّا إذَا تَعَيَّنَتْ) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ الْأَبُ مَنْ تُرْضِعُهُ أَوْ كَانَ الْوَلَدُ لَا يَأْخُذُ ثَدْيَ غَيْرِهَا، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى خَانِيَّةٌ وَمُجْتَبًى، وَهُوَ الْأَصْوَبُ فَتْحٌ. وَظَاهِرُ الْكَنْزِ أَنَّهَا لَا تُجْبَرُ وَإِنْ تَعَيَّنَتْ لِتَغَذِّيهِ بِالدُّهْنِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ: إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. وَفِيهِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ وَلَا لِلْوَلَدِ مَالٌ تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى إرْضَاعِهِ عِنْدَ الْكُلِّ. اهـ قَالَ: فَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ قُدْرَةِ الْأَبِ بِالْمَالِ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْخَصَّافِ وَزَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: وَتُجْعَلُ الْأُجْرَةُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ. اهـ. قُلْت: وَمِثْلُهُ فِي الْمَجْمَعِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ إجْبَارِهَا وَلُزُومِ الْأُجْرَةِ لَهَا خِلَافًا لِمَا قَدَّمَهُ فِي الْحَضَانَةِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ، وَمَرَّ تَمَامُهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَكَذَا الظِّئْرُ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الْعُيُونِ عَنْ مُحَمَّدٍ: فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ ظِئْرَ الصَّبِيِّ شَهْرًا فَلَمَّا انْقَضَى الشَّهْرُ أَبَتْ أَنْ تُرْضِعَهُ، وَالصَّبِيُّ لَا يَقْبَلَ ثَدْيَ غَيْرِهَا، قَالَ: أُجْبِرُهَا أَنْ تُرْضِعَ. اهـ فَالْمُرَادُ بِإِبْقَاءِ الْإِجَارَةِ اسْتِدَامَةُ حُكْمِهَا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّتِهَا؛ كَمَا لَوْ مَضَتْ إجَارَةُ السَّفِينَةِ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ إجَارَةٌ مُبْتَدَأَةٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهَا مَا إذَا تَعَيَّنَتْ لِإِرْضَاعِهِ قَبْلَ اسْتِئْجَارِهَا فَتُجْبَرُ عَلَيْهَا وَإِنْ أَمْكَنَ تَغَذِّيهِ بِالدُّهْنِ مَثَلًا، فَإِنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا لِضَعْفِهِ وَمَوْتِهِ، وَبِهَذَا رَجَّحُوا إجْبَارَ الْأُمِّ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عِنْدَهَا) أَيْ عِنْدَ الْأُمِّ. وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ أَنَّ كُلَّ مَنْ ثَبَتَتْ لَهَا الْحَضَانَةُ فِي حُكْمِ الْأُمِّ ط (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ الظِّئْرَ الْمُكْثُ إلَخْ) أَيْ بَلْ لَهَا أَنْ تُرْضِعَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 618 عِنْدَ الْأُمِّ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْعَقْدِ (لَا) يَسْتَأْجِرُ الْأَبُ (أُمَّهُ لَوْ مَنْكُوحَةً) وَلَوْ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ خِلَافًا لِلذَّخِيرَةِ وَالْمُجْتَبَى (أَوْ مُعْتَدَّةَ رَجْعِيٍّ) وَجَازَ فِي الْبَائِنِ فِي الْأَصَحِّ جَوْهَرَةٌ، كَاسْتِئْجَارِ مَنْكُوحَتِهِ لِوَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهَا (وَهِيَ أَحَقُّ) بِإِرْضَاعِ -   [رد المحتار] ثُمَّ تَرْجِعَ إلَى مَنْزِلِهَا فِيمَا يُسْتَغْنَى عَنْهَا مِنْ الزَّمَانِ أَوْ تَقُولَ أَخْرِجُوهُ فَتُرْضِعَهُ عِنْدَ فِنَاءِ الدَّارِ ثُمَّ تُدْخِلَ الصَّبِيَّ إلَى أُمِّهِ، أَوْ تَحْمِلَ الصَّبِيَّ مَعَهَا إلَى الْبَيْتِ نَهْرٌ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الظِّئْرَ مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهَا الْمُكْثُ عِنْدَ الْأُمِّ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأُمَّ لَوْ طَلَبَتْ الْمُكْثَ عِنْدَهَا لَا يَلْزَمُ الظِّئْرَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَقَّ الْأُمِّ، فَعَلَى الْأَبِ إحْضَارُ مُرْضِعَةٍ تُرْضِعُهُ وَهُوَ عِنْدَ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ الظِّئْرَ قَدْ تَغَيَّبَ عِنْدَ حَاجَةِ الْوَلَدِ إلَى الرَّضَاعِ وَلَا يُمْكِنُ الْأُمَّ إحْضَارُهَا، وَقَدْ لَا تَرْضَى بِإِخْرَاجِ وَلَدِهَا إلَى فِنَاءِ الدَّارِ (قَوْلُهُ لَا يَسْتَأْجِرُ الْأَبُ أُمَّهُ إلَخْ) عَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ الْإِرْضَاعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا دِيَانَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} [البقرة: 233]- فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْفَتْحِ بِجَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مَعَ أَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْآيَةِ يَشْمَلُ مَا قَبْلَ الْعِدَّةِ وَمَا بَعْدَهَا ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَهُ عَلَيْهَا مُقَيَّدًا بِإِيجَابِ رِزْقِهَا عَلَى الْأَبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: 233]- فَفِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْعِدَّةِ هُوَ قَائِمٌ بِرِزْقِهَا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُمَا فَيَقُومُ الْأَجْرُ مَقَامَهُ. اهـ قُلْت: وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ فِعْلَ الْإِرْضَاعِ وَاجِبٌ عَلَيْهَا وَمُؤْنَتَهُ عَلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ، فَفِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْعِدَّةِ هُوَ قَائِمٌ بِتِلْكَ الْمُؤْنَةِ لَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَهَا وَإِنْ وَجَبَ عَلَى الْأُمِّ إرْضَاعُهُ - {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233]- فَإِنَّ إلْزَامَهَا بِإِرْضَاعِهِ مَجَّانًا مَعَ عَجْزِهَا وَانْقِطَاعِ نَفَقَتِهَا عَنْ الْأَبِ مُضَارَّةٌ لَهَا، فَسَاغَ لَهَا أَخْذُ الْأُجْرَةِ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُجْبَرُ عَلَى إرْضَاعِهِ قَضَاءً، وَامْتِنَاعُهَا عَنْ إرْضَاعِهِ مَعَ وُفُورِ شَفَقَتِهَا عَلَيْهِ دَلِيلُ حَاجَتِهَا وَلَا يَسْتَغْنِي الْأَبُ عَنْ إرْضَاعِهِ عِنْدَ غَيْرِهَا، فَكَوْنُهُ عِنْدَ أُمِّهِ بِالْأُجْرَةِ أَنْفَعَ لَهُ وَلَهَا إلَّا أَنْ تُوجَدَ مُتَبَرِّعَةٌ فَتَكُونَ أَوْلَى دَفْعًا لِلْمُضَارَّةِ عَنْ الْأَبِ أَيْضًا (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلذَّخِيرَةِ وَالْمُجْتَبَى) أَيْ لِصَاحِبَيْهِمَا حَيْثُ قَالَا: يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لِعَدَمِ اجْتِمَاعِ الْوَاجِبَيْنِ عَلَى الزَّوْجِ وَهُمَا نَفَقَةُ النِّكَاحِ وَالْإِرْضَاعِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْأَوْجَهُ عِنْدِي عَدَمُ الْجَوَازِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْكُوحَتَهُ لِإِرْضَاعِ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّ فِيهِ اجْتِمَاعَ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ وَالنَّفَقَةِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ صَلَحَ مَانِعًا لَمَا جَازَ هُنَا فَتَدَبَّرْهُ. اهـ ح. قُلْت: غَايَةُ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ يُفِيدُ عَدَمَ تَسْلِيمِ التَّعْلِيلِ الْمَارِّ، وَأَنَّ اجْتِمَاعَ الْوَاجِبَيْنِ عَلَى الزَّوْجِ لَا يَنْفِي جَوَازَ الِاسْتِئْجَارِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يُثْبِتُ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَإِنَّكَ قَدْ عَلِمْت أَنَّ إرْضَاعَ الْوَلَدِ وَاجِبٌ عَلَى أُمِّهِ مَا دَامَ الْأَبُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا، فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَخْذُ الْأُجْرَةِ مَعَ وُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ، وَفِي أَخْذِهَا الْأُجْرَةَ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ أَخْذٌ لِلْأُجْرَةِ عَلَى الْوَاجِبِ عَلَيْهَا مَعَ اسْتِغْنَائِهَا، بِخِلَافِ أَخْذِهَا عَلَى وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهَا، فَإِنَّ إرْضَاعَهُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهَا، فَهُوَ كَأَخْذِهَا الْأُجْرَةَ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدٍ لِغَيْرِ زَوْجِهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ بَيْنَ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا الْوَاجِبِ عَلَيْهَا وَعَلَى إرْضَاعِ غَيْرِهِ، وَلِذَا عَلَّلَ الثَّانِيَةَ بِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهَا. وَأَيْضًا فَقَدْ نَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ مَعْزِيَّا لِلْمَنْصُورِيَّةِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ أَيْ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ الْأَوْجَهَ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ وَأَنَّ فِي كَلَامِ الْهَدِيَّةِ إيمَاءً إلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُ، إذْ مِنْ عَادَتِهِ تَأْخِيرُ وَجْهِ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ، وَكَذَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْقُدُورِيِّ الْمُعْتَدَّةَ. وَفِي النَّهْرِ أَنَّهُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ وَهِيَ الْأَوْلَى. اهـ وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَلَى الْمِنَحِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ كَاسْتِئْجَارِ مَنْكُوحَتِهِ إلَخْ) أَيْ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّ إرْضَاعَهُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَهِيَ أَحَقُّ) أَيْ إذَا طَلَبَتْ الْأُجْرَةَ، وَلِذَا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْعِدَّةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 619 وَلَدِهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ (إذَا لَمْ تَطْلُبْ زِيَادَةً عَلَى مَا تَأْخُذُهُ الْأَجْنَبِيَّةُ) وَلَوْ دُونَ أَجْرِ الْمِثْلِ، بَلْ الْأَجْنَبِيَّةُ الْمُتَبَرِّعَةُ أَحَقُّ مِنْهَا زَيْلَعِيٌّ أَيْ فِي الْإِرْضَاعِ؛ أَمَّا أُجْرَةُ الْحَضَانَةِ فَلِلْأُمِّ كَمَا مَرَّ وَلِلرَّضِيعِ النَّفَقَةُ وَالْكُسْوَةُ، وَلِلْأُمِّ أُجْرَةُ الْإِرْضَاعِ بِلَا عَقْدِ إجَارَةٍ، وَحُكْمُ الصُّلْحِ كَالِاسْتِئْجَارِ. وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ جَازَ الِاسْتِئْجَارُ وَوَجَبَتْ النَّفَقَةُ لَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ الزَّوْجِ   [رد المحتار] وَإِلَّا فَهِيَ أَحَقُّ قَبْلَ الْعِدَّةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَلَوْ دُونَ أَجْرِ الْمِثْلِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الَّذِي تَأْخُذُهُ الْأَجْنَبِيَّةُ دُونَ أَجْرِ الْمِثْلِ وَطَلَبَتْ الْأُمُّ أَجْرَ الْمِثْلِ فَالْأَجْنَبِيَّةُ أَوْلَى ط (قَوْلُهُ أَحَقُّ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأُمِّ حَيْثُ طَلَبَتْ شَيْئًا، وَلَمْ يُقَيِّدُوا هُنَا بِكَوْنِ الْأَبِ مُعْسِرًا كَمَا فِي الْحَضَانَةِ ط (قَوْلُهُ أَمَّا أُجْرَةُ الْحَضَانَةِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْحَضَانَةَ تَبْقَى لِلْأُمِّ فَتُرْضِعُهُ الْأَجْنَبِيَّةُ الْمُتَبَرِّعَةُ بِالْإِرْضَاعِ عِنْدَ الْأُمِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَنَحْوِهِ مَا مَرَّ فِي الْمَتْنِ، وَأَنَّ لِلْأُمِّ أَخْذَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ عَلَى الْحَضَانَةِ وَلَا تَكُونُ الْأَجْنَبِيَّةُ الْمُتَبَرِّعَةُ بِهَا أَوْلَى، نَعَمْ لَوْ تَبَرَّعَتْ الْعَمَّةُ بِحَضَانَتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمْنَعَ الْأُمَّ عَنْهُ وَالْأَبُ مُعْسِرٌ؛ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْأُمِّ إمَّا أَنْ تُمْسِكِي الْوَلَدَ بِلَا أَجْرٍ وَإِمَّا أَنْ تَدْفَعِيهِ إلَيْهَا كَمَا مَرَّ فِي الْحَضَانَةِ، وَبِهِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَضَانَةِ وَالْإِرْضَاعِ هُنَا، وَهُوَ أَنَّ انْتِقَالَ الْإِرْضَاعِ إلَى غَيْرِ الْأُمِّ لَا يَتَقَيَّدُ بِطَلَبِ الْأُمِّ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ وَلَا بِإِعْسَارِ الْأَبِ وَلَا بِكَوْنِ الْمُتَبَرِّعَةِ عَمَّةً أَوْ نَحْوَهَا مِنْ الْأَقَارِبِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْحَضَانَةِ. (قَوْلُهُ وَلِلرَّضِيعِ النَّفَقَةُ وَالْكُسْوَةُ) فَبِذَلِكَ صَارَ عَلَى الْأَبِ ثَلَاثُ نَفَقَاتٍ: أُجْرَةُ الرَّضَاعِ، وَأُجْرَةُ الْحَضَانَةِ، وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ مِنْ صَابُونٍ وَدُهْنٍ وَفُرُشٍ وَغِطَاءٍ. وَفِي الْمُجْتَبَى: وَإِذَا كَانَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ فَمُؤْنَةُ الرَّضَاعِ وَنَفَقَتُهُ بَعْدَ الْفِطَامِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ بَحْرٌ، وَسَكَتَ عَنْ الْمَسْكَنِ الَّذِي تَحْضُنُهُ فِيهِ، وَاَلَّذِي فِي مُعِينِ الْمُفْتِي الْمُخْتَارُ أَنَّهُ عَلَى الْأَبِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ حَمَوِيٌّ عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ ط، وَفِيهِ كَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَضَانَةِ (قَوْلُهُ وَلِلْأُمِّ أُجْرَةُ الْإِرْضَاعِ بِلَا عَقْدِ إجَارَةٍ) بَلْ تَسْتَحِقُّهُ بِالْإِرْضَاعِ فِي الْمُدَّةِ مُطْلَقًا كَذَا فِي الْبَحْرِ أَخْذًا مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ. وَرَدَّهُ الْمَقْدِسِيَّ فِي [الرَّمْزِ شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ] بِأَنَّ الظَّاهِرَ اشْتِرَاطُ الْعَقْدِ، وَمَنْ قَالَ بِخِلَافِهِ فَعَلَيْهِ إثْبَاتُهُ. اهـ فَافْهَمْ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي شَرْحِ حُسَامِ الدِّينِ عَلَى أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ: فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَطَلَبَتْ أَجْرَ الرَّضَاعِ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ، وَيَنْظُرُ الْقَاضِي بِكَمْ يَجِدُ امْرَأَةً غَيْرَهَا فَيَأْمُرُ بِدَفْعِ ذَلِكَ إلَيْهَا {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] إلَخْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ مُدَّةَ الرَّضَاعِ فِي حَقِّ الْأُجْرَةِ حَوْلَانِ عِنْدَ الْكُلِّ حَتَّى لَا تُسْتَحَقَّ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ إجْمَاعًا وَتُسْتَحَقُّ فِيهِمَا إجْمَاعًا. وَفِيهِ: لَوْ لَمْ يَسْتَغْنِ بِالْحَوْلَيْنِ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُرْضِعَهُ بَعْدَهُمَا عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ إلَّا عِنْدَ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ (قَوْلُهُ وَحُكْمُ الصُّلْحِ كَالِاسْتِئْجَارِ) يَعْنِي لَوْ صَالَحَتْ زَوْجَهَا عَنْ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ عَلَى شَيْءٍ إنْ كَانَ الصُّلْحُ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ بِوَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ جَازَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ح عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ جَازَ الِاسْتِئْجَارُ) أَيْ كَمَا إذَا كَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهِيَ الْمُعْتَمَدَةُ كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ، وَوَجَبَتْ النَّفَقَةُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَطْفُ مُرَادِفٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ نَفَقَةُ الْمُرْضِعِ بِالْأُجْرَةِ الَّتِي تَأْخُذُهَا مِنْ الزَّوْجِ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ، يَعْنِي أَنَّ مَا تَأْخُذُهُ الْأُمُّ مِنْ الْأَبِ لِتُنْفِقَهُ عَلَى نَفْسِهَا بِمُقَابَلَةِ إرْضَاعِ الْوَلَدِ هُوَ أُجْرَةٌ لَا نَفَقَةٌ، فَإِذَا مَاتَ الْأَبُ لَا تَسْقُطُ هَذِهِ الْأُجْرَةُ بِمَوْتِهِ بَلْ تَجِبُ لَهَا فِي تَرِكَتِهِ وَتُشَارِكُ غُرَمَاءَهُ، فَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ أَصْحَابِ دُيُونِهِ؛ وَلَوْ كَانَ نَفَقَةً لَسَقَطَتْ كَمَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ وَلَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ مَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَدَانَةً بِأَمْرِ الْقَاضِي، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي حَلِّ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَأَصْلُهَا لِصَاحِبِ الذَّخِيرَةِ وَنَقَلَهَا عَنْهُ فِي الْبَحْرِ بِلَفْظِهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 620 بَلْ تَكُونُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهَا أُجْرَةٌ لَا نَفَقَةٌ. (وَ) تَجِبُ (عَلَى مُوسِرٍ) وَلَوْ صَغِيرًا (يَسَارَ الْفِطْرَةِ) عَلَى الْأَرْجَحِ وَرَجَّحَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْكَمَالُ إنْفَاقَ فَاضِلِ كَسْبِهِ.   [رد المحتار] [مَطْلَبٌ فِي نَفَقَةِ الْأُصُولِ] ِ (قَوْلُهُ وَتَجِبُ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي نَفَقَةِ الْأُصُولِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ نَفَقَةِ الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ وَلَوْ صَغِيرًا) ؛ لِأَنَّهُ كَالْكَبِيرِ فِيمَا يَجِبُ فِي مَالِهِ مِنْ حَقِّ عَبْدٍ، فَيُطَالِبُ بِهِ وَلِيَّهُ كَمَا يُطَالِبُ بِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ (قَوْلُهُ يَسَارُ الْفِطْرَةِ عَلَى الْأَرْجَحِ) أَيْ بِأَنْ يَمْلِكَ مَا يَحْرُمُ بِهِ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَهُوَ نِصَابٌ وَلَوْ غَيْرَ تَامٍّ فَاضِلٍ عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي الْهِدَايَةِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَصَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى، وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ الْأَرْجَحُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ نِصَابُ الزَّكَاةِ وَبِهِ يُفْتَى وَاخْتَارَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَ الزَّيْلَعِيُّ) عِبَارَتَهُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ شَهْرًا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْغَلَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحِرَفِ فَهُوَ مُقَدَّرٌ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ كُلَّ يَوْمٍ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الْقُدْرَةُ دُونَ النِّصَابِ، وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَمَّا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَيَصْرِفُهَا إلَى أَقَارِبِهِ، وَهَذَا أَوْجَهُ. وَقَالُوا: الْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ. اهـ وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ أَنَّ هَذَا تَوْفِيقٌ بَيْنَ رِوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ: الْأُولَى - اعْتِبَارُ فَاضِلِ نَفَقَةِ شَهْرٍ. وَالثَّانِيَةُ - فَاضِلُ كَسْبِهِ كُلَّ يَوْمٍ، حَتَّى لَوْ كَانَ كَسْبُهُ دِرْهَمًا وَيَكْفِيهِ أَرْبَعَةُ دَوَانِقَ وَجَبَ عَلَيْهِ دَانَقَانِ لِلْقَرِيبِ. قَالَ: وَمَالَ السَّرَخْسِيُّ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْكَسْبِ. وَقَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ: قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَرْفَقُ. ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ كَلَامٍ: وَإِنْ كَانَ كَسُوبًا يُعْتَبَرُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْوَى. اهـ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ وَصَاحِبَ التُّحْفَةِ رَجَّحَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ مُطْلَقًا وَالسَّرَخْسِيُّ وَالْكَمَالُ رَجَّحَا قَوْلَهُ لَوْ كَسُوبًا، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْهُ. وَفِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا أَنَّهُ الْأَرْفَقُ. قُلْت: وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي حَدِّ الْيَسَارِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ مَرْوِيَّةٌ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ، وَأَنَّ الثَّالِثَ تَحْتَهُ قَوْلَانِ، وَعَلَى تَوْفِيقِ الْفَتْحِ هِيَ ثَلَاثَةٌ فَقَطْ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الثَّالِثَ لَيْسَ تَقْيِيدًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، بَلْ هُوَ قَوْلٌ آخَرُ فَافْهَمْ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَ مَنْ أَفْتَى بِهِ أَيْ بِالثَّالِثِ الْمَذْكُورِ، فَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْأَوَّلِينَ وَالْأَرْجَحُ الثَّانِي. اهـ قُلْت: مَرَّ فِي رَسْمِ الْمُفْتِي أَنَّ الْأَصَحَّ التَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ الدَّلِيلِ، فَحَيْثُ كَانَ الثَّالِثُ هُوَ الْأَوْجَهُ أَيْ الْأَظْهَرُ مِنْ حَيْثُ التَّوْجِيهُ وَالِاسْتِدْلَالُ كَانَ هُوَ الْأَرْجَحُ، وَإِنْ صَرَّحَ بِالْفَتْوَى عَلَى غَيْرِهِ، وَلِذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: قَالُوا الْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ بِصِيغَةِ قَالُوا لِلتَّبَرِّي، وَكَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْوَى أَيْ عَلَى الثَّالِثِ. مَطْلَبٌ، صَاحِبُ الْفَتْحِ ابْنُ الْهُمَامِ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالْكَمَالُ صَاحِبُ الْفَتْحِ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ بَلْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي نِكَاحِ الرَّقِيقِ، وَقَدْ نَقَلَ كَلَامَهُ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ، وَكَذَا صَاحِبُ النَّهْرِ وَالْمَقْدِسِيُّ وَالشُّرُنْبُلالي وَأَقَرُّوهُ عَلَيْهِ. وَيَكْفِي أَيْضًا مَيْلُ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ إلَيْهِ، وَقَوْلُ التُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ إنَّهُ الْأَرْفَقُ، فَحَيْثُ كَانَ هُوَ الْأَوْجَهُ وَالْأَرْفَقُ، وَاعْتَمَدَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَجَبَ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ، فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْيَسَارِ فِي نَفَقَةِ الْأُصُولِ صُرِّحَ بِهِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَالدُّرَرِ وَالنُّقَايَةِ وَالْفَتْحِ وَالْمُلْتَقَى وَالْمَوَاهِبِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ أَيْضًا: وَلَا يُجْبَرُ الْمُعْسِرُ عَلَى نَفَقَةِ أَحَدٍ إلَّا عَلَى نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ. اهـ وَمِثْلُهُ فِي الِاخْتِيَارِ، وَنَحْوُهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَا يَجِبُ عَلَى الِابْنِ الْفَقِيرِ نَفَقَةُ وَالِدِهِ الْفَقِيرِ حُكْمًا إلَّا إنْ كَانَ وَالِدُهُ زَمِنًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَلِلِابْنِ عِيَالٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى عِيَالِهِ وَيُنْفِقَ عَلَى الْكُلِّ. وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 621 وَفِي الْخُلَاصَةِ: الْمُخْتَارُ أَنَّ الْكَسُوبَ يُدْخِلُ أَبَوَيْهِ فِي نَفَقَتِهِ. وَفِي الْمُبْتَغَى: لِلْفَقِيرِ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ ابْنِهِ الْمُوسِرِ مَا يَكْفِيهِ إنْ أَبَى وَلَا قَاضِي ثَمَّةَ وَإِلَّا أَثِمَ (النَّفَقَةَ لِأُصُولِهِ)   [رد المحتار] ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا،؛ لِأَنَّ طَعَامَ الْأَرْبَعَةِ إذَا فُرِّقَ عَلَى الْخَمْسَةِ لَا يَضُرُّهُمْ ضَرَرًا فَاحِشًا، بِخِلَافِ إدْخَالِ الْوَاحِدِ فِي طَعَامِ الْوَاحِدِ لِتَفَاحُشِ الضَّرَرِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: إنْ رَأَى الْقَاضِي أَنَّهُ يَفْضُلُ مِنْ قُوتِهِ شَيْءٌ أَجْبَرَهُ عَلَى النَّفَقَةِ مِنْ الْفَاضِلِ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ فَلَا شَيْءَ فِي الْحُكْمِ، لَكِنْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُؤْمَرُ دِيَانَةً بِالْإِنْفَاقِ إنْ كَانَ الِابْنُ وَحْدَهُ؛ وَلَوْ لَهُ عِيَالٌ أُجْبِرَ عَلَى ضَمِّ أَبِيهِ مَعَهُمْ كَيْ لَا يَضِيعَ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا عَلَى حِدَةٍ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي نَفَقَةِ الْأُصُولِ الْيَسَارُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَارِّ فِي تَفْسِيرِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْأَصْلُ زَمِنًا لَا كَسْبَ لَهُ، فَلَا يُشْتَرَطُ سِوَى قُدْرَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْكَسْبِ. فَإِنْ كَانَ لِكَسْبِهِ فَضْلٌ أُجْبِرَ عَلَى إنْفَاقِ الْفَاضِلِ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ وَحْدَهُ أُمِرَ دِيَانَةً بِضَمِّ الْأَصْلِ إلَيْهِ، وَلَوْ لَهُ عِيَالٌ يُجْبَرُ فِي الْحُكْمِ عَلَى ضَمِّهِ إلَيْهِمْ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأُمَّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ الزَّمِنِ؛ لِأَنَّ الْأُنُوثَةَ بِمُجَرَّدِهَا عَجْزٌ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ، لَكِنْ صَرَّحَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي نَفَقَةِ الْأُصُولِ يَسَارُ الْوَلَدِ بَلْ قُدْرَتُهُ عَلَى الْكَسْبِ، وَعَزَاهُ فِي الْمُجْتَبَى إلَى الْخَصَّافِ: وَقَدْ أَكْثَرْنَا لَك مِنْ النَّقْلِ بِخِلَافِهِ لِتَعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ الْمُعْتَمَدِ فِي الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْأَبُ زَمِنًا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْكَسْبِ وَإِلَّا اُشْتُرِطَ يَسَارُ الْوَلَدِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَارِّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَعَلَى مَا إذَا كَانَ لِلْوَلَدِ عِيَالٌ، فَلَوْ كَانَ وَحْدَهُ فَلَا يُدْخِلُ أَبَاهُ فِي نَفَقَتِهِ بَلْ يُؤْمَرُ بِهِ دِيَانَةً، وَالْأُمُّ كَالْأَبِ الزَّمِنِ وَذَلِكَ كُلُّهُ مَعْلُومٌ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا فَافْهَمْ. وَعِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ هَكَذَا: وَفِي الْأَقْضِيَةِ الْفَقْرُ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: فَقِيرٌ لَا مَالَ لَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْكَسْبِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُدْخِلُ الْأَبَوَيْنِ فِي نَفَقَتِهِ. الثَّانِي - فَقِيرٌ لَا مَالَ لَهُ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ الْكَسْبِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ غَيْرِهِ. الثَّالِثُ - أَنْ يَفْضُلَ كَسْبُهُ عَنْ قُوتِهِ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ الْبِنْتِ الْكَبِيرَةِ وَالْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادِ، وَفِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ كَالْعَمِّ يُشْتَرَطُ النِّصَابُ إلَخْ. قُلْت: وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةِ الْخَصَّافِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْيَسَارِ فِي نَفَقَةِ الْأُصُولِ، بَلْ قُدْرَةُ الْكَسْبِ كَافِيَةٌ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ وَفِي الْمُبْتَغَى إلَخْ) سَيَأْتِي قَرِيبًا لَوْ أَنْفَقَ الْأَبَوَانِ مَا عِنْدَهُمَا لِلْغَائِبِ مِنْ مَالِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَهُوَ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ لَا يَضْمَنَانِ لِوُجُوبِ نَفَقَةِ الْأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، حَتَّى لَوْ ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ فَلَهُ أَخْذُهُ وَلِذَا فُرِضَتْ فِي مَالِ الْغَائِبِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ، وَنَحْوُهُ فِي الْمِنَحِ وَالزَّيْلَعِيِّ. وَفِي زَكَاةِ الْجَوْهَرَةِ: الدَّائِنُ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ لَهُ أَخْذُهُ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا. وَفِي الْفَتْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُحَلِّفُهَا بِاَللَّهِ مَا أَعْطَاهَا النَّفَقَةَ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ جَازَ الْقَضَاءُ بِالدَّفْعِ كَانَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ مِنْ مَالِهِ شَرْعًا. اهـ فَقَوْلُ الْمُبْتَغَى وَلَا قَاضِيَ ثَمَّةَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ النَّفَقَةِ كَالْعُرُوضِ. أَمَّا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فَهِيَ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ فَلَا حَاجَةَ فِيهَا إلَى الْقَاضِي، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الرَّحْمَتِيِّ. وَقَدْ أَطَالَ وَأَطَابَ. (قَوْلُهُ النَّفَقَةَ) أَشَارَ إلَى أَنَّ جَمِيعَ مَا وَجَبَ لِلْمَرْأَةِ وَجَبَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ عَلَى الْوَلَدِ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَكُسْوَةٍ وَسُكْنَى حَتَّى الْخَادِمِ بَحْرٌ، وَقَدَّمْنَا فِي الْفُرُوعِ الْكَلَامَ عَلَى خَادِمِ الْأَبِ وَزَوْجَتِهِ (قَوْلُهُ لِأُصُولِهِ) إلَّا الْأُمَّ الْمُتَزَوِّجَةَ فَإِنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى الزَّوْجِ كَالْبِنْتِ الْمُرَاهِقَةِ إذَا زَوَّجَهَا أَبُوهَا. وَقَدَّمْنَا أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا فَإِنَّ الِابْنَ يُؤْمَرُ بِأَنْ يُقْرِضَهَا ثُمَّ يَرْجِعَ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرَ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ الْمُعْسِرَ كَالْمَيِّتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ بَحْرٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأُمَّ إذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى زَوْجِهَا لَا عَلَى ابْنِهَا. وَهَذَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ أَبِيهِ كَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 622 وَلَوْ أَبَ أُمِّهِ ذَخِيرَةٌ (الْفُقَرَاءِ) وَلَوْ قَادِرِينَ عَلَى الْكَسْبِ وَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الْيَسَارِ وَالْبَيِّنَةُ لِمُدَّعِيهِ (بِالسَّوِيَّةِ) بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ، وَقِيلَ كَالْإِرْثِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. (وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْقُرْبُ وَالْجُزْئِيَّةُ) فَلَوْ لَهُ بِنْتٌ وَابْنُ ابْنٍ أَوْ بِنْتُ بِنْتٍ وَأَخٌ   [رد المحتار] صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَبَاهُ تَجِبُ نَفَقَتُهُ وَنَفَقَتُهَا عَلَى الِابْنِ، لَكِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ مُعْسِرَةً أَيْضًا؛ أَمَّا لَوْ كَانَتْ مُوسِرَةً لَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى ابْنِهَا بَلْ عَلَى زَوْجِهَا، وَهَلْ يُؤْمَرُ الِابْنُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا لِيَرْجِعَ عَلَى أَبِيهِ؟ لَمْ أَرَهُ، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْأَبُ مُحْتَاجًا إلَيْهَا فَقَدْ مَرَّ أَنَّ نَفَقَةَ زَوْجَتِهِ حِينَئِذٍ عَلَى ابْنِهِ وَهَذَا يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَتْ مُوسِرَةً فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَبَ أُمِّهِ) شَمِلَ التَّعْمِيمُ الْجَدَّةَ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ، وَكَذَا الْجَدُّ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَعِبَارَةُ الْكَنْزِ: وَلِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ (قَوْلُهُ الْفُقَرَاءِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْمُوسِرِ إلَّا الزَّوْجَةَ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَادِرَيْنِ عَلَى الْكَسْبِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، فَالْمُعْتَبَرُ فِي إيجَابِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ مُجَرَّدُ الْفَقْرِ، قِيلَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَتْحٌ، ثُمَّ أَيَّدَهُ بِكَلَامِ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ، وَقَالَ وَهَذَا جَوَابُ الرِّوَايَةِ. اهـ وَالْجَدُّ كَالْأَبِ بَدَائِعُ، فَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الِابْنِ وَالْأَبِ كَسُوبًا يَجِبُ أَنْ يَكْتَسِبَ الِابْنُ وَيُنْفِقَ عَلَى الْأَبِ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ: أَيْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ فَاضِلِ كَسْبِهِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ إلَخْ) أَيْ لَوْ ادَّعَى الْوَلَدُ غِنَى الْأَبِ وَأَنْكَرَهُ الْأَبُ فَالْقَوْلُ لَهُ وَالْبَيِّنَةُ لِلِابْنِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ هِدَايَةٌ، وَبِهِ يُفْتَى خُلَاصَةٌ، وَهُوَ الْحَقُّ فَتْحٌ؛ وَكَذَا لَوْ كَانَ لِلْفَقِيرِ ابْنَانِ أَحَدُهُمَا فَائِقٌ فِي الْغِنَى وَالْآخَرُ يَمْلِكُ نِصَابًا فَهِيَ عَلَيْهِمَا سَوِيَّةً خَانِيَّةٌ، وَعَزَاهُ فِي الذَّخِيرَةِ إلَى مَبْسُوطِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ قَالَ مَشَايِخُنَا: هَذَا لَوْ تَفَاوَتَا فِي الْيَسَارِ تَفَاوُتًا يَسِيرًا، فَلَوْ فَاحِشًا يَجِبُ التَّفَاوُتُ فِيهَا بَحْرٌ. قُلْت: بَقِيَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَسُوبًا فَقَطْ، وَقُلْنَا بِمَا رَجَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْكَمَالُ مِنْ إعْطَاءِ فَاضِلِ كَسْبِهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ هُنَا أَيْضًا أَمْ تَلْزَمُ الِابْنَ الْغَنِيَّ فَقَطْ تَأَمَّلْ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: قَضَى بِهَا عَلَيْهِمَا فَأَبَى أَحَدُهُمَا أَنْ يُعْطِيَ لِلْأَبِ مَا عَلَيْهِ يُؤْمَرُ الْآخَرُ بِالْكُلِّ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى أَخِيهِ بِحِصَّتِهِ. اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ الْأَخْذُ مِنْهُ لِغَيْبَتِهِ أَوْ عُتُوِّهِ وَإِلَّا فَكَيْفَ يُؤْمَرُ الْآخَرُ بِمُجَرَّدِ الْإِبَاءِ كَمَا أَفَادَهُ الْمَقْدِسِيَّ. (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْقُرْبُ وَالْجُزْئِيَّةُ لَا الْإِرْثُ) أَيْ الْأَصْلُ فِي نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ الْقُرْبُ بَعْدَ الْجُزْئِيَّةِ دُونَ الْمِيرَاثِ كَذَا فِي الْفَتْحِ: أَيْ تُعْتَبَرُ أَوَّلًا الْجُزْئِيَّةُ: أَيْ جِهَةُ الْوِلَادِ أُصُولًا أَوْ فُرُوعًا، وَتُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الرَّحِمِ، ثُمَّ يُقَدَّمُ فِيهَا الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْإِرْثِ، فَلَوْ لَهُ أَخٌ شَقِيقٌ وَبِنْتُ بِنْتٍ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهَا فَقَطْ لِلْجُزْئِيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ هُوَ الْأَخُ، وَلَوْ لَهُ بِنْتٌ وَابْنُ ابْنٍ فَعَلَى الْبِنْتِ لِقُرْبِهَا فِي الْجُزْئِيَّةِ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الْإِرْثِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. قُلْت: وَيَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ: لَوْ لَهُ أُمٌّ وَجَدٌّ لِأَبٍ فَعَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا اعْتِبَارًا لِلْإِرْثِ مَعَ أَنَّ الْأُمَّ أَقْرَبُ فِي الْجُزْئِيَّةِ، وَكَذَا قَوْلُهُمْ لَوْ لَهُ أُمٌّ وَجَدٌّ لِأَبٍ وَأَخٌ شَقِيقٌ فَعَلَى الْجَدِّ عِنْدَ الْإِمَامِ مَعَ أَنَّ الْأُمَّ أَقْرَبُ أَيْضًا وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ. مَطْلَبٌ ضَابِطٌ فِي حَصْرِ أَحْكَامِ نَفَقَةِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَسَائِلَ هَذَا الْبَابِ، مِمَّا تَحَيَّرَ فِيهَا أُولُو الْأَلْبَابِ، لِمَا يُتَوَهَّمُ فِيهَا مِنْ الِاضْطِرَابِ، وَكَثِيرًا مَا رَأَيْت مَنْ ضَلَّ فِيهَا عَنْ الصَّوَابِ، حَيْثُ لَمْ يَذْكُرُوا لَهَا ضَابِطًا نَافِعًا وَلَا أَصْلًا جَامِعًا، حَتَّى وَفَّقَنِي اللَّهُ تَعَالَى إلَى جَمْعِ رِسَالَةٍ فِيهَا سَمَّيْتهَا [تَحْرِيرُ النُّقُولِ فِي نَفَقَاتِ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ] أَعَانَنِي فِيهَا الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ عَلَى شَيْءٍ لَمْ أُسْبَقْ إلَيْهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 623 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] وَلَمْ يَحُمْ أَحَدٌ قَبْلِي عَلَيْهِ، بِاخْتِرَاعِ ضَابِطٍ كُلِّيٍّ مَبْنِيٍّ عَلَى تَقْسِيمٍ عَقْلِيٍّ، مَأْخُوذٍ مِنْ كَلَامِهِمْ تَصْرِيحًا أَوْ تَلْوِيحًا، جَامِعٍ لِفُرُوعِهِمْ جَمْعًا صَحِيحًا، بِحَيْثُ لَا تَخْرُجُ عَنْهُ شَاذَّةٌ، وَلَا يُغَادِرُ مِنْهَا فَاذَّةً. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنْ نَقُولَ: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْجُودُ مِنْ قَرَابَةِ الْوِلَادِ شَخْصًا وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ. وَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ؛ وَهُوَ أَنَّهُ تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ شُرُوطِ الْوُجُوبِ. وَالثَّانِي لَا يَخْلُو، إمَّا أَنْ يَكُونُوا فُرُوعًا فَقَطْ أَوْ فُرُوعًا وَحَوَاشِيَ، أَوْ فُرُوعًا وَأُصُولًا؛ أَوْ فُرُوعًا وَأُصُولًا وَحَوَاشِيَ، أَوْ أُصُولًا فَقَطْ أَوْ أُصُولًا وَحَوَاشِي، فَهَذِهِ سِتَّةُ أَقْسَامٍ. وَبَقِيَ قِسْمٌ سَابِعٌ تَتِمَّةُ الْأَقْسَامِ الْعَقْلِيَّةِ وَهُوَ الْحَوَاشِي فَقَطْ نَذْكُرُهُ تَتْمِيمًا لِلْأَقْسَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَرَابَةِ الْوِلَادَةِ. الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: الْفُرُوعُ فَقَطْ: وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِمْ الْقُرْبُ وَالْجُزْئِيَّةُ: أَيْ الْقُرْبُ بَعْدَ الْجُزْئِيَّةِ دُونَ الْمِيرَاثِ كَمَا عَلِمْت، فَفِي وَلَدَيْنِ لِمُسْلِمٍ فَقِيرٍ وَلَوْ أَحَدُهُمَا نَصْرَانِيًّا أَوْ أُنْثَى تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِمَا سَوِيَّةً ذَخِيرَةٌ لِلتَّسَاوِي فِي الْقُرْبِ وَالْجُزْئِيَّةِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْإِرْثِ، وَفِي ابْنٍ وَابْنِ ابْنٍ عَلَى الِابْنِ فَقَطْ لِقُرْبِهِ بَدَائِعُ، وَكَذَا تَجِبُ فِي بِنْتٍ وَابْنِ ابْنٍ عَلَى الْبِنْتِ فَقَطْ لِقُرْبِهَا ذَخِيرَةٌ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا تَرْجِيحَ لِابْنِ ابْنٍ عَلَى بِنْتِ بِنْتٍ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْوَارِثُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُرْبِ وَالْجُزْئِيَّةِ وَلِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلْإِرْثِ فِي الْفُرُوعِ، وَإِلَّا لَوَجَبَتْ أَثْلَاثًا فِي ابْنٍ وَبِنْتٍ وَلَمَا لَزِمَ الِابْنَ النَّصْرَانِيَّ مَعَ الِابْنِ الْمُسْلِمِ شَيْءٌ؛ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الرَّمْلِيِّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ: إنَّهَا عَلَى ابْنِ الِابْنِ لِرُجْحَانِهِ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ. الْقِسْمُ الثَّانِي: الْفُرُوعُ مَعَ الْحَوَاشِي. وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ أَيْضًا الْقُرْبُ وَالْجُزْئِيَّةُ دُونَ الْإِرْثِ، فَفِي بِنْتٍ وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ عَلَى الْبِنْتِ فَقَطْ وَإِنْ وَرِثَتَا بَدَائِعُ وَذَخِيرَةٌ وَتَسْقُطُ الْأُخْتُ لِتَقْدِيمِ الْجُزْئِيَّةِ. وَفِي ابْنٍ نَصْرَانِيٍّ وَأَخٍ مُسْلِمٍ عَلَى الِابْنِ فَقَطْ وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ هُوَ الْأَخُ ذَخِيرَةٌ: أَيْ لِاخْتِصَاصِ الِابْنِ بِالْقُرْبِ وَالْجُزْئِيَّةِ. وَفِي وَلَدِ بِنْتٍ وَأَخٍ شَقِيقٍ عَلَى وَلَدِ الْبِنْتِ وَإِنْ لَمْ يَرِثْ ذَخِيرَةٌ: أَيْ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْجُزْئِيَّةِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ لِإِدْلَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِوَاسِطَةٍ، وَالْمُرَادُ بِالْحَوَاشِي هُنَا مَنْ لَيْسَ مِنْ عَمُودِ النَّسَبِ: أَيْ لَيْسَ أَصْلًا وَلَا فَرْعًا: فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ لَهُ بِنْتٌ وَمَوْلَى عَتَاقَةٍ فَعَلَى الْبِنْتِ فَقَطْ وَإِنْ وَرِثَا أَيْ لِاخْتِصَاصِهَا بِالْجُزْئِيَّةِ. الْقِسْمُ الثَّالِثُ: الْفُرُوعُ مَعَ الْأُصُولِ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَقْرَبُ جُزْئِيَّةً: فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ اُعْتُبِرَ التَّرْجِيحُ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ اُعْتُبِرَ الْإِرْثُ، فَفِي أَبٍ وَابْنٍ تَجِبُ عَلَى الِابْنِ لِتَرَجُّحِهِ بِ «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» ذَخِيرَةٌ وَبَدَائِعُ، أَيْ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي قُرْبِ الْجُزْئِيَّةِ، وَمِثْلُهُ أُمٌّ وَابْنٌ لِقَوْلِ الْمُتُونِ وَلَا يُشَارِكُ الْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ أَحَدٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّ لَهُمَا تَأْوِيلًا فِي مَالِ الْوَلَدِ بِالنَّصِّ؛ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِمَا. اهـ فَلَيْسَ ذَلِكَ خَاصًّا بِالْأَبِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ بَلْ الْأُمُّ كَذَلِكَ. وَفِي جَدٍّ وَابْنِ ابْنٍ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ أَسْدَاسًا لِلتَّسَاوِي فِي الْقُرْبِ، وَكَذَا فِي الْإِرْثِ وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بَدَائِعُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ لَهُ أَبٌ وَابْنُ ابْنٍ أَوْ بِنْتُ بِنْتٍ فَعَلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ فِي الْجُزْئِيَّةِ فَانْتَفَى التَّسَاوِي وَوُجِدَ الْقُرْبُ الْمُرَجِّحُ، وَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْأَصْلِ الْمَارِّ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَالْبَدَائِعِ؛ وَكَذَا تَحْتَ قَوْلِ الْمُتُونِ لَا يُشَارِكُ الْأَبَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ أَحَدٌ. الْقِسْمُ الرَّابِعُ: الْفُرُوعُ مَعَ الْأُصُولِ وَالْحَوَاشِي، وَحُكْمُهُ كَالثَّالِثِ. لِمَا عَلِمْت مِنْ سُقُوطِ الْحَوَاشِي بِالْفُرُوعِ لِتَرَجُّحِهِمْ بِالْقُرْبِ وَالْجُزْئِيَّةِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ سِوَى الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ، وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ بِعَيْنِهِ. الْقِسْمُ الْخَامِسُ: الْأُصُولُ فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أَبٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ فَقَطْ لِقَوْلِ الْمُتُونِ لَا يُشَارِكُ الْأَبَ فِي نَفَقَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 624 النَّفَقَةُ عَلَى الْبِنْتِ أَوْ بِنْتِهَا؛ لِأَنَّهُ (لَا) يُعْتَبَرُ (الْإِرْثُ) إلَّا إذَا اسْتَوَيَا كَجَدٍّ وَابْنِ ابْنٍ فَكَإِرْثِهِمَا إلَّا لِمُرَجِّحٍ -   [رد المحتار] وَلَدِهِ أَحَدٌ، وَإِلَّا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ وَارِثًا وَبَعْضُهُمْ غَيْرَ وَارِثٍ أَوْ كُلُّهُمْ وَارِثِينَ؛ فَفِي الْأَوَّلِ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ جُزْئِيَّةً، لِمَا فِي الْقُنْيَةِ: لَهُ أُمٌّ وَجَدٌّ لِأُمٍّ فَعَلَى الْأُمِّ أَيْ لِقُرْبِهَا؛ وَيَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ أُمَّ الْأَبِ كَأَبِي الْأُمِّ. وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ: إذَا اجْتَمَعَ أَجْدَادٌ وَجَدَّاتٌ فَعَلَى الْأَقْرَبِ وَلَوْ لَمْ يُدْلِ بِهِ الْآخَرُ. اهـ فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الْقُرْبِ فَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ تَرَجُّحُ الْوَارِثِ، بَلْ هُوَ صَرِيحُ قَوْلِ الْبَدَائِعِ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ التَّرْجِيحُ اُعْتُبِرَ الْإِرْثُ. اهـ وَعَلَيْهِ فَفِي جَدٍّ لِأُمٍّ وَجَدٍّ لِأَبٍ تَجِبُ عَلَى الْجَدِّ لِأَبٍ فَقَطْ اعْتِبَارًا لِلْإِرْثِ، وَفِي الثَّانِي أَعْنِي لَوْ كَانَ كُلُّ الْأُصُولِ وَارِثِينَ فَكَالْإِرْثِ. فَفِي أُمٍّ وَجَدٍّ لِأَبٍ تَجِبُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خَانِيَّةٌ وَغَيْرُهَا. الْقِسْمُ السَّادِسُ: الْأُصُولُ مَعَ الْحَوَاشِي، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ غَيْرَ وَارِثٍ اُعْتُبِرَ الْأُصُولُ وَحْدَهُمْ تَرْجِيحًا لِلْجُزْئِيَّةِ وَلَا مُشَارَكَةَ فِي الْإِرْثِ حَتَّى يُعْتَبَرَ فَيُقَدَّمَ الْأَصْلُ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْوَارِثُ أَوْ كَانَ الْوَارِثُ الصِّنْفَ الْآخَرَ، مِثَالُ الْأَوَّلِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ لَهُ جَدٌّ لِأَبٍ وَأَخٌ شَقِيقٌ فَعَلَى الْجَدِّ. اهـ وَمِثَالُ الثَّانِي مَا فِي الْقُنْيَةِ: لَوْ لَهُ جَدٌّ لِأُمٍّ وَعَمٌّ فَعَلَى الْجَدِّ. اهـ. أَيْ لِتَرَجُّحِهِ فِي الْمِثَالَيْنِ بِالْجُزْئِيَّةِ مَعَ عَدَمِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْإِرْثِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَارِثُ فِي الْأَوَّلِ، وَالْوَارِثُ هُوَ الْعَمُّ فِي الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الصِّنْفَيْنِ أَعْنِي الْأُصُولَ وَالْحَوَاشِيَ وَارِثًا اُعْتُبِرَ الْإِرْثُ. فَفِي أُمٍّ وَأَخٍ عَصَبِيٍّ أَوْ ابْنِ أَخٍ كَذَلِكَ أَوْ عَمٍّ كَذَلِكَ، عَلَى الْأُمِّ الثُّلُثُ وَعَلَى الْعَصَبَةِ الثُّلُثَانِ بَدَائِعُ. ثُمَّ إذَا تَعَدَّدَ الْأُصُولُ فِي هَذَا الْقِسْمِ بِنَوْعَيْهِ نَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَنَعْتَبِرُ فِيهِمْ مَا اُعْتُبِرَ فِي الْقِسْمِ الْخَامِسِ. مَثَلًا: لَوْ وُجِدَ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ الْمَارِّ عَنْ الْخَانِيَّةِ: جَدٌّ لِأُمٍّ مَعَ الْجَدِّ لِأَبٍ نُقَدِّمُ عَلَيْهِ الْجَدَّ لِأَبٍ لِتَرَجُّحِهِ بِالْإِرْثِ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْجُزْئِيَّةِ. وَلَوْ وُجِدَ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي الْمَارِّ عَنْ الْقُنْيَةِ أُمٌّ مَعَ الْجَدِّ لِأُمٍّ نُقَدِّمُهَا عَلَيْهِ لِتَرَجُّحِهَا بِالْإِرْثِ وَبِالْقُرْبِ، وَبِهَذَا يَسْقُطُ الْإِشْكَالُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ عَنْ الْقُنْيَةِ كَمَا سَتَعْرِفُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ وُجِدَ فِي الْأَمْثِلَةِ الْأَخِيرَةِ مَعَ الْأُمِّ جَدٌّ لِأُمٍّ نُقَدِّمُهَا عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا، وَلَوْ وُجِدَ مَعَهَا جَدٌّ لِأَبٍ بِأَنْ كَانَ لِلْفَقِيرِ أُمٌّ وَجَدٌّ لِأَبٍ وَأَخٌ عَصَبِيٌّ أَوْ ابْنُ أَخٍ أَوْ عَمٍّ كَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ وَحْدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْجَدَّ يَحْجُبُ الْأَخَ وَابْنَهُ وَالْعَمَّ لِتَنْزِيلِهِ حِينَئِذٍ مَنْزِلَةَ الْأَبِ، وَحَيْثُ تَحَقَّقَ تَنْزِيلُهُ مَنْزِلَةَ الْأَبِ صَارَ كَمَا لَوْ كَانَ الْأَبُ مَوْجُودًا حَقِيقَةً، وَإِذَا كَانَ الْأَبُ مَوْجُودًا حَقِيقَةً لَا تُشَارِكُهُ الْأُمُّ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ فَكَذَا إذَا كَانَ مَوْجُودًا حُكْمًا فَتَجِبُ عَلَى الْجَدِّ فَقَطْ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لِلْفَقِيرِ أُمٌّ وَجَدٌّ لِأَبٍ فَقَطْ فَإِنَّ الْجَدَّ لَمْ يُنَزَّلْ مَنْزِلَةَ الْأَبِ فَلِذَا وَجَبَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا مَرَّ. الْقِسْمُ السَّابِعُ: الْحَوَاشِي فَقَطْ، وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِرْثُ بَعْدَ كَوْنِهِ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَتَقْدِيرُهُ وَاضِحٌ فِي كَلَامِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ جَمِيعُ الْمَوْجُودِينَ مُوسِرِينَ، فَلَوْ كَانَ فِيهِمْ مُعْسِرٌ، فَتَارَةً يُنَزَّلُ الْمُعْسِرُ مَنْزِلَةَ الْمَيِّتِ وَتَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى غَيْرِهِ، وَتَارَةً يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْحَيِّ وَتَجِبُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ بِقَدْرِ حِصَصِهِمْ مِنْ الْإِرْثِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ أَيْضًا، فَهَذَا خُلَاصَةُ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الرِّسَالَةُ النَّافِيَةُ لِلْجَهَالَةِ، فَعُضَّ عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ، وَكُنْ لَهُ أَرْغَبُ آخِذٍ، وَإِنْ أَرَدْت الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ فَارْجِعْ إلَيْهَا وَعَوِّلْ عَلَيْهَا، فَإِنَّهَا فَرِيدَةٌ فِي بَابِهَا، نَافِعَةٌ لِطُلَّابِهَا، وَهِيَ مِنْ مَحْضِ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ أَلْفُ حَمْدٍ يَتَوَالَى. (قَوْلُهُ النَّفَقَةُ عَلَى الْبِنْتِ أَوْ بِنْتِهَا) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، فَفِي الْأَوَّلِ النَّفَقَةُ عَلَى الْبِنْتِ وَحْدَهَا لِلْقُرْبِ، وَفِي الثَّانِي عَلَى بِنْتِهَا لِلْجُزْئِيَّةِ وَمِثْلُهُ ابْنٌ نَصْرَانِيٌّ وَأَخٌ مُسْلِمٌ وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ هُوَ الْأَخُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْإِرْثُ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ النَّفَقَةُ عَلَى الْبِنْتِ أَوْ وَالْجُزْئِيَّةِ، فَفِي هَذَا الْمِثَالِ يَجِبُ لِلْفَقِيرِ عَلَى جَدِّهِ سُدُسُ النَّفَقَةِ وَعَلَى ابْنِ ابْنِهِ بَاقِيهَا فَإِنَّ هَذَا الْفَقِيرَ لَوْ مَاتَ يَرِثَانِ مِنْهُ كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ إلَّا لِمُرَجِّحٍ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ: أَيْ عِنْدَ التَّسَاوِي يُعْتَبَرُ الْإِرْثُ إلَّا إذَا تَرَجَّحَ أَحَدُ الْمُتَسَاوِيَيْنِ، فَعَلَى مَنْ مَعَهُ رُجْحَانٌ فَتَجِبُ عَلَى ابْنِهِ دُونَ أَبِيهِ مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُرْبِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 625 كَوَالِدٍ وَوَلَدٍ (فَعَلَى وَلَدِهِ لِتَرَجُّحِهِ، ب «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» ) وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَهُ أُمٌّ وَأَبُو أَبٍ فَكَإِرْثِهِمَا. وَفِي الْقُنْيَةِ: لَهُ أُمٌّ وَأَبُو أُمٍّ فَعَلَى الْأُمِّ، وَلَوْ لَهُ عَمٌّ وَأَبُو أُمٍّ فَعَلَى أَبِي الْأُمِّ. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِمْ: لَهُ أُمٌّ وَعَمٌّ فَكَإِرْثِهِمَا. قَالَ: وَلَوْ لَهُ أُمٌّ وَعَمٌّ وَأَبُو أُمٍّ هَلْ تَلْزَمُ الْأُمُّ فَقَطْ أَمْ كَالْإِرْثِ؟ احْتِمَالُهُ.   [رد المحتار] وَيَرِدُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ كَانَ لَهُ ابْنٌ وَبِنْتٌ فَإِنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ وَالْجُزْئِيَّةِ مَعَ عَدَمِ الْمُرَجِّحِ وَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَكَذَا لَوْ لَهُ ابْنٌ نَصْرَانِيٌّ وَابْنٌ مُسْلِمٌ مَعَ أَنَّ الْمُسْلِمَ تَرَجَّحَ بِكَوْنِهِ هُوَ الْوَارِثُ، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ قَوْلِهِمْ: وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْقُرْبُ وَالْجُزْئِيَّةُ لَا الْإِرْثُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ فُرُوعًا فَقَطْ أَوْ فُرُوعًا وَحَوَاشِيَ وَهُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ، وَالثَّانِي مِنْ الْأَقْسَامِ السَّبْعَةِ الْمَارَّةِ. أَمَّا بَقِيَّةُ الْأَقْسَامِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْإِرْثُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَارِّ فِيهَا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ إلَخْ الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ إلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ نَفَقَةِ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْبَحْرِ وَإِنْ كَانَ الْأَصْوَبُ إرْجَاعَهُ إلَى نَفَقَةِ الْأُصُولِ فَقَطْ أَيْ نَفَقَةِ الْأُصُولِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْفُرُوعِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِ الْإِرْثِ عَلَى إطْلَاقِهِ خَاصٌّ بِهِمْ، لَكِنَّ الشَّارِحَ تَابَعَ صَاحِبَ الْفَتْحِ فِي إرْجَاعِهِ الضَّمِيرَ إلَى النَّوْعَيْنِ، فَلِذَا أَوْرَدَ مَسَائِلَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بَعْضُهَا مِنْ نَفَقَةِ الْأُصُولِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْفُرُوعِ وَبَعْضُهَا مِنْ عَكْسِهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ لِتَرَجُّحِهِ بِ «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك» ) أَيْ بِهَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ مُؤَوَّلٌ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الْأَبَ يَرِثُ السُّدُسَ مِنْ وَلَدِهِ مَعَ وُجُودِ وَلَدِ الْوَالِدِ، فَلَوْ كَانَ الْكُلُّ مِلْكَهُ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ شَيْءٌ مَعَهُ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَيَنْبَغِي فِي جَدٍّ وَابْنِ ابْنٍ وُجُوبُ النَّفَقَةِ عَلَى ابْنِ الِابْنِ لِهَذَا الْمُرَجِّحِ، فَإِنَّهُمْ جَعَلُوهُ مُطَّرِدًا فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ مَعَ الْفُرُوعِ، وَبَنَوْا عَلَيْهِ مَسَائِلَ: مِنْهَا أَنَّ الْجَدَّ إذَا ادَّعَى وَلَدِ أَمَةِ ابْنِ ابْنِهِ عِنْدَ فَقْدِ الِابْنِ صَحَّتْ دَعْوَاهُ وَيَتَمَلَّكُهَا بِالْقِيمَةِ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْأَبِ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَإِرْثِهِمَا) أَيْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَارِثٌ فَلَا يُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ كَمَا مَرَّ فِي الْقِسْمِ الْخَامِسِ (قَوْلُهُ فَعَلَى الْأُمِّ) أَيْ لِكَوْنِهَا أَقْرَبَ مِنْ أَبِيهَا حَيْثُ كَانَ أَحَدُهُمَا وَارِثًا وَالْآخَرُ غَيْرَ وَارِثٍ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فَعَلَى أَبِي الْأُمِّ) ؛ لِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ تُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهَا عِنْدَ عَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْإِرْثِ (قَوْلُهُ وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْبَحْرِ إلَخْ) أَصْلُ الْإِشْكَالِ لِصَاحِبِ الْقُنْيَةِ. وَجْهُهُ أَنَّ وُجُوبَهَا فِي أُمٍّ وَعَمٍّ كَإِرْثِهَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ، فَيَقْتَضِي جَعْلَ الْعَمِّ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا جُعِلَ أَبُو الْأُمِّ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْعَمِّ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَيْضًا عَلَى الْأُمِّ لِمُسَاوَاتِهَا لِلْعَمِّ، فَيُشْكِلُ جَعْلُ النَّفَقَةِ عَلَى الْأُمِّ فِي مَسْأَلَةِ أُمٍّ وَأَبِي أُمٍّ، بَلْ الظَّاهِرُ جَعْلُهَا عَلَى أَبِي الْأُمِّ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهَا، وَجَعْلُهَا عَلَى الْأُمِّ يَقْتَضِي تَقَدُّمَهَا عَلَى أَبِيهَا، وَيَلْزَمُ مِنْهُ تَقَدُّمُهَا عَلَى الْعَمِّ؛ لِأَنَّ أَبَاهَا مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ فَكَيْفَ تَكُونُ عَلَيْهِمَا كَإِرْثِهِمَا أَفَادَهُ ط. وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ الثَّلَاثَةَ مُتَنَاقِضَةٌ. وَأَقُولُ: لَا تَنَاقُضَ فِيهَا أَصْلًا، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْإِرْثَ إنَّمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي نَفَقَةِ الْأُصُولِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْفُرُوعِ، أَمَّا فِي غَيْرِهَا مِنْ نَفَقَةِ الْفُرُوعِ وَذَوِي الرَّحِمِ فَلَهُ اعْتِبَارٌ فِيهَا عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ فِي الضَّابِطِ، وَحِينَئِذٍ فَمَا ذَكَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ تَقْدِيمِ الْأُمِّ عَلَى أَبِيهَا لِكَوْنِهَا أَقْرَبَ فِي الْجُزْئِيَّةِ مَعَ عَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْإِرْثِ، وَبِذَلِكَ أَجَابَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَيْضًا فِي دَفْعِ الْإِشْكَالِ. وَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ تَقْدِيمِ أَبِي الْأُمِّ عَلَى الْعَمِّ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْجُزْئِيَّةِ مَعَ عَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْإِرْثِ أَيْضًا. وَمَا ذَكَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ كَوْنِهَا عَلَى قَدْرِ الْإِرْثِ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْإِرْثِ، لِمَا قُلْنَا مِنْ اعْتِبَارِ الْمِيرَاثِ فِي غَيْرِ نَفَقَةِ الْأُصُولِ؛ فَحَيْثُ وُجِدَتْ الْمُشَارَكَةُ فِي الْإِرْثِ اُعْتُبِرَ قَدْرُ الْمِيرَاثِ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ جِهَةَ التَّقْدِيمِ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ أَوْ الْمُشَارَكَةِ فِيهَا مُخْتَلِفَةٌ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ فَلَا تَنَاقُضَ فِيهَا أَصْلًا فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ قَالَ إلَخْ) أَيْ صَاحِبُ الْبَحْرِ، وَقَدْ نَقَلَهُ أَيْضًا عَنْ الْقُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا وَيَتَفَرَّعُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 626 (وَ) تَجِبُ أَيْضًا (لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ صَغِيرٍ أَوْ أُنْثَى) مُطْلَقًا (وَلَوْ) كَانَتْ الْأُنْثَى (بَالِغَةً) صَحِيحَةً (أَوْ) كَانَ الذَّكَرُ (بَالِغًا) لَكِنْ (عَاجِزًا) عَنْ الْكَسْبِ (بِنَحْوِ زَمَانَةٍ)   [رد المحتار] مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَرْعٌ أَشْكَلَ الْجَوَابُ فِيهِ. وَهُوَ مَا إذَا كَانَ لَهُ أُمٌّ وَعَمٌّ وَأَبُو أُمٍّ مُوسِرُونَ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَجِبَ عَلَى الْأُمِّ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ أَبَا الْأُمِّ لَمَّا كَانَ أَوْلَى مِنْ الْعَمِّ وَالْأُمَّ أَوْلَى مِنْ أَبِيهَا كَانَتْ الْأُمُّ أَوْلَى مِنْ الْعَمِّ، لَكِنْ يُتْرَكُ جَوَابُ الْكِتَابِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَلَى الْأُمِّ وَالْعَمِّ أَثْلَاثًا. اهـ قُلْت: وَوَجْهُهُ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا نَصَّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى الْأُمِّ وَالْعَمِّ كَإِرْثِهِمَا أَيْ أَثْلَاثًا عُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْإِرْثُ هُنَا، فَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ أَبُو الْأُمِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمُشْكِلَةِ وَهُوَ الصَّوَابُ. وَبِهِ أَجَابَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَيْضًا فَقَالَ: إنَّ الظَّاهِرَ مِنْ فُرُوعِهِمْ أَنَّ الْأَقْرَبِيَّةَ إنَّمَا تُقَدَّمُ إذَا لَمْ يَكُونُوا وَارِثِينَ كُلُّهُمْ، فَأَمَّا إذَا كَانُوا كَذَلِكَ فَلَا كَالْأُمِّ وَالْعَمِّ وَالْجَدِّ لِقَوْلِهِمْ بِقَدْرِ الْإِرْثِ. اهـ وَبِذَلِكَ أَجَابَ أَيْضًا شَيْخُ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيُّ وَفَقِيهُ عَصْرِهِ شَيْخُ مَشَايِخِنَا مُنْلَا عَلِيٍّ التُّرْكُمَانِيِّ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الضَّابِطِ فِي قِسْمِ اجْتِمَاعِ الْأُصُولِ مَعَ الْحَوَاشِي، وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى سُقُوطِ الْإِشْكَالِ هُنَاكَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَتَجِبُ أَيْضًا إلَخْ) شُرُوعٌ فِي نَفَقَةِ قَرَابَةِ غَيْرِ الْوِلَادِ، وُجُوبُهَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا، حَتَّى لَوْ ظَفِرَ أَحَدُهُمْ بِجِنْسِ حَقِّهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا لَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ وَالْأَبَوَيْنِ فَإِنَّ لَهُمْ الْأَخْذَ قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بَلْ الْوُجُوبُ ثَابِتٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233]- وَأُجِيبَ بِأَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ الْمَحْرَمِ فِيهَا اخْتِلَافُ الْمُجْتَهِدِينَ بِخِلَافِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْوِلَادِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْخِلَافِيَّاتِ يُعْمَلُ فِيهَا بِدُونِ الْقَضَاءِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا قَوِيَ قَوْلُ الْمُخَالِفِ رُوعِيَ خِلَافُهُ وَاسْتُعِينَ بِالْحُكْمِ كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ الْوُجُوبَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ، فَقَدْ يَجِبُ الشَّيْءُ وَلَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ كَدَيْنٍ عَلَى مُعْسِرٍ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْوُجُوبُ لَجَازَ أَخْذُ الْقَرِيبِ بِمَا ظَفِرَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ اللُّزُومِ لِوُقُوعِ الشُّبْهَةِ بِالِاخْتِلَافِ فِي بَابِ الْحُرْمَةِ فَنُزِّلَتْ مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ خُصُوصًا فِي الْأَمْوَالِ، وَبِالْقَضَاءِ تَرْتَفِعُ الشُّبْهَةُ، وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ وَبَسْطُ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ وَفِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَيْهِ. مَطْلَبٌ فِي نَفَقَةِ قَرَابَةٍ غَيْرِ الْوِلَادِ مِنْ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ (قَوْلُهُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) خَرَجَ بِالْأَوَّلِ الْأَخُ رَضَاعًا، وَبِالثَّانِي ابْنُ الْعَمِّ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَحْرَمِيَّةِ بِجِهَةِ الْقَرَابَةِ. فَخَرَجَ ابْنُ الْعَمِّ إذَا كَانَ أَخًا مِنْ الرَّضَاعِ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَأَطْلَقَ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ فَشَمِلَ الصَّغِيرَ الْغَنِيَّ وَالصَّغِيرَةَ الْغَنِيَّةَ فَيُؤْمَرُ الْوَصِيُّ بِدَفْعِ نَفَقَةِ قَرِيبِهِمَا الْمَحْرَمِ بِشَرْطِهِ كَذَا فِي أَنْفَعْ الْوَسَائِلِ بَحْرٌ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلِكُلِّ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِأُصُولِهِ أَيْ أُصُولِ الْمُوسِرِ، فَأَفَادَ اشْتِرَاطَ الْيَسَارِ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ هُنَا أَيْضًا، إذْ لَا تَجِبُ عَلَى فَقِيرٍ إلَّا لِلزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ. وَفِي تَفْسِيرِ الْيَسَارِ الْخِلَافُ الْمَارُّ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) قَيْدٌ لِلْأُنْثَى: أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ بَالِغَةً أَوْ صَغِيرَةً صَحِيحَةً أَوْ زَمِنَةً كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ كَانَتْ إلَخْ، وَالْمُرَادُ بِالصَّحِيحَةِ، الْقَادِرَةُ عَلَى الْكَسْبِ، لَكِنْ لَوْ كَانَتْ مُكْتَسِبَةً بِالْفِعْلِ كَالْقَابِلَةِ وَالْمُغَسِّلَةِ لَا نَفَقَةَ لَهَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ الذَّكَرُ بَالِغًا) لَا يَصِحُّ دُخُولُهُ تَحْتَ الْمُبَالَغَةِ بَعْدَ تَقْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ صَغِيرٍ، فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ أَوْ بَالِغٍ عَاجِزٍ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى صَغِيرٍ (قَوْلُهُ لَكِنْ عَاجِزًا) الْأَوْلَى إسْقَاطُ لَكِنْ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِهَا يُشْتَرَطُ لَهُ تَقَدُّمُ نَفْيٍ أَوْ نَهْيٍ ط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 627 كَعَمًى وَعَتَهٍ وَفَلْجٍ، زَادَ فِي الْمُلْتَقَى وَالْمُخْتَارِ: أَوْ لَا يَحْسُنُ الْكَسْبُ لِحِرْفَةٍ أَوْ لِكَوْنِهِ مِنْ ذَوِي الْبُيُوتَاتِ أَوْ طَالِبَ عِلْمٍ (فَقِيرًا) حَالٌ مِنْ الْمَجْمُوعِ بِحَيْثُ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ وَلَوْ لَهُ مَنْزِلٌ وَخَادِمٌ   [رد المحتار] قَوْله كَعَمًى إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالزَّمَانَةِ الْعَاهَةُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى أَنَّ الزَّمَانَةَ تَكُونُ فِي سِتَّةٍ: الْعَمَى وَفَقْدِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ أَوْ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ جَانِبٍ وَالْخَرَسِ وَالْفَلْجِ. اهـ. فَإِنْ قُلْت: إنَّ مَنْ ذُكِرَ قَدْ يَكْتَسِبُ، فَالْأَعْمَى يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ بِالدُّولَابِ، وَمَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ عَلَى دَوْسِ الْعِنَبِ بِرِجْلَيْهِ أَوْ الْحِرَاسَةِ، وَكَذَا الْأَخْرَسُ. قُلْنَا: إنْ اكْتَسَبَ بِذَلِكَ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْإِنْفَاقِ فَلَا وُجُوبَ وَإِلَّا فَلَا يُكَلَّفُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْذَارَ تَمْنَعُ عَنْ الْكَسْبِ عَادَةً فَلَا يُكَلَّفُ بِهِ (قَوْلُهُ وَعَتَهٍ) بِالتَّحْرِيكِ: نُقْصَانُ الْعَقْلِ (قَوْلُهُ لِحِرْفَةٍ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْحَاءِ وَالْفَاءِ. وَفِي الْمُغْرِبِ: الْحِرْفَةُ بِالْكَسْرِ اسْمٌ مِنْ الِاحْتِرَافِ، الِاكْتِسَابُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ هُنَا فَالصَّوَابُ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ لِخَرْقِهِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ وَآخِرُهُ ضَمِيرُ الْغَيْبَةِ وَهُوَ عَدَمُ مَعْرِفَةِ عَمَلِ الْيَدِ. خَرُقَ خَرْقًا مِنْ بَابِ قَرُبَ فَهُوَ أَخْرَقُ مِصْبَاحٌ. وَفِي الِاخْتِيَارِ:؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ نَفَقَةِ الْكَبِيرَةِ الْعَجْزُ عَنْ الْكَسْبِ حَقِيقَةً كَالزَّمِنِ وَالْأَعْمَى وَنَحْوِهِمَا، أَوْ مَعْنًى كَمَنْ بِهِ خَرَقٌ وَنَحْوُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ لِكَوْنِهِ مِنْ ذَوِي الْبُيُوتَاتِ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الشَّرَفِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْبُيُوتَاتُ جَمْعُ بَيْتٍ، وَيَخْتَصُّ بِالْأَشْرَافِ. وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ: وَكَذَا إذَا كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الْكِرَامِ لَا يَجِدُ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ: أَوْ يَكُونُ مِنْ أَعْيَانِ النَّاسِ يَلْحَقُهُ الْعَارُ بِالتَّكَسُّبِ. وَاعْتَرَضَهُ الرَّحْمَتِيُّ بِأَنَّ كَسْبَ الْحَلَالِ فَرِيضَةٌ، وَبِأَنَّ عَلِيًّا سَيِّدَ الْعَرَبِ كَانَ يُؤْجِرُ نَفْسَهُ لِلْيَهُودِ كُلُّ دَلْوٍ يَنْزِعُهُ مِنْ الْبِئْرِ بِتَمْرَةٍ وَالصِّدِّيقُ بَعْدَ أَنْ بُويِعَ بِالْخِلَافَةِ حَمَلَ أَثْوَابًا وَقَصَدَ السُّوقَ فَرَدُّوهُ وَفُرَضَ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ وَأَهْلَهُ وَقَالَ سَأَتَّجِرُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي مَالِهِمْ حَتَّى أُعَوِّضَهُمْ عَمَّا أَنْفَقْت عَلَى نَفْسِي وَعِيَالِي. اهـ وَأَيُّ فَضْلٍ لِبُيُوتٍ تَحْمِلُ أَهْلَهَا أَنْ تَكُونَ كَلًّا عَلَى النَّاسِ. اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَارًا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ بَلْ يَعُدُّونَهُ فَخْرًا، بِخِلَافِ مَنْ بَعْدَهُمْ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَلِيفَةَ بَلْ مَنْ دُونَهُ فِي زَمَانِنَا لَوْ فَعَلَ كَذَلِكَ لَسَقَطَ مِنْ أَعْيُنِ رَعِيَّتِهِ فَضْلًا عَنْ أَعْدَائِهِ. وَقَدْ أَثْبَتَ الشَّارِعُ لِوَلِيِّ الْمَرْأَةِ فَسْخَ النِّكَاحِ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْهُ، فَحَيْثُ كَانَ الْكَسْبُ عَارًا لَهُ كَمَا لَوْ كَانَ ابْنًا أَوْ أَخًا لِلْأَمِيرِ أَوْ لِقَاضِي الْقُضَاةِ مَثَلًا تَجِبُ لَهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ بِشُرُوطِهَا (قَوْلُهُ أَوْ طَالِبَ عِلْمٍ) أَيْ إذَا كَانَ بِهِ رُشْدٌ وَمَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ حَالٌ مِنْ الْمَجْمُوعِ) أَيْ مِنْ صَغِيرٍ وَأُنْثَى وَبَالِغٍ. قَالَ ط: وَالْأَوْلَى جَعْلُهُ حَالًا مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لِعُمُومِهِ الْكُلَّ، وَفِي نُسْخَةٍ فُقَرَاءَ (قَوْلُهُ بِحَيْثُ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ) كَذَا فَسَّرَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يَمْلِكَ نِصَابًا نَامِيًا أَوْ غَيْرَ نَامٍ زَائِدًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ النَّفَقَةِ، إذْ لَوْ كَانَ يَمْلِكُ دُونَ نِصَابٍ مِنْ طَعَامٍ أَوْ نُقُودٍ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، وَلَا تَجِبُ لَهُ النَّفَقَةُ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهَا مُعَلَّلَةٌ بِالْكِفَايَةِ، وَمَا دَامَ عِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ مِنْ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ كِفَايَتُهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ لَهُ مَنْزِلٌ وَخَادِمٌ) أَيْ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِمَا، وَهَذَا عَامٌّ فِي الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودَيْنِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ، وَفِيهَا: لَوْ كَانَ يَكْفِيهِ بَعْضُ الْمَنْزِلِ أُمِرَ بِبَيْعِ بَعْضِهِ وَإِنْفَاقِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ لَهُ دَابَّةٌ نَفِيسَةٌ يُؤْمَرُ بِشِرَاءِ الْأَدْنَى وَإِنْفَاقِ الْفَضْلِ. اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ، وَمَتَاعِ الْبَيْتِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ مِثْلُ الْمَنْزِلِ وَالدَّابَّةِ كَمَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ، وَهَلْ مِثْلُهُ جِهَازُ الْمَرْأَةِ؟ قَدَّمْنَا فِي الزَّكَاةِ خِلَافًا فِي أَنَّهَا هَلْ تَحْرُمُ عَلَيْهَا الصَّدَقَةُ بِسَبَبِهِ فَرَاجِعْهُ وَهَلْ تَجِبُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ هُنَا؟ مُقْتَضَى مَا فِي الْبَدَائِعِ نَعَمْ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَكُلُّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ غَيْرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَأْكَلُ وَالْمَلْبَسُ وَالْمَسْكَنُ وَالرَّضَاعُ إنْ كَانَ رَضِيعًا؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لِلْكِفَايَةِ، وَالْكِفَايَةُ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ خَادِمٌ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهِ يَفْرِضُ لَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْكِفَايَةِ. اهـ. وَاحْتِيَاجُهُ إلَى خِدْمَتِهِ بِأَنْ يَكُونَ بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 628 عَلَى الصَّوَابِ بَدَائِعُ (بِقَدْرِ الْإِرْثِ) - {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233]- (وَ) لِذَا (يُجِيرُ عَلَيْهِ) . ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِرْثِ بِقَوْلِهِ (فَنَفَقَةٌ مَنْ) أَيْ فَقِيرٍ (لَهُ أَخَوَاتٌ مُتَفَرِّقَاتٌ) مُوسِرَاتٌ (عَلَيْهِنَّ أَخْمَاسًا) وَلَوْ إخْوَةً مُتَفَرِّقِينَ فَسُدُسُهَا عَلَى الْأَخِ لِأُمٍّ وَالْبَاقِي عَلَى الشَّقِيقِ (كَإِرْثِهِ) وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُنَّ أَوْ مَعَهُمْ ابْنٌ مُعْسِرٌ؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ لِيَصِيرُوا وَرَثَةً، وَلَوْ كَانَ مَكَانَهُ بِنْتٌ فَنَفَقَةُ الْأَبِ عَلَى الْأَشِقَّاءِ فَقَطْ لِإِرْثِهِمْ مَعَهَا، وَعِنْدَ التَّعَدُّدِ يُعْتَبَرُ   [رد المحتار] عِلَّةٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي خَادِمِ الْأَبِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ لَا يَتَعَاطَى خِدْمَةَ نَفْسِهِ بِيَدِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ بِقَدْرِ الْإِرْثِ) أَيْ تَجِبُ نَفَقَةُ الْمَحْرَمِ الْفَقِيرِ عَلَى مَنْ يَرِثُونَهُ إذَا مَاتَ بِقَدْرِ إرْثِهِمْ مِنْهُ (قَوْلُهُ {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] أَيْ مِثْلُ الرِّزْقِ وَالْكُسْوَةِ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ فَأَنَاطَ اللَّهُ تَعَالَى النَّفَقَةَ بِاسْمِ الْوَارِثِ فَوَجَبَ التَّقْدِيرُ بِالْإِرْثِ ط (قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ لِلْآيَةِ الشَّرِيفَةِ حَيْثُ عَبَّرَ فِيهَا بِعَلَى الْمُفِيدَةِ لِلْإِلْزَامِ ط. وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَيْنَ قَوْلِهِ وَلِذَا، وَقَوْلِهِ يُجْبَرُ عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ: يُنْظَرُ مَا الْمُرَادُ بِالْجَبْرِ هُنَا، هَلْ هُوَ الْحَبْسُ أَوْ غَيْرُهُ وَقَدْ ذَكَرُوا فِي الْقَضَاءِ حَبْسَهُ لِنَفَقَةِ الْوِلَادَةِ، وَمُفَادُهُ عَدَمُ الْحَبْسِ لِغَيْرِهِمْ. قُلْت: وَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرُ هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ يُجْبَرُ عَلَيْهِ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا حُبِسَ الْأَبُ فَغَيْرُهُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يُحْبَسُ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ سِوَى النَّفَقَةِ، عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْقَضَاءِ أَنَّهُ يُحْبَسُ لِنَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَالزَّوْجَةِ، وَأَمَّا مَا سَيَذْكُرُهُ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ يُضْرَبُ وَلَا يُحْبَسُ فَهُوَ خَطَأٌ فِي النَّقْلِ كَمَا سَتَعْرِفُهُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلِمَمْلُوكِهِ. (قَوْلُهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْإِنْفَاقِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَحْرِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنَا أُطْعِمُك وَلَا أَدْفَعُ شَيْئًا لَا يُجَابُ بَلْ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ (قَوْلُهُ أَيِّ فَقِيرٍ) مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِالْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ إنْ كَانَ ذَكَرًا بَالِغًا وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ أُنْثَى، فَمُجَرَّدُ الْفَقْرِ كَافٍ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لَهُ أَخَوَاتٌ مُتَفَرِّقَاتٌ) أَيْ أُخْتٌ شَقِيقَةٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ وَأُخْتٌ لِأُمٍّ (قَوْلُهُ أَخْمَاسًا) ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ عَلَى الشَّقِيقَةِ وَخُمُسٌ عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ، وَخُمُسٌ عَلَى الْأُخْتِ لِأُمٍّ؛ لِأَنَّهُنَّ لَوْ وَرِثْنَهُ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ: ثَلَاثَةٌ لِلْأُولَى وَسَهْمٌ لِلثَّانِيَةِ وَسَهْمٌ لِلثَّالِثَةِ وَسَهْمٌ يُرَدُّ عَلَيْهِنَّ، فَتَصِيرُ الْمَسْأَلَةُ رَدِّيَّةً مِنْ خَمْسَةٍ. اهـ ح وَكَذَلِكَ تَبْقَى النَّفَقَةُ أَخْمَاسًا عِنْدَ عَدَمِ الرَّدِّ بِأَنْ كَانَ مَعَهُنَّ ابْنُ عَمٍّ، إذْ لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْرَمٍ، فَلَوْ كَانَ بَدَلُهُ عَمٌّ عَصَبِيٌّ تَصِيرُ أَسْدَاسًا (قَوْلُهُ وَلَوْ إخْوَةً مُتَفَرِّقِينَ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْوَرَثَةُ إخْوَةً مُتَفَرِّقِينَ (قَوْلُهُ فَسُدُسُهَا) أَيْ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَخِ لِأُمٍّ وَالْبَاقِي عَلَى الشَّقِيقِ لِسُقُوطِ الْأَخِ لِأَبٍ بِالشَّقِيقِ فِي الْإِرْثِ ح (قَوْلُهُ كَإِرْثِهِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ أَيْ كَإِرْثِهِمْ إيَّاهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا) أَيْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعَهُنَّ أَيْ مَعَ الْأَخَوَاتِ أَوْ مَعَهُمْ أَيْ مَعَ الْإِخْوَةِ (قَوْلُهُ ابْنٌ مُعْسِرٌ) أَيْ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ عَاجِزٌ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، إذْ لَوْ كَانَ صَحِيحًا أُمِرَ بِالْكَسْبِ لِيُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَبِيهِ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ الَّتِي رَجَّحَهَا الزَّيْلَعِيُّ وَالْكَمَالُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ نَفَقَةَ ذَلِكَ الِابْنِ عَلَى عَمَّتِهِ الشَّقِيقَةِ فِي الْأُولَى وَعَمِّهِ الشَّقِيقِ فِي الثَّانِيَةِ،؛ لِأَنَّ الْأَبَ الْمُعْسِرَ كَالْمَيِّتِ فَيَكُونُ إرْثُ الِابْنِ لِعَمِّهِ أَوْ عَمَّتِهِ الْمَذْكُورَيْنِ فَقَطْ فَكَذَا نَفَقَتُهُ (قَوْلُهُ لِيَصِيرُوا وَرَثَةً) أَيْ وَيُقْضَى عَلَيْهِمْ بِالنَّفَقَةِ، وَمَا لَمْ يُجْعَلْ الِابْنُ كَالْمَعْدُومِ لَا تَصِيرُ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ وَرَثَةً فَيَتَعَذَّرُ إيجَابُ النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ ط (قَوْلُهُ فَنَفَقَةُ الْأَبِ عَلَى الْأَشِقَّاءِ) أَيْ عَلَى الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَعَلَى الْأَخِ الشَّقِيقِ فِي الثَّانِيَةِ فَأَطْلَقَ الْجَمْعَ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ، وَقَوْلُهُ لِإِرْثِهِمْ أَيْ الْأَشِقَّاءِ مَعَهَا: أَيْ مَعَ الْبِنْتِ فَلَا تُجْعَلُ الْبِنْتُ كَالْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُحْرِزُ كُلَّ الْمِيرَاثِ، وَإِنَّمَا يُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ مَنْ يُحْرِزُ كُلَّ الْمِيرَاثِ لِيَنْظُرَ إلَى مَنْ يَرِثُ بَعْدَهُ فَتَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ. فَفِي مَسْأَلَةِ الِابْنِ تَجِبُ عَلَى كُلِّ الْإِخْوَةِ أَوْ الْأَخَوَاتِ، وَهُنَا عَلَى الْأَشِقَّاءِ فَقَطْ لِسُقُوطِ الْإِخْوَةِ أَوْ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ التَّعَدُّدِ) أَيْ تَعَدُّدِ الْمُعْسِرِينَ وَالْمُوسِرِينَ، وَالْأَوْلَى وَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا الْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ فِي قَرَابَةِ مَنْ تَجِبُ لَهُ النَّفَقَةُ مُوسِرٌ وَمُعْسِرٌ يُنْظَرُ إلَى الْمُعْسِرِ، فَإِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 629 الْمُعْسِرُونَ أَحْيَاءً، فِيمَا يَلْزَمُ الْمُعْسِرِينَ ثُمَّ يَلْزَمُهُمْ الْكُلُّ، كَذِي أُمٍّ وَأَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ، وَالْأُمُّ وَالشَّقِيقَةُ مُوسِرَتَانِ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَرْبَاعًا. (وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ) أَيْ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ (أَهْلِيَّةُ الْإِرْثِ لَا حَقِيقَتُهُ) إذْ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَنَفَقَةُ مَنْ لَهُ خَالٌ وَابْنُ عَمٍّ عَلَى الْخَالِ؛ لِأَنَّهُ مَحْرَمٌ؛ وَلَوْ اسْتَوَيَا فِي الْمَحْرَمِيَّةِ كَعَمٍّ وَخَالٍ رُجِّحَ الْوَارِثُ لِلْحَالِ مَا لَمْ يَكُنْ مُعْسِرًا فَيُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ. وَفِي الْقُنْيَةِ: يُجْبَرُ الْأَبْعَدُ إذَا غَابَ الْأَقْرَبُ. وَفِي السِّرَاجِ: مُعْسِرٌ لَهُ زَوْجَةٌ وَلِزَوْجَتِهِ أَخٌ مُوسِرٌ أُجْبِرَ أَخُوهَا عَلَى نَفَقَتِهَا وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ. اهـ. وَفِيهِ النَّفَقَةُ إنَّمَا هِيَ عَلَى مَنْ رَحِمُهُ كَامِلٌ، وَلِذَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: قَوْلُهُمْ وَابْنُ الْعَمِّ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ، وَالْكَلَامُ فِي ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَافْهَمْ. -   [رد المحتار] كَانَ يُحْرِزُ كُلَّ الْمِيرَاثِ يُجْعَلُ كَالْمَعْدُومِ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى وَرَثَةِ مَنْ تَجِبُ لَهُ النَّفَقَةُ فَتُجْعَلُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ وَإِنْ كَانَ الْمُعْسِرُ لَا يُحْرِزُ كُلَّ الْمِيرَاثِ تُقْسَمْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ يَرِثُ مَعَهُ فَيَعْتَبِرُ الْمُعْسِرُ لِإِظْهَارِ قَدْرِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِينَ ثُمَّ يَجْعَلُ كُلَّ النَّفَقَةِ عَلَى الْمُوسِرِينَ عَلَى اعْتِبَارِ ذَلِكَ. اهـ (قَوْلُهُ كَذِي أُمٍّ) أَيْ كَصَغِيرٍ فَقِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ زَمِنٍ فَقِيرٍ لَهُ أُمٌّ إلَخْ (قَوْلُهُ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَرْبَاعًا) ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ فِي الْإِرْثِ لِلشَّقِيقَةِ وَالسُّدُسَ لِلْأُمِّ وَالسُّدُسَ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَالسُّدُسَ لِلْأُخْتِ لِأُمٍّ، فَكَانَ نَصِيبُ الشَّقِيقَةِ وَالْأُمِّ أَرْبَعَةً فَرُبْعُ النَّفَقَةِ عَلَى الْأُمِّ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا عَلَى الشَّقِيقَةِ. اهـ ح وَلَوْ جُعِلَ الْمُعْسِرُ كَالْمَعْدُومِ أَصْلًا كَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَى الْأُمِّ وَالشَّقِيقَةِ أَخْمَاسًا: ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ عَلَى الشَّقِيقَةِ وَالْخُمُسَانِ عَلَى الْأُمِّ اعْتِبَارًا بِالْمِيرَاثِ خَانِيَّةٌ. وَفِيهَا: وَلَوْ كَانَ لِلصَّغِيرِ أُمٌّ مُعْسِرَةٌ وَلِأُمِّهِ أَخَوَاتٌ مُتَفَرِّقَاتٌ مُوسِرَاتٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْخَالَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ تُحْرِزُ كُلَّ الْمِيرَاثِ فَتُجْعَلُ كَالْمَعْدُومَةِ، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْأُمِّ، فَعَلَى أَخَوَاتِهَا أَخْمَاسًا عَلَى الشَّقِيقَةِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ، وَعَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ خُمُسٌ، وَعَلَى الْأُخْتِ لِأُمٍّ خُمُسٌ. اهـ وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي رِسَالَتِنَا [تَحْرِيرِ النُّقُولِ] (قَوْلُهُ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ حَقِيقَةَ الْوَارِثِ فِي الْآيَةِ غَيْرُ مُرَادَةٍ فَإِنَّهُ مَنْ قَامَ بِهِ الْإِرْثُ بِالْفِعْلِ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ مَنْ تَجِبُ لَهُ النَّفَقَةُ وَلَا نَفَقَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَكَانَ الْمُرَادُ مَنْ يَثْبُتُ لَهُ مِيرَاثٌ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَوَيَا فِي الْمَحْرَمِيَّةِ إلَخْ) أَيْ وَفِي أَهْلِيَّةِ الْإِرْثِ ذَخِيرَةٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ أَهْلِيَّةُ الْمِيرَاثِ لَا إحْرَازُهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُحْرِزُ لِلْمِيرَاثِ غَيْرَ مَحْرَمٍ وَمَعَهُ مَحْرَمٌ، أَمَّا إذَا ثَبَتَ مَحْرَمِيَّةُ كُلِّهِمْ وَبَعْضُهُمْ لَا يُحْرِزُ الْمِيرَاثَ فِي الْحَالِ كَالْخَالِ وَالْعَمِّ إذَا اجْتَمَعَا فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ إحْرَازُ الْمِيرَاثِ فِي الْحَالِ وَتَجِبُ عَلَى الْعَمِّ. وَإِذَا اتَّفَقُوا فِي الْمَحْرَمِيَّةِ وَالْإِرْثِ فِي الْحَالِ وَكَانَ بَعْضُهُمْ فَقِيرًا جُعِلَ كَالْمَعْدُومِ وَوَجَبَتْ عَلَى الْبَاقِينَ عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ لَهُ عَمٌّ وَعَمَّةٌ وَخَالَةٌ مُوسِرُونَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمِّ، فَلَوْ الْعَمُّ مُعْسِرًا فَعَلَى الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ أَثْلَاثًا كَإِرْثِهِمَا (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ إلَخْ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ (قَوْلُهُ وَفِي السِّرَاجِ إلَخْ) مُكَرَّرٌ أَيْضًا مَعَ مَا قَدَّمَهُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ قَضَى بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ، وَأَمَّا مَا قَدَّمَهُ قُبَيْلَ الْفُرُوعِ مِنْ أَنَّ الرُّجُوعَ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْأُمِّ فَقَطْ عَلَى الْأَبِ دُونَ غَيْرِهَا فَلَا يُرَدُّ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ كَمَا حَرَّرْنَاهُ هُنَاكَ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الرُّجُوعَ هُنَا عَلَى الزَّوْجِ لَا عَلَى الْأَبِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَلَى مَنْ رَحِمُهُ كَامِلٌ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مَحْرَمًا أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ لِاشْتِرَاطِ كَوْنِهِ رَحِمًا مَحْرَمًا وَهُوَ الرَّحِمُ الْكَامِلُ (قَوْلُهُ قَوْلُهُمْ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ خَالٍ وَابْنِ عَمٍّ (قَوْلُهُ فِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) عِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ: فِيهِ نَوْعُ مُخَالَفَةٍ لِكَلَامِ الْقَوْمِ. اهـ فَبَيَّنَ الشَّارِحُ الْمُخَالَفَةَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ إلَخْ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِكَلَامِهِمْ أَصْلًا بَلْ هُوَ مُقَرِّرٌ لَهُ وَمُؤَكِّدٌ؛ فَإِنَّ مَسْأَلَةَ خَالٍ وَابْنِ عَمٍّ مَذْكُورَةٌ فِي مُتُونِ الْمَذْهَبِ وَشُرُوحِهِ فَصَرَّحُوا بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ فِيهَا عَلَى الْخَالِ لِكَوْنِ رَحِمِهِ كَامِلًا، كَمَا اشْتَرَطُوا وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ كُلُّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 630 (وَلَا نَفَقَةَ) بِوَاجِبَةٍ (مَعَ الِاخْتِلَافِ دِينًا إلَّا لِلزَّوْجَةِ وَالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ) عَلَوْا أَوْ سَفَلُوا (الذِّمِّيِّينَ) لَا الْحَرْبِيِّينَ وَلَوْ مُسْتَأْمِنِينَ لِانْقِطَاعِ الْإِرْثِ (يَبِيعُ الْأَبُ) ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ (لَا الْأُمُّ) وَلَا بَقِيَّةُ أَقَارِبِهِ وَلَا الْقَاضِي إجْمَاعًا (عَرْضَ ابْنِهِ) الْكَبِيرِ الْغَائِبِ لَا الْحَاضِرِ إجْمَاعًا (لَا عَقَارَهُ) فَيَبِيعُ عَقَارَ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ اتِّفَاقًا لِلنَّفَقَةِ لَهُ وَلِزَوْجَتِهِ وَأَطْفَالِهِ كَمَا فِي النَّهْرِ بَحْثًا.   [رد المحتار] لِابْنِ الْعَمِّ لِكَوْنِ رَحِمِهِ نَاقِصًا وَنَبَّهُوا بِهَذَا الْمِثَالِ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ أَيْضًا، وَهُوَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَهْلِيَّةُ الْإِرْثِ لَا الْإِرْثُ حَقِيقَةً كَمَا مَرَّ فَمِنْ أَيْنَ جَاءَتْ الْمُخَالَفَةُ لِكَلَامِهِمْ؟ وَأَوْهَى مِنْ هَذَا مَا نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ أَنَّ الْأَوْلَى التَّمْثِيلُ بِخَالٍ وَعَمٍّ لِأَبٍ فَإِنَّهُ خَطَأٌ مَحْضٌ كَمَا لَا يَخْفَى إنْ أَرَادَ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْخَالِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا عَلَى الْعَمِّ فَلَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِ الْخَالِ، وَلَمْ يَبْقَ لِأَهْلِيَّةِ الْإِرْثِ مِثَالٌ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ مَعَ الِاخْتِلَافِ دِينًا) أَيْ كَالْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ، فَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدِهِمَا الْإِنْفَاقُ عَلَى الْآخَرِ. وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ نَفَقَةَ السُّنِّيِّ عَلَى الْمُوسِرِ الشِّيعِيِّ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي التَّكْمِيلِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَالْمُرَادُ الشِّيعِيُّ الْمُفَضِّلُ. بِخِلَافِ السَّابِّ الْقَاذِفِ فَإِنَّهُ مُرْتَدٌّ يُقْتَلُ إنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُقْتَلْ تَسَاهُلًا فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ مَدَارَ نَفَقَةِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ عَلَى أَهْلِيَّةِ الْإِرْثِ، وَلَا تَوَارُثَ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَمُرْتَدٍّ، نَعَمْ لَوْ كَانَ يَجْحَدُ ذَلِكَ وَلَا بَيِّنَةَ يُعَامَلُ بِالظَّاهِرِ وَإِنْ اشْتَهَرَ حَالُهُ بِخِلَافِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ إلَّا لِلزَّوْجَةِ إلَخْ) لِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ وَهُوَ لَا يَتَعَلَّقُ بِاِتِّخَاذِ الْمِلَّةِ وَنَفَقَةُ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ لِلْجُزْئِيَّةِ وَجُزْءُ الْمَرْءِ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ فَكَمَا لَا تَمْتَنِعُ نَفَقَةُ نَفْسِهِ بِكُفْرِهِ لَا تَمْتَنِعُ نَفَقَةُ جُزْئِهِ، إلَّا أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا حَرْبِيِّينَ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانُوا مُسْتَأْمِنِينَ؛ لِأَنَّنَا نُهِينَا عَنْ الْبِرِّ فِي حَقِّ مَنْ يُقَاتِلُنَا فِي الدِّينِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لِانْقِطَاعِ الْإِرْثِ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَلَا نَفَقَةَ مَعَ الِاخْتِلَافِ دِينًا وَلِقَوْلِهِ لَا الْحَرْبِيِّينَ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ فِيهِمْ عَدَمُ التَّوَارُثِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ، فَقَدْ أَخَّرَ التَّعْلِيلَ لِيَكُونَ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ) فِيهِ نَظَرٌ. وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ الْحِفْظِ فِي مَالِ الْغَائِبِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْوَصِيِّ ذَلِكَ فَالْأَبُ أَوْلَى لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ. اهـ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِذَا جَازَ بَيْعُهُ صَارَ الْحَاصِلُ عِنْدَهُ الثَّمَنَ وَهُوَ جِنْسُ حَقِّهِ فَيَأْخُذُهُ، بِخِلَافِ الْعَقَارِ؛ لِأَنَّهُ مُحْصَنٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْحِفْظِ بِالْبَيْعِ. اهـ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَنْقُولَ مِمَّا يُخْشَى هَلَاكُهُ فَلِلْأَبِ بَيْعُهُ حِفْظًا لَهُ وَبَعْدَ بَيْعِهِ يَصِيرُ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَلَهُ الْإِنْفَاقُ مِنْهُ فَلَا يُقَالُ إنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ حِفْظًا إذَا لَمْ يُنْفِقْ ثَمَنَهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْبَيْعِ حِفْظًا فَلَا يُنَافِي تَعَلُّقَ حَقِّهِ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ الْبَيْعِ فَافْهَمْ، نَعَمْ اسْتَشْكَلَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْبَيْعُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَلَهُ ذَلِكَ فَمَا الْمَانِعُ مِنْهُ لِأَجْلِ دِينٍ آخَرَ: قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَجَابَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ النَّفَقَةَ وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَالْقَضَاءَ فِيهَا إعَانَةٌ لَا قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ. اهـ تَأَمَّلْ. ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَ هُنَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ. وَعِنْدَهُمَا وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الْمَنْقُولَ كَالْعَقَارِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْأَبِ بِالْبُلُوغِ، وَهَلْ الْجَدُّ كَالْأَبِ؟ لَمْ أَرَهُ (قَوْلُهُ لَا الْأُمَّ) ذَكَرَ فِي الْأَقْضِيَةِ جَوَازَ بَيْعِ الْأَبَوَيْنِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا رِوَايَةٌ فِي أَنَّ الْأُمَّ كَالْأَبِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْأَبَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الْبَيْعَ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا، أَمَّا بَيْعُهَا بِنَفْسِهَا فَبَعِيدٌ لِعَدَمِ وِلَايَةِ الْحِفْظِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ، فَأَفَادَ تَرْجِيحَ الثَّانِي. وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ الظَّاهِرُ، وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الدِّرَايَةِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْأُمَّ لَا تَبِيعُ (قَوْلُهُ وَلَا بَقِيَّةَ أَقَارِبِهِ) وَكَذَا ابْنَهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ فَيَبِيعُ عَقَارَ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا عَقَارَهُ الرَّاجِعِ إلَى الِابْنِ الْكَبِيرِ، وَزَادَ الْمَجْنُونَ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ وَلِزَوْجَتِهِ وَأَطْفَالِهِ) الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 631 بِقَدْرِ حَاجَتِهِ لَا فَوْقَهَا (وَلَا فِي دَيْنٍ لَهُ سِوَاهَا) لِمُخَالَفَةِ دَيْنِ النَّفَقَةِ لِسَائِرِ الدُّيُونِ (ضَمِنَ) قَضَاءً لَا دِيَانَةً (مُودَعُ الِابْنِ) كَمَدْيُونِهِ (لَوْ أَنْفَقَ الْوَدِيعَةَ عَلَى أَبَوَيْهِ) وَزَوْجَتِهِ وَأَطْفَالِهِ (بِغَيْرِ أَمْرِ) مَالِكٍ (أَوْ قَاضٍ) إنْ كَانَ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ اسْتِحْسَانًا كَمَا لَا رُجُوعَ، وَكَمَا لَوْ انْحَصَرَ إرْثُهُ فِي الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ حَقِّهِ. . (وَ) الْأَبَوَانِ (لَوْ أَنْفَقَا مَا عِنْدَهُمَا) لِغَائِبٍ (مِنْ مَالِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَهُوَ مِنْ جِنْسِهِ) أَيْ جِنْسِ النَّفَقَةِ (لَا)   [رد المحتار] لِلْأَبِ كَضَمِيرٍ لَهُ. وَعِبَارَةُ النَّهْرِ، وَلَمْ يَقُلْ لِنَفَقَتِهِ، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَى الْأُمِّ أَيْضًا مِنْ الثَّمَنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ وَأَوْلَادُهُ الصِّغَارُ كَذَلِكَ. اهـ. وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ زَوْجَةُ الْغَائِبِ وَأَوْلَادُهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْأُمِّ أُمُّهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي قَوْلِهِ لِلنَّفَقَةِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ زِيَادَةٍ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ فِيهَا، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. وَعَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى غَايَةِ الْبَيَانِ. قُلْت: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِبَحْثِ النَّهْرِ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَى أُمِّ الْغَائِبِ أَيْضًا كَمَا عَلِمْتُهُ. (قَوْلُهُ وَلَا فِي دَيْنٍ لَهُ) أَيْ لِلْأَبِ عَلَى الِابْنِ الْغَائِبِ (قَوْلُهُ لِمُخَالَفَةِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى مَا مَرَّ مِنْ إشْكَالِ الزَّيْلَعِيِّ وَجَوَابُهُ (قَوْلُهُ لَا دِيَانَةً) فَلَوْ مَاتَ الْغَائِبُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ لِوَرَثَتِهِ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهِ حَقٌّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ غَيْرَ الْإِصْلَاحِ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ كَمَدْيُونِهِ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا أَنْفَقَ عَلَى مَنْ ذُكِرَ مِمَّا عَلَيْهِ يَضْمَنُ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ قَضَاءً وَيَبْرَأُ دِيَانَةً رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَزَوْجَتِهِ وَأَطْفَالِهِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ ذِكْرَ الْأَبَوَيْنِ غَيْرُ قَيْدٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ. وَفِي النَّهْرِ: إنَّمَا خَصَّ الْأَبَوَيْنِ لِيَعُمَّ الزَّوْجَةَ وَالْأَوْلَادَ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ إنْ كَانَ) أَيْ إنْ وُجِدَ ثَمَّ قَاضٍ شَرْعِيٌّ، وَهُوَ مَنْ لَمْ يَأْخُذْ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ، وَلَمْ يَطْلُبْ رِشْوَةً عَلَى الْإِذْنِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَالْعَدَمِ رَحْمَتِيٌّ. (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ إلَّا الْإِصْلَاحَ ذَخِيرَةٌ. وَفِيهَا: وَكَذَا قَالُوا فِي مُسَافِرَيْنِ أُغْمِيَ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْ مَاتَ فَأَنْفَقَ الْآخَرُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَفِي عَبْدٍ مَأْذُونٍ مَاتَ مَوْلَاهُ فَأَنْفَقَ فِي الطَّرِيقِ، وَفِي مَسْجِدٍ بِلَا مُتَوَلٍّ لَهُ أَوْقَافٌ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْهَا بَعْضُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ مَاتَ تِلْمِيذٌ لَهُ فَبَاعَ كُتُبَهُ وَأَنْفَقَ فِي تَجْهِيزِهِ، فَقِيلَ لَهُ إنَّهُ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ، فَتَلَا مُحَمَّدٌ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220]- فَمَا كَانَ عَلَى قِيَاسِ هَذَا لَا يَضْمَنُ دِيَانَةً اسْتِحْسَانًا، أَمَّا فِي الْحُكْمِ فَيَضْمَنُ، وَكَذَا لَوْ عَرَفَ الْوَصِيُّ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ فَقَضَاهُ لَا يَأْثَمُ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا دَيْنٌ لِآخَرَ لَمْ يَقْضِهِ فَقَضَاهُ الْمُودِعُ، وَمِثْلُهُ الْمَدْيُونُ لَوْ مَاتَ دَائِنُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِآخَرَ مِثْلُهُ لَمْ يَقْضِهِ فَقَضَاهُ الْمَدْيُونُ، وَكَذَا الْوَارِثُ الْكَبِيرُ لَوْ أَنْفَقَ عَلَى الصَّغِيرِ وَلَا وَصِيَّ لَهُ فَهُوَ مُحْسِنٌ دِيَانَةً مُتَطَوِّعٌ حُكْمًا. اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْبَحْرِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ طَعَامًا لَا يُنْفِقُ سَوَاءٌ كَانَ الصَّغِيرُ فِي حِجْرِهِ أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ يَمْلِكُ شِرَاءَ الطَّعَامِ لَوْ فِي حِجْرِهِ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يُحْتَاجُ إلَى بَيْعِهِ لَا يَمْلِكْ إلَّا إنْ كَانَ وَصِيًّا (قَوْلُهُ كَمَا لَا رُجُوعَ) أَيْ لِلْمُودَعِ عَلَى الْأَبِ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ إذَا ضَمِنَهُ الْغَائِبُ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ مَلَكَ الْمَدْفُوعَ بِالضَّمَانِ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا بِمِلْكِ نَفْسِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمْ أَوْ يَدْفَعَ إلَيْهِمْ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ وَعَدَمِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِمْ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِمَا. وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ لَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ إبْرَاءٌ مِنْهُ وَلِأَنَّهَا كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ. اهـ (قَوْلُهُ وَكَمَا لَوْ انْحَصَرَ إرْثُهُ إلَخْ) فَإِذَا أَنْفَقَ عَلَى أَبِي الْغَائِبِ مَثَلًا بِلَا أَمْرٍ ثُمَّ مَاتَ الْغَائِبُ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُ الْأَبِ فَلَا رُجُوعَ لِلْأَبِ عَلَى الْمُودِعِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ حَقِّهِ، وَهَذَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا وَشَبَّهَهُ بِمَا لَوْ أَطْعَمَ الْمَغْصُوبَ لِلْمَالِكِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ. (قَوْلُهُ لِغَائِبٍ) أَيْ هُوَ وَلَدُهُمَا (قَوْلُهُ أَيْ جِنْسِ النَّفَقَةِ) الْأَنْسَبُ لِتَذَكُّرِ الضَّمِيرِ قَوْلُ الْمِنَحِ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمَا أَيْ النَّفَقَةِ (قَوْلُهُ لِوُجُوبِ نَفَقَةِ الْوِلَادِ وَالزَّوْجِيَّةِ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْأَبَوَيْنِ فِي الْمَتْنِ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الزَّوْجَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 632 لَا يَضْمَنَانِ لِوُجُوبِ نَفَقَةِ الْوِلَادِ وَالزَّوْجِيَّةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ؛ حَتَّى لَوْ ظَفَرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ فَلَهُ أَخْذُهُ، وَلِذَا فُرِضَتْ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ. وَلَوْ قَالَ الِابْنُ أَنْفَقْته وَأَنْتَ مُوسِرٌ وَكَذَّبَهُ الْأَبُ حَكَمَ الْحَاكِمُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ، وَلَوْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَةُ الِابْنِ خُلَاصَةٌ. (قَضَى بِنَفَقَةِ غَيْرِ الزَّوْجَةِ) زَادَ الزَّيْلَعِيُّ وَالصَّغِيرُ (وَمَضَتْ مُدَّةٌ) أَيْ شَهْرٌ فَأَكْثَرُ (سَقَطَتْ) لِحُصُولِ الِاسْتِغْنَاءِ فِيمَا مَضَى، وَأَمَّا مَا دُونَ شَهْرٍ   [رد المحتار] وَبَقِيَّةُ الْأَوْلَادِ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ ظَفِرَ) أَيْ أَحَدُ هَؤُلَاءِ (قَوْلُهُ فَلَهُ أَخْذُهُ) أَيْ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا بَحْرٌ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِإِبَاءِ الِابْنِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّةَ قَاضٍ كَمَا سَلَفَ ط (قَوْلُهُ حُكِّمَ الْحَاكِمُ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا حُكِّمَ الْحَالُ: أَيْ حَالٌ لِأَبٍ يَوْمَ الْخُصُومَةِ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَالْقَوْلُ لَهُ اسْتِحْسَانًا فِي نَفَقَةِ مِثْلِهِ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِلِابْنِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَةُ الِابْنِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ أَمْرًا عَارِضًا خَانِيَّةٌ أَيْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِعْسَارُ، وَالْيَسَارُ عَارِضٌ، وَمُقْتَضَى هَذَا الْإِطْلَاقِ أَنَّهُ مَعَ الْبَيِّنَةِ لَا يُنْظَرُ إلَى تَحْكِيمِ الْحَالِ وَإِلَّا فَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَ مُعْسِرًا يَوْمَ الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لِلْأَبِ، وَلِذَا كَانَ الْقَوْلُ لَهُ فَتَكُونُ الْبَيِّنَةُ الْمُعْتَبَرَةُ بَيِّنَةُ الِابْنِ لِإِثْبَاتِهَا خِلَافَ الظَّاهِرِ، أَمَّا لَوْ كَانَ مُوسِرًا يَوْمَهَا فَيَنْبَغِي أَنْ تُقَدَّمَ بَيِّنَةُ الْأَبِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُعْسِرًا يَوْمَ الْإِنْفَاقِ، كَمَا لَوْ بَرْهَنَ وَحْدَهُ تَأَمَّلْ. قُلْت: وَمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ لِمُنْكِرِ الْيَسَارِ وَالْبَيِّنَةَ لِمُدَّعِيهِ فَلَعَلَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْحَالِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ غَيْرِ الزَّوْجَةِ) يَشْمَلُ الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ وَالْمَحَارِمَ وَالْمَمَالِيكَ (قَوْلُهُ زَادَ الزَّيْلَعِيُّ وَالصَّغِيرِ) يَعْنِي اسْتَثْنَاهُ أَيْضًا فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهُ الْمُقْتَضَى بِهَا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ كَالزَّوْجَةِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَقَارِبِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ نَقَلَهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ عَنْ الْحَاوِي فِي الْفَتَاوَى، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَتَبِعَهُمْ الشَّارِحُ مَعَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَكَافِي الْحَاكِمِ. مَطْلَبٌ فِي مَوَاضِعَ لَا يَضْمَنُ فِيهَا الْمُنْفِقُ إذَا قَصَدَ الْإِصْلَاحَ وَفِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي لِلْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ بِالنَّفَقَةِ فَمَضَتْ مُدَّةٌ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ تَجِبُ كِفَايَةً لِلْحَاجَةِ حَتَّى لَا تَجِبَ مَعَ الْيَسَارِ وَقَدْ حَصَلَتْ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ إذَا قَضَى بِهَا الْقَاضِي؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ مَعَ يَسَارِهَا فَلَا تَسْقُطُ بِحُصُولِ الِاسْتِغْنَاءِ فِيمَا مَضَى. اهـ وَقَرَّرَ كَلَامَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الذَّخِيرَةِ، عَلَى أَنَّهُ فِي الذَّخِيرَةِ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ وَعَزَاهُ إلَى الْكِتَابِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا قَالَ أَيْ فِي الْكِتَابِ، وَكَذَلِكَ إنْ فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ فَغَابَ الْأَبُ وَتَرَكَهُمْ بِلَا نَفَقَةٍ فَاسْتَدَانَتْ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَأَنْفَقَتْ عَلَيْهِمْ تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَدِنْ بَعْدَ الْفَرْضِ وَكَانُوا يَأْكُلُونَ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ لَمْ تَرْجِعْ عَلَى الْأَبِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا سَأَلُوا وَأُعْطُوا صَارَ مِلْكًا لَهُمْ فَوَقَعَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ نَفَقَةِ الْأَبِ، وَاسْتِحْقَاقُ هَذِهِ النَّفَقَةِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ. فَإِنْ كَانُوا أُعْطُوا مِقْدَارَ نِصْفِ الْكِفَايَةِ سَقَطَ نِصْفُ الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَبِ، وَتَصِحُّ الِاسْتِدَانَةُ فِي النِّصْفِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ، وَلَيْسَ هَذَا فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ خَاصَّةً، بَلْ فِي نَفَقَةِ جَمِيعِ الْمَحَارِمِ إذَا أَكَلُوا مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ لَا رُجُوعَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ بَلْ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ. اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ قَاضِي خَانْ جَازِمًا بِهِ، وَقَدْ قَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ: إنَّ مَا فِيهِ أَقْوَالٌ اقْتَصَرْتُ فِيهِ عَلَى قَوْلٍ أَوْ قَوْلَيْنِ، وَقَدَّمْتُ مَا هُوَ الْأَظْهَرُ وَافْتَتَحْتُ بِمَا هُوَ الْأَشْهَرُ. وَقَدْ رَاجَعَ الرَّحْمَتِيُّ نُسْخَةً مِنْ الذَّخِيرَةِ مُحَرَّفَةً حَتَّى اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَا مَرَّ بِمَسْأَلَةِ الْمَوْتِ الْآتِيَةِ وَحَكَمَ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ بِالْوَهْمِ، وَقَالَ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الْحَاوِي أَنَّ نَفَقَةَ الصَّغِيرِ لَا تَسْقُطُ بَعْدَ الِاسْتِدَانَةِ، وَأَطَالَ بِمَا لَا يُجْدِي نَفْعًا وَالصَّوَابُ فِي الرَّدِّ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ مَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا مَا دُونَ شَهْرٍ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ أَيْ شَهْرٌ فَأَكْثَرُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 633 وَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالصَّغِيرِ فَتَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ (إلَّا أَنْ يَسْتَدِينَ) غَيْرُ الزَّوْجَةِ (بِأَمْرِ قَاضٍ) فَلَوْ لَمْ يَسْتَدِنْ بِالْفِعْلِ فَلَا رُجُوعَ، بَلْ فِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ أَكَلَ أَطْفَالُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ فَلَا رُجُوعَ لِأُمِّهِمْ؛ وَلَوْ أُعْطُوا شَيْئًا وَاسْتَدَانَتْ شَيْئًا أَوْ أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا رَجَعَتْ بِمَا زَادَتْ خَانِيَّةٌ   [رد المحتار] وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ قَصِيرَةٌ وَأَنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِالْقَضَاءِ، فَلَوْ سَقَطَتْ الْمُدَّةُ الْقَصِيرَةُ لَمْ يَكُنْ لِلْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كُلُّ مَا مَضَى سَقْطٌ لَمْ يُمْكِنْ اسْتِيفَاءُ شَيْءٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالصَّغِيرِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ غَيْرُ الزَّوْجَةِ وَالصَّغِيرِ، أَمَّا الصَّغِيرُ فَفِيهِ مَا عَلِمْت، وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَإِنَّمَا تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا لَمْ تُشْرَعْ لِحَاجَتِهَا كَالْأَقَارِبِ بَلْ لِاحْتِبَاسِهَا، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، نَعَمْ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ إنْ كَانَتْ شَهْرًا فَأَكْثَرَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالنَّفَقَةُ لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِالْقَضَاءِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ بَعْدَ الْقَضَاءِ فِي أَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ. (قَوْلُهُ غَيْرُ الزَّوْجَةِ) أَمَّا هِيَ فَتَرْجِعُ بِمَا فُرِضَ لَهَا وَلَوْ أَكَلَتْ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا أَوْ مِنْ مَسْأَلَةٍ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا فَاسْتِدَانَتُهَا بَعْدَ الْفَرْضِ غَيْرُ شَرْطٍ، نَعَمْ اسْتِدَانَتُهَا لِلصَّغِيرِ شَرْطٌ كَمَا عَلِمْته مِمَّا مَرَّ وَيَأْتِي (قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ يَسْتَدِنْ) أَفَادَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ لَا يَكْفِي، وَمَا فَهِمَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ فَهُوَ غَلَطٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي [أَنْفَعْ الْوَسَائِلِ] (قَوْلُهُ بَلْ فِي الذَّخِيرَةِ) هَذَا مَحَلُّ التَّفْرِيعِ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ فَفِي الذَّخِيرَةِ إلَخْ، وَهَذَا أَيْضًا فِيمَا إذَا فَرَضَ الْقَاضِي لَهُمْ النَّفَقَةَ وَأَمَرَ الْأُمَّ بِالِاسْتِدَانَةِ كَمَا عَلِمْته مِنْ كَلَامِ الذَّخِيرَةِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ قَوْلِهِ وَالصَّغِيرِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ آنِفًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا) هَذَا مِنْ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ كَمَا تَعْرِفُهُ، وَمَا قَبْلَهُ مَذْكُورٌ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ رَجَعَتْ بِمَا زَادَتْ: أَيْ بِمَا اسْتَدَانَتْهُ أَوْ أَنْفَقَتْهُ مِنْ مَالِهَا لِتَكْمِيلِ نَفَقَتِهَا. وَأَفَادَ أَنَّ الْإِنْفَاقَ مِنْ مَالِهَا عَلَى الْأَوْلَادِ قَائِمٌ مَقَامَ الِاسْتِدَانَةِ فَهُوَ تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ فَلَوْ لَمْ تَسْتَدِنْ بِالْفِعْلِ فَلَا رُجُوعَ، لَكِنْ هَذَا فَهْمٌ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ غَابَ وَلَمْ يَتْرُكْ لِأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ نَفَقَةً وَلِأُمِّهِمْ مَالٌ تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ ثُمَّ تَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ يَشْتَرِطْ الِاسْتِدَانَةَ وَلَا الْإِذْنَ بِهَا، فَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا إذَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِهَا وَبَيْنَ مَا إذَا أَكَلُوا مِنْ الْمَسْأَلَةِ. اهـ. قُلْت: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ مَسَائِلَ أَمْرُ الْأَبْعَدِ بِالْإِنْفَاقِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْأَقْرَبِ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ تَقَدَّمَتْ فِي الْفُرُوعِ عَنْ وَاقِعَاتِ الْمُفْتِينَ لِقَدْرِي أَفَنْدِي، فَفِيهَا يَأْمُرُ الْقَاضِي الْأَبْعَدَ لِيَرْجِعَ عَلَى الْأَقْرَبِ كَالْأُمِّ لِيَرْجِعَ عَلَى الْأَبِ فَهُوَ أَمْرٌ بِالْإِدَانَةِ، وَيُحْبَسُ الْمُمْتَنِعُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ كَمَا قَدَّمَهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالِاخْتِيَارِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قَضَى بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ، فَإِذَا كَانَتْ الْأُمُّ مُوسِرَةً تُؤْمَرُ بِالْإِدَانَةِ مِنْ مَالِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُعْسِرَةً تُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ، فَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إذَا أَكَلَ الْأَوْلَادُ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهُمْ عَنْ أَبِيهِمْ لِحُصُولِ الِاسْتِغْنَاءِ فَلَا تَرْجِعُ الْأُمُّ بِشَيْءٍ فِي الصُّورَتَيْنِ. وَأَمَّا إذَا أُمِرَتْ بِالِاسْتِدَانَةِ وَلَمْ تَسْتَدِنْ بَلْ أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا فَلَا رُجُوعَ لَهَا أَيْضًا، بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا أَكَلُوا مِنْ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرَهَا بِهِ الْقَاضِي الْقَائِمُ مَقَامَ الْغَائِبِ، وَلِذَا صَرَّحُوا بِاشْتِرَاطِ الِاسْتِدَانَةِ بِالْفِعْلِ وَلَمْ يَكْفِ مُجَرَّدُ الْأَمْرِ بِهَا، خِلَافًا لِمَنْ غَلِطَ فِيهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَنْفَعْ الْوَسَائِلِ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ إنْفَاقَهَا لَا يَقُومُ مَقَامَ الِاسْتِدَانَةِ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا أَوْ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ لَا تَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ وَكَذَا فِي نَفَقَةِ الْمَحَارِمِ. اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ، وَأَشَارَ إلَى بَعْضِهِ الْمَقْدِسِيَّ وَالْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فَافْهَمْ، نَعَمْ لَوْ أُمِرَتْ بِالْإِنْفَاقِ وَهِيَ مُوسِرَةٌ فَاسْتَدَانَتْ وَأَنْفَقَتْ مِنْهُ تَرْجِعُ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَدَانَ دَيْنٌ عَلَيْهَا لَا عَلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ دَيْنًا عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 634 (وَيُنْفِقُ مِنْهَا) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ لِلْمَبْسُوطِ، لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِإِنْفَاقِهِ بِمَا اسْتَدَانَهُ حَتَّى لَوْ اسْتَدَانَ وَأَنْفَقَ مِنْ غَيْرِهِ وَوَفَّى مِمَّا اسْتَدَانَهُ لَمْ تَسْقُطْ أَيْضًا. اهـ. (فَلَوْ مَاتَ الْأَبُ) أَوْ مَنْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ (بَعْدَهَا) أَيْ الِاسْتِدَانَةِ الْمَذْكُورَةِ (فَهِيَ) أَيْ النَّفَقَةُ (دَيْنٌ) ثَابِتٌ (فِي تَرِكَتِهِ فِي الصَّحِيحِ) بَحْرٌ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ تَصْحِيحَ مَا يُخَالِفُهُ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْخُلَاصَةِ قَائِلًا: وَلَوْ لَمْ تَرْجِعْ حَتَّى مَاتَ لَمْ تَأْخُذْهَا مِنْ تَرِكَتِهِ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ مُلَخَّصًا، فَتَأَمَّلْ. وَفِي الْبَدَائِعِ: الْمُمْتَنِعُ مِنْ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ الْمَحْرَمِ يُضْرَبُ وَلَا يُحْبَسُ لِفَوَاتِهَا بِمُضِيِّ الزَّمَنِ فَيَسْتَدْرِكُ بِالضَّرْبِ، -   [رد المحتار] الْأَبِ إلَّا بِالْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ لِعُمُومِ وِلَايَةِ الْقَاضِي، فَإِذَا كَانَ دَيْنًا عَلَيْهَا صَارَ مِنْ مَالِهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِنْفَاقِ مِنْهُ أَوْ مِنْ مَالٍ آخَرَ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُمِرَتْ بِالِاسْتِدَانَةِ وَأَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا فَإِنَّهَا تَكُونُ مُتَبَرِّعَةً، فَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَقَامِ (قَوْلُهُ وَيُنْفِقَ مِنْهَا) الْأَوْلَى مِنْهُ: أَيْ مِمَّا اسْتَدَانَهُ (قَوْلُهُ لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ فِي النَّهْرِ إلَخْ) قَدْ يُجَابُ عَنْ الْبَحْرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ وَيُنْفِقَ مِمَّا اسْتَدَانَهُ تَحْقِيقُ الِاسْتِدَانَةِ، فَهُوَ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَدِنْ وَأَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الشَّرْطِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: فَلَوْ أَنْفَقَ بَعْدَ الْإِذْنِ بِالِاسْتِدَانَةِ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ صَدَقَةٍ فَلَا رُجُوعَ لَهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ. وَحِينَئِذٍ فَلَا خِلَافَ وَسَقَطَ التَّنْظِيرُ، أَفَادَهُ ط. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِنْفَاقَ مِمَّا اسْتَدَانَهُ غَيْرُ شَرْطٍ، لَكِنْ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: لَوْ أَنْفَقَ مِنْ غَيْرِهِ. فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ نَفَقَةً لِغِنَاهُ بِهِ أَوْ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ فَهُوَ اسْتِدَانَةٌ وَيَصْدُقُ أَنَّهُ أَنْفَقَ مِمَّا اسْتَدَانَهُ. لَكِنَّ صَاحِبَ النَّهْرِ مُولَعٌ بِالِاعْتِرَاضِ عَلَى أَخِيهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ. اهـ. قُلْت: لَكِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ قَبْلَ الِاسْتِدَانَةِ، أَمَّا بَعْدَ أَنْ اسْتَدَانَ وَصَارَ مَا اسْتَدَانَهُ دَيْنًا عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ ثُمَّ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَهَلْ تَسْقُطُ نَفَقَتُهُ عَنْ قَرِيبِهِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ كِفَايَةً لِلْحَاجَةِ، وَقَدْ حَصَلَتْ بِمَا صَارَ مَعَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِمَّا اسْتَدَانَهُ حَتَّى يُنْفِقَ مَا مَعَهُ، وَلِذَا لَوْ دَفَعَ لَهُ الْقَرِيبُ نَفَقَةَ شَهْرٍ قَضَى الشَّهْرَ وَبَقِيَ مَعَهُ شَيْءٌ لَمْ يَقْضِ لَهُ بِأُخْرَى مَا لَمْ يُنْفِقْ مَا بَقِيَ، أَمْ لَا تَسْقُطُ لِكَوْنِ مَا اسْتَدَانَهُ صَارَ مِلْكَهُ، وَلِذَا لَوْ عَجَّلَ لَهُ نَفَقَةَ مُدَّةٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ لَا يُسْتَرَدُّ شَيْءٌ مِنْهَا اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَنَظِيرُهُ مَا مَرَّ فِي مَوْتِ الزَّوْجَةِ أَوْ طَلَاقِهَا، فَمَا اسْتَدَانَهُ فِي حُكْمِ الْمُعَجَّلِ فِيمَا يَظْهَرُ، فَحَيْثُ مَلَكَهُ فَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْهُ أَوْ مِنْ الصَّدَقَةِ، لَكِنْ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِدَانَةُ ثَانِيًا مَا لَمْ يَفْرُغْ جَمِيعُ مَا مَعَهُ لِتَتَحَقَّقَ الْحَاجَةُ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا اسْتَدَانَ بِأَمْرِ قَاضٍ صَارَ مِلْكَهُ؛ وَلِذَا لَوْ مَاتَ الْقَرِيبُ بَعْدَهَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَلَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ أَنْ يُنْفِقَ مِنْهُ أَوْ مِمَّا مَلَكَهُ بَعْدَ الِاسْتِدَانَةِ بِصَدَقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ فَتَأَمَّلْهُ. (قَوْلُهُ أَوْ مَنْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ) أَيْ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ فَالْأَبُ غَيْرُ قَيْدٍ (قَوْلُهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ فِي تَرِكَتِهِ) فَلِلْأُمِّ أَنْ تَأْخُذَهَا مِنْ تَرِكَتِهِ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ فَتَأَمَّلْ) أَيْ عِنْدَ الْفَتْوَى مَا هُوَ الْأَوْلَى مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الْمُصَحَّحَيْنِ. قُلْت: لَكِنْ نُقِلَ الثَّانِي فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْخَصَّافِ الْأَوَّلَ عَنْ الْأَصْلِ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّ تَصْحِيحَ الْخَصَّافِ لَا يُصَادِمُ تَصْحِيحَ الْأَصْلِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالنِّسَاءِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ. اهـ أَيْ عَلَى مَا فِي الْأَصْلِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ. وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ: وَلَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ الْمُسْتَدَانَةُ بِإِذْنٍ لَمْ تَسْقُطْ فِي الصَّحِيحِ فَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَإِنْ صَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ خِلَافَهُ. اهـ. وَوَفَّقَ ط بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِمَا لَا يَظْهَرُ، وَعَزَا مَا فِي الْمَتْنِ إلَى الْكَنْزِ وَالْوِقَايَةِ وَالْإِيضَاحِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ الْوَاقِعِ، فَإِنَّ مَسْأَلَةَ الْمَوْتِ مِمَّا زَادَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُتُونِ تَبَعًا لِشَيْخِهِ صَاحِبِ الْبَحْرِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَفِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) تَبِعَ فِي النَّقْلِ عَنْهَا صَاحِبَ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْبَدَائِعِ عَكْسُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ وَيُحْبَسُ فِي نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ كَالزَّوْجَاتِ، أَمَّا غَيْرُ الْأَبِ فَلَا شَكَّ فِيهِ، وَأَمَّا الْأَبُ فَلِأَنَّ فِي النَّفَقَةِ ضَرُورَةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 635 وَقَيَّدَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا بِمَا فَوْقَ الشَّهْرِ لِعَدَمِ سُقُوطِ مَا دُونَهُ كَمَا مَرَّ، وَلَا يَصِحُّ الْأَمْرُ بِالِاسْتِدَانَةِ لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ. (وَ) تَجِبُ النَّفَقَةُ بِأَنْوَاعِهَا (لِمَمْلُوكِهِ) مَنْفَعَةً، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ رَقَبَةً كَمُوصًى بِخِدْمَتِهِ. وَفِي الْقُنْيَةِ: نَفَقَةُ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ مَا دَامَ فِي يَدِهِ، هُوَ الصَّحِيحُ. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ رَقَبَةً وَلَا مَنْفَعَةً، فَيَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَ الْمُشْتَرِيَ   [رد المحتار] دَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْ الْوَلَدِ وَلِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، فَلَوْ لَمْ يُحْبَسْ سَقَطَ حَقُّ الْوَلَدِ رَأْسًا فَكَانَ فِي حَبْسِهِ دَفْعُ الْهَلَاكِ وَاسْتِدْرَاكُ الْحَقِّ عَنْ الْفَوَاتِ؛ لِأَنَّ حَبْسَهُ يَحْمِلُهُ عَلَى الْأَدَاءِ، وَهَذَا لَمْ يُوجَدْ فِي سَائِرِ دُيُونِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ، وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ الْقَسْمِ يُضْرَبُ وَلَا يُحْبَسُ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ هَذَا الْحَقِّ بِالْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَيُسْتَدْرَكُ بِالضَّرْبِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ. اهـ مُلَخَّصًا. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُوَ حُكْمُ الْمُمْتَنِعِ عَنْ الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الذَّخِيرَةِ لَا يُحْبَسُ وَالِدٌ وَإِنْ عَلَا فِي دَيْنِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ إلَّا فِي النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافَ الصَّغِيرِ وَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْحَبْسِ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ. وَفِي الْكَنْزِ: لَا يُحْبَسُ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ إلَّا إذَا أَبَى عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا مِثْلَهُ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَدِينَ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْذُورُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُمْتَنِعِ مِنْ الْإِنْفَاقِ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْإِنْفَاقِ بِالِاسْتِدَانَةِ فَحُبِسَ لِيُنْفِقَ مِنْ مَالِهِ أَوْ لِيَسْتَدِينَ فَافْهَمْ. وَقَوْلُ الْبَدَائِعِ: فَلَوْ لَمْ يُحْبَسْ سَقَطَ حَقُّ الْوَلَدِ رَأْسًا أَيْ كُلُّهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا حُبِسَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي مُدَّةِ الْحَبْسِ فَقَطْ. وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّغِيرَ لَيْسَ فِي حُكْمِ الزَّوْجَةِ خِلَافًا لِمَا مَرَّ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ: لَوْ كَانَ فِي حُكْمِهَا لَكَانَ يُمْكِنُ الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ فَلَا يَسْقُطُ مِنْهَا شَيْءٌ كَسَائِرِ دُيُونِ الصَّغِيرِ. (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ) أَيْ قَيَّدَ عَدَمَ الْحَبْسِ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى النَّقْلِ الْخَطَأِ، أَمَّا عَلَى الصَّوَابِ الَّذِي نَقَلْنَاهُ فَلَا تَقْيِيدَ ثُمَّ قَوْلُهُ بِمَا فَوْقَ الشَّهْرِ حَقُّهُ كَمَا فِي ط أَنْ يُقَالَ بِالشَّهْرِ فَمَا فَوْقَهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَا يَسْقُطُ هُوَ الْقَلِيلُ وَهُوَ مَا دُونَ شَهْرٍ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الْأَمْرُ إلَخْ) فِي التَّتَارْخَانِيَّة: امْرَأَةٌ لَهَا ابْنٌ صَغِيرٌ لَا مَالَ لَهُ وَلَا لِلْمَرْأَةِ فَاسْتَدَانَتْ وَأَنْفَقَتْ عَلَى الصَّغِيرِ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَبَلَغَ لَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. اهـ أَيْ أَمَرَهَا الْقَاضِي بِأَنْ تَسْتَدِينَ وَتَرْجِعَ عَلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. قَالَ فِي الْمِنَحِ: فَقَدْ أَفَادَ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْأَمْرَ بِالِاسْتِدَانَةِ إلَّا إذَا كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ أَوْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ النَّفَقَةُ) أَيْ عَلَى الْمَوْلَى وَلَوْ فَقِيرًا قُهُسْتَانِيٌّ. [مَطْلَبٌ فِي نَفَقَةِ الْمَمْلُوكِ] ِ (قَوْلُهُ لِمَمْلُوكِهِ) أَيْ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ وَإِدَامِهِ، وَكَذَا الْكُسْوَةُ وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ فِيهَا عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ إنْ تَنَعَّمَ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ لَهُ مِثْلَهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَلَوْ قَتَّرَ عَلَى نَفْسِهِ شُحًّا أَوْ رِيَاضَةً لَزِمَهُ الْغَالِبُ فِي الْأَصَحِّ، وَيُسْتَحَبُّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ عَبِيدِهِ وَجَوَارِيهِ فِي الْأَصَحِّ، وَيَزِيدُ جَارِيَةَ الِاسْتِمْتَاعِ فِي الْكُسْوَةِ لِلْعُرْفِ، وَعَلَيْهِ شِرَاءُ مَاءِ الطَّهَارَةِ لَهُمْ وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْلِسَهُ لِيَأْكُلَ مَعَهُ ط مُلَخَّصًا عَنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ مَنْفَعَةً) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ نَائِبِ الْفَاعِلِ، وَخَرَجَ بِهِ مَالِكٌ لِمَنَافِعِهِ، وَدَخَلَ فِيهِ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُمَا كَالْقِنِّ وَلَوْ لَهُ كَبِيرًا ذَكَرًا صَحِيحًا وَلَوْ لَهُ أَبٌ حَاضِرٌ وَلَوْ أَمَةً مُتَزَوِّجَةً مَا لَمْ يُبَوِّئْهَا مَنْزِلَ الزَّوْجِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ كَمُوصًى بِخِدْمَتِهِ) إلَّا إذَا مَرِضَ مَرَضًا يَمْنَعُهُ مِنْ الْخِدْمَةِ أَوْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخِدْمَةِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ حَتَّى يَصِحَّ وَيَبْلُغَ الْخِدْمَةَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) وَقِيلَ يَرْفَعُ الْبَائِعُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ فَيَأْذَنُ لَهُ فِي بَيْعِهِ أَوْ إجَارَتِهِ قُنْيَةٌ، وَفِيهَا أَنَّ نَفَقَةَ الْمَبِيعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ فِي الْعَبْدِ وَقْتَ الْوُجُوبِ، وَقِيلَ عَلَى الْبَائِعِ، وَقِيلَ يَسْتَدِينُ فَيَرْجِعُ عَلَى مَنْ يَصِيرُ لَهُ الْمِلْكُ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَ الْمُشْتَرِيَ) . تَتِمَّةُ عِبَارَةِ الْبَحْرِ هَكَذَا وَتَكُونُ تَابِعَةً لِلْمِلْكِ كَالْمَرْهُونِ كَمَا بَحَثَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 636 (فَإِنْ امْتَنَعَ فَهِيَ فِي كَسْبِهِ) إنْ قَدَرَ بِأَنْ كَانَ صَحِيحًا، وَلَوْ غَيْرَ عَارِفٍ بِصِنَاعَةٍ فَيُؤْجِرُ نَفْسَهُ كَمُعِينِ الْبِنَاءِ بَحْرٌ (وَإِلَّا) كَكَوْنِهِ زَمِنًا أَوْ جَارِيَةً (لَا) يُؤْجَرُ مِثْلُهَا (أَمَرَهُ الْقَاضِي بِبَيْعِهِ) وَقَالَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي وَبِهِ يُفْتَى (إنْ مَحَلًّا لَهُ) وَإِلَّا كَمُدَبَّرٍ وَأُمِّ وَلَدٍ أُلْزِمَ بِالْإِنْفَاقِ لَا غَيْرُ. (عَبْدٌ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ أَكَلَ) أَوْ أَخَذَ مِنْ مَالِ مَوْلَاهُ (قَدْرَ كِفَايَتِهِ بِلَا رِضَاهُ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ) أَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ (وَإِلَّا لَا) يَأْكُلُ، كَمَا لَوْ قَتَّرَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ بَلْ يَكْتَسِبُ إنْ قَدَرَ مُجْتَبًى. وَفِيهِ: تَنَازَعَا فِي عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ فِي أَيْدِيهِمَا يُجْبَرَانِ عَلَى نَفَقَتِهِ. (نَفَقَةَ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْغَاصِبِ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ إلَى مَالِكِهِ، فَإِنْ طَلَبَ) الْغَاصِبُ (مِنْ الْقَاضِي الْأَمْرَ بِالنَّفَقَةِ أَوْ الْبَيْعِ لَا يُجِيبُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ (وَ) لَكِنْ (إنْ خَافَ) الْقَاضِي (عَلَى الْعَبْدِ الضَّيَاعَ بَاعَهُ الْقَاضِي لَا الْغَاصِبُ وَأَمْسَكَ) الْقَاضِي (ثَمَنَهُ لِمَالِكِهِ وَطَلَبَ الْمُودِعُ) أَوْ آخِذُ الْآبِقِ أَوْ أَحَدُ شَرِيكَيْ عَبْدٍ غَابَ أَحَدُهُمَا (مِنْ الْقَاضِي الْأَمْرَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى عَبْدِ الْوَدِيعَةِ)   [رد المحتار] بَعْضُهُمْ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ أَيْضًا. اهـ وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ: وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَبِيعَ بَاقٍ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ وَاجِبٌ تَسْلِيمُهُ كَالْمَغْصُوبِ نَفَقَتُهُ عَلَى الْغَاصِبِ وَلَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ رَقَبَةً وَلَا مَنْفَعَةً وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِفَرْضِ الْعَوْدِ إلَى مِلْكِهِ إذَا هَلَكَ وَلِذَا يَسْقُطُ ثَمَنُهُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ كَمُعِينِ الْبِنَاءِ) هُوَ مَنْ يَعْجِنُ لَهُ الطِّينَ وَيُنَاوِلُهُ مَا يَبْنِي بِهِ، وَهُوَ تَمْثِيلٌ لِلصَّحِيحِ غَيْرِ الْعَارِفِ بِصِنَاعَةٍ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ (قَوْلُهُ أَوْ جَارِيَةً لَا يُؤْجَرُ مِثْلُهَا) بِأَنْ كَانَتْ حَسْنَاءَ يَخْشَى عَلَيْهَا الْفِتْنَةَ وَالْحَالُ أَنَّهَا عَاجِزَةٌ عَنْ الْكَسْبِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ قَادِرَةً عَلَيْهِ وَمَعْرُوفَةً بِذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ خَبَّازَةً أَوْ غَسَّالَةً تُؤْمَرُ بِهِ أَيْضًا هَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ الْحَافِظُ هِنْدِيَّةٌ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: فَعُلِمَ أَنَّ الْأُنُوثَةَ هُنَا لَيْسَتْ أَمَارَةَ الْعَجْزِ بِخِلَافِهَا فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ. اهـ وَتَمَامُهُ فِي ط. وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ الرَّمْلِيِّ أَنَّ الْبِنْتَ لَوْ كَانَ لَهَا كَسْبٌ لَا تَلْزَمُ نَفَقَتُهَا الْأَبَ (قَوْلُهُ أَمَرَهُ الْقَاضِي) وَإِنْ امْتَنَعَ حَبَسَهُ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى. قُلْت: فَلَوْ كَانَ السَّيِّدُ غَائِبًا هَلْ يَبِيعُهُ الْقَاضِي؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ كَمَا يَأْتِي فِي الْعَبْدِ الْوَدِيعَةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَفْرِضُ لَهُ الْقَاضِي فِي مَالِ سَيِّدِهِ الْغَائِبِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ وَقَرَابَةِ الْوِلَادِ (قَوْلُهُ وَقَالَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي) ؛ لِأَنَّهُمَا يَرَيَانِ جَوَازَ الْبَيْعِ عَلَى الْحُرِّ لِأَجْلِ حَقِّ الْغَيْرِ وَسَيَأْتِي فِي الْحَجْرِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْإِمَامُ فَإِنَّهُ لَا يَرَى ذَلِكَ وَلَكِنْ يَحْبِسُهُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ أُلْزِمَ بِالْإِنْفَاقِ) فَإِنْ غَابَ وَلَا مَالَ لَهُ حَاضِرٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُهُ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَى سَيِّدِهِ إحْيَاءً لِمُهْجَتِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَلْزَمَ نَفَقَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ كَالْمُعْتَقِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَوْ أَخَذَ) أَيْ ثَوْبًا يَكْتَسِي بِهِ أَمْ دَرَاهِمَ يَشْتَرِي بِهَا (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ وَأَذِنَ لَهُ فِيهِ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَتَّرَ) أَيْ ضَيَّقَ (قَوْلُهُ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَالِ مَوْلَاهُ (قَوْلُهُ يُجْبَرَانِ عَلَى نَفَقَتِهِ) وَكَذَا وَلَدُ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ ادَّعَاهُ الشَّرِيكَانِ، وَعَلَيْهِ إذَا كَبُرَ نَفَقَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ، وَلَوْ أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا الْحَقَّ لَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ الْآخَرُ لِتَبَرُّعِهِ حَيْثُ تَعَرَّضَ لِمَالِ غَيْرِهِ أَوْ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ رَحْمَتِيٌّ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ) فَإِنَّهُ لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ أَوْ هَلَكَ يَضْمَنُ لِلْمَالِكِ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ وَالرَّدُّ وَاجِبٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ غَائِبًا فَمَا بَقِيَ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ بِمَا يُنْفِقُهُ (قَوْلُهُ وَلَكِنْ إنْ خَافَ إلَخْ) بِأَنْ خَافَ هَرَبَهُ بِالْعَبْدِ أَوْ نَحْوَهُ (قَوْلُهُ أَوْ آخِذُ الْآبِقِ) مَا كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بَحْثٌ لِصَاحِبِ النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ وَنَقَلُوا فِي آخِذِ الْآبِقِ إذَا طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي ذَلِكَ فَإِنْ رَأَى الْإِنْفَاقَ أَصْلَحَ، أَمَرَهُ وَإِنْ خَافَ أَنْ تَأْكُلَهُ النَّفَقَةُ، أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ فَيُقَالُ: إنَّ أَمْرَهُ بِالْإِجَارَةِ أَصْلَحُ فَلَمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ. اهـ فَالْمَنْقُولُ فِي حُكْمِهِ مُخَالِفٌ لِلْمُودَعِ وَالْمُشْتَرَكِ عَلَى أَنَّ الرَّمْلِيَّ وَغَيْرَهُ أَجَابَ بِأَنَّ الْآبِقَ يُخْشَى عَلَيْهِ الْإِبَاقُ ثَانِيًا فَالْغَالِبُ انْتِفَاءُ أَصْلَحِيَّةِ إجَارَتِهِ لِلْغَيْرِ فَلِذَا سَكَتُوا عَنْهُ ثُمَّ بَحَثَ الرَّمْلِيُّ أَنَّ الْحُكْمَ دَائِرٌ مَعَ الْأَصْلَحِيَّةِ حَتَّى فِي الْمُودَعِ لَوْ كَانَ الْأَصْلَحُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ أَمَرَهُ بِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا تَأَمَّلْ. اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَكَذَلِكَ أَيْ كَالْعَبْدِ الْآبِقِ إذَا وَجَدَ دَابَّةً ضَالَّةً فِي الْمِصْرِ أَوْ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ (قَوْلُهُ أَوْ أَحَدُ شَرِيكَيْ عَبْدٍ إلَخْ) أَيْ فَيَرْفَعُ الشَّرِيكُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 637 وَنَحْوِهَا (لَا يُجِيبُهُ) لِئَلَّا تَأْكُلَهُ النَّفَقَةُ (بَلْ يُؤْجِرُهُ وَيُنْفِقُ مِنْهُ أَوْ يَبِيعُهُ وَيَحْفَظُ ثَمَنَهُ لِمَوْلَاهُ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْآجِرِ وَالرَّاهِنِ وَالْمُسْتَعِيرِ. وَأَمَّا كُسْوَتُهُ فَعَلَى الْمُعِيرِ، وَتَسْقُطُ بِعِتْقِهِ وَلَوْ زَمِنًا، وَتَلْزَمُ بَيْتَ الْمَالِ خُلَاصَةٌ. (دَابَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْإِنْفَاقِ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي) لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ شَرِيكُهُ جَوْهَرَةٌ. وَفِيهَا (وَيُؤْمَرُ) إمَّا بِالْبَيْعِ وَإِمَّا (بِالْإِنْفَاقِ عَلَى بَهَائِمِهِ دِيَانَةً لَا قَضَاءً عَلَى) ظَاهِرِ (الْمَذْهَبِ) لِلنَّهْيِ عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ. وَعَنْ الثَّانِي يُجْبَرُ وَرَجَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالْكَمَالُ، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. وَلَا يُجْبَرُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ وَإِنْ كَرِهَ تَضْيِيعَ الْمَالِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شِرْكٌ كَمَا مَرَّ. قُلْت: وَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا فَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا أَنْفَقَ الثَّانِي وَرَجَعَ عَلَيْهِ. وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: أَنْفَقَ الشَّرِيكُ عَلَى الْعَبْدِ فِي غَيْبَةِ شَرِيكِهِ بِلَا إذْنِ الشَّرِيكِ أَوْ الْقَاضِي   [رد المحتار] وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَالْقَاضِي بِالْخِيَارِ فِي قَبُولِ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ وَعَدَمِهِ، فَإِنْ قَبِلَهَا فَالْحُكْمُ مَا ذَكَرَ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَيَأْتِي مَا إذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْإِنْفَاقِ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهَا) وَهُوَ الْآبِقُ وَالْمُشْتَرَكُ (قَوْلُهُ لَا يُجِيبُهُ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ إنْ رَأَى الْإِنْفَاقَ أَصْلَحَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ فِي اللَّقِيطِ وَاللُّقَطَةِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْأَصْلَحِيَّةِ (قَوْلُهُ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْآجِرِ وَالرَّاهِنِ) أَيْ نَفَقَةُ الْعَبْدِ الْمَأْجُورِ وَالْمَرْهُونِ عَلَى مَالِكِهِ وَالْمُسْتَعَارِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ،؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي مَنْفَعَتَهُ بِلَا عِوَضٍ، فَهُوَ مَحْبُوسٌ فِي مَنْفَعَتِهِ وَقَدْ مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّ كُلَّ مَحْبُوسٍ لِمَنْفَعَةِ غَيْرِهِ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ قَوْلِهِ وَكَذَا النَّفَقَةُ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُودَعِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُودِعَ بِكَسْرِ الدَّالِ اسْمُ فَاعِلٍ وَإِلَّا خَالَفَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَاضِي يُؤْجِرُهُ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ أَوْ يَبِيعُهُ (قَوْلُهُ وَأَمَّا كُسْوَتُهُ فَعَلَى الْمُعِيرِ) لَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَ نَفَقَتِهِ وَكُسْوَتِهِ أَنَّ الطَّعَامَ يَسْتَهْلِكُهُ الْعَبْدُ فِي حَالِ احْتِبَاسِهِ فِي مَنْفَعَةِ الْمُسْتَعِيرِ فَلَا يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى، أَمَّا الْكُسْوَةُ فَتَبْقَى فَلَوْ لَزِمَتْهُ كُسْوَتُهُ صَارَتْ مِلْكًا لِمَوْلَى الْعَبْدِ وَالْعَارِيَّةُ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِلَا عِوَضٍ. فَفِي إيجَابِ الْكُسْوَةِ عَلَيْهِ إيجَابُ الْعِوَضِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَتَسْقُطُ بِعِتْقِهِ) أَيْ إذَا أَعْتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ سَقَطَتْ عَنْهُ نَفَقَتُهُ (قَوْلُهُ وَتَلْزَمُ بَيْتَ الْمَالِ) أَيْ إذَا كَانَ عَاجِزًا وَلَيْسَ لَهُ قَرِيبٌ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ (قَوْلُهُ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي) أَيْ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَهَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ لِلْآبِي إمَّا أَنْ تَبِيعَ نَصِيبَك مِنْ الدَّابَّةِ أَوْ تُنْفِقَ عَلَيْهَا رِعَايَةً لِجَانِبِ الشَّرِيكِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ جَوْهَرَةٌ) لَمْ يَذْكُرْ فِي الْجَوْهَرَةِ مَسْأَلَةَ الدَّابَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَا بَعْدَهَا، فَالْمُنَاسِبُ عَزْوُ ذَلِكَ لِلْفَتْحِ أَوْ الْبَحْرِ كَمَا ذَكَرْنَا (قَوْلُهُ وَيُؤْمَرُ إلَخْ) الْمَالِكُ الَّذِي لَا شَرِيكَ مَعَهُ فَهُنَا لَا يُجْبَرُ قَضَاءً. بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مَعَهُ شَرِيكٌ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ رِعَايَةً لِحَقِّ الشَّرِيكِ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ لَا قَضَاءً) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَالْكَمَالُ) قَالَ: وَالْحَقُّ مَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنْ يُتَصَوَّرَ فِيهِ دَعْوَى حِسْبَةٍ فَيُجْبَرُ الْقَاضِي عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَلَا بِدَعَ فِيهِ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ (قَوْلُهُ وَلَا يُجْبَرُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ) أَيْ كَالدُّورِ وَالْعَقَارِ وَالزَّرْعِ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ) أَيْ فَإِنَّهُ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ حَيْثُ لَمْ تُمْكِنْ الْقِسْمَةُ كَكَرْيِ نَهْرٍ وَمَرَمَّةِ قَنَاةٍ وَبِئْرٍ وَدُولَابٍ وَسَفِينَةٍ مَعِيبَةٍ وَحَائِطٍ إلَّا إنْ كَانَ يُمْكِنُ قَسْمُهُ مِنْ أَسَاسِهِ وَيَبْنِي كُلُّ وَاحِدٍ فِي نَصِيبِهِ السُّتْرَةَ. وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي آخِرِ الشَّرِكَةِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ نَظِيرُ مَا مَرَّ آنِفًا فِي الدَّابَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ مِنْ أَنَّهُ يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ شَرِيكُهُ (قَوْلُهُ أَنْفَقَ الثَّانِي وَرَجَعَ عَلَيْهِ) هَذَا خِلَافُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ عَبْدِ الْوَدِيعَةِ. وَأَجَابَ ح بِأَنَّ هَذَا مُتَعَنِّتٌ فِي الِامْتِنَاعِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ مَعْذُورٌ بِغَيْبَتِهِ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِ الْقَاضِي أَوْ الشَّرِيكِ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ بَعْدَهُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: قَالَ أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لِي شَيْءٌ أُنْفِقُهُ وَأَنْفَقَ الْآخَرُ عَلَى حِصَّتِهِ يَبِيعُ الْحَاكِمُ حِصَّةَ الْآبِي مِمَّنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ اسْتَدَانَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَنْفَقَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 638 فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، وَكَذَا النَّخِيلُ وَالزَّرْعُ الْوَدِيعَةُ وَاللُّقَطَةُ وَالدَّارُ الْمُشْتَرَكَةُ إذَا اسْتَرَمَّتْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. كِتَابُ الْعِتْقِ مُيِّزَتْ الْإِسْقَاطَاتُ بِأَسْمَاءٍ اخْتِصَارًا، فَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الْقِصَاصِ عَفْوٌ، وَعَمَّا فِي الذِّمَّةِ إبْرَاءٌ، وَعَنْ الْبُضْعِ طَلَاقٌ، وَعَنْ الرِّقِّ عِتْقٌ. وَعَنَوْنَ بِهِ لَا بِالْإِعْتَاقِ لِيَعُمَّ نَحْوَ اسْتِيلَادٍ وَمِلْكِ قَرِيبٍ. (هُوَ) لُغَةً: الْخُرُوجُ عَنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ، وَمَصْدَرُهُ عِتْقٌ وَعَتَاقٌ. وَشَرْعًا (عِبَارَةٌ عَنْ إسْقَاطِ الْمَوْلَى   [رد المحتار] مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ قَالَ الشَّرِيكُ أُنْفِقُ عَلَى حِصَّتِهِ أَيْضًا وَيَكُونُ ذَا دَيْنًا عَلَى الْمَوْلَى فَعَلَ، لَكِنْ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ لَا يَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْعَبْدِ بَلْ عَلَى الْمَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ الْوَدِيعَةِ وَاللُّقَطَةِ) أَيْ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ شَاءَ الْقَاضِي قَبِلَهُ وَأَمَرَهُ بِالْإِنْفَاقِ إنْ كَانَ أَصْلَحَ وَإِلَّا أَمَرَهُ بِبَيْعِهَا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَالْأَمْرُ بِالْإِنْفَاقِ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ مِنْ أُجْرَتِهَا أَوْ مِنْ مَالِ الْمَأْمُورِ أَيُّهُمَا كَانَ أَصْلَحَ يَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ (قَوْلُهُ إذَا اسْتَرَمَّتْ) أَيْ احْتَاجَتْ لِلْإِصْلَاحِ كَأَنَّهَا تَطْلُبُهُ. وَفِي الْمِصْبَاحِ: رَمَّمْت الْحَائِطَ وَغَيْرَهُ رَمًّا مِنْ بَابِ قَتَلَ أَصْلَحْتُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْعِتْقِ] (قَوْلُهُ مُيِّزَتْ الْإِسْقَاطَاتُ إلَخْ) جَمْعُ إسْقَاطٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا وَضَعَهُ الشَّارِعُ لِإِسْقَاطِ حَقٍّ لِلْعَبْدِ عَلَى آخَرَ، وَأَشَارَ إلَى وَجْهِ مُنَاسَبَةِ ذِكْرِ الْعِتْقِ عَقِبَ الطَّلَاقِ وَهُوَ اشْتِرَاكُهُمَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إسْقَاطُ الْحَقِّ، وَقَدَّمَ الطَّلَاقَ لِمُنَاسَبَةِ النِّكَاحِ (قَوْلُهُ اخْتِصَارًا) ؛ لِأَنَّ أَعْتَقَ أَخْصَرُ مِنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ عَنْ مَمْلُوكِهِ، وَكَذَا الْبَاقِي (قَوْلُهُ وَعَنْ الرِّقِّ عَتَقَ) الْمُنَاسِبُ إعْتَاقٌ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ قَائِمٌ بِالْعَبْدِ، وَالْإِعْتَاقُ وَهُوَ الْإِسْقَاطُ فِعْلُ الْمَوْلَى، أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ أَعْتَقْته فَهُوَ مُعْتَقٌ لَا بِنَفْسِهِ فَلَا يُقَالُ عَتَقَهُ وَلَا أَعْتَقَ هُوَ بِالْأَلِفِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ بَلْ الثُّلَاثِيُّ لَازِمٌ وَالرُّبَاعِيُّ مُتَعَدٍّ، وَلَا يَجُوزُ عَبْدٌ مَعْتُوقٌ؛ لِأَنَّ مَجِيءَ مَفْعُولٍ مِنْ أَفْعَلْت شَاذٌّ مَسْمُوعٌ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَهُوَ عَتِيقٌ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَجَمْعُهُ عُتَقَاءُ، وَأَمَةٌ عَتِيقٌ أَيْضًا وَرُبَّمَا قِيلَ عَتِيقَةٌ وَجَمْعُهُ عَتَائِقُ. اهـ. لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ يُقَالُ الْعِتْقُ بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْفِقْهِيِّ تَجَوُّزًا بِاسْمِ الْمُسَبَّبِ، كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاك إيَّاكَ. اهـ (قَوْلُهُ وَعَنْوَنَ بِهِ إلَخْ) أَيْ جَعَلَهُ عُنْوَانًا بِضَمِّ الْعَيْنِ وَقَدْ تُكْسَرُ: مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الشَّيْءِ مِصْبَاحٌ، وَمُرَادُهُ أَنَّ الْعِتْقَ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِمَنْ كَانَ رَقِيقًا وَالْإِعْتَاقُ إيقَاعُ الْعِتْقِ مِنْ الْمَوْلَى، وَلَيْسَ فِي الِاسْتِيلَادِ وَمِلْكِ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ بَلْ عِتْقٌ فَلِذَا عَنْوَنَ بِهِ لَا بِالْإِعْتَاقِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الِاسْتِيلَادَ وَالشِّرَاءَ فِعْلُ الْمَوْلَى. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِمَوْتِ سَيِّدِ الْمُسْتَوْلَدَةِ. وَفِي الشِّرَاءِ: هُوَ أَثَرُ الْمِلْكِ لَا فِعْلٌ مِنْهُ (قَوْلُهُ لُغَةً الْخُرُوجُ عَنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى ضِيَاءِ الْحُلُومِ، وَرَدَّ بِهِ قَوْلَهُمْ إنَّهُ فِي اللُّغَةِ الْقُوَّةُ. وَفِي الشَّرْعِ الْقُوَّةُ الشَّرْعِيَّةُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَا رَدَّهُ نَقَلَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَعَلَيْهِ جَرَى كَثِيرٌ، فَبَعْدَ كَوْنِ النَّاقِلِ ثِقَةٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَى رَدٍّ. قُلْت: وَحَقَّقَ فِي الْفَتْحِ هَذَا الْمَقَامَ بِمَا يُشْفِي الْمَرَامَ (قَوْلُهُ وَمَصْدَرُهُ عَتْقٌ وَعَتَاقٌ) وَكَذَا عَتَاقَةٌ بِفَتْحِ الْأَوَّلِ فِيهِنَّ، وَالْعِتْقُ بِالْكَسْرِ اسْمٌ مِنْهُ مِصْبَاحٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَمَا نُقِلَ عَنْ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْأَوَّلَ بِالْكَسْرِ وَالثَّانِي بِالْفَتْحِ لَمْ أَجِدْهُ فِيهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا عِبَارَةٌ عَنْ إسْقَاطٍ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ عَنْ سُقُوطٍ،؛ لِأَنَّ الْمُحَدَّثَ عَنْهُ الْعِتْقُ، وَالْإِسْقَاطُ مَعْنَى الْإِعْتَاقِ كَمَا عَلِمْت إلَّا أَنْ يَكُونَ أَطْلَقَ الْعِتْقَ عَلَى الْإِعْتَاقِ تَجَوُّزًا كَمَا مَرَّ، وَالْمُرَادُ بِالْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ مَا اسْتَوْفَى رُكْنَهُ وَشُرُوطَهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ كَمِلْكِ الْقَرِيبِ بِشِرَاءٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ فِيهِ إسْقَاطًا مَعْنًى وَإِلَّا كَانَ التَّعْرِيفُ قَاصِرًا فَافْهَمْ. وَعَرَّفَهُ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْمَمْلُوكِ، وَهِيَ قُدْرَتُهُ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَأَهْلِيَّتِهِ لِلْوِلَايَاتِ وَالشَّهَادَاتِ، وَرَفْعِ تَصَرُّفِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 639 حَقَّهُ عَنْ مَمْلُوكِهِ بِوَجْهٍ) مَخْصُوصٍ (يَصِيرُ بِهِ الْمَمْلُوكُ) أَيْ بِالْإِسْقَاطِ الْمَذْكُورِ (مِنْ الْأَحْرَارِ) وَرُكْنُهُ: اللَّفْظُ الدَّالُ عَلَيْهِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، كَمِلْكِ قَرِيبٍ وَدُخُولِ حَرْبِيٍّ اشْتَرَى مُسْلِمًا دَارَ الْحَرْبِ. وَصِفَتُهُ وَاجِبٌ لِكَفَّارَةٍ، وَمُبَاحٌ بِلَا نِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ حَتَّى صَحَّ مِنْ الْكَافِرِ. وَمَنْدُوبٌ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى لِحَدِيثِ عِتْقِ الْأَعْضَاءِ، وَهَلْ يَحْصُلُ ذَلِكَ بِتَدْبِيرٍ وَشِرَاءِ قَرِيبٍ؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ، وَمَكْرُوهٌ لِفُلَانٍ، وَحَرَامٌ بَلْ كُفْرٌ لِلشَّيْطَانِ.   [رد المحتار] ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي عِتْقِ الْبَعْضِ أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا، وَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى مَا يُوجِبُهُ الْإِعْتَاقُ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ. فَعِنْدَهُ زَوَالُ الْمِلْكِ وَيَتْبَعُهُ زَوَالُ الرِّقِّ، لَكِنْ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْكُلِّ. وَعِنْدَهُمَا زَوَالُ الرِّقِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلًّا مِنْ التَّعْرِيفَيْنِ يَأْتِي عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ بِأَنْ يُرَادَ بِالْأَوَّلِ إسْقَاطُ الْمِلْكِ أَوْ إسْقَاطُ الرِّقِّ، وَبِالثَّانِي إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الْمُسْتَتْبِعَةِ لِزَوَالِ الْمِلْكِ أَوْ زَوَالِ الرِّقِّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ يَصِيرُ بِهِ الْمَمْلُوكُ مِنْ الْأَحْرَارِ) خَرَجَ بِهِ التَّدْبِيرُ وَالْكِتَابَةُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَأَدَاءُ النُّجُومِ فَإِنَّ فِيهِمَا إسْقَاطُ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ، لَكِنْ لَمْ يَصِرْ الْعَبْدُ بِهِمَا مِنْ الْأَحْرَارِ ط، (قَوْلُهُ وَرُكْنُهُ اللَّفْظُ الدَّالُ عَلَيْهِ) سَوَاءٌ كَانَ إقْرَارًا بِالْحُرِّيَّةِ أَوْ ادِّعَاءِ النَّسَبِ أَوْ لَفْظًا إنْشَائِيًّا وَالضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى الْعِتْقِ سَوَاءٌ نَشَأَ عَنْ إعْتَاقٍ أَمْ لَا، لِيَصِحَّ قَوْلُهُ وَمِلْكِ قَرِيبٍ ط (قَوْلُهُ وَدُخُولِ حَرْبِيٍّ إلَخْ) صُورَتُهُ: اشْتَرَى حَرْبِيٌّ مُسْتَأْمَنٌ عَبْدًا مُسْلِمًا فَأَدْخَلَهُ دَارَ الْحَرْبِ عَتَقَ عِنْدَ مَوْلَانَا الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ صَاحِبَاهُ لَا يَعْتِقُ ط وَإِنَّمَا عَتَقَ إقَامَةً لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ مَقَامَ الْإِعْتَاقِ، وَهَذِهِ إحْدَى مَسَائِلَ تِسْعٍ يَعْتِقُ الْعَبْدُ فِيهَا بِلَا إعْتَاقٍ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ حُكْمِيٌّ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجِهَادِ قُبَيْلَ بَابِ الْمُسْتَأْمَنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَاجِبٌ لِكَفَّارَةٍ) أَيْ كَفَّارَةِ قَتْلٍ وَظِهَارٍ وَإِفْطَارٍ وَيَمِينٍ، وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْوَاجِبِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ أَوْ الِافْتِرَاضِ قَوْلَانِ ط (قَوْلُهُ بِلَا نِيَّةٍ) أَيْ نِيَّةِ قُرْبَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ ط (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ) أَيْ وَضْعًا وَيَصِيرُ عِبَادَةً أَوْ مَعْصِيَةً بِالنِّيَّةِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ عِتْقِ الْأَعْضَاءِ) هُوَ مَا رَوَاهُ السِّتَّةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْ النَّارِ» وَفِي لَفْظٍ «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنْ النَّارِ حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ» ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ رَجُلًا مُسْلِمًا كَانَ فِكَاكُهُ مِنْ النَّارِ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتْ امْرَأَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ فِكَاكَهَا مِنْ النَّارِ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد «وَأَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ إلَّا كَانَتَا فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ يُجْزِئُ مَكَانَ عَظْمَيْنِ مِنْهُمَا عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ» وَهَذَا دَلِيلُ مَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ اسْتِحْبَابِ عِتْقِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ عِتْقَهُ بِعِتْقِ الْمَرْأَتَيْنِ، بِخِلَافِ عِتْقِهِ رَجُلًا كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَهَلْ يَحْصُلُ ذَلِكَ) أَيْ الْمَنْدُوبُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ الْمَذْكُورُ مَعَ النِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى مَادَّةِ الْعِتْقِ، وَالْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ ط (قَوْلُهُ الظَّاهِرُ نَعَمْ) ؛ لِأَنَّ بِالتَّدْبِيرِ إعْتَاقًا مَآلًا وَبِشِرَاءِ الْقَرِيبِ إعْتَاقًا وَصِلَةً، وَفِي الْحَدِيثِ «لَنْ يُجْزِئَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ رَقِيقًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» أَيْ فَيَتَسَبَّبُ عَنْ شِرَائِهِ عِتْقُهُ إذْ هُوَ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَكْرُوهٌ لِفُلَانٍ) صَرَّحَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ مِنْ الْمُبَاحِ، وَكَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ. ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَفَرَّقَ بَيْنَ الْإِعْتَاقِ لِآدَمِيٍّ وَبَيْنَ الْإِعْتَاقِ لِلشَّيْطَانِ، وَعَلَّلَ حُرْمَةَ الْإِعْتَاقِ لِلشَّيْطَانِ بِأَنَّهُ قَصَدَ تَعْظِيمَهُ. اهـ أَيْ بِخِلَافِ قَصْدِ تَعْظِيمِ فُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَنْهِيٍّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَحَرَامٌ بَلْ كُفْرٌ لِلشَّيْطَانِ) وَكَذَا لِلصَّنَمِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ كُفْرٌ هُوَ مَا سَيَذْكُرُهُ عَنْ الْجَوْهَرَةِ أَنَّ تَعْظِيمَهُمَا دَلِيلُ الْكُفْرِ الْبَاطِنِ كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ وَلَوْ هَزَلًا فَيُحْكَمُ بِكُفْرِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ التَّقَرُّبَ وَالْعِبَادَةَ وَإِلَّا فَهُوَ كُفْرٌ بِلَا شُبْهَةٍ سَوَاءٌ كَانَ لِفُلَانٍ أَوْ لِلشَّيْطَانِ. وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ مِنْ الْإِعْتَاقِ الْمُحَرَّمِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ يَذْهَبُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ أَوْ يَرْتَدُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 640 (وَيَصِحُّ مِنْ حُرٍّ مُكَلَّفٍ) وَلَوْ سَكْرَانَ أَوْ مُكْرَهًا أَوْ مُخْطِئًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ لَا يَعْلَمُ بِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ كَقَوْلِ الْغَاصِبِ لِلْمَالِكِ أَوْ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي أَعْتِقْ عَبْدِي هَذَا وَأَشَارَ إلَى الْمَبِيعِ عَتَقَ، لَا مِنْ صَبِيٍّ وَمَعْتُوهٍ وَمَدْهُوشٍ وَمُبَرْسَمٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَمَجْنُونٍ وَنَائِمٍ كَمَا لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُمْ؛ وَلَوْ أَسْنَدَهُ لِحَالَةٍ مِمَّا ذُكِرَ أَوْ قَالَ وَأَنَا حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَدْ عَلِمَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ لَهُ (فِي مِلْكِهِ) وَلَوْ رَقَبَةً كَمُكَاتَبٍ، وَخَرَجَ عِتْقُ الْحَمْلِ إذَا وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ (وَلَوْ لِأَقَلَّ صَحَّ وَلَوْ بِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ)   [رد المحتار] أَوْ يَخَافُ مِنْهُ السَّرِقَةَ وَقَطْعَ الطَّرِيقِ، وَيَنْفُذُ عِتْقُهُ مَعَ تَحْرِيمِهِ خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ. قَالَ: وَفِي عِتْقِ الْعَبْدِ الذِّمِّيِّ مَا لَمْ يَخَفْ مِنْهُ مَا ذَكَرْنَا أَجْرٌ لِتَحْصِيلِ الْجِزْيَةِ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ. . [فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْتُبَ لِلْعِتْقِ كِتَابًا وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ شُهُودًا] 1 [فَرْعٌ] فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْتُبَ لِلْعِتْقِ كِتَابًا، وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ شُهُودًا تَوْثِيقًا وَصِيَانَةً عَنْ التَّجَاحُدِ وَالتَّنَازُعِ فِيهِ كَمَا فِي الْمُدَايَنَةِ، بِخِلَافِ سَائِرِ التِّجَارَاتِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهَا، فَالْكِتَابَةُ فِيهَا تُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ وَلَا كَذَلِكَ الْعِتْقُ. (قَوْلُهُ وَيَصِحُّ مِنْ حُرٍّ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ عَبْدٍ وَلَوْ مُكَاتَبًا لِمَنْعِهِ عَنْ التَّبَرُّعَاتِ أَوْ مَأْذُونًا لِذَلِكَ وَلِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ ذِكْرِ الْمِلْكِ (قَوْلُهُ مُكَلَّفٍ) أَيْ عَاقِلٍ بَالِغٍ، وَمُحْتَرَزُهُ قَوْلُهُ لَا مِنْ صَبِيٍّ إلَخْ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْإِسْلَامَ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ وَلَوْ مُرْتَدًّا. أَمَّا إعْتَاقُ الْمُرْتَدِّ فَمَوْقُوفٌ عِنْدَهُ نَافِذٌ عِنْدَهُمَا، وَلَا قَبُولَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ شَرْطٍ إلَّا فِي الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ بَحْرٌ، وَلَا النُّطْقَ بِاللِّسَانِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِالْكِتَابَةِ الْمُسْتَبِينَةِ وَالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ بَدَائِعُ أَيْ مِنْ الْأَخْرَسِ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَكْرَانَ أَوْ مُكْرَهًا إلَخْ) سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ التَّصْرِيحُ بِهَذَيْنِ، لَكِنْ ذَكَرَهُمَا تَتْمِيمًا لِلتَّعْمِيمِ فَإِنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ صَاحِيًا أَوْ طَائِعًا أَوْ عَامِدًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ عَالِمًا بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ؛ لِأَنَّ السَّكْرَانَ بِمَحْظُورٍ غَيْرُ مَعْذُورٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ الصَّاحِي فِي الْأَحْكَامِ. وَالْمُكْرَهُ اخْتَارَ أَيْسَرَ الْأَمْرَيْنِ فَكَانَ قَاصِدًا لَهُ وَإِنَّ عَدَمَ الرِّضَا وَمَا صَحَّ مَعَ الْهَزْلِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ لِعَدَمِ تَوَقُّفِهِ عَلَى الرِّضَا وَلِذَا صَحَّ مِنْ الْمُخْطِئِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَأَشَارَ إلَى الْمَبِيعِ) فِيهِ اكْتِفَاءٌ وَالْأَصْلُ أَوْ إلَى الْمَغْصُوبِ (قَوْلُهُ عَتَقَ) أَيْ إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمَالِكُ أَعْتَقْتُهُ، وَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ وَبِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ مِنْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُ الْغَاصِبَ شَيْءٌ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَعْتُوهٍ إلَخْ) تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الطَّلَاقِ بَيَانُ مَعَانِيهَا فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَمَجْنُونٍ) أَيْ فِي حَالِ جُنُونِهِ، حَتَّى لَوْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَأَعْتَقَ فِي حَالَ إفَاقَتِهِ يَصِحُّ (قَوْلُهُ أَوْ قَالَ وَأَنَا حَرْبِيٌّ إلَخْ) كَوْنُهُ حَرْبِيًّا غَيْرَ قَيْدٍ بَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْعَبْدِ حَرْبِيًّا فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِالتَّخْلِيَةِ، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ كَمَا يَذْكُرُهُ. (قَوْلُهُ وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ) أَيْ عُلِمَ مِنْهُ وُقُوعُ الْعَتَهِ وَنَحْوِهِ، وَكَوْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَأَمَّا الصِّبَا وَالنَّوْمُ فَمَعْلُومَانِ قَطْعًا، لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ تَصْدِيقِهِ فِيهِمَا بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ مِلْكَهُ لَهُ بَعْدَ صِبَاهُ وَبَعْدَ إفَاقَتِهِ مِنْ آخِرِ نَوْمَةٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لَهُ) وَهَلْ يَحْلِفُ إذَا طَلَبَ الْعَبْدُ تَحْلِيفَهُ يُحَرَّرُ ط. قُلْت: كُلُّ مَنْ إذَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ لَزِمَهُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ رَجَاءَ نُكُولِهِ إلَّا فِي اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ تَأْتِي قُبَيْلَ الْبُيُوعِ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا (قَوْلُهُ فِي مِلْكِهِ) خَرَجَ إعْتَاقُ غَيْرِ الْمَمْلُوكِ، وَلَا يَرِدُ عِتْقُ الْفُضُولِيِّ الْمُجَازُ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ إذَا وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِوُجُودِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِإِضَافَةٍ إلَيْهِ) أَيْ بِإِضَافَةِ الْعِتْقِ إلَى الْمِلْكِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الشَّرْطَ وُجُودُ الْمِلْكِ وَقْتَ وُقُوعِ الْعِتْقِ، فَإِنْ كَانَ مُنْجَزًا اُشْتُرِطَ وُجُودُ الْمِلْكِ وَقْتَ التَّنْجِيزِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُقُوعِ وَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا بِالْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ اُشْتُرِطَ تَحَقُّقُ ذَلِكَ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ وَقْتَ الْمِلْكِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 641 كَإِنْ مَلَكْتُك، أَوْ إلَى سَبَبِهِ كَإِنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ، بِخِلَافِ إنْ مَاتَ مُوَرِّثِي فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ. وَمِنْ لَطَائِفِ التَّعْلِيقِ قَوْلُهُ لِأَمَتِهِ: إنْ مَاتَ أَبِي فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَبَاعَهَا لِأَبِيهِ ثُمَّ نَكَحَهَا فَقَالَ إنْ مَاتَ أَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَمَاتَ الْأَبُ لَمْ تَطْلُقْ وَلَمْ تَعْتِقْ ظَهِيرِيَّةٌ، وَكَأَنَّهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ مُقَارِنًا لَهُمَا بِالْمَوْتِ فَتَأَمَّلْ. (بِصَرِيحِهِ بِلَا نِيَّةٍ) سَوَاءٌ وَصَفَهُ بِهِ (كَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ) عِتْقٌ أَوْ (عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ أَوْ مُحَرَّرٌ) وَلَوْ ذَكَرَ الْخَبَرَ فَقَطْ -   [رد المحتار] وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ إذَا عَلَّقَ بِالْمِلْكِ أَوْ بِسَبَبِهِ كَالشِّرَاءِ لَا يُشْتَرَطُ تَحَقُّقُ الْمِلْكِ وَقْتَ التَّعْلِيقِ، وَإِنْ عَلَّقَ بِغَيْرِهِمَا كَدُخُولِ الدَّارِ اُشْتُرِطَ وُجُودُ الْمِلْكِ وَقْتَ التَّعْلِيقِ وَوَقْتَ نُزُولِ الْجَزَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمِلْكِ فِيمَا بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ إلَخْ) مُحْتَرَزُ الْإِضَافَةِ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ مَوْتَ الْمُوَرِّثِ لَيْسَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَإِنْ بَقِيَ فَقَدْ يُوجَدُ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ كَقَتْلٍ وَرِدَّةٍ، نَعَمْ إذَا قَالَ إنْ وَرِثْتُك فَهُوَ مِثْلُ إنْ اشْتَرَيْتُك وَهَذَا إذَا كَانَ الْخِطَابُ لِعَبْدِ الْمُوَرِّثِ، أَمَّا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ مَاتَ مُوَرِّثِي فَأَنْتَ حُرٌّ فَهُوَ مِثْلُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ) أَيْ لَيْسَ سَبَبًا مُسَاوِيًا بَلْ قَدْ يَكُونُ وَقَدْ لَا يَكُونُ كَمَا قُلْنَا، فَهُوَ نَظِيرُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي أَوَّلِ بَابِ التَّعْلِيقِ لَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَجْتَمِعُ مَعَهَا فِي فِرَاشٍ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ لَمْ تَطْلُقْ وَكَذَا كُلُّ جَارِيَةٍ أَطَؤُهَا فَهِيَ حُرَّةٌ فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا لَمْ تَعْتِقْ أَيْ؛ لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِي فِرَاشٍ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ عَنْ نِكَاحٍ كَمَا أَنَّ وَطْءَ الْجَارِيَةِ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ عَنْ مِلْكٍ فَلَمْ تُوجَدْ الْإِضَافَةُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ (قَوْلُهُ فَمَاتَ الْأَبُ) أَيْ وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا غَيْرَهُ أَوْ تَرَكَ بِالْأَوْلَى ط (قَوْلُهُ وَكَأَنَّهُ إلَخْ) التَّوْجِيهُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ. وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الْعِتْقَ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ وَحِينَ الْمَوْتِ لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَلَا تَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ عَقِبَهُ. وَالْمُعَلَّقُ بِشَيْءٍ وَهُوَ الْعِتْقُ هُنَا يَقَعُ بَعْدَ وُجُودِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَهُوَ الْمَوْتُ فَصَارَ كُلٌّ مِنْ الْمِلْكِ وَالْعِتْقِ حَاصِلًا عَقِبَ الْمَوْتِ فِي آنٍ وَاحِدٍ وَشَرْطُ الْعِتْقِ وُقُوعُهُ عَلَى مَمْلُوكٍ وَهِيَ لَمْ تَصِرْ مَمْلُوكَةً إلَّا مَعَ وُجُودِ الْعِتْقِ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُهُ قَبْلَهُ فَلَمْ يَقَعْ وَكَذَا الطَّلَاقُ مُعَلَّقٌ عَلَى الْمَوْتِ فَحَقُّهُ أَنْ يُوجَدَ عَقِبَهُ لَكِنْ وُجِدَ الْمِلْكُ عَقِبَ الْمَوْتِ أَيْضًا وَانْفَسَخَ بِهِ النِّكَاحُ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ فِي وَقْتِ انْفِسَاخِ النِّكَاحِ كَمَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَوْتِك فَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ ثَبَتَ الْمِلْكُ مُقَارِنًا لَهُمَا وَلَا بُدَّ مِنْ سَبْقِهِ عَلَيْهِمَا حَتَّى يَقَعَا وَلَمْ يُوجَدْ فَلِذَا لَمْ تَطْلُقْ وَلَمْ تَعْتِقْ فَلَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَلَوْ أَعْتَقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا مَلَكَ عَلَيْهَا ثَلَاثًا لِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلْقَتَيْنِ الْمُعَلَّقَتَيْنِ أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ (قَوْلُهُ بِالْمَوْتِ) مُتَعَلِّقٌ بِثَبَتَ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ ح (قَوْلُهُ فَتَأَمَّلْ) أَشَارَ بِهِ إلَى دِقَّةِ تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ ح. (قَوْلُهُ بِصَرِيحِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَصِحَّ. وَصَرِيحُهُ كَمَا فِي الْإِيضَاحِ وَغَيْرِهِ: مَا وُضِعَ لَهُ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الشَّرْعُ وَالْعُرْفُ وَاللُّغَةُ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ فِي ذَلِكَ فَكَانَتْ حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً عَلَى وَفْقِ اللُّغَةِ فِيهَا، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ بِلَا نِيَّةٍ) أَيْ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى نِيَّتِهِ، فَيَقَعُ بِهِ، نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، وَكَذَا لَوْ نَوَى غَيْرَهُ فِي الْقَضَاءِ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَقَعُ، كَمَا لَوْ قَالَ نَوَيْت بِالْمَوْلَى النَّاصِرَ، وَإِنْ نَوَى الْهَزْلَ وَقَعَ قَضَاءً وَدِيَانَةً كَمَا يَقْتَضِيه كَلَامُ مُحَمَّدٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ أَرَدْت بِهِ اللَّعِبَ يَعْتِقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً (قَوْلُهُ كَأَنْتَ حُرٌّ) أَيْ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا لِكُلٍّ مِنْ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ كَمَا يَذْكُرُهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ. مَطْلَبٌ الْفُقَهَاءُ لَا يَعْتَبِرُونَ الْإِعْرَابَ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَفِي حُرُوفِ الْمَعَانِي مِنْ الْكَشْفِ أَنَّ الْفُقَهَاءَ لَا يَعْتَبِرُونَ الْإِعْرَابَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: زَنَيْتِ بِكَسْرِ التَّاءِ أَوْ لِامْرَأَةٍ بِفَتْحِهَا وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ (قَوْلُهُ أَوْ عَتِقٌ) يُحْتَمَلُ قِرَاءَتُهُ بِكَسْرِ التَّاءِ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ فَيُنَاسِبُ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، وَيُحْتَمَلُ السُّكُونُ مَصْدَرًا فَإِنَّهُ مِنْ الصَّرِيحِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَتْحِ خِلَافًا لِمَا فِي جَوَامِعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 642 كَانَ كِنَايَةً (أَوْ) أَخْبَرَ نَحْوَ (حَرَّرْتُك أَوْ أَعْتَقْتُك أَوْ أَعْتَقَك اللَّهُ) فِي الْأَصَحِّ ظَهِيرِيَّةٌ (أَوْ هَذَا مَوْلَايَ أَوْ) نَادَى نَحْوَ (يَا مَوْلَايَ) أَوْ يَا مَوْلَاتٍ، بِخِلَافِ أَنَا عَبْدُك فِي الْأَصَحِّ (أَوْ يَا حُرُّ أَوْ يَا عَتِيقُ) . وَلَوْ قَالَ أَرَدْت الْكَذِبَ أَوْ حُرِّيَّتَهُ مِنْ الْعَمَلِ دُيِّنَ (إلَّا إذَا سَمَّاهُ بِهِ) وَأَشْهَدَ وَقْتَ تَسْمِيَتِهِ خَانِيَةً، فَلَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُرِدْ الْإِنْشَاءَ، وَكَذَا فِي الطَّلَاقِ (ثُمَّ) بَعْدَ تَسْمِيَتِهِ بِالْحُرِّ (إذَا نَادَاهُ)   [رد المحتار] الْفِقْهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ فِي أَنْتَ عَتْقٌ أَوْ إعْتَاقٌ، فَفِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ كَانَ كِنَايَةً) فَيُتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ حُرٌّ فَقِيلَ لَهُ لِمَنْ عَنَيْت، فَقَالَ عَبْدِي عَتَقَ عَبْدُهُ بَحْرٌ. قُلْت: لَكِنَّ هَذِهِ النِّيَّةَ لَيْسَتْ نِيَّةَ مَعْنَى الْعِتْقِ بَلْ نِيَّةُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ الْمَحْذُوفَ لَمَّا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرُهُ عَبْدِي وَأَنْ يَكُونَ عَبْدَ فُلَانٍ مَثَلًا تَوَقَّفَ إعْتَاقُ عَبْدِهِ عَلَى قَصْدِهِ إيَّاهُ لَا عَلَى قَصْدِهِ مَعْنَى التَّحْرِيرِ الشَّرْعِيِّ، وَفِي كَوْنِ ذَلِكَ كِنَايَةٌ نَظَرٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ أَخْبَرَ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ وَصَفَهُ بِهِ: أَيْ أَتَى بِصِيغَةِ الْخَبَرِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْإِنْشَاءِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّرِيحِ وَهُوَ مَا وُضِعَ لَهُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَعْتَقَكَ اللَّهُ؛ لِأَنِّي أَعْتَقْتُك، وَعَنْ هَذَا أَفْتَى قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ فِي أَبْرَأَكَ اللَّهُ أَنَّهُ يَبْرَأُ وَلَا سِيَّمَا وَالْعُرْفُ يُسَاعِدُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْخُلْعِ وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ مَا قِيلَ: إنَّهُ إنَّمَا يَعْتِقُ بِالنِّيَّةِ كَمَا حَكَاهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ أَوْ هَذَا مَوْلَايَ) فَإِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالصَّرِيحِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَأْتِي لِمَعَانٍ أَوْصَلَهَا ابْنُ الْأَثِيرِ إلَى نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ كَالنَّاصِرِ وَابْنِ الْعَمِّ وَالْمُعْتِقِ بِالْكَسْرِ وَالْمُعْتَقِ بِالْفَتْحِ إلَّا أَنَّ إضَافَتَهُ لِلْعَبْدِ تُعَيِّنُ الْأَخِيرَ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَأَيَّدَهُ الْأَتْقَانِيُّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَرَدَّهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْبَحْرِ. وَفِيهِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا: لَوْ قَالَ أَنْتِ مَوْلَى فُلَانٍ عَتَقَ قَضَاءً كَأَنْتَ عَتِيقُ فُلَانٍ بِخِلَافِ أَعْتَقَك فُلَانٌ (قَوْلُهُ أَوْ نَادَى) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ وَصَفَهُ ط؛ لِأَنَّ النِّدَاءَ لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادَى فَإِذَا نَادَاهُ بِوَصْفٍ يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ كَانَ تَحْقِيقًا لِذَلِكَ الْوَصْفِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ نَحْوُ يَا مَوْلَايَ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِيَا سَيِّدِي أَوْ يَا سَيِّدَ أَوْ يَا مَالِكِي، إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُذْكَرُ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَالْإِكْرَامِ بَحْرٌ أَيْ وَحَقِيقَتُهُ كَذِبٌ، بِخِلَافِ يَا مَوْلَايَ. وَفِي النَّهْرِ: وَقِيلَ يَعْتِقُ وَالْأَصَحُّ لَا، مَا لَمْ يَنْوِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) أَيْ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ. حُكِيَ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ جَاءَتْ جَارِيَتُهُ بِسِرَاجٍ فَوَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهَا مَا أَصْنَعُ بِالسِّرَاجِ فَوَجْهُكِ أَضْوَأُ مِنْ السِّرَاجِ يَا مَنْ أَنَا عَبْدُكِ، قَالَ: هَذِهِ كَلِمَةُ لُطْفٍ لَا تَعْتِقُ بِهَا، هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْعِتْقَ، فَإِنْ نَوَى عَنْ مُحَمَّدٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ دُيِّنَ) أَيْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَعَالَى، أَمَّا الْقَاضِي فَلَا يُصَدِّقُهُ، وَكَذَا لَوْ صَرَّحَ بِقَوْلِهِ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ كَمَا يَذْكُرُهُ قَرِيبًا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَرَادَ الْهَزْلَ أَوْ اللَّعِبَ فَإِنَّهُ لَا يُدَيَّنُ أَيْضًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ قَصَدَ التَّلَفُّظَ بِمَا هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْعِتْقِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ مَعْنًى آخَرَ فَتَعَيَّنَ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ، أَمَّا هُنَا فَقَدْ أَرَادَ بِهِ مَعْنًى آخَرَ يَصْلُحُ لَهُ اللَّفْظُ، فَصَحَّ قَصْدُهُ دِيَانَةً لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلِذَا لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُنْتَقَى: لَهُ عِنْدَ حِلِّ دَمِهِ بِالْقِصَاصِ، فَقَالَ لَهُ أَعْتَقْتُك ثُمَّ قَالَ نَوَيْت بِهِ الْعِتْقَ عَنْ الدَّمِ عَتَقَ قَضَاءً وَلَزِمَهُ الْعَفْوُ بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَفْوُ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ الْقِصَاصِ كَانَ كَمَا قَالَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ قِصَاصٌ فَقَالَ أَعْتَقْتُك فَهُوَ عَفْوٌ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا (قَوْلُهُ إلَّا إذَا سَمَّاهُ) ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ الْإِعْلَامُ بِاسْمِ عَلِمَهُ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَأَشْهَدَ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ سَمَّاهُ بِذَلِكَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِهِ عِنْدَ النَّاسِ، فَلَوْ مَعْرُوفًا بِهِ لَا يَعْتِقُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي الطَّلَاقِ) رَدَّ عَلَى مَا فِي التَّنْقِيحِ حَيْثُ فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا لَوْ سَمَّى الْمَرْأَةَ بِطَالِقٍ حَيْثُ يَقَعُ إذَا نَادَاهَا؛ لِأَنَّهُ عُهِدَ التَّسْمِيَةُ بِحُرٍّ كَالْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ، بِخِلَافِ طَالِقٍ فَإِنَّهُ لَمْ تُعْهَدْ التَّسْمِيَةُ بِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَلَمَ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَعْهُودًا وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا أَشْهَدَ وَقْتَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 643 بِمُرَادِفِهِ (بِالْعَجَمِيَّةِ) كَيَا أَزَادَ (أَوْ عَكَسَ) بِأَنْ سَمَّاهُ بِأَزَادَ وَنَادَاهُ بِالْعَرَبِيَّةِ بِيَا حُرُّ (عَتَقَ) لِعَدَمِ الْعَلَمِيَّةِ (وَكَذَا رَأْسُك) حُرٌّ (وَوَجْهُك) حُرٌّ (وَنَحْوُهُمَا مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْبَدَنِ) كَمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ، وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ كَثُلُثِهِ عَتَقَ ذَلِكَ الْقَدْرُ لِتَجَزِّيهِ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا سَيَجِيءُ. وَمِنْ الصَّرِيحِ قَوْلُهُ لِعَبْدِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ وَلِأَمَتِهِ أَنْتَ حُرٌّ خَانِيَّةٌ، وَمِنْهُ وَهَبْتُك أَوْ بِعْتُك نَفْسَك فَيَعْتِقُ مُطْلَقًا، وَلَوْ زَادَ بِكَذَا تَوَقَّفَ عَلَى الْقَبُولِ فَتْحٌ، وَمِنْهُ الْمَصْدَرُ نَحْوَ الْعَتَاقُ عَلَيْك وَعِتْقُك عَلَيَّ فَيَعْتِقُ بِلَا نِيَّةٍ، وَلَوْ زَادَ وَاجِبٌ لَمْ يَعْتِقْ لِجَوَازِ وُجُوبِهِ لِكَفَّارَةٍ ظَهِيرِيَّةٍ. وَفِي الْبَدَائِعِ: قِيلَ لَهُ أَعْتَقْت عَبْدَك؟ فَأَوْمَأَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ لَمْ يَعْتِقْ،   [رد المحتار] التَّسْمِيَةِ فِيهِمَا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْفَرْقِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي التَّنْقِيحِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِشْهَادِ أَوْ الشُّهْرَةِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ بِمُرَادِفِهِ بِالْعَجَمِيَّةِ) أَيْ بِلَفْظِهِ الْأَعْجَمِيِّ، وَلَيْسَ احْتِرَازًا عَنْ مُرَادِفِهِ الْعَرَبِيِّ كَيَا عَتِيقُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ. (قَوْلُهُ كَيَا أَزَادْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا أَلْفٌ ثُمَّ دَالٌ مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ ح (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْعَلَمِيَّةِ) ؛ لِأَنَّ الْعَلَمِيَّةَ بِصِيغَةِ حُرٍّ أَوْ أَزَادْ لَا بِالْمَعْنَى فَيُعْتَبَرُ إخْبَارًا عَنْ الْوَصْفِ لَا طَلَبًا لِإِقْبَالِ الذَّاتِ (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُمَا) مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْبَدَنِ كَالْفَرْجِ لِلْعَبْدِ وَالْأَمَةِ، بِخِلَافِ الذَّكَرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خَانِيَّةٌ، وَكَذَا رَقَبَتُك أَوْ بَدَنُك أَوْ بَدَنُك، كَبَدَنِ حُرٍّ (قَوْلُهُ كَثُلُثِهِ) وَلَوْ قَالَ سَهْمٌ مِنْك حُرٌّ عَتَقَ سُدُسٌ، وَلَوْ قَالَ جُزْءٌ أَوْ شَيْءٌ يَعْتِقُ مِنْهُ مَا شَاءَ الْمَوْلَى فِي قَوْلِهِ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ لِتَجَزِّيهِ عِنْدَ الْإِمَامِ) أَشَارَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ اتِّفَاقًا فَذِكْرُ بَعْضِهِ كَذِكْرِ كُلِّهِ، فَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا سَهْوٌ بَحْرٌ وَلَعَلَّهُ بَنَى التَّسْوِيَةَ عَلَى قَوْلِهِمَا (قَوْلُهُ وَمِنْ الصَّرِيحِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْفُقَهَاءَ لَا يَعْتَبِرُونَ الْإِعْرَابَ كَمَا مَرَّ آنِفًا (قَوْلُهُ وَمِنْهُ وَهَبْتُك أَوْ بِعْتُك نَفْسَك) زَادَ فِي الْخَانِيَّةِ تَصَدَّقْت بِنَفْسِك عَلَيْك، فَقِيلَ إنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ مُلْحَقَةٌ بِالصَّرِيحِ، وَقِيلَ إنَّهَا كِنَايَةٌ، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الصَّرِيحَ يَخُصُّ الْوَضْعِيَّ. وَالْحَقُّ أَنَّهَا صَرَائِحُ حَقِيقَةٌ كَمَا قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخُصُّ الْوَضْعِيَّ وَاخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَيَعْتِقُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ قَبِلَ، أَوْ لَا، نَوَى، أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ مِنْ الْوَاهِبِ وَالْبَائِعِ إزَالَةُ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ إلَى الْقَبُولِ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُشْتَرِي لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُمَا، وَهُنَا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْعَبْدِ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مَمْلُوكًا لِنَفْسِهِ فَبَقِيَ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ إزَالَةُ الْمِلْكِ عَنْ الرَّقِيقِ لَا إلَى أَحَدٍ، وَهَذَا مَعْنَى الْإِعْتَاقِ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ تَوَقَّفَ عَلَى الْقَبُولِ) أَيْ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ لِجَوَازِ وُجُوبِهِ لِكَفَّارَةٍ ظَهِيرِيَّةٍ) تَمَامُ عِبَارَةِ الظَّهِيرِيَّةِ هَكَذَا: بِخِلَافِ طَلَاقُكِ عَلَيَّ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الطَّلَاقِ غَيْرُ وَاجِبٍ وَإِنَّمَا يَجِبُ حُكْمُهُ، وَحُكْمُهُ وُقُوعُهُ، أَمَّا الْعِتْقُ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا. اهـ أَيْ فَإِذَا صَرَّحَ بِالْوُجُوبِ فِي الْعِتْقِ وَلَمْ يَنْوِ الْعِتْقَ صُدِّقَ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ. وَاعْتَرَضَ الرَّحْمَتِيُّ بِأَنَّ عَلَى تُفِيدُ اللُّزُومَ فَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْوُجُوبِ. اهـ. قُلْت: لَا يَخْفَى أَنَّ الْوُجُوبَ أَوْ اللُّزُومَ عَامِلٌ خَاصٌّ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لَفْظُ عَلَى بِدُونِ قَرِينَةٍ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِقْرَارِ الْعَامِّ وَالْحُصُولِ فَيَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ فِي الْحَالِ تَأَمَّلْ. وَاعْتَرَضَ الرَّمْلِيُّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الطَّلَاقِ غَيْرُ وَاجِبٍ بِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجِبُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِهِ وُجُودُهُ فِي الْخَارِجِ (قَوْلُهُ لَمْ يَعْتِقْ) فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ يَعْتِقُ وَكَأَنَّهُ تَحْرِيفٌ، فَقَدْ رَأَيْت فِي الذَّخِيرَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ لِصَاحِبِ الْمُحِيطِ مِثْلَ مَا هُنَا، وَفَرَّقَ، بَيْنَ الْعِتْقِ وَالنَّسَبِ حَيْثُ يُثْبِتُ أَنَّ الْعِتْقَ يَفْتَقِرُ إلَى الْعِبَارَةِ وَلَا تَقُومُ الْإِشَارَةُ مَقَامَ الْعِبَارَةِ حَالَةَ الْقُدْرَةِ، وَالنَّسَبُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْعِبَارَةِ، وَسَيَأْتِي فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ مَتْنًا مَا نَصُّهُ: وَالْإِيمَاءُ بِالرَّأْسِ مِنْ النَّاطِقِ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِمَالٍ وَعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَبَيْعٍ وَنِكَاحٍ وَإِجَارَةٍ وَهِبَةٍ، بِخِلَافِ إفْتَاءٍ وَنَسَبٍ وَإِسْلَامٍ وَكُفْرٍ إلَخْ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ مَرِيضٌ: أَنَا حُرٌّ فَحَرَّكَ رَأْسَهُ أَيْ نَعَمْ لَا يَعْتِقُ. اهـ. وَأَمَّا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 644 وَلَوْ زَادَ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ عَتَقَ قَضَاءً، وَلَوْ قَالَ يَا سَالِمُ فَأَجَابَهُ غَانِمٌ فَقَالَ أَنْتِ حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ عَتَقَ الْمُجِيبُ، وَلَوْ قَالَ عَنَيْت سَالِمًا عَتَقَا قَضَاءً. وَفِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ لِمَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ قُلْ لِعَبْدِك أَنْتِ حُرٌّ فَقَالَ لَهُ. عَتَقَ قَضَاءً، وَلَوْ قَالَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ بِالْإِضَافَةِ لَا يَعْتِقُ وَبِالتَّنْوِينِ عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ لَا تَشْبِيهٌ. (وَبِكِنَايَتِهِ إنْ نَوَى) لِلِاحْتِمَالِ (كَلَا مِلْكَ لِي عَلَيْك وَلَا سَبِيلَ أَوْ لَا رِقَّ، أَوْ خَرَجْت مِنْ مِلْكِي وَخَلَّيْت سَبِيلَك وَ) كَقَوْلِهِ (لِأَمَتِهِ قَدْ أَطْلَقْتُك) وَأَنْتَ أَعْتَقَ أَوْ لِزَوْجَتِهِ أَطْلَقُ مِنْ فُلَانَةَ وَهِيَ مُطَلَّقَةٌ تَعْتِقُ وَتَطْلُقُ إنْ نَوَى كَتَهَجِّيهِمَا. وَفِي الْخُلَاصَةِ:   [رد المحتار] الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَخْرَسِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ وَلَوْ زَادَ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ عَقِبَ قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ أَرَدْت الْكَذِبَ أَوْ حُرِّيَّتَهُ مِنْ الْعَمَلِ دُيِّنَ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ قَالَ أَنْتِ حُرٌّ مِنْ عَمَلِ كَذَا أَوْ أَنْتِ حُرٌّ الْيَوْمَ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ عَتَقَ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَعْمَالِ لَا يَتَجَزَّأُ فَكَانَ إعْتَاقًا عَنْ الْأَعْمَالِ وَفِي الْأَزْمَانِ جَمِيعًا، وَنِيَّةُ الْبَعْضِ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي (قَوْلُهُ عَتَقَ الْمُجِيبُ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ بِالْإِعْتَاقِ (قَوْلُهُ عَتَقَا قَضَاءً) أَمَّا دِيَانَةً فَاَلَّذِي نَادَاهُ فَقَطْ، وَلَوْ قَالَ يَا سَالِمُ أَنْتَ حُرٌّ فَإِذَا عَبْدٌ آخَرُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ عَتَقَ سَالِمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مُخَاطَبَةَ هُنَا إلَّا لَهُ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ عَتَقَ قَضَاءً) أَيْ لَا دِيَانَةً لِعَدَمِ الْقَصْدِ ط (قَوْلُهُ لَا يَعْتِقُ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ كَمَا لَوْ قَالَ: مِثْلُ رَأْسِ حُرٍّ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ السِّرَاجِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ) أَيْ لِلرَّأْسِ بِالْحُرِّيَّةِ، وَالرَّأْسُ مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ ط. [مَطْلَبٌ فِي كِنَايَاتِ الْإِعْتَاقِ] ِ (قَوْلُهُ وَبِكِنَايَتِهِ إنْ نَوَى) قَالَ الْحَمَوِيُّ: ثَبَتَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الشَّرْطَ فِي الْكِنَايَةِ النِّيَّةُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ دَلَالَةِ الْحَالِ لِيَزُولَ مَا فِيهَا مِنْ الِاشْتِبَاهِ. اهـ ط (قَوْلُهُ لِلِاحْتِمَالِ) ؛ لِأَنَّ نَفْي الْمِلْكِ وَمَا بَعْدَهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ بِالْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ كَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ بِالْعِتْقِ، وَنَفْيُ السَّبِيلِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَنْ الْعُقُوبَةِ وَاللَّوْمِ لِكَمَالِ الرِّضَا وَأَنْ يَكُونَ لِلْعِتْقِ فَيَئُولُ إلَى مَعْنَى لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك إذْ هُوَ الطَّرِيقُ إلَى نَفَاذِ التَّصَرُّفِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ قَدْ أَطْلَقْتُك) بِهَمْزٍ فِي أَوَّلِهِ مِنْ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ رَفْعُ الْقَيْدِ، بِخِلَافِهِ بِدُونِ هَمْزٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ فَلَا يَقَعُ بِهِ أَصْلًا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَأَنْتَ أَعْتَقُ) فِيهِ حَذْفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ، وَالتَّقْدِيرُ وَأَنْتَ أَعْتَقُ مِنْ فُلَانَةَ وَهِيَ مُعْتَقَةٌ ح. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا كَانَ أَعْتَقُ وَأَطْلَقُ كِنَايَةً لِاحْتِمَالِهِ أَقْدَمُ فِي مِلْكِي وَأَطْلَقُ يَدًا فَيُقَالُ إنَّ مِثْلَهُ عَتِيقٌ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ فِي عَتِيقٍ إرَادَةُ التَّحْرِيرِ، بِخِلَافِ أَعْتَقُ وَأَطْلَقُ لِعَدَمِ احْتِمَالِ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ لِلتَّفَاضُلِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ كَتَهَجِّيهَا) أَيْ تَهَجِّي أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَلْفٌ نُونٌ تَاءٌ حَاءٌ رَاءٌ هَاءٌ أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَلْفٌ نُونٌ تَاءٌ طَاءٌ أَلْفٌ لَامٌ قَافٌ إنَّهُ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ تَطْلُقُ الْمَرْأَةُ وَتَعْتِقُ الْأَمَةُ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ يُفْهَمُ مِنْهَا مَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ صَرِيحِ الْكَلَامِ إلَّا أَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ كَذَلِكَ فَصَارَ كَالْكِنَايَةِ فِي الِافْتِقَارِ إلَى نِيَّةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ) عِبَارَتُهَا: لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَا يَعْتِقُ، لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ، فَإِنْ مَاتَ لَا يَرِثُهُ بِالْوَلَاءِ، فَإِنْ قَالَ الْمَمْلُوكُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَا مَمْلُوكٌ لَهُ فَصَدَّقَهُ كَانَ مَمْلُوكًا ظَاهِرًا وَكَذَا لَوْ قَالَ لَيْسَ هَذَا بِعَبْدِي لَا يَعْتِقُ. اهـ. قُلْت: وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى ثُمَّ ذَكَرَ الثَّانِيَةَ بِعِبَارَةٍ فَارِسِيَّةٍ، ثُمَّ قَالَ فِي جَوَابِهَا يَعْتِقُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 645 قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَا يَعْتِقُ بَلْ يَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْأَحْرَارِ حَتَّى يُقِرَّ بِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ وَيُصَدِّقُهُ فَيَمْلِكُهُ وَكَذَا لَيْسَ هَذَا بِعَبْدِي لَا يَعْتِقُ وَقَاسَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك لَكِنْ نَازَعَهُ فِي النَّهْرِ. (وَ) يَصِحُّ أَيْضًا (بِهَذَا ابْنِي) أَوْ بِنْتِي (لِلْأَصْغَرِ) سِنًّا مِنْ الْمَالِكِ (وَالْأَكْبَرِ وَ) كَذَا (هَذَا أَبِي) أَوْ جَدِّي (أَوْ) هَذِهِ (أُمِّي وَإِنْ لَمْ) يَصْلُحُوا لِذَلِكَ وَلَمْ (يَنْوِ الْعِتْقَ) ؛ لِأَنَّهَا صَرَائِحُ لَا كِنَايَةٌ وَلِذَا جَاءَ بِالْبَاءِ وَأَخَّرَهَا لِتَفْصِيلِهَا، فَإِنْ صَلَحُوا وَجَهِلَ نَسَبَهُمْ فِي مَوْلِدِهِمْ   [رد المحتار] أَقَرَّ بِالْعِتْقِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِدُونِ النِّيَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، كَمَا فِي قَوْلِهِ لَيْسَتْ بِامْرَأَتِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ أَنْ لَا يَكُونَ عَبْدًا لَهُ أَنْ يَكُونَ حُرًّا، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْقَوْلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى. اهـ وَحَاصِلُهُ أَنَّ اللَّفْظَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كِنَايَةٌ، فَإِنْ نَوَى عَتَقَ فِيهِمَا وَإِلَّا فَلَا، لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ لِنَفَاذِ إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حُرًّا ظَاهِرًا مُعْتَقًا، فَتَكُونُ أَحْكَامُهُ أَحْكَامَ الْأَحْرَارِ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْ يَدَّعِيَهُ وَيُثْبِتَ فَيَكُونُ مِلْكًا لَهُ. اهـ (قَوْلُهُ وَقَاسَ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ جَعَلَهُ فِي حُكْمِ مَسْأَلَةِ الْخُلَاصَةِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الْعِتْقَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ لِإِقْرَارِهِ بِعَدَمِ الْمِلْكِ (قَوْلُهُ نَازَعَهُ فِي النَّهْرِ) حَيْثُ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَيْ مَسْأَلَةَ الْخُلَاصَةِ مُغَايِرَةٌ لِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ: أَيْ قَوْلُهُ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك، وَذَلِكَ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إنَّمَا أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مِلْكًا لِغَيْرِهِ. وَمَسْأَلَةُ الْخُلَاصَةِ مَوْضُوعُهَا إقْرَارُهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ أَصْلًا إمَّا لِعِتْقِهِ لَهُ أَوْ لِحُرِّيَّتِهِ الْأَصْلِيَّةِ فَتَنَبَّهْ لِهَذَا فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. اهـ. قَالَ ح قُلْت: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ أَنَّ الْحَقَّ مَعَ صَاحِبِ الْبَحْرِ فَإِنَّ الْفَرْقَ الَّذِي أَبْدَاهُ فِي النَّهْرِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ، فَإِنَّهُ إذَا نَفَى مِلْكَهُ عَنْهُ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَدَّعِيهِ سَاوَى مَنْ قِيلَ لَهُ: أَنْتَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ، وَيَدُلُّ لِمَا قُلْنَا تَسْوِيَةُ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ بَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَبَيْنَ قَوْلِهِ لَيْسَ هَذَا بِعَبْدِي تَأَمَّلْ. اهـ. قُلْت: وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَمَسْأَلَتَيْ الْخُلَاصَةِ كِنَايَةٌ فِي الْعِتْقِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ النِّيَّةِ، وَقَدْ نَصَّ فِي مَسْأَلَتَيْ الْخُلَاصَةِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْتِقْ أَيْ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ أَيْ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ عَبْدُهُ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَيْضًا فَيَنْبَغِي مَنْعُ دَعْوَاهُ فِيهَا أَيْضًا، وَلَا فَرْقَ فِي صِحَّةِ إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بَيْنَ نَفْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَقَطْ أَوْ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ، بَلْ نَفْيُهُ عَنْ غَيْرِهِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ أَوْ بِنْتِي) أَيْ أَوْ هَذِهِ بِنْتِي، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ أَوْ هَذَا بِنْتِي لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ كِنَايَةٌ وَكَلَامُهُ الْآنَ فِي الصَّرِيحِ؛ وَلَوْ قَالَ أَوْ هَذِهِ بِنْتِي لَكَانَ أَوْلَى ح، وَقَوْلُهُ إنَّهُ كِنَايَةٌ فِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحُوا لِذَلِكَ) أَيْ لِلْأُبُوَّةِ وَالْجُدُودَةِ وَالْأُمُومَةِ (قَوْلُهُ وَلِذَا جَاءَ بِالْبَاءِ إلَخْ) أَيْ إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَبِهَذَا ابْنِي بِإِعَادَةِ الْبَاءِ الْجَارَّةِ لِيُفِيدَ أَنَّهُ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ وَبِكِنَايَتِهِ مُقَابِلٌ لَهُ، وَلَوْ حَذَفَ الْبَاءَ لَأَوْهَمَ أَنَّهُ عُطِفَ عَلَى أَمْثِلَةِ الْكِنَايَةِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَمْثِلَةِ الصَّرِيحِ، وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ وَذَكَرَهُ بَعْدَ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ الْمُفَادِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ صَلَحُوا إلَخْ (قَوْلُهُ فَإِنْ صَلَحُوا) حَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا ابْنِي عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَصْلُحَ ابْنًا لَهُ بِأَنْ كَانَ مِثْلُهُ يُولَدُ لَهُ أَوْ لَا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَجْهُولَ النَّسَبِ أَوْ لَا، فَإِنْ صَلُحَ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَتَقَ وَثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ بِلَا شَكٍّ لَكِنْ يَعْتِقُ عِنْدَنَا، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ وَلَدًا لَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ. وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ، وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ فِي هَذَا أَبِي أَوْ أُمِّي فَإِنْ صَلُحَ أَبًا لَهُ أَوْ أُمًّا وَلَيْسَ لِلْقَائِلِ أَبٌ أَوْ أُمٌّ مَعْرُوفٌ ثَبَتَ النَّسَبُ وَالْعِتْقُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ صَلُحَ وَلَهُ أَبٌ مَعْرُوفٌ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَعْتِقُ عِنْدَنَا، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ، وَلَكِنْ يَعْتِقُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا، وَلَوْ قَالَ لِصَغِيرٍ هَذَا جَدِّي فَقِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِصِفَةِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِمِلْكِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فِي مَوْلِدِهِمْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: مَجْهُولُ النَّسَبِ الَّذِي يُذْكَرُ فِي الْكُتُبِ هُوَ الَّذِي لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا. اهـ وَمُخْتَارُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ شُرَّاحِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 646 وَلَيْسَ لِلْقَائِلِ أَبٌ مَعْرُوفٌ - ثَبَتَ النَّسَبُ أَيْضًا مَا لَمْ يَقُلْ ابْنِي مِنْ الزِّنَا فَيَعْتِقُ فَقَطْ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ فِيمَا سِوَى دَعْوَى الْبُنُوَّةِ؟ قَوْلَانِ، وَلَا تَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: هَذِهِ بِنْتِي أَوْ لِأَمَتِهِ هَذَا ابْنِي افْتَقَرَ لِلنِّيَّةِ وَفِي هَذَا خَالِي أَوْ عَمِّي عَتَقَ وَأَخِي لَا، مَا لَمْ يَنْوِ مِنْ النَّسَبِ (لَا) يَعْتِقُ (بِيَا ابْنِي وَيَا أَخُو) وَيَا أُخْتِي وَيَا أَبِي -   [رد المحتار] الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ فِي مَوْلِدِهِ وَمَسْقَطِ رَأْسِهِ وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْقَائِلِ أَبٌ مَعْرُوفٌ) أَرَادَ بِالْأَبِ الْأَصْلَ فَيَشْمَلُ الْجَدَّ وَالْأُمَّ. قَالَ ط: وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ وَجُهِلَ نَسَبُهُمْ (قَوْلُهُ فَيَعْتِقُ فَقَطْ) أَيْ بِلَا ثُبُوتِ نَسَبٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ بِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ، وَالزِّنَا يَنْفِي النِّسْبَةَ الشَّرْعِيَّةَ لَا الْجُزْئِيَّةَ (قَوْلُهُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ) أَيْ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ تَصْدِيقُ الْعَبْدِ لِلسَّيِّدِ، فَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَ السَّيِّدِ عَلَى مَمْلُوكِهِ يَصِحُّ بِلَا تَصْدِيقٍ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فِيمَا سِوَى دَعْوَى الْبُنُوَّةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ زَيْلَعِيٌّ. قُلْت: وَمَشَى فِي كَافِي الْحَاكِمِ عَلَى الثَّانِي حَيْثُ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ: وَصُدِّقَا فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الِابْنِ (قَوْلُهُ وَلَا تَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: ثُمَّ إذَا قَالَ هَذَا ابْنِي هَلْ تَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِهِ؟ فَقِيلَ لَا سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ مَجْهُولَ النَّسَبِ أَوْ مَعْرُوفَهُ، وَقِيلَ تَصِيرُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَقِيلَ إنْ كَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ حَتَّى لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَهُ حَتَّى ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَهَذَا أَعْدَلُ. اهـ وَبِهِ عُلِمَ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مِنْ الْإِطْلَاقِ فِي مَحَلِّ التَّفْصِيلِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ افْتَقَرَ لِلنِّيَّةِ) فِيهِ نَظَرٌ. فَفِي الْمُجْتَبَى: قَالَ لِغُلَامِهِ هَذِهِ بِنْتِي أَوْ لِجَارِيَتِهِ هَذَا ابْنِي يَعْتِقُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ الْكُلِّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ. وَقَالَ فِي النَّهْرِ: قَالَ فِي الْمُجْتَبَى: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ يَعْنِي إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ لِأَمَتِهِ أَنْتَ حُرٌّ ذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ صَرِيحٌ وَفِي بَعْضِهَا كِنَايَةٌ. اهـ فَقَوْلُهُ: يَعْنِي إلَّا بِالنِّيَّةِ إلَخْ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْمُجْتَبَى كَمَا عَلِمْت، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ لَا يَدُلُّ لَهُ لِجَوَازِ كَوْنِ التَّأْنِيثِ فِي قَوْلِهِ لِلْعَبْدِ أَنْتِ حُرَّةٌ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ ذَاتًا أَوْ جُثَّةً أَوْ نَسَمَةً، وَالتَّذْكِيرُ فِي قَوْلِهِ لِلْأَمَةِ أَنْتَ حُرٌّ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا شَخْصًا أَوْ خَلْقًا بِخِلَافِ إطْلَاقِ الْبِنْتِ عَلَى الِابْنِ وَعَكْسِهِ، لِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ قَالَ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ: لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَجَازٌ عَنْ عِتْقٍ فِي الذَّكَرِ وَالثَّانِي عَنْهُ فِي الْأُنْثَى، فَانْتَفَى حَقِيقَتُهُ لِانْتِفَاءِ مَحَلٍّ يَنْزِلُ فِيهِ، وَلَا يُتَجَوَّزُ فِي لَفْظِ الِابْنِ فِي الْبِنْتِ وَعَكْسِهِ اتِّفَاقًا. ثُمَّ قَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْهِدَايَةِ بَيَانٌ لِتَعَذُّرِ عِتْقِهِ بِطَرِيقٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَتْ الْإِشَارَةُ وَالتَّسْمِيَةُ وَالْمُسَمَّى مِنْ جِنْسِ الْمُشَارِ تَعَلَّقَ بِالْمُشَارِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسَمَّى، وَالْمُشَارُ إلَيْهِ هُنَا مَعَ الْمُسَمَّى جِنْسَانِ؛ لِأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فِي الْإِنْسَانِ جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْمُسَمَّى: أَعْنِي مُسَمَّى بِنْتٍ، وَهُوَ مَعْدُومٌ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ ذَكَرٌ. اهـ. فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ بِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ كَوْنُ الْكَلَامِ لَغْوًا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ سَوَاءٌ نَوَى أَوْ لَا. وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ لِلْعَبْدِ هَذَا بِنْتِي أَوْ هَذِهِ بِنْتِي بِتَذْكِيرِ اسْمِ الْإِشَارَةِ أَوْ تَأْنِيثِهِ؛ لِأَنَّ اللَّغْوَ جَاءَ مِنْ إطْلَاقِ الْبِنْتِ عَلَى الِابْنِ حَيْثُ لَا يُسْتَعْمَلُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، وَمِنْ كَوْنِهِ خِلَافَ جِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ كَمَا لَوْ بَاعَ فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَيَدُلُّ لِمَا قُلْنَا: أَنَّهُ فِي مَتْنِ الْمُنْتَقَى عَبَّرَ بِقَوْلِهِ هَذَا ابْنَتِي (قَوْله عَتَقَ) أَيْ بِلَا خِلَافٍ فَتْحٌ، وَيَنْبَغِي تَوَقُّفُهُ عَلَى النِّيَّةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَأَخِي لَا) أَيْ وَفِي قَوْلِهِ هَذَا أَخِي لَا يَعْتِقُ بِدُونِ نِيَّةٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفَرَّقَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ الْأُخُوَّةَ تَحْتَمِلُ الْإِكْرَامَ وَالنَّسَبَ، بِخِلَافِ الْعَمِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ لِلْإِكْرَامِ عَادَةً وَهَذَا كُلُّهُ إذَا اقْتَصَرَ؛ فَلَوْ قَالَ أَخُو مِنْ أَبِي أَوْ مِنْ أُمِّي أَوْ مِنْ النَّسَبِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا اقْتَصَرَ يَكُونُ مِنْ الْكِنَايَاتِ فَيَعْتِقُ بِالنِّيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَعْتِقُ بِيَا ابْنِي وَيَا أَخِي) أَيْ بِدُونِ نِيَّةٍ كَمَا يَأْتِي. قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 647 (وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك وَلَا بِأَلْفَاظِ الطَّلَاقِ) صَرِيحِهِ وَكِنَايَتِهِ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ كَمَا مَرَّ (وَإِنْ نَوَى) قُيِّدَ لِلْأَخِيرَةِ لِتَوَقُّفِهِ فِي النِّدَاءِ عَلَى النِّيَّةِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْكَمَالِ، وَكَذَا نَفَى السُّلْطَانُ كَمَا رَجَّحَهُ الْكَمَالُ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ. (وَ) كَذَا (أَنْتِ مِثْلُ الْحُرِّ) يَعْتِقُ بِالنِّيَّةِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَغَيْرُهُ (إلَّا فِي قَوْلِهِ) أَطْلَقْتُك وَلَوْ لِعَبْدِهِ فَتْحٌ (أَمْرُك بِيَدِك أَوْ اخْتَارِي فَإِنَّهُ عِتْقٌ مَعَ النِّيَّةِ) فَإِنَّهُ مِنْ كِنَايَاتِ الْعِتْقِ أَيْضًا، وَلَا بِدْعَ بَدَائِعَ، وَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ، وَكَذَا اخْتَرْ الْعِتْقَ أَوْ أَمْرُ عِتْقِكَ بِيَدِك وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ لِلنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ كَالطَّلَاقِ، وَلَا عِتْقَ بِنَحْوِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ   [رد المحتار] وَعَنْهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ. وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالنِّدَاءِ اسْتِحْضَارُ الْمُنَادَى، فَإِنْ كَانَ بِوَصْفٍ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ نَحْوُ يَا حُرٌّ كَانَ لِإِثْبَاتِ ذَلِكَ الْوَصْفِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَالْبُنُوَّةِ كَانَ لِمُجَرَّدِ الْإِعْلَامِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَعْرُوفَ النَّسَبِ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ، إذْ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ تَصْدِيقًا لَهُ فَيَعْتِقُ. اهـ. وَلَوْ قَالَ يَا أَخِي مِنْ أُمِّي أَوْ أَبِي أَوْ مِنْ النَّسَبِ عَتَقَ كَمَا مَرَّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْكَ) ؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْحُجَّةِ وَالْيَدِ وَنَفْيُ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَسْتَدْعِي نَفْيَ الْمِلْكِ كَالْمُكَاتَبِ يَثْبُتُ لِلْمَوْلَى فِيهِ الْمِلْكُ دُونَ الْيَدِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ) وَهُوَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِأَلْفَاظِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ تَسْتَلْزِمُ إزَالَةَ مِلْكِ الْمُتْعَةِ بِلَا عَكْسٍ دُرَرٌ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي أَوَّلِ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ قَيْدٌ لِلْأَخِيرَةِ) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ نَوَى رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ وَهِيَ أَلْفَاظُ الطَّلَاقِ، أَمَّا الْأُولَى وَهِيَ مَسْأَلَةُ النِّدَاءِ وَالثَّانِيَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ نَفْيِ السُّلْطَانِ فَيَتَوَقَّفُ وُقُوعُ الْعِتْقِ فِيهِمَا عَلَى النِّيَّةِ فَهُمَا مِنْ كِنَايَاتِهِ. (قَوْلُهُ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْكَمَالِ) أَيْ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ، وَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْهَا عَنْ التُّحْفَةِ وَقَالَ: فَحِينَئِذٍ لَا يَنْبَغِي الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ أَيْضًا. قُلْت: بَلْ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ بَحْثِ الْفَتْحِ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْعِتْقُ بِلَا نِيَّةٍ إذَا كَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ (قَوْلُهُ كَمَا رَجَّحَهُ الْكَمَالُ) وَنَقَلَهُ أَيْضًا عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، إذْ لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَا سَبِيلَ. وَعَنْ الْإِمَامِ الْكَرْخِيِّ: فَنِيَ عُمْرِي وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ تَقْرِيرِ عَدَمِ الْفَرْقِ. وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ كَوْنُهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ (قَوْلُهُ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ) وَكَذَا فِي النَّهْرِ والشُّرُنبُلالِيَّة وَالْمَقْدِسِيِّ. (قَوْلُهُ يَعْتِقُ بِالنِّيَّةِ) الْأَوْلَى لَا يَعْتِقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَغَيْرُهُ) أَيْ ذَكَرَ اشْتِرَاطَ النِّيَّةِ لِلْعِتْقِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَغَايَةِ الْبَيَانِ، وَعَزَاهُ فِي النَّهْرِ إلَى الْعِنَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ إلَّا فِي قَوْلِهِ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَبِأَلْفَاظِ الطَّلَاقِ، وَزَادَ قَوْلَهُ أَطْلَقْتُك مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ لِتَكْمِيلِ مَا اسْتَثْنَى، وَلَكِنَّ اسْتِثْنَاءَ الْأَمْرِ بِالْيَدِ، وَالِاخْتِيَارُ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ كِنَايَاتِ التَّفْوِيضِ لَا كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ أَوْ اخْتَارِي) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ إلَى الْبَدَائِعِ. قُلْت: وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ فَفِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ: إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَمَتِهِ: أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي بِهِ الْعِتْقَ يَصِيرُ الْعِتْقُ بِيَدِهَا حَتَّى لَوْ أَعْتَقَتْ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ جَازَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي يَنْوِي الْعِتْقَ لَا يَصِيرُ الْعِتْقُ فِي يَدِهَا، فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ اخْتَارِي فِي الْعِتْقِ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الطَّلَاقِ. اهـ كَلَامُ الذَّخِيرَةِ، وَكَذَا صَرَّحَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا لَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ، وَإِنْ نَوَاهُ. اهـ. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَيْضًا فِي كَافِي الْحَاكِمِ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا فِي الْأَصْلِ وَالْكَافِي هُوَ نَصُّ الْمَذْهَبِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فَاغْتَنِمْهُ. (قَوْلُهُ وَلَا بِدَعُ) أَيْ لَيْسَ ذَلِكَ أَمْرًا مُنْفَرِدًا خَارِجًا عَنْ نَظَائِرِهِ، وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ فَهُوَ مِنْ كِنَايَاتِ الْعِتْقِ أَيْضًا: أَيْ كَمَا أَنَّهُ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الْعِتْقَ وَغَيْرَهُ كَانَ مِنْ كِنَايَاتِهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَيَتَوَقَّفُ) أَيْ الْعِتْقُ فِي أَمْرُك بِيَدِك وَاخْتَارِي، بِخِلَافِ أَطْلَقْتُك فَإِنَّهُ لَا تَمْلِيكَ فِيهِ حَتَّى يَتَوَقَّفَ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ لِلنِّيَّةِ) ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ حَيْثُ ذَكَرَ لَفْظَ الْعِتْقِ ح (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ) تَعْلِيلٌ لِلتَّشْبِيهِ: أَيْ وَكَذَا اخْتَرْ الْعِتْقَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 648 وَإِنْ نَوَى، لَكِنْ يُكَفِّرُ بِوَطْئِهَا. (وَ) يَصِحُّ أَيْضًا (بِقَوْلِهِ عَبْدِي أَوْ حِمَارِي) أَوْ جِدَارِي (حُرٌّ) كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَهِيمَةٍ أَوْ حَجَرٍ وَقَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ، لَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ الْحَيَّةِ وَالْمَيِّتَةِ جَوْهَرَةٌ وَزَيْلَعِيٌّ. (وَ) يَصِحُّ أَيْضًا (بِمِلْكِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) أَيْ قَرِيبٍ حَرُمَ نِكَاحُهُ أَبَدًا، وَلَوْ شِقْصًا فَيَعْتِقُ بِقَدْرِهِ عِنْدَهُ، أَوْ حَمْلًا كَشِرَاءِ زَوْجَةِ أَبِيهِ الْحَامِلِ -   [رد المحتار] ح أَوْ هُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ يَتَوَقَّفُ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ ح (قَوْلُهُ لَكِنْ يُكَفِّرُ بِوَطْئِهَا) ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك ح. (قَوْلُهُ بِقَوْلِهِ عَبْدِي أَوْ حِمَارِي) يَعْنِي جَمَعَ بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ، وَقَوْلُهُ أَوْ جِدَارِي أَيْ بَدَلَ حِمَارِي وَهَذَا عِنْدَهُ. وَقَالَا لَا يَصِحُّ وَبَيَانُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ ط (قَوْلُهُ الْحَيَّةِ) نَعْتٌ لِامْرَأَتِهِ وَأَمَتِهِ، وَأَفْرَدَهُ لِكَوْنِ الْعَطْفِ بِأَوْ، وَقَوْلُهُ وَالْمَيِّتَةِ بِمَعْنَى وَامْرَأَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ الْمَيِّتَةِ فَهُوَ مُقَابِلُ مَدْخُولِ بَيْنَ (قَوْلُهُ جَوْهَرَةٌ) وَنَصُّهَا: وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَبَيْنَ مَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ كَالْبَهِيمَةِ وَالْحَائِطِ وَالسَّارِيَةِ فَقَالَ عَبْدِي حُرٌّ أَوْ هَذَا أَوْ قَالَ أَحَدُكُمَا عَتَقَ الْعَبْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ، وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَوَّلًا لَا يَعْتِقُ إجْمَاعًا، وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ أَحَدُكُمَا لَمْ يَعْتِقْ عَبْدُهُ إجْمَاعًا إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الْغَيْرِ لَا يُوصَفُ بِالْحُرِّيَّةِ إلَّا مِنْ جِهَةِ مَوْلَاهُ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْقَعَ حُرِّيَّةً مَوْقُوفَةً عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى، وَكَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ أَمَةٍ حَيَّةٍ وَأَمَةٍ مَيِّتَةٍ فَقَالَ أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ هَذِهِ أَوْ إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ لَمْ تَعْتِقْ أَمَتُهُ،؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَةَ تُوصَفُ بِالْحُرِّيَّةِ فَيُقَالُ مَاتَتْ حُرَّةٌ وَمَاتَتْ أَمَةٌ فَلَا تَخْتَصُّ الْحُرِّيَّةُ بِأَمَتِهِ. اهـ ح. مَطْلَبٌ فِي مِلْكِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ (قَوْلُهُ بِمِلْكِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) شَمِلَ الْمِلْكَ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَشَمِلَ مَا لَوْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ فَدَخَلَ مَا إذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ مَوْلَاهُ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ، أَمَّا الْمَدْيُونُ فَلَا يَعْتِقُ مَا اشْتَرَاهُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَخَرَجَ الْمُكَاتَبُ إذَا اشْتَرَى ابْنَ مَوْلَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ اتِّفَاقًا بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْقُنْيَةِ: وَطِئَ جَارِيَةَ أَبِيهِ فَوَلَدَتْ مِنْهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَلَدِ ادَّعَى الْوَاطِئُ الشُّبْهَةَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ وَلَدِهِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ كَمَنْ زَنَى بِجَارِيَةِ غَيْرِهِ فَوَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ مَالِكُ الْوَلَدِ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ. اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ: لَوْ اشْتَرَى أَخَاهُ مِنْ الزِّنَا لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْأَبِ وَنِسْبَةُ الْأَبِ مُنْقَطِعَةٌ فَلَا تُثْبِتُ الْأُخُوَّةَ. قَالُوا إلَّا إذَا كَانَ مِنْ أُمِّهِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهُ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْوَلَدِ إلَيْهَا لَا تَنْقَطِعُ فَتَكُونُ الْأُخُوَّةُ ثَابِتَةً. اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ قَرِيبٍ) تَفْسِيرٌ لِذِي الرَّحِمِ، وَقَوْلُهُ حَرُمَ نِكَاحُهُ أَبَدًا تَفْسِيرٌ لِلْمَحْرَمِ: قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى ثُمَّ الْمَحْرَمَانِ شَخْصَانِ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى فَالْمَحْرَمُ بِلَا رَحِمٍ كَابْنِهِ رَضَاعًا وَزَوْجَةَ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ فَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، وَكَذَا الرَّحِمُ بِلَا مَحْرَمٍ كَبَنِي الْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كَافِي وَغَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ لِتَجَزُّؤِ الْعِتْقِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا ط (قَوْلُهُ أَوْ حَمْلًا إلَخْ) فَيَعْتِقُ دُونَ أُمِّهِ، وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ أَخَاهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ بَدَائِعُ، وَهَذَا مَنَافٍ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الْحَمْلَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمَمْلُوكِ، حَتَّى لَا يَعْتِقَ بِكُلِّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ فَيَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ بَحْرٌ. وَأَقُولُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ مِلْكًا كَوْنُهُ مَمْلُوكًا مُطْلَقًا نَهْرٌ. وَتَوْضِيحُهُ: أَنَّ الْمَمْلُوكَ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ حَيْثُ أَطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى ذَاتٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ مُسْتَقِلَّةٍ بِنَفْسِهَا وَالْحَمْلُ جُزْءٌ مِنْ أُمِّهِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مِلْكًا لَهُ أَنْ يَصْدُقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَمْلُوكٍ حَيْثُ أَطْلَقَ، وَهُنَا عَلَّقَ الْعِتْقَ عَلَى دُخُولِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 649 مِنْهُ (وَلَوْ) الْمَالِكُ (صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ كَافِرًا) فِي دَارِنَا، حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ الْمُسْلِمُ أَوْ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَعْتِقُ بِعِتْقِهِ بَلْ بِالتَّخْلِيَةِ فَلَا وَلَاءَ لَهُ خِلَافًا لِلثَّانِي؛ وَلَوْ عَبْدَهُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا عَتَقَ بِالِاتِّفَاقِ لِعَدَمِ مَحَلِّيَّتِهِ لِلِاسْتِرْقَاقِ زَيْلَعِيٌّ. [مَطْلَبٌ فِي مِلْكِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ] (وَ) يَصِحُّ أَيْضًا بِتَحْرِيرٍ (لِوَجْهِ اللَّهِ وَالشَّيْطَانِ وَالصَّنَمِ وَإِنْ) أَثِمَ وَ (كَفَرَ بِهِ) أَيْ بِالْإِعْتَاقِ لِلصَّنَمِ (الْمُسْلِمُ عِنْدَ قَصْدِ التَّعْظِيمِ) ؛ لِأَنَّ تَعْظِيمَ الصَّنَمِ كُفْرٌ. وَعِبَارَةُ الْجَوْهَرَةِ: لَوْ قَالَ لِلشَّيْطَانِ أَوْ لِلصَّنَمِ كَفَرَ. (وَ) يَصِحُّ أَيْضًا (بِكَرْهٍ) -   [رد المحتار] الْقَرِيبِ فِي مِلْكِهِ لَا عَلَى كَوْنِهِ مِمَّا يَصْدُقُ عَلَيْهِ لَفْظُ مَمْلُوكٍ مُطْلَقٌ، فَلِذَا دَخَلَ الْحَمْلُ هُنَا لَا هُنَاكَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ الْمَالِكُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا) إنَّمَا جُعِلَا أَهْلًا لِعِتْقِ الْقَرِيبِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ فَشَابَهَ النَّفَقَةَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فِي دَارِنَا) أَيْ دَارِ الْإِسْلَامِ، قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لَنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ فِي دَارِنَا، وَكَانَ الْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ حَتَّى لَوْ مَلَك قَرِيبَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، لَكِنْ أَفَادَ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَعْتِقُ بِالْإِعْتَاقِ الصَّرِيحِ فَكَذَلِكَ بِالْمِلْكِ بِالْأَوْلَى، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْفَتْحِ فَقَالَ: فَلَوْ مَلَكَ قَرِيبَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ أَعْتَقَ الْمُسْلِمُ قَرِيبَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَعْتِقُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ذُكِرَ الْخِلَافُ فِي الْإِيضَاحِ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: عِتْقُ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَرِيبَهُ بَاطِلٌ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا، فَأَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ وَخَلَّاهُ فَقَالَ فِي الْمُخْتَلِفِ: يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَوَلَاؤُهُ لَهُ وَقَالَا: لَا وَلَاءَ لَهُ لَكِنَّهُ عَتَقَ بِالتَّخْلِيَةِ لَا بِالْإِعْتَاقِ فَهُوَ كَالْمُرَاغَمِ ثُمَّ قَالَ الْمُسْلِمُ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَاشْتَرَى عَبْدًا حَرْبِيًّا فَأَعْتَقَهُ ثَمَّةَ الْقِيَاسُ لَا يَعْتِقُ بِدُونِ التَّخْلِيَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَعْتِقُ مِنْ غَيْرِ تَخْلِيَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَنْقَطِعْ عَنْهُ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا وَلَاءَ لَهُ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهُ الْوَلَاءُ، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ، وَذُكِرَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي كِتَابِ السِّيَرِ وَعَلَى هَذَا فَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الْإِيضَاحِ أَنْ يُرَادَ بِالْمُسْلِمِ ثَمَّةَ الَّذِي نَشَأَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَهُنَا نَصَّ عَلَى أَنَّهُ دَاخِلٌ هُنَاكَ بَعْدَ أَنْ كَانَ هُنَا فَلِذَا لَمْ تَنْقَطِعْ عَنْهُ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ. اهـ مَا فِي الْفَتْحِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ بَقِيَ حَرْبِيًّا لَوْ مَلَك أَوْ عَتَقَ قَرِيبَهُ ثَمَّةَ لَا يَعْتِقُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ إلَّا إذَا خَلَّى سَبِيلَهُ، بِأَنْ رَفَعَ يَدَهُ عَنْهُ وَأَطْلَقَهُ فَيَعْتِقُ بِالتَّخْلِيَةِ لَا بِالْإِعْتَاقِ وَلَا وَلَاءَ لَهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. فَعِنْدَهُ لَهُ الْوَلَاءُ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ الْأَصْلِيُّ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَاشْتَرَى عَبْدًا حَرْبِيًّا فَأَعْتَقَهُ ثَمَّةَ فَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِدُونِ التَّخْلِيَةِ وَلَهُ الْوَلَاءُ، وَعَلَى هَذَا فَإِطْلَاقُ الشَّارِحِ الْمُسْلِمَ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِ نَاشِئًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَالْأَحْسَنُ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ؛ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ الْمُسْلِمُ الْحَرْبِيُّ بِدُونِ أَوْ: أَيْ الْمُسْلِمُ النَّاشِئُ فِي دَارِ الْحَرْبِ (قَوْلُهُ عَبْدَهُ) أَيْ الْحَرْبِيِّ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وَلَوْ عَبْدَهُ مُسْلِمًا إلَخْ ح (قَوْلُهُ فَلَا وَلَاءَ لَهُ) تَفْرِيعٌ عَلَى عِتْقِهِ بِالتَّخْلِيَةِ لَا بِالْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ مِنْ أَحْكَامِ الْإِعْتَاقِ وَلَمْ يَعْتِقْ بِهِ (قَوْلُهُ عَتَقَ بِالِاتِّفَاقِ) أَيْ بِإِعْتَاقِ سَيِّدِهِ أَوْ بِشِرَائِهِ إنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ ح. (قَوْلُهُ وَبِتَحْرِيرٍ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ نَجَّزَ الْحُرِّيَّةَ وَبَيَّنَ غَرَضَهُ الصَّحِيحَ أَوْ الْفَاسِدَ فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَالْمُرَادُ بِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى ذَاتُهُ أَوْ رِضَاهُ وَالشَّيْطَانُ وَاحِدُ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ أَوْ الْجِنِّ، بِمَعْنَى مَرَدَتِهِمْ. وَالصَّنَمُ: صُورَةُ الْإِنْسَانِ مِنْ خَشَبٍ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَلَوْ مِنْ حَجَرٍ فَهُوَ وَثَنٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَثِمَ وَكَفَرَ بِهِ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. فَالْإِثْمُ فِي الْإِعْتَاقِ لِلشَّيْطَانِ وَالْكُفْرُ فِي الْإِعْتَاقِ لِلصَّنَمِ بِقَرِينَةِ تَفْسِيرِهِ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ، وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي زِيَادَتِهِ لَفْظَ أَثِمَ لَكِنْ لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا، وَمَا فَعَلَهُ الشَّارِحُ هُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْبَحْرِ أَيْضًا. وَالْأَظْهَرُ مَا فِي الْمَتْنِ وَالْجَوْهَرَةِ مِنْ الْكُفْرِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 650 أَيْ إكْرَاهٍ وَلَوْ غَيْرَ مُلْجِئٍ (وَسُكْرٍ بِسَبَبِ مَحْظُورٍ) سَيَجِيءُ أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ فَلَا يَخْرُجُ إلَّا شُرْبُ الْمُضْطَرِّ فَإِنَّهُ كَالْإِغْمَاءِ. (وَ) يَصِحُّ أَيْضًا مَعَ (هَزْلٍ) هُوَ عَدَمُ قَصْدِ حَقِيقَةٍ وَلَا مَجَازٍ (وَإِنْ عَلَّقَ) الْعِتْقَ (بِشَرْطٍ) كَدُخُولِ دَارٍ (صَحَّ) وَعَتَقَ إنْ دَخَلَ (وَالتَّعْلِيقُ بِأَمْرٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ، فَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ) وَهُوَ فِي مِلْكِهِ (إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ لِلْحَالِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِمُكَاتَبِهِ إنْ أَنْتَ عَبْدِي فَأَنْتَ حُرٌّ) لَا يَعْتِقُ لِقُصُورِ الْإِضَافَةِ ظَهِيرِيَّةٌ. وَفِيهَا تُصْبِحُ حُرًّا تَعْلِيقٌ وَتَقُومُ حُرًّا وَتَقْعُدُ حُرًّا تَنْجِيزٌ قَالَ: إنْ سَقَيْت حِمَارِي فَذَهَبَ بِهِ لِلْمَاءِ وَلَمْ يَشْرَبْ عَتَقَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ عَرْضُ الْمَاءِ عَلَيْهِ. قَالَ عَبْدِي الَّذِي هُوَ قَدِيمُ الصُّحْبَةِ حُرٌّ عَتَقَ مَنْ صَحِبَهُ سَنَةً هُوَ الْمُخْتَارُ؛ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَتْقٌ وَنَوَى فِي الْمِلْكِ دُيِّنَ وَلَوْ زَادَ فِي السِّنِّ لَا يَعْتِقُ.   [رد المحتار] قَوْلُهُ أَيْ إكْرَاهٍ) هُوَ حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى مَا لَا يَرْضَاهُ بَحْرٌ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَصْدَرُ الْمَزِيدِ؛ لِأَنَّ الْكُرْهَ أَثَرُ الْإِكْرَاهِ، لَكِنْ كُلٌّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ أَيْضًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ غَيْرُ مُلْجِئٍ) الْمُلْجِئُ مَا يُفَوِّتُ النَّفْسَ أَوْ الْعُضْوَ، وَغَيْرُ الْمُلْجِئِ بِخِلَافِهِ وَالْأَوْلَى الْمُبَالَغَةُ بِالْمُلْجِئِ كَمَا لَا يَخْفَى ط. وَتَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى الْمُكْرَهِ جَوْهَرَةٌ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: قَالَ لِمَوْلَاهُ فِي مَوْضِعٍ خَالٍ إنْ أَعْتَقْتنِي وَإِلَّا قَتَلْتُك فَأَعْتَقَهُ مَخَافَةَ الْقَتْلِ يَعْتِقُ وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لِمَوْلَاهُ (قَوْلُهُ سَيَجِيءُ) أَيْ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ أَيْ كُلَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرُمَ قَلِيلُهُ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَشْرِبَةُ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ وَالْمُثَلَّثُ لَا بِقَصْدِ السُّكْرِ بَلْ بِقَصْدِ الِاسْتِمْرَاءِ وَالتَّقَوِّي وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ بِلَا طَبْخٍ، فَالسُّكْرُ بِهَا يَكُونُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ كَالسُّكْرِ مِنْ الْخَمْرِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ إذَا شَرِبَهَا لَا بِقَصْدِ الْمَعْصِيَةِ فَلَا يَكُونُ مَحْظُورًا فَإِذَا سَكِرَ بِهَا لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَا عَتَاقُهُ، أَمَّا لِلسُّكْرِ نَفْسِهِ فَهُوَ حَرَامٌ اتِّفَاقًا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَحْرُمُ الْقَدْرُ الْمُؤَدِّي إلَى الْإِسْكَارِ، حَتَّى لَوْ عَلِمَ أَنَّ شُرْبَ كَأْسَيْنِ لَا يُسْكِرُ وَإِنَّمَا يُسْكِرُ الْكَأْسُ الثَّالِثُ حَرُمَ شُرْبُ الثَّالِثِ فَقَطْ عِنْدَ الْإِمَامِ، فَلَوْ سَكِرَ مِنْ كَأْسَيْنِ لَمْ يَكُنْ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ الْحَرَامَ كُلُّ ذَلِكَ وَإِنْ قَلَّ كَالْخَمْرِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ فَلَا يَخْرُجُ) أَيْ عَنْ السَّبَبِ الْمَحْظُورِ إلَّا شُرْبُ الْمُضْطَرِّ: أَيْ لِإِسَاغَةِ اللُّقْمَةِ أَوْ بِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ، وَمِثْلُهُ مَا يَحْصُلُ مِنْ مُبَاحٍ كَالْعَسَلِ عِنْدَ غَلَبَةِ الصَّفْرَاءِ. (قَوْلُهُ مَعَ هَزْلٍ) هُوَ اللَّعِبُ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِشَرْطٍ إلَخْ) شَمِلَ تَعْلِيقُهُ بِالْمِلْكِ أَوْ بِسَبَبِهِ كَمَا مَرَّ التَّصْرِيحُ بِهِ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْلِيقِهِ عَلَى مِلْكٍ صَحِيحٍ. فَفِي الْجَوْهَرَةِ: لَوْ قَالَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْعَبْدُ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا أَسْتَقْبِلُ فَهُوَ حُرٌّ فَعَتَقَ ثُمَّ مَلَك مَمْلُوكًا لَا يَعْتِقُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ. وَإِنْ قَالَ: إذَا عَتَقْت فَمَلَكْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَأُعْتِقَ فَمَلَك عَبْدًا عَتَقَ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْحُرِّيَّةَ إلَى مِلْكٍ صَحِيحٍ، وَإِنْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَقُولَ أَنَا اشْتَرَيْتُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَتَقَ إنْ دَخَلَ) أَيْ إنْ بَقِيَ فِي مِلْكِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَإِخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ إلَّا فِي التَّدْبِيرِ خَاصَّةً جَوْهَرَةٌ، وَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ عَتَقَ كَافِيٌّ (قَوْلُهُ لِقُصُورِ الْإِضَافَةِ) ؛ لِأَنَّ فِي إضَافَةِ الْمُكَاتَبِ إلَى نَفْسِهِ بِعِنْوَانٍ الْعَبْدُ قُصُورًا أَيْ عَدَمَ تَحَقُّقٍ؛ إذْ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ إنْ أَنْتَ عَبْدِي إنْ كَانَ لَا يَصْدُرُ مِنْك أَمْرٌ إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتَ حُرٌّ وَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ط وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ، وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ نَاقِصٌ (قَوْلُهُ تَعْلِيقٌ) كَأَنَّهُ قَالَ إذَا أَصْبَحْت فَأَنْتَ حُرٌّ ط (قَوْلُهُ تَنْجِيزٌ) ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ مَعْتُوقٌ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ ط (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ عَرْضُ الْمَاءِ عَلَيْهِ) أَيْ لَا إزَالَةَ لِعَطَشٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَلِأَنَّهُ يُقَالُ سَقَيْته فَلَمْ يَشْرَبْ (قَوْلُهُ عَتَقَ مِنْ صَحِبَهُ سَنَةً) الْمُرَادُ أَنَّهُ يَعْتِقُ مَنْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ مُنْذُ سَنَةٍ صَاحَبَهُ أَوْ لَا ط (قَوْلُهُ وَنَوَى فِي الْمِلْكِ) أَيْ أَنَّهُ قَدِيمٌ فِي مِلْكِهِ ط (قَوْلُهُ دُيِّنَ) وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً (قَوْلُهُ وَلَوْ زَادَ فِي السِّنِّ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 651 (وَعَتَقَ بِمَا أَنْتِ إلَّا حُرٌّ) لَا بِمَا أَنْتِ إلَّا مِثْلَ الْحُرِّ، وَإِنْ نَوَى، وَلَا بِكُلِّ مَالِي حُرٌّ وَلَا بِكُلِّ عَبْدٍ فِي الْأَرْضِ أَوْ كُلِّ عَبِيدِ الدُّنْيَا أَوْ أَهْلِ بَلَخٍ حُرٌّ عِنْدَ الثَّانِي وَبِهِ يُفْتَى، بِخِلَافِ هَذِهِ السِّكَّةِ أَوْ الدَّارِ بِحُرٍّ. (حُرِّرَ حَامِلًا عَتَقَا) أَصَالَةً وَقَصْدًا (إذَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ) وَلِأَكْثَرَ عَتَقَ تَبَعًا، وَثَمَرَتُهُ   [رد المحتار] أَيْ صَرَّحَ بِذَلِكَ، بِأَنْ قَالَ أَنْتِ عَتِيقٌ فِي السِّنِّ: أَيْ كَبِيرُ السِّنِّ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ أَنْتِ حُرُّ النَّفْسِ يَعْنِي فِي الْأَخْلَاقِ عَتَقَ فِي الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ وَعَتَقَ بِمَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ عَلَى إثْبَاتِ وَجْهِ التَّأْكِيدِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ هِدَايَةٌ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا نَقَلَهُ الْحَمَوِيُّ عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي: إذَا أَمَرَ غُلَامَهُ بِشَيْءٍ فَامْتَنَعَ فَقَالَ لَهُ مَا أَنْتِ إلَّا حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ ذَكَرَهُ أَبُو السُّعُودِ. قَالَ ط:؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا أَفْعَالُكَ هَذِهِ إلَّا أَفْعَالُ الْحُرِّ. (قَوْلُهُ لَا بِمَا أَنْتَ إلَّا مِثْلُ الْحُرِّ) وَإِنْ نَوَى، كَذَا نَقَلَهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الْمُحِيطِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ نَقَلَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ الْمُحِيطِ بِدُونِ قَوْلِهِ وَإِنْ نَوَى، وَكَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ لَكِنْ بِدُونِ عَزْوٍ، نَعَمْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ: لَا يَصِحُّ بِقَوْلِهِ: أَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ أَوْ الْحُرَّةِ وَإِنْ نَوَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ يَعْتِقُ بِالنِّيَّةِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. اهـ. وَاقْتَصَرَ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى الثَّانِي وَقَالَ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا، وَهِيَ قَدْ تَكُونُ عَامَّةً وَقَدْ تَكُونُ خَاصَّةً، فَلَا يَعْتِقُ بِلَا نِيَّةٍ لِلشَّكِّ (قَوْلُهُ وَلَا بِكُلِّ مَالِي حُرٌّ) ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الصَّفَاءُ وَالْخُلُوصُ عَنْ شَرِكَةِ الْغَيْرِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ أَهْلُ بَلْخٍ) أَيْ كُلُّ عَبِيدِ أَهْلِ بَلْخٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَلْخٍ وَلَمْ يَنْوِ عَبْدَهُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى عَبْدَهُ يَعْتِقُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ يُقَالُ فِي كُلِّ عَبْدِهِ فِي الْأَرْضِ وَعَبِيدِ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ: وَلَوْ قَالَ وَلَدُ آدَمَ كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ لَا يَعْتِقُ عَبْدُهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ حُرٌّ) أَفْرَدَ الْخَبَرَ نَظَرًا لِلَفْظِ كُلٍّ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ط (قَوْلُهُ بِخِلَافِ هَذِهِ السِّكَّةِ أَوْ الدَّارِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَقَالَ قَبْلَهُ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ كُلُّ عَبْدٍ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ: يَعْنِي الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَهُوَ حُرٌّ وَعَبْدُهُ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ، أَوْ وَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ طَالِقٌ وَامْرَأَتُهُ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا. اهـ وَحِينَئِذٍ فَالْفَرْقُ بَيْنَ السِّكَّةِ وَالْجَامِعِ أَنَّ الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ فِي حُكْمِ الْبَلْدَةِ لِكَوْنِهِ جَامِعًا لِأَهْلِهَا؛ وَلِذَا قَيَّدَهُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، بِخِلَافِ السِّكَّةِ؛ لِأَنَّ لَهَا أَهْلًا مَحْصُورِينَ فَلِذَا عَتَقَ فِيهَا بِلَا نِيَّةٍ اتِّفَاقًا، هَذَا وَالشَّارِحُ عَزَا الْمَسْأَلَةَ إلَى الْبَحْرِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْبَحْرِ لَمْ يَذْكُرْ السِّكَّةَ بَلْ ذَكَرَ الدَّارَ. (قَوْلُهُ عَتَقَا) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا اسْتَثْنَى حَمْلَهَا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ تَبَعًا لَهَا كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ أَصَالَةً) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَعَطْفُ الْقَصْدِ عَلَيْهَا مِنْ عَطْفِ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ ط. أَمَّا فِي الْأُمِّ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْجَنِينِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ جُزْءٌ، وَالتَّحْرِيرُ الْمُسَلَّطُ عَلَى الْكُلِّ مُسَلَّطٌ عَلَى الْجُزْءِ أَصَالَةً وَقَصْدًا، وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَ الْبَحْرِ عَتَقَا: أَيْ الْأُمُّ وَالْحَمْلُ تَبَعًا لَهَا؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْجُزْءِ فِي ضِمْنِ الْكُلِّ ح، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ، فَإِنْ خَرَجَ أَكْثَرُهُ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُنْفَصِلِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَلَوْ مَاتَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَرِثُ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إذَا وَلَدَتْهُ إلَخْ) لِلتَّيَقُّنِ بِوُجُودِهِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ لِأَكْثَرَ) أَيْ مِنْ الْأَقَلِّ فَيَشْمَلُ تَمَامَ النِّصْفِ ح. (قَوْلُهُ عَتَقَ تَبَعًا) حَاصِلُهُ أَنَّ الْحَمْلَ يَعْتِقُ بِإِعْتَاقِ أُمِّهِ مُطْلَقًا، لَكِنَّهُ إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ يَعْتِقُ أَصَالَةً وَلِأَكْثَرَ تَبَعًا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَوَّلِ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ إلَخْ (قَوْلُهُ وَثَمَرَتُهُ) أَيْ ثَمَرَةُ الْفَرْقِ بَيْنَ عِتْقِهِ أَصَالَةً أَوْ تَبَعًا انْجِرَارُ وَلَائِهِ، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ: وَمَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَالْحَالُ أَنَّ زَوْجَهَا قِنٌّ لِلْغَيْرِ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ مُذْ عَتَقَتْ لَا يُنْقَلُ وَلَاءُ الْحَمْلِ عَنْ مَوَالِي الْأُمِّ أَبَدًا، فَإِذَا وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ حَوْلِ فَوَلَاؤُهُ لِمَوَالِي الْأُمِّ أَيْضًا لِتَعَذُّرِ تَبَعِيَّتِهِ لِلْأَبِ لِرِقِّهِ، فَإِنْ عَتَقَ الْقِنُّ وَهُوَ الْأَبُ قَبْلَ مَوْتِ الْوَلَدِ جَرَّ وَلَاءُ ابْنِهِ إلَى مَوَالِيهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً، فَلَوْ مُعْتَدَّةً فَوَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ مِنْ الْعِتْقِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 652 انْجِرَارُ وَلَائِهِ (وَلَوْ حَرَّرَهُ) وَلَوْ بِلَفْظِ عَلَقَةٍ أَوْ مُضْغَةٍ أَوْ إنْ حَمَلَتْ بِوَلَدٍ فَهُوَ حُرٌّ (عَتَقَ فَقَطْ) وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْأُمِّ وَجَازَ هِبَتُهَا، وَلَوْ دَبَّرَهُ لَمْ تَجُزْ هِبَتُهَا فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ كَمُشَاعٍ وَبَطَلَ شَرْطُ الْمَالِ عَلَيْهِ، وَكَذَا عَلَى أُمِّهِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ قَبُولُهَا لِلْعِتْقِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: قَالَ: مَا فِي بَطْنِك مَتَى أَدَّى إلَيَّ أَلْفًا تَعْلِيقٌ. وَفِيهَا: أَوْصَى لَهُ وَمَاتَ وَأَعْتَقَهُ الْوَرَثَةُ جَازَ وَضَمِنُوهُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ. وَلَوْ قَالَ أَكْبَرُ وَلَدٍ فِي بَطْنِك حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فَأَوَّلُهُمَا خُرُوجًا أَكْبَرُ. (وَالْوَلَدُ) مَا دَامَ جَنِينًا (يَتْبَعُ الْأُمَّ) وَلَوْ بَهِيمَةً فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْأُنْثَى، وَيُؤْكَلُ وَيُضَحَّى بِهِ لَوْ أُمُّهُ كَذَلِكَ (فِي الْمِلْكِ) -   [رد المحتار] وَلِدُونِ حَوْلَيْنِ مِنْ الْفِرَاقِ لَا يَنْتَقِلُ لِمَوَالِي الْأَبِ. اهـ أَيْ لِلتَّيَقُّنِ بِوُجُودِ الْحَمْلِ عِنْدَ الْعِتْقِ حَيْثُ وَجَبَتْ إضَافَةُ الْعُلُوقِ إلَى مَا قَبْلَ الْفِرَاقِ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَرَّرَهُ إلَخْ) أَيْ حَرَّرَ الْحَمْلَ وَحْدَهُ، بِأَنْ قَالَ: حَمْلُك حُرٌّ أَوْ قَالَ الْمُضْغَةُ أَوْ الْعَلَقَةُ الَّتِي فِي بَطْنِك حُرٌّ عَتَقَ خَانِيَّةٌ. لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ وُجُودِهِ قَبْلَ التَّحْرِيرِ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَلَوْ لِسِتَّةٍ فَأَكْثَرَ لَا يَعْتِقُ، وَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ إقْرَارًا بِوُجُودِهِ لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِهِ لِجَوَازِ حُدُوثِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَوْ إنْ حَمَلْت بِوَلَدٍ فَهُوَ حُرٌّ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ تَلِدَهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إذْ لَوْ كَانَ أَقَلَّ عَلِمَ أَنَّهُ حَمْلٌ مَوْجُودٌ وَالشَّرْطُ حَمْلٌ حَادِثٌ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ حُدُوثَهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لَهُ إلَى سَنَتَيْنِ، أَمَّا بَعْدَهُمَا فَهُوَ حَمْلٌ حَادِثٌ يَقِينًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَتَقَ فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْأُمِّ إذْ لَا وَجْهَ لِإِعْتَاقِهَا مَقْصُودًا لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ، وَلَا تَبَعًا؛ لِأَنَّ فِيهِ قَلْبَ الْمَوْضُوعِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْأُمِّ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَا فِي بَطْنِهَا لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْحَمْلِ الْمُسْتَثْنَى، وَالِاسْتِثْنَاءُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، لَكِنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ كَمَا يَأْتِي فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ح (قَوْلُهُ لَمْ تَجُزْ هِبَتُهَا فِي الْأَصَحِّ) وَالْفَرْقُ أَنَّ بِالتَّدْبِيرِ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَمَّا فِي الْبَطْنِ، فَإِذَا وَهَبَ الْأُمَّ بَعْدَ التَّدْبِيرِ فَالْمَوْهُوبُ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَوْهُوبٍ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى هِبَةِ الْمُشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَأَمَّا بَعْدَ الْعِتْقِ مَا فِي الْبَطْنِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ بَحْرٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ وَبَطَلَ شَرْطُ الْمَالِ عَلَيْهِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى إلْزَامِ الْمَالِ عَلَى الْجَنِينِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ وَلَا إلَى إلْزَامِ أُمِّهِ؛ فَإِذَا قَالَ أَعْتَقْت مَا فِي بَطْنِكِ عَلَى أَلْفٍ عَلَيْك فَقَبِلَتْ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَعْتِقُ بِلَا شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِقَبُولِهَا الْأَلْفَ وَقَدْ قَبِلَتْهُ فَعَتَقَ الْوَلَدُ وَبَطَلَ الْمَالُ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى غَيْرِ الْمُعْتَقِ لَا يَجُوزُ بَحْرٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ لَكِنْ يُشْتَرَطُ قَبُولُهَا) أَيْ قَبُولُهَا الْمَالَ إذَا شَرَطَهُ عَلَيْهَا، وَقَوْلُهُ لِلْعِتْقِ مُتَعَلِّقٌ بِيُشْتَرَطُ (قَوْلُهُ قَالَ مَا فِي بَطْنِكِ) الْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ حُرٌّ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ تَعْلِيقٌ) أَيْ عَلَى الْأَدَاءِ، فَإِذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ حُرٌّ مَتَى أَدَّى إلَيْهِ الْأَلْفَ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْله أَوْصَى بِهِ) أَيْ بِمَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ وَمَاتَ أَيْ الْمُوصِي وَأَعْتَقَهُ الْوَرَثَةُ: أَيْ أَعْتَقُوا مَا فِي بَطْنِهَا تَبَعًا لِإِعْتَاقِ أُمِّهِ. وَالْعِبَارَةُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: وَهَكَذَا رَأَيْتهَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. وَالْأَحْسَنُ عِبَارَةُ كَافِي الْحَاكِمِ فَأَعْتَقَ الْوَارِثُ الْأَمَةَ إلَخْ. قَالَ ط وَالظَّاهِرُ عَدَمُ جَوَازِ إعْتَاقِهِ قَصْدًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُمْ (قَوْلُهُ جَازَ) أَيْ إعْتَاقُهُمْ؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلْ حَمْلُهَا فِي مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ إذْ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ إلَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ ط (قَوْلُهُ وَضَمِنُوهُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ) ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ يَوْمٍ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ أَنْ لَوْ بَقِيَ بِلَا إعْتَاقٍ ط (قَوْلُهُ فَأَوَّلُهُمَا خُرُوجًا أَكْبَرُ) ظَاهِرُهُ لَوْ خَرَجَا مَعًا لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ تَلِدَ ثَالِثًا قَبْلَ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَيَعْتِقَانِ؛ لِأَنَّهُمَا أَكْبَرُ مِنْهُ وَالْوَلَدُ وَإِنْ ذُكِرَ مُفْرَدًا لَكِنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ ط عَنْ السَّيِّدِ أَبِي السُّعُودِ. (قَوْلُهُ مَا دَامَ جَنِينًا) أَمَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَلَا يَتْبَعُهَا فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرُوهُ، حَتَّى لَوْ أُعْتِقَتْ لَا يَعْتِقُ بَحْرٌ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ اسْتِثْنَاءَ مَسْأَلَتَيْنِ مَعَ زِيَادَةِ ثَلَاثَةٍ أُخَرَ (قَوْلُهُ يَتْبَعُ الْأُمَّ) لِلْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ مِنْ جِهَتِهَا وَلِذَا يَثْبُتُ نَسَبُ الزِّنَا وَوَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ مِنْ أُمِّهِ حَتَّى تَرِثَهُ وَيَرِثُهَا؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ كَعُضْوٍ مِنْهَا حِسًّا وَحُكْمًا وَيَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِمَا فَكَانَ جَانِبُهَا أَرْجَحَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْأُنْثَى) كَمَا إذَا نَزَا ذَكَرٌ لِرَجُلٍ عَلَى أُنْثَى لِآخَرَ كَانَ حَمْلُهَا لِصَاحِبِهَا فَقَطْ (قَوْلُهُ لَوْ أُمُّهُ كَذَلِكَ) أَيْ لَوْ كَانَتْ أُمُّهُ مِمَّا يُؤْكَلُ وَيُضَحَّى بِهَا وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَأْخُذُ حُكْمَ أُمِّهِ وَلَا يَزُولُ عَنْهُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ كَمَا يَأْخُذُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 653 بِسَائِرِ أَسْبَابِهِ (وَالرِّقِّ) إلَّا وَلَدُ الْمَغْرُورِ وَصُورَةُ الرِّقِّ بِلَا مِلْكٍ كَالْكُفَّارِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنَّ كُلَّهُمْ أَرِقَّاءُ غَيْرُ مَمْلُوكِينَ لِأَحَدٍ فَأَوَّلُ مَا يُؤْخَذُ الْأَسِيرُ يُوصَفُ بِالرِّقِّ لَا الْمَمْلُوكِيَّةِ حَتَّى يُحْرَزَ بِدَارِنَا، فَإِذَا أُخِذَتْ وَمَعَهَا وَلَدٌ يَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ قُهُسْتَانِيٌّ. (وَالْحُرِّيَّةُ وَالْعِتْقُ وَفُرُوعُهُ) كَكِتَابَةٍ   [رد المحتار] حُكْمَهَا فِي الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ كَذَلِكَ. فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْجَنِينِ وَهُوَ لَا يُضَحَّى بِهِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَافْهَمْ. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ عَنْ جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة: الِاعْتِبَارُ فِي الْمُتَوَلِّدِ لِلْأُمِّ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْحِلِّ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ فِيهِمَا. حَتَّى إذَا نَزَا ظَبْيٌ عَلَى شَاةٍ أَهْلِيَّةٍ فَإِنْ وَلَدَتْ شَاةً تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهَا، وَإِنْ وَلَدَتْ ظَبْيًا لَمْ تَجُزْ وَلَوْ وَلَدَتْ الرَّمَكَةُ حِمَارًا لَمْ يُؤْكَلْ. وَفِي الْخُلَاصَةِ فِي الْأُضْحِيَّةِ: الْمُتَوَلِّدَةِ بَيْنَ الْكَلْبِ وَالشَّاةِ قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ: لَا يَجُوزُ وَقَالَ الْإِمَامُ الْجُرْجَانِيُّ إنْ كَانَ يُشْبِهُ الْأُمَّ يَجُوزُ. اهـ. وَسَتَأْتِي مَسْأَلَةُ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْكَلْبِ وَالشَّاةِ فِي الذَّبَائِحِ عَنْ نَظْمِ الْوَهْبَانِيَّةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْوَلَدَ تَبَعٌ لِأُمِّهِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ لَا تُعْتَبَرُ التَّبَعِيَّةُ بَلْ يُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ وَالْأَوَّلُ الْمُعْتَمَدُ كَمَا يَقْتَضِيه كَلَامُ الْبَدَائِعِ فِي كِتَابِ الْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُتُونِ لَكِنْ عَلَى مَا قَالَهُ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ يُسْتَثْنَى وَلَدُ الْكَلْبِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُتَوَلِّدَ بَيْنَ آدَمِيٍّ وَشَاةٍ كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ آدَمِيٍّ لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَضْلًا عَنْ أَكْلِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِسَائِرِ أَسْبَابِهِ) كَشِرَاءٍ وَهِبَةٍ وَإِرْثٍ ح. (قَوْلُهُ إلَّا وَلَدُ الْمَغْرُورِ) كَمَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَإِذَا هِيَ قِنَّةٌ فَأَوْلَادُهُ مِنْهَا أَحْرَارٌ بِالْقِيمَةِ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَغْرُورُ حُرًّا، فَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُدَبَّرًا فَالْأَوْلَادُ أَرِقَّاءُ حَمَوِيٌّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ. قَالَ ط: وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً وَشَرَطَ حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَكُونُ حُرًّا. مَطْلَبٌ أَهْلُ الْحَرْبِ كُلُّهُمْ أَرِقَّاءٌ (قَوْلُهُ وَصُورَةُ الرِّقِّ بِلَا مِلْكٍ إلَخْ) لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِي الْعَطْفِ الْمُغَايَرَةَ كَانَ مَظِنَّةَ أَنْ يُقَالَ هَلْ يُتَصَوَّرُ رِقٌّ بِلَا مِلْكٍ فَبَيَّنَ صُورَتَهُ، وَأَمَّا صُورَةُ الْمِلْكِ بِلَا رِقٍّ فَهِيَ ظَاهِرَةٌ كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَكَذَا صُورَةُ اجْتِمَاعِهَا، لَكِنْ قَدْ يَكُونَانِ كَامِلَيْنِ كَمَا فِي الْقِنِّ. وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا كَامِلًا وَالْآخَرُ نَاقِصًا فَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ الرِّقُّ فِيهِمَا نَاقِصٌ فَلَمْ يَجُزْ عِتْقُهُمَا عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَالْمِلْكُ فِيهِمَا كَامِلٌ حَتَّى جَازَ وَطْؤُهُمَا، وَالْمُكَاتَبُ رِقُّهُ كَامِلٌ فَجَازَ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَمِلْكُهُ نَاقِصٌ حَتَّى خَرَجَ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَإِنَّ كُلَّهُمْ أَرِقَّاءٌ) أَيْ بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِمْ بِدَلِيلِ التَّفْرِيعِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَهُمْ أَحْرَارٌ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: نَسَبُكَ حُرٌّ أَوْ أَصْلُكَ حُرٌّ، إنْ عَلِمَ أَنَّهُ سَبْيٌ لَا تَعْتِقُ، وَإِنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ سَبْيٌ فَهُوَ حُرٌّ. قَالَ وَهَذَا دَلِيلِي عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ أَحْرَارٌ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي بَابِ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ مَا يُؤَيِّدُهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ فَإِذَا أَخَذْت إلَخْ) لَيْسَ هَذَا التَّصْوِيرُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَهُوَ خَطَأٌ إذْ الْوَلَدُ حِينَئِذٍ مُسْتَرَقٌّ أَصَالَةً. وَالْمِثَالُ الصَّحِيحُ كَمَا قَالَهُ ح أَخَذَ حَامِلًا يَتْبَعُهَا الْحَمْلُ فِي الرِّقِّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ فِي تَبَعِيَّةِ الْجَنِينِ لَا الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ ط (قَوْلُهُ وَالْحُرِّيَّةِ) أَيْ الْأَصْلِيَّةِ، بِأَنَّ تَزَوَّجَ عَبْدٌ حُرَّةً أَصْلِيَّةً فَحَمَلَتْ مِنْهُ، وَأَمَّا الطَّارِئَةُ فَقَدْ مَرَّتْ نَهْرٌ أَيْ فِي قَوْلِهِ حَرَّرَ حَامِلًا عَتَقَا (قَوْلُهُ وَالْعِتْقُ) هُوَ حُرِّيَّةٌ طَارِئَةٌ وَقَدْ مَرَّتْ كَمَا عَلِمْت، لَكِنَّ الْمُرَادَ بِمَا مَرَّ عِتْقُ الْوَلَدِ قَصْدًا وَلِذَا قَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ بِمَا إذَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ، وَالْمُرَادُ بِمَا هُنَا الْعِتْقُ تَبَعًا لِلْأُمِّ، فَيُرَادُ بِهِ مَا إذَا وَلَدَتْهُ لِنِصْفِ حَوْلٍ فَأَكْثَرَ، فَيَكُونُ هَذِهِ الصُّورَةُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ هُنَاكَ إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ فَلَا تَكْرَارَ كَمَا أَفَادَهُ ح. وَقَدَّمَ الشَّارِحُ الثَّمَرَةَ فِي انْجِرَارِ الْوَلَاءِ، وَمَا قِيلَ إنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ سَبْقُ قَلَمٍ؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ فِي الْجَنِينِ لَا فِي الْوَلَدِ بَعْدَ انْفِصَالِهِ فَفِيهِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَلَكِنْ إذَا وُلِدَ لِنِصْفِ حَوْلٍ فَأَكْثَرَ عُلِمَ أَنَّهُ عَتَقَ تَبَعًا لِأُمِّهِ لِكَوْنِهِ جُزْءًا مِنْهَا، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ عُلِمَ أَنَّهُ عَتَقَ قَصْدًا وَأَصَالَةً لِتَيَقُّنِ وُجُودِهِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَكِتَابَةٍ) بِأَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 654 وَتَدْبِيرٍ مُطْلَقٍ وَاسْتِيلَادٍ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الزَّوْجُ حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ كَمَا مَرَّ، وَفِي رَهْنٍ وَدَيْنٍ وَحَقِّ أُضْحِيَّةٍ وَاسْتِرْدَادِ بَيْعٍ وَسَرَيَانِ مِلْكٍ، فَهِيَ اثْنَا عَشَرَ وَلَا يَتْبَعُهَا فِي كَفَالَةٍ وَإِجَارَةٍ وَجِنَايَةٍ وَحَدٍّ وَقَوَدٍ وَزَكَاةِ سَائِمَةٍ وَرُجُوعٍ فِي هِبَةٍ   [رد المحتار] كَاتَبَ أَمَتَهُ الْحَامِلَ فَجَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْكِتَابَةِ نَهْرٌ. قَالَ ح: فَيَعْتِقَانِ مَعًا بِأَدَائِهَا الْبَدَلَ، وَكَذَا كُلُّ وَلَدٍ تَلِدُهُ فِي مُدَّةِ الْكِتَابَةِ. اهـ. وَعَلَيْهِ فَتَقْيِيدُ النَّهْرِ بِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِتَكُونَ الْكِتَابَةُ وَاقِعَةً عَلَى الْحَمْلِ أَصَالَةً وَقَصْدًا، وَإِلَّا فَكُلُّ حَمْلٍ فِي الْمُدَّةِ يَتْبَعُهَا فِي حُكْمِ الْكِتَابَةِ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ وَتَدْبِيرٍ مُطْلَقٍ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمُقَيَّدِ كَإِنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَإِنَّهُ لَا يَتْبَعُهَا فِيهِ. اهـ وَعَزَاهُ فِي النَّهْرِ لِلظَّهِيرِيَّةِ. قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْوَلَدِ الَّذِي تَأْتِي بِهِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَكَلَامُنَا فِي الْحَمْلِ، فَإِذَا دَبَّرَ حَامِلًا مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا صَارَ الْحَمْلُ مُدَبَّرًا قَصْدًا وَأَصَالَةً إنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَإِنْ لِأَكْثَرَ فَهُوَ مُدَبَّرٌ تَبَعًا لَهَا لَكِنْ لَا فَرْقَ هُنَا بَيْنَ التَّدْبِيرِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ؛ لِأَنَّ الْمُقَيَّدَ فِي حُكْمِ الْمُعَلَّقِ، فَإِذَا قَالَ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَأَنْتِ حُرَّةٌ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ شَهْرٍ مَثَلًا عَتَقَتْ وَعَتَقَ حَمْلُهَا تَبَعًا لَهَا لَكِنَّ هَذَا مِنْ مَسَائِلِ التَّبَعِيَّةِ فِي الْحُرِّيَّةِ الْعَارِضَةِ، وَهَذَا لَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى، أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا يَعْتِقُ وَلَدُهَا؛ لِأَنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ عِتْقِهَا، بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ الْمُطْلَقِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ وِلَادَتِهَا قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ تَدْبِيرُهَا قَبْلَهُ حَتَّى لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا فَلَعَلَّ تَقْيِيدَهُ بِالْمُطْلَقِ لِهَذَا فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَاسْتِيلَادٍ) بِأَنْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ فَحَمَلَتْ تَبِعَهَا وَلَدُهَا فِي حُكْمِ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ فَيَعْتِقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ كَالْأُمِّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الزَّوْجُ حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ) هَذَا بَحْثٌ لِصَاحِبِ النَّهْرِ، فَلَوْ شَرَطَ ذَلِكَ عَتَقَ بِالْوِلَادَةِ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ ح. وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى أَيْضًا الْمَغْرُورُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ كَمَا قَالَهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى (قَوْلُهُ وَفِي رَهْنٍ) أَيْ إذَا رَهَنَ حَامِلًا كَانَ وَلَدُهَا رَهْنًا مَعَهَا ح أَيْ فَإِذَا وَضَعَتْهُ لَيْسَ لِلرَّاهِنِ نَزْعُهُ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ ط (قَوْلُهُ وَدَيْنٍ) صُورَتُهُ أَذِنَ لِأَمَتِهِ الْحَامِلِ فِي التِّجَارَةِ ثُمَّ لَزِمَهَا دَيْنٌ تَبِعَهَا الْوَلَدُ فِيهِ حَتَّى يُبَاعَ فِيهِ ح (قَوْلُهُ وَحَقِّ أُضْحِيَّةٍ) أَيْ إذَا اشْتَرَى شَاةً حَامِلًا لِلْأُضْحِيَّةِ لَزِمَهُ التَّضْحِيَةُ بِوَلَدِهَا أَيْضًا. اهـ ح أَيْ بَعْدَ خُرُوجِهِ حَيًّا (قَوْلُهُ وَاسْتِرْدَادِ بَيْعٍ) أَيْ إذَا بَاعَ أَمَةً بَيْعًا فَاسِدًا ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا وَهِيَ حَامِلٌ يَتْبَعُهَا الْوَلَدُ فِي الِاسْتِرْدَادِ ح (قَوْلُهُ وَسَرَيَانِ مِلْكٍ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَحَقُّ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ يَسْرِي إلَيْهِ. اهـ. ح وَصُورَتُهُ إذَا تَدَاوَلَتْ الْأَيْدِي الْجَارِيَةَ فَرُدَّتْ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ عَلَى الْمَالِكِ الْأَوَّلِ وَهِيَ حَامِلٌ تَبِعَهَا حَمْلُهَا وَكَذَا إذَا اُسْتُحِقَّتْ. اهـ. ط (قَوْلُهُ فَهِيَ اثْنَا عَشَرَ) أَيْ الْمَسَائِلُ الَّتِي يَتْبَعُ فِيهَا الْحَمْلُ أُمَّهُ (قَوْلُهُ وَلَا يَتْبَعُهَا فِي كَفَالَةٍ) أَيْ إذَا كَفَلَتْ وَهِيَ حَامِلٌ بِمَالٍ أَوْ نَفْسٍ لَا يَتْبَعُهَا الْوَلَدُ فِي طَلَبٍ إذَا اسْتَمَرَّتْ الْكَفَالَةُ حَتَّى وَلَدَتْهُ وَكَبِرَ، وَكَذَا إذَا كَفَلَتْ أَمَةٌ حَامِلٌ بِإِذْنِ السَّيِّدِ لَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا ط أَيْ لَا يَتْبَعُهَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ، أَمَّا قَبْلَهَا فَلِرَبِّ الْمَالِ بَيْعُهَا حَامِلًا إذَا لَمْ يَفْدِهَا الْمَوْلَى فَإِذَا وَلَدَتْ بَعْدَ الْبَيْعِ كَانَ الْوَلَدُ لِلْمُشْتَرِي تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَإِجَارَةٍ) أَيْ إذَا آجَرَهَا عَشْرَ سِنِينَ مَثَلًا وَكَانَتْ حَامِلًا فَوَلَدَتْ فِي أَثْنَائِهَا لَا يَدْخُلُ الْوَلَدُ فِي الْإِجَارَةِ حَتَّى لَا يَسْتَخْدِمَهُ ط (قَوْلُهُ وَجِنَايَةٍ) بِأَنْ قَتَلَتْ رَجُلًا خَطَأً وَهِيَ حَامِلٌ فَلَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا فِي الدَّفْعِ عَنْ الْجِنَايَةِ، وَإِذَا فَدَى السَّيِّدُ إنَّمَا يَفْدِي الْأُمَّ فَقَطْ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ تَبِعَهَا لَلَزِمَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ دَفْعُهُ مَعَهَا أَوْ فِدَاؤُهُ أَيْضًا، أَمَّا لَوْ دَفْعُهَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ مَلَكَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ الدَّفْعِ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ أَخْذُ الْوَلَدِ كَمَا لَا يَخْفَى؛ لِأَنَّهُ تَبِعَهَا فِي الْمِلْكِ (قَوْلُهُ وَحَدٍّ) فَلَا تُحَدُّ وَهِيَ حَامِلٌ أَيَّ حَدٍّ كَانَ، فَإِذَا وَلَدَتْهُ، فَإِنْ كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمُ رُجِمَتْ إلَّا إذَا كَانَ الْوَلَدُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ الْجَلْدُ فَبَعْدَ النِّفَاسِ كَمَا يَأْتِي فِي الْحُدُودِ ط. (قَوْلُهُ وَقَوَدٍ) فَلَا تُقْتَلُ إلَّا بَعْدَ الْوَضْعِ ح (قَوْلُهُ وَزَكَاةِ سَائِمَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الْفُصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ وَالْحُمْلَانِ، إلَّا إذَا مَاتَ الْكِبَارُ أَثْنَاءَ الْحَوْلِ وَخَلَفَتْ صِغَارًا فِيهَا كَبِيرٌ فَبِالْأَوْلَى لَا يَجِبُ فِي الْحَمْلِ شَيْءٌ (قَوْلُهُ وَرُجُوعٍ فِي هِبَةٍ) سَيَذْكُرُ فِي الْهِبَةِ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ حَبِلَتْ وَلَمْ تَلِدْ هَلْ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ؟ قَالَ فِي السِّرَاجِ لَا، وَفِي الزَّيْلَعِيِّ نَعَمْ. وَوَجَّهَ فِي الْمِنَحِ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْوَلَدَ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ لَمْ تَكُنْ وَقْتَ الْهِبَةِ، وَالثَّانِي بِأَنَّ الْحَبَلَ نُقْصَانٌ لَا زِيَادَةٌ. اهـ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 655 وَإِيصَاءٍ بِخِدْمَتِهَا، وَلَا يَتَذَكَّى بِذَكَاةِ أُمِّهِ فَهِيَ تِسْعٌ كَمَا بُسِطَ فِي بُيُوعِ الْأَشْبَاهِ. وَزَادَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا فِي نَسَبٍ، حَتَّى لَوْ نَكَحَ هَاشِمِيٌّ أَمَةً فَوَلَدُهَا هَاشِمِيٌّ كَأَبِيهِ رَقِيقٌ كَأُمِّهِ وَلَا يَتْبَعُهَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إذَا اُسْتُحِقَّتْ الْأُمُّ بِبَيِّنَةٍ -   [رد المحتار] قُلْت: وَالتَّوْفِيقُ مَا سَيَذْكُرُهُ فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ مِنْ أَنَّ الْحَبَلَ عَيْبٌ فِي الْآدَمِيَّةِ لَا فِي الْبَهِيمَةِ، أَوْ مَا فِي الْهِنْدِيَّةِ مِنْ الْهِبَةِ مِنْ أَنَّ الْجَوَارِيَ تَخْتَلِفُ، فَمِنْهُنَّ مِنْ تَسْمَنُ بِهِ وَيَحْسُنُ لَوْنُهَا فَيَكُونُ زِيَادَةً تَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَمِنْهُنَّ بِالْعَكْسِ فَيَكُونُ نُقْصَانًا لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ. اهـ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّوْفِيقَ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْحَبَلَ إنْ زَادَ خَيْرًا مَنَعَ الرُّجُوعَ وَإِنْ نَقَصَ لَا. اهـ. فَإِذَا كَانَتْ الْمَوْهُوبَةُ أَمَةً وَحَبِلَتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَنَقَصَتْ بِذَلِكَ كَانَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ وَلَا يَتْبَعُهَا حَمْلُهَا، بَلْ إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ الرُّجُوعِ يَسْتَرِدُّهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ لِكَوْنِهِ حَدَثَ عَلَى مِلْكِهِ، كَمَا قَالُوا فِيمَا لَوْ بَنَى فِي الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ بِنَاءً مُنْقِصًا كَبِنَاءِ تَنُّورٍ فِي بَيْتِ السُّكْنَى فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَخْذُهُ، فَقَدْ سَقَطَ مَا قِيلَ إنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لَا يُوَافِقُ الْقَوْلَيْنِ فَافْهَمْ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِي الْحَبَلِ الْعَارِضِ: أَمَّا لَوْ وَهَبَهَا حُبْلَى وَرَجَعَ بِهَا كَذَلِكَ صَحَّ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ الْحَمَوِيُّ. وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَ الْحَبَلُ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ، فَبَحَثَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي الْهِبَةِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَإِيصَاءٍ بِخِدْمَتِهَا) يَعْنِي إذَا أَوْصَى بِخِدْمَةِ جَارِيَتِهِ الْحَامِلِ مِنْ غَيْرِهِ لَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَ الْحَمْلَ بَعْدَ وَضْعِهِ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي الْوَصِيَّةِ وَإِنْ كَانَ مُتَحَقِّقًا وَقْتَهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ لَهُ الِانْتِفَاعَ بِهَا خَاصَّةً لَا بِذَاتٍ أُخْرَى ط، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخِدْمَةَ مَنْفَعَةٌ وَهُوَ إنَّمَا أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهَا لَا بِذَاتِهَا وَلَا بِمَنْفَعَةِ وَلَدِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِذَاتِهَا فَإِنَّ الْحَمْلَ الْمَوْجُودَ يَتْبَعُهَا فِي الْمِلْكِ لِلْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِسَائِرِ أَجْزَائِهَا وَحَمْلُهَا جُزْءٌ مِنْهَا (قَوْلُهُ وَلَا يَتَذَكَّى بِذَكَاةِ أُمِّهِ) أَيْ بِذَبْحِهَا سَوَاءٌ كَانَ تَامَّ الْخَلْقِ أَمْ لَا حَتَّى إذَا خَرَجَ مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ وَقَالَا إنْ تَمَّ خَلْقُهُ أُكِلَ ط (قَوْلُهُ وَزَادَ فِي الْبَحْرِ إلَخْ) زَادَ الْبِيرِيُّ ثَانِيَةً، وَهِيَ مَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: لَوْ قَالَ لِجَارِيَةٍ إذَا مَلَكْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ ثُمَّ اشْتَرَاهَا عَتَقَتْ دُونَ الْوَلَدِ. اهـ. قُلْت: وَزِدْت ثَالِثَةً وَهِيَ وَلَدُ الْمَغْصُوبَةِ لَا يَتْبَعُهَا فِي الْغَصْبِ، حَتَّى لَوْ وَلَدَتْهُ وَمَاتَ عِنْدَ الْغَاصِبِ بِلَا تَعَدٍّ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَكَذَا سَائِرُ زَوَائِدِ الْغَصْبِ كَثَمَرِ الشَّجَرِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ. مَطْلَبٌ الشَّرَفُ لَا يَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ الشَّرِيفَةِ (قَوْلُهُ وَلَا فِي نَسَبٍ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لِلتَّعْرِيفِ وَحَالُ الرِّجَالِ مَكْشُوفٌ دُونَ النِّسَاءِ كَذَا فِي الشُّمُنِّيِّ، فَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّ الشَّرِيفَ لَا يَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ الشَّرِيفَةِ بَاقَانِيٌّ، نَعَمْ لِوَلَدِهَا شَرَفٌ مَا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ رَقِيقٌ كَأُمِّهِ) ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ رَضِيَ بِرِقِّ الْوَلَدِ حَيْثُ قَدِمَ عَلَى تَزَوُّجِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِرِقِّهَا بَحْرٌ. مَطْلَبٌ يُتَصَوَّرُ هَاشِمِيٌّ رَقِيقٌ وَالِدَاهُ هَاشِمِيَّانِ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: فَلَوْ كَانَ هَذَا الْوَلَدُ أُنْثَى فَزُوِّجَتْ بِهَاشِمِيٍّ فَأَتَى لَهُ وَلَدٌ مِنْهَا فَهُوَ: أَيْ هَذَا الْوَلَدُ رَقِيقٌ وَهُوَ هَاشِمِيٌّ ابْنُ هَاشِمِيٍّ وَهَاشِمِيَّةٌ، فَيُتَصَوَّرُ هَاشِمِيٌّ مِنْ هَاشِمِيَّيْنِ وَهُوَ رَقِيقٌ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَسَائِرُ مَا يَجُوزُ فِي الرَّقِيقِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ. اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يَتْبَعُهَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ) أَيْ فِي حُكْمٍ حَدَثَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ، أَمَّا الْحُكْمُ الْحَادِثُ قَبْلَهَا وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الْحَمْلِ كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ فَإِنَّ الْأَوْلَادَ الْمُتَأَخِّرِينَ يَتْبَعُونَهَا فِيهِ كَمَا سَبَقَ ط (قَوْلُهُ إذَا اُسْتُحِقَّتْ الْأُمُّ بِبَيِّنَةٍ) أَيْ إذَا وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا بِاسْتِيلَادِهِ فَاسْتُحِقَّتْ بِبَيِّنَةٍ يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا بِشَرْطِ الْقَضَاءِ بِهِ فِي الْأَصَحِّ إذَا سَكَتَ الشُّهُودُ، فَلَوْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لِذِي الْيَدِ أَوْ قَالُوا لَا نَدْرِي لَا يُقْضَى بِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ بِهَا لِرَجُلٍ لَا يَتْبَعُهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الِاسْتِحْقَاقِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 656 وَإِذَا بِيعَتْ، وَالْبَهِيمَةُ وَمَعَهَا وَلَدُهَا وَقْتَهُ. (وَلَدُ الْأَمَةِ مِنْ زَوْجِهَا مِلْكٌ لِسَيِّدِهَا) تَبَعًا لَهَا (وَوَلَدُهَا مِنْ مَوْلَاهَا حُرٌّ) وَقَدْ يَكُونُ حُرًّا مِنْ رَقِيقَيْنِ بِلَا تَحْرِيرٍ كَأَنْ نَكَحَ عَبْدٌ أَمَةَ أَبِيهِ فَوَلَدُهُ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ وَلَدِ الْمَوْلَى ظَهِيرِيَّةٌ، وَعَلَيْهِ فَوَلَدُهَا مِنْ سَيِّدِهَا أَوْ ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ حُرٌّ. [فَرْعٌ] حَمَلَتْ أَمَةٌ كَافِرَةٌ لِكَافِرٍ مِنْ كَافِرٍ فَأَسْلَمَ هَلْ يُؤْمَرُ مَالِكُهَا الْكَافِرُ بِبَيْعِهَا لِإِسْلَامِهِ تَبَعًا؟ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ لَمْ أَرَهُ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْوَضْعِ مَوْهُومٌ وَبِهِ لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْمَالِكِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بَابُ عِتْقِ الْبَعْضِ (أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ) وَلَوْ مُبْهَمًا (صَحَّ) وَلَزِمَهُ بَيَانُهُ (وَيَسْعَى فِيمَا بَقِيَ) وَإِنْ شَاءَ حَرَّرَهُ (وَهُوَ) أَيْ مُعْتَقُ   [رد المحتار] إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -. وَالْفَرْقُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الدُّرَرِ هُنَاكَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُثْبِتُ الْمِلْكَ مِنْ الْأَصْلِ وَالْوَلَدُ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا يَوْمَئِذٍ فَيَثْبُتُ بِهَا الِاسْتِحْقَاقُ فِيهِمَا، وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ تُثْبِتُ الْمِلْكَ فِي الْمُخْبَرِ بِهِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْخَبَرِ فَتَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا (قَوْلُهُ وَإِذَا بِيعَتْ الْبَهِيمَةُ إلَخْ) سَيَأْتِي فِي فَصْلٍ مَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا أَنَّهُ يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَقَرَةِ الرَّضِيعُ لَا وَلَدُ الْأَتَانِ رَضِيعًا أَوْ لَا بِهِ يُفْتَى. اهـ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَقَرَةَ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا بِالْعِجْلِ وَلَا كَذَلِكَ الْأَتَانُ كَمَا فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ أَيْ؛ لِأَنَّ الْبَقَرَةَ تُقْصَدُ لِلْحَلْبِ وَمِثْلُهَا الشَّاةُ وَالنَّاقَةُ، بِخِلَافِ الْأَتَانِ، وَبِخِلَافِ الْوَلَدِ الْفَطِيمِ. [تَتِمَّةٌ] يُزَادُ تَبَعِيَّةُ الْوَلَدِ لَهَا إذَا أَسْلَمَتْ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا كَمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ. وَزَادَ الْبِيرِيُّ مَسْأَلَتَيْنِ أَيْضًا عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: مَا لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَعْتِقَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ وَلَدًا لَهُ أَنْ يُعْتِقَ وَلَدَهَا أَيْضًا، وَمَا لَوْ وَلَدَتْ الْوَدِيعَةُ لِلْوَكِيلِ قَبَضَهُ مَعَهَا إلَّا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ أَنْ يُوَكِّلَهُ. اهـ. فَالْمُسْتَثْنَى خَمْسٌ. (قَوْلُهُ مِلْكٌ لِسَيِّدِهَا) هَذَا دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْمِلْكِ، وَتَقَدَّمَ اسْتِثْنَاءُ الْمَغْرُورِ مِنْ شَرْطِ حُرِّيَّةِ الْوَلَدِ (قَوْلُهُ حُرٌّ) ؛ لِأَنَّهُ عَلِقَ حُرًّا؛ لِأَنَّ مَاءَ جَارِيَتِهِ مَمْلُوكٌ لَهُ فَلَا يُعَارِضُ مَاءَهُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَقِيلَ إنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ كَأَنْ نَكَحَ عَبْدٌ) أَيْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالتَّفْرِيعُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ، وَفِيهِ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ بِالْمَوْلَى (قَوْلُهُ أَوْ ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ) أَيْ وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ مِنْ كَافِرٍ) أَيْ مِنْ زَوْجٍ كَافِرٍ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْوَضْعِ مَوْهُومٌ) مُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ وُجُودَهُ بِالْعَلَامَاتِ الْقَاطِعَةِ الَّتِي تُدْرِكُهَا أَرْبَابُ الْخِبْرَةِ أَنَّهُ يُجِيزُ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِكَوْنِهِ مَوْهُومًا مَا يَعُمُّ مَا ذُكِرَ، وَيَعُمُّ كَوْنَهُ يَنْفَصِلُ عَنْهَا أَوْ يَمُوتُ فِي بَطْنِهَا، فَإِنَّ انْفِصَالَهُ مَوْهُومٌ ط (قَوْلُهُ وَبِهِ) أَيْ بِتَوَهُّمِ الْحَمْلِ الْمَأْخُوذِ مِنْ مَوْهُومٍ ط (قَوْلُهُ لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْمَالِكِ) أَيْ مِنْ عَيْنِهَا فَلَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهَا ط، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ عِتْقِ الْبَعْضِ] أَخَّرَهُ عَنْ الْكُلِّ إمَّا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَوَارِضِ لِقِلَّةِ وُقُوعِهِ، أَوْ لِلْخِلَافِ، أَوْ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْكُلِّ، أَوْ لِأَنَّهُ دُونَهُ فِي الثَّوَابِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُبْهَمًا) كَجُزْءٍ مِنْكَ حُرٌّ أَوْ شَيْءٌ مِنْك حُرٌّ، وَلَوْ قَالَ: سَهْمٌ مِنْك حُرٌّ عَتَقَ السُّدُسُ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ صَحَّ) أَيْ إعْتَاقُهُ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْبَعْضِ لَا عَنْ زَوَالِ الرِّقِّ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ رَقِيقٌ كُلُّهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ وَلَزِمَهُ بَيَانُهُ) أَيْ فِي الْمُبْهَمِ (قَوْلُهُ وَيَسْعَى فِيمَا بَقِيَ) أَيْ فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ لِمَوْلَاهُ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي الْحَالِ فَتْحٌ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ جَوَامِعِ الْفِقْهِ: الِاسْتِسْعَاءُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ وَيَأْخُذَ قِيمَةَ مَا بَقِيَ مِنْ أَجْرِهِ. اهـ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 657 الْبَعْضِ (كَمُكَاتَبٍ) حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَّا فِي ثَلَاثٍ (بِلَا رَدٍّ إلَى الرِّقِّ لَوْ عَجَزَ) وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِنٍّ فِي الْبَيْعِ بَطَلَ فِيهِمَا، وَلَوْ قَتَلَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَلَا قَوَدَ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ (وَقَالَا) مَنْ أُعْتِقَ بَعْضَهُ (عَتَقَ كُلُّهُ) وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْإِمَامِ قُهُسْتَانِيٍّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ عِنْدَهُ وَهُوَ مُنْجَزٌ. وَعِنْدَهُمَا زَوَالُ الرِّقِّ وَهُوَ غَيْرُ مُنْجَزٍ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ التَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ. وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ تَجَزُّؤِ الْعِتْقِ وَالرِّقِّ. وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ تَجْزِئِيهِمَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَوْ ظَهَرَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْكَفَرَةِ وَضَرَبَ الرِّقَّ   [رد المحتار] وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُؤْجَرُ وَلَوْ صَغِيرًا يَعْقِلُ فَيَأْخُذُ مِنْ أُجْرَتِهِ كَالْحُرِّ الْمَدْيُونِ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ السِّعَايَةَ (قَوْلُهُ كَمُكَاتَبٍ) فِي أَنَّهُ لَا يُبَاعُ، وَلَا يَرِثُ، وَلَا يُورَثُ وَلَا يَتَزَوَّجُ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَيَصِيرُ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ، وَيَخْرُجُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِالسِّعَايَةِ وَالْإِعْتَاقِ، وَيَزُولُ بَعْضُ الْمِلْكِ عَنْهُ كَمَا يَزُولُ مِلْكُ الْيَدِ عَنْ الْمُكَاتَبِ، فَيَبْقَى هَكَذَا إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ السِّعَايَةَ دُرٌّ مُنْتَقَى وَقُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ بِلَا رَدٍّ إلَى الرِّقِّ لَوْ عَجَزَ) ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ فَلَا يُقْبَلُ الْفَسْخُ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ دُرٌّ مُنْتَقَى (قَوْلُهُ بَطَلَ فِيهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ رَدُّهُ إلَى الرِّقِّ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ قِنٍّ وَحُرٍّ فِي الْبَيْعِ بَطَلَ فِيهِمَا فَكَذَا هَذَا ح. (قَوْلُهُ وَلَوْ قُتِلَ) أَيْ قَتَلَهُ أَحَدٌ عَمَدًا أَوْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً أَيْ مَا يَفِي بِمَا عَلَيْهِ لِسَيِّدِهِ فَلَا قَوَدَ بِقَتْلِهِ: أَيْ لَا قِصَاصَ لِلِاخْتِلَافِ فِي أَنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ أَوْ لَا كَالْمُكَاتَبِ إذَا قُتِلَ عَنْ وَفَاءٍ وَلَهُ وَارِثٌ، فَقِيلَ يَمُوتُ حُرًّا، وَقِيلَ لَا، فَقَدْ جُهِلَ الْمُسْتَحِقُّ هَلْ هُوَ الْوَارِثُ أَوْ الْمَوْلَى. أَمَّا الْمُكَاتَبُ الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَإِنَّهُ مَاتَ رَقِيقًا بِلَا خِلَافٍ (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْإِمَامِ إلَخْ) وَكَذَا نَقَلَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ تَصْحِيحَهُ عَنْ أَئِمَّةِ التَّصْحِيحِ، وَأَيَّدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِالْمَعْنَى وَبِالسَّمْعِ، وَمِنْهُ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» أَفَادَ تَصَوُّرُ عِتْقِ الْبَعْضِ فَقَطْ إلَخْ. (قَوْلُهُ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ إلَخْ) هَذَا مَا حَقَّقَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهُوَ أَنْ يُرَادَ الْخِلَافُ فِي تَجَزُّؤِ الْعِتْقِ أَوْ الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِهِ غَلَطٌ فِي تَحْرِيرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ، بَلْ الْخِلَافُ فِيمَا يُوجِبُهُ الْإِعْتَاقُ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ. فَعِنْدَهُمَا زَوَالُ الرِّقِّ وَهُوَ غَيْرُ مُنْجَزٍ اتِّفَاقًا. وَعِنْدَهُ زَوَالُ الْمِلْكِ وَيَتْبَعُهُ زَوَالُ الرِّقِّ، فَلَزِمَ تَجَزُّؤُ مُوجِبِهِ غَيْرَ أَنَّ زَوَالَ الرِّقِّ لَا يَثْبُتُ إلَّا عِنْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْكُلِّ شَرْعًا، كَحُكْمِ الْحَدَثِ لَا يَزُولُ إلَّا عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ الْأَعْضَاءِ وَغَسْلُهَا مُنْجَزٌ، وَهَذَا لِضَرُورَةِ أَنَّ الْعِتْقَ قُوَّةٌ شَرْعِيَّةٌ هِيَ قُدْرَةٌ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهَا فِي بَعْضِهِ شَائِعًا وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ التَّدْبِيرُ) فَإِذَا دَبَّرَ بَعْضَ عَبْدِهِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَسَعَى فِي الْبَاقِي بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ، وَسَرَى إلَى كُلِّهِ عِنْدَهُمَا وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ وَالِاسْتِيلَادُ) أَيْ فَإِنَّهُ مُنْجَزٌ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا. وَالْخِلَافُ فِي اسْتِيلَادِ الْمُشْتَرَكَةِ الْمُدَبَّرَةِ لَا الْقِنَّةِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَمَّا الِاسْتِيلَادُ فَمُنْجَزٌ عِنْدَهُ، حَتَّى لَوْ اسْتَوْلَدَ نَصِيبَهُ مِنْ مُدَبَّرَةٍ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُسْتَوْلِدُ تَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ، وَلَوْ مَاتَ الْمُدَبَّرُ عَتَقَتْ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَإِنَّمَا كَمَّلَ فِي الْقِنَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ضَمِنَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالْإِتْلَافِ مَلَكَهُ مِنْ حِينِ الِاسْتِيلَادِ فَصَارَ مُسْتَوْلِدًا جَارِيَةَ نَفْسِهِ فَثَبَتَ عَدَمُ التَّجَزُّؤِ ضَرُورَةً. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ تَجَزُّؤِ الْعِتْقِ وَالرِّقِّ) فِيهِ أَنَّ الْعِتْقَ إنْ كَانَ بِمَعْنَى زَوَالِ الْمِلْكِ تَجَزَّأَ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى زَوَالِ الرِّقِّ لَا يَتَجَزَّأُ. اهـ ح. قُلْت: لَيْسَ مُرَادُ الشَّارِحِ مُوجِبَ الْعِتْقِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ بَلْ مُرَادُهُ نَفْسُ الْعِتْقِ. فَفِي الزَّيْلَعِيِّ: الْإِعْتَاقُ يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ عِنْدَهُ، وَهُوَ مُنْجَزٌ. وَعِنْدَهُمَا زَوَالُ الرِّقِّ، وَهُوَ غَيْرُ مُنْجَزٍ. وَأَمَّا نَفْسُ الْإِعْتَاقِ أَوْ الْعِتْقِ فَلَا يَتَجَزَّأُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ ذَاتَ الْقَوْلِ وَهُوَ الْعِلَّةُ وَحُكْمُهُ وَهُوَ نُزُولُ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّجَزُّؤُ وَكَذَا الرِّقُّ لَا يَتَجَزَّأُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ، وَالْعِتْقُ وَالْحُرِّيَّةُ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ. اهـ أَيْ اجْتِمَاعُ الضَّعْفِ الْحُكْمِيِّ وَالْقُوَّةِ الْحُكْمِيَّةِ وَهُمَا الرِّقُّ وَالْعِتْقُ (قَوْلُهُ وَمِنْ الْغَرِيبِ إلَخْ) إنَّمَا كَانَ غَرِيبًا لِمُخَالَفَتِهِ الْمَشْهُورَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 658 عَلَى أَنْصَافِهِمْ وَمَنْ عَلَى الْأَنْصَافِ جَازَ، وَيَكُونُ حُكْمُهُمْ بَقَاءً كَالْمُبَعَّضِ. وَلَوْ (أَعْتَقَ شَرِيكٌ نَصِيبَهُ فَلِشَرِيكِهِ) سِتُّ خِيَارَاتٍ بَلْ سَبْعٌ (إمَّا أَنْ يُحَرِّرَ) نَصِيبَهُ مُنْجَزًا، أَوْ مُضَافًا لِمُدَّةٍ كَمُدَّةِ الِاسْتِسْعَاءِ فَتْحٌ، أَوْ يُصَالِحُ، أَوْ يُكَاتِبُ لَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لَوْ مِنْ النَّقْدَيْنِ. وَلَوْ عَجَزَ اسْتَسْعَى، فَإِنْ امْتَنَعَ آجَرَهُ جَبْرًا (أَوْ يُدَبِّرَ) وَتَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ لِلْحَالِ، فَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى فَلَا سِعَايَةَ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ (أَوْ يُسْتَسْعَى) الْعَبْدُ كَمَا مَرَّ (وَالْوَلَاءُ لَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُمَا الْمُعْتِقَانِ (أَوْ يَضْمَنُ) الْمُعْتِقُ (لَوْ مُوسِرًا) وَقَدْ أَعْتَقَ بِلَا إذْنِهِ، فَلَوْ بِهِ اسْتَسْعَاهُ عَلَى الْمَذْهَبِ -   [رد المحتار] مِنْ الِاتِّفَاقِ الْمَذْكُورِ، وَلَكِنَّ هَذَا حَكَاهُ فِي الْبَدَائِعِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ جَوَابًا عَنْ اسْتِدْلَالِ الصَّاحِبَيْنِ بِأَنَّ الرِّقَّ لَا يَتَجَزَّأُ فِي حَالَةِ الثُّبُوتِ، حَتَّى لَا يَصْرِفَ الْإِمَامُ الرِّقَّ فِي نِصْفِ السَّبَايَا وَيَمُنَّ عَلَى نِصْفِهِمْ فَكَذَا فِي حَالِ الْبَقَاءِ. ثُمَّ قَالَ فِي جَوَابِهِ: مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْإِمَامَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ جَازَ وَيَكُونُ حُكْمُهُمْ حُكْمَ مُعْتِقِ الْبَعْضِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ. اهـ. قُلْت: وَيَظْهَرُ لِي الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ تَجَزُّؤُ الرِّقِّ فِي حَالَةِ الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ ثَبَتَ عَلَيْهِمْ حَالَةَ الِاسْتِيلَاءِ كَمَا مَرَّ فَصَرْفُ الرِّقِّ إلَى نِصْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَقْرِيرٌ لِلثَّابِتِ وَالْمَنُّ عَلَى النِّصْفِ الْبَاقِي بِمَعْنَى إعْتَاقِ أَنْصَافِهِمْ، فَصَارَ ذَلِكَ إعْتَاقَ الْبَعْضِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ فَلِشَرِيكِهِ) أَيْ الَّذِي يَصِحُّ مِنْهُ الْإِعْتَاقُ، حَتَّى لَوْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا اُنْتُظِرَ بُلُوغُهُ وَإِفَاقَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ وَلِيٌّ أَوْ وَصِيٌّ، فَإِنْ كَانَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ فَقَطْ نَهْرٌ (قَوْلُهُ بَلْ سَبْعٌ) ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيرَ نَوْعَانِ مُنْجَزٌ وَمُضَافٌ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ. وَقَالَا: لَيْسَ لَهُ إلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ وَالسِّعَايَةُ مَعَ الْإِعْسَارِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ أَوْ مُضَافًا لِمُدَّةٍ كَمُدَّةِ الِاسْتِسْعَاءِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيَنْبَغِي إذَا أَضَافَهُ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُ إضَافَتُهُ إلَى زَمَانٍ طَوِيلٍ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّدْبِيرِ مَعْنًى؛ وَلَوْ دَبَّرَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي الْحَالِ فَيَعْتِقُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَى مُدَّةٍ تُشَاكِلُ مُدَّةَ الِاسْتِسْعَاءِ كَذَا فِي الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ أَوْ يُصَالِحَ) أَيْ السَّاكِتُ الْمُعْتِقَ أَوْ الْعَبْدَ كَمَا يُفَادُ مِنْ الْبَحْرِ ط (قَوْلُهُ لَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ) رَاجِعٌ إلَى الصُّلْحِ وَالْكِتَابَةِ، وَالْمُرَادُ قِيمَةُ حِصَّتِهِ كَالنِّصْفِ مَثَلًا، فَيَصِحُّ عَلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ لَا أَكْثَرَ بِزِيَادَةٍ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهَا، فَالْفَضْلُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ رِبًا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لَوْ مِنْ النَّقْدَيْنِ) فَلَوْ عَلَى عُرُوضٍ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ جَازَ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ عَجَزَ اسْتَسْعَى) أَيْ لَوْ عَجَزَ الْعَبْدُ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ اسْتَسْعَاهُ السَّاكِتُ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَجْزَهُ عَنْ بَدَلِ الصُّلْحِ كَذَلِكَ ط (قَوْلُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ آجَرَهُ جَبْرًا) أَيْ وَيُؤْخَذُ نِصْفُ الْقِيمَةِ مِنْ الْأُجْرَةِ كَذَا فِي الشَّلَبِيِّ، وَمِنْهُ يُسْتَفَادُ أَنَّهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالصُّلْحِ يَرْجِعُ إلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لَا مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ يَسِيرَةً ط (قَوْلُهُ وَتَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ لِلْحَالِ) وَلَا يَجُوزُ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى حَالِهِ لِيَعْتِقَ بَعْدَ الْمَوْتِ، بَلْ إذَا أَدَّى عَتَقَ؛ لِأَنَّ تَدْبِيرَهُ اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلسِّعَايَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى إلَخْ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْفَتْحِ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ لِرُجُوعِهِمَا إلَى السِّعَايَةِ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ لِلتَّدْبِيرِ فَائِدَةً، هِيَ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمَوْلَى سَقَطَتْ عَنْهُ السِّعَايَةُ إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، كَمَا أَنَّ فَائِدَةَ الْكِتَابَةِ تَعْيِينُ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الْكِتَابَةُ لَاحْتِيجَ إلَى تَقْوِيمِهِ وَإِيجَابِ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَقَدْ يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى الْقَضَاءِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي الْمِقْدَارِ. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) مِنْ كَوْنِهِ يُؤْجِرُهُ جَبْرًا إنْ امْتَنَعَ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ النَّهْرِ ح (قَوْلُهُ وَالْوَلَاءُ لَهُمَا) أَيْ فِي جَمِيعِ الْخِيَارَاتِ السَّابِقَةِ ط (قَوْلُهُ أَوْ يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ) وَحِينَئِذٍ فَالسَّيِّدُ أَيْضًا بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَعْتَقَ مَا بَقِيَ، وَإِنْ شَاءَ دَبَّرَ، وَإِنْ شَاءَ كَاتَبَ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى بَدَائِعُ، وَإِنْ أَبْرَأَهُ الشَّرِيكُ عَنْ الضَّمَانِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَبْدِ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ هِنْدِيَّةٌ ط (قَوْلُهُ اسْتَسْعَاهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهُ التَّضْمِينَ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ ضَمَانُ تَمْلِيكٍ لَا إتْلَافٌ بَحْرٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ اقْتِصَارَهُ عَلَى السِّعَايَةِ يُرِيدُ بِهِ نَفْيَ الضَّمَانِ، لَا نَفْيَ الْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 659 (وَيَرْجِعُ) بِمَا ضَمِنَ (عَلَى الْعَبْدِ وَالْوَلَاءُ) كُلُّهُ (لَهُ) لِصُدُورِ الْعِتْقِ كُلِّهِ جِهَتَهُ حَيْثُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ وَهَلْ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ السِّعَايَةِ وَالضَّمَانِ إنْ تَعَدَّدَ الشُّرَكَاءُ؟ نَعَمْ، وَإِلَّا لَا، وَمَتَى اخْتَارَ أَمْرًا تَعَيَّنَ إلَّا السِّعَايَةَ فَلَهُ الْإِعْتَاقُ، وَلَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ نَصِيبَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ كَمُكَاتَبٍ (وَيَسَارُهُ بِكَوْنِهِ مَالِكًا قَدْرَ قِيمَةِ نَصِيبِ الْآخَرِ) يَوْمَ الْإِعْتَاقِ سِوَى مَلْبُوسِهِ وَقُوتِ يَوْمِهِ فِي الْأَصَحِّ مُجْتَبًى. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ، إنْ قَائِمًا قُوِّمَ لِلْحَالِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ، وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ. . (وَلَوْ شَهِدَ) أَيْ أَخْبَرَ لِعَدَمِ قَبُولِهَا -   [رد المحتار] وَالْكِتَابَةِ وَالصُّلْحِ فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ السِّعَايَةِ ط. (قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ) وَلَهُ أَنْ يُحِيلَ السَّاكِتَ عَلَى الْعَبْدِ فَيُوَكِّلَهُ بِقَبْضِ السِّعَايَةِ اقْتِضَاءً مِنْ حَقِّهِ هِنْدِيَّةٌ (قَوْلُهُ إنْ تَعَدَّدَ الشُّرَكَاءُ نَعَمْ) أَيْ إذَا اخْتَارَ بَعْضُهُمْ السِّعَايَةَ وَبَعْضُهُمْ الضَّمَانَ فَلِكُلٍّ مِنْهُمْ مَا اخْتَارَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّدْ الشُّرَكَاءُ فَلَيْسَ لِلسَّاكِتِ أَنْ يَخْتَارَ التَّضْمِينَ فِي الْبَعْضِ وَالسِّعَايَةَ فِي الْبَعْضِ بَحْرٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ لَا رِوَايَةَ فِي ذَلِكَ، فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَهُ ذَلِكَ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَمَتَى اخْتَارَ أَمْرًا تَعَيَّنَ) وَاخْتِيَارُهُ أَنْ يَقُولَ اخْتَرْت أَنْ أُضَمِّنَكَ، أَوْ يَقُولَ أَعْطِنِي حَقِّي. أَمَّا إذَا اخْتَارَ بِالْقَلْبِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ ط عَنْ النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ إلَّا السِّعَايَةُ فَلَهُ الْإِعْتَاقُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْكِتَابَةَ وَالتَّدْبِيرَ وَالصُّلْحَ مِثْلُ السِّعَايَةِ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَهُ) أَيْ وَلَوْ بَاعَ السَّاكِتُ لِشَرِيكِهِ الْمُعْتِقِ لَمْ يَجُزْ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ بِالضَّمَانِ ضَرُورَةً. قُلْت: فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ هَلْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ صَحَّ أَوْ يَكُونُ لَغْوًا، فَلَوْ أَعْتَقَهُ السَّاكِتُ صَحَّ وَصَارَ الْوَلَاءُ لَهُمَا؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي مَقْدِسِيٌّ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ كَمُكَاتَبٍ) وَعِنْدَهُمَا حُرٌّ مَدْيُونٌ (قَوْلُهُ وَيَسَارُهُ بِكَوْنِهِ مَالِكًا إلَخْ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَاخْتَارَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يَسَارَ الْغَنِيِّ الْمَحْرَمِ لِلصَّدَقَةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ مَالِكًا وَبِقَوْلِهِ قِيمَةٌ، فَلَوْ أَعْتَقَ وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ أَعْسَرَ فَلِشَرِيكِهِ حَقُّ التَّضْمِينِ وَبِعَكْسِهِ لَا، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ يَوْمَ الْعِتْقِ أَعْمَى فَانْجَلَى بَيَاضُ عَيْنَيْهِ تَجِبُ قِيمَتُهُ أَعْمَى، وَعَكْسُهُ فِي عَكْسِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ سِوَى مَلْبُوسِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ اسْتَثْنَى الْكَفَافَ، وَهُوَ الْمَنْزِلُ وَالْخَادِمُ وَثِيَابُ الْبَدَنِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكَفَافِ لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ قَائِمًا قُوِّمَ لِلْحَالِ) هَذَا إذَا لَمْ يَتَصَادَقَا عَلَى الْعِتْقِ فِيمَا مَضَى وَإِلَّا يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ ظَهَرَ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَادِثٌ فَيُحَالُ عَلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِ حُدُوثِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الْعَبْدُ هَالِكًا، فَالْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَةِ قِيمَتِهِ بِالْعِيَانِ بِتَغَيُّرِ أَوْصَافِهِ بِالْمَوْتِ وَالسَّاكِتُ يَدَّعِي الزِّيَادَةَ وَالْمُعْتِقُ يُنْكِرُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَكَذَا) أَيْ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ إذَا كَانَ الْعِتْقُ مُتَقَدِّمًا عَلَى يَوْمِ الْخُصُومَةِ فِي مُدَّةٍ يَخْتَلِفُ فِيهَا الْيَسَارُ وَالْإِعْسَارُ وَإِلَّا فَيُعْتَبَرُ لِلْحَالِ، فَإِنْ عَلِمَ يَسَارَهُ فِي الْحَالِ فَلَا مَعْنًى لِلِاخْتِلَافِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَالْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ بَحْرٌ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمُعْتِقِ عِنْدَ الْجَهَالَةِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلِاخْتِلَافِ عِنْدَ الْعِلْمِ كَمَا عَلِمْت فَافْهَمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَسْأَلَةَ مَا إذَا مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُعْتِقُ أَوْ الشَّرِيكُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ شَيْئًا، وَهِيَ مَبْسُوطَةٌ فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ قَبُولِهَا) عِلَّةٌ لِتَفْسِيرِ الشَّهَادَةِ بِالْإِخْبَارِ، وَقَوْلُهُ لِجَرِّهِمْ مَغْنَمًا عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ كَوْنَهَا شَهَادَةٌ فَرْدٌ، إذْ لَا يَطَّرِدُ لَوْ كَانُوا جَمَاعَةً فَشَهِدَ كُلُّ اثْنَيْنِ مِنْهُمَا عَلَى آخَرَ فَإِنَّهُمَا لَا تُقْبَلْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ لِأَنْفُسِهِمَا حَقَّ التَّضْمِينِ. زَادَ فِي الْفَتْحِ: أَوْ يَشْهَدَانِ لِعَبْدِهِمَا، وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا السِّعَايَةَ بِاعْتِرَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْسِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 660 وَإِنْ تَعَدَّدُوا لِجَرِّهِمْ مَغْنَمًا بَدَائِعُ (كُلٌّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ بِعِتْقِ الْآخَرِ) حَظَّهُ وَأَنْكَرَ كُلٌّ (سَعَى لَهُمَا) مَا لَمْ يُحَلِّفْهُمَا الْقَاضِي فَحِينَئِذٍ يُسْتَرَقُّ أَوْ يَسْعَى (فِي حَظِّهِمَا) وَلَوْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا صَارَ مُعْتَرِفًا فَلَا سِعَايَةَ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَّفِقَا فَلِبَيْتِ الْمَالِ بَحْرٌ (مُطْلَقًا) وَلَوْ مُوسِرَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ (وَالْوَلَاءُ لَهُمَا) وَقَالَ يَسْعَى لِلْمُعْسِرَيْنِ لَا لِلْمُوسِرَيْنِ (وَلَوْ تَخَالَفَا يَسَارًا يَسْعَى لِلْمُوسِرِ لَا لِضِدِّهِ) وَهُوَ الْمُعْسِرُ، وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ فِي الْكُلِّ حَتَّى يَتَصَادَقَا، كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالْمُلْتَقَى وَعَامَّةِ الْكُتُبِ. قُلْت: فَفِي الْمَتْنِ خَلَلٌ لَا يَخْفَى فَتَنَبَّهْ. ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا الرَّمْلِيَّ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ. [فَرْعٌ] قَالَ أَحَدُ شَرِيكَيْنِ لِلْآخَرِ: بِعْت مِنْك نَصِيبِي، وَإِنْ لَمْ أَكُنْ بِعْته مِنْك فَهُوَ حُرٌّ. وَقَالَ الْآخَرُ:   [رد المحتار] بِحُرْمَةِ اسْتِرْقَاقِهِ ضِمْنًا لِشَهَادَتِهِ فَتَعَيَّنَ السِّعَايَةُ. اهـ (قَوْلُهُ كُلٌّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ) قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ، إذْ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ بَحْرٌ وَنَهْرٌ (قَوْلُهُ وَأَنْكَرَ كُلٌّ) فَلَوْ اعْتَرَفَا أَنَّهُمَا أَعْتَقَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ وَجَبَ أَنْ لَا يُضَمِّنَ كُلٌّ الْآخَرَ إنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ، وَلَا يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ كُلُّهُ مِنْ جِهَتِهِمَا، وَلَوْ اعْتَرَفَ أَحَدُهُمَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَإِنَّ الْمُنْكِرَ يَجِبُ أَنْ يَحْلِفَ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةً، فَإِنَّهُ إنْ نَكَلَ صَارَ مُعْتَرِفًا أَوْ بَاذِلًا فَصَارَا مُعْتَرِفَيْنِ فَلَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ سِعَايَةٌ كَمَا قُلْنَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُحَلِّفْهُمَا الْقَاضِي إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنْ لُزُومِ اسْتِسْعَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْعَبْدِ، إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَرَافَعَا إلَى قَاضٍ بَلْ خَاطَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ بِأَنَّك أَعْتَقَتْ نَصِيبَك وَهُوَ يُنْكِرُ، أَمَّا لَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا التَّضْمِينَ أَوْ أَرَادَهُ أَوْ نَصِيبَهُمَا مُتَفَاوِتٌ فَتَرَافَعَا أَوْ رَفَعَهُمَا ذُو حِسْبَةٍ فِيمَا لَوْ اسْتَرَقَّاهُ بَعْدَ قَوْلِهِمَا فَإِنَّ الْقَاضِي لَوْ سَأَلَهُمَا فَأَجَابَا بِالْإِنْكَارِ فَحَلَفَا لَا يُسْتَرَقُّ؛ لِأَنَّ كُلًّا يَقُولُ إنَّ صَاحِبَهُ حَلَفَ كَاذِبًا وَاعْتِقَادُهُ أَنَّ الْعَبْدَ يَحْرُمُ اسْتِرْقَاقُهُ وَلِكُلٍّ اسْتِسْعَاؤُهُ، وَإِنْ اعْتَرَفَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَقَدْ مَرَّ آنِفًا فَتْحٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا إنْ حَلَفَا لَا يُسْتَرَقُّ بَلْ يَسْعَى لَهُمَا، وَإِنْ اعْتَرَفَا لَا يُسْتَرَقُّ وَلَا يَسْعَى، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ نَكَلَا؛ لِأَنَّ النُّكُولَ اعْتِرَافٌ وَبَذْلٌ كَمَا مَرَّ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ فَحِينَئِذٍ يُسْتَرَقُّ أَوْ يَسْعَى صَوَابُهُ لَا يُسْتَرَقُّ أَوْ وَلَا يَسْعَى أَيْ لَا يُسْتَرَقُّ إنْ حَلَفَا، وَلَا يُسْتَرَقُّ وَلَا يَسْعَى إنْ اعْتَرَفَا أَوْ نَكَلَا (قَوْلُهُ وَلَوْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا) أَيْ وَحَلَفَ الْآخَرُ، إذْ لَوْ نَكَلَ أَيْضًا صَارَا مُعْتَرِفَيْنِ وَقَدْ مَرَّ. (قَوْلُهُ فَلَا سِعَايَةَ) أَيْ عَلَى الْعَبْدِ لِلْمُعْتَرِفِ وَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ لِلْحَالِفِ ح (قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَّفِقَا) يَعْنِي لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إعْتَاقِ أَحَدِهِمَا فَوَلَاؤُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ. وَاعْلَمْ أَنَّ وَضْعَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ غَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَلَاءَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَوْقُوفٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَمَوْضِعُهَا بَعْدَ قَوْلِهِ حَتَّى يَتَصَادَقَا كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الصَّاحِبَيْنِ ح (قَوْلُهُ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ) صَرَّحَ بِهِ وَإِنْ فُهِمَ مِمَّا قَبْلَهُ تَمْهِيدًا لِلِاعْتِرَاضِ الْآتِي وَلِأَنَّهُ مَنْشَأُ الْوَهْمِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْوَلَاءُ لَهُمَا) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقُولُ عَتَقَ نَصِيبُ صَاحِبِي عَلَيْهِ بِإِعْتَاقِهِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ وَعَتَقَ نَصِيبِي بِالسِّعَايَةِ وَوَلَاؤُهُ لِي وَهُوَ عَبْدٌ مَا دَامَ يَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ بَحْرٌ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ تَخَالَفَا إلَخْ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ يَسْعَى لِلْمُعْسِرَيْنِ (قَوْلُهُ يَسْعَى لِلْمُوسِرِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِإِعْسَارِهِ، وَإِنَّمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ السِّعَايَةَ، فَلَا يَبْرَأُ عَنْهَا وَلَا يَسْعَى لِلْمُعْسِرِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِيَسَارِهِ فَيَكُونُ مُبْرِئًا لِلْعَبْدِ عَنْ السِّعَايَةِ ح عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ) أَيْ عِنْدَهُمَا فِي الْكُلِّ: أَيْ فِي يَسَارِهِمَا وَإِعْسَارِهِمَا وَاخْتِلَافِهِمَا،؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُحِيلُهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَتَبَرَّأُ عَنْهُ كَذَا فِي الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ حَتَّى يَتَصَادَقَا) أَيْ يَتَّفِقَا عَلَى إعْتَاقِ أَحَدِهِمَا، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَّفِقَا وَجَبَ أَنْ يَأْخُذَهُ بَيْتُ الْمَالِ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ كَذَا فِي الْبَحْرِ إلَخْ) الْإِشَارَةُ رَاجِعَةٌ إلَى مَا قَرَّرَهُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ وَمَذْهَبِ الصَّاحِبَيْنِ (قَوْلُهُ فَفِي الْمَتْنِ خَلَلٌ) هُوَ قَوْلُهُ وَلَوْ تَخَالَفَا يَسَارًا إلَخْ، حَيْثُ أَوْهَمَ أَنَّهَا مِنْ كَلَامِ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ أَنَّهَا مُنَافِيَةٌ لِقَوْلِهِ مُطْلَقًا. وَالشَّارِحُ أَصْلَحَ الْمَتْنَ بِقَوْلِهِ وَقَالَا يَسْعَى لِلْمُعْسِرَيْنِ لَا لِلْمُوسِرَيْنِ، وَجَعَلَ قَوْلَهُ وَلَوْ تَخَالَفَا إلَخْ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الصَّاحِبَيْنِ ح (قَوْلُهُ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ نَبَّهَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمِنَحِ عَلَى هَذَا الْخَلَلِ كَذَلِكَ أَيْ كَمَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ. . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 661 مَا اشْتَرَيْته وَإِنْ كُنْت اشْتَرَيْته مِنْك فَهُوَ حُرٌّ فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الشِّرَاءِ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ حَلَفَ وَلَا بَيِّنَةَ لِلْبَائِعِ عَتَقَ بِلَا سِعَايَةٍ لِمُدَّعِي الْبَيْعِ، بَلْ لِلْآخَرِ فِي حَظِّهِ بِكُلِّ حَالٍ، وَكَذَا عِنْدَهُمَا لَوْ الْبَائِعُ مُعْسِرًا، وَلَوْ مُوسِرًا لَمْ يَسْعَ لِأَحَدٍ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ (عَلَّقَ أَحَدُهُمَا عِتْقَهُ بِفِعْلٍ غَدًا) مَثَلًا كَإِنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ غَدًا فَأَنْتَ حُرٌّ (وَعَكَسَ) الشَّرِيكُ (الْآخَرُ) فَقَالَ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فَمَضَى الْغَدُ (وَجَهِلَ شَرْطَهُ) أَدَخَلَ أَمْ لَا (عَتَقَ نِصْفُهُ) لِحِنْثِ أَحَدِهِمَا بِيَقِينٍ (وَسَعَى فِي نِصْفِهِ لَهُمَا) مُطْلَقًا وَالْوَلَاءُ لَهُمَا (وَلَا عِتْقَ) وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا (لَوْ حَلَفَا عَلَى عَبْدَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَحَدِهِمَا) لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ   [رد المحتار] [فَرْعٌ قَالَ أَحَدُ شَرِيكَيْنِ لِلْآخَرِ بِعْت مِنْك نَصِيبِي] قَوْلُهُ وَلَا بَيِّنَةَ لِلْبَائِعِ) أَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ ثَبَتَ حِنْثُ مُنْكِرِ الشِّرَاءِ، فَيَعْتِقُ الْعَبْدُ كُلُّهُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ ثَمَنُ حِصَّةِ الْبَائِعِ بِمُوجِبِ الشِّرَاءِ لَا الْإِعْتَاقِ (قَوْلُهُ عَتَقَ بِلَا سِعَايَةٍ) أَمَّا عِتْقُهُ فَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّ شَرِيكَهُ الْآخَرَ حَانِثٌ، وَأَمَّا عَدَمُ السِّعَايَةِ لِمُدَّعِي الْبَيْعِ فَلِأَنَّ شَرِيكَهُ لَمَّا أَنْكَرَ الشِّرَاءَ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لَمْ يَثْبُتْ بَيْعُهُ فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ عِتْقِ مُدَّعِي الْبَيْعِ فَكَانَ الْعِتْقُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ سِعَايَةٌ عَلَى الْعَبْدِ، وَأَمَّا سِعَايَتُهُ لِمُنْكِرِ الشِّرَاءِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِتْقُهُ لِإِنْكَارِهِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ عِتْقُ شَرِيكِهِ لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ عِتْقُ شَرِيكِهِ إلَّا بِسَبَبِ إنْكَارِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَضْمِينُهُ لَوْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ أُضِيفَ الْعِتْقُ حَقِيقَةً إلَى تَعْلِيقِ مُدَّعِي الْبَيْعِ فَكَانَ الْمُعَلِّقُ صَاحِبَ الْعِلَّةِ وَالْمُنْكِرُ صَاحِبَ الشَّرْطِ، وَالْحُكْمُ يُضَافُ لِعِلَّتِهِ، وَلِذَا لَوْ رَجَعَ شُهُودُ الزِّنَا وَشُهُودُ الْإِحْصَانِ يَضْمَنُ شُهُودُ الزِّنَا فَقَطْ، فَلَمَّا كَانَ إنْكَارُهُ شَرْطًا لِلْعِتْقِ صَارَ لَهُ دَخْلٌ فِي عِتْقِهِ فَلَا يَضْمَنُ شَرِيكُهُ، وَلَمَّا كَانَ الشَّرِيكُ مُبَاشِرُ الْعِلَّةِ أُضِيفَ الْعِتْقُ إلَيْهِ فَكَانَ لِلْمُنْكِرِ اسْتِسْعَاءُ الْعَبْدِ بِكُلِّ حَالٍ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَوْجِيهِهِ. لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْعَى فِي نِصْفِهِ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ نِصْفُهُ بِيَقِينٍ لِتَعْلِيقِ عِتْقِهِ عَلَى الشِّرَاءِ وَعَدَمِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الَّذِي عَتَقَ مِنْهُ حِصَّةُ أَحَدِهِمَا وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَكَوْنُ الَّذِي عَتَقَ حِصَّةُ مُدَّعِي الْبَيْعِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ شَرْطَ الْعِتْقِ، وَكَوْنُ الْقَوْلِ لِشَرِيكِهِ أَنَّهُ مَا اشْتَرَى إنَّمَا يَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ لُزُومِ الثَّمَنِ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ فِيهِ وَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ الْعِتْقِ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى عَدَمِ وُصُولِ نَفَقَتِهِ إلَيْهَا يَوْمَ كَذَا فَادَّعَى الْوُصُولَ وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ لَهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى لُزُومِ النَّفَقَةِ، وَالْقَوْلُ لَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَمِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ لِمُنْكِرِ شَرْطِ الْحِنْثِ وَهُنَا كَذَلِكَ نَعَمْ قِيلَ إنَّ الْقَوْلَ لِلْمَرْأَةِ فِي الطَّلَاقِ أَيْضًا فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَا هُنَا مَبْنِيًّا عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لَوْ الْبَائِعُ مُعْسِرًا) ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمَا يَلْزَمُ السِّعَايَةُ عِنْدَ الْإِعْسَارِ وَالضَّمَانُ عِنْدَ الْيَسَارِ (قَوْلُهُ لَمْ يَسْعَ لِأَحَدٍ) أَمَّا لِلْبَائِعِ فَلِأَنَّ الْعِتْقَ مِنْ جِهَتِهِ، وَأَمَّا لِلشَّارِي فَلِأَنَّ حَقَّهُ فِي التَّضْمِينِ حِينَئِذٍ دُونَ الِاسْتِسْعَاءِ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) هُوَ رِوَايَةُ أَبِي حَفْصٍ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ يَسْعَى لَهُمَا عِنْدَهُمْ جَمِيعًا إنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ، وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ يَسْعَى لِمُدَّعِي الْبَيْعِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ فَقَطْ نَهْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَّقَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي عَبْدٍ وَاحِدٍ ط (قَوْلُهُ بِفِعْلٍ) سَوَاءٌ كَانَ فِعْلَ أَجْنَبِيٍّ أَوْ الْمَحْلُوفَ بِعِتْقِهِ ط (قَوْلُهُ مَثَلًا) يَعْنِي أَنَّ ذِكْرَ الْغَدِ لَيْسَ قَيْدًا، بَلْ الْمُرَادُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْغَدِ وَالْيَوْمِ وَالْأَمْسِ بَحْرٌ، وَكَذَا ذِكْرُ الدُّخُولِ ط (قَوْلُهُ فَقَالَ إنْ لَمْ يَدْخُلْ) أَيْ فُلَانٌ غَدًا الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ط (قَوْلُهُ فَمَضَى الْغَدُ) أَيْ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِمَا إلَى آخَرِ الْغَدِ، أَمَّا إذَا أَخْرَجَهُ أَحَدُهُمَا عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ الْغَدِ بَطَلَ تَعْلِيقُهُ بِمُضِيِّ الْغَدِ، وَيُنْظَرُ فِي تَعْلِيقِ الْآخَرِ إنْ عَلِمَ وُقُوعَ شَرْطٍ عَتَقَ حَظُّهُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَا يَخْفَى ط (قَوْلُهُ وَجُهِلَ شَرْطُهُ) أَيْ شَرْطُ الْعِتْقِ وَهُوَ الدُّخُولُ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا، فَلَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا بِبَيِّنَةَ أَوْ إقْرَارَ الْحَالِفِ لَا إقْرَارَ فُلَانٍ عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ (قَوْلُهُ وَسَعَى فِي نِصْفِهِ) هَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بِسُقُوطِ السِّعَايَةِ مَجْهُولٌ نَهْرٌ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ مُوسِرَيْنِ أَوْ مُعْسِرَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ ح. (قَوْلُهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا) أَيْ بِأَنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا عَلَى فِعْلِ فُلَانٍ غَدًا وَعَكْسُهُ الْآخَرُ (قَوْلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَحَدِهِمَا) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ بِتَمَامِهِ مَمْلُوكٌ لِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْحَالِفَيْنِ (قَوْلُهُ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ) ؛ لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 662 حَتَّى لَوْ اتَّحَدَ الْمَالِكُ كَأَنْ اشْتَرَاهُمَا مَنْ عَلِمَ بِحَلِفِهِمَا عَتَقَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا وَأُمِرَ بِالْبَيَانِ فَتْحٌ، أَوْ الْحَالِفُ بِأَنْ (قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَكُنْ فُلَانٌ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ، ثُمَّ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ دَخَلَ الْيَوْمَ عَتَقَ وَطَلُقَتْ) ؛ لِأَنَّهُ بِكُلِّ يَمِينٍ زَعَمَ الْحِنْثَ فِي الْأُخْرَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ الْأُولَى بِاَللَّهِ، إذْ الْغَمُوسُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ لِيَكْذِبَ بِهِ بِخِلَافِ الْأُخْرَى. . (وَمَنْ مَلَك قَرِيبَهُ) بِسَبَبٍ مَا (مَعَ) رَجُلٍ (آخَرَ عَتَقَ حَظُّهُ بِلَا ضَمَانٍ عَلِمَ) الشَّرِيكُ (بِقَرَابَتِهِ أَوْ لَا) -   [رد المحتار] الْمَجْهُولَ هُنَا شَيْئَانِ: الْعَبْدُ الْمَقْضِيُّ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ وَبِسُقُوطِ نِصْفِ السِّعَايَةِ عَنْهُ، وَالْحَانِثُ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ، وَالْمَعْلُومُ وَاحِدٌ وَهُوَ الْمَقْضِيُّ بِهِ أَعْنِي الْحُرِّيَّةَ وَسُقُوطَ السِّعَايَةِ، وَفِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ بِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ وَالْمَقْضِيَّ بِهِ مَعْلُومَانِ، وَالْمَجْهُولُ وَاحِدٌ وَهُوَ الْحَانِثُ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ فَيَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ عِنْدَ غَلَبَةِ الْجَهَالَةِ كَمَا أَفَادَهُ ح عَنْ الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ اتَّحَدَ الْمَالِكُ) غَايَةٌ عَلَى مَفْهُومِ التَّقْيِيدِ بِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ، وَإِنَّمَا حُكِمَ بِعِتْقِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ ارْتَفَعَتْ ط (قَوْلُهُ عَتَقَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا) وَلَا يُنَافِي عِلْمُهُ بِحِنْثِ أَحَدِ الْمَالِكَيْنِ صِحَّةُ شِرَائِهِ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ مِلْكِهِ لَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ وَمَوْلَاهُ يُنْكِرُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ صَحَّ وَإِذَا صَحَّ شِرَاؤُهُ لَهُمَا وَاجْتَمَعَا فِي مِلْكِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ مُعْتَبَرٌ الْآنَ، وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ أَحَدَ الْحَالِفَيْنِ لَوْ اشْتَرَى الْعَبْدَ مِنْ الْحَالِفِ الْآخَرِ يَصِحُّ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَفِي الْمُحِيطِ: هَذَا إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِحَالِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَالْقَاضِي يُحَلِّفُهُمَا وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ مَا لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ الْحَالِفُ) عُطِفَ عَلَى الْمَالِكِ فَإِنَّهُ لَا جَهَالَةَ هُنَا أَصْلًا لِلْعِلْمِ بِالْحَانِثِ وَالْمَقْضِيِّ لَهُ وَهُوَ الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ وَالْمُقْضَى بِهِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ وَالطَّلَاقُ فَافْهَمْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْيَمِينَانِ عَلَى عَبْدَيْهِ. مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ إنْ لَمْ يَدْخُلْ وَبَيْنَ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ (قَوْلُهُ عَتَقَ وَطَلُقَتْ) وَقِيلَ لَا يَعْتِقُ وَلَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُعَلَّقٌ بِعَدَمِ الدُّخُولِ وَالْآخَرُ بِوُجُودِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُحْتَمَلُ تَحَقُّقُهُ وَعَدَمُهُ. قُلْنَا: ذَاكَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فَعَبْدِي حُرٌّ، بِخِلَافِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِتَحْقِيقِ الدُّخُولِ فِي الْمَاضِي رَدًّا عَلَى الْمُمَارِي فِي الدُّخُولِ وَعَدَمِهِ، فَكَانَ مُعْتَرَفًا بِالدُّخُولِ وَهُوَ شَرْطُ الطَّلَاقِ فَوَقَعَ بِخِلَافِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ لَيْسَ فِيهِ تَحَقُّقٌ وَصِيغَةُ إنْ كَانَ دَخَلَ ظَاهِرَةٌ لِتَحْقِيقِ عَدَمِ الدُّخُولِ رَدًّا عَلَى مَنْ تَرَدَّدَ فِيهِ فَكَانَ مُعْتَرِفًا بِعَدَمِ الدُّخُولِ وَهُوَ شَرْطُ وُقُوعِ الْعِتْقِ فَوَقَعَ بِخِلَافِ إنْ دَخَلَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَحَقُّقٌ أَصْلًا، فَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَى ذَلِكَ الْقَائِلِ تَرْكِيبٌ بِآخَرَ، وَبِهِ سَقَطَ أَيْضًا قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ التَّعْلِيقِ بِكَائِنٍ فَيَقَعُ لِتَصَوُّرِ الْإِقْرَارِ فِيهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِعَدَمِهِ. اهـ مِنْ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَأَصْلُ الْجَوَابِ لِلْفَتْحِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ الْأُولَى بِاَللَّهِ) قَالَ ابْنُ بَلْبَانَ فِي بَابِ الْيَمِينِ: تَنْقُضُ صَاحِبَتَهَا مِنْ أَيْمَانِ شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مَا نَصُّهُ: لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ الْأُولَى بِاَللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ مَا دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ ثُمَّ قَالَ: عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ لَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَلَا عِتْقٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا كَفَّارَةَ، وَإِنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا لِلْكَذِبِ فَهُوَ الْغَمُوسُ وَالْغَمُوسُ لَيْسَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ حُكْمِ الْحَاكِمِ لِيَكُونَ الْحُكْمُ إكْذَابًا لِلْيَمِينِ الْأُخْرَى. اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قُبَيْلَ طَلَاقِ الْمَرِيضِ، وَنَبَّهْنَا هُنَاكَ عَلَى غَلَطِ الشَّارِحِ فِي تَصْوِيرِهَا ح. (قَوْلُهُ وَمَنْ مَلَكَ قَرِيبَهُ) أَيْ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ بِسَبَبٍ مَا) أَيْ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ إرْثٍ نَهْرٌ. وَصُورَةُ الْإِرْثِ: امْرَأَةٌ اشْتَرَتْ ابْنَ زَوْجِهَا ثُمَّ مَاتَتْ عَنْ زَوْجِهَا وَعَنْ أَخِيهَا وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ ابْنُ عَمٍّ وَلِابْنِ الْعَمِّ جَارِيَةٌ تَزَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ مَاتَ ابْنُ الْعَمِّ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ) أَيْ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ قَبِلَاهُ جَمِيعًا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ. وَيُوَضِّحُ هَذَا الْقَيْدَ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ حَمَوِيٌّ عَنْ شَرْحِ ابْنِ الْحَلَبِيِّ، وَالْمُرَادُ بِالْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَى بَعْضَهُ أَجْنَبِيٌّ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ بِلَا ضَمَانٍ) أَيْ لَقِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ لَوْ مُوسِرًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ عَلِمَ الشَّرِيكُ) أَيْ الْأَجْنَبِيُّ، وَالضَّمِيرُ فِي بِقَرَابَتِهِ لِلشَّرِيكِ الْقَرِيبِ ط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 663 عَلَى الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى السَّبَبِ (وَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُعْتِقَ أَوْ يَسْتَسْعَى) أَمَّا لَوْ مَلَك مُسْتَوْلَدَتَهُ بِالنِّكَاحِ مَعَ آخَرَ فَيَضْمَنُ حَظَّ شَرِيكِهِ لِكَوْنِهِ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ (وَإِنْ اشْتَرَى نِصْفَهُ أَجْنَبِيٌّ ثُمَّ الْقَرِيبُ بَاقِيَهُ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُشْتَرِي) مُوسِرًا (أَوْ يَسْتَسْعَى) الْعَبْدَ، هَذِهِ سَاقِطَةٌ مِنْ نُسَخِ الشَّارِحِ. (وَإِنْ اشْتَرَى نِصْفَ قَرِيبِهِ مِمَّنْ يَمْلِكُهُ) كُلَّهُ (لَا يَضْمَنُ لِبَائِعِهِ مُطْلَقًا) لِمُشَارَكَتِهِ فِي الْعِلَّةِ، وَقَيَّدَ بِمِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ (لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ لَزِمَهُ الضَّمَانُ) إجْمَاعًا (لِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَبِعْ لَوْ) الْمُشْتَرِي (مُوسِرًا) . (عَبْدٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ دَبَّرَهُ وَاحِدٌ وَ) بَعْدَهُ (أَعْتَقَهُ آخَرُ وَهُمَا مُوسِرَانِ ضَمِنَ السَّاكِتُ) الَّذِي لَمْ يُدَبِّرْ وَلَمْ يُحَرِّرْ (مُدَبَّرَهُ) إنْ شَاءَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ قِنًّا وَرَجَعَ بِهَا عَلَى الْعَبْدِ (لَا مُعْتِقِهِ) ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ ضَمَانُ مُعَاوَضَةٍ -   [رد المحتار] قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ بِسَبَبٍ مَا وَبِقَوْلِهِ عَلِمَ الشَّرِيكُ بِقَرَابَتِهِ أَوْ لَا وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ. وَقَالَا: يَضْمَنُ فِي غَيْرِ الْإِرْثِ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا يَسْعَى الْعَبْدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِشَرِيكِ قَرِيبِهِ الْمُشْتَرِي، كَذَا فِي مِسْكِينٍ ط (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ) هُوَ الضَّمَانُ أَوْ عَدَمُهُ يُدَارُ عَلَى السَّبَبِ وَهُوَ التَّعَدِّي أَوْ عَدَمُهُ وَقَدْ عُدِمَ التَّعَدِّي هُنَا ط كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ: كُلْ هَذَا الطَّعَامَ وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِلْآمِرِ وَلَا يَعْلَمُ الْآمِرُ بِمِلْكِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَمَّا لَوْ مَلَكَ مُسْتَوْلَدَتَهُ) وَلَوْ بِالْإِرْثِ بَحْرٌ، وَقَوْلُهُ بِالنِّكَاحِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ مُسْتَوْلَدَتُهُ ط (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ ضَمَانَ تَمَلُّكٍ) أَيْ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ اهـ ح. وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ فَيَضْمَنُ حَظَّ شَرِيكِهِ وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا لَكَانَ أَوْلَى لِيُفِيدَ أَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ لِلْإِطْلَاقِ ط (قَوْلُهُ فَلَهُ) أَيْ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُشْتَرِيَ لِوُجُودِ التَّعَدِّي، وَلَوْ أَبْدَلَ الْمُشْتَرِي بِالْقَرِيبِ لَكَانَ أَوْضَحَ ط (قَوْلُهُ أَوْ يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ) ؛ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. (قَوْلُهُ هَذِهِ سَاقِطَةٌ) أَيْ جُمْلَةُ قَوْلِهِ وَإِنْ اشْتَرَى نِصْفَهُ أَجْنَبِيٌّ إلَخْ سَقَطَتْ مِنْ نُسْخَةِ الْمَتْنِ الَّتِي شَرَحَهَا الْمُصَنِّفُ ط. (قَوْلُهُ لَا يَضْمَنُ لِبَائِعِهِ) وَحِينَئِذٍ فَالْبَائِعُ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى بَحْرٌ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا. وَقَالَا: لَوْ مُوسِرًا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِمُشَارَكَتِهِ) فَإِنَّ عِلَّةَ دُخُولِ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَقَدْ تَشَارَكَا فِيهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ الضَّمَانُ) أَيْ لَزِمَ الْمُشْتَرِي ضَمَانَ حِصَّةَ الشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَبِعْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي الْعِلَّةِ، فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَلَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ شَيْئًا بَحْرٌ ط (قَوْلُهُ لَوْ مُوسِرًا) فَلَوْ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ بِالْإِجْمَاعِ هِنْدِيَّةٌ ط. (قَوْلُهُ وَبَعْدَهُ أَعْتَقَهُ آخَرُ) أَيْ قَبْلَ الضَّمَانِ، أَمَّا لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ تَضْمِينِ السَّاكِتِ الْمُدَبِّرَ ضَمَّنَ الْمُدَبِّرُ الْمُعْتَقَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ قِنًّا؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ وُجِدَ بَعْدَ تَمَلُّكِ الْمُدَبِّرِ نَصِيبَ السَّاكِتِ، وَإِنَّمَا ضَمَّنَهُ الثُّلُثَ الَّذِي ضَمَّنَهُ لِلسَّاكِتِ قِنًّا لِبَقَائِهِ قِنًّا عَلَى مِلْكِهِ، فَإِنَّ التَّدْبِيرَ يَتَجَزَّأُ، وَثُلُثَا الْوَلَاءِ لِلْمُدَبِّرِ، وَثُلُثُهُ لِلْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْمُعْتِقِ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا ضَمَانُ تَمْلِيكٍ ح عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَهُمَا مُوسِرَانِ) أَمَّا لَوْ كَانَ الْمُدَبِّرُ مُعْسِرًا فَلِلْمُدَبَّرِ الِاسْتِسْعَاءُ دُونَ التَّضْمِينِ، وَكَذَا الْمُعْتِقُ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا فَلِلْمُدَبَّرِ الِاسْتِسْعَاءُ دُونَ تَضْمِينِ الْمُعْتِقِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ إنْ شَاءَ) وَإِنْ شَاءَ دَبَّرَ نَصِيبَهُ أَوْ اسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي نَصِيبِهِ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ تَرَكَهُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، فَاسِدٌ بِإِفْسَادِ شَرِيكِهِ حَيْثُ سَدَّ عَلَيْهِ طُرُقَ الِانْتِفَاعِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ ح عَنْ الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ وَرَجَعَ بِهَا) أَيْ بِثُلُثِ قِيمَتِهِ وَأَنَّثَ الضَّمِيرَ لِاكْتِسَابِ الْمُضَافِ التَّأْنِيثَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ كَمَا فِي قَطَعْت بَعْضَ أَصَابِعِي (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ إلَخْ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ: أَيْ ضَمَانَ التَّدْبِيرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّدْبِيرَ لَمَّا كَانَ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُ اقْتَصَرَ عَلَى نَصِيبِ الْمُدَبِّرِ وَفَسَدَ بِهِ نَصِيبُ الْآخَرَيْنِ حَيْثُ امْتَنَعَ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْخِيَارَاتُ الْمَارَّةُ، فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمَا الْعِتْقَ تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِيهِ فَتَوَجَّهَ لِلسَّاكِتِ سَبَبًا ضَمَانِ تَدْبِيرِ الْمُدَبَّرِ وَإِعْتَاقِ الْمُعْتِقِ، غَيْرَ أَنَّ لَهُ تَضْمِينَ الْمُدَبِّرِ لِيَكُونَ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمَضْمُونَاتِ عِنْدَنَا لِكَوْنِهِ قَابِلًا لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَقْتَ التَّدْبِيرِ لِكَوْنِهِ قِنًّا وَقْتَهُ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْإِعْتَاقِ لِأَجْلِ التَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ الْمَذْكُورَ، وَلِهَذَا يَضْمَنُ الْمُدَبِّرُ، وَهَذَا عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا صَارَ الْعَبْدُ كُلُّهُ مُدَبَّرًا وَإِعْتَاقُ الْمُعْتَقِ بَاطِلٌ، وَيَضْمَنُ لِشَرِيكَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 664 وَهُوَ الْأَصْلُ (وَ) ضَمِنَ (الْمُدَبَّرَ مُعْتِقُهُ ثُلُثَهُ مُدَبَّرَا لَا مَا ضَمِنَهُ) الْمُدَبَّرُ مِنْ ثُلُثِهِ قُلْنَا لِنَقْصِهِ بِتَدْبِيرِهِ وَسَيَجِيءُ أَنَّ قِيمَةَ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا (وَالْوَلَاءُ بَيْنَ الْمُعْتِقِ وَالْمُدَبِّرِ أَثْلَاثًا: ثُلُثَاهُ لِلْمُدَبِّرِ، وَمَا بَقِيَ لِلْمُعْتِقِ) لِعِتْقِهِ هَكَذَا عَلَى مِلْكِهِمَا. (وَلَوْ قَالَ: هِيَ أُمُّ وَلَدِ شَرِيكِي وَأَنْكَرَ) شَرِيكُهُ، وَلَا بَيِّنَةَ (تَخْدِمُهُ يَوْمًا وَتَتَوَقَّفُ) بِلَا خِدْمَةٍ (يَوْمًا) عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ، وَنَفَقَتُهَا فِي كَسْبِهَا وَإِلَّا فَعَلَى الْمُنْكِرِ وَجِنَايَتُهَا مَوْقُوفَةٌ   [رد المحتار] ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ، مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ لِنَقْصِهِ بِتَدْبِيرِهِ) عِلَّةٌ لِتَضْمِينِهِ الْمُعْتِقَ ثُلُثَهُ مُدَبَّرًا فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ عَقِبَهُ فَإِنَّ الْمُعْتِقَ أَفْسَدَ عَلَى الْمُدَبِّرِ نَصِيبَهُ مُدَبَّرًا وَالضَّمَانُ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمُتْلَفِ زَيْلَعِيٌّ وَأَمَّا عِلَّةُ تَضْمِينِهِ الْمُعْتِقَ ثُلُثَهُ قِنًّا وَهُوَ مَا مَلَكَهُ الْمُدَبَّرُ مِنْ جِهَةِ السَّاكِتِ فَهِيَ أَنَّ مِلْكَهُ ثَبَتَ مُسْتَنِدًا: أَيْ إلَى مَا قَبْلَ الْإِعْتَاقِ فَكَانَ ثَابِتًا مِنْ وَجْهٍ غَيْرَ ثَابِتٍ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ وَلِهَذَا قُلْنَا: لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ تَضْمِينِ السَّاكِتِ الْمُدَبِّرِ كَانَ لِلْمُدَبَّرِ تَضْمِينُ الْمُعْتِقِ ثُلُثَ قِيمَتِهِ قِنًّا مَعَ ثُلُثِهِ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ وُجِدَ بَعْدَ تَمَلُّكِ الْمُدَبَّرِ نَصِيبَ السَّاكِتِ فَلَهُ تَضْمِينُ كُلِّ ثُلُثٍ بِصِفَتِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُدَبَّرَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُعْتِقِ بِمَا كَانَ لَهُ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ، فَإِنْ كَانَ السَّاكِتُ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثُلُثِهِ صَارَ لِلْمُدَبَّرِ الثُّلُثَانِ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ ثُلُثٌ مُدَبَّرٌ وَثُلُثٌ قِنٌّ فَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهَا عَلَى الْمُعْتِقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَمِنَ لِلسَّاكِتِ شَيْئًا حَتَّى أَعْتَقَ الْآخَرُ يَرْجِعُ الْمُدَبِّرُ بِمَا ضَمِنَهُ لِلسَّاكِتِ عَلَى الْعَبْدِ كَمَا مَرَّ، وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ ثُلُثِهِ الْمُدَبَّرِ عَلَى الْمُعْتِقِ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي الْمَتْنِ آخِرَ بَابِ التَّدْبِيرِ: قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قِنًّا سَبْعًا وَعِشْرِينَ دِينَارًا ضَمِنَ: أَيْ الْمُعْتِقُ لِلْمُدَبِّرِ سِتَّةَ دَنَانِيرَ؛ لِأَنَّ ثُلُثَيْهَا وَهُوَ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَثُلُثَهَا وَهُوَ الْمَضْمُونُ سِتَّةٌ، وَالْمُدَبِّرُ يَضْمَنُ لِلسَّاكِتِ تِسْعَةً (قَوْلُهُ أَثْلَاثًا) هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ. وَعَلَى قَوْلِهِمَا الْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُدَبِّرِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَدْ أَهْمَلَ الشُّرَّاحُ التَّنْبِيهَ عَلَى ذَلِكَ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ لِعِتْقِهِ هَكَذَا عَلَى مِلْكِهِمَا) فَإِنَّ أَحَدَ الثُّلُثَيْنِ كَانَ لِلْمُدَبِّرِ أَصَالَةً وَالْآخَرُ تَمَلَّكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ لِلسَّاكِتِ فَصَارَ كَأَنَّهُ دَبَّرَ ثُلُثَيْهِ مِنْ الِابْتِدَاءِ، بِخِلَافِ الْمُعْتِقِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ ثُلُثٌ أَعْتَقَهُ وَثُلُثٌ أَدَّى ضَمَانَهُ لِلْمُدَبِّرِ لَيْسَ لَهُ إلَّا ثُلُثُ الْوَلَاءِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ ضَمَانُ إفْسَادٍ لَا ضَمَانُ تَمَلُّكٍ وَمُعَاوَضَةٍ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْمُدَبَّرَ غَيْرُ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ وَحِينَ أَعْتَقَهُ كَانَ مُدَبَّرًا، وَلَوْ كَانَ السَّاكِتُ اخْتَارَ سِعَايَةَ الْعَبْدِ فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا لِكُلٍّ ثُلُثُهُ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَأَنْكَرَ شَرِيكُهُ) فَلَوْ صَدَّقَهُ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَزِمَهُ نِصْفُ قِيمَتِهَا وَنِصْفُ عُقْرِهَا كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا كَمَا سَيَأْتِي بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَا بَيِّنَةَ) أَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ صَدَّقَهُ (قَوْلُهُ تَخْدُمُهُ) أَيْ الْمُنْكِرَ (قَوْلُهُ بِلَا خِدْمَةٍ) أَيْ لَا تَخْدُمُ أَحَدًا، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِلْمُنْكِرِ وَلَا لِلْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَرَّأُ مِنْهَا وَيَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى شَرِيكِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُ الثَّانِي آخِرًا كَمَا فِي الْأَصْلِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَيْسَ لِلْمُنْكِرِ إلَّا الِاسْتِسْعَاءُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَنَفَقَتُهَا فِي كَسْبِهَا) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي الْمُخْتَلِفِ فِي بَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ نَفَقَتَهَا فِي كَسْبِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ فَعَلَى الْمُنْكِرِ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فِي النَّفَقَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: نِصْفُ كَسْبِهَا لِلْمُنْكِرِ وَنِصْفُهُ مَوْقُوفٌ وَنَفَقَتُهَا مِنْ كَسْبِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ فَنِصْفُ نَفَقَتِهَا عَلَى الْمُنْكِرِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْجَارِيَةِ لِلْمُنْكِرِ: وَهَذَا اللَّائِقُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ وَنَسَبَهُ الْعَيْنِيُّ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَجِنَايَتُهَا مَوْقُوفَةٌ) أَيْ إلَى تَصْدِيقِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ فَتْحٌ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ جِنَايَتِهَا وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ. وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهَا مَوْقُوفَةٌ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ دُونَ الْمُنْكِرِ فَيَأْخُذُ نِصْفَ الْأَرْشِ، وَأَمَّا جِنَايَتُهَا فَقِيلَ هِيَ كَذَلِكَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ فِي حَقِّهَا؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ إيجَابُهَا فِي نَصِيبِ الْمُنْكِرِ عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ عَنْ دَفْعِهَا لَهَا مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ مِنْهُ فَلَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ، فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ فِي نَصِيبِهِ ضَرُورَةً كَالْمُقِرِّ، بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ دَفْعُ نِصْفِ الْأَرْشِ إلَى الْمُنْكِرِ. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 665 (وَلَا قِيمَةَ لِأُمِّ وَلَدٍ) إلَّا لِضَرُورَةِ إسْلَامِ أُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ وَقَوَّمَاهَا بِثُلُثِ قِيمَتِهَا قِنَّةً (فَلَا يَضْمَنُ غِنًى أَعْتَقَهَا مُشْتَرِكَةً) بِأَنْ وَلَدَتْ فَادَّعَيَاهُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا فَأَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا لَمْ يَضْمَنْ، وَكَذَا لَوْ وَلَدَتْ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَا ضَمَانَ وَلَا سِعَايَةَ، خِلَافًا لَهُمَا (وَ) إنَّمَا (تَضْمَنُ بِالْجِنَايَةِ) إجْمَاعًا (فَلَوْ قَرَّبَهَا إلَى سَبُعٍ فَافْتَرَسَهَا ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا ضَمَانُ غَصْبٍ، وَلِذَا يَضْمَنُ الصَّبِيَّ الْحَرَّ بِمِثْلِهِ زَيْلَعِيٌّ. (وَلَوْ قَالَ لِعَبْدَيْنِ عِنْدَهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ لَهُ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَخَرَجَ وَاحِدٌ وَدَخَلَ آخَرُ فَأَعَادَ) قَوْلَهُ أَحَدُكُمَا حُرٌّ، فَمَا دَامَ حَيًّا يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ. -   [رد المحتار] مَطْلَبٌ أُمُّ الْوَلَدِ لَا قِيمَةَ لَهَا خِلَافًا لَهُمَا (قَوْلُهُ إلَّا لِضَرُورَةِ إسْلَامِ أُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ) فَإِنَّهَا تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا وَهُوَ ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنَّةٌ كَمَا يَأْتِي فِي الِاسْتِيلَادِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ تَقَوُّمَهَا وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ، وَحَكَمْنَا بِكِتَابَتِهَا عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا، إذْ لَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهَا مَمْلُوكَةً لَهُ وَلَا إخْرَاجُهَا مَجَّانًا ط عَنْ الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ وَقَوَّمَاهَا) أَيْ قَالَا لَهَا قِيمَةٌ. وَهِيَ ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنَّةً (قَوْلُهُ فَلَا يَضْمَنُ غَنِيٌّ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا مَهَّدَهُ بِهِ يَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ، وَقَيَّدَ بِالْغَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ، أَمَّا الْمُعْسِرُ فَلَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا بَلْ تَسْعَى عِنْدَهُمَا لِلسَّاكِتِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا (قَوْلُهُ فَأَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا إلَخْ) أَيْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهَا، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُعْتِقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خَانِيَّةٌ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ عِتْقَ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَتَجَزَّأُ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ كُلُّهَا بِعِتْقِ بَعْضِهَا اتِّفَاقًا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ وَلَدَتْ) أَيْ وَلَدًا آخَرَ بَعْدَ الْوَلَدِ الْمُشْتَرَكِ ط (قَوْلُهُ وَلَا ضَمَانَ) أَيْ لَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ الْوَلَدِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ كَأُمِّهِ فَلَا يَكُونُ مُتَقَوِّمًا عِنْدَهُ بَحْرٌ عَنْ الْكَافِي، وَقَوْلُهُ وَلَا سِعَايَةَ: أَيْ عَلَى الْوَلَدِ وَلَا عَلَى أُمِّهِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْمُوسِرُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَوْ مُعْسِرًا تَسْعَى الْأُمُّ فِي الْأُولَى وَالْوَلَدُ فِي الثَّانِيَةِ. [تَنْبِيهٌ] زَعَمَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ مَا هُنَا مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي الِاسْتِيلَادِ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى وَلَدَ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ وَضَمِنَ عِنْدَهُمَا قِيمَتَهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا لَا قِيمَةَ وَلَدِهَا، وَلَمْ يَذْكُرُوا خِلَافًا فِيهِ، فَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ وَلَدَ الْقِنَّةِ فَكَيْفَ يَضْمَنُ عِنْدَهُمَا وَلَدَ أُمِّ وَلَدِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُعَلَّقْ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ وَلَدَ الْقِنَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ عَلَّقَ عَلَى مِلْكِهِ فَلَا يَغْرَمُهُ، بِخِلَافِ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ فَلَمْ يَكُنْ الِاسْتِيلَادُ فِي مِلْكِهِ التَّامِّ فَيَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تَضْمَنُ بِالْجِنَايَةِ إجْمَاعًا) أَيْ بِثُلُثِ قِيمَتِهَا قِنَّةً ط. وَاحْتَرَزَ بِالْجِنَايَةِ عَنْ الْغَصْبِ فَإِنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ، فَلَا تُضْمَنُ بِهِ عِنْدَهُ لَوْ مَاتَتْ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانٌ) كَمَا لَوْ قَتَلَهَا حَيْثُ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِذَا يَضْمَنُ الصَّبِيُّ الْحَرُّ بِمِثْلِهِ) أَيْ بِمِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ فَإِنَّهُ لَوْ قَرَّبَهُ رَجُلٌ إلَى سَبُعٍ فَافْتَرَسَهُ يَضْمَنُ الرَّجُلُ دِيَتَهُ مَعَ أَنَّهُ حُرٌّ لَا قِيمَةَ لَهُ أَصْلًا فَأُمُّ الْوَلَدِ بِالْأَوْلَى، فَلَيْسَ التَّقْيِيدُ بِالْحُرِّ لِلِاحْتِزَازِ عَنْ الْمَمْلُوكِ بَلْ لِكَوْنِ الْحُرِّ أَشْبَهَ أُمَّ الْوَلَدِ فِي عَدَمِ التَّقَوُّمِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ عِنْدَهُ) أَيْ حَضَرَا عِنْدَهُ ط (قَوْلُهُ يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ) فَإِنْ بَدَأَ بِبَيَانِ الْإِيجَابِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ عَنَى بِهِ الْخَارِجَ عَتَقَ الْخَارِجُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِي بَيْنَ الثَّابِتِ وَالدَّاخِلِ وَقَعَ صَحِيحًا لِوُقُوعِهِ بَيْنَ عَبْدَيْنِ فَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ لِهَذَا الْإِيجَابِ، وَإِنْ عَنَى بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ الثَّابِتَ عَتَقَ الثَّابِتُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِي وَقَعَ لَغْوًا لِوُقُوعِهِ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ بَدَأَ بِبَيَانِ الْإِيجَابِ الثَّانِي، فَإِنْ عَنَى بِهِ الدَّاخِلَ عَتَقَ الدَّاخِلُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي وَبَقِيَ الْإِيجَابُ الْأَوَّلُ بَيْنَ الْخَارِجِ وَالثَّابِتِ عَلَى حَالِهِ كَمَا كَانَ فَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ، وَإِنْ عَنَى بِهِ الثَّابِتَ عَتَقَ الثَّابِتُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي وَعَتَقَ الْخَارِجُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ لِتَعَيُّنِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 666 (وَ) إنْ (مَاتَ بِلَا بَيَانٍ عَتَقَ مِمَّا ثَبَتَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ) نِصْفُهُ بِالْأَوَّلِ وَنِصْفُ نِصْفِهِ بِالثَّانِي (وَ) عَتَقَ (مِنْ كُلٍّ مِنْ غَيْرِهِ نِصْفُهُ) لِثُبُوتِهِ بِطَرِيقِ التَّوْزِيعِ وَالضَّرُورَةِ فَلَمْ يَتَعَدَّ (وَإِنْ صَدَرَ ذَلِكَ) الْمَذْكُورُ (مِنْهُ فِي مَرَضِهِ) وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمْ (وَلَمْ يُجِزْهُ الْوَرَثَةُ) وَقِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ (قَسَمَ الثُّلُثَ بَيْنَهُمْ كَمَا مَرَّ، بِأَنْ جَعَلَ كُلَّ عَبْدٍ سَبْعَةَ) أَسْهُمٍ (كَسِهَامِ الْعِتْقِ) لِاحْتِيَاجِنَا إلَى مَخْرَجٍ لَهُ نِصْفٌ وَرُبْعٌ وَأَقَلُّهُ أَرْبَعَةٌ، فَتَعُولُ لِسَبْعَةٍ وَهِيَ ثُلُثُ الْمَالِ (وَعَتَقَ مِمَّنْ ثَبَتَ ثَلَاثَةٌ) مِنْ سَبْعَةٍ وَسَعَى فِي أَرْبَعَةٍ (وَ) عَتَقَ (مِنْ كُلٍّ مِنْ غَيْرِهِ سَهْمَانِ) وَسَعَى فِي خَمْسَةٍ، فَبَلَغَ سِهَامُ السِّعَايَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَسِهَامُ الْوَصَايَا سَبْعَةٌ لِنَفَاذِهَا مِنْ الثُّلُثِ. -   [رد المحتار] لِلْعِتْقِ بِإِعْتَاقِ الثَّابِتِ كَذَا فِي الْبَحْرِ ح. (قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ) أَيْ السَّيِّدُ، أَمَّا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْعَبِيدِ قَبْلَ الْبَيَانِ فَالْمَوْتُ بَيَانٌ، فَإِنْ مَاتَ الْخَارِجُ عَتَقَ الثَّابِتُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ لِزَوَالِ الْمُزَاحِمِ وَبَطَلَ الْإِيجَابُ الثَّانِي، وَإِنْ مَاتَ الثَّابِتُ تَعَيَّنَ الْخَارِجُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَالدَّاخِلُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي، وَإِنْ مَاتَ الدَّاخِلُ خُيِّرَ فِي الْإِيجَابِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ عَنَى بِهِ الْخَارِجَ تَعَيَّنَ الثَّابِتُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي، وَإِنْ عَنَى بِهِ الثَّانِي بَطَلَ الْإِيجَابُ الثَّانِي، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَمِثْلُهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَالْعِنَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَغُرَرِ الْأَذْكَارِ وَغَيْرِهَا، فَمَا فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ، فَإِنْ عَنَى بِهِ الْخَارِجَ عَتَقَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَبَقِيَ الْإِيجَابُ الثَّانِي بَيْنَ الدَّاخِلِ وَالثَّابِتِ فَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ إلَخْ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ الْمَوْتَ بَيَانٌ فَمَوْتُ الدَّاخِلِ يَقْتَضِي تَعَيُّنَ الثَّابِتِ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي فَلَعَلَّهُ تَحْرِيفٌ أَوْ سَبْقُ قَلَمٍ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ عَتَقَ مِمَّنْ ثَبَتَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَمِنْ كُلٍّ مِنْ غَيْرِهِ نِصْفُهُ) الْخَارِجُ فَلِأَنَّ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّابِتِ فَأَوْجَبَ عِتْقَ رَقَبَةٍ بَيْنَهُمَا فَيُصِيبُ كُلًّا مِنْهُمَا النِّصْفُ، إذْ لَا مُرَجِّحَ، وَكَذَا الْإِيجَابُ الثَّانِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّاخِلِ غَيْرَ أَنَّ نِصْفَ الثَّابِتِ شَاعَ فِي نِصْفَيْهِ، فَمَا أَصَابَ مِنْهُ الْمُسْتَحِقَّ بِالْأَوَّلِ لَغَا، وَمَا أَصَابَ الْفَارِغَ مِنْ الْعِتْقِ عَتَقَ فَتَمَّ لَهُ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ، وَلَا مُعَارِضَ لِنِصْفِ الدَّاخِلِ فَعَتَقَ نِصْفُهُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَعْتِقُ رُبُعُهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ الْخَارِجُ صَحَّ الثَّانِي، وَإِنْ أُرِيدَ الثَّابِتُ بَطَلَ، فَدَارَ بَيْنَ أَنْ يُوجِبَ أَوْ لَا، فَيَتَنَصَّفُ فَيَعْتِقُ نِصْفُ رَقَبَةٍ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ لِثُبُوتِهِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالَ هَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ الْإِمَامِ لِتَجَزُّؤِ الْعِتْقِ عِنْدَهُ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا لِعَدَمِ تَجَزُّئِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُمَا بِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ إذَا وَقَعَ فِي مَحَلٍّ مَعْلُومٍ، أَمَّا إذَا كَانَ الْحُكْمُ بِثُبُوتِهِ لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ لِانْقِسَامِهِ انْقَسَمَ لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ لَا تَتَعَدَّى مَوْضِعَهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَدَمَ التَّجَزُّؤِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَالِانْقِسَامِ ضَرُورِيٌّ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ إيرَادًا قَوِيًّا لِبَعْضِ الطَّلَبَةِ، وَنَقَلَهُ ح فَرَاجِعْهُ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمْ إلَخْ) أَمَّا لَوْ خَرَجُوا مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ فَحُكْمُ الْمَرَضِ كَالصِّحَّةِ. (قَوْلُهُ وَقِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ) لَيْسَ هَذَا الْقَيْدُ لَازِمًا حُكْمًا شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّابِتِ وَنِصْفَيْ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ (قَوْلُهُ بِأَنْ جَعَلَ إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّ حَقَّ الْخَارِجِ فِي النِّصْفِ وَحَقَّ الثَّابِتِ فِي ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ وَحَقَّ الدَّاخِلِ عِنْدَهُمَا فِي النِّصْفِ أَيْضًا، فَيَحْتَاجُ إلَى مَخْرَجٍ لَهُ نِصْفٌ وَرُبُعٌ وَأَقَلُّهُ أَرْبَعَةٌ فَتَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ، فَحَقُّ الْخَارِجِ فِي سَهْمَيْنِ، وَحَقُّ الثَّابِتِ فِي ثَلَاثَةٍ وَحَقُّ الدَّاخِلِ فِي سَهْمَيْنِ فَبَلَغَتْ سِهَامُ الْعِتْقِ سَبْعَةً، فَيُجْعَلُ ثُلُثُ الْمَالِ سَبْعَةٌ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ، وَيَصِيرُ ثُلُثَا الْمَالِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ هِيَ سِهَامُ السِّعَايَةِ وَصَارَ جَمِيعُ الْمَالِ أَحَدًا وَعِشْرِينَ وَمَالُهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ، فَيَصِيرُ كُلُّ عَبْدٍ سَبْعَةٌ، فَيَعْتِقُ مِنْ الْخَارِجِ سَهْمَانِ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ وَكَذَا الدَّاخِلُ، وَيَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةٍ فَبَلَغَ سِهَامُ الْوَصَايَا سَبْعَةً، وَسِهَامُ السِّعَايَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَاسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ. وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ: قَالَ السَّائِحَانِيُّ: فَإِنْ لَمْ تَسْتَوِ قِيمَتُهُمْ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الثَّابِتِ أَحَدًا وَعِشْرِينَ وَالْخَارِجِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَالدَّاخِلِ سَبْعَةً، فَالْمَالُ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ وَثُلُثُهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَسِهَامُ الْوَصِيَّةِ سَبْعَةٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 667 (وَإِنْ طَلَّقَ) نِسْوَتَهُ الثَّلَاثَ (كَذَلِكَ) وَمَهْرهنَّ سَوَاءٌ (قَبْل وَطْءٍ) لِيُفِيدَ الْبَيْنُونَةَ (سَقَطَ رُبُعُ مَهْرِ مَنْ خَرَجَتْ وَثَلَاثَةُ أَثْمَانِ مَنْ ثَبَتَتْ وَثُمُنُ مَنْ دَخَلَتْ) ؛ لِأَنَّ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ سَقَطَ نِصْفُ مَهْرِ الْوَاحِدَةِ مُنَصَّفًا بَيْنَ الْخَارِجَةِ وَالثَّابِتَةِ فَسَقَطَ رُبُعُ كُلٍّ، ثُمَّ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي سَقَطَ الرُّبُعُ مُنَصَّفًا بَيْنَ الثَّابِتَةِ وَالدَّاخِلَةِ. (وَأَمَّا الْمِيرَاثُ) لَهُنَّ مِنْ رُبُعٍ أَوْ ثُمُنٍ (فَلِلدَّاخِلَةِ نِصْفُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُزَاحِمُهَا إلَّا الثَّابِتَةُ (وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ الْخَارِجَةِ وَالثَّابِتَةِ نِصْفَانِ) لِعَدَمِ الْمَرْجِعِ (وَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عِدَّةُ الْوَفَاةِ احْتِيَاطًا) لَا الطَّلَاقُ لِعَدَمِ الدُّخُولِ. (وَالْوَطْءُ وَالْمَوْتُ بَيَانٌ فِي طَلَاقٍ) بَائِنٍ (مُبْهَمٍ) كَقَوْلِهِ لِامْرَأَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا بَائِنٌ فَوَطِئَ إحْدَاهُمَا أَوْ مَاتَتْ كَانَ بَيَانًا لِلْأُخْرَى   [رد المحتار] فَيُوضَعُ عَنْ الثَّابِتِ سِتَّةٌ وَعَنْ الْخَارِجِ أَرْبَعَةٌ وَكَذَا عَنْ الدَّاخِلِ، وَيَسْعَى الثَّابِتُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَالْخَارِجُ فِي عَشْرَةٍ وَالدَّاخِلُ فِي ثَلَاثَةٍ، فَسِهَامُ السِّعَايَةِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ (قَوْلُهُ وَمَهْرُهُنَّ سَوَاءٌ) هَذَا الْقَيْدُ لَيْسَ لَازِمًا أَيْضًا كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ لِيُفِيدَ الْبَيْنُونَةَ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَإِنَّمَا فُرِضَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الْوَطْءِ لِيَكُونَ الْإِيجَابُ الْأَوَّلُ مُوجِبًا لِلْبَيْنُونَةِ، فَمَا أَصَابَ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ لَا يَبْقَى مَحَلًّا لِلْإِيجَابِ الثَّانِي، فَيَصِيرُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَالْعِتْقِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ ثُمَّ الْإِيجَابُ الثَّانِي سَقَطَ الرُّبُعُ إلَخْ) قِيلَ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ رُبُعُ مَهْرِ الدَّاخِلَةِ كَمَا فِي الْعِتْقِ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ. وَالْفَرْقُ لَهُمَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ هُوَ أَنَّ الثَّابِتَ فِي الْعِتْقِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ تَكَلَّمَ كَانَ لَهُ حَقُّ الْبَيَانِ وَصَرْفُ الْعِتْقِ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ مِنْ الثَّابِتِ وَالْخَارِجِ، فَمَا دَامَ لَهُ حَقُّ الْبَيَانِ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ حُرًّا مِنْ وَجْهٍ عَبْدًا مِنْ وَجْهٍ، فَإِذَا كَانَ الثَّابِتُ كَالْمُكَاتَبِ كَانَ الْكَلَامُ الثَّانِي صَحِيحًا مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ دَارَ بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ إلَّا أَنَّهُ أَصَابَ الثَّابِتُ مِنْهُ الرُّبُعَ وَالدَّاخِلُ النِّصْفَ لِمَا قُلْنَا، فَأَمَّا الثَّابِتَةُ فِي الطَّلَاقِ فَمُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَةً أَوْ أَجْنَبِيَّةً؛ لِأَنَّ الْخَارِجَةَ إنْ كَانَتْ الْمُرَادَةَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ كَانَتْ الثَّابِتَةُ مَنْكُوحَةً، فَيَصِحُّ الْإِيجَابُ الثَّانِي فَيَسْقُطُ نِصْفُ النِّصْفِ وَهُوَ الرُّبُعُ مُوَزَّعًا بَيْنَ مَهْرِ الدَّاخِلَةِ وَالثَّابِتَةِ فَيُصِيبُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الثُّمُنُ. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ رُبُعٍ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فَرْعَ وَارِثٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ ثُمُنٍ: أَيْ إنْ كَانَ فَرْعَ وَارِثٍ ط (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُزَاحِمُهَا إلَّا الثَّابِتَةُ) أَيْ لَا يُشَارِكُهَا فِي الزَّوْجِيَّةِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يُزَاحِمْ الدَّاخِلَةَ إلَّا إحْدَى الْأُولَيَيْنِ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ وَالْأُخْرَى مُطَلَّقَةٌ بِيَقِينٍ، فَاسْتَحَقَّتْ الدَّاخِلَةُ النِّصْفَ وَتَنَصَّفَ النِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ الْخَارِجَةِ وَالثَّابِتَةِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُزَاحِمُهَا إلَّا وَاحِدَةٌ: أَيْ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ ط مُلَخَّصًا مِنْ ح (قَوْلُهُ احْتِيَاطًا) فِي أَمْرِ الْفُرُوجِ وَهِيَ مِمَّا يَجِبُ الِاحْتِيَاطُ فِيهَا ط عَنْ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ لَا الطَّلَاقُ) أَيْ لَا عِدَّةُ الطَّلَاقِ لِعَدَمِ الدُّخُولِ بِهِنَّ، وَالْعِدَّةُ فِي الطَّلَاقِ إنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ الدُّخُولِ ط وَالْمُرَادُ بِالدُّخُولِ، الشَّامِلُ لِلْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ. (قَوْلُهُ فِي طَلَاقٍ بَائِنٍ) بِأَنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ فَقَالَ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ ثَلَاثًا فَتْحٌ. ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رَجْعِيًّا لَا يَكُونُ الْوَطْءُ بَيَانًا لِطَلَاقِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ وَطْءُ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ. اهـ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَوْتِ فَهُوَ غَيْرُ قَيْدٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُطْلَقًا لَا يَقَعُ عَلَى الْمَيِّتَةِ فَتَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى (قَوْلُهُ قِيلَ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَلْ يَثْبُتُ الْبَيَانُ فِي الطَّلَاقِ بِالْمُقَدِّمَاتِ؟ فِي الزِّيَادَاتِ لَا يَثْبُتُ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يَحْصُلُ بِالتَّقْبِيلِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْوَطْءِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا الطَّلَاقُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: قَيَّدَ بِالْوَطْءِ وَالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ بَيَانًا؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأُخْرَى هِيَ الْمُطَلَّقَةُ. اهـ وَفِيهِ إجْمَالٌ. وَالتَّفْصِيلُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ الطَّلَاقُ الْمُبْهَمُ رَجْعِيًّا لَا يَكُونُ طَلَاقَ الْمُعَيَّنَةِ بَيَانًا رَجْعِيًّا كَانَ أَوْ بَائِنًا؛ وَإِنْ كَانَ بَائِنًا، فَإِنْ كَانَ طَلَاقُ الْمُعَيَّنَةِ رَجْعِيًّا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بَائِنًا كَانَ بَيَانًا لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ ح. قُلْت: وَيُشِيرُ إلَى هَذَا قَوْلُ الْقُهُسْتَانِيِّ: وَلَوْ طَلَّقَ طَلْقَةً وَاحِدَةً فَهَلْ هُوَ بَيَانٌ قَبْلَ مُدَّةٍ صَالِحَةٍ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 668 قِيلَ: وَكَذَا التَّقْبِيلُ لَا الطَّلَاقُ وَهَلْ التَّهْدِيدُ بِالطَّلَاقِ كَالطَّلَاقِ كَالْعَرْضِ عَلَى الْبَيْعِ كَالْبَيْع؟ لَمْ أَرَهُ (كَبَيْعٍ) وَلَوْ فَاسِدًا (وَمَوْتٍ) وَلَوْ بِقَتْلِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ (وَتَحْرِيرٍ) وَلَوْ مُعَلَّقًا (وَتَدْبِيرٍ) وَلَوْ مُقَيَّدًا (وَاسْتِيلَادٍ) وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ كَكِتَابَةٍ وَإِجَارَةٍ وَإِيصَاءٍ وَتَزْوِيجٍ وَرَهْنٍ (وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ) -   [رد المحتار] وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيَانًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ. اهـ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ مُدَّةٍ إلَخْ إلَى زِيَادَةِ قَيْدٍ آخَرَ (قَوْلُهُ وَهَلْ التَّهْدِيدُ بِالطَّلَاقِ كَالطَّلَاقِ) لَا مَعْنَى لِهَذَا الْبَحْثِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ بَيَانًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيَانًا وَهُوَ أَقْوَى فَلَأَنْ لَا يَكُونَ التَّهْدِيدُ بَيَانًا وَهُوَ أَدْنَى أَوْلَى، نَعَمْ لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْمُبْهَمِ وَالْمُعَيَّنِ بَائِنًا لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ ح. قُلْت: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا لَمْ يَكُنْ بَيَانًا لِإِمْكَانِ وُقُوعِهِ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ كَمَا عَلِمْت، أَمَّا التَّهْدِيدُ فَإِنَّمَا يَكُونُ بِغَيْرِ الْحَاصِلِ إذْ لَوْ كَانَ الْمُهَدَّدُ بِهِ حَاصِلًا لَمْ يَكُنْ لِلتَّهْدِيدِ بِهِ مَعْنًى، فَعُلِمَ بِالتَّهْدِيدِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ غَيْرُهَا إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَهْدِيدًا بِطَلَاقٍ آخَرَ، لَكِنَّهُ خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ، فَظَهَرَ أَنَّ تَرَدُّدَ الشَّارِحِ فِي مَحَلِّهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ كَالْعَرْضِ عَلَى الْبَيْعِ كَالْبَيْعِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالْعَرْضُ بِالْوَاوِ عَطْفًا عَلَى التَّهْدِيدِ، وَالصَّوَابُ الْكَافُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُهُ قَوْلُهُ لَمْ أَرَهُ فَإِنَّ كَوْنَ الْعَرْضِ عَلَى الْبَيْعِ بَيَانًا فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ كَالْبَيْعِ مَشْهُورٌ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى الَّذِي شَرَحَهُ، وَكَذَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهَا، وَهَذِهِ الْكُتُبُ مَآخِذُ شَرْحِهِ، فَكَيْفَ يَقُولُ لَمْ أَرَهُ؟ وَحِينَئِذٍ فَوَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّ التَّهْدِيدَ بِالطَّلَاقِ فِي مَعْنَى عَرْضِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أُطَلِّقُك إنْ فَعَلْتِ كَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: أَبِيعُ عَبْدِي هَذَا (قَوْلُهُ كَبَيْعٍ إلَخْ) ابْتِدَاءُ كَلَامٍ لِتَشْبِيهِ الْبَيْعِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ بِمَا مَرَّ مِنْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ بَيَانًا فِي عِتْقٍ مُبْهَمٍ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ بَاعَ عَبْدًا مُعَيَّنًا مِنْهُمَا لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ فَاسِدًا شَمِلَ مَا كَانَ مَعَهُ قَبْضٌ، أَوْ لَا وَمَا كَانَ مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ خِيَارٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُمَا مَعًا لَمْ يَكُنْ بَيَانًا لَبُطْلَانِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا حُرٌّ بِيَقِينٍ. اهـ. قُلْت: التَّعْلِيلُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ غَيْرُ مُفِيدٍ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْعَرْضَ عَلَى الْبَيْعِ كَالْبَيْعِ وَكَذَا الْمُسَاوَمَةُ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ بَيْعٌ أَصْلًا بَلْ الْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ أَحَدَهُمَا بِتَصَرُّفٍ يَدُلُّ عَلَى تَعَيُّنِ الْآخَرِ لِلْعِتْقِ (قَوْلُهُ وَمَوْتٍ) أَيْ مَوْتِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ أَصْلًا، وَقَوْلُهُ وَلَوْ بِقَتْلِ الْعَبْدِ نَفْسِهِ بَحْثٌ لِصَاحِبِ النَّهْرِ أَخْذًا مِنْ الْإِطْلَاقِ فَإِنَّهُ مِثْلُ مَا لَوْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ، أَمَّا لَوْ قَتَلَهُ الْمَوْلَى فَظَاهِرٌ كَوْنُهُ بَيَانًا؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَإِذَا أَخَذَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ الْقَاتِلِ فَبَيْنَ الْمُعْتَقِ فِي الْمَقْتُولِ عِتْقًا وَكَانَتْ الْقِيمَةُ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ. اهـ أَيْ لِإِقْرَارِ الْمَوْلَى بِحُرِّيَّتِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّهَا بَحْرٌ. وَاحْتَرَزَ بِالْمَوْتِ عَنْ قَطْعِ الْيَدِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بَيَانًا، غَيْرَ أَنَّ الْمَوْلَى إنْ بَيَّنَ الْعِتْقَ فِيهِ فَالْأَرْشُ لَهُ فِيمَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ. وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَتَحْرِيرٍ) الْمُرَادُ بِهِ إنْشَاؤُهُ فَيَعْتِقُ، هَذَا بِالْإِعْتَاقِ الْمُسْتَأْنَفِ وَذَاكَ بِاللَّفْظِ السَّابِقِ. وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ أَعْتَقْتُك مَا لَزِمَهُ بِقَوْلِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ صُدِّقَ قَضَاءً، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا عَتَقَا بَحْرٌ وَنَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُعَلَّقًا) كَأَنْ قَالَ لِأَحَدِهِمَا: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ يَعْتِقُ الْآخَرُ بَحْرٌ: أَيْ يَتَعَيَّنُ لِلْعِتْقِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا الْمُضَافُ كَأَنْتَ حُرٌّ غَدًا. قَالَ ط:؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى لِتَحْقِيقِ مَجِيءِ الزَّمَانِ، بِخِلَافِ دُخُولِ الدَّارِ. اهـ. قُلْت: وَلِانْعِقَادِهِ عِلَّةً فِي الْحَالِ، بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ (قَوْلُهُ وَتَدْبِيرٍ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْقَاءَ الِانْتِفَاعِ إلَى مَوْتِهِ أَوْ إلَى مَا قَيَّدَهُ بِهِ وَكَذَا الِاسْتِيلَادُ، وَذَلِكَ يُعَيِّنُ إرَادَةَ الْعَبْدِ الْآخَرِ بِالْعِتْقِ الْمُبْهَمِ (قَوْلُهُ وَإِجَارَةٍ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَا يُقَالُ الْإِجَارَةُ لَا تَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ لِجَوَازِ إجَارَةِ الْحُرِّ.؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الِاسْتِبْدَادُ بِإِجَارَةِ الْأَعْيَانِ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْمِلْكِ فَتَكُونُ تَعْيِينًا دَلَالَةً وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الْإِنْكَاحِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَإِيصَاءٍ) أَيْ إيصَاءٍ بِهِ بَحْرٌ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ لِلْمُوصَى لَهُ (قَوْلُهُ وَرَهْنٍ) ؛ لِأَنَّ اسْتِبْدَادَهُ بِهِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ لَوْ هَلَكَ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِبْقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ فَيَتَعَيَّنُ الْآخَرُ مُرَادًا بِالْعِتْقِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 669 وَلَوْ غَيْرِ (مُسْلِمَتَيْنِ) ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَمَةَ بَيَانٌ فَهَذِهِ أَوْلَى بِلَا قَبْضٍ بَدَائِعُ (فِي) حَقِّ (عِتْقٍ مُبْهَمٍ) كَقَوْلِهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَفَعَلَ مَا ذُكِرَ تَعَيَّنَ الْآخَرُ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ أَيُّهُمَا نَوَيْت فَقَالَ لَمْ أَعْنِ هَذَا عَتَقَ الْآخَرُ، ثُمَّ إنْ قَالَ لَمْ أَعْنِ هَذَا عَتَقَ الْأَوَّلُ أَيْضًا وَكَذَا الطَّلَاقُ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ اخْتِيَارٌ. وَلَوْ جَنَى أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْجَانِي وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَلْوَالِجِيَّةٌ (لَا) يَكُونُ (الْوَطْءُ) وَدَوَاعِيهِ بَيَانًا (فِيهِ) وَقَالَا: هُوَ بَيَانٌ حَبِلَتْ أَوْ لَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِعَدَمِ حِلِّهِ إلَّا فِي الْمِلْكِ (وَكَذَا الْمَوْتُ لَا يَكُونُ بَيَانًا فِي الْإِخْبَارِ) اتِّفَاقًا. (فَلَوْ قَالَ لِغُلَامَيْنِ: أَحَدُكُمَا ابْنِي، أَوْ) قَالَ لِجَارِيَتَيْنِ (إحْدَاكُمَا أُمُّ وَلَدِي فَمَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يَتَعَيَّنُ الْبَاقِي لِلْعِتْقِ وَلَا لِلِاسْتِيلَادِ) ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ يَصِحُّ فِي الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ. . (قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ ذَكَرًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى وَلَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ رُقَّ الذَّكَرُ) بِكُلِّ حَالٍ (وَعَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ وَالْأُنْثَى) لِعِتْقِهِمَا بِتَقْدِيمِ الذَّكَرِ وَرِقِّهِمَا بِعَكْسِهِ، فَيَعْتِقُ نِصْفُهُمَا وَيَسْتَسْعِيَانِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِمَا. . (شَهِدَا بِعِتْقِ أَحَدِ مَمْلُوكِيهِ) وَلَوْ أَمَتَيْهِ (لَغَتْ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ -   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَلَوْ غَيْرُ مُسْلِمَتَيْنِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمَتْنِ مُسْلِمَتَيْنِ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي كَافِي النَّسَفِيِّ؛ لِأَنَّ قَيْدَ التَّسْلِيمِ لِإِفَادَةِ الْمَلِكِ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ (قَوْلُهُ فَهَذِهِ) أَيْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ: أَعْنِي الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ أَوْلَى بِكَوْنِهَا بَيَانًا حَالَةَ كَوْنِهَا بِدُونِ قَبْضٍ وَتَسْلِيمٍ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ) أَيْ بِالْمَالِ. قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: كَأَنْ قَالَ لِأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ: عَلَيَّ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقِيلَ أَهُوَ هَذَا؟ فَقَالَ لَا، لَا يَجِبُ لِلْآخَرِ شَيْءٌ. وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّعْيِينَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا نَفَاهُ عَنْ أَحَدِهِمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ، أَمَّا الْإِقْرَارُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَيَانُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَجْهُولِ لَا يَلْزَمُ حَتَّى لَا يُجْبَرَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ نَفْيُ أَحَدِهِمَا تَعْيِينًا لِلْآخَرِ. اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ جَنَى أَحَدُهُمَا) أَمَّا لَوْ جُنِيَ عَلَيْهِ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ فَقَدْ مَرَّ (قَوْلُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ) أَيْ عَنْ الْمَوْلَى (قَوْلُهُ لَا يَكُونُ الْوَطْءُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِي الْمَوْطُوءَةِ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمُنْكِرَةِ وَالْمَوْطُوءَةِ مُعَيَّنَةً فَكَانَ وَطْؤُهَا حَلَالًا فَلَا يُجْعَلُ بَيَانًا وَلِهَذَا حَلَّ وَطْؤُهَا عَلَى مَذْهَبِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ (قَوْلُهُ حَبِلَتْ أَوْ لَا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الْحَبَلِ، فَلَوْ حَبِلَتْ عَتَقَتْ الْأُخْرَى اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّاجِحَ قَوْلُهُمَا وَأَنَّهُ لَا يُفْتَى بِقَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الِاحْتِيَاطِ مَعَ أَنَّ الْإِمَامَ نَاظِرٌ إلَى الِاحْتِيَاطِ فِي أَكْثَرِ الْمَسَائِلِ. وَفِي الْفَتْحِ: الْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهُمَا كَمَا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُمَا (قَوْلُهُ لِعَدَمِ حِلِّهِ إلَّا فِي الْمِلْكِ) حَاصِلُهُ أَنَّ وَطْءَ إحْدَاهُمَا جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَيَانًا لِتَخْصِيصِ الْعِتْقِ بِالْأُخْرَى لَزِمَ وُقُوعُ الْوَطْءِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِهِ بِحِلِّ وَطْءِ الْأُخْرَى إذْ لَا شَكَّ أَنَّ إحْدَاهُمَا حُرَّةٌ بِيَقِينٍ، كَذَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ جُمْلَةَ أَحَدُكُمَا ابْنِي لَا تَصْلُحُ لِإِنْشَاءِ الْحُرِّيَّةِ مَعَ أَنَّهُ يَصْلُحُ فَالْوَجْهُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ إرَادَةِ الْإِخْبَارِ فَلَا يَكُنْ الْمَوْتُ بَيَانًا وَبَيْنَ إرَادَةِ الْإِنْشَاءِ فَيَكُونُ ط. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ) أَيْ بِأَنْ تَصَادَقَا عَلَى ذَلِكَ، أَمَّا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْغُلَامَ أَوَّلًا عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْجَارِيَةُ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ ثَانِيًا لَمْ يَعْتِقْ أَحَدٌ، وَتَمَامُهُ فِي ح عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ بِكُلِّ حَالٍ) أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ وِلَادَتِهِ أَوَّلًا أَوْ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ وِلَادَتَهُ شَرْطٌ لِحُرِّيَّةِ الْأُمِّ فَتَعْتِقُ بَعْدَ وِلَادَتِهِ فَلَا يَتْبَعُهَا (قَوْلُهُ لِعِتْقِهِمَا بِتَقْدِيمِ الذَّكَرِ) فَعِتْقُ الْأُمِّ بِالشَّرْطِ وَعِتْقُ الْبِنْتِ بِالتَّبَعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ حُرَّةٌ حِينَ وَلَدَتْهَا بَحْرٌ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَمَتَيْهِ) أَتَى بِالْمُبَالَغَةِ؛ لِأَنَّ عِتْقَ الْأَمَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّعْوَى إجْمَاعًا لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْرِيمِ فَرْجِهَا عَلَى الْمَوْلَى وَهُوَ خَالِصُ حَقِّهِ تَعَالَى فَأَشْبَهَ الطَّلَاقَ، لَكِنْ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ هُنَا؛ لِأَنَّهَا عَلَى عِتْقٍ مُبْهَمٍ وَهُوَ لَا يُحَرِّمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 670 لِكَوْنِهَا عَلَى عِتْقٍ مُبْهَمٍ (إلَّا أَنْ تَكُونَ) شَهَادَتُهُمَا (فِي وَصِيَّةٍ) وَمِنْهَا التَّدْبِيرُ فِي الصِّحَّةِ وَالْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ (أَوْ طَلَاقٍ مُبْهَمٍ) فَتُقْبَلُ إجْمَاعًا، وَالْأَصْلُ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُبْهَمَ يُحَرِّمُ الْفَرَجَ إجْمَاعًا فَيَكُونُ حَقَّ اللَّهِ فَلَا تُشْتَرَطُ لَهُ الدَّعْوَى، بِخِلَافِ الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ فَلَا يُحَرِّمُهُ عِنْدَهُ، لَكِنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُفْتَى بِهِ فَلْيُحْفَظْ (كَمَا) تُقْبَلُ (لَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ) أَيْ الْمَوْلَى (قَالَ فِي صِحَّتِهِ) لِقِنَّيْهِ (أَحَدُكُمَا حُرٌّ عَلَى الْأَصَحِّ) لِشُيُوعِ الْعِتْقِ فِيهِمَا بِالْمَوْتِ فَصَارَ كُلٌّ خَصْمًا مُتَعَيَّنًا وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَغَيْرُهُ. [فُرُوعٌ] شَهِدَا بِعِتْقِ سَالِمٍ وَلَا يَعْرِفُونَهُ عَتَقَ، وَلَوْ لَهُ عَبْدَانِ كُلٌّ اسْمُهُ سَالِمٌ وَجَحَدَ فَلَا عِتْقَ، كَشَهَادَتِهِمَا بِعِتْقِهِ لِمُعَيَّنَةٍ سَمَّاهَا فَنَسِيَا اسْمَهَا أَوْ بِطَلَاقِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ وَسَمَّاهَا فَنَسِيَاهَا لَمْ تُقْبَلْ لِلْجَهَالَةِ فَتْحٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.   [رد المحتار] الْفَرْجَ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهَا عَلَى عِتْقٍ مُبْهَمٍ) أَيْ فَلَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى لِجَهَالَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ إلَخْ) الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ بَحْرٌ. وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يَصِحُّ اتِّصَالُهُ فِي قَوْلِهِ أَوْ طَلَاقٍ مُبْهَمٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا التَّدْبِيرُ فِي الصِّحَّةِ وَالْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ) الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ قَوْلِهِ وَمِنْهَا وَالْإِتْيَانُ بِالْكَافِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَصِيَّةِ هُنَا مَا ذُكِرَ كَمَا فَسَّرَهَا بِهِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَيَّدَ بِالتَّدْبِيرِ فِي الصِّحَّةِ لَا لِلِاحْتِرَازِ بَلْ لِلْعِلْمِ بِكَوْنِهِ وَصِيَّةً فِي حَالَةِ الْمَرَضِ بِالْأَوْلَى. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَبُولُ الشَّهَادَةِ فِيمَا ذُكِرَ سَوَاءٌ أُدِّيَتْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ إنَّهُ الِاسْتِحْسَانُ: يَعْنِي عِنْدَ الْإِمَامِ. وُلِلشُّرُنْبُلَالِيِّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا [إصَابَةُ الْغَرَضِ الْأَهَمِّ فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ] اعْتَرَضَ فِيهَا عَلَى الْهِدَايَةِ وَشُرَّاحِهَا بِمَا فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِسْبِيجَابِيِّ، حَيْثُ قَالَ فِيهِ: وَإِذَا شُهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ وَالْعَبْدَانِ يَدَّعِيَانِ أَوْ يَدَّعِي أَحَدُهُمَا، فَفِي قَوْلِهِمَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ هَذَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَلَا تُقْبَلُ؛ وَإِنْ شَهِدَا بَعْدَ الْوَفَاةِ فَإِنْ قَالَا إنَّهُ كَانَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ أَيْضًا، وَإِنْ قَالَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا وَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ عَلَى اعْتِبَارِ الثُّلُثِ. وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُهُمَا مُدَبَّرٌ، فَإِنْ شَهِدَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْوَفَاةِ يُقْبَلُ سَوَاءٌ كَانَ الْقَوْلُ فِي الْمَرَضِ أَوْ الصِّحَّةِ،؛ لِأَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ وَالْجَهَالَةُ لَا تُبْطِلُ الْوَصِيَّةَ. اهـ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الرِّسَالَةِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِأَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا فِي صِحَّتِهِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَهُ أَصْلًا غَيْرَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى أَنَّهُ قَالَ فِي صِحَّتِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ تُقْبَلُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ، وَنَقَلَ تَصْحِيحَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا عَنْ الْمُحِيطِ. وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا فِي الْمَرَضِ أَوْ دَبَّرَ أَحَدَهُمَا فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ فَلَا تُقْبَلُ حَالَ حَيَاةِ الْمَوْلَى بَلْ بَعْدَ مَوْتِهِ. اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَة، وَلَوْ قَالَا كَانَ هَذَا الْمَوْتُ اسْتَحْسَنْت أَنْ أُعْتِقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: الشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ فِي الْحَيَاةِ أَيْضًا. اهـ (قَوْلُهُ يُحَرِّمُ الْفَرْجَ) أَيْ فَرْجَيْهِمَا حَتَّى يُبَيِّنَ وَلَوْ بِوَطْءٍ، وَإِذَا تَبَيَّنَ بِهِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ تَبَيَّنَ عَدَمُ حُرْمَتِهِ ط (قَوْلُهُ فَلَا يُحَرِّمُهُ عِنْدَهُ) أَيْ لَا يُحَرِّمُ فَرْجَيْهِمَا بَلْ يَحِلُّ وَطْؤُهُمَا عِنْدَهُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ مَا مَرَّ آنِفًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ وَلَا يَعْرِفُونَهُ) الْأَوْلَى وَلَا يَعْرِفَانِهِ (قَوْلُهُ لِلْجَهَالَةِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ فَلَا عِتْقَ وَلِقَوْلِهِ لَمْ تُقْبَلْ: أَيْ لِجَهَالَةِ الْمَشْهُودِ لَهُ وَهُمَا لَمْ يَشْهَدَا بِمَا تَحَمَّلَاهُ وَهُوَ عِتْقٌ مَعْلُومٌ أَوْ مَعْلُومَةٌ أَوْ طَلَاقُهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ. وَعِنْدَ زُفَرَ تُقْبَلُ وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمَا كَقَوْلِ زُفَرَ فِي هَذِهِ؛ لِأَنَّهَا كَشَهَادَتِهِمَا عَلَى عِتْقِ إحْدَى أَمَتَيْهِ أَوْ طَلَاقِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ. اهـ ط وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 671 بَابُ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ (قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي يَوْمئِذٍ حُرٌّ عَتَقَ مَنْ لَهُ حِينَ دُخُولِهِ) وَلَوْ لَيْلًا، سَوَاءٌ (مَلَكَهُ بَعْدَ حَلِفِهِ أَوْ قَبْلَهُ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَوْمَ إذْ دَخَلْت فَاعْتُبِرَ مِلْكُهُ وَقْتَ دُخُولٍ (وَ) لِذَا لَوْ لَمْ يَقُلْ يَوْمَئِذٍ عَتَقَ مَنْ لَهُ وَقْتَ حَلِفِهِ فَقَطْ كَقَوْلِهِ (كُلُّ عَبْدٍ لِي أَوْ أَمْلِكُهُ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ) أَوْ بَعْدَ شَهْرٍ اُعْتُبِرَ وَقْتُ حَلِفِهِ؛ لِأَنَّ لِي أَوْ أَمْلِكُهُ لِلْحَالِ   [رد المحتار] [بَابُ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ] شُرُوعٌ فِي بَيَانِ التَّعْلِيقِ بَعْدَ ذِكْرِ التَّنْجِيزِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ التَّعْلِيقِ بِالْوِلَادَةِ فِي مُعْتَقِ الْبَعْضِ لِبَيَانِ أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْهُ الْبَعْضُ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ نَهْرٌ، وَهُوَ بِكَسْرِ اللَّامِ مَصْدَرٌ سَمَاعِيٌّ، وَجَاءَ بِسُكُونِهَا وَتَدْخُلُهُ التَّاءُ لِلْمَرَّةِ كَقَوْلِهِ: حَلَفْت لَهَا بِاَللَّهِ حَلْفَةَ فَاجِرِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي) يَشْمَلُ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ فَإِنَّهُ كَالْآدَمِيِّ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ قُهُسْتَانِيٌّ وَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ قَوْلِهِ لِي زِيَادَةٌ وَهِيَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِعَبْدِ غَيْرِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ فَدَخَلَ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضَفْ الْعَبْدُ إلَى مِلْكِهِ لَا صَرِيحًا وَلَا مَعْنًى (قَوْلُهُ وَلَوْ لَيْلًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ دُخُولُهُ لَيْلًا أَفَادَ أَنَّ لَفْظَ الْيَوْمِ مُرَادٌ بِهِ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَى فِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ وَهُوَ الدُّخُولُ فَتْحٌ. مَطْلَبٌ تَحْقِيقٌ مُهِمٌّ فِي يَوْمِئِذٍ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَوْمَ إذْ دَخَلْت) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ إضَافَةَ يَوْمَ إلَى الدُّخُولِ أَخْذٌ بِالْحَاصِلِ وَمَيْلٌ إلَى جَانِبِ الْمَعْنَى، وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ التَّرْكِيبُ أَنَّ يَوْمًا مُضَافٌ إلَى إذْ الْمُضَافَةِ إلَى الدُّخُولِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَى فِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ وَهُوَ الدُّخُولُ وَإِنْ كَانَ فِي اللَّفْظِ إنَّمَا أُضِيفَ إلَى إذْ الْمُضَافَةِ لِلدُّخُولِ، لَكِنَّ مَعْنَى إذْ غَيْرُ مُلَاحَظٍ وَإِلَّا كَانَ الْمُرَادُ يَوْمَ وَقْتِ الدُّخُولِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ عَلَى مَعْنَى يَوْمِ الْوَقْتِ الَّذِي فِيهِ الدُّخُولُ تَقْيِيدًا لِلْيَوْمِ، لَكِنْ إذَا أُرِيدَ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ يَصِيرُ الْمَعْنَى وَقْتُ وَقْتِ الدُّخُولِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ مِثْلَهُ كَثِيرًا فِي الِاسْتِعْمَالِ الْفَصِيحِ كَنَحْوِ - {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} [الروم: 4] {بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم: 5]- وَلَا يُلَاحَظُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، إذْ لَا يُلَاحَظُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: وَقْتَ يُغْلَبُونَ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ وَلَا يَوْمَ وَقْتِ يُغْلَبُونَ يَفْرَحُونَ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِهِ، فَعُرِفَ أَنَّ لَفْظَ إذْ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا تَكْثِيرًا لِلْعِوَضِ عَنْ الْجُمْلَةِ الْمَحْذُوفَةِ أَوْ عِمَادًا لَهُ: أَعْنِي التَّنْوِينَ لِكَوْنِهِ حَرْفًا وَاحِدًا سَاكِنًا تَحْسِينًا، وَلَمْ يُلَاحَظْ مَعْنَاهَا، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي أَقْوَالِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ نَظَرٌ فِيهَا. اهـ. ح (قَوْلُهُ فَاعْتُبِرَ مِلْكُهُ وَقْتَ دُخُولِهِ) فَيَشْمَلُ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ دَخَلَ وَمَنْ كَانَ وَبَقِيَ حَتَّى دَخَلَ. (قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِ الْمَعْنَى مَا ذُكِرَ فَإِنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ لَفْظَةِ يَوْمَئِذٍ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ لِي أَوْ أَمْلِكُهُ لِلْحَالِ) أَيْ فَإِنَّ لِي مُتَعَلِّقٌ بِثَابِتٍ مَثَلًا وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ. وَالْمُخْتَارُ فِي الْوَصْفِ مِنْ اسْمِ الْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ أَنَّ مَعْنَاهُ قَائِمٌ حَالَ التَّكَلُّمِ بِمَنْ نُسِبَ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ قِيَامِهِ بِهِ أَوْ وُقُوعِهِ عَلَيْهِ. وَصِيغَةُ الْمُضَارِعِ وَإِنْ كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ لِلِاسْتِقْبَالِ لَكِنْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُرَادُ بِهَا الْحَالُ عُرْفًا وَشَرْعًا وَلُغَةً، وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ، فَلَزِمَ مِنْ التَّرْكِيبِ اخْتِصَاصُ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ بِالْمُتَّصِفِ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ لِلْحَالِ، فَلَوْ نَوَى الِاسْتِقْبَالَ لَمْ يُصَدَّقْ لِصَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ، فَيَعْتِقُ مَا مَلَكَهُ لِلْحَالِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا مَا اُسْتُحْدِثَ الْمِلْكُ فِيهِ لِإِقْرَارِهِ. وَلَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ الْيَوْمَ فَهُوَ حُرٌّ عَتَقَ مَا فِي مِلْكِهِ وَمَا اسْتَفَادَ مِلْكُهُ فِي الْيَوْمِ، وَمِثْلُ الْيَوْمِ الشَّهْرُ وَالسَّنَةُ، فَإِنْ عَنَى أَحَدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 672 فَلَا يَتَنَاوَلُ الِاسْتِقْبَالَ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا يَوْمَ حَلِفِهِ لَغَا يَمِينُهُ (وَدُبِّرَ بِكُلِّ عَبْدٍ لِي أَوْ أَمْلِكُهُ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، مَنْ) كَانَ (لَهُ) مَمْلُوكٌ (يَوْمَ قَالَ) هَذَا الْقَوْلَ (لَا) يَكُونُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا بَلْ مُقَيَّدًا (مَنْ مَلَكَهُ بَعْدَهُ، وَ) لَكِنْ (إنْ مَاتَ عَتَقَا مِنْ الثُّلُثِ) لِتَعْلِيقِهِ بِالْمَوْتِ فَيَصِيرُ وَصِيَّةً (الْمَمْلُوكُ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِأُمِّهِ (فَلَا يَعْتِقُ حَمْلُ جَارِيَةِ مَنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي ذَكَرٌ فَهُوَ حُرٌّ) وَلَوْ لَمْ يَقُلْ ذَكَرٌ لَدَخَلَ الْحَامِلُ فَيَعْتِقُ الْحَمْلُ تَبَعًا (وَكَذَا) لَفْظُ الْمَمْلُوكِ وَالْعَبْدِ لَا يَتَنَاوَلُ (الْمُكَاتَبَ) وَالْمُشْتَرَكَ وَيَتَنَاوَلُ الْمُدَبَّرَ وَالْمَرْهُونَ وَالْمَأْذُونَ عَلَى الصَّوَابِ؛   [رد المحتار] الصِّنْفَيْنِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً. وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، وَفِيهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا أَوْ إذَا كَلَّمْته فَهُوَ عَلَى مَا يَشْتَرِيهِ قَبْلَ الْكَلَامِ لَا بَعْدَهُ، وَإِنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ فَبِالْعَكْسِ، وَكَذَا إنْ وَسَّطَهُ مِثْلَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَهُوَ حُرٌّ، وَلَا يَعْتِقُ مَا اشْتَرَى قَبْلَهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُمْ (قَوْلُهُ وَدُبِّرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ كَمَا يُفِيدُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِهِ أَنَّ مَنْ مَفْعُولِهِ، لَكِنَّ الْأَظْهَرَ بِنَاؤُهُ لِلْمَفْعُولِ وَمِنْ نَائِبِ الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ مَمْلُوكٌ) كَذَا فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْنَاهَا وَصَوَابُهُ النَّصْبُ. اهـ ج (قَوْلُهُ بَلْ مُقَيَّدًا مِنْ مِلْكِهِ بَعْدَهُ) حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ الْحَلِفِ يَصِيرُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ، وَمَنْ مَلَكَهُ بَعْدَهُ يَصِيرُ مُدَبَّرًا مُقَيَّدًا فَيَصِحُّ بَيْعُهُ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ (قَوْلُهُ عِتْقًا مِنْ الثُّلُثِ) هَذَا ظَاهِرُ مَذَاهِبِ الْكُلِّ، وَعَنْ الثَّانِي لَا يَعْتِقُ مَا اسْتَفَادَهُ بَعْدُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلْحَالِ كَمَا سَبَقَ فَلَا يَعْتِقُ بِهِ مَا سَيَمْلِكُهُ. وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا أَيْ مَجْمُوعَ التَّرْكِيبِ إيجَابُ عِتْقٍ وَإِيصَاءٍ أَيْضًا بِقَوْلِهِ بَعْدَ مَوْتِي وَلِذَا اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ. فَمِنْ حَيْثُ الْجِهَةُ الْأُولَى يَتَنَاوَلُ الْمَمْلُوكَ حَتَّى صَارَ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا، وَمِنْ حَيْثُ الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ يَتَنَاوَلُ الْمُسْتَفَادَ، لِمَا اسْتَقَرَّ أَنَّ الْوَصِيَّةَ يُعْتَبَرُ فِيهَا كُلٌّ مِنْ الْجِهَتَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ الْأَوْلَادُ فَلِأَنَّ مَا يَسْتَفِيدُهُ وَمَنْ يُولَدُ لَهُ بَعْدَهَا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الْمَوْتِ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ. اهـ. نَهْرٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِأُمِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا وَلِذَا لَمْ يَجُزْ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَمْ تَجِبْ صَدَقَةُ فِطْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُنْفَرِدًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ سَوَاءٌ وَصَفَ الْمَمْلُوكَ بِذَكَرٍ أَوْ لَا، وَإِنَّمَا فَائِدَةُ وَصْفِهِ بِهِ عَدَمُ دُخُولِ أُمِّ الْحَمْلِ، فَلَوْ لَمْ يُوصَفْ بِهِ تَدْخُلُ أُمُّهُ، وَلَكِنْ يَعْتِقُ هُوَ لَا بِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ بَلْ بِتَبَعِيَّتِهِ لَهَا، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ كَمَا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ تَنَاوُلَ مَمْلُوكٍ لِلْأُمِّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ اسْتَمَرَّ فِيهِ عَلَى الْأَعَمِّيَّةِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِذَاتٍ مُتَّصِفَةٍ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ، وَقَيْدُ التَّذْكِيرِ لَيْسَ جُزْءُ الْمَفْهُومِ وَإِنْ كَانَ التَّأْنِيثُ جُزْءَ مَفْهُومِ مَمْلُوكَةٍ فَيَكُونُ مَمْلُوكٌ أَعَمُّ مِنْ مَمْلُوكَةٍ، فَالثَّابِتُ فِيهِ عَدَمُ الدَّلَالَةِ عَلَى التَّأْنِيثِ لَا الدَّلَالَةُ عَلَى عَدَمِ التَّأْنِيثِ. اهـ لَكِنْ ذَكَرَ أَيْضًا فِي الْأَيْمَانِ فِي بَابِ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ أَنَّ لَفْظَ كُلِّ مَمْلُوكٍ لِلرِّجَالِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ تَعْمِيمٌ مَمْلُوكٌ وَهُوَ الذَّكَرُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لِلْأُنْثَى مَمْلُوكَةٌ، وَلَكِنْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُسْتَعْمَلُ لَهَا الْمَمْلُوكُ عَادَةً إذَا عَمَّمَ بِإِدْخَالِ كُلٍّ وَنَحْوِهِ فَيَشْمَلُ الْإِنَاثَ حَقِيقَةً فَلِذَا كَانَ نِيَّةُ الذُّكُورِ خَاصَّةً خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً، وَلَوْ نَوَى النِّسَاءَ وَحْدَهُنَّ لَمْ يُصَدَّقْ أَصْلًا. اهـ (قَوْلُهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْمُكَاتَبَ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ إذْ هُوَ حُرٌّ يَدًا وَلِأَنَّهُ غَيْرُ عَبْدٍ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ وَالْعَبْدُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ يَنْبَغِي فِي: كُلِّ مَرْقُوقٍ لِي حُرٌّ أَنْ يَعْتِقَ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ فِيهِ كَامِلٌ لَا أُمُّ الْوَلَدِ إلَّا بِالنِّيَّةِ (قَوْلُهُ وَالْمُشْتَرَكُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ إلَّا بِالنِّيَّةِ. وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ إلَّا إذَا مَلَكَ النِّصْفَ الْأَخِيرَ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ فِي قَوْلِهِ إنْ مَلَكْت مَمْلُوكًا فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهُوَ مَمْلُوكٌ كَامِلٌ، فَلَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ ثُمَّ اشْتَرَى نَصِيبَ شَرِيكِهِ لَمْ يَعْتِقْ اسْتِحْسَانًا، وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ عَلَى الصَّوَابِ) تَخْطِئَةٌ لِصَاحِبِ الْمُجْتَبَى فِي قَوْلِهِ لَا يَدْخُلُ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ وَالْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ ح. ثُمَّ الْمَأْذُونُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَتَقَ عَبِيدُهُ إنْ نَوَاهُمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 673 وَلَوْ نَوَى الذُّكُورَ أَوْ لَمْ يَنْوِ الْمُدَبَّرَ دُيِّنَ. وَفِي: مَمَالِيكِي كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ لَمْ يُدَيَّنَ لِدَفْعِ احْتِمَالِ التَّخْصِيصِ بِالتَّأْكِيدِ. [فُرُوعٌ] حَلَفَ لَا يُعْتِقُ عَبْدَهُ فَكَاتَبَ أَوْ اشْتَرَى قَرِيبًا أَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ نَفْسَهُ حَنِثَ. إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ فَاسِدًا عَتَقَ وَصَحِيحًا لَا. إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ فَأَنْتَ حُرٌّ فَشَهِدَ فُلَانٌ وَآخَرُ أَنَّهُ دَخَلَ عَتَقَ؛ وَفِي إنْ كَلَّمَتْهُ لَا؛ لِأَنَّهَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ؛ وَلَوْ شَهِدَ ابْنَا فُلَانٍ أَنَّهُ كَلَّمَ أَبَاهُمَا جَازَتْ إنْ جَحَدَ، وَكَذَا إنْ ادَّعَاهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَأَبْطَلَهَا الثَّانِي. بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعَلٍ بِالضَّمِّ وَيُفْتَحُ: الْمَالُ (أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ)   [رد المحتار] السَّيِّدُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَعْتِقُوا وَإِنْ نَوَاهُمْ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَى الذُّكُورَ) أَيْ بِقَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً ط (قَوْلُهُ دُيِّنَ) ؛ لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ الْعَامِّ، فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً، لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً. اهـ. ح. وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَوْ نَوَى غَيْرَ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ نِيَّةِ الْمُدَبَّرِ صَادِقٌ بِعَدَمِ نِيَّةِ شَيْءٍ أَصْلًا وَذَلِكَ لَا يَكُونُ تَخْصِيصًا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ لَمْ يُدَيَّنَ إلَخْ) أَيْ فِي نِيَّةِ الذُّكُورِ؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلْعَامِّ وَهُوَ مَمَالِيكِي، فَإِنَّهُ جَمْعٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ مَعَ احْتِمَالِ التَّخْصِيصِ وَلَمَّا أَكَّدَ بِكُلِّهِمْ ارْتَفَعَ احْتِمَالُ التَّخْصِيصِ، بِخِلَافِ كُلِّ مَمْلُوكٍ فَإِنَّ الثَّابِتَ فِيهِ أَصْلُ الْعُمُومِ فَقَطْ فَقُبِلَ التَّخْصِيصُ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. [فُرُوعٌ فِي الْحُلْف بِالْعِتْقِ] (قَوْلُهُ حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عِتْقٌ مُعَلَّقٌ بِأَدَاءِ النُّجُومِ، وَفِي شِرَاءِ الْقَرِيبِ قَدْ بَاشَرَ سَبَبَ الْإِعْتَاقِ، وَفِي الثَّالِثَةِ بَاعَ الْعَبْدُ لِنَفْسِهِ وَهُوَ إعْتَاقٌ ط (قَوْله وَصَحِيحًا لَا) وَالْفَرْقُ أَنَّ نُزُولَ الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ بَعْدَ الشَّرْطِ وَهُوَ بَعْدَ الْبَيْعِ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ فَلَا يَعْتِقُ وَالْمِلْكُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بَاقٍ لَا يَزُولُ إلَّا بِتَسْلِيمِهِ فَيَعْتِقُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي تَسَلَّمَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ، فَحِينَئِذٍ يَزُولُ مِلْكُهُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ فَلَا يَعْتِقُ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ عَتَقَ) ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَصَاحِبُ الدَّارِ فِي شَهَادَتِهِ بِهِ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فَصَحَّتْ شَهَادَتُهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ) كَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: أَيْ لِأَنَّ شَهَادَةَ فُلَانٍ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ التَّكْلِيمُ. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: وَفِيهِ أَنَّهُ إنَّمَا شَهِدَ عَلَى فِعْلِ الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ هَذَا لَوْ قَالَ إنْ كَلَّمَك فُلَانٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَ ابْنَا فُلَانٍ) أَيْ فِي صُورَةِ التَّعْلِيقِ عَلَى كَلَامِ أَبِيهِمَا (قَوْلُهُ جَازَتْ إنْ جَحَدَ) أَيْ الْأَبُ؛ لِأَنَّهَا عَلَى أَبِيهِمَا بِالْكَلَامِ وَعَلَى أَنْفُسِهِمَا بِوُجُودِ الشَّرْطِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْمَشْهُودِ بِهِ لِأَبِيهِمَا، فَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ الْمَنْفَعَةَ لِثُبُوتِ التُّهْمَةِ وَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُ مُجَرَّدَ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ؛ لِأَنَّ بِشَهَادَتِهِمَا يَظْهَرُ أَنَّ صِدْقَهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ فَتْحٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعَلٍ] ٍ أَخَّرَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (قَوْلُهُ بِالضَّمِّ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْجُعْلُ فِي اللُّغَةِ بِضَمِّ الْجِيمِ: مَا يُجْعَلُ لِلْعَامِلِ عَلَى عَمَلِهِ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ مَا يُعْطَى الْمُجَاهِدُ لِيَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى جِهَادِهِ، أَوْ جَعَلْت لَهُ: أَعْطَيْتُهُ لَهُ: وَالْجَعَائِلُ جَمْعُ جَعِيلَةٍ أَوْ جَعَالَةٍ بِالْحَرَكَاتِ بِمَعْنَى الْجُعْلِ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَقَوْلُهُ بِالْحَرَكَاتِ: أَيْ حَرَكَاتِ الْفَاءِ فِي جَعَالَةٍ أَيْ الضَّمِّ وَالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، وَقَدْ اقْتَصَرَ فِي الْعِنَايَةِ تَبَعًا لَلْجَوْهَرِيِّ عَلَى الْكَسْرِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ: بِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ وَغَيْرِهِ الْفَتْحُ ثُمَّ ذَكَرَ مَا فِي الْمُغْرِبِ؛ فَعُلِمَ أَنَّ الضَّمَّ ضَعِيفٌ وَأَنَّ الْأَشْهَرَ الْكَسْرُ وَالْفَتْحُ، وَهَذَا فِي الْجِعَالَةِ. وَأَمَّا فِي الْجُعْلِ فَلَمْ نَرَ مَنْ ذَكَرَ غَيْرَ الضَّمِّ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَيُفْتَحُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ. وَعِبَارَتُهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى أَحْسَنُ حَيْثُ قَالَ: وَالْجُعْلُ بِالضَّمِّ مَا جُعِلَ لِلْإِنْسَانِ مِنْ شَيْءٍ عَلَى فِعْلٍ، وَكَذَا الْجِعَالَةُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ (قَوْلُهُ الْمَالُ) أَيْ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمَالُ الْمَجْعُولُ شَرْطًا لِعِتْقِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِأَلْفِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 674 صَحِيحٍ مَعْلُومِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ (فَقِبَلَ الْعَبْدُ) كُلَّ الْمَالِ (فِي الْمَجْلِسِ) يَعُمُّ مَجْلِسَ عِلْمِهِ لَوْ غَائِبًا (عَتَقَ) وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَى الْقَبُولِ لَا الْأَدَاءِ؛ حَتَّى لَوْ رَدَّ أَوْ أَعْرَضَ بَطَلَ (وَ) أَمَّا (لَوْ عَلَّقَهُ بِأَدَائِهِ) كَإِنْ أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ (صَارَ مَأْذُونًا) لَهُ دَلَالَةً، وَهَلْ يَصِحُّ حَجْرُهُ؟ تَرَدَّدَ فِيهِ فِي الْبَحْرِ   [رد المحتار] دِرْهَمٍ، أَوْ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفًا، أَوْ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ إلَيَّ أَلْفًا، أَوْ عَلَى أَنْ تَجِيئَنِي بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْك أَلْفًا أَوْ عَلَى أَلْفٍ تُؤَدِّيهَا إلَيَّ، أَوْ قَالَ بِعْتُكَ نَفْسَك مِنْك عَلَى كَذَا أَوْ وَهَبْت لَك نَفْسَك عَلَى أَنْ تُعَوِّضَنِي كَذَا ح عَنْ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ صَحِيحٌ مَعْلُومُ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ) هَذِهِ شُرُوطٌ لِصِحَّةِ التَّسْمِيَةِ لَا لِنَفَاذِ الْعِتْقِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ نَفَاذَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْقَبُولِ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ، وَفَسَادُهَا مُوجِبٌ لَقِيمَةِ الْعَبْدِ، احْتَرَزَ بِصَحِيحٍ عَنْ الْخَمْرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ: قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَشَمِلَ إطْلَاقُ الْمَالِ الْخَمْرَ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهَا مَالٌ عِنْدَهُمْ؛ فَلَوْ أَعْتَقَ الذِّمِّيُّ عَبْدَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْمُسَمَّى، فَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِ الْخَمْرِ؛ فَعِنْدَهُمَا عَلَى الْعَبْدِ قِيمَتُهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْخَمْرِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. وَقَوْلُهُ مَعْلُومٌ إلَخْ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مَعْلُومَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى، وَإِنْ كَانَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ مَجْهُولَ الصِّفَةِ كَالثِّيَابِ الْهَرَوِيَّةِ وَالْحَيَوَانِ مِنْ الْفَرَسِ وَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ فَعَلَيْهِ الْوَسَطُ مِنْهُ، وَإِذَا جَاءَ بِالْقِيمَةِ يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ. وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْجِنْسِ كَالثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ وَالدَّارِ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ مُتَفَاحِشَةٌ فَفَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ. اهـ. وَفِي النَّهْرِ: وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الْجِنْسُ كَثَوْبٍ وَحَيَوَانٍ عَتَقَ بِالْقَبُولِ وَلَزِمَهُ قِيمَةُ رَقَبَتِهِ. اهـ فَقَدْ ثَبَتَ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ هَذِهِ شُرُوطٌ لِصِحَّةِ التَّسْمِيَةِ لَا لِنَفَاذِ الْعِتْقِ هُنَا. وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ ح عَنْ النَّهْرِ مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا كَدَرَاهِمَ أَوْ كَانَ مَجْهُولَ الْجِنْسِ كَثَوْبٍ أَوْ غَيْرَ صَحِيحٍ كَكَذَا مِنْ الْخَمْرِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْقَبُولِ، فَفِيهِ أَنَّ هَذَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ وَهِيَ تَعْلِيقُ عِتْقِهِ بِأَدَائِهِ، فَفِيهَا لَا يَعْتِقُ إلَّا بِالْأَدَاءِ، وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِ الْمُؤَدَّى إلَّا إذَا كَانَ مَجْهُولًا أَوْ غَيْرَ صَحِيحٍ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ، وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهَا قَبُولُ الْعَبْدِ الْعِتْقَ عَلَى الْمَالِ، فَإِذَا قَبِلَ عَتَقَ بِالْقَبُولِ، ثُمَّ إذَا كَانَ الْمَالُ صَحِيحًا مَعْلُومًا لَزِمَهُ لِصِحَّةِ التَّسْمِيَةِ وَإِلَّا لَزِمَهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ كَمَا قُلْنَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ فَقَبِلَ الْعَبْدُ) شَرَطَ قَبُولَهُ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جَانِبِهِ، وَلِذَا مَلَكَ الرُّجُوعَ لَوْ ابْتِدَاءً وَبَطَلَ بِقِيَامِهِ قَبْلَ قَبُولِ الْمَوْلَى وَبِقِيَامِ الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى، وَلِذَا لَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَلَمْ يَبْطُلْ بِقِيَامِهِ عَنْ الْمَجْلِسِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ كُلُّ الْمَالِ) فَلَوْ قَبِلَ فِي النِّصْفِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ الْإِمَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمَوْلَى وَقَالَا: يَجُوزُ وَيَعْتِقُ كُلُّهُ بِالْكُلِّ بِنَاءً عَلَى تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ يَعُمُّ مَجْلِسَ عِلْمِهِ لَوْ غَائِبًا) فَإِنْ قَبِلَ فِيهِ صَحَّ وَإِلَّا بَطَلَ، أَمَّا الْحَاضِرُ يُعْتَبَرُ فِيهِ مَجْلِسُ الْإِيجَابِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْعِتْقَ الْمَفْهُومَ مِنْ عِتْقٍ مُعَلَّقٍ عَلَى الْقَبُولِ: أَيْ قَبُولِ الْعَبْدِ الْعِتْقَ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جَانِبِهِ كَمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ رَدَّ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى التَّعْلِيلِ ط (قَوْلُهُ أَوْ أَعْرَضَ) بِأَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ أَوْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ يَعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ قَاطِعٌ لِمَا قَبْلَهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَأَنْتَ حُرٌّ) أَتَى بِالْفَاءِ فِي الْجَوَابِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْتِ بِهَا أَوْ أَتَى بِالْوَاوِ تَنَجَّزَ لِكَوْنِهِ ابْتِدَاءً لَا جَوَابًا لِعَدَمِ الرَّابِطِ بَحْرٌ وَفِيهِ كَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ صَارَ مَأْذُونًا) لَمْ يَشْرِطْ قَبُولَهُ هُنَا: أَيْ فِيمَا إذَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَائِهِ إذْ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ. وَلَا يَبْطُلُ بِالرَّدِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، وَهِيَ مَا إذَا قَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ دَلَالَةً) لِأَنَّهُ رَغَّبَهُ فِي الِاكْتِسَابِ بِطَلَبِهِ الْأَدَاءَ مِنْهُ وَمُرَادُهُ التِّجَارَةُ لَا التَّكَدِّي، فَكَانَ إذْنًا لَهُ دَلَالَةً دُرَرٌ. (قَوْلُهُ تَرَدَّدَ فِيهِ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ: وَلَمْ أَرَ صَرِيحًا أَنَّهُ لَوْ حَجَرَ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ هَلْ يَصِحُّ حَجْرُهُ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَهُ ضَرُورِيٌّ لِصِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِأَدَاءِ الْمَالِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ يَصِحُّ لِمَا أَنَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 675 (لَا مُكَاتَبًا) ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ، وَهُوَ يُخَالِفُ الْمُكَاتَبَ فِي عِشْرِينَ مَسْأَلَةٍ ذَكَرَ مِنْهَا تِسْعَةً فَقَالَ (فَلَا يَتَوَقَّفُ) عِتْقُهُ (عَلَى قَبُولِهِ وَلَا يَبْطُلُ بِرَدِّهِ، وَلِلْمَوْلَى بَيْعُهُ قَبْلَ وُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْأَدَاءُ) وَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ هَلْ يَجِبُ قَبُولُ مَا يَأْتِي بِهِ؟ خِلَافٌ (وَعَتَقَ بِالتَّخْلِيَةِ) بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَهُ لِلْمَالِ أَخَذَهُ. (وَلَوْ أَدَّى عَنْهُ غَيْرُهُ تَبَرُّعًا) أَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالْأَدَاءِ فَأَدَّى (لَا) يَعْتِقُ   [رد المحتار] فَيَمْلِكُ حَجْرَهُ بِالْأَوْلَى. اهـ. وَاسْتَظْهَرَ السَّائِحَانِيُّ الْأَوَّلَ وَالْأَظْهَرُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ لَهُ أَيْضًا أَخْذُ مَا ظَفِرَ بِهِ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ) أَمَّا الْكِتَابَةُ فَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، نَعَمْ هُوَ تَعْلِيقٌ نَظَرًا إلَى اللَّفْظِ وَمُعَاوَضَةٌ نَظَرًا إلَى الْمَقْصُودِ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ لَازِمًا عَلَى الْعَبْدِ تَأَخَّرَ اعْتِبَارُ الْمُعَاوَضَةِ إلَى وَقْتِ أَدَائِهِ إيَّاهُ، وَلَمَّا تَأَخَّرَ إلَى ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ أَحْكَامِ الْمُعَاوَضَةِ إلَّا مَا هُوَ بَعْدَ الْأَدَاءِ، وَهُوَ مَا إذَا وَجَدَ السَّيِّدُ بَعْضَ الْمُؤَدَّى زُيُوفًا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْجِيَادِ وَتَقْدِيمُ مِلْكِ الْعَبْدِ لِمَا أَدَّاهُ وَإِنْزَالِهِ قَابِضًا إذَا أَتَاهُ بِهِ. وَأَمَّا فِيمَا قَبْلَ الْأَدَاءِ فَالْمُعْتَبَرُ جِهَةُ التَّعْلِيقِ فَكَثُرَتْ آثَارُهُ، فَلِذَا خَالَفَ الْمُعَاوَضَةَ الَّتِي هِيَ الْكِتَابَةُ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ. اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ فَلَا يُتَوَقَّفُ عِتْقُهُ عَلَى قَبُولِهِ) فَإِذَا أَدَّى بَعْدَ قَوْلِ الْمَوْلَى إنْ أَدَّيْت إلَخْ عَتَقَ، وَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي الْكِتَابَةِ كَمَا فِي الْوِقَايَةِ ط (قَوْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ بِرَدِّهِ) أَيْ وَلَوْ صَرِيحًا كَقَوْلِهِ لَا أَرْضَى (قَوْلُهُ قَبْلَ وُجُودِ شَرْطِهِ) أَيْ شَرْطِ الْعِتْقِ (قَوْلُهُ خِلَافٌ) فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا، وَلَكِنْ لَوْ قَبَضَهُ عَتَقَ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَقْبَلَهُ وَيُعَدُّ قَابِضًا بَحْرٌ. وَاخْتَارَ فِي الْفَتْحِ الْأَوَّلَ وَبَيَّنَ وَجْهَهُ، ثُمَّ إنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ رَابِعَةٌ. قَالَ ط: وَلَا يَظْهَرُ كَوْنُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَإِنْ عَدَّهَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُبَاعُ (قَوْلُهُ وَعَتَقَ بِالتَّخْلِيَةِ) التَّخْلِيَةُ: رَفْعُ الْمَوَانِعِ، بِأَنْ يَضَعَ الْمَالَ بَيْنَ يَدَيْ الْمَوْلَى بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَهُ أَخَذَهُ، فَحِينَئِذٍ يَحْكُمُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ قَبَضَهُ، وَكَذَا فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَبَدَلِ الْإِجَارَةِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى قَبْضِهِ: أَيْ حَكَمَ بِهِ لَا أَنَّهُ يَجْبُرُهُ عَلَيْهِ بِحَبْسٍ وَنَحْوِهِ. وَإِنَّمَا ذَكَرَ التَّخْلِيَةَ لِيُفِيدَ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِحَقِيقَةِ الْقَبْضِ بِالْأَوْلَى بَحْرٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا إذَا كَانَ الْعِوَضُ صَحِيحًا، أَمَّا لَوْ كَانَ خَمْرًا أَوْ مَجْهُولًا جَهَالَةً فَاحِشَةً كَمَا لَوْ قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ خَمْرًا أَوْ ثَوْبًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَدَّى ذَلِكَ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِمَا: أَيْ لَا يُنْزَلُ قَابِضًا إلَّا إنْ أَخَذَهُ مُخْتَارًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعِتْقَ بِالتَّخْلِيَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ لَوْ الْعِوَضُ صَحِيحًا مَعْلُومًا وَإِلَّا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الْقَبْضِ وَهَذَا مَعْنَى مَا نَقَلَهُ ح عَنْ النَّهْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَمَحَلُّ ذِكْرِهِ هُنَا كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ. [تَنْبِيهٌ] الْعِتْقُ بِالتَّخْلِيَةِ لَا يَخُصُّ الْعِتْقَ الْمُعَلَّقَ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ كَذَلِكَ، فَلَا وَجْهَ لِعَدِّ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الْمُخَالَفَةِ كَمَا أَفَادَهُ ح وَلِذَا لَمْ يَعُدُّهَا مِنْهَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، نَعَمْ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ عِنْدَ زُفَرَ لَا يَعْتِقُ بِالتَّخْلِيَةِ، وَعَلَيْهِ تَظْهَرُ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكِتَابَةِ. (قَوْلُهُ أَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالْأَدَاءِ إلَخْ) مِثْلُهُ مَا إذَا أَدَّى مَدْيُونُ الْعَبْدِ عَنْهُ كَمَا لَا يَخْفَى، فَلَوْ أَسْقَطَ التَّبَرُّعَ كَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ ح. قُلْت: وَفِيهِ أَنَّ أَدَاءَ الْمَدْيُونِ دَيْنًا عَلَى دَائِنِهِ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ بَرِئَ الْمَدْيُونُ وَإِلَّا فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ، فَمَسْأَلَةُ مَدْيُونِ الْعَبْدِ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ أَحَدِهِمَا، نَعَمْ لَوْ أَسْقَطَ مُتَبَرِّعًا اسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ أَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ هَذَا. وَقَدْ نُقِلَ فِي الْبَحْرِ مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ عَنْ الْمُحِيطِ، ثُمَّ نَقَلَهُ بَعْدَ وَرَقَةٍ عَنْ الْبَدَائِعِ: لَوْ قَالَ لِعَبْدَيْنِ لَهُ إنْ أَدَّيْتُمَا إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتُمَا حُرَّانِ فَأَدَّى أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ لَمْ يَعْتِقْ أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِأَدَاءِ الْأَلْفِ وَلَمْ يُوجَدْ وَكَذَا لَوْ أَدَّى أَحَدُهُمَا الْأَلْفَ كُلَّهُ مِنْ عِنْدِهِ، وَإِنْ أَدَّى أَحَدُهُمَا الْأَلْفَ وَقَالَ خَمْسُمِائَةٍ مِنْ عِنْدِي وَخَمْسُمِائَةٍ بَعَثَ بِهَا صَاحِبِي لِيُؤَدِّيَهَا إلَيْك عَتَقَا لِوُجُودِ الشَّرْطِ حِصَّةُ أَحَدِهِمَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَحِصَّةُ الْآخَرِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا بَابٌ تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ فَقَامَ أَدَاؤُهُ مَقَامَ أَدَاءِ صَاحِبِهِ. اهـ. قَالَ وَبَيْنَ النَّقْلَيْنِ تَنَافٍ، إلَّا أَنْ يُوَفِّقَ بِأَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ إعْطَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْعَبْدِ. وَمَا فِي الْبَدَائِعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 676 ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَدَاؤُهُ وَلَمْ يُوجَدْ. (كَمَا) لَا يَعْتِقُ (لَوْ) قَيَّدَ بِدَرَاهِمَ فَأَدَّى دَنَانِيرَ أَوْ بِكِيسٍ أَبْيَضَ فَدَفَعَ فِي كِيسٍ أَسْوَدَ أَوْ بِهَذَا الشَّهْرِ فَدَفَعَ فِي غَيْرِهِ أَوْ (حَطَّ عَنْهُ الْبَعْضَ بِطَلَبِهِ وَأَدَّى الْبَاقِيَ) وَكَذَا لَوْ أَبْرَأهُ (أَوْ مَاتَ الْمَوْلَى وَأَدَّاهُ إلَى الْوَرَثَةِ) لِعَدَمِ الشَّرْطِ بَلْ الْعَبْدُ بِإِكْسَابِهِ لِلْوَرَثَةِ كَمَا لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَتَرِكَتُهُ لِمَوْلَاهُ بَلْ لَهُ أَخْذُ مَا ظَفَرَ بِهِ أَوْ مَا فَضَلَ عِنْدَهُ مِنْ كَسْبِهِ، وَلَوْ أَدَّى مِنْ كَسْبِهِ قَبْلَ التَّعْلِيقِ عَتَقَ وَرَجَعَ السَّيِّدُ بِمِثْلِهِ عَلَيْهِ (وَتَعَلَّقَ أَدَاؤُهُ بِالْمَجْلِسِ) إنْ عَلَّقَ بِإِنْ وَبِإِذَا لَا، وَلَا يَتْبَعُهُ أَوْلَادُهُ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فِي الْكُلِّ (وَهُوَ) أَيْ الْمَالُ (دَيْنٌ صَحِيحٌ يَصِحُّ التَّكْفِيلُ بِهِ) بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ   [رد المحتار] فِيمَا إذَا بَعَثَ مَعَ غَيْرِهِ الْمَالَ فَلَا إشْكَالَ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَدَاؤُهُ) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهَا مُعَاوَضَةٌ حَقِيقَةٌ فِيهَا مَعْنَى التَّعْلِيقِ، فَكَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا حُصُولُ الْبَدَلِ (قَوْلُهُ أَوْ حَطَّ عَنْهُ الْبَعْضَ بِطَلَبِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا قَيَّدَ بِالطَّلَبِ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، فَإِذَا لَمْ يَلْتَحِقْ هُنَا بِتَرَاضِيهِمَا لَا يُلْتَحَقُ بِدُونِهِ بِالْأَوْلَى أَفَادَهُ السَّائِحَانِيُّ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَالِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ مَالٌ وَاجِبٌ شَرْعًا؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، أَمَّا هُنَا فَغَيْرُ وَاجِبٍ بَلْ هُوَ شَرْطٌ لِلْعِتْقِ وَشَرْطُ الْعِتْقِ لَا يَحْتَمِلُ الْحَطَّ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ) أَيْ عَنْ الْبَعْضِ أَوْ عَنْ الْكُلِّ لَا يَبْرَأُ وَلَا يَعْتِقُ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ جَوْهَرَةٌ. وَاعْتَرَضَ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْفَتْحِ بِأَنَّ الْفَرْقَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَحْقِيقِ الْإِبْرَاءِ فِي الْوَضْعَيْنِ، وَالْإِبْرَاءُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي مَسْأَلَةِ التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ. اهـ وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي الْحَطِّ، لَكِنْ قَالَ ح: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ يَكْفِي فِي الْفَرْقِ عِتْقُ الْمُكَاتَبِ إذَا قَالَ لَهُ مَوْلَاهُ أَبْرَأْتُكَ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَعَدَمُ عِتْقِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ عَلَى الْأَدَاءِ إذَا أَبْرَأَهُ مَوْلَاهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ (قَوْلُهُ وَأَدَّاهُ إلَى الْوَرَثَةِ) أَيْ أَدَّى الْمَالَ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الشَّرْطِ) عِلَّةٌ لِلْمَسَائِلِ السِّتِّ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ كَمَا لَا يَعْتِقُ إلَخْ (قَوْلُهُ بَلْ الْعَبْدُ بِأَكْسَابِهِ لِلْوَرَثَةِ) أَيْ فَلَهُمْ بَيْعُهُ وَأَخْذُ كَسْبِهِ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَدَّهَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ، وَلَوْ عُدَّتْ هُنَا لَزَادَتْ عَلَى الْعِشْرِينَ؛ لِأَنَّهَا الرَّابِعَةَ عَشَرَ، وَلَعَلَّ الشَّارِحَ لَمْ يَعُدَّ مِنْهَا قَوْلَهُ وَعَتَقَ بِالتَّخْلِيَةِ لِمَا مَرَّ فَتَكُونُ هَذِهِ الثَّالِثَةَ عَشَرَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ بَلْ لَهُ أَخْذُ مَا ظَفِرَ بِهِ) أَيْ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ، وَقَوْلُهُ أَوْ مَا فَضَلَ عِنْدَهُ: أَيْ بَعْدَ أَدَاءِ الْبَدَلِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَخْذَ مَا ظَفِرَ بِهِ مِمَّا فِي يَدِ الْعَبْدِ قَبْلَ عِتْقِهِ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ وَبَعْدَهُ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فِي الصُّورَتَيْنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَدَّى مِنْ كَسْبِهِ قَبْلَ التَّعْلِيقِ) أَيْ مِمَّا اكْتَسَبَهُ قَبْلَ التَّعْلِيقِ عَتَقَ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِأَدَائِهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمَوْلَى إلَّا أَنْ يَكُونَ كَاتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَيِّدِهِ، فَإِذَا أَدَّى مِنْهُ عَتَقَ بَحْرٌ، وَقَوْلُهُ قَبْلَ التَّعْلِيقِ مُتَعَلِّقٌ بِكَسْبِهِ، وَقَيَّدَ بِهِ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْهِدَايَةِ: لَوْ أَدَّى أَلْفًا اكْتَسَبَهَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ رَجَعَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ وَعَتَقَ لِاسْتِحْقَاقِهَا، وَلَوْ كَانَ اكْتَسَبَهَا بَعْدَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ مِنْ جِهَتِهِ بِالْأَدَاءِ مِنْهُ. اهـ (قَوْلُهُ وَتَعَلَّقَ أَدَاؤُهُ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَتَقَيَّدَ أَدَاؤُهُ بِالْمَجْلِسِ: أَيْ فَلَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، فَلَوْ اخْتَلَفَ بِأَنْ أَعْرَضَ أَوْ أَخَذَ فِي عَمَلٍ آخَرَ فَأَدَّى لَا يَعْتِقُ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَبِإِذَا لَا) أَيْ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ، وَمِثْلُهَا مَتَى كَمَا فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُمَا لِعُمُومِ الْأَوْقَاتِ كَمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ وَلَا يَتْبَعُهُ أَوْلَادُهُ) أَيْ لَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِأَدَائِهِ أَمَةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَدَّتْ فَعَتَقَتْ لَمْ يَعْتِقْ وَلَدُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْكِتَابَةِ وَقْتَ الْوِلَادَةِ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ دَيْنٌ صَحِيحٌ يَصِحُّ التَّكْفِيلُ بِهِ) فِيهِ أَنَّهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ لَا دَيْنَ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَبَعْدَ الْأَدَاءِ لَا دَيْنَ أَيْضًا، فَلَا مَعْنَى لِهَذَا الْكَلَامِ، بَلْ ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَلَطٌ هُنَا، وَمَحَلُّهَا أَوَّلُ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ فَقَبِلَ الْعَبْدُ فِي الْمَجْلِسِ عَتَقَ كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ، حَيْثُ قَالَ: فَإِذَا قَبِلَ صَارَ حُرًّا، وَمَا شُرِطَ دَيْنٌ عَلَيْهِ حَتَّى تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ، بِخِلَافِ بَدَلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 677 فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ، وَهَذِهِ الْمُوفِيَةُ عِشْرُونَ. وَيُزَادُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ عَلَّقَهُ بِأَلْفٍ فَاسْتَقْرَضَهَا فَدَفَعَهَا لِمَوْلَاهُ عَتَقَ وَرَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ غُرَمَاءَ الْمَأْذُونِ أَحَقُّ بِمَالِهِ حَتَّى تَتِمَّ دُيُونُهُمْ. وَلَوْ اسْتَقْرَضَ أَلْفَيْنِ فَدَفَعَ أَحَدَهَا وَأَكَلَ الْأُخْرَى فَلِلْغَرِيمِ مُطَالَبَةُ الْمَوْلَى بِهِمَا لِمَنْعِهِ بِعِتْقِهِ مِنْ بَيْعِهِ بِدَيْنِهِ. . (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِأَلْفٍ إنْ قَبِلَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِهِ (وَأَعْتَقَهُ) مَعَ ذَلِكَ (وَارِثٌ أَوْ وَصِيٌّ أَوْ قَاضٍ عِنْدَ امْتِنَاعِ الْوَارِثِ) هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْإِعْتَاقِ (عَتَقَ) بِالْأَلْفِ، وَالْوَلَاءُ لِلْمَيِّتِ (وَإِلَّا) يُوجَدُ كِلَا الْأَمْرَيْنِ (لَا) يَعْتِقُ بِذَلِكَ.   [رد المحتار] الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ قِيَامُ الرِّقِّ عَلَى مَا عُرِفَ. اهـ. ح وَالْكَفَالَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالدَّيْنِ الصَّحِيحِ وَهُوَ مَا لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ يَسْقُطُ بِغَيْرِهِمَا وَهُوَ التَّعْجِيزُ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْمُوفِيَةُ عِشْرُونَ) صَوَابُهُ عِشْرِينَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ الْمُوفِيَةِ ح وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ سَاقِطَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَسَائِلِ التَّعْلِيقِ عَلَى مَالٍ، فَالْمُوفِي لِلْعِشْرِينِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ. (قَوْلُهُ وَرَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْمَوْلَى) أَيْ رَجَعَ الْمُقْرِضُ عَلَى الْمَوْلَى بِالْأَلْفِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا اكْتَسَبَهُ قَبْلَ التَّعْلِيقِ لَا بَعْدَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْهِدَايَةِ، وَهُنَا الِاسْتِقْرَاضُ بَعْدَ التَّعْلِيقِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَدَفَعَ أَحَدُهُمَا) الْمُنَاسِبُ لِمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ إحْدَاهُمَا بِأَلْفِ التَّأْنِيثِ قَبْلَ ضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ (قَوْلُهُ فَلِلْغَرِيمِ مُطَالَبَةُ الْمَوْلَى بِهِمَا) أَيْ بِالْأَلْفِ الَّتِي قَبَضَهَا وَبِالْأَلْفِ الَّتِي اسْتَهْلَكَهَا الْعَبْدُ، وَقَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ فِي الذَّخِيرَةِ بِمَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَيْنِ أَيْ فَلَوْ أَقَلَّ فَلِلْغَرِيمِ مُطَالَبَةُ الْمَوْلَى بِقَدْرِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ بِالْعِتْقِ عَطَّلَ عَلَى الْغَرِيمِ قِيمَتَهُ فَقَطْ، إذْ لَوْلَا الْعِتْقُ كَانَ لَهُ بَيْعُهُ لِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ (قَوْلُهُ لِمَنْعِهِ بِعِتْقِهِ إلَخْ) الضَّمِيرُ الْأَوَّلُ وَالْأَخِيرُ لِلْغَرِيمِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ لِلْعَبْدِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ كَمَا قَالَ ط إنَّمَا يَظْهَرُ لِلْأَلْفِ الَّتِي اسْتَهْلَكَهَا، أَمَّا الَّتِي دَفَعَهَا لِلْمَوْلَى فَعِلَّتُهَا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْغُرَمَاءَ أَحَقُّ بِمَالِ الْمَأْذُونِ. (قَوْلُهُ إنْ قَبِلَ بَعْدَهُ إلَخْ) أَمَّا لَوْ قَبِلَ قَبْلَ الْمَوْتِ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ أَنْتِ حُرٌّ غَدًا بِأَلْفٍ فَإِنَّ الْقَبُولَ مَحَلُّهُ الْغَدُ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي مَجْلِسِهِ وَمَجْلِسُهُ وَقْتَ وُجُودِهِ، وَالْإِضَافَةُ تُؤَخِّرُ وُجُودَهُ إلَى وُجُودِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُوَ هُنَا مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، بِخِلَافِ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفٍ فَإِنَّ الْقَبُولَ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهُ إيجَابُ التَّدْبِيرِ فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَالُ فِي الْحَالِ لِقِيَامِ الرِّقِّ، وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَلَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ عِنْدَ الْقَبُولِ لَمْ يَجِبْ بَعْدَهُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَبُولَ هُنَا أَيْضًا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنَّهُ اخْتَلَفَ كَلَامُهُ فِي لُزُومِ الْمَالِ وَالْأَعْدَلُ لُزُومُهُ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِعِتْقِهِ إلَّا بِبَدَلٍ وَالْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ عَلَى عَبْدِهِ الْمَالَ إذَا كَانَ بِالْعِتْقِ كَالْمُكَاتَبِ عَلَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمَالِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَحِينَئِذٍ يَكُونُ حُرًّا. اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ مَعَ ذَلِكَ) أَيْ مَعَ وُجُودِ الْقَبُولِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ هُوَ الْأَصَحُّ) مُقَابِلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ، وَأَيَّدَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْفَتْحِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْإِعْتَاقِ) تَعْلِيلٌ لِلْأَصَحِّ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ لَوْ جُنَّ بَعْدَ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ أَوْ الطَّلَاقِ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ وَقَعَ؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ إلَّا عِنْدَ التَّعْلِيقِ أَوْ الْإِضَافَةِ وَلِذَا يَعْتِقُ الْمُدَبَّرُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَيْسَ التَّدْبِيرُ إلَّا تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ. وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ، وَهُوَ أَنَّهُ هُنَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمُعَلَّقِ إلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ إلَّا وَهُوَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا غَيْرُ دَافِعٍ؛ لِأَنَّ الِاعْتِرَاضَ عَلَى التَّعْلِيلِ هُوَ أَنَّ فَوَاتَ أَهْلِيَّةِ الْمُعَلَّقِ لَا أَثَرَ لَهُ، وَهَذَا الْجَوَابُ إبْدَاءُ عِلَّةٍ أُخْرَى. وَالصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ أَنَّ الْمُعْتَرَضَ فَهُوَ أَنَّ فَوَاتَ الْأَهْلِيَّةِ بِسَبَبِ الْمَوْتِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. وَقَدْ عَنَّ لِي هَذَا الْجَوَابُ قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ تَعْلِيلَ الشَّارِحِ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ صَحِيحٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْوَلَاءُ لِلْمَيِّتِ) أَيْ لَا لِلْوَارِثِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، فَيَرِثُهُ عَصَبَتُهُ الْمُتَعَصِّبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ دُونَ الْإِنَاثِ، وَلَوْ كَانَ الْوَلَاءُ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً لَدَخَلَ فِيهِ الْإِنَاثُ فَلْيُتَأَمَّلْ ط وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ لَا يَعْتِقُ بِذَلِكَ) أَيْ بِذَلِكَ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ بِمَالٍ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْقَبُولِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 678 (وَلَوْ حَرَّرَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ حَوْلًا) مَثَلًا كَأَعْتَقْتُكَ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي سَنَةً (فَقَبِلَ عَتَقَ فِي الْحَالِ) وَفِي إنْ خَدَمْتنِي سَنَةً فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِالشَّرْطِ، فَلَوْ خَدَمَهُ أَقَلَّ مِنْهَا أَوْ عَوَّضَهُ عَنْهَا أَوْ قَالَ إنْ خَدَمْتنِي وَأَوْلَادِي فَمَاتَ بَعْضُ أَوْلَادِهِ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ إنْ لِلتَّعْلِيقِ، وَعَلَى لِلْمُعَاوَضَةِ (وَخَدَمَهُ) الْخِدْمَةَ الْمَعْرُوفَةَ بَيْنَ النَّاسِ (مُدَّتَهُ) أَيًّا كَانَتْ (فَإِنْ) جُهِلَتْ أَوْ (مَاتَ هُوَ) وَلَوْ حُكْمًا كَعَمًى (أَوْ مَوْلَاهُ قَبْلَهَا) وَلَوْ خَدَمَ بَعْضَهَا فَبِحِسَابِهِ (تَجِبُ قِيمَتُهُ) فَتُؤْخَذُ مِنْهُ لِلْوَرَثَةِ أَوْ مِنْ تَرِكَتِهِ لِلْمَوْلَى. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجِبُ قِيمَةُ خِدْمَتِهِ، وَبِهِ نَأْخُذُ حَاوِيٌّ. وَهَلْ نَفَقَةُ عِيَالِهِ لَوْ فَقِيرًا عَلَى مَوْلَاهُ فِي الْمُدَّةِ كَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ أَوْ يَكْتَسِبُ لِلْإِنْفَاقِ حَتَّى يُسْتَغْنَى ثُمَّ يَخْدُمُ الْمَوْلَى كَالْمُعْسِرِ؟ بَحْثٌ فِي الْبَحْرِ الثَّانِي وَالْمُصَنِّفِ الْأَوَّلُ   [رد المحتار] وَلَمَّا كَانَ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَزِمَ تَأَخُّرُ الْعِتْقِ عَنْ الْمَوْتِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ خُرُوجُهُ إلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ فَلَا يَعْتِقُ إلَّا بِعِتْقِهِمْ، كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ حَرَّرَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ) أَيْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ لِلْمَوْلَى أَوْ لِغَيْرِهِ أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ فَقَبِلَ) أَيْ فِي الْمَجْلِسِ دُرٌّ مُنْتَقَى (قَوْلُهُ عَتَقَ فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ عَلَى الشَّيْءِ يُشْتَرَطُ فِيهِ وُجُودُ الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ لَا وُجُودُ الْمَقْبُولِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَفِي إنْ خَدَمْتَنِي إلَخْ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ عَلَّقَ بِإِنْ تَقَيَّدَ أَدَاؤُهُ بِالْمَجْلِسِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ أَدَاءَ الْمَالِ مُمْكِنٌ فِي الْمَجْلِسِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ، وَالْخِدْمَةُ سَنَةٌ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهَا فِيهِ فَلَمْ تَقْتَصِرْ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَلَوْ عَلَّقَهَا بِإِنْ فَلْيُنْظَرْ. اهـ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِالشَّرْطِ) أَيْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْخِدْمَةُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لَا مُعَاوَضَةٌ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ. (قَوْلُهُ فَلَوْ خَدَمَهُ أَقَلَّ مِنْهَا) أَيْ وَلَوْ لِعَجْزِهِ عَنْهَا بِمَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ إنْ لِلتَّعْلِيقِ إلَخْ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا فِي الْمَتْنِ وَمَا فِي الشَّرْحِ، حَيْثُ تَوَقَّفَ الْأَوَّلُ عَلَى الْقَبُولِ فَقَطْ وَالثَّانِي عَلَى الشَّرْطِ فَقَطْ (قَوْلُهُ وَخَدَمَهُ) يَعْنِي مِنْ سَاعَتِهِ بَحْرٌ: أَيْ إنْ ابْتِدَاءَ الْمُدَّةَ مِنْ وَقْتِ الْحَلِفِ (قَوْلُهُ الْخِدْمَةَ الْمَعْرُوفَةَ) عِبَارَةُ كَافِي الْحَاكِمِ: وَالْخِدْمَةُ خِدْمَةُ الْبَيْتِ الْمَعْرُوفَةِ بَيْنَ النَّاسِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ خِدْمَةُ مَصَالِحِ الْبَيْتِ، لَكِنْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَوْلَى؛ فَلَوْ كَانَ صَاحِبَ حِرْفَةٍ أَوْ زِرَاعَةٍ فِي عَمَلِهِ حَيْثُ كَانَ مَعْرُوفًا تَأَمَّلْ، وَصَرَّحُوا فِي الْإِجَارَةِ بِأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْخِدْمَةِ يَخْدُمُهُ فِي الْحَضَرِ لَا السَّفَرِ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ السَّفَرِ أَشَقُّ. (قَوْلُهُ أَيًّا كَانَتْ) أَيْ سَنَةً أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ بَحْرٌ: أَيْ الْمُدَّةُ الْمَشْرُوطَةُ (قَوْلُهُ أَوْ مَاتَ هُوَ) أَيْ الْعَبْدُ (قَوْلُهُ وَلَوْ حُكْمًا) الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَصِيرَ بِحَالَةٍ لَا يُمْكِنُ فِيهَا الْخِدْمَةُ، وَهَذَا بَحْثٌ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ، وَتَبِعَهُ أَخُوهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ قَبْلَهَا) أَيْ الْخِدْمَةِ مُتَعَلِّقٌ بِمَاتَ بِصُورَتَيْهِ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ خَدَمَ بَعْضَهَا فَبِحِسَابِهِ) كَسَنَةٍ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَ فَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ قِيمَتِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قِيمَةُ خِدْمَتِهِ ثَلَاثُ سِنِينَ بَحْرٌ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ فَتُؤْخَذُ مِنْهُ لِلْوَرَثَةِ) أَيْ لِوَرَثَةِ الْمَوْلَى. وَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ: بَلْ يَخْدُمُهُمْ مَا بَقِيَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا دَيْنٌ فَيَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِيهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى أَلْفٍ فَاسْتَوْفَى بَعْضَهَا وَمَاتَ، لَكِنْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَخْدُمُهُمْ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ مَنْفَعَةٌ وَهِيَ لَا تُورَثُ، أَوْ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِيهَا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ حَاوِيٌّ) الْمُرَادُ بِهِ الْحَاوِي الْقُدْسِيُّ، نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَأَقَرَّاهُ (قَوْلُهُ وَهَلْ نَفَقَةُ عِيَالِهِ إلَخْ) هَذِهِ حَادِثَةٌ سُئِلَ عَنْهَا فِي الْبَحْرِ وَلَمْ يَجِدْ لَهَا نَقْلًا. قُلْت: وَهَذَا خَاصٌّ بِمَسْأَلَةِ الْمُعَاوَضَةِ كَمَا هُوَ صُورَةُ الْحَادِثَةِ، أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ التَّعْلِيقِ فَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ إلَى انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْخِدْمَةِ (قَوْلُهُ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ) أَيْ عَنْ الِاكْتِسَابِ (قَوْلُهُ بَحْثٌ فِي الْبَحْرِ الثَّانِي) وَقَالَ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ مُعْسِرٌ عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ، فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُؤَخَّرُ إلَى الْمَيْسَرَةِ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَالْمُصَنِّفُ الْأَوَّلُ) حَيْثُ قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِوُجُوبِهَا عَلَى الْمَوْلَى فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَيُجْعَلُ كَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ، فَإِنَّ النَّفَقَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لِكَوْنِهِ مَحْبُوسًا بِخِدْمَتِهِ، وَالْحَبْسُ هُوَ الْأَصْلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 679 (كَبَيْعِ عَبْدٍ مِنْهُ بِعَيْنٍ) كَبِعْتُكَ نَفْسَك بِهَذَا الْعَيْنِ (فَهَلَكَتْ) أَوْ اُسْتُحِقَّتْ (تَجِبُ قِيمَتُهُ) وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قِيمَتُهَا. . (وَلَوْ قَالَ) رَجُلٌ لِمَوْلَى أَمَةٍ (أَعْتِقْ أَمَتَك بِأَلْفٍ عَلَيَّ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِيهَا، إنْ فَعَلَ) الْعِتْقَ (وَأَبَتْ) النِّكَاحَ (عَتَقَتْ مَجَّانًا وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى آمِرِهِ) لِصِحَّةِ اشْتِرَاطِ الْبَدَلِ عَلَى الْغَيْرِ فِي الطَّلَاقِ لَا فِي الْعَتَاقِ (وَلَوْ زَادَ) لَفْظَ (عَنِّي قُسِمَ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَتِهَا وَمَهْرِهَا) أَيْ مَهْرِ مِثْلِهَا لِتَضَمُّنِهِ الشِّرَاءَ اقْتِضَاءً، وَ (لِذَا تَجِبُ حِصَّةُ مَا سُلِّمَ) أَيْ الْقِيمَةُ وَتَسْقُطُ حِصَّةُ الْمَهْرِ (فَلَوْ نَكَحَتْ) الْقَائِلَ (فَحِصَّةُ مَهْرِ مِثْلِهَا) مِنْ الْأَلْفِ (مَهْرُهَا)   [رد المحتار] فِي هَذَا الْبَابِ أَصْلُهُ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي، فَإِنْ مَرِضَ فَيَنْبَغِي أَنْ تُفْرَضَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، بِخِلَافِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ إذَا مَرِضَ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى مَوْلَاهُ. اهـ. وَاعْتَرَضَهُ ح بِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ، فَإِنَّ الْمُوصَى بِهِ يَخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ فَلِذَا كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ أَمَّا هَذَا فَإِنَّهُ يَخْدُمُ فِي مُقَابَلَةِ رَقَبَتِهِ فَكَانَ كَالْمُسْتَأْجَرِ تَأَمَّلْ. اهـ. وَكَذَا اعْتَرَضَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ رَقِيقٌ مَحْبُوسٌ فِي خِدْمَةِ الْمُوصَى لَهُ وَلَيْسَتْ الْخِدْمَةُ بَدَلَ شَيْءٍ فِيهِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ هُوَ حُرٌّ قَادِرٌ عَلَى الْكَسْبِ فَكَيْفَ نُوجِبُ نَفَقَتَهُ وَنَفَقَةَ عِيَالِهِ عَلَى مُعْتِقِهِ بِسَبَبِ دَيْنٍ وَاجِبٍ لَهُ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْخِدْمَةَ هُنَا بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْأَصْلِ إذَا قَالَ: أَنْتِ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي سَنَةً فَقَبِلَ الْعَبْدُ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَ. اهـ وَقَدْ صَرَّحُوا قَاطِبَةً بِأَنَّهَا بَدَلٌ فِي هَذَا الْمَحَلِّ تَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ كَبَيْعِ عَبْدٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَبْدِ، يَعْنِي أَنَّ الْخِلَافَ الْمَارَّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ مَا إذَا بَاعَ نَفْسَ الْعَبْدَ مِنْهُ بِجَارِيَةٍ بِعَيْنِهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ أَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ بِنَاءَ هَذِهِ عَلَى تِلْكَ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ، بَلْ الْخِلَافُ فِيهِمَا مَعًا ابْتِدَائِيٌّ. (قَوْلُهُ بِأَلْفٍ عَلَيَّ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِيهَا) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِزِيَادَةِ عَلَى الْجَارَّةِ لِضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ، وَفَائِدَتُهَا الدَّلَالَةُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْمَالِ عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِهَا بِالْأَوْلَى أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَأَبَتْ النِّكَاحَ) أَفَادَ أَنَّ لَهَا الِامْتِنَاعَ مِنْ تَزَوُّجِهِ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ نَفْسَهَا بِالْعِتْقِ فَتْحٌ، وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ تَزَوَّجَتْهُ قُسِمَ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَتِهَا وَمَهْرِ مِثْلِهَا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى آمِرِهِ) ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ كَلَامِ الْآمِرِ أَمْرُهُ الْمُخَاطَبَ بِإِعْتَاقِهِ أَمَتَهُ وَتَزْوِيجِهَا مِنْهُ عَلَى عِوَضِ أَلْفٍ مَشْرُوطَةٍ عَلَيْهِ عَنْهَا وَعَنْ مَهْرِهَا، فَلَمَّا لَمْ تَتَزَوَّجْهُ بَطَلَتْ عَنْهُ حِصَّةُ الْمَهْرِ مِنْهَا، وَأَمَّا حِصَّةُ الْعِتْقِ فَبَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُثْبِتُ لِلْعَبْدِ فِيهِ قُوَّةً حُكْمِيَّةً هِيَ مِلْكُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا يَجِبُ الْعِوَضُ إلَّا عَلَى مَنْ حَصَلَ لَهُ الْمُعَوَّضُ. اهـ. فَتْحٌ، أَيْ وَمَنْ حَصَلَ لَهُ الْمُعَوَّضُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فِي الطَّلَاقِ) كَخُلْعِ الْأَبِ صَغِيرَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا مِلْكٌ مَا لَمْ تَكُنْ تَمْلِكُهُ، بِخِلَافِ الْعِتْقِ (قَوْلُهُ وَلَوْ زَادَ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ قَالَ أَعْتِقْ أَمَتَك عَنِّي بِأَلْفٍ إلَخْ وَلَمْ تَتَزَوَّجْهُ (قَوْلُهُ لِتَضَمُّنِهِ الشِّرَاءَ اقْتِضَاءً) أَيْ مَعَ الْمُقَابَلَةِ بِالْبُضْعِ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِيهَا، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ وَاضِحًا لِكَوْنِهِ مَذْكُورًا صَرِيحًا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي عِلَّةِ الِانْقِسَامِ فَافْهَمْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ إعْتَاقَهُ عَنْ الْآمِرِ يَقْتَضِي سَبْقَ مِلْكِهِ لَهُ فَصَارَ الْمَعْنَى بِعْهُ مِنِّي وَأَعْتِقْهُ عَنِّي، وَصَارَ إعْتَاقُ الْمَأْمُورِ قَبُولًا. قَالَ فِي الدُّرَرِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَابَلَ الْأَلْفَ بِالرَّقَبَةِ شِرَاءً وَالْبُضْعَ نِكَاحًا فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا وَوَجَبَ حِصَّةُ مَا سُلِّمَ لَهُ. وَهُوَ الرَّقَبَةُ، وَبَطَلَ عَنْهُ مَا لَمْ يُسَلَّمْ وَهُوَ الْبُضْعُ. اهـ. فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ قِيمَتَهَا أَلْفٌ وَمَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسُمِائَةٍ قُسِمَ الْأَلْفُ عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَثُلُثَا الْأَلْفِ حِصَّةُ الْقِيمَةِ وَثُلُثُهُ حِصَّةُ الْمَهْرِ، فَيَأْخُذُ الْمَوْلَى الثُّلُثَيْنِ وَيَسْقُطُ الثُّلُثُ، وَعَكَسَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ (قَوْلُهُ وَلِذَا) لَا دَاعِيَ لِلتَّعْلِيلِ هُنَا فَالْأَوْلَى إبْقَاءُ الْمَتْنِ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَتَجِبُ عُطِفَ عَلَى قَسَمَ مِنْ تَتِمَّةِ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ فَحِصَّةُ مَهْرِ مِثْلِهَا مَهْرُهَا) أَيْ إذَا نَكَحَتْهُ يُقَسَّمُ الْأَلْفُ أَيْضًا عَلَى مَهْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 680 فَيَكُونُ لَهَا (فِي وَجْهَيْهِ) ضَمَّ عَنِّي وَتَرْكَهُ (وَمَا أَصَابَ قِيمَتَهَا) فِي الْأُولَى هَدَرٌ، وَ (فِي الثَّانِيَةِ لِمَوْلَاهَا) بِاعْتِبَارِ تَضَمُّنِ الشِّرَاءِ وَعَدَمِهِ. . (أَعْتَقَ) الْمَوْلَى (أَمَتَهُ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَهُ نَفْسَهَا فَزَوَّجَتْهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) وَجَوَّزَهُ الثَّانِي اقْتِدَاءً بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي صَفِيَّةَ. قُلْنَا: «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَخْصُوصًا بِالنِّكَاحِ بِلَا مَهْرٍ» (فَإِنْ أَبَتْ فَعَلَيْهَا) السِّعَايَةُ (قِيمَتُهَا) اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَنْكِحَهَا، فَإِنْ فَعَلَ فَلَهَا مَهْرُهَا، وَإِنْ أَبِي فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ (وَلَوْ كَانَتْ) الْمُعْتَقَةُ عَلَى ذَلِكَ (أُمَّ وَلَدِهِ) فَقَبِلَتْ عَتَقَتْ (فَإِنْ أَبَتْ) نِكَاحَهُ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا) خَانِيَةٌ لِعَدَمِ تَقَوُّمِ أُمِّ الْوَلَدِ. [فَرْعٌ] . قَالَ أَعْتِقْ عَنِّي عَبْدًا وَأَنْتَ حُرٌّ فَأَعْتَقَ عَبْدًا جَيِّدًا لَا يَعْتِقُ، وَفِي أَدِّ إلَيَّ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ إدْخَالٌ فِي مِلْكِهِ فَيَكُونُ رَاضِيًا بِالزِّيَادَةِ، وَأَمَّا الْعِتْقُ إخْرَاجٌ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ مِلْكٌ لِلْمَوْلَى. .   [رد المحتار] مِثْلِهَا وَقِيمَتِهَا، فَمَا أَصَابَ الْمَهْرَ وَجَبَ لَهَا فِي الْوَجْهَيْنِ: أَعْنِي الْوَجْهَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ عَنِّي. وَالْوَجْهَ الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا قَالَهُ، وَمَا أَصَابَ قِيمَتَهَا سَقَطَ عَنْهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الشِّرَاءِ فِيهِ، وَأَخَذَهُ مَوْلَاهَا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي لِتَضَمُّنِ الثَّانِي الشِّرَاءَ اقْتِضَاءً كَمَا مَرَّ؛ فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ قِيمَتَهُ مِائَةٌ وَمَهْرُهَا مِائَةٌ قُسِمَ الْأَلْفُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ فَيَجِبُ لَهَا نِصْفُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَالنِّصْفُ الثَّانِي يَسْقُطُ عَنْهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَيَأْخُذُهُ الْمَوْلَى فِي الْوَجْهِ الثَّانِي؛ وَكَذَا لَوْ تَفَاوَتَا بِأَنْ كَانَ قِيمَتُهَا مِائَتَيْنِ وَمَهْرُهَا مِائَةً فَيَجِبُ لَهَا ثُلُثُ الْأَلْفِ فِي الْوَجْهَيْنِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ ثُلُثَاهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَيَأْخُذُهُمَا. الْمَوْلَى فِي الْوَجْهِ الثَّانِي (قَوْلُهُ ضَمَّ عَنِّي وَتَرْكَهُ) : بَدَلٌ مِنْ وَجْهَيْهِ بَدَلُ مُفَصَّلٍ مِنْ مُجْمَلٍ ح (قَوْلُهُ وَمَا أَصَابَ قِيمَتَهَا إلَخْ) قِيلَ فِيهِ تَكْرَارٌ مَعَ مَا سَبَقَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِاعْتِبَارِ تَضَمُّنِ الشِّرَاءِ وَعَدَمِهِ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ ط. (قَوْلُهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) أَيْ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَصِحُّ مَهْرًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَجَوَّزَهُ الثَّانِي) أَيْ أَبُو يُوسُفَ أَيْ جَوَّزَ هَذَا التَّعْوِيضَ الْمَعْلُومَ مِنْ الْمَقَامِ فَقَالَ بِجَوَازِ جَعْلِ الْعِتْقِ صَدَاقًا ط (قَوْلُهُ فِي صَفِيَّةَ) هِيَ بِنْتُ حُيَيِّ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، مِنْ سَبْيِ خَيْبَرَ أَعْتَقَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعَلَ عِتْقَهَا مَهْرَهَا ط (قَوْلُهُ قِيمَتُهَا) بَدَلٌ مِنْ السِّعَايَةِ. اهـ. ح. وَفِي نُسْخَةٍ: فِي قِيمَتِهَا، وَهِيَ أَوْضَحُ، لَكِنْ فِيهَا تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ. وَفِي نُسْخَةٍ: سِعَايَةُ قِيمَتِهَا بِالْإِضَافَةِ عَلَى مَعْنَى فِي، وَفِيهِ تَغْيِيرُ الْمَتْنِ أَيْضًا، لَكِنَّ الشَّارِحَ يَرْتَكِبُهُ كَثِيرًا (قَوْلُهُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى شَرْطِ التَّزَوُّجِ ط (قَوْلُهُ فَقَبِلَتْ) أَفَادَ بِهِ أَنَّ الْقَبُولَ شَرْطُ الْعِتْقِ هُنَا وَفِيمَا قَبْلَهَا ط؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ لَا تَعْلِيقٌ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ تَقَوُّمِ أُمِّ الْوَلَدِ) هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لَا عَلَى قَوْلِهِمَا إذْ هُمَا يَقُولَانِ بِتَقَوُّمِهَا ط [فَرْعٌ قَالَ أَعْتِقْ عَنِّي عَبْدًا وَأَنْتَ حُرٌّ فَأَعْتَقَ عَبْدًا لَا يَعْتِقُ] (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إدْخَالٌ إلَخْ) ذَكَرَ هَذَا التَّعْلِيلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِالْعَبْدِ الرَّدِيءِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَسَطِ وَيَصِيرُ الْعَبْدُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ، فَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا رَدِيئًا أَوْ مُرْتَفِعًا لَا يَجُوزُ. وَفِي الْأَدَاءِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْقِيمَةَ وَلَا الْجِنْسَ لَوْ أَتَى بِعَبْدٍ وَسَطٍ أَوْ مُرْتَفِعٍ يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ، لَا لَوْ أَتَى بِرَدِيءٍ إلَّا إنْ قِبَلَهُ وَلَوْ أَتَى بِقِيمَةِ الْوَسَطِ لَا يُجْبَرُ وَلَا يَعْتِقُ وَإِنْ قَبِلَهَا. اهـ مُلَخَّصًا. [تَتِمَّةٌ] لَوْ قَالَ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ بِالْوَاوِ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ؛ وَلَوْ قَالَ فَأَنْتَ حُرٌّ بِالْفَاءِ يَعْتِقُ فِي الْحَالِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ جَوَابَ الْأَمْرِ بِالْوَاوِ بِمَعْنَى الْحَالِ مَعْنَاهُ أَنْتَ حُرٌّ حَالَ الْأَدَاءِ فَلَا يَعْتِقُ قَبْلَهُ، وَأَمَّا بِالْفَاءِ فَهُوَ بِمَعْنَى التَّعْلِيلِ: أَيْ فَإِنَّك حُرٌّ، مِثْلُ: أَبْشِرْ فَقَدْ أَتَاك الْغَوْثُ، قِيلَ هَذَا قَوْلِهِمَا، أَمَّا عِنْدَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتِقَ فِي الْحَالِ كَمَا فِي طَلِّقْنِي وَلَك أَلْفٌ فَطَلَّقَهَا يَقَعُ مَجَّانًا عِنْدَهُ، وَقِيلَ إنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ، وَتَمَامُهُ فِي الذَّخِيرَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 681 بَابُ التَّدْبِيرِ (هُوَ) لُغَةً الْإِعْتَاقُ عَنْ دُبُرٍ، وَهُوَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ: وَشَرْعًا (تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ) وَلَوْ مَعْنًى كَإِنْ مِتّ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْإِطْلَاقِ التَّدْبِيرُ الْمُقَيَّدُ كَمَا سَيَجِيءُ؛ وَبِمَوْتِهِ تَعْلِيقُهُ بِمَوْتِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِتَدْبِيرٍ أَصْلًا بَلْ تَعْلِيقٌ بِشَرْطِ (كَإِذَا) أَوْ مَتَى أَوْ إنْ (مِتّ) أَوْ هَلَكْت أَوْ حَدَثَ بِي حَادِثٌ (فَأَنْتَ حُرٌّ) أَوْ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ (أَوْ أَنْتِ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ دَبْرَتك) زَادَ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ لَا (أَوْ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ أَمُوتُ) أُرِيدُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ لِقِرَانِهِ بِمَا لَا يَمْتَدُّ، فَإِنْ نَوَى النَّهَارَ صَحَّ وَكَانَ مُقَيَّدًا (أَوْ إنْ مِتّ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ) مَثَلًا (وَغَلَبَ مَوْتُهُ قَبْلَهَا) هُوَ الْمُخْتَارُ   [رد المحتار] [بَابُ التَّدْبِيرِ] ِ شُرُوعٌ فِي الْعِتْقِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْمَوْتِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْوَاقِعِ فِي الْحَيَاةِ، وَقَدَّمَهُ عَلَى الِاسْتِيلَادِ لِشُمُولِهِ الذَّكَرَ أَيْضًا وَرُكْنُهُ اللَّفْظُ الدَّالُ عَلَى مَعْنَاهُ. وَشَرَائِطُهُ نَوْعَانِ: عَامٌّ وَخَاصٌّ. فَالْعَامُّ مَا مَرَّ فِي شَرَائِطِ الْعِتْقِ كَوْنُهُ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ مُنْجَزًا أَوْ مُعَلَّقًا أَوْ مُضَافًا إلَى الْوَقْتِ أَوْ إلَى الْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ. وَالْخَاصُّ تَعْلِيقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى لَا بِمَوْتِ غَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي. وَصِفَتُهُ التَّجَزُّؤُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، فَلَوْ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا اقْتَصَرَ عَلَى نَصِيبِهِ وَلِلْآخَرِ عِنْدَ يَسَارِ شَرِيكِهِ سِتُّ خِيَارَاتٍ الْخَمْسَةُ الْمَارَّةُ وَالتَّرْكُ عَلَى حَالِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ أَحْكَامِهِ، مِنْ عَدَمِ جَوَازِ إخْرَاجِهِ عَنْ الْمِلْكِ، وَمِنْ عِتْقِهِ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى إلَخْ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً إلَخْ) يَشْمَلُ تَعْلِيقَهُ بِمَوْتِهِ مُقَيَّدًا وَبِمَوْتِ غَيْرِهِ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، وَفِيهِ بَيَانُ وَجْهِ التَّسْمِيَةِ، فَإِنَّ الدُّبُرَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ بِضَمَّتَيْنِ وَيُخَفَّفُ: خِلَافُ الْقُبُلِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَمِنْهُ يُقَالُ لِآخَرِ الْأَمْرِ دُبُرٌ، وَأَصْلُهُ مَا أَدْبَرَ عَنْهُ الْإِنْسَانُ وَمِنْهُ دَبَّرَ عَبْدَهُ وَأَعْتَقَهُ عَنْ دُبُرٍ: أَيْ بَعْدَ دُبُرٍ. وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ: التَّدْبِيرُ الْعِتْقُ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَتَدْبِيرُ الْأَمْرِ النَّظَرُ فِيهِ إلَى مَا تَصِيرُ إلَيْهِ الْعَاقِبَةُ. وَقَصَرَ فِي الدُّرَرِ تَفْسِيرَهُ لُغَةً عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ وَقَالَ كَأَنَّ الْمَوْلَى نَظَرَ إلَى عَاقِبَةِ أَمْرِهِ فَأَخْرَجَ عَبْدَهُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بَعْدَهُ. ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ شَرْعًا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ اشْتِرَاكًا مَعْنَوِيًّا وَهُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ: أَيْ مَوْتِ الْمَوْلَى أَوْ غَيْرِهِ، فَمَا مَرَّ مِنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ جَعَلَهُ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِ عَامَّةِ أَئِمَّتِنَا حَيْثُ قَصَرُوهُ شَرْعًا عَلَى الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَلِذَا خَالَفَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ مَعَ كَثْرَةِ مُتَابَعَتِهِمَا لَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَعْنًى) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَقَوْلُنَا لَفْظًا أَوْ مَعْنًى يَصِحُّ أَنْ يَكُونَا حَالَيْنِ مِنْ التَّعْلِيقِ، وَالتَّعْلِيقُ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ بِرَقَبَتِهِ أَوْ بِنَفْسِهِ أَوْ بِثُلُثِ مَالِهِ لِأَمَتِهِ وَأَنْ يَكُونَا حَالَيْنِ مِنْ مُطْلَقٍ، وَالْمُطْلَقُ مَعْنًى كَإِنْ مِتّ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ فِي الْمُخْتَارِ. اهـ. وَتَمْثِيلُ الشَّارِحِ لِلثَّانِي فَقَطْ يُوهِمُ قَصْرَهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَخَرَجَ إلَخْ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الدُّرَرِ كَمَا مَرَّ، وَمِنْ التَّدْبِيرِ الْمُقَيَّدِ تَعْلِيقُهُ بِمَوْتِهِ وَمَوْتِ فُلَانٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَكَذَا أَنْتِ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ. (قَوْلُهُ أَصْلًا) أَيْ لَا مُطْلَقًا وَلَا مُقَيَّدًا، خِلَافًا لِمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ أَوْ حَدَثَ بِي حَادِثٌ) ؛ لِأَنَّهُ تُعُورِفَ الْحَدَثُ وَالْحَادِثُ فِي الْمَوْتِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ زَادَ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ لَا) أَيْ يَصِيرُ مُدَبَّرًا السَّاعَةَ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُتَصَوَّرُ، فَيَلْغُو قَوْلُهُ بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ يُجْعَلُ قَوْلُهُ أَنْتَ مُدَبَّرٌ بِمَعْنَى أَنْتَ حُرٌّ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ أَمُوتُ) لَا فَرْقَ فِي الْعِتْقِ الْمُضَافِ إلَى الْمَوْتِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ آخَرَ أَوْ لَا، فَلَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَكَلَّمَهُ صَارَ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْكَلَامِ صَارَ التَّدْبِيرُ مُطْلَقًا وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ كَلَامِك فُلَانًا وَبَعْدَ مَوْتِي فَكَلَّمَهُ فُلَانٌ كَانَ مُدَبَّرًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَا فَرْقَ فِي التَّدْبِيرِ بَيْنَ كَوْنِهِ مُنْجَزًا أَوْ مُضَافًا كَأَنْتَ مُدَبَّرٌ غَدًا أَوْ رَأْسَ شَهْرٍ كَذَا فَإِذَا جَاءَ الْوَقْتُ صَارَ مُدَبَّرَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ صَحَّ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَكَانَ مُدَبَّرًا مُقَيَّدًا؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِمَا لَيْسَ بِكَائِنٍ لَا مَحَالَةَ وَهُوَ مَوْتُهُ بِالنَّهَارِ بَحْرٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ وَغَلَبَ مَوْتُهُ قَبْلَهَا) بِأَنْ كَانَ كَبِيرَ السِّنِّ (قَوْلُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 682 لِأَنَّهُ كَالْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ، وَأَفَادَ بِالْكَافِ عَدَمَ الْحَصْرِ، حَتَّى لَوْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ عَتَقَ بِمَوْتِهِ. وَلَوْ بِجُزْءٍ لَا، وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى، وَذَكَرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى. (دَبَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ ذَهَبَ عَقْلُهُ فَالتَّدْبِيرُ عَلَى حَالِهِ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ، وَهُوَ لَا يَبْطُلُ بِجُنُونٍ وَلَا رُجُوعٍ (بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ) بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ جُنَّ ثُمَّ مَاتَ بَطَلَتْ. (وَلَا يَقْبَلُ) التَّدْبِيرُ (الرُّجُوعَ) عَنْهُ (وَيَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ   [رد المحتار] كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، لَكِنْ ذَكَرَ قَاضِي خَانَ، أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ. وَهَكَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ. وَاعْتَرَضَ فِي الْفَتْحِ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ كَالْمُنَاقِضِ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَهُ فِي النِّكَاحِ تَوْقِيتًا وَأَبْطَلَ بِهِ النِّكَاحَ، وَهُنَا جَعَلَهُ تَأْبِيدًا. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي النِّكَاحِ تَوْقِيتًا لِلنَّهْيِ عَنْ النِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ فَالِاحْتِيَاطُ فِي مَنْعِهِ تَقْدِيمًا لِلْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّهُ مُوَقَّتٌ صُورَةً، وَهُنَا نَظَرَ إلَى التَّأْبِيدِ الْمَعْنَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلِيَّ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى بِلَا مَانِعٍ فَلِذَا كَانَ الْمُخْتَارُ وَإِنْ جَزَمَ الْوَلْوَالِجِيُّ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُدَبَّرٍ، مُطْلَقُ تَسْوِيَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ. مَطْلَبٌ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْعَبْدِ (قَوْلُهُ وَأَفَادَ بِالْكَافِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ كَإِذَا مِتّ عَدَمَ الْحَصْرِ، لِمَا فِي الْفَتْحِ أَنَّ كُلَّ مَا أَفَادَ إثْبَاتَ الْعِتْقِ عَنْ دُبُرٍ فَهُوَ صَرِيحٌ. وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ. الْأَوَّلُ مَا يَكُونُ بِلَفْظِ إضَافَةٍ كَدَبَّرْتُكَ، وَمِنْهُ حَرَّرْتُك أَوْ أَعْتَقْتُك أَوْ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ عَتِيقٌ بَعْدَ مَوْتِي. الثَّانِي مَا يَكُونُ بِلَفْظِ التَّعْلِيقِ كَإِنْ مِتّ إلَخْ، وَكَذَا أَنْتَ حُرٌّ مَعَ مَوْتِي أَوْ فِي مَوْتِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَعَ وَفِي تُسْتَعَارُ لِمَعْنَى حَرْفِ الشَّرْطِ. الثَّالِثُ مَا يَكُونُ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ كَأَوْصَيْتُ لَك بِرَقَبَتِك أَوْ بِنَفْسِك أَوْ بِعِتْقِك وَكَذَا أَوْصَيْت لَك بِثُلُثِ مَالِي، فَتَدْخُلُ رَقَبَتُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَالِهِ فَيَعْتِقُ ثُلُثُ رَقَبَتِهِ. اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَذَكَرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى) عِبَارَتُهُ: وَعَنْ الثَّانِي أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ يَعْتِقُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَوْ بِجُزْءٍ: لَا، إذْ الْجُزْءُ عِبَارَةٌ عَنْ الشَّيْءِ الْمُبْهَمِ وَالتَّعْيِينُ فِيهِ لِلْوَرَثَةِ: أَيْ فَلَمْ تَكُنْ الرَّقَبَةُ دَاخِلَةً تَحْتَ الْوَصِيَّةِ، بِخِلَافِ السَّهْمِ فَإِنَّهُ السُّدُسُ، فَكَانَ سُدُسُ رَقَبَتِهِ دَاخِلًا فِي الْوَصِيَّةِ. اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ. ثُمَّ قَالَ: وَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ هُنَا جَزَمَ بِهِ فِي الِاخْتِيَارِ. اهـ. قُلْت: وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ يَعْتِقُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ، وَهُوَ خِلَافُ مَا مَرَّ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ فِي أَوْصَيْت لَك بِثُلُثِ مَالِي أَنَّهُ يَعْتِقُ ثُلُثُ رَقَبَتِهِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ أَوْ بِالسُّدُسِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى السَّهْمِ، وَلَعَلَّ مَا هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ بِعَدَمِ تَجَزُّؤِ التَّدْبِيرِ كَالْإِعْتَاقِ، فَحَيْثُ دَخَلَ سُدُسُهُ فِي الْوَصِيَّةِ عَتَقَ كُلُّهُ. وَمَا فِي الْفَتْحِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي وَصَايَا خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ لَمْ يَجُزْ. وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِبَعْضِ رَقَبَتِهِ عَتَقَ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَلَوْ وَهَبَ لَهُ رَقَبَتَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهَا عَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ. وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ صَحَّ وَعَتَقَ ثُلُثُهُ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ أَكْمَلَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي قِيمَتِهِ فَضْلٌ عَلَى الثُّلُثِ سَعَى لِلْوَرَثَةِ. اهـ. وَقَوْلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ عِنْدَهُمَا يَعْتِقُ كُلُّهُ بِلَا سِعَايَةٍ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ إلَخْ مَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ اسْتَحَقَّ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ وَمِنْهُ ثُلُثُ رَقَبَتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ رَقَبَتُهُ جَمِيعَ الْمَالِ سَعَى لِلْوَرَثَةِ فِي ثُلُثَيْ رَقَبَتِهِ؛ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ أَكْثَرَ فَإِنْ زَادَ لَهُ عَلَى ثُلُثَيْ رَقَبَتِهِ شَيْءٌ أَكْمَلَ لَهُ لِيَسْتَوْفِيَ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ ثُلُثَا رَقَبَتِهِ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ بَاقِي الْمَالِ سَعَى لِلْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ. (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ فِي تَعْرِيفِهِ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ لَكِنْ فِيهِ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَى الْمَوْتِ فَكَانَ تَعْلِيقًا صُورَةً وَوَصِيَّةً مَعْنًى (قَوْلُهُ وَلَا رُجُوعَ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَا يُقْبَلُ الرُّجُوعُ. اهـ. ح (قَوْلُهُ ثُمَّ جُنَّ) قِيلَ شَهْرًا، وَقِيلَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ سَنَةً. وَالْفَتْوَى عَلَى التَّفْوِيضِ لِرَأْيِ الْقَاضِي ط عَنْ الْحَمَوِيِّ وَجَزَمَ الشَّارِحُ فِي الْوَصَايَا بِتَقْدِيرِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ بَطَلَتْ) الْأُولَى فَإِنَّهَا تَبْطُلُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 683 بِخِلَافِهَا) فَالتَّدْبِيرُ كَوَصِيَّةٍ إلَّا فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَشْبَاهٌ، وَيُزَادُ مُدَبِّرُ السَّفِيهِ وَمُدَبَّرٌ قُتِلَ سَيِّدُهُ. (فَلَا يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ) الْمُطْلَقُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. وَلَوْ قَضَى بِصِحَّةِ بَيْعِهِ نَفَذَ، وَهَلْ يَبْطُلُ التَّدْبِيرُ؟ قِيلَ نَعَمْ لَوْ قَضَى بِبُطْلَانِ بَيْعِهِ صَارَ كَالْحُرِّ (وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُرْهَنُ) فَشَرْطُ وَاقِفِ الْكَتْبِ الرَّهْنَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ فِي يَدِ مُسْتَعِيرِهِ أَمَانَةٌ فَلَا يَتَأَتَّى الْإِيفَاءُ وَالِاسْتِيفَاءُ بِالرَّهْنِ بِهِ بَحْرٌ.   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَيُزَادُ مُدَبَّرُ السَّفِيهِ) فِي الْخَانِيَّةِ: يَصِحُّ تَدْبِيرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ بِالثُّلُثِ وَبِمَوْتِهِ يَسْعَى فِي كُلِّ قِيمَتِهِ وَإِنَّ وَصِيَّةَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ بِالثُّلُثِ جَائِزَةٌ. اهـ فَيُطْلَبُ الْفَرْقَ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ هُوَ أَنَّ التَّدْبِيرَ إتْلَافٌ الْآنَ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَهُ، فَلَا إتْلَافَ فِيهَا نَهْرٌ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يَسْعَى بِكُلِّ قِيمَتِهِ كُلُّ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا كَمَا فِي الْبَحْرِ ح. قُلْت: وَحَيْثُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي كُلِّ قِيمَتِهِ لَمْ يَأْخُذْ حُكْمَ التَّدْبِيرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَأَنَّ تَدْبِيرَهُ لَمْ يَصِحَّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمُدَبَّرٌ قَتَلَ سَيِّدَهُ) يَعْنِي إذَا قَتَلَ الْمُدَبَّرُ سَيِّدَهُ عَتَقَ وَسَعَى فِي قِيمَتِهِ. وَإِذَا قَتَلَ الْمُوصَى لَهُ الْمُوصِي فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لِقَاتِلٍ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ ح. (قَوْلُهُ فَلَا يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ الْمُطْلَقُ) اُسْتُشْكِلَ بِمَا إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَلَهُ مَمَالِيكُ وَاشْتَرَى مَمَالِيكَ ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُمْ يَعْتِقُونَ. وَلَوْ بَاعَ الَّذِينَ اشْتَرَاهُمْ صَحَّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْدُومِ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْمَوْتِ وَإِلَى الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْإِيجَابِ، وَتَمَامُ تَقْرِيرِهِ فِي الْفَتْحِ. قَالَ ط: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا بَيْعُهُ مِنْ نَفْسِهِ وَهِبَتُهُ مِنْهُ فَإِعْتَاقٌ بِمَالٍ أَوْ بِلَا مَالٍ، فَلَا إشْكَالَ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْبُرْجُنْدِيِّ (قَوْلُهُ قِيلَ نَعَمْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: فَإِنْ بَاعَهُ وَقَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَيَكُونُ فَسْخًا لِلتَّدْبِيرِ، حَتَّى لَوْ عَادَ إلَيْهِ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ثُمَّ مَاتَ لَا يَعْتِقُ، وَهَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَمَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ لُزُومُ التَّدْبِيرِ لَا صِحَّةُ التَّعْلِيقِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ وَصْفُ اللُّزُومِ لَا غَيْرُ. اهـ وَقَوْلُهُ وَهَذَا مُشْكِلٌ إلَخْ مِنْ كَلَامِ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ قُضِيَ بِبُطْلَانِ بَيْعِهِ صَارَ كَالْحُرِّ) أَيْ فِي سَرَيَانِ الْفَسَادِ إلَى الْقِنِّ إنْ ضُمَّ إلَيْهِ فِي صَفْقَةٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَسَيَأْتِي فِي الْبُيُوعِ أَنَّ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ بَاطِلٌ لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ، فَلَوْ بَاعَهُ الْمَوْلَى فَرَفَعَهُ الْعَبْدُ إلَى قَاضٍ حَنَفِيٍّ وَادَّعَى عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي فَحَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَلُزُومِ التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَقْضِيَ بِجَوَازِ بَيْعِهِ بَعْدَهُ كَمَا فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ قَاسِمٍ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْقَوَاعِدِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْحُرِّ؛ فَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِنٍّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْرِيَ الْفَسَادُ إلَى الْقِنِّ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مَحَلِّهِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَلَا يُرْهَنُ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَالِارْتِهَانَ مِنْ بَابِ إيفَاءِ الدَّيْنِ وَاسْتِيفَائِهِ عِنْدَنَا فَكَانَ مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الْعَيْنِ وَتَمَلُّكِهَا بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. مَطْلَبٌ فِي: شَرْطُ وَاقِفِ الْكَتْبِ الرَّهْنُ بِهَا (قَوْلُهُ فَشَرْطُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. وَوَجْهُ التَّفْرِيعِ أَنَّ الْعِلَّةَ كَمَا أَفَادَتْ أَنَّ الرَّهْنَ لَا بُدَّ أَنْ يُمْكِنَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ، فَقَدْ أَفَادَتْ أَيْضًا أَنَّ الْمَرْهُونَ بِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا مَضْمُونًا يُطَالَبُ بِإِيفَائِهِ، فَبِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ رَهْنُ الْمُدَبَّرِ بِمَالٍ آخَرَ، وَبِالنَّظَرِ إلَى الثَّانِي لَا يَصِحُّ رَهْنُ مَالٍ بِكَتْبِ الْوَقْفِ، فَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا عَدَمُ صِحَّةِ الرَّهْنِ فِي كُلٍّ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، فَلَا تَضُرُّ الْمُغَايَرَةُ فِي كَوْنِ الْمُدَبَّرِ مَرْهُونًا وَالْكَتْبِ مَرْهُونًا بِهَا؟ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلَا يَتَأَتَّى إلَخْ) قِيلَ مُقْتَضَى كَوْنِهَا أَمَانَةٌ أَنَّهَا تُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي، فَمَا الْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الرَّهْنِ لِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ؟ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ شَرْطُ الْوَاقِفَيْنِ تَصْحِيحًا لِأَغْرَاضِهِمْ. قُلْت: قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالْأَمَانَاتِ وَالْوَدَائِعِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 684 (وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْمِلْكِ إلَّا بِالْإِعْتَاقِ وَالْكِتَابَةِ) تَعْجِيلًا لِلْحُرِّيَّةِ وَسَيَتَّضِحُ فِي بَابِهِ. وَالْحِيلَةُ لِمُرِيدِ التَّدْبِيرِ عَلَى وَجْهٍ يَمْلِكُ بَيْعَهُ أَنْ يُدَبِّرَهُ مُقَيَّدًا كَإِنْ مِتّ وَأَنْتَ فِي مِلْكِي أَوْ إنْ بَقِيت بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ (وَيُسْتَخْدَمُ) الْمُدَبَّرُ (وَيُسْتَأْجَرُ) وَيُنْكَحُ (وَالْأَمَةُ تُوطَأُ وَتُنْكَحُ) جَبْرًا (وَالْمَوْلَى أَحَقُّ بِكَسْبِهِ وَأَرْشُهُ وَمَهْرِ الْمُدَبَّرَةِ) لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فِي الْجُمْلَةِ (وَبِمَوْتِهِ) وَلَوْ حُكْمًا كَلَحَاقِهِ مُرْتَدًّا (عَتَقَ) فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاةِ الْمَوْلَى (مِنْ   [رد المحتار] مَتْنًا وَالْأَمَانَاتُ تُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي مُطْلَقًا بِرَهْنٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ الرَّهْنِ الْبَاطِلِ وَلَا حَبْسُهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا فَائِدَةَ لَهُ فَافْهَمْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالرَّهْنِ مَدْلُولُهُ الشَّرْعِيُّ، أَمَّا إنْ أُرِيدَ مَدْلُولُهُ اللُّغَوِيِّ وَأَنْ يَكُونَ تَذْكِرَةً فَيَصِحُّ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ. قَالَ: وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ مُرَادُ الْوَاقِفِ فَالْأَقْرَبُ حَمْلُهُ عَلَى اللُّغَوِيُّ تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ، وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ تَجْوِيزَ الْوَاقِفِ الِانْتِفَاعَ لِمَنْ يُخْرِجُهُ مِنْ خِزَانَتِهِ مَشْرُوطًا بِأَنْ يَضَعَ فِي الْخِزَانَةِ مَا يَتَذَكَّرُ هُوَ بِهِ إعَادَةَ الْمَوْقُوفِ وَيَتَذَكَّرُ الْخَازِنُ بِهِ مُطَالَبَتَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَثْبُتَ لَهُ أَحْكَامُ الْوَقْفِ. قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ فِي الْقَوْلِ فِي الدَّيْنِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عِبَارَةَ السُّبْكِيّ بِطُولِهَا: وَأَمَّا وُجُوبُ اتِّبَاعِ شَرْطِهِ وَحَمْلِهِ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَغَيْرُ بَعِيدٍ (قَوْلُهُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْمِلْكِ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا: كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَقَعُ فِي الْحُرِّ، نَحْوُ الْبَيْعِ وَالْإِمْهَارِ يُمْنَعُ فِي الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَوْلَى إلَّا أَنَّهُ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ، فَكُلُّ تَصَرُّفٍ يُبْطِلُ هَذَا السَّبَبَ يُمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْهُ. اهـ فَلِذَا لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِهِ وَلَا رَهْنُهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ إلَّا بِالْإِعْتَاقِ) أَيْ بِلَا بَدَلٍ أَوْ بِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَسَيَتَّضِحُ فِي بَابِهِ) إيضَاحُهُ أَنَّ الْمُدَبَّرَ الَّذِي كُوتِبَ إمَّا أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ إنْ شَاءَ، أَوْ يَسْعَى فِي كُلِّ الْبَدَلِ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ فَقِيرًا لَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ. وَأَمَّا إذَا تَرَكَ مَالًا غَيْرَهُ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ مَجَّانًا ط وَهُوَ حَاصِلُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ إنْ بَقِيَتْ إلَخْ) حِيلَةٌ ثَانِيَةٌ اخْتَصَرَهَا مِمَّا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ قَالَ: هَذِهِ أَمَتِي إنْ احْتَجْت إلَى بَيْعِهَا أَبِيعُهَا، وَإِنْ بَقِيَتْ بَعْدَ مَوْتِي فَهِيَ حُرَّةٌ فَبَاعَهَا جَازَ، كَذَا فِي فَتَاوَى الصَّدْرِ الشَّهِيدِ. اهـ فَافْهَمْ. قَالَ: فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهَا مُدَبَّرَةٌ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا. اهـ. قُلْت: كَيْفَ يَصِحُّ كَوْنُ تَدْبِيرِهَا مُطْلَقًا مَعَ تَصْرِيحِهِ بِجَوَازِ بَيْعِهَا فَلِذَا جَزَمَ الشَّارِحُ بِكَوْنِهِ مُقَيَّدًا. (قَوْلُهُ وَيَسْتَخْدِمُ الْمُدَبَّرُ إلَخْ) هُوَ وَمَا بَعْدَهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ؛ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَيُؤَجَّرُ بَدَلَ وَيُسْتَأْجَرُ كَمَا عَبَّرَ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ جَبْرًا قَيْدٌ لِلْجَمِيعِ: أَيْ لِلْمَوْلَى أَنْ يَجْبُرَهُ عَلَى الْخِدْمَةِ، وَعَلَى أَنْ يُؤْجِرَهُ، وَعَلَى أَنْ يُنْكِحَهُ: أَيْ يُزَوِّجَهُ بِالْوِلَايَةِ عَلَيْهِ، وَعَلَى أَنْ يَطَأَ الْمُدَبَّرَةَ، وَعَلَى أَنْ يُنْكِحَهَا: أَيْ يُزَوِّجَهَا لِغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنَّمَا جَازَتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ فِيهِ، وَبِهِ تُسْتَفَادُ وِلَايَةُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ (قَوْلُهُ وَأَرْشُهُ) أَيْ أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا أَرْشُ الْجِنَايَةِ مِنْهُ فَعَلَى الْمَوْلَى، وَيُطَالَبُ بِالْأَقَلِّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَلَا يَضْمَنُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَثُرَتْ الْجِنَايَاتُ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَارِثُهُ وَهُوَ تَحْرِيفٌ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ سَيِّدُهُ حَيًّا لَا يَمْلِكُ شَيْئًا ط (قَوْلُهُ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فِي الْجُمْلَةِ) تَبِعَ فِيهِ الدُّرَرَ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمُدَبَّرِ كَامِلٌ لِعِتْقِهِ بِقَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ. اهـ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَعْنَى كَمَالِ مِلْكِهِ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ رَقَبَةً وَيَدًا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي نَقْصَهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِمَا يُخْرِجُهُ عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْقِنِّ فَإِنَّ مِلْكَهُ كَامِلٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (قَوْلُهُ وَبِمَوْتِهِ) أَيْ الْمَوْلَى (قَوْلُهُ كَلَحَاقِهِ) بِفَتْحِ اللَّامِ. أَيْ مَعَ الْحُكْمِ بِهِ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى، وَكَذَا الْمُسْتَأْمَنُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَدَبَّرَهُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَاسْتُرِقَّ عَتَقَ مُدَبَّرُهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ عَتَقَ فِي آخِرِ جُزْءٍ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ. ثُمَّ قَالَ وَهُوَ التَّحْقِيقُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُهُمْ. اهـ. وَمُفَادُهُ أَنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 685 ثُلُثِهِ) أَيْ ثُلُثِ مَالِهِ يَوْمَ مَوْتِهِ إلَّا إذَا قَالَ فِي صِحَّتِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ مُدَبَّرٌ وَمَاتَ مُجَهِّلًا فَيَعْتِقُ نِصْفُهُ مِنْ الْكُلِّ وَنِصْفُهُ مِنْ الثُّلُثِ حَاوِيٌّ (وَسَعَى) بِحِسَابِهِ إنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ وَ (فِي ثُلُثَيْهِ) ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ مِنْ الثُّلُثِ (إنْ لَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ وَلَهُ وَارِثٌ لَمْ يُجِزْهُ) أَيْ التَّدْبِيرِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) وَارِثٌ (أَوْ كَانَ وَأَجَازَهُ عَتَقَ كُلُّهُ) ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ، وَلِذَا لَوْ قَتَلَ سَيِّدَهُ سَعَى فِي قِيمَتِهِ كَمُدَبَّرِ السَّفِيهِ وَلَوْ قَتَلَتْهُ أُمُّ الْوَلَدِ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا كَمَا بَسَطَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ (وَسَعَى فِي كُلِّهِ) أَيْ كُلِّ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا مُجْتَبًى وَهُوَ حِينَئِذٍ كَمُكَاتَبٍ، وَقَالَا حُرٌّ مَدْيُونٌ (لَوْ) الْمَوْلَى (مَدْيُونًا) بِمُحِيطٍ. وَلَوْ دَبَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَلِلْآخَرِ خِيَارَاتُ الْعِتْقِ، فَإِنْ ضَمِنَ شَرِيكُهُ فَمَاتَ سَعَى فِي نِصْفِهِ مُخْتَارٌ.   [رد المحتار] وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ إنْ مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي لَا تَقَعُ الْحُرِّيَّةُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ ط (قَوْلُهُ يَوْمَ مَوْتِهِ) صِفَةٌ لِمَالِهِ: أَيْ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ الْكَائِنِ يَوْمَ مَوْتِهِ لَا يَوْمَ التَّدْبِيرِ (قَوْلُهُ فِي صِحَّتِهِ) فَلَوْ فِي مَرَضِهِ فَكُلٌّ مِنْ النِّصْفَيْنِ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ط (قَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ مُدَبَّرٌ) أَيْ رُدِّدَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ وَمَاتَ مُجَهِّلًا) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ الْمُضَعَّفِ: أَيْ لَمْ يُبَيِّنْ مُرَادَهُ، فَلَوْ بَيَّنَ فَعَلَى مَا بَيَّنَ ح (قَوْلُهُ فَيَعْتِقُ إلَخْ) أَيْ مُرَاعَاةَ اللَّفْظَيْنِ، فَلَوْ لَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ وَكَانَتْ قِيمَتُهُ سِتُّمِائَةٍ مَثَلًا عَتَقَ نِصْفُهُ بِثَلَثِمِائَةٍ وَعَتَقَ مِنْ نِصْفِهِ الْآخَرِ مِائَتَانِ وَسَعَى بِمِائَةٍ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ) كَمَا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَلَثُمِائَةٍ وَكَانَ الثُّلُثُ مِائَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي مِائَةٍ. (قَوْلُهُ وَفِي ثُلُثَيْهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِحِسَابِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ عِتْقَهُ مِنْ الثُّلُثِ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ، فَحَيْثُ لَمْ يَتْرُكْ سَيِّدُهُ غَيْرَهُ يَعْتِقْ مِنْ الثُّلُثِ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْهِ، أَمَّا إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ السَّيِّدُ سَفِيهًا وَقْتَ التَّدْبِيرِ أَوْ قَتَلَ سَيِّدَهُ فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الْأَشْبَاهِ وَقَدْ مَرَّ وَيَأْتِي (قَوْلُهُ سَعَى فِي قِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لِقَاتِلٍ إلَّا أَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَصِحُّ فَوَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ. ثُمَّ إذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَالْجِنَايَةُ هَدَرٌ، وَكَذَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَوْ عَمْدًا فَلِلْوَرَثَةِ تَعْجِيلُ الْقِصَاصِ أَوْ تَأْخِيرُهُ إلَى مَا بَعْدَ السِّعَايَةِ جَوْهَرَةٌ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ كَمُدَبَّرِ السَّفِيهِ) فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي كُلِّ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ نُقْصَانُ التَّدْبِيرِ كَالصَّالِحِ إذَا دَبَّرَهُ وَمَاتَ عَلَيْهِ دُيُونٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا) أَيْ أَنَّهَا تَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ مَوْتٌ، وَيُقْتَصُّ مِنْهَا لَوْ الْقَتْلُ عَمْدًا وَإِلَّا فَلَا سِعَايَةَ وَلَا غَيْرَهَا؛ لِأَنَّ عِتْقَهَا لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرَةِ فَإِنَّ قَتْلَهَا لَهُ رَدٌّ لِلْوَصِيَّةِ جَوْهَرَةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ أَيْ كُلِّ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا) وَهِيَ ثُلُثَا قِيمَتِهِ لَنَا كَمَا مَرَّ فِي عِتْقِ الْبَعْضِ وَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَهُوَ حِينَئِذٍ كَمُكَاتَبٍ إلَخْ) كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ. وَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَلَا يُزَوِّجُ نَفْسَهُ عِنْدَهُ مُسْتَدِلًّا بِمَا فِي الْمَجْمَعِ لَوْ تَرَكَ مُدَبَّرًا فَقَتَلَ خَطَأً وَهُوَ يَسْعَى لِلْوَارِثِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِوَلِيِّهِ. وَقَالَا: دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. اهـ. قَالَ: وَكَذَا الْمُنْجَزُ عِتْقُهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّهُ فِي زَمَنِ السِّعَايَةِ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ. وَلِلْعَلَّامَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا [إيقَاظُ ذَوِي الدِّرَايَةِ لِوَصْفِ مَنْ كُلِّفَ السِّعَايَةَ] حَرَّرَ فِيهَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ يَسْعَى، وَهُوَ حُرٌّ وَأَحْكَامُهُ أَحْكَامُ الْأَحْرَارِ اتِّفَاقًا، وَكَذَا الْمُعْتَقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَالْمُعْتَقُ عَلَى مَالٍ أَوْ خِدْمَةٍ وَأَطَالَ وَأَطَابَ، وَلَخَّصْنَا كَلَامَهُ فِيمَا عَلَّقْنَا عَلَى الْبَحْرِ. وَقَالَ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ: وَهُوَ تَحْقِيقٌ بِالْقَبُولِ حَقِيقٌ يُعَضُّ عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ (قَوْلُهُ بِمُحِيطٍ) أَيْ بِدَيْنٍ مُحِيطٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ الْمُدَبَّرُ أَوْ بِرَقَبَةِ الْمُدَبَّرِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَالٌ سِوَاهُ. اهـ. ح. أَمَّا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي قَدْرِ الدَّيْنِ. وَالزِّيَادَةُ عَلَى الدِّينِ ثُلُثُهَا وَصِيَّةٌ، وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ الزِّيَادَةِ بَحْرٌ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ خِيَارَاتُ الْعِتْقِ) وَهِيَ سَبْعَةٌ إذَا كَانَ الشَّرِيكُ مُوسِرًا، وَسِتَّةٌ إذَا كَانَ مُعْسِرًا بِإِسْقَاطِ التَّضْمِينِ ط وَمَرَّتْ فِي بَابِ عِتْقِ الْبَعْضِ (قَوْلُهُ فَإِنْ ضَمَّنَ شَرِيكَهُ) أَيْ ضَمَّنَ السَّاكِتُ الشَّرِيكَ الْمُدَبَّرَ فَلِلضَّامِنِ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْعَبْدِ. وَإِنْ لَمْ يَرْجِعُ حَتَّى مَاتَ عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَسَعَى الْعَبْدُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ كَامِلًا لِلْوَرَثَةِ، وَهَذِهِ الْخِيَارَاتُ عِنْدَ الْإِمَامِ. وَعِنْدَهُمَا صَارَ الْعَبْدُ كُلُّهُ مُدَبَّرًا بِتَدْبِيرِ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ ضَامِنٌ لِنَصِيبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 686 (وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ) تَدْبِيرًا مُطْلَقًا (مُدَبَّرٌ) أَمَّا الْمُقَيَّدُ فَلَا يَتْبَعُهَا، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّ وَلَدَ الْمُدَبَّرِ كَأَبِيهِ فَتَأَمَّلْ، وَأَمَّا تَدْبِيرُ الْحَمْلِ فَكَعِتْقِهِ. (وَلَوْ وَلَدَتْ الْمُدَبَّرَةُ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الثُّلُثِ وَالِاسْتِيلَادُ مِنْ الْكُلِّ فَكَانَ أَقْوَى (وَبَيْعُ) وَوَهْبُ وَرَهْنُ الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ (كَأَنْ قَالَ لَهُ إنْ مِتّ فِي سَفَرِي أَوْ مَرَضِي) هَذَا (أَوْ إلَى عِشْرِينَ سَنَةً مَثَلًا) مِمَّا يَقَعُ غَالِبًا، أَوْ إنْ مِتّ أَوْ غُسِّلْت أَوْ كُفِّنْت، أَوْ إنْ مِتّ أَوْ قُتِلْت خِلَافًا لِزُفَرَ   [رد المحتار] شَرِيكِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا ح عَنْ الْهِنْدِيَّةِ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ) أَيْ الْمَوْلُودُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي الْأُمِّ وَقْتَ الْوِلَادَةِ حَتَّى يَسْرِيَ إلَى الْوَلَدِ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فَادَّعَتْ وِلَادَتَهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ فَالْقَوْلُ لِلْمَوْلَى أَنَّهَا قَبْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْعِلْمِ وَالْبَيِّنَةُ لَهَا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالْفَتْحِ (قَوْلُهُ مُدَبَّرٌ) فَيَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِ أُمِّهِ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) عِبَارَتُهُ وَوَلَدُ الْمُدَبَّرِ كَهُوَ. اهـ. وَوَقَعَ نَحْوُهُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ بِلَفْظِ: وَوَلَدُ الْمُدَبَّرِ مُدَبَّرٌ. وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ إنَّمَا هِيَ لِلْأُمِّ لَا لِلْأَبِ. وَأَجَابَ ح بِأَنَّ لَفْظَ الْمُدَبَّرِ يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى كَمَا مَرَّ فِي لَفْظِ الْمَمْلُوكِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ فِي عِبَارَتِهِمَا الْأُنْثَى بِقَرِينَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي التَّدْبِيرِ لَا الْأَبَ. اهـ لَكِنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَا يَصِحُّ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ حَيْثُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ كَأَبِيهِ، فَلَوْ ذَكَرَ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ مِنْ غَيْرِ تَصَرُّفٍ فِيهَا لَكَانَ أَوْلَى ط (قَوْلُهُ فَتَأَمَّلْ) أَمَرَ بِالتَّأَمُّلِ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ تَبَعِيَّتِهِ لِلْأَبِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: قَالَ وَهُوَ تَحْرِيفٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَلَوْ كَانَ ذِكْرُهُ لَا يُنَاسِبُ تَفْرِيعَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ كَمَا قَالَهُ الْمُحَشِّي (قَوْلُهُ وَأَمَّا تَدْبِيرُ الْحَمْلِ فَكَعِتْقِهِ) أَيْ أَنَّهُ يَصِحُّ تَدْبِيرُهُ وَحْدَهُ، لَكِنْ قَالَ فِي الْكَافِي: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْأُمَّ وَلَا يَهَبَهَا وَلَا يُمْهِرَهَا، فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ الْوَلَدُ مُدَبَّرًا، وَإِنْ لِأَكْثَرَ كَانَ رَقِيقًا. اهـ وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْأُمِّ وَجَازَ هِبَتُهَا، وَلَوْ دَبَّرَهُ لَمْ تَجُزْ هِبَتُهَا فِي الْأَصَحِّ وَتَقَدَّمَ وَجْهُ الْفَرْقِ، وَهَذَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَيَجُوزُ بَعْدَهَا الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ. (قَوْلُهُ وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ) مَعْنَى الْبُطْلَانِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ حُكْمُهُ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ فَكَأَنَّهُ بَطَلَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بُطْلَانُهُ الْكُلِّيَّةَ. فَإِنْ قُلْت: مَا فَائِدَةُ التَّدْبِيرِ حِينَئِذٍ؟ قُلْت: دُخُولُهَا فِي قَوْلِهِ كُلُّ مُدَبَّرٍ لِي حُرٌّ فَتَعْتِقُ حَالًا وَلَا يُتَوَقَّفُ عِتْقُهَا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ ط (قَوْلُهُ وَبَيْعٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: بَيَانٌ لِلْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ وَأَحْكَامِهِ. وَحَاصِلُهُ أَنْ يُعَلِّقَ عِتْقَهُ بِمَوْتِهِ عَلَى صِفَةٍ لَا بِمُطْلَقِهِ أَوْ بِزِيَادَةِ شَيْءٍ بَعْدَ مَوْتِهِ كَإِنْ مِتّ وَغُسِّلْت أَوْ كُفِّنْت وَدُفِنْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَيَعْتِقُ إذَا مَاتَ اسْتِحْسَانًا، وَإِنَّمَا بِيعَ الْمُدَبَّرُ الْمُقَيَّدُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْحُرِّيَّةِ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي الْحَالِ لِلتَّرَدُّدِ فِي هَذَا الْقَيْدِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَمُوتَ مِنْهُ فَصَارَ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ وَهُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ. اهـ وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَوَهَبَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيْعِ الْإِخْرَاجُ عَنْ الْمِلْكِ لَا خُصُوصُهُ ط (قَوْلُهُ مِمَّا يَقَعُ غَالِبًا) أَيْ مِمَّا تَقَعُ حَيَاتُهُ بَعْدَهَا غَالِبًا احْتَرَزَ بِهِ عَنْ نَحْوِ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ إلَى عِشْرِينَ سَنَةً: أَيْ إنْ وَقَعَ مَوْتِي فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي ابْتِدَاؤُهَا هَذَا الْوَقْتَ وَتَنْتَهِي إلَى عِشْرِينَ ط وَكَذَا إلَى سَنَةٍ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَهَا عَتَقَ وَبَعْدَهَا لَا، وَلَوْ فِي رَأْسِهَا فَمُقْتَضَى الْوَجْهِ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ هُنَا لِلْإِسْقَاطِ، إذْ لَوْلَاهَا تَنَاوَلَ الْكَلَامُ مَا بَعْدَهَا فَتْحٌ مُلَخَّصًا. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِانْتِقَاضِهِ فِي لَا أُكَلِّمُهُ إلَى غَدٍ فَإِنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ فِي الْغَدِ مَعَ أَنَّهَا لِلْإِسْقَاطِ. وَنَازَعَهُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ السَّنَةَ لَيْسَتْ فِي الْحَقِيقَةِ غَايَةٌ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُقَدِّرَ إلَى مُضِيِّ سَنَةٍ، بِخِلَافِ الْغَدِ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِزَمَانٍ مُسْتَقْبَلٍ لَهُ اسْمٌ خَاصٌّ دَخَلَ عَلَيْهِ إلَى الَّتِي لِلْغَايَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَكُفِّنْت) فِي نُسَخٍ بِأَوْ وَهِيَ الْمُوَافِقَةُ لِمَا فِي الْبَحْرِ ط (قَوْلُهُ أَوْ إنْ مِتّ أَوْ قُتِلْت) أَيْ بِتَرْدَادِهِ بَيْنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 687 وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ، أَوْ أَنْتِ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَمَوْتِ فُلَانٍ مَا لَمْ يَمُتْ فُلَانٌ قَبْلَهُ فَيَصِيرُ مُطْلَقًا (أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ) كَمَا فِي الدُّرَرِ وَالْكَنْزِ وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ تَدْبِيرًا بَلْ تَعْلِيقًا، حَتَّى لَوْ مَاتَ فُلَانٌ وَالْمَوْلَى حَيٌّ عَتَقَ مِنْ كُلِّ الْمَالِ. وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى أَوَّلًا بَطَلَ التَّعْلِيقُ (وَيَعْتِقُ) الْمُقَيَّدُ (إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ) بِأَنْ مَاتَ مِنْ سَفَرِهِ أَوْ مَرَضِهِ ذَلِكَ (كَعِتْقِ الْمُدَبَّرِ) مِنْ الثُّلُثِ لِوُجُودِ الْإِضَافَةِ لِلْمَوْتِ (قَالَ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَهُوَ حُرٌّ فَقُتِلَ لَا يَعْتِقُ، بِخِلَافِ) مَا لَوْ قَالَ (فِي مَرَضِي) فَفَرْقٌ بَيْنَ مِنْ وَفِي وَلَوْ لَهُ حُمَّى فَتَحَوَّلَ صُدَاعًا أَوْ بِعَكْسِهِ، قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مَرَضٌ وَاحِدٌ مُجْتَبًى. (وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ) الْمُطْلَقِ (ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا) بِهِ يُفْتَى (وَ) الْمُدَبَّرُ (الْمُقَيَّدُ يُقَوَّمُ قِنًّا) دُرَرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ. وَفِيهَا عَنْهَا   [رد المحتار] الْجُمْلَتَيْنِ، فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ مُطْلَقٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ بِقَتْلٍ، وَتَعْلِيقُهُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ يَمْنَعُ كَوْنَهُ عَزِيمَةً فِي أَحَدِهِمَا خَاصَّةً بَحْرٌ. مَطْلَبٌ الْكَمَالُ ابْنُ الْهُمَامِ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ) أَيْ رَجَّحَ قَوْلَ زُفَرَ أَنَّهُ مُدَبَّرٌ مُطْلَقٌ بِأَنَّهُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى تَعْلِيقٌ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ كَيْفَمَا كَانَ قَتْلًا أَوْ غَيْرَ قَتْلٍ، وَقَدَّمْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الْكَمَالَ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ كَمَا أَفَادَهُ فِي قَضَاءِ الْبَحْرِ، بَلْ صَرَّحَ بَعْضُ مُعَاصِرِيهِ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ أَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ، وَرَمَزَ الْمَقْدِسِيَّ وَالشَّارِحُ وَهُمْ أَعْيَانُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بَعْدَ مَوْتِي وَمَوْتِ فُلَانٍ) أَوْ مَوْتِ فُلَانٍ وَمَوْتِي كَافِي الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ فَيَصِيرُ مُطْلَقًا) جَوَابٌ لِلْمَفْهُومِ، وَالتَّقْدِيرُ فَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ قَبْلَهُ صَارَ الْآنَ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْكَافِي: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ حُرٌّ بَعْدَ كَلَامِك فُلَانًا وَبَعْدَ مَوْتِي فَكَلَّمَ فُلَانًا كَانَ مُدَبَّرًا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَكَلَّمَهُ صَارَ مُدَبَّرًا. اهـ. قَالَ ح عَنْ الْهِنْدِيَّةِ: فَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ مَوْتِ فُلَانٍ لَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا وَكَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَبِيعُوهُ (قَوْلُهُ مِنْ أَنَّهُ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ، وَكَذَا قَوْلُهُ بَعْدَ مَوْتِي وَمَوْتِ فُلَانٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ مَاتَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِهِ تَعْلِيقًا، مُتَضَمِّنٌ لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّدْبِيرِ الْمُقَيَّدِ بَعْدَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي جَوَازِ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ بِالْمَوْتِ. وَالْفَرْقُ هُوَ أَنَّهُ إنْ مَاتَ فُلَانٌ فَقَطْ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ عَتَقَ مِنْ كُلِّ الْمَالِ، وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى أَوَّلًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بَطَلَ التَّعْلِيقُ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْمُدَبَّرُ الْمُقَيَّدُ مِثْلُ الْمُطْلَقِ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِمَوْتِ الْمَوْلَى وَمِنْ ثُلُثِ مَالِهِ لَا كُلِّهِ (قَوْلُهُ بِأَنْ مَاتَ مِنْ سَفَرِهِ أَوْ مَرَضِهِ ذَلِكَ) أَيْ أَوْ فِي الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ، فَلَوْ أَقَامَ أَوْ صَحَّ أَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَعْتِقْ لِبُطْلَانِ الْيَمِينِ قَبْلَ الْمَوْتِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مِنْ الثُّلُثِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَيَعْتِقُ، وَذَكَرَهُ بَيَانًا لِوَجْهِ الشَّبَهِ. وَأَفَادَ أَنَّهُ يَسْعَى فِيمَا زَادَ وَإِنْ اسْتَغْرَقَ فَفِي كُلِّهِ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى (قَوْلُهُ فَفَرَّقَ بَيْنَ مِنْ وَفِي) وَوُجِّهَ أَنَّ " مِنْ " تُفِيدُ أَنَّ الْمَوْتَ مُبْتَدَأٌ وَنَاشِئٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ، بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَرَضَ سَبَبَ الْمَوْتِ، وَالْقَتْلُ سَبَبٌ آخَرُ. وَأَمَّا " فِي " فَإِنَّهَا تُفِيدُ أَنَّ الْمَوْتَ وَاقِعٌ فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ سَوَاءٌ كَانَ بِسَبَبِهِ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ (قَوْلُهُ فَتَحَوَّلَ) أَعَادَ الضَّمِيرَ مُذَكَّرًا مَعَ أَنَّ الْحُمَّى مُؤَنَّثَةً عَلَى تَأْوِيلِهَا بِالْمَرَضِ (قَوْلُهُ هُوَ مَرَضٌ وَاحِدٌ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ أَحَدَ هَذَيْنِ الْمَرَضَيْنِ يَنْشَأُ عَنْ الْآخَرِ غَالِبًا فَعُدَّا مَرَضًا وَاحِدًا وَإِلَّا فَالْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الطِّبِّ أَنَّهُمَا مَرَضَانِ، وَلَعَلَّ تَخْصِيصَ مُحَمَّدٍ بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهِ الْمُخْرِجِ لِلْفَرْعِ وَإِلَّا فَلَمْ أَرَ لَهُ مُقَابِلًا أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) وَقِيلَ هِيَ قِيمَتُهُ قِنًّا، وَقِيلَ قِيمَةُ خِدْمَتِهِ مُدَّةَ عُمْرِهِ، وَقِيلَ نِصْفَ قِيمَتِهِ قِنًّا كَالْمُكَاتَبِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بَاقَانِيٌّ. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ مُخْتَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ والْوَلْوَالِجِيُّ. قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى فِي بَابِ عِتْقِ الْبَعْضِ قُلْت: وَلَكِنَّ الْمُتُونَ عَلَى الْأَوَّلِ. وَوَجْهُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْمَنَافِعَ أَنْوَاعٌ ثَلَاثُهُ: الْبَيْعُ وَأَشْبَاهُهُ، الِاسْتِخْدَامُ وَأَمْثَالُهُ، وَالْإِعْتَاقُ وَتَوَابِعُهُ، وَبِالتَّدْبِيرِ فَاتَ الْبَيْعُ (قَوْلُهُ يُقَوَّمُ قِنًّا) فَإِذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 688 صَحِيحٌ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتِ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَمَاتَ بَعْدَ شَهْرٍ عَتَقَ مِنْ كُلِّ مَالِهِ. زَادَ فِي الْمُجْتَبَى وَلِمَوْلَاهُ بَيْعُهُ فِي الْأَصَحِّ. [فَرْعٌ] . قَالَ مَرِيضٌ أَعْتِقُوا غُلَامِي بَعْدَ مَوْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ - صَحَّ الْإِيصَاءُ، وَفِي هُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ - لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَمْرٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ بَاطِلٌ وَالثَّانِي إيجَابٌ فَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ. بَابُ الِاسْتِيلَادِ هُوَ لُغَةً: طَلَبُ الْوَلَدِ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ، وَخَصَّهُ الْفُقَهَاءُ بِالثَّانِي. (وَإِذَا وَلَدَتْ) وَلَوْ سُقْطًا (الْأَمَةُ)   [رد المحتار] لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ وَلَزِمَهُ السِّعَايَةُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ فِي كُلِّهَا يُقَوَّمُ قِنًّا لَا مُدَبَّرًا (قَوْلُهُ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ) أَمَّا لَوْ قَالَ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَهُوَ وَصِيَّةٌ بِالْإِعْتَاقِ فَلَا يَعْتِقُ إلَّا بِإِعْتَاقِ الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ عَتَقَ مِنْ كُلٍّ مَالُهُ) فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ شَهْرٍ، قِيلَ يَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ، وَقِيلَ مِنْ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ يَسْتَنِدُ الْعِتْقُ إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ وَهُوَ كَانَ صَحِيحًا، فَيَعْتِقُ مِنْ الْكُلِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ قَبْلَ مَوْتِهِ. اهـ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ فَإِنْ مَضَى شَهْرٌ كَانَ مُطْلَقًا عِنْدَ الْبَعْضِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ بَاقٍ عَلَى التَّقْيِيدِ. اهـ. قُلْت: الْقَوْلُ بِعِتْقِهِ مِنْ الثُّلُثِ يَصِحُّ بِنَاؤُهُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ، وَأَمَّا مَا صَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ عِتْقِهِ مِنْ الْكُلِّ فَهُوَ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُدَبَّرٍ أَصْلًا، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْمُدَبَّرَ الْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ إنَّمَا يَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ، وَقَيَّدَ بِأَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ شَهْرٍ؛ لِمَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ لَا يَعْتِقُ بِالْإِجْمَاعِ. (قَوْلُهُ وَلِمَوْلَاهُ بَيْعُهُ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَتُقَيَّدُ صِحَّةُ بَيْعِهِ بِأَنْ يَعِيشَ الْمَوْلَى بَعْدَ الْبَيْعِ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ لِيَنْتَفِيَ الْمَحَلُّ لِلْعِتْقِ حَالَ الْمُدَّةِ الَّتِي يَلِيهَا مَوْتُ الْمَوْلَى تَأَمَّلْ. اهـ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ بَعْدَ الْبَيْعِ بِأَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ ظَهَرَ أَنَّهُ وَقْتَ الْبَيْعِ كَانَ حُرًّا لِإِسْنَادِ الْعِتْقِ إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ الَّذِي يَلِيهِ الْمَوْتُ فَافْهَمْ. لَكِنَّ هَذَا التَّقَيُّدَ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِمَا قَالُوا مِنْ أَنَّ الِاسْتِنَادَ هُوَ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ فِي الْحَالِ ثُمَّ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ؛ حَتَّى لَوْ قَالَ: أَنْتِ حُرَّةٌ قَبْلَ مَوْتِ فُلَانٍ بِشَهْرٍ ثُمَّ بَاعَهَا ثُمَّ مَاتَ فُلَانٌ لِتَمَامِ الشَّهْرِ لَمْ تَعْتِقْ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ أَيْ لِعَدَمِ كَوْنِهَا مَحَلًّا فِي الْحَالِ، وَانْظُرْ مَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ فِي الْأَحْكَامِ الْأَرْبَعَةِ فِي بَابِ الطَّلَاقِ الصَّرِيحِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ عَتَقَ مِنْ كُلٍّ مَالُهُ، وَقَوْلُهُ وَلِمَوْلَاهُ بَيْعُهُ. [فَرْعٌ قَالَ مَرِيضٌ أَعْتِقُوا غُلَامِي بَعْدَ مَوْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ] (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَمْرٌ إلَخْ) أَيْ وَالْأَمْرُ هُوَ طَلَبُ الْفِعْلِ مِنْ الْمَأْمُورِ، وَهُوَ أَمْرٌ مُتَحَقِّقٌ مَعَ التَّلَفُّظِ بِهِ فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ، بِخِلَافِ أَنْتِ حُرٌّ فَإِنَّهُ فِي الْأَصْلِ إخْبَارٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ لِإِنْشَاءِ الْحُرِّيَّةِ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ نَظَرًا لِأَصْلِهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ. وَفَرَّقَ فِي الذَّخِيرَةِ هُنَا بِأَنَّ الْإِيجَابَ يَقَعُ مُلْزِمًا بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إبْطَالِهِ بَعْدَهُ فَيَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ حُكْمُهُ وَالْأَمْرُ لَا يَقَعُ لَازِمًا فَإِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إبْطَالِهِ بِعَزْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَلَا يَحْتَاجُ لِلِاسْتِثْنَاءِ. اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ قُبَيْلَ بَابِ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الِاسْتِيلَادِ] ِ تَقَدَّمَ فِي التَّدْبِيرِ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ، وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ أَحْكَامُ الِاسْتِيلَادِ (قَوْلُهُ وَخَصَّهُ الْفُقَهَاءُ بِالثَّانِي) أَيْ خَصُّوا الِاسْتِيلَادَ بِطَلَبِ الْوَلَدِ مِنْ الْأَمَةِ: أَيْ اسْتِلْحَاقِهِ. قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: فَأُمُّ الْوَلَدِ جَارِيَةٌ اسْتَوْلَدَهَا الرَّجُلُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَوْ النِّكَاحِ أَوْ بِالشُّبْهَةِ ثُمَّ مَلَكَهَا، فَإِذَا اسْتَوْلَدَهَا بِالزِّنَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ عِنْدَهُمْ اسْتِحْسَانًا، وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ قِيَاسًا كَمَا قَالَ زُفَرُ. اهـ. لَكِنْ لَوْ مَلَكَ الْوَلَدَ عَتَقَ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ وَلَوْ سُقْطًا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: أَطْلَقَ فِي الْوَلَدِ فَشَمِلَ الْوَلَدَ الْحَيَّ وَالْمَيِّتَ لِأَنَّ الْمَيِّتَ وَلَدٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الْوِلَادَةِ، حَتَّى تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 689 وَلَوْ مُدَبَّرَةً (مِنْ سَيِّدِهَا) وَلَوْ بِاسْتِدْخَالِ مَنِيِّهِ فَرْجَهَا (بِإِقْرَارِهِ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَ لِئَلَّا يُسْتَرَقَّ وَلَدُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ (وَلَوْ حَامِلًا) كَقَوْلِهِ: حَمْلُهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا مِنِّي كَمَا مَرَّ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ وَهَذَا قَضَاءً، أَمَّا دِيَانَةً فَيَثْبُتُ بِلَا دَعْوَةٍ كَاسْتِيلَادِ مَعْتُوهٍ وَمَجْنُونٍ   [رد المحتار] وَتَصِيرُ بِهِ الْمَرْأَةُ نُفَسَاءَ؛ وَشَمِلَ السُّقْطَ الَّذِي اسْتَبَانَ بِهِ بَعْضُ خَلْقِهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ وَإِنْ ادَّعَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ مُدَبَّرَةً) فَيَجْتَمِعُ لِحُرِّيَّتِهَا سَبَبَانِ: التَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ وَقَوْلُهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ (قَوْلُهُ مِنْ سَيِّدِهَا) أَيْ الْمَالِكِ لَهَا كُلًّا أَوْ بَعْضًا، وَشَمِلَ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ ذِمِّيًّا أَوْ مُرْتَدًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَسَوَاءٌ كَانَ مَوْلَاهَا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، لِيَشْمَلَ مَا إذَا وَطِئَ الْأَبُ جَارِيَةَ الِابْنِ ثُمَّ وَلَدَتْ فَادَّعَاهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِاسْتِدْخَالِ إلَخْ) تَعْمِيمٌ لِلْوِلَادَةِ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ بِسَبَبِ الْوَطْءِ أَوْ بِإِدْخَالِهَا مَنِيَّهُ فِي فَرْجِهَا (قَوْلُهُ بِإِقْرَارِهِ) أَيْ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى بِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ مِنَحٌ، وَمِثْلُهُ فِي الدُّرَرِ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ حَامِلًا: أَيْ وَلَوْ كَانَ إقْرَارُهُ حَالَ كَوْنِهَا حَامِلًا دُرَرٌ. قُلْت: فَالْبَاءُ فِي بِإِقْرَارِهِ بِمَعْنَى مَعَ حَالٌ مِنْ الْوِلَادَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ وَلَدَتْ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ حَامِلًا حَالٌ مِنْ إقْرَارِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ إقْرَارُهُ بِالْوَلَدِ كَمَا عَلِمْت، فَصَارَ الْمَعْنَى إذَا وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا وِلَادَةً مُقْتَرِنَةً بِإِقْرَارِهِ بِالْوَلَدِ وَلَوْ كَانَ إقْرَارُهُ بِالْوَلَدِ فِي حَالِ كَوْنِهَا حَامِلًا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْوِلَادَةِ يَبْقَى حُكْمُهُ فَيُقَارِنُ الْوِلَادَةَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ، فَلَا حَاجَةَ إلَى تَطْرِيقِ احْتِمَالَاتٍ لَا تَصِحُّ وَرَدِّهَا فَافْهَمْ. وَأَفَادَ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالدَّعْوَى سَوَاءٌ ثَبَتَ النَّسَبُ مَعَهَا أَوْ لَا، لِمَا قَالُوا مِنْ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِ أَمَتِهِ الَّتِي زَوَّجَهَا مِنْ عَبْدِهِ فَإِنَّ نَسَبَهُ إنَّمَا يَثْبُتُ مِنْ الْعَبْدِ لَا مِنْ السَّيِّدِ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِإِقْرَارِهِ بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الشَّرْعُ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُمْ أَخَلُّوا بِقَيْدِ ثُبُوتِ النَّسَبِ كَمَا حَرَّرَهُ فِي النَّهْرِ. قُلْت: لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ زَنَى بِأَمَةِ غَيْرِهِ وَادَّعَى أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ فَإِنَّهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ إذَا مَلَكَهَا عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ، لِأَنَّ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ فَرْعُ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ مَزِيدُ بَيَانٍ (قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ حَمْلُهَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الِاعْتِرَافِ؛ فَإِنْ وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرَ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ. وَفِي الزَّيْلَعِيِّ: لَوْ اعْتَرَفَ بِالْحَمْلِ فَجَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَزِمَهُ لِلتَّيَقُّنِ بِوُجُودِهِ، وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ: لَوْ أَقَرَّ أَنَّ أَمَتَهُ حُبْلَى مِنْهُ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لِأَنَّهَا صَادَفَتْ وَلَدًا مَوْجُودًا فِي الْبَطْنِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ النَّسَبُ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِوُجُودِهِ وَقْتَ الدَّعْوَى لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَهَا، فَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى بِالشَّكِّ اهـ (قَوْلُهُ وَمَا فِي بَطْنِهَا مِنِّي) لَكِنْ إنْ قَالَ مَا فِي بَطْنِهَا مِنْ حَمْلٍ أَوْ وَلَدٍ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إنَّهَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا وَإِنَّمَا كَانَ رِيحًا وَلَوْ صَدَّقَتْهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ وَصَدَّقَتْهُ يُقْبَلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَمَّا دِيَانَةً إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَأَمَّا الدِّيَانَةُ فَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إنْ كَانَ حِينَ وَطْئِهَا لَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا وَحَصَّنَهَا عَنْ مَظَانِّ رِيبَةِ الزِّنَا يَلْزَمُهُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَدَّعِيَهُ بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ - وَالْحَالَةُ هَذِهِ - كَوْنُهُ مِنْهُ وَالْعَمَلُ بِالظَّاهِرِ وَاجِبٌ، وَإِنْ كَانَ عَزَلَ عَنْهَا حَصَّنَهَا أَوَّلًا أَوْ لَمْ يَعْزِلْ وَلَكِنْ لَمْ يُحَصِّنْهَا فَتَرَكَهَا تَدْخُلُ وَتَخْرُجُ بِلَا رَقِيبٍ مَأْمُونٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ لِأَنَّ هَذَا الظَّاهِرَ وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْهُ يُعَارِضُهُ ظَاهِرٌ آخَرُ وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِهِ لِوُجُودِ أَحَطِّ الدَّلِيلِينَ عَلَى ذَلِكَ وَهُمَا الْعَزْلُ أَوْ عَدَمُ التَّحْصِينِ. (قَوْلُهُ كَاسْتِيلَادِ مَعْتُوهٍ وَمَجْنُونٍ) مُقْتَضَى التَّشْبِيهِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِلَا دَعْوَةٍ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ نَظْمِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّهُ يَثْبُتُ قَضَاءً أَيْضًا. وَأَصْلُهُ مَا فِي الْقُنْيَةِ عَنْ نَجْمِ الْأَئِمَّةِ الْبُخَارِيِّ: مَتَى وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ مِنْ مَوْلَاهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ دَعْوَتُهُ لِلْقَضَاءِ، وَلِهَذَا يَصِحُّ اسْتِيلَادُ الْمَعْتُوهِ وَالْمَجْنُونِ مَعَ عَدَمِ الدَّعْوَةِ مِنْهُمَا. اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ النَّظْمِ: وَعَامَّةُ الْمُصَنِّفِينَ لَمْ يَسْتَثْنُوا هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي وَلَدِ الْأَمَةِ الْأَوَّلِ إلَّا بِالدَّعْوَةِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ فَهِمَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 690 وَهْبَانِيَّةٌ (أَوْ) وَلَدَتْ (مِنْ زَوْجٍ) تَزَوَّجَهَا وَلَوْ فَاسِدًا كَوَطْءٍ بِشُبْهَةٍ فَوَلَدَتْ (فَاشْتَرَاهَا الزَّوْجُ) أَيْ مَلَكَهَا كُلًّا أَوْ بَعْضًا (فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ) مِنْ حِينِ الْمِلْكِ، فَلَوْ مَلَكَ وَلَدَهَا مِنْ غَيْرِهِ فَلَهُ بَيْعُهُ، وَكَذَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا بِمِلْكٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ   [رد المحتار] أَنَّ الْمُرَادَ ثُبُوتُ الِاسْتِيلَادِ فِيهِمَا قَضَاءً وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّنْبِيهِ، عَلَى أَنَّ عَامَّتَهُمْ لَمْ يَسْتَثْنُوهُمَا، وَهَكَذَا فُهِمَ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: فَهَذَا إنْ صَحَّ يُسْتَثْنَى وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَالْإِشْكَالَ فِي ثُبُوتِهِ قَضَاءً لَا فِي ثُبُوتِهِ دِيَانَةً كَمَا لَا يَخْفَى وَهَكَذَا فُهِمَ فِي النَّهْرِ أَيْضًا حَيْثُ أَجَابَ عَنْ الْإِشْكَالِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى مِنْ وَلِيِّهِ كَعَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ بِإِسْلَامِ زَوْجَتِهِ. اهـ. وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ إذْ فِي دَعْوَى الْوَلِيِّ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُشْكِلَ الَّذِي فِيهِ الْكَلَامُ هُوَ مَا إذَا كَانَ لِلْمَجْنُونِ أَوْ الْمَعْتُوهِ أَمَةٌ يَطَؤُهَا فَوَلَدَتْ، أَمَّا إذَا كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ هِيَ أَمَةٌ لِلْغَيْرِ وَلَدَتْ مِنْهُ وَثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ بِحُكْمِ الْفِرَاشِ ثُمَّ مَلَكَهَا فَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ قَضَاءً بِلَا دَعْوَى كَالْعَاقِلِ، فَحَمْلُ كَلَامِ النَّظْمِ وَالْقُنْيَةِ عَلَيْهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قُلْنَا فَافْهَمْ، وَلَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّ ثُبُوتَهُ فِي الْقَضَاءِ مُشْكِلٌ إذْ هُوَ فَرْعُ الْعِلْمِ بِالْوَطْءِ وَهَذَا عَسِيرٌ، فَمُجَرَّدُ وِلَادَتِهَا فِي مِلْكِهِ بِدُونِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ لَا يَثْبُتُ بِهِ الِاسْتِيلَادُ وَلَا النَّسَبُ فَلِذَا لَمْ يَسْتَثْنِهِ عَامَّةُ الْمُصَنِّفِينَ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ فَالْأَقْرَبُ حَمْلُ كَلَامِ الْقُنْيَةِ عَلَى مَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ مِنْ ثُبُوتِهِ دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَإِنْ خَالَفَ مَا فَهِمَهُ غَيْرُهُ. وَالْمَعْنَى أَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ لَهُ ثُمَّ أَفَاقَ وَعَلِمَ أَنَّهُ وَطِئَهَا فِي حَالَ جُنُونِهِ وَأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْهُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ دِيَانَةً أَنْ يَدَّعِيَهُ وَأَنْ لَا يَبِيعَهَا وَإِلَّا فَلَا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي تَحْرِيرُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ مِنْ زَوْجٍ) خَرَجَ مَا لَوْ وَلَدَتْ مِنْ زِنًا فَمَلَكَهَا الزَّانِي كَمَا فِي الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ وَلَوْ فَاسِدًا) كَنِكَاحٍ بِلَا شُهُودٍ (قَوْلُهُ كَوَطْءٍ بِشُبْهَةٍ) تَنْظِيرٌ لَا تَمْثِيلٌ لِلْفَاسِدِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا لَيْسَ بِعَقْدٍ أَصْلًا، كَمَا لَوْ وَطِئَهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ (قَوْلُهُ فَاشْتَرَاهَا الزَّوْجُ) الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ أَوْ الْوَاطِئُ لِيَشْمَلَ الشُّبْهَةَ (قَوْلُهُ أَيْ مَلَكَهَا) تَعْمِيمٌ لِلشِّرَاءِ لِيَدْخُلَ فِيهِ الْمِلْكُ بِإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ، وَقَوْلُهُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا تَعْمِيمٌ لِلضَّمِيرِ الْمَفْعُولِ، وَأَفَادَ بِهِ عَدَمَ تَجَزُّؤِ الِاسْتِيلَادِ. وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: هَلْ يَتَجَزَّأُ الِاسْتِيلَادُ؟ فِي التَّبْيِينِ نَعَمْ، وَفِي غَيْرِهِ لَا إذَا أَمْكَنَ تَكْمِيلُهُ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ الِاسْتِيلَادُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا كَالتَّدْبِيرِ، وَعِنْدَهُ هُوَ مُتَجَزِّئٌ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَتَكَامَلُ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِ التَّكَامُلِ وَشَرْطِهِ وَهُوَ إمْكَانُ التَّكَامُلِ. وَقِيلَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ أَيْضًا، لَكِنْ فِيمَا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ فِيهِ وَيَتَجَزَّأُ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَأَمَةٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَلَدَتْ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَإِنْ ادَّعَيَاهُ جَمِيعًا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا (قَوْلُهُ أَوْ بَعْضًا) بِأَنْ اشْتَرَاهَا هُوَ وَآخَرُ فَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلزَّوْجِ وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ مِنْ حِينِ الْمِلْكِ) أَيْ لَا مِنْ حِينِ الْعُلُوقِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ مَلَكَ وَلَدَهَا مِنْ غَيْرِهِ) يَعْنِي الْوَلَدَ الْحَادِثَ قَبْلَ مِلْكِهِ إيَّاهَا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ طَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ فَوَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ اشْتَرَى الْكُلَّ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَعَتَقَ وَلَدُهُ وَوَلَدُهَا مِنْ غَيْرِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ، بِخِلَافِ الْحَادِثِ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ أُمِّهِ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] اسْتَثْنَى فِي الْفَتْحِ مِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ الْحَادِثَ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِهِ حُكْمُهُ كَأُمِّهِ مَا إذَا كَانَ جَارِيَةً فَإِنَّهُ لَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا لِأَنَّهُ وَطِئَ أُمَّهَا. وَزَادَ فِي الْبَحْرِ: مَا لَوْ سَرَّى أُمَّ وَلَدِ الْغَيْرِ مِنْ رَجُلٍ جَاهِلًا بِحَالِهَا فَوَلَدَتْ لَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا مَوْلَاهَا فَلَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الْوَلَدِ لِلْغُرُورِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ لَا مَالِيَّةَ فِيهِ كَأُمِّهِ إلَّا أَنَّهُ ضَمِنَ عِنْدَهُ لِأَنَّ عَدَمَ مَالِيَّتِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ حُكْمِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِيهِ وَلَمْ يَثْبُتْ لِعُلُوقِهِ حُرَّ الْأَصْلِ فَلِذَا يَضْمَنُ بِالْقِيمَةِ هـ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا بِمِلْكٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ وَلَدَتْ مِنْ زَوْجٍ: أَيْ وَكَذَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ اسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ أَوْ لَحِقَتْ ثُمَّ مَلَكَهَا اهـ ح (قَوْلُهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ) أَيْ اسْتَحَقَّهَا الْغَيْرُ، بِأَنْ أَثْبَتَ أَنَّهَا أَمَتُهُ. قَالَ ح: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 691 أَوْ لَحِقَتْ ثُمَّ مَلَكَهَا، فَإِنَّ عِتْقَ أُمِّ الْوَلَدِ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْمِلْكِ كَالْمَحَارِمِ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرَةِ (حُكْمُهَا) أَيْ الْمُسْتَوْلَدَةِ (كَالْمُدَبَّرَةِ) وَقَدْ مَرَّ (إلَّا) فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ مَذْكُورَةٍ فِي فُرُوقِ الْأَشْبَاهِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ الْبَحْرِ مِنْهَا: (أَنَّهَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ مِنْ كُلِّ مَالِهِ) وَالْمُدَبَّرَةُ مِنْ ثُلُثِهِ (مِنْ غَيْرِ سِعَايَةٍ) وَالْمُدَبَّرَةُ تَسْعَى، وَلَوْ قَضَى بِجَوَازِ بَيْعِهَا لَمْ يَنْفُذْ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ قَاضٍ آخَرَ إمْضَاءً وَإِبْطَالًا ذَخِيرَةٌ، وَيَنْفُذُ فِي الْمُدَبَّرَةِ كَمَا مَرَّ.   [رد المحتار] وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَلَدُهَا حُرًّا بِالْقِيمَةِ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّ عِتْقَ أُمِّ الْوَلَدِ يَتَكَرَّرُ) يَعْنِي أَنَّ كَوْنَهَا أُمَّ وَلَدٍ يَتَكَرَّرُ وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ مَالًا لِحَدِيثِ " أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا ". وَحَاصِلُهُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ أَوْ اللَّحَاقَ لَا يُنَافِي عَوْدَهَا أُمَّ وَلَدٍ بِتَجَدُّدِ الْمِلْكِ وَلَوْ بَعْدَ إعْتَاقِهَا لِأَنَّ سَبَبَ صَيْرُورَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ قَائِمٌ وَهُوَ ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْهُ فَافْهَمْ، وَمَا ذَكَرَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْخَانِيَّةِ، وَنَصُّهَا: عِتْقُ أُمِّ الْوَلَدِ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْمِلْكِ كَعِتْقِ الْمَحْرَمِ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْمِلْكِ، وَتَفْسِيرُهُ: أُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا وَارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ وَاشْتَرَاهَا الْمَوْلَى فَإِنَّهَا تَعُودُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَكَذَا لَوْ مَلَكَ ذَاتَ رَحْمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَعَتَقَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ فَاشْتَرَاهَا عَتَقَتْ عَلَيْهِ وَكَذَا ثَانِيًا وَثَالِثًا اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرَةِ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا أَعْتَقَهَا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَسُبِيَتْ فَمَلَكَهَا لَا تَصِيرُ مُدَبَّرَةً. وَالْفَرْقُ أَنَّ عِتْقَ الْمُدَبَّرَةِ وَصَلَ إلَيْهَا بِالْإِعْتَاقِ وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ فَلَا يَبْقَى عِتْقُهَا مُعَلَّقًا بِالْمَوْتِ، بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالْإِعْتَاقِ وَالِارْتِدَادِ لِقِيَامِ سَبَبِهِ وَهُوَ ثُبُوتُ نَسَبِ الْوَلَدِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ حُكْمُهَا كَالْمُدَبَّرَةِ) فِي كَوْنِهَا لَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهَا بِعِوَضٍ وَلَا بِدُونِهِ (قَوْلُهُ وَقَدْ مَرَّ) فِي قَوْلِهِ لَا تُبَاعُ الْمُدَبَّرَةُ. مَطْلَبٌ فِي الْقَضَاءِ بِجَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ (قَوْلُهُ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ) قَالَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ الْبَحْرِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُنَا: اعْلَمْ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تُخَالِفُ الْمُدَبَّرَ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ حُكْمًا: لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ وَبِالْإِعْتَاقِ وَالْبَيْعِ، وَلَا تَسْعَى لِغَرِيمٍ، وَتَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِذَا اسْتَوْلَدَ أُمَّ وَلَدٍ مُشْتَرَكَةً لَمْ يَتَمَلَّكْ نَصِيبَ شَرِيكِهِ، وَقِيمَتُهَا الثُّلُثُ، وَلَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِجَوَازِ بَيْعِهَا، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ أَوْ إعْتَاقٍ؛ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهِ بِلَا دَعْوَهَ، وَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُهَا، وَيَصِحُّ اسْتِيلَادُ الْمُدَبَّرَةِ وَلَا يَمْلِكُ الْحَرْبِيُّ بَيْعَ أُمِّ وَلَدِهِ وَيَمْلِكُ بَيْعَ مُدَبَّرِهِ، وَيَصِحُّ اسْتِيلَادُ جَارِيَةِ وَلَدِهِ وَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُهَا كَذَا فِي التَّنْقِيحِ اهـ ح وَذَكَرَ مِنْهَا هُنَا أَرْبَعَةً (قَوْلُهُ تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا كَلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا، وَكَذَا الْمُسْتَأْمَنُ لَوْ عَادَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَاسْتُرِقَّ وَلَهُ أُمُّ وَلَدٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ مِنْ كُلِّ مَالِهِ) هَذَا إذَا كَانَ إقْرَارُهُ بِالْوَلَدِ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ وَمَعَهَا وَلَدٌ أَوْ كَانَتْ حُبْلَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَتَقَتْ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الشَّاهِدِ إقْرَارٌ بِالْعِتْقِ وَهُوَ وَصِيَّةٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ نَهْرٌ وَسَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ وَالْمُدَبَّرَةُ تَسْعَى) أَيْ إنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى مَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ. مَطْلَبٌ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَضَى بِجَوَازِ بَيْعِهَا) أَيْ قَضَى بِهِ حَنَفِيٌّ مَثَلًا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِخِلَافِ رَأْيِهِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ: أَيْ مَا لَمْ يُقَيِّدْهُ السُّلْطَانُ بِمَذْهَبٍ خَاصٍّ، أَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهُوَ قَوْلُهُمَا الْمُرَجَّحُ لَا يَنْفُذُ مُطْلَقًا فَيُرَادُ الْقَاضِي الْمُقَلِّدُ لِدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِجَوَازِ بَيْعِهَا، وَلَهُ وَاقِعَةٌ مَعَ أَبِي سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيِّ شَيْخِ الْكَرْخِيِّ حَكَاهَا الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَهَا ج فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ لَمْ يَنْفُذُ) هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقَالَا: يَنْفُذُ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافٍ فِي مَسْأَلَةٍ أُصُولِيَّةٍ، هِيَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرَ هَلْ يَرْفَعُ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ؟ عِنْدَهُمَا لَا يَرْفَعُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْلِيلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وَعِنْدَهُ يَرْفَعُ ح عَنْ الْمِنَحِ. وَذَكَرَ فِي التَّحْرِيرِ أَنَّ الْأَظْهَرَ مِنْ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا اهـ: وَمُفَادُهُ ارْتِفَاعُهُ عِنْدَهُمْ فَيَثْبُتُ الْإِجْمَاعُ الْمُتَأَخِّرُ لِأَنَّهُ حَيْثُ ارْتَفَعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 692 (وَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَهُ وَلَدًا ثَبَتَ نَسَبُهُ بِلَا دَعْوَى) إذَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ بِنَحْوِ نِكَاحٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ وَطْءِ ابْنِهِ أَوْ الْمَوْلَى أُمَّهَا، فَحِينَئِذٍ لَوْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَعْوَةٍ، إلَّا فِي الْمُزَوَّجَةِ فَلَا يَثْبُتُ بَلْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِدَعْوَتِهِ وَلَوْ لِأَقَلَّ   [رد المحتار] الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ لَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ آخَرُ، فَكَانَ الْقَضَاءُ بِهِ قَضَاءً بِمَا لَا قَائِلَ بِهِ فَلَا يَنْفُذُ لِمُخَالَفَتِهِ الْإِجْمَاعَ. قُلْت: لَكِنَّ الْمُقَرَّرَ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ كَمَا سَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْحُكْمَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: مِنْهُ مَا لَا يَصِحُّ أَصْلًا وَإِنْ نَفَّذَهُ أَلْفُ قَاضٍ، وَهُوَ مَا خَالَفَ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً مَشْهُورَةً أَوْ إجْمَاعًا، وَمِنْهُ مَا ثَبَتَ فِيهِ الْخِلَافُ قَبْلَ الْحُكْمِ وَيَرْتَفِعُ بِالْحُكْمِ، حَتَّى لَوْ رَفَعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَرَاهُ أَمْضَاهُ. وَمِنْهُ مَا ثَبَتَ فِيهِ الْخِلَافُ بَعْدَ الْحُكْمِ أَيْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ بِهِ، فَهَذَا إنْ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ، فَإِنْ كَانَ لَا يَرَاهُ أَبْطَلَهُ، وَإِنْ كَانَ يَرَاهُ أَمْضَاهُ، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ بَلْ يَتَوَقَّفُ إلَخْ أَنَّهُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، وَمُقْتَضَى كَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ أَنَّهُ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ، وَبِهِ صَرَّحَ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ حَيْثُ قَالَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ إجْمَاعًا كَحِلِّ الْمُتْعَةِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى فَسَادِهِ وَكَبَيْعِ أُمِّ وَلَدٍ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَقِيلَ يَنْفُذُ عَلَى الْأَصَحِّ، فَجَعَلَ عَدَمَ النَّفَاذِ مَبْنِيًّا عَلَى مُخَالَفَتِهِ لِلْإِجْمَاعِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ بَلْ يَتَوَقَّفُ إلَخْ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّحْرِيرِ عَزَا قَوْلَهُ بَلْ يَتَوَقَّفُ إلَى الْجَامِعِ. وَوَجْهُهُ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمَسْبُوقَ بِخِلَافٍ مُخْتَلَفٌ فِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا فَفِيهِ شُبْهَةٌ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ فَكَذَا فِي مُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ ذَلِكَ الْحُكْمُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ، فَكَانَ الْقَضَاءُ بِهِ نَافِذًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِلْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ. وَقَالَ شَارِحُهُ: ثُمَّ الْأَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْقَضَاءِ بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ كَمَا فِي مُتَعَلِّقِهِ الَّذِي هُوَ جَوَازُ الْبَيْعِ لَا فِي نَفْسِ مُتَعَلِّقِهِ فَقَطْ فَيَتَّجِهُ مَا فِي الْجَامِعِ لِأَنَّ قَضَاءَ الثَّانِي هُوَ الَّذِي يَقَعُ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ أَعْنِي الْأَوَّلَ، فَلِذَا قَالَ فِي الْكَشْفِ وَهَذَا أَوْجَهُ الْأَقَاوِيلِ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ وَالْمُشْتَرِي يَعْلَمُ بِهَا فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ] 1 [فَرْعٌ] بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ وَالْمُشْتَرِي يَعْلَمُ بِهَا فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ فَهُوَ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ لَهُ فِرَاشًا عَلَيْهَا، فَإِنْ نَفَاهُ ثَبَتَ مِنْ الْمُشْتَرِي اسْتِحْسَانًا وَكَذَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ حُرًّا لَوْ نَفَاهُ الْبَائِعُ، وَلَوْ بَاعَ مُدَبَّرَتَهُ وَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِهَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ ثَبَتَ مِنْهُ وَلَمْ يَعْتِقْ وَرَدَّهُ مَعَ أُمِّهِ إلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَغْرُورٍ مُحِيطٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْوَلَدِ الَّذِي ثَبَتَ مِنْهُ بِاعْتِرَافِهِ أَوْ بِنِكَاحِهِ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ تَحْرُمْ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ بِلَا دَعْوَى (قَوْلُهُ بِنَحْوِ نِكَاحٍ) أَيْ مِنْ كُلِّ حُرْمَةٍ مُزِيلَةٍ لِلْفِرَاشِ، بِخِلَافِ الْحُرْمَةِ بِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ، وَأُدْخِلَ بِلَفْظٍ نَحْوِ الِاشْتِرَاكِ فِيهَا فَلَوْ وَلَدَتْ الْمُشْتَرَكَةُ وَلَدًا ثَانِيًا لَمْ يَثْبُتْ بِلَا دَعْوَى كَمَا سَيَذْكُرُهُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِمَا وَيَأْتِي بَيَانُهُ، أَوْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ بِسَبَبِ إرْضَاعِهَا زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ أَوْ وَطْءِ ابْنِهِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَطَأَهَا أَحَدُ أُصُولِهِ أَوْ فُرُوعِهِ (قَوْلُهُ أَوْ الْمَوْلَى أُمَّهَا) الْمُرَادُ أَنْ يَطَأَ الْمَوْلَى إحْدَى أُصُولِهَا أَوْ فُرُوعِهَا ح (قَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ) أَيْ فَحِينَ إذْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ اهـ ح (قَوْلُهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ. قَالَ ح: وَالْأَوْلَى لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَعْوَةٍ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَا وَطِئَهَا بَعْدَ الْحُرْمَةِ فَكَانَتْ حُرْمَةُ الْوَطْءِ كَالنَّفْيِ دَلَالَةً، فَإِنْ ادَّعَاهُ يَثْبُتُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تُزِيلُ الْمَلِكَ (قَوْلُهُ فَلَا يَثْبُتُ) لِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ وَهُوَ الزَّوْجُ (قَوْلُهُ وَلَوْ لِأَقَلَّ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ عَزْوِهِ مَا مَرَّ لِلْبَدَائِعِ: وَظَاهِرُ تَقْيِيدِهِ بِالْأَكْثَرِ مِنْ السِّتَّةِ أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ عُرُوضِ الْحُرْمَةِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِلَا دَعْوَةٍ لِلتَّيَقُّنِ بِأَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ قَبْلَ عُرُوضِهَا، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثًا اهـ أَيْ فَقَدْ وَافَقَ بَحْثُهُ مَفْهُومَ الرِّوَايَةِ فَافْهَمْ، لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ هَذَا بِمَا إذَا زَوَّجَهَا الْمَوْلَى غَيْرَ عَالِمٍ بِالْحَمْلِ لِمَا فِي التَّوْشِيحِ وَغَيْرِهِ فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا بَعْدَ الْعِلْمِ قَبْلَ اعْتِرَافِهِ بِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ النِّكَاحُ وَيَكُونُ نَفْيًا اهـ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ فِي فَصْلِ مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْقِنَّةِ كَأُمِّ الْوَلَدِ بِالْأَوْلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 693 مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ بِلَا دَعْوَةٍ وَفَسَدَ النِّكَاحُ لِنَدْبِ اسْتِبْرَائِهَا قَبْلَهُ بَحْرٌ وَقَدَّمْنَاهُ فِي نِكَاحِ الرَّقِيقِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ (لَكِنَّهُ يَنْتَفِي بِنَفْيِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى لِعَانٍ) لِأَنَّ الْفِرَاشَ أَرْبَعَةٌ: ضَعِيفٌ لِلْأَمَةِ وَمُتَوَسِّطٌ لِأُمِّ الْوَلَدِ، وَعُلِمَ حُكْمُهُمَا، وَقَوِيٌّ لِلْمَنْكُوحَةِ فَلَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ، وَأَقْوَى لِلْمُعْتَدَّةِ فَلَا يَنْتَفِي أَصْلًا لِعَدَمِ اللِّعَانِ (إلَّا إذَا قَضَى بِهِ قَاضٍ) غَيْرُ حَنَفِيٍّ يَرَى ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ بِالْقَضَاءِ (أَوْ تَطَاوَلَ الزَّمَانُ) وَهُوَ سَاكِتٌ كَمَا مَرَّ فِي اللِّعَانِ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الرِّضَا بَحْرٌ (فَلَا) يَنْتَفِي بِنَفْيِهِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ. (إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ الذِّمِّيِّ) يَعْنِي الْكَافِرَ أَوْ مُدَبَّرَتُهُ مِسْكِينٌ (عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَسْلَمَ فَهِيَ لَهُ وَإِلَّا سَعَتْ) نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ، لِأَنَّ خُصُومَةَ الذِّمِّيِّ   [رد المحتار] لِأَنَّهُ إذَا كَانَ نَفْيًا فِيمَا يَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ فَفِيمَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالدَّعْوَةِ أَوْلَى كَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ (قَوْلُهُ لِنَدْبِ اسْتِبْرَائِهَا قَبْلَهُ) أَيْ اسْتِبْرَاءِ الْمَوْلَى إيَّاهَا قَبْلَ النِّكَاحِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي فَسَادِ النِّكَاحِ نَدْبُ الِاسْتِبْرَاءِ وَأَنَّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْبَحْرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْعِلَّةُ فِي فَسَادِهِ ظُهُورُ الْحَبَلِ قَبْلَ تَمَامِ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ الْبَحْرِ، حَيْثُ قَالَ: وَأَفَادَ بِالتَّزْوِيجِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ. قَالُوا: هُوَ مُسْتَحَبٌّ كَاسْتِبْرَاءِ الْبَائِعِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا حَبِلَتْ مِنْهُ فَيَكُونُ النِّكَاحُ فَاسِدًا فَكَانَ تَعْرِيضًا لِلْفَسَادِ. اهـ. ط. قُلْت: وَقَدَّمْنَا فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ أَنَّ الصَّحِيحَ وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ قَبْلَ التَّزْوِيجِ، وَقَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ حَبَلُهَا مِنْهُ بِأَنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَكُونُ النِّكَاحُ فَاسِدًا سَوَاءٌ اسْتَبْرَأَهَا أَوْ لَا، وَيُفِيدُهُ عِبَارَةُ كَافِي الْحَاكِمِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أُمَّ وَلَدِهِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، فَيَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ، فَإِنْ زَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مِنْ الْمَوْلَى وَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ. اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ تَكُونُ حَامِلًا، وَمَا رَأَتْهُ مِنْ الدَّمِ اسْتِحَاضَةً، وَالْوِلَادَةُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّزْوِيجِ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ عَلَى كَوْنِهَا حَامِلًا وَقْتَهُ، فَلَا تُعَارِضُهُ الْعَلَامَةُ الظَّاهِرَةُ الْغَالِبَةُ. وَلَا يُقَالُ: إنَّ تَزْوِيجَهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ يَكُونُ نَفْيًا لِلْوَلَدِ فَلَا يَثْبُتُ مِنْهُ. لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا يَكُونُ نَفْيًا لَهُ إذَا عَلِمَ بِوُجُودِهِ كَمَا مَرَّ عَنْ التَّوْشِيحِ، أَمَّا إذَا زَوَّجَهَا عَلَى ظَنِّ عَدَمِ وُجُودِهِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ نَفْيًا لِنَسَبِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِلْأَمَةِ) فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالدَّعْوَةِ، وَيَنْتَفِي بِلَا لِعَانٍ (قَوْلُهُ لِأُمِّ الْوَلَدِ) يَثْبُتُ بِلَا دَعْوَةٍ، وَيَنْتَفِي بِلَا لِعَانٍ، وَيَمْلِكُ نَقْلَ فِرَاشِهَا بِالتَّزْوِيجِ (قَوْلُهُ لِلْمُعْتَدَّةِ) أَيْ مُعْتَدَّةِ الْبَائِنِ ح (قَوْلُهُ لِعَدَمِ اللِّعَانِ) لِأَنَّ شَرْطَ اللِّعَانِ قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ، بِأَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَةً أَوْ مُعْتَدَّةَ رَجْعِيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ ح (قَوْلُهُ إلَّا إذَا قَضَى بِهِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَكِنَّهُ يَنْتَفِي بِنَفْيِهِ ط (قَوْلُهُ غَيْرُ حَنَفِيٍّ) أَمَّا الْحَنَفِيُّ فَلَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ مِنْ غَيْرِ صَرِيحِ الدَّعْوَى بَحْرٌ (قَوْلُهُ يَرَى ذَلِكَ) أَيْ يَرَى صِحَّةَ الْقَضَاءِ بِأَنَّهُ وَلَدُهُ بَعْدَ نَفْيِهِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ فِي اللِّعَانِ) حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ نَفْيُ الْوَلَدِ الْحَيِّ عِنْدَ التَّهْنِئَةِ وَمُدَّتُهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ عَادَةً وَعِنْدَ ابْتِيَاعِ آلَةِ الْوِلَادَةِ صَحَّ، وَبَعْدَهُ لَا لِإِقْرَارِهِ بِهِ دَلَالَةً. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الرِّضَا) عِبَارَةُ الْبَحْرِ لِأَنَّ التَّطَاوُلَ دَلِيلُ إقْرَارِهِ لِوُجُودِ دَلِيلِهِ مِنْ قَبُولِ التَّهْنِئَةِ وَنَحْوِهِ فَيَكُونُ كَالتَّصْرِيحِ (قَوْلُهُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ) زَادَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مَا لَوْ أَعْتَقَهَا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ كَمَا إذَا مَاتَ وَلَا يُمْكِنُ نَفْيُهُ لِأَنَّ فِرَاشَهَا تَأَكَّدَ بِالْحُرِّيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ يَعْنِي الْكَافِرَ) أَيْ لِيَشْمَلَ الْحَرْبِيَّ الْمُسْتَأْمَنَ أَمَّا الَّذِي فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ، فَهُوَ مَعْلُومٌ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ مُدَبَّرَتُهُ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ أَيْضًا (قَوْلُهُ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ) أَيْ جَانِبِ أُمِّ الْوَلَدِ بِدَفْعِ الذُّلِّ عَنْهَا بِصَيْرُورَتِهَا حَرَّةً يَدًا وَجَانِبِ الذِّمِّيِّ لِيَصِلَ إلَى بَدَلِ مِلْكِهِ. مَطْلَبُ خُصُومَةِ الذِّمِّيِّ أَشَدُّ مِنْ خُصُومَةِ الْمُسْلِمِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ خُصُومَةَ الذِّمِّيِّ إلَخْ) فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْغَصْبِ: مُسْلِمٌ غَصَبَ مِنْ ذِمِّيٍّ مَالًا أَوْ سَرَقَهُ فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالًا مَعْصُومًا وَالذِّمِّيُّ لَا يُرْجَى مِنْهُ الْعَفْوُ، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ فَكَانَتْ خُصُومَةُ الذِّمِّيِّ أَشَدَّ، وَعِنْدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 694 وَالدَّابَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَشَدُّ مِنْ خُصُومَةِ الْمُسْلِمِ (فِي) ثُلُثِ (قِيمَتِهَا) قِنَّةً. (وَعَتَقَتْ بَعْدَ أَدَائِهَا) أَيْ الْقِيمَةِ الَّتِي قَدَّرَهَا الْقَاضِي (وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ فِي حَالِ سِعَايَتِهَا) إلَّا فِي صُورَتَيْنِ (بِلَا رَدٍّ إلَى الرِّقِّ لَوْ عَجَزَتْ) إذْ لَوْ رُدَّتْ لَأُعِيدَتْ (وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ سِعَايَتِهَا) وَلَهَا وَلَدٌ وَلَدَتْهُ فِي سِعَايَتِهَا سَعَى فِيمَا عَلَيْهَا وَإِلَّا (عَتَقَتْ مَجَّانًا) لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ، وَكَذَا حُكْمُ الْمُدَبَّرِ فَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ. (وَلَوْ أَسْلَمَ قِنُّ الذِّمِّيِّ عُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَسْلَمَ فَبِهَا وَإِلَّا أُمِرَ بِبَيْعِهِ) تَخَلُّصًا مِنْ يَدِ الْكَافِرِ ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ. (فَإِنْ ادَّعَى وَلَدَ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ) وَلَوْ مَعَ ابْنِهِ (ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ) وَلَوْ كَافِرًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ مُكَاتَبًا، لَكِنَّهُ إنْ عَجَزَ فَلَهُ بَيْعُهَا (وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ وَضَمِنَ) يَوْمَ الْعُلُوقِ   [رد المحتار] الْخُصُومَةِ لَا يُعْطَى ثَوَابَ طَاعَةِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الثَّوَابِ، وَلَا وَجْهَ لَأَنْ يُوضَعَ عَلَى الْمُسْلِمِ وَبَالُ كُفْرِ الْكَافِرِ فَيَبْقَى فِي خُصُومَتِهِ، وَعَنْ هَذَا قَالُوا: إنَّ خُصُومَةَ الدَّابَّةِ تَكُونُ أَشَدَّ مِنْ خُصُومَةِ الْآدَمِيِّ عَلَى الْآدَمِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي ثُلُثِ قِيمَتِهَا قِنَّةً) كَذَا قَالَهُ الأتقاني، بِأَنْ يُقَدِّرَ الْقَاضِي قِيمَتَهَا فَيُنَجِّمَهَا عَلَيْهَا فَتَصِيرَ مُكَاتَبَةً، وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ الْإِمَامِ غَيْرَ مُتَقَوِّمَةٍ إلَّا أَنَّ الذِّمِّيَّ يَعْتَقِدُ فِي هَذَا تَقَوُّمَهَا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ إذْ لَوْ رُدَّتْ) أَيْ إلَى الرِّقِّ لَأُعِيدَتْ مُكَاتَبَةً لِقِيَامِ الْمُوجِبِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ مَوْلَاهَا عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ سِعَايَتِهَا وَلَهَا وَلَدٌ إلَخْ) كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا: وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ سِعَايَتِهَا عَتَقَتْ بِلَا سِعَايَةٍ، وَلَوْ مَاتَتْ هِيَ وَلَهَا وَلَدٌ إلَخْ وَهِيَ الصَّوَابُ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَهَا وَلَدٌ إنَّمَا يُنَاسِبُ مَوْتَهَا هِيَ لَا مَوْتَ سَيِّدِهَا، لَكِنْ يَبْقَى قَوْلُهُ وَإِلَّا عَتَقَتْ مَجَّانًا غَيْرَ مُرْتَبِطٍ بِمَا قَبْلَهُ وَلَا مَعْنَى لَهُ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ تَمَامِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ مَاتَتْ هِيَ وَمَعَهَا وَلَدٌ وَلَدَتْهُ فِي سِعَايَتِهَا سَعَى فِيمَا عَلَيْهَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ فَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ) أَيْ قِنًّا، وَقِيلَ فِي نِصْفِهَا كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا أَمَرَ بِبَيْعِهَا) لِأَنَّ الْبَيْعَ هُنَا مُمْكِنٌ، بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ) أَيْ ذَكَرَ تَقْيِيدَ الْجَبْرِ عَلَى الْبَيْعِ بِعَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ وَإِبَائِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَعَ ابْنِهِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَلَوْ مَعَ أَبِيهِ بِالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ الْمُثَنَّاةِ وَهِيَ الْمُوَافِقَةُ لِقَوْلِهِ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَلَوْ كَانَ الشَّرِيكُ أَبَاهُ. وَاعْتَرَضَهَا ج بِأَنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِ الْبَحْرِ: وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي مِنْهُمَا الْأَبَ، كَمَا إذَا كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْأَبِ وَابْنِهِ فَادَّعَاهُ الْأَبُ صَحَّ وَلَزِمَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَالْعُقْرُ كَالْأَجْنَبِيِّ، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَوْلَدَهَا وَلَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا حَيْثُ لَا يَجِبُ الْعُقْرُ عِنْدَنَا اهـ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ دَعْوَى الِابْنِ وَلَدَ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ مَعَ أَبِيهِ، نَعَمْ يُقَدَّمُ الْأَبُ إذَا ادَّعَاهُ مَعَهُ كَمَا يَأْتِي وَلَا دَعْوَى هُنَا إلَّا مِنْ وَاحِدٍ، وَتَخْصِيصُ صَاحِبِ الْبَحْرِ بِكَوْنِ الْمُدَّعِي الْأَبِ لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ مَا إذَا ادَّعَى وَلَدَ أَمَةٍ ابْنَهُ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ فِيهَا مِلْكٌ مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ فِيهَا سَابِقًا عَلَى الْوَطْءِ نَفْيًا لَهُ عَنْ الزِّنَا فَلَا عُقْرَ، وَإِذَا كَانَ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ فِي شِقْصٍ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ زِنًا وَانْتَفَتْ الْحَاجَةُ فَيَلْزَمُهُ نِصْفُ الْعُقْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ) لِأَنَّ النَّسَبَ إذَا ثَبَتَ مِنْهُ فِي نِصْفِهِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ ثَبَتَ فِي الْبَاقِي، ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ لِمَا أَنَّ سَبَبَهُ وَهُوَ الْعُلُوقُ لَا يَتَجَزَّأُ إذْ الْوَلَدُ الْوَاحِدُ لَا يَعْلَقُ مِنْ مَاءَيْنِ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ أَوْ مُكَاتَبًا إلَخْ) فِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَيْنَ حُرٍّ وَمُكَاتَبٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَاهُ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّ الْوَلَدَ وَلَدُهُ وَالْجَارِيَةَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ، وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا يَوْمَ عَلِقَتْ مِنْهُ وَنِصْفَ عُقْرِهَا، وَلَا يَضْمَنُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ شَيْئًا، فَإِنْ ضَمِنَ ذَلِكَ ثُمَّ عَجَزَ كَانَتْ الْجَارِيَةُ وَوَلَدُهَا مَمْلُوكِينَ لِمَوْلَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْهُ ذَلِكَ وَلَمْ يُخَاصِمْهُ رَجَعَ نِصْفُ الْجَارِيَةِ وَنِصْفُ الْوَلَدِ لِلشَّرِيكِ الْحَرِّ. اهـ. (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ إنْ عَجَزَ فَلَهُ بَيْعُهَا) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ إنْ عَجَزَ بَعْدَ الضَّمَانِ صَارَتْ الْجَارِيَةُ وَوَلَدُهَا لِمَوْلَاهُ، وَإِنْ عَجَزَ قَبْلَهُ رَجَعَ نِصْفُ الْجَارِيَةِ وَالْوَلَدِ لِلشَّرِيكِ، وَحِينَئِذٍ فَالضَّمِيرُ فِي لَهُ بَيْعُهَا عَلَى الْأَوَّلِ يَرْجِعُ لِلْمُكَاتَبِ يَعْنِي بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ لِلْمَوْلَى، وَعَلَى الثَّانِي يَرْجِعُ لِلشَّرِيكِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ فِي بَيْعِهَا بَيْعُ حِصَّتِهِ مِنْهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ يَوْمَ الْعُلُوقِ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْقِيمَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 695 (نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا) وَلَوْ مُعْسِرًا (لَا قِيمَةَ وَلَدِهَا) لِأَنَّهُ عَلِقَ حُرَّ الْأَصْلِ (وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا) أَوْ جُهِلَ السَّابِقُ (وَقَدْ اسْتَوَيَا) وَقْتَ الدَّعْوَةِ لَا الْعُلُوقِ (فِي الْأَوْصَافِ فَهُوَ ابْنُهُمَا) فَلَوْ لَمْ يَسْتَوِيَا قُدِّمَ مَنْ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ وَلَوْ بِنِكَاحٍ وَأَبٌ وَمُسْلِمٌ وَحُرٌّ وَذِمِّيٌّ وَكِتَابِيٌّ عَلَى ابْنٍ وَذِمِّيٍّ وَعَبْدٍ وَمُرْتَدٍّ   [رد المحتار] وَالْعُقْرِ يُعْتَبَرُ يَوْمَ الْعُلُوقِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ نِصْفَ قِيمَتِهَا) لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ حِينَ اسْتَكْمَلَ الِاسْتِيلَادَ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَنِصْفَ عُقْرِهَا) لِأَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً إذْ مِلْكُهُ يَثْبُتُ بَعْدَ الْوَطْءِ حُكْمًا لِلِاسْتِيلَادِ فَيَعْقُبُهُ الْمِلْكُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ دُرَرٌ، وَقَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ بَابِ الْمَهْرِ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ الْعُقْرَ هُوَ مَهْرُ مِثْلِهَا فِي الْجَمَالِ: أَيْ مَا يَرْغَبُ بِهِ فِي مِثْلِهَا جَمَالًا فَقَطْ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُعْسِرًا) لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ، بِخِلَافِ ضَمَانِ الْعِتْقِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَلِقَ حُرَّ الْأَصْلِ) إذْ النَّسَبُ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ، وَالضَّمَانُ يَجِبُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَحْدُثُ الْوَلَدُ عَلَى مِلْكِهِ وَلَمْ يَعْلَقْ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى مِلْكِ شَرِيكِهِ دُرَرٌ. [تَنْبِيهٌ] قَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ هَذَا إذَا حَمَلَتْ عَلَى مِلْكِهِمَا، فَلَوْ اشْتَرَيَاهَا حَامِلًا فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَةِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِنَادُ الِاسْتِيلَادِ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي مِلْكِهَا وَلِذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عُقْرٌ لِشَرِيكِهِ هُنَا، وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا) قَيَّدَ بِالْمَعِيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِالدَّعْوَةِ فَالسَّابِقُ أَوْلَى كَائِنًا مَنْ كَانَ جَوْهَرَةٌ، وَكَوْنُهُمَا اثْنَيْنِ غَيْرَ قَيْدٍ عِنْدَهُ، بَلْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَثْبُتُ مِنْ ثَلَاثَةٍ لَا غَيْرُ وَعِنْدَ زُفَرَ مِنْ خَمْسَةٍ (قَوْلُهُ وَقَدْ اسْتَوَيَا إلَخْ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَا مَالِكَيْنِ أَجْنَبِيَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَوْ حُرَّيْنِ أَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَوْ مَجُوسِيَّيْنِ (قَوْلُهُ وَقْتَ الدِّعْوَةِ إلَخْ) فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ ذِمِّيًّا وَقْتَ الْعُلُوقِ ثُمَّ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ وَقْتَ الدِّعْوَةِ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ وَكَانَ لَهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ قُدِّمَ مَنْ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: إذَا حَمَلَتْ عَلَى مِلْكِ أَحَدِهِمَا رَقَبَةً فَبَاعَ نِصْفَهَا مِنْ آخَرَ فَوَلَدَتْ يَعْنِي لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِيعَ النِّصْفُ فَادَّعَيَاهُ يَكُونُ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِكَوْنِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ اهـ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ بَيْعِ النِّصْفِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لَكِنَّ الْعُلُوقَ فِي مِلْكِهِ وَبِدَلِيلِ مَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ. اهـ. ح. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ مِنْ بَابِ دَعْوَةِ الْحَمْلِ: وَإِذَا كَانَتْ الْأَمَةُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَيَاهُ جَمِيعًا وَقَدْ مَلَك أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مُنْذُ شَهْرٍ وَالْآخَرُ مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ قُدِّمَ صَاحِبُ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِنِكَاحٍ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: إذَا كَانَ الْحَمْلُ عَلَى مِلْكِ أَحَدِهِمَا نِكَاحًا ثُمَّ اشْتَرَاهَا هُوَ وَآخَرُ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الشِّرَاءِ فَادَّعَيَاهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِ الزَّوْجِ، فَإِنَّ نَصِيبَهُ صَارَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَالِاسْتِيلَادُ لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤ عِنْدَهُمَا وَلَا بَقَاءَهُ عِنْدَهُ فَيَثْبُتُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ أَيْضًا اهـ ح (قَوْلُهُ وَأَبٌ) مَعْطُوفٌ عَلَى مَنْ فِي قَوْلِهِ قُدِّمَ مَنْ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ ط (قَوْلُهُ عَلَى ابْنٍ إلَخْ) لَفٌّ عَلَى سَبِيلِ النَّشْرِ الْمُرَتَّبِ ط (قَوْلُهُ وَمُرْتَدٍّ) كَذَا وَقَعَ فِي الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ والشُّرُنبُلالِيَّة، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَالْفَتْحِ وَالزَّيْلَعِيِّ مِنْ تَقْدِيمِ الْمُرْتَدِّ عَلَى الذِّمِّيِّ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِسْلَامِ، أَيْ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ الْوَلَدُ مُسْلِمًا، وَهَذَا أَنْفَعُ لَهُ. وَنَقَلَ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ كَمَا قُلْنَا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَهُوَ مَنْ وُجِدَ مَعَهُ الْمُرَجِّحُ أَنَّهُ يَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا لَوْ ادَّعَاهُ أُحُدُ الشَّرِيكَيْنِ فَقَطْ، لِمَا سَمِعْت مِنْ عِبَارَةِ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدِ الزَّوْجِ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَاغْتَنَمَهُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ مَا نَصُّهُ: وَإِذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَمُكَاتَبٍ وَعَبْدٍ فَادَّعَوْا جَمِيعًا وَلَدَهَا فَدَعْوَةُ الْمُسْلِمِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ نَصِيبُهُ أَقَلَّ الْأَنْصِبَاء، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ حِصَّةِ شُرَكَائِهِ مِنْ قِيمَةِ الْأُمِّ وَالْعُقْرِ، وَعَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 696 وَمَجُوسِيٍّ، ثُمَّ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدٍ ثَانٍ بِلَا دَعْوَةٍ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ كَمَا مَرَّ (وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِمَا) إنْ حَبِلَتْ فِي مِلْكِهِمَا، لَا لَوْ اشْتَرَيَاهَا حُبْلَى لِأَنَّهَا دَعْوَةُ عِتْقٍ فَوَلَاؤُهُ لَهُمَا، وَبِادِّعَاءِ أَحَدِهِمَا يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ الْوَلَدِ لَا الْعُقْرَ (وَعَلَى كُلٍّ نِصْفُ عُقْرِهَا وَتَقَاصَّا إلَّا إذَا كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ فَيَأْخُذُ مِنْهُ الزِّيَادَةَ) لِأَنَّ الْمَهْرَ بِقَدْرِ الْمِلْكِ   [رد المحتار] كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرِينَ حِصَّةُ شُرَكَائِهِ مِنْ الْعُقْرِ لِإِقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ إلَّا أَنَّ الْعَبْدَ يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (قَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَثْبُتُ إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ مَا إذَا ادَّعَيَاهُ مَعًا وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الْأَوْصَافِ وَثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا لَا لِصُوَرِ الدَّعْوَى مَعَ الْمُرَجِّحِ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُهُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَالنَّهْرِ خِلَافَهُ، لِمَا عَلِمْت مِنْ تَقْدِيمِ مَنْ مَعَهُ التَّرْجِيحُ وَأَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ، وَحَيْثُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ وَحْدَهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ شَرِيكٌ فِيهَا فَلَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا عَلَيْهِ. فَإِذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ ثَانٍ يَثْبُتُ مِنْهُ بِلَا دَعْوًى؛ كَمَا لَوْ ادَّعَاهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَقَطْ وَقَدْ نُقِلَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ الْمَسْأَلَةُ عَنْ الْمُجْتَبَى. وَاَلَّذِي فِي الْمُجْتَبَى دَلِيلٌ لِمَا قُلْنَا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَعْلِيلِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِيهِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ الْمُرَجِّحُ لَا يَثْبُتُ مِنْهُمَا، بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَبَا الْآخَرِ أَوْ كَانَ مُسْلِمًا وَالْآخَرُ ذِمِّيًّا ثَبَتَ مِنْ الْأَبِ وَالْمُسْلِمِ لِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ، وَلَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا صَارَتْ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا وَيَقَعُ عُقْرُهَا قِصَاصًا، وَلَوْ جَاءَتْ بِآخَرَ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ وَاحِدٍ إلَّا بِالدَّعْوَى لِأَنَّ الْوَطْءَ حَرَامٌ فَتُعْتَبَرُ الدَّعْوَى. اهـ. فَقَوْلُهُ وَلَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لَا لِمَسْأَلَةِ الْمُرَجِّحِ، لِقَوْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرَجِّحِ لَا يَثْبُتُ مِنْهُمَا، فَقَوْلُهُ وَلَوْ جَاءَتْ بِآخَرَ مِنْ فُرُوعِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَافْهَمْ، وَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ فَإِنَّهُ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ إذَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ ح (قَوْلُهُ وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِمَا) فَتَخْدُمُ كُلًّا مِنْهُمَا يَوْمًا وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَتْ وَلَا ضَمَانَ لِلْحَيِّ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ لِرِضَا كُلٍّ مِنْهُمَا بِعِتْقِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَا تَسْعَى لِلْحَيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِعَدَمِ تَقَوُّمِهَا، وَعَلَى قَوْلِهِمَا تَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا بِحُرٍّ (قَوْلُهُ إنْ حَبِلَتْ فِي مِلْكِهِمَا) بِأَنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ ح عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لَا) أَيْ لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا لَوْ اشْتَرَيَاهَا حُبْلَى، بِأَنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فَادَّعَيَاهُ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَيَاهَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ ثُمَّ ادَّعَيَاهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا دَعْوَةُ عِتْقٍ) أَيْ لَا دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ فَيَعْتِقُ الْوَلَدُ مُقْتَصِرًا عَلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ، بِخِلَافِ دَعْوَى الِاسْتِيلَادِ فَإِنَّ شَرْطَهَا كَوْنُ الْعُلُوقِ فِي الْمِلْكِ وَتَسْتَنِدُ الْحُرِّيَّةُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَيَعْلَقُ حُرًّا. اهـ. فَتْحٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَ كُلٍّ مِنْهُمَا هَذَا الْوَلَدُ ابْنِي تَحْرِيرٌ مِنْهُمَا، وَلَا تَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا، وَلَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْعُقْرُ لِصَاحِبِهِ لِعَدَمِ الْوَطْءِ فِي مِلْكِهِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ فَوَلَاؤُهُ لَهُمَا) تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِهَا دَعْوَةُ عِتْقٍ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْهُ فَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لَهُ، لَكِنْ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ وَكَذَا فِي الدُّرَرِ بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُمَا، فَحَيْثُ ثَبَتَ النَّسَبُ فَمَا فَائِدَةُ الْوَلَاءِ تَأَمَّلْ، نَعَمْ تَقَدَّمَ أَوَّلُ الْعِتْقِ أَنَّهُ إذَا قَالَ هَذَا ابْنِي عَتَقَ مُطْلَقًا؛ وَكَذَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إذَا صَلُحَ ابْنًا لَهُ وَكَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ، وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ الْوَلَدِ) أَيْ لِأَنَّهَا دَعْوَةُ إعْتَاقٍ فَيَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ مِنْ الْوَلَدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَبِلَتْ فِي مِلْكِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ لَا قِيمَةَ وَلَدِهَا (قَوْلُهُ لَا الْعُقْرَ) لِعَدَمِ الْوَطْءِ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ (قَوْلُهُ وَعَلَى كُلٍّ نِصْفُ عُقْرِهَا) لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي الْمَحَلِّ الْمُحْتَرَمِ لَا يَخْلُو عَنْ عُقْرٍ أَوْ عَقْرٍ، وَقَدْ تَعَذَّرَ الْأَوَّلُ لِلشُّبْهَةِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَتَقَاصَّا) أَيْ سَقَطَ مَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ بِمَا لَهُ عَلَى الْآخَرِ إنْ تَسَاوَيَا. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفَائِدَةُ إيجَابِ الْعُقْرِ مَعَ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ، وَلَوْ قُوِّمَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا بِالدَّرَاهِمِ وَالْآخَرِ بِالذَّهَبِ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الدَّرَاهِمَ وَيَأْخُذَ الذَّهَبَ (قَوْلُهُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ الزِّيَادَةَ) وَكَذَا الْغَلَّةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 697 (بِخِلَافِ الْبُنُوَّةِ وَالْإِرْثِ وَالْوَلَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُمَا سَوِيَّةً وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ نَصِيبًا مِنْ الْآخَرِ) لِعَدَمِ تُجْزِئُ النَّسَبِ فَيَكُونُ سَوِيَّةً لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَيَتْبَعُهُ الْإِرْثُ وَالْوَلَاءُ (وَوَرِثَ الِابْنُ مِنْ كُلٍّ إرْثَ ابْنٍ) كَامِلٍ (وَوَرِثَا مِنْهُ إرْثَ أَبٍ) وَاحِدٍ، وَكَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ الْإِمَامِ لَوْ كَثُرُوا وَلَوْ نِسَاءً؛ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. وَفِيهِ: لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَعْتَقَهَا عَتَقَتْ بِلَا شَيْءٍ. قُلْت: فَالْعِتْقُ إنَّمَا يَتَجَزَّأُ فِي الْقِنَّةِ لَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ، بَلْ يَعْتِقُ بَعْضُهَا بِعِتْقِ كُلِّهَا اتِّفَاقًا مُجْتَبًى فَلْيُحْفَظْ. (جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلَدَتْ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا وَأَعْتَقَهُ الْآخَرُ وَخَرَجَ الْكَلَامَانِ) مِنْهُمَا (مَعًا   [رد المحتار] وَالْكَسْبُ وَالْخِدْمَةُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبُنُوَّةِ) أَيْ النَّسَبِ (قَوْلُهُ وَالْإِرْثُ) أَيْ إرْثُ الْوَلَدِ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ وَالْوَلَاءُ) حَقُّ التَّعْبِيرِ وَالْوِلَايَةُ: أَيْ وِلَايَةُ الْإِنْكَاحِ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ لِكُلِّ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ كَمَلًا، وَكَذَا فِي الْمَالِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ وَصَايَا الْخَانِيَّةِ: فَإِنْ كَانَ لِهَذَا الْوَلَدِ مَالٌ وَرِثَهُ مِنْ أَخٍ لَهُ مِنْ أُمِّهِ أَوْ وُهِبَ لَهُ لَا يَنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْفَرِدُ. اهـ. (قَوْلُهُ سَوِيَّةً) أَيْ لَا عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ بَلْ يَسْتَوِيَانِ فِي ثُبُوتِهِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا كَمَلًا (قَوْلُهُ لِعَدَمِ تَجَزُّؤِ النَّسَبِ إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: النَّسَبُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَجَزَّأُ، لَكِنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ مُتَجَزِّئَةٌ كَالْمِيرَاثِ وَالنَّفَقَةِ وَالْحَضَانَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَأَحْكَامٌ غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ كَالنَّسَبِ وَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ، فَمَا يَقْبَلُ التَّجْزِئَةَ يَثْبُتُ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّجْزِئَةِ، وَمَا لَا يَقْبَلُهَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ اهـ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إرْثَ ابْنٍ كَامِلٍ) لِإِقْرَارِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ عَلَى الْكَمَالِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَوَرِثَا مِنْهُ إرْثَ أَبٍ وَاحِدٍ) لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا فَيَقْتَسِمَانِ نَصِيبَهُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ نَهْرٌ. وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا كَانَ كُلُّ الْمِيرَاثِ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا، وَلَا يَكُونُ نِصْفُهُ لِلْبَاقِي وَنِصْفُهُ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ كَذَا قَالُوا، وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ تَكُونَ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْبَاقِيَّ، فَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنْهَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا حَمَوِيٌّ عَنْ الْيَعْقُوبِيَّةِ. وَأَجَابَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ بِأَنَّ عَدَمَ تَوْرِيثِ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ لِلْمَانِعِ وَهُوَ حَجْبُهُمْ بِأُبُوَّةِ الْبَاقِي لِثُبُوتِهَا لَهُ كَمَلًا، وَلَا مَانِعَ لِعِتْقِ الْأُمِّ بِمَوْتِهِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحُكْمُ إلَخْ) أَيْ أَنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ إذَا كَانَ الشُّرَكَاءُ جَمَاعَةً وَادَّعَوْهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُمْ عِنْدَ الْإِمَامِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ اثْنَيْنِ فَقَطْ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ. وَعِنْدَ زُفَرَ مِنْ خَمْسَةٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ نِسَاءً) أَيْ لَوْ تَنَازَعَ فِيهِ امْرَأَتَانِ قَضَى بِهِ أَيْضًا بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا، وَلَوْ مَعَهُمَا رَجُلٌ يَقْضِي بَيْنَهُمْ عِنْدَهُ؛ وَلِلرَّجُلِ فَقَطْ عِنْدَهُمَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ عَتَقَتْ بِلَا شَيْءٍ) أَيْ بِلَا سِعَايَةٍ، وَلَا ضَمَانَ لِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ تَقَوُّمِهَا عِنْدَهُ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) هُوَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَقَالَ إنَّهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْمُجْتَبَى. قُلْت: وَاَلَّذِي فِي الْمُجْتَبَى قَالَ أُسْتَاذُنَا: ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ قَوْلَهُ عَتَقَتْ بِالْإِجْمَاعِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ كَشَفَ السِّرَّ فِيهِ الْقَاضِي الصَّدْرُ فِي غِنَى الْفُقَهَاءِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ، لَكِنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَسْرِي إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَإِنَّمَا أَخَّرَ الْعِتْقَ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ بَعْضَ الْقِنِّ نَظَرًا لِلسَّاكِنِ لِيَصِلَ إلَى حَقِّهِ بِالضَّمَانِ، أَوْ السِّعَايَةِ قَبْلَ بُطْلَانِ مِلْكِهِ، وَلَا كَذَلِكَ هُنَا لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لَا الضَّمَانُ وَلَا السِّعَايَةُ عِنْدَهُ، فَلَا فَائِدَةَ فِي تَأْخِيرِ الْعِتْقِ فِيهِ فَيَعْتِقُ فِي الْحَالِ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي تَجْزِئِ إعْتَاقِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَأَمَّا نَفْسُ الِاسْتِيلَادِ فَإِنَّهُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ كَالتَّدْبِيرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَقَوْلُهُ لَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ يُفِيدُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ فِي الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ، وَذَكَرْت فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْبَحْرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ ط عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى تَجْزِئِ التَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ لَا عَلَى تَجَزُّؤِ إعْتَاقِ الْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَخَرَجَ الْكَلَامَانِ مِنْهُمَا مَعَهَا) أَمَّا لَوْ تَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ كَانَ الدَّعْوَى فَهُوَ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 698 فَالدَّعْوَةُ أَوْلَى) لِاسْتِنَادِهَا لِلْعُلُوقِ خَانِيَّةٌ. (ادَّعَى وَلَدَ أَمَةٍ مُكَاتِبُهُ وَصَدَّقَهُ الْمُكَاتَبُ لَزِمَ النَّسَبُ) لِتَصَادُقِهِمَا كَدَعْوَتِهِ وَلَدَ جَارِيَةِ الْأَجْنَبِيِّ، أَمَّا وَلَدُ مُكَاتَبَتِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهَا كَمَا سَيَجِيءُ (وَ) لَزِمَ الْمُدَّعِي (الْعُقْرُ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ) يَوْمَ وُلِدَ (وَسَقَطَ الْحَدُّ) عَنْهُ (لِلشُّبْهَةِ وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدِهِ) لِعَدَمِ مِلْكِهِ (وَإِنْ كَذَّبَهُ) الْمُكَاتَبُ (لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ) لِحَجْرِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعَقْدِ. (وَلَدَتْ مِنْهُ جَارِيَةُ غَيْرِهِ وَقَالَ أَحَلَّهَا لِي مَوْلَاهَا وَالْوَلَدُ وَلَدِي وَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى فِي الْإِحْلَالِ وَكَذَّبَهُ فِي الْوَلَدِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ، فَإِنْ صَدَّقَهُ فِيهِمَا) جَمِيعًا (ثَبَتَ وَإِلَّا لَا) وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَلَوْ صَدَّقَهُ فِي الْوَلَدِ يَثْبُتُ: أَيْ مَعَ تَصْدِيقِهِ   [رد المحتار] وَإِنْ كَانَ الْإِعْتَاقَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَوْلَى لِكَوْنِ الْمُعْتِقِ قَدْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، فَلِشَرِيكِهِ الْخِيَارَاتُ السَّابِقَةُ وَمِنْهَا الْإِعْتَاقُ، وَقَوْلُهُ إنَّهُ ابْنِي إعْتَاقٌ، وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ إنْ جُهِلَ نَسَبُهُ، وَكَأَنَّهُمْ سَكَتُوا عَنْ بَيَانِ ذَلِكَ لِظُهُورِهِ (قَوْلُهُ فَالدَّعْوَةُ أَوْلَى) وَلَوْ الْمُدَّعَى كَافِرًا كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ لِاسْتِنَادِهَا لِلْعُلُوقِ) أَيْ لِوَقْتِ الْعُلُوقِ، وَالْإِعْتَاقُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْحَالِ فَيَكُونُ الْمُعْتِقُ مُعْتِقًا وَلَدَ الْغَيْرِ ط عَنْ الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ كَدَعْوَتِهِ وَلَدَ جَارِيَةِ الْأَجْنَبِيِّ) يُجَامِعُ عَدَمَ مِلْكِهِ التَّصَرُّفَ فِيهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَةٍ ابْنَهُ لِأَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ تَمَلُّكَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُ الِابْنِ بَلْ يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُ الْمُكَاتَبِ وَالْأَجْنَبِيِّ لَكِنْ يَأْتِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْأَجْنَبِيِّ تَصْدِيقُهُ فِي الْوَلَدِ وَالْإِحْلَالِ إذْ لَوْ ادَّعَاهُ مِنْ زِنًا لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ (قَوْلُهُ أَمَّا وَلَدُ مُكَاتَبَتِهِ) أَيْ لَوْ ادَّعَى وَلَدَ نَفْسِ مُكَاتَبَتِهِ لَمْ يُشْتَرَطْ تَصْدِيقُهَا، وَخُيِّرَتْ بَيْنَ الْبَقَاءِ عَلَى كِتَابَتِهَا وَأَخْذِ عُقْرِهَا وَبَيْنَ أَنْ تُعَجِّزَ نَفْسَهَا وَتَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالدِّرَايَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ ح (قَوْلُهُ وَلَزِمَ الْمُدَّعِي الْعُقْرُ) لِأَنَّهُ وَطْءٌ بِغَيْرِ نِكَاحٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَغْرُورِ حَيْثُ اُعْتُمِدَ لَيْلًا، وَهُوَ أَنَّهُ كَسْبٌ كَسَبَهُ فَلَمْ يَرْضَ بِرِقِّهِ فَيَكُونُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ، إلَّا أَنَّ الْقِيمَةَ هُنَا تُعْتَبَرُ يَوْمَ وُلِدَ وَقِيمَةُ وَلَدِ الْمَغْرُورِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ بَحْرٌ. وَالْفَرْقُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ لِحَجْرِهِ عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ لِمَنْعِ السَّيِّدِ نَفْسَهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ بِالْعَقْدِ: أَيْ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ، فَاشْتَرَطَ تَصْدِيقَهُ إلَّا أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ الْوَلَدَ يَوْمًا عَتَقَ عَلَيْهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَدَتْ مِنْهُ إلَخْ) فِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِذَا وَطِئَ جَارِيَةً رَجُلٌ وَقَالَ أَحَلَّهَا لِي وَالْوَلَدُ وَلَدِي وَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى بِأَنَّهُ أَحَلَّهَا لَهُ وَكَذَّبَهُ فِي الْوَلَدِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ لِأَنَّ الْإِحْلَالَ لَيْسَ بِنِكَاحٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ، فَإِنْ مَلَكَهُ يَوْمًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَإِنْ مَلَكَ أُمَّهُ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى بِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ فَهُوَ ابْنُهُ حِينَ صَدَّقَهُ وَهُوَ عَبْدٌ لِمَوْلَاهُ. وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي جَارِيَةِ الزَّوْجَةِ وَالْأَبَوَيْنِ إنْ ادَّعَى أَنَّ مَوْلَاهَا أَحَلَّهَا لَهُ وَأَنَّ الْوَلَدَ وَلَدُهُ، إلَّا أَنَّ الْوَلَدَ يَعْتِقُ بِالْقَرَابَةِ إذَا ثَبَتَ نَسَبُهُ. اهـ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْإِحْلَالَ لَيْسَ بِنِكَاحٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنْ يَقُولَ أَحْلَلْتهَا لَك، وَلَعَلَّ وَجْهَ ثُبُوتِ النَّسَبِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ صَارَ شُبْهَةَ عَقْدٍ لِأَنَّ حِلَّهَا لَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنِّكَاحِ أَوْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَكَأَنَّهُ قَالَ مَلَّكْتُك بُضْعَهَا بِأَحَدِ هَذَيْنِ السَّبَبَيْنِ، وَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ لَكِنَّهُ يَصِيرُ شُبْهَةً مُؤَثِّرَةً فِي نَفْيِ الْحَدِّ وَفِي ثُبُوتِ النَّسَبِ إذَا صَدَّقَهُ السَّيِّدُ أَوْ مَلَكَ الْوَلَدَ، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا مَلَكَهَا بَعْدَ مَا وَلَدَتْ مِنْهُ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ أَيْ لِثُبُوتِ النَّسَبِ بِذَلِكَ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. وَفِي حُدُودِ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ: رَجُلٌ أَحَلَّ جَارِيَتَهُ لِغَيْرِهِ فَوَطِئَهَا ذَلِكَ الْغَيْرُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ. اهـ. فَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْإِحْلَالَ قَوْلُهُ أَحْلَلْتهَا لَك بِدُونِ مِلْكٍ وَلَا نِكَاحٍ إذْ لَوْ كَانَ بِأَحَدِهِمَا لَمْ يَكُنْ لِلتَّصْرِيحِ بِسُقُوطِ الْحَدِّ وَجْهٌ إذْ لَا مَعْنَى لِلْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ فِيهِمَا جَمِيعًا بِأَنْ كَذَّبَهُ فِيهِمَا جَمِيعًا أَوْ فِي الْإِحْلَالِ فَقَطْ أَوْ فِي الْوَلَدِ فَقَطْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ، لَكِنَّ الْأَخِيرَةَ مَذْكُورَةٌ فِي الْمَتْنِ، وَالْأُولَى مَفْهُومَةٌ مِنْهَا بِالْأَوْلَى فَبَقِيَتْ الثَّانِيَةُ مَقْصُودَةً بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهَا لِمُخَالَفَتِهَا لِظَاهِرِ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ الْمَذْكُورِ وَلِدَفْعِ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ إلَخْ) هَذَا الْجَوَابُ لِلْمُصَنِّفِ ح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 699 فِي الْإِحْلَالِ فَلَا مُخَالَفَةَ كَمَا لَا يَخْفَى. (وَلَوْ مَلَكَهَا) أَوْ مَلَكَهُ (بَعْدَ تَكْذِيبِهِ) أَيْ الْمَوْلَى وَلَوْ مُكَاتَبَهُ (يَوْمًا) مِنْ الدَّهْرِ (ثَبَتَ النَّسَبُ) وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ إذَا مَلَكَهَا لِبَقَاءِ إقْرَارِهِ. (وَلَوْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) أَوْ جَدِّهِ (أَوْ امْرَأَتِهِ وَقَالَ ظَنَنْت حِلَّهَا لِي فَلَا حَدَّ) لِلشُّبْهَةِ (وَلَا نَسَبَ) إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ فِيهِمَا (وَإِنْ مَلَكَهُ يَوْمًا عَتَقَ عَلَيْهِ) وَإِنْ مَلَكَ أُمَّهُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ، كَذَا ذَكَرَهُ   [رد المحتار] قَوْلُهُ فَلَا مُخَالَفَةَ) أَيْ بَيْنَ مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَبَيْنَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالدُّرَرِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وَمِثْلُ مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ عِبَارَةِ الْكَافِي (قَوْلُهُ أَيْ الْمَوْلَى) أَفَادَ أَنَّ إضَافَةَ تَكْذِيبٍ لِلضَّمِيرِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ: أَيْ تَكْذِيبُ الْمَوْلَى إيَّاهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُكَاتَبَهُ) أَيْ وَلَوْ كَانَ مَوْلَى الْأَمَةِ مُكَاتَبَ الْمُدَّعِي أَفَادَ بِهِ ثُبُوتَ النَّسَبِ بِمِلْكِ الْوَلَدِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُكَاتَبِ الْمَارَّةِ (قَوْلُهُ ثَبَتَ النَّسَبُ) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ صُورَةُ مِلْكِهَا وَصُورَةُ مِلْكِهِ، أَمَّا الثَّانِيَةُ فَظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا الْأُولَى فَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا الْخَانِيَّةَ وَالدُّرَرَ. وَاسْتَشْكَلَهَا ح بِأَنَّ الْمُكَذِّبَ لَدَعْوَاهُ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهُ مَوْجُودٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَلَكَهُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ ارْتَفَعَ الْمَانِعُ وَزَالَ الْمُنَازِعُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمَا مَلَكَهَا أَيْ مَعَ وَلَدِهَا. اهـ. قُلْت: لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ حَيْثُ عَطَفَ بِأَوْ قَوْلَهُ أَوْ مَلَكَهُ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ مَلَكَهَا وَحْدَهَا، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ إذَا مَلَكَهَا وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ بِحُكْمِ إقْرَارِهِ لَزِمَ ثُبُوتُ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْهُ لِأَنَّ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ فَرْعُ ثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ، فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمُدَّعِي ضَرُورَةً مَعَ بَقَائِهِ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى، حَتَّى إذَا مَلَكَهُ الْمُدَّعِي عَتَقَ عَلَيْهِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ تَكْذِيبِهِ أَيْ فِي الْإِحْلَالِ وَالْوَلَدِ. أَمَّا إذَا كَانَ الْمُرَادُ تَكْذِيبَهُ فِي الْوَلَدِ فَقَطْ مَعَ تَصْدِيقِهِ فِي الْإِحْلَالِ فَالْأَمْرُ أَظْهَرُ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى أَنَّ وَطْأَهَا كَانَ حَلَالًا لَهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ إذَا مَلَكَهَا) قَيَّدَ بِهِ لِيُفِيدَ أَنَّ قَوْلَهُ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ رَاجِعٌ لِلصُّورَةِ الْأُولَى فَقَطْ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَتُوُهِّمَ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلصُّورَتَيْنِ كَمَا رَجَعَ إلَيْهِمَا قَوْلُهُ ثَبَتَ النَّسَبُ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْوَلَدَ وَلَمْ يَمْلِكْهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ مَا لَمْ يَمْلِكْهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مِلْكِ الْوَلَدِ وَثُبُوتِ نَسَبِهِ أَنْ تَكُونَ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا كَمَا لَا يَخْفَى، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ لَا بُدَّ مِنْهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَا نَسَبَ) أَيْ لِتَمَحُّضِهِ زِنًا كَمَا عَلَّلُوا بِهِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ فِيهِمَا) مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِهِمْ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ عَدَمَ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَإِنْ ادَّعَاهُ، وَتَعْلِيلُهُمْ بِتَمَحُّضِ زِنًا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَلَا مَحَلَّ لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ هُنَا وَلَمْ نَجِدْهُ لِغَيْرِهِ، نَعَمْ مَحَلُّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَضَمِيرُ فِيهِمَا يَعُودُ إلَى الْإِحْلَالِ وَالْوَلَدِ (قَوْلُهُ عَتَقَ عَلَيْهِ) أَيْ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ كَمَا فِي الْكَافِي فَعِلَّةُ الْعِتْقِ هُنَا الْجُزْئِيَّةُ لَا النَّسَبُ كَمَا يَأْتِي لَكِنَّ تَوَقُّفَ عِتْقِهِ عَلَى مِلْكِهِ خَاصٌّ بِمَا إذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ لِامْرَأَتِهِ، بِخِلَافِ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ: وَطِئَ جَارِيَةَ أَبِيهِ فَوَلَدَتْ مِنْهُ سَوَاءٌ ادَّعَى شُبْهَةً أَوْ لَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ وَلَدُ وَلَدِهِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ اهـ أَيْ يَعْتِقُ عَلَى الْأَبِ لِلْجُزْئِيَّةِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ) لِأَنَّ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ فَرْعُ ثُبُوتِ النَّسَبِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَقَوْلُهُ ظَنَنْتهَا تَحِلُّ لِي لَمْ يَكُنْ شُبْهَةٌ فِي ذَلِكَ اهـ أَيْ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَإِنَّمَا هُوَ شُبْهَةٌ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ مِنْ دَعْوَى الْإِحْلَالِ فَإِنَّهَا شُبْهَةٌ فِيهِمَا كَمَا مَرَّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَطْءَ فِي دَعْوَى الْإِحْلَالِ وَطْءُ شُبْهَةٍ، وَبِهِ يَثْبُتُ النَّسَبُ فَثَبَتَ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ، بِخِلَافِ الْوَطْءِ مَعَ ظَنِّ الْحِلِّ فَإِنَّهُ زِنًا مَحْضٌ وَإِنْ سَقَطَ فِيهِ الْحَدُّ. وَإِذَا كَانَ ظَنُّ الْحِلِّ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ وَتَمَحُّضُ الْفِعْلِ مَعَهُ زِنًا لَا تَثْبُتُ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ إذَا مَلَكَ الْأُمَّ وَإِنْ كَانَ أَقَرَّ بِالْوَلَدِ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ فِيهِ النَّسَبُ وَأُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ فَرْعُ ثُبُوتِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 700 الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ، لَكِنَّهُ نَقَلَ هُنَا وَفِي نِكَاحِ الرَّقِيقِ عَنْ الدُّرَرِ وَالْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ مَلَكَهَا بَعْدَ تَكْذِيبِهِ يَوْمًا ثَبَتَ النَّسَبُ لِبَقَاءِ الْإِقْرَارِ فَتَدَبَّرْ. نَعَمْ فِي الْخَانِيَّةِ: زَنَى بِأَمَةٍ فَوَلَدَتْ فَمَلَكَهَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدِهِ، وَإِنْ مَلَكَ الْوَلَدَ عَتَقَ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: لَوْ مَلَك أُخْتَهُ لِأُمِّهِ مِنْ الزِّنَا عَتَقَتْ وَلَوْ أُخْتَهُ لِأَبِيهِ لَا. [فُرُوعٌ] أَرَادَ وَطْءَ أَمَتِهِ وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ يَمْلِكُهَا لِطِفْلِهِ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا. أَقَرَّ بِأُمُومِيَّتِهَا فِي مَرَضِهِ إنْ هُنَاكَ وَلَدٌ أَوْ حَبَلٌ تَعْتِقُ مِنْ الْكُلِّ وَإِلَّا فَمِنْ الثُّلُثِ، وَمَا فِي يَدِهَا لِلْمَوْلَى إلَّا إذَا أَوْصَى لَهَا بِهِ، نَعَمْ فِي الْمُجْتَبَى: اسْتَحْسَنَ مُحَمَّدٌ أَنْ يُتْرَكَ لَهَا مِلْحَفَةٌ وَقَمِيصٌ وَمِقْنَعَةٌ   [رد المحتار] وَفِي الْفَتْحِ عَنْ الْإِيضَاحِ: أَمَةٌ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَجْنَبِيٌّ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى أَوْ كَذَّبَهُ، فَإِنْ مَلَكَهُ الْمُدَّعِي عَتَقَ وَلَا تَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ اهـ أَيْ لِأَنَّ عِتْقَهُ لِلْجُزْئِيَّةِ لَا لِثُبُوتِ النَّسَبِ، وَلِذَا قَالَ عَتَقَ وَلَمْ يَقُلْ ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَبِهَذَا سَقَطَ مَا أُورِدَ عَلَى تَعْلِيلِ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى الْوَلَدَ فَقَدْ أَقَرَّ لَهُ بِالنَّسَبِ وَلِأُمِّهِ بِأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ، فَإِذَا مَلَكَ الْأُمَّ زَالَ الْمَانِعُ وَهُوَ كَوْنُهَا مِلْكُ الْغَيْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ الْوَلَدِ. اهـ. لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ فَافْهَمْ. فَإِنْ قُلْت: قَدْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ فِيمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ ثُمَّ وَلَدَتْ فَادَّعَاهُ. قُلْت: إنَّمَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمَوْلَى لِإِقْرَارِهِ بِأَنَّ الْوَلَدَ عَلِقَ مِنْهُ قَبْلَ التَّزْوِيجِ بِوَطْءٍ حَلَالٍ، لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ مِنْهُ لِوُجُودِ الْفِرَاشِ الصَّحِيحِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ وَهُوَ الزَّوْجُ، وَلَوْلَاهُ لَثَبَتَ مِنْ الْمَوْلَى فَلَمْ يَثْبُتْ مِنْهُ هُنَا لِعَارِضٍ وَالزِّنَا لَا يَثْبُتُ مِنْهُ الْوَلَدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ نَقَلَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ، وَقَوْلُهُ ثَبَتَ النَّسَبُ أَيْ فَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ النَّسَبِ مَعَ زَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ مِلْكُ الْغَيْرِ، فَيُنَافِي قَوْلَهُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَسَبِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الدُّرَرِ وَالْخَانِيَّةِ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ ظَنَنْت حِلَّهَا لِي بَلْ فِي مَسْأَلَةِ دَعْوَى الْإِحْلَالِ. وَنَقَلَ ح عِبَارَتَهُمَا بِتَمَامِهَا، وَقَدْ عَلِمَتْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَأَنَّ ظَنَّ الْحِلِّ شُبْهَةٌ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ لَا فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ، بِخِلَافِ دَعْوَى الْإِحْلَالِ فَإِنَّهَا شُبْهَةٌ فِيهِمَا، فَالِاسْتِدْرَاكُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ نَعَمْ فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْإِشْكَالَ فِيهِ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ فِيهِ النَّسَبُ فَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ وَإِنْ مَلَكَهَا، لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْوَطْءَ فِي مَسْأَلَةِ ظَنِّ الْحِلِّ زِنًا أَيْضًا (قَوْلُهُ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدِهِ) أَيْ فَلَهُ بَيْعُهَا ط (قَوْلُهُ وَإِنْ مَلَكَ الْوَلَدَ عَتَقَ) لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ حَقِيقَةً (قَوْلُهُ وَلَوْ أُخْتَهُ لِأَبِيهِ لَا) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَخَ يُنْسَبُ إلَى أُخْتِهِ لِأَبِيهِ بِوَاسِطَةِ الْأَبِ وَنِسْبَةُ الْأَبِ مُنْقَطِعَةٌ فَلَا تَثْبُتُ الْأُخُوَّةُ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمِّ فَلَا تَنْقَطِعُ فَتَكُونُ الْأُخُوَّةُ ثَابِتَةً مِنْ جِهَتِهَا فَيَعْتِقُ بِالْمِلْكِ كَمَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ، وَلِذَا لَوْ مَاتَ يَرِثُهُ أَخُوهُ لِأُمِّهِ دُونَ أَخِيهِ لِأَبِيهِ. [فُرُوعٌ أَرَادَ وَطْءَ أَمَتِهِ] (قَوْلُهُ يَمْلِكُهَا لِطِفْلِهِ) فَائِدَةُ ذَلِكَ وَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ أَنَّهُ يَخَافُ أَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ مِنْهُ قَدْ تَتَمَرَّدُ عَلَيْهِ وَتُكَدِّرُ عَيْشَهُ، فَإِذَا عَلِمْت أَنَّ لَهُ بَيْعَهَا كُلَّمَا أَرَادَ انْقَادَتْ لَهُ، وَإِذَا بَاعَهَا يُنْفِقُ ثَمَنَهَا عَلَى طِفْلِهِ بَدَلًا عَمَّا كَانَ يُنْفِقُهُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَلَهُ أَيْضًا إنْفَاقُهُ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ، فَظَهَرَ أَنَّ بِبَيْعِهَا لِطِفْلِهِ يَنْتَفِعُ بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا) أَيْ يُزَوِّجُهَا لِنَفْسِهِ، وَإِذَا وَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا يَعْتِقُ عَلَى الطِّفْلِ لِكَوْنِهِ مَلَكَ أَخَاهُ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَمِنْ الثُّلُثِ) لِأَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الشَّاهِدِ إقْرَارٌ بِالْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ وَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَمَا فِي يَدِهَا لِلْمَوْلَى) لِأَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لَهُ قَبْلَ أَنْ تَعْتِقَ بِمَوْتِهِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَوْصَى لَهَا بِهِ) لِأَنَّهَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ فَيَكُونُ وَصِيَّةً لِحُرَّةٍ، بِخِلَافِ الْقِنِّ إذَا أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فَلَا يَصِحُّ، إلَّا إذَا أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ بِرَقَبَتِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ (قَوْلُهُ أَنْ يَتْرُكَ لَهَا إلَخْ) ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 701 وَلَا شَيْءَ لِلْمُدَبَّرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. كِتَابُ الْأَيْمَانِ مُنَاسَبَتُهُ عَدَمُ تَأْثِيرِ الْهَزْلِ وَالْإِكْرَاهِ، وَقَدَّمَ الْعَتَاقَ لِمُشَارَكَتِهِ لِلطَّلَاقِ فِي الْإِسْقَاطِ وَالسِّرَايَةِ. (الْيَمِينُ) لُغَةً الْقُوَّةُ. وَشَرْعًا (عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ قَوِيٍّ بِهِ عَزَمَ الْحَالِفُ   [رد المحتار] فِي الْوَرَثَةِ صِغَارٌ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ لَمْ يَصِحَّ تَأَمَّلْ وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُ الْمِلْحَفَةِ وَالْقَمِيصِ وَالْمِقْنَعَةِ فِي الْمُتْعَةِ مِنْ بَابِ الْمَهْرِ (قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ لِلْمُدَبَّرِ) أَيْ مِنْ الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا بَحْرٌ عَنْ الْمُجْتَبَى، ثُمَّ هَلْ الْمُدَبَّرَةُ كَذَلِكَ؟ لَمْ أَرَهُ، وَلْيُنْظَرْ وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّ الْوَلَدِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِمَوْلَاهُ إلَّا ثَوْبًا يُوَارِي الْعَبْدَ أَيَّ ثَوْبٍ شَاءَ الْمَوْلَى. [تَتِمَّةٌ] نَقَلَ ط فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ قَاضِي خَانَ: سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ أُمَّ وَلَدٍ هَلْ يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ فِي مَالِهِ؟ قَالَ: إنْ كَانَ لَهَا مِنْهُ وَلَدٌ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَإِلَّا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا. اهـ. قُلْت: الْمُرَادُ أَنَّهَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى وَلَدِهَا وَلَوْ صَغِيرًا كَمَا قَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهِ فِي بَابِ النَّفَقَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَيْ فَتُنْفِقُ مِنْ مَالِ وَلَدِهَا الَّذِي وَرِثَهُ لَا مِنْ أَصْلِ مَالِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ صَارَ مَالَ الْوَرَثَةِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ عَنْهُمْ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْأَيْمَانِ] (قَوْلُهُ مُنَاسَبَتُهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: اشْتَرَكَ كُلٌّ مِنْ الْيَمِينِ وَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ فِي أَنَّ الْهَزْلَ وَالْإِكْرَاهَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ قُدِّمَ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْعِبَادَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالطَّلَاقُ رَفْعُهُ بَعْدَ تَحْقِيقِهِ فَإِيلَاؤُهُ إيَّاهُ أَوْجَهُ وَاخْتَصَّ الْعَتَاقُ عَنْ الْيَمِينِ بِزِيَادَةِ مُنَاسَبَتِهِ بِالطَّلَاقِ مِنْ جِهَةِ مُشَارَكَتِهِ إيَّاهُ فِي تَمَامِ مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ الْإِسْقَاطُ، وَفِي لَازِمِهِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي هُوَ السِّرَايَةُ فَقَدَّمَهُ عَلَى الْيَمِينِ (قَوْلُهُ فِي الْإِسْقَاطِ) فَإِنَّ الطَّلَاقَ إسْقَاطُ قَيْدِ النِّكَاحِ وَالْعَتَاقُ إسْقَاطُ قَيْدِ الرِّقِّ ط (قَوْلُهُ وَالسِّرَايَةُ) فَإِذَا طَلَّقَ نِصْفَهَا سَرَى إلَى الْكُلِّ، وَكَذَا الْعِتْقُ: أَيْ عِنْدَهُمَا، لِقَوْلِهِمَا بِعَدَمِ تَجَزِّيهِ أَمَّا عِنْدَهُ فَهُوَ مُتَجَزٍّ ط (قَوْلُهُ لُغَةً الْقُوَّةُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْيَمِينُ لُغَةً لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْجَارِحَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْقَسَمِ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُمْ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَغَيْرِهِ: سُمِّي الْحَلِفُ يَمِينًا لِأَنَّ الْحَالِفَ يَتَقَوَّى بِالْقَسَمِ، أَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَمَاسَكُونَ بِأَيْمَانِهِمْ عِنْدَ الْقَسَمِ. يُفِيدُ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَنَّ لَفْظَ الْيَمِينِ مَنْقُولٌ. اهـ. أَقُولُ: هُوَ مَنْقُولٌ مِنْ أَصْلِ اللُّغَةِ إلَى عُرْفِهَا، فَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى الْقُوَّةِ لِظُهُورِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ ح. قُلْت: أَوْ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، فَقَدْ قَالَ فِي الْفَتْحِ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ: إنَّ الْيَمِينَ فِي الْأَصْلِ الْقُوَّةُ؛ وَسُمِّيَتْ إحْدَى الْيَدَيْنِ بِالْيَمِينِ لِزِيَادَةِ قُوَّتِهَا عَلَى الْأُخْرَى، وَسُمِّيَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى يَمِينًا لِإِفَادَتِهِ الْقُوَّةَ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَعْلِيقَ الْمَكْرُوهِ لِلنَّفْسِ عَلَى أَمْرٍ يُفِيدُ قُوَّةَ الِامْتِنَاعِ عَنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ، وَتَعْلِيقُ الْمَحْبُوبِ لَهَا عَلَى ذَلِكَ يُفِيدُ الْحَمْلَ عَلَيْهِ فَكَانَ يَمِينًا. اهـ. فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ أَصْلَ الْمَادَّةِ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ فِي اللُّغَةِ لَمَعَانٍ أُخَرَ لِوُجُودِ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ فِيهَا كَلَفْظِ الْكَافِرِ مِنْ الْكُفْرِ وَهُوَ السِّتْرُ. فَيُطْلَقُ عَلَى الْكَافِرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَكَافِرِ النِّعْمَةِ؛ وَعَلَى اللَّيْلِ. وَعَلَى الْفَلَاحِ. وَهَكَذَا فِي كَثِيرِ مِنْ الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ الَّتِي تُطْلَقُ عَلَى أَشْيَاءَ تَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ عَامٍّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 702 عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ) فَدَخَلَ التَّعْلِيقُ فَإِنَّهُ يَمِينٌ شَرْعًا إلَّا فِي خَمْسٍ مَذْكُورَةٍ فِي الْأَشْبَاهِ،   [رد المحتار] فَيَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهَا لَفْظُ الِاشْتِرَاكِ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الْمَادَّةِ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَعَانِي، وَأَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهَا لَفْظُ الْمَنْقُولِ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ الَّذِي تَرْجِعُ إلَيْهِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ يُهْجَرُ فِيهِ الْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، فَإِنَّ الْيَمِينَ إذَا أُطْلِقَ عَلَى الْحَلِفِ لَا يُرَادُ بِهِ الْقُوَّةُ لُغَةً، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ هُنَا بَعْدَ ذِكْرِهِ أَنَّهُ مَنْقُولٌ، وَمَفْهُومُهُ لُغَةً جُمْلَةٌ أُولَى إنْشَائِيَّةٌ صَرِيحَةُ الْجُزْأَيْنِ يُؤَكَّدُ بِهَا جُمْلَةٌ بَعْدَهَا خَبَرِيَّةٌ فَاحْتُرِزَ بِأُولَى عَنْ التَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ بِالْجُمْلَةِ نَحْوَ: زَيْدٌ قَائِمٌ زَيْدٌ قَائِمٌ، فَإِنَّ الْمُؤَكِّدَ فِيهِ هُوَ الثَّانِيَةُ لَا الْأُولَى عَكْسُ الْيَمِينِ، وَبِإِنْشَائِيَّةٍ عَنْ التَّعْلِيقِ فَإِنَّهُ لَيْسَ يَمِينًا حَقِيقَةً لُغَةً إلَخْ وَقَوْلُهُ يُؤَكَّدُ بِهَا إلَخْ إشَارَةٌ إلَى وُجُودِ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الْقُوَّةُ لَا عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ، وَكَذَا إذَا أُطْلِقَ عَلَى الْجَارِحَةِ لَا يُرَادُ بِهِ نَفْسُ الْقُوَّةِ بَلْ الْيَدُ الْمُقَابِلَةُ لِلْيَسَارِ وَهِيَ ذَاتٌ وَالْقُوَّةُ عَرَضٌ، فَقَدْ هَجَرَ فِيهِ الْمَعْنَى الْأَصْلِيَّ وَإِنْ لُوحِظَ اعْتِبَارُهُ فِي الْمَنْقُولِ إلَيْهِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمُنَاسِبَ بَيَانُ مَعْنَى الْيَمِينِ اللُّغَوِيِّ الْمُرَادِ بِهِ الْحَلِفُ لِيُقَابِلَ بِهِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ، وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ بِالْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ فَغَيْرُ مَرْضِيٍّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْعَزْمِ أَوْ ب (قَوِيَ) ط (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَمِينٌ شَرْعًا) لِأَنَّهُ يَقْوَى بِهِ عَزْمُ الْحَالِفِ عَلَى الْفِعْلِ فِي مِثْلِ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ، وَعَلَى التَّرْكِ فِي مِثْلِ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ مَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَمِينٌ فِي اللُّغَةِ أَيْضًا، قَالَ لِأَنَّ مُحَمَّدًا أَطْلَقَ عَلَيْهِ يَمِينًا وَقَوْلُهُ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ. مَطْلَبٌ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ حَنِثَ بِالتَّعْلِيقِ إلَّا فِي مَسَائِلَ (قَوْلُهُ مَذْكُورَةٍ فِي الْأَشْبَاهِ) عِبَارَتُهُ: حَلَفَ لَا يَحْلِفُ حَنِثَ بِالتَّعْلِيقِ إلَّا فِي مَسَائِلَ: أَنْ يُعَلِّقَ بِأَفْعَالِ الْقُلُوبِ أَوْ يُعَلِّقَ بِمَجِيءِ الشَّهْرِ فِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ أَوْ بِالتَّطْلِيقِ، أَوْ يَقُولُ إنْ أَدَّيْتَ إلَى كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ، وَإِنْ عَجَزْت فَأَنْتَ رَقِيقٌ، أَوْ إنْ حِضْت حَيْضَةً أَوْ عِشْرِينَ حَيْضَةً أَوْ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ كَمَا فِي الْجَامِعِ. اهـ. قُلْت: وَإِنَّمَا لَمْ يَحْنَثْ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَمَحَّضْ لِلتَّعْلِيقِ. أَمَّا الْأُولَى كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَرَدْت أَوْ أَحْبَبْت فَلِأَنَّ هَذَا يُسْتَعْمَلُ فِي التَّمْلِيكِ، وَلِذَا يُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ كَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ إذَا أَهَلَّ الْهِلَالُ وَالْمَرْأَةُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ دُونَ الْحَيْضِ فَلِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي بَيَانِ وَقْتِ السَّنَةِ لِأَنَّ رَأْسَ الشَّهْرِ فِي حَقِّهَا وَقْتَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ لَا فِي التَّعْلِيقِ. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ طَلَّقْتُك فَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْحِكَايَةَ عَنْ الْوَاقِعِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَالِكًا لِتَطْلِيقِهَا فَلَمْ يَتَمَحَّضْ لِلتَّعْلِيقِ. وَأَمَّا الرَّابِعَةُ كَقَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ؛ وَإِنْ عَجَزْتَ فَأَنْتِ رَقِيقٌ فَلِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْكِتَابَةِ. وَأَمَّا الْخَامِسَةُ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ حِضْت حَيْضَةً أَوْ عِشْرِينَ حَيْضَةً فَلِأَنَّ الْحَيْضَةَ الْكَامِلَةَ لَا وُجُودَ لَهَا إلَّا بِوُجُودِ جُزْءٍ مِنْ الطُّهْرِ فَيَقَعُ فِي الطُّهْرِ فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ تَفْسِيرًا لِطَلَاقِ السُّنَّةِ فَلَمْ يَتَمَحَّضْ لِلتَّعْلِيقِ، وَحَيْثُ لَمْ يَتَمَحَّضْ لِلتَّعْلِيقِ فِي هَذِهِ الْخَمْسِ لَا يُحْمَلُ عَلَى التَّعْلِيقِ حَيْثُ أَمْكَنَ غَيْرُهُ صَوْنًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْمَحْظُورِ وَهُوَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَإِنَّمَا حَنِثَ فِي إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَفْسِيرًا لِلْبِدْعِيِّ لِأَنَّ الْبِدْعِيَّ أَنْوَاعٌ، بِخِلَافِ السُّنِّيِّ فَإِنَّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ، وَحَنِثَ أَيْضًا فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ مَعَ أَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ مَفْقُودٌ وَمَعَ أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مُتَحَقِّقُ الْوُجُودِ لَا خَطَرَ فِيهِ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْحَمْلُ وَالْمَنْعُ ثَمَرَةُ الْيَمِينِ وَحِكْمَتُهُ، فَقَدْ تَمَّ الرُّكْنُ فِي الْيَمِينِ دُونَ الثَّمَرَةِ، وَالْحِكْمَةُ وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ فِي الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالصُّورَةِ لَا بِالثَّمَرَةِ وَالْحِكْمَةِ، وَلِذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ فَاسِدًا حَنِثَ لِوُجُودِ رُكْنِ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ وَهُوَ الْمِلْكُ غَيْرُ ثَابِتٍ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِابْنِ بِلِبَانِ الْفَارِسِيِّ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الْأَشْبَاهِ أَوْ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ سَبْقُ قَلَمٍ وَالصَّوَابُ إسْقَاطُهُ، أَوْ أَنْ يَقُولَ لَا بِطُلُوعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 703 فَلَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ حَنِثَ بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ. وَشَرْطُهَا الْإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ وَإِمْكَانُ الْبِرِّ. وَحُكْمُهَا الْبِرُّ أَوْ الْكَفَّارَةُ. وَرُكْنُهَا اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهَا   [رد المحتار] الشَّمْسِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِ التَّعْلِيقِ يَمِينًا، وَقَوْلُهُ حَنِثَ بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ: أَيْ بِتَعْلِيقِهِمَا وَلَكِنْ فِيمَا عَدَا الْمَسَائِلَ الْمُسْتَثْنَاةَ، فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى هُنَا كَمَا مَرَّ فِي عِبَارَةِ الْأَشْبَاهِ. [تَنْبِيهٌ] يَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَعَبْدِي حُرٌّ وَقَالَ لِعَبْدِهِ إنْ حَلَفْت بِعِتْقِك فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَإِنَّ عَبْدَهُ يَعْتِقُ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَكَرَّرَهُ ثَلَاثًا طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ بِالْيَمِينِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ لَوْ دَخَلَ بِهَا وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ (قَوْلُهُ وَشَرْطُهَا الْإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْحَالِفِ مُكَلَّفًا مُسْلِمًا، وَفَسَّرَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ التَّكْلِيفَ بِالْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ، وَعَزَاهُ إلَى الْبَدَائِعِ وَمَا قُلْنَاهُ أَوْلَى. اهـ. وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ الْكَافِرَ عَلَى الصَّحِيحِ مُكَلَّفٌ بِالْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ كَمَا حَقَّقَ فِي الْأُصُولِ فَلَا يَخْرُجُ بِالتَّكْلِيفِ. وَاعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِسْلَامِ إنَّمَا يُنَاسِبُ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْيَمِينَ بِالْقُرَبِ نَحْوَ إنْ فَعَلَتْ كَذَا فَعَلَيَّ صَلَاةٌ، وَأَمَّا الْيَمِينُ بِغَيْرِ الْقُرَبِ نَحْوُ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْإِسْلَامُ كَمَا لَا يَخْفَى ح. مَطْلَبٌ فِي يَمِينِ الْكَافِرِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْيَمِينِ الْمُوجِبَةِ لِعِبَادَةٍ مِنْ كَفَّارَةٍ أَوْ نَحْوِ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ فِي يَمِينِ التَّعْلِيقِ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ بِيَمِينِ كَافِرٍ وَإِنْ حَنِثَ مُسْلِمًا وَأَنَّ الْكُفْرَ يُبْطِلُهَا، فَلَوْ حَلَفَ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ حَنِثَ فَلَا كَفَّارَةَ اهـ وَحِينَئِذٍ فَالْإِسْلَامُ شَرْطُ انْعِقَادِهَا وَشَرْطُ بَقَائِهَا. وَأَمَّا تَحْلِيفُ الْقَاضِي لَهُ فَهُوَ يَمِينٌ صُورَةً رَجَاءَ نُكُولِهِ كَمَا يَأْتِي، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي الْحِنْثِ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَلَا فِي تَرْكِ الْكَفَّارَةِ، وَكَذَا فِي حَالِ كُفْرِهِ بِالْأَوْلَى عَلَى الْقَوْلِ بِتَكْلِيفِهِ بِالْفُرُوعِ. فَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ يَمِينَ الْكَافِرِ مُنْعَقِدَةٌ لِغَيْرِ الْكَفَّارَةِ وَأَنَّ مَنْ شَرَطَ الْإِسْلَامَ نَظَرَ إلَى حُكْمِهَا فَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَافْهَمْ. وَيُشْتَرَطُ خُلُوُّهَا عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ بِنَحْوِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي غَيْرُ هَذَا أَوْ إلَّا أَنْ أَرَى أَوْ أُحِبُّ كَمَا فِي ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمَنْ زَادَ الْحُرِّيَّةَ كَالشُّمُنِّيِّ فَقَدْ سَهَا لِأَنَّ الْعَبْدَ يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ وَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. اهـ. قُلْت: وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا عَدَمُ الْفَاصِلِ مِنْ سُكُوتٍ وَنَحْوِهِ. فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: أَخَذَهُ الْوَالِي وَقَالَ قُلْ بِاَللَّهِ فَقَالَ مِثْلَهُ ثُمَّ قَالَ لَتَأْتِيَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ الرَّجُلُ مِثْلَهُ فَلَمْ يَأْتِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ بِالْحِكَايَةِ وَالسُّكُوتِ صَارَ فَاصِلَا بَيْنَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَلِفِهِ. اهـ. وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ: لَوْ قَالَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَعَهْدُ الرَّسُولِ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ عَهْدَ الرَّسُولِ صَارَ فَاصِلًا هـ أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ قَسَمًا بِخِلَافِ عَهْدِ اللَّهِ (قَوْلُهُ وَإِمْكَانُ الْبِرِّ) أَيْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَحُكْمُهَا الْبِرُّ أَوْ الْكَفَّارَةُ) أَيْ الْبِرُّ أَصْلًا وَالْكَفَّارَةُ خَلَفًا كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ خَاصَّةٌ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى ح وَأَرَادَ الْبِرَّ وُجُودًا وَعَدَمًا، فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيمَا إذَا حَلَفَ عَلَى طَاعَةٍ، وَيَحْرُمُ فِيمَا إذَا حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَيُنْدَبُ فِيمَا إذَا كَانَ عَدَمُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ جَائِزًا وَفِيهِ زِيَادَةُ تَفْصِيلٍ سَيَأْتِي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 704 وَهَلْ يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى؟ قِيلَ نَعَمْ لِلنَّهْيِ وَعَامَّتُهُمْ لَا وَبِهِ أَفْتَوْا لَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا، وَحَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوَثِيقَةِ كَقَوْلِهِمْ بِأَبِيك وَلَعَمْرُك وَنَحْوَ ذَلِكَ عَيْنِيٌّ (وَهِيَ) أَيْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْغَمُوسِ وَاللَّغْوِ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى فَيَقَعُ بِهِمَا الطَّلَاقُ وَنَحْوُهُ عَيْنِيٌّ فَلْيُحْفَظْ. وَلَا يُرَدُّ نَحْوُ هُوَ يَهُودِيٌّ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ وَجْهَ الْكِنَايَةِ بَدَائِعُ (غَمُوسٌ) تَغْمِسُهُ فِي الْإِثْمِ ثُمَّ النَّارِ، وَهِيَ كَبِيرَةٌ مُطْلَقًا، لَكِنَّ إثْمَ الْكَبَائِرِ مُتَفَاوِتٌ نَهْرٌ (إنْ حَلَفَ عَلَى كَاذِبٍ عَمْدًا)   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْحَلِفِ بِغَيْرِهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَهَلْ يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا مَشْرُوعٌ، وَهُوَ تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَضْعًا، وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَمِينًا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِحُصُولِ مَعْنَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ، وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا يُكْرَهُ، وَتَقْلِيلُهُ أَوْلَى مِنْ تَكْثِيرِهِ، وَالْيَمِينُ بِغَيْرِهِ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ الْبَعْضِ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِيهَا، وَعِنْدَ عَامَّتِهِمْ لَا تُكْرَهُ لِأَنَّهَا يَحْصُلُ بِهَا الْوَثِيقَةُ لَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا، وَمَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا عَلَى وَجْهِ الْوَثِيقَةِ كَقَوْلِهِمْ وَأَبِيك وَلَعَمْرِي اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْفَتْحِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِهِ تَعَالَى تَارَةً يَحْصُلُ بِهَا الْوَثِيقَةُ: أَيْ اتِّثَاقُ الْخَصْمِ بِصِدْقِ الْحَالِفِ كَالتَّعْلِيقِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ حَرْفُ الْقَسَمِ، وَتَارَةً لَا يَحْصُلُ مِثْلُ وَأَبِيك وَلَعَمْرِي فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْحِنْثِ فِيهِ شَيْءٌ فَلَا تَحْصُلُ بِهِ الْوَثِيقَةُ، بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ وَالْحَدِيثُ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ تَعَالَى» إلَخْ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ عَلَى غَيْرِ التَّعْلِيقِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ اتِّفَاقًا لِمَا فِيهِ مِنْ مُشَارَكَةِ الْمُقْسَمِ بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي التَّعْظِيمِ. وَأَمَّا إقْسَامُهُ تَعَالَى بِغَيْرِهِ كَالضُّحَى وَالنَّجْمِ وَاللَّيْلِ فَقَالُوا إنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى، إذْ لَهُ أَنْ يُعَظِّمَ مَا شَاءَ وَلَيْسَ لَنَا ذَلِكَ بَعْدَ نَهْيِنَا. وَأَمَّا التَّعْلِيقُ فَلَيْسَ فِيهِ تَعْظِيمٌ بَلْ فِيهِ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ مَعَ حُصُولِ الْوَثِيقَةِ فَلَا يُكْرَهُ اتِّفَاقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَإِنَّمَا كَانَتْ الْوَثِيقَةُ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي زَمَانِنَا لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالْحِنْثِ وَلُزُومِ الْكَفَّارَةِ. أَمَّا التَّعْلِيقُ فَيَمْتَنِعُ الْحَالِفُ فِيهِ مِنْ الْحِنْثِ خَوْفًا مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. وَفِي الْمِعْرَاجِ: فَلَوْ حَلَفَ بِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوَثِيقَةِ أَوْ عَلَى الْمَاضِي يُكْرَهُ (قَوْلُهُ وَلَعَمْرُك) أَيْ بَقَاؤُك وَحَيَاتُك، بِخِلَافِ لَعَمْرُ اللَّهِ فَإِنَّهُ قَسَمٌ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْغَمُوسِ وَاللَّغْوِ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ: أَيْ تَصَوُّرِ حُكْمِهِمَا، وَإِلَّا نَافَى قَوْلَهُ فَيَقَعُ بِهِمَا ح (قَوْلُهُ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى) أَيْ فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (قَوْلُهُ فَيَقَعُ بِهِمَا) أَيْ بِالْغَمُوسِ وَاللَّغْوِ (قَوْلُهُ وَلَا يُرَدُّ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ إلَخْ لَوْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ، إنْ كَانَ فَعَلَ كَذَا مُتَعَمِّدًا الْكَذِبَ أَوْ عَلَى ظَنِّ الصِّدْقِ فَهُوَ غَمُوسٌ أَوْ لَغْوٌ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ وَجْهَ الْكِنَايَةِ) أَقُولُ: يُمْكِنُ تَقْرِيرُ وَجْهِ الْكِنَايَةِ بِأَنْ يُقَالَ: مَقْصُودُ الْحَالِفِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ الِامْتِنَاعُ عَنْ الشَّرْطِ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ النُّفْرَةَ عَنْ الْيَهُودِيَّةِ، وَهِيَ تَسْتَلْزِمُ النُّفْرَةَ عَنْ الْكُفْرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ تَسْتَلْزِمُ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ الْعَظِيمِ لَا أَفْعَلُ كَذَا. اهـ. ح (قَوْلُهُ تَغْمِسُهُ فِي الْإِثْمِ ثُمَّ النَّارِ) بَيَانُ لِمَا فِي صِيغَةِ فَعُولٍ مِنْ الْمُبَالَغَةِ ح (قَوْلُهُ وَهِيَ كَبِيرَةٌ مُطْلَقًا) أَيْ اقْتَطَعَ بِهَا حَقَّ مُسْلِمٍ أَوْ لَا، وَهَذَا رَدٌّ عَلَى قَوْلِ الْبَحْرِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَبِيرَةً إذَا اقْتَطَعَ بِهَا مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ آذَاهُ، وَصَغِيرَةً إنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا مَفْسَدَةٌ، فَقَدْ نَازَعَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» ، وَقَوْلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ إنَّ إطْلَاقَ الْيَمِينِ عَلَيْهَا مَجَازٌ لِأَنَّهَا عَقْدٌ مَشْرُوعٌ وَهَذِهِ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ صَرِيحٌ فِيهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ إثْمَ الْكَبَائِرِ مُتَفَاوِتٌ. اهـ. وَكَذَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: أَيُّ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمُ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ عَلَى كَاذِبٍ) أَيْ عَلَى كَلَامٍ كَاذِبٍ: أَيْ مَكْذُوبٍ. وَفِي نُسْخَةٍ: عَلَى كَذِبٍ (قَوْلُهُ عَمْدًا) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ حَلَفَ: أَيْ عَامِدًا، وَمَجِيءُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 705 وَلَوْ غَيْرَ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ كَوَاللَّهِ إنَّهُ حَجَزَ الْآنَ فِي مَاضٍ (كَوَاللَّهِ مَا فَعَلْت) كَذَا (عَالِمًا بِفِعْلِهِ أَوْ) حَالٍّ (كَوَاللَّهِ مَا لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ عَالِمًا بِخِلَافِهِ وَاَللَّهِ إنَّهُ بَكْرٌ عَالِمًا بِأَنَّهُ غَيْرُهُ) وَتَقْيِيدُهُمْ بِالْفِعْلِ وَالْمَاضِي اتِّفَاقِيٌّ أَوْ أَكْثَرِيٌّ (وَيَأْثَمُ بِهَا) فَتَلْزَمُهُ التَّوْبَةُ. (وَ) ثَانِيهَا (لَغْوٌ) لَا مُؤَاخَذَةَ فِيهَا إلَّا فِي ثَلَاثٍ طَلَاقٌ وَعَتَاقٌ وَنَذْرٌ أَشْبَاهٌ، فَيَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى غَالِبِ الظَّنِّ إذَا تَبَيَّنَ خِلَافُهُ، وَقَدْ اُشْتُهِرَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافُهُ (إنْ حَلَفَ كَاذِبًا يَظُنُّهُ صَادِقًا) فِي مَاضٍ أَوْ حَالٍّ فَالْفَارِقُ بَيْنَ الْغَمُوسِ وَاللَّغْوِ تَعَمُّدُ الْكَذِبِ، وَأَمَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَالْمُنْعَقِدَةُ.   [رد المحتار] الْحَالِ مَصْدَرًا كَثِيرٌ لَكِنَّهُ سَمَاعِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ غَيْرَ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ) كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ إنَّهُ بَكْرٌ فَإِنَّهُ مِثَالٌ لِهَذَا فَيُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ وَعَنْ تَأْخِيرِ قَوْلِهِ فِي مَاضٍ (قَوْلُهُ الْآنَ) قَيَّدَ بِهِ لِمَا تَعْرِفُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ فِي مَاضٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٍ لِمَوْصُوفِ كَاذِبٍ: أَيْ عَلَى كَلَامٍ كَاذِبٍ وَاقِعٍ مَدْلُولُهُ فِي مَاضٍ، وَلَا يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِقَوْلِهِ حَلَفَ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ حَلِفَهُ وَقَعَ فِي الْمَاضِي كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَتَقْيِيدُهُمْ بِالْفِعْلِ وَالْمَاضِي إلَخْ) رَدٌّ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ جَعَلَ التَّقْيِيدَ لِلِاحْتِرَازِ، وَإِنْ وَاَللَّهِ إنَّهُ حَجَرٌ مِنْ الْحَلِفِ عَلَى الْفِعْلِ بِتَقْدِيرِ كَانَ أَوْ يَكُونُ وَجَعَلَ الْحَالَ مِنْ الْمَاضِي لِأَنَّ الْكَلَامَ يَحْصُلُ أَوَّلًا فِي النَّفْسِ فَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِاللِّسَانِ، فَالْإِخْبَارُ الْمُعَلَّقُ بِزَمَانِ الْحَالِ إذَا حَصَلَ فِي النَّفْسِ فَعُبِّرَ عَنْهُ بِاللِّسَانِ انْعَقَدَ الْيَمِينُ وَصَارَ الْحَالُ مَاضِيًا بِالنِّسْبَةِ إلَى زَمَانِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ، فَإِذَا قَالَ كَتَبْت لَا بُدَّ مِنْ الْكِتَابَةِ قَبْلَ ابْتِدَاءِ التَّكَلُّمِ فَيَكُونُ الْحَلِفُ عَلَيْهِ حَلِفًا عَلَى الْمَاضِي، وَأَشَارَ إلَى وَجْهِ الرَّدِّ بِلَفْظِ الْآنَ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ مَعَهُ كَانَ لِيَصِيرَ فِعْلًا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَاضِي لِمُنَافَاتِهِ لِلَفْظِ الْآنَ، عَلَى أَنَّ الْحَالَ إنَّمَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الِاسْتِقْبَالِ وَلَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي أَصْلًا نَعَمْ قَدْ يُرَادُ تَقْرِيبُ الْمَاضِي مِنْ الْحَالِ فَيُؤْتَى بِصِيغَةِ الْمَاضِي مَقْرُونَةً بِقَدْ نَحْوَ قَدْ قَامَ زَيْدٌ إذَا أَرَدْت أَنَّ قِيَامَهُ قَرِيبٌ مِنْ زَمَنِ التَّكَلُّمِ فَإِذَا قَالَ وَاَللَّهِ قُمْت لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْحَالُ أَصْلًا، بِخِلَافِ أَقُومُ فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْحَالُ أَوْ الِاسْتِقْبَالُ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ، فَحَيْثُ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا وَلَا مَاضِيًا تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ تَقْيِيدُهُمْ بِالْفِعْلِ وَبِالْمَاضِي فِي قَوْلِهِمْ هُوَ حَلِفُهُ عَلَى فِعْلٍ مَاضٍ إلَخْ اتِّفَاقًا أَيْ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ أَكْثَرِيًّا أَيْ لِكَوْنِهِ هُوَ الْأَكْثَرُ (قَوْلُهُ وَيَأْثَمُ بِهَا) أَيْ إثْمًا عَظِيمًا كَمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ. مَطْلَبٌ فِي مَعْنَى الْإِثْمِ وَالْإِثْمُ فِي اللُّغَةِ: الذَّنْبُ، وَقَدْ تُسَمَّى الْخَمْرُ إثْمًا. وَفِي الِاصْطِلَاحِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ اسْتِحْقَاقُ الْعُقُوبَةِ. وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ لُزُومُ الْعُقُوبَةِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْعَفْوِ وَعَدَمِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَكْمَلُ فِي تَقْرِيرِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَتَلْزَمُهُ التَّوْبَةُ) إذْ لَا كَفَّارَةَ فِي الْغَمُوسِ يَرْتَفِعُ بِهَا الْإِثْمُ فَتَعَيَّنَتْ التَّوْبَةُ لِلتَّخَلُّصِ مِنْهُ. (قَوْلُهُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا فِي غَيْرِهِ وَلِذَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَا يَكُونُ اللَّغْوُ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ أَنَّ فِي حَلِفِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ لَيْسَ كَذَلِكَ لَغَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَبَقِيَ قَوْلُهُ وَاَللَّهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَفِي الْيَمِينِ بِغَيْرِهِ تَعَالَى يَلْغُو الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَبْدُهُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ حَجّ فَيَلْزَمُهُ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ) أَيْ وَالْعَتَاقُ وَيَلْزَمُهُ النَّذْرُ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ يَظُنُّهُ) أَيْ يَظُنُّ نَفْسَهُ (قَوْلُهُ فَالْفَارِقُ إلَخْ) أَقُولُ: هُنَاكَ فَارِقٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْغَمُوسَ تَكُونُ فِي الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَاللَّغْوُ لَا تَكُونُ فِي الِاسْتِقْبَالِ ح (قَوْلُهُ وَأَمَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَالْمُنْعَقِدَةُ) لَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَهُ فِي الْحَلِفِ كَاذِبًا يَظُنُّهُ صَادِقًا وَهَذَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَكُونُ إلَّا يَمِينًا مُنْعَقِدَةً، فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْغَمُوسَ يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا لِأَنَّ الْغَمُوسَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 706 وَخَصَّهُ الشَّافِعِيُّ بِمَا جَرَى عَلَى اللِّسَانِ بِلَا قَصْدٍ، مِثْلُ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ وَلَوْ لِآتٍ، فَلِذَا قَالَ (وَيُرْجَى عَفْوُهُ) أَوْ تَوَاضُعًا وَتَأَدُّبًا،   [رد المحتار] فِيهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَخَصَّهُ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ تَفْسِيرَ اللَّغْوِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُتُونِ وَالْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا. وَنَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ. وَفِي الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ حَكَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا نَقَلَ فِي الْبَدَائِعِ الْأَوَّلَ عَنْ أَصْحَابِنَا. ثُمَّ قَالَ: وَمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى أَثَرِ حِكَايَتِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ اللَّغْوَ مَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى الْمَاضِي أَوْ الْحَالِ، وَعِنْدَنَا ذَلِكَ لَغْوٌ. فَيَرْجِعُ حَاصِلُ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي يَمِينٍ لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. فَعِنْدَنَا لَيْسَتْ بِلَغْوٍ وَفِيهَا الْكَفَّارَةُ. وَعِنْدَهُ هِيَ لَغْوٌ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا اهـ فَقَوْلُهُ فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا إلَى آخِرِ كَلَامِهِ خَبَرُ قَوْلِهِ وَمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ إلَخْ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ الْمَحْكِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَرَادَ بِهِ بَيَانَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ يَكُونُ لَغْوًا عِنْدَهُ لَا عِنْدَنَا. وَقَدْ فَهِمَ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ كَلَامِ الْبَدَائِعِ حَيْثُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ عِنْدَنَا وَقَوْلُهُ فَيَرْجِعُ حَاصِلُ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ إلَخْ أَنَّ مَذْهَبَنَا فِي الْيَمِينِ اللَّغْوُ أَنَّهَا الَّتِي لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ فِي الْمَاضِي أَوْ الْحَالِ كَمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ. قُلْت: هَذَا وَإِنْ كَانَ يُوهِمُهُ آخِرُ كَلَامِ الْبَدَائِعِ، لَكِنَّ أَوَّلَهُ صَرِيحٌ بِخِلَافِهِ حَيْثُ عَزَا مَا فِي الْمُتُونِ إلَى أَصْحَابِنَا ثُمَّ نَقَلَ مَا حَكَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. فَعَلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ عِنْدَنَا إلَخْ بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَمَا قُلْنَا وَبَيْنَ الْمَذْهَبِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُنَافَاةٌ، فَإِنَّ حَلِفَهُ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ قَصْدٍ فِينَا فِي تَفْسِيرِ اللَّغْوِ بِاَلَّتِي لَا يَقْصِدُهَا، نَعَمْ ادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْمَقْصُودَةَ إذَا كَانَتْ لَغْوًا فَالَّتِي لَا يَقْصِدُهَا كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى فَيَكُونُ تَفْسِيرُنَا اللَّغْوَ أَعَمُّ مِنْ تَفْسِيرِ الشَّافِعِيِّ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا خُرُوجٌ عَنْ الْجَادَّةِ وَعَنْ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَقْلٍ صَرِيحٍ. وَاَلَّذِي دَعَاهُ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ نَظَرُهُ إلَى ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ الْأَخِيرَةِ وَقَدْ سَمِعْتَ تَأْوِيلَهَا، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ نَظَرَ إلَى كَلَامِ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ مَذْهَبَنَا أَعَمُّ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَلِذَا قَالَ وَخَصَّهُ الشَّافِعِيُّ فَافْهَمْ، نَعَمْ قَدْ يُقَالُ: إذَا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ لَغْوًا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ قَسَمًا خَارِجًا عَنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ اللَّغْوَ عِنْدَنَا قِسْمَانِ: الْأَوَّلُ مَا ذُكِرَ فِي الْمُتُونِ، وَالثَّانِي مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَتَكُونُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ بَيَانًا لِلْقَسَمِ الَّذِي سَكَتَ عَنْهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ، وَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْفَتْحِ التَّصْرِيحُ بِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ فِي اللَّغْوِ عَلَى التَّفْسِيرَيْنِ، فَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِهَذَا التَّوْفِيقِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ لِآتٍ) أَيْ وَلَوْ لِزَمَانٍ آتٍ أَيْ مُسْتَقْبَلٍ فَإِنَّهُ لَغْوٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا عِنْدَنَا حَتَّى عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَحْكِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ فَلِذَا قَالَ إلَخْ) أَيْ لِلِاخْتِلَافِ فِي اللَّغْوِ. قَالَ: وَيُرْجَى عَفْوُهُ، وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى تَعْلِيقِ مُحَمَّدٍ الْعَفْوَ بِالرَّجَاءِ بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى - {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89]- مَقْطُوعٌ بِهِ فَأَجَابَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ لِلِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِ اللَّغْوِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ اللَّغْوَ بِالتَّفْسِيرَيْنِ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ فِي الْآخِرَةِ وَكَذَا فِي الدُّنْيَا بِالْكَفَّارَةِ قَالَ: فَالْأَوْجَهُ مَا قِيلَ إنَّهُ لَمْ يُرَدْ بِهِ التَّعْلِيقُ، بَلْ التَّبَرُّكُ بِاسْمِهِ تَعَالَى وَالتَّأَدُّبُ «كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الْمُؤَاخَذَةِ الْمَنْفِيَّةِ هَلْ هِيَ الْمُعَاقَبَةُ فِي الْآخِرَةِ أَوْ الْكَفَّارَةُ قَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّ تَفْسِيرَ اللَّغْوِ عَلَى رَأَيْنَا لَيْسَ أَمْرًا مَقْطُوعًا بِهِ إذْ الشَّافِعِيُّ قَائِلٌ بِأَنَّهُ مِنْ الْمُنْعَقِدَةِ فَلَا جَرَمَ عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ وَهَذَا مَعْنًى دَقِيقٌ وَلَمْ أَرَ مَنْ عَرَّجَ عَلَيْهِ. اهـ. قُلْت: إنَّمَا لَمْ يُعَرِّجْ أَحَدٌ عَلَيْهِ لِمَا عَلِمَتْ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ الْمُؤَاخَذَة بِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَكَذَا فِي الدُّنْيَا بِالْكَفَّارَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 707 وَكَاللَّغْوِ حَلِفُهُ عَلَى مَاضٍ صَادِقًا كَوَاللَّهِ إنِّي لَقَائِمٌ الْآنَ فِي حَالِ قِيَامِهِ (وَ) ثَالِثُهَا (مُنْعَقِدَةٌ وَهِيَ حَلِفُهُ عَلَى) مُسْتَقْبَلٍ (آتٍ) يُمْكِنُهُ، فَنَحْوُ: وَاَللَّهِ لَا أَمُوتُ وَلَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ مِنْ الْغَمُوسِ (وَ) هَذَا الْقِسْمُ (فِيهِ الْكَفَّارَةُ) لِآيَةِ - {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89]- وَلَا يُتَصَوَّرُ حِفْظٌ إلَّا فِي مُسْتَقْبَلٍ (فَقَطْ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُكَفِّرُ فِي الْغَمُوسِ أَيْضًا (إنْ حَنِثَ، وَهِيَ) أَيْ الْكَفَّارَةُ (تَرْفَعُ الْإِثْمَ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ) مِنْهُ (التَّوْبَةُ) عَنْهَا (مَعَهَا) أَيْ مَعَ الْكَفَّارَةِ سِرَاجِيَّةٌ (وَلَوْ) الْحَالِفُ (مُكْرَهًا) أَوْ مُخْطِئًا   [رد المحتار] فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَكَاللَّغْوِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ حَلِفَهُ عَلَى مَاضٍ صَادِقًا يَمِينٌ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ فَيَكُونُ قِسْمًا رَابِعًا، وَهُوَ مُبْطِلٌ لِحَصْرِهِمْ الْيَمِينَ فِي الثَّلَاثَةِ. وَأَجَابَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِأَنَّهُمْ أَرَادُوا حَصْرَ الْيَمِينِ الَّتِي اعْتَبَرَهَا الشَّرْعُ وَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْأَحْكَامَ. وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ عَدَمَ الْإِثْمِ فِيهَا حُكْمٌ. وَقَالَ فِي النَّهْرِ: فِيهِ نَظَرٌ. قَالَ ح: وَالْحَقُّ مَا فِي الْبَحْرِ، وَلَا وَجْهَ لِلنَّظَرِ. اهـ. قُلْت: وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ فِيمَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِنْثُ لَا فِي مُطْلَقِ الْيَمِينِ (قَوْلُهُ كَوَاللَّهِ إنِّي لَقَائِمٌ الْآنَ) تَبِعَ فِيهِ النَّهْرُ، وَكَأَنَّهُ تَنْظِيرٌ لَا تَمْثِيلٌ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمَاضِيَ كَالْحَالِ. وَالْأَحْسَنُ قَوْلُ الْفَتْحِ كَوَاللَّهِ لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ أَمْسِ (قَوْلُهُ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ. اهـ. ح. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ لَفْظَ آتٍ اسْمُ فَاعِلٍ، وَحَقِيقَتُهُ مَا اتَّصَفَ بِالْوَصْفِ فِي الْحَالِ فَمِثْلُ قَائِمٍ حَقِيقَةً فِيمَنْ اتَّصَفَ بِالْإِتْيَانِ فِي الْحَالِ وَيَحْتَمِلُ الِاسْتِقْبَالَ، وَكَذَا لَفْظُ آتٍ حَقِيقَةً فِيمَنْ اتَّصَفَ بِالْإِتْيَانِ فِي الْحَالِ، وَيَحْتَمِلُ الِاسْتِقْبَالَ فَزَادَ الشَّارِحُ لَفْظَ مُسْتَقْبَلٍ لِدَفْعِ إرَادَةِ الْحَالِ. وَلَا يَرِدُ أَنَّ لَفْظَ مُسْتَقْبَلٍ حَقِيقَةً فِي الْحَالِ أَيْضًا. لِأَنَّا نَقُولُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُتَّصِفٌ فِي الْحَالِ بِكَوْنِهِ مُسْتَقْبَلًا أَيْ مُنْتَظَرًا وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي حُصُولَهُ فِي الْحَالِ، لَكِنْ كَانَ الْمُنَاسِبُ تَأْخِيرَ مُسْتَقْبَلٍ عَنْ آتٍ (قَوْلُهُ يُمْكِنُهُ) أَشَارَ إلَى مَا فِي النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ: وَيَجِبُ أَنْ يُرَادَ بِالْفِعْلِ فِعْلُ الْحَالِفِ لِيَخْرُجَ نَحْوُ وَاَللَّهِ لَا أَمُوتُ إلَخْ، لَكِنَّ هَذَا أَعَمُّ مِنْ الْمُمْكِنِ وَغَيْرِهِ، وَتَعْبِيرُ الشَّارِحِ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى عِبَارَةِ النَّهْرِ نَحْوِ وَاَللَّهِ لَأَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ وَلَا مَاءَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْبِرِّ مَعَ أَنَّهُ مِنْ فِعْلِهِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا الْمِثَالَ مِنْ الْغَمُوسِ، لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا عَلِمَ وَقْتَ الْحَلِفِ أَنَّهُ لَا مَاءَ فِيهِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَيْسَ مِنْهَا وَلَا مِنْ الْمُنْعَقِدَةِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ، فَإِنْ جُعِلَتْ مِنْ اللَّغْوِ انْتَقَضَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا لَا تَكُونُ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهَا غَيْرُ يَمِينٍ أَصْلًا سَوَاءٌ عَلِمَ أَوْ لَا، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْيَمِينِ إمْكَانُ الْبِرِّ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ حِفْظٌ إلَّا فِي مُسْتَقْبَلٍ) قُلْت: كَوْنُ الْحِفْظِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي مُسْتَقْبَلٍ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي مَاضٍ أَوْ فِي حَالٍ لِأَنَّ الْحِفْظَ مَنْعُ نَفْسِهِ عَنْ الْحِنْثِ فِيهَا بَعْدَ وُجُودِهَا مُتَرَدِّدَةً بَيْنَ الْهَتْكِ وَالْحِفْظِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ كُلَّ مُسْتَقْبَلٍ كَذَلِكَ: أَيْ يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِفْظُ حَتَّى يُرَدَّ عَلَيْهِ الْغَمُوسُ الْمُسْتَقْبَلَةُ الَّتِي لَا يُمْكِنُ حِفْظُهَا نَعَمْ يَرِدُ لَوْ قَالَ وَلَا يُتَصَوَّرُ مُسْتَقْبَلٌ إلَّا مَحْفُوظًا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ ظَاهِرٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَقَطْ) قَيْدٌ لِلْهَاءِ مِنْ فِيهِ، فَالْمَعْنَى أَنَّ فِيهِ لَا فِي غَيْرِهِ مِنْ قَسِيمَيْهِ الْكَفَّارَةَ لَا لِلْكَفَّارَةِ حَتَّى يَصِيرَ الْمَعْنَى أَنَّ فِيهِ الْكَفَّارَةَ لَا غَيْرَهَا مِنْ الْإِثْمِ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَفِيهِ فَقَطْ الْكَفَّارَةُ. اهـ. ح وَهَذَا جَوَابٌ لِلْعَيْنِيِّ دَفَعَ بِهِ اعْتِرَاضَ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى الْكَنْزِ بِأَنَّ الْمُنْعَقِدَةَ فِيهَا إثْمٌ أَيْضًا. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْإِثْمَ غَيْرُ لَازِمٍ لَهَا لِأَنَّ الْحِنْثَ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ تَخَلَّفَ لِعَارِضٍ فَلَا يُرَدُّ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ التَّوْبَةُ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْيَمِينِ، وَالْمُرَادُ عَنْ حِنْثِهِ فِيهَا وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّوْبَةِ وَقَوْلُهُ مَعَهَا مُتَعَلِّقٌ بِتُوجَدْ وَفِي عَدَمِ لُزُومِ التَّوْبَةِ مَعَ الْكَفَّارَةِ كَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ فِي جِنَايَاتِ الْحَجِّ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ أَوْ مُخْطِئًا) مَنْ أَرَادَ شَيْئًا فَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى غَيْرِهِ كَمَا أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ. قَالَ فِي النَّهْرِ: كَمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ اسْقِنِي الْمَاءَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ الْمَاءَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 708 أَوْ ذَاهِلًا أَوْ سَاهِيًا (أَوْ نَاسِيًا) بِأَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ ثُمَّ نَسِيَ وَحَلَفَ، فَيُكَفِّرُ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً لِحِنْثِهِ وَأُخْرَى إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ عَيْنِيٌّ لِحَدِيثِ «ثَلَاثٌ هَزْلُهُنَّ جِدٌّ» مِنْهَا الْيَمِينُ (فِي الْيَمِينِ أَوْ الْحِنْثِ) فَيَحْنَثُ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مُكْرَهًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَكَذَا) يَحْنَثُ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ (قَوْلُهُ أَوْ ذَاهِلًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا) قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَجَزَمَ كَثِيرٌ بِاتِّحَادِ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ، لِأَنَّ اللُّغَةَ لَا تُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ السَّهْوَ زَوَالُ الصُّورَةِ عَنْ الْمُدْرِكَةِ مَعَ بَقَائِهَا فِي الْحَافِظَةِ. وَالنِّسْيَانَ زَوَالُهَا عَنْهُمَا مَعًا فَيَحْتَاجُ حِينَئِذٍ فِي حُصُولِهَا إلَى سَبَبٍ جَدِيدٍ وَقِيلَ النِّسْيَانُ عَدَمُ ذِكْرِ مَا كَانَ مَذْكُورًا. وَالسَّهْوُ غَفْلَةٌ عَمَّا كَانَ مَذْكُورًا وَمَا لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا، فَالنِّسْيَانُ أَخَصُّ مِنْهُ. مُطْلَقًا. وَقِيلَ يُسَمَّى زَوَالُ إدْرَاكٍ سَابِقٍ قَصُرَ زَمَانُ زَوَالِهِ نِسْيَانًا وَغَفْلَةً لَا سَهْوًا، وَزَوَالُ إدْرَاكٍ سَابِقٍ طَالَ زَمَانُ زَوَالِهِ سَهْوًا وَنِسْيَانًا، فَالنِّسْيَانُ أَعَمُّ مِنْهُ مُطْلَقًا. وَقَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ: وَالْحَقُّ أَنَّ النِّسْيَانَ مِنْ الْوُجْدَانِيَّاتِ الَّتِي لَا تَفْتَقِرُ إلَى تَعْرِيفٍ بِحَسَبِ الْمَعْنَى، فَإِنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ النِّسْيَانَ كَمَا يَعْلَمُ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ اهـ ح. قُلْت: لَكِنَّ ظُهُورَ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّهْوِ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّعْرِيفِ. وَفِي الْمِصْبَاحِ: فَرَّقُوا بَيْنَ السَّاهِي وَالنَّاسِي، بِأَنَّ النَّاسِيَ إذَا ذَكَّرْتَهُ تَذَكَّرَ، وَالسَّاهِي بِخِلَافِهِ. اهـ. وَعَلَيْهِ فَالسَّهْوُ أَبْلَغُ مِنْ النِّسْيَانِ، وَفِيهِ ذَهَلَ بِفَتْحَتَيْنِ ذُهُولًا غَفَلَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: ذَهَلَ عَنْ الْأَمْرِ تَنَاسَاهُ عَمْدًا وَشُغِلَ عَنْهُ وَفِي لُغَةٍ مِنْ بَابِ تَعِبَ (قَوْلُهُ بِأَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَرَادَ بِالنَّاسِي الْمُخْطِئَ. وَفِي الْكَافِي: وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْعِنَايَةِ. وَالْفَتْحِ هُوَ مَنْ تَلَفَّظَ بِالْيَمِينِ ذَاهِلًا عَنْهُ، وَالْمُلْجِئُ إلَى ذَلِكَ أَنَّ حَقِيقَةَ النِّسْيَانِ فِي الْيَمِينِ لَا تُتَصَوَّرُ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَقَالَ الْعَيْنِيُّ وَتَبِعَهُ الشُّمُنِّيُّ: بَلْ تُصَوَّرُ بِأَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ ثُمَّ نَسِيَ الْحَلِفَ السَّابِقَ فَحَلَفَ. وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا لَا أَنَّ حَلِفَهُ كَانَ نَاسِيًا. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ فِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ نَاسِيًا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ يَمِينًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَأُخْرَى بِاعْتِبَارِ حِنْثِهِ فِي الْيَمِينِ اهـ كَلَامُ النَّهْرِ. أَقُولُ: الْحَقُّ مَا فِي الْبَحْرِ، فَإِنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا وَإِنْ لَمْ يُنَافِ كَوْنَهُ يَمِينًا، لَكِنْ تَعَلَّقَ النِّسْيَانُ بِهِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ حِنْثًا لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ يَمِينًا إذْ هُوَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ النِّسْيَانُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مُنْصِفٍ. اهـ. ح (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إلَخْ) فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِلْعَلَّامَةِ مُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي: لَفْظُ الْيَمِينِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ إنَّمَا الْمَعْرُوفُ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ بِلَفْظِ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فَقَالَ «الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالْعَتَاقُ» ". اهـ. وَفِي الْفَتْحِ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ الْيَمِينِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ جَعْلُ الْهَزْلِ بِالْيَمِينِ جِدًّا وَالْهَازِلُ قَاصِدٌ الْيَمِينَ غَيْرَ رَاضٍ بِحُكْمِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ عَدَمُ رِضَاهُ بِهِ شَرْعًا بَعْدَ مُبَاشَرَتِهِ السَّبَبَ مُخْتَارًا، وَالنَّاسِي بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا أَصْلًا وَلَمْ يَدْرِ مَا صُنِعَ، وَكَذَا الْمُخْطِئ لَمْ يَقْصِدْ قَطُّ التَّلَفُّظَ بِهِ بَلْ بِشَيْءٍ آخَرَ، فَلَا يَكُونُ الْوَارِدُ فِي الْهَازِلِ وَارِدًا فِي النَّاسِي الَّذِي لَمْ يَقْصِدْ قَطُّ مُبَاشَرَةَ السَّبَبِ فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ نَصًّا وَلَا قِيَاسًا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْيَمِينِ أَوْ الْحِنْثِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلَوْ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْإِكْرَاهُ أَوْ النِّسْيَانُ فِي نَفْسِ الْيَمِينِ وَقَدْ مَرَّ، أَوْ فِي الْحِنْثِ بِأَنْ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا لِأَنَّ الْفِعْلَ شَرْطُ الْحِنْثِ وَهُوَ سَبَبُ الْكَفَّارَةِ وَالْفِعْلُ الْحَقِيقِيُّ لَا يَنْعَدِمُ بِالْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ (قَوْلُهُ فَيَحْنَثُ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ) فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ، كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ فَصَبَّ الْمَاءَ فِي حَلْقِهِ مُكْرَهًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 709 (لَوْ فَعَلَهُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ) فَيُكَفِّرُ بِالْحِنْثِ كَيْفَ كَانَ. (وَالْقَسَمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى) وَلَوْ بِرَفْعِ الْهَاءِ أَوْ نَصْبِهَا أَوْ حَذْفِهَا كَمَا يَسْتَعْمِلُهُ الْأَتْرَاكُ، وَكَذَا وَاسْمُ اللَّهِ كَحَلِفِ النَّصَارَى وَكَذَا بِاسْمِ اللَّهِ لَأَفْعَلُ كَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ، بِخِلَافِ بِلِّهِ بِكَسْرِ اللَّامِ إلَّا إذَا كَسَرَ الْهَاءَ وَقَصَدَ الْيَمِينَ (وَبِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ) وَلَوْ مُشْتَرَكًا تُعُورِفَ الْحَلِفُ بِهِ أَوْ لَا عَلَى الْمَذْهَبِ (كَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ) وَالْحَلِيمِ وَالْعَلِيمِ وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ   [رد المحتار] فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لَوْ فَعَلَهُ وَهُوَ مُغْمًى إلَخْ) أَمَّا لَوْ حَلَفَ وَهُوَ كَذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِعَدَمِ شَرْطِ الصِّحَّةِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَالْقَسَمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى) أَيْ بِهَذَا الِاسْمِ الْكَرِيمِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِرَفْعِ الْهَاءِ) مِثْلُهُ سُكُونُهَا كَمَا فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ. قَالَ وَهَذَا إذَا ذُكِرَ بِالْبَاءِ، وَأَمَّا بِالْوَاوِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِالْجَرِّ. اهـ. ح. قُلْت: أَمَّا الرَّفْعُ مَعَ الْوَاوِ فَلِأَنَّهُ يَصِيرُ مُبْتَدَأً وَكَذَا النَّصْبُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَفْعُولًا لِنَحْوِ أَعْبُدُ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا، وَأَمَّا السُّكُونُ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَجْرُورًا وَسَكَنَ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ يَمِينًا، عَلَى أَنَّ الرَّفْعَ يَحْتَمِلُ تَقْدِيرَ خَبَرِهِ قَسَمِي كَمَا سَيَأْتِي فِي حَذْفِ حَرْفِ الْقَسَمِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَخْصِيصَ مَا ذُكِرَ بِالْبَاءِ مُشْكِلٌ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ غَيْرَ الْمَجْرُورِ مَعَ الْوَاوِ لَا يَكُونُ صَرِيحًا فِي الْقَسَمِ فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ، وَهَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ مَنْقُولًا وَلَمْ أَرَهُ، نَعَمْ ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي حَذْفِ حَرْفِ الْقَسَمِ. فَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ اللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَسَكَّنَ الْهَاءَ أَوْ نَصَبَهَا لَا يَكُونُ يَمِينًا لِانْعِدَامِ حَرْفِ الْقَسَمِ إلَّا أَنْ يُعْرِبَهَا بِالْكَسْرِ، لِأَنَّ الْكَسْرَ يَقْتَضِي سَبْقَ الْخَافِضِ وَهُوَ حَرْفُ الْقَسَمِ. وَقِيلَ يَكُونُ يَمِينًا بِدُونِ الْكَسْرِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَإِنْ نَصَبَهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ يَكُونُ يَمِينًا. اهـ. قُلْت: وَمِثْلُهُ تَسْكِينُ الْهَاءِ عَلَى مَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْإِعْرَابِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى حُرُوفِ الْقَسَمِ (قَوْلُهُ أَوْ حَذْفِهَا) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى: وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ بِغَيْرِ هَاءٍ كَعَادَةِ الشُّطَّارِ فَيَمِينٌ. قُلْت: فَعَلَى هَذَا مَا يَسْتَعْمِلُهُ الْأَتْرَاكُ بِاَللَّهِ بِغَيْرِ هَاءٍ يَمِينٌ أَيْضًا اهـ وَهَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ، وَلَعَلَّ أَحَدَ الْمَوْضِعَيْنِ بِغَيْرِ هَاءٍ وَبِالْوَاوِ لَا بِالْهَمْزِ أَيْ بِغَيْرِ الْأَلْفِ الَّتِي هِيَ الْحَرْفُ الْهَاوِي تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْته كَذَلِكَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِهَا: الْمُرَادُ بِالْهَاوِي الْأَلِفُ بَيْنَ الْهَاءِ وَاللَّامِ، فَإِذَا حَذَفَهَا الْحَالِفُ أَوْ الذَّابِحُ أَوْ الدَّاخِلُ فِي الصَّلَاةِ قِيلَ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ سُمِعَ حَذْفُهَا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَقِيلَ يَضُرُّ (قَوْلُهُ وَكَذَا وَاسْمُ اللَّهِ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ: قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ الْمُخْتَارُ لَيْسَ يَمِينًا لِعَدَمِ التَّعَارُفِ وَعَلَى هَذَا بِالْوَاوِ، إلَّا أَنَّ نَصَارَى دِيَارِنَا تَعَارَفُوهُ فَيَقُولُونَ وَاسْمُ اللَّهِ اهـ أَيْ فَيَكُونُ يَمِينًا لِمَنْ تَعَارَفَهُ مِثْلُهُمْ لَا لَهُمْ، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ شَرْطَهُ الْإِسْلَامُ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ بِاسْمِ اللَّهِ يَمِينٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الِاسْمَ وَالْمُسَمَّى وَاحِدٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَكَانَ الْحَلِفُ بِالِاسْمِ حَلِفًا بِالذَّاتِ كَأَنَّهُ قَالَ بِاَللَّهِ اهـ وَالْعُرْفُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي الْأَسْمَاءِ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ " وَاسْمِ اللَّهِ " كَذَلِكَ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ النَّصَارَى (قَوْلُهُ بِكَسْرِ اللَّامِ إلَخْ) أَيْ بِدُونِ مَدٍّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ بِالْأَوْلَى الْمَدُّ عَلَى صُورَةِ الْإِمَالَةِ، وَكَذَا فَتْحُ اللَّامِ بِدُونِ مَدٍّ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَتَكَلَّمُ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْبِلَادِ فَهُوَ لُغَتُهُمْ، لَكِنْ إذَا تَكَلَّمَ بِهِ مَنْ كَانَ ذَلِكَ لُغَتَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَصْدُ الْيَمِينِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُشْتَرَكًا إلَخْ) وَقِيلَ كُلُّ اسْمٍ لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ تَعَالَى كَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فَهُوَ يَمِينٌ؛ وَمَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ كَالْحَلِيمِ وَالْعَلِيمِ، فَإِنْ أَرَادَ الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا وَإِلَّا لَا وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ مُسْتَعْمَلًا لِغَيْرِهِ تَعَالَى أَيْضًا لَمْ تَتَعَيَّنْ إرَادَةُ أَحَدِهِمَا إلَّا بِالنِّيَّةِ. وَرَدَّهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ دَلَالَةَ الْقَسَمِ مُعَيِّنَةٌ لِإِرَادَةِ الْيَمِينِ إذْ الْقَسَمُ بِغَيْرِهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ، نَعَمْ إذَا نَوَى غَيْرَهُ صُدِّقَ لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا مُنَافٍ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْعَامَّةَ يُجَوِّزُونَ الْحَلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى نَهْرٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 710 وَالطَّالِبِ الْغَالِبِ (وَالْحَقِّ) مُعَرَّفًا لَا مُنَكَّرًا كَمَا سَيَجِيءُ. وَفِي الْمُجْتَبَى: لَوْ نَوَى بِغَيْرِ اللَّهِ غَيْرَ الْيَمِينِ دُيِّنَ (أَوْ بِصِفَةٍ) يُحْلَفُ بِهَا عُرْفًا (مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى)   [رد المحتار] أَقُولُ: هَذَا غَفْلَةٌ عَنْ تَحْرِيرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ، فَإِنَّ الَّذِي جَوَّزَهُ الْعَامَّةُ مَا كَانَ تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ لَا مَا كَانَ فِيهِ حَرْفُ الْقَسَمِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ وَلَا عَلَى الْعُرْفِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ: وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، مِنْ أَنَّهُ: لَوْ قَالَ وَالرَّحْمَنِ لَا أَفْعَلُ إنْ أَرَادَ بِهِ السُّورَةَ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ وَالْقُرْآنِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ اللَّهَ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينًا. اهـ. لِأَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الرَّحْمَنِ قَوْلُ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ (قَوْلُهُ وَالطَّالِبِ الْغَالِبِ) فَهُوَ يَمِينٌ وَهُوَ مُتَعَارَفُ أَهْلِ بَغْدَادَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ يَلْزَمُ إمَّا اعْتِبَارُ الْعُرْفِ فِيمَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْ الْأَسْمَاءِ فَإِنَّ الطَّالِبَ لَمْ يُسْمَعْ بِخُصُوصِهِ بَلْ الْغَالِبُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف: 21]- وَإِمَّا كَوْنُهُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْمُفَصَّلِ فِي الْأَسْمَاءِ اهـ أَيْ مِنْ أَنَّهُ تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ وَالْعُرْفُ فِي الِاسْمِ الْمُشْتَرَكِ كَمَا مَرَّ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ بَعْدَ مَا حُكِمَ بِكَوْنِهِ يَمِينًا أَخْبَرَ بِأَنَّ أَهْلَ بَغْدَادَ تَعَارَفُوا الْحَلِفَ بِهَا. اهـ. قُلْت: يُنَافِيهِ قَوْلُهُ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ فَهُوَ يَمِينٌ لِتَعَارُفِ أَهْلِ بَغْدَادَ، حَيْثُ جَعَلَ التَّعَارُفَ عِلَّةَ كَوْنِهِ يَمِينًا فَلَا مَحِيصَ عَمَّا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ. وَأَيْضًا عَدَمُ ثُبُوتِ كَوْنِ الطَّالِبِ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَرِينَةٍ تُعَيِّنُ كَوْنَ الْمُرَادِ بِهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ الْعُرْفُ مَعَ اقْتِرَانه بِالْغَالِبِ الْمَسْمُوعِ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ تَعَالَى، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مَسْمُوعًا لَكِنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ مُقْسَمًا بِهِ أَصَالَةً بَلْ جُعِلَ صِفَةً لَهُ فَلَا يَكُونُ قَسَمًا بِدُونِهِ كَمَا فِي الْأَوَّلِ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ فَإِنَّهُ لَا يُقْسَمُ بِالْأَوَّلِ بِدُونِ هَذِهِ الصِّفَةِ، وَمِثْلُهُ الْآخِرُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ فَافْهَمْ. وَمَا وَقَعَ فِي الْبَحْرِ مِنْ عَطْفِ الْغَالِبِ بِالْوَاوِ فَهُوَ خِلَافُ الْمَوْجُودِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ بَعْدَ وَرَقَةٍ، وَسَيَجِيءُ تَفْصِيلُهُ وَبَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) الْمُرَادُ بِهِ الْأَسْمَاءُ الْمُشْتَرَكَةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَقَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ وَظَاهِرُهُ أَنْ يُصَدَّقَ قَضَاءً. وَعِبَارَةُ الْمُجْتَبَى: وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا قَصَدَ بِهَا غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ حَالِفًا بِاَللَّهِ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ فِي أَمْرٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَعَالَى اهـ وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ كَمَا مَرَّ. [تَنْبِيهٌ] اعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ التَّعْبِيرَ بِالْقَضَاءِ وَالدِّيَانَةِ بِمَا فِي الْبَحْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ زَادَ ثَوْبًا إلَخْ مِنْ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الدِّيَانَةِ وَالْقَضَاءِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَا فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقُّهُ تَعَالَى لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهَا مَدْخَلٌ حَتَّى يُرْفَعَ الْحَالِفُ إلَى الْقَاضِي. اهـ. قُلْت: قَدْ يَظْهَرُ فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا عَلَى حَلِفِهِ ثُمَّ حَلَفَ بِذَلِكَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ بِصِفَةٍ إلَخْ) الْمُرَادُ بِهَا اسْمُ الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَتَضَمَّنُ ذَاتًا وَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا بِهُوَ هُوَ كَالْعِزَّةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الْعَظِيمِ، وَتَتَقَيَّدُ بِكَوْنِ الْحَلِفِ بِهَا مُتَعَارَفًا سَوَاءٌ كَانَتْ صِفَةَ ذَاتٍ أَوْ فِعْلٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ. وَلِمَشَايِخِ الْعِرَاقِ تَفْصِيلٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْحَلِفَ بِصِفَاتِ الذَّاتِ يَمِينٌ لَا بِصِفَاتِ الْفِعْلِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ عِنْدَهُمْ لِلْعُرْفِ وَعَدَمِهِ فَتْحٌ مُلَخَّصًا، وَمِثْلُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ بِزِيَادَةِ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَصَحُّ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّهَا صِفَاتُ الذَّاتِ وَكُلُّهَا قَدِيمَةٌ وَالْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ، مَا يَتَعَارَفُ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا فَلَا اهـ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ كُلُّهَا صِفَاتُ الذَّاتِ أَنَّ الذَّاتَ الْكَرِيمَةَ مَوْصُوفَةٌ بِهَا فَيُزَادُ بِهَا الذَّاتُ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا يُسَمَّى صِفَةَ ذَاتٍ أَوْ صِفَةَ فِعْلٍ فَيَكُونُ الْحَلِفُ بِهَا حَلِفًا بِالذَّاتِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ نَفْيُ صِفَةِ الْفِعْلِ تَأَمَّلْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 711 صِفَةِ ذَاتٍ لَا يُوصَفُ بِضِدِّهَا (كَعِزَّةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ) وَمَلَكُوتِهِ وَجَبَرُوتِهِ (وَعَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ) أَوْ صِفَةِ فِعْلٍ يُوصَفُ بِهَا وَبِضِدِّهَا كَالْغَضَبِ وَالرِّضَا، فَإِنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ، فَمَا تُعُورِفَ الْحَلِفُ بِهِ فَيَمِينٌ وَمَا لَا فَلَا. (لَا) يُقْسَمُ (بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ وَالْكَعْبَةِ) قَالَ الْكَمَال: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَلِفَ بِالْقُرْآنِ الْآنَ مُتَعَارَفٌ فَيَكُونُ يَمِينًا. وَأَمَّا الْحَلِفُ بِكَلَامِ اللَّهِ   [رد المحتار] ثُمَّ رَأَيْت الْمُصَنِّفَ اسْتَشْكَلَهُ وَأَجَابَ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ صِفَاتِ الْفِعْلِ تَرْجِعُ فِي الْحَقِيقَةِ إلَى الْقُدْرَةِ عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ وَالْقُدْرَةُ صِفَةُ ذَاتٍ اهـ وَمَا قُلْنَاهُ أَوْلَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ صِفَةَ ذَاتٍ) مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَهُ أَوْ صِفَةَ فِعْلٍ بَدَلَ مُفَصَّلٍ مِنْ مُجْمَلٍ، وَقَوْلُهُ لَا يُوصَفُ بِضِدِّهَا إلَخْ بَيَانٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ كَعِزَّةِ اللَّهِ) قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: أَيْ غَلَبَتِهِ مِنْ حَدِّ نَصَرَ، أَوْ عَدَمِ النَّظِيرِ مِنْ حَدِّ ضَرَبَ، أَوْ عَدِمَ الْحَطَّ مِنْ مَنْزِلَتِهِ مِنْ حَدِّ عَلِمَ، وَقَوْلُهُ وَجَلَالِهِ: أَيْ كَوْنِهِ كَامِلَ الصِّفَاتِ وَقَوْلُهُ وَكِبْرِيَائِهِ: أَيْ كَوْنِهِ كَامِلَ الذَّاتِ اهـ (قَوْلُهُ وَمَلَكُوتِهِ وَجَبَرُوتِهِ) بِوَزْنِ فَعَلُوتٍ وَزِيَادَةُ الْهَمْزَةِ فِي جَبَرُوتٍ خَطَأٌ فَاحِشٌ. وَفِي شَرْحِ الشِّفَاءِ لِلشِّهَابِ: الْمَلَكُوتُ صِفَةُ مُبَالَغَةٍ مِنْ الْمُلْكِ كَالرَّحَمُوتِ مِنْ الرَّحْمَةِ، وَقَدْ يُخَصُّ بِمَا يُقَابِلُ عَالَمَ الشَّهَادَةِ وَيُسَمَّى عَالَمَ الْأَمْرِ، كَمَا أَنَّ مُقَابِلَهُ يُسَمَّى عَالَمَ الشَّهَادَةِ وَعَالَمَ الْمُلْكِ اهـ وَفِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ: قَالَ الرَّاغِبُ: أَصْلُ الْجَبْرِ إصْلَاحُ الشَّيْءِ بِضَرْبٍ مِنْ الْقَهْرِ. وَقَدْ يُقَالُ فِي الْإِصْلَاحِ الْمُجَرَّدِ كَقَوْلِ عَلِيٍّ: يَا جَابِرَ كُلِّ كَسِيرٍ وَمُسَهِّلَ كُلِّ عَسِيرٍ، وَتَارَةً فِي الْقَهْرِ الْمُجَرَّدِ اهـ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَعَظَمَتِهِ) أَيْ كَوْنِهِ كَامِلَ الذَّاتِ أَصَالَةً وَكَامِلَ الصِّفَاتِ تَبَعًا، وَقَوْلُهُ وَقُدْرَتِهِ: أَيْ كَوْنِهِ يَصِحُّ مِنْهُ كُلٌّ مِنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَالْغَضَبِ وَالرِّضَا) أَيْ الِانْتِقَامِ وَالْإِنْعَامِ، وَهَذَا تَمْثِيلٌ لِصِفَةِ الْفِعْلِ فِي حَدِّ ذَاتِهَا، فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي أَنَّ الرِّضَا وَالْغَضَبَ لَا يُحْلَفُ بِهِمَا ط (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ) عِلَّةٌ لِلتَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ عُرْفًا ط وَهَذَا خَاصٌّ بِالصِّفَاتِ، بِخِلَافِ الْأَسْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ فِيهَا كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ لَا يُقْسَمُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالْقَسَمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى: أَيْ لَا يَنْعَقِدُ الْقَسَمُ بِغَيْرِهِ تَعَالَى أَيْ غَيْرِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَلَوْ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ كَمَا مَرَّ، بَلْ يَحْرُمُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، بَلْ يُخَافُ مِنْهُ الْكُفْرُ فِي نَحْوِ وَحَيَاتِي وَحَيَاتِك كَمَا يَأْتِي. مَطْلَبٌ فِي الْقُرْآنِ (قَوْلُهُ قَالَ الْكَمَالُ إلَخْ) مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ بِمَعْنَى كَلَامِ اللَّهِ، فَيَكُونُ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَمَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ حَالِفًا كَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " مَنْ كَانَ مِنْكُمْ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ " وَكَذَا إذَا حَلَفَ بِالْقُرْآنِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ اهـ. فَقَوْلُهُ وَكَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَسَمٍ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ هُوَ مِنْ قَسَمِ الصِّفَاتِ وَلِذَا عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، وَلَوْ كَانَ مِنْ الْقَسَمِ الْأَوَّلِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْقُدُورِيِّ لَكَانَتْ الْعِلَّةُ فِيهِ النَّهْيَ الْمَذْكُورَ أَوْ غَيْرَهُ لِأَنَّ التَّعَارُفَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الصِّفَاتِ الْمُشْتَرَكَةِ لَا فِي غَيْرِهَا. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَتَعْلِيلُ عَدَمِ كَوْنِهِ يَمِينًا بِأَنَّهُ غَيْرُهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ لِأَنَّهُ حُرُوفٌ وَغَيْرُ الْمَخْلُوقِ هُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ مُنِعَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنَزَّلَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ إلَّا الْحُرُوفَ الْمُنْقَضِيَةَ الْمُنْعَدِمَةَ، وَمَا ثَبَتَ قِدَمُهُ اسْتَحَالَ عَدَمُهُ، غَيْرَ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَوَّامَ إذَا قِيلَ لَهُمْ إنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ تَعَدَّوْا إلَى الْكَلَامِ مُطْلَقًا. اهـ. وَقَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى إلَخْ رُدَّ لِلْمَنْعِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمَخْلُوقِ هُوَ الْقُرْآنُ بِمَعْنَى كَلَامِ اللَّهِ الصِّفَةُ النَّفْسِيَّةُ الْقَائِمَةُ بِهِ تَعَالَى لَا بِمَعْنَى الْحُرُوفِ الْمُنَزَّلَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُقَالُ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 712 فَيَدُورُ مَعَ الْعُرْفِ. وَقَالَ الْعَيْنِيُّ: وَعِنْدِي أَنَّ الْمُصْحَفَ يَمِينٌ لَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا. وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ الْمُصْحَفُ وَالْقُرْآنُ وَكَلَامُ اللَّهِ يَمِينٌ. زَادَ أَحْمَدُ وَالنَّبِيُّ أَيْضًا، وَلَوْ تَبَرَّأَ مِنْ أَحَدِهَا فَيَمِينٌ إجْمَاعًا إلَّا مِنْ الْمُصْحَفِ إلَّا أَنْ يَتَبَرَّأَ مِمَّا فِيهِ، بَلْ لَوْ تَبَرَّأَ مِنْ دَفْتَرٍ فِيهِ بَسْمَلَةٌ كَانَ يَمِينًا، وَلَوْ تَبَرَّأَ مِنْ كُلِّ آيَةٍ فِيهِ أَوْ مِنْ الْكُتُبِ الْأَرْبَعَةِ فَيَمِينٌ وَاحِدَةٌ؛ وَلَوْ كَرَّرَ الْبَرَاءَةَ فَأَيْمَانٌ بِعَدَدِهَا، وَبَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَبَرِيءٌ مِنْ رَسُولِهِ يَمِينَانِ؛ وَلَوْ زَادَ: وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ فَأَرْبَعٌ، وَبَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ أَلْفَ مَرَّةٍ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَبَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ الْقِبْلَةِ أَوْ صَوْمِ رَمَضَانَ أَوْ الصَّلَاةِ   [رد المحتار] قُلْت: فَحَيْثُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُهُ تَعَالَى بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ صِفَةً لَهُ لِأَنَّ الصِّفَاتِ لَيْسَتْ عَيْنًا وَلَا غَيْرًا كَمَا قَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ، وَلِذَا قَالُوا: مَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ فَهُوَ كَافِرٌ. وَنَقَلَ فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ: وَقَدْ قِيلَ هَذَا فِي زَمَانِهِمْ، أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَيَمِينٌ وَبِهِ نَأْخُذُ وَنَأْمُرُ وَنَعْتَقِدُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ: إنَّهُ يَمِينٌ، وَبِهِ أَخَذَ جُمْهُورُ مَشَايِخِنَا اهـ فَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِكَوْنِهِ صِفَةً تُعُورِفَ الْحَلِفُ بِهَا كَعِزَّةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ (قَوْلُهُ فَيَدُورُ مَعَ الْعُرْفِ) لِأَنَّ الْكَلَامَ صِفَةٌ مُشْتَرَكَةٌ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ إلَخْ) عِبَارَتُهُ: وَعِنْدِي لَوْ حَلَفَ بِالْمُصْحَفِ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: وَحَقِّ هَذَا فَهُوَ يَمِينٌ وَلَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ الَّذِي كَثُرَتْ فِيهِ الْأَيْمَانُ الْفَاجِرَةُ وَرَغْبَةُ الْعَوَّامِ فِي الْحَلِفِ بِالْمُصْحَفِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ. وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إذْ الْمُصْحَفُ لَيْسَ صِفَةً لِلَّهِ تَعَالَى حَتَّى يُعْتَبَرَ فِيهِ الْعُرْفُ وَإِلَّا لَكَانَ الْحَلِفُ بِالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ يَمِينًا لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ، وَكَذَا بِحَيَاةِ رَأْسِك وَنَحْوِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْحَالِفِ وَحَقِّ اللَّهِ لَيْسَ بِيَمِينٍ كَمَا يَأْتِي تَحْقِيقُهُ، وَحَقِّ الْمُصْحَفِ مِثْلُهُ بِالْأَوْلَى، وَكَذَا وَحَقُّ كَلَامِ اللَّهِ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعْظِيمُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ وَذَلِكَ صِفَةُ الْعَبْدِ، نَعَمْ لَوْ قَالَ أُقْسِمُ بِمَا فِي هَذَا الْمُصْحَفِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ يَمِينًا (قَوْلُهُ وَلَوْ تَبَرَّأَ مِنْ أَحَدِهَا) أَيْ أَحَدِ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ النَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ وَالْقِبْلَةِ. (قَوْلُهُ إلَّا مِنْ الْمُصْحَفِ) أَيْ فَلَا يَكُونُ التَّبَرِّي مِنْهُ يَمِينًا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَرَقُ وَالْجِلْدُ، وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَتَبَرَّأَ مِمَّا فِيهِ لِأَنَّ مَا فِيهِ هُوَ الْقُرْآنُ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَبَرَّأَ مِنْ الْمُصْحَفِ انْعَقَدَ يَمِينًا فَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ، فَإِنَّ عِبَارَةَ الْمُجْتَبَى هَكَذَا: وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِمَّا فِي الْمُصْحَفِ فَيَمِينٌ، وَلَوْ قَالَ مِنْ الْمُصْحَفِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ بَلْ لَوْ تَبَرَّأَ مِنْ دَفْتَرٍ) صَوَابُهُ مِمَّا فِي دَفْتَرٍ كَمَا عَلِمْته فِي الْمُصْحَفِ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ رَفَعَ كِتَابَ الْفِقْهِ أَوْ دَفْتَرَ الْحِسَابِ فِيهِ مَكْتُوبٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَقَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا فِيهِ إنْ فَعَلَ كَذَا فَفَعَلَ كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، كَمَا لَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ تَبَرَّأَ مِنْ كُلِّ آيَةٍ فِيهِ) أَيْ فِي الْمُصْحَفِ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَالذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّة (قَوْلُهُ وَلَوْ كَرَّرَ الْبَرَاءَةَ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ قَالَ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْكُتُبِ الْأَرْبَعَةِ فَهُوَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَا هُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَالزَّبُورِ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَلَوْ قَالَ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَبَرِيءٌ مِنْ التَّوْرَاةِ وَبَرِيءٌ مِنْ الْإِنْجِيلِ وَبَرِيءٌ مِنْ الزَّبُورِ فَهِيَ أَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ مَتَى تَعَدَّدَتْ صِيغَةُ الْبَرَاءَةِ تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ، وَإِذَا اتَّحَدَتْ اتَّحَدَتْ (قَوْلُهُ يَمِينَانِ) أَيْ لِتَكَرُّرِ الْبَرَاءَةِ مَرَّتَيْنِ؛ أَمَّا لَوْ قَالَ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَقِيلَ يَمِينَانِ وَصَحَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُجْتَبَى الْأَوَّلَ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ هُنَا مُوهِمَةٌ خِلَافَ الْمُرَادِ. (قَوْلُهُ فَأَرْبَعٌ) لِأَنَّ لَفْظَ الْبَرَاءَةِ فِي الثَّانِيَةِ مَذْكُورٌ مَرَّتَيْنِ بِسَبَبِ التَّثْنِيَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ قَوْلَهُ أَلْفَ مَرَّةٍ لِلْمُبَالَغَةِ فَلَمْ يَتَكَرَّرْ فِيهَا اللَّفْظُ حَقِيقَةً تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ صَوْمِ رَمَضَانَ إلَخْ) زَادَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِينَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ إنْ فَعَلْت كَذَا، فَإِنْ نَوَى الْبَرَاءَةَ مِنْ فَرْضِيَّتِهَا فَيَمِينٌ أَوْ مِنْ أَجْرِهَا فَلَا، وَكَذَا لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لِلشَّكِّ؛ وَلَوْ قَالَ فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ حُجَّتِي الَّتِي حَجَجْت أَوْ مِنْ صَلَاتِي الَّتِي صَلَّيْت لَا يَكُونُ يَمِينًا، بِخِلَافِ قَوْلِهِ مِنْ الْقُرْآنِ الَّذِي تَعَلَّمْت فَإِنَّهُ يَمِينٌ. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ تَبَرَّأَ عَنْ فِعْلِهِ لَا عَنْ الْحَجَّةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 713 أَوْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ أَعْبُدُ الصَّلِيبَ يَمِينٌ، لِأَنَّهُ كُفْرٌ وَتَعْلِيقُ الْكُفْرِ بِالشَّرْطِ يَمِينٌ وَسَيَجِيءُ أَنَّهُ إنْ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ بِهِ يَكْفُرُ وَإِلَّا يُكَفِّرُ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالتَّجْرِيدِ: وَتَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ لِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ، وَالْمَجْلِسِ وَالْمَجَالِسِ سَوَاءٌ؛ وَلَوْ قَالَ: عَنَيْت بِالثَّانِي الْأَوَّلَ فَفِي حَلِفِهِ بِاَللَّهِ لَا يُقْبَلُ، وَبِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ يُقْبَلُ. وَفِيهِ مَعْزِيًّا لِلْأَصْلِ: هُوَ يَهُودِيٌّ هُوَ نَصْرَانِيٌّ يَمِينَانِ، وَكَذَا وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ أَوْ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فِي الْأَصَحِّ. وَاتَّفَقُوا أَنَّ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ يَمِينَانِ، وَبِلَا عَطْفٍ وَاحِدَةٌ. وَفِيهِ مَعْزِيًّا لِلْفَتْحِ. قَالَ الرَّازِيّ: أَخَافُ عَلَى مَنْ قَالَ بِحَيَاتِي وَحَيَاتِك وَحَيَاةِ رَأْسِك أَنَّهُ يَكْفُرُ   [رد المحتار] الْمَشْرُوعَةِ، وَفِي الثَّانِي الْقُرْآنُ قُرْآنٌ، وَإِنْ تَعَلَّمَهُ فَالتَّبَرِّي عَنْهُ كُفْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ) لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْهُمْ تَكُونُ لِإِنْكَارِ الْأَيْمَانِ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ أَوْ أَعْبُدُ الصَّلِيبَ) كَأَنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا أَعْبُدُ الصَّلِيبَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كُفْرٌ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَلَوْ تَبَرَّأَ مِنْ أَحَدِهَا مَعَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَتَعْلِيقُ الْكُفْرِ إلَخْ) وَلَوْ قَالَ هُوَ يَسْتَحِلُّ الْمَيْتَةَ أَوْ الْخَمْرَ أَوْ الْخِنْزِيرَ إنْ فَعَلَ كَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ هُوَ حَرَامٌ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً بِحَيْثُ لَا تَسْقُطُ حُرْمَتُهُ بِحَالٍ كَالْكُفْرِ وَأَشْبَاهِهِ، فَاسْتِحْلَالُهُ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ يَكُونُ يَمِينًا، وَمَا تَسْقُطُ حُرْمَتُهُ بِحَالٍ كَالْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَلَا ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ قَرِيبًا فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا يُكَفِّرُ) بِالتَّشْدِيدِ: أَيْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ. مَطْلَبٌ تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ لِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ (قَوْلُهُ وَتَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ لِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ) وَفِي الْبُغْيَةِ: كَفَّارَاتُ الْأَيْمَانِ إذَا كَثُرَتْ تَدَاخَلَتْ، وَيَخْرُجُ بِالْكَفَّارَةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ عُهْدَةِ الْجَمِيعِ. وَقَالَ شِهَابُ الْأَئِمَّةِ: هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ. قَالَ صَاحِبُ الْأَصْلِ: هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدِي. اهـ. مَقْدِسِيٌّ، وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَبِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ يُقْبَلُ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ ثُمَّ حَلَفَ ثَانِيًا كَذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي إخْبَارًا عَنْ الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُهُ مَرَّتَيْنِ فَإِنَّ الثَّانِيَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِخْبَارَ فَلَا تَصِحُّ بِهِ نِيَّةُ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَأَيْته كَذَلِكَ فِي الذَّخِيرَةِ. وَفِي ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: وَإِنْ كَانَ إحْدَى الْيَمِينَيْنِ بِحَجَّةٍ وَالْأُخْرَى بِاَللَّهِ تَعَالَى فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَحَجَّةٌ (قَوْلُهُ وَفِيهِ مَعْزِيًّا لِلْأَصْلِ إلَخْ) أَيْ وَفِي الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ سَقْطًا، فَإِنَّ الَّذِي فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْلِ: لَوْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ هُوَ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا هُوَ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُمَا يَمِينَانِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ: أَيْ إذَا ذَكَرَ الْوَاوَ بَيْنَ الِاسْمَيْنِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا يَمِينَانِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّانِي لَا يَصْلُحُ نَعْتًا لِلْأَوَّلِ أَوْ يَصْلُحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَفِي رِوَايَةِ يَمِينٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ. قُلْت: لَكِنْ يُسْتَثْنَى مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ قَالَ عَلَى عَهْدِ اللَّهِ وَأَمَانَتِهِ وَمِيثَاقِهِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ يَمِينٌ عِنْدَنَا وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ يَجِبُ عَلَيْهِ بِكُلِّ لَفْظٍ كَفَّارَةٌ لِأَنَّ كُلَّ لَفْظٍ يَمِينٌ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ قِيَاسُ مَذْهَبِنَا إذَا كُرِّرَتْ الْوَاوُ كَمَا فِي وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ إلَّا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَاتَّفَقُوا إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ إذَا دَخَلَتْ الْوَاوُ عَلَى الِاسْمِ الثَّانِي وَكَانَتْ وَاحِدَةً، فَلَوْ تَكَرَّرَتْ الْوَاوُ مِثْلَ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فَهُمَا يَمِينَانِ اتِّفَاقًا لِأَنَّ إحْدَاهُمَا لِلْعَطْفِ وَالْأُخْرَى لِلْقَسَمِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ تَدْخُلْ عَلَى الِاسْمِ الثَّانِي وَاوٌ أَصْلًا كَقَوْلِك وَاَللَّهِ اللَّهِ وَكَقَوْلِك وَاَللَّهِ الرَّحْمَنِ فَهُوَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَبِلَا عَطْفِ وَاحِدَةٍ. (قَوْلُهُ قَالَ الرَّازِيّ) هُوَ عَلِيُّ حُسَامُ الدِّينِ الرَّازِيّ. لَهُ كُتُبٌ: مِنْهَا خُلَاصَةُ الدَّلَائِلِ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ. سَكَنَ دِمَشْقَ وَتُوُفِّيَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 714 وَإِنْ اعْتَقَدَ وُجُوبَ الْبِرِّ فِيهِ يُكَفِّرُ، وَلَوْلَا أَنَّ الْعَامَّةَ يَقُولُونَهُ وَلَا يَعْلَمُونَهُ لَقُلْت إنَّهُ مُشْرِكٌ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا. (وَلَا) يُقْسَمُ (بِصِفَةٍ لَمْ يُتَعَارَفْ الْحَلِفُ بِهَا مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى كَرَحْمَتِهِ وَعِلْمِهِ وَرِضَائِهِ وَغَضَبِهِ وَسَخَطِهِ وَعَذَابِهِ) وَلَعْنَتِهِ وَشَرِيعَتِهِ وَدِينِهِ وَحُدُودِهِ وَصِفَتِهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْعُرْفِ. (وَ) الْقَسَمُ أَيْضًا (بِقَوْلِهِ لَعَمْرُ اللَّهِ) أَيْ بَقَاؤُهُ   [رد المحتار] بِهَا سَنَةَ إحْدَى وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ اعْتَقَدَ وُجُوبَ الْبِرِّ فِيهِ يُكَفِّرُ) لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ الرَّازِيّ الْمَنْقُولِ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ بَلْ مَا بَعْدَهُ، وَهَذَا إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ قَبْلَ نَقْلِ كَلَامِ الرَّازِيّ، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ ذَكَرَهُ هُنَا لِيُبَيِّنَ بِهِ أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ يُكَفِّرُ، وَكَانَ الْأَوْلَى التَّصْرِيحُ بِأَيٍّ التَّفْسِيرِيَّةِ. ثُمَّ الْمُرَادُ بِاعْتِقَادِ وُجُوبِ الْبِرِّ فِيهِ كَمَا قَالَ ح اعْتِقَادُ الْوُجُوبِ الشَّرْعِيِّ بِحَيْثُ لَوْ حَنِثَ أَثِمَ وَهَذَا قَلَّمَا يَقَعُ. (قَوْلُهُ وَلَا يَعْلَمُونَ) أَيْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْيَمِينَ مَا كَانَ مُوجِبُهَا الْبِرَّ أَوْ الْكَفَّارَةَ السَّاتِرَةَ لِهَتْكِ حُرْمَةِ الِاسْمِ وَأَنَّ فِي الْحَلِفِ بِاسْمِ غَيْرِهِ تَعَالَى تَسْوِيَةً بَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ لَقُلْت إنَّهُ مُشْرِكٌ) أَيْ إنَّ الْحَالِفَ بِذَلِكَ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إنَّهُ شِرْكٌ بِدُونِ مِيمٍ: أَيْ أَنَّ الْحَلِفَ الْمَذْكُورَ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُنْيَةِ أَنَّ الْجَاهِلَ الَّذِي يَحْلِفُ بِرُوحِ الْأَمِيرِ وَحَيَاتِهِ وَرَأْسِهِ لَمْ يَتَحَقَّقْ إسْلَامُهُ بَعْدُ. وَفِيهِ: وَمَا أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِغَيْرِ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ مِنْ اللَّيْلِ وَالضُّحَى وَغَيْرِهِمَا لَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَحْلِفَ بِهَا (قَوْلُهُ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إلَخْ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ حُرْمَةَ الْكَذِبِ فِي الْحَلِفِ بِهِ تَعَالَى قَدْ تَسْقُطُ بِالْكَفَّارَةِ، وَالْحَلِفُ بِغَيْرِهِ تَعَالَى أَعْظَمُ حُرْمَةً وَلِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْكُفْرِ وَلَا كَفَّارَةَ لَهُ ط (قَوْلُهُ وَلَا بِصِفَةٍ إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ الْمَارِّ أَوْ بِصِفَةٍ يَحْلِفُ بِهَا، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ مِنْ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ فِي الصِّفَاتِ مُطْلَقًا بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ صِفَاتِ الذَّاتِ وَصِفَاتِ الْفِعْلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ، فَالْعِلَّةُ فِي إخْرَاجِ هَذِهِ عَدَمُ الْعُرْفِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي الْعِلْمِ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا لِأَنَّهُ صِفَةُ ذَاتٍ، لَكِنْ اسْتَحْسَنُوا عَدَمَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ وَهُوَ غَيْرُهُ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا إذَا أَرَادَ الصِّفَةَ لِزَوَالِ الِاحْتِمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَرِضَائِهِ) الْأَنْسَبُ مَا فِي الْبَحْرِ وَرِضَاهُ لِأَنَّهُ مَقْصُورٌ لَا مَمْدُودٌ (قَوْلُهُ وَسَخَطِهِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: سَخِطَ سَخَطًا مِنْ بَابِ تَعِبَ، وَالسُّخْطُ بِالضَّمِّ اسْمٌ مِنْهُ: وَهُوَ الْغَضَبُ (قَوْلُهُ وَشَرِيعَتِهِ وَدِينِهِ وَحُدُودِهِ) لَا مَحَلَّ لِذِكْرِهَا هُنَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الصِّفَاتِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأَحْكَامُ الْمُتَعَبَّدُ بِهَا وَهِيَ غَيْرُهُ تَعَالَى فَلَا يُقْسَمُ بِهَا وَإِنْ تُعُورِفَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَيَأْتِي، فَالْمُنَاسِبُ ذِكْرُهَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْمُتَقَدِّمِ لَا بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَصِفَتُهُ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ بِصِفَةِ اللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى مَا يُذْكَرُ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ ذِكْرُ الصِّفَةِ كَذِكْرِ الِاسْمِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ، وَكَذَا قَوْلُهُ " سُبْحَانَ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ " لَا أَفْعَلُ كَذَا لِعَدَمِ الْعَادَةِ اهـ قُلْت: وَلَوْ قَالَ: اللَّهُ الْوَكِيلُ لَا أَفْعَلُ كَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ يَمِينًا فِي زَمَانِنَا لِأَنَّهُ مِثْلُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَكِنَّهُ مُتَعَارَفٌ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْعُرْفِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْعُرْفُ مُعْتَبَرٌ فِي الْحَلِفِ بِالصِّفَاتِ. (قَوْلُهُ وَبِقَوْلِهِ لَعَمْرُ اللَّهِ) بِخِلَافِ لَعَمْرُك وَلَعَمْرُ فُلَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَقَدْ مَرَّ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالضَّمِّ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْبَقَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْقَسَمِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ التَّخْفِيفِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ، وَهُوَ مَعَ اللَّامِ مَرْفُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ وُجُوبًا لِسَدِّ جَوَابِ الْقَسَمِ مَسَدَّهُ، وَمَعَ حَذْفِهَا مَنْصُوبٌ نَصْبَ الْمَصَادِرِ وَحَرْفُ الْقَسَمِ مَحْذُوفٌ، تَقُولُ: عَمْرُ اللَّهِ فَعَلْت. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ عَمْرُك اللَّهُ مَا فَعَلْت فَمَعْنَاهُ بِإِقْرَارِك لَهُ بِالْبَقَاءِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْعَقِدَ يَمِينًا لِأَنَّهُ بِفِعْلِ الْمُخَاطَبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 715 (وَاَيْمُ اللَّهِ) أَيْ يَمِينُ اللَّهِ (وَعَهْدُ اللَّهِ) وَوَجْهُ اللَّهِ وَسُلْطَانُ اللَّهِ إنْ نَوَى بِهِ قُدْرَتَهُ (وَمِيثَاقُهُ) وَذِمَّتُهُ. (وَ) الْقَسَمُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ (أُقْسِمُ أَوْ أَحْلِفُ أَوْ أَعْزِمُ أَوْ أَشْهَدُ) بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ، وَكَذَا الْمَاضِي بِالْأَوْلَى كَأَقْسَمْتُ وَحَلَفْت وَعَزَمْت وَآلَيْت وَشَهِدْت (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ) إذَا عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ (وَعَلَيَّ نَذْرٌ) فَإِنْ نَوَى بِلَفْظِ النَّذْرِ قُرْبَةً لَزِمَتْهُ وَإِلَّا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ،   [رد المحتار] وَهُوَ إقْرَارُهُ وَاعْتِقَادُهُ. اهـ. نَهْرٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَاَيْمُ اللَّهِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَأَيْمُن اُسْتُعْمِلَ فِي الْقَسَمِ وَالْتُزِمَ رَفْعُهُ، وَهَمْزَتُهُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ وَصْلٌ وَاشْتِقَاقُهُ عِنْدَهُمْ مِنْ الْيُمْنِ: وَهُوَ الْبَرَكَةُ، وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ قَطْعٌ لِأَنَّهُ جَمْعُ يَمِينٍ عِنْدَهُمْ وَقَدْ يُخْتَصَرُ مِنْهُ فَيُقَالُ وَاَيْمُ اللَّهِ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ وَالنُّونِ ثُمَّ اُخْتُصِرَ ثَانِيًا فَقِيلَ مُ اللَّهِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا اهـ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَعَلَى الْمَذْهَبَيْنِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ يَمِينِي؛ وَمَعْنَى يَمِينُ اللَّهِ مَا حَلَفَ اللَّهُ بِهِ نَحْوَ الشَّمْسِ وَالضُّحَى أَوْ الْيَمِينِ الَّذِي يَكُونُ بِأَسْمَائِهِ تَعَالَى كَمَا ذَكَرَهُ الْوَصِيُّ (قَوْلُهُ أَيْ يَمِينُ اللَّهِ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْبَصْرِيِّينَ إنَّهُ مُفْرَدٌ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْيُمْنِ وَهُوَ الْبَرَكَةُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ تَفْسِيرًا لِحَاصِلِ الْمَعْنَى، وَإِلَّا فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ أَيْ بَرَكَةُ اللَّهِ أَوْ يَقُولَ أَيْ أَيْمُنُ اللَّهِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ عَلَى قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَهْدُ اللَّهِ) - {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ} [النحل: 91]- فَقَدْ جَعَلَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ الْمُرَادَ بِالْأَيْمَانِ الْعُهُودَ السَّابِقَةَ فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِاعْتِبَارِ الشَّرْعِ إيَّاهَا أَيْمَانًا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَلِفًا بِصِفَةِ اللَّهِ، كَمَا حَكَمَ بِأَنَّ " أَشْهَدُ " يَمِينٌ كَذَلِكَ. وَأَيْضًا غَلَبَ الِاسْتِعْمَالُ فَلَا يُصْرَفُ عَنْ الْيَمِينِ إلَّا بِنِيَّةِ عَدَمِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: إذَا قَالَ وَعَهْدُ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَى عَهْدِ اللَّهِ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ يَمِينٌ، وَعِنْدَهُمَا لَا. اهـ. قُلْت: لَكِنْ جَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنَّهُ يَمِينٌ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ. [تَنْبِيهٌ] أَفَادَ مَا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَى عَهْدِ الرَّسُولِ لَا يَكُونُ يَمِينًا، بَلْ قَدَّمْنَا عَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ: لَوْ قَالَ عَلَى عَهْدِ اللَّهِ وَعَهْدِ الرَّسُولِ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ عَهْدَ الرَّسُولِ صَارَ فَاصِلًا اهـ (قَوْلُهُ وَوَجْهُ اللَّهِ) لِأَنَّ الْوَجْهَ الْمُضَافَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يُرَادُ بِهِ الذَّاتُ بَحْرٌ أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّأْوِيلِ، وَإِلَّا فَيُرَادُ بِهِ صِفَةٌ لَهُ تَعَالَى هُوَ أَعْلَمُ بِهَا (قَوْلُهُ إنْ نَوَى بِهِ قُدْرَتَهُ) وَإِلَّا لَا يَكُونُ يَمِينًا كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَكَأَنَّهُ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا نَوَى بِالسُّلْطَانِ الْبُرْهَانَ وَالْحُجَّةَ (قَوْلُهُ وَمِيثَاقُهُ) هُوَ عَهْدٌ مُؤَكَّدٌ بِيَمِينٍ وَعَهْدٍ كَمَا فِي الْمُفْرَدَاتِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَذِمَّتُهُ) أَيْ عَهْدُهُ وَلِذَا سُمِّيَ الذِّمِّيُّ مُعَاهَدًا فَتْحٌ. (قَوْلُهُ أَوْ أَعْزِمُ) مَعْنَاهُ أُوجِبُ فَكَانَ إخْبَارًا عَنْ الْإِيجَابِ فِي الْحَالِ وَهَذَا مَعْنَى الْيَمِينِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ عَزَمْت لَا أَفْعَلُ كَذَا كَانَ حَالِفًا بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ أَوْ أَشْهَدُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ، وَضَمُّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرُ الْهَاءِ خَطَأٌ مُجْتَبَى: أَيْ خَطَأٌ فِي الدِّينِ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَلَا كَفَّارَةَ لِعَدَمِ الْعُرْفِ (قَوْلُهُ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ) لِأَنَّهُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً، وَيُسْتَعْمَلُ لِلِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةٍ كَالسِّينِ وَسَوْفَ فَجُعِلَ حَالِفًا لِلْحَالِ بِلَا نِيَّةٍ هُوَ الصَّحِيحُ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بِالْأَوْلَى) لِدَلَالَتِهِ عَلَى التَّحَقُّقِ لِعَدَمِ احْتِمَالِ الِاسْتِقْبَالِ (قَوْلُهُ وَآلَيْت) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ مِنْ الْأَلِيَّةِ: وَهِيَ الْيَمِينُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إذَا عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ) يَعْنِي بِمُقْسَمٍ عَلَيْهِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي النِّهَايَةِ وَتَبِعَهُ فِي الدِّرَايَةِ أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِ الْقَائِلِ أُقْسِمُ وَأَحْلِفُ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ وَلَا حِنْثَ تَمَسُّكًا بِمَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ يَمِينٌ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ وَأُقْسِمُ مُلْحَقٌ بِهِ، وَهَذَا وَهْمٌ بَيِّنٌ إذْ الْيَمِينُ بِذِكْرِ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ. وَمَا فِي الذَّخِيرَةِ مَعْنَاهُ إذَا وُجِدَ ذِكْرُ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ وَنُقِضَتْ الْيَمِينُ وَتَرْكُهُ لِلْعِلْمِ بِهِ يُفْصِحُ عَنْ ذَلِكَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ: وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ أَحْلِفُ أَوْ أُقْسِمُ إلَى أَنْ قَالَ: وَإِذَا حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْهَا لَيَفْعَلَنَّ كَذَا فَحَنِثَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. اهـ. قُلْت: وَأَصْلُ الرَّدِّ لِصَاحِبِ غَايَةِ الْبَيَانِ، وَتَبِعْهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ أَيْضًا وَهُوَ وَجِيهٌ، لَكِنَّ هَذَا فِي غَيْرِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ عَلَيَّ يَمِينٌ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ فَإِنْ نَوَى) مُقَابِلُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ يَمِينًا إذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ قُرْبَةً، فَإِنْ نَوَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 716 وَسَيَتَّضِحُ (وَ) عَلَيَّ (يَمِينٌ أَوْ عَهْدٌ وَإِنْ لَمْ يُضِفْ) إلَى اللَّهِ تَعَالَى إذَا عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ مُجْتَبًى (وَ) الْقَسَمُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ (إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ) يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ فَاشْهَدُوا عَلَيَّ بِالنَّصْرَانِيَّةِ أَوْ شَرِيكٌ لِلْكُفَّارِ أَوْ (كَافِرٌ)   [رد المحتار] إلَخْ. قَالَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِذَا حَلَفَ بِالنَّذْرِ، فَإِنْ نَوَى شَيْئًا مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ مَا نَوَى، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ (قَوْلُهُ وَسَيَتَّضِحُ) أَيْ قُبَيْلَ الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُضَفْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى) وَكَذَا إنْ أُضِيفَ بِالْأَوْلَى كَأَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرُ اللَّهِ أَوْ يَمِينُ اللَّهِ أَوْ عَهْدُ اللَّهِ (قَوْلُهُ إذَا عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ) أَيْ بِمَحْلُوفٍ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ يَمِينًا مُنْعَقِدَةً مِثْلُ عَلَيَّ نَذَرَ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ لَا أَفْعَلُ كَذَا، فَإِذَا لَمْ يَفِ بِمَا حَلَفَ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، لَكِنْ فِي لَفْظِ النَّذْرِ إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرُ اللَّهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فَيَكُونُ هَذَا الْتِزَامُ الْكَفَّارَةِ ابْتِدَاءً بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ عَلَيَّ يَمِينٌ مِثْلُهُ إذَا قَالَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ لَا الْإِخْبَارِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِأَنَّهُ مِنْ صِيَغِ النَّذْرِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَغَا، بِخِلَافِ أَحْلِفُ وَأَشْهَدُ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ صِيَغِ النَّذْرِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الِالْتِزَامُ ابْتِدَاءً. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ عَلَيَّ نَذْرٌ يُرَادُ بِهِ نَذْرُ الْكَفَّارَةِ، وَكَذَا عَلَيَّ يَمِينٌ هُوَ نَذْرٌ لِلْكَفَّارَةِ ابْتِدَاءً بِمَعْنَى عَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لَا حَلِفٍ إلَّا بَعْدَ تَعْلِيقِهِ بِمَحْلُوفٍ عَلَيْهِ فَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ عِنْدَ الْحِنْثِ لَا قَبْلَهُ: وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا فِي الْمُجْتَبَى: لَوْ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ يُرِيدُ بِهِ الْإِيجَابَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُعَلِّقْهُ بِشَيْءٍ. اهـ. أَقُولُ: الَّذِي فِي الْمُجْتَبَى بَعْدَ مَا رَمَزَ بِلَفْظِ ط لِلْمُحِيطِ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ يَمِينُ اللَّهِ فَيَمِينٌ. ثُمَّ قَالَ: أَيْ صَاحِبُ الرَّمْزِ الْمَذْكُورِ عَلَيَّ يَمِينٌ يُرِيدُ بِهِ الْإِيجَابَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُعَلِّقْهُ بِشَيْءٍ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ يَمِينٌ هَكَذَا. رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيَّ يَمِينٌ لَا كَفَّارَةَ لَهَا يُرِيدُ بِهِ الْإِيجَابَ فَعَلَيْهِ يَمِينٌ لَهَا كَفَّارَةٌ اهـ مَا فِي الْمُجْتَبِي. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ، وَإِذَا كَانَ عَلَيَّ يَمِينٌ مِنْ صِيَغِ النَّذْرِ تَرَجَّحَتْ الرِّوَايَةُ الْمَرْوِيَّةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَالرَّدُّ عَلَى الْفَتْحِ بِالرِّوَايَةِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ غَيْرُ صَحِيحٍ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْحَاوِي مَا نَصُّهُ: لَوْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ عَلَيَّ يَمِينٌ وَلَمْ يُعَلِّقْهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ اهـ فَهَذَا صَرِيحُ مَا فِي الْفَتْحِ فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] قَدَّمْنَا أَنَّ الْيَمِينَ تُطْلَقُ عَلَى التَّعْلِيقِ أَيْضًا، فَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا فَهُوَ يَمِينٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَصَارَ لَفْظُ الْيَمِينِ مُشْتَرَكًا، وَلَعَلَّهُمْ إنَّمَا صَرَفُوهُ هُنَا إلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلِيُّ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَلِأَنَّهُ هُوَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ أَيْضًا فَيَنْصَرِفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ أَنْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ فَيَصِيرُ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا عَلَى مَا حَلَفَ وَتَقَعُ بِهِ عِنْدَ الْحِنْثِ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ لَا بَائِنَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مِنْهَا، وَلِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي بَابِ الْكِنَايَاتِ، لَكِنْ بَقِيَ لَوْ قَالَ أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُنِي إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَفْتَى الْعَلَّامَةُ الطُّورِيُّ بِأَنَّهُ إنْ حَنِثَ وَكَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ تَطْلُقُ وَإِلَّا لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَرَدَّهُ السَّيِّدُ مُحَمَّدُ أَبُو السُّعُودِ وَأَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الْيَمِينِ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً، وَأَقَرَّهُ الْمُحَشِّيُّ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّ أَيْمَانَ جَمْعُ يَمِينٍ وَالْيَمِينُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. وَعِنْدَ النِّيَّةِ يَصِحُّ إرَادَةُ الطَّلَاقِ بِهِ كَمَا عَلِمْت وَفِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ حَلَّفَ رَجُلًا عَلَى طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَهَدْيٍ وَصَدَقَةٍ وَمَشْيٍ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ الْحَالِفُ لِرَجُلٍ آخَرَ عَلَيْك هَذِهِ الْأَيْمَانُ فَقَالَ نَعَمْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ وَالصَّدَقَةُ لَا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ، لِأَنَّهُ فِيهِمَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ عَبْدِي أَوْ أُطَلِّقَ امْرَأَتِي فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْتِقَ، وَإِنْ قَالَ الْحَالِفُ لِرَجُلٍ آخَرَ هَذِهِ الْأَيْمَانُ لَازِمَةٌ لَك فَقَالَ نَعَمْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ أَيْضًا اهـ أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ نَعَمْ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ هَذِهِ الْأَيْمَانُ لَازِمَةٌ لِي فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ إنْشَائِهِ الْحَلِفَ بِهَا فَتَلْزَمُهُ كُلُّهَا حَتَّى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ يَلْزَمَهُ كُلُّ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُنِي خُصُوصًا الْهَدْيُ وَالْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِالْمُسْلِمِينَ، وَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَالصَّدَقَةُ، فَالْقَوْلُ بَعْدَ لُزُومِ شَيْءٍ أَوْ بِلُزُومِ الطَّلَاقِ فَقَطْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 717 فَيُكَفِّرُ بِحِنْثِهِ لَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَمَّا الْمَاضِي عَالِمًا بِخِلَافِهِ فَغَمُوسٌ. وَاخْتُلِفَ فِي كُفْرِهِ (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ الْحَالِفَ (لَمْ يَكْفُرْ) سَوَاءٌ (عَلَّقَهُ بِمَاضٍ أَوْ آتٍ) إنْ كَانَ عِنْدَهُ فِي اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ (يَمِينٌ وَإِنْ كَانَ) جَاهِلًا. وَ (عِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ فِي الْحَلِفِ) بِالْغَمُوسِ وَبِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ (يَكْفُرُ فِيهِمَا) لِرِضَاهُ بِالْكُفْرِ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ   [رد المحتار] غَيْرُ ظَاهِرٍ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَيْمَانَ مَذْكُورَةٌ صَرِيحًا فِي فَرْعِ الْخَانِيَّةِ، بِخِلَافِهَا فِي فَرْعِنَا الْمَذْكُورِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ، فَإِنَّ لَفْظَ أَيْمَانٍ جَمْعُ يَمِينٍ وَمَعَ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُسْلِمِينَ زَادَتْ فِي الشُّمُولِ. فَيَنْبَغِي لُزُومُ أَنْوَاعِ الْأَيْمَانِ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ لَا خُصُوصُ الطَّلَاقِ وَلَا خُصُوصُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ فَيُكَفِّرُ بِحِنْثِهِ) أَيْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ إلْحَاقًا لَهُ بِتَحْرِيمِ الْحَلَالِ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الشَّرْطَ عَلَمًا عَلَى الْكُفْرِ وَقَدْ اعْتَقَدَهُ وَاجِبَ الِامْتِنَاعِ وَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ لِغَيْرِهِ جَعَلْنَاهُ يَمِينًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَمَّا الْمَاضِي) كَإِنْ كُنْت فَعَلَتْ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ أَوْ يَهُودِيٌّ وَمِثْلُهَا الْحَالُ (قَوْلُهُ عَالِمًا بِخِلَافِهِ) أَمَّا إذَا كَانَ ظَانًّا صِحَّتَهُ فَلَغْوٌ ح (قَوْلُهُ فَغَمُوسٌ) لَا كَفَّارَةَ فِيهَا إلَّا التَّوْبَةَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَاخْتُلِفَ فِي كُفْرِهِ) أَيْ إذَا كَانَ كَاذِبًا (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ إلَخْ) وَقِيلَ لَا يَكْفُرُ؛ وَقِيلَ يَكْفُرُ لِأَنَّهُ تَنْجِيزُ مَعْنًى لِأَنَّهُ لَمَّا عَلَّقَهُ بِأَمْرٍ كَائِنٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ ابْتِدَاءً هُوَ كَافِرٌ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةِ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ» " وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أُخْرِجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، فَإِنَّ الْغَالِبَ مِمَّنْ يَحْلِفُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَيْمَانِ أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا لَا يَعْرِفُ إلَّا لُزُومَ الْكُفْرِ عَلَى تَقْدِيرِ الْحِنْثِ، فَإِنْ تَمَّ هَذَا وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ شَاهِدٌ لِمَنْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِكُفْرِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي اعْتِقَادِهِ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ عِنْدَهُ ح. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَتَكُونُ عِنْدَ بِمَعْنَى الْحُكْمِ، يُقَالُ: هَذَا عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا: أَيْ فِي حُكْمِي (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى قَوْلِهِ جَاهِلًا. وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ: وَإِنْ كَانَ فِي اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِهِ يَكْفُرُ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْكُفْرِ حَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي عُلِّقَ عَلَيْهِ كُفْرُهُ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَكْفُرُ إذَا فَعَلَهُ اهـ. وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ: وَكَفَرَ إنْ كَانَ جَاهِلًا اعْتَقَدَ أَنَّهُ كُفْرٌ إلَخْ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ عَطْفَ وَعِنْدَهُ بِالْوَاوِ هُوَ الصَّوَابُ، وَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ عَطْفِهِ بِأَوْ خَطَأٌ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَاهِلِ هُوَ الَّذِي لَا يَعْتَمِدُ شَيْئًا، وَلَا وَجْهَ لِتَكْفِيرِهِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يَكْفُرُ إذَا اعْتَقَدَهُ كُفْرًا لِيَكُونَ رَاضِيًا بِالْكُفْرِ، أَمَّا الَّذِي لَا يَعْتَقِدُ كَذَلِكَ لَمْ يَرْضَ بِالْكُفْرِ حَتَّى يُقَالَ إنَّهُ يَكْفُرُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ يَكْفُرُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْغَمُوسِ وَالْمُنْعَقِدَةِ. أَمَّا فِي الْغَمُوسِ فَفِي الْحَالِ، وَأَمَّا فِي الْمُنْعَقِدَةِ فَعِنْدَ مُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَحُرُوفُهُ ح. وَلَا يُقَالُ: إنَّ مَنْ نَوَى الْكُفْرَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَفَرَ فِي الْحَالِ. وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الْكُفْرِ بِالشَّرْطِ. لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ مَنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا كَافِرٌ مُرَادُهُ الِامْتِنَاعُ بِالتَّعْلِيقِ وَمِنْ عَزْمِهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ فَلَيْسَ فِيهِ رِضًا بِالْكُفْرِ عِنْدَ التَّعْلِيقِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاشَرَ الْفِعْلَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ يَكْفُرُ بِمُبَاشَرَتِهِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ وَقْتَ مُبَاشَرَتِهِ لِرِضَاهُ بِالْكُفْرِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ بِمَا لَهُ خَطَرُ الْوُجُودِ فَلَا يَكْفُرُ بِهِ فِي الْحَالِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إذَا جَاءَ يَوْمُ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِمُحَقَّقِ الْوُجُودِ، فَفِيهِ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهُ بِمَا لَهُ خَطَرٌ يَكْفُرُ أَيْضًا كَقَوْلِهِ إنْ كَانَ كَذَا غَدًا فَأَنَا أَكْفُرُ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ مِنْ سَاعَتِهِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لِأَنَّهُ رَضِيَ فِي الْحَالِ بِكُفْرِهِ الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى تَقْدِيرِ حُصُولِ كَذَا فَافْهَمْ. وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْحَالِفُ وَقْتَ الْحَلِفِ نَاوِيًا عَلَى الْفِعْلِ وَقَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ يَنْبَغِي أَنْ يَكْفُرَ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ عَازِمًا فِي الْحَالِ عَلَى الْفِعْلِ الْمُسْتَقْبَلِ الَّذِي يُعْتَقَدُ كُفْرُهُ بِهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْكَافِرِ) أَيْ إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا مُسْلِمٌ. قَالَ ح: فِي بَعْضِ النُّسَخِ: بِخِلَافِ الْكُفْرِ. وَعَلَيْهَا فَضَمِيرُ يَصِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْكَافِرِ الَّذِي اسْتَلْزَمَهُ الْكُفْرُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 718 فَلَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِالتَّعْلِيقِ لِأَنَّهُ تَرْكٌ كَمَا بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيه وَهَلْ يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ اللَّهُ يَعْلَمُ أَوْ يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا أَوْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا كَاذِبًا؟ قَالَ الزَّاهِدِيُّ: الْأَكْثَرُ نَعَمْ. وَقَالَ الشُّمُنِّيُّ: الْأَصَحُّ لَا لِأَنَّهُ قَصَدَ تَرْوِيجَ الْكَذِبِ دُونَ الْكُفْرِ؛ وَكَذَا لَوْ وَطِئَ الْمُصْحَفَ قَائِلًا ذَلِكَ لِأَنَّهُ لِتَرْوِيجِ كَذِبِهِ لَا إهَانَةِ الْمُصْحَفِ مُجْتَبًى. وَفِيهِ: أُشْهِدُ اللَّهَ لَا أَفْعَلُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهُ وَلَا كَفَّارَةَ، وَكَذَا أُشْهِدُك وَأُشْهِدُ مَلَائِكَتَك لِعَدَمِ الْعُرْفِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَلَا إلَهَ فِي السَّمَاءِ يَكُونُ يَمِينًا وَلَا يَكْفُرُ وَفِي فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الشَّفَاعَةِ لَيْسَ بِيَمِينٍ   [رد المحتار] وَالْأُولَى أَظْهَرُ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَرْكٌ) أَيْ لِأَنَّ الْكُفْرَ تَرْكُ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ فِعْلٌ وَالْأَفْعَالُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ. قَالَ ح: وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ عَرَفْت أَنَّ هَذَا تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ يَكْفُرُ فِيهِمَا لَا لِقَوْلِهِ فَلَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِالتَّعْلِيقِ. اهـ. قُلْت: لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلْمُخَالَفَةِ وَبَيَانٌ لِوَجْهِ الْفَرْقِ، وَإِلَّا لِعَطْفِهِ عَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ كَاذِبًا) حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي بِقَوْلِهِ (قَوْلُهُ الْأَكْثَرُ نَعَمْ) لِأَنَّهُ نَسَبَ خِلَافَ الْوَاقِعِ إلَى عِلْمِهِ تَعَالَى فَيَضْمَنُ نِسْبَةَ الْجَهْلِ إلَيْهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَقَالَ الشُّمُنِّيُّ الْأَصَحُّ لَا) جَعَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَنَقَلَ فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ الْفَتَاوَى تَصْحِيحَ الْأَوَّلِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْكُفْرِ قَالَ ح يَكُونُ حِينَئِذٍ يَمِينًا غَمُوسًا لِأَنَّهُ عَلَى مَاضٍ، وَهَذَا إنْ تُعُورِفَ الْحَلِفُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ يَمِينًا، وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهُ اهـ لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ التَّعَارُفَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الصِّفَاتِ الْمُشْتَرَكَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ وَطِئَ الْمُصْحَفَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى بَعْدَ التَّعْلِيلِ الْمَنْقُولِ هُنَا عَنْ الشُّمُنِّيِّ: هَكَذَا قُلْت فَعَلَى هَذَا إذَا وَطِئَ الْمُصْحَفَ قَائِلًا إنَّهُ فَعَلَ كَذَا أَوْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا وَكَانَ كَاذِبًا لَا يَكْفُرُ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ تَرْوِيجَ كَذِبِهِ لَا إهَانَةَ الْمُصْحَفِ اهـ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ وَالْحَاوِي: وَلَوْ قَالَ لَهَا ضَعِي رِجْلَك عَلَى الْكُرَّاسَةِ إنْ لَمْ تَكُونِي فَعَلْت كَذَا فَوَضَعَتْ عَلَيْهَا رِجْلَهَا لَا يَكْفُرُ الرَّجُلُ لِأَنَّ مُرَادَهُ التَّخْوِيفُ وَتَكْفُرُ الْمَرْأَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ التَّخْوِيفَ يَنْبَغِي أَنْ يَكْفُرَ، وَلَوْ وَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى الْمُصْحَفِ حَالِفًا يَتُوبُ، وَفِي غَيْرِ الْحَالِفِ اسْتِخْفَافًا يَكْفُرُ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْوَضْعَ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاسْتِخْفَافَ، وَمِثْلُهُ فِي الْأَشْبَاهِ حَيْثُ قَالَ: يَكْفُرُ بِوَضْعِ الرِّجْلِ عَلَى الْمُصْحَفِ مُسْتَخِفًّا وَإِلَّا فَلَا. اهـ. وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ نَفْسَ الْوَضْعِ بِلَا ضَرُورَةٍ يَكُونُ اسْتِخْفَافًا وَاسْتِهَانَةً لَهُ، وَلِذَا قَالَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ التَّخْوِيفَ يَنْبَغِي أَنْ يَكْفُرَ: أَيْ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ التَّخْوِيفَ يَكُونُ مُعَظِّمًا لَهُ لِأَنَّ مُرَادَهُ حَمْلُهَا عَلَى الْإِقْرَارِ بِأَنَّهَا فَعَلَتْ، لِعِلْمِهِ بِأَنَّ وَضْعَ الرِّجْلِ أَمْرٌ عَظِيمٌ لَا تَفْعَلُهُ فَتُقِرُّ بِمَا أَنْكَرَتْهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يُرِدْ التَّخْوِيفَ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ لِأَنَّهُ أَمَرَهَا بِمَا هُوَ كُفْرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ وَالِاسْتِهَانَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ يَكْفُرُ مَنْ صَلَّى بِلَا طَهَارَةٍ أَوْ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ اسْتِهَانَةٌ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْعُرْفِ) قُلْت: هُوَ فِي زَمَانِنَا مُتَعَارَفٌ، وَكَذَا: اللَّهُ يَشْهَدُ أَنِّي لَا أَفْعَلُ، وَمِثْلُهُ شَهِدَ اللَّهُ، عَلِمَ اللَّهُ أَنِّي لَا أَفْعَلُ فَيَنْبَغِي فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا لِلتَّعَارُفِ الْآنَ (قَوْلُهُ يَكُونُ يَمِينًا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي أَنَّ الْحَالِفَ إذَا قَصَدَ نَفْيَ الْمَكَانِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِكُفْرٍ بَلْ هُوَ الْإِيمَانُ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَلَا يَكْفُرُ) لَمَّا كَانَ مُقْتَضَى حَلِفِهِ كَوْنَهُ الْإِلَهَ فِي السَّمَاءِ كَانَ مَظِنَّةَ أَنْ يُتَوَهَّمَ كُفْرُهُ بِنَفْسِ الْحَلِفِ لِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْمَكَانِ لَهُ تَعَالَى فَقَالَ وَلَا يَكْفُرُ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ إطْلَاقَ هَذَا اللَّفْظِ وَارِدٌ فِي النُّصُوصِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84]- وقَوْله تَعَالَى - {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16]- فَلَا يَكْفُرُ بِإِطْلَاقِهِ عَلَيْهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الظَّرْفِيَّةِ غَيْرَ مُرَادَةٍ، فَبِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِ هَذَا اللَّفْظِ وَارِدًا فِي الْقُرْآنِ كَانَ نَفْيُهُ كُفْرًا وَلِذَا انْعَقَدَتْ بِهِ الْيَمِينُ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ، وَبِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ اعْتِقَادَ حَقِيقَتِهِ اللُّغَوِيَّةِ كُفْرٌ كَانَ مَظِنَّةَ كُفْرِهِ لِاقْتِضَاءِ حَلِفِهِ كَوْنَ الْإِلَهِ فِي السَّمَاءِ، هَذَا غَايَةُ مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَحَلِّ. وَفِي أَوَاخِرِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ عَالِمٌ لَوْ أَرَادَ بِهِ الْمَكَانَ كَفَرَ لَا لَوْ أَرَادَ بِهِ حِكَايَةً عَمَّا جَاءَ فِي ظَاهِرِ الْأَخْبَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 719 لِأَنَّ مُنْكِرَهَا مُبْتَدِعٌ لَا كَافِرٌ، وَكَذَا فَصَلَاتِي وَصِيَامِي لِهَذَا الْكَافِرِ: وَأَمَّا فَصَوْمِي لِلْيَهُودِ فَيَمِينٌ إنْ أَرَادَ بِهِ الْقُرْبَةَ لَا إنْ أَرَادَ بِهِ الثَّوَابَ (وَقَوْلُهُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي لَا (وَحَقًّا) إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى (وَحَقَّ اللَّهِ) وَاخْتَارَ فِي الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ يَمِينٌ لِلْعُرْفِ، وَلَوْ بِالْبَاءِ فَيَمِينٌ اتِّفَاقًا بَحْرٌ (وَحُرْمَتُهُ) وَبِحُرْمَةِ - شَهِدَ اللَّهُ - وَبِحُرْمَةِ - لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ - وَبِحَقِّ الرَّسُولِ أَوْ الْإِيمَانِ أَوْ الصَّلَاةِ (وَعَذَابُهُ وَثَوَابُهُ وَرِضَاهُ وَلَعْنَةُ اللَّهِ وَأَمَانَتُهُ) لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ أَمَانَةُ اللَّهِ يَمِينٌ. وَفِي النَّهْرِ: إنْ نَوَى الْعِبَادَاتِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ   [رد المحتار] وَلَوْلَا نِيَّةَ لَهُ يَكْفُرُ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ اهـ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ مُنْكِرَهَا مُبْتَدِعٌ لَا كَافِرٌ) أَيْ وَالْيَمِينُ إنَّمَا تَنْعَقِدُ إذَا عُلِّقَتْ بِكُفْرٍ ط (قَوْلُهُ وَكَذَا فَصَلَاتِي إلَخْ) أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ بَحْرٌ عَنْ الْمُجْتَبَى ط (قَوْلُهُ وَأَمَّا فَصَوْمِي إلَخْ) فِي حَاوِي الزَّاهِدِيِّ: وَصَلَوَاتِي وَصِيَامَاتِي لِهَذَا الْكَافِرِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ وَعَلَيْهِ الِاسْتِغْفَارُ، وَقِيلَ هَذَا إذَا نَوَى الثَّوَابَ، وَإِنْ نَوَى الْقُرْبَةَ فَيَمِينٌ. اهـ. قُلْت: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا هُنَا قَوْلٌ آخَرُ، إذْ لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَ صَلَاتِي وَصَوْمِي بَلْ التَّفْصِيلُ جَازَ فِيهِمَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَيْ إنْ أَرَادَ الْقُرْبَةَ وَالْعِبَادَةَ يَكُونُ يَمِينًا لِكَوْنِهِ تَعْلِيقًا عَلَى كُفْرٍ، وَأَمَّا إنْ أَرَادَ الثَّوَابَ فَلَا لِأَنَّ الثَّوَابَ عَلَى ذَلِكَ أَمْرٌ غَيْبِيٌّ غَيْرُ مُحَقَّقٍ وَلِأَنَّ هِبَةَ الثَّوَابِ لِلْغَيْرِ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا فَلَعَلَّهُ أَرَادَ تَخْفِيفَ عَذَابِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْكَافِرُ أَهْلًا لِثَوَابِ الْعِبَادَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَحَقًّا) فِي الْمُجْتَبَى: وَفِي قَوْلِهِ وَحَقًّا أَوْ حَقًّا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ اهـ أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِهِ بِالْوَاوِ وَبِدُونِهَا، فَمَا فِي الْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ مِنْ ذِكْرِهِ بِدُونِهَا لَيْسَ بِقَيْدٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا يَأْتِي مَتْنًا وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُنَاسِبَ ذِكْرُهُ هُنَا ح. (قَوْلُهُ وَحَقَّ اللَّهِ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْحَقَّ إمَّا أَنْ يُذْكَرَ مُعَرَّفًا أَوْ مُنَكَّرًا أَوْ مُضَافًا فَالْحَقُّ مُعَرَّفًا سَوَاءٌ كَانَ بِالْوَاوِ أَوْ بِالْبَاءِ يَمِينٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ، وَمُنَكَّرًا يَمِينٌ عَلَى الْأَصَحِّ إنْ نَوَى، وَمُضَافًا إنْ كَانَ بِالْبَاءِ فَيَمِينٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّ النَّاسَ يَحْلِفُونَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ بِالْوَاوِ فَعِنْدَهُمَا، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَكُونُ يَمِينًا. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَمِينٌ لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى وَالْحَلِفَ بِهِ مُتَعَارَفٌ. وَفِي الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ. اهـ. وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ يَمِينٌ فِي الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ مُطْلَقًا، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُنْكَرَ بِدُونِ وَاوٍ أَوْ بَاءٍ لَيْسَ بِيَمِينٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِ. هَذَا وَقَدْ اعْتَرَضَ فِي الْفَتْحِ عَلَى مَا فِي الِاخْتِيَارِ بِأَنَّ التَّعَارُفَ يُعْتَبَرُ بَعْدَ كَوْنِ الصِّفَةِ مُشْتَرَكَةً فِي الِاسْتِعْمَالِ بَيْنَ صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَةِ غَيْرِهِ، وَلَفْظُ حَقٍّ لَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ مَا هُوَ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ مَا هُوَ مِنْ حُقُوقِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ الْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ مَا قَالَ الْبَلْخِيّ إنَّ قَوْلَهُ بِحَقِّ اللَّهِ يَمِينٌ لِأَنَّ النَّاسَ يَحْلِفُونَ بِهِ، وَضَعَّفَهُ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ مِثْلُ وَحَقِّ اللَّهِ. (قَوْلُهُ وَحُرْمَتُهُ) اسْمٌ بِمَعْنَى الِاحْتِرَامِ، وَحُرْمَةُ اللَّهِ مَا لَا يَحِلُّ انْتِهَاكُهُ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ قَسَمٌ بِغَيْرِهِ تَعَالَى حَمَوِيٌّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ ط (قَوْلُهُ وَبِحُرْمَةِ شَهِدَ اللَّهُ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ وَالْكُتُبِ، وَفِي بَعْضِهَا شَهَرَ اللَّهُ بِالرَّاءِ، وَكُلٌّ مِنْ النُّسْخَتَيْنِ صَحِيحُ الْمَعْنَى ح (قَوْلُهُ وَبِحَقِّ الرَّسُولِ) فَلَا يَكُونُ يَمِينًا لَكِنَّ حَقَّهُ عَظِيمٌ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ وَرِضَاهُ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ وَلَا بِصِفَةٍ لَمْ يُتَعَارَفْ الْحَلِفُ بِهَا إلَخْ وَكَوْنُهُ لَيْسَ يَمِينًا لَا يُنَافِي مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ أَوْ صِفَةِ فِعْلٍ يُوصَفُ بِهَا وَبِضِدِّهَا إلَخْ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ لَكِنَّ فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ وَأَمَانَةُ اللَّهِ يَمِينٌ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا خِلَافًا لِلطَّحَاوِيِّ لِأَنَّهَا طَاعَتُهُ. وَوَجْهُ مَا فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْأَمَانَةَ الْمُضَافَةَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْقَسَمِ يُرَادُ بِهَا صِفَتُهُ. اهـ. وَفِي الْفَتْحِ فَعِنْدَنَا وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ هُوَ يَمِينٌ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهَا فُسِّرَتْ ط بِالْعِبَادَاتِ. قُلْنَا غَلَبَ إرَادَةُ الْيَمِينِ إذَا ذُكِرَتْ بَعْدَ حَرْفِ الْقَسَمِ فَوَجَبَ عَدَمُ تَوَقُّفِهَا عَلَى النِّيَّةِ لِلْعَادَةِ الْغَالِبَةِ اهـ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ) أَيْ اتِّفَاقًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ صِفَةً، لَكِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 720 (وَإِنْ فَعَلَهُ فَعَلَيْهِ غَضَبُهُ أَوْ سَخَطُهُ أَوْ لَعْنَةُ اللَّهِ أَوْ هُوَ زَانٍ أَوْ سَارِقٌ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ آكِلُ رِبًا لَا) يَكُونُ قَسَمًا لِعَدَمِ التَّعَارُفِ، فَلَوْ تُعُورِفَ هَلْ يَكُونُ يَمِينًا؟ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ نَعَمْ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْكَمَالِ لَا، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. وَفِي الْبَحْرِ: مَا يُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ لَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ كَدَمٍ وَخِنْزِيرٍ (إلَّا إذَا أَرَادَ) الْحَالِفُ (بِقَوْلِهِ حَقًّا اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَمِينٌ عَلَى الْمَذْهَبِ) كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ. (و) مِنْ (حُرُوفِهِ الْوَاوُ وَالْبَاءُ وَالتَّاءُ)   [رد المحتار] عَلَى الْمُعْتَمَدِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَدَّقَ فِي الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ غَضَبُهُ إلَخْ) أَيْ لَا يَكُونُ يَمِينًا أَيْضًا لِأَنَّهُ دُعَاءٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَ الْمَدْعُوِّ بَلْ ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِجَابَةِ دُعَائِهِ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ هُوَ زَانٍ إلَخْ) لِأَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَحْتَمِلُ النَّسْخَ وَالتَّبْدِيلَ فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى حُرْمَةِ الِاسْمِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ هِدَايَةٌ: أَيْ أَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ لِلضَّرُورَةِ أَوْ نَحْوِهَا (قَوْلُهُ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِلْجَمِيعِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْعُرْفَ مُعْتَبَرٌ فِي الْحَلِفِ بِالصِّفَاتِ الْمُشْتَرَكَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَلَوْ تُعُورِفَ إلَخْ) أَيْ فِي هُوَ زَانٍ وَمَا بَعْدَهُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ النَّهْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ فَعَلَيْهِ غَضَبُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ نَعَمْ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى التَّعْلِيلِ بِالتَّعَارُفِ، بَلْ عَلَّلُوا بِمَا يَقْتَضِي عَدَمَ كَوْنِهِ يَمِينًا مُطْلَقًا وَهُوَ كَوْنُ عَلَيْهِ غَضَبُهُ وَنَحْوُهُ دُعَاءً عَلَى نَفْسِهِ، وَكَوْنُ هُوَ زَانٍ يَحْتَمِلُ النَّسْخَ ثُمَّ عَلَّلُوا بِعَدَمِ التَّعَارُفِ لِأَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ التَّعَارُفِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ الْحَلِفُ بِهِ فِي غَيْرِ الِاسْمِ فَكَيْفَ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْكَمَالِ لَا) حَيْثُ قَالَ: إنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ أَنْ يُعَلِّقَ الْحَالِفُ مَا يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ مِنْ الْفِعْلِ بِسَبَبِ لُزُومِ وُجُودِهِ: أَيْ وُجُودِ مَا عَلَّقَهُ كَالْكُفْرِ عِنْدَ وُجُودِ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَدُخُولِ الدَّارِ، وَهُنَا لَا يَصِيرُ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ زَانِيًا أَوْ سَارِقًا حَتَّى يُوجِبَ امْتِنَاعَهُ عَنْ الدُّخُولِ، بِخِلَافِ الْكُفْرِ فَإِنَّهُ بِمُبَاشَرَةِ الدُّخُولِ يَتَحَقَّقُ الرِّضَا بِالْكُفْرِ فَيُوجِبُ الْكُفْرَ اهـ مُلَخَّصًا مُوَضَّحًا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُوجِبُ الْكُفْرَ عِنْدَ الْجَهْلِ وَالْكَفَّارَةَ عِنْدَ الْعِلْمِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يَصْلُحُ أَيْضًا لِنَحْوِ عَلَيْهِ غَضَبُهُ لِأَنَّهُ لَا تَتَحَقَّقُ اسْتِجَابَةُ دُعَائِهِ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فَلَا يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ وَإِنْ تُعُورِفَ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَحْرِ إلَخْ) هَذَا غَيْرُ مَنْقُولٍ بَلْ فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ قَوْلِ الْوَلْوَالِجيَّةِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِ هُوَ يَسْتَحِلُّ الدَّمَ أَوْ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ إنْ فَعَلَ كَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ اسْتِحْلَالَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ كُفْرًا لَا مَحَالَةَ فَإِنَّهُ حَالَةُ الضَّرُورَةِ يَصِيرُ حَلَالًا اهـ. وَاعْتَرَضَهُ الْمُحَشِّيُّ بِأَنَّهُ وَهْمٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ قَوْلَ الْوَلْوَالِجيَّةِ لَا مَحَالَةَ قَيْدٌ لِلْمَنْفِيِّ وَهُوَ يَكُونُ لَا لِلنَّفْيِ وَهُوَ لَا يَكُونُ، فَالْمَعْنَى أَنَّ كَوْنَ اسْتِحْلَالِهِ كُفْرًا عَلَى الدَّوَامِ مَنْفِيٌّ بَلْ قَدْ لَا يَكُونُ كُفْرًا، يُوَضِّحُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِلشَّكِّ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ اسْتِحْلَالُهُ كُفْرًا كَمَا فِي غَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَيَكُونُ يَمِينًا، وَقَدْ لَا يَكُونُ كُفْرًا كَمَا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا، فَقَدْ حَصَلَ الشَّكُّ فِي كَوْنِهِ يَمِينًا أَوْ لَا بِخِلَافِ هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا لِأَنَّ الْيَهُودِيَّ مَنْ يُنْكِرُ رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ كُفْرٌ دَائِمًا، فَكُلُّ مَا حَرُمَ مُؤَبَّدًا فَاسْتِحْلَالُهُ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا فَلَا اهـ مُلَخَّصًا. مَطْلَبُ حُرُوفِ الْقَسَمِ (قَوْلُهُ وَمِنْ حُرُوفِهِ) أَفَادَ أَنَّ لَهُ حُرُوفًا أُخَرَ نَحْوُ مِنْ اللَّهِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الرَّضِيِّ ح. قُلْت: وَفِي الدَّمَامِينِيِّ عَنْ التَّسْهِيلِ: وَمِنْ مُثَلَّثِ الْحَرْفَيْنِ مَعَ تَوَافُقِ الْحَرَكَتَيْنِ اهـ فَافْهَمْ، وَالْمُرَادُ بِالْحُرُوفِ الْأَدَوَاتُ لِأَنَّ مِنْ اللَّهِ وَكَذَا الْمِيمُ اسْمٌ مُخْتَصَرٌ مِنْ أَيْمُنِ كَمَا مَرَّ، وَالضَّمِيرُ فِي حُرُوفِهِ رَاجِعٌ إلَى الْقَسَمِ أَوْ الْحَلِفِ أَوْ إلَى الْيَمِينِ بِتَأْوِيلِ الْقَسَمِ وَإِلَّا فَالْيُمْنَى مُؤَنَّثَةٌ سَمَاعًا (قَوْلُهُ الْوَاوُ وَالْبَاءُ وَالتَّاءُ) قَدَّمَ الْوَاوَ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا فِي الْقَسَمِ وَلِذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 721 وَلَامُ الْقَسَمِ وَحَرْفُ التَّنْبِيهِ وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ وَقَطْعُ أَلْفِ الْوَصْلِ وَالْمِيمِ الْمَكْسُورَةِ وَالْمَضْمُومَةِ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ وَهَا اللَّهِ وَمِ اللَّهِ. (وَقَدْ تُضْمَرُ) حُرُوفُهُ إيجَازًا فَاخْتَصَّ اسْمُ اللَّهِ بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ وَغَيْرُهُ بِغَيْرِ الْجَرِّ وَالْتَزَمَ رَفْعَ ايْمُنُ وَلَعَمْرُ اللَّهِ (كَقَوْلِهِ اللَّهَ) بِنَصَبِهِ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَجَرَّهُ الْكُوفِيُّونَ   [رد المحتار] لَمْ تَقَعْ الْبَاءُ فِي الْقُرْآنِ إلَّا فِي - بِاَللَّهِ {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]- مَعَ احْتِمَالِ تَعَلُّقِهَا ب " لَا تُشْرِكْ " وَقَدَّمَ غَيْرُهُ الْبَاءَ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ لِأَنَّهَا صِلَةُ أَحْلِفُ وَأُقْسِمُ وَلِذَا دَخَلَتْ فِي الْمُظْهَرِ وَالْمُضْمَرِ نَحْوِ بِك لَأَفْعَلَنَّ (قَوْلُهُ وَلَامُ الْقَسَمِ) وَهِيَ الْمُخْتَصَّةُ بِاَللَّهِ فِي الْأُمُورِ الْعِظَامِ قُهُسْتَانِيٌّ: أَيْ لَا تَدْخُلُ عَلَى غَيْرِ اسْمِ الْجَلَالَةِ وَهِيَ مَكْسُورَةٌ، وَحُكِيَ فَتْحُهَا كَمَا فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْآجُرُّومِيَّةِ. وَفِي الْفَتْحِ: وَلَا تُسْتَعْمَلُ اللَّامُ إلَّا فِي قَسَمٍ مُتَضَمِّنٍ مَعْنَى التَّعَجُّبِ كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: دَخَلَ آدَم الْجَنَّةَ، فَلِلَّهِ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ حَتَّى خَرَجَ، وَقَوْلُهُمْ لِلَّهِ مَا يُؤَخَّرُ الْأَجَلُ فَاسْتِعْمَالُهَا قَسَمًا مُجَرَّدًا عَنْهُ لَا يَصِحُّ فِي اللُّغَةِ إلَّا أَنْ يُتَعَارَفَ كَذَلِكَ. وَقَوْلُ الْهِدَايَةِ فِي الْمُخْتَارِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ احْتِرَازٌ عَمَّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أُكَلِّمَ زَيْدًا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لِلنَّذْرِ، وَيَحْتَمِلُ مَعْنَى الْيَمِينِ اهـ (قَوْلُهُ وَحَرْفُ التَّنْبِيهِ) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَحْذُوفُ الْأَلْفِ أَوْ ثَابِتُهَا مَعَ وَصْلِ أَلْفِ اللَّهِ وَقَطْعِهَا كَمَا فِي التَّسْهِيلِ لِابْنِ مَالِكٍ (قَوْلُهُ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ) هِيَ هَمْزَةٌ بَعْدَهَا أَلِفٌ وَلَفْظُ الْجَلَالَةِ بَعْدَهَا مَجْرُورٌ، وَتَسْمِيَتُهَا بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ مَجَازٌ كَذَا فِي الدَّمَامِينِيِّ عَلَى التَّسْهِيلِ ح. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجَرَّ بِهَذِهِ الْأَحْرُفِ لِنِيَابَتِهَا عَنْ أَحْرُفِ الْقَسَمِ ط (قَوْلُهُ وَقَطْعُ أَلِفِ الْوَصْلِ) أَيْ مَعَ جَرِّ الِاسْمِ الشَّرِيفِ ح أَيْ فَالْهَمْزَةُ نَابَتْ عَنْ حَرْفِ الْقَسَمِ وَلَيْسَ حَرْفُ الْقَسَمِ مُضْمَرًا لِأَنَّ مَا يُضْمَرُ فِيهِ حَرْفُ الْقَسَمِ تَبْقَى هَمْزَتُهُ هَمْزَةَ وَصْلٍ، نَعَمْ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْكَلَامِ تُقْطَعُ الْهَمْزَةُ فَيَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ. أَمَّا عِنْدَ عَدَمِ الِابْتِدَاءِ كَقَوْلِك يَا زَيْدُ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ فَإِنْ قَطَعْتهَا كَانَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الْإِضْمَارِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْمِيمُ الْمَكْسُورَةُ وَالْمَضْمُومَةُ) وَكَذَا الْمَفْتُوحَةُ، فَقَدْ نَقَلَ الدَّمَامِينِيُّ فِيهَا التَّثْلِيثَ. وَفِي ط لَعَلَّهُمْ اعْتَبَرُوا صُورَتَهَا فَعَدُّوهَا مِنْ حُرُوفِ الْقَسَمِ وَإِلَّا فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ اللُّغَاتِ فِي أَيْمُنِ اللَّهِ كُمِنَ اللَّهِ (قَوْلُهُ لِلَّهِ) بِكَسْرِ لَامِ الْقَسَمِ وَجَرِّ الْهَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَهَا اللَّهِ) مِثَالٌ لِحَرْفِ التَّنْبِيهِ وَالْهَاءُ مَجْرُورَةٌ ح (قَوْلُهُ مُ اللَّهِ) بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالْهَاءُ مَجْرُورَةٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ تُضْمَرُ حُرُوفُهُ) فِيهِ أَنَّ الَّذِي يُضْمَرُ هُوَ الْبَاءُ فَقَطْ، لِأَنَّهَا حَرْفُ الْقَسَمِ الْأَصْلِيِّ كَمَا نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْكَشْفِ وَالرَّضِيِّ، وَأَرَادَ بِالْإِضْمَارِ عَدَمَ الذِّكْرِ فَيَصْدُقُ بِالْحَذْفِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِضْمَارَ يَبْقَى أَثَرُهُ بِخِلَافِ الْحَذْفِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي كَوْنُ الْحَرْفِ مَحْذُوفًا فِي حَالَةِ النَّصْبِ وَمُضْمَرًا فِي حَالَةِ الْجَرِّ لِظُهُورِ أَثَرِهِ، وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ قَالَ تُضْمَرُ وَلَمْ يَقُلْ تُحْذَفُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا إلَخْ يُوهِمُ أَنَّهُ مَعَ النَّصْبِ لَا يَكُونُ حَالِفًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّهُ بِمَعْزِلٍ عَنْ التَّحْقِيقِ لِأَنَّهُ كَمَا يَكُونُ حَالِفًا مَعَ بَقَاءِ الْأَثَرِ يَكُونُ أَيْضًا حَالِفًا مَعَ النَّصْبِ بَلْ هُوَ الْكَثِيرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَذَاكَ شَاذٌّ اهـ أَيْ شَاذٌّ فِي غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ) أَمَّا الْجَرُّ وَالنَّصْبُ فَعَلَى إضْمَارِ الْحَرْفِ أَوْ حَذْفِهِ مَعَ تَقْدِيرِ نَاصِبٍ كَمَا يَأْتِي، وَأَمَّا الرَّفْعُ فَقَالَ فِي الْفَتْحِ عَلَى إضْمَارِ مُبْتَدَإٍ، وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ عَلَى إضْمَارِ خَبَرٍ، لِأَنَّ الِاسْمَ الْكَرِيمَ أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ فَهُوَ أَوْلَى بِكَوْنِهِ مُبْتَدَأً وَالتَّقْدِيرُ اللَّهُ قَسَمِي أَوْ قَسَمِي اللَّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ) أَيْ وَيَخْتَصُّ غَيْرُ اسْمِ الْجَلَالَةِ كَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ بِغَيْرِ الْجَرِّ أَيْ بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ، أَمَّا الْجَرُّ فَلَا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَذْفُ الْجَارِّ وَإِبْقَاءُ عَمَلِهِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا لَفْظُ الْجَلَالَةِ فِي الْقَسَمِ دُونَ عِوَضٍ نَحْوَ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ (قَوْلُهُ بِنَصْبِهِ بِنَزْعِ الْخَافِضِ) هَذَا خِلَافُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ بِفِعْلِ الْقَسَمِ لَمَّا حَذَفَ الْحَرْفَ اتَّصَلَ الْفِعْلُ بِهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ عِنْدَ انْتِزَاعِ الْخَافِضِ: أَيْ بِالْفِعْلِ عِنْدَهُ، كَذَا فِي الْفَتْحِ أَيْ فَالْبَاءُ فِي بِنَزْعِ لِلسَّبَبِيَّةِ لَا صِلَةَ نَصْبِهِ لِأَنَّ النَّزْعَ لَيْسَ مِنْ عَوَامِلِ النَّصْبِ، بَلْ النَّاصِبُ هُوَ الْفِعْلُ، وَيَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ تَوَسُّعًا بِسَبَبِ نَزْعِ الْخَافِضِ كَمَا فِي - {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} [الأعراف: 150]- أَيْ عَنْ أَمْرِهِ - {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: 5]- أَيْ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَجَرَّهُ الْكُوفِيُّونَ) كَذَا حُكِيَ الْخِلَافُ فِي الْمَبْسُوطِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَنَظَرَ فِيهِ بِأَنَّهُمَا أَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 722 مِسْكِينٌ (لَأَفْعَلَنَّ كَذَا) أَفَادَ أَنَّ إضْمَارَ حَرْفِ التَّأْكِيدِ فِي الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ ثُمَّ صَرَّحَ بِهِ بِقَوْلِهِ (الْحَلِفُ) بِالْعَرَبِيَّةِ (فِي الْإِثْبَاتِ لَا يَكُونُ إلَّا بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ وَهُوَ اللَّامُ وَالنُّونُ كَقَوْلِهِ وَوَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا)   [رد المحتار] النَّصْبَ وَالْجَرَّ وَجْهَانِ سَائِغَانِ لِلْعَرَبِ لَيْسَ أَحَدٌ يُنْكِرُ أَحَدَهُمَا لِيَتَأَتَّى الْخِلَافُ اهـ وَسَكَتَ الشَّارِحُ عَنْ الرَّفْعِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ. [تَنْبِيهٌ] هَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ وَكَذَا سُكُونُ الْهَاءِ يَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ مَعَ التَّصْرِيحِ بِبَاءِ الْقَسَمِ. فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: بِاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَسَكَّنَ الْهَاءَ أَوْ نَصَبَهَا أَوْ رَفَعَهَا يَكُونُ يَمِينًا؛ وَلَوْ قَالَ اللَّهَ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَسَكَّنَ الْهَاءَ أَوْ نَصَبَهَا لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا أَنْ يُعْرِبَهَا بِالْجَرِّ فَيَكُونُ يَمِينًا، وَقِيلَ يَكُونُ يَمِينًا مُطْلَقًا اهـ. قُلْت: وَقَوْلُ الْمُتُونِ وَقَدْ تُضْمَرُ يُشِيرُ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْإِضْمَارَ يَبْقَى أَثَرُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَرِّ لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ تَجْوِيزِ النَّصْبِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْجَوْهَرَةِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ، بَلْ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا نَصَبَ أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي جَوَازِ كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ، وَلَكِنَّ النَّصْبَ أَكْثَرُ كَمَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْقَاهِرِ فِي مُقْتَصِدِهِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. اهـ. قُلْت: بَقِيَ الْكَلَامُ عَلَى عَدَمِ كَوْنِهِ يَمِينًا مَعَ سُكُونِ الْهَاءِ. وَقَدْ رَدَّهُ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ الْيَمِينِ بَيْنَ أَنْ يُعْرِبَ الْمُقْسَمَ بِهِ خَطَأً أَوْ صَوَابًا أَوْ يُسَكِّنَهُ خِلَافًا لِمَا فِي الْمُحِيطِ فِيمَا إذَا سَكَّنَهُ لِأَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمَنْعِ أَوْ الْحَمْلِ مَعْقُودًا بِمَا أُرِيدَ مَنْعُهُ أَوْ فِعْلُهُ ثَابِتٌ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى خُصُوصِيَّةٍ فِي اللَّفْظِ. اهـ. (قَوْلُهُ إنَّ إضْمَارَ حَرْفِ التَّأْكِيدِ) الْإِضَافَةُ فِي " حَرْفِ " لِلْجِنْسِ لِأَنَّ الْمُرَادَ اللَّامُ وَالنُّونُ فَإِنَّ حَذْفَهُمَا فِي جَوَابِ الْقَسَمِ الْمُسْتَقْبَلِ الْمُثْبَتِ لَا يَجُوزُ، نَعَمْ حَذْفُ أَحَدِهِمَا جَائِزٌ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ لَا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، وَكَذَا يَجُوزُ إنْ كَانَ الْفِعْلُ حَالًّا كَقِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ - لَأُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ - وَقَوْلِ الشَّاعِرِ: يَمِينًا لَأَبْغَضُ كُلَّ امْرِئٍ ... يُزَخْرِفُ قَوْلًا وَلَا يَفْعَلُ مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ أَسْقَطَ اللَّامَ وَالنُّونَ مِنْ جَوَابِ الْقَسَمِ (قَوْلُهُ الْحَلِفُ بِالْعَرَبِيَّةِ) مَقْدِسِيٌّ، يَعْنِي لَا يَكُونُ يَمِينًا عَلَى الْإِثْبَاتِ، وَقَوْلُهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمْ فِيهَا: أَيْ إذَا تَرَكُوا ذَلِكَ الشَّيْءَ. ثُمَّ قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُمْ لِتَعَارُفِهِمْ الْحَلِفَ بِذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ سَكَّنَ الْهَاءَ أَوْ رَفَعَ أَوْ نَصَبَ فِي بِاَللَّهِ يَكُونُ يَمِينًا مَعَ أَنَّ الْعَرَبَ مَا نَطَقَتْ بِغَيْرِ الْجَرِّ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ خَلَا مِنْ اللَّامِ وَالنُّونِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَفْعَلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَفْعَلُ كَذَا لَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ اهـ وَاعْتَرَضَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ مَا نَقَلَهُ لَا يَدُلُّ لِمُدَّعَاهُ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ إعْرَابِيٌّ لَا يَمْنَعُ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعَ فَلَا يَضُرُّ التَّسْكِينُ وَالرَّفْعُ وَالنَّصْبُ، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ اللَّحْنَ لَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، إذْ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ الْإِثْبَاتُ وَالنَّفْيُ لَا أَنَّهُ يَمِينٌ وَالنَّقْلُ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ. اهـ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ اللَّحْنَ الْخَطَأُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. وَفِي الْمِصْبَاحِ: اللَّحْنُ الْخَطَأُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَ الْوَلْوَالِجيَّةِ سُبْحَانَ اللَّهِ أَفْعَلُ عَيْنُ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ لَا غَيْرُهُ فَإِنَّهُ أَتَى بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ مُجَرَّدًا مِنْ اللَّامِ وَالنُّونِ وَجَعَلَهُ يَمِينًا مَعَ النِّيَّةِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى النَّفْيِ لَوَجَبَ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَعَ النِّيَّةِ يَمِينٌ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ النِّيَّةَ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَعَارَفٍ كَمَا مَرَّ. وَقَالَ ج: وَبَحْثُ الْمَقْدِسِيَّ وَجِيهٌ. وَقَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ إنَّهُ يُصَادِمُ الْمَنْقُولَ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْمَذْهَبِ كَانَ عَلَى عُرْفِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ تَتَغَيَّرَ اللُّغَةُ، وَأَمَّا الْآنُ فَلَا يَأْتُونَ بِاللَّامِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 723 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] وَالنُّونُ فِي مُثْبَتِ الْقَسَمِ أَصْلًا وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ بِوُجُودِ لَا وَعَدَمِهَا، وَمَا اصْطِلَاحُهُمْ عَلَى هَذَا إلَّا كَاصْطِلَاحِ لُغَةِ الْفُرْسِ وَنَحْوِهَا فِي الْأَيْمَانِ لِمَنْ تَدَبَّرَ. اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ يُحْمَلُ كَلَامُ كُلِّ عَاقِدٍ وَحَالِفٍ وَوَاقِفٍ عَلَى عُرْفِهِ وَعَادَتِهِ سَوَاءٌ وَافَقَ كَلَامَ الْعَرَبِ أَمْ لَا، وَيَأْتِي نَحْوُهُ عَنْ الْفَتْحِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْآتِي. وَقَدْ فَرَّقَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ بَيْنَ بَلَى وَنَعَمْ فِي الْجَوَابِ بِأَنَّ بَلَى لِإِيجَابِ مَا بَعْدَ النَّفْيِ وَنَعَمْ لِلتَّصْدِيقِ، فَإِذَا قِيلَ أَمَا قَامَ زَيْدٌ؟ فَإِنْ قُلْت بَلَى كَانَ مَعْنَاهُ قَدْ قَامَ، وَإِنْ قُلْت نَعَمْ كَانَ مَعْنَاهُ مَا قَامَ. وَنَقَلَ فِي شَرْح الْمَنَارِ عَنْ التَّحْقِيقِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ الْعُرْفُ حَتَّى يُقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي التَّلْوِيحِ. وَقَوْلُ الْمُحِيطِ هُنَا وَالْحَلِفُ بِالْعَرَبِيَّةِ أَنْ يَقُولَ فِي الْإِثْبَاتِ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ إلَخْ بَيَانٌ لِلْحُكْمِ عَلَى قَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ وَعُرْفِ الْعَرَبِ وَعَادَتِهِمْ الْخَالِيَةِ عَنْ اللَّحْنِ، وَكَلَامُ النَّاسِ الْيَوْمَ خَارِجٌ عَنْ قَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ سِوَى النَّادِرِ، فَهُوَ لُغَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ لَهُمْ كَبَاقِي اللُّغَاتِ الْأَعْجَمِيَّةِ، فَلَا يُعَامِلُونَ بِغَيْرِ لُغَتِهِمْ وَقَصْدِهِمْ إلَّا مَنْ الْتَزَمَ مِنْهُمْ الْإِعْرَابَ أَوْ قَصَدَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُدَيَّنَ. وَعَلَى هَذَا قَالَ شَيْخِ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيُّ: إنَّ أَيْمَانَنَا الْآنَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى تَأْكِيدٍ، فَقَدْ وَضَعْنَاهَا وَضْعًا جَدِيدًا وَاصْطَلَحْنَا عَلَيْهَا وَتَعَارَفْنَاهَا، فَيَجِبُ مُعَامَلَتُنَا عَلَى قَدْرِ عُقُولِنَا وَنِيَّاتِنَا كَمَا أَوْقَعَ الْمُتَأَخِّرُونَ الطَّلَاقَ بِعَلَيَّ الطَّلَاقُ، وَمَنْ لَمْ يَدْرِ بِعُرْفِ أَهْلِ زَمَانِهِ فَهُوَ جَاهِلٌ. اهـ. قُلْت: وَنَظِيرُ هَذَا مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَ الْفَاءَ الرَّابِطَةَ لِجَوَابِ الشَّرْطِ فَهُوَ تَنْجِيزٌ لَا تَعْلِيقٌ، حَتَّى لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ فِي الْحَالِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ أَيْضًا، وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَعَارَفِ الْآنَ فَيَنْبَغِي بِنَاؤُهُ عَلَى الْعُرْفِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ مَا يُنَاسِبُ ذِكْرَهُ هُنَا فَرَاجِعْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ] مَا مَرَّ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَسَمِ، بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ فَإِنَّهُ وَإِنْ سُمِّيَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ حَلِفًا وَيَمِينًا لَكِنَّهُ لَا يُسَمَّى قَسَمًا، فَإِنَّ الْقَسَمَ خَاصٌّ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ، أَمَّا التَّعْلِيقُ فَلَا يَجْرِي اشْتِرَاطُ اللَّامِ وَالنُّونِ فِي الْمُثْبَتِ مِنْهُ لَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَلَا عِنْدَ اللُّغَوِيِّينَ، وَمِنْهُ الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي وَعَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ فِي الْعُرْفِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ فَيَجِبُ إمْضَاؤُهُ عَلَيْهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي. قَالَ ح: فَانْدَفَعَ بِهَذَا مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ مِنْ أَنَّ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَجِيءُ الْيَوْمَ، إنْ جَاءَ فِي الْيَوْمِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِلَّا فَلَا لِعَدَمِ اللَّامِ وَالنُّونِ؛ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ النُّحَاةَ إنَّمَا اشْتَرَطُوا ذَلِكَ فِي جَوَابِ الْقَسَمِ الْمُثْبَتِ لَا فِي جَوَابِ الشَّرْطِ، وَإِلَّا كَانَ مَعْنَى قَوْلِك إنْ قَامَ زَيْدٌ أَقُمْ إنْ قَامَ زَيْدٌ لَمْ أَقُمْ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ عَاقِلٌ فَضْلًا عَنْ فَاضِلٍ. عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ أَجِيءُ لَيْسَ جَوَابَ الشَّرْطِ بَلْ هُوَ فِعْلُ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْمَعْنَى إنْ لَمْ أَجِئْ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الْوَهْمُ بِعَيْنِهِ لِلشَّيْخِ الرَّمْلِيِّ فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ وَلِغَيْرِهِ أَيْضًا. قَالَ السَّيِّدُ أَحْمَدُ الْحَمَوِيُّ فِي تَذْكِرَتِهِ الْكُبْرَى: رُفِعَ إلَيَّ سُؤَالٌ صُورَتُهُ: رَجُلٌ اغْتَاظَ مِنْ وَلَدِ زَوْجَتِهِ فَقَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ إنِّي أُصْبِحُ أَشْتَكِيك مِنْ النَّقِيبِ فَلَمَّا أَصْبَحَ تَرَكَهُ وَلَمْ يَشْتَكِهِ وَمَكَثَ مُدَّةً فَهَلْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمْ لَا؟ الْجَوَابُ: إذَا تَرَكَ شِكَايَتَهُ وَمَضَى مُدَّةً بَعْدَ حَلِفِهِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمَذْكُورَ وَقَعَ فِي جَوَابِ الْيَمِينِ وَهُوَ مُثْبَتٌ فَيُقَدَّرُ النَّفْيُ حَيْثُ لَمْ يُؤَكِّدْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ؛ كَتَبَهُ الْفَقِيرُ عَبْدُ الْمُنْعِمِ النَّبْتِيتِيُّ فَرَفَعَهُ إلَى جَمَاعَةٍ قَائِلِينَ مَاذَا يَكُونُ الْحَالُ، فَقَدْ زَادَ بِهِ الْأَمْرُ وَتَقَدَّمَ بَيْنَ الْعَوَامّ وَتَأَخَّرَتْ أُولُو الْفَضْلِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 724 وَاَللَّهِ لَقَدْ فَعَلْت كَذَا مَقْرُونًا بِكَلِمَةِ التَّوْكِيدِ وَفِي النَّفْيِ بِحَرْفِ النَّفْيِ، حَتَّى لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ أَفْعَلُ كَذَا الْيَوْمَ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى النَّفْيِ وَتَكُونُ لَا مُضْمَرَةً كَأَنَّهُ قَالَ لَا أَفْعَلُ كَذَا لِامْتِنَاعِ حَذْفِ حَرْفِ التَّوْكِيدِ فِي الْإِثْبَاتِ لِإِضْمَارِ الْعَرَبِ فِي الْكَلَامِ الْكَلِمَةَ لَا بَعْضَ الْكَلِمَةِ مِنْ الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ. (وَكَفَّارَتُهُ) هَذِهِ إضَافَةٌ لِلشَّرْطِ لِأَنَّ السَّبَبَ عِنْدَنَا الْحِنْثُ (تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ أَوْ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ)   [رد المحتار] فَأَجَبْت بَعْدَ الْحَمْدِ لِلَّهِ: مَا أُفْتِيَ بِهِ مِنْ عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْفِعْلَ الْمَذْكُورَ وَقَعَ جَوَابًا لِيَمِينٍ وَهُوَ مُثْبَتٌ فَيُقَدَّرُ النَّفْيُ حَيْثُ لَمْ يُؤَكَّدْ، فَمُنْبِئٌ عَنْ فَرْطِ جَهْلِهِ وَحُمْقِهِ وَكَثْرَةِ مُجَازَفَتِهِ فِي الدِّينِ وَخَرْقِهِ إذْ ذَاكَ فِي الْفِعْلِ إذَا وَقَعَ جَوَابًا لِلْقَسَمِ بِاَللَّهِ نَحْوَ - {تَاللَّهِ تَفْتَأُ} [يوسف: 85]- أَيْ لَا تَفْتَأُ لَا فِي جَوَابِ الْيَمِينِ بِمَعْنَى التَّعْلِيقِ بِمَا يُشْتَقُّ مِنْ طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَنَحْوِهِمَا. وَحِينَئِذٍ إذَا أَصْبَحَ الْحَالِفُ وَلَمْ يَشْتَكِهِ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَبَانَتْ زَوْجَتُهُ مِنْهُ بَيْنُونَةً كُبْرَى. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ هَذَا الْمُفْتِيَ أَخْطَأَ خَطَأً صَرَاحًا لَا يَصْدُرُ عَنْ ذِي دِينٍ وَصَلَاحٍ، وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ: مِنْ الدِّينِ كَشْفُ السِّتْرِ عَنْ كُلِّ كَاذِبٍ ... وَعَنْ كُلِّ بِدْعِيٍّ أَتَى بِالْعَجَائِبِ فَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ لَهُدِّمَتْ ... صَوَامِعُ دِينِ اللَّهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَاَللَّهُ الْهَادِي لِلصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ (قَوْلُهُ وَاَللَّهِ لَقَدْ فَعَلْت) بِصِيغَةِ الْمَاضِي وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ اللَّامِ مَقْرُونَةً بِقَدْ أَوْ رُبَّمَا إنْ كَانَ مُتَصَرِّفًا وَإِلَّا فَغَيْرَ مَقْرُونَةٍ كَمَا فِي التَّسْهِيلِ (قَوْلُهُ وَفِي النَّفْيِ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْإِثْبَاتِ أَيْ أَنَّ الْحَلِفَ إذَا كَانَ الْجَوَابُ فِيهِ مُضَارِعًا مَنْفِيًّا لَا يَكُونُ بِاللَّامِ وَالنُّونِ إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ شُذُوذٍ بَلْ يَكُونُ بِحَرْفِ النَّفْيِ وَلَوْ مُقَدَّرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {تَاللَّهِ تَفْتَأُ} [يوسف: 85]- فَقَوْلُهُ حَتَّى لَوْ قَالَ إلَخْ تَفْرِيعٌ صَحِيحٌ أَفَادَ بِهِ أَنَّ حَرْفَ النَّفْيِ إذَا لَمْ يُذْكَرْ يُقَدَّرْ، وَأَنَّ الدَّالَ عَلَى تَقْدِيرِهِ عَدَمُ شَرْطِ كَوْنِهِ مُثْبَتًا وَهُوَ حَرْفُ التَّوْكِيدِ وَأَنَّهُ إذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ تَقْدِيرِ النَّافِي وَحَرْفِ التَّوْكِيدِ تَعَيَّنَ تَقْدِيرُ النَّافِي لِأَنَّهُ كَلِمَةُ لَا بَعْضُ كَلِمَةٍ فَافْهَمْ، لَكِنْ اعْتَرَضَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ حَرْفَ التَّوْكِيدِ كَلِمَةٌ أَيْضًا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَلِمَةِ مَا يُتَكَلَّمُ بِهَا بِدُونِ غَيْرِهَا أَوْ مَا لَيْسَتْ مُتَّصِلَةً بِغَيْرِهَا فِي الْخَطِّ (قَوْلُهُ وَكَفَّارَتُهُ) أَيْ الْيَمِينِ بِمَعْنَى الْحَلِفِ أَوْ الْقَسَمِ، فَلَا يَرِدُ أَنَّهَا مُؤَنَّثٌ سَمَاعًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ هَذِهِ إضَافَةٌ لِلشَّرْطِ) لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِي إضَافَةِ الْأَحْكَامِ إضَافَةَ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ كَحَدِّ الزِّنَا أَوْ الشُّرْبِ أَوْ السَّرِقَةِ، وَالْيَمِينُ لَيْسَ سَبَبًا عِنْدَنَا لِلْكَفَّارَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَلْ السَّبَبُ عِنْدَنَا هُوَ الْحِنْثُ كَمَا يَأْتِي بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ الْأَصْلِ وَأَنَّهُ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَى الشَّرْطِ مَجَازًا، وَهِيَ جَائِزَةٌ وَثَابِتَةٌ فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْإِحْرَامِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَكَوْنُ الْيَمِينِ شَرْطًا لَا سَبَبًا مُبَيَّنٌ بِأَدِلَّتِهِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. مَطْلَبُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ (قَوْلُهُ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) لَمْ يَقُلْ عِتْقُ رَقَبَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَنَوَى عَنْ الْكَفَّارَةِ لَمْ يَجُزْ نَهْرٌ (قَوْلُهُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) أَيْ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا، حَتَّى لَوْ أَعْطَى مِسْكَيْنَا وَاحِدًا فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ يَجُوزُ، وَلَوْ أَعْطَاهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ بِدَفَعَاتٍ فِي عَشْرِ سَاعَاتٍ، قِيلَ يُجْزِئُ، وَقِيلَ لَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ إعْطَاؤُهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ مِسْكِينٍ آخَرَ لِتَجَدُّدِ الْحَاجَةِ مِنْ حَاشِيَةِ السَّيِّدِ أَبِي السُّعُودِ. وَفِيهَا: يَجُوزُ أَنْ يَكْسُوَ مِسْكِينًا وَاحِدًا فِي عَشْرِ سَاعَاتٍ مِنْ يَوْمٍ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ أَوْ ثَوْبًا وَاحِدًا، بِأَنْ يُؤَدِّيَهُ إلَيْهِ ثُمَّ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ إلَيْهِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ بِهِبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِأَنَّ لِتَبَدُّلِ الْوَصْفِ تَأْثِيرًا فِي تَبَدُّلِ الْعَيْنِ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْكَشْفِ، وَقَوْلُهُ لَكِنْ لَا يَجُوزُ يَحْتَمِلُ تَعَلُّقَهُ بِالثَّانِيَةِ فَقَطْ أَوْ بِهَا وَبِالْأَوْلَى أَيْضًا وَهُوَ الظَّاهِرُ بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَاهُ. اهـ. قُلْت: وَمُرَادُهُ بِالثَّانِيَةِ قَوْلُهُ أَوْ ثَوْبًا وَاحِدًا. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَإِذَا أَطْعَمَهُمْ بِلَا إدَامٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا فِي خُبْزِ الْحِنْطَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 725 كَمَا مَرَّ فِي الظِّهَارِ (أَوْ كِسْوَتُهُمْ بِمَا) يَصْلُحُ لِلْأَوْسَاطِ وَيُنْتَفَعُ بِهِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَ (يَسْتُرُ عَامَّةَ الْبَدَنِ) فَلَمْ يَجُزْ السَّرَاوِيلُ إلَّا بِاعْتِبَارِ قِيمَةِ الْإِطْعَامِ.   [رد المحتار] وَإِذَا غَدَّى مِسْكِينًا وَعَشَّى غَيْرَهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّهُ فَرَّقَ طَعَامَ الْعَشَرَةِ عَلَى عِشْرِينَ، كَمَا إذَا فَرَّقَ حِصَّةَ الْمِسْكِينِ عَلَى مِسْكِينَيْنِ، وَلَوْ غَدَّى مِسْكِينًا وَأَعْطَاهُ قِيمَةَ الْعِشَاءِ أَجْزَأَهُ، وَكَذَا إذَا فَعَلَهُ فِي عَشَرَةِ مَسَاكِينَ؛ وَلَوْ عَشَّاهُمْ فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ لَيْلَةً أَجْزَأَهُ اهـ لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا غَدَّاهُمْ فِي يَوْمٍ وَعَشَّاهُمْ فِي يَوْمٍ آخَرَ فَعَنْ الثَّانِي فِيهِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ شَرَطَ وُجُودَهُمَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْمُعَلَّى لَمْ يَشْتَرِطْ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِنْ أَطْعَمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينِ كُلَّ مِسْكِينٍ صَاعًا عَنْ يَمِينَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا عَنْ إحْدَاهُمَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُجْزِيه عَنْهُمَا (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ فِي الظِّهَارِ) أَيْ كَالتَّحْرِيرِ وَالْإِطْعَامِ الْمَارَّيْنِ فِي الظِّهَارِ مِنْ كَوْنِ الرَّقَبَةِ غَيْرَ فَائِتَةٍ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ وَلَا مُسْتَحَقَّةً لِلْحُرِّيَّةِ بِجِهَةٍ. وَفِي الِاطِّعَامِ، إمَّا التَّمْلِيكُ، أَوْ الْإِبَاحَةُ، فَيُعَشِّيهِمْ وَيُغَدِّيهِمْ؛ وَلَوْ أَطْعَمَ خَمْسَةً وَكَسَا خَمْسَةً أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ الْإِطْعَامِ إنْ كَانَ أَرْخَصَ مِنْ الْكِسْوَةِ. وَعَلَى الْعَكْسِ لَا يَجُوزُ، هَذَا فِي إطْعَامِ الْإِبَاحَةِ؛ أَمَّا إذَا مَلَكَهُ فَيَجُوزُ وَيُقَامُ مَقَامَ الْكِسْوَةِ؛ وَلَوْ أَعْطَى عَشَرَةً كُلَّ وَاحِدٍ أَلْفَ مَنٍّ مِنْ الْحِنْطَةِ عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ وَاحِدَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالثَّانِي، وَكَذَا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ نَهْرٌ. قُلْت: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ حِيلَةَ الدُّرَرِ لَا تَنْفَعُ هُنَا بِخِلَافِهَا فِي إسْقَاطِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ بِمَا يَصْلُحُ لِلْأَوْسَاطِ) وَقِيلَ يُعْتَبَرُ فِي الثَّوْبِ حَالُ الْقَابِضِ، إنْ كَانَ يَصْلُحُ لَهُ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ السَّرَخْسِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ) لِأَنَّهَا أَكْثَرُ نِصْفِ مُدَّةِ الثَّوْبِ الْجَدِيدِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ جَدِيدًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ جَدِيدًا رَقِيقًا لَا يَبْقَى هَذِهِ الْمُدَّةَ لَا يُجْزِئُ (قَوْلُهُ وَيَسْتُرُ عَامَّةَ الْبَدَنِ) أَيْ أَكْثَرَهُ كَالْمُلَاءَةِ أَوْ الْجُبَّةِ أَوْ الْقَمِيصِ أَوْ الْقَبَاءِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَهَذَا بَيَانٌ لِأَدْنَاهُ عِنْدَهُمَا. وَالْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ مَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَعَلَيْهِ فَيُجْزِيه دَفْعُ السَّرَاوِيلِ عِنْدَهُ لِلرَّجُلِ لَا لِلْمَرْأَةِ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَجُزْ السَّرَاوِيلُ) هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ لَابِسَهُ يُسَمَّى عُرْيَانًا عُرْفًا فَلَا بُدَّ عَلَى هَذَا أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصًا أَوْ جُبَّةً أَوْ رِدَاءً أَوْ قَبَاءً أَوْ إزَارًا سَابِلًا بِحَيْثُ يَتَوَشَّحُ بِهِ عِنْدَهُمَا وَإِلَّا فَهُوَ كَالسَّرَاوِيلِ، وَلَا تُجْزِئُ الْعِمَامَةُ إلَّا إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهَا ثَوْبٌ مُجْزِئٌ. وَأَمَّا الْقَلَنْسُوَةُ فَلَا تُجْزِئُ بِحَالٍ، وَلَا بُدَّ لِلْمَرْأَةِ مِنْ خِمَارٍ مَعَ الثَّوْبِ لِأَنَّ صَلَاتَهَا لَا تَصِحُّ بِدُونِهِ، وَهَذَا: أَيْ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ يُشَابِهُ الْمَرْوِيَّ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي السَّرَاوِيلِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي لِلْمَرْأَةِ. وَظَاهِرُ الْجَوَابِ مَا يَثْبُتُ بِهِ اسْمُ الْمُكْتَسِي وَيَنْتَفِي عَنْهُ اسْمُ الْعُرْيَانِ لَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ وَعَدَمُهَا، وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ لَابِسَةً قَمِيصًا سَابِلًا وَخِمَارًا غَطَّى رَأْسَهَا وَأُذُنَيْهَا دُونَ عُنُقِهَا لَا شَكَّ فِي ثُبُوتِ اسْمِ أَنَّهَا مُكْتَسِيَةٌ لَا عُرْيَانَةُ وَمَعَ هَذَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْفَتْحِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ الثَّوْبِ مِنْ الْخِمَارِ، لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْخِمَارُ مِمَّا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ. وَقَدْ اقْتَصَرَ فِي الْبَحْرِ عَلَى صَدْرِ عِبَارَةِ الْفَتْحِ فَأَوْهَمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْخِمَارُ أَصْلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. الشُّرُنْبُلَالِيَّةُ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا يُغَطِّي رَأْسَ الرَّجُلِ. اهـ. قُلْت: إنْ كَانَ تَوَقُّفُهُ فِي إجْزَائِهِ فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي اشْتِرَاطِهِ مَعَ الثَّوْبِ فَظَاهِرُ مَا مَرَّ عَدَمُهُ. وَفِي الْكَافِي: الْكِسْوَةُ ثَوْبٌ لِكُلِّ مِسْكِينٍ إزَارٌ وَرِدَاءٌ أَوْ قَمِيصٌ أَوْ قَبَاءٌ أَوْ كِسَاءٌ اهـ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَسْتُرُ أَكْثَرَ الْبَدَنِ (قَوْلُهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ قِيمَةِ الْإِطْعَامِ) وَمِثْلُهُ لَوْ أَعْطَى نِصْفَ ثَوْبٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَجْزَأَهُ عَنْ إطْعَامِ فَقِيرٍ، وَكَذَا لَوْ أَعْطَى عَشَرَةَ مَسَاكِينَ ثَوْبًا كَبِيرًا لَا يَكْفِي كُلَّ وَاحِدٍ حِصَّتُهُ مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 726 (وَلَوْ أَدَّى الْكُلَّ) جُمْلَةً أَوْ مُرَتَّبًا وَلَمْ يَنْوِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِهَا لِلُزُومِ النِّيَّةِ لِصِحَّةِ التَّكْفِيرِ (وَقَعَ عَنْهَا وَاحِدٌ هُوَ أَعْلَاهَا قِيمَةً، وَلَوْ تَرَكَ الْكُلَّ عُوقِبَ بِوَاحِدٍ هُوَ أَدْنَاهَا قِيمَةً) لِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِالْأَدْنَى (وَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا) كُلِّهَا (وَقْتَ الْأَدَاءِ) عِنْدَنَا، حَتَّى لَوْ وَهَبَ مَالَهُ وَسَلَّمَهُ ثُمَّ صَامَ ثُمَّ رَجَعَ بِهِبَةٍ أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ مُجْتَبًى. قُلْت: وَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ (صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وِلَاءً) وَيَبْطُلُ بِالْحَيْضِ، بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ. وَجَوَّزَ الشَّافِعِيُّ التَّفْرِيقَ، وَاعْتَبَرَ الْعَجْزَ عِنْدَ الْحِنْثِ مِسْكِينٌ (وَالشَّرْطُ اسْتِمْرَارُ الْعَجْزِ إلَى الْفَرَاغِ مِنْ الصَّوْمِ، فَلَوْ صَامَ الْمُعْسِرُ يَوْمَيْنِ ثُمَّ) قَبْلَ فَرَاغِهِ وَلَوْ بِسَاعَةٍ (أَيْسَرَ) وَلَوْ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ مُوسِرًا (لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ) وَيَسْتَأْنِفُ بِالْمَالِ خَانِيَّةٌ، وَلَوْ صَامَ نَاسِيًا لِلْمَالِ وَلَمْ يَجُزْ عَلَى الصَّحِيحِ مُجْتَبًى. وَلَوْ نَسِيَ كَيْفَ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ بِطَلَاقٍ أَوْ بِصَوْمٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ خَانِيَةً (وَلَمْ يَجُزْ) التَّكْفِيرُ وَلَوْ بِالْمَالِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (قَبْلَ حِنْثٍ) وَلَا يَسْتَرِدُّهُ مِنْ الْفَقِيرِ لِوُقُوعِهِ صَدَقَةً.   [رد المحتار] لِلْكِسْوَةِ وَتَبْلُغُ حِصَّةُ كُلٍّ مِنْهُمْ قِيمَةَ مَا ذَكَرْنَا أَجْزَأَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِالْإِطْعَامِ. ثُمَّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْإِجْزَاءِ عَنْ الْإِطْعَامِ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ عَنْ الْإِطْعَامِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُشْتَرَطُ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَنْوِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِهَا) شَرْطٌ فِي قَوْلِهِ مُرَتَّبًا فَقَطْ. وَفِيهِ أَنَّ النِّيَّةَ بَعْدَ تَمَامِهَا إنَّمَا تُلَائِمُ الْإِطْعَامَ وَالْكِسْوَةَ لِصِحَّةِ النِّيَّةِ بَعْدَ الدَّفْعِ مَا دَامَا فِي يَدِ الْفَقِيرِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَلَا، إلَّا أَنْ تُصَوَّرَ الْمَسْأَلَةُ فِيمَا إذَا تَقَدَّمَتْ الْكِسْوَةُ وَالْإِطْعَامُ وَعِنْدَ الْإِعْتَاقِ نَوَى الثَّلَاثَةَ عَنْ الْكَفَّارَةِ. اهـ. ح وَالْمُرَادُ بِالْإِطْعَامِ التَّمْلِيكُ لَا الْإِبَاحَةُ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَكَلُوا عِنْدَهُ ثُمَّ نَوَى لَمْ يَصِحَّ فِيمَا يَظْهَرُ تَأَمَّلْ. ثُمَّ إنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ بَيَانُ إمْكَانِ تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ وُقُوعُ الْأَعْلَى قِيمَةً عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فَإِذَا فَعَلَ الثَّلَاثَةَ، فَمَا نَوَاهُ أَوَّلًا وَقَعَ عَنْهَا وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَدْنَى، فَبَيَّنَ إمْكَانَ ذَلِكَ بِمَا إذَا فَعَلَ الْكُلَّ جُمْلَةً أَوْ مُرَتَّبًا لَكِنَّهُ أَخَّرَ النِّيَّةَ (قَوْلُهُ لِلُزُومِ النِّيَّةِ) عِلَّةٌ لِمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْمَقَامِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي التَّكْفِيرِ مِنْ النِّيَّةِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْكَمَالُ وَغَيْرُهُ ط (قَوْلُهُ وَإِنْ عَجَزَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ. فَفِي الْخَانِيَّةِ: لَا يَجُوزُ الصَّوْمُ لِمَنْ يَمْلِكُ مَا هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ أَوْ يَمْلِكُ بَدَلَهُ فَوْقَ الْكَفَافِ، وَالْكَفَافُ مَنْزِلٌ يَسْكُنُهُ وَثَوْبٌ يَلْبَسُهُ وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَقُوتُ يَوْمِهِ، وَلَوْ لَهُ عَبْدٌ يَحْتَاجُهُ لِلْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ؛ وَلَوْ لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ، فَإِنْ قَضَى: دَيْنَهُ بِهِ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ، وَإِنْ صَامَ قَبْلَ قَضَائِهِ قِيلَ يَجُوزُ وَقِيلَ لَا؛ وَلَوْ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ أَوْ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ صَامَ إلَّا إذَا كَانَ الْمَالُ الْغَائِبُ عَبْدًا لِقُدْرَتِهِ عَلَى إعْتَاقِهِ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَالْمَرْأَةُ الْمُعْسِرَةُ لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا مِنْ الصَّوْمِ لِأَنَّ كُلَّ صَوْمٍ وَجَبَ عَلَيْهَا بِإِيجَابِهَا لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ وَكَذَا الْعَبْدُ إلَّا إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَلَا يَمْنَعُهُ الْمَوْلَى لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَرْأَةِ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَيْهَا إلَّا بِالْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ وَقْتَ الْأَدَاءِ) أَيْ لَا وَقْتَ الْحِنْثِ، فَلَوْ حَنِثَ مُوسِرًا ثُمَّ أَعْسَرَ جَازَ لَهُ الصَّوْمُ، وَفِي عَكْسِهِ لَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْعَكْسِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فَسْخًا: أَيْ كَأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ لَكَانَ الْمَالُ مَوْجُودًا فِي يَدِهِ فَلَا يُجْزِيه الصَّوْمُ ط. (قَوْلُهُ وِلَاءً) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ: أَيْ مُتَتَابِعَةً لِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ - فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ - فَجَازَ التَّقْيِيدُ بِهَا لِأَنَّهَا مَشْهُورَةٌ فَصَارَتْ كَخَبَرِهِ الْمَشْهُورِ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ) أَيْ كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ، فَإِنَّ مُدَّتَهَا لَا تَخْلُو غَالِبًا عَنْ الْحَيْضِ (قَوْلُهُ التَّفْرِيقَ) أَيْ صَوْمَ الثَّلَاثَةِ مُتَفَرِّقَةً (قَوْلُهُ فَلَوْ صَامَ الْمُعْسِرُ) مِثْلُهُ الْعَبْدُ إذَا أُعْتِقَ وَأَصَابَ مَالًا قَبْلَ فَرَاغِ الصَّوْمِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ ثُمَّ قَبْلَ فَرَاغِهِ) أَيْ مِنْ صَوْمِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ بِقَرِينَةِ ثُمَّ فَافْهَمْ، وَالْأَفْضَلُ إكْمَالُ صَوْمِهِ، فَإِنْ أَفْطَرَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ عَلَى الصَّحِيحِ) وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ صَامَ لِعَجْزِهِ فَظَهَرَ أَنَّ مُوَرِّثَهُ مَاتَ قَبْلَ صَوْمِهِ أَنْ لَا يُجْزِيَهُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَجُزْ التَّكْفِيرُ إلَخْ) لِأَنَّ الْحِنْثَ هُوَ السَّبَبُ كَمَا مَرَّ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِهِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ أَثِمَ وَلَمْ تَسْقُطْ بِالْمَوْتِ وَالْقَتْلِ. وَفِي سُقُوطِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ خِلَافٌ كَمَا فِي الْخِزَانَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يَسْتَرِدُّهُ) أَيْ لَوْ كَفَّرَ بِالْمَالِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 727 (وَمَصْرِفُهَا مَصْرِفُ الزَّكَاةِ) فَمَا لَا فَلَا، قِيلَ إلَّا الذِّمِّيَّ خِلَافًا لِلثَّانِي، وَبِقَوْلِهِ يُفْتَى كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا (وَلَا كَفَّارَةَ بِيَمِينِ كَافِرٍ وَإِنْ حَنَّثَ مُسْلِمًا) بِآيَةِ - {إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: 12]- وَأَمَّا - {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} [التوبة: 12]- فَيَعْنِي الصُّورِيَّ كَتَحْلِيفِ الْحَاكِمِ (وَهُوَ) أَيْ الْكُفْرُ (يُبْطِلُهَا) إذَا عَرَضَ بَعْدَهَا. (فَلَوْ حَلَّفَ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ) وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى (ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ حَنِثَ فَلَا كَفَّارَةَ) أَصْلًا، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَوْصَافَ الرَّاجِعَةَ لِلْمَحَلِّ يَسْتَوِي فِيهَا الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ كَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي النِّكَاحِ، وَكَذَا لَوْ نَذَرَ الْكَافِرُ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ كَعَدَمِ الْكَلَامِ مَعَ أَبَوَيْهِ أَوْ قَتْلِ فُلَانٍ) وَإِنَّمَا قَالَ (الْيَوْمَ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْحِنْثِ لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي الْيَمِينِ الْمُؤَقَّتَةِ. أَمَّا الْمُطْلَقَةُ فَحِنْثُهُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَيُوصَى بِالْكَفَّارَةِ بِمَوْتِ الْحَالِفِ وَيُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِهَلَاكِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ غَايَةٌ (وَجَبَ الْحِنْثُ وَالتَّكْفِيرُ) لِأَنَّهُ أَهْوَنُ الْأَمْرَيْنِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إمَّا فِعْلٌ أَوْ تَرْكٌ، وَكُلُّ مِنْهُمَا إمَّا مَعْصِيَةٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ، أَوْ وَاجِبٌ كَحَلِفِهِ لَيُصَلِّيَنَّ الظُّهْرَ الْيَوْمَ وَبِرُّهُ فَرْضٌ، أَوْ هُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ أَوْ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ كَحَلِفِهِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ شَهْرًا وَنَحْوِهِ وَحِنْثُهُ أَوْلَى، أَوْ مُسْتَوِيَانِ كَحَلِفِهِ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْخُبْزَ مَثَلًا وَبِرُّهُ أَوْلَى، وَآيَةُ - {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89]- تُفِيدُ وُجُوبَهُ فَتْحٌ   [رد المحتار] قَبْلَ الْحِنْثِ وَقُلْنَا لَا يُجْزِيه لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْ الْفَقِيرِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلَّهِ تَعَالَى قَصَدَ بِهِ الْقُرْبَةَ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ، وَقَدْ حَصَلَ التَّقَرُّبُ وَتَرَتَّبَ الثَّوَابُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ وَيُبْطِلَهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَمَا لَا فَلَا) أَيْ مَا لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْكَفَّارَةِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ إلَّا الذِّمِّيَّ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَيَجُوزُ دَفْعُ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) فَعِنْدَهُ لَا اسْتِثْنَاءَ (قَوْلُهُ فِي بَابِهَا) أَيْ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ فَيَعْنِي الصُّورِيَّ) أَيْ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْيَمِينُ صُورَةً كَتَحْلِيفِ الْقَاضِي لَهُمْ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا رَجَاءُ النُّكُولِ، وَالْكَافِرُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهِ شَرْعًا الْيَمِينُ الْمُسْتَعْقِبُ لِحُكْمِهِ لَكِنَّهُ فِي نَفْسِهِ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُرْمَةَ الْيَمِينِ بِهِ كَاذِبًا فَيَمْتَنِعُ عَنْهُ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ فَشُرِعَ إلْزَامُهُ بِصُورَتِهَا لِهَذِهِ الْفَائِدَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ يُبْطِلُهَا) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِالْحِنْثِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ لِمَا تَقَرَّرَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِكَوْنِ الْكُفْرِ الْعَارِضِ مُبْطِلًا لِلْيَمِينِ كَالْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ كَحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ الْعَارِضَةِ؛ كَمَا إذَا زَنَى بِأُمِّ امْرَأَتِهِ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ بَقَاءَ الصِّحَّةِ كَالْحُرْمَةِ الْأَصْلِيَّةِ لِأَنَّ الْكُفْرَ وَالْمَحْرَمِيَّةَ مِنْ الْأَوْصَافِ الرَّاجِعَةِ لِلْمَحَلِّ وَهُوَ الْكَافِرُ وَالْمُحَرَّمُ، فَيَسْتَوِي فِيهَا الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ: أَيْ الطُّرُوُّ وَالْعُرُوضُ، وَلَمْ أَرَ هَذَا التَّعْلِيلَ لِغَيْرِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَمَّا الْمُطْلَقَةُ فَحِنْثُهُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ) هَذَا إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ إثْبَاتًا، أَمَّا إنْ كَانَ نَفْيًا فَيَتَأَتَّى الْحِنْثُ فِي الْحَالِ بِأَنْ يُكَلِّمَ أَبَوَيْهِ، وَبِهَذَا عَرَفْت أَنَّ الْيَوْمَ قَيْدٌ فِي الثَّانِي فَقَطْ ح (قَوْلُهُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي آخِرِ الْحَيَاةِ لِيَشْمَلَ حَيَاةَ الْحَالِفِ وَحَيَاةَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَيُكَفِّرُ) عَطْفٌ عَلَى يُوصِي (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَهْوَنُ الْأَمْرَيْنِ) لِأَنَّهُ فِيهِ تَفْوِيتُ الْبِرِّ إلَى جَابِرٍ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَلَا جَابِرَ لِلْمَعْصِيَةِ لَوْ بَرَّ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَحَاصِلُهُ) أَيْ حَاصِلُ مَا قِيلَ فِي هَذَا الْعَامِ لَا حَاصِلُ الْمَتْنِ فَإِنَّهُ قَاصِرٌ عَلَى الْحَلِفِ بِمَعْصِيَةٍ فِعْلًا وَتَرْكًا ط (قَوْلُهُ كَحَلِفِهِ لَيُصَلِّيَنَّ الظُّهْرَ الْيَوْمَ) هَذَا مِثَالٌ لِلْفِعْلِ، وَمِثَالُ التَّرْكِ وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ الْخَمْرَ الْيَوْمَ ح (قَوْلُهُ أَوْ هُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ) مِثَالُ الْفِعْلِ مِنْهُ وَاَللَّهِ لَأُصَلِّيَنَّ الضُّحَى الْيَوْمَ، وَمِثَالُ التَّرْكِ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ الْبَصَلَ، وَحُكْمُ هَذَا الْقَسَمِ بِقِسْمَيْهِ أَنَّ بِرَّهُ أَوْلَى أَوْ وَاجِبٌ ح أَيْ عَلَى مَا بَحَثَهُ الْكَمَالُ فِي الْقِسْمِ الْخَامِسِ (قَوْلُهُ كَحَلِفِهِ عَلَى تَرْكٍ إلَخْ) هَذَا مِثَالُ التَّرْكِ، وَمِثَالُ الْفِعْلِ وَاَللَّهِ لَآكُلَنَّ الْبَصَلَ الْيَوْمَ ح (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ) أَيْ نَحْوُ الشَّهْرِ مِمَّا لَمْ يَبْلُغْ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ وَإِلَّا كَانَ مِنْ قَسَمِ الْمَعْصِيَةِ (قَوْلُهُ أَوْ مُسْتَوِيَانِ) أَيْ الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ بِأَنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْحَلِفِ بِوُجُوبٍ وَلَا أَوْلَوِيَّةٍ (قَوْلُهُ تُفِيدُ وُجُوبَهُ) هُوَ بَحْثٌ وَجِيهٌ، وَيَجْرِي أَيْضًا فِي الْقَسَمِ الثَّالِثِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَوْلَى وَعَبَّرَ فِي الْمُجْتَمَعِ بِقَوْلِهِ تَرَجَّحَ الْبِرُّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 728 فَهِيَ عَشَرَةٌ. (وَمَنْ حَرَّمَ) أَيْ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ أَكَلْت هَذَا الطَّعَامَ فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَأَكَلَهُ لَا كَفَّارَةَ خُلَاصَةٌ، وَاسْتَشْكَلَهُ الْمُصَنِّفُ (شَيْئًا) وَلَوْ حَرَامًا أَوْ مَلَكَ غَيْرَهُ كَقَوْلِهِ الْخَمْرُ أَوْ مَالُ فُلَانٍ عَلَيَّ حَرَامٌ فَيَمِينٌ مَا لَمْ يُرِدْ الْإِخْبَارَ خَانِيَّةٌ (ثُمَّ فَعَلَهُ) بِأَكْلٍ أَوْ نَفَقَةٍ،   [رد المحتار] مَطْلَبٌ اسْتَعْمَلُوا لَفْظَ يَنْبَغِي بِمَعْنَى يَجِبُ وَيُقِرُّ بِهِ قَوْلُ الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَغَيْرِهِمَا وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فَإِنَّ الْحِنْثَ وَاجِبٌ كَمَا عَلِمْت، فَأَرَادُوا بِلَفْظِ يَنْبَغِي الْوُجُوبَ مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِهِ فَكَذَا هَذَا، كَمَا تَقُولُ الْأَوْلَى بِالْمُسْلِمِ أَنْ يُصَلِّيَ (قَوْلُهُ فَهِيَ عَشَرَةٌ) مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ وَهِيَ صُورَتَا الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ فِي خَمْسَةٍ: الْمَعْصِيَةُ، وَالْوَاجِبُ، وَمَا هُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، وَمَا غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ، وَمَا اسْتَوَى فِيهِ الْأَمْرَانِ ط. مَطْلَبٌ فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ (قَوْلُهُ أَيْ عَلَى نَفْسِهِ) تَبِعَ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ صَاحِبَ الْبَحْرِ، حَيْثُ قَالَ: وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ حُرْمَتَهُ مُعَلَّقَةً عَلَى فِعْلِهِ فَإِنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ إنْ أَكَلْت هَذَا الطَّعَامَ فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَأَكَلَهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ فِي التَّعْلِيقِ أَيْضًا حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ تَحْرِيمٌ مُعَلَّقٌ فَلَا تَحْسُنُ الْمُقَابَلَةُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ قَيَّدَ بِتَنْجِيزِ الْحُرْمَةِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهَا إلَخْ. اهـ. ح. قُلْت: وَفِيهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كَذَلِكَ لَوَرَدَ عَلَيْهِ مِثْلُ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَهَذَا الطَّعَامُ عَلَيَّ حَرَامٌ مَعَ أَنَّهُ عَلَّقَهَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ قَيَّدَ بِتَنْجِيزِ الْحُرْمَةِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهَا عَلَى فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَادَ الْبَحْرِ فِي قَوْلُهُ عَلَى فِعْلِهِ: أَيْ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَاسْتَشْكَلَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ حَيْثُ قَالَ قُلْت وَهُوَ مُشْكِلٌ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ. اهـ. وَالْجَوَابُ بِالْفَرْقِ هُنَا بَيْنَ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ، وَهُوَ أَنَّ فِي الْمُنَجَّزِ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ طَعَامًا مَوْجُودًا، أَمَّا فِي الْمُعَلَّقِ فَإِنَّهُ مَا حَرَّمَهُ إلَّا بَعْدَ الْأَكْلِ، لَمَّا عَلِمَ أَنَّ الْجَزَاءَ يَنْزِلُ عَقِبَ الشَّرْطِ، وَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ الطَّعَامُ مَوْجُودًا اهـ ح. قُلْت: لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ مَسْأَلَةَ الْخُلَاصَةِ الْمَذْكُورَةَ. ثُمَّ قَالَ عَقِبَهَا: وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى: لَوْ قَالَ كُلُّ طَعَامٍ آكُلُهُ فِي مَنْزِلِك فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَحْنَثُ إذَا أَكَلَهُ، هَكَذَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَحْنَثُ؛ وَالنَّاسُ يُرِيدُونَ بِهَذَا أَنَّ أَكْلَهُ حَرَامٌ اهـ وَعَلَى هَذَا يَجِبُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا أَنْ يَحْنَثَ إذَا أَكَلَهُ، وَكَذَا مَا ذُكِرَ فِي الْحِيَلِ إنْ أَكَلْت طَعَامًا عِنْدَك أَبَدًا فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابَ الْقِيَاسِ اهـ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ فَيَمِينٌ) لِأَنَّ حُرْمَتَهُ لَا تَمْنَعُ كَوْنَهُ حَالِفًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَرُدَّ الْإِخْبَارَ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ إنْ أَرَادَ الْإِنْشَاءَ، فَيَخْرُجُ مَا إذَا أَرَادَ الْإِخْبَارَ أَوْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا، لِأَنَّ عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ هَكَذَا: إذَا قَالَ هَذِهِ الْخَمْرُ عَلَيَّ حَرَامٌ فِيهِ قَوْلَانِ. وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَنْوِي فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادَ بِهِ الْخَبَرَ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ. اهـ. وَفِي الْفَتْحِ: وَإِنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ أَوْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا (قَوْلُهُ بِأَكْلٍ أَوْ نَفَقَةٍ) أَيْ أَوْ نَحْوِهِمَا مِنْ لُبْسِ ثَوْبٍ أَوْ سُكْنَى دَارٍ، كُلُّ شَيْءٍ بِمَا يُنَاسِبُهُ وَيُقْصَدُ مِنْهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ تَحْرِيمِ هَذِهِ الْأَعْيَانِ انْصِرَافُ الْيَمِينِ إلَى الْفِعْلِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا كَمَا فِي تَحْرِيمِ الشَّرْعِ لَهَا فِي نَحْوِ - {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]- وَحُرِّمَتْ الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى النِّكَاحِ وَالشُّرْبِ وَالْأَكْلِ. وَلِذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 729 وَلَوْ تَصَدَّقَ أَوْ وَهَبَ لَمْ يَحْنَثْ بِحُكْمِ الْعُرْفِ زَيْلَعِيٌّ (كَفَّرَ) لِيَمِينِهِ، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهَا لِزَوْجِهَا أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَّمْتُك عَلَى نَفْسِي، فَلَوْ طَاوَعَتْهُ فِي الْجِمَاعِ أَوْ أَكْرَههَا كَفَّرَتْ مُجْتَبًى. وَفِيهِ قَالَ: لِقَوْمٍ كَلَامُكُمْ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ كَلَامُ الْفُقَرَاءِ أَوْ أَهْلِ بَغْدَادَ أَوْ أَكْلُ هَذَا الرَّغِيفِ عَلَيَّ حَرَامٌ حَنِثَ بِالْبَعْضِ، وَفِي وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكُمْ أَوْ لَا آكُلُهُ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِالْكُلِّ. زَادَ فِي الْأَشْبَاهِ إلَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ أَكْلُهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ   [رد المحتار] قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ هَذَا الثَّوْبُ عَلَيَّ حَرَامٌ فَلَبِسَهُ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَصَدَّقَ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَوْ قَالَ لِدَرَاهِمَ فِي يَدِهِ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ عَلَيَّ حَرَامٌ، إنْ اشْتَرَى بِهَا حَنِثَ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا أَوْ وَهَبَهَا لَمْ يَحْنَثْ بِحُكْمِ الْعُرْفِ اهـ أَيْ أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ تَحْرِيمُ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا لِنَفْسِهِ، بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا مَا يَأْكُلُهُ أَوْ يَلْبَسُهُ لَا بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِهَا دَيْنَهُ لَا يَحْنَثُ تَأَمَّلْ. وَفِي الْبَحْرِ: وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلدَّرَاهِمِ، بَلْ لَوْ وَهَبَ مَا جَعَلَهُ حَرَامًا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّحْرِيمِ حُرْمَةُ الِاسْتِمْتَاعِ (قَوْلُهُ لِيَمِينِهِ) أَيْ لِأَجْلِ يَمِينِهِ الَّتِي حَنِثَ بِهَا، فَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ كَفَّرَ، وَقَوْلُهُ لِمَا تَقَرَّرَ إلَخْ عِلَّةٌ لِكَوْنِ ذَلِكَ يَمِينًا فَهُوَ عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ. وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ قَدْ لَا يَكُونُ يَمِينًا بِأَنْ قَصَدَ الْإِخْبَارَ لِأَنَّهُ إذَا قَصَدَ الْإِخْبَارَ لَمْ يُوجَدْ التَّحْرِيمُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنْشَاءٌ وَالْإِخْبَارَ حِكَايَةٌ فَافْهَمْ، وَدَلِيلُ كَوْنِ التَّحْرِيمِ يَمِينًا مَبْسُوطٌ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ حَنِثَ الْبَعْضُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: ثُمَّ إذَا فَعَلَ مِمَّا حَرَّمَهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا حَنِثَ وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إذَا ثَبَتَ تَنَاوَلَ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِالْكُلِّ) أَيْ بِكَلَامِ كُلِّ الْقَوْمِ الْمُخَاطَبِينَ وَأَكْلِ كُلِّ الرَّغِيفِ، فَلَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ بَعْضِهِمْ وَلَا أَكْلِ لُقْمَةٍ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَجَزَمَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُحِيطِ فِي: أَكْلُ الرَّغِيفِ عَلَيَّ حَرَامٌ بِأَنَّهُ يَحْنَثُ بِلُقْمَةٍ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ أَنَّ تَحْرِيمَهُ الرَّغِيفَ عَلَى نَفْسِهِ تَحْرِيمُ أَجْزَائِهِ أَيْضًا، وَفِي لَا آكُلُهُ إنَّمَا مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ أَكْلِ الرَّغِيفِ كُلِّهِ فَلَا يَحْنَثُ بِالْبَعْضِ، وَبِهَذَا يَضْعُفُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ، قَالَ مَشَايِخُنَا الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَكْلُ هَذَا الرَّغِيفِ عَلَيَّ حَرَامٌ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لُقْمَةٍ مِنْهُ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ؛ وَلَوْ قَالَ هَكَذَا لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْبَعْضِ. اهـ. قُلْت: وَيُشِيرُ إلَى هَذَا الْفَرْقِ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ. وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الرَّغِيفَ اسْمٌ لِكُلِّهِ وَبِأَكْلِ بَعْضِهِ لَا يُسَمَّى آكِلًا لَهُ لَكِنْ إذَا حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَدْ جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ مُحَرَّمِ الْعَيْنِ حَيْثُ نَسَبَ التَّحْرِيمَ إلَى ذَاتِ الرَّغِيفِ وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَمَا كَانَ مُحَرَّمًا لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُ قَلِيلِهِ وَلَا كَثِيرِهِ، وَحَيْثُ جَعَلْنَا هَذَا التَّحْرِيمَ يَمِينًا صَارَ حَالِفًا عَلَى عَدَمِ تَنَاوُلِ شَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مَدْلُولُ الْأَصْلِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا آكُلُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَنْعُ نَفْسِهِ عَنْ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ بَلْ عَنْ جَمِيعِهِ، لَكِنْ أَيَّدَ فِي الْبَحْرِ كَلَامَ الْخَانِيَّةِ بِأَنَّ حُرْمَةَ الْعَيْنِ يُرَادُ مِنْهَا تَحْرِيمُ الْفِعْلِ، فَإِذَا قَالَ هَذَا الطَّعَامُ عَلَيَّ حَرَامٌ فَالْمُرَادُ أَكْلُهُ وَفِي هَذَا الثَّوْبِ الْمُرَادُ لُبْسُهُ. قُلْت: وَفِيهِ أَنَّ إسْنَادَ الْحُرْمَةِ إلَى الْعَيْنِ حَقِيقَةٌ عِنْدَنَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ عَلَى مَعْنَى إخْرَاجِ الْعَيْنِ عَنْ مَحَلِّيَّةِ الْفِعْلِ لِيَنْتَفِ الْفِعْلُ بِالْأَوْلَى، فَالْمَقْصُودُ نَفْيُ الْفِعْلِ وَتَوْصِيفُهُ بِالْحُرْمَةِ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ وَالِانْتِقَالِ عَنْ نَفْيِ الْعَيْنِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ إسْنَادِ الْحُرْمَةِ إلَى الْفِعْلِ ابْتِدَاءً وَإِسْنَادِهَا إلَى الْعَيْنِ وَقَدْ ظَهَرَ فِيمَا ذَكَرُوهُ هُنَا، لَكِنَّ هَذَا يَظْهَرُ فِي قَوْلِهِ هَذَا الرَّغِيفُ عَلَيَّ حَرَامٌ. أَمَّا لَوْ قَالَ أَكْلُ هَذَا الرَّغِيفِ عَلَيَّ حَرَامٌ لَا يَحْنَثُ بِالْبَعْضِ لِإِسْنَادِهِ الْحُرْمَةَ إلَى الْفِعْلِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا آكُلُهُ وَمِثْلُهُ كَلَامُكُمْ عَلَيَّ حَرَامٌ، لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَمْ تُضَفْ إلَى الْعَيْنِ بَلْ الْفِعْلِ وَهُوَ الْكَلَامُ بِمَعْنَى التَّكْلِيمِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ هَذَا الرَّغِيفُ بِدُونِ لَفْظَةِ أَكْلُ عَلَى خِلَافِ مَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ الْمَارُّ إلَّا بِدُونِ لَفْظَةِ أَكْلُ، نَعَمْ وَقَعَ التَّعْبِيرُ بِهَا فِي غَيْرِ الْخَانِيَّةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُشْكِلَةٌ فَلْتُحَرَّرْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ إلَخْ) أَيْ فَيَحْنَثُ بِأَكْلِ بَعْضِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ لِمَشَايِخِنَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 730 أَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا وَفُلَانًا وَنَوَى أَحَدَهُمَا أَوْ لَا يُكَلِّمُ إخْوَةَ فُلَانٍ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مُعَيَّنًا فَأَكَلَ بَعْضَهُ وَالْأَصْلُ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مُعَيَّنًا فَأَكَلَ بَعْضَهُ إنْ كَانَ يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ فِي مَجْلِسٍ أَوْ يَشْرَبُهُ فِي شَرْبَةٍ فَالْحَلِفُ عَلَى جَمِيعِهِ، وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَعْضِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِامْتِنَاعُ عَنْ أَكْلِهِ، وَكُلُّ مَا لَا يُطَاقُ أَكْلُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَلَا شُرْبُهُ فِي شَرْبَةٍ يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَعْضِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْيَمِينِ الِامْتِنَاعُ عَنْ أَصْلِهِ لَا عَنْ جَمِيعِهِ، وَلَوْ قَالَ لَا أَشْرَبُ لَبَنَ هَاتَيْنِ الشَّاتَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَشْرَبَ مِنْ لَبَنِ كُلِّ شَاةٍ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ شُرْبُ الْكُلِّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ، أَوْ لَا يَأْكُلُ سَمْنَ هَذِهِ الْخَابِيَةِ فَأَكَلَ بَعْضَهُ حَنِثَ؛ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَكْلِ بَيْعٌ فَبَاعَ بَعْضَهَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْأَكْلَ لَا يَتَأَتَّى عَلَى جَمِيعِهِ فِي مَجْلِسٍ وَيَتَأَتَّى الْبَيْعُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. زَادَ فِي الْبَدَائِعِ عَنْ الْأَصْلِ: لَوْ قَالَ لَا آكُلُ هَذِهِ الرُّمَّانَةَ فَأَكَلَهَا إلَّا حَبَّةً أَوْ حَبَّتَيْنِ حَنِثَ فِي الِاسْتِحْسَانِ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ يُقَالُ إنَّهُ أَكَلَهَا، وَإِنْ تَرَكَ نِصْفَهَا أَوْ ثُلُثَهَا أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا لَا يَجْرِي فِي الْعُرْفِ أَنَّهُ يَسْقُطُ مِنْ الرُّمَّانَةِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى أَكْلًا لِجَمِيعِهَا. اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الرَّغِيفِ وَغَيْرِهِ كَاللُّقْمَةِ كَالْعَدَمِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْبَحْرِ فِي بَابِ الْيَمِينِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَسَيَأْتِي هَذَا الْأَصْلُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ أَوْ حَلَفَ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُسْتَثْنَى وَهُوَ قَوْلُهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ أَكْلُهُ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: وَكَذَا كَلَامُ فُلَانٍ وَفُلَانٍ عَلَيَّ حَرَامٌ يَحْنَثُ بِكَلَامِ أَحَدِهِمَا، وَكَذَا كَلَامُ أَهْلِ بَغْدَادَ. وَفِي الْمُحِيطِ فِي: كَلَامُ فُلَانٍ وَفُلَانٍ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَفُلَانًا الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَا لَمْ يُكَلِّمْهُمَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كَلَامَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَحْنَثُ بِكَلَامِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ. اهـ. قُلْت: وَهَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ لَا بَعْدَ الْعَاطِفِ. مَطْلَبٌ لَا أَذُوقُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَنِثَ بِأَحَدِهِمَا، بِخِلَافِ لَا أَذُوقُ طَعَامًا وَشَرَابًا فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَذُوقُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا فَذَاقَ أَحَدَهُمَا طَلُقَتْ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا وَلَا فُلَانًا. وَلَوْ قَالَ لَا أَذُوقُ طَعَامًا وَشَرَابًا فَذَاقَ أَحَدَهُمَا لَا يَحْنَثُ. اهـ. وَإِذَا كَرَّرَ لَا فَإِنَّهُ يَصِيرُ يَمِينَيْنِ كَمَا سَنَذْكُرُ فِي بَحْثِ الْكَلَامِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ (قَوْلُهُ وَنَوَى أَحَدَهُمَا) أَيْ نَوَى أَنْ لَا يُكَلِّمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. [تَنْبِيهٌ] فِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ عَنْ الْجَامِعِ: إنْ لَمْ أَكُنْ ضَرَبْت هَذَيْنِ السَّوْطَيْنِ فِي دَارِ فُلَانٍ فَعَبْدِي حُرٌّ فَضَرَبَ أَحَدَهُمَا فِي دَارِ غَيْرِهِ، أَوْ قَالَ إنْ لَمْ أُكَلِّمْ فُلَانًا وَفُلَانًا الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَ أَحَدَهُمَا الْيَوْمَ فَقَطْ يَحْنَثُ. قَالَ: وَأَلْحَقَ بَعْضَهُمْ بِذَلِكَ: إنْ لَمْ تَحْضُرِي فِرَاشِي وَلَمْ تُرَاعِينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَمْ تَحْضُرْ فِرَاشَهُ وَلَكِنْ رَاعَتْهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ. قَالَ: وَفِيهِ إشْكَالٌ، وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ جَلِيٌّ لِأَنَّ الْحِنْثَ فِي الْيَمِينِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا صَدَقَ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ حَرْفُ الشَّرْطِ، فَفِي إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنَّمَا يَحْنَثُ إذَا صَدَقَ دَخَلْت، وَفِي إنْ لَمْ أَدْخُلْ إنَّمَا يَحْنَثُ إذَا صَدَقَ لَمْ أَدْخُلْ، فَإِذَا قَالَ إنْ لَمْ أَدْخُلْ هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ الْيَوْمَ أَوْ إنْ لَمْ أَكُنْ ضَرَبْت هَذَيْنِ السَّوْطَيْنِ فِي دَارِ فُلَانٍ فَحَرْفُ الشَّرْطِ دَخَلَ عَلَى النَّفْيِ وَهُوَ لَمْ أَكُنْ دَخَلْت أَوْ ضَرَبْت هَاتَيْنِ وَهُوَ نَفْيٌ لِمَجْمُوعِ دُخُولِ الدَّارَيْنِ وَضَرْبِ السَّوْطَيْنِ وَنَفْيُ الْمَجْمُوعِ يَتَحَقَّقُ بِنَفْيِ أَحَدِ أَجْزَائِهِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ لَمْ تَحْضُرِي فِرَاشِي وَلَمْ تُرَاعِينِي فَإِنَّهُ لَمَّا كَرَّرَ حَرْفَ النَّفْيِ كَانَ نَفْيًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَنَفْيُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَصْدُقُ مَعَ ثُبُوتِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَصْدُقُ قَوْلُنَا لَمْ يَقْدُمْ زَيْدٌ وَلَمْ يَقْدُمْ عَمْرٌو مَعَ قُدُومِ أَحَدِهِمَا، وَيَصْدُقُ إنْ لَمْ يَقْدُمْ زَيْدٌ وَعَمْرٌو مَعَ أَحَدِهِمَا، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْجَوَابِ، فَإِنَّهُ قَالَ إذَا قَالَ إنْ لَمْ تُكَلِّمِي فُلَانًا وَلَمْ تُكَلِّمِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 731 وَلَهُ أَخٌ وَاحِدٌ وَتَمَامُهُ فِيهَا. قُلْت: وَبِهِ عُلِمَ جَوَابُ حَادِثَةٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى أَنَّ أَوْلَادَ زَوْجَتِهِ لَا يَطْلُعُونَ بَيْتَهُ فَطَلَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمْ يَحْنَثْ. (كُلُّ حِلٍّ) أَوْ حَلَالِ اللَّهِ أَوْ حَلَالِ الْمُسْلِمِينَ (عَلَيَّ حَرَامٌ)   [رد المحتار] فُلَانًا الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَتْ أَحَدَهُمَا وَمَضَى الْيَوْمُ طَلُقَتْ، فَقَدْ صَحَّ هَذَا الْجَوَابُ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ، لَكِنْ مَا قُلْته مِنْ الْإِشْكَالِ قَوِيٌّ. اهـ. قُلْت: وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا كَرَّرَ حَرْفَ النَّفْيِ يَكُونُ نَفْيُ كُلِّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ مَقْصُودًا؛ فَفِي: إنْ لَمْ تَحْضُرِي فِرَاشِي وَلَمْ تُرَاعِينِي يَتَحَقَّقُ شَرْطُ الْحِنْثِ بِنَفْيِ كُلِّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، لِأَنَّهُ إذَا كَرَّرَ النَّفْيَ تَتَكَرَّرُ الْيَمِينُ، حَتَّى لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُك الْيَوْمَ وَلَا غَدًا وَلَا بَعْدَ غَدٍّ فَهِيَ أَيْمَانٌ ثَلَاثَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُكَرِّرْ النَّفْيَ فَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ لَيْلًا يَحْنَثُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْوَاقِعَاتِ فِي بَحْثِ الْكَلَامِ. وَأَمَّا عَدَمُ الصِّدْقِ فِي لَمْ يَقْدُمْ زَيْدٌ وَلَمْ يَقْدُمْ عَمْرٌو مَعَ قُدُومِ زَيْدٍ مَثَلًا فَلِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ قُدُومِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ حَيْثُ جَعَلَهُ مَقْصُودًا بِالنَّفْيِ، فَإِذَا عَلَّقَ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ يَتَحَقَّقُ شَرْطُ الْحِنْثِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَقْدُمُ زَيْدٌ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَخٌ وَاحِدٌ) أَيْ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ كَمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ قُبَيْلَ بَابِ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ إذَا كَلَّمَهُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْجَمْعَ وَأَرَادَ الْوَاحِدَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْأَخَ وَاحِدٌ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْوَاحِدَ فَبَقِيَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْجَمْعِ، كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ ثَلَاثَةَ أَرْغِفَةٍ مِنْ هَذَا الْحَبِّ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا رَغِيفٌ وَاحِدٌ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ لَا يَحْنَثُ بَحْرٌ عَنْ الْوَاقِعَاتِ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ فِي الْبَابِ الْآتِي، وَقَوْلُهُ وَبِهِ عُلِمَ: أَيْ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِخْوَةِ فَإِنَّهُ جَمْعٌ لَيْسَ فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ بَلْ هُوَ مُضَافٌ مِثْلُ أَوْلَادِ زَوْجَتِهِ، فَحَيْثُ كَانَ عَالِمًا بِتَعَدُّدِهِمْ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْجَمْعِ كَمَا فِي لَا أُكَلِّمُ رِجَالًا أَوْ نِسَاءً، بِخِلَافِ مَا فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ مِثْلُ لَا أُكَلِّمُ الْفُقَرَاءَ أَوْ الْمَسَاكِينَ أَوْ الرِّجَالَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالْوَاحِدِ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ. مَطْلَبُ الْجَمْعِ الْمُضَافِ كَالْمُنَكَّرِ، بِخِلَافِ الْمُعَرَّفِ بِأَلْ وَمَا مَرَّ عَنْ الْوَاقِعَاتِ فِي إخْوَةِ فُلَانٍ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْجَمْعَ الْمُضَافَ كَالْمُنَكَّرِ، وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ الْيَمِينِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْكَلَامِ تَمَامُ تَحْقِيقِ الْمُعَرَّفِ وَالْمُنَكَّرِ وَالْمُضَافِ. وَتَحْرِيرُ جَوَابِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَكِنْ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ إنْ أَحْسَنْت إلَى أَقْرِبَائِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَحْسَنَتْ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَحْنَثُ وَلَا يُرَادُ الْجَمْعُ فِي عُرْفِنَا اهـ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ فِي الْعُرْفِ فَرْقًا. اهـ. قُلْت: لَا يَخْفَى أَنَّ الْعُرْفَ الْآنَ عَدَمُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ إخْوَةِ فُلَانٍ وَأَقْرِبَائِك وَأَوْلَادِ زَوْجَتِهِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْجَمْعِ الْمُضَافِ فِي أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِالْوَاحِدِ وَالْأَكْثَرِ، فَيَنْبَغِي الْحِنْثُ فِي الْحَادِثَةِ الْمَذْكُورَةِ. مَطْلَبُ كُلِّ حِلٍّ عَلَيْهِ حَرَامٌ (قَوْلُهُ كُلُّ حِلٍّ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ قَالَ كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهُوَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ كَمَا فَرَغَ لِأَنَّهُ بَاشَرَ فِعْلًا مُبَاحًا وَهُوَ التَّنَفُّسُ وَنَحْوُهُ، وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الْبِرُّ لَا يَحْصُلُ مَعَ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِلْعُرْفِ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُتَنَاوَلُ عَادَةً، وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِإِسْقَاطِ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ، وَإِذَا نَوَاهَا كَانَ إيلَاءً، وَلَا يُصْرَفُ الْيَمِينُ عَنْ الْمَأْكُولِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 732 زَادَ الْكَمَالُ: أَوْ الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي وَنَحْوُهُ (فَهُوَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَ) لَكِنَّ (الْفَتْوَى) فِي زَمَانِنَا (عَلَى أَنَّهُ تَبِينُ امْرَأَتُهُ) بِطَلْقَةٍ، وَلَوْ لَهُ أَكْثَرُ بِنَّ جَمِيعًا بِلَا نِيَّةٍ، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَلِذَا لَا يَحْلِفُ بِهِ إلَّا الرِّجَالُ ظَهِيرِيَّةٌ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ) وَقْتَ الْيَمِينِ   [رد المحتار] وَالْمَشْرُوبِ، وَهَذَا كُلُّهُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَمَشَايِخُنَا قَالُوا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. قُلْت: وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُتَنَاوَلُ عَادَةً أَنَّ الْعُرْفَ كَانَ أَوَّلًا فِي اسْتِعْمَالِهِ فِي الطَّعَامِ أَوْ الشُّرْبِ ثُمَّ تَغَيَّرَ ذَلِكَ إلَى عُرْفٍ آخَرَ وَغَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّلَاقِ. ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا لَا يُنَافِي مَا ذَكَرُوهُ فِي الْإِيلَاءِ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ نِيَّةِ تَحْرِيمِ الْمَرْأَةِ أَوْ الظِّهَارِ أَوْ الْكَذِبِ أَوْ الطَّلَاقِ لِأَنَّ ذَاكَ فِي أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَمَا هُنَا فِي التَّحْرِيمِ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ. وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ بِانْصِرَافِهِ إلَى الطَّلَاقِ الْبَائِنِ عَامًّا أَوْ خَاصًّا كَمَا ذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ زَادَ الْكَمَالُ إلَخْ) لَا مَحَلَّ لِذِكْرِ هَذَا هُنَا لِأَنَّ مُرَادَ الْكَمَالِ أَنَّ هَذَا يُرَادُ بِهِ الطَّلَاقُ فَقَطْ بِحَسَبِ الْعُرْفِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَكِنَّ الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا) أَيْ الزَّمَانِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ زَمَانِ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَتَوَقَّفَ الْبَزْدَوِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ فِي كَوْنِ عُرْفِ النَّاسِ إرَادَةَ الطَّلَاقِ بِهِ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يُخَالِفَ الْمُتَقَدِّمِينَ. مَطْلَبٌ: تَعَارَفُوا: الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي وَالطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاعْلَمْ أَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ لَمْ يُتَعَارَفْ فِي دِيَارِنَا بَلْ الْمُتَعَارَفُ فِيهِ حَرَامٌ عَلَيَّ كَلَامُك وَنَحْوُهُ كَأَكْلِ كَذَا وَلُبْسِهِ دُونَ الصِّيغَةِ الْعَامَّةِ. وَتَعَارَفُوا أَيْضًا الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي. وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الطَّلَاقَ مُطْلَقًا، فَإِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ بَعْدَهُ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَلَأَفْعَلَنَّ، وَهُوَ مِثْلُ تَعَارُفِهِمْ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ وَيَجِبُ إمْضَاؤُهُ عَلَيْهِمْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ انْصِرَافُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَرَبِيَّةً أَوْ فَارِسِيَّةً إلَى مَعْنًى بِلَا نِيَّةِ التَّعَارُفِ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَارَفْ سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ وَفِيمَا يَنْصَرِفُ بِلَا نِيَّةٍ لَوْ قَالَ أَرَدْت غَيْرَهُ لَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الْمُصَدَّقُ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمَقْدِسِيِّ وَالشُّرُنْبُلاليّ وَغَيْرُهُمْ وَتَقَدَّمَ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَهُ أَكْثَرُ بِنَّ جَمِيعًا) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَلَامٌ طَوِيلٌ قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ طَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَفِي بَابِ الْإِيلَاءِ: وَاَلَّذِي حَرَّرْنَاهُ هُنَاكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَخُصُّ الْمُخَاطَبَةَ، وَفِي كُلِّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ يَعُمُّ الزَّوْجَاتِ الْأَرْبَعَ لِصَرِيحِ أَدَاةِ الْعُمُومِ الِاسْتِغْرَاقِيِّ، وَفِي امْرَأَتِي حَرَامٌ أَوْ طَالِقٌ يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي نَحْوِ حَلَالُ اللَّهِ أَوْ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ، فَقِيلَ يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ نَظَرًا إلَى صُورَةِ أَفْرَادِهِ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَعُمُّ الْكُلَّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقَ قَضَاءً لِأَنَّهُ صَارَ طَلَاقًا عُرْفًا. ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ حَلَفَ بِهِ، إنْ كَانَ فَعَلَ كَذَا وَقَدْ كَانَ فَعَلَ وَلَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ أَكْثَرُ بِنَّ جَمِيعًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ يَمِينًا بِالطَّلَاقِ، وَلَوْ جَعَلْنَاهُ يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ غَمُوسٌ، وَإِنْ حَلَفَ بِهَذَا عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَفَعَلَ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ امْرَأَةٌ كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ وَحَلَفَ عَلَى مَاضٍ كَذِبًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ جُعِلَ طَلَاقًا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَيَلْغُو لِعَدَمِ الزَّوْجَةِ؛ وَلَوْ جُعِلَ يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى فَغَمُوسٌ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَمَا مَرَّ فِي هُوَ يَهُودِيٌّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 733 سَوَاءٌ نَكَحَ بَعْدَهُ أَوْ لَا (فَيَمِينٌ) فَيُكَفِّرُ بِأَكْلِهِ أَوْ شُرْبِهِ لَوْ يَمِينُهُ عَلَى آتٍ، وَلَوْ بِاَللَّهِ عَلَى مَاضٍ فَغَمُوسٌ أَوْ لَغْوٌ، وَلَوْ لَهُ امْرَأَةٌ وَقْتَهَا فَبَانَتْ بِلَا عِدَّةٍ فَأَكَلَ فَلَا كَفَّارَةَ لِانْصِرَافِهَا لِلطَّلَاقِ وَقَدْ مَرَّ فِي الْإِيلَاءِ.   [رد المحتار] وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ وَجْهَهَا فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ سِوَى الِاسْتِغْفَارِ، وَقِيلَ إنَّ قَوْلَهُ وَلَوْ جُعِلَ يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى أَيْ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا فَكُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ يَصِيرُ بِمَعْنَى إنْ كُنْت فَعَلْته فَو اللَّهِ لَا آكُلُ وَلَا أَشْرَبُ، فَإِذَا كَانَ قَدْ فَعَلَ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ عَلَى عَدَمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَيُكَفِّرُ بِأَكْلِهِ أَوْ شُرْبِهِ فَلَا تَكُونُ لَغْوًا فَافْهَمْ. وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ النَّوَازِلِ مِنْ أَنَّهُ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ جُعِلَ يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى مَعَ كَوْنِ الْحَلِفِ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ وَإِلَّا كَانَ غَمُوسًا فَلَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ مَعْنَاهُ إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ لِانْصِرَافِهِ عِنْدَ عَدَمِ الزَّوْجَةِ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لَا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ اهـ فَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ بِنَاءً عَلَى مَا قُلْنَا وَإِلَّا وَرَدَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَاهُ مِنْ النَّظَرِ السَّابِقِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ انْصِرَافَهُ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ كَانَ فِي الْعُرْفِ السَّابِقِ ثُمَّ تَغَيَّرَ ذَلِكَ الْعُرْفُ وَصَارَ مَصْرُوفًا إلَى الطَّلَاقِ كَمَا مَرَّ، فَبَعْدَ مَا صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي الطَّلَاقِ لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْعُرْفِ الْمَهْجُورِ بَلْ يَبْقَى مُرَادًا بِهِ الطَّلَاقُ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ يَبْقَى مُرَادًا بِهِ الطَّلَاقُ فَيَلْغُو وَيُجْعَلُ يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَتَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ غَمُوسًا؛ فَالتَّرْدِيدُ فِي كَلَامِ الظَّهِيرِيَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلَيْنِ بِدَلِيلِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَقَعُ الطَّلَاقُ بِلَفْظِ الْحَرَامِ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ إنْ حَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَالنَّسَفِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ اهـ فَمَا قَالَهُ النَّسَفِيُّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَبْقَى مُرَادًا بِهِ الطَّلَاقُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُ خِلَافِهِ، فَاغْتَنِمْ تَحْقِيقَ هَذَا الْمَقَامِ فَإِنَّهُ مِنْ مِنَحِ الْمَلِكِ السَّلَامِ. (قَوْلُهُ سَوَاءٌ نَكَحَ بَعْدَهُ أَوْ لَا) هُوَ مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ فَيُكَفِّرُ بِأَكْلِهِ أَوْ شُرْبِهِ) مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ فِي الْبَحْرِ عِبَارَةَ النَّوَازِلِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ فَيُكَفِّرُ بِحِنْثِهِ أَيْ بِفِعْلِهِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، كَأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ ثُمَّ دَخَلَهَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ لِأَنَّهَا يَمِينٌ مُنْعَقِدَةٌ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا عَلَى عَدَمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ؛ حَتَّى لَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِاَللَّهِ عَلَى مَاضٍ) لَفْظُ بِاَللَّهِ سَبْقُ قَلَمٍ: أَيْ وَلَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى مَاضٍ، كَمَا إذَا قَالَ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا فَكُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ وَكَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ فَعَلَهُ فَهِيَ غَمُوسٌ إنْ جُعِلَتْ يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ، وَقَوْلُهُ أَوْ لَغْوٌ: أَيْ إنْ جُعِلَتْ يَمِينًا بِالطَّلَاقِ كَمَا قَالَهُ النَّسَفِيُّ. وَظَاهِرُ مَا مَرَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ جُعِلَ يَمِينًا بِالطَّلَاقِ اعْتِمَادُ الْأَوَّلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَيْضًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ، وَكَذَا مَا يَأْتِي قَرِيبًا. وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ قَوْلِهِ فَغَمُوسٌ أَوْ لَغْوٌ هُوَ حَاصِلُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ خَلَلٌ سِوَى زِيَادَةِ لَفْظِ بِاَللَّهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَهُ امْرَأَةٌ وَقَّتَهَا إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ. قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَإِنْ حَلَفَ بِهَذَا عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَفَعَلَ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ امْرَأَةٌ كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ وَقْتَ الْيَمِينِ فَمَاتَتْ قَبْلَ الشَّرْطِ أَوْ بَانَتْ لَا إلَى عِدَّةٍ ثُمَّ بَاشَرَ الشَّرْطَ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْصَرَفَ إلَى الطَّلَاقِ وَقْتَ وُجُودِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ وَقْتَ الْيَمِينِ ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ بَاشَرَ الشَّرْطَ اخْتَلَفُوا فِيهِ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: تَبِينُ الْمُتَزَوِّجَةُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا تَبِينُ، وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّ يَمِينَهُ جُعِلَ يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى. وَقْتَ وُجُودِهَا فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا بَعْدَ ذَلِكَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِي عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَلَلٌ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ (قَوْلُهُ فَأَكَلَ) صَوَابُهُ فَبَاشَرَ الشَّرْطَ كَمَا فِي عِبَارَةِ الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَذَلِكَ كَدُخُولِ الدَّارِ مَثَلًا، وَلَا نَظَرَ فِيهِ لِلْأَكْلِ وَعَدَمِهِ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ وَقَدْ مَرَّ فِي الْإِيلَاءِ) مَا مَرَّ هُنَاكَ فِيهِ خَلَلٌ تَابَعَ فِيهِ الْبَزَّازِيَّةَ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ هُنَاكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 734 (وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا مُطْلَقًا أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ وَكَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ) أَيْ فَرْضٌ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَالدُّرَرِ (وَهُوَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ) خَرَجَ الْوُضُوءُ وَتَكْفِينُ الْمَيِّتِ (وَوُجِدَ الشَّرْطُ) الْمُعَلَّقُ بِهِ (لَزِمَ النَّاذِرَ) لِحَدِيثِ «مَنْ نَذَرَ وَسَمَّى فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا سَمَّى» (كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَصَدَقَةٍ) وَوَقْفٍ (وَاعْتِكَافٍ) وَإِعْتَاقِ رَقَبَةٍ وَحَجٍّ وَلَوْ مَاشِيًا فَإِنَّهَا عِبَادَاتٌ مَقْصُودَةٌ، وَمِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ لِوُجُوبِ الْعِتْقِ فِي الْكَفَّارَةِ وَالْمَشْيِ لِلْحَجِّ عَلَى الْقَادِرِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ النَّذْرِ (قَوْلُهُ وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا مُطْلَقًا) أَيْ غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِشَرْطٍ مِثْلِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ سَنَةٍ فَتْحٌ، وَأَفَادَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ كَلَامًا فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ النَّذْرُ لِأَنَّ هَزْلَ النَّذْرِ كَالْجِدِّ كَالطَّلَاقِ كَمَا فِي صِيَامِ الْفَتْحِ، وَكَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ صَوْمُ شَهْرٍ كَمَا فِي صِيَامِ الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ النَّذْرَ قُرْبَةٌ مَشْرُوعَةٌ، أَمَّا كَوْنُهُ قُرْبَةً فَلِمَا يُلَازِمُهُ مِنْ الْقُرَبِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهَا وَأَمَّا شَرْعِيَّتُهُ فَلِلْأَوَامِرِ الْوَارِدَةِ بِإِيفَائِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الِاخْتِيَارِ. قُلْت: وَإِنَّمَا ذَكَرُوا النَّذْرَ فِي الْأَيْمَانِ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَمَرَّ فِي آخِرِ كِتَابِ الصِّيَامِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَوْمًا، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى النَّذْرَ فَقَطْ أَوْ نَوَى النَّذْرَ وَأَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا كَانَ نَذْرًا فَقَطْ وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ نَذْرًا كَانَ يَمِينًا وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ إنْ أَفْطَرَ، وَإِنْ نَوَاهُمَا أَوْ نَوَى الْيَمِينَ كَانَ نَذْرًا وَيَمِينًا " حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ قَضَى وَكَفَّرَ وَمَرَّ هُنَاكَ الْكَلَامُ فِيهِ (قَوْلُهُ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ) أَيْ الْمُصَنِّفُ قَرِيبًا، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ط (قَوْلُهُ وَهُوَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلنَّذْرِ، بِمَعْنَى الْمَنْذُورِ لَا لِلْوَاجِبِ، خِلَافًا لِمَا فِي الْبَحْرِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: مِمَّا هُوَ طَاعَةٌ مَقْصُودَةٌ لِنَفْسِهَا، وَمِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ إلَخْ. وَفِي الْبَدَائِعِ: وَمِنْ شُرُوطِهِ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً مَقْصُودَةً فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ، وَالْوُضُوءِ، وَالِاغْتِسَالِ، وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَالْأَذَانِ، وَبِنَاءِ الرِّبَاطَاتِ وَالْمَسَاجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ قُرَبًا إلَّا أَنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّرْطَ كَوْنُ الْمَنْذُورِ نَفْسِهِ عِبَادَةً مَقْصُودَةً لَا مَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ، وَلِذَا صَحَّحُوا النَّذْرَ بِالْوَقْفِ لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبًا وَهُوَ بِنَاءُ مَسْجِدٍ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا يَأْتِي مَعَ أَنَّك عَلِمْت أَنَّ بِنَاءَ الْمَسَاجِدِ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ (قَوْلُهُ خَرَجَ الْوُضُوءُ) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ وَهِيَ الصَّلَاةُ ط عَنْ الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ وَتَكْفِينُ الْمَيِّتِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً، بَلْ هُوَ لِأَجْلِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ سِتْرَهُ شَرْطُ صِحَّتِهَا ط (قَوْلُهُ وَوُجِدَ الشَّرْطُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَكَانَ مِنْ جِنْسِهِ عِبَادَةٌ وَهَذَا إنْ كَانَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ وَإِلَّا لَزِمَ فِي الْحَالِ وَالْمُرَادُ الشَّرْطُ الَّذِي يُرِيدُ كَوْنَهُ كَمَا يَأْتِي تَصْحِيحُهُ (قَوْلُهُ لَزِمَ النَّاذِرُ) أَيْ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِأَصْلِ الْقُرْبَةِ الَّتِي الْتَزَمَهَا لَا بِكُلِّ وَصْفٍ الْتَزَمَهُ لِأَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ دِرْهَمًا أَوْ فَقِيرًا أَوْ مَكَانًا لِلتَّصَدُّقِ أَوْ لِلصَّلَاةِ فَالتَّعْيِينُ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَحْرٌ، وَتَحْقِيقُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: هُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ إلَّا أَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، فَفِي لُزُومِ الْمَنْذُورِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، قَالَ تَعَالَى - {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29]- وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ لِلْآيَةِ، وَتَقَدَّمَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهَا تُوجِبُ الِافْتِرَاضَ لِلْقَطْعِيَّةِ وَالْجَوَابُ بِأَنَّهَا مُؤَوَّلَةٌ إذْ خُصَّ مِنْهَا النَّذْرُ بِالْمَعْصِيَةِ وَمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ فَلَمْ تَكُنْ قَطْعِيَّةَ الدَّلَالَةِ، وَمَنْ قَالَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِافْتِرَاضِهِ اسْتَدَلَّ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ الْإِيفَاءِ بِهِ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ أَنَّهُ: أَيْ الِافْتِرَاضَ هُوَ الْأَظْهَرُ (قَوْلُهُ لِوُجُوبِ الْعِتْقِ) تَرَكَ ذِكْرَ الْوَاجِبِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ لِظُهُورِهِ ط (قَوْلُهُ وَالْمَشْيُ لِلْحَجِّ) الْمُرَادُ الْحَجُّ مَاشِيًا وَإِلَّا فَالْمَشْيُ لَيْسَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً. اهـ. ح. وَفِيهِ أَنَّ الْمَشْرُوطَ كَوْنُهُ عِبَادَةً مَقْصُودَةً هُوَ الْمَنْذُورُ لَا مَا كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 735 وَالْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَهِيَ لُبْثٌ كَالِاعْتِكَافِ، وَوَقْفُ مَسْجِدٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ (وَلَمْ يَلْزَمْ) النَّاذِرَ (مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَرْضٌ كَعِيَادَةِ مَرِيضٍ وَتَشْيِيعِ جِنَازَةٍ وَدُخُولِ مَسْجِدٍ) وَلَوْ مَسْجِدَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ الْأَقْصَى لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا فَرْضٌ مَقْصُودٌ وَهَذَا هُوَ الضَّابِطُ كَمَا فِي الدُّرَرِ. وَفِي الْبَحْرِ شَرَائِطُهُ خَمْسٌ فَزَادَ: أَنْ لَا يَكُونَ مَعْصِيَةً لِذَاتِهِ فَصَحَّ نَذَرَ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ   [رد المحتار] مِنْ جِنْسِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ الْكَعْبَةِ يَلْزَمُهُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ وَسَنَذْكُرُ أَنَّ هَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ إلَخْ) كَذَا ذَكَرَهُ فِي اعْتِكَافِ الْبَحْرِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ التَّشْبِيهَ إنْ كَانَ فِي خُصُوصِ الْقَعْدَةِ فَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي الِاعْتِكَافِ لِجَوَازِ الْوُقُوفِ فِي مُدَّتِهِ وَإِنْ كَانَ فِي مُطْلَقِ الْكَيْنُونَةِ فَلِمَ خَصَّ التَّشْبِيهَ بِالْقَعْدَةِ مَعَ أَنَّ الرُّكُوعَ كَذَلِكَ؟ وَالْجَوَابُ: اخْتِيَارُ الْأَوَّلِ، وَالْغَالِبُ فِي الِاعْتِكَافِ الْقُعُودُ وَذُكِرَ فِي اعْتِكَافِ الْمِعْرَاجِ. قُلْنَا بَلْ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ اللَّبْثُ بِعَرَفَةَ وَهُوَ الْوُقُوفُ، وَالنَّذْرُ بِالشَّيْءِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ، أَوْ مُشْتَمِلًا عَلَى الْوَاجِبِ وَهَذَا كَذَلِكَ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ يَشْتَمِلُ عَلَى الصَّوْمِ وَمِنْ جِنْسِ الصَّوْمِ وَاجِبٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ اللَّبْثِ وَاجِبٌ وَتَعَقَّبَهُ فِي الْفَتْحِ فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الْحَجِّ وَالصَّوْمِ بِأَنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ فَرْعُ وُجُوبِ الِاعْتِكَافِ بِالنَّذْرِ، وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي صِحَّةِ وُجُوبِ الْمَتْبُوعِ. فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَى لُزُومِهِ بِلُزُومِهِ وَلُزُومُ الشَّرْطِ فَرْعُ لُزُومِ الْمَشْرُوطِ. ثُمَّ قَدْ يُقَالُ: تَحَقُّقُ الْإِجْمَاعِ عَلَى لُزُومِ الِاعْتِكَافِ بِالنَّذْرِ مُوجِبٌ إهْدَارَ اشْتِرَاطِ وُجُودِ وَاجِبٍ مِنْ جِنْسِهِ اهـ أَيْ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْأَصْلِ. (قَوْلُهُ وَوَقْفُ مَسْجِدٍ) أَيْ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ عَلَى الظَّاهِرِ ط (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الْإِمَامُ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَرْضٌ) هَذَا هُوَ الَّذِي وَعَدَ بِذِكْرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ وَهَذَا يُثْبِتُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاجِبِ فِي قَوْلِهِمْ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبُ الْفَرْضِ وَبِهِ صَرَّحَ شَيْخُنَا فِي بَحْرِهِ إلَخْ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ كَعِيَادَةِ مَرِيضٍ إلَخْ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْفَرْضِ هُنَا فَرْضُ الْعَيْنِ دُونَ مَا يَشْمَلُ فَرْضَ الْكِفَايَةِ. اهـ. ح أَيْ فَإِنَّ هَذِهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَمَا فِي مُقَدِّمَةِ أَبِي اللَّيْثِ فَافْهَمْ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَدَائِعِ خُرُوجَ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ بِقَوْلِهِ: عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ دُخُولُ الْمَسْجِدِ لِلطَّوَافِ، وَلِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِيهِ فَإِنَّ الدُّخُولَ حِينَئِذٍ فَرْضٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ وَكَذَا عِيَادَةُ الْوَالِدَيْنِ إذَا احْتَاجَا إلَيْهِ لِأَنَّ بِرَّهُمَا فَرْضٌ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمَشْرُوطَ كَوْنُهُ عِبَادَةً مَقْصُودَةً هُوَ الْمَنْذُورُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَسْجِدَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) الْأَوْلَى ذِكْرُ مَسْجِدِ مَكَّةَ لِأَنَّهُ الْمُتَوَهَّمُ ط (قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الضَّابِطُ) الْإِشَارَةُ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَرْضٌ لَا يَلْزَمُ. وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ: الْمَنْذُورُ إذَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْفُرُوضِ لَزِمَ النَّاذِرَ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالِاعْتِكَافِ؛ وَمَا لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْفُرُوضِ فَلَا يَلْزَمُ النَّاذِرَ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَبِنَاءِ الْقَنْطَرَةِ وَالرِّبَاطِ وَالسِّقَايَةِ وَنَحْوِهَا هَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْكُلِّيُّ (قَوْلُهُ فَزَادَ) أَيْ عَلَى الشَّرْطَيْنِ الْمَارَّيْنِ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْصِيَةً لِذَاتِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَمَّا كَوْنُ الْمَنْذُورِ مَعْصِيَةً يَمْنَعُ انْعِقَادَ النَّذْرِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إذًا كَانَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ أَوْ لَيْسَ فِيهِ جِهَةُ قُرْبَةٍ، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ نَذْرَ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ يَنْعَقِدُ، وَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِصَوْمِ يَوْمٍ غَيْرِهِ وَلَوْ صَامَهُ خَرَجَ مِنْ الْعُهْدَةِ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: إذَا أَضَافَ النَّذْرَ إلَى الْمَعَاصِي كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقْتُلَ فُلَانًا كَانَ يَمِينًا وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ اهـ. قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّرْطَ كَوْنُهُ عِبَادَةً فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْصِيَةً لَمْ يَصِحَّ فَهَذَا لَيْسَ شَرْطًا خَارِجًا عَمَّا مَرَّ، لَكِنْ صَرَّحَ بِهِ مُسْتَقِلًّا لِبَيَانِ أَنَّ مَا كَانَ فِيهِ جِهَةُ الْعِبَادَةِ يَصِحُّ النَّذْرُ بِهِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قُرْبَةٌ لَا بِكُلِّ وَصْفٍ الْتَزَمَهُ بِهِ فَصَحَّ الْتِزَامُ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ صَوْمٌ مَعَ إلْغَاءِ كَوْنِهِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 736 لِأَنَّهُ لِغَيْرِهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ وَاجِبًا عَلَيْهِ قَبْلَ النَّذْرِ فَلَوْ نَذَرَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ غَيْرَهَا وَأَنْ لَا يَكُونَ مَا الْتَزَمَهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَمْلِكُهُ أَوْ مِلْكًا لِغَيْرِهِ، فَلَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِأَلْفٍ وَلَا يَمْلِكُ إلَّا مِائَةً لَزِمَهُ الْمِائَةُ فَقَطْ خُلَاصَةٌ انْتَهَى. قُلْت: وَيُزَادُ مَا فِي زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ وَأَنْ لَا يَكُونَ مُسْتَحِيلَ الْكَوْنِ فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ أَمْسِ أَوْ اعْتِكَافَهُ لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ   [رد المحتار] إنْ قُلْت مِنْ شُرُوطِ النَّذْرِ كَوْنُهُ بِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ فَكَيْفَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا نَذَرَ رَكْعَتَيْنِ بِلَا وُضُوءٍ يَصِحُّ نَذْرُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. فَالْجَوَابُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ صَحَّحَهُ بِوُضُوءٍ لِأَنَّهُ حِينَ نَذَرَ رَكْعَتَيْنِ لَزِمَتَاهُ بِوُضُوءٍ لِأَنَّ الْتِزَامَ الْمَشْرُوطِ الْتِزَامُ الشَّرْطِ، فَقَوْلُهُ بَعْدَهُ بِغَيْرِ وُضُوءٍ لَغْوٌ لَا يُؤَثِّرُ وَنَظِيرُهُ إذَا نَذَرَ بِلَا قِرَاءَةٍ أَلْزَمْنَاهُ رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ، أَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً وَاحِدَةً أَلْزَمْنَاهُ رَكْعَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا أَلْزَمْنَاهُ بِأَرْبَعٍ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِأَنَّ كَوْنَهُ مَعْصِيَةً لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْ ضِيَافَةِ الْحَقِّ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَأَنْ لَا يَكُونَ وَاجِبًا عَلَيْهِ قَبْلَ النَّذْرِ) فِي أُضْحِيَّةٍ. الْبَدَائِعُ: لَوْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ شَاةً، وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَهُوَ مُوسِرٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاتَيْنِ عِنْدَنَا شَاةٌ لِلنَّذْرِ وَشَاةٌ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً إلَّا إذَا عَنَى بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا وَاحِدَةً، وَلَوْ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ شَاتَانِ، بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَا تَحْتَمِلُ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ إذْ لَا وُجُوبَ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مُعْسِرًا ثُمَّ أَيْسَرَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ شَاتَانِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَذْرَ الْأُضْحِيَّةَ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى شَاةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً بِإِيجَابِ الشَّرْعِ إلَّا إذَا قَصَدَ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَكَانَ فِي أَيَّامِهَا وَمِثْلُهُ مَا لَوْ نَذَرَ الْحَجَّ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَالْحَجَّ قَدْ يَكُونَانِ غَيْرَ وَاجِبَيْنِ، بِخِلَافِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهَا نَفْسُ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا اسْمٌ لِفَرِيضَةِ الْعُمْرِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا بِخِلَافِ مَا قَدْ يَكُونُ تَطَوُّعًا وَاجِبًا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ كَمَا سَنُحَقِّقُهُ فِي الْأُضْحِيَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ أَوْ مِلْكًا لِغَيْرِهِ) فَإِنْ قِيلَ: إنَّ النَّذْرَ بِهِ مَعْصِيَةٌ فَيُغْنِي عَنْهُ مَا مَرَّ قُلْنَا إنَّهُ لَيْسَ مَعْصِيَةً لِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْغَيْرِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ لَكِنَّهُ خَارِجٌ بِكَوْنِهِ لَا يَمْلِكُهُ فَيَشْمَلُ الزَّائِدَ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ وَمَا لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ أَصْلًا كَهَذَا وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ هَذِهِ الشَّاةَ وَهِيَ مِلْكُ الْغَيْرِ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: لَأُهْدِيَنَّ وَلَوْ نَوَى الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّأْكِيدِ وَعَدَمِهِ مِمَّا لَا أَثَرَ لَهُ يَظْهَرُ فِي صِحَّةِ النَّذْرِ وَعَدَمِهِ، ثُمَّ عَلَى الصِّحَّةِ هَلْ تَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا أَوْ يَتَوَقَّفُ الْحَالُ إلَى مِلْكِهَا؟ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ. اهـ. قُلْت: الظَّاهِرُ الثَّانِي لِأَنَّ الْهَدْيَ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ فَإِذَا صَحَّ نَذْرُهُ تَوَقَّفَ إلَى مِلْكِهَا لِيُمْكِنَ إهْدَاؤُهَا تَأَمَّلْ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ قَوْلَهُ لَأُهْدِيَنَّ يَمِينٌ لَا نَذْرٌ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ نَوَى الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنْ تَمَّ هَذَا اتَّضَحَ الْفَرْقُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ الْمِائَةُ فَقَطْ) سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ وَجْهَهُ (قَوْلُهُ قُلْت وَيُزَادُ إلَخْ) ذَكَرَ هَذَا الشَّرْطَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ وَعَزَا الْفَرْعَ الْمَذْكُورَ إلَى الْوَلْوَالِجيَّةِ قَالَ ط: وَبِهِ صَارَتْ الشُّرُوطُ سَبْعَةً مَا فِي الْمَتْنِ وَهَذِهِ الْخَمْسَةُ لَكِنَّ اشْتِرَاطَ أَنْ لَا يَكُونَ أَكْثَرَ مِمَّا يَمْلِكُ وَأَنْ لَا يَكُونَ مِلْكُ الْغَيْرِ خَاصًّا بِبَعْضِ صُوَرِ النَّذْرِ (قَوْلُهُ مُسْتَحِيلَ الْكَوْنِ) يَشْمَلُ الِاسْتِحَالَةَ الشَّرْعِيَّةَ لِمَا فِي الِاخْتِيَارِ: لَوْ نَذَرَتْ صَوْمَ أَيَّامِ حَيْضِهَا أَوْ قَالَتْ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ غَدًا فَحَاضَتْ فَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لِأَنَّهَا أَضَافَتْ الصَّوْمَ إلَى وَقْتٍ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَقْضِي فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْإِيجَابَ صَدَرَ صَحِيحًا فِي حَالٍ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ وَلَا إضَافَةَ إلَى زَمَانٍ يُنَافِيه إذْ الصَّوْمُ يُتَصَوَّرُ فِيهِ وَالْعَجْزُ بِعَارِضٍ مُحْتَمَلٍ كَالْمَرِيضِ فَتَقْضِيه، كَمَا إذَا نَذَرَتْ صَوْمَ شَهْرٍ يَلْزَمُهَا قَضَاءُ أَيَّامِ حَيْضِهَا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ خُلُوُّ الشَّهْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 737 وَفِي الْقُنْيَةِ نَذَرَ التَّصَدُّقِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ لَمْ يَصِحَّ مَا لَمْ يَنْوِ أَبْنَاءَ السَّبِيلِ، وَلَوْ نَذَرَ التَّسْبِيحَاتِ دُبُرَ الصَّلَاةِ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّ يَوْمٍ كَذَا لَزِمَهُ وَقِيلَ لَا (ثُمَّ إنَّ) الْمُعَلَّقَ فِيهِ تَفْصِيلٌ فَإِنْ (عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ يُرِيدُهُ كَأَنْ قَدِمَ غَائِبِي) أَوْ شُفِيَ مَرِيضِي (يُوَفِّي) وُجُوبًا (إنْ وُجِدَ) الشَّرْطُ (وَ) إنْ عَلَّقَهُ (بِمَا لَمْ يُرِدْهُ كَإِنْ زَنَيْت   [رد المحتار] عَنْ الْحَيْضِ فَيَصِحُّ الْإِيجَابُ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ إلَخْ) عِبَارَتُهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ: نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ. قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ إذَا نَوَى أَبْنَاءَ السَّبِيلِ لِأَنَّهُمْ مَحَلُّ الزَّكَاةِ اهـ. قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الْأَوَّلِ عَدَمُ كَوْنِهَا قُرْبَةً أَوْ مُسْتَحِيلَةَ الْكَوْنِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهَا لِأَنَّهَا لِلْغَنِيِّ هِبَةٌ كَمَا أَنَّ الْهِبَةَ لِلْفَقِيرِ صَدَقَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَذَرَ التَّسْبِيحَاتِ) لَعَلَّ مُرَادَهُ التَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّكْبِيرُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فِي كُلٍّ وَأَطْلَقَ عَلَى الْجَمِيعِ تَسْبِيحًا تَغْلِيبًا لِكَوْنِهِ سَابِقًا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ، وَلَا فَرْضٌ وَفِيهِ أَنَّ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ وَاجِبٌ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَكَذَا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ، وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ فَيَنْبَغِي صِحَّةُ النَّذْرِ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاجِبِ هُوَ الْمُصْطَلَحُ ط. قُلْت: لَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لَيْسَ عِبَارَةَ الْقُنْيَةِ وَعِبَارَتُهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَقُولَ دُعَاءَ كَذَا فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ لَمْ يَصِحَّ (قَوْلُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ) وَكَذَا لَوْ نَذَرَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَعَلَّلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ بِأَنَّهَا لِلصَّلَاةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَوْ عَلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ إنْ فَعَلْت كَذَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. اهـ. قُلْت: وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ وَمِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ، وَكَذَا الطَّوَافُ فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ أَيْضًا ثُمَّ رَأَيْت فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ قَالَ فِي بَابِ أَنْوَاعِ الْأَطْوِفَةِ: الْخَامِسُ طَوَافُ النَّذْرِ وَهُوَ وَاجِبٌ وَلَا يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ النَّذْرِ بِهِ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ) لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهِ فَرْضًا وَهُوَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ وَتَجِبُ كُلَّمَا ذُكِرَ وَإِنَّمَا هِيَ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ قَالَ ح: وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْفَرْضِ قَطْعِيًّا ط (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا) لَعَلَّ وَجْهَهُ اشْتِرَاطُهُ كَوْنَهُ فِي الْفَرْضِ قَطْعِيًّا ح (قَوْلُهُ ثُمَّ إنَّ الْمُعَلَّقَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُعَلَّقَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الشَّرْطُ مِمَّا يُرَادُ كَوْنُهُ أَيْ يُطْلَبُ حُصُولُهُ كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ لَا كَإِنْ كَلَّمْت زَيْدًا أَوْ دَخَلْت الدَّارَ فَكَذَا، وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ نَذْرَ اللَّجَاجِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ هُنَا وَأَنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. وَمَشَى عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ كَالْمُخْتَارِ وَالْمَجْمَعِ وَمُخْتَصَرِ النُّقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ الْمَرْوِيُّ فِي النَّوَادِرِ وَأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمُحَقِّقِينَ وَقَدْ انْعَكَسَ الْأَمْرُ عَلَى صَاحِبِ الْبَحْرِ، فَظَنَّ أَنَّ هَذَا لَا أَصْلَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ، وَأَنَّ رِوَايَةَ النَّوَادِرِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِمَا مُطْلَقًا وَأَنَّ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ: وَبِهِ يُفْتَى وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَرْوِيَّ فِي النَّوَادِرِ هُوَ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ، وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ الَّذِي فِي الْخُلَاصَةِ هُوَ التَّعْلِيقُ بِمَا لَا يُرَادُ كَوْنُهُ فَالْإِطْلَاقُ مَمْنُوعٌ. اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ سِوَى قَوْلَيْنِ الْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَدَمُ التَّخْيِيرِ أَصْلًا وَالثَّانِي التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ وَأَمَّا مَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ الْقَوْلِ الثَّالِثِ وَهُوَ التَّخْيِيرُ مُطْلَقًا وَأَنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ فَلَا أَصْلَ لَهُ كَمَا أَوْضَحَهُ الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ تُحْفَةُ التَّحْرِيرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِشَرْطٍ يُرِيدُهُ إلَخْ) اُنْظُرْ لَوْ كَانَ فَاسِقًا يُرِيدُ شَرْطًا هُوَ مَعْصِيَةٌ فَعَلَّقْ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 738 بِفُلَانَةَ) مَثَلًا فَحَنِثَ (وَفَّى) بِنَذْرِهِ (أَوْ كَفَّرَ) لِيَمِينِهِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِظَاهِرِهِ يَمِينٌ بِمَعْنَاهُ فَيُخَيَّرُ ضَرُورَةً. (نَذَرَ) مُكَلَّفٌ (بِعِتْقِ رَقَبَةٍ فِي مِلْكِهِ وَفَّى بِهِ وَإِلَّا) يَفِ (أَثِمَ) بِالتَّرْكِ (وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ) فَلَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي. (نَذَرَ أَنْ يَذْبَحَ وَلَدَهُ فَعَلَيْهِ شَاةٌ) لِقِصَّةِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَلْغَاهُ الثَّانِي وَالشَّافِعِيُّ كَنَذْرِهِ بِقَتْلِهِ (وَلَغَا لَوْ كَانَ يَذْبَحُ نَفْسَهُ أَوْ) عَبْدَهُ وَأَوْجَبَ مُحَمَّدٌ الشَّاةَ، وَلَوْ (بِذَبْحِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ أَوْ أُمِّهِ) لَغَا إجْمَاعًا لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا كَسْبَهُ. (وَلَوْ قَالَ إنْ بَرِئْت مِنْ مَرَضِي هَذَا ذَبَحْت شَاةً أَوْ عَلَيَّ شَاةٌ أَذْبَحُهَا فَبَرِئَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ)   [رد المحتار] عَلَيَّ إذَا مَا زُرْت لَيْلَى بِخُفْيَةٍ ... زِيَارَةُ بَيْتِ اللَّهِ رَجْلَانَ حَافِيًا فَهَلْ يُقَالُ إذَا بَاشَرَ الشَّرْطَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُعَلَّقُ أَمْ لَا؟ وَيَظْهَرُ لِي الْوُجُوبُ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ طَاعَةٌ وَقَدْ عَلَّقَ وُجُوبَهَا عَلَى شَرْطٍ فَإِذَا حَصَلَ الشَّرْطُ لَزِمَتْهُ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ مَعْصِيَةً يَحْرُمُ فِعْلُهَا لِأَنَّ هَذِهِ الطَّاعَةَ غَيْرُ حَامِلَةٍ عَلَى مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ بَلْ بِالْعَكْسِ، وَتَعْرِيفُ النَّذْرِ صَادِقٌ عَلَيْهِ وَلِذَا صَحَّ النَّذْرُ فِي قَوْلِهِ: إنْ زَنَيْت بِفُلَانَةَ لَكِنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُرِيدُهُ يَصِيرُ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ فَيَتَخَيَّرُ كَمَا يَأْتِي تَقْرِيرُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يُرِيدُهُ لِفَوَاتِ مَعْنَى الْيَمِينِ فَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِلُزُومِ الْمَنْذُورِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِظَاهِرِهِ إلَخْ) لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الْمَنْعَ عَنْ إيجَادِ الشَّرْطِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَ بِشَرْطٍ يُرِيدُ ثُبُوتَهُ لِأَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ قَصْدُ الْمَنْعِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهِ لِأَنَّ قَصْدَهُ إظْهَارُ الرَّغْبَةِ فِيمَا جُعِلَ شَرْطًا دُرَرٌ (قَوْلُهُ فَيُخَيَّرُ ضَرُورَةً) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ. أَقُولُ: إنْ كَانَ الشَّرْطُ حَرَامًا كَإِنْ زَنَيْت يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَخَيَّرَ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ تَخْفِيفٌ وَالْحَرَامُ لَا يُوجِبُ التَّخْفِيفَ قَالَ فِي الدُّرَرِ: أَقُولُ لَيْسَ الْمُوجِبُ لِلتَّخْفِيفِ هُوَ الْحَرَامُ بَلْ وُجُودُ دَلِيلِ التَّخْفِيفِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَمَّا كَانَ نَذْرًا مِنْ وَجْهٍ وَيَمِينًا مِنْ وَجْهٍ لَزِمَ أَنْ يُعْمَلَ بِمُقْتَضَى الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ يَجُزْ إهْدَارُ أَحَدِهِمَا فَلَزِمَ التَّخْيِيرُ الْمُوجِبُ لِلتَّخْفِيفِ بِالضَّرُورَةِ فَتَدَبَّرْ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي) لِأَنَّ الْعَبْدَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقُّ الْعِتْقِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِيَعْتِقَهُ لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهُ عَلَى أَنْ يَبَرَّ يَمِينَهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُجَرَّدُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. (قَوْلُهُ نَذَرَ أَنْ يَذْبَحَ وَلَدَهُ إلَخْ) الْمَسْأَلَةُ مَنْصُوصَةٌ فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَغَيْرِهِ، وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَشَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ أَنَّهُ يَجِبُ بِهِ ذَبْحُ كَبْشٍ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ، وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ النَّذْرِ بِهِ فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ أَنْ يَقُولَ فِي النَّذْرِ عِنْدَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ أَوْ بِمَكَّةَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: لَا يُشْتَرَطُ، وَفِي الِاخْتِيَارِ وَلَوْ نَذَرَ ذَبْحَ وَلَدِهِ أَوْ نَحْرَهُ لَزِمَهُ ذَبْحُ شَاةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَكَذَا النَّذْرُ بِذَبْحِ نَفْسِهِ أَوْ عَبْدِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَفِي الْوَالِدِ وَالْوَالِدَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ: لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ فَلَا يَصِحُّ وَلَهُمَا فِي الْوَلَدِ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا، وَمِثْلُهُ لَا يُعْرَفُ قِيَاسًا فَيَكُونُ سَمَاعًا وَلِأَنَّ إيجَابَ ذَبْحِ الْوَلَدِ عِبَارَةٌ عَنْ إيجَابِ ذَبْحِ الشَّاةِ، حَتَّى لَوْ نَذَرَ ذَبْحَهُ بِمَكَّةَ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَبْحُ الشَّاةِ بِالْحَرَمِ. بَيَانُهُ قِصَّةُ الذَّبِيحِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى الْخَلِيلِ ذَبْحَ وَلَدِهِ وَأَمَرَهُ بِذَبْحِ الشَّاةِ حَيْثُ قَالَ - {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 105]- فَيَكُونُ كَذَلِكَ فِي شَرِيعَتِنَا أَمَّا - {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123]- أَوْ لِأَنَّ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَنَا تَلْزَمُنَا حَتَّى يَثْبُتَ النَّسْخُ، وَلَهُ نَظَائِرُ مِنْهَا أَنَّ إيجَابَ الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى عِبَارَةٌ عَنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَإِيجَابُ الْهَدْيِ عِبَارَةٌ عَنْ إيجَابِ شَاةٍ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ وَإِذَا كَانَ نَذْرُ ذَبْحِ الْوَلَدِ عِبَارَةً عَنْ ذَبْحِ الشَّاةِ لَا يَكُونُ مَعْصِيَةً بَلْ قُرْبَةً حَتَّى قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ إنْ أَرَادَ عَيْنَ الذَّبْحِ وَعَرَفَ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ لَا يَصِحُّ، وَنَظِيرُهُ الصَّوْمُ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي مَعْصِيَةٌ لِإِفْضَائِهِ إلَى إهْلَاكِهِ، وَصَحَّ نَذْرُهُ بِالصَّوْمِ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَجَعَلَ ذَلِكَ الْتِزَامًا لِلْفِدْيَةِ كَذَا هَذَا وَلِمُحَمَّدٍ فِي النَّفْسِ وَالْعَبْدِ أَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَيْهِمَا فَوْقَ وِلَايَتِهِ عَلَى وَلَدِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ وُجُوبَ الشَّاةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 739 لِأَنَّ الذَّبْحَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَرْضٌ بَلْ وَاجِبٌ كَالْأُضْحِيَّةِ (فَلَا يَصِحُّ) (إلَّا إذَا زَادَ وَأَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا فَيَلْزَمُهُ) لِأَنَّ الصَّدَقَةَ مِنْ جِنْسِهَا فَرْضٌ وَهِيَ الزَّكَاةُ فَتْحٌ وَبَحْرٌ فَفِي مَتْنِ الدُّرَرِ تَنَاقُضٌ مِنَحٌ. (وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ جَزُورًا وَأَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهِ فَذَبَحَ مَكَانَهُ سَبْعَ شِيَاهٍ جَازَ) كَذَا فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَوَجْهُهُ لَا يَخْفَى. وَفِي الْقُنْيَةِ إنْ ذَهَبَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ فَعَلَى كَذَا فَذَهَبَتْ ثُمَّ عَادَتْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. (نَذَرَ لِفُقَرَاءِ مَكَّةَ جَازَ الصَّرْفُ لِفُقَرَاءِ غَيْرِهَا) لِمَا تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ أَنَّ النَّذْرَ غَيْرَ الْمُعَلَّقِ لَا يَخْتَصُّ بِشَيْءٍ   [رد المحتار] عَرَفْنَاهُ اسْتِدْلَالًا بِقِصَّةِ الْخَلِيلِ، وَإِنَّمَا وَرَدَتْ فِي الْوَلَدِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ، وَلَوْ نَذَرَ بِلَفْظِ الْقَتْلِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِلَفْظِ الذَّبْحِ، وَالنَّحْرُ مِثْلُهُ وَلَا كَذَلِكَ الْقَتْلُ وَلِأَنَّ الذَّبْحَ وَالنَّحْرَ وَرَدَا فِي الْقُرْآنِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَالتَّعَبُّدِ وَالْقَتْلُ لَمْ يَرِدْ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ وَالِانْتِقَامِ وَالنَّهْيِ وَلِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ ذَبْحَ الشَّاةِ بِلَفْظِ الْقَتْلِ لَمْ يَصِحَّ فَهَذَا أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ لَغَا إجْمَاعًا) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الذَّبْحَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَرْضٌ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ، وَيُنَافِيه مَا فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ: إنْ بَرِئْت مِنْ مَرَضِي هَذَا ذَبَحْت شَاةً فَبَرِئَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ شَاةً اهـ: وَهِيَ عِبَارَةُ مَتْنِ الدُّرَرِ وَعَلَّلَهَا فِي شَرْحِهِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ اللُّزُومَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّذْرِ وَالدَّالُّ عَلَيْهِ الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ لِكَوْنِ الصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا تَدُلُّ عَلَى النَّذْرِ أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ ذَبَحْت شَاةً وَعْدٌ لَا نَذْرٌ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَ إنْ سَلِمَ وَلَدِي أَصُومُ مَا عِشْت فَهَذَا وَعْدٌ لَكِنَّ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا إنْ عُوفِيت صُمْت كَذَا لَمْ يَجِبْ مَا لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ عَلَيَّ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا أَحُجُّ فَفَعَلَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ. اهـ. فَعَلِمَ أَنَّ تَعْلِيلَ الدُّرَرِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانُ خِلَافُهُ وَيُنَافِيه أَيْضًا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَيَّ شَاةٌ أَذْبَحُهَا أَوْ عِبَارَةُ الْفَتْحِ فَعَلَيَّ بِالْفَاءِ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ وَعْدًا وَلَا يُقَالُ إنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِعَدَمِ قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ لِأَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ صِحَّةُ النَّذْرِ بِقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ عَلَيَّ حَجَّةٌ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِهِ فَرْضٌ وَحَمَلَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالدُّرَرِ مِنْ صِحَّةِ قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ شَاةً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ، وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْأُضْحِيَّةَ عَنْ الْخَانِيَّةِ لَوْ نَذَرَ عَشْرَ أُضْحِيَّاتٍ لَزِمَهُ ثِنْتَانِ لِمَجِيءِ الْأَمْرِ بِهِمَا، وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ الْأَصَحُّ وُجُوبُ الْكُلِّ لِإِيجَابِهِ مَا لِلَّهِ مِنْ جِنْسِهِ إيجَابٌ، وَنَقَلَ الشَّارِحُ هُنَاكَ عَنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مُفَادَهُ لُزُومُ النَّذْرِ بِمَا مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ اعْتِقَادِيٌّ أَوْ اصْطِلَاحِيٌّ اهـ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاجِبِ مَا يَشْمَلُ الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ الِاصْطِلَاحِيَّ لَا خُصُوصَ الْفَرْضِ فَقَطْ (قَوْلُهُ فَتْحٌ وَبَحْرٌ) يُوهِمُ أَنَّهُ فِي الْفَتْحِ ذُكِرَ هَذَا التَّعْلِيلُ مَعَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ عِبَارَةُ الْمَتْنِ فَقَطْ وَكَذَلِكَ فِي الْبَحْرِ مَعْزِيًّا إلَى مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ (قَوْلُهُ فَفِي مَتْنِ الدُّرَرِ تَنَاقُضٌ) أَيْ حَيْثُ صَرَّحَ أَوَّلًا بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي النَّذْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْفُرُوضِ وَنَصَّ ثَانِيًا عَلَى صِحَّةِ النَّذْرِ بِقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ شَاةً مَعَ أَنَّ النَّذْرَ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْفُرُوضِ، بَلْ فِي الْوَاجِبَاتِ وَأَجَابَ ط: بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْفَرْضِ مَا يَعُمُّ الْوَاجِبَ بِأَنْ يُرَادَ بِهِ اللَّازِمُ فَلَا تَنَاقُضَ (قَوْلُهُ كَذَا فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ) الْإِشَارَةُ إلَى مَا فِي الْمَتْنِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ إنْ بَرِئْتُ إلَى قَوْلِهِ جَازَ (قَوْلُهُ وَوَجْهُهُ لَا يَخْفَى) هُوَ أَنَّ السَّبْعَ تَقُومُ مَقَامَهُ فِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا ط. مَطْلَبُ النَّذْرِ غَيْرِ الْمُعَلَّقِ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ وَدِرْهَمٍ وَفَقِيرٍ (قَوْلُهُ لِمَا تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ) أَيْ فِي آخِرِهِ قُبَيْلَ بَابِ الِاعْتِكَافِ وَعِبَارَتُهُ هُنَاكَ مَعَ الْمَتْنِ: وَالنَّذْرُ مِنْ اعْتِكَافٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ صِيَامٍ أَوْ غَيْرِهَا غَيْرِ الْمُعَلَّقِ وَلَوْ مُعَيَّنًا لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ وَدِرْهَمٍ وَفَقِيرٍ فَلَوْ نَذَرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 740 (نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ الْخُبْزِ فَتَصَدَّقَ بِغَيْرِهِ جَازَ إنْ سَاوَى الْعَشَرَةَ) كَتَصَدُّقِهِ بِثَمَنِهِ. (نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ لَزِمَهُ مُتَتَابِعًا لَكِنْ إنْ أَفْطَرَ) فِيهِ (يَوْمًا قَضَاهُ) وَحْدَهُ وَإِنْ قَالَ مُتَتَابِعًا (بِلَا لُزُومِ اسْتِقْبَالٍ) لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْأَبَدِ فَأَكَلَ لِعُذْرٍ فَدَى. (نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَلْفٍ مِنْ مَالِهِ وَهُوَ يَمْلِكُ دُونَهَا لَزِمَهُ) مَا يَمْلِكُ مِنْهَا (فَقَطْ) هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْ   [رد المحتار] التَّصَدُّقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِمَكَّةَ بِهَذَا الدِّرْهَمِ عَلَى فُلَانٍ فَخَالَفَ جَازَ وَكَذَا لَوْ عَجَّلَ قَبْلَهُ فَلَوْ عَيَّنَ شَهْرًا لِلِاعْتِكَافِ أَوْ لِلصَّوْمِ فَعَجَّلَ قَبْلَهُ عَنْهُ صَحَّ، وَكَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ سَنَةَ كَذَا فَحَجَّ سَنَةً قَبْلَهَا صَحَّ أَوْ صَلَاةً فِي يَوْمِ كَذَا فَصَلَّاهَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ تَعْجِيلٌ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ، وَهُوَ النَّذْرُ فَيَلْغُو التَّعْيِينُ بِخِلَافِ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ اهـ. قُلْت: وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ الْفَرْقَ وَهُوَ أَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَى شَرْطٍ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحَالِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ بَلْ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ، فَلَوْ جَازَ تَعْجِيلُهُ لَزِمَ وُقُوعُهُ قَبْلَ سَبَبِهِ فَلَا يَصِحُّ، وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُعَلَّقَ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الزَّمَانُ بِالنَّظَرِ إلَى التَّعْجِيلِ، أَمَّا تَأْخِيرُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جَائِزٌ إذْ لَا مَحْذُورَ فِيهِ، وَكَذَا يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمَكَانُ وَالدِّرْهَمُ وَالْفَقِيرُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ إنَّمَا أَثَّرَ فِي انْعِقَادِ السَّبَبِيَّةِ فَقَطْ، فَلِذَا امْتَنَعَ فِيهِ التَّعْجِيلُ، وَتَعَيَّنَ فِيهِ الْوَقْتُ أَمَّا الْمَكَانُ وَالدِّرْهَمُ وَالْفَقِيرُ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ عَدَمِ التَّعْيِينِ، وَلِذَا اقْتَصَرَ الشَّارِحُ فِي بَيَانِ الْمُخَالَفَةِ عَلَى التَّعْجِيلِ فَقَطْ حَيْثُ قَالَ: فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ فَتَدَبَّرْ. قُلْت: وَكَمَا لَا يَتَعَيَّنُ الْفَقِيرُ لَا يَتَعَيَّنُ عَدَدُهُ فَفِي الْخَانِيَّةِ إنْ زَوَّجْت بِنْتِي فَأَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي صَدَقَةٌ لِكُلِّ مِسْكِينٍ دِرْهَمٌ فَزَوَّجَ وَدَفَعَ الْأَلْفَ إلَى مِسْكِينٍ جُمْلَةً جَازَ. [تَنْبِيهٌ] إنَّمَا لَمْ يَخْتَصَّ فِي النَّذْرِ بِزَمَانٍ وَنَحْوِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّ لُزُومَ مَا الْتَزَمَهُ بِاعْتِبَارِ مَا هُوَ قُرْبَةٌ لَا بِاعْتِبَارَاتٍ أُخَرَ لَا دَخْلَ لَهَا فِي صَيْرُورَتِهِ قُرْبَةً كَمَا مَرَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَكَذَا إذَا نَذَرَ رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَأَدَّاهَا فِي أَقَلَّ شَرَفًا مِنْهُ أَوْ فِيمَا لَا شَرَفَ لَهُ أَجْزَأَهُ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ الشَّرْعِ أَنَّ الْتِزَامَهُ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ مُوجِبٌ وَلَمْ يَثْبُتْ مِنْ الشَّرْعِ اعْتِبَارُ تَخْصِيصِ الْعَبْدِ الْعِبَادَةَ بِالْمَكَانِ، بَلْ إنَّمَا عُرِفَ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَمَامُهُ فِيهِ. قُلْت: وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ الْمَكَانُ فِي نَذْرِ الْهَدْيِ وَالزَّمَانُ فِي نَذْرِ الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا اسْمٌ خَاصٌّ مُعَيَّنٌ، فَالْهَدْيُ مَا يُهْدَى لِلْحَرَمِ وَالْأُضْحِيَّةَ مَا يُذْبَحُ فِي أَيَّامِهَا حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ الِاسْمُ وَسَنَذْكُرُ تَمَامَ تَحْقِيقِهِ فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ جَازَ) أَشَارَ إلَى أَنَّ تَعْيِينَ مَا يُشْتَرَى بِهِ مِثْلُ تَعْيِينِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ. (قَوْلُهُ قَضَاهُ وَحْدَهُ) أَيْ قَضَى ذَلِكَ الْيَوْمَ فَقَطْ لِئَلَّا يَقَعَ كُلُّ الصَّوْمِ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ كَمَا مَرَّ فِي الصِّيَامِ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ مُتَتَابِعًا) لِأَنَّ شَرْطَ التَّتَابُعِ فِي شَهْرٍ بِعَيْنِهِ لَغْوٌ لِأَنَّهُ مُتَتَابِعٌ لِتَتَابُعِ الْأَيَّامِ وَأَيْضًا لَا يُمْكِنُ الِاسْتِقْبَالُ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ دُرَرٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لِشَهْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنْ شَاءَ تَابَعَهُ، وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَهُ إلَّا إذَا شَرَطَ التَّتَابُعَ فَيَلْزَمُهُ وَيَسْتَقْبِلُ فَتْحٌ أَيْ يَسْتَقْبِلُ شَهْرًا غَيْرَهُ لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا وَلَوْ مِنْ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ كَمَا مَرَّ فِي الصَّوْمِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى مَا يَجِبُ فِيهِ التَّتَابُعُ وَمَا لَا يَجِبُ وَمَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ أَوْ تَأْخِيرُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ فَأَكَلَ لِعُذْرٍ) وَكَذَا لِدُونِهِ ح (قَوْلُهُ فَدَى) أَيْ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى كَمَا مَرَّ . (قَوْلُهُ لَزِمَهُ مَا يَمْلِكُ مِنْهَا فَقَطْ) وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ عُرُوضٌ أَوْ خَادِمٌ يُسَاوِي مِائَةً فَإِنَّهُ يَبِيعُ وَيَتَصَدَّقُ، وَإِنْ كَانَ يُسَاوِي عَشَرَةً يَتَصَدَّقُ بِعَشَرَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَلْفَ حَجَّةٍ يَلْزَمُهُ بِقَدْرِ مَا عَاشَ فِي كُلِّ سَنَةٍ حَجَّةٌ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَانْظُرْ هَلْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الدَّيْنُ كَمَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ مَالِهِ؟ ظَاهِرُ التَّعْلِيلِ: عَدَمُ الدُّخُولِ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْلِكُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 741 لَمْ يُوجَدْ النَّذْرُ فِي الْمِلْكِ وَلَا مُضَافًا إلَى سَبَبِهِ فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ (قَالَ مَا لِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ وَلَا مَالٌ لَهُ لَمْ يَصِحَّ) اتِّفَاقًا (نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهَذِهِ الْمِائَةِ يَوْمَ كَذَا عَلَى زَيْدٍ فَتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ أُخْرَى قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ (عَلَى فَقِيرٍ آخَرَ جَازَ) لِمَا تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ (قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) وَلَوْ نَوَى صِيَامًا بِلَا عَدَدٍ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَوْ صَدَقَةً فَإِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ كَالْفِطْرَةِ وَلَوْ نَذَرَ ثَلَاثِينَ حَجَّةً لَزِمَهُ بِقَدْرِ عُمْرِهِ. (وَصَلَ بِحَلِفِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ بَطَلَ) يَمِينُهُ (وَكَذَا يَبْطُلُ بِهِ) أَيْ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ (كُلُّ مَا تَعَلَّقَ بِالْقَوْلِ عِبَادَةً أَوْ مُعَامَلَةً) لَوْ بِصِيغَةِ الْإِخْبَارِ وَلَوْ بِالْأَمْرِ أَوْ النَّهْيِ كَأَعْتِقُوا عَبْدِي بَعْدَ مَوْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ، لَمْ يَصِحَّ وَبِعْ عَبْدِي هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ (بِخِلَافِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْقَلْبِ) كَالنِّيَّةِ كَمَا مَرَّ فِي الصَّوْمِ.   [رد المحتار] قَبْلَ قَبْضِهِ وَإِذَا قَبَضَهُ صَارَ مِلْكًا حَادِثًا بَعْدَ النَّذْرِ، وَفِي الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ يُعْتَبَرُ مَالُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ تَأَمَّلْ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي أَوَّلِ الشَّرِكَةِ أَنَّ الْحَقَّ كَوْنُهُ مَمْلُوكًا (قَوْلُهُ لَمْ يُوجَدْ إلَخْ) أَيْ وَشَرْطُ صِحَّةِ النَّذْرِ أَنْ يَكُونَ الْمَنْذُورُ مِلْكًا لِلنَّاذِرِ أَوْ مُضَافًا إلَى السَّبَبِ كَقَوْلِهِ إنَّ اشْتَرَيْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَك ط (قَوْلُهُ فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ) أَيْ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ فَفِي بِمَعْنَى عَلَى. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَصِحَّ اتِّفَاقًا) أَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَصِحُّ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ جِنْسُ مَالِ الزَّكَاةِ اسْتِحْسَانًا أَيَّ جِنْسٍ كَانَ بَلَغَ نِصَابًا أَوْ لَا عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ لَا وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ أَمْسَكَ مِنْهُ قَدْرَ قُوتِهِ فَإِذَا مَلَكَ غَيْرَهُ تَصَدَّقَ بِقَدْرِهِ: أَيْ بِقَدْرِ مَا أَمْسَكَ كَمَا سَيَأْتِي فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَاكَ عَنْ الْبَحْرِ قَالَ: إنْ فَعَلَتْ كَذَا فَمَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ، فَحِيلَتُهُ أَنْ يَبِيعَ مِلْكَهُ مِنْ رَجُلٍ بِثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ، وَيَقْبِضَهُ وَلَمْ يَرَهُ ثُمَّ يَفْعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَرُدَّهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اهـ قَالَ الْمَقْدِسِيَّ هُنَاكَ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمِلْكُ حِينَ الْحِنْثِ لَا حِينَ الْحَلِفِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ النَّذْرَ غَيْرَ الْمُعَلَّقِ لَا يَخْتَصُّ بِشَيْءٍ . (قَوْلُهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ) فَلَوْ قَالَ نَذْرَ حَجٍّ مَثَلًا لَزِمَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَى صِيَامًا إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: وَلَا نِيَّةَ لَهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى شَيْئًا مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ مَا نَوَى كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ) لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَدْنَى ذَلِكَ فِي الصِّيَامِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بَحْرٌ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ صَدَقَةً) أَيْ بِلَا عَدَدٍ (قَوْلُهُ كَالْفِطْرَةِ) أَيْ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ بُرٌّ وَكَذَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ إطْعَامُ مِسْكِينٍ لَزِمَهُ نِصْفُ صَاعٍ بُرٌّ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنَّ أُطْعِمَ الْمَسَاكِينَ عَلَى عَشَرَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ بِقَدْرِ عُمْرِهِ) أَيْ لَزِمَهُ أَنْ يَحُجَّ بِقَدْرِ مَا يَعِيشُ وَمَشَى فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْكُلُّ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ قَدْرَ مَا عَاشَ وَيَجِبُ الْإِيصَاءُ بِالْبَقِيَّةِ وَعَزَاهُ الْقَارِي فِي شَرْحِهِ إلَى الْعُيُونِ وَالْخَانِيَّةِ وَالسِّرَاجِيَّةِ قَالَ وَفِي النَّوَازِلِ أَنَّهُ قَوْلُهُمَا وَالْأَوَّلُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَفِي الْفَتْحِ الْحَقُّ لُزُومُ الْكُلِّ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَصَلَ بِحَلِفِهِ) قَيَّدَ بِالْوَصْلِ لِأَنَّهُ لَوْ فَصَلَ لَا يُفِيدُ، إلَّا إذَا كَانَ لِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُجَوِّزُ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْفَصِلَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَيَلْزَمُهُ إخْرَاجُ الْعُقُودِ كُلِّهَا عَنْ أَنْ تَكُونَ مُلْزِمَةً وَأَنْ لَا يُحْتَاجَ لِلْمُحَلِّلِ الثَّانِي لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُسْتَثْنَى، وَفِي الْمَسْأَلَةِ حِكَايَةُ الْإِمَامِ مَعَ الْمَنْصُورِ ذَكَرَهَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ) مَفْعُولُ وَصَلَ (قَوْلُهُ عِبَادَةً) كَنَذْرٍ وَإِعْتَاقٍ أَوْ مُعَامَلَةً كَطَلَاقٍ وَإِقْرَارٍ ط (قَوْلُهُ أَوْ النَّهْيِ) كَقَوْلِهِ لِوَكِيلِهِ: لَا تَبِعْ لِفُلَانٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ ط (قَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ) جَوَابُ قَوْلِهِ: وَلَوْ بِالْأَمْرِ فَافْهَمْ: أَيْ فَلِلْمَأْمُورِ أَنْ يَبِيعَهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِيجَابَ يَقَعُ مُلْزِمًا بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إبْطَالِهِ بَعْدُ، فَيَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ حَتَّى لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِيجَابِ، وَالْأَمْرُ لَا يَقَعُ لَازِمًا فَإِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إبْطَالِهِ بِعَزْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ ذَخِيرَةٌ وَقَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ بَابِ الِاسْتِيلَادِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ فِي الصَّوْمِ) مِنْ أَنَّهُ إذَا وَصَلَ الْمَشِيئَةَ بِالتَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهَا لِطَلَبِ التَّوْفِيقِ حَمَوِيٌّ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِيهِ لِلِاسْتِثْنَاءِ، حَتَّى يُقَالَ إنَّ النِّيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْأَقْوَالِ فَلَا تَبْطُلُ بِالِاسْتِثْنَاءِ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 742 بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَالرُّكُوبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ الْأَصْلُ أَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِيِّ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ عَلَى النِّيَّةِ، وَعِنْدَنَا عَلَى الْعُرْفِ مَا لَمْ يَنْوِ مَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ فَلَا حِنْثَ فِي لَا يَهْدِمُ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَتْحٌ. (الْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَلْفَاظِ لَا عَلَى الْأَغْرَاضِ فَلَوْ) اغْتَاظَ عَلَى غَيْرِهِ وَ (حَلَفَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ لَهُ شَيْئًا بِفَلْسٍ فَاشْتَرَى لَهُ بِدِرْهَمٍ) أَوْ أَكْثَرَ (شَيْئًا لَمْ يَحْنَثْ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَابِ   [رد المحتار] [بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَالرُّكُوبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ] َ (قَوْلُهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ) كَالْجُلُوسِ وَالتَّزَوُّجِ وَالتَّطْهِيرِ. مَطْلَبُ الْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ بَيْتًا بِبَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَنَا عَلَى الْعُرْفِ) لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِالْكَلَامِ الْعُرْفِيِّ أَعْنِي الْأَلْفَاظَ الَّتِي يُرَادُ بِهَا مَعَانِيهَا الَّتِي وُضِعَتْ لَهَا فِي الْعُرْفِ كَمَا أَنَّ الْعَرَبِيَّ حَالَ كَوْنِهِ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِالْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ فَوَجَبَ صَرْفُ أَلْفَاظِ الْمُتَكَلِّمِ إلَى مَا عُهِدَ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِهَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَلَا حِنْثَ إلَخْ) صَرَّحَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ والمرغيناني بِأَنَّهُ يَحْنَثُ بِهَدْمِ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ فِي الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ، فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ حَكَمَ بِأَنَّهُ خَطَأٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَ حَمْلَ الْكَلَامِ عَلَى الْعُرْفِ بِمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى هَذَا يَصِيرُ مَا لَهُ وَضْعٌ لُغَوِيٌّ، وَوَضْعٌ عُرْفِيٌّ يُعْتَبَرُ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِهِ أَهْلُ الْعُرْفِ، وَهَذَا يَهْدِمُ قَاعِدَةَ حَمْلِ الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ الْمُعْتَبَرُ إلَّا اللُّغَةَ إلَّا مَا تَعَذَّرَ، وَهَذَا بَعِيدٌ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِالْعُرْفِ الَّذِي بِهِ التَّخَاطُبُ سَوَاءٌ كَانَ عُرْفَ اللُّغَةِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ غَيْرِهَا إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ نَعَمْ مَا وَقَعَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ تُعْتَبَرُ فِيهِ اللُّغَةُ أَنَّهَا الْعُرْفُ فَأَمَّا الْفَرْعُ الْمَذْكُورُ، فَالْوَجْهُ فِيهِ إنْ كَانَ نَوَاهُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ بَيْتًا حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يَخْطُرْ لَهُ فَلَا لِانْصِرَافِ الْكَلَامِ إلَى الْمُتَعَارَفِ عِنْدَ إطْلَاقِ لَفْظِ بَيْتٍ فَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَنَا بِانْصِرَافِ الْكَلَامِ إلَى الْعُرْفِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نِيَّةُ شَيْءٍ وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُهُ انْعَقَدَ الْيَمِينُ بِاعْتِبَارِهِ اهـ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. مَبْحَثٌ مُهِمٌّ فِي تَحْقِيقِ قَوْلِهِمْ: الْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَلْفَاظِ لَا عَلَى الْأَغْرَاضِ (قَوْلُهُ الْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَلْفَاظِ إلَخْ) أَيْ الْأَلْفَاظِ الْعُرْفِيَّةِ بِقَرِينَةِ مَا قَبْلَهُ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْقَوْلِ بِبِنَائِهَا عَلَى عُرْفِ اللُّغَةِ أَوْ عُرْفِ الْقُرْآنِ فَفِي حَلِفِهِ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً وَلَا يَجْلِسُ عَلَى وَتَدٍ، لَا يَحْنَثُ بِرُكُوبِهِ إنْسَانًا وَجُلُوسِهِ عَلَى جَبَلٍ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فِي عُرْفِ اللُّغَةِ دَابَّةً، وَالثَّانِي فِي الْقُرْآنِ وَتَدًا كَمَا سَيَأْتِي وَقَوْلُهُ: لَا عَلَى الْأَغْرَاضِ أَيْ الْمَقَاصِدِ وَالنِّيَّاتِ، احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْقَوْلِ بِبِنَائِهَا عَلَى النِّيَّةِ. فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ إنَّمَا هُوَ اللَّفْظُ الْعُرْفِيُّ الْمُسَمَّى، وَأَمَّا غَرَضُ الْحَالِفِ فَإِنْ كَانَ مَدْلُولَ اللَّفْظِ الْمُسَمَّى اُعْتُبِرَ وَإِنْ كَانَ زَائِدًا عَلَى اللَّفْظِ فَلَا يُعْتَبَرُ، وَلِهَذَا قَالَ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَبِالْعُرْفِ يُخَصُّ وَلَا يُزَادُ حَتَّى خَصَّ الرَّأْسَ بِمَا يُكْبَسُ وَلَمْ يُرِدْ الْمِلْكَ فِي تَعْلِيقِ طَلَاقِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِالدُّخُولِ اهـ وَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّفْظَ إذَا كَانَ عَامًّا يَجُوزُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 743 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] تَخْصِيصُهُ بِالْعُرْفِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا فَإِنَّهُ فِي الْعُرْفِ اسْمٌ لِمَا يُكْبَسُ فِي التَّنُّورِ وَيُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ، وَهُوَ رَأْسُ الْغَنَمِ دُونَ رَأْسِ الْعُصْفُورِ وَنَحْوِهِ، فَالْغَرَضُ الْعُرْفِيُّ يُخَصَّصُ عُمُومُهُ، فَإِذَا أُطْلِقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ، بِخِلَافِ الْخَارِجَةِ عَنْ اللَّفْظِ كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهُ يَلْغُو وَلَا تَصِحُّ إرَادَةُ الْمِلْكِ أَيْ إنْ دَخَلْت وَأَنْتِ فِي نِكَاحِي وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُتَعَارَفَ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَذْكُورٍ، وَدَلَالَةُ الْعُرْفِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي جَعْلِ غَيْرِ الْمَلْفُوظِ مَلْفُوظًا. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لِإِنْسَانٍ شَيْئًا بِفَلْسٍ فَاللَّفْظُ الْمُسَمَّى وَهُوَ الْفَلْسُ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْقِطْعَةُ مِنْ النُّحَاسِ الْمَضْرُوبَةِ الْمَعْلُومَةِ فَهُوَ اسْمٌ خَاصٌّ مَعْلُومٌ لَا يَصْدُقُ عَلَى الدِّرْهَمِ أَوْ الدِّينَارِ فَإِذَا اشْتَرَى لَهُ شَيْئًا بِدِرْهَمٍ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ عُرْفًا أَنْ لَا يَشْتَرِيَ أَيْضًا بِدِرْهَمٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَكِنَّ ذَلِكَ زَائِدٌ عَلَى اللَّفْظِ الْمُسَمَّى غَيْرُ دَاخِلٍ فِي مَدْلُولِهِ فَلَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ بِلَفْظِ الْفَلْسِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَابِ، فَخَرَجَ مِنْ السَّطْحِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ عُرْفًا الْقَرَارَ فِي الدَّارِ وَعَدَمَ الْخُرُوجِ مِنْ السَّطْحِ أَوْ الطَّاقِ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَلَكِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ الْمُسَمَّى وَلَا يَحْنَثُ بِالْغَرَضِ بِلَا مُسَمًّى، وَكَذَا لَا يَضْرِبُهُ سَوْطًا فَضَرَبَهُ بِعَصًا لِأَنَّ الْعَصَا غَيْرُ مَذْكُورَةٍ، وَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ لَا يُؤْلِمُهُ بِأَنْ لَا يَضْرِبَهُ بِعَصًا وَلَا غَيْرِهَا، وَكَذَا لَيُغَدِّيَنَّهُ بِأَلْفٍ فَاشْتَرَى رَغِيفًا بِأَلْفٍ وَغَدَّاهُ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ أَنْ يُغَدِّيَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ وَافِيَةٌ وَعَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ أُخْرَى، ذَكَرَهَا أَيْضًا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ: لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِيهِ بِعَشَرَةٍ حَنِثَ بِأَحَدَ عَشَرَ وَلَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ لَمْ يَحْنَثْ بِهِ، لِأَنَّ مُرَادَ الْمُشْتَرِي الْمُطْلَقَةُ، وَمُرَادَ الْبَائِعِ الْمُفْرَدَةُ وَهُوَ الْعُرْفُ وَلَوْ اشْتَرَى أَوْ بَاعَ بِتِسْعَةٍ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُسْتَنْقِصٌ وَالْبَائِعَ وَإِنْ كَانَ مُسْتَزِيدًا لَكِنْ لَا يَحْنَثُ بِالْغَرَضِ بِلَا مُسَمًّى كَمَا فِي الْمَسَائِلِ الْمَارَّةِ. اهـ. فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ أَيْضًا. الْأُولَى: حَلَفَ لَا يَشْتَرِيهِ بِعَشَرَةٍ فَاشْتَرَاهُ بِأَحَدِ عَشَرَ حَنِثَ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ وَزِيَادَةٍ وَالزِّيَادَةُ عَلَى شَرْطِ الْحِنْثِ لَا تَمْنَعُ الْحِنْثَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا وَدَخَلَ دَارًا أُخْرَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ لَا يَبِيعُهُ بِعَشَرَةٍ فَبَاعَهُ بِأَحَدِ عَشَرَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ تُطْلَقُ عَلَى الْمُفْرَدَةِ، وَعَلَى الْمَقْرُونَةِ أَيْ الَّتِي قُرِنَ بِهَا غَيْرُهَا مِنْ الْأَعْدَادِ وَلَمَّا كَانَ الْمُشْتَرِي مُسْتَنْقِصًا أَيْ طَالِبًا لِنَقْصِ الثَّمَنِ عَنْ الْعَشَرَةِ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ مُطْلَقُ الْعَشَرَةِ أَيْ مُفْرَدَةً أَوْ مَقْرُونَةً وَلَمَّا كَانَ الْبَائِعُ مُسْتَزِيدًا أَيْ طَالِبًا لِزِيَادَةِ الثَّمَنِ عَنْ الْعَشَرَةِ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ لَا أَبِيعُهُ بِعَشَرَةٍ الْعَشَرَةُ الْمُفْرَدَةُ فَقَطْ تَخْصِيصًا بِالْعُرْفِ فَلِذَا حَنِثَ الْمُشْتَرِي بِالْأَحَدَ عَشَرَ دُونَ الْبَائِعِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ اشْتَرَى بِتِسْعَةٍ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ الْعَشَرَةُ بِنَوْعَيْهَا مَعَ أَنَّهُ وُجِدَ الْغَرَضُ أَيْضًا لِأَنَّهُ مُسْتَنْقِصٌ. الرَّابِعَةُ: لَوْ بَاعَ بِتِسْعَةٍ لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ غَرَضُهُ الزِّيَادَةَ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ بِتِسْعَةٍ وَلَا بِأَقَلَّ لَكِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسَمًّى لِأَنَّهُ إنَّمَا سَمَّى الْعَشَرَةَ، وَهِيَ لَا تُطْلَقُ عَلَى التِّسْعَةِ وَلَا يَحْنَثُ بِالْغَرَضِ بِلَا مُسَمًّى لِأَنَّ الْغَرَضَ يَصْلُحُ مُخَصَّصًا لَا مَزِيدًا كَمَا مَرَّ، إذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ قَاعِدَةَ بِنَاءِ الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ فِي الْعُرْفِ مِنْ اللَّفْظِ الْمُسَمَّى، وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ أَوْ فِي الشَّرْعِ أَعَمَّ مِنْ الْمَعْنَى الْمُتَعَارَفِ، وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُوهِمَةً اعْتِبَارَ الْغَرَضِ الْعُرْفِيِّ وَإِنْ كَانَ زَائِدًا عَلَى اللَّفْظِ الْمُسَمَّى وَخَارِجًا عَنْ مَدْلُولِهِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ وَكَمَا فِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ دَفَعُوا ذَلِكَ الْوَهْمَ بِذِكْرِ الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ بِنَاءُ الْأَيْمَانِ عَلَى الْأَلْفَاظِ لَا عَلَى الْأَغْرَاضِ، فَقَوْلُهُمْ لَا عَلَى الْأَغْرَاضِ دَفَعُوا بِهِ تَوَهُّمَ اعْتِبَارِ الْغَرَضِ الزَّائِدِ عَلَى اللَّفْظِ الْمُسَمَّى، وَأَرَادُوا بِالْأَلْفَاظِ الْأَلْفَاظَ الْعُرْفِيَّةَ بِقَرِينَةِ الْقَاعِدَةِ الْأُولَى، وَلَوْلَاهَا لَتُوُهِّمَ اعْتِبَارُ الْأَلْفَاظِ وَلَوْ لُغَوِيَّةً أَوْ شَرْعِيَّةً فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 744 أَوْ لَا يَضْرِبُهُ أَسْوَاطًا أَوْ لَيُغَدِّيَنَّهُ الْيَوْمَ بِأَلْفٍ فَخَرَجَ مِنْ السَّطْحِ وَضَرَبَ بَعْضَهَا وَغَدَّى بِرَغِيفٍ) . اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ أَشْبَاهٌ (لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ إلَّا فِي مَسَائِلَ حَلَفَ لَا يَشْتَرِيهِ بِعَشْرٍ حَنِثَ بِأَحَدَ عَشَرَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ أَشْبَاهٌ. (لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ الْكَعْبَةِ وَالْمَسْجِدِ وَالْبِيعَةِ) لِلنَّصَارَى (وَالْكَنِيسَةِ) لِلْيَهُودِ (وَالدِّهْلِيزِ وَالظُّلَّةِ) الَّتِي عَلَى الْبَابِ إذَا لَمْ يَصْلُحَا لِلْبَيْتُوتَةِ بَحْرٌ (فِي حَلِفِهِ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا) لِأَنَّهَا لَمْ تُعَدَّ لِلْبَيْتُوتَةِ (وَ) لِذَا (يَحْنَثُ فِي الصُّفَّةِ)   [رد المحتار] الْقَاعِدَتَيْنِ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ حَتَّى الشُّرُنْبُلَالِيُّ، فَحَمَلَ الْأُولَى عَلَى الدِّيَانَةِ وَالثَّانِيَةَ عَلَى الْقَضَاءِ وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ الْفُرُوعِ الَّتِي ذَكَرُوهَا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ حَيْثُ لَمْ يُجْعَلْ اللَّفْظُ فِي الْعُرْفِ مَجَازًا عَنْ مَعْنًى آخَرَ كَمَا فِي: لَا أَضَعُ قَدَمِي فِي دَارِ فُلَانٍ فَإِنَّهُ صَارَ مَجَازًا عَنْ الدُّخُولِ مُطْلَقًا كَمَا سَيَأْتِي فَفِي هَذَا لَا يُعْتَبَرُ اللَّفْظُ أَصْلًا حَتَّى لَوْ وَضَعَ قَدَمَهُ وَلَمْ يَدْخُلْ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ اللَّفْظَ هَجْرٌ وَصَارَ الْمُرَادُ بِهِ مَعْنًى آخَرَ وَمِثْلُهُ لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ وَهِيَ لَا تُثْمِرُ يَنْصَرِفُ إلَى ثَمَنِهَا حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِعَيْنِهَا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا مَرَّ، فَإِنَّ اللَّفْظَ فِيهِ لَمْ يُهْجَرْ بَلْ أُرِيدَ هُوَ وَغَيْرُهُ فَيُعْتَبَرُ اللَّفْظُ الْمُسَمَّى دُونَ غَيْرِهِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ أَمَّا هَذَا فَقَدْ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْغَرَضُ فَقَطْ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَارَ مَجَازًا عَنْهُ فَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّقْرِيرَ السَّاطِعَ الْمُنِيرَ الَّذِي لَخَّصْنَاهُ مِنْ رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ: رَفْعُ الِانْتِقَاضِ وَدَفْعُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى قَوْلِهِمْ: الْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَلْفَاظِ لَا عَلَى الْأَغْرَاضِ فَإِنْ أَرَدْت الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ وَالْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ مَا هُنَالِكَ فَارْجِعْ إلَيْهَا وَاحْرِصْ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا كَشَفَتْ اللِّثَامَ عَنْ حُورٍ مَقْصُورَاتٍ فِي الْخِيَامِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. (قَوْلُهُ أَوْ لَا يَضْرِبُهُ أَسْوَاطًا) فِي بَعْضِ النُّسَخِ سَوْطًا وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ (قَوْلُهُ وَضَرَبَ بَعْضَهَا) أَيْ بَعْضَ الْأَسْوَاطِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ لِلْأَسْوَاطِ عَدَدٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَضَرَبَ بِعَصًا بِعَيْنٍ وَصَادٍ مُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ) فِيهِ أَنَّهُ لَا عُمُومَ فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ عَلَى أَنَّ الْعُرْفَ يَصْلُحُ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ اللَّفْظِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَصَارَتْ الْعِبْرَةُ لِلْعُرْفِ لَا لِعُمُومِ اللَّفْظِ فَالصَّوَابُ إسْقَاطُ لَفْظَةِ عُمُومٍ فَيُوَافِقُ مَا مَرَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْأَلْفَاظِ لَا الْأَغْرَاضِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ) لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ دَاخِلَةٌ فِي قَاعِدَةِ اعْتِبَارِ اللَّفْظِ كَمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ وَالْبِيعَةِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَقَوْلُهُ لِلنَّصَارَى أَيْ مُتَعَبَّدِهِمْ، وَالْكَنِيسَةُ لِلْيَهُودِ أَيْ مُتَعَبَّدُهُمْ وَتُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مُتَعَبَّدِ النَّصَارَى مِصْبَاحٌ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْقَامُوسِ الْبِيعَةُ مُتَعَبَّدُ النَّصَارَى أَوْ مُتَعَبَّدُ الْيَهُودِ أَوْ الْكُفَّارِ اهـ فَيُسْتَعْمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَكَانَ الْآخَرِ (قَوْلُهُ وَالدِّهْلِيزِ) بِكَسْرِ الدَّالِ مَا بَيْنَ الْبَابِ وَالدَّارِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ بَحْرٌ عَنْ الصِّحَاحِ (قَوْلُهُ وَالظُّلَّةِ الَّتِي عَلَى الْبَابِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالظُّلَّةُ السَّابَاطُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى بَابِ الدَّارِ مِنْ سَقْفٍ لَهُ جُذُوعٌ أَطْرَافُهَا عَلَى جِدَارِ الْبَابِ وَأَطْرَافُهَا الْأُخَرُ عَلَى الْجِدَارِ الْمُقَابِلِ لَهُ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ لِأَنَّ الظُّلَّةَ إذَا كَانَ مَعْنَاهَا مَا هُوَ دَاخِلُ الْبَيْتِ مُسَقَّفًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَصْلُحَا لِلْبَيْتُوتَةِ) أَمَّا إذَا صَلَحَا لَهَا يَحْنَثُ بِأَنْ كَانَتْ الظُّلَّةُ دَاخِلَ الْبَيْتِ كَمَا مَرَّ وَكَانَ الدِّهْلِيزُ كَبِيرًا بِحَيْثُ يُبَاتُ فِيهِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِنَّ مِثْلَهُ يُعْتَادُ بَيْتُوتَتُهُ لِلضُّيُوفِ فِي بَعْضِ الْقُرَى، وَفِي الْمُدُنِ يَبِيتُ فِيهِ بَعْضُ الْأَتْبَاعِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَيَحْنَثُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ إذَا أُغْلِقَ الْبَابُ صَارَ دَاخِلًا لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْ الدَّارِ وَلَهُ سَعَةٌ تَصْلُحُ لِلْمَبِيتِ مِنْ سَقْفٍ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي حَلِفِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا يَحْنَثُ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: لَا يَحْنَثُ وَالصَّالِحُ لِلْبَيْتُوتَةِ مِنْ دِهْلِيزٍ وَظُلَّةٍ يُعَدُّ عُرْفًا لِلْبَيْتُوتَةِ ط (قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِ الْمُعْتَبَرِ الصُّلُوحَ لِلْبَيْتُوتَةِ وَعَدَمِهِ ط (قَوْلُهُ فِي الصُّفَّةِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا أَرْبَعُ حَوَائِطَ كَمَا هِيَ صِفَافُ الْكُوفَةِ أَوْ ثَلَاثَةٌ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُسَقَّفًا، كَمَا هِيَ صِفَافُ دُورِنَا لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهَا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ مِفْتَحَهُ وَاسِعٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 745 وَالْإِيوَانِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ صَيْفًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْقَفًا فَتْحٌ. (وَفِي لَا يَدْخُلُ دَارًا) لَمْ يَحْنَثْ (بِدُخُولِهَا خَرِبَةً) لَا بِنَاءَ بِهَا أَصْلًا (وَفِي هَذِهِ الدَّارِ يَحْنَثُ وَإِنْ) صَارَتْ صَحْرَاءَ أَوْ (بُنِيَتْ دَارًا أُخْرَى بَعْدَ الِانْهِدَامِ) لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ وَالْبِنَاءُ وَصْفٌ وَالصُّفَّةُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي الْمُنَكَّرِ لَا الْمُعَيَّنِ إلَّا إذَا كَانَتْ شَرْطًا أَوْ دَاعِيَةً لِلْيَمِينِ كَحَلِفِهِ عَلَى هَذَا الرُّطَبِ فَيَتَقَيَّدُ بِالْوَصْفِ (وَإِنْ جُعِلَتْ) بَعْدَ الِانْهِدَامِ بُسْتَانًا أَوْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بَيْتًا أَوْ غَلَبَ عَلَيْهَا الْمَاءُ فَصَارَتْ (نَهْرًا لَا) يَحْنَثُ وَإِنْ بُنِيَتْ بَعْدَ ذَلِكَ (كَهَذَا الْبَيْتِ) وَكَذَا بَيْتٌ بِالْأَوْلَى (فَهُدِمَ أَوْ بُنِيَ) بَيْتًا (آخَرَ وَلَوْ بِنَقْصِ)   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَالْإِيوَانِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ الصُّفَّةُ بِتَأْوِيلِ الْبَيْتِ أَوْ الْمَكَانِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْقَفًا) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ فِي الْفَتْحِ قَالَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُسْقَفًا نَعَمْ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ السَّقْفَ لَيْسَ شَرْطًا فِي مُسَمَّى الْبَيْتِ وَالدِّهْلِيزِ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فَكَذَا الصُّفَّةُ. اهـ. قُلْت: وَعَرَفْنَا فِي الشَّامِ إطْلَاقَ الْبَيْتِ عَلَى مَا لَهُ أَرْبَعُ حَوَائِطَ فِي جُمْلَةِ أَمَاكِنِ الدَّارِ السُّفْلِيَّةِ أَمَّا الْأَمَاكِنُ الْعُلْوِيَّةُ فَتُسَمَّى طَبَقَةً وَقَصْرًا وَعُلِّيَّةً وَمُشْرِفَةً وَأَهْلُ مَدِينَةِ دِمَشْقَ عُرْفُهُمْ إطْلَاقُ الْبَيْتِ عَلَى الدَّارِ بِجُمْلَتِهَا فَيُحْكَمُ عَلَى كُلِّ قَوْمٍ بِعُرْفِهِمْ. (قَوْلُهُ لَا بِنَاءَ بِهَا أَصْلًا) قَيَّدَ بِهِ تَبَعًا لِلْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مُقَابِلِهِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا بَعْد مَا صَارَتْ صَحْرَاءَ حَنِثَ وَإِنَّمَا تَقَعُ الْمُقَابَلَةُ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَالْمُنَكَّرِ فِي الْحُكْمِ إذَا تَوَارَدَ حُكْمُهَا عَلَى مَحَلٍّ فَأَمَّا إذَا دَخَلَ بَعْدَمَا زَالَ بَعْضُ حِيطَانِهَا فَهَذِهِ دَارٌ خَرِبَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِي الْمُنَكَّرِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ) أَيْ أَنَّهَا فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ الَّتِي يَنْزِلُ بِهَا أَهْلُهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا بِنَاءٌ أَصْلًا لِأَنَّهُمْ كَانُوا ايَضَعُونَ فِيهَا الْأَخْبِيَةَ لَا أَبْنِيَةَ الْحَجَرِ وَالْمَدَرِ فَصَحَّ أَنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ فِيهَا غَيْرُ لَازِمٍ بَلْ اللَّازِمُ فِيهَا كَوْنُهَا قَدْ نَزَلَتْ غَيْرَ أَنَّهَا فِي عُرْفِ أَهْلِ الْمُدُنِ لَا تُقَالُ إلَّا بَعْدَ الْبِنَاءِ فِيهَا، وَلَوْ انْهَدَمَ بَعْدَ ذَلِكَ بَعْضُهَا قِيلَ دَارُ خَرَابٍ فَيَكُونُ الْوَصْفُ جَزْءَ مَفْهُومِهَا، فَإِنْ زَالَتْ بِالْكُلِّيَّةِ وَعَادَتْ سَاحَةً فَالظَّاهِرُ أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الدَّارِ عَلَيْهَا عُرْفًا كَهَذِهِ دَارُ فُلَانٍ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ وَالْحَقِيقَةُ أَنْ يُقَالَ كَانَتْ دَارًا فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْبِنَاءُ وَصْفٌ إلَخْ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الْفَرْقِ بَيْنَ الدَّارِ الْمُنَكَّرَةِ وَالْمُعَرَّفَةِ أَمَّا الْبَيْتُ فَلَا فَرْقَ فِيهِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي الْمُنَكَّرِ) لِأَنَّهَا هِيَ الْمُعَرِّفَةُ لَهُ لَا فِي الْمُعَيَّنِ، لِأَنَّ ذَاتَه تَتَعَرَّفُ بِالْإِشَارَةِ فَوْقَ مَا تَتَعَرَّفُ بِالصِّفَةِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَتْ شَرْطًا) فِي الذَّخِيرَةِ قَالُوا الصِّفَةُ إذَا لَمْ تَكُنْ دَاعِيَةً إلَى الْيَمِينِ إنَّمَا لَا تُعْتَبَرُ فِي الْمُعَيَّنِ إذَا ذُكِرَتْ عَلَى وَجْهِ التَّعْرِيفِ، أَمَّا إذَا ذُكِرَتْ عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ تُعْتَبَرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ رَاكِبَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَدَخَلَتْهَا مَاشِيَةً لَا تَطْلُقُ وَاعْتُبِرَتْ الصِّفَةُ فِي الْمُعَيَّنِ لِمَا ذَكَرْت عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ. اهـ. قُلْت: وَقَوْلُهُ هَذِهِ إشَارَةٌ لِلْمَرْأَةِ فَاعِلُ دَخَلْت وَالدَّارُ مَفْعُولٌ لِيَصِيرَ قَوْلُهُ رَاكِبَةً صِفَةً لِلْمُعَيَّنِ بِالْإِشَارَةِ وَهُوَ الْمَرْأَةُ (قَوْلُهُ أَوْ دَاعِيَةً لِلْيَمِينِ) أَيْ حَامِلَةً عَلَيْهِ فَإِنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ أَكْلِ الرُّطَبِ قَدْ يَكُونُ لِضَرَرِهِ، فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ تَمْرًا وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ جُعِلَتْ) أَيْ الدَّارُ الْمُعَرَّفَةُ بِالْإِشَارَةِ (قَوْلُهُ أَوْ بَيْتًا) فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ كَانَتْ دَارًا صَغِيرَةً فَجَعَلَهَا بَيْتًا وَاحِدًا وَأَشْرَعَ بَابَهُ إلَى الطَّرِيقِ أَوْ إلَى دَارٍ أُخْرَى لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا لِتَبَدُّلِ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ بِحُدُوثِ أَمْرٍ جَدِيدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى دَارًا لِحُدُوثِ اسْمٍ آخَرَ لَهَا ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ بُنِيَتْ بَعْدَ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ عَادَ اسْمُ الدَّارِ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ اسْمٍ آخَرَ وَكَذَا لَوْ لَمْ تُبْنَ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ اسْمُ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ عَنْهَا يُقَالُ مَسْجِدٌ خَرَابٌ وَحَمَّامٌ خَرَابٌ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا بَيْتًا بِالْأَوْلَى) لِأَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ وَصْفُ الْبِنَاءِ فِي مُعَرَّفِهِ فَفِي مُنَكَّرِهِ أَوْلَى. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الْبَيْتَ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُنَكَّرًا أَوْ مُعَرَّفًا فَإِذَا دَخَلَهُ وَهُوَ صَحْرَاءُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 746 الْأَوَّلِ لِزَوَالِ اسْمِ الْبَيْتِ (وَلَوْ هُدِمَ السَّقْفُ دُونَ الْحِيطَانِ فَدَخَلَهُ حَنِثَ فِي الْمُعَيَّنِ) لِأَنَّهُ كَالصُّفَّةِ (لَا فِي الْمُنَكَّرِ) لِأَنَّ الصُّفَّةَ تُعْتَبَرُ فِيهِ كَمَا مَرَّ وَعَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْبَدَائِعِ، لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ حَيْثُ صَلَحَ لِلْبَيْتُوتَةِ. قَيَّدَ بِهَذِهِ الدَّارِ لِأَنَّهُ لَوْ أَشَارَ وَلَمْ يُسَمِّ بِأَنْ قَالَ: هَذِهِ حَنِثَ بِدُخُولِهَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ كَهَذَا الْمَسْجِدِ فَخَرِبَ لِبَقَائِهِ مَسْجِدًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِهِ يُفْتَى، وَلَوْ زِيدَ فِيهِ حِصَّةً فَدَخَلَهَا لَمْ يَحْنَثْ مَا لَمْ يَقُلْ مَسْجِدَ بَنِي فُلَانٍ فَيَحْنَثُ وَكَذَلِكَ الدَّارُ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْإِضَافَةِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الزِّيَادَةِ بَدَائِعُ بَحْرٌ. (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ إلَى هَذِهِ الْأُسْطُوَانَةِ أَوْ إلَى هَذَا الْحَائِطِ فَهُدِمَا ثُمَّ بُنِيَا) وَلَوْ (بِنَقْضِهِمَا) أَوْ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ السَّفِينَةَ فَنُقِضَتْ، ثُمَّ أُعِيدَتْ بِخَشَبِهَا (لَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَكْتُبُ بِهَذَا الْقَلَمِ فَكَسَرَهُ ثُمَّ بَرَاهُ فَكَتَبَ بِهِ) لِأَنَّ غَيْرَ الْمَبْرِيِّ لَا يُسَمَّى قَلَمًا، بَلْ أُنْبُوبًا فَإِذَا كَسَرَهُ فَقَدْ زَالَ الِاسْمُ وَمَتَى زَالَ بَطَلَتْ الْيَمِينُ (وَالْوَاقِفُ عَلَى السَّطْحِ دَاخِلٌ) عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ   [رد المحتار] لَا يَحْنَثُ لِزَوَالِ الِاسْمِ بِزَوَالِ الْبِنَاءِ، وَأَمَّا الدَّارُ فَفَرْقٌ بَيْنَ الْمُنَكَّرَةِ وَالْمُعَرَّفَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِزَوَالِ اسْمِ الْبَيْتِ) أَيْ بِالِانْهِدَامِ لِزَوَالِ مُسَمَّاهُ وَهُوَ الْبِنَاءُ الَّذِي يُبَاتُ فِيهِ بِخِلَافِ الدَّارِ لِأَنَّهَا تُسَمَّى دَارًا وَلَا بِنَاءَ فِيهَا فَتْحٌ. وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ قَائِلُهُمْ: الدَّارُ دَارٌ وَإِنْ زَالَتْ حَوَائِطُهَا ... وَالْبَيْتُ لَيْسَ بِبَيْتٍ بَعْدَ تَهْدِيمٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَالصُّفَّةِ) الضَّمِيرُ لِلسَّقْفِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: يَحْنَثُ لِأَنَّهُ: يُبَاتُ فِيهِ وَالسَّقْفُ وَصْفٌ فِيهِ. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْتِ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ لِإِمْكَانِ الْبَيْتُوتَةِ فِيهِ أَوْ نَقُولُ اسْمُ الْبَيْتِ ثَابِتٌ لِهَذِهِ الْبُقْعَةِ لِأَجْلِ الْحِيطَانِ وَالسَّقْفِ جَمِيعًا فَإِذَا زَالَ السَّقْفُ فَقَدْ زَالَ الِاسْمُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَلَا تَبْطُلُ الْيَمِينُ بِالشَّكِّ وَقِيَاسُ الْأَوَّلِ يَحْنَثُ فِي الْمُنَكَّرِ أَيْضًا لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْتِ لَمْ يَزُلْ، وَعَلَى قِيَاسِ الثَّانِي لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ بَيْتٌ مِنْ وَجْهٍ، وَالْحَاجَةُ هُنَا إلَى عَقْدِ الْيَمِينِ فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّ الْيَمِينَ كَانَتْ مُنْعَقِدَةً عَلَى هَذِهِ الْعَيْنِ فَلَا تَبْطُلُ بِالشَّكِّ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَعَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْبَدَائِعِ إلَخْ) أَيْ عَزَا مَا ذُكِرَ فِي الْمُنَكَّرِ، وَمُقْتَضَى مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ غَيْرُ مَنْقُولٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَخْرِيجٌ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ التَّعْلِيلِ فِي الْمُعَرَّفِ، فَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَحَدُ وَجْهَيْنِ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ مَا بَحَثَهُ فِي النَّهْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ حَنِثَ بِدُخُولِهَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ) أَيْ دَارًا أَوْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ عَلَى الْعَيْنِ دُونَ الِاسْمِ وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ كَهَذَا الْمَسْجِدِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ ط (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) خِلَافًا لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ إذَا خَرِبَ وَاسْتُغْنِيَ عَنْهُ يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْبَاقِي أَوْ وَرَثَتِهِ ط عَنْ الْإِسْعَافِ (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْيَمِينَ وَقَعَتْ عَلَى بُقْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَلَا يَحْنَثُ بِغَيْرِهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الدَّارُ) أَيْ لَوْ زِيدَ فِيهَا حِصَّةٌ (قَوْلُهُ وَذَلِكَ) أَيْ مَا عَقَدَ يَمِينُهُ عَلَيْهِ مَوْجُودٌ فِي الزِّيَادَةِ. قُلْت: وَهَذَا الْفَرْعُ يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِأَنَّ مَا زِيدَ فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ فَضِيلَةُ أَصْلِ الْمَسْجِدِ الْوَارِدَةِ فِي حَدِيثِ «وَصَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي» وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ فَنُقِضَتْ) أَيْ حَتَّى صَارَتْ، خَشَبًا (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ ذَلِكَ أُعِيدَ بِصَنْعَةٍ جَدِيدَةٍ قَائِمَةٍ بِالْعَيْنِ، وَمِنْ ذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى هَذَا الْبِسَاطِ فَخُيِّطَ جَانِبَاهُ وَجُعِلَ خُرْجًا وَجَلَسَ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ صَارَ يُسَمَّى خُرْجًا فَإِنْ فُتِقَتْ الْخِيَاطَةُ حَتَّى عَادَ بِسَاطًا فَجَلَسَ عَلَيْهِ حَنِثَ لِأَنَّ الِاسْمَ عَادَ لَا بِصَنْعَةٍ جَدِيدَةٍ قَائِمَةٍ بِالْعَيْنِ لِأَنَّ الْفَتْقَ إبْطَالُ الصَّنْعَةِ لَا صَنْعَةٌ وَلَوْ قُطِعَ وَجُعِلَ خُرْجَيْنِ ثُمَّ فَتَقَهُ وَخَاطَ الْقَطْعَ، وَجَعَلَهُمَا بِسَاطًا وَاحِدًا لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ عَادَ الِاسْمُ لِأَنَّهُ عَادَ بِصَنْعَةٍ جَدِيدَةٍ قَائِمَةٍ بِالْعَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْفَتْقِ لَا يَعُودُ اسْمُ الْبِسَاطِ إلَّا بَعْدَ الْخِيَاطَةِ وَهَذَا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُرْجَيْنِ لَا يُسَمَّى بِسَاطًا لِصِغَرِهِ فَلَوْ سُمِّيَ يَحْنَثُ وَتَمَامُهُ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَرَاهُ) لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ قَلَمًا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ فَإِذَا كَسَرَهُ) قَالَ الْفَضْلِيُّ هَذَا إذَا كَسَرَهُ عَلَى وَجْهٍ يَزُولُ عَنْهُ اسْمُ الْقَلَمِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الثَّنَاءِ أَمَّا إذَا كَسَرَ رَأْسَ الْقَلَمِ بِأَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى الْإِصْلَاحِ يَحْنَثُ صَيْرَفِيَّةٌ. قَالَ ط: وَالْعُرْفُ الْآنَ بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ يُقَالُ قَلَمٌ مَكْسُورٌ (قَوْلُهُ وَالْوَاقِفُ عَلَى السَّطْحِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 747 خِلَافًا لِلْمُتَأَخِّرِينَ، وَوَفَّقَ الْكَمَالُ بِحَمْلِ الْحِنْثِ عَلَى سَطْحٍ لَهُ سَاتِرٌ وَعَدَمِهِ عَلَى مُقَابِلِهِ: وَقَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: إنَّ الْحَالِفَ مِنْ بِلَادِ الْعَجَمِ لَا يَحْنَثُ قَالَ مِسْكِينٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي الْبَحْرِ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ ارْتَقَى شَجَرَةً أَوْ حَائِطًا حَنِثَ وَعَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا وَالظَّاهِرُ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْكُلِّ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دَاخِلًا عُرْفًا كَمَا لَوْ حَفَرَ سِرْدَابًا أَوْ قَنَاةً لَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَهْلُ الدَّارِ قَالَ وَعَمَّ إطْلَاقُهُ الْمَسْجِدَ فَلَوْ فَوْقَهُ مَسْكَنٌ فَدَخَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ بَدَائِعُ وَلَوْ قَيَّدَ الدُّخُولَ بِالْبَابِ   [رد المحتار] أَيْ سَطْحِ الدَّارِ الْمَحْلُوفِ عَلَى عَدَمِ دُخُولِهَا إذَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ سَطْحٍ آخَرَ، وَإِنَّمَا عُدَّ دَاخِلًا لِأَنَّ الدَّارَ عِبَارَةٌ عَمَّا أَحَاطَتْ بِهِ الدَّائِرَةُ وَهَذَا حَاصِلٌ فِي عُلُوِّ الدَّارِ وَسُفْلِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلْمُتَأَخِّرِينَ) هُمْ الْمُعَبَّرُ عَنْهُمْ فِي قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَقُبِلَ فِي عُرْفِنَا يَعْنِي عُرْفَ الْعَجَمِ لَا يَحْنَثُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَعَدَمُهُ عَلَى مُقَابِلِهِ) أَيْ عَدَمُ الْحِنْثِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى مُقَابِلِهِ: أَيْ عَلَى سَطْحٍ لَا سَاتِرَ لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَّا فِي هَوَاءِ الدَّارِ فَلَا يَحْنَثُ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَرَفَ أَنَّهُ دَاخِلُ الدَّارِ. وَالْحَقُّ أَنَّ السَّطْحَ لَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ الدَّارِ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَائِهَا حِسًّا لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْقِيَامِ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ فِي الْعُرْفِ دَاخِلُ الدَّارِ مَا لَمْ يَدْخُلْ جَوْفَهَا إذْ لَا يَتَعَلَّقُ لَفْظُ دَخَلَ إلَّا بِجَوْفٍ حَتَّى صَحَّ أَنْ يُقَالَ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ، وَلَكِنْ صَعِدَ السَّطْحَ مِنْ خَارِجٍ أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الدُّخُولَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْعُرْفِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ لَهُ سَاتِرٌ مِنْ حِيطَانٍ أَوْ دَرَابِزِينٍ أَوْ نَحْوِهِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْكَمَالِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَصَعِدَ إلَى سَطْحِهَا الَّذِي لَا سَاتِرَ لَهُ أَنْ يَحْنَثَ وَالْمَسْطُورُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ. اهـ. قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَحَقُّقِ الدُّخُولِ فِي صُعُودِ السَّطْحِ أَنْ يُحَقِّقَ الْخُرُوجَ فِيهِ بَلْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ مَنْ صَعِدَ السَّطْحَ لَيْسَ بِدَاخِلٍ وَلَا خَارِجٍ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الدُّخُولِ الِانْفِصَالُ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ وَالْخُرُوجُ عَكْسُهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ السَّطْحَ حَيْثُ كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ الدَّارِ لَمْ يَكُنْ الصَّاعِدُ إلَيْهِ خَارِجًا عَنْهَا، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ يَحْنَثَ إذَا تَوَصَّلَ إلَيْهِ مِنْ خَارِجِهَا لِأَنَّهُ انْفَصَلَ مِنْ خَارِجِهَا إلَى دَاخِلِهَا، لَكِنَّ مَبْنَى كَلَامِ الْكَمَالِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى فِي الْعُرْفِ دَاخِلًا فِيهَا مَا لَمْ يَدْخُلْ جَوْفَهَا وَالْجَوْفُ الْمَسْتُورُ بِسَاتِرٍ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّ الْوَاقِفَ عَلَى السَّطْحِ لَا يُسَمَّى وَاقِفًا عِنْدَهُمْ زَيْلَعِيٌّ وَهَذَا عَلَى تَوْفِيقِ الْكَمَالِ مَحْمُولٌ عَلَى سَطْحٍ لَا سَاتِرَ لَهُ لِمَا عَلِمَتْ مِنْ أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ هُمْ الْمُعَبَّرُ عَنْهُمْ فِي كَلَامِ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا يَعْنِي عُرْفَ الْعَجَمِ، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يَذْكُرَ تَوْفِيقَ الْكَمَالِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَقَالَ ابْنُ الْكَمَالِ لَكِنْ يَبْقَى بَعْدَ هَذَا فِي كَلَامِهِ إيهَامٌ أَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ قَوْلٌ ثَالِثٌ خَارِجٌ عَنْ قَوْلَيْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مَعَ أَنَّهُ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا سَمِعْت (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) لِأَنَّ الْمُفْتَى بِهِ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ فَحَيْثُ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ فَالْفَتْوَى عَلَى الْعُرْفِ الْحَادِثِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَأَفَادَ) أَيْ قَوْلُهُ وَالْوَاقِفُ عَلَى السَّطْحِ دَاخِلٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ ارْتَقَى شَجَرَةً) أَيْ فِي الدَّارِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ ارْتَقَى إلَيْهَا مِنْ خَارِجِ الدَّارِ، وَإِلَّا كَانَ دَاخِلًا فِي الدَّارِ فَيَحْنَثُ بِلَا خِلَافٍ ح. (قَوْلُهُ أَوْ حَائِطًا) أَيْ مُخْتَصًّا بِالدَّارِ فَلَوْ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَارِ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ بَحْرٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دَاخِلًا عُرْفًا) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ لَفْظُ دَخَلَ إلَّا بِجَوْفٍ (قَوْلُهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُ الدَّارِ) أَمَّا لَوْ كَانَ لِلْقَنَاةِ مَوْضِعٌ مَكْشُوفٌ فِي الدَّارِ يَسْتَقُونَ مِنْهُ، فَإِذَا بَلَغَهُ حَنِثَ لِأَنَّهُ مِنْ مَنَافِعِ الدَّارِ بِمَنْزِلَةِ بِئْرِ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ لِلضَّوْءِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَرَافِقِهَا وَلَا يُعَدُّ دَاخِلُهُ دَاخِلًا فِي الدَّارِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ مُلَخَّصًا، وَقَوْلُهُ لِلضَّوْءِ: أَيْ لِضَوْءِ الْقَنَاةِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْبَحْرِ لِلْوُضُوءِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ (قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَعَمَّ إطْلَاقُهُ) أَيْ إطْلَاقُ السَّطْحِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ سَطْحَهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ) ظَاهِرُهُ كَمَا قَالَ ط إنَّ الْمُرَادَ مَسْكَنٌ بَنَاهُ الْوَاقِفُ أَمَّا الْحَادِثُ عَلَى سَطْحِهِ فَلَا يَخْرُجُ السَّطْحُ عَنْ حُكْمِ الْمَسْجِدِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 748 حَنِثَ بِالْحَادِثِ وَلَوْ نَقْبًا إلَّا إذَا عَيَّنَهُ بِالْإِشَارَةِ بَدَائِعُ (وَ) الْوَاقِفُ بِقَدَمَيْهِ (فِي طَاقِ الْبَابِ) أَيْ عَتَبَتِهِ الَّتِي بِحَيْثُ (لَوْ أُغْلِقَ الْبَابُ كَانَ خَارِجًا لَا) يَحْنَثُ (وَإِنْ كَانَ بِعَكْسِهِ) بِحَيْثُ لَوْ أُغْلِقَ كَانَ دَاخِلًا (حَنِثَ) فِي حَلِفِهِ لَا يَدْخُلُ (وَلَوْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ الْخُرُوجَ انْعَكَسَ الْحُكْمُ) لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ: حَلَفَ لَا يَخْرُجُ فَرَقَى شَجَرَةً فَصَارَ بِحَالٍ لَوْ يَسْقُطُ سَقَطَ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الشَّجَرَةَ كَبِنَاءِ الدَّارِ (وَهَذَا) الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ (إذَا كَانَ) الْحَالِفُ (وَاقِفًا بِقَدَمَيْهِ فِي طَاقِ الْبَابِ فَلَوْ وَقَفَ بِإِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْعَتَبَةِ وَأَدْخَلَ الْأُخْرَى، فَإِنْ اسْتَوَى الْجَانِبَانِ، أَوْ كَانَ الْجَانِبُ الْخَارِجُ أَسْفَلَ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ الْجَانِبُ الدَّاخِلُ أَسْفَلَ حَنِثَ) زَيْلَعِيٌّ (وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا هُوَ الصَّحِيحُ) ظَهِيرِيَّةٌ لِأَنَّ الِانْفِصَالَ التَّامَّ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَدَمَيْنِ (وَدَوَامُ الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ وَالسُّكْنَى لِإِنْشَاءِ) فَيَحْنَثُ بِمُكْثِ سَاعَةٍ (لَا دَوَامِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالتَّزَوُّجِ وَالتَّطْهِيرِ)   [رد المحتار] قُلْت: لَكِنْ فِي الْعُرْفِ لَا يُسَمَّى ذَلِكَ الْمَسْكَنُ مَسْجِدًا مُطْلَقًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَقْبًا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَإِنْ نَقَبَ لِلدَّارِ بَابًا آخَرَ فَدَخَلَ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الدُّخُولِ مِنْ بَابٍ مَنْسُوبٍ لِلدَّارِ وَقَدْ وُجِدَ. وَإِنْ عَنَى بِهِ الْبَابَ الْأَوَّلَ يَدِينُ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ وَلَا يَصْدُقُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ حَيْثُ أَرَادَ بِالْمُطْلَقِ الْمُفِيدَ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا عَيَّنَهُ بِالْإِشَارَةِ) فَإِذَا دَخَلَ مِنْ بَابٍ آخَرَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَانَ خَارِجًا) أَيْ كَانَ الطَّاقُ أَوْ الْوَاقِفُ خَارِجًا عَنْ الْبَابِ (قَوْلُهُ بِحَيْثُ إلَخْ) تَصْوِيرٌ لِلْعَكْسِ (قَوْلُهُ انْعَكَسَ الْحُكْمُ) فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَحْنَثُ وَفِي عَكْسِهِ لَا (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ انْعَكَسَ الْحُكْمُ مِنْ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ عَلَى الْعَتَبَةِ الْخَارِجَةِ يَحْنَثُ فِي حَلِفِهِ لَا يَخْرُجُ، فَإِنَّ مُقْتَضَى مَا فِي الْمُحِيطِ أَنْ لَا يَحْنَثَ لِكَوْنِ الْعَتَبَةِ مِنْ كَوْنِ الدَّارِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِالْعُرْفِ فَإِنَّ مَنْ كَانَ عَلَى الْعَتَبَةِ الْخَارِجَةِ يُعَدُّ خَارِجًا وَمَنْ كَانَ عَلَى أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ يُعَدُّ مُسْتَعْلِيًا عَلَى أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي الدَّارِ لَا خَارِجًا ط. قُلْت: وَمَرَّ أَنَّ الظَّاهِرَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي أَنَّهُ لَا يُعَدُّ دَاخِلًا عُرْفًا بِارْتِقَاءِ الشَّجَرَةِ فَكَذَا لَا يُعَدُّ خَارِجًا فِي مَسْأَلَتِنَا (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّجَرَةَ كَبِنَاءِ الدَّارِ) أَيْ فَهِيَ كَظُلَّةٍ فِي الدَّارِ عَلَى الطَّرِيقِ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ الْحَالِفُ) أَيْ عَلَى عَدَمِ الْخُرُوجِ (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ اعْتِمَادَ جَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى رِجْلِهِ الَّتِي هِيَ فِي الْجَانِبِ الْأَسْفَلِ (قَوْلُهُ زَيْلَعِيٌّ) وَمِثْلُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) عَزَاهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: إلَى السَّرَخْسِيِّ وَفِي الْبَحْرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الِانْفِصَالَ التَّامَّ إلَخْ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ أَدْخَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ لَا يَحْنَثُ وَبِهِ أَخَذَ الشَّيْخَانِ الْإِمَامَانِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ، هَذَا إذَا كَانَ يَدْخُلُ قَائِمًا فَلَوْ مُسْتَلْقِيًا عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ بَطْنِهِ أَوْ جَنْبِهِ فَتَدَحْرَجَ، حَتَّى صَارَ بَعْضُهُ دَاخِلَ الدَّارِ، إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ دَاخِلَ الدَّارِ يَصِيرُ دَاخِلًا وَإِنْ كَانَ سَاقَاهُ خَارِجَهَا (قَوْلُهُ وَدَوَامُ الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ، وَهُوَ رَاكِبُهَا أَوْ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ أَوْ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ سَاكِنُهَا فَمَكَثَ سَاعَةً حَنِثَ، فَلَوْ نَزَلَ أَوْ نَزَعَ الثَّوْبَ أَوْ أَخَذَ فِي النُّقْلَةِ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يَحْنَثْ. (قَوْلُهُ فَيَحْنَثُ بِمُكْثِ سَاعَةٍ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفَاعِيلَ لَهَا دَوَامٌ بِحُدُوثِ أَمْثَالِهَا وَإِلَّا فَدَوَامُ الْفِعْلِ حَقِيقَةٌ مَعَ أَنَّهُ عَرَضٌ لَا يَبْقَى مُسْتَحِيلٌ كَمَا فِي النَّهْرِ وَالْمُرَادُ بِالسَّاعَةِ الَّتِي تَكُونُ دَوَامًا هِيَ مَا يُمْكِنُهُ فِيهَا النُّزُولُ وَنَحْوُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، فَلَوْ دَامَ عَلَى السُّكْنَى لِعَدَمِ إمْكَانِ الْخُرُوجِ وَالنُّقْلَةِ لَا يَحْنَثُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ لَا دَوَامُ الدُّخُولِ إلَخْ) لِأَنَّ الدُّخُولَ حَقِيقَةً وَلُغَةً وَعُرْفًا فِي الِانْفِصَالِ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ، وَلَا دَوَامَ لِذَلِكَ وَلِذَا لَوْ حَلَفَ لَيَدْخُلُهَا غَدًا وَهُوَ فِيهَا، فَمَكَثَ حَتَّى مَضَى الْغَدُ حَنِثَ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا فِيهِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ، وَلَوْ نَوَى بِالدُّخُولِ الْإِقَامَةَ فِيهَا لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ وَهُوَ خَارِجٌ لَا يَحْنَثُ، حَتَّى يَدْخُلَ ثُمَّ يَخْرُجَ وَكَذَا لَا يَتَزَوَّجُ وَهُوَ مُتَزَوِّجٌ، وَلَا يَتَطَهَّرُ وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ فَاسْتَدَامَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 749 وَالضَّابِطُ أَنَّ مَا يَمْتَدُّ فَلِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا لَوْ الْيَمِينُ حَالَ الدَّوَامِ. أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا؛ فَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا رَكِبْت فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ فَعَلَيَّ دِرْهَمٌ ثُمَّ رَكِبَ وَدَامَ لَزِمَهُ طَلْقَةٌ وَدِرْهَمٌ، وَلَوْ كَانَ رَاكِبًا لَزِمَهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ يُمْكِنُهُ النُّزُولُ طَلْقَةٌ وَدِرْهَمٌ. قُلْت: فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ إلَّا فِي ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ وَإِلَيْهِ مَالَ أُسْتَاذُنَا مُجْتَبًى. (حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ الْبَيْتَ أَوْ الْمَحَلَّةَ) يَعْنِي الْحَارَةَ (فَخَرَجَ وَبَقِيَ مَتَاعُهُ وَأَهْلُهُ) حَتَّى لَوْ بَقِيَ وَتَدٌ (حَنِثَ) وَاعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ   [رد المحتار] النِّكَاحَ وَالطَّهَارَةَ لَا يَحْنَثُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالضَّابِطُ أَنَّ مَا يَمْتَدُّ) أَيْ مَا يَصِحُّ امْتِدَادُهُ كَالْقُعُودِ وَالْقِيَامِ وَلِذَا يَصِحُّ قِرَانُ الْمُدَّةِ بِهِ كَالْيَوْمِ وَالشَّهْرِ. (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ الْحِنْثُ بِالْمُكْثِ سَاعَةً فِيمَا يَمْتَدُّ لَوْ الْيَمِينُ حَالَ الدَّوَامِ: أَيْ لَوْ حَلَفَ وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِالْفِعْلِ بِأَنْ قَالَ إنْ رَكِبْت فَكَذَا وَهُوَ رَاكِبٌ فَيَحْنَثُ بِالْمُكْثِ، أَمَّا لَوْ حَلَفَ قَبْلَهُ فَلَا يَحْنَثُ بِالْمُكْثِ بَلْ بِإِنْشَاءِ الرُّكُوبِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: لِأَنَّ لَفْظَ رَكِبْت إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَالِفُ رَاكِبًا يُرَادُ بِهِ إنْشَاءُ الرُّكُوبِ، فَلَا يَحْنَثُ بِالِاسْتِمْرَارِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ بِخِلَافِ حَلِفِ الرَّاكِبِ لَا أَرْكَبُ فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْأَعَمُّ مِنْ ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ وَمَا فِي حُكْمِهِ عُرْفًا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا) أَيْ يَمْتَدُّ وَمَا لَا يَمْتَدُّ سَوَاءٌ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِالْفِعْلِ ثُمَّ حَلَفَ أَوْ لَمْ يَكُنْ ط (قَوْلُهُ وَإِلَيْهِ مَالَ أُسْتَاذُنَا) عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى وَفِيهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ أُسْتَاذُنَا اهـ وَنَقَلَ كَلَامَهُ فِي الْبَحْرِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ عُرْفَ زَمَانِهِ كَانَ كَذَلِكَ أَيْضًا. مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ الدَّارَ (قَوْلُهُ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ إلَخْ) فَلَوْ حَلَفَ لَا يَقْعُدُ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ قَالُوا إنْ كَانَ سَاكِنًا فِيهَا فَهُوَ عَلَى السُّكْنَى وَإِلَّا فَعَلَى الْقُعُودِ حَقِيقَةً بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ بَلَدِ كَذَا فَهُوَ الْخُرُوجُ بِبَدَنِهِ، وَفِي لَا يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَهُوَ عَلَى النُّقْلَةِ مِنْهَا بِأَهْلِهِ إنْ كَانَ سَاكِنًا فِيهَا إلَّا إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْخُرُوجَ بِبَدَنِهِ اهـ (قَوْلُهُ يَعْنِي الْحَارَةَ) كَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ الْمَحَلَّةُ هِيَ الْمُسَمَّاةُ فِي عُرْفِنَا بِالْحَارَةِ اهـ. قُلْت: الْمَحَلَّةُ فِي عُرْفِنَا الْآنَ تُطْلَقُ عَلَى الصُّقْعِ الْجَامِعِ لِأَزِقَّةٍ مُتَعَدِّدَةٍ، كُلُّ زُقَاقٍ مِنْهَا يُسَمَّى حَارَةً وَقَدْ تُطْلَقُ الْحَارَةُ عَلَى الْمَحَلَّةِ كُلِّهَا (قَوْلُهُ فَخَرَجَ) وَكَذَا لَوْ لَمْ يَخْرُجْ بِالْأَوْلَى بَحْرٌ لِأَنَّ السُّكْنَى مِمَّا يَمْتَدُّ فَلِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ وَظَاهِرُ مَا مَرَّ عَنْ الْمُجْتَبَى عَدَمُ الْحِنْثِ فِي عُرْفِهِمْ (قَوْلُهُ وَأَهْلُهُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ لِأَنَّ الْحِنْثَ يَحْصُلُ بِبَقَاءِ أَحَدِهِمَا، وَالْمُرَادُ بِالْأَهْلِ زَوْجَتُهُ وَأَوْلَادُهُ الَّذِينَ مَعَهُ وَكُلُّ مَنْ كَانَ يَأْوِيهِ لِخِدْمَتِهِ وَالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ بَقِيَ وَتِدٌ حَنِثَ) جَعَلَ حَنِثَ جَوَابَ لَوْ فَصَارَ الْمَتْنُ بِلَا جَوَابٍ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ الْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ وَلَوْ وَتِدًا وَهُوَ بِكَسْرِ التَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا قُهُسْتَانِيُّ، وَهَذَا تَعْمِيمٌ لِلْمَتَاعِ جَرْيًا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ الْمَتَاعِ كُلِّهِ كَالْأَهْلِ (قَوْلُهُ وَاعْتُبِرَ قَوْلُهُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ السُّكْنَى هِدَايَةٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُعْتَبَرُ نَقْلُ الْأَكْثَرِ لِتَعَذُّرِ نَقْلِ الْكُلِّ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ فَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ رَجَّحَ قَوْلَ الْإِمَامِ وَأَخَذَ بِهِ وَالْمَشَايِخُ اسْتَثْنَوْا مِنْهُ مَا لَا يَتَأَتَّى بِهِ السُّكْنَى كَقِطْعَةِ حَصِيرٍ وَوَتِدٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَرَجَّحَ فِي الْهِدَايَةِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ أَحْسَنُ وَأَرْفَقُ وَمِنْهُمْ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَصَرَّحَ كَثِيرٌ كَصَاحِبِ الْمُحِيطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْكَافِي بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَالْإِفْتَاءُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَرْفَقَ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَدَارُ إلَّا عَلَى الْعُرْفِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ خَرَجَ عَلَى نِيَّةِ تَرْكِ الْمَكَانِ وَعَدَمِ الْعَوْدِ إلَيْهِ وَنَقَلَ مِنْ أَمْتِعَتِهِ مَا يَقُومُ بِهِ أَمْرُ سُكْنَاهُ وَهُوَ عَلَى نِيَّةِ نَقْلِ الْبَاقِي يُقَالُ لَيْسَ سَاكِنًا فِيهِ بَلْ انْتَقَلَ مِنْهُ وَسَكَنَ فِي الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ. وَبِهَذَا يَتَرَجَّحُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 750 نَقْلَ مَا تَقُومُ بِهِ السُّكْنَى، وَهُوَ أَرْفَقُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَهُ الْعَيْنِيُّ، وَلَوْ إلَى سِكَّةٍ أَوْ مَسْجِدٍ عَلَى الْأَوْجَهِ، قَالَهُ الْكَمَالُ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ، وَهَذَا لَوْ يَمِينُهُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ بَرَّ بِخُرُوجِهِ بِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ كَانَ سُكْنَاهُ تَبَعًا وَكَمَا لَوْ أَبَتْ الْمَرْأَةُ النُّقْلَةَ وَغَلَبَتْهُ أَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ وَلَوْ بِدُخُولِ لَيْلٍ   [رد المحتار] قُلْت: وَهَذَا التَّرْجِيحُ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ مِنْ التَّصْحِيحَيْنِ. اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْمَشَايِخِ فَإِنَّ عَلَيْهِ يَتَّحِدُ قَوْلُ الْإِمَامِ مَعَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا قَوْلُ النَّهْرِ إنَّهُ لَيْسَ قَوْلَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ يُوهِمُ مَا قَالَهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَوْجَهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: فَإِنْ انْتَقَلَ إلَى السِّكَّةِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ قَالُوا لَا يَبَرُّ. دَلِيلُهُ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ مَنْ خَرَجَ بِعِيَالِهِ مِنْ مِصْرِهِ فَمَا لَمْ يَتَّخِذْ وَطَنًا آخَرَ يَبْقَى وَطَنُهُ الْأَوَّلُ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ كَذَا هَذَا اهـ وَفِي الزَّيْلَعِيِّ: وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا إذَا لَمْ يُسَلِّمْ الدَّارَ الْمُسْتَأْجَرَةَ إلَى أَهْلِهَا وَأَمَّا إذَا سَلَّمَ فَلَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ هُوَ وَالْمَتَاعُ فِي السِّكَّةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ اهـ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِطْلَاقُ عَدَمِ الْحِنْثِ أَوْجَهُ وَبَقَاءُ وَطَنِهِ فِي حَقِّ إتْمَامِ الصَّلَاةِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَسْمِيَتَهُ سَاكِنًا عُرْفًا، بَلْ يَقْطَعُ الْعُرْفُ فِيمَنْ نَقَلَ أَهْلَهُ وَأَمْتِعَتَهُ وَخَرَجَ مُسَافِرًا أَنْ لَا يُقَالَ فِيهِ إنَّهُ سَاكِنٌ وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَحْنَثُ مَا لَمْ يَتَّخِذْ مَسْكَنًا آخَرَ هـ. قُلْت: الْمُعْتَبَرُ الْعُرْفُ وَالْعُرْفُ خِلَافُهُ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ وَهَذَا إلَخْ) الْإِشَارَةُ إلَى مَا فِي الْمَتْنِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَجَوَابُ الْمَسْأَلَةِ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ مُسْتَقِلًّا بِالسُّكْنَى وَأَنْ لَا يَكُونَ التَّرْكُ لِطَلَبِ مَنْزِلٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ بَرَّ بِخُرُوجِهِ بِنَفْسِهِ) وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا بِسُكْنَاهُ فَتْحٌ وَهَذَا الْفَرْقُ مَنْقُولٌ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَكَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى عُرْفِهِمْ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ كَانَ سُكْنَاهُ تَبَعًا) كَابْنٍ كَبِيرٍ سَاكِنٍ مَعَ أَبِيهِ أَوْ امْرَأَةٍ مَعَ زَوْجِهَا فَلَوْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ أَوْ هِيَ زَوْجَهَا وَمَالَهَا لَا يَحْنَثُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ أَبَتْ الْمَرْأَةُ وَغَلَبَتْهُ) أَيْ وَخَرَجَ هُوَ وَلَمْ يُرِدْ الْعَوْدَ إلَيْهِ بَحْرٌ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا خَاصَمَا عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ لَا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ إلَخْ) عَطَفَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي يَبَرُّ فِيهَا بِخُرُوجِهِ بِنَفْسِهِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْهَا فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ إلَخْ وَيَكُونُ الْجَوَابُ قَوْلَهُ الْآتِي لَمْ يَحْنَثْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: ثُمَّ إنَّمَا يَحْنَثُ بِتَأْخِيرِ سَاعَةٍ إذَا أَمْكَنَهُ النَّقْلُ فِيهَا وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ لِعُذْرِ لَيْلٍ أَوْ خَوْفِ اللِّصِّ، أَوْ مَنْعِ ذِي سُلْطَانٍ أَوْ عَدَمِ مَوْضِعٍ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ أَوْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَتْحَهُ أَوْ كَانَ شَرِيفًا أَوْ ضَعِيفًا لَا يَقْدِرُ عَلَى حَمْلِ الْمَتَاعِ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَنْقُلُهُ لَا يَحْنَثُ، وَيَلْحَقُ ذَلِكَ الْوَقْتُ بِالْعَدَمِ لِلْعُذْرِ. مَطْلَبُ إنْ لَمْ أَخْرُجْ فَكَذَا فَقُيِّدَ أَوْ مُنِعَ حَنِثَ وَأَوْرَدَ مَا ذَكَرَهُ الْفَضْلِيُّ فِيمَنْ قَالَ: إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ الْيَوْم فَهِيَ طَالِقٌ فَقُيِّدَ أَوْ مُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ حَنِثَ وَكَذَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ فِي مَنْزِلِ أَبِيهَا إنْ لَمْ تَحْضُرِي اللَّيْلَةَ مَنْزِلِي فَمَنَعَهَا أَبُوهَا مِنْ الْخُرُوجِ حَنِثَ، وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ كَوْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَدَمًا فَيَحْنَثُ بِتَحْقِيقِهِ كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّ الْعَدَمَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الِاخْتِيَارِ، وَكَوْنُهُ فِعْلًا فَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَالسُّكْنَى لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الِاخْتِيَارِيُّ، وَيَنْعَدِمُ بِعَدَمِهِ فَيَصِيرُ مَسْكَنًا لَا سَاكِنًا فَلَمْ يَتَحَقَّقْ شَرْطُ الْحِنْثِ اهـ ثُمَّ أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ الْأَيْمَانِ وَذَكَرَ عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ فِي الشَّرْطِ الْعَدَمِيِّ خِلَافًا، وَأَنَّ الْأَصَحَّ الْحِنْثُ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ يَجْعَلُ الْمَوْجُودَ مَعْدُومًا بِالْعُذْرِ كَالْإِكْرَاهِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَجْعَلُ الْمَعْدُومَ مَوْجُودًا وَإِنْ وُجِدَ الْعُذْرُ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْبَحْرِ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ التَّعْلِيقِ مِنْ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِدُخُولِ لَيْلٍ) هَذَا بِمُجَرَّدِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 751 أَوْ غَلْقِ بَابٍ أَوْ اشْتَغَلَ بِطَلَبِ دَارٍ أُخْرَى أَوْ دَابَّةٍ، وَإِنْ بَقِيَ أَيَّامًا أَوْ كَانَ لَهُ أَمْتِعَةٌ كَثِيرَةٌ فَاشْتَغَلَ بِنَقْلِهَا بِنَفْسِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْتَكْرِيَ دَابَّةً لَمْ يَحْنَثْ. وَلَوْ نَوَى التَّحَوُّلَ بِبَدَنِهِ دُيِّنَ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَكْفِي خُرُوجُهُ بِنِيَّةِ الِانْتِقَالِ (بِخِلَافِ الْمِصْرِ) وَالْبَلَدِ (وَالْقَرْيَةِ) فَإِنَّهُ يَبَرُّ بِنَفْسِهِ فَقَطْ. [فُرُوعٌ] حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فَسَاكَنَهُ فِي عَرْصَةِ دَارٍ، أَوْ هَذَا فِي حُجْرَةٍ، وَهَذَا فِي حُجْرَةٍ حَنِثَ إلَّا أَنْ تَكُونَ دَارًا كَبِيرَةً. وَلَوْ تَقَاسَمَاهَا بِحَائِطٍ بَيْنَهُمَا إنْ عَيَّنَ الدَّارَ فِي يَمِينِهِ حَنِثَ وَإِنْ نَكَّرَهَا لَا. وَلَوْ دَخَلَهَا فُلَانٌ غَصْبًا إنْ أَقَامَ مَعَهُ حَنِثَ عَلِمَ أَوْ لَا، وَإِنْ انْتَقَلَ فَوْرًا   [رد المحتار] عُذْرٌ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ لِمَا فِي آخِرِ أَيْمَانِ الْفَتْحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ قَالَ لَهَا: إنْ سَكَنْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَكَانَ لَيْلًا فَهِيَ مَعْذُورَةٌ حَتَّى تُصْبِحَ، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا هُوَ الْأَصَحُّ إلَّا لِخَوْفِ لِصٍّ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ أَوْ غَلْقِ بَابٍ) أَيْ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى فَتْحِهِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ بِهَدْمِ بَعْضِ الْحَائِطِ وَلَمْ يَهْدِمْ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْقُدْرَةُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْوَجْهِ الْمَعْهُودِ عِنْدَ النَّاسِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ بَقِيَ أَيَّامًا) هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ طَلَبَ الْمَنْزِلِ مِنْ عَمَلِ النَّقَلَةِ فَصَارَ مُدَّةَ الطَّلَبِ مُسْتَثْنًى إذَا لَمْ يُفَرِّطْ فِي الطَّلَبِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْتَكْرِيَ دَابَّةً) أَيْ لِنَقْلِ الْمَتَاعِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مَثَلًا إذْ لَا يَلْزَمُهُ النَّقْلُ بِأَسْرَعِ الْوُجُوهِ، بَلْ بِقَدْرِ مَا يُسَمَّى نَاقِلًا فِي الْعُرْفِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ دُيِّنَ) أَيْ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. [فَرْعٌ] حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَلَمْ يَكُنْ سَاكِنُهَا فِيهَا، لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَسْكُنَهَا بِنَفْسِهِ وَيَنْقُلَ إلَيْهَا مِنْ مَتَاعِهِ مَا يُبَاتُ فِيهِ وَيَسْتَعْمِلُهُ فِي مَنْزِلِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَبَرُّ بِنَفْسِهِ فَقَطْ) أَيْ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلِ الْمَتَاعِ وَالْأَهْلِ فَتْحٌ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي عَصْرِنَا يُعَدُّ سَاكِنًا بِتَرْكِ أَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ فِيهَا وَلَوْ خَرَجَ وَحْدَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ قَالَ الرَّمْلِيُّ كَوْنُهُ يُعَدُّ سَاكِنًا مُطْلَقًا غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ إنَّمَا يُعَدُّ سَاكِنًا إذَا كَانَ قَصْدُهُ الْعَوْدَ، أَمَّا إذَا خَرَجَ مِنْهَا لَا بِقَصْدِ الْعَوْدِ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا وَلَعَلَّهُ مُفِيدٌ بِذَلِكَ. [فُرُوعٌ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فَسَاكَنَهُ فِي عَرْصَةِ دَارٍ] مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا (قَوْلُهُ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا) فَإِنْ كَانَ سَاكِنًا مَعَهُ فَإِنْ أَخَذَ فِي النُّقْلَةِ وَهِيَ مُمْكِنَةٌ وَإِلَّا حَنِثَ قَالَ مُحَمَّدٌ فَإِنْ كَانَ وَهَبَ لَهُ الْمَتَاعَ وَقَبَضَهُ مِنْهُ وَخَرَجَ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَيْسَ مِنْ رَأْيِهِ الْعَوْدُ فَلَيْسَ بِمُسَاكَنٍ. وَكَذَلِكَ إنْ أَوْدَعَهُ الْمَتَاعَ أَوْ أَعَارَهُ ثُمَّ خَرَجَ وَلَا يُرِيدُ الْعَوْدَ بَحْرٌ. وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة لَا تَثْبُتُ الْمُسَاكَنَةُ إلَّا بِأَهْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَمَتَاعِهِ (قَوْلُهُ فَسَاكَنَهُ فِي عَرْصَةِ دَارٍ) أَيْ سَاحَتِهَا وَهَذَا فِي بَيْتٍ أَوْ غُرْفَةٍ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ أَوْ هَذَا فِي حُجْرَةٍ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْوَاوِ، وَنُسْخَةُ أَوْ أَحْسَنُ وَهِيَ الْمُوَافِقَةُ لِلْبَحْرِ (قَوْلُهُ حَنِثَ) فَلَوْ نَوَى أَنْ لَا يُسَاكِنَهُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ أَوْ حُجْرَةٍ وَاحِدَةٍ يَكُونَانِ فِيهِ مَعًا لَمْ يَحْنَثْ، حَتَّى يُسَاكِنَهُ فِيمَا نَوَى وَإِنْ نَوَى بَيْتًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَصِحَّ بَزَّازِيَّةٌ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا لَا يُسَاكِنُهُ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ أَوْ الْقَرْيَةِ أَوْ فِي الدُّنْيَا فَسَاكَنَهُ فِي دَارٍ حَنِثَ. وَلَوْ سَكَنَ كُلٌّ فِي دَارٍ فَلَا إلَّا إذَا نَوَى (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ دَارًا كَبِيرَةً) نَحْوَ دَارِ الْوَلِيدِ بِالْكُوفَةِ وَدَارِ نُوحٍ بِبُخَارَى لِأَنَّ هَذِهِ الدَّارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَلَّةِ ظَهِيرِيَّةٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ تَقَاسَمَاهَا إلَخْ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فِي دَارٍ فَاقْتَسَمَاهَا وَضَرَبَا بَيْنَهُمَا حَائِطًا وَفَتَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ بَابًا ثُمَّ سَكَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي طَائِفَةٍ فَإِنْ سَمَّى دَارًا بِعَيْنِهَا حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ وَلَمْ يَنْوِ فَلَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَوَجْهُهُ كَمَا قَالَ السَّائِحَانِيُّ أَنَّ الْيَمِينَ إذَا عُقِدَتْ عَلَى دَارٍ بِعَيْنِهَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِ الْبِنَاءِ فَبَعْدَ الْقِسْمَةِ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَلَوْ دَخَلَهَا فُلَانٌ غَصْبًا) مَعْنَاهُ وَسَكَنَهَا لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ رَمْلِيٌّ، وَمَرَّ أَنَّ الْمُسَاكَنَةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِأَهْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَمَتَاعِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ انْتَقَلَ فَوْرًا) أَيْ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 752 وَكَمَا لَوْ نَزَلَ ضَيْفًا، وَكَذَا لَوْ سَافَرَ الْحَالِفُ فَسَكَنَ فُلَانٌ مَعَ أَهْلِهِ بِهِ يُفْتَى لِأَنَّهُ لَمْ يُسَاكِنْهُ حَقِيقَةً، وَلَوْ قَيَّدَ الْمُسَاكَنَةَ بِشَهْرٍ حَنِثَ بِسَاعَةٍ لِعَدَمِ امْتِدَادِهَا بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ بَحْرٌ. وَفِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى:   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَكَمَا لَوْ نَزَلَ ضَيْفًا) أَيْ لَا يَحْنَثُ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْأَصْلِ لَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ زَائِرًا أَوْ ضَيْفًا فَأَقَامَ فِيهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَا يَحْنَثُ وَالْمُسَاكَنَةُ بِالِاسْتِقْرَارِ وَالدَّوَامِ وَذَلِكَ بِأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فَنَزَلَ الْحَالِفُ وَهُوَ مُسَافِرٌ مَنْزِلَ فُلَانٍ فَسَكَنَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَا يَحْنَثُ، حَتَّى يُقِيمَ مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ الْكُوفَةَ فَمَرَّ بِهَا مُسَافِرًا وَنَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ نَوَى إقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا حَنِثَ اهـ وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْبَحْرِ بِدُونِ قَوْلِهِ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَأَوْهَمَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الضَّيْفِ مُقَيَّدَةٌ بِمَا دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ الْإِمَامِ يَحْنَثُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قِيَامَ السُّكْنَى بِالْأَهْلِ وَالْمَتَاعِ بَزَّازِيَّةٌ، وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُنْتَقَى فِيمَا إذَا سَافَرَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، وَسَكَنَ الْحَالِفُ مَعَ أَهْلِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ أَقْرَبُ إلَى مَظِنَّةِ الْحِنْثِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَيَّدَ الْمُسَاكَنَةَ بِشَهْرٍ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ لَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ شَهْرَ كَذَا فَسَاكَنَهُ سَاعَةً فِيهِ حَنِثَ لِأَنَّ الْمُسَاكَنَةَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ، وَلَوْ قَالَ: لَا أُقِيمُ بِالرَّقَّةِ شَهْرًا لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُقِمْ جَمِيعَ الشَّهْرِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ الرِّقَّةَ شَهْرًا فَسَكَنَ سَاعَةً حَنِثَ اهـ. قُلْت: فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ لَفْظِ الْمُسَاكَنَةِ وَلَفْظِ الْإِقَامَةِ، وَعَلَّلَهُ الْفَارِسِيُّ فِي بَابِ يَمِينِ الْأَبَدِ وَالسَّاعَةِ مِنْ شَرْحِهِ عَلَى تَلْخِيصِ الْجَامِعِ بِأَنَّ الْوَقْتَ فِي غَيْرِ الْمُقَدَّرِ بِالْوَقْتِ ظَرْفٌ لَا مِعْيَارٌ، وَالْمُسَاكَنَةُ وَالْمُجَالَسَةُ وَنَحْوُهُمَا غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِالْوَقْتِ لِصِحَّتِهَا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَإِنْ قَلَّتْ فَيَكُونُ الْوَقْتُ لِتَقْدِيرِ الْمَنْعِ الثَّابِتِ بِالْيَمِينِ لَا لِتَقْدِيرِ الْفِعْلِ بِالْوَقْتِ، وَذَكَرَ أَنَّ السُّكْنَى لَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ فِيهَا الْمَشَايِخُ فَقِيلَ: كَالْمُسَاكَنَةِ وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ اسْتِيعَابُهَا الْوَقْتَ. اهـ. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْإِقَامَةَ مُقَدَّرَةٌ بِالْوَقْتِ بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تُسَمَّى إقَامَةً مَا لَمْ تَمْتَدَّ مُدَّةً، وَيُشِيرُ إلَى هَذَا مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِذَا حَلَفَ لَا يُقِيمُ فِي هَذِهِ الدَّارِ كَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ إذَا قَامَ فِيهَا أَكْثَرَ النَّهَارِ أَوْ أَكْثَرَ اللَّيْلِ يَحْنَثُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ إذَا أَقَامَ فِيهَا سَاعَةً وَاحِدَةً يَحْنَثُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا حَلَفَ لَا يُقِيمُ بِالرِّقَّةِ شَهْرًا فَلَيْسَ بِحَانِثٍ حَتَّى يُقِيمَ بِهَا تَمَامَ الشَّهْرِ اهـ. وَمُفَادُهُ: أَنَّ الْإِقَامَةَ مَتَى قُيِّدَتْ بِالْمُدَّةِ لَزِمَ فِي مَفْهُومِهَا الِامْتِدَادُ، وَتَقَيَّدَتْ بِالْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ كُلِّهَا بِخِلَافِ الْمُسَاكَنَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ امْتِدَادُهَا مُطْلَقًا لِصِدْقِهَا عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَلَا تَكُونُ الْمُدَّةُ قَيْدًا لَهَا بَلْ قَيْدٌ لِلْمَنْعِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ عَنْ الْمُسَاكَنَةِ فِي الشَّهْرِ، فَإِذَا سَكَنَ يَوْمًا مِنْهُ حَنِثَ لِعَدَمِ الْمَنْعِ، هَذَا غَايَةُ مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا إنَّ الْمُسَاكَنَةَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ مَعْنَاهُ لَا يَلْزَمُ فِي تَحَقُّقِهَا الِامْتِدَادُ، بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ إذَا قُرِنَتْ بِالْمُدَّةِ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ تَبَعًا لِغَيْرِهِمَا أَنَّ الْمُسَاكَنَةَ مِمَّا يَمْتَدُّ بِخِلَافِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا يُمْكِنُ امْتِدَادُهَا وَهَذَا غَيْرُ الْمَعْنَى وَالْمُرَادُ هُنَا وَقَدْ خَفِيَ هَذَا عَلَى الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ وَغَيْرِهِ فَادَّعَوْا أَنَّ مَا هُنَا مُنَاقِضٌ لِمَا مَرَّ وَأَنَّ الصَّوَابَ إسْقَاطُ " عَدَمِ " مِنْ قَوْلِهِ لِعَدَمِ امْتِدَادِهَا فَافْهَمْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَنَيْت الْمُسَاكَنَةَ جَمِيعَ الشَّهْرِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَقِيلَ قَضَاءً أَيْضًا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. قُلْت: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعُرْفُ الْآنَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا شَهْرًا أَوْ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا أَوْ لَا يُقِيمُ فِيهَا شَهْرًا أَنَّهُ يُرَادُ جَمِيعُ الْمُدَّةِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَفِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا يَأْتِي فِي بَابِ الْيَمِينِ بِالضَّرْبِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الضَّرْبِ الْقَصْدُ عَلَى الْأَظْهَرِ. اهـ. ح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 753 حَلَفَ لَا يَضْرِبُهَا فَضَرَبَهَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَا يَحْنَثُ (وَحَنِثَ فِي لَا يَخْرُجُ) مِنْ الْمَسْجِدِ (إنْ حُمِلَ وَأُخْرِجَ) مُخْتَارًا (بِأَمْرِهِ وَبِدُونِهِ) بِأَنْ حُمِلَ مُكْرَهًا (لَا) يَحْنَثُ (وَلَوْ رَاضِيًا بِالْخُرُوجِ) فِي الْأَصَحِّ (وَمِثْلُهُ لَا يَدْخُلُ أَقْسَامًا وَأَحْكَامًا وَإِذَا لَمْ يَحْنَثْ) بِدُخُولِهِ بِلَا أَمْرِهِ أَوْ بِزَلَقٍ أَوْ بِعَثْرٍ أَوْ هُبُوبِ رِيحٍ أَوْ جَمْحِ دَابَّةٍ عَلَى الصَّحِيحِ ظَهِيرِيَّةٌ (لَا تَنْحَلُّ يَمِينُهُ) لِعَدَمِ فِعْلِهِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) الصَّحِيحِ فَتْحٌ وَغَيْرُهُ،   [رد المحتار] قُلْت: وَمَعَ هَذَا لَا مُنَاسَبَةَ لِذِكْرِهِ هُنَا إلَّا أَنْ يُقَالَ اسْتَوْضَحَ بِهِ قَوْلَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ إنْ أَقَامَ مَعَهُ حَنِثَ عَلِمَ أَوْ لَا (قَوْلُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ) قَيَّدَ بِهِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ احْتِرَازًا عَنْ الدَّارِ الْمَسْكُونَةِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ مَا نَصُّهُ قَالَ الْقُدُورِيُّ: الْخُرُوجُ مِنْ الدَّارِ الْمَسْكُونَةِ أَنْ يَخْرُجَ بِنَفْسِهِ وَمَتَاعِهِ وَعِيَالِهِ، وَالْخُرُوجُ مِنْ الْبَلْدَةِ وَالْقَرْيَةِ أَنْ يَخْرُجَ بِبَدَنِهِ خَاصَّةً زَادَ فِي الْمُنْتَقَى إذَا خَرَجَ بِبَدَنِهِ فَقَدْ بَرَّ أَرَادَ سَفَرًا أَوْ لَمْ يُرِدْ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ زَادَ فِي الْمُنْتَقَى إلَخْ رَاجِعٌ لِمَسْأَلَةِ الْخُرُوجِ مِنْ الْبَلَدِ وَالْقَرْيَةِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَخْرُجَ بِبَدَنِهِ فِي مَسْأَلَةِ الدَّارِ أَيْضًا فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يُخَالِفُ مَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ فَافْهَمْ، نَعَمْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ: لَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَهُوَ عَلَى الرَّحِيلِ مِنْهَا بِأَهْلِهِ إنْ كَانَ سَاكِنًا فِيهَا إلَّا إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْخُرُوجَ بِبَدَنِهِ (قَوْلُهُ بِأَنْ حَمَلَ مُكْرَهًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ بِحَالٍ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ وَلَمْ يَمْتَنِعْ فِي الصَّحِيحِ خَانِيَّةٌ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ تَصْحِيحُ الْحِنْثِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ هَذَا. وَاعْتَرَضَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ ذِكْرَ الْإِكْرَاهِ هُنَا بِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ وَلَوْ رَاضِيًا إذْ لَا يُجَامِعُ الْإِكْرَاهُ الرِّضَا. اهـ. وَفِي الْفَتْحِ: وَالْمُرَادُ مِنْ الْإِخْرَاجِ مُكْرَهًا هُنَا أَنْ يَحْمِلَهُ وَيُخْرِجَهُ كَارِهًا لِذَلِكَ لَا الْإِكْرَاهُ الْمَعْرُوفُ هُوَ أَنْ يَتَوَعَّدَهُ حَتَّى يَفْعَلَ فَإِنَّهُ إذَا تَوَعَّدَهُ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ حَنِثَ، لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُعْدِمُ الْفِعْلَ عِنْدَنَا اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ. وَاعْتَرَضَ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ التَّعْلِيلَ بِمَا قَالُوا فِي لَا أَسْكُنُ الدَّارَ فَقُيِّدَ وَمُنِعَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ لِلْإِكْرَاهِ تَأْثِيرًا فِي إعْدَامِ الْفِعْلِ. وَأَجَبْت عَنْهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْبَحْرِ بِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ يُعْدَمُ الْفِعْلُ بِحَيْثُ لَا يُنْسَبُ إلَى فَاعِلِهِ إذَا أُعْدِمَ الِاخْتِيَارُ وَهُنَا دَخَلَ بِاخْتِيَارِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ خَرَجَ بِقَدَمَيْهِ لِلتَّهْدِيدِ لَمْ يَحْنَثْ وَقِيلَ حَنِثَ. اهـ. وَمُفَادُهُ اعْتِمَادُ عَدَمِ الْحِنْثِ لَكِنْ فِي إكْرَاهِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ لَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ فَأُكْرِهَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ حَتَّى دَخَلَ عَتَقَ وَلَا يَضْمَنُ الْمُكْرَهُ قِيمَةَ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّ الْفِعْلَ وَهُوَ الْخُرُوجُ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى الْحَالِفِ لِعَدَمِ الْأَمْرِ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلنَّقْلِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ يَحْنَثُ إذَا حَمَلَهُ بِرِضَاهُ لَا بِأَمْرِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ فَلَمْ يَفْعَلْ صَارَ كَالْآمِرِ. وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ انْتِقَالَ الْفِعْلِ بِالْأَمْرِ لَا بِمُجَرَّدِ الرِّضَا وَلَمْ يُوجَدْ الْأَمْرُ وَلَا الْفِعْلُ مِنْهُ فَلَا يُنْسَبُ الْفِعْلُ إلَيْهِ، وَلَوْ قِيلَ: إنَّ الرِّضَا نَاقِلٌ دُفِعَ بِفَرْعٍ اتِّفَاقِيٍّ وَهُوَ مَا إذَا أَمَرَهُ أَنْ يُتْلِفَ مَالَهُ فَفَعَلَ لَا يَضْمَنُ الْمُتْلِفُ لِانْتِسَابِ الْإِتْلَافِ إلَى الْمَالِكِ بِالْأَمْرِ فَلَوْ أَتْلَفَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ يَنْظُرُ لَمْ يَنْهَهُ ضَمِنَ بِلَا تَفْصِيلٍ لِأَحَدٍ بَيْنَ كَوْنِهِ رَاضِيًا أَوْ لَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَقْسَامًا) مِنْ الْحَمْلِ وَالْإِدْخَالِ بِالْأَمْرِ أَوْ بِغَيْرِهِ مُكْرَهًا أَوْ رَاضِيًا قُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ وَأَحْكَامًا) مِنْ الْحِنْثِ وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يَحْنَثْ) شَرْطٌ، جَوَابُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا تَنْحَلُّ يَمِينُهُ ط (قَوْلُهُ أَوْ بِزَلَقٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِلَا أَمْرِهِ أَيْ بِزَلَقِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ بِفَتْحَتَيْنِ مَصْدَرُ زَلِقَ كَفَرِحَ وَفِي نُسْخَةٍ وَلَوْ بِزَلَقٍ (قَوْلُهُ أَوْ بِعَثْرٍ) بِصِيغَةِ الْمَصْدَرِ فَهُوَ بِسُكُونِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: عَثَرَ كَضَرَبَ وَنَصَرَ وَعَلِمَ وَكَرُمَ عَثْرًا وَعِثْيَرًا وَعِثَارًا وَتَعَثَّرَ كَبَا. اهـ. ط (قَوْلُهُ أَوْ جَمْحِ دَابَّةٍ) فِي الْمِصْبَاحِ جَمَحَ الْفَرَسُ بِرَاكِبِهِ يَجْمَحُ جِمَاحًا بِالْكَسْرِ وَجُمُوحًا اسْتَعْصَى حَتَّى غَلَبَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) رَاجِعٌ إلَى جَمِيعِ الْمَعَاطِيفِ ط (قَوْلُهُ فَتْحٌ وَغَيْرُهُ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ قَالَ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ: تَنْحَلُّ وَهُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ: لَا تَنْحَلُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَقَاضِي خَانْ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَحْنَثُ لِانْقِطَاعِ نِسْبَةِ الْفِعْلِ إلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ كَيْفَ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ فَبَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا فِي الذِّمَّةِ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا فِي الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ دَخَلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 754 وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ بِهِ يُفْتَى لَكِنَّهُ خَالَفَ فِي فَتَاوِيهِ فَأَفْتَى بِانْحِلَالِهَا أَخْذًا بِقَوْلِ أَبِي شُجَاعٍ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ لَكِنَّك عَلِمْت الْمُعْتَمَدَ. (وَلَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِهِ لَا يَخْرُجُ إلَّا إلَى جِنَازَةٍ إنْ خَرَجَ إلَيْهَا) قَاصِدًا عِنْدَ انْفِصَالِهِ مِنْ بَابِ دَارِهِ مَشَى مَعَهَا أَمْ لَا لِمَا فِي الْبَدَائِعِ إنْ خَرَجْتِ إلَّا إلَى الْمَسْجِدِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ تُرِيدُ الْمَسْجِدَ ثُمَّ بَدَا لَهَا فَذَهَبَتْ لِغَيْرِ الْمَسْجِدِ لَمْ تَطْلُقْ (ثُمَّ أَتَى أَمْرًا آخَرَ) لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الْخُرُوجِ وَالذَّهَابِ وَالرَّوَاحِ وَالْعِيَادَةِ وَالزِّيَارَةِ النِّيَّةُ عِنْدَ الِانْفِصَالِ لَا الْوُصُولِ إلَّا فِي الْإِتْيَانِ.   [رد المحتار] بَعْدَ هَذَا الْإِخْرَاجِ هَلْ يَحْنَثُ؟ فَمَنْ قَالَ انْحَلَّتْ قَالَ لَا يَحْنَثُ، وَهَذَا بَيَانُ كَوْنِهِ أَرْفَقَ بِالنَّاسِ، وَمَنْ قَالَ لَمْ تَنْحَلَّ قَالَ حَنِثَ. وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. وَقَوْلُهُ فِيمَا لَوْ دَخَلَ بَعْدَ هَذَا الْإِخْرَاجِ يَعْنِي ثُمَّ خَرَجَ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ فَأُخْرِجَ مَحْمُولًا بِدُونِ أَمْرِهِ وَإِذَا لَمْ تَنْحَلَّ الْيَمِينُ بِهَذَا الْإِخْرَاجِ يَحْنَثُ لَوْ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ بِنَفْسِهِ لَا بِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ خَالَفَ فِي فَتَاوِيهِ إلَخْ) ذَكَرَ الرَّمْلِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ فِي فَتَاوَى صَاحِبِ الْبَحْرِ، بَلْ وَجَدَ مَا يُخَالِفُهُ. قُلْت: وَلَعَلَّ ذَلِكَ سَاقِطٌ مِنْ نُسْخَتِهِ وَإِلَّا فَقَدْ وَجَدْته فِيهَا. (قَوْلُهُ قَاصِدًا) أَيْ قَاصِدًا الْخُرُوجَ إلَيْهَا فَلَوْ قَصَدَ الْخُرُوجَ لِغَيْرِهَا حَنِثَ وَإِنْ ذَهَبَ إلَيْهَا (قَوْلُهُ عِنْدَ انْفِصَالِهِ مِنْ بَابِ دَارِهِ) لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يُعَدُّ خَارِجًا بِهَا، فَلَوْ كَانَ فِي مَنْزِلٍ مِنْ دَارِهِ فَخَرَجَ إلَى صَحْنِهَا ثُمَّ رَجَعَ لَا يَحْنَثُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَابِ الدَّارِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ خَارِجًا فِي جِنَازَةِ فُلَانٍ مَا دَامَ فِي دَارِهِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ مَشَى مَعَهَا أَمْ لَا وَلِمَا اسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ أَيْضًا. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمُسْتَثْنَى هُوَ الْخُرُوجُ عَلَى قَصْدِ الْجِنَازَةِ وَالْخُرُوجُ هُوَ الِانْفِصَالُ مِنْ دَاخِلٍ إلَى خَارِجٍ، وَلَا يَلْزَمُ فِيهِ الْوُصُولُ إلَيْهَا لِيَمْشِيَ مَعَهَا أَوْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا، وَأَمَّا عِلَّةُ عَدَمِ الْحِنْثِ فِيمَا إذَا أَتَى أَمْرًا آخَرَ بَعْدَ خُرُوجِهِ إلَيْهَا فَهِيَ مَا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ الْإِتْيَانَ لَيْسَ بِخُرُوجٍ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ هُوَ الْخُرُوجُ (قَوْلُهُ وَالذَّهَابِ) كَوْنُ الذَّهَابِ مِثْلَ الْخُرُوجِ هُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَقِيلَ كَالْإِتْيَانِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْوُصُولُ وَصَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ قَالَ الْبَاقَانِيُّ: وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ نَعَمْ لَوْ نَوَى بِالذَّهَابِ الْإِتْيَانَ أَوْ الْخُرُوجَ فَكَمَا نَوَى. اهـ. قُلْت: وَالْإِرْسَالُ وَالْبَعْثُ كَالْخُرُوجِ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْوُصُولُ. فَفِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أُرْسِلْ إلَيْك أَوْ إنْ لَمْ أَبْعَثْ إلَيْك هَذَا الشَّهْرَ نَفَقَتَك فَأَنْتِ كَذَا فَضَاعَتْ مِنْ يَدِ الرَّسُولِ لَا يَحْنَثُ (قَوْلُهُ وَالرَّوَاحِ) هُوَ بَحْثٌ لِلْبَحْرِ كَمَا يَأْتِي وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْعُرْفَ فِيهِ اسْتِعْمَالُهُ مُرَادًا بِهِ الْوُصُولُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ النِّيَّةَ تَكْفِي أَيْضًا (قَوْلُهُ وَالْعِيَادَةِ وَالزِّيَارَةِ) تَابَعَ فِي ذَلِكَ صَاحِبَ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ وَقَيَّدَ بِالْإِتْيَانِ لِأَنَّ الْعِيَادَةَ وَالزِّيَارَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْوُصُولُ وَلِذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: إذَا حَلَفَ لَيَعُودَنَّ فُلَانًا وَلَيَزُورَنَّهُ فَأَتَى بَابَهُ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَرَجَعَ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ أَتَى بَابَهُ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْ حَنِثَ. اهـ. قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْإِتْيَانَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاجْتِمَاعُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْتِي فُلَانًا فَهُوَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ أَوْ حَانُوتَهُ لَقِيَهُ أَوْ لَمْ يَلْقَهُ وَإِنْ أَتَى مَسْجِدَهُ لَمْ يَحْنَثْ رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ عَنْ مُحَمَّدٍ اهـ. فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْعِيَادَةَ وَالزِّيَارَةَ مِثْلُ الْإِتْيَانِ فِي اشْتِرَاطِ الْوُصُولِ إلَى الْمَنْزِلِ دُونَ صَاحِبِهِ بَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْعِيَادَةِ وَالزِّيَارَةِ الِاسْتِئْذَانُ فَهُمَا أَقْوَى مِنْ الْإِتْيَانِ فِي اشْتِرَاطِ الْوُصُولِ، فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُهُمَا بِالْخُرُوجِ وَالذَّهَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مُلْهِمُ الصَّوَابِ (قَوْلُهُ إلَّا فِي الْإِتْيَانِ) صَوَابُهُ إلَّا فِي الْإِتْيَانِ وَالْعِيَادَةِ وَالزِّيَارَةِ كَمَا عَلِمْت مِنْ اشْتِرَاطِ الْوُصُولِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 755 فَلَوْ حَلَفَ (لَا يَخْرُجُ أَوْ لَا يَذْهَبُ) أَوْ لَا يَرُوحُ بَحْرٌ بَحْثًا (إلَى مَكَّةَ فَخَرَجَ يُرِيدُهَا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهَا) قَصَدَ غَيْرَهَا أَمْ لَا نَهْرٌ (حَنِثَ إذَا جَاوَزَ عِمْرَانَ مِصْرِهِ عَلَى قَصْدِهَا) إنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مُدَّةَ سَفَرٍ وَإِلَّا حَنِثَ بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِهِ فَتْحٌ بَحْثًا، وَفِيهِ حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ مَعَ فُلَانٍ الْعَامَ إلَى مَكَّةَ فَخَرَجَ مَعَهُ حَتَّى جَاوَزَ الْبُيُوتَ، وَفِي لَا يَخْرُجُ مِنْ بَغْدَادَ   [رد المحتار] فِي الثَّلَاثَةِ وَمِثْلُهُ الصُّعُودُ. فَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ صَعِدْت هَذَا السَّطْحَ فَأَنْتِ كَذَا فَارْتَقَتْ مِرْقَاتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَقِيلَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَارُّ فِي الذَّهَابِ. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَعِنْدِي لَا يَحْنَثُ هُنَا بِالِاتِّفَاقِ اهـ. قُلْت: وَصَحَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ صُعُودَ السَّطْحِ الِاسْتِعْلَاءُ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْوُصُولِ، نَعَمْ لَوْ قَالَ: إنْ صَعِدْت إلَى السَّطْحِ يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَارُّ تَأَمَّلْ، وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْمُنْتَقَى لَزِمَ رَجُلًا فَحَلَفَ الْمُلْتَزِمُ لَيَأْتِيَنَّهُ غَدًا فَأَتَى فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَزِمَهُ فِيهِ لَا يَبَرُّ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ، وَلَوْ لَزِمَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَتَحَوَّلَ إلَى غَيْرِهِ لَا يَبَرُّ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَنْزِلَ الَّذِي تَحَوَّلَ إلَيْهِ وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ آتِك غَدًا فِي مَوْضِعِ كَذَا فَأَتَاهُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَقَدْ بَرَّ بِخِلَافِ إنْ لَمْ أُوَافِك لِأَنَّهُ عَلَى أَنْ يَجْتَمِعَا (قَوْلُهُ فَلَوْ حَلَفَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الْخُرُوجِ وَالذَّهَابِ إلَخْ ط (قَوْلُهُ بَحْرٌ بَحْثًا) يُؤَيِّدُهُ الْعُرْفُ وَكَذَا مَا فِي الْمِصْبَاحِ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ يَتَوَهَّمُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الرَّوَاحَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي آخِرِ النَّهَارِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الرَّوَاحُ وَالْغُدُوُّ عِنْدَ الْعَرَبِ يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْمَسِيرِ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ رَاحَ إلَى الْجُمُعَةِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَلَهُ كَذَا» أَيْ مَنْ ذَهَبَ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهَا) وَكَذَا لَوْ لَمْ يَرْجِعْ بِالْأَوْلَى فَهُوَ غَيْرُ قَيْدٍ وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ رَجَعَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يَرْجِعْ. مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَى مَكَّةَ وَنَحْوِهَا (قَوْلُهُ قَصَدَ غَيْرَهَا أَمْ لَا) أَيْ لِأَنَّ الْحِنْثَ تَحَقَّقَ بِمُجَرَّدِ الْخُرُوجِ عَلَى قَصْدِهَا، فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَعْدَمَا خَرَجَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ الذَّهَابَ إلَى غَيْرِهَا أَوْ لَا (قَوْلُهُ فَتْحٌ بَحْثًا) حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ قَالُوا إنَّمَا يَحْنَثُ إذَا جَاوَزَ عُمْرَانَهُ عَلَى قَصْدِهَا كَأَنَّهُ ضَمَّنَ لَفْظًا آخَرَ مَعْنَى أُسَافِرُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُضِيَّ إلَيْهَا سَفَرٌ لَكِنْ عَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مُدَّةُ سَفَرٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِهِ مِنْ الدَّاخِلِ. اهـ. قُلْت: يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ لِأَنَّ الْخُرُوجَ إلَى مَكَّةَ سَفَرٌ وَالْإِنْسَانُ لَا يُعَدُّ مُسَافِرًا إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ عُمْرَانَ مِصْرِهِ اهـ أَيْ بِخِلَافِ الْخُرُوجِ إلَى الْجِنَازَةِ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْجِنَازَةُ فِي الْمِصْرِ اُعْتُبِرَ فِي الْخُرُوجِ انْفِصَالُهُ مِنْ بَابِ دَارِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَقْبَرَةُ خَارِجَ الْمِصْرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى الْمَقْبَرَةِ، أَمَّا لَوْ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى الْقَرْيَةِ مَثَلًا مِمَّا يَلْزَمُ مِنْهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمِصْرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مُجَاوَزَةُ الْعُمْرَانِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ مُدَّةَ سَفَرٍ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ قَالَ عُمَرُ بْنُ أَسَدٍ: سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ الرِّقَّةِ مَا الْخُرُوجُ؟ قَالَ، إذَا جَعَلَ الْبُيُوتَ خَلْفَ ظَهْرِهِ لِأَنَّ مَنْ حَصَلَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخُرُوجَ إذَا كَانَ مِنْ الْبَلَدِ فَلَا يَحْنَثُ حَتَّى يُجَاوِزَ عُمْرَانَ مِصْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ إلَى مَقْصِدِهِ مُدَّةُ سَفَرٍ أَوْ لَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خُرُوجًا مِنْ الْبَلَدِ فَلَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْعُمْرَانِ اهـ. وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا بَحَثَهُ فِي الْفَتْحِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِيهِ إلَخْ) لَمْ أَجِدْ ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ بَلْ هُوَ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ مَعَ فُلَانٍ الْعَامَ) الَّذِي فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ الْعَامَ أَيْ هَذِهِ السَّنَةَ فَهُوَ ظَرْفُ زَمَانٍ مُعَرَّفٌ بِأَلْ الَّتِي لِلْحُضُورِ (قَوْلُهُ بَرَّ) فَإِذَا بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ رَجَعَ بِلَا ضَرَرٍ بَحْرٌ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ عَلَى قَصْدِ السَّفَرِ لَا عَلَى قَصْدِ الرُّجُوعِ وَلِذَا قَالَ: فَإِذَا بَدَا لَهُ إلَخْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 756 فَخَرَجَ مَعَ جِنَازَةٍ وَالْمَقَابِرُ خَارِجُ بَغْدَادَ حَنِثَ (وَفِي لَا يَأْتِيهَا لَا) يَحْنَثُ إلَّا بِالْوُصُولِ كَمَا مَرَّ وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى (كَمَا) لَا يَحْنَثُ (لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا تَأْتِيَ امْرَأَتُهُ عُرْسَ فُلَانٍ فَذَهَبَتْ قَبْلَ الْعُرْسِ وَكَانَتْ ثَمَّةَ حَتَّى مَضَى) الْعُرْسُ لِأَنَّهَا مَا أَتَتْ الْعُرْسَ بَلْ الْعُرْسُ أَتَاهَا ذَخِيرَةٌ. حَلَفَ (لَيَأْتِيَنَّهُ) فَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ أَوْ حَانُوتَهُ لَقِيَهُ أَمْ لَا (فَلَوْ لَمْ يَأْتِهِ حَتَّى مَاتَ) أَحَدُهُمَا (حَنِثَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ) وَكَذَا كُلُّ يَمِينٍ مُطْلَقَةٍ أَمَّا الْمُؤَقَّتَةُ فَيُعْتَبَرُ آخِرُهَا فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّهِ فَلَا حِنْثَ وَقَوْلُهُ: حَنِثَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ ارْتَدَّ وَلَحِقَ لَا يَحْنَثُ لِبُطْلَانِ يَمِينِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ كَمَا مَرَّ   [رد المحتار] وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ فَإِذَا خَرَجَ مَعَهُ فَجَاوَزَ الْبُيُوتَ وَوَجَبَ عَلَيْهِ قَصْرُ الصَّلَاةِ فَقَدْ بَرَّ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ وُجُوبَ الْقَصْرِ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ قَصْدِ السَّفَرِ وَكَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ فَخَرَجَ يُرِيدُهَا. [تَنْبِيهٌ] يُعْلَمُ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ جَوَابُ مَا يَقَعُ كَثِيرًا فِيمَنْ حَلَفَ لَيُسَافِرَنَّ فَإِنَّهُ يَبَرُّ بِمُجَاوَزَتِهِ الْعُمْرَانَ عَلَى قَصْدِ السَّفَرِ إلَى مَكَان بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُدَّةُ السَّفَرِ، فَإِذَا بَدَا لَهُ الرُّجُوعُ رَجَعَ بِلَا ضَرَرٍ وَبِهِ أَفْتَى الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ السَّفَرِ كَمَا قُلْنَا لَا مُجَرَّدِ الْخُرُوجِ عَلَى قَصْدِ الرُّجُوعِ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ بِهِ السَّفَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فَخَرَجَ مَعَ جِنَازَةٍ) أَيْ خَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ مَعَ الْجِنَازَةِ بِأَنْ جَاوَزَ الْعُمْرَانَ قَالَ ط: لَكِنَّ الْعُرْفَ بِخِلَافِهِ فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ مِصْرَ فَزَارَ الْإِمَامَ لَا يُعَدُّ خَارِجًا مِنْهَا فِي عُرْفِنَا. اهـ. قُلْت: لَكِنْ إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْخُرُوجِ مُطْلَقًا لِسَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ يُعَدُّ خَارِجًا (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ إلَّا فِي الْإِتْيَانِ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى) هُوَ أَنَّ الْخُرُوجَ الِانْفِصَالُ مِنْ الدَّاخِلِ إلَى الْخَارِجِ وَأَمَّا الْإِتْيَانُ فَعِبَارَةٌ عَنْ الْوُصُولِ قَالَ تَعَالَى - {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا} [الشعراء: 16]- (قَوْلُهُ فَذَهَبَتْ قَبْلَ الْعُرْسِ) أَيْ بِحَيْثُ لَا تُعَدُّ عُرْفًا أَنَّهَا أَتَتْ الْعُرْسَ بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي مُبَادِيهِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَا يَذْهَبُ إلَى وَلِيمَةٍ فَذَهَبَ لِطَلَبِ غَرِيمِهِ لَا يَحْنَثُ اهـ أَيْ إذَا كَانَ الْغَرِيمُ فِي الْوَلِيمَةِ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْإِسْبِيجَابِيُّ. (قَوْلُهُ فَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ أَوْ حَانُوتَهُ) فَلَوْ أَتَى مَسْجِدَهُ لَا يَكْفِي فَالشَّرْطُ الْوُصُولُ إلَى مَحَلِّهِ لَا الِاجْتِمَاعُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ حَتَّى مَاتَ أَحَدُهُمَا) قُدِّرَ لَفْظُ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْحِنْثَ لَا يَخْتَصُّ بِمَوْتِ الْحَالِفِ فَقَطْ، بَلْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ حَنِثَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ) أَيْ حَيَاةِ أَحَدِهِمَا، فَلَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِالطَّلَاقِ فَمَاتَتْ الْمَرْأَةُ تَبْقَى الْيَمِينُ لَامِكَانِ الْإِتْيَانِ بَعْدَ مَوْتِهَا، نَعَمْ لَوْ كَانَ الشَّرْطُ طَلَاقَهَا مِثْلُ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَحْنَثُ بِمَوْتِهَا أَيْضًا لِتَحَقُّقِ الْيَأْسِ عَنْ الشَّرْطِ بِمَوْتِهَا إذْ لَا يُمْكِنُ طَلَاقُهَا بَعْدَهُ بِخِلَافِ الْإِتْيَانِ وَنَحْوِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ الصَّرِيحِ عَنْ الْفَتْحِ، وَكَلَامُ الْفَتْحِ هُنَا مُوهِمٌ خِلَافَ الْمُرَادِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ وَكَذَا كُلُّ يَمِينٍ مُطْلَقَةٍ) أَيْ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْإِتْيَانِ، بَلْ كُلُّ فِعْلٍ حَلَفَ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَأَطْلَقَهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِوَقْتٍ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ الْبِرِّ مِثْلُ لَيَضْرِبَنَّ زَيْدًا أَوْ لَيُعْطِيَنَّ فُلَانَةَ أَوْ لَيُطَلِّقَنَّ زَوْجَتَهُ وَتَحَقَّقَ الْيَأْسُ عَنْ الْبِرِّ يَكُونُ بِفَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلِذَا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَأَصْلُ هَذَا الْحَالِفِ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ لَا يَحْنَثُ مَا دَامَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَائِمَيْنِ لِتَصَوُّرِ الْبِرِّ فَإِذَا فَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ. اهـ. بَحْرٌ قَالَ ح وَهَذَا إذَا كَانَتْ عَلَى الْإِثْبَاتِ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى النَّفْيِ لَا يَحْنَثُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ وَيُمْكِنُ حِنْثُهُ حَالًا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ أَمَّا الْمُؤَقَّتَةُ فَيُعْتَبَرُ آخِرُهَا) أَيْ آخِرُ وَقْتِهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ آخِرُهُ أَيْ آخِرُ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ أَيْ فَإِذَا مَضَى الْوَقْتُ وَلَمْ يَفْعَلْ حَنِثَ (قَوْلُهُ فَلَا حِنْثَ) لِتَعَلُّقِ الْحِنْثِ بِآخِرِ الْوَقْتِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ (قَوْله لِبُطْلَانِ يَمِينِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ يَمِينَهُ لَوْ كَانَتْ بِالطَّلَاقِ مَثَلًا لَا تَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ لِأَنَّ الْكُفْرَ لَا يُنَافِي التَّعْلِيقَ بِغَيْرِ الْقُرْبِ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً. اهـ. ح (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 757 فَتَدَبَّرْ. حَلَفَ (لَيَأْتِيَنَّهُ غَدًا إنْ اسْتَطَاعَ فَهِيَ) اسْتِطَاعَةُ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ فَتَقَعُ (عَلَى رَفْعِ الْمَوَانِعِ) كَمَرَضٍ أَوْ سُلْطَانٍ وَكَذَا جُنُونٌ أَوْ نِسْيَانٌ بَحْرٌ بَحْثًا (وَإِنْ نَوَى) بِهَا (الْقُدْرَةَ) الْحَقِيقِيَّةَ الْمُقَارِنَةَ لِلْفِعْلِ (صَدَقَ دِيَانَةً) لَا قَضَاءً عَلَى الْأَوْجَهِ فَتْحٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَقَدْ أَظْهَرَ الزَّاهِدِيُّ اعْتِزَالَهُ هُنَا فِي الْمُجْتَبَى أَظْهَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ. (لَا تَخْرُجِي) بِغَيْرِ إذْنِي أَوْ (إلَّا بِإِذْنِي) أَوْ بِأَمْرِي أَوْ بِعِلْمِي أَوْ بِرِضَايَ   [رد المحتار] أَيْ أَوَّلَ الْأَيْمَانِ (قَوْلُهُ فَتَدَبَّرْ) أَمْرٌ بِالتَّدَبُّرِ إشَارَةً إلَى خَفَاءِ إفَادَةِ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ حَنِثَ وَوَجْهُهَا أَنَّ حِنْثَهُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْيَمِينِ صَحِيحَةً قَبْلَ الْمَوْتِ، إذْ الْبَاطِلَةُ لَا حِنْثَ فِيهَا وَالْحُكْمُ بِاللِّحَاقِ مُرْتَدًّا وَإِنْ كَانَ مَوْتًا حُكْمًا لَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ هُنَا لِبُطْلَانِ الْيَمِينِ بِمُجَرَّدِ الرَّدِّ قَبْلَ الْحُكْمِ بِاللِّحَاقِ الَّذِي هُوَ فِي حُكْمِ الْمَوْتِ فَحَيْثُ بَطَلَتْ الْيَمِينُ قَبْلَ الْمَوْتِ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ حَتَّى مَاتَ الْمَوْتُ الْحَقِيقِيُّ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْحِنْثُ بِالْمَوْتِ الْحُكْمِيِّ فَافْهَمْ. مَطْلَبُ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّهُ إنْ اسْتَطَاعَ (قَوْلُهُ فَهِيَ اسْتِطَاعَةُ الصِّحَّةِ) أَيْ الِاسْتِطَاعَةُ الْمَعْلُومَةُ مِنْ اسْتَطَاعَ هِيَ سَلَامَةُ آلَاتِ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَصِحَّةُ أَسْبَابِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَالْمُرَادُ بِالْآلَاتِ الْجَوَارِحُ فَالْمَرِيضُ لَيْسَ بِمُسْتَطِيعٍ وَصِحَّةُ الْأَسْبَابِ تَهْيِئَةٌ لِإِرَادَةِ الْفِعْلِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ، فَخَرَجَ الْمَمْنُوعُ نَهْرٌ أَيْ مَنْ مَنَعَهُ سُلْطَانٌ وَنَحْوُهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ) أَيْ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97]- بِخِلَافِ الْمَعْنَى الْآتِي فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ فَتَقَعُ عَلَى رَفْعِ الْمَوَانِعِ) يَشْمَلُ الْمَانِعَ الْمَعْنَوِيَّ كَالْمَرَضِ وَالْحِسِّيَّ كَالْقَيْدِ وَنَحْوِهِ فَيُسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ سَلَامَةِ الْآلَاتِ، وَلِهَذَا فَسَّرَهَا مُحَمَّدٌ بِقَوْلِهِ إذَا لَمْ يَمْرَضْ وَلَمْ يَمْنَعْهُ السُّلْطَانُ وَلَمْ يَجِئْ أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِهِ فَلَمْ يَأْتِهِ حَنِثَ. اهـ. (قَوْلُهُ بَحْرٌ بَحْثًا) حَيْثُ قَالَ: فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا نَسِيَ الْيَمِينَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ النِّسْيَانَ مَانِعٌ وَكَذَا لَوْ جُنَّ فَلَمْ يَأْتِهِ حَتَّى مَضَى الْغَدُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ الْمُقَارِنَةَ لِلْفِعْلِ) أَيْ الَّتِي تُخْلَقُ مَعَهُ بِلَا تَأْثِيرٍ لَهَا فِيهِ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ صَدَقَ دِيَانَةً) فَإِذَا لَمْ يَأْتِهِ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ لَا يَحْنَثُ كَأَنَّهُ قَالَ لَآتِيَنَّك إنْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى إتْيَانِي وَهُوَ إذَا لَمْ يَأْتِ لَمْ يُخْلَقْ إتْيَانُهُ وَلَا اسْتِطَاعَتُهُ الْمُقَارِنَةُ وَإِلَّا لَأَتَى فَتْحٌ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقِيلَ يَصْدُقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ لِأَنَّ اسْمَ الِاسْتِطَاعَةِ يُطْلَقُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لَكِنْ تُعُورِفَ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَنْ الْقَرِينَةِ لِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ بِخُصُوصِهِ فَصَارَ ظَاهِرًا فِيهِ بِخُصُوصِهِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي بِخِلَافِ الظَّاهِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ أَظْهَرَ الزَّاهِدِيُّ اعْتِزَالَهُ هُنَا) وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ حَيْثُ قَالَ: إنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ أَنَّهُ لَيْسَ لِإِنْسَانٍ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ، وَأَرَادَ بِهِمْ أَهْلَ الِاعْتِزَالِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ، وَعِبَارَتُهُ هُنَا وَفِي قَوْلِهِ أَيْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ حَقِيقَةُ الِاسْتِطَاعَةِ فِيمَا يُقَارِنُ الْفِعْلَ نَظَرٌ قَوِيٌّ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى مَذْهَبِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالسُّنِّيَّةِ أَنَّ الْقُدْرَةَ تُقَارِنُ الْفِعْلَ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ فِرْعَوْنُ وَهَامَانُ وَسَائِرُ الْكَفَرَةِ الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ قَادِرِينَ عَلَى الْإِيمَانِ وَكَانَ تَكْلِيفُهُمْ بِالْإِيمَانِ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ وَكَانَ إرْسَالُ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَإِنْزَالُ الْكُتُبِ وَالْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ ضَائِعَةً فِي حَقِّهِمْ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ لَيْسَ مَشْرُوطًا بِهَذِهِ الْقُدْرَةِ حَتَّى يَلْزَمَ مَا ذَكَرَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَشْرُوطٌ بِالْقُدْرَةِ الظَّاهِرَةِ وَهِيَ سَلَامَةُ الْآلَاتِ وَصِحَّةُ الْأَسْبَابِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 758 (شُرِطَ) لِلْبَرِّ (لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنٌ) إلَّا لِغَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ أَوْ فُرْقَةٍ وَلَوْ نَوَى الْإِذْنَ مَرَّةً   [رد المحتار] مَطْلَبُ لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي (قَوْلُهُ شُرِطَ لِلْبِرِّ لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنٌ) لِلْبِرِّ مُتَعَلِّقٌ بِشُرِطَ، وَلِكُلِّ مُتَعَلِّقٌ بِنَائِبِ الْفَاعِلِ وَهُوَ إذْنٌ لَا بِشُرِطَ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَعْدِيَةُ فِعْلٍ بِحَرْفَيْنِ مُتَّفِقَيْ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِذْنِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِي أَمَّا مَا بَعْدَهُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَمْرُ أَوْ الْعِلْمُ أَوْ الرِّضَا، وَإِنَّمَا شُرِطَ تَكْرَارُهُ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى خُرُوجٌ مَقْرُونٌ بِالْإِذْنِ فَمَا وَرَاءَهُ دَاخِلٌ فِي الْمَنْعِ الْعَامِ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا تَخْرُجِي خُرُوجًا إلَّا خُرُوجًا مُلْصَقًا بِإِذْنِي، قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيُشْتَرَطُ فِي إذْنِهِ لَهَا أَنْ تَسْمَعَهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ إذْنًا وَأَنْ تَفْهَمَهُ، فَلَوْ أَذِنَ لَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا عَهْدَ لَهَا بِهَا فَخَرَجَتْ حَنِثَتْ، وَأَنْ لَا تَقُومَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْإِذْنَ فَلَوْ قَالَ لَهَا اُخْرُجِي أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ خَرَجْت لَيُخْزِيَنَّك اللَّهُ لَا يَكُونُ إذْنًا صَرَّحَ بِهِ مُحَمَّدٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا فِي غَضَبٍ اُخْرُجِي يَنْوِي التَّهْدِيدَ لَمْ يَكُنْ إذْنًا إذْ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ اُخْرُجِي حَتَّى تَطْلُقِي اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: قَامَتْ لِلْخُرُوجِ فَقَالَ دَعُوهَا تَخْرُجُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ لَمْ يَكُنْ إذْنًا، وَلَوْ سَمِعَ سَائِلًا فَقَالَ لَهَا أَعْطِيهِ لُقْمَةً فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى إعْطَائِهِ بِلَا خُرُوجٍ كَانَ إذْنًا بِالْخُرُوجِ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ قَالَ اشْتَرِ اللَّحْمَ فَهُوَ إذْنٌ، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا بِالْخُرُوجِ إلَى بَعْضِ أَقَارِبِهِ فَخَرَجَتْ لِكَنْسِ الْبَابِ أَوْ خَرَجَتْ فِي وَقْتٍ آخَرَ حَنِثَ، وَلَوْ اسْتَأْذَنَتْ فِي زِيَارَةِ الْأُمِّ فَخَرَجَتْ إلَى بَيْتِ الْأَخِ لَا يَحْنَثُ لِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالْخُرُوجِ، إلَّا إنْ قَالَ إنْ خَرَجْت إلَى أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِي وَفِي لَا تَخْرُجِي إلَّا بِرِضَايَ فَإِذْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أَوْ سَمِعْت وَلَمْ تَفْهَمْ لَا يَحْنَثُ بِالْخُرُوجِ لِأَنَّ الرِّضَا يَتَحَقَّقُ بِلَا عِلْمِهَا بِخِلَافِ الْإِذْنِ، وَفِي إلَّا بِأَمْرِي فَالْأَمْرُ أَنْ يُسْمِعَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ رَسُولِهِ وَفِي الْإِرَادَةِ وَالْهَوَى وَالرِّضَا لَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُهَا، وَفِي إلَّا بِعِلْمِي لَا يَحْنَثُ لَوْ خَرَجَتْ وَهُوَ يَرَاهَا أَوْ أَذِنَ لَهَا بِالْخُرُوجِ فَخَرَجَتْ بَعْدَهُ بِلَا عِلْمِهِ اهـ مُلَخَّصًا، وَتَمَامُ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا فَرْقَ فِي الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُخَاطَبُ الزَّوْجَةَ أَوْ الْعَبْدَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا إلَّا بِإِذْنِ فُلَانٍ أَوْ حَتَّى يَأْذَنَ أَوْ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ، أَوْ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ أَوْ حَتَّى يَقْدَمَ، أَوْ قَالَ لِرَجُلٍ فِي دَارِهِ وَاَللَّهِ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِي فَإِنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الْإِذْنُ فِي هَذَا كُلِّهِ لِأَنَّ قُدُومَ فُلَانٍ لَا يَتَكَرَّرُ عَادَةً وَالْإِذْنُ فِي الْكَلَامِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا يُوجَدُ مِنْ الْكَلَامِ بَعْدَ الْإِذْنِ، وَكَذَا خُرُوجُ الرَّجُلِ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ عَادَةً، بِخِلَافِ الْإِذْنِ لِلزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا ذَلِكَ الْخُرُوجَ الْمَأْذُونَ فِيهِ لَا كُلَّ خُرُوجٍ إلَّا بِنَصٍّ صَرِيحٍ فِيهِ مِثْلُ أَذِنْت لَك أَنْ تَخْرُجِي كُلَّمَا أَرَدْت الْخُرُوجَ كَذَا فِي الْفَتْحِ. اهـ. [تَتِمَّةٌ] فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ إلَّا بِإِذْنِ فُلَانٍ فَمَاتَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بَطَلَتْ الْيَمِينُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ وَفِي الذَّخِيرَةِ: حَلَفَ لَا يَشْرَبُ بِغَيْرِ إذْنِ فُلَانٍ فَنَاوَلَهُ فُلَانٌ بِيَدِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ بِاللِّسَانِ وَشَرِبَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِذْنٍ بَلْ هُوَ دَلِيلُ الرِّضَا (قَوْلُهُ أَوْ فُرْقَةٍ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: ثُمَّ انْعِقَادُ الْيَمِينِ عَلَى الْإِذْنِ فِي قَوْلِهِ إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِيِّ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَاَللَّهِ لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي مُقَيَّدٌ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَصِحُّ لِمَنْ لَهُ الْمَنْعُ وَهُوَ مِثْلُ السُّلْطَانِ إذَا حَلَّفَ إنْسَانًا لَيَرْفَعَنَّ إلَيْهِ خَبَرَ كُلِّ دَاعِرٍ فِي الْمَدِينَةِ كَانَ عَلَى مُدَّةِ وِلَايَتِهِ فَلَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَخَرَجَتْ بِلَا إذْنٍ لَا تَطْلُقُ وَإِنْ كَانَ زَوَالُ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ عِنْدَنَا لِأَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ إلَّا عَلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ اهـ فَلَوْ لَمْ يُقَيِّدْ بِالْإِذْنِ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِقِيَامِ النِّكَاحِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ فِي أَوَاخِرِ الْأَيْمَانِ مَعَ عِدَّةِ مَسَائِلَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، وَهُوَ كَوْنُ الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ تَصِيرُ مُقَيَّدَةً بِدَلَالَةِ الْحَالِ، بَقِيَ لَوْ خَرَجَتْ فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ هَلْ يَحْنَثُ؟ يَظْهَرُ لِي عَدَمُهُ لِأَنَّهَا وَإِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 759 دُيِّنَ وَتَنْحَلُّ يَمِينُهُ بِخُرُوجِهَا مَرَّةً بِلَا إذْنٍ، وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا خَرَجْت فَقَدْ أَذِنْت لَك سَقَطَ إذْنُهُ، وَلَوْ نَهَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ صَحَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَالْوَلْوَالِجِيَّة. وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ: حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَنْقُلُ أَهْلَهُ لِبَلَدِ كَذَا فَرَفَعَ الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ فَبَعَثَ رَجُلًا بِإِذْنِهِ فَنَقَلَ أَهْلَهُ لَا يَحْنَثُ (بِخِلَافِ) قَوْلِهِ (إلَّا إنْ أَوْ حَتَّى) آذَنَ لَك لِأَنَّهُ لِلْغَايَةِ وَلَوْ نَوَى التَّعَدُّدَ صَدَقَ. (حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ يُرَادُ بِهِ نِسْبَةَ السُّكْنَى إلَيْهِ) عُرْفًا وَلَوْ تَبَعًا أَوْ بِإِعَارَةٍ بِاعْتِبَارِ عُمُومِ الْمَجَازِ وَمَعْنَاهُ   [رد المحتار] كَانَتْ مَمْنُوعَةً لَكِنَّ مَانِعَهَا الشَّرْعُ لَا الزَّوْجُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ دُيِّنَ) أَيْ وَلَا يَصْدُقُ فِي الْقَضَاءِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى خَانِيَّةٌ أَيْ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَإِنَّمَا دُيِّنَ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ لِأَنَّ الْإِذْنَ مَرَّةً مُوجِبٌ الْغَايَةَ فِي قَوْلِهِ حَتَّى آذَنَ وَبَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْغَايَةِ مُنَاسَبَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَا بَعْدَهُمَا مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهُمَا فَيُسْتَعَارُ إلَّا بِإِذْنِي لِمَعْنَى حَتَّى آذَنَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَتَنْحَلُّ يَمِينُهُ إلَخْ) أَيْ لَوْ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنٍ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ ثُمَّ خَرَجَتْ مَرَّةً ثَانِيَةً بِلَا إذْنٍ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَهَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ صَحَّ) أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ كُلَّمَا خَرَجْت إلَخْ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ ابْنُ الْفَضْلِ، حَتَّى لَوْ خَرَجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ حَنِثَ وَلَوْ أَذِنَ لَهَا بِالْخُرُوجِ ثُمَّ قَالَ لَهَا كُلَّمَا نَهَيْتُك فَقَدْ أَذِنْت لَك فَنَهَاهَا لَا يَصِحُّ نَهْيُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ إلَخْ) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ اسْتِطْرَادِيَّةٌ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ عِبَارَةً فَارِسِيَّةً وَقَالَ بَعْدَهَا ثُمَّ إنَّ الزَّوْجَ ذَهَبَ إلَى سَمَرْقَنْدَ وَبَعَثَ إلَيْهَا أَصْحَابُ السُّلْطَانِ حَتَّى أَخْرَجُوهَا عَلَى كُرْهٍ مِنْهَا وَذَهَبُوا بِهَا إلَى زَوْجِهَا بِسَمَرْقَنْدَ بِأَمْرِ الزَّوْجِ هَلْ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ؟ فَقِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ عَلَى ظَاهِرِ جَوَابِ الْكِتَابِ أَنَّ لِلزَّوْجِ نَقْلَهَا مِنْ بَلْدَةٍ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى بَعْدَمَا أَوْفَى الْمُعَجَّلَ لِأَنَّهُ صَحَّ الْأَمْرُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الزَّوْجِ وَانْتَقَلَ فِعْلُ الْمُخْرَجِ إلَيْهِ فَكَأَنَّ الزَّوْجَ أَخْرَجَهَا بِنَفْسِهِ، أَمَّا عَلَى اخْتِيَارِ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَقْلُهَا لَمْ يَصِحَّ الْأَمْرُ وَلَمْ يَنْتَقِلْ فِعْلُ الْمُخْرَجِ إلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَتْنِ أَيْ لَوْ قَالَ لَا تَخْرُجِي إلَّا أَنْ آذَنَ أَوْ حَتَّى آذَنَ لَك، فَإِنَّهُ يَكْفِي الْإِذْنُ مَرَّةً وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لِلْغَايَةِ، أَمَّا حَتَّى فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إلَّا أَنْ فَتَجُوزُ بِإِلَّا عَنْهَا لِتَعَزُّرِ اسْتِثْنَاءِ الْإِذْنِ مِنْ الْخُرُوجِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ إلَّا إنْ نَسِيَ فَدَخَلَهَا نَاسِيًا ثُمَّ دَخَلَ ذَاكِرًا لَمْ يَحْنَثْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إلَّا نَاسِيًا لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ كُلِّ دُخُولٍ دُخُولًا بِصِفَةٍ فَبَقِيَ مَا سِوَاهُ دَاخِلًا تَحْتَ الْيَمِينِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ بِمَعْنَى حَتَّى فَلَمَّا دَخَلَهَا نَاسِيًا انْتَهَتْ الْيَمِينُ. اهـ. (قَوْلُهُ صَدَقَ) أَيْ قَضَاءً لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ بَحْرٌ. مَطْلَبُ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ يُرَادُ بِهِ نِسْبَةَ السُّكْنَى (قَوْلُهُ وَلَوْ تَبَعًا) حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ أُمِّهِ أَوْ بِنْتِهِ وَهِيَ تَسْكُنُ مَعَ زَوْجِهَا حَنِثَ بِالدُّخُولِ نَهْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ. قُلْت: وَهُوَ خِلَافُ مَا سَيَذْكُرُهُ آخِرَ الْأَيْمَانِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ وَيَظْهَرُ لِي أَرْجَحِيَّةَ مَا هُنَا حَيْثُ كَانَ الْمُعْتَبَرُ نِسْبَةَ السُّكْنَى عُرْفًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ بَيْتَ الْمَرْأَةِ فِي الْعُرْفِ مَا تَسْكُنُهُ تَبَعًا لِزَوْجِهَا وَانْظُرْ مَا سَنَذْكُرُهُ آخِرَ الْأَيْمَانِ (قَوْلُهُ أَوْ بِإِعَارَةٍ) أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ السُّكْنَى بِالْمِلْكِ أَوْ بِالْإِجَارَةِ أَوْ الْعَارِيَّةِ إلَّا إذَا اسْتَعَارَهَا لِيَتَّخِذَ فِيهَا وَلِيمَةً فَيَدْخُلَهَا الْحَالِفُ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْعُمْدَةِ وَالْوَجْهُ فِيهِ ظَاهِرٌ نَهْرٌ أَيْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَسْكَنًا لَهُ (قَوْلُهُ بِاعْتِبَارِ عُمُومِ الْمَجَازِ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ يُرَادُ يَعْنِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي دَارِ زَيْدٍ أَنْ يُرَادَ بِهَا نِسْبَةُ الْمِلْكِ، وَقَدْ أُرِيدَ بِهَا مَا يَشْمَلُ الْعَارِيَّةُ وَنَحْوَهَا وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ بِأَنْ يُرَادَ بِهِ مَعْنًى عَامٌّ يَكُونُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِهِ وَهُوَ نِسْبَةُ السُّكْنَى: أَيْ مَا يَسْكُنُهَا زَيْدٌ بِمِلْكٍ أَوْ عَارِيَّةٍ، لَكِنْ بَقِيَ مَا إذَا دَخَلَ دَارًا مَمْلُوكَةً لِزَيْدٍ وَسَاكِنُهَا غَيْرُهُ فَحَلَفَ رَجُلٌ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ، فَمُقْتَضَى كَوْنِ الْمُعْتَبَرِ نِسْبَةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 760 كَوْنُ مَحَلِّ الْحَقِيقَةِ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ الْمَجَازِ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ حَنِثَ بِدُخُولِهَا مُطْلَقًا) وَلَوْ حَافِيًا أَوْ رَاكِبًا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ مَتَى كَانَتْ مُتَعَذِّرَةً أَوْ مَهْجُورَةً صِيرَ إلَى الْمَجَازِ، حَتَّى لَوْ اضْطَجَعَ وَوَضَعَ قَدَمَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ (وَشُرِطَ لِلْحِنْثِ فِي) قَوْلِهِ (إنْ خَرَجْت مَثَلًا) فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ إنْ ضَرَبْت عَبْدَك فَعَبْدِي حُرٌّ (لِمُرِيدِ الْخُرُوجِ) وَالضَّرْبِ   [رد المحتار] السُّكْنَى أَنْ لَا يَحْنَثَ وَفِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْإِيضَاحِ أَنَّ فِيهِ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: إذَا كَانَ لِزَيْدٍ دَارٌ غَيْرُهَا يَسْكُنُهَا لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَّا فَيَحْنَثُ. اهـ. قُلْت: وَجَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ بِالْحِنْثِ وَلَمْ يُفَصِّلْ وَهُوَ مُرَجَّحٌ لِإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ يُرَادُ بِهِ نِسْبَةُ السُّكْنَى أَوْ الْمِلْكِ، لَكِنْ مَشَى فِي الْمُحِيطِ عَلَى عَدَمِ الْحِنْثِ. فَفِي النَّهْرِ: اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ فَدَارُهُ مُطْلَقًا دَارٌ يَسْكُنُهَا، فَلَوْ دَخَلَ دَارَ غَلَّتِهِ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَعَلَيْهِ تَفَرَّعَ مَا فِي الْمُجْتَبَى إنْ دَخَلْت دَارَ زَيْدٍ فَعَبْدِي حُرٌّ وَإِنْ دَخَلْت دَارَ عَمْرٍو فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَدَخَلَ دَارَ زَيْدٍ وَهِيَ فِي يَدِ عَمْرٍو بِإِجَارَةٍ لَمْ يَعْتِقْ، وَتَطْلُقُ، فَإِنْ نَوَى شَيْئًا صُدِّقَ اهـ: قُلْت: لَكِنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي الْمُجْتَبَى وَكَذَا فِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْهُ يَعْتِقُ وَتَطْلُقُ وَعَلَيْهِ فَهُوَ مُتَفَرِّعٌ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَا عَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَآجَرَهَا فُلَانٌ، فَدَخَلَهَا الْحَالِفُ فِيهِ رِوَايَتَانِ قَالُوا عَدَمُ الْحِنْثِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ عِنْدَهُمَا كَمَا تَبْطُلُ بِالْبَيْعِ تَبْطُلُ بِالْإِجَارَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَمِلْكِ الْيَدِ لِلْغَيْرِ اهـ. قُلْت: هَذَا يُفِيدُ أَنَّ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ أَوَّلًا قَوْلُهُمَا وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ وَيُفِيدُ أَيْضًا أَنَّهَا إذَا بَقِيَتْ بِيَدِ الْمَالِكِ غَيْرَ مَسْكُونَةٍ لِأَحَدٍ تَبْقَى النِّسْبَةُ لَهُ فَيَحْنَثُ الْحَالِفُ بِدُخُولِهَا وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ سَاكِنًا فِي غَيْرِهَا تَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ ثُمَّ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ عَمْرٍو فَبَاعَهَا زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ فَدَخَلَهَا الْحَالِفُ حَنِثَ فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ عِنْدَهُ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْمُسْتَحْدَثُ بَعْدَ الْيَمِينِ يَدْخُلُ فِيهَا لَوْ مَاتَ مَالِكُ الدَّارِ فَدَخَلَ لَا يَحْنَثُ لِانْتِقَالِهَا لِلْوَرَثَةِ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ: يَحْنَثُ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: لَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهَا الْوَرَثَةُ وَبَقِيَتْ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ مُلَخَّصًا. مَطْلَبُ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَافِيًا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلَوْ مُنْتَعِلًا لِأَنَّهُ مَعَ النَّعْلِ لَمْ تَمَسَّ قَدَمُهُ الْأَرْضَ فَيَشْمَلُ الْحَافِيَ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ مُتَعَذِّرَةً) نَحْوَ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ كَمَا يَأْتِي أَوَّلَ الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ أَوْ مَهْجُورَةً) كَمَا فِي مِثَالِنَا (قَوْلُهُ وَوَضَعَ قَدَمَيْهِ) أَيْ بِحَيْثُ يَكُونُ جَسَدُهُ خَارِجَ الدَّارِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَمَتَى صَارَ اللَّفْظُ مَجَازًا عَنْ غَيْرِهِ لَا يُعْتَبَرُ اللَّفْظُ بِحَقِيقَتِهِ، وَيَنْصَرِفُ إلَى الْمَجَازِ كَمَا فِي وَضْعِ الْقَدَمِ إلَّا لِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْمَجَازِ، فَتُعْتَبَرُ الْحَقِيقَةُ فَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ ارْتَقَيْت هَذَا السُّلَّمَ أَوْ وَضَعْت رِجْلَك عَلَيْهِ فَأَنْتِ كَذَا فَوَضَعَتْ رِجْلَهَا عَلَيْهِ وَلَمْ تَرْتَقِ حَنِثَ لِأَنَّ الْعَطْفَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْحَقِيقَةَ ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْمُنْتَقَى لَأَضْرِبَنَّكَ بِالسِّيَاطِ حَتَّى أَقْتُلَك فَهَذَا عَلَى الضَّرْبِ الْوَجِيعِ، وَلَوْ قَالَ: لَأَضْرِبَنَّكَ بِالسَّيْفِ حَتَّى تَمُوتِي فَذَا عَلَى الْمَوْتِ عُرِفَ مُرَادُهُ مِنْ تَقَيُّدِهِ بِالسَّيْفِ اهـ. قُلْت: وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ الْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَلْفَاظِ لَا عَلَى الْأَغْرَاضِ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْأَلْفَاظُ الَّتِي لَمْ تُهْجَرْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ. (قَوْلُهُ لِمُرِيدِ الْخُرُوجِ وَالضَّرْبِ) أَيْ لِشَخْصٍ أَرَادَ الْخُرُوجَ أَوْ أَرَادَ الضَّرْبَ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ أَيْ قَوْلِ الْحَالِفِ، وَقَوْلُهُ فِعْلُهُ فَوْرًا نَائِبُ فَاعِلِ شُرِطَ وَضَمِيرُهُ لِلْمَذْكُورِ مِنْ الْخُرُوجِ وَالضَّرْبِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 761 (فِعْلُهُ فَوْرًا) لِأَنَّ قَصْدَهُ الْمَنْعُ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ عُرْفًا وَمَدَارُ الْأَيْمَانِ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ تُسَمَّى يَمِينَ الْفَوْرِ تَفَرَّدَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِإِظْهَارِهَا وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ. (وَ) كَذَا (فِي) حَلِفِهِ (إنْ تَغَدَّيْت) فَكَذَا (بَعْدَ قَوْلِ الطَّالِبِ) تَعَالَ (تَغَدَّ مَعِي) شُرِطَ لِلْحِنْثِ (تَغَدِّيهِ مَعَهُ) ذَلِكَ الطَّعَامَ الْمَدْعُوَّ إلَيْهِ (وَإِنْ ضَمَّ) إلَى إنْ تَغَدَّيْت (الْيَوْمَ أَوْ مَعَك)   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي يَمِينِ الْفَوْرِ (قَوْلُهُ فَوْرًا) سُئِلَ السُّغْدِيُّ بِمَاذَا يُقَدَّرُ الْفَوْرُ؟ قَالَ بِسَاعَةٍ، وَاسْتَدَلَّ بِمَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ فَقَالَ الزَّوْجُ إنْ خَرَجْت فَعَادَتْ وَجَلَسَتْ وَخَرَجَتْ بَعْدَ سَاعَةٍ لَا يَحْنَثُ حَمَوِيٌّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِعَدَمِ حِنْثِهِ إذَا خَرَجَتْ بَعْدَ سَاعَةٍ تَغَيُّرُ تِلْكَ الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ مَعَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ، يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الْفَتْحِ تَهَيَّأَتْ لِلْخُرُوجِ، فَحَلَفَ لَا تَخْرُجُ فَإِذَا جَلَسَتْ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَتْ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ قَصْدَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ الَّذِي تَهَيَّأَتْ لَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ خَرَجْت السَّاعَةَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ نَوَى شَيْئًا عَمِلَ بِهِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. قُلْت: وَهُوَ مُفَادُ عِبَارَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَيْضًا، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ إنْ لَمْ تَقُومِي السَّاعَةَ وَتَجِيئِي إلَى الدَّارِ فَأَنْتِ كَذَا فَقَامَتْ السَّاعَةَ وَلَبِسَتْ الثِّيَابَ وَخَرَجَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ وَجَلَسَتْ حَتَّى خَرَجَ الزَّوْجُ فَخَرَجَتْ وَأَتَتْ الدَّارَ بَعْدَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ رُجُوعَهَا وَجُلُوسَهَا مَا دَامَتْ فِي تَهَيُّؤِ الْخُرُوجِ لَا يَكُونُ تَرْكًا لِلْفَوْرِ كَمَا لَوْ أَخَذَهَا الْبَوْلُ فَبَالَتْ قَبْلَ لُبْسِ الثِّيَابِ اهـ مُلَخَّصًا إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ فَإِنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ عَدَمُ الْخُرُوجِ وَهُوَ تَرْكٌ فَيَتَحَقَّقُ بِتَحَقُّقِ ضِدِّهِ وَهُوَ الْجُلُوسُ عَلَى وَجْهِ الْإِعْرَاضِ فَإِنَّهَا إنَّمَا جَلَسَتْ لِلْإِعْرَاضِ عَنْ الْخُرْجَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا فَيَتَحَقَّقُ عَدَمُ الْخُرُوجِ سَوَاءٌ تَغَيَّرَتْ الْهَيْئَةُ أَوْ لَا وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي الْمَجِيءُ الْمُثْبَتُ، وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِفِعْلِهِ وَالْفَاعِلُ إذَا تَهَيَّأَ لِلْفِعْلِ وَجَلَسَ مُنْتَظِرًا لَهُ عَازِمًا عَلَيْهِ لَا يَكُونُ مُعْرِضًا عَنْهُ بَلْ هُوَ فَاعِلٌ حُكْمًا لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ تِلْكَ الْهَيْئَةِ هُنَا لِيُعْلَمَ بِهَا أَنَّ الْجُلُوسَ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْإِعْرَاضِ لِأَنَّ الْجُلُوسَ ضِدُّ الْفِعْلِ الْمُرَادِ ظَاهِرًا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ تُسَمَّى يَمِينَ الْفَوْرِ إلَخْ) مِنْ فَارَتْ الْقِدْرُ غَلَتْ اُسْتُعِيرَ لِلسُّرْعَةِ أَوْ مِنْ فَوَرَانِ الْغَضَبِ انْفَرَدَ الْإِمَامُ بِإِظْهَارِهَا، وَكَانَتْ الْيَمِينُ أَوَّلًا قِسْمَيْنِ: مُؤَبَّدَةً أَيْ مُطْلَقَةً وَمُؤَقَّتَةً، وَهَذِهِ مُؤَبَّدَةٌ لَفْظًا مُؤَقَّتَةٌ مَعْنًى تَتَقَيَّدُ بِالْحَالِ، إمَّا بِأَنْ تَكُونَ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ حَالِيٍّ كَمَا مُثِّلَ أَوْ أَنْ تَقَعَ جَوَابًا بِالْكَلَامِ يَتَعَلَّقُ بِالْحَالِ كَمَا فِي إنْ تَغَدَّيْت أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ لَكِنْ نَقَلَ فِي الْفَتْحِ عَنْ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ الْحِنْثَ بِهَا اعْتِبَارًا لِلْإِطْلَاقِ اللَّفْظِيِّ. (قَوْلُهُ تَغَدِّيهِ مَعَهُ) نَائِبُ فَاعِلِ شُرِطَ فَلَوْ خَرَجَ إلَى مَنْزِلِهِ فَتَغَدَّى لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ جَوَابَهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْجَوَابِ فَيَنْطَبِقُ عَلَى السُّؤَالِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْغَدَاءِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ ذَلِكَ الطَّعَامَ الْمَدْعُوَّ إلَيْهِ) كَذَا فِي الْإِيضَاحِ لِابْنِ كَمَالٍ مَعْزِيًّا إلَى الْهِدَايَةِ، وَاَلَّذِي فِي الْهِدَايَةِ هُوَ مَا سَمِعْته، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْفِعْلَ أَيْ التَّغَدِّيَ وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الطَّعَامَ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ الْغَدَاءِ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَأَنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْغَدَاءِ إلَخْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ إلَى أَكْلِ الْغَدَاءِ أَوْ أَنَّهُ أَطْلَقَ الْغَدَاءَ عَلَى التَّغَدِّي تَسَاهُلًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْبَابِ الْآتِي الْغَدَاءُ الْأَكْلُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الظُّهْرِ قَالَ فِي الْفَتْحِ هُنَاكَ وَهَذَا تَسَاهُلٌ مَعْرُوفُ الْمَعْنَى فَلَا يُعْتَرَضُ بِهِ اهـ وَيَلْزَمُ عَلَى مَا فَهِمَهُ ابْنُ كَمَالٍ أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ ذَلِكَ الطَّعَامَ فِي بَيْتِهِ وَحْدَهُ يَحْنَثُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ هُوَ التَّغَدِّي مَعَ الطَّالِبِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَدْعُوُّ إلَيْهِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الطَّالِبِ وَلَا فِي كَلَامِ الْحَالِفِ تَعْيِينُ طَعَامٍ، بَلْ لَوْ دَعَاهُ إلَى الْغَدَاءِ مَعَهُ قَبْلَ حُضُورِ طَعَامٍ أَصْلًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ بِدَلِيلِ تَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّ الْجَوَابَ يَنْطَبِقُ عَلَى السُّؤَالِ. نَعَمْ لَوْ قَالَ الطَّالِبُ تَغَدَّ مَعِي هَذَا الطَّعَامَ تَقَيَّدَ بِهِ أَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَلَا. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا الْفَهْمَ الَّذِي فَهِمَهُ ابْنُ كَمَالٍ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلَمْ أَرَ مَنْ سَبَقَهُ إلَيْهِ وَإِنْ عَوَّلَ الشَّارِحُ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ الْيَوْمَ أَوْ مَعَك) مَفْعُولُ ضَمَّ أَيْ بِأَنْ قَالَ إنْ تَغَدَّيْت الْيَوْمَ أَوْ قَالَ إنْ تَغَدَّيْت مَعَك حَنِثَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 762 فَعَبْدِي حُرٌّ (حَنِثَ بِمُطْلَقِ التَّغَدِّي) لِزِيَادَتِهِ عَلَى الْجَوَابِ فَجُعِلَ مُبْتَدِئًا وَفِي طَلَاقِ الْأَشْبَاهِ إنْ لِلتَّرَاخِي إلَّا بِقَرِينَةِ الْفَوْرِ وَمِنْهُ طَلَبَ جِمَاعَهَا فَأَبَتْ فَقَالَ: إنْ لَمْ تَدْخُلِي مَعِي الْبَيْتَ فَدَخَلَتْ بَعْدَ سُكُونِ شَهْوَتِهِ حَنِثَ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ   [رد المحتار] بِمُطْلَقِ التَّغَدِّي. وَاعْتَرَضَ ح قَوْلَهُ: أَوْ مَعَك بِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى السُّؤَالِ لِأَنَّ السُّؤَالَ فِيهِ لَفْظَةُ مَعَ فَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ تَغَدَّ عِنْدِي كَمَا قَالَ فِي الْكَنْزِ اهـ. قُلْت: لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ لَهُ تَغَدَّ مَعِي فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَتَغَدَّى فَذَهَبَ إلَى بَيْتِهِ وَتَغَدَّى مَعَ أَهْلِهِ لَا يَحْنَثُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ يَمِينَهُ عُقِدَتْ عَلَى غَدَاءٍ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ الَّذِي دَعَاهُ إلَيْهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَاَللَّهِ لَا أَتَغَدَّى خَرَجَ جَوَابًا لِسُؤَالِ الْمُخَاطَبِ وَأَمْكَنَ جَعْلُهُ جَوَابًا لِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى حَرْفِ الْجَوَابِ، فَيُجْعَلُ جَوَابًا وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ وَالسُّؤَالُ وَقَعَ عَلَى غَدَاءٍ بِعَيْنِهِ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: تَغَدَّ مَعِي أَيْ هَذَا الْغَدَاءَ، فَيُجْعَلُ ذَلِكَ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ فِي السُّؤَالِ كَأَنَّهُ قَالَ تَغَدَّ مَعِي هَذَا الْغَدَاءَ وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَتَغَدَّى مَعَك لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى حَرْفِ الْجَوَابِ، وَمَعَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ جَوَابًا فَجُعِلَ ابْتِدَاءً وَلَا قَيْدَ فِيهِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ السِّرَاجِيَّةِ، فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ إنْ تَغَدَّيْت مَعَك زِيَادَةٌ عَلَى الْجَوَابِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ مَعَ مَذْكُورٌ فِي كَلَامِ الطَّالِبِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ وَلِعُمُومِهِ الْمَدْعُوَّ إلَيْهِ وَغَيْرَهُ أَيْ التَّغَدِّيَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ لَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ فَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ح فَتَدَبَّرْ، ثُمَّ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ إطْلَاقُ الْغَدَاءِ عَلَى التَّغَدِّي كَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ تَسَاهُلًا (قَوْلُهُ حَنِثَ بِمُطْلَقِ التَّغَدِّي) الْإِطْلَاقُ بِالنَّظَرِ لِلْيَوْمِ مَعْنَاهُ سَوَاءٌ تَغَدَّى مَعَهُ أَوْ فِي بَيْتِهِ مَثَلًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَبِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِهِ مَعِي تَغَدِّيهِ مَعَهُ وَلَوْ فِي غَيْرِ هَذَا الْوَقْتِ، وَلَا يَحْنَثُ إنْ تَغَدَّى مَعَ غَيْرِهِ وَلَوْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي حَلَفَ فِيهِ ط. (قَوْلُهُ فَجَعَلَ مُبْتَدِئًا) لَكِنْ لَوْ نَوَى الْجَوَابَ دُونَ الِابْتِدَاءِ صُدِّقَ دِيَانَةً لِأَنَّ احْتِمَالَ كَوْنِهِ جَوَابًا قَائِمٌ لَا قَضَاءً لِمُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ فِيمَا فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ إنْ تَغَدَّيْت وَنَوَى مَا بَيْنَ الْفَوْرِ وَالْأَبَدِ كَالْيَوْمِ أَوْ الْغَدِ لَمْ يُصَدَّقْ أَصْلًا لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمَلْفُوظِ وَالْحَالُ لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ فَانْتَفَى دَلَالَةُ الْحَالِ، وَدَلَالَةُ الْمَقَالِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَنَوَى عَدَدًا أَوْ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا وَنَوَى لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ لَمْ يَصِحَّ كَذَا فِي شَرْحِهِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ (قَوْلُهُ إنَّ لِلتَّرَاخِي إلَخْ) احْتَرَزَ بِهَا عَنْ إذَا فَإِنَّهَا لِلْفَوْرِ فَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا فَعَلْت كَذَا فَلَمْ أَفْعَلْ كَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَفْعَلْ عَلَى أَثَرِ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَنِثَ، وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَلَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى الْفَوْرِ أَيْضًا اهـ وَمَعْنَى كَوْنِ إنَّ لِلتَّرَاخِي أَنَّهَا تَكُونُ لِلتَّرَاخِي وَغَيْرِهِ عِنْدَ عَدَمِ قَرِينَةِ الْفَوْرِ، وَالْمُرَادُ فِعْلُ الشَّرْطِ الَّذِي دَخَلَتْ عَلَيْهِ، وَمَا رُتِّبَ عَلَيْهِ فَإِذَا قَالَ لَهَا إنْ خَرَجْت فَكَذَا وَخَرَجَتْ فَوْرًا أَوْ بَعْدَ يَوْمٍ مَثَلًا حَنِثَ إلَّا لِقَرِينَةِ الْفَوْرِ، فَيَتَقَيَّدُ بِهِ كَمَا مَرَّ وَمِنْهُ مَا مَثَّلَ بِهِ وَكَذَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ إنْ دَخَلْت دَارَك فَلَمْ أَجْلِسْ فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ اهـ أَيْ الْجُلُوسُ عَلَى فَوْرِ الدُّخُولِ، وَفِيهَا أَيْضًا إنْ بَعَثْت إلَيْك فَلَمْ تَأْتِنِي فَعَبْدِي حُرٌّ، فَبَعَثَ إلَيْهِ فَأَتَاهُ ثُمَّ بَعَثَ إلَيْهِ ثَانِيًا فَلَمْ يَأْتِهِ حَنِثَ وَلَا يَبْطُلُ الْيَمِينُ بِالْبِرِّ حَتَّى يَحْنَثَ مَرَّةً فَحِينَئِذٍ يَبْطُلُ الْيَمِينُ. اهـ. مَطْلَبُ إنْ ضَرَبْتنِي وَلَمْ أَضْرِبْك وَفِي الذَّخِيرَةِ إنْ ضَرَبْتنِي وَلَمْ أَضْرِبْك فَهَذَا عَلَى الْمَاضِي عِنْدَنَا كَأَنَّهُ قَالَ وَلَمْ أَكُنْ ضَرَبْتُك قَبْلَ ضَرْبِك إيَّايَ وَإِنْ نَوَى بَعْدُ صَحَّ أَيْ إنْ ضَرَبْتنِي ابْتِدَاءً وَلَمْ أَضْرِبْك بَعْدَهُ، وَيَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ كَلِمَةَ وَلَمْ تَقَعْ عَلَى الْأَبَدِ كَإِنْ أَتَيْتنِي وَلَمْ آتِك إنْ زُرْتنِي وَلَمْ أَزُرْك وَقَدْ تَقَعُ عَلَى الْفَوْرِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مَعَانِي كَلَامِ النَّاسِ وَكَذَلِكَ تَقَعُ عَلَى قَبْلُ وَعَلَى بَعْدُ كَمَا مَرَّ وَفِي إنْ كَلَّمْتنِي وَلَمْ أُجِبْك عَلَى بَعْدَ لِأَنَّ الْجَوَابَ لَا يَتَقَدَّمُ، وَعَلَى الْفَوْرِ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ حَنِثَ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الدُّخُولُ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَقَدْ فَاتَ فَصَارَ شَرْطُ الْحِنْثِ عَدَمُ الدُّخُولِ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَقَدْ وُجِدَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 763 طُولُ التَّشَاجُرِ لَا يَقْطَعُ الْفَوْرَ، وَكَذَا لَوْ خَافَتْ فَوْتَ الصَّلَاةِ فَصَلَّتْ أَوْ اشْتَغَلَتْ بِالْوُضُوءِ لِصَلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ اشْتَغَلَتْ بِالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ لِأَنَّهُ عُذْرٌ شَرْعًا وَكَذَا عُرْفًا. (مُرَكَّبُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ) وَالْمُكَاتَبِ (لَيْسَ لِمَوْلَاهُ فِي حَقِّ الْيَمِينِ إلَّا) بِشَرْطَيْنِ (إذَا لَمْ يَكُنْ دَيْنُهُ مُسْتَغْرِقًا وَ) قَدْ (نَوَاهُ) فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ (حَلَفَ لَا يَرْكَبُ فَالْيَمِينُ عَلَى مَا يَرْكَبُهُ النَّاسُ) عُرْفًا مِنْ فَرَسٍ وَحِمَارٍ (فَلَوْ رَكِبَ ظَهْرَ إنْسَانٍ) أَوْ بَعِيرًا أَوْ بَقَرَةً أَوْ فِيلًا (لَا يَحْنَثُ) اسْتِحْسَانًا إلَّا بِالنِّيَّةِ ظَهِيرِيَّةٌ.   [رد المحتار] عِبَارَتُهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا لَمْ تَجِيئِي إلَى الْفِرَاشِ هَذِهِ السَّاعَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهُمَا فِي التَّشَاجُرِ فَطَالَ بَيْنَهُمَا كَانَ عَلَى الْفَوْرِ حَتَّى لَوْ ذَهَبَتْ إلَى الْفِرَاشِ لَا يَحْنَثُ اهـ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ بَعْدَ سُكُونِ شَهْوَتِهِ فَيُقَيَّدُ بِهِ مَا قَبْلَهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ الِاخْتِيَارِ فَيَنْبَغِي تَقَيُّدُ هَذَا بِمَا إذَا لَمْ تَسْكُنْ شَهْوَتُهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَذَا إلَخْ) وَكَذَا لَوْ أَخَذَهَا الْبَوْلُ فَبَالَتْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقِيلَ الصَّلَاةُ تَقْطَعُ الْفَوْرَ لِأَنَّهَا عَمَلٌ آخَرُ وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَاشْتَغَلَتْ بِالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ) أَيْ إذَا خَافَتْ فَوْتَهَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَبْلَهُ، وَهَذَا تَكْرَارٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْحَلِفُ وَهِيَ تُصَلِّي تَأَمَّلْ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ اشْتَغَلَتْ بِالتَّطَوُّعِ أَوْ بِالْوُضُوءِ أَوْ أَكَلَتْ أَوْ شَرِبَتْ حَنِثَ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِعُذْرٍ شَرْعًا. اهـ. مَطْلَبُ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ (قَوْلُهُ مَرْكَبُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِشَرْطَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَنْوِيَهَا. الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ، أَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ نَوَى لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَوْلَى فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَنْوِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِلْمَوْلَى لَكِنَّهُ يُضَافُ لِلْعَبْدِ عُرْفًا وَكَذَا شَرْعًا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ» الْحَدِيثَ فَتَخْتَلُّ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَوْلَى فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا يَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ إذْ الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُ لِلسَّيِّدِ عِنْدَهُمَا هِدَايَةٌ. قُلْت: وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمَأْذُونِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ فَيَحْنَثُ فِي غَيْرِ الْمَأْذُونِ إذَا نَوَاهُ بِالْأَوْلَى اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ وَالْمُكَاتَبُ) لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ هُنَا، وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَلَوْ رَكِبَ دَابَّةَ مُكَاتَبِهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَيْسَ بِمُضَافٍ إلَى الْمَوْلَى لَا ذَاتًا وَلَا يَدًا اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ نَوَاهُ اتِّفَاقًا لِأَنَّ دَابَّتَهُ مِلْكٌ لَهُ لَا لِمَوْلَاهُ وَلِذَا يَضْمَنُهَا الْمَوْلَى بِالْإِتْلَافِ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا فَتَدَبَّرْ. ثُمَّ رَأَيْت الْقُهُسْتَانِيَّ قَالَ: وَالْإِضَافَةُ إلَى الْمَأْذُونِ تُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ رَكِبَ مَرْكَبَ الْمُكَاتَبِ لَمْ يَحْنَثْ (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ اسْتِحْسَانًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ اسْمُ الدَّابَّةِ لِمَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ إذَا قَالَ دَابَّةَ فُلَانٍ لِأَنَّ الْعُرْفَ خَصَّصَهُ بِالرُّكُوبِ الْمُعْتَادِ وَالْمُعْتَادُ هُوَ الْحِمَارُ وَالْبَغْلُ وَالْفَرَسُ، فَيُقَيَّدُ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْجَمَلُ مِمَّا يُرْكَبُ أَيْضًا فِي الْأَسْفَارِ وَبَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَلَا يَحْنَثُ بِالْجَمَلِ إلَّا إذَا نَوَاهُ، وَكَذَا الْفِيلُ وَالْبَقَرُ إذَا نَوَاهُ حَنِثَ وَإِلَّا لَا، وَيَنْبَغِي إنْ كَانَ الْحَالِفُ مِنْ الْبَدْوِ أَنْ يَنْعَقِدَ عَلَى الْجَمَلِ أَيْضًا بِلَا نِيَّةٍ لِأَنَّ رُكُوبَهُ مُعْتَادٌ لَهُمْ، وَكَذَا إنْ كَانَ حَضَرِيًّا جَمَّالًا وَالْمَحْلُوفُ عَلَى دَابَّتِهِ جَمَّالٌ دَخَلَ فِي يَمِينِهِ بِلَا نِيَّةٍ، وَإِذَا كَانَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ انْعِقَادَهَا عَلَى الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ، فَلَوْ نَوَى بَعْضَهَا دُونَ بَعْضٍ بِأَنْ نَوَى الْحِمَارَ دُونَ الْفَرَسِ مَثَلًا لَا يَصْدُقُ دِيَانَةً وَلَا قَضَاءً لِأَنَّ نِيَّةَ الْخُصُوصِ لَا تَصِحُّ فِي غَيْرِ اللَّفْظِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي كَذَا فِي الْفَتْحِ. قُلْت: أَيْ لِأَنَّ الْمَحْمُولَ عَلَى الْعُرْفِ هُوَ لَفْظُ أَرْكَبُ لَا لَفْظُ دَابَّةٍ فَإِنَّ لَفْظَ دَابَّةٍ يَشْمَلُ الْكُلَّ عُرْفًا وَلُغَةً وَإِنَّمَا خَصَّصَ الْعُرْفُ لَفْظَ أَرْكَبُ بِهَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ، فَلَوْ نَوَى بَعْضَهَا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الْفِعْلِ وَلَا عُمُومَ لَهُ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ، ثُمَّ حَيْثُ كَانَ الْمَدَارُ عَلَى الْعُرْفِ الْمُعْتَادِ فَيَنْبَغِي أَنَّ الْحَالِفَ لَوْ كَانَ لَيْسَ مِمَّنْ يَرْكَبُ الْحِمَارَ أَنْ لَا يَحْنَثَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 764 قُلْت: وَيَنْبَغِي حِنْثُهُ بِالْبَعِيرِ فِي مِصْرَ وَالشَّامِ وَبِالْفِيلِ فِي الْهِنْدِ لِلتَّعَارُفِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى الدَّابَّةِ مُكْرَهًا فَلَا حِنْثَ كَحَلِفِهِ لَا يَرْكَبُ فَرَسًا فَرَكِبَ بِرْذَوْنًا أَوْ بِعَكْسِهِ لِأَنَّ الْفَرَسَ اسْمٌ لِلْعَرَبِيِّ وَالْبِرْذَوْنَ اسْمٌ لِلْعَجَمِيِّ، وَالْخَيْلُ يَعُمُّ هَذَا لَوْ يَمِينُهُ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ حَنِثَ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ أَوْ لَا يَرْكَبُ مَرْكَبًا حَنِثَ بِكُلِّ مَرْكَبٍ سَفِينَةً أَوْ مَحْمَلًا أَوْ دَابَّةً سِوَى الْآدَمِيِّ، وَسَيَجِيءُ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَيَوَانًا أَوْ دَابَّةً. بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ (ثُمَّ الْأَكْلُ إيصَالُ مَا يَحْتَمِلُ الْمَضْغَ بِفِيهِ إلَى الْجَوْفِ) كَخُبْزٍ وَفَاكِهَةٍ (مَضَغَ أَوْ لَا) أَيْ وَإِنْ ابْتَلَعَهُ بِغَيْرِ مَضْغٍ (وَالشُّرْبُ إيصَالُ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْأَكْلَ مِنْ الْمَائِعَاتِ إلَى الْجَوْفِ) كَمَاءٍ وَعَسَلٍ، فَفِي حَلِفٍ لَا يَأْكُلُ بَيْضَةً حَنِثَ بِبَلْعِهَا   [رد المحتار] بِالْحِمَارِ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَالِفُ مُسَافِرًا أَنْ يَحْنَثَ بِالْجَمَلِ بِلَا نِيَّةٍ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي حِنْثُهُ بِالْبَعِيرِ إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَرْكَبُ الْبَعِيرَ كَالْمُسَافِرِ وَالْجَمَّالِ وَأَهْلِ الْبَدْوِ كَمَا عُرِفَ مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَوْ حُمِلَ إلَخْ) أَمَّا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الرُّكُوبِ فَرَكِبَ حَنِثَ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ أَوْ لَا يَرْكَبُ مَرْكَبًا) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ الْمُخَالِفُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْمَارِّ قَرِيبًا فَالْيَمِينُ عَلَى مَا يَرْكَبُهُ النَّاسُ، نَعَمْ فِي بَعْضٍ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ مَرْكَبًا وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة حَلَفَ لَا يَرْكَبُ مَرْكَبًا فَرَكِبَ سَفِينَةً قَالَ الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ لَا يَحْنَثُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ لَكِنَّ الْعُرْفَ الْآنَ الْمَرْكَبُ خَاصٌّ بِالسَّفِينَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ قَرِيبًا فِي الْبَابِ الْآتِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ] لَمْ يَذْكُرْ مَسَائِلَ اللُّبْسِ هُنَا بَلْ ذَكَرَهَا فِي بَابِ الْيَمِينِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ إسْقَاطَ اللُّبْسِ مِنْ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَذِكْرَهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَكْلُ) تَرْتِيبٌ إخْبَارِيٌّ ط (قَوْلُهُ إلَى الْجَوْفِ) . مُتَعَلِّقٌ بِإِيصَالٍ، فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ كَذَا أَوْ لَا يَشْرَبُ فَأَدْخَلَهُ فِي فِيهِ وَمَضَغَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُدْخِلَهُ فِي جَوْفِهِ لِأَنَّهُ بِدُونِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ أَكْلًا بَلْ يَكُونُ ذَوْقًا ط عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ كَمَاءٍ وَعَسَلٍ) أَيْ غَيْرِ جَامِدٍ وَإِلَّا فَهُوَ مَأْكُولٌ تَأَمَّلْ. ثُمَّ إنَّ الْمَائِعَ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ الْمَضْغَ إنَّمَا يُسَمَّى مَشْرُوبًا إذَا تَنَاوَلَهُ وَحْدَهُ وَإِلَّا فَهُوَ مَأْكُولٌ وَكَذَا عَكْسُهُ. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا اللَّبَنَ فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْعَسَلَ أَوْ الْخَلَّ فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ هَكَذَا يَكُونُ وَلَوْ أَكَلَهُ بِانْفِرَادِهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ شُرْبٌ لَا أَكْلٌ وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْخُبْزَ فَجَفَّفَهُ ثُمَّ دَقَّهُ وَصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَشَرِبَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ شُرْبٌ لَا أَكْلٌ اهـ وَفِي الْفَتْحِ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا فَشَرِبَهُ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ ثَرَدَ فِيهِ فَأَوْصَلَهُ إلَى جَوْفِهِ حَنِثَ اهـ وَقَوْلُهُ ثَرَدَ فِيهِ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ فَتَّ الْخُبْزَ فِيهِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّبَنَ فَطَبَخَ بِهِ أُرْزًا فَأَكَلَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ فِيهِ مَاءً وَإِنْ كَانَ يَرَى عَيْنَهُ، وَكَذَا لَوْ جَعَلَهُ جُبْنًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَكْلَ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ. حَلَفَ لَا يَأْكُلُ السَّمْنَ فَأَكَلَ سَوِيقًا مَلْتُوتًا بِالسَّمْنِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إنْ كَانَ السَّمْنُ مُسْتَبِينًا يَجِدُ طَعْمَهُ حَنِثَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَهْلَكٍ، وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي الْمُخْتَصَرِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ عُصِرَ سَالَ مِنْهُ السَّمْنُ حَنِثَ وَإِلَّا لَا وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ قَالَ أَيْ قَاضِي خَانْ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي مَسْأَلَةِ الْأُرْزِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ اهـ. قُلْت: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مَائِعًا كَلَبَنٍ وَسَمْنٍ وَخَلٍّ فَإِنْ شَرِبَهُ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ تَنَاوَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ وَلَمْ يُسْتَهْلَكْ كَأَكْلِهِ بِخُبْزٍ أَوْ تَمْرٍ حَنِثَ، وَإِنْ اُسْتُهْلِكَ بِأَنْ لَا يَجِدَ طَعْمَهُ أَوْ بِأَنْ لَا يَنْعَصِرَ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَفْسِيرِهِ لَمْ يَحْنَثْ قَالَ السَّائِحَانِيُّ وَقَوْلُ الْحَاكِمِ أَرْفَقُ وَلِذَا مَشَتْ عَلَيْهِ الشُّرُوحُ اهـ وَأَمَّا لَوْ خَلَطَ مَأْكُولًا بِمَأْكُولٍ آخَرَ فَيَأْتِي بِبَيَانِهِ فِي الْفُرُوعِ الْآتِيَةِ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ (قَوْلُهُ فَفِي حَلِفِهِ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى تَعْرِيفِ الْأَكْلِ ط (قَوْلُهُ حَنِثَ بِبَلْعِهَا) أَيْ مَعَ قِشْرِهَا أَوْ بِدُونِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 765 وَفِي لَا يَأْكُلُ عِنَبًا مَثَلًا لَا يَحْنَثُ بِمَصِّهِ لِأَنَّ الْمَصَّ نَوْعٌ ثَالِثٌ، وَلَوْ عَصَرَهُ وَأَكَلَ قِشْرَهُ حَنِثَ بَدَائِعُ لَكِنْ فِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سُكَّرًا لَا يَحْنَثُ بِمَصِّهِ وَفِي عُرْفِنَا يَحْنَثُ، وَأَمَّا الذَّوْقُ فَعَمَلُ الْفَمِ لِمُجَرَّدِ مَعْرِفَةِ الطَّعْمِ وَصَلَ إلَى   [رد المحتار] إذَا كَانَتْ مَسْلُوقَةً (قَوْلُهُ وَفِي لَا يَأْكُلُ عِنَبًا إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ عِنَبًا أَوْ رُمَّانًا فَجَعَلَ يَمْتَصُّهُ وَيَرْمِي تُفْلَهُ وَيَبْتَلِعُ الْمُتَحَصِّلَ بِالْمَصِّ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ أَكْلًا وَلَا شُرْبًا بَلْ مَصٌّ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ. قُلْت: لَكِنْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الشُّرْبِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ إيصَالُ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْمَضْغَ مِنْ الْمَائِعَاتِ إلَى الْجَوْفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمَائِعَ وَقْتَ إدْخَالِهِ الْفَمَ، وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِالْمَصِّ اسْتِخْرَاجُ مَائِيَّةِ الْجَامِدِ بِالْفَمِ وَإِيصَالُهَا إلَى الْجَوْفِ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَمُصُّ شَيْئًا لَا يَحْنَثُ بِشُرْبِ الْمَائِعِ مَعَ أَنَّ السُّنَّةَ فِي شُرْبِ الْمَاءِ الْمَصُّ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَصَّ أَعَمُّ مِنْ الشُّرْبِ مِنْ وَجْهٍ، فَيَجْتَمِعَانِ فِيمَا إذَا أَخَذَ الْمَاءَ بِفِيهِ مَعَ ضِيقِ الشَّفَتَيْنِ، وَيَنْفَرِدُ الشُّرْبُ بِالْعَبِّ وَالْمَصِّ بِاسْتِجْلَابِ مَائِيَّةِ الْجَامِدِ بِالْفَمِ، حَتَّى لَوْ عَصَرَ الْفَاكِهَةَ وَشَرِبَ مَاءَهَا عَبًّا يَحْنَثُ فِي حَلِفِهِ لَا يَشْرَبُ لَا فِي حَلِفِهِ لَا يَمُصُّ، وَلَوْ شَرِبَهُ مَصًّا حَنِثَ فِيهِمَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَصَّ نَوْعٌ ثَالِثٌ) أَيْ فِي بَعْضِ الْأَوْجُهِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ شُرْبًا كَمَا عَلِمْته (قَوْلُهُ وَأَكَلَ قِشْرَهُ) أَيْ وَلَمْ يَشْرَبْ مَاءَهُ لِأَنَّ ذَهَابَ الْمَاءِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَكْلًا لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا مَضَغَهُ وَابْتَلَعَ الْمَاءَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ آكِلًا لَهُ بِابْتِلَاعِ الْمَاءِ فَدَلَّ أَنَّ أَكْلَ الْعِنَبِ هُوَ أَكْلُ الْقِشْرِ وَالْحِصْرِمِ مِنْهُ وَقَدْ وُجِدَ فَيَحْنَثُ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ وَفِيهِ نَظَرٌ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْعُيُونِ أَنَّهُ إذَا ابْتَلَعَ مَاءَهُ فَقَطْ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ ابْتَلَعَ الْحَبَّ أَيْضًا دُونَ الْقِشْرِ يَحْنَثُ وَعَلَّلَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ بِأَنَّ الْعِنَبَ اسْمٌ لِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَفِي الْأَوَّلِ أَكَلَ الْأَقَلَّ وَفِي الثَّانِي الْأَكْثَرَ وَلَهُ حُكْمُ الْكُلِّ (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ بِمَصِّهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَكْلٍ فَقَدْ وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي عُرْفِنَا يَحْنَثُ) مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الْقَلَانِسِيِّ وَهُوَ مَحَطُّ الِاسْتِدْرَاكِ. اهـ. ح أَيْ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ بِالْمَضْغِ وَبِالْمَصِّ عَادَةً، وَكَذَا الْعِنَبُ وَالرُّمَّانُ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الذَّوْقُ فَعَمَلُ الْفَمِ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْحَقُّ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ خِلَافًا لِمَا فِي النَّظْمِ مِنْ أَنَّهُ عَمَلُ الشِّفَاهِ دُونَ الْحَلْقِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِ الذَّوْقِ. قُلْت: لَكِنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامٍ: حَلَفَ لَا يَذُوقُ فَيَمِينُهُ عَلَى الذَّوْقِ حَقِيقَةً، وَهُوَ أَنْ لَا يُوصَلَ إلَى جَوْفِهِ إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَهُ كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ نَحْوُ أَنْ يُقَالَ تَغَدَّ مَعِي فَحَلَفَ لَا يَذُوقُ مَعَهُ طَعَامًا فَهَذَا عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. اهـ. مَطْلَبُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالذَّوْقِ (قَوْلُهُ فَكُلُّ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ذَوْقٌ وَلَا عَكْسَ) أَيْ وَلَيْسَ كُلُّ ذَوْقٍ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الذَّوْقَ أَعَمُّ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْوُصُولُ إلَى الْجَوْفِ بَلْ يَصْدُقُ بِدُونِهِ بِخِلَافِهِمَا، فَإِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ يَحْنَثُ فِي حَلِفِهِ لَا يَذُوقُ وَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ أَوْ لَا يَشْرَبُ فَذَاقَ بِلَا إيصَالٍ إلَى الْجَوْفِ لَمْ يَحْنَثْ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ قَدْ يَتَحَقَّقُ الْأَكْلُ بِلَا ذَوْقٍ كَمَا لَوْ ابْتَلَعَ مَا يَتَوَقَّفُ مَعْرِفَةُ طَعْمِهِ عَلَى الْمَضْغِ كَبَيْضَةٍ أَوْ لَوْزَةٍ وَعَلَيْهِ فَبَيْنَ الْأَكْلِ وَالذَّوْقِ عُمُومٌ وَجْهِيٌّ وَعَنْ هَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 766 الْجَوْفِ أَمْ لَا فَكُلُّ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ذَوْقٌ وَلَا عَكْسَ، وَلَوْ تَمَضْمَضَ لِلصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ عَنَى بِالذَّوْقِ الْأَكْلَ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا لِدَلِيلٍ. (حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ) أَوْ الْكَرْمَةِ (تَقَيَّدَ حِنْثُهُ بِأَكْلِهِ مِنْ ثَمَرِهَا) بِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا بِلَا تَغَيُّرٍ بِصَنْعَةٍ جَدِيدَةٍ فَيَحْنَثُ بِالْعَصِيرِ لَا بِالدُّبْسِ الْمَطْبُوخِ، وَلَا بِوَصْلِ غُصْنٍ مِنْهَا بِشَجَرَةٍ أُخْرَى (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ)   [رد المحتار] قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ قَوْلَ الْمُحِيطِ لَوْ حَلَفَ لَا يَذُوقُ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ يَحْنَثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَكْلُ الْمُقْتَرِنُ بِالْمَضْغِ أَوْ بَلَعَ مَا يُدْرِكُ طَعْمَهُ بِلَا مَضْغٍ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ مَنْ ابْتَلَعَ قَلْبَ لَوْزَةٍ لَا يُقَالُ فِيهِ ذَاقَهَا وَلَا يَحْنَثُ بِبَلْعِهَا. اهـ. قُلْت: وَعَلَى مَا مَرَّ عَنْ النَّظْمِ فَبَيْنَهُمَا التَّبَايُنُ كَمَا بَيْنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ بِفِعْلِ الْآخَرِ (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ) أَيْ فِي حَلِفِهِ لَا يَذُوقُ الْمَاءَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ ذَوْقَ الْمَاءِ بَلْ إقَامَةَ الْقُرْبَةِ وَلِذَاكِرِهِ الذَّوْقُ لِلصَّائِمِ دُونَ الْمَضْمَضَةِ (قَوْلُهُ لَمْ يَصْدُقْ إلَّا لِدَلِيلٍ) أَيْ كَقَوْلِ الْقَائِلِ لَهُ تَغَدَّ مَعِي كَمَا مَرَّ وَكَذَا الْعُرْفُ الْآنَ لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً لَا أَذُوقُ فِي بَيْتِ زَيْدٍ طَعَامًا فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْأَكْلُ. مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ مَطْلَبُ إذَا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ أَوْ وَجَدَ عُرْفًا بِخِلَافِهَا تُرِكَتْ (قَوْلُهُ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ إلَخْ) الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ أَوْ وُجِدَ عُرْفٌ بِخِلَافِ الْحَقِيقَةِ تُرِكَتْ، فَإِذَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى مَا هُوَ مَأْكُولٌ بِعَيْنِهِ انْصَرَفَتْ إلَى الْعَيْنِ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ، وَإِذَا عَقَدَهَا عَلَى مَا لَيْسَ مَأْكُولًا بِعَيْنِهِ أَوْ هُوَ مَأْكُولٌ إلَّا أَنَّهُ لَا تُؤْكَلُ عَيْنُهُ عَادَةً انْصَرَفَتْ إلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ مَجَازًا لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ شَيْئًا فَأَكَلَ مِنْ لَبَنِهَا أَوْ سَمْنِهَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ عَيْنَ الشَّاةِ مَأْكُولَةٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى عَيْنِهَا لَا مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا وَكَذَا الْعِنَبُ، فَلَا يَحْنَثُ بِزَبِيبِهِ وَعَصِيرِهِ، وَفِي النَّخْلَةِ يَحْنَثُ بِتَمْرِهَا وَطَلْعِهَا لِأَنَّ عَيْنَهَا غَيْرُ مَأْكُولَةٍ، وَفِي الدَّقِيقِ يَحْنَثُ بِخُبْزِهِ لِأَنَّ الدَّقِيقَ وَإِنْ كَانَ يُؤْكَلُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ كَذَلِكَ عَادَةً وَتَمَامُهُ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ أَوْ الْكَرْمَةِ) شَجَرَةُ الْعِنَبِ وَلَمْ أَرَهَا بِالتَّاءِ فَلْتُرَاجَعْ (قَوْلُهُ بِالْمُثَلَّثَةِ) لِأَنَّ الْمُرَادَ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا سَوَاءٌ كَانَ تَمْرًا بِالْمُثَنَّاةِ أَوْ غَيْرِهِ كَالْجِمَارِ، وَهُوَ شَيْءٌ أَبْيَضُ لَيِّنٌ فِي رَأْسِ النَّخْلَةِ وَلِأَنَّ النَّخْلَةَ مِثَالٌ وَالْمُرَادُ مَا يَعُمُّهَا وَغَيْرَهَا مِمَّا لَا تُؤْكَلُ عَيْنُهُ (قَوْلُهُ فَيَحْنَثُ بِالْعَصِيرِ) اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْأَكْلِ، وَالْعَصِيرُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَكْلَ هُنَا مَجَازٌ عَنْ التَّنَاوُلِ، فَالْمُرَادُ لَا أَتَنَاوَلُ مِنْهَا شَيْئًا ط. قُلْت: مُقْتَضَى الْجَوَابِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِشُرْبِ الْعَصِيرِ وَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ فَإِنَّ كَلَامَهُمْ يَصِحُّ بِدُونِ هَذَا التَّأْوِيلِ. فَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ الْبَحْرِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا اللَّبَنَ أَوْ الْعَسَلَ أَوْ الْخَلَّ فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ يَحْنَثُ لِأَنَّ أَكْلَهُ هَكَذَا يَكُونُ، وَكَذَا لَوْ ثَرَدَ فِي اللَّبَنِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا يَنْصَرِفُ إلَى كُلِّ مَأْكُولٍ مَطْعُومٍ حَتَّى لَوْ أَكَلَ الْخَلَّ يَحْنَثُ اهـ فَقَدْ صَحَّ أَكْلُ مَا يُشْرَبُ فَكَذَا يُقَالُ هُنَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا بِالدِّبْسِ الْمَطْبُوخِ) وَكَذَا النَّبِيذُ وَالنَّاطِفُ وَالْخَلُّ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَى فِعْلٍ حَادِثٍ، فَلَمْ يَبْقَ مُضَافًا إلَى الشَّجَرَةِ بَحْرٌ، وَلِذَا عَطَفَ عَلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى - {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} [يس: 35]- فَتْحٌ. وَاحْتَرَزَ بِالْمَطْبُوخِ عَمَّا يَسِيلُ مِنْ الرُّطَبِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ مَطْلَبُ فِيمَا لَوْ وَصَلَ غُصْنَ شَجَرَةٍ بِأُخْرَى (قَوْلُهُ وَلَا بِوَصْلِ إلَخْ) يَعْنِي إذَا قَطَعَ غُصْنًا مِنْ الشَّجَرَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا وَوَصَلَهُ بِشَجَرَةٍ أُخْرَى وَأَكَلَ مِنْ الثَّمَرِ الْخَارِجِ مِنْهُ لَا يَحْنَثُ. اهـ. ح. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَحْنَثُ فَتْحٌ وَبَحْرٌ وَلَعَلَّ وَجْهَ الْأَوَّلِ أَنَّ الْغُصْنَ صَارَ جُزْءًا مِنْ الثَّانِيَةِ وَلَا يُسَمَّى فِي الْعُرْفِ أَكْلًا مِنْ الْأُولَى، وَمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الشَّجَرَتَيْنِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ نَوْعَيْنِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 767 لِلشَّجَرَةِ ثَمَرَةٌ (تَنْصَرِفُ) يَمِينُهُ (إلَى ثَمَنِهَا فَيَحْنَثُ إذَا اشْتَرَى بِهِ مَأْكُولًا وَأَكَلَهُ، وَلَوْ أَكَلَ مِنْ عَيْنِ النَّخْلَةِ لَا يَحْنَثُ) وَإِنْ نَوَاهَا لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مَهْجُورَةٌ وَلْوَالَجِيَّةٌ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ نَوَى أَكْلَ عَيْنِهَا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِشَيْخِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصْدُقَ قَضَاءً لِتَعَيُّنِ الْمَجَازِ. زَادَ فِي النَّهْرِ فَإِنْ قُلْت: وَرَقُ الْكَرَمِ مِمَّا يُؤْكَلُ عُرْفًا فَيَنْبَغِي صَرْفُ الْيَمِينِ لِعَيْنِهِ. قُلْت: أَهْلُ الْعُرْفِ إنَّمَا يَأْكُلُونَهُ مَطْبُوخًا (وَفِي الشَّاةِ يَحْنَثُ بِاللَّحْمِ خَاصَّةً) لَا بِاللَّبَنِ لِأَنَّهَا مَأْكُولَةٌ فَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ عَلَيْهَا. (وَلَا يَحْنَثُ فِي) حَلِفِهِ (لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ أَوْ الرُّطَبِ أَوْ اللَّبَنِ بِأَكْلِ رُطَبِهِ وَتَمْرِهِ وَشِيرَازِهِ) لِأَنَّ هَذِهِ صِفَاتٌ دَاعِيَةٌ إلَى الْيَمِينِ فَتَتَقَيَّدُ بِهَا (بِخِلَافِ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ أَوْ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ   [رد المحتار] وَنَقَلَ فِي الذَّخِيرَةِ الْمَسْأَلَةُ مُطْلَقَةٌ كَمَا مَرَّ ثُمَّ صَوَّرَهَا بِمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ شَجَرَةِ التُّفَّاحِ، فَوَصَلَ بِهَا غُصْنَ شَجَرَةِ الْكُمَّثْرَى قَالَ: فَإِنْ سَمَّاهَا بِاسْمِهَا مَعَ الْإِشَارَةِ بِأَنْ قَالَ لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ التُّفَّاحِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهَا بَلْ قَالَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ حَنِثَ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الرِّوَايَةَ هَكَذَا. قُلْت: وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِحَمْلِ الْحِنْثِ عَلَى مَا إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعُ، وَسَمَّى الشَّجَرَةَ بِاسْمِهَا ثُمَّ أَكَلَ مِمَّا سَمَّى وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْحِنْثِ عَلَى مَا إذَا اتَّحَدَ النَّوْعُ أَوْ اخْتَلَفَ وَلَمْ يُسَمِّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فَيَحْنَثُ إذَا اشْتَرَى بِهِ مَأْكُولًا وَأَكَلَهُ) لَفْظَةُ وَأَكَلَهُ زَادَهَا فِي الْبَحْرِ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَقَدْ يُقَالُ يُرَادُ بِالْأَكْلِ الْإِنْفَاقُ فِي أَيِّ شَيْءٍ فَيَحْنَثُ بِهِ إذَا نَوَى فَلْيُنْظَرْ. اهـ. قُلْت: إذَا نَوَى ذَلِكَ لَا كَلَامَ، أَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِ فَالظَّاهِرُ تَقْيِيدُهُ بِالْأَكْلِ حَقِيقَةً، حَتَّى لَوْ اشْتَرَى بِهِ مَشْرُوبًا وَشَرِبَهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا أَكَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ الْكَلَامِ مَا لَمْ يُوجَدْ نَقْلٌ بِخِلَافِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَكَلَ مِنْ عَيْنِ النَّخْلَةِ لَا يَحْنَثُ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ مَهْجُورَةٌ) صَوَابُهُ مُتَعَذِّرَةٌ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ. وَقَالَ فِي حَاشِيَتِهِ: وَمَنْ قَالَ مَهْجُورَةً لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُتَعَذَّرِ وَالْمَهْجُورِ. قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ: الْمُتَعَذَّرُ مَا لَا يُوصَلُ إلَيْهِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ كَأَكْلِ النَّخْلَةِ وَالْمَهْجُورُ مَا يَتَيَسَّرُ إلَيْهِ الْوُصُولُ لَكِنَّ النَّاسَ تَرَكُوهُ كَوَضْعِ الْقَدَمِ. اهـ. ح. وَقَدْ يُقَالُ أَرَادَ بِالْمَهْجُورَةِ الْغَيْرَ الْمُسْتَعْمَلَةَ تَجَوُّزًا كَمَا تَجَوَّزَ صَاحِبُ الْكَشْفِ بِإِطْلَاقِ الْمُتَعَذِّرِ عَلَى الْمُتَعَسِّرِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَشْمَلُ الْقِسْمَيْنِ، وَحَقِيقَةُ الْمُتَعَذِّرِ مِثْلُ قَوْلِهِ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْقَدْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا) مُقْتَضَاهُ أَنَّ نِيَّةَ عَيْنِهَا صَحَّتْ فَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ غَيْرُ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ كَمَا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ فَافْهَمْ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَ أَحَدَهُمَا، وَمَا نُقِلَ عَنْ حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ أَنَّهُ قَالَ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ فَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ وَإِنَّمَا فِيهَا مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ النَّهْرِ آنِفًا مِنْ تَصْحِيحِ مَا فِي الْمَتْنِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ عِبَارَةَ الْوَلْوَالِجيَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِتَعَيُّنِ الْمَجَازِ) وَلِذَا انْصَرَفَ إلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ فَكَانَتْ الْحَقِيقَةُ خِلَافَ الظَّاهِرِ (قَوْلُهُ إنَّمَا يَأْكُلُونَهُ مَطْبُوخًا) أَيْ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ لِكَوْنِهِ دَخَلَهُ صَنْعَةٌ جَدِيدَةٌ ح. (قَوْلُهُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ أَوْ الرُّطَبِ) النَّخْلَةُ عَلَى سِتِّ مَرَاتِبَ: أَوَّلُهَا طَلْعٌ وَثَانِيهَا خُلَالٌ وَثَالِثُهَا بَلَحٌ وَرَابِعُهَا بُسْرٌ وَخَامِسُهَا رُطَبٌ وَسَادِسُهَا تَمْرٌ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ الصِّحَاحِ عَزْمِيَّةٌ (قَوْلُهُ بِأَكْلِ رُطَبِهِ وَتَمْرِهِ وَشِيرَازِهِ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالشِّيرَازُ مِثَالُ دِينَارٍ اللَّبَنُ الرَّائِبُ يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ مَاؤُهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَبَنٌ يُغْلَى حَتَّى يَثْخُنَ ثُمَّ يُنَشَّفُ، وَيَمِيلُ إلَى الْحُمُوضَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذِهِ صِفَاتٌ إلَخْ) إذْ لَا خَفَاءَ أَنَّ صِفَةَ الْبُسُورَةِ وَالرُّطُوبَةِ وَاللَّبَنِيَّةِ مِمَّا قَدْ تَدْعُو إلَى الْيَمِينِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 768 بَعْدَمَا شَاخَ أَوْ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْحَمَلَ) بِفَتْحَتَيْنِ وَلَدُ الشَّاةِ (فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا صَارَ كَبْشًا) فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهَا غَيْرُ دَاعِيَةٍ وَالْأَصْلُ فِي أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ بِصِفَةٍ دَاعِيَةٍ إلَى الْيَمِينِ تَقَيَّدَ بِهِ فِي الْمُعَرَّفِ وَالْمُنَكَّرِ فَإِذَا زَالَتْ زَالَتْ الْيَمِينُ وَمَا لَا يَصْلُحُ دَاعِيَةً اُعْتُبِرَ فِي الْمُنَكَّرِ دُونَ الْمُعَرَّفِ. وَفِي الْمُجْتَبَى حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الْمَجْنُونَ فَبَرَأَ أَوْ هَذَا الْكَافِرُ فَأَسْلَمَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهَا صِفَةٌ دَاعِيَةٌ وَفِي لَا يُكَلِّمُ رَجُلًا فَكَلَّمَ صَبِيًّا حَنِثَ وَقِيلَ لَا كَلَا يُكَلِّمُ صَبِيًّا وَكَلَّمَ بَالِغًا لِأَنَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ يُدْعَى شَابًّا وَفَتًى إلَى الثَّلَاثِينَ فَكَهْلٌ إلَى خَمْسِينَ فَشَيْخٌ (أَوْ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْعِنَبَ فَصَارَ زَبِيبًا) هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ مِمَّا لَا يَحْنَثُ بِهِ (أَوْ لَا يَأْكُلُ   [رد المحتار] بِحَسَبِ الْأَمْزِجَةِ، فَإِذَا زَالَتْ زَالَ مَا عُقِدَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَأَكْلُهُ أَكْلُ مَا لَمْ تَنْعَقِدْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ نَهْرٌ وَفَتْحٌ (قَوْلُهُ بَعْدَمَا شَاخَ) أَيْ صَارَ شَيْخًا وَهُوَ فَوْقَ الْكَهْلِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ بِفَتْحَتَيْنِ) أَيْ فَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ وَلَدُ الشَّاةِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى جَمْعُهُ حُمْلَانٌ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا غَيْرُ دَاعِيَةٍ) أَيْ هَذِهِ الصِّفَاتُ غَيْرُ دَاعِيَةٍ إلَى الِامْتِنَاعِ لِأَنَّ هِجْرَانَ الْمُسْلِمِ بِمَنْعِ الْكَلَامِ مَنْهِيٌّ، فَلَا يُعْتَبَرُ مَا يُخَالُ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ مِنْ جَهْلِ الصَّبِيِّ، أَوْ الشَّابِّ، وَسُوءِ أَدَبِهِ، وَكَذَا صِفَةُ الصِّغَرِ فِي الْحَمْلِ فَإِنَّ الْمُمْتَنِعَ عَنْهُ أَكْثَرُ امْتِنَاعًا عَنْ لَحْمِ الْكَبْشِ لِأَنَّ الصِّغَرَ دَاعٍ إلَى الْأَكْلِ لَا إلَى عَدَمِهِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْهِجْرَانَ قَدْ يَجُوزُ أَوْ يَجِبُ إذَا كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى بِأَنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ أَوْ يَخْشَى فِتْنَتَهُ أَوْ فَسَادَ عِرْضِهِ بِكَلَامِهِ فَإِذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ عُلِمَ أَنَّهُ وَجَدَ الْمُسَوِّغَ، فَيُعْتَبَرُ الدَّاعِي فَيَتَقَيَّدُ بِصِبَاهُ وَشَبِيبَتِهِ وَبِأَنَّ الْحَمْلَ غَيْرُ مَحْمُودٍ لِكَثْرَةِ رُطُوبَاتِهِ، حَتَّى قِيلَ فِيهِ النَّحْسُ بَيْنَ الْجَيِّدَيْنِ، وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الِاعْتِرَاضَ بِذَلِكَ ذُهُولٌ وَنِسْيَانٌ عَنْ وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّهَا بُنِيَتْ عَلَى الْعُرْفِ، وَأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَوْ أَرَادَ مَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ مِنْ اللَّفْظِ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ، فَالْحَمْلُ عِنْدَ الْعُمُومِ غِذَاءٌ فِي غَايَةِ الصَّلَاحِ، وَمَا يُدْرِكُ نَحْسَهُ إلَّا أَفْرَادٌ عَرَفُوا الطِّبَّ فَوَجَبَ تَحْكِيمُ الْعُرْفِ، إذَا لَمْ يَنْوِ ذَاتَ الْحَمْلِ إذْ لَا يُحْكَمُ عَلَى فَرْدٍ مِنْ الْعُمُومِ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِهِمْ، فَيَنْصَرِفُ حَلِفُهُ إلَيْهِمْ، وَكَذَا الصَّبِيُّ لَمَّا كَانَ مَوْضِعَ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ عِنْدَ الْعُمُومِ. وَفِي الشَّرْعِ: لَمْ يُجْعَلْ الصِّبَا دَاعِيَةً إلَى الْيَمِينِ فِي حَقِّ الْعُمُومِ، وَهَذَا لَا يَنْفِي كَوْنَهُ حَالِفًا عُرْفًا عَدَمُ طِيبِ الْحَمْلِ، أَوْ سُوءُ أَدَبِ صَبِيٍّ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَرْدَعُهُ إلَّا الْهَجْرُ، أَوْ عُلِمَ أَنَّ الْكَلَامَ مَعَهُ يَضُرُّهُ فِي دِينِهِ أَوْ عِرْضِهِ، فَعَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى مُدَّةِ الْحَمْلِيَّةِ أَوْ الصِّبَا فَإِنَّا نَصْرِفُ يَمِينَهُ، حَيْثُ صَرَفَهَا، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَيَسْلُكُ بِهِ مَا عَلَيْهِ الْعُمُومُ، أَخْطَئُوا فِيهِ أَوْ أَصَابُوا فَلْيَكُنْ هَذَا مِنْك بِبَالٍ، فَإِنَّك تَدْفَعُ بِهِ كَثِيرًا مِنْ أَمْثَالِ هَذَا الْغَلَطِ الْمُورَدِ عَلَى الْأَئِمَّةِ اهـ مُلَخَّصًا وَهُوَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَقَدْ عَدَلَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ التَّعْلِيلِ بِكَوْنِ الصِّفَةِ دَاعِيَةً أَوْ غَيْرَ دَاعِيَةٍ وَقَالَ الصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الرُّطَبِ أَوْ الْعِنَبِ إذَا صَارَ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا لِأَنَّهُ اسْمٌ لِهَذِهِ الذَّاتِ، وَالرُّطُوبَةُ الَّتِي فِيهَا فَإِذَا أَكَلَهُ بَعْدَ الْجَفَافِ، فَقَدْ أَكَلَ بَعْضَ مَا عُقِدَ الْيَمِينُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ بَعْدَمَا شَاخَ أَوْ الْحَمَلُ بَعْدَمَا صَارَ كَبْشًا فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ بَلْ زَادَ وَالزِّيَادَةُ لَا تَمْنَعُ الْحِنْثَ ثُمَّ قَالَ: فَهَذَا الْفَرْقُ هُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ (قَوْلُهُ تَقَيَّدَ بِهِ) الْأَوْلَى بِهَا (قَوْلُهُ فِي الْمُعَرَّفِ وَالْمُنَكَّرِ) مِثْلُ لَا آكُلُ هَذَا الْبُسْرَ أَوْ لَا آكُلُ بُسْرًا (قَوْلُهُ اُعْتُبِرَ فِي الْمُنَكَّرِ) مِثْلُ لَا آكُلُ حَمَلًا أَوْ لَا أُكَلِّمُ صَبِيًّا لِأَنَّ الْكَبْشَ لَا يُسَمَّى حَمَلًا، وَلَا الشَّيْخَ صَبِيًّا فَلَمْ يُوجَدْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُعَرَّفِ كَهَذَا الْحَمَلِ أَوْ هَذَا الصَّبِيِّ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْغَيْرَ الدَّاعِيَةِ تَلْغُو مَعَ الْإِشَارَةِ فَتُعْتَبَرُ الذَّاتُ الْمُشَارُ إلَيْهَا وَهِيَ بَاقِيَةٌ بَعْدَ زَوَالِ الصِّفَةِ فَلَا تَزُولُ الْيَمِينُ (قَوْلُهُ فَبَرَأَ) فِي الْمِصْبَاحِ بَرِئَ مِنْ الْمَرَضِ يَبْرَأُ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَنَفَعَ. مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ (قَوْلُهُ فَكَلَّمَ صَبِيًّا حَنِثَ) لِأَنَّ اسْمَ الرَّجُلِ يَتَنَاوَلُ الصَّبِيَّ فِي اللُّغَةِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْكَمَالِ فِي تَصْحِيحِ السِّرَاجِيَّةِ، وَلَكِنْ فِي الْعُرْفِ لَا يُسَمَّى فَالْحَقُّ الْقَوْلُ الثَّانِي. اهـ. ح (قَوْلُهُ يُدْعَى شَابًّا إلَخْ) فِي الْوَجِيزِ لِبُرْهَانِ الدِّينِ الْبُخَارِيِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 769 هَذَا اللَّبَنَ فَصَارَ جُبْنًا أَوْ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَيْضَةَ فَأَكَلَ فَرَارِيجَهَا) كَذَا فِي نُسَخِ الشَّرْحِ، وَفِي نُسَخِ الْمَتْنِ فَرْخَهَا (أَوْ لَا يَذُوقُ مِنْ هَذَا الْخَمْرِ فَصَارَ خَلًّا أَوْ مِنْ زَهْرِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَأَكَلَ بَعْدَ مَا صَارَ لَوْزًا) أَوْ مِشْمِشًا لَمْ يَحْنَثْ، بِخِلَافِ حَلِفِهِ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا، فَأَكَلَ حَيْسًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ تَمْرٌ مُفَتَّتٌ، وَإِنْ ضُمَّ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ السَّمْنِ أَوْ غَيْرِهِ بَحْرٌ وَفِيهِ الْأَصْلُ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مُعَيَّنًا فَأَكَلَ بَعْضَهُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ فِي مَجْلِسٍ أَوْ يَشْرَبُهُ فِي شَرْبَةٍ فَالْحَلِفُ عَلَى كُلِّهِ وَإِلَّا فَعَلَى بَعْضِهِ. (وَكَذَا) لَا يَحْنَثُ (لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا أَوْ لَا يَأْكُلُ عِنَبًا فَأَكَلَ زَبِيبًا) بِخِلَافِ نَحْوِ لَوْزٍ وَجَوْزٍ فَإِنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الرُّطَبَ أَيْضًا (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا   [رد المحتار] حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَبِيًّا أَوْ غُلَامًا، أَوْ شَابًّا، أَوْ كَهْلًا فَالْكَلَامُ فِي مَعْرِفَتِهِمْ لُغَةً وَشَرْعًا وَعُرْفًا أَمَّا اللُّغَةُ فَقَالُوا: الصَّبِيُّ يُسَمَّى غُلَامًا إلَى تِسْعَ عَشْرَةَ ثُمَّ شَابًّا إلَى أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ ثُمَّ كَهْلًا إلَى أَحَدٍ وَخَمْسِينَ، ثُمَّ شَيْخًا إلَى آخِرِ عُمْرِهِ، وَأَمَّا الشَّرْعُ فَالْغُلَامُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ فَيَصِيرَ شَابًّا وَفَتًى وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ كَهْلٌ إلَى خَمْسِينَ فَهُوَ شَيْخٌ قَالَ الْقُدُورِيُّ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ الشَّابُّ مِنْ خَمْسَ عَشْرَةَ إلَى خَمْسِينَ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ الشُّمْطُ قَبْلَ ذَلِكَ وَالْكَهْلُ مِنْ ثَلَاثِينَ إلَى آخِرِ عُمْرِهِ، وَالشَّيْخُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِينَ، وَكَانَ يَقُولُ قَبْلَ هَذَا الْكَهْلُ مِنْ ثَلَاثِينَ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ فَأَكْثَرَ وَالشَّيْخُ مِنْ أَرْبَعِينَ إلَى مِائَةٍ وَهُنَا رِوَايَاتٌ أُخَرُ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا بِهِ الْإِفْتَاءُ كَذَا فِي الْفَتْحِ مُلَخَّصًا لَمْ يَذْكُرْ مَعْنَاهَا عُرْفًا لِأَنَّ كُلَّ النَّاسِ قَدْ عَلِمُوا مَشْرَبَهُمْ (قَوْلُهُ فَصَارَ جُبْنًا) فِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ أَجْوَدُهَا سُكُونُ الْبَاءِ وَالثَّانِيَةُ ضَمُّهَا لِلْإِتْبَاعِ، وَالثَّالِثَةُ وَهِيَ أَقَلُّهَا التَّثْقِيلُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهَا مِنْ ضَرُورَةِ الشِّعْرِ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ كَذَا فِي نُسَخِ الشَّرْحِ) أَيْ شَرْحِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ جَعَلَهَا مَتْنًا فِي شَرْحِهِ (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ بَعْضَهَا صِفَاتٌ دَاعِيَةٌ، وَبَعْضُهَا انْقَلَبَتْ عَيْنُهَا (قَوْلُهُ فَأَكَلَ حَيْسًا) فَسَّرَ الْحَيْسَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ اسْمٌ لِتَمْرٍ يُنْقَعُ فِي اللَّبَنِ، وَيَتَشَرَّبُ فِيهِ اللَّبَنُ وَقِيلَ هُوَ طَعَامٌ يُتَّخَذُ مِنْ تَمْرٍ، وَيُضَمُّ إلَى شَيْءٍ مِنْ السَّمْنِ أَوْ غَيْرِهِ وَالْغَالِبُ هُوَ التَّمْرُ فَكَانَ أَجْزَاءُ التَّمْرِ بِحَالِهَا فَيَبْقَى الِاسْمُ اهـ بَحْرٌ (قَوْلُهُ الْأَصْلُ إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ قَبْلَ قَوْلِهِ كُلٌّ عَلَيْهِ حَرَامٌ. [فَرْعٌ] ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ إنْ أَكَلْت هَذَا الرَّغِيفَ الْيَوْمَ فَامْرَأَتُهُ كَذَا وَإِنْ لَمْ آكُلْهُ الْيَوْمَ فَأَمَتُهُ حُرَّةٌ فَأَكَلَ النِّصْفَ لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ عَلَى لُقْمَةٍ فِي فِيهِ فَأَكَلَ بَعْضَهَا وَأَخْرَجَ الْبَعْضَ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ أَكْلُ الْكُلِّ اهـ مُلَخَّصًا. [تَنْبِيهٌ] الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ غَيْرُ قَيْدٍ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: ضَاعَ مَالٌ فِي دَارٍ فَحَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الدَّارِ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ وَاحِدًا أَخْرَجَهُ مَعَ آخَرَ إنْ كَانَ لَا يُطِيقُ وَحْدَهُ، حَنِثَ لِأَنَّ إخْرَاجَهُ كَذَلِكَ يَكُونُ وَإِنْ أَطَاقَهُ وَحْدَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ صَادِقٌ. اهـ. قُلْت: وَعَلَيْهِ لَوْ حَلَفَ لَا يَحْمِلُ هَذِهِ الْخَشَبَةَ أَوْ الْحَجَرَ فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْوَاقِعَاتِ مُشْكِلٌ جِدًّا كَمَا قَالَ فِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيُّ، قَالَ: فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَحْنَثَ فِي يَمِينِ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ الرَّغِيفَ إذْ نَقُولُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرْطُ الْحِنْثِ، فَيَحْنَثُ فِي أَحَدِهِمَا وَفِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ قَالَ إنْ شَرِبَ فُلَانٌ هَذَا الشَّرَابَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَقَالَ الْآخَرُ إنْ لَمْ يَشْرَبْهُ فُلَانٌ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَشَرِبَ فُلَانٌ مَعَ غَيْرِهِ أَوْ انْصَبَّ بَعْضُهُ فِي الْأَرْضِ حَنِثَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ) بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَنَّ وَالْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ خَبَرُ الْأَصْلِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَا يَحْنَثُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِهِ مُعَرَّفًا، وَهُوَ مَا مَرَّ أَوْ مُنَكَّرًا لِزَوَالِ الْيَمِينِ بِزَوَالِ الصِّفَةِ الدَّاعِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ فَإِنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الرَّطْبَ أَيْضًا) بِسُكُونِ الطَّاءِ فِي الرَّطْبِ، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ إبْدَالَهُ بِالْيَابِسِ لِأَنَّ وَجْهَ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الْبُسْرِ وَالْعِنَبِ، وَبَيْنَ الْجَوْزِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 770 أَوْ بُسْرًا أَوْ) حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ رُطَبًا وَلَا بُسْرًا حَنِثَ بِ) أَكْلِ (الْمُذَنِّبِ) بِكَسْرِ النُّونِ لِأَكْلِهِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَزِيَادَةٍ (وَلَا حِنْثَ فِي شِرَاءِ كِبَاسَةٍ) بِكَسْرِ الْكَافِ أَيْ عُرْجُونٍ وَيُقَالُ عُنْقُودُ (بُسْرٍ فِيهَا رُطَبٌ فِي حَلِفِهِ لَا يَشْتَرِي رُطَبًا) لِأَنَّ الشِّرَاءَ يَقَعُ عَلَى الْجُمْلَةِ وَالْمَغْلُوبُ تَابِعٌ بِخِلَافِ حَلِفِهِ عَلَى الْأَكْلِ لِوُقُوعِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا. (وَلَا) حِنْثَ (فِي) حَلِفِهِ (لَا يَأْكُلُ لَحْمًا بِأَكْلِ) مَرَقِهِ أَوْ (سَمَكٍ) إلَّا إذَا نَوَاهُمَا (وَلَا فِي لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ كَافِرًا أَوْ لَا يَجْلِسُ عَلَى وَتَدٍ فَجَلَسَ عَلَى جَبَلٍ) مَعَ تَسْمِيَتِهَا فِي الْقُرْآنِ لَحْمًا وَدَابَّةً وَأَوْتَادًا لِلْعُرْفِ،   [رد المحتار] وَاللَّوْزِ الْحِنْثُ فِي يَابِسِ الْأَخِيرَيْنِ، لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ لَهُ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ هَذَا وَفِي عُرْفِ الشَّامِ الْآنَ اللَّوْزُ خَاصٌّ بِالْيَابِسِ أَمَّا الرَّطْبُ فَيُسَمُّونَهُ عِقَابِيَّةً فَلَا يَحْنَثُ بِهَا. (قَوْلُهُ أَوْ بُسْرًا) أَيْ أَوْ فَحَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا (قَوْلُهُ حَنِثَ بِأَكْلِ الْمُذَنِّبِ) فِي الْمُغْرِبِ بُسْرٌ مُذَنِّبٌ بِكَسْرِ النُّونِ أَيْ مَعَ التَّشْدِيدِ وَقَدْ ذُنِّبَ إذَا بَدَا الْإِرْطَابُ مِنْ قِبَلِ ذَنَبِهِ، وَهُوَ مَا سَفُلَ مِنْ جَانِبِ الْقِمْعِ وَالْعَلَاقَةِ اهـ وَفِي الْمِصْبَاحِ ذَنَّبَ الرُّطَبُ تَذْنِيبًا بَدَا فِيهِ الْإِرْطَابُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْبُسْرِ الْمُذَنِّبِ أَوْ الرُّطَبِ الْمُذَنِّبِ، وَهُوَ الَّذِي أَكْثَرُهُ رُطَبٌ وَشَيْءٌ قَلِيلٌ مِنْهُ بُسْرٌ عَكْسُ الْأَوَّلِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَحَاصِلُ الْمَسَائِلِ أَرْبَعٌ وِفَاقِيَّتَانِ وَخِلَافِيَّتَانِ، فَالْوِفَاقِيَّتَانِ: لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ رُطَبًا مُذَنِّبًا لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا فَيَحْنَثُ فِيهِمَا اتِّفَاقًا، وَالْخِلَافِيَّتَانِ: لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا، لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا مُذَنِّبًا فَيَحْنَثُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ: وَفِي عَامَّةِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ ذُكِرَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي بَعْضِهَا مَعَ الْإِمَامِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالزَّيْلَعِيِّ. (قَوْلُهُ لِأَكْلِهِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَزِيَادَةً) لِأَنَّ آكِلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ آكِلُ رُطَبٍ وَبُسْرٍ فَيَحْنَثُ بِهِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ كَافٍ لِلْحِنْثِ، وَلِهَذَا لَوْ مَيَّزَهُ وَأَكَلَهُ يَحْنَثُ زَيْلَعِيٌّ وَبَحَثَ فِيهِ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى انْعِقَادِ الْيَمِينِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا الْعُرْفِ وَإِلَّا فَالرَّطْبُ الَّذِي فِيهِ بُقْعَةُ بُسْرٍ لَا يُقَالُ لِآكِلِهِ آكِلُ بُسْرٍ فِي الْعُرْفِ فَكَانَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَقْعَدَ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَشْهَدَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ عَلَى قَوْلِهِ بِعَدَمِ الْحِنْثِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ: أَنَّ اعْتِبَارَ الْغَالِبِ هُنَا لِوُقُوعِ الشِّرَاءِ عَلَى الْجُمْلَةِ أَمَّا الْأَكْلُ فَيَنْقَضِي شَيْئًا فَشَيْئًا فَيُصَادِفُ الْمَغْلُوبَ وَحْدَهُ، فَلَا يَتْبَعُ الْغَالِبَ وَبَحَثَ فِيهِ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ هَذَا قَاصِرٌ عَلَى مَا إذَا فَصَلَهُ فَأَكَلَهُ وَحْدَهُ أَمَّا لَوْ أَكَلَهُ جُمْلَةً تَحَقَّقَتْ التَّبَعِيَّةُ. اهـ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْبُسْرَ غَالِبٌ بِقَرِينَةِ الْإِضَافَةِ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: إذْ الْمُتَبَادَرُ مِنْ إضَافَةِ الْكِبَاسَةِ إلَى الْبُسْرِ، وَجَعْلِهَا ظَرْفًا لِلرُّطَبِ أَنَّ الْبُسْرَ غَالِبٌ فَلَوْ كَانَ الرُّطَبُ غَالِبًا أَوْ هُوَ وَالْبُسْرُ مُتَسَاوِيَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ. اهـ. مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا (قَوْلُهُ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا) تَنْعَقِدُ هَذِهِ عَلَى لَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْجَامُوسِ وَالْغَنَمِ وَالطُّيُورِ مَطْبُوخًا وَمَشْوِيًّا أَوْ قَدِيدًا. كَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ فَهَذَا مِنْ مُحَمَّدٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالنِّيءِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَعِنْدَ أَبِي اللَّيْثِ يَحْنَثُ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ بِأَكْلِ مَرَقِهِ) قَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ بَحْثًا فِي فُرُوعٍ ذَكَرَهَا آخِرَ الْأَيْمَانِ بِمَا إذَا لَمْ يَجِدْ طَعْمَ اللَّحْمِ أَخْذًا مِمَّا فِي الْخَانِيَّةِ لَا يَأْكُلُ مِمَّا يَجِيءُ بِهِ فُلَانٌ، فَجَاءَ بِحِمَّصٍ فَأَكَلَ مِنْ مَرَقِهِ، وَفِيهِ طَعْمُ الْحِمَّصِ يَحْنَثُ. اهـ. (قَوْلُهُ مَعَ تَسْمِيَتِهَا فِي الْقُرْآنِ لَحْمًا) هَذَا يَظْهَرُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ، وَأَمَّا الْمَرَقُ فَفِي الْحَدِيثِ الْمَرَقُ أَحَدُ اللَّحْمَيْنِ ط. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 771 وَمَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ حِنْثِهِ فِي لَا يَرْكَبُ حَيَوَانًا بِرُكُوبِ الْإِنْسَانِ رَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْعُرْفَ الْعَمَلِيَّ مُخَصَّصٌ عِنْدَنَا كَالْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ. (وَلَحْمُ الْإِنْسَانِ وَالْكِبْدُ وَالْكَرِشُ) وَالرِّئَةُ وَالْقَلْبُ وَالطِّحَالِ (وَالْخِنْزِيرُ لَحْمٌ) هَذَا فِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَلَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا   [رد المحتار] مَطْلَبُ فِي اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْعَمَلِيِّ كَالْعُرْفِ اللَّفْظِيِّ (قَوْلُهُ وَمَا فِي التَّبْيِينِ) أَيْ تَبْيِينِ الْكَنْزِ لِلزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَذَكَرَ الْعَتَّابِيُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَالْآدَمِيِّ وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَأَنَّهُ اعْتَبَرَ فِيهِ الْعُرْفَ، وَلَكِنَّ هَذَا عُرْفٌ عَمَلِيٌّ، فَلَا يَصِحُّ مُقَيَّدًا، بِخِلَافِ الْعُرْفِ اللَّفْظِيِّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً لَا يَحْنَثُ بِالرُّكُوبِ عَلَى إنْسَانٍ لِلْعُرْفِ اللَّفْظِيِّ فَإِنَّ اللَّفْظَ عُرْفًا لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْكُرَاعَ، وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ يَتَنَاوَلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَيَوَانًا يَحْنَثُ بِالرُّكُوبِ عَلَى إنْسَانٍ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْحَيَوَانِ وَالْعُرْفُ الْعَمَلِيُّ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُرْكَبُ عَادَةً لَا يَصْلُحُ مُقَيِّدًا. اهـ. (قَوْلُهُ رَدَّهُ فِي النَّهْرِ) وَكَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ رَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِتَصْرِيحِ أَهْلِ الْأُصُولِ بِقَوْلِهِمْ الْحَقِيقَةُ تُتْرَكُ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ إذْ لَيْسَتْ الْعَادَةُ إلَّا عُرْفًا عَمَلِيًّا، وَلَمْ يُجِبْ أَيْ صَاحِبُ الْفَتْحِ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الدَّابَّةِ وَالْحَيَوَانِ، وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَيْهِ إنْ سَلَّمَهَا. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ رَدَّ مَبْنَاهَا، وَهُوَ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْعَمَلِيِّ، وَعِبَارَةُ النَّهْرِ هَكَذَا وَفِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ مِنْ التَّحْرِيرِ مَسْأَلَةُ: الْعَادَةُ الْعُرْفُ الْعَمَلِيُّ مُخَصَّصٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ، كَحَرَّمْت الطَّعَامَ، وَعَادَتُهُمْ أَكْلُ الْبُرِّ انْصَرَفَ إلَيْهِ، وَهُوَ الْوَجْهُ أَمَّا بِالْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ فَاتِّفَاقٌ كَالدَّابَّةِ لِلْحِمَارِ وَالدَّرَاهِمِ عَلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ، وَفِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ أَنَّ الْعُرْفَ الْعَمَلِيَّ يَصْلُحُ مُقَيَّدًا عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِ بَلْخٍ لِمَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ فِي مَسْأَلَةِ إذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُسْتَعْمَلَةً وَالْمَجَازُ مُتَعَارَفًا اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهَذِهِ النُّقُولُ تُؤْذِنُ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِرُكُوبِ الْآدَمِيِّ فِي لَا يَرْكَبُ حَيَوَانًا (قَوْلُهُ وَالْكِبْدُ) بِالرَّفْعِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ عَطْفًا عَلَى " لَحْمُ "، وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَ الْخِنْزِيرِ، عَقِبَ الْإِنْسَانِ كَمَا فَعَلَ فِي الْكَنْزِ لِيَكُونَ مَجْرُورًا عَطْفًا عَلَى الْإِنْسَانِ بِإِضَافَةِ " لَحْمُ " إلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا أَعَمُّ، فَتَكُونُ مِنْ إضَافَةِ الْجُزْءِ إلَى الْكُلِّ بِخِلَافِ الْكَبِدِ، وَمَا بَعْدَهُ، فَإِنَّ اللَّحْمَ لَيْسَ جُزْءًا مِنْهُ بَلْ هُوَ عَيْنُهُ، فَلِذَا قُلْنَا إنَّهُ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْمُضَافِ، وَإِنْ صَحَّ جَرُّهُ عَطْفًا عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ عَلَى جَعْلِ الْإِضَافَةِ فِيهِ بَيَانِيَّةً لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ اخْتِلَافُ الْإِضَافَتَيْنِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ الْكِبْدُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا مَعَ سُكُونِ الْبَاءِ وَالْكَرِشُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا (قَوْلُهُ وَالرِّئَةُ) بِالْهَمْزَةِ، وَيَجُوزُ قَلْبُهَا يَاءً السَّحْرُ مِصْبَاحٌ وَفِيهِ السَّحْرُ وِزَانُ فَلْسٍ، وَسَبَبٍ وَقُفْلٍ هُوَ الرِّئَةُ وَقِيلَ: مَا لَصِقَ بِالْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ مِنْ أَعْلَى الْبَطْنِ وَقِيلَ كُلُّ مَا تَعَلَّقَ بِالْحُلْقُومِ مِنْ كِبْدٍ وَقَلْبٍ وَرِئَةٍ (قَوْلُهُ لَحْمٌ) خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ أَيْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى اللَّحْمِ (قَوْلُهُ هَذَا إلَخْ) الْإِشَارَةُ إلَى الْكِبْدِ وَالْأَرْبَعَةِ الَّتِي بَعْدَهُ، وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ شَيْئًا مِنْ الْبُطُونِ كَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ يَحْنَثُ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَفِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ، وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْمُجْتَبَى، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا فِي عُرْفِ أَهْلِ مِصْرَ أَيْضًا فَعُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْ الْكَنْزِ مَبْنِيٌّ عَلَى عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعُرْفِ اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ. قُلْت، وَأَمَّا لَحْمُ الْإِنْسَانِ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ فَهُوَ لَحْمٌ حَقِيقَةً لُغَةً وَعُرْفًا، فَلِذَا مَشَى الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ أَنَّ لَفْظَ آكُلُ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ عُرْفًا وَإِنْ كَانَ فِي الْعُرْفِ يُسَمَّى لَحْمًا كَمَا مَرَّ فِي لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ فَإِنَّ الْعُرْفَ اُعْتُبِرَ فِي رَكِبَ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهُ رُكُوبُ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الْحِمَارُ وَالْبَغْلُ وَالْفَرَسُ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُ دَابَّةٍ فِي الْعُرْفِ يَشْمَلُ غَيْرَهَا أَيْضًا كَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ، فَقَدْ تَقَيَّدَ الرُّكُوبُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِالْعُرْفِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 772 وَمِنْهُ عُلِمَ أَنَّ الْعَجَمِيَّ يُعْتَبَرُ عُرْفُهُ قَطْعًا، وَفِي الْخَانِيَّةِ: الرَّأْسُ وَالْأَكَارِعُ لَحْمٌ فِي يَمِينِ الْأَكْلِ لَا فِي يَمِينِ الشِّرَاءِ، وَفِي لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْحِمَارِ يَقَعُ فِي كِرَائِهِ، وَمِنْ هَذَا الْكَلْبِ لَا يَقَعُ عَلَى صَيْدِهِ وَلَا يَعُمُّ الْبَقَرُ الْجَامُوسَ، وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ النِّيءِ هُوَ الْأَصَحُّ. (وَلَا) يَحْنَثُ (بِشَحْمِ الظَّهْرِ) وَهُوَ اللَّحْمُ السَّمِينُ (فِي) حَلِفِهِ (لَا يَأْكُلُ شَحْمًا) خِلَافًا لَهُمَا بَلْ بِشَحْمِ الْبَطْنِ وَالْأَمْعَاءِ اتِّفَاقًا لَا بِمَا فِي الْعَظْمِ اتِّفَاقًا فَتْحٌ (وَالْيَمِينُ عَلَى شِرَاءِ الشَّحْمِ) وَبَيْعِهِ (كَهِيَ عَلَى أَكْلِهِ) حُكْمًا وَخِلَافًا زَيْلَعِيٌّ (وَلَا) يَحْنَثُ (بِأَلْيَةٍ فِي)   [رد المحتار] وَلِذَا نَقَلَ الْعَتَّابِيُّ خِلَافَ مَا هُنَا فَقَالَ قِيلَ: الْحَالِفُ إذَا كَانَ مُسْلِمًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ لِأَنَّ أَكْلَهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ، وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الْكَافِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى هَذَا خُلَاصَةُ مَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ حَسَنٌ جِدًّا وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَيَأْتِي أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِاللَّحْمِ النِّيءِ أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى مَا يُؤْكَلُ عَادَةً فَيَنْصَرِفُ إلَى الْمُعْتَادِ، وَهُوَ الْأَكْلُ بَعْدَ الطَّبْخِ اهـ مَعَ أَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ النِّيءَ لَحْمٌ حَقِيقَةً فَعُلِمَ أَنَّ الْمَلْحُوظَ إلَيْهِ فِي الْعُرْفِ هُوَ الْأَكْلُ لَا لَفْظُ لَحْمٍ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ عُلِمَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَإِنَّ الْمُرَادَ عُرْفُ بِلَادِهِمْ، وَهِيَ مِنْ الْعَجَمِ فَافْهَمْ. ثُمَّ إنَّ التَّنْبِيهَ عَلَى هَذَا لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ فِي الْأَيْمَانِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ عُرْفَ الْعَرَبِ، بَلْ أَيَّ عُرْفٍ كَانَ فِي أَيِّ بَلَدٍ كَانَ كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ الْخُبْزُ مَا اعْتَادَهُ أَهْلُ بَلَدِ الْحَالِفِ، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَفِي الْأَيْمَانِ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ حَتَّى قَالُوا لَوْ كَانَ الْحَالِفُ خَوَارِزْمِيًّا فَأَكَلَ لَحْمَ السَّمَكِ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُسَمُّونَهُ لَحْمًا (قَوْلُهُ لَحْمٌ فِي يَمِينِ الْأَكْلِ لَا فِي يَمِينِ الشِّرَاءِ) وَجَعَلَ فِي الشَّافِي الْأَكْلَ وَالشِّرَاءَ وَاحِدًا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ بَزَّازِيَّةٌ. قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الرَّأْسَ وَالْأَكَارِعَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ، لَكِنَّهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا تُسَمَّى لَحْمًا، فَإِذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَحْمًا لَا يُقَالُ فِي الْعُرْفِ أَنَّهُ اشْتَرَى لَحْمًا بَلْ اشْتَرَى رَأْسًا أَوْ أَكَارِعَ، أَمَّا إذَا أَكَلَ اللَّحْمَ الَّذِي فِيهَا فَقَدْ أَكَلَ لَحْمًا، فَيَحْنَثُ وَيُشِيرُ إلَى هَذَا الْفَرْقِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ أَكَلَ رُءُوسَ الْحَيَوَانِ يَحْنَثُ لِأَنَّ مَا عَلَيْهَا لَحْمٌ حَقِيقَةً (قَوْلُهُ لَا يَقَعُ عَلَى صَيْدِهِ) وَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَى لَحْمِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْحِمَارِ إلَّا أَنَّ الْحِمَارَ لَمَّا كَانَ لَهُ كِرَاءٌ وَيَسْتَعْمِلُونَ هَذَا اللَّفْظَ فِي الْأَكْلِ مِنْ كِرَائِهِ حَمَلُوهُ عَلَى الْكِرَاءِ وَفِيمَا وَرَاءَهُ يَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ مِنَحٌ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى ط (قَوْلُهُ وَلَا يَعُمُّ الْبَقَرُ الْجَامُوسَ) أَيْ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ الْبَقَرِ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْجَامُوسِ، كَعَكْسِهِ لِأَنَّ النَّاسَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْبَقَرَ أَعَمُّ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَفِيهِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: لَا يَأْكُلُ لَحْمَ شَاةٍ لَا يَحْنَثُ بِلَحْمِ الْعَنْزِ مِصْرِيًّا كَانَ أَوْ قَرَوِيًّا قَالَ الشَّهِيدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ النِّيءِ) بِالْهَمْزِ وِزَانُ حِمْلٍ وَالْإِبْدَالُ وَالْإِدْغَامُ عَامِّيٌّ مِصْبَاحٌ أَيْ إبْدَالُ الْهَمْزَةِ يَاءً وَإِدْغَامُهَا فِي الْيَاءِ لُغَةُ الْعَوَّامِ وَقَدَّمْنَا وَجْهَ عَدَمِ الْحِنْثِ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ وَهُوَ اللَّحْمُ السَّمِينُ) كَذَا فَسَّرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ اللَّحْمُ الْأَبْيَضُ الْمُسَمَّى فِي الْعُرْفِ دُهْنُ الْبَدَنِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي حَالَةِ السِّمَنِ دُونَ الْهُزَالِ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ شَحْمُ الْكُلْيَةِ لِأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بِالظَّهْرِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: قَالَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ: إنْ أُرِيدَ بِشَحْمِ الظَّهْرِ شَحْمُ الْكُلْيَةِ فَقَوْلُهُمَا أَظْهَرُ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ شَحْمُ اللَّحْمِ فَقَوْلُهُ أَظْهَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ بَلْ بِشَحْمِ الْبَطْنِ) هُوَ مَا كَانَ مُدَوَّرًا عَلَى الْكَرِشِ وَمَا بَيْنَ الْمَصَارِينِ شَحْمُ الْأَمْعَاءِ ط (قَوْلُهُ اتِّفَاقًا) رَدَّ عَلَى صَاحِبِ الْكَافِي حَيْثُ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي شَحْمِ الْأَمْعَاءِ وَالشَّحْمِ الْمُخْتَلِطِ بِالْعَظْمِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ: إنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ مُخَّ الْعَظْمِ شَحْمٌ اهـ وَكَذَا لَا يَنْبَغِي خِلَافٌ فِي الْحِنْثِ بِمَا عَلَى الْأَمْعَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ فِي تَسْمِيَتِهِ شَحْمًا فَتْحٌ (قَوْلُهُ زَيْلَعِيٌّ) عِبَارَتُهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ شَحْمِ الظَّهْرِ وَشِرَائِهِ وَبَيْعِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا، وَلَا يَشْتَرِيهِ وَلَا يَبِيعُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَحْنَثُ (قَوْلُهُ بِأَلْيَةٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ وَجَمَاعَةٌ وَلَا تُكْسَرُ الْهَمْزَةُ وَلَا يُقَالُ لِيَّةٌ، وَالْجَمْعُ أَلَيَاتٌ كَسَجْدَةٍ وَسَجَدَاتٍ، وَالتَّثْنِيَةُ أَلْيَانِ بِحَذْفِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 773 حَلِفِهِ (لَا يَأْكُلُ) أَوْ لَا يَشْتَرِي (شَحْمًا أَوْ لَحْمًا) لِأَنَّهَا نَوْعٌ ثَالِثٌ. (وَلَا) يَحْنَثُ (بِخُبْزٍ أَوْ دَقِيقٍ أَوْ سَوِيقٍ فِي) حَلِفِهِ لَا يَأْكُلُ (هَذَا الْبُرَّ إلَّا بِالْقَضْمِ مِنْ عَيْنِهَا) لَوْ مَقْلِيَّةً كَالْبَلِيلَةِ فِي عُرْفِنَا أَمَّا لَوْ قَضَمَهَا نِيئَةً فَلَا حِنْثَ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَتْحٌ وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْكَشْفِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَقُولَ هَذِهِ الْحِنْطَةُ وَيُشِيرُ لِصُبْرَةٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُخْتَصَرِ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقُولَ هَذِهِ بِلَا ذِكْرِ حِنْطَةٍ فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهَا كَيْفَ كَانَ وَلَوْ نِيئَةً أَوْ خُبْزًا. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَقُولَ حِنْطَةً فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهَا وَلَوْ نِيئَةً لَا بِنَحْوِ الْخُبْزِ وَلَوْ زَرَعَهُ   [رد المحتار] الْهَاءِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ إلَّا بِالْقَضْمِ مِنْ عَيْنِهَا) أَيْ عَيْنِ الْبُرِّ وَأُنِّثَ ضَمِيرُهُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى حِنْطَةً أَيْضًا، وَإِلَّا بِمَعْنَى لَكِنَّ: أَيْ لَكِنَّهُ يَحْنَثُ بِقَضْمِهِ مِنْ قَضَمَتْ الدَّابَّةُ الشَّعِيرَ تَقْضِمُهُ مِنْ بَابِ تَعِبَ كَسَرَتْهُ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ، وَمِنْ بَابِ ضَرَبَ لُغَةٌ مِصْبَاحٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْقَضْمِ: بَلْ أَنْ يَأْكُلَ عَيْنَهَا بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ أَوْ بِسُطُوحِهَا، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ فَلَوْ ابْتَلَعَهُ صَحِيحًا حَنِثَ بِالْأَوْلَى كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ فَإِنَّهُ احْتَرَزَ بِالْقَضْمِ، عَمَّا يُتَّخَذُ مِنْهُ كَالْخُبْزِ وَالسَّوِيقِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِ عِنْدَهُ لِأَنَّ عَيْنَ الْحِنْطَةِ مَأْكُولٌ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ. قُلْت: وَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا فَإِنَّ لَفْظَ أَكَلَ الْحِنْطَةَ يُسْتَعْمَلُ حَقِيقَةً فِي أَكَلَ عَيْنَهَا فَإِنَّ النَّاسَ يَقْلُونَهَا وَيَأْكُلُونَهَا فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِأَكَلْت الْحِنْطَةَ أَكْلَ خُبْزِهَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: لَفْظُ أَكَلْت حِنْطَةً يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ كُلٌّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ، فَيَتَرَجَّحُ قَوْلُهُ لِتَرَجُّحِ الْحَقِيقَةِ عِنْدَ مُسَاوَاةِ الْمَجَازِ، بَلْ الْآنَ لَا يُتَعَارَفُ فِي أَكْلِ الْخُبْزِ مِنْهَا إلَّا لَفْظٌ آخَرُ وَهُوَ أَكَلْت الْخُبْزَ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا حَلَفَ عَلَى حِنْطَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حِنْطَةً يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ كَقَوْلِهِمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَحَكُّمٌ وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ الْمُتَّفَقُ عَلَى إيرَادِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ يَعُمُّ الْمُعَيَّنَةَ وَالْمُنَكَّرَةَ وَهُوَ أَنَّ عَيْنَهَا مَأْكُولٌ. اهـ. (قَوْلُهُ لَوْ مَقْلِيَّةً كَالْبَلِيلَةِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِنَّ النَّاسَ يَغْلُونَ الْحِنْطَةَ وَيَأْكُلُونَهَا وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى فِي عُرْفِ بِلَادِنَا بَلِيلَةً وَتُقْلَى أَيْضًا أَيْ تُوضَعُ جَافَّةً فِي الْقِدْرِ ثُمَّ تُؤْكَلُ قَضْمًا اهـ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: كَالْبَلِيلَةِ الْكَافُ فِيهِ لِلتَّنْظِيرِ إنْ كَانَتْ النُّسَخُ لَوْ مَقْلِيَّةً بِالْقَافِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ فَهِيَ لِلتَّمْثِيلِ وَالْبَلِيلَةُ هِيَ الْمُسَمَّاةُ فِي عُرْفِ بِلَادِنَا سَلِيقَةً لِأَنَّهَا تُسْلَقُ بِالْمَاءِ الْمَغْلِيِّ (قَوْلُهُ فَلَا حِنْثَ إلَّا بِالنِّيَّةِ) وَلَوْ نَوَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهَا صَحَّ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ عَيْنِهَا ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُخْتَصَرِ) أَيْ الْمَتْنِ أَيْ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِ عَيْنِهَا لَوْ مَغْلِيَّةً أَوْ مَقْلِيَّةً لَا لَوْ نِيئَةً وَلَا بِنَحْوِ خَبْزِهَا. مَطْلَبُ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْبُرَّ (قَوْلَةُ فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهَا كَيْفَ كَانَ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ إذَا وُجِدَتْ الْإِشَارَةُ بِدُونِ تَسْمِيَةٍ تُعْتَبَرُ ذَاتُ الْمُشَارِ إلَيْهِ سَوَاءٌ بَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا أَوْ حَدَثَ لَهَا اسْمٌ آخَرُ (قَوْلُهُ فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهَا وَلَوْ نِيئَةً) أَيْ بِخِلَافِ الْحِنْطَةِ الْمَعْرِفَةِ وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالنِّيءِ مِنْهَا، وَأَمَّا عَدَمُ الْحِنْثِ بِالْخُبْزِ وَنَحْوِهِ كَالدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ، فَقَدْ اشْتَرَكَ فِيهِ الْمَعْرِفَةُ وَالنَّكِرَةُ لِتَقَيُّدِ الْحَلِفِ بِالِاسْمِ فَإِنَّ الْخُبْزَ وَنَحْوَهُ لَا يُسَمَّى حِنْطَةً عَلَى الْإِطْلَاقِ، بَلْ يُقَالُ: خُبْزُ حِنْطَةٍ لَكِنْ يَبْقَى الْكَلَامُ فِي وَجْهِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي النِّيءِ حَيْثُ دَخَلَ فِي الْمُنَكَّرِ دُونَ الْمُعَرَّفِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ حِنْطَةً نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، فَتَعُمُّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ مُسَمَّاهَا بِخِلَافِ الْمَعْرِفَةِ، فَإِنَّهَا تَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْهُودَةِ فِي الْأَكْلِ وَالنِّيءُ غَيْرُ مَعْهُودٍ فِيهِ. هَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 774 لَمْ يَحْنَثْ بِالْخَارِجِ (وَفِي هَذَا الدَّقِيقِ حَنِثَ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ كَالْخُبْزِ وَنَحْوِهِ) كَعَصِيدَةٍ وَحَلْوَى (لَا بِسَفِّهِ) فِي الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ فِي أَكْلِ عَيْنِ النَّخْلَةِ (وَالْخُبْزُ مَا اعْتَادَهُ أَهْلُ بَلَدِ الْحَالِفِ) فَالشَّامِيُّ بِالْبُرِّ وَالْيَمَنِيُّ بِالذُّرَةِ وَالطَّبَرِيُّ بِخَبْزِ الْأُرْزِ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْقُرَى بِالشَّعِيرِ، فَلَوْ دَخَلَ بَلَدَ الْبُرِّ وَاسْتَمَرَّ لَا يَأْكُلُ إلَّا الشَّعِيرَ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِالشَّعِيرِ لِأَنَّ الْعُرْفَ الْخَاصَّ مُعْتَبَرٌ فَتْحٌ. (حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ خُبْزِ فُلَانَةَ فَانْصَرَفَ إلَى) الْخَابِزَةِ (الَّتِي تَضْرِبُهُ فِي التَّنُّورِ لَا لِمَنْ عَجَنَتْهُ وَهَيَّأَتْهُ لِلضَّرْبِ)   [رد المحتار] غَايَةُ مَا ظَهَرَ لِي فِي تَوْجِيهِهِ لَكِنْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ لَفْظُ حِنْطَةٍ، أَمَّا لَوْ نَظَرْنَا إلَى لَفْظِ أَكَلْت الْحِنْطَةَ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ إذْ قَوْلُك أَكَلْت حِنْطَةً مِثْلُهُ فِي أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ حَقِيقَتُهُ أَوْ مَجَازُهُ الْمُسْتَعْمَلُ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ رَدِّهِ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَكَذَا يُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي لَا أَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ، وَفِي لَا آكُلُ لَحْمًا حَيْثُ اُعْتُبِرَ لَفْظُ أَرْكَبُ وَآكُلُ فَصُرِفَ إلَى الْمَعْهُودِ وَقَيَّدَ بِهِ لَفْظَ دَابَّةٍ وَلَفْظَ لَحْمًا بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ مُعَرَّفِهِ وَمُنَكَّرِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ بِالْخَارِجِ) أَيْ اتِّفَاقًا نَهْرٌ وَهَذَا إذَا لَمْ يَقُلْ حِنْطَةً بِالتَّنْكِيرِ (قَوْلُهُ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ) فِي النَّوَازِلِ لَوْ اتَّخَذَ مِنْهُ خَبِيصًا أَخَافُ أَنْ يَحْنَثَ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَرَدَّدَ فِي حِنْثِهِ إذَا أَكَلَ مِنْهُ مَا يُسَمَّى فِي دِيَارِنَا بِالْكُسْكُسِيِّ نَهْرٌ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي الشَّامِ بِالْمَغْرِبِيَّةِ مِثْلُهُ الشَّعِيرِيَّةُ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ إنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ قُلْنَا نَعَمْ، وَلَكِنْ حَقِيقَةٌ مَهْجُورَةٌ وَلَمَّا تَعَيَّنَ الْمَجَازُ سَقَطَتْ الْحَقِيقَةُ كَقَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ نَكَحْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ، فَزَنَى بِهَا لَا يَحْنَثُ لِانْصِرَافِ يَمِينِهِ إلَى الْعَقْدِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْوَطْءَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ فِي أَكْلِ عَيْنِ النَّخْلَةِ) إلَّا أَنَّهُ لَوْ نَوَى أَكْلَ عَيْنِ الدَّقِيقِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ خُبْزِهِ لِأَنَّهُ نَوَى الْحَقِيقَةَ بَحْرٌ أَيْ بِخِلَافِ النَّخْلَةِ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ فَالشَّامِيُّ بِالْبُرِّ إلَخْ) هَذَا حَيْثُ لَا مَجَاعَةَ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا يُسَمَّى خُبْزًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ (قَوْلُهُ وَالطَّبَرِيُّ) نِسْبَةٌ إلَى طَبَرِسْتَانَ وَهِيَ اسْمُ آمُلَ وَأَعْمَالِهَا، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَهَا كَانُوا يُحَارِبُونَ بِالْفَأْسِ وَمَعْنَاهَا بِالْفَارِسِيَّةِ: أَخَذَ الْفَأْسَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَالْمُرَادُ بِالْفَأْسِ الطَّبْرُ وَهُوَ مُعَرَّبُ تِبْرٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ. مَطْلَبُ وَلَا يَأْكُلُ خُبْزًا (قَوْلُهُ فَلَوْ دَخَلَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: وَقَدْ سُئِلْتُ لَوْ أَنَّ بَدْوِيًّا اعْتَادَ أَكْلَ خُبْزِ الشَّعِيرِ فَدَخَلَ بَلَدَهُ الْمُعْتَادَ فِيهَا أَكْلُ خُبْزِ الْحِنْطَةِ وَاسْتَمَرَّ هُوَ لَا يَأْكُلُ إلَّا الشَّعِيرَ، فَحَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا فَقُلْت يَنْعَقِدُ عَلَى عُرْفِ نَفْسِهِ فَيَحْنَثُ بِالشَّعِيرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى عُرْفِ النَّاسِ إلَّا إذَا كَانَ الْحَالِفُ يَتَعَاطَاهُ فَهُوَ مُتَّهَمٌ فِيهِ فَيُصْرَفُ كَلَامُهُ إلَيْهِ لِذَلِكَ وَهَذَا مُنْتَفٍ فِيمَنْ لَمْ يُوَافِقْهُمْ بَلْ هُوَ مُجَانِبٌ لَهُمْ اهـ فَقَوْلُ الشَّارِحِ لِأَنَّ الْعُرْفَ الْخَاصَّ مُعْتَبَرٌ لَيْسَ لَفْظُهُ مَوْجُودًا فِي الْفَتْحِ بَلْ مَعْنَاهُ فُهِمَ مِنْهُ فَافْهَمْ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مِنَحِهِ قُلْت: وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْخَاصِّ، وَلَكِنْ أَفْتَى كَثِيرٌ بِاعْتِبَارِهِ مَحَلَّهُ فِيمَا عَدَا الْأَيْمَانَ أَمَّا هِيَ فَالْعُرْفُ الْخَاصُّ مُعْتَبَرٌ فِيهَا يُعْرَفُ ذَلِكَ مَنْ تَتَبُّعِ كَلَامِهِمْ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ. (قَوْلُهُ انْصَرَفَ إلَى الْخَابِزَةِ إلَخْ) الْأَوْضَحُ أَنْ يُقَالَ انْصَرَفَ إلَى مَا تَضْرِبُهُ فِي التَّنُّورِ لَا مَا تَعْجِنُهُ وَتُهَيِّئُهُ لِلضَّرْبِ. فَيَكُونُ الْمَعْنَى: لَوْ قَالَ لَا آكُلُ مِنْ خُبْزِ هِنْدٍ فَإِنْ كَانَتْ خَبَزَتْهُ فِي التَّنُّورِ حَنِثَ؛ وَإِنْ كَانَتْ عَجَنَتْهُ وَهَيَّأَتْهُ أَيْ قَطَّعَتْهُ أَقْرَاصًا لِلْخُبْزِ وَخَبَزَهُ غَيْرُهَا لَا يَحْنَثُ وَإِلَّا فَبَعْدَ التَّصْرِيحِ بِاسْمِهَا لَا يَدْخُلُ غَيْرُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مِنْ خُبْزِ فُلَانَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ لَفْظَ فُلَانَةَ فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا يَتَنَاوَلُ الْخَابِزَةَ وَالْعَاجِنَةَ. هَذَا كُلُّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ بِالْإِضَافَةِ إضَافَةَ الصَّنْعَةِ أَمَّا لَوْ أَرَادَ إضَافَةَ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالْخُبْزِ الْمَمْلُوكِ لَهَا وَلَوْ كَانَ الْعَاجِنُ وَالْخَابِزُ غَيْرَهَا كَمَا لَا يَخْفَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 775 ظَهِيرِيَّةٌ وَمِنْهُ الرُّقَاقُ لَا الْفَطَائِرُ وَالثَّرِيدُ أَوْ بَعْدَمَا دَقَّهُ أَوْ فَتَّهُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُبْزًا وَحَنِثَ فِي لَا يَأْكُلُ طَعَامًا مِنْ طَعَامِ فُلَانٍ بِأَكْلِ خَلِّهِ أَوْ زَيْتِهِ أَوْ مِلْحِهِ وَلَوْ بِطَعَامِ نَفْسِهِ لَا لَوْ أَخَذَ مِنْ نَبِيذِهِ أَوْ مَائِهِ فَأَكَلَ بِهِ خُبْزًا وَفِي لَا يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَ سَوِيقًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ إنْ بِحَيْثُ لَوْ عُصِرَ سَالَ السَّمْنُ حَنِثَ وَإِلَّا لَا جَوْهَرَةً وَفِي الْبَدَائِعِ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا فَاضْطُرَّ لِمَيْتَةٍ فَأَكَلَ لَمْ يَحْنَثْ. (وَالشِّوَاءُ وَالطَّبِيخُ) يَقَعَانِ (عَلَى اللَّحْمِ) الْمَشْوِيِّ وَالْمَطْبُوخِ بِالْمَاءِ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَاسْمُ الطَّبِيخِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ مَطْبُوخٍ بِالْمَاءِ وَلَوْ بِوَدَكٍ أَوْ زَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُجْتَبَى. وَفِي النَّهْرِ: الطَّعَامُ يَعُمُّ مَا يُؤْكَلُ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْخُبْزِ الرُّقَاقُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّ ذَلِكَ بِالرُّقَاقِ الْبِيسَانِيِّ بِمِصْرَ، أَمَّا الرُّقَاقُ الَّذِي يُحْشَى بِالسُّكْرِ وَاللَّوْزِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ الْخُبْزِ فِي عُرْفِنَا كَمَا لَا يَخْفَى بَحْرٌ. قُلْت: وَذَلِكَ كَاَلَّذِي يُعْمَلُ مِنْهُ الْبَقْلَاوَة وَالسَّنْبُوسِكُ وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالْكَعْكِ وَالْبُقْسُمَاطِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُبْزًا فِي الْعُرْفِ (قَوْلُهُ لَا الْفَطَائِرُ) الَّذِي فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ: الْقَطَائِفُ وَأَمَّا الْفَطَائِرُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَذَلِكَ فَهِيَ اسْمٌ عِنْدَنَا لِمَا يُعْجَنُ بِالسَّمْنِ وَيُخْبَزُ أَقْرَاصًا كَالْخُبْزِ وَلَا يُسَمَّى خُبْزًا فِي الْعُرْفِ وَكَذَا مَا يُوضَعُ فِي الصَّوَانِيِ وَيُخْبَزُ وَيُسَمَّى بُغَاجَهْ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ وَكَذَا الزَّلَابِيَةُ (قَوْلُهُ وَالثَّرِيدُ إلَخْ) فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَهُوَ أَنْ تَفُتَّ الْخُبْزَ ثُمَّ تَبُلَّهُ بِمَرَقٍ مِصْبَاحٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يَحْنَثُ بِالثَّرِيدِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُبْزًا مُطْلَقًا، وَفِي الْخُلَاصَةِ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْخُبْزِ وَأَكَلَهُ بَعْدَ مَا تَفَتَّتَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُبْزًا، وَلَا يَحْنَثُ بِالْعَصِيدِ وَالطَّطْمَاجِ، وَلَا يَحْنَثُ لَوْ دَقَّهُ فَشَرِبَهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حِيلَةِ أَكْلِهِ أَنْ يَدُقَّهُ فَيُلْقِيَهُ عَصِيدَةً وَيُطْبَخَ حَتَّى يَصِيرَ الْخُبْزُ هَالِكًا اهـ مَا فِي الْفَتْحِ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَمُقْتَضَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنْ يَحْنَثَ لَوْ فَتَّهُ بِلَا طَبْخٍ، وَكَذَا لَوْ جَعَلَهُ ثَرِيدًا لِأَنَّ قَوْلَهُ حَتَّى يَصِيرَ الْخُبْزُ هَالِكًا يَقْتَضِي أَنَّ بَقَاءَ عَيْنِهِ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ خُبْزًا وَهَذَا مُوَافِقٌ لِعُرْفِنَا الْآنَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي حَلِفِهِ: لَا يَأْكُلُ تَمْرًا فَأَكَلَ حَيْسًا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ تَمْرٌ مُفَتَّتٌ وَإِنْ ضُمَّ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ السَّمْنِ أَوْ غَيْرِهِ، نَعَمْ لَوْ دَقَّ الْخُبْزَ وَشَرِبَهُ بِمَاءٍ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ شُرْبٌ لَا أَكْلٌ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَغِيفًا وَفَتَّ أَرْغِفَةً وَأَكَلَ مِنْهَا لَا يَحْنَثُ بِخِلَافِ مَا إذَا فَتَّ رَغِيفًا وَاحِدًا وَأَكَلَهُ كُلَّهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ عُرْفُ زَمَانِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مَطْلَبُ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا (قَوْلُهُ وَحَنِثَ فِي لَا يَأْكُلُ طَعَامًا إلَخْ) الْأَنْسَبُ ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالشِّوَاءُ وَالطَّبِيخُ عَلَى اللَّحْمِ، كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْخَلِّ وَالزَّيْتِ وَالْمِلْحِ لَا يُسَمَّى فِي عُرْفِنَا طَعَامًا، فَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِعَدَمِ حِنْثِهِ بِهِ، ثُمَّ رَأَيْته فِي النَّهْرِ كَمَا يَأْتِي وَكَذَا فِي ح حَيْثُ قَالَ: هَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَالطَّعَامُ كَالطَّبِيخِ مَا يُطْبَخُ عَلَى النَّارِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِطَعَامِ نَفْسِهِ) أَيْ وَلَوْ خَلَطَ ذَلِكَ بِطَعَامِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ إنْ بِحَيْثُ لَوْ عُصِرَ سَالَ السَّمْنُ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فِي مُخْتَصَرِ الْحَاكِمِ وَاعْتَبَرَ فِي الْأَصْلِ وُجُودَ الطَّعْمِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي قَوْلِنَا أَكَلَ طَعَامًا يَنْصَرِفُ إلَى أَكْلِ الطَّعَامِ الْمُعْتَادِ وَالتَّقْيِيدِ بِالِاضْطِرَارِ لِلْحِلِّ، وَإِلَّا فَلَا يَحْنَثُ بِدُونِهِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ عَلَى اللَّحْمِ الْمَشْوِيِّ وَالْمَطْبُوخِ بِالْمَاءِ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، وَخَرَجَ مَا يُشْوَى أَوْ يُطْبَخُ مِنْ غَيْرِ اللَّحْمِ قَالَ فِي النَّهْرِ: فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شِوَاءً لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْجَزَرِ وَالْبَاذِنْجَانِ الْمَشْوِيَّيْنِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كُلَّ مَا يُشْوَى وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَبِيخًا لَا يَحْنَثُ، إلَّا بِأَكْلِ اللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ بِالْمَاءِ لِتَعَذُّرِ التَّعْمِيمِ إذْ الدَّوَاءُ مِمَّا يُطْبَخُ، وَكَذَا الْفُولُ الْيَابِسُ، فَصُرِفَ إلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا عَمَلًا بِالْعُرْفِ فِيهِمَا وَفِي عَطْفِ الطَّبِيخِ عَلَى الشِّوَاءِ إيمَاءٌ إلَى تَغَايُرِهِمَا وَهَذَا لِأَنَّ الْمَاءَ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِ الطَّبِيخِ، وَإِلَّا لَكَانَا سَوَاءً وَلِذَا لَوْ أَكَلَ قَلِيَّةً لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى طَبِيخًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 776 عَلَى وَجْهِ التَّطَعُّمِ كَجُبْنٍ وَفَاكِهَةٍ لَكِنْ فِي عُرْفِنَا لَا (وَالرَّأْسُ مَا يُبَاعُ فِي مِصْرِهِ) أَيْ مِصْرِ الْحَالِفِ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ. (وَالْفَاكِهَةُ وَالتُّفَّاحُ وَالْبِطِّيخُ وَالْمِشْمِشُ) وَنَحْوُهَا (لَا الْعِنَبُ وَالرُّمَّانُ وَالرُّطَبُ) خِلَافًا لَهُمَا خِلَافَ عَصْرٍ وَالْعِبْرَةُ لِلْعُرْفِ فَيَحْنَثُ بِكُلِّ مَا يُعَدُّ فَاكِهَةً عُرْفًا. ذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ.   [رد المحتار] وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ: وَإِنْ أَكَلَ مِنْ مَرَقَةٍ يَحْنَثُ لِمَا فِيهِ مِنْ أَجْزَاءِ اللَّحْمِ وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا وَإِنْ كَانَ لَا يُسَمَّى لَحْمًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ اهـ أَيْ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا يَحْنَثُ بِالْمَرَقِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَجْزَاءُ اللَّحْمِ (قَوْلُهُ كَجُبْنٍ) الَّذِي رَأَيْته فِي النَّهْرِ خُبْزٌ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي عُرْفِنَا لَا) عِبَارَةُ النَّهْرِ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ أَنَّ الطَّعَامَ فِي عُرْفِنَا لَا يُطْلَقُ عَلَى مَا ذُكِرَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْزِمَ بِعَدَمِ حِنْثِهِ بِهِ اهـ. وَرَأَيْت بِهَامِشِ نُسْخَةِ النَّهْرِ عَنْ خَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مَا نَصُّهُ: الَّذِي رَأَيْته بِخَطِّ الشَّارِحِ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ فِي عُرْفِ أَهْلِ مِصْرَ مُرَادِفٌ لِلطَّبِيخِ لَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ إلَّا بِمَا يُسَمَّى طَبِيخًا اهـ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْخَانِيَّةِ لَا يَشْتَرِي طَعَامًا فَاشْتَرَى حِنْطَةً حَنِثَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ: فِي عُرْفِنَا الْحِنْطَةُ لَا تُسَمَّى طَعَامًا إنَّمَا الطَّعَامُ هُوَ الْمَطْبُوخُ (قَوْلُهُ مَا يُبَاعُ فِي مِصْرِهِ) وَهُوَ مَا يُكْبَسُ فِي التَّنُّورِ أَيْ يُطْعَمُ وَيُدْخَلُ فِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعُمُومَ الْمُتَنَاوِلَ لِلْجَرَادِ وَالْعُصْفُورِ غَيْرُ مُرَادٍ، فَصَرَفْنَاهُ إلَى مَا تُعُورِفَ نَهْرٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي زَمَانِنَا هُوَ خَاصٌّ بِالْغَنَمِ فَوَجَبَ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي كُلِّ مِصْرٍ وَقَعَ فِيهِ حَلِفُ الْحَالِفِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَمَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلِيَّ اعْتِبَارُ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ إنْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا وَإِلَّا فَالْعُرْفُ إلَخْ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ إنَّمَا هُوَ لِلْعُرْفِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ مَنْظُورًا إلَيْهِ لَمَا تَجَاسَرَ أَحَدٌ عَلَى خِلَافِهِ فِي الْفُرُوعِ اهـ وَفِي الْبَدَائِعِ وَالِاعْتِمَادُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْعُرْفِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْبِطِّيخُ) بِكَسْرِ الْبَاءِ وَيُقَالُ الطِّبِّيخُ أَيْضًا أَخْضَرَ كَانَ أَوْ أَصْفَرَ وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الْبِطِّيخَ لَيْسَ مِنْ الْفَاكِهَةِ وَمَا هُنَا رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَالْمِشْمِشُ) بِكَسْرِ الْمِيمَيْنِ وَفَتْحِهِمَا كَمَا فِي الْمُخْتَارِ وَبِضَمِّهِمَا نَقَلَهُ الْأُجْهُورِيُّ الشَّافِعِيُّ مُحَشِّي التَّحْرِيرِ ط. مَطْلَبُ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً (قَوْلُهُ وَنَحْوُهَا) كَالْخَوْخِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْإِجَّاصِ وَالْكُمَّثْرَى، فَيَحْنَثُ بِأَكْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي حَلِفِهِ لَا يَأْكُلُ الْفَاكِهَةَ لِأَنَّهَا اسْمٌ لِمَا يُتَفَكَّهُ بِهِ أَيْ يُتَنَعَّمُ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ زِيَادَةً فِي الْمُعْتَادِ مِنْ الْغِذَاءِ الْأَصْلِيِّ. وَفِي الْمُحِيطِ مَا رُوِيَ أَنَّ الْجَوْزَ وَاللَّوْزَ فَاكِهَةٌ فِي عُرْفِهِمْ، أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ لِلتَّفَكُّهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) لِأَنَّهَا مِمَّا قَدْ يُتَغَذَّى بِهَا فَسَقَطَتْ عَنْ كَمَالِ التَّفَكُّهِ، فَلَا يَتَنَاوَلُهَا مُطْلَقُ الْفَاكِهَةِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَهِيَ فَاكِهَةٌ نَظَرًا لِلْأَصْلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْيَابِسَ مِنْهَا كَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَحَبِّ الرُّمَّانِ لَيْسَتْ بِفَاكِهَةٍ كَمَا فِي الرُّمَّانِيِّ قُهُسْتَانِيٌّ، وَكَذَا لَا خِلَافَ فِي الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالْفَقُّوسِ وَالْعَجُّورِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ النَّوْعَ الْأَوَّلَ فَاكِهَةٌ كَمَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْأَخِيرَ لَيْسَ بِفَاكِهَةٍ وَفِي الْوَسَطِ خِلَافٌ نَهْرٌ (قَوْلُهُ خِلَافَ عَصْرٍ) أَيْ أَنَّ الْإِمَامَ قَالَ إنَّ الْعِنَبَ وَأَخَوَيْهِ لَيْسَ بِفَاكِهَةٍ لِأَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِهِ لَا يُعَدُّ مِنْهَا وَعُدَّ مِنْهَا فِي زَمَنِهِمَا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَبْنَى هَذَا الْجَمْعِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِأَنَّهَا قَدْ يُتَغَذَّى بِهَا مَبْنَاهُ اللُّغَةُ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِجَوَازِ كَوْنِ الْعُرْفِ وَافَقَ اللُّغَةَ فِي زَمَنِهِ ثُمَّ خَالَفَهَا فِي زَمَانِهِمَا وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فَيَحْنَثُ بِكُلٍّ إلَخْ) صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الذَّخِيرَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 777 (وَالْحَلْوَى مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ حَامِضٌ فَيَحْنَثُ بِأَكْلِ خَبِيصٍ وَعَسَلٍ وَسُكَّرٍ) لَكِنَّ الْمَرْجِعَ فِيهِ إلَى عَادَاتِ النَّاسِ، فَفِي بِلَادِنَا لَا حِنْثَ فِي فَانِيذٍ وَعَسَلٍ وَسُكَّرٍ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ. (وَالْإِدَامُ مَا يَصْطَبِغُ بِهِ الْخُبْزُ) إذَا اخْتَلَطَ بِهِ (كَخَلٍّ وَزَيْتٍ وَمِلْحٍ) لِذَوْبِهِ فِي الْفَمِ (لَا اللَّحْمُ وَالْبَيْضُ وَالْجُبْنُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ مَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ غَالِبًا) بِهِ يُفْتَى كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّهْذِيبِ. وَفِيهِ: فَمَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ غَالِبًا كَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَجَوْزٍ   [رد المحتار] مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَلْوَى (قَوْلُهُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ حَامِضٌ) كَالتِّينِ وَالتَّمْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ حَامِضٌ فَخَلَصَ مَعْنَى الْحَلَاوَةِ فِيهِ فَلَوْ أَكَلَ عِنَبًا أَوْ بِطِّيخًا أَوْ رُمَّانًا أَوْ إجَّاصًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهِ مَا لَيْسَ بِحُلْوٍ، وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَلَاوَةً فَهُوَ كَالْحَلْوَى وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْمَتْنِ حَيْثُ أَطْلَقَهُ مَعَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ تَفْسِيرًا لِلْحَلْوَى عِنْدَهُمْ وَقَالُوا الْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحُلْوَ وَالْحَلْوَى وَالْحَلَاوَةَ وَاحِدٌ، وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَالْحُلْوُ اسْمٌ لِلْعَسَلِ الْمَطْبُوخِ عَلَى النَّارِ بِنَشًا وَنَحْوِهِ وَأَمَّا الْحَلْوَى وَالْحَلَاوَةُ فَاسْمٌ لِسُكَّرٍ أَوْ عَسَلٍ أَوْ مَاءِ عِنَبٍ طُبِخَ وَعُقِدَ وَالْحَلَاوَةِ الْجَوْزِيَّةِ وَالسِّمْسِمِيَّةِ اهـ قُلْت: وَفِي زَمَانِنَا الْحُلْوُ كُلُّ مَا يُتَحَلَّى بِهِ مِنْ فَاكِهَةٍ وَغَيْرِهَا وَعِنَبٍ وَخَبِيصَةٍ وَكُنَافَةٍ وَقَطَائِفَ، وَأَمَّا الْحَلَاوَةُ وَالْحَلْوَى بِالْقَصْرِ فَهِيَ اسْمٌ لِنَوْعٍ خَاصٍّ كَالْجَوْزِيَّةِ وَالسِّمْسِمِيَّةِ مِمَّا يُعْقَدُ وَكَذَا مَا يُطْبَخُ مِنْ السُّكَّرِ أَوْ الْعَسَلِ بِطَحِينٍ أَوْ نَشًا (قَوْلُهُ لَا حِنْثَ فِي فَانِيذٍ) فِيهِ نَظَرٌ. فَفِي الْمِصْبَاحِ الْفَانِيذُ نَوْعٌ مِنْ الْحَلْوَى يُعْمَلُ مِنْ الْقَنْدِ وَالنَّشَا اهـ وَفِيهِ أَيْضًا الْقَنْدُ مَا يُعْمَلُ مِنْهُ السُّكَّرُ فَالسُّكَّرُ مِنْ الْقَنْدِ كَالسَّمْنِ مِنْ الزُّبْدِ (قَوْلُهُ وَالْإِدَامُ مَا يَصْطَبِغُ بِهِ الْخُبْزُ) فِي الْمُغْرِبِ صَبَغَ الثَّوْبَ بِصِبْغٍ حَسَنٍ وَصِبَاغٍ وَهُوَ مَا يُصْبَغُ بِهِ وَمِنْهُ الصَّبْغُ وَالصِّبَاغُ مِنْ الْإِدَامِ لِأَنَّ الْخُبْزَ يُغْمَسُ فِيهِ وَيُلَوَّنُ بِهِ كَالْخَلِّ وَالزَّيْتِ. اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ وَيَخْتَصُّ بِكُلِّ إدَامٍ مَائِعٍ كَالْخَلِّ، وَفِي التَّنْزِيلِ - {وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ} [المؤمنون: 20]- قَالَ الْفَارَابِيُّ: وَاصْطَبَغَ بِالْخَلِّ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَاصْطَبَغَ مِنْ الْخَلِّ وَهُوَ فِعْلٌ لَا يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولٍ صَرِيحٍ فَلَا يُقَالُ اصْطَبَغَ الْخُبْزُ بِخَلٍّ. اهـ. وَفِي الْفَتْحِ وَالِاصْطِبَاغُ افْتِعَالٌ مِنْ الصَّبْغِ، وَلَمَّا كَانَ ثُلَاثِيُّهُ وَهُوَ صَبَغَ مُتَعَدِّيًا لِوَاحِدٍ جَاءَ الِافْتِعَالُ مِنْهُ لَازِمًا فَلَا يُقَالُ اصْطَبَغَ الْخُبْزُ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى الْمَفْعُولِ بِنَفْسِهِ حَتَّى يُقَامَ مَقَامَ الْفَاعِلِ إذَا بُنِيَ الْفِعْلُ لَهُ وَإِنَّمَا يُقَامُ غَيْرُهُ مِنْ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ وَنَحْوِهِ فَلِذَا يُقَالُ اصْطَبَغَ بِهِ. اهـ. قُلْت: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ لَا يَذْكُرَ لَفْظَ الْخُبْزِ وَإِنْ تَبِعَ فِيهِ النَّهْرَ (قَوْلُهُ لِذَوْبِهِ فِي الْفَمِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّهُ لَا يُصْبَغُ بِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ. قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عَمَلًا بِالْعُرْفِ، وَفِي الْمُحِيطِ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ. مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ إدَامًا وَلَا يَأْتَدِمُ (وَقَوْلُهُ وَفِيهِ) أَيْ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ مُحَمَّدٌ: التَّمْرُ وَالْجَوْزُ لَيْسَ بِإِدَامٍ لِأَنَّهُ يُفْرَدُ بِالْأَكْلِ فِي الْغَالِبِ فَكَذَا الْعِنَبُ وَالْبِطِّيخُ وَالْبَقْلُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ بَلْ يُؤْكَلُ وَحْدَهُ غَالِبًا وَكَذَا سَائِرُ الْفَوَاكِهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 778 وَعِنَبٍ وَبِطِّيخٍ وَبَقْلٍ وَسَائِرِ الْفَوَاكِهِ لَيْسَ إدَامًا إلَّا فِي مَوْضِعٍ يُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ غَالِبًا اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: وَالْجَوْزُ رُطَبُهُ فَاكِهَةٌ وَيَابِسُهُ إدَامٌ. [فُرُوعٌ] حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا وَالْآخَرُ بَصَلًا وَالْآخَرُ فِلْفِلًا فَطُبِخَ حَشْوٌ فِيهِ كُلُّ ذَلِكَ فَأَكَلُوا لَمْ يَحْنَثُوا إلَّا صَاحِبَ الْفِلْفِلِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ إلَّا كَذَا وَهَذَا إنْ وَجَدَ طَعْمَهُ، وَيُزَادُ فِي الزَّعْفَرَانِ رُؤْيَةُ عَيْنِهِ، وَفِي لَا يَأْكُلُ لَبَنًا فَطَبَخَهُ بِأُرْزٍ أَوْ لَا يَنْظُرُ إلَى فُلَانٍ فَنَظَرَ إلَى يَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ أَوْ أَعْلَى رَأْسِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ وَبَطْنِهِ حَنِثَ، وَفِي الْمَسِّ يَحْنَثُ بِمَسِّ الْيَدِ وَالرِّجْلِ. عَرَضَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَقَالَ: نَعَمْ كَانَ حَالِفًا فِي الصَّحِيحِ كَذَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ   [رد المحتار] حَتَّى لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ غَالِبًا يَكُونُ إدَامًا عِنْدَهُ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا: وَإِذَا أَكَلَ الْإِدَامَ وَحْدَهُ، فَإِنْ كَانَ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ إدَامًا حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْتَدِمُ بِإِدَامٍ لَا يَحْنَثُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ الْخُبْزَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ اهـ (قَوْلُهُ وَبَقْلٍ) يُعْتَادُ فِي زَمَانِنَا أَكْلُ الْفُقَرَاءِ الْخُبْزَ بِالْبَصَلِ وَالنُّعْنُعِ وَالطَّرْخُونِ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَجَوْزٍ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا قَبْلَهُ عَلَى الرُّطَبِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ الْجَوْزَ وَاللَّوْزَ فَاكِهَةٌ هُوَ فِي عُرْفِهِمْ لَا فِي عُرْفِنَا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْيَابِسِ وَهُوَ بَعِيدٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ مَبْنِيٌّ عَلَى عُرْفِهِمْ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجَوْزَ الْيَابِسَ لَا يُؤْكَلُ الْآنَ مَعَ الْخُبْزِ غَالِبًا، وَإِنَّمَا يُفْرَدُ بِالْأَكْلِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْإِدَامِ مَا يُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ فِي الْغَالِبِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ كُلَّ مَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ مَعَ الْخُبْزِ وَلِذَا لَمْ يَحْنَثْ بِالْفَاكِهَةِ مَعَ الْخُبْزِ، وَكَذَا لَوْ أَكَلَ مَعَ الْخُبْزِ كُنَافَةً أَوْ قَطَائِفَ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَكْلُ ذَلِكَ وَحْدَهُ لَا مَقْرُونًا بِالْخُبْزِ فَلَا يُسَمَّى إدَامًا؛ نَعَمْ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ: لَا آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ إلَّا حَافًّا وَيُرَادُ بِالْحَافِّ أَكْلُهُ بِلَا شَيْءٍ مَعَهُ فَإِذَا قَرَنَ مَعَهُ فَاكِهَةً أَوْ نَحْوَهَا يَحْنَثُ تَأَمَّلْ [فُرُوعٌ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا وَالْآخَرُ بَصَلًا وَالْآخَرُ فِلْفِلًا فَطُبِخَ حَشْوٌ فِيهِ كُلُّ ذَلِكَ فَأَكَلُوا] (وَهَذَا إنْ وَجَدَ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِلْحًا فَأَكَلَ طَعَامًا إنْ كَانَ مَالِحًا حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ الْفَقِيهُ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَأْكُلْ عَيْنَ الْمِلْحِ مَعَ الْخُبْزِ أَوْ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ لِأَنَّ عَيْنَهُ مَأْكُولٌ، بِخِلَافِ الْفِلْفِلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، فَإِنْ كَانَ فِي يَمِينِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الطَّعَامُ الْمَالِحُ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ خَانِيَّةٌ. قُلْت: وَكَذَا يُقَالُ فِي اللَّحْمِ وَنَحْوِهِ وَلَكِنْ يَنْبَغِي الْحِنْثُ فِي عُرْفِنَا فِي اللَّحْمِ مُطْلَقًا إذَا كَانَ ظَاهِرًا فِي الْحَشْوِ فَإِنَّهُ يُسَمَّى آكِلًا لَهُ (قَوْلُهُ وَيُزَادُ فِي الزَّعْفَرَانِ رُؤْيَةُ عَيْنِهِ) مُقْتَضَى قَوْلِهِ: وَيُزَادُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ طَعْمِهِ أَيْضًا لَكِنَّهُ بَعِيدٌ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَا يَأْكُلُ زَعْفَرَانًا فَأَكَلَ كَعْكًا عَلَى وَجْهِهِ زَعْفَرَانٌ يَحْنَثُ (قَوْلُهُ فَطَبَخَهُ بِأُرْزٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ فِيهِ مَاءٌ وَيَرَى عَيْنَهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ وَفِي النَّوَازِلِ إنْ كَانَ يَرَى عَيْنَهُ وَيَجِدُ طَعْمَهُ يَحْنَثُ (قَوْلُهُ وَلَا يَنْظُرُ إلَخْ) ذَكَرَ هَذِهِ وَمَا بَعْدَهَا لِكَوْنِهَا مِنْ تَمَامِ كَلَامِ الصَّيْرَفِيَّةِ وَإِلَّا فَهِيَ اسْتِطْرَادِيَّةٌ لَيْسَتْ مِنْ مَسَائِلِ الْبَابِ (قَوْلُهُ وَإِلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ وَبَطْنِهِ حَنِثَ) فَصَّلَ فِيهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَكَذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ رَأَى الصَّدْرَ وَالظَّهْرَ وَالْبَطْنَ أَوْ أَكْثَرَ الصَّدْرِ وَالْبَطْنِ فَقَدْ رَآهُ وَإِنْ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ لَا وَإِنْ رَآهُ وَلَمْ يَعْرِفْهُ فَقَدْ رَآهُ وَإِنْ رَآهَا جَالِسَةً أَوْ مُتَنَقِّبَةً أَوْ مُتَقَنِّعَةً فَقَدْ رَآهَا إلَّا إذَا عَنَى رُؤْيَةَ الْوَجْهِ فَيَدِينُ لَا قَضَاءً أَيْضًا، وَإِنْ رَآهُ خَلْفَ الزُّجَاجِ أَوْ السِّتْرِ وَتَبَيَّنَ الْوَجْهَ يَحْنَثُ لَا مِنْ الْمِرْآةِ (قَوْلُهُ بِمَسِّ الْيَدِ وَالرِّجْلِ) مُفَادُهُ أَنَّهُ إذَا مَسَّ غَيْرَهُمَا لَا يَحْنَثُ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا قَيَّدَ بِهِمَا لِذِكْرِهِمَا فِي النَّظَرِ أَيْ فَالْمَسُّ يُخَالِفُ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَحْنَثُ بِمَسِّ غَيْرِهِمَا ط. مَطْلَبُ عَرَضَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَقَالَ نَعَمْ (قَوْلُهُ كَانَ حَالِفًا) لِأَنَّهُ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا فَقَالَ نَعَمْ كَأَنَّهُ يَصِيرُ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ لِأَنَّ مَا فِي السُّؤَالِ مُعَادٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 779 لَكِنْ فِي فَوَائِدِ شَيْخِنَا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ بِنَعَمْ لَا يَصِيرُ حَالِفًا هُوَ الصَّحِيحُ، ثُمَّ فَرَّعَ أَنَّ مَا يَقَعُ مِنْ التَّعَالِيقِ فِي الْمَحَاكِمِ أَنَّ الشَّاهِدَ يَقُولُ لِلزَّوْجِ تَعْلِيقًا فَيَقُولُ نَعَمْ لَا يَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ. (التَّغَدِّي الْأَكْلُ الْمُتَرَادِفُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الشِّبَعُ) وَكَذَا التَّعَشِّي وَلَا بُدَّ أَنْ يَأْكُلَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الشِّبَعِ فِي غَدَاءٍ وَعَشَاءٍ وَسُحُورٍ (فِي وَقْتٍ خَاصٍّ وَهُوَ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ) وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَالَ: وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ لِلْعُرْفِ، زَادَ فِي النَّهْرِ وَأَهْلُ مِصْرَ يُسَمُّونَهُ فُطُورًا إلَى ارْتِفَاعِ الضُّحَى الْأَكْبَرِ فَيَدْخُلُ وَقْتُ الْغَدَاءِ فَيُعْمَلُ بِعُرْفِهِمْ. قُلْت: وَكَذَلِكَ أَهْلُ الشَّامِ (إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ) ثُمَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ (مِمَّا يَتَغَدَّى بِهِ) أَهْلُ بَلَدِهِ عَادَةً وَغَدَاءُ كُلِّ بَلْدَةٍ مَا تَعَارَفَهُ أَهْلُهَا،   [رد المحتار] فِي الْجَوَابِ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْأَيْمَانِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي فَوَائِدِ شَيْخِنَا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة إلَخْ) مَا عَزَاهُ إلَى التَّتَارْخَانِيَّة خِلَافُ الْمَوْجُودِ فِيهَا، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهَا مَسْأَلَةً ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُشِيرُ إلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا عَرَضَ عَلَى غَيْرِهِ يَمِينًا مِنْ الْأَيْمَانِ فَيَقُولُ ذَلِكَ الْغَيْرُ نَعَمْ أَنَّهُ يَكْفِي وَيَصِيرُ حَالِفًا بِتِلْكَ الْيَمِينِ الَّتِي عُرِضَتْ عَلَيْهِ، وَهَذَا فَصْلٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَكْفِي وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَكْفِي، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْفَوَائِدِ: لَا يَصِيرُ حَالِفًا صَوَابُهُ يَصِيرُ بِدُونِ لَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ وَفِي آخِرِ أَيْمَانِ الْفَتْحِ: وَلَوْ قَالَ عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ إنْ فَعَلْت فَقَالَ نَعَمْ، فَالْحَالِفُ الْمُجِيبُ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُبْتَدِئِ وَلَوْ نَوَاهُ اهـ أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْك صَرِيحٌ فِي الْتِزَامِ الْعَهْدِ أَيْ الْيَمِينِ عَلَى الْمُخَاطَبِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا عَلَى الْمُبْتَدِئِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَيَفْعَلَنَّ وَقَالَ الْآخَرُ نَعَمْ فَإِنَّهُ إذَا نَوَى الْمُبْتَدِئُ التَّحْلِيفَ وَالْمُجِيبُ الْحَلِفَ يَصِيرُ كُلٌّ مِنْهُمَا حَالِفًا إلَخْ مَا نَقَلَهُ ح عَنْ الْبَحْرِ فَرَاجِعْهُ. وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ قَالَ لِآخَرَ: وَاَللَّهِ لَا أَجِيءُ إلَى ضِيَافَتِك فَقَالَ الْآخَرُ وَلَا تَجِيءُ إلَى ضِيَافَتِي فَقَالَ نَعَمْ يَصِيرُ حَالِفًا ثَانِيًا اهـ وَبِهِ جَزَمَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْفَتْحِ؛ وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَالْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ ثُمَّ فَرَّعَ) مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى شَيْخِهِ (قَوْلُهُ أَنَّ الشَّاهِدَ) أَيْ كَاتِبَ الْقَاضِي وَهَذَا بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّ مَا يَقَعُ (قَوْلُهُ يَقُولُ لِلزَّوْجِ تَعْلِيقًا) أَيْ يَقُولُ لَهُ كَلَامًا فِيهِ تَعْلِيقٌ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ: إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْهَا تَكُنْ طَالِقًا (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ) أَيْ الْمَنْقُولِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ مَا فِيهَا؛ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِحُّ كَمَا مَرَّ عَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ وَلَمْ يَثْبُتْ اخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ فَافْهَمْ. مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى أَوْ لَا يَتَعَشَّى (قَوْلُهُ التَّغَدِّي إلَخْ) هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ الْغَدَاءَ وَالْعَشَاءَ لِأَنَّ الْغَدَاءَ وَالْعَشَاءَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا مَعَ الْمَدِّ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ فِي الْوَقْتَيْنِ، لَا لِلْأَكْلِ فِيهِمَا وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ الْأَكْلُ فِيهِمَا لَا الْمَأْكُولُ، وَإِنْ أَجَابَ عَنْهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ تَسَاهُلٌ مَعْرُوفُ الْمَعْنَى لَا يُعْتَرَضُ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ الْأَكْلُ الْمُتَرَادِفُ) فَلَوْ أَكَلَ لُقْمَتَيْنِ ثُمَّ فَصَلَ بِزَمَنٍ يُعَدُّ فَاصِلًا ثُمَّ أَكَلَ لُقْمَتَيْنِ وَهَكَذَا لَا يَكُونُ غَدَاءً ط (قَوْلُهُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الشِّبَعُ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ أَكْلِ نَحْوِ لُقْمَةٍ وَلُقْمَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ يَبْلُغْ نِصْفَ الشِّبَعِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَأَمَّا الِاحْتِرَازُ عَنْ نَحْوِ اللَّبَنِ وَالتَّمْرِ فَسَيَذْكُرُهُ فِي قَوْلِهِ مِمَّا يَتَغَدَّى بِهِ عَادَةً فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَكَذَا التَّعَشِّي) وَمِثْلُهُ التَّسَحُّرُ عَلَى الظَّاهِرِ ط (قَوْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الشِّبَعِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الشِّبَعُ الْمُعْتَادُ لَهُ لَا الشَّرْعِيُّ كَالثُّلُثِ وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْحِنْثِ بِأَكْلِ نِصْفِ الشِّبَعِ ط (قَوْلُهُ فَيَدْخُلُ وَقْتُ الْغَدَاءِ) وَيَنْتَهِي إلَى الْعَصْرِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ فِي عُرْفِنَا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ) غَايَةٌ لِقَوْلِهِ وَهُوَ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ عَدَمَ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ وَغَدَاءُ كُلِّ بَلْدَةٍ مَا تَعَارَفَهُ أَهْلُهَا) يُغْنِي عَنْهُ مَا قَبْلَهُ وَمِثْلُهُ الْعَشَاءُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 780 حَتَّى لَوْ شَبِعَ بِشُرْبِ اللَّبَنِ يَحْنَثُ الْبَدْوِيُّ لَا الْحَضَرِيُّ زَيْلَعِيٌّ (وَالتَّعَشِّي مِنْهُ) أَيْ الزَّوَالُ: وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ: وَفِي عُرْفِنَا وَقْتُ الْعِشَاءِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ اهـ. قُلْت: وَهُوَ عُرْفُ مِصْرَ وَالشَّامِ (إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَالسُّحُورُ هُوَ الْأَكْلُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ إنْ أَكَلْت أَوْ) قَالَ إنْ (شَرِبْت أَوْ لَبِسْت) أَوْ نَكَحْت وَنَحْوَ ذَلِكَ فَعَبْدِي حُرٌّ (وَنَوَى مُعَيَّنًا) أَيْ خُبْزًا أَوْ لَبَنًا أَوْ قُطْنًا مَثَلًا (لَمْ يُصَدَّقْ أَصْلًا) فَيَحْنَثُ بِأَيِّ شَيْءٍ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ وَقِيلَ يَدِينُ كَمَا لَوْ نَوَى كُلَّ الْأَطْعِمَةِ أَوْ كُلَّ مِيَاهِ الْعَالَمِ حَتَّى لَا يَحْنَثَ أَصْلًا لِنِيَّتِهِ مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ (وَلَوْ ضَمَّ) لِإِنْ أَكَلْت (طَعَامًا أَوْ) شَرِبْت (شَرَابًا أَوْ) لَبِسْت   [رد المحتار] وَالسَّحُورُ ط (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ شَبِعَ إلَخْ) قَالَ الْكَرْخِيُّ: إذَا حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَأَكَلَ تَمْرًا أَوْ أُرْزًا أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى شَبِعَ لَا يَحْنَثُ، وَلَا يَكُونُ غَدَاءً حَتَّى يَأْكُلَ الْخُبْزَ، وَكَذَلِكَ إنْ أَكَلَ لَحْمًا بِغَيْرِ خُبْزٍ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ وَنَحْوُهُ فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَدَاءِ مَا يُتَغَدَّى بِهِ فِي الْعُرْفِ غَالِبًا، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ يُتَغَدَّى بِهِ فِي الْعُرْفِ لَكِنَّهُ قَلِيلٌ، وَنَظِيرُهُ مَا مَرَّ فِي الْإِدَامِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ تَغَدَّى بِالْعِنَبِ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الرُّسْتَاقِ مِمَّنْ عَادَتُهُمْ التَّغَدِّي بِهِ فِي وَقْتِهِ (قَوْلُهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْتَهِي إلَى دُخُولِ وَقْتِ السُّحُورِ (قَوْلُهُ وَالسُّحُورُ) بِالْفَتْحِ مَا يُؤْكَلُ وَبِالضَّمِّ فِعْلُ الْفَاعِلِ مِصْبَاحٌ، وَالْمُنَاسِبُ هُنَا ضَبْطُهُ بِالضَّمِّ لِقَوْلِهِ هُوَ الْأَكْلُ وَلِيُنَاسِبَ التَّعْبِيرَ بِالتَّغَدِّي وَالتَّعَشِّي. قَالَ فِي الْفَتْحِ: لَمَّا كَانَ السُّحُورُ مَا يُؤْكَلُ فِي السَّحَرِ وَالسَّحَرُ مِنْ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ سُمِّيَ مَا يُؤْكَلُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي لِقُرْبِهِ مِنْ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ سَحُورًا بِالْفَتْحِ وَالْأَكْلُ فِيهِ التَّسَحُّرُ. اهـ. قُلْت: فِي زَمَانِنَا لَا يُطْلِقُونَ السَّحُورَ إلَّا عَلَى مَا يُؤْكَلُ لَيْلًا لِأَجْلِ الصَّوْمِ. مَطْلَبُ قَالَ إنْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت وَنَوَى مُعَيَّنًا لَمْ يَصِحَّ (قَوْلُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ أَوْ لَا يَغْتَسِلُ، أَوْ لَا يَنْكِحُ، أَوْ لَا يَسْكُنُ دَارَ فُلَانٍ، أَوْ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَنَوَى الْخَيْلَ أَوْ مِنْ جَنَابَةِ امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ بِالْإِجَارَةِ أَوْ الْإِعَارَةِ أَوْ كُوفِيَّةٍ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ أَصْلًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَيْ خُبْزًا أَوْ لَبَنًا إلَخْ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُعَيَّنِ الْفَرْدَ الشَّخْصِيَّ، بَلْ مَا يَعُمُّ النَّوْعِيَّ (قَوْلُهُ لَمْ يَصْدُقْ أَصْلًا) أَيْ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمَلْفُوظِ لِتَعَيُّنِ بَعْضِ مُحْتَمَلَاتِهِ وَمَا نَوَاهُ غَيْرُ مَذْكُورٍ نَصًّا فَلَمْ تُصَادِفْ النِّيَّةُ مَحَلَّهَا فَلَغَتْ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَدِينُ) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الثَّانِي، وَاخْتَارَهُ الْخَصَّافُ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ تَقْدِيرًا وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ تَنْصِيصًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَقْدِيرَهُ لِضَرُورَةِ اقْتِضَاءِ الْأَكْلِ مَأْكُولًا وَكَذَا اللُّبْسُ وَالشَّرَابُ، وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ كَذَا قَالُوا. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْمُقْتَضَى لِأَنَّهُ مَا يُقَدَّرُ لِتَصْحِيحِ الْمَنْطُوقِ بِأَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ كَذِبًا ظَاهِرًا كَرَفْعِ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ، أَوْ غَيْرَ صَحِيحٍ شَرْعًا كَأَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي، وَقَوْلُك لَا آكُلُ خَالٍ عَنْ ذَلِكَ، نَعَمْ الْمَفْعُولُ أَعْنِي الْمَأْكُولَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ وُجُودِ الْأَكْلِ وَمِثْلُهُ لَيْسَ مِنْ الْمُقْتَضَى بَلْ مِنْ حَذْفِ الْمَفْعُولِ اقْتِصَارًا وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ كَلَامٍ مُقْتَضًى إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَدْعِيَ مَكَانًا وَزَمَانًا، وَحَيْثُ كَانَ هَذَا الْمَصْدَرُ ضَرُورِيًّا لِلْفِعْلِ لَا يَصِحُّ تَخْصِيصُهُ وَإِنْ عَمَّ بِوُقُوعِهِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَإِنَّ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْفِعْلِ فِي النَّفْيِ ثُبُوتَ الْمَصْدَرِ الْعَامِّ بِدُونِ ثُبُوتِ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِالتَّخْصِيصِ فَإِنَّ عُمُومَهُ ضَرُورَةُ تَحَقُّقِ الْفِعْلِ فِي النَّفْيِ فَلَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ، بِخِلَافِ إنْ أَكَلْت أَكْلًا فَإِنَّ الِاسْمَ الْمَذْكُورَ صَرِيحًا فَيَقْبَلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ نَوَى إلَخْ) أَيْ كَمَا يَصْدُقُ دِيَانَةً لَوْ نَوَى كُلَّ الْأَطْعِمَةِ أَوْ الْمِيَاهِ حَتَّى لَوْ أَكَلَ طَعَامًا أَوْ طَعَامَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَحْنَثُ، وَكَذَا لَوْ شَرِبَ مُدَّةَ عُمْرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ الْكُلَّ وَلَمْ يَشْرَبْ الْكُلَّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 781 (ثَوْبًا دُيِّنَ) إذَا قَالَ عَنَيْت شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ لِأَنَّهُ ذَكَرَ اللَّفْظَ الْعَامَّ الْقَابِلَ لِلتَّخْصِيصِ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ كَالنَّكِرَةِ فِي النَّفْيِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَصِحُّ فِي الْمَلْفُوظِ إلَّا فِي ثَلَاثٍ فَيَدِينُ فِي فِعْلِ الْخُرُوجِ وَالْمُسَاكَنَةِ وَتَخْصِيصِ الْجِنْسِ كَحَبَشِيَّةٍ أَوْ عَرَبِيَّةٍ لَا الصِّفَةِ كَكُوفِيَّةٍ أَوْ بَصْرِيَّةٍ فَتْحٌ.   [رد المحتار] ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا مَحَلَّ لِذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَا بَلْ مَحَلُّهَا بَعْدَ قَوْلِهِ: وَلَوْ ضَمَّ طَعَامًا إلَخْ كَمَا فَعَلَهُ فِي الْبَحْرِ: أَيْ فِيمَا إذَا صَرَّحَ بِالْمَفْعُولِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ لِنِيَّتِهِ مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ لَا أَوْجِدُ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا أَوْ لُبْسًا فَيَحْنَثُ بِكُلِّ أَكْلٍ وُجِدَ، وَلِذَا لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ الْمُعَيَّنَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا صَرَّحَ بِهِ. لِأَنَّ طَعَامًا الْمَذْكُورَ يَحْتَمِلُ الْبَعْضَ وَالْكُلَّ فَأَيَّهُمَا نَوَى صَحَّ، وَلِذَا نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَصْدُقُ قَضَاءً أَيْضًا وَعَلَّلَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْكَشْفِ أَنَّهُ إنَّمَا يَصْدُقُ دِيَانَةً فَقَطْ، وَقَالَ: لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَالْكُلُّ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ أَيْضًا وَتَمَامُهُ فِيهِ. أَقُولُ: وَيَظْهَرُ لِي تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى الْبَعْضَ إنَّمَا يَصْدُقُ دِيَانَةً فَقَطْ كَمَا يَأْتِي وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَصْدُقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً إذَا نَوَى الْكُلَّ لِأَنَّ عَدَمَ تَصْدِيقِهِ فِي الْأَوَّلِ قَضَاءٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ، فَيَكُونُ الظَّاهِرُ الْعُمُومَ وَإِلَّا لَزِمَ تَصْدِيقُهُ قَضَاءً فِي نِيَّةِ الْخُصُوصِ. وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ: إنْ كَلَّمْت آدَمَ أَوْ الرِّجَالَ أَوْ النِّسَاءَ حَنِثَ بِالْفَرْدِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْكُلَّ، قَالَ شَارِحُهُ: فَيَصْدُقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً وَلَا يَحْنَثُ أَبَدًا لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْأَدْنَى عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِتَصْحِيحِ كَلَامِهِ، فَإِذَا نَوَى الْكُلَّ فَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيَصْدُقُ، وَقِيلَ: لَا يَصْدُقُ قَضَاءً لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مَهْجُورَةٌ. اهـ. وَسَيَأْتِي هَذَا آخِرَ الْبَابِ، وَتَعْبِيرُهُ عَنْ الثَّانِي بِقِيلَ يُفِيدُ ضَعْفَهُ وَتَرْجِيحَ الْأَوَّلِ كَمَا قُلْنَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ دُيِّنَ) أَيْ يُوكَلُ إلَى دِينِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَعَالَى وَأَمَّا الْقَاضِي فَلَا يُصَدِّقُهُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَقَدَّمْنَا فِي الطَّلَاقِ أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالْقَاضِي (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ) لِأَنَّ الْحَلِفَ فِي الشَّرْطِ الْمُثْبَتِ يَكُونُ عَلَى نَفْيِهِ، فَقَوْلُهُ إنْ لَبِسْت ثَوْبًا فِي مَعْنَى لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا (قَوْلُهُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ فَيَدِينُ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ قَالَ: إنْ خَرَجْت فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَوَى السَّفَرَ مَثَلًا أَوْ إنْ سَاكَنْت فُلَانًا فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَوَى الْمُسَاكَنَةَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ يَدِينُ لِأَنَّ الْخُرُوجَ فِي نَفْسِهِ مُتَنَوِّعٌ إلَى سَفَرٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى اخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهَا، فَقَبِلَتْ إرَادَةَ أَحَدِ نَوْعَيْهِ، وَكَذَا الْمُسَاكَنَةُ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى كَامِلَةٍ هِيَ الْمُسَاكَنَةُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَمُطْلَقَةٍ وَهِيَ مَا تَكُونُ فِي دَارٍ، فَإِرَادَةُ الْمُسَاكَنَةِ فِي بَيْتٍ إرَادَةُ أَخَصِّ أَنْوَاعِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ النِّيَّةَ صَحَّتْ هُنَا لِكَوْنِ الْمَصْدَرِ مُتَنَوِّعًا لَا بِاعْتِبَارِ عُمُومِهِ فَهُوَ تَخْصِيصُ أَحَدِ نَوْعَيْ الْجِنْسِ، وَزَادَ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ إنْ اشْتَرَيْت وَنَوَى الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ: أَيْ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ دِيَانَةً، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَفْعُولَ لِتَنَوُّعِ الشِّرَاءِ، فَإِنَّهُ تَارَةً يَكُونُ لِنَفْسِهِ. وَتَارَةً يَكُونُ لِمُوَكِّلِهِ وَلِذَا رَتَّبَ عَلَى الْأَوَّلِ الْمِلْكَ، وَعَلَى الثَّانِي الْمِلْكَ لِلْمُوَكِّلِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْخُرُوجَ لِبَغْدَادَ أَوْ الْمُسَاكَنَةَ بِالْإِجَارَةِ أَوْ الشِّرَاءَ لِعَبْدٍ، فَإِنَّ الْفِعْلَ فِيهِ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ، فَلَمْ يَصِحَّ تَخْصِيصُهُ بِالنِّيَّةِ بِدُونِ ذِكْرٍ كَمَا فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ. قُلْت: وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ وَنَوَى الثَّلَاثَ أَوْ الْوَاحِدَةَ يَصِحُّ بِخِلَافِ نِيَّةِ الثِّنْتَيْنِ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ نَوْعَانِ غَلِيظَةٌ وَخَفِيفَةٌ. فَتَصِحُّ نِيَّةُ إحْدَاهُمَا بِخِلَافِ الثِّنْتَيْنِ لِأَنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ فِي مَحَلِّهِ، لَكِنَّهُ يَصْدُقُ فِي نِيَّتِهِ الْبَيْنُونَةَ قَضَاءً. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَكَذَا أَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَنَوَى كُوفِيَّةً أَوْ بَصْرِيَّةً لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الصِّفَةِ، وَلَوْ نَوَى حَبَشِيَّةً أَوْ عَرَبِيَّةً صَحَّتْ دِيَانَةً لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الْجِنْسِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَوْنُ إرَادَةِ نَوْعٍ لَيْسَ تُخْصَيَا لِلْعَامِّ مِمَّا يَقْبَلُ الْمَنْعَ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ قَصْرِ عَامٍّ عَلَى بَعْضِ مُتَنَاوِلَاتِهِ. اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 782 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] أَقُولُ: قَدْ يُقَالُ لَا عُمُومَ هُنَا وَلَا تَخْصِيصَ لِعَامٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ إرَادَةُ أَحَدِ مُحْتَمَلَيْ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ أَوْ أَحَدِ نَوْعَيْ الْجِنْسِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَالتَّلْوِيحِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَبَيَانُهُ أَنَّ الْخُرُوجَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ السَّفَرِ وَالِانْفِصَالِ مِنْ دَاخِلٍ إلَى خَارِجٍ وَكَذَا الْمُسَاكَنَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْكَامِلَةِ وَهِيَ مَا تَكُونُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَمُطْلَقَةٍ وَهِيَ مَا تَكُونُ فِي الدَّارِ مُطْلَقًا، وَكَذَا الشِّرَاءُ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْخَاصَّ وَهُوَ مَا يَكُونُ لَهُ وَالْمُطْلَقَ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمُتَبَادَرُ عُرْفًا هُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ صُدِّقَ دِيَانَةً فَقَطْ فِي نِيَّةِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ مِنْهَا، وَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَلَهُ نَظَائِرُ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَوْ قَالَ: إنْ جَامَعْتُك أَوْ بَاضَعْتُك فَهُوَ عَلَى الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ، لِأَنَّهُ الْمُتَفَاهَمُ عُرْفًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا دُونَهُ لِلِاحْتِمَالِ لَكِنَّهُ لَا يُصْرَفُ عَنْ الظَّاهِرِ فِي الْقَضَاءِ فَيَحْنَثُ بِهِمَا أَيْ إذَا نَوَى مَا دُونَهُ يَحْنَثُ بِهِ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحِنْثِ، وَيَحْنَثُ بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ لِتَبَادُرِهِ، وَكَذَا إنْ وَطِئْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ الْوَطْءَ بِالْقَدَمِ، وَفِي إنْ أَتَيْتُك يَنْوِي لِاسْتِوَاءِ احْتِمَالَيْ الْجِمَاعِ وَالزِّيَارَةِ، لَكِنْ لَوْ نَوَى الزِّيَارَةَ حَنِثَ بِالْجِمَاعِ لِأَنَّهُ زِيَارَةٌ وَزِيَادَةٌ. اهـ. وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ: ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَثْنَاةِ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي لَا آكُلُ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْأَكْلِ فِيهِ وَاحِدَةٌ فَلَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَرَّحَ بِالْمَفْعُولِ فَإِنَّهُ لَفْظٌ صَرِيحٌ فَيَصِحُّ تَخْصِيصُهُ، لَكِنَّ نِيَّةَ التَّخْصِيصِ إنَّمَا تَصِحُّ فِيمَا كَانَ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْعَامِّ وَهُوَ الْمَأْكُولَاتُ كَالْخُبْزِ وَنَحْوِهِ دُونَ مَا كَانَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ الضَّرُورِيَّةِ كَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْوَصْفِ. فَلَوْ نَوَى فِي زَمَانِ كَذَا لَمْ يَصِحَّ وَمِثْلُهُ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَنَوَى حَبَشِيَّةً أَوْ عَرَبِيَّةً فَإِنَّهَا بَعْضُ أَفْرَادِ الْعَامِّ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ أَنْوَاعٌ: حَبَشِيٌّ، وَعَرَبِيٌّ، وَرُومِيٌّ، بِاعْتِبَارِ أُصُولِهِ الَّذِينَ يُنْسَبُ إلَيْهِمْ بِخِلَافِ كُوفِيَّةٍ أَوْ بَصْرِيَّةٍ لِأَنَّهُ وَصْفٌ ضَرُورِيٌّ رَاجِعٌ إلَى تَخْصِيصِ الْمَكَانِ وَهُوَ غَيْرُ مَلْفُوظٍ صَرِيحًا فَلَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ كَبَقِيَّةِ الصِّفَاتِ الضَّرُورِيَّةِ وَمِثْلُهُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ: لَا يُكَلِّمُ هَذَا الرَّجُلَ وَنَوَى مَا دَامَ قَائِمًا لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ، لَا يُكَلِّمُ هَذَا الْقَائِمَ وَنَوَى ذَلِكَ يَدِينُ لِتَخْصِيصِهِ الْمَلْفُوظَ، وَكَذَا لَأَضْرِبَنَّهُ خَمْسِينَ وَنَوَى سَوْطًا بِهِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَبَرُّ بِأَيِّ شَيْءٍ ضَرَبَهُ وَكَذَا لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً أَبُوهَا يَعْمَلُ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ اهـ. وَظَهَرَ بِمَا قَرَّرَهُ أَيْضًا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا وُجِدَتْ فِي الْمَلْفُوظِ أَيْضًا لِأَنَّ الْفِعْلَ فِيهَا صَارَ مُشْتَرَكًا بِوَاسِطَةِ اشْتِرَاكِ الْمَصْدَرِ تَأَمَّلْ. عَلَى أَنْ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً صَرَّحَ فِيهِ بِالْمَفْعُولِ، فَهُوَ مِثْلُ لَا آكُلُ طَعَامًا وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ فِيهِ تَخْصِيصُ الْجِنْسِ فَقَطْ دُونَ الْوَصْفِ، لَكِنْ فِيهِ أَنْ لَا آكُلُ طَعَامًا كَذَلِكَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى أَنَّهُ يُخَالِفُهُ مَا يَذْكُرُهُ قَرِيبًا فِيمَا لَوْ قَالَ نَوَيْت مِنْ بَلَدِ كَذَا فَإِنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَلَعَلَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَنَوَى كُوفِيَّةً أَوْ بَصْرِيَّةً إلَخْ وَذَكَرَ فِيهَا أَيْضًا إنْ تَزَوَّجْت فَعَبْدِي حُرٌّ وَقَالَ عَنَيْت فُلَانَةَ وَامْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لَا يَصِحُّ وَلَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً وَقَالَ عَنَيْت فُلَانَةَ يَصِحُّ اهـ وَهَذَا ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ لَمْ يَذْكُرْ الْمَفْعُولَ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يَرِدُ مَا مَرَّ فِي يَمِينِ الْفَوْرِ حَيْثُ خُصِّصَ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقَرِينَةُ كَالْغَدَاءِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْعُرْفَ جَعَلَ اللَّفْظَ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ جَوَابًا لِكَلَامٍ قَبْلَهُ لِأَنَّ السُّؤَالَ مُعَادٌ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ تَخْصِيصًا لِلْعَامِّ غَيْرِ الْمَذْكُورِ بِالنِّيَّةِ، وَهَذَا الْمَوْضِعُ مِنْ مُشْكِلَاتِ مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَلَمْ أَجِدْ مَنْ أَعْطَاهُ حَقَّهُ مِنْ الْبَيَانِ وَمَا ذُكِرَ بِهِ هُوَ غَايَةُ مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ وَفِكْرِي الْفَاتِرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 783 (نِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ تَصِحُّ دِيَانَةً) إجْمَاعًا، فَلَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ: نَوَيْت مِنْ بَلَدِ كَذَا (لَا) يُصَدَّقُ (قَضَاءً) وَكَذَا مَنْ غَصَبَ دَرَاهِمَ إنْسَانٍ فَلَمَّا حَلَّفَهُ الْخَصْمُ عَامًّا نَوَى خَاصًّا (بِهِ يُفْتَى) خِلَافًا لِلْخَصَّافِ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: مَتَى حَلَّفَهُ ظَالِمٌ وَأُخِذَ بِقَوْلِ الْخَصَّافِ، فَلَا بَأْسَ.   [رد المحتار] مَطْلَبُ نِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ تَصِحُّ دِيَانَةً لَا قَضَاءً خِلَافًا لِلْخَصَّافِ (قَوْلُهُ نِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ تَصِحُّ دِيَانَةً لَا قَضَاءً) هَذِهِ الْجُمْلَةُ بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَلَوْ ضَمَّ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا أَوْ ثَوْبًا دِينَ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ إذَا ضَمَّ ذَلِكَ يَصِيرُ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ، وَالْعَامُّ تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ، لَكِنْ لَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَعُمُّ وَلَا يَتَنَوَّعُ كَمَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِأَنَّ الْعُمُومَ لِلْأَسْمَاءِ لَا لِلْفِعْلِ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ سِيبَوَيْهِ كَذَا فِي شَرْحِهِ لِلْفَارِسِيِّ. قُلْت: وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ مِنْ مَسْأَلَةِ الْخُرُوجِ وَالْمُسَاكَنَةِ وَالشِّرَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ كَمَا مَرَّ إنَّ التَّنَوُّعَ هُنَاكَ لِلْفِعْلِ بِوَاسِطَةِ مَصْدَرِهِ لَا أَصَالَةً تَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] قَيَّدَ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الْعَامِّ بِالْعُرْفِ يَصِحُّ دِيَانَةً وَقَضَاءً أَيْضًا، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى اللَّفْظِ بِالْعُرْفِ فَلَا تَصِحُّ كَمَا أَوْضَحْنَا ذَلِكَ أَوَّلَ بَابِ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، بَقِيَ هَلْ يَصِحُّ تَعْمِيمُ الْخَاصِّ بِالنِّيَّةِ؟ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ لَمْ أَرَهُ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَعْمِيمَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى اللَّفْظِ، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِالْعُرْفِ فَلَا تَصِحُّ بِالنِّيَّةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْعُرْفَ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ النِّيَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا يَصْدُقُ قَضَاءً) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ آنِفًا لَا الصِّفَةِ كَكُوفِيَّةٍ أَوْ بَصْرِيَّةٍ أَيْ أَنَّهُ لَا يَدِينُ فِيهَا كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ بَلَدِ كَذَا لَا يَصْدُقُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَصْدُقُ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى جَوَازِ تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِالنِّيَّةِ فَالْخَصَّافُ جَوَّزَهُ وَفِي الظَّاهِرِ لَا، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَخَذَ مِنْهُ دَرَاهِمَ وَحَلَّفَهُ عَلَى أَنَّهُ مَا أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا وَنَوَى الدَّنَانِيرَ فَالْخَصَّافُ جَوَّزَهُ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ وَالْفَتْوَى عَلَى الظَّاهِرِ، وَإِذَا أَخَذَ بِقَوْلِ الْخَصَّافِ فِيمَا إذَا وَقَعَ فِي يَدِ الظَّلَمَةِ لَا بَأْسَ بِهِ. اهـ. قُلْت: وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَنِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَقَدْ مَرَّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ نِيَّةَ تَخْصِيصِ الْعَامِّ تَصِحُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ دِيَانَةً فَقَطْ، وَعِنْدَ الْخَصَّافِ تَصِحُّ قَضَاءً أَيْضًا وَهَذَا إذَا كَانَ الْعَامُّ مَذْكُورًا وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ تَخْصِيصِهِ أَصْلًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَقِيلَ يَدِينُ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ الثَّانِي وَأَنَّهُ اخْتَارَهُ الْخَصَّافُ فَصَارَ حَاصِلُ مَا اخْتَارَهُ الْخَصَّافُ أَنَّهُ فِي الْمَذْكُورِ يَصْدُقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً وَفِي غَيْرِهِ دِيَانَةً فَقَطْ (قَوْلُهُ مَتَى حَلَّفَهُ ظَالِمٌ وَأُخِذَ بِقَوْلِ الْخَصَّافِ فَلَا بَأْسَ) أَقُولُ: الْمُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ أُخِذَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ أَيْ وَأَخَذَ الْقَاضِي إذْ لَا مَعْنَى لِأَخْذِ الْحَالِفِ بِهِ قَضَاءً لِأَنَّ أَخْذَ الْحَالِفِ بِمَا نَوَاهُ غَيْرُ خَاصٍّ بِقَوْلِ الْخَصَّافِ. مَطْلَبُ إذَا كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا يُفْتَى بِقَوْلِ الْخَصَّافِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ حَلَّفَهُ ظَالِمٌ فَحَلَفَ وَنَوَى تَخْصِيصَ الْعَامِّ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَعَلِمَ الْقَاضِي بِحَالِهِ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ؛ بَلْ يُصَدِّقُهُ أَخْذًا بِقَوْلِ الْخَصَّافِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَظْلُومًا فَلَا يُصَدِّقُهُ فَافْهَمْ. قَالَ فِي الْفَتَاوَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 784 وَقَالُوا: النِّيَّةُ لِلْحَالِفِ لَوْ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ وَكَذَا بِاَللَّهِ لَوْ مَظْلُومًا وَإِنْ ظَالِمًا فَلِلْمُسْتَحْلِفِ وَلَا تَعَلُّقَ لِلْقَضَاءِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ.   [رد المحتار] الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْخُلَاصَةِ مَا حَاصِلُهُ: أَرَادَ السُّلْطَانُ اسْتِحْلَافَهُ بِأَنَّك مَا تَعْلَمُ غُرَمَاءَ فُلَانٍ وَأَقْرِبَاءَهُ لِيَأْخُذَ مِنْهُمْ شَيْئًا بِلَا حَقٍّ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَحْلِفَ، وَالْحِيلَةُ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ الرَّجُلِ وَيَنْوِيَ غَيْرَهُ وَهَذَا صَحِيحٌ عِنْدَ الْخَصَّافِ لَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا يُفْتِي بِقَوْلِ الْخَصَّافِ، وَلَوْ حَلَّفَهُ الْقَاضِي مَا لَهُ عَلَيْك كَذَا فَحَلَفَ وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ فِي كُمِّهِ إلَى غَيْرِ الْمُدَّعِي صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً. اهـ. مَطْلَبٌ: النِّيَّةُ لِلْحَالِفِ لَوْ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ (قَوْلُهُ وَقَالُوا النِّيَّةُ لِلْحَالِفِ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ حَلَّفَ رَجُلًا فَحَلَفَ وَنَوَى غَيْرَ مَا يُرِيدُ الْمُسْتَحْلِفَ إنْ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِ يُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْحَالِفِ إذَا لَمْ يَنْوِ الْحَالِفُ خِلَافَ الظَّاهِرِ ظَالِمًا كَانَ الْحَالِفُ أَوْ مَظْلُومًا، وَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَلَوْ الْحَالِفُ مَظْلُومًا فَالنِّيَّةُ فِيهِ إلَيْهِ وَإِنْ ظَالِمًا يُرِيدُ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ اُعْتُبِرَ نِيَّةُ الْمُسْتَحْلِفِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ. قُلْت: وَتَقَيُّدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَنْوِ خِلَافَ الظَّاهِرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِاعْتِبَارِ نِيَّةِ الْحَالِفِ اعْتِبَارُهَا فِي الْقَضَاءِ، إذْ لَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِ نِيَّةٍ دِيَانَةً وَبِهِ عُلِمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَذْهَبِ الْخَصَّافِ، فَإِنَّ عِنْدَهُ تُعْتَبَرُ نِيَّةٌ فِي الْقَضَاءِ أَيْضًا وَيُفْتَى بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا كَمَا عَلِمْت. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ ذَكَرَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ لَوْ مَظْلُومًا وَعَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ لَوْ ظَالِمًا، وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا مِثَالَ الْأَوَّلِ: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعِ شَيْءٍ بِيَدِهِ فَحَلَفَ بِاَللَّهِ أَنَّهُ دَفَعَهُ لِي فُلَانٌ يَعْنِي بَائِعَهُ لِئَلَّا يُكْرَهَ عَلَى بَيْعِهِ لَا يَكُونُ يَمِينَ غَمُوسٍ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ، وَلَا مَعْنَى لِأَنَّ الْغَمُوسَ مَا يُقْتَطَعُ بِهَا حَقُّ مُسْلِمٍ، وَمِثَالُ الثَّانِي: لَوْ ادَّعَى شِرَاءَ شَيْءٍ فِي يَدِ آخَرَ بِكَذَا وَأَنْكَرَ فَحَلَّفَهُ بِاَللَّهِ مَا وَجَبَ عَلَيْك تَسْلِيمُهُ إلَيَّ فَحَلَفَ وَنَوَى التَّسْلِيمَ إلَى الْمُدَّعِي بِالْهِبَةِ لَا بِالْبَيْعِ، فَهَذَا وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَهُوَ غَمُوسٌ مَعْنًى فَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ هَذَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَلَوْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ وَهُوَ ظَالِمٌ أَوَّلًا وَنَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ بِأَنْ نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ أَوْ الْعَتَاقَ عَنْ عَمَلِ كَذَا أَوْ نَوَى الْإِخْبَارَ فِيهِ كَاذِبًا فَإِنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ لَفْظِهِ إلَّا أَنَّهُ لَوْ ظَالِمًا أَثِمَ إثْمَ الْغَمُوسِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَا نَوَى صِدْقًا حَقِيقَةً إلَّا أَنَّ هَذَا الْيَمِينَ غَمُوسٌ مَعْنًى لِأَنَّهُ قَطَعَ بِهَا حَقَّ مُسْلِمٍ اهـ مُلَخَّصًا وَقَوْلُهُ: وَنَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ قَضَاءً، وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْخَصَّافِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَظْلُومِ فَيَصْدُقُ قَضَاءً أَيْضًا وَبَيْنَ الظَّالِمِ فَلَا يَصْدُقُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْحَلِفَ بِطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ تُعْتَبَرُ فِيهِ نِيَّةُ الْحَالِفِ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا إذَا لَمْ يَنْوِ خِلَافَ الظَّاهِرِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ، فَلَا تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً، بَلْ يَأْثَمُ لَوْ ظَالِمًا إثْمَ الْغَمُوسِ، وَلَوْ نَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ، فَكَذَلِكَ لَكِنْ تُعْتَبَرُ نِيَّةٌ دِيَانَةً فَقَطْ، فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي بَلْ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ إلَّا إذَا كَانَ مَظْلُومًا عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ وَيُوَافِقُهُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ الطَّلَاقِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ دُيِّنَ إنْ لَمْ يَقْرُنْهُ بِعَدَدٍ وَلَوْ مُكْرَهًا صُدِّقَ قَضَاءً أَيْضًا. اهـ. وَأَمَّا الْحَالِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ لِلْقَضَاءِ فِيهِ مَدْخَلٌ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقُّهُ تَعَالَى لَا حَقَّ فِيهَا لِلْعَبْدِ حَتَّى يَرْفَعَ الْحَالِفُ إلَى الْقَاضِي كَمَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنَّهُ إنْ كَانَ مَظْلُومًا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ فَلَا يَأْثَمُ لِأَنَّهُ غَيْرُ ظَالِمٍ وَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَلَمْ يَكُنْ غَمُوسًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 785 حَلَفَ (لَا يَشْرَبُ مِنْ) شَيْءٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْكَرْعُ نَحْوُ (دِجْلَةَ) فَيَمِينُهُ (عَلَى الْكَرْعِ) مِنْهُ حَتَّى لَوْ شَرِبَ مِنْ نَهْرٍ أَخَذَ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: الْكَرْعُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْحَوْضِ فِي الْمَاءِ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْكَشْفِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ (بِخِلَافِ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ) فَيَحْنَثُ بِغَيْرِ الْكَرْعِ أَيْضًا (وَفِيمَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَرْعُ) كَالْبِئْرِ وَالْحُبِّ يَحْنَثُ (بِ) الشُّرْبِ بِ (الْإِنَاءِ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ قَالَ مِنْ الْبِئْرِ أَوْ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ لِتَعَيُّنِ الْمَجَازِ (وَلَوْ تَكَلَّفَ الْكَرْعَ فِيمَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ) أَيْ الْكَرْعُ (لَا يَحْنَثُ) فِي الْأَصَحِّ لِعَدَمِ الْعُرْفِ. (إمْكَانُ تَصَوُّرِ الْبِرِّ   [رد المحتار] لَا لَفْظًا وَلَا مَعْنًى وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْمُسْتَحْلِفِ فَيَأْثَمُ إثْمَ الْغَمُوسِ وَإِنْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ قَالَ ح وَهَذَا مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِمْ نِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ تَصِحُّ دِيَانَةً، فَاغْتَنِمْ تَوْضِيحَ هَذَا الْمَحَلِّ. مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ فَهُوَ عَلَى الْكَرْعِ (قَوْلُهُ يُمْكِنُ فِيهِ الْكَرْعُ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: كَرَعَ الْمَاءَ كَرْعًا مِنْ بَابِ نَفَعَ وَكُرُوعًا شَرِبَ بِفِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ فَإِنْ شَرِبَ بِكَفَّيْهِ أَوْ بِشَيْءٍ آخَرَ فَلَيْسَ بِكَرْعٍ وَكَرَعَ فِي الْإِنَاءِ أَمَالَ عُنُقَهُ إلَيْهِ فَشَرِبَ مِنْهُ (قَوْلُهُ فَيَمِينُهُ عَلَى الْكَرْعِ مِنْهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: أَيْ بِأَنْ يَتَنَاوَلَهُ بِفَمِهِ مِنْ نَفْسِ النَّهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، فَلَوْ نَوَى بِإِنَاءٍ حَنِثَ بِهِ إجْمَاعًا وَقَالَ إذَا شَرِبَ مِنْهَا كَيْفَمَا شَرِبَ حَنِثَ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ. اهـ. قُلْت: وَهُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي زَمَانِنَا، بِخِلَافِ مِنْ هَذَا الْكُوزِ فَإِنَّهُ عَلَى الْكَرْعِ مِنْهُ فِي الْعُرْفِ أَيْضًا. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْكُوزِ فَحَقِيقَتُهُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ كَرْعًا، حَتَّى لَوْ صَبَّ عَلَى كَفِّهِ وَشَرِبَ لَمْ يَحْنَثْ اهـ لَكِنْ فِيهِ إنْ وَضَعَهُ عَلَى فَمِهِ وَشَرِبَهُ مِنْهُ لَا يُسَمَّى كَرْعًا كَمَا مِنْ تَعْرِيفِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِعَدَمِ الْكَرْعِ فِي دِجْلَةَ لِحُدُوثِ النِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْخَوْضِ فِي الْمَاءِ) فَإِنَّهُ مِنْ الْكُرَاعِ، وَهُوَ مِنْ الْإِنْسَانِ مَا دُونَ الرُّكْبَةِ وَمِنْ الدَّوَابِّ مَا دُونَ الْكَعْبِ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَخْ) مِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ عَنْ التَّلْوِيحِ، وَفِي النَّهْرِ وَهَذَا الشَّرْطُ أَهْمَلَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ كَغَيْرِهِمْ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُغْرِبِ أَيْ مِنْ أَنَّ الْكَرْعَ تَنَاوُلُ الْمَاءِ بِالْفَمِ مِنْ مَوْضِعِهِ وَلَوْ إنَاءً (قَوْلُهُ فَيَحْنَثُ بِغَيْرِ الْكَرْعِ أَيْضًا) كَمَا إذَا تَنَاوَلَهُ بِكَفِّهِ أَوْ بِإِنَاءٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْخِلَ فَمَه دَاخِلَهُ (قَوْلُهُ كَالْبِئْرِ وَالْحُبِّ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُونَا مُمْتَلِئَيْنِ وَإِلَّا حَنِثَ بِالْكَرْعِ، وَالْحُبُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْخَابِيَةُ وَالْكَرَامَةُ غِطَاؤُهَا وَيُقَالُ لَك عِنْدِي حُبٌّ وَكَرَامَةٌ يَعْنِي خَابِيَةٌ وَغِطَاؤُهَا ط (قَوْلُهُ وَلَوْ تَكَلَّفَ الْكَرْعَ) أَيْ مِنْ أَسْفَلِ الْبِئْرِ فِيمَا إذَا قَالَ: لَا أَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ بِدُونِ إضَافَةِ مَاءٍ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْعُرْفِ) لِأَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَ عَلَى الْكَرْعِ لِكَوْنِ الْحَقِيقَةِ مَهْجُورَةً كَمَا فِي لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْكُوزِ فَصَبَّ الْمَاءَ فِي كُوزٍ آخَرَ فَشَرِبَ مِنْهُ لَا يَحْنَثُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ قَالَ مِنْ مَاءِ هَذَا الْكُوزِ فَصَبَّ فِي كُوزٍ آخَرَ فَشَرِبَ مِنْهُ حَنِثَ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا لَوْ قَالَ مِنْ هَذَا الْحُبِّ أَوْ مِنْ مَاءِ هَذَا الْحُبِّ فَنُقِلَ إلَى حُبٍّ آخَرَ اهـ: مَطْلَبُ تَصَوُّرُ الْبِرِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ شَرْطُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ وَبَقَائِهَا (قَوْلُهُ إمْكَانُ تَصَوُّرِ الْبِرِّ) قَالَ فِي الْمِنَحِ كُلُّ مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ لَفْظِ تَصَوُّرٍ فَمَعْنَاهُ مُمْكِنٌ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مُتَعَقِّلٌ اهـ فَالصَّوَابُ حِينَئِذٍ إسْقَاطُ تَصَوُّرٍ كَمَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ط: قُلْت: لَكِنْ عَبَّرَ فِي الْبَحْرِ وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِتَصَوُّرِهِ كَوْنُهُ ذَا صُورَةٍ أَيْ كَوْنُهُ مَوْجُودًا فَالْمُرَادُ إمْكَانُ وُجُودِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 786 فِي الْمُسْتَقْبَلِ شَرْطُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ) وَلَوْ بِطَلَاقٍ (وَبَقَائِهَا) إذْ لَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِ الْأَصْلِ لِتَنْعَقِدَ فِي حَقِّ الْخُلْفِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ (فَفِي) حَلِفِهِ (لَأَشْرَبَنَّ مَاءِ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ وَلَا مَاءَ فِيهِ أَوْ كَانَ فِيهِ) مَاءٌ (وَصَبَّ) وَلَوْ بِفِعْلِهِ أَوْ بِنَفْسِهِ (فِي يَوْمِهِ) قَبْلَ اللَّيْلِ (أَوْ أَطْلَقَ) يَمِينَهُ عَنْ الْوَقْتِ (وَلَا مَاءَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ) سَوَاءٌ عَلِمَ وَقْتَ الْحَلِفِ أَنَّ فِيهِ مَاءً أَوْ لَا فِي الْأَصَحِّ   [رد المحتار] فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْ إمْكَانُهُ عَقْلًا وَإِنْ اسْتَحَالَ عَادَةً احْتِرَازًا عَمَّا لَا يُمْكِنُ عَقْلًا وَلَا عَادَةً كَمَا فِي الْمِثَالِ الْآتِي فَهَذَا لَا تَنْعَقِدُ فِيهِ الْيَمِينُ وَلَا تَبْقَى مُنْعَقِدَةً بِخِلَافِ مَا أَمْكَنَ وُجُودُهُ عَقْلًا وَعَادَةً أَوْ عَقْلًا فَقَطْ مَعَ اسْتِحَالَتِهِ عَادَةً كَمَا فِي مَسْأَلَةِ صُعُودِ السَّمَاءِ وَقَلْبِ الْحَجَرِ ذَهَبًا فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ) قَيْدٌ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لِأَنَّ الْمُنْعَقِدَةَ لَا تَتَأَتَّى فِي غَيْرِهِ (قَوْلُهُ شَرْطُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ) أَيْ الْمُطْلَقَةِ أَوْ الْمُقَيَّدَةِ بِوَقْتٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِطَلَاقٍ) تَعْمِيمٌ لِلْيَمِينِ أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِطَلَاقٍ (قَوْلُهُ وَبَقَائِهَا) أَيْ شَرْطُ بَقَاءِ الْيَمِينِ مُنْعَقِدَةً، وَهَذَا فِي الْيَمِينِ الْمُقَيَّدَةِ فَقَطْ فَإِذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَأُوَفِّيَنَّك حَقَّك غَدًا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْغَدِ بَطَلَتْ الْيَمِينُ، بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا تَصَوُّرُ الْبِرِّ فِي الْبَقَاءِ بِاتِّفَاقٍ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَإِنْ أَطْلَقَ وَكَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ حَنِثَ (قَوْلُهُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِ الْأَصْلِ إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَنْعَقِدُ لِتَحْقِيقِ الْبِرِّ فَإِنَّ مَنْ أَخْبَرَ بِخَيْرٍ أَوْ وَعَدَ بِوَعْدٍ يُؤَكِّدُهُ بِالْيَمِينِ لِتَحْقِيقِ الصِّدْقِ، فَكَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْبِرَّ ثُمَّ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ خَلَفًا عَنْهُ. لِرَفْعِ حُكْمِ الْحِنْثِ، وَهُوَ الْإِثْمُ لِيَصِيرَ بِالتَّكْفِيرِ كَالْبَارِّ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْبِرُّ مُتَصَوَّرًا لَا تَنْعَقِدُ فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ خَلَفًا عَنْهُ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حُكْمُ الْيَمِينِ، وَحُكْمُ الشَّيْءِ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ انْعِقَادِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْأَصْلَ وَمَا فُرِّعَ عَلَيْهِ قَوْلُهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُشْتَرَطُ تَصَوُّرُ الْبِرِّ. مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ أَوْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ (قَوْلُهُ فَفِي حَلِفِهِ إلَخْ) فِي مَحَلِّ مَفْعُولٍ فَرْعٌ. وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: لِأَنَّ الْيَمِينَ إمَّا مُقَيَّدَةٌ، أَوْ مُطْلَقَةٌ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ مَاءٌ أَصْلًا أَوْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ وَقْتَ الْحَلِفِ ثُمَّ صُبَّ، فَفِي الْمُقَيَّدَةِ لَا يَحْنَثُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِعَدَمِ انْعِقَادِهَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلِبُطْلَانِهَا عِنْدَ الصَّبِّ فِي الثَّانِي وَفِي الْمُطْلَقَةِ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الِانْعِقَادِ وَيَحْنَثُ فِي الثَّانِي (قَوْلُهُ الْيَوْمَ) أَيْ مَثَلًا إذْ الْمُرَادُ كُلُّ وَقْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ يَوْمٍ أَوْ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ (قَوْلُهُ أَوْ بِنَفْسِهِ) أَيْ أَوْ انْصَبَّ بِنَفْسِهِ بِلَا فِعْلِ أَحَدٍ (قَوْلُهُ قَبْلَ اللَّيْلِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَوْمِ بَيَاضُ النَّهَارِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ اللَّيْلُ (قَوْلُهُ أَوْ لَا) صَادِقٌ بِمَا إذَا عَلِمَ عَدَمَ الْمَاءِ فِيهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا وَقَصَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ تَقَعُ يَمِينُهُ عَلَى مَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَدَمُ فَيَحْنَثُ وَصَحَّحَ الزَّيْلَعِيُّ الْإِطْلَاقَ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْفَتْحِ فَقَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ قَيْدٌ لِلتَّعْمِيمِ فِي قَوْلِهِ أَوْ لَا لَكِنْ فَصَّلَ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا بَيْنَ عِلْمِهِ بِمَوْتِهِ فَيَحْنَثُ، وَبَيْنَ عَدَمِهِ فَلَا وَمِثْلُهُ فِي الْكُنَى فَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي فَيُقَيَّدُ عَدَمُ حِنْثِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ لَكِنْ فَرَّقَ الزَّيْلَعِيُّ هُنَاكَ بِأَنَّ حِنْثَهُ إذَا عُلِمَ تَكُونُ يَمِينُهُ عُقِدَتْ عَلَى حَيَاةٍ سَتَحْدُثُ وَهُوَ مُتَصَوَّرٌ أَمَّا هُنَا فَلِأَنَّ مَا يَحْدُثُ فِي الْكُوزِ غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ اهـ أَيْ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مَاءٌ مَظْرُوفٌ فِي الْكُوزِ وَقْتَ الْحَلِفِ دُونَ الْحَادِثِ بَعْدُ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ إذَا عَلِمَ بِأَنَّهُ لَا مَاءَ فِيهِ يُرَادُ مَاءٌ مَظْرُوفٌ فِيهِ بَعْدَ الْحَلِفِ أَيْ مَاءٌ سَيَحْدُثُ مِثْلَ لَأَقْتُلَنَّ زَيْدًا فَإِنَّ الْفِعْلَ إزْهَاقُ الرُّوحِ فَإِذَا عُلِمَ بِمَوْتِهِ يُرَادُ رَوْحٌ سَتَحْدُثُ لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّ ذَاتَ الشَّخْصِ لَمْ تَتَغَيَّرْ بِخِلَافِ الْمَاءِ فَلْيُتَأَمَّلْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 787 لِعَدَمِ إمْكَانِ الْبِرِّ (وَإِنْ) أَطْلَقَ وَ (كَانَ) فِيهِ مَاءٌ (فَصَبَّ حَنِثَ) لِوُجُوبِ الْبِرِّ فِي الْمُطْلَقَةِ كَمَا فَرَغَ وَقَدْ فَاتَ بِصَبِّهِ، أَمَّا الْمُوَقَّتَةُ فَفِي آخِرِ الْوَقْتِ، وَهَذَا الْأَصْلُ فُرُوعُهُ كَثِيرَةٌ. . مِنْهَا إنْ لَمْ تُصَلِّ الصُّبْحَ غَدًا فَأَنْتِ كَذَا لَا يَحْنَثُ بِحَيْضِهَا بُكْرَةً فِي الْأَصَحِّ. وَمِنْهَا إنْ لَمْ تَرُدِّي الدِّينَارَ الَّذِي أَخْذَتَيْهِ مِنْ كِيسِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِذَا الدِّينَارُ فِي كِيسِهِ لَمْ تَطْلُقْ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْبِرِّ.   [رد المحتار] تَنْبِيهٌ] قَالَ ط: هَلْ يَأْثَمُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا مَاءَ فِيهِ؟ قِيَاسُ مَا مَرَّ عَنْ التُّمُرْتَاشِيِّ فِي لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ الْإِثْمُ. اهـ. قُلْت: وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْغَمُوسَ تَكُونُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَهَذَا مِنْهَا (قَوْلُهُ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْبِرِّ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْبِرَّ مُتَصَوَّرٌ فِي صُورَةِ الْإِرَاقَةِ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ مُمْكِنَةٌ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبِرَّ إنَّمَا يَجِبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْيَوْمِ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ فِيهِ غَيْرَهُ فَلَا يُمْكِنُ إعَادَةُ الْمَاءِ فِي الْكُوزِ وَشُرْبُهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ. اهـ. ح عَنْ الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ لِوُجُوبِ الْبِرِّ فِي الْمُطْلَقَةِ كَمَا فَرَّعَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ وُجُوبُهُ فِي الْحَالِ إنْ كَانَ بِمَعْنَى تَعَيُّنِهِ حَتَّى يَحْنَثَ فِي ثَانِي الْحَالِ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْوُجُوبِ الْمُوسِعِ إلَى الْمَوْتِ، فَيَحْنَثُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْحَيَاةِ فَالْمُوَقَّتَةُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ فَذَلِكَ الْجُزْءُ بِمَنْزِلَةِ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْحَيَاةِ فَلِأَيِّ مَعْنًى تَبْطُلُ الْيَمِينُ عِنْدَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ فِي الْمُوَقَّتَةِ، وَلَمْ تَبْطُلْ عِنْدَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْحَيَاةِ فِي الْمُطْلَقَةِ. اهـ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الْحَالِفَ فِي الْمُوَقَّتَةِ لَمْ يُلْزِمْ نَفْسَهُ بِالْفِعْلِ إلَّا فِي آخِرِ الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي التَّأْخِيرِ. قُلْت: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ غَيْرُ دَافِعٍ مَعَ اسْتِلْزَامِهِ وُجُوبَ الْبِرِّ فِي الْمُطْلَقَةِ عَلَى فَوْرِ الْحَلِفِ، وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ فَافْهَمْ، وَيَظْهَرُ لِي الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُقَيَّدَةَ لَمَّا كَانَ لَهَا غَايَةٌ مَعْلُومَةٌ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْفِعْلُ إلَّا فِي آخِرِ وَقْتِهَا فَإِذَا فَاتَ الْمَحَلُّ فَقَدْ فَاتَ قَبْلَ الْوُجُوبِ، فَتَبْطُلُ وَلَا يَحْنَثُ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْبِرِّ وَقْتَ تَعَيُّنِهِ أَمَّا الْمُطْلَقَةُ فَغَايَتُهَا آخِرُ جُزْءٍ مِنْ الْحَيَاةِ وَذَلِكَ الْوَقْتُ لَا يُمْكِنُ الْبِرُّ فِيهِ، وَلَا خَلْفَهُ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ فَفِي تَأْخِيرِ الْوُجُوبِ إلَيْهِ إضْرَارٌ بِالْحَالِفِ لِأَنَّهُ إذَا حَنِثَ فِي آخِرِ الْحَيَاةِ لَا يُمْكِنُهُ التَّكْفِيرُ وَلَا الْوَصِيَّةُ بِالْكَفَّارَةِ، فَيَبْقَى فِي الْإِثْمِ فَتَعَيَّنَ الْوُجُوبُ قَبْلَهُ وَلَا تَرْجِيحَ لِوَقْتٍ دُونَ آخَرَ، فَلَزِمَ الْوُجُوبُ عَقِبَ الْحَلِفِ مُوَسَّعًا بِشَرْطِ عَدَمِ الْفَوَاتِ، فَإِذَا فَاتَ الْمَحَلُّ ظَهَرَ أَنَّ الْوُجُوبَ كَانَ مُضَيَّقًا مِنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ وَنَظِيرُهُ مَا قَرَّرُوهُ فِي الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْحَجِّ مُوَسَّعًا، فَقَدْ ظَهَرَ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ اُعْتُبِرَ آخِرُ الْوَقْتِ فِي الْمُوَقَّتَةِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ آخِرُ الْحَيَاةِ فِي الْمُطْلَقَةِ هَذَا مَا وَصَلَ إلَيْهِ فَهْمِي الْقَاصِرُ فَتَدَبَّرْهُ. (قَوْلُهُ وَهَذَا الْأَصْلُ) وَهُوَ إمْكَانُ الْبِرِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ (قَوْلُهُ مِنْهَا إلَخْ) وَمِنْهَا مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْيَمِينِ بِالضَّرْبِ وَالْقَتْلِ بِقَوْلِهِ: لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ غَدًا فَقَضَاهُ الْيَوْمَ إلَخْ، وَمِنْهَا مَا فِي الْبَحْرِ لَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَمَا أَصْبَحَ: إنْ لَمْ أُجَامِعْك هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَأَنْتِ كَذَا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَصْبَحَ انْصَرَفَ إلَى اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ، وَإِنْ نَوَى تِلْكَ اللَّيْلَةَ بَطَلَتْ يَمِينُهُ، وَكَذَا إنْ تَمَّتْ اللَّيْلَةُ أَوْ إنْ لَمْ أَبِتْ اللَّيْلَةَ هُنَا وَقَدْ انْفَجَرَ الصُّبْحُ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ النَّوْمَ فِي اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ لَا يُتَصَوَّرُ كَقَوْلِهِ: إنْ صُمْت أَمْسِ، وَمِنْهَا: إنْ لَمْ آتِ بِامْرَأَتِي إلَى دَارِي اللَّيْلَةَ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَتْ كُنْت فِي الدَّارِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ قَالَتْ كُنْت غَائِبَةً حَنِثَ إنْ صَدَّقَهَا وَمِنْهَا لَا يُعْطِيهِ أَوْ لَا يَضْرِبُهُ حَتَّى يَأْذَنَ فُلَانٌ فَمَاتَ فُلَانٌ ثُمَّ أَعْطَاهُ لَمْ يَحْنَثْ اهـ قَالَ الرَّمْلِيُّ وَلَمْ يُقَيِّدْ هَذِهِ بِالْوَقْتِ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ إذَا أُطْلِقَ وَكَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ (قَوْلُهُ فَحَاضَتْ بُكْرَةً) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ وَقْتُ الطُّلُوعِ أَوْ بُعَيْدَهُ فِي وَقْتٍ لَا يُمْكِنُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ فِيهِ ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ الْحِنْثِ عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْمُبْتَغَى، لَكِنْ ذَكَرَ فِي بَابِ الْيَمِينِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ تَصْحِيحَ الْحِنْثِ وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْبِرِّ) أَيْ فَلَمْ تَنْعَقِدْ الْيَمِينُ فَلَا يَتَرَتَّبُ الْحِنْثُ ط وَانْظُرْ مَا نَذْكُرُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 788 وَمِنْهَا: إنْ لَمْ تَهَبِينِي صَدَاقَك الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ أَبُوهَا إنْ وَهَبْتِيهِ فَأُمُّك طَالِقٌ فَالْحِيلَةُ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْهُ بِمَهْرِهَا ثَوْبًا مَلْفُوفًا وَتَقْبِضَهُ فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ لَمْ يَحْنَثْ أَبُوهَا لِعَدَمِ الْهِبَةِ وَلَا الزَّوْجُ لِعَجْزِهَا عَنْ الْهِبَةِ عِنْدَ الْغُرُوبِ لِسُقُوطِ الْمَهْرِ بِالْبَيْعِ ثُمَّ إذَا أَرَادَتْ الرُّجُوعَ رَدَّتْهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ. (وَفِي) حَلِفِهِ وَاَللَّهِ (لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ أَوْ لَيَقْلِبَنَّ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا حَنِثَ لِلْحَالِ)   [رد المحتار] قَرِيبًا عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. (قَوْلُهُ ثَوْبًا مَلْفُوفًا) قَيَّدَ بِهِ لِيُمْكِنَهَا الرَّدُّ عَلَيْهِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِيَعُودَ مَهْرُهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَتَقْبِضُهُ) هَذَا لَيْسَ بِقَيْدٍ فَإِنَّهُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ ثَبَتَ لَهَا فِي ذِمَّتِهِ الثَّمَنُ فَانْتَفَيَا قِصَاصًا وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الزَّيْلَعِيُّ وَتَمَامُهُ فِي ح (قَوْلُهُ لِعَجْزِهَا عَنْ الْهِبَةِ إلَخْ) يَشْكُلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ إنَّ الدَّيْنَ إذَا قُبِضَ لَا يَسْقُطُ عَنْ ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ حَتَّى لَوْ أَبْرَأَهُ الدَّائِنُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا قَبَضَهُ مِنْهُ وَقُصَارَى أَمْرِ الشِّرَاءِ بِهِ أَنْ يَكُونَ كَقَبْضِهِ. اهـ. ح عَنْ شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ. قُلْت: وَأَصْلُ الْإِشْكَالِ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَزَوَالُ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ وَأَجَابَ ط بِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعُرْفُ يَقْضِي بِأَنَّهَا إذَا اشْتَرَتْ بِمَهْرِهَا شَيْئًا تَصِيرُ لَا شَيْءَ لَهَا وَفِيهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْعَجْزُ وَعَدَمُ التَّصَوُّرِ شَرْعًا لَا عُرْفًا وَإِلَّا انْتَقَضَ الْأَصْلُ الْمَارُّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ فَافْهَمْ: وَأَجَابَ السَّائِحَانِيُّ بِأَنَّهَا لَمَّا جَعَلَتْ الْمَهْرَ ثَمَنًا وَالْكُلُّ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ تَغَيَّرَ مِنْ الْمَهْرِيَّةِ إلَى الثَّمَنِيَّةِ، فَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَهْرٌ حَتَّى يُوهَبَ، وَأَمَّا الدَّيْنُ فَبَدَلُهُ لَمْ يُدْفَعْ عَلَى صَرِيحِ الْمُعَاوَضَةِ، فَلَمْ يَقَعْ التَّقَاضِي بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ يُدْفَعْ حَالَةَ كَوْنِهِ وَصْفًا فِي الذِّمَّةِ، حَتَّى يَنْتَقِلَ إلَيْهِ لِقُرْبِهِ مِنْهُ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي قَوْلِهِمْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا قُلْت: وَالْجَوَابُ الْوَاضِحُ أَنْ يُقَالَ قَدْ قَالُوا إنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا أَيْ إذَا دَفَعَ الدَّيْنَ إلَى دَائِنِهِ ثَبَتَ لِلْمَدْيُونِ بِذِمَّةِ دَائِنِهِ مِثْلُ مَا لِلدَّائِنِ بِذِمَّةِ الْمَدْيُونِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَلِذَا لَوْ أَبْرَأَهُ الدَّائِنُ بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمَدْيُونُ كَمَا مَرَّ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى الدَّائِنُ شَيْئًا مِنْ الْمَدْيُونِ بِمِثْلِ دَيْنِهِ الْتَقَيَا قِصَاصًا أَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ بِمَا فِي ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ مَعَ الدَّيْنِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ لِلْمَدْيُونِ بِذِمَّةِ الدَّائِنِ شَيْءٌ لِأَنَّ الثَّمَنَ هُنَا مُعَيَّنٌ وَهُوَ الدَّيْنُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا غَيْرَهُ فَتَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمَدْيُونِ ضَرُورَةً بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ قَبْضِ الدَّيْنِ وَبَيْنَ الشِّرَاءِ بِهِ فَتَدَبَّرْ. مَطْلَبُ حَلَفَ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ أَوْ لَيَقْلِبَنَّ الْحَجَرَ ذَهَبًا (قَوْلُهُ وَفِي لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ إلَخْ) مِثْلُهُ إنْ لَمْ أَمَسَّ السَّمَاءَ بِخِلَافِ إنْ تَرَكْت مَسَّ السَّمَاءِ فَعَبْدِي حُرٌّ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ التَّرْكُ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَادَةً، وَفِي الْأَوَّلِ شَرْطُ عَدَمِ الْمَسِّ وَالْعَدَمُ يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ كَذَا فِي التَّحْرِيرِ شَرْحُ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْحَصِيرِيِّ مَعْزِيًّا إلَى الْمُنْتَقَى، وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ. قُلْت: وَيَظْهَرُ الْفَرْقُ فِي قَوْلِك لَا أَمَسُّ السَّمَاءَ وَقَوْلِك أَتْرُكُ مَسَّ السَّمَاءِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مُعْتَادٌ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ الثَّانِي، وَهَذَا يُنَافِي مَا مَرَّ فِي إنْ لَمْ تُصَلِّي الصُّبْحَ غَدًا، وَفِي إنْ لَمْ تَرُدِّي الدِّينَارَ وَلَعَلَّهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى فَتَأَمَّلْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 789 لِإِمْكَانِ الْبِرِّ حَقِيقَةً ثُمَّ يَحْنَثُ لِلْعَجْزِ عَادَةً، وَلَوْ وَقَّتَ الْيَمِينَ لَمْ يَحْنَثْ مَا لَمْ يَمْضِ ذَلِكَ الْوَقْتُ، وَفِي حِيرَةِ الْفُقَهَاءِ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ أَعْرُجْ إلَى السَّمَاءِ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَأَنْتِ كَذَا يَنْصِبُ سُلَّمًا ثُمَّ يَعْرُجُ إلَى سَمَاءِ الْبَيْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} [الحج: 15]- أَيْ سَمَاءِ الْبَيْتِ قَالَ الْبَاقَانِيُّ وَالظَّاهِرُ خُرُوجُهَا عَنْ قَاعِدَةِ مَبْنَى الْأَيْمَانِ. (وَكَذَا) الْحُكْمُ لَوْ حَلَفَ (لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا عَالِمًا بِمَوْتِهِ) إذْ يُمْكِنُ قَتْلُهُ بَعْدَ إحْيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَحْنَثُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا) بِمَوْتِهِ (فَلَا) يَحْنَثُ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى حَيَاةٍ كَانَتْ فِيهِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ كَمَسْأَلَةِ الْكُوزِ وَكَقَوْلِهِ إنْ تَرَكْت مَسَّ السَّمَاءِ فَعَبْدِي حُرٌّ   [رد المحتار] مَطْلَبُ يَجُوزُ تَحْوِيلُ الصِّفَاتِ وَتَحْوِيلُ الْأَجْزَاءِ (قَوْلُهُ لِإِمْكَانِ الْبِرِّ حَقِيقَةً) لِأَنَّهُ صَعِدَتْهَا الْمَلَائِكَةُ وَبَعْضُ الْأَنْبِيَاءِ وَكَذَا تَحْوِيلُ الْحَجَرِ ذَهَبًا بِتَحَيُّلِ اللَّهِ تَعَالَى صِفَةَ الْحَجَرِيَّةِ إلَى صِفَةِ الذَّهَبِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجَوَاهِرَ كُلَّهَا مُتَجَانِسَةٌ مُسْتَوِيَةٌ فِي قَبُولِ الصِّفَاتِ أَوْ بِإِعْدَامِ الْأَجْزَاءِ الْحَجَرِيَّةِ وَإِبْدَالِهَا بِأَجْزَاءٍ ذَهَبِيَّةٍ، وَالتَّحْوِيلُ فِي الْأَوَّلِ أَظْهَرُ وَهُوَ مُمْكِنٌ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ فَتْحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَحْنَثُ) عَطْفٌ عَلَى مَعْلُومٍ مِنْ الْمُقَامِ: أَيْ فَتَنْعَقِدُ ثُمَّ يَحْنَثُ ط قَالَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: فَبِاعْتِبَارِ التَّصَوُّرِ فِي الْجُمْلَةِ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ وَبِاعْتِبَارِ الْعَجْزِ عَادَةً حَنِثَ لِلْحَالِ، وَهَذَا الْعَجْزُ لَيْسَ الْعَجْزَ الْمُقَارِنَ لِلْيَمِينِ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْعَجْزُ عَنْ الْبِرِّ الْوَاجِبِ بِالْيَمِينِ اهـ أَيْ بِخِلَافِ الْعَجْزِ فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ فَإِنَّهُ مُقَارِنٌ لِلْيَمِينِ فَلِذَا لَمْ تَنْعَقِدْ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحِنْثَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَفِيهَا خِلَافُ زُفَرَ، فَعِنْدَهُ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ وَلَا يَحْنَثُ لِإِلْحَاقِهِ الْمُسْتَحِيلَ حَقِيقَةً بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ فَإِنَّ فِيهَا خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا مَرَّ. [تَنْبِيهٌ] الْمُرَادُ بِالْعَجْزِ هُنَا عَدَمُ الْإِمْكَانِ وَالتَّصَوُّرِ عَادَةً فَلَوْ حَلَفَ لَيُؤَدِّيَنَّ لَهُ دَيْنَهُ الْيَوْمَ فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُقْرِضُهُ يَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْيَوْمِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ عَادَةً (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ مَا لَمْ يَمْضِ ذَلِكَ الْوَقْتُ) أَيْ فَيَحْنَثُ فِي آخِرِهِ قَالَ فِي الْفَتْحِ فَلَوْ مَاتَ قَبْلَهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إذْ لَا حِنْثَ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قَالَ الْكَرْخِيُّ: إذَا حَلَفَ أَنْ يَفْعَلَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ لَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ فَهُوَ آثِمٌ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ زُفَرَ فِيمَنْ قَالَ: لَأَمَسَّنَّ السَّمَاءَ الْيَوْمَ أَنَّهُ آثِمٌ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ عِنْدَهُ إلَّا عَلَى مَا يُمْكِنُ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ خُرُوجُهَا إلَخْ) هَذَا الِاعْتِذَارُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ إنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ نَصِّ الْمَذْهَبِ لَا إنْ كَانَتْ مِنْ تَخْرِيجِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ عَلَى الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَالْعُرْفِ وَعَلَيْهِ مَشَى الزَّيْلَعِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ رَدُّهُ وَأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْعُرْفِ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَنْصُوصَةً لَذَكَرُوا اسْتِثْنَاءَهَا مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهَا مَسَائِلُ الْأَيْمَانِ وَهِيَ الْعُرْفُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ حَمْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا إذَا نَوَى سَقْفَ الْبَيْتِ كَمَا أَجَابُوا عَنْ قَوْلِ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ والمرغيناني فِي لَا يَهْدِمُ بَيْتًا أَنَّهُ يَحْنَثُ بِهَدْمِ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ السَّابِقِ فَرَاجِعْهُ لِيَظْهَرَ لَك مَا قُلْنَا (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحُكْمُ) أَيْ فِي الِانْعِقَادِ وَالْحِنْثِ لِلْحَالِ وَقَيَّدَ بِالْقَتْلِ احْتِرَازًا عَنْ الضَّرْبِ فَفِي الْخَانِيَّةِ لَيَضْرِبَنَّ فُلَانًا الْيَوْمَ وَفُلَانٌ مَيِّتٌ لَا يَحْنَثُ عَلِمَ بِمَوْتِهِ أَوْ لَا وَلَوْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَحَنِثَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اهـ أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَيَحْنَثُ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْصَرَفَتْ إلَى حَيَاةٍ يُحْدِثُهَا اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ، وَأَنَّهُ تَصَوُّرٌ وَإِذَا أَحْيَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ فُلَانٌ بِعَيْنِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْعَادَةِ فَيَحْنَثُ كَمَا فِي صُعُودِ السَّمَاءِ (قَوْلُهُ كَمَسْأَلَةِ الْكُوزِ) تَشْبِيهٌ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ لِعَدَمِ التَّصَوُّرِ، لَا فِي التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ التَّفْصِيلِ فِيهَا، فَإِنَّ حِنْثَ الْعَالِمِ هُنَا لِأَنَّ الْبِرَّ مُتَصَوَّرٌ كَمَا عَلِمْت أَمَّا فِي الْكُوزِ لَوْ خُلِقَ الْمَاءُ لَا يَكُونُ عَيْنَ الْمَاءِ الَّذِي انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، فَلَا يُتَصَوَّرُ الْبِرُّ أَصْلًا فَكَانَ الْمَاءُ نَظِيرَ الشَّخْصِ لَا نَظِيرَ الْحَيَاةِ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 790 لِأَنَّ التَّرْكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ. . (حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ فَنَادَاهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَأَيْقَظَهُ) فَلَوْ لَمْ يُوقِظْهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَلَوْ مُسْتَيْقِظًا حَنِثَ لَوْ بِحَيْثُ يَسْمَعُ بِشَرْطِ انْفِصَالِهِ عَنْ الْيَمِينِ، فَلَوْ قَالَ مَوْصُولًا: إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَاذْهَبِي أَوْ وَاذْهَبِي لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ يُرِدْ الِاسْتِئْنَافَ وَلَوْ قَالَ اذْهَبِي طَلُقَتْ لِأَنَّهُ مُسْتَأْنَفٌ، وَلَوْ قَالَ: يَا حَائِطُ اسْمَعْ أَوْ اصْنَعْ كَذَا وَكَذَا وَقَصَدَ إسْمَاعَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، لَمْ يَحْنَثْ زَيْلَعِيٌّ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: سَأَلَ مُحَمَّدٌ حَالَ صِغَرِهِ أَبَا حَنِيفَةَ فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ثُمَّ مَاذَا؟ فَتَبَسَّمَ مُحَمَّدٌ وَقَالَ اُنْظُرْ حَسَنًا يَا شَيْخُ فَنَكَّسَ أَبُو حَنِيفَةَ ثُمَّ قَالَ حَنِثَ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَحْسَنْت فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا أَدْرِي أَيَّ الْكَلِمَتَيْنِ أَوْجَعُ لِي؟   [رد المحتار] وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ جُعِلَ الْمَاءُ نَظِيرَ الْحَيَاةِ لَزِمَ التَّفْصِيلُ فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّ الْحَيَاةَ الْحَادِثَةَ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّرْكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ) لِأَنَّ تَرْكَ الشَّيْءِ فَرْعٌ عَنْ إمْكَانِ فِعْلِهِ عَادَةً أَيْ بِخِلَافِ الْعَدَمِ فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ مُطْلَقًا فَلِذَا حَنِثَ فِي إنْ لَمْ أَمَسَّ السَّمَاءَ كَمَا فِي النَّهْرِ وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ. مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ (قَوْلُهُ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ، وَإِنْ نَوَى يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ بَلَدًا أَوْ مَنْزِلًا فَإِنَّهُ لَا يَصْدُقُ دِيَانَةً وَلَا قَضَاءً وَفِي أَيِّ يَوْمٍ كَلَّمَهُ حَنِثَ لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ مَا لَيْسَ بِمَلْفُوظٍ اهـ (قَوْلُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ) خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَحْنَثُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَمْ يَسْمَعْ وَرَجَّحَهُ السَّرَخْسِيُّ مُتَمَسِّكًا بِمَا فِي السِّيَرِ لَوْ أَمَّنَ الْمُسْلِمُ أَهْلَ الْحَرْبِ مِنْ مَوْضِعٍ بِحَيْثُ يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ لَكِنَّهُمْ بِاشْتِغَالِهِمْ بِالْحَرْبِ لَمْ يَسْمَعُوهُ فَهَذَا أَمَانٌ. وَدُفِعَ بِالْفَرْقِ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَمَانَ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لَوْ بِحَيْثُ يَسْمَعُ) أَيْ إنْ أَصْغَى إلَيْهِ بِأُذُنِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ لِعَارِضِ شُغْلٍ أَوْ صَمَمٍ، فَلَوْ لَمْ يَسْمَعْ مَعَ الْإِصْغَاءِ لِشِدَّةِ بُعْدٍ لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَفِيهِ لَوْ كَلَّمَهُ بِكَلَامٍ لَمْ يَفْهَمْهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ (قَوْلُهُ لَا تَطْلُقُ) أَقُولُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: فَلَوْ وَصَلَ وَقَالَ إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَاذْهَبِي لَا يَحْنَثُ وَلَوْ اذْهَبِي أَوْ وَاذْهَبِي يَحْنَثُ اهـ لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْوَاوِ وَالْفَاءِ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ عَنْ الْمُنْتَقَى وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُرِدْ الِاسْتِئْنَافَ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُنْتَقَى إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: فَاذْهَبِي طَلَاقًا طَلُقَتْ بِهِ وَاحِدَةً، وَبِالْيَمِينِ أُخْرَى (قَوْلُهُ وَقَصَدَ إسْمَاعَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ) أَيْ وَلَمْ يَقْصِدْ خِطَابَهُ مَعَ الْحَائِطِ بَلْ قَصَدَ خِطَابَ الْحَائِطِ فَقَطْ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ: لَوْ سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ حَنِثَ إلَّا أَنْ لَا يَقْصِدَهُ فَيَدِينَ، أَمَّا لَوْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إلَّا عَلَى وَاحِدٍ فَيَصْدُقُ قَضَاءً عِنْدَنَا وَلَوْ سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ عَنْ يَسَارِهِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ السَّلَامَيْنِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهٍ وَلَوْ سَبَّحَ لَهُ لِسَهْوٍ أَوْ فَتَحَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ وَهُوَ مُقْتَدٍ لَمْ يَحْنَثْ وَخَارِجَ الصَّلَاةِ يَحْنَثُ. [تَنْبِيهٌ] لَوْ قَالَ إنْ ابْتَدَأْتُك بِكَلَامٍ فَعَبْدِي حُرٌّ فَالْتَقَيَا فَسَلَّمَ كُلٌّ عَلَى الْآخَرِ لَا يَحْنَثُ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ أَنْ يُكَلِّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ ابْتَدَأْتُك بِكَلَامٍ وَقَالَتْ هِيَ كَذَلِكَ لَا يَحْنَثُ إذَا كَلَّمَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِئْهَا وَلَا تَحْنَثُ هِيَ بَعْدَ ذَلِكَ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ ابْتِدَائِهَا كَذَا فِي الْفَتْحِ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَالذَّخِيرَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ. وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ إنْ ابْتَدَأْتُك بِكَلَامٍ أَوْ تَزَوُّجٍ أَوْ كَلَّمْتُك قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَنِي فَتَكَالَمَا أَوْ تَزَوَّجَا مَعًا لَمْ يَحْنَثْ أَبَدًا لِاسْتِحَالَةِ السَّبْقِ مَعَ الْقِرَانِ اهـ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الْبَزَّازِيَّةِ حَنِثَ الْحَالِفُ صَوَابُهُ لَا يَحْنَثُ. (قَوْلُهُ حَنِثَ مَرَّتَيْنِ) لِأَنَّهُ انْعَقَدَ الْيَمِينُ بِالْأُولَى فَيَحْنَثُ بِالثَّانِيَةِ وَتَنْعَقِدُ بِهَا يَمِينٌ أُخْرَى، فَيَحْنَثُ بِهَا فِي الثَّالِثَةِ مَرَّةً لِأَنَّ الْيَمِينَ الْأُولَى قَدْ انْحَلَّتْ بِالثَّانِيَةِ، وَفِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 791 قَوْلُهُ حَسَنًا أَوْ أَحْسَنْت. (أَوْ) حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ (إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ) بِالْإِذْنِ فَكَلَّمَهُ (حَنِثَ) لِاشْتِقَاقِ الْإِذْنِ مِنْ الْأَذَانِ فَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِخِلَافِ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِرِضَاهُ فَرَضِيَ وَلَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّ الرِّضَا مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ فَيَتِمُّ بِهِ (الْكَلَامُ) وَالتَّحْدِيثُ (لَا يَكُونُ إلَّا بِاللِّسَانِ) فَلَا يَحْنَثُ بِإِشَارَةٍ وَكِتَابَةٍ كَمَا فِي النُّتَفِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَا أَقُولُ لَهُ كَذَا فَكَتَبَ إلَيْهِ حَنِثَ فَفَرَّقَ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْكَلَامِ، لَكِنْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ مَسْأَلَةِ شَمِّ الرَّيْحَانِ عَنْ الْجَامِعِ أَنَّهُ كَالْكَلَامِ خِلَافًا لِابْنِ سِمَاعَةَ (وَالْإِخْبَارُ وَالْإِقْرَارُ وَالْبِشَارَةُ تَكُونُ بِالْكِتَابَةِ لَا بِالْإِشَارَةِ وَالْإِيمَاءِ، وَالْإِظْهَارُ وَالْإِنْشَاءُ وَالْإِعْلَامُ يَكُونُ) بِالْكِتَابَةِ وَ (بِالْإِشَارَةِ أَيْضًا) وَلَوْ قَالَ لَمْ أَنْوِ الْإِشَارَةَ دُيِّنَ، وَفِي لَا يَدْعُوهُ أَوْ لَا يُبَشِّرُهُ يَحْنَثُ بِالْكِتَابَةِ (إنْ أَخْبَرْتنِي) أَوْ أَعْلَمْتنِي (أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ وَنَحْوُهُ يَحْنَثُ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَلَوْ قَالَ بِقُدُومِهِ وَنَحْوِهِ فَفِي الصِّدْقِ مُحَاصَّةٌ)   [رد المحتار] تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَوْ قَالَ ثَلَاثًا لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ انْحَلَّتْ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ لِاسْتِئْنَافِ الْكَلَامِ بِخِلَافِ فَاذْهَبِي يَا عَدُوَّةَ اللَّهِ اهـ وَحَيْثُ انْحَلَّتْ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ لَا يَقَعُ بِالثَّالِثَةِ شَيْءٌ لِأَنَّهَا بَانَتْ لَا إلَى عِدَّةٍ بِخِلَافِ الْمَدْخُولِ بِهَا (قَوْلُهُ حَسَنًا أَوْ أَحْسَنْت) لِأَنَّ قَوْلَهُ اُنْظُرْ حَسَنًا يُفِيدُ التَّفْرِيعَ بِأَنَّك لَمْ تَتَأَمَّلْ فِي الْجَوَابِ وَقَوْلُهُ أَحْسَنْت وَإِنْ كَانَ تَصْوِيبًا إلَّا أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ أَنَّهُ لَمْ يُحْسِنْ قَوْلُهُ فَكُلٌّ مِنْ الْكَلِمَتَيْنِ مُوجِعٌ (قَوْلُهُ أَوْ حَلَفَ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ وَقَوْلُهُ حَنِثَ جَوَابُ الْمَسْأَلَتَيْنِ (قَوْلُهُ لِاشْتِقَاقِ الْإِذْنِ) أَيْ اشْتِقَاقًا كَبِيرًا كَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ الْأَذَانِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ ح. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فِي الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ فَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ الْعِلْمِ بِمَعْنَاهُ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ خَاطَبَهُ بِلُغَةٍ لَا يَفْهَمُهَا كَمَا قَدَّمْنَا نَظِيرَهُ فِي حَلِفِهِ لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي (قَوْلُهُ فَرَضِيَ) أَيْ بِأَنْ أَخْبَرَهُ بَعْدَ الْكَلَامِ بِأَنَّهُ كَانَ رَضِيَ (قَوْلُهُ فَلَا يَحْنَثُ بِإِشَارَةٍ وَكِتَابَةٍ) وَكَذَا بِإِرْسَالِ رَسُولٍ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى كَلَامًا عُرْفًا خِلَافًا لِمَالِكٍ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا} [الشورى: 51]- إلَى قَوْلِهِ - {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: 51]- أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ عَنْ الْجَامِعِ) حَيْثُ قَالَ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقُولُ لِفُلَانٍ شَيْئًا فَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا لَا يَحْنَثُ، وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ اهـ فَقَوْلُهُ خِلَافًا لِابْنِ سِمَاعَةَ أَيْ فِيهِمَا فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةٌ: الْحِنْثُ مُطْلَقًا، وَعَدَمُهُ مُطْلَقًا، وَتَفْصِيلُ قَاضِي خَانْ ط (قَوْلُهُ تَكُونُ بِالْكِتَابَةِ) أَيْ كَمَا تَكُونُ بِاللِّسَانِ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ لِظُهُورِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْإِيمَاءُ) بِالْجَرِّ عُطِفَ عَلَى الْإِشَارَةِ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْإِشَارَةَ بِالْيَدِ وَالْإِيمَاءَ بِالرَّأْسِ، لِأَنَّ الْأَصْل فِي الْعَطْفِ الْمُغَايَرَةُ (قَوْلُهُ وَالْإِظْهَارُ إلَخْ) بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ. (قَوْلُهُ وَالْإِنْشَاءُ) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالْمِنَحِ: الْإِفْشَاءُ بِالْفَاءِ أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يُفْشِي سِرَّ فُلَانٍ أَوْ لَا يُظْهِرُهُ أَوْ لَا يُعْلِمُ بِهِ يَحْنَثُ بِالْكِتَابَةِ وَبِالْإِشَارَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَإِنْ نَوَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَيْ فِي الْإِظْهَارِ وَالْإِفْشَاءِ وَالْإِعْلَامِ وَالْإِخْبَارِ كَوْنَهُ بِالْكِتَابَةِ دُونَ الْإِشَارَةِ دُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى اهـ وَهَكَذَا فِي الْفَتْحِ، وَنَحْوُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي النَّهْرِ الْإِخْبَارَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْإِخْبَارَ لَا يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ فَمَا مَعْنَى أَنَّهُ يَدِينُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِهِ الْإِشَارَةَ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: دُيِّنَ إلَخْ أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ قَضَاءً كَمَا عَزَاهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إلَى عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَفِيهَا وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالْإِشَارَةِ إذَا قَالَ أَشَرْت وَأَنَا لَا أُرِيدُ الَّذِي حَلَفْت عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ جَوَابًا لِشَيْءٍ سُئِلَ عَنْهُ لَمْ يَصْدُقْ فِي الْقَضَاءِ وَيَدِينُ (قَوْلُهُ أَوْ لَا يُبَشِّرُهُ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَالْبِشَارَةُ تَكُونُ بِالْكِتَابَةِ. اهـ. ح وَلَعَلَّهُ أَوْ لَا يُسِرُّهُ مِنْ الْإِسْرَارِ (قَوْلُهُ إنْ أَخْبَرْتنِي أَوْ أَعْلَمْتنِي إلَخْ) وَكَذَا الْبِشَارَةُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الْإِعْلَامَ كَالْبِشَارَةِ لَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْ الصِّدْقِ وَلَوْ بِلَا بَاءٍ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 792 لِإِفَادَتِهَا إلْصَاقَ الْخَبَرِ بِنَفْسِ الْقُدُومِ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي بَحْثِ الْبَاءِ مِنْ الْأُصُولِ، وَكَذَا إنْ كَتَبْت بِقُدُومِ فُلَانٍ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْبَابِ الْآتِي. وَسَأَلَ الرَّشِيدُ مُحَمَّدًا عَمَّنْ حَلَفَ لَا يَكْتُبُ إلَى فُلَانٍ فَأَوْمَأَ بِالْكِتَابَةِ هَلْ يَحْنَثُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنْ كَانَ مِثْلَك. (لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا فَمِنْ حِينِ حَلِفِهِ) وَلَوْ عَرَفَهُ فَعَلَى بَاقِيهِ (بِخِلَافِ لَأَعْتَكِفَنَّ) أَوْ لَأَصُومَنَّ (شَهْرًا فَإِنَّ التَّعْيِينَ إلَيْهِ) وَالْفَرْقُ أَنَّ ذِكْرَ الْوَقْتِ فِيمَا يَتَنَاوَلُ الْأَبَدَ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ وَفِيمَا لَا يَتَنَاوَلُ لِلْمَدِّ إلَيْهِ زَيْلَعِيٌّ.   [رد المحتار] تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَوْ قَالَ: إنْ أَخْبَرْتنِي أَنَّ زَيْدًا قَدِمَ فَكَذَا حَنِثَ بِالْكَذِبِ كَذَا إنْ كَتَبْت إلَيَّ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ وَفِي بَشَّرْتنِي أَوْ أَعْلَمْتنِي يُشْتَرَطُ الصِّدْقُ وَجَهْلُ الْحَالِفِ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الْأُولَيَيْنِ الدَّالُّ عَلَى الْمُخْبِرِ وَجَمْعُ الْحُرُوفِ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ إفَادَةُ الْبِشْرِ وَالْعِلْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِقُدُومِهِ لِأَنَّ بَاءَ الْإِلْصَاقِ تَقْتَضِي الْوُجُودَ وَهُوَ بِالصِّدْقِ وَيَحْنَثُ بِالْإِيمَاءِ فِي أَعْلَمْتنِي وَبِالْكِتَابِ وَالرَّسُولِ فِي الْكُلِّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِإِفَادَتِهَا) أَيْ الْبَاءِ إلْصَاقَ الْخَبَرِ بِنَفْسِ الْقُدُومِ أَيْ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ أَخْبَرْتنِي خَبَرًا مُلْصَقًا بِقُدُومِ زَيْدٍ فَاقْتَضَى وُجُودَ الْقُدُومِ لَا مَحَالَةَ قَالَ ط وَفِيهِ أَنَّ الْبَاءَ فِي إنْ أَخْبَرْتنِي أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ مُقَدَّرَةٌ وَمُقْتَضَاهُ قَصْرُهُ عَلَى الصِّدْقِ اهـ. قُلْت: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ عَلَى الْمَصْدَرِ الصَّرِيحِ وَفَرْقًا بَيْنَ الصَّرِيحِ وَالْمُؤَوَّلِ عَلَى أَنَّ تَقْدِيرَهَا لِضَرُورَةِ التَّعْدِيَةِ فَلَا تُفِيدُ مَا تُفِيدُهُ مَلْفُوظَةً فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَكَذَا إنْ كَتَبْت بِقُدُومِ فُلَانٍ) أَيْ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى الصِّدْقِ، بِخِلَافِ إنْ كَتَبْت إلَيَّ أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ فَعَبْدِي حُرٌّ يَحْنَثُ بِالْخَبَرِ الْكَاذِبِ، حَتَّى لَوْ كَتَبَ إلَيْهِ قَبْلَ الْقُدُومِ أَنَّ زَيْدًا قَدِمَ حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ الْكِتَابُ إلَى الْحَالِفِ كَذَا فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ، وَمُفَادُهُ الْحِنْثُ بِمُجَرَّدِ الْكِتَابَةِ، وَمُفَادُ الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ اشْتِرَاطُ الْوُصُولِ وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ تَعْلِيلُ التَّلْخِيصِ الْمَارِّ بِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الْكِتَابَةِ جَمْعُ الْحُرُوفِ أَيْ تَأْلِيفُهَا بِالْقَلَمِ وَقَدْ وُجِدَ (قَوْلُهُ فَقَالَ نَعَمْ إلَخْ) قَالَ السَّرَخْسِيُّ هَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ السُّلْطَانَ لَا يَكْتُبُ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَأْمُرُ بِهِ، وَمِنْ عَادَتِهِمْ الْأَمْرُ بِالْإِيمَاءِ وَالْإِشَارَةِ فَتْحٌ. مَطْلَبٌ فِي حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا فَهُوَ مِنْ حِينِ حَلِفِهِ (قَوْلُهُ فَمِنْ حِينِ حَلِفِهِ) أَيْ يَقَعُ عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ حِينِ حَلَفَ لِأَنَّ دَلَالَةَ حَالِهِ وَهِيَ غَيْظُهُ تُوجِبُ ذَلِكَ كَمَا إذَا آجَرَهُ شَهْرًا لِأَنَّ الْعُقُودَ تُرَادُ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ الْقَائِمَةِ بِخِلَافِ لَأَصُومَنَّ شَهْرًا فَإِنَّهُ نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ تُوجِبُ شَهْرًا شَائِعًا وَلَا مُوجِبَ لِصَرْفِهِ إلَى الْحَالِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَرَفَهُ) كَقَوْلِهِ: لَا أُكَلِّمُهُ الشَّهْرَ يَقَعُ عَلَى بَاقِيهِ وَكَذَا السَّنَةُ وَالْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِاللَّيْلِ لَا يُكَلِّمُهُ يَوْمًا حَنِثَ بِكَلَامِهِ فِي بَقِيَّةِ اللَّيْلِ وَفِي الْغَدِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلْإِخْرَاجِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ بِالنَّهَارِ لَا يُكَلِّمُهُ لَيْلَةً حَنِثَ بِكَلَامِهِ مِنْ حِينِ حَلَفَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلَوْ قَالَ فِي النَّهَارِ: لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا فَهُوَ مِنْ سَاعَةِ حَلِفِهِ مَعَ اللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إلَى مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ مِنْ الْغَدِ لِأَنَّ الْيَوْمَ مُنَكَّرٌ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِيفَائِهِ وَلَا يُمْكِنُ إلَّا بِإِتْمَامِهِ مِنْ الْغَدِ فَلَا يَتْبَعُهُ اللَّيْلُ، وَكَذَا لَا يُكَلِّمُهُ لَيْلَةً فَهُوَ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ إلَى مِثْلِهَا مِنْ اللَّيْلَةِ الْآتِيَةِ مَعَ النَّهَارِ الَّذِي بَيْنَهُمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَفِيهِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ لَا أُكَلِّمُك الْيَوْمَ وَلَا غَدًا وَلَا بَعْدَ غَدٍ فَلَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ لَيْلًا لِأَنَّهَا أَيْمَانٌ ثَلَاثَةٌ، وَلَوْ لَمْ يُكَرِّرْ النَّفْيَ فَهِيَ وَاحِدَةٌ فَيَدْخُلُ اللَّيْلُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ فِيمَا يَتَنَاوَلُ الْأَبَدَ إلَخْ) مِثْلُ لَا أُكَلِّمُهُ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ تَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ فَذَكَرَ الشَّهْرَ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ فَبَقِيَ مَا يَلِي يَمِينَهُ دَاخِلًا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَفِيمَا لَا يَتَنَاوَلُهُ) مِثْلُ لَأَصُومَنَّ أَوْ لَأَعْتَكِفَنَّ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ لَا تَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ فَإِنَّ ذِكْرَهُ لِتَقْدِيرِ الصَّوْمِ بِهِ وَأَنَّهُ مُنْكَرٌ فَالتَّعَيُّنُ إلَيْهِ بِخِلَافِ إنْ تَرَكْت الصَّوْمَ شَهْرًا فَإِنَّ الشَّهْرَ مِنْ حِينِ حَلَفَ لِأَنَّ تَرْكَهُ مُطْلَقًا يَتَنَاوَلُ الْأَبَدَ فَذِكْرُ الْوَقْتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 793 (حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ أَوْ سَبَّحَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ) اتِّفَاقًا (وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ خَارِجَهَا حَنِثَ عَلَى الظَّاهِرِ) كَمَا رَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ عَدَمَهُ مُطْلَقًا لِلْعُرْفِ وَعَلَيْهِ الدُّرَرُ وَالْمُلْتَقَى بَلْ فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِقِرَاءَةِ الْكُتُبِ فِي عُرْفِنَا انْتَهَى وَقَوَّاهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قَائِلًا وَلَا عَلَيْك مِنْ أَكْثَرِيَّةِ التَّصْحِيحِ لَهُ مَعَ مُخَالَفَتِهِ الْعُرْفَ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ إلْقَاءُ دَرْسٍ مَا لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا فِي الْفَتْحِ، وَأَمَّا الشِّعْرُ فَيَحْنَثُ بِهِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مَنْظُومٌ انْتَهَى، فَغَيْرُ الْمَنْظُومِ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ. (حَلَفَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ الْيَوْمَ يَحْنَثُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا وَلَوْ قَرَأَ الْبَسْمَلَةَ فَإِنْ نَوَى مَا فِي النَّمْلِ حَنِثَ وَإِلَّا لَا) لِأَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ بِهِ الْقُرْآنَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ سُورَةَ كَذَا أَوْ كِتَابَ فُلَانٍ لَا يَحْنَثُ بِالنَّظَرِ فِيهِ وَفَهْمِهِ بِهِ يُفْتَى وَاقِعَاتٌ. . (حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا الْيَوْمَ فَعَلَى الْجَدِيدَيْنِ)   [رد المحتار] لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْقُدُورِيُّ (قَوْلُهُ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْفَتْوَى، وَالْإِفْتَاءُ بِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ عَدَمَهُ) حَيْثُ قَالَ: وَلَمَّا كَانَ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ، وَفِي الْعُرْفِ الْمُتَأَخِّرِ لَا يُسَمَّى التَّسْبِيحُ، وَالْقُرْآنُ كَلَامًا حَتَّى يُقَالَ لِمَنْ سَبَّحَ طُولَ يَوْمِهِ، أَوْ قَرَأَ لَمْ يَتَكَلَّمْ الْيَوْمَ بِكَلِمَةٍ اخْتَارَ الْمَشَايِخُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَاخْتِيرَ لِلْفَتْوَى مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْيَمِينِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ اهـ. وَأَفَادَ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى عُرْفِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ إلَخْ يُبَيِّنُ قَوْلَ الشَّارِحِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ وَقَوَّاهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَخْ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى مَا فِي الْفَتْحِ فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ بَلْ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ قَائِلًا وَلَا عَلَيْك إلَخْ) الَّذِي رَأَيْته فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ الْإِفْتَاءَ بِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَوْلَى. قُلْت: الْأَوْلَوِيَّةُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ لِمَا أَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ الْمُتَأَخِّرِ وَلِمَا عَلِمْت مِنْ أَكْثَرِيَّةِ التَّصْحِيحِ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا فِي التَّهْذِيبِ وَالْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ، وَكَذَا الِاسْتِدْرَاكُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ فَتَأَمَّلْ) إشَارَةٌ إلَى مُخَالَفَةِ مَا فِي الْفَتْحِ لِكَلَامِ التَّهْذِيبِ أَوْ إلَى مَا فِي دَعْوَى الْأَوْلَوِيَّةِ مِنْ الْبَحْثِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ كَلَامًا مَنْظُومًا وَكَوْنِ قَائِلِهِ مُتَكَلِّمًا أَنْ يُسَمَّى إلْقَاءُ الدَّرْسِ كَلَامًا وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَةُ الْكُتُبِ كَذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْعُرْفِ وَإِلَّا فَإِنْ وُجِدَ عُرْفٌ فَالْعِبْرَةُ لَهُ كَمَا تَقَرَّرَ فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ لَا يُكَلِّمُهُ الْيَوْمَ وَلَا غَدًا أَوْ لَا بَعْدَ غَدٍ فَهِيَ أَيْمَانٌ ثَلَاثَةٌ (قَوْلُهُ الْيَوْمَ) قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ ط (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ مَا فِي النَّمْلِ بِأَنْ نَوَى غَيْرَهَا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ بِهِ الْقُرْآنَ) أَيْ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُرِيدُونَ بِغَيْرِ مَا فِي النَّمْلِ الْقُرْآنَ بَلْ التَّبَرُّكَ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ: الْمَقْصُودُ مِنْ قِرَاءَةِ كِتَابِ فُلَانٍ فَهْمُ مَا فِيهِ وَقَدْ حَصَلَ، وَيَحْنَثُ بِقِرَاءَةِ سَطْرٍ مِنْهُ لَا نِصْفِهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَفْهُومُ الْمَعْنَى غَالِبًا وَالْمَقْصُودُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَيْنُ الْقُرْآنِ إذْ الْحُكْمُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ قَالَ ح: وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْمُوَافِقُ لِعُرْفِنَا كَمَا لَا يَخْفَى. مَطْلَبُ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَهُوَ عَلَى الْجَدِيدَيْنِ (قَوْلُهُ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا الْيَوْمَ) هَذَا الْمِثَالُ غَيْرُ صَحِيحٍ هُنَا لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى بَاقِي الْيَوْمِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَاَلَّذِي مَثَّلَ بِهِ فِي الْكَنْزِ كَعَامَّةِ الْمُتُونِ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَعَلَى الْجَدِيدَيْنِ. اهـ. ح أَيْ لَوْ قَالَ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 794 لِقِرَانِهِ الْيَوْمَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ فَعَمَّ (فَإِنْ نَوَى النَّهَارَ صَدَقَ) لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ (وَلَوْ قَالَ لَيْلَةَ) أُكَلِّمُ فُلَانًا فَكَذَا (فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ خَاصَّةً) لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ مُفْرَدًا فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ قَالَ (إنْ كَلَّمْته) أَيْ عَمْرًا (إلَّا أَنْ يَقْدُمَ زَيْدٌ أَوْ حِينَ أَوْ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ أَوْ حَتَّى يَأْذَنَ فَكَذَا فَكَلَّمَهُ قَبْلَ قُدُومِهِ أَوْ) قَبْلَ (إذْنِهِ حَنِثَ وَ) لَوْ (بَعْدَهُمَا لَا يَحْنَثُ) لِجَعْلِهِ الْقُدُومَ وَالْإِذْنَ غَايَةً لِعَدَمِ الْكَلَامِ (وَإِنْ مَاتَ زَيْدٌ قَبْلَهُمَا سَقَطَ الْحَلِفُ) قَيَّدَ بِتَأْخِيرِ الْجَزَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَهُ فَقَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَقْدُمَ زَيْدٌ لَمْ يَكُنْ لِلْغَايَةِ بَلْ لِلشَّرْطِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ فَلَا تَطْلُقُ بِقُدُومِهِ بَلْ بِمَوْتِهِ (كَمَا لَوْ قَالَ) لِغَيْرِهِ (وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك حَتَّى يَأْذَنَ لِي فُلَانٌ أَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ وَاَللَّهِ لَا أُفَارِقُك حَتَّى تَقْضِيَ حَقِّي) أَوْ حَلَفَ لَيُوَفِّيَنَّهُ الْيَوْمَ   [رد المحتار] فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. سُمِّيَا جَدِيدَيْنِ: لِتَجَدُّدِهِمَا أَيْ عَوْدِهِمَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَإِنْ كَلَّمَهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا حَنِثَ (قَوْلُهُ لِقِرَانِهِ الْيَوْمَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ) قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْكَلَامُ لِأَنَّهُ عَرَضٌ وَالْعَرَضُ لَا يَقْبَلُ الِامْتِدَادَ إلَّا بِتَجَدُّدِ الْأَمْثَالِ كَالضَّرْبِ وَالْجُلُوسِ وَالسَّفَرِ وَالرُّكُوبِ وَذَلِكَ عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ صُورَةً وَمَعْنًى وَالْكَلَامُ الثَّانِي يُفِيدُ مَعْنًى غَيْرَ مُفَادِ الْأَوَّلِ. وَفِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ اسْمٌ لِأَلْفَاظٍ مُفِيدَةٍ مَعْنًى كَيْفَمَا كَانَ فَتَحَقَّقَتْ الْمُمَاثَلَةُ وَلِذَا يُقَالُ كَلَّمْته يَوْمًا فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا لَا يَمْتَدُّ الطَّلَاقُ وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ الْعَامِلِ فِي الظَّرْفِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ الظَّرْفُ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ إلَّا لِتَعْيِينِ مَا تَحَقَّقَ فِيهِ الْمَقْصُودُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ، وَقَدْ مَرَّ مَبْسُوطًا فِي بَحْثِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ (قَوْلُهُ صَدَقَ) أَيْ دِيَانَةً وَقَضَاءً وَعَنْ الثَّانِي لَا يَصْدُقُ قَضَاءً بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ مُفْرَدًا إلَخْ) أَيْ بِخِلَافِ الْجَمْعِ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ: وَكُنَّا حَسِبْنَا كُلَّ بَيْضَاءَ شَحْمَةً ... لَيَالِيَ لَاقَيْنَا جُذَامًا وَحِمْيَرًا (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْدَهُمَا لَا يَحْنَثُ) أَقُولُ: وَكَذَا مَعَهُمَا لِقَوْلِ الْخَانِيَّةِ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ حَتَّى يَدْخُلَهَا فُلَانٌ فَدَخَلَاهَا مَعًا لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَا أُكَلِّمُك حَتَّى تُكَلِّمَنِي وَكَذَا إنْ كَلَّمْتُك إلَّا أَنْ تُكَلِّمَنِي. اهـ. سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِجَعْلِهِ الْقُدُومَ وَالْإِذْنَ غَايَةً لِعَدَمِ الْكَلَامِ) أَمَّا الْغَايَةُ فِي " حَتَّى " فَظَاهِرَةٌ وَأَمَّا فِي " إلَّا أَنْ " فَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَصْلَ فِيهَا إلَّا أَنَّهَا تُسْتَعَارُ لِلشَّرْطِ، وَالْغَايَةُ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ لِمُنَاسَبَةٍ هِيَ أَنَّ حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا يُخَالِفُ مَا بَعْدَهُ، وَقِيلَ هِيَ لِلِاسْتِثْنَاءِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِيهَا إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْأَوْقَاتِ أَوْ الْأَحْوَالِ عَلَى مَعْنَى امْرَأَتُهُ طَالِقٌ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ أَوْ الْأَحْوَالِ إلَّا وَقْتَ قُدُومِ فُلَانٍ أَوْ إذْنِهِ أَوْ إلَّا حَالَ قُدُومِهِ، أَوْ إذْنِهِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ تَقْيِيدَ الْكَلَامِ بِوَقْتِ الْإِذْنِ أَوْ الْقُدُومِ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ كَلَّمَهُ بَعْدَهُ حَنِثَ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَوْقَاتِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ إلَّا ذَلِكَ الْوَقْتُ. اهـ. قُلْت: وَلِلْفَرْقِ بَيْنَ الْغَايَةِ وَالْحَالِ. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا نَاسِيًا فَكَلَّمَهُ مَرَّةً نَاسِيًا ثُمَّ مَرَّةً ذَاكِرًا حَنِثَ وَفِي إلَّا أَنْ يَنْسَى لَا يَحْنَثُ (قَوْلُهُ سَقَطَ الْحَلِفُ) أَيْ بَطَلَ وَيَأْتِي وَجْهُهُ (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِتَأْخِيرِ الْجَزَاءِ) تَبِعَ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ صَاحِبَ النَّهْرِ، وَأَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُ الْبَحْرِ قَيَّدَ بِالشَّرْطِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إلَخْ أَفَادَهُ ح. مَطْلَبُ إنْ كَلَّمَهُ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ أَوْ حَتَّى (قَوْلُهُ بَلْ لِلشَّرْطِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهِيَ هُنَا لِلشَّرْطِ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ لَمْ يَقْدَمْ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلَا تَكُونُ لِلْغَايَةِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ لَهَا فِيمَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ وَالطَّلَاقُ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُهُ مَعْنًى فَتَكُونُ لِلشَّرْطِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ) يَعْنِي أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ لِلْغَايَةِ فِيمَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ، وَالطَّلَاقُ مِمَّا لَا تَحْتَمِلُهُ فَتَكُونُ فِيهِ لِلشَّرْطِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الشَّرْطَ وَهُوَ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ مُثْبَتٌ، فَالْمَفْهُومُ أَنَّ الْقُدُومَ شَرْطُ الطَّلَاقِ لَا عَدَمُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ حُمِلَ عَلَى النَّفْيِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقُدُومَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 795 (فَمَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ الْإِذْنِ أَوْ بَرِئَ مِنْ الدَّيْنِ) فَالْيَمِينُ سَاقِطَةٌ. وَالْأَصْلُ أَنَّ الْحَالِفَ إذَا جَعَلَ لِيَمِينِهِ غَايَةً وَفَاتَتْ الْغَايَةُ بَطَلَ الْيَمِينُ خِلَافًا لِلثَّانِي. (كَلِمَةُ مَا زَالَ وَمَادَامَ وَمَا كَانَ غَايَةٌ تَنْتَهِي الْيَمِينُ بِهَا) فَلَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا مَا دَامَ بِبُخَارَى، فَخَرَجَ مِنْهَا ثُمَّ رَجَعَ فَفَعَلَ لَا يَحْنَثُ لِانْتِهَاءِ الْيَمِينِ، وَكَذَا لَا يَأْكُلُ هَذَا الطَّعَامَ مَا دَامَ فِي مِلْكِ فُلَانٍ فَبَاعَ فُلَانٌ بَعْضَهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَاقِيهِ لِانْتِهَاءِ الْيَمِينِ بِبَيْعِ الْبَعْضِ وَكَذَا لَا أُفَارِقُك حَتَّى تَقْضِيَنِي حَقِّي الْيَوْمَ أَوْ حَتَّى أُقَدِّمَك إلَى السُّلْطَانِ الْيَوْمَ لَا يَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْيَوْمِ بَلْ بِمُفَارَقَتِهِ بَعْدَهُ   [رد المحتار] رَافِعًا لِلطَّلَاقِ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ مَعْنَى التَّرْكِيبِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ مِنْ الْحَالِ مُسْتَمِرًّا إلَى الْقُدُومِ فَيَرْتَفِعُ فَالْقُدُومُ عَلَمٌ عَلَى الْوُقُوعِ قَبْلَهُ وَحَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ ارْتِفَاعُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَأَمْكَنَ وُقُوعُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدُومِ اُعْتُبِرَ الْمُمْكِنُ فَجُعِلَ عَدَمُ الْقُدُومِ شَرْطًا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ فُلَانٌ قَبْلَ الْقُدُومِ أَوْ الْإِذْنِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْفَتْحِ: أَيْ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ تَحَقَّقَ الشَّرْطُ (قَوْلُهُ بَطَلَ الْيَمِينُ) بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ بَقَاءَ تَصَوُّرِ الْبِرِّ شَرْطٌ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ الْمُؤَقَّتَةِ وَهَذِهِ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا مُوَقَّتَةٌ بِبَقَاءِ الْإِذْنِ وَالْقُدُومِ إذْ بِهِمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْبِرِّ بِلَا حِنْثٍ وَلَمْ يَبْقَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ مَنْ إلَيْهِ الْإِذْنُ وَالْقُدُومُ وَعِنْدَ الثَّانِي لَمَّا كَانَ التَّصَوُّرُ غَيْرَ شَرْطٍ فَعِنْدَ سُقُوطِ الْغَايَةِ تَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ فَأَيُّ وَقْتٍ كَلَّمَهُ فِيهِ يَحْنَثُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ كَلِمَةُ مَا زَالَ وَمَا دَامَ إلَخْ) هَذَا مِمَّا دَخَلَ تَحْتَ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ. قُلْت: وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَوَّامِ فِي زَمَانِنَا لَا أَفْعَلُ كَذَا طُولَ مَا أَنْتَ سَاكِنٌ. وَفِي الْبَحْرِ: لَا أُكَلِّمُهُ مَا دَامَ عَلَيْهِ هَذَا الثَّوْبُ فَنَزَعَهُ ثُمَّ لَبِسَهُ وَكَلَّمَهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُهُ وَعَلَيْهِ هَذَا الثَّوْبُ إلَخْ لِأَنَّهُ مَا جَعَلَ الْيَمِينَ مُوَقَّتَةً بِوَقْتٍ بَلْ قَيَّدَهَا بِصِفَةٍ فَتَبْقَى مَا بَقِيَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ. قَالَ لِأَبَوَيْهِ إنْ تَزَوَّجْت مَا دُمْتُمَا حَيَّيْنِ فَكَذَا فَتَزَوَّجَ فِي حَيَاتِهِمَا حَنِثَ، وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْرَى لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مَادُمْتُمَا حَيَّيْنِ فَيَحْنَثُ بِكُلِّ امْرَأَةٍ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا سَقَطَ الْيَمِينُ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ التَّزَوُّجُ مَا دَامَا حَيَّيْنِ وَلَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا. مَطْلَبُ لَا أَفْعَلُ مَا دَامَ كَذَا (قَوْلُهُ فَخَرَجَ مِنْهَا) أَيْ بِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ مَا دَامَ فِي الدَّارِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ بِأَهْلِهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ مَا دَامَتْ بُخَارَى وَطَنًا لَهُ فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ فَهُوَ كَالدَّارِ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: حَلَفَ لَا يَشْرَبُ النَّبِيذَ مَا دَامَ بِبُخَارَى فَفَارَقَهَا ثُمَّ عَادَ وَشَرِبَ قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ إنْ فَارَقَهَا بِنَفْسِهِ ثُمَّ عَادَ وَشَرِبَ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا دَامَتْ بُخَارَى وَطَنًا لَهُ فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ ثُمَّ عَادَ وَشَرِبَ حَنِثَ لِبَقَاءِ وَطَنِهِ بِهَا اهـ وَفِيهَا وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك مَا دُمْت فِي هَذِهِ الدَّارِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِانْتِقَالٍ تَبْطُلُ بِهِ السُّكْنَى لِأَنَّ مَعْنَى مَا دُمْت فِي هَذِهِ الدَّارِ مَا سَكَنْت فِيهَا وَمَا بَقِيَ فِي الدَّارِ وَتَدٌ يَكُونُ سَاكِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ سَاكِنًا بِذَلِكَ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا (قَوْلُهُ لِانْتِهَاءِ الْيَمِينِ بِبَيْعِ الْبَعْضِ) الَّذِي يَظْهَرُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ أَكْلُ كُلِّهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَبُو السُّعُودُ أَيْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ كُلُّ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ فِي مَجْلِسٍ أَوْ يَشْرَبُهُ فِي شَرْبَةٍ فَالْحَلِفُ عَلَى كُلِّهِ وَإِلَّا فَعَلَى بَعْضِهِ. أَقُولُ: وَيَظْهَرُ لِي عَدَمُ الْحِنْثِ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الشَّرْطِ. نَظِيرَ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا فِي مَا دُمْتُمَا حَيَّيْنِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ رَأَيْت فِي الْخَانِيَّةِ عَلَّلَ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ الْأَكْلُ حَالَ بَقَاءِ الْكُلِّ فِي مِلْكِ فُلَانٍ وَلَمْ يُوجَدْ اهـ فَافْهَمْ. مَطْلَبُ لَا أُفَارِقُك حَتَّى تَقْضِيَنِي حَقِّي الْيَوْمَ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَا أُفَارِقُك حَتَّى تَقْضِيَنِي حَقِّي الْيَوْمَ) أَيْ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ لَا يَتْرُكَ لُزُومَهُ حَتَّى يُعْطِيَهُ حَقَّهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بَلْ بِمُفَارَقَتِهِ بَعْدَهُ) أَيْ بَلْ يَحْنَثُ بِمُفَارَقَتِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ بِدُونِ إعْطَاءٍ، وَأَمَّا لَوْ فَارَقَهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ فَهُوَ كَذَلِكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 796 وَلَوْ قَدِمَ الْيَوْمَ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ فَارَقَهُ بَعْدَهُ بَحْرٌ. وَكَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ يَجُرَّهُ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَيُحَلِّفَهُ فَاعْتَرَفَ الْخَصْمُ أَوْ ظَهَرَ شُهُودٌ سَقَطَ الْيَمِينُ لِتَقَيُّدِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِحَالِ إنْكَارِهِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ. (وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يُكَلِّمُ عَبْدَهُ) أَيْ عَبْدَ فُلَانٍ (أَوْ عُرْسَهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارِهِ) أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَهُ أَوْ لَا يَأْكُلُ طَعَامَهُ أَوْ لَا يَرْكَبُ دَابَّتَهُ (إنْ زَالَتْ إضَافَتُهُ) بِبَيْعٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عَدَاوَةٍ (وَكَلَّمَهُ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْعَبْدِ)   [رد المحتار] بِالْأَوْلَى وَلِذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَدِمَ الْيَوْمَ) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَا أُفَارِقُك الْيَوْمَ حَتَّى تُعْطِيَنِي حَقِّي فَمَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ يُفَارِقْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ حَقَّهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ فَارَقَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْيَوْمِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ وَقَّتَ لِلْفِرَاقِ ذَلِكَ الْيَوْمَ بَحْرٌ. وَوَقَعَ فِي الْخَانِيَّةِ ذِكْرُ الْيَوْمِ مُقَدَّمًا وَمُؤَخَّرًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ (قَوْلُهُ وَإِنْ فَارَقَهُ بَعْدَهُ) مُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ فَارَقَهُ فِي الْيَوْمِ لَا يَحْنَثُ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَضَاهُ حَقَّهُ وَإِلَّا حَنِثَ فَالْإِطْلَاقُ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ كَمَا لَا يَخْفَى أَفَادَهُ ح. مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يُفَارِقُنِي فَفَرَّ مِنْهُ يَحْنَثُ [تَنْبِيهٌ] قَيَّدَ بِالْمُفَارَقَةِ لِأَنَّهُ لَوْ فَرَّ مِنْهُ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ قَالَ لَا يُفَارِقُنِي يَحْنَثُ خَانِيَّةٌ. وَفِيهَا لَا أَدَعُ مَالِي عَلَيْك الْيَوْمَ فَحَلَّفَهُ عِنْدَ الْقَاضِي بَرَّ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ فَحَبَسَهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْبِسْهُ يُلَازِمُهُ إلَى اللَّيْلِ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا لَمْ يَحِلَّ يَقُولُ لَهُ أَعْطِنِي مَالِي فَإِذَا قَالَهُ صَارَ بَارًّا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الدَّيْنِ بِالضَّرْبِ وَالْقَتْلِ أَنَّهُ لَوْ قَعَدَ بِحَيْثُ يَرَاهُ وَيَحْفَظُهُ فَلَيْسَ بِمُفَارِقٍ وَسَيَأْتِي تَمَامُ مَسَائِلِ قَضَاءِ الدَّيْنِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ إلَخْ) نَقَلَ فِي الْمِنَحِ هَذَا الْفَرْعَ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى بِعِبَارَةٍ مُطَوَّلَةٍ فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ لِتَقَيُّدِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِحَالِ إنْكَارِهِ) أَيْ كَمَا لَوْ حَلَفَ الْمَدْيُونُ لِغَرِيمِهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِحَالِ قِيَامِ الدَّيْنِ، لَكِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَا يَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِهِ أَوْ ظَهَرَ شُهُودٌ فَإِنَّهُ بِظُهُورِ الشُّهُودِ لَمْ يَزُلْ الْإِنْكَارُ بَلْ الْعِلَّةُ فِيهِ أَنَّهُ بَعْدَ ظُهُورِ الشُّهُودِ لَا يُمْكِنُ التَّحْلِيفُ تَأَمَّلْ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: حَلَّفَهُ لَيُوَفِّيَنَّ حَقَّهُ يَوْمَ كَذَا وَلَيَأْخُذَنَّ بِيَدِهِ وَلَا يَنْصَرِفُ بِلَا إذْنِهِ فَأَوْفَاهُ الْيَوْمَ وَلَمْ يَأْخُذْ بِيَدِهِ وَانْصَرَفَ بِلَا إذْنِهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْإِيفَاءُ. اهـ. قُلْت: وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَلْفَاظِ لَا عَلَى الْأَغْرَاضِ، وَهَذَا الْمَقْصُودُ غَيْرُ مَلْفُوظٍ لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْعُرْفَ يَصْلُحُ مُخَصَّصًا وَهُنَا كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْعُرْفَ يُخَصِّصُ ذَلِكَ بِحَالِ قِيَامِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْإِيفَاءِ وَيُوَضِّحُهُ أَيْضًا مَا يَأْتِي قَرِيبًا عَنْ التَّبْيِينِ. [تَنْبِيهٌ] رَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيِّ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ لَوْ حَلَفَ أَنْ يَجُرَّهُ إلَخْ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ يَشْتَكِيَ فُلَانًا ثُمَّ تَصَالَحَا وَزَالَ قَصْدُ الْإِضْرَارِ وَاخْتَشَى عَلَيْهِ مِنْ الشِّكَايَةِ يَسْقُطُ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ فِي الْمَعْنَى بِدَوَامِ حَالَةِ اسْتِحْقَاقِ الِانْتِقَامِ كَمَا ظَهَرَ لِي اهـ فَتَأَمَّلْهُ. مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ أَوْ عُرْسَهُ ثُمَّ زَالَتْ الْإِضَافَةُ بِبَيْعٍ أَوْ طَلَاقٍ (قَوْلُهُ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَهُ) هَذِهِ الْإِضَافَةُ إضَافَةُ مِلْكٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ عُرْسَهُ أَوْ صَدِيقَهُ إضَافَةُ نِسْبَةٍ وَهَذَا فِي إضَافَةِ الْمُفْرَدِ وَأَمَّا إضَافَةُ الْجَمْعِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ زَوَالُ الْإِضَافَةِ وَالتَّجَدُّدِ، نَعَمْ يُفَرَّقُ فِي إضَافَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ إضَافَةِ الْمِلْكِ وَالنِّسْبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْكُلِّ فِي النِّسْبَةِ وَبِأَدْنَى الْجَمْعِ فِي الْمِلْكِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ إنْ زَالَتْ إضَافَتُهُ) أَيْ وَلَوْ إلَى الْحَالِفِ كَمَا فِي لَا آكُلُ هَذَا فَأَهْدَاهُ لَهُ فَأَكَلَ لَمْ يَحْنَثْ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ وَكَذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الْمَسَائِلِ بَحْرٌ عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ بِبَيْعٍ) أَيْ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ رَمْلِيٌّ وَهَذَا رَاجِعٌ لِلْعَبْدِ وَالدَّارِ وَمَا بَعْدَهُمَا (قَوْلُهُ أَوْ طَلَاقٍ) رَاجِعٌ لِلْعُرْسِ، وَقَوْلُهُ أَوْ عَدَاوَةٍ رَاجِعٌ لِلصَّدِيقِ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُمْلَكُ كَالدَّارِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 797 وَنَحْوِهِ مِمَّا يُمْلَكُ كَالدَّارِ (أَشَارَ إلَيْهِ) بِهَذَا (أَوَّلًا) عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْعَبْدَ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ عِنْدَ الْأَحْرَارِ فَكَانَ كَالثَّوْبِ وَالدَّارِ (وَفِي غَيْرِهِ) أَيْ فِي تَكْلِيمِ غَيْرِ الْعَبْدِ مِنْ الْعُرْسِ وَالصَّدِيقِ لَا الدَّارِ لِأَنَّهَا لَا تُكَلَّمُ فَتَكُونُ الدَّارُ مَسْكُوتًا عَنْهَا لِلْعِلْمِ بِأَنَّهَا كَالْعَبْدِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى فَتَنَبَّهْ. (إنْ أَشَارَ) بِهَذَا أَوْ عَيَّنَ (حَنِثَ) لِأَنَّ الْحُرَّ يَهْجُرُ لَذَّاتِهِ (وَإِلَّا) يُشِرْ وَلَمْ يُعَيِّنْ (لَا) يَحْنَثُ (وَحَنِثَ بِالتَّجَدُّدِ) بِأَنْ اشْتَرَى عَبْدًا أَوْ تَزَوَّجَ بَعْدَ الْيَمِينِ.   [رد المحتار] هَذَا التَّعْمِيمُ لَا يُنَاسِبُ حِلَّهُ الْآتِيَ حَيْثُ جَعَلَ الدَّارَ مَسْكُوتًا عَنْهَا لِكَوْنِهَا لَا تُكَلَّمُ وَجَعَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ قَوْلَهُ وَكَلَّمَهُ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ أَيْ وَفَعَلَ الْحَالِفُ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ بِأَنْ كَلَّمَ الْعَبْدَ أَوْ دَخَلَ الدَّارَ الْمُعَيَّنَ أَوْ غَيْرَهُ اهـ وَلَوْ فَعَلَ الشَّارِحُ كَذَلِكَ لَصَحَّ تَعْمِيمُهُ هُنَا وَاسْتَغْنَى عَمَّا يَأْتِي. [تَنْبِيهٌ] اسْتَثْنَى فِي الْبَحْرِ مَسْأَلَةً يَحْنَثُ فِيهَا وَإِنْ زَالَتْ الْإِضَافَةُ وَهِيَ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ فُلَانٍ وَفُلَانٌ بَائِعُ الطَّعَامِ فَاشْتَرَى مِنْهُ وَأَكَلَ حَنِثَ. قَالَ: وَعَلَّلَهُ فِي الْوَاقِعَاتِ بِأَنْ يُرَادَ بِهِ طَعَامَهُ بِاسْمِ مَا كَانَ مَجَازًا بِحُكْمِ دَلَالَةِ الْحَالِ وَكَذَا لَا أَلْبَسُ مِنْ ثِيَابِ فُلَانٍ. اهـ. قُلْت: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَائِعًا يُرَادُ بِهِ مَا يُشْتَرَى مِنْهُ أَوْ مَا يَصْنَعُهُ فَلَا تَتَقَيَّدُ الْيَمِينُ بِحَالِ قِيَامِ الْإِضَافَةِ لِأَنَّ إضَافَةَ الْمِلْكِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ (قَوْلُهُ أَشَارَ إلَيْهِ بِهَذَا أَوَّلًا) أَمَّا إذَا لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ فَلِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلٍ وَاقِعٍ فِي مَحَلٍّ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ فَيَحْنَثُ مَا دَامَتْ الْإِضَافَةُ بَاقِيَةً وَإِنْ كَانَتْ مُتَجَدِّدَةً بَعْدَ الْيَمِينِ وَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِهَا لِعَدَمِ شَرْطِ الْحِنْثِ. وَأَمَّا إذَا أَشَارَ إلَيْهِ فَلِأَنَّ الْيَمِينَ عُقِدَتْ عَلَى عَيْنٍ مُضَافَةٍ إلَى فُلَانٍ إضَافَةَ مِلْكٍ فَلَا تَبْقَى الْيَمِينُ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ كَمَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ لَا يُقْصَدُ هِجْرَانُهَا لِذَوَاتِهَا بَلْ لِمَعْنًى فِي مُلَّاكِهَا وَالْيَمِينُ تَتَقَيَّدُ بِمَقْصُودِ الْحَالِفِ وَلِهَذَا تَتَقَيَّدُ بِالصِّفَةِ الْحَامِلَةِ عَلَى الْيَمِينِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَاضِرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَهَذِهِ صِفَةٌ حَامِلَةٌ عَلَى الْيَمِينِ فَتَتَقَيَّدُ بِهَا فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ مَا دَامَ مِلْكًا لِفُلَانٍ نَظَرًا إلَى مَقْصُودِهِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حِنْثَهُ بِالْمُتَجَدِّدِ وَالْحُكْمُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُشِرْ حَنِثَ بِالتَّجَدُّدِ وَإِنْ أَشَارَ لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْكَنْزِ ح (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) مُقَابِلُهُ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّ الْعَبْدَ كَالصَّدِيقِ لَا كَالدَّارِ بَحْرٌ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ فِي الدَّارِ وَالْعَبْدِ عِنْدَ الْإِشَارَةِ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ) هَذَا وَجْهُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَلِذَا يُبَاعُ كَالْحِمَارِ، فَظَاهِرٌ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْهُ أَذًى إنَّمَا يَقْصِدُ هِجْرَانَ سَيِّدِهِ بِهِجْرَانِهِ (قَوْلُهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى) لِأَنَّ الْعَبْدَ عَاقِلٌ يُمْكِنُ أَنْ يُعَادِيَ لِذَاتِهِ وَمَعَ هَذَا قِيلَ إنَّهُ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ فَالدَّارُ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ فَتَنَبَّهْ) أَيْ لِكَوْنِ هَذَا مُرَادَ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ إنْ أَشَارَ بِهَذَا) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ صَدِيقَ فُلَانٍ هَذَا أَوْ زَوْجَهُ هَذِهِ (قَوْلُهُ أَوْ عَيَّنَ) مِثْلُ لَا أُكَلِّمُ عَبْدَك زَيْدًا (قَوْلُهُ حَنِثَ) أَيْ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ الْإِضَافَةِ كَمَا هُوَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ وَلَا يَحْنَثُ بِالْمُتَجَدِّدِ كَمَا فِي الْكَنْزِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْحُرَّ يَهْجُرُ لَذَّاتِهِ) أَيْ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ الْمَحْضِ، وَالدَّاعِي لِمَعْنًى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لَا أُكَلِّمُ صَدِيقَ فُلَانٍ لِأَنَّ فُلَانًا عَدُوٌّ لِي زَيْلَعِيٌّ. أَفَادَ أَنَّ هَذَا عِنْدَ عَدَمِ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّاعِيَ لِمَعْنًى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ، فَلَوْ وُجِدَتْ لَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِضَافَةِ وَمِثْلُهَا النِّيَّةُ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْ الْكَنْزِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ، وَأَمَّا إذَا نَوَى فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا يُشِرْ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَا يَحْنَثُ) إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ شَرْحُ الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ بِأَنْ اشْتَرَى عَبْدًا أَوْ تَزَوَّجَ بَعْدَ الْيَمِينِ) لَمَّا كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ قَوْلَهُ وَحَنِثَ بِالْمُتَجَدِّدِ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا لَا الْوَاقِعِ فِي مَسْأَلَةِ غَيْرِ الْعَبْدِ مَثَّلَ بِمِثَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي الْعَبْدِ، وَالْآخَرُ فِي غَيْرِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَحَنِثَ بِالتَّجَدُّدِ مُرْتَبِطٌ بِمَسْأَلَةِ الْعَبْدِ أَيْضًا بِقَرِينَةِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا حُكْمَ التَّجَدُّدِ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا رَاجِعٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 798 (لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ) مَثَلًا (فَكَلَّمَهُ بَعْدَمَا بَاعَهُ حَنِثَ) لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلتَّعْرِيفِ وَلِذَا لَوْ كَلَّمَ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَحْنَثْ. (الْحِينُ وَالزَّمَانُ وَمُنْكِرُهُمَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ) مِنْ حِينِ حَلِفِهِ لِأَنَّهُ الْوَسَطُ (وَبِهَا) أَيْ بِالنِّيَّةِ (مَا نَوَى) فِيهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ بَدَائِعُ.   [رد المحتار] إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا لَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يُشِرْ فِيهِمَا، أَمَّا إذَا أَشَارَ فِيهِمَا فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمُتَجَدِّدَ غَيْرُ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَقْتَ الْحَلِفِ فَافْهَمْ. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ: أَنَّهُ إذَا أَضَافَ وَلَمْ يُشِرْ لَا يَحْنَثُ بَعْدَ الزَّوَالِ فِي الْكُلِّ لِانْقِطَاعِ الْإِضَافَةِ وَيَحْنَثُ فِي الْمُتَجَدِّدِ فِي الْكُلِّ لِوُجُودِهَا. وَإِذَا أَضَافَ وَأَشَارَ فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالتَّجَدُّدِ إنْ كَانَ الْمُضَافُ لَا يَقْصِدُ بِالْمُعَادَاةِ وَإِلَّا حَنِثَ اهـ لَكِنَّ قَوْلَهُ: وَإِلَّا حَنِثَ أَيْ بِأَنْ كَانَ الْمُضَافُ يَقْصِدُ الْمُعَادَاةَ كَالزَّوْجَةِ وَالصَّدِيقِ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالْمُتَجَدِّدِ إذَا أَشَارَ مَعَ أَنَّ الْحِنْثَ بِالْمُتَجَدِّدِ هُنَا قَدْ خَصَّهُ الزَّيْلَعِيُّ بِمَا إذَا لَمْ يُشِرْ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْكَنْزِ وَالْمُصَنِّفِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ) مُثَلَّثُ اللَّامِ قَامُوسٌ: وَهُوَ ثَوْبٌ طَوِيلٌ عَرِيضٌ قَرِيبٌ مِنْ طُولِ وَعَرْضِ الرِّدَاءِ مُرَبَّعٌ يُجْعَلُ عَلَى الرَّأْسِ فَوْقَ نَحْوِ الْعِمَامَةِ، وَيُغَطَّى بِهِ أَكْثَرُ الْوَجْهِ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ، وَهُوَ لِبَيَانِ الْأَكْمَلِ فِيهِ ثُمَّ يُدَارُ طَرَفُهُ الْأَيْمَنُ مِنْ تَحْتِ الْحَنَكِ إلَى أَنْ يُحِيطَ بِالرَّقَبَةِ جَمِيعِهَا ثُمَّ يُلْقَى طَرَفُهُ عَلَى الْمَنْكِبَيْنِ، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ عَنْ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ مَثَلًا) لِأَنَّ قَوْلَهُ صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا كَذَلِكَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلتَّعْرِيفِ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُعَادِي لِمَعْنَى الطَّيْلَسَانِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَيْهِ وَقَالَ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الرَّجُلَ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِعَيْنِهِ فَتْحٌ، قِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَرِيرًا فَيُعَادِي لِأَجْلِهِ. قُلْت: هُوَ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ عَدَاوَةَ الشَّخْصِ مَنْشَؤُهَا صِفَةٌ فِي الشَّخْصِ وَهِيَ ارْتِكَابُهُ الْمُحَرَّمَ شَرْعًا وَنَحْوَهُ لَا ذَاتَ الْحَرِيرِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّهُ لَوْ كَلَّمَ الْمُشْتَرِيَ وَلَوْ امْرَأَةً أَنْ يَحْنَثَ فَافْهَمْ. مَطْلَبُ لَا أُكَلِّمُهُ الْحِينَ أَوْ حِينًا (قَوْلُهُ الْحِينَ وَالزَّمَانَ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي النَّفْيِ كَوَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ الْحِينَ أَوْ حِينًا أَوْ الْإِثْبَاتِ نَحْوَ لَأَصُومَنَّ الْحِينَ أَوْ حِينًا أَوْ الزَّمَانَ أَوْ زَمَانًا (قَوْلُهُ مِنْ حِينِ حَلِفِهِ) أَيْ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ بِخِلَافِ لَأَصُومَنَّ حِينًا أَوْ زَمَانًا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ أَيَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ شَاءَ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ فَتْحٌ: أَيْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُهُ شَهْرًا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ الْوَسَطُ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحِينَ قَدْ يُرَادُ بِهِ سَاعَةٌ كَمَا فِي - {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} [الروم: 17]- وَأَرْبَعُونَ سَنَةً كَمَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي - {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1]- وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي - {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25]- لِأَنَّهَا مُدَّةُ مَا بَيْنَ أَنْ يَخْرُجَ الطَّلْعُ إلَى أَنْ يَصِيرَ رُطَبًا، فَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ الْوَسَطُ وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُقْصَدُ بِالْمَنْعِ لِوُجُودِ الِامْتِنَاعِ فِيهِ عَادَةً وَالْأَرْبَعُونَ سَنَةً لَا تُقْصَدُ بِالْحَلِفِ عَادَةً لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْأَبَدِ، وَلَوْ سَكَتَ عَنْ الْحِينِ تَأَبَّدَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْأَقَلَّ وَلَا الْأَبَدَ وَلَا أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَيُحْكَمُ بِالْوَسَطِ فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَالزَّمَانُ اُسْتُعْمِلَ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَيْ بِالنِّيَّةِ) أَيْ يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ مَا نَوَاهُ وَبَيَّنَ الشَّارِحُ بِتَفْسِيرِ الضَّمِيرِ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى النِّيَّةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا نَوَى فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى مَرْجِعٍ مَعْنَوِيٍّ مُتَضَمَّنٍ فِي لَفْظٍ مُتَأَخِّرٍ لَفْظًا مُتَقَدِّمٍ رُتْبَةً لِأَنَّ الْأَصْلَ مَا نَوَاهُ كَائِنٌ بِهَا. اهـ. ح (قَوْلُهُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْحِينِ وَالزَّمَانِ أَيْ إذَا نَوَى مِقْدَارًا صُدِّقَ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْمُتَوَسِّطِ وَاسْتُعْمِلَ فِي كُلٍّ كَمَا مَرَّ فَتْحٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 799 (وَغُرَّةَ الشَّهْرِ وَرَأْسَ الشَّهْرِ أَوْ لَيْلَةً مِنْهُ) وَمَا يَوْمُهَا (وَأَوَّلُهُ إلَى مَا دُونَ النِّصْفِ وَآخِرَهُ إذَا مَضَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) فَلَوْ حَلَفَ أَنْ يَصُومَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ وَآخِرَ يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ صَامَ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ، وَالصَّيْفُ مِنْ حِينِ إلْقَاءِ الْحَشْوِ إلَى لُبْسِهِ ضِدُّ الشِّتَاءِ بَدَائِعُ. (وَ) فِي حَلِفِهِ لَا يُكَلِّمُهُ (الدَّهْرَ أَوْ الْأَبَدَ) هُوَ (الْعُمْرُ) أَيْ مُدَّةَ حَيَاةِ الْحَالِفِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ (وَدَهْرٌ) مُنَكَّرٌ (لَمْ يَدْرِ وَقَالَا هُوَ كَالْحِينِ) وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَرِدْ عَنْ الْإِمَامِ شَيْءٌ فِي مَسْأَلَةٍ وَجَبَ الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِهِمَا وَفِي السِّرَاجِ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً   [رد المحتار] مَطْلَبُ لَا أُكَلِّمُهُ غُرَّةَ الشَّهْرِ أَوْ رَأْسَ الشَّهْرِ (قَوْلُهُ وَغُرَّةَ الشَّهْرِ وَرَأْسَ الشَّهْرِ) وَكَذَا عِنْدَ الْهِلَالِ أَوْ إذَا أَهَلَّ الْهِلَالُ وَإِنْ نَوَى السَّاعَةَ الَّتِي أَهَلَّ فِيهَا صَحَّ لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ وَفِيهِ تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْغُرَّةَ فِي الْعُرْفِ مَا ذُكِرَ وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ لِلْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَسَلْخُ الشَّهْرِ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ (قَوْلُهُ وَأَوَّلَهُ إلَى مَا دُونَ النِّصْفِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْخَامِسَ عَشْرَ لَيْسَ مِنْ أَوَّلِهِ، وَيُخَالِفُهُ الْفَرْعُ الْآتِي، وَكَذَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ: حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّهُ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَأَتَاهُ لِتَمَامِ خَمْسَةَ عَشْرَ لَا يَحْنَثُ، فَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا قَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ أَتَاهُ قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ يَنْبَغِي أَلَا لَا يَحْنَثَ وَإِنْ أَتَاهُ بَعْدَ الزَّوَالِ فِي هَذَا الْيَوْمِ حَنِثَ اهـ وَنَحْوُهُ فِي ح عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَلَعَلَّهُمَا قَوْلَانِ يُشِيرُ إلَيْهِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَوَّلُهُ قَبْلَ مُضِيِّ النِّصْفِ وَعَنْ الثَّانِي فِيمَنْ قَالَ لَا أُكَلِّمُك آخِرَ يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَأَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ آخِرِهِ فَعَلَى الْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ (قَوْلُهُ وَالصَّيْفُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي الْوَاقِعَاتِ وَالْمُخْتَارِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْحَالِفُ فِي بَلَدٍ لَهُمْ حِسَابٌ يَعْرِفُونَ الصَّيْفَ وَالشِّتَاءَ مُسْتَمِرًّا يُنْصَرَفُ إلَيْهِ وَإِلَّا فَأَوَّلُ الشِّتَاءِ مَا يَلْبَسُ النَّاسُ فِيهِ الْحَشْوَ وَالْفَرْوَ، وَآخِرُهُ مَا يَسْتَغْنِي النَّاسُ فِيهِ عَنْهُمَا، وَالْفَاصِلُ بَيْنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ إذَا اسْتَثْقَلَ ثِيَابَ الشِّتَاءِ وَاسْتَخَفَّ ثِيَابَ الصَّيْفِ وَالرَّبِيعُ مِنْ آخِرِ الشِّتَاءِ إلَى أَوَّلِ الصَّيْفِ وَالْخَرِيفُ مِنْ آخِرِ الصَّيْفِ إلَى أَوَّلِ الشِّتَاءِ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ هَذَا أَيْسَرُ لِلنَّاسِ (قَوْلُهُ أَوْ الْأَبَدَ) أَيْ مُعَرَّفًا أَوْ مُنَكَّرًا بِقَرِينَةِ قَصْرِ التَّفْصِيلِ عَلَى الدَّهْرِ (قَوْلُهُ هُوَ الْعُمْرُ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ - لَا أُكَلِّمُهُ الْعُمْرَ فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ، وَلَوْ نَكَّرَهُ فَعَنْ الثَّانِي عَلَى يَوْمٍ، وَعَنْهُ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَالْحِينِ وَهُوَ الظَّاهِرُ نَهْرٌ عَنْ السِّرَاجِ (قَوْلُهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ) أَمَّا إذَا نَوَى شَيْئًا فَتَعْمَلُ نِيَّتُهُ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ لَمْ يَدْرِ) أَيْ تَوَقَّفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ لَا أَدْرِي مَا هُوَ. قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: لِأَنَّهُ لَا عُرْفَ فِيهِ فَيُتَّبَعُ وَاللُّغَاتُ لَا تَعْرِفُ قِيَاسًا وَالدَّلَائِلُ فِيهِ مُتَعَارِضَةٌ فَتَوَقَّفَ فِيهِ. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّ دَهْرًا وَالدَّهْرَ سَوَاءٌ وَهَذَا عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ نِيَّةٌ فَعَلَى مَا نَوَى اهـ: أَيْ لَوْ نَوَى مِقْدَارًا مِنْ الزَّمَانِ عَمِلَ بِهِ اتِّفَاقًا فَتْحٌ. فَإِنْ قِيلَ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: أَجْمَعُوا فِيمَنْ قَالَ إنْ كَلَّمْته دُهُورًا أَوْ شُهُورًا أَوْ سَنِينًا أَوْ جُمَعًا أَوْ أَيَّامًا يَقَعُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ. قُلْنَا: هَذَا تَفْرِيعٌ لِمَسْأَلَةِ الدَّهْرِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَعْرِفُ الدَّهْرَ كَمَا فَرَّعَ مَسَائِلَ الْمُزَارَعَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى جَوَازَهَا قَالَهُ ابْنُ الضِّيَاءِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. قُلْت: وَالْأَحْسَنُ مَا أَجَابَ بِهِ فِي الْفَتْحِ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ لَيْسَ فِيهِ تَعْيِينٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَا هُوَ. مَطْلَبُ الْمَسَائِلُ الَّتِي تَوَقَّفَ فِيهَا الْإِمَامُ (قَوْلُهُ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً) مِنْهَا لَفْظُ دَهْرٍ، وَمِنْهَا الدَّابَّةُ الَّتِي لَا تَأْكُلُ إلَّا الْجَلَّةَ، وَقِيلَ الَّتِي أَكْثَرُ غِذَائِهَا. مَتَى يَطِيبُ لَحْمُهَا؟ فَرُوِيَ تُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقِيلَ سَبْعَةً وَمِنْهَا الْكَلْبُ مَتَى يَصِيرُ مُعَلَّمًا فَفَوَّضَهُ لِلْمُبْتَلَى، وَعَنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثًا، وَمِنْهَا وَقْتُ الْخِتَانِ رُوِيَ عَشْرُ سِنِينَ أَوْ سَبْعٌ، وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْمَتْنِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 800 وَنَقَلَ لَا أَدْرِي عَنْ الْأَئِمَّةِ بَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ جِبْرِيلَ أَيْضًا (الْأَيَّامُ وَأَيَّامٌ كَثِيرَةٌ وَالشُّهُورُ وَالسُّنُونَ) وَالْجُمَعُ وَالْأَزْمِنَةُ وَالْأَحَايِينُ وَالدُّهُورُ (عَشَرَةٌ) مِنْ كُلِّ صِنْفٍ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يُذْكَرُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، فَفِي لَا يُكَلِّمُهُ الْأَزْمِنَةَ خَمْسُ سِنِينَ   [رد المحتار] وَقِيلَ: أَقْصَاهُ اثْنَا عَشَرَ وَمِنْهَا: الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إذَا بَالَ مِنْ فَرْجَيْهِ. وَقَالَا يُعْتَبَرُ الْأَكْثَرُ وَمِنْهَا سُؤْرُ الْحِمَارِ وَالتَّوَقُّفُ فِي طَهُورِيَّتِهِ لَا فِي طَهَارَتِهِ وَمِنْهَا: هَلْ الْمَلَائِكَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ؟ وَمَرَّ فِي الصَّلَاةِ أَنَّ خَوَاصَّ الْبَشَرِ أَفْضَلُ، وَمِنْهَا أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُعَذِّبُ اللَّهُ أَحَدًا بِلَا ذَنْبٍ وَمَرَّ فِي الْجَنَائِزِ وَمِنْهَا نَقْشُ جِدَارِ الْمَسْجِدِ مِنْ مَالِهِ وَمَرَّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَوْ خِيفَ عَلَيْهِ مِنْ ظَالِمٍ أَوْ كَانَ مَنْقُوشًا زَمَنَ الْوَاقِفِ أَوْ لِإِصْلَاحِ الْجِدَارِ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَنَّهُ نَظَمَهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ بِقَوْلِهِ: حَمَلَ الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ دِينُهُ ... أَنْ قَالَ لَا أَدْرِي لِتِسْعَةِ أَسْئِلَهْ أَطْفَالُ أَهْلِ الشِّرْكِ أَيْنَ مَحَلُّهُمْ ... وَهَلْ الْمَلَائِكَةُ الْكِرَامُ مُفَضَّلَهْ أَمْ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ ثُمَّ اللَّحْمُ مِنْ ... جَلَّالَةٍ أَنَّى يَطِيبُ الْأَكْلُ لَهْ وَالدَّهْرُ مَعَ وَقْتِ الْخِتَانِ وَكَلْبُهُمْ ... وَصْفُ الْمُعَلَّمِ أَيَّ وَقْتٍ حَصَّلَهْ وَالْحُكْمُ فِي الْخُنْثَى إذَا مَا بَالَ مِنْ ... فَرْجَيْهِ مَعَ سُؤْرِ الْحِمَارِ اسْتَشْكَلَهْ وَأَجَائِزٌ نَقْشُ الْجِدَارِ لِمَسْجِدٍ ... مِنْ وَقْفِهِ أَمْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَفْعَلَهْ اهـ قُلْت: وَأَلْحَقْت بِهَا بَيْتًا آخَرَ فَقُلْت: وَيُزَادُ عَاشِرَةٌ هَلْ الْجِنِّيّ يُثَا ... بُ بِطَاعَةٍ كَالْإِنْسِ يَوْمَ الْمَسْأَلَهْ (قَوْلُهُ بَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ جِبْرِيلَ أَيْضًا) فِي الْكَرْمَانِيِّ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَفْضَلِ الْبِقَاعِ فَقَالَ: لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ جِبْرِيلَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ رَبِّي فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: خَيْرُ الْبِقَاعِ الْمَسَاجِدُ، وَخَيْرُ أَهْلِهَا أَوَّلُهُمْ دُخُولًا وَآخِرُهُمْ خُرُوجًا» ) وَفِي الْحَقَائِقِ: أَنَّهُ تَنَبَّهَ لِكُلِّ مُفْتٍ أَنْ لَا يَسْتَنْكِفَ مِنْ التَّوَقُّفِ فِيمَا لَا وُقُوفَ لَهُ عَلَيْهِ إذْ الْمُجَازَفَةُ افْتِرَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِتَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَضِدِّهِ كَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَدْرِي أَعُزَيْرٌ نَبِيٌّ أَمْ لَا وَمَا أَدْرِي أَتُبَّعٌ مَلْعُونٌ أَمْ لَا وَمَا أَدْرِي أَذُو الْقَرْنَيْنِ نَبِيٌّ أَمْ لَا» . اهـ. ح وَهَذَا قَبْلَ أَنْ يُطْلِعَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَمْرِهِمْ وَقَدْ أَخْبَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنَّ تُبَّعًا مُؤْمِنٌ ط. (قَوْلُهُ وَالْجُمَعَ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْجُمَعَ يَتْرُكُ كَلَامَهُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، كُلُّ يَوْمٍ هُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لَا أَنَّهُ يَتْرُكُ كَلَامَهُ عَشْرَةَ أَسَابِيعَ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ، وَهَذَا حَيْثُ لَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنْ نَوَى الْأَسَابِيعَ هُوَ بِخِلَافِ جُمُعَةٍ مُفْرَدًا كَقَوْلِهِ عَلَيَّ صَوْمُ جُمُعَةٍ إذَا نَوَى الْأُسْبُوعَ أَوْ لَمْ يَنْوِ يَلْزَمُهُ صَوْمُ الْأُسْبُوعِ بِحُكْمِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ يُقَالُ لَمْ أَرَك مُنْذُ جُمُعَةٍ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ عَشَرَةٌ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ) هَذَا عِنْدَهُ وَقَالَ فِي الْأَيَّامِ، وَأَيَّامُ كَثِيرَةٌ سَبْعَةٌ وَالشُّهُورُ اثْنَا عَشَرَ وَمَا عَدَاهَا لِلْأَبَدِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ لَوْ ثَمَّ مَعْهُودٌ، وَإِلَّا فَلِلْجِنْسِ فَإِذَا كَانَ لِلْجِنْسِ فَإِمَّا أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى أَدْنَاهُ " أَوْ إلَى الْكُلِّ لَا مَا بَيْنَهُمَا فَهُمَا يَقُولَانِ وُجِدَ الْعَهْدُ فِي الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ لِأَنَّ الْأَيَّامَ تَدُورُ عَلَى سَبْعَةٍ وَالشُّهُورَ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ، فَيُصْرَفُ إلَيْهِ وَفِي غَيْرِهِمَا لَمْ يُوجَدْ فَيَسْتَغْرِقُ الْعُمْرَ وَيَقُولُ إنَّ أَكْثَرَ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ عَشَرَةٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ، فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَلْ اسْتَغْرَقَ الْجَمْعَ وَهُوَ الْعَشَرَةُ لِأَنَّ الْكُلَّ مِنْ الْأَقَلِّ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِّ مِنْ الْخَاصِّ وَالْأَصْلُ فِي الْعَامِّ الْعُمُومُ فَحَمَلْنَا عَلَيْهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يُذْكَرُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ) يَعْنِي أَنَّ الْعَشَرَةَ أَقْصَى مَا عُهِدَ مُسْتَعْمَلًا فِيهِ لَفْظُ الْجَمْعِ عَلَى الْيَقِينِ لِأَنَّهُ يُقَالُ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ وَأَرْبَعَةُ رِجَالٍ إلَى عَشَرَةِ رِجَالٍ فَإِذَا جَاوَزَ الْعَشَرَةَ ذَهَبَ الْجَمْعُ فَيُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا إلَخْ عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ خَمْسُ سِنِينَ) لِأَنَّ كُلَّ زَمَانٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ فَتْحٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 801 (وَمُنْكِرُهَا ثَلَاثَةٌ) لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ مَا لَمْ يُوصَفْ بِالْكَثْرَةِ كَمَا مَرَّ. (حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ) عَبِيدًا أَوْ (عَبِيدَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَرْكَبُ دَوَابَّهُ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثِيَابَهُ فَفَعَلَ بِثَلَاثَةٍ مِنْهَا حَنِثَ إنْ كَانَ لَهُ) أَيْ لِفُلَانٍ (أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ) مِنْ كُلِّ صِنْفٍ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَلَّمَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ (لَا) يَحْنَثُ وَتَصِحُّ نِيَّةُ الْكُلِّ. (وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى زَوْجَاتِهِ أَوْ أَصْدِقَائِهِ أَوْ إخْوَتِهِ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُكَلِّمْ الْكُلَّ مِمَّا سُمِّيَ) لِأَنَّ الْمَنْعَ لِمَعْنًى فِي هَؤُلَاءِ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِأَعْيَانِهِمْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَخٌ وَاحِدٌ فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ بِهِ حَنِثَ وَإِلَّا لَا كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ، وَأَلْحَقَ فِي النَّهْرِ الْأَصْدِقَاءَ وَالزَّوْجَاتِ. قُلْت: وَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الْجَمْعُ لِوَاحِدٍ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ. وَأَمَّا الْأَطْعِمَةُ وَالثِّيَابُ وَالنِّسَاءُ فَيَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ إجْمَاعًا لِانْصِرَافِ الْمُعَرَّفِ لِلْعَهْدِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَلِلْجِنْسِ، وَلَوْ نَوَى الْكُلَّ صَحَّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَمُنْكِرُهَا) أَيْ مُنْكِرُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ وَيُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا ط. (قَوْلُهُ لَا يُكَلِّمُ عَبِيدًا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُنْكَرِ وَالْمُضَافِ ط وَإِلَى أَنَّهُ لَا غَيْرُ فَرْقٌ بَيْنَ مُنْكِرِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْمَارَّةِ، وَمُنْكِرِ غَيْرِهَا إذَا لَمْ يُوصَفْ بِالْكَثْرَةِ وَيَأْتِيك قَرِيبًا تَحَقُّقُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَتَصِحُّ نِيَّةُ الْكُلِّ) أَيْ قَضَاءً وَدِيَانَةً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ كَذَا فِي الزِّيَادَاتِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِوَاحِدٍ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِمَعْنًى فِي هَؤُلَاءِ) فَإِنَّ الْإِضَافَةَ فِيهِمْ إضَافَةُ تَعْرِيفٍ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِأَعْيَانِهِمْ، فَمَا لَمْ يُكَلِّمْ الْكُلَّ لَا يَحْنَثُ، وَفِي الْأَوَّلِ إضَافَةُ مِلْكٍ لِأَنَّهَا لَا تُقْصَدُ بِالْهِجْرَانِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْمَالِكُ، فَتَنَاوَلَتْ الْيَمِينُ أَعْيَانًا مَنْسُوبَةً إلَيْهِ وَقْتَ الْحِنْثِ، وَقَدْ ذَكَرَ النِّسْبَةَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ وَنَحْوُهُ فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْعُرْفِ فَإِنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يُرِيدُونَ عَدَمَ الْكَلَامِ مَعَ أَيِّ زَوْجَةٍ مِنْهُنَّ وَمَعَ مَنْ كَانَ لَهُ صَدَاقَةٌ مَعَ فُلَانٍ ط. قُلْت: وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْأَيْمَانِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ كُلُّ حِلٍّ عَلَيْهِ حَرَامٌ عَنْ الْقُنْيَةِ إنْ أَحْسَنْتِ إلَى أَقْرِبَائِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَحْسَنَتْ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَحْنَثُ وَلَا يُرَادُ الْجَمْعُ فِي عُرْفِنَا. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ بِهِ) أَيْ يَعْلَمُ بِأَنَّهُ وَاحِدٌ حَنِثَ لِأَنَّ الْجَمْعَ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ كَلَا أَشْتَرِي الْعَبِيدَ، لَكِنَّ الْفَرْقَ هُنَا أَنَّ إخْوَةَ فُلَانٍ خَاصٌّ مَعْهُودٌ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ (قَوْلُهُ وَأَلْحَقَ فِي النَّهْرِ) أَيْ بِالْإِخْوَةِ بَحْثًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْأَصْدِقَاءِ وَالزَّوْجَاتِ بَلْ الْأَعْمَامِ وَنَحْوِهِمْ وَالْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِهِمْ كَذَلِكَ لِمَا قُلْنَا. مَطْلَبُ الْجَمْعُ لَا يُسْتَعْمَلُ لِوَاحِدٍ إلَّا فِي مَسَائِلَ (قَوْلُهُ مِنْ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ إلَخْ) ذَكَرَهَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى آخِرَ كِتَابِ الْوَقْفِ، وَزَادَ عَلَيْهَا حَيْثُ قَالَ: فَائِدَةٌ: الْجَمْعُ لَا يَكُونُ أَيْ لَا يُسْتَعْمَلُ لِلْوَاحِدِ إلَّا فِي مَسَائِلَ: وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَاحِدٌ، فَلَهُ كُلُّ الْغَلَّةِ بِخِلَافِ بَنِيهِ. وَقَفَ عَلَى أَقَارِبِهِ الْمُقِيمِينَ بِبَلَدِ كَذَا فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلَّا وَاحِدٌ. حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ إخْوَةَ فُلَانٍ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَاحِدٌ. حَلَفَ لَا يَأْكُلُ ثَلَاثَةَ أَرْغِفَةٍ مِنْ هَذَا الْحَبِّ أَوْ الْخُبْزِ وَلَيْسَ مِنْهُ إلَّا رَغِيفٌ وَاحِدٌ. حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ الْفُقَرَاءَ أَوْ الْمَسَاكِينَ أَوْ النَّاسَ أَوْ بَنِي آدَمَ وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمَ أَوْ أَهْلَ بَغْدَادَ حَنِثَ بِوَاحِدٍ كَمَا فِي الْأَطْعِمَةِ وَالثِّيَابِ وَالنِّسَاءِ، ثُمَّ أَطَالَ فِي ذَلِكَ وَفِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ ثُمَّ وَفَّقَ بَيْنَهُمَا فَرَاجِعْهُ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا فِي الْوَقْفِ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْأَطْعِمَةُ وَالثِّيَابُ إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَتْ مُعَرَّفَةً بِأَلْ مِثْلَ لَا آكُلُ الْأَطْعِمَةَ وَلَا أَلْبَسُ الثِّيَابَ بِخِلَافِ أَطْعِمَةِ زَيْدٍ وَثِيَابِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِيَّةِ كَمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ لِانْصِرَافِ الْمُعَرَّفِ لِلْعَهْدِ إلَخْ بَيَانٌ لِوَجْهِ الْفَرْقِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 802 بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْوَلَدَ الْمَيِّتَ وَلَدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ   [رد المحتار] مَطْلَبُ تَحْقِيقٌ مُهِمٌّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ لَا أُكَلِّمُ عَبِيدَ فُلَانٍ أَوْ زَوْجَاتِهِ أَوْ النِّسَاءَ أَوْ نِسَاءٌ أَقُولُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمُشْكِلَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ فَنَقُولُ: قَالَ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ وَشَرْحِهِ إنْ كَلَّمْت بَنِي آدَمَ أَوْ الرِّجَالَ أَوْ النِّسَاءَ حَنِثَ بِالْفَرْدِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْكُلَّ إلْحَاقًا لِلْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ بِالْجِنْسِ، فَيَصْدُقُ قَضَاءً، وَلَا يَحْنَثُ أَبَدًا لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْأَدْنَى عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِتَصْحِيحِ كَلَامِهِ إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ إثْبَاتُ كُلِّ الْجِنْسِ، وَإِذَا نَوَى الْكُلَّ فَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَأَمَّا الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ كَإِنْ كَلَّمْت نِسَاءً فَيَحْنَثُ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّهُ أَدْنَى الْجَمْعِ، وَلَوْ نَوَى الزَّائِدَ صَدَقَ قَضَاءً وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الثَّلَاثِ جَمْعٌ حَقِيقَةً وَلَهُ نِيَّةُ الْفَرْدِ أَيْضًا لِجَوَازِ إرَادَتِهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ نَحْوُ - {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} [القدر: 1]- لَا نِيَّةُ الْمُثَنَّى اهـ وَقَدْ صَرَّحَ الْأُصُولِيُّونَ بِأَنَّ الْمُعَرَّفَ يُصْرَفُ لِلْعَهْدِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَلِلْجِنْسِ لِأَنَّ أَلْ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْجَمْعِ، وَلَا عَهْدَ تُبْطِلُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ كَلَا أَشْتَرِي الْعَبِيدَ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَقُولُ: إنَّ الْجَمْعَ الْمُضَافَ إذَا كَانَ مَحْصُورًا فَهُوَ مِنْ قِسْمِ الْمُعَرَّفِ الْمَعْهُودِ، فَلَا تَبْطُلُ فِيهِ الْجَمْعِيَّةُ وَلَكِنْ تَارَةً يُكْتَفَى بِأَدْنَى الْجَمْعِ كَمَا فِي عَبِيدِ فُلَانٍ وَدَوَابِّهِ وَثِيَابِهِ، وَتَارَةً لَا بُدَّ مِنْ الْكُلِّ كَمَا فِي زَوْجَاتِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَإِخْوَتِهِ، وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مَحْصُورٍ مِثْلَ لَا أُكَلِّمُ بَنِي آدَمَ أَوْ أَهْلَ بَغْدَادَ، أَوْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْجِنْسِ لِعَدَمِ الْعَهْدِ فَيَحْنَثُ بِوَاحِدٍ، وَيُشِيرُ إلَى هَذَا الْفَرْقِ مَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ لَهُ مِنْ الْعَبِيدِ مَا يَجْمَعُهُمْ بِتَسْلِيمٍ وَاحِدٍ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُكَلِّمَ الْكُلَّ وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَكَلَّمَ وَاحِدًا حَنِثَ، وَكَذَا فِي الثِّيَابِ إنْ كَانَ لَهُ مِنْهَا مَا يَلْبَسُ بِلُبْسَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْكُلِّ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَبِوَاحِدٍ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُضَافِ الْمَحْصُورِ وَغَيْرِهِ فَصَارَ الْمُضَافُ الْمَحْصُورُ مِثْلَ الْمُعَرَّفِ بِأَلْ الْمَعْهُودِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْجَمْعِيَّةِ، وَغَيْرُ الْمَحْصُورِ مِثْلُ الْمُنَكَّرِ وَالْمُعَرَّفُ بِأَلْ غَيْرُ الْمَعْهُودِ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْوَاحِدِ وَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ الْمَسَائِلُ الْمَارَّةُ عَنْ شَرْحِ الْمُلْتَقَى، وَبِهِ يَظْهَرُ صِحَّةُ مَا أَجَابَ بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِيمَنْ حَلَفَ أَنَّ أَوْلَادَ زَوْجَتِهِ لَا يَطْلُعُونَ بَيْتَهُ فَطَلَعَ وَاحِدٌ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ كَمَا تَقَدَّمَ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كُلُّ حِلٍّ عَلَيْهِ حَرَامٌ، لَكِنْ كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ لَا بُدَّ مِنْ طُلُوعِ الْكُلِّ، لِأَنَّهُ مِثْلُ زَوْجَاتِ فُلَانٍ لَا مِثْلُ عَبِيدِهِ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ، لَكِنَّ الْعُرْفَ الْآنَ خِلَافُ هَذَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ قَرِيبًا وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ مَسْأَلَةَ الْوَقْفِ الصَّوَابُ فِيهَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَالْبَنِينَ مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا وَلَدٌ وَاحِدٌ، فَالنِّصْفُ لَهُ وَالنِّصْفُ لِلْفُقَرَاءِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: عَلَى أَوْلَادِي وَقَوْلِهِ عَلَى بَنِيَّ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جَمْعٌ مُضَافٌ مَعْهُودٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ عَلَى وَلَدِي فَإِنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ شَمَلَ الْوَاحِدَ، فَكُلُّ الْغَلَّةِ لَهُ وَبِهِ يَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّ الْجَمْعَ الْمُضَافَ الْمَعْهُودَ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إلَّا فَرْدٌ لَا يَبْطُلُ اللَّفْظُ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يَبْقَى لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْكَلَامِ وَإِلَّا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْوَلَدُ شَيْئًا وَلِذَا حَنِثَ فِي لَا أُكَلِّمُ إخْوَةَ فُلَانٍ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُ وَاحِدٍ لَكِنْ هَذَا مَعَ الْعِلْمِ وَإِلَّا كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْجَمْعَ لَا غَيْرُ كَمَا مَرَّ فَاغْتَنِمْ تَحْقِيقَ هَذَا الْمَقَامِ فَإِنَّهُ مِنْ مُفْرَدَاتِ هَذَا الْكِتَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى الْإِتْمَامِ وَالْإِنْعَام. [بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ] ِ (قَوْلُهُ الْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِي مَسَائِلِهِ أَيْ بَعْضِهَا ط (قَوْلُهُ أَنَّ الْوَلَدَ الْمَيِّتَ) قَيَّدَ بِلَفْظِ الْوَلَدِ إشَارَةً إلَى اشْتِرَاطِ أَنْ يَسْتَبِينَ بَعْضُ خَلْقِهِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَوْ لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ لَمْ يُعْتَبَرْ (قَوْلُهُ وُلِدَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ) فَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَالدَّمُ بَعْدَهُ نِفَاسٌ وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ وَيَقَعُ بِهِ الْمُعَلَّقُ عَلَى وِلَادَتِهِ ط أَيْ مِنْ عِتْقِهَا أَوْ طَلَاقِهَا مَثَلًا (قَوْلُهُ لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 803 وَأَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ، وَالْأَخِيرَ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ وَالْوَسَطَ لِفَرْدٍ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ وَأَنَّ الْمُتَّصِفَ بِأَحَدِهَا لَا يَتَّصِفُ بِالْآخِرِ لِلتَّنَافِي وَلَا كَذَلِكَ الْفِعْلُ لِعَدَمِهِ لِأَنَّ الْفِعْلَ الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ. فَلَوْ قَالَ آخَرُ تَزَوَّجْ أَتَزَوَّجْ فَاَلَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ طَلُقَتْ الْمُتَزَوِّجَةُ مَرَّتَيْنِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْآخِرَ وَصْفًا لِلْفِعْلِ وَهُوَ الْعَقْدُ وَعَقْدُهَا هُوَ الْآخِرُ. . (أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا عَتَقَ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ وَقَدْ وُجِدَ (وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ مَعًا ثُمَّ آخَرَ فَلَا) عِتْقَ (أَصْلًا) لِعَدَمِ الْفَرْدِيَّةِ (فَإِنْ زَادَ) كَلِمَةَ (وَحْدَهُ) أَوْ أَسْوَدَ أَوْ بِالدَّنَانِيرِ (عَتَقَ الثَّالِثُ) عَمَلًا بِالْوَصْفِ (وَلَوْ قَالَ: أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ وَاحِدًا فَاشْتَرَى عَبْدَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَى وَاحِدًا لَا يَعْتِقْ الثَّالِثُ) وَأَشَارَ إلَى الْفَرْقِ بِقَوْلِهِ (لِلِاحْتِمَالِ) أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَاحِدًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى فَلَا يَعْتِقُ بِالشَّكِّ   [رد المحتار] فَلَا يُسَمَّى وَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ وَالْوَصِيَّةَ وَلَا يَعْتِقُ. اهـ. شَلَبِيٌّ وَسَيَأْتِي مِثَالُ هَذَا الْأَصْلِ فِي قَوْلِهِ إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ كَذَا حَنِثَ بِالْمَيِّتِ بِخِلَافِ فَهُوَ حُرٌّ ط (قَوْلُهُ وَأَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ) فِيهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَمُ تَقَدُّمِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ. السَّابِقُ يُوهِمُ وُجُودَ لَاحِقٍ وَهُوَ غَيْرُ شَرْطٍ كَمَا يَأْتِي فَالْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ وَالْأَوَّلُ اسْمٌ لِفَرْدٍ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ غَيْرُهُ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَالْأَخِيرَ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَفِي نُسَخٍ وَالْآخِرُ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ بِلَا يَاءٍ وَهِيَ أَوْلَى وَلَا يَصِحُّ الْفَتْحُ لِصِدْقِهِ عَلَى السَّابِقِ وَعَلَى اللَّاحِقِ (قَوْلُهُ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ) كَالثَّانِي مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالثَّالِثِ مِنْ خَمْسَةٍ وَلَمْ يُمَثِّلْ الْمُصَنِّفُ لَهُ كَالْكَنْزِ ط وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ. (قَوْلُهُ بِأَحَدِهَا) أَيْ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى (قَوْلُهُ لَا يَتَّصِفُ بِالْآخِرِ) بِالْمَدِّ وَالْكَسْرِ فَلَوْ قَالَ: آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ أُخْرَى ثُمَّ طَلَّقَ الْأُولَى، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ مَاتَ طَلُقَتْ الَّتِي تَزَوَّجَهَا مَرَّةً لِأَنَّ الَّتِي أَعَادَ عَلَيْهَا التَّزَوُّجَ اتَّصَفَتْ بِكَوْنِهَا أَوْلَى فَلَا تَتَّصِفُ بِالْآخِرِيَّةِ لِلتَّضَادِّ كَمَا لَوْ قَالَ: آخِرُ عَبْدٍ أَضْرِبُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَ عَبْدًا ثُمَّ ضَرَبَ آخَرَ ثُمَّ أَعَادَ الضَّرْبَ عَلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ مَاتَ عَتَقَ الْمَضْرُوبُ مَرَّةً ح عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِهِ) أَيْ التَّنَافِي بَيَانُهُ أَنَّ الْفِعْلَ يَتَّصِفُ بِالْأَوَّلِيَّةِ وَإِذَا وَقَعَ ثَانِيًا يَتَّصِفُ بِالْآخِرِيَّةِ لِكَوْنِ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ عَرَضٌ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ وَإِنَّمَا يَعْتَبِرُهُ الشَّرْعُ بَاقِيًا كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ إذَا لَمْ يَعْرِضْ عَلَيْهِ مَا يُنَافِيهِ كَفَسْخٍ وَإِقَالَةٍ، وَإِلَّا فَهُوَ زَائِلٌ وَمَا يُوجَدُ بَعْدَهُ فَهُوَ غَيْرُهُ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ عَيْنَهُ صُورَةً فَصَحَّ وَصْفُهُ بِالْأَوَّلِيَّةِ وَالْآخِرِيَّةِ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَانْتَفَى التَّنَافِي بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ وَذَلِكَ لِكَوْنِ الْوَاقِعِ آخِرًا غَيْرَ الْوَاقِعِ أَوَّلًا وَلِذَا قَالَ لِأَنَّ الْفِعْلَ الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مَرَّتَيْنِ) ظَرْفٌ لِلْمُتَزَوِّجَةِ لَا لِطَلُقَتْ ح (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْفَرْدِيَّةِ) أَيْ فِي الْعَبْدَيْنِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلِعَدَمِ السَّبْقِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لِعَدَمِ الْفَرْدِيَّةِ وَالسَّبْقِ. اهـ. ح مَطْلَبُ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ حُرٌّ (قَوْلُهُ عَتَقَ الثَّالِثُ) أَيْ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْصُوفُ بِكَوْنِهِ أَوَّلَ عَبْدٍ اشْتَرَاهُ وَحْدَهُ وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْأَوَّلِيَّةِ شِرَاءُ عَبْدَيْنِ مَعًا قَبْلَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ أَسْوَدَ أَوْ بِالدَّنَانِيرِ فَاشْتَرَى عَبِيدًا بِيضًا أَوْ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدًا أَسْوَدَ أَوْ بِالدَّنَانِيرِ عَتَقَ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلَا يَلْزَمُ فِي الْمُشْرَى أَوَّلًا أَنْ يَكُونَ جَمْعًا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَأَشَارَ إلَى الْفَرْقِ) أَيْ بَيْنَ وَحْدَهُ وَبَيْنَ وَاحِدًا (قَوْلُهُ لِلِاحْتِمَالِ إلَخْ) هَذَا الْفَرْقُ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى كَوْنَهُ حَالًا مِنْ الْعَبْدِ يَعْتِقُ لَكِنْ عَبَّرَ عَنْهُ فِي الْفَتْحِ بِقِيلِ، وَاَلَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَأَوْضَحَهُ قَاضِي خَانَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَشُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُمْ هُوَ أَنَّ الْوَاحِدَ يَقْتَضِي الِانْفِرَادَ فِي الذَّاتِ، وَوَحْدَهُ الِانْفِرَادَ فِي الْفِعْلِ الْمَقْرُونِ بِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي الدَّارِ رَجُلٌ وَاحِدٌ كَانَ صَادِقًا إذَا كَانَ مَعَهُ صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ بِخِلَافِ فِي الدَّارِ رَجُلٌ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ كَاذِبٌ فَإِذَا قَالَ: وَاحِدًا لَا يَعْتِقُ الثَّالِثُ لِكَوْنِهِ حَالًا مُؤَكِّدَةً لَمْ تُفِدْ غَيْرَ مَا أَفَادَهُ لَفْظُ أَوَّلِ، فَإِنَّ مُفَادَهُ الْفَرْدِيَّةُ وَالسَّبْقُ، وَمُفَادُهَا التَّفَرُّدُ فَكَانَ كَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْهَا، أَمَّا إذَا قَالَ وَحْدَهُ فَقَدْ أَضَافَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 804 وَجَوَّزَ فِي الْبَحْرِ جَرَّهُ صِفَةً لِلْعَبْدِ فَهُوَ كَوَحْدِهِ وَفِي النَّهْرِ رَفْعُهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ فَهُوَ كَوَاحِدٍ. (وَلَوْ قَالَ: أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَك عَبْدًا وَنِصْفَ عَبْدٍ عَتَقَ الْكَامِلُ) وَكَذَا الثِّيَابُ بِخِلَافِ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ لِلْمُزَاحَمَةِ زَيْلَعِيٌّ. (قَالَ: آخِرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَك عَبْدًا فَمَاتَ الْحَالِفُ لَمْ يَعْتِقْ) إذْ لَا بُدَّ لِلْآخِرِ مِنْ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ كَالْبَعْدِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَبْلُ بِخِلَافِ الْقَبْلِ (فَلَوْ اشْتَرَى) الْحَالِفُ الْمَذْكُورُ (عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ) الْحَالِفُ (عَتَقَ) الثَّانِي   [رد المحتار] الْعِتْقَ إلَى أَوَّلِ عَبْدٍ لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِي التَّمَلُّكِ وَالثَّالِثُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَإِنْ عَنَى بِقَوْلِهِ وَاحِدًا مَعْنَى التَّوَحُّدِ صُدِّقَ دِيَانَةً وَقَضَاءً لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْلِيظِ، فَيَكُونُ الشَّرْطُ حِينَئِذٍ التَّفَرُّدَ وَالسَّبْقَ فِي حَالَةِ التَّمَلُّكِ كَمَا ذَكَرَهُ الْفَارِسِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَبِمَا ذُكِرَ مِنْ الْفَرْقِ عَلِمْت أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّصْبِ وَالْجَرِّ بَلْ ذَكَرَ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ أَنَّ حَقَّهُ الْكَسْرُ كَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْجَامِعِ وَذَكَرَ شَارِحُهُ عَنْ كَافِي النَّسَفِيِّ أَنَّ الْأَلِفَ خَطَأٌ مِنْ بَعْضِ الْكُتَّابِ (قَوْلُهُ فَهُوَ كَوَحْدِهِ) أَيْ فَيَعْتِقُ الْعَبْدُ الثَّالِثُ، وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْجَرَّ كَالنَّصْبِ الْفَرْقُ السَّابِقُ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلْنَا عَنْ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ وَشَرْحِهِ (قَوْلُهُ وَفِي النَّهْرِ إلَخْ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَجَوَّزَ فِي النَّهْرِ إلَخْ وَعِبَارَتُهُ وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِهِمْ الرَّفْعَ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ أَيْضًا كَالنِّصْفِ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ فَمَلَكَ عَبْدًا وَنِصْفَ عَبْدٍ) أَيْ مَعًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ عَتَقَ الْكَامِلُ) لِأَنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ لَيْسَ بِعَبْدٍ فَلَمْ يُشَارِكْهُ فِي اسْمِهِ فَلَا يُقْطَعُ عَنْهُ وَصْفُ الْأَوَّلِيَّةِ وَالْفَرْدِيَّةِ كَمَا لَوْ مَلَكَ مَعَهُ ثَوْبًا أَوْ نَحْوَهُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا الثِّيَابُ) مِثْلُ أَوَّلُ ثَوْبٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ هَدْيٌ فَمَلَكَ ثَوْبًا وَنِصْفًا (قَوْلُهُ لِلْمُزَاحَمَةِ) فَإِنَّهُ إذَا قَالَ أَوَّلُ كُرٍّ أَمْلِكُهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ فَمَلَك كُرًّا وَنِصْفَ كُرٍّ جُمْلَةً لَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ لِأَنَّ النِّصْفَ الزَّائِدَ عَلَى الْكُرِّ مُزَاحِمٌ لَهُ يُخْرِجُهُ عَنْ الْأَوَّلِيَّةِ وَالْفَرْدِيَّةِ لِأَنَّ الْكُرَّ اسْمٌ لِأَرْبَعِينَ قَفِيزًا وَقَدْ مَلَكَ سِتِّينَ جُمْلَةً نَظِيرُهُ أَوَّلُ أَرْبَعِينَ عَبْدًا أَمْلِكُهُمْ فَهُمْ أَحْرَارٌ فَمَلَك سِتِّينَ لَا يَعْتِقُ أَحَدٌ، فَعُلِمَ أَنَّ النِّصْفَ فِي الْكُرِّ يَقْبَلُ الِانْضِمَامَ إلَيْهِ إذْ لَوْ أَخَذْت أَيَّ نِصْفٍ شِئْت، وَضَمَمْته إلَى النِّصْفِ الزَّائِدِ يَصِيرُ كُرًّا كَامِلًا وَنِصْفُ الْعَبْدِ لَيْسَ كَذَلِكَ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ فَمَاتَ الْحَالِفُ) وَكَذَا لَا يَعْتِقُ لَوْ لَمْ يَمُتْ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ مَا دَامَ حَيًّا يُحْتَمَلُ أَنْ يَمْلِكَ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ إذْ لَا بُدَّ لِلْآخِرِ مِنْ الْأَوَّلِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ تُحَقِّقُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَحَقُّقِ الْآخِرِيَّةَ وُجُودُ سَابِقٍ بِالْفِعْلِ وَفِي الْأَوَّلِيَّةِ عَدَمُ تَقَدُّمِ غَيْرِهِ لَا وُجُودُ آخَرَ مُتَأَخِّرٍ عَنْهُ، وَإِلَّا لَمْ يُعْتِقْ الْمُشْتَرِي فِي قَوْلِهِ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ إذَا لَمْ يَشْتَرِ بَعْدَهُ غَيْرَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْقَبْلِ) فَإِذَا قُلْت: جَاءَ زَيْدٌ قَبْلُ لَا يَقْتَضِي مَجِيءَ أَحَدٍ بَعْدَهُ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ أَحَدًا لَمْ يَتَقَدَّمْهُ فِي الْمَجِيءِ ط. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ قَبْلُ مَنْصُوبًا مُنَوَّنًا وَإِلَّا فَهُوَ مُضَافٌ تَقْدِيرًا إلَى شَيْءٍ وُجِدَ بَعْدَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَا يَلْزَمُ وُجُودُهُ بَعْدَهُ وَلَوْ صَرَّحَ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ كَجِئْتُ قَبْلَ زَيْدٍ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ثُمَّ مَاتَ الْحَالِفُ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَنَّ الثَّانِي آخِرٌ إلَّا بِمَوْتِ الْمَوْلَى، لِجَوَازِ أَنْ يَشْتَرِيَ غَيْرَهُ فَيَكُونُ هُوَ الْآخِرُ بَحْرٌ. قُلْت: وَهَذَا إذَا تَنَاوَلَتْ الْيَمِينُ غَيْرَ هَذَا الْعَبْدِ وَكَانَتْ عَلَى فِعْلٍ لَا يُوجَدُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى، وَلَمْ يُؤَقِّتْ وَقْتًا لِمَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ: آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مِنْكُمَا طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ الْأُخْرَى طَلُقَتْ الثَّانِيَةُ فِي الْحَالِ لِاتِّصَافِهَا بِالْآخِرِيَّةِ فِي الْحَالِ، وَالْيَمِينُ لَمْ يَتَنَاوَلْ غَيْرَهَا، وَلَوْ قَالَ لِعَشَرَةِ أَعْبُدٍ آخِرُكُمْ تَزَوُّجًا حُرٌّ فَتَزَوَّجَ بِإِذْنِهِ عَبْدٌ ثُمَّ عَبْدٌ ثُمَّ تَزَوَّجَ الْأَوَّلُ أُخْرَى ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لِأَنَّ بِمَوْتِهِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الشَّرْطُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَزَوَّجَ آخَرُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى، فَلَمْ يَكُنْ آخِرَهُمْ إلَّا إذَا تَزَوَّجَ كُلُّهُمْ بِإِذْنِهِ فَيَعْتِقُ الْعَاشِرُ فِي الْحَالِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى مَوْتِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ آخِرُهُمْ وَلَا يُتَوَهَّمُ زَوَالُ وَصْفِ الْآخِرِيَّةِ عَنْهُ وَكَذَا لَوْ مَاتُوا قَبْلَهُ سِوَى الْمُتَزَوِّجِينَ فَيَعْتِقُ الَّذِي تَزَوَّجَ مَرَّةً وَلَوْ قَالَ آخِرُكُمْ تَزَوُّجًا الْيَوْمَ حُرٌّ عَتَقَ الثَّانِي الَّذِي تَزَوَّجَ مَرَّةً بِمُضِيِّ الْيَوْمِ دُونَ الْأَوَّلِ الَّذِي تَزَوَّجَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 805 (مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الشِّرَاءِ) فَيُعْتَبَرُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ لَوْ الشِّرَاءُ فِي الصِّحَّةِ وَإِلَّا فَمِنْ الثُّلُثِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَصِيرُ فَارًّا لَوْ عَلَّقَ الْبَائِنَ بِالْآخِرِ خِلَافًا لَهُمَا. وَأَمَّا الْوَسَطُ فَفِي الْبَدَائِعِ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي وِتْرٍ فَثَانِي الثَّلَاثَةِ وَسَطٌ وَكَذَا ثَالِثُ الْخَمْسَةِ وَهَكَذَا. (إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ كَذَا حَنِثَ بِالْمَيِّتِ) وَلَوْ سَقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ وَإِلَّا لَا (بِخِلَافِ فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ مَيِّتًا ثُمَّ آخَرَ حَيًّا عَتَقَ الْحَيُّ وَحْدَهُ) لِبُطْلَانِ الرِّقِّ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ أَوْ الْوِلَادَةِ. (الْبِشَارَةُ عُرْفًا اسْمٌ لِخَبَرٍ سَارٍّ) خَرَجَ الضَّارُّ، فَلَيْسَ بِبِشَارَةٍ عُرْفًا بَلْ لُغَةً وَمِنْهُ - {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34]- (صِدْقٍ)   [رد المحتار] مَرَّتَيْنِ لِأَنَّهُ اتَّصَفَ بِالْأَوَّلِيَّةِ فَلَا يَتَّصِفُ بِالْآخِرِيَّةِ اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الشِّرَاءِ) هَذَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ مُقْتَصِرًا عَلَى حَالَةِ الْمَوْتِ، فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الْآخِرِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدَمِ شِرَاءِ غَيْرِهِ بَعْدَهُ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالْمَوْتِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ. وَلَهُ أَنَّ الْمَوْتَ مُعَرِّفٌ فَأَمَّا اتِّصَافُهُ بِالْآخِرِيَّةِ فَمِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فَيَثْبُتُ مُسْتَنِدًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَوْ عَلَّقَ الْبَائِنَ بِالْآخِرِ) كَقَوْلِهِ: آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَعِنْدَهُ يَقَعُ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرٌ بِالدُّخُولِ بِشُبْهَةٍ وَنِصْفُ مَهْرٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَعِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ بِلَا حِدَادٍ وَلَا تَرِثُ مِنْهُ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَتَرِثُ لِأَنَّهُ فَارٌّ وَلَهَا مَهْرٌ وَاحِدٌ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَعَلَيْهَا الْوَفَاةُ وَتَحُدُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْوَسَطُ إلَخْ) فَإِذَا اشْتَرَى ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ مُتَفَرِّقِينَ ثُمَّ مَاتَ عَتَقَ الثَّانِي عِنْدَ الْمَوْتِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ الْإِمَامِ عَتَقَ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ شِرَاءِ الثَّالِثِ لِأَنَّهُ اكْتَسَبَ اسْمَ الْوَسَطِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عِنْدَ شِرَاءِ الثَّالِثِ، وَعَرَفْنَا ذَلِكَ بِمَوْتِ السَّيِّدِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ رَابِعًا وَأَمَّا قَبْلَ الثَّالِثِ فَلَمْ يَكْتَسِبْ الثَّانِي اسْمَ الْوَسَطِ لَا عِنْدَنَا وَلَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَلَا يَسْتَنِدُ الْعِتْقُ إلَى وَقْتِ شِرَاءِ الثَّانِي، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: آخِرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ، ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ حَيْثُ يَعْتِقُ الثَّانِي مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ شِرَائِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ اكْتَسَبَ اسْمَ الْآخِرِ بِالشِّرَاءِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَعَرَفْنَا ذَلِكَ بِمَوْتِ السَّيِّدِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا آخَرَ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ. اهـ. ح. قُلْت: وَهُوَ بَحْثٌ جَيِّدٌ وَالْقَوَاعِدُ لَهُ تُؤَيِّدُ وَفِي التَّلْخِيصِ وَشَرْحِهِ لِلْفَارِسِيِّ: لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ إلَّا الْأَوْسَطَ فَمَلَك عَبْدًا عَتَقَ فِي الْحَالِ لِامْتِنَاعِ الْأَوْسَطِيَّةِ فِيهِ حَالًا وَمَآلًا فَلَوْ مَلَكَ ثَانِيًا ثُمَّ ثَالِثًا لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ الثَّانِي صَارَ أَوْسَطَ بِشِرَاءِ الثَّالِثِ، وَالثَّالِثُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَصِيرَ أَوْسَطَ بِمِلْكِ خَامِسٍ وَإِنَّمَا يَعْتِقُ الثَّانِي إذَا انْتَفَتْ عَنْهُ الْأَوْسَطِيَّةُ بِأَنْ مَلَكَ رَابِعًا فَيَعْتِقُ حِينَ مَلَكَ الرَّابِعِ وَهَلُمَّ جَرًّا، وَالْأَوْسَطِيَّةُ تَزُولُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى عَنْ شَفْعٍ كَالِاثْنَيْنِ وَالْأَرْبَعَةِ وَالسِّتَّةِ وَتَتَحَقَّقُ بِمَوْتِهِ عَنْ وِتْرٍ كَثَلَاثَةٍ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ سَبْعَةٍ وَنَحْوِهَا فَيَعْتِقُونَ إلَّا أَوْسَطَهُمْ وَتَمَامُهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ) أَيْ وَلَوْ بَعْضَ الْخَلْقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ. مَطْلَبُ إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ كَذَا حَنِثَ بِالْمَيِّتِ بِخِلَافِ هُوَ حُرٌّ (قَوْلُهُ عَتَقَ الْحَيُّ وَحْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ أَحَدٌ لِأَنَّ الشَّرْطَ تَحَقَّقَ بِوِلَادَةِ الْمَيِّتِ، فَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ لَا إلَى جَزَاءٍ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْحُرِّيَّةِ وَلَهُ أَنَّ مُطْلَقَ الِاسْمِ تَقَيَّدَ بِوَصْفِ الْحَيَاةِ لِأَنَّهُ قَصَدَ إثْبَاتَ الْحُرِّيَّةِ لَهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ مَيِّتًا ثُمَّ حَيًّا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِبُطْلَانِ الرِّقِّ إلَخْ) هَذَا تَعْلِيلٌ مِنْ طَرَفِهِمَا لِغَيْرِ مَذْكُورٍ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَهُوَ مَا لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ يَدْخُلُ عَلَيَّ فَهُوَ حُرٌّ فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ عَبْدٌ مَيِّتٌ ثُمَّ آخَرُ حَيٌّ عَتَقَ الْحَيُّ إجْمَاعًا عَلَى الصَّحِيحِ وَالْعُذْرُ لَهُمَا أَنَّ الْعُبُودِيَّةَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا تَبْقَى لِأَنَّ الرِّقَّ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ فِي أَوَّلِ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ وَالْوِلَادَةِ فِي إنْ وَلَدْت لِتَحَقُّقِهِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ بَلْ لُغَةً إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَا تَخْتَصُّ لُغَةً بِالسَّارِّ بَلْ قَدْ تَكُونُ فِي الضَّارِّ أَيْضًا وَمِنْهُ - {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34]- وَدَعْوَى الْمَجَازِ مَدْفُوعَةٌ بِمَادَّةِ الِاشْتِقَاقِ إذْ لَا شَكَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 806 خَرَجَ الْكَذِبُ فَلَا يُعْتَبَرُ (لَيْسَ لِلْمُبَشَّرِ بِهِ عِلْمٌ) فَيَكُونُ مِنْ الْأَوَّلِ دُونَ الْبَاقِينَ. (فَلَوْ قَالَ كُلُّ عَبْدٍ بَشَّرَنِي بِكَذَا فَهُوَ حُرٌّ فَبَشَّرَهُ ثَلَاثَةٌ مُتَفَرِّقُونَ عَتَقَ الْأَوَّلُ فَقَطْ) لِمَا قُلْنَا، وَتَكُونُ بِكِتَابَةٍ وَرِسَالَةٍ مَا لَمْ يَنْوِ الْمُشَافَهَةَ فَتَكُونُ كَالْحَدِيثِ، وَلَوْ أَرْسَلَ بَعْضُ عَبِيدِهِ عَبْدًا آخَرَ إنْ ذَكَرَ الرِّسَالَةَ عَتَقَ الْمُرْسِلُ وَإِلَّا الرَّسُولُ (وَإِنْ بَشَّرُوهُ مَعًا عَتَقُوا) لِتَحَقُّقِهَا مِنْ الْكُلِّ بِدَلِيلِ - {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: 28]- (وَ) الْبِشَارَةُ (لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ) ذِكْرِ الْبَاءِ وَعَدَمِهَا بِخِلَافِ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالصِّدْقِ مَعَ الْبَاءِ كَمَا مَرَّ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ (وَالْكِتَابَةُ كَالْخَبَرِ) فِيمَا ذُكِرَ (وَالْإِعْلَامُ) لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الصِّدْقِ وَلَوْ بِلَا بَاءٍ (كَالْبِشَارَةِ) لِأَنَّ الْإِعْلَامَ إثْبَاتُ الْعِلْمِ وَالْكَذِبُ لَا يُفِيدُهُ بَدَائِعُ. قَاعِدَةٌ (النِّيَّةُ إذَا قَارَنَتْ عِلَّةَ الْعِتْقِ) الِاخْتِيَارِيَّةِ كَالشِّرَاءِ مَثَلًا بِخِلَافِ الْإِرْثِ   [رد المحتار] أَنَّ الْإِخْبَارَ بِمَا يَخَافُهُ الْإِنْسَانُ يُوجِبُ تَغَيُّرَ الْبَشَرَةِ أَيْضًا اهـ أَقُولُ: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي خَبَرٍ يُغَيِّرُ الْبَشَرَةَ وَبَيْنَ تَقْرِيرِ الْبَيَانِيِّينَ الِاسْتِعَارَةَ التَّهَكُّمِيَّةَ فِي الْآيَةِ لِأَنَّهُ نَظَرَ فِيمَا قَالَهُ إلَى أَصْلِ اللُّغَةِ وَهُمْ نَظَرُوا إلَى عُرْفِ اللُّغَةِ وَكَمْ لَفْظٍ اخْتَلَفَ مَعْنَاهُ فِي أَصْلِهَا وَعُرْفِهَا كَالدَّابَّةِ فَإِنَّهَا اسْمٌ لِمَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ وَخُصَّتْ فِي عُرْفِهَا بِذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَكَاللَّفْظِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ الرَّمْيُ ثُمَّ خُصَّ فِي عُرْفِهَا بِمَا يَطْرَحُهُ الْفَمُ كَمَا فِي رِسَالَةِ الْوَضْعِ اهـ ح. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ مَنْقُولٌ لُغَوِيٌّ فَيَصِحُّ إطْلَاقُ لَفْظِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عَلَيْهِ بِاخْتِلَافِ الِاعْتِبَارِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي التَّلْوِيحِ فِي أَوَّلِ التَّقْسِيمِ الثَّانِي فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى (قَوْلُهُ خَرَجَ الْكَذِبُ) فَلَا يُعْتَبَرُ. وَأَوْرَدَ أَنَّهُ يَظْهَرُ بِهِ فِي بَشَرَةِ الْوَجْهِ الْفَرَحُ وَالسُّرُورُ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا ظَهَرَ خِلَافُهُ يَزُولُ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْوَجْهَ فِيهِ نَقْلُ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ) أَيْ التَّبْشِيرُ أَوْ الضَّمِيرُ عَائِدٌ لِلْخَبَرِ الَّذِي عَادَ إلَيْهِ ضَمِيرُ بِهِ مَطْلَبُ كُلُّ عَبْدٍ بَشَّرَنِي بِكَذَا حُرٌّ (قَوْلُهُ مِنْ الْأَوَّلِ) أَيْ مِنْ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ دُونَ الْبَاقِينَ أَيْ الْمُخْبِرِينَ بَعْدَهُ فِي الْمِثَالِ الْآتِي قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَصْلُهُ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَرَّ بِابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا طَرِيًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْ بِقِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ» فَابْتَدَرَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بِالْبِشَارَةِ فَسَبَقَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ فَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ بَشَّرَنِي أَبُو بَكْرٍ وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ (قَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا) مِنْ أَنَّ الْمُبَشِّرَ هُوَ الْأَوَّلُ دُونَ الْبَاقِينَ (قَوْلُهُ فَتَكُونُ كَالْحَدِيثِ) أَيْ فَلَا يَعْتِقُ بِالْكِتَابَةِ وَالرِّسَالَةِ لِمَا مَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللِّسَانِ (قَوْلُهُ إنْ ذَكَرَ الرِّسَالَةَ) بِأَنْ قَالَ لَهُ إنَّ فُلَانًا يَقُولُ لَك إنَّ فُلَانًا قَدِمَ كَمَا فِي الْبَحْرِ فَالْمُعْتَبَرُ فِي الرِّسَالَةِ إسْنَادُ الْكَلَامِ إلَى الْمُرْسِلِ بِلَا اشْتِرَاطِ ذِكْرِ مَادَّةِ الرِّسَالَةِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا الرَّسُولُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الرِّسَالَةَ، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ إنَّ فُلَانًا قَدِمَ مِنْ غَيْرِ إسْنَادٍ إلَى الْمُرْسِلِ عَتَقَ الرَّسُولُ (قَوْلُهُ عَتَقُوا) وَإِنْ قَالَ عَنَيْت وَاحِدًا لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً بَلْ دِيَانَةً فَيَسَعُهُ أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدًا فَيُمْضِيَ عِتْقَهُ وَيُمْسِكَ الْبَقِيَّةَ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ فَبَشَّرُوهُ) كَذَا وَقَعَ لِلزَّيْلَعِيِّ وَالْكَمَالِ وَصَاحِبِ الْبَحْرِ وَالتِّلَاوَةُ بِالْوَاوِ ط (قَوْلُهُ وَالْإِعْلَامُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الصِّدْقِ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ وَجَهْلُ الْحَالِفِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّلْخِيصِ فِي الْبَابِ السَّابِقِ لِأَنَّ الْإِعْلَامَ لَا يَكُونُ لِلْعَالِمِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ اشْتِرَاطِ الصِّدْقِ فِي الْإِعْلَامِ وَالْبِشَارَةِ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ هُنَاكَ تَبَعًا لِلْفَتْحِ وَالْبَحْرِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ إذَا كَانَا بِدُونِ بَاءٍ وَأَنَّ مَا هُنَا مَذْكُورٌ فِي التَّلْخِيصِ (قَوْلُهُ وَالْكَذِبُ لَا يُفِيدُهُ) لِأَنَّ الْعِلْمَ الْجَزْمُ الْمُطَابِقُ لِلْحَقِّ وَالْكَذِبُ لَا مُطَابَقَةَ فِيهِ ط. مَطْلَبُ النِّيَّةُ إذَا قَارَنَتْ عِلَّةَ التَّكْفِيرِ (قَوْلُهُ النِّيَّةُ إلَخْ) أَيْ نِيَّةُ الْعِتْقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَقَدْ ذَكَرُوا هَذِهِ الْقَاعِدَةَ هُنَا لِمُنَاسَبَةِ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ يَمِينٌ وَإِلَّا فَالْمُنَاسِبُ لَهَا كَفَّارَةُ الظِّهَارِ أَوْ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ (قَوْلُهُ كَالشِّرَاءِ) أَيْ شِرَاءِ الْقَرِيبِ: أَيْ إذَا نَوَاهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ أَجْزَأَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 807 لِأَنَّهُ جَبْرِيٌّ (وَ) الْحَالُ أَنَّ (رِقَّ الْمُعْتَقِ كَامِلٌ صَحَّ التَّكْفِيرُ وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تُقَارِنْ الْعِلَّةَ أَوْ قَارَنَتْهَا وَالرِّقُّ غَيْرُ كَامِلٍ كَأُمِّ الْوَلَدِ (لَا) يَصِحُّ التَّكْفِيرُ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ (فَصَحَّ شِرَاءُ أَبِيهِ لِلْكَفَّارَةِ) لِلْمُقَارَنَةِ (لَا شِرَاءُ مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ) لِعَدَمِهَا (وَلَا شِرَاءُ مُسْتَوْلَدَةٍ بِنِكَاحٍ عَلَّقَ عِتْقَهَا عَنْ كَفَّارَتِهِ بِشِرَائِهَا) لِنُقْصَانِ رِقِّهَا (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِقِنَّةٍ: إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي فَاشْتَرَاهَا) حَيْثُ تَجْزِيهِ عَنْهَا لِلْمُقَارَنَةِ كَاتِّهَابٍ وَوَصِيَّةٍ نَاوِيًا عِنْدَ الْقَبُولِ، بِخِلَافِ إرْثٍ لِمَا مَرَّ زَيْلَعِيٌّ. (وَعَتَقَتْ بِقَوْلِهِ إنْ تَسَرَّيْت أَمَةً فَهِيَ حُرَّةٌ مَنْ تَسَرَّاهَا وَهِيَ مِلْكُهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ حَلِفِهِ لِمُصَادَفَتِهَا الْمِلْكَ   [رد المحتار] عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الْعِتْقِ عِنْدَهُمْ الْقَرَابَةُ لَا الشِّرَاءُ، وَلَنَا أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ لِمَا رَوَى السِّتَّةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ عَنْ وَالِدِهِ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» يُرِيدُ فَيَشْتَرِيهِ فَيَعْتِقُ عِنْدَ ذَلِكَ الشِّرَاءِ، وَقَدْ رَتَّبَ عِتْقَهُ عَلَى شِرَائِهِ بِالْفَاءِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى فَيَعْتِقُ هُوَ فَهُوَ مِثْلُ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ وَالتَّرْتِيبُ بِالْفَاءِ يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ عَلَى مَا عُرِفَ مِثْلُ سَهَا فَسَجَدَ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ جَبْرِيٌّ) فَإِنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِيهِ بِلَا اخْتِيَارٍ فَلَا تُتَصَوَّرُ النِّيَّةُ فِيهِ فَلَا يَعْتِقُ عَنْ كَفَّارَتِهِ إذَا نَوَاهُ لِأَنَّهَا نِيَّةٌ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْعِتْقِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَلَكَهُ بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ نَاوِيًا عِنْدَ الْقَبُولِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ بِأَنْ لَمْ تُقَارِنْ) أَيْ النِّيَّةُ الْعِلَّةَ أَيْ عِلَّةَ التَّكْفِيرِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْإِرْثِ وَكَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ. (قَوْلُهُ فَصَحَّ شِرَاءُ أَبِيهِ) أَيْ وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ قَرِيبٍ مُحَرَّمٍ (قَوْلُهُ لَا شِرَاءُ مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ) كَقَوْلِهِ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ نَاوِيًا عَنْ التَّكْفِيرِ لَا يُجْزِيهِ لِعَدَمِهَا أَيْ عَدَمِ الْمُقَارَنَةِ لِلنِّيَّةِ، فَإِنَّ عِلَّةَ الْعِتْقِ قَوْلُهُ فَأَنْتَ حُرٌّ وَالشِّرَاءُ شَرْطٌ وَالْعِتْقُ وَإِنْ كَانَ يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَكِنَّهُ إنَّمَا يَنْزِلُ بِقَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ السَّابِقِ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ وَالشِّرَاءَ شَرْطُ عَمَلِهَا فَلَا يَعْتَبِرُ وُجُودَ النِّيَّةِ عِنْدَهُ لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ مُتَقَدِّمٌ لَا مُتَأَخِّرٌ حَتَّى لَوْ كَانَ نَوَى عِنْدَ الْحَلِفِ يَعْتِقُ عَنْهَا كَمَا يَأْتِي وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا شِرَاءُ مُسْتَوْلَدَةٍ إلَخْ) أَيْ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً لِغَيْرِهِ فَأَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ ثُمَّ قَالَ لَهَا إذَا اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةً عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَا تُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ لِنُقْصَانِ رِقِّهَا) لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ الْعِتْقَ بِالِاسْتِيلَادِ، حَتَّى جُعِلَ إعْتَاقًا مِنْ وَجْهٍ، وَلِذَا لَا يُجْزِي إعْتَاقُهَا عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ مُنَجَّزًا، وَلَكِنْ أَرَادَ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْقَرِيبِ لِأَنَّ شِرَاءَهُ إعْتَاقٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ عِتْقٌ مِنْ وَجْهٍ أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَلَا شِرَاءُ مُسْتَوْلَدَةٍ (قَوْلُهُ لِلْمُقَارَنَةِ) تَعْلِيلٌ قَاصِرٌ، فَإِنَّ الْمُقَارَنَةَ مَوْجُودَةٌ فِي الْمُسْتَوْلَدَةِ أَيْضًا وَإِنَّمَا وَجْهُ الْمُخَالَفَةِ مَا فِي الْفَتْحِ وَهُوَ أَنَّ حُرِّيَّةَ الْقِنَّةِ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ بِجِهَةٍ أُخْرَى فَلَمْ تَخْتَلَّ إضَافَةُ الْعِتْقِ إلَى الْكَفَّارَةِ وَقَدْ قَارَنَتْهُ النِّيَّةُ فَكَمُلَ الْمُوجِبُ (قَوْلُهُ كَاتِّهَابٍ إلَخْ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ فَصَحَّ شِرَاءُ أَبِيهِ لِلْكَفَّارَةِ بِأَنْ يَقُولَ: وَكَذَا إذَا وَهَبَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهِ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ نَاوِيًا عِنْدَ الْقَبُولِ ح وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ ذَكَرَهَا فِي الْبَحْرِ بَحْثًا وَزَادَ أَوْ جَعَلَ مَهْرًا لَهَا مَعَ أَنَّ الثَّلَاثَةَ فِي الْفَتْحِ وَالزَّيْلَعِيِّ. مَطْلَبُ إنْ تَسَرَّيْت أَمَةً فَهِيَ حُرَّةٌ (قَوْلُهُ إنْ تَسَرَّيْت أَمَةً) أَيْ اتَّخَذْتهَا سُرِّيَّةً فُعْلِيَّةٌ مَنْسُوبَةٌ إلَى السِّرِّ وَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ الْإِخْفَاءُ (قَوْلُهُ لِمُصَادَفَتِهَا الْمِلْكَ) أَيْ لِمُصَادَفَةِ الْحَلِفِ وَأَعَادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرَ مُؤَنَّثًا لِأَنَّ الْحَلِفَ بِمَعْنَى الْيَمِينِ: وَهِيَ هُنَا التَّعْلِيقُ أَيْ لِوُقُوعِهَا فِي حَالَةِ الْمِلْكِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 808 (لَا) يَعْتِقُ (مَنْ شَرَاهَا فَتَسَرَّاهَا) وَيَثْبُتُ التَّسَرِّي بِالتَّحْصِينِ وَالْوَطْءِ، وَشَرْطُ الثَّانِي عَدَمُ الْعَزْلِ فَتْحٌ (وَلَوْ قَالَ إنْ تَسَرَّيْت أَمَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ عَبْدِي حُرٌّ فَتَسَرَّى بِمَنْ فِي مِلْكِهِ أَوْ مَنْ اشْتَرَاهَا بَعْدَ التَّعْلِيقِ طَلُقَتْ وَعَتَقَ) وَأَفَادَ الْفَرْقَ بِقَوْلِهِ (لِوُجُودِ الشَّرْطِ) بِلَا مَانِعٍ لِصِحَّةِ تَعْلِيقِ طَلَاقِ الْمَنْكُوحَةِ بِأَيِّ شَرْطٍ كَانَ فَلْيُحْفَظْ. (كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ عَتَقَ عَبِيدُهُ وَمُدَبَّرُوهُ) وَيُدَيَّنُ فِي نِيَّةِ الذُّكُورِ لَا الْإِنَاثِ (وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ)   [رد المحتار] فَهُوَ كَقَوْلِهِ: إنْ ضَرَبْت أَمَةً فَهِيَ حَرَّةٌ فَضَرَبَ أَمَةً فِي مِلْكِهِ عَتَقَتْ بِخِلَافِ مَنْ مَلَكَهَا بَعْدَ التَّعْلِيقِ (قَوْلُهُ لَا يَعْتِقُ مَنْ شَرَاهَا فَتَسَرَّاهَا) أَيْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ التَّسَرِّي لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَكَانَ ذِكْرُهُ ذِكْرَ الْمِلْكِ. وَلَنَا أَنَّهُ لَوْ عَتَقَتْ الْمُشْتَرَاةُ لَزِمَ صِحَّةُ تَعْلِيقِ عِتْقِ مَنْ لَيْسَ فِي الْمِلْكِ بِغَيْرِ الْمِلْكِ وَسَبَبِهِ لِأَنَّ التَّسَرِّيَ لَيْسَ نَفْسَ الْمِلْكِ وَلَا سَبَبَهُ وَتَمَامُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ التَّسَرِّي بِالتَّحْصِينِ وَالْوَطْءِ) التَّحْصِينُ أَنْ يُبَوِّئَهَا بَيْتًا وَيَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ أَفَادَهُ مِسْكِينٌ ط، فَلَوْ وَطِئَ أَمَةً لَهُ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّحْصِينِ وَالْإِعْدَادِ لِلْوَطْءِ لَا يَكُونُ تَسَرِّيًا وَإِنْ عَلِقَتْ مِنْهُ فَتْحٌ. وَأَفَادَ قَوْلُ الشَّارِحِ: وَالْوَطْءِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فَلَا يَكْفِي الْإِعْدَادُ لَهُ بِدُونِهِ فِي مَفْهُومِ التَّسَرِّي وَهَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَسَرَّى فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَحَصَّنَهَا وَوَطِئَهَا حَنِثَ ثُمَّ قَالَ إنَّهُمْ أَغْفَلُوا التَّنْبِيهَ عَلَيْهِ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ كَمَالٍ فَقَالَ وَشَرَطَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ شَرْطًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنْ يُجَامِعَهَا (قَوْلُهُ وَشَرَطَ الثَّانِي) أَيْ مَعَ ذَلِكَ فَتْحٌ أَيْ مَعَ الْمَذْكُورِ مِنْ الشَّرْطَيْنِ (قَوْلُهُ طَلُقَتْ وَعَتَقَ) أَيْ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ الْمُعَلَّقُ طَلَاقُهَا عَلَى التَّسَرِّي وَعَتَقَ عَبْدُهُ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَبْدُ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ دُونَ الْمَشْرِيِّ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَعَبْدِي حُرٌّ يَنْصَرِفُ إلَى الْعَبْدِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَقْتَ الْحَلِفِ دُونَ الْحَادِثِ بَعْدَهُ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْإِعْتَاقِ فِي بَابِ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي الزَّوْجَةِ (قَوْلُهُ وَأَفَادَ الْفَرْقُ إلَخْ) أَيْ بَيْنَ تَعْلِيقِ عِتْقِ الْأَمَةِ الْغَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ وَقْتَ الْحَلِفِ عَلَى تَسَرِّيهَا، وَبَيْنَ تَعْلِيقِ عِتْقِ عَبْدِهِ الَّذِي فِي مِلْكِهِ أَوْ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ عَلَى تَسَرِّي أَمَةٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ حَنِثَ صَحَّ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَبَيَانُ الْفَرْقِ أَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَصِحَّ لِلْمَانِعِ وَهُوَ تَعْلِيقُ عِتْقِ مَنْ لَيْسَ فِي الْمِلْكِ بِغَيْرِ الْمِلْكِ وَسَبَبِهِ كَمَا مَرَّ، أَمَّا الثَّانِي فَقَدْ صَحَّ لِعَدَمِ الْمَانِعِ لِكَوْنِهِ تَعْلِيقَ عِتْقِ عَبْدٍ أَوْ طَلَاقَ زَوْجَةٍ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ بِأَيِّ شَرْطٍ كَانَ كَدُخُولِ الدَّارِ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ، وَمِنْهَا تَسَرِّي أَمَةٍ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ أَوْ مُسْتَجَدَّةٍ بَعْدَهُ، وَهَذَا الْفَرْقُ ظَاهِرٌ خِلَافًا لِبَعْضِ مُعَاصِرِي صَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ قَاسَ الثَّانِيَ عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ والشُّرُنبُلالِيَّة وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِتَصْرِيحِهِ بِتَعْلِيلِهِ وَلِذَا أَمَرَ الشَّارِحُ بِحِفْظِهِ. مَطْلَبُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ (قَوْلُهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ إلَى آخِرِ الْبَابِ لَيْسَتْ مِنْ الْأَيْمَانِ لِعَدَمِ التَّعْلِيقِ فِيهَا فَالْأَوْلَى بِهَا أَبْوَابُهَا. اهـ. ح. قُلْت: وَلَعَلَّهُمْ ذَكَرُوهَا هُنَا لِبَيَانِ حُكْمِهَا إذَا وَقَعَتْ جَزَاءً فِي التَّعْلِيقِ ثُمَّ رَأَيْتُ ط ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ عَتَقَ عَبِيدُهُ وَمُدَبَّرُوهُ) أَيْ الْإِمَاءُ وَالذُّكُورُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيُدَيَّنُ فِي نِيَّةِ الذُّكُورِ) أَيْ وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ، وَلَوْ نَوَى السُّودَ دُونَ غَيْرِهِمْ لَا يُصَدَّقُ أَصْلًا لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ بِوَصْفٍ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ وَلَا عُمُومَ إلَّا لِلَّفْظِ، فَلَا تَعْمَلُ نِيَّتُهُ بِخِلَافِ الذُّكُورِ فَإِنَّ لَفْظَ " كُلُّ مَمْلُوكٍ " لِلرِّجَالِ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ تَعْمِيمُ مَمْلُوكٍ، وَهُوَ الذَّكَرُ وَإِنَّمَا يُقَالُ لِلْأُنْثَى مَمْلُوكَةٌ، وَلَكِنْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُسْتَعْمَلُ لَهَا الْمَمْلُوكُ عَادَةً يَعْنِي إذَا عُمِّمَ مَمْلُوكٌ بِإِدْخَالِ كُلٍّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 809 لِمِلْكِهِمْ يَدًا وَرَقَبَةً (لَا مُكَاتَبُهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ) لِعَدَمِ الْمِلْكِ يَدًا، وَفِي الْفَتْحِ: يَنْبَغِي فِي كُلِّ مَرْقُوقٍ لِي حُرٌّ أَنْ يَعْتِقَ الْمُكَاتَبُ لَا أُمُّ الْوَلَدِ إلَّا بِالنِّيَّةِ. (هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ طَلُقَتْ الْأَخِيرَةُ وَخُيِّرَ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَكَذَا الْعِتْقُ وَالْإِقْرَارُ) لِأَنَّ أَوْ لِأَحَدِ الْمَذْكُورِينَ، وَقَدْ أَدْخَلَهَا بَيْنَ الْأَوَّلِينَ وَعَطَفَ الثَّالِثَ عَلَى الْوَاقِعِ مِنْهُمَا فَكَانَ كَإِحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَهَذِهِ وَلَا يَصِحُّ عَطْفُ هَذِهِ عَلَى هَذِهِ الثَّانِيَةِ لِلُزُومِ الْإِخْبَارِ عَنْ الْمُثَنَّى بِالْمُفْرَدِ   [رد المحتار] وَنَحْوِهِ شَمِلَ الْإِنَاثَ حَقِيقَةً فَلِذَا كَانَ نِيَّةُ الذُّكُورِ خَاصَّةً خِلَافَ الظَّاهِرِ، فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَلَوْ نَوَى النِّسَاءَ وَحْدَهُنَّ لَا يُصَدَّقُ أَصْلًا فَتْحٌ. قُلْت: وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَمَالِيكِي كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ لَمْ يُدَيَّنْ فِي نِيَّةِ الذُّكُورِ لِأَنَّهُ جَمْعٌ مُضَافٌ يَعُمُّ مَعَ احْتِمَالِ التَّخْصِيصِ، وَقَدْ ارْتَفَعَ الِاحْتِمَالُ بِالتَّأْكِيدِ بِخِلَافِ " كُلُّ مَمْلُوكٍ " فَإِنَّ الثَّابِتَ فِيهِ أَصْلُ الْعُمُومِ فَقَطْ فَقِيلَ التَّخْصِيصُ وَقَدَّمَ الشَّارِحُ هُنَاكَ أَنَّ لَفْظَ الْمَمْلُوكِ وَالْعَبْدِ يَتَنَاوَلُ الْمُدَبَّرَ وَالْمَرْهُونَ وَالْمَأْذُونَ عَلَى الصَّوَابِ أَيْ خِلَافًا لِلْمُجْتَبَى فِي الْأَخِيرَيْنِ (قَوْلُهُ لِمِلْكِهِمْ يَدًا وَرَقَبَةً) عَائِدٌ لِلْكُلِّ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ أَيْ لِكَوْنِهِمْ مَمْلُوكِينَ لَهُ يَدًا أَيْ أَكْسَابًا وَرَقَبَةً (قَوْلُهُ وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ) أَيْ فِي أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَمْلُوكِ لَا أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الدُّخُولِ فِي الْمَرْقُوقِ أَيْضًا لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمِلْكِ وَالرِّقِّ نَاقِصٌ فِي مُعْتَقِ الْبَعْضِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْمَمْلُوكِ وَلَا فِي الْمَرْقُوقِ اهـ ح. قُلْت: وَتَقَدَّمَ فِي الْعِتْقِ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ كَالْمُكَاتَبِ أَيْضًا لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَتَقَدَّمَ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ يَدًا) أَيْ لِعَدَمِ مِلْكِ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ، فَصَارَ الْمِلْكُ نَاقِصًا فَلَا يَدْخُلُ فِي الْمَمْلُوكِ الْمُطْلَقِ، وَكَذَا مُعْتَقُ الْبَعْضِ وَالْمُشْتَرَكُ لِمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ أَنْ يَعْتِقَ الْمُكَاتَبُ) لِأَنَّ الرِّقَّ فِيهِ كَامِلٌ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا أُمُّ الْوَلَدِ) لِنُقْصَانِ رِقِّهَا بِالِاسْتِيلَادِ ط. مَطْلَبُ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الرَّجُلَ وَهَذَا وَهَذَا (قَوْلُهُ هَذِهِ طَالِقٌ إلَخْ) كَانَ الْأَنْسَبُ بِهَذَا الْبَابِ ذِكْرُ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الرَّجُلَ أَوْ هَذَا وَهَذَا فَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ وَشَرْحِهِ: أَنَّهُ يَحْنَثُ بِكَلَامِ الْأَوَّلِ، أَوْ بِكَلَامِ الْأَخِيرَيْنِ لِأَنَّ أَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ، وَلَوْ كَلَّمَ أَحَدَ الْأَخِيرَيْنِ فَقَطْ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُكَلِّمْ الْآخَرَ، وَلَوْ عَكَسَ فَقَالَ: لَا أُكَلِّمُ هَذَا وَهَذَا أَوْ هَذَا حَنِثَ بِكَلَامِ الْأَخِيرِ أَوْ بِكَلَامِ الْأَوَّلَيْنِ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ وَكَلِمَةُ أَوْ بِمَعْنَى وَلَا لِتَنَاوُلِهَا نَكِرَةً فِي النَّفْيِ فَتَعُمُّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24]- أَيْ وَلَا كَفُورًا فَفِي الْأَوَّلِ جَمَعَ بَيْنَ الْأَخِيرَيْنِ بِحَرْفِ الْجَمْعِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أُكَلِّمُ هَذَا وَلَا هَذَيْنِ وَفِي الثَّانِي جَمَعَ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أُكَلِّمُ هَذَيْنِ وَلَا هَذَا اهـ وَذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الْمَتْنِ أَنَّ هَذَا فِي النَّفْيِ وَذَاكَ فِي الْإِثْبَاتِ فَلَا يَعُمُّ وَنَحْوُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالْإِقْرَارُ) كَمَا لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ: عَلَيَّ أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ لَزِمَهُ خَمْسُمِائَةٍ لِلْأَخِيرِ وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ خَمْسَمِائَةٍ لِأَيِّ الْأَوَّلَيْنِ شَاءَ، فَإِنْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ اشْتَرَكَ فِي الْخَمْسِمِائَةِ الْأَوَّلَانِ ح (قَوْلُهُ عَلَى الْوَاقِعِ مِنْهُمَا) أَيْ عَلَى الثَّابِتِ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْمُبْهَمُ، وَلِذَا قَالَ فِي التَّلْوِيحِ إنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ هُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ صَدْرِ الْكَلَامِ لَا أَحَدُ الْمَذْكُورَيْنِ بِالتَّعْيِينِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ إلَخْ) قَالَ فِي التَّلْوِيحِ قِيلَ إنَّهُ لَا يَعْتِقُ أَحَدُهُمْ فِي الْحَالِ وَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرَيْنِ لِأَنَّ الثَّالِثَ عُطِفَ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَالْجَمْعُ بِالْوَاوِ كَالْجَمْعِ بِأَلْفِ التَّثْنِيَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ هَذَا حُرٌّ وَهَذَانِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا أَوْ هَذَا وَهَذَا وَأَجَابَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّ الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ، وَهُوَ حُرٌّ لَا يَصْلُحُ خَبَرًا لِلِاثْنَيْنِ، وَلَا وَجْهَ لِإِثْبَاتِ خَبَرٍ آخَرَ لِأَنَّ الْعَطْفَ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْخَبَرِ أَوْ لِإِثْبَاتِ خَبَرٍ آخَرَ مِثْلَهُ لَا لِإِثْبَاتِ مُخَالِفٍ لَهُ لَفْظًا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْخَبَرَ يَصْلُحُ لِلِاثْنَيْنِ يُقَالُ: لَا أُكَلِّمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 810 وَهَذَا إذَا لَمْ يُذْكَرْ لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ خَبَرٌ (فَإِنْ) ذُكِرَ بِأَنْ (قَالَ هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ طَالِقَتَانِ أَوْ قَالَ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا وَهَذَا حُرَّانِ) فَإِنَّهُ (يَعْتِقُ) أَحَدٌ (وَلَا تَطْلُقُ) بَلْ يُخَيَّرُ (إنْ اخْتَارَ) الْإِيجَابَ (الْأَوَّلَ عَتَقَ) الْأَوَّلُ (وَحْدَهُ وَطَلُقَتْ) الْأُولَى (وَحْدَهَا وَإِنْ اخْتَارَ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ عَتَقَ الْأَخِيرَانِ وَطَلُقَتْ الْأَخِيرَتَانِ) حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فَسَافَرَ الْحَالِفُ فَسَكَنَ فُلَانٌ مَعَ أَهْلِ الْحَالِفِ حَنِثَ عِنْدَهُ لَا عِنْدَ الثَّانِي وَبِهِ يُفْتَى. قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ تَأْتِ اللَّيْلَةُ حَتَّى أَضْرِبَك فَأَتَى فَلَمْ يَضْرِبْهُ حَنِثَ عِنْدَ الثَّانِي لَا عِنْدَ الثَّالِثِ وَبِهِ يُفْتَى   [رد المحتار] هَذَا أَوْ لَا أُكَلِّمُ هَذَيْنِ وَجَعَلَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ هَذَا الْجَوَابَ سَبَبًا لِلْأَوْلَوِيَّةِ وَالرُّجْحَانِ لَا لِلِامْتِنَاعِ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ قَدْ يُغَايِرُ الْمَذْكُورَ لَفْظًا كَمَا فِي قَوْلِك هِنْدٌ جَالِسَةٌ وَزَيْدٌ وَقَوْلِ الشَّاعِرِ: نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا ... عِنْدَك رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفُ اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَأَجَابَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي التَّنْقِيحِ بِجَوَابٍ آخَرَ: وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ هَذَا مُغَيِّرٌ لِمَعْنَى قَوْلِهِ هَذَا حُرٌّ ثُمَّ قَوْلِهِ وَهَذَا غَيْرُ مُغَيِّرٍ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلتَّشْرِيكِ فَيَقْتَضِي وُجُودَ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ أَوَّلُ الْكَلَامِ عَلَى الْمُغَيَّرِ لَا عَلَى مَا لَيْسَ بِمُغَيَّرٍ فَيَثْبُتُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الثَّالِثِ. فَصَارَ مَعْنَاهُ أَحَدُهُمَا حُرٌّ ثُمَّ قَوْلُهُ وَهَذَا يَكُونُ عَطْفًا عَلَى أَحَدِهِمَا. اهـ. قُلْت: وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ لِشُمُولِهِ صُورَةَ الْإِقْرَارِ دُونَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ فِيهَا تَقْدِيرُ الْخَبَرِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الثَّانِي وَالثَّالِثُ خَبَرًا) صَادِقٌ بِعَدَمِ ذِكْرِ خَبَرٍ أَصْلًا وَبِذِكْرِ خَبَرٍ لِلثَّالِثِ فَقَطْ بِأَنْ يَقُولَ هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ طَالِقٌ ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ ط (قَوْلُهُ بِأَنْ قَالَ إلَخْ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِقْرَارَ كَذَلِكَ كَمَا إذَا قَالَ لِهَذَا أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ لِهَذَا وَهَذَا أَلْفُ دِرْهَمٍ ط (قَوْلُهُ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا) مَحَلُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَقَدَّمَهَا الشَّارِحُ بِعَيْنِهَا هُنَاكَ ح (قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتَى) لِأَنَّهُ لَمْ يُسَاكِنْهُ حَقِيقَةً كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ قَالَ لِعَبْدِهِ إلَخْ) سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ هَذَا الْفَرْعَ فِي مَحَلِّهِ وَهُوَ بَابُ الْيَمِينِ بِالضَّرْبِ وَالْقَتْلِ. مَطْلَبٌ فِي اسْتِعْمَالِ حَتَّى لِلْغَايَةِ وَلِلسَّبَبِيَّةِ وَلِلْعَطْفِ (قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتَى) لِأَنَّ حَتَّى لِلتَّعْلِيلِ وَالسَّبَبِيَّةِ لَا لِلْغَايَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ حَتَّى فِي الْأَصْلِ لِلْغَايَةِ إنْ أَمْكَنَ، بِأَنْ يَكُونَ مَدْخُولُهَا مَقْصُودًا وَمُؤَثِّرًا فِي إنْهَاءِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَفِي تَرْكِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ حُمِلَتْ عَلَى السَّبَبِيَّةِ وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْعَقْدِ مَعْقُودًا عَلَى فِعْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا مِنْهُ، وَالْآخَرُ مِنْ غَيْرِهِ لِيَكُونَ أَحَدُهُمَا جَزَاءً عَنْ الْآخَرِ فَإِنْ تَعَذَّرَ حُمِلَتْ عَلَى الْعَطْفِ، وَمِنْ حُكْمِ الْغَايَةِ اشْتِرَاطُ وُجُودِهَا فَإِنْ أَقْلَعَ عَنْ الْفِعْلِ قَبْلَ الْغَايَةِ حَنِثَ وَفِي السَّبَبِيَّةِ اشْتِرَاطُ وُجُودِ مَا يَصْلُحُ سَبَبًا لَا وُجُودِ الْمُسَبَّبِ وَفِي الْعَطْفِ اشْتِرَاطُ وُجُودِهِمَا. مَطْلَبُ إنْ لَمْ أُخْبِرْ فُلَانًا حَتَّى يَضْرِبَك فَإِذَا قَالَ إنْ لَمْ أُخْبِرْ فُلَانًا بِمَا صَنَعْت حَتَّى يَضْرِبَك فَعَبْدِي حُرٌّ فَشَرْطُ الْبِرِّ الْإِخْبَارُ فَقَطْ، وَإِنْ لَمْ يَضْرِبْهُ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى الْغَايَةِ، وَأَمْكَنَتْ السَّبَبِيَّةُ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ يَصْلُحُ سَبَبًا لِلضَّرْبِ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ لَمْ أُخْبِرْهُ بِصُنْعِك لِيَضْرِبَك كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَهَبَنَّ لَهُ ثَوْبًا حَتَّى يَلْبَسَهُ أَوْ دَابَّةً حَتَّى يَرْكَبَهَا فَوَهَبَهُ بَرَّ وَإِنْ لَمْ يَلْبَسْ وَلَمْ يَرْكَبْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 811 اُخْتُلِفَ فِي إلْحَاقِ الشَّرْطِ بِالْيَمِينِ الْمَعْقُودِ بَعْدَ السُّكُوتِ فَصَحَّحَهُ الثَّانِي وَأَبْطَلَهُ الثَّالِثُ وَبِهِ يُفْتَى فَلَا حِنْثَ فِي إنْ كَانَ كَذَا فَكَذَا وَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ وَلَا كَذَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ كَذَا خَانِيَّةٌ. بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِالْمُبَاشِرِ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ لَا حِنْثَ بِفِعْلِ مَأْمُورِهِ   [رد المحتار] مَطْلَبُ إنْ لَمْ أَضْرِبْك حَتَّى يَدْخُلَ اللَّيْلُ وَإِذَا قَالَ إنْ لَمْ أَضْرِبْك حَتَّى يَدْخُلَ اللَّيْلُ أَوْ حَتَّى يَشْفَعَ لَك فُلَانٌ أَوْ حَتَّى تَصِيحَ فَأَقْلَعَ عَنْ الضَّرْبِ قَبْلَ ذَلِكَ حَنِثَ لِأَنَّ ذَلِكَ يَصْلُحُ غَايَةً لِلضَّرْبِ وَكَذَا إنْ لَمْ أُلَازِمْك حَتَّى تَقْضِيَنِي دَيْنِي. مَطْلَبُ إنْ لَمْ آتِك حَتَّى أَتَغَدَّى وَإِذَا قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ آتِك الْيَوْمَ حَتَّى أَتَغَدَّى عِنْدَك أَوْ حَتَّى أُغَدِّيَك أَوْ حَتَّى أَضْرِبَك، فَشَرْطُ الْبِرِّ وُجُودُهُمَا إذْ لَا تُمْكِنُ الْغَايَةُ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ لَا يَمْتَدُّ وَلَا السَّبَبِيَّةُ لِأَنَّ الْفِعْلَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ وَفِعْلُ الْإِنْسَانِ لَا يَصْلُحُ جَزَاءً لِفِعْلِهِ، فَحُمِلَ عَلَى الْعَطْفِ وَصَارَ التَّقْدِيرُ إنْ لَمْ آتِك وَأَتَغَدَّى عِنْدَك، وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِالْيَوْمِ فَأَتَاهُ فَلَمْ يَتَغَدَّ عِنْدَهُ، ثُمَّ تَغَدَّى عِنْدَهُ فِي يَوْمٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْتِيَهُ بَرَّ لِأَنَّهُ لَمَّا أَطْلَقَ لَا فَرْقَ بَيْنَ وُجُودِ شَرْطَيْ الْبِرِّ مَعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا اهـ مُلَخَّصًا. مَطْلَبُ لَا يَلْتَحِقُ الشَّرْطُ بَعْدَ السُّكُوتِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ اُخْتُلِفَ فِي لِحَاقِ الشَّرْطِ إلَخْ) الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ عَلَيْهِ كَالْمِثَالِ الْآتِي أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ لَا يَلْحَقُ بِالْإِجْمَاعِ كَقَوْلِهِ: إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَسَكَتَ سَكْتَةً ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الدَّارَ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَوْ لَحِقَتْ بِالْيَمِينِ لَا تَطْلُقُ بِدُخُولِ الْأُولَى وَحْدَهَا، وَلَا يَمْلِكُ تَغَيُّرَ الْيَمِينِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ لَا يَصِحُّ فِي قَوْلِهِمْ. اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ لَا يَلْحَقُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ بَعْدَ السُّكُوتِ) مُتَعَلِّقٌ بِلِحَاقِ (قَوْلُهُ فَلَا حِنْثَ فِي إنْ كَانَ كَذَلِكَ إلَخْ) مِثَالُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِجَارِهِ: إنَّ امْرَأَتِي كَانَتْ عِنْدَك الْبَارِحَةَ فَقَالَ الْجَارُ إنْ كَانَتْ امْرَأَتُك عِنْدِي الْبَارِحَةَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ وَلَا غَيْرُهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الْحَالِفِ امْرَأَةٌ أُخْرَى. [بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا] (قَوْلُهُ وَغَيْرِهَا) كَالْمَشْيِ وَاللُّبْسِ وَالْجُلُوسِ ط (قَوْلُهُ الْأَصْلُ فِيهِ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَصْلًا أَظْهَرَ مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ تَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَى الْمُبَاشِرِ، وَيَسْتَغْنِي الْوَكِيلُ فِيهِ عَنْ نِسْبَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ لَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ عَلَى عَدَمِ فِعْلِهِ بِمُبَاشَرَةِ الْمَأْمُورِ لِوُجُودِهِ مِنْ الْمَأْمُورِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، فَلَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ لِذَلِكَ، وَذَلِكَ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِيجَارِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَالصُّلْحِ عَنْ مَالٍ، وَالْمُقَاسَمَةِ وَكَذَا الْفِعْلُ الَّذِي يُسْتَنَابُ فِيهِ وَيُحْتَاجُ لِلْوَكِيلِ إلَى نِسْبَتِهِ لِلْمُوَكِّلِ كَالْمُخَاصَمَةِ فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَقُولُ أَدَّعِي لِمُوَكِّلِي، وَكَذَا الْفِعْلُ الَّذِي يَقْتَصِرُ أَصْلُ الْفَائِدَةِ فِيهِ عَلَى مَحَلِّهِ كَضَرْبِ الْوَلَدِ فَلَا يَحْنَثُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ وَكُلُّ عَقْدٍ لَا تَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَى الْمُبَاشِرِ بَلْ هُوَ سَفِيرٌ وَنَاقِلٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 812 وَكُلُّ مَا تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِالْآمِرِ كَنِكَاحٍ وَصَدَقَةٍ وَمَا لَا حُقُوقَ لَهُ كَإِعَارَةٍ وَإِبْرَاءٍ يَحْنَثُ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ (يَحْنَثُ بِالْمُبَاشَرَةِ) بِنَفْسِهِ (لَا بِالْأَمْرِ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ فِي الْبَيْعِ) وَمِنْهُ الْهِبَةُ بِعِوَضٍ ظَهِيرِيَّةٌ (وَالشِّرَاءُ) وَمِنْهُ السَّلَمُ وَالْإِقَالَةُ قِيلَ وَالتَّعَاطِي   [رد المحتار] عِبَارَةُ يَحْنَثُ فِيهِ بِمُبَاشَرَةِ الْمَأْمُورِ كَمَا يَحْنَثُ بِفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ كَالتَّزَوُّجِ وَالْعِتْقِ بِمَالٍ أَوْ بِدُونِهِ وَالْكِتَابَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالِاسْتِقْرَاضِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْإِيدَاعِ وَالِاسْتِيدَاعِ وَالْإِعَارَةِ وَالِاسْتِعَارَةِ وَكَذَا كُلُّ فِعْلٍ تَرْجِعُ مَصْلَحَتُهُ إلَى الْآمِرِ كَضَرْبِ الْعَبْدِ وَالذَّبْحِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَقَبْضِهِ وَالْكِسْوَةِ وَالْحَمْلِ عَلَى دَابَّتِهِ وَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَبِنَاءِ الدَّارِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِالْمُبَاشِرِ) خَرَجَ عَنْهُ الْمُخَاصَمَةُ وَضَرْبُ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِيهِمَا بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ حُقُوقٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمُبَاشِرِ فَالْمُنَاسِبُ تَعْبِيرُ الْفَتْحِ الْمَارُّ (قَوْلُهُ كَنِكَاحٍ وَصَدَقَةٍ) أَمَّا النِّكَاحُ فَكَوْنُ حُقُوقِهِ تَتَعَلَّقُ بِالْأَمْرِ ظَاهِرٌ، وَلِذَا يَنْسُبُهُ الْمُبَاشِرُ إلَى آمِرِهِ، فَيُطَالِبُ الْآمِرُ بِحُقُوقِهِ مِنْ مَهْرٍ وَنَفَقَةٍ وَقَسْمٍ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَلَمْ يَظْهَرْ لِي فِيهَا ذَلِكَ، وَكَذَا الْهِبَةُ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْحُقُوقِ فِيهِمَا صِحَّةُ الرُّجُوعِ لِلْآمِرِ فِي الْهِبَةِ وَعَدَمُ صِحَّتِهِ فِي الصَّدَقَةِ نَعَمْ سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إضَافَتِهِمَا إلَى الْمُوَكِّلِ، وَكَذَا بَقِيَّةُ الْمَذْكُورَاتِ فِي قَوْلِ الْفَتْحِ الْمَارِّ وَكُلُّ عَقْدٍ لَا تَرْجِعُ إلَى الْمُبَاشِرِ إلَخْ وَنَذْكُرُ قَرِيبًا الْكَلَامَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَمَا لَا حُقُوقَ لَهُ) يَشْمَلُ نَحْوَ الْمُخَاصَمَةِ وَضَرْبَ الْوَلَدِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِيهِمَا بِفِعْلِ وَكِيلِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ يَحْنَثُ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَالْأَوْلَى إبْدَالُ وَكِيلِهِ بِمَأْمُورِهِ لِمَا سَيَأْتِي، وَلِلتَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ فَإِنَّ ذَلِكَ صِفَةُ الرَّسُولِ لِأَنَّهُ يُعَبِّرُ عَنْ الْمُرْسِلِ لَكِنْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ وَكِيلٌ لِمَا فِي الْمُغْرِبِ السَّفِيرُ الرَّسُولُ الْمُصْلِحُ بَيْنَ الْقَوْمِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: الْوَكِيلُ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ مُعَاوَضَةً: كَالنِّكَاحِ، وَالْخُلْعِ، وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ وَلَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ. اهـ. (قَوْلُهُ يَحْنَثُ بِالْمُبَاشَرَةِ) شَمِلَ مَا لَوْ كَانَ الْمُبَاشِرُ أَصِيلًا أَوْ وَكِيلًا إذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ لَا يَشْتَرِي إلَخْ أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَا بِالْأَمْرِ) أَيْ لَا يَحْنَثُ بِأَمْرِهِ لِغَيْرِهِ بِأَنْ يُبَاشِرَ عَنْهُ يَعْنِي وَقَدْ بَاشَرَ الْمَأْمُورُ (قَوْلُهُ مِمَّنْ يُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ) أَيْ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَمِنْهُ الْهِبَةُ بِعِوَضٍ) فَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَوَهَبَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ دَارِهِ فَأَعْطَاهَا صَدَاقًا لِامْرَأَتِهِ إنْ أَعْطَاهَا عِوَضًا عَنْ دَرَاهِمِ الْمَهْرِ حَنِثَ لَا إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا. اهـ. نَهْرٌ فَإِذَا دَخَلَ ذَلِكَ تَحْتَ اسْمِ الْبَيْعِ لَزِمَ مِنْهُ إعْطَاءُ حُكْمِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ مَأْمُورِهِ وَيَكُونُ الْقَابِلُ لَهُ مُشْتَرِيًا فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ لَا أَشْتَرِي حَتَّى يَحْنَثَ أَيْضًا بِالْمُبَاشَرَةِ لَا بِالْأَمْرِ كَمَا أَفَادَهُ ح فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ السَّلَمُ) فَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ مِنْ فُلَانٍ فَأَسْلَمَ إلَيْهِ فِي ثَوْبٍ حَنِثَ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مُؤَجَّلًا بَحْرٌ عَنْ الْوَاقِعَاتِ. قَالَ ح: وَإِذَا كَانَ الْمُسْلِمُ مُشْتَرِيًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بَائِعًا. اهـ. فَلَا يَحْنَثَانِ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ ط (قَوْلُهُ وَالْإِقَالَةُ) أَيْ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي مَا بَاعَهُ، ثُمَّ أَقَالَ الْمُشْتَرِي حَنِثَ كَمَا عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ لِلْقُنْيَةِ وَفِيهِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ كَانَتْ بِخِلَافِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ قَدْرًا أَوْ جِنْسًا حَنِثَ قِيلَ: هَذَا قَوْلُهُمَا أَمَّا عِنْدَهُ فَلَا لِكَوْنِهِ إقَالَةً عَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِعَيْنِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ الْكُلِّ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ بِلَفْظِ مُفَاسَخَةٍ أَوْ مُتَارَكَةٍ أَوْ تَرَادٍّ وَإِلَّا لَمْ تُجْعَلْ بَيْعًا وَلَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَإِلَّا فَبَيْعٌ إجْمَاعًا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا وَهَلْ يُقَالُ لَوْ الْحَلِفُ بِعِتْقِ أَوْ طَلَاقٍ تُجْعَلُ بَيْعًا فِي حَقِّ ثَالِثٍ، وَهُوَ هُنَا الْعَبْدُ أَوْ الْمَرْأَةُ فَيَحْنَثُ بِهَا لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ وَيَنْبَغِي الْحِنْثُ تَأَمَّلَ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إنْ وُجِدَ عُرْفٌ عُمِلَ بِهِ (قَوْلُهُ قِيلَ وَالتَّعَاطِي) يُفِيدُ ضَعْفَهُ وَنَقَلَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ تَأْيِيدَ عَدَمِ الْحِنْثِ فِي الْبَيْعِ بِالتَّعَاطِي وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشِّرَاءَ مِثْلُهُ فَيُفِيدُ تَرْجِيحَ عَدَمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 813 شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ (وَالْإِجَارَةِ وَالِاسْتِئْجَارِ) فَلَوْ حَلَفَ لَا يُؤَجِّرُ وَلَهُ مُسْتَغَلَّاتٌ آجَرَتْهَا امْرَأَتُهُ وَأَعْطَتْهُ الْأُجْرَةَ لَمْ يَحْنَثْ كَتَرْكِهَا فِي أَيْدِي السَّاكِنِينَ وَكَأَخَذِهِ أُجْرَةَ شَهْرٍ قَدْ سَكَنُوا فِيهِ بِخِلَافِ شَهْرٍ لَمْ يَسْكُنُوا فِيهِ ذَخِيرَةٌ (وَالصُّلْحِ عَنْ مَالٍ) وَقَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ (مَعَ الْإِقْرَارِ) لِأَنَّهُ مَعَ الْإِنْكَارِ سَفِيرٌ وَالْقِسْمَةِ (وَالْخُصُومَةِ وَضَرْبِ الْوَلَدِ) أَيْ الْكَبِيرِ لِأَنَّ الصَّغِيرَ يَمْلِكُ ضَرْبَهُ فَيَمْلِكُ التَّفْوِيضَ فَيَحْنَثُ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ كَالْقَاضِي (وَإِنْ كَانَ) الْحَالِفُ (ذَا سُلْطَانٍ) كَقَاضِي وَشَرِيفٍ (لَا يُبَاشِرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ) بِنَفْسِهِ حَنِثَ بِالْمُبَاشَرَةِ (وَبِالْأَمْرِ أَيْضًا) لِتَقَيُّدِ الْيَمِينِ بِالْعُرْفِ وَبِمَقْصُودِ الْحَالِفِ (وَإِنْ كَانَ يُبَاشِرُ مَرَّةً وَيُفَوِّضُ أُخْرَى اُعْتُبِرَ الْأَغْلَبُ) وَقِيلَ تُعْتَبَرُ السِّلْعَةُ، فَلَوْ مِمَّا يَشْتَرِيهَا بِنَفْسِهِ لِشَرَفِهَا لَا يَحْنَثُ بِوَكِيلِهِ وَإِلَّا   [رد المحتار] الْحِنْثِ فِيهِ أَيْضًا لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْعُرْفَ الْآنَ يُخَالِفُهُ (قَوْلُهُ آجَرَتْهَا امْرَأَتُهُ) أَيْ وَلَوْ بِإِذْنِهِ (قَوْلُهُ كَتَرْكِهَا فِي أَيْدِي السَّاكِنِينَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ قَوْلِهِ لَهُمْ اُقْعُدُوا فِيهَا وَإِلَّا حَنِثَ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ مُجَرَّدَ التَّرْكِ لَا يَكُونُ إجَارَةً وَأَمَّا أَخْذُ الْأُجْرَةِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي (قَوْلُهُ قَدْ سَكَنُوا فِيهِ) أَيْ بَعْدَ الْحَلِفِ أَوْ قَبْلَهُ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ الْمُسْتَقْبَلَةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ شَهْرٍ لَمْ يَسْكُنُوا فِيهِ) أَيْ بِخِلَافِ شَهْرٍ مُسْتَقْبَلٍ لَمْ يَسْكُنُوا فِيهِ فَإِذَا تَقَاضَاهُمْ بِأُجْرَتِهِ حَنِثَ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهَذَا لَيْسَ إلَّا الْإِجَارَةَ بِالتَّعَاطِي، فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ إلَخْ) هَذَا التَّقْيِيدُ فِيمَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ إقْرَارٍ بَيْعٌ، أَمَّا عَنْ إنْكَارٍ أَوْ عَنْ سُكُوتٍ فَهُوَ فِي حَقِّهِ إفْدَاءُ يَمِينٍ، فَيَكُونُ الْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِهِ سَفِيرًا مَحْضًا فَيَحْنَثُ بِمُبَاشَرَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ عَلَى عَدَمِ الصُّلْحِ هُوَ الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ مُطْلَقًا أَفَادَهُ ح عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالْقِسْمَةُ) بِأَنْ حَلَفَ لَا يُقَاسِمُ مَعَ شَرِيكِهِ لَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ (قَوْلُهُ وَالْخُصُومَةُ) أَيْ جَوَابُ الدَّعْوَى سَوَاءٌ كَانَ إقْرَارًا أَوْ إنْكَارًا ح عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَقِيلَ: إنَّهُ يَحْنَثُ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ كَفِعْلِهِ وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ (قَوْلُهُ فَيَحْنَثُ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ) عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنَّمَا لَمْ يَجْزِمْ بِهِ لِأَنَّ الْوَلَدَ أَعَمُّ وَلَمْ يُخَصَّصْ بِالْكَبِيرِ فِي الرِّوَايَاتِ وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ فِي الْعُرْفِ يُقَالُ فُلَانٌ ضَرَبَ وَلَدَهُ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ، وَيَقُولُ الْعَامِّيُّ لِوَلَدِهِ غَدًا أَسْقِيك عَلَقَةً ثُمَّ يَذْكُرُ لِمُؤَدِّبِ الْوَلَدِ أَنْ يَضْرِبَهُ تَحْقِيقًا لِقَوْلِهِ فَمُقْتَضَاهُ أَنْ تَنْعَقِدَ عَلَى مَعْنَى لَا يَقَعُ بِهِ ضَرْبٌ مِنْ جِهَتِي، وَيَحْنَثُ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ كَالْقَاضِي) أَيْ إذَا وَكَّلَ بِضَرْبِ مَنْ يَحِلُّ لَهُ ضَرْبُهُ صَحَّ أَمْرُهُ بِهِ فَيَحْنَثُ بِفِعْلِهِ، وَمِثْلُهُ السُّلْطَانُ وَالْمُحْتَسِبُ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى ح (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ لَا بِالْأَمْرِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ الْفِعْلِ لَيْسَ إلَّا الْأَمْرَ بِهِ فَيُوجَدُ سَبَبُ الْحِنْثِ بِوُجُودِ الْأَمْرِ بِهِ لِلْعَادَةِ، وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ رُبَّمَا يُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ عَقْدَ بَعْضِ الْمَبِيعَاتِ، ثُمَّ لَوْ فَعَلَ الْآمِرُ بِنَفْسِهِ يَحْنَثُ أَيْضًا لِانْعِقَادِهِ عَلَى الْأَعَمِّ مِنْ فِعْلِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ مَأْمُورِهِ اهـ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ قَالَ: وَكُلُّ فِعْلٍ لَا يَعْتَادُهُ الْحَالِفُ كَائِنًا مَنْ كَانَ كَحَلِفِهِ لَا يَبْنِي وَلَا يُطَيِّنُ انْعَقَدَ كَذَلِكَ اهـ وَاسْتَثْنَى فِي الْهِدَايَةِ أَيْضًا مَا إذَا نَوَى الْحَالِفُ الْبَيْعَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِبَيْعِ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ نَوَى السُّلْطَانُ وَنَحْوُهُ أَنْ لَا يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ دُيِّنَ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ: أَيْ فَلَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ مَأْمُورِهِ (قَوْلُهُ لِتَقَيُّدِ الْيَمِينِ بِالْعُرْفِ) فَإِنَّ الْعُرْفَ انْعِقَادُ يَمِينِهِ عَلَى الْأَعَمِّ مِنْ فِعْلِهِ بِنَفْسِهِ، أَوْ مَأْمُورِهِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَبِمَقْصُودِ الْحَالِفِ) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِإِغْنَاءِ مَا قَبْلَهُ عَنْهُ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا لَمْ يُخَالِفْ الظَّاهِرَ لَا مُطْلَقًا وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَحْنَثُ إذَا قَصَدَ الْأَعَمَّ أَمَّا لَوْ قَصَدَ فِعْلَ نَفْسِهِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ لَا يَحْنَثُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ) أَيْ الْحَالِفُ، وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ وَلَوْ كَانَ رَجُلًا يُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ إلَخْ وَمُفَادُهُ: أَنَّ الضَّمِيرَ لَيْسَ عَائِدًا لِلسُّلْطَانِ وَهُوَ مُفَادُ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ اُعْتُبِرَ الْأَغْلَبُ) هَذَا هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمُحِيطِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ مِنَحٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 814 حَنِثَ. (وَيَحْنَثُ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ مَأْمُورِهِ) لَمْ يَقُلْ وَكِيلِهِ لِأَنَّ مِنْ هَذَا النَّوْعِ الِاسْتِقْرَاضُ وَالتَّوْكِيلُ بِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ (فِي النِّكَاحِ) لَا الْإِنْكَاحِ (وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ) الْوَاقِعَيْنِ بِكَلَامٍ وُجِدَ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا قَبْلَهُ كَتَعْلِيقٍ بِدُخُولِ دَارٍ زَيْلَعِيٌّ   [رد المحتار] قُلْت: وَكَذَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَمُقَابِلُهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَلِذَا عَبَّرَ عَنْهُ بِقِيلَ (قَوْلُهُ وَيَحْنَثُ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ مَأْمُورِهِ إلَخْ) هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّانِي مُقَابِلُ قَوْلِهِ بِالْمُبَاشَرَةِ لَا بِالْأَمْرِ، ثُمَّ هَذَا النَّوْعُ مِنْهُ مَا هُوَ فِعْلٌ حُكْمِيٌّ شَرْعِيٌّ كَالطَّلَاقِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ كَالضَّرْبِ، فَلَوْ نَوَى أَنْ لَا يَفْعَلَ بِنَفْسِهِ فَفِي الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ يُصَدَّقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً لِأَنَّهَا لَا تُوجَدُ إلَّا بِمُبَاشَرَتِهِ لَهَا حَقِيقَةً، فَإِذَا لَمْ يُبَاشِرْهَا فَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَفِي غَيْرِهَا رِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا دِيَانَةً لِأَنَّهُ كَمَا يُوجَدُ بِمُبَاشَرَتِهِ يُوجَدُ بِأَمْرِهِ، فَإِذَا نَوَى الْمُبَاشَرَةَ فَقَطْ فَقَدْ نَوَى تَخْصِيصَ الْعَامِّ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ كَافِي النَّسَفِيِّ (قَوْلُهُ لَمْ يَقُلْ وَكِيلُهُ) حَاصِلُهُ: أَنَّهُ عَدَلَ عَنْ قَوْلِ الْكَنْزِ وَفِعْلِ وَكِيلِهِ لِأَنَّهُ اعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الِاسْتِقْرَاضَ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِهِ، لَكِنْ أَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ إنَّمَا خَصَّ الْوَكِيلَ لِتُعْلَمَ الرِّسَالَةُ مِنْهُ بِالْأَوْلَى. اهـ. وَقَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا هُوَ مُتَعَارَفٌ مِنْ تَسْمِيَةِ الرَّسُولِ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَكِيلًا كَمَا إذَا قَالَ الْمُسْتَقْرِضُ: وَكَّلْتُك أَنْ تَسْتَقْرِضَ لِي مِنْ فُلَانٍ كَذَا دِرْهَمًا، وَقَالَ الْوَكِيلُ لِلْمُقْرِضِ: إنَّ فُلَانًا يَسْتَقْرِضُ مِنْك كَذَا، وَلَوْ قَالَ أَقْرِضْنِي مَبْلَغَ كَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ، حَتَّى إنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ إلَّا لِلْوَكِيلِ كَمَا فِي وَكَالَةِ الذَّخِيرَةِ اهـ قَالَ ط: وَوَجَّهَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْوَكَالَةِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ بِالْعَقْدِ بَلْ بِالْقَبْضِ، وَالْأَمْرُ بِالْقَبْضِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْغَيْرِ، وَتَصِحُّ الرِّسَالَةُ فِي الِاسْتِقْرَاضِ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ مُعَبِّرٌ وَالْعِبَارَةُ مِلْكُ الْمُرْسِلِ فَقَدْ أَمَرَهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ، وَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِالْإِقْرَاضِ وَبِقَبْضِ الْقَرْضِ كَأَنْ يَقُولَ لِرَجُلٍ أَقْرِضْنِي ثُمَّ يُوَكِّلَ رَجُلًا بِقَبْضِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ اهـ. قُلْت: وَحَاصِلُهُ: أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْقَرْضِ أَوْ بِقَبْضِهِ صَحِيحٌ لَا بِالِاسْتِقْرَاضِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِهِ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ لِيَقَعَ الْمِلْكُ لِلْآمِرِ وَإِلَّا وَقَعَ لِلْمَأْمُورِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ خَاصًّا بِالِاسْتِقْرَاضِ، بَلْ النِّكَاحُ مِثْلُهُ وَكَذَا الِاسْتِعَارَةُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ. مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ (قَوْلُهُ فِي النِّكَاحِ) فَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَعَقَدَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ وَكَّلَ فَعَقَدَ الْوَكِيلُ حَنِثَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْحَالِفُ امْرَأَةً فَلَوْ حَلَفَتْ، وَأُجْبِرَتْ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ، يَنْبَغِي أَنْ لَا تَحْنَثَ كَمَا لَوْ جُنَّ فَزَوَّجَهُ أَبُوهُ كَارِهًا، وَلَوْ صَارَ مَعْتُوهًا فَزَوَّجَهُ أَبُوهُ لَا يَحْنَثُ كَذَا لَوْ كَانَ التَّوْكِيلُ قَبْلَ الْيَمِينِ نَهْرٌ عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ. قُلْت: وَسَيَأْتِي مَتْنًا آخِرَ الْبَابِ الْآتِي مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَزَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ أَوْ زَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ ثُمَّ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ اهـ مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ (قَوْلُهُ لَا الْإِنْكَاحِ) أَيْ التَّزْوِيجِ، فَلَا يَحْنَثُ بِهِ إلَّا بِمُبَاشَرَتِهِ وَهَذَا فِي الْوَلَدِ الْكَبِيرِ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ لِمَا فِي الْمُخْتَارِ وَشَرْحِهِ حَلَفَ لَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ يَحْنَثُ بِالتَّوْكِيلِ وَالْإِجَازَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُضَافٌ إلَيْهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى إرَادَتِهِ لِمِلْكِهِ وَوِلَايَتِهِ وَكَذَا فِي ابْنِهِ وَبِنْتِهِ الصَّغِيرَيْنِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِمَا وَفِي الْكَبِيرَيْنِ، لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِمَا فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْهُمَا فَيَتَعَلَّقُ بِحَقِيقَةِ الْفِعْلِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْبَحْرِ فِي آخِرِ الْبَابِ الْآتِي بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ فَقَوْلُ الْقُهُسْتَانِيِّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَا يَحْنَثُ فِي الْكُلِّ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ (قَوْلُهُ كَتَعْلِيقٍ) يَصْلُحُ مِثَالًا لِلْقَبْلِ وَالْبَعْدِ وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إذَا وَقَعَا بِكَلَامٍ وُجِدَ بَعْدَ الْيَمِينِ، وَأَمَّا إذَا وَقَعَا بِكَلَامٍ وُجِدَ قَبْلَ الْيَمِينِ " يَحْنَثُ حَتَّى لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ فَدَخَلَتْ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا بِأَمْرٍ كَانَ قَبْلَ الْيَمِينِ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ، ثُمَّ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالشَّرْطِ، ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ حَنِثَ وَلَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 815 (وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ) أَوْ إنْكَارٍ كَمَا مَرَّ (وَالْهِبَةِ) وَلَوْ فَاسِدَةً أَوْ بِعِوَضٍ (وَالصَّدَقَةِ وَالْقَرْضِ وَالِاسْتِقْرَاضِ) وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ (وَضَرْبِ الْعَبْدِ) . قِيلَ وَالزَّوْجَةِ (وَالْبِنَاءِ وَالْخِيَاطَةِ) وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ ذَلِكَ خَانِيَّةٌ   [رد المحتار] عَلَيْهَا بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ، فَإِنْ كَانَ الْإِيلَاءُ قَبْلَ الدَّيْنِ لَا يَحْنَثُ وَإِلَّا حَنِثَ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَالْخُلْعِ) هُوَ الطَّلَاقُ وَقَدْ مَرَّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَالْكِتَابَةِ) هُوَ الصَّحِيحُ، وَفِي الْمُجْتَبَى عَنْ النَّظْمِ أَنَّهَا كَالْبَيْعِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ) لِأَنَّهُ كَالنِّكَاحِ فِي كَوْنِهِ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِغَيْرِهِ، وَفِي حُكْمِهِ الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ قُهُسْتَانِيُّ. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ وَاحْتَرَزَ عَنْ الصُّلْحِ عَنْ دَمٍ غَيْرِ عَمْدٍ لِأَنَّهُ صُلْحٌ عَنْ مَالٍ فَلَا يَحْنَثُ فِيهِ بِفِعْلِ الْوَكِيلِ أَمَّا عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَهُوَ فِي الْمَعْنَى عَفْوٌ عَنْ الْقِصَاصِ بِالْمَالِ، وَلَا تُجْزِي النِّيَابَةُ فِي الْعَفْوِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ الْمَالِ حَمَوِيٌّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ (قَوْلُهُ أَوْ إنْكَارٍ) لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْهُ فِدَاءٌ بِالْيَمِينِ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَوَكِيلُهُ سَفِيرٌ مَحْضٌ وَمِثْلُهُ السُّكُوتُ وَأَمَّا الْمُدَّعِي لَا يَحْنَثُ بِالتَّوْكِيلِ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ وَشَمِلَ الْإِنْكَارُ إنْكَارَ الْمَالِ وَإِنْكَارَ الدَّمِ الْعَمْدِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَالْهِبَةِ) فَلَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ مُطْلَقًا أَوْ مُعَيَّنًا أَوْ شَخْصًا بِعَيْنِهِ فَوَكَّلَ مَنْ وَهَبَ حَنِثَ صَحِيحَةً كَانَتْ الْهِبَةُ أَوْ لَا قَبِلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ لَا قَبَضَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ لِأَنَّهُ لَمْ يُلْزِمْ نَفْسَهُ إلَّا بِمَا يَمْلِكُهُ، وَلَا يَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي الْمُحِيطِ: حَلَفَ لَا يَهَبُ عَبْدَهُ هَذَا لِفُلَانٍ ثُمَّ وَهَبَهُ لَهُ عَلَى عِوَضٍ حَنِثَ لِأَنَّهُ هِبَةٌ صِيغَةً وَلَفْظًا. اهـ. نَهْرٌ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إنْ وَهَبَ لِي فُلَانٌ عَبْدَهُ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَوَهَبَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْحَالِفُ حَنِثَ الْحَالِفُ (قَوْلُهُ أَوْ بِعِوَضٍ) يَعْنِي إذَا وَهَبَ بِنَفْسِهِ لَا بِوَكِيلِهِ أَيْضًا لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَسَبَبُ وَهْمِ الشَّارِحِ قَوْلُ الْبَحْرِ فَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ يَمِينِ لَا يَهَبُ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا هِبَةٌ ابْتِدَاءً، فَيَحْنَثُ وَدَاخِلَةٌ تَحْتَ يَمِينِ لَا يَبِيعُ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا بَيْعٌ انْتِهَاءً فَيَحْنَثُ اهـ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَلَامَهُ فِيمَا إذَا فَعَلَ بِنَفْسِهِ وَإِلَّا لَمَا صَحَّ قَوْلُهُ يَحْنَثُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَفَادَهُ ح أَيْ لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ لَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ (قَوْلُهُ وَالصَّدَقَةِ) هِيَ كَالْهِبَةِ فِيمَا مَرَّ قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِي حَلِفِهِ أَنْ لَا يَقْبَلَ صَدَقَةً فَوَكَّلَ بِقَبْضِهَا بَقِيَ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ فَوَهَبَ لِفَقِيرٍ أَوْ لَا يَهَبُ فَتَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ يَنْبَغِي الْحِنْثُ فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي لَا فِي الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ الرُّجُوعُ اسْتِحْسَانًا إذْ قَدْ يَقْصِدُ بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْغَنِيِّ الثَّوَابَ وَيُحْتَمَلُ الْعَكْسُ فِيهِمَا اعْتِبَارًا بِاللَّفْظِ اهـ مُلَخَّصًا وَأَيَّدَ ابْنُ الشِّحْنَةِ الِاحْتِمَالَ الْأَخِيرَ بِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَلَا يَحْنَثُ بِالصَّدَقَةِ فِي يَمِينِ الْهِبَةِ. اهـ. قُلْت: لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ نَصًّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ الْهِبَةُ لِغَنِيٍّ تَأَمَّلْ هَذَا وَنُقِلَ فِي النَّهْرِ كَلَامُ ابْنِ وَهْبَانَ بِاخْتِصَارٍ مُخِلٍّ (قَوْلُهُ وَالِاسْتِقْرَاضِ) أَيْ إنْ أَخْرَجَ الْوَكِيلُ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ) رَاجِعٌ لِلْهِبَةِ وَمَا بَعْدَهَا كَمَا فِي النَّهْرِ ح وَكَذَا الْعَطِيَّةُ وَالْعَارِيَّةَ نَهْرٌ. قُلْت: لَكِنْ صَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِأَنَّ الْقَبُولَ شَرْطُ الْحِنْثِ فِي الْقَرْضِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ الثَّانِي وَفِي أُخْرَى لَا وَالرَّهْنُ بِلَا قَبُولٍ لَيْسَ بِرَهْنٍ، وَلَوْ اسْتَقْرَضَ فَلَمْ يُقْرِضْهُ حَنِثَ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَقِيَاسُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُلْزِمْ نَفْسَهُ إلَّا بِمَا يَمْلِكُ تَرْجِيحُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِي الِاسْتِقْرَاضِ الْخِلَافُ فِي الْقَبُولِ كَالْقَرْضِ. اهـ. قُلْت: يُمْكِنُ دَفْعُ هَذَا الْقِيَاسِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَا فِيهِ بَدَلٌ مَالِيٌّ، وَمَا لَيْسَ فِيهِ وَأَمَّا الِاسْتِقْرَاضُ فَهُوَ طَلَبُ الْقَرْضِ فَيَتَحَقَّقُ بِدُونِ إقْرَاضٍ تَأَمَّلْ. وَسَيَأْتِي تَمَامُ هَذَا الْبَحْثِ فِي آخِرِ الْبَابِ الْآتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: حَلَفَ لَيَهَبَنَّ فُلَانًا فَوَهَبَهُ لَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ بَرَّ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. (قَوْلُهُ وَضَرْبِ الْعَبْدِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ وَهُوَ الِائْتِمَارُ بِأَمْرِهِ رَاجِعٌ إلَيْهِ بِخِلَافِ ضَرْبِ الْوَلَدِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ وَهُوَ التَّأَدُّبُ رَاجِعٌ إلَى الْوَلَدِ نَهْرٌ أَيْ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ أَمَّا الصَّغِيرُ فَكَالْعَبْدِ كَمَا مَرَّ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْعُرْفَ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ قِيلَ وَالزَّوْجَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالزَّوْجَةُ قِيلَ نَظِيرُ الْعَبْدِ وَقِيلَ نَظِيرُ الْوَلَدِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي لِمَا مَرَّ فِي الْوَلَدِ وَرَجَّحَ ابْنُ وَهْبَانَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ النَّفْعَ عَائِدٌ إلَيْهِ بِطَاعَتِهَا لَهُ وَقِيلَ إنْ حَنِثَ فَنَظِيرُ الْعَبْدِ وَإِلَّا فَنَظِيرُ الْوَلَدِ قَالَ بَدِيعُ الدِّينِ وَلَوْ فَصَّلَ هَذَا فِي الْوَلَدِ لَكَانَ حَسَنًا كَذَا فِي الْقُنْيَةِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ ذَلِكَ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ، وَعِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ: حَلَفَ لَيَخِيطَنَّ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ لَيَبْنِيَنَّ هَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 816 (وَالذَّبْحِ وَالْإِيدَاعِ وَالِاسْتِيدَاعِ، وَ) كَذَا (الْإِعَارَةُ وَالِاسْتِعَارَةُ) إنْ أَخْرَجَ الْوَكِيلُ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ تَتَارْخَانِيَّةٌ (وَقَضَاءُ الدَّيْنِ وَقَبْضُهُ، وَالْكِسْوَةُ) وَلَيْسَ، مِنْهَا التَّكْفِينُ إلَّا إذَا أَرَادَ السَّتْرَ دُونَ التَّمْلِيكِ سِرَاجِيَّةٌ (وَالْحَمْلُ)   [رد المحتار] الْحَائِطَ فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِذَلِكَ حَنِثَ الْحَالِفُ سَوَاءٌ كَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ أَوْ لَا. اهـ. قُلْت: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّفَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ يَحْنَثُ أَيْضًا وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَخْتَتِنُ أَوْ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ أَوْ لَا يَقْلَعُ ضِرْسَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَا يَلِيهَا الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ عَادَةً أَوْ لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا إلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ، مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْيَمِينَ فِي ذَلِكَ تَنْعَقِدُ عَلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ لَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مَهْجُورَةٌ عَادَةً، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبَحْرِ عَنْ النَّوَازِلِ: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَكُونِي غَسَلْت هَذِهِ الْقَصْعَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَغَسَلَهَا خَادِمُهَا بِأَمْرِهَا، فَإِنْ كَانَ مِنْ عَادَتِهَا أَنَّهَا تَغْسِلُ بِنَفْسِهَا لَا غَيْرُ وَقَعَ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَغْسِلُ إلَّا بِخَادِمِهَا وَعَرَفَ الزَّوْجُ ذَلِكَ لَا يَقَعُ، وَإِنْ كَانَتْ تَغْسِلُ بِنَفْسِهَا وَبِخَادِمِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقَعُ إلَّا إذَا نَوَى الْأَمْرَ بِالْغَسْلِ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالذَّبْحِ إلَخْ) فَلَوْ حَلَفَ لَا يَذْبَحُ فِي مِلْكِهِ شَاةً أَوْ لَا يُودِعُ شَيْئًا يَحْنَثُ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَعُودُ إلَيْهِ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُعِيرُ، وَلَوْ عَيَّنَ شَخْصًا فَأَرْسَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ شَخْصًا فَاسْتَعَارَ حَنِثَ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ مَحْضٌ فَيَحْتَاجُ إلَى الْإِضَافَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ فَكَانَ كَالْوَكِيلِ بِالِاسْتِقْرَاضِ خَانِيَّةٌ وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ أَنَّ الْحِنْثَ قَوْلُ زُفَرَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي النَّهْرِ. مَطْلَبٌ فِي الْعُقُودِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ إضَافَتِهَا إلَى الْمُوَكِّلِ (قَوْلُهُ إنْ أَخْرَجَ الْوَكِيلُ إلَخْ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَالِاسْتِعَارَةُ كَمَا هُوَ فِي عِبَارَةِ التَّتَارْخَانِيَّة حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا إذَا أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ بِأَنْ قَالَ إنَّ فُلَانًا يَسْتَعِيرُ مِنْك كَذَا فَأَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَعِرْنِي كَذَا يَقَعُ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ لَهُ لَا لِلْآمِرِ فَلَا يَحْنَثُ الْآمِرُ بِذَلِكَ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ فَائِدَةَ التَّقْيِيدِ هِيَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ هُنَا الرِّسَالَةُ لَا الْوَكَالَةُ كَمَا مَرَّ فِي الِاسْتِقْرَاضِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ كَالضَّرْبِ وَالْبِنَاءِ فَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِسْنَادِ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ سَقَطَ مَا قِيلَ إنَّ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ خَاصٍّ بِالِاسْتِعَارَةِ، بَلْ الْوَكِيلُ فِي النِّكَاحِ وَمَا بَعْدَهُ سَفِيرٌ مَحْضٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ إضَافَةِ هَذِهِ الْعُقُودِ الْمَذْكُورَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ لِمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ أَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ إضَافَتِهَا إلَى الْمُوَكِّلِ: النِّكَاحُ، وَالْخُلْعُ، وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ عَمْدٍ وَإِنْكَارٍ، وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ، وَالْكِتَابَةُ، وَالْهِبَةُ، وَالتَّصَدُّقُ وَالْإِعَارَةُ، وَالْإِيدَاعُ، وَالرَّهْنُ، وَالْإِقْرَاضُ، وَالشَّرِكَةُ، وَالْمُضَارَبَةُ اهـ. قُلْت: الْمُرَادُ مِنْ الْإِضَافَةِ فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ التَّصْرِيحُ بِاسْمِ الْآمِرِ، لَكِنَّ بَعْضَهَا يَصِحُّ مَعَ إسْنَادِ الْفِعْلِ إلَى الْوَكِيلِ كَقَوْلِهِ: صَالَحْتُك عَنْ دَعْوَاك عَلَى فُلَانٍ أَوْ عَمَّا لَك عَلَيْهِ مِنْ الدَّمِ، وَزَوَّجْتُك فُلَانَةَ، وَأَعْتَقْت عَبْدَ فُلَانٍ أَوْ كَاتَبْته، وَبَعْضُهَا لَا يَصِحُّ فِيهَا إسْنَادُ الْفِعْلِ إلَى الْوَكِيلِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِ الْكَلَامِ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ كَقَوْلِهِ إنَّ فُلَانًا يَطْلُبُ مِنْك أَنْ تَهَبَهُ كَذَا أَوْ تَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَوْ تُودِعَ عِنْدَهُ، أَوْ تُعِيرَهُ أَوْ تُقْرِضَهُ أَوْ تَرْهَنَ عِنْدَهُ، أَوْ تُشَارِكَهُ أَوْ تُضَارِبَهُ بِمَالِ كَذَا. أَمَّا لَوْ أَسْنَدَهُ إلَى نَفْسِهِ كَقَوْلِهِ هَبْنِي أَوْ تَصَدَّقْ عَلَيَّ إلَخْ فَإِنَّهُ يَقَعُ لِلْوَكِيلِ، وَكَذَا قَوْلُهُ زَوِّجْنِي بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: بِعْت وَاشْتَرَيْت وَأَجَّرْت بِإِسْنَادِ الْفِعْلِ إلَى نَفْسِهِ بِدُونِ ذِكْرِ اسْمِ الْآمِرِ أَصْلًا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْقِيقُ ذَلِكَ فِي مَحَلِّهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ وَقَبْضُهُ) فَلَوْ حَلَفَ لَا يَقْبِضُ الدَّيْنَ مِنْ غَرِيمِهِ الْيَوْمَ يَحْنَثُ بِقَبْضِ وَكِيلِهِ فَلَوْ كَانَ وَكَّلَ قَبْلُ فَقَبَضَ الْوَكِيلُ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يَحْنَثُ، وَقَالَ قَاضِي خَانَ: وَيَنْبَغِي الْحِنْثُ كَمَا فِي النِّكَاحِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَالْكِسْوَةِ) فَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ أَوْ لَا يَكْسُو مُطْلَقًا أَوْ كِسْوَةً بِعَيْنِهَا أَوْ مُعَيَّنًا حَنِثَ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْهَا التَّكْفِينُ) وَكَذَا الْإِعَارَةُ فَلَوْ كَفَّنَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ أَعَارَهُ ثَوْبًا لَا يَحْنَثُ شَرْحُ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ (قَوْلُهُ وَالْحَمْلُ) فَلَوْ حَلَفَ لَا يَحْمِلُ لِزَيْدٍ مَتَاعًا حَنِثَ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْإِجَارَةِ لِمَا مَرَّ قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 817 وَذَكَرَ مِنْهَا فِي الْبَحْرِ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ وَفِي النَّهْرِ عَنْ شَارِحِ الْوَهْبَانِيَّةِ نَظْمِ وَالِدِي مَا لَا حِنْثَ فِيهِ بِفِعْلِ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ الْأَقَلُّ مُشِيرًا إلَى حِنْثِهِ فِيمَا بَقِيَ فَقَالَ: بِفِعْلِ وَكِيلٍ لَيْسَ يَحْنَثُ حَالِفٌ ... بِبَيْعٍ شِرَاءٍ صُلْحِ مَالٍ خُصُومَةٍ إجَارَةُ اسْتِئْجَارِ الضَّرْبِ لِابْنِهِ ... كَذَا قِسْمَةٌ وَالْحِنْثَ فِي غَيْرِهَا اثْبِتْ (وَلَامُ دَخَلَ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ اقْتَضَى الْآتِيَ (عَلَى فِعْلٍ) أَرَادَ بِدُخُولِهَا عَلَيْهِ قُرْبَهَا مِنْهُ ابْنُ كَمَالٍ (تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ) لِلْغَيْرِ (كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَإِجَارَةٍ وَخِيَاطَةٍ وَصِبَاغَةٍ وَبِنَاءٍ اقْتَضَى) أَيْ اللَّامُ (أَمْرَهُ) أَيْ تَوْكِيلَهُ (لِيَخُصَّهُ بِهِ) أَيْ بِالْمَحْلُوفِ   [رد المحتار] أَيْ النَّاظِمُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِخْدَامِ فَإِنَّ الْمَنْفَعَةَ دَائِرَةٌ عَلَيْهِ وَالْمَدَارُ عَلَيْهَا شَرْحُ الْوَهْبَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ مِنْهَا فِي الْبَحْرِ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ) صَوَابُهُ فِي النَّهْرِ فَإِنَّهُ قَالَ تَكْمِيلٌ مِنْ هَذَا النَّوْعِ الْهَدْمُ وَالْقَطْعُ وَالْقَتْلُ وَالشَّرِكَةُ كَمَا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَضَرْبُ الزَّوْجَاتِ وَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ فِي رَأْيِ قَاضِي خَانَ، وَتَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ وَالْإِذْنُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالنَّفَقَةُ كَمَا فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ، وَالْوَقْفُ وَالْأُضْحِيَّةُ وَالْحَبْسُ وَالتَّعْزِيرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَاضِي وَالسُّلْطَانِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ الْحَجَّ كَذَلِكَ كَذَا فِي شَرْحِ ابْنِ الشِّحْنَةِ وَمِنْهُ الْوَصِيَّةُ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْهُ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ فَلَا يُحِيلُ فُلَانًا فَوَكَّلَ مَنْ يُحِيلُهُ أَوْ لَا يَقْبَلُ حَوَالَتَهُ أَوْ لَا يَكْفُلُ عَنْهُ فَوَكَّلَ بِقَبُولِ ذَلِكَ وَالْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ وَعَدَّ مِنْهُ فِي الْبَحْرِ التَّوْلِيَةَ فَلَوْ حَلَفَ لَا يُوَلِّي شَخْصًا فَفَوَّضَ إلَى مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ حَنِثَ وَهِيَ حَادِثَةٌ الْفَتْوَى. اهـ. قُلْت: وَبِهَذَا تَمَّتْ الْمَسَائِلُ أَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَنْحَصِرُ لِأَنَّ مِنْهَا الْأَفْعَالَ الْحِسِّيَّةَ وَهِيَ لَا تَخْتَصُّ بِمَا مَرَّ بَلْ مِنْهَا الطَّبْخُ وَالْكَنْسُ وَحَلْقُ الرَّأْسِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَإِذَا عَدَّ مِنْهَا الِاسْتِخْدَامَ دَخَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الصُّوَرُ وَكَثِيرٌ مِنْ الصُّوَرِ الْمَارَّةِ أَيْضًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مُشِيرًا إلَى حِنْثِهِ فِيمَا بَقِيَ) الْإِشَارَةُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِعَدَدِ مَا بَقِيَ وَإِلَّا فَالْحِنْثُ صَرِيحٌ فِي كَلَامِهِ. وَقَدْ يُقَالُ سَمَّاهُ إشَارَةً لِأَنَّهُ سَاقَ الْكَلَامَ لِمَا لَا يَحْنَثُ بِهِ فَيَكُونُ عِبَارَةً وَغَيْرُهُ إشَارَةً كَمَا فِي عِبَارَةِ النَّصِّ وَإِشَارَةِ النَّصِّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَالْحِنْثَ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ لِقَوْلِهِ اثْبِتْ بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ لِلضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ أَرَادَ بِدُخُولِهَا عَلَيْهِ قُرْبَهَا مِنْهُ) أَيْ بِأَنْ تَقَعَ مُتَوَسِّطَةً بَيْنَ الْفِعْلِ وَمَفْعُولِهِ كَإِنْ بِعْت لَك ثَوْبًا احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ تَأَخَّرَتْ عَنْ الْمَفْعُولِ كَإِنْ بِعْت ثَوْبًا لَك فَالْمُتَوَسِّطَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْفِعْلِ لِقُرْبِهَا مِنْهُ لَا عَلَى أَنَّهَا صِلَةٌ لَهُ لِأَنَّهُ يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ بِنَفْسِهِ مِثْلُ بِعْت زَيْدًا ثَوْبًا وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ اللَّامُ صِلَةً لَهُ كَانَ مَدْخُولُهَا مَفْعُولًا فِي الْمَعْنَى فَيَكُونُ شَارِيًا، وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَيْهِ بَلْ الشَّارِي غَيْرُهُ وَالْبَيْعُ وَقَعَ لِأَجْلِهِ فَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ عَلَى أَنَّهَا عِلَّةٌ لَهُ مِثْلُ: قُمْت لِزَيْدٍ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَامٌ تَعَلَّقَ بِفِعْلٍ كَمَا عَبَّرَ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَغَيْرُهُ لَكَانَ أَوْلَى، لَكِنَّهُ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ تَبَعًا لِلْكَنْزِ وَغَيْرِهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ تَعَلُّقُهَا بِهِ عَلَى أَنَّهَا صِلَةٌ لَهُ وَلِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْوَاقِعَةَ بَعْدَ الْمَفْعُولِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ أَيْضًا، مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأُولَى لِلتَّعْلِيلِ وَالثَّانِيَةَ لِلْمِلْكِ لِكَوْنِهَا صِفَةً لَهُ أَيْ إنْ بِعْت ثَوْبًا مَمْلُوكًا لَك، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ) الْجُمْلَةُ صِفَةُ فِعْلٍ وَقَوْلُهُ لِلْغَيْرِ اللَّامُ فِيهِ بِمَعْنَى عَنْ أَيْ عَنْ الْغَيْرِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف: 11]- وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ فِعْلٍ لَا تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ دُخُولِ الْبَاءِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ عَلَى الْعَيْنِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَصِيَاغَةٍ) بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ أَوْ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (قَوْلُهُ أَمْرَهُ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ اقْتَضَى وَهُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ، وَهُوَ الضَّمِيرُ الْعَائِدُ إلَى الْغَيْرِ وَهُوَ الْمُخَاطَبُ بِالْكَافِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ الْحَالِفُ، وَقَوْلُهُ لِيَخُصَّهُ بِهِ: أَيْ لِيَخُصَّ الْحَالِفَ الْغَيْرَ أَيْ الْمُخَاطَبَ بِهِ أَيْ بِالْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَفِي الْمِنَحِ أَيْ لِتُفِيدَ اللَّامُ اخْتِصَاصَ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِهِ أَيْ بِذَلِكَ الْغَيْرِ اهـ فَأُرْجِعَ الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ لِلَّامِ وَالْبَارِزُ لِلْفِعْلِ وَالْمَجْرُورُ لِلْغَيْرِ، وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ هُوَ الْمُخَاطَبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 818 عَلَيْهِ إذْ اللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِأَمْرِهِ الْمُفِيدِ لِلتَّوْكِيلِ (فَلَمْ يَحْنَثْ فِي إنْ بِعْت لَك ثَوْبًا إنْ بَاعَهُ بِلَا أَمْرٍ) لِانْتِفَاءِ التَّوْكِيلِ سَوَاءٌ (مَلَكَهُ) أَيْ الْمُخَاطَبُ ذَلِكَ الثَّوْبَ (أَوْ لَا) بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ ثَوْبًا لَك فَإِنَّهُ يَقْتَضِي كَوْنَهُ مِلْكًا لَهُ كَمَا سَيَجِيءُ. (فَإِنْ دَخَلَ) اللَّامُ (عَلَى عَيْنٍ) أَيْ ذَاتٍ (أَوْ) عَلَى (فِعْلٍ لَا يَقَعُ) ذَلِكَ الْفِعْلُ (عَنْ غَيْرِهِ) أَيْ لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ (كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَدُخُولٍ وَضَرْبِ الْوَلَدِ) بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ (اقْتَضَى) دُخُولُ اللَّامِ (مِلْكَهُ) أَيْ مِلْكَ الْمُخَاطَبِ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَمَالُ الِاخْتِصَاصِ (فَحَنِثَ فِي إنْ بِعْت   [رد المحتار] وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ لِاخْتِصَاصِ الْفِعْلِ بِالشَّخْصِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ إذْ اللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ) وَجْهُ إفَادَتِهَا الِاخْتِصَاصَ هُوَ أَنَّهَا تُضِيفُ مُتَعَلِّقَهَا وَهُوَ الْفِعْلُ لِمَدْخُولِهَا وَهُوَ كَافُ الْمُخَاطَبِ فَتُفِيدُ أَنَّ الْمُخَاطَبَ مُخْتَصٌّ بِالْفِعْلِ، وَكَوْنُهُ مُخْتَصًّا بِهِ يُفِيدُ أَنْ لَا يُسْتَفَادَ إطْلَاقُ فِعْلِهِ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِأَمْرِهِ، وَإِذَا بَاعَ بِأَمْرِهِ كَانَ بَيْعُهُ إيَّاهُ مِنْ أَجْلِهِ: وَهِيَ لَامُ التَّعْلِيلِ، فَصَارَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِنْ أَجْلِهِ فَإِذَا دَسَّ الْمُخَاطَبُ ثَوْبَهُ بِلَا عِلْمِهِ فَبَاعَهُ لَمْ يَكُنْ بَاعَهُ مِنْ أَجْلِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِالْعِلْمِ بِأَمْرِهِ بِهِ، وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ لَا يَكُونَ إلَّا فِي الْأَفْعَالِ الَّتِي تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِأَمْرِهِ) قَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ بِأَنْ يَفْعَلَهُ لِنَفْسِهِ لِقَوْلِ الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ ثَوْبًا لَا يَحْنَثُ. وَفِي النَّهْرِ أَنَّ مُقْتَضَى التَّوْجِيهِ يَعْنِي بِكَوْنِهَا لِلِاخْتِصَاصِ حِنْثُهُ إذَا كَانَ الشِّرَاءُ لِأَجْلِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ أَمْرَهُ بِبَيْعِ مَالِ غَيْرِهِ مُوجِبٌ لِحِنْثِهِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِكَوْنِهِ لَهُ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْأَمْرَ غَيْرُ شَرْطٍ بَلْ يَكْفِي فِي حِنْثِهِ قَصْدُهُ الْبَيْعَ لِأَجْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ لَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ حِفْظُهُ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ هُنَا يُخَالِفُهُ مَعَ أَنَّهُ هُوَ الْحُكْمُ اهـ. قُلْت: يُؤَيِّدُهُ مَا فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَوْ قَالَ لِزَيْدٍ إنْ بِعْت لَك ثَوْبًا فَعَبْدِي حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَدَفَعَ زَيْدٌ ثَوْبًا لِرَجُلٍ لِيَدْفَعَهُ لِلْحَالِفِ لِيَبِيعَهُ فَدَفَعَهُ وَقَالَ بِعْهُ لِي وَلَمْ يَعْلَمْ الْحَالِفُ أَنَّهُ ثَوْبُ زَيْدٍ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ اللَّامَ فِي بِعْت لِزَيْدٍ لِاخْتِصَاصِ الْفِعْلِ بِزَيْدٍ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِأَمْرِهِ الْحَالِفَ أَوْ بِعِلْمِ الْحَالِفِ أَنَّهُ بَاعَهُ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ الثَّوْبُ لِزَيْدٍ أَوْ لِغَيْرِهِ اهـ وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَحْنَثْ فِي إنْ بِعْت لَك ثَوْبًا) التَّصْرِيحُ بِالْمَفْعُولِ بِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِقَوْلِ الْمُحِيطِ حَلَفَ لَا يَبِيعُ لِفُلَانٍ فَبَاعَ مَالَهُ أَوْ مَالَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ حَنِثَ بَحْرٌ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ تَمَايُزَ الْأَقْسَامِ أَعْنِي تَارَةً تَدْخُلُ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ عَلَى الْعَيْنِ إنَّمَا يَظْهَرُ بِالتَّصْرِيحِ بِالْمَفْعُولِ بِهِ فَلِذَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ نَهْرٌ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ تَصْرِيحَ الْمُصَنِّفِ بِهِ لَا لِكَوْنِهِ شَرْطًا بَلْ لِيُظْهِرَ الْفَرْقَ بَيْنَ دُخُولِ اللَّامِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْفِعْلِ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ مَلَكَهُ إلَخْ) تَعْمِيمٌ لِقَوْلِهِ إنْ بَاعَهُ بِلَا أَمْرٍ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الشَّرْطَ أَمْرُهُ بِالْبَيْعِ لَا كَوْنُ الثَّوْبِ مِلْكَ الْآمِرِ (قَوْلُهُ أَيْ الْمُخَاطَبُ) تَفْسِيرُ لِلضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي مَلَكَهُ وَقَوْلُهُ ذَلِكَ الثَّوْبَ تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ الْبَارِزِ (قَوْلُهُ فَإِنْ دَخَلَ اللَّامُ إلَخْ) حَاصِلُهُ: أَنَّ الْفِعْلَ إمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ النِّيَابَةَ عَنْ الْغَيْرِ أَوْ لَا، وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا أَنْ تَدْخُلَ اللَّامُ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ عَلَى مَفْعُولِهِ وَهُوَ الْعَيْنُ، فَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ اقْتَضَتْ مِلْكَ الْفِعْلِ لِلْمُخَاطَبِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ بِأَمْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْنُ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ لَا وَهَذَا مَا مَرَّ وَفِي الْبَاقِي وَهُوَ دُخُولُهَا عَلَى فِعْلٍ لَا يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ أَوْ عَلَى الْعَيْنِ مُطْلَقًا اقْتَضَتْ مِلْكَ الْعَيْنِ لِلْمُخَاطَبِ سَوَاءٌ كَانَ الْفِعْلُ بِأَمْرِهِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْعَيْنُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَمَالُ الِاخْتِصَاصِ) أَيْ أَنَّ اللَّامَ لِلِاخْتِصَاصِ كَمَا مَرَّ، وَحَيْثُ دَخَلَتْ اللَّامُ عَلَى الْعَيْنِ أَوْ عَلَى فِعْلٍ لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ اقْتَضَتْ اخْتِصَاصَ الْعَيْنِ بِالْمُخَاطَبِ وَكَمَالُ الِاخْتِصَاصِ بِالْمِلْكِ فَحُمِلَتْ عَلَيْهِ، لَكِنْ يُرَادُ مَا يَشْمَلُ الْمِلْكَ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَمْلِكُ حَقِيقَةً كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ الشَّارِحُ، وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِ دَارٍ يَخْتَصُّ بِهَا الْمُخَاطَبُ أَيْ تُنْسَبُ إلَيْهِ وَأَكْلِ طَعَامٍ يَمْلِكُهُ اهـ. وَقَوْلُهُ: أَيْ تُنْسَبُ إلَيْهِ ظَاهِرُهُ نِسْبَةُ السُّكْنَى كَمَا مَرَّ فِي لَا أَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ فَيَشْمَلُ الْأُجْرَةَ وَالْعَارِيَّةَ، فَالْمُرَادُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 819 ثَوْبًا لَك إنْ بَاعَ ثَوْبَهُ بِلَا أَمْرِهِ) هَذَا نَظِيرُ الدُّخُولِ عَلَى الْعَيْنِ وَهُوَ الثَّوْبُ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ إنْ بِعْت ثَوْبًا هُوَ مَمْلُوكُك وَأَمَّا نَظِيرُ دُخُولِهِ عَلَى فِعْلٍ لَا يَقَعُ عَنْ غَيْرِهِ فَذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَكَذَا) أَيْ مِثْلُ مَا مَرَّ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مِلْكَ الْمُخَاطَبِ قَوْلُهُ (إنْ أَكَلْت لَك طَعَامًا) أَوْ شَرِبْت لَك شَرَابًا (اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ) وَالشَّرَابُ (مِلْكَ الْمُخَاطَبِ) كَمَا فِي إنْ أَكَلْت طَعَامًا لَك لِأَنَّ اللَّامَ هُنَا أَقْرَبُ إلَى الِاسْمِ مِنْ الْفِعْلِ وَالْقُرْبُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ، وَأَمَّا ضَرْبُ الْوَلَدِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ بَلْ يُرَادُ الِاخْتِصَاصُ بِهِ (وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ) أَيْ مَا مَرَّ (صُدِّقَ فِيمَا) فِيهِ تَشْدِيدٌ (عَلَيْهِ) قَضَاءً وَدِيَانَةً وَدِينَ فِيمَا لَهُ، ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الدِّيَانَةِ وَالْقَضَاءِ لَا يَتَأَتَّى فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا مُطَالِبَ لَهَا كَمَا مَرَّ (قَالَ إنْ بِعْته أَوْ ابْتَعْته فَهُوَ حُرٌّ فَعَقَدَ) عَلَيْهِ بَيْعًا (بِالْخِيَارِ لِنَفْسِهِ) حَنِثَ (لِوُجُودِ الشَّرْطِ)   [رد المحتار] مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ثَوْبًا لَك) أَيْ مَوْصُوفًا بِكَوْنِهِ لَك (قَوْلُهُ إنْ بَاعَ ثَوْبَهُ بِلَا أَمْرِهِ) لِأَنَّ اللَّامَ لَمْ تَدْخُلْ عَلَى الْفِعْلِ حَتَّى يُعْتَبَرَ اخْتِصَاصُ الْفِعْلِ فِي الْمُخَاطَبِ بِأَنْ يَكُونَ بِأَمْرِهِ وَإِنْ صَحَّ تَعَلُّقُهَا بِهِ وَلِذَا لَوْ نَوَاهُ يَصِحُّ كَمَا يَأْتِي، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ أَقْرَبَ إلَى الِاسْمِ وَهُوَ الثَّوْبُ مِنْ الْفِعْلِ اقْتَضَتْ إضَافَةَ الِاسْمِ إلَى مَدْخُولِهَا وَهُوَ كَافِ الْمُخَاطَبِ لِأَنَّ الْقُرْبَ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَلِذَا إذَا تَوَسَّطَتْ تَعَلَّقَتْ بِالْفِعْلِ لِقُرْبِهِ كَمَا مَرَّ مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ جَعْلُهَا حَالًا مِنْ الِاسْمِ الْمُتَأَخِّرِ (قَوْلُهُ هَذَا نَظِيرٌ) أَيْ مِثَالٌ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ إنْ أَكَلْت لَك طَعَامًا) بِتَقْدِيمِ اللَّامِ عَلَى الِاسْمِ وَلَا يَصِحُّ تَعَلُّقُهَا هُنَا بِالْفِعْلِ وَإِنْ كَانَتْ أَقْرَبَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ فَلَا يَصِحُّ جَعْلُهَا لِمِلْكِ الْفِعْلِ لِلْمُخَاطَبِ فَصَارَتْ دَاخِلَةً عَلَى الِاسْمِ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَلَزِمَ كَوْنُ الِاسْمِ مَمْلُوكًا لِلْمُخَاطَبِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ اللَّامَ هُنَا إلَخْ) الصَّوَابُ ذِكْرُ هَذَا التَّعْلِيلِ قَبْلَ قَوْلِهِ: وَأَمَّا نَظِيرُ دُخُولِهِ عَلَى فِعْلٍ لَا يَقَعُ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ إذْ لَا فَرْقَ هُنَا بَيْنَ قُرْبِ اللَّامِ مِنْ الِاسْمِ أَوْ مِنْ الْفِعْلِ كَمَا عَلِمْت بَلْ الْعِلَّةُ هُنَا كَوْنُ الْفِعْلِ لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ (قَوْلُهُ وَأَمَّا ضَرْبُ الْوَلَدِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِمِلْكِ الْعَيْنِ مَا يَشْمَلُ الْحُكْمِيَّ. (قَوْلُهُ فِيمَا فِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَيْهِ) بِأَنْ بَاعَ ثَوْبًا مَمْلُوكًا لِلْمُخَاطَبِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَنَوَى بِالِاخْتِصَاصِ الْمِلْكَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَلَوْلَا نِيَّتُهُ لَمَا حَنِثَ، أَوْ بَاعَ ثَوْبًا لِغَيْرِ الْمُخَاطَبِ بِأَمْرِ الْمُخَاطَبِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَنَوَى الِاخْتِصَاصَ بِالْأَمْرِ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَلَوْلَا نِيَّتُهُ لَمَا حَنِثَ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأَمُّلِ وَلَيْسَ فِيهِ تَخْفِيفٌ فَيُصَدِّقُهُ الْقَاضِي بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَدُيِّنَ فِيمَا لَهُ) كَمَا إذَا بَاعَ بِالْأَمْرِ ثَوْبًا لِغَيْرِ الْمُخَاطَبِ وَنَوَى بِالِاخْتِصَاصِ الْمِلْكَ فِي الْأُولَى أَوْ بَاعَ بِلَا أَمْرٍ ثَوْبًا لِلْمُخَاطَبِ وَنَوَى الِاخْتِصَاصَ بِالْأَمْرِ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ اللَّامَ إذَا قُدِّمَتْ عَلَى الِاسْمِ فَالظَّاهِرُ اخْتِصَاصُ الْأَمْرِ، وَإِذَا أُخِّرَتْ فَالظَّاهِرُ اخْتِصَاصُ الْمِلْكِ فَإِذَا عَكَسَ فَقَدْ نَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي بَلْ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ. مَطْلَبُ قَالَ إنْ بِعْته أَوْ ابْتَعْته فَهُوَ حُرٌّ فَعَقَدَ بِالْخِيَارِ لِنَفْسِهِ عَتَقَ (قَوْلُهُ أَوْ ابْتَعْته) أَيْ اشْتَرَيْته (قَوْلُهُ فَعَقَدَ) أَيْ الْحَالِفُ مِنْ بَائِعٍ أَوْ مُشْتَرٍ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْعَبْدِ، وَقَوْلُهُ بَيْعًا يَشْمَلُ الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّ الْعَقْدَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي يُسَمَّى عَقْدَ بَيْعٍ (قَوْلُهُ بِالْخِيَارِ لِنَفْسِهِ) أَيْ نَفْسِ الْحَالِفِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ حَنِثَ) نَقَلَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ حِيَلِ الْخَصَّافِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ، حَتَّى لَوْ نَقَضَ الشِّرَاءَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثَانِيًا بَاتًّا لَا يَعْتِقُ. اهـ. قُلْت: لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا فِي الْمُتُونِ (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ) أَيْ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ لَا يُخْرِجُ الْمَبِيعَ عَنْ مِلْكِهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَخِيَارُ الْمُشْتَرِي يُدْخِلُ الْمَبِيعَ فِي مِلْكِهِ عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَالْمَبِيعُ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَكِنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ الشَّرْطِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَنْتَ حُرٌّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 820 وَلَوْ بِالْخِيَارِ لِغَيْرِهِ لَا وَإِنْ أُجِيزَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ مَلَكْته فَهُوَ حُرٌّ لِعَدَمِ مِلْكِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ. (وَ) قَيَّدَ بِالْخِيَارِ لِأَنَّهُ (لَوْ قَالَ إنْ بِعْته فَهُوَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بَيْعًا صَحِيحًا بِلَا خِيَارٍ لَا يَعْتِقُ) لِزَوَالِ مِلْكِهِ وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ زَيْلَعِيٌّ (وَيَحْنَثُ) الْحَالِفُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (بِ) الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ (الْفَاسِدِ وَالْمَوْقُوفِ   [رد المحتار] وَلَوْ نَجَّزَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ لِنَفْسِهِ الْعِتْقَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ سَابِقًا عَلَيْهِ فَكَذَا إذَا عَلَّقَ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. قَالَ ح: وَمِثْلُ عَقْدِ الْبَائِعِ بِالْخِيَارِ لِنَفْسِهِ عَقْدُهُ بِالْخِيَارِ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ لِنَفْسِهِ وَلِلْمُشْتَرِي، وَمِثْلُ عَقْدِ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ لِنَفْسِهِ عَقْدُهُ بِالْخِيَارِ لِأَجْنَبِيٍّ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِالْخِيَارِ لِغَيْرِهِ لَا) يَعْنِي لَوْ بَاعَهُ الْحَالِفُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي أَوْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ لَا يَحْنَثُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ بَاتٌّ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يَعْتِقُ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ بَائِعِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ هُنَا بِالْغَيْرِ مَا يَشْمَلُ الْأَجْنَبِيَّ لِأَنَّ الْحَالِفَ يَحْنَثُ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ وَإِنْ أُجِيزَ بَعْدَ ذَلِكَ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَلَوْ بِالْخِيَارِ لِغَيْرِهِ لَا يَعْنِي هَذَا إذَا رَدَّ الْعَقْدَ مِمَّنْ لَهُ الْخِيَارُ وَكَذَا إنْ أُجِيزَ فِي الصُّورَتَيْنِ أَمَّا فِي الْأُولَى أَعْنِي مَا إذَا بَاعَهُ الْحَالِفُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي فَظَاهِرٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ ثُمَّ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ وَهِيَ عَكْسُ الْأُولَى فَلِأَنَّهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِالْعَقْدِ أَفَادَهُ ط فَافْهَمْ. قُلْت: وَهَذَا يَصْلُحُ حِيلَةً لِلْحَالِفِ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَهُ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِالْخِيَارِ لِغَيْرِهِ فَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَسَوَاءٌ أَجَازَ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُجِزْ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ إذَا أَجَازَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ يَعْتِقُ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ بِدَلِيلِ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَادِثَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ تَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَالَ إلَخْ) تَشْبِيهٌ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ، وَبَيَانٌ لِفَائِدَةِ التَّقْيِيدِ بِتَعْلِيقِ الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِالْمِلْكِ بِأَنْ قَالَ إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ حَيْثُ لَا يَعْتِقُ بِهِ عِنْدَهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ وَهُوَ الْمِلْكُ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لِلْمُشْتَرِي يَمْنَعُ دُخُولُ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِهِ عَلَى قَوْلِهِ. وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ دُخُولَ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِهِ. اهـ. قُلْت: وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُجِزْ الْعَقْدَ بَعْدُ، فَلَوْ أَجَازَهُ وَأَبْطَلَ الْخِيَارَ أَوْ مَضَتْ مُدَّتُهُ تَحَقَّقَ الشَّرْطُ وَهُوَ الْمِلْكُ كَمَا لَا يَخْفَى فَيَعْتِقُ عِنْدَ الْكُلِّ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ بِعْته) اقْتَصَرَ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي إذَا حَنِثَ بِشِرَائِهِ بِالْخِيَارِ فَحِنْثُهُ بِشِرَائِهِ الْبَاتِّ بِالْأَوْلَى أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَتَنْحَلُّ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَيَنْبَغِي أَنْ تَنْحَلَّ (قَوْلُهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) هُمَا إنْ بِعْته أَوْ ابْتَعْته ح (قَوْلُهُ بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ) كَذَا فِي أَغْلِبْ النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْنَاهَا بِالْعَطْفِ بِأَوْ وَفِي بَعْضِهَا بِالْوَاوِ وَلَا يُنَاسِبُهُ إفْرَادُ الْفَاسِدِ وَلِأَنَّهُ بَيَانٌ لِمَا يَحْنَثُ بِهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ أَحَدُهُمَا لَا مَجْمُوعُهُمَا (قَوْلُهُ الْفَاسِدِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ مُجْمَلٌ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ. أَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا قَالَ إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَوْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي غَائِبًا عَنْهُ بِأَمَانَةٍ أَوْ رَهْنٍ يَعْتِقُ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ وَهِيَ مَا إذَا قَالَ إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ بَعْدُ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَكَانَ حَاضِرًا عِنْدَهُ وَقْتَ الْعَقْدِ يَعْتِقُ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لَهُ عَقِبَ الْعَقْدِ فَمَلَكَهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فِي بَيْتِهِ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ كَالْمَغْصُوبِ يَعْتِقُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَإِنْ كَانَ أَمَانَةً أَوْ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ كَالرَّهْنِ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ قَابِضًا عَقِبَ الْعَقْدِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَوْقُوفِ) أَيْ وَيَحْنَثُ بِالْمَوْقُوفِ فِي حَلِفِهِ لَا يَبِيعُ بِأَنْ يَبِيعَهُ لِغَائِبٍ قَبِلَ عَنْهُ فُضُولِيٌّ أَوْ لَا يَشْتَرِي بِأَنْ اشْتَرَاهُ بِبَيْعِ فُضُولِيٍّ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عِنْدَ إجَازَةِ الْبَائِعِ. وَفِي التَّبْيِينِ مَا يُخَالِفُهُ بَحْرٌ وَنَهْرٌ أَيْ حَيْثُ قَالَ: وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا مِنْ فُضُولِيٍّ حَنِثَ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 821 لَا الْبَاطِلِ) لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَإِنْ قَبَضَهُ، وَلَوْ اشْتَرَى مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِإِجَازَةِ قَاضٍ أَوْ مُكَاتَبٍ. [فَرْعٌ] قَالَ لِأَمَتِهِ: إنْ بِعْت مِنْك شَيْئًا فَأَنْتِ حَرَّةٌ فَبَاعَ نِصْفَهَا مِنْ زَوْجٍ وَلَدَتْ مِنْهُ أَوْ مِنْ أَبِيهَا لَمْ يَقَعْ عِتْقُ الْمَوْلَى، وَلَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَقَعَ وَالْفَرْقُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ (وَ) إنَّمَا قَيَّدَ بِالْبَيْعِ لِأَنَّهُ (فِي حَلِفِهِ لَا يَتَزَوَّجُ) امْرَأَةً أَوْ (هَذِهِ الْمَرْأَةَ فَهُوَ عَلَى الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ) فِي الصَّحِيحِ (وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي أَوْ لَا يَصُومُ) أَوْ لَا يَحُجُّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الثَّوَابُ وَمِنْ النِّكَاحِ الْحِلُّ وَلَا يَثْبُتُ بِالْفَاسِدِ فَلَا تَنْحَلُّ بِهِ الْيَمِينُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْمِلْكُ وَأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالْفَاسِدِ وَالْهِبَةُ وَالْإِجَارَةُ كَبَيْعٍ (وَلَوْ كَانَ) ذَلِكَ كُلُّهُ (فِي الْمَاضِي)   [رد المحتار] وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا عِنْدَ الْإِجَازَةِ كَالنِّكَاحِ. اهـ. وَمُفَادُهُ أَنَّ مَا فِي الْبَحْرِ رِوَايَةٌ وَأَنَّ الْمَذْهَبَ حِنْثُهُ بِالشِّرَاءِ أَيْ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا عِنْدَهَا مُسْتَنِدًا كَمَا زَعَمَهُ الْمُحَشِّي بِدَلِيلِ مَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ وَيَحْنَثُ بِالشِّرَاءِ مِنْ فُضُولِيٍّ أَوْ بِالْخَمْرِ أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ إذْ الذَّاتُ لَا تَخْتَلُّ لِخَلَلٍ فِي الصُّفَّةِ اهـ قَالَ شَارِحُهُ الْفَارِسِيُّ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ وُجِدَ وَهُوَ ذَاتُ الْبَيْعِ بِوُجُودِ رُكْنِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، وَإِنْ لَمْ يُفِدْ الْمِلْكَ فِي الْحَالِ لِمَانِعٍ وَهُوَ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ فِي الْأَوَّلِ وَاتِّصَالُ الْمُفْسِدِ بِهِ فِي الثَّانِي وَالْخِيَارُ فِي الثَّالِثِ وَإِفَادَةُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ صِفَةَ الْبَيْعِ لَا ذَاتَه فَإِنَّ الْعَرَبَ وَضَعَتْ لَفْظَ الْبَيْعِ لِمُبَادَلَةِ مَالٍ بِمَالٍ مَعَ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الْأَحْكَامَ وَلَا الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ، وَمَتَى وُجِدَتْ الذَّاتُ لَا تَخْتَلُّ لِخَلَلٍ وُجِدَ فِي الصِّفَاتِ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَا الْبَاطِلِ) أَيْ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِمَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ فَلَا يَحْنَثْ لِعَدَمِ رُكْنِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمَبِيعَ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ لِأَنَّهُمَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّ بَعْضِ النَّاسِ إلَّا أَنَّ الْبَيْعَ بِهِمَا فَاسِدٌ لِاشْتِرَاطِهِ فِي الْبَيْعِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَشَرْحِهِ (قَوْلُهُ إلَّا بِإِجَازَةِ قَاضٍ أَوْ مُكَاتِبٍ) لِأَنَّ الْمُنَافِيَ زَالَ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَبِإِجَازَةِ الْمُكَاتِبِ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فَارْتَفَعَ الْمُنَافِي فَتَمَّ الْعَقْدُ بَحْرٌ، وَمِنْ قَوْلِهِ زَالَ بِالْقَضَاءِ تَعْلَمُ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْإِجَازَةِ فِي الْقَضَاءِ مِنْ بَابِ عُمُومِ الْمَجَازِ. اهـ. ح. قُلْت: وَفِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ مَعَ إجَازَةِ الْمُكَاتَبِ لَكِنْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ نَحْوَ مَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: إذَا بِيعَ الْمُكَاتَبُ بِرِضَاهُ جَازَ وَكَانَ فَسْخًا لِلْكِتَابَةِ. اهـ. [تَتِمَّةٌ] قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَوْ حَلَفَ أَنْ يَبِيعَ هَذَا الْحَرَّ فَبَاعَهُ بَرَّ لِأَنَّ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ فَانْعَقَدَ عَلَى الْبَاطِلِ وَكَذَا الْحُرَّةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَنْصَرِفُ إلَى الصَّحِيحِ لِإِمْكَانِهِ بِالرِّدَّةِ ثُمَّ السَّبْيِ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ) وَهُوَ أَنَّ الْوِلَادَةَ مِنْ الزَّوْجِ وَالنَّسَبَ مِنْ الْأَبِ مُقَدَّمٌ فَيَقَعُ بِمَا تَقَدَّمَ سَبَبُهُ أَوَّلًا، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ ح، وَبَيَانُهُ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ أَنَّهُ لَمَّا بَاعَ نِصْفَهَا مِنْ الزَّوْجِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ قَبْلَ الْجَزَاءِ وَهُوَ الْعِتْقُ فَلَا تَعْتِقُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِ غَيْرِهِ وَكَذَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْأَبِ فَتَعْتِقُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ) رَاجِعٌ لِلتَّعْمِيمِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ النَّهْرِ لِأَنَّ بِالنِّكَاحِ لَا يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ سَوَاءٌ عَيَّنَهَا أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي إلَخْ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْخُلَاصَةِ: النِّكَاحُ وَالصَّلَاةُ وَكُلُّ فِعْلٍ يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ (قَوْلُهُ أَوْ لَا يَحُجُّ) ذَكَرَهُ هُنَا إشَارَةً إلَى أَنَّ ذِكْرَ الْمُصَنِّفِ إيَّاهُ فِيمَا سَيَأْتِي لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ ح (قَوْلُهُ وَلَا يَثْبُتُ بِالْفَاسِدِ) أَيْ الَّذِي فَسَادُهُ مُقَارِنٌ كَالصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، أَمَّا الَّذِي طَرَأَ عَلَيْهِ الْفَسَادُ كَمَا إذَا شَرَعَ ثُمَّ قَطَعَ فَيَحْنَثُ بِهِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ ح (قَوْلُهُ فَلَا تَنْحَلُّ بِهِ الْيَمِينُ) حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ فَاسِدًا أَوْ صَلَّى كَذَلِكَ ثُمَّ أَعَادَ صَحِيحًا حَنِثَ (قَوْلُهُ وَإِنَّهُ) أَيْ الْمِلْكُ يَثْبُتُ بِالْفَاسِدِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ (قَوْلُهُ وَالْهِبَةُ وَالْإِجَارَةُ كَبَيْعٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ فَوَهَبَ هِبَةً غَيْرَ مَقْسُومَةٍ حَنِثَ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَعُلِمَ أَنَّ فَاسِدَ الْهِبَةِ كَصَحِيحِهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِجَارَةَ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا بَيْعٌ اهـ أَيْ بَيْعُ الْمَنَافِعِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 822 كَإِنْ تَزَوَّجْت أَوْ صُمْت (فَهُوَ عَلَيْهِمَا) أَيْ الصَّحِيحُ وَالْفَاسِدُ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ (فَإِنْ عَنَى بِهِ الصَّحِيحَ صُدِّقَ) لِأَنَّهُ النِّكَاحُ الْمَعْنَوِيُّ بَدَائِعُ (إنْ لَمْ أَبِعْ هَذَا الرَّقِيقَ فَكَذَا فَأَعْتَقَ) الْمَوْلَى (أَوْ دَبَّرَ) رَقِيقَهُ تَدْبِيرًا (مُطْلَقًا) فَلَا يَحْنَثُ بِالْمُقَيَّدِ فَتْحٌ (أَوْ اسْتَوْلَدَ) الْأَمَةَ (حَنِثَ) لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ بِفَوَاتِ مَحَلِّيَّةِ الْبَيْعِ، حَتَّى لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ أَبِعْك فَأَنْتَ حُرٌّ فَدَبَّرَ أَوْ اسْتَوْلَدَ عَتَقَ وَلَا يُعْتَبَرُ تَكْرَارُ الرِّقِّ بِالرِّدَّةِ لِأَنَّهُ مَوْهُومٌ. (قَالَتْ لَهُ) امْرَأَتُهُ (تَزَوَّجْت عَلَيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ طَلُقَتْ الْمُحَلِّفَةُ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَعَنْ الثَّانِي لَا وَصَحَّحَهُ السَّرَخْسِيُّ، وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانَ وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا وَفِي الذَّخِيرَةِ إنْ فِي حَالِ غَضَبٍ طَلُقَتْ وَإِلَّا لَا.   [رد المحتار] مَطْلَبُ إذَا دَخَلَتْ أَدَاةُ الشَّرْطِ عَلَى كَانَ تَبْقَى عَلَى مَعْنَى الْمُضِيِّ (قَوْلُهُ كَإِنْ تَزَوَّجْت أَوْ صُمْت) كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ كَإِنْ كُنْت تَزَوَّجْت كَمَا عَبَّرَ فِي الْبَحْرِ بِزِيَادَةِ كُنْت لِأَنَّ أَدَاةَ الشَّرْطِ تَقْلِبُ مَعْنَى الْمَاضِي إلَى الِاسْتِقْبَالِ غَالِبًا فَإِذَا أُرِيدَ مَعْنَى الْمَاضِي جُعِلَ الشَّرْطُ كَإِنْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} [المائدة: 116]- {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ} [يوسف: 26]- لِأَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ كَانَ الزَّمَنُ الْمَاضِي فَقَطْ، وَمَعَ النَّصِّ عَلَى الْمُضِيِّ لَا يُمْكِنُ إفَادَةُ الِاسْتِقْبَالِ وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِ كَانَ دُونَ سَائِرِ الْأَفْعَالِ النَّاقِصَةِ. ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ الرَّضِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا أَغْلَبِيٌّ أَيْضًا بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى - {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا} [المائدة: 6]- بِمَعْنَى صِرْتُمْ كَمَا فِي - {فَكَانَتْ هَبَاءً} [الواقعة: 6]- أَيْ صَارَتْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ) أَيْ فَلَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْحِلُّ وَالتَّقْرِيبُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلِأَنَّ مَا مَضَى مُعَرَّفٌ مُعَيَّنٌ لَغْوٌ وَمَا يُسْتَقْبَلُ مُعْدَمٌ غَائِبٌ وَالصِّفَةُ فِي الْغَائِبِ مُعْتَبَرَةٌ شَرْحُ التَّلْخِيصِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمَعْنَوِيَّ) خَصَّ بِالتَّعْلِيلِ النِّكَاحَ لِأَنَّهُ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ أَوَّلًا وَمِثْلُهُ غَيْرُهُ وَالْمَعْنَوِيُّ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ عَنَى بِمَعْنَى قَصَدَ عَبَّرَ بِهِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَالْمُخْتَارُ فِي الِاسْتِعْمَالِ مَعْنِيٌّ بِدُونِ وَاوٍ مِثْلُ مَرْمِيٍّ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ الْحَقِيقَةُ الْمَقْصُودَةُ. قَالَ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ: إلَّا أَنْ يَنْوِيَ نِكَاحًا أَوْ فِعْلًا صَحِيحًا فِي الْمَاضِي فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَرِعَايَةُ الْحَقِيقَةِ وَاجِبَةٌ مَا أَمْكَنَ وَإِنْ نَوَى الْفَاسِدَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ صُدِّقَ قَضَاءً وَإِنْ نَوَى الْمَجَازَ لِمَا فِيهِ عَنْ التَّغْلِيظِ، وَيَحْنَثُ بِالْجَائِزِ أَيْضًا لِأَنَّ فِيهِ مَا فِي الْفَاسِدِ وَزِيَادَةً اهـ (قَوْلُهُ فَلَا يَحْنَثُ بِالْمُقَيَّدِ) لِجَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ وُجُودِ شَرْطِهِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ قَالَ) تَفْرِيعٌ عَلَى التَّعْلِيلِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا فِي الْمَتْنِ إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُعَلَّقَ عِتْقُ الْمُخَاطَبِ وَفِي الْأَوَّلِ طَلَاقُ الزَّوْجَةِ أَوْ عِتْقُ عَبْدٍ آخَرَ (قَوْلُهُ أَوْ اسْتَوْلَدَ) هَذَا خَاصٌّ بِالْأَمَةِ وَلَا يُنَاسِبُهُ فَتْحُ الْكَافِ وَالتَّاءِ فِي إنْ لَمْ أَبِعْك فَأَنْت حُرٌّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الشَّخْصُ الصَّادِقُ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (قَوْلُهُ وَلَا يُعْتَبَرُ إلَخْ) قِيلَ وُقُوعُ الْيَأْسِ فِي الْأَمَةِ وَالتَّدْبِيرُ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ أَنْ تَرْتَدَّ فَتُسْبَى فَيَمْلِكَهَا الْحَالِفُ وَأَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِبَيْعِ الْمُدَبَّرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ لَا تَطْلُقُ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ وَالْأَصَحُّ مَا فِي الْكِتَابِ لِأَنَّ مَا فُرِضَ أَمْرٌ مُتَوَهَّمٌ نَهْرٌ. زَادَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْأَمَةِ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْحَالِفَ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ لَا الَّذِي سَيُوجَدُ. مَطْلَبُ قَالَتْ لَهُ تَزَوَّجْت عَلَيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ طَلُقَتْ الْمُحَلِّفَةُ (قَوْلُهُ طَلُقَتْ الْمُحَلِّفَةُ) أَيْ الَّتِي دَعَتْهُ إلَى الْحَلِفِ وَكَانَتْ سَبَبًا فِيهِ بَحْرٌ وَهَذَا إذَا لَمْ يَقُلْ مَا دُمْت حَيَّةً لِأَنَّ " كُلُّ امْرَأَةٍ " نَكِرَةٌ وَالْمُخَاطَبَةُ مُعَرَّفَةٌ بِتَاءِ الْخِطَابِ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ شَرْحُ التَّلْخِيصِ (قَوْلُهُ وَعَنْ الثَّانِي لَا) أَيْ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ جَوَابًا فَيَنْطَبِقُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ غَرَضَهُ إرْضَاؤُهَا وَهُوَ بِطَلَاقِ غَيْرِهَا فَيَتَقَيَّدُ بِهِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ عُمُومُ الْكَلَامِ، وَقَدْ زَادَ عَلَى حَرْفِ الْجَوَابِ فَيُجْعَلُ مُبْتَدَأً، وَقَدْ يَكُونُ غَرَضُهُ إيحَاشَهَا حِينَ اعْتَرَضَتْ عَلَيْهِ وَمَعَ التَّرَدُّدِ لَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا وَلَوْ نَوَى غَيْرَهَا صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ السَّرَخْسِيُّ إلَخْ) وَفِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ قَالَ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِهِ إنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَفِي الذَّخِيرَةِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَنْبَغِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 823 (وَلَوْ قِيلَ لَهُ أَلَكَ امْرَأَةٌ غَيْرُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي فَهِيَ كَذَا لَا تَطْلُقُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ) لِأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ لَا يَحْتَمِلُ هَذِهِ الْمَرْأَةَ فَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ كُلٍّ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. [فُرُوعٌ] يَتَفَرَّعُ عَلَى الْحِنْثِ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ نَحْوُ: إنْ لَمْ تَصُبِّي هَذَا فِي هَذَا الصَّحْنِ فَأَنْتِ كَذَا فَكَسَرَتْهُ أَوْ إنْ لَمْ تَذْهَبِي فَتَأْتِي بِهَذَا الْحَمَامِ فَأَنْتِ كَذَا فَطَارَ الْحَمَامُ طَلُقَتْ. قَالَ لِمُحَرَّمَةٍ: إنْ تَزَوَّجْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَزَوَّجَهَا حَنِثَ لِأَنَّ يَمِينَهُ تَنْصَرِفُ إلَى مَا يُتَصَوَّرُ. حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ بِالْكُوفَةِ عَقَدَ خَارِجَهَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَكَانُ الْعَقْدِ. إنْ تَزَوَّجْت ثَيِّبًا فَهِيَ كَذَا فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَا تَطْلُقُ اعْتِبَارًا لِلْغَرَضِ، وَقِيلَ تَطْلُقُ. حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ مِنْ بَنَاتِ فُلَانٍ وَلَيْسَ لِفُلَانٍ بِنْتٌ لَا يَحْنَثُ بِمَنْ وَلَدَتْ لَهُ بَحْرٌ (النَّكِرَةُ تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ   [رد المحتار] أَنْ يَحْكُمَ الْحَالُ، فَإِنْ جَرَى بَيْنَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ خُصُومَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْغَضَبِ يَقَعُ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَهَذَا الْقَوْلُ حَسَنٌ عِنْدِي. اهـ. قُلْت: وَهَذَا تَوْفِيقٌ بَيْنَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُتُونُ وَبَيْنَ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَإِنَّ حَالَةَ الرِّضَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ مُجَرَّدَ الْجَوَابِ وَإِرْضَاءَهَا لَا إيحَاشَهَا بِخِلَافِ حَالَةِ الْغَضَبِ وَفِي ذَلِكَ إعْمَالُ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَيَنْبَغِي الْأَخْذُ بِهِ. (قَوْلُهُ لَا يَحْتَمِلُ هَذِهِ الْمَرْأَةَ) لِأَنَّ كَلَامَ الزَّوْجِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّؤَالِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ مَا يَجُوزُ دُخُولُهُ فِي السُّؤَالِ وَلَفْظُ امْرَأَةٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَتَنَاوَلُهَا بِخِلَافِ لَفْظِ هَذِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَفَادَهُ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ) أَيْ الْمَذْكُورِ فِي مَسْأَلَةِ إنْ لَمْ أَبِعْ هَذَا الرَّقِيقَ إلَخْ فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُ ذَلِكَ هُنَاكَ كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ فَكَسَرَتْهُ) أَيْ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ الْتِئَامُهُ إلَّا بِسَبْكٍ جَدِيدٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ طَلُقَتْ) أَيْ لِبُطْلَانِ الْيَمِينِ بِاسْتِحَالَةِ الْبِرِّ كَمَا إذَا كَانَ فِي الْكُوزِ مَاءٌ فَصُبَّ عَلَى مَا مَرَّ نَهْرٌ، وَأَرَادَ بِبُطْلَانِهَا بُطْلَانَ بَقَائِهَا. وَقَالَ فِي النَّهْرِ أَيْضًا وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْحَمَامِ يَمِينُ الْفَوْرِ وَإِلَّا فَعَوْدُ الْحَمَامِ بَعْدَ الطَّيَرَانِ مُمْكِنٌ عَقْلًا وَعَادَةً فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ قَالَ لِمُحَرَّمَةٍ) أَيْ نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا أَوْ مُصَاهَرَةً ط (قَوْلُهُ إلَى مَا يُتَصَوَّرُ) وَهُوَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا مَحَلٌّ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت الْجِدَارَ أَوْ الْحِمَارَ فَعَبْدِي حُرٌّ لَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحَلٍّ أَصْلًا. وَفِيهَا: قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ نَكَحْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ تَنْصَرِفُ إلَى الْعَقْدِ وَلَوْ لِامْرَأَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ فَإِلَى الْوَطْءِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ لَا يَحْنَثُ (قَوْلُهُ عَقَدَ خَارِجَهَا) أَيْ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ فَإِذَا كَانَ فِي الْكُوفَةِ وَعَقَدَ وَكِيلُهُ خَارِجَهَا لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ حِيَلِ الْخَصَّافِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَكَانُ الْعَقْدِ) فَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِالْكُوفَةِ وَهِيَ فِي الْبَصْرَةِ زَوَّجَهَا مِنْهُ فُضُولِيٌّ بِلَا أَمْرِهَا فَأَجَازَتْ وَهِيَ فِي الْبَصْرَةِ حَنِثَ الْحَالِفُ وَيُعْتَبَرُ مَكَانُ الْعَقْدِ وَزَمَانُهُ لَا مَكَانُ الْإِجَازَةِ وَزَمَنُهَا خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا لِلْغَرَضِ) فَإِنَّ غَرَضَهُ غَيْرُ الَّتِي مَعَهُ (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ بِمَنْ وَلَدَتْ لَهُ) قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ هَذَا مُوَافِقٌ قَوْلَ مُحَمَّدٍ. أَمَّا مَا يُوَافِقُ قَوْلَهُمَا فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ امْرَأَةَ فُلَانٍ وَلَيْسَ لِفُلَانٍ امْرَأَةٌ ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَكَلَّمَهَا الْحَالِفُ حَنِثَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَفِي الْحُجَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا تَتَارْخَانِيَّةٌ. مَطْلَبُ النَّكِرَةُ تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ وَالْمَعْرِفَةُ لَا تَدْخُلُ (قَوْلُهُ النَّكِرَةُ تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالنَّكِرَةِ مَا يَشْمَلُ الْمُعَرَّفَ مِنْ وَجْهٍ كَالْعَلَمِ الْمُشَارِكِ لَهُ غَيْرُهُ فِي الِاسْمِ وَكَالْمُضَافِ إلَى الضَّمِيرِ إذَا كَانَ تَحْتَهُ أَفْرَادٌ مِثْلُ نِسَائِي طَوَالِقُ كَمَا يَظْهَرُ، وَالْمُرَادُ بِالْمَعْرِفَةِ كَمَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ مَا كَانَ مُعَرَّفًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهُوَ مَا لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ كَالْمُشَارِ إلَيْهِ كَهَذِهِ الدَّارِ وَهَذَا الْعَبْدِ، وَالْمُضَافُ إلَى الضَّمِيرِ كَدَارِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 824 وَالْمَعْرِفَةُ لَا) تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ، فَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ أَحَدٌ فَكَذَا وَالدَّارُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَدَخَلَهَا الْحَالِفُ حَنِثَ لِتَنْكِيرِهِ وَلَوْ قَالَ: دَارِي أَوْ دَارَك لَا حِنْثَ بِالْحَالِفِ لِتَعْرِيفِهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: إنْ مَسَّ هَذَا الرَّأْسَ أَحَدٌ وَأَشَارَ إلَى رَأْسِهِ لَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِمَسِّهِ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهِ خِلْقَةً، فَكَانَ مَعْرِفَةً أَقْوَى مِنْ يَاءِ الْإِضَافَةِ بَحْرٌ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قُبَيْلَ بَابِ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ مَعْزِيًّا لِلْأَشْبَاهِ (إلَّا) بِالنِّيَّةِ وَ (فِي الْعِلْمِ) كَإِنْ كَلَّمَ غُلَامَ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ أَحَدٌ، فَكَذَا دَخَلَ الْحَالِفُ لَوْ هُوَ كَذَلِكَ لِجَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْعَلَمِ فِي مَوْضِعِ النَّكِرَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ الْحَالِفُ مِنْ عُمُومِ النَّكِرَةِ بَحْرٌ، قُلْت: وَفِي الْأَشْبَاهِ الْمَعْرِفَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ   [رد المحتار] وَعَبْدِي، أَمَّا الْمُعَرَّفُ بِالِاسْمِ كَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ كَدَارِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِذَا يَحْسُنُ الِاسْتِفْهَامُ فَيُقَالُ مَنْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَبَقِيَ فِيهِ نَوْعُ تَنَكُّرٍ فَمِنْ حَيْثُ التَّعْرِيفُ يَخْرُجُ عَنْ اسْمِ النَّكِرَةِ، وَمِنْ حَيْثُ التَّنْكِيرُ لَا يَخْرُجُ، فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ وَلَا يُرَدُّ مَا لَوْ قَالَ: فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِالِاسْمِ لَا بِالتَّزَوُّجِ، لِأَنَّهُ لَا احْتِمَالَ لِلْخُرُوجِ هُنَا وَلَا يَرِدُ أَيْضًا كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مَا دَامَتْ عَمْرَةُ حَيَّةً فَهِيَ طَالِقٌ حَيْثُ لَا تَطْلُقُ عَمْرَةُ إذَا تَزَوَّجَهَا، لِأَنَّ عَامَّةَ الْمَشَايِخِ عَلَى تَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا كَانَتْ مُشَارًا إلَيْهَا بِأَنْ قَالَ عَمْرَةُ هَذِهِ وَإِلَّا دَخَلَتْ تَحْتَ اسْمِ امْرَأَةٍ وَلِأَنَّ الِاسْمَ وَالنَّسَبَ وُضِعَا لِتَعْرِيفِ الْغَائِبِ لَا الْحَاضِرِ لِأَنَّ تَعْرِيفَهُ بِالْإِشَارَةِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي الذَّخِيرَةِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ دُخُولِ الْمَعْرِفَةِ تَحْتَ النَّكِرَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَا فِي جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ الْجُمْلَتَيْنِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَالدَّارُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ) أَشَارَ بِالتَّعْمِيمِ إلَى خِلَافِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ حَيْثُ قَالَ إنَّ الدَّارَ لَوْ كَانَتْ لَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَنْ دُخُولِ دَارِ نَفْسِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدْ يَمْنَعُ نَفْسَهُ لِغَيْظٍ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ (قَوْلُهُ لِتَنْكِيرِهِ) أَيْ لِتَنْكِيرِ الْحَالِفِ نَفْسَهُ حَيْثُ لَمْ يُعَيِّنْهَا بِإِضَافَةِ الدَّارِ إلَيْهِ لِأَنَّ الدَّارَ وَإِنْ ذُكِرَتْ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا لَمْ يَتَعَيَّنْ مَالِكُهَا بِخِلَافِ الْإِشَارَةِ إلَى جُزْئِهِ كَهَذَا الرَّأْسِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ لَا حِنْثَ بِالْحَالِفِ) كَانَ الْمُنَاسِبُ زِيَادَةَ وَالْمُخَاطَبَ أَيْ فِي قَوْلِهِ دَارَك وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا حِنْثَ بِالْمَالِكِ وَهِيَ أَوْلَى (قَوْلُهُ لِتَعْرِيفِهِ) أَيْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ وَكَافَ الْمُخَاطَبِ لَا يَدْخُلُ فِيهِمَا غَيْرُهُمَا فَلَا يَدْخُلَانِ تَحْتَ النَّكِرَةِ وَهِيَ أَحَدٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ دُخُولَ نَفْسِهِ أَوْ الْمُخَاطَبِ لِأَنَّ أَحَدًا شَخْصٌ مِنْ بَنِي آدَمَ وَهُمَا كَذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ أَلْبَسْت هَذَا الْقَمِيصَ أَحَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَدْخُلُ الْحَالِفُ فَلَا يَحْنَثُ إذَا أَلْبَسَهُ لِنَفْسِهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَعْتِقْ أَيَّ عَبِيدِي شِئْت لَا يَدْخُلُ الْمُخَاطَبُ، حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ نَفْسَهُ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ الضَّمِيرَ الْمُسْتَتِرَ فِي أَعْتِقْ مَعْرِفَةٌ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ " أَيَّ " لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ النُّحَاةِ مُعَرَّفَةً بِالْإِضَافَةِ إلَّا أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ النَّكِرَةِ لِأَنَّهَا تَصْحَبُ النَّكِرَةَ لَفْظًا مِثْلُ أَيُّ رَجُلٍ وَمَعْنًى مِثْلُ - {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} [النمل: 38]- لِأَنَّ الْمَعْنَى أَيُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِعْتَاقِ تَوْكِيلٌ، فَلَا يَدْخُلُ الْمَأْمُورُ فِيهِ كَقَوْلِهَا لِرَجُلٍ زَوِّجْنِي مَنْ شِئْت لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ. (قَوْلُهُ فَكَانَ) أَيْ الْحَالِفُ أَوْ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّعْرِيفِ أَقْوَى مِنْ يَاءِ الْإِضَافَةِ أَيْ أَقْوَى تَعْرِيفًا مِنْ تَعْرِيفِ يَاءِ الْإِضَافَةِ (قَوْلُهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ) أَيْ لَوْ نَوَى دُخُولَ الْمُعَرَّفِ تَحْتَ النَّكِرَةِ فَإِنَّهَا تَشْمَلُهُ وَغَيْرَهُ كَمَا مَرَّ فَيَحْنَثُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لِأَنَّهُ نَوَى الْمَجَازَ وَفِيهِ تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ، فَيَحْنَثُ بِمَا نَوَى وَيَحْنَثُ بِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ فِي الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ وَفِي الْعِلْمِ) لَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْرِفَةِ مَا كَانَ مُعَرَّفًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ مَا لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ دَخَلَ الْحَالِفُ لَوْ هُوَ كَذَلِكَ) أَيْ لَوْ كَانَ اسْمُهُ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ وَالْغُلَامُ لَهُ فَإِذَا كَلَّمَ غُلَامَهُ حَنِثَ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْحَالِفُ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ مُنَكَّرٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (قَوْلُهُ لِجَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْعَلَمِ فِي مَوْضِعِ النَّكِرَةِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ كَثِيرٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ مَنْ كَلَّمَ غُلَامَ رَجُلٍ مُسَمًّى بِهَذَا الِاسْمِ وَلَوْ قَالَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْحَالِفُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 825 إلَّا الْمَعْرِفَةَ فِي الْجَزَاءِ: أَيْ فَتَدْخُلُ فِي النَّكِرَةِ الَّتِي هِيَ فِي مَوْضِعِ الشَّرْطِ كَإِنْ دَخَلَ دَارِي هَذِهِ أَحَدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ هِيَ طَلُقَتْ وَلَوْ دَخَلَهَا هُوَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيْمَانِ الظَّهِيرِيَّةِ. (وَيَجِبُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ مَاشِيًا) مِنْ بَلَدِهِ (فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الْكَعْبَةِ وَأَرَاقَ دَمًا إنْ رَكِبَ لِإِدْخَالِهِ النَّقْصَ، وَلَوْ أَرَادَ بِبَيْتِ اللَّهِ بَعْضَ الْمَسَاجِدِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَلَا شَيْءَ بِالْخُرُوجِ أَوْ الذَّهَابِ بِعَلَيَّ بَيْتُ اللَّهِ أَوْ الْمَشْيُ) إلَى (الْحَرَمِ أَوْ) إلَى (الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) أَوْ بَابِ الْكَعْبَةِ أَوْ مِيزَابِهَا (أَوْ الصَّفَا أَوْ الْمَرْوَةِ) أَوْ مُزْدَلِفَةَ أَوْ عَرَفَةَ لِعَدَمِ الْعُرْفِ. (لَا يَعْتِقُ عَبْدٌ قِيلَ لَهُ إنْ لَمْ أَحُجَّ الْعَامَ فَأَنْتَ حُرٌّ) ثُمَّ قَالَ حَجَجْت وَأَنْكَرَ الْعَبْدُ   [رد المحتار] فَصَحَّ دُخُولُهُ تَحْتَ النَّكِرَةِ الَّتِي هِيَ أَحَدٌ (قَوْلُهُ إلَّا الْمَعْرِفَةَ فِي الْجَزَاءِ إلَخْ) وَكَذَا عَكْسُهُ وَهُوَ الْمَعْرِفَةُ فِي الشَّرْطِ، فَإِنَّهَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ فِي الْجَزَاءِ. وَحَاصِلُهُ كَمَا فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ إذَا كَانَتْ فِي جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَوْ فِي جُمْلَتَيْنِ لَا يَمْتَنِعُ دُخُولُهَا لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُعَرَّفًا مُنَكَّرًا فِي جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ الْجُمْلَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا كَالْكَلَامَيْنِ فَفِي إنْ دَخَلَ دَارِي هَذِهِ أَحَدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْهَا هِيَ تَطْلُقُ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُعَرَّفَةً بِتَاءِ الْخِطَابِ إلَّا أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي الْجَزَاءِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ دُخُولُهَا تَحْتَ نَكِرَةِ الشَّرْطِ وَهِيَ أَحَدٌ، وَفِي قَوْلِهِ لَهَا إنْ فَعَلْت كَذَا فَنِسَائِي طَوَالِقُ فَفَعَلَتْ الْمُخَاطَبَةُ تَطْلُقُ مَعَهُنَّ لِأَنَّهَا مُعَرَّفَةٌ فِي الشَّرْطِ فَجَازَ أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ الْجَزَاءِ، وَتَكُونُ مُنَكَّرَةً فِي الْجَزَاءِ يَعْنِي بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا وَاحِدَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ مِنْ جُمْلَةٍ مَعْلُومَةٍ ذُكِرَتْ فِي الْجَزَاءِ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ نِسَائِي نَكِرَةٌ هُنَا وَإِنْ أُضِيفَ إلَى الضَّمِيرِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّكِرَةِ مَا لَيْسَ مُعَرَّفًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهَذَا كَذَلِكَ وَلِذَا يَصِحُّ الِاسْتِفْهَامُ عَنْهُنَّ فَيُقَالُ مَنْ نِسَاؤُك كَمَا مَرَّ فِي الْعَلَمِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَالْمُرَادُ بِالْمَعْرِفَةِ يَاءُ الْمُتَكَلِّمِ فِي دَارِي، وَقَوْلُهُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ أَيْ الَّتِي فِي جُمْلَتِهَا. مَطْلَبُ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الْكَعْبَةِ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ مَاشِيًا إلَخْ) أَيْ اسْتِحْسَانًا وَعَلَّلَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ تُعُورِفَ إيجَابُ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ بِهِ فَصَارَ فِيهِ مَجَازًا لُغَوِيًّا حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً مِثْلُ مَا لَوْ قَالَ: عَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ، وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ بِهَذَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَاجِبَةٍ وَهُوَ الْمَشْيُ وَلَا مَقْصُودَةٍ اهـ وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْأَيْمَانِ فِي بَحْثِ النَّذْرِ أَنَّ مِثْلَهُ النَّذْرُ بِذَبْحٍ فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ النَّذْرِ بِذَبْحِ شَاةٍ وَقَدَّمْنَا أَنَّ صِيغَةَ النَّذْرِ تَحْتَمِلُ الْيَمِينَ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّوْمِ فَلِذَا ذَكَرُوا مَسَائِلَ النَّذْرِ فِي الْأَيْمَانِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مِنْ بَلَدِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ لَزِمَهُ الْمَشْيُ مِنْ بَيْتِهِ عَلَى الرَّاجِحِ لَا مِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يُحْرِمْ مِنْ بَيْتِهِ، فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْهُ لَزِمَهُ الْمَشْيُ مِنْهُ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ الَّذِي لَزِمَهُ حَجًّا فَإِنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ الْحَرَمِ وَيَخْرُجُ إلَى عَرَفَاتٍ مَاشِيًا إلَى أَنْ يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ كَغَيْرِهِ، وَإِنْ أَرَادَ إسْقَاطَهُ بِعُمْرَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ وَيُحْرِمَ مِنْهُ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي ذَهَابِهِ؟ خِلَافٌ وَالْوَجْهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إذْ الْحَاجُّ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مَعَ بَلْدَتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مُحْرِمًا بَلْ ذَاهِبٌ إلَى مَحَلِّ الْإِحْرَامِ لِيُحْرِمَ مِنْهُ فَكَذَا هَذَا. اهـ. وَالتَّوْجِيهُ لِصَاحِبِ الْفَتْحِ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا (قَوْلُهُ إنْ رَكِبَ) أَيْ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ أَوْ أَكْثَرِهَا، فَإِنْ رَكِبَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ تَصَدَّقَ بِقَدْرِهِ ط (قَوْلُهُ لِإِدْخَالِهِ النَّقْصَ) أَيْ فِيمَا الْتَزَمَهُ (قَوْلُهُ أَوْ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) هَذَا قَوْلُهُ وَقَالَا لَزِمَهُ فِي هَذَيْنِ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ وَالْوَجْهُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ تُعُورِفَ بَعْدَ الْإِمَامِ إيجَابُ النُّسُكِ فِيهِمَا فَقَالَا بِهِ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ، وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْعُرْفِ) عِلَّةٌ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ، فَلَيْسَ الْفَارِقُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ إلَّا الْعُرْفَ ط. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 826 وَأُتِيَ بِشَاهِدَيْنِ (فَشَهِدَا بِنَحْرِهِ) لِأُضْحِيَّتِهِ (بِكُوفَةَ) لَمْ تُقْبَلْ لِقِيَامِهَا عَلَى نَفْيِ الْحَجِّ إذْ التَّضْحِيَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَعْتِقُ وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ. (حَلَفَ لَا يَصُومُ حَنِثَ بِصَوْمِ سَاعَةٍ بِنِيَّةٍ) وَإِنْ أَفْطَرَ لِوُجُودِ شَرْطِهِ (وَلَوْ قَالَ) لَا أَصُومُ   [رد المحتار] مَطْلَبُ إنْ لَمْ أَحُجَّ الْعَامَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَشَهِدَا بِنَحْرِهِ بِالْكُوفَةِ لَمْ يَعْتِقْ (قَوْلُهُ لَمْ تُقْبَلْ إلَخْ) أَيْ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا نَفْيُ الْحَجِّ لَا إثْبَاتُ التَّضْحِيَةِ لِأَنَّهَا لَا مُطَالِبَ لَهَا فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ هَذَا النَّفْيَ مِمَّا يُحِيطُ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ، لَكِنَّهُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ نَفْيٍ وَنَفْيٍ تَيْسِيرًا هِدَايَةٌ. مَطْلَبُ شَهَادَةُ النَّفْيِ لَا تُقْبَلُ إلَّا فِي الشُّرُوطِ وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَا يَفْصِلُ فِي النَّفْيِ بَيْنَ أَنْ يُحِيطَ عِلْمُ الشَّاهِدِ فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةِ بِهِ أَوْ لَا فَلَا بَلْ لَا تُقْبَلُ عَلَى النَّفْيِ مُطْلَقًا نَعَمْ تُقْبَلُ عَلَى النَّفْيِ فِي الشُّرُوطِ، حَتَّى لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَشَهِدَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا قُبِلَتْ وَيُقْضَى بِعِتْقِهِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَأَرَادَ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى أَمْرٍ مُعَايَنٍ وَهُوَ كَوْنُهُ خَارِجَ الْبَيْتِ فَيَثْبُتُ النَّفْيُ ضِمْنًا، وَاعْتَرَضَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْعَبْدَ كَمَا لَا حَقَّ لَهُ فِي التَّضْحِيَةِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْخُرُوجِ فَإِذَا كَانَ مَنَاطُ الْقَبُولِ كَوْنَ الْمَشْهُودِ بِهِ أَمْرًا وُجُودِيًّا مُتَضَمِّنًا لِلْمُدَّعَى بِهِ كَذَلِكَ يَجِبُ قَبُولُ شَهَادَةِ التَّضْحِيَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلنَّفْيِ فَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَوْجَهُ اهـ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، لَكِنْ أَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِعَدَمِ الدُّخُولِ أُوِّلَتْ بِالْخُرُوجِ الَّذِي هُوَ وُجُودِيٌّ صُورَةً وَفِي الْحَقِيقَةِ الْمَقْصُودُ أَنَّ الْخُرُوجَ يُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ بِهِ بِلَا رَيْبٍ بِأَنْ يُشَاهَدَ الْعَبْدُ خَارِجَ الدَّارِ فِي جَمِيعِ الْيَوْمِ فَهِيَ نَفْيٌ مَحْصُورٌ بِخِلَافِ التَّضْحِيَةِ بِالْكُوفَةِ لَيْسَتْ ضِدًّا لِلْحَجِّ، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَرَامَةً لَهُ وَهِيَ جَائِزَةٌ كَمَا قَالُوا فِي الْمَشْرِقِيِّ وَالْمَغْرِبِيَّةِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَصُومُ حَنِثَ بِصَوْمِ سَاعَةٍ (قَوْلُهُ لِوُجُودِ شَرْطِهِ) وَهُوَ الصَّوْمُ الشَّرْعِيُّ إذْ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرِ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ وَقَدْ وُجِدَ تَمَامُ حَقِيقَتِهِ وَمَا زَادَ عَلَى أَدْنَى إمْسَاكٍ فِي وَقْتِهِ فَهُوَ تَكْرَارُ الشَّرْطِ وَلِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ إذَا تَمَّتْ حَقِيقَتُهُ يُسَمَّى فَاعِلًا وَلِذَا نَزَلَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَابِحًا بِإِمْرَارِ السِّكِّينِ فِي مَحَلِّ الذَّبْحِ، فَقِيلَ لَهُ - {صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 105]- بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ حَقِيقَتُهُ تَتَوَقَّفُ عَلَى أَفْعَالٍ مُخْتَلِفَةٍ كَالصَّلَاةِ كَمَا يَأْتِي فَتْحٌ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الصَّوْمَ لِلشَّرْعِيِّ أَقَلُّهُ يَوْمٌ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُطْلَقُ شَرْعًا عَلَى مَا دُونَهُ. وَدُفِعَ بِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ. قُلْت: جَوَابُهُ أَنَّ هَذَا لَوْ قَالَ صَوْمًا كَمَا يَأْتِي، أَمَّا بِدُونِ تَصْرِيحٍ بِمَصْدَرٍ أَوْ ظَرْفٍ فَالْمُرَادُ الْحَقِيقَةُ وَقَدْ وُجِدَتْ بِالْأَقَلِّ، وَلِهَذَا يُقَالُ فِي الشَّرْعِ وَالْعُرْفُ إنَّهُ صَامَ ثُمَّ أَفْطَرَ فَيَحْنَثُ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ قَبْلَ الْإِفْطَارِ ثُمَّ لَا يَرْتَفِعُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ فَافْهَمْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا كَبَقِيَّةِ الْمُتُونِ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي أَوْ لَا يَصُومُ فَهُوَ عَلَى الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَكُنْت أَجَبْت عَنْهُ فِي بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ، بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّحِيحِ مَا وُجِدَتْ حَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ فَلَا يَضُرُّهُ عُرُوضُ الْفَسَادِ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُفِيدُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ التَّعْلِيلِ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ دُونَ الْفَاسِدِ احْتِرَازٌ عَنْ الْفَاسِدِ ابْتِدَاءً كَمَا لَوْ نَوَى الصَّوْمَ عِنْدَ الْفَجْرِ وَهُوَ يَأْكُلُ أَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 827 (صَوْمًا أَوْ يَوْمًا حَنِثَ بِيَوْمٍ) لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فَيُصْرَفُ إلَى الْكَامِلِ. (حَلَفَ لَيَصُومَنَّ هَذَا الْيَوْمَ وَكَانَ بَعْدَ أَكْلِهِ أَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ صَحَّتْ) الْيَمِينُ (وَحَنِثَ لِلْحَالِ) لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَعْتَمِدُ الصِّحَّةَ بَلْ التَّصَوُّرُ كَتَصَوُّرِهِ فِي النَّاسِي وَهُوَ (كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تُصَلِّي الْيَوْمَ فَأَنْتِ كَذَا فَحَاضَتْ مِنْ سَاعَتِهَا أَوْ بَعْدَ مَا صَلَّتْ رَكْعَةً) فَإِنَّ الْيَمِينَ تَصِحُّ وَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ دُرُورَ الدَّمِ لَا يَمْنَعُ كَمَا فِي الِاسْتِحَاضَةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ.   [رد المحتار] مُحْدِثًا فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتْحِ مَا يُفِيدُ الْمُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ حَيْثُ اسْتَشْكَلَ الْمَسْأَلَةَ الْمَارَّةَ، ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ مَا هُنَا أَصَحُّ لِأَنَّهُ نَصُّ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَكِنَّهُ بَعْدَ أَسْطُرٍ أَجَابَ مُسْتَنِدًا لِلذَّخِيرَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَاسِدِ مَا لَمْ يُوصَفْ بِوَصْفِ الصِّحَّةِ فِي وَقْتٍ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الشُّرُوعِ غَيْرَ صَحِيحٍ وَقَالَ وَبِهِ يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ، وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَهَذَا عَيْنُ مَا فَهِمْته مِنْ الْإِشْكَالِ، وَالْجَوَابُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إلْهَامِ الصَّوَابِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ إلَخْ) عِلَّةٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ: أَيْ فَلَا يُرَادُ بِالْيَوْمِ بَعْضُهُ، وَكَذَا فِي صَوْمٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا فَافْهَمْ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: أَمَّا فِي " يَوْمًا " فَظَاهِرٌ وَكَذَا فِي " صَوْمًا " لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا وَلِذَا قُلْنَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ كَامِلٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا إذَا قَالَ عَلَيَّ صَلَاةٌ تَجِبُ رَكْعَتَانِ عِنْدَنَا لَا يُقَالُ الْمَصْدَرُ مَذْكُورٌ بِذِكْرِ الْفِعْلِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ حَلِفِهِ لَا يَصُومُ، وَلَا يَصُومُ صَوْمًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي الْأَوَّلِ إلَّا بِيَوْمٍ لِأَنَّا نَقُولُ الثَّابِتُ فِي ضِمْنِ الْفِعْلِ ضَرُورِيٌّ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي غَيْرِ تَحَقُّقِ الْفِعْلِ بِخِلَافِ الصَّرِيحِ، فَإِنَّهُ اخْتِيَارِيٌّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُطْلَقِ فَيُوجِبُ الْكَمَالَ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا أَوْرَدَ مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ هُنَا صَحَّتْ مَعَ أَنَّهُ مَقْرُونٌ بِذِكْرِ الْيَوْمِ وَلَا كَمَالَ وَرَدَ فِي الْفَتْحِ إلَّا يُرَادُ بِأَنَّ كَلَامَنَا كَانَ فِي الْمُطْلَقِ وَهُوَ لَفْظُ " يَوْمًا " وَلَفْظُ هَذَا الْيَوْمِ مُقَيَّدٌ مُعَرَّفٌ، وَإِنَّمَا تُشْكِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ التَّصَوُّرَ شَرْعًا مُنْتَفٍ، وَكَوْنُهُ مُمْكِنًا فِي صُورَةٍ أُخْرَى وَهِيَ صُورَةُ النِّسْيَانِ وَالِاسْتِحَاضَةِ لَا يُفِيدُ حَيْثُ كَانَ فِي صُورَةِ الْحَلِفِ مُسْتَحِيلًا شَرْعًا لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ إلَّا عَلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّتَيْنِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَظَاهِرٌ. اهـ. (قَوْلُهُ كَتَصَوُّرِهِ فِي النَّاسِي) أَيْ فِي الَّذِي أَكَلَ نَاسِيًا فَإِنَّ حَقِيقَةَ الصَّوْمِ: وَهِيَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ مَعَ أَنَّهُ اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ صَائِمًا فَقَدْ وُجِدَ الصَّوْمُ مَعَ الْأَكْلِ وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ بَعْدَ أَكْلِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ نَظِيرٌ وَالنَّاسِي لَا يَصْلُحُ نَظِيرًا لَهُ وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الصُّورَةَ فِيمَا إذَا حَلَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ فِي النَّاسِي الَّذِي لَمْ يَأْكُلْ مَمْنُوعٌ. اهـ. قُلْت: وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ إمْكَانُ تَصَوُّرِهِ مَعَ فَقْدِ شَرْطٍ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فِي النَّاسِي وَلَا فَرْقَ بَيْنَ شَرْطٍ وَشَرْطٍ فَيَصْلُحُ ذَلِكَ نَظِيرًا لَهُمَا، وَيَدُلُّ لِمَا قُلْنَا مَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّصَوُّرِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَبَعْدَ الْأَكْلِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَوْ شَرَعَ الصَّوْمَ بَعْدَهُمَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِيلًا أَلَا تَرَى كَيْفَ شَرَعَهُ بَعْدَ الْأَكْلِ نَاسِيًا، وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ مَعَ الْحَيْضِ تُتَصَوَّرُ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَيْسَ إلَّا دُرُورَ الدَّمِ وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي شَرْعِيَّةَ الصَّلَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي حَقِّ الْمُسْتَحَاضَةِ مَشْرُوعَةٌ وَشَرْطُ إقَامَةِ الدَّلِيلِ مَقَامَ الْمَدْلُولِ التَّصَوُّرُ لَا الْوُجُودُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ إلَخْ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ إشْكَالِ الْفَتْحِ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِيلًا شَرْعًا لِهَذِهِ الشَّوَاهِدِ. نَعَمْ يُقَوِّي إشْكَالَهُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي بَحْثِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ إنْ لَمْ تُصَلِّ الصُّبْحَ غَدًا فَأَنْتِ كَذَا لَا يَحْنَثُ بِحَيْضِهَا بُكْرَةً فِي الْأَصَحِّ وَعَزَاهُ فِي الْبَحْرِ هُنَا لِلْمُنْتَقَى، وَقَالَ هُنَا فَحِينَئِذٍ لَا يَحْنَثُ فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ: لَكِنْ جَزَمَ فِي الْمُحِيطِ بِالْحِنْثِ فِيهِمَا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الِاسْتِحَاضَةِ) فَإِنَّهَا فُقِدَ مَعَهَا شَرْطُ الصَّلَاةِ مَعَ حُكْمِ الشَّارِعِ عَلَيْهَا بِالصِّحَّةِ، فَعُلِمَ أَنَّ شَرْعِيَّتَهَا مَعَ فَقْدِ شَرْطٍ غَيْرُ مُسْتَحِيلَةٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ شَرَعَهَا مَعَ الْحَيْضِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 828 مَحَلُّ الْفِعْلِ وَهُوَ الْمَاءُ غَيْرُ قَائِمٍ أَصْلًا فَلَا يُتَصَوَّرُ بِوَجْهٍ. (وَحَنِثَ فِي لَا يُصَلِّي بِرَكْعَةٍ) بِنَفْسِ السُّجُودِ بِخِلَافِ إنْ صَلَّيْت رَكْعَةً فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأُولَى شَفْعٍ لِتَحَقُّقِ الرَّكْعَةِ (وَفِي) لَا يُصَلِّي (صَلَاةً بِشَفْعٍ) وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ بِخِلَافِ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ مَثَلًا فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ التَّشَهُّدُ. (وَ) حَنِثَ (فِي لَا يَؤُمُّ أَحَدًا بِاقْتِدَاءِ قَوْمٍ بِهِ بَعْدَ شُرُوعِهِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ   [رد المحتار] لَأَمْكَنَ كَمَا مَرَّ فَلَا يَرِدُ إشْكَالُ الْكَمَالِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَحَلَّ الْفِعْلِ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ لَا أَشْرَبُ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا مَاءَ فِيهِ. مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يُصَلِّي حَنِثَ بِرَكْعَةٍ (قَوْلُهُ بِرَكْعَةٍ) أَيْ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الصَّلَاةَ عِبَارَةٌ عَنْ أَفْعَالٍ مُخْتَلِفَةٍ فَمَا لَمْ يَأْتِ بِهَا لَا تُسَمَّى صَلَاةً يَعْنِي لَمْ يُوجَدْ تَمَامُ حَقِيقَتِهَا وَالْحَقِيقَةُ تَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الْجُزْءِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ رُكْنٌ وَاحِدٌ وَيَتَكَرَّرُ بِالْجُزْءِ الثَّانِي. وَأَوْرَدَ أَنَّ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ الْقَعْدَةُ وَلَيْسَتْ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَحْنَثَ. أُجِيبَ بِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ السَّجْدَةِ وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ بِنَاءً عَلَى تَوَقُّفِ الْحِنْثِ عَلَى الرَّفْعِ مِنْهَا وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ فَلَيْسَتْ تِلْكَ الْقَعْدَةُ هِيَ الرُّكْنُ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْأَرْكَانَ الْحَقِيقِيَّةَ هِيَ الْخَمْسَةُ وَالْقَعْدَةُ رُكْنٌ زَائِدٌ عَلَى مَا تَحَرَّرَ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِلْخَتْمِ فَلَا تُعْتَبَرُ رُكْنًا فِي حَقِّ الْحِنْثِ اهـ فَتْحٌ مُلَخَّصًا قَالَ فِي النَّهْرِ: وَقَدَّمْنَا أَنَّهَا شَرْطٌ لَا رُكْنٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي تَوَقُّفِ حِنْثِهِ عَلَى الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَةِ وَإِنْ كَانَتْ رُكْنًا زَائِدًا وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَقِيلَ يَحْنَثُ بِدُونِهَا حَكَاهُمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ بِنَفْسِ السُّجُودِ) أَيْ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ لِتَمَامِ حَقِيقَةِ السُّجُودِ بِهِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الرَّفْعِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِتَحَقُّقِ الرَّكْعَةِ) تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّلَاةَ تَتَحَقَّقُ بِوُجُودِ الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ، لَكِنْ إذَا قَالَ رَكْعَةً فَقَدْ الْتَزَمَ زِيَادَةً عَلَى حَقِيقَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ صَلَاةٌ تُسَمَّى رَكْعَةً وَهِيَ الرَّكْعَةُ الْأُولَى مِنْ شَفْعٍ، فَلَوْ صَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ تَكَلَّمَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهَا صُورَةُ رَكْعَةٍ لَا صَلَاةٌ هِيَ رَكْعَةٌ وَقَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لِأَنَّهُ مَا صَلَّى رَكْعَةً لِأَنَّهَا بُتَيْرَاءُ وَلَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ حَنِثَ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْبُتَيْرَاءِ مَانِعٌ لِصِحَّةِ الرَّكْعَةِ وَهِيَ تَصْغِيرُ الْبَتْرَاءِ تَأْنِيثُ الْأَبْتَرِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَقْطُوعُ الذَّنَبِ ثُمَّ صَارَ يُقَالُ لِلنَّاقِصِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ إلَخْ) مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً فَهَلْ يَتَوَقَّفُ حِنْثُهُ عَلَى قُعُودِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى مُجَرَّدِ الْفِعْلِ وَهُوَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً يَحْنَثُ قَبْلَ الْقَعْدَةِ لِمَا ذَكَرْته أَيْ مِنْ أَنَّهَا رُكْنٌ زَائِدٌ، وَإِنْ عَقَدَهَا عَلَى الْفَرْضِ كَصَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ حَتَّى يَقْعُدَ اهـ وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْعِنَايَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُعْتَبَرُ شَرْعًا بِدُونِهَا وَصَلَاةُ الرَّكْعَتَيْنِ عِبَارَةٌ عَنْ صَلَاةٍ تَامَّةٍ وَتَمَامُهَا شَرْعًا لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَعْدَةِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي الْفَتْحِ: وَتَوْجِيهُ الْمَسْأَلَةِ يَشْهَدُ لِمَا فِي الْعِنَايَةِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْقَعْدَةِ مُطْلَقًا وَهَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَالْأَظْهَرُ وَالْأَشْبَهُ أَنَّ عَقْدَ يَمِينِهِ عَلَى مُجَرَّدِ الْفِعْلِ، وَهُوَ إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً لَا يَحْنَثُ قَبْلَ الْقَعْدَةِ وَإِنْ عَقَدَهَا عَلَى الْفَرْضِ وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْمَثْنَى فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَتَشَهَّدَ بَعْدَ الْأَرْبَعِ اهـ لَكِنْ فِيهِ شِبْهُ الْمُنَافَاةِ إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ بَيْنَ قَوْلِهِ لَا أُصَلِّي الْفَرْضَ وَقَوْلِهِ لَا أُصَلِّي الظُّهْرَ مَثَلًا تَأَمَّلْ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ أَوْ الْفَجْرَ أَوْ الْمَغْرِبَ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَقْعُدَ فِي آخِرِهَا وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْأَوْجَهَ مَا فِي الْعِنَايَةِ كَمَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ وَيَظْهَرُ مِنْهُ أَيْضًا اشْتِرَاطُ الْقَعْدَةِ فِي قَوْلِهِ لَا أُصَلِّي رَكْعَةً وَإِلَّا فَهِيَ صُورَةُ رَكْعَةٍ لَا رَكْعَةٌ حَقِيقِيَّةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بَعْدَ شُرُوعِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِاقْتِدَاءِ (قَوْلُهُ وَإِنْ وَصْلِيَّةٌ) لَكِنَّ الَّذِي فِي نُسَخِ الْمَتْنِ الْمُجَرَّدَةِ صُدِّقَ بِلَا وَاوٍ فَتَكُونُ إنْ شَرْطِيَّةً وَجَوَابُهَا صُدِّقَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 829 (قَصَدَ أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا) لِأَنَّهُ أَمَّهُمْ (وَصُدِّقَ دِيَانَةً) فَقَطْ (إنْ نَوَاهُ) أَيْ أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا (وَإِنْ أَشْهَدَ قَبْلَ شُرُوعِهِ) أَنَّهُ لَا يَؤُمُّ أَحَدًا (لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا) لَا دِيَانَةً وَلَا قَضَاءً وَصَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَلَوْ فِي الْجُمُعَةِ اسْتِحْسَانًا (كَمَا) لَا حِنْثَ (لَوْ أَمَّهُمْ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ) لِعَدَمِ كَمَالِهَا (بِخِلَافِ النَّافِلَةِ) فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَتْ الْإِمَامَةُ فِي النَّافِلَةِ مَنْهِيًّا عَنْهَا. [فُرُوعٌ] إنْ صَلَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَالَ صَلَّيْت وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى لَمْ يَعْتِقْ لِإِمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَيْهَا بِلَا حَرَجٍ. قَالَ: إنْ تَرَكْت الصَّلَاةَ فَطَالِقٌ فَصَلَّتْهَا قَضَاءً طَلُقَتْ عَلَى الْأَظْهَرِ ظَهِيرِيَّةٌ. حَلَفَ مَا أَخَّرَ صَلَاةً عَنْ وَقْتِهَا وَقَدْ نَامَ فَقَضَاهَا اسْتَظْهَرَ الْبَاقَانِيُّ عَدَمَ حِنْثِهِ لِحَدِيثِ «فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا» . اجْتَمَعَ حَدَثَانِ فَالطَّهَارَةُ مِنْهُمَا.   [رد المحتار] مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَؤُمُّ أَحَدًا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَمَّهُمْ) أَيْ فِي الظَّاهِرِ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَقَصْدُهُ أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا أَمْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ أَنَّهُ إذَا نَوَى أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا فَصَلَّى خَلْفَهُ رَجُلَانِ جَازَتْ صَلَاتُهُمَا، وَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ أَنْ يَقْصِدَ الْإِمَامَةَ وَلَمْ يُوجَدْ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ قَضَاءً أَيْضًا فَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ، وَيَظْهَرُ لِي الثَّانِي لِأَنَّ شُرُوعَهُ وَحْدَهُ أَوَّلًا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْإِمَامَةَ، وَصِحَّةُ اقْتِدَائِهِمْ بِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهَا نِيَّتُهُ وَلِذَا لَوْ أَشْهَدَ لَمْ يَحْنَثْ مَعَ صِحَّةِ اقْتِدَائِهِمْ لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِمَامِ الْإِمَامَةَ شَرْطٌ لِحُصُولِ الثَّوَابِ لَهُ لَا لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي الْجُمُعَةِ) لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهَا الْجَمَاعَةُ وَقَدْ وُجِدَ فَتْحٌ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى هَذَا الْحَالِفُ بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ، فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إنْ أَشْهَدَ لَا يَحْنَثُ أَصْلًا وَإِلَّا حَنِثَ قَضَاءً لَا دِيَانَةً إنْ نَوَى لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ أَشْهَدَ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ أَنْ يُصَلِّيَ لِنَفْسِهِ لَمْ يَحْنَثْ دِيَانَةً وَلَا قَضَاءً اهـ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ فِي الْجُمُعَةِ يَحْنَثُ قَضَاءً وَإِنْ أَشْهَدَ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِيهَا فَإِقْدَامُهُ عَلَيْهَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ أَمَّ فِيهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ كَمَالِهَا) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: لِأَنَّ يَمِينَهُ انْصَرَفَتْ إلَى الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ اهـ أَيْ وَالْمُطْلَقَةُ هِيَ الْكَامِلَةُ ذَاتُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَمَا بَحَثَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي إذَا أَمَّ فِي الْجِنَازَةِ إنْ أَشْهَدَ صُدِّقَ فِيهِمَا، وَإِلَّا فَفِي الدِّيَانَةِ خِلَافُ الْمَنْقُولِ كَمَا فِي النَّهْرِ. قُلْت: وَبَحْثُ الْفَتْحِ وَجِيهٌ إلَّا إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا فِي الصَّلَاةِ فَتَنْصَرِفُ الصَّلَاةُ إلَى الْكَامِلَةِ أَمَّا بِدُونِ ذِكْرِ الصَّلَاةِ فَالْإِمَامَةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْجِنَازَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ) أَيْ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَارِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ مَنْهِيًّا عَنْهَا) أَيْ إذَا كَانَتْ عَلَى وَجْهِ التَّدَاعِي وَهُوَ أَنْ يَقْتَدِيَ أَرْبَعَةٌ بِوَاحِدٍ ط (قَوْلُهُ لِإِمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَيْهَا) أَيْ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمَوْلَى لِإِنْكَارِهِ شَرْطَ الْعِتْقِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا مِنْ الْأُمُورِ الْقَلْبِيَّةِ؛ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهَا لِلْمُخْبِرِ عَنْهَا (قَوْلُهُ طَلُقَتْ عَلَى الْأَظْهَرِ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَفِي عُرْفِنَا تَارِكُ الصَّلَاةِ مَنْ لَا يُصَلِّي أَصْلًا. اهـ. ح (قَوْلُهُ اسْتَظْهَرَ الْبَاقَانِيُّ إلَخْ) هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَمَبْنَى الثَّانِي عَلَى انْصِرَافِ الْوَقْتِ إلَى الْأَصْلِيِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ الْعُرْفَ كَمَا أَفَادَهُ ح لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: لَا تَأْخِيرَ مِنْ النَّائِمِ فَالْأَظْهَرُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ إنْ كَانَ نَامَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَانْتَبَهَ بَعْدَهُ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ نَامَ بَعْدَ دُخُولِهِ حَنِثَ (قَوْلُهُ اجْتَمَعَ حَدَثَانِ فَالطَّهَارَةُ مِنْهُمَا) أَيْ مُطْلَقًا كَجَنَابَتَيْنِ مِنْ امْرَأَتَيْنِ أَوْ جَنَابَةٍ وَحَيْضٍ أَوْ بَوْلٍ وَرُعَافٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَلَوْ حَلَفَ لَا يَغْتَسِلُ مِنْ امْرَأَتِهِ هَذِهِ فَأَصَابَهَا ثُمَّ أَصَابَ أُخْرَى أَوْ بِالْعَكْسِ ثُمَّ اغْتَسَلَ فَهُوَ مِنْهُمَا وَحَنِثَ. وَكَذَا لَوْ حَلَفَتْ لَا تَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةِ أَوْ مِنْ حَيْضٍ فَأَجْنَبَتْ وَحَاضَتْ ثُمَّ اغْتَسَلَتْ فَهُوَ مِنْهَا وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ: هُوَ مِنْ الْأَوَّلِ اتَّحَدَ الْجِنْسُ أَوْ لَا كَبَوْلٍ وَرُعَافٍ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: إنْ اتَّحَدَ فَمِنْ الْأَوَّلِ وَإِلَّا فَمِنْهُمَا. وَقَالَ الزَّاهِدُ عَبْدُ الْكَرِيمِ كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ الْوُضُوءَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 830 حَلَفَ لَيُصَلِّيَنَّ هَذَا الْيَوْمَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ بِالْجَمَاعَةِ وَيُجَامِعُ امْرَأَتَهُ، وَلَا يَغْتَسِلُ يُصَلِّي الْفَجْرَ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِجَمَاعَةٍ ثُمَّ يُجَامِعُهَا ثُمَّ يَغْتَسِلُ كُلَّمَا غَرَبَتْ وَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِجَمَاعَةٍ فَلَا يَحْنَثُ. (حَلَفَ لَا يَحُجُّ فَعَلَى الصَّحِيحِ مِنْهُ) فَلَا يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ (وَلَا يَحْنَثُ حَتَّى يَقِفَ بِعَرَفَةَ عَنْ الثَّالِثِ) أَيْ مُحَمَّدٍ (أَوْ حَتَّى يَطُوفَ أَكْثَرَ الطَّوَافِ) الْمَفْرُوضِ (عَنْ الثَّانِي) وَبِهِ جَزَمَ فِي الْمِنْهَاجِ لِلْعَلَّامَةِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعُقَيْلِيِّ الْأَنْصَارِيِّ كَانَ مِنْ كِبَارِ فُقَهَاءِ بُخَارَى وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ سَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ وَلَا يَحْنَثُ فِي الْعُمْرَةِ حَتَّى يَطُوفَ أَكْثَرَهَا. (إنْ لَبِسْت مِنْ مَغْزُولِك فَهُوَ هَدْيٌ) أَيْ صَدَقَةٌ أَتَصَدَّقُ بِهِ بِمَكَّةَ (فَمَلَك) الزَّوْجُ (قُطْنًا)   [رد المحتار] مِنْ أَغْلَظِهِمَا وَإِنْ اسْتَوَيَا فَمِنْهُمَا، وَقَدْ وَجَدْنَا الرِّوَايَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مِنْهُمَا فَرَجَعْنَا إلَى قَوْلِهِ اهـ مُلَخَّصًا وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ حَلَفَ: لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ الرُّعَافِ فَرَعَفَ ثُمَّ بَالَ فَتَوَضَّأَ حَنِثَ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ بَالَ أَوَّلًا ثُمَّ رَعَفَ وَتَوَضَّأَ فَعَلَى قَوْلِ الْجُرْجَانِيِّ لَا يَحْنَثُ وَعَلَى ظَاهِرِ الْجَوَابِ وَقَوْلِ أَبِي جَعْفَرٍ يَحْنَثُ تَتَارْخَانِيَّةٌ: قُلْت: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ يُصَلِّي الْفَجْرَ إلَخْ) كَذَا أَجَابَ ابْنُ الْفَضْلِ حِينَ سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ الْفَجْرَ إلَخْ قَالَ ح: وَفِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْيَوْمِ بَقِيَّةَ النَّهَارِ إلَى الْغُرُوبِ فَكَيْفَ يَبَرُّ بِثَلَاثِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ مَا يَشْمَلُ اللَّيْلَةَ بِقَرِينَةِ الْخَمْسِ صَلَوَاتٍ، فَمَا الْحَاجَةُ إلَى مُجَامَعَتِهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ بِجَمَاعَةٍ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْأَلْغَازِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. قُلْت: لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ يَمِينَهُ بِظَاهِرِهَا مَعْقُودَةٌ عَلَى بَقِيَّةِ النَّهَارِ، وَبِذِكْرِهِ الْخَمْسَ احْتَمَلَ أَنَّهُ أَرَادَ مَا يَشْمَلُ اللَّيْلَ فَإِذَا جَامَعَ وَاغْتَسَلَ نَهَارًا يَحْنَثُ يَقِينًا وَكَذَا لَوْ جَامَعَ وَاغْتَسَلَ لَيْلًا لِأَنَّهُ وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ عَلَى كِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ لِأَنَّهُ فِي النَّهَارِ لَمْ يُجَامِعْ وَفِي اللَّيْلِ قَدْ اغْتَسَلَ وَقَدْ حَلَفَ أَنَّهُ يُجَامِعُ وَلَا يَغْتَسِلُ. أَمَّا إذَا جَامَعَ فِي النَّهَارِ وَاغْتَسَلَ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَإِنَّهُ عَلَى احْتِمَالِ كَوْنِ الْمُرَادِ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحِنْثِ، وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْآخَرِ وُجِدَ فَلَا يَحْنَثُ بِالشَّكِّ، وَأَمَّا التَّقْيِيدُ بِالْجَمَاعَةِ فَهُوَ لِتَأْكِيدِ كَوْنِ الْخَمْسِ هِيَ الْمَكْتُوبَةَ. ثُمَّ ظَهَرَ لِي جَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا انْعَقَدَتْ عَلَى النَّهَارِ فَقَطْ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْهُ أَدَاءُ الْخَمْسِ فِي النَّهَارِ انْصَرَفَتْ إلَى مَا يُتَصَوَّرُ شَرْعًا وَهُوَ أَدَاءُ الْكُلِّ فِي أَوْقَاتِهَا كَمَا مَرَّ فِيمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى تَزَوُّجِ مَحْرَمِهِ فَتَزَوَّجَهَا حَنِثَ لِأَنَّ يَمِينَهُ تَنْصَرِفُ إلَى مَا يُتَصَوَّرُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَبَرُّ إلَّا إذَا صَلَّى كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا وَجَامَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَاغْتَسَلَ بَعْدَهُ إذْ لَوْ جَامَعَ وَاغْتَسَلَ نَهَارًا حَنِثَ لِأَنَّهُ حَلَفَ أَنْ لَا يَغْتَسِلَ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَإِنْ كَانَا فِي اللَّيْلِ حَنِثَ أَيْضًا لِأَنَّهُ حَلَفَ أَنْ يُجَامِعَ فِي النَّهَارِ وَأَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ هُوَ الْمُرَادُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِيرَادُ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَحُجُّ (قَوْلُهُ حَلَفَ لَا يَحُجُّ) أَيْ سَوَاءٌ قَالَ حَجَّةً أَوْ لَا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ عَنْ الثَّالِثِ) أَيْ أَنَّ هَذَا مَرْوِيٌّ عَنْهُ (قَوْلُهُ عَنْ الثَّانِي) أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْمِنْهَاجِ) جَزَمَ بِهِ أَيْضًا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِأَنَّ الْحَجَّ عِبَارَةٌ عَنْ أَجْنَاسٍ مِنْ الْفِعْلِ كَالصَّلَاةِ فَتَنَاوَلَتْ الْيَمِينَ جَمِيعَهَا وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ إلَّا بِأَكْثَرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ. فَإِنْ جَامَعَ فِيهَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحَجِّ الْقُرْبَةُ فَتَنَاوَلَتْ الْيَمِينُ الْحَجَّ الصَّحِيحَ كَالصَّلَاةِ شَرْحُ الْجَامِعِ (قَوْلُهُ وَلَا يَحْنَثُ فِي الْعُمْرَةِ) أَيْ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَعْتَمِرُ. مَطْلَبُ إنْ لَبِسْت مِنْ مَغْزُولِك فَهُوَ هَدْيٌ (قَوْلُهُ أَيْ صَدَقَةٌ أَتَصَدَّقُ بِهِ بِمَكَّةَ) ذِكْرُ ضَمِيرِ بِهِ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ بِمَعْنَى الْمُتَصَدَّقِ بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 831 بَعْدَ الْحَلِفِ (فَغَزَلَتْهُ) وَنُسِجَ (وَلَبِسَ فَهُوَ هَدْيٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ، وَلَهُ التَّصَدُّقُ بِقِيمَتِهِ بِمَكَّةَ لَا غَيْرُ وَشَرَطَا مِلْكَهُ يَوْمَ حَلَفَ وَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا فِي دِيَارِنَا لِأَنَّهَا إنَّمَا تَغْزِلُ مِنْ كَتَّانِ نَفْسِهَا أَوْ قُطْنِهَا وَبِقَوْلِهِ فِي الدِّيَارِ الرُّومِيَّةِ لِغَزْلِهَا مِنْ كَتَّانِ الزَّوْجِ نَهْرٌ. (حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا فَلَبِسَ تِكَّةً مِنْهُ لَا يَحْنَثُ) عِنْدَ الثَّانِي وَبِهِ يُفْتَى   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي مَعْنَى الْهَدْيِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَمَعْنَى الْهَدْيِ هُنَا: مَا يُتَصَدَّقُ بِهِ بِمَكَّةَ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ نَذَرَ هَدْيَ شَاةٍ أَوْ بَدَنَةٍ فَإِنَّمَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْعِدَّةِ ذَبْحُهُ فِي الْحَرَمِ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ هُنَاكَ، فَلَا يُجْزِيهِ إهْدَاءُ قِيمَتِهِ. وَقِيلَ فِي إهْدَاءِ قِيمَةِ الشَّاةِ رِوَايَتَانِ، فَلَوْ سَرَقَ بَعْدَ الذِّبْحَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِنْ نَذَرَ ثَوْبًا جَازَ التَّصَدُّقُ فِي مَكَّةَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ وَلَوْ نَذَرَ إهْدَاءَ مَا لَمْ يُنْقَلْ كَإِهْدَاءِ دَارٍ وَنَحْوِهَا فَهُوَ نَذْرٌ بِقِيمَتِهَا. اهـ. فَالْحَاصِلُ: أَنَّ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ إلَّا بِالتَّصَدُّقِ بِمَكَّةَ مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ الْتَزَمَ التَّصَدُّقَ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ بِمَكَّةَ أَلْغَيْنَا تَعْيِينَهُ الدِّرْهَمَ وَالْمَكَانَ وَالْفَقِيرَ فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْتِزَامٍ بِصِيغَةِ الْهَدْيِ وَبَيْنَهُ بِصِيغَةِ النَّذْرِ بَحْرٌ. مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ تَعْيِينِ الْمَكَانِ فِي الْهَدْيِ دُونَ النَّذْرِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْهَدْيَ جُعِلَ التَّصَدُّقُ بِهِ فِي الْحَرَمِ جُزْءًا مِنْ مَفْهُومِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِدِرْهَمٍ عَلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ فَإِنَّ الدِّرْهَمَ لَمْ يُجْعَلْ التَّصَدُّقُ بِهِ فِي الْحَرَمِ جُزْءًا مِنْ مَفْهُومِهِ بَلْ ذَلِكَ وَصْفٌ خَارِجٌ عَنْ مَاهِيَّتِه، وَمِثْلُهُ تَعْيِينُ الزَّمَانِ وَالدِّرْهَمِ فَلِهَذَا لَمْ يَلْزَمْ بِالنَّذْرِ ثُمَّ رَأَيْت نَحْوَهُ فِي ط عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَكَالْهَدْيِ الْأُضْحِيَّةُ فَإِنَّهَا اسْمٌ لِمَا يُذْبَحُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، فَالزَّمَانُ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِهَا، كَمَا سَنَذْكُرُ تَحْقِيقَهُ فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَالْهَدْيُ وَالْأُضْحِيَّةُ خَارِجَانِ مِنْ قَوْلِهِمْ أَلْغَيْنَا تَعْيِينَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، فَإِنَّ الزَّمَانَ مُتَعَيِّنٌ فِي نَذْرِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْمَكَانَ فِي الْهَدْيِ وَكَذَا النَّذْرُ الْمُعَلَّقُ كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ مَثَلًا، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الزَّمَانُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ قَبْلَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، أَمَّا الْمَكَانُ وَالدِّرْهَمُ وَالْفَقِيرُ فَلَا تَتَعَيَّنُ فِيهِ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي بَحْثِ النَّذْرِ أَوَّلَ الْأَيْمَانِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بَعْدَ الْحَلِفِ) أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا وَقْتَ الْحَلِفِ فَغَزَلَتْهُ فَلَبِسَهُ فَإِنَّهُ هَدْيٌ بِالْأَوْلَى وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَشَرَطَا مِلْكَهُ يَوْمَ حَلَفَ) لِأَنَّ النَّذْرَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ وَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ اللُّبْسَ وَغَزْلَ الْمَرْأَةِ لَيْسَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ وَلَهُ أَنَّ غَزْلَ الْمَرْأَةِ عَادَةً يَكُونُ مِنْ قُطْنِ الزَّوْجِ وَالْمُعْتَادُ هُوَ الْمُرَادُ وَذَلِكَ سَبَبٌ لِمِلْكِهِ بَحْرٌ. أَيْ الْغَزْلُ مِنْ قُطْنِ الزَّوْجِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الزَّوْجِ لِمَا غَزَلَتْهُ، وَلِهَذَا يَحْنَثُ إذَا غَزَلَتْ مِنْ قُطْنٍ مَمْلُوكٍ لِلزَّوْجِ وَقْتَ الْحَلِفِ لِأَنَّهَا إذَا غَزَلَتْهُ كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لَأَنْ يَمْلِكَ الزَّوْجُ غَزْلَهَا مَعَ أَنَّ الْقُطْنَ لَيْسَ بِمَذْكُورٍ وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ؛ لَكِنْ يُشْكِلُ أَنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا هُوَ اللُّبْسُ وَهُوَ لَيْسَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ. إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُرَادَ إنْ غَزَلْت ثَوْبًا وَلَبِسْته فَيَكُونُ الشَّرْطُ هُوَ الْغَزْلُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْمِلْكِ لَا مُجَرَّدُ اللُّبْسِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَغْزِلُ مِنْ كَتَّانِ نَفْسِهَا) أَيْ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ النَّذْرِ وَهُوَ الْإِضَافَةُ إلَى مِلْكِهِ أَوْ سَبَبِهِ ط (قَوْلُهُ وَبِقَوْلِهِ إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ، وَبَحَثَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا نُوحٌ أَفَنْدِي بِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ فَإِنَّ بَعْضَ نِسَاءِ مِصْرَ تَغْزِلُ مِنْ كَتَّانِ الزَّوْجِ، وَبَعْضَ نِسَاءِ الرُّومِ بِالْعَكْسِ لَا سِيَّمَا نِسَاءُ الْجُنُودِ الَّذِينَ يَغِيبُونَ عَنْهُنَّ سِنِينَ، فَالْأَوْلَى اعْتِبَارُ الْغَالِبِ اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا) أَيْ مَغْزُولِهَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ قَبْلَهُ وَهُوَ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ عَلَى الثَّوْبِ، وَإِنْ نَوَى عَيْنَ الْغَزْلِ لَا يَحْنَثُ بِلُبْسِ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ نَوَى الْحَقِيقَةَ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 832 لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَابِسًا عُرْفًا (كَلَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ نَسْجِ فُلَانٍ فَلَبِسَ مِنْ نَسْجِ غُلَامِهِ) لَا يَحْنَثُ (إذَا كَانَ فُلَانٌ يَعْمَلُ بِيَدِهِ وَإِلَّا حَنِثَ) لِتَعَيُّنِ الْمَجَازِ (كَمَا حَنِثَ بِلُبْسِ خَاتَمِ ذَهَبٍ) وَلَوْ رَجُلًا بِلَا فَصٍّ (أَوْ عِقْدِ لُؤْلُؤٍ أَوْ زَبَرْجَدٍ أَوْ زُمُرُّدٍ) وَلَوْ غَيْرَ مُرَصَّعٍ عِنْدَهُمَا وَبِهِ يُفْتَى. (فِي حَلِفِهِ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا) لِلْعُرْفِ (لَا) يَحْنَثُ (بِخَاتَمٍ فِضَّةٍ) بِدَلِيلِ حِلِّهِ لِلرِّجَالِ (إلَّا إذَا كَانَ مَصُوغًا عَلَى هَيْئَةِ خَاتَمِ النِّسَاءِ) بِأَنْ كَانَ لَهُ فَصٌّ فَيَحْنَثُ هُوَ الصَّحِيحُ زَيْلَعِيٌّ، وَلَوْ كَانَ مُمَوَّهًا بِذَهَبٍ يَنْبَغِي حِنْثُهُ بِهِ نَهْرٌ كَخَلْخَالِ وَسِوَارٍ.   [رد المحتار] وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا فَلَبِسَ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا وَغَزْلِ غَيْرِهَا حَنِثَ، وَلَوْ مِنْ غَزْلِهَا خَيْطٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْغَزْلَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ إلَّا إذَا قَالَ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا لِأَنَّ بَعْضَ الثَّوْبِ لَا يُسَمَّى ثَوْبًا مُحِيطٌ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا فَلَبِسَ ثَوْبًا زِرُّهُ وَعُرَاهُ مِنْ غَزْلِهَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لُبْسًا عُرْفًا بِخِلَافِ اللَّبِنَةِ وَالزِّيقِ مُنْتَقَى. اهـ. بَحْرٌ مُلَخَّصًا وَلَوْ لَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ رُقْعَةٌ مِنْ غَزْلِ غَيْرِهَا حَنِثَ لَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا فَلَبِسَ مَا خِيطَ مِنْ غَزْلِهَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَابِسًا عُرْفًا) بِخِلَافِ مَا إذَا لَبِسَ تِكَّةً مِنْ حَرِيرٍ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ اسْتِعْمَالُ الْحَرِيرِ مَقْصُودًا، وَإِنْ لَمْ يَصِرْ لَابِسًا، وَقَدْ وُجِدَ وَالْمُحَرَّمُ بِالْيَمِينِ اللُّبْسُ، وَلَمْ يُوجَدْ بَحْرٌ وَاعْتَرَضَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ اتِّفَاقًا بَلْ هُوَ الصَّحِيحُ، وَكَذَا الْقَلَنْسُوَةُ وَلَوْ تَحْتَ الْعِمَامَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَعَلَى مُقَابِلِ الصَّحِيحِ لَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يُكْرَهُ الزِّرُّ وَالْعُرَى مِنْ الْحَرِيرِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ لَابِسًا وَلَا مُسْتَعْمِلًا وَكَذَا اللَّبِنَةُ وَالزِّيقُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ كَالْعَلَمِ (قَوْلُهُ وَلَوْ رَجُلًا) أُتِيَ بِهِ لِأَنَّ خَاتَمَ الْفِضَّةِ لَيْسَ حُلِيًّا فِي حَقِّهِ لِلْعُرْفِ بِخِلَافِ الذَّهَبِ (قَوْلُهُ بِلَا فَصٍّ) بِفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ وَلَوْ بِلَا فَصٍّ (قَوْلُهُ وَلَوْ غَيْرَ مُرَصَّعٍ عِنْدَهُمَا) أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَلَوْ غَيْرَ مُرَصَّعٍ لَا يَحْنَثُ وَبِقَوْلِهِمَا قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لِأَنَّهُ حُلِيٌّ حَقِيقَةً فَإِنَّهُ يُتَزَيَّنُ بِهِ وَقَالَ تَعَالَى - {وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [النحل: 14]- وَالْمُسْتَخْرَجُ مِنْ الْبَحْرِ اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ وَلَهُ أَنَّهُ لَا يُتَحَلَّى بِهِ عَادَةً إلَّا مُرَصَّعًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَالْأَيْمَانُ عَلَى الْعُرْفِ لَا عَلَى اسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ قِيَاسُ قَوْلِهِ إنَّهُ لَا بَأْسَ بِلُبْسِ اللُّؤْلُؤِ لِلْغِلْمَانِ وَالرِّجَالِ وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ فَفِي زَمَانِهِ كَانَ لَا يُتَحَلَّى بِهِ إلَّا مُرَصَّعًا وَيُفْتَى بِقَوْلِهَا لِأَنَّ الْعُرْفَ الْقَائِمَ إنَّهُ يُتَحَلَّى بِهِ مُطْلَقًا فَتْحٌ. مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا (قَوْلُهُ فِي حَلِفِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ كَمَا حَنِثَ (قَوْلُهُ لَا يَلْبَسُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ وَقَوْلُهُ حُلِيًّا بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ جَمْعُ حَلْيٍ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ كَسَدْيٍ وَسُدِيٍّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ حِلِّهِ لِلرِّجَالِ) أَيْ مَعَ مَنْعِهِمْ مِنْ التَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُمْ لِقَصْدِ التَّخَتُّمِ لَا لِلزِّينَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّينَةُ لَازِمَ وُجُودِهِ لَكِنَّهَا لَمْ تُقْصَدْ بِهِ فَكَانَ عَدَمًا خُصُوصًا فِي الْعُرْفِ الَّذِي هُوَ مَبْنَى الْأَيْمَانِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَحْنَثُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ لَهُ فَصٌّ) يُوهِمُ كَلَامُهُ كَكَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ مَا لَهُ فَصٌّ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ، وَفِي كَرَاهِيَةِ الْقُهُسْتَانِيِّ يَجُوزُ الْخَاتَمُ مِنْ الْفِضَّةِ عَلَى هَيْئَةِ خَاتَمِ الرِّجَالِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهُ فَصَّانِ أَوْ أَكْثَرُ فَحَرَامٌ اهـ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ لَيْسَ فِيهَا هَذَا الْإِيهَامُ وَهِيَ قَالَ الْمَشَايِخُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَصْبُوغًا عَلَى هَيْئَةِ خَاتَمِ النِّسَاءِ بِأَنْ كَانَ لَهُ فَصٌّ فَإِنْ كَانَ حَنِثَ لِأَنَّهُ لُبْسُ النِّسَاءِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ بِخَاتَمِ الْفِضَّةِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَلْبَسُهُ النِّسَاءُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ لِأَنَّ الْعُرْفَ بِخَاتَمِ الْفِضَّةِ يَنْفِي كَوْنَهُ حُلِيًّا وَإِنْ كَانَ زِينَةً (قَوْلُهُ كَخَلْخَالٍ وَسِوَارٍ) لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا لِلتَّزَيُّنِ فَكَانَ كَامِلًا فِي مَعْنَى الْحُلِيِّ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. [تَتِمَّةٌ] حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا أَوْ لَا يَشْتَرِيهِ فَيَمِينُهُ عَلَى كُلِّ مَلْبُوسٍ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ، وَتَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فَلَا يَحْنَثُ بِبِسَاطٍ أَوْ طَنْفَسَةٍ أَوْ قَلَنْسُوَةٍ أَوْ مِنْدِيلٍ يَمْتَخِطُ بِهِ أَوْ مِقْنَعَةٍ أَوْ لِفَافَةٍ إلَّا إذَا بَلَغَتْ مِقْدَارَ الْإِزَارِ، وَكَذَا الْعِمَامَةُ وَلَوْ اتَّزَرَ بِالْقَمِيصِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 833 (حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ فَجَلَسَ عَلَى) حَائِلٍ مُنْفَصِلٍ كَخَشَبٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ (بِسَاطٍ أَوْ حَصِيرٍ أَوْ) حَلَفَ (لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ فَجَعَلَ فَوْقَهُ آخَرَ فَنَامَ عَلَيْهِ أَوْ لَا يَجْلِسُ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ فَجَعَلَ فَوْقَهُ آخَرَ لَا يَحْنَثُ) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ الْحَشْوَ مِنْ الْفِرَاشِ لِلْعُرْفِ، وَلَوْ نَكَّرَ الْأَخِيرَيْنِ حَنِثَ مُطْلَقًا لِلْعُمُومِ، وَمَا فِي الْقُدُورِيِّ مِنْ تَنْكِيرِ السَّرِيرِ حَمَلَهُ فِي الْجَوْهَرَة عَلَى الْمُعَرَّفِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى أَلْوَاحِ هَذَا السَّرِيرِ أَوْ أَلْوَاحِ هَذِهِ السَّفِينَةِ فَفُرِشَ عَلَى ذَلِكَ فِرَاشٌ) لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَمْ يَنَمْ عَلَى الْأَلْوَاحِ بَحْرٌ كَذَا فِي نُسَخِ الشَّرْحِ. لَكِنْ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِأَدَاةِ التَّشْبِيهِ نَحْوِ كَمَا لَوْ إلَى آخِرِ الْكَلَامِ أَوْ تَأْخِيرِهِ عَنْ مَقَالَةِ الْقِرَامِ لِيَصِحَّ الْمَرَامُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الْأَفْهَامِ كَمَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي غَالِبِ نُسَخِ الْمَتْنِ بِدِيَارِنَا دِمَشْقَ الشَّامِ فَتَنَبَّهْ (وَلَوْ جُعِلَ عَلَى الْفِرَاشِ قِرَامٌ) بِالْكَسْرِ الْمَلَاءَةُ (أَوْ) جُعِلَ (عَلَى السَّرِيرِ بِسَاطٌ أَوْ حَصِيرٌ حَنِثَ) لِأَنَّهُ يُعَدُّ نَائِمًا أَوْ جَالِسًا عَلَيْهِمَا عُرْفًا بِخِلَافِ مَا مَرَّ   [رد المحتار] أَوْ ارْتَدَى لَا يَحْنَثُ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى لُبْسِ ثَوْبٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِاللُّبْسِ الْمُعْتَادِ، وَفِي الْمُعَيَّنِ يَحْنَثُ كَيْفَمَا لَبِسَهُ وَلَا يَحْنَثُ بِوَضْعِ الْقَبَاءِ عَلَى اللِّحَافِ حَالَةَ النَّوْمِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْبَحْرِ. مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ أَوْ هَذَا السَّرِيرِ (قَوْلُهُ عَلَى حَائِلٍ مُنْفَصِلٍ) أَيْ لَيْسَ بِتَابِعٍ لِلْحَالِفِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَائِلُ ثِيَابَهُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ فَلَا يَصِيرُ حَائِلًا وَلَوْ خَلَعَ ثَوْبَهُ فَبَسَطَهُ وَجَلَسَ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ لِارْتِفَاعِ التَّبَعِيَّةِ بَحْرٌ وَفَتْحٌ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَمْ أَرَ مَا لَوْ جَلَسَ عَلَى حَشِيشٍ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَثِيرًا يَحْنَثُ اهـ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ غَيْرَ مَقْلُوعٍ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ جَالِسٌ عَلَى الْحَشِيشِ لَا عَلَى الْأَرْضِ (قَوْلُهُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ) مِثْلُهُ هَذَا الْحَصِيرِ وَهَذَا الْبِسَاطِ هِنْدِيَّةٌ ط (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتْبَعُ مِثْلَهُ فَتَنْقَطِعُ النِّسْبَةُ عَنْ الْأَسْفَلِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةٌ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى نَائِمًا عَلَى فِرَاشَيْنِ فَلَمْ تَنْقَطِعْ النِّسْبَةُ وَلَمْ يَصِرْ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ لَيْسَ تَبَعًا لِمِثْلِهِ مُسَلَّمٌ وَلَا يَضُرُّنَا نَفْيُهُ فِي الْفِرَاشَيْنِ بَلْ كُلٌّ أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ، وَيَتَحَقَّقُ الْحِنْثُ بِتَعَارُفِ قَوْلِنَا نَامَ عَلَى فِرَاشَيْنِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَمَاسَّهُ إلَّا الْأَعْلَى فَتْحٌ. قُلْت: وَهَذَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ الْآنَ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ الْحَشْوَ) أَيْ وَنَامَ عَلَى الظِّهَارَةِ أَوْ عَلَى الصُّوفِ وَالْحَشْوِ فَلَا يَحْنَثُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى فِرَاشًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ (قَوْلُهُ لِلْعُرْفِ) رَاجِعٌ لِلْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ (قَوْلُهُ الْأَخِيرَيْنِ) أَيْ الْفِرَاشَ وَالسَّرِيرَ (قَوْلُهُ لِلْعُمُومِ) أَيْ عُمُومِ اللَّفْظِ الْمُنَكَّرِ لِلْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ ط (قَوْلُهُ وَمَا فِي الْقُدُورِيِّ) وَقَعَ مِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ (قَوْلُهُ حَمَلَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ عَلَى الْمُعَرَّفِ) وَكَذَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ: وَمَنْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ أَيْ فِرَاشٍ مُعَيَّنٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَإِنْ جَعَلَ فَوْقَهُ فِرَاشًا آخَرَ فَنَامَ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ. اهـ. قُلْت: وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ قَوْلَهُ فِرَاشًا آخَرَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مُعَيَّنٌ لِيَكُونَ الْآخَرُ غَيْرَهُ إذْ لَوْ كَانَ مُنَكَّرًا لَكَانَ الْآخَرُ مَحْلُوفًا عَلَيْهِ أَيْضًا فَافْهَمْ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُدَّعَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَنَمْ عَلَى الْأَسْفَلِ، وَهَذَا لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُنَكَّرِ وَالْمُعَيَّنِ لِانْقِطَاعِ النِّسْبَةِ إلَيْهِ بِالثَّانِي، وَأَمَّا حِنْثُهُ فِي الْمُنَكَّرِ بِالْأَعْلَى فَبَحْثٌ آخَرُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقٌ فَالْأَحْسَنُ مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لَكِنْ يَنْبَغِي) أَيْ يَجِبُ (قَوْلُهُ الْمُلَاءَةَ) الَّذِي فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ سَاتِرٌ رَقِيقٌ يُجْعَلُ فَوْقَهُ كَالْمُلَاءَةِ الْمَجْعُولَةِ فَوْقَ الطَّرَّاحَةِ اهـ وَفِي الْمِصْبَاحِ: الْقِرَامُ وِزَانُ كِتَابٍ: السِّتْرُ الرَّقِيقُ وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ وَفِيهِ رَقْمٌ وَنُقُوشٌ ثُمَّ قَالَ وَالْمُلَاءَةُ بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ الرَّيْطَةُ ذَاتُ لِفْقَيْنِ وَالْجَمْعُ مُلَاءٌ بِحَذْفِ الْهَاءِ وَقَالَ أَيْضًا الرَّيْطَةُ بِالْفَتْحِ كُلُّ مُلَاءَةٍ لَيْسَتْ لِفْقَيْنِ أَيْ قِطْعَتَيْنِ وَقَدْ يُسَمَّى كُلُّ ثَوْبٍ رَقِيقٍ رَيْطَةً (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 834 (بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى أَلْوَاحِ هَذَا السَّرِيرِ أَوْ أَلْوَاحِ هَذِهِ السَّفِينَةِ فَفُرِشَ عَلَى ذَلِكَ فِرَاشٌ) فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَنَمْ عَلَى الْأَلْوَاحِ. (حَلَفَ لَا يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ فَمَشَى عَلَيْهَا بِنَعْلٍ أَوْ خُفٍّ) أَوْ مَشَى عَلَى أَحْجَارٍ (حَنِثَ وَإِنْ) مَشَى (عَلَى بِسَاطٍ لَا) يَحْنَثُ. [فَرْعٌ] إنْ نِمْت عَلَى ثَوْبِك أَوْ فِرَاشِك فَكَذَا اُعْتُبِرَ أَكْثَرُ بَدَنِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُنَاسِبُ أَنْ يُتَرْجَمَ بِمَسَائِلَ شَتَّى مِنْ الْغُسْلِ وَالْكِسْوَةِ. الْأَصْلُ هُنَا أَنَّ (مَا شَارَكَ الْمَيِّتُ فِيهِ الْحَيَّ يَقَعُ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْحَالَتَيْنِ) الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ (وَمَا اخْتَصَّ بِحَالَةِ الْحَيَاةِ) وَهُوَ كُلُّ فِعْلٍ يُلِذُّ وَيُؤْلِمُ وَيَغُمُّ وَيُسِرُّ كَشَتْمٍ وَتَقْبِيلٍ (تَقَيَّدَ بِهَا) ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ. (فَلَوْ قَالَ إنْ ضَرَبْتُك أَوْ كَسَوْتُك أَوْ كَلَّمْتُك أَوْ دَخَلْت عَلَيْك أَوْ قَبَّلْتُك تَقَيَّدَ) كُلٌّ مِنْهَا (بِالْحَيَاةِ)   [رد المحتار] قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى أَلْوَاحِ هَذَا السَّرِيرِ إلَخْ) هَذَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ الَّتِي بِدِيَارِنَا كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ لَكِنْ يَجِبُ إسْقَاطُهُ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ بِمَا مَرَّ (قَوْلُهُ حَنِثَ) لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ مَاشٍ عَلَى الْأَرْضِ وَلَوْ كَانَتْ الْأَحْجَارُ غَيْرَ مُتَّصِلَةٍ بِهَا (قَوْلُهُ إنْ نِمْت عَلَى ثَوْبِك إلَخْ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ قَالَ لَهَا: إنْ نِمْت عَلَى ثَوْبِك فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَاتَّكَأَ عَلَى وِسَادَةٍ لَهَا أَوْ وَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى مِرْفَقَةٍ لَهَا أَوْ اضْطَجَعَ عَلَى فِرَاشِهَا إنْ وَضَعَ جَنْبَهُ أَوْ أَكْثَرَ بَدَنِهِ عَلَى ثَوْبٍ مِنْ ثِيَابِهَا حَنِثَ لِأَنَّهُ يُعَدُّ نَائِمًا وَإِنْ اتَّكَأَ عَلَى وِسَادَةٍ أَوْ جَلَسَ عَلَيْهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ نَائِمًا اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ] َ (قَوْلُهُ مِمَّا يُنَاسِبُ إلَخْ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ مَسَائِلَ الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ تَرْجَمَ لَهَا فِي الْهِدَايَةِ بَابًا مُسْتَقِلًّا وَكَذَا مَسَائِلُ تَقَاضِي الدَّيْنِ، وَتَرْجَمَ لِمَا بَقِيَ بِمَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي مَوْضِعِ خَبَرٍ لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هَذَا الْبَابُ مِمَّا يُنَاسِبُ تَرْجَمَتَهُ إلَخْ فَالْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ مِنْ أَنْ وَالْفِعْلِ فَاعِلُ يُنَاسِبُ أَوْ هُوَ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ (قَوْلُهُ مِنْ الْغَسْلِ وَالْكِسْوَةِ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ مِمَّا يُنَاسِبُ ط (قَوْلُهُ أَوْ قَبَّلْتُك) فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ قَتَلْتُك مِنْ الْقَتْلِ. مَطْلَبُ تُرَدُّ الْحَيَاةُ إلَى الْمَيِّتِ بِقَدْرِ مَا يُحِسُّ بِالْأَلَمِ (قَوْلُهُ تَقَيَّدَ كُلٌّ مِنْهَا بِالْحَيَاةِ) أَمَّا الضَّرْبُ فَلِأَنَّهُ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ يَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ أَوْ اسْتِعْمَالُ آلَةِ التَّأْدِيبِ فِي مَحَلٍّ يَقْبَلُهُ وَالْإِيلَامُ وَالْأَدَبُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ وَلَا يَرِدُ تَعْذِيبُ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ لِأَنَّهُ تُوضَعُ فِيهِ الْحَيَاةُ عِنْدَ الْعَامَّةِ بِقَدْرِ مَا يُحِسُّ بِالْأَلَمِ وَالْبِنْيَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ بَلْ تُجْعَلُ الْحَيَاةُ فِي تِلْكَ الْأَجْزَاءِ الْمُتَفَرِّقَةِ الَّتِي لَا يُدْرِكُهَا الْبَصَرُ، وَأَمَّا الْكِسْوَةُ فَلِأَنَّ التَّمْلِيكَ مُعْتَبَرٌ فِي مَفْهُومِهَا، كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ كَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ كَانَ هِبَةً وَالْمَيِّتُ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّمْلِيكِ. وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِالْفَارِسِيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ اللُّبْثُ دُونَ التَّمْلِيكِ وَلَا يُرَدُّ قَوْلُهُمْ إنَّهُ لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فَتَعَلَّقَ بِهَا صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ مَلَكَهُ لِأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إلَى وَقْتِ الْحَيَاةِ وَالنَّصْبِ أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ فَتَمَلَّكَهُ وَرَثَتُهُ حَقِيقَةً لَا هُوَ وَأَيْضًا هَذَا مِلْكٌ لَا تَمْلِيكٌ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. 1 - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 835 حَتَّى لَوْ عَلَّقَ بِهَا طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا لَمْ يَحْنَثْ بِفِعْلِهَا فِي مَيِّتٍ (بِخِلَافِ الْغُسْلِ وَالْحَمْلِ وَاللَّمْسِ وَإِلْبَاسِ الثَّوْبِ) كَحَلِفِهِ لَا يُغَسِّلُهُ أَوْ لَا يَحْمِلُهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْحَيَاةِ. (يَحْنَثُ فِي حَلِفِهِ) وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ (لَا يَضْرِبُ زَوْجَتَهُ فَمَدَّ شَعْرَهَا أَوْ خَنَقَهَا أَوْ عَضَّهَا أَوْ قَرَصَهَا) وَلَوْ مُمَازِحًا خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ (وَالْقَصْدُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ) أَيْ فِي الضَّرْبِ (وَقِيلَ شَرْطٌ عَلَى الْأَظْهَرِ) وَالْأَشْبَهُ بَحْرٌ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالسِّرَاجِيَّةِ. وَأَمَّا الْإِيلَامُ فَشَرْطٌ بِهِ يُفْتَى وَيَكْفِي جَمْعُهَا بِشَرْطِ إصَابَةِ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي سَمَاعِ الْمَيِّتِ الْكَلَامَ وَأَمَّا الْكَلَامُ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْإِفْهَامُ وَالْمَوْتُ يُنَافِيهِ. وَلَا يُرَدُّ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ قَلِيبِ بَدْرٍ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا فَقَالَ عُمَرُ أَتُكَلِّمُ الْمَيِّتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْ هَؤُلَاءِ أَوْ مِنْهُمْ» فَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ الْمَشَايِخُ بِأَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ يَعْنِي مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ عَائِشَةَ رَدَّتْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22]- {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80]- وَأَنَّهُ إنَّمَا قَالَهُ عَلَى وَجْهِ الْمَوْعِظَةِ لِلْأَحْيَاءِ، وَبِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِأُولَئِكَ تَضْعِيفًا لِلْحَسْرَةِ عَلَيْهِمْ، وَبِأَنَّهُ خُصُوصِيَّةٌ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُعْجِزَةٌ، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِمْ مَا فِي مُسْلِمٍ «إنَّ الْمَيِّتَ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ إذَا انْصَرَفُوا» إلَّا أَنْ يَخُصُّوا ذَلِكَ بِأَوَّلِ الْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ مُقَدِّمَةً لِلسُّؤَالِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآيَتَيْنِ فَإِنَّهُ شَبَّهَ فِيهِمَا الْكُفَّارَ بِالْمَوْتَى لِإِفَادَةِ بُعْدِ سَمَاعِهِمْ وَهُوَ فَرْعُ عَدَمِ سَمَاعِ الْمَوْتَى هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ هُنَا. وَفِي الْجَنَائِزِ: وَمَعْنَى الْجَوَابِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ وَإِنْ صَحَّ سَنَدُهُ لَكِنَّهُ مَعْلُولٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِعِلَّةٍ تَقْتَضِي عَدَمَ ثُبُوتِهِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهِيَ مُخَالَفَتُهُ لِلْقُرْآنِ فَافْهَمْ، وَأَمَّا الدُّخُولُ فَلِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ زِيَارَتُهُ أَوْ خِدْمَتُهُ حَتَّى لَا يُقَالَ دَخَلَ عَلَى حَائِطٍ أَوْ دَابَّةٍ وَالْمَيِّتُ لَا يُزَارُ هُوَ وَإِنَّمَا يُزَارُ قَبْرُهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا» ، وَلَمْ يَقُلْ عَنْ زِيَارَةِ الْمَوْتَى هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ هُنَا فَتَأَمَّلْهُ. وَأَمَّا التَّقْبِيلُ فَلِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ اللَّذَّةُ أَوْ الْإِسْرَارُ أَوْ الشَّفَقَةُ وَأَمَّا الْقَتْلُ فَكَالضَّرْبِ بَلْ أَوْلَى (قَوْلُهُ كَحَلِفِهِ لَا يُغَسِّلُهُ إلَخْ) تَمْثِيلٌ لِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْغُسْلِ (قَوْلُهُ أَوْ خَنَقَهَا) أَيْ عَصَرَ حَلْقَهَا ط عَنْ الْحَمَوِيِّ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَإِطْلَاقُهُ يَعُمُّ حَالَةَ الْغَضَبِ وَالرِّضَا لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ عَضَّهَا أَوْ أَصَابَ رَأْسَ أَنْفِهَا فَأَدْمَاهَا فَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنْ كَانَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ فِي حَالَةِ الْمُلَاعَبَةِ لَا يَحْنَثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ وَذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، لَكِنْ فِي الْفَتْحِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ هَذَا يَعْنِي الْحِنْثَ إذَا كَانَ فِي الْغَضَبِ أَمَّا إذَا فَعَلَ فِي الْمُمَازَحَةِ فَلَا يَحْنَثُ وَلَوْ أَدْمَاهَا بِلَا قَصْدِ الْإِدْمَاءِ وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ قَالَ: أَرَاهَا فِي الْعَرَبِيَّةِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ فَلَا يَحْنَثُ بِمَدِّ الشَّعْرِ وَالْخَنْقِ وَالْعَضِّ. وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ اهـ قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ صَارَ فِي الْعُرْفِ مَنْعًا لِنَفْسِهِ عَنْ إيلَامِهَا بِوَجْهِ مَا هُوَ يُشْبِهُ عُمُومَ الْمَجَازِ فَإِنَّ مُطْلَقَ الْإِيلَامِ شَامِلٌ لِتِلْكَ الْأَقْسَامِ اهـ وَقَوْلُ الْفَتْحِ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ قَدْ يَشْمَلُ حَالَةَ الْمُمَازَحَةِ كَمَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ مُخَالِفًا لِتَصْحِيحِ الْخُلَاصَةِ، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي مِنَحِهِ أَطْلَقَهُ تَبَعًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ فَانْتَظَمَ مَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ، وَمَا إذَا كَانَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ أَوْ الْمِزَاحِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا أَفَادَهُ الْكَمَالُ اهـ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَالْقَصْدُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ) حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ زَوْجَتَهُ فَضَرَبَ غَيْرَهَا فَأَصَابَهَا يَحْنَثُ لِأَنَّ عَدَمَ الْقَصْدِ لَا يُعْدِمُ الْفِعْلَ (قَوْلُهُ وَقِيلَ شَرْطٌ) لِأَنَّهُ لَا يُتَعَارَفُ وَالزَّوْجُ لَا يَقْصِدُهُ بِيَمِينِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَيَكْفِي جَمْعُهَا إلَخْ) أَيْ لَوْ حَلَفَ عَلَى عَدَدٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْأَسْوَاطِ قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةَ سَوْطٍ، فَجَمَعَ مِائَةَ سَوْطٍ وَضَرَبَهُ مَرَّةً لَا يَحْنَثُ قَالُوا هَذَا إذَا ضَرَبَ ضَرْبًا يُتَأَلَّمُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا يَبَرُّ لِأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 836 كُلِّ سَوْطٍ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى - {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: 44]- أَيْ حُزْمَةَ رَيْحَانٍ فَخُصُوصِيَّةٌ لِرَحْمَةِ زَوْجَةِ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَتْحٌ. (حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ) أَوْ لَيَقْتُلَنَّ (فُلَانًا أَلْفَ مَرَّةٍ فَهُوَ عَلَى الْكَثْرَةِ) وَالْمُبَالَغَةِ كَحَلِفِهِ لَيَضْرِبَنَّهُ حَتَّى يَمُوتَ، أَوْ حَتَّى يَقْتُلَهُ أَوْ حَتَّى يَتْرُكَهُ لَا حَيًّا وَلَا مَيِّتًا، وَلَوْ قَالَ حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهِ أَوْ حَتَّى يَسْتَغِيثَ أَوْ يَبْكِيَ فَعَلَى الْحَقِيقَةِ (إنْ لَمْ   [رد المحتار] صُورَةٌ لَا مَعْنًى وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى، وَلَوْ ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ وَاحِدٍ لَهُ شُعْبَتَانِ خَمْسِينَ مَرَّةً كُلُّ مَرَّةٍ تَقَعُ الشُّعْبَتَانِ عَلَى بَدَنِهِ بَرَّ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِائَةً، وَإِنْ جَمَعَ الْأَسْوَاطَ جَمِيعًا وَضَرَبَهُ ضَرْبَةً إنْ ضَرَبَ بِعَرْضِ الْأَسْوَاطِ لَا يَبَرُّ لِأَنَّ كُلَّ الْأَسْوَاطِ لَمْ يَقَعْ عَلَى بَدَنِهِ، وَإِنْ ضَرَبَهُ بِرَأْسِهَا إنْ سَوَّى رُءُوسَهَا قَبْلَ الضَّرْبِ بِحَيْثُ يُصِيبُهُ رَأْسُ كُلِّ سَوْطٍ بَرَّ وَأَمَّا إذَا انْدَسَّ مِنْهَا شَيْءٌ لَا يَبَرُّ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ وَفِي الْفَتْحِ حَتَّى إنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ شَرَطَ كَوْنَ كُلِّ عُودٍ بِحَالٍ لَوْ ضَرَبَ بِهِ مُنْفَرِدًا لَأَوْجَعَ الْمَضْرُوبَ، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا بِالْحِنْثِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَلَمِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا أُورِدَ عَلَى أَخْذِ الْإِيلَامِ فِي مَفْهُومِ الضَّرْبِ فَإِنَّهُ لَا إيلَامَ بِحُزْمَةِ الرَّيْحَانِ، فَيَكُونُ خُصُوصِيَّةً إنْ كَانَتْ هِيَ الْمُرَادَةَ بِالضِّغْثِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا قَبْضَةٌ مِنْ أَغْصَانِ الشَّجَرِ، وَهَذَا جَوَابٌ بِالْمَنْعِ أَيْ مَنْعِ الْإِيرَادِ وَالْأَوَّلُ جَوَابٌ بِالتَّسْلِيمِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَأَجَابَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّ الضَّرْبَ فِي الْآيَةِ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا لَا إيلَامَ فِيهِ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ، فَإِنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ لَا عَلَى أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ (قَوْلُهُ ضِغْثًا) فِي الْمِصْبَاحِ هُوَ قَبْضَةٌ مِنْ حَشِيشٍ مُخْتَلِطٍ رَطْبُهَا بِيَابِسِهَا، وَيُقَالُ مِلْءُ الْكَفِّ مِنْ قُضْبَانٍ وَحَشِيشٍ أَوْ شَمَارِيخَ، وَاَلَّذِي فِي الْآيَةِ قِيلَ كَانَ حُزْمَةً مِنْ أَسْلٍ فِيهَا مِائَةُ عُودٍ وَهُوَ قُضْبَانٌ دِقَاقٌ لَا وَرَقَ لَهَا يُعْمَلُ مِنْهُ الْحُصْرُ وَالْأَصْلُ فِي الضِّغْثِ أَنْ يَكُونَ لَهُ قُضْبَانٌ يَجْمَعُهَا أَصْلٌ وَاحِدٌ ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى اُسْتُعْمِلَ فِيمَا يُجْمَعُ (قَوْلُهُ فَخُصُوصِيَّةٌ لِرَحْمَةِ) قَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ: زَوْجَتُهُ لِيَا بِنْتُ يَعْقُوبَ وَقِيلَ رَحْمَةُ بِنْتُ قَرَاثِيمَ بْنِ يُوسُفَ ذَهَبَتْ لِحَاجَةٍ وَأَبْطَأَتْ فَحَلَفَ إنْ بَرِئَ ضَرَبَهَا مِائَةَ ضَرْبَةٍ فَحَلَّلَ اللَّهُ تَعَالَى يَمِينَهُ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. ح. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَدُفِعَ كَوْنُهُ خُصُوصِيَّةً بِأَنَّهُ تَمَسَّكَ بِهِ فِي كِتَابِ الْحِيَلِ فِي جَوَازِ الْحِيلَةِ وَفِي الْكَشَّافِ هَذِهِ الرُّخْصَةُ بَاقِيَةٌ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْبِرَّ بِضَرْبٍ بِضِغْثٍ بِلَا أَلَمٍ أَصْلًا خُصُوصِيَّةٌ لِزَوْجَةِ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ بَقَاءُ شَرْعِيَّةِ الْحِيلَةِ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى قُلْنَا إذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَجَمَعَهَا وَضَرَبَ بِهَا مَرَّةً لَا يَحْنَثُ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُصِيبَ بَدَنَهُ كُلُّ سَوْطٍ مِنْهَا إلَخْ. (قَوْلُهُ فَهُوَ عَلَى الْكَثْرَةِ وَالْمُبَالَغَةِ) تَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ التَّعْلِيقِ إنْ لَمْ أُجَامِعْهَا أَلْفَ مَرَّةٍ فَكَذَا فَعَلَى الْمُبَالَغَةِ لَا الْعَدَدِ وَقَالُوا هُنَاكَ وَالسَّبْعُونَ كَثِيرٌ، وَأَفَادَ أَنَّ الْقَتْلَ بِمَعْنَى الضَّرْبِ كَمَا هُوَ الْعُرْفُ لِأَنَّهُ الَّذِي تَمَكَّنَ فِيهِ الْكَثْرَةُ، لَا بِمَعْنَى إزْهَاقِ الرُّوحِ إلَّا مَعَ النِّيَّةِ أَوْ الْقَرِينَةِ، وَلِذَا قَالَ فِي الدُّرَرِ شَهَرَ عَلَى إنْسَانٍ سَيْفًا وَحَلَفَ لَيَقْتُلَنَّهُ فَهُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَلَوْ شَهَرَ عَصًا وَحَلَفَ لَيَقْتُلَنَّهُ فَعَلَى إيلَامِهِ (قَوْلُهُ كَحَلِفِهِ لَيَضْرِبَنَّهُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُبَالَغَةِ هُنَا الشِّدَّةُ لَا خُصُوصُ كَثْرَةِ الْعَدَدِ لِقَوْلِ الْبَحْرِ فِي مَسْأَلَةِ لَا حَيًّا وَلَا مَيِّتًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: هَذَا عَلَى أَنْ يَضْرِبَهُ ضَرْبًا مُبَرَّحًا، ثُمَّ إنَّ هَذَا إذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ بِالسِّيَاطِ حَتَّى يَمُوتَ أَمَّا لَوْ قَالَ بِالسَّيْفِ فَهُوَ عَلَى أَنْ يَضْرِبَهُ بِالسَّيْفِ وَيَمُوتَ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ آلَةً وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِثْلُ الْأَوَّلِ إلَّا مَعَ النِّيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 837 أَقْتُلْ زَيْدًا فَكَذَا وَهُوَ) أَيْ زَيْدٌ (مَيِّتٌ إنْ عَلِمَ) الْحَالِفُ (بِمَوْتِهِ حَنِثَ وَإِلَّا لَا) وَقَدْ قَدَّمَهَا عِنْدَ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ. (حَلَفَ لَا يَقْتُلُ فُلَانًا بِالْكُوفَةِ فَضَرَبَهُ بِالسَّوَادِ وَمَاتَ بِهَا حَنِثَ) كَحَلِفِهِ لَا يَقْتُلُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَجَرَحَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَمَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَنِثَ (وَبِعَكْسِهِ) أَيْ ضَرْبِهِ بِكُوفَةَ وَمَوْتِهِ بِالسَّوَادِ (لَا) يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ زَمَانُ الْمَوْتِ وَمَكَانُهُ بِشَرْطِ كَوْنِ الضَّرْبِ وَالْجَرْحِ بَعْدَ الْيَمِينِ ظَهِيرِيَّةٌ وَفِيهَا إنْ لَمْ تَأْتِنِي حَتَّى أَضْرِبَك فَهُوَ عَلَى الْإِتْيَانِ ضَرَبَهُ أَوْ لَا. إنْ رَأَيْته لَأَضْرِبَنَّهُ فَعَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يَنْوِ الْفَوْرَ. إنْ رَأَيْتُك فَلَمْ أَضْرِبْك فَرَآهُ الْحَالِفُ وَهُوَ مَرِيضٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الضَّرْبِ حَنِثَ. إنْ لَقِيتُك فَلَمْ أَضْرِبْك فَرَآهُ مِنْ قَدْرِ مِيلٍ لَمْ يَحْنَثْ بَحْرٌ. (الشَّهْرُ وَمَا فَوْقَهُ) وَلَوْ إلَى الْمَوْتِ (بَعِيدٌ وَمَا دُونَهُ قَرِيبٌ) فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ أَوْ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى بَعِيدٍ أَوْ إلَى قَرِيبٍ (وَ) لَفْظُ (الْعَاجِلِ وَالسَّرِيعِ كَالْقَرِيبِ وَالْآجِلُ كَالْبَعِيدِ) وَهَذَا بِلَا نِيَّةٍ (وَإِنْ نَوَى) بِقَرِيبٍ وَبَعِيدٍ (مُدَّةً) مُعَيَّنَةً (فِيهِمَا فَعَلَى مَا نَوَى) وَيَدِينُ فِيمَا فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ بَحْرٌ. (حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ مَلِيًّا أَوْ طَوِيلًا إنْ نَوَى شَيْئًا فَذَاكَ وَإِلَّا فَعَلَى شَهْرٍ وَيَوْمٍ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَقَدْ قَدَّمَهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَبَيَّنَ الشَّارِحُ وَجْهَهَا هُنَاكَ. (قَوْلُهُ فَضَرَبَهُ بِالسَّوَادِ) أَيْ بِالْقُرَى فِي الْمِصْبَاحِ الْعَرَبُ تُسَمِّي الْأَخْضَرَ أَسْوَدَ لِأَنَّهُ يُرَى كَذَلِكَ عَلَى بُعْدٍ، وَمِنْهُ سَوَادُ الْعِرَاقِ لِخُضْرَةِ أَشْجَارِهِ وَزَرْعِهِ (قَوْلُهُ زَمَانُ الْمَوْتِ وَمَكَانُهُ) نَشْرٌ مُشَوَّشٌ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَتْلَ هُوَ إزْهَاقُ الرُّوحِ فَيُعْتَبَرُ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ ذَلِكَ ط (قَوْلُهُ بِشَرْطِ كَوْنِ إلَخْ) فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْيَمِينِ فَلَا حِنْثَ أَصْلًا لِأَنَّ الْيَمِينَ تَقْتَضِي شَرْطًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْمَاضِي بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ تَأْتِنِي إلَخْ) قَدَّمَ هَذَا الْفَرْعَ قُبَيْلَ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا، وَمَحَلُّ ذِكْرِهِ هُنَا وَقَدَّمْنَا وَجْهَهُ أَنَّ حَتَّى فِيهِ لِلتَّعْلِيلِ وَالسَّبَبِيَّةِ لَا لِلْغَايَةِ وَلَا لِلْعَطْفِ وَذَكَرْنَا تَفَارِيعَ ذَلِكَ هُنَاكَ (قَوْلُهُ فَعَلَى التَّرَاخِي) أَيْ إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ أَوْ حَيَاةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَضْرِبْهُ حَتَّى مَاتَ أَحَدُهُمَا حَنِثَ (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ اللُّقِيَّ الَّذِي رَتَّبَ عَلَيْهِ الضَّرْبَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي مَكَان يُمْكِنُ فِيهِ الضَّرْبُ، وَلِذَا قَالُوا لَوْ لَقِيَهُ عَلَى سَطْحٍ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا. قُلْت: وَهَذَا لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى الضَّرْبِ بِالْيَدِ فَلَوْ بِسَهْمٍ أَوْ حَجَرٍ اُعْتُبِرَ مَا يُمْكِنُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ إلَخْ) أَيْ إذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ إلَى بَعِيدٍ فَقَضَى بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ أَكْثَرَ بَرَّ فِي يَمِينِهِ لَا لَوْ قَضَاهُ قَبْلَ شَهْرٍ وَفِي إلَى قَرِيبٍ بِالْعَكْسِ (قَوْلُهُ فَعَلَى مَا نَوَى) حَتَّى لَوْ نَوَى بِالْقَرِيبِ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَكَذَا إلَى آخِرِ الدُّنْيَا لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِرَةِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيُدَيَّنُ فِيمَا فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ) هَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا وَكَذَا فِي النَّهْرِ وَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ. (قَوْلُهُ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ) وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَفِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ إلَخْ) ذَكَرَ ذَلِكَ فِي النَّهْرِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ الْحِينُ وَالزَّمَانُ وَمُنَكَّرُهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ حَيْثُ قَالَ وَفِي السِّرَاجِ: لَا أُكَلِّمُهُ مَلِيًّا فَهَذَا عَلَى شَهْرٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ: لَأَهْجُرَنَّك مَلِيًّا فَهُوَ عَلَى شَهْرٍ فَصَاعِدًا، وَإِنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ اهـ فَافْهَمْ " وَفِي بَعْضِ نُسَخِ النَّهْرِ فَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ: مُوَافِقٌ لِلنُّسْخَةِ الْأُولَى. وَعِبَارَةُ النَّهْرِ هُنَا وَقِيَاسُ مَا مَرَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى شَهْرٍ أَيْضًا أَيْ قِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَعِيدِ وَالْآجِلِ فَإِنَّ مَلِيًّا وَطَوِيلًا فِي مَعْنَاهُمَا وَكَانَ صَاحِبُ النَّهْرِ نَسِيَ مَا قَدَّمَهُ عَنْ السِّرَاجِ بِدَلِيلِ عُدُولِهِ إلَى الْقِيَاسِ وَإِلَّا فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَقَدَّمْنَا عَنْ السِّرَاجِ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى شَهْرٍ أَيْضًا إلَّا أَنْ تَكُونَ النُّسْخَةُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ. هَذَا وَقَوْلُ السِّرَاجِ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ يُؤَيِّدُ بَحْثَ الْبَحْرِ الْمَارَّ آنِفًا تَأَمَّلْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 838 عَلَى شَهْرِ كَذَا وَكَذَا يَوْمًا أَحَدَ عَشَرَ وَبِالْوَاوِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَبِضْعَةَ عَشَرَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ. (يَبَرُّ فِي حَلِفِهِ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ الْيَوْمَ لَوْ قَضَاهُ نَبَهْرَجَةً) مَا يَرُدُّهُ التُّجَّارُ (وَزُيُوفًا) مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ (أَوْ مُسْتَحَقَّةً) لِلْغَيْرِ وَيَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ بِدَفْعِهَا (لَا) يَبَرُّ (لَوْ قَضَاهُ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً) وَسَطُهَا غِشٌّ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ، وَلِذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهِمَا فِي صَرْفٍ وَسَلَمٍ لَمْ يَجُزْ. وَنَقَلَ مِسْكِينٌ أَنَّ النَّبَهْرَجَةَ إذَا غَلَبَ غِشُّهَا لَمْ يُؤْخَذْ. وَأَمَّا السَّتُّوقَةُ فَأَخْذُهَا حَرَامٌ لِأَنَّهَا نُحَاسٌ انْتَهَى. وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلُ الْخَمْسُ الَّتِي جَعَلُوا الزُّيُوفَ فِيهَا كَالْجِيَادِ (يَبَرُّ) الْمَدْيُونُ (فِي حَلِفِهِ) لِرَبِّ الدَّيْنِ (لَأَقْضِيَنَّ مَالَك   [رد المحتار] تَنْبِيهٌ] فِي الْمُغْرِبِ: الْمَلِيُّ مِنْ النَّهَارِ السَّاعَةُ الطَّوِيلَةُ. وَعَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ الْمَلِيُّ الْمُتَّسَعُ وَقِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى - {وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [مريم: 46]- أَيْ دَهْرًا طَوِيلًا عَنْ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالتَّرْكِيبُ دَالٌّ عَلَى السَّعَةِ وَالطُّولِ. اهـ. قُلْت: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَأْخَذُ تَرْكِيبِهِ وَجْهًا لِزِيَادَةِ مُدَّتِهِ عَلَى الْبَعِيدِ وَالْآجِلِ فَلِذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ بِأَنَّهُ شَهْرٌ وَيَوْمٌ وَتَبِعَهُمَا الْمُصَنِّفُ، وَأَمَّا عَلَى نُسْخَةِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ اسْمٌ لِزَمَانٍ طَوِيلٍ وَالزَّمَانُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَحَدَ عَشَرَ) لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ مُرَكَّبٍ بِدُونِ عَطْفٍ، وَأَمَّا بِالْعَطْفِ نَحْوُ كَذَا وَكَذَا فَأَقَلُّ عَدَدٍ نَظِيرُهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ (قَوْلُهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ) لِأَنَّ الْبِضْعَ بِالْكَسْرِ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ، وَقِيلَ إلَى التِّسْعِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ لَكِنَّ صَرِيحَ مَا فِي الشَّرْحِ أَنَّ الثَّلَاثَةَ دَاخِلَةٌ وَمَا فِي الْمِصْبَاحِ يُخَالِفُهُ تَأَمَّلْ. مَطْلَبُ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ فَقَضَاهُ نَبَهْرَجَةً أَوْ سَتُّوقَةً (قَوْلُهُ نَبَهْرَجَةً) هَذَا غَيْرُ عَرَبِيٍّ. وَأَصْلُهُ نَبْهَرَةٌ وَهُوَ الْحَظُّ أَيْ حَظُّ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ مِنْ الْفِضَّةِ أَقَلُّ وَغِشُّهُ أَكْثَرُ وَلِذَا رَدَّهَا التُّجَّارُ أَيْ الْمُسْتَقْصِي مِنْهَا، وَالْمُسَهِّلُ مِنْهُمْ يَقْبَلُهَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ زُيُوفًا) جَمْعُ زَيْفٍ أَيْ كَفَلْسٍ وَفُلُوسٍ مِصْبَاحٌ: وَهِيَ الْمَغْشُوشَةُ يَتَجَوَّزُ بِهَا التُّجَّارُ وَيَرُدُّهَا بَيْتُ الْمَالِ، وَلَفْظُ الزِّيَافَةِ غَيْرُ عَرَبِيٍّ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ نَهْرٌ وَفَتْحٌ، يَعْنِي أَنَّ فِعْلَهُ زَافَ وَقِيَاسُ مَصْدَرِهِ الزُّيُوفُ لَا الزِّيَافَةُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ) لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ إلَّا مَا هُوَ فِي غَايَةِ الْجَوْدَةِ قُهُسْتَانِيُّ فَالنَّبَهْرَجَةُ غِشُّهَا أَكْثَرُ مِنْ الزُّيُوفِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ مُسْتَحَقَّةً لِلْغَيْرِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ أَثْبَتَ الْغَيْرُ أَنَّهَا حَقُّهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِذَا بَرَّ فِي دَفْعِ هَذِهِ الْمُسَمَّيَاتِ الثَّلَاثَةِ، فَلَوْ رَدَّ الزُّيُوفَ أَوْ النَّبَهْرَجَةَ أَوْ اُسْتُرِدَّتْ الْمُسْتَحَقَّةُ لَا يَرْتَفِعُ الْبِرُّ، وَإِنْ انْتَقَضَ الْقَبْضُ فَإِنَّمَا يَنْتَقِضُ فِي حَقٍّ يَقْبَلُ الِانْتِقَاضَ وَمِثْلُهُ لَوْ دَفَعَ الْمُكَاتَبُ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ وَعَتَقَ فَرَدَّهَا مَوْلَاهُ لَا يَرْتَفِعُ الْعِتْقُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ سَتُّوقَةً) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا وَتَشْدِيدِ التَّاءِ قُهُسْتَانِيٌّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهِيَ الْمَغْشُوشَةُ غِشًّا زَائِدًا وَهِيَ تَعْرِيبُ سَتُّوقَةً أَيْ ثَلَاثُ طَبَقَاتٍ طَبَقَتَا الْوَجْهَيْنِ فِضَّةٌ وَمَا بَيْنَهُمَا نُحَاسٌ وَنَحْوُهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا يَبَرُّ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ فِضَّةً وَالْأَقَلُّ سَتُّوقَةً لَا يَحْنَثُ وَبِالْعَكْسِ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْغَالِبِ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الِاسْتِبْدَالُ بِبَدَلِهِمَا قَبْلَ قَبْضِهِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا عُلِمَ فِي بَابِهِ ح (قَوْلُهُ وَنَقَلَ مِسْكِينٌ) أَيْ عَنْ الرِّسَالَةِ الْيُوسُفِيَّةِ: وَهِيَ الَّتِي عَمِلَهَا أَبُو يُوسُفَ فِي مَسَائِلِ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ لِلرَّشِيدِ. وَنَقَلَ الْعِبَارَةَ أَيْضًا فِي الْمُغْرِبِ عِنْدَ قَوْلِهِ سَتُّوقَةً وَكَذَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ عَنْ مِسْكِينٍ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ النَّبَهْرَجَةَ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ أَوْ أَهْلِ الْأَرَاضِي بِخِلَافِ السَّتُّوقَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُهَا لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَضْيِيعَ حَقِّ بَيْتِ الْمَالِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. مَطْلَبُ الْمَسَائِلُ الْخَمْسُ الَّتِي جَعَلُوا الزُّيُوفَ فِيهَا كَالْجِيَادِ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ) الثَّانِيَةُ: رَجُلٌ اشْتَرَى دَارًا بِالْجِيَادِ وَنَقَدَ الزُّيُوفَ أَخَذَ الشَّفِيعُ بِالْجِيَادِ لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُهَا إلَّا بِمَا اشْتَرَى. الثَّالِثَةُ: الْكَفِيلُ إذَا كَفَلَ بِالْجِيَادِ وَنَقَدَ الزُّيُوفَ يَرْجِعُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ بِالْجِيَادِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 839 الْيَوْمَ) فَجَاءَ بِهِ فَلَمْ يَجِدْهُ وَدَفَعَ لِلْقَاضِي وَلَوْ فِي مَوْضِعٍ لَا قَاضِيَ لَهُ حَنِثَ بِهِ يُفْتَى مُنْيَةُ الْمُفْتِي، وَكَذَا يَبَرُّ (لَوْ) وَجَدَهُ فَ (أَعْطَاهُ فَلَمْ يَقْبَلْ فَوَضَعَهُ بِحَيْثُ تَنَالُهُ يَدُهُ لَوْ أَرَادَ) قَبْضَهُ (وَإِلَّا) يَكُنْ كَذَلِكَ (لَا) يَبَرُّ ظَهِيرِيَّةٌ وَفِيهَا حَلَفَ لَيَجْهَدَنَّ فِي قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ لِفُلَانٍ بَاعَ مَا لِلْقَاضِي بَيْعُهُ لَوْ رُفِعَ الْأَمْرُ إلَيْهِ (وَكَذَا يَبَرُّ بِالْبَيْعِ) وَنَحْوِهِ مِمَّا تَحْصُلُ الْمُقَاصَّةُ فِيهِ (بِهِ) أَيْ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا (وَهِبَةُ) الدَّائِنِ (الدَّيْنَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَدْيُونِ (لَيْسَ بِقَضَاءٍ) لِأَنَّ الْهِبَةَ إسْقَاطٌ   [رد المحتار] الرَّابِعَةُ: إذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِالْجِيَادِ وَنَقَدَ الْبَائِعُ الزُّيُوفَ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً فَإِنَّ رَأْسَ الْمَالِ هُوَ الْجِيَادُ. الْخَامِسَةُ: إذَا كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ جِيَادٌ فَقَبَضَ الزُّيُوفَ فَأَنْفَقَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ الْإِنْفَاقِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْجِيَادِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَمَا لَوْ قَبَضَ الْجِيَادَ كَذَا فِي الْبَحْرِ ح. مَطْلَبُ لَأَقْضِيَنَّ مَالَك الْيَوْمَ (قَوْلُهُ وَدُفِعَ لِلْقَاضِي) وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ أَنَّ الْقَاضِيَ يُنَصِّبُ عَنْ الْغَائِبِ وَكِيلًا، وَقِيلَ إذَا غَابَ الطَّالِبُ لَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ وَإِنْ لَمْ يُدْفَعْ إلَى الْقَاضِي، وَلَا إلَى الْوَكِيلِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ يَحْنَثُ وَإِنْ دُفِعَ لِلْقَاضِي وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ خَانِيَّةٌ. قُلْت: وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الْخَمْسَةِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا الْقَضَاءُ عَلَى الْمُسَخَّرِ وَذَكَرَهَا ط وَسَيَذْكُرُهَا الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ بَاعَ مَا لِلْقَاضِي بَيْعُهُ إلَخْ) أَيْ يَبَرُّ بِيَمِينِهِ إلَّا إذَا بَاعَ مَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْبَيْعِ بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ الْعُرُوض أَوَّلًا ثُمَّ الْعَقَارُ وَيُتْرَكُ لَهُ دُسَتٌ مِنْ ثِيَابِ بَدَنِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ الِاجْتِزَاءُ بِدُونِهَا بَاعَهَا، وَاشْتَرَى مِنْ ثَمَنِهَا ثَوْبًا يَلْبَسُهُ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ فَرْضٌ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّجَمُّلِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْتَزِئَ بِدُونِهِ وَيَشْتَرِيَ مِنْ ثَمَنِهِ مَسْكَنًا يَبِيتُ فِيهِ، وَقِيلَ يُبَاعُ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ فَتُبَاعُ الْجُبَّةُ وَاللِّبَدُ وَالنِّطْعُ فِي الشِّتَاءِ (قَوْلُهُ وَكَذَا يَبَرُّ بِالْبَيْعِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ لِأَنَّ الْبِرَّ وَقَضَاءَ الدَّيْنِ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَعَادَ الدَّيْنُ وَلَا يُنْتَقَضُ الْبِرُّ فِي الْيَمِينِ وَإِنَّمَا نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى الْقَبْضِ لِيَتَقَرَّرَ الدَّيْنُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ لِاحْتِمَالِ سُقُوطِ الثَّمَنِ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا وَقَبَضَهُ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ تَفِي بِالدَّيْنِ وَإِلَّا حَنِثَ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ فَتْحٌ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ الْحَالِفِ وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ إنَّ ثَمَنَ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ مِلْكًا فَاسِدًا فَمِلْكُ الْمَدْيُونِ مَا فِي ذِمَّتِهِ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ إلَخْ) كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ الطَّالِبُ أَمَةَ الْمَطْلُوبِ وَدَخَلَ بِهَا أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِالِاسْتِهْلَاكِ أَوْ بِالْجِنَايَةِ يَبَرُّ أَيْضًا نَهْرٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالدُّخُولِ اتِّفَاقِيٌّ وَاحْتِمَالُ سُقُوطِ نِصْفَ الْمَهْرِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَنْقُضُ الْبِرَّ كَاحْتِمَالِ هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَمَا مَرَّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ: حَلَفَ لَا يُفَارِقُهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْهَا فَتَزَوَّجَهَا عَلَى مَا لَهُ عَلَيْهَا، فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ وَفِيهَا حَلَفَ لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ مِنْ غَرِيمِهِ الْيَوْمَ، وَاسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ الْيَوْمَ فَلَوْ مِثْلِيًّا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مِثْلُهُ لَا قِيمَتُهُ وَلَوْ قِيَمِيًّا وَقِيمَتُهُ مِثْلُ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرُ حَنِثَ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ، وَهَذَا إنْ اسْتَهْلَكَهُ بَعْدَ غَصْبِهِ لِأَنَّهُ وُجِدَ الْقَبْضُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ فَيَصِيرُ قَابِضًا دَيْنَهُ، وَإِنْ قَبِلَهُ كَأَنْ أَحْرَقَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ الْقَبْضِ اهـ مُلَخَّصًا. وَتَمَامُ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْبَيْعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ، حَتَّى لَوْ بَاعَهُ شَيْئًا بِثَمَنٍ قَدْرِ الدَّيْنِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ وَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ الدَّيْنُ الثَّمَنَ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الِاسْتِهْلَاكِ الْمَذْكُورَةُ آنِفًا وَلِذَا لَمْ يُقَيِّدْ بِهِ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا) قَالَ فِي الْفَتْحِ: لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ لَوْ وَقَعَ بِالدَّرَاهِمِ كَانَ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ، وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ فِي ذِمَّةِ الْقَابِضِ وَهُوَ الدَّائِنُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ لِيَتَمَلَّكَهُ، وَلِلدَّائِنِ مِثْلُهُ عَلَى الْمُقْبِضِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا وَكَذَا هُنَا (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْهِبَةَ إسْقَاطٌ) وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ فِعْلُ الْمَدْيُونِ وَالْهِبَةَ فِعْلُ الدَّائِنِ بِالْإِبْرَاءِ فَلَا يَكُونُ فِعْلُ هَذَا فِعْلَ الْآخَرِ فَتْحٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 840 لَا مُقَاصَّةٌ (وَ) حِينَئِذٍ فَ (لَا حِنْثَ لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُؤَقَّتَةً) لِعَدَمِ إمْكَانِ الْبِرِّ مَعَ هِبَةِ الدَّيْنِ، وَإِمْكَانُ الْبِرِّ شَرْطُ الْبَقَاءِ (كَمَا) هُوَ شَرْطُ الِابْتِدَاءِ كَمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ، وَعَلَيْهِ (لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ غَدًا فَقَضَاهُ الْيَوْمَ أَوْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا غَدًا فَمَاتَ الْيَوْمَ أَوْ) حَلَفَ (لَيَأْكُلَن هَذَا الرَّغِيفَ غَدًا فَأَكَلَهُ الْيَوْمَ) لَمْ يَحْنَثْ زَيْلَعِيٌّ. (حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَ فُلَانٍ فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِالْأَدَاءِ أَوْ أَحَالَهُ فَقَبَضَ بَرَّ وَإِنْ قَضَى عَنْهُ مُتَبَرِّعٌ لَا) يَبَرُّ ظَهِيرِيَّةٌ. وَفِيهَا حَلَفَ لَا يُفَارِقُ غَرِيمَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ فَقَعَدَ بِحَيْثُ يَرَاهُ أَوْ يَحْفَظُهُ فَلَيْسَ بِمُفَارِقٍ وَلَوْ نَامَ أَوْ غَفَلَ أَوْ شَغَلَهُ إنْسَانٌ بِالْكَلَامِ أَوْ مَنَعَهُ عَنْ الْمُلَازَمَةِ حَتَّى هَرَبَ غَرِيمُهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا أَنْ يُعْطِيَهَا كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا فَرُبَّمَا يَدْفَعُ إلَيْهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ أَوْ عِنْدَ الْعِشَاءِ، قَالَ فَإِذَا لَمْ يَخْلُ يَوْمًا وَلَيْلَةً عَنْ دَفْعِ دِرْهَمٍ لَمْ يَحْنَثْ. (حَلَفَ لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ) مِنْ غَرِيمِهِ (دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ بَعْضَهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَقْبِضَ كُلَّهُ) قَبْضًا (مُتَفَرِّقًا) لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ وَهُوَ قَبْضُ الْكُلِّ بِصِفَةِ التَّفْرِيقِ (لَا) يَحْنَثُ (إذَا قَبَضَهُ بِتَفْرِيقٍ ضَرُورِيٍّ) كَأَنْ يَقْبِضَهُ كُلَّهُ   [رد المحتار] تَنْبِيهٌ] قِيلَ إنَّ شَرْطَ الْبِرِّ الْقَضَاءُ، وَلَمْ يُوجَدْ فَيَلْزَمُ الْحِنْثُ وَإِلَّا لَزِمَ ارْتِفَاعُ النَّقِيضَيْنِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ غَلَطٌ فَإِنَّ النَّقِيضَيْنِ الْوَاجِبُ صِدْقُ أَحَدِهِمَا دَائِمًا هُمَا فِي الْأُمُورِ الْحَقِيقَةِ كَوُجُودِ زَيْدٍ وَعَدَمِهِ، أَمَّا الْمُتَعَلِّقُ قِيَامُهُمَا بِسَبَبٍ شَرْعِيٍّ فَيَثْبُتُ حُكْمُهُمَا مَا بَقِيَ السَّبَبُ قَائِمًا وَقِيَامُ الْيَمِينِ سَبَبٌ لِثُبُوتِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْحِنْثِ أَوْ الْبِرِّ، وَيَنْتَفِيَانِ بِانْتِفَائِهِ كَمَا هُوَ قَبْلَ الْيَمِينِ حَيْثُ لَا بِرَّ وَلَا حِنْثَ وَلِذَا قَالُوا هُنَا لَمْ يَحْنَثْ وَلَمْ يَقُولُوا بَرَّ وَلَمْ يَحْنَثْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِمْكَانُ الْبِرِّ شَرْطُ الْبَقَاءِ إلَخْ) أَيْ فِي الْيَمِينِ الْمُؤَقَّتَةِ بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ فَإِنَّهُ فِيهَا شَرْطُ الِابْتِدَاءِ فَقَطْ، وَحِينَ حَلَفَ كَانَ الدَّيْنُ قَائِمًا فَكَانَ تَصَوُّرُ الْبِرِّ ثَابِتًا فَانْعَقَدَتْ ثُمَّ حَنِثَ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْيَأْسِ مِنْ الْبِرِّ بِالْهِبَةِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ وَيَبْتَنِي عَلَى اعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ. (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِفَوَاتِ إمْكَانِ الْبِرِّ فِي الْغَدِ قَبْلَ وَقْتِهِ فَبَطَلَتْ الْيَمِينُ. (قَوْلُهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ) الضَّمِيرُ فِيهِ عَائِدٌ إلَى الْحَالِفِ وَضَمِيرُ أَحَالَهُ وَقَبَضَ إلَى فُلَانٍ. قَالَ ط: أَفَادَ بِهِ أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الْحَوَالَةِ وَالْأَمْرِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُمَا مِنْ الْقَبْضِ. قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: وَإِنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ صُدِّقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً. وَلَوْ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ أَنْ لَا يُعْطِيَهُ فَأَعْطَاهُ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ حَنِثَ، وَإِنْ نَوَى أَنْ لَا يُعْطِيَهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ لَا يُفَارِقُ غَرِيمَهُ إلَخْ) تَقَدَّمَ بَعْضُ مَسَائِلِ الْغَرِيمِ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْيَمِينِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ (قَوْلُهُ أَوْ يَحْفَظُهُ) الَّذِي فِي الْمِنَحِ وَالْبَحْرِ وَيَحْفَظُهُ بِالْوَاوِ ط قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَكَذَلِكَ لَوْ حَالَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ أَوْ أُسْطُوَانَةٌ مِنْ أَسَاطِينِ الْمَسْجِدِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَعَدَ أَحَدُهُمَا دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَالْآخَرُ خَارِجَهُ وَالْبَابُ بَيْنَهُمَا مَفْتُوحٌ بِحَيْثُ يَرَاهُ، وَإِنْ تَوَارَى عَنْهُ بِحَائِطِ الْمَسْجِدِ وَالْآخَرُ خَارِجَهُ فَقَدْ فَارَقَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا بَابٌ مُغْلَقٌ إلَّا إنْ أَدْخَلَهُ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ وَقَعَدَ عَلَى الْبَابِ (قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ صَاحِبُ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ كَمَا عَزَاهُ إلَيْهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ) الظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ يُرَادُ بِالْيَوْمِ عُرْفًا مَا يَشْمَلُ اللَّيْلَ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَكَذَا فَهُوَ عَلَى الْجَدِيدَيْنِ لِقِرَانِهِ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ فَعَمَّ وَكَذَلِكَ هُنَا لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ لَا يَمْتَدُّ فَافْهَمْ. مَطْلَبُ لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ (قَوْلُهُ لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ) أَيْ لَا يَقْبِضُهُ حَالَةَ كَوْنِ دِرْهَمٍ مِنْهُ مُخَالِفًا لِدِرْهَمٍ آخَرَ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ مَقْبُوضٍ أَيْ لَا يَقْبِضُهُ مُتَفَرِّقًا بَلْ جُمْلَةً فَالْمَجْمُوعُ فِي تَأْوِيلِ حَالٍ مُشْتَقَّةٍ فَهُوَ مِثْلُ بِعْته يَدًا بِيَدٍ أَيْ مُتَقَابَضَيْنِ كَذَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَقْبِضَ كُلَّهُ مُتَفَرِّقًا) أَيْ لَا يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ قَبْضِ ذَلِكَ الْبَعْضِ بَلْ يَتَوَقَّفُ حِنْثُهُ عَلَى قَبْضِ بَاقِيهِ فَإِذَا قَبَضَهُ حَنِثَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ قَبْضُ الْكُلِّ إلَخْ) لِأَنَّهُ أَضَافَ الْقَبْضَ الْمُتَفَرِّقَ إلَى كُلِّ الدَّيْنِ حَيْثُ قَالَ دَيْنِي وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّهِ فَتْحٌ، فَلَوْ قَالَ: مِنْ دَيْنِي يَحْنَثُ بِقَبْضِ الْبَعْضِ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ هُنَا قَبْضُ الْبَعْضِ مِنْ الدَّيْنِ مُتَفَرِّقًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 841 بِوَزْنَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ تَفْرِيقًا عُرْفًا مَا دَامَ فِي عَمَلِ الْوَزْنِ. (لَا يَأْخُذُ مَا لَهُ عَلَى فُلَانٍ إلَّا جُمْلَةً أَوْ إلَّا جَمْعًا فَتَرَكَ مِنْهُ دِرْهَمًا ثُمَّ أَخَذَ الْبَاقِيَ كَيْفَ شَاءَ لَا يَحْنَثُ) ظَهِيرِيَّةٌ وَهُوَ الْحِيلَةُ فِي عَدَمِ حِنْثِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى (كَمَا لَا يَحْنَثُ مَنْ قَالَ إنْ كَانَ لِي إلَّا مِائَةٌ أَوْ غَيْرُ أَوْ سِوَى) مِائَةٍ (فَكَذَا بِمِلْكِهَا) أَيْ الْمِائَةِ (أَوْ بَعْضِهَا) لِأَنَّ غَرَضَهُ نَفْيُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمِائَةِ وَحَنِثَ بِالزِّيَادَةِ لَوْ مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ وَإِلَّا لَا،   [رد المحتار] وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَيَّدَ بِالْيَوْمِ فَقَبَضَ الْبَعْضَ فِيهِ مُتَفَرِّقًا أَوْ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَخْذُ الْكُلِّ فِي الْيَوْمِ مُتَفَرِّقًا، وَلَمْ يُوجَدْ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بِوَزْنَيْنِ) أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ قَبْضُ الْكُلِّ دُفْعَةً فَيَصِيرُ هَذَا الْمِقْدَارُ مُسْتَثْنًى وَلِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ التَّفْرِيقِ لَا يُسَمَّى تَفْرِيقًا عَادَةً وَالْعَادَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فَتَرَكَ مِنْهُ دِرْهَمًا) أَيْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ أَصْلًا (قَوْلُهُ كَيْفَ شَاءَ) أَيْ جُمْلَةً أَوْ مُتَفَرِّقًا. مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَأْخُذُ مَا لَهُ عَلَى فُلَانٍ إلَّا جُمْلَةً (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ) كَذَا ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ غَيْرَ مُعَلَّلَةٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا بِمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ لِأَنَّ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ بِمَعْنَى " مُتَفَرِّقًا " كَمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ هُنَا إلَّا جُمْلَةً هُوَ مَعْنَى لَا يَقْبِضُهُ مُتَفَرِّقًا لَكِنَّ الْأُولَى فِي الْإِثْبَاتِ، وَهَذِهِ فِي النَّفْيِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. مَطْلَبُ إنْ أَنْفَقْت هَذَا الْمَالَ إلَّا عَلَى أَهْلِك فَكَذَا فَأَنْفَقَ بَعْضَهُ لَا يَحْنَثُ وَرَأَيْت فِي طَلَاقِ الذَّخِيرَةِ فِي تَرْجَمَةِ الْمَسَائِلِ الَّتِي يُنْظَرُ فِيهَا إلَى شَرْطِ الْبِرِّ: وَهَبَ لِرَجُلٍ مَالًا فَقَالَ الْوَاهِبُ امْرَأَتِي طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ أَنْفَقْت هَذَا الْمَالَ الَّذِي وَهَبْتُك إلَّا عَلَى أَهْلِك ثُمَّ إنَّهُ أَنْفَقَ بَعْضَهُ عَلَى أَهْلِهِ وَقَضَى بِالْبَاقِي دَيْنًا أَوْ حَجَّ أَوْ تَزَوَّجَ لَا تَطْلُقُ امْرَأَةُ الْحَالِفِ ذَكَرَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي شَرْحِ الْحِيَلِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ شَرْطَ بِرِّهِ إنْفَاقُ جَمِيعِ الْهِبَةِ عَلَى أَهْلِهِ فَيَكُونُ شَرْطُ حِنْثِهِ ضِدَّ ذَلِكَ، وَهُوَ إنْفَاقُ جَمِيعِهَا عَلَى غَيْرِهِمْ وَلَمْ يُوجَدْ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْخُذُ مَا لَهُ عَلَى فُلَانٍ إلَّا جَمِيعًا وَأَخَذَ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ شَرْطَ بِرِّهِ أَخْذُ جَمِيعِ الدَّيْنِ جُمْلَةً فَيَكُونُ شَرْطُ حِنْثِهِ ضِدَّ ذَلِكَ، وَهُوَ أَخْذُ جَمِيعِ الدَّيْنِ مُتَفَرِّقًا وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ كَذَا هُنَا. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ قَبْضِ الْبَعْضِ جُمْلَةً أَوْ مُتَفَرِّقًا مَا لَمْ يَقْبِضْ الْبَاقِي كَمَا مَرَّ، فَإِذَا تَرَكَ الْبَعْضَ بِأَنْ لَمْ يَقْبِضْهُ أَصْلًا بِإِبْرَاءٍ أَوْ بِدُونِهِ لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَهُوَ قَبْضُ كُلِّهِ غَيْرَ جُمْلَةٍ أَيْ مُتَفَرِّقًا. وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي مَعْنَى الْأُولَى كَمَا ذَكَرْنَا قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ الْحِيلَةُ فِي عَدَمِ حِنْثِهِ فِي الْأُولَى، وَبَقِيَ هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ مَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْ دَيْنِهِ شَيْئًا أَصْلًا أَوْ لَمْ يُنْفِقْ فِي مَسْأَلَةِ الْهِبَةِ شَيْئًا بِأَنْ ضَاعَتْ الْهِبَةُ مَثَلًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَعْنَى إنْ أَخَذْت دَيْنِي لَا آخُذُهُ إلَّا جُمْلَةً أَوْ إنْ أَنْفَقْتهَا لَا تُنْفِقُهَا إلَّا عَلَى أَهْلِك وَنَظِيرُهُ لَا أَبِيعُ هَذَا الثَّوْبَ إلَّا بِعَشَرَةٍ أَوْ لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي فَلَمْ يَبِعْهُ أَوْ لَمْ تَخْرُجْ أَصْلًا فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ فَكَذَا هُنَا. مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَشْكُوهُ إلَّا مِنْ حَاكِمِ السِّيَاسَةِ وَلَمْ يَشْكُهُ أَصْلًا لَمْ يَحْنَثْ وَمِنْهُ يُعْلَمُ جَوَابُ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْكُوهُ إلَّا مِنْ حَاكِمِ السِّيَاسَةِ وَتَرَكَ شِكَايَتَهُ أَصْلًا لَا يَحْنَثُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَاغْتَنِمْهُ (قَوْلُهُ بِمِلْكِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا يَحْنَثُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ غَرَضَهُ نَفْيُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمِائَةِ) أَيْ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَقْصُودُ عُرْفًا وَالْخَمْسُونَ مَثَلًا لَيْسَ زَائِدًا عَلَى الْمِائَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: لِي عَلَى زَيْدٍ مِائَةٌ وَقَالَ زَيْدٌ خَمْسُونَ فَقَالَ: إنْ كَانَ لِي عَلَيْهِ إلَّا مِائَةٌ فَهَذَا لِنَفْيِ النُّقْصَانِ لِأَنَّ قَصْدَهُ بِيَمِينِهِ الرَّدُّ عَلَى الْمُنْكِرِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَوْ مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ) أَيْ لَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ جِنْسِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالنَّقْدَيْنِ وَالسَّائِمَةِ وَعَرْضِ التِّجَارَةِ وَإِنْ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ، وَلَوْ كَانَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 842 حَتَّى لَوْ قَالَ (امْرَأَتُهُ كَذَا إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ولَهُ عُرُوضٌ) وَضِيَاعٌ (وَدُورٌ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ لَمْ يَحْنَثْ) خِزَانَةُ أَكْمَلَ. (حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ عَلَى الْأَبَدِ) لِأَنَّ الْفِعْلَ يَقْتَضِي مَصْدَرًا مُنَكَّرًا وَالنَّكِرَةُ فِي النَّفْيِ تَعُمُّ (فَلَوْ فَعَلَ) الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ (مَرَّةً) حَنِثَ وَ (انْحَلَّتْ يَمِينُهُ) وَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مِنْ عَدَمِهِ سَهْوٌ (فَلَوْ فَعَلَهُ مَرَّةً أُخْرَى لَا يَحْنَثُ) إلَّا فِي كُلَّمَا (وَلَوْ قَيَّدَهَا بِوَقْتٍ) كَوَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ الْيَوْمَ (فَمَضَى) الْيَوْمُ قَبْلَ (الْفِعْلِ بَرَّ) لِوَجْدِ تَرْكِ الْفِعْلِ فِي الْيَوْمِ كُلِّهِ (وَكَذَا إنْ هَلَكَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ) بَرَّ لِتَحَقُّقِ الْعَدَمِ وَلَوْ جُنَّ الْحَالِفُ فِي يَوْمِهِ حَنِثَ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِأَحْمَدَ فَتْحٌ. (وَلَوْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّهُ بَرَّ بِمَرَّةٍ) لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي الْإِثْبَاتِ تَخُصُّ   [رد المحتار] مِنْ غَيْرِهِ كَالرَّقِيقِ وَالدُّورِ لَمْ يَحْنَثْ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عُرْفًا الْمَالُ لَا الدَّرَاهِمُ، وَمُطْلَقُ الْمَالِ يَنْصَرِفُ إلَى الزَّكَوِيِّ كَمَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَيْسَ لِي مَالٌ أَوْ قَالَ: مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ اسْتَأْمَنَ الْحَرْبِيَّ عَلَى مَالِهِ حَيْثُ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَمْوَالِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ خِلَافُهُ كَالْمِيرَاثِ وَمَقْصُودُ الْحَرْبِيِّ الْغَنِيَّةُ لَهُ بِمَالِهِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ قَالَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ مِنْ أَنَّ الْمَالَ إذَا أُطْلِقَ يَنْصَرِفُ إلَى الزَّكَوِيِّ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فَافْهَمْ. مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ عَلَى الْأَبَدِ (قَوْلُهُ تَرَكَهُ عَلَى الْأَبَدِ إلَخْ) فَفِي أَيِّ وَقْتٍ فَعَلَهُ حَنِثَ وَإِنْ نَوَى يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ بَلَدًا أَوْ مَنْزِلًا أَوْ مَا أَشْبَهَهُ لَمْ يُدَيَّنْ أَصْلًا لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ مَا لَيْسَ بِمَلْفُوظٍ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَقْتَضِي مَصْدَرًا مُنَكَّرًا إلَخْ) فَإِذَا قَالَ: لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا فَهُوَ بِمَعْنَى لَا أُكَلِّمُهُ كَلَامًا، وَهَذَا أَحَدُ تَعْلِيلَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ثَانِيهِمَا: أَنَّهُ نَفَى فِعْلَ ذَلِكَ الشَّيْءِ مُطْلَقًا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ فَيَعُمُّ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ ضَرُورَةَ عُمُومِ النَّفْيِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ أَظْهَرُ، وَأَحْسَنُ مِنْهُمَا مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ لِمَا يَرِدُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ عُمُومَ ذَلِكَ الْمَصْدَرِ فِي الْأَفْرَادِ لَا فِي الْأَزْمَانِ، وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ ح: إنَّ هَذَا يُنَافِي مَا مَرَّ فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ أَيْ مِنْ أَنَّ الثَّابِتَ فِي ضِمْنِ الْفِعْلِ ضَرُورِيٌّ لَا يَظْهَرُ فِي غَيْرِ تَحْقِيقِ الْفِعْلِ بِخِلَافِ الصَّرِيحِ، وَمِنْ أَنَّ الْفِعْلَ لَا عُمُومَ لَهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ عَنْ سِيبَوَيْهِ (قَوْلُهُ وَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ) أَيْ لِابْنِ مَلَكٍ مِنْ عَدَمِهِ أَيْ عَدَمِ انْحِلَالِ الْيَمِينِ فَهُوَ سَهْوٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ، بَلْ تَنْحَلُّ فَإِذَا حَنِثَ مَرَّةً بِفِعْلِهِ لَمْ يَحْنَثْ بِفِعْلِهِ ثَانِيًا وَلِلْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ رِسَالَةٌ رَدَّ فِيهَا عَلَى الْعَلَّامَةِ الْكَافِيجِيِّ حَيْثُ اغْتَرَّ بِمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَنَقَلَ فِيهَا إجْمَاعَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى عَدَمِ تَكْرَارِ الْحِنْثِ (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّهُ بَعْدَ الْحِنْثِ لَا يُتَصَوَّرُ الْبِرُّ وَتَصَوُّرُ الْبِرِّ شَرْطُ بَقَاءِ الْيَمِينِ فَلَمْ تَبْقَ الْيَمِينُ، فَلَا حِنْثَ رِسَالَةُ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ عَنْ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ (قَوْلُهُ إلَّا فِي كُلَّمَا) لِاسْتِلْزَامِهَا تَكَرُّرَ الْفِعْلِ، فَإِذَا قَالَ: كُلَّمَا فَعَلْت كَذَا يَحْنَثُ بِكُلِّ مَرَّةٍ (قَوْلُهُ وَكَذَا إلَخْ) هَذَا إذَا لَمْ يَمْضِ الْوَقْتُ (قَوْلُهُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ (قَوْلُهُ لِتَحَقُّقِ الْعَدَمِ) أَيْ عَدَمِ الْفِعْلِ فِي الْيَوْمِ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ جُنَّ الْحَالِفُ إلَخْ) مَحَلُّ هَذَا فِي الْإِثْبَاتِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَصُورَتُهُ: قَالَ لَآكُلَنَّ الرَّغِيفَ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَجُنَّ فِيهِ وَلَمْ يَأْكُلْ، أَمَّا فِي صُورَةِ النَّفْيِ إذَا جُنَّ وَلَمْ يَأْكُلْ فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ ط، وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَوَّلَ الْأَيْمَانِ أَنَّهُ يَحْنَثُ لَوْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ. مَطْلَبُ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّهُ بَرَّ بِمَرَّةٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي الْإِثْبَاتِ تَخُصُّ) أَرَادَ بِالنَّكِرَةِ الْمَصْدَرَ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْفِعْلُ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى التَّعْلِيلِ السَّابِقِ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ. وَفِي الْفَتْحِ لِأَنَّ الْمُلْتَزَمَ فِعْلُ وَاحِدٍ غَيْرُ عَيْنٍ إذْ الْمَقَامُ لِلْإِثْبَاتِ فَيَبَرُّ بِأَيِّ فِعْلٍ، سَوَاءٌ كَانَ مُكْرَهًا فِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 843 وَالْوَاحِدُ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ، وَلَوْ قَيَّدَهَا بِوَقْتٍ فَمَضَى قَبْلَ الْفِعْلِ حَنِثَ إنْ بَقِيَ الْإِمْكَانُ وَإِلَّا بِأَنْ وَقَعَ الْيَأْسُ بِمَوْتِهِ أَوْ بِفَوْتِ الْمَحَلِّ بَطَلَتْ يَمِينُهُ كَمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ زَيْلَعِيٌّ. (حَلَّفَهُ وَالٍ لَيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ) بِمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ مُفْسِدٍ (دَخَلَ الْبَلْدَةَ تَقَيَّدَ) حَلِفُهُ (بِقِيَامِ وِلَايَتِهِ) بَيَانٌ لِكَوْنِ الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ تَصِيرُ مُقَيَّدَةً بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ يَمِينِهِ بِفَوْرِ عِلْمِهِ وَإِذَا سَقَطَتْ لَا تَعُودُ، وَلَوْ تَرَقَّى بِلَا عَزْلٍ إلَى   [رد المحتار] أَوْ نَاسِيًا أَصِيلًا أَوْ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ، وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ لَا يُحْكَمُ بِوُقُوعِ الْحِنْثِ حَتَّى يَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ الْفِعْلِ، وَذَلِكَ بِمَوْتِ الْحَالِفِ قَبْلَ الْفِعْلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِالْكَفَّارَةِ أَوْ بِفَوْتِ مَحَلِّ الْفِعْلِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ زَيْدًا أَوْ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ فَمَاتَ زَيْدٌ أَوْ أُكِلَ الرَّغِيفُ قَبْلَ أَكْلِهِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَيَّدَهَا بِوَقْتٍ) مِثْلُ لَيَأْكُلَنَّهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِأَنْ وَقَعَ الْيَأْسُ) أَيْ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ (قَوْلُهُ أَوْ بِفَوْتِ الْمَحَلِّ) هَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَتْحٌ. مَطْلَبُ حَلَّفَهُ وَالٍ لِيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ (قَوْلُهُ تَقَيَّدَ حَلِفُهُ بِقِيَامِ وِلَايَتِهِ) هَذَا التَّخْصِيصُ بِالزَّمَانِ ثَبَتَ بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الِاسْتِحْلَافِ زَجْرُهُ بِمَا يَدْفَعُ شَرَّهُ أَوْ شَرَّ غَيْرِهِ بِزَجْرِهِ لِأَنَّهُ إذَا زَجَرَ دَاعِرًا انْزَجَرَ آخَرُ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي حَالِ وِلَايَتِهِ لِأَنَّهَا حَالَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ بَعْدَ زَوَالِ سَلْطَنَتِهِ، وَالزَّوَالُ بِالْمَوْتِ وَكَذَا بِالْعَزْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إعْلَامُهُ بَعْدَ الْعَزْلِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ يَمِينِهِ بِفَوْرِ عِلْمِهِ) هَذَا بَحْثٌ لِابْنِ هُمَامٍ فَإِنَّهُ قَالَ وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ ثُمَّ إنَّ الْحَالِفَ لَوْ عَلِمَ بِالدَّاعِرِ وَلَمْ يُعْلِمْ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا إذَا مَاتَ هُوَ أَوْ الْمُسْتَحْلِفُ أَوْ عُزِلَ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ إلَّا بِالْيَأْسِ إلَّا إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً فَيَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ مَعَ الْإِمْكَانِ اهـ وَلَوْ حُكِمَ بِانْعِقَادِ هَذِهِ لِلْفَوْرِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا نَظَرًا إلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْمُبَادَرَةُ لِزَجْرِهِ وَدَفْعِ شَرِّهِ، وَالدَّاعِي يُوجِبُ التَّقْيِيدَ بِالْفَوْرِ أَيْ فَوْرِ عِلْمِهِ بِهِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ وَاُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَفِي الْعِنَايَةِ وَلَيْسَ يَلْزَمُهُ الْإِعْلَامُ حَالَ دُخُولِهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ الْإِعْلَامَ إلَى مَا بَعْدَ مَوْتِ الْوَالِي أَوْ عَزْلِهِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. قُلْت: قَوْلُهُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: أَوْ عَزْلِهِ أَيْ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّ الْعَزْلَ كَالْمَوْتِ فِي زَوَالِ الْوِلَايَةِ خِلَافًا لِمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا نَقَلْنَاهُ سَابِقًا عَلَى الْفَتْحِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْفَوْرِ عِنْدَ قِيَامِ الْقَرِينَةِ حُكْمٌ ثَابِتٌ فِي الْمَذْهَبِ. فَصَارَ حَاصِلُ بَحْثِ ابْنِ الْهُمَامِ أَنَّ الْوَالِيَ إذَا كَانَ مُرَادُهُ دَفْعَ الْفَسَادِ فِي الْبَلَدِ وَحَلَّفَ رَجُلًا بِأَنْ يُعْلِمَهُ بِكُلِّ مُفْسِدٍ دَخَلَ الْبَلَدَ، فَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنْ يُخْبِرَهُ بَعْدَ إفْسَادِهِ سِنِينَ فِي الْبَلَدِ بَلْ مُرَادُهُ إخْبَارُهُ بِهِ قَبْلَ إظْهَارِهِ الْفَسَادَ فَهَذَا قَرِينَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ يَمِينُ الْفَوْرِ الثَّابِتِ حُكْمُهَا فِي الْمَذْهَبِ، فَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَالْعِنَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ قِيَامِ قَرِينَةِ الْفَوْرِ، وَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الْهُمَامِ مَبْنِيٌّ عَلَى قِيَامِهَا فَحَيْثُ قَامَتْ الْقَرِينَةُ عَلَى الْفَوْرِ حُكِمَ بِهَا بِنَصِّ الْمَذْهَبِ وَإِلَّا فَلَا فَلَمْ يَكُنْ بَحْثُهُ مُخَالِفًا لِلْمَنْقُولِ بَلْ هُوَ مَعْقُولٌ مَقْبُولٌ فَلِذَا أَقَرَّهُ عَلَيْهِ الْفُحُولُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِذَا سَقَطَتْ لَا تَعُودُ) أَيْ إذَا سَقَطَتْ بِالْعَزْلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا مَرَّ لَا تَعُودُ بِعَوْدِهِ إلَى الْوِلَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَرَقَّى بِلَا عَزْلٍ إلَخْ) هَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْفَتْحِ، بَلْ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا بِقَوْلِهِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا عُزِلَ مِنْ وَظِيفَتِهِ، وَتَوَلَّى وَظِيفَةً أُخْرَى أَعْلَى مِنْهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَبْطُلَ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَمَسِّكًا مِنْ إزَالَةِ الْفَسَادِ أَكْثَرَ مِنْ الْحَالَةِ الْأُولَى. اهـ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ هَذَا مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فَاصِلٌ بَيْنَ عَزْلِهِ وَتَوْلِيَتِهِ، بَلْ الْمُرَادُ تَرَقِّيه فِي الْوِلَايَةِ، وَانْتِقَالُهُ عَنْ الْأُولَى إلَى أَعْلَى مِنْهَا وَلِذَا عَبَّرَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ تَرَقَّى بِلَا عَزْلٍ أَمَّا لَوْ عُزِلَ ثُمَّ تَوَلَّى بَعْدُ مَثَلًا فَقَدْ تَحَقَّقَ سُقُوطُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 844 مَنْصِبٍ أَعْلَى فَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ لِزِيَادَةِ تَمَكُّنِهِ فَتْحٌ وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ مَسَائِلُ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (كَمَا لَوْ حَلَّفَ رَبُّ الدَّيْنِ غَرِيمَهُ أَوْ الْكَفِيلُ بِأَمْرٍ الْمَكْفُولَ عَنْهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ إلَّا بِإِذْنِهِ تَقَيَّدَ بِالْخُرُوجِ حَالَ قِيَامِ الدَّيْنِ وَالْكَفَالَةِ) لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْمَنْعِ وَوِلَايَةُ الْمَنْعِ حَالَ قِيَامِهِ (وَ) مِنْهَا (لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ تَقَيَّدَ بِحَالِ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ) بِخِلَافِ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ مِنْ الدَّارِ لِعَدَمِ دَلَالَةِ التَّقْيِيدِ زَيْلَعِيٌّ. (حَلَفَ لَيَهَبَنَّ فُلَانًا فَوَهَبَهُ لَهُ فَلَمْ يُقْبَلْ بَرَّ) وَكَذَا كُلُّ عَقْدِ تَبَرُّعٍ كَعَارِيَّةٍ وَوَصِيَّةٍ وَإِقْرَارٍ (بِخِلَافِ الْبَيْعِ) وَنَحْوِهِ حَيْثُ لَا يَبَرُّ بِلَا قَبُولٍ وَكَذَا فِي طَرَفِ النَّفْيِ وَالْأَصْلُ   [رد المحتار] الْيَمِينِ وَالسَّاقِطُ لَا يَعُودُ (قَوْلُهُ وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ) أَيْ جِنْسِ مَا تَقَيَّدَ بِالْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فِي اللَّفْظِ (قَوْلُهُ أَوْ الْكَفِيلُ بِأَمْرٍ الْمَكْفُولَ عَنْهُ) كَذَا وَقَعَ فِي الْبَحْرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ لَفْظَ الْأَمْرِ، وَلِذَا قِيلَ إنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلتَّقْيِيدِ بِهِ أَقُولُ أَيْ لِأَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ لَهُ وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْكَفِيلِ سَوَاءٌ كَانَ كَفِيلًا بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَوْ لَا لَكِنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَفِيلَ مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى غَرِيمِهِ وَلَفْظُ أَمْرٍ مُضَافٌ إلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْكَفِيلُ مَرْفُوعٌ عَطْفًا عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ وَلَفْظُ أَمْرٍ بِالتَّنْوِينِ، وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ مَنْصُوبٌ عُطِفَ عَلَى غَرِيمِهِ مَفْعُولِ حَلَّفَ وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُ كَافِي النَّسَفِيِّ أَوْ الْكَفِيلُ بِالْأَمْرِ الْمَكْفُولَ عَنْهُ، وَعَلَيْهِ فَالتَّقْيِيدُ بِالْأَمْرِ لَهُ فَائِدَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَهُ بِالْأَمْرِ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ رَبِّ الدَّيْنِ فَلِذَا كَانَ لِتَحْلِيفِهِ الْمَكْفُولَ فَائِدَةٌ وَيَتَقَيَّدُ تَحْلِيفُهُ بِمُدَّةِ قِيَامِ الدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ رَبِّ الدَّيْنِ فَافْهَمْ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ إذَا حَلَّفَ الْأَصِيلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَلْدَةِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَقَضَى الْأَصِيلُ دَيْنَ الطَّالِبِ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ (قَوْلُهُ وَوِلَايَةُ الْمَنْعِ حَالَ قِيَامِهِ) أَيْ قِيَامِ الدَّيْنِ وَمُفَادُهُ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا إذْ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ وَلَا مُطَالَبَتُهُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَفِيمَا إذَا أَدَّى الْكَفِيلُ لِرَبِّ الْمَالِ إذْ لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ نَعَمْ لَهُ مُلَازَمَتُهُ أَوْ حَبْسُهُ إذَا لُوزِمَ الْكَفِيلِ أَوْ حُبِسَ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ دَلَالَةِ التَّقْيِيدِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْإِذْنَ فَلَا مُوجِبَ لِتَقْيِيدِهِ بِزَمَانِ الْوِلَايَةِ فِي الْإِذْنِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا بِغَيْرِ إذْنِك فَطَالِقٌ، فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِهَا طَلُقَتْ لِأَنَّهُ لَمْ تَتَقَيَّدْ يَمِينُهُ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَتَقَيَّدُ بِهِ لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَسْتَفِيدُ وِلَايَةَ الْإِذْنِ وَالْمَنْعِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ. اهـ. فَتْحٌ أَيْ بِخِلَافِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ يَسْتَفِيدُ وِلَايَةَ الْإِذْنِ بِالْعَقْدِ وَكَذَا رَبُّ الدَّيْنِ، كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي قَوْلِهِ: امْرَأَتِي تَدُلُّ عَلَى التَّقْيِيدِ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ لَمْ تَبْقَ امْرَأَتَهُ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْإِضَافَةَ لَا لِلتَّقْيِيدِ، بَلْ لِلتَّعْرِيفِ كَمَا قَالُوا فِي قَوْلِهِ إنْ قَبَّلْت امْرَأَتِي فُلَانَةَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَقَبَّلَهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ يَحْنَثُ فَافْهَمْ، وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي التَّعْلِيقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ. مَطْلَبُ حَلَفَ لَيَهَبَنَّ لَهُ فَوَهَبَ لَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ) كَالْإِجَارَةِ وَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّهْنِ وَالْخُلْعِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي طَرَفِ النَّفْيِ) فَإِذَا قَالَ: لَا أَهَبُ حَنِثَ بِالْإِيجَابِ فَقَطْ بِخِلَافِ لَا أَبِيعُ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ إلَخْ) الْفَرْقُ أَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ، فَيَتِمُّ بِالْمُتَبَرِّعِ أَمَّا الْبَيْعُ فَمُعَاوَضَةٍ فَاقْتَضَى الْفِعْلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَعِنْدَ زُفَرَ الْهِبَةُ كَالْبَيْعِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ أَوْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ، فَلَمْ تَقْبَلْ وَقَالَ بَلْ قَبِلَتْ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْبَيْعِ تَضَمَّنَ الْإِقْرَارَ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَعَلَى الْخِلَافِ الْقَرْضُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَبُولَ فِيهِ شَرْطٌ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ وَنُقِلَ فِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ وَالْإِبْرَاءُ يُشْبِهُ الْبَيْعَ لِإِفَادَتِهِ الْمِلْكَ بِاللَّفْظِ وَالْهِبَةَ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: إنَّهُمَا كَالْهِبَةِ وَقِيلَ الْأَشْبَهُ أَنْ يُلْحَقَ الْإِبْرَاءُ بِالْهِبَةِ وَالْقَرْضُ بِالْبَيْعِ، وَالِاسْتِقْرَاضُ كَالْهِبَةِ بِلَا خِلَافٍ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْيَمِينِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. [فَرْعٌ] فِي الْفَتْحِ لَوْ قَالَ الْعَبْدُ إنْ وَهَبَك فُلَانٌ مِنِّي فَأَنْتَ حُرٌّ فَوَهَبَهُ مِنْهُ إنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْوَاهِبِ لَا يَعْتِقُ سَلَّمَهُ لَهُ أَوْ لَا وَإِنْ كَانَ وَدِيعَةً فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ إنْ بَدَأَ الْوَاهِبُ فَقَالَ وَهَبْتُكَهُ لَا يَعْتِقُ قَبِلَ أَوْ لَا، وَإِنْ بَدَأَ الْآخَرُ فَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 845 أَنَّ عُقُودَ التَّبَرُّعَاتِ بِإِزَاءِ الْإِيجَابِ فَقَطْ وَالْمُعَاوَضَاتِ بِإِزَاءِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَعًا (وَحَضْرَةُ الْمَوْهُوبِ لَهُ شَرْطٌ فِي الْحِنْثِ) فَلَوْ وَهَب الْحَالِفُ لِغَائِبٍ لَمْ يَحْنَثْ اتِّفَاقًا ابْنُ مَالِكٍ فَلْيُحْفَظْ. (لَا يَحْنَثُ فِي حَلِفِهِ لَا يَشَمُّ رَيْحَانًا بِشَمِّ وَرْدٍ وَيَاسِمِينَ) وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْعُرْفُ فَتْحٌ (وَ) يَمِينُ (الشَّمِّ تَقَعُ عَلَى) الشَّمِّ (الْمَقْصُودُ فَلَا يَحْنَثُ لَوْ حَلَفَ لَا يَشُمُّ طِيبًا فَوَجَدَ رِيحَهُ وَإِنْ دَخَلَتْ الرَّائِحَةُ إلَى دِمَاغِهِ) فَتْحٌ (وَيَحْنَثُ فِي حَلِفِهِ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا أَوْ وَرْدًا بِشِرَاءِ وَرَقِهِمَا لَا دُهْنِهِمَا) لِلْعُرْفِ. (حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَزَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ فَأَجَازَ بِالْقَوْلِ حَنِثَ وَبِالْفِعْلِ) وَمِنْهُ الْكِتَابَةُ خِلَافًا لِابْنِ سِمَاعَةَ (لَا) يَحْنَثُ بِهِ يُفْتَى خَانِيَّةٌ (وَلَوْ زَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ ثُمَّ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ لَا يَحْنَثُ بِالْقَوْلِ أَيْضًا) اتِّفَاقًا لِاسْتِنَادِهَا لِوَقْتِ الْعَقْدِ (كُلُّ امْرَأَةٍ تَدْخُلُ فِي نِكَاحِي) أَوْ تَصِيرُ حَلَالًا لِي (فَكَذَا فَأَجَازَ نِكَاحَ فُضُولِيٍّ بِالْفِعْلِ لَا يَحْنَثُ) بِخِلَافِ   [رد المحتار] هَبْهُ مِنِّي فَقَالَ وَهَبْته مِنْك عَتَقَ (قَوْلُهُ شَرْطٌ فِي الْحِنْثِ) هَذَا فِيمَا لَوْ كَانَ الْحَلِفُ عَلَى النَّفْيِ فَلَوْ عَلَى الْإِثْبَاتِ فَهُوَ شَرْطٌ فِي الْبِرِّ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ قَوْلِهِ فِي الْحِنْثِ فَافْهَمْ. مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَشُمُّ رَيْحَانًا (قَوْلُهُ لَا يَشَمُّ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالشِّينِ مُضَارِعُ شَمِمْت الطِّيبَ بِكَسْرِ الْمِيمِ فِي الْمَاضِي وَجَاءَ فِي لُغَةٍ فَتْحُ الْمِيمِ فِي الْمَاضِي وَضَمُّهَا فِي الْمُضَارِعِ نَهْرٌ وَالْمَشْهُورَةُ الْفَصِيحَةُ الْأُولَى كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَيَاسِمِينَ) بِكَسْرِ السِّينِ وَبَعْضُهُمْ بِفَتْحِهَا وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ وَبَعْضُ الْعَرَبِ يُعْرِبُهُ إعْرَابَ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْعُرْفُ) ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي تَفْسِيرِ الرَّيْحَانِ وَهُوَ أَنَّهُ مَا طَابَ رِيحُهُ مِنْ النَّبَاتِ أَوْ مَا سَاقُهُ رَائِحَتُهُ طَيْبَةٌ كَالْوَرْدِ أَوْ مَا لَا سَاقَ لَهُ مِنْ الْبُقُولِ مِمَّا لَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ فَوَجَدَ رِيحَهُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ شَمِّهِ (قَوْلُهُ لِلْعُرْفِ) فَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ حِنْثِهِ بِالدُّهْنِ لَا الْوَرَقِ وَمَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ مِنْ حِنْثِهِ بِهِمَا مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الْعُرْفِ وَعَرَفْنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَتْحٌ مُلَخَّصًا. مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَزَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ (قَوْلُهُ فَأَجَازَ بِالْقَوْلِ) كَرَضِيتُ وَقَبِلْت نَهْرٌ وَفِي حَاوِي الزَّاهِدِيِّ لَوْ هَنَّأَهُ النَّاسُ بِنِكَاحِ الْفُضُولِيِّ فَسَكَتَ فَهُوَ إجَازَةٌ (قَوْلُهُ حَنِثَ) هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَبِالْفِعْلِ) كَبَعْثِ الْمَهْرِ أَوْ بَعْضِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا وَقِيلَ الْوُصُولُ لَيْسَ بِشَرْطٍ نَهْرٌ وَكَتَقْبِيلِهَا بِشَهْوَةٍ وَجِمَاعِهَا لَكِنْ يُكْرَهُ تَحْرِيمًا لِقُرْبِ نُفُوذِ الْعَقْدِ مِنْ الْمُحَرَّمِ بَحْرٌ. قُلْت: فَلَوْ بَعَثَ الْمَهْرَ أَوَّلًا لَمْ يُكْرَهْ التَّقْبِيلُ وَالْجِمَاعُ لِحُصُولِ الْإِجَازَةِ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ الْكِتَابَةُ) أَيْ مِنْ الْفِعْلِ مَا لَوْ أَجَازَ بِالْكِتَابَةِ لِمَا فِي الْجَامِعِ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا أَوْ لَا يَقُولُ لَهُ شَيْئًا فَكَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا لَا يَحْنَثُ، وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ أَنَّهُ يَحْنَثُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) مُقَابِلُهُ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْقَوْلِ كَمَا مَرَّ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ وَبِالْفِعْلِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ لِاسْتِنَادِهَا) أَيْ الْإِجَازَةِ لِوَقْتِ الْعَقْدِ وَفِيهِ لَا يَحْنَثُ بِمُبَاشَرَتِهِ فَفِي الْإِجَازَةِ أَوْلَى بَحْرٌ. مَطْلَبُ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ تَدْخُلُ فِي نِكَاحِي فَكَذَا (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ) هَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ قَالَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَحْنَثُ وَبِهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَالْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ وَالسَّيِّدُ أَبُو الْقَاسِمِ وَعَلَيْهِ مَشَى الشَّارِحُ قُبَيْلَ فَصْلِ الْمَشِيئَةِ، لَكِنْ رَجَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوَاهُ الْأَوَّلَ وَوَجَّهَهُ أَنَّ دُخُولَهَا فِي نِكَاحِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّزْوِيجِ. فَيَكُونُ ذِكْرُ الْحُكْمِ ذِكْرُ سَبَبِهِ الْمُخْتَصِّ بِهِ فَيَصِيرُ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتهَا وَبِتَزْوِيجِ الْفُضُولِيِّ، لَا يَصِيرُ مُتَزَوِّجًا، كَمَا فِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 846 كُلِّ عَبْدٍ يَدْخُلُ فِي مِلْكِي فَهُوَ حُرٌّ فَأَجَازَهُ بِالْفِعْلِ حَنِثَ اتِّفَاقًا لِكَثْرَةِ أَسْبَابِ الْمَلِكِ عِمَادِيَّةٌ. وَفِيهَا: حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ فَأَجَازَ طَلَاقَ فُضُولِيٍّ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا فَهُوَ كَالنِّكَاحِ غَيْرَ أَنَّ سَوْقَ الْمَهْرِ لَيْسَ بِإِجَازَةٍ لِوُجُوبِهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ. قَالَ لِامْرَأَةِ الْغَيْرِ: إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَجَازَ الزَّوْجُ فَدَخَلَتْ طَلُقَتْ (وَمِثْلُهُ) فِي عَدَمِ حِنْثِهِ بِإِجَازَتِهِ فِعْلًا مَا يَكْتُبُهُ الْمُوَثَّقُونَ فِي التَّعَالِيقِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ (إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً بِنَفْسِي أَوْ بِوَكِيلِي أَوْ بِفُضُولِيٍّ) أَوْ دَخَلَتْ فِي نِكَاحِي بِوَجْهٍ مَا تَكُنْ زَوْجَتُهُ طَالِقًا لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ بِفُضُولِيٍّ إلَى آخِرِهِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِنَفْسِي وَعَامِلُهُ تَزَوَّجْت وَهُوَ خَاصٌّ بِالْقَوْلِ وَإِنَّمَا يَنْسَدُّ بَابُ الْفُضُولِيِّ لَوْ زَادَ أَوْ أَجَزْت نِكَاحَ فُضُولِيٍّ وَلَوْ بِالْفِعْلِ فَلَا مَخْلَصَ لَهُ إلَّا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ طَلَاقَ الْمُزَوَّجَةِ فَيُرْفَعُ الْأَمْرُ إلَى شَافِعِيٍّ لِيَفْسَخَ الْيَمِينَ الْمُضَافَةَ وَقَدَّمْنَا فِي التَّعَالِيقِ أَنَّ الْإِفْتَاءَ كَافٍ فِي ذَلِكَ بَحْرٌ. (حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ   [رد المحتار] قُلْت: قَدْ يُقَالُ إنَّ لَهُ سَبَبَيْنِ: التَّزَوُّجُ بِنَفْسِهِ وَالتَّزْوِيجُ بِلَفْظِ الْفُضُولِيِّ، وَالثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِ فِي حَلِفِهِ لَا يَتَزَوَّجُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِكَثْرَةِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ) فَإِنَّهُ يَكُونُ بِالْبَيْعِ وَالْإِرْثِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ كَمَا عَلِمْت فَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِهِ وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ أَوْ فِعْلًا) كَإِخْرَاجِ مَتَاعِهَا مِنْ بَيْتِهِ ط (قَوْلُهُ لِوُجُوبِهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ) فَلَا يُحَالُ بِهِ إلَى الطَّلَاقِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْمَهْرَ مِنْ خَصَائِصِهِ مِنَحٌ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ (قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ فُضُولِيٌّ (قَوْلُهُ فَأَجَازَ الزَّوْجُ) أَيْ أَجَازَ تَعْلِيقَ الْفُضُولِيِّ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ مَا فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ مَا يَكْتُبُهُ الْمُوَثِّقُونَ) أَيْ الَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْوَثَائِقَ أَيْ الصُّكُوكَ (قَوْلُهُ إلَى آخِرِهِ) الْمُنَاسِبُ حَذْفُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ دَخَلَتْ فِي نِكَاحِي مَعْطُوفٌ عَلَى تَزَوَّجْت لَا عَلَى بِنَفْسِي، فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ بِأَنَّ عَامِلَهُ تَزَوَّجْت بَلْ الْعِلَّةُ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا سَبَبٌ وَاحِدٌ: وَهُوَ التَّزَوُّجُ كَمَا مَرَّ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَوْلِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَهُوَ خَاصٌّ بِالْقَوْلِ) فَقَوْلُهُ أَوْ بِفُضُولِيٍّ يَنْصَرِفُ إلَى الْإِجَازَةِ بِالْقَوْلِ فَقَطْ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَلَا مَخْلَصَ لَهُ إلَخْ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ وَالْمِنَحِ وَفِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ قِيلَ لَا وَجْهَ لِجَوَازِهِ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَصَاحِبُ الْفُصُولِ حِيلَتُهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ فُضُولِيٌّ بِلَا أَمْرِهِمَا فَيُجِيزَهُ هُوَ فَيَحْنَثَ قَبْلَ إجَازَةِ الْمَرْأَةِ لَا إلَى جَزَاءٍ لِعَدَمِ الْمِلْكِ ثُمَّ تُجِيزَهُ هِيَ فَإِجَازَتُهَا لَا تَعْمَلُ، فَيُجَدِّدَانِ الْعَقْدَ، فَيَجُوزُ إذْ الْيَمِينُ انْعَقَدَتْ عَلَى تَزَوُّجٍ وَاحِدٍ، وَهَذِهِ الْحِيلَةُ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا إذَا قَالَ أَوْ يُزَوِّجُهَا غَيْرِي لِأَجْلِي وَأُجِيزُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ وَأُجِيزُهُ، قَالَ النَّسَفِيُّ يُزَوِّجُ الْفُضُولِيُّ لِأَجْلِهِ فَتَطْلُقُ ثَلَاثًا إذْ الشَّرْطُ تَزْوِيجُ الْغَيْرِ لَهُ مُطْلَقًا وَلَكِنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ لِطَلَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِيهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمِلْكِ مُحَالٌ. اهـ. قُلْت: إنَّمَا سَمَّاهُ تَسَامُحًا لِظُهُورِ الْمُرَادِ وَهُوَ انْحِلَالُ الْيَمِينِ لَا إلَى الْجَزَاءِ لِأَنَّ الشَّرْطَ تَزْوِيجُ الْغَيْرِ لَهُ وَذَلِكَ يُوجَدُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إجَازَتِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَتَزَوَّجُهَا فَإِنَّهُ لَا يُوجَدُ إلَّا بِعَقْدِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ عَقْدِ غَيْرِهِ لَهُ وَإِجَازَتِهِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ طَلَاقُ الْمُزَوَّجَةِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ " الْمُتَزَوِّجَةِ " أَيْ الَّتِي حَلَفَ أَلَّا يَتَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ بِفُضُولِيٍّ احْتِزَازٌ عَمَّا لَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك بِنَفْسِي أَوْ بِفُضُولِيٍّ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّ حُكْمَ الشَّافِعِيِّ بِفَسْخِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ يُؤَكِّدُ الْحِنْثَ لَا يُنَافِيهِ (قَوْلُهُ إنَّ الْإِفْتَاءَ كَافٍ) أَيْ إفْتَاءَ الشَّافِعِيِّ لِلْحَالِفِ بِبُطْلَانِ هَذِهِ الْيَمِينِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَفْتَى بِهَا أَئِمَّةُ خُوَارِزْمَ لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ، نَعَمْ لَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ كَذَا فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَحَكَمَ الْقَاضِي بِفَسْخِ الْيَمِينِ ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْرَى يَحْتَاجُ إلَى الْفَسْخِ ثَانِيًا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَحْتَاجُ وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَمَنْ قَالَ إنَّ بُطْلَانَ الْيَمِينِ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ حُكْمٌ بِآخَرَ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بَحْرٌ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ نَهْرٌ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا قَدَّمَهُ مَذْكُورٌ فِيهِ أَمَّا فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ أَنَّهُ مِمَّا يَكْتُبُهُ الْمُوَثِّقُونَ وَلَا قَوْلَهُ أَوْ دَخَلَتْ فِي نِكَاحِي بِوَجْهٍ مَا وَلَا قَوْلَهُ وَقَدَّمْنَا فِي التَّعَالِيقِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 847 فُلَانٍ انْتَظَمَ الْمَمْلُوكَةَ وَالْمُسْتَأْجَرَةَ وَالْمُسْتَعَارَةَ) لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمَسْكَنُ عُرْفًا وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ سُكْنَاهُ لَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانَةَ فَدَخَلَ دَارَهَا وَزَوْجُهَا سَاكِنٌ بِهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الدَّارَ إنَّمَا تُنْسَبُ إلَى السَّاكِنِ وَهُوَ الزَّوْجُ نَهْرٌ عَنْ الْوَاقِعَاتِ. (لَا يَحْنَثُ فِي حَلِفِهِ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دَيْنَ عَلَى مُفَلَّسٍ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ مَحْكُومٍ بِإِفْلَاسِهِ (أَوْ) عَلَى (مَلِيءٍ) غَنِيٍّ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِمَالٍ بَلْ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ قَبْضُهُ حَقِيقَةً. [فُرُوعٌ] قَالَ لِغَيْرِهِ: وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا فَهُوَ حَالِفٌ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ الْمُخَاطَبُ حَنِثَ   [رد المحتار] قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمَسْكَنُ عُرْفًا) يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَشْمَلُ الْمَسْكَنَ، فَيَصْدُقُ عَلَى الْمَمْلُوكَةِ غَيْرِ الْمَسْكُونَةِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الْيَمِينِ بِالدُّخُولِ (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ سُكْنَاهُ لَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَهُ تَبَعًا وَهُوَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ بِنْتِهِ أَوْ أُمِّهِ، وَهِيَ تَسْكُنُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا، فَدَخَلَ الْحَالِفُ حَنِثَ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا مَسْأَلَةَ الْوَاقِعَاتِ وَقَالَ إنْ لَمْ يَنْوِ تِلْكَ الدَّارَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ السُّكْنَى تُضَافُ إلَى الزَّوْجِ لَا إلَى الْمَرْأَةِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الدَّارَ فِي مَسْأَلَةِ الْخَانِيَّةِ الْمَارَّةِ لَمَّا لَمْ تَكُنْ لِلْمَرْأَةِ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ عَلَى دَارِ السُّكْنَى بِالتَّبَعِيَّةِ فَحَنِثَ أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْوَاقِعَاتِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا فَالدَّارُ فِيهَا مِلْكُ الْمَرْأَةِ فَانْصَرَفَتْ الْيَمِينُ إلَى مَا يُنْسَبُ إلَيْهَا أَصَالَةً فَلَمَّا سَكَنَهَا زَوْجُهَا نُسِبَتْ إلَيْهِ وَانْقَطَعَتْ نِسْبَتُهَا إلَيْهَا فَلَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ بِدُخُولِهَا مَا لَمْ يَنْوِهَا أَفَادَ بَعْضَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ، لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ الدُّخُولِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة مَا يُفِيدُ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ وَلَكِنْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْجَوَابِ تَوْفِيقٌ حَسَنٌ رَافِعٌ لِلْخِلَافِ بِقَيْدِ عَدَمِ النِّيَّةِ الْمَذْكُورِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ فَافْهَمْ. مَطْلَبُ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ (قَوْلُهُ بَلْ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ مِسْكِينٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّشْدِيدَ غَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّهُ يُقَالُ مُفْلِسٌ وَجَمْعُهُ مَفَالِيسُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ الْمَحْكُومِ بِإِفْلَاسِهِ وَغَيْرِهِ كَمَا لَا يَخْفَى. مَطْلَبُ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا (قَوْلُهُ بَلْ وَصْفٌ لِلذِّمَّةِ إلَخْ) وَلِهَذَا قِيلَ إنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ لِأَنَّ قَبْضَهُ بِنَفْسِهِ عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ وَلِرَبِّ الدَّيْنِ عَلَى الْمَدِينِ مِثْلُهُ، فَالْتَقَى الدَّيْنَانِ قِصَاصًا وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. [فُرُوعٌ قَالَ لِغَيْرِهِ وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا] مَطْلَبُ قَالَ لِغَيْرِهِ وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا فَهُوَ حَالِفٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ الْمُخَاطَبُ حَنِثَ) كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْفَتْحِ وَالنَّهْرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ سَوَاءٌ أَمَرَهُ بِالْفِعْلِ أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ أَمْرَهُ لَا يُحَقِّقُ الْفِعْلَ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَشَرْطُ بِرِّهِ هُوَ الْفِعْلُ، وَشَرْطُ حِنْثِهِ عَدَمُهُ وَيَأْتِي تَمَامُ بَيَانِهِ قَرِيبًا. مَطْلَبُ وَاَللَّهِ لَا تَقُمْ فَقَامَ لَا يَحْنَثُ هَذَا وَرَأَيْت فِي الصَّيْرَفِيَّةِ: مَرَّ عَلَى رَجُلٍ فَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا تَقُمْ فَقَامَ لَا يَلْزَمُ الْمَارَّ شَيْءٌ لَكِنْ عَلَيْهِ تَعْظِيمُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ وَذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِعِبَارَةٍ فَارِسِيَّةٍ فَهَذَا الْفَرْعُ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَا تَقُمْ نَهْيٌ وَهُوَ إنْشَاءٌ فِي الْحَالِ تَحَقَّقَ مَضْمُونُهُ عِنْدَ التَّلَفُّظِ بِهِ، وَهُوَ طَلَبُ الْكَفِّ عَنْ الْقِيَامِ فَصَارَ الْحَلِفُ عَلَى هَذَا الطَّلَبِ الْإِنْشَائِيِّ لَا عَلَى عَدَمِ الْقِيَامِ فَالْمَقْصُودُ مِنْ الْحَلِفِ تَأْكِيدُ ذَلِكَ الطَّلَبِ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ مِثْلُ النَّهْيِ فَإِذَا قَالَ بِاَللَّهِ أَضْرِبُ زَيْدًا الْيَوْمَ لَا يَحْنَثُ بِعَدَمِ ضَرْبِهِ وَيَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ قَعَدَ ثُمَّ قَامَ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ النَّهْيِ لِأَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنْ الْقِيَامِ الَّذِي تَهَيَّأَ لَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَهُوَ يَمِينُ الْفَوْرِ الْمَارُّ بَيَانُهَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَعُ كَثِيرًا. 1 - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 848 مَا لَمْ يَنْوِ الِاسْتِحْلَافَ. قَالَ لِغَيْرِهِ: أَقْسَمْت عَلَيْك بِاَللَّهِ أَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَيْك لَتَفْعَلَنَّ كَذَا فَالْحَالِفُ هُوَ الْمُبْتَدِئُ مَا لَمْ يَنْوِ الِاسْتِفْهَامَ، وَلَوْ قَالَ عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَقَالَ: نَعَمْ فَالْحَالِفُ الْمُجِيبُ. لَا يَدْخُلُ فُلَانٌ دَارِهِ فَيَمِينُهُ عَلَى النَّهْيِ إنْ لَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهُ وَإِلَّا فَعَلَى النَّهْيِ وَالْمَنْعِ جَمِيعًا.   [رد المحتار] مَطْلَبُ قَالَ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا قَالَ نَعَمْ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَنْوِ الِاسْتِحْلَافَ) فَإِنْ نَوَى الِاسْتِحْلَافَ فَلَا شَيْءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَانِيَّةٌ وَفَتْحٌ أَيْ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ لَمْ يُجِبْهُ بِقَوْلِهِ نَعَمْ حَتَّى يَصِيرَ حَالِفًا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا فَقَالَ الْآخَرُ نَعَمْ، فَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَنْوِيَ كُلٌّ مِنْ الْمُبْتَدِئِ وَالْمُجِيبِ الْحَلِفَ عَلَى نَفْسِهِ فَهُمَا حَالِفَانِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ قَوْلَهُ نَعَمْ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا قَبْلَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ حَنِثَا جَمِيعًا. الثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ الْمُبْتَدِئُ الِاسْتِحْلَافَ وَالْمُجِيبُ الْيَمِينَ عَلَى نَفْسِهِ فَالْحَالِفُ هُوَ الْمُجِيبُ فَقَطْ. الثَّالِثُ: أَنْ لَا يُرِيدَ الْمُجِيبُ الْيَمِينَ بَلْ الْوَعْدَ فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا حَالِفًا. الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا نِيَّةٌ فَالْحَالِفُ هُوَ الْمُبْتَدِئُ فَقَطْ. الْخَامِسُ: أَنْ يُرِيدَ الْمُبْتَدِئُ الِاسْتِحْلَافَ وَالْمُجِيبُ الْحَلِفَ فَالْمُجِيبُ حَالِفٌ لَا غَيْرُهُ مُلَخَّصًا. قُلْت: هَذَا الْأَخِيرُ هُوَ عَيْنُ الثَّانِي فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَالْحَالِفُ هُوَ الْمُبْتَدِئُ) وَكَذَا فِيمَا لَوْ قَالَ أَحْلِفُ أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ قَالَ عَلَيْك أَوْ لَا فَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُجِيبِ فِي الثَّلَاثَةِ وَإِنْ نَوَيَا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ هُوَ الْمُجِيبَ خَانِيَّةٌ. قُلْت: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَسْنَدَ فِعْلَ الْقَسَمِ إلَى نَفْسِهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَنْوِ الِاسْتِفْهَامَ) أَيْ بِأَنْ تَكُونَ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ مُقَدَّرَةً فَيَصِيرُ الْمَعْنَى هَلْ أَحْلِفُ أَمْ لَا وَهَذَا يَصْلُحُ حِيلَةً إذَا أَرَادَ أَنْ لَا يَحْنَثَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَالْحَالِفُ الْمُجِيبُ) وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُبْتَدِئِ وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ خَانِيَّةٌ وَفَتْحٌ أَيْ لِإِسْنَادِهِ الْحَلِفَ إلَى الْمُخَاطَبِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ غَيْرَهُ. مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ فُلَانٌ دَارِهِ (قَوْلُهُ لَا يَدْخُلُ فُلَانٌ دَارِهِ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَهَذَا رَأَيْته فِيهَا لَكِنْ بِلَفْظِ الدَّارِ مَعْرِفَةً، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ فُلَانٌ ظَالِمًا لَا يُمْكِنُ الْحَالِفَ أَنْ يَمْنَعَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا، حَلَفَ لَا يَدَعُ فُلَانًا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ، فَلَوْ الدَّارُ مِلْكَ الْحَالِفِ فَشَرْطُ الْبِرِّ مَنْعُهُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ بِقَدْرِ مَا يُطِيقُ، فَلَوْ مَنَعَهُ بِالْقَوْلِ دُونَ الْفِعْلِ حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ فَمَنَعَهُ بِالْقَوْلِ دُونَ الْفِعْلِ لَا يَحْنَثُ بِالدُّخُولِ. وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ الْوَبَرِيِّ: حَلَفَ لِيُخْرِجَنَّ سَاكِنَ دَارِهِ الْيَوْمَ، وَالسَّاكِنُ ظَالِمٌ غَالِبٌ يَتَكَلَّفُ فِي إخْرَاجِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَالْيَمِينُ عَلَى التَّلَفُّظِ بِاللِّسَانِ. اهـ. قَالَ: وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ مَا مَرَّ مِنْ حِنْثِ الْمَالِكِ بِالْمَنْعِ بِالْقَوْلِ فَقَطْ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَدَرَ عَلَى مَنْعِهِ بِالْفِعْلِ وَإِلَّا فَيَكْفِيهِ الْقَوْلُ، وَيُفِيدُهُ قَوْلُ الْخَانِيَّةِ بِقَدْرِ مَا يُطِيقُ. هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الرِّسَالَةِ، وَقَدْ لَخَصَّهَا السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ تَلْخِيصًا مُخِلًّا، وَنَقَلَهُ عَنْهُ ط فِي الْبَابِ السَّابِقِ وَأَنَّهُ أَفْتَى بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى أُخْتِهِ أَنْ لَا تَتَكَلَّمَ بِأَنَّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 849 آجَرَ دَارِهِ ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ فِيهَا بَرَّ بِقَوْلِهِ اُخْرُجْ. لَا يَدَّعِ مَا لَهُ الْيَوْمَ عَلَى غَرِيمِهِ فَقَدَّمَهُ لِلْقَاضِي وَحَلَّفَهُ بَرَّ.   [رد المحتار] بَعْدَ مَا نَهَاهَا عَنْ الْكَلَامِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَنْعَهَا وَقَاسَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْإِثْبَاتِ مِثْلُ لَتَفْعَلَنَّ يَكْفِي أَمْرُهُ بِالْفِعْلِ. مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ لَا يَدَعُهُ يَدْخُلُ وَبَيْنَ لَا يَدْخُلُ قُلْت: وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ لِلْفَرْقِ الْبَيِّنِ بَيْنَ قَوْلِنَا لَا أَدَعُهُ يَفْعَلُ وَبَيْنَ لَا يَفْعَلُ يُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي التَّعْلِيقِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ قَالَ: إنْ أَدْخَلْت فُلَانًا بَيْتِي أَوْ قَالَ إنْ تَرَكْت فُلَانًا يَدْخُلُ بَيْتِي فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَالْيَمِينُ فِي الْأَوَّلِ عَلَى أَنْ يَدْخُلَ بِأَمْرِهِ لِأَنَّهُ مَتَى دَخَلَ بِأَمْرِهِ فَقَدْ أَدْخَلَهُ، وَفِي الثَّانِي عَلَى الدُّخُولِ أَمَرَ الْحَالِفُ أَوْ لَمْ يَأْمُرْ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّهُ وُجِدَ الدُّخُولُ؛ وَفِي الثَّالِثِ عَلَى الدُّخُولِ بِعِلْمِ الْحَالِفِ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ التَّرْكُ لِلدُّخُولِ، فَمَتَى عَلِمَ وَلَمْ يَمْنَعْ فَقَدْ تَرَكَ. اهـ. وَنُقِلَ مِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، فَانْظُرْ كَيْفَ جَعَلُوا الْيَمِينَ فِي الثَّانِي عَلَى مُجَرَّدِ الدُّخُولِ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ هُوَ دُخُولُ فُلَانٍ، فَمَتَى تَحَقَّقَ دُخُولُهُ تَحَقَّقَ شَرْطُ الْحِنْثِ وَإِنْ مَنَعَهُ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا لِأَنَّ مَنْعَهُ لَا يَنْفِي دُخُولَهُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ. وَأَمَّا عَدَمُ الْحِنْثِ بِالْمَنْعِ قَوْلًا وَفِعْلًا أَوْ قَوْلًا فَقَطْ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَارِّ فَهُوَ خَاصٌّ بِالْحَلِفِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدَعُهُ أَوْ لَا يَتْرُكُهُ يَدْخُلُ، وَكَذَا قَوْلُهُ لَا يُخَلِّيهِ يَدْخُلُ لِأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَمْنَعْهُ تَحَقَّقَ أَنَّهُ تَرَكَهُ أَوْ خَلَّاهُ فَيَحْنَثُ، هَذَا هُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجْهِ وَقَدَّمْنَا فِي آخِرِ بَابِ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِيمَا لَوْ قَالَ لَا أُفَارِقُك حَتَّى تَقْضِيَنِي حَقِّي أَنَّهُ لَوْ فَرَّ مِنْهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَ لَا يُفَارِقُنِي يَحْنَثُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ فَقَدْ جَزَمَ بِحِنْثِهِ إذَا فَرَّ مِنْهُ بَعْدَ حَلِفِهِ لَا يُفَارِقُنِي. وَعَلَى هَذَا فَالصَّوَابُ فِي جَوَابِ الْفَتْوَى السَّابِقَةِ أَنَّ أُخْتَهُ إذَا تَكَلَّمَتْ يَحْنَثُ سَوَاءٌ مَنَعَهَا عَنْ الْكَلَامِ أَوْ لَا لِتَحَقُّقِ شَرْطِ الْحِنْثِ وَهُوَ الْكَلَامُ، وَمَنْعُهُ لَهَا لَا يَرْفَعُهُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ كَمَا لَا يَخْفَى، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْحَلِفُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهَا أَوْ لَا يُخَلِّيهَا تَتَكَلَّمُ فَإِنَّهُ يَبَرُّ بِالْمَنْعِ قَوْلًا فَقَطْ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْمَنْعِ بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ. كَمَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَنْ لَا يَدَعَ فُلَانًا يَمُرُّ عَلَى هَذِهِ الْقَنْطَرَةِ فَمَنَعَهُ بِالْقَوْلِ يَكُونُ بَارًّا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمَنْعَ بِالْفِعْلِ. اهـ. وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْمُنْيَةِ لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمَشْهُورِ فِي الْكُتُبِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ. وَقَدْ يُؤَوَّلُ بِأَنَّهُ أَرَادَ مَعْنَى لَا يَدَعُهُ يَدْخُلُ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ، حَيْثُ سُئِلَ عَمَّنْ حَلَفَ عَلَى صِهْرِهِ أَنَّهُ لَا يَرْحَلُ مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ فَرَحَلَ قَهْرًا عَلَيْهِ فَهَلْ يَحْنَثُ؟ أَجَابَ: مُقْتَضَى مَا أَفْتَى بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ الْغَزِّيِّ وَأَفْتَى بِهِ أَنَّهُ إنْ نَوَى لَا يُمَكِّنُهُ فَرَحَلَ قَهْرًا عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ اهـ أَوْ يُؤَوَّلُ بِأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ عِبَارَةِ الْمُنْيَةِ لَفْظُ لَا يَدَعُهُ وَإِلَّا فَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمُوَافِقُ لِلْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ دُونَ الشَّاذِّ الْخَفِيِّ الْمَعْلُولِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ] عُلِمَ أَيْضًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَالِفُ عَلَى الْإِثْبَاتِ مِثْلُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا فَشَرْطُ الْبِرِّ هُوَ الْفِعْلُ حَقِيقَةً، وَلَا يُمْكِنُ قِيَاسُهُ عَلَى لَا يَدَعُهُ يَفْعَلُ، بِأَنْ يُقَالَ هُنَا: يَكْفِي أَمْرُهُ بِالْفِعْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. وَأَمَّا مَا مَرَّ عَنْ الْقُنْيَةِ فِي: لِيُخْرِجَنَّ سَاكِنَ دَارِهِ فَذَاكَ فِي مَعْنَى لَا يَدَعُهُ يَسْكُنُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، أَمَّا هُنَا فَلَا يَكْفِي الْأَمْرُ لِأَنَّ حَلِفَهُ عَلَى الْفِعْلِ لَا عَلَى الْأَمْرِ بِهِ، وَمُجَرَّدُ الْأَمْرِ بِهِ لَا يُحَقِّقُهُ كَمَا لَا يَخْفَى، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ يَحْنَثُ الْحَالِفُ كَمَا مَرَّ سَوَاءٌ أَمَرَهُ أَوْ لَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ جَلِيٌّ أَيْضًا، وَلَكِنْ جَلَّ مَنْ لَا يَسْهُو فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ بَرَّ بِقَوْلِهِ اُخْرُجْ) لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ مَنَعَهُ مِنْ الْإِخْرَاجِ بِالْفِعْلِ لِأَنَّ مَالِكَ الدَّارِ لَا يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ، فَهُوَ حِينَئِذٍ كَالْأَجْنَبِيِّ شُرُنْبُلَالِيٌّ. (قَوْلُهُ وَحَلَّفَهُ بَرَّ) لِأَنَّ قَوْلَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 850 قِيلَ لَهُ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتُك طَالِقٌ فَقَالَ نَعَمْ وَقَدْ كَانَ فَعَلَ طَلُقَتْ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: الْقَاعِدَةُ الْحَادِيَةَ عَشَرَ السُّؤَالُ مُعَادٌ فِي الْجَوَابِ قَالَ: امْرَأَةُ زَيْدٍ طَالِقٌ أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ أَوْ عَلَيْهِ الْمَشْيُ لِبَيْتِ اللَّهِ إنْ فَعَلَ كَذَا وَقَالَ زَيْدٌ نَعَمْ كَانَ حَالِفًا إلَى آخِرِهِ. ادَّعَى عَلَيْهِ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ مَا لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَبَرْهَنَ بِمَالٍ حَنِثَ بِهِ يُفْتَى. حَلَفَ أَنَّ فُلَانًا ثَقِيلٌ وَهُوَ عِنْدَ النَّاسِ غَيْرُ ثَقِيلٍ وَعِنْدَهُ ثَقِيلٌ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا عِنْدَ النَّاسِ. لَا يَعْمَلُ مَعَهُ فِي الْقِصَارَةِ مَثَلًا فَعَمِلَ مَعَ شَرِيكِهِ حَنِثَ وَمَعَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَا. لَا يَزْرَعُ أَرْضَ فُلَانٍ فَزَرَعَ أَرْضًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ حَنِثَ لِأَنَّ نِصْفَ الْأَرْضِ تُسَمَّى أَرْضًا، بِخِلَافِ لَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ الْمُشْتَرَكَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.   [رد المحتار] لَا يَدَعُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَبَعْدَ تَحْلِيفِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَخْذِ، وَشَرْطُ الْحِنْثِ أَنْ يَتْرُكَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَلِذَا لَا يَحْنَثُ إذَا قَالَ لَا أَدَعُ فُلَانًا يَفْعَلُ فَفَعَلَ فِي غَيْبَتِهِ. (قَوْلُهُ طَلُقَتْ) لِأَنَّهُ صَارَ حَالِفًا لِلْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ عَقِبَهُ. (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَحْنَثُ اهـ فَتْحٌ أَيْ لِجَوَازِ أَنَّهُ أَقْرَضَهُ ثُمَّ أَبْرَأَهُ أَوْ اسْتَوْفَى مِنْهُ قَبْلَ الدَّعْوَى فَلَمْ يَظْهَرْ كَذِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ حَنِثَ إلَخْ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَرْجِعُ بِالْعُهْدَةِ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَصِيرُ الْحَالِفُ عَامِلًا مَعَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ عَقْدُ الشَّرِكَةِ نَفْسُهُ لَا يُوجِبُ الْحُقُوقَ. أَمَّا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فَلَا يَرْجِعُ بِالْعُهْدَةِ عَلَى الْمَوْلَى فَلَا يَصِيرُ الْحَالِفُ شَرِيكًا لِمَوْلَاهُ بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ فَدَخَلَ الْمُشْتَرَكَةُ) أَيْ فَلَا يَحْنَثُ. لِأَنَّ نِصْفَ الدَّارِ لَا يُسَمَّى دَارًا فَتْحٌ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا) تَرَكَ فِي الْفَتْحِ هَذَا الْقَيْدَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ. قَالَ ط: أَمَّا إذَا كَانَ سَاكِنًا فَهِيَ دَارُهُ لِأَنَّ الدَّارَ حِينَئِذٍ تَعُمُّ الْمُسْتَأْجَرَةَ فَأَوْلَى الْمُشْتَرَكَةُ الَّتِي سَكَنَهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 851 «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» (حَدِيثٌ شَرِيفٌ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْحُدُودِ (الْحَدُّ) لُغَةً الْمَنْعُ. وَشَرْعًا (عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ وَجَبَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى) زَجْرًا، فَلَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ   [رد المحتار] [كِتَابُ الْحُدُودِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْحُدُودِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْأَيْمَانِ وَكَفَّارَتِهَا الدَّائِرَةِ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ ذَكَرَ بَعْدَهَا الْعُقُوبَاتِ الْمَحْضَةَ، وَلَوْلَا لُزُومُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ لَكَانَ ذِكْرُهَا بَعْدَ الصَّوْمِ أَوْلَى لِاشْتِمَالِهِ عَلَى بَيَانِ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ الْمُغَلَّبِ فِيهَا جِهَةُ الْعُقُوبَةِ نَهْرٌ وَفَتْحٌ. وَهِيَ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ: حَدُّ الزِّنَا، وَحَدُّ شُرْبِ الْخَمْرِ خَاصَّةً، وَحَدُّ السُّكْرِ مِنْ غَيْرِهَا وَالْكَمِّيَّةُ مُتَّحِدَةٌ فِيهِمَا، وَحَدُّ الْقَذْفِ، وَحَدُّ السَّرِقَةِ، وَحَدُّ قَطْعِ الطَّرِيقِ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ الْحَدُّ لُغَةً) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: هُوَ لُغَةً، فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْحَدِّ الْمَفْهُومِ مِنْ الْحُدُودِ (قَوْلُهُ الْمَنْعُ) وَمِنْهُ سُمِّيَ الْبَوَّابُ وَالسَّجَّانُ حَدَّادًا لِمَنْعِ الْأَوَّلِ مِنْ الدُّخُولِ وَالثَّانِي مِنْ الْخُرُوجِ، وَسُمِّيَ الْمُعَرِّفُ لِلْمَاهِيَّةِ حَدًّا لِمَنْعِهِ مِنْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ. وَحُدُودُ الدَّارِ نِهَايَاتُهَا لِمَنْعِهَا عَنْ دُخُولِ مِلْكِ الْغَيْرِ فِيهَا وَخُرُوجِ بَعْضِهَا إلَيْهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ عُقُوبَةٌ) أَيْ جَزَاءٌ بِالضَّرْبِ أَوْ الْقَطْعِ أَوْ الرَّجْمِ أَوْ الْقَتْلِ، سُمِّيَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا تَتْلُو الذَّنْبَ، مِنْ تَعَقُّبِهِ: إذَا تَبِعَهُ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ مُقَدَّرَةٌ) أَيْ مُبَيَّنَةٌ بِالْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ قُهُسْتَانِيٌّ أَوْ الْمُرَادُ لَهَا قَدْرٌ خَاصٌّ، وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ. مُقَدَّرَةٌ بِالْمَوْتِ فِي الرَّجْمِ وَفِي غَيْرِهِ بِالْأَسْوَاطِ الْآتِيَةِ اهـ أَيْ وَبِالْقَطْعِ الْآتِي (قَوْلُهُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى) ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِمَصْلَحَةٍ تَعُودُ إلَى كَافَّةِ النَّاسِ مِنْ صِيَانَةِ الْأَنْسَابِ وَالْأَمْوَالِ وَالْعُقُولِ وَالْأَعْرَاضِ (قَوْلُهُ زَجْرًا) بَيَانٌ لِحُكْمِهَا الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ الِانْزِجَارُ عَمَّا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْعِبَادُ مِنْ أَنْوَاعِ الْفَسَادِ، وَهُوَ وَجْهُ تَسْمِيَتِهَا حُدُودًا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالتَّحْقِيقُ مَا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إنَّهَا مَوَانِعُ قَبْلَ الْفِعْلِ، زَوَاجِرُ بَعْدَهُ: أَيْ الْعِلْمُ بِشَرْعِيَّتِهَا يَمْنَعُ الْإِقْدَامَ عَلَى الْفِعْلِ، وَإِيقَاعُهَا بَعْدَهُ يَمْنَعُ مِنْ الْعَوْدِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ فَلَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ تَجِبُ إلَخْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 بَعْدَ الْوُصُولِ لِلْحَاكِمِ، وَلَيْسَ مُطَهِّرًا عِنْدَنَا بَلْ الْمُطَهِّرُ التَّوْبَةُ. وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا لَا تُسْقِطُ الْحَدَّ فِي الدُّنْيَا (فَلَا تَعْزِيرَ) حَدٌّ لِعَدَمِ تَقْدِيرِهِ (وَلَا قِصَاصَ حَدٌّ) لِأَنَّهُ حَقُّ الْمَوْلَى. وَالزِّنَا الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ (وَطْءُ) وَهُوَ إدْخَالُ   [رد المحتار] فَإِنَّهُ طَلَبُ تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَلِذَا «أَنْكَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حِينَ شَفَعَ فِي الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟» (قَوْلُهُ بَعْدَ الْوُصُولِ لِلْحَاكِمِ) وَأَمَّا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ وَالثُّبُوتِ عِنْدَهُ فَتَجُوزُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَ الرَّافِعِ لَهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُطْلِقَهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ، فَالْوُجُوبُ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ بَلْ عَلَى الْإِمَامِ عِنْدَ الثُّبُوتِ عِنْدَهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَظَاهِرُهُ جَوَازُ الشَّفَاعَةِ بَعْدَ الْوُصُولِ لِلْحَاكِمِ قَبْلَ الثُّبُوتِ عِنْدَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ بَلْ الْمُطَهِّرُ التَّوْبَةُ) فَإِذَا حُدَّ وَلَمْ يَتُبْ يَبْقَى عَلَيْهِ إثْمُ الْمَعْصِيَةِ. وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ مُطَهِّرٌ، وَأُوْضِحَ دَلِيلُنَا فِي النَّهْرِ. مَطْلَبٌ التَّوْبَةُ تُسْقِطُ الْحَدَّ قَبْلَ ثُبُوتِهِ (قَوْلُهُ وَأَجْمَعُوا إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا لَا تُسْقِطُ الْحَدَّ الثَّابِتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ بَعْدَ الرَّفْعِ إلَيْهِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ بِالتَّوْبَةِ حَتَّى فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ جِنَايَتِهِمْ عَلَى نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ مَالٍ أَوْ كَانَ بَعْدَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ هُنَا خِلَافًا لِمَا فِي النَّهْرِ، نَعَمْ يَبْقَى عَلَيْهِمْ حَقُّ الْعَبْدِ مِنْ الْقِصَاصِ إنْ قُتِلُوا وَالضَّمَانُ إنْ أَخَذُوا الْمَالَ، وَقَوْلُ الْبَحْرِ: وَالْقَطْعُ إنْ أَخَذُوا الْمَالَ سَبْقُ قَلَمٍ، وَصَوَابُهُ وَالضَّمَانُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ بَقَاءَ حَقِّ الْعَبْدِ لَا يُنَافِي سُقُوطَ الْحَدِّ، وَكَأَنَّهُ فِي النَّهْرِ تَوَهَّمَ أَنَّ الْبَاقِيَ هُوَ الْحَدُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَافْهَمْ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: رَجُلٌ أَتَى بِفَاحِشَةٍ ثُمَّ تَابَ وَأَنَابَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْقَاضِي بِفَاحِشَتِهِ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّتْرَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ لِلْبِيرِيِّ عَنْ الْجَوْهَرِ: رَجُلٌ شَرِبَ الْخَمْرَ وَزَنَى ثُمَّ تَابَ وَلَمْ يُحَدَّ فِي الدُّنْيَا هَلْ يُحَدُّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ؟ قَالَ: الْحُدُودُ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ النَّاسِ وَهُوَ الِانْزِجَارُ، فَإِذَا تَابَ تَوْبَةً نَصُوحًا أَرْجُو أَنْ لَا يُحَدَّ فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ الْكُفْرِ وَالرِّدَّةِ وَإِنَّهُ يَزُولُ بِالْإِسْلَامِ وَالتَّوْبَةِ (قَوْلُهُ فَلَا تَعْزِيرَ حَدٌّ) تَعْزِيرَ، اسْمُ لَا مَبْنِيٌّ مَعَهَا عَلَى الْفَتْحِ وَحَدٌّ خَبَرُهَا، وَكَذَا قَوْلُهُ وَلَا قِصَاصَ حَدٌّ، وَقَدَّرَ الشَّارِحُ خَبَرًا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ مُفْرَدٌ لَا يَصْلُحُ خَبَرًا لَهُمَا لَكِنَّهُ مَصْدَرٌ لِلْجِنْسِ فَيَصْلُحُ لَهُمَا، وَالْخَطْبُ فِي ذَلِكَ سَهْلٌ. ثُمَّ إنَّ الْأَوَّلَ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ مُقَدَّرَةٌ، وَالثَّانِي عَلَى قَوْلِهِ وَجَبَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ لِعَدَمِ تَقْدِيرِهِ: أَيْ تَقْدِيرِ التَّعْزِيرِ أَيْ كُلِّ أَنْوَاعِهِ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ بَعْضُهَا وَهُوَ الضَّرْبُ، عَلَى أَنَّ الضَّرْبَ وَإِنْ كَانَ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةً وَأَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ لَكِنْ مَا بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ مَطْلَبٌ أَحْكَامُ الزِّنَا (قَوْلُهُ وَالزِّنَا) بِالْقَصْرِ فِي لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ فَيُكْتَبُ بِالْيَاءِ، وَبِالْمَدِّ فِي لُغَةِ أَهْلِ نَجْدٍ فَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ. بَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لِصِيَانَةِ النَّسْلِ فَكَانَ رَاجِعًا إلَى الْوُجُودِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَلِكَثْرَةِ وُقُوعِ سَبَبِهِ مَعَ قَطْعِيَّتِهِ، بِخِلَافِ السَّرِقَةِ فَإِنَّهَا لَا تَكْثُرُ كَثْرَتَهُ، وَالشُّرْبُ وَإِنْ كَثُرَ فَلَيْسَ حَدُّهُ بِتِلْكَ الْقَطْعِيَّةِ نَهْرٌ وَفَتْحٌ مَطْلَبُ الزِّنَا شَرْعًا لَا يَخْتَصُّ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ بَلْ أَعَمُّ (قَوْلُهُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الزِّنَا فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ وَطْءُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَخُصَّ اسْمَ الزِّنَا بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ بَلْ بِمَا هُوَ أَعَمُّ، وَالْمُوجِبُ لِلْحَدِّ بَعْضُ أَنْوَاعِهِ. وَلَوْ وَطِيء جَارِيَةَ ابْنِهِ لَا يُحَدُّ لِلزِّنَا وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ بِالزِّنَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ زِنًا وَإِنْ كَانَ لَا يُحَدُّ بِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. وَبِهِ عُلِمَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 قَدْرِ حَشَفَةٍ مِنْ ذَكَرِ (مُكَلَّفٍ) خَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ (نَاطِقٍ) خَرَجَ وَطْءُ الْأَخْرَسِ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ مُطْلَقًا لِلشُّبْهَةِ. وَأَمَّا الْأَعْمَى فَيُحَدُّ لِلزِّنَا بِالْإِقْرَارِ لَا بِالْبُرْهَانِ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ (طَائِعٍ فِي قُبُلِ مُشْتَهَاةٍ) حَالًا أَوْ مَاضِيًا خَرَجَ الْمُكْرَهُ وَالدُّبُرُ وَنَحْوُ الصَّغِيرَةِ (خَالٍ عَنْ مِلْكِهِ) أَيْ مِلْكِ الْوَاطِئِ (وَشُبْهَتِهِ) أَيْ فِي الْمَحِلِّ لَا فِي الْفِعْلِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ؛ وَزَادَ الْكَمَالُ (فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) لِأَنَّهُ لَا حَدَّ بِالزِّنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ (أَوْ تَمْكِينُهُ مِنْ ذَلِكَ) بِأَنْ اسْتَلْقَى   [رد المحتار] أَنَّ مَا فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مِنْ تَعْرِيفِ الزِّنَا بِمَا مَرَّ تَعْرِيفٌ لِلشَّرْعِيِّ الْأَعَمِّ، فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِتَرْكِ الْقُيُودِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلْأَخَصِّ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ، عَلَى أَنَّ الْقُيُودَ الْمَذْكُورَةَ خَارِجَةٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا شُرُوطٌ لِإِجْرَاءِ الْحُكْمِ كَمَا فِي النَّهْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قَدْرِ حَشَفَةٍ) أَيْ حَشَفَةٍ أَوْ قَدْرِهَا مِمَّنْ كَانَ مَقْطُوعَهَا، لَكِنْ صَرَّحَ بِالْخَفِيِّ وَسَكَتَ عَنْ الظَّاهِرِ لِعِلْمِهِ بِالْأُولَى اخْتِصَارًا، أَوْ أَقْحَمَ لَفْظَ قَدْرِ لِإِفَادَةِ التَّعْمِيمِ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ نَفْسِ الْحَشَفَةِ فَإِيلَاجُ بَعْضِهَا غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَطْئًا وَلِذَا لَمْ يُوجِبْ الْغُسْلَ وَلَمْ يُفْسِدْ الْحَجَّ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَأَشَارَ بِسُكُوتِهِ عَنْ الْإِنْزَالِ إلَى أَنَّهُ غَيْرُ شَرْطٍ (قَوْلُهُ مُكَلَّفٍ) أَيْ عَاقِلٍ بَالِغٍ، وَلَمْ يَقُلْ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ شَرْطٍ فِي حَقِّ الْجَلْدِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِالْإِشَارَةِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ لَا بِالْبُرْهَانِ) ذَكَرَ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّهُ رَآهُ فِي نُسْخَتِهِ الْخَانِيَّةِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ: يَعْنِيَ ابْنَ وَهْبَانَ خَصَّ ذَلِكَ بِالْأَخْرَسِ. أَقُولُ: الَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْنِ مِنْ الْخَانِيَّةِ هَكَذَا: وَلَوْ أَقَرَّ الْأَخْرَسُ بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي كِتَابٍ كَتَبَهُ أَوْ إشَارَةٍ لَا يُحَدُّ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ بِالزِّنَا لَا تُقْبَلُ. الْأَعْمَى إذَا أَقَرَّ بِالزِّنَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَصِيرِ فِي حُكْمِ الْإِقْرَارِ. اهـ. فَقَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ إلَخْ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَخْرَسِ لَا فِي الْأَعْمَى، خِلَافًا لِمَا رَآهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي نُسْخَتِهِ فَإِنَّهُ غَلَطٌ لِقَوْلِ الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ: بِخِلَافِ الْأَعْمَى صَحَّ إقْرَارُهُ وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُضْمَرَاتِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ وَشَرْحِ الْكَنْزِ لِلْمَقْدِسِيِّ (قَوْلُهُ فِي قُبُلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِوَطْءٍ (قَوْلُهُ أَوْ مَاضِيًا) أَدْخَلَ بِهِ الْعَجُوزَ الشَّوْهَاءَ، فَإِنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُشْتَهَاةً فِي الْحَالِ لَكِنَّهَا كَانَتْ مُشْتَهَاةً فِيمَا مَضَى (قَوْلُهُ خَرَجَ الْمُكْرَهُ) أَيْ بِقَيْدِ طَائِعٍ وَالدُّبُرُ بِقَيْدِ قُبُلٍ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ مِنْ أَنَّهُ لَا حَدَّ بِاللِّوَاطَةِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا مِنْ أَنَّهُ يُحَدُّ بِفِعْلِ ذَلِكَ فِي الْأَجَانِبِ فَيَدْخُلُ فِي الزِّنَا وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَنَحْوُ الصَّغِيرَةِ) هُوَ الْمَيِّتَةُ وَالْبَهِيمَةُ ح. وَهَذَا خَرَجَ بِقَيْدِ مُشْتَهَاةٍ وَالْمُرَادُ الصَّغِيرَةُ وَنَحْوُهَا، فَإِقْحَامُ لَفْظِ نَحْوُ لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ كَمَا مَرَّ آنِفًا، وَنَظِيرُهُ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَاتِ قَوْلُهُمْ: مِثْلُك لَا يَبْخَلُ (قَوْلُهُ خَالٍ عَنْ مِلْكِهِ) أَيْ مِلْكِ يَمِينِهِ وَمِلْكِ نِكَاحِهِ، وَهُوَ صِفَةٌ لِقُبُلٍ ط أَوْ صِفَةٌ لِوَطْءٍ (قَوْلُهُ وَشُبْهَتِهِ) أَيْ شُبْهَةِ مِلْكِ الْيَمِينِ وَمِلْكِ النِّكَاحِ. فَالْأُولَى كَوَطْءِ جَارِيَةٍ مُكَاتَبَةٍ أَوْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ، أَوْ جَارِيَةِ الْمَغْنَمِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا فِي حَقِّ الْغَازِي. وَالثَّانِيَةُ كَتَزَوُّجِ امْرَأَةٍ بِلَا شُهُودٍ أَوْ أَمَةٍ بِلَا إذْنِ مَوْلَاهَا، أَوْ تَزَوُّجِ الْعَبْدِ بِلَا إذْنِ مَوْلَاهُ حَمَوِيٌّ عَنْ الْمِفْتَاحِ ط (قَوْلُهُ أَيْ فِي الْمَحِلِّ) وَيُقَالُ لَهَا شُبْهَةُ مِلْكٍ وَشُبْهَةٌ حُكْمِيَّةٌ كَوَطْءِ جَارِيَةِ ابْنِهِ ط (قَوْلُهُ لَا فِي الْفِعْلِ) وَتُسَمَّى شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ كَوَطْءِ مُعْتَدَّةِ الثَّلَاثِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ شَرْطَ كَوْنِ الْوَطْءِ زِنًا خُلُوُّهُ عَنْ شُبْهَةِ الْمَحِلِّ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ نَفْيَ الْحُدُودِ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ حِلَّهُ، بِخِلَافِ شُبْهَةِ الْفِعْلِ فَإِنَّهَا لَا تَنْفِيهِ مُطْلَقًا، بَلْ إنْ ظَنَّ الْحِلَّ، أَمَّا إنْ لَمْ يَظُنَّهُ فَلَا، وَلِذَا خَصَّصَ الْأُولَى بِالْإِرَادَةِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ خُلُوَّهُ عَمَّا يَعُمُّ شُبْهَةَ الْفِعْلِ بِقَيْدِ ظَنِّ الْحِلِّ فِيهَا صَحَّ أَيْضًا أَفَادَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) مَفْعُولُ زَادَ وَهَذَا الْقَيْدُ يُومِئُ إلَيْهِ قَوْلُهُمْ وَأَيْنَ هُوَ، وَكَذَا قَوْلُهُمْ فِي الْبَابِ الْآتِي لَا حَدَّ بِالزِّنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْبَغْيِ. وَعَلَيْهِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي دَارِ الْعَدْلِ لِيَخْرُجَ دَارُ الْبَغْيِ أَيْضًا، وَهَذَا إذَا لَمْ يَزْنِ دَاخِلَ الْمُعَسْكَرِ الَّذِي فِيهِ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ الْمَأْذُونُ لَهُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ، وَإِلَّا فَإِنَّهُ يُحَدُّ كَمَا سَيَأْتِي هُنَاكَ (قَوْلُهُ أَوْ تَمْكِينُهُ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى وَطْءُ وَأَوْ لِلتَّقْسِيمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 فَقَعَدَتْ عَلَى ذَكَرِهِ فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ لِوُجُودِ التَّمْكِينِ (أَوْ تَمْكِينُهَا) فَإِنَّ فِعْلَهَا لَيْسَ وَطْئًا بَلْ تَمْكِينٌ فَتَمَّ التَّعْرِيفُ، وَزَادَ فِي الْمُحِيطِ: الْعِلْمَ بِالتَّحْرِيمِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يُحَدَّ لِلشُّبْهَةِ. وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِحُرْمَتِهِ فِي كُلِّ مِلَّةٍ.   [رد المحتار] وَالتَّنْوِيعِ وَاسْمُ الْإِشَارَةِ لِلْوَطْءِ ط (قَوْلُهُ فَقَعَدَتْ عَلَى ذَكَرِهِ) أَيْ وَاسْتَدْخَلَتْهُ بِنَفْسِهَا (قَوْلُهُ أَوْ تَمْكِينُهَا) لَمَّا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا وَقَدْ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى زَانِيَةً فِي قَوْلِهِ - {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2]- عُلِمَ أَنَّهَا تُسَمَّى زَانِيَةً حَقِيقَةً، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا لَا تُسَمَّى وَاطِئَةً أَنَّهَا زَانِيَةٌ مَجَازًا فَلِذَا زَادَ فِي التَّعْرِيفِ تَمْكِينَهَا حَتَّى يَدْخُلَ فِعْلُهَا فِي الْمُعَرَّفِ وَهُوَ الزِّنَا الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَمْكِينُهَا زِنًا حَقِيقَةً لَمَا اُحْتِيجَ إلَى إدْخَالِهِ فِي التَّعْرِيفِ، وَهُوَ أَيْضًا أَمَارَةُ كَوْنِهَا زَانِيَةً حَقِيقَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاطِئَةً، كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ يُسَمَّى زَانِيًا حَقِيقَةً بِالتَّمْكِينِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْوَطْءُ حَقِيقَةً، وَبِهِ سَقَطَ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ تَسْمِيَتَهَا زَانِيَةً مَجَازٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَتَمَّ التَّعْرِيفُ) تَعْرِيضٌ بِصَاحِبِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ عَرَّفُوهُ بِالتَّعْرِيفِ الْأَعَمِّ، وَتَقَدَّمَ جَوَابُهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَزَادَ فِي الْمُحِيطِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ إنَّ مِنْ شَرَائِطِهِ الْعِلْمَ بِالتَّحْرِيمِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْحُرْمَةِ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ، وَأَصْلُهُ مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا زَنَى بِالْيَمَنِ فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الزِّنَا فَاجْلِدُوهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ فَعَلِّمُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الشَّرْعِيَّاتِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ، فَإِنْ كَانَ الشُّيُوعُ وَالِاسْتِفَاضَةُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أُقِيمَ مَقَامَ الْعِلْمِ وَلَكِنْ لَا أَقَلَّ مِنْ إيرَاثِ شُبْهَةٍ لِعَدَمِ التَّبْلِيغِ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْكَوْنَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ كَمَا هُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِي الْأَحْكَامِ كُلِّهَا ح عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) أَيْ فِي الْبَابِ الْآتِي بِأَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَالْمِلَلِ، فَالْحَرْبِيُّ إذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ فَزَنَى وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهُ حَلَالٌ يُحَدُّ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فَعَلَهُ أَوَّلَ يَوْمِ دُخُولِهِ فَكَيْفَ يُقَالُ إذَا ادَّعَى مُسْلِمٌ أَصْلِيٌّ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حُرْمَةَ الزِّنَا لَا يُحَدُّ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْحَدِّ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ وَالْمَقْدِسِيِّ وَالشُّرُنْبُلالي. وَنَازَعَ فِيهِ ط بِمَا مَرَّ عَنْ عُمَرَ وَبِأَنَّ الْحُرْمَةَ الثَّابِتَةَ فِي كُلِّ مِلَّةٍ لَا تُنَافِي أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَجْهَلُهَا. كَيْفَ وَالْبَابُ تُقْبَلُ فِيهِ الشُّبُهَاتُ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَرْبِيِّ فَلَعَلَّهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَشْتَرِطُ الْعِلْمَ اهـ. قُلْت: وَكَذَا نَازَعَ فِيهِ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي آخِرِ شَرْحِهِ عَلَى التَّحْرِيرِ فِي بَحْثِ الْجَهْلِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا مَرَّ عَنْ الْمُحِيطِ غَيْرَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ الْمَبْسُوطِ عَقِبَ هَذَا الْأَثَرِ: فَقَدْ جَعَلَ ظَنَّ الْحِلِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ شُبْهَةً لِعَدَمِ اشْتِهَارِ الْأَحْكَامِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ هَذَا الظَّنَّ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَا يَكُونُ شُبْهَةً مُعْتَبَرَةً لِاشْتِهَارِ الْأَحْكَامِ فِيهِ، وَلَكِنْ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّاشِئِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَالْمُسْلِمُ الْمُهَاجِرُ الْمُقِيمُ بِهَا مُدَّةً يَطَّلِعُ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ، فَأَمَّا الْمُسْلِمُ الْمُهَاجِرُ الْوَاقِعُ مِنْهُ ذَلِكَ فِي فَوْرِ دُخُولِهِ فَلَا، وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَعْنِي الْكَمَالَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَنَقَلَ فِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِحُرْمَةِ الزِّنَا إجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ مُفِيدٌ أَنَّ جَهْلَهُ يَكُونُ عُذْرًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَا قَبْلَهُ فَمَتَى يَتَحَقَّقُ كَوْنُهُ عُذْرًا؟ وَحِينَئِذٍ فَالْفَرْعُ الْمَذْكُورُ: أَيْ فَرْعُ الْحَرْبِيِّ هُوَ الْمُشْكِلُ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. قُلْت: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْحُرْمَةِ شَرْطٌ فِيمَنْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِهَا وَظَهَرَ عَلَيْهِ أَمَارَةُ ذَلِكَ، بِأَنْ نَشَأَ وَحْدَهُ فِي شَاهِقٍ أَوْ بَيْنَ قَوْمٍ جُهَّالٍ مِثْلِهِ لَا يَعْلَمُونَ تَحْرِيمَهُ أَوْ يَعْتَقِدُونَ إبَاحَتَهُ إذْ لَا يُنْكَرُ وُجُودُ ذَلِكَ، فَمَنْ زَنَى وَهُوَ كَذَلِكَ فِي فَوْرِ دُخُولِهِ دَارَنَا لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَا يُحَدُّ، إذْ التَّكْلِيفُ بِالْأَحْكَامِ فَرْعُ الْعِلْمِ بِهَا وَعَلَى هَذَا يَحِلُّ مَا فِي الْمُحِيطِ. وَمَا ذُكِرَ مِنْ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ مَنْ نَشَأَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي دَارِ أَهْلِ الْحَرْبِ الْمُعْتَقِدِينَ حُرْمَتَهُ ثُمَّ دَخَلَ دَارَنَا فَإِنَّهُ إذَا زَنَى يُحَدُّ وَلَا يُقْبَلُ اعْتِذَارُهُ بِالْجَهْلِ. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ فَرْعُ الْحَرْبِيِّ وَيَزُولُ عَنْهُ الْإِشْكَالُ، وَهُوَ أَيْضًا مَحْمَلُ كَلَامِ الْكَمَالِ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ شَقِّ الْعَصَا وَالتَّفْرِيقِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 (وَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ) رِجَالٍ (فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ) فَلَوْ جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ حُدُّوا (بِ) لَفْظِ (الزِّنَا لَا) مُجَرَّدِ لَفْظِ (الْوَطْءِ وَالْجِمَاعِ) وَظَاهِرُ الدُّرَرِ أَنَّ مَا يُفِيدُ مَعْنَى الزِّنَا يَقُومُ مَقَامَهُ (وَلَوْ) كَانَ (الزَّوْجُ أَحَدَهُمْ إذَا لَمْ يَكُنْ) الزَّوْجُ (قَذَفَهَا) وَلَمْ يَشْهَدْ بِزِنَاهَا بِوَلَدِهِ لِلتُّهْمَةِ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ اللِّعَانَ عَنْ نَفْسِهِ فِي الْأُولَى وَيُسْقِطُ نِصْفَ الْمَهْرِ لَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ لَوْ بَعْدَهُ فِي الثَّانِيَةِ ظَهِيرِيَّةٌ (فَيَسْأَلُهُمْ الْإِمَامُ عَنْهُ مَا هُوَ) أَيْ عَنْ ذَاتِهِ وَهُوَ الْإِيلَاجُ عَيْنِيٌّ (وَكَيْفَ هُوَ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ) أَيْ الزِّنَا عِنْدَ الْقَاضِي، أَمَّا ثُبُوتُهُ فِي نَفْسِهِ فَبِإِيجَادِ الْإِنْسَانِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ رِجَالٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِشَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ، وَقَيَّدَ بِذَلِكَ مِنْ إدْخَالِ التَّاءِ فِي الْعَدَدِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي النُّصُوصِ (قَوْلُهُ فَلَوْ جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ حُدُّوا) أَيْ حَدَّ الْقَذْفِ، وَلَوْ جَاءُوا فُرَادَى وَقَعَدُوا مَقْعَدَ الشُّهُودِ وَقَامَ إلَى الْقَاضِي وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا خَارِجَ الْمَسْجِدِ حُدُّوا جَمِيعًا بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، وَعَبَّرَ بِالْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ مَحِلُّ جُلُوسِ الْقَاضِي يَعْنِي أَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ يُعْتَبَرُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي لَا خَارِجَهُ، فَلَوْ اجْتَمَعُوا خَارِجَهُ وَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَهُمْ مُتَفَرِّقُونَ فَيُحَدُّونَ (قَوْلُهُ بِلَفْظِ الزِّنَا) مُتَعَلِّقٌ بِشَهَادَةِ، فَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّهُ زَنَى وَآخَرَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالزِّنَا لَمْ يُحَدَّ، وَلَا تُحَدُّ الشُّهُودُ أَيْضًا إلَّا إذَا شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِالزِّنَا وَالرَّابِعُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ فَتُحَدُّ الثَّلَاثَةُ ظَهِيرِيَّةٌ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ بِالْإِقْرَارِ لَا تُعْتَبَرُ فَبَقِيَ كَلَامُ الثَّلَاثَةِ قَذْفًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا مُجَرَّدِ لَفْظِ الْوَطْءِ وَالْجِمَاعِ) ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الزِّنَا هُوَ الدَّالُّ عَلَى فِعْلِ الْحَرَامِ دُونَهُمَا، فَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ وَطِئَهَا وَطْئًا مُحَرَّمًا لَا يَثْبُتُ بَحْرٌ: أَيْ إلَّا إذَا قَالَ وَطْئًا هُوَ زِنًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي صَرِيحُهُ مِنْ أَيِّ لِسَانٍ كَانَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ صَرِيحُ الزِّنَا كَمَا هُنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ الدُّرَرِ إلَخْ) وَنَصُّهَا أَيْ بِشَهَادَةٍ مُلْتَبِسَةٍ بِلَفْظِ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ الدَّالُّ عَلَى فِعْلِ الْحَرَامِ أَوْ مَا يُفِيدُ مَعْنَاهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ أَوْ مَا يُفِيدُ مَعْنَاهُ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ الدَّالُّ، يَعْنِي أَنَّ الدَّالَّ عَلَى فِعْلِ الْحَرَامِ لَفْظُ الزِّنَا أَوْ مَا يُفِيدُ مَعْنَاهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي أَنَّ مَا يُفِيدُ مَعْنَاهُ تَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِهِ، نَعَمْ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ عَطْفُهُ عَلَى لَفْظِ الزِّنَا، لَكِنْ قَوْلُهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ أَرَادَ بِهِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّعْزِيرِ مِنْ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ يَجِبُ بِصَرِيحِ الزِّنَا أَوْ بِمَا هُوَ فِي حُكْمِهِ بِأَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ اقْتِضَاءً كَقَوْلِهِ فِي غَضَبٍ لَسْت لِأَبِيك أَوْ بِابْنِ فُلَانٍ أَبِيهِ اهـ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى هُنَا فَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا مِنْ الْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ فَافْهَمْ. ثُمَّ إنَّهُ لَوْ لَمْ يُبَيِّنْهُ بِمَا ذَكَرَ فِي التَّعْزِيرِ أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا كَانَ صَرِيحًا فِيهِ مِنْ لُغَةٍ أُخْرَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ اللِّعَانَ عَنْ نَفْسِهِ) بَيَانٌ لِلتُّهْمَةِ وَعَلَيْهِ لَوْ كَانَ قَذَفَ أَحَدُهُمْ الرَّجُلَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِمَا ذُكِرَ فِي الزَّوْجِ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ نِصْفُ الْمَهْرِ) أَيْ يُسْقِطُ الزَّوْجُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لِتَضَمُّنِهَا مَجِيءَ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا حَيْثُ كَانَتْ مُطَاوِعَةً لِوَلَدِهِ، وَأَمَّا بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ بِمُطَاوَعَتِهَا لَهُ بَلْ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ لِنُشُوزِهَا (قَوْلُهُ ظَهِيرِيَّةٌ) وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ بِزِيَادَةٍ وَتُحَدُّ الثَّلَاثَةُ وَلَا يُحَدُّ الزَّوْجُ (قَوْلُهُ فَيَسْأَلُهُمْ الْإِمَامُ إلَخْ) أَيْ وُجُوبًا. وَقَالَ قَاضِي خَانْ: يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُمْ دُرَرٌ مُنْتَقَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْبَغِي بِمَعْنَى يَجِبُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْبَيَانَ شَرْطٌ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ مَا صَرَّحَ بِالْوُجُوبِ: وَلَوْ سَأَلَهُمْ فَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى قَوْلِهِمْ إنَّهُمَا زَنَيَا لَا يُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَلَا الشُّهُودُ، وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ أَيْ عَنْ ذَاتِهِ وَهُوَ الْإِيلَاجُ) تَفْسِيرٌ لِلْمَاهِيَّةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِمَا هُوَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَاهِيَّةِ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ الْمَارَّةَ كَمَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ فَائِدَةَ سُؤَالِهِ عَنْ الْمَاهِيَّةِ أَنَّ الشَّاهِدَ عَسَاهُ يَظُنُّ أَنَّ مُمَاسَّةَ الْفَرْجَيْنِ حَرَامًا زِنًا أَوْ أَنَّ كُلَّ وَطْءٍ مُحَرَّمٍ زِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ فَيَشْهَدُ بِالزِّنَا. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِمَاهِيَّتِهِ حَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ، إلَّا أَنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ الْكَيْفِيَّةِ وَالْمَكَانِ لِتَضَمُّنِ التَّعْرِيفِ ذَلِكَ، فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. اهـ. قُلْت: الِاسْتِغْنَاءُ مَدْفُوعٌ؛ لِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ بَيَانُ حَقِيقَةِ الزِّنَا مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَأَمَّا الْكَيْفِيَّةُ وَالْمَكَانُ وَغَيْرُهُمَا فَهِيَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 وَأَيْنَ هُوَ وَمَتَى زَنَى وَبِمَنْ زَنَى) لِجَوَازِ كَوْنِهِ مُكْرَهًا أَوْ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي صِبَاهُ أَوْ بِأَمَةِ ابْنِهِ، فَيَسْتَقْصِي الْقَاضِي احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ (فَإِنْ بَيَّنُوهُ وَقَالُوا رَأَيْنَاهُ وَطِئَهَا فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ) هُوَ زِيَادَةُ بَيَانٍ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ (وَعَدَلُوا سِرًّا وَعَلَنًا) إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِمْ (حَكَمَ بِهِ) وُجُوبًا، وَتَرْكُ الشَّهَادَةِ بِهِ أَوْلَى مَا لَمْ يَكُنْ مُتَهَتِّكًا فَالشَّهَادَةُ أَوْلَى نَهْرٌ. (وَيَثْبُتُ) أَيْضًا (بِإِقْرَارِهِ)   [رد المحتار] فِي هَذَا الزِّنَا الزِّنَا الْخَاصِّ الْمَشْهُودِ بِهِ، فَيَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنَّ هَذَا الْخَاصَّ تَحَقَّقَتْ فِيهِ الْمَاهِيَّةُ الشَّرْعِيَّةُ احْتِيَاطًا فِي دَرْءِ الْحَدِّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لِجَوَازِ كَوْنِهِ مُكْرَهًا إلَخْ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ وَكَيْفَ هُوَ عَلَى طَرِيقِ التَّرْتِيبِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِإِكْرَاهٍ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ لَا عَلَى الزَّانِي (قَوْلُهُ أَوْ فِي صِبَاهُ) وَكَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَكِنْ فِي زَمَانٍ مُتَقَادِمٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي حَدُّ التَّقَادُمِ (قَوْلُهُ أَوْ بِأَمَةِ ابْنِهِ) أَيْ وَنَحْوِهَا مِمَّنْ لَا يُحَدُّ بِوَطْئِهَا كَأَمَتِهِ وَزَوْجَتِهِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقِيَاسُهُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى زِنًا الْمَرْأَةِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَمَّنْ زَنَى بِهَا مَنْ هُوَ لِلِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ وَزِيَادَةِ كَوْنِهِ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَإِنَّهَا لَا حَدَّ عَلَيْهَا فِيهِ عِنْدَ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ هُوَ زِيَادَةُ بَيَانٍ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ بَيَانُ الْمَاهِيَّةِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ مَوْقُوفٌ عَلَى بَيَانِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي بَيَّنُوهُ عَائِدٌ إلَى الْمَذْكُورِ مِنْ الْأَوْجُهِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ، خِلَافًا لِمَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ وَقَالُوا إلَخْ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ وَبَيَّنُوهُ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ لَا يَتِمُّ الْبَيَانُ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَعُدِّلُوا سِرًّا وَعَلَنًا) السِّرُّ بِأَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي وَرَقَةً فِيهَا أَسْمَاؤُهُمْ وَأَسْمَاءُ مَحَلَّتِهِمْ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَيَّزُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِمَنْ يَعْرِفُهُ، فَيَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ هُوَ عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ، وَالْعَلَانِيَةُ بِأَنْ يَجْمَعَ الْقَاضِي بَيْنَ الْمُزَكِّي وَالشَّاهِدِ وَيَقُولُ هَذَا الَّذِي زَكَّيْته يَعْنِي سِرًّا، وَلَمْ يُكْتَفَ هُنَا بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ اتِّفَاقًا، بِأَنْ يُقَالَ هُوَ مُسْلِمٌ لَيْسَ بِظَاهِرِ الْفِسْقِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ عِنْدَ الْإِمَامِ. قَالُوا: وَيَحْبِسُهُ هُنَا حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ بِطَرِيقِ التَّعْزِيرِ، بِخِلَافِ الدُّيُونِ فَإِنَّهُ لَا يَحْبِسُ فِيهَا قَبْلَ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. وَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ صَارَ مُتَّهَمًا، وَالْمُتَّهَمُ يُعَزَّرُ وَالْحَدُّ لَمْ يَثْبُتْ بَعْدُ، عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ جَلْدٍ وَنَفْيٍ إلَّا سِيَاسَةً وَتَعْزِيرًا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِمْ) أَمَّا لَوْ عَلِمَ عَدَالَتَهُمْ لَا يَلْزَمُهُ السُّؤَالُ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ أَقْوَى مِنْ الْحَاصِلِ لَهُ مِنْ الْمُزَكِّي، وَلَوْلَا إهْدَارُ الشَّرْعِ إقَامَةَ الْحَدِّ بِعِلْمِهِ لَكَانَ يَحُدُّهُ بِعِلْمِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، قِيلَ وَالِاكْتِفَاءُ بِعِلْمِهِ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يُقْضَى بِعِلْمِهِ وَهُوَ بِخِلَافِ الْمُفْتَى بِهِ. قَالَ ط: وَفِيهِ أَنَّ الْقَضَاءَ هُنَا بِالشَّهَادَةِ لَا بِعِلْمِهِ بِالْعَدَالَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ حَكَمَ بِهِ) أَيْ بِالْحَدِّ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُقِرَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَهَتِّكًا) مِنْ هَتَكَ زَيْدٌ السِّتْرَ هَتْكًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ: خَرَقَهُ، وَهَتَكَ اللَّهُ سِتْرَ الْفَاجِرِ فَضَحَهُ مِصْبَاحٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ سَوْقِهِ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى نَدْبِ السِّتْرِ: وَإِذَا كَانَ السِّتْرُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ بِهِ خِلَافَ الْأُولَى الَّتِي مَرْجِعُهَا إلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَمْ يَعْتَدِ وَلَمْ يَتَهَتَّكْ بِهِ وَإِلَّا وَجَبَ كَوْنُ الشَّهَادَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَطْلُوبَ الشَّارِعِ إخْلَاءُ الْأَرْضِ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْفَوَاحِشِ، بِخِلَافِ مَنْ زَنَى مَرَّةً أَوْ مِرَارًا مُتَسَتِّرًا مُتَخَوِّفًا اهـ مُلَخَّصًا. بَقِيَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُتَهَتِّكًا دُونَ الْآخَرِ، وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الشَّهَادَةَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ أَيْضًا بِإِقْرَارِهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ، وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ وَلِأَنَّ الثَّابِتَ بِهَا أَقْوَى حَتَّى لَا يَنْدَفِعَ الْحَدُّ بِالْفِرَارِ وَلَا بِالتَّقَادُمِ وَلِأَنَّهَا حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةُ وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ وَلَا بِالتَّقَادُمِ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَلِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا. ثُمَّ رَأَيْت الرَّمْلِيَّ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ فَقَالَ: الْمُقَرَّرُ أَنَّ التَّقَادُمَ يَمْنَعُهَا دُونَ الْفِرَارِ، وَكَمَا يَمْنَعُ التَّقَادُمُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 صَرِيحًا صَاحِيًا، وَلَمْ يُكَذِّبْهُ الْآخَرُ، وَلَا ظَهَرَ كَذِبُهُ بِجَبِّهِ أَوْ رَتَقِهَا، وَلَا أَقَرَّ بِزِنَاهُ بِخَرْسَاءَ أَوْ هِيَ بِأَخْرَسَ لِجَوَازِ إبْدَاءِ مَا يُسْقِطُ الْحَدَّ؛ وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ أَوْ بِسَرِقَةٍ فِي حَالِ سُكْرِهِ لَا حَدَّ؛ وَلَوْ سَرَقَ أَوْ زَنَى حُدَّ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ لَا يَحْتَمِلُ التَّكْذِيبَ وَالْإِقْرَارَ يَحْتَمِلُهُ نَهْرٌ (أَرْبَعًا فِي مَجَالِسِهِ) أَيْ الْمُقِرِّ (الْأَرْبَعَةِ كُلَّمَا أَقَرَّ رَدَّهُ) بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ (وَسَأَلَهُ كَمَا مَرَّ) حَتَّى عَنْ الْمَزْنِيِّ بِهَا لِجَوَازِ بَيَانِهِ بِأَمَةِ ابْنِهِ نَهْرٌ (فَإِنْ بَيَّنَهُ) كَمَا يَحِقُّ (حُدَّ) فَلَا يَثْبُتُ بِعِلْمِ   [رد المحتار] قَبُولَهَا فِي الِابْتِدَاءِ فَكَذَا يَمْنَعُ الْإِقَامَةَ بَعْدَ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ صَرِيحًا) أَخْرَجَ بِهِ إقْرَارَ الْأَخْرَسِ بِكِتَابَةٍ أَوْ إشَارَةٍ فَلَا يُحَدُّ لِلشُّبْهَةِ بِعَدَمِ الصَّرَاحَةِ، بِخِلَافِ الْأَعْمَى فَإِنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بَحْرٌ، وَقَدْ مَرَّ (قَوْلُهُ صَاحِيًا) احْتِرَازٌ عَنْ السُّكْرِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ الْآخَرُ) فَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا بِفُلَانَةَ فَكَذَّبَتْهُ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُ سَوَاءٌ قَالَتْ تَزَوَّجَنِي أَوْ لَا أَعْرِفُهُ أَصْلًا، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ إنْ ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا بِفُلَانٍ فَكَذَّبَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا أَيْضًا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ رَتَقِهَا) بِأَنْ تُخْبِرَ النِّسَاءُ بِأَنَّهَا رَتْقَاءَ قَبْلَ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ إخْبَارَهُنَّ بِالرَّتَقِ يُوجِبُ شُبْهَةً فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِجَوَازِ إبْدَاءِ مَا يُسْقِطُ الْحَدَّ) أَيْ مِنْ الْخَرْسَاءِ أَوْ الْأَخْرَسِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْخَرَسِ. وَاسْتَشْكَلَ مَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِغَائِبَةٍ فَإِنَّهُ يُحَدُّ قَبْلَ حُضُورِهَا مَعَ احْتِمَالِ أَنْ تَذْكُرَ مُسْقِطًا عَنْهُ وَعَنْهَا إذَا حَضَرَتْ فَيُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ. قُلْت: يُؤْخَذُ جَوَابُهُ مِمَّا فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ الْحَدِّ فِي الثَّانِيَةِ لِجَوَازِ أَنْ تَحْضُرَ فَتَجْحَدَ فَتَدَّعِي حَدَّ الْقَذْفِ أَوْ تَدَّعِيَ نِكَاحَهَا فَتَطْلُبَ الْمَهْرَ، وَفِي حَدِّهِ إبْطَالُ حَقِّهَا وَالِاسْتِحْسَانُ أَنْ يُحَدَّ لِحَدِيثِ مَاعِزٍ فَإِنَّهُ حُدَّ مَعَ غَيْبَةِ الْمَرْأَةِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَكِنَّهُ حُدَّ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْحَدِيثِ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا أَجَابَ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ عَلَّلَ الثَّانِيَةَ بِأَنَّ حُضُورَ الْغَائِبَةِ وَدَعْوَاهَا النِّكَاحَ شُبْهَةٌ وَاحْتِمَالُ ذَلِكَ يَكُونُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ، وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الشُّبْهَةُ دُونَ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ، لِمَا أُورِدَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَذَلِكَ. قُلْت: وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ نَفْسَ الْخَرَسِ شُبْهَةٌ مُحَقَّقَةٌ مَانِعَةٌ بِخِلَافِ الْغَيْبَةِ، وَلِذَا لَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا بِمَنْ لَا يَعْرِفُهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالزِّنَا وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْقِطًا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجْهَلُ زَوْجَتَهُ وَأَمَتَهُ. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ الْغَائِبَةَ إنَّمَا حُدَّ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْدِ مُسْقِطًا، بِخِلَافِ الْخَرْسَاءِ فَإِنَّ الْخَرَسَ نَفْسَهُ مُسْقِطٌ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ فِي حَالِ سُكْرِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَقَرَّ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَرَقَ أَوْ زَنَى) أَيْ فِي حَالِ سُكْرِهِ وَثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ) أَيْ إنْشَاءَ الزِّنَا أَوْ السَّرِقَةِ الْمُعَايِنَ لِلشُّهُودِ فِي حَالِ سُكْرِهِ لَا يَحْتَمِلُ التَّكْذِيبَ فَيُحَدُّ، بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِذَلِكَ فِي حَالِ سُكْرِهِ (قَوْلُهُ أَرْبَعًا فِي مَجَالِسِهِ) وَلَوْ كُلَّ شَهْرٍ مَرَّةً، أَمَّا لَوْ أَقَرَّ أَرْبَعًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَانَ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ أَيْ الْمُقِرِّ) وَقِيلَ مَجَالِسِ الْقَاضِي، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَفَسَّرَ مُحَمَّدٌ تَفَرُّقَ الْمَجْلِسِ بِأَنْ يَذْهَبَ الْمُقَرُّ عَنْهُ بِحَيْثُ يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِ الْقَاضِي: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ لَا بُدَّ مِنْ اخْتِلَافِ الْمَجَالِسِ، وَهُوَ أَنْ يَرُدَّهُ الْقَاضِي كُلَّمَا أَقَرَّ فَيَذْهَبُ حَتَّى لَا يَرَاهُ فَإِنَّ اخْتِلَافَ الْمَجَالِسِ لَا يَكُونُ إلَّا بِرَدِّهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ كُلَّمَا أَقَرَّ رَدَّهُ) فِيهِ تَسَامُحٌ كَمَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الرَّابِعَةِ لَا يَرُدُّهُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْإِصْلَاحِ إلَّا الرَّابِعَةَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ سَأَلَهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ سُؤَالًا مُمَاثِلًا لِمَا مَرَّ، وَهَذَا السُّؤَالُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ كَمَا فِي الْكَافِي، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ عَقْلِهِ وَعَنْ إحْصَانِهِ (قَوْلُهُ حَتَّى عَنْ الْمَزْنِيِّ بِهَا إلَخْ) سَقَطَ لَفْظُ حَتَّى مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ إفَادَةُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ السُّؤَالِ عَنْ الْخَمْسَةِ الْمَارَّةِ، وَصَرَّحَ بِالْمَزْنِيِّ بِهَا رَدًّا عَلَى ابْنِ الْكَمَالِ حَيْثُ قَالَ: لَك أَنْ تَقُولَهُ إنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، لَكِنْ كَانَ عَلَيْهِ التَّصْرِيحُ بِالزَّمَانِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قِيلَ لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ التَّقَادُمَ يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ دُونَ الْإِقْرَارِ، وَرُدَّ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ احْتِمَالُ أَنَّهُ زَنَى فِي حَالَ صِبَاهُ (قَوْلُهُ فَلَا يَثْبُتُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا فُهِمَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 الْقَاضِي وَلَا بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ؛ وَلَوْ قَضَى بِالْبَيِّنَةِ فَأَقَرَّ مَرَّةً لَمْ يُحَدَّ عِنْدَ الثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ وَلَوْ أَقَرَّ أَرْبَعًا بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ إجْمَاعًا سِرَاجٌ. (وَيُخَلَّى سَبِيلُهُ إنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ قَبْلَ الْحَدِّ أَوْ فِي وَسَطِهِ وَلَوْ) رُجُوعَهُ (بِالْفِعْلِ كَهُرُوبِهِ) بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ (وَإِنْكَارُ الْإِقْرَارِ رُجُوعٌ كَمَا أَنَّ إنْكَارَ الرِّدَّةِ تَوْبَةٌ) كَمَا سَيَجِيءُ (وَكَذَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْإِحْصَانِ) لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ شَرْطًا لِلْحَدِّ صَارَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، فَصَحَّ الرُّجُوعُ عَنْهُ لِعَدَمِ الْمُكَذِّبِ بَحْرٌ (وَ) كَذَا عَنْ (سَائِرِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ) لِلَّهِ كَحَدِّ شُرْبٍ وَسَرِقَةٍ وَإِنْ ضَمِنَ الْمَالَ. (وَنُدِبَ تَلْقِينُهُ) الرُّجُوعَ بِ (لَعَلَّكَ قَبَّلْت أَوْ لَمَسْت أَوْ وَطِئْت بِشُبْهَةٍ) لِحَدِيثِ مَاعِزٍ. (ادَّعَى الزَّانِي أَنَّهَا زَوْجَتُهُ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ وَإِنْ) كَانَتْ (زَوْجَةً لِلْغَيْرِ) بِلَا بَيِّنَةٍ (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ زِنَاهُ (أَوْ اشْتَرَاهَا لَا) يَسْقُطُ فِي الْأَصَحِّ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ وَقْتَ الْفِعْلِ بَحْرٌ. (وَيُرْجَمُ مُحْصَنٌ فِي فَضَاءٍ حَتَّى يَمُوتَ)   [رد المحتار] مِنْ حَصْرِ ثُبُوتِهِ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا أَوْ الْإِقْرَارِ بِهِ، وَقَوْلُهُ وَلَا بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بَيَانٌ لِفَائِدَةِ تَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ بِأَنْ تَكُونَ عَلَى الزِّنَا. وَوَجْهُهُ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُنْكِرًا فَقَدْ رَجَعَ، وَإنْ كَانَ مُقِرًّا لَا تُعْتَبَرُ الشَّهَادَةُ مَعَ الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قُضِيَ بِالْبَيِّنَةِ) أَيْ الْبَيِّنَةِ عَلَى الزِّنَا لَا عَلَى الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ فَأَقَرَّ مَرَّةً) أَوْ مَرَّتَيْنِ نَهْرٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّلَاثَ كَذَلِكَ، وَقُيِّدَ بِمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ قَبْلَهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَقَرَّ مَرَّةً وَاحِدَةً (قَوْلُهُ لَمْ يُحَدَّ) أَيْ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الشَّهَادَةِ عَدَمُ الْإِقْرَارِ فَفَاتَ الشَّرْطُ قَبْلَ الْعَمَلِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ كَمَا يَأْتِي فَصَارَ كَالْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا لَوْ أَقَرَّ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ ثُمَّ إذَا لَمْ يَكْمُلْ نِصَابُ الْإِقْرَارِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ فَلَا يُحَدَّ (قَوْلُهُ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ) أَيْ وَصَارَ الْحُكْمُ لِلْإِقْرَارِ فَيُعَامَلُ بِمُوجَبِهِ لَا بِمُوجَبِ الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ زِنَاهُ بِالشَّهَادَةِ فَهَرَبَ فِي حَالَ الرَّجْمِ فَإِنَّهُ يُتْبَعُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يُؤْتَى عَلَيْهِ بَحْرٌ عَنْ الْحَاوِي، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ هَرَبَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ أُخِذَ بَعْدَ مَا تَقَادَمَ الزَّمَانُ لَا يُقَامُ (قَوْلُهُ وَإِنْكَارُ الْإِقْرَارِ رُجُوعٌ) أَيْ إذَا قَالَ بَعْدَ مَا أَقَرَّ أَرْبَعًا وَأَمَرَ الْقَاضِي بِرَجْمِهِ وَاَللَّهِ مَا أَقْرَرْت بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ خَانِيَّةٌ، وَهَكَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ وَيُخَلَّى سَبِيلُهُ إنْ رَجَعَ إلَخْ إلَّا أَنْ يُفَسِّرَ ذَاكَ بِقَوْلِهِ رَجَعْت عَمَّا أَقْرَرْت بِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي بَابِهَا (قَوْلُهُ وَكَذَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَخْ) أَيْ فَلَا يُحَدُّ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إحْصَانِهِ وَإِلَّا فَيُحَدُّ كَمَا يَأْتِي مَتْنًا قُبَيْلَ حَدِّ الشُّرْبِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْكَذِبِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ كَالْإِقْرَارِ وَلَا مُكَذِّبَ لَهُ فِيهِ فَتُحَقَّقُ الشُّبْهَةُ فِي الْإِقْرَارِ، بِخِلَافِ مَا فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ لِوُجُودِ مَنْ يُكَذِّبُهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَحَدِّ شُرْبٍ وَسَرِقَةٍ) فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ بِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابَيْهِمَا (قَوْلُهُ وَإِنْ ضَمِنَ الْمَالَ) ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ، فَلَا يَسْقُطُ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِسَرِقَتِهِ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ مَاعِزٍ) هُوَ ابْنُ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيُّ الْمَرْوِيُّ فِي الْبُخَارِيِّ، فَإِنَّ فِيهِ تَلْقِينَهُ بِمَا ذَكَرَ. قَالَ فِي الْأَصْلِ: يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهُ لَعَلَّك تَزَوَّجْتَهَا أَوْ وَطِئْتَهَا بِشُبْهَةٍ، وَالْمَقْصُودُ أَنْ يُلَقِّنَهُ مَا يَكُونُ ذِكْرُهُ دَارِئًا لِيُذَكِّرَهُ أَيًّا مَا كَانَ بَحْرٌ وَفَتْحٌ (قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِادَّعَى. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يُكَلَّفُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ كَمَا لَوْ ادَّعَى السَّارِقُ الْعَيْنَ أَنَّهَا مِلْكُهُ سَقَطَ الْقَطْعُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَخَوَاتٌ سَنَذْكُرُهَا فِي الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ لَا يَسْقُطُ فِي الْأَصَحِّ) أَيْ إذَا ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَكَذَا لَوْ بِالْإِقْرَارِ إذَا لَمْ يَتَقَادَمْ وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ آخِرَ الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَيُرْجَمُ مُحْصَنٌ) بِفَتْحِ الصَّادِ، مِنْ أَحْصَنَ: إذَا تَزَوَّجَ، وَهِيَ مِمَّا جَاءَ اسْمُ فَاعِلِهِ عَلَى لَفْظِ اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَمِنْهُ أَسْهَبُ فَهُوَ مُسْهِبٌ: إذَا أَطَالَ فِي الْكَلَامِ، وَأَلْفَجُ بِالْفَاءِ وَالْجِيمِ فَهُوَ مُلْفِجٌ: إذَا افْتَقَرَ فَتْحٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ فِي فَضَاءٍ) هُوَ الْمَكَانُ الْوَاسِعُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ فِي رَجْمِهِ وَلِئَلَّا يُصِيبَ بَعْضَهُمْ بَعْضًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ حَتَّى يَمُوتَ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 وَيَصْطَفُّونَ كَصُفُوفِ الصَّلَاةِ لِرَجْمِهِ، كُلَّمَا رَجَمَ قَوْمٌ تَنَحَّوْا وَرَجَمَ آخَرُونَ. (فَلَوْ قَتَلَهُ شَخْصٌ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهِ فَهَدَرٌ) وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَذَّرَ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ نَهْرٌ (وَ) لَوْ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهِ (يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا لَا حُكْمَ لَهَا. (وَالشَّرْطُ بُدَاءَةُ الشُّهُودِ بِهِ) وَلَوْ بِحَصَاةٍ صَغِيرَةٍ إلَّا لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ فَيَرْجُمُ الْقَاضِي بِحَضْرَتِهِمْ (فَإِنْ أَبَوْا أَوْ مَاتُوا أَوْ غَابُوا) أَوْ قُطِعُوا بَعْدَ الشَّهَادَةِ (أَوْ بَعْضُهُمْ سَقَطَ) الرَّجْمُ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ، وَلَا يُحَدُّونَ فِي الْأَصَحِّ (كَمَا لَوْ خَرَجَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ) لِلشَّهَادَةِ (بِفِسْقٍ أَوْ عَمًى أَوْ خَرَسٍ) أَوْ قَذْفٍ وَلَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ وَهَذَا لَوْ مُحْصَنًا، أَمَّا غَيْرُهُ فَيُحَدُّ فِي الْمَوْتِ وَالْغَيْبَةِ كَمَا فِي الْحَاكِمِ (ثُمَّ الْإِمَامِ) هَذَا لَيْسَ حَتْمًا كَيْفَ وَحُضُورُهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ قَالَهُ ابْنُ الْكَمَالِ، وَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْكَمَالِ رَدَّهُ فِي النَّهْرِ (ثُمَّ النَّاسِ) أَفَادَ فِي النَّهْرِ أَنَّ حُضُورَهُمْ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَرَمْيُهُمْ كَذَلِكَ فَلَوْ امْتَنَعُوا لَمْ يَسْقُطْ.   [رد المحتار] لَا بَأْسَ لِكُلِّ مَنْ رَمَى أَنْ يَتَعَمَّدَ مَقْتَلَهُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبُ الْقَتْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَا رَحِمٍ مِنْهُ، فَإِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَتَعَمَّدَهُ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ فَهَدَرٌ) أَيْ لَا قِصَاصَ فِيهِ لَوْ عَمْدًا وَلَا دِيَةَ لَوْ خَطَأً (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ) صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا (قَوْلُهُ لِافْتِيَاتِهِ) افْتِعَالٌ مِنْ فَاتَ يَفُوتُ فَوْتًا وَفَوَاتًا. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَفَاتَهُ فُلَانٌ بِذِرَاعٍ سَبَقَهُ بِهَا، وَمِنْهُ قِيلَ افْتَاتَ فُلَانٌ افْتِيَاتًا إذَا سَبَقَ بِفِعْلِ شَيْءٍ وَاسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ وَلَمْ يُؤَامِرْ فِيهِ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْهُ بِالْأَمْرِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَالشَّرْطُ بُدَاءَةُ الشُّهُودِ بِهِ) أَيْ بِالرَّجْمِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَتَجَاسَرُونَ عَلَى الْأَدَاءِ ثُمَّ يَسْتَعْظِمُونَ الْمُبَاشَرَةَ فَيَرْجِعُونَ، وَفِيهِ احْتِيَالٌ لِلدَّرْءِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ قُطِعُوا بَعْدَ الشَّهَادَةِ) وَكَذَا لَوْ مَرِضُوا بَعْدَهَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ قُطِعُوا قَبْلَهَا رَمَى الْقَاضِي بِحَضْرَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا مَقْطُوعِي الْأَيْدِي لَمْ تُسْتَحَقَّ الْبُدَاءَةُ بِهِمْ وَإِنْ قُطِعَتْ بَعْدَهَا فَقَدْ اُسْتُحِقَّتْ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ كَوْنَ الْبُدَاءَةِ بِهِمْ شَرْطًا إنَّمَا هُوَ عِنْدَ قُدْرَتِهِمْ عَلَى الرَّجْمِ بَحْرٌ وَفَتْحٌ، وَالْمُرَادُ الْقَطْعُ بِلَا جِنَايَةٍ مُفَسِّقَةٍ وَإِلَّا خَرَجُوا عَنْ الْأَهْلِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَا يُحَدُّونَ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُمْ لَيْسَ صَرِيحًا فِي رُجُوعِهِمْ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِيهِ لِامْتِنَاعِ بَعْضِ النَّاسِ مِنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ الْحَلَالِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فَإِنْ أَبَوْا، أَمَّا فِي الْمَوْتِ وَالْغَيْبَةِ فَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّهُمْ لَا يُحَدُّونَ، وَإِنَّمَا سَقَطَ الرَّجْمُ لِاحْتِمَالِ رُجُوعِهِمْ لَوْ حَضَرُوا (قَوْلُهُ أَوْ قَذْفٍ) أَيْ إذَا حُدَّ بِهِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ) أَيْ إمْضَاءَ الْحَدِّ وَإِيقَاعَهُ بِالْفِعْلِ مِنْ الْقَضَاءِ فَإِذَا لَمْ يُمْضِهِ ثُمَّ حَصَلَ مَانِعٌ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا فَكَأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ الْقَضَاءُ بِهَا أَصْلًا ط (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْحَاكِمِ) أَيْ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ أَيْ كِتَابِهِ الْكَافِي. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمِيمَ فِي كَمَا زَائِدَةٌ وَالْأَصْلُ كَافِي الْحَاكِمِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ. قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْمَوْتِ وَالْغَيْبَةِ اهـ أَيْ مَوْتِ الشُّهُودِ وَغَيْبَتِهِمْ، وَبِهِ سَقَطَ مَا قِيلَ أَنَّ الْمُرَادَ كَمَا فِي الْحَاكِمِ أَيْ كَمَا يُحَدُّ لَوْ مَاتَ الْحَاكِمُ أَوْ غَابَ وَكَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ كَمَا سَمِعْت، وَلِذَا قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالرَّجْمِ ثُمَّ عُزِلَ قَبْلَ أَنْ يَرْجُمَهُ وَوُلِّيَ غَيْرُهُ لَمْ يَحْكُمْ بِذَلِكَ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْإِمَامِ) اسْتِظْهَارًا فِي حَقِّهِ، فَرُبَّمَا يَرَى فِي الشُّهُودِ مَا يُوجِبُ دَرْءَ الْحَدِّ. اهـ. جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ قَالَهُ ابْنُ الْكَمَالِ) لَمْ يَنْقُلْهُ ابْنُ الْكَمَالِ عَنْ أَحَدٍ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى النَّقْلِ، فَإِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُتُونِ (قَوْلُهُ وَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْكَمَالِ رَدَّهُ فِي النَّهْرِ) يَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ قَرِيبًا (قَوْلُهُ أَفَادَ فِي النَّهْرِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: وَفِي الدِّرَايَةِ: يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ طَائِفَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْضُرُوا لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ. وَاخْتَلَفُوا فِي عَدَدِهَا، فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاحِدٌ. وَقَالَ عَطَاءٌ اثْنَانِ. وَالزُّهْرِيُّ ثَلَاثَةٌ. وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَشَرَةٌ اهـ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ حُضُورَهُمْ لَيْسَ شَرْطًا فَرَمْيُهُمْ كَذَلِكَ، فَلَوْ امْتَنَعُوا لَمْ يَسْقُطْ. اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 (وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ لَوْ مُقِرًّا) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ لَمْ يَحِلَّ لِلْقَوْمِ رَجْمُهُ وَإِنْ أَمَرَهُمْ لِفَوْتِ شَرْطِهِ فَتْحٌ، لَكِنْ سَيَجِيءُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ قَاضِي عَدْلٌ قَضَيْت عَلَى هَذَا بِالرَّجْمِ وَسِعَكَ رَجْمُهُ وَإِنْ لَمْ تُعَايِنْ الْحُجَّةُ. وَيُكْرَهُ لِلْمَحْرَمِ الرَّجْمُ وَإِنْ فَعَلَ لَا يَحْرُمُ الْمِيرَاثُ (وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ)   [رد المحتار] قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ هَذَا ذَكَرُوهُ تَفْسِيرًا لِلطَّائِفَةِ فِي قَوْله تَعَالَى - {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] وَالْوَاقِعُ فِي الْآيَةِ الْجَلْدُ لَا الرَّجْمُ، وَلَوْ سَلِمَ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَ الْإِمَامِ مَنْ يَرْجُمُهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُمْ بِأَنْ يَحْضُرُوا، لِمَا قَالُوا مِنْ أَنَّ مَبْنَى الْحَدِّ عَلَى التَّشْهِيرِ، فَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ مَنْ يُبَاشِرُ الرَّجْمَ وَحُضُورُهُمْ لَا بُدَّ مِنْهُ وَإِلَّا لَزِمَ فَوَاتُ الرَّجْمِ أَصْلًا فَيَأْثَمُ الْجَمِيعُ (قَوْلُهُ وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ لَوْ مُقِرًّا) أَيْ يَبْدَأُ الْإِمَامُ بِالرَّجْمِ لَوْ كَانَ الزَّانِي مُقِرًّا وَثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ الزِّنَا زِنَاءَانِ: زِنَا السِّرِّ وَزِنَا الْعَلَانِيَةِ. فَزِنَا السِّرِّ أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ فَيَكُونُ الشُّهُودُ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ. وَزِنَا الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَظْهَرَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ فَيَكُونُ الْإِمَامُ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ مُقْتَضَاهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ الْإِمَامُ لَا يَحِلُّ لِلْقَوْمِ رَجْمُهُ وَلَوْ أَمَرَهُمْ لِعِلْمِهِمْ بِفَوَاتِ شَرْطِ الرَّجْمِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ لِرَجْمِ مَاعِزٍ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَحْضُرْهُ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ حَقِيقَةَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ عَلِيٍّ هُوَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَمْرُ الشُّهُودِ بِالِابْتِدَاءِ احْتِيَالًا لِثُبُوتِ دَلَالَةِ الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ، وَأَنْ يَبْتَدِئَ هُوَ فِي صُورَةِ الْإِقْرَارِ لِيَنْكَشِفَ لِلنَّاسِ عَدَمُ تَسَاهُلِهِ فِي بَعْضِ شُرُوطِ الْقَضَاءِ وَالْحَدِّ، فَإِذَا امْتَنَعَ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ الرُّجُوعِ وَامْتَنَعَ الْحَدُّ لِظُهُورِ الشُّبْهَةِ، وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي حَقِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَمْ يَكُنْ عَدَمُ رَجْمِهِ دَلِيلًا عَلَى سُقُوطِ الْحَدِّ، وَمُقْتَضَى مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ بَدَأَ الشُّهُودُ فِيمَا إذَا ثَبَتَ بِالشَّهَادَةِ يَجِبُ أَنْ يُثَنِّيَ الْإِمَامُ، فَلَوْ لَمْ يُثَنِّ سَقَطَ الْحَدُّ لِاتِّحَادِ الْمَأْخَذِ فِيهِمَا اهـ مُلَخَّصًا. وَقَوْلُهُ وَمُقْتَضَى مَا ذُكِرَ إلَخْ هُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْكَمَالِ. وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ سَلِمَ وُجُوبُ حُضُورِ الْإِمَامِ كَالشُّهُودِ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ كَمَا فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ لِابْنِ كَمَالٍ. قُلْت: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَمَالٍ لَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ كَمَا مَرَّ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ صَاحِبُ الْفَتْحِ هُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ وَالدَّلِيلِ، فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا بِنَقْلٍ صَرِيحٍ مُعْتَبَرٍ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الذَّخِيرَةِ مَا نَصُّهُ: تَجِبُ الْبُدَاءَةُ مِنْ الشُّهُودِ ثُمَّ مِنْ الْإِمَامِ ثُمَّ مِنْ النَّاسِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَكِنْ سَيَجِيءُ إلَخْ) أَيْ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ، وَهَذَا الِاسْتِدْرَاكُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقَاضِيَ امْتَنَعَ مِنْ الْبُدَاءَةِ بِالرَّجْمِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ الْحَدُّ بِالْحُجَّةِ: أَيْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالرَّجْمِ لَهُمْ أَنْ يَرْجُمُوا بِالشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَلَمْ يُعَايِنُوا الْحُجَّةَ، وَقِيلَ لَا لِفَسَادِ الزَّمَانِ. قَالَ فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ: وَالْأَحْسَنُ التَّفْصِيلُ بِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا كَانَ عَالِمًا عَادِلًا وَجَبَ ائْتِمَارُهُ بِلَا تَفَحُّصٍ وَإِنْ كَانَ عَادِلًا لَا جَاهِلًا سُئِلَ عَنْ كَيْفِيَّةِ قَضَائِهِ، فَإِذَا أَخْبَرَ بِمَا يُوَافِقُ الشَّرْعَ يُؤْتَمَرُ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَالِمًا كَانَ أَوْ جَاهِلًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لِلْمَحْرَمِ الرَّجْمُ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ. وَفِيهِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ مَقْتَلَهُ، فَإِنَّ بِغَيْرِهِ كِفَايَةً. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ مَقْتَلًا لَا يُكْرَهُ كَمَا يُفِيدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ أَيْضًا، ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَحْرَمُ شَاهِدًا. فَفِي الْجَوْهَرَةِ: لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى أَبِيهِمْ بِالزِّنَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَبْتَدِئُوا بِالرَّجْمِ وَكَذَا الْإِخْوَةُ وَذُو الرَّحِمِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَعَمَّدُوا مَقْتَلًا، وَأَمَّا ابْنُ الْعَمِّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَعَمَّدَ مَقْتَلَهُ؛ لِأَنَّ رَحِمَهُ لَمْ يَكْمُلْ فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ، وَقَوْلُهُ يُسْتَحَبُّ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ: تَنْزِيهِيَّةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ فَعَلَ لَا يَحْرُمُ الْمِيرَاثُ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ. قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 وَصَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى الْغَامِدِيَّةِ» . (وَغَيْرُ الْمُحْصَنِ يُجْلَدُ مِائَةً إنْ حُرًّا، وَنِصْفُهَا لِلْعَبْدِ) بِدَلَالَةِ النَّصِّ، وَالْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ فِي الْآيَةِ الْحَرَائِرُ ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهُ غَلَّبَ الْإِنَاثَ عَلَى الذُّكُورِ لَكِنَّهُ عَكْسُ الْقَاعِدَةِ. (وَ) الْعَبْدُ (لَا يَحُدُّهُ سَيِّدُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ) وَلَوْ فَعَلَهُ هَلْ يَكْفِي؟ الظَّاهِرُ لَا، لِقَوْلِهِمْ رُكْنُهُ إقَامَةُ الْإِمَامِ نَهْرٌ (بِسَوْطٍ لَا عُقْدَةَ لَهُ) . فِي الصِّحَاحِ: ثَمَرَةُ السَّوْطِ عُقْدَةُ أَطْرَافِهِ (مُتَوَسِّطًا) بَيْنَ الْجَارِحِ وَغَيْرِ الْمُؤْلِمِ (وَنُزِعَ ثِيَابُهُ خَلَا إزَارٍ) لِيَسْتُرَ عَوْرَتَهُ (وَفُرِّقَ) جَلْدُهُ (عَلَى بَدَنِهِ خَلَا رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَفَرْجِهِ) قِيلَ وَصَدْرِهِ وَبَطْنِهِ؛ وَلَوْ جَلَدَهُ فِي يَوْمٍ خَمْسِينَ مُتَوَالِيَةً وَمِثْلَهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَجْزَأَهُ عَلَى الْأَصَحِّ جَوْهَرَةٌ (وَ) قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (يُضْرَبُ الرَّجُلُ قَائِمًا) وَالْمَرْأَةُ قَاعِدَةً (فِي الْحُدُودِ) وَالتَّعَازِيرِ (غَيْرَ مَمْدُودٍ) عَلَى الْأَرْضِ كَمَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ نَهْرٌ   [رد المحتار] وَلَوْ شَهِدَ عَلَى أَبِيهِ بِالزِّنَا أَوْ بِالْقِصَاصِ لَمْ يَحْرُمْ الْمِيرَاثُ (قَوْلُهُ وَصَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى الْغَامِدِيَّةِ» ) أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَأَمَّا أَنَّهُ صَلَّى عَلَى مَاعِزٍ فَفِيهِ تَعَارُضٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ) هُوَ قَوْله تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25]- نَزَلَتْ فِي الْإِمَاءِ. وَإِذَا ثَبَتَ فِيهِنَّ لِلرِّقِّ ثَبَتَ فِي الذُّكُورِ الْأَرِقَّاءِ دَلَالَةً إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا أَوْلَوِيَّةُ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِالْحُكْمِ بَلْ تَكْفِي الْمُسَاوَاةُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ إلَخْ) فَيَكُونُ دُخُولُ الذُّكُورِ ثَابِتًا بِعِبَارَةِ النَّصِّ لَا بِدَلَالَتِهِ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ عَكْسُ الْقَاعِدَةِ) وَهِيَ تَغْلِيبُ الذُّكُورِ عَلَى الْإِنَاثِ. وَوَجْهُ الْعَكْسِ هُنَا كَمَا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ هُوَ كَوْنُ الدَّاعِيَةِ فِيهِنَّ أَقْوَى، وَلِذَا قُدِّمَتْ الزَّانِيَةُ عَلَى الزَّانِي فِي الْآيَةِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِمْ رُكْنُهُ) أَيْ رُكْنُ الْحَدِّ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الرُّكْنَ هُوَ الضَّرْبُ أَوْ الرَّجْمُ. [تَنْبِيهٌ] فِي كَافِي الْحَاكِمِ: يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْعَبْدِ إذَا أَقَرَّ بِالزِّنَا أَوْ بِغَيْرِهِ مِمَّا يُوجِبُهُ وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ غَائِبًا، وَكَذَا فِي الْقَطْعِ وَالْقِصَاصِ، وَإِنْ قَالَ بَعْدَ عِتْقِهِ زَنَيْت وَأَنَا عَبْدٌ لَزِمَهُ حَدُّ الْعَبِيدِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الصِّحَاحِ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْمُتُونِ كَالْقُدُورِيِّ وَالْكَنْزِ وَغَيْرِهِمَا بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمُرَادُ بِالثَّمَرَةِ؛ لِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ فِي الْكُتُبِ كَمَا قَالَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. وَرَجَّحَ فِي الْمُغْرِبِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا ذَنَبُهُ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ «أَنَّهُ كَانَ يُؤْمَرُ بِالسَّوْطِ فَتُقْطَعُ ثَمَرَتُهُ ثُمَّ يُدَقُّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ حَتَّى يَلِينَ ثُمَّ يُضْرَبُ بِهِ» فَالْمُرَادُ أَنْ لَا يُضْرَبَ وَفِي طَرَفِهِ يُبْسٌ؛ لِأَنَّهُ يَجْرَحُ أَوْ يُبْرِحُ فَكَيْفَ إذَا كَانَ فِيهِ عُقْدَةٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُجْتَنَبُ كُلٌّ مِنْ الثَّمَرَةِ بِمَعْنَى الْعُقْدَةِ وَبِمَعْنَى الْفَرْعِ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ ذَنَبَيْنِ تَعْمِيمًا لِلْمُشْتَرَكِ فِي النَّفْيِ وَلَوْ تَجَوَّزَ بِالثَّمَرَةِ فِيمَا يُشَاكِلُ الْعُقَدَ لِيَعُمَّ الْمَجَازَ مَا هُوَ يَابِسُ الطَّرَفِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّهُ لَا يُضْرَبُ بِمِثْلِهِ حَتَّى يُدَقَّ رَأْسُهُ فَيَصِيرَ مُتَوَسِّطًا اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ بَيْنَ الْجَارِحِ وَغَيْرِ الْمُؤْلِمِ) بِأَنْ يَكُونَ مُؤْلِمًا غَيْرَ جَارِحٍ، وَلَوْ كَانَ الْمَجْلُودُ ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ فَخِيفَ هَلَاكُهُ يُجْلَدُ جَلْدًا ضَعِيفًا يَحْتَمِلُهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَفَرَّقَ جَلْدَهُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ جَمْعَهُ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ قَدْ يُفْسِدُهُ وَضَرْبُ مَا اُسْتُثْنِيَ قَدْ يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ حَقِيقَةً أَوْ مَعْنًى بِإِفْسَادِ بَعْضِ الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ أَوْ الْبَاطِنَةِ (قَوْلُهُ قِيلَ وَصَدْرِهِ إلَخْ) قَائِلُهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الصَّدْرُ مِنْ الْمَحَامِلِ وَالضَّرْبُ بِالسَّوْطِ الْمُتَوَسِّطِ عَدَدًا يَسِيرًا لَا يَقْتُلُ فِي الْبَطْنِ فَكَيْفَ بِالصَّدْرِ؟ نَعَمْ إذَا فَعَلَ بِالْعَصَا كَمَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا بُيُوتُ الظَّلَمَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُضْرَبَ الْبَطْنُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ خَمْسِينَ مُتَوَالِيَةً) قَيَّدَ بِالتَّوَالِي لِيَحْصُلَ بِهَا الْأَلَمُ، وَلِذَا: قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ أَيْضًا: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَوْطًا أَوْ سَوْطَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِيلَامُ (قَوْلُهُ وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) لَفْظُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ " يُضْرَبُ الرَّجُلُ قَائِمًا، وَالْمَرْأَةُ قَاعِدَةً فِي الْحُدُودِ ". اهـ. . فَقَوْلُهُ وَالتَّعَازِيرِ إلَخْ لَيْسَ مِنْهُ (قَوْلُهُ غَيْرَ مَمْدُودٍ عَلَى الْأَرْضِ) ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْحَدِّ عَلَى التَّشْهِيرِ زَجْرًا لِلْعَامَّةِ وَالْقِيَامُ أَبْلَغُ فِيهِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 وَكَذَا لَا يُمَدُّ السَّوْطُ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ فِي النَّفْيِ يَعُمُّ ابْنُ كَمَالٍ (وَلَا تُنْزَعُ ثِيَابُهَا إلَّا الْفَرْوَ وَالْحَشْوَ، وَتُضْرَبُ جَالِسَةً) لِمَا رَوَيْنَا (وَيُحْفَرُ لَهَا) إلَى صَدْرِهَا (فِي الرَّجْمِ) وَجَازَ تَرْكُهُ لِسَتْرِهَا بِثِيَابِهَا وَ (لَا) يَجُوزُ الْحَفْرُ (لَهُ) ذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ وَلَا يُرْبَطُ وَلَا يُمْسَكُ وَلَوْ هَرَبَ، فَإِنْ مُقِرًّا لَا يُتْبَعُ وَإِلَّا اُتُّبِعَ حَتَّى يَمُوتَ كَمَا مَرَّ (وَلَا جَمْعَ بَيْنَ جَلْدٍ وَرَجْمٍ) فِي الْمُحْصَنِ (وَلَا بَيْنَ جَلْدٍ وَنَفْيٍ) أَيْ تَغْرِيبٍ فِي الْبِكْرِ، وَفَسَّرَهُ فِي النِّهَايَةِ بِالْحَبْسِ وَهُوَ أَحْسَنُ وَأَسْكَنُ لِلْفِتْنَةِ مِنْ التَّغْرِيبِ لِأَنَّهُ يَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ (إلَّا سِيَاسَةً وَتَعْزِيرًا) فَيُفَوَّضُ لِلْإِمَامِ وَكَذَا فِي كُلِّ جِنَايَةٍ نَهْرٌ (وَيُرْجَمُ مَرِيضٌ زَنَى   [رد المحتار] وَالْمَرْأَةُ مَبْنَى أَمْرِهَا عَلَى السَّتْرِ. وَإِنْ امْتَنَعَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَقِفْ لَا بَأْسَ بِرَبْطِهِ بِاسْطُوَانَةٍ أَوْ يُمْسَكُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَا يُمَدُّ السَّوْطُ) أَفَادَ أَنَّ قَوْلَهُ غَيْرَ مَمْدُودٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ إلَى السَّوْطِ أَيْضًا: أَيْ ضَرْبًا غَيْرَ مَمْدُودٍ، وَمَدُّ السَّوْطِ فِيهِ تَفْسِيرَانِ: قِيلَ بِأَنْ يَرْفَعَهُ الضَّارِبُ فَوْقَ رَأْسِهِ، وَقِيلَ أَنْ يَمُدَّهُ عَلَى جَسَدِ الْمَضْرُوبِ بَعْدَ وُقُوعِهِ عَلَيْهِ وَفِيهِ زِيَادَةُ أَلَمٍ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُفْعَلُ. فَلَفْظُ مَمْدُودٍ مُعَمَّمٌ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ؛ لِأَنَّهُ نَفْيُ النَّفْيِ فَجَازَ تَعْمِيمُهُ اهـ أَيْ فِي مَدِّ الرِّجْلِ عَلَى الْأَرْضِ وَمَدِّ السَّوْطِ بِمَعْنَيَيْهِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مُخْتَارِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي جَوَازِ تَعْمِيمِ الْمُشْتَرَكِ فِي النَّفْيِ وَكَذَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي النَّفْيِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي حَوَاشِينَا عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ الْحَفْرُ لَهُ) لَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا: أَنَّ الرَّبْطَ وَالْإِمْسَاكَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ. وَأَمَّا الْحَفْرُ لِلْمَرْأَةِ فَلِكَوْنِهِ أَسْتَرَ لَهَا. قُلْت: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا لَوْ ثَبَتَ الْحَدُّ بِالْإِقْرَارِ لِيَكُونَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الرُّجُوعِ بِالْهَرَبِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا يُرْبَطُ إلَخْ) إلَّا إذَا امْتَنَعَ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَا جَمْعَ بَيْنَ جَلْدٍ وَرَجْمٍ) لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ الْجَلْدَ يَعْرَى عَنْ الْمَقْصُودِ مَعَ الرَّجْمِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَيْ تَغْرِيبٍ فِي الْبِكْرِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» مَنْسُوخٌ كَشَطْرِهِ الْآخَرِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ» بَحْرٌ. وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَفَسَّرَهُ) أَيْ فَسَّرَ النَّفْيَ الْمَرْوِيَّ فِي حَدِيثٍ آخَرَ كَرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصِنْ بِنَفْيِ عَامٍ وَإِقَامَةِ الْحَدِّ» " (قَوْلُهُ وَهُوَ أَحْسَنُ إلَخْ ") فِيهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِرِوَايَاتِ التَّغْرِيبِ، وَقَوْلُهُمْ إنَّ فِي النَّفْيِ فَتْحَ بَابِ الْفِتْنَةِ لِانْفِرَادِهَا عَنْ الْعَشِيرَةِ وَعَمَّنْ تَسْتَحِي مِنْهُ، وَلِقَوْلِ عَلِيٍّ: حَسْبُهُمَا مِنْ الْفِتْنَةِ أَنْ يُنْفَيَا. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: غَرَّبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ فِي الشَّرَابِ إلَى خَيْبَرَ فَلَحِقَ بِهِرَقْلَ فَتَنَصَّرَ، فَقَالَ عُمَرُ لَا أُغَرِّبُ بَعْدَهُ مُسْلِمًا كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ فِعْلَ الْحَبْسِ أَحْسَنُ مِنْ فِعْلِ التَّغْرِيبِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ تَفْسِيرَ الْوَارِدِ بِذَلِكَ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ الْمَنْعُ عَنْ الْفَسَادِ. وَفِي التَّغْرِيبِ فَتْحُ بَابِ الْفَسَادِ كَمَا عَلِمْت، فَفِيهِ نَقْضٌ وَإِبْطَالٌ لِلْمَقْصُودِ مِنْهُ شَرْعًا فَكَأَنَّهُ شَبَّهَ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ بِالْمَوْضُوعِ وَهُوَ مَحِلُّ الْعَرْضِ الْمُخْتَصِّ بِهِ أَوْ بِمَوْضُوعِ الْعِلْمِ، وَهُوَ مَا يَبْحَثُ فِيهِ عَنْ عَوَارِضِهِ الذَّاتِيَّةِ كَبَدَنِ الْإِنْسَانِ لِعِلْمِ الطَّبِّ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى السِّيَاسَةِ (قَوْلُهُ إلَّا سِيَاسَةً وَتَعْزِيرًا) أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَدِّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ مِنْ عَطْفٍ وَإِقَامَةِ حَدٍّ عَلَى نَفْيِ عَامٍ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْفَتْحِ. وَفِيهِ أَيْضًا: لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْإِمَامِ مَصْلَحَةٌ فِي التَّغْرِيبِ تَعْزِيرًا فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَهُوَ مَحْمَلُ الْوَاقِعِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ كَمَا غَرَّبَ عُمَرُ نَصْرَ بْنَ الْحَجَّاجِ لِافْتِتَانِ النِّسَاءِ بِجَمَالِهِ وَالْجَمَالُ لَا يُوجِبُ نَفْيًا. وَعَلَى هَذَا كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِ السُّلُوكِ الْمُحَقِّقِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنَّا بِهِمْ وَحَشَرَنَا مَعَهُمْ يُغَرِّبُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] الْمُرِيدَ إذَا بَدَا مِنْهُ قُوَّةُ نَفْسٍ وَلَجَاجٍ لِتَنْكَسِرَ نَفْسُهُ وَتَلِينَ، مِثْلُ هَذَا الْمُرِيدِ أَوْ مَنْ هُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ رَأْيُ الْقَاضِي فِي التَّغْرِيبِ، أَمَّا مَنْ لَمْ يَسْتَحِ وَلَهُ حَالٌ تَشْهَدُ عَلَيْهِ بِغَلَبَةِ النَّفْسِ فَنَفْيُهُ يُوَسِّعُ طُرُقَ الْفَسَادِ وَيُسَهِّلُهَا عَلَيْهِ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] أَشَارَ كَلَامُ الْفَتْحِ إلَى أَنَّ السِّيَاسَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالزِّنَا وَهُوَ مَا عَزَاهُ الشَّارِحُ إلَى النَّهْرِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: السِّيَاسَةُ لَا تَخْتَصُّ بِالزِّنَا بَلْ تَجُوزُ فِي كُلِّ جِنَايَةٍ، وَالرَّأْيُ فِيهَا إلَى الْإِمَامِ عَلَى مَا فِي الْكَافِي، كَقَتْلِ مُبْتَدِعٍ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ انْتِشَارُ بِدْعَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ كَمَا فِي التَّمْهِيدِ، وَهِيَ مَصْدَرُ سَاسَ الْوَالِي الرَّعِيَّةَ: أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَغَيْرِهِ، فَالسِّيَاسَةُ اسْتِصْلَاحُ الْخَلْقِ بِإِرْشَادِهِمْ إلَى الطَّرِيقِ الْمُنْجِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَهِيَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ فِي ظَاهِرِهِمْ وَبَاطِنِهِمْ، وَمِنْ السَّلَاطِينِ وَالْمُلُوكِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ فِي ظَاهِرِهِ لَا غَيْرُ، وَمِنْ الْعُلَمَاءِ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْخَاصَّةِ فِي بَاطِنِهِمْ لَا غَيْرُ كَمَا فِي الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهَا اهـ وَمِثْلُهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى. قُلْت: وَهَذَا تَعْرِيفٌ لِلسِّيَاسَةِ الْعَامَّةِ الصَّادِقَةِ عَلَى جَمِيعِ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَتُسْتَعْمَلُ أَخَصَّ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ زَجْرٌ وَتَأْدِيبٌ وَلَوْ بِالْقَتْلِ، كَمَا قَالُوا فِي اللُّوطِيِّ وَالسَّارِقِ وَالْخَنَّاقِ إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُمْ ذَلِكَ حَلَّ قَتْلُهُمْ سِيَاسَةً وَكَمَا مَرَّ فِي الْمُبْتَدِعِ، وَلِذَا عَرَّفَهَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا تَغْلِيظُ جِنَايَةٍ لَهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ، وَقَوْلُهُ لَهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَإِنْ لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهَا بِخُصُوصِهَا فَإِنَّ مَدَارَ الشَّرِيعَةِ بَعْدَ قَوَاعِدِ الْإِيمَانِ عَلَى حَسْمِ مَوَادِّ الْفَسَادِ لِبَقَاءِ الْعَالَمِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ السِّيَاسَةَ هِيَ فِعْلُ شَيْءٍ مِنْ الْحَاكِمِ لِمَصْلَحَةٍ يَرَاهَا وَإِنْ لَمْ يُرَدْ بِذَلِكَ الْفِعْلِ دَلِيلٌ جُزْئِيٌّ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ عَنْ الْحَمَوِيِّ: السِّيَاسَةُ شَرْعٌ مُغَلَّظٌ، وَهِيَ نَوْعَانِ: سِيَاسَةٌ ظَالِمَةٌ فَالشَّرِيعَةُ تُحَرِّمُهَا. وَسِيَاسَةٌ عَادِلَةٌ تُخْرِجُ الْحَقَّ مِنْ الظَّالِمِ، وَتَدْفَعُ كَثِيرًا. مِنْ الْمَظَالِمِ، وَتَرْدَعُ أَهْلَ الْفَسَادِ، وَتُوَصِّلُ إلَى الْمَقَاصِدِ الشَّرْعِيَّةِ فَالشَّرِيعَةُ تُوجِبُ الْمَصِيرَ إلَيْهَا وَالِاعْتِمَادَ فِي إظْهَارِ الْحَقِّ عَلَيْهَا، وَهِيَ بَابٌ وَاسِعٌ، فَمَنْ أَرَادَ تَفْصِيلَهَا فَعَلَيْهِ بِمُرَاجَعَةِ كِتَابِ مَعِينِ الْحُكَّامِ لِلْقَاضِي عَلَاءِ الدِّينِ الْأَسْوَدِ الطَّرَابُلُسِيِّ الْحَنَفِيِّ. اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ السِّيَاسَةَ وَالتَّعْزِيرَ مُتَرَادِفَانِ وَلِذَا عَطَفُوا أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ لِبَيَانِ التَّفْسِيرِ كَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِمَا، بَلْ اقْتَصَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ عَلَى تَسْمِيَتِهِ تَعْزِيرًا وَسَيَأْتِي أَنَّ التَّعْزِيرَ تَأْدِيبٌ دُونَ الْحَدِّ مِنْ الْعَزْرِ بِمَعْنَى الرَّدِّ وَالرَّدْعِ وَأَنَّهُ يَكُونُ بِالضَّرْبِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِمُقَابَلَةِ مَعْصِيَةٍ وَلِذَا يُضْرَبُ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ عَلَى الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ السِّيَاسَةُ كَمَا مَرَّ فِي نَفْيِ عُمَرَ لِنَصْرِ بْنِ الْحَجَّاجِ، فَإِنَّهُ وَرَدَ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ: مَا ذَنْبِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: لَا ذَنْبَ لَك وَإِنَّمَا الذَّنْبُ لِي حَيْثُ لَا أُطَهِّرُ دَارَ الْهِجْرَةِ مِنْك، فَقَدْ نَفَاهُ لِافْتِتَانِ النِّسَاءِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِصُنْعِهِ، فَهُوَ فِعْلٌ لِمَصْلَحَةٍ وَهِيَ قَطْعُ الِافْتِتَانِ بِسَبَبِهِ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَشْرَفِ الْبِقَاعِ، فَفِيهِ رَدٌّ وَرَدْعٌ عَنْ مُنْكَرٍ وَاجِبِ الْإِزَالَةِ، وَقَالُوا إنَّ التَّعْزِيرَ مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، فَقَدْ ظَهَرَ لَك بِهَذَا أَنَّ بَابَ التَّعْزِيرِ هُوَ الْمُتَكَفِّلُ لِأَحْكَامِ السِّيَاسَةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ فِعْلَ السِّيَاسَةِ يَكُونُ مِنْ الْقَاضِي أَيْضًا، وَالتَّعْبِيرُ بِالْإِمَامِ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْقَاضِي بَلْ لِكَوْنِهِ هُوَ الْأَصْلُ، وَالْقَاضِي: نَائِبٌ عَنْهُ فِي تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ فَيَسْأَلُهُمْ الْإِمَامُ، وَبَدَأَ الْإِمَامُ بِرَجْمِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ مَعِينِ الْحُكَّامِ: لِلْقُضَاةِ تَعَاطِي كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ حَتَّى إدَامَةُ الْحَبْسِ وَالْإِغْلَاظُ عَلَى أَهْلِ الشَّرِّ بِالْقَمْعِ لَهُمْ، وَالتَّحْلِيفُ بِالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ، وَتَحْلِيفُ الشُّهُودِ إذَا ارْتَابَ مِنْهُمْ ذَكَرَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَتَحْلِيفُ الْمُتَّهَمِ لِاعْتِبَارِ حَالِهِ أَوْ الْمُتَّهَمِ بِسَرِقَةٍ يَضُرُّ بِهِ وَيَحْبِسُهُ الْوَالِي وَالْقَاضِي. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي بَابِ التَّعْزِيرِ أَنَّ لِلْقَاضِي تَعْزِيرَ الْمُتَّهَمِ وَصَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ قُبَيْلَ الْجِهَادِ أَنَّ مِنْ السِّيَاسَةِ عُقُوبَتَهُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ سَارِقٌ وَأَنَّ الْمَسْرُوقَ عِنْدَهُ، فَقَدْ أَجَازُوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 وَلَا يُجْلَدُ) حَتَّى يَبْرَأَ إلَّا أَنْ يَقَعَ الْيَأْسُ مِنْ بُرْئِهِ فَيُقَامُ عَلَيْهِ بَحْرٌ. (وَيُقَامُ عَلَى الْحَامِلِ بَعْدَ وَضْعِهَا) لَا قَبْلَهُ أَصْلًا بَلْ تُحْبَسُ لَوْ زِنَاهَا بِبَيِّنَةٍ (فَإِنْ كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمَ رُجِمَتْ حِينَ وَضَعَتْ) إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلُودِ مَنْ يُرَبِّيهِ فَحَتَّى يَسْتَغْنِيَ، وَلَوْ ادَّعَتْ الْحَبَلَ يَرَاهَا النِّسَاءُ، فَإِنْ قُلْنَ نَعَمْ حَبَسَهَا سَنَتَيْنِ ثُمَّ رَجَمَهَا اخْتِيَارٌ (وَإِنْ كَانَ الْجَلْدُ فَبَعْدَ النِّفَاسِ) لِأَنَّهُ مَرَضٌ: (وَ) شَرَائِطُ (إحْصَانِ الرَّجْمِ) سَبْعَةٌ (الْحُرِّيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ) عَقْلٌ وَبُلُوغٌ (وَالْإِسْلَامُ وَالْوَطْءُ) وَكَوْنُهُ (بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) حَالَ الدُّخُولِ   [رد المحتار] قَتْلَ النَّفْسِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، كَمَا إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ شَاهِرًا سَيْفَهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ وَسَيَأْتِي تَمَامُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَقَعَ الْيَأْسُ مِنْ بُرْئِهِ فَيُقَامُ عَلَيْهِ) أَيْ بِأَنْ يُضْرَبَ ضَرْبًا خَفِيفًا يَحْتَمِلُهُ. وَفِي الْفَتْحِ: وَلَوْ كَانَ الْمَرَضُ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَالسُّلِّ أَوْ كَانَ ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ فَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُضْرَبُ بِعِثْكَالٍ فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ دَفْعَةً وَتَقَدَّمَ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُصُولِ الْكُلِّ إلَى بَدَنِهِ، وَلِذَا قِيلَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَبْسُوطَةً اهـ وَالْعِثْكَالُ وَالْعُثْكُولُ: عُنْقُودُ النَّخْلِ (قَوْلُهُ لَا قَبْلَهُ أَصْلًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ أَوْ الرَّجْمَ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى هَلَاكِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مُحْتَرَمَةٌ لَا جَرِيمَةَ مِنْهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ إلَخْ) هَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا صَاحِبُ الْمُخْتَارِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا هِيَ الْمَذْهَبُ. وَفِي النَّهْرِ: وَلَعَمْرِي أَنَّهَا مِنْ الْحُسْنِ بِمَكَانٍ اهـ وَفِي حَدِيثِ الْغَامِدِيَّةِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَهَا بَعْدَ مَا فَطَمَتْهُ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ «لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يَرْضِعُهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: إلَيَّ رَضَاعُهُ فَرَجَمَهَا» قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الرَّجْمَ عِنْدَ الْوَضْعِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَالطَّرِيقَانِ فِي مُسْلِمٍ وَهَذَا أَصَحُّ طَرِيقًا إلَخْ (قَوْلُهُ فَحَتَّى يَسْتَغْنِيَ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ تَفْطِمَهُ (قَوْلُهُ حَبَسَهَا سَنَتَيْنِ) أَيْ إذَا ثَبَتَ زِنَاهَا بِالْبَيِّنَةِ كَمَا مَرَّ ط مَطْلَبٌ شَرَائِطُ الْإِحْصَانِ (قَوْلُهُ وَشَرَائِطُ إحْصَانِ الرَّجْمِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ: أَيْ الشَّرَائِطُ الَّتِي هِيَ الْإِحْصَانُ، فَالْإِحْصَانُ هُوَ الْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ فَهِيَ أَجْزَاؤُهُ، وَقَيَّدَ بِالرَّجْمِ؛ لِأَنَّ إحْصَانَ الْقَذْفِ غَيْرُ هَذَا كَمَا سَيَأْتِي فَتْحٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ عَقْلٌ وَبُلُوغٌ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ وَالتَّكْلِيفُ وَبَيَانٌ لَهُ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ التَّكْلِيفَ شَرْطٌ لِكَوْنِ الْفِعْلِ زِنًا.؛ لِأَنَّ فِعْلَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ بِزِنًا أَصْلًا، وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَهُ شَرْطَ الْإِحْصَانِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ كَوْنُهُمَا بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ اهـ يَعْنِي أَنَّهُ شَرْطٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الزَّانِيَ لَوْ كَانَ رَجُلًا مَثَلًا فَلَا يُرْجَمُ إلَّا إذَا كَانَ قَدْ وَطِئَ زَوْجَةً لَهُ مُكَلَّفَةً، فَكَوْنُهَا مُكَلَّفَةً شَرْطٌ فِي كَوْنِهِ مُحْصَنًا لَا فِي كَوْنِ فِعْلِهِ الَّذِي فَعَلَهُ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ زِنًا وَلِذَا لَمْ يُجْلَدْ بِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ زَوْجَتُهُ مُكَلَّفَةً وَلَا يُرْجَمُ لِعَدَمِ إحْصَانِهِ (قَوْلُهُ وَالْإِسْلَامُ) لِحَدِيثِ «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» وَرَجْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَهُودِيَّيْنِ إنَّمَا كَانَ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الرَّجْمِ ثُمَّ نُسِخَ بَحْرٌ، وَتَحْقِيقُهُ فِي الْفَتْحِ، وَخَالَفَ فِي هَذَا الشَّرْطِ أَبُو يُوسُف وَالشَّافِعِيُّ (قَوْلُهُ وَالْوَطْءُ) أَيْ الْإِيلَاجُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَكَوْنُهُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) خَرَجَ الْفَاسِدُ كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ فَلَا يَكُونُ بِهِ مُحْصَنًا ط. وَيَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ اتِّفَاقًا لِمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ قُبَيْلَ حَدِّ الشُّرْبِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِلَا وَلِيٍّ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا عِنْدَ الثَّانِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ حَالَ الدُّخُولِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ صَحِيحٍ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: يَعْنِي تَكُونُ الصِّحَّةُ قَائِمَةً حَالَ الدُّخُولِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ مَنْ عُلِّقَ طَلَاقُهَا بِتَزَوُّجِهَا يَكُونُ النِّكَاحُ صَحِيحًا، فَلَوْ دَخَلَ بِهَا عَقِيبَهُ لَا يَصِيرُ مُحْصَنًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْلَهُ اهـ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 (وَ) كَوْنُهُمَا (بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ) الْمَذْكُورَةِ وَقْتَ الْوَطْءِ، فَإِحْصَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا شَرْطٌ لِصَيْرُورَةِ الْآخَرِ مُحْصَنًا، فَلَوْ نَكَحَ أَمَةً أَوْ الْحَرَّةُ عَبْدًا فَلَا إحْصَانَ إلَّا أَنْ يَطَأَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَيَحْصُلُ الْإِحْصَانُ بِهِ لَا بِمَا قَبْلَهُ، حَتَّى لَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ بِمُسْلِمَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يُرْجَمُ بَلْ يُجْلَدُ. وَبَقِيَ شَرْطٌ آخَرُ ذَكَرَهُ ابْنُ كَمَالٍ، وَهُوَ أَنْ لَا يَبْطُلَ إحْصَانُهُمَا بِالِارْتِدَادِ، فَلَوْ ارْتَدَّا ثُمَّ أَسْلَمَا لَمْ يَعُدْ إلَّا بِالدُّخُولِ بَعْدَهُ، وَلَوْ بَطَلَ بِجُنُونٍ أَوْ عَتَهٍ عَادَ بِالْإِفَاقَةِ،   [رد المحتار] قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْوَطْءَ حَصَلَ فِي نِكَاحٍ لَكِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي النِّكَاحِ أَصْلًا فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ مَوْقُوفٍ عَلَى الْإِجَازَةِ ثُمَّ أَجَازَتْ الْمَرْأَةُ الْعَقْدَ أَوْ وَلِيُّ الصَّغِيرَةِ فَلَا يَكُونُ بِهَذَا الْوَطْءِ مُحْصَنًا وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي عَقْدٍ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بَعْدَهُ لَا فِي حَالَةِ الْوَطْءِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَوْنُهُمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ الْمَفْهُومَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ وَالْوَطْءُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَفِي هَذَا الْحَلِّ إصْلَاحٌ لِعِبَارَةِ الْمَتْنِ فَإِنَّهَا لَا تُفِيدُ اشْتِرَاطَ إحْصَانِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِإِحْصَانِ الْآخَرِ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ. قُلْت: وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا مُحْصَنًا دُونَ الْآخَرِ كَمَا لَوْ خَلَا بِهَا وَأَقَرَّ بِأَنَّهُ وَطِئَهَا أَوْ بِأَنَّهَا كَانَتْ مُسَلِّمَةً وَأَنْكَرَتْ فَإِذَا زَنَى يُرْجَمُ؛ لِأَنَّهُ مُحْصَنٌ بِإِقْرَارِهِ كَمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ حَدِّ الشُّرْبِ (قَوْلُهُ فَلَوْ نَكَحَ أَمَةً إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الشَّرْطِ الْأَخِيرِ: أَيْ لَوْ نَكَحَ الْحُرُّ أَمَةً أَوْ الْعَبْدُ حُرَّةً وَوَطِئَهَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مُحْصَنًا إلَّا أَنْ يَطَأَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ فِي الصُّورَتَيْنِ فَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْإِحْصَانُ بِهَذَا الْوَطْءِ لِاتِّصَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ وَقْتَهُ، حَتَّى لَوْ زَنَى أَحَدُهُمَا بَعْدَ هَذَا الْوَطْءِ يُرْجَمُ، بِخِلَافِ الْوَطْءِ الْحَاصِلِ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَكَذَا لَوْ دَخَلَ الْحُرُّ الْمُكَلَّفُ الْمُسْلِمُ بِمَنْكُوحَتِهِ الْكَافِرَةِ أَوْ الْمَجْنُونَةِ أَوْ الصَّغِيرَةِ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مُحْصَنًا إلَّا أَنْ يَطَأَهَا ثَانِيًا بَعْدَ إسْلَامِهَا أَوْ إفَاقَتِهَا أَوْ بُلُوغِهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ كَافِرًا وَهِيَ حُرَّةٌ مُكَلَّفَةٌ مُسْلِمَةٌ، حَتَّى لَوْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ وَهُوَ كَذَلِكَ ثُمَّ زَنَتْ لَا تُرْجَمُ لِعَدَمِ إحْصَانِهَا. وَصُورَةُ كَوْنِ زَوْجِ الْمُسْلِمَةِ كَافِرًا كَمَا فِي الْفَتْحِ أَنْ يَكُونَا كَافِرَيْنِ فَتُسْلِمَ هِيَ فَيَطَأَهَا قَبْلَ عَرْضِ الْقَاضِي الْإِسْلَامَ عَلَيْهِ وَإِبَائِهِ فَإِنَّهُمَا زَوْجَانِ مَا لَمْ يُفَرِّقْ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِإِبَائِهِ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] اشْتِرَاطُ إحْصَانِ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ لِلرَّجْمِ لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ كَمَا يَأْتِي قُبَيْلَ حَدِّ الشُّرْبِ إذَا كَانَ أَحَدُ الزَّانِيَيْنِ مُحْصَنًا دُونَ الْآخَرِ يُرْجَمُ الْمُحْصَنُ وَيُجْلَدُ غَيْرُ الْمُحْصَنِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ مُحْصَنًا الْإِحْصَانَ الْمَذْكُورَ بِشُرُوطِهِ ثُمَّ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَإِنَّهُ يُرْجَمُ، ثُمَّ الْمَرْأَةُ الْمَزْنِيُّ بِهَا إذَا كَانَتْ مُحْصَنَةً مِثْلَهُ تُرْجَمُ أَيْضًا وَإِلَّا فَتُجْلَدُ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ مُحْصَنَةً الْإِحْصَانَ الْمَذْكُورَ ثُمَّ زَنَتْ بِرَجُلٍ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ بِمُسْلِمَةٍ إلَخْ) أَطْلَقَ الذِّمِّيَّ فَشَمِلَ لَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَا، وَكَوْنُ الْمَزْنِيِّ بِهَا مُسْلِمَةً غَيْرُ قَيْدٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يُرْجَمْ لِعَدَمِ إحْصَانِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُسْلِمٍ وَقْتَ الْفِعْلِ وَإِنْ صَارَ مُحْصَنًا بَعْدَ إسْلَامِهِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْإِطْلَاقِ، فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الرَّجْمِ مِنْ كَوْنِهِ مُسْلِمًا وَقْتَ الزِّنَا، وَكَذَا الْحُرِّيَّةُ، حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ أَوْ أُعْتِقَ بَعْدَ الزِّنَا ثُمَّ صَارَ مُحْصَنًا لَا يُرْجَمُ بَلْ يُجْلَدُ، فَالْمُرَادُ بِهَذَا التَّفْرِيعِ بَيَانُ هَذِهِ الْفَائِدَةِ مَعَ تَأْوِيلِ مَا وَقَعَ فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ كَمَا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ، حَيْثُ قَالَ بَعْدَ تَقْرِيرِ شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يُرْجَمُ. وَلَا يُعَارِضُهُ مَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ زَنَى أَوْ سَرَقَ ثُمَّ أَسْلَمَ إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ، وَإِنْ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْحَدِّ هُنَا الْجَلْدَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَوْ ارْتَدَّا ثُمَّ أَسْلَمَا إلَخْ) عَزَاهُ ابْنُ الْكَمَالِ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ، وَقَيَّدَ بِارْتِدَادِهِمَا مَعًا فِي الْفَتْحِ أَيْ لِيَعُودَ النِّكَاحُ بِعَوْدِهِمَا إلَى الْإِسْلَامِ بِلَا تَجَدُّدِ عَقْدٍ آخَرَ. بَقِيَ لَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا: فَفِي النَّهْرِ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ لَحِقَتْ الزَّوْجَةُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدَّةً وَسُبِيَتْ لَا يَبْطُلُ إحْصَانُ الزَّوْجِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَقَاءُ النِّكَاحِ لِبَقَاءِ الْإِحْصَانِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ إحْصَانُهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 وَقِيلَ بِالْوَطْءِ بَعْدَهُ (وَ) اعْلَمْ أَنَّهُ (لَا يَجِبُ بَقَاءُ النِّكَاحِ لِبَقَائِهِ) أَيْ الْإِحْصَانِ؛ فَلَوْ نَكَحَ فِي عُمْرِهِ مَرَّةً ثُمَّ طَلَّقَ وَبَقِيَ مُجَرَّدًا وَزَنَى رُجِمَ، وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ الشُّرُوطَ فَقَالَ: شُرُوطُ الْإِحْصَانِ أَتَتْ سِتَّةٌ ... فَخُذْهَا عَنْ النَّصِّ مُسْتَفْهِمَا بُلُوغٌ وَعَقْلٌ وَحُرِّيَّةٌ ... وَرَابِعُهَا كَوْنُهُ مُسْلِمَا وَعَقْدٌ صَحِيحٌ وَوَطْءٌ مُبَاحٌ ... مَتَى اخْتَلَّ شَرْطٌ فَلَا يُرْجَمَا بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ لِحَدِيثِ «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . (الشُّبْهَةُ مَا يُشْبِهُ) الشَّيْءَ (الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: شُبْهَةٌ) حُكْمِيَّةٌ (فِي الْمَحِلِّ   [رد المحتار] وَإِنْ عَادَتْ مُسْلِمَةً وَلِذَا قَالَ: لَوْ أَسْلَمَ لَمْ يَعُدْ إلَّا بِالدُّخُولِ بَعْدُ: أَيْ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ شُرُوطِ الْإِحْصَانِ عِنْدَ وَطْءٍ آخَرَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ. فَعُلِمَ أَنَّ الرِّدَّةَ تُبْطِلُ اعْتِبَارَ الْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَإِذَا بَطَلَ اعْتِبَارُهُ بَطَلَ الْإِحْصَانُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُرْتَدُّ كُلًّا مِنْهُمَا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا، لَكِنْ إذَا ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يَصِيرُ مُحْصَنًا إلَّا بِتَجْدِيدِ عَقْدِهِ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى غَيْرِهَا وَيَطَؤُهَا بَعْدَهُ وَهُمَا بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ فَيَعُودُ لَهُ إحْصَانٌ جَدِيدٌ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ أَبْطَلَتْ الْإِحْصَانَ السَّابِقَ (قَوْلُهُ وَقِيلَ بِالْوَطْءِ بَعْدَهُ) نَسَبَهُ فِي النَّهْرِ وَالْبَحْرِ إلَى أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ وَاعْلَمْ إلَخْ) ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ فَلَوْ نَكَحَ فِي عُمْرِهِ مَرَّةً) أَيْ وَدَخَلَ بِهَا دُرَرٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ طَلَّقَ) عِبَارَةُ الدُّرَرِ: ثُمَّ زَالَ النِّكَاحُ، وَهِيَ أَعَمُّ لِشُمُولِهَا زَوَالَ النِّكَاحِ بِمَوْتِهَا أَوْ رِدَّتِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) نَقَلَهُ الْقَاضِي زَيْنُ الدِّينِ بْنُ رَشِيدٍ صَاحِبُ الْعُمْدَةِ عَنْ الْفَاكِهَانِيِّ الْمَالِكِيِّ كَمَا فِي التَّتَّائِيِّ، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ شُرُوطُ الْحَصَانَةِ فِي سِتَّةٍ. اهـ. ط. أَقُولُ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الشَّطْرَ الْأَوَّلَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ بَحْرِ السَّرِيعِ وَالْبَقِيَّةَ مِنْ بَحْرِ الْمُتَقَارِبِ فَافْهَمْ، وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الْأَبْيَاتِ فَلَا يُرْجَمَا بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ كَمَا رَأَيْنَاهُ فِي النُّسَخِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِالْفَوْقِيَّةِ وَلَا نَاهِيَةٌ وَأَصْلُهُ لَا تَرْجُمْنَ بِنُونِ التَّوْكِيدِ الْمُخَفَّفَةِ قُلِبَتْ أَلِفًا، إذْ لَوْ كَانَتْ لَا نَافِيَةً وَجَبَ الرَّفْعُ، وَلَعَلَّ اقْتِصَارَ النَّاظِمِ عَلَى الشُّرُوطِ السِّتَّةِ لِكَوْنِهَا مَذْهَبَ الْمَالِكِيَّةِ وَزِيدَ عَلَيْهَا عِنْدَنَا كَوْنُهُمَا بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ وَقْتَ الْوَطْءِ وَعَدَمُ الِارْتِدَادِ فَصَارَتْ ثَمَانِيَةً، وَيُزَادُ كَوْنُ الْعَقْدِ صَحِيحًا فَتَصِيرُ تِسْعَةً، وَقَدْ غَيَّرْت هَذَا النَّظْمَ جَامِعًا لِلتِّسْعَةِ فَقُلْت: شَرَائِطُ الْإِحْصَانِ تِسْعٌ أَتَتْ ... مَتَى اخْتَلَّ شَرْطٌ فَلَا تَرْجُمَا بُلُوغٌ وَعَقْلٌ وَحُرِّيَّةٌ ... وَدِينٌ وَفَقْدُ ارْتِدَادِهِمَا وَوَطْءٌ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ لِمَنْ ... غَدَتْ مِثْلَهُ فِي الَّذِي قُدِّمَا [بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ] ُ (قَوْلُهُ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا يُوجِبُهُ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ) عِلَّةٌ لِمَا فُهِمَ مِنْ الْعِلَّةِ الْأُولَى، وَهُوَ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ عِنْدَ قِيَامِ الشُّبْهَةِ. وَطَعَنَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مَرْفُوعًا. وَالْجَوَابُ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّ إسْقَاطَ الْوَاجِبِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِالشُّبْهَةِ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَقْلِ. وَأَيْضًا فِي إجْمَاعِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ كِفَايَةٌ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَيْضًا تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ، وَفِي تَتَبُّعِ الْمُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَصْحَابِهِ مِنْ تَلْقِينِ مَاعِزٍ وَغَيْرِهِ الرُّجُوعَ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ بَعْدَ الثُّبُوتِ مَا يُفِيدُ الْقَطْعَ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ) يَأْتِي بَيَانُهَا (قَوْلُهُ فِي الْمَحِلِّ) هُوَ الْمَوْطُوءَةُ كَمَا فِي الْعَيْنِيِّ وَالشَّلَبِيِّ وَغَيْرِهِمَا، فَقَوْلُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 وَشُبْهَةُ) اشْتِبَاهٍ (فِي الْفِعْلِ، وَشُبْهَةٌ فِي الْعَقْدِ) وَالتَّحْقِيقُ دُخُولُ هَذِهِ فِي الْأُولَيَيْنِ وَسَنُحَقِّقُهُ (فَإِنْ ادَّعَاهَا) أَيْ الشُّبْهَةَ (وَبَرْهَنَ قُبِلَ) بُرْهَانُهُ (وَسَقَطَ الْحَدُّ وَكَذَا يَسْقُطُ) أَيْضًا (بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهَا إلَّا فِي) دَعْوَى (لِإِكْرَاهٍ) خَاصَّةً (فَلَا بُدَّ مِنْ الْبُرْهَانِ) لِأَنَّهُ دَعْوَى بِفِعْلِ الْغَيْرِ فَيَلْزَمُ ثُبُوتُهُ بَحْرٌ (لَا حَدَّ) بِلَازِمٍ (بِشُبْهَةِ الْمَحِلِّ) أَيْ الْمِلْكِ وَتُسَمَّى شُبْهَةً حُكْمِيَّةً أَيْ الثَّابِتُ حُكْمُ الشَّرْعِ بِحِلِّهِ (وَإِنْ ظَنَّ حُرْمَتَهُ كَوَطْءِ أَمَةِ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ) وَإِنْ سَفَلَ وَلَوْ وَلَدُهُ حَيًّا فَتْحٌ، لِحَدِيثِ «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك» (وَمُعْتَدَّةِ الْكِنَايَاتِ) وَلَوْ خُلْعًا خَلَا عَنْ مَالٍ   [رد المحتار] الْآتِي: أَيْ الْمِلْكُ بِمَعْنَى الْمَمْلُوكِ (قَوْلُهُ وَبَرْهَنَ) أَيْ عَلَى أَنَّهَا أَمَةُ وَلَدِهِ أَوْ أَمَةُ أَحَدِ أَبَوَيْهِ مَثَلًا (قَوْلُهُ وَكَذَا يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهَا) أَيْ دَعْوَى الشُّبْهَةِ، وَهَذَا يُغْنِي عَمَّا قَبْلَهُ لِانْفِهَامِهِ مِنْهُ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ إلَّا فِي دَعْوَى الْإِكْرَاهِ إلَخْ) قُلْت: الظَّاهِرُ فِي وَجْهِ الْفَرْقِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُخْرِجُ الْفِعْلَ عَنْ كَوْنِهِ زِنًا، وَإِنَّمَا هُوَ عُذْرٌ مُسْقِطٌ لِلْحَدِّ وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ الْإِثْمُ كَمَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ بِالْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ دُونَ الْإِثْمِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، بِخِلَافِ دَعْوَاهُ شُبْهَةً مِنْ الشُّبَهِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْحَدِّ، فَإِنَّ دَعْوَاهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا أَوْ أَنَّهَا أَمَةُ وَلَدِهِ إنْكَارٌ لِلْوَطْءِ الْخَالِي عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ، فَلِذَا قُبِلَ قَوْلُهُ بِلَا بُرْهَانٍ تَأَمَّلْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ لُزُومَ الْبُرْهَانِ عَلَى الْإِكْرَاهِ خَاصٌّ بِمَا إذَا ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ لَا بِإِقْرَارِهِ (قَوْلُهُ لَا حَدَّ بِلَازِمٍ) أَيْ ثَابِتٍ. مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ شُبْهَةِ الْمَحِلِّ (قَوْلُهُ بِشُبْهَةِ الْمَحِلِّ) هُوَ الْمَوْطُوءَةُ كَمَا مَرَّ وَهِيَ الْمُنَافِيَةُ لِلْحُرْمَةِ ذَاتًا، عَلَى مَعْنَى أَنَّا لَوْ نَظَرْنَا إلَى الدَّلِيلِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَانِعِ يَكُونُ مُنَافِيًا لِلْحُرْمَةِ نَهْرٌ، يَعْنِي أَنَّ النَّظَرَ إلَى ذَاتِ الدَّلِيلِ يَنْفِي الْحُرْمَةَ وَيُثْبِتُ الْحِلَّ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَانِعِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا وُجِدَ فِيهَا دَلِيلٌ مُثْبِتٌ لِلْحِلِّ لَكِنَّهُ عَارَضَهُ مَانِعٌ فَأَوْرَثَ هَذَا الدَّلِيلُ شُبْهَةً فِي حِلِّ الْمَحِلِّ وَالْإِضَافَةُ فِيهَا عَلَى مَعْنَى فِي. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِشُبْهَةٍ وُجِدَتْ فِي الْمَحِلِّ وَإِنْ عَلِمَ حُرْمَتَهُ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إذَا كَانَتْ فِي الْمَوْطُوءَةِ ثَبَتَ فِيهَا الْمِلْكُ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ اسْمُ الزِّنَا فَامْتَنَعَ الْحَدُّ عَلَى التَّقَادِيرِ كُلِّهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمُثْبِتَ لِلْحِلِّ قَائِمٌ وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْ إثْبَاتِهِ حَقِيقَةً لِمَانِعٍ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فَلِهَذَا سُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ شُبْهَةً فِي الْمَحِلِّ؛ لِأَنَّهَا نَشَأَتْ عَنْ دَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلْحِلِّ فِي الْمَحِلِّ، بَيَانُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك» يَقْتَضِي الْمِلْكَ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْمِلْكِ اهـ أَيْ وَقَدْ عَارَضَهُ مَانِعٌ مَعَ إرَادَةِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ إرَادَتِهِ حَقِيقَةً فَثَبَتَتْ الشُّبْهَةُ عَمَلًا بِاللَّامِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ (قَوْلُهُ أَيْ الْمِلْكِ) بِمَعْنَى الْمَمْلُوكِ، فَلَا يُنَافِي تَفْسِيرَهُ أَيْضًا بِالْمَوْطُوءَةِ فَافْهَمْ: أَيْ شُبْهَةِ كَوْنِ الْمَحِلِّ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ الْمَصْدَرِ بِمَعْنَى الْمَالِكِيَّةِ أَيْ كَوْنِهِ مَالِكًا لَهُ (قَوْلُهُ وَتُسَمَّى شُبْهَةً حُكْمِيَّةً) لِكَوْنِ الثَّابِتِ فِيهَا شُبْهَةَ الْحُكْمِ بِالْحِلِّ. (قَوْلُهُ أَيْ الثَّابِتَ حُكْمُ الشَّرْعِ بِحِلِّهِ) بِنَصْبِ الثَّابِتِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ شُبْهَةً حُكْمِيَّةً، أَوْ يَجُرُّهُ عَلَى أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ بِشُبْهَةِ الْمَحِلِّ وَضَمِيرُ حِلِّهِ لِلْمَحَلِّ. وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ وَشُبْهَةٌ فِي الْمَحِلِّ، وَتُسَمَّى شُبْهَةً حُكْمِيَّةً وَشُبْهَةَ مِلْكٍ أَيْ الثَّابِتَ شُبْهَةُ حُكْمِ الشَّرْعِ بِحِلِّ الْمَحِلِّ، فَأَسْقَطَ الشَّارِحُ لَفْظَ شُبْهَةٌ وَلَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ حُكْمِ الشَّرْعِ بِحِلِّهِ لَمْ يَثْبُتْ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ شُبْهَتُهُ يَعْنِي أَنَّهَا هِيَ الَّتِي ثَبَتَ فِيهَا شُبْهَةُ الْحُكْمِ بِالْحِلِّ لَا حَقِيقَتِهِ، لِكَوْنِ دَلِيلِ الْحِلِّ عَارَضَهُ مَانِعٌ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَلَدَهُ حَيًّا) مُبَالَغَةٌ عَلَى قَوْلِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ ج. وَتَمَامُ عِبَارَةِ الْفَتْحِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ تَمَلُّكِ مَالِ ابْنِ ابْنِهِ حَالَ قِيَامِ ابْنِهِ وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ ثُمَّ فِي الِاسْتِيلَادِ اهـ وَسَنَذْكُرُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهَا النَّسَبُ مِنْ الْجَدِّ إذَا كَانَ وَلَدُهُ حَيًّا (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إلَخْ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَذَكَرَ فِيهِ الْقِصَّةَ (قَوْلُهُ وَلَوْ خُلْعًا خَلَا عَنْ مَالٍ) أَمَّا لَوْ كَانَتْ بِغَيْرِ لَفْظِ الْخُلْعِ فَهِيَ دَاخِلَةٌ بِالْأَوْلَى، وَقَدْ يَكُونُ الْخُلْعُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 وَإِنْ نَوَى بِهَا ثَلَاثًا نَهْرٌ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْكِنَايَاتُ رَوَاجِعُ (وَ) وَطْءِ (الْبَائِعُ) الْأَمَةَ (الْمَبِيعَةَ وَالزَّوْجِ) الْأَمَةَ (الْمَمْهُورَةَ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا) لِمُشْتَرٍ وَزَوْجَةٍ وَكَذَا بَعْدَهُ فِي الْفَاسِدِ (وَوَطْءِ الشَّرِيكِ) أَيْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ (الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ وَ) وَطْءِ (جَارِيَةِ مُكَاتَبِهِ وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ) زَيْلَعِيٌّ (وَوَطْءِ جَارِيَةٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ) بِدَارِنَا (أَوْ قَبْلَهُ) وَوَطْءِ جَارِيَتِهِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَاَلَّتِي فِيهَا خِيَارٌ لِلْمُشْتَرِي،   [رد المحتار] خَلَا عَنْ مَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى مَالٍ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ بَلْ يَكُونُ مِنْ شُبْهَةِ الْفِعْلِ الْآتِيَةِ، فَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ الْحَدُّ إلَّا إذَا ظَنَّ الْحِلَّ كَمَا فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الْمُخْتَلِعَةَ عَلَى مَالٍ تَقَعُ فُرْقَتُهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي كَوْنِهَا فَسْخًا أَوْ طَلَاقًا، يَعْنِي بَائِنًا فَالْحُرْمَةُ ثَابِتَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَبِهَذَا يُعْرَفُ خَطَأُ مَنْ بَحَثَ. وَقَالَ يَنْبَغِي جَعْلُهَا مِنْ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ، هَذَا حَاصِلُ مَا حَقَّقَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْمُخْتَلِعَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ عَلَى مَالٍ بِمَنْزِلَةِ الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ: وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ قَبْلَهُ عَنْ جَامِعِ النَّسَفِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا حَدَّ وَإِنْ عُلِمَ الْحُرْمَةُ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي كَوْنِهِ بَائِنًا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْخُلْعُ بِلَا مَالٍ، كَمَا أَنَّ مَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِحُرْمَتِهَا إجْمَاعًا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِمَالٍ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى بِهَا ثَلَاثًا) أَيْ بِالْكِنَايَاتِ، فَلَا يُحَدُّ بِوَطْئِهَا فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ لِتَحَقُّقِ الِاخْتِلَافِ،؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْمُخَالِفِ قَائِمٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْمُولٍ بِهِ عِنْدَنَا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ ثُمَّ قَالَ: وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُقَالُ مُطَلَّقَةُ ثَلَاثٍ وُطِئَتْ فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ عَلِمْت حُرْمَتَهَا لَا يُحَدُّ (قَوْلُهُ الْمَمْهُورَةِ) أَيْ الَّتِي جَعَلَهَا مَهْرًا لِزَوْجَتِهِ (قَوْلُهُ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا لِمُشْتَرٍ وَزَوْجَةٍ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ؛ لِأَنَّهُمَا فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ الزَّوْجِ وَتَعُودَانِ إلَى مِلْكِهِ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَكَانَ مُسَلَّطًا عَلَى الْوَطْءِ بِالْمِلْكِ وَالْيَدِ، وَقَدْ بَقِيَتْ الْيَدُ فَتَبْقَى الشُّبْهَةُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا بَعْدَهُ فِي الْفَاسِدِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَهُ وَكَذَا فِي الْفَاسِدِ وَلَوْ بَعْدَهُ: أَيْ بَعْدَ التَّسْلِيمِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ أَمَّا قَبْلَهُ فَبَقَاءُ الْمِلْكِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْفَسْخِ فَلَهُ حَقُّ الْمِلْكِ. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ وَطْءَ الْبَائِعُ فِي الْفَاسِدِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي حَقِيقَةِ الْمِلْكِ لَا فِي شُبْهَتِهِ، فَقَوْلُهُ بَعْدَهُ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا قَبْلَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَوَطْءِ الشَّرِيكِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي الْبَعْضِ ثَابِتٌ فَتَكُونُ الشُّبْهَةُ فِيهَا أَظْهَرَ زَيْلَعِيٌّ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَعْتَقَهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَإِلَّا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ مَذْكُورٌ فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَوَطْءِ جَارِيَةِ مُكَاتَبِهِ وَعَبْدِهِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي كَسْبِ عَبْدِهِ فَكَانَ شُبْهَةً فِي حَقِّهِ زَيْلَعِيٌّ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْيُونِ فَهُوَ عَلَى مِلْكِ سَيِّدِهِ (قَوْلُهُ وَوَطْءِ جَارِيَةٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ) أَيْ وَطْءِ أَحَدِ الْغَانِمِينَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ، قَالَ ح: وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ عَنْ الْغَايَةِ بَحْثًا عَدَمُ قَطْعِ مَنْ سَرَقَ مِنْ الْغُنْمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الْأَصْلِ فَصَارَ شُبْهَةً فَكَانَ يَنْبَغِي الْإِطْلَاقُ هُنَا أَيْضًا تَأَمَّلْ. اهـ. قُلْت: وَفِيهِ أَنَّ مَا كَانَ مُبَاحَ الْأَصْلِ هُوَ مَا يُوجَدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ تَافِهًا مُبَاحًا كَالصَّيْدِ وَالْحَشِيشِ فَهَذَا لَا يُقْطَعُ بِهِ وَإِنْ مُلِكَ وَسُرِقَ مِنْ حِرْزٍ، وَجَارِيَةُ الْمَغْنَمِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يُقْطَعَ بِهَا وَلَوْ بَعْدَ الْإِحْرَازِ وَالْقِسْمَةِ، وَكَذَا لَوْ زَنَى بِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَوَطْءِ جَارِيَتِهِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ) هَذِهِ مِنْ زِيَادَاتِ الْفَتْحِ. وَفِيهِ أَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا كَامِلٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إلَّا أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ وَطْئِهِ لَهَا خَوْفُ اشْتِبَاهِ النَّسَبِ، وَالْكَلَامُ فِي وَطْءٍ حَرَامٍ سَقَطَ فِيهِ الْحَدُّ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ، وَهَذِهِ فِيهَا حَقِيقَةُ الْمِلْكِ فَكَانَتْ كَوَطْءِ الزَّوْجَةِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالصَّائِمَةِ وَالْمُحْرِمَةِ مِمَّا مُنِعَ مِنْ وَطْئِهَا لِعَارِضِ الْأَذَى أَوْ إفْسَادِ الْعِبَادَةِ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ، إلَّا أَنْ يُرَادَ بِشُبْهَةِ الْمِلْكِ مِلْكُ الْوَطْءِ لَا مِلْكُ الرَّقَبَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَاَلَّتِي فِيهَا خِيَارٌ لِلْمُشْتَرِي) أَيْ إذَا وَطِئَهَا الْبَائِعُ وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحَدَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 وَاَلَّتِي هِيَ أُخْتُهُ رَضَاعًا وَزَوْجَةٌ حَرُمَتْ بِرِدَّتِهَا أَوْ مُطَاوَعَتِهَا لِابْنِهِ أَوْ جِمَاعِهِ لِأُمِّهَا أَوْ بِنْتِهَا لِأَنَّ مِنْ الْأَئِمَّةِ مَنْ لَمْ يُحَرِّمْ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَتَبِّعِ، فَدَعْوَى الْحَصْرِ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ مَمْنُوعَةٌ. (وَ) لَا حَدَّ أَيْضًا (بِشُبْهَةِ الْفِعْلِ) وَتُسَمَّى شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ: أَيْ شُبْهَةٌ فِي حَقِّ مَنْ حَصَلَ لَهُ اشْتِبَاهٌ (وَإِنْ ظَنَّ حِلَّهُ) الْعِبْرَةُ لِدَعْوَى الظَّنِّ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الظَّنُّ؛ وَلَوْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا فَقَطْ لَمْ يُحَدَّا حَتَّى يُقِرَّا جَمِيعًا بِعِلْمِهِمَا بِالْحُرْمَةِ نَهْرٌ (كَوَطْءِ أَمَةِ أَبَوَيْهِ) وَإِنْ عَلَيَا شُمُنِّيٌّ   [رد المحتار] إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَلِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ بَائِعِهِ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ أَفَادَهُ ط. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ لَا يَذْكُرَ خِيَارَ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ فِي حَقِيقَةِ الْمِلْكِ لَا فِي شُبْهَتِهِ نَظِيرَ مَا مَرَّ، فَكَانَ الْأَوْلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ فَافْهَمْ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَوَطِئَهَا الْبَائِعُ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ عَلِمَ بِالْحُرْمَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ (قَوْلُهُ وَاَلَّتِي هِيَ أُخْتُهُ رَضَاعًا) أَيْ وَوَطْءِ أَمَتِهِ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ رَضَاعًا. قُلْت: وَمِثْلُهَا أَمَتُهُ الْمَجُوسِيَّةُ وَاَلَّتِي تَحْتَهُ أُخْتُهَا لِوُجُودِ الْمِلْكِ فِيهِمَا أَيْضًا مَعَ أَنَّ حُرْمَتَهُمَا غَيْرُ مُؤَبَّدَةٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مَنْ لَمْ يُحَرَّمْ بِهِ) أَيْ بِالْمَذْكُورِ مِنْ الرِّدَّةِ وَمَا بَعْدَهَا، أَمَّا الرِّدَّةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ مَشَايِخَ بَلْخٍ أَفْتَوْا بِعَدَمِ الْفُرْقَةِ بِرِدَّتِهَا، وَأَمَّا فِيمَا بَعْدَهَا فَلِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ) مِنْهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمَجُوسِيَّةِ وَاَلَّتِي تَحْتَهُ أُخْتُهَا (قَوْلُهُ فَدَعْوَى الْحَصْرِ) أَيْ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَالشُّبْهَةُ فِي الْمَحِلِّ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ. مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ شُبْهَةِ الْفِعْلِ (قَوْلُهُ بِشُبْهَةِ الْفِعْلِ) أَيْ الشُّبْهَةِ فِي الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الْوَطْءُ حَيْثُ كَانَ مِمَّا قَدْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ حُرْمَتُهُ لَا فِي مَحِلِّهِ وَهُوَ الْمَوْطُوءَةُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَحِلِّ هُنَا مَقْطُوعٌ بِهَا إذْ لَمْ يَقُمْ فِيهِ دَلِيلُ مِلْكٍ عَارَضَهُ غَيْرُهُ فَلَمْ يَكُنْ فِي حِلِّ الْمَحِلِّ شُبْهَةٌ أَصْلًا (قَوْلُهُ أَيْ شُبْهَةً فِي حَقِّ مَنْ حَصَلَ لَهُ اشْتِبَاهٌ) هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ ظَنَّ حِلَّهُ؛ لِأَنَّ مَنْ ظَنَّ الْحِلَّ فَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ إنَّهَا تَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ إذْ لَا دَلِيلَ فِي السَّمْعِ يُفِيدُ الْحِلَّ، بَلْ ظَنَّ غَيْرَ الدَّلِيلِ دَلِيلًا كَمَا يَظُنُّ أَنَّ جَارِيَةَ زَوْجَتِهِ تَحِلُّ لَهُ لِظَنِّهِ أَنَّهُ اسْتِخْدَامٌ وَاسْتِخْدَامُهَا حَلَالٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الظَّنِّ وَإِلَّا فَلَا شُبْهَةَ أَصْلًا لِفَرْضِ أَنْ لَا دَلِيلَ أَصْلًا لِتَثْبُتَ الشُّبْهَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ظَنُّهُ الْحِلَّ ثَابِتًا لَمْ تَكُنْ شُبْهَةً أَصْلًا. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ ظَنَّ حِلَّهُ) شَرْطٌ لِقَوْلِهِ وَلَا حَدَّ إلَخْ فَنَفْيُ الْحَدِّ هُنَا مَشْرُوطٌ بِظَنِّ الْحِلِّ لِمَا عَلِمْت أَنَّ هَذَا الظَّنَّ هُوَ الشُّبْهَةُ لِعَدَمِ دَلِيلٍ قَائِمٍ تَثْبُتُ بِهِ الشُّبْهَةُ، فَلَوْ لَمْ يَظُنَّ الْحِلَّ شُبْهَةً أَصْلًا بِخِلَافِ مَا مَرَّ فَإِنَّ الشُّبْهَةَ فِيهِ جَاءَتْ مِنْ دَلِيلِ حِلِّ الْمَحِلِّ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى ظَنِّ الْحِلِّ فَلِمَاذَا انْتَفَى الْحَدُّ فِيهِ سَوَاءٌ ظَنَّ الْحِلَّ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ الْعِبْرَةُ لِدَعْوَى الظَّنِّ إلَخْ) أَيْ لَا لِلظَّنِّ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ إنْ لَمْ يَدَّعِ وَإِنْ حَصَلَ لَهُ الظَّنُّ، وَلَا يُحَدُّ إنْ ادَّعَى وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الظَّنُّ ابْنُ كَمَالٍ، وَفِيهِ تَوَرُّكٌ عَلَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الظَّنَّ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ لَا يَعْلَمُهُ الْقَاضِي إلَّا بِدَعْوَى صَاحِبِهِ، فَقَوْلُهُ إنْ ظَنَّ حِلَّهُ: أَيْ إنْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّهُ ظَنَّ الْحِلَّ يَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِدَعْوَاهُ وَإِخْبَارِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إذَا تَمَكَّنَتْ فِي الْفِعْلِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ تَتَعَدَّى إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ ضَرُورَةً بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَوَطْءِ أَمَةِ أَبَوَيْهِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَبَيْنَ أَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ وَسَيِّدِهِ انْبِسَاطًا فِي الِانْتِفَاعِ بِمَالِهِمْ وَاسْتِخْدَامِ جَوَارِيهِمْ، فَكَانَ مَظِنَّةَ حِلِّ الْوَطْءِ عَلَى تَوَهُّمِ أَنَّهُ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ، وَكَذَا بَقَاءُ أَثَرِ الْفِرَاشِ فِي الْمُعْتَدَّةِ مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَحُرْمَةِ تَزَوُّجِ أُخْتِهَا مَظِنَّةً لِتَوَهُّمِ حِلِّ وَطْئِهَا، وَقَيَّدَ بِالْأَمَةِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ زَنَى بِامْرَأَةِ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 (وَمُعْتَدَّةِ الثَّلَاثِ) وَلَوْ جُمْلَةً (وَأَمَةِ امْرَأَتِهِ وَأَمَةِ سَيِّدِهِ) وَوَطْءِ (الْمُرْتَهِنِ) الْأَمَةَ (الْمَرْهُونَةَ) فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ زَيْلَعِيٌّ. وَفِي الْهِدَايَةِ: الْمُسْتَعِيرُ لِلرَّهْنِ كَالْمُرْتَهِنِ وَسَيَجِيءُ حُكْمُ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْمَغْصُوبَةِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمَوْقُوفَةَ عَلَيْهِ كَالْمَرْهُونَةِ نَهْرٌ (وَ) مُعْتَدَّةِ (الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ) وَكَذَا الْمُخْتَلِعَةُ عَلَى الصَّحِيحِ بَدَائِعُ وَمُعْتَدَّةُ (الْإِعْتَاقِ وَ) الْحَالُ أَنَّهَا (هِيَ أُمُّ وَلَدِهِ، وَ) الْوَاطِئُ (إنْ ادَّعَى النَّسَبَ يَثْبُتُ فِي الْأُولَى) شُبْهَةِ الْمَحِلِّ (لَا فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ شُبْهَةِ الْفِعْلِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَمُعْتَدَّةِ الثَّلَاثِ) هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ بِالْكِنَايَاتِ إذْ لَوْ نَوَاهَا بِهَا كَانَ مِنْ شُبْهَةِ الْمَحِلِّ كَمَا قَدَّمَهُ عَنْ النَّهْرِ (قَوْلُهُ ولَوْ جُمْلَةً) أَيْ وَلَوْ كَانَ تَطْلِيقُهُ الثَّلَاثَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَلَا يَسْقُطُ عِنْدَهُ الْحَدُّ إلَّا إنْ ادَّعَى ظَنَّ الْحِلِّ وَكَذَا لَوْ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ مُتَفَرِّقَةً بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى إذْ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَاطِقٌ بِانْتِفَاءِ الْحِلِّ بَعْدَ الثَّالِثَةِ فَلَمْ يَبْقَ شُبْهَةٌ فِي حِلِّ الْمَحِلِّ، وَلَا اعْتِبَارَ بِخِلَافِ مَنْ أَنْكَرَ وُقُوعَ الْجُمْلَةِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْقَطْعِيِّ، وَهُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ الَّذِي تَقَرَّرَ فِي زَمَنِ عُمَرَ، لَكِنْ يُشْكِلُ مَا فِي نِكَاحِ الْهِدَايَةِ. مِنْ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِوَطْءِ الْمُطَلَّقَةِ بَائِنًا وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ عَلَى إشَارَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ. وَعَلَى عِبَارَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ أَزَالَ حَقَّ الْحِلِّ فَيَتَحَقَّقُ الزِّنَا. اهـ. وَوَفَّقَ فِي الْبَحْرِ بِحَمْلِ إشَارَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ عَلَى مَا إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً، وَحَمَلَ عِبَارَةَ الْحُدُودِ عَلَى مَا إذَا أَوْقَعَهَا مُتَفَرِّقَةً؛ لِأَنَّ إيقَاعَهَا جُمْلَةً خَالَفَ فِيهِ الظَّاهِرِيَّةَ: أَيْ فَيَكُونُ مِنْ شُبْهَةِ الْمَحِلِّ فَلَا يُحَدُّ وَإِنْ اعْتَقَدَ الْحُرْمَةَ لِشُبْهَةِ الدَّلِيلِ. وَاعْتَرَضَهُ ح بِأَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ الْجَزْمُ بِأَنَّهَا مِنْ شُبْهَةِ الْفِعْلِ وَعَدَمُ اعْتِبَارِ الْخِلَافِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ، وَبِأَنَّ الْإِشَارَةَ لَا تُعَارِضُ الْعِبَارَةَ. قُلْت: عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ حَمْلُ الْإِشَارَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ الْبَائِنُ بِلَفْظِ الْكِنَايَاتِ وَالْعِبَارَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الصَّرِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ) أَيْ أَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الْحُدُودِ مِنْ مَسَائِلِ شُبْهَةِ الْفِعْلِ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّهَا مِنْ شُبْهَةِ الْمَحِلِّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا ظَنَّ الْحِلَّ فَلَا حَدَّ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا عَلِمَ الْحُرْمَةَ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُهُ وَذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ وُجُوبَهُ وَإِنْ ظَنَّ الْحِلَّ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الرِّوَايَاتِ. مَطْلَبُ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِهِ أَوْلَى مِنْ الْمَذْكُورِ فِي غَيْرِ بَابِهِ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ فِي بَابِهِ أَوْلَى مِنْ الْمَذْكُورِ فِي غَيْرِ بَابِهِ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ اسْتِطْرَادٌ هَكَذَا كَانَ أَفَادَنِيهِ وَالِدِي فَلْيُحْفَظْ (قَوْلُهُ وَهِيَ الْمُخْتَارُ) وَفِي الْهِدَايَةِ: وَهِيَ الْأَصَحُّ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُونَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ لَهُ الْمِلْكُ بَعْدَ الْهَلَاكِ فَيَصِيرُ بِهِ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ لَكِنَّهُ بَعْدَ الْهَلَاكِ لَا يَمْلِكُ الْمُتْعَةَ أَيْ الْوَطْءَ، وَمُقْتَضَى هَذَا وُجُوبُ الْحَدِّ وَإِنْ ظَنَّ الْحِلَّ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الِاسْتِيفَاءُ سَبَبًا لِمِلْكِ الْمَالِ وَمِلْكُ الْمَالِ سَبَبًا لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فِي الْجُمْلَةِ حَصَلَ الِاشْتِبَاهُ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ الْمُسْتَعِيرُ لِلرَّهْنِ) اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ: أَيْ الَّذِي اسْتَعَارَ أَمَةً لِيَرْهَنَهَا لَا لِلتَّعْدِيَةِ حَتَّى يَكُونَ الْمَعْنَى اسْتَعَارَ أَمَةً مَرْهُونَةً مِنْ الْمُرْتَهِنِ اهـ ح. وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ لَا لِلتَّقْوِيَةِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ هُنَا مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ، تَقُولُ أَنَا مُسْتَعِيرٌ فَرَسًا فَإِذَا قُلْت مُسْتَعِيرٌ لِلْفَرَسِ كَانَتْ زَائِدَةً لِتَقْوِيَةِ الْعَامِلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ} [البقرة: 91]- وَلَعَلَّ وَجْهَ كَوْنِ الْمُسْتَعِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَهِنِ هُوَ أَنَّهُ إذَا اسْتَعَارَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ بِكَذَا ثُمَّ هَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ وَوَجَبَ مِثْلُ الدَّيْنِ لِلْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِالرَّهْنِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحِلِّهِ، فَإِذَا غَرِمَ مِثْلَهُ لِلْمُعِيرِ صَارَ مَالِكًا لَهُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَهِنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي هَذَا الْبَابِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمُخْتَلِعَةُ) أَيْ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خُلْعًا خَلَا عَنْ مَالٍ كَانَ مِنْ شُبْهَةِ الْمَحِلِّ كَمَا قَدَّمَهُ عَنْ النَّهْرِ (قَوْلُهُ يَثْبُتُ فِي الْأُولَى) هَذَا فِي غَيْرِ الْجَدِّ إذَا وَطِيء جَارِيَةَ ابْنِ ابْنِهِ وَابْنُهُ حَيٌّ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ لَا يَتَمَلَّكُهَا حَالَ حَيَاةِ الْأَبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 لِتَمَحُّضِهِ زِنًا (إلَّا فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا بِشَرْطِهِ) بِأَنْ تَلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ لَا لِأَكْثَرَ إلَّا بِدَعْوَةٍ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، وَكَذَا الْمُخْتَلِعَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ بِعِوَضٍ بِالْأَوْلَى نِهَايَةٌ (وَ) إلَّا (فِي وَطْءِ امْرَأَةٍ زُفَّتْ) إلَيْهِ (وَقَالَ النِّسَاءُ هِيَ زَوْجَتُك وَلَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ) مُعْتَمِدًا خَبَرَهُنَّ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ بِالدَّعْوَةِ بَحْرٌ. (وَ) لَا حَدَّ أَيْضًا (بِشُبْهَةِ الْعَقْدِ) أَيْ عَقْدِ النِّكَاحِ (عِنْدَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (كَوَطْءِ مَحْرَمٍ نَكَحَهَا)   [رد المحتار] فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِدَعْوَى الْجَدِّ، نَعَمْ إنْ صَدَّقَهُ ابْنُ الِابْنِ عَتَقَ لِزَعْمِهِ أَنَّهُ عَمُّهُ، وَمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ غَلَطٌ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِتَمَحُّضِهِ زِنًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ مِلْكٍ فِيهِ بَلْ سَقَطَ الْحَدُّ لِظَنِّهِ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ رَاجِعٌ إلَيْهِ: أَيْ إلَى الْوَطْءِ لَا إلَى الْمَحِلِّ فَكَأَنَّ الْمَحِلَّ لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ حِلٍّ فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِهَذَا الْوَطْءِ وَلِذَا لَا تَثْبُتُ بِهِ عِدَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ مِنْ الزِّنَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِشَرْطِهِ) أَيْ بِشَرْطِ الثُّبُوتِ، وَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُهُ كَمَا يَظْهَرُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ بِأَنْ تَلِدَ إلَخْ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ بِشَرْطِهِ. قَالَ ح: وَيُحْمَلُ عَلَى وَطْءٍ سَابِقٍ عَلَى الطَّلَاقِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ. لَا نَقُولُ إنَّهُ انْعَقَدَ مِنْ هَذَا الْوَطْءِ الْحَرَامِ حَيْثُ أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الْحَلَالِ (قَوْلُهُ لَا لِأَكْثَرَ) وَمِثْلُ الْأَكْثَرِ تَمَامُ السَّنَتَيْنِ ح (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ) مِنْ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا بَعْدَ سَنَتَيْنِ إلَّا بِدَعْوَةٍ ح. قُلْت: وَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا ادَّعَى الْوَلَدَ يَثْبُتُ النَّسَبُ سَوَاءٌ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ لِأَكْثَرَ وَإِنْ لَزِمَ الْوَطْءُ فِي الْعِدَّةِ لِوُجُودِ شُبْهَةِ الْعَقْدِ، وَأَمَّا بِدُونِ الدَّعْوَى فَلَا يَثْبُتُ إلَّا إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ بِوَطْءٍ سَابِقٍ عَلَى الطَّلَاقِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِشَرْطِهِ لَا مَحِلَّ لَهُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِيمَا إذَا ادَّعَى النَّسَبَ وَفِيهِ يَثْبُتُ مُطْلَقًا كَمَا عَلِمْت، وَهُوَ الَّذِي حَرَّرَهُ فِي الْفَتْحِ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بِالْأَوْلَى) ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ الثَّلَاثِ ط فَإِنَّ حُرْمَةَ الثَّلَاثِ تُزِيلُ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ وَلِذَا لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوَاجٍ آخَرَ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فِي وَطْءِ امْرَأَةٍ إلَخْ) الِاسْتِثْنَاءُ فِي هَذِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ شُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ أَيْ شُبْهَةِ الْفِعْلِ، وَعَلَيْهِ مَشَى الزَّيْلَعِيُّ، وَكَذَا صَاحِبُ الْبَحْرِ أَوَّلًا، وَقِيلَ إنَّهَا شُبْهَةُ مَحِلٍّ، وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَوَّلًا أَنَّهُ الْأَوْجَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُنَّ هِيَ زَوْجَتُك دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ مُبِيحٌ لِلْوَطْءِ لِقَبُولِ قَوْلِ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَلِذَا حَلَّ وَطْءُ مَنْ قَالَتْ أَرْسَلَنِي مَوْلَايَ هَدِيَّةً إلَيْك، ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ شُبْهَةُ اشْتِبَاهٍ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْمِلْكِ لَا مَا يُطْلَقُ شَرْعًا مُجَرَّدُ الْوَطْءِ اهـ مُلَخَّصًا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَالَ النِّسَاءُ) الْجَمْعُ غَيْرُ قَيْدٍ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ بِالدَّعْوَةِ بَحْرٌ) لَفْظُ بِالدَّعْوَةِ إلَخْ يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْكَلَامِ فِيهِ. مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ شُبْهَةِ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ بِشُبْهَةِ الْعَقْدِ) أَيْ مَا وُجِدَ فِيهِ الْعَقْدُ صُورَةً لَا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ كَمَا مَرَّ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ فَخَرَجَ مَا وُجِدَ فِيهِ الْعَقْدُ حَقِيقَةً، وَلِذَا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِذَا كَانَ الْوَطْءُ بِمِلْكِ النِّكَاحِ أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ وَالْحُرْمَةُ بِعَارِضٍ آخَرَ فَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ نَحْوَ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالصَّائِمَةِ صَوْمَ الْفَرْضِ وَالْمُحَرَّمَةِ وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَاَلَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ آلَى مِنْهَا فَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْأَمَةُ الْمَمْلُوكَةُ إذَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ أَوْ لِكَوْنِ أُخْتِهَا مَثَلًا فِي نِكَاحِهِ أَوْ هِيَ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ مُرْتَدَّةٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ عَلِمَ الْحُرْمَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ كَوَطْءِ مُحَرَّمٍ نَكَحَهَا) أَيْ عَقَدَ عَلَيْهَا أَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّمِ فَشَمِلَ الْمُحَرَّمَ نَسَبًا وَرَضَاعًا وَصِهْرِيَّةً، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ عَلَى مَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ أَوْ مُعْتَدَّتِهِ أَوْ مُطَلَّقَتِهِ الثَّلَاثِ أَوْ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ أَوْ تَزَوَّجَ مَجُوسِيَّةً أَوْ أَمَةً بِلَا إذْنِ سَيِّدِهَا أَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ تَزَوَّجَ خَمْسًا فِي عُقْدَةٍ فَوَطِئَهُنَّ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ فَوَطِئَهُمَا أَوْ الْأَخِيرَةَ لَوْ كَانَ مُتَعَاقِبًا بَعْدَ التَّزَوُّجِ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ وَهُوَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَظْهَرِ، أَمَّا عِنْدَهُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الشُّبْهَةَ إنَّمَا تَنْتَفِي عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ بَحْرٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 وَقَالَا إنْ عَلِمَ الْحُرْمَةَ حُدَّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى خُلَاصَةٌ، لَكِنْ الْمُرَجَّحُ فِي جَمِيعِ الشُّرُوحِ قَوْلُ الْإِمَامِ فَكَانَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ أَوْلَى قَالَهُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ، لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ عَلَى قَوْلِهِمَا الْفَتْوَى، وَحَرَّرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهَا مِنْ شُبْهَةِ الْمَحِلِّ وَفِيهَا يَثْبُتُ النَّسَبُ كَمَا مَرَّ (أَوْ) وَطْءٌ فِي (نِكَاحٍ بِغَيْرِ شُهُودٍ) لَا حَدَّ لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ. وَفِي الْمُجْتَبَى: تَزَوَّجَ بِمُحَرَّمَةٍ أَوْ مَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ أَوْ مُعْتَدَّتِهِ وَوَطِئَهَا ظَانًّا الْحِلَّ لَا يُحَدُّ وَيُعَزَّرُ وَإِنْ ظَانًّا الْحُرْمَةَ   [رد المحتار] قُلْت: وَهَذَا هُوَ الَّذِي حَرَّرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ إنَّ الَّذِينَ يَعْتَمِدُ عَلَى نَقْلِهِمْ وَتَحْرِيرِهِمْ كَابْنِ الْمُنْذِرِ ذَكَرُوا أَنَّهُ إنَّمَا يُحَدُّ عِنْدَهُمَا فِي ذَاتِ الْمَحْرَمِ لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَمَجُوسِيَّةٍ وَخَامِسَةٍ وَمُعْتَدَّةٍ، وَكَذَا عِبَارَةُ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ تُفِيدُهُ حَيْثُ قَالَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فَدَخَلَ بِهَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ فَعَلَهُ عَلَى عِلْمٍ لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا وَيُوجَعُ عُقُوبَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ اهـ فَعَمَّمَ فِي الْمَرْأَةِ عَلَى قَوْلِهِ ثُمَّ خَصَّ عَلَى قَوْلِهِمَا بِذَوَاتِ الْمَحْرَمِ (قَوْلُهُ وَقَالَا إلَخْ) مَدَارُ الْخِلَافِ عَلَى ثُبُوتِ مَحَلِّيَّةِ النِّكَاحِ لِلْمَحَارِمِ وَعَدَمِهِ، فَعِنْدَهُ هِيَ ثَابِتَةٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا مَحِلٌّ لِنَفْسِ الْعَقْدِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى خُصُوصِ عَاقِدٍ لِقَبُولِهَا مَقَاصِدَهُ مِنْ التَّوَالُدِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَنَفَيَاهَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مَحِلًّا لِعَقْدِ هَذَا الْعَاقِدِ فَلَمْ يُورِثْ شُبْهَةً وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْر (قَوْلُهُ إنْ عَلِمَ الْحُرْمَةَ حُدَّ) أَمَّا إنْ ظَنَّ الْحِلَّ فَلَا يُحَدُّ بِالْإِجْمَاعِ ويُعَزَّرُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا. مَطْلَبٌ إذَا اسْتَحَلَّ الْمُحَرَّمَ عَلَى وَجْهِ الظَّنِّ لَا يُكَفَّرُ كَمَا لَوْ ظَنَّ عِلْمَ الْغَيْبِ وَعُلِمَ مِنْ مَسَائِلِهِمْ هُنَا أَنَّ مَنْ اسْتَحَلَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ الظَّنِّ لَا يُكَفَّرُ، وَإِنَّمَا يُكَفَّرُ إذَا اعْتَقَدَ الْحَرَامَ حَلَالًا، وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ ظَنَّ الْغَيْبِ جَائِزٌ كَظَنِّ الْمُنَجِّمِ وَالرَّمَّالِ بِوُقُوعِ شَيْءٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِتَجْرِبَةِ أَمْرٍ عَادِيٍّ فَهُوَ ظَنٌّ صَادِقٌ وَالْمَمْنُوعُ ادِّعَاءُ عِلْمِ الْغَيْبِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ ادِّعَاءَ ظَنِّ الْغَيْبِ حَرَامٌ لَا كُفْرٌ، بِخِلَافِ ادِّعَاءِ الْعِلْمِ وَسَنُوَضِّحُهُ فِي الرِّدَّةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَخْ) الِاسْتِدْرَاكُ عَلَى قَوْلِهِ فِي جَمِيعِ الشُّرُوحِ فَإِنَّ الْمُضْمَرَاتِ مِنْ الشُّرُوحِ. وَفِيهِ أَنَّ الْقُهُسْتَانِيَّ ذَكَرَ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ أَنَّهُ قَالَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَأَنَّهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ: إذَا تَزَوَّجَ بِمُحَرَّمَةٍ يُحَدُّ عِنْدَهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. عَلَى أَنَّ مَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ مُقَدَّمٌ، وَكَذَلِكَ فِي الْفَتْحِ نَقَلَ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا ثُمَّ وَجَّهَهُ بِأَنَّ الشُّبْهَةَ تَقْتَضِي تَحَقُّقَ الْحِلِّ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ وَإِلَّا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ وَالنَّسَبُ، ثُمَّ دُفِعَ ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ الْتَزَمَ وُجُوبَهُمَا، وَلَوْ سَلِمَ عَدَمُ وُجُوبِهِمَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْحِلِّ مِنْ وَجْهٍ فَالشُّبْهَةُ لَا تَقْتَضِي تَحَقُّقَ الْحِلِّ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ، فَلَا ثُبُوتَ لِمَا لَهُ شُبْهَةُ الثُّبُوتِ بِوَجْهٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَلْزَمَ عُقُوبَتَهُ بِأَشَدِّ مَا يَكُونُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُثْبِتْ عُقُوبَةً هِيَ الْحَدُّ فَعُرِفَ أَنَّهُ زِنًا مَحْضٌ إلَّا أَنَّ فِيهِ شُبْهَةً فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ اهـ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ عَدَمَ تَحَقُّقِ الْحِلِّ مِنْ وَجْهٍ فِي الْمَحَارِمِ لِكَوْنِهِ زِنًا مَحْضًا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الشُّبْهَةِ الدَّارِئَةِ لِلْحَدِّ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي هَذَا تَرْجِيحًا لِقَوْلِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ وَحَرَّرَ فِي الْفَتْحِ إلَخْ) صَوَابُهُ فِي النَّهْرِ، فَإِنَّهُ بَعْدَ مَا ذَكَرَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ قَالَ: وَهَذَا إنَّمَا: يَتِمُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا شُبْهَةُ اشْتِبَاهٍ. قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا شُبْهَةُ عَقْدٍ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ لِشُبْهَةٍ حُكْمِيَّةٍ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ، وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُنْيَةِ اهـ وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي الْمَحِلِّ وَفِيهَا يَثْبُتُ النَّسَبُ عَلَى مَا مَرَّ اهـ كَلَامُ النَّهْرِ، قُلْت: وَفِي هَذِهِ زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ لِقَوْلِ الْإِمَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْقِيقِ الشُّبْهَةِ حَتَّى ثَبَتَ النَّسَبُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي بَابِ الْمَهْرِ عَنْ الْعَيْنِيِّ وَمَجْمَعِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا (قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) مِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ ظَانًّا الْحِلَّ) أَمَّا لَوْ اعْتَقَدَهُ يَكْفُرُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَيُعَزَّرُ) أَيْ إجْمَاعًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَكِنْ يُوجَعُ عُقُوبَةً إذَا كَانَ عَلِمَ بِذَلِكَ فَقَيَّدَ الْعُقُوبَةَ بِمَا إذَا عَلِمَ، وَمِثْلُهُ مَا مَرَّ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ. وَفِي الْفَتْحِ: لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَزُفَرَ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ، وَلَكِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. فَظَهَرَ أَنَّ تَقْسِيمَهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قَوْلُ الْإِمَامِ (وَحُدَّ بِوَطْءِ أَمَةِ أَخِيهِ وَعَمِّهِ) وَسَائِرُ مَحَارِمِهِ سِوَى الْوِلَادِ لِعَدَمِ الْبُسُوطَةِ (وَ) بِوَطْءِ (امْرَأَةٍ وُجِدَتْ عَلَى فِرَاشِهِ) فَظَنَّهَا زَوْجَتَهُ (وَلَوْ هُوَ أَعْمَى) لِتَمْيِيزِهِ بِالسُّؤَالِ إلَّا إذَا دَعَاهَا فَأَجَابَتْهُ قَائِلَةً أَنَا زَوْجَتُك أَوْ أَنَا فُلَانَةُ بِاسْمِ زَوْجَتِهِ فَوَاقَعَهَا لِأَنَّ الْإِخْبَارَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، حَتَّى لَوْ أَجَابَتْهُ بِالْفِعْلِ أَوْ بِنَعَمْ حُدَّ (وَذِمِّيَّةٍ) عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ حُدَّ وَجَازَ لِلْفَصْلِ (زَنَى بِهَا حَرْبِيٌّ) مُسْتَأْمَنٌ (وَ) حُدَّ ذِمِّيٌّ زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ مُسْتَأْمَنَةٍ (لَا) يُحَدُّ الْحَرْبِيُّ فِي الْأُولَى (وَالْحَرْبِيَّةُ) فِي الثَّانِيَةِ وَالْأَصْلُ عِنْدَ الْإِمَامِ الْحُدُودُ كُلُّهَا لَا تُقَامُ عَلَى مُسْتَأْمَنٍ إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ.   [رد المحتار] يَجِبُ الْحَدُّ. وَيُعَاقَبُ عُقُوبَةً هِيَ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ التَّعْزِيرِ سِيَاسَةً لَا حَدًّا مُقَدَّرًا شَرْعًا إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لَا حَدَّ وَلَا عُقُوبَةَ تَعْزِيرٍ اهـ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَا عُقُوبَةَ تَعْزِيرٍ الْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ أَشَدِّ مَا يَكُونُ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُعَزَّرُ بِمَا يَلِيقُ بِحَالِهِ حَيْثُ جَهِلَ أَمْرًا لَا يَخْفَى عَادَةً تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ فِي ذَاتِ الْمَحْرَمِ فَقَطْ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فَظَهَرَ أَنَّ تَقْسِيمَهَا إلَخْ) إنْ أَرَادَ التَّقْسِيمَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ فَهِيَ اثْنَانِ عِنْدَ الْكُلِّ، غَايَتُهُ أَنَّ حُكْمَ شُبْهَةِ الْعَقْدِ عِنْدَ الْإِمَامِ حُكْمُ شُبْهَةِ الْمَحِلِّ. وَعِنْدَهُمَا حُكْمُ شُبْهَةِ الْفِعْلِ، وَإِنْ أَرَادَ التَّقْسِيمَ مِنْ حَيْثُ الْمَفْهُومُ فَهِيَ اثْنَانِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ الْعَقْدِ مِنْهَا مَا هُوَ شُبْهَةُ الْفِعْلِ كَمُعْتَدَّةِ الثَّلَاثِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّهْرِ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ شُبْهَةُ الْمَحِلِّ كَمَسْأَلَةِ الْمَتْنِ اهـ ح (قَوْلُهُ وَحُدَّ بِوَطْءِ أَمَةِ أَخِيهِ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِي الْمِلْكِ وَلَا فِي الْفِعْلِ لِعَدَمِ انْبِسَاطِ كُلٍّ فِي مَالِ الْآخَرِ، فَدَعْوَى ظَنِّهِ الْحِلَّ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ. وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ لَكِنَّهُ ظَنَّ أَنَّ وَطْأَهُ هَذِهِ لَيْسَ زِنًا مُحَرَّمًا فَلَا يُعَارِضُ مَا مَرَّ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْحَدِّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ فَتْحٌ (قَوْلُهُ سِوَى الْوِلَادِ) بِالْكَسْرِ مَصْدَرُ وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ وِلَادًا وَوِلَادَةً أَيْ سِوَى قَرَابَةِ الْوِلَادَةِ: أَيْ قَرَابَةِ الْأُصُولِ أَوْ الْفُرُوعِ فَلَا حَدَّ فِيهَا، لَكِنْ لَا يُحَدُّ فِي قَرَابَةِ الْأُصُولِ إذَا ظَنَّ الْحِلَّ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وُجِدَتْ عَلَى فِرَاشِهِ) يَعْنِي فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ شُرُنْبُلَالِيَّةٍ فَيُعْلَمُ حُكْمُ النَّهَارِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ إلَّا إذَا دَعَاهَا) يَعْنِي الْأَعْمَى بِخِلَافِ الْبَصِيرِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ أَيْضًا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ، وَعَزَاهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إلَى الْمُنْتَقَى وَالْأَصْلِ لَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ وَجَدَ فِي بَيْتِهِ امْرَأَةً فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ فَغَشِيَهَا وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا امْرَأَتِي لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ نَهَارًا يُحَدُّ. وَفِي الْحَاوِي: وَعَنْ زُفَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ وَجَدَ فِي حَجَلَتِهِ أَوْ فِي بَيْتِهِ امْرَأَةً فَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا امْرَأَتِي، إنْ كَانَ نَهَارًا يُحَدُّ، وَإِنْ كَانَ لَيْلًا لَا يُحَدُّ، وَعَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: وَبِرِوَايَةِ زُفَرَ يُؤْخَذُ. اهـ. قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى الْأَعْمَى لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا (قَوْلُهُ وَجَازَ) أَيْ الْعَطْفُ عَلَى ضَمِيرِ الرَّفْعِ الْمُتَّصِلِ (قَوْلُهُ لَا يُحَدُّ الْحَرْبِيُّ إلَخْ) أَيْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، فَعِنْدَهُ يُحَدُّ الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ أَيْضًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعَكْسِ وَهُوَ مَا لَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ بِمُسْتَأْمَنَةٍ كَقَوْلِ الْإِمَامِ مِنْ أَنَّ الذِّمِّيَّ يُحَدُّ نَهْرٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزَّانِيَيْنِ إمَّا مُسْلِمَانِ أَوْ ذِمِّيَّانِ أَوْ مُسْتَأْمَنَانِ، أَوْ الرَّجُلُ مُسْلِمٌ وَالْمَرْأَةُ ذِمِّيَّةٌ، أَوْ مُسْتَأْمَنَةٌ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ الرَّجُلُ ذِمِّيٌّ وَالْمَرْأَةُ مُسْتَأْمَنَةٌ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَهِيَ تِسْعُ صُوَرٍ. وَالْحَدُّ وَاجِبٌ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي الْكُلِّ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: إذَا كَانَا مُسْتَأْمَنَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 (وَ) لَا يُحَدُّ بِوَطْءِ (بَهِيمَةٍ) بَلْ يُعَزَّرُ وَتُذْبَحُ ثُمَّ تُحْرَقُ، وَيُكْرَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا حَيَّةً وَمَيِّتَةً مُجْتَبَى. وَفِي النَّهْرِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُطَالَبُ نَدْبًا لِقَوْلِهِمْ تُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ (وَ) لَا يُحَدُّ (بِوَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ زُفَّتْ إلَيْهِ، وَقِيلَ) خَبَرُ الْوَاحِدِ كَافٍ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي وَطْءِ الدَّابَّةِ (قَوْلُهُ وَتُذْبَحُ ثُمَّ تُحْرَقُ) أَيْ لِقَطْعِ امْتِدَادِ التَّحَدُّثِ بِهِ كُلَّمَا رُئِيَتْ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا إذَا كَانَتْ مِمَّا لَا تُؤْكَلُ، فَإِنْ كَانَتْ تُؤْكَلُ جَازَ أَكْلُهَا عِنْدَهُ. وَقَالَا: تُحْرَقُ أَيْضًا، فَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ لِغَيْرِ الْوَاطِئِ يُطَالَبُ صَاحِبُهَا أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ تُذْبَحُ، هَكَذَا قَالُوا وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا سَمَاعًا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ زَيْلَعِيٌّ وَنَهْرٌ (قَوْلُهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُطَالَبُ نَدْبًا إلَخْ) أَيْ قَوْلُهُمْ يُطَالَبُ صَاحِبُهَا أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى الْوَاطِئِ لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ الْجَبْرِ. وَعِبَارَةُ النَّهْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُطَالَبُ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ كَانَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ بِالْقِيمَةِ. اهـ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ لَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا. [تَنْبِيهٌ] لَوْ مَكَّنَتْ امْرَأَةٌ قِرْدًا مِنْ نَفْسِهَا فَوَطِئَهَا كَانَ حُكْمُهَا كَإِتْيَانِ الْبَهَائِمِ جَوْهَرَةٌ أَيْ فِي أَنَّهَا لَا حَدَّ عَلَيْهَا بَلْ تُعَزَّرُ. وَهَلْ يُذْبَحُ الْقِرْدُ أَيْضًا؟ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ بِقَطْعِ امْتِدَادِ التَّحَدُّثِ نَعَمْ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ كَافٍ إلَخْ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْقَوْلِ وَمَقُولِهِ، وَالْأَوْلَى ذِكْرُهَا بَعْدَ هِيَ عِرْسُك لِئَلَّا يُوهَمَ أَنَّهَا مَقُولَةُ الْقَوْلِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ كَالْكَنْزِ بِقِيلِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْقُدُورِيِّ بِقُلْنَ. مَطْلَبٌ فِيمَنْ وَطِئَ مَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ [تَنْبِيهٌ] مُقْتَضَى هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِمُجَرَّدِ الزِّفَافِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ الْإِخْبَارُ بِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ زَوْجَتُهُ لَيْلَةَ عُرْسِهِ وَلَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا مَا لَمْ تَقُلْ لَهُ وَاحِدَةٌ أَوْ أَكْثَرُ إنَّهَا زَوْجَتُك، وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ بَيْنَ النَّاسِ، وَفِيهِ حَرَجٌ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَأْثِيمُ الْأُمَّةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحِلُّ وَطْؤُهَا بِدُونِ إخْبَارٍ وَلَا سِيَّمَا إذْ أَحْضَرَهَا النِّسَاءُ مِنْ أَهْلِهِ وَجِيرَانِهِ إلَى بَيْتِهِ وَجُلِيَتْ عَلَى الْمِنَصَّةِ ثُمَّ زُفَّتْ إلَيْهِ، فَإِنَّ احْتِمَالَ غَلَطِ النِّسَاءِ فِيهَا وَأَنَّهَا غَيْرُهَا أَبْعَدُ مَا يَكُونُ، وَمَعَ هَذَا لَوْ فُرِضَ الْغَلَطُ وَقَدْ وَطِئَهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَأَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ فَوُجُوبُ الْحَدِّ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَقُلْ لَهُ أَحَدٌ إنَّهَا زَوْجَتُك فِي غَايَةِ الْبُعْدِ أَيْضًا إذْ لَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الشُّبْهَةَ أَقْوَى مِنْ شُبْهَةِ الْعَقْدِ عَلَى أُمِّهِ أَوْ بِنْتِهِ وَظَنُّهُ حِلَّهَا لَهُ، وَأَقْوَى مِنْ ظَنِّهِ حِلَّ أَمَةِ أَبَوَيْهِ وَنَحْوِهَا، وَكَذَا مَنْ وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ لَيْلًا عَلَى مَا صَحَّحَهُ أَبُو اللَّيْثِ. وَرَأَيْت فِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ رَآهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَوَطِئَهَا كَانَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِخْبَارَ غَيْرُ شَرْطٍ. وَأَظْهَرُ مِنْهُ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ: رَجُلٌ تَزَوَّجَ فَزُفَّتْ إلَيْهِ أُخْرَى فَوَطِئَهَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى قَاذِفِهِ. رَجُلٌ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ قَالَ حَسِبْتهَا امْرَأَتِي قَالَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ كَالْأُولَى؛ لِأَنَّ الزِّفَافَ شُبْهَةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَإِنْ جَاءَتْ هَذِهِ الَّتِي فَجَرَ بِهَا بِوَلَدٍ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ اهـ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الزِّفَافَ شُبْهَةٌ صَرِيحٌ فِي أَنَّ نَفْسَ الزِّفَافِ شُبْهَةٌ مُسْقِطَةٌ لِلْحَدِّ بِدُونِ إخْبَارٍ، فَهَذَا نَصُّ الْكَافِي، وَهُوَ الْجَامِعُ لِكُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْ عُرْسٍ تَجْتَمِعُ فِيهِ النِّسَاءُ أَوْ مِنْ إرْسَالِ مَنْ تَأْتِي بِهَا إلَيْهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَزِيدُ عَلَى الْإِخْبَارِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ فِي بَيْتِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا أَوْ غَيْرُهَا وَلَكِنَّهُ ظَنَّ أَنَّهَا هِيَ فَوَطِئَهَا فَهُنَا لَا بُدَّ مِنْ إخْبَارِ وَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ بِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ الْحَدُّ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 فِي كُلِّ مَا يُعْمَلُ فِيهِ بِقَوْلِ النِّسَاءِ بَحْرٌ (هِيَ عِرْسُكَ وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا) بِذَلِكَ قَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِالْعِدَّةِ (أَوْ) بِوَطْءِ (دُبُرٍ) وَقَالَا: إنْ فَعَلَ فِي الْأَجَانِبِ حُدَّ. وَإِنْ فِي عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ فَلَا حَدَّ إجْمَاعًا بَلْ يُعَزَّرُ. قَالَ فِي الدُّرَرِ بِنَحْوِ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ وَهَدْمِ الْجِدَارِ وَالتَّنْكِيسِ مِنْ مَحِلٍّ مُرْتَفِعٍ بِاتِّبَاعِ الْأَحْجَارِ. وَفِي الْحَاوِي وَالْجَلْدُ أَصَحُّ وَفِي الْفَتْحِ يُعَزَّرُ وَيُسْجَنُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ؛ وَلَوْ اعْتَادَ اللِّوَاطَةُ قَتَلَهُ الْإِمَامُ سِيَاسَةً. قُلْت: وَفِي النَّهْرِ مَعْزِيًّا لِلْبَحْرِ: التَّقْيِيدُ بِالْإِمَامِ يُفْهِمُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ بِالسِّيَاسَةِ. [فَرْعٌ] فِي الْجَوْهَرَةِ: الِاسْتِمْنَاءُ حَرَامٌ، وَفِيهِ التَّعْزِيرُ. وَلَوْ مَكَّنَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ مِنْ الْعَبَثِ بِذَكَرِهِ فَأَنْزَلَ كُرِهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ   [رد المحتار] أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا) أَيْ وَيَكُونُ لَهَا كَمَا قَضَى بِهِ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ كَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا لَا لِبَيْتِ الْمَالِ كَمَا قَضَى بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ حَقَّ الشَّرْعِ عِوَضًا عَنْ الْحَدِّ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ بِذَلِكَ قَضَى عُمَرُ) كَذَا وَقَعَ فِي الدُّرَرِ، وَصَوَابُهُ عَلِيٌّ. وَفِي الْعَزْمِيَّةِ أَنَّهُ سَهْوٌ ظَاهِرٌ مَطْلَبٌ فِي وَطْءِ الدُّبُرِ (قَوْلُهُ أَوْ بِوَطْءِ دُبُرٍ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ دُبُرَ الصَّبِيِّ وَالزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ مُطْلَقًا عِنْدَ الْإِمَامِ مِنَحٌ وَيُعَزَّرُ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ حُدَّ) فَهُوَ عِنْدَهُمَا كَالزِّنَا فِي الْحُكْمِ فَيُجْلَدُ جَلْدًا إنْ لَمْ يَكُنْ أُحْصِنَ، وَرَجْمًا إنْ أُحْصِنَ نَهْرٌ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ اللِّوَاطَةُ (قَوْلُهُ بِنَحْوِ الْإِحْرَاقِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُعَزَّرُ. وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ: فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعَزَّرُ بِأَمْثَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُهُ تَقْيِيدُ قَتْلِهِ بِمَا إذَا اعْتَادَ ذَلِكَ. قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: وَالرَّأْيُ إلَى الْإِمَامِ فِيمَا إذَا اعْتَادَ ذَلِكَ، إنْ شَاءَ قَتَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَرَبَهُ وَحَبَسَهُ. ثُمَّ نَقَلَ عِبَارَةَ الْفَتْحِ الْمَذْكُورَةِ فِي الشَّرْحِ، وَكَذَا اعْتَرَضَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِكَلَامِ الْفَتْحِ. وَفِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَحْكَامِ غَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ: وَلَا يُحَدُّ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَّا إذَا تَكَرَّرَ فَيُقْتَلُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ. اهـ. قَالَ الْبِيرِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ لِصِدْقِ التَّكْرَارِ عَلَيْهِ. اهـ. ثُمَّ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ أَنَّهُ يُعَزَّرُ بِالْإِحْرَاقِ وَنَحْوِهِ وَلَوْ فِي عَبْدِهِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ صَرِيحُ مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ فَعَلَ هَذَا بِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ لَا يُحَدُّ إجْمَاعًا كَذَا فِي الْكَافِي، نَعَمْ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّعْزِيرِ وَالْقَتْلِ لِمَنْ اعْتَادَهُ (قَوْلُهُ وَالتَّنْكِيسِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَكَانَ مَأْخَذُ هَذَا أَنَّ قَوْمَ لُوطٍ أُهْلِكُوا بِذَلِكَ حَيْثُ حُمِلَتْ قُرَاهُمْ وَنُكِّسَتْ بِهِمْ، وَلَا شَكَّ فِي اتِّبَاعِ الْهَدْمِ بِهِمْ وَهُمْ نَازِلُونَ (قَوْلُهُ وَفِي الْحَاوِي) أَيْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ. وَعِبَارَتُهُ: وَتَكَلَّمُوا فِي هَذَا التَّعْزِيرِ مِنْ الْجَلْدِ وَرَمْيِهِ مِنْ أَعْلَى مَوْضِعٍ وَحَبْسِهِ فِي أَنْتَنِ بُقْعَةٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ سِوَى الْإِخْصَاءِ وَالْجَبِّ وَالْجَلْدِ أَصَحُّ اهـ وَسَكَتَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ التَّقْيِيدُ بِالْإِمَامِ إلَخْ) فِيهِ كَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ [فَرْعٌ الِاسْتِمْنَاءُ] (قَوْلُهُ الِاسْتِمْنَاءُ حَرَامٌ) أَيْ بِالْكَفِّ إذَا كَانَ لِاسْتِجْلَابِ الشَّهْوَةِ، أَمَّا إذَا غَلَبَتْهُ الشَّهْوَةُ وَلَيْسَ لَهُ زَوْجَةٌ وَلَا أَمَةٌ فَفَعَلَ ذَلِكَ لِتَسْكِينِهَا فَالرَّجَاءُ أَنَّهُ لَا وَبَالَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَيَجِبُ لَوْ خَافَ الزِّنَا (قَوْلُهُ كُرِهَ) الظَّاهِرُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَنْزَلَ بِتَفْخِيذٍ أَوْ تَبْطِينٍ تَأَمَّلْ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْمِعْرَاجِ فِي بَابِ مُفْسِدَاتِ الصَّوْمِ: يَجُوزُ أَنْ يَسْتَمْنِيَ بِيَدِ زَوْجَتِهِ أَوْ خَادِمَتِهِ، وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ مِنْ حَدٍّ وَتَعْزِيرٍ، وَكَذَا مِنْ إثْمٍ عَلَى مَا قُلْنَاهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 (وَلَا تَكُونُ) اللِّوَاطَةُ (فِي الْجَنَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ تَعَالَى اسْتَقْبَحَهَا وَسَمَّاهَا خَبِيثَةً، وَالْجَنَّةُ مُنَزَّهَةٌ عَنْهَا فَتْحٌ. وَفِي الِاشْتِبَاهِ: حُرْمَتُهَا عَقْلِيَّةٌ فَلَا وُجُودَ لَهَا فِي الْجَنَّةِ. وَقِيلَ سَمْعِيَّةٌ فَتُوجَدُ. وَقِيلَ يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى طَائِفَةً نِصْفُهُمْ الْأَعْلَى كَالذُّكُورِ وَالْأَسْفَلِ كَالْإِنَاثِ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَفِي الْبَحْرِ حُرْمَتُهَا أَشَدُّ مِنْ الزِّنَا لِحُرْمَتِهَا عَقْلًا وَشَرْعًا وَطَبْعًا، وَالزِّنَا لَيْسَ بِحَرَامٍ طَبْعًا، وَتَزُولُ حُرْمَتُهُ بِتَزَوُّجٍ وَشِرَاءٍ بِخِلَافِهَا، وَعَدَمُ الْحَدِّ عِنْدَهُ لَا لِخِفَّتِهَا بَلْ لِلتَّغْلِيظِ لِأَنَّهُ مُطَهِّرٌ عَلَى قَوْلٍ. وَفِي الْمُجْتَبَى: يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ (أَوْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ) إلَّا إذَا زَنَى فِي عَسْكَرٍ لِأَمِيرِهِ وِلَايَةُ الْإِقَامَةِ هِدَايَةٌ.   [رد المحتار] مَطْلَبٌ لَا تَكُونُ اللِّوَاطَةُ فِي الْجَنَّةِ (قَوْلُهُ وَلَا تَكُونُ اللِّوَاطَةُ فِي الْجَنَّةِ) قَالَ السُّيُوطِيّ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ الْحَنْبَلِيُّ: جَرَتْ مَسْأَلَةٌ بَيْنَ أَبِي عَلِيِّ بْنِ الْوَلِيدِ الْمُعْتَزِلِيِّ وَبَيْنَ أَبِي يُوسُفَ الْقَزْوِينِيِّ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ ابْنُ الْوَلِيدِ: لَا يُمْنَعُ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ اللَّذَّاتِ فِي الْجَنَّةِ لِزَوَالِ الْمَفْسَدَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ فِي الدُّنْيَا لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النَّسْلِ وَكَوْنِهِ مَحِلًّا لِلْأَذَى وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ ذَلِكَ، وَلِهَذَا أُبِيحَ شُرْبُ الْخَمْرِ لِمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ السُّكْرِ وَغَايَةِ الْعَرْبَدَةِ وَزَوَالِ الْعَقْلِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ الِالْتِذَاذِ بِهَا. فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْمَيْلُ إلَى الذُّكُورِ عَاهَةٌ، وَهُوَ قَبِيحٌ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحِلٌّ لَمْ يُخْلَقْ لِلْوَطْءِ، وَلِهَذَا لَمْ يُبَحْ فِي شَرِيعَةٍ، بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَهُوَ مَخْرَجُ الْحَدَثِ وَالْجَنَّةُ نُزِّهَتْ عَنْ الْعَاهَاتِ. فَقَالَ ابْنُ الْوَلِيدِ: الْعَاهَةُ هِيَ التَّلْوِيثُ بِالْأَذَى، فَإِذَنْ لَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدُ الِالْتِذَاذِ اهـ كَلَامُهُ رَمْلِيٌّ عَلَى الْمِنَحِ (قَوْلُهُ حُرْمَتُهَا عَقْلِيَّةٌ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُرْمَةِ هُنَا الْقُبْحُ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ أَيْ قُبْحُهَا عَقْلِيٌّ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ كَالظُّلْمِ وَالْكُفْرِ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ بِالْعَقْلِ شَيْءٌ أَيْ لَا يَكُونُ الْعَقْلُ حَاكِمًا بِحُرْمَتِهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى بَلْ الْعَقْلُ مُدْرِكٌ لِحُسْنِ بَعْضِ الْمَأْمُورَاتِ وَقُبْحِ بَعْضِ الْمَنْهِيَّاتِ فَيَأْتِي الشَّرْعُ حَاكِمًا بِوَفْقِ ذَلِكَ فَيَأْمُرُ بِالْحُسْنِ وَيَنْهَى عَنْ الْقَبِيحِ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ يَجِبُ مَا حَسُنَ عَقْلًا وَيَحْرُمُ مَا قَبُحَ وَإِنْ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِوُجُوبِهِ بِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ فَالْعَقْلُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْمُثْبِتُ وَعِنْدَنَا الْمُثْبِتُ هُوَ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ آلَةٌ لِإِدْرَاكِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ قَبْلَ الشَّرْعِ: وَعِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ لَا حَظَّ لِلْعَقْلِ قَبْلَ الشَّرْعِ بَلْ الْعَقْلُ تَابِعٌ لِلشَّرْعِ، فَمَا أَمَرَ بِهِ الشَّرْعُ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ أَنَّهُ حَسَنٌ، وَمَا نَهَى عَنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ قَبِيحٌ، وَتَمَامُ أَبْحَاثِ الْمَسْأَلَةِ يُعْلَمُ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ ومِنْ حَوَاشِينَا عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ سَمْعِيَّةٌ) أَيْ لَا يَسْتَقِلُّ الْعَقْلُ بِإِدْرَاكِ قُبْحِهَا قَبْلَ وُرُودِ الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ (قَوْلُهُ فَتُوجَدُ) أَيْ يُمْكِنُ أَنْ تُوجَدَ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى إلَخْ) هَذَا خَارِجٌ عَنْ مَحِلِّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِتْيَانِ فِي الدُّبُرِ (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ) هُوَ أَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْجَنَّةِ (قَوْلُهُ لِحُرْمَتِهَا) أَيْ قُبْحِهَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَتَزُولُ حُرْمَتُهُ إلَخْ) وَجْهٌ آخَرُ لِبَيَانِ أَشَدِّيَّةِ اللِّوَاطَةُ، وَهُوَ أَنَّ وَطْءَ الذَّكَرِ لَا يُمْكِنُ زَوَالُ حُرْمَتِهِ بِخِلَافِ وَطْءِ الْأُنْثَى فَإِنَّهُ يُمْكِنُ بِتَزَوُّجِهَا أَوْ شِرَائِهَا (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُطَهِّرٌ عَلَى قَوْلٍ) أَيْ قَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ مَذْهَبِنَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ يُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّهَا) قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْحَيْضِ الْخِلَافَ فِي كُفْرِ مُسْتَحِلِّ وَطْءِ الْحَائِضِ وَوَطْءِ الدُّبُرِ، ثُمَّ وُفِّقَ بِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ السِّرَاجِيَّةِ: اللِّوَاطَةُ بِمَمْلُوكِهِ أَوْ مَمْلُوكَتِهِ أَوْ امْرَأَتِهِ حَرَامٌ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ اسْتَحَلَّهُ لَا يَكْفُرُ قَالَهُ حُسَامُ الدِّينِ اهـ أَيْ فَيُحْمَلُ الْقَوْلُ بِكُفْرِهِ عَلَى مَا إذَا اسْتَحَلَّ اللِّوَاطَةُ بِأَجْنَبِيٍّ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَنَّ هَذَا يُعْلَمُ وَلَا يُعَلَّمُ أَيْ لِئَلَّا يَتَجَرَّأَ الْفَسَقَةُ عَلَيْهِ بِظَنِّهِمْ حِلَّهُ. [تَتِمَّةٌ] لِلِّوَاطَةِ أَحْكَامٌ أُخَرُ: لَا يَجِبُ بِهَا الْمَهْرُ وَلَا الْعِدَّةُ يَحْصُلُ بِهَا التَّحْلِيلُ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ،. وَلَا تَثْبُتُ بِهَا الرَّجْعَةُ وَلَا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَلَا الْكَفَّارَةُ فِي رَمَضَانَ فِي رِوَايَةٍ. وَلَوْ قَذَفَ بِهَا لَا يُحَدُّ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَا يُلَاعِنُ خِلَافًا لَهُمَا بَحْرٌ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُجْتَبَى. وَيُزَادُ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ السِّرَاجِ: يَكْفِي فِي الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا عَدْلَانِ لَا أَرْبَعَةٌ خِلَافًا لَهُمَا (قَوْلُهُ إلَّا إذَا زَنَى إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ خَاصٌّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 (وَلَا) حَدَّ (بِزِنَا غَيْرِ مُكَلَّفٍ بِمُكَلَّفَةٍ مُطْلَقًا) لَا عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا (وَفِي عَكْسِهِ حَدٌّ) فَقَطْ. (وَلَا) حَدَّ (بِالزِّنَا بِالْمُسْتَأْجَرَةِ لَهُ) أَيْ لِلزِّنَا. وَالْحَقُّ وُجُوبُ الْحَدِّ كَالْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْخِدْمَةِ فَتْحٌ (وَلَا بِالزِّنَا بِإِكْرَاهٍ) (وَ) لَا (بِإِقْرَارٍ إنْ أَنْكَرَ الْآخَرُ) لِلشُّبْهَةِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ اشْتَرَيْتهَا وَلَوْ حُرَّةً مُجْتَبَى.   [رد المحتار] بِمَا إذَا خَرَجَ مِنْ عَسْكَرِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ إقَامَةِ الْحُدُودِ فَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ وَزَنَى ثُمَّ عَادَ، أَوْ كَانَ مَعَ أَمِيرِ سَرِيَّةٍ أَوْ أَمِيرِ عَسْكَرٍ فَزَنَى ثَمَّةَ، أَوْ كَانَ تَاجِرًا أَوْ أَسِيرًا. أَمَّا لَوْ زَنَى مَعَ عَسْكَرِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ إقَامَةِ الْحَدِّ فَإِنَّهُ يُحَدُّ، بِخِلَافِ أَمِيرِ الْعَسْكَرِ أَوْ السَّرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا فُوِّضَ لَهُمَا تَدْبِيرُ الْحَرْبِ لَا إقَامَةَ الْحُدُودِ، وَوِلَايَةُ الْإِمَامِ مُنْقَطِعَةٌ ثَمَّةَ كَمَا فِي الْفَتْحِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ لَا عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الرَّجُلِ أَصْلٌ فِي الزِّنَا وَالْمَرْأَةُ تَابِعَةٌ لَهُ، وَامْتِنَاعُ الْحَدِّ فِي حَقِّ الْأَصْلِ يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ فِي حَقِّ التَّبَعِ نَهْرٌ، وَكَذَا لَا عُقْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ لَرَجَعَ بِهِ الْوَلِيُّ عَلَيْهَا لِأَمْرِهَا لَهُ بِمُطَاوَعَتِهَا لَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ زَنَى الصَّبِيُّ بِصَبِيَّةٍ أَوْ بِمُكْرَهَةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ كَمَا فِي الْفَتْحِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَالْحَقُّ وُجُوبُ الْحَدِّ) أَيْ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا، وَهَذَا بَحْثٌ لِصَاحِبِ الْفَتْحِ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ وَالْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ وَلَا بِالزِّنَا بِإِكْرَاهٍ) هَذَا مَا رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ، وَكَانَ أَوَّلًا يَقُولُ إنَّ الرَّجُلَ يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِانْتِشَارِ الْآلَةِ، وَهُوَ آيَةُ الطَّوَاعِيَةِ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَلَا تُحَدُّ إجْمَاعًا، وَأَطْلَقَ فَشَمِلَ الْإِكْرَاهَ مِنْ غَيْرِ السُّلْطَانِ عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ مِنْ تَحَقُّقِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. قَالَ ط: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّانِي الْمُكْرَهِ، فَلَوْ زَنَى مُكْرَهًا بِمُطَاوَعَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّلَبِيِّ (قَوْلُهُ وَلَا بِإِقْرَارٍ إنْ أَنْكَرَهُ الْآخَرُ) أَيْ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعِ مَجَالِسَ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ، سَوَاءٌ ادَّعَى الْمُنْكِرُ النِّكَاحَ أَوْ لَمْ يَدَّعِهِ لَا يُحَدُّ الْمُقِرُّ خِلَافًا لَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ لِانْتِفَاءِ الْحَدِّ عَنْ الْمُنْكِرِ بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلنَّفْيِ عَنْهُ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فِي حَقِّ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ الزِّنَا فِعْلٌ وَاحِدٌ يَتِمُّ بِهِمَا، فَإِذَا تَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ تَعَدَّتْ إلَى طَرَفَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَا أَطْلَقَ بَلْ أَقَرَّ بِالزِّنَا بِمَنْ دَرَأَ الشَّرْعُ الْحَدَّ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَطْلَقَ وَقَالَ زَنَيْت فَإِنَّهُ لَا مُوجِبَ شَرْعِيٌّ يَدْفَعُهُ، وَمِثْلُهُ لَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا بِغَائِبَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَفِ فِي حَقِّهَا بِمَا يُوجِبُ النَّفْيَ وَهُوَ الْإِنْكَارُ، وَلِذَا لَوْ حَضَرَتْ وَأَقَرَّتْ تُحَدُّ، فَظَهَرَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْإِنْكَارِ لَا لِلْغَيْبَةِ فَتْحٌ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ السُّكُوتَ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْإِنْكَارِ تَأَمَّلْ، نَعَمْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا بِخَرْسَاءَ لَا يُحَدُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَتَكَلَّمُ لَأَبْدَتْ مُسْقِطًا وَقَدَّمْنَا فِي الْبَابِ السَّابِقِ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْغَائِبَةِ، [تَنْبِيهٌ] حَيْثُ سَقَطَ الْحَدُّ يَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ وَإِنْ أَقَرَّتْ هِيَ بِالزِّنَا وَادَّعَى النِّكَاحَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ الْحَدُّ صَارَتْ مُكَذَّبَةً شَرْعًا، ثُمَّ لَوْ أَنْكَرَتْ الزِّنَا وَلَمْ تَدَّعِ النِّكَاحَ وَادَّعَتْ عَلَى الرَّجُلِ حَدَّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لَهُ وَلَا يُحَدُّ لِلزِّنَا، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ اشْتَرَيْتهَا وَلَوْ حُرَّةً) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ حُرَّةً لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالزِّنَا حَيْثُ ادَّعَى الْمِلْكَ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: زَنَى بِأَمَةٍ ثُمَّ قَالَ اشْتَرَيْتهَا شِرَاءً فَاسِدًا، أَوْ عَلَى أَنَّ لِلْبَائِعِ فِيهِ الْخِيَارَ، أَوْ ادَّعَى صَدَقَةً أَوْ هِبَةً وَكَذَّبَهُ صَاحِبُهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا وَأَثْبَتُوهُ ثُمَّ ادَّعَى شُبْهَةً فَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا امْرَأَتِي لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ، وَلَوْ قَالَ هِيَ امْرَأَتِي أَوْ أَمَتِي لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الشُّهُودِ. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ لَوْ ادَّعَى أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَلَا حَدَّ وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةً لِلْغَيْرِ وَلَا يُكَلَّفُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ لِلشُّبْهَةِ كَمَا لَوْ ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّ الْعَيْنَ مِلْكَهُ سَقَطَ الْحَدُّ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ اهـ وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ مَتْنًا فِي الْبَابِ السَّابِقِ. قُلْت: وَانْظُرْ وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِهِ ظَنَنْت أَنَّهَا امْرَأَتِي وَقَوْلِهِ هِيَ امْرَأَتِي، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ قَوْلَهُ ظَنَنْت يَدُلُّ عَلَى إقْرَارِهِ بِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ عَنْهُ فَكَانَ إقْرَارًا بِالزِّنَا بِأَجْنَبِيَّةٍ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ هِيَ امْرَأَتِي أَوْ اشْتَرَيْتهَا وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ جَازِمٌ بِهِ وَبِأَنَّ فِعْلَهُ غَيْرُ زِنًا فَتَأَمَّلْ. بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ الشُّبْهَةَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ الَّتِي قَبْلَهَا لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ أَنَّهَا مِنْ أَيِّ أَقْسَامِ الشُّبَهِ الثَّلَاثَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْهَا. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ يَدَّعِي حَقِيقَةَ الْمِلْكِ الَّذِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 (وَفِي قَتْلِ أَمَةٍ بِزِنَاهَا الْحَدُّ) بِالزِّنَا وَالْقِيمَةُ بِالْقَتْلِ، وَلَوْ أَذْهَبَ عَيْنَهَا لَزِمَهُ قِيمَتُهَا وَسَقَطَ الْحَدُّ لِتَمَلُّكِهِ الْجُثَّةَ الْعَمْيَاءَ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً هِدَايَةٌ، وَتَفْصِيلُ مَا لَوْ أَفْضَاهَا فِي الشَّرْحِ. (وَلَوْ غَصَبَهَا ثُمَّ زَنَى بِهَا ثُمَّ ضَمِنَ قِيمَتَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) اتِّفَاقًا (بِخِلَافِ مَا لَوْ زَنَى بِهَا) ثُمَّ غَصَبَهَا ثُمَّ ضَمِنَ قِيمَتَهَا كَمَا لَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ اتِّفَاقًا فَتْحٌ.   [رد المحتار] لَوْ ثَبَتَ لَمْ يَكُنْ وَطْؤُهُ فِيهِ مُحَرَّمًا بِخِلَافِ تِلْكَ الْأَقْسَامِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّسَبَ هُنَا لَا يَثْبُتُ وَأَنَّ الْفِعْلَ تَمَحَّضَ زِنًا وَإِنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ لِشُبْهَةِ صِدْقِهِ فِي دَعْوَاهُ الْمِلْكَ بِالْعَقْدِ. أَوْ بِالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ، وَبِهَذَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ لِغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا فَيُمْكِنُ دُخُولُهَا فِي شُبْهَةِ الْفِعْلِ وَهِيَ شُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ؛ لِأَنَّ مَرْجِعَهَا إلَى أَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِظَنِّهِ الْحِلَّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَفِي قَتْلِ أَمَةٍ بِزِنَاهَا) هَذَا عِنْدَهُمَا. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ لَا الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ زِنًا حَيْثُ اتَّصَلَ بِالْمَوْتِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ قُهُسْتَانِيٌّ. قُلْت: وَصَحَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، لَكِنْ الْمُتُونُ وَالشُّرُوحُ عَلَى الْأَوَّلِ بَلْ مَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ هُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ لَا قَوْلُهُ، وَهِيَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ الْحَدُّ بِالزِّنَا وَالْقِيمَةُ بِالْقَتْلِ) أَشَارَ إلَى تَوْجِيهِ وُجُوبِ الْحَدِّ وَالْقِيمَةِ بِأَنَّهُمَا جِنَايَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ بِمُوجِبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ط، (قَوْلُهُ ولَوْ أَذْهَبَ عَيْنَهَا) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَالْأَظْهَرُ عَيْنَيْهَا بِالتَّثْنِيَةِ لِيَلْزَمَ كُلُّ الْقِيمَةِ لَكِنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ الْجُثَّةَ الْعَمْيَاءَ (قَوْلُهُ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً) أَيْ فِي مِلْكِ الْمَنَافِعِ تَبَعًا فَيَنْدَرِئُ عَنْهُ الْحَدُّ. بِخِلَافِ مَا مَرَّ. فَإِنَّ الْجُثَّةَ فَائِتَةٌ بِالْقَتْلِ فَلَا تُمْلَكُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَتَفْصِيلُ مَا لَوْ أَفْضَاهَا فِي الشَّرْحِ) أَيْ شَرْحِ الْمُصَنِّفِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ أَفْضَاهَا وَهِيَ كَبِيرَةٌ مُطَاوِعَةٌ بِلَا دَعْوَى شُبْهَةِ حَدٍّ، وَلَا عُقْرَ عَلَيْهِ لِرِضَاهَا بِهِ، وَلَا مَهْرَ لِوُجُوبِ الْحَدِّ، وَإِنْ كَانَ مَعَ دَعْوَى شُبْهَةٍ فَلَا حَدَّ وَيَجِبُ الْعُقْرُ، وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً وَلَمْ يَدَّعِ شُبْهَةً لَزِمَهُ الْحَدُّ لَا الْمَهْرُ، وَضَمِنَ ثُلُثَ الدِّيَةِ إنْ اسْتَمْسَكَ بَوْلَهَا وإلَّا فَكُلُّهَا لِتَفْوِيتِهِ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْكَمَالِ، وَإِنْ ادَّعَى شُبْهَةً فَلَا حَدَّ، ثُمَّ إنْ اسْتَمْسَكَ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَيَجِبُ الْمَهْرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ فَكُلُّ الدِّيَةِ وَلَا مَهْرَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَإِنْ أَفْضَاهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَكَالْكَبِيرَةِ إلَّا فِي حَقِّ سُقُوطِ الْأَرْشِ بِرِضَاهَا، وَإِلَّا فَلَا حَدَّ وَلَزِمَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَالْمَهْرُ كَامِلًا إنْ اسْتَمْسَكَ بَوْلَهَا وَإِلَّا فَكُلُّ الدِّيَةِ دُونَ الْمَهْرِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِدُخُولِ ضَمَانِ الْجُزْءِ لِضَمَانِ الْكُلِّ كَمَا لَوْ قَطَعَ أُصْبُعَ إنْسَانٍ ثُمَّ كَفَّهُ قَبْلَ الْبُرْءِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فِي مِلْكِ الْمَنَافِعِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ وَهَذَا إذَا لَمْ تَمُتْ. فَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَلَوْ غَصَبَ أَمَةً فَزَنَى بِهَا فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ أَوْ غَصَبَ حُرَّةً ثَيِّبًا فَزَنَى بِهَا فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْوَجْهَيْنِ مَعَ دِيَةِ الْحُرَّةِ وَقِيمَةِ الْأَمَةِ أَمَّا الْحُرَّةُ فَلَا إشْكَالَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُمْلَكُ بِدَفْعِ الدِّيَةِ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَإِنَّهَا تُمْلَكُ بِالْقِيمَةِ إلَّا أَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْمَيِّتُ لَا يَصْلُحُ تَمَلُّكُهُ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ) تَقَدَّمَتْ مَتْنًا فِي الْبَابِ السَّابِقِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَنُدِبَ تَلْقِينُهُ (قَوْلُهُ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ وَقْتَ الْفِعْلِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ، وَقَوْلُهُ اتِّفَاقًا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ جَامِعِ قَاضِي خَانْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ، وَقَدَّمَ الشَّارِحُ أَنَّهُ الْأَصَحُّ، وَمَفَادُهُ الْخِلَافَ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ تَزَوَّجَ الْمَزْنِيَّ بِهَا أَوْ اشْتَرَاهَا لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ وَقْتَ الْفِعْلِ اهـ ثُمَّ ذَكَرَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ خِلَافًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ هُوَ أَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِمَا عِنْدَهُ بَلْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَرَوَى الْخِلَافَ بِالْعَكْسِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا حَدَّ فِي الشِّرَاءِ بَلْ فِي التَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّهُ بِالشِّرَاءِ يَمْلِكُ عَيْنَهَا، بِخِلَافِ التَّزَوُّجِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 (وَالْخَلِيفَةُ) الَّذِي لَا وَالِيَ فَوْقَهُ (يُؤْخَذُ بِالْقِصَاصِ وَالْأَمْوَالِ) لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، فَيَسْتَوْفِيهِ وَلِيُّ الْحَقِّ إمَّا بِتَمْكِينِهِ أَوْ بِمَنْعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْقَضَاءَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَالْأَمْوَالِ بَلْ لِلتَّمْكِينِ فَتْحٌ (وَلَا يُحَدُّ) وَلَوْ قَذَفَ لِغَلَبَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِقَامَتِهِ إلَيْهِ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ (بِخِلَافِ أَمِيرِ الْبَلْدَةِ) فَإِنَّهُ يُحَدُّ بِأَمْرِ الْإِمَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا (شَهِدُوا بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ بِلَا عُذْرٍ) كَمَرَضٍ أَوْ بُعْدِ مَسَافَةٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ خَوْفِ طَرِيقٍ (لَمْ تُقْبَلْ) لِلتُّهْمَةِ (إلَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ) إذْ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ (وَيُضْمَنُ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ) لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّقَادُمِ (وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ) أَيْ بِالْحَدِّ   [رد المحتار] قُلْت: وَمَسْأَلَةُ الْغَصْبِ الثَّانِيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ تُوَافِقُ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ إمَّا بِتَمْكِينِهِ) أَيْ تَمْكِينِ الْخَلِيفَةِ وَلِيَّ الْحَقِّ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ (قَوْلُهُ وَبِهِ عُلِمَ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَضَاءُ هُنَا، فَلَوْ قَتَلَ الْوَلِيُّ الْقَاتِلَ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَمْ يَضْمَنْ وَكَذَا لَوْ أَخَذَ مَالَهُ مِنْ غَاصِبِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَ أَحَدٌ الزَّانِيَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِرَجْمِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ شَرْطُهُ (قَوْلُهُ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ) أَيْ لِيَسْتَوْفِيَهُ. وَفَائِدَةُ الْإِيجَابِ الِاسْتِيفَاءُ، فَإِذَا تَعَذَّرَ لَمْ يَجِبْ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ الْحَكَمَ بِمَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْأَمْوَالِ، قِيلَ وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا إنْ ادَّعَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى - {فَاجْلِدُوا} [النور: 2]- يُفْهِمُ أَنَّ الْخِطَابَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْلِدَ غَيْرَهُ وَقَدْ يُقَالُ أَيْنَ دَلِيلُ إيجَابِ الِاسْتِنَابَةِ فَتْحٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمْ [بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا] تَقَدَّمَ أَنَّ الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ، وَقَدَّمَ كَيْفِيَّةَ ثُبُوتِهِ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ أَنْدَرُ نَادِرٍ لِضِيقِ شُرُوطِهِ. وَأَيْضًا لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عِنْدَ أَصْحَابِهِ بَعْدَهُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ شَهِدُوا بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ) أَيْ بِسَبَبِ حَدٍّ؛ لِأَنَّهُ الْمَشْهُودُ بِهِ لَا نَفْسُ الْحَدِّ. اهـ. ح أَيْ فَفِي التَّعْبِيرِ تَسَاهُلٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِلتُّهْمَةِ) ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَالسَّتْرِ، فَالتَّأْخِيرُ إنْ كَانَ لِاخْتِيَارِ السَّتْرِ فَالْإِقْدَامُ عَلَى الْأَدَاءِ بَعْدَهُ لِعَدَاوَةٍ حَرَّكَتْهُ فَيُتَّهَمُ فِيهَا وَإِنْ كَانَ لَا لِلسَّتْرِ يَصِيرُ فَاسِقًا آثِمًا فَتَيَقَّنَّا بِالْمَانِعِ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُعَادِي نَفْسَهُ هِدَايَةٌ. وَأَوْرَدَ عَلَى قَوْلِهِ يَصِيرُ فَاسِقًا بِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ الْأَدَاءُ وَاجِبًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ سُقُوطَ الْوُجُوبِ لِأَجْلِ السَّتْرِ فَإِذَا أَدَّى لَمْ يُوجَدْ مَوْضِعُ الرُّخْصَةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْوُجُوبِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إذْ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. ح. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: فَحَدُّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ خَالِصُ حَقِّهِ تَعَالَى حَتَّى يَصِحَّ الرُّجُوعُ عَنْهَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ فَيَكُونُ التَّقَادُمُ فِيهِ مَانِعًا. وَحَدُّ الْقَذْفِ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ الْعَارِ عَنْهُ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَالتَّقَادُمُ غَيْرُ مَانِعٍ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَلِأَنَّ الدَّعْوَى فِيهِ شَرْطٌ، فَيُحْمَلُ تَأْخِيرُهُمْ عَلَى انْعِدَامِ الدَّعْوَى فَلَا يُوجِبُ تَفْسِيقَهُمْ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِلْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ تَعَالَى عَلَى مَا مَرَّ وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ لِلْمَالِ هِدَايَةٌ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِي السَّرِقَةِ أَمْرَيْنِ الْحَدُّ وَالْمَالُ، وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ الدَّعْوَى لِلُزُومِ الْمَالِ لَا لِلُزُومِ الْحَدِّ، وَلِذَا ثَبَتَ الْمَالُ بِهَا بَعْدَ التَّقَادُمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ، بِخِلَافِ الْحَدِّ (قَوْلُهُ وَيُضْمَنُ الْمَالُ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ تُقْبَلْ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَوْلُهُمْ بِضَمَانِ الْمَالِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِوُجُودِ التُّهْمَةِ فِي شَهَادَتِهِمْ مَعَ التَّقَادُمِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْمُتَّهَمِ وَلَوْ بِالْمَالِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ، وَإِنَّمَا الْمَوْجُودُ الشُّبْهَةُ اهـ أَيْ إنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ لِاحْتِمَالِ الْعَدَاوَةِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُحَقَّقٍ لَكِنَّهُ يَصِيرُ شُبْهَةً يَسْقُطُ بِهَا الْحَدُّ دُونَ الْمَالِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ) وَلِأَنَّ تَأْخِيرَ الشَّهَادَةِ لِتَأْخِيرِ الدَّعْوَى لَا يُوجِبُ فِسْقًا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 (مَعَ التَّقَادُمِ حُدَّ) لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ (إلَّا فِي الشُّرْبِ) كَمَا سَيَجِيءُ (وَتَقَادُمُهُ بِزَوَالِ الرِّيحِ، وَلِغَيْرِهِ بِمُضِيِّ شَهْرٍ) هُوَ الْأَصَحُّ. (وَلَوْ شَهِدُوا بِزِنًا مُتَقَادِمٍ حُدَّ الشُّهُودُ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَقِيلَ لَا) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. (شَهِدُوا عَلَى زِنَاهُ بِغَائِبَةٍ حُدَّ، وَلَوْ عَلَى سَرِقَةٍ مِنْ غَائِبٍ لَا) لِشَرْطِيَّةِ الدَّعْوَى فِي السَّرِقَةِ دُونَ الزِّنَا. (أَقَرَّ بِالزِّنَا بِمَجْهُولَةٍ حُدَّ، وَإِنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَا) لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ (لِاخْتِلَافِهِمْ فِي طَوْعِهَا أَوْ فِي الْبَلَدِ؛ وَلَوْ) كَانَ (عَلَى كُلِّ زِنَا أَرْبَعَةٌ) لَكَذَبَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ، يَعْنِي إنْ ذَكَرُوا وَقْتًا وَاحِدًا وَتَبَاعَدَ الْمَكَانَانِ   [رد المحتار] وَيَنْبَغِي أَنَّهُمْ لَوْ أَخَّرُوا الشَّهَادَةَ لَا لِتَأْخِيرِ الدَّعْوَى أَنْ لَا تُقْبَلَ فِي حَقِّ الْمَالِ أَيْضًا كَمَا فِي الْفَتْحِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ) ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُعَادِي نَفْسَهُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ إلَّا فِي الشُّرْبِ) فَإِنَّ التَّقَادُمَ فِيهِ يُبْطِلُ الْإِقْرَارَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بَحْرٌ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلَا يُبْطِلُهُ وَسَيَجِيءُ تَصْحِيحُهُ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ هُوَ الْأَصَحُّ) اعْلَمْ أَنَّ التَّقَادُمَ عِنْدَ الْإِمَامِ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي فِي كُلِّ عَصْرٍ، لَكِنْ الْأَصَحُّ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِشَهْرٍ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْهُمَا أَيْضًا. وَقَدْ اعْتَبَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ أَيْضًا. وَعِنْدَهُمَا هُوَ مُقَدَّرٌ بِزَوَالِ الرَّائِحَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَنْزِ فِي بَابِهِ، فَظَاهِرُهُ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ. فَعُلِمَ أَنَّ الْأَصَحَّ اعْتِبَارُ الشَّهْرِ إلَّا فِي الشُّرْبِ بَحْرٌ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَيْسَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ هُوَ مَاشٍ عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الشُّرْبِ. وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا) أَقُولُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ، حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ بِزِنًا قَدِيمٍ لَمْ آخُذْ بِشَهَادَتِهِمْ وَلَا أَحُدُّهُمْ اهـ وَلِذَا قَالَ الْكَرْخِيُّ إنَّهُ الظَّاهِرُ: أَيْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَلَّلَهُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ عَدَدَهُمْ مُتَكَامِلٌ وَأَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ مَوْجُودَةٌ وَذَلِكَ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُمْ قَذْفًا (قَوْلُهُ بِغَائِبَةٍ) أَيْ وَالشُّهُودُ يَعْرِفُونَهَا، إذْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ بِعَدَمِ مَعْرِفَتِهَا كَمَا يَأْتِي شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَى سَرِقَةٍ) مِثْلُهُ الْقَذْفُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ تَعْلِيلُهُ ح (قَوْلُهُ لِشَرْطِيَّةِ الدَّعْوَى إلَخْ) أَيْ أَنَّهَا شَرْطٌ لِلْعَمَلِ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالسَّرِقَةِ تَتَضَمَّنُ الشَّهَادَةَ بِمِلْكِ الْمَسْرُوقِ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَلَا تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى، وَلَيْسَتْ شَرْطًا لِثُبُوتِ الزِّنَا عِنْدَ الْقَاضِي وَلَا يُقَالُ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْغَائِبَةَ لَوْ حَضَرَتْ تَدَّعِي النِّكَاحَ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ.؛ لِأَنَّا نَقُولُ دَعْوَاهَا النِّكَاحَ شُبْهَةٌ وَاحْتِمَالُ دَعْوَاهَا ذَلِكَ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ وَإِلَّا أَدَّى إلَى نَفْيِ كُلِّ حَدٍّ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ الْمُقِرُّ أَوْ الشُّهُودُ وَذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ هَذَا الرُّجُوعِ شُبْهَةٌ وَاحْتِمَالُهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ حُدَّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَنْ لَهُ فِيهَا شُبْهَةٌ فَإِنَّهُ كَمَا لَا يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ كَاذِبًا لَا يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ حَالَ الِاشْتِبَاهِ فَلَمَّا أَقَرَّ بِالزِّنَا كَانَ فَرْعُ عِلْمِهِ أَنَّهَا لَمْ تَشْتَبِهْ عَلَيْهِ، وَصَارَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ أَعْرِفْهَا أَيْ بِاسْمِهَا وَنَسَبِهَا، وَلَكِنْ عَلِمْت بِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، فَكَانَ هَذَا كَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مَنْ تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ قَوْلُ الشَّاهِدِ لَا أَعْرِفُهَا مُوجِبًا لِلْحَدِّ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ) لَوْ قَالَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا شُبْهَةٌ لَكَانَ أَعَمَّ. اهـ. ح وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: وإنْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ إنَّ الَّتِي رَأَوْهَا مَعِي لَيْسَتْ لِي بِامْرَأَةٍ وَلَا خَادِمٍ لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا لِتَصَوُّرِ أَنْ تَكُونَ أَمَةَ ابْنِهِ أَوْ مَنْكُوحَتَهُ نِكَاحًا فَاسِدًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي طَوْعِهَا) بِأَنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ أَكْرَهَهَا وَآخَرَانِ أَنَّهَا طَاوَعَتْهُ لَمْ يُحَدَّا عِنْدَهُ. وَقَالَا: يُحَدُّ الرَّجُلُ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ زَنَى، وَتَفَرَّدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ بِزِيَادَةِ جِنَايَةٍ وَهِيَ الْإِكْرَاهُ وَلَهُ أَنَّهُ زِنَاءَانِ مُخْتَلِفَانِ لَمْ يَكْمُلْ فِي كُلٍّ نِصَابٌ؛ لِأَنَّ زِنَاهَا طَوْعًا غَيْرُ مُكْرَهَةٍ فَلَا حَدَّ وَلِأَنَّ الطَّوْعَ يَقْتَضِي اشْتِرَاكَهُمَا فِي الْفِعْلِ وَالْكُرْهُ يَقْتَضِي تَفَرُّدَهُ فَكَانَا غَيْرَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي كُلٍّ نِصَابٌ. ثُمَّ إنَّ اتِّفَاقَ الشُّهُودِ عَلَى النِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ مُخْرِجٌ لِكَلَامِهِمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَذْفًا، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَى كُلِّ زِنَا أَرْبَعَةٌ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ فِي الْبَلَدِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشُّرَّاحِ فِي تَصْوِيرِهِمْ الْمَسْأَلَةَ وَتَعْلِيلِهِمْ بِامْتِنَاعِ فِعْلِ وَاحِدٍ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَكَانَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 وَإِلَّا قُبِلَتْ فَتْحٌ (لَوْ اخْتَلَفُوا فِي) زَاوِيَتَيْ (بَيْتٍ وَاحِدٍ صَغِيرٍ جِدًّا) أَيْ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ اسْتِحْسَانًا لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ. (وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى زِنَاهَا وَ) لَكِنْ (هِيَ بِكْرٌ) أَوْ رَتْقَاءُ أَوْ قَرْنَاءُ (أَوْ هُمْ فَسَقَةٌ أَوْ شَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (شَهِدَ الْأُصُولُ) بَعْدَ ذَلِكَ (لَمْ يُحَدَّ أَحَدٌ) وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى زِنَاهُ فَوُجِدَ مَجْبُوبًا. (وَلَوْ شَهِدُوا بِالزِّنَا وَ) لَكِنْ (هُمْ عُمْيَانٌ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ أَوْ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَحَدُهُمْ مَحْدُودٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ وُجِدَ أَحَدُهُمْ كَذَلِكَ بَعْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ حُدُّوا) لِلْقَذْفِ إنْ طَلَبَهُ الْمَقْذُوفُ (وَأَرْشُ جَلْدِهِ) وَإِنْ مَاتَ مِنْهُ (هَدَرٌ)   [رد المحتار] مُتَبَايِنَيْنِ فَتَيَقَّنَّا بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالطَّوْعِ وَأَرْبَعَةٌ بِالْإِكْرَاهِ يُحَدَّانِ وبِهِ جَزَمَ مُحَشِّي مِسْكِينٌ مُعَلِّلًا بِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرُوا وَقْتًا وَاحِدًا وَجَزَمَ ح بِأَنْ لَا حَدَّ لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ السَّابِقِ مِنْ أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ فِي دَعْوَى الْإِكْرَاهِ إذَا بَرْهَنَ. قَالَ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَدِّ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ وَالْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلْحَدِّ لَا بُدَّ وَأَنْ تَشْهَدَ بِالطَّوْعِ. اهـ. قُلْت: هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ إذْ ذَكَرُوا وَقْتًا وَاحِدًا وَإِلَّا فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى فِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا بِالْإِكْرَاهِ وَالْآخَرُ بِالطَّوْعِ وَأَمَّا مَا مَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ فَهُوَ فِيمَا إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى زِنَاهُ طَوْعًا وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ عَلَى الْإِكْرَاهِ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ بِعَيْنِهِ لَا مُطْلَقًا فَيَنْدَرِئُ الْحَدُّ عَنْهُ لِلشُّبْهَةِ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) بِأَنْ اتَّحَدَ الْوَقْتُ وَتَقَارَبَ الْمَكَانَانِ أَوْ اخْتَلَفَ الْوَقْتُ وَتَبَاعَدَ الْمَكَانَانِ، أَوْ تَقَارَبَا ح (وَقَوْلُهُ فِي زَاوِيَتَيْ بَيْتٍ) أَيْ جَانِبَيْهِ (قَوْلُهُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ) بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ فِي زَاوِيَةٍ وَالِانْتِهَاءُ فِي أُخْرَى بِالِاضْطِرَابِ وَالْحَرَكَةِ بَحْرٌ. لَا يُقَالُ: هَذَا تَوْفِيقٌ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ وَالْوَاجِبُ دَرْؤُهُ بِأَنَّ التَّوْفِيقَ مَشْرُوعٌ صِيَانَةً لِلْقَضَاءِ عَنْ التَّعْطِيلِ إذْ لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ قُبِلُوا مَعَ احْتِمَالِ شَهَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمْ فِي وَقْتٍ آخَرَ، وَقَبُولُهُمْ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاتِّحَادِ وَإِنْ لَمْ يَنُصُّوا عَلَيْهِ، أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَكِنْ هِيَ بِكْرٌ) إقْحَامُ الشَّارِحِ لَفْظَةَ لَكِنْ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَاوُ الْحَالِ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ بَعْدَهُ وَلَكِنْ هُمْ عُمْيَانُ كَمَا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ لَمْ يُحَدَّ أَحَدٌ) أَيْ مِنْ الشُّهُودِ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ. أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ الزِّنَا لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ بَقَاءِ الْبَكَارَةِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُحَدَّانِ لِظُهُورِ الْكَذِبِ، وَلَا الشُّهُودُ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْبَكَارَةِ وَنَحْوِهَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ أَوْ أَكْثَرَ حُجَّةٌ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ لَا فِي إيجَابِهِ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَمْ يُحَدَّ لِاشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ لِثُبُوتِ الزِّنَا وَلَا الشُّهُودُ سَوَاءٌ عُلِمَ فِسْقُهُمْ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ ظَهَرَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ وَالتَّحَمُّلِ وَإِنْ كَانَ فِي أَدَائِهِ نَوْعُ قُصُورٍ لِتُهْمَةِ الْفِسْقِ، وَلِذَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَتِهِ يَنْفُذُ عِنْدَنَا فَيَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمْ شُبْهَةُ الزِّنَا فَسَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُمْ. وَلِذَا لَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ لَوْ أَقَامَ أَرْبَعَةً مِنْ الْفُسَّاقِ عَلَى زِنًا الْمَقْذُوفِ. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا تَجُوزُ فِي الْحُدُودِ لِزِيَادَةِ الشُّبْهَةِ بِاحْتِمَالِ الْكَذِبِ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْأُصُولِ وَفِي الْفُرُوعِ، وَلَا يُحَدُّ الْفُرُوعُ؛ لِأَنَّ الْحَاكِيَ لِلْقَذْفِ غَيْرُ قَاذِفٍ وَكَذَا الْأُصُولُ بِالْأَوْلَى، وَلَوْ شَهِدُوا بَعْدَ الْفُرُوعِ لِرَدِّ شَهَادَتِهِمْ مِنْ وَجْهٍ يَرُدُّ شَهَادَةَ الْفُرُوعِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَوُجِدَ مَجْبُوبًا) وَجْهُ عَدَمِ حَدِّ الشُّهُودِ فِيهِ يُؤْخَذُ مِمَّا عَلَّلُوا بِهِ أَيْضًا فِي الْبَكَارَةِ وَالرَّتَقِ وَهُوَ تَكَامُلُ عَدَدِهِمْ وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ، ثُمَّ رَأَيْته كَذَلِكَ فِي الدُّرَرِ فَافْهَمْ. وَأَيْضًا سَيَأْتِي أَنَّ الْمَجْبُوبَ لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وبِهِ عَلَّلَ الْمَسْأَلَةَ هُنَا الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ عُمْيَانُ) أَيْ أَوْ عَبِيدٌ أَوْ صِبْيَانٌ أَوْ مَجَانِينُ أَوْ كُفَّارٌ نَهْرٌ (قَوْلُهُ حُدُّوا لِلْقَذْفِ) أَيْ دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ فِيهِمْ أَوْ عَدَمِ النِّصَابِ فَلَا يَثْبُتُ الزِّنَا (قَوْلُهُ وَأَرْشُ جَلْدِهِ) أَيْ إذَا كَانَ جَرَحَهُ الْجَلْدُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) حَيْثُ قَالَا إنَّ الْأَرْشَ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ فِعْلُ الْجَلَّادِ لِلْقَاضِي وَهُوَ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَتَجِبُ الْغَرَامَةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 خِلَافًا لَهَا (وَدِيَةُ رَجْمِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ اتِّفَاقًا) وَيُحَدُّ مَنْ رَجَعَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ (بَعْدَ الرَّجْمِ فَقَطْ) لِانْقِلَابِ شَهَادَتِهِ بِالرُّجُوعِ قَذْفًا (وَغَرِمَ رُبْعَ الدِّيَةِ وَ) إنْ رَجَعَ (قَبْلَهُ) أَيْ الرَّجْمِ (حُدُّوا) لِلْقَذْفِ (وَلَا رَجْمَ) لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ. (وَلَا شَيْءَ عَلَى خَامِسٍ) رَجَعَ بَعْدَ الرَّجْمِ (فَإِنْ رَجَعَ آخَرُ حُدَّا وَغَرِمَا رُبْعَ الدِّيَةِ) وَلَوْ رَجَعَ الثَّالِثُ ضَمِنَ الرُّبْعَ، وَلَوْ رَجَعَ الْخَمْسَةُ ضَمِنُوهَا أَخْمَاسًا حَاوِيٌّ. (وَضَمِنَ الْمُزَكِّي دِيَةَ الْمَرْجُومِ إنْ ظَهَرُوا) غَيْرَ أَهْلٍ لِلشَّهَادَةِ (عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا) وَهَذَا إذَا أَخْبَرَ الْمُزَكِّي   [رد المحتار] فِي مَالِهِمْ. وَلَهُ أَنَّ الْفِعْلَ الْجَارِحَ لَا يَنْتَقِلُ لِلْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْجَلَّادِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي الصَّحِيحِ كَيْ لَا يَمْتَنِعَ النَّاسُ عَنْ الْإِقَامَةِ مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ ابْنُ كَمَالٍ. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ لَا يَضْمَنُونَ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُونَ، وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالنَّهْرِ. وَفِي الْعَزْمِيَّةِ عَنْ بَعْضِ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ: وَمَعْرِفَةُ الْأَرْشِ أَنْ يُقَوَّمَ الْمَحْدُودُ عَبْدًا سَلِيمًا مِنْ هَذَا الْأَثَرِ فَيُنْظَرُ مَا يَنْقُصُ بِهِ الْقِيمَةُ يَنْقُصُ مِنْ الدِّيَةِ بِمِثْلِهِ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ قَوْلُهُ يَنْقُصُ مِنْ الدِّيَةِ بِمِثْلِهِ لَا مَحِلَّ لَهُ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ فَيُنْظَرُ مَا يَنْقُصُ بِهِ الْقِيمَةُ يُؤْخَذُ مِنْ الشُّهُودِ. وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ قِيمَتَهُ سَلِيمًا أَلْفٌ وَقِيمَتَهُ بِهَذِهِ الْجِرَاحَةِ تِسْعُمِائَةٍ تَكُونُ الْجِرَاحَةُ نَقَّصَتْهُ مِائَةً هِيَ الْأَرْشُ فَيَرْجِعُ عَلَى الشُّهُودِ بِهَا (قَوْلُهُ فَقَطْ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ يُحَدُّ مَنْ رَجَعَ أَيْ يُحَدُّ الرَّاجِعُ فَقَطْ حَدَّ الْقَذْفِ دُونَ الْبَاقِينَ لِبَقَاءِ شَهَادَتِهِمْ (قَوْلُهُ وَغَرِمَ رُبْعَ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّ التَّالِفَ بِشَهَادَتِهِ رُبْعُ الْحَقِّ، وَكَذَا لَوْ رَجَعَ الْكُلُّ حُدُّوا وَغَرِمُوا الدِّيَةَ نَهْرٌ، وَقَوْلُ الْبَحْرِ وَغَرِمُوا رُبْعَ الدِّيَةِ صَوَابُهُ جَمِيعُ الدِّيَةِ كَمَا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَجَعَ قَبْلَهُ) أَيْ الرَّجْمِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ حُدُّوا لِلْقَذْفِ) أَيْ حُدَّ الشُّهُودُ كُلُّهُمْ. أَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا قَذَفَةً. وَأَمَّا بَعْدَهُ فَهُوَ قَوْلُهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُحَدُّ الرَّاجِعُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَأَكَّدَتْ بِالْقَضَاءِ فَلَا تَنْفَسِخُ إلَّا فِي حَقِّ الرَّاجِعِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ، وَلِذَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ فِيمَا إذَا كَانَ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْخِلَافِ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ فِيمَا قَبْلَهُ فَافْهَمْ. وَمَعْنَاهُ أَنَّ إمْضَاءَ الْحَدِّ مِنْ تَمَامِ الْقَضَاءِ بِهِ. وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَا إذَا اعْتَرَضَتْ أَسْبَابُ الْجُرْحِ أَوْ سُقُوطُ إحْصَانِ الْمَقْذُوفِ أَوْ عَزْلُ الْقَاضِي كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ حُدَّا وَغَرِمَا رُبْعَ الدِّيَةِ) أَمَّا الْحَدُّ فَلِانْفِسَاخِ الْقَضَاءِ بِالرَّجْمِ فِي حَقِّهِمَا. وَأَمَّا الْغُرْمُ فَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ لَا رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ. وَقَدْ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِبَقَائِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ فَيَلْزَمُهُمَا الرُّبُعُ. فَإِنْ قِيلَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا حِينَ رَجَعَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَالضَّمَانُ بَعْدَ ذَلِكَ بِرُجُوعِ غَيْرِهِ. قُلْنَا وُجِدَ مِنْهُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ وَالضَّمَانِ وَهُوَ قَذْفُهُ وَإِتْلَافُهُ بِشَهَادَتِهِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْوُجُوبُ لِمَانِعٍ وَهُوَ بَقَاءُ مَنْ يَقُومُ بِالْحَقِّ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ بِرُجُوعِ الثَّانِي ظَهَرَ الْوُجُوبُ ح عَنْ الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ رَجَعَ الثَّالِثُ ضَمِنَ الرُّبُعَ) وَكَذَا الثَّانِي وَالْأَوَّلُ بَحْرٌ عَنْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ رَجَعَ الْخَمْسَةُ) أَيْ مَعًا لَا مُرَتَّبًا (قَوْلُهُ وَضَمِنَ الْمُزَكِّي) أَفْرَدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ فِي التَّزْكِيَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ: أَيْ ضَمِنَ مَنْ زَكَّى شُهُودَ الزِّنَا إذَا رَجَعَ عَنْ التَّزْكِيَةِ وَتُؤْخَذُ الدِّيَةُ مِنْ مَالِهِ لَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً بِالتَّزْكِيَةِ فَكَانَتْ فِي مَعْنَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهَا بِخِلَافِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ إذَا رَجَعُوا؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ الشَّرْطِ (قَوْلُهُ إنْ ظَهَرُوا) أَيْ شُهُودُ الزِّنَا (قَوْلُهُ عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ غَيْرَ أَهْلٍ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كَوْنُهُمْ غَيْرَ أَهْلٍ لِلْأَدَاءِ وَإِنْ كَانُوا أَهْلًا لِلتَّحَمُّلِ (قَوْلُهُ وَهَذَا إلَخْ) تَوَرُّكٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 بِحُرِّيَّةِ الشُّهُودِ وَإِسْلَامِهِمْ ثُمَّ رَجَعَ قَائِلًا تَعَمَّدْت الْكَذِبَ وَإِلَّا فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ اتِّفَاقًا وَلَا يُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ بَحْرٌ (كَمَا لَوْ قُتِلَ مَنْ أُمِرَ بِرَجْمِهِ) بَعْدَ التَّزْكِيَةِ (فَظَهَرُوا كَذَلِكَ غَيْرَ أَهْلٍ) فَإِنَّ الْقَاتِلَ يَضْمَنُ الدِّيَةَ اسْتِحْسَانًا لِشُبْهَةِ صِحَّةِ الْقَضَاءِ، فَلَوْ قَتَلَهُ قَبْلَ الْأَمْرِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ اُقْتُصَّ مِنْهُ كَمَا يَقْتَصُّ الْمَقْضِيُّ بِقَتْلِهِ قِصَاصًا ظَهَرَ الشُّهُودُ عَبِيدًا أَوْ لَا لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لِلْوَلِيِّ زَيْلَعِيٌّ مِنْ الرِّدَّةِ (وَإِنْ رُجِمَ وَلَمْ يُزَكَّ) الشُّهُودُ (فَوُجِدُوا عَبِيدًا فَدِيَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) لِامْتِثَالِهِ أَمْرَ الْإِمَامِ فَنُقِلَ فِعْلُهُ إلَيْهِ (وَإِنْ قَالَ شُهُودُ الزِّنَا تَعَمَّدْت النَّظَرَ قُبِلَتْ)   [رد المحتار] حَيْثُ تَرَكَ كَالْكَنْزِ قَيْدَ الرُّجُوعِ أَخْذًا بِظَاهِرِ كَلَامِ الْمَنْظُومَةِ، وَقَدْ حَقَّقَ الْمَقَامَ فِي الْفَتْحِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ بِحُرِّيَّةِ الشُّهُودِ وَإِسْلَامِهِمْ) أَيْ وَعَدَالَتِهِمْ وَقَيَّدَ بِالْإِخْبَارِ بِذَلِكَ لِيَكُونَ تَزْكِيَةً سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ أَوْ بِلَفْظِ الْإِخْبَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُمْ عُدُولٌ ثُمَّ ظَهَرُوا عَبِيدًا لَمْ يَضْمَنْ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ تَزْكِيَةً وَالْقَاضِي قَدْ أَخْطَأَ حَيْثُ اكْتَفَى بِهَذَا الْقَدْرِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ بَلْ اسْتَمَرَّ عَلَى تَزْكِيَتِهِ قَائِلًا هُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَخْطَأْت فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُحَدُّونَ) أَيْ الشُّهُودُ، وَكَذَا لَا يَضْمَنُونَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ) ؛ لِأَنَّهُمْ قَذَفُوا حَيًّا وَقَدْ مَاتَ فَلَا يُورَثُ كَمَا فِي الْفَتْحِ. قُلْت: وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَهِيَ مَا إذَا رَجَعَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ بَعْدَ الرَّجْمِ لِمَا مَرَّ مِنْ انْقِلَابِ شَهَادَتِهِ بِالرُّجُوعِ قَذْفًا: أَيْ؛ لِأَنَّهَا حِينَ وَقَعَتْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً شَهَادَةً ثُمَّ انْفَسَخَتْ فَصَارَتْ قَذْفًا لِلْحَالِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَتَلَ، إلَخْ) هَكَذَا عَبَّرَ فِي الدُّرَرِ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الضَّامِنَ هُوَ الْمُزَكَّى وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ الْقَاتِلُ، فَالتَّشْبِيهُ بَيْنَ الضَّمَانَيْنِ فَقَطْ لَا مَعَ مَا أُسْنِدَ إلَيْهِمَا. وَالْأَوْضَحُ قَوْلُ الْوِقَايَةِ ضَمِنَ الدِّيَةَ مَنْ قَتَلَ الْمَأْمُورَ بِرَجْمِهِ أَوْ زَكَّى شُهُودَ زِنَاهُ فَظَهَرُوا عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا. اهـ. (قَوْلُهُ بَعْدَ التَّزْكِيَةِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ هُوَ الْكَامِلُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ. نَهْرٌ ويَأْتِي مُحْتَرَزُهُ (قَوْلُهُ فَظَهَرُوا كَذَلِكَ) أَمَّا لَوْ لَمْ يَظْهَرُوا كَذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ، لَكِنَّهُ يُعَزَّرُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ، وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ الْحُدُودِ عَنْ النَّهْرِ بَحْثًا (قَوْلُهُ غَيْرَ أَهْلٍ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ يَضْمَنُ الدِّيَةَ) أَيْ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ، وَتَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِنَفْسِ الْقَتْلِ فَيَجِبُ مُؤَجَّلًا كَالدِّيَةِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَحْقُونَةَ الدَّمِ عَمْدًا بِفِعْلٍ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، إذْ الْمَأْمُورُ بِهِ الرَّجْمُ فَلَا يَصِيرُ فِعْلُهُ مَنْقُولًا إلَى الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ لِشُبْهَةِ صِحَّةِ الْقَضَاءِ) أَيْ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ حِينَ قَتَلَهُ كَانَ الْقَضَاءُ بِالرَّجْمِ صَحِيحًا ظَاهِرًا فَأَوْرَثَ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ (قَوْلُهُ قَبْلَ الْأَمْرِ) أَيْ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالرَّجْمِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ الْكَامِلِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْأَمْرِ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ خَطَأٌ مِنْ الْقَاضِي بَحْرٌ (قَوْلُهُ اُقْتُصَّ مِنْهُ) أَيْ فِي الْعَمْدِ وَوَجَبَ فِي الْخَطَأِ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَمَا يُقْتَصُّ إلَخْ) التَّشْبِيهُ، مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فَقَطْ. وَأَفَادَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ هُنَا وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ الشُّهُودُ عَبِيدًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَقْضِيَّ بِقَتْلِهِ قِصَاصًا حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ لِلْوَلِيِّ، بِخِلَافِ الْمَقْضِيِّ بِرَجْمِهِ (قَوْلُهُ زَيْلَعِيٌّ مِنْ الرِّدَّةِ) أَيْ مِنْ بَابِ الرِّدَّةِ وَهَذَا الْعَزْوُ كَذَلِكَ وَقَعَ فِي الْبَحْرِ، وَعَزَاهُ فِي النَّهْرِ إلَى الزَّيْلَعِيِّ مِنْ الدِّيَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ رُجِمَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ: أَيْ مَنْ أَمَرَ الْقَاضِي بِرَجْمِهِ لَوْ رَجَمَهُ أَحَدٌ (قَوْلُهُ فَدِيَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَمْ أَرَ هَلْ الدِّيَةُ تُؤْخَذُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلَةً (قَوْلُهُ فَنُقِلَ فِعْلُهُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الرَّاجِمَ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ وَقَدْ ظَهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ الْأَمْرِ فَنُقِلَ فِعْلُهُ إلَى الْإِمَامِ وَهُوَ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَتَجِبُ الْغَرَامَةُ فِي مَالِهِمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَهُ بِغَيْرِ الرَّجْمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِرْ أَمْرَهُ فَلَمْ يُنْقَلْ فِعْلُهُ إلَيْهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 لِإِبَاحَتِهِ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ (إلَّا إذَا قَالُوا) تَعَمَّدْنَاهُ (لِلتَّلَذُّذِ فَلَا) تُقْبَلُ لِفِسْقِهِمْ فَتْحٌ (وَإِنْ أَنْكَرَ الْإِحْصَانَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ وَلَدَتْ زَوْجَتُهُ مِنْهُ) قَبْلَ الزِّنَا نَهْرٌ (رُجِمَ. وَلَوْ خَلَا بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَالَ وَطِئْتهَا وَأَنْكَرَتْ فَهُوَ مُحْصَنٌ) بِإِقْرَارِهِ (دُونَهَا) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ (كَمَا لَوْ قَالَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ كُنْت نَصْرَانِيَّةً وَقَالَ كَانَتْ مُسْلِمَةً) فَيُرْجَمُ الْمُحْصَنُ وَيُجْلَدُ غَيْرُهُ، وَبِهِ اُسْتُغْنِيَ عَمَّا يُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ مِنْ قَوْلِهِ (إذَا كَانَ أَحَدُ الزَّانِيَيْنِ مُحْصَنًا يُحَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدَّهُ) فَتَأَمَّلْ. (تَزَوَّجَ بِلَا وَلِيٍّ فَدَخَلَ بِهَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا عِنْدَ الثَّانِي) لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ نَهْرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [رد المحتار] مَطْلَبٌ الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَحِلُّ فِيهَا النَّظَرُ إلَى عَوْرَةِ الْأَجْنَبِيِّ (قَوْلُهُ لِإِبَاحَتِهِ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ) وَمِثْلُهُ نَظَرُ الْقَابِلَةِ وَالْخَافِضَةِ وَالْخَتَّانِ وَالطَّبِيبِ وَزَادَ فِي الْخُلَاصَةِ: مِنْ مَوَاضِعِ حِلِّ النَّظَرِ لِلْعَوْرَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ الِاحْتِقَانُ وَالْبَكَارَةُ فِي الْعُنَّةِ وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ فَتْحٌ. قُلْت: وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الزَّانِي بَكَارَتَهَا، وَنَظَمْتهَا بِقَوْلِي: وَلَا تَنْظُرْ لِعَوْرَةِ أَجْنَبِيٍّ ... بِلَا عُذْرٍ كَقَابِلَةٍ طَبِيبِ وَخَتَّانٍ وَخَافِضَةٍ وَحَقْنٍ ... شُهُودِ زِنًا بِلَا قَصْدٍ مُرِيبٍ وَعِلْمِ بَكَارَةٍ فِي عُنَّةٍ أَوْ ... زِنًا أَوْ حِينَ رَدٍّ لِلْمَعِيبِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَنْكَرَ الْإِحْصَانَ) أَيْ اسْتِجْمَاعَ شَرَائِطِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، كَأَنْ أَنْكَرَ النِّكَاحَ وَالدُّخُولَ فِيهِ وَالْحُرِّيَّةَ (قَوْلُهُ فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ يُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْإِحْصَانِ عِنْدَنَا، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. وَكَيْفِيَّةُ الشَّهَادَةِ بِهِ أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَجَامَعَهَا أَوْ بَاضَعَهَا. لَوْ قَالُوا دَخَلَ بِهَا يَكْفِي عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَتَى أُضِيفَ إلَى الْمَرْأَةِ بِحَرْفِ الْبَاءِ يُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَكْفِي، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ وَلَدَتْ زَوْجَتُهُ مِنْهُ) أَيْ إذَا وَلَدَتْ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ جُعِلَ وَاطِئًا شَرْعًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ حُكْمٌ بِالدُّخُولِ بِهَا وَلِهَذَا يَعْقُبَ الرَّجْعَةَ زَيْلَعِيٌّ. قُلْت: ظَاهِرُهُ ثُبُوتُ الْإِحْصَانِ وَلَوْ كَانَ ثُبُوتُ النَّسَبِ بِحُكْمِ الْفِرَاشِ كَتَزَوُّجِ مَشْرِقِيٍّ بِمَغْرِبِيَّةٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لَكِنْ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُمَا مُقِرَّانِ بِالْوَلَدِ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الشَّلَبِيِّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قَبْلَ الزِّنَا) مُتَعَلِّقٌ بِوَلَدَتْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ تَعْلِيلِ الزَّيْلَعِيِّ الْمَذْكُورِ آنِفًا، حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ الزِّنَا لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيُعْلَمُ أَنَّهُ وَقْتَ الزِّنَا كَانَ وَاطِئًا لِزَوْجَتِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَهُوَ مُحْصَنٌ بِإِقْرَارِهِ) أَيْ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، فَلَا يُقَالُ إنَّهَا بِإِنْكَارِهَا الْوَطْءَ لَمْ تَصِرْ مُحْصَنَةً فَلَا يَكُونُ هُوَ مُحْصَنًا أَيْضًا (قَوْلُهُ وَبِهِ اسْتَغْنَى إلَخْ) وَجْهُ الِاسْتِغْنَاءِ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُحْصَنًا دُونَ الْآخَرِ عُلِمَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا زَنَى يُحَدُّ بِمَا يَسْتَوْجِبُهُ، فَالْمُحْصَنُ يُرْجَمُ وَغَيْرُهُ يُجْلَدُ كَمَا أَفَادَ التَّفْرِيعُ، نَعَمْ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَعَمُّ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ عَدَمُ إحْصَانِ أَحَدِهِمَا بِبَكَارَتِهِ، وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ فَتَأَمَّلْ. لَا يُقَالُ: مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا تُوُهِّمَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الرَّجْمِ إحْصَانُ كُلٍّ وَلَمْ يُوجَدْ.؛ لِأَنَّا نَقُولُ شَرْطُ الرَّجْمِ إحْصَانُ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ لَا الزَّانِيَيْنِ، فَيُرْجَمُ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ إذَا كَانَ فِيهِ شُرُوطُ الْإِحْصَانِ الَّتِي مِنْهَا دُخُولُهُ بِامْرَأَةٍ مُحْصَنَةٍ مِثْلِهِ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الْمَزْنِيُّ بِهَا فَلَا يُشْتَرَطُ لِرَجْمِهِ أَنْ تَكُونَ مُحْصَنَةً بَلْ إحْصَانُهَا شَرْطٌ لِرَجْمِهَا هِيَ، فَإِنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً مِثْلَهُ رُجِمَتْ مَعَهُ وَإِلَّا جُلِدَتْ، وَهَذَا ظَاهِرٌ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِحْصَانِ أَيْضًا فَافْهَمْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزَّانِيَيْنِ إمَّا مُحْصَنَانِ فَيُرْجَمَانِ، أَوْ غَيْرُ مُحْصَنَيْنِ فَيُجْلَدَانِ، أَوْ مُخْتَلِفَانِ فَيُرْجَمُ الْمُحْصَنُ وَيُجْلَدُ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ) أَيْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَالْأَخْبَارِ فِي صِحَّتِهِ فَلَمْ تَكُنْ صِحَّتُهُ قَطْعِيَّةً، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَقَلَهَا فِي الْبَحْرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ الْمُحَرَّمِ (يُحَدُّ مُسْلِمٌ) فَلَوْ ارْتَدَّ فَسَكِرَ فَأَسْلَمَ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَى الْكُفَّارِ ظَهِيرِيَّةٌ، لَكِنْ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي: سَكِرَ الذِّمِّيُّ مِنْ الْحَرَامِ حُدَّ فِي الْأَصَحِّ لِحُرْمَةِ السُّكْرِ فِي كُلِّ مِلَّةٍ (نَاطِقٌ) فَلَا يُحَدُّ أَخْرَسُ لِلشُّبْهَةِ (مُكَلَّفٌ) طَائِعٌ غَيْرُ مُضْطَرٍّ (شَرِبَ الْخَمْرَ وَلَوْ قَطْرَةً)   [رد المحتار] عَنْ الْمُحِيطِ كَذَلِكَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إسْنَادُهَا إلَى أَبِي يُوسُفَ لِكَوْنِهِ هُوَ الَّذِي خَرَّجَهَا لَا لِكَوْنِ غَيْرِهِ قَائِلًا بِخِلَافِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا خِلَافُهُمَا، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِعَدَمِ ذِكْرِ الْمُخَالِفِ تَأَمَّلْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ الْمُحَرَّمِ] بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ أَخَّرَهُ عَنْ الزِّنَا؛ لِأَنَّ الزِّنَا أَقْبَحُ مِنْهُ وَأَغْلَظُ عُقُوبَةً، وَقَدَّمَهُ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ لِتَيَقُّنِ الْجَرِيمَةِ فِي الشَّارِبِ دُونَ الْقَاذِفِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ، وَتَأْخِيرُ حَدِّ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّهُ لِصِيَانَةِ الْأَمْوَالِ التَّابِعَةِ لِلنُّفُوسِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ ارْتَدَّ فَسَكِرَ إلَخْ) أَقُولُ: ذَكَرَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُحَدُّ لِلشُّرْبِ سَوَاءٌ شَرِبَ قَبْلَ رِدَّتِهِ أَوْ فِيهَا فَأَسْلَمَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ لَوْ اعْتَقَدَ الذِّمِّيُّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ فَهُوَ كَالْمُسْلِمِ أَيْ فَيُحَدُّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَى الْكُفَّارِ) يَعْنِي أَنَّهُ لَمَّا شَرِبَ فِي رِدَّتِهِ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِقِيَامِ حَدِّ الشُّرْبِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَى الْكُفَّارِ، وَإِذَا كَانَ وَقْتَ الشُّرْبِ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ لَا يُحَدُّ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى أَوْ سَرَقَ ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لَهُ لِوُجُوبِهِ قَبْلَهُ كَمَا يُفِيدُهُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ حُدَّ فِي الْأَصَحِّ) أَفْتَى بِهِ الْحَسَنُ وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إذَا شَرِبَ الْخَمْرَ وَسَكِرَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ، وَمَشَى فِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى. قُلْت: وَعِبَارَةُ الْحَاكِمِ فِي الْكَافِي مِنْ الْأَشْرِبَةِ: وَلَا حَدَّ عَلَى الذِّمِّيِّ فِي الشَّرَابِ اهـ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ مَا لَوْ سَكِرَ مِنْهُ (قَوْلُهُ لِحُرْمَةِ السُّكْرِ فِي كُلِّ مِلَّةٍ) هَذَا ذَكَرَهُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ. قُلْت: وَلِي فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْخَمْرَ لَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ يَشْرَبُونَهَا وَرُبَّمَا سَكِرُوا مِنْهَا كَمَا جَاءَ صَرِيحًا. فَمِنْ ذَلِكَ مَا فِي الْفَتْحِ عَنْ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " صَنَعَ لَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ طَعَامًا فَدَعَانَا وَسَقَانَا مِنْ الْخَمْرِ فَأَخَذَتْ الْخَمْرُ مِنَّا وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَقَدَّمُونِي فَقَرَأْت - قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ - وَنَحْنُ نَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] الْآيَةَ " افَلَوْ كَانَ السُّكْرُ حَرَامًا لَزِمَ تَفْسِيقُ الصَّحَابَةِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي تُحْفَةِ ابْنِ حَجَرٍ قَالَ: وَشَرِبَهَا الْمُسْلِمُونَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ، قِيلَ اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ بِوَحْيٍ، ثُمَّ قِيلَ الْمُبَاحُ الشُّرْبُ لَا غَيْبَةُ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ فِي كُلِّ مِلَّةٍ. وَزَيَّفَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي النَّوَوِيَّ، وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ بِحُرْمَتِهِ فِي كُلِّ مِلَّةٍ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَمْرُ مِلَّتِنَا اهـ وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا بَحَثْته، لَكِنْ فِي جَوَابِهِ الْأَخِيرِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ فَلَا يُحَدُّ أَخْرَسُ) سَوَاءٌ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ أَوْ أَشَارَ بِإِشَارَتِهِ الْمَعْهُودَةِ. وَأَفَادَ أَنَّ الْأَعْمَى يُحَدُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِلشُّبْهَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَاطِقًا يُحْتَمَلُ أَنْ يُخْبِرَ بِمَا لَا يُحَدُّ بِهِ كَإِكْرَاهٍ أَوْ غَصٍّ بِلُقْمَةٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ ظَنَنْتهَا لَبَنًا أَوْ لَا أَعْلَمُ أَنَّهَا خَمْرٌ لَمْ يُقْبَلْ، فَإِنْ قَالَ ظَنَنْتهَا نَبِيذًا قُبِلَ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْغَلَيَانِ وَالشِّدَّةِ يُشَارِكُ الْخَمْرَ فِي الذَّوْقِ وَالرَّائِحَةِ (قَوْلُهُ طَائِعٌ) مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِ الْمَتْنِ طَوْعًا ح (قَوْلُهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ) فَلَوْ شَرِبَ لِلْعَطَشِ الْمُهْلِكِ مِقْدَارَ مَا يَرْوِيهِ فَسَكِرَ لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّهُ بِأَمْرٍ مُبَاحٍ. وَقَالُوا: لَوْ شَرِبَ مِقْدَارَهُ وَزِيَادَةً وَلَمْ يَسْكَرْ حُدَّ كَمَا فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَبِهِ صَرَّحَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي. (قَوْلُهُ شَرِبَ الْخَمْرَ) هِيَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 بِلَا قَيْدِ سُكْرٍ (أَوْ سَكِرَ مِنْ نَبِيذٍ) مَا بِهِ يُفْتَى (طَوْعًا) عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِكَوْنِهِ فِي دَارِنَا، لِمَا قَالُوا:   [رد المحتار] غَلَا وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ، فَإِنْ لَمْ يَقْذِفْ فَلَيْسَ بِخَمْرٍ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا، وَبِقَوْلِهِمَا أَخَذَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ خَانِيَّةٌ وَلَوْ خُلِطَ بِالْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا حُدَّ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ غَالِبًا لَا يُحَدُّ إلَّا إذَا سَكِرَ نَهْرٌ. مَطْلَبٌ فِي نَجَاسَةِ الْعَرَقِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ بِشُرْبِهِ وَفِي أَشْرِبَةِ الْقُهُسْتَانِيِّ: مَنْ قَالَ إنَّهَا لَمْ تَبْقَ خَمْرًا بِالطَّبْخِ لَمْ يُحَدَّ شَارِبُهَا إلَّا إذَا سَكِرَ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُحَدَّ شَارِبُ الْعَرَقِ مَا لَمْ يَسْكَرْ. وَمَنْ قَالَ إنَّهَا بَقِيَتْ خَمْرًا فَالْحُكْمُ عِنْدَهُ بِالْعَكْسِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَمَا فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى. اهـ. قُلْت: عُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّ الْعَرَقَ لَمْ يَخْرُجْ بِالطَّبْخِ وَالتَّصْعِيدِ عَنْ كَوْنِهِ خَمْرًا فَيُحَدُّ بِشُرْبِ قَطْرَةٍ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ. وَأَمَّا إذَا سَكِرَ مِنْهُ فَلَا شُبْهَةَ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ بِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي بِنَجَاسَتِهِ أَيْضًا فَلَا يَغُرَّنَّك مَا أَشَاعَهُ فِي زَمَانِنَا بَعْضُ الْفَسَقَةِ الْمُولَعِينَ بِشُرْبِهِ مِنْ أَنَّهُ طَاهِرٌ حَلَالٌ، كَأَنَّهُ قَالَهُ قِيَاسًا عَلَى مَا قَالُوهُ فِي مَاءِ الطَّابَقِ: أَيْ الْغِطَاءِ مِنْ زُجَاجٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ قِيَاسٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا لَوْ أَخْرَقَتْ نَجَاسَةٌ فِي بَيْتٍ فَأَصَابَ مَاءُ الطَّابَقِ ثَوْبَ إنْسَانٍ تَنَجَّسَ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا، وَمِثْلُهُ حَمَّامٌ فِيهَا نَجَاسَاتٌ فَعَرِقَ حِيطَانُهَا وَكُوَّاتُهَا وَتَقَاطَرَ، فَإِنَّ الِاسْتِحْسَانَ فِيهَا عَدَمُ النَّجَاسَةِ لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ. وَالْقِيَاسُ النَّجَاسَةُ لِانْعِقَادِهِ مِنْ عَيْنِ النَّجَاسَةِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَرَقَ الْمُسْتَقْطِرَ مِنْ الْخَمْرِ هُوَ عَيْنُ الْخَمْرِ تَتَصَاعَدُ مَعَ الدُّخَانِ وَتَقْطُرُ مِنْ الطَّابَقِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مِنْهَا إلَّا أَجْزَاؤُهَا التُّرَابِيَّةُ وَلِذَا يَفْعَلُ الْقَلِيلُ مِنْهُ فِي الْإِسْكَارِ أَضْعَافَ مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرُ الْخَمْرِ، بِخِلَافِ الْمُتَصَاعِدِ مِنْ أَرْضِ الْحَمَّامِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ مَاءٌ أَصْلُهُ طَاهِرٌ خَالَطَ نَجَاسَةً مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ الْمُتَصَاعِدَ نَفْسُ الْمَاءِ الطَّاهِرِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ فِي طَهَارَتِهِ، وَعَلَى كُلٍّ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى اسْتِعْمَالِ الْعَرَقِ الصَّاعِدِ مِنْ نَفْسِ الْخَمْرِ النَّجِسَةِ الْعَيْنِ وَلَا يَطْهُرُ بِذَلِكَ، وَإِلَّا لَزِمَ طَهَارَةُ الْبَوْلِ، وَنَحْوُهُ إذَا اُسْتُقْطِرَ فِي إنَاءٍ وَلَا يَقُولُ بِهِ عَاقِلٌ. وَقَدْ طُلِبَ مِنِّي أَنْ أَعْمَلَ بِذَلِكَ رِسَالَةً وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ، (قَوْلُهُ بِلَا قَيْدِ سُكْرٍ) تَصْرِيحٌ بِمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ وَلَوْ قَطْرَةً إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْمُبَالَغَةِ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْخَمْرِ وَغَيْرِهَا مِنْ بَاقِي الْأَشْرِبَةِ وَإِلَّا فَلَا يُحَدُّ بِالْقَطْرَةِ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ قِيَامُ الرَّائِحَةِ. وَمَنْ شَرِبَ قَطْرَةَ خَمْرٍ لَا يُوجَدُ مِنْهُ رَائِحَتُهَا عَادَةً، نَعَمْ يُمْكِنُ الْحَدُّ بِهِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْآتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالشُّرْبِ لَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ الرَّائِحَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالشَّهَادَةِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ سَكِرَ مِنْ نَبِيذٍ مَا) أَيْ مِنْ أَيِّ شَرَابٍ كَانَ غَيْرَ خَمْرٍ إذَا شَرِبَهُ لَا يُحَدُّ بِهِ إلَّا إذَا سَكِرَ بِهِ، وَعَبَّرَ بِمَا الْمُفِيدَةِ لِلتَّعْمِيمِ إشَارَةً إلَى خِلَافِ الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ خَصَّهُ بِالْأَنْبِذَةِ الْأَرْبَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ، وَهُوَ نَجَسٌ أَيْضًا قَالُوا: وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ نَأْخُذُ. وَفِي طَلَاقِ الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ سَكِرَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْعَسَلِ الْمُخْتَارُ فِي زَمَانِنَا لُزُومُ الْحَدِّ اهـ نَهْرٌ قُلْت: وَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ، لَكِنَّهُ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ ذَكَرَ تَصْحِيحَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، فَعُلِمَ أَنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ هُنَا غَيْرُ الْمُخْتَارِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَقَدْ حَقَّقَ فِي الْفَتْحِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ إنَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرُمَ قَلِيلُهُ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ قَلِيلِهِ أَنَّهُ يُحَدُّ بِهِ بِلَا إسْكَارٍ كَالْخَمْرِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَأَنَّ اسْتِدْلَالَهُمْ عَلَى الْحَدِّ بِقَلِيلِهِ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» " وَبِقَوْلِ عُمَرَ فِي الْبُخَارِيِّ " الْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ " وَغَيْرِ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ كَزَيْدٍ أَسَدٌ وَالْمُرَادُ بِهِ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ ثُبُوتُ الْحَدِّ بِلَا إسْكَارٍ، وَكَوْنُ التَّشْبِيهِ خِلَافَ الْأَصْلِ أَوْجَبَ الْمَصِيرَ إلَيْهِ قِيَامُ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ لُغَةً وَشَرْعًا، وَلَا دَلِيلَ لَهُمْ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِّ بِقَلِيلِهِ سِوَى الْقِيَاسِ وَلَا يَثْبُتُ الْحَدُّ بِهِ، نَعَمْ الثَّابِتُ الْحَدُّ بِالسُّكْرِ مِنْهُ، وَقَدْ أَطَالَ فِي ذَلِكَ إطَالَةً حَسَنَةً، فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا وَيَأْتِي حُكْمُ الْبَنْجِ وَالْأَفْيُونِ وَالْحَشِيشِ (قَوْلُهُ بِكَوْنِهِ فِي دَارِنَا) أَيْ نَاشِئًا فِيهَا (قَوْلُهُ لِمَا قَالُوا إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِتَفْسِيرِ الْعِلْمِ الْحُكْمِيِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 وَلَوْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَنَا فَأَسْلَمَ فَشَرِبَ الْخَمْرَ جَاهِلًا بِالْحُرْمَةِ لَا يُحَدُّ، بِخِلَافِ الزِّنَا لِحُرْمَتِهِ فِي كُلِّ مِلَّةٍ. قُلْت: يُرَدُّ عَلَيْهِ حُرْمَةُ السُّكْرِ أَيْضًا فِي كُلِّ مِلَّةٍ فَتَأَمَّلْ (بَعْدَ الْإِفَاقَةِ) فَلَوْ حُدَّ قَبْلَهَا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعَادُ عَيْنِيٌّ (إذَا أُخِذَ) الشَّارِبُ (وَرِيحُ مَا شَرِبَ) مِنْ خَمْرٍ أَوْ نَبِيذٍ فَتْحٌ، فَمَنْ قَصَرَ الرَّائِحَةَ عَلَى الْخَمْرِ فَقَدْ قَصَرَ (مَوْجُودَةٌ) خَبَرُ الرِّيحِ وَهُوَ مُؤَنَّثٌ سَمَاعِيٌّ غَايَةٌ (إلَّا أَنْ تَنْقَطِعَ) الرَّائِحَةُ   [رد المحتار] بِكَوْنِهِ فِي دَارِنَا، لَكِنْ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَا بِمُجَرَّدِ الْكَوْنِ فِي دَارِنَا وَإِلَّا لَمْ يُوَافِقْ التَّعْلِيلُ الْمُعَلَّلَ. وَيُوَضِّحُ الْمَقَامَ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ وَجَاءَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ شَرِبَ الْخَمْرَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ لَمْ يُحَدَّ، وَإِنْ زَنَى أَوْ سَرَقَ أُخِذَ بِالْحَدِّ وَلَمْ يُعْذَرْ بِقَوْلِهِ لَمْ أَعْلَمْ. وَأَمَّا الْمَوْلُودُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ إذَا شَرِبَ الْخَمْرَ وَهُوَ بَالِغٌ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ (قَوْلُهُ قُلْت يَرُدُّ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ لِحُرْمَتِهِ أَيْ الزِّنَا فِي كُلِّ مِلَّةٍ حَيْثُ جَعَلُوهُ وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَ الشُّرْبِ وَالزِّنَا، فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الشُّرْبَ لَا يَحْرُمُ فِي كُلِّ مِلَّةٍ مَعَ أَنَّهُ مُنَافٍ لِمَا مَرَّ مِنْ حُرْمَتِهِ كَذَلِكَ. وَدُفِعَ بِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِي كُلِّ مِلَّةٍ هُوَ السُّكْرُ لَا نَفْسُ الشُّرْبِ، وَالْمُرَادُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الشُّرْبِ وَالزِّنَا. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُمْ فَشَارِبُ الْخَمْرِ جَاهِلًا بِالْحُرْمَةِ لَا يُحَدُّ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَكِرَ مِنْ هَذَا الشُّرْبِ أَوَّلًا، بَلْ الْمُتَبَادِرُ السُّكْرُ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الشُّرْبَ بِلَا سُكْرٍ لَكَانَ الْوَاجِبُ تَقْيِيدَهُ، أَوْ كَانَ يُقَالُ فَشَرِبَ قَطْرَةً نَعَمْ قَدْ يُدْفَعُ أَصْلُ الْإِيرَادِ بِمَنْعِ حُرْمَةِ السُّكْرِ فِي كُلِّ مِلَّةٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فَافْهَمْ. [تَتِمَّةٌ] لَوْ شَرِبَ الْحَلَالُ ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ حُدَّ، لَكِنْ لَوْ الْتَجَأَ إلَى الْحَرَمِ لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَظَّمَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَرِبَ فِي الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَخَفَّهُ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْعِمَادِيِّ، وَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ شَرِبَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يُحَدُّ. فَعُلِمَ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ لِلشُّرْبِ عَشْرَةٌ: ذِمِّيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَمُرْتَدٌّ وَإِنْ شَرِبَ قَبْلَ رِدَّتِهِ وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الشُّرْبِ وَصَبِيٌّ، وَمَجْنُونٌ وَأَخْرَسُ وَمُكْرَهٌ، وَمُضْطَرٌّ لِعَطَشٍ مُهْلِكٍ، وَمُلْتَجِئٌ إلَى الْحَرَمِ، وَجَاهِلٌ بِالْحُرْمَةِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَمَنْ شَرِبَ فِي غَيْرِ دَارِنَا، وَبِهِ يُعْلَمُ شُرُوطُ الْحَدِّ هُنَا (قَوْلُهُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ) أَيْ الصَّحْوِ مِنْ السُّكْرِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُحَدُّ مُسْلِمٌ (قَوْلُهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعَادُ) جَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ ةِ: وَفِيهِ تَأَمُّلٌ اهـ وَبُيِّنَ وَجْهُهُ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَلَمَ حَاصِلٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَامِلًا وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَدٌّ فَلَا يُعَادُ بَعْدَ صَحْوِهِ. اهـ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِمَا فِي الْفَتْحِ: وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ السُّكْرُ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الِانْزِجَارِ وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ غَيْبُوبَةَ الْعَقْلِ أَوْ غَلَبَةَ الطَّرَبِ تُخَفِّفُ الْأَلَمَ. ثُمَّ ذَكَرَ حِكَايَةً. حَاصِلُهَا أَنَّ السَّكْرَانَ وَضَعَ عَلَى رُكْبَتِهِ جَمْرَةً حَتَّى طَفِئَتْ وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا حَتَّى أَفَاقَ فَوَجَدَ الْأَلَمَ. قَالَ: وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُفِيدُ الْحَدُّ فَائِدَتَهُ إلَّا حَالَ الصَّحْوِ، وَتَأْخِيرُ الْحَدِّ لِعُذْرٍ جَائِزٌ اهـ. وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ أَخْطَأَ فَحَدَّهُ قَبْلَ صَحْوِهِ أَنْ يَسْقُطَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ بَعْدَ الصَّحْوِ. وَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَسَارَ السَّارِقِ لَا تُقْطَعُ يَمِينُهُ أَيْضًا لِلْفَرْقِ الْوَاضِحِ، فَإِنَّ الِانْزِجَارَ حَاصِلٌ بِالْيَسَارِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ قَطْعَ الْيَمِينِ وَلِأَنَّهُ لَوْ قُطِعَتْ الْيَمِينُ أَيْضًا يَلْزَمُ تَفْوِيتُ الْمَنْفَعَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَذَلِكَ إهْلَاكٌ، وَلِذَا لَا يُقْطَعُ لَوْ كَانَتْ يُسْرَاهُ مَقْطُوعَةً أَوْ إبْهَامُهَا (قَوْلُهُ إذَا أُخِذَ الشَّارِبُ) شَرْطٌ تَقَدَّمَ دَلِيلُ جَوَابِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ يُحَدُّ مُسْلِمٌ إلَخْ وَضَمِيرُ أَخَذَ يَعُودُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالشَّارِبِ، وَالْمُرَادُ أَخْذُهُ إلَى الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ وَرِيحُ مَا شَرِبَ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَالشَّهَادَةُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا: أَيْ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالسُّكْرِ مِنْ غَيْرِهِ مُقَيَّدَةٌ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ، فَلَا بُدَّ مَعَ شَهَادَتِهِمَا بِالشُّرْبِ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّ الرِّيحَ قَائِمٌ حَالَ الشَّهَادَةِ وَهُوَ بِأَنْ يَشْهَدَا بِهِ وَبِالشُّرْبِ أَوْ يَشْهَدَا بِهِ فَقَطْ فَيَأْمُرُ الْقَاضِي بِاسْتِنْكَاهِهِ فَيَسْتَنْكِهَ وَيُخْبِرَ بِأَنَّ رِيحَهَا مَوْجُودٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مُؤَنَّثٌ سَمَاعِيٌّ) الْأَوْلَى وَهِيَ لِعَوْدِهِ إلَى الرِّيحِ وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ ضَمِيرَهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 (لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ) وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَا بِالشُّرْبِ طَائِعًا وَيَقُولَا أَخَذْنَاهُ وَرِيحُهَا مَوْجُودَةٌ (وَلَا يَثْبُتُ) الشُّرْبُ (بِهَا) بِالرَّائِحَةِ (وَلَا بِتَقَايُئِهَا، بَلْ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ يَسْأَلُهُمَا الْإِمَامُ عَنْ مَاهِيَّتِهَا وَكَيْفَ شَرِبَ) لِاحْتِمَالِ الْإِكْرَاهِ (وَمَتَى شَرِبَ) لِاحْتِمَالِ التَّقَادُمِ (وَأَيْنَ شَرِبَ) لِاحْتِمَالِ شُرْبِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِذَا بَيَّنُوا ذَلِكَ حَبَسَهُ يَسْأَلُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ، وَلَا يَقْضِي بِظَاهِرِهَا فِي حَدٍّ مَا خَانِيَّةٌ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الزَّمَانِ أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِسُكْرِهِ مِنْ الْخَمْرِ وَالْآخَرُ مِنْ السُّكْرِ لَمْ يُحَدَّ ظَهِيرِيَّةٌ (أَوْ) يَثْبُتُ (بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً صَاحِيًا ثَمَانُونَ سَوْطًا) مُتَعَلِّقٌ بِيُحَدُّ (لِلْحُرِّ، وَنِصْفُهَا لِلْعَبْدِ،   [رد المحتار] لِتَذْكِيرِ الْخَبَرِ، وَالْمُؤَنَّثُ السَّمَاعِيُّ هُوَ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ لَفْظُهُ بِعَلَامَةِ تَأْنِيثٍ وَلَكِنَّهُ سُمِعَ مُؤَنَّثًا بِالْإِسْنَادِ إنْ كَانَ رُبَاعِيًّا كَهَذِهِ الْعَقْرَبِ قَتَلْتهَا، وَبِهِ أَوْ بِالتَّصْغِيرِ إنْ كَانَ ثُلَاثِيًّا كَعُيَيْنَةٍ فِي تَصْغِيرِ عَيْنٍ هَذِهِ النَّارُ أَضْرَمْتهَا وَذَلِكَ فِي أَلْفَاظٍ مَحْصُورَةٍ. (قَوْلُهُ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ) أَفَادَ أَنَّ زَوَالَهَا لِمُعَالَجَةِ دَوَاءٍ لَا يَمْنَعُ الْحَدَّ كَمَا فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَلَا يَثْبُتُ الشُّرْبُ بِهَا) ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا قِيلَ: يَقُولُونَ لِي انْكِهِ قَدْ شَرِبْت مُدَامَةً ... فَقُلْت لَهُمْ لَا بَلْ أَكَلْت السَّفَرْجَلَا وَانْكِهِ بِوَزْنِ امْنَعْ وَنِكْهُ مِنْ بَابِهِ: أَيْ أَظْهِرْ رَائِحَةَ فَمِك فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِالرَّائِحَةِ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ بِهَا (قَوْلُهُ وَلَا بِتَقَايُئِهَا) مَصْدَرُ تَقَيَّأَ. اهـ. ح لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ شَرِبَهَا مُكْرَهًا أَوْ مُضْطَرًّا فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالشَّكِّ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ سَكْرَانُ لَا يُحَدُّ مِنْ غَيْرِ إقْرَارٍ وَلَا بَيِّنَةٍ لِاحْتِمَالِ مَا ذَكَرْنَا أَوْ أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ الْمُبَاحِ بَحْرٌ، لَكِنَّهُ يُعَزَّرُ بِمُجَرَّدِ الرِّيحِ أَوْ السُّكْرِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ رَجُلَيْنِ) احْتِرَازٌ عَنْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ لَا تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ لِلشُّبْهَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ يَسْأَلُهُمَا الْإِمَامُ) أَشَارَ إلَى مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِقَاضِي الرُّسْتَاقِ أَوْ فَقِيهِهِ أَوْ الْمُتَفَقِّهَةِ أَوْ أَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ إقَامَةُ حَدِّ الشُّرْبِ إلَّا بِتَوْلِيَةِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ عَنْ مَاهِيَّتِهَا) لِاحْتِمَالِ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ بَاقِيَ الْأَشْرِبَةِ خَمْرٌ (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ الْإِكْرَاهِ) لَكِنْ لَوْ قَالَ أُكْرِهْت لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالشُّرْبِ طَائِعًا وَإِلَّا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ التَّقَادُمِ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّ التَّقَادُمَ مُقَدَّرٌ بِالزَّمَانِ وَهُوَ شَهْرٌ، وَإِلَّا فَالشَّرْطُ عِنْدَهُمَا أَنْ يُؤْخَذَ وَالرِّيحُ مَوْجُودَةٌ كَمَا مَرَّ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ، فَالتَّقَادُمُ عِنْدَهُمَا مُقَدَّرٌ بِزَوَالِ الرَّائِحَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا مَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّقَادُمَ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ اتِّفَاقًا، وَكَذَا يَمْنَعُ الْإِقْرَارَ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَرَجَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَوْلَهُ وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ قَوْلُهُمَا إلَّا أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَرْجَحُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ السَّكَرِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَالْكَافِ: وَهُوَ عَصِيرُ الرُّطَبِ إذَا اشْتَدَّ، وَقِيلَ كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ عِنَايَةٌ. قُلْت: وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِالسُّكْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُبَاحَةِ، وَكَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُحَدُّ لِعَدَمِ تُوَافِقُ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْمَشْرُوبِ، كَمَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَاثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ غَيْرِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ظَهِيرِيَّةٌ) وَمِثْلُهُ فِي كَافِي الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ أَوْ بِإِقْرَارِهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، وَقَدْرُ الشَّارِحِ يَثْبُتُ لِطُولِ الْفَصْلِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي حَصْرِهِ الثُّبُوتَ فِي الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ يُوجَدُ فِي بَيْتِهِ الْخَمْرُ وَهُوَ فَاسِقٌ أَوْ يُوجَدُ الْقَوْمُ مُجْتَمِعِينَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَرَهُمْ أَحَدٌ شَرِبُوهَا لَا يُحَدُّونَ وَإِنَّمَا يُعَزَّرُونَ، وَكَذَا الرَّجُلُ مَعَهُ رَكْوَةٌ مِنْ الْخَمْرِ اهـ بَلْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ سَكْرَانُ لَا يُحَدُّ بِلَا بَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ بَلْ يُعَزَّرُ (قَوْلُهُ مَرَّةً) رَدٌّ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إقْرَارِهِ مَرَّتَيْنِ بَحْرٌ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِسُؤَالِ الْقَاضِي الْمُقِرَّ عَنْ الْخَمْرِ مَا هِيَ؟ وَكَيْفَ شَرِبَهَا؟ وَأَيْنَ شَرِبَ؟ وَيَنْبَغِي ذَلِكَ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ وَلَكِنْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَعَلِمَ شُرْبَهُ طَوْعًا إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مُتَعَلِّقٌ بِيُحَدُّ) أَيْ تَعَلُّقًا مَعْنَوِيًّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 وَفُرِّقَ عَلَى بَدَنِهِ كَحَدِّ الزِّنَا) كَمَا مَرَّ. (فَلَوْ أَقَرَّ سَكْرَانُ أَوْ شَهِدُوا بَعْدَ زَوَالِ رِيحِهَا) لَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ (أَوْ أَقَرَّ كَذَلِكَ أَوْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ لَا) يُحَدُّ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَعْمَلُ الرُّجُوعُ فِيهِ، ثُمَّ ثُبُوتُهُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَلَا إجْمَاعَ إلَّا بِرَأْيِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ، وَهُمَا شَرَطَا قِيَامَ الرَّائِحَةِ. (وَالسَّكْرَانُ مَنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ) الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَ (السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. وَقَالَا: مَنْ يَخْتَلِطُ كَلَامُهُ) غَالِبًا، فَلَوْ نِصْفُهُ مُسْتَقِيمًا فَلَيْسَ بِسَكْرَانَ بَحْرٌ (وَيُخْتَارُ لِلْفَتْوَى) لِضَعْفِ دَلِيلِ الْإِمَامِ فَتْحٌ. (وَلَوْ ارْتَدَّ السَّكْرَانُ) لَمْ يَصِحَّ (فَلَا تَحْرُمُ عِرْسُهُ) وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ السَّبْعِ الْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ أَنَّهُ كَالصَّاحِي كَمَا   [رد المحتار] لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ عَامِلُهُ يُحَدُّ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) فَلَا يُضْرَبُ الرَّأْسُ وَالْوَجْهُ، وَيُضْرَبُ بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ، وَيُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ فِي الْمَشْهُورِ إلَّا الْإِزَارَ احْتِرَازًا عَنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ بَحْرٌ وَفِي شَرْحِ الْوَهَّابِيَّةِ: وَالْمَرْأَةُ تُحَدُّ فِي ثِيَابِهَا (قَوْلُهُ فَلَوْ أَقَرَّ سَكْرَانُ) أَيْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ لَا يُحَدُّ إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ الْمَسْرُوقَ، بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ، وَالسَّكْرَانُ كَالصَّاحِي فِيمَا فِيهِ حُقُوقُ الْعِبَادِ عُقُوبَةً لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الْآفَةَ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِذَا أَقَرَّ بِالْقَذْفِ سَكْرَانُ حُبِسَ حَتَّى يَصْحُوَ فَيُحَدُّ لِلْقَذْفِ ثُمَّ يُحْبَسُ حَتَّى يَخِفَّ عَنْهُ الضَّرْبُ فَيُحَدُّ لِلسُّكْرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ حَدُّهُ لِلسُّكْرِ بِمَا إذَا شَهِدَا عَلَيْهِ بِهِ وَإِلَّا فَبِمُجَرَّدِ سُكْرِهِ لَا يُحَدُّ لِإِقْرَارِهِ بِالسُّكْرِ، وَكَذَا يُؤْخَذُ بِالْإِقْرَارِ بِسَبَبِ الْقِصَاصِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ مِنْ الْمَالِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهَا فَتْحٌ مُلَخَّصًا، وَقَوْلُهُ عُقُوبَةً لَهُ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَكِرَ مُكْرَهًا أَوْ مُضْطَرًّا لَا يُؤَاخَذُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ أَيْضًا (قَوْلُهُ أَوْ أَقَرَّ كَذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ زَوَالِ رِيحِهَا، وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا إنَّ التَّقَادُمَ يُبْطِلُ الْإِقْرَارَ وَإِنَّهُ مُقَدَّرٌ بِزَوَالِ الرَّائِحَةِ (قَوْلُهُ فَيَعْمَلُ الرُّجُوعُ فِيهِ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ وَأَنَّهُ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ. وَإِذَا أَقَرَّ وَهُوَ سَكْرَانُ يَزِيدُ احْتِمَالُ الْكَذِبِ فَيُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ أَيْضًا (قَوْلُهُ ثُمَّ ثُبُوتُهُ إلَخْ) هَذَا بَيَانٌ لِدَلِيلِهِمَا عَلَى اشْتِرَاطِ قِيَامِ الرَّائِحَةِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ، فَعِنْدَ عَدَمِ قِيَامِهَا يَنْتَفِي الْحَدُّ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَمْ يَكْمُلْ إلَّا بِقَوْلِ مَنْ اشْتَرَطَ قِيَامَهَا، لَكِنْ قَدَّمْنَا تَصْحِيحَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِعَدَمِ الِاشْتِرَاطِ وَبَيَانُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَالسَّكْرَانُ إلَخْ) بَيَانٌ لِحَقِيقَةِ السُّكْرِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْحَدِّ فِي شُرْبِ مَا سِوَى الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ، وَلَمَّا كَانَ السُّكْرُ مُتَفَاوِتًا اشْتَرَطَ الْإِمَامُ أَقْصَاهُ دَرْءًا لِلْحَدِّ، وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يُمَيِّزَ بَيْنَ شَيْءٍ وَشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ لَا يَعْرَى عَنْ شُبْهَةِ الصَّحْوِ، نَعَمْ وَافَقَهُمَا الْإِمَامُ فِي حَقِّ حُرْمَةِ الْقَدْرِ الْمُسْكِرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُبَاحَةِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا اخْتِلَاطُ الْكَلَامِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقَدْرِ الْمُسْكِرِ فِي حَقِّ الْحُرْمَةِ مَا قَالَاهُ إجْمَاعًا أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ اهـ: وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ كَقَوْلِهِمَا أَيْضًا فِي السُّكْرِ الَّذِي لَا يَصِحُّ رِدَّتُهُ فِيمَا دُونَهُ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ لِلْحُدُودِ، وَكَذَا فِي الَّذِي لَا تَصِحُّ مَعَهُ الرِّدَّةُ، إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ فِيهِ أَقْصَاهُ لَزِمَ أَنْ تَصِحَّ رِدَّتُهُ فِيمَا دُونَهُ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُحْتَاطَ فِي عَدَمِ تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِ، وَالْإِمَامُ إنَّمَا اعْتَبَرَ أَقْصَى السُّكْرِ لِلِاحْتِيَاطِ فِي دَرْءِ السُّكْرِ وَاعْتِبَارُ الْأَقْصَى هُنَا خِلَافُ الِاحْتِيَاطِ، هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الْفَتْحِ. قُلْت: لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ رِدَّتُهُ فِيمَا دُونَ الْأَقْصَى بِالنِّسْبَةِ إلَى فَسْخِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ، وَفِيهِ الْعَمَلُ بِالِاحْتِيَاطِ أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَلَوْ ارْتَدَّ السَّكْرَانُ لَمْ يَصِحَّ) أَيْ لَمْ يَصِحَّ ارْتِدَادُهُ: أَيْ لَمْ يُحْكَمْ بِهِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ:؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادِ أَوْ الِاسْتِخْفَافِ، وَلَا اعْتِقَادَ لِلسَّكْرَانِ وَلَا اسْتِخْفَافَ؛ لِأَنَّهُمَا فَرْعُ قِيَامِ الْإِدْرَاكِ. وَهَذَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ كَانَ فِي الْوَاقِعِ قَصَدَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ ذَاكِرًا لِمَعْنَاهُ كَفَرَ وَإِلَّا لَا. اهـ. وَقَدْ عَلِمْت آنِفًا مَا الْمُرَادُ بِالسُّكْرِ هُنَا (قَوْلُهُ فَلَا تَحْرُمُ عِرْسُهُ) أَيْ بِسَبَبِ الرِّدَّةِ فِي حَالَةِ السُّكْرِ، أَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا فَإِنَّهُ يَقَعُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ السَّكْرَانِ مِنْ مُحَرَّمٍ كَالصَّاحِي إلَّا فِي سَبْعٍ: لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ مَعْزِيًّا لِلْأَشْبَاهِ وَغَيْرِهَا. وَنُقِلَ فِي الْأَشْرِبَةِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ حُرْمَةُ أَكْلِ بَنْجٍ وَحَشِيشَةٍ وَأَفْيُونٍ، لَكِنْ دُونَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ، وَلَوْ سَكِرَ بِأَكْلِهَا لَا يُحَدُّ بَلْ يُعَزَّرُ انْتَهَى. وَفِي النَّهْرِ: التَّحْقِيقُ مَا فِي الْعِنَايَةِ أَنَّ الْبَنْجَ مُبَاحٌ   [رد المحتار] وَلَا إقْرَارُهُ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ، وَلَا إشْهَادُهُ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ، وَلَا تَزْوِيجُهُ الصَّغِيرَ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ الصَّغِيرَةِ بِأَقَلَّ، وَلَا تَطْلِيقُهُ زَوْجَةَ مَنْ وَكَّلَهُ بِتَطْلِيقِهَا حِينَ صَحْوِهِ، وَلَا بَيْعُهُ مَتَاعَ مَنْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ صَاحِيًا، وَلَا رَدُّ الْغَاصِبِ عَلَيْهِ مَا غَصَبَهُ مِنْهُ قَبْلَ سُكْرِهِ، هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الْأَشْبَاهِ: وَنَازَعَهُ مُحَشِّيَةِ الْحَمَوِيُّ فِي الْأَخِيرَةِ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْعِمَادِيَّةِ أَنَّ حُكْمَ السَّكْرَانِ فِيهَا كَالصَّاحِي، فَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ مِنْ الضَّمَانِ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْوَكَالَةِ بِالتَّطْلِيقِ بِأَنَّ الصَّحِيحَ الْوُقُوعُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْبَحْرِ. اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَكَتَبْنَا هُنَاكَ عَنْ التَّحْرِيرِ أَنَّ السَّكْرَانَ إنْ كَانَ سُكْرُهُ بِطَرِيقٍ مُحَرَّمٍ لَا يَبْطُلُ تَكْلِيفُهُ، فَتَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ، وَتَصِحُّ عِبَارَاتُهُ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ، وَتَزْوِيجِ الصِّغَارِ مِنْ كُفْءٍ وَالْإِقْرَاضِ وَالِاسْتِقْرَاضِ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ قَائِمٌ، وَإِنَّمَا عَرَضَ فَوَاتُ فَهْمِ الْخِطَابِ بِمَعْصِيَتِهِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ الْإِثْمِ وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَيَصِحُّ إسْلَامُهُ كَالْمُكْرَهِ لَا رِدَّتُهُ لِعَدَمِ الْقَصْدِ اهـ وَقَدَّمَ الشَّارِحُ هُنَاكَ أَنَّهُ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي طَلَاقِ مَنْ سَكِرَ مُكْرَهًا أَوْ مُضْطَرًّا وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ الْوُقُوعِ، وَقَدَّمْنَا آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ كَالصَّاحِي فِيمَا فِيهِ حُقُوقُ الْعِبَادِ عُقُوبَةً لَهُ مَطْلَبٌ فِي الْبَنْجِ وَالْأَفْيُونِ وَالْحَشِيشَةِ (قَوْلُهُ لَكِنْ دُونَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ) ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ قَطْعِيَّةٌ يَكْفُرُ مُنْكِرُهَا بِخِلَافِ هَذِهِ (قَوْلُهُ لَا يُحَدُّ بَلْ يُعَزَّرُ) أَيْ بِمَا دُونَ الْحَدِّ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الْمِنَحِ، لَكِنْ فِيهِ أَيْضًا عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ مَتْنِ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهُ يُحَدُّ بِالسُّكْرِ مِنْ الْبَنْجِ فِي زَمَانِنَا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ اهـ تَأَمَّلْ. قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَفِي الْجَوَاهِرِ: وَلَوْ سَكِرَ مِنْ الْبَنْجِ وَطَلَّقَ تَطْلُقُ زَجْرًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ قَاضِي خَانْ تَصْحِيحُ عَدَمِ الْوُقُوعِ فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى. اهـ. وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الطَّلَاقِ عَنْ تَصْحِيحِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ أَنَّهُ إذَا سَكِرَ مِنْ الْبَنْجِ وَالْأَفْيُونِ يَقَعُ زَجْرًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ النَّهْرِ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا بِعَدَمِ الْوُقُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُزَلْ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ. وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ: إنْ كَانَ لِلتَّدَاوِي فَكَذَلِكَ وَإِنْ لِلَّهْوِ وَإِدْخَالِ الْآفَةِ قَصْدًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَرَدَّدَ فِي الْوُقُوعِ. اهـ. قُلْت: وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ تَعْلِيلُ الْبَدَائِعِ، وَلِلثَّانِي تَعْلِيلُ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ. وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَيْضًا عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ مَشَايِخَ الْمَذْهَبَيْنِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ اتَّفَقُوا عَلَى وُقُوعِ طَلَاقِ مَنْ غَابَ عَقْلُهُ بِالْحَشِيشَةِ وَهِيَ وَرَقُ الْقَنْبِ بَعْدَ أَنْ اخْتَلَفُوا فِيهَا قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ أَمْرُهَا مِنْ الْفَسَادِ (قَوْلُهُ أَنَّ الْبَنْجَ مُبَاحٌ) قِيلَ هَذَا عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا يَأْتِي. اهـ. أَقُولُ: الْمُرَادُ بِمَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ إلَخْ مِنْ الْأَشْرِبَةِ، وَبِهِ عَبَّرَ بَعْضُهُمْ وَإِلَّا لَزِمَ تَحْرِيمُ الْقَلِيلِ مِنْ كُلِّ جَامِدٍ إذَا كَانَ كَثِيرُهُ مُسْكِرًا كَالزَّعْفَرَانِ وَالْعَنْبَرِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِحُرْمَتِهَا، حَتَّى إنَّ الشَّافِعِيَّةَ الْقَائِلِينَ بِلُزُومِ الْحَدِّ بِالْقَلِيلِ مِمَّا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ خَصُّوهُ بِالْمَائِعِ، وَأَيْضًا لَوْ كَانَ قَلِيلُ الْبَنْجِ أَوْ الزَّعْفَرَانِ حَرَامًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَزِمَ كَوْنُهُ نَجَسًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَإِنَّ قَلِيلَهُ حَرَامٌ نَجَسٌ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِنَجَاسَةِ الْبَنْجِ وَنَحْوِهِ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَنْجَ لَا بَأْسَ بِتَدَاوِيهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ عَقْلُهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَشْرِبَةُ الْمَائِعَةُ، وَأَنَّ الْبَنْجَ وَنَحْوَهُ مِنْ الْجَامِدَاتِ إنَّمَا يَحْرُمُ إذَا أَرَادَ بِهِ السُّكْرَ وَهُوَ الْكَثِيرُ مِنْهُ، دُونَ الْقَلِيلِ الْمُرَادُ بِهِ التَّدَاوِي وَنَحْوُهُ كَالتَّطَيُّبِ بِالْعَنْبَرِ وَجَوْزَةِ الطِّيبِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا كَانَ سُمَيًّا قِتَالًا كَالْمَحْمُودَةِ وَهِيَ السَّقَمُونْيَا وَنَحْوُهَا مِنْ الْأَدْوِيَةِ السُّمِّيَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 لِأَنَّهُ حَشِيشٌ، أَمَّا السُّكْرُ مِنْهُ فَحَرَامٌ. (أُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَدِّ فَهَرَبَ) ثُمَّ أُخِذَ بَعْدَ التَّقَادُمِ لَا يُحَدُّ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ. (وَ) لَوْ (شَرِبَ) أَوْ زَنَى (ثَانِيًا يُسْتَأْنَفُ الْحَدُّ) لِتَدَاخُلِ الْمُتَّحِدِ كَمَا سَيَجِيءُ. [فَرْعٌ] سَكْرَانُ أَوْ صَاحَ جَمَحَ بِهِ فَرَسُهُ فَصَدَمَ إنْسَانًا فَمَاتَ، إنْ قَادِرًا عَلَى مَنْعِهِ ضَمِنَ وَإِلَّا لَا مُصَنِّفُ عِمَادِيَّةٍ. بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ هُوَ لُغَةً الرَّمْيُ. وَشَرْعًا الرَّمْيُ بِالزِّنَا، وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ بِالْإِجْمَاعِ فَتْحٌ،   [رد المحتار] فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ الْقَلِيلِ مِنْهَا جَائِزٌ، بِخِلَافِ الْقَدْرِ الْمُضِرِّ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، فَافْهَمْ وَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حَشِيشٌ) لَا مَعْنَى لِهَذَا التَّعْلِيلِ، وَلَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْعِنَايَةِ. اهـ. ح. قُلْت: وَكَذَا لَيْسَ هُوَ فِي عِبَارَةِ النَّهْرِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى مَا قُلْنَاهُ، فَالْمُرَادُ التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ مِنْ الْجَامِدَاتِ لَا مِنْ الْمَائِعَاتِ الَّتِي فِيهَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ قَلِيلَهَا حَرَامٌ أَوْ لَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَدِّ) أَيْ حَدِّ الزِّنَا أَوْ السَّرِقَةِ أَوْ الشُّرْبِ كَمَا فِي الْكَافِي. قُلْت: وَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ ثُمَّ أُخِذَ إلَخْ) أَقْحَمَ الشَّارِحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَيْنَ كَلَامَيْ الْمُصَنِّفِ إشَارَةً إلَى أَنَّ اسْتِئْنَافَ الْحَدِّ لِلشُّرْبِ الثَّانِي لَا يَتَقَيَّدُ بِمَا إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَدِّ، فَحَوَّلَ الْعِبَارَةَ عَنْ أَصْلِهَا وَكَمَّلَهَا بِمَا يُنَاسِبُهَا وَأَتَى بِلَوْ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ شَرِبَ إلَخْ لِيَجْعَلَهُ مَسْأَلَةً مُسْتَأْنَفَةً. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ حُسْنِ الصِّنَاعَةِ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ إلَخْ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ السَّابِقِ: وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ هُنَاكَ: إنَّ التَّقَادُمَ كَمَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ فِي الِابْتِدَاءِ يَمْنَعُ الْإِقَامَةَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، حَتَّى لَوْ هَرَبَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ أُخِذَ بَعْدَ مَا تَقَادَمَ الزَّمَانِ لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ. قُلْت: لَكِنْ هَذَا ظَاهِرٌ فِي حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ، فَإِنَّ التَّقَادُمَ مُقَدَّرٌ فِيهِمَا بِشَهْرٍ كَمَا مَرَّ، أَمَّا فِي حَدِّ الشُّرْبِ فَإِنَّهُ مُقَدَّرٌ عِنْدَهُمَا بِزَوَالِ الرَّائِحَةِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِشَهْرٍ أَيْضًا وَالْمُعْتَمَدُ قَوْلُهُمَا كَمَا مَرَّ وَقِيَامُ الرَّائِحَةِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ عِنْدَ الْإِقْرَارِ أَوْ عِنْدَ الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ إلَّا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ، وَلَا يُحَدُّ إلَّا بَعْدَ الصَّحْوِ كَمَا مَرَّ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا قِيَامَ الرَّائِحَةِ عِنْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ بَلْ الصَّحْوُ مَظِنَّةُ زَوَالِهَا، فَإِذَا كَانَ عَدَمُ إكْمَالِ الْحَدِّ بِسَبَبِ زَوَالِ الرَّائِحَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يُقَامَ الْحَدُّ إلَّا مَعَ قِيَامِ الرَّائِحَةِ وَلَمْ نَرَ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ. فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَقَطْ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِمَا أَيْضًا بِأَنْ تُفْرَضَ الْمَسْأَلَةُ فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِالشُّرْبِ فَهَرَبَ؛ لِأَنَّ التَّقَادُمَ يُبْطِلُ الْإِقْرَارَ عِنْدَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ لِرُجُوعِ الْمَحْذُورِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُقِرَّ لَا يُحَدُّ إلَّا إذَا بَقِيَتْ الرَّائِحَةُ مَوْجُودَةً وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ إقْرَارِهِ الصَّادِرِ عِنْدَ قِيَامِ الرَّائِحَةِ، وَأَيْضًا فَالْهَرَبُ رُجُوعٌ عَنْ الْإِقْرَارِ فَلَا حَاجَةَ مَعَهُ إلَى التَّقَادُمِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَرِبَ أَوْ زَنَى ثَانِيًا) أَيْ قَبْلَ إكْمَالِ الْحَدِّ كَمَا هُوَ صُورَةُ الْمَتْنِ أَوْ قَبْلَ إقَامَةِ شَيْءٍ مِنْهُ. فَفِي الصُّورَتَيْنِ يُحَدُّ حَدًّا كَامِلًا بَعْدَ الْفِعْلِ الْأَخِيرِ، وَيَدْخُلُ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي، بِخِلَافِ مَا إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الشُّرْبِ فَشَرِبَ ثَانِيًا أَوْ حَدُّ الزِّنَا فَزَنَى ثَانِيًا فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِلثَّانِي حَدًّا آخَرَ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ وَسَيَجِيءُ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْقَذْفِ [فَرْعٌ سَكْرَانُ أَوْ صَاحٍ جَمَحَ بِهِ فَرَسُهُ فَصَدَمَ إنْسَانًا فَمَاتَ] (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ (قَوْلُهُ مُصَنِّفُ عِمَادِيَّةٍ) أَيْ نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ ح [بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ] ِ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا الرَّمْيُ بِالزِّنَا) الْأَوْلَى مَا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّهُ نِسْبَةُ الْمُحْصَنِ إلَى الزِّنَا صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً إذْ الْحَدُّ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُحْصَنِ نَهْرٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 لَكِنْ فِي النَّهْرِ: قَذْفُ غَيْرِ الْمُحْصَنِ كَصَغِيرَةٍ وَمَمْلُوكَةٍ وَحُرَّةٍ مُتَهَتِّكَةٍ مِنْ الصَّغَائِرِ. (هُوَ كَحَدِّ الشُّرْبِ كَمِّيَّةً وَثُبُوتًا) فَيَثْبُتُ بِرَجُلَيْنِ يَسْأَلُهُمَا الْإِمَامُ عَنْ مَاهِيَّتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ   [رد المحتار] قُلْت: لَكِنْ الْإِحْصَانُ شَرْطُ الْحَدِّ، وَلَهُ شُرُوطٌ أُخَرُ سَتُذْكَرُ، وَالْكَلَامُ فِي الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَشْرُوطَةِ بِمَا يَأْتِي. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ أَيْضًا بِكَوْنِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْبِيرِ وَالشَّتْمِ لِيُخْرِجَ شَهَادَةَ الزِّنَا (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي النَّهْرِ إلَخْ) عَزَاهُ فِي النَّهْرِ إلَى الْحَلِيمِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْإِيذَاءَ فِي قَذْفِ هَؤُلَاءِ دُونَهُ فِي الْحُرَّةِ الْكَبِيرَةِ الْمُتَسَتِّرَةِ، وَذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا غَيْرَ مُعْزًى. وَنَقَلَ أَيْضًا عَنْ شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنَّ الْقَذْفَ فِي الْخَلْوَةِ صَغِيرَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، قَالَ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ لُحُوقُ الْعَارِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الْخَلْوَةِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ فِي الْفَتْحِ اسْتَدَلَّ لِلْإِجْمَاعِ بِآيَةِ - {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4]- وَبِحَدِيثِ «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» وَعَدَّ مِنْهَا قَذْفَ الْمُحْصَنَاتِ، أَيْ وَهَذَا صَادِقٌ عَلَى قَذْفِ الْمُحْصَنَةِ فِي الْخَلْوَةِ بِحَيْثُ لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ وَاعْتَرَضَهُ أَيْضًا الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى بِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْحَدِّ لِانْتِفَاءِ الْمَفْسَدَةِ، وَقَالَ مُحَشِّيهِ اللَّقَانِيُّ: إنَّ الْمُحَقَّقَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ نَفْيُ إيجَابِ الْحَدِّ لَا نَفْيُ كَوْنِهِ كَبِيرَةً أَيْضًا لِتَوَجُّهِ النَّفْيِ عَلَى الْقَيْدِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَيْضًا: إنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَ صَادِقًا دُونَ الْكَاذِبِ لِجَرَاءَتِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَيْ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَإِنْ كَانَ فِي الْخَلْوَةِ. وَقَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: قُلْت وَاَلَّذِي حَرَّرْته فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ وَالِدِ شَيْخِنَا النَّجْمِ الْغَزِّيِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا وَلَا شُهُودَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَوْ مِنْ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ أَوْ لِوَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ لَمْ يُحَدَّ بِهِ بَلْ يُعَزَّرُ وَلَوْ لِغَيْرِ مُحْصَنٍ، وَشَرْطُ الْفُقَهَاءُ الْإِحْصَانَ إنَّمَا هُوَ لِوُجُوبِ الْحَدِّ لَا لِكَوْنِهِ كَبِيرَةً. وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ وَاثِلَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ قَذَفَ ذِمِّيًّا حُدَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِسِيَاطٍ مِنْ نَارٍ» ". ثُمَّ مِنْ الْمَعْلُومِ ضَرُورَةً أَنَّ قَذْفَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - كُفْرٌ سَوَاءٌ كَانَ سِرًّا أَوْ جَهْرًا، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي مَرْيَمَ، وَكَذَا الرَّمْيُ بِاللِّوَاطَةِ اهـ أَيْ إنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ أَيْضًا وَسَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِهِ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ (قَوْلُهُ كَمِّيَّةً) أَيْ قَدْرًا وَهُوَ ثَمَانُونَ سَوْطًا إنْ كَانَ حُرًّا وَنِصْفُهَا إنْ كَانَ الْقَاذِفُ عَبْدًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ بِرَجُلَيْنِ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ وَثُبُوتًا وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ فِيهِ لِشَهَادَةِ النِّسَاءِ كَمَا مَرَّ، وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي. وَيَثْبُتُ أَيْضًا بِإِقْرَارِ الْقَاذِفِ مَرَّةً كَمَا فِي الْبَحْرِ؛ وَلَا يُسْتَحْلَفُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَمِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ فِي السَّرِقَةِ لِأَجْلِ الْمَالِ، فَإِنْ أَبَى ضَمِنَ الْمَالَ وَلَمْ يُقْطَعْ. وَإِذَا اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي الزَّمَانِ لَمْ تَبْطُلْ شَهَادَتُهُمَا عِنْدَهُ كَمَا فِي الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ أَوْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ: وَعِنْدَهُمَا لَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ، وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْقَذْفِ وَالْآخَرُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ لَمْ يُحَدَّ اتِّفَاقًا اسْتِحْسَانًا، وَكَذَا تَبْطُلُ لَوْ اخْتَلَفَا فِي اللُّغَةِ الَّتِي قَذَفَ بِهَا أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ لَسْت لِأَبِيك اهـ مُلَخَّصًا مِنْ كَافِي الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ عَنْ مَاهِيَّتِهِ) أَيْ حَقِيقَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَارَّةِ (قَوْلُهُ وَكَيْفِيَّتِهِ) أَيْ اللَّفْظِ الَّذِي قَذَفَ بِهِ. اهـ. ح. قُلْت: فِيهِ إنَّ هَذَا اللَّفْظَ رُكْنُ الْقَذْفِ، وَالْكَيْفِيَّةُ الْحَالَّةُ وَالْهَيْئَةُ، كَمَا يُقَالُ: كَيْفَ زَيْدٌ؟ فَتَقُولُ صَحِيحٌ أَوْ سَقِيمٌ وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُ السُّؤَالِ عَنْ الْكَيْفِيَّةِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا بِالطَّوْعِ أَوْ الْإِكْرَاهِ. فَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ هُنَا كَذَلِكَ، إذْ لَوْ أَكْرَهَ الْقَاذِفُ عَلَى الْقَذْفِ لَمْ يُحَدَّ، لَكِنْ ظَاهِرُ مَا فِي الْكَافِي أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ هَذَا غَيْرُ لَازِمٍ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ جَاءَ الْمَقْذُوفُ بِشَاهِدَيْنِ فَشَهِدَا أَنَّهُ قَذَفَهُ سُئِلَا عَنْ مَاهِيَّتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَزِيدَا عَلَى ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ، فَإِنَّ الْقَذْفَ يَكُونُ بِالْحِجَارَةِ وَبِغَيْرِ الزِّنَا، وَإِنْ قَالَا نَشْهَدُ أَنَّهُ قَالَ يَا زَانِي قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَحَدَدْت الْقَاذِفَ اهـ فَظَاهِرُهُ أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ الْمَاهِيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةِ إنَّمَا هُوَ إذَا شَهِدَا بِالْقَذْفِ، أَمَّا لَوْ شَهِدَا بِأَنَّهُ قَالَ يَا زَانِي لَا يَلْزَمُ السُّؤَالُ عَنْ ذَلِكَ أَصْلًا إذْ لَوْ كَانَ مُكْرَهًا لَبَيَّنَّاهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 إلَّا إذَا شَهِدَا بِقَوْلِهِ يَا زَانِي ثُمَّ يَحْبِسُهُ لِيَسْأَلَ عَنْهُمَا كَمَا يَحْبِسُهُ لِشُهُودٍ يُمْكِنُ إحْضَارُهُمْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِلَّا لَا ظَهِيرِيَّةٌ؛ وَلَا يُكَلِّفُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي نَهْرٌ. (وَيُحَدُّ الْحُرُّ أَوْ الْعَبْدُ) وَلَوْ ذِمِّيًّا أَوْ امْرَأَةً (قَاذِفُ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ) الثَّابِتَةُ حُرِّيَّتُهُ وَإِلَّا فَفِيهِ التَّعْزِيرُ (الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْعَفِيفِ) عَنْ فِعْلِ الزِّنَا،   [رد المحتار] فَلْيَتَأَمَّلْ، وَعَلَى هَذَا فَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْكَيْفِيَّةِ أَنَّهُ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ فَتَأَمَّلْ. وَفِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ عَنْ الْحَمَوِيِّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُمَا عَنْ الْمَكَانِ لِاحْتِمَالِ قَذْفِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ، وَعَنْ الزَّمَانِ لِاحْتِمَالِ قَذْفِهِ فِي صِبَاهُ لَا لِاحْتِمَالِ التَّقَادُمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُدُودِ، ثُمَّ رَأَيْت الْأَوَّلَ فِي الْبَدَائِعِ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا شَهِدَا إلَخْ) تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ آنِفًا (قَوْلُهُ كَمَا يَحْبِسُهُ لِشُهُودٍ) الْأَوْلَى لِشَاهِدٍ بِصِيغَةِ الْمُفْرَدِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَدَالَتَهُمَا حَبَسَهُ الْقَاضِي حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُمَا، وَكَذَا لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَدْلًا وَادَّعَى أَنَّ الثَّانِيَ فِي الْمِصْرِ حَبَسَهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، وَلَوْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً فِي الْمِصْرِ حَبَسَهُ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ قَالُوا: وَالْمُرَادُ بِالْحَبْسِ فِي الْأَوَّلَيْنِ حَقِيقَتُهُ، وَفِي الثَّالِثِ الْمُلَازَمَةُ (قَوْلُهُ وَلَا يَكْفُلُهُ) أَيْ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَأْخُذُهُ نَهْرٌ وَسَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ فِي عِبَارَةِ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ وَيُحَدُّ الْحُرُّ إلَخْ) أَيْ الشَّخْصُ الْحُرُّ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ وَلَوْ ذِمِّيًّا أَوْ امْرَأَةً فَافْهَمْ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِشُرُوطِ الْقَاذِفِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا نَاطِقًا طَائِعًا فِي دَارِ الْعَدْلِ، فَلَا يُحَدُّ الصَّبِيُّ بَلْ يُعَزَّرُ، وَلَا الْمَجْنُونُ إلَّا إذَا سَكِرَ بِمُحَرَّمٍ؛ لِأَنَّهُ كَالصَّاحِي فِيمَا فِيهِ حُقُوقُ الْعِبَادِ كَمَا مَرَّ، وَلَا الْمُكْرَهُ وَلَا الْأَخْرَسُ لِعَدَمِ التَّصْرِيحِ بِالزِّنَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الشَّلَبِيِّ عَنْ النِّهَايَةِ، وَلَا الْقَاذِفُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا كَوْنُهُ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِكَوْنِهِ نَاشِئًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا أَيْضًا، لَكِنْ فِي كَافِي الْحَاكِمِ حَرْبِيٌّ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَقَذَفَ مُسْلِمًا لَمْ يُحَدَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ، وَيُحَدُّ فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبَيْهِ اهـ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُحَدُّ وَلَوْ فِي فَوْرِ دُخُولِهِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ فِي كُلِّ مِلَّةٍ فَيَحْرُمُ الْقَذْفُ بِهِ أَيْضًا فَلَا يُصَدَّقُ بِالْجَهْلِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ ذِمِّيًّا) الْأَوْلَى وَلَوْ كَافِرًا لِيَشْمَلَ الْحَرْبِيَّ الْمُسْتَأْمَنَ كَمَا عَلِمْته آنِفًا، وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا (قَوْلُهُ قَاذِفُ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ إلَخْ) بَيَانٌ لِشُرُوطِ الْمَقْذُوفِ (قَوْلُهُ الثَّابِتَةُ حُرِّيَّتُهُ) أَيْ بِإِقْرَارِ الْقَاذِفِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ إذَا أَنْكَرَ الْقَاذِفُ حُرِّيَّتَهُ، وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَ حُرِّيَّةَ نَفْسِهِ وَقَالَ أَنَا عَبْدٌ، وَعَلَى حَدِّ الْعَبِيدِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْذُوفُ مُسْلِمًا حُرًّا، بِأَنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مَمْلُوكًا، وَكَذَا مَنْ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ إذَا قَذَفَهُ بِالزِّنَا فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ وَيَبْلُغُ بِهِ غَايَتَهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ) خَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُمَا الزِّنَا إذْ هُوَ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ وَالْحُرْمَةُ بِالتَّكْلِيفِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: إذَا قَذَفَ غُلَامًا مُرَاهِقًا فَادَّعَى الْغُلَامُ الْبُلُوغَ بِالسِّنِّ أَوْ بِالِاحْتِلَامِ لَمْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ بِقَوْلِهِ بَحْرٌ، فَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ رَاهَقَا وَقَالَا بَلَغْنَا صُدِّقَا، وَأَحْكَامُهُمَا أَحْكَامُ الْبَالِغِينَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ الْعَفِيفِ عَنْ فِعْلِ الزِّنَا) زَادَ الشَّارِحُ فِي بَابِ اللِّعَانِ وَتُهْمَتِهِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ قَذْفِ ذَاتِ وَلَدٍ لَيْسَ لَهُ أَبٌ مَعْرُوفٌ، وَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ مَوْجُودَةٌ، فَيَنْبَغِي ذِكْرُ هَذَا الْقَيْدِ هُنَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الزِّنَا فِي الشَّرْعِ أَعَمُّ مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ وَمَا لَا يُوجِبُهُ وَهُوَ الْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ، حَتَّى لَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ لَا يُحَدُّ لِلزِّنَا وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ بِالزِّنَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ زِنًا وَإِنْ كَانَ لَا يُحَدُّ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ أَوَّلَ الْحُدُودِ. وَأَمَّا لَوْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ فَلَيْسَ بِزِنًا؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِيقَةِ الْمَلِكِ كَوَطْءِ زَوْجَتِهِ الْحَائِضِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ لِعَارِضٍ، وَالزِّنَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ وَطْئًا مُحَرَّمًا لِعَيْنِهِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ رَجُلٌ وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، وَلِهَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 فَيَنْقُصُ عَنْ إحْصَانِ الرَّجْمِ بِشَيْئَيْنِ: النِّكَاحِ وَالدُّخُولِ. وَبَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَكُونَ وَلَدَهُ أَوْ وَلَدَ وَلَدِهِ أَوْ أَخْرَسَ أَوْ مَجْبُوبًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ وَطِئَ بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ فَاسِدٍ أَوْ هِيَ رَتْقَاءُ أَوْ قَرْنَاءُ وَأَنْ يُوجَدَ الْإِحْصَانُ وَقْتَ الْحَدِّ؛ حَتَّى لَوْ ارْتَدَّ سَقَطَ حَدُّ الْقَاذِفِ وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَتْحٌ (بِصَرِيحِ الزِّنَا) وَمِنْهُ أَنْتَ أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ أَوْ مِنِّي عَلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ،   [رد المحتار] قَالَ مِسْكِينٌ قَوْلُهُ عَفِيفًا عَنْ الزِّنَا احْتِرَازٌ عَنْ الْوَطْءِ الْحَرَامِ فِي الْمِلْكِ فَإِنَّهُ لَا يُخْرِجُ الْوَاطِئَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُحْصَنًا. اهـ. فَمَا قِيلَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالزِّنَا هُنَا الْمُصْطَلَحُ وَلَا غَيْرُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَيَنْقُصُ عَنْ إحْصَانِ الرَّجْمِ بِشَيْئَيْنِ) الْأَوْلَى شَيْئَيْنِ بِدُونِ الْبَاءِ الْجَارَةِ؛ لِأَنَّ نَقَصَ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ أَفَادَهُ ط هَذَا. وَقَدَّمْنَا أَنَّ شُرُوطَ الْإِحْصَانِ تِسْعَةٌ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ وَبَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ إلَخْ) قُلْت: بَقِيَ مِنْهَا أَيْضًا عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: أَنْ لَا يَكُونَ أُمَّ وَلَدِهِ الْحُرَّةَ الْمَيْتَةَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ أُمَّ عَبْدِهِ الْحُرَّةَ الْمَيْتَةَ، وَأَنْ يَطْلُبَ الْمَقْذُوفُ الْحَدَّ، وَأَنْ لَا يَمُوتَ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ لَا تُورَثُ (قَوْلُهُ أَنْ لَا يَكُونَ) أَيْ الْمَقْذُوفُ وَوَلَدُ الْقَاذِفِ (قَوْلُهُ أَوْ أَخْرَسَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الدَّعْوَى، وَفِي إشَارَةِ الْأَخْرَسِ احْتِمَالٌ يُدْرَأُ بِهِ الْحَدُّ (قَوْلُهُ أَوْ مَجْبُوبًا) هُوَ مَقْطُوعُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ جَمِيعًا كَمَا فَسَّرُوهُ فِي بَابِ الْعِنِّينِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَقْطُوعَ الذَّكَرِ وَحْدَهُ مِثْلُهُ اهـ ح وَوَجْهُهُ أَنَّ الزِّنَا مِنْهُ لَا يُتَصَوَّرُ فَلَمْ يَلْحَقْهُ عَارٌ بِالْقَذْفِ لِظُهُورِ كَذِبِ الْقَاذِفِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ خَصِيًّا) بِفَتْحِ الْخَاءِ: مَنْ سُلَّتْ خُصْيَتَاهُ وَبَقِيَ ذَكَرُهُ وَالشَّارِحُ تَبِعَ فِي التَّعْبِيرِ بِهِ صَاحِبَ النَّهْرِ، وَهُوَ وَهْمٌ سَرَى مِنْ ذِكْرِ الْمَجْبُوبِ لِتَقَارُنِهِمَا فِي الْخَيَالِ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: بِخِلَافِ مَا لَوْ قَذَفَ خَصِيًّا أَوْ عِنِّينًا؛ لِأَنَّ الزِّنَا مِنْهُمَا مُتَصَوَّرٌ؛ لِأَنَّ لَهُمَا آلَةَ الزِّنَا. اهـ. ح (قَوْلُهُ أَوْ مِلْكٍ فَاسِدٍ) كَذَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ النُّتَفِ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ، وَهُوَ خِلَافُ نَصِّ الْمَذْهَبِ. فَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: رَجُلٌ اشْتَرَى جَارِيَةً شِرَاءً فَاسِدًا فَوَطِئَهَا ثُمَّ قَذَفَهُ إنْسَانٌ قَالَ عَلَى قَاذِفِهِ الْحَدُّ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَكَذَا فِي الْفَتْحِ قَالَ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ الْفَاسِدَ يُوجِبُ الْمِلْكَ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَثْبُتُ فِيهِ مِلْكٌ فَلِذَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ بِالْوَطْءِ فِيهِ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ اهـ وَنَحْوُهُ فِي ح عَنْ الْمُحِيطِ. قُلْت: وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِلْكِ الْفَاسِدِ مَا ظَهَرَ فِيهِ فَسَادُ الْمِلْكِ بِالِاسْتِحْقَاقِ، فَفِي الْخَانِيَّةِ: اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَقَذَفَهُ إنْسَانٌ لَا يُحَدُّ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ ارْتَدَّ) وَكَذَا لَوْ زَنَى أَوْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا أَوْ صَارَ مَعْتُوهًا أَوْ أَخْرَسَ أَوْ بَقِيَ كَذَلِكَ لَمْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ كَافِي الْحَاكِمِ. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ قَذَفَ خُنْثَى بَلَغَ مُشْكِلًا لَا يُحَدُّ. قَالَ: وَوَجْهُهُ أَنَّ نِكَاحَهُ مَوْقُوفٌ وَهُوَ لَا يُفِيدُ الْحِلَّ. اهـ. وَاعْتَرَضَهُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا دَخْلَ لِلنِّكَاحِ الْبَاتِّ الْمُفِيدِ لِلْحِلِّ فِي إيجَابِ حَدِّ الْقَذْفِ. حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَى عَدَمِهِ عَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ، وَإِنَّمَا ذَاكَ فِي حَدِّ الزِّنَا. اهـ. قُلْت: مُرَادُ النَّهْرِ أَنَّ الْخُنْثَى لَوْ تَزَوَّجَ وَدَخَلَ فَقَذَفَهُ آخَرُ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ إذْ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ إلَّا إذَا زَالَ الْإِشْكَالُ (قَوْلُهُ بِصَرِيحِ الزِّنَا) بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَغَيْرُهَا. وَاحْتُرِزَ عَمَّا لَوْ قَالَ وَطِئَك فُلَانٌ وَطْئًا حَرَامًا أَوْ جَامَعَك حَرَامًا فَلَا حَدَّ بَحْرٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ فَجَرْت بِفُلَانَةَ أَوْ عِرْضٍ فَقَالَ لَسْت بِزَانٍ كَمَا فِي الْكَافِي، وَفِيهِ: وَإِنْ قَالَ قَدْ أُخْبِرْت بِأَنَّك زَانٍ أَوْ أَشْهَدَنِي رَجُلٌ عَلَى شَهَادَتِهِ إنَّك زَانٍ، أَوْ قَالَ اذْهَبْ فَقُلْ لِفُلَانٍ إنَّك زَانٍ فَذَهَبَ الرَّسُولُ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَدٌّ (قَوْلُهُ عَلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ) وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: أَنْتَ أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ أَوْ أَزَنَى النَّاسِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَعَلَّلَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتَ أَقْدَرُ النَّاسِ عَلَى الزِّنَا وَنَقَلَ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنْتَ أَزَنَى النَّاسِ أَوْ أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَفِي أَنْتَ أَزَنَى مِنِّي لَا حَدَّ عَلَيْهِ اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 وَمِثْلُهُ النَّيْكُ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ شَرْحِ الْمَنَارِ؛ وَلَوْ قَالَ يَا زَانِئُ بِالْهَمْزِ لَمْ يُحَدَّ شَرْحُ تَكْمِلَةٍ (أَوْ) بِقَوْلِهِ (زَنَأْت فِي الْجَبَلِ) بِالْهَمْزِ فَإِنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْفَاحِشَةِ وَالصُّعُودِ. وَحَالَةُ الْغَضَبِ تُعَيِّنُ الْفَاحِشَةَ (أَوْ لَسْتَ لِأَبِيك) وَلَوْ زَادَ وَلَسْتَ لِأُمِّك أَوْ قَالَ لَسْت لِأَبَوَيْك فَلَا حَدَّ (أَوْ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ لِأَبِيهِ) الْمَعْرُوفِ بِهِ (وَ) الْحَالُ أَنَّ (أُمَّهُ مُحْصَنَةٌ) لِأَنَّهَا الْمَقْذُوفَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ إذْ الْمُعْتَبَرُ إحْصَانُ الْمَقْذُوفَةِ لَا الطَّالِبِ شُمُنِّيٌّ (فِي غَضَبٍ) يَتَعَلَّقُ بِالصُّوَرِ الثَّلَاثِ   [رد المحتار] قُلْت: وَوَجْهُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ النِّسْبَةَ إلَى الزِّنَا صَرِيحًا. وَمَا فِي الْمَبْسُوطِ نَاظِرٌ إلَى احْتِمَالِ التَّأْوِيلِ، وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ التَّفْرِقَةِ مُشْكِلٌ. وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ فِيهِ نِسْبَةُ فُلَانٍ إلَى الزِّنَا وَتَشْرِيكُ الْمُخَاطَبِ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْقَذْفِ، بِخِلَافِ أَنْتَ أَزَنَى مِنِّي؛ لِأَنَّ فِيهِ نِسْبَةَ نَفْسِهِ إلَى الزِّنَا وَذَلِكَ غَيْرُ قَذْفٍ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا لِلْمُخَاطَبِ أَنَّهُ تَشْرِيكٌ لَهُ فِيمَا لَيْسَ بِقَذْفٍ (قَوْلُهُ عَنْ شَرْحِ الْمَنَارِ) أَيْ لِابْنِ مَالِكٍ فِي بَحْثِ الْكِنَايَةِ. اهـ. ح. قُلْت: وَمِثْلُهُ فِي الْمُغْرِبِ حَيْثُ قَالَ: النَّيْكُ مِنْ أَلْفَاظِ الصَّرِيحِ فِي بَابِ النِّكَاحِ، وَمِنْهُ حَدِيثُ مَاعِزٍ " أَنِكْتَهَا؟ قَالَ نَعَمْ " (قَوْلُهُ لَمْ يُحَدَّ) الظَّاهِرُ أَنَّ ذِكْرَ لَمْ سَبْقُ قَلَمٍ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ يَا زَانِئُ بِرَفْعِ الْهَمْزَةِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ إذَا قَالَ عَنَيْت بِهِ الصُّعُودَ عَلَى شَيْءٍ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ وَيُحَدُّ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ مَعَ الْهَمْزِ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ الصُّعُودُ إذَا ذُكِرَ مَقْرُونًا بِمَحِلِّ الصُّعُودِ، يُقَالُ زَانِئُ الْجَبَلِ وَزَانِئُ السَّطْحِ، أَمَّا غَيْرُ مَقْرُونٍ بِمَحِلِّ الصُّعُودِ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ الزِّنَا إلَّا أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَهْمِزُ اللِّينَ وَقَدْ تُلِينُ الْهَمْزَةَ، فَقَدْ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ فَلَا يُصَدَّقُ اهـ ح. قُلْت: وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ صَرَّحَ بِالْخِلَافِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ فَقَالَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ، فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ بِقَوْلِهِ زَنَأْت فِي الْجَبَلِ) أَيْ وَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الصُّعُودَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَلَا يُحَدُّ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الصُّعُودِ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ بِالْهَمْزِ) فَلَوْ أَتَى بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ حُدَّ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ حَذَفَ الْجَبَلَ كَمَا أَفَادَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَلَوْ قَالَ عَنْ الْجَبَلِ، قِيلَ لَا يُحَدُّ وَجَزَمَ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ يُحَدُّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ الْأَوْجَهُ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْغَضَبِ تُعَيِّنُ تِلْكَ الْإِرَادَةَ وَكَوْنُهَا فَوْقَهُ، وَتَعَيُّنُ الصُّعُودِ مُسَلَّمٌ فِي غَيْرِ حَالَةِ السِّبَابِ نَهْرٌ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدِي (قَوْلُهُ فَلَا حَدَّ) لِلْكَذِبِ، وَلِأَنَّ فِيهِ نَفْيَ الزِّنَا؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْوِلَادَةِ نَفْيٌ لِلْوَطْءِ بَحْرٌ، وَكَذَا لَوْ نَفَاهُ عَنْ أُمِّهِ فَقَطْ لِلصِّدْقِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَيْسَ لِأُمِّهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِأَبِيهِ الْمَعْرُوفِ) أَيْ الَّذِي يُدْعَى لَهُ، وَكَذَا لَسْت مِنْ وَلَدِ فُلَانٍ أَوْ لَسْت لِأَبٍ أَوْ لَمْ يَلِدْك أَبُوك، بِخِلَافِ لَسْت مِنْ وِلَادَةِ فُلَانٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقَذْفٍ بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِأَبِيهِ الْمَعْرُوفِ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ نَفَاهُ عَنْ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ أَبِيهِ لَا عَمَّا لَوْ نَفَاهُ عَنْ أَبٍ مُطْلَقٍ شَامِلٍ لِأَبِيهِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنَّك ابْنُ فُلَانٍ لِغَيْرِ أَبِيهِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ مِنْ التَّفْصِيلِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا الْمَقْذُوفَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّ نَفْيَ نَسَبِهِ مِنْ أَبِيهِ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ زَانِيًا، فَلَزِمَ أَنَّ أُمَّهُ زَنَتْ مَعَ أَبِيهِ فَجَاءَتْ بِهِ مِنْ الزِّنَا نَهْرٌ وَنَحْوُهُ فِي الْفَتْحِ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْمَقْذُوفِ هُوَ الْأُمُّ وَحْدَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَوَّلًا، أَمَّا زِنَا الْأَبِ فَغَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِيهِ وَقَدْ نَفَى الْقَاذِفُ نَسَبَهُ عَنْ أَبِيهِ لَزِمَ مِنْهُ أَنَّ أُمَّهُ زَنَتْ بِرَجُلٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَبِ أَبُوهُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي يُدْعَى لَهُ كَمَا مَرَّ، نَعَمْ يَصِحُّ ذَلِكَ لَوْ أُرِيدَ بِالْأَبِ مَنْ خُلِقَ هُوَ مِنْ مَائِهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَذْفًا لِلْأُمِّ وَلِمَنْ عَلِقَتْ بِهِ مِنْ مَائِهِ لَا لِلْأَبِ الْمَعْرُوفِ، لَكِنَّهُ يُخَالِفُ قَوْلَهُ قَبْلَهُ لِأَبِيهِ الْمَعْرُوفِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ لَا الطَّالِبُ) هُوَ الَّذِي يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ كَمَا يَأْتِي، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الِابْنُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمَقْذُوفَةُ مَيِّتَةً، فَلَوْ حَيَّةً فَالطَّالِبُ هِيَ، وَعَلَى كُلٍّ فَالشَّرْطُ إحْصَانُهَا لَا إحْصَانُ ابْنِهَا (قَوْلُهُ فِي غَضَبٍ) إذْ فِي الرِّضَا يُرَادُ بِهِ الْمُعَاتَبَةُ بِنَفْيِ مُشَابَهَتِهِ لَهُ فِي أَسْبَابِ الْمُرُوءَةِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ يَتَعَلَّقُ بِالصُّوَرِ الثَّلَاثِ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْبَحْرِ، حَيْثُ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْغَضَبِ فِي الثَّانِيَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 (بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ) الْمُحْصَنِ لِأَنَّهُ حَقُّهُ (وَلَوْ) الْمَقْذُوفُ (غَائِبًا) عَنْ مَجْلِسِ الْقَاذِفِ (حَالَ الْقَذْفِ) وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ نَهْرٌ، بَلْ وَإِنْ أَمَرَهُ الْمَقْذُوفُ بِذَلِكَ شَرْحُ تَكْمِلَةٍ (وَيُنْزَعُ الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ فَقَطْ) إظْهَارًا لِلتَّخْفِيفِ بِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ، بِخِلَافِ حَدِّ شُرْبٍ وَزِنًا (لَا) يُحَدُّ (بِلَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ جَدِّهِ) لِصِدْقِهِ   [رد المحتار] بَلْ أَطْلَقَ فِيهَا تَبَعًا لِظَاهِرِ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ، لَكِنْ أَوَّلَهَا الشُّرَّاحُ فَأَجْرُوا التَّفْصِيلَ فِي الْكُلِّ. وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ الْمُحْصَنِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُحْصَنُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ: وَإِلَّا فَاشْتِرَاطُ الْإِحْصَانِ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، فَيَكُونُ إشَارَةً إلَى مَا بَحَثَهُ فِي الْقُنْيَةِ حَيْثُ نَقَلَ أَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ عَفِيفٍ فِي السِّرِّ لَهُ مُطَالَبَةُ الْقَاذِفِ دِيَانَةً، ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ زَانِيًا لَمْ يَكُنْ قَذْفُهُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ، وَأَيَّدَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ رَفْعَ الْعَارِ مُجَوَّزٌ لَا مُلْزَمٌ وَإِلَّا لَامْتَنَعَ عَفْوُهُ عَنْهُ وَأُجْبِرَ عَلَى الدَّعْوَى وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ. اهـ. قُلْت: بَلْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَحَسُنَ أَنْ لَا يَرْفَعَ الْقَاذِفُ إلَى الْقَاضِي وَلَا يُطَالِبَهُ بِالْحَدِّ، وَحَسُنَ مِنْ الْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ لَهُ قَبْلَ الثُّبُوتِ أَعْرِضْ عَنْهُ وَدَعْهُ. اهـ. فَحَيْثُ كَانَ الطَّلَبُ غَيْرَ لَازِمٍ، بَلْ يَحْسُنُ تَرْكُهُ فَكَيْفَ يَحِلُّ طَلَبُهُ دِيَانَةً إذَا كَانَ الْقَاذِفُ صَادِقًا (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ) عِبَارَةُ النَّهْرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّهُ مِنْ حَيْثُ دَفْعُ الْعَارِ عَنْهُ اهـ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الشَّرْعِ أَيْضًا، بَلْ هُوَ الْغَالِبُ فِيهِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ الْمَقْذُوفُ غَائِبًا إلَخْ) ذَكَرَ هَذَا التَّعْمِيمَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْمُضْمَرَاتِ وَاعْتَمَدَهُ فِي الدُّرَرِ وَقَالَ: وَلَا بُدَّ مِنْ حِفْظِهِ فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ مِنَحٌ. قُلْت: وَلَعَلَّهُ يُشِيرُ إلَى ضَعْفِ مَا فِي حَاوِي الزَّاهِدِيِّ: سَمِعَ مِنْ أُنَاسٍ كَثِيرَةٍ أَنَّ فُلَانًا يَزْنِي بِفُلَانَةَ فَتَكَلَّمَ مَا سَمِعَهُ مِنْهُمْ لِآخَرَ مَعَ غَيْبَةِ فُلَانٍ لَا يَجِبُ حَدُّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ غَيْبَةٌ لَا رَمْيٌ وَقَذْفٌ بِالزِّنَا؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ وَالْقَذْفَ بِهِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْخِطَابِ كَقَوْلِهِ يَا زَانِي أَوْ يَا زَانِيَةُ (قَوْلُهُ حَالَ الْقَذْفِ) احْتِرَازٌ عَنْ حَالِ الْحَدِّ، لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ: غَابَ الْمَقْذُوفُ بَعْدَمَا ضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ لَمْ يَتِمَّ إلَّا وَهُوَ حَاضِرٌ لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ اهـ وَسَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ نَهْرٌ) لَمْ أَرَهُ فِي النَّهْرِ هُنَا وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ أَوَّلَ الْبَابِ عَنْ الْبُلْقِينِيِّ الشَّافِعِيُّ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَمَرَهُ الْمَقْذُوفُ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْقَذْفِ؛ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ غَالِبٌ وَلِذَا لَمْ يَسْقُطْ بِالْعَفْوِ كَمَا يَأْتِي بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِآخَرَ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ حَيْثُ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَيَصِحُّ عَفْوُهُ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَيُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ) ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ وُصُولَ الْأَلَمِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ ذُو بِطَانَةٍ غَيْرُ مَحْشُوٍّ لَا يُنْزَعُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فَوْقَ قَمِيصٍ نُزِعَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعَ الْقَمِيصِ كَالْحَشْوِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ حَدِّ شُرْبٍ وَزِنًا) فَإِنَّهُ فِيهِمَا يُجَرَّدُ مِنْ ثِيَابِهِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لِصِدْقِهِ) ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ نَفْيُ كَوْنِهِ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ. وَاعْتَرَضَهُمْ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ فِي نَفْيِهِ عَنْ أَبِيهِ احْتِمَالَ هَذَا مَعَ احْتِمَالِ الْمَجَازِ وَهُوَ نَفْيُ الْمُشَابَهَةِ. وَقَدْ حَكَّمُوا حَالَةَ الْغَضَبِ فَجَعَلُوهَا قَرِينَةً عَلَى إرَادَةِ الْمَعْنَى الثَّانِي الْمَجَازِيِّ. وَنَفْيُهُ عَنْ جَدِّهِ لَهُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ أَيْضًا وَهُوَ نَفْيُ الْمُشَابَهَةِ، وَمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ نَفْيُ كَوْنِهِ أَبًا أَعْلَى لَهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ أَبُوهُ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ بَلْ زَنَتْ بِهِ جَدَّتُهُ، وَحَالَةُ الْغَضَبِ تُعَيِّنُ هَذَا الْأَخِيرَ، إذْ لَا مَعْنَى لِإِخْبَارِهِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ بِأَنَّك لَمْ تُخْلَقْ مِنْ مَاءِ جَدِّك، وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا أَنْ يُوجَدَ إجْمَاعٌ فِيهِ عَلَى نَفْيِ التَّفْصِيلِ كَالْإِجْمَاعِ عَلَى ثُبُوتِهِ هُنَاكَ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَقَدْ يُجَابُ بِالْفَرْقِ، وَهُوَ أَنَّ نَفْيَهُ عَنْ أَبِيهِ قَذْفٌ صَرِيحٌ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ، وَحَالَةُ الْغَضَبِ تَنْفِي احْتِمَالَ الْمَجَازِ وَهُوَ الْمُعَاتَبَةُ بِنَفْيِ الْمُشَابَهَةِ فِي الْأَخْلَاقِ، فَقَدْ سَاعَدَتْ الْقَرِينَةُ الْحَقِيقَةَ، بِخِلَافِ نَفْيِهِ عَنْ جَدِّهِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ لَيْسَ قَذْفًا بَلْ هُوَ صِدْقٌ، لَكِنْ الْقَرِينَةُ وَهِيَ حَالَةُ الْغَضَبِ تَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْقَذْفِ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ الْعُدُولُ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ لِإِثْبَاتِ الْحَدِّ، وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يُحْتَاطُ فِي دَرْئِهِ لَا فِي إثْبَاتِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 (وَبِنِسْبَتِهِ إلَيْهِ أَوْ إلَى خَالِهِ أَوْ إلَى عَمِّهِ أَوْ رَابِّهِ) بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ: مُرَبِّيهِ وَلَوْ غَيْرَ زَوْجِ أُمِّهِ زَيْلَعِيٌّ لِأَنَّهُمْ آبَاءٌ مَجَازًا (وَلَا بِقَوْلِهِ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ) وَفِيهِ نَظَرٌ ابْنُ كَمَالٍ (وَلَا) بِقَوْلِهِ (يَا نَبَطِيُّ) لِعَرَبِيٍّ فِي النَّهْرِ مَتَى نَسَبَهُ لِغَيْرِ قَبِيلَتِهِ أَوْ نَفَاهُ عَنْهَا عُزِّرَ، وَفِيهِ يَا فَرْخَ الزِّنَا يَا بَيْضَ الزِّنَا يَا حَمْلَ الزِّنَا يَا سَخْلَةَ الزِّنَا قَذْفٌ، بِخِلَافِ يَا كَبْشَ الزِّنَا أَوْ يَا حَرَامُ زَادَهُ   [رد المحتار] مِنْ أَنْ يَأْتِيَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ بِكَلَامٍ مُوهِمٍ لِلشَّتْمِ وَالسَّبِّ بِظَاهِرِهِ ويُرِيدُ بِهِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ احْتِيَالًا لِدَرْءِ الْحَدِّ عَنْهُ، وَلِصِيَانَةِ دِيَانَتِهِ مِنْ إرَادَةِ الْمُنْكَرِ وَالزُّورِ الَّذِي هُوَ مِنْ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ بَلْ حَالُ الْمُسْلِمِ يَقْتَضِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ نَفْيِهِ عَنْ أَبِيهِ فَإِنَّهُ قَذْفٌ صَرِيحٌ بِحَقِيقَتِهِ مَعَ زِيَادَةِ الْقَرِينَةِ كَمَا قُلْنَا، فَفِي الْعُدُولِ عَنْهُ تَفْوِيتُ حَقِّ الْمَقْذُوفِ بِلَا مُوجِبٍ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ وَبِنِسْبَتِهِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى جَدِّهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ أَنْتَ ابْنُ فُلَانٍ لِجَدِّهِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُمْ آبَاءٌ مَجَازًا) أَمَّا الْجَدُّ فَلِأَنَّهُ الْأَبُ الْأَعْلَى، وَأَمَّا الْخَالُ فَلِمَا أَخْرَجَهُ الدَّيْلَمِيُّ فِي الْفِرْدَوْسِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «الْخَالُ وَالِدُ مَنْ لَا وَالِدَ لَهُ» " وَأَمَّا الْعَمُّ، فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: 133]- فَإِنَّ إسْمَاعِيلَ كَانَ عَمًّا لِيَعْقُوبَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَأَمَّا الرَّابُّ فَلِلتَّرْبِيَةِ، وَقِيلَ فِي قَوْلِ نُوحٍ - {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: 45]- إنَّهُ كَانَ ابْنَ امْرَأَتِهِ أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا بِقَوْلِهِ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْجُودِ وَالسَّمَاحَةِ؛ لِأَنَّ مَاءَ السَّمَاءِ لُقِّبَ بِهِ عَامِرُ بْنُ حَارِثَةَ الْأَزْدِيُّ؛؛ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِ الْقَحْطِ كَانَ يُقِيمُ مَالَهُ مَقَامَ الْقَطْرِ فَهُوَ كَالسَّمَاءِ عَطَاءً وَجُودًا، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ) ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْغَضَبِ تَأْبَى عَنْ قَصْدِ التَّشْبِيهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ كَمَالٍ. قُلْت: وَقَدْ أَوْرَدَ هَذَا فِي الْفَتْحِ سُؤَالًا. وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعْهَدْ اسْتِعْمَالُهُ لِنَفْيِ النَّسَبِ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُرَادُ بِهِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ التَّهَكُّمَ بِهِ عَلَيْهِ كَمَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ لَسْت بِعَرَبِيٍّ لِمَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ لِلنَّفْيِ يُحْمَلُ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ عَلَى سَبِّهِ بِنَفْيِ الشَّجَاعَةِ وَالسَّخَاءِ لَيْسَ غَيْرُ. اهـ. قُلْت: وَاسْتِعْمَالُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي التَّهَكُّمِ سَائِغٌ لُغَةً وَشَائِعٌ عُرْفًا، كَمَا يُقَالُ فِي حَالِ الْخِصَامِ يَا ابْنَ النَّبِيِّ يَا ابْنَ الْكِرَامِ يَا كَامِلُ يَا مُؤَدَّبُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُقْصَدُ حَقِيقَتُهُ فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ اسْمُهُ مَاءُ السَّمَاءِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ يُحَدُّ فِي حَالِ السِّبَابِ. بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. قُلْت: لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ مَشْهُورًا بِالْكَرَمِ وَنَحْوِهِ وَإِلَّا فَهُوَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، وَلَا خُصُوصِيَّةَ أَيْضًا لِهَذَا الِاسْمِ بَلْ مِثْلُهُ كُلُّ اسْمٍ مَشْهُورٍ بِصِفَةٍ جَمِيلَةٍ أَوْ قَبِيحَةٍ، فَابْنُ مَاءِ السَّمَاءِ وَالنَّبَطِيُّ مِثَالَانِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ يَا نَبَطِيُّ) النَّبَطُ: جِيلٌ مِنْ النَّاسِ كَانُوا يَنْزِلُونَ سَوَادَ الْعِرَاقِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي أَخْلَاطِ النَّاسِ وَعَوَامِّهِمْ وَالْجَمْعُ أَنْبَاطٌ مِثْلُ سَبَبٍ وَأَسْبَابٍ الْوَاحِدُ نَبَاطِيٌّ بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّهَا وَبِزِيَادَةِ الْأَلْفِ مِصْبَاحٌ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْبَحْرِ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ أَوْ الرِّضَا (قَوْلُهُ فِي النَّهْرِ إلَخْ) عِبَارَتُهُ: يَنْبَغِي أَنْ يُعَزَّرَ بِهِ: أَيْ بِقَوْلِهِ يَا نَبَطِيُّ؛ لِأَنَّ النِّسْبَةَ إلَى الْأَخْلَاقِ الدَّنِيئَةِ تُجْعَلُ شَتْمًا فِي الْغَضَبِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ قَالَ لِهَاشِمِيٍّ لَسْت بِهَاشِمِيٍّ عُزِّرَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ نَسَبَهُ لِغَيْرِ قَبِيلَتِهِ أَوْ نَفَاهُ عَنْهَا (قَوْلُهُ وَفِيهِ) أَيْ فِي النَّهْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ يَا حَمَلَ الزِّنَا) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُحَرَّكُ الْمِيمِ بِقَرِينَةِ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ: وَهُوَ وَلَدُ الضَّأْنِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَالسَّخْلَةُ تُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الضَّأْنِ سَاعَةَ تُولَدُ وَالْجَمْعُ سِخَالٌ وَتُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى سَخْلٍ مِثْلُ تَمْرَةٍ وَتَمْرٍ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ قَذْفٌ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُنْبِئُ عَنْ الْوِلَادَةِ فَكَانَتْ بِمَعْنَى يَا وَلَدَ الزِّنَا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ يَا كَبْشَ الزِّنَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ أَوْ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى سَيِّدِ الْقَوْمِ وَقَائِدِهِمْ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ يَا حَرَامُ زَادَهُ) ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْوَطْءِ الْحَرَامِ فَيَعُمُّ حَالَةَ الْحَيْضِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 قُنْيَةٌ؛ وَفِيهَا: لَوْ جَحَدَ أَبُوهُ نَسَبَهُ فَلَا حَدَّ (وَلَا) حَدَّ (بِقَوْلِهِ لِامْرَأَةٍ زَنَيْت بِبَعِيرٍ أَوْ بِثَوْرٍ أَوْ بِحِمَارٍ أَوْ بِفَرَسٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا شَرْعًا (بِخِلَافِ زَنَيْت بِبَقَرَةٍ أَوْ بِشَاةٍ) أَوْ بِنَاقَةٍ أَوْ بِحَمَارَةٍ (أَوْ بِثَوْبٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ) فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْإِيلَاجِ فَيُرَادُ زَنَيْت وَأَخَذْت الْبَدَلَ، وَلَوْ قِيلَ هَذَا لِرَجُلٍ فَلَا حَدَّ لِعَدَمِ الْعُرْفِ بِأَخْذِهِ لِلْمَالِ (وَ) إنَّمَا (يَطْلُبُهُ بِقَذْفِ الْمَيِّتِ مَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ) بِسَبَبِ (قَذْفِهِ) أَيْ الْمَيِّتَ (وَهُمْ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ وَإِنْ عَلَوْا أَوْ سَفَلُوا؛ وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ) مَحْجُوبًا أَوْ (مَحْرُومًا مِنْ الْمِيرَاثِ) بِقَتْلٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ كُفْرٍ (أَوْ وَلَدَ بِنْتٍ) وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ أَوْ عَفْوِهِ أَوْ تَصْدِيقِهِ   [رد المحتار] الشَّارِحُ مَعَ دَفْعِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ (قَوْلُهُ وَفِيهَا) أَيْ فِي الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ فَلَا حَدَّ) أَيْ عَلَى قَاذِفِ الْوَلَدِ بِقَوْلِهِ يَا وَلَدَ الزِّنَا (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا) ؛ لِأَنَّ الزِّنَا إدْخَالُ رَجُلٍ ذَكَرَهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَيُرَادُ زَنَيْتِ وَأَخَذْتِ الْبَدَلَ) أَيْ بِلَا اسْتِئْجَارٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَإِنْ قِيلَ بَلْ مَعْنَاهُ زَنَيْت بِدِرْهَمٍ اُسْتُؤْجِرَتْ عَلَيْهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحَدَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: قُلْنَا: هَذَا مُحْتَمَلٌ أَيْضًا فَيَتَقَابَلُ الْمُحْتَمَلَانِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ زَنَيْت (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْعُرْفِ بِأَخْذِهِ لِلْمَالِ) هَكَذَا عَلَّلَ فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ كَمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْآخِذَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الدَّافِعَ بَلْ هُوَ الْأَظْهَرُ بِقَرِينَةِ الْعُرْفِ، وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ يَدْفَعُ الْمَالَ بِمُقَابَلَةِ الزِّنَا، نَعَمْ قَدْ يَأْخُذُ عَلَى اللِّوَاطَةُ بِهِ بَدَلًا، لَكِنْ الْكَلَامُ فِي الزِّنَا، وَاللُّوَاطَةُ غَيْرُهُ فَتَأَمَّلْ، وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا مَا فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ زَنَيْت بِبَعِيرٍ أَوْ بِنَاقَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَسَبَهُ إلَى إتْيَانِ الْبَهِيمَةِ، فَإِنْ قَالَ بِأَمَةٍ أَوْ دَارٍ أَوْ ثَوْبٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَطْلُبُهُ) أَيْ الْحَدَّ (قَوْلُهُ بِسَبَبِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْقَدْحِ (قَوْلُهُ وَهُمْ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ) شَمِلَ الْأُصُولُ الْجَدَّ، وَلَا يُخَالِفُهُ قَوْلُ الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ جَدُّك زَانٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُدْرَى أَيُّ جَدٍّ هُوَ. وَفِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّ فِي أَجْدَادِهِ مَنْ هُوَ كَافِرٌ فَلَا يَكُونُ قَاذِفًا مَا لَمْ يُعَيِّنْ مُسْلِمًا بِخِلَافِ أَنْتَ ابْنُ ابْنِ الزَّانِي؛ لِأَنَّهُ قَذْفٌ لِجَدِّهِ الْأَدْنَى وَشَمِلَ أَيْضًا الْأُمَّ فَتُطَالِبُ بِقَذْفِ وَلَدِهَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْأُصُولِ أَبُو الْأُمِّ وَأُمُّ الْأُمِّ، وَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ ذِكْرِهِ أَبَا الْأَبِ بَدَلَ أَبِي الْأُمِّ سَبْقُ قَلَمٍ فَإِنَّ الْمَوْجُودَ فِي الْخَانِيَّةِ أَبُو الْأُمِّ. وَخَرَجَ الْأَخُ وَالْعَمُّ وَالْعَمَّةُ وَالْمَوْلَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، أَفَادَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَالْمُرَادُ بِالْأَخِ وَالْعَمِّ أَخُو الْمَيِّتِ وَعَمُّهُ (قَوْلُهُ مَحْجُوبًا) كَالْجَدِّ أَوْ ابْنِ الِابْنِ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ أَوْ الِابْنِ ط (قَوْلُهُ أَوْ رِقٍّ أَوْ كُفْرٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إحْصَانُ الطَّالِبِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ أَوْ وَلَدَ بِنْتٍ) فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِقَذْفِ جَدِّهِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ خِلَافُهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الشَّيْنَ يَلْحَقُهُ إذْ النَّسَبُ ثَابِتٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ بَحْرٌ أَيْ طَرَفِ الْأَبِ وَطَرَفِ الْأُمِّ. قُلْت: وَيُشْكِلُ اسْتِثْنَاءُ أَبِي الْأُمِّ وَأُمِّ الْأُمِّ مِنْ الْأُصُولِ كَمَا مَرَّ، فَلَيْسَ لَهُمَا الطَّلَبُ بِقَذْفِ وَلَدِ الْبِنْتِ وَهُنَا أَثْبَتُوا لِابْنِ الْبِنْتِ الطَّلَبَ بِقَذْفِ أَحَدِهِمَا. وَيُمْكِنُ دَفْعُ الْإِشْكَالِ بِكَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَارِّ مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَلْيُتَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ فِي الشَّرَفِ مِنْ الْأُمِّ ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِالنَّسَبِ الْجُزْئِيَّةُ فَإِنَّهَا مَبْنَى ثُبُوتِ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ هُنَا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَإِلَّا فَالنَّسَبُ لِلْأَبِ فَقَطْ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ابْنَ الشَّرِيفَةِ شَرِيفٌ، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا إنَّ الشَّرَفَ مِنْ الْأُمِّ فَقَطْ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَمَا فِي أَوَاخِرِ فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، نَعَمْ لَهُ مَزِيَّةٌ فِي الْجُمْلَةِ. اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا يَطْلُبُهُ إلَخْ، وَدَخَلَ الْمُسَاوِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 لِلُحُوقِهِمْ الْعَارُ بِسَبَبِ الْجُزْئِيَّةِ، قَيَّدَ بِالْمَيِّتِ لِعَدَمِ مُطَالَبَتِهِمْ فِي الْغَائِبِ لِجَوَازِ تَصْدِيقِهِ إذَا حَضَرَ. (قَالَ يَا بْنَ الزَّانِيَيْنِ وَقَدْ مَاتَ أَبَوَيْهِ فَعَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ) لِلتَّدَاخُلِ الْآتِي ثُمَّ مَوْتِ أَبَوَيْهِ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ فَائِدَتُهُ فِي الْمُطَالَبَةِ. ذَكَرَ فِي آخِرِ الْمَبْسُوطِ أَنَّ مَعْتُوهَةً قَالَتْ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ فَجَاءَ بِهَا إلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَاعْتَرَفَتْ فَحَدَّهَا حَدَّيْنِ فِي الْمَسْجِدِ فَبَلَغَ أَبَا حَنِيفَةَ، فَقَالَ أَخْطَأَ فِي سَبْعِ مَوَاضِعَ: بَنَى الْحُكْمَ عَلَى إقْرَارِ الْمَعْتُوهَةِ، وَأَلْزَمَهَا الْحَدَّ، وَحَّدَهَا حَدَّيْنِ، وَأَقَامَهُمَا مَعًا، وَفِي الْمَسْجِدِ، وَقَائِمَةً، وَبِلَا حَضْرَةِ وَلِيِّهَا. وَقَالَ فِي الدُّرَرِ: وَلَمْ يَتَعَرَّفْ أَنَّ أَبَوَيْهِ حَيَّانِ فَتَكُونُ الْخُصُومَةُ لَهُمَا أَوْ مَيِّتَانِ فَتَكُونُ الْخُصُومَةُ لِلِابْنِ. (اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ) بِأَنْ قَذَفَ وَشَرِبَ وَسَرَقَ وَزَنَى غَيْرَ مُحْصَنٍ (يُقَامُ عَلَيْهِ الْكُلُّ) بِخِلَافِ الْمُتَّحِدِ (وَلَا يُوَالِي بَيْنَهَا خِيفَةَ الْهَلَاكِ) بَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يَبْرَأَ (فَيَبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ) لِحَقِّ الْعَبْدِ (ثُمَّ هُوَ) أَيْ الْإِمَامُ (مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ بَدَأَ بِحَدِّ الزِّنَا وَإِنْ شَاءَ بِالْقَطْعِ) لِثُبُوتِهِمَا بِالْكِتَابِ (وَيُؤَخِّرُ حَدَّ الشُّرْبِ) لِثُبُوتِهِ بِاجْتِهَادِ الصَّحَابَةِ، وَلَوْ فَقَأَ أَيْضًا بَدَأَ بِالْفَقْءِ ثُمَّ بِالْقَذْفِ ثُمَّ يُرْجَمُ لَوْ مُحْصَنًا وَلَغَا غَيْرُهَا بَحْرٌ.   [رد المحتار] بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ لِلُحُوقِهِمْ الْعَارُ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ وَالْعَارُ بِالرَّفْعِ فَاعِلُ الْمَصْدَرِ ط (قَوْلُهُ بِسَبَبِ الْجُزْئِيَّةِ) أَيْ كَوْنِ الْمَيِّتِ جُزْءًا مِنْهُمْ أَوْ كَوْنِهِمْ جُزْءًا مِنْهُ ط (قَوْلُهُ فِي الْغَائِبِ) أَيْ فِي قَذْفِ الْغَائِبِ، وَكَذَا فِي الْحَاضِرِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ لِلتَّدَاخُلِ الْآتِي) أَيْ فِي آخِرِ الْبَابِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ فُرُوعِ تِلْكَ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهَا هُنَاكَ (قَوْلُهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ) أَيْ فِي التَّدَاخُلِ فَإِنَّ عَلَيْهِ حَدًّا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَا حَيَّيْنِ (قَوْلُهُ بَلْ فَائِدَتُهُ فِي الْمُطَالَبَةِ) أَيْ فِي ثُبُوتِ الْمُطَالَبَةِ لِلِابْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا حَيَّيْنِ فَإِنَّ الطَّلَبَ لَهُمَا ط عَنْ الْمِنَحِ (قَوْلُهُ فَجَاءَ بِهَا) الَّذِي رَأَيْته فِي الْمَبْسُوطِ: فَأَتَى بِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا: إنَّ مِنْ مَوَاضِعِ الْخَطَأِ أَنَّهُ ضَرَبَهَا بِغَيْرِ خَصْمٍ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ لَمْ يَرْفَعْهَا إلَيْهِ (قَوْلُهُ عَلَى إقْرَارِ الْمَعْتُوهَةِ) وَإِقْرَارُهَا هَدَرٌ مَبْسُوطٌ (قَوْلُهُ وَأَلْزَمَهَا الْحَدَّ) وَالْمَعْتُوهَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ مَبْسُوطٌ: أَيْ لَا يَلْزَمُهَا الْحَدُّ، وَلَوْ ثَبَتَ عَلَيْهَا ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ فَإِلْزَامُهَا بِهِ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ، وَكَوْنُهُ بِإِقْرَارِهَا خَطَأٌ آخَرُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَحَدَّهَا حَدَّيْنِ) وَمَنْ قَذَفَ جَمَاعَةً لَا يُقَامُ عَلَيْهِ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ مَبْسُوطٌ (قَوْلُهُ وَأَقَامَهُمَا مَعًا) وَمَنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حَدَّانِ لَا يُوَالِي بَيْنَهُمَا كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَفِي الْمَسْجِدِ) وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ فِي الْمَسْجِدِ مَبْسُوطٌ (قَوْلُهُ وَقَائِمَةً) وَإِنَّمَا تُضْرَبُ الْمَرْأَةُ قَاعِدَةً مَبْسُوطٌ (قَوْلُهُ وَبِلَا حَضْرَةِ وَلِيِّهَا) وَإِنَّمَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْمَرْأَةِ بِحَضْرَةِ وَلِيِّهَا، حَتَّى إذَا انْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهَا فِي اضْطِرَابِهَا سَتَرَ الْوَلِيُّ ذَلِكَ عَلَيْهَا مَبْسُوطٌ، فَالْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ مَنْ يَحِلُّ نَظَرُهُ إلَيْهَا مِنْ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ (قَوْلُهُ وَقَالَ فِي الدُّرَرِ إلَخْ) وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ غَيْرَ مُحْصَنٍ) يَأْتِي مُحْتَرَزُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُتَّحِدِ) فَإِنَّهُ يَتَدَاخَلُ كَمَا مَرَّ آنِفًا وَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَلَا يُوَالِي) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ قَبْلَهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْكُلُّ، وَيُحْتَمَلُ بِنَاؤُهُ لِلْفَاعِلِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فَيُبْدَأُ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْمُتَبَادِرِ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ حَيْثُ لَمْ يُفَسِّرْهُ بِالْإِمَامِ بَلْ فُسِّرَ بِهِ الضَّمِيرُ الْبَارِزُ فَقَطْ، وَإِلَّا كَانَ الْمُنَاسِبُ تَقْدِيمَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِحَقِّ الْعَبْدِ) أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَلَوْ فَقَأَ) أَيْ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ نَهْرٌ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ذَهَابُ الْبَصَرِ رَمْلِيٌّ: أَيْ لَا إذْهَابُ الْحَدَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْقِصَاصُ، إذْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ مَعَ هَذِهِ الْجِنَايَاتِ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ إذْهَابِ الْبَصَرِ وَنَحْوِهِ فَيُبْدَأُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ الْعَبْدِ ثُمَّ بِالْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِحَقِّهِ (قَوْلُهُ لَوْ مُحْصَنًا) أَمَّا لَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ فَإِنَّهُ يُخْبِرُ؛ لِأَنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْكُلُّ وَلَا يُلْغَى شَيْءٌ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَغَا غَيْرُهَا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَلَوْ قَتَلَ ضُرِبَ لِلْقَذْفِ وَضُمِّنَ لِلسَّرِقَةِ ثُمَّ قُتِلَ وَتُرِكَ مَا بَقِيَ. وَيُؤْخَذُ مَا سَرَقَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِعَدَمِ قَطْعِهِ نَهْرٌ. (وَلَا يُطَالِبُ وَلَدٌ) أَيُّ فَرْعٍ وَإِنْ سَفَلَ (وَعَبْدٌ أَبَاهُ) أَيْ أَصْلَهُ وَإِنْ عَلَا (وَسَيِّدَهُ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ (بِقَذْفِ أُمِّهِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ) الْمُحْصَنَةِ (فَلَوْ كَانَ لَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ) أَوْ أَبٌ أَوْ نَحْوُهُ (مَلَكَ الطَّلَبَ) فِي النَّهْرِ. وَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ عُزِّرَ بَلْ بِشَتْمِ وَلَدِهِ يُعَزَّرُ (وَلَا إرْثَ) فِيهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَلَا رُجُوعَ) بَعْدَ إقْرَارٍ (وَلَا اعْتِيَاضَ) أَيْ أَخْذَ   [رد المحتار] هُوَ حَدُّ السَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ فَاتَ مَحِلُّهُ (قَوْلُهُ وَضَمِنَ لِلسَّرِقَةِ) يُغْنِي عَنْهُ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ، وَقَيَّدَ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ حَقُّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَتُرِكَ مَا بَقِيَ) أَيْ حَدُّ السَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ مَعَ الْقَتْلِ غَيْرُهُمَا. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَمَتَى اجْتَمَعَتْ الْحُدُودُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهَا قَتْلُ نَفْسٍ قُتِلَ وَتُرِكَ مَا سِوَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الزَّجْرُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، وَأَتَمُّ مَا يَكُونُ بِاسْتِيفَاءِ النَّفْسِ وَالِاشْتِغَالُ بِمَا دُونَهُ لَا يُفِيدُ. اهـ. وَفِي أَحْكَامِ الدِّينِ مِنْ الْأَشْبَاهِ مَا نَصُّهُ: وَلَمْ أَرَ إلَى الْآنَ مَا إذَا اجْتَمَعَ قَتْلُ الْقِصَاصِ وَالرِّدَّةِ وَالزِّنَا، وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْقِصَاصِ قَطْعًا لِحَقِّ الْعَبْدِ، وَأَمَّا إذَا اجْتَمَعَ قَتْلُ الزِّنَا وَالرِّدَّةِ، يَنْبَغِي تَقْدِيمُ الرَّجْمِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ مَقْصُودُهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا قُدِّمَ قَتْلُ الرِّدَّةِ فَإِنَّهُ يَفُوتُ الرَّجْمُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ قَطْعِهِ) فَإِنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَسْقُطُ لِضَرُورَةِ الْقَطْعِ وَلَمْ يُوجَدْ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَعَبْدٌ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ فَلِذَا أَفْرَدَ الضَّمِيرَ بَعْدَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَيْ أَصْلَهُ وَإِنْ عَلَا) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، فَلَا يُطَالِبُ أَبَاهُ أَوْ جَدَّهُ وَإِنْ عَلَا وَأُمَّهُ وَجَدَّتَهُ وَإِنْ عَلَتْ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ) أَيْ الْمَيِّتَةِ نَهْرٌ، فَلَوْ حَيَّةً كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ لَهَا كَمَا مَرَّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُمَا: أَيْ الْوَلَدَ وَالْعَبْدَ لَا يُطَالِبَانِ بِقَذْفِهِمَا بِالْأَوْلَى اهـ أَيْ بِقَذْفِ الْأَبِ وَالْمَوْلَى لَهُمَا (قَوْلُهُ الْمُحْصَنَةِ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ حُرَّةً (قَوْلُهُ أَوْ نَحْوُهُ) أَيْ كَالْأُمِّ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ مَلَكَ الطَّلَبَ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لِلْقَاذِفِ، فَسُقُوطُ حَقِّ بَعْضِهِمْ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ حَقِّ الْبَاقِينَ بَحْرٌ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لِلْقَاذِفِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ لَهُ الطَّلَبُ كَمَا أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ الْأَزْهَرِيُّ (قَوْلُهُ عُزِّرَ) ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا أَخْذًا مِمَّا فِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَالَ لِآخَرَ يَا حَرَامِي زَادَهُ لَا يُحَدُّ، وَلَوْ قَالَهُ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ يُعَزَّرُ، فَإِذَا وَجَبَ التَّعْزِيرُ بِالشَّتْمِ فَبِالْقَذْفِ أَوْلَى، فَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَفِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْوَالِدَ لَا يُعَاقَبُ بِسَبَبِ وَلَدِهِ، فَإِذَا كَانَ لِقَذْفٍ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا فَالشَّتْمُ أَوْلَى اهـ مَمْنُوعٌ نَهْرٌ. وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّ الْأَوْلَوِيَّةَ بِالْعَكْسِ كَمَا عَلِمْته، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْحَدِّ بِالْقَذْفِ سُقُوطُ التَّعْزِيرِ بِهِ لِسُقُوطِ الْحَدِّ بِشُبْهَةِ الْأُبُوَّةِ لِكَوْنِ الْغَالِبِ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْأَعْلَى سُقُوطُ الْأَدْنَى، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يُعَاقَبُ الْوَالِدُ بِسَبَبِ وَلَدِهِ يَشْمَلُ التَّعْزِيرَ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ فَبَقِيَ تَوَقُّعُ صَاحِبِ الْبَحْرِ عَلَى حَالِهِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يُعَاقِبْهُ لِأَجْلِ وَلَدِهِ بَلْ لِمُخَالَفَتِهِ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَلَا إرْثَ فِيهِ) أَيْ إذَا مَاتَ الْمَقْذُوفُ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ أَوْ بَعْدَ إقَامَةِ بَعْضِهِ بَطَلَ الْحَدُّ، وَلَيْسَ لِوَارِثِهِ إقَامَتُهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ مَيِّتًا فَإِنَّ الطَّلَبَ يَثْبُتُ لِأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ أَصَالَةً لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فِيهِ وَعَنْهُ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْكُلِّ، وَمَبْنَى الْخِلَافِ أَنَّ الْغَالِبَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ حَقُّ الشَّرْعِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ حَقُّ الْعَبْدِ، فَعِنْدَهُ يُورَثُ وَيَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَالْعَفْوُ وَالِاعْتِيَاضُ نَظَرًا إلَى جَانِبِ حَقِّ الْعَبْدِ، وَعِنْدَنَا بِالْعَكْسِ نَظَرًا إلَى جَانِبِ حَقِّهِ تَعَالَى وَبَيَانُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا اعْتِيَاضَ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْقَاذِفَ إذَا دَفَعَ شَيْئًا لِلْمَقْذُوفِ لِيُسْقِطَ حَقَّهُ رَجَعَ بِهِ. قَالَ الْمَوْلَى سَرِيُّ الدِّينِ فِي حَوَاشِي الزَّيْلَعِيِّ: وَهَلْ يَسْقُطُ الْحَدُّ إنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي؟ لَا يَسْقُطُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ سَقَطَ كَذَا فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ. اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 عِوَضٍ وَلَا صُلْحَ وَلَا عَفْوَ (فِيهِ. وَعَنْهُ) نَعَمْ لَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ فَلَا حَدَّ لَا لِصِحَّةِ الْعَفْوِ بَلْ لِتَرْكِ الطَّلَبِ، حَتَّى لَوْ عَادَ وَطَلَبَ حُدَّ شُمُنِّيٌّ وَلِذَا لَا يَتِمُّ الْحَدُّ إلَّا بِحَضْرَتِهِ. (قَالَ لِآخَرَ يَا زَانِي فَقَالَ الْآخَرُ) لَا (بَلْ أَنْتِ حُدَّا) لِغَلَبَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ مَثَلًا يَا خَبِيثُ فَقَالَ بَلْ أَنْتِ) لَمْ يُعَزَّرَا لِأَنَّهُ حَقُّهُمَا وَقَدْ تَسَاوَيَا فَ (تَكَافَآ) بِخِلَافِ مَا سَيَجِيءُ لَوْ تَشَاتَمَا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي أَوْ تَضَارَبَا لَمْ يَتَكَافَآ لِهَتْكِ مَجْلِسِ الشَّرْعِ وَلِتَفَاوُتِ الضَّرْبِ   [رد المحتار] قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَفْوُ عَنْ هَذَا التَّفْصِيلِ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ إنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالْعَفْوِ لِحَمْلِهِ عَلَى مَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ أَبُو السُّعُودِ. أَقُولُ: وَالْمَنْقُولُ خِلَافُهُ، فَفِي الْخَانِيَّةِ: وَلَا يَسْقُطُ هَذَا الْحَدُّ بِالْعَفْوِ وَلَا بِالْإِبْرَاءِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَكَذَا إذَا عَفَا قَبْلَ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا صُلْحَ) فَلَا يَجِبُ الْمَالُ وَسُقُوطُ الْحَدِّ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ. وَأَوْرَدَ أَنَّ الصُّلْحَ هُوَ الِاعْتِيَاضُ فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِهِ بَعْدَهُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الِاعْتِيَاضَ يَعُمُّ عَقْدَ الْبَيْعِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ ط (قَوْلُهُ وَلَا عَفْوَ) فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمَقْذُوفُ لَمْ يَقْذِفْنِي أَوْ كَذَبَ شُهُودِي فَيَظْهَرُ أَنَّ الْقَذْفَ لَمْ يَقَعْ مُوجِبًا لِلْحَدِّ لَا أَنَّهُ وَقَعَ ثُمَّ سَقَطَ وَهَذَا كَمَا إذَا صَدَّقَهُ الْمَقْذُوفُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِيهِ) مُتَعَلِّقٌ بِرُجُوعٍ، وَقَوْلُهُ وَعَنْهُ مُتَعَلِّقٌ بِاعْتِيَاضٍ وَمَا بَعْدَهُ فَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ (قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ عَفَا إلَخْ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى بَعْضِ مَعَاصِرِي صَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ تُوُهِّمَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْعَفْوِ أَنَّ الْقَاضِيَ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِ مَعَ عَفْوِ الْمَقْذُوفِ مُتَمَسِّكًا بِقَوْلِ الْفَتْحِ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ وَيُحَدُّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ فَفِي الْمَبْسُوطِ: لَا يَكُونُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ عِنْدَ طَلَبِهِ وَقَدْ تَرَكَهُ إلَّا إذَا عَادَ وَطَلَبَ حِينَئِذٍ يُقِيمُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ كَانَ لَغْوًا فَكَأَنَّهُ لَمْ يُخَاصِمْ. اهـ. قَالَ: فَتَعَيَّنَ حَمْلُ مَا فِي الْفَتْحِ عَلَى مَا إذَا عَادَ وَطَلَبَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِذَا إلَخْ) دَلِيلٌ آخَرُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى الرَّدِّ الْمَذْكُورِ، وهُوَ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ: لَوْ غَابَ الْمَقْذُوفُ بَعْدَ مَا ضُرِبَ الْحَدَّ لَمْ يَتِمَّ الْحَدُّ إلَّا وَهُوَ حَاضِرٌ لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ فَالْعَفْوُ الصَّرِيحُ أَوْلَى (قَوْلُهُ حُدَّا) أَيْ الْمُبْتَدِئُ وَالْمُجِيبُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَذَفَ صَاحِبَهُ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَكَذَا الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا بَلْ أَنْتَ زَانٍ إذْ هِيَ كَلِمَةُ عَطْفٍ يَسْتَدْرِكُ بِهِ الْغَلَطَ فَيَصِيرُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَوَّلِ خَبَرًا لِمَا بَعْدَ بَلْ بَحْرٌ، وَلَا يُحَدَّانِ إلَّا بِطَلَبِهِمَا وَلَوْ بَعْدَ الْعَفْوِ وَالْإِسْقَاطِ كَمَا مَرَّ، وَقَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِغَلَبَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى) فَلَوْ جُعِلَ قِصَاصًا يَلْزَمُ إسْقَاطُ حَقِّهِ تَعَالَى وَهُوَ لَا يَجُوزُ بَحْرٌ. قُلْت: وَلَعَلَّ اشْتِرَاطَ الطَّلَبِ وَلَوْ بَعْدَ الثُّبُوتِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا فِيهِ مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ مَثَلًا) أَيْ مِنْ كُلِّ لَفْظٍ غَيْرِ مُوجِبٍ لِحَدٍّ (قَوْلُهُ مَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ (قَوْلُهُ أَوْ تَضَارَبَا) أَيْ وَلَوْ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْبَحْرِ وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ (قَوْلُهُ لَمْ يَتَكَافَآ) فَيُعَزِّرُهُمَا وَيَبْدَأُ بِتَعْزِيرِ الْمُبْتَدِئِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَظْلَمُ كَمَا سَيَجِيءُ (قَوْلُهُ لِهَتْكِ مَجْلِسِ الشَّرْعِ) أَيْ هَتْكِ احْتِرَامِهِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَحْضَ حَقِّهِمَا حَتَّى يُعْتَبَرَ التَّسَاوِي فِيهِ، وَقَوْلُهُ وَلِتَفَاوُتِ الضَّرْبِ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ أَوْ تَضَارَبَا فَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. [تَنْبِيهٌ] لَوْ تَشَاتَمَا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي هَلْ لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُمَا؟ قَالَ فِي النَّهْرِ: لَمْ أَرَهُ وَالظَّاهِرُ لَا، بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَخَذْتَ الرِّشْوَةَ مِنْ خَصْمِي وَقَضَيْت عَلَيَّ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ وَالْفَرْقُ بَيِّنٌ. اهـ. مَطْلَبٌ هَلْ لِلْقَاضِي الْعَفْوُ عَنْ التَّعْزِيرِ قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا تَشَاتَمَا اسْتَوَيَا حَقَّهُمَا لَكِنَّهُمَا أَخَلَّا بِحُرْمَةِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَبَقِيَ مُجَرَّدُ حَقِّهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَخَذْت الرِّشْوَةَ فَلَهُ الْعَفْوُ. يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: لَوْ تَشَاتَمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَمْ يَنْتَهِيَا بِالنَّهْيِ، إنْ حَبَسَهُمَا وَعَزَّرَهُمَا فَهُوَ حَسَنٌ لِئَلَّا يَجْتَرِئَ بِذَلِكَ غَيْرُهُمَا فَيَذْهَبُ مَاءُ وَجْهِ الْقَاضِي، وَإِنْ عَفَا عَنْهُمَا فَهُوَ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 (وَلَوْ قَالَهُ لِعِرْسِهِ) وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ (فَرَدَّتْ بِهِ حُدَّتْ وَلَا لِعَانَ) الْأَصْلُ أَنَّ الْحَدَّيْنِ إذَا اجْتَمَعَا وَفِي تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا إسْقَاطُ الْآخَرِ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَاللِّعَانُ فِي مَعْنَى الْحَدِّ، وَلِذَا قَالُوا لَوْ قَالَ لَهَا يَا زَانِيَةُ بِنْتَ الزَّانِيَةِ بُدِئَ بِالْحَدِّ لِيَنْتَفِيَ اللِّعَانُ (وَلَوْ قَالَتْ) فِي جَوَابِهِ (زَنَيْت بِك) أَوْ مَعَك (هَدَرًا) أَيْ الْحَدُّ وَاللِّعَانُ لِلشَّكِّ قَيَّدَ بِالْخِطَابِ لِأَنَّهَا لَوْ أَجَابَتْهُ بِأَنْتَ أَزَنَى مِنِّي حُدَّ وَحْدَهُ خَانِيَّةٌ (وَلَوْ كَانَ) ذَلِكَ (مَعَ أَجْنَبِيَّةٍ حُدَّتْ دُونَهُ) لِتَصْدِيقِهَا. (أَقَرَّ بِوَلَدٍ ثُمَّ نَفَاهُ يُلَاعِنُ وَإِنْ عَكَسَ حُدَّ) لِلْكَذِبِ (وَالْوَلَدُ فِيهِمَا) لِإِقْرَارِهِ (وَلَوْ قَالَ لَيْسَ بِابْنِي وَلَا بِابْنِك فَهَدَرٌ) لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْوِلَادَةَ. (قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا زَانِي حُدَّ اتِّفَاقًا) لِأَنَّ الْهَاءَ تُحْذَفُ لِلتَّرْخِيمِ (وَلِرَجُلٍ يَا زَانِيَةَ لَا) وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُحَدُّ لِأَنَّ الْهَاءَ   [رد المحتار] إلَيْهِ فِي كُلِّ أَمْرٍ اهـ وَسَنَذْكُرُ فِي التَّعْزِيرِ الِاخْتِلَافَ فِي أَنَّ الْإِمَامَ هَلْ لَهُ الْعَفْوُ وَالتَّوْفِيقُ لِصَاحِبِ الْقُنْيَةِ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ فِي الْوَاجِبِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا كَانَ لِجِنَايَةٍ عَلَى الْعَبْدِ فَإِنَّ الْعَفْوَ فِيهِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَشَاتُمَهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي، وَقَوْلَهُ أَخَذْت الرِّشْوَةَ اجْتَمَعَ فِيهِ حَقُّ الشَّرْعِ مَعَ حَقِّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْقَاضِي وَتَرَجَّحَ فِيهِ حَقُّهُ فَكَانَ حَقَّ عَبْدٍ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ الْعَفْوُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَهُ لِعِرْسِهِ) أَيْ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ يَا زَانِيَةُ (قَوْلُهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهَا لَا يَكُونُ مُوجَبُ قَذْفِهِ لِعَانًا بَلْ حَدًّا فَيُحَدُّ. اهـ. ح عَنْ إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ لِابْنِ كَمَالٍ أَيْ فَيُحَدُّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِطَلَبِهِمَا، كَمَا لَوْ قَالَهُ لِغَيْرِ عِرْسِهِ وَهُوَ الْمَسْأَلَةُ الْمَارَّةُ (قَوْلُهُ فَرَدَّتْ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ اللَّفْظِ بِأَنْ قَالَتْ بَلْ أَنْتَ (قَوْلُهُ وَلَا لِعَانَ) ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا حُدَّتْ فِي الْقَذْفِ لَمْ تَبْقَ أَهْلًا لِلِّعَانِ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ وَلَا شَهَادَةَ لِلْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ (قَوْلُهُ الْأَصْلُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قَدْ يُقَالُ لِمَ قَدَّمَ حَدَّهَا حَتَّى سَقَطَ اللِّعَانُ مَعَ أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ اللِّعَانَ لَا يَسْقُطُ حَدُّ الْقَذْفِ عَنْهَا؛ لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ يَجْرِي عَلَى الْمُلَاعِنَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَاللِّعَانُ فِي مَعْنَى الْحَدِّ) اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ دُخُولِ الْمَسْأَلَةِ تَحْتَ هَذَا الْأَصْلِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْحَدِّ (قَوْلُهُ بُدِئَ بِالْحَدِّ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَالْبَدْءَ بِالْحَدِّ يَنْفِي اللِّعَانَ؛ لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالْحَدِّ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مُخَاصَمَةِ الْأُمِّ أَوَّلًا فَيَسْقُطُ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّهُ بَطَلَتْ شَهَادَةُ الرَّجُلِ، أَمَّا لَوْ خَاصَمَتْ الْمَرْأَةُ أَوَّلًا فَلَاعَنَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا ثُمَّ خَاصَمَتْ الْأُمُّ يُحَدُّ الرَّجُلُ لِلْقَذْفِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَتْ فِي جَوَابِهِ) أَيْ فِي جَوَابِ قَوْلِ الزَّوْجِ لَهَا يَا زَانِيَةُ (قَوْلُهُ لِلشَّكِّ) ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ بِهِ مَا قَبْلَ النِّكَاحِ فَتُحَدُّ لِقَذْفِهَا، وَلَا لِعَانَ لِتَصْدِيقِهَا إيَّاهُ أَوْ مَا كَانَ مَعَهُ بَعْدَ النِّكَاحِ، وَأَطْلَقْت عَلَيْهِ زِنًا لِلْمُشَاكَلَةِ فَيَجِبُ اللِّعَانُ دُونَ الْحَدِّ لِوُجُودِ الْقَذْفِ مِنْهُ وَعَدَمِهِ مِنْهَا، وَالْحُكْمُ بِتَعْيِينِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ مُتَعَذِّرٌ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي كُلٍّ مِنْ وُجُوبِ اللِّعَانِ وَالْحَدِّ فَلَا يَجِبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالشَّكِّ، حَتَّى لَوْ زَالَ الشَّكُّ بِأَنْ قَالَتْ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً حُدَّتْ فَقَطْ وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. نَهْرٌ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِالْخِطَابِ) أَيْ بِكَافِ الْخِطَابِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ حُدَّ وَحْدَهُ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ حُدَّ وَحُدَّتْ وَهُوَ تَحْرِيفٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ أَزَنَى مِنِّي لَيْسَ بِقَذْفٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتِ أَقْدَرُ عَلَى الزِّنَا، نَعَمْ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ قَذْفٌ تُحَدُّ هِيَ أَيْضًا. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْحَدَّ عَلَيْهَا وَحْدَهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قَذْفًا يَكُونُ تَصْدِيقًا لَهُ فِي أَنَّهَا زَانِيَةٌ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ مِنْ اقْتِضَائِهِ الْمُشَارَكَةَ وَالزِّيَادَةَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ قَوْلِهِ يَا زَانِيَةُ وَرَدِّهَا بِقَوْلِهَا زَنَيْت بِك (قَوْلُهُ حُدَّتْ) لِزَوَالِ الشَّكِّ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لِتَصْدِيقِهَا) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ دُونَهُ أَيْ لَا يُحَدُّ هُوَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا صَدَّقَتْهُ (قَوْلُهُ يُلَاعِنُ) ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَزِمَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَبِالنَّفْيِ بَعْدَهُ صَارَ قَاذِفًا لِزَوْجَتِهِ فَيُلَاعِنُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ عَكَسَ) بِأَنْ نَفَاهُ أَوَّلًا ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ قَبْلَ اللِّعَانِ حُدَّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَطَلَ اللِّعَانُ الَّذِي كَانَ وَجَبَ بِنَفْيِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ صَيَّرَ إلَيْهِ ضَرُورَةُ التَّكَاذُبِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَكَانَ خَلَفًا عَنْ الْحَدِّ فَإِذَا بَطَلَ صَيَّرَ إلَى الْأَصْلِ (قَوْلُهُ لِإِقْرَارِهِ) أَيْ سَابِقًا أَوْ لَاحِقًا، وَاللِّعَانُ، يَصِحُّ بِدُونِ قَطْعِ النَّسَبِ كَمَا يَصِحُّ بِدُونِ الْوَلَدِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَهَدَرٌ) أَيْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَدٌّ وَلَا لِعَانٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْوِلَادَةَ) وَبِهِ لَا يَصِيرُ قَاذِفًا، وَلِذَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ وَهُمَا أَبَوَيْهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْهَاءَ تُحْذَفُ لِلتَّرْخِيمِ) كَذَا عَلَّلَهُ فِي الْفَتْحِ، وَعَلَّلَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 تَدْخُلُ لِلْمُبَالَغَةِ كَعَلَامَةٍ. قُلْنَا الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ التَّذْكِيرُ. (وَلَا حَدَّ بِقَذْفِ مَنْ لَهَا وَلَدٌ لَا أَب لَهُ) مَعْرُوفٌ (فِي بَلَدِ الْقَذْفِ) أَوْ مَنْ لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ (لِأَنَّهُ أَمَارَةُ الزِّنَا أَوْ) بِقَذْفِ (رَجُلٍ وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ بِكُلِّ وَجْهٍ) كَأَمَةِ ابْنِهِ (أَوْ بِوَجْهٍ) كَأَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ (أَوْ فِي مِلْكِهِ الْمُحَرَّمِ أَبَدًا كَأَمَةٍ هِيَ أُخْتُهُ رَضَاعًا) فِي الْأَصَحِّ لِفَوَاتِ الْعِفَّةِ (أَوْ) بِقَذْفِ (مَنْ زَنَتْ فِي كُفْرِهَا) لِسُقُوطِ الْإِحْصَانِ (أَوْ)   [رد المحتار] فِي الْجَوْهَرَةِ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ التَّذْكِيرُ (قَوْلُهُ قُلْنَا الْأَصْلُ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا تَعْلِيلُ الْمَسْأَلَةِ الْوِفَاقِيَّةِ، وَعُلِّلَ لِهَذِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّهُ أَحَالَ كَلَامَهُ فَوَصَفَ الرَّجُلَ بِصِفَةِ الْمَرْأَةِ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَهُمَا أَنَّهُ رَمَاهُ بِمَا يَسْتَحِيلُ مِنْهُ فَلَا يُحَدُّ كَمَا لَوْ قَذَفَ مَجْبُوبًا، وَكَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ مَحَلٌّ لِلزِّنَا لَا يُحَدُّ، وَكَوْنُ التَّاءِ لِلْمُبَالَغَةِ مَجَازٌ بَلْ هِيَ لِمَا عَهِدَ لَهَا مِنْ التَّأْنِيثِ. وَلَوْ كَانَ حَقِيقَةً فَالْحَدُّ لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ (قَوْلُهُ فِي بَلَدِ الْقَذْفِ) أَيْ لَا فِي كُلِّ الْبِلَادِ بَحْرٌ، وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ مَجْهُولِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ مَنْ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ فِي مَسْقَطِ رَأْسِهِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ أَوْ مَنْ لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، وَهَذَا إذَا قَطَعَ الْقَاضِي نَسَبَ الْوَلَدِ وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ وَبَقِيَ اللِّعَانُ، فَلَوْ لَاعَنَتْ بِغَيْرِ وَلَدٍ أَوْ لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ وَلَمْ يَقَعْ نَسَبُهُ أَوْ بَطَلَ اللِّعَانُ بِإِكْذَابِ الزَّوْجِ نَفْسَهُ ثُمَّ قَذَفَهَا رَجُلٌ وَجَبَ الْحَدُّ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَلَدَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَمَارَةٌ: أَيْ عَلَامَةُ الزِّنَا فَفَاتَتْ الْعِفَّةُ (قَوْلُهُ أَوْ بِقَذْفِ رَجُلٍ وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ إلَخْ) الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا لِعَيْنِهِ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ؛ لِأَنَّ الزِّنَا هُوَ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ لِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا لِغَيْرِهِ يُحَدُّ قَاذِفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا فَالْوَطْءُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ، وَكَذَا الْوَطْءُ فِي الْمِلْكِ، وَالْحُرْمَةُ مُؤَبَّدَةٌ بِشَرْطِ ثُبُوتِهَا بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَكُونَ ثَابِتَةً مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ، بِخِلَافِ ثُبُوتِ الْمُصَاهَرَةِ بِالْمَسِّ وَالتَّقْبِيلِ؛ لِأَنَّ فِيهَا خِلَافًا، وَلَا نَصَّ فِيهَا بَلْ هِيَ احْتِيَاطٌ. أَمَّا ثُبُوتُهَا بِالْوَطْءِ فَهُوَ بِنَصِّ - {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22]- وَلَا يُعْتَبَرُ الْخِلَافُ مَعَ النَّصِّ، فَإِنْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً فَالْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا (قَوْلُهُ كَأَمَةِ ابْنِهِ) مَثَّلَ لَهُ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ كَوَطْءِ الْحُرَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْمُكْرَهَةِ، فَالْمَوْطُوءَةُ إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً يَسْقُطُ إحْصَانُهَا فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يُسْقِطُ الْإِثْمَ وَلَا يُخْرِجُ الْفِعْلَ عَنْ كَوْنِهِ فَكَذَا يَسْقُطُ إحْصَانُهَا كَمَا يَسْقُطُ إحْصَانُ الْمُكْرَهِ الْوَاطِئِ (قَوْلُهُ كَأَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ) أَيْ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ أَوْ فِي مِلْكِهِ الْمُحَرَّمِ أَبَدًا) إسْنَادُ الْحُرْمَةِ إلَى الْمِلْكِ مِنْ إسْنَادِ مَا لِلْمُسَبَّبِ إلَى سَبَبِهِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الْمُتْعَةُ وَالْمِلْكُ سَبَبُهَا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ أَبَدًا عَنْ الْحُرْمَةِ الْمُؤَقَّتَةِ، وَيَأْتِي أَمْثِلَتُهَا قَرِيبًا وتَرْكُ اشْتِرَاطِ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ كَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِقِيَامِ الْمِلْكِ فَكَانَ كَوَطْءِ أَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ. وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوِهَا يُمْكِنُ ارْتِفَاعُهَا فَكَانَتْ مُؤَقَّتَةً، بِخِلَافِ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَحِلُّ قَابِلًا لِلْحِلِّ أَصْلًا فَكَيْفَ يُجْعَلُ حَرَامًا لِغَيْرِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِفَوَاتِ الْعِفَّةِ) تَعْلِيلٌ لِلْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ أَيْ وَإِذَا زَالَتْ الْعِفَّةُ زَالَ الْإِحْصَانُ، وَالنَّصُّ إنَّمَا أَوْجَبَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ رَمَى الْمُحْصَنَاتِ، وَفِي مَعْنَاهُ الْمُحْصَنِينَ لَا مِنْ رَمَى غَيْرَ الْمُحْصَنِ وَلَا دَلِيلَ يُوجِبُ الْحَدَّ فِيهِ، نَعَمْ هُوَ مُحَرَّمٌ بَعْدَ التَّوْبَةِ فَيُعَزَّرُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ بِقَذْفِ مَنْ زَنَتْ فِي كُفْرِهَا) الْأُنُوثَةُ غَيْرُ قَيْدٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْحَرْبِيَّ وَالذِّمِّيَّ، وَمَا إذَا كَانَ الزِّنَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَمَا إذَا قَالَ لَهُ زَنَيْت وَأَطْلَقَ ثُمَّ أَثْبَتَ أَنَّهُ زَنَى فِي كُفْرِهِ أَوْ قَالَ لَهُ زَنَيْت وَأَنْتَ كَافِرٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لِمُعْتَقٍ زَنَيْت وَأَنْتَ عَبْدٌ بَحْرٌ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ شُمُولِ الْإِطْلَاقِ وَالْإِسْنَادِ إلَى وَقْتِ الْكُفْرِ هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ كَالْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَالِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهَا. وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ قَذْفُهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِزِنًا كَانَ فِي نَصْرَانِيَّتِهَا، بِأَنْ قَالَ زَنَيْت وَأَنْتِ كَافِرَةٌ كَمَا لَوْ قَالَ قَذَفْتُك بِالزِّنَا وَأَنْتِ أَمَةٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَذَفَهَا فِي حَالٍ لَوْ عَلِمْنَا مِنْهُ صَرِيحَ الْقَذْفِ لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّ الزِّنَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْكَافِرِ وَلِذَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْجَلْدُ حَدًّا لَا الرَّجْمُ، وَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالْإِسْلَامِ وَكَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 بِقَذْفِ (مُكَاتَبٍ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ) لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي حُرِّيَّتِهِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً. (وَحُدَّ قَاذِفٌ وَاطِئٌ عِرْسَهُ حَائِضًا وَأَمَةً مَجُوسِيَّةً وَمُكَاتَبَةً وَمُسْلِمٌ نَكَحَ مُحَرَّمَةً فِي كُفْرِهِ) لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِيهِنَّ، وَفِي الذَّخِيرَةِ خِلَافُهُمَا. (وَ) حُدَّ (مُسْتَأْمَنٌ قَذَفَ مُسْلِمًا) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ إيفَاءَ حُقُوقِ الْعِبَادِ (بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ) لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَحْضَةِ كَحَدِّ الْخَمْرِ. وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَيُحَدُّ فِي الْكُلِّ إلَّا الْخَمْرَ غَايَةٌ، لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ الْمُنْيَةِ تَصْحِيحَ حَدِّهِ بِالسُّكْرِ أَيْضًا. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: إذَا اعْتَقَدُوا حُرْمَةَ الْخَمْرِ كَانُوا كَالْمُسْلِمِينَ، وَفِيهَا: لَوْ سَرَقَ الذِّمِّيُّ أَوْ زَنَى فَأَسْلَمَ إنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ حُدَّ، وَإِنْ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا (أَقَرَّ الْقَاذِفُ بِالْقَذْفِ، فَإِنْ أَقَامَ أَرْبَعَةً عَلَى زِنَاهُ) وَلَوْ فِي كُفْرِهِ لِسُقُوطِ إحْصَانِهِ كَمَا مَرَّ (أَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا) أَرْبَعًا (كَمَا مَرَّ) عِبَارَةُ الدُّرَرِ: أَوْ إقْرَارُهُ بِالزِّنَا، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِهِ بِالزِّنَا، وَقَدْ حَرَّرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ لَا تُعْتَبَرُ أَصْلًا وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا،   [رد المحتار] الْعَبْدُ اهـ وَتَبِعَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ زَنَيْت وَأَطْلَقَ يُحَدُّ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُحَدُّ مَعَ الْإِطْلَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ زِنَاهُ فِي كُفْرِهِ ثَابِتًا فَلَوْ كَانَ ثَابِتًا لَا يُحَدُّ، وَلِذَا قَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ أَثْبَتَ أَنَّهُ زَنَى فِي كُفْرِهِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ حَيْثُ جَعَلَ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ قَذْفَ مَنْ زَنَتْ فِي كُفْرِهَا، فَمُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ الزِّنَا فِي حَالِ كُفْرِهَا. وَأَمَّا لَوْ قَالَ قَذَفْتُك وَأَنْتِ أَمَةٌ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ثُبُوتِ زِنَاهَا لِمَا مَرَّ مِنْ التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ) وَكَذَا لَوْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَفَاءٍ بِالْأَوْلَى لِمَوْتِهِ عَبْدًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ فِي حُرِّيَّتِهِ) أَيْ الَّتِي هِيَ شَرْطُ الْإِحْصَانِ (قَوْلُهُ وَحُدَّ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ أَوْ فِي مِلْكِهِ الْمُحَرَّمِ أَبَدًا فَإِنَّ الْحُرْمَةَ فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مُؤَقَّتَةٌ وَمِثْلُ الْحَائِضِ الْمُظَاهَرُ مِنْهَا وَالصَّائِمَةُ صَوْمَ فَرْضٍ وَمِثْلُ الْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ الْأَمَةُ الْمُتَزَوِّجَةُ وَالْمُشْتَرَاةُ شِرَاءً فَاسِدًا؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ الْفَاسِدَ يُوجِبُ الْمِلْكَ، بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا فَإِنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ فِيهِ فَلِذَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ بِالْوَطْءِ فِيهِ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَمُسْلِمٍ) بِالْجَرِّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَمُسْلِمًا بِالنَّصْبِ، فَالْأَوَّلُ عَطْفٌ عَلَى لَفْظِ وَاطِئٍ. وَالثَّانِي عَلَى مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِيهِنَّ) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، فَفِي بَعْضِهَا مِلْكُ نِكَاحٍ وَفِي بَعْضِهَا مِلْكُ الْيَمِينِ، وَحُرْمَةُ الْمُتْعَةِ فِيهَا لَيْسَتْ مُؤَبَّدَةً بَلْ مُؤَقَّتَةٌ كَمَا عَلِمْت فَكَانَ الْوَطْءُ فِيهَا حَرَامًا لِغَيْرِهِ لَا لِعَيْنِهِ فَلَمْ يَكُنْ زِنًا؛ لِأَنَّ الزِّنَا مَا كَانَ بِلَا مِلْكٍ (قَوْلُهُ وَفِي الذَّخِيرَةِ خِلَافُهُمَا) وَأَصْلُهُ أَنَّ تَزَوُّجَ الْمَجُوسِيِّ لَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ عِنْدَهُ، وَحُكْمُ الْبُطْلَانِ عِنْدَهُمَا غَايَةُ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ مُسْتَأْمِنٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ كَمَا؛ يَأْتِي فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ إلَخْ) أَيْ وَحَدُّ الْقَذْفِ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ) أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ فَيُحَدُّ فِي الْكُلِّ) أَيْ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ غَايَةٌ) أَيْ غَايَةُ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) اسْتَدْرَكَ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا الْخَمْرَ فَإِنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ شَامِلٌ لِمَا إذَا سُكِرَ مِنْهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يُحَدُّ لِلزِّنَا وَالسَّرِقَةِ لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ (قَوْلُهُ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ إلَّا الْخَمْرَ (قَوْلُهُ حُدَّ) أَيْ إذَا لَمْ يَتَقَادَمْ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ لَا) أَيْ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ قَامَتْ عَلَى مُسْلِمٍ فَلَمْ تُقْبَلْ (قَوْلُهُ عَلَى زِنَاهُ) أَيْ زِنًا بِالْمَقْذُوفِ (قَوْلُهُ لِسُقُوطِ إحْصَانِهِ) لَا مَحِلَّ لِذِكْرِهِ هُنَا؛ لِأَنَّ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ هُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ حُدَّ الْمَقْذُوفُ، فَالْكَلَامُ فِي حَدِّ الْمَقْذُوفِ لَا فِي حَدِّ الْقَاذِفِ، وَقَدَّمْنَا قَرِيبًا عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ الزِّنَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْكَافِرِ وَيُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْجَلْدِ لَا الرَّجْمِ، وَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالْإِسْلَامِ، وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ أَيْضًا عِنْدَ بَيَانِ شُرُوطِ الْإِحْصَانِ، نَعَمْ هَذَا التَّعْلِيلُ يُنَاسِبُ سُقُوطَ الْحَدِّ عَنْ الْقَاذِفِ، وَإِذَا كَانَ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ حَدُّ الْمَقْذُوفِ يَلْزَمُ مِنْهُ سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْ الْقَاذِفِ فَلَمْ يَكُنْ التَّعْلِيلُ خَارِجًا عَنْ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، كَيْفَ وَالْبَابُ مَعْقُودٌ لِحَدِّ الْقَاذِفِ دُونَ الْمَقْذُوفِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ نَظِيرِ مَا مَرَّ مِنْ كَوْنِهِ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ (قَوْلُهُ وَقَدْ حَرَّرَ فِي الْبَحْرِ إلَخْ) أَيْ فِي بَابِ حَدِّ الزِّنَا وَذَكَرَ مِثْلَهُ هُنَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبَدَائِعِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُنْكِرًا فَقَدْ رَجَعَ فَتَلْغُو الْبَيِّنَةُ، وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا لَا تُسْمَعُ مَعَ الْإِقْرَارِ إلَّا فِي سَبْعٍ مَذْكُورَةٍ فِي الْأَشْبَاهِ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا، فَلِذَا غَيَّرَ الْمُصَنِّفُ الْعِبَارَةَ فَتَنَبَّهْ (حُدَّ الْمَقْذُوفُ) يَعْنِي إذَا لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ كَمَا لَا يَخْفَى (وَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْبَيِّنَةِ لِلْحَالِ (وَاسْتَأْجَرَ لِإِحْضَارِ شُهُودِهِ فِي الْمِصْرِ يُؤَجَّلُ إلَى قِيَامِ الْمَجْلِسِ، فَإِنْ عَجَزَ حُدَّ وَلَا يُكْفَلُ لِيَذْهَبَ لِطَلَبِهِمْ بَلْ يُحْبَسُ وَيُقَالُ ابْعَثْ إلَيْهِمْ) مَنْ يُحْضِرُهُمْ؛ وَلَوْ أَقَامَ أَرْبَعَةً فُسَّاقًا أَنَّهُ كَمَا قَالَ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ وَالْمَقْذُوفِ وَالشُّهُودِ مُلْتَقَطٌ. (يُكْتَفَى بِحَدٍّ وَاحِدٍ لِجِنَايَاتٍ   [رد المحتار] وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَعْبِيرَ الدُّرَرِ بِالْإِقْرَارِ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ حُدَّ الْمَقْذُوفُ وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ لَوْ قَالَ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ وَهُوَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَابَ مَعْقُودٌ لَهُ لَا لِحَدِّ الْمَقْذُوفِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى إقْرَارِ الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا يُدْرَأُ عَنْ الْقَاذِفِ الْحَدُّ وَعَنْ الثَّلَاثَةِ أَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ،؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ فَكَأَنَّا سَمِعْنَا إقْرَارَهُ بِالزِّنَا اهـ وَنَحْوُهُ مَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ قَرِيبًا عَنْ الْمُلْتَقَطِ. فَقَوْلُهُ لَا تُعْتَبَرُ أَصْلًا إلَخْ أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَدِّ الْمَقْذُوفِ. مَطْلَبٌ لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ مَعَ الْإِقْرَارِ إلَّا فِي سَبْعٍ (قَوْلُهُ لَا تُسْمَعُ مَعَ الْإِقْرَارِ إلَّا فِي سَبْعٍ) فِي وَارِثٍ مُقِرٍّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَتُسْمَعُ لِلتَّعَدِّي: أَيْ تَعَدِّي الْحُكْمِ بِالدَّيْنِ إلَى بَاقِي الْوَرَثَةِ، وَفِي مُدَّعًى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْوِصَايَةِ فَبَرْهَنَ الْوَصِيُّ، وَفِي مُدَّعًى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ فَيُثْبِتُهَا الْوَكِيلُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ إذَا أَقَرَّ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِهِ، وَفِيمَا لَوْ خُوصِمَ الْأَبُ بِحَقٍّ عَنْ الصَّبِيِّ فَأَقَرَّ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْخُصُومَةِ فَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ وَأَمِينِ الْقَاضِي، وَفِيمَا لَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَفِيمَا لَوْ أَجَّرَ دَابَّةً بِعَيْنِهَا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ مَنْ آخَرَ فَبَرْهَنَ الْأَوَّلُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ مُقَرًّا لَهُ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ حُدَّ الْمَقْذُوفُ) أَيْ دُونَ الْقَاذِفِ كَمَا عَلِمْت وَتُرِكَ التَّصْرِيحُ بِهِ لِظُهُورِهِ (قَوْلُهُ بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ) تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا (قَوْلُهُ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْبَيِّنَةِ لِلْحَالِ إلَخْ) أَمَّا لَوْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ لَمْ يُزَكَّيَا أَوْ شَاهِدًا وَاحِدًا وَادَّعَى أَنَّ الثَّانِيَ فِي الْمِصْرِ فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِلتَّزْكِيَةِ أَوْ لِإِحْضَارِ الْآخَرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ إلَى قِيَامِ الْمَجْلِسِ) أَيْ مِقْدَارَ قِيَامِ الْقَاضِي مِنْ مَجْلِسِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَكْفُلُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْحَدِّ ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْحَدَّ لِتَضَرُّرِ الْمَقْذُوفِ بِتَأْخِيرِ دَفْعِ الْعَارِ عَنْهُ وَإِلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ قَلِيلٌ لَا يَتَضَرَّرُ. وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ يَكْفُلُ فَلِذَا يُحْبَسُ عِنْدَهُمَا فِي دَعْوَى الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَكْفُلُ بِنَفْسِ الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَقُولُ مُرَادُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُجْبِرُهُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ، فَأَمَّا إذَا سَمَحَتْ نَفْسُهُ بِهِ فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ نَفْسَهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ وَالْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ إنَّمَا يُطَالَبُ بِهَذَا الْقَدْرِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ دُرِئَ الْحَدُّ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ فِيهِ نَوْعُ قُصُورٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ وَالتَّحَمُّلِ، وَلِذَا لَوْ قُضِيَ بِشَهَادَتِهِ نَفَذَ عِنْدَنَا فَيَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمْ شُبْهَةُ الزِّنَا فَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُمْ وَعَنْ الْقَاذِفِ، وَكَذَا عَنْ الْمَقْذُوفِ لِاشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الثُّبُوتِ. وَأَمَّا لَوْ كَانُوا عُمْيَانًا أَوْ عَبِيدًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ أَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ فِيهِمْ أَوْ عَدَمِ النِّصَابِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاذِفَ يُحَدُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ إذَا حُدُّوا مَعَ أَنَّهُمْ إنَّمَا تَكَلَّمُوا عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَذْفِ يُحَدُّ الْقَاذِفُ بِالْأَوْلَى وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا، وَهَذَا بِخِلَافِ شَهَادَةِ الِاثْنَيْنِ عَلَى الْإِقْرَارِ كَمَا مَرَّ قَرِيبًا (قَوْلُهُ يُكْتَفَى بِحَدٍّ وَاحِدٍ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْحَدَّ وَقَعَ بَعْدَ الْفِعْلِ الْمُتَكَرِّرِ إذْ لَوْ حُدَّ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ فَعَلَ الثَّانِيَ يُحَدُّ حَدًّا آخَرَ لِلثَّانِي سَوَاءٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 اتَّحَدَ جِنْسُهَا، بِخِلَافِ مَا اخْتَلَفَ) جِنْسُهَا كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَعَمَّ إطْلَاقُهُ مَا إذَا اتَّحَدَ الْمَقْذُوفُ أَمْ تَعَدَّدَ بِكَلِمَةٍ أَمْ كَلِمَاتٍ فِي يَوْمٍ أَمْ أَيَّامٍ طُلِبَ كُلُّهُمْ أَمْ بَعْضُهُمْ، وَمَا إذَا حُدَّ لِلْقَذْفِ إلَّا سَوْطًا ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ يَتِمُّ الْأَوَّلُ، وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي لِلتَّدَاخُلِ، وَأَمَّا إذَا قَذَفَ فَعَتَقَ فَقَذَفَ آخَرَ حُدَّ حَدَّ الْعَبْدِ فَإِنْ آخَذَهُ الثَّانِي كَمُلَ لَهُ ثَمَانُونَ لِوُقُوعِ الْأَرْبَعِينَ لَهُمَا فَتْحٌ. وَفِي سَرِقَةِ الزَّيْلَعِيِّ قَذَفَهُ فَحُدَّ ثُمَّ قَذَفَهُ لَمْ يُحَدَّ ثَانِيًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ إظْهَارُ كَذِبِهِ وَدَفْعُ الْعَارِ   [رد المحتار] كَانَ قَذْفًا أَوْ زِنًا أَوْ شُرْبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ بَحْرٌ، لَكِنْ اُسْتُثْنِيَ مَا إذَا قَذَفَ الْمَحْدُودُ ثَانِيًا الْمَقْذُوفَ الْأَوَّلَ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ اتَّحَدَ جِنْسُهَا) بِأَنْ زِنًا أَوْ شَرِبَ أَوْ قَذَفَ مِرَارًا كَنْزٌ، وَكَذَا السَّرِقَةُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَمَا بَيَّنَّاهُ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ إلَخْ (قَوْلُهُ بِكَلِمَةٍ) مِثْلَ أَنْتُمْ زُنَاةٌ نَهْرٌ، وَمِثْلُهُ يَا ابْنَ الزَّانِينَ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ إلَّا سَوْطًا) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ تَمَّمَ الْحَدَّ ثُمَّ قَذَفَ رَجُلًا آخَرَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ ثَانِيًا (قَوْلُهُ فِي الْمَجْلِسِ) لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِمُحْتَرَزِهِ (قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي لِلتَّدَاخُلِ) وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَدِّ الْأَوَّلِ شَيْءٌ فَقَذَفَ آخَرَ قَبْلَ تَمَامِهِ ضُرِبَ بَقِيَّةَ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُحَدَّ لِلثَّانِي جَوْهَرَةٌ. قُلْت: وَقَيَّدَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ بِمَا إذَا حَضَرَا جَمِيعًا، لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَالتَّبْيِينِ: لَوْ ضُرِبَ لِلزِّنَا أَوْ لِلشُّرْبِ بَعْضَ الْحَدِّ فَهَرَبَ ثُمَّ زَنَى أَوْ شَرِبَ ثَانِيًا حُدَّ حَدًّا مُسْتَأْنَفًا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْقَذْفِ، فَإِنْ حَضَرَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي جَمِيعًا أَوْ الْأَوَّلُ كَمُلَ الْأَوَّلُ وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي لِلتَّدَاخُلِ، وَإِنْ حَضَرَ الثَّانِي وَحْدَهُ يُجْلَدُ حَدًّا مُسْتَقْبَلًا لِلثَّانِي وَيَبْطُلُ الْأَوَّلُ لِعَدَمِ دَعْوَاهُ اهـ أَيْ لِعَدَمِ دَعْوَى الْأَوَّلِ تَكْمِيلَ الْحَدِّ الْوَاجِبِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَفْوِ ابْتِدَاءً، فَكَمَا لَا يُقَامُ لَهُ الْحَدُّ ابْتِدَاءً إلَّا بِطَلَبِهِ كَذَلِكَ لَا يَكْمُلُ لَهُ إلَّا بِطَلَبِهِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنَّمَا يُكْتَفَى بِتَكْمِيلِ الْحَدِّ الْأَوَّلِ إنْ طَلَبَ الْمَقْذُوفُ الْأَوَّلُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الثَّانِي، فَلَوْ طَلَبَ الثَّانِي وَحْدَهُ حُدَّ لَهُ حَدًّا مُسْتَقْبَلًا كَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ شَرْطَ تَكْمِيلِ الْأَوَّلِ حُضُورُ الْأَوَّلِ فَقَطْ، وَأَنَّ التَّدَاخُلَ قَدْ يَكُونُ بِتَدَاخُلِ الثَّانِي فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَقَدْ يَكُونُ بِتَدَاخُلِ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي وَذَلِكَ فِيمَا يُحَدُّ بِهِ حَدًّا مُسْتَقْبَلًا كَمَا عَلِمْت آنِفًا، وَمَرَّ أَيْضًا قُبَيْلَ هَذَا الْبَابِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَدِّ فَهَرَبَ وَشَرِبَ ثَانِيًا يُسْتَأْنَفُ، فَمَا ظَنَّهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ مِنْ التَّعَارُضِ بَيْنَ مَا مَرَّ وَمَا هُنَا فَهُوَ خَطَأٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ اخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ (قَوْلُهُ وَمَا إذَا قَذَفَ إلَخْ) مَعْطُوفٌ كَسَابِقِهِ عَلَى قَوْلِهِ مَا إذَا اتَّحَدَ (قَوْلُهُ فَعَتَقَ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَا يَتَعَدَّى إلَّا بِالْهَمْزَةِ ط عَنْ ابْنِ الشِّحْنَةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ آخَذَهُ الثَّانِي) أَيْ طَالَبَهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ أَوْ بَعْدَ تَمَامِهِ ط (قَوْلُهُ ثُمَّ قَذَفَهُ) أَيْ قَذَفَ الْمَقْذُوفَ أَوَّلًا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَذَفَ شَخْصًا آخَرَ بَعْدَ حَدِّهِ لِلْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِلثَّانِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّهُ بِالْحَدِّ الْأَوَّلِ لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ فِي إخْبَارٍ مُسْتَقْبَلٍ، بَلْ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ مَاضِيًا قَبْلَ الْحَدِّ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَصَارَ كَمَا لَوْ قَذَفَ شَخْصًا فَحُدَّ بِهِ ثُمَّ قَذَفَهُ بِعَيْنِ ذَلِكَ الزِّنَا، بِأَنْ قَالَ أَنَا بَاقٍ عَلَى نِسْبَتِي إلَيْهِ الزِّنَا الَّذِي نَسَبْته إلَيْهِ لَا يُحَدُّ ثَانِيًا فَكَذَا هَذَا، أَمَّا لَوْ قَذَفَهُ بِزِنًا آخَرَ حُدَّ بِهِ اهـ لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَمَنْ قَذَفَ إنْسَانًا فَحُدَّ ثُمَّ قَذَفَهُ ثَانِيًا لَمْ يُحَدَّ. وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ: أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ لَمَّا شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بِالزِّنَا وَجَلَدَهُ عُمَرُ لِقُصُورِ الْعَدَدِ بِالشَّهَادَةِ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمَحَافِلِ أَشْهَدُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ لَزَانٍ، فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَحُدَّهُ ثَانِيًا فَمَنَعَهُ عَلِيٌّ فَرَجَعَ إلَى قَوْلِهِ وَصَارَتْ الْمَسْأَلَةُ إجْمَاعًا اهـ فَظَهَرَ أَنَّ الْمَذْهَبَ إطْلَاقُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ اهـ مَا فِي الْبَحْرِ، وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ أَيْ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا قَذَفَهُ بِعَيْنِ الزِّنَا الْأَوَّلِ أَوْ بِزِنًا آخَرَ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ. قُلْت: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الصَّوَابَ مَا فِي الْفَتْحِ، وَأَنَّهُ إذَا صَرَّحَ بِنِسْبَتِهِ إلَى زِنًا غَيْرِ الْأَوَّلِ يُحَدُّ ثَانِيًا كَمَا لَوْ قَذَفَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 حَصَلَ بِالْأَوَّلِ اهـ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ فَخَاصَمَهُ حُدَّ ثَانِيًا كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَفَادَ تَقْيِيدُهُ بِالْحَدِّ أَنَّ التَّعْزِيرَ يَتَعَدَّدُ أَلْفَاظُهُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ. [فَرْعٌ] عَايَنَ الْقَاضِي رَجُلًا زَنَى أَوْ شَرِبَ لَمْ يَحُدَّهُ اسْتِحْسَانًا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَحُدُّهُ قِيَاسًا عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقَوَدِ. قُلْنَا: الِاسْتِيفَاءُ لِلْقَاضِي وَهُوَ مَنْدُوبٌ لِلدَّرْءِ بِالْخَبَرِ فَلَحِقَهُ التُّهْمَةُ حَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ. بَابُ التَّعْزِيرِ (هُوَ) لُغَةً التَّأْدِيبُ مُطْلَقًا، وَقَوْلُ الْقَامُوسِ إنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى ضَرْبِهِ دُونَ الْحَدِّ غَلَطٌ نَهْرٌ.   [رد المحتار] شَخْصًا آخَرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ فِي الْقَذْفِ الثَّانِي، بِخِلَافِ مَا إذَا حُدَّ ثُمَّ قَذَفَهُ بِالزِّنَا الْأَوَّلِ أَوْ أَطْلَقَ لِحَمْلِ إطْلَاقِهِ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ بِالْقَذْفِ يُكَرِّرُ كَلَامَهُ بَعْدَ الْقَذْفِ لِإِظْهَارِ صِدْقِهِ فِيمَا حُدَّ بِسَبَبِهِ كَمَا فَعَلَهُ أَبُو بَكْرَةَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ أَشْهَدُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ لَزَانٍ لَمْ يُرِدْ بِهِ زِنًا آخَرَ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَا يُنَافِي مَا فِي الْفَتْحِ فَلَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْرَاكِ بِهِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ إلَخْ) أَيْ مُفَادُ مَا مَرَّ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ انْتِفَاءِ الْحَدِّ ثَانِيًا حَيْثُ اتَّحَدَ الْمَقْذُوفُ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَ يُحَدُّ، وَقَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهِ عَنْ الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ، فَإِذَا قَذَفَ شَخْصًا بِالزِّنَا فَحُدَّ لَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ ثَانِيًا وَإِنْ كَانَتْ أُمُّ الْمَقْذُوفِ مَيِّتَةً وَكَانَ الطَّلَبُ لَهُ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ قَذْفٌ لِأُمِّهِ، وَكَذَا يُحَدُّ بِالْأُولَى لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ حَيَّةً فَخَاصَمَتْهُ (قَوْلُهُ إنَّ التَّعْزِيرَ يَتَعَدَّدُ إلَخْ) جَزَمَ بِهِ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ لَكِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ اهـ ط وَالْمُرَادُ التَّعْزِيرُ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْبَابِ الْآتِي وَهُوَ حَقُّ الْعَبْدِ [فَرْعٌ عَايَنَ الْقَاضِي رَجُلًا زَنَى أَوْ شَرِبَ] (قَوْلُهُ قُلْنَا) أَيْ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ بِإِبْدَاءِ الْفَارِقِ وَهُوَ أَنَّ حَدَّ الزِّنَا أَوْ الشُّرْبِ لَيْسَ لَهُ مُطَالِبٌ مَخْصُوصٌ فَكَانَ اسْتِيفَاؤُهُ لِلْقَاضِي ابْتِدَاءً وَالْقَاضِي مَنْدُوبٌ أَيْ مَأْمُورٌ بِالدَّرْءِ: أَيْ دَرْءِ الْحَدِّ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي الشَّاهِدِ لِلْخَبَرِ وَهُوَ حَدِيثُ «مَنْ رَأَى عَوْرَةً فَسَتَرَهَا كَانَ كَمَنْ أَحْيَا مَوْءُودَةً» فَإِذَا أَعْرَضَ الْقَاضِي عَمَّا نُدِبَ إلَيْهِ وَأَرَادَ اسْتِيفَاءَهُ لَحِقَتْهُ تُهْمَةٌ بِذَلِكَ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ، بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقَوَدِ فَإِنَّ لَهُ مُطَالِبًا وَهُوَ الْمَقْذُوفُ وَوَلِيُّ الْمَقْتُولِ، حَتَّى قِيلَ إنَّ إقَامَةَ التَّعْزِيرِ لِصَاحِبِهِ كَالْقِصَاصِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى فَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْقَاضِي تُهْمَةٌ فِيهِ، فَكَانَ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَيْسَ شَرْطًا لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ بَلْ لِلتَّمْكِينِ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحِلِّ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ التَّعْزِيرِ] ِ لَمَّا ذَكَرَ الزَّوَاجِرَ الْمُقَدَّرَةَ شَرَعَ فِي غَيْرِ الْمُقَدَّرَةِ، وَأَخَّرَهَا لِضَعْفِهَا، وَأَلْحَقَهُ بِالْحُدُودِ مَعَ أَنَّ مِنْهُ مَحْضَ حَقِّ الْعَبْدِ لِمَا أَنَّهُ عُقُوبَةٌ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً التَّأْدِيبُ مُطْلَقًا) أَيْ بِضَرْبٍ وَغَيْرِهِ دُونَ الْحَدِّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ. وَيُطْلَقُ عَلَى التَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ، وَمِنْهُ - {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: 9]- فَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ (قَوْلُهُ غَلَطٌ) لِأَنَّ هَذَا وَضْعٌ شَرْعِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ إذْ لَمْ يُعْرَفْ إلَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، فَكَيْفَ نُسِبَ لِأَهْلِ اللُّغَةِ الْجَاهِلِينَ بِذَلِكَ مِنْ أَصْلِهِ. وَاَلَّذِي فِي الصِّحَاحِ بَعْدَ تَفْسِيرِهِ بِالضَّرْبِ، وَمِنْهُ سُمِّيَ ضَرْبُ مَا دُونَ الْحَدِّ تَعْزِيرًا، فَأَشَارَ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ مَنْقُولَةٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ بِزِيَادَةِ قَيْدٍ هُوَ كَوْنُ ذَلِكَ الضَّرْبِ دُونَ الْحَدِّ الشَّرْعِيِّ، فَهُوَ كَلَفْظِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهِمَا الْمَنْقُولَةِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فِيهَا وَزِيَادَةٍ، وَهَذِهِ دَقِيقَةٌ مُهِمَّةٌ تَفَطَّنَ لَهَا صَاحِبُ الصِّحَاحِ وَغَفَلَ عَنْهَا صَاحِبُ الْقَامُوسِ، وَقَدْ وَقَعَ لَهُ نَظِيرُ ذَلِكَ كَثِيرًا وَهُوَ غَلَطٌ يَتَعَيَّنُ التَّفَطُّنُ لَهُ. اهـ. نَهْرٌ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْأَلْفَاظَ اللُّغَوِيَّةَ فَقَطْ، بَلْ يَذْكُرُ الْمَنْقُولَاتِ الشَّرْعِيَّةَ وَالِاصْطِلَاحِيَّة وَكَذَا الْأَلْفَاظَ الْفَارِسِيَّةَ تَكْثِيرًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 وَشَرْعًا (تَأْدِيبٌ دُونَ الْحَدِّ أَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ) لَوْ بِالضَّرْبِ ، وَجَعَلَهُ فِي الدُّرَرِ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ   [رد المحتار] لِلْفَوَائِدِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كِتَابَةَ مَوْضُوعٍ لِبَيَانِ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ، فَحَيْثُ ذَكَرَ غَيْرَهَا كَانَ عَلَيْهِ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُوقِعَ النَّاظِرَ فِي الِاشْتِبَاهِ (قَوْلُهُ تَأْدِيبٌ دُونَ الْحَدِّ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ أَنَّ الْحَدَّ مُقَدَّرٌ وَالتَّعْزِيرَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، وَأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَالتَّعْزِيرَ يَجِبُ مَعَهَا، وَأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالتَّعْزِيرَ شُرِعَ عَلَيْهِ. وَالرَّابِعُ أَنَّ الْحَدَّ يُطْلَقُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالتَّعْزِيرَ يُسَمَّى عُقُوبَةً لَهُ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ شُرِعَ لِلتَّطْهِيرِ تَتَارْخَانِيَّةٌ. وَزَادَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْحَدَّ مُخْتَصٌّ بِالْإِمَامِ وَالتَّعْزِيرَ يَفْعَلُهُ الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى وَكُلُّ مَنْ رَأَى أَحَدًا يُبَاشِرُ الْمَعْصِيَةَ، وَأَنَّ الرُّجُوعَ يُعْمَلُ فِي الْحَدِّ لَا فِي التَّعْزِيرِ، وَأَنَّهُ يُحْبَسُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ فِي الْحَدِّ لَا فِي التَّعْزِيرِ، وَأَنَّ الْحَدَّ لَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ تَرْكُهُ وَأَنَّهُ قَدْ يَسْقُطُ بِالتَّقَادُمِ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ فَهِيَ عَشَرَةٌ. قُلْت: وَسَيَجِيءُ غَيْرُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَهُوَ حَقُّ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ أَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا) لِحَدِيثِ «مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ» وَحَدُّ الرَّقِيقِ أَرْبَعُونَ فَنَقَصَ عَنْهُ سَوْطًا. وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ أَقَلَّ حُدُودِ الْأَحْرَارِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ فَنَقَصَ سَوْطًا فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ تَنْقِيصُ خَمْسَةٍ كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ. وَيَجِبُ تَقْلِيدُ الصَّحَابِيِّ فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ لَكِنَّهُ غَرِيبٌ عَنْ عَلِيٍّ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَكْثَرُهُ فِي الْعَبْدِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا؛ وَفِي الْحُرِّ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ سَوْطًا وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ فَعُلِمَ أَنَّ الْأَصَحَّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ بَحْرٌ. قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُ وَبِهِ نَأْخُذُ تَرْجِيحٌ لِلرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى لِكَوْنِ الثَّانِيَةِ هِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا تَرْجِيحُ قَوْلِهِ عَلَى قَوْلِهِمَا الَّذِي عَلَيْهِ مُتُونُ الْمَذْهَبِ مَعَ نَقْلِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْأَئِمَّةِ، وَلِذَا لَمْ يُعَوِّلْ الشَّارِحُ عَلَى مَا فِي الْبَحْرِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقَرَّبُ كُلُّ جِنْسٍ إلَى جِنْسِهِ، فَيُقَرَّبُ اللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ مِنْ حَدِّ الزِّنَا وَقَذْفُ غَيْرِ الْمُحْصَنِ أَوْ الْمُحْصَنِ بِغَيْرِ الزِّنَا مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ صَرْفًا لِكُلِّ نَوْعٍ إلَى نَوْعِهِ: وَعَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ عَلَى قَدْرِ عِظَمِ الْجُرْمِ وَصِغَرِهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ) أَيْ أَقَلُّ التَّعْزِيرِ ثَلَاثُ جَلَدَاتٍ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ، فَكَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ مَا دُونَهَا لَا يَقَعُ بِهِ الزَّجْرُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ، فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِهِ مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِدُونِهِ فَيَكُونُ مُفَوَّضًا إلَى رَأْيِ الْقَاضِي يُقِيمُهُ بِقَدْرِ مَا يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا تَفَاصِيلَهُ، وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى زَيْلَعِيٌّ، وَنَحْوُهُ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَلَوْ رَأَى أَنَّهُ يَنْزَجِرُ بِسَوْطٍ وَاحِدٍ اكْتَفَى بِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ. وَمُقْتَضَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُكْمِلُ لَهُ ثَلَاثَةً لِأَنَّهُ حَيْثُ وَجَبَ التَّعْزِيرُ بِالضَّرْبِ، فَأَقَلُّ مَا يَلْزَمُ أَقَلُّهُ، إذْ لَيْسَ وَرَاءَ الْأَقَلِّ شَيْءٌ ثَمَّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ رَأَى أَنَّهُ إنَّمَا يَنْزَجِرُ بِعِشْرِينَ كَانَتْ أَقَلَّ مَا يَجِبُ فَلَا يَجُوزُ نَقْصُهُ عَنْهَا، فَلَوْ رَأَى أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ بِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ صَارَ أَكْثَرُهُ أَقَلَّ الْوَاجِبِ، وَتَبْقَى فَائِدَةُ تَقْدِيرِ الْأَكْثَرِ بِهَا أَنَّهُ لَوْ رَأَى أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْهَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهَا، وَيُبَدِّلُ ذَلِكَ الْأَكْثَرَ بِنَوْعٍ آخَرَ وَهُوَ الْحَبْسُ مَثَلًا (قَوْلُهُ لَوْ بِالضَّرْبِ) يَعْنِي أَنَّ تَقْدِيرَ التَّعْزِيرِ بِمَا ذَكَرَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَوْ رَأَى الْقَاضِي تَعْزِيرَهُ بِالضَّرْبِ فَلَيْسَ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَكْثَرِ، فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ التَّعْزِيرَ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ، بَلْ هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْمُرَادَ تَفْوِيضُ أَنْوَاعِهِ مِنْ ضَرْبٍ وَنَحْوِهِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ) تَعْزِيرُ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ، وَهُمْ الْعُلَمَاءُ وَالْعَلَوِيَّةُ بِالْإِعْلَامِ، بِأَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي بَلَغَنِي أَنَّك تَفْعَلُ كَذَا فَيَنْزَجِرُ بِهِ. وَتَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ، وَهُمْ نَحْوُ الدَّهَاقِينِ بِالْإِعْلَامِ وَالْجَرِّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَالْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ. وَتَعْزِيرُ الْأَوْسَاطِ، وَهُمْ السُّوقَةُ بِالْجَرِّ وَالْحَبْسِ. وَتَعْزِيرُ الْأَخِسَّاءِ بِهَذَا كُلِّهِ وَبِالضَّرْبِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ الشَّافِي وَالزَّيْلَعِيِّ عَنْ النِّهَايَةِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ. وَالدَّهَاقِينُ: جَمْعُ دِهْقَانٍ بِكَسْرِ الدَّالِ وَقَدْ تُضَمُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 وَكُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ تَفْوِيضِهِ لِلْحَاكِمِ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى إطْلَاقِهَا، فَإِنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ لَوْ ضَرَبَ غَيْرَهُ فَأَدْمَاهُ لَا يَكْفِي تَعْزِيرُهُ بِالْإِعْلَامِ، وَأَرَى أَنَّهُ بِالضَّرْبِ صَوَابٌ (وَلَا يُفَرِّقُ الضَّرْبَ فِيهِ) وَقِيلَ يُفَرِّقُ. وَوُفِّقَ بِأَنَّهُ إنْ بَلَغَ أَقْصَاهُ يُفَرِّقُ وَإِلَّا لَا شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ (وَيَكُونُ بِهِ وَ) بِالْحَبْسِ وَ (بِالصَّفْعِ) عَلَى الْعُنُقِ (وَفَرْكِ الْأُذُنِ، وَبِالْكَلَامِ الْعَنِيفِ، وَبِنَظَرِ الْقَاضِي لَهُ بِوَجْهٍ عَبُوسٍ، وَشَتْمٍ غَيْرِ الْقَذْفِ) مُجْتَبَى وَفِيهِ عَنْ السَّرَخْسِيِّ: لَا يُبَاحُ بِالصَّفْعِ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْلَى مَا يَكُونُ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ، فَيُصَانُ عَنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ (لَا بِأَخْذِ مَالٍ فِي الْمَذْهَبِ) بَحْرٌ. وَفِيهِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: وَقِيلَ يَجُوزُ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يُمْسِكَهُ مُدَّةً لِيَنْزَجِرَ ثُمَّ يُعِيدَهُ لَهُ، فَإِنْ أَيِسَ مِنْ تَوْبَتِهِ صَرَفَهُ إلَى مَا يَرَى. وَفِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ.   [رد المحتار] وَهُوَ مُعَرَّبٌ يُطْلَقُ عَلَى رَئِيسِ الْقَرْيَةِ، وَالتَّاجِرِ، وَمَنْ لَهُ مَالٌ وَعَقَارٌ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَكُلُّهُ مَبْنِيٌّ إلَخْ) أَيْ كُلُّ مَا ذَكَرَ مِنْ الْمَرَاتِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرْجَعَ إلَى مَا فِي الْمَتْنِ أَيْضًا لِأَنَّ مَا ذَكَرَ فِيهِ مِنْ التَّقْدِيرِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْقَوْلِ بِالتَّفْوِيضِ وَعَدَمِهِ كَمَا عَلِمْت فَافْهَمْ. ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقَوْلِ بِالتَّفْوِيضِ هُوَ مَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مُفَوَّضًا إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّعْزِيرُ بِغَيْرِ الْمُنَاسِبِ لِمُسْتَحِقِّهِ وَظَاهِرُ الْأَوَّلِ: أَيْ الْقَوْلِ بِالتَّفْوِيضِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ اهـ. قُلْت: وَفِيهِ كَلَامٌ نَذْكُرُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ فَإِنَّ مَنْ كَانَ إلَخْ) سَنَذْكُرُ مَا يُؤَيِّدُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَلَا يُفَرِّقُ الضَّرْبَ فِيهِ) بَلْ يَضْرِبُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ جَرَى فِيهِ التَّخْفِيفُ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ، فَلَوْ خَفَّفَ مِنْ حَيْثُ التَّفْرِيقُ أَيْضًا يَفُوتُ الْمَقْصُودُ مِنْ الِانْزِجَارِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُفَرِّقُ) ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي حُدُودِ الْأَصْلِ وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ فِي أَشْرِبَةِ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ وَوُفِّقَ إلَخْ) فَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، بَلْ اخْتِلَافُ الْجَوَابِ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ، وَهَذَا التَّوْفِيقُ مَذْكُورٌ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يَبْلُغْ الْأَكْثَرَ بَلْ كَانَ بِالْأَدْنَى كَثَلَاثٍ وَنَحْوِهَا لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ الْعُضْوُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْصَى الْأَكْثَرُ أَوْ مَا قَارَبَهُ مِمَّا يُخْشَى مِنْ جَمْعِهِ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ إفْسَادُهُ فَافْهَمْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَيَتَّقِي الْمَوَاضِعَ الَّتِي تُتَّقَى فِي الْحُدُودِ. أَيْ كَالرَّأْسِ وَالْمَذَاكِيرِ (قَوْلُهُ وَيَكُونُ) أَيْ التَّعْزِيرُ بِهِ: أَيْ بِالضَّرْبِ إلَخْ وَلَيْسَ مُرَادُهُ حَصْرَ أَنْوَاعِهِ فِيمَا ذَكَرَ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ الْآتِي وَيَكُونُ بِالنَّفْيِ عَنْ الْبَدَائِعِ. قُلْت: وَيَكُونُ أَيْضًا بِالتَّشْهِيرِ وَالتَّسْوِيدِ لِشَاهِدِ الزُّورِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ وَبِالصَّفْعِ) هُوَ أَنْ يَبْسُطَ الرَّجُلُ كَفَّهُ فَيَضْرِبُ بِهَا قَفَا الْإِنْسَانِ أَوْ بَدَنَهُ، فَإِذَا قَبَضَ كَفَّهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ فَلَيْسَ بِصَفْعٍ بَلْ يُقَالُ ضَرَبَهُ بِجُمْعِ كَفِّهِ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ فَيُصَانُ عَنْهُ أَهْلُ الْقِبْلَةِ) وَإِنَّمَا يَكُونُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ عِنْدَ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ. مَطْلَبٌ فِي التَّعْزِيرِ بِأَخْذِ الْمَالِ (قَوْلُهُ لَا بِأَخْذِ مَالٍ فِي الْمَذْهَبِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ التَّعْزِيرُ لِلسُّلْطَانِ بِأَخْذِ الْمَالِ. وَعِنْدَهُمَا وَبَاقِي الْأَئِمَّةِ لَا يَجُوزُ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْمِعْرَاجِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَلَا يُفْتَى بِهَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَسْلِيطِ الظَّلَمَةِ عَلَى أَخْذِ مَالِ النَّاسِ فَيَأْكُلُونَهُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ ابْنِ وَهْبَانَ (قَوْلُهُ وَفِيهِ إلَخْ) أَيْ فِي الْبَحْرِ، حَيْثُ قَالَ: وَأَفَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ مَعْنَى التَّعْزِيرِ بِأَخْذِ الْمَالِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ إمْسَاكُ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ عَنْهُ مُدَّةً لِيَنْزَجِرَ ثُمَّ يُعِيدُهُ الْحَاكِمُ إلَيْهِ، لَا أَنْ يَأْخُذَهُ الْحَاكِمُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ الظَّلَمَةُ إذْ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَخْذُ مَالِ أَحَدٍ بِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ. وَفِي الْمُجْتَبَى لَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّةَ الْأَخْذِ وَأَرَى أَنْ يَأْخُذَهَا فَيُمْسِكَهَا، فَإِنْ أَيِسَ مِنْ تَوْبَتِهِ يَصْرِفُهَا إلَى مَا يَرَى. وَفِي شَرْحِ الْآثَارِ: التَّعْزِيرُ بِالْمَالِ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ. اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 (وَ) التَّعْزِيرُ (لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ بَلْ هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي) وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا زَيْلَعِيٌّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الزَّجْرُ، وَأَحْوَالُ النَّاسِ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ بَحْرٌ (وَيَكُونُ) التَّعْزِيرُ (بِالْقَتْلِ كَمَنْ) وَجَدَ رَجُلًا   [رد المحتار] وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ التَّعْزِيرِ بِأَخْذِ الْمَالِ، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي الْكَفَالَةِ عَنْ الطَّرَسُوسِيِّ أَنَّ مُصَادَرَةَ السُّلْطَانِ لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ لَا تَجُوزُ إلَّا لِعُمَّالِ بَيْتِ الْمَالِ: أَيْ إذَا كَانَ يَرُدُّهَا لِبَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ وَالتَّعْزِيرُ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ) أَيْ لَيْسَ فِي أَنْوَاعِهِ، وَهَذَا حَاصِلُ قَوْلِهِ قَبْلَهُ وَيَكُونُ بِهِ وَبِالصَّفْعِ إلَخْ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَبِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَقْدِيرِ أَكْثَرِهِ يُعْرَفُ مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّعْزِيرِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ بَلْ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ: أَيْ مِنْ أَنْوَاعِهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِالضَّرْبِ وَبِغَيْرِهِ. أَمَّا إذَا اقْتَضَى رَأْيُهُ الضَّرْبَ فِي خُصُوصِ الْوَاقِعَةِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَزِيدُ عَلَى تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ. اهـ. قُلْت: نَعَمْ لَهُ الزِّيَادَةُ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ، بِأَنْ يَضُمَّ إلَى الضَّرْبِ الْحَبْسَ كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْجِنَايَةِ وَالْجَانِي. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَيْسَ فِي التَّعْزِيرِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ. وَإِنَّمَا هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ عَلَى مَا تَقْتَضِي جِنَايَتُهُمْ، فَإِنَّ الْعُقُوبَةَ فِيهِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْجِنَايَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْلُغَ غَايَةَ التَّعْزِيرِ فِي الْكَبِيرَةِ، كَمَا إذَا أَصَابَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ كُلَّ مُحَرَّمٍ سِوَى الْجِمَاعِ أَوْ جَمَعَ السَّارِقُ الْمَتَاعَ فِي الدَّارِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ، وَكَذَا يَنْظُرُ فِي أَحْوَالِهِمْ، فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَنْزَجِرُ بِالْيَسِيرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِالْكَثِيرِ. وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ: التَّعْزِيرُ عَلَى مَرَاتِبَ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ عَنْ الدُّرَرِ. أَقُولُ: وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ قَوْلَهُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ إلَخْ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ وَكَذَا يَنْظُرُ فِي أَحْوَالِهِمْ إلَخْ: أَيْ أَنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ، فَلَا يَكُونُ مَا فِي النِّهَايَةِ وَالدُّرَرِ مُخَالِفًا لِلْقَوْلِ بِالتَّفْوِيضِ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمَرْتَبَةِ الْأُولَى وَهِيَ أَشْرَافُ الْأَشْرَافِ مَنْ كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ صَدَرَتْ مِنْهُ الصَّغِيرَةُ عَلَى سَبِيلِ الزَّلَّةِ وَالنُّدُورِ، فَلِذَا قَالُوا تَعْزِيرُهُ بِالْإِعْلَامِ لِأَنَّهُ فِي الْعَادَةِ لَا يَفْعَلُ مَا يَقْتَضِي التَّعْزِيرَ بِمَا فَوْقَ ذَلِكَ، وَيَحْصُلُ انْزِجَارُهُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ التَّعْزِيرِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ عَلَى قَدْرِ الْجِنَايَةِ أَيْضًا، حَتَّى لَوْ كَانَ مِنْ الْأَشْرَافِ لَكِنَّهُ تَعَدَّى طَوْرَهُ فَفَعَلَ اللِّوَاطَةَ أَوْ وُجِدَ مَعَ الْفَسَقَةِ فِي مَجْلِسِ الشُّرْبِ وَنَحْوِهِ لَا يُكْتَفَى بِتَعْزِيرِهِ بِالْإِعْلَامِ فِيمَا يَظْهَرُ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْمُرُوءَةِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ الدِّينُ وَالصَّلَاحُ وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ أَنَّهُ لَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الْفِعْلُ يُضْرَبُ التَّعْزِيرَ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ بِالتَّكْرَارِ لَمْ يَبْقَ ذَا مُرُوءَةٍ وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ غَيْرَهُ فَأَدْمَاهُ لَا يَكْفِي تَعْزِيرُهُ بِالْإِعْلَامِ إلَخْ ثُمَّ رَأَيْت فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَيْنَ مَا بَحَثْته، حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا: أَيْ الِاكْتِفَاءَ بِتَعْزِيرِهِ بِالْإِعْلَامِ إنَّمَا هُوَ مَعَ مُلَاحَظَةِ السَّبَبِ فَلَا بُدَّ أَنْ لَا يَكُونَ مِمَّا يَبْلُغُ بِهِ أَدْنَى الْحَدِّ، كَمَا إذَا أَصَابَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ غَيْرَ الْجِمَاعِ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ الْأَشْرَافِ يُعَزَّرُ عَلَى قَدْرِ جِنَايَتِهِ وَأَنَّهُ لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالْإِعْلَامِ إذَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ فَاحِشَةً تَسْقُطُ بِهَا مُرُوءَتُهُ، فَقَدْ ثَبَتَ بِمَا قُلْنَا عَدَمُ مُخَالَفَةِ مَا فِي الدُّرَرِ لِلْقَوْلِ بِتَفْوِيضِهِ لِلْقَاضِي، وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالُ الْجِنَايَةِ وَالْجَانِي، خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْمُفْرَدَ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا) قَدَّمْنَا عِبَارَةَ الزَّيْلَعِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ. مَطْلَبٌ يَكُونُ التَّعْزِيرُ بِالْقَتْلِ (قَوْلُهُ وَيَكُونُ التَّعْزِيرُ بِالْقَتْلِ) رَأَيْت فِي [الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ] لِلْحَافِظِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ أَنَّ مِنْ أُصُولِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مَا لَا قَتْلَ فِيهِ عِنْدَهُمْ مِثْلَ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ وَالْجِمَاعِ فِي غَيْرِ الْقُبُلِ إذَا تَكَرَّرَ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَ فَاعِلَهُ، وَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 مَعَ امْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَهُ، وَلَوْ أَكْرَهَهَا فَلَهَا قَتْلُهُ وَدَمُهُ هَدَرٌ، وَكَذَا الْغُلَامُ وَهْبَانِيَّةٌ (إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ بِصِيَاحٍ وَضَرْبٍ بِمَا دُونَ السِّلَاحِ وَإِلَّا) بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَنْزَجِرُ بِمَا ذُكِرَ (لَا) يَكُونُ بِالْقَتْلِ (وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُطَاوِعَةً قَتَلَهُمَا) كَذَا عَزَاهُ الزَّيْلَعِيُّ لِلْهِنْدُوَانِيِّ. ثُمَّ قَالَ (وَ) فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي (لَوْ كَانَ مَعَ امْرَأَتِهِ وَهُوَ يَزْنِي بِهَا أَوْ مَعَ مَحْرَمِهِ وَهُمَا مُطَاوِعَانِ قَتَلَهُمَا جَمِيعًا) اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الدُّرَرِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمُفَادُهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَحْرَمِ، فَمَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ لَا يَحِلُّ الْقَتْلُ إلَّا بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ مِنْ عَدَمِ الِانْزِجَارِ الْمَزْبُورِ، وَفِي غَيْرِهَا يَحِلُّ (مُطْلَقًا) اهـ. وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَنْكِيرُ الْهِنْدُوَانِيُّ لِلْمَرْأَةِ؛ نَعَمْ مَا فِي الْمُنْيَةِ مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِيَتَّفِقَ كَلَامُهُمْ، وَلِذَا جَزَمَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ   [رد المحتار] عَلَى الْحَدِّ الْمُقَدَّرِ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ، وَيَحْمِلُونَ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ مِنْ الْقَتْلِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْجَرَائِمِ عَلَى أَنَّهُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ وَيُسَمُّونَهُ الْقَتْلَ سِيَاسَةً، وَكَانَ حَاصِلُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُعَزِّرَ بِالْقَتْلِ فِي الْجَرَائِمِ الَّتِي تَعَظَّمَتْ بِالتَّكْرَارِ وَشُرِعَ الْقَتْلُ فِي جِنْسِهَا، وَلِهَذَا أَفْتَى أَكْثَرُهُمْ بِقَتْلِ مَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ أَخْذِهِ وَقَالُوا يُقْتَلُ سِيَاسَةً. اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي فَصْلِ الْجِزْيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمِنْ ذَلِكَ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ لِلْإِمَامِ قَتْلَ السَّارِقِ سِيَاسَةً أَيْ إنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ وَسَيَأْتِي أَيْضًا قُبَيْلَ كِتَابِ الْجِهَادِ أَنَّ مَنْ تَكَرَّرَ الْخَنْقُ مِنْهُ فِي الْمِصْرِ قُتِلَ بِهِ سِيَاسَةً لِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ يُدْفَعُ شَرُّهُ بِالْقَتْلِ، وَسَيَأْتِي أَيْضًا فِي بَابِ الرِّدَّةِ أَنَّ السَّاحِرَ أَوْ الزِّنْدِيقَ الدَّاعِيَ إذَا أُخِذَ قَبْلَ تَوْبَتِهِ ثُمَّ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ وَيُقْتَلُ، وَلَوْ أُخِذَ بَعْدَهَا قُبِلَتْ، وَأَنَّ الْخَنَّاقَ لَا تَوْبَةَ لَهُ وَتَقَدَّمَ كَيْفِيَّةُ تَعْزِيرِ اللُّوطِيِّ بِالْقَتْلِ (قَوْلُهُ مَعَ امْرَأَةٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ الْخَلْوَةُ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَرَ مِنْهُ فِعْلًا قَبِيحًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي كَمَا تَعْرِفُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلَهَا قَتْلُهُ) أَيْ إنْ لَمْ يُمْكِنْهَا التَّخَلُّصُ مِنْهُ بِصِيَاحٍ أَوْ ضَرْبٍ وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ مُكْرَهَةً فَالشَّرْطُ الْآتِي مُعْتَبَرٌ هُنَا أَيْضًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. ثُمَّ رَأَيْته فِي كَرَاهِيَةِ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَنَصُّهُ: وَلَوْ اسْتَكْرَهَ رَجُلٌ امْرَأَةً لَهَا قَتْلُهُ وَكَذَا الْغُلَامُ، فَإِنْ قَتَلَهُ فَدَمُهُ هَدَرٌ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ مَنْعَهُ إلَّا بِالْقَتْلِ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ يَعْلَمُ) شَرْطٌ لِلْقَتْلِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ كَمَنْ وَجَدَ رَجُلًا (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ إلَخْ) تَوْفِيقٌ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ حَيْثُ اُشْتُرِطَ فِي الْأُولَى الْعِلْمُ بِأَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي الثَّانِيَةِ، فَوُفِّقَ بِحَمْلِ الْأُولَى عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ وَالثَّانِيَةِ عَلَى غَيْرِهَا وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي الْأُولَى مَعَ امْرَأَةٍ: أَيْ يَزْنِي بِهَا وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) زَادَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى عِبَارَةِ الْمُنْيَةِ مُتَابَعَةً لِشَيْخِهِ صَاحِبِ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا) أَيْ كَالْخَانِيَّةِ، فَفِيهَا: لَوْ رَأَى رَجُلًا يَزْنِي بِامْرَأَتِهِ أَوْ امْرَأَةِ آخَرَ وَهُوَ مُحْصَنٌ فَصَاحَ بِهِ فَلَمْ يَهْرُبْ وَلَمْ يَمْتَنِعْ عَنْ الزِّنَا حَلَّ لَهُ قَتْلُهُ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ) أَيْ يُحْمَلُ قَوْلُ الْمُنْيَةِ قَتَلَهُمَا جَمِيعًا عَلَى مَا إذَا عَلِمَ عَدَمَ الِانْزِجَارِ بِصِيَاحٍ أَوْ ضَرْبٍ. قُلْت: وَقَدْ ظَهَرَ لِي فِي التَّوْفِيقِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا وَجَدَ رَجُلًا مَعَ امْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَزْنِيَ بِهَا فَهَذَا لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَنْزَجِرُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ سَوَاءٌ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً عَنْ الْوَاجِدِ أَوْ زَوْجَةً لَهُ أَوْ مَحْرَمًا مِنْهُ. أَمَّا إذَا وَجَدَهُ يَزْنِي بِهَا فَلَهُ قَتْلُهُ مُطْلَقًا، وَلِذَا قَيَّدَ فِي الْمُنْيَةِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ يَزْنِي، وَأَطْلَقَ قَوْلَهُ قَتَلَهُمَا جَمِيعًا، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُ الْخَانِيَّةِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ آنِفًا فَصَاحَ بِهِ غَيْرُ قَيْدٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى الْآتِيَةُ ثُمَّ رَأَيْت فِي جِنَايَاتِ الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ مَا يُؤَيِّدُهُ أَيْضًا، حَيْثُ قَالَ: رَجُلٌ رَأَى رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِهِ يَزْنِي بِهَا أَوْ يُقَبِّلُهَا أَوْ يَضُمُّهَا إلَى نَفْسِهِ وَهِيَ مُطَاوِعَةٌ فَقَتَلَهُ أَوْ قَتَلَهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَا يُحْرَمُ مِنْ مِيرَاثِهَا إنْ أَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ، وَلَوْ رَأَى رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِهِ فِي مَفَازَةٍ خَالِيَةٍ أَوْ رَآهُ مَعَ مَحَارِمِهِ هَكَذَا وَلَمْ يَرَ مِنْهُ الزِّنَا وَدَوَاعِيَهُ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ حَلَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 مُطْلَقًا وَهُوَ الْحَقُّ بِلَا شَرْطِ إحْصَانٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَدِّ بَلْ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ. وَفِي الْمُجْتَبَى: الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ شَخْصٍ رَأَى مُسْلِمًا يَزْنِي يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ خَوْفًا مِنْ أَنْ لَا يُصَدَّقَ أَنَّهُ زَنَى (وَعَلَى هَذَا) الْقِيَاسِ (الْمُكَابِرُ بِالظُّلْمِ وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَصَاحِبُ الْمَكْسِ وَجَمِيعُ الظَّلَمَةِ بِأَدْنَى شَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ) وَجَمِيعُ الْكَبَائِرِ وَالْأَعْوِنَةُ وَالسُّعَاةُ يُبَاحُ قَتْلُ الْكُلِّ وَيُثَابُ قَاتِلُهُمْ انْتَهَى. وَأَفْتَى النَّاصِحِيُّ بِوُجُوبِ قَتْلِ كُلِّ مُؤْذٍ وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: وَيَكُونُ بِالنَّفْيِ عَنْ الْبَلَدِ، وَبِالْهُجُومِ عَلَى بَيْتِ الْمُفْسِدِينَ، وَبِالْإِخْرَاجِ مِنْ الدَّارِ، وَبِهَدْمِهَا،   [رد المحتار] قَتْلُهُمَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَحِلُّ حَتَّى يَرَى مِنْهُ الْعَمَلَ: أَيْ الزِّنَا وَدَوَاعِيَهُ، وَمِثْلُهُ فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى. اهـ. وَفِي سَرِقَةِ الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ رَأَى فِي مَنْزِلِهِ رَجُلًا مَعَهُ أَهْلُهُ أَوْ جَارَهُ يَفْجُرُ وَخَافَ إنْ أَخَذَهُ أَنْ يَقْهَرَهُ فَهُوَ فِي سَعَةٍ مِنْ قَتْلِهِ، وَلَوْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً لَهُ قَتَلَهُمَا فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْفَرْقَ مِنْ حَيْثُ رُؤْيَةُ الزِّنَا وَعَدَمُهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ أَجْنَبِيَّةٍ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَهُوَ الْحَقُّ) مَفْهُومُهُ أَنَّ مُقَابِلَهُ بَاطِلٌ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ كَلَامِهِ مَا يَقْتَضِي بُطْلَانَهُ بَلْ مَا نَقَلَهُ بَعْدَهُ عَنْ الْمُجْتَبَى يُفِيدُ صِحَّتَهُ، وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَرَّرْنَاهُ مَا يَتَّفِقُ بِهِ كَلَامُهُمْ، وَأَمَّا كَوْنُ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ لَا مِنْ الْحَدِّ فَلَا يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ الِانْزِجَارِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِلَا شَرْطِ إحْصَانٍ إلَخْ) رَدٌّ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ مُحْصَنٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَجَزَمَ بِهِ الطَّرَسُوسِيُّ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَرَدَّهُ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَدِّ بَلْ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَهُوَ حَسَنٌ، فَإِنَّ هَذَا الْمُنْكَرَ حَيْثُ تَعَيَّنَ الْقَتْلُ طَرِيقًا فِي إزَالَتِهِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْإِحْصَانِ فِيهِ، وَلِذَا أَطْلَقَهُ الْبَزَّازِيُّ. اهـ. قُلْت: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَلِيهِ إلَّا الْإِمَامُ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) عَزَاهُ بَعْضُهُمْ أَيْضًا إلَى جَامِعِ الْفَتَاوَى وَحُدُودِ الْبَزَّازِيَّةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَحِلُّ دِيَانَةً لَا قَضَاءً فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي هُنَا التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي السَّرِقَةِ، وَهُوَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الدَّارِ بَيِّنَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْتُولُ مَعْرُوفًا بِالشَّرِّ وَالسَّرِقَةِ قُتِلَ صَاحِبُ الدَّارِ قِصَاصًا وَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِهِ فَكَذَلِكَ قِيَاسًا. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ أَوْرَثَتْ شُبْهَةً فِي الْقِصَاصِ لَا فِي الْمَالِ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إلَخْ) هُوَ مِنْ تَتِمَّةِ عِبَارَةِ الْمُجْتَبَى، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَلِذَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ الْمُكَابِرُ) أَيْ الْآخِذُ عَلَانِيَةً بِطَرِيقِ الْغَلَبَةِ وَالْقَهْرِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: كَابَرْته مُكَابَرَةً غَالَبْته مُغَالَبَةً (قَوْلُهُ وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ) أَيْ إذَا كَانَ مُسَافِرًا وَرَأَى قَاطِعَ طَرِيقٍ لَهُ قَتْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى غَيْرِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِ النَّاسِ مِنْ شَرِّهِ وَأَذَاهُ كَمَا يُفِيدُهُ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَجَمِيعُ الْكَبَائِرِ) أَيْ أَهْلُهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمُتَعَدِّي ضَرَرُهَا إلَى الْغَيْرِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَالْأَعْوِنَةُ وَالسُّعَاةُ عَطْفَ تَفْسِيرٍ أَوْ عَطْفَ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ، فَيَشْمَلُ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ كَالسَّاحِرِ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَاللِّصِّ وَاللُّوطِيِّ وَالْخَنَّاقِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ عَمَّ ضَرَرُهُ وَلَا يَنْزَجِرُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ (قَوْلُهُ وَالْأَعْوِنَةُ) كَأَنَّهُ جَمْعُ مُعِينٍ أَوْ عَوَانٍ بِمَعْنَاهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ السَّاعِي إلَى الْحُكَّامِ بِالْإِفْسَادِ، فَعَطْفُ السُّعَاةِ عَلَيْهِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ. وَفِي رِسَالَةِ أَحْكَامِ السِّيَاسَةِ عَنْ جَمْعِ النَّسَفِيِّ: سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ قَتْلِ الْأَعْوِنَةِ وَالظَّلَمَةِ وَالسُّعَاةِ فِي أَيَّامِ الْفَتْرَةِ: قَالَ يُبَاحُ قَتْلُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ سَاعُونَ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، فَقِيلَ إنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ عَنْ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ الْفَتْرَةِ وَيَخْتَفُونَ. قَالَ: ذَلِكَ امْتِنَاعُ ضَرُورَةٍ - {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: 28]- كَمَا نُشَاهِدُ. قَالَ وَسَأَلْنَا الشَّيْخَ أَبَا شُجَاعٍ عَنْهُ، فَقَالَ: يُبَاحُ قَتْلُهُ وَيُثَابُ قَاتِلُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَفْتَى النَّاصِحِيُّ إلَخْ) لَعَلَّ الْوُجُوبَ بِالنَّظَرِ لِلْإِمَامِ وَنُوَّابِهِ وَالْإِبَاحَةَ بِالنَّظَرِ لِغَيْرِهِمْ ط (قَوْلُهُ وَيَكُونُ بِالنَّفْيِ عَنْ الْبَلَدِ) وَمِنْهُ مَا مَرَّ مِنْ نَفْيِ الزَّانِي الْبِكْرِ وَنَفْيِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ لِافْتِتَانِ النِّسَاءِ بِجَمَالِهِ وَفِي النَّهْرِ عَنْ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِلْعَيْنِيِّ أَنَّ مَنْ آذَى النَّاسَ يُنْفَى عَنْ الْبَلَدِ (قَوْلُهُ وَبِالْهُجُومِ إلَخْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 وَكَسْرِ دِنَانِ الْخَمْرِ وَإِنْ مَلَّحُوهَا، وَلَمْ يُنْقَلْ إحْرَاقُ بَيْتِهِ (وَيُقِيمُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ) قُنْيَةٌ (وَ) أَمَّا (بَعْدَهُ) فَ (لَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْحَاكِمِ) وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى كَمَا سَيَجِيءُ [فَرْعٌ] مَنْ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ أَقِمْ عَلَيَّ التَّعْزِيرَ فَفَعَلَهُ ثُمَّ رُفِعَ لِلْحَاكِمِ فَإِنَّهُ يَحْتَسِبُ بِهِ قُنْيَةٌ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَمِثْلُهُ فِي دَعْوَى الْخَانِيَّةِ، لَكِنْ فِي الْفَتْحِ مَا يَجِبُ حَقًّا لِلْعَبْدِ لَا يُقِيمُهُ إلَّا الْإِمَامُ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الدَّعْوَى إلَّا أَنْ يُحَكِّمَا فِيهِ فَلْيُحْفَظْ.   [رد المحتار] مِنْ بَابِ قَعَدَ: الدُّخُولُ عَلَى غَفْلَةٍ بَغْتَةً قَالَ فِي أَحْكَامِ السِّيَاسَةِ وَفِي الْمُنْتَقَى: وَإِذَا سُمِعَ فِي دَارِهِ صَوْتُ الْمَزَامِيرِ فَأَدْخُلْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَسْمَعَ الصَّوْتَ فَقَدْ أَسْقَطَ حُرْمَةَ دَارِهِ. وَفِي حُدُودِ الْبَزَّازِيَّةِ وَغَصْبِ النِّهَايَةِ وَجِنَايَةِ الدِّرَايَةِ: ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُهْدَمُ الْبَيْتُ عَلَى مَنْ اعْتَادَ الْفِسْقَ وَأَنْوَاعَ الْفَسَادِ فِي دَارِهِ، حَتَّى لَا بَأْسَ بِالْهُجُومِ عَلَى بَيْتِ الْمُفْسِدِينَ. وَهَجَمَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى نَائِحَةٍ فِي مَنْزِلِهَا وَضَرَبَهَا بِالدُّرَّةِ حَتَّى سَقَطَ خِمَارُهَا فَقِيلَ لَهُ فِيهِ، فَقَالَ: لَا حُرْمَةَ لَهَا بَعْدَ اشْتِغَالِهَا بِالْمُحَرَّمِ وَالْتَحَقَتْ بِالْإِمَاءِ. وَرُوِيَ أَنَّ الْفَقِيهَ أَبَا بَكْرٍ الْبَلْخِيّ خَرَجَ إلَى الرُّسْتَاقِ وَكَانَتْ النِّسَاءُ عَلَى شَطِّ النَّهْرِ كَاشِفَاتٍ الرُّءُوسَ وَالذِّرَاعَ، فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ فَعَلْت هَذَا؟ فَقَالَ: لَا حُرْمَةَ لَهُنَّ، إنَّمَا الشَّكُّ فِي إيمَانِهِنَّ كَأَنَّهُنَّ حَرْبِيَّاتٌ، وَهَكَذَا فِي جِنَايَاتِ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى. وَذَكَرَ فِي كَرَاهِيَةِ الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ: وَيُقَدَّمُ إبْدَاءُ الْعُذْرِ عَنْ مُظْهِرِ الْفِسْقِ بِدَارِهِ، فَإِنْ كَفَّ فِيهَا وَإِلَّا حَبَسَهُ الْإِمَامُ أَوْ أَدَّبَهُ أَسْوَاطًا أَوْ أَزْعَجَهُ مِنْ دَارِهِ، إذْ الْكُلُّ يَصْلُحُ تَعْزِيرًا. وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ أَحْرَقَ بَيْتَ الْخَمَّارِ. وَعَنْ الصَّفَّارِ الزَّاهِدِيِّ الْأَمْرُ بِتَخْرِيبِ دَارِ الْفَاسِقِ (قَوْلُهُ وَإِنْ مَلَّحُوهَا) أَيْ تُكْسَرُ وَإِنْ قَالَ أَصْحَابُهَا نُلْقِي فِيهَا مِلْحًا لِأَجْلِ تَخْلِيلِهَا. وَفِي كَرَاهِيَةِ الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ فِي الْعُيُونِ: وَفَتَاوَى النَّسَفِيِّ إنَّهُ يُكْسَرُ دِنَانُ الْخَمْرِ، وَلَا يَضْمَنُ الْكَاسِرُ، وَلَا يَكْتَفِي بِإِلْقَاءِ الْمِلْحِ، وَكَذَا مَنْ أَرَاقَ خُمُورَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَكَسَرَ دِنَانَهَا وَشَقَّ زِقَاقَهَا إنْ كَانُوا أَظْهَرُوهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا أَظْهَرُوهَا بَيْنَنَا فَقَدْ أَسْقَطُوا حُرْمَتَهَا. وَفِي سِيَرِ الْعُيُونِ: يَضْمَنُ إلَّا إذَا كَانَ إمَامًا يَرَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَفِي الْمُسْلِمِ يَضْمَنُ الزِّقَّ مُسْلِمٌ فِي مَنْزِلِهِ دَنٌّ مِنْ خَمْرٍ يُرِيدُ اتِّخَاذَهَا خَلًّا يَضْمَنُ الدَّنَّ عِنْدَ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ الِاتِّخَاذَ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ الثَّانِي. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْكَسْرَ لَوْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا يَضْمَنُ. وَأَصْلُهُ فِيمَنْ كَسَرَ بَرْبَطًا لِمُسْلِمٍ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي عَدَمِ الضَّمَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يُنْقَلْ إحْرَاقَ بَيْتِهِ) تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ عُمَرَ فِي بَيْتِ الْخَمَّارِ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ عُلَمَائِنَا، لَكِنْ مَا مَرَّ عَنْ الصَّفَّارِ يُفِيدُهُ (قَوْلُهُ وَيُقِيمُهُ إلَخْ) أَيْ التَّعْزِيرَ الْوَاجِبَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ، وَالشَّارِعُ وَلَّى كُلَّ أَحَدٍ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ» الْحَدِيثَ، بِخِلَافِ الْحُدُودِ لَمْ يَثْبُتْ تَوْلِيَتُهَا إلَّا لِلْوُلَاةِ، وَبِخِلَافِ التَّعْزِيرِ الَّذِي يَجِبُ حَقًّا لِلْعَبْدِ بِالْقَذْفِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الدَّعْوَى لَا يُقِيمُهُ إلَّا الْحَاكِمُ إلَّا أَنْ يُحَكِّمَا فِيهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ قُنْيَةٌ) هَذَا الْعَزْوُ لِقَوْلِهِ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ يُقِيمُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا بَعْدَهُ إلَخْ) تَصْرِيحٌ بِالْمَفْهُومِ. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَزَّرَهُ حَالَ كَوْنِهِ مَشْغُولًا بِالْفَاحِشَةِ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مَأْمُورٌ بِهِ، وَبَعْدَ الْفَرَاغِ لَيْسَ بِنَهْيٍ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَمَّا مَضَى لَا يُتَصَوَّرُ فَيَتَمَحَّصُ تَعْزِيرًا، وَذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ. اهـ. وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّ لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يُعَزِّرَ الْمُعَزِّرَ إنْ عَزَّرَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا [فَرْعٌ مَنْ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ أَقِمْ عَلَيَّ التَّعْزِيرَ فَفَعَلَهُ ثُمَّ رُفِعَ لِلْحَاكِمِ] (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ إلَخْ) وَعَلَيْهِ فَمَا فِي الْقُنْيَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقًّا لِعَبْدٍ وَحَكَّمَا فِيهِ (قَوْلُهُ لَا يُقِيمُهُ إلَّا الْإِمَامُ) وَقِيلَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ كَالْقِصَاصِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 (ضَرَبَ غَيْرَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَضَرَبَهُ الْمَضْرُوبُ) أَيْضًا (يُعَزَّرَانِ) كَمَا لَوْ تَشَاتَمَا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي وَلَمْ يَتَكَافَآ كَمَا مَرَّ (وَيَبْدَأُ بِإِقَامَةِ التَّعْزِيرِ بِالْبَادِئِ) لِأَنَّهُ أَظْلَمُ قُنْيَةٌ. وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى: جَازَ الْمُجَازَاةُ بِمِثْلِهِ فِي غَيْرِ مُوجِبِ حَدٍّ لِلْإِذْنِ بِهِ - {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 41] وَالْعَفْوُ أَفْضَلُ {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40]- (وَصَحَّ حَبْسُهُ) وَلَوْ فِي بَيْتِهِ بِأَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْهُ نَهْرٌ (مَعَ ضَرْبِهِ) إذَا اُحْتِيجَ لِزِيَادَةِ تَأْدِيبٍ (وَضَرْبُهُ أَشَدَّ) لِأَنَّهُ خُفِّفَ عَدَدًا فَلَا يُخَفَّفُ وَصْفًا (ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا) لِثُبُوتِهِ بِالْكِتَابِ (ثُمَّ حَدُّ الشُّرْبِ) لِثُبُوتِهِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لَا بِالْقِيَاسِ لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِي الْحُدُودِ (ثُمَّ الْقَذْفُ) لِضَعْفِ سَبَبِهِ بِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْقَاذِفِ. (وَعُزِّرَ كُلُّ مُرْتَكِبِ مُنْكَرٍ أَوْ مُؤْذِي مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ)   [رد المحتار] وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ قَدْ يُسْرِفُ فِيهِ غِلَظًا، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَكَافَآ) عَطْفٌ عَلَى يُعَزَّرَانِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا يُتَوَهَّمُ مِنْ إطْلَاقِ قَوْلِ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى الْآتِي جَازَ الْمُجَازَاةُ بِمِثْلِهِ إلَخْ. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا تَمَحَّضَ حَقًّا لَهُمَا وَأَمْكَنَ فِيهِ التَّسَاوِي، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ يَا خَبِيثُ فَقَالَ بَلْ أَنْتِ، بِخِلَافِ الضَّرْبِ فَإِنَّهُ يَتَفَاوَتُ، وَبِخِلَافِ التَّشَاتُمِ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنَّ فِيهِ هَتْكَ مَجْلِسِ الشَّرْعِ كَمَا مَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ، وَقَدَّمْنَا تَمَامَهُ (قَوْلُهُ جَازَ الْمُجَازَاةُ بِمِثْلِهِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى اشْتِرَاطِ إمْكَانِ التَّسَاوِي، وَتَمَحُّضِ كَوْنِهِ حَقًّا لَهُمَا كَمَا قُلْنَا إذْ بِدُونِ ذَلِكَ لَا مُمَاثَلَةَ (قَوْلُهُ إذَا اُحْتِيجَ لِزِيَادَةِ تَأْدِيبٍ) وَذَلِكَ بِأَنْ يَرَى أَنَّ أَكْثَرَ الضَّرْبِ فِي التَّعْزِيرِ وَهُوَ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ لَا يَنْزَجِرُ بِهَا أَوْ هُوَ فِي شَكٍّ مِنْ انْزِجَارِهِ بِهَا يَضُمُّ إلَيْهِ الْحَبْسَ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ صَلَحَ تَعْزِيرًا بِانْفِرَادِهِ حَتَّى لَوْ رَأَى أَنْ لَا يَضْرِبَهُ وَيَحْبِسَهُ أَيَّامًا عُقُوبَةً فَعَلَ فَتْحٌ. قَالَ ط: وَصَحَّ الْقَيْدُ فِي السُّفَهَاءِ وَالدُّعَّارِ وَأَهْلِ الْإِفْسَادِ حَمَوِيٌّ عَنْ الْمِفْتَاحِ (قَوْلُهُ وَضَرْبُهُ أَشَدَّ) أَيْ أَشَدَّ مِنْ ضَرْبِ حَدِّ الزِّنَا. وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا عُزِّرَ بِمَا دُونَ أَكْثَرِهِ وَإِلَّا فَتِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ مِنْ أَشَدِّ الضَّرْبِ فَوْقَ ثَمَانِينَ حُكْمًا فَضْلًا عَنْ أَرْبَعِينَ مَعَ تَنْقِيصِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَشَدِّيَّةِ فَيَفُوتُ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ نَقَصَ كَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ قَاسِمُ بْنُ قُطْلُوبُغَا شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَإِطْلَاقُ الْأَشَدِّيَّةِ شَامِلٌ لِقُوَّتِهِ وَجَمْعِهِ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ فَلَا يُفَرِّقُ الضَّرْبَ فِيهِ وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ أَوَّلَ الْبَابِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يُجَرَّدُ مِنْ ثِيَابِهِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ: يُضْرَبُ التَّعْزِيرَ قَائِمًا بِثِيَابِهِ، وَيُنْزَعُ الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ وَلَا يُمَدُّ فِي التَّعْزِيرِ اهـ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِتَصْرِيحِ الْمَبْسُوطِ بِهِ بَحْرٌ وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الْمَدِّ فِي حَدِّ الزِّنَا (قَوْلُهُ فَلَا يُخَفَّفُ وَصْفًا) كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى فَوَاتِ الْمَقْصُودِ بَحْرٌ أَيْ الِانْزِجَارِ (قَوْلُهُ ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا) بِالرَّفْعِ لِحَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ وَالْأَصْلُ ثُمَّ ضَرْبُ حَدِّ الزِّنَا ط (قَوْلُهُ لَا بِالْقِيَاسِ) رَدٌّ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ كَمَالٍ فِي هَامِشِ الْإِيضَاحِ (قَوْلُهُ لِضَعْفِ سَبَبِهِ) أَيْ فَسَبَبُهُ مُحْتَمَلٌ وَسَبَبُ حَدِّ الشُّرْبِ مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَهُوَ الشُّرْبُ وَالْمُرَادُ أَنَّ الشُّرْبَ مُتَيَقَّنُ السَّبَبِيَّةِ لِلْحَدِّ لَا مُتَيَقَّنُ الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ وَهُمَا لَا يُوجِبَانِ الْيَقِينَ بَحْرٌ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعُزِّرَ كُلُّ مُرْتَكِبِ مُنْكَرٍ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي وُجُوبِ التَّعْزِيرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. مَطْلَبٌ التَّعْزِيرُ قَدْ يَكُونُ بِدُونِ مَعْصِيَةٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ حَصْرُ أَسْبَابِ التَّعْزِيرِ فِيمَا ذَكَرَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِدُونِ مَعْصِيَةٍ كَتَعْزِيرِ الصَّبِيِّ وَالْمُتَّهَمِ كَمَا يَأْتِي وَكَنَفْيِ مَنْ خِيفَ مِنْهُ فِتْنَةٌ بِجَمَالِهِ مَثَلًا، كَمَا مَرَّ فِي نَفْيِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْحَاصِلَ وُجُوبُهُ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ لِكُلِّ مُرْتَكِبِ مَعْصِيَةٍ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ كَنَظَرٍ مُحَرَّمٍ وَمَسٍّ مُحَرَّمٍ وَخَلْوَةٍ مُحَرَّمَةٍ وَأَكْلِ رِبًا ظَاهِرٌ. اهـ. قُلْت: وَهَذِهِ الْكُلِّيَّةُ غَيْرُ مُنْعَكِسَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي مَعْصِيَةٍ فِيهَا حَدٌّ كَزِنَا غَيْرِ الْمُحْصَنِ فَإِنَّهُ يُجْلَدُ حَدًّا وَلِلْإِمَامِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 إلَّا إذَا كَانَ الْكَذِبُ ظَاهِرًا كَيَا كَلْبُ بَحْرٌ (وَلَوْ بِغَمْزِ الْعَيْنِ) أَوْ إشَارَةِ الْيَدِ لِأَنَّهُ غِيبَةٌ كَمَا يَأْتِي فِي الْحَظْرِ، فَمُرْتَكِبُهُ مُرْتَكِبُ مُحَرَّمٍ وَكُلُّ مُرْتَكِبِ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا، فِيهَا التَّعْزِيرُ أَشْبَاهٌ (فَيُعَزَّرُ) بِشَتْمِ وَلَدِهِ وَقَذْفِهِ وَ (بِقَذْفِ مَمْلُوكٍ) وَلَوْ أُمَّ وَلَدِهِ (وَكَذَا بِقَذْفِ كَافِرٍ) وَكُلِّ مَنْ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ (بِزِنًا) وَيَبْلُغُ بِهِ غَايَتَهُ، كَمَا لَوْ أَصَابَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ مُحَرَّمًا غَيْرَ جِمَاعٍ، أَوْ أَخَذَ السَّارِقُ بَعْدَ جَمْعِهِ لِلْمَتَاعِ قَبْلَ إخْرَاجِهِ، وَفِيمَا عَدَاهَا لَا يَبْلُغُ غَايَتَهُ وَبِقَذْفِ: أَيْ بِشَتْمِ (مُسْلِمٍ) مَا (بِيَا فَاسِقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْفِسْقِ) كَمَكَّاسٍ مَثَلًا أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِفِسْقِهِ لِأَنَّ الشَّيْنَ قَدْ أَلْحَقَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ قَبْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ فَتْحٌ (فَإِنْ أَرَادَ الْقَاذِفُ) إثْبَاتَهُ بِالْبَيِّنَةِ (مُجَرَّدًا) بِلَا بَيَانِ سَبَبِهِ.   [رد المحتار] نَفْيُهُ سِيَاسَةً وَتَعْزِيرًا كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ. وَرَوَى أَحْمَدُ أَنَّ النَّجَاشِيَّ الشَّاعِرَ جِيءَ بِهِ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي رَمَضَانَ فَضَرَبَهُ ثَمَانِينَ ثُمَّ ضَرَبَهُ مِنْ الْغَدِ عِشْرِينَ، لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ ضَرَبَهُ الْعِشْرِينَ فَوْقَ الثَّمَانِينَ لِفِطْرِهِ فِي رَمَضَانَ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ قَالَ لَهُ: ضَرَبْنَاك الْعِشْرِينَ بِجَرَاءَتِك عَلَى اللَّهِ وَإِفْطَارِك فِي رَمَضَانَ اهـ فَالتَّعْزِيرُ فِيهِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى غَيْرِ جِهَةِ الْحَدِّ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ الْكَذِبُ ظَاهِرًا إلَخْ) سَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ غِيبَةٌ) ظَاهِرُهُ لُزُومُ التَّعْزِيرِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ صَاحِبُ الْحَقِّ، لَكِنْ مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ مَا يَجِبُ حَقًّا لِلْعَبْدِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّعْوَى (قَوْلُهُ وَكُلُّ مُرْتَكِبِ مَعْصِيَةٍ) لَعَلَّهُ ذَكَرَهُ مَعَ إغْنَاءِ مَا قَبْلَهُ عَنْهُ لِيُفِيدَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُنْكَرِ مَا لَا حَدَّ فِيهِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيُعَزَّرُ مَنْ شَهِدَ شُرْبَ الشَّارِبِينَ وَالْمُجْتَمِعُونَ عَلَى شِبْهِ الشُّرْبِ وَإِنْ لَمْ يَشْرَبُوا، وَمَنْ مَعَهُ رِكْوَةُ خَمْرٍ وَالْمُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ، وَكَذَا الْمُسْلِمُ يَبِيعُ الْخَمْرَ وَيَأْكُلُ الرِّبَا. وَالْمُغَنِّي، وَالْمُخَنَّثُ، وَالنَّائِحَةُ يُعَزَّرُونَ وَيُحْبَسُونَ حَتَّى يُحْدِثُوا تَوْبَةً، وَمَنْ يُتَّهَمُ بِالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ يُحْبَسُ وَيُخَلَّدُ فِي السِّجْنِ إلَى أَنْ يُظْهِرَ التَّوْبَةَ، وَكَذَا مَنْ قَبَّلَ أَجْنَبِيَّةً أَوْ عَانَقَهَا أَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيُعَزَّرُ بِشَتْمِ وَلَدِهِ) فِيهِ كَلَامٌ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ تَقَدَّمَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَنْ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ) أَيْ إحْصَانِ الْقَذْفِ ط. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ لِعَدَمِ إحْصَانِهِ يُعَزَّرُ قَاذِفُهُ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْحَدِّ لِعَدَمِ الْإِحْصَانِ سُقُوطُ التَّعْزِيرِ (قَوْلُهُ وَيَبْلُغُ بِهِ غَايَتَهُ) أَيْ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ سَوْطًا وَهَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَيُعَزَّرُ، وَمُقْتَضَاهُ بُلُوغُ الْغَايَةِ فِي شَتْمِ وَلَدِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ مُحَرَّمًا غَيْرَ جِمَاعٍ) الَّذِي فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا: كُلُّ مُحَرَّمٍ غَيْرِ جِمَاعٍ. وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ الْغَايَةَ بِمُجَرَّدِ لَمْسٍ أَوْ تَقْبِيلٍ، وَهُوَ خِلَافُ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَفِيمَا عَدَاهَا) أَيْ مَا عَدَا هَذِهِ الْمَوَاضِعَ الثَّلَاثَ لَا يَبْلُغُ غَايَةَ التَّعْزِيرِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا تَبَعًا لِلْبَحْرِ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ غَيْرَهَا: مِنْهَا مَا فِي الدُّرَرِ، قِيلَ تَارِكُ الصَّلَاةِ يُضْرَبُ حَتَّى يَسِيلَ مِنْهُ الدَّمُ. وَفِي الْحُجَّةِ: لَوْ ادَّعَى الْإِمَامُ أَنَّهُ كَانَ مَجُوسِيًّا لَا يُصَدَّقُ إلَّا أَنَّهُ يُضْرَبُ ضَرْبًا شَدِيدًا اهـ أَيْ وَلَا يَلْزَمُ الْقَوْمَ إعَادَةُ الصَّلَاةِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: مَنْ وَطِئَ غُلَامًا يُعَزَّرُ أَشَدَّ التَّعْزِيرِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ارْتَدَّتْ تُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَتُضْرَبُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ اهـ أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ أَكْثَرَهُ ذَلِكَ، أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَأَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ (قَوْلُهُ أَيْ بِشَتْمِ) إطْلَاقُ الْقَذْفِ عَلَى الشَّتْمِ مَجَازٌ شَرْعِيٌّ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مُسْلِمٍ مَا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ مَسْتُورًا، وَسَيَأْتِي أَنَّ الذِّمِّيَّ كَالْمُسْلِمِ (قَوْلُهُ أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِفِسْقِهِ) هَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْفَتْحِ، بَلْ ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ مِنْ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِعِلْمِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِلَا بَيَانِ سَبَبِهِ) مِثْلُ أَنَّهُ فَاسِقٌ، وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مُجَرَّدًا. وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ بَيَّنَ سَبَبًا شَرْعِيًّا كَتَقْبِيلِ أَجْنَبِيَّةٍ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ. مَطْلَبٌ فِي الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ قُلْت: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوهُ فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ عَلَى جَرْحٍ مُجَرَّدٍ عَنْ إثْبَاتِ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْعَبْدِ، مِثْلُ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى شُهُودِ الْمُدَّعِي بِأَنَّهُمْ فَسَقَةٌ أَوْ زُنَاةٌ أَوْ أَكَلَةُ الرِّبَا أَوْ شَرَبَةُ الْخَمْرِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 (لَا تُسْمَعُ: وَلَوْ قَالَ يَا زَانِي وَأَرَادَ إثْبَاتَهُ تُسْمَعُ) لِثُبُوتِ الْحَدِّ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ،   [رد المحتار] أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِزُورٍ، وَتُقْبَلُ لَوْ شَهِدُوا عَلَى الْجَرْحِ الْمُرَكَّبِ مِثْلُ أَنَّهُمْ زَنَوْا وَوَصَفُوا الزِّنَا أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ أَوْ سَرَقُوا مِنِّي كَذَا وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ، أَوْ أَنِّي صَالَحْتُهُمْ بِكَذَا مِنْ الْمَالِ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيَّ بِالْبَاطِلِ وَأَطْلُبُ رَدَّ الْمَالِ مِنْهُمْ فَفِي هَذَا إثْبَاتُ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْحَدُّ، أَوْ إثْبَاتُ حَقِّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْمَالُ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إثْبَاتُ فِعْلٍ خَاصٍّ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ، بَلْ غَايَتُهُ أَنَّ عَادَتَهُمْ فِعْلُ الزِّنَا أَوْ نَحْوُهُ فَهُوَ جَرْحٌ مُجَرَّدٌ. وَقَدْ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ هُنَا: إنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ لَا تَصِحُّ بَلْ تَصِحُّ إذَا ثَبَتَ فِسْقُهُ فِي ضِمْنِ مَا تَصِحُّ فِيهِ الْخُصُومَةُ كَجَرْحِ الشُّهُودِ اهـ. فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ مَا بُيِّنَ سَبَبُهُ كَتَقْبِيلِ أَجْنَبِيَّةٍ مَثَلًا جَرْحٌ مُجَرَّدٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ضِمْنِ مَا تَصِحُّ فِيهِ الْخُصُومَةُ، وَلِهَذَا أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ هُنَاكَ أَنَّ إقْرَارَهُمْ بِشَهَادَةِ الزُّورِ مُوجِبٌ لِلتَّعْزِيرِ وَهُوَ مِنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى. وَأَجَابَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِحَقِّهِ تَعَالَى الْحَدُّ لَا التَّعْزِيرُ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، فَلَيْسَ فِي وُسْعِ الْقَاضِي إلْزَامُهُ بِهِ، بِخِلَافِ الْحَدِّ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهَا. قُلْت: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُجَرَّدِ هُنَا مَا لَمْ يُبَيَّنْ سَبَبُهُ وَغَيْرِ الْمُجَرَّدِ مَا بُيِّنَ لَهُ سَبَبٌ مُوجِبٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ أَوْ لِحَقِّ الْعَبْدِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُجَرَّدِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ مَا لَمْ يُوجِبْ حَدًّا أَوْ حَقَّ عَبْدٍ، وَغَيْرِ الْمُجَرَّدِ مَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِ مَا تَصِحُّ فِيهِ الْخُصُومَةُ مِنْ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْعَبْدِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا إسْقَاطُ التَّعْزِيرِ عَنْ الْقَاذِفِ بِإِثْبَاتِ مَا يُوجِبُ صِدْقَهُ لَا إثْبَاتِ فِسْقِ الْمَقْذُوفِ ابْتِدَاءً فَلِذَا اُكْتُفِيَ بِبَيَانِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِفِسْقِهِ، وَلَمْ يَكْتَفَ بِالْمُجَرَّدِ عَنْهُ لِاحْتِمَالِ ظَنِّ الشَّاهِدَيْنِ مَا لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلْفِسْقِ مُفَسِّقًا. وَأَمَّا فِي بَابِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ فِسْقِ الشَّاهِدِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَبْحَثُ أَوَّلًا عَنْ عَدَالَتِهِ لِيَقْبَلَ شَهَادَتَهُ، فَإِذَا بَرْهَنَ الْخَصْمُ عَلَى جَرْحِهِ كَانَ الْمَقْصُودُ إثْبَاتَ فِسْقِهِ لِتَسْقُطَ عَدَالَتُهُ؛ لِأَنَّ الْجَرْحَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْدِيلِ وَإِثْبَاتُ الْفِسْقِ مَقْصُودًا إظْهَارُ الْفَاحِشَةِ. وَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ مُفَسِّقٌ لِشُهُودِ الْجَرْحِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إلَّا إذَا كَانَ فِي ضِمْنِ إثْبَاتِ حَقٍّ تَصِحُّ فِيهِ الْخُصُومَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَقْصُودًا بِإِظْهَارِ الْفَاحِشَةِ بَلْ يَثْبُتُ ضِمْنًا، وَلَا يَدْخُلُ فِي الْحَقِّ هُنَا التَّعْزِيرُ لِمَا مَرَّ عَنْ الْمُصَنِّفِ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ جَرْحٌ مُجَرَّدٌ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ لَا هُنَا فَيُقْبَلُ هُنَا بَعْدَ بَيَانِ سَبَبِهِ لَا هُنَاكَ لِمَا عَلِمْت وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا مَا صَرَّحُوا بِهِ هُنَاكَ مِنْ أَنَّ الْجَرْحَ الْمُجَرَّدَ إنَّمَا لَا يُقْبَلُ لَوْ كَانَ جَهْرًا؛ لِأَنَّهُ إظْهَارٌ لِلْفَاحِشَةِ، أَمَّا لَوْ كَانَ سِرًّا فَإِنَّهُ يُقْبَلُ، وَكَذَا مَا صَرَّحُوا بِهِ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إذَا كَانَ بَعْدَ التَّعْدِيلِ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَشَى عَلَيْهِ هُنَاكَ، فَلَوْ كَانَ قَبْلَهُ قُبِلَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ عِلَّةَ قَبُولِهِ قَبْلَهُ أَنَّهُ يَكُونُ خَبَرًا بِفِسْقِ الشُّهُودِ لِئَلَّا يَقْبَلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمْ، وَلِذَا يُقْبَلُ الْجَرْحُ سِرًّا مِنْ وَاحِدٍ، وَلَوْ كَانَ شَهَادَةً لَمْ يُقْبَلْ وَلِهَذَا لَوْ عُدِّلُوا بَعْدَ الْجَرْحِ تَثْبُتُ عَدَالَتُهُمْ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَلَوْ كَانَ الْجَرْحُ سِرًّا شَهَادَةً مَقْبُولَةً لَسَقَطُوا عَنْ حَيِّزِ الشَّهَادَةِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مَجَالُ التَّعْدِيلِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ إخْبَارٌ لَا شَهَادَةٌ، وَنَظِيرُهُ سُؤَالُ الْقَاضِي الْمُزَكِّينَ عَنْ الشُّهُودِ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الْجَرْحَ الْمُجَرَّدَ لَا يُقْبَلُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ جَهْرًا بَعْدَ التَّعْدِيلِ وَإِلَّا قُبِلَ. وَأَمَّا فِي بَابِ التَّعْزِيرِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ بَعْدَ بَيَانِ سَبَبِهِ وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ مُجَرَّدًا. [تَنْبِيهٌ] سَيَأْتِي أَنَّ التَّعْزِيرَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْمُدَّعِي مَعَ آخَرَ وَبِشَهَادَةِ عَدْلٍ إذَا كَانَ فِي حُقُوقِهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ تَعْزِيرَ الْقَاذِفِ ثَبَتَ حَقًّا لِلْمَقْذُوفِ، فَإِذَا ادَّعَى الْقَاذِفُ فِسْقَ الْمَقْذُوفِ لَا تَكْفِي شَهَادَتُهُ لِنَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى صِدْقِ الْقَاذِفِ لِيَسْقُطَ عَنْهُ التَّعْزِيرُ الثَّابِتُ حَقًّا لِلْمَقْذُوفِ بِخِلَافِ مَا كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَقَامِ وَالسَّلَامُ. (قَوْلُهُ وَأَرَادَ إثْبَاتَهُ) أَيْ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْهُ (قَوْلُهُ لِثُبُوتِ الْحَدِّ) أَيْ فَكَانَ الْجَرْحُ ثَابِتًا ضِمْنًا لَا قَصْدًا فَلَمْ يَكُنْ مُجَرَّدًا، لَكِنَّ الْمُنَاسِبَ التَّعْلِيلُ بِبَيَانِ السَّبَبِ وَيُؤَيِّدُ مَا مَرَّ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ عَنْ الْمُلْتَقَطِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ أَرْبَعَةً فُسَّاقًا يُدْرَأُ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ وَالْمَقْذُوفِ وَالشُّهُودِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 حَتَّى لَوْ بَيَّنُوا فِسْقَهُ بِمَا فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْعَبْدِ قُبِلَتْ وَكَذَا فِي جَرْحِ الشَّاهِدِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَ الْقَاضِي عَنْ سَبَبِ فِسْقِهِ، فَإِنْ بَيَّنَ سَبَبًا شَرْعِيًّا كَتَقْبِيلِ أَجْنَبِيَّةٍ وَعِنَاقِهَا وَخَلْوَتِهِ بِهَا طَلَبَ بَيِّنَةً لِيُعَزِّرَهُ، وَلَوْ قَالَ هُوَ تَرْكُ وَاجِبٍ سَأَلَ الْقَاضِي الْمَشْتُومَ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَلُّمُهُ مِنْ الْفَرَائِضِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا ثَبَتَ فِسْقُهُ، لِمَا فِي الْمُجْتَبَى: مَنْ تَرَكَ الِاشْتِغَالَ بِالْفِقْهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَالْمُرَادُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَلُّمُهُ مِنْهُ نَهْرٌ. (وَعُزِّرَ) الشَّاتِمُ (بِيَا كَافِرُ) وَهَلْ يَكْفُرُ إنْ اعْتَقَدَ الْمُسْلِمَ كَافِرًا؟ نَعَمْ وَإِلَّا لَا بِهِ يُفْتَى شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ، وَلَوْ أَجَابَهُ لَبَّيْكَ كَفَرَ خُلَاصَةٌ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، قِيلَ لَا يُعَزَّرُ مَا لَمْ يَقُلْ يَا كَافِرُ بِاَللَّهِ لِأَنَّهُ كَافِرٌ بِالطَّاغُوتِ فَيَكُونُ مُحْتَمَلًا (يَا خَبِيثُ يَا سَارِقُ يَا فَاجِرُ يَا مُخَنَّثُ يَا خَائِنُ) يَا سَفِيهُ يَا بَلِيدُ يَا أَحْمَقُ يَا مُبَاحِي يَا عَوَانِي (يَا لُوطِيُّ) وَقِيلَ يُسْأَلُ، فَإِنْ عَنَى أَنَّهُ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُعَزَّرُ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ عُزِّرَ عِنْدَهُ وَحُدَّ عِنْدَهُمَا وَالصَّحِيحُ تَعْزِيرُهُ لَوْ فِي غَضَبٍ أَوْ هَزْلٍ فَتْحٌ (يَا زِنْدِيقُ) يَا مُنَافِقُ يَا رَافِضِيٌّ.   [رد المحتار] فَعُلِمَ أَنَّ ثُبُوتَ الْحَدِّ غَيْرُ لَازِمٍ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا حَقَّقْنَاهُ آنِفًا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُجَرَّدِ هُنَا مَا لَمْ يُبَيَّنْ سَبَبُهُ لَا مَا لَمْ يَثْبُتْ ضِمْنًا (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ بَيَّنُوا إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ بِلَا بَيَانِ سَبَبِهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي جَرْحِ الشَّاهِدِ) قَدْ عَلِمْت الْفَرْقَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ) قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِيُعَزِّرَهُ) أَيْ يُعَزِّرَ الْمَقْذُوفَ وَيُسْقِطَ التَّعْزِيرَ عَنْ الْقَاذِفِ (قَوْلُهُ سَأَلَ الْقَاضِي الْمَشْتُومَ) أَيْ وَلَا يَطْلُبُ مِنْ الشَّاتِمِ الْبَيِّنَةَ فِي مِثْلِ هَذَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ مِنْ الْفَرَائِضِ) أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ الْوَاجِبَاتِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ (قَوْلُهُ ثَبَتَ فِسْقُهُ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ التَّعْزِيرُ، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يُعَزَّرُ كُلُّ مُرْتَكِبِ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا (قَوْلُهُ بِيَا كَافِرُ) لَمْ يُقَيَّدْ بِكَوْنِ الْمَشْتُومِ بِذَلِكَ مُسْلِمًا لِمَا يَذْكُرُهُ بَعْدُ (قَوْلُهُ إنْ اعْتَقَدَ الْمُسْلِمَ كَافِرًا نَعَمْ) أَيْ يَكْفُرُ إنْ اعْتَقَدَهُ كَافِرًا لَا بِسَبَبٍ مُكَفِّرٍ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي الذَّخِيرَةِ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنَّهُ إنْ أَرَادَ الشَّتْمَ وَلَا يَعْتَقِدُهُ كُفْرًا لَا يَكْفُرُ وَإِنْ اعْتَقَدَهُ كُفْرًا فَخَاطَبَهُ بِهَذَا بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ كَافِرٌ يَكْفُرُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اعْتَقَدَ الْمُسْلِمَ كَافِرًا فَقَدْ اعْتَقَدَ دِينَ الْإِسْلَامِ كُفْرًا. اهـ. (قَوْلُهُ كَفَرَ) أَيْ؛ لِأَنَّ إجَابَتَهُ إقْرَارٌ بِأَنَّهُ كَافِرٌ فَيُؤَاخَذُ بِهِ لِرِضَاهُ بِالْكُفْرِ ظَاهِرًا إلَّا إذَا كَانَ مُكْرَهًا. وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا بِأَنَّهُ كَافِرٌ بِالطَّاغُوتِ مَثَلًا فَلَا يَكْفُرُ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ مُحْتَمَلًا) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَيَرْجِعُ خِلَافُهُ حَالَةَ السَّبِّ، فَلِذَا أَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ يَا فَاجِرُ) يُسْتَعْمَلُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ بِمَعْنَى الْكَافِرِ وَالزَّانِي، وَفِي عُرْفِنَا الْيَوْمَ بِمَعْنَى كَثِيرِ الْخِصَامِ وَالْمُنَازَعَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَفَادَ بِعَطْفِهِ يَا فَاجِرُ عَلَى يَا فَاسِقُ التَّغَايُرَ بَيْنَهُمَا، وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: لَوْ أَقَامَ مُدَّعِي الشَّتْمِ شَاهِدَيْنِ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ وَالْآخَرُ عَلَى أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا فَاجِرُ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ يَا مُخَنَّثُ) بِفَتْحِ النُّونِ، أَمَّا بِكَسْرِهَا فَمُرَادِفٌ لِلُّوطِيِّ نَهْرٌ وَقِيلَ الْمُخَنَّثُ مَنْ يُؤْتَى كَالْمَرْأَةِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى. وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ الْإِشَارَاتِ أَنَّ كَسْرَ النُّونِ أَفْصَحُ وَالْفَتْحَ أَشْهَرُ، وَهُوَ مَنْ خُلُقُهُ خُلُقُ النِّسَاءِ فِي حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ وَهَيْئَاتِهِ وَكَلَامِهِ. فَإِنْ كَانَ خِلْقَةً فَلَا ذَمَّ فِيهِ، وَمَنْ يَتَكَلَّفُهُ فَهُوَ الْمَذْمُومُ (قَوْلُهُ يَا خَائِنُ) هُوَ الَّذِي يَخُونُ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْأَمَانَاتِ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ يَا سَفِيهُ) هُوَ الْمُبَذِّرُ الْمُسْرِفُ وَفِي عُرْفِنَا الْيَوْمَ بِمَعْنَى بَذِيءِ اللِّسَانِ (قَوْلُهُ يَا بَلِيدُ) إنَّمَا يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْخَبِيثِ الْفَاجِرِ نَهْرٌ عَنْ السِّرَاجِ. قُلْت: وَهُوَ فِي الْعُرْفِ الْيَوْمَ بِمَعْنَى قَلِيلِ الْفَهْمِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَزَّرَ بِهِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتْحِ قَالَ: وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ يُشْبِهُ يَا أَبْلَهُ وَلَمْ يُعَزِّرُوا بِهِ (قَوْلُهُ يَا أَحْمَقُ) بِمَعْنَى نَاقِصِ الْعَقْلِ سَيِّئِ الْأَخْلَاقِ (قَوْلُهُ يَا مُبَاحِي) هُوَ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا مُبَاحَةٌ (قَوْلُهُ يَا عَوَانِي) هُوَ السَّاعِي إلَى الْحَاكِمِ بِالنَّاسِ ظُلْمًا (قَوْلُهُ أَوْ هَزْلٍ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ قُلْت: أَوْ هَزْلِ مَنْ تَعَوَّدَ بِالْهَزْلِ بِالْقَبِيحِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَا زِنْدِيقُ يَا مُنَافِقُ) الْأَوَّلُ هُوَ مَنْ لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ، وَالثَّانِي هُوَ مَنْ يُبْطِنُ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الرِّدَّةِ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ يَا رَافِضِيٌّ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ يَا رَافِضِيٌّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 يَا مُبْتَدَعِي يَا يَهُودِيُّ يَا نَصْرَانِيُّ يَا ابْنَ النَّصْرَانِيِّ نَهْرٌ (يَا لِصُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِصًّا) لِصِدْقِ الْقَائِلِ كَمَا مَرَّ، وَالنِّدَاءُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، إذْ الْإِخْبَارُ كَأَنْتَ أَوْ فُلَانٌ فَاسِقٌ وَنَحْوِهِ كَذَلِكَ مَا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الدَّعْوَى قُنْيَةٌ (يَا دَيُّوثُ) هُوَ مَنْ لَا يَغَارُ عَلَى امْرَأَتِهِ أَوْ مَحْرَمِهِ (يَا قَرْطَبَانِ) مُرَادِفُ دَيُّوثٍ بِمَعْنَى مُعَرِّصٍ (يَا شَارِبَ الْخَمْرِ، يَا آكِلَ الرِّبَا، يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ) فِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ إذَا شَتَمَ أَصْلَهُ عُزِّرَ بِطَلَبِ الْوَلَدِ كَيَا ابْنَ الْفَاسِقِ يَا ابْنَ الْكَافِرِ، وَأَنَّهُ يُعَزَّرُ بِقَوْلِهِ يَا قَحْبَةُ. لَا يُقَالُ: الْقَحْبَةُ عُرْفًا أَفْحَشُ مِنْ الزَّانِيَةِ لِكَوْنِهَا تُجَاهِرُ بِهِ بِالْأُجْرَةِ. لِأَنَّا نَقُولُ: لِذَلِكَ الْمَعْنَى لَمْ يُحَدَّ، فَإِنَّ   [رد المحتار] بِمَنْزِلَةِ يَا كَافِرُ أَوْ يَا مُبْتَدِعُ فَيُعَزَّرُ؛ لِأَنَّ الرَّافِضِيَّ كَافِرٌ إنْ كَانَ يَسُبُّ الشَّيْخَيْنِ مُبْتَدِعٌ إنْ فَضَّلَ عَلِيًّا عَلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ سَبٍّ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. اهـ. قُلْت: وَفِي كُفْرِ الرَّافِضِيِّ بِمُجَرَّدِ السَّبِّ كَلَامٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ، نَعَمْ لَوْ كَانَ يَقْذِفُ السَّيِّدَةَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِهِ (قَوْلُهُ يَا مُبْتَدِعِيُّ) أَهْلُ الْبِدْعَةِ: كُلُّ مَنْ قَالَ قَوْلًا خَالَفَ فِيهِ اعْتِقَادَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ (قَوْلُهُ يَا لِصُّ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَتُضَمُّ دُرٌّ مُنْتَقَى (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِصًّا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ لِئَلَّا يُوهِمَ اخْتِصَاصَهُ بِاللِّصِّ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكُلِّ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ وَقَالَ إنَّهُ لَا تَصْرِيحَ بِهِ. اهـ. قُلْت: وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ فِي الْفَتْحِ: وَقَيَّدَ النَّاطِفِيُّ بِمَا إذَا قَالَهُ لِرَجُلٍ صَالِحٍ، أَمَّا لَوْ قَالَ لِفَاسِقٍ أَوْ لِلِصٍّ يَا لِصُّ أَوْ لِفَاجِرٍ يَا فَاجِرُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالتَّعْلِيلُ يُفِيدُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُنَا إنَّهُ آذَاهُ بِمَا أَلْحَقَ بِهِ مِنْ الشَّيْنِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَنْ لَمْ يَعْلَمْ اتِّصَافَهُ بِهَذِهِ؛ أَمَّا مَنْ عَلِمَ فَإِنَّ الشَّيْنَ قَدْ أَلْحَقَهُ بِنَفْسِهِ قَبْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ اهـ كَلَامُ الْفَتْحِ. قُلْت: وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا وَكَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ السَّابِقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْفِسْقِ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُجَاهِرُ الْمُشْتَهِرُ بِذَلِكَ فَلَا يُعَزَّرُ شَاتِمُهُ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ اغْتَابَهُ فِيهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إيذَاءَهُ بِمَا لَمْ يُعْلَمْ اتِّصَافُهُ بِهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُعَزَّرُ بِالْغِيبَةِ وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا بِوَصْفِهِ بِمَا فِيهِ وَإِلَّا كَانَتْ بُهْتَانًا، فَإِذَا عُزِّرَ بِوَصْفِهِ بِمَا فِيهِ مِمَّا لَمْ يَتَجَاهَرْ بِهِ فَفِي شَتْمِهِ بِهِ فِي وَجْهِهِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَشَدُّ فِي الْإِيذَاءِ وَالْإِهَانَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ يَا فَاسِقُ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الدَّعْوَى) قَيْدٌ لِلُزُومِ التَّعْزِيرِ بِالْإِخْبَارِ عَنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا ادَّعَى عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّ فُلَانًا فَعَلَ كَذَا مِمَّا هُوَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يُعَزَّرُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ السَّبِّ وَالِانْتِقَاصِ، بَلْ يُعَزَّرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ عَنْ كَفَالَةِ النَّهْرِ أَنَّ كُلَّ تَعْزِيرٍ لِلَّهِ تَعَالَى يَكْفِي فِيهِ خَبَرُ الْعَدْلِ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ سَرِقَةً أَوْ مَا يُوجِبُ كُفْرًا وَعَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهِ، بِخِلَافِ دَعْوَى الزِّنَا كَمَا يَأْتِي، وَالْفَرْقُ وُجُودُ النَّصِّ عَلَى حَدِّهِ لِلْقَذْفِ إذَا لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةٍ مِنْ الشُّهَدَاءِ (قَوْلُهُ يَا دَيُّوثُ) بِتَثْلِيثِ الدَّالِ ط، وَمِثْلُهُ الْقَوَّادُ فِي عُرْفِ مِصْرَ وَالشَّامِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ يَا قَرْطَبَانُ) مُعَرَّبُ قَلْتَبَانَ دُرَرٌ، وَمِثْلُهُ يَا كَشْخَانُ وَهُوَ الْحَقُّ، خِلَافًا لِمَا فِي الْكَنْزِ مِنْ أَنَّهُ لَا تَعْزِيرَ فِيهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ خِلَافًا لِمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ مِنْ أَنَّهُ بِالْمُهْمَلَةِ (قَوْلُهُ مُرَادِفُ دَيُّوثٍ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: هُوَ الَّذِي يَرَى مَعَ امْرَأَتِهِ أَوْ مَحْرَمِهِ رَجُلًا فَيَدَعُهُ خَالِيًا بِهَا. وَقِيلَ هُوَ الْمُتَسَبِّبُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِمَعْنًى غَيْرِ مَمْدُوحٍ، وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يَبْعَثُ امْرَأَتَهُ مَعَ غُلَامٍ بَالِغٍ، أَوْ مَعَ مُزَارِعِهِ إلَى الضَّيْعَةِ، أَوْ يَأْذَنُ لَهُمَا بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي غَيْبَتِهِ (قَوْلُهُ بِمَعْنَى مُعَرِّصٍ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ مُعَرِّسٌ بِالسِّينِ. قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَمَا مَرَّ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ: وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِالْمُعَرِّسِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْعَوَامُّ يَلْحَنُونَ فِيهِ فَيَفْتَحُونَ الرَّاءَ وَيَأْتُونَ بِالصَّادِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (قَوْلُهُ عُزِّرَ بِطَلَبِ الْوَلَدِ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالشَّتْمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ الطَّلَبَ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ حَيًّا، بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأَنَّهُ يُعَزَّرُ أَيْضًا بِطَلَبِ الْأَصْلِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ يُعَزَّرُ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ إنَّهُ إذَا شَتَمَ: أَيْ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إيمَاءً أَيْضًا إلَى أَنَّ مُوجَبَهُ التَّعْزِيرُ لَا الْحَدُّ (قَوْلُهُ لَا يُقَالُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُوجِبَ الْحَدَّ لَا التَّعْزِيرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 الزِّنَا بِالْأُجْرَةِ يُسْقِطُ الْحَدَّ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا ابْنُ كَمَالٍ، لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْمُضْمَرَاتِ بِوُجُوبِ الْحَدِّ فِيهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ ظَاهِرٌ (يَا ابْنَ الْفَاجِرَةِ، أَنْتِ مَأْوَى اللُّصُوصِ، أَنْتِ مَأْوَى الزَّوَانِي، يَا مَنْ يَلْعَبُ بِالصِّبْيَانِ، يَا حَرَامْ زَادَهْ) مَعْنَاهُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْوَطْءِ الْحَرَامِ فَيَعُمُّ حَالَةَ الْحَيْضِ. لَا يُقَالُ: فِي الْعُرْفِ لَا يُرَادُ ذَلِكَ بَلْ يُرَادُ وَلَدُ الزِّنَا. لِأَنَّا نَقُولُ: كَثِيرًا مَا يُرَادُ بِهِ الْخَدَّاعُ اللَّئِيمُ فَلِذَا لَا يُحَدُّ [فَرْعٌ] أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالدِّيَاثَةِ أَوْ عُرِفَ بِهَا لَا يُقْتَلُ مَا لَمْ يَسْتَحِلَّ وَيُبَالَغُ فِي تَعْزِيرِهِ أَوْ يُلَاعَنُ جَوَاهِرُ الْفَتَاوَى. وَفِيهَا: فَاسِقٌ تَابَ وَقَالَ إنْ رَجَعْت إلَى ذَلِكَ فَاشْهَدُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ رَافِضِيٌّ فَرَجَعَ لَا يَكُونُ رَافِضِيًّا بَلْ عَاصِيًا، وَلَوْ قَالَ: إنْ رَجَعْت فَهُوَ كَافِرٌ فَرَجَعَ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. (لَا) يُعَزَّرُ (بِيَا حِمَارُ يَا خِنْزِيرُ، يَا كَلْبُ، يَا تَيْسُ، يَا قِرْدُ) يَا ثَوْرُ يَا بَقَرُ، يَا حَيَّةُ لِظُهُورِ كَذِبِهِ وَاسْتَحْسَنَ فِي الْهِدَايَةِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ يُسْقِطُ الْحَدَّ) أَيْ حَدَّ الزِّنَا لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ، فَلَمْ يَكُنْ قَاذِفًا بِالزِّنَا الْخَالِي عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ، فَلَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ أَيْضًا لَكِنَّهُ يُعَزَّرُ. وَكَتَبَ ابْنُ كَمَالٍ بِهَامِشِ شَرْحِهِ هُنَا أَنَّ النِّسْبَةَ إلَى فِعْلٍ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِذَلِكَ الْفِعْلِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً بِمَعْنَى الزَّانِيَةِ فَهُوَ قَذْفٌ بِصَرِيحِ الزِّنَا وَلِأَنَّ الْقَحْبَةَ لَا تَلْتَزِمُ عَقْدَ الْإِجَارَةِ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ سُقُوطِ الْحَدِّ عِنْدَ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ يَا مَنْ يَلْعَبُ بِالصِّبْيَانِ) أَيْ مَعَهُمْ نَهْرٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي الْعُرْفِ مَنْ يَفْعَلُ مَعَهُمْ الْقَبِيحَ بِقَرِينَةِ الشَّتْمِ وَالْغَضَبِ (قَوْلُهُ فَيَعُمُّ حَالَةَ الْحَيْضِ) أَيْ فَلَمْ يَكُنْ قَذْفًا بِصَرِيحِ الزِّنَا، فَلَا يُوجِبُ الْحَدَّ بَلْ التَّعْزِيرَ [فَرْعٌ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالدِّيَاثَةِ أَوْ عُرِفَ بِهَا] (قَوْلُهُ وَيُبَالَغُ فِي تَعْزِيرِهِ) أَيْ فِيمَا إذَا عُرِفَ بِالدِّيَاثَةِ، وَقَوْلُهُ أَوْ يُلَاعَنُ أَيْ فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِهَا، فَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوِّشٌ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ الْمِنَحِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى؛ لِأَنَّهُ إذَا لَاعَنَ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْزِيرِ وَإِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ يَلْزَمُهُ الْحَدُّ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ أَيْضًا. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الدَّيُّوثَ مَنْ لَا يَغَارُ عَلَى أَهْلِهِ أَوْ مَحْرَمِهِ؛ فَهُوَ لَيْسَ بِصَرِيحِ الزِّنَا فَكَيْفَ يَجِبُ اللِّعَانُ بِإِقْرَارِهِ بِالدِّيَاثَةِ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ إقْرَارُهُ بِمَعْنَاهَا لَا بِلَفْظِهَا أَيْ بِأَنْ قَالَ كُنْت أُدْخِلُ الرِّجَالَ عَلَى زَوْجَتِي يَزْنُونَ بِهَا (قَوْلُهُ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ رُجُوعَهُ عَلَى الْكُفْرِ فَيَنْعَقِدُ يَمِينًا كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ كَافِرًا بِرُجُوعِهِ، لَكِنْ هَذَا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ بِرُجُوعِهِ لَا يَصِيرُ كَافِرًا وَإِلَّا كَفَرَ لِرِضَاهُ بِالْكُفْرِ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ رَافِضِيٍّ كَافِرًا كَمَا مَرَّ، فَلَمْ يَكُنْ تَعْلِيقًا عَلَى الْكُفْرِ (قَوْلُهُ لِظُهُورِ كَذِبِهِ) أَيْ يَقِينًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ سَبٍّ عَادَ شَيْنُهُ إلَى السَّابِّ فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ، فَإِنْ عَادَ الشَّيْنُ فِيهِ إلَى الْمَسْبُوبِ عُزِّرَ اهـ وَإِنَّمَا يَعُودُ شَيْنُهُ إلَى السَّابِّ لِظُهُورِ كَذِبِهِ (قَوْلُهُ وَاسْتَحْسَنَ فِي الْهِدَايَةِ) وَكَذَا فِي الْكَافِي كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَنَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْفَتَاوَى. وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ: وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ شَيْنًا. وَقِيلَ إنْ كَانَ الْمَسْبُوبُ مِنْ الْأَشْرَافِ كَالْفُقَهَاءِ وَالْعَلَوِيَّةِ يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُمْ الْوَحْشَةُ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَامَّةِ لَا يُعَزَّرُ، وَهَذَا أَحْسَنُ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ مُطْلَقًا وَمُخْتَارُ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ يُعَزَّرُ مُطْلَقًا، وَالتَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ، قَالَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ: وَقَوَّى شَيْخُنَا مَا اخْتَارَهُ الْهِنْدُوَانِيُّ بِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِلضَّابِطِ: كُلُّ مَنْ ارْتَكَبَ مُنْكَرًا أَوْ آذَى مُسْلِمًا بِغَيْرِ حَقٍّ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ إشَارَةٍ يَلْزَمُهُ التَّعْزِيرُ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا يُقْصَدُ بِهَا حَقِيقَةُ اللَّفْظِ حَتَّى يُقَالَ بِظُهُورِ كَذِبِهِ، وَلَوْلَا النَّظَرُ إلَى مَا فِيهَا مِنْ الْأَذَى لَمَا قِيلَ بِالتَّعْزِيرِ بِهَا فِي حَقِّ الْأَشْرَافِ وَإِلَّا فَظُهُورُ الْكَذِبِ فِيهَا مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِهِمْ مَنْ كَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 التَّعْزِيرَ لَوْ الْمُخَاطَبُ مِنْ الْأَشْرَافِ وَتَبِعَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ (يَا حَجَّامُ يَا أَبْلَهُ يَا ابْنَ الْحَجَّامِ وَأَبُوهُ لَيْسَ كَذَلِكَ) وَأَوْجَبَ الزَّيْلَعِيُّ التَّعْزِيرَ فِي يَا ابْنَ الْحَجَّامِ (يَا مُؤَاجِرُ) لِأَنَّهُ عُرْفًا بِمَعْنَى الْمُؤَجِّرِ (يَا بَغَّا) هُوَ الْمَأْبُونُ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَفِي الْمُلْتَقَطِ فِي عُرْفِنَا يُعَزَّرُ فِيهِمَا وَفِي وَلَدِ الْحَرَامِ نَهْرٌ. وَالضَّابِطُ أَنَّهُ مَتَى نَسَبَهُ إلَى فِعْلٍ اخْتِيَارِيٍّ مُحَرَّمٍ شَرْعًا وَيُعَدُّ عَارًا   [رد المحتار] فِي مَعْنَاهُمْ مِمَّنْ يَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ الْأَذَى وَالْوَحْشَةُ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ الْأَنْفُسِ الْأَبِيَّةِ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْوَحْشَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْعَلَوِيَّةِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَشْرَافِ مَنْ كَانَ كَرِيمَ النَّفْسِ حَسَنَ الطَّبْعِ وَذَكَرَ الْفُقَهَاءَ وَالْعَلَوِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِمْ ذَلِكَ، فَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَلْحَقُهُ الشَّيْنُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْمُرَادِ لَازِمُهَا مِنْ نَحْوِ الْبَلَادَةِ وَخُبْثِ الطِّبَاعِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِنَفْسِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ لُحُوقُ الْوَحْشَةِ بِهِ، كَمَا لَوْ قِيلَ لِفَاسِقٍ يَا فَاسِقُ فَيَرْجِعُ إلَى مَا اسْتَحْسَنَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. ثُمَّ رَأَيْت الشَّارِحَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى قَالَ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْعَلَوِيِّ كُلُّ مُتَّقٍ وَإِلَّا فَالتَّخْصِيصُ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ إنَّهُ فِي الْأَخِسَّةِ أَمَّا فِي الْأَشْرَافِ فَالتَّعْزِيرُ اهـ فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ عَلَى وَجْهِ الْمُزَاحِ يُعَزَّرُ فَلَوْ بِطَرِيقِ الْحَقَارَةِ كَفَرَ؛ لِأَنَّ إهَانَةَ أَهْلِ الْعِلْمِ كُفْرٌ عَلَى الْمُخْتَارِ فَتَاوَى بَدِيعِيَّةٌ لَكِنَّهُ يُشْكِلُ بِمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ سَبَّ الْخَتَنَيْنِ لَيْسَ بِكُفْرٍ. اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْخَتَنَيْنِ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - (قَوْلُهُ يَا أَبْلَهُ) بِمَعْنَى الْغَافِلِ (قَوْلُهُ وَأَبُوهُ لَيْسَ كَذَلِكَ) أَيْ لَيْسَ بِحَجَّامٍ، وَكَذَا لَا تَعْزِيرَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَأَوْجَبَ الزَّيْلَعِيُّ إلَخْ) كَأَنَّهُ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْكَذِبِ فِي يَا ابْنَ الْحَجَّامِ لِمَوْتِ أَبِيهِ فَالسَّامِعُونَ لَا يَعْلَمُونَ كَذِبَهُ فَلَحِقَهُ الشَّيْنُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا حَجَّامُ؛ لِأَنَّهُمْ يُشَاهِدُونَ صَنْعَتَهُ بَحْرٌ. وَدَفَعَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ التَّفْرِقَةَ تَحَكُّمٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِتَعْزِيرِهِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِمَوْتِ أَبِيهِ. اهـ. قُلْت: وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الزَّيْلَعِيِّ هَكَذَا: وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا تُوجِبُ التَّعْزِيرَ قَوْلُهُ يَا رُسْتَاقِيُّ وَيَا ابْنَ الْأَسْوَدِ وَيَا ابْنَ الْحَجَّامِ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ. اهـ. فَقَوْلُهُ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ: أَيْ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ كَمَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ عُرْفًا بِمَعْنَى الْمُؤَجِّرِ) قَالَ مُنْلَا خُسْرو: الْمُؤَاجِرُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَنْ يُؤَجِّرُ أَهْلَهُ لِلزِّنَا لَكِنَّهُ لَيْسَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ الْمُتَعَارَفَ بَلْ بِمَعْنَى الْمُؤَجِّرِ (قَوْلُهُ يَا بَغَّا) هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَيُقَالُ بَاغَا وَكَأَنَّهُ اُنْتُزِعَ مِنْ الْبِغَاءِ بَحْرٌ عَنْ الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ هُوَ الْمَأْبُونُ) أَيْ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ أَنْ يُؤْتَى فِي دُبُرِهِ لِدُودَةٍ وَنَحْوِهَا بَحْرٌ. قُلْت: لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ: إنَّ الْبَغَّا مِنْ شَتْمِ الْعَوَامّ يَتَفَوَّهُونَ بِهِ وَلَا يَعْرِفُونَ مَا يَقُولُونَ اهـ وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَا مَشَى عَلَيْهِ تَبَعًا لِلْمُتُونِ، مِنْ أَنَّهُ لَا تَعْزِيرَ فِيهِ. أَمَّا عَلَى تَفْسِيرِهِ بِالْمَأْبُونِ فَلَا، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَمَا نَقَلَ عَنْ الْمُغْرِبِ إنَّهُ الْمَأْبُونُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ التَّعْزِيرُ فِيهِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْكَذِبِ فِيهِ، ثُمَّ اسْتَشْهَدَ لِذَلِكَ بِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ وُجُوبِ التَّعْزِيرِ فِي يَا مَعْفُوجُ: وَهُوَ الْمَأْتِيُّ فِي الدُّبُرِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ، بَلْ الْبَغَّا أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْأُبْنَةَ عَيْبٌ شَدِيدٌ. قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَأْبُونَ هُوَ الَّذِي يَطْلُبُ أَنْ يُؤْتَى بِخِلَافِ الْمَعْفُوجِ وَهُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ وَالْجِيمِ، وَفَسَّرَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِالْمَضْرُوبِ فِي الدُّبُرِ: وَفِي الْقَامُوسِ: عَفَجَ يَعْفِجُ ضَرَبَ، وَجَارِيَتَهُ جَامَعَهَا (قَوْلُهُ يُعَزَّرُ فِيهِمَا) أَيْ فِي يَا مُؤَاجِرُ وَيَا بَغَّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ عُرْفَهُمْ اسْتِعْمَالُ مُؤَاجِرٍ فِيمَنْ يُؤَاجِرُ أَهْلَهُ لِلزِّنَا وَبَغَّا فِي الْمَأْبُونِ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي عُرْفِنَا هَذَانِ اللَّفْظَانِ فِي الشَّتْمِ، فَيَنْبَغِي عَدَمُ التَّعْزِيرِ فِيهِمَا كَمَا عَلَيْهِ الْمُتُونُ (قَوْلُهُ وَفِي وَلَدِ الْحَرَامِ) هَذَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا، حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَزَّرَ فِي وَلَدِ الْحَرَامِ، بَلْ أَوْلَى مِنْ حَرَامْ زَادَهْ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي النَّهْرِ عِبَارَةَ الْمُلْتَقَطِ، فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ إيهَامٌ (قَوْلُهُ وَالضَّابِطُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ كَمَالٍ: فَخَرَجَ بِالْقَيْدِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 عُرْفًا يُعَزَّرُ وَإِلَّا لَا ابْنُ كَمَالٍ (يَا ضُحْكَةُ) بِسُكُونِ الْحَاءِ: مَنْ يَضْحَكُ عَلَيْهِ النَّاسُ، أَمَّا بِفَتْحِهَا: فَهُوَ مَنْ يَضْحَكُ عَلَى النَّاسِ، وَكَذَا (يَا سُخْرَةُ) وَاخْتَارَ فِي الْغَايَةِ التَّعْزِيرَ فِيهِمَا وَفِي يَا سَاحِرُ يَا مُقَامِرُ. وَفِي الْمُلْتَقَى: وَاسْتَحْسَنُوا التَّعْزِيرَ لَوْ الْمَقُولُ لَهُ فَقِيهًا أَوْ عَلَوِيًّا. (ادَّعَى سَرِقَةً) عَلَى شَخْصٍ (وَعَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهَا لَا يُعَزَّرُ، كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ بِدَعْوَى تُوجِبُ تَكْفِيرَهُ وَعَجَزَ) الْمُدَّعِي (عَنْ إثْبَاتِ مَا ادَّعَاهُ) فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا صَدَرَ الْكَلَامُ عَلَى وَجْهِ الدَّعْوَى عِنْدَ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ. أَمَّا إذَا صَدَرَ عَلَى وَجْهِ السَّبِّ أَوْ الِانْتِقَاصِ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ (بِخِلَافِ دَعْوَى الزِّنَا) فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُثْبِتْ يُحَدُّ لِمَا مَرَّ (وَهُوَ) أَيْ التَّعْزِيرُ (حَقُّ الْعَبْدِ) غَالِبٌ فِيهِ (فَيَجُوزُ فِيهِ الْإِبْرَاءُ وَالْعَفْوُ)   [رد المحتار] الْأَوَّلِ النِّسْبَةُ إلَى الْأُمُورِ الْخُلُقِيَّةِ، فَلَا يُعَزَّرُ فِي يَا حِمَارُ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ غَيْرُ مُرَادٍ، بَلْ مَعْنَاهُ الْمَجَازِيُّ كَالْبَلِيدِ، وَهُوَ أَمْرٌ خُلُقِيٌّ، وَبِالْقَيْدِ الثَّانِي النِّسْبَةُ إلَى مَا لَا يَحْرُمُ فِي الشَّرْعِ، فَلَا يُعَزَّرُ فِي يَا حَجَّامُ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُعَدُّ عَارًا فِي الْعُرْفِ، وَلَا يَحْرُمُ فِي الشَّرْعِ، وَبِالْقَيْدِ الثَّالِثِ إلَى مَا لَا يُعَدُّ عَارًا فِي الْعُرْفِ فَلَا يُعَزَّرُ فِي يَا لَاعِبَ النَّرْدِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَحْرُمُ فِي الشَّرْعِ. اهـ. قُلْت: وَهَذَا الضَّابِطُ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَقَدْ عَلِمْت تَفْصِيلَ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ بِسُكُونِ الْحَاءِ) أَيْ مَعَ ضَمِّ أَوَّلِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ (قَوْلُهُ وَفِي يَا سَاحِرُ) رَأَيْته فِي الْبَحْرِ بِالْحَاءِ الْمُعْجَمَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ يَا مُقَامِرُ) مِنْ قَامَرَهُ مُقَامَرَةً وَقِمَارًا فَقَمَرَهُ: إذَا رَاهَنَهُ فَغَلَبَهُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُلْتَقَى إلَخْ) هَذَا بِمَعْنَى مَا مَرَّ عَنْ الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ، لَكِنَّهُ فِي الْمُلْتَقَى ذَكَرَهُ بَعْدَ جَمِيعِ مَا مَرَّ مِنْ الْأَلْفَاظِ. وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ تُوهِمُ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي نَحْوِ حِمَارٍ وَخِنْزِيرٍ مِمَّا يُتَيَقَّنُ فِيهِ بِكَذِبِ الْقَائِلِ فَأَعَادَهُ الشَّارِحُ آخِرًا لِدَفْعِ هَذَا الْإِيهَامِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ ادَّعَى سَرِقَةً) ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ الْقُنْيَةِ، وَذَكَرَ الثَّانِيَةَ عَنْ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ، وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ دَعْوَى الزِّنَا مِنْ كَلَامِ الْقُنْيَةِ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ بِقَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مَا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الدَّعْوَى، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ دَخَلَ فِي ذَلِكَ دَعْوَى مَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ قُبَيْلَ هَذَا الْبَابِ مِنْ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ لِلدَّرْءِ: أَيْ مَأْمُورٌ بِالسَّتْرِ، فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إثْبَاتِهِ كَانَ مُخَالِفًا لِلْأَمْرِ، وَذَكَرْنَا الْفَرْقَ فِيمَا تَقَدَّمَ بِوُرُودِ النَّصِّ عَلَى جَلْدِهِ إذَا لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ. وَأَمَّا مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ مِنْ الْفَرْقِ بِأَنَّ دَعْوَى الزِّنَا لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا إلَّا بِنِسْبَتِهِ إلَى الزِّنَا، بِخِلَافِ دَعْوَى السَّرِقَةِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا إثْبَاتُ الْمَالِ وَيُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ بِدُونِ نِسْبَتِهِ إلَى السَّرِقَةِ فَلَمْ يَكُنْ قَاصِدًا نِسْبَتَهُ إلَى السَّرِقَةِ، فَفِيهِ نَظَرٌ لِاقْتِضَائِهِ عَكْسَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِيهِمَا. ثُمَّ رَأَيْت الْخَيْرَ الرَّمْلِيَّ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا كَمَا أَوْضَحْته فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْبَحْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَيْ التَّعْزِيرُ إلَخْ) لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالزَّيْلَعِيِّ وَقَاضِي خَانْ أَنَّ كُلَّ تَعْزِيرٍ حَقُّ الْعَبْدِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يَأْتِي زَادَ الشَّارِحُ قَوْلَهُ غَالِبٌ فِيهِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ وَشَرْحِ الْمُصَنِّفِ، فَصَارَ قَوْلُهُ حَقُّ الْعَبْدِ مُبْتَدَأً، وَقَوْلُهُ غَالِبٌ فِيهِ خَبَرَهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ قَوْلِهِ وَهُوَ، وَالْمُرَادُ كَمَا أَفَادَهُ ح أَنَّ أَفْرَادَهُ الَّتِي هِيَ حَقُّ الْعَبْدِ أَكْثَرُ مِنْ أَفْرَادِهِ الَّتِي هِيَ حَقُّ اللَّهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْحَقَّيْنِ اجْتَمَعَا فِيهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ غَالِبٌ كَمَا قِيلَ بِعَكْسِهِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ اهـ. قُلْت: هَذَا وَإِنْ دَفَعَ الْإِيرَادَ الْمَارَّ لَكِنَّ الْمُتَبَادِرَ خِلَافُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ الْحَقَّانِ وَحَقُّ الْعَبْدِ غَالِبٌ فِيهِ عَكْسُ حَدِّ الْقَذْفِ، وَقَدْ دَفَعَ الشَّارِحُ الْإِيرَادَ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَيَكُونُ أَيْضًا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى. فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا كَانَ حَقًّا لِلْعَبْدِ، وَأَنَّ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا وَلَكِنَّ حَقَّ الْعَبْدِ غَالِبٌ فِيهِ عَلَى عَكْسِ حَدِّ الْقَذْفِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 وَالتَّكْفِيلُ زَيْلَعِيٌّ (وَالْيَمِينُ) وَيُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيْك هَذَا الْحَقُّ الَّذِي يَدَّعِي لَا بِاَللَّهِ مَا قُلْت خُلَاصَةٌ (وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَيَكُونُ أَيْضًا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا عَفْوَ فِيهِ إلَّا إذَا عَلِمَ الْإِمَامُ انْزِجَارَ الْفَاعِلِ وَلَا يَمِينَ.   [رد المحتار] وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ مَا مَرَّ مِنْ أَلْفَاظِ الْقَذْفِ وَالشَّتْمِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّعْزِيرِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا شَرْعًا. قَالَ تَعَالَى - {وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} [الحجرات: 11]- فَكَانَ فِيهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ وَغَلَبَ حَقُّ الْعَبْدِ لِحَاجَتِهِ، وَلِذَا لَوْ عَفَا سَقَطَ التَّعْزِيرُ، بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ بِالْعَكْسِ كَمَا مَرَّ، وَرُبَّمَا تَمَحَّضَ حَقُّ الْعَبْدِ كَمَا إذَا شَتَمَ الصَّبِيُّ رَجُلًا فَإِنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْمَحَلِّ فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ شَتَمَ رَجُلًا بِأَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ ابْنُ الْمُصَنِّفِ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِهِ حَقَّ عَبْدٍ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى: هِيَ أَنَّ رَجُلًا شَتَمَ آخَرَ بِأَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ أَلْفَاظِ الشَّتْمِ الْمُوجِبِ لِلتَّعْزِيرِ، وَهُوَ أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ لَا تَدَاخُلَ فِيهَا، بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ، لَكِنَّ كَلَامَهُمْ يُفِيدُهُ، نَعَمْ التَّعْزِيرُ الَّذِي هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى يَنْبَغِي الْقَوْلُ فِيهِ بِالتَّدَاخُلِ. اهـ. وَأَصْلُ الْبَحْثِ لِوَالِدِهِ الْمُصَنِّفِ وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ هَذَا الْبَابِ. قُلْت: وَمُقْتَضَى هَذَا تَعَدُّدُهُ أَيْضًا لَوْ شَتَمَ جَمَاعَةً بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مِثْلُ أَنْتُمْ فَسَقَةٌ أَوْ بِأَلْفَاظٍ، بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ كَمَا مَرَّ هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَالتَّكْفِيلُ) أَيْ أَخْذُ كَفِيلٍ بِنَفْسِ الشَّاتِمِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إذَا قَالَ الْمَشْتُومُ لِي عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ زَيْلَعِيٌّ) تَمَامُ عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ وَشُرِعَ فِي حَقِّ الصِّبْيَانِ اهـ وَسَيَأْتِي مَتْنًا (قَوْلُهُ وَالْيَمِينُ) يَعْنِي إذَا أَنْكَرَ أَنَّهُ سَبَّهُ يَحْلِفُ وَيَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا بِاَللَّهِ مَا قُلْت) أَيْ لَا يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا قُلْت لَهُ يَا فَاسِقُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ وَرَدَّ عَلَيْهِ الْمَشْتُومُ بِمِثْلِهِ أَوْ عَفَا عَنْهُ أَوْ أَنَّهُ فَاسِقٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا بَيِّنَةَ لِلشَّاتِمِ، فَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ لَيْسَ عَلَيْهِ لِلْمَشْتُومِ حَقُّ التَّعْزِيرِ الَّذِي يَدَّعِي: كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ اسْتَقْرَضَ مِنْهُ كَذَا وَأَنْكَرَ فَإِنَّهُ يُحَلِّفُهُ مَا لَهُ عَلَيْك الْأَلْفُ الَّذِي يَدَّعِي لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اسْتَقْرَضَ وَأَوْفَاهُ أَوْ أَبْرَأَهُ الْمُدَّعِي (قَوْلُهُ وَشَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَكَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُنْتَقَى. وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ: لَا تُقْبَلُ فِي التَّعْزِيرِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ كَالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ. وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ اهـ أَفَادَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ. قُلْت: وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ أَيْضًا عِنْدَهُ مَعَ أَنَّهُ جَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ وَكَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ بِأَنَّهَا تُقْبَلُ فَلِذَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِقَبُولِهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ) أَيْ كَمَا فِي بَاقِيهَا (قَوْلُهُ وَيَكُونُ أَيْضًا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى) أَيْ خَالِصًا لَهُ تَعَالَى كَتَقْبِيلِ أَجْنَبِيَّةٍ وَحُضُورِ مَجْلِسِ فِسْقٍ (قَوْلُهُ فَلَا عَفْوَ فِيهِ) كَذَا قَالَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، لَكِنْ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ مُشْكِلِ الْآثَارِ أَنَّ إقَامَةَ التَّعْزِيرِ إلَى الْإِمَامِ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَالشَّافِعِيِّ، وَالْعَفْوَ إلَيْهِ أَيْضًا. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَعِنْدِي أَنَّ الْعَفْوَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا لِلْإِمَامِ. قَالَ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ: وَلَعَلَّ مَا قَالُوهُ فِي التَّعْزِيرِ الْوَاجِبِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَمَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ فِيمَا إذَا جَنَى عَلَى إنْسَانٍ اهـ فَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْفَتْحِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. قُلْت: لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّ مَا نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ التَّعْزِيرِ كَمَا فِي وَطْءِ جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ أَوْ الْمُشْتَرَكَةِ وَجَبَ امْتِثَالُ الْأَمْرِ فِيهِ، وَمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ إذَا رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِهِ وَجَبَ؛ لِأَنَّهُ زَاجِرٌ مَشْرُوعٌ لِحَقِّهِ تَعَالَى كَالْحَدِّ، وَمَا عَلِمَ أَنَّهُ انْزَجَرَ بِدُونِهِ لَا يَجِبُ. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الْعَفْوَ فِيهِ لِلْإِمَامِ بِمَعْنَى تَفْوِيضِهِ إلَى رَأْيِهِ، إنْ ظَهَرَ لَهُ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ أَقَامَهُ، وَإِنْ ظَهَرَ عَدَمُهَا أَوْ عَلِمَ انْزِجَارَهُ بِدُونِهِ يَتْرُكُهُ، وَبِهِ تَنْدَفِعُ الْمُخَالَفَةُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَا يَمِينَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَبَّلَ أُخْتَهُ مَثَلًا وَيَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِمُدَّعٍ شَهِدَ بِهِ فَيَكُونُ مُدَّعِيًا شَاهِدًا لَوْ مَعَهُ آخَرُ. وَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَا مُرُوءَةٍ وَكَانَ أَوَّلَ مَا فَعَلَ يُوعَظُ اسْتِحْسَانًا وَلَا يُعَزَّرُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ، فَإِنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ لَيْسَ لِلْقَاضِي إسْقَاطُهَا فَتْحٌ. وَمَا فِي كَرَاهِيَةِ الظَّهِيرِيَّةِ: رَجُلٌ يُصَلِّي وَيَضْرِبُ النَّاسَ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ فَلَا بَأْسَ بِإِعْلَامِ السُّلْطَانِ بِهِ لِيَنْزَجِرَ، يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ، وَأَنَّ إعْلَامَ الْقَاضِي بِذَلِكَ يَكْفِي لِتَعْزِيرِهِ نَهْرٌ. قُلْت: وَفِيهِ مِنْ الْكَفَالَةِ مَعْزِيًّا لِلْبَحْرِ وَغَيْرِهِ: لِلْقَاضِي تَعْزِيرُ الْمُتَّهَمِ قَاصِدًا نِسْبَتَهُ إلَيْهِ فَيَقْتَضِي التَّعْزِيرَ فِي دَعْوَى   [رد المحتار] عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا عَفْوَ، وَهَذَا أَخَذَهُ فِي النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي الْأَوَّلِ وَالْيَمِينُ فَقَالَ: وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ مَا كَانَ مِنْهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَحْلِفُ فِيهِ إلَخْ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَبَّلَ أُخْتَهُ) أَيْ أُخْتَ نَفْسِهِ. وَاَلَّذِي فِي النَّهْرِ أَجْنَبِيَّةً، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أُخْتَ الْمُدَّعِي فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكُونُ حَقَّ عَبْدٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ بِذَلِكَ عَارٌ شَدِيدٌ يَحْمِلُهُ عَلَى الْغَيْرَةِ لِمَحَارِمِهِ كَمَا لَا يَخْفَى إلَّا أَنْ يُرَادَ أُخْتُ الْمُقَبِّلِ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ إثْبَاتُهُ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا عَفْوَ، فَهُوَ مِنْ التَّفْرِيعِ أَيْضًا عَلَى كَوْنِهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ لَوْ مَعَهُ آخَرُ) كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَيَأْتِي أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ إخْبَارُ عَدْلٍ وَاحِدٍ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي عَدْلًا يَكْفِي وَحْدَهُ. (قَوْلُهُ وَغَيْرِهَا) كَالْخَانِيَّةِ وَالْكَافِي (قَوْلُهُ ذَا مُرُوءَةٍ) قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْمُرُوءَةُ عِنْدِي فِي الدِّينِ وَالصَّلَاحِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ فَتْحٌ) أَقُولُ: اخْتَصَرَ عِبَارَةَ الْفَتْحِ اخْتِصَارًا مُخِلًّا تَبِعَ فِيهِ النَّهْرَ، فَإِنَّهُ فِي الْفَتْحِ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ مَا وَجَبَ مِنْ التَّعْزِيرِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ تَرْكُهُ. ثُمَّ اسْتَشْكَلَ عَلَيْهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْقُنْيَةِ فَقَالَ: إنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ أَيْ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ نَاقَضَ قَوْلَهُ أَوَّلًا إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ تَرْكُهُ. ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ مَا ذَكَرَ عَنْ الْقُنْيَةِ وَالْخَانِيَّةِ سَوَاءٌ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا يُنَاقِضُ مَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَا مُرُوءَةٍ فَقَدْ حَصَلَ تَعْزِيرُهُ بِالْجَرِّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَالدَّعْوَى، وَيَكُونُ قَوْلُهُ وَلَا يُعَزَّرُ مَعْنَاهُ لَا يُعَزَّرُ بِالضَّرْبِ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ فَإِنْ عَادَ عَزَّرَهُ بِالضَّرْبِ اهـ مُلَخَّصًا. وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ الشَّارِحَ اقْتَصَرَ عَلَى مَحَلِّ الِاسْتِشْكَالِ الْمُخَالِفِ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا فَلَا عَفْوَ فِيهِ، وَتَرَكَ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجَوَابِ فَافْهَمْ. أَقُولُ: وَيَظْهَرُ لِي دَفْعُ الْمُنَاقَضَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ مَا وَجَبَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ تَرْكُهُ إلَّا إذَا عَلِمَ انْزِجَارَ الْفَاعِلِ كَمَا مَرَّ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْفَاعِلَ إذَا كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ فِي الدِّينِ وَالصَّلَاحِ يُعْلَمُ مِنْ حَالِهِ الِانْزِجَارُ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ مِنْهُ لَا يَكُونُ عَادَةً إلَّا عَنْ سَهْوٍ وَغَفْلَةٍ، وَلِذَا لَمْ يُعَزَّرْ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ مَا لَمْ يَعُدْ، بَلْ يُوعَظُ لِيَتَذَكَّرَ إنْ كَانَ سَاهِيًا وَلِيَتَعَلَّمَ إنْ كَانَ جَاهِلًا بِدُونِ جَرٍّ إلَى بَابِ الْقَاضِي، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ آخِرَ الْبَابِ مِنْ بِنَاءِ مَا هُنَا عَلَى اسْتِثْنَاءِ ذَوِي الْهَيْئَاتِ مِنْ وُجُوبِ التَّعْزِيرِ (قَوْلُهُ يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ) أَيْ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ وَلَا إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ كَمَا فِي كَفَالَةِ النَّهْرِ، فَهَذَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ. قُلْت: لَكِنَّ غَايَةَ مَا أَفَادَهُ فَرْعُ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ مَنْ أَعْلَمَ السُّلْطَانَ بِهِ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ السُّلْطَانِ عَادِلًا أَوْ جَائِرًا يُخْشَى مِنْهُ قَتْلُهُ، لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُبَاحُ قَتْلُ كُلِّ مُؤْذٍ: أَيْ إذَا لَمْ يَنْزَجِرْ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا تَعَرُّضٌ لِثُبُوتِ تَعْزِيرِهِ بِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ عِنْدَ السُّلْطَانِ فَضْلًا عَنْ ثُبُوتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي. عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِإِعْلَامِ السُّلْطَانِ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ فِي تَعْزِيرِ الْمُتَّهَمِ (قَوْلُهُ لِلْقَاضِي تَعْزِيرُ الْمُتَّهَمِ) ذَكَرُوا فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ أَنَّ التُّهْمَةَ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ مَسْتُورَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَاحِدٌ مَسْتُورٌ وَفَاسِقٌ بِفَسَادِ شَخْصٍ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ حَبْسُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَدْلًا أَوْ مَسْتُورَيْنِ فَإِنَّ لَهُ حَبْسَهُ بَحْرٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 السَّرِقَةِ لَا فِي دَعْوَى الزِّنَا وَهَذَا عَكْسُ الْحُكْمِ اهـ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ، وَكُلُّ تَعْزِيرٍ لِلَّهِ تَعَالَى يَكْفِي فِيهِ خَبَرُ الْعَدْلِ لِأَنَّهُ فِي حُقُوقِهِ تَعَالَى يَقْضِي فِيهَا بِعِلْمِهِ اتِّفَاقًا، وَيُقْبَلُ فِيهَا الْجَرْحُ الْمُجَرَّدُ كَمَا مَرَّ، وَعَلَيْهِ فَمَا يُكْتَبُ مِنْ الْمَحَاضِرِ فِي حَقِّ إنْسَانٍ يُعْمَلُ بِهِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى. وَمَنْ أَفْتَى بِتَعْزِيرِ الْكَاتِبِ فَقَدْ أَخْطَأَ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي كَفَالَةِ الْعَيْنِيِّ عَنْ الثَّانِي: مَنْ يَجْمَعُ الْخَمْرَ وَيَشْرَبُهُ وَيَتْرُكُ الصَّلَاةَ أَحْبِسُهُ وَأُؤَدِّبُهُ ثُمَّ أُخْرِجُهُ، وَمَنْ يُتَّهَمُ بِالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ وَضَرْبِ النَّاسِ أَحْبِسُهُ وَأُخَلِّدُهُ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَتُوبَ لِأَنَّ شَرَّ هَذَا عَلَى النَّاسِ، وَشَرَّ الْأَوَّلِ عَلَى نَفْسِهِ. (شَتَمَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا عُزِّرَ) لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً، وَتَقْيِيدُ مَسَائِلِ الشَّتْمِ بِالْمُسْلِمِ اتِّفَاقِيٌّ فَتْحٌ. وَفِي الْقُنْيَةِ: قَالَ لِيَهُودِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ يَا كَافِرُ يَأْثَمُ إنْ شَقَّ عَلَيْهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِارْتِكَابِهِ الْإِثْمَ بَحْرٌ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ، لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ فِي النَّهْرِ   [رد المحتار] قُلْت: وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ الْمُتَّهَمُ مَشْهُورًا بِالْفَسَادِ فَيَكْفِي فِيهِ عِلْمُ الْقَاضِي كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الشَّارِحِ. وَفِي رِسَالَةِ دَدَهْ أَفَنْدِي فِي السِّيَاسَةِ عَنْ الْحَافِظِ ابْنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ الْحَنْبَلِيِّ: مَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُ إنَّ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَذِهِ الدَّعْوَى وَمَا أَشْبَهَهَا يُحَلَّفُ وَيُرْسَلُ بِلَا حَبْسٍ، وَلَيْسَ تَحْلِيفُهُ وَإِرْسَالُهُ مَذْهَبًا لِأَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ وَلَوْ حَلَّفْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَأَطْلَقْنَاهُ مَعَ الْعِلْمِ بِاشْتِهَارِهِ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ وَكَثْرَةِ سَرِقَاتِهِ وَقُلْنَا لَا نَأْخُذُهُ إلَّا بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ كَانَ مُخَالِفًا لِلسِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ. وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الشَّرْعَ تَحْلِيفُهُ وَإِرْسَالُهُ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا، لِنُصُوصِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ، وَلِأَجْلِ هَذَا الْغَلَطِ الْفَاحِشِ تَجَرَّأَ الْوُلَاةُ عَلَى مُخَالَفَةِ الشَّرْعِ وَتَوَهَّمُوا أَنَّ السِّيَاسَةَ الشَّرْعِيَّةَ قَاصِرَةٌ عَلَى سِيَاسَةِ الْخَلْقِ وَمَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ، فَتَعَدَّوْا حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى وَخَرَجُوا مِنْ الشَّرْعِ إلَى أَنْوَاعٍ مِنْ الظُّلْمِ وَالْبِدَعِ فِي السِّيَاسَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ، وَتَمَامُهُ فِيهَا. وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ ضَرْبَ الْمُتَّهَمِ بِسَرِقَةٍ مِنْ السِّيَاسَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي فِي السَّرِقَةِ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ لِلْقَاضِي فِعْلَ السِّيَاسَةِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي حَدِّ الزِّنَا مَعَ تَعْرِيفِ السِّيَاسَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ) أَيْ مَا اُتُّهِمَ بِهِ، أَمَّا نَفْسُ التُّهْمَةِ: أَيْ كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهَا كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ يَكْفِي فِيهِ خَبَرُ الْعَدْلِ) مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِمُدَّعٍ شَهِدَ بِهِ لَوْ مَعَهُ آخَرُ، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْفَتْحِ، وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْعَدَالَةِ (قَوْلُهُ يَقْضِي فِيهَا بِعِلْمِهِ اتِّفَاقًا) وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي زَمَانِنَا فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، كَذَا فِي كَفَالَةِ النَّهْرِ، وَفِيهِ كَلَامٌ كَتَبْنَاهُ فِي قَضَاءِ الْبَحْرِ حَاصِلُهُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) الَّذِي مَرَّ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا بُيِّنَ سَبَبُهُ كَتَقْبِيلِ أَجْنَبِيَّةٍ وَعِنَاقِهَا، وَقَدْ فُسِّرَ الْمُجَرَّدُ بِمَا لَمْ يُبَيَّنْ سَبَبُهُ، فَالْمُرَادُ بِالْمُجَرَّدِ هُنَا مَا لَمْ يَكُنْ فِي ضِمْنِ مَا تَصِحُّ بِهِ الدَّعْوَى، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ، وَأَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ خَبَرُ الْعَدْلِ (قَوْلُهُ مِنْ الْمَحَاضِرِ) جَمْعُ مَحْضَرٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يُعْرَضُ عَلَى السُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ فِي شِكَايَةِ مُتَوَلٍّ أَوْ حَاكِمٍ وَيُثْبَتُ فِيهِ خُطُوطُ أَعْيَانِ الْبَلْدَةِ وَخَتْمُهُمْ. وَيُسَمَّى فِي عُرْفِنَا عَرْضَ مَحْضَرٍ (قَوْلُهُ يُعْمَلُ بِهِ إلَخْ) قَالَ فِي كَفَالَةِ النَّهْرِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِخْبَارَ كَمَا يَكُونُ بِاللِّسَانِ يَكُونُ بِالْبَنَانِ، فَإِذَا كَتَبَ إلَى السُّلْطَانِ بِذَلِكَ لِيَزْجُرَهُ جَازَ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْعَدَالَةِ (قَوْلُهُ فَقَدْ أَخْطَأَ) وَالْفَرْعُ الْمُتَقَدِّمُ: أَيْ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ يُنَادِي بِخَطَئِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَفِي كَفَالَةِ الْعَيْنِيِّ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَأُؤَدِّبُهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الضَّرْبُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ ط (قَوْلُهُ وَالسَّرِقَةِ وَضَرْبِ النَّاسِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ لِصِدْقِ التَّعْلِيلِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ بِخُصُوصِهِ ط (قَوْلُهُ حَتَّى يَتُوبَ) الْمُرَادُ حَتَّى تَظْهَرَ أَمَارَاتُ تَوْبَتِهِ إذْ لَا وُقُوفَ لَنَا عَلَى حَقِيقَتِهَا، وَلَا يُقَدَّرُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إذْ قَدْ تَحْصُلُ التَّوْبَةُ قَبْلَهَا، وَقَدْ لَا تَظْهَرُ بَعْدَهَا، كَذَا حَقَّقَهُ الطَّرَسُوسِيُّ وَأَقَرَّهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ (قَوْلُهُ وَتَقْيِيدُ مَسَائِلِ الشَّتْمِ) أَيْ الْوَاقِعِ فِي الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ، وَهَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا قَبْلَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ مَا مَرَّ فِي يَا فَاسِقُ فَتَأَمَّلْ. (وَيُعَزِّرُ الْمَوْلَى عَبْدَهُ وَالزَّوْجُ زَوْجَتَهُ) وَلَوْ صَغِيرَةً لِمَا سَيَجِيءُ (عَلَى تَرْكِهَا الزِّينَةَ) الشَّرْعِيَّةَ مَعَ قُدْرَتِهَا عَلَيْهَا (وَ) تَرْكِهَا (غُسْلَ الْجَنَابَةِ، وَ) عَلَى (الْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ) لَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ (وَتَرْكِ الْإِجَابَةِ إلَى الْفِرَاشِ) لَوْ طَاهِرَةً مِنْ نَحْوِ حَيْضٍ. وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ مَا لَوْ ضَرَبَتْ وَلَدَهَا الصَّغِيرَ عِنْدَ بُكَائِهِ أَوْ ضَرَبَتْ جَارِيَتَهُ غَيْرَةً وَلَا تَتَّعِظُ بِوَعْظِهِ، أَوْ شَتَمَتْهُ وَلَوْ بِنَحْوِ يَا حِمَارُ، أَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ، أَوْ مَزَّقَتْ ثِيَابَهُ، أَوْ كَلَّمَتْهُ لِيَسْمَعَهَا أَجْنَبِيٌّ، أَوْ كَشَفَتْ وَجْهَهَا لِغَيْرِ مَحْرَمٍ، أَوْ كَلَّمَتْهُ أَوْ شَتَمَتْهُ أَوْ أَعْطَتْ مَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ بِلَا إذْنِهِ وَالضَّابِطُ كُلُّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا فَلِلزَّوْجِ وَالْمَوْلَى   [رد المحتار] مِنْ الْمَسْأَلَةِ وَتَعْلِيلِهَا ذَكَرَ ذَلِكَ آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ مَا مَرَّ فِي يَا فَاسِقُ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِنَفْسِهِ قَبْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَتَأَمَّلْ إلَى ضَعْفِ هَذَا الْوَجْهِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَلْحَقَهُ بِنَفْسِهِ لَكِنَّا الْتَزَمْنَا بِعَقْدِ الذِّمَّةِ مَعَهُ أَنْ لَا نُؤْذِيَهُ. اهـ. ح. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ وَصَفَهُ بِمَا هُوَ فِيهِ، فَهُوَ صَادِقٌ كَقَوْلِهِ لِلْفَاسِقِ يَا فَاسِقُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَشُقُّ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ الْيَهُودِيَّ مَثَلًا لَا يَعْتَقِدُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ كَافِرٌ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ يُعَزِّرُ الْمَوْلَى عَبْدَهُ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِذَا أَسَاءَ الْعَبْدُ الْأَدَبَ حَلَّ لِمَوْلَاهُ تَأْدِيبُهُ، وَكَذَا الزَّوْجَةُ (قَوْلُهُ لِمَا سَيَجِيءُ) أَيْ مِنْ أَنَّ الصِّغَرَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ التَّعْزِيرِ (قَوْلُهُ الشَّرْعِيَّةَ إلَخْ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ أَمَرَهَا بِنَحْوِ لُبْسِ الرِّجَالِ أَوْ بِالْوَشْمِ، وَعَمَّا لَوْ كَانَتْ لَا تَقْدِرُ عَلَيْهَا لِمَرَضٍ أَوْ إحْرَامٍ أَوْ عَدَمِ مِلْكِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَتَرْكِهَا غُسْلَ الْجَنَابَةِ) أَيْ إنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً، بِخِلَافِ الذِّمِّيَّةِ لِعَدَمِ خِطَابِهَا بِهِ وَيَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْكَنَائِسِ ط عَنْ حَاشِيَةِ الشَّلَبِيِّ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ) أَيْ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَعْدَ إيفَاءِ الْمَهْرِ (قَوْلُهُ لَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ) فَلَوْ بِحَقٍّ فَلَهَا الْخُرُوجُ بِلَا إذْنِهِ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي النَّفَقَاتِ (قَوْلُهُ لَوْ طَاهِرَةً إلَخْ) أَيْ وَكَانَتْ خَالِيَةً عَنْ صَوْمِ فَرْضٍ ط عَنْ الْمِفْتَاحِ (قَوْلُهُ وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ تَعْزِيرَ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ لَيْسَ خَاصًّا بِالْمَسَائِلِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُتُونِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: لَهُ ضَرْبُهَا عَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَهُوَ صَرِيحُ الضَّابِطِ الْآتِي أَيْضًا، وَكَذَا مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ لَهُ تَأْدِيبَ الْعَبْدِ وَالزَّوْجَةِ عَلَى إسَاءَةِ الْأَدَبِ، لَكِنْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَضْرِبُهَا لِتَرْكِ الصَّلَاةِ يُخَصُّ الْجَوَازُ بِمَا لَا تَقْتَصِرُ مَنْفَعَتُهُ عَلَيْهَا كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ الْآتِي هُنَاكَ (قَوْلُهُ مَا لَوْ ضَرَبَتْ وَلَدَهَا إلَخْ) هَذِهِ ذَكَرَهَا فِي الْبَحْرِ بَحْثًا أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ ضَرْبِ الْجَارِيَةِ وَقَالَ فَإِنَّ ضَرْبَ الدَّابَّةِ إذَا كَانَ مَمْنُوعًا فَهَذَا أَوْلَى (قَوْلُهُ غَيْرَةً) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ ط، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِيَّةِ أَوْ الْمَصْدَرِيَّةِ أَوْ التَّمْيِيزِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا تَتَّعِظُ بِوَعْظِهِ) مُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يُعَزِّرُهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ط (قَوْلُهُ أَوْ شَتَمَتْهُ إلَخْ) سَوَاءٌ شَتَمَهَا أَوْ لَا عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ بَحْرٌ، وَثُبُوتُ التَّعْزِيرِ لِلزَّوْجِ بِمَا ذَكَرَ إلَى قَوْلِهِ وَالضَّابِطُ غَيْرُ مُصَرَّحٍ بِهِ. وَإِنَّمَا أَخَذَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ مِنْ قَوْلِ الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا: لَوْ قَالَ لَهَا إنْ ضَرَبْتُك بِلَا جِنَايَةٍ فَأَمْرُك بِيَدِك فَشَتَمَتْهُ إلَخْ فَضَرَبَهَا لَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ جِنَايَةٌ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَهُ تَعْزِيرُهَا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ. اهـ. قُلْت: وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ جِنَايَةً عُلِّقَ عَلَيْهَا الْأَمْرُ لَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مُوجَبُهُ التَّعْزِيرَ، إذْ لَوْ زَنَتْ أَوْ سَرَقَتْ فَضَرَبَهَا لَمْ يَصِرْ الْأَمْرُ بِيَدِهَا لِكَوْنِهِ ضَرْبًا بِجِنَايَةٍ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَا تُوجِبُ التَّعْزِيرَ، فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى الضَّابِطِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِنَحْوِ يَا حِمَارُ) يَنْبَغِي عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَدَمُ التَّعْزِيرِ فِي يَا حِمَارُ يَا أَبْلَهُ. وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مِنْ أَنَّهُ يُعَزِّرُ وَإِنْ كَانَ الْمَقُولُ لَهُ مِنْ الْأَشْرَافِ، وَإِلَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَصِّلَ فِي الزَّوْجِ، إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْمَوْضِعُ يَحْتَاجُ إلَى تَدَبُّرٍ وَتَأَمُّلٍ نَهْرٌ. قُلْت: يَظْهَرُ لِي الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا إسَاءَةُ أَدَبٍ مِنْهَا فِي حَقِّ زَوْجِهَا الَّذِي هُوَ لَهَا كَالسَّيِّدِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ لَهُ تَعْزِيرَهَا بِإِسَاءَةِ الْأَدَبِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ كَلَّمَتْهُ أَوْ شَتَمَتْهُ) الضَّمِيرُ لِغَيْرِ الْمَحْرَمِ (قَوْلُهُ وَالضَّابِطُ إلَخْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 التَّعْزِيرُ، وَلَيْسَ مِنْهُ مَا لَوْ طَلَبَتْ نَفَقَتَهَا أَوْ كُسْوَتَهَا وَأَلَحَّتْ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا بَحْرٌ، وَ (لَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ) لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَعُودُ عَلَيْهِ بَلْ إلَيْهَا، كَذَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلدُّرَرِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى وَاسْتَظْهَرَهُ فِي حَظْرِ الْمُجْتَبَى. (وَالْأَبُ يُعَزِّرُ الِابْنَ عَلَيْهِ) وَقَدَّمْنَا أَنَّ لِلْوَلِيِّ ضَرْبَ ابْنِ سَبْعٍ عَلَى الصَّلَاةِ، وَيَلْحَقُ بِهِ الزَّوْجُ نَهْرٌ. وَفِي الْقُنْيَةِ: لَهُ إكْرَاهُ طِفْلِهِ عَلَى تَعَلُّمِ قُرْآنٍ وَأَدَبٍ وَعِلْمٍ لِفَرِيضَتِهِ عَلَى الْوَالِدَيْنِ، وَلَهُ ضَرْبُ الْيَتِيمِ فِيمَا يَضْرِبُ وَلَدَهُ. (الصِّغَرُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ التَّعْزِيرِ) فَيَجْرِي بَيْنَ الصِّبْيَانِ (وَ) هَذَا لَوْ كَانَ حَقَّ عَبْدٍ، أَمَّا (لَوْ كَانَ حَقَّ اللَّهِ) تَعَالَى بِأَنْ زَنَى أَوْ سَرَقَ (مَنَعَ) الصِّغَرُ مِنْهُ مُجْتَبَى (مَنْ حُدَّ أَوْ عُزِّرَ فَهَلَكَ فَدَمُهُ هَدَرٌ إلَّا امْرَأَةً عَزَّرَهَا زَوْجُهَا)   [رد المحتار] عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْبَدَائِعِ مِنْ فَصْلِ الْقَسْمِ بَيْنَ النِّسَاءِ، قَالَ وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالزَّوْجِ وَبِغَيْرِهِ اهـ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ جِنَايَةً عَلَى الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَلَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَيْسَ مِنْهُ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى لَا يَضْرِبُهَا عَلَى طَلَبِ نَفَقَتِهَا ط (قَوْلُهُ تَبَعًا لِلدُّرَرِ) وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ تَبَعًا لِكَافِي الْحَاكِمِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِيهِ عَنْ الْقُنْيَةِ: وَلَا يَجُوزُ ضَرْبُ أُخْتِهَا الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ إذَا بَلَغَتْ عَشْرًا (قَوْلُهُ وَاسْتَظْهَرَهُ) أَيْ مَا فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى مِنْ أَنَّ لَهُ ضَرْبَهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ، وَبِهِ قَالَ كَثِيرٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالْأَبُ يُعَزِّرُ الِابْنَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ. وَمِثْلُهَا الصَّوْمُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَتَعْلِيلُ الْقُنْيَةِ الْآتِي يُفِيدُ أَنَّ الْأُمَّ كَالْأَبِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَصِيَّ كَذَلِكَ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالِابْنِ الصَّغِيرُ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ، أَمَّا الْكَبِيرُ فَكَالْأَجْنَبِيِّ، نَعَمْ قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي الْحَضَانَةِ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا عَلَى نَفْسِهِ فَلَهُ ضَمُّهُ لِدَفْعِ فِتْنَةٍ أَوْ عَارٍ وَتَأْدِيبُهُ إذَا وَقَعَ مِنْهُ شَيْءٌ. [فَرْعٌ] فِي فُصُولِ الْعَلَامِيِّ: إذَا رَأَى مُنْكَرًا مِنْ وَالِدَيْهِ يَأْمُرُهُمَا مَرَّةً، فَإِنْ قَبِلَا فَبِهَا، وَإِنْ كَرِهَا سَكَتَ عَنْهُمَا وَاشْتَغَلَ بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُمَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَكْفِيهِ مَا أَهَمَّهُ مِنْ أَمْرِهِمَا. لَهُ أُمٌّ أَرْمَلَةٌ تَخْرُجُ إلَى وَلِيمَةٍ وَإِلَى غَيْرِهَا فَخَافَ ابْنُهَا عَلَيْهَا الْفَسَادَ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا بَلْ يَرْفَعُ أَمْرَهَا لِلْحَاكِمِ لِيَمْنَعَهَا أَوْ يَأْمُرَهُ بِمَنْعِهَا (قَوْلُهُ ابْنِ سَبْعٍ) تَبِعَ فِيهِ النَّهْرَ، وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَمْرُ ابْنِ سَبْعٍ وَضَرْبُ ابْنِ عَشْرٍ. اهـ. ح وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْمُلْتَقَطِ، وَالْمُرَادُ ضَرْبُهُ بِيَدٍ لَا بِخَشَبَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَيَلْحَقُ بِهِ الزَّوْجُ) فَلَهُ ضَرْبُ زَوْجَتِهِ الصَّغِيرَةِ عَلَى الصَّلَاةِ كَالْأَبِ (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ إلَخْ) وَفِيهَا عَنْ الرَّوْضَةِ: وَلَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِضَرْبِ عَبْدِهِ حَلَّ لِلْمَأْمُورِ ضَرْبُهُ، بِخِلَافِ الْحُرِّ. قَالَ: فَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ ضَرْبِ وَلَدِ الْآمِرِ بِأَمْرِهِ، بِخِلَافِ الْمُعَلِّمِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ يَضْرِبُهُ نِيَابَةً عَنْ الْأَبِ لِمَصْلَحَةٍ وَالْمُعَلِّمَ يَضْرِبُهُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ بِتَمْلِيكِ أَبِيهِ لِمَصْلَحَةِ الْوَلَدِ اهـ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الضَّرْبُ فَاحِشًا كَمَا يَأْتِي فِي الْمَتْنِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ فَيَجْرِي بَيْنَ الصِّبْيَانِ) أَيْ يُشْرَعُ فِي حَقِّهِمْ كَمَا عَبَّرَ الزَّيْلَعِيُّ، وَهَلْ يُضْرَبُ تَعْزِيرًا بِمُجَرَّدِ عَقْلِهِ أَوْ إذَا بَلَغَ عَشْرًا كَمَا فِي ضَرْبِهِ عَلَى الصَّلَاةِ؟ لَمْ أَرَهُ، نَعَمْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: مُرَاهِقٌ شَتَمَ عَالِمًا فَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَاهَقَةَ غَيْرُ قَيْدٍ تَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] فِي شَهَادَاتِ الْبَحْرِ: لَمْ أَرَ حُكْمَ الصَّبِيِّ إذَا وَجَبَ التَّعْزِيرُ عَلَيْهِ لِلتَّأْدِيبِ فَبَلَغَ. وَنَقَلَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ سُقُوطَهُ لِزَجْرِهِ بِالْبُلُوغِ، وَمُقْتَضَى مَا فِي الْيَتِيمَةِ مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا وَجَبَ التَّعْزِيرُ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ. اهـ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: لَا وَجْهَ لِسُقُوطِهِ خُصُوصًا إذَا كَانَ حَقَّ آدَمِيٍّ (قَوْلُهُ وَهَذَا لَوْ كَانَ حَقَّ عَبْدٍ إلَخْ) بِهَذَا وَفَّقَ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى بَيْنَ قَوْلِ السَّرَخْسِيِّ: إنَّ الصِّغَرَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ التَّعْزِيرِ، وَقَوْلِ التَّرْجُمَانِي يَمْنَعُ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى حَقِّ الْعَبْدِ، وَالثَّانِي عَلَى حَقِّهِ تَعَالَى كَمَا إذَا شَرِبَ الصَّبِيُّ أَوْ زَنَى أَوْ سَرَقَ، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ. قُلْت: لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ ضَرْبُهُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ، بَلْ وَرَدَ أَنَّهُ تُضْرَبُ الدَّابَّةُ عَلَى النِّفَارِ لَا عَلَى الْعِثَارِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مَنْ حُدَّ أَوْ عُزِّرَ) أَيْ مَنْ حَدَّهُ الْإِمَامُ أَوْ عَزَّرَهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ فَدَمُهُ هَدَرٌ) أَيْ عِنْدَنَا وَمَالِكٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 بِمِثْلِ مَا مَرَّ (فَمَاتَتْ) لِأَنَّ تَأْدِيبَهُ مُبَاحٌ فَيَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ ضَرْبُ زَوْجَتِهِ أَصْلًا. (ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا ضَرْبًا فَاحِشًا وَثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عُزِّرَ، كَمَا لَوْ ضَرَبَ الْمُعَلِّمُ الصَّبِيَّ ضَرْبًا فَاحِشًا) فَإِنَّهُ يُعَزِّرُهُ وَيَضْمَنُهُ لَوْ مَاتَ شُمُنِّيٌّ. وَعَنْ الثَّانِي لَوْ زَادَ الْقَاضِي عَلَى مِائَةٍ فَمَاتَ فَنِصْفُ الدِّيَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِقَتْلِهِ بِفِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَغَيْرِ مَأْذُونٍ فَيَتَنَصَّفُ زَيْلَعِيٌّ. [فُرُوعٌ] ارْتَدَّتْ لِتُفَارِقَ زَوْجَهَا تُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَتُعَزَّرُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا، وَلَا تَتَزَوَّجُ بِغَيْرِهِ بِهِ يُفْتَى مُلْتَقَطٌ.   [رد المحتار] وَأَحْمَدَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مَأْمُورٌ بِالْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ، وَفِعْلُ الْمَأْمُورِ لَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ. قُلْت: وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ بِالْأَمْرِ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ خَاصٍّ بِالْإِمَامِ، فَقَدْ مَرَّ أَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ إقَامَةَ التَّعْزِيرِ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِزَالَةِ الْمُنْكَرِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الرَّفْعُ إلَى الْإِمَامِ فَلَمْ تَتَعَيَّنْ الْإِقَامَةُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْإِمَامِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِمِثْلِ مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُبَاحُ لَهُ تَعْزِيرُهُ فِيهَا ط (قَوْلُهُ فَيَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ) أَيْ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ. وَأُورِدَ مَا لَوْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فَمَاتَتْ أَوْ أَفْضَاهَا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَ أَنَّهُ مُبَاحٌ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يَضْمَنُ الْمَهْرَ بِذَلِكَ، فَلَوْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ لَوَجَبَ ضَمَانَانِ بِمَضْمُونٍ وَاحِدٍ نَهْرٌ (قَوْلُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ) أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ شَيْخِهِ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَبِهَذَا) أَيْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ ضَرْبًا فَاحِشًا) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا فِي التَّأْدِيبِ ضَرْبًا فَاحِشًا، وَهُوَ الَّذِي يَكْسِرُ الْعَظْمَ أَوْ يَخْرِقُ الْجِلْدَ أَوْ يُسَوِّدُهُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا ضَرَبَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ اهـ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا (قَوْلُهُ وَيَضْمَنُهُ لَوْ مَاتَ) ظَاهِرُهُ تَقْيِيدُ الضَّمَانِ بِمَا إذَا كَانَ الضَّرْبُ فَاحِشًا، وَيُخَالِفُهُ إطْلَاقُ الضَّمَانِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ قَالَ: وَذَكَرَ الْحَاكِمُ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَيَضْرِبُ ابْنَهُ، وَكَذَا الْمُعَلِّمُ إذَا أَدَّبَ الصَّبِيَّ فَمَاتَ مِنْهُ يَضْمَنُ عِنْدَنَا وَالشَّافِعِيِّ اهـ وَقَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: يَضْمَنُ الْمُعَلِّمُ بِضَرْبِ الصَّبِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ: لَا يَضْمَنُ الزَّوْجُ وَلَا الْمُعَلِّمُ فِي التَّعْزِيرِ، وَلَا الْأَبُ فِي التَّأْدِيبِ، وَلَا الْجَدُّ وَلَا الْوَصِيُّ لَوْ بِضَرْبٍ مُعْتَادٍ وَإِلَّا ضَمِنَهُ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ. اهـ. لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ قُبَيْلَ بَابِ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ الضَّمَانُ فِي ضَرْبِ التَّأْدِيبِ لَا فِي ضَرْبِ التَّعْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ، مَا لَمْ يَكُنْ ضَرْبًا غَيْرَ مُعْتَادٍ فَإِنَّهُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ مُطْلَقًا، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَعَنْ الثَّانِي إلَخْ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ هَكَذَا: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا لَمْ يَزِدْ فِي التَّعْزِيرِ عَلَى مِائَةٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إذَا كَانَ يَرَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ: أَنَّ أَكْثَرَ مَا عَزَّرُوا بِهِ مِائَةٌ، فَإِنْ زَادَ عَلَى مِائَةٍ فَمَاتَ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، فَحَصَلَ الْقَتْلُ بِفِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ وَبِفِعْلٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَتَنَصَّفُ. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَاضِي الَّذِي يَرَى ذَلِكَ اجْتِهَادًا أَوْ تَقْلِيدًا، وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْبَابِ اسْتِدْلَالَ أَئِمَّتِنَا بِحَدِيثِ «مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ» وَمُقْتَضَى مَا قَرَّرْنَاهُ هُنَاكَ وُجُوبُ الضَّمَانِ إذَا تَعَدَّى بِالزِّيَادَةِ مُطْلَقًا، وَأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ غَيْرُ مُعْتَمَدَةٍ عِنْدَ الْكُلِّ فَافْهَمْ [فُرُوعٌ ارْتَدَّتْ لِتُفَارِقَ زَوْجَهَا] (قَوْلُهُ وَتُعَزَّرُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ) جَرَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَقَدَّمْنَا تَرْجِيحَ قَوْلِهِمَا إنَّهُ لَا يَبْلُغُ التَّعْزِيرُ أَرْبَعِينَ (قَوْلُهُ وَلَا تَتَزَوَّجُ بِغَيْرِهِ) بَلْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ بِمَهْرٍ يَسِيرٍ وَهَذِهِ إحْدَى رِوَايَاتٍ ثَلَاثٍ تَقَدَّمَتْ فِي الطَّلَاقِ. الثَّانِيَةُ أَنَّهَا لَا تَبِينُ رَدًّا لِقَصْدِهَا السَّيِّئِ. الثَّالِثَةُ مَا فِي النَّوَادِرِ مِنْ أَنَّهُ يَتَمَلَّكُهَا رَقِيقَةً إنْ كَانَ مَصْرِفًا ط. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 ارْتَحَلَ إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يُعَزَّرُ سِرَاجِيَّةٌ. قَذَفَ بِالتَّعْرِيضِ يُعَزَّرُ حَاوِي. زَنَى بِامْرَأَةٍ مَيِّتَةٍ يُعَزَّرُ اخْتِيَارٌ. ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ وَطِئَ أَمَتَهُ وَحَبِلَتْ فَنَقَصَتْ، فَإِنْ بَرْهَنَ فَلَهُ قِيمَةُ النُّقْصَانِ،   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا ارْتَحَلَ إلَى غَيْرِ مَذْهَبِهِ (قَوْلُهُ ارْتَحَلَ إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يُعَزَّرُ) أَيْ إذَا كَانَ ارْتِحَالُهُ لَا لِغَرَضٍ مَحْمُودٍ شَرْعًا، لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة: حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ خَطَبَ إلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ ابْنَتَهُ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ الْجُوزَجَانِيِّ فَأَبَى إلَّا أَنْ يَتْرُكَ مَذْهَبَهُ فَيَقْرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الِانْحِطَاطِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ فَزَوَّجَهُ، فَقَالَ الشَّيْخُ بَعْدَمَا سُئِلَ عَنْ هَذِهِ وَأَطْرَقَ رَأْسَهُ: النِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْهَبَ إيمَانُهُ وَقْتَ النَّزْعِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَخَفَّ بِمَذْهَبِهِ الَّذِي هُوَ حَقٌّ عِنْدَهُ وَتَرَكَهُ لِأَجْلِ جِيفَةٍ مُنْتِنَةٍ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَرِئَ مِنْ مَذْهَبِهِ بِاجْتِهَادٍ وَضَحَ لَهُ كَانَ مَحْمُودًا مَأْجُورًا. أَمَّا انْتِقَالُ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ بَلْ لِمَا يَرْغَبُ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا وَشَهْوَتِهَا فَهُوَ الْمَذْمُومُ الْآثِمُ الْمُسْتَوْجِبُ لِلتَّأْدِيبِ وَالتَّعْزِيرِ لِارْتِكَابِهِ الْمُنْكَرَ فِي الدِّينِ وَاسْتِخْفَافِهِ بِدِينِهِ وَمَذْهَبِهِ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِيهَا عَنْ الْفَتَاوَى النَّسَفِيَّةِ: الثَّبَاتُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ خَيْرٌ وَأَوْلَى، قَالَ: وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ أَقْرَبُ إلَى الْأُلْفَةِ اهـ: وَفِي آخِرِ التَّحْرِيرِ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ: مَسْأَلَةٌ لَا يَرْجِعُ فِيمَا قَلَّدَ فِيهِ أَيْ عَمِلَ بِهِ اتِّفَاقًا، وَهَلْ يُقَلِّدُ غَيْرَهُ فِي غَيْرِهِ؟ الْمُخْتَارُ نَعَمْ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَفْتُونَ مَرَّةً وَاحِدًا وَمَرَّةً غَيْرَهُ غَيْرَ مُلْتَزِمِينَ مُفْتِيًا وَاحِدًا فَلَوْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، فَقِيلَ يَلْزَمُ، وَقِيلَ لَا، وَقِيلَ مِثْلُ مَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ، وَهُوَ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُهُ شَرْعًا اهـ مُلَخَّصًا قَالَ شَارِحُهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ الْحَاجِّ: بَلْ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ اقْتَضَى الْعَمَلَ بِقَوْلِ الْمُجْتَهِدِ وَتَقْلِيدِهِ فِيهِ فِيمَا احْتَاجَ إلَيْهِ وَهُوَ - {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [النحل: 43]- وَالسُّؤَالُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ طَلَبِ حُكْمِ الْحَادِثَةِ الْمُعَيَّنَةِ، فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قَوْلُ الْمُجْتَهِدِ وَجَبَ عَمَلُهُ بِهِ وَأَمَّا الْتِزَامُهُ فَلَمْ يَثْبُتْ مِنْ السَّمْعِ اعْتِبَارُهُ مُلْزِمًا إنَّمَا ذَلِكَ فِي النَّذْرِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَلْتَزِمَهُ بِلَفْظِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ مَثَلًا قَلَّدْت فُلَانًا فِيمَا أَفْتَى بِهِ تَعْلِيقُ التَّقْلِيدِ وَالْوَعْدُ بِهِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. اهـ. مَطْلَبٌ الْعَامِّيُّ لَا مَذْهَبَ لَهُ قُلْت: وَأَيْضًا قَالُوا الْعَامِّيُّ لَا مَذْهَبَ لَهُ، بَلْ مَذْهَبُهُ مَذْهَبُ مُفْتِيهِ، وَعَلَّلَهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ بِأَنَّ الْمَذْهَبَ إنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ لَهُ نَوْعُ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ وَبَصَرٍ بِالْمَذْهَبِ عَلَى حَسَبِهِ، أَوْ لِمَنْ قَرَأَ كِتَابًا فِي فُرُوعِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَعَرَفَ فَتَاوَى إمَامِهِ وَأَقْوَالَهُ. وَأَمَّا غَيْرُهُ مِمَّنْ قَالَ أَنَا حَنَفِيٌّ أَوْ شَافِعِيٌّ لَمْ يَصِرْ كَذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ كَقَوْلِهِ أَنَا فَقِيهٌ أَوْ نَحْوِيٌّ اهـ وَتَقَدَّمَ تَمَامُ ذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَوَّلَ هَذَا الشَّرْحِ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بَعْضُ الْجَهَلَةِ بِمَا يَقَعُ فِي الْكُتُبِ مِنْ إطْلَاقِ بَعْضِ الْعِبَارَاتِ الْمُوهِمَةِ خِلَافَ الْمُرَادِ فَيَحْمِلُهُمْ عَلَى تَنْقِيصِ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ حَاشَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُرِيدُوا الِازْدِرَاءَ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَوْ غَيْرِهِ، بَلْ يُطْلِقُونَ تِلْكَ الْعِبَارَاتِ بِالْمَنْعِ مِنْ الِانْتِقَالِ خَوْفًا مِنْ التَّلَاعُبِ بِمَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ، نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِمْ، وَأَمَاتَنَا عَلَى حُبِّهِمْ آمِينَ. يَدُلُّ لِذَلِكَ مَا فِي الْقُنْيَةِ رَامِزًا لِبَعْضِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ: لَيْسَ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْحَنَفِيُّ وَالشَّافِعِيُّ اهـ. وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَمَامُ ذَلِكَ فِي فَصْلِ الْقَبُولِ مِنْ الشَّهَادَاتِ (قَوْلُهُ قَذَفَ بِالتَّعْرِيضِ) كَأَنْ قَالَ أَنَا لَسْت بِزَانٍ يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ، وَقَدْ أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِالْمُخَاطَبِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى بَلْ أَنْتَ زَانٍ فَيُعَزَّرُ، وَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِالْقَذْفِ أَنَّهُ لَوْ شَتَمَ بِالتَّعْرِيضِ لَا يُعَزَّرُ (قَوْلُهُ فَلَهُ قِيمَةُ النُّقْصَانِ) أَيْ لَهُ قَدْرُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا. وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يُحَدُّ أَوْ لَا لِعِلْمِهِ مِمَّا مَرَّ فِي بَابِهِ، وَتَقَدَّمَ قُبَيْلَ بَابِ الشَّهَادَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 وَإِنْ حَلَفَ خَصْمُهُ فَلَهُ تَعْزِيرُ الْمُدَّعِي مُنْيَةٌ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: خَدَعَ امْرَأَةً إنْسَانٌ وَأَخْرَجَهَا زُوِّجَهَا وَيُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ أَوْ يَمُوتَ لِسَعْيِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ. مَنْ لَهُ دَعْوَى عَلَى آخَرَ فَلَمْ يَجِدْهُ فَأَمْسَكَ أَهْلَهُ لِلظَّلَمَةِ فَحَبَسُوهُمْ وَغَرَّمُوهُمْ عُزِّرَ. يُعَزَّرُ عَلَى الْوَرَعِ الْبَارِدِ كَتَعْرِيفِ نَحْوِ تَمْرَةٍ. التَّعْزِيرُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ كَالْحَدِّ. قَالَ: وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ ذَوِي الْهَيْئَاتِ قُلْت: قَدْ قَدَّمْنَاهُ لِأَصْحَابِنَا عَنْ الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا. وَزَادَ النَّاطِفِيُّ فِي أَجْنَاسِهِ مَا لَمْ يَتَكَرَّرْ فَيُضْرَبَ التَّعْزِيرَ، وَفِي الْحَدِيثِ «تَجَافُوا عَنْ عُقُوبَةِ ذَوِي الْمُرُوءَةِ لَا فِي الْحَدِّ» . وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْمُنَاوِيِّ الشَّافِعِيِّ فِي حَدِيثِ «اتَّقِ اللَّهَ، لَا تَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِبَعِيرٍ تَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِك   [رد المحتار] عَلَى الزِّنَا مَا لَوْ زَنَى بِأَمَةٍ فَقَتَلَهَا أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ وَالْقِيمَةُ بِالْقَتْلِ، وَفِي إفْضَائِهَا تَفْصِيلٌ طَوِيلٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَفَ خَصْمُهُ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ حَتَّى يَتُوبَ أَوْ يَمُوتَ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ حَتَّى يَرُدَّهَا. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ وَغَيْرِهَا قَالَ مُحَمَّدٌ أَحْبِسُهُ أَبَدًا حَتَّى يَرُدَّهَا أَوْ يَمُوتَ (قَوْلُهُ يُعَزَّرُ عَلَى الْوَرَعِ الْبَارِدِ إلَخْ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ تَمْرَةً مُلْقَاةً فَأَخَذَهَا وَعَرَّفَهَا مِرَارًا وَمُرَادُهُ إظْهَارُ وَرَعِهِ وَدِيَانَتِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: كُلْهَا يَا بَارِدَ الْوَرَعِ فَإِنَّهُ وَرَعٌ يَبْغَضُهُ اللَّهُ تَعَالَى وَضَرَبَهُ بِالدُّرَّةِ. اهـ. قُلْت: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الرِّيَاءِ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ الْبَارِدِ فَافْهَمْ، فَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَرَعِ فَهُوَ مَمْدُوحٌ كَمَا نُقِلَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ عَنْ الْغَزْلِ عَلَى ضَوْءِ الْعَسَسِ حِينَ يَمُرُّ عَلَى بَيْتِهَا فَقَالَ مَنْ أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا أُخْتُ بِشْرٍ الْحَافِي، فَقَالَ لَهَا: لَا تَفْعَلِي، فَإِنَّ الْوَرَعَ خَرَجَ مِنْ بَيْتِكُمْ (قَوْلُهُ التَّعْزِيرُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا لَزِمَهُ التَّعْزِيرُ فَأَسْلَمَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ، لَكِنَّ هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ حَقًّا لِعَبْدٍ، أَمَّا مَا وَجَبَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَسْقُطُ كَمَا فِي شَهَادَاتِ الْبَحْرِ حَمَوِيٌّ عَلَى الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ قُلْت قَدْ قَدَّمْنَاهُ لِأَصْحَابِنَا إلَخْ) تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَهَذَا جَوَابٌ لِقَوْلِ الْأَشْبَاهِ وَلَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا. اهـ. قُلْت: وَفِي كَفَالَةِ كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ: وَإِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ رَجُلًا لَهُ مُرُوءَةٌ وَخَطَرٌ اسْتَحْسَنْت أَنْ لَا أَحْبِسَهُ وَلَا أُعَزِّرَهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا فَعَلَ. وَذَكَرَ عَنْ الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَجَافُوا عَنْ عُقُوبَةِ ذِي الْمُرُوءَةِ إلَّا فِي الْحُدُودِ» اهـ وَقَالَ الْبِيرِيُّ: وَفِي الْأَجْنَاسِ عَنْ كَفَالَةِ الْأَصْلِ: لَوْ ادَّعَى قِبَلَ إنْسَانٍ شَتِيمَةً فَاحِشَةً أَوْ أَنَّهُ ضَرَبَهُ عُزِّرَ أَسْوَاطًا وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ رَجُلًا لَهُ مُرُوءَةٌ وَخَطَرٌ اسْتَحْسَنْت أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ إذَا كَانَ أَوَّلَ مَا فَعَلَ. وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ وُعِظَ حَتَّى لَا يَعُودَ إلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ ضُرِبَ التَّعْزِيرَ. قُلْت لِمُحَمَّدٍ: وَالْمُرُوءَةُ عِنْدَك فِي الدِّينِ وَالصَّلَاحِ؟ قَالَ نَعَمْ. وَفِي التُّمُرْتَاشِيِّ: إنْ كَانَ لَهُ خَطَرٌ وَمُرُوءَةٌ فَالْقِيَاسُ أَنْ يُعَزَّرَ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا إنْ كَانَ أَوَّلَ مَا فَعَلَ، فَإِنْ فَعَلَ أَيْ مَرَّةً أُخْرَى عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَا مُرُوءَةٍ، وَالْمُرُوءَةُ مُرُوءَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَعَقْلِيَّةٌ رَسْمِيَّةٌ اهـ مُلَخَّصًا. [تَنْبِيهٌ] قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتَاوَى الْفِقْهِيَّةِ: جَاءَ الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، مِنْهَا «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إلَّا الْحُدُودَ» وَفَسَّرَهُمْ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُمْ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُونَ بِالشَّرِّ فَيَزِلُّ أَحَدُهُمْ الزَّلَّةَ فَيُتْرَكُ. وَقِيلَ هُمْ أَصْحَابُ الصَّغَائِرِ دُونَ الْكَبَائِرِ. وَقِيلَ الَّذِينَ إذَا وَقَعَ مِنْهُمْ الذَّنْبُ تَابُوا، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَمْتَنُ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَقَوْلُ أَئِمَّتِنَا إذَا كَانَ أَوَّلَ مَا فَعَلَ يُشِيرُ إلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا مَا مَرَّ مِنْ تَفْسِيرِ الْمُرُوءَةِ (قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ «اتَّقِ اللَّهَ لَا تَأْتِيَ» إلَخْ) لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «اتَّقِ اللَّهَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ» وَقَوْلُهُ لَا تَأْتِي أَصْلُهُ لِئَلَّا تَأْتِيَ فَحُذِفَ اللَّامُ كَذَا فِي الْمُنَاوِيِّ ح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٍ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٍ لَهَا ثُؤَاجٌ» قَالَ يُؤْخَذُ مِنْهُ تَجْرِيسُ السَّارِقِ وَنَحْوُهُ فَلْيُحْفَظْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. كِتَابُ السَّرِقَةِ (هِيَ) لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ خُفْيَةً، وَتَسْمِيَةُ الْمَسْرُوقَ سَرِقَةً مَجَازٌ. وَشَرْعًا بِاعْتِبَارِ الْحُرْمَةِ أَخْذُهُ كَذَلِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ نِصَابًا كَانَ أَمْ لَا، وَبِاعْتِبَارِ الْقَطْعِ (أَخْذُ مُكَلَّفٍ)   [رد المحتار] قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنْ تَأْتِيَ مَنْصُوبٌ بِأَنْ الْمُضْمَرَةِ بَعْدَ اللَّامِ الْمُقَدَّرَةِ مَعَ أَنَّ شَرْطَ إضْمَارِ أَنْ عَدَمُ وُجُودِ لَا بَعْدَهَا مِثْلُ - {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ} [الكهف: 12]- فَلَوْ وُجِدَتْ امْتَنَعَ الْإِضْمَارُ مِثْلُ - {لِئَلا يَعْلَمَ} [الحديد: 29]- إلَّا أَنْ يُقَالَ سَوَّغَ ذَلِكَ عَدَمُ التَّصْرِيحِ بِاللَّامِ التَّعْلِيلِيَّةِ، لَكِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ الرِّوَايَةِ بِالنَّصْبِ وَإِلَّا فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ نَفْيٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ مِثْلُ - {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} [البقرة: 197]- أَوْ نَهْيٌ وَالْيَاءُ لِلْإِشْبَاعِ؛ وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ نَهْيٌ عَنْ الْمُسَبَّبِ، وَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ السَّبَبِ مِثْلُ - {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29]- {لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ} [الأعراف: 27]- أَيْ لَا تَفْعَلُوا سَبَبَ الْقَتْلِ وَالْفِتْنَةِ، وَهُنَا الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ مَنْعِ زَكَاةِ الْمَوَاشِي أَوْ السَّرِقَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الْإِتْيَانِ بِمَا ذُكِرَ. وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ فِي الْحَدِيثِ نِكَاتٌ لَطِيفَةٌ لَا تَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَهُ رُغَاءٌ إلَخْ) الرُّغَاءُ صَوْتُ الْإِبِلِ، كَمَا أَنَّ الْخُوَارَ صَوْتُ الْبَقَرِ. وَالثُّؤَاجُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ الْمَضْمُومَةِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ مَمْدُودَةٌ ثُمَّ جِيمٌ: صَوْتُ الْغَنَمِ ط (قَوْلُهُ قَالَ يُؤْخَذُ مِنْهُ) عِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: أَظُنُّ أَنَّ الْحُكَّامَ أَخَذُوا بِتَجْرِيسِ السَّارِقِ وَنَحْوِهِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ. اهـ. ح. وَالتَّجْرِيسُ بِالْقَوْمِ: التَّسْمِيعُ بِهِمْ قَامُوسٌ. قُلْت: وَهُوَ مَعْنَى التَّشْهِيرِ الَّذِي ذَكَرُوهُ عِنْدَنَا فِي شَاهِدِ الزُّورِ. فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَشْهُورِ: يُطَافُ بِهِ وَيُشَهَّرُ، وَلَا يُضْرَبُ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي جَامِعِ الْعَتَّابِيِّ التَّشْهِيرُ أَنْ يُطَافَ بِهِ فِي الْبَلَدِ وَيُنَادَى عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَحَلَّةٍ إنَّ هَذَا شَاهِدُ الزُّورِ فَلَا تُشْهِدُوهُ. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ يُشْهَرُ عَلَى قَوْلِهِمَا بِغَيْرِ الضَّرْبِ. وَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ يُسَخَّمُ وَجْهُهُ، فَتَأْوِيلُهُ عِنْدَ السَّرَخْسِيِّ أَنَّهُ بِطَرِيقِ السِّيَاسَةِ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ. وَعِنْدَ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَنَّهُ التَّفْضِيحُ وَالتَّشْهِيرُ فَإِنَّهُ يُسَمَّى سَوَادًا اهـ مُلَخَّصًا وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ قُبَيْلَ بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ السَّرِقَةِ] ِ عَقَّبَ بِهِ الْحُدُودَ؛ لِأَنَّهُ مِنْهَا مَعَ الضَّمَانِ قُهُسْتَانِيٌّ. قُلْت: وَكَأَنَّهُمْ تَرْجَمُوا لَهَا بِالْكِتَابِ دُونَ الْبَابِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى بَيَانِ حُكْمِ الضَّمَانِ الْخَارِجِ عَنْ الْحُدُودِ فَكَانَتْ غَيْرَهَا مِنْ وَجْهٍ، فَأُفْرِدَتْ عَنْهَا بِكِتَابٍ مُتَضَمِّنٍ لِأَبْوَابٍ تَأَمَّلْ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَهِيَ نَوْعَانِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ ضَرَرُهَا بِذِي الْمَالِ أَوْ بِهِ وَبِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَالْأَوَّلُ يُسَمَّى بِالسَّرِقَةِ الصُّغْرَى وَالثَّانِي بِالْكُبْرَى، بَيَّنَ حُكْمَهَا فِي الْآخِرِ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ وُقُوعًا وَقَدْ اشْتَرَكَا فِي التَّعْرِيفِ وَأَكْثَرِ الشُّرُوطِ اهـ أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَخْذُ الْمَالِ خُفْيَةً، لَكِنَّ الْخُفْيَةَ فِي الصُّغْرَى هِيَ الْخُفْيَةُ عَنْ غَيْنِ الْمَالِكِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ كَالْمُودَعِ وَالْمُسْتَعِيرِ. وَفِي الْكُبْرَى عَنْ عَيْنِ الْإِمَامِ الْمُلْتَزِمِ حِفْظَ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ وَبِلَادِهِمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَالشُّرُوطُ تُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ هِيَ لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهَا مَصْدَرٌ وَهِيَ أَحَدُ خَمْسَةٍ. فَفِي الْقَامُوسِ: سَرَقَ مِنْهُ الشَّيْءَ يَسْرِقُ أَيْ مِنْ بَابِ ضَرَبَ سَرَقًا مُحَرَّكَةً وَكَكَتِفٍ وَسَرِقَةً مُحَرَّكَةً أَيْ كَكَلِمَةٍ وَكَفُرْجَةٍ أَيْ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ وَسَرْقًا بِالْفَتْحِ أَيْ مَعَ السُّكُونِ وَالِاسْمُ السَّرِقَةُ بِالْفَتْحِ وَكَفُرْجَةٍ وَكَتِفٍ اهـ مُوَضَّحًا (قَوْلُهُ خُفْيَةً) بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا ط عَنْ الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ مَجَازٌ) أَيْ مِنْ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ وَإِرَادَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ كَالْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا بِاعْتِبَارِ الْحُرْمَةِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ لَهَا فِي الشَّرْعِ تَعْرِيفَيْنِ: تَعْرِيفًا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا مُحَرَّمَةً، وَتَعْرِيفًا بِاعْتِبَارِ تَرَتُّبِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَلَيْهَا وَهُوَ الْقَطْعُ، وَمَرَّ نَظِيرُهُ فِي الزِّنَا (قَوْلُهُ أَخْذُهُ كَذَلِكَ) أَيْ أَخْذُ الشَّيْءِ خُفْيَةً (قَوْلُهُ أَخْذُ مُكَلَّفٍ) شَمَلَ الْأَخْذَ حُكْمًا، وَهُوَ أَنْ يَدْخُلَ جَمَاعَةٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 وَلَوْ أُنْثَى أَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ مَجْنُونًا حَالَ إفَاقَتِهِ (نَاطِقٍ بَصِيرٍ) فَلَا يُقْطَعُ أَخْرَسُ لِاحْتِمَالِ نُطْقِهِ بِشُبْهَةٍ، وَلَا أَعْمَى لِجَهْلِهِ بِمَالِ غَيْرِهِ (عَشَرَةَ دَرَاهِمَ) لَمْ يَقُلْ مَضْرُوبَةً لِمَا فِي الْمُغْرِبِ: الدَّرَاهِمُ اسْمٌ لِلْمَضْرُوبَةِ (جِيَادًا أَوْ مِقْدَارَهَا) فَلَا قَطْعَ بِنُقْرَةٍ وَزْنُهَا عَشَرَةٌ لَا تُسَاوِي عَشَرَةً مَضْرُوبَةً،   [رد المحتار] مِنْ اللُّصُوصِ مَنْزِلَ رَجُلٍ وَيَأْخُذُوا مَتَاعَهُ وَيَحْمِلُوهُ عَلَى ظَهْرِ وَاحِدٍ وَيُخْرِجُوهُ مِنْ الْمَنْزِلِ، فَإِنَّ الْكُلَّ يُقْطَعُونَ اسْتِحْسَانًا وَسَيَأْتِي بَحْرٌ. وَأَخْرَجَ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ عُقُوبَةٌ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا، لَكِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ الْمَالَ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَوْ عَبْدًا) فَهُوَ كَالْحُرِّ هُنَا؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَتَنَصَّفُ بِخِلَافِ الْجَلْدِ (قَوْلُهُ أَوْ كَافِرًا) الْأَوْلَى أَوْ ذِمِّيًّا لِمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ أَنَّ الْحَرْبِيَّ الْمُسْتَأْمَنَ إذَا سَرَقَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُقْطَعْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَقْطَعُهُ (قَوْلُهُ أَوْ مَجْنُونًا حَالَ إفَاقَتِهِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَوْ مَجْنُونًا فِي غَيْرِ حَالِ أَخْذِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَوْ أُنْثَى إلَخْ تَعْمِيمٌ لِلْمُكَلَّفِ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى أَخْذُ مُكَلَّفٍ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمُكَلَّفُ مَجْنُونًا فِي حَالِ إفَاقَتِهِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّهُ فِي حَالِ الْإِفَاقَةِ عَاقِلٌ لَا مَجْنُونٌ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ حَالَ إفَاقَتِهِ ظَرْفًا لِأَخْذٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَخْذُ مَجْنُونٍ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَخْذُ مُكَلَّفٍ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ مَجْنُونًا نَظَرًا إلَى حَالِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْأَخْذِ فَيَرْجِعُ إلَى مَا قُلْنَا تَأَمَّلْ. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ أَنَّهُ إذَا كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ، فَإِنْ سَرَقَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ قُطِعَ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. بَقِيَ لَوْ جُنَّ بَعْدَ الْأَخْذِ هَلْ يُقْطَعُ أَمْ تُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ؟ قَالَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ: ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِ الِاعْتِبَارِ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ إفَاقَتِهِ، إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالْقَطْعِ بِأَنَّ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْجَلْدُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ قَبْلَهَا لِزَوَالِ الْأَلَمِ قَبْلَ الْإِفَاقَةِ بِخِلَافِ الْقَطْعِ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ فِي حَدِّ الشُّرْبِ مِنْ الْبَحْرِ: إذَا أَقَرَّ السَّكْرَانُ بِالسَّرِقَةِ وَلَمْ يُقْطَعْ لِسُكْرِهِ أُخِذَ مِنْهُ الْمَالُ ثُمَّ قَالَ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالشُّرْبِ وَهُوَ سَكْرَانُ قَبِلَتْ، وَكَذَا بِالزِّنَا وَهُوَ سَكْرَانُ، كَمَا إذَا زَنَى وَهُوَ سَكْرَانُ وَكَذَا بِالسَّرِقَةِ وَهُوَ سَكْرَانُ، وَيُحَدُّ بَعْدَ الصَّحْوِ وَيُقْطَعُ اهـ فَهَذَا يُفِيدُ اشْتِرَاطَ صَحْوِهِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْجُنُونِ وَالسُّكْرِ بِأَنَّ السُّكْرَ لَهُ غَايَةٌ، بِخِلَافِ الْجُنُونِ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ انْتِظَارُ إفَاقَتِهِ لِانْدِرَاءِ الْحَدِّ بِالشُّبْهَةِ، وَهِيَ هُنَا احْتِمَالُ إبْدَاءِ مَا يُسْقِطُهُ إذَا أَفَاقَ كَمَا لَا يُقْطَعُ الْأَخْرَسُ لِذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ نَاطِقٍ بَصِيرٍ) زَادَ فِي الْبَحْرِ هُنَا قَيْدًا آخَرَ، وَهُوَ كَوْنُهُ صَاحِبَ يَدٍ يُسْرَى وَرِجْلٍ يُمْنَى صَحِيحَتَيْنِ، وَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْقَطْعِ. (قَوْلُهُ لِجَهْلِهِ بِمَالِ غَيْرِهِ) يَعْنِي أَنَّ مُقْتَضَى حَالِهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ) لِمَا رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ مَرْفُوعًا: «لَا تُقْطَعُ الْيَدُ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» وَرَجَّحَ هَذِهِ عَلَى رِوَايَةِ رُبُعِ دِينَارٍ وَرِوَايَةِ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالْأَكْثَرِ أَحْوَطُ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْفَتْحِ، وَأَطْلَقَ الدَّرَاهِمَ فَانْصَرَفَتْ إلَى الْمَعْهُودَةِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ كَمَا فِي الزَّكَاةِ بَحْرٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ: وَبَحَثَ فِيهِ الْكَمَالُ بِأَنَّ الدَّرَاهِمَ كَانَتْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخْتَلِفَةً: صِنْفٌ عَشَرَةٌ وَزْنُ خَمْسَةٍ، وَصِنْفٌ وَزْنُ سِتَّةٍ، وَصِنْفٌ وَزْنُ عَشَرَةٍ، فَمُقْتَضَى تَرْجِيحِهِمْ الْأَكْثَرَ فِيمَا مَرَّ تَرْجِيحُهُ هُنَا أَيْضًا، وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ مَضْرُوبَةً) أَيْ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لِلْقَطْعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ جِيَادًا) فَلَوْ سَرَقَ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ سَتُّوقَةً فَلَا قَطْعَ إلَّا أَنْ تَكُونَ كَثِيرَةً قِيمَتُهَا نِصَابٌ مِنْ الْجِيَادِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ مِقْدَارَهَا) أَيْ قِيمَةً، فَلَوْ سَرَقَ نِصْفَ دِينَارٍ قِيمَتُهُ النِّصَابُ قُطِعَ عِنْدَنَا بَحْرٌ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى عَشْرٍ. اهـ. ح (قَوْلُهُ فَلَا قَطْعَ بِنُقْرَةٍ) هِيَ الْقِطْعَةُ الْمُذَابَةُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قَامُوسٌ وَالْمُرَادُ الثَّانِي ط وَهَذَا مُحْتَرَزُ كَوْنِ الْعَشَرَةِ مَضْرُوبَةً، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ سَرَقَ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِ عَشَرَةٍ فِضَّةً تُسَاوِي عَشَرَةً مَسْكُوكَةً لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ فِي مَحَلِّ النَّصِّ، وَهُوَ أَنْ يَسْرِقَ فِضَّةً وَزْنَ عَشَرَةٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ، فَأَفَادَ أَنَّ الْفِضَّةَ غَيْرَ الْمَسْكُوكَةِ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْوَزْنُ وَالْقِيمَةُ: أَيْ كَوْنُ وَزْنِهَا عَشَرَةً تُسَاوِي عَشَرَةً مَسْكُوكَةً، فَلَا قَطْعَ لَوْ نَقَصَ الْوَزْنُ عَنْ عَشَرَةٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 وَلَا بِدِينَارٍ قِيمَتُهُ دُونَ عَشَرَةٍ. وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَقْتَ السَّرِقَةِ وَوَقْتَ الْقَطْعِ وَمَكَانَهُ بِتَقْوِيمِ عَدْلَيْنِ لَهُمَا مَعْرِفَةٌ بِالْقِيمَةِ، وَلَا قَطْعَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ ظَهِيرِيَّةٌ (مَقْصُودَةً) بِالْأَخْذِ، فَلَا قَطْعَ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ دُونَ عَشَرَةٍ وَفِيهِ دِينَارٌ أَوْ دَرَاهِمُ مَصْرُورَةٌ إلَّا إذَا كَانَ وِعَاءً لَهَا عَادَةً تَجْنِيسٌ (ظَاهِرَةَ الْإِخْرَاجِ) فَلَوْ ابْتَلَعَ دِينَارًا فِي الْحِرْزِ وَخَرَجَ لَمْ يُقْطَعْ، وَلَا يُنْتَظَرُ تَغَوُّطُهُ بَلْ يَضْمَنُ مِثْلَهُ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ وَهُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ لِلْحَالِ (خُفْيَةً) ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً لَوْ الْأَخْذُ نَهَارًا، وَمِنْهُ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ، وَابْتِدَاءً فَقَطْ لَوْ لَيْلًا، وَهَلْ الْعِبْرَةُ لِزَعْمِ السَّارِقِ أَوْ لِزَعْمِ أَحَدِهِمَا؟ خِلَافٌ (مِنْ صَاحِبِ يَدٍ صَحِيحَةٍ) فَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ السَّارِقِ فَتْحٌ (مِمَّا لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ) كَلَحْمٍ وَفَوَاكِهَ مُجْتَبَى، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَسْرُوقِ مُتَقَوِّمًا مُطْلَقًا، فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ خَمْرِ مُسْلِمٍ مُسْلِمًا كَانَ السَّارِقُ أَوْ ذِمِّيًّا، وَكَذَا الذِّمِّيُّ إذَا سَرَقَ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ مَيْتَةً لَا يُقْطَعُ لِعَدَمِ تَقَوُّمِهَا عِنْدَنَا ذَكَرَهُ الْبَاقَانِيُّ (فِي دَارِ الْعَدْلِ) فَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةٍ فِي دَارِ حَرْبٍ أَوْ بَغْيٍ بَدَائِعُ   [رد المحتار] وَإِنْ بَلَغَ قِيمَةَ الْمَسْكُوكَةِ كَمَسْأَلَتِنَا هَذِهِ، وَلَا فِي عَكْسِهِ كَمَسْأَلَةِ النُّقْرَةِ (قَوْلُهُ وَلَا بِدِينَارٍ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ أَوْ قِيمَتَهَا. وَأَفَادَ بِهِ أَنَّ غَيْرَ الدَّرَاهِمِ يُقَوَّمُ بِهَا وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَقْتَ السَّرِقَةِ وَوَقْتَ الْقَطْعِ) فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ السَّرِقَةِ عَشَرَةً فَانْتَقَصَ وَقْتَ الْقَطْعِ لَمْ يُقْطَعْ إلَّا إذَا كَانَ النَّقْصُ لِعَيْبٍ حَدَثَ أَوْ لِفَوَاتِ بَعْضِ الْعَيْنِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ وَمَكَانَهُ) فَلَوْ سَرَقَ فِي بَلَدٍ مَا قِيمَتُهُ فِيهَا عَشَرَةٌ فَأُخِذَ فِي أُخْرَى وَقِيمَتُهُ فِيهَا أَقَلُّ لَا يُقْطَعُ فَتْحٌ، (قَوْلُهُ بِتَقْوِيمِ عَدْلَيْنِ) حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ مِقْدَارَهَا (قَوْلُهُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ) أَيْ بِأَنْ قَوَّمَهُ عَدْلَانِ بِنِصَابٍ وَعَدْلَانِ آخَرَانِ بِأَقَلَّ مِنْهُ، وَأَمَّا لَوْ اخْتَلَفُوا بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى النِّصَابِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ وِعَاءً لَهَا عَادَةً) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِيهِ يَقَعُ عَلَى سَرِقَةِ الدَّرَاهِمِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ كِيسًا فِيهِ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ الْكِيسُ يُسَاوِي دِرْهَمًا بَحْرٌ: وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِمَا فِي الثَّوْبِ يُقْطَعُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ ظُهُورُ قَصْدِ النِّصَابِ، وَكَوْنُ الْمَسْرُوقِ كِيسًا فِيهِ دَلَالَةُ الْقَصْدِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لَمْ أَقْصِدْ لَمْ أَعْلَمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ، فَإِقْرَارُهُ بِالْعِلْمِ بِمَا فِي الثَّوْبِ فِيهِ دَلَالَةُ الْقَصْدِ بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ وَلَا يُنْتَظَرُ) أَيْ إذَا طَلَبَ الْمَالِكُ تَضْمِينَهُ فَلَهُ ذَلِكَ فِي الْحَالِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ لِلْحَالِ فَصَارَ مُسْتَهْلَكًا (قَوْلُهُ خُفْيَةً) خَرَجَ بِهِ الْأَخْذُ مُغَالَبَةً أَوْ نَهْبًا، فَلَا قَطْعَ بِهِ لَوْ كَانَ فِي الْمِصْرِ نَهَارًا وَإِنْ دَخَلَ خُفْيَةً اسْتِحْسَانًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَابْتِدَاءً فَقَطْ لَوْ لَيْلًا) حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْبَيْتَ لَيْلًا خُفْيَةً ثُمَّ أَخَذَ الْمَالَ مُجَاهَرَةً وَلَوْ بَعْدَ مُقَاتَلَةِ مَنْ فِي يَدِهِ قُطِعَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَهَلْ الْعِبْرَةُ) أَيْ فِي الْخُفْيَةِ لِزَعْمِ السَّارِقِ أَنَّ رَبَّ الدَّارِ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَمْ لِزَعْمِ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ كَانَ رَبَّ الدَّارِ فِيهِ خِلَافٌ: وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ ظَنَّ السَّارِقُ أَنَّ رَبَّ الدَّارِ عَلِمَ بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ، فَالْخُفْيَةُ هُنَا فِي زَعْمِ رَبِّ الدَّارِ لَا فِي زَعْمِ السَّارِقِ. فَفِي الزَّيْلَعِيِّ: لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ جَهْرٌ فِي زَعْمِهِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ: يُقْطَعُ اكْتِفَاءً بِكَوْنِهَا خُفْيَةً فِي زَعْمِ أَحَدِهِمَا، أَمَّا لَوْ زَعَمَ اللِّصُّ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ مَعَ أَنَّهُ عَالِمٌ يُقْطَعُ اكْتِفَاءً بِزَعْمِهِ الْخُفْيَةَ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَعْلَمَا اتِّفَاقًا. وَأَمَّا لَوْ عَلِمَا فَلَا قَطْعَ بِالْمَسْأَلَةِ رُبَاعِيَّةً كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ مِنْ صَاحِبِ يَدٍ صَحِيحَةٍ) حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةً وَدِيعَةً عِنْدَ رَجُلٍ وَلَوْ لِعَشَرَةِ رِجَالٍ يُقْطَعُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ السَّارِقِ) هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ؛ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ أَمَانَةٍ وَلَا مِلْكٍ فَكَانَ طَائِعًا قُلْنَا نَعَمْ، لَكِنَّ يَدَهُ يَدُ غَصْبٍ وَالسَّارِقُ مِنْهُ يُقْطَعُ. وَالْحَقُّ مَا فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ: إنْ قَطَعْت الْأُولَى لَمْ أَقْطَعْ الثَّانِيَ وَإِنْ دَرَأْت عَنْهُ الْحَدَّ قَطَعْته، وَمِثْلُهُ فِي أَمَالِي أَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي الْفَتْحِ نَهْرٌ. وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ مَشَى الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ الْآتِي، [تَنْبِيهٌ] فِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ مَالِ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ (قَوْلُهُ مِمَّا لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ) سَيَأْتِي هَذَا فِي الْمَتْنِ مَعَ أَشْيَاءَ أُخَرَ لَا يُقْطَعُ بِهَا، فَإِذَا كَانَ مُرَادُهُ اسْتِيفَاءَ الشُّرُوطِ كَانَ عَلَيْهِ ذِكْرُ الْبَاقِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مُتَقَوِّمًا مُطْلَقًا) أَيْ عِنْدَ أَهْلِ كُلِّ دِينٍ ط (قَوْلُهُ فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ خَمْرِ مُسْلِمٍ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ مَعَ التَّطْوِيلِ لَا تَشْمَلُ سَرِقَةَ الْمُسْلِمِ خَمْرَ الذِّمِّيِّ، وَلَوْ قَالَ فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ خَمْرٍ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ. اهـ. ح (قَوْلُهُ بَدَائِعُ) تَمَامُ عِبَارَتِهَا عَلَى مَا فِي الْبَحْرِ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 (مِنْ حِرْزٍ) بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ اتَّحَدَ مَالِكُهُ أَمْ تَعَدَّدَ (لَا شُبْهَةَ وَلَا تَأْوِيلَ فِيهِ) وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا سَيَتَّضِحُ (فَيُقْطَعُ إنْ أَقَرَّ بِهَا مَرَّةً) وَإِلَيْهِ رَجَعَ الثَّانِي (طَائِعًا) فَإِقْرَارُهُ بِهَا مُكْرَهًا بَاطِلٌ. وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ أَفْتَى بِصِحَّتِهِ   [رد المحتار] فَلَوْ سَرَقَ بَعْضُ تُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْبَعْضِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَأُخِذَ السَّارِقُ لَا يَقْطَعُهُ الْإِمَامُ اهـ قُلْت: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَوْ سَرَقَ فِي دَارِ الْبَغْيِ ثُمَّ خَرَجُوا إلَى دَارِ الْعَدْلِ تَأَمَّلْ. وَلَمْ يَذْكُرْ سَرِقَةَ أَهْلِ الْعَدْلِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَعَكْسَهُ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ أَغَارَ عَلَى عَسْكَرِ الْبَغْيِ لَيْلًا فَسَرَقَ مِنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَالًا فَجَاءَ بِهِ إلَى إمَامِ الْعَدْلِ لَا يَقْطَعُهُ؛ لِأَنَّ لِأَهْلِ الْعَدْلِ أَخْذَ أَمْوَالِهِمْ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ وَيُمْسِكُهُ إلَى أَنْ يَتُوبُوا أَوْ يَمُوتُوا، وَفِي الْعَكْسِ لَوْ أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَتَى بِهِ إمَامَ أَهْلِ الْعَدْلِ لَمْ يَقْطَعْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مُحَارِبٌ يَسْتَحِلُّ هَذَا اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ مِنْ حِرْزٍ) هُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: حِرْزٌ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ كُلُّ بُقْعَةٍ مُعَدَّةٍ لِلْإِحْرَازِ مَمْنُوعٍ مِنْ الدُّخُولِ فِيهَا إلَّا بِإِذْنٍ كَالدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ وَالْخِيَمِ وَالْخَزَائِنِ وَالصَّنَادِيقِ. أَوْ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ كُلُّ مَكَان غَيْرِ مُعَدٍّ لِلْإِحْرَازِ وَفِيهِ حَافِظٌ كَالْمَسَاجِدِ وَالطُّرُقِ وَالصَّحْرَاءِ. وَفِي الْقُنْيَةِ: لَوْ سَرَقَ الْمَدْفُونَ فِي مَفَازَةٍ يُقْطَعُ بَحْرٌ. قُلْت: وَجَزَمَ الْمَقْدِسِيَّ بِضَعْفِ مَا فِي الْقُنْيَةِ كَمَا نَذْكُرُهُ فِي النَّبَّاشِ (قَوْلُهُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ) فَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضَهُ ثُمَّ دَخَلَ وَأَخْرَجَ بَاقِيَهُ لَمْ يُقْطَعْ زَيْلَعِيٌّ وَغَيْرُهُ. قُلْت: وَهَذَا لَوْ أَخْرَجَهُ إلَى خَارِجِ الدَّارِ لِمَا فِي الْجَوْهَرَةِ: وَلَوْ دَخَلَ دَارًا فَسَرَقَ مِنْ بَيْتٍ مِنْهَا دِرْهَمًا فَأَخْرَجَهُ إلَى صَحْنِهَا ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَ دِرْهَمًا آخَرَ وَهَكَذَا حَتَّى سَرَقَ عَشَرَةً فَهَذِهِ سَرِقَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا أَخْرَجَ الْعَشَرَةَ مِنْ الدَّارِ قُطِعَ، وَإِنْ خَرَجَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الدَّارِ ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّهَا سَرِقَاتٌ اهـ وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ أَيْضًا: لَوْ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ مَرَّتَيْنِ فَصَاعِدًا، إنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا اطِّلَاعُ الْمَالِكِ فَأَصْلَحَ النَّقْبَ أَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ، فَالْإِخْرَاجُ الثَّانِي سَرِقَةٌ أُخْرَى فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ إذَا كَانَ الْمُخْرَجُ فِي كُلِّ دُفْعَةٍ دُونَ النِّصَابِ، وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ ذَلِكَ قَطْعٌ اهـ وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ قُبَيْلَ فَصْلِ الْقَطْعِ، فَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ ذَلِكَ قَطْعٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ بَعْضَ النِّصَابِ إلَى خَارِجِ الدَّارِ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ اطِّلَاعِ الْمَالِكِ وَإِصْلَاحِهِ النَّقْبَ أَوْ إغْلَاقِهِ الْبَابَ أَنَّهُ يُقْطَعُ، وَهُوَ خِلَافُ مَا أَطْلَقَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ عَدَمِ الْقَطْعِ كَمَا عَلِمْت؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ بَلْ بَعْضَ نِصَابٍ، نَعَمْ اطِّلَاعُ الْمَالِكِ لَهُ اعْتِبَارٌ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى ذَكَرَهَا فِي الْجَوْهَرَةِ أَيْضًا، وَهِيَ لَوْ نَقَبَ الْبَيْتَ ثُمَّ خَرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا إلَّا فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ، إنْ كَانَ ظَاهِرًا وَعَلِمَ بِهِ رَبُّ الْمَنْزِلِ وَلَمْ يَسُدَّهُ لَمْ يُقْطَعْ وَإِلَّا قُطِعَ. اهـ. وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِهِ وَلَمْ يَسُدَّهُ لَمْ يَبْقَ حِرْزًا وَإِلَّا بَقِيَ حِرْزًا، إذْ لَوْ لَمْ يَبْقَ حِرْزًا لَزِمَ أَنْ لَا تَتَحَقَّقَ سَرِقَتُهُ بَعْدَ هَتْكِ الْحِرْزِ (قَوْلُهُ اتَّحَدَ مَالِكُهُ أَمْ تَعَدَّدَ) فَلَوْ سَرَقَ وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَةٍ قُطِعَ، وَلَوْ سَرَقَ اثْنَانِ نِصَابًا مِنْ وَاحِدٍ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا فَالْعِبْرَةُ لِلنِّصَابِ فِي حَقِّ السَّارِقِ لَا الْمَسْرُوقِ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْحِرْزُ وَاحِدًا، فَلَوْ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ مَنْزِلَيْنِ فَلَا قَطْعَ وَالْبُيُوتُ مِنْ دَارٍ وَاحِدَةٍ بِمَنْزِلَةِ بَيْتٍ وَاحِدٍ، حَتَّى لَوْ سَرَقَ مِنْ عَشَرَةِ أَنْفُسٍ فِي دَارِ كُلُّ وَاحِدٍ فِي بَيْتٍ عَلَى حِدَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِرْهَمًا قُطِعَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ عَظِيمَةً فِيهَا حُجَرٌ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ بَحْرٌ، وَسَتَأْتِي مَسْأَلَةُ الْحُجَرِ (قَوْلُهُ لَا شُبْهَةَ وَلَا تَأْوِيلَ فِيهِ) أَخْرَجَ بِالْأَوَّلِ السَّرِقَةَ مِنْ دَارِ أَبِيهِ وَنَحْوِهِ وَبِالثَّانِي سَرِقَةَ مُصْحَفٍ لِتَأْوِيلِ أَخْذِهِ لِلْقِرَاءَةِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَثَبَتَ ذَلِكَ إلَخْ) لَا يَصِحُّ كَوْنُ ذَلِكَ جُزْءًا مِنْ التَّعْرِيفِ بَلْ هُوَ شَرْطٌ لِلْقَطْعِ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ فَيُقْطَعُ إنْ أَقَرَّ مَرَّةً أَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِلَيْهِ رَجَعَ الثَّانِي) أَيْ أَبُو يُوسُفَ، وَكَانَ أَوَّلًا يَقُولُ لَا يُقْطَعُ إلَّا إذَا أَقَرَّ مَرَّتَيْنِ فِي مَجْلِسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ أَفْتَى بِصِحَّتِهِ) مُقْتَضَى صَنِيعِهِ أَنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْقَطْعِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ حَدٌّ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَالْإِنْكَارُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 ظَهِيرِيَّةٌ. زَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ مَعْزِيًّا لِخِزَانَةِ الْمُفْتِينَ: وَيَحِلُّ ضَرْبُهُ لِيُقِرَّ، وَسَنُحَقِّقُهُ (أَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ) وَلَوْ عَبْدًا شُرِطَ حَضْرَةُ مَوْلَاهُ، وَلَا تُقْبَلُ عَلَى إقْرَارِهِ وَلَوْ بِحَضْرَتِهِ (وَسَأَلَهُمَا الْإِمَامُ كَيْفَ هِيَ وَأَيْنَ هِيَ وَكَمْ هِيَ؟) زَادَ فِي الدُّرَرِ: وَمَا هِيَ وَمَتَى هِيَ (وَمِمَّنْ سَرَقَ وَبَيَّنَّاهَا) احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ، وَيَحْبِسُهُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ لِعَدَمِ الْكَفَالَةِ فِي الْحُدُودِ، وَيَسْأَلُ الْمُقِرَّ عَنْ الْكُلِّ إلَّا الزَّمَانَ. وَمَا فِي الْفَتْحِ إلَّا الْمَكَانَ تَحْرِيفٌ نَهْرٌ. (وَصَحَّ رُجُوعُهُ عَنْ إقْرَارِهِ بِهَا) وَإِنْ ضَمِنَ الْمَالَ، وَكَذَا لَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمْ أَوْ قَالَ هُوَ مَالِي أَوْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِهِ بِهَا وَهُوَ يَجْحَدُ أَوْ يَسْكُتُ فَلَا قَطْعَ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ. (فَإِنْ أَقَرَّ بِهَا ثُمَّ هَرَبَ، فَإِنْ فِي فَوْرِهِ لَا يُتَّبَعُ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ) كَذَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَنَقَلَهُ شَارِحُ الْوَهْبَانِيَّةِ بِلَا قَيْدِ الْفَوْرِيَّةِ.   [رد المحتار] أَعْظَمُ شُبْهَةً مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا قَطْعَ بِنُكُولٍ عَنْ الْيَمِينِ، وَأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ ثُمَّ هَرَبَ لَا يُتَّبَعُ، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ مَا ذَكَرَهُ عَلَى صِحَّتِهِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ (قَوْلُهُ أَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ) فَلَا يُقْبَلُ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِلْقَطْعِ بَلْ لِلْمَالِ، وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَبْدًا) تَعْمِيمٌ لِلضَّمِيرِ فِي عَلَيْهِ الْمُقَدَّرِ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى سَرِقَةِ الْعَبْدِ فِي الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَسَأَلَهُمَا الْإِمَامُ كَيْفَ هِيَ) لِيَعْلَمَ أَنَّهُ أَخْرَجَ مِنْ الْحِرْزِ أَوْ نَاوَلَ مَنْ هُوَ خَارِجٌ وَأَيْنَ هِيَ لِيَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ؟ وَكَمْ هِيَ لِيَعْلَمَ أَنَّهَا نِصَابٌ أَمْ لَا؟ (قَوْلُهُ زَادَ فِي الدُّرَرِ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَنْ الْهِدَايَةِ وَقَالَ: السُّؤَالُ عَنْ الْمَاهِيَّةِ لِإِطْلَاقِهَا عَلَى اسْتِرَاقِ السَّمْعِ وَالنَّقْصِ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَعَنْ الزَّمَانِ لِاحْتِمَالِ التَّقَادُمِ. زَادَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ يَسْأَلُهُمَا عَنْ الْمَسْرُوقِ، إذْ سَرِقَةُ كُلِّ مَالٍ لَا تُوجِبُ الْقَطْعَ (قَوْلُهُ وَمِمَّنْ سَرَقَ) لِيَعْلَمَ أَنَّهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَمْ لَا (قَوْلُهُ وَبَيَّنَّاهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ، وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَسَأَلَهُمَا (قَوْلُهُ احْتِيَالًا) عِلَّةٌ لِلسُّؤَالِ (قَوْلُهُ وَيَحْبِسُهُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ) أَيْ عَنْ عَدَالَتِهِمْ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ يُشِيرُ إلَى مَا قَالَهُ الْكَمَالُ إنَّ الْقَاضِيَ لَوْ عَرَفَ الشُّهُودَ بِالْعَدَالَةِ لَهُ قَطْعُهُ اهـ وَلَعَلَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُخْتَارِ الْآنَ اهـ وَهَذَا اشْتِبَاهٌ، فَإِنَّ قَضَاءَهُ بِالْقَطْعِ بِالْبَيِّنَةِ لَا بِعِلْمِهِ، وَعِلْمُهُ بِعَدَالَةِ الشُّهُودِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ بِالْقَطْعِ لَيْسَ قَضَاءً بِهِ حَمَوِيٌّ. قُلْت: عَلَى أَنَّهُ مَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ أَنَّ فِي حُقُوقِهِ تَعَالَى يَقْضِي الْقَاضِي بِعِلْمِهِ اتِّفَاقًا، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْكَشْفِ بِأَنَّ وُجُوبَ الْقَطْعِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْكَفَالَةِ فِي الْحُدُودِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَخْذُ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ لَا يُحْبَسُ (قَوْلُهُ إلَّا الزَّمَانَ) ؛ لِأَنَّ تَقَادُمَ الْعَهْدِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِهَا نُوحٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ. وَاعْتَرَضَهُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ السَّرِقَةُ فِي صِبَاهُ فَلَا يُحَدُّ. قُلْت: لَكِنْ قَالَ فِي حَاوِي الزَّاهِدِيِّ: لَوْ ثَبَتَتْ السَّرِقَةُ بِالْإِقْرَارِ لَا يَلْزَمُ السُّؤَالُ عَنْ زَمَانِهَا حَتَّى قَالَ فِي [أَسْنَعَ] لَوْ قَالَ: سَرَقْت فِي زَمَانِ الصِّبَا يُقْطَعُ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ اهـ وَلَفْظُ أَسْنَعَ رَمْزٌ لِكِتَابِ الْأَسْرَارِ (قَوْلُهُ إلَّا الْمَكَانَ) الْمُنَاسِبُ وَإِلَّا الْمَكَانَ بِالْعَطْفِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْفَتْحِ اسْتَثْنَى الزَّمَانَ وَالْمَكَانَ (قَوْلُهُ تَحْرِيفٌ) أَيْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ ذِكْرَ الْمَكَانِ فِي عِبَارَةِ الْفَتْحِ غَيْرُ صَحِيحٍ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمْ) أَيْ أَحَدُ السَّارِقِينَ الْمُقِرِّينَ (قَوْلُهُ أَوْ قَالَ) أَيْ أَحَدُ السَّارِقِينَ (قَوْلُهُ أَوْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِهِ) أَيْ إقْرَارِ السَّارِقِ (قَوْلُهُ فَلَا قَطْعَ) أَيْ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ، أَمَّا فِي الْأُولَيَيْنِ فَلِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ عَنْ الْبَعْضِ لِشُبْهَةٍ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ كَمَا فِي الْكَافِي، وَالرُّجُوعُ وَدَعْوَى الْمِلْكِ شُبْهَةٌ. وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ فَلِأَنَّ جُحُودَ الْإِقْرَارِ بِمَنْزِلَةِ الرُّجُوعِ، وَهُوَ لَوْ أَقَرَّ صَرِيحًا يَصِحُّ رُجُوعُهُ، فَكَذَا لَوْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِهِ، وَالسُّكُوتُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ جُعِلَ إنْكَارًا حُكْمًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ وَنَقَلَهُ شَارِحُ الْوَهْبَانِيَّةِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ ثُمَّ هَرَبَ لَمْ يُقْطَعْ وَلَوْ فِي فَوْرِهِ؛ لِأَنَّ الْهَرَبَ دَلِيلُ الرُّجُوعِ وَلَوْ رَجَعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 (وَلَا قَطْعَ بِنُكُولٍ وَإِقْرَارِ مَوْلًى عَلَى عَبْدِهِ بِهَا وَإِنْ لَزِمَ الْمَالُ) لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ (وَ) السَّارِقُ (لَا يُفْتَى بِعُقُوبَتِهِ) لِأَنَّهُ جَوْرٌ تَجْنِيسٌ، وَعَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ لِلْوَاقِعَاتِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ خِلَافُ الشَّرْعِ، وَمِثْلُهُ فِي السِّرَاجِيَّةِ. وَنُقِلَ عَنْ التَّجْنِيسِ عَنْ عِصَامٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ سَارِقٍ يُنْكِرُ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، فَقَالَ الْأَمِيرُ سَارِقٌ وَيَمِينٌ؟ هَاتُوا بِالسَّوْطِ،، فَمَا ضَرَبُوهُ عَشَرَةً حَتَّى أَقَرَّ فَأَتَى بِالسَّرِقَةِ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا رَأَيْت جَوْرًا أَشْبَهَ بِالْعَدْلِ مِنْ هَذَا. وَفِي إكْرَاهِ الْبَزَّازِيَّةِ: مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَفْتَى بِصِحَّةِ إقْرَارِهِ بِهَا مُكْرَهًا. وَعَنْ الْحَسَنِ: يَحِلُّ ضَرْبُهُ حَتَّى يُقِرَّ مَا لَمْ يَظْهَرْ الْعَظْمُ. وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ ابْنِ الْعِزِّ الْحَنَفِيِّ: صَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ بِتَعْذِيبِ بَعْضِ الْمُعَاهَدِينَ حِينَ كَتَمَ كَنْزَ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ فَفَعَلَ فَدَلَّهُمْ عَلَى الْمَالِ» قَالَ وَهُوَ الَّذِي يَسَعُ النَّاسَ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَإِلَّا فَالشَّهَادَةُ عَلَى السَّرِقَاتِ أَنْدَرُ   [رد المحتار] لَا يُقْطَعُ، فَكَذَا إذَا هَرَبَ بَلْ يَضْمَنُ الْمَالَ: وَأَمَّا لَوْ هَرَبَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ وَلَوْ قَبْلَ الْحُكْمِ، فَإِنْ أُخِذَ فِي فَوْرِهِ قُطِعَ وَإِلَّا لَا، فَإِنَّ حَدَّ السَّرِقَةِ لَا يُقَامُ بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَ التَّقَادُمِ، وَالْعَارِضُ فِي الْحُدُودِ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ كَالْعَارِضِ قَبْلَ الْقَضَاءِ اهـ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلظَّهِيرِيَّةِ، فَإِنْ فِي فَوْرِهِ لَا يُقْطَعُ صَوَابُهُ وَلَوْ فِي فَوْرِهِ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ بَعْدَ التَّقَادُمِ لَا يُقْطَعُ أَيْضًا. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ قَيَّدَ بِالْفَوْرِيَّةِ لِيَصِحَّ قَوْلُهُ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ التَّقَادُمِ لَا يُخَالِفُ الْإِقْرَارُ الشَّهَادَةَ فِي عَدَمِ الْقَطْعِ. عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُقْطَعُ بِالْهَرَبِ فِي فَوْرِ الْإِقْرَارِ لَا يُقْطَعُ بَعْدَ التَّقَادُمِ فِيهِ بِالْأَوْلَى كَمَا أَفَادَهُ ح لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا فِي الْعِبَارَةِ مِنْ الْإِيهَامِ، وَالْعِبَارَةُ الْمُحَرَّرَةُ عِبَارَةُ كَافِي الْحَاكِمِ، وَهِيَ: وَإِذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ هَرَبَ لَمْ يُطْلَبْ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِشُهُودٍ طُلِبَ مَادَامَ فِي فَوْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَا قَطْعَ بِنُكُولٍ) أَيْ نُكُولِ السَّارِقِ عَنْ الْحَلِفِ عِنْدَ الْقَاضِي (قَوْلُهُ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ) عِلَّةٌ لِلُزُومِ الْمَالِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ مَعْنًى، وَإِقْرَارُ السَّيِّدِ عَلَى عَبْدٍ يُوجِبُ تَوَجُّهَ الْمُطَالَبَةِ عَلَى نَفْسِهِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَنَقَلَ) أَيْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَهُوَ تَأْيِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ حَيْثُ سَمَّاهُ جَوْرًا شَبِيهًا بِالْعَدْلِ. مَطْلَبٌ تَرْجَمَةُ عِصَامِ بْنِ يُوسُفَ (قَوْلُهُ عَنْ عِصَامٍ) هُوَ عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَمِنْ أَقْرَانِ مُحَمَّدِ بْنِ سِمَاعَةَ وَابْنِ رُسْتُمَ وَأَبِي حَفْصٍ الْبُخَارِيِّ (قَوْلُهُ أَنَّهُ سُئِلَ) أَيْ سَأَلَهُ حِبَّانُ بْنُ جَبَلَةَ أَمِيرُ بَلْخٍ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ سَارِقٌ وَيَمِينٌ) تَعَجُّبٌ مِنْ طَلَبِ الْيَمِينِ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُبَالِي لِإِقْدَامِهِ عَلَى مَا هُوَ أَشَدُّ جِنَايَةً لَكِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَعْتَبِرْ هَذَا (قَوْلُهُ فَقَالَ) أَيْ عِصَامٌ (قَوْلُهُ مَا رَأَيْت جَوْرًا إلَخْ) سَمَّاهُ جَوْرًا بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَإِلَّا فَهُوَ عَدْلٌ حَيْثُ تَوَصَّلَ بِهِ إلَى إظْهَارِ الْحَقِّ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ لِلْقَاضِي تَعْزِيرَ الْمُتَّهَمِ وَقَدَّمْنَا بَيَانَهُ (قَوْلُهُ بِصِحَّةِ إقْرَارِهِ بِهَا مُكْرَهًا) أَيْ فِي حَقِّ الضَّمَانِ لَا فِي حَقِّ الْقَطْعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَعَنْ الْحَسَنِ) هُوَ ابْنُ زِيَادٍ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ يَحِلُّ ضَرْبُهُ إلَخْ) لَمْ يُصَرِّحْ الْحَسَنُ بِهِ بَلْ هُوَ مَفْهُومُ كَلَامِهِ. مَطْلَبٌ فِي جَوَازِ ضَرْبِ السَّارِقِ حَتَّى يُقِرَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَسُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: أَيَحِلُّ ضَرْبُ السَّارِقِ حَتَّى يُقِرَّ؟ قَالَ: مَا لَمْ يَقْطَعْ اللَّحْمَ لَا يَتَبَيَّنُ الْعَظْمُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ، وَهُوَ ضَرْبُ مَثَلٍ: أَيْ مَا لَوْ لَمْ يُعَاقَبْ لَا تَظْهَرُ السَّرِقَةُ، فَفِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ سَقَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ أَوْ مِنْ قَلَمِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى ذَكَرَ عِبَارَةَ الْحَسَنِ عَلَى وَجْهِهَا فَلَمْ يَكُنْ مَا هُنَا تَصَرُّفًا مِنْهُ بِسُوءِ فَهْمِهِ إذْ لَمْ نَعْهَدْ هَذَا الشَّارِحَ الْفَاضِلَ وَصَلَ فِي الْبَلَادَةِ إلَى مَا زَعَمَهُ مَنْ هُوَ مُولَعٌ بِالِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَنْ ابْنِ الْعِزِّ) أَيْ فِي كِتَابِهِ التَّنْبِيهِ عَلَى مُشْكِلَاتِ الْهِدَايَةِ، حَيْثُ قَالَ: الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمُتَّهَمِ بِسَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا أَنْ يُنْظَرَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالْبِرِّ لَمْ تَجُزْ مُطَالَبَتُهُ وَلَا عُقُوبَتُهُ، وَهَلْ يُحَلَّفُ؟ قَوْلَانِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 الْأُمُورِ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ فِي آخِرِ بَابِ قَطْعِ الطَّرِيقِ جَوَازَ ذَلِكَ سِيَاسَةً، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَابْنِ الْكَمَالِ. زَادَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي زَمَانِنَا لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ، وَيُحْمَلُ مَا فِي التَّجْنِيسِ عَلَى زَمَانِهِمْ، ثُمَّ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ قَبْلَهُ عَنْ الْقُنْيَةِ: لَوْ كُسِرَ سِنُّهُ وَيَدُهُ ضَمِنَ الشَّاكِي أَرْشَهُ كَالْمَالِ، لَا لَوْ حَصَلَ ذَلِكَ بِتَسَوُّرِهِ الْجِدَارَ أَوْ مَاتَ بِالضَّرْبِ لِنُدُورِهِ. وَعَنْ الذَّخِيرَةِ: لَوْ صَعِدَ السَّطْحَ لِيَفِرَّ خَوْفَ التَّعْذِيبِ فَسَقَطَ فَمَاتَ ثُمَّ ظَهَرَتْ السَّرِقَةُ عَلَى يَدِ آخَرَ كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَخْذُ الشَّاكِي بِدِيَةِ أَبِيهِمْ وَبِمَا غَرِمَهُ لِلسُّلْطَانِ لِتَعَدِّيهِ فِي هَذَا التَّسَبُّبِ وَسَيَجِيءُ فِي الْغَصْبِ.   [رد المحتار] يُعَزَّرُ مُتَّهِمُهُ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ الْحَالِ فَيُحْبَسُ حَتَّى يُكْشَفَ أَمْرُهُ، قِيلَ شَهْرًا، وَقِيلَ بِاجْتِهَادِ وَلِيِّ الْأَمْرِ. وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَضْرِبُهُ الْوَالِي أَوْ الْقَاضِي. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَضْرِبُهُ الْوَالِي دُونَ الْقَاضِي. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَضْرِبُهُ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ أَنْ يَمَسَّ بَعْضَ الْمُعَاهَدِينَ بِالْعَذَابِ لَمَّا كَتَمَ إخْبَارَهُ بِالْمَالِ الَّذِي كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ أَيْنَ كَنْزُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ؟ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَنْفَذَتْهُ النَّفَقَاتُ وَالْحُرُوبُ، فَقَالَ: الْمَالُ كَثِيرٌ وَالْمَسْأَلَةُ أَقْرَبُ، وَقَالَ لِلزُّبَيْرِ: دُونَك هَذَا فَمَسَّهُ الزُّبَيْرُ بِشَيْءٍ مِنْ الْعَذَابِ فَدَلَّهُمْ عَلَى الْمَالِ» وَهُوَ الَّذِي يَسَعُ النَّاسَ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ إلَخْ، وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ ثُمَّ نَقَلَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ، وَقَوْلُهُ جَوَازَ ذَلِكَ: أَيْ جَوَازَ ضَرْبِ الْمُتَّهَمِ حَيْثُ قَالَ نَقْلًا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. وَمِنْهَا: أَيْ وَمِنْ السِّيَاسَةِ مَا حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا أَنْكَرَ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بِأَكْبَرِ رَأْيِهِ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ سَارِقٌ وَأَنَّ الْمَسْرُوقَ عِنْدَهُ عَاقَبَهُ وَيَجُوزُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ رَآهُ الْإِمَامُ مَعَ الْفُسَّاقِ فِي مَجْلِسِ الشُّرْبِ، وَكَمَا لَوْ رَآهُ يَمْشِي مَعَ السُّرَّاقِ، وَبِغَلَبَةِ الظَّنِّ أَجَازُوا قَتْلَ النَّفْسِ، كَمَا إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ شَاهِرًا سَيْفَهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ) تَمَامُ عِبَارَةِ النَّهْرِ: وَكَيْفَ يُؤْتَى لِلسَّارِقِ لَيْلًا بِالْبَيِّنَةِ بَلْ وَلَا فِي النَّهَارِ اهـ يَعْنِي لَا يَتَوَقَّفُ جَوَازُ ضَرْبِهِ عَلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ حَيْثُ كَانَ مِنْ أَهْلِ التُّهْمَةِ وَتَقَدَّمَ فِي التَّعْزِيرِ أَنَّ لِلْقَاضِي تَعْزِيرَ الْمُتَّهَمِ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ ابْنِ الْقَيِّمِ حِكَايَةَ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ سَمِعْت آنِفًا تَصْرِيحَ الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّ هَذَا مِنْ السِّيَاسَةِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ لِلْقَاضِي فِعْلَ السِّيَاسَةِ (قَوْلُهُ وَيُحْمَلُ مَا فِي التَّجْنِيسِ) وَهُوَ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِعُقُوبَةِ السَّارِقِ (قَوْلُهُ لَوْ كُسِرَ سِنُّهُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ، وَأَصْلُ الْعِبَارَةِ: لَوْ شَكَا لِلْوَالِي بِغَيْرِ حَقٍّ فَأَتَى بِقَائِدٍ فَضَرَبَ الْمَشْكُوَّ عَلَيْهِ فَكَسَرَ سِنَّهُ أَوْ يَدَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ كَالْمَالِ) أَيْ كَمَا يَضْمَنُ لَوْ غَرَّمَهُ الْوَالِي مَالًا. (قَوْلُهُ لَا لَوْ حَصَلَ) أَيْ لَا يَضْمَنُ الْأَرْشَ لَوْ حَبَسَهُ الْوَالِي فَهَرَبَ وَتَسَوَّرَ جِدَارَ السِّجْنِ فَحَصَلَ مَا ذَكَرَ مِنْ كَسْرِ سِنِّهِ أَوْ يَدِهِ أَوْ مَاتَ بِضَرْبِ الْقَائِدِ (قَوْلُهُ كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَخْذُ الشَّاكِي بِدِيَةِ أَبِيهِمْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُنَافِي مَا مَرَّ عَنْ الْقُنْيَةِ لِتَعْلِيلِهِ بِظُهُورِ تَعَدِّيهِ هُنَا: أَيْ حَيْثُ ظَهَرَتْ السَّرِقَةُ عَلَى يَدِ آخَرَ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِتَعَدِّيهِ فِي هَذَا التَّسَبُّبِ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ بَعْدَ عَزْوِهِ الْمَسْأَلَةَ لِمَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: قِيلَ هَذَا الْجَوَابُ مُسْتَقِيمٌ فِي حَقِّ الْغَرَامَةِ أَصْلُهُ السِّعَايَةُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فِي حَقِّ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ صَعِدَ السَّطْحَ بِاخْتِيَارِهِ، وَقِيلَ هُوَ مُسْتَقِيمٌ فِي الدِّيَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى الصُّعُودِ لِلْفِرَارِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى اهـ وَقَوْلُهُ أَصْلُهُ السِّعَايَةُ، أَيْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي ذَلِكَ تَضْمِينُهُمْ السَّاعِي إذَا كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ فِي الْغَصْبِ) حَيْثُ قَالَ مَتْنًا وَشَرْحًا: لَوْ سَعَى إلَى سُلْطَانٍ بِمَنْ يُؤْذِيهِ، وَالْحَالُ أَنْ لَا يَدْفَعَ بِلَا رَفْعٍ إلَى السُّلْطَانِ أَوْ سَعَى بِمَنْ يُبَاشِرُ الْفِسْقَ وَلَا يَمْتَنِعُ بِنَهْيِهِ أَوْ قَالَ لِسُلْطَانٍ قَدْ يُغَرِّمُ وَقَدْ لَا يَغْرَمُ إنَّهُ قَدْ وَجَدَ كَنْزًا فَغَرَّمَهُ السُّلْطَانُ شَيْئًا لَا يَضْمَنُ فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ، وَلَوْ غَرَّمَ السُّلْطَانُ أَلْبَتَّةَ بِمِثْلِ هَذِهِ السِّعَايَةِ ضَمِنَ، وَكَذَا يَضْمَنُ لَوْ سَعَى بِغَيْرِ حَقٍّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ زَجْرًا لَهُ: أَيْ لِلسَّاعِي وَبِهِ يُفْتَى وَعُزِّرَ، وَلَوْ السَّاعِي عَبْدًا طُولِبَ بَعْدَ عِتْقِهِ، وَلَوْ مَاتَ السَّاعِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 (قَضَى بِالْقَطْعِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ فَقَالَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ هَذَا مَتَاعُهُ لَمْ يَسْرِقْهُ مِنِّي) وَإِنَّمَا كُنْت أُوِدَعْتُهُ (أَوْ قَالَ شَهِدَ شُهُودِي بِزُورٍ أَوْ أَقَرَّ هُوَ بِبَاطِلٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا قَطْعَ) وَنُدِبَ تَلْقِينُهُ كَيْ لَا يُقِرَّ بِالسَّرِقَةِ (كَمَا) لَا قَطْعَ (لَوْ شَهِدَ كَافِرَانِ عَلَى كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ بِهَا فِي حَقِّهِمَا) أَيْ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ ظَهِيرِيَّةٌ: (تَشَارَكَ جَمْعٌ وَأَصَابَ كُلًّا قَدْرَ نِصَابٍ قُطِعُوا وَإِنْ أَخَذَ الْمَالَ بَعْضُهُمْ) اسْتِحْسَانًا سَدًّا لِبَابِ الْفَسَادِ، وَلَوْ فِيهِمْ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ مَعْتُوهٌ أَوْ مَحْرَمٌ لَمْ يُقْطَعْ أَحَدٌ. (وَشُرِطَ لِلْقَطْعِ حُضُورُ شَاهِدَيْهَا وَقْتَهُ) وَقْتَ الْقَطْعِ (كَحُضُورِ الْمُدَّعِي) بِنَفْسِهِ (حَتَّى لَوْ غَابَا أَوْ مَاتَا لَا قَطْعَ) وَهَذَا فِي كُلِّ حَدٍّ سِوَى رَجْمٍ وَقَوَدٍ بَحْرٌ.   [رد المحتار] فَلِلْمَسْعِيِّ بِهِ أَنْ يَأْخُذَ قَدْرَ الْخُسْرَانِ مِنْ تَرِكَتِهِ هُوَ الصَّحِيحُ جَوَاهِرُ الْفَتَاوَى. وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمَشْكُوُّ عَلَيْهِ بِسُقُوطِهِ مِنْ سَطْحٍ لِخَوْفِهِ غَرِمَ الشَّاكِي دِيَتَهُ، لَا لَوْ مَاتَ بِالضَّرْبِ لِنُدُورِهِ وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ السَّرِقَةِ. اهـ. قُلْت أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ السَّرِقَةِ مُخَالِفٌ لِمَا عَزَاهُ إلَيْهَا. مَطْلَبٌ فِي ضَمَانِ السَّاعِي ثُمَّ حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ ضَمَانِ السَّاعِي أَنَّهُ لَوْ سَعَى بِحَقٍّ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ بِلَا حَقٍّ، فَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ يُغَرِّمُ بِمِثْلِ هَذِهِ السِّعَايَةِ أَلْبَتَّةَ يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُغَرِّمُ وَقَدْ لَا يُغَرِّمُ لَا يَضْمَنُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مِنْ ضَمَانِ السَّاعِي بِغَيْرِ حَقٍّ مُطْلَقًا وَيُعَزَّرُ، بَلْ قَدَّمْنَا إبَاحَةَ قَتْلِهِ، بَلْ أَفْتَى بَعْضُ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ بِكُفْرِهِ (قَوْلُهُ لَمْ يَسْرِقْهُ مِنِّي) الْمُنَاسِبُ عَطْفُهُ بِأَوْ؛ لِأَنَّهُ مَسْأَلَةٌ ثَانِيَةٌ. فَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: أَوْ قَالَ لَمْ يَسْرِقْهُ مِنِّي وَإِنَّمَا كُنْت أُوْدِعْتُهُ (قَوْلُهُ فَلَا قَطْعَ) أَمَّا لَوْ قَالَ عَفَوْت عَنْهُ لَمْ يَبْطُلْ الْقَطْعُ كَافِي الْحَاكِمِ: أَيْ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ مَحْضُ حَقِّهِ تَعَالَى فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي ضِمْنِ ثُبُوتِ حَقِّ الْعَبْدِ، وَقَدْ بَطَلَ بِإِقْرَارِهِ فَبَطَلَ مَا فِي ضِمْنِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَنُدِبَ تَلْقِينُهُ) الْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ إنْ أَقَرَّ بِهَا: أَيْ نُدِبَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلَقِّنَهُ كَافِي لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِلِصٍّ قَدْ اعْتَرَفَ وَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ مَتَاعٌ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا إخَالُكَ سَرَقْت، قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَعَادَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ» وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فِي حَقِّهِمَا) مُتَعَلِّقٌ بِلَا قَطْعَ ح: أَيْ لَا قَطْعَ فِي حَقِّ الْكَافِرِ وَلَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهَا سَرِقَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَمَّا بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ بَطَلَتْ فِي حَقِّ الْكَافِرِ. وَأَمَّا الضَّمَانُ فَلَا شَكَّ فِي انْتِفَائِهِ عَنْ الْمُسْلِمِ، وَهَلْ يَضْمَنُ الْكَافِرُ حِصَّتَهُ مِنْهَا؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ. قُلْت: وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: لَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلَيْنِ بِسَرِقَةٍ وَأَحَدُ السَّارِقَيْنِ غَائِبٌ قُطِعَ الْحَاضِرُ، فَإِنْ جَاءَ الْغَائِبُ لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى تُعَادَ عَلَيْهِ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ أَوْ غَيْرُهَا فَيُقْطَعَ اهـ فَلْيُنْظَرْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ، بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْغَائِبِ فَإِنَّ الْمَانِعَ مِنْ قَبُولِهَا الْغَيْبَةُ لَا عَدَمُ الْأَهْلِيَّةِ (قَوْلُهُ تَشَارَكَ جَمْعٌ) أَيْ فِي دُخُولِ الْحِرْزِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وَإِنْ أَخَذَ الْمَالَ بَعْضُهُمْ: قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِنَّمَا وَضَعَهَا فِي دُخُولِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بَعْضُهُمْ لَكِنَّهُمْ اشْتَرَكُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي فِعْلِ السَّرِقَةِ لَا يُقْطَعُ إلَّا الدَّاخِلُ إنْ عُرِفَ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ عُزِّرُوا كُلُّهُمْ وَأُبِّدَ حَبْسُهُمْ إلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُمْ اهـ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَأَصَابَ كُلًّا نِصَابٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَصَابَهُ أَقَلُّ لَمْ يُقْطَعْ، بَلْ يَضْمَنُ مَا أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ الْحَامِلُ وَحْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ مَحْرَمٌ) أَيْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَمْ يُقْطَعْ أَحَدٌ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا تَوَلَّى الْأَخْذَ الْكِبَارُ الْعُقَلَاءُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ لَا قَطْعَ) هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ، وَقَوْلُهُ الْأَخِيرُ يُقْطَعُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا، وَبِهِ صَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ سِوَى رَجْمٍ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 قُلْت: لَكِنْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ الْآتِي تَصْحِيحَ خِلَافِهِ فَتَنَبَّهْ. (وَيُقْطَعُ بِسَاجٍ وَقَنَا وَأَبَنُوسٍ) بِفَتْحِ الْبَاءِ (وَعُودٍ وَمِسْكٍ وَأَدْهَانٍ وَوَرْسٍ وَزَعْفَرَانٍ وَصَنْدَلٍ وَعَنْبَرٍ وَفُصُوصٍ خُضْرٍ) أَيْ زُمُرُّدٍ (وَيَاقُوتٍ وَزَبَرْجَدٍ وَلُؤْلُؤٍ وَلَعْلٍ وَفَيْرُوزَجَ وَإِنَاءٍ وَبَابٍ) غَيْرِ مُرَكَّبٍ وَلَوْ مُتَّخَذَيْنِ (مِنْ خَشَبٍ،   [رد المحتار] سِوَى جَلْدٍ وَهِيَ الصَّوَابُ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ نَقْلًا عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ، فَقَدْ رَدَّهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمُوهُ فِي حَدِّ الزِّنَا بِالرَّجْمِ مِنْ أَنَّهُ إذَا غَابَ الشُّهُودُ أَوْ مَاتُوا سَقَطَ الْحَدُّ فَيَتَّجِهُ اسْتِثْنَاءُ الْجَلْدِ فَإِنَّهُ يُقَامُ حَالَ الْغَيْبَةِ وَالْمَوْتِ، بِخِلَافِ الرَّجْمِ لِاشْتِرَاطِ بُدَاءَةِ الشُّهُودِ بِهِ. وَعِبَارَةُ كَافِي الْحَاكِمِ فِي الْحُدُودِ مُصَرِّحَةٌ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ عِبَارَتُهُ فِي السَّرِقَةِ، وَنَصُّهَا: وَإِذَا كَانَ: أَيْ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ حَاضِرًا وَالشَّاهِدَانِ غَائِبَانِ لَمْ يُقْطَعْ أَيْضًا حَتَّى يَحْضُرُوا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقْطَعُ وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْمَوْتُ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي كُلِّ حَدٍّ وَحَقٍّ سِوَى الرَّجْمِ، وَيُمْضِي الْقِصَاصَ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ اهـ فَهَذَا تَصْرِيحُ الْحَاكِمِ فِي الْحُدُودِ وَالسَّرِقَةِ بِمَا قُلْنَا فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ نُسْخَةَ الْكَافِي الَّتِي وَقَعَتْ لِصَاحِبِ الْفَتْحِ سَقَطَ مِنْهَا قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ الْمَوْتُ فَوَقَعَ الْخَلَلُ فِي اشْتِرَاطِ حُضُورِ الشَّاهِدَيْنِ وَفِي اسْتِثْنَاءِ الرَّجْمِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَقَعَ مِنْ الْقَوْلِ الْأَخِيرِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ فَكَانَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا رَجَعَ عَنْهُ الْمُجْتَهِدُ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْسُوخِ، وَلِذَا صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ بِتَصْحِيحِ قَوْلِهِ الْأَخِيرِ، فَجَزَى اللَّهُ تَعَالَى الشُّرُنْبُلَالِيُّ خَيْرًا عَلَى هَذَا التَّنْبِيهِ الْحَسَنِ (قَوْلُهُ تَصْحِيحَ خِلَافِهِ) أَيْ خِلَافِ قَوْلِهِ لَا قَطْعَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ وَيُقْطَعُ بِسَاجٍ) قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: السَّاجُ خَشَبٌ أَسْوَدُ رَزِينٌ يُجْلَبُ مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ وَلَا تَكَادُ الْأَرْضُ تُبْلِيهِ وَالْجَمْعُ سِيجَانٌ مِثْلُ نَارٍ وَنِيرَانٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: السَّاجُ يُشْبِهُ الْأَبَنُوسَ، وَهُوَ أَقَلُّ سَوَادًا مِنْهُ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَقَنَا) بِالْفَتْحِ وَالْقَصْرِ: هُوَ الرُّمْحُ (قَوْلُهُ بِفَتْحِ الْبَاءِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الطِّلْبَةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ. وَرَأَيْت فِي الْمِصْبَاحِ ضَبَطَهُ بِضَمِّهَا وَقَالَ إنَّهُ خَشَبٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ مُعَرَّبٌ، وَيُجْلَبُ مِنْ الْهِنْدِ، وَاسْمُهُ بِالْعَرَبِيَّةِ سَأْسَمٌ بِهَمْزَةٍ وِزَانُ جَعْفَرٍ (قَوْلُهُ وَعُودٍ) بِالضَّمِّ الْخَشَبُ جَمْعُهُ عِيدَانٌ وَأَعْوَادٌ وَآلَةٌ مِنْ الْمَعَازِفِ قَامُوسٌ. قُلْت: وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ وَهُوَ الطِّيبُ؛ لِأَنَّ آلَةَ اللَّهْوِ لَا قَطْعَ بِهَا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَأَدْهَانٍ) جَمْعُ دُهْنٍ كَزَيْتٍ وَشَيْرَجٍ (قَوْلُهُ وَوَرْسٍ) نَبْتٌ أَصْفَرُ يُزْرَعُ بِالْيَمَنِ وَيُصْبَغُ بِهِ قِيلَ هُوَ صِنْفٌ مِنْ الْكُرْكُمِ، وَقِيلَ يُشْبِهُهُ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَصَنْدَلٍ) خَشَبٌ مَعْرُوفٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ (قَوْلُهُ وَفُصُوصٍ خُضْرٍ) قَيْدُ الْخُضْرِ اتِّفَاقِيٌّ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَزَبَرْجَدٍ) جَوْهَرٌ مَعْرُوفٌ، وَيُقَالُ هُوَ الزُّمُرُّدُ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَلَعْلٍ) بِالتَّخْفِيفِ: مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ الْحِبْرُ الْأَحْمَرُ غَيْرُ الزُّنْجُفْرِ وَالدُّودَةِ، وَيُطْلَقُ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الزُّمُرُّدِ ط. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: لَعْلَعٍ وَهُوَ شَجَرٌ حِجَازِيٌّ كَمَا فِي الْقَامُوسِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ غَيْرِ مُرَكَّبٍ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ بَابِ الدَّارِ الْمُرَكَّبِ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِهِ كَمَا يَأْتِي، ثُمَّ إنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْقَطْعِ هُنَا أَنْ يَكُونَ فِي الْحِرْزِ، وَأَنْ يَكُونَ خَفِيفًا لَا يَثْقُلُ حَمْلُهُ عَلَى الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرْغَبُ فِي سَرِقَةِ الثَّقِيلِ مِنْ الْأَبْوَابِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ ثِقَلَهُ لَا يُنَافِي مَالِيَّتَهُ وَلَا يَنْقُصُهَا، وَإِنَّمَا ثَقُلَ فِيهِ رَغْبَةُ الْوَاحِدِ لَا الْجَمَاعَةِ، وَلَوْ صَحَّ هَذَا امْتَنَعَ الْقَطْعُ فِي فُرْدَةِ حِمْلٍ مِنْ قُمَاشٍ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ وَلِذَا أَطْلَقَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي الْقَطْعَ. اهـ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَرِدُ لَوْ لَمْ يَقُلْ الثَّقِيلُ مِنْ الْأَبْوَابِ. قُلْت: لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا هُوَ مَنْشَأُ النَّظَرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُتَّخَذَيْنِ) أَيْ الْإِنَاءُ وَالْبَابُ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ خَشَبٍ غَيْرُ قَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَا دَخَلَتْهُ الصَّنْعَةُ فَالْتَحَقَ بِالْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ، بِخِلَافِ الْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحَشِيشِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 وَكَذَا بِكُلِّ مَا هُوَ مِنْ أَعَزِّ الْأَمْوَالِ وَأَنْفَسِهَا وَلَا يُوجَدُ فِي دَارِ الْعَدْلِ مُبَاحُ الْأَصْلِ غَيْرُ مَرْغُوبٍ فِيهِ) هَذَا هُوَ الْأَصْلُ (لَا) يُقْطَعُ (بِتَافِهٍ) أَيْ حَقِيرٍ (يُوجَدُ مُبَاحًا فِي دَارِنَا كَخَشَبٍ لَا يُحَرَّزُ) عَادَةً (وَحَشِيشٍ وَقَصَبٍ وَسَمَكٍ وَ) لَوْ مَلِيحًا وَ (طَيْرٍ) وَلَوْ بَطًّا أَوْ دَجَاجًا فِي الْأَصَحِّ غَايَةٌ (وَصَيْدٍ وَزِرْنِيخٍ وَمَغْرَةٍ وَنُورَةٍ) زَادَ فِي الْمُجْتَبَى: وَأُشْنَانٍ وَفَحْمٍ وَمِلْحٍ وَخَزَفٍ وَزُجَاجٍ لِسُرْعَةِ كَسْرِهِ (وَلَا بِمَا يَتَسَارَعُ فَسَادُهُ كَلَبَنٍ وَلَحْمٍ) وَلَوْ قَدِيدًا وَكُلِّ مُهَيَّأٍ لِأَكْلٍ كَخُبْزٍ، وَفِي أَيَّامِ قَحْطٍ لَا قَطْعَ بِطَعَامٍ مُطْلَقًا شُمُنِّيٌّ (وَفَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ   [رد المحتار] وَالْقَصَبِ فَلَا قَطْعَ بِهَا؛ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ لَمْ تَغْلِبْ فِيهَا حَتَّى لَا تَتَضَاعَفُ قِيمَتُهَا وَلَا تُحْرَزُ، حَتَّى لَوْ غَلَبَتْ كَأَوَانِي اللَّبَنِ وَالْمَاءِ مِنْ الْحَشِيشِ فِي بِلَادِ السُّودَانِ يُقْطَعُ بِهَا لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا الْحُصُرُ الْبَغْدَادِيَّةُ لِغَلَبَةِ الصَّنْعَةِ عَلَى الْأَصْلِ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ وَلَا يُوجَدُ فِي دَارِ الْعَدْلِ إلَخْ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَأَمَّا كَوْنُهَا تُوجَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَيْسَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْأَمْوَالِ حَتَّى الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ مُبَاحَةٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَمَعَ هَذَا يُقْطَعُ فِيهَا فِي دَارِنَا اهـ (قَوْلُهُ لَا يُقْطَعُ بِتَافِهٍ إلَخْ) أَيْ إذَا سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ أُخِذَ وَأُحْرِزَ وَصَارَ مَمْلُوكًا فَتْحٌ (قَوْلُهُ يُوجَدُ مُبَاحًا فِي دَارِنَا) أَيْ يُوجَدُ جِنْسُهُ مُبَاحًا فِي الْأَصْلِ بِصُورَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ، بِأَنْ لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ صَنْعَةٌ مُتَقَوِّمَةٌ غَيْرُ مَرْغُوبٍ فِيهِ، فَخَرَجَ بِصُورَتِهِ الْأَبْوَابُ وَالْأَوَانِي مِنْ الْخَشَبِ، وَبِغَيْرِ مَرْغُوبٍ فِيهِ نَحْوُ الْمَعَادِنِ مِنْ الذَّهَبِ وَالصُّفْرِ وَالْيَوَاقِيتِ وَاللُّؤْلُؤِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَحْجَارِ فَيُقْطَعُ لِكَوْنِهَا مَرْغُوبًا فِيهَا. وَعَلَى هَذَا نَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي الزِّرْنِيخِ: بِأَنَّهُ يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِهِ لِإِحْرَازِهِ فِي دَكَاكِينِ الْعَطَّارِينَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، بِخِلَافِ الْخَشَبِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَدْخُلُ الدُّورَ لِلْعِمَارَةِ فَكَانَ إحْرَازُهُ نَاقِصًا، بِخِلَافِ السَّاجِ وَالْأَبَنُوسِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْوَسْمَةِ وَالْحِنَّاءِ وَالْوَجْهُ الْقَطْعُ لِإِحْرَازِهِ عَادَةً فِي الدَّكَاكِينِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَمُفَادُهُ اعْتِبَارُ الْعَادَةِ فِي الْإِحْرَازِ (قَوْلُهُ لَا يُحْرَزُ عَادَةً) احْتِرَازٌ عَنْ السَّاجِ وَالْأَبَنُوسِ. قُلْت: وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ إحْرَازَ بَعْضِ الْخَشَبِ كَالْمَخْرُوطِ وَالْمَنْشُورِ دُفُوفًا وَعَوَامِيدَ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِهِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا مَرَّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَلِيحًا) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ، وَدَخَلَ فِيهِ الطَّرِيُّ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَطَيْرٍ) ؛ لِأَنَّ الطَّيْرَ يَطِيرُ فَيَقِلُّ إحْرَازُهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَصَيْدٍ) هُوَ الْحَيَوَانُ الْمُمْتَنِعُ الْمُتَوَحِّشُ بِأَصْلِ خِلْقَتِهِ إمَّا بِقَوَائِمِهِ أَوْ بِجَنَاحَيْهِ، فَالسَّمَكُ لَيْسَ مِنْهُ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ وَزِرْنِيخٍ) بِالْكَسْرِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَمَغْرَةٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتُحَرَّكُ: الطِّينُ الْأَحْمَرُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ أَنَّ التَّسْكِينَ هُوَ الْأَصْلُ وَالتَّحْرِيكَ خِلَافُهُ، وَظَاهِرُ الْمِصْبَاحِ الْعَكْسُ نُوحٌ (قَوْلُهُ وَنُورَةٍ) بِضَمِّ النُّونِ حَجَرُ الْكِلْسِ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَى أَخْلَاطٍ تُضَافُ إلَى الْكِلْسِ مِنْ زِرْنِيخٍ وَغَيْرِهِ، وَيُسْتَعْمَلُ لِإِزَالَةِ الشَّعْرِ مِصْبَاحٌ، وَكَذَا ضَبَطَهَا بِالضَّمِّ فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ وَخَزَفٍ وَزُجَاجٍ) الْخَزَفُ: كُلُّ مَا عُمِلَ مِنْ طِينٍ وَشُوِيَ بِالنَّارِ حَتَّى يَكُونَ فَخَّارًا قَامُوسٌ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يُقْطَعُ فِي الْآجُرِّ وَالْفَخَّارِ؛ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ لَا تَغْلِبُ فِيهَا عَلَى قِيمَتِهَا. وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فِي الزُّجَاجِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ يُسْرِعُ إلَيْهِ الْكَسْرُ فَكَانَ نَاقِصَ الْمَالِيَّةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: يُقْطَعُ كَالْخَشَبِ إذَا صُنِعَ مِنْهُ الْأَوَانِي. اهـ. وَفِي الزَّيْلَعِيِّ: وَلَا قَطْعَ فِي الزُّجَاجِ؛ لِأَنَّ الْمَكْسُورَ مِنْهُ تَافِهٌ وَالْمَصْنُوعَ مِنْهُ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ. اهـ. قُلْت: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِي الزُّجَاجِ وَإِنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الصَّنْعَةُ، وَهَلْ يُقَالُ مِثْلُهُ فِي الصِّينِيِّ وَالْبِلَّوْرِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَبْلُغُ بِالصَّنْعَةِ نُصُبًا كَثِيرَةً، وَمَفْهُومُ عِلَّةِ الْفَخَّارِ أَنَّهُ يُقْطَعُ بِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكُلِّ مُهَيَّأٍ لِأَكْلٍ) أَمَّا غَيْرُ الْمُهَيَّأِ مِمَّا لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَالْحِنْطَةِ وَالسُّكَّرِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ فِيهِ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) وَلَوْ غَيْرَ مُهَيَّأٍ؛ لِأَنَّهُ عَنْ ضَرُورَةٍ ظَاهِرًا وَهِيَ تُبِيحُ التَّنَاوُلَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَفَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ) كَالْعِنَبِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالتُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 وَثَمَرٍ عَلَى شَجَرٍ وَبِطِّيخٍ) وَكُلِّ مَا لَا يَبْقَى حَوْلًا (وَزَرْعٍ لَمْ يُحْصَدْ) لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ (وَأَشْرِبَةٍ مُطْرِبَةٍ) وَلَوْ الْإِنَاءُ ذَهَبًا (وَآلَاتِ لَهْوٍ) وَلَوْ طَبْلَ الْغُزَاةِ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ صَلَاحِيَتَهُ لِلَّهْوِ صَارَتْ شُبْهَةً غَايَةٌ (وَصَلِيبِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَشِطْرَنْجٍ وَنَرْدٍ) لِتَأْوِيلِ الْكَسْرِ نَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ (وَبَابِ مَسْجِدٍ) وَدَار لِأَنَّهُ حِرْزٌ لَا مُحْرَزٌ   [رد المحتار] وَلَوْ كَانَتْ مَحْرُوزَةً فِي حَظِيرَةٍ عَلَيْهَا بَابٌ مُقْفَلٌ. وَأَمَّا الْفَوَاكِهُ الْيَابِسَةُ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ فِيهَا إذَا كَانَتْ مُحْرَزَةً جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ وَثَمَرٍ عَلَى شَجَرٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا إحْرَازَ فِيمَا عَلَى الشَّجَرِ وَلَوْ كَانَ الشَّجَرُ فِي حِرْزٍ، لِمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَإِنْ سَرَقَ التَّمْرَ مِنْ رُءُوسِ النَّخْلِ فِي حَائِطٍ مُحْرَزٍ أَوْ حِنْطَةً فِي سُنْبُلِهَا لَمْ تُحْصَدْ لَمْ يُقْطَعْ، فَإِنْ أُحْرِزَ التَّمْرُ فِي حَظِيرَةٍ عَلَيْهَا بَابٌ أَوْ حُصِدَتْ الْحِنْطَةُ وَجُعِلَتْ فِي حَظِيرَةٍ فَسَرَقَ مِنْهَا قُطِعَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ فِي صَحْرَاءَ وَصَاحِبُهَا يَحْفَظُهَا اهـ (قَوْلُهُ وَأَشْرِبَةٍ مُطْرِبَةٍ) أَيْ مُسْكِرَةٍ. وَالطَّرَبُ: اسْتِخْفَافُ الْعَقْلِ مِنْ شِدَّةِ حُزْنٍ وَجَزَعٍ حَتَّى يَصْدُرَ عَنْهُ مَا لَا يَلِيقُ كَمَا تَرَاهُ مِنْ صِيَاحِ الثَّكَالَى وَضَرْبِ خُدُودِهِنَّ وَشَقِّ جُيُوبِهِنَّ، أَوْ شِدَّةُ سُرُورٍ تُوجِبُ مَا هُوَ مَعْهُودٌ مِنْ الثُّمَالَى. ثُمَّ الشَّرَابُ إنْ كَانَ حُلْوًا فَهُوَ مِمَّا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، أَوْ مُرًّا فَإِنْ كَانَ خَمْرًا فَلَا قِيمَةَ لَهَا أَوْ غَيْرَهُ فَفِي تَقْوِيمِهِ خِلَافٌ وَلِتَأَوُّلِ السَّارِقِ فِيهِ الْإِرَاقَةُ، فَتَثْبُتُ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ، وَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ السَّارِقُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ الْإِنَاءُ ذَهَبًا) أَيْ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْإِنَاءَ تَابِعٌ وَلَمْ يُقْطَعْ فِي الْمَتْبُوعِ فَكَذَا فِي التَّبَعِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْطَعُ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ فِيمَا تُعَايَنُ ذَهَبِيَّتُهُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ كُلًّا مَقْصُودٌ بِالْأَخْذِ بَلْ أَخْذُ الْإِنَاءِ أَظْهَرُ: وَاسْتَشْهَدَ بِمَا فِي التَّجْنِيسِ: سَرَقَ كُوزًا فِيهِ عَسَلٌ وَقِيمَةُ الْكُوزِ تِسْعَةٌ وَقِيمَةُ الْعَسَلِ دِرْهَمٌ يُقْطَعُ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ سَرَقَ ثَوْبًا لَا يُسَاوِي عَشَرَةً مَصْرُورٌ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ يُقْطَعُ إذَا عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ مَالًا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ اهـ مُلَخَّصًا، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَآلَاتِ لَهْوٍ) أَيْ بِلَا خِلَافٍ لِعَدَمِ تَقَوُّمِهَا عِنْدَهُمَا حَتَّى لَا يَضْمَنَ مُتْلِفُهَا. وَعِنْدَهُ وَإِنْ ضَمِنَهَا لِغَيْرِ اللَّهْوِ إلَّا أَنْ يَتَأَوَّلَ آخِذُهَا لِلنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَصَلِيبٍ) هُوَ بِهَيْئَةِ خَطَّيْنِ مُتَقَاطِعَيْنِ، وَيُقَالُ لِكُلِّ جِسْمٍ صَلِيبٌ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَشِطْرَنْجٍ) بِكَسْرِ الشِّينِ فَتْحٌ، قِيلَ هُوَ عَرَبِيٌّ، وَقِيلَ مُعَرَّبٌ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي آلَاتِ اللَّهْوِ، وَكَذَا النَّرْدُ بِفَتْحِ النُّونِ (قَوْلُهُ لِتَأْوِيلِ الْكَسْرِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِلثَّلَاثَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: يُقْطَعُ بِالصَّلِيبِ لَوْ فِي يَدِ رَجُلٍ فِي حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، لَا لَوْ فِي مُصَلَّاهُمْ لِعَدَمِ الْحِرْزِ وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا مِنْ تَأْوِيلِ الْإِبَاحَةِ فَتْحٌ. قُلْت: لَكِنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ لَا يَظْهَرُ فِيمَا لَوْ كَانَ السَّارِقُ ذِمِّيًّا. ثُمَّ رَأَيْت فِي الذَّخِيرَةِ ذِكْرَهَا هَذَا التَّفْصِيلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الذِّمِّيِّ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مُصَلَّاهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ: فَلِذَا لَمْ يُقْطَعْ، بِخِلَافِ الْحِرْزِ فَيُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْوِيلَ لَهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ تَأْوِيلُ غَيْرِهِ يَكْفِي فِي وُجُودِ الشُّبْهَةِ فَلَا يُقْطَعُ تَأَمَّلْ. وَفِي النَّهْرِ: وَلَوْ سَرَقَ دَرَاهِمَ عَلَيْهَا تِمْثَالٌ قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُعِدَّ لِلتَّمَوُّلِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ تَأْوِيلٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حِرْزٌ لَا مُحْرَزٌ) أَفَادَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْبَابِ الْخَارِجِ فَلَوْ دَاخِلَ الدَّارِ فَهُوَ مُحْرَزٌ فَيُقْطَعُ بِهِ أَفَادَهُ ط. قُلْت: وَهَذَا إذْ لَمْ يَكُنْ ثَقِيلًا عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْهِدَايَةِ فِي غَيْرِ الْمُرَكَّبِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ بَابَ الْمَسْجِدِ حِرْزٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَالْأَوْلَى تَعْلِيلُ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ: وَلَا يُقْطَعُ فِي أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ، فَصَارَ كَبَابِ الدَّارِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُحْرَزُ بِبَابِ الدَّارِ مَا فِيهَا، وَلَا يُحْرَزُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ مَا فِيهِ حَتَّى لَا يَجِبَ الْقَطْعُ بِسَرِقَةِ مَتَاعِهِ. اهـ. زَادَ فِي الْبَحْرِ: وَكَذَا أَسْتَارُ الْكَعْبَةِ وَإِنْ كَانَتْ مُحْرَزَةً لِعَدَمِ الْمَالِكِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 (وَمُصْحَفٍ وَصَبِيٍّ حُرٍّ) وَلَوْ (مُحَلَّيَيْنِ) لِأَنَّ الْحِلْيَةَ تَبَعٌ (وَعَبْدٍ كَبِيرٍ) يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ نَائِمًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ أَعْمَى لِأَنَّهُ إمَّا غَصْبٌ أَوْ خِدَاعٌ (وَدَفَاتِرَ) غَيْرِ الْحِسَابِ لِأَنَّهَا لَوْ شَرْعِيَّةً كَكُتُبِ تَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ وَفِقْهٍ فَكَمُصْحَفٍ، وَإِلَّا فَكَطُنْبُورٍ (بِخِلَافِ) الْعَبْدِ (الصَّغِيرِ وَدَفَاتِرِ الْحِسَابِ) الْمَاضِي حِسَابُهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَرَقُهَا فَيُقْطَعُ إنْ بَلَغَ   [رد المحتار] تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي فَخْرِ الْإِسْلَامِ: لَوْ اعْتَادَ سَرِقَةَ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ يَجِبُ أَنْ يُعَزَّرَ وَيُبَالَغَ فِيهِ وَيُحْبَسَ حَتَّى يَتُوبَ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ سَارِقُ الْبَزَابِيزِ مِنْ الْمِيَضِ اهـ. قَالَ ط: وَكَذَا سَارِقُ نِعَالِ الْمُصَلِّينً. اهـ. قَالَ: بَلْ كُلُّ سَارِقٍ انْتَفَى عَنْهُ الْقَطْعُ لِشُبْهَةٍ وَنَحْوِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمُصْحَفٍ) مُثَلَّثُ الْمِيمِ قَامُوسٌ وَالضَّمُّ أَشْهَرُ مِصْبَاحٌ؛ لِأَنَّ الْآخِذَ يَتَأَوَّلُ فِي أَخْذِهِ الْقِرَاءَةَ وَالنَّظَرَ فِيهِ وَلِأَنَّهُ لَا مَالِيَّةَ لَهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَكْتُوبِ وَإِحْرَازُهُ لِأَجْلِهِ لَا لِلْجِلْدِ وَالْأَوْرَاقِ هِدَايَةٌ، وَالْإِطْلَاقُ يَشْمَلُ الْكَافِرَ وَغَيْرَ الْقَارِئِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُحَلَّيَيْنِ) قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي فِي حَاشِيَةِ الدُّرَرِ: هَذَا اللَّفْظُ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ بِالْيَاءَيْنِ، وَلَكِنَّ الصَّوَابَ أَنْ يَكُونَ بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ الصَّرْفِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْحِلْيَةَ تَبَعٌ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: يُقْطَعُ فِي الْمُصْحَفِ الْمُحَلَّى. وَعَنْهُ أَنَّهُ يُقْطَعُ إذَا بَلَغَتْ الْحِلْيَةُ نِصَابًا كَمَا قَالَ فِي حِلْيَةِ الصَّبِيِّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْخِلَافُ فِي صَبِيٍّ لَا يَمْشِي وَلَا يَتَكَلَّمُ، فَلَوْ كَانَ يَمْشِي وَيَتَكَلَّمُ وَيُمَيِّزُ لَا قَطْعَ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَكَانَ أَخْذُهُ خِدَاعًا وَلَا قَطْعَ فِي الْخِدَاعِ (قَوْلُهُ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ) فَالْمُرَادُ بِالْكَبِيرِ الْمُمَيِّزُ الْمُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ بَالِغًا كَانَ أَوْ صَبِيًّا بَحْرٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إمَّا غَصْبٌ) أَيْ إنْ أَخَذَهُ بِالْقَهْرِ أَوْ خِدَاعٌ أَيْ إنْ أَخَذَهُ بِالْحِيلَةِ وَكِلَاهُمَا غَيْرُ سَرِقَةٍ (قَوْلُهُ وَدَفَاتِرَ) جَمْعُ دَفْتَرٍ بِالْفَتْحِ وَقَدْ يُكْسَرُ: جَمَاعَةُ الصُّحُفِ الْمَضْمُومَةِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ فَكَمُصْحَفٍ) أَيْ فِي تَأْوِيلِ أَخْذِهَا لِلْقِرَاءَةِ، وَكَوْنِ الْمَقْصُودِ مَا فِيهَا وَلَا مَالِيَّةَ لَهُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَكَطُنْبُورٍ) أَيْ فِي تَأْوِيلِ أَخْذِهَا لِإِزَالَةِ مَا فِيهَا نَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ: وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِكُتُبِ عُلُومٍ شَرْعِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ، فَيَشْمَلُ: أَيْ الدَّفْتَرُ الْمُصْحَفَ وَكُتُبَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْآدَابِ وَدَوَاوِينَ فِيهَا حِكْمَةٌ دُونَ مَا فِيهَا أَشْعَارٌ مَكْرُوهَةٌ وَكُتُبِ الْعُلُومِ الْحِكَمِيَّةِ فَإِنَّهُمَا دَاخِلَانِ فِي آلَاتِ لَهْوٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الزَّادِ وَغَيْرِهِ. اهـ. ثُمَّ نَقَلَ قَوْلًا آخَرَ بِالْقَطْعِ بِكُتُبِ الْأَدَبِ وَالشِّعْرِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ: شَمَلَ مِثْلَ كُتُبِ السِّحْرِ وَمِثْلَ كُتُبِ الْعَرَبِيَّةِ وَاخْتَلَفَ فِي غَيْرِهَا: أَيْ غَيْرِ كُتُبِ الشَّرِيعَةِ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ وَالشِّعْرِ، فَقِيلَ مُلْحَقَةٌ بِدَفَاتِرِ الْحِسَابِ فَيُقْطَعُ فِيهَا. وَقِيلَ بِكُتُبِ الشَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهَا قَدْ تَتَوَقَّفُ عَلَى اللُّغَةِ وَالشِّعْرِ، وَالْحَاجَةُ وَإِنْ قَلَّتْ كَفَتْ فِي إيرَاثِ الشُّبْهَةِ اهـ فَتَعْلِيلُ الْقَوْلِ الثَّانِي يُفِيدُ تَرْجِيحَهُ. ثُمَّ قَالَ: وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ فِي الْقَطْعِ بِكُتُبِ السِّحْرِ وَالْفَلْسَفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ مَا فِيهَا لِأَهْلِ الدِّيَانَةِ فَكَانَتْ سَرِقَةً صِرْفًا. اهـ. زَادَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ فِي الْآخِذِ لِكُتُبِ السِّحْرِ وَالْفَلْسَفَةِ، فَإِنْ كَانَ مُولَعًا بِذَلِكَ لَا يُقْطَعُ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَا فِيهَا. اهـ. قُلْت: لَكِنَّ كَلَامَ الْفَتْحِ يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ كَوْنَ أَهْلِ الدِّيَانَةِ لَا يَقْصِدُونَهَا عِلَّةً لِكَوْنِهَا سَرِقَةً صِرْفًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ السَّارِقَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الَّذِينَ لَا يَقْصِدُونَهَا بَلْ الْغَالِبُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّرِّ كَالسَّحَرَةِ وَنَحْوِهِمْ فَعُلِمَ أَنَّ الشُّبْهَةَ الْمُسْقِطَةَ لِلْقَطْعِ لَا يَلْزَمُ وُجُودُهَا فِي السَّارِقِ، وَإِلَّا كَانَتْ عِلَّةً حَقِيقَةً لَا شُبْهَةَ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَهُوَ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَإِلَّا لَزِمَ ثُبُوتُ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي كُتُبِ الشَّرِيعَةِ أَيْضًا، وَكَذَا فِي آلَاتِ اللَّهْوِ وَالطَّعَامِ فِي سَنَةِ الْقَحْطِ، وَلَمْ نَرَ مَنْ عَرَّجَ عَلَيْهِ، نَعَمْ قَدَّمْنَا عَنْ الذَّخِيرَةِ فِي الصَّلِيبِ مَا يُفِيدُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ إنْ كَانَ يَمْشِي وَيَعْقِلُ أَوْ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ كَذَلِكَ إنْ كَانَ خِلَافَهُ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ الْمَاضِي حِسَابُهَا) أَيْ الَّذِي لَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ فِيهِ عُلْقَةٌ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا كَاغَدٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 نِصَابًا؛ أَمَّا الْمَعْمُولُ بِهَا فَالْمَقْصُودُ عِلْمُ مَا فِيهَا وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا قَطْعَ، بَلَا فَرْقٍ بَيْنَ دَفَاتِرِ تُجَّارٍ وَدِيوَانٍ وَأَوْقَافٍ نَهْرٌ (وَكَلْبٍ وَفَهْدٍ وَلَوْ عَلَيْهِ طَوْقٌ مِنْ ذَهَبٍ عَلِمَ) السَّارِقُ (بِهِ أَوْ لَا) لِأَنَّهُ تَبَعٌ (وَ) لَا (بِخِيَانَةٍ) فِي وَدِيعَةٍ (وَنَهْبٍ) أَيْ أَخْذٍ قَهْرًا (وَاخْتِلَاسٍ) أَيْ اخْتِطَافٍ لِانْتِفَاءِ الرُّكْنِ (وَنَبْشٍ) لِقُبُورٍ (وَلَوْ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُقْفَلٍ) فِي الْأَصَحِّ (أَوْ) كَانَ (الثَّوْبُ غَيْرَ الْكَفَنِ) وَكَذَا لَوْ سَرَقَهُ مِنْ بَيْتٍ فِيهِ قَبْرٌ أَوْ مَيِّتٌ لِتَأَوُّلِهِ بِزِيَارَةِ الْقَبْرِ أَوْ التَّجْهِيزِ وَلِلْإِذْنِ بِدُخُولِهِ عَادَةً، وَلَوْ اعْتَادَهُ قُطِعَ سِيَاسَةً (وَمَالِ عَامَّةٍ أَوْ مُشْتَرَكٍ) وَحُصُرِ مَسْجِدٍ وَأَسْتَارِ كَعْبَةٍ وَمَالِ وَقْفٍ لِعَدَمِ الْمَالِكِ بَحْرٌ (وَمِثْلِ دَيْنِهِ   [رد المحتار] قُطِعَ كَذَا فِي تَصْحِيحِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ (قَوْلُهُ وَكَلْبٍ وَفَهْدٍ) عَطْفٌ عَلَى مَا لَا قَطْعَ فِيهِ بِقَرِينَةِ تَنْكِيرِهِ، وَلَوْ قَالَ وَبِكَلْبٍ وَفَهْدٍ كَمَا صَنَعَ فِي الْوَافِي لَكَانَ أَحْسَنَ حَمَوِيٌّ، وَشَمَلَ كَلْبَ الصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةَ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مِنْ جِنْسِهِ مُبَاحُ الْأَصْلِ، وَلَا اخْتِلَافَ لِلْعُلَمَاءِ فِي مَالِيَّتِهِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً بَحْرٌ ط (قَوْلُهُ فِي وَدِيعَةٍ) أَيْ تَحْتَ يَدِهِ (قَوْلُهُ أَيْ أَخَذَ قَهْرًا) أَيْ عَلَى وَجْهِ الْعَلَانِيَةِ (قَوْلُهُ أَيْ اخْتِطَافٍ) أَيْ عَلَانِيَةً أَيْضًا فَالنَّهْبُ وَالِاخْتِلَاسُ، أَخْذُ الشَّيْءِ عَلَانِيَةً، إلَّا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ سُرْعَةِ الْأَخْذِ فِي جَانِبِ الِاخْتِلَاسِ، بِخِلَافِ النَّهْبِ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيهِ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ الرُّكْنِ) وَهُوَ الْحِرْزُ فِي الْخِيَانَةِ وَالْأَخْذُ خُفْيَةً فِيمَا بَعْدَهَا ط (قَوْلُهُ وَنَبْشٍ) أَيْ لَا قَطْعَ عَلَى النَّبَّاشِ: وَهُوَ الَّذِي يَسْرِقُ أَكْفَانَ الْمَوْتَى بَعْدَ الدَّفْنِ بَحْرٌ؛ لِأَنَّ الْحِرْزَ بِالْقَبْرِ أَوْ الْمَيِّتِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْفَظُ نَفْسَهُ، وَالصَّحْرَاءُ لَيْسَتْ حِرْزًا، حَتَّى لَوْ دُفِنَ بِهَا مَالٌ فَسَرَقَ لَمْ يُقْطَعْ. فَمَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ الْمَدْفُونَ بِالْمَفَازَةِ قُطِعَ ضَعِيفٌ مَقْدِسِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) لِاخْتِلَالِ الْحِرْزِ بِحَفْرِ الْقَبْرِ، وَقِيلَ يُقْطَعُ إذَا كَانَ مُقْفَلًا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ اعْتَادَهُ) أَيْ اعْتَادَ النَّبْشَ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو يُوسُفَ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ مِنْ حَدِيثِ «مَنْ نَبَشَ قَطَعْنَاهُ» بِحَمْلِهِ عَلَى السِّيَاسَةِ وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَمَالِ عَامَّةٍ) وَهُوَ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّهُ مَالُ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْهُمْ، وَإِذَا احْتَاجَ ثَبَتَ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَمُشْتَرَكٍ) أَيْ بَيْنَ السَّارِقِ وَبَيْنَ ذِي الْيَدِ (قَوْلُهُ وَحُصُرِ مَسْجِدٍ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ مُحْرَزَةً كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَمَالِ وَقْفٍ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا فَقَالَ: وَأَمَّا مَالُ الْوَقْفِ فَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِهِ، وَقَدْ عَلَّلُوا عَدَمَ الْقَطْعِ فِيمَا لَوْ سَرَقَ حُصُرَ الْمَسْجِدِ وَنَحْوَهَا مِنْ حِرْزٍ بِعَدَمِ الْمَالِكِ، وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ. وَقَالَ: وَلَوْ قِيلَ إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْعَامَّةِ فَمَالُهُ كَبَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى قَوْمٍ مَحْصُورِينَ فَلِعَدَمِ الْمَالِكِ حَقِيقَةً لَكَانَ حَسَنًا. اهـ. وَلَا يَخْفَى جَرَيَانُ الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ فِيهِمَا، لَكِنْ رَدَّهُ الْمَقْدِسِيَّ وَالرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يُقْطَعُ بِطَلَبِ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْبَابِ الْآتِي، وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ فِي بَحْثِ الْخَاصِّ. قُلْت: وَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَّلَ فِي الْفَتْحِ لِعَدَمِ الْقَطْعِ فِي حُصُرِ الْمَسْجِدِ بِعَدَمِ الْحِرْزِ: أَيْ لِكَوْنِ الْمَسْجِدِ غَيْرَ حِرْزٍ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ يُقْطَعُ لَوْ سَرَقَهَا مِنْ حِرْزٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَهُ كَوْنُ الْوَقْفِ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ حُكْمًا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَهَذَا فِي أَصْلِ الْوَقْفِ. وَأَمَّا الْغَلَّةُ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهَا مِلْكُ الْمُسْتَحِقِّينَ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ السَّارِقُ لَهُ حَقٌّ فِي الْغَلَّةِ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ مِنْهَا سَوَاءٌ كَانَ وَقْفًا عَلَى الْعَامَّةِ أَوْ عَلَى قَوْمٍ مَحْصُورِينَ لِثُبُوتِ الشَّرِكَةِ، وَكَذَا وَقْفُ الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ لِلسَّارِقِ وَظِيفَةٌ فِيهِ، بِخِلَافِ سَرِقَتِهِ لِحُصُرِهِ وَقَنَادِيلِهِ إذْ حَقُّهُ فِي الْغَلَّةِ لَا فِي الْحُصُرِ تَأَمَّلْ.: مَطْلَبٌ فِي أَخْذِ الدَّائِنِ مِنْ مَالِ مَدْيُونِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ (قَوْلُهُ وَمِثْلِ دَيْنِهِ) أَيْ مِثْلِهِ جِنْسًا لَا قَدْرًا وَلَا صِفَةً كَمَا أَفَادَهُ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ دَيْنُهُ مُؤَجَّلًا) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِحَقِّهِ وَالْحَالُّ وَالْمُؤَجَّلُ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الْقَطْعِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ وَالْحَقُّ ثَابِتٌ فَيَصِيرُ شُبْهَةً دَارِئَةً وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 وَلَوْ) دَيْنُهُ (مُؤَجَّلًا أَوْ زَائِدًا عَلَيْهِ) أَوْ أَجْوَدَ لِصَيْرُورَتِهِ شَرِيكًا (إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَلَوْ حُكْمًا) بِأَنْ كَانَ لَهُ دَرَاهِمُ فَسَرَقَ دَنَانِيرَ وَبِعَكْسِهِ هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ النَّقْدَيْنِ جِنْسٌ وَاحِدٌ حُكْمًا خِلَافَ الْعَرْضِ وَمِنْهُ الْحُلِيُّ، فَيُقْطَعُ بِهِ مَا لَمْ يَقُلْ أَخَذْته رَهْنًا أَوْ قَضَاءً. وَأَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ أَخْذَ خِلَافِ الْجِنْسِ لِلْمُجَانَسَةِ فِي الْمَالِيَّةِ. قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَهُوَ أَوْسَعُ فَيُعْمَلُ بِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ (بِخِلَافِ سَرِقَتِهِ مِنْ غَرِيمِ أَبِيهِ أَوْ غَرِيمِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ أَوْ غَرِيمِ مُكَاتَبِهِ أَوْ غَرِيمِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ) فَإِنَّهُ يُقْطَعُ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِغَيْرِهِ. (وَلَوْ سَرَقَ مِنْ غَرِيمِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لَا كَسَرِقَةِ شَيْءٍ قُطِعَ فِيهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ)   [رد المحتار] الْإِعْطَاءُ الْآنَ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَدْيُونِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ مُمَاطِلًا أَوْ لَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ زَائِدًا عَلَيْهِ أَوْ أَجْوَدَ) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي زَائِدًا وَأَجْوَدَ عَائِدٌ عَلَى الدَّيْنِ، وَفِي عَلَيْهِ عَلَى الْمَسْرُوقِ، فَالْمُنَاسِبُ لِلتَّعْمِيمِ أَنْ يُقَالَ أَوْ أَنْقَصَ مِنْهُ أَوْ أَرْدَأَ فَيُعْلَمَ حُكْمُ الزَّائِدِ وَالْأَجْوَدِ بِالْأَوْلَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَرِيكًا فِي ذَلِكَ الْمَالِ بِمِقْدَارِ حَقِّهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَعَلَى قِيَاسِهِ يُقَالُ فِيمَا لَوْ سَرَقَ الْأَجْوَدَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ النَّقْدَيْنِ جِنْسٌ وَاحِدٌ حُكْمًا) وَلِهَذَا كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِهَا دَيْنَهُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْمَطْلُوبِ بَحْرٌ. قُلْت: وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْحَجْرِ. وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلدَّائِنِ أَخْذُ الدَّرَاهِمِ بَدَلَ الدَّنَانِيرِ بِلَا إذْنِ الْمَدْيُونِ وَلَا فِعْلِ حَاكِمٍ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الْمُسَاوَمَةِ بِأَنَّ لَهُ الْأَخْذَ وَكَذَا فِي حَظْرِ الْمُجْتَبَى، وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّفْعُ لِلْحَاكِمِ، فَإِذَا ظَفِرَ بِمَالِ مَدْيُونِهِ لَهُ الْأَخْذُ دِيَانَةً بَلْ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَمِنْهُ الْحُلِيُّ) أَيْ بِسَبَبِ مَا فِيهِ مِنْ الصِّيَاغَةِ الْتَحَقَ بِالْعَرْضِ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَقُلْ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ رَهْنًا أَوْ قَضَاءً لِدَيْنِهِ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ فَكَأَنَّهُ ادَّعَى أَخْذَهُ بِإِذْنِهِ فَلَا يُقْطَعُ. وَفِي الْفَتْحِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ بِالْعُرُوضِ؛ لِأَنَّ لَهُ الْأَخْذَ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ. قُلْنَا: هَذَا قَوْلٌ لَا يَسْتَنِدُ إلَى دَلِيلٍ ظَاهِرٍ فَلَا يَصِيرُ شُبْهَةً دَارِئَةً إلَّا إنْ ادَّعَى الرَّهْنَ أَوْ الْقَضَاءَ. مَطْلَبٌ يُعْذَرُ بِالْعَمَلِ بِمَذْهَبِ الْغَيْرِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ وَأَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ أَخْذَ خِلَافِ الْجِنْسِ) أَيْ مِنْ النُّقُودِ أَوْ الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّ النُّقُودَ يَجُوزُ أَخْذُهَا عِنْدَنَا عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ عِنْدَ الْمُجَانَسَةِ فِي الْمَالِيَّةِ، وَهَذَا أَوْسَعُ فَيَجُوزُ الْأَخْذُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْهَبَنَا، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يُعْذَرُ فِي الْعَمَلِ بِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ. اهـ. قُلْت: وَهَذَا مَا قَالُوا إنَّهُ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ، لَكِنْ رَأَيْت فِي شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ لِلْمَقْدِسِيِّ مِنْ كِتَابِ الْحَجْرِ. قَالَ: وَنَقَلَ جَدُّ وَالِدِي لِأُمِّهِ الْجَمَالُ الْأَشْقَرُ فِي شَرْحِهِ لِلْقُدُورِيِّ أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ الْأَخْذِ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ لِمُطَاوَعَتِهِمْ فِي الْحُقُوقِ. وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ لَا سِيَّمَا فِي دِيَارِنَا لِمُدَاوَمَتِهِمْ لِلْعُقُوقِ: عَفَاءٌ عَلَى هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّهُ ... زَمَانُ عُقُوقٍ لَا زَمَانُ حُقُوقِ وَكُلُّ رَفِيقٍ فِيهِ غَيْرُ مُرَافِقٍ ... وَكُلُّ صَدِيقٍ فِيهِ غَيْرُ صَدُوقِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ سَرِقَتِهِ مِنْ غَرِيمِ أَبِيهِ) سَقَطَ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ لَفْظُ غَرِيمٍ وَهُوَ خَطَأٌ (قَوْلُهُ لَا) أَيْ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ أَخْذِ دَيْنِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ. بَقِيَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ لِسُوءِ اخْتِيَارِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ رَقِيقًا. وَاسْتَظْهَرَ ط أَنَّهُ كَذَلِكَ وَيَظْهَرُ لِي خِلَافُهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَسَرِقَةِ شَيْءٍ إلَخْ) أَيْ إذَا سَرَقَ شَيْئًا فَقُطِعَ فِيهِ فَرَدَّهُ إلَى مَالِكِهِ ثُمَّ سَرَقَهُ ثَانِيًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 أَمَّا لَوْ تَبَدَّلَ الْعَيْنُ أَوْ السَّبَبُ كَالْبَيْعِ قُطِعَ عَلَى مَا فِي الْمُجْتَبَى (أَوْ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَا بِرَضَاعٍ) فَلَوْ مَحْرَمِيَّتُهُ بِرَضَاعٍ قُطِعَ كَابْنِ عَمٍّ هُوَ أَخٌ رَضَاعًا فَإِنَّهُ رَحِمٌ نَسَبًا مَحْرَمٌ رَضَاعًا عَيْنِيٌّ فَسَقَطَ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ. (وَلَوْ) الْمَسْرُوقُ (مَالَ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ ذِي الرَّحِمِ (بِخِلَافِ مَالِهِ إذَا سَرَقَ مِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ) فَإِنَّهُ يُقْطَعُ اعْتِبَارًا لِلْحِرْزِ وَعَدَمِهِ   [رد المحتار] وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَسْرُوقُ عَنْ الْحَالَةِ الْأُولَى لَا يُقْطَعُ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُقْطَعُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَوْلِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَبَيَانُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَمَّا لَوْ تَبَدَّلَ الْعَيْنُ) كَمَا لَوْ كَانَ غَزْلًا فَسَرَقَهُ فَقُطِعَ فِيهِ فَرَدَّهُ ثُمَّ نُسِجَ فَسَرَقَهُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَعَلَى هَذَا الصُّوفُ وَالْقُطْنُ وَالْكَتَّانُ. وَكُلُّ عَيْنٍ أَحْدَثَ الْمَالِكُ فِيهِ صُنْعًا بَعْدَ الْقَطْعِ لَوْ أَحْدَثَهُ الْغَاصِبُ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَالْبَيْعِ) أَيْ لَوْ بَاعَهُ الْمَالِكُ مِنْ السَّارِقِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ فَسَرَقَهُ يُقْطَعُ ثَانِيًا عِنْدَ مَشَايِخِ بُخَارَى وَقَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ: لَا يُقْطَعُ وَظَاهِرُ الْفَتْحِ اعْتِمَادُ الثَّانِي، وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ مَا يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ (قَوْلُهُ عَلَى مَا فِي الْمُجْتَبَى) أَشَارَ بِهِ إلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخِلَافِ، وَهَذَا الْقَوْلُ ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى جَازِمًا بِهِ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ (قَوْلُهُ أَوْ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) تَرْجَمَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ لِهَذِهِ الْمَسَائِلِ بِقَوْلِهِ: فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ، وَهُوَ كَمَا فِي النَّهْرِ لُغَةً: الْمَوْضِعُ الَّذِي يُحْرَزُ فِيهِ شَيْءٌ. وَشَرْعًا مَا يُحْفَظُ فِيهِ الْمَالُ عَادَةً كَالدَّارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَابٌ أَوْ كَانَ وَهُوَ مَفْتُوحٌ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ لِقَصْدِ الْإِحْرَازِ وَكَالْحَانُوتِ وَالْخَيْمَةِ وَالشَّخْصِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ؛ لَكِنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَابٌ إلَخْ فِيهِ كَلَامٌ نَذْكُرُهُ عِنْدَ مَسْأَلَةِ الْفَشَّاشِ (قَوْلُهُ فَسَقَطَ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ) حَيْثُ قَالَ وَقَوْلُهُ لَا بِرَضَاعٍ لَا حَاجَةَ إلَى إخْرَاجِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ. وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ هَذَا ظَنٌّ مِنْهُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالرَّحِمِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَحْرَمِ اهـ ح. قُلْت: لَا يُظَنُّ بِالزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ ظَنَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّحِمَ وَهُوَ الْقَرَابَةُ النَّسَبِيَّةُ لَا تَكُونُ بِالرَّضَاعِ أَصْلًا حَتَّى يُظَنَّ أَنَّ قَوْلَهُ لَا بِرَضَاعٍ تَقْيِيدٌ لَهُ بَلْ مَبْنَى كَلَامِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَحْرَمِ مَا تَكُونُ مَحْرَمِيَّتُهُ مِنْ النَّسَبِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ، وَكَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، فَقَوْلُهُ مِنْهُ: أَيْ مِنْ الرَّحِمِ تَصْرِيحٌ بِالْمُرَادِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ ابْنُ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ رَضَاعًا؛ لِأَنَّهُ مَحْرَمٌ مِنْ الرَّضَاعِ لَا مِنْ الرَّحِمِ. ثُمَّ رَأَيْت عِبَارَةَ الْكَنْزِ الَّتِي شَرَحَ عَلَيْهَا الزَّيْلَعِيُّ بِلَفْظٍ مِنْهُ كَعِبَارَةِ الْهِدَايَةِ، فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَا، وَسَقَطَ مَا سِوَاهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَالِهِ إذَا سَرَقَ مِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ) أَيْ إذَا سَرَقَ مَالَ رَحِمِهِ الْمَحْرَمِ مِنْ بَيْتِ أَجْنَبِيٍّ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ لِوُجُودِ الْحِرْزِ. وَفِي الْفَتْحِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ لِمَا فِي الْقَطْعِ مِنْ الْقَطِيعَةِ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْقَطْعَ حَقُّ الشَّرْعِ لَا حَقُّهُ فَلَا يَكُونُ قَطِيعَةً. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ، بِأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ رَحِمِهِ الْمَحْرَمِ يُقْطَعُ وَلَا يَلْزَمُ الْقَطِيعَةُ لِمَا ذُكِرَ. قُلْت: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْقَوْلُ بِالْقَطْعِ فِيهِ لِقِيَامِ الْمَانِعِ وَهُوَ عَدَمُ الْحِرْزِ، بِخِلَافِ بَيْتِ الْأَجْنَبِيِّ وَنَعَمْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِ قَرَابَةِ الْوِلَادِ، فَلَا يُقْطَعُ فِي الْوِلَادِ لِلشُّبْهَةِ فِي مَالِهِ عَلَى مَا مَرَّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا لِلْحِرْزِ وَعَدَمِهِ) أَيْ قُطِعَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ اعْتِبَارًا لِلْحِرْزِ وَلَمْ يُقْطَعْ فِيمَا قَبْلَهَا اعْتِبَارًا لِعَدَمِهِ، فَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوِّشٌ. وَعَنْ هَذَا قَالَ الْبُرْجَنْدِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا دَخْلَ لِلْقَرَابَةِ، بَلْ الْمُعْتَبَرُ الْحِرْزُ؛ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ بِلَا مَانِعٍ وَلَا حِشْمَةٍ لَا يُقْطَعُ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ أَوْ لَا. قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الصَّدِيقَيْنِ يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا بَيْتَ الْآخَرِ بِلَا مَانِعٍ وَلَا حِشْمَةٍ مَعَ أَنَّهُ يُقْطَعُ، فَظَهَرَ أَنَّ لِلْقَرَابَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ مَدْخَلًا. وَاعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ أَبُو السُّعُودِ بِأَنَّ هَذَا فِيمَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ بِدُخُولِهِ، حَتَّى لَوْ سَرَقَ مِنْ مَحَلٍّ جَرَتْ عَادَتُهُ بِدُخُولِهِ لَمْ يُقْطَعْ. اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 (وَبِخِلَافِ مُرْضِعَتِهِ) صَوَابُهُ مُرْضِعِهِ بِلَا تَاءٍ ابْنُ كَمَالٍ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ سَرَقَ مِنْ بَيْتِهَا أَوْ بَيْتِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يُقْطَعُ لِمَا مَرَّ (وَ) لَا بِسَرِقَةٍ (مِنْ زَوْجَتِهِ) وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ جَوْهَرَةٌ (وَزَوْجِهَا وَلَوْ كَانَ) الْمَسْرُوقُ (مِنْ حِرْزٍ خَاصٍّ لَهُ، وَ) لَا (عَبْدٍ مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ عِرْسِهِ أَوْ زَوْجِ سَيِّدَتِهِ) لِلْإِذْنِ بِالدُّخُولِ عَادَةً (وَ) لَا (مِنْ مُكَاتَبِهِ وَخَتَنِهِ وَصِهْرِهِ وَ) مِنْ (مَغْنَمٍ)   [رد المحتار] قُلْت: لَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا قَطْعُ الصَّدِيقِ؛ لِأَنَّهُ عَادَاهُ فِي السَّرِقَةِ، وَلَمْ يُفَصِّلُوا بَيْنَ جَرَيَانِ عَادَةٍ فِي الدُّخُولِ أَوْ عَدَمِهِ، وَيَأْتِي لَهُ مَزِيدُ بَيَانٍ عَقِيبَهُ (قَوْلُهُ ابْنُ كَمَالٍ) حَيْثُ قَالَ: الْمُرْضِعُ الَّتِي شَأْنُهَا الْإِرْضَاعُ، وَالْمُرْضِعَةُ هِيَ الَّتِي فِي حَالِ الرَّضَاعِ مُلْقِمَةً ثَدْيَهَا لِلصَّبِيِّ كَذَا فِي الْكَشَّافِ، فَمَنْ قَالَ هُنَا مُرْضِعَةً لَمْ يُصِبْ. اهـ.؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْرِقَ مِنْهَا فِي حَالِ إرْضَاعِهَا لَهُ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ اعْتِبَارِ الْحِرْزِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ لِدُخُولِهِ عَلَيْهَا بِلَا اسْتِئْذَانٍ وَحِشْمَةٍ، بِخِلَافِ الْأُخْتِ رَضَاعًا لِانْعِدَامِ هَذَا الْمَعْنَى فِيهَا عَادَةً. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا وَالْمَحْرَمِيَّةُ بِدُونِ الْقَرَابَةِ لَا تُحْتَرَمُ فَتْحٌ، قُلْت: وَإِذَا كَانَ يُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ مِنْ أُمِّهِ رَضَاعًا مَعَ الدُّخُولِ بِلَا اسْتِئْذَانٍ وَحِشْمَةٍ فَكَذَا فِي الصَّدِيقِ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ لِلْقَرَابَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ دَخْلًا؛ وَكَذَا قَوْلُهُمْ؛ لِأَنَّهُ عَادَاهُ فِي السَّرِقَةِ يُفِيدُ الْفَرْقَ وَهُوَ زَوَالُ الصَّدَاقَةِ، بِخِلَافِ الْقَرَابَةِ تَأَمَّلْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَا بِسَرِقَةٍ مِنْ زَوْجَتِهِ) أَيْ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ كَالْمَبْتُوتَةِ الْمُعْتَدَّةِ فِي مَنْزِلٍ عَلَى حِدَةٍ، وَلَوْ سَرَقَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قُطِعَ كَافِي الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ) بِالْقَطْعِ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ زَوْجَهَا وَقْتَ السَّرِقَةِ أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ أَوْ بَعْدَهُ، وَفِي الْأَخِيرِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ سَرَقَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يُقْطَعْ أَيْضًا كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ مِنْ حِرْزٍ خَاصٍّ لَهُ) يَعْنِي بِأَنْ كَانَ خَارِجَ مَسْكَنِهِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْبَحْرِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ فَالضَّمِيرُ فِي لَهُ عَائِدٌ عَلَى الْمَسْرُوقِ لَا عَلَى السَّارِقِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ عِرْسِهِ) أَيْ زَوْجَةِ سَيِّدِهِ وَشَرِيكِهِ مَثَلًا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْعَبْدُ فِي هَذَا مُلْحَقٌ، بِمَوْلَاهُ حَتَّى لَا يُقْطَعَ فِي سَرِقَةٍ لَا يَقْطَعُ فِيهَا الْمَوْلَى كَالسَّرِقَةِ مِنْ أَقَارِبِ الْمَوْلَى وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ بِالدُّخُولِ عَادَةً فِي بَيْتِ هَؤُلَاءِ لِإِقَامَةِ الْمَصَالِحِ (قَوْلُهُ وَلَا مِنْ مُكَاتَبِهِ) ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي أَكْسَابِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَخَتَنِهِ وَصِهْرِهِ) خَتَنُهُ: زَوْجُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَصِهْرُهُ: كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ. وَقَالَا: يُقْطَعُ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ فِي مِلْكِ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِالْقَرَابَةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ. وَلَهُ أَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ فِي دُخُولِ بَعْضِهِمْ مَنَازِلَ الْبَعْضِ بِلَا اسْتِئْذَانٍ فَتَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ فِي الْحِرْزِ، وَتَأْخِيرُ الزَّيْلَعِيِّ لِدَلِيلِهِ مُؤْذِنٌ بِتَرْجِيحِهِ نَهْرٌ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ امْرَأَةِ أَبِيهِ وَزَوْجِ ابْنَتِهِ وَابْنِ امْرَأَتِهِ وَأَبَوَيْهَا اسْتِحْسَانًا (قَوْلُهُ وَمَغْنَمٍ إلَخْ) عَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا، وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حُكْمًا وَتَعْلِيلًا، هُوَ أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ سَرَقَ مِنْ الْمَغْنَمِ فَقَالَ لَهُ فِيهِ نَصِيبٌ وَهُوَ خَائِنٌ فَلَمْ يَقْطَعْهُ وَكَانَ قَدْ سَرَقَ مِغْفَرًا، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ لَهُ فِيهِ اسْتِحْقَاقٌ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْفَتْحِ، لَكِنْ فِي النَّهْرِ قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ: وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ نَصِيبٌ يُقْطَعُ لَكِنَّ الرِّوَايَةَ مُطْلَقَةٌ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْلِيلٍ آخَرَ. اهـ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ السَّارِقِ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِيهِ، أَمَّا مَنْ لَا نَصِيبَ لَهُ فَيُقْطَعُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مُبَاحُ الْأَصْلِ وَهُوَ عَلَى صُورَتِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَصَارَ شُبْهَةً. وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي صَاحِبَ الْكَنْزِ مَا يُومِئُ إلَى اعْتِبَارِ الْإِطْلَاقِ حَيْثُ قَدَّمَ أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، وَإِذَا كَانَ لَهُ حَقٌّ فِيهِ كَانَ مِنْ الْمُشْتَرَكِ فَذِكْرُهُ هُنَا لَيْسَ إلَّا لِإِفَادَةِ التَّعْمِيمِ. اهـ. قُلْت: مَا ذَكَرَ مِنْ إطْلَاقِ الرِّوَايَةِ قَدْ يُدَّعَى أَنَّهُ يُخَصِّصُهُ التَّعْلِيلُ الْمَأْثُورُ الَّذِي جَعَلُوهُ دَلِيلَ الْحُكْمِ وَإِلَّا لَزِمَ إثْبَاتُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِيهِ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الْأَصْلِ فَصَارَ شُبْهَةً غَايَةٌ بَحْثًا (وَحَمَّامٍ) فِي وَقْتٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِدُخُولِهِ، وَكَذَا حَوَانِيتُ التُّجَّارِ وَالْحَانَاتُ مُجْتَبَى (وَبَيْتٍ أُذِنَ فِي دُخُولِهِ) وَلَوْ أُذِنَ لِمَخْصُوصِينَ فَدَخَلَ غَيْرُهُمْ وَسَرَقَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْحِرْزُ بِالْحَافِظِ مَعَ وُجُودِ الْحِرْزِ بِالْمَكَانِ لِأَنَّهُ قَوِيٌّ، فَلَا يُعْتَبَرُ الْحَافِظُ فِي الْحَمَّامِ لِأَنَّهُ حِرْزٌ وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحِرْزٍ بِهِ يُفْتِي شُمُنِّيٌّ. (وَكُلُّ مَا كَانَ حِرْزًا لِنَوْعٍ فَهُوَ حِرْزٌ لِلْأَنْوَاعِ كُلِّهَا) فَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ لُؤْلُؤَةٍ مِنْ إصْطَبْلٍ (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَقِيلَ حِرْزُ كُلِّ شَيْءٍ مُعْتَبَرٌ بِحِرْزِ مِثْلِهِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا مُجْتَبَى، لَكِنْ جَزَمَ الْقُهُسْتَانِيُّ بِأَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمَذْهَبُ فَتَنَبَّهْ (وَلَا يُقْطَعُ قَفَّافٌ) هُوَ مَنْ يَسْرِقُ الدَّرَاهِمَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ (وَفَشَّاشٌ)   [رد المحتار] حُكْمٍ بِلَا دَلِيلٍ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّهُ مُبَاحُ الْأَصْلِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُبَاحَ الْأَصْلِ مَا يَكُونُ تَافِهًا، وَيُوجَدُ مُبَاحًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَالصَّيْدِ وَالْحَشِيشِ كَمَا مَرَّ، وَالْمَغْنَمُ قَدْ يَكُونُ مِنْ أَعَزِّ الْأَمْوَالِ. وَأَيْضًا حُكْمُ مُبَاحِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِهِ وَإِنْ مُلِكَ وَسُرِقَ مِنْ حِرْزٍ وَالْمَغْنَمُ لَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا نَعَمْ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ بَعْدَ التَّعْلِيلِ الْمَأْثُورِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْآخِذَ إنْ كَانَ مِنْ الْعَسْكَرِ فَالْمَغْنَمُ دَاخِلٌ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ وَإِلَّا فَفِي مَالِ الْعَامَّةِ اهـ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، فَإِنَّ خُمُسَ الْمَغْنَمِ لِذَوِي الْحَاجَةِ مِنْ الْعَامَّةِ. وَمَنْ سَرَقَ مِنْ مَالِ الْعَامَّةِ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنْهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً كَمَا عَلَّلُوا بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فِي وَقْتٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِدُخُولِهِ) فَيُقْطَعُ لَوْ سَرَقَ لَيْلًا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يَخْتَصُّ بِالنَّهَارِ بَحْرٌ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ اعْتَادَ النَّاسُ دُخُولَهُ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ فَهُوَ كَالنَّهَارِ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَإِلَى أَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا. فَفِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ: وَلَوْ سَرَقَ مِنْ حَمَّامٍ أَوْ خَانٍ أَوْ رِبَاطٍ أَوْ حَوَانِيتِ التُّجَّارِ وَبَابُهَا مُغْلَقٌ يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ نَهَارًا فِي الْأَصَحِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَيْتٍ أُذِنَ فِي دُخُولِهِ) فَلَا قَطْعَ بِالسَّرِقَةِ مِنْهُ فِي الْوَقْتِ الْمَأْذُونِ بِالدُّخُولِ فِيهِ ط (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ مَنْ بَعْدَهُ ط (قَوْلُهُ وَلَا يُعْتَبَرُ الْحِرْزُ بِالْحَافِظِ إلَخْ) فَلَوْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ الْحَمَّامِ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ أَوْ الْمَسْرُوقُ تَحْتَهُ لَا يُقْطَعُ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَمَّامَ بُنِيَ لِلْإِحْرَازِ فَكَانَ حِرْزًا كَالْبَيْتِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْحَافِظُ، وَالْمَسْجِدُ لَمْ يُبْنَ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ فَيُعْتَبَرُ الْحَافِظُ كَالطَّرِيقِ وَالصَّحْرَاءِ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. وَأَفَادَ أَنَّ الْحِرْزَ نَوْعَانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ مِنْ حِرْزٍ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) زَادَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَمُقَابِلُهُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُقْطَعُ عِنْدَهُ لَوْ سَرَقَ مِنْ الْحَمَّامِ فِي وَقْتِ الْإِذْنِ إذَا كَانَ ثَمَّةَ حَافِظٌ، وَلَا يُقْطَعُ عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ فَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ لُؤْلُؤَةٍ مِنْ إصْطَبْلٍ) ؛ لِأَنَّ الْحِرْزَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ كُلُّ بُقْعَةٍ مُعَدَّةٍ لِلْإِحْرَازِ مَمْنُوعٌ مِنْ الدُّخُولِ فِيهَا إلَّا بِإِذْنِهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِصْطَبْلَ كَذَلِكَ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهَا حِرْزُ مِثْلِهَا، حَتَّى لَوْ وَضَعَ الْمُودَعُ اللُّؤْلُؤَةَ فِي الْإِصْطَبْلِ يَضْمَنُ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ مِنْ الْوَدِيعَةِ وَسَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا) إنْ كَانَ أَعَادَهُ لِأَجْلِ نِسْبَتِهِ إلَى الْمُجْتَبَى كَانَ أَخْصَرَ عَزَوْهُ إلَيْهِ عَقِبَ عِبَارَةِ الْمَتْنِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إفَادَةُ الْحَصْرِ بِالْجُمْلَةِ الْمُعَرَّفَةِ الطَّرَفَيْنِ فَإِنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَكِنْ جَزَمَ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَخْ) لَمْ يَنْسُبْهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى أَحَدٍ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِيهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا كَمَا نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ قَالَ فِي الْفَتْحِ إنَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ. ثُمَّ قَالَ: وَنَقَلَ الْإِسْبِيجَابِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُعْتَبَرُ بِحِرْزِ مِثْلِهِ. فَعُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ قَوْلُ الْبَعْضِ وَأَنَّ الْمَذْهَبَ الْمُصَحَّحَ خِلَافُهُ، وَلَعَلَّ قَوْلَهُ إنَّهُ الْمَذْهَبُ سَبْقُ نَظَرٍ، فَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ تَصْحِيحٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَا يُقْطَعُ قَفَّافٌ) بِقَافٍ وَفَاءَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ (قَوْلُهُ هُوَ مَنْ يَسْرِقُ الدَّرَاهِمَ) الَّذِي فِي الْمُغْرِبِ وَغَيْرِهِ: هُوَ الَّذِي يُعْطَى الدَّرَاهِمَ لِيَنْقُدَهَا فَيَسْرِقَهَا بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 بِالْفَاءِ: هُوَ مَنْ يُهَيِّئُ لِغَلَقِ الْبَابِ مَا يَفْتَحُهُ إذَا (فَشَّ) حَانُوتًا أَوْ بَابَ دَارٍ (نَهَارًا وَخَلَا الْبَيْتُ مِنْ أَحَدٍ) فَلَوْ فِيهِ أَحَدٌ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ قُطِعَ شُمُنِّيٌّ. (وَيُقْطَعُ لَوْ سَرَقَ مِنْ السَّطْحِ) نِصَابًا لِأَنَّهُ حِرْزٌ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ (أَوْ مِنْ الْمَسْجِدِ) أَرَادَ بِهِ كُلَّ مَكَان لَيْسَ بِحِرْزٍ فَعَمَّ الطَّرِيقَ وَالصَّحْرَاءَ (وَرَبُّ الْمَتَاعِ عِنْدَهُ) أَيْ بِحَيْثُ يَرَاهُ (وَلَوْ) الْحَافِظُ (نَائِمًا) فِي الْأَصَحِّ (لَا) يُقْطَعُ (لَوْ سَرَقَ ضَيْفٌ مِمَّنْ أَضَافَهُ) وَلَوْ مِنْ بَعْضِ بُيُوتِ الدَّارِ أَوْ مِنْ صُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ لِاخْتِلَالِ الْحِرْزِ (أَوْ سَرَقَ شَيْئًا وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الدَّارِ) لِشُبْهَةِ عَدَمِ الْأَخْذِ، بِخِلَافِ الْغَصْبِ (وَإِنْ أَخْرَجَهُ مِنْ حُجْرَةِ الدَّارِ) الْمُتَّسِعَةِ جِدًّا إلَى صَحْنِهَا   [رد المحتار] يَشْعُرُ بِهِ صَاحِبُهُ (قَوْلُهُ بِالْفَاءِ) أَيْ وَبِشِينَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ (قَوْلُهُ لِغَلَقِ الْبَابِ) بِالتَّحْرِيكِ جَمْعُهُ أَغْلَاقٌ كَسَبَبٍ وَأَسْبَابٍ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ نَهَارًا) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنْ يَكُونَ مُجَاهِرًا وَشَرْطُ الْقَطْعِ الْخُفْيَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَيْلًا. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَوْ كَانَ بَابُ الدَّارِ مَفْتُوحًا فِي النَّهَارِ فَسَرَقَ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ مُكَابَرَةٌ لَا سَرِقَةٌ، وَلَوْ كَانَ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ انْقِطَاعِ انْتِشَارِ النَّاسِ قُطِعَ. اهـ. زَادَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّهُ سَوَّى فِي اللَّيْلِ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْبَابُ الْمَفْتُوحُ مَرْدُودًا أَوْ غَيْرَ مَرْدُودٍ فِي أَنَّهُ يُقْطَعُ فِيهِمَا. وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي النَّهَارِ فِي أَنَّهُ لَوْ مَرْدُودًا قُطِعَ وَإِلَّا لَا. اهـ. قُلْت: وَمَسْأَلَةُ الْفَشَّاشِ مَذْكُورَةٌ فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِي النَّهَارِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ كَوْنِهِ مَرْدُودًا أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُقْطَعْ بِفَتْحِهِ نَهَارًا وَهُوَ مُقْفَلٌ، فَإِذَا كَانَ مَفْتُوحًا مَرْدُودًا أَوْ لَا فَهُوَ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى، فَلِذَا أَطْلَقَ الزَّيْلَعِيُّ عَدَمَ الْقَطْعِ كَمَا عَلِمْت، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ مَسْأَلَةَ الْفَشَّاشِ الْمَذْكُورَةَ. وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مَا قَدَّمْنَا عَنْ النَّهْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ مِنْ ذِي رَحِمٍ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ قُطِعَ) أَيْ لِظَنِّهِ الْخُفْيَةَ، وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ فَلَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ مُجَاهِرٌ (قَوْلُهُ مِنْ السَّطْحِ) أَيْ إذَا صَعِدَ إلَيْهِ أَوْ تَنَاوَلَهُ مِنْ دَاخِلِ الدَّارِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ سَرَقَ ثَوْبًا بُسِطَ عَلَى حَائِطٍ إلَى السِّكَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ إلَى الدَّارِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَيْ بِحَيْثُ يَرَاهُ) أَفَادَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْعِنْدِيَّةِ الْحُضُورَ بَلْ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ الْحَافِظُ نَائِمًا) عَبَّرَ بِالْحَافِظِ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ رَبَّ الْمَتَاعِ أَوْ غَيْرَهُ، وَأَطْلَقَ النَّائِمَ فَشَمَلَ مَا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ لَا، وَمَا إذَا كَانَ الْمَتَاعُ تَحْتَ رَأْسِهِ أَوْ تَحْتَ جَنْبِهِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ حَالَةَ النَّوْمِ هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ بِاشْتِرَاطِ كَوْنِهِ تَحْتَ رَأْسِهِ أَوْ جَنْبِهِ فَتْحٌ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ عِنْدَهُ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَابِسًا لَهُ لَمْ يُقْطَعْ. وَقِيلَ يُقْطَعُ حَكَاهُ فِي الْمُجْتَبَى اهـ وَبَسَطَهُ فِي الْبَحْرِ. وَفَصَّلَ الزَّيْلَعِيُّ بَيْنَ النَّائِمِ وَغَيْرِهِ، فَيُقْطَعُ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَخْذٌ خُفْيَةً لَا فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَاسٌ، وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ سَرَقَ ثَوْبًا عَلَيْهِ وَهُوَ رِدَاؤُهُ أَوْ قَلَنْسُوَةً أَوْ طَرَفَ مِنْطَقَةٍ أَوْ سَيْفَهُ أَوْ سَرَقَ مِنْ امْرَأَةٍ حُلِيًّا عَلَيْهَا لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهَا خِلْسَةٌ وَلَيْسَتْ بِخُفْيَةِ سَرِقَةٍ، وَلَوْ سَرَقَ مِنْ رَجُلٍ نَائِمٍ قِلَادَةً عَلَيْهِ وَهُوَ لَابِسُهَا أَوْ مُلَاءَةً لَهُ وَهُوَ لَابِسُهَا أَوْ وَاضِعُهَا قَرِيبًا مِنْهُ بِحَيْثُ يَكُونُ حَافِظًا لَهَا قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِخُفْيَةٍ وَسِرًّا وَلَهَا حَافِظٌ وَهُوَ النَّائِمُ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ بَعْضِ بُيُوتِ الدَّارِ) أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي أَضَافَهُ فِيهِ أَوْ مِنْ بَيْتٍ آخَرَ فِيهَا (قَوْلُهُ لِاخْتِلَالِ الْحِرْزِ) ؛ لِأَنَّ الدَّارَ مَعَ جَمِيعِ بُيُوتِهَا حِرْزٌ وَاحِدٌ فَبِالْإِذْنِ فِيهَا اخْتَلَّ الْحِرْزُ فِي جَمِيعِ بُيُوتِهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِشُبْهَةِ عَدَمِ الْأَخْذِ) ؛ لِأَنَّ الدَّارَ وَمَا فِيهَا فِي يَدِ صَاحِبِهَا فَتْحٌ. وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْمُحْرَزَ بِالْمَكَانِ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ فِيهِ إلَّا بِالْإِخْرَاجِ لِقِيَامِ يَدِ الْمَالِكِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ مِنْ دَارِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْأَخْذُ إلَّا بِإِزَالَةِ يَدِهِ وَذَلِكَ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ حِرْزِهِ، بِخِلَافِ الْمُحْرَزِ بِالْحَافِظِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ كَمَا أَخَذَهُ لِزَوَالِ يَدِ الْمَالِكِ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ فَتَتِمُّ السَّرِقَةُ فَيَجِبُ مُوجَبُهَا اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْغَصْبِ) يَعْنِي أَنَّ هَذَا فِي حَقِّ الْقَطْعِ لِسُقُوطِ الْحَدِّ بِالشُّبْهَةِ، بِخِلَافِ ضَمَانِ الْغَصْبِ، يَعْنِي لَوْ هَلَكَ مَا سَرَقَهُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا تَلِفَ الْمَسْرُوقُ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الدَّارِ وَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَضْمَنُ لِوُجُودِ التَّلَفِ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي، بِخِلَافِ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ هَتْكُ الْحِرْزِ وَلَمْ يُوجَدْ. اهـ. (قَوْلُهُ الْمُتَّسِعَةِ جِدًّا) أَيْ الَّتِي فِيهَا مَنَازِلُ، وَفِي كُلِّ مَنْزِلٍ مَكَانٌ يَسْتَغْنِي بِهِ أَهْلُهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِصَحْنِ الدَّارِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 (أَوْ أَغَارَ مِنْ أَهْلِ الْحُجَرِ عَلَى حُجْرَةٍ) أُخْرَى لِأَنَّ كُلَّ حُجْرَةٍ حِرْزٌ (أَوْ نَقَبَ فَدَخَلَ أَوْ أَلْقَى) كَذَا رَأَيْته فِي نُسَخِ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ بِأَوْ وَصَوَابُهُ بِالْوَاوِ كَمَا فِي الْكَنْزِ (شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ) يَبْلُغُ نِصَابًا (ثُمَّ أَخَذَهُ) قُطِعَ لِأَنَّ الرَّمْيَ حِيلَةٌ يَعْتَادُهُ السُّرَّاقُ فَاعْتُبِرَ الْكُلُّ فِعْلًا وَاحِدًا، وَلَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ أَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ فَهُوَ مُضَيِّعٌ لَا سَارِقٌ (أَوْ حَمَلَهُ عَلَى دَابَّةٍ فَسَاقَهُ وَأَخْرَجَهُ) أَوْ عَلَّقَ رَسَنَهُ فِي عُنُقِ كَلْبٍ وَزَجَرَهُ لِأَنَّ سَيْرَهُ يُضَافُ إلَيْهِ (أَوْ أَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ فَأَخْرَجَهُ بِتَحْرِيكِ السَّارِقِ) لِمَا مَرَّ (أَوْ لَا بِتَحْرِيكِهِ بَلْ) أَخْرَجَهُ (قُوَّةُ جَرْيِهِ عَلَى الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ بِسَبَبِهِ زَيْلَعِيٌّ (قُطِعَ) فِي الْكُلِّ لِمَا ذَكَرْنَا. وَيُشْكِلُ عَلَى الْأَخِيرِ مَا قَالُوا: لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى طَائِرٍ فَطَارَ إلَى مَنْزِلِ السَّارِقِ لَمْ يُقْطَعْ، فَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ جَزَمَ الْحَدَّادِيُّ وَغَيْرُهُ بِعَدَمِ الْقَطْعِ (وَإِنْ) نَقَبَ ثُمَّ (نَاوَلَهُ آخَرَ مِنْ خَارِجِ) الدَّارِ (أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي بَيْتٍ وَأَخَذَ)   [رد المحتار] وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ انْتِفَاعَ السِّكَّةِ وَإِلَّا فَهِيَ الْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ الَّتِي لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْإِخْرَاجِ مِنْ الدَّارِ بَحْرٌ. وَنَحْوُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَفِي الْكَافِي: يُقْطَعُ إذَا كَانَتْ دَارٌ وَاحِدَةٌ عَظِيمَةٌ فِيهَا مَقَاصِيرُ كُلُّ مَقْصُورَةٍ مَسْكَنٌ عَلَى حِيَالِهَا. اهـ. وَالْمَقْصُورَةُ: الْحُجْرَةُ بِلِسَانِ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ أَوْ أَغَارَ) الْمُرَادُ دَخَلَ مَقْصُورَةً عَلَى غِرَّةٍ فَأَخَذَ بِسُرْعَةٍ، يُقَالُ: أَغَارَ الْفَرَسُ وَالثَّعْلَبُ فِي الْعَدْوِ أَسْرَعَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْحُجَرِ) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ أَغَارَ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ حُجْرَةٍ حِرْزٌ) عِلَّةٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ، إذْ لِكُلِّ مَقْصُورَةٍ بَابٌ وَغَلَقٌ عَلَى حِدَةٍ وَمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مُحْرَزٌ بِمَقْصُورَتِهِ، فَكَانَتْ الْمَنَازِلُ بِمَنْزِلَةِ دُورٍ فِي مَحَلِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ صَغِيرَةً بِحَيْثُ لَا يَسْتَغْنِي أَهْلُ الْمَنَازِلِ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِصَحْنِ الدَّارِ بَلْ يَنْتَفِعُونَ بِهِ انْتِفَاعَ الْمَنَازِلِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ مَكَان وَاحِدٍ، فَلَا يُقْطَعُ السَّاكِنُ فِيهَا وَلَا الْمَأْذُونُ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا إذَا سَرَقَ مِنْ بَعْضِ مَقَاصِيرِهَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ) أَيْ بِحَيْثُ يَرَاهُ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ فِي يَدِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مَعَهُ وَإِلَّا فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَإِنْ خَرَجَ وَأَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لَهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ فِي الْحِرْزِ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَخَذَهُ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْقَطْعِ الْأَخْذُ عَلَى فَوْرِ الْإِلْقَاءِ اهـ ط. (قَوْلُهُ يَعْتَادُهُ السُّرَّاقُ) إمَّا لِتَعَذُّرِ الْخُرُوجِ مَعَ الْمَتَاعِ أَوْ لِيُمْكِنَهُ الدَّفْعُ أَوْ الْفِرَارُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فَاعْتُبِرَ الْكُلُّ فِعْلًا وَاحِدًا) أَيْ كُلٌّ مِنْ النَّقْبِ وَالدُّخُولِ وَالْإِلْقَاءِ وَالْأَخْذِ حَيْثُ لَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ زُفَرَ إنَّهُ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْإِلْقَاءَ غَيْرُ مُوجِبٍ لَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ) أَيْ بِأَنْ خَرَجَ وَتَرَكَهُ، وَقَوْلُهُ أَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ: أَيْ قَبْلَ خُرُوجِهِ (قَوْلُهُ فَهُوَ مُضَيِّعٌ) فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ سَيْرَهُ يُضَافُ إلَيْهِ) أَمَّا لَوْ خَرَجَ بِلَا سَوْقٍ وَلَا زَجْرٍ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ لِلدَّابَّةِ اخْتِيَارًا فَمَا لَمْ يُفْسِدْ اخْتِيَارَهَا بِالْحَمْلِ وَالسَّوْقِ لَا يَنْقَطِعُ نِسْبَةُ الْفِعْلِ إلَيْهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْإِخْرَاجَ يُضَافُ إلَيْهِ ط (قَوْلُهُ قُوَّةُ جَرْيِهِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِقُوَّةِ جَرْيِهِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ أَخْرَجَهُ بِسَبَبِ إلْقَائِهِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَيُشْكِلُ عَلَى الْأَخِيرِ) أَيْ مَا لَوْ أَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ، وَأَخْرَجَهُ بِقُوَّةِ جَرْيِهِ وَالِاسْتِشْكَالُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ. قُلْت: وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ الطَّائِرَ فِعْلُهُ يُضَافُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ لِلدَّابَّةِ اخْتِيَارًا كَمَا مَرَّ. فَإِذَا لَمْ يَزْجُرْهُ بَلْ طَارَ بِنَفْسِهِ فَقَدْ عَرَضَ عَلَى فِعْلِ السَّارِقِ فِعْلُ مُخْتَارٍ فَلَمْ يُضَفْ إلَيْهِ. نَظِيرُهُ مَا إذَا خَرَجَ الْحِمَارُ بِنَفْسِهِ بِلَا سَوْقٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ وَكَذَا مَا يَأْتِي فِي الْغَصْبِ لَوْ حَلَّ قَيْدَ عَبْدِ غَيْرِهِ أَوْ رِبَاطَ دَابَّتِهِ أَوْ فَتَحَ بَابَ إصْطَبْلِهَا أَوْ قَفَصَ طَائِرِهِ فَذَهَبَتْ لَا يَضْمَنُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِعَدَمِ الْقَطْعِ) هُوَ خِلَافُ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ وَالنِّهَايَةِ. وَفِي الْفَتْحِ إنَّهُ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فَيُرَجَّحُ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ الْحَدَّادِيُّ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ اتِّضَاحِ الْجَوَابِ بِمَا قُلْنَاهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَقَبَ ثُمَّ نَاوَلَهُ آخَرَ إلَخْ) جَوَابُ الشَّرْطِ قَوْلُهُ الْآتِي لَا يُقْطَعُ. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ الْمُنَاوِلُ وَلَا الْمُتَنَاوِلُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِخْرَاجُ لِاعْتِرَاضِ يَدٍ مُعْتَبَرَةٍ عَلَى الْمَالِ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَالثَّانِي لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ هَتْكُ الْحِرْزِ فَلَمْ تَتِمَّ السَّرِقَةُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا أَخْرَجَ الدَّاخِلُ يَدَهُ وَنَاوَلَ الْخَارِجَ أَوْ أَدْخَلَ الْخَارِجُ يَدَهُ فَتَنَاوَلَ مِنْ يَدِ الدَّاخِلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي بَيْتٍ وَأَخَذَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ فِي الْبَيْتِ، وَقَيَّدَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 وَيُسَمَّى اللِّصَّ الظَّرِيفَ. وَلَوْ وَضَعَهُ فِي النَّقْبِ ثُمَّ خَرَجَ وَأَخَذَهُ لَمْ يُقْطَعْ فِي الصَّحِيحِ شُمُنِّيٌّ (أَوْ طَرَّ) أَيْ شَقَّ (صُرَّةً خَارِجَةً مِنْ) نَفْسِ (الْكُمِّ) فَلَوْ دَاخِلَهُ قُطِعَ، وَفِي الْحَلِّ بِعَكْسِهِ (أَوْ سَرَقَ) مِنْ مَرْعًى أَوْ (مِنْ قِطَارٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ الْإِبِلُ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ (بَعِيرًا أَوْ حِمْلًا) عَلَيْهِ (لَا) يُقْطَعُ لِأَنَّ السَّائِقَ وَالْقَائِدَ وَالرَّاعِيَ لَمْ يَقْصِدُوا لِلْحِفْظِ (وَإِنْ) كَانَ مَعَهَا حَافِظٌ أَوْ (شَقَّ الْحِمْلَ فَسَرَقَ مِنْهُ   [رد المحتار] بِالْبَيْتِ احْتِرَازًا عَنْ الصُّنْدُوقِ وَنَحْوِهِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَيُسَمَّى اللِّصَّ الظَّرِيفَ) مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ تَفْسِيرِهِ بِمَنْ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي نَقْبِ الْبَيْتِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ لَمْ يُقْطَعْ فِي الصَّحِيحِ) ذَكَرَهُ أَيْضًا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ، وَلْيُنْظَرْ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ مَا لَوْ أَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ، ثُمَّ أَخَذَهُ حَيْثُ لَمْ يُعْتَبَرْ الْكُلُّ فِعْلًا وَاحِدًا كَمَا اُعْتُبِرَ هُنَاكَ مَعَ أَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَمْ يُوجَدْ اعْتِرَاضُ يَدٍ مُعْتَبَرَةٍ عَلَى الْمَالِ قَبْلَ خُرُوجِ السَّارِقِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّهُ هُنَاكَ تَحَقَّقَ إخْرَاجُ الْمَالِ خُفْيَةً قَبْلَ خُرُوجِهِ، أَمَّا هُنَا فَلَا ثُمَّ لَمَّا خَرَجَ وَأَخَذَهُ مِنْ النَّقْبِ لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْ حِرْزٍ فَصَارَ كَمَا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي بَيْتٍ وَأَخَذَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ طَرَّ صُرَّةً خَارِجَةً) الصُّرَّةُ: هِيَ الْخِرْقَةُ الَّتِي يُشَدُّ فِيهَا الدَّرَاهِمُ، يُقَالُ صَرَرْت الدَّرَاهِمَ أَصُرُّهَا صَرًّا: شَدَدْتهَا، وَالْمُرَادُ هُنَا الْكُمُّ الْمَشْدُودَةُ الَّتِي فِيهَا الدَّرَاهِمُ نَهْرٌ، فَقَوْلُهُ مِنْ نَفْسِ الْكُمِّ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ صُرَّةً وَلِذَا زَادَ لَفْظَ نَفْسِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهَا مِنْ غَيْرِهِ. وَحَاصِلُ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةٌ، قَالَ فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ: اعْلَمْ أَنَّ الصُّرَّةَ إنْ جُعِلَتْ نَفْسَ الْكُمِّ، فَإِمَّا إنْ جَعَلَ الدَّرَاهِمَ دَاخِلَ الْكُمِّ وَالرِّبَاطَ مِنْ خَارِجٍ أَوْ بِالْعَكْسِ. وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، فَإِمَّا إنْ طَرَّ أَوْ حَلَّ الرِّبَاطَ، فَإِنْ طَرَّ وَالرِّبَاطُ مِنْ خَارِجٍ فَلَا قَطْعَ، وَإِنْ طَرَّ وَالرِّبَاطُ مِنْ دَاخِلٍ بِأَنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْكُمِّ فَقَطَعَ مَوْضِعَ الدَّرَاهِمِ فَأَخَذَهَا مِنْ الْكُمِّ قُطِعَ لِلْأَخْذِ مِنْ الْحِرْزِ، وَإِنْ حَلَّ الرِّبَاطَ وَهُوَ خَارِجٌ قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا بُدَّ أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِي الْكُمِّ فَيَأْخُذَ الدَّرَاهِمَ، وَإِنْ حَلَّ الرِّبَاطَ وَهُوَ دَاخِلٌ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَّ الرِّبَاطَ فِي الْكُمِّ بَقِيَ الدَّرَاهِمُ خَارِجَ الْكُمِّ وَأَخَذَهَا مِنْ خَارِجٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُقْطَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ الْكُمَّ حِرْزٌ. اهـ. وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ بِفَتْحِ الْقَافِ) صَوَابُهُ بِكَسْرِهَا كَمَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى وَالْمِنَحِ وَغَيْرِهَا وَالطِّلْبَةِ وَالْقَامُوسِ ط (قَوْلُهُ أَوْ حِمْلًا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْبَعِيرِ، فَلَوْ عَلَى الْأَرْضِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْجُوَالِقِ الْآتِيَةُ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ السَّائِقَ إلَخْ) تَعْلِيلٌ عَلَى النَّشْرِ الْمُشَوِّشِ، فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ السَّائِقَ وَالْقَائِدَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ مِنْ قِطَارٍ وَقَوْلُهُ وَالرَّاعِيَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ مِنْ مَرْعًى ط (قَوْلُهُ لَمْ يَقْصِدُوا لِلْحِفْظِ) بَلْ يَقْصِدُ الرَّاعِي لِمُجَرَّدِ الرَّعْيِ وَالسَّائِقُ وَالْقَائِدُ، وَكَذَا الرَّاكِبُ يَقْصِدُونَ قَطْعَ الْمَسَافَةِ وَنَقْلَ الْأَمْتِعَةِ. وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ كُلٌّ مِنْ الرَّاكِبِ وَالسَّائِقِ حَافِظُ حِرْزٍ، فَيُقْطَعُ فِي أَخْذِ الْجَمَلِ وَالْحِمْلِ وَالْجُوَالِقِ وَالشَّقِّ ثُمَّ الْأَخْذِ، وَأَمَّا الْقَائِدُ فَحَافِظٌ لِلْجَمَلِ الَّذِي زِمَامُهُ بِيَدِهِ فَقَطْ عِنْدَنَا. وَعِنْدَهُمْ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَرَاهَا إذَا الْتَفَتَ إلَيْهَا حَافِظٌ لِلْكُلِّ مُحْرَزَةً عِنْدَهُمْ بِقَوْدِهِ فَتْحٌ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْقَائِدَ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ حَافِظُ مَا زِمَامُهُ بِيَدِهِ، وَلَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا حَافِظٌ) أَيْ مَعَ مَا ذَكَرَ مِنْ بَعِيرِ الْمَرْعَى وَالْقِطَارِ وَالْحِمْلِ، وَإِطْلَاقُ مُحَمَّدٍ عَدَمَ الْقَطْعِ فِي مَوَاشِي الْمَرْعَى مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْحَافِظِ، وَلَوْ كَانَ الْحَافِظُ هُوَ الرَّاعِي اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ. فَفِي الْبَقَّالِيِّ لَا يُقْطَعُ: وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَطْلَقَ خُوَاهَرْ زَادَهْ ثُبُوتَ الْقَطْعِ مَعَ الْحَافِظِ. وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ الرَّاعِيَ لَمْ يَقْصِدْ لِحِفْظِهَا مِنْ السُّرَّاقِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَتْحٌ. وَفِي الْمُجْتَبَى وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ أَفْتَوْا بِمَا قَالَهُ الْبَقَّالِيُّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَقَّ الْحِمْلَ) أَيْ جُوَالِقًا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى ظَهْرِ جَمَلٍ قُهُسْتَانِيٌّ، وَإِنَّمَا قُطِعَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ اعْتَمَدَ الْجُوَالِقَ فَكَانَ هَاتِكًا لِلْحِرْزِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَ الْجُوَالِقَ بِمَا فِيهِ، وَكَذَا لَوْ سَرَقَ مِنْ الْفُسْطَاطِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ، وَلَوْ سَرَقَ نَفْسَ الْفُسْطَاطِ لَا يُقْطَعُ بَحْرٌ، وَيَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ فَسَرَقَ مِنْهُ) أَيْ أَخْرَجَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 أَوْ سَرَقَ جُوَالِقًا) بِضَمِّ الْجِيمِ (فِيهِ مَتَاعٌ وَرَبُّهُ يَحْفَظُهُ أَوْ نَائِمٌ عَلَيْهِ) أَوْ بِقُرْبِهِ (أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقِ غَيْرِهِ أَوْ) فِي (جَيْبِهِ أَوْ كُمِّهِ فَأَخَذَ الْمَالَ قُطِعَ) فِي الْكُلِّ. وَالْأَصْلُ أَنَّ الْحِرْزَ إنْ أَمْكَنَ دُخُولُهُ فَهَتَكَهُ بِدُخُولِهِ وَإِلَّا فَبِإِدْخَالِ الْيَدِ فِيهِ وَالْأَخْذِ مِنْهُ. [فُرُوعٌ] سَرَقَ فُسْطَاطًا مَنْصُوبًا لَمْ يُقْطَعْ وَلَوْ مَلْفُوفًا أَوْ فِي فُسْطَاطٍ آخَرَ قُطِعَ فَتْحٌ. أَخْرَجَ مِنْ حِرْزٍ شَاةً لَا تَبْلُغُ نِصَابًا فَتَبِعَهَا أُخْرَى لَمْ يُقْطَعْ. سَرَقَ مَالًا مِنْ حِرْزٍ فَدَخَلَ آخَرُ وَحَمَلَ السَّارِقَ بِمَا مَعَهُ قُطِعَ الْمَحْمُولُ فَقَطْ سِرَاجٌ. (قَالَ أَنَا سَارِقُ هَذَا الثَّوْبِ قُطِعَ إنْ أَضَافَ) لِكَوْنِهِ إقْرَارًا بِالسَّرِقَةِ (وَإِنْ نَوَّنَهُ) وَنَصَبَ الثَّوْبَ (لَا) يُقْطَعُ لِكَوْنِهِ عِدَةً لَا إقْرَارًا دُرَرٌ.   [رد المحتار] مِنْهُ بِيَدِهِ مَا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا، فَلَوْ خَرَجَ الشَّيْءُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَخَذَهُ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ مِنْ الْحِرْزِ شَرْطٌ قُهُسْتَانِيٌّ. وَفِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي قَيَّدَ بِالْأَخْذِ مِنْ الْحِمْلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ بِالذَّاتِ بَلْ أَخَذَ مِنْ الْأَرْضِ مَا سَقَطَ مِنْهُ بِسَبَبِ شَقِّهِ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْحِرْزِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ. قُلْت: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا لَوْ نَقَبَ فَدَخَلَ وَأَلْقَى شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ أَخَذَهُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ كَمَا مَرَّ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْإِلْقَاءَ فِي الطَّرِيقِ هُنَاكَ مُعْتَادٌ كَمَا مَرَّ، بِخِلَافِهِ هُنَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ سَرَقَ جُوَالِقًا إلَخْ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ الْجُوَالِقُ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ بِحِرْزٍ كَالطَّرِيقِ وَالْمَفَازَةِ وَالْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ حَتَّى يَكُونَ مُحْرَزًا بِصَاحِبِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِضَمِّ الْجِيمِ) أَيْ مَعَ فَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا وَبِكَسْرِ الْجِيمِ وَاللَّامِ: الْوِعَاءُ الْمَعْرُوفُ وَجَمْعُهُ جَوَالِقُ كَصَحَائِفَ وَجَوَالِيقُ وَجُوَالِقَاتٌ قَامُوسٌ وَنَحْوُهُ فِي الصِّحَاحِ، وَفِيهِمَا أَنَّ الْقَافَ وَالْجِيمَ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي كَلِمَةٍ إلَّا مُعَرَّبَةً أَوْ صَوْتًا (قَوْلُهُ وَرَبُّهُ يَحْفَظُهُ) أَيْ يَحْفَظُ الْمَسْرُوقَ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالْحِمْلِ وَالْمَتَاعِ مَالِكُهُ أَوْ غَيْرُهُ قُهُسْتَانِيٌّ: أَيْ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْحَافِظُ رَبَّ الْجَمَلِ أَوْ الْحِمْلِ ابْنُ كَمَالٍ. وَأَفَادَ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ الْحَالِيَّةَ قَيْدٌ فِي مَسْأَلَةِ الْقِطَارِ أَيْضًا، وَهُوَ مَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا حَافِظٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الشَّقِّ فَقَدْ قَالَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ إنَّهُ يَجِبُ فِيهَا الْقَطْعُ مُطْلَقًا، فَإِنَّ الْجُوَالِقَ غَيْرُ مُحْرَزٍ، فَاعْتُبِرَ الْحَافِظُ وَمَا فِيهِ مُحْرَزٌ بِهِ، فَفِي شَقِّهِ وَأَخْذِ مَا فِيهِ يُقْطَعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ حَافِظٌ لِلْأَخْذِ مِنْ الْحِرْزِ، وَفِي أَخْذِهِ بِجُمْلَتِهِ لَا يُقْطَعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَنْ يَحْفَظُهُ، وَكَأَنَّهُمْ إنَّمَا تَرَكُوا التَّنْبِيهَ عَلَى ذَلِكَ لِوُضُوحِهِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ أَوْ بِقُرْبِهِ) أَيْ بِحَيْثُ يَرَاهُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ) وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ شَيْئًا آخَرَ يُعَلَّقُ بِالْمَتَاعِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي صُنْدُوقٍ) بِالضَّمِّ وَقَدْ يُفْتَحُ جَمْعُهُ صَنَادِيقُ كَعُصْفُورٍ وَعَصَافِيرَ قَامُوسٌ. وَفِي الْمِصْبَاحِ أَنَّ الْفَتْحَ عَامِّيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ فِي جَيْبِهِ) جَيْبُ الْقَمِيصِ وَنَحْوِهِ بِالْفَتْحِ: طَوْقُهُ قَامُوسٌ، وَكَذَا قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: جَيْبُ الْقَمِيصِ بِالْفَتْحِ مَا عَلَى النَّحْرِ وَالْجَمْعُ أَجْيَابٌ وَجُيُوبٌ، وَالْمُرَادُ بِالْجَيْبِ هُنَا مَا يُشَقُّ بِجَانِبِ الثَّوْبِ لِتُحْفَظَ فِيهِ الدَّرَاهِمُ، وَهَلْ إطْلَاقُ الْجَيْبِ عَلَيْهِ عَرَبِيٌّ أَوْ عُرْفِيٌّ حَمَوِيٌّ. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ أَنَّ الْأَخْذَ مِنْ الْعِمَامَةِ أَوْ الْحِزَامِ كَالْأَخْذِ مِنْ الْجَيْبِ (قَوْلُهُ أَوْ كُمِّهِ) أَيْ بِأَنْ وَضَعَ شَيْئًا فِي دَاخِلِ الْكُمِّ مِنْ غَيْرِ رَبْطٍ وَإِلَّا فَهِيَ مَسْأَلَةُ الطَّرِّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَهَتَكَهُ) الْهَتْكُ: الْخَرْقُ وَالشَّقُّ [فُرُوعٌ سَرَقَ فُسْطَاطًا مَنْصُوبًا] (قَوْلُهُ فُسْطَاطًا) هُوَ الْخَيْمَةُ (قَوْلُهُ لَمْ يُقْطَعْ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُحْرَزًا، بَلْ مَا فِيهِ مُحْرَزٌ بِهِ فَلِذَا قُطِعَ فِيمَا فِيهِ دُونَهُ فَتْحٌ. وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ سَرَقَ الْجُوَالِقَ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَلْفُوفًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ مَلْفُوفًا عِنْدَهُ يَحْفَظُهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ قُطِعَ) أَيْ إذَا أَخَذَهُ مِنْ حِرْزٍ هُوَ مَكَانٌ أَوْ حَافِظٌ (قَوْلُهُ فَتَبِعَهَا أُخْرَى) أَيْ خَرَجَتْ مِنْ الْحِرْزِ بِنَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ سَوْقِهِ وَلَا إخْرَاجِهِ (قَوْلُهُ قُطِعَ الْمَحْمُولُ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلْحَامِلِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَ طَبَقًا فَحَمَلَ حَامِلَ الطَّبَقِ لَمْ يَحْنَثْ جَوْهَرَةٌ. قُلْت: وَلِذَا لَوْ جَلَسَ عَلَى الْمُصَلِّي طَائِرٌ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَمِثْلُهُ صَبِيٌّ يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ مَنْ لَا يَسْتَمْسِكُ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَصِيرُ حَامِلًا لِلصَّبِيِّ وَالنَّجَاسَةِ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ إقْرَارًا بِالسَّرِقَةِ إلَخْ) الْمَسْأَلَةُ مَنْقُولَةٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 وَتَوْضِيحُهُ: إذَا قِيلَ هَذَا قَاتِلُ زَيْدٍ، مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَتَلَهُ، وَإِذَا قِيلَ هَذَا قَاتِلٌ زَيْدًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ، وَالْمُضَارِعُ يَحْتَمِلُ الْحَالَ وَالِاسْتِقْبَالَ فَلَا يُقْطَعُ بِالشَّكِّ. قُلْت: فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: يَنْبَغِي الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ لِأَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُفَرِّقُونَ إلَّا أَنْ يُقَالَ يُجْعَلُ شُبْهَةً لِدَرْءِ الْحَدِّ وَفِيهِ بُعْدٌ. (لِلْإِمَامِ قَتْلُ السَّارِقِ سِيَاسَةً) لِسَعْيِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ دُرَرٌ، وَهَذَا إنْ عَادَ، وَأَمَّا قَتْلُهُ ابْتِدَاءً فَلَيْسَ مِنْ السِّيَاسَةِ فِي شَيْءٍ نَهْرٌ، قُلْت: وَقَدَّمْنَا عَنْهُ مَعْزِيًّا لِلْبَحْرِ فِي بَابِ الْوَطْءِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْإِمَامِ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي الْحُكْمُ بِالسِّيَاسَةِ فَلْيُحْفَظْ.   [رد المحتار] فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ مُعَلَّلَةٌ بِأَنَّ الْإِضَافَةَ عَلَى الْحَالِ وَالنَّصْبَ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ، وَمَا هُنَا عَلَّلَ بِهِ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ التَّجْنِيسِ. قُلْت: وَتَحْقِيقُ الْمَقَامِ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يَنْصِبُ الْمَفْعُولَ إلَّا إذَا كَانَ بِمَعْنَى الْحَالِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ، فَلَوْ بِمَعْنَى الْمَاضِي مِثْلُ أَنَا ضَارِبُ زَيْدٍ أَمْسِ وَجَبَتْ إضَافَتُهُ وَتُسَمَّى إضَافَةً مَحْضَةً وَالْعَامِلُ يَجُوزُ إضَافَتُهُ، وَتُسَمَّى غَيْرَ مَحْضَةٍ؛ لِأَنَّهَا عَلَى نِيَّةِ الْعَمَلِ وَالْقَطْعِ عَنْ الْإِضَافَةِ كَمَا قُرِّرَ فِي مَحَلِّهِ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَالَ الْإِضَافَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمَاضِي أَوْ الْحَالِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِيمَا كَانَ بِمَعْنَى الْحَالِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ هُوَ الْعَمَلُ، فَالْأَصْلُ فِي الْمُضَافِ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمَاضِي فَيَكُونَ إقْرَارًا بِأَنَّهُ سَرَقَ الثَّوْبَ فِي الْمَاضِي، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِفًا بِسَرِقَتِهِ أَيْضًا فِي الْحَالِ فَيُقْطَعُ. أَمَّا إذَا نَصَبَ الثَّوْبَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ بِمَعْنَى الْحَالِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ، فَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْحَالِ لَزِمَ الْقَطْعُ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ لَمْ يَلْزَمْ، فَلَا يُقْطَعُ بِالشَّكِّ وَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ، فَيَكُونُ عِدَةً بِأَنَّهُ سَوْفَ يَسْرِقُ هَذَا الثَّوْبَ لَا إقْرَارًا بِأَنَّهُ هُوَ سَارِقُهُ فِي الْحَالِ: أَيْ هَذِهِ السَّرِقَةُ الْمُدَّعَى بِهَا فَافْهَمْ. وَوَقَعَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ هُنَا كَلَامٌ غَيْرُ مُحَرَّرٍ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ قُلْت فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ إلَخْ) وَعِبَارَتُهُ قُلْت: وَالْقَطْعُ الْمَذْكُورُ بِإِصْرَارِهِ وَعَدَمِ رُجُوعِهِ، أَمَّا لَوْ رَجَعَ قُبِلَ رُجُوعُهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجْرِيَ فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُفَرِّقُونَ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ يُجْعَلُ هَذَا شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ، وَفِيهِ بُعْدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. أَقُولُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ فِي حَقِّ الْعَالِمِ، أَمَّا الْجَاهِلُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ كَوْنِهِ بِمَعْنَى الْمَاضِي أَوْ الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ الْإِقْرَارَ فَيُقْطَعُ مُطْلَقًا، إلَّا أَنْ يُجْعَلَ الْإِعْرَابُ شُبْهَةً دَارِئَةً فِي حَقِّهِ فَلَا يُقْطَعُ إذَا نَوَّنَ، وَفِيهِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّ التَّنْوِينَ دَلِيلُ عَدَمِ إرَادَةِ الْإِقْرَارِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ وَهَذَا إنْ عَادَ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، لَكِنْ قَيَّدَ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا سَرَقَ بَعْدَ الْقَطْعِ مَرَّتَيْنِ. وَفِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ أَبِي السُّعُودِ: رَأَيْت بِخَطِّ الْحَمَوِيِّ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ مَا نَصُّهُ: إذَا سَرَقَ ثَالِثًا وَرَابِعًا لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ سِيَاسَةً لِسَعْيِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ. اهـ. قَالَ الْحَمَوِيُّ: فَمَا يَقَعُ مِنْ حُكَّامِ زَمَانِنَا مِنْ قَتْلِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ زَاعِمِينَ أَنَّ ذَلِكَ سِيَاسَةٌ جَوْرٌ وَظُلْمٌ وَجَهْلٌ، وَالسِّيَاسَةُ الشَّرْعِيَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ شَرْعٍ مُغَلَّظٍ. اهـ. (قَوْلُهُ قُلْت وَقَدَّمْنَا إلَخْ) فِيهِ كَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ وَفِي هَذَا الْبَابِ عِنْدَ تَعْزِيرِ الْمُتَّهَمِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ (تُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ مِنْ زَنْدِهِ) هُوَ مَفْصِلُ الرُّسْغِ (وَتُحْسَمُ) وُجُوبًا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ نَدْبًا فَتْحٌ (إلَّا فِي حَرٍّ وَبَرْدٍ شَدِيدَيْنِ) فَلَا تُقْطَعُ لِأَنَّ الْحَدَّ زَاجِرٌ لَا مُتْلِفٌ، وَيُحْبَسُ لِيَتَوَسَّطَ الْأَمْرُ (وَثَمَنُ زَيْتِهِ وَمُؤْنَتُهُ) كَأُجْرَةِ حَدَّادٍ وَكُلْفَةِ حَسْمٍ (عَلَى السَّارِقِ) عِنْدَنَا لِتَسَبُّبِهِ، بِخِلَافِ أُجْرَةِ الْمَحْضَرِ لِلْخُصُومِ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ، وَقِيلَ عَلَى الْمُتَمَرِّدِ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ. قُلْت: وَفِي قَضَاءِ الْخَانِيَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ، لَكِنْ فِي قَضَاءِ الْبَزَّازِيَّةِ: وَقِيلَ عَلَى الْمُدَّعِي وَهُوَ الْأَصَحُّ كَالسَّارِقِ (وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى مِنْ الْكَعْبِ إنْ عَادَ، فَإِنْ عَادَ) ثَالِثًا (لَا، وَحُبِسَ) وَعُزِّرَ أَيْضًا بِالضَّرْبِ (حَتَّى يَتُوبَ) أَيْ تَظْهَرَ أَمَارَاتُ التَّوْبَةِ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ، وَمَا رُوِيَ يُقْطَعُ ثَالِثًا وَرَابِعًا إنْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى السِّيَاسَةِ أَوْ نُسِخَ   [رد المحتار] [بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ] ِ لَمَّا كَانَ الْقَطْعُ حُكْمَ السَّرِقَةِ ذَكَرَهُ عَقِبَهَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ تُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ شَلَّاءَ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْأَصَابِعِ أَوْ الْإِبْهَامِ، وَإِنْ كَانَتْ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً قَبْلَ ذَلِكَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ مِنْ زَنْدِهِ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ النُّونِ (قَوْلُهُ هُوَ مَفْصِلُ الرُّسْغِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ. قَالَ فِي النَّهْرِ مِنْ مَفْصِلِ الزَّنْدِ وَهُوَ الرُّسْغُ: قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الزَّنْدُ مَوْصِلُ طَرَفِ الذِّرَاعِ وَهُمَا زَنْدَانِ الْكُوعُ وَالْكُرْسُوعُ فَالْكُوعُ طَرَفُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْإِبْهَامَ. وَالْكُرْسُوعُ: طَرَفُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْخِنْصَرَ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَتُحْسَمُ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ تُكْوَى بِزَيْتٍ مَغْلِيٍّ وَنَحْوِهِ نَهْرٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْمُغْرِبِ. وَقَالَ مِسْكِينٌ: الْحَسْمُ الْكَيُّ بِحَدِيدَةٍ مُحْمَاةٍ لِئَلَّا يَسِيلَ دَمُهُ (قَوْلُهُ وُجُوبًا) أَيْ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْسَمْ يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ فَتْحٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ إلَّا فِي حَرٍّ وَبَرْدٍ شَدِيدَيْنِ) وَإِلَّا فِي حَالِ مَرَضٍ مِفْتَاحٌ، وَقَيَّدَهُ فِي الْبِنَايَةِ بِالْمَرَضِ الشَّدِيدِ أَفَادَهُ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ فَلَا يُقْطَعُ) إنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُفِيدَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ قَوْلِهِ تُقْطَعُ لَا مِنْ قَوْلِهِ تُحْسَمُ وَإِنْ قَرُبَ ذِكْرُهُ ط (قَوْلُهُ لِيَتَوَسَّطَ الْأَمْرُ) أَيْ أَمْرُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ (قَوْلُهُ وَمُؤْنَتُهُ) أَيْ مُؤْنَةُ الْقَطْعِ: أَيْ مَا يُنْفَقُ فِيهِ، وَبَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ كَأُجْرَةِ حَدَّادٍ: أَيْ مَنْ يُبَاشِرُ الْحَدَّ وَهُوَ الْقَطْعُ هُنَا، وَقَوْلُهُ وَكُلْفَةِ حَسْمٍ يَشْمَلُ ثَمَنَ الزَّيْتِ وَكَذَا ثَمَنَ حَطَبٍ وَأُجْرَةَ إنَاءٍ يَغْلِي فِيهِ الزَّيْتُ. [تَنْبِيهٌ] يُسَنُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ تَعْلِيقُ يَدِهِ فِي عُنُقِهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِهِ. وَعِنْدَنَا ذَلِكَ مُطْلَقٌ لِلْإِمَامِ إنْ رَآهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ مَنْ قَطَعَهُ لِيَكُونَ سُنَّةً فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَالسَّارِقِ) مَحَلُّ هَذِهِ الْكَلِمَةِ عَقِبَ قَوْلِهِ عَلَى الْمُتَمَرِّدِ: قَالَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: قِيلَ أُجْرَةُ الْمُشَخِّصِ أَيْ الْمُحْضِرِ لِلْخُصُومِ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَقِيلَ عَلَى الْمُتَمَرِّدِ كَالسَّارِقِ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ فَأُجْرَةُ الْحَدَّادِ وَالدُّهْنِ الَّذِي تُحْسَمُ بِهِ الْعُرُوقُ عَلَى السَّارِقِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ. اهـ. ح (قَوْلُهُ مِنْ الْكَعْبِ) أَيْ لَا مِنْ نِصْفِ الْقَدَمِ مِنْ مَقْعَدِ الشِّرَاكِ خِلَافًا لِلرَّوَافِضِ (قَوْلُهُ إنْ عَادَ) أَيْ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ وَإِلَّا بِأَنْ سَرَقَ مَرَّاتٍ قَبْلَ الْقَطْعِ تُقْطَعُ يَمِينُهُ لِلْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ يُكْتَفَى بِحَدٍّ وَاحِدٍ لِجِنَايَاتٍ اتَّحَدَ جِنْسُهَا كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قُبَيْلَ بَابِ التَّعْزِيرِ (قَوْلُهُ حَتَّى يَتُوبَ إلَخْ) أَيْ أَوْ يَمُوتَ فَتْحٌ: وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَمُدَّةُ التَّوْبَةِ مُفَوَّضَةٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَقِيلَ مُمْتَدَّةٌ إلَى أَنْ يَظْهَرَ سِيمَا الصَّالِحِينَ فِي وَجْهِهِ، وَقِيلَ يُحْبَسُ سَنَةً، وَقِيلَ إلَى أَنْ يَمُوتَ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ اهـ (قَوْلُهُ ثَالِثًا وَرَابِعًا) أَيْ الْيَدُ الْيُسْرَى ثُمَّ الرِّجْلُ الْيُمْنَى (قَوْلُهُ إنْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى السِّيَاسَةِ أَوْ نُسِخَ) أَشَارَ إلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ: تَتَبَّعْنَا هَذِهِ الْآثَارَ فَلَمْ نَجِدْ لِشَيْءٍ مِنْهَا أَصْلًا، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي الْمَبْسُوطِ الْحَدِيثُ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَلَئِنْ سُلِّمَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 (كَمَنْ سَرَقَ وَإِبْهَامُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةٌ أَوْ شَلَّاءُ أَوْ أُصْبُعَانِ مِنْهَا سِوَاهَا) سِوَى الْإِبْهَامِ (أَوْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةٌ أَوْ شَلَّاءُ) لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ إهْلَاكٌ، بَلْ يُحْبَسُ لِيَتُوبَ. (وَلَا يَضْمَنُ قَاطِعُ) الْيَدِ (الْيُسْرَى) وَلَوْ عَمْدًا فِي الصَّحِيحِ نَهْرٌ (إذَا أُمِرَ بِخِلَافِهِ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَ وَأَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ   [رد المحتار] يُحْمَلُ عَلَى الِانْتِسَاخِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ تَغْلِيظٌ فِي الْحُدُودِ كَقَطْعِ أَيْدِي الْعُرَنِيِّينَ وَأَرْجُلِهِمْ وَسَمْرِ أَعْيُنِهِمْ. ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِهِ: مِثْلَ مَذْهَبِنَا عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُمَرَ أَنَّ هَذَا قَدْ ثَبَتَ ثُبُوتًا لَا مَرَدَّ لَهُ، وَبَعِيدٌ أَنْ يَقْطَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَةَ السَّارِقِ ثُمَّ يَقْتُلَهُ وَلَا يَعْلَمُهُ مِثْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُمَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ الْمُلَازِمِينَ، وَلَوْ غَابُوا لَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِمْ عَادَةً، فَامْتِنَاعُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إمَّا لِضَعْفِ مَا مَرَّ أَوْ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ حَدًّا مُسْتَمِرًّا، بَلْ مَنْ رَأَى الْإِمَامُ قَتْلَهُ لِمَا شَاهَدَ فِيهِ مِنْ السَّعْيِ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ وَبُعْدِ الطِّبَاعِ عَنْ الرُّجُوعِ، فَلَهُ قَتْلُهُ سِيَاسَةً فَيَفْعَلُ ذَلِكَ الْقَتْلَ الْمَعْنَوِيَّ اهـ أَيْ أَنَّ قَطْعَ أَرْبَعَتِهِ قَتْلٌ مَعْنًى، فَإِذَا رَأَى أَنَّ لَهُ قَتْلَهُ سِيَاسَةً فَلَهُ قَتْلُهُ مَعْنًى، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ لَهُ قَتْلَهُ سِيَاسَةً فِي الثَّالِثَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَنْ سَرَقَ إلَخْ) أَيْ كَمَا لَا يُقْطَعُ بَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ مَنْ سَرَقَ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ حِينَئِذٍ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بَطْشًا وَذَلِكَ إهْلَاكٌ، وَفَوْتُ الْأُصْبُعَيْنِ مِنْهَا يَقُومُ مَقَامَ فَوْتِ الْإِبْهَامِ فِي نُقْصَانِ الْبَطْشِ، بِخِلَافِ فَوْتِ وَاحِدَةٍ غَيْرِ الْإِبْهَامِ. لِمَ قَيَّدَ بِالْيُسْرَى؛ لِأَنَّ الْيُمْنَى لَوْ كَانَتْ شَلَّاءَ أَوْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ قُطِعَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ النَّاقِصِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْكَامِلِ جَائِزٌ نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةٌ) قَيَّدَ بِقَطْعِهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْطُوعَ لَوْ كَانَ هُوَ الْأَصَابِعَ مِنْهَا، فَإِنْ اسْتَطَاعَ الْمَشْيَ قُطِعَتْ يَدُهُ وَإِلَّا لَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ؛ وَقَيَّدَ بِالْيُمْنَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً قُطِعَ. قَالَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِنْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى شَلَّاءَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى اهـ فَلَوْ يَدُهُ الْيُمْنَى أَيْضًا مَقْطُوعَةً لَمْ يُقْطَعْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ لَمْ يُقْطَعْ) أَيْ لَمْ يُقْطَعْ يَدُهُ الْيُمْنَى فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْعَيْنِيِّ وَالنَّهْرِ، حَيْثُ قَالَا لَا تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى. اهـ. وَأَجَابَ ابْنُ الشَّلَبِيِّ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا سَرَقَ ثَانِيًا، وَالْحَالُ أَنَّ رِجْلَهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةٌ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى. قَالَ: وَهَذَا الْحَمْلُ صَحِيحٌ، لَكِنَّهُ بَعِيدٌ مُخَالِفٌ لِمَا يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إهْلَاكٌ) أَيْ بِتَفْوِيتِ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ أَوْ الْمَشْيِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ يَدٌ وَرِجْلٌ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَشْيِ أَصْلًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ طَرَفَيْنِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَضَعُ الْعَصَا تَحْتَ إبْطِهِ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ) غَيْرَ أَنَّهُ يُؤَدَّبُ نَهْرٌ: أَيْ إنْ كَانَ عَمْدًا بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَمْدًا) هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا: إنَّهُ يَضْمَنُ فِي الْعَمْدِ أَرْشَ الْيَسَارِ. وَقَالَ زُفَرُ: يَضْمَنُ مُطْلَقًا أَيْ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَالْمُرَادُ بِالْخَطَأِ هُوَ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ مِنْ الْقَاطِعِ فِي أَنَّ قَطْعَهَا يُجْزِي نَظَرًا إلَى إطْلَاقِ النَّصِّ. أَمَّا الْخَطَأُ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ مِنْ الْيَسَارِ فَلَا يُجْعَلُ عَفْوًا؛ لِأَنَّهُ بَعِيدٌ يُتَّهَمُ بِهِ مُدَّعِيهِ: وَقِيلَ يُجْعَلُ عَفْوًا. قَالَ فِي الْمُصَفَّى: هُوَ الصَّحِيحُ وَالْقِيَاسُ. مَا قَالَهُ زُفَرُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَصْحِيحٌ لِقَوْلِ الْإِمَامِ فِي شُمُولِهِ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ، وَهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي النَّهْرِ، وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ تَصْحِيحُ الْقَوْلِ بِجَعْلِ الْخَطَإِ عَفْوًا عَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي مِنْ تَفْسِيرَيْ الْخَطَأِ كَمَا سَمِعْت مِنْ عِبَارَةِ النَّهْرِ، نَعَمْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَغَيْرِهَا اعْتِمَادُ قَوْلِ الْإِمَامِ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إذَا أُمِرَ بِخِلَافِهِ) أَيْ بِأَنْ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِقَطْعِ الْيَمِينِ فَقَطَعَ الْيُسْرَى، أَمَّا لَوْ أَطْلَقَ وَقَالَ اقْطَعْ يَدَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْيُمْنَى فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْقَاطِعِ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ، إذْ الْيَدُ تُطْلَقُ عَلَيْهِمَا؛ وَكَذَا لَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ يَدَهُ فَقَالَ هَذِهِ يَمِينِي؛ لِأَنَّهُ قَطَعَهُ بِأَمْرِهِ بَحْرٌ. [تَنْبِيهٌ] لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ هَذَا الْقَطْعَ وَقَعَ حَدًّا أَمْ لَا، قِيلَ نَعَمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَى السَّارِقِ لَوْ اسْتَهْلَكَ الْعَيْنَ، وَقِيلَ لَا فَيَضْمَنُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ وَأَخْلَفَ إلَخْ) أَيْ فَلَا يُعَدُّ إتْلَافًا، كَمَنْ شَهِدَ عَلَى غَيْرِهِ يَبِيعُ مَالَهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ هِدَايَةٌ، إنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ أَخْلَفَ؛ لِأَنَّ الْيُمْنَى كَانَتْ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَكَانَتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ؛ وَكَذَا لَوْ قَطَعَهُ غَيْرُ الْحَدَّادِ فِي الْأَصَحِّ. (وَلَوْ قَطَعَهُ أَحَدٌ قَبْلَ الْأَمْرِ وَالْقَضَاءِ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ وَسَقَطَ الْقَطْعُ عَنْ السَّارِقِ) سَوَاءٌ قُطِعَ يَمِينُهُ أَوْ يَسَارُهُ (وَقَضَاءُ الْقَاضِي بِالْقَطْعِ كَالْأَمْرِ) عَلَى الصَّحِيحِ (فَلَا ضَمَانَ) كَافِي. وَفِي السِّرَاجِ: سَرَقَ فَلَمْ يُؤَاخَذْ بِهَا حَتَّى قُطِعَتْ يَمِينُهُ قِصَاصًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى (وَطَلَبُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ) الْمَالَ لَا الْقَطْعَ عَلَى الظَّاهِرِ بَحْرٌ (شَرْطُ الْقَطْعِ مُطْلَقًا) فِي إقْرَارٍ وَشَهَادَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِ السَّرِقَةِ (وَكَذَا حُضُورُهُ) أَيْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ (عِنْدَ الْأَدَاءِ) لِلشَّهَادَةِ (وَ) عِنْدَ (الْقَطْعِ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِالْمِلْكِ فَيَسْقُطَ الْقَطْعُ لَا حُضُورُ الشُّهُودِ عَلَى الصَّحِيحِ شَرْحُ الْمَنْظُومَةِ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ. قُلْت: لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ مَتْنًا وَشَرْحًا فَلْيُحَرَّرْ، وَقَدْ حَرَّرَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِمَا يُفِيدُ تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ وَطَلَبُ الْمَسْرُوقِ إلَى آخِرِهِ فَقَالَ (فَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مَالِ الْغَائِبِ تَوَقَّفَ الْقَطْعُ عَلَى حُضُورِهِ   [رد المحتار] كَالْفَائِتَةِ فَأَخْلَفَهَا إلَى خَلَفِ اسْتِمْرَارِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى أَيْ حَيْثُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ امْتَنَعَ بِهِ قَطْعُ يَدِهِ لَكِنْ لَمْ يُعَوِّضْهُ مِنْ جِنْسِ مَا أَتْلَفَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ، وَأَمَّا إنْ قَطَعَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَلِأَنَّهُ لَمْ يُعَوِّضْ عَلَيْهِ شَيْئًا فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَطَعَهُ غَيْرُ الْحَدَّادِ) أَيْ بَعْدَ أَمْرِ الْقَاضِي الْحَدَّادَ، أَمَّا إذَا صَدَرَ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَمْرِ أَصْلًا فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بَعْدُ ط. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَمَرَ الْحَدَّادَ بِقَطْعِهِ فَقَطَعَ الْيُسْرَى الْحَدَّادُ أَوْ غَيْرُهُ لَا يَضْمَنُ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: احْتِرَازٌ عَمَّا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ هَذَا كُلُّهُ إذْ قَطَعَ الْحَدَّادُ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ. وَلَوْ قَطَعَ يَسَارَهُ غَيْرُهُ، فَفِي الْعَمْدِ الْقِصَاصُ، وَفِي الْخَطَإِ الدِّيَةُ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَطَعَهُ أَحَدٌ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ فَلَمْ يُقْطَعْ حَتَّى قَطَعَ قَاطِعٌ يَمِينَهُ، فَهَذَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ فَعَلَى قَاطِعِهِ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالْأَرْشُ فِي الْخَطَإِ، وَتُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى فِي السَّرِقَةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْخُصُومَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ إلَّا أَنَّهُ لَا تُقْطَعُ رِجْلُهُ فِي السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خُوصِمَ كَانَ الْوَاجِبُ فِي الْيُمْنَى وَقَدْ فَاتَتْ فَسَقَطَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْقَاطِعِ وَكَانَ قَطْعُهُ مِنْ السَّرِقَةِ حَتَّى لَا يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَى السَّارِقِ فِيمَا اسْتَهْلَكَ مِنْ مَالِ السَّرِقَةِ أَوْ سُرِقَ فِي يَدِهِ اهـ ط عَنْ حَاشِيَةِ الشَّلَبِيِّ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ، قَالَ: فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَسَقَطَ الْقَطْعُ إلَخْ تَبِعَ فِيهِ شَيْخَهُ فِي بَحْرِهِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْقَطْعُ بَعْدَ الْخُصُومَةِ (قَوْلُهُ قِصَاصًا) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْقَطْعِ لِلسَّرِقَةِ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ ثَانِيًا لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ ط أَيْ فَيَقَعُ هَذَا الْقَطْعُ عَنْ السَّرِقَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقَ بَعْدَ الْقَطْعِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى) ؛ لِأَنَّهَا الْمَحَلُّ وَقْتَ الْقَطْعِ اهـ ح (قَوْلُهُ لَا الْقَطْعَ عَلَى الظَّاهِرِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ الشُّمُنِّيُّ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الطَّلَبَيْنِ لَكِنْ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ أَنَّ وُجُوبَ الْقَطْعِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ وَلِذَا لَا يَمْلِكُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ الْخُصُومَةَ بِدَعْوَى الْحَدِّ وَإِثْبَاتِهِ، وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَلَا يُوَرَّثُ عَنْهُ اهـ فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ طَلَبَ الْقَطْعِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ مُجَرَّدًا عَنْ طَلَبِ الْمَالِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا هُوَ طَلَبُ الْمَالِ وَتُشْتَرَطُ حَضْرَتُهُ عِنْدَ الْقَطْعِ لَا طَلَبُهُ الْقَطْعَ إذْ هُوَ حَقُّهُ تَعَالَى فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِ الْعَبْدِ. اهـ. وَفِي النَّهْرِ: وَالظَّاهِرُ مَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِدَعْوَى الْمَالِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ فِي الْإِقْرَارِ لَا تُشْتَرَطُ الْمُطَالَبَةُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ حَدَّ السَّرِقَةِ لَا يَثْبُتُ بِدَعْوَى الْحِسْبَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قُلْت لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ) أَيْ فِي الْبَابِ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ وَشُرِطَ لِلْقَطْعِ حُضُورُ شَاهِدَيْهَا وَقْتَهُ (قَوْلُهُ بِمَا يُفِيدُ تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ) أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْحُضُورِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ مُفَادُهُ تَرْجِيحُ مَا هُنَا، فَإِنَّ الَّذِي حَرَّرَهُ هُوَ مَا نَقَلَهُ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ مِنْ أَنَّ مَا هُنَا هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الْأَخِيرُ فَيَكُونُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 وَمُخَاصَمَتِهِ، وَ) كَذَا (لَوْ قَالَ سَرَقْت هَذِهِ الدَّرَاهِمَ وَلَا أَدْرِي لِمَنْ هِيَ أَوْ لَا أُخْبِرُك مَنْ صَاحِبُهَا لَا قَطْعَ) لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ جَهَالَتِهِ عَدَمُ طَلَبِهِ (وَ) كُلُّ (مَنْ لَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ مَلَكَ الْخُصُومَةَ) ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (كَمُودَعٍ وَغَاصِبٍ) وَمُرْتَهِنٍ وَمُتَوَلٍّ وَأَبٍ وَوَصِيٍّ وَقَابِضٍ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ (وَصَاحِبِ رِبًا) بِأَنْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ وَقَبَضَهُمَا فَسُرِقَا مِنْهُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ فَاسِدًا بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ، بِخِلَافِ مُعْطِي الرِّبَا لِأَنَّهُ بِالتَّسْلِيمِ لَمْ يَبْقَ لَهُ مِلْكٌ وَلَا يَدٌ شُمُنِّيٌّ وَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ اللُّقَطَةِ خَانِيَّةٌ.   [رد المحتار] الْأَوَّلُ مَرْجُوعًا عَنْهُ، وَلِذَا صَحَّحَ مَا هُنَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ الْوَهْبَانِيَّةِ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَنْ لَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ مَلَكَ الْخُصُومَةَ) شَمَلَ الْمَالِكَ وَالْأَمِينَ وَالضَّامِنَ كَالْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُ الْمَغْصُوبِ كَالْأَمِينِ فَيَمْلِكُ الْخُصُومَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا بِذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ، وَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ (قَوْلُهُ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ) الْأَوْلَى ثُمَّ مَثَّلَ لَهُ ط. (قَوْلُهُ مُتَوَلٍّ) أَيْ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ، وَعَبَّرَ فِي الْبَحْرِ، بِمُتَوَلِّي الْمَسْجِدِ، وَهَذَا يَرُدُّ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ فِي الْبَابِ السَّابِقِ مِنْ أَنَّهُ لَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَالِ الْوَقْفِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِيهِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَقَابِضٍ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ سَمَّى الثَّمَنَ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَإِلَّا كَانَ أَمَانَةً بِمَنْزِلَةِ الْمُودَعِ، وَعَلَى كُلٍّ فَيَدُهُ صَحِيحَةٌ، وَمِثْلُ مَنْ ذَكَرَ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُضَارِبُ وَالْمُسْتَبْضِعُ (قَوْلُهُ بِأَنْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ) الْأَحْسَنُ قَوْلُ النَّهْرِ بَاعَ عَشَرَةً بِعِشْرِينَ وَقَبَضَهَا فَسُرِقَتْ اهـ لِتَحْقِيقِ النِّصَابِ الْمُوجِبِ لِلْقَطْعِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ فَاسِدًا) أَيْ الَّذِي مِنْهُ الرِّبَا بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَضْمُونٌ عَلَى ذِي الْيَدِ بِالْقِيمَةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مُعْطِي الرِّبَا) مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ وَيُقْطَعُ بِطَلَبِ الْمَالِكِ لَوْ سَرَقَ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّسْلِيمِ لَمْ يَبْقَ لَهُ مِلْكٌ وَلَا يَدٌ) فِيهِ نَظَرٌ، لِمَا فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَنَّ الرِّبَا لَا يُمْلَكُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ عَيْنِهِ مَادَامَ قَائِمًا، حَتَّى لَوْ أَبْرَأَهُ صَاحِبُهُ لَا يَبْرَأُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ رَدَّ عَيْنِهِ الْقَائِمَةِ حَقُّ الشَّرْعِ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ صَاحِبَ الرِّبَا فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الَّذِي قَبَضَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ بَلْ بَقِيَ عَلَى مِلْكِ الْمُعْطِي فَصَارَ الْمُعْطِي مَالِكًا وَالْقَابِضُ ذَا يَدٍ فَتَصِحُّ مُطَالَبَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ الْآتِيَةِ تَبَعًا لِلْكَنْزِ وَلِصَاحِبِ النَّهْرِ هُنَا كَلَامٌ غَيْرُ مُحَرَّرٍ فَرَاجِعْهُ وَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ اللُّقَطَةِ) هَذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهَا كَمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ. وَعِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَضَاعَتْ مِنْهُ فَوَجَدَهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الرَّجُلِ، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّ فِي الْوَدِيعَةِ يَكُونُ لِلْمُودَعِ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّ لُقَطَةَ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ فِي وِلَايَةِ أَخْذِ اللُّقَطَةِ، وَلَيْسَ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ فِي إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَى الْوَدِيعَةِ اهـ: قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ بِطَلَبِ الْمُلْتَقِطِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ وَتَبِعَهُ أَخُوهُ فِي النَّهْرِ، وَكَذَا الْمَقْدِسِيَّ. وَاعْتَرَضَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ بِأَنَّ نَفْيَ الْخُصُومَةِ بَيْنَ الْمُلْتَقِطِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا خُصُومَةَ بَيْنَ الْمُلْتَقِطِ وَالسَّارِقِ مِنْهُ اهـ. قُلْت: أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ يَدُهُ يَدُ أَمَانَةٍ حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ أَحَدٌ مِنْ أَخْذِهَا مِنْهُ، وَلَوْ دَفَعَهَا لِآخَرَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْهُ؛ وَلَوْ ذَكَرَ أَحَدٌ عَلَامَتَهَا وَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُلْتَقِطُ أَنَّهَا لَهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا إلَيْهِ، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ مُخَاصَمَةَ السَّارِقِ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا ضَاعَتْ مِنْهُ فَالْتَقَطَهَا غَيْرُهُ فَإِنَّ يَدَ الْأَوَّلِ زَالَتْ بِإِثْبَاتِ يَدٍ مِثْلِ يَدِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَهُ وِلَايَةُ أَخْذِهَا فَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ بَعْدَ زَوَالِ يَدِهِ مُخَاصَمَةُ الثَّانِي. وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ إذَا ضَاعَتْ مِنْ الْمُودَعِ فَإِنْ لَهُ مُخَاصَمَةَ مُلْتَقِطِهَا إذْ لَيْسَ لَهُ إثْبَاتُ يَدٍ عَلَيْهَا كَالْمُودَعِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُودَعِ وَالْمُلْتَقِطِ الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدُهُ يَدُ أَمَانَةٍ أَنَّ يَدَ الْمُودَعِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهَا بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَكَانَتْ يَدُهُ يَدَ الْمَالِكِ، بِخِلَافِ يَدِ الْمُلْتَقِطِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 (وَمَنْ لَا) يَدَ لَهُ صَحِيحَةٌ (فَلَا) يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ كَسَارِقٍ سُرِقَ مِنْهُ بَعْدَ الْقَطْعِ لَمْ يُقْطَعْ بِخُصُومَةِ أَحَدٍ وَلَوْ مَالِكًا لِأَنَّ يَدَهُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ كَمَا يَأْتِي آنِفًا. (وَيُقْطَعُ بِطَلَبِ الْمَالِكِ) أَيْضًا (لَوْ سُرِقَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَكَذَا بِطَلَبِ الرَّاهِنِ مَعَ غَيْبَةِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الظَّاهِرِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ (لَا بِطَلَبِ الْمَالِكِ) لِلْعَيْنِ الْمَسْرُوقَةِ (أَوْ) بِطَلَبِ (السَّارِقِ لَوْ سُرِقَ مِنْ سَارِقٍ بَعْدَ الْقَطْعِ) لِسُقُوطِ عِصْمَتِهِ. (بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقَ) الثَّانِي مِنْ السَّارِقِ الْأَوَّلِ (قَبْلَ الْقَطْعِ) أَوْ بَعْدَمَا دُرِئَ بِشُبْهَةٍ (فَإِنَّ لَهُ وَلِرَبِّ الْمَالِ الْقَطْعَ) لِأَنَّ سُقُوطَ التَّقَوُّمِ ضَرُورَةُ الْقَطْعِ وَلَمْ تُوجَدْ   [رد المحتار] وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ سُرِقَ مِنْهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِسَارِقٍ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْقَطْعِ: أَيْ قَطْعِ السَّارِقِ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ لَمْ يُقْطَعْ: أَيْ السَّارِقُ الثَّانِي وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ: أَيْ يَدَ السَّارِقِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ كَمَا يَأْتِي آنِفًا) أَيْ قَرِيبًا وَهُوَ بِكَسْرِ النُّونِ، وَيَجُوزُ فِي أَوَّلِهِ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ، وَقُرِئَ بِهِمَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ وَيُقْطَعُ بِطَلَبِ الْمَالِكِ) شَمَلَ مَا إذَا حَضَرَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْأَوَّلُ كَمَا فِي النَّهْرِ وَالزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ أَيْ مِنْ الثَّلَاثَةِ) هُمْ الْمُودَعُ وَالْغَاصِبُ وَصَاحِبُ الرِّبَا زَيْلَعِيٌّ وَغَيْرُهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَالِكِ فِي مَسْأَلَةِ الرِّبَا هُوَ الْمُعْطِي؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يُقْطَعُ السَّارِقُ بِطَلَبِهِ خِلَافًا لِمَا قَدَّمَهُ عَنْ الشُّمُنِّيِّ، وَمِثْلُ الثَّلَاثَةِ غَيْرُهُمْ مِمَّنْ مَرَّ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا بِطَلَبِ الرَّاهِنِ) أَيْ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ قَائِمَةً وَقَدْ قَضَى الدَّيْنَ، أَمَّا إذَا لَمْ يَقْضِهِ أَوْ اسْتَهْلَكَ السَّارِقُ الْعَيْنَ فَلَا قَطْعَ بِخُصُومَتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْإِيفَاءِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْعَيْنِ، وَبِالِاسْتِهْلَاكِ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِخُصُومَتِهِ فِيمَا إذَا زَادَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ عَلَى دَيْنِهِ بِمَا يَبْلُغُ نِصَابًا؛ لِأَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِمَا زَادَ كَالْوَدِيعَةِ، وَارْتَضَاهُ فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَهْرٌ أَيْ أَنَّ لَهُ مُطَالَبَةَ السَّارِقِ بَعْدَ الْهَلَاكِ بِمَا زَادَ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ لَهُ مُطَالَبَةَ الْمُرْتَهِنِ، إذْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ لَا بِطَلَبِ الْمَالِكِ إلَخْ) أَيْ لَا يُقْطَعُ السَّارِقُ الثَّانِي بِطَلَبِ إلَخْ (قَوْلُهُ لَوْ سُرِقَ) قَيْدٌ لِطَلَبِ الْمَالِكِ وَلِطَلَبِ السَّارِقِ (قَوْلُهُ بَعْدَ الْقَطْعِ) أَيْ قَطْعِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ لِسُقُوطِ عِصْمَتِهِ) أَيْ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ. وَلَنَا أَنَّ الْمَالَ لَمَّا لَمْ يَجِبْ عَلَى السَّارِقِ ضَمَانُهُ كَانَ سَاقِطَ التَّقَوُّمِ فِي حَقِّهِ، وَكَذَا فِي حَقِّ الْمَالِكِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ لَهُ، فَيَدُ السَّارِقِ الْأَوَّلِ لَيْسَتْ يَدَ ضَمَانٍ وَلَا أَمَانَةٍ وَلَا مِلْكٍ فَكَانَ الْمَسْرُوقُ مَالًا غَيْرَ مَعْصُومٍ فَلَا قَطْعَ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بَعْدَمَا دُرِئَ بِشُبْهَةٍ) كَدَعْوَاهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ قَبْلَ الْقَطْعِ، وَفِيهِ أَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلَ الْقَطْعِ كَوْنُ الْقَطْعِ لَازِمًا لَهُ وَهَذَا سَاقِطٌ عَنْهُ بِشُبْهَةٍ، نَعَمْ يُعْلَمُ حُكْمُ السَّاقِطِ بِالْأَوْلَى، لَكِنَّهُ تَابَعَ الْهِدَايَةَ لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَإِنَّ لَهُ) أَيْ لِلسَّارِقِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ التَّقَوُّمِ ضَرُورَةُ الْقَطْعِ إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ بِرَفْعِ ضَرُورَةُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ أَنَّ أَوْ بِنَصْبِهِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ ثَابِتٌ لِضَرُورَةِ الْقَطْعِ: أَيْ أَنَّهُ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ لِلْقَطْعِ: أَيْ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الْقَطْعِ سُقُوطُ التَّقَوُّمِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْقَطْعِ وَلَا يُوجَدُ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ سُقُوطِهِ يُنَافِي وُجُوبَ الْقَطْعِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ إشَارَةٌ إلَى الرَّدِّ عَلَى مَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ إطْلَاقِ عَدَمِ الْقَطْعِ سَوَاءٌ قُطِعَ الْأَوَّلُ أَوْ لَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ كِتَابِ السَّرِقَةِ. قُلْت: وَمَفْهُومُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ الْقَطْعِ مَا إذَا لَمْ يُقْطَعْ الْأَوَّلُ أَصْلًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ بَيْنَ هَلَاكِ الْعَيْنِ وَاسْتِهْلَاكِهَا قَبْلَ الْقَطْعِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً بِالِاسْتِهْلَاكِ قَبْلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 فَصَارَ كَالْغَاصِبِ، ثُمَّ بَعْدَ الْقَطْعِ هَلْ لِلْأَوَّلِ اسْتِرْدَادُهُ؟ رِوَايَتَانِ وَاخْتَارَ الْكَمَالُ رَدَّهُ لِلْمَالِكِ. (سَرَقَ شَيْئًا وَرَدَّهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ) عِنْدَ الْقَاضِي (إلَى مَالِكِهِ) وَلَوْ حُكْمًا كَأُصُولِهِ وَلَوْ فِي غَيْرِ عِيَالِهِ (أَوْ مَلَكَهُ) أَيْ الْمَسْرُوقَ (بَعْدَ الْقَضَاءِ) بِالْقَطْعِ وَلَوْ بِهِبَةٍ مَعَ قَبْضٍ (أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ) وَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ لِلشُّبْهَةِ (أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ مِنْ النِّصَابِ) بِنُقْصَانِ السِّعْرِ فِي بَلَدِ الْخُصُومَةِ (لَمْ يُقْطَعْ) فِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ. (أَقَرَّا بِسَرِقَةِ نِصَابٍ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا شُبْهَةً) مُسْقِطَةً لِلْقَطْعِ   [رد المحتار] الْقَطْعِ، يَعْنِي ثُمَّ قُطِعَ تَحَقَّقَ سُقُوطُ التَّقَوُّمِ. فَعُلِمَ أَنَّ التَّقَوُّمَ لَا يَسْقُطُ إلَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ قَطْعٌ أَصْلًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْغَاصِبِ) أَيْ فِي أَنَّ لَهُ يَدًا صَحِيحَةً هِيَ يَدُ الضَّمَانِ (قَوْلُهُ ثُمَّ بَعْدَ الْقَطْعِ إلَخْ) أَيْ قَطْعِ السَّارِقِ الْأَوَّلِ وَالْأَوْلَى ذِكْرُ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقَ إلَخْ (قَوْلُهُ رِوَايَتَانِ) إحْدَاهُمَا لَهُ اسْتِرْدَادُ الْمَسْرُوقِ مِنْ السَّارِقِ الثَّانِي لِحَاجَتِهِ إلَى الرَّدِّ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَالْأُخْرَى لَا؛ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ ضَمَانٍ وَلَا أَمَانَةٍ وَلَا مِلْكٍ فَتْحٌ (قَوْلُهُ، وَاخْتَارَ الْكَمَالُ إلَخْ) أَيْ اخْتَارَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَرُدُّهُ مِنْ يَدِ الثَّانِي إلَى الْمَالِكِ إنْ كَانَ حَاضِرًا وَإِلَّا حَفِظَهُ لَهُ كَمَا يَحْفَظُ أَمْوَالَ الْغُيَّبِ، وَلَا يَرُدُّهُ إلَى الْأَوَّلِ وَلَا يُبْقِيهِ مَعَ الثَّانِي لِظُهُورِ خِيَانَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ وَرَدَّهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ) أَيْ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهَا أَوْ الْإِقْرَارِ، وَقَيَّدَ بِالرَّدِّ قَبْلَ الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ بَعْدَهَا سَوَاءٌ قُضِيَ بِالْقَطْعِ أَوْ لَا فَإِنَّهُ يُقْطَعُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ حُكْمًا كَأُصُولِهِ وَلَوْ فِي غَيْرِ عِيَالِهِ) أَيْ كَوَالِدِهِ وَجَدِّهِ وَوَالِدَتِهِ وَجَدَّتِهِ؛ لِأَنَّ لِهَؤُلَاءِ شُبْهَةَ الْمِلْكِ فَيَثْبُتُ بِهِ شُبْهَةُ الرَّدِّ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ إلَى عِيَالِ أُصُولِهِ؛ لِأَنَّهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَمِنْ الرَّدِّ الْحُكْمِيِّ الرَّدُّ إلَى فَرْعِهِ وَكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ إنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ وَالرَّدُّ إلَى مُكَاتَبِهِ وَعَبْدِهِ بَحْرٌ، وَكَذَا إلَى زَوْجَتِهِ وَأَجِيرِهِ مُشَاهَرَةً، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى غُلَامَهُ أَوْ مُسَانَهَةً فَتْحٌ، وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ أَوْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ) ؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ أَيْ فَالْمِلْكُ الْحَادِثُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْمِلْكِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا لَمْ يُمْضِ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فَلَا يُسْتَوْفَى الْقَطْعُ كَمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ قَضَيْت بَلْ بِالِاسْتِيفَاءِ جَلْدًا أَوْ رَجْمًا أَوْ قَطْعًا فَلَا جَرَمَ كَانَ الْإِمْضَاءُ مِنْ الْقَضَاءِ، بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَإِنَّهُ ثَمَّةَ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ قَضَيْت يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْقَضَاءِ، وَأَنَّ السَّارِقَ لَوْ قُطِعَ بَعْدَ الْمِلْكِ قُطِعَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ. اهـ. ط عَنْ الشَّلَبِيِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِهِبَةٍ مَعَ قَبْضٍ) هَكَذَا وَقَعَ التَّقْيِيدُ بِالْقَبْضِ فِي الْهِدَايَةِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَقْطَعُ الْخُصُومَةَ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَهَبُ لِيُخَاصِمَ فَلْيُتَأَمَّلْ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. قُلْت: وَهُوَ بَحْثٌ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْخُصُومَةَ قَدْ وُجِدَتْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ، لَكِنَّهُمْ عَدُّوا مِلْكَ الْمَسْرُوقِ بَعْدَ الْقَضَاءِ شُبْهَةً وَالْهِبَةُ بِدُونِ قَبْضٍ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ فَلَمْ تُوجَدْ الشُّبْهَةُ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِاشْتِرَاطِ خُصُومَةٍ أُخْرَى بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ بَلْ طَلَبُهُ الْقَطْعَ غَيْرُ شَرْطٍ عَلَى الظَّاهِرِ كَمَا مَرَّ، نَعَمْ يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ عِنْدَ الْقَطْعِ كَمَا تَقَدَّمَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ) أَيْ بَعْدَمَا ثَبَتَتْ السَّرِقَةُ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِلشُّبْهَةِ) هِيَ احْتِمَالُ صِدْقِهِ وَلِذَا صَحَّ رُجُوعُهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ) أَيْ بَعْدَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ كَمَالَ النِّصَابِ لَمَّا كَانَ شَرْطًا يُشْتَرَطُ قِيَامُهُ عِنْدَ الْإِمْضَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا (قَوْلُهُ بِنُقْصَانِ السِّعْرِ) أَيْ لَا بِنُقْصَانِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَوْ نَقَصَتْ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَكَمُلَ النِّصَابُ عَيْنًا وَدَيْنًا كَمَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ كُلَّهُ، أَمَّا نُقْصَانُ السِّعْرِ فَغَيْرُ مَضْمُونٍ فَافْتَرَقَا بَحْرٌ، وَالْمُرَادُ بِنُقْصَانِ الْعَيْنِ فَوَاتُ بَعْضِهَا أَوْ حُدُوثُ عَيْبٍ فِيهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ كِتَابِ السَّرِقَةِ (قَوْلُهُ فِي بَلَدِ الْخُصُومَةِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ الَّتِي سَرَقَ فِيهَا لَمْ يَنْقُصْ لِمَا قَدَّمَهُ أَوَّلَ السَّرِقَةِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْقِيمَةُ وَقْتَ السَّرِقَةِ وَوَقْتَ الْقَطْعِ وَمَكَانَهُ (قَوْلُهُ أَقَرَّا بِسَرِقَةِ نِصَابٍ) أَيْ أَقَرَّ اثْنَانِ أَنَّهُمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 (لَمْ يُقْطَعَا) قَيَّدَ بِإِقْرَارِهِمَا لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ وَفُلَانٌ فَأَنْكَرَ فُلَانٌ قُطِعَ الْمُقِرُّ كَقَوْلِهِ قَتَلْت أَنَا وَفُلَانٌ. (وَلَوْ سَرَقَا وَغَابَ أَحَدُهُمَا وَشَهِدَ) أَيْ شَهِدَ اثْنَانِ (عَلَى سَرِقَتِهِمَا قُطِعَ الْحَاضِرُ) لِأَنَّ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ لَا تُعْتَبَرُ. (وَلَوْ أَقَرَّ عَبْدٌ) مُكَلَّفٌ (بِسَرِقَةٍ قُطِعَ وَتُرَدُّ السَّرِقَةُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ) لَوْ قَائِمَةً (كَمَا لَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ) لَكِنْ (بِشَرْطِ حَضْرَةِ مَوْلَاهُ عِنْدَ إقَامَتِهَا) خِلَافًا لِلثَّانِي لَا عِنْدَ إقْرَارِهِ بِحَدٍّ اتِّفَاقًا. ( «وَلَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ» ) هَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ دُرَرٌ وَغَيْرُهَا، وَرَوَاهُ الْكَمَالُ «بَعْدَ قَطْعِ يَمِينِهِ» (وَتُرَدُّ الْعَيْنُ لَوْ قَائِمَةً) وَإِنْ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا (وَلَا فَرْقَ) فِي عَدَمِ الضَّمَانِ (بَيْنَ هَلَاكِ الْعَيْنِ وَاسْتِهْلَاكِهَا فِي الظَّاهِرِ) مِنْ الرِّوَايَةِ، لَكِنَّهُ يُفْتَى بِأَدَاءِ قِيمَتِهَا دِيَانَةً، وَسَوَاءٌ كَانَ الِاسْتِهْلَاكُ (قَبْلَ الْقَطْعِ أَوْ بَعْدَهُ)   [رد المحتار] سَرَقَا نِصَابًا أَيْ جِنْسَهُ، إذْ لَا بُدَّ أَنْ يُصِيبَ كُلًّا مِنْهُمَا نِصَابٌ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ لَمْ يُقْطَعَا) أَيْ الْمُدَّعِي وَالْآخَرُ؛ لِأَنَّهَا سَرِقَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تَكُونُ مُوجِبَةً لِلْقَطْعِ وَغَيْرَ مُوجِبَةٍ (قَوْلُهُ قُطِعَ الْمُقِرُّ) أَيْ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ بِتَكْذِيبِهِ فَلَمْ تُوجَدْ الشَّرِكَةُ فِي السَّرِقَةِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ لَا تُعْتَبَرُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ رُبَّمَا يَدَّعِي الشُّبْهَةَ عِنْدَ حُضُورِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ سَرِقَةَ الْحَاضِرِ تَثْبُتُ بِالْحُجَّةِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْمَوْهُومُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ وَادَّعَى كَانَ شُبْهَةً وَاحْتِمَالُ الدَّعْوَى شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَرَّ عَبْدٌ مُكَلَّفٌ إلَخْ) أَمَّا لَوْ كَانَ صَغِيرًا لَمْ يُقْطَعْ وَيَرُدُّ الْمَالَ لَوْ قَائِمًا وَكَانَ مَأْذُونًا، وَإِنْ هَالِكًا يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا وَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى يَرُدُّ الْمَالَ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ لَوْ قَائِمًا، وَلَوْ هَالِكًا فَلَا ضَمَانَ وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ قُطِعَ) ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ وَبِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ، وَإِذَا صَحَّ بِالْقَطْعِ صَحَّ بِالْمَالِ بِنَاءً عَلَيْهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْعَبْدِ مَأْذُونًا أَوْ لَا، صَدَّقَهُ الْمَوْلَى أَوْ لَا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لَوْ قَائِمَةً) فَلَوْ مُسْتَهْلَكَةً فَلَا ضَمَانَ وَيُقْطَعُ اتِّفَاقًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ) أَيْ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَيَرُدُّ الْمَالَ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ) التَّعْبِيرُ بِالْغُرْمِ يُفِيدُ أَنَّ الْمَسْرُوقَ غَيْرُ بَاقٍ فَلَوْ قَائِمًا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ؛ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ وَيَرُدُّ الْعَيْنَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ وَلَا غُرْمَ ط (قَوْلُهُ وَغَيْرُهَا) كَالْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَرَوَاهُ الْكَمَالُ «بَعْدَ قَطْعِ يَمِينِهِ» ) عَزَاهُ إلَى الدَّارَقُطْنِيّ، لَكِنْ عَزَاهُ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ إلَى الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضًا بِلَفْظِ الْمَتْنِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ فَإِنَّ مَا مَصْدَرِيَّةٌ، وَأَعَلَّ الْحَدِيثَ بِالْإِرْسَالِ وَبِجَهَالَةِ بَعْضِ رُوَاتِهِ، وَجَوَابُهُ مَبْسُوطٌ فِي الْفَتْحِ وَحَاشِيَةِ نُوحٍ عَلَى الدُّرَرِ، وَاسْتَدَلُّوا بَعْدَ الْحَدِيثِ بِالْمَعْقُولِ أَيْضًا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ يُنَافِي الْقَطْعَ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخَذَ مِلْكَهُ فَلَا يُقْطَعُ فِي مِلْكِهِ لَكِنَّ الْقَطْعَ ثَابِتٌ قَطْعًا، فَمَا يُؤَدِّي إلَى انْتِفَائِهِ وَهُوَ الضَّمَانُ فَهُوَ الْمُنْتَفِي (قَوْلُهُ لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا) وَلِذَا قَالَ فِي الْإِيضَاحِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحِلُّ لِلسَّارِقِ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَكَذَا لَوْ خَاطَهَا قَمِيصًا لَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِوَجْهٍ مَحْظُورٍ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُ الْقَضَاءِ بِهِ فَلَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ، كَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ وَأَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ لَمْ يَلْزَمْهُ الرَّدُّ قَضَاءً وَيَلْزَمُهُ دِيَانَةً، وَكَالْبَاغِي إذَا أَتْلَفَ مَالَ الْعَادِلِ ثُمَّ تَابَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الظَّاهِرِ مِنْ الرِّوَايَةِ) وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ: لَا يَظْهَرُ سُقُوطُ الْعِصْمَةِ فِي حَقِّ الِاسْتِهْلَاكِ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يُفْتَى إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي الْمَبْسُوطِ: رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنْ السَّارِقِ قَضَاءً لِتَعَذُّرِ الْحُكْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ، فَأَمَّا دِيَانَةً فَيُفْتَى بِالضَّمَانِ لِلْحُقُوقِ وَالْخُسْرَانِ وَالنُّقْصَانِ لِلْمَالِكِ مِنْ جِهَةِ السَّارِقِ (قَوْلُهُ قَبْلَ الْقَطْعِ) يَعْنِي ثُمَّ قُطِعَ؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الضَّمَانِ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ الْقَطْعِ كَمَا عَلِمْت، وَقَدَّمَ الشَّارِحُ أَيْضًا أَنَّ سُقُوطَ التَّقَوُّمِ ضَرُورَةُ الْقَطْعِ (قَوْلُهُ أَوْ بَعْدَهُ) لَكِنْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِمَا فِي الْكَافِي لَوْ كَانَ قَبْلَ الْقَطْعِ، فَإِنْ قَالَ الْمَالِكُ أَنَا أَضْمَنُهُ لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَنَا، وَإِنْ قَالَ أَنَا أَخْتَارُ الْقَطْعَ يُقْطَعُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 مُجْتَبَى. وَفِيهِ لَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ (وَلَوْ قُطِعَ لِبَعْضِ السَّرِقَاتِ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا) وَقَالَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يُقْطَعْ فِيهِ. (سَرَقَ ثَوْبًا فَشَقَّهُ نِصْفَيْنِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ قُطِعَ إنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا بَعْدَ شَقِّهِ مَا لَمْ يَكُنْ إتْلَافًا) بِأَنْ يَنْقُصَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ فَلَهُ تَضْمِينُ الْقِيمَةِ فَيَمْلِكُهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ فَلَا قَطْعَ زَيْلَعِيٌّ. وَهَلْ يَضْمَنُ نُقْصَانَ الشَّقِّ مَعَ الْقَطْعِ؟ صَحَّحَ الْخَبَّازِيُّ لَا. وَقَالَ الْكَمَالُ: الْحَقُّ نَعَمْ، وَمَتَى اخْتَارَ تَضْمِينَ الْقِيمَةِ يَسْقُطُ الْقَطْعُ لِمَا مَرَّ. (وَلَوْ سَرَقَ شَاةً فَذَبَحَهَا فَأَخْرَجَهَا لَا) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِي اللَّحْمِ (وَإِنْ بَلَغَ لَحْمُهَا نِصَابًا) بَلْ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا.   [رد المحتار] وَلَا يَضْمَنُ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى تَضَمَّنُ رُجُوعُهُ عَنْ دَعْوَى السَّرِقَةِ إلَى دَعْوَى الْمَالِ (قَوْلُهُ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ) أَيْ تَضْمِينُ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى السَّارِقِ بِالثَّمَنِ لَا بِالْقِيمَةِ تَتَارْخَانِيَّةٌ عَنْ الْمُحِيطِ وَفِيهَا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ قُطِعَ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ غَيْرُهُ كَانَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ مِثْلُهُمَا، لَكِنْ ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَيْضًا: لَوْ أَوْدَعَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ فَهَلَكَ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ لَوْ ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى السَّارِقِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمَّنَهُ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَوْ ضَمَّنَهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى السَّارِقِ فَلَهُ أَنْ يُضَمَّنَهُ وَاَلَّذِي يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُودَعُ وَالْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُرْتَهِنُ. اهـ. قُلْت: وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مَا يَثْبُتُ فِيهِ الرُّجُوعُ عَلَى السَّارِقِ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَى السَّارِقِ بَعْدَ الْقَطْعِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَا رُجُوعَ فِيهِ عَلَيْهِ لَكِنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ ظَاهِرٌ فِي الْهَلَاكِ وَلِذَا فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا لَوْ أَوْدَعَهُ فَهَلَكَ، بِخِلَافِ الِاسْتِهْلَاكِ فَإِنَّ الْمُسْتَهْلِكَ مُتَعَدٍّ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى السَّارِقِ أَصْلًا بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ كَوْنِهِ مُشْتَرِيًا أَوْ مُودَعًا أَوْ مُسْتَأْجِرًا، نَعَمْ لِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى السَّارِقِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَهْلَكَهُ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ مَلَكَهُ مِنْ وَقْتِ الِاسْتِهْلَاكِ فَيَرْجِعُ عَلَى السَّارِقِ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ لَا بِالْقِيمَةِ لِظُهُورِ أَنَّ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ لَا يَمْلِكُ قَبْضَهُ فَيَرْجِعُ بِهِ لَا بِمَا ضَمِنَ، فَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَحَلِّ فَإِنَّهُ مِنْ فَيْضِ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قُطِعَ إلَخْ) أَيْ لَوْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَقُطِعَ فِي أَحَدِهَا بِخُصُومَةِ صَاحِبِهَا وَحْدَهُ فَهُوَ: أَيْ ذَلِكَ الْقَطْعُ بِجَمِيعِهَا وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا لِأَرْبَابِ تِلْكَ السَّرِقَاتِ عِنْدَهُ، وَقَالَا: يَضْمَنُ كُلَّهَا إلَّا الَّتِي قُطِعَ فِيهَا، فَإِنْ حَضَرُوا جَمِيعًا وَقُطِعَتْ يَدُهُ بِخُصُومَتِهِمْ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا مِنْ السَّرِقَاتِ بِالِاتِّفَاقِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَخْرَجَهُ) فَلَوْ شَقَّهُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ قُطِعَ اتِّفَاقًا نَهْرٌ، وَهُوَ مَفْهُومٌ بِالْأُولَى (قَوْلُهُ قُطِعَ) أَيْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا شَقَّهُ فَاحِشًا وَهُوَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَاخْتَارَ الْمَالِكُ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ وَأَخْذَ الثَّوْبِ قُطِعَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ. أَمَّا إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ الْقِيمَةِ وَتَرْكَ الثَّوْبِ فَلَا قَطْعَ اتِّفَاقًا، أَمَّا الْيَسِيرُ وَهُوَ مَا يَتَعَيَّبُ بِهِ فَقَطْ فَيُقْطَعُ فِيهِ اتِّفَاقًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَلَهُ تَضْمِينُ الْقِيمَةِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ بَحْرٌ: أَيْ لَيْسَ لَهُ تَضْمِينُ النُّقْصَانِ وَالْقَطْعُ (قَوْلُهُ فَيَمْلِكُهُ) أَيْ السَّارِقُ، فَصَارَ كَمَا إذَا مَلَّكَهُ إيَّاهُ لِهِبَةٍ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يُقْطَعُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهَلْ يَضْمَنُ إلَخْ) أَيْ فِيمَا إذَا شَقَّهُ نِصْفَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ إتْلَافًا ح (قَوْلُهُ صَحَّحَ الْخَبَّازِيُّ لَا) أَيْ لَا يَضْمَنُ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْقَطْعُ مَعَ الضَّمَانِ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْكَمَالُ الْحَقُّ نَعَمْ) حَيْثُ قَالَ: وَالْحَقُّ مَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ الْأُمَّهَاتِ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَيَضْمَنُ النُّقْصَانَ إلَى أَنْ قَالَ وَوُجُوبُ ضَمَانِ النُّقْصَانِ لَا يَمْنَعُ الْقَطْعَ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ النُّقْصَانِ وَجَبَ بِإِتْلَافِ مَا فَاتَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَالْقَطْعَ بِإِخْرَاجِ الْبَاقِي فَلَا يَمْنَعُ، كَمَا لَوْ أَخَذَ ثَوْبَيْنِ وَأَحْرَقَ أَحَدَهُمَا فِي الْبَيْتِ، وَأَخْرَجَ الْآخَرَ وَقِيمَتُهُ نِصَابٌ (قَوْلُهُ وَمَتَى اخْتَارَ تَضْمِينَ الْقِيمَةِ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الشَّقُّ فَاحِشًا، إذْ لَوْ كَانَ يَسِيرًا يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذْ لَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ تَضْمِينِ كُلِّ الْقِيمَةِ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ قَرِيبًا مِنْ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ (قَوْلُهُ فَذَبَحَهَا فَأَخْرَجَهَا) قَيَّدَ بِالْإِخْرَاجِ بَعْدَ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَهَا حَيَّةً وَقِيمَتُهَا عَشَرَةٌ ثُمَّ ذَبَحَهَا يُقْطَعُ وَإِنْ انْتَقَصَتْ قِيمَتُهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 (وَلَوْ فَعَلَ مَا سَرَقَ مِنْ الْحَجَرَيْنِ وَهُوَ قَدْرُ نِصَابٍ) وَقْتَ الْأَخْذِ (دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ) أَوْ آنِيَةً (قُطِعَ وَرُدَّتْ) وَقَالَا: لَا تُرَدُّ لِتَقَوُّمِ الصَّنْعَةِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ. وَأَمَّا نَحْوُ النُّحَاسِ لَوْ جَعَلَهُ أَوَانِي، فَإِنْ كَانَ يُبَاعُ وَزْنًا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ عَدَدًا فَهِيَ لِلسَّارِقِ اتِّفَاقًا اخْتِيَارٌ. (وَلَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ طَحَنَ الْحِنْطَةَ) أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ (فَقُطِعَ لَا رَدَّ وَلَا ضَمَانَ) وَكَذَا لَوْ صَبَغَهُ بَعْدَ الْقَطْعِ بَحْرٌ خِلَافًا لِمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَلَوْ) صَبَغَهُ (أَسْوَدَ رَدَّهُ) لِأَنَّ السَّوَادَ نُقْصَانٌ خِلَافًا لِلثَّانِي وَهُوَ اخْتِلَافُ زَمَانٍ لَا بُرْهَانٍ. (سَرَقَ فِي وِلَايَةِ سُلْطَانٍ لَيْسَ لِسُلْطَانٍ آخَرَ قَطْعُهُ) إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى مَنْ لَيْسَ تَحْتَ يَدِهِ؛ فَلْيُحْفَظْ هَذَا الْأَصْلُ. (إذَا كَانَ لِلسَّارِقِ كَفَّانِ فِي مِعْصَمٍ وَاحِدٍ) قِيلَ يُقْطَعَانِ، وَقِيلَ إنْ تَمَيَّزَتْ الْأَصْلِيَّةُ وَأَمْكَنَ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَطْعِهَا (لَمْ يُقْطَعْ الزَّائِدُ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لِلْقَطْعِ (وَإِلَّا) تَكُنْ مُتَمَيِّزَةً (قُطِعَا هُوَ الْمُخْتَارُ) لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْوَاجِبِ إلَّا بِذَلِكَ سِرَاجٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.   [رد المحتار] بِالذَّبْحِ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ مِنْ الْحَجَرَيْنِ) أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (قَوْلُهُ دَرَاهِمَ) مَفْعُولُ فَعَلَ (قَوْلُهُ لِتَقَوُّمِ الصَّنْعَةِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ) وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي الْغَاصِبِ هَلْ يَمْلِكُ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ أَمْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ أَمْ لَا، ثُمَّ وُجُوبُ الْقَطْعِ عِنْدَهُ لَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا عَلَى قَوْلِهِ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَقِيلَ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا قَبْلَهُ، وَقِيلَ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالصَّنْعَةِ شَيْئًا آخَرَ فَلَمْ يَمْلِكْ عَيْنَهُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا اتَّخَذَهُ حُلِيًّا أَوْ آنِيَةً زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فَهِيَ لِلسَّارِقِ اتِّفَاقًا) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصَّنْعَةَ بَدَّلَتْ الْعَيْنَ وَالِاسْمَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَغَيَّرَ بِهَا حُكْمُ الرِّبَا حَيْثُ خَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا مَوْزُونَةً، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِبَقَاءِ الِاسْمِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ كَمَا كَانَتْ حُكْمًا، حَتَّى لَا يَصِحَّ بَيْعُ آنِيَةِ فِضَّةٍ وَزْنُهَا عَشَرَةٌ بِأَحَدَ عَشَرَ كَذَا يُفَادُ مِنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فَقُطِعَ) إنَّمَا قُطِعَ بِاعْتِبَارِ سَرِقَةِ الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ وَهُوَ لَمْ يَمْلِكْهُ أَبْيَضَ بِوَجْهٍ مَا وَالْمَمْلُوكُ لِلسَّارِقِ إنَّمَا هُوَ الْمَصْبُوغُ، وَكَذَا يُقْطَعُ بِالْحِنْطَةِ وَإِنْ مَلَكَ الدَّقِيقَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا رَدَّ) أَيْ حَالَ قِيَامِهِ وَلَا ضَمَانَ: أَيْ حَالَ اسْتِهْلَاكِهِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَرُدُّ الثَّوْبَ وَيَأْخُذُ مَا زَادَ الصَّبْغُ؛ لِأَنَّ عَيْنَ مَالِهِ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَلَهُمَا أَنَّ الصِّبْغَ قَائِمٌ صُورَةً وَمَعْنًى بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ لَوْ أَخَذَ الثَّوْبَ يَضْمَنُ الصِّبْغَ وَحَقُّ الْمَالِكِ قَائِمٌ صُورَةً لَا مَعْنًى بِدَلِيلِ أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى السَّارِقِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا فِي الِاخْتِيَارِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَبَغَهُ بَعْدَ الْقَطْعِ يَرُدُّهُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْهِدَايَةِ: فَإِنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَقُطِعَ فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ، وَلِقَوْلِ مُحَمَّدٍ سَرَقَ الثَّوْبَ فَقُطِعَ يَدُهُ وَقَدْ صَبَغَ الثَّوْبَ أَحْمَرَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ، فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَصْبُغَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ أَوْ بَعْدَهُ زَيْلَعِيٌّ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. قُلْت: لَكِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَقَدْ صَبَغَهُ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ فَمِنْ أَيْنَ يُفِيدُ كَوْنَ الصَّبْغِ بَعْدَ الْقَطْعِ. ثُمَّ رَأَيْت سَعْدَ حَلَبِيٍّ اعْتَرَضَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ لَيْسَتْ كَمَا نَقَلَهُ اهـ. قُلْت: لِأَنَّ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ هَكَذَا: فَإِنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ ثُمَّ قُطِعَ إلَخْ فَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ مُسَاوِيَةٌ لِعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَالْكَنْزِ. وَقَدْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ مَا فِي الْكَنْزِ ذُكِرَ مِثْلَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْكَافِي، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ تُؤَيِّدُ مَا فِي الِاخْتِيَارِ وَلَمْ يَبْقَ لِدَعْوَى الزَّيْلَعِيِّ دَلِيلٌ، فَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَا قَالُوهُ لَا عَلَى مَا قَالَهُ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) ؛ لِأَنَّ السَّوَادَ زِيَادَةٌ عِنْدَهُ كَالْحُمْرَةِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ زِيَادَةٌ أَيْضًا كَالْحُمْرَةِ وَلَكِنَّهُ لَا يَقْطَعُ حَقَّ الْمَالِكِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ السَّوَادُ نُقْصَانٌ وَلَا يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ اخْتِلَافُ زَمَانٍ إلَخْ) فَإِنَّ النَّاسَ كَانُوا لَا يَلْبَسُونَ السَّوَادَ فِي زَمَنِهِ وَيَلْبَسُونَهُ فِي زَمَنِهِمَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ سَرَقَ فِي وِلَايَةِ سُلْطَانٍ إلَخْ) ذَكَرَهُ مَعَ تَعْلِيلِهِ فِي الدُّرَرِ. وَقَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: ذَكَرَهُ فِي الْفَيْضِ. وَفِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ مَعْزُوًّا إلَى الْإِمَامِ الْأَجَلِّ الشَّهِيدِ (قَوْلُهُ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ إلَخْ) أَيْ فِي وَقْتِ السَّرِقَةِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُمَا فِي وَقْتِ الدَّعْوَى تَحْتَ يَدِهِ، وَهَلْ كَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصُ أَيْضًا؟ لَمْ أَرَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 (بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ) وَهُوَ السَّرِقَةُ الْكُبْرَى (مَنْ قَصَدَهُ) وَلَوْ فِي الْمِصْرِ لَيْلًا بِهِ يُفْتَى (وَهُوَ مَعْصُومٌ عَلَى) شَخْصٍ (مَعْصُومٍ) وَلَوْ ذِمِّيًّا، فَلَوْ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِينَ فَلَا حَدَّ (فَأُخِذَ قَبْلَ أَخْذِ شَيْءٍ وَقَتْلِ) نَفْسٍ (حُبِسَ)   [رد المحتار] [بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ] ِ أَيْ قَطْعِ الْمَارَّةِ عَنْ الطَّرِيقِ فَهُوَ مِنْ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ، أَوْ الْمُرَادُ بِالطَّرِيقِ الْمَارَّةُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِ أَوْ الْإِضَافَةِ عَلَى مَعْنَى فِي: أَيْ قَطْعٌ فِي الطَّرِيقِ: أَيْ مَنْعُ النَّاسِ الْمُرُورَ فِيهِ، أَخَّرَهُ عَنْ السَّرِقَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ سَرِقَةً مُطْلَقَةً؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهَا الْأَخْذُ خُفْيَةً عَنْ النَّاسِ، وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُهَا مَجَازًا لِضَرْبٍ مِنْ الْإِخْفَاءِ وَهُوَ الْإِخْفَاءُ عَنْ الْإِمَامِ وَمَنْ نَصَّبَهُمْ لِحِفْظِ الطَّرِيقِ، وَلِذَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُهَا إلَّا مُقَيَّدَةً بِالْكُبْرَى وَلُزُومُ التَّقْيِيدِ مِنْ عَلَامَاتِ الْمَجَازِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَسُمِّيَتْ كُبْرَى لِعِظَمِ ضَرَرِهَا لِكَوْنِهِ عَلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ لِعِظَمِ جَزَائِهَا (قَوْلُهُ مَنْ قَصَدَهُ) أَيْ قَصَدَ قَطْعَ الطَّرِيقِ، وَعَبَّرَ بِمَنْ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْقَاطِعِ جَمَاعَةً، فَيَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ وَاحِدًا لَهُ مَنَعَةٌ بِقُوَّتِهِ وَنَجْدَتِهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْفَتْحِ، وَشَمِلَ الْعَبْدَ وَكَذَا الْمَرْأَةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَّا أَنَّهَا لَا تُصْلَبُ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي الْمِصْرِ لَيْلًا) أَيْ بِسِلَاحٍ أَوْ بِدُونِهِ وَكَذَا نَهَارًا لَوْ بِسِلَاحٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَهَذَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَفْتَى بِهَا الْمَشَايِخُ دَفْعًا لِشَرِّ الْمُتَغَلِّبَةِ الْمُفْسِدِينَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ. أَمَّا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي صَحْرَاءِ دَارِنَا عَلَى مَسَافَةِ السَّفَرِ فَصَاعِدًا دُونَ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَلَا مَا بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِنْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى تُجَّارٍ مُسْتَأْمَنِينَ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي مَوْضِعٍ غَلَبَ عَسْكَرُ الْخَوَارِجِ ثُمَّ أَتَى بِهِمْ الْإِمَامُ لَمْ يُمْضِ الْحُدُودَ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَعْصُومٌ) أَيْ بِالْعِصْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ وَهُوَ الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ قُهُسْتَانِيٌّ. وَالْعِصْمَةُ: الْحِفْظُ، وَالْمُرَادُ عِصْمَةُ دَمِهِ وَمَالِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ عَقْدِ الذِّمَّةِ. وَفِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ أَبُو السُّعُودِ: مُفَادُهُ لَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ مُسْتَأْمَنٌ لَا يُحَدُّ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِالشَّرَائِعِ. وَحَكَى فِي الْمُحِيطِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِيهِ (قَوْلُهُ فَلَوْ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِينَ فَلَا حَدَّ) لَكِنْ يَلْزَمُهُ التَّعْزِيرُ وَالْحَبْسُ بِاعْتِبَارِ إخَافَةِ الطَّرِيقِ وَإِخْفَارِهِ ذِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ فَتْحٌ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَيَضْمَنُ الْمَالَ لِثُبُوتِ عِصْمَةِ مَالِ الْمُسْتَأْمَنِ حَالًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَمَحَلُّ عَدَمِ الْحَدِّ بِالْقَطْعِ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ فِيمَا إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا، أَمَّا إذَا كَانَ مَعَ الْقَافِلَةِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَلَا يَصِيرُ شُبْهَةً، بِخِلَافِ اخْتِلَاطِ ذِي الرَّحِمِ بِالْقَافِلَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ لَوْ لَمْ يَقَعْ الْقَتْلُ وَالْأَخْذُ إلَّا فِي الْمُسْتَأْمَنِ فَلَا حَدَّ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَيْضًا. [تَنْبِيهٌ] قَدْ عُلِمَ مِنْ شُرُوطِ قَطْعِ الطَّرِيقِ كَوْنُهُ مِمَّنْ لَهُ قُوَّةٌ وَمَنَعَةٌ، وَكَوْنُهُ فِي دَارِ الْعَدْلِ، وَلَوْ فِي الْمِصْرِ وَلَوْ نَهَارًا إنْ كَانَ بِسِلَاحٍ، وَكَوْنُ كُلٍّ مِنْ الْقَاطِعِ وَالْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ مَعْصُومًا، وَمِنْهَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي كَوْنُ الْقُطَّاعِ كُلِّهِمْ أَجَانِبَ لِأَصْحَابِ الْأَمْوَالِ، وَكَوْنُهُمْ عُقَلَاءَ بَالِغِينَ نَاطِقِينَ، وَأَنْ يُصِيبَ كُلًّا مِنْهُمْ نِصَابٌ تَامٌّ مِنْ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ، وَأَنْ يُؤْخَذُوا قَبْلَ التَّوْبَةِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَطْعَ يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِمَرَّتَيْنِ وَيَسْقُطُ الْحَدُّ بِرُجُوعِهِ لَكِنْ يُؤْخَذُ بِالْمَالِ إنْ أَقَرَّ بِهِ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ بِمُعَايَنَتِهِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ بِهِ، فَلَوْ لِأَحَدِهِمَا بِالْمُعَايَنَةِ وَالْآخَرِ بِالْإِقْرَارِ لَا تُقْبَلُ؛ وَلَوْ قَالَا قَطَعُوا عَلَيْنَا وَعَلَى أَصْحَابِنَا لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا لِأَنْفُسِهِمَا وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُمْ قَطَعُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْ عَرْضِ النَّاسِ وَلَهُ وَلِيٌّ يُعْرَفُ أَوْ لَا يُعْرَفُ لَا يَحُدُّهُمْ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ حُبِسَ) وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ فِي الْآيَةِ: وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ تَوْزِيعُ الْأَجْزِيَةِ عَلَى الْأَحْوَالِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ (بَعْدَ التَّعْزِيرِ) لِمُبَاشَرَةِ مُنْكَرِ التَّخْوِيفِ (حَتَّى يَتُوبَ) لَا بِالْقَوْلِ بَلْ بِظُهُورِ سِيمَا الصُّلَحَاءُ (أَوْ يَمُوتَ) (وَإِنْ أَخَذَ مَالًا مَعْصُومًا) بِأَنْ يَكُونَ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ كَمَا مَرَّ (وَأَصَابَ مِنْهُ كُلًّا نِصَابٌ قُطِعَ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ إنْ كَانَ صَحِيحَ الْأَطْرَافِ) لِئَلَّا يَفُوتَ نَفْعُهُ وَهَذِهِ حَالَةٌ ثَانِيَةٌ. (وَإِنْ قَتَلَ) مَعْصُومًا (وَلَمْ يَأْخُذْ) مَالًا (قُتِلَ) وَهَذِهِ حَالَةٌ ثَالِثَةٌ (حَدًّا) لَا قِصَاصًا (فَ) لِذَا (لَا يَعْفُوهُ وَلِيٌّ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ) الْقَتْلُ (مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ) لِوُجُوبِهِ جَزَاءً لِمُحَارَبَتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى بِمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ   [رد المحتار] يُعَزَّرُ وَيُخَلَّى سَبِيلُهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ فَتْحٌ، وَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّ الْحَبْسَ فِي بَلَدِهِ لَا فِي غَيْرِهَا خِلَافًا لِمَالِكٍ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ فِي الْآيَةِ) ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ مُحَالٌ وَإِلَى بَلَدٍ أُخْرَى فِيهِ إيذَاءُ أَهْلِهَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْحَبْسُ، وَالْمَحْبُوسُ يُسَمَّى مَنْفِيًّا مِنْ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِطَيِّبَاتِ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا، وَلَا يَجْتَمِعُ بِأَقَارِبِهِ وَأَحْبَابِهِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ قَالَ صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ فِي الْغُرَرِ: خَرَجْنَا مِنْ الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنْ أَهْلِهَا ... فَلَسْنَا مِنْ الْأَحْيَاءِ فِيهَا وَلَا الْمَوْتَى إذَا جَاءَنَا السَّجَّانُ يَوْمًا لِحَاجَةٍ ... عَجِبْنَا وَقُلْنَا جَاءَ هَذَا مِنْ الدُّنْيَا (قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ إلَخْ) أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا قَالَهُ بَعْضُ السَّلَفِ أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِي هَذِهِ الْأَجْزِيَةِ الْأَرْبَعَةِ إذْ مِنْ الْمَقْطُوعِ بِهِ أَنَّهَا أَجْزِيَةٌ عَلَى جِنَايَةِ الْقَطْعِ الْمُتَفَاوِتَةِ خِفَّةً وَغِلَظًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَتَّبَ عَلَى أَغْلَظِهَا أَخَفُّ الْأَجْزِيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَعَلَى أَخَفِّهَا أَغْلَظُ الْأَجْزِيَةِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَدْفَعُهُ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ، فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِالتَّوْزِيعِ عَلَى أَحْوَالِ الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِهَا فَاقْتَضَتْ الِانْقِسَامَ. فَتَقْدِيرُ الْآيَةِ أَنْ يُقْتَلُوا إنْ قَتَلُوا، أَوْ يُصْلَبُوا إنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ أَوْ تَقَطُّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ إنْ أَخَذُوا الْمَالَ أَوْ يُنْفَوْا إنْ أَخَافُوا، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَالزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ بَعْدَ التَّعْزِيرِ) أَيْ بِالضَّرْبِ، وَإِلَّا فَالْحَبْسُ تَعْزِيرٌ أَيْضًا كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ أَوْ يَمُوتَ) عَطْفٌ عَلَى يَتُوبَ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَذَ) أَيْ الْقَاطِعُ أَيْ جِنْسُهُ السَّابِقِ بِالْوَاحِدِ وَالْأَكْثَرِ (قَوْلُهُ وَأَصَابَ مِنْهُ كُلًّا نِصَابٌ) أَيْ أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابُ السَّرِقَةِ الصُّغْرَى (قَوْلُهُ إنْ كَانَ صَحِيحَ الْأَطْرَافِ) حَتَّى لَوْ كَانَتْ يُسْرَاهُ شَلَّاءَ لَمْ تُقْطَعْ يَمِينُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى وَلَوْ كَانَ مَقْطُوعَ الْيُمْنَى لَمْ تُقْطَعْ لَهُ يَدٌ وَكَذَا الرِّجْلُ الْيُسْرَى نَهْرٌ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ أَوْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى أَوْ كِلَاهُمَا قَطَعَ كَمَا سَبَقَ فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى مِنْ أَنَّ اسْتِيفَاءَ النَّاقِصِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْكَامِلِ جَائِزٌ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ صَحِيحَ الْأَطْرَافِ غَيْرُ الْمُسْتَحَقَّةِ لِلْقَطْعِ أَوْ الْجَمْعُ لِمَا فَوْقَ الْوَاحِدِ أَوْ يُرَادُ بِالصَّحِيحِ مَا يُقَابِلُ الْمَقْطُوعَ دُونَ الْأَشَلِّ أَفَادَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَفُوتَ نَفْعُهُ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ مِنْ خِلَافٍ ط (قَوْلُهُ فَلِذَا لَا يَعْفُوهُ وَلِيٌّ) أَيْ لِكَوْنِهِ حَدًّا خَالِصَ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَسَعُ فِيهِ عَفْوُ غَيْرِهِ فَمَنْ عَفَا عَنْهُ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فَتْحٌ. قَالَ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَإِنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ يُقْتَلُ قِصَاصًا وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إذَا أَمْكَنَهُ أَخْذُ الْمَالِ فَلَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا وَمَالَ إلَى الْقَتْلِ فَإِنَّا سَنَذْكُرُ فِي نَظِيرِهَا أَنَّهُ يُقْتَلُ قِصَاصًا خِلَافًا لِعِيسَى بْنِ أَبَانَ اهـ وَالْمُرَادُ بِمَا سَيَذْكُرُهُ مَا يَأْتِي أَنَّهُ مِنْ الْغَرَائِبِ. قُلْت: لَكِنْ مَا أَوَّلَ بِهِ عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ بَعِيدٌ وَالْأَقْرَبُ تَأْوِيلُهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ أَيْ النِّصَابَ بَلْ أَخَذَ مَا دُونَهُ، وَتَصِيرُ الْمَسْأَلَةُ حِينَئِذٍ عَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْآتِي أَنَّهَا مِنْ الْغَرَائِبِ (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ إلَخْ) أَيْ فَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 وَبِهَذَا الْحَلِّ يُسْتَغْنَى عَنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ كَمَا لَا يَخْفَى. (وَ) الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ (إنْ قَتَلَ وَأَخَذَ) الْمَالَ خُيِّرَ الْإِمَامُ بَيْنَ سِتَّةِ أَحْوَالٍ: إنْ شَاءَ (قَطَعَ) مِنْ خِلَافٍ (ثُمَّ قَتَلَ أَوْ) قَطَعَ ثُمَّ (صَلَبَ) أَوْ فَعَلَ الثَّلَاثَةَ (أَوْ قَتَلَ) وَصَلَبَ أَوْ قَتَلَ فَقَطْ (وَصَلَبَ فَقَطْ) كَذَا فَصَّلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَيُصْلَبُ (حَيًّا) فِي الْأَصَحِّ وَكَيْفِيَّتُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ (وَيُبْعَجُ) بَطْنُهُ (بِرُمْحٍ) تَشْهِيرًا لَهُ وَيُخَضْخِضُهُ بِهِ (حَتَّى يَمُوتَ وَيُتْرَكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ مَوْتِهِ) ، ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ لِيَدْفِنُوهُ وَ (لَا أَكْثَرَ مِنْهَا) عَلَى الظَّاهِرِ وَعَنْ الثَّانِي يُتْرَكُ حَتَّى يَتَقَطَّعَ (وَبَعْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ مَا فَعَلَ) مِنْ أَخْذِ مَالٍ وَقَتْلٍ وَجَرْحٍ زَيْلَعِيٌّ (وَتَجْرِي الْأَحْكَامُ) الْمَذْكُورَةُ (عَلَى الْكُلِّ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِهِمْ) الْأَخْذَ وَالْقَتْلَ وَالْإِخَافَةَ (وَحَجَرٌ وَعَصًا لَهُمْ كَسَيْفٍ) . (وَ) الْحَالَةُ الْخَامِسَةُ: (إنْ انْضَمَّ إلَى الْجَرْحِ أَخْذٌ قُطِعَ) مِنْ خِلَافٍ (وَهُدِرَ جَرْحُهُ) لِعَدَمِ اجْتِمَاعِ قَطْعٍ وَضَمَانٍ   [رد المحتار] وَالْمُعِينُ سَوَاءٌ قَتَلَ بِسَيْفٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ عَصًا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَبِهَذَا الْحَلِّ) هُوَ قَوْلُهُ بِمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ ح (قَوْلُهُ عَنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ) أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى - {يُحَارِبُونَ اللَّهَ} [المائدة: 33]- وَتَقْدِيرُ الْمُضَافِ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ. اهـ. ح. قُلْت: وَالْأَحْسَنُ عِبَادُ اللَّهِ لِيَشْمَلَ الذِّمِّيَّ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُخَالَفَةُ وَالْعِصْيَانُ سَبَبًا لِلْمُحَارَبَةِ أُطْلِقَتْ الْمُحَارَبَةُ عَلَيْهَا مِنْ إطْلَاقِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ (قَوْلُهُ خُيِّرَ الْإِمَامُ بَيْنَ سِتَّةِ أَحْوَالٍ) تَرَكَ السَّابِعَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْعَقْلِيَّةِ وَهُوَ مَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ. اهـ. ح. أَقُولُ: الْأَقْسَامُ الْعَقْلِيَّةُ عَشَرَةٌ:؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْقَطْعِ، أَوْ الْقَتْلِ أَوْ الصَّلْبِ، أَوْ يَفْعَلَ الثَّلَاثَةَ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ، أَوْ يَفْعَلَ اثْنَيْنِ مِنْهَا الْقَطْعُ ثُمَّ الْقَتْلُ، أَوْ عَكْسُهُ وَالْقَطْعُ، ثُمَّ الصَّلْبُ أَوْ عَكْسُهُ، وَالْقَتْلُ ثُمَّ الصَّلْبُ أَوْ عَكْسُهُ، فَهَذِهِ سِتَّةٌ مَعَ الْأَرْبَعَةِ بِعَشَرَةٍ لَكِنَّ الْقَطْعَ بَعْدَ الْقَتْلِ غَيْرُ مُفِيدٍ كَالزَّانِي إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْجَلْدِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَمِثْلُهُ الْقَطْعُ بَعْدَ الصَّلْبِ (قَوْلُهُ إنْ شَاءَ قَطَعَ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ قَتَلَ) أَيْ بِلَا صَلْبٍ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ وَلِمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الصَّلْبَ (قَوْلُهُ وَيُصْلَبُ حَيًّا) أَيْ فِيمَا إذَا اخْتَارَ الْإِمَامُ صَلْبَهُ أَوْ فِيمَا إذَا قُلْنَا بِلُزُومِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي الْفَتْحِ، أَمَّا فِيمَا إذَا اخْتَارَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ سَابِقًا، وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ فَرْقٌ بَيْنَ الْجَمْعِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الصَّلْبِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَعَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ ثُمَّ يُصْلَبُ تَوَقِّيًا عَنْ الْمُثْلَةِ وَيَأْتِي جَوَابُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَكَيْفِيَّتُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ) وَهِيَ أَنْ تُغْرَزَ خَشَبَةٌ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُرْبَطَ عَلَيْهَا خَشَبَةٌ أُخْرَى عَرْضًا فَيَضَعَ قَدَمَيْهِ عَلَيْهَا وَيُرْبَطَ مِنْ أَعْلَاهَا خَشَبَةٌ أُخْرَى وَيُرْبَطَ عَلَيْهَا يَدَيْهِ (قَوْلُهُ وَيُبْعَجُ بَطْنُهُ بِرُمْحٍ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: ثُمَّ يُطْعَنُ بِالرُّمْحِ ثَدْيُهُ الْأَيْسَرُ وَيُخَضْخَضُ بَطْنُهُ إلَى أَنْ يَمُوتَ، وَفِي الِاخْتِيَارِ تَحْتَ ثَدْيِهِ الْأَيْسَرِ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ فِي الصَّلْبِ مُثْلَةً وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الطَّعْنَ بِالرُّمْحِ مُعْتَادٌ، فَلَا مُثْلَةَ فِيهِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَالصَّلْبُ مَقْطُوعٌ بِشَرْعِيَّتِهِ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْمُثْلَةُ الْخَاصَّةُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ الْمَنْسُوخِ قَطْعًا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ. وَفِيهِ أَيْضًا وَلَا يُصَلَّى عَلَى قَاطِعِ الطَّرِيقِ كَمَا عُلِمَ مِنْ بَابِ الشَّهِيدِ. (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِئَلَّا يَتَأَذَّى النَّاسُ بِرَائِحَتِهِ (قَوْلُهُ مِنْ أَخْذِ مَالٍ) أَيْ إنْ كَانَ هَالِكًا كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ لَا يَضْمَنُ، وَذَلِكَ لِسُقُوطِ عِصْمَتِهِ بِالْقَطْعِ كَمَا مَرَّ فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى، أَمَّا لَوْ كَانَ الْمَالُ بَاقِيًا يَرُدُّهُ إلَى مَالِكِهِ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ وَتَجْرِي الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ) مِنْ حَبْسٍ وَتَعْزِيرٍ أَوْ قَطْعٍ فَقَطْ أَوْ قَتْلٍ فَقَطْ أَوْ تَخْيِيرٍ ط (قَوْلُهُ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْمُحَارَبَةِ وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِأَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ رِدْءًا لِلْبَعْضِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَحَجَرٌ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ كَسَيْفٍ (قَوْلُهُ لَهُمْ) أَيْ لِقُطَّاعِ الطَّرِيقِ احْتِرَازًا عَنْ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِالْقَتْلِ بِحَجَرٍ وَعَصًا لَكِنَّ الْقَتْلَ هُنَا لَيْسَ بِطَرِيقِ الْقِصَاصِ بَلْ هُوَ حَدٌّ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي النَّهْرِ: إنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا مَعْلُومَةٌ مِنْ قَوْلِهِ قُتِلَ حَدًّا إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ زِيَادَةَ الْإِيضَاحِ (قَوْلُهُ إنْ انْضَمَّ إلَى الْجَرْحِ أَخْذٌ) لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلْجَرْحِ ذِكْرٌ، فَالْأَوْلَى تَعْبِيرُ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ أَخَذَ مَالًا وَجَرَحَ قُطِعَ إلَخْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 (وَإِنْ جَرَحَ فَقَطْ) أَيْ لَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ نِصَابًا. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَوْ كَانَ مَعَ هَذَا الْأَخْذِ قَتْلٌ فَلَا حَدَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الْمَالُ وَهِيَ مِنْ الْغَرَائِبِ (أَوْ قَتَلَ عَمْدًا) وَأَخَذَ الْمَالَ (فَتَابَ) قَبْلَ مَسْكِهِ، وَمِنْ تَمَامِ تَوْبَتِهِ رَدُّ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ يَرُدَّهُ قِيلَ لَا حَدَّ (أَوْ كَانَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ) أَوْ أَخْرَسُ (أَوْ) كَانَ (ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ) أَحَدِ (الْمَارَّةِ) أَوْ شَرِيكٌ مُفَاوِضٌ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَإِنْ جَرَحَ فَقَطْ) جَوَابُ الشَّرْطِ قَوْلُهُ الْآتِي فَلَا حَدَّ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ، وَهَذَا شُرُوعٌ فِي سِتِّ مَسَائِلَ لَا حَدَّ فِيهَا وَحَيْثُ سَقَطَ الْحَدُّ يُؤَاخَذُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ مَالٍ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَمْ يَأْخُذْ نِصَابًا) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا أَصْلًا أَوْ أَخَذَ مَا دُونَ النِّصَابِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَخْذُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ هُوَ النِّصَابُ كَانَ مَا دُونَهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يُصِيبَ كُلَّ وَاحِدٍ نِصَابٌ أَيْ إذَا كَانُوا جَمَاعَةً وَمِثْلُ مَا دُونَ النِّصَابِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي لَا قَطْعَ فِيهَا كَالتَّافِهِ، وَمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ مَعَ هَذَا الْأَخْذِ) أَيْ أَخْذِ مَا دُونَ النِّصَابِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يَأْخُذْ نِصَابًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الْمَالُ) أَيْ أَنَّهُ الْمَقْصُودُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ طَعْنِ عِيسَى بْنِ أَبَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَتْلَ وَحْدَهُ يُوجِبُ الْحَدَّ فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ مَعَ الزِّيَادَةِ؟ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَجَوَابُهُ أَنَّ قَصْدَهُمْ الْمَالُ غَالِبًا فَيُنْظَرُ إلَيْهِ لَا غَيْرُ، بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَصَرُوا عَلَى الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ مَقْصِدَهُمْ الْقَتْلُ دُونَ الْمَالِ فَيُحَدُّونَ، فَعُدَّتْ هَذِهِ مِنْ الْغَرَائِبِ اهـ. قُلْت: وَبَيَانُهُ أَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ سُمِّيَ سَرِقَةً كُبْرَى؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْقُطَّاعِ غَالِبًا أَخْذُ الْمَالِ، وَأَمَّا الْقَتْلُ فَإِنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى أَخْذِ الْمَالِ، لَكِنْ إذَا أَخَافُوا فَقَطْ أَوْ قَتَلُوا فَقَدْ رَتَّبَ عَلَيْهِ الشَّرْعُ حَدًّا فَيُتَّبَعُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ الْمَقْصُودُ دُونَ الْمَالِ، أَمَّا إذَا وُجِدَ مَعَ ذَلِكَ أَخْذُ مَالٍ ظَهَرَ أَنَّ مَقْصُودَهُمْ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلُ وَهُوَ الْمَالُ فَحِينَئِذٍ يُنْظَرُ إلَيْهِ، فَإِنْ بَلَغَ نِصَابًا لِكُلٍّ مِنْهُمْ وَجَبَ الْحَدُّ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَإِلَّا فَلَا حَدَّ لِعَدَمِهِ، وَحَيْثُ لَا حَدَّ وَجَبَ مُوجَبُ الْقَتْلِ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ وَوَجَبَ ضَمَانُ الْمَالِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ قَتَلَ عَمْدًا) قَيَّدَ بِالْقَتْلِ لِيُعْلَمَ حُكْمَ أَخْذِ الْمَالِ بِالْأَوْلَى بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَمِنْ تَمَامِ تَوْبَتِهِ رَدُّ الْمَالِ إلَخْ) أَيْ لِيَنْقَطِعَ بِهِ خُصُومَةُ صَاحِبِهِ، وَلَوْ تَابَ وَلَمْ يَرُدَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ. وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقِيلَ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ كَسَائِرِ الْحُدُودِ، وَقِيلَ يَسْقُطُ أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ الْحَدَّ فِي السَّرِقَةِ الْكُبْرَى بِخُصُوصِهَا لِلِاسْتِثْنَاءِ فِي النَّصِّ، فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهَا عَلَى بَاقِي الْحُدُودِ مَعَ مُعَارَضَةِ النَّصِّ فَتْحٌ. وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ الثَّانِي، فَقَوْلُ الشَّارِحِ فَقِيلَ لَا حَدَّ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ ضَعْفَهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ عِنْدَ عَدَمِ التَّقَادُمِ لِمَا فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ: لَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ وَأَخَذَ الْمَالَ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ وَأَقَامَ فِي أَهْلِهِ زَمَانًا ثُمَّ قُدِرَ عَلَيْهِ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَوْفَى مَعَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مُجَرَّدَ التَّرْكِ لَيْسَ تَوْبَةً بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَظْهَرَ عَلَيْهِ سِيمَاهَا الَّتِي لَا تَخْفَى (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ) أَيْ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ قَامَتْ بِالْكُلِّ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا كَانَ فِعْلُ الْبَاقِينَ بَعْضَ الْعِلَّةِ، وَأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ كَالْعَامِدِ وَالْمُخْطِئِ إذَا اشْتَرَكَا فِي الْقَتْلِ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُحَدُّ الْبَاقُونَ لَوْ بَاشَرَ الْعُقَلَاءُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ أَخْرَسُ) أَيْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ) كَانَ تَامَّةٌ وَذُو فَاعِلٌ وَالْمُرَادُ بِهِ أَحَدُ الْقُطَّاعِ، وَقَوْلُهُ مِنْ أَحَدِ الْمَارَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْرَمٍ وَالْعِلَّةُ فِيهِ كَمَا فِيمَا قَبْلَهُ، وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ أَوْ لَا، لَكِنْ لَمْ يَأْخُذُوا إلَّا مِنْ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَمَا إذَا أَخَذُوا مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُحَدُّونِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ. [تَنْبِيهٌ] لَوْ كَانَ فِي الْقَافِلَةِ مُسْتَأْمَنٌ لَا يَمْتَنِعُ الْحَدُّ مَعَ أَنَّ الْقَطْعَ عَلَيْهِ وَحْدَهُ يَمْنَعُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَالْفَرْقُ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْمَنِ إنَّمَا كَانَ لِخَلَلٍ فِي عِصْمَةِ نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَهُوَ أَمْرٌ يَخُصُّهُ، أَمَّا هُنَا فَهُوَ لِخَلَلٍ فِي الْحِرْزِ وَالْقَافِلَةُ حِرْزٌ وَاحِدٌ فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْقَرِيبَ سَرَقَ مَالَ الْقَرِيبِ وَغَيْرَ الْقَرِيبِ مِنْ بَيْتِ الْقَرِيبِ (قَوْلُهُ أَوْ شَرِيكٌ مُفَاوِضٌ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 (أَوْ قَطَعَ بَعْضُ الْمَارَّةِ عَلَى بَعْضٍ أَوْ قَطَعَ) شَخْصٌ (الطَّرِيقَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي مِصْرٍ أَوْ بَيْنَ مِصْرَيْنِ) وَعَنْ الثَّانِي إنْ قَصَدَهُ لَيْلًا مُطْلَقًا أَوْ نَهَارًا بِسِلَاحٍ فَهُوَ قَاطِعٌ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بَحْرٌ وَدُرَرٌ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ (فَلَا حَدَّ) جَوَابٌ لِلْمَسَائِلِ السِّتِّ (وَلِلْوَلِيِّ الْقَوَدُ) فِي الْعَمْدِ (أَوْ الْأَرْشُ) فِي غَيْرِهِ (أَوْ الْعَفْوُ) فِيهَا (الْعَبْدُ فِي حُكْمِ قَطْعِ الطَّرِيقِ كَغَيْرِهِ وَكَذَا الْمَرْأَةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) فَتْحٌ لَكِنَّهَا لَا تُصْلَبُ مُجْتَبًى، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَالدُّرَرِ فِيهِمْ امْرَأَةٌ فَبَاشَرَتْ الْأَخْذَ وَالْقَتْلَ قَتْلُ الرِّجَالِ دُونَهَا هُوَ الْمُخْتَارُ، عَشْرُ نِسْوَةٍ قَطَعْنَ وَأَخَذْنَ وَقَتَلْنَ قُتِلْنَ وَضَمِنَّ الْمَالَ (وَيَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَ دُونَ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا وَيَقْتُلَ مَنْ يُقَاتِلُهُ عَلَيْهِ) لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» فَتْحٌ (وَمَنْ تَكَرَّرَ الْخَنِقُ) بِكَسْرِ النُّونِ (مِنْهُ فِي الْمِصْرِ)   [رد المحتار] أَيْ لَوْ كَانَ فِي الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ شَرِيكٌ مُفَاوِضٌ لِبَعْضِ الْقُطَّاعِ لَا يُحَدُّونَ فَتْحٌ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ شَرِيكَ الْعَنَانِ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَالُ الشَّرِكَةِ مَعَهُ فِي الْقَافِلَةِ أَنَّهُمْ لَا يُحَدُّونَ لِاخْتِلَالِ الْحِرْزِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ قَطَعَ بَعْضُ الْمَارَّةِ) أَيْ الْقَافِلَةَ وَبِهِ عَبَّرَ فِي الْكَنْزِ وَهُوَ أَظْهَرُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْطَعْ؛ لِأَنَّ الْحِرْزَ وَاحِدٌ وَهُوَ الْقَافِلَةُ فَصَارَ كَسَارِقٍ سَرَقَ مَتَاعَ غَيْرِهِ وَهُوَ مَعَهُ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ) وَكَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الِاخْتِيَارِ وَالْفَتْحِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ وَلِلْوَلِيِّ الْقَوَدُ إلَخْ) أَيْ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ لَمْ يَصِيرُوا قُطَّاعًا فَيَضْمَنُونَ مَا فَعَلُوا مِنْ قَتْلِ عَمْدٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ أَوْ جِرَاحَةٍ وَرَدُّ الْمَالِ لَوْ قَائِمًا وَقِيمَتِهِ لَوْ هَالِكًا أَوْ مُسْتَهْلَكًا، فَتَقْيِيدُهُ بِالْقَوَدِ يُعْلَمُ مِنْهُ حُكْمُ الْمَالِ بِالْأَوْلَى، أَوْ يُرَادُ بِالْأَرْشِ مَا يَشْمَلُ ضَمَانَ الْمَالِ، وَالْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ فَيَشْمَلُ صَاحِبَ الْمَالِ، وَيَشْمَلُ الْمَجْرُوحَ أَيْضًا فِي أُولَى الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ. وَبِهِ انْدَفَعَ اعْتِرَاضُ الْبَحْرِ عَلَى الْهِدَايَةِ بِأَنَّ ذَلِكَ لِلْمَجْرُوحِ لَا لِوَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَفْضَى الْجُرْحُ إلَى الْقَتْلِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ اهـ أَيْ لَوْ مَاتَ بِالْجِرَاحَةِ يَرْجِعُ إلَى الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ، وَهِيَ مَا لَوْ قَتَلَ فَقَطْ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَدَّ فَلَا يَكُونُ لِوَلِيِّهِ الْقَوَدُ (قَوْلُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالصَّبِيِّ وَهُوَ ضَعِيفُ الْوَجْهِ مَعَ مُصَادَمَتِهِ لِإِطْلَاقِ الْقُرْآنِ، فَالْعَجَبُ مِمَّنْ عَدَلَ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَصَاحِبِ الدِّرَايَةِ وَالتَّجْنِيسِ وَالْفَتَاوَى الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: هَذَا غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ قُتِلْنَ) أَيْ قِصَاصًا لَا حَدًّا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَضَمِنَّ الْمَالَ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَكُونُ قَاطِعَةَ طَرِيقٍ، قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: هُوَ كَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. اهـ. ح. قُلْت: فَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ عَدَمُ ذِكْرِ هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ لِمُخَالَفَتِهِمَا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَ دُونَ مَالِهِ) أَيْ تَحْتَ مَالِهِ أَوْ فَوْقَهُ أَوْ قُدَّامَهُ أَوْ وَرَاءَهُ، فَإِنَّ لَفْظَ دُونَ يَأْتِي لِمَعَانٍ الْمُنَاسِبُ مِنْهَا مَا ذَكَرْنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى مَالِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا) أَيْ نِصَابَ السَّرِقَةِ وَهُوَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي. وَفِي التَّجْنِيسِ: دَخَلَ اللِّصُّ دَارًا وَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ فَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ مَا دَامَ الْمَتَاعُ مَعَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ» فَإِنْ رَمَى بِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ الْحَدِيثُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا: رَجُلٌ قَتَلَهُ رَبُّ الدَّارِ، فَإِنْ بَرْهَنَ أَنَّهُ كَابَرَهُ فَدَمُهُ هَدَرٌ، وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْتُولُ مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ وَالشَّرِّ قُتِلَ بِهِ قِصَاصًا، وَإِنْ كَانَ مِنْهُمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ أَوْرَثَتْ شُبْهَةً فِي الْقِصَاصِ لَا فِي الْمَالِ. وَفِي الْفَتْحِ أَخَذَ اللُّصُوصُ مَتَاعَ قَوْمٍ فَاسْتَغَاثُوا بِقَوْمٍ فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِمْ، فَإِنْ كَانَ أَرْبَابُ الْمَتَاعِ مَعَهُمْ أَوْ غَابُوا لَكِنْ يَعْرِفُونَ مَكَانَهُمْ وَيَقْدِرُونَ عَلَى رَدِّ الْمَتَاعِ عَلَيْهِمْ حَلَّ لَهُمْ قِتَالُ اللُّصُوصِ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ مَكَانَهُمْ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى الرَّدِّ لَا يَحِلُّ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ بِكَسْرِ النُّونِ) أَيْ كَكَتِفٍ وَتُسَكَّنُ لِلتَّخْفِيفِ وَمِثْلُهُ الْحَلِفُ وَالْحَلْفُ وَفِعْلُهُ مِنْ بَابِ قَتَلَ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمِصْرِ) وَكَذَا فِي غَيْرِهِ كَمَا فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 أَيْ خَنَقَ مِرَارًا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ (قُتِلَ بِهِ) سِيَاسَةً لِسَعْيِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ يُدْفَعُ شَرُّهُ بِالْقَتْلِ (وَإِلَّا) بِأَنْ خَنَقَ مَرَّةً (لَا؛ لِأَنَّهُ كَالْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ) وَفِيهِ الْقَوَدُ عِنْدَ غَيْرِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. -   [رد المحتار] شَرْحِ الشَّلَبِيِّ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَهُوَ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ بَلْ غَيْرُ الْمِصْرِ يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ فِي الْمِصْرِ كَمَا فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ (قَوْلُهُ أَيْ خَنَقَ مِرَارًا) أَرَادَ مَرَّتَيْنِ فَصَاعِدًا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ الْآتِي وَإِلَّا بِأَنْ خَنَقَ مَرَّةً. وَفِي الْبَحْرِ: قَيَّدَ بِتَعَدُّدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَنَقَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَا قَتْلَ عِنْدَ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ سِيَاسَةً) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي حَدِّ الزِّنَا (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ) كَاللُّوطِيِّ وَالسَّاحِرِ وَالْعَوَانِيِّ وَالزِّنْدِيقِ وَالسَّارِقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَائِلِ بَابِ التَّعْزِيرِ (قَوْلُهُ عِنْدَ غَيْرِ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ عِنْدَ صَاحِبَيْهِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا مِنْ بَاقِي الْأَئِمَّةِ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. بِسْمِ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّهِ وَعَبْدِهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَجُنْدِهِ. وَبَعْدُ: فَيَقُولُ مُؤَلِّفُهُ أَفْقَرُ الْعِبَادِ إلَى عَفْوِ مَوْلَاهُ يَوْمَ التَّنَادِ مُحَمَّدٌ أَمِينٌ الشَّهِيرُ بِابْنِ عَابِدِينَ، خَادِمُ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، فِي دِمَشْقَ الشَّامِ الْمَحْمِيَّةِ قَدْ نَجَّزَ تَسْوِيدَ هَذَا النِّصْفِ الْمُبَارَكِ، بِعَوْنِ اللَّهِ جَلَّ وَتَبَارَكَ مِنْ الْحَاشِيَةِ الْمُسَمَّاةِ [رَدَّ الْمُحْتَارِ، عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ] فِي صَفَرِ الْخَيْرِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَأَلْفٍ، مِنْ هِجْرَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ الَّذِي تَمَّ بِهِ الْأُلْفُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرَّفَهُ وَعَظَّمَ، فَجَاءَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى مُكَمِّلًا فَرْعًا وَأَصْلًا، [رَدَّا لِلْمُحْتَارِ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ] اسْمًا وَفِعْلًا، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى تَنْقِيحِ عِبَارَاتِهِ، وَتَوْضِيحِ رُمُوزِهِ وَإِشَارَاتِهِ، وَالِاعْتِنَاءِ بِبَيَانِ مَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ، وَمَا هُوَ مُعْتَرَضٌ وَمُنْتَقَدٌ، وَتَحْرِيرِ الْمَسَائِلِ الْمُشْكِلَةِ، وَالْحَوَادِثِ الْمُعْضِلَةِ، الَّتِي لَمْ يُوَضِّحْ كَثِيرًا مِنْهَا أَحَدٌ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَا سَلَكَ مُهِمَّةَ بَيَانِهَا سَالِكٌ مَشْحُونًا بِذَخَائِرِ زُبُرِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَخُلَاصَةِ كُتُبِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَرَسَائِلِهِمْ الْمُؤَلَّفَةِ فِي الْحَوَادِثِ الْغَرِيبَةِ، الْجَامِعَةِ لِلْفَوَائِدِ الْعَجِيبَةِ كَرَسَائِلِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ نُجَيْمٍ الْأَرْبَعِينَ، وَرَسَائِلِ الْعَلَّامَةِ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ السِّتِّينَ، وَكَثِيرٍ مِنْ رَسَائِلِ الْعَلَّامَةِ عَلِيٍّ الْقَارِي خَاتِمَةِ الرَّاسِخِينَ وَرَسَائِلِ سَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيِّ الْحَبْرِ الْمَتِينِ وَرَسَائِلِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ خَاتِمَةِ الْمُجْتَهِدِينَ. وَحَوَاشِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ وَالْأَشْبَاهِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لِلْفَهَّامَةِ الشَّيْخِ خَيْرِ الدِّينِ، وَفَتَاوِيهِ الْخَيْرِيَّةِ وَفَتَاوَى ابْنِ الشَّلَبِيِّ وَالرَّحِيمِيِّ وَالشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَالْفَتَاوَى الزَّيْنِيَّةِ والتمرتاشية وَالْحَامِدِيَّةِ وَفَتَاوَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُفْتِينَ وَتَحْوِيرَاتِ شُيُوخِنَا وَمَشَايِخِهِمْ الْمُعْتَبَرِينَ، وَمَا مَنَّ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ مِنْ الرَّسَائِلِ الَّتِي نَاهَزَتْ الثَّلَاثِينَ، وَمَا حَرَّرْتُهُ وَنَقَّحْتُهُ فِي كِتَابِي تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ الَّذِي هُوَ بَهْجَةُ النَّاظِرِينَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِ السَّادَةِ الْأَخْيَارِ الْمُعْتَمَدِينَ، مَعَ بَيَانِ مَا وَقَعَ مِنْ سَهْوٍ أَوْ غَلَطٍ فِي كُتُبِ الْفَتَاوَى وَكُتُبِ الشَّارِحِينَ، وَلَا سِيَّمَا مَا وَقَعَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ وَالْأَشْبَاهِ وَالدُّرَرِ وَكُتُبِ الْمُحَشِّينَ، حَتَّى صَارَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى عُمْدَةَ الْمَذْهَبِ، وَالطِّرَازَ الْمُذْهَبَ، وَمَرْجِعَ الْقُضَاةِ وَالْمُفْتِينَ، كَمَا يَعْلَمُهُ مَنْ غَاصَ بِأَفْكَارِهِ فِي تَيَّارِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ، الْخَالِينَ عَنْ دَاءِ الْحَسَدِ الْمُضْنِي لِلْجَسَدِ الصَّادِقِينَ الْمُنْصِفِينَ. فَدُونَك كِتَابًا قَدْ أَعْمَلْتُ فِيهِ الْفِكْرَ، وَأَلْزَمْت فِيهِ الْجَفْنَ السَّهَرَ، وَغَرَسْتُ فِيهِ مِنْ فَنُونِ التَّحْرِيرِ أَفْنَانًا، وَفَتَقْتُ فِيهِ عَنْ عُيُونِ الْمُشْكِلَاتِ أَجْفَانًا، وَأَوْدَعْت فِيهِ مِنْ كُنُوزِ الْفَوَائِدِ، عُقُودَ الدُّرَرِ الْفَرَائِدِ، وَبَسَطْت فِيهِ مِنْ أَنْفَعِ الْمَقَاصِدِ، أَحْسَنَ الْمَوَائِدِ، وَجَلَوْت فِيهِ عَلَى مِنَصَّةِ الْأَنْظَارِ، عَرَائِسَ أَبْكَارِ الْأَفْكَارِ، وَكَشَفْت فِيهِ بِتَوْضِيحِ الْعِبَارَاتِ، قِنَاعَ الْمُخَدَّرَاتِ، وَلَمْ أَكْتَفِ بِتَلْوِيحِ الْإِشَارَاتِ، عَنْ تَنْقِيحِ كَشْفِ تَحْرِيرِ الْخَفِيَّاتِ، فَهُوَ يَتِيمَةُ الدَّهْرِ، وَغَنِيمَةُ أَهْلِ الْعَصْرِ، وَمَا ذَاكَ إلَّا بِمَحْضِ إنْعَامِ الْمَوْلَى، الَّذِي هُوَ بِكُلِّ حَمْدٍ وَشُكْرٍ أَحَقُّ وَأَوْلَى، حَيْثُ أَبْرَزَ هَذِهِ الْجَوَاهِرَ الْمَكْنُونَةَ، وَالدُّرَرَ الْفَرَائِدَ الْمَصُونَةَ، فِي مَيْمُونِ أَيَّامِ خَلِيفَةِ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، الْقَائِمِ بِوَاجِبِ حَقِّهِ وَفَرْضِهِ، رَافِعِ أَلْوِيَةِ الشَّرِيعَةِ الْبَدِيعَةِ وَمُؤَيِّدِهَا، وَمُوَطِّدِ أَبْنِيَتِهَا الْمَنِيعَةِ وَالرَّفِيعَةِ وَمُشَيِّدِهَا، الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، وَالْقَاطِعِ لِدَابِرِ الْكَافِرِينَ بِحَدِّهِ وَاجْتِهَادِهِ، الَّذِي ابْتَسَمَتْ ثُغُورُ الْبِلَادِ بِبَارِقَاتِ مُرْهَفَاتِهِ، وَبَكَتْ عُيُونُ عُيُونِ ذَوِي الْعِنَادِ بِقَاهِرَاتِ عَزَمَاتِهِ، وَأَبْدَعَ نِظَامَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 كِتَابُ الْجِهَادِ   [رد المحتار] كَتَائِبِ الْجُيُوشِ بِآرَائِهِ السَّدِيدَةِ، وَرَفَعَ أَفْئِدَةَ الْأَكَاسِرَةِ الْقَيَاصِرَةِ بِقُوَّةِ بَطْشَتِهِ الشَّدِيدَةِ. يَكَادُ سَنَا بَرْقِ طَلْعَتِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ، وَغُصْنُ رَأْفَتِهِ يَمِيسُ لِينًا كَمَيْسِ الْأَغْصَانِ ذَاتِ الْأَزْهَارِ، وَتَكَادُ صَوَاعِقُ سَطْوَتِهِ تُزِيحُ صُمَّ الْجِبَالِ، وَمَوَاكِبُ كَتَائِبِ حَوْزَتِهِ تُفْتِي عَدَدَ الرِّمَالِ، مَنْ أَنَامَ الْأَنَامَ فِي أَيَّامِهِ فِي ظِلِّ الْأَمَانِ، وَرَعَى الرَّعِيَّةَ فِي مَرَاعِي الرِّعَايَةِ وَالْإِحْسَانِ، وَأَنَارَ بِنَوَارِ رِيَاضِ أَمْنِهِ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ فَضَاءَ فَضَاءَ صُدُورِهِمْ بِنُورِ الْيَقِينِ، وَأَزَاحَ غُيُومَ غُمُومِهِمْ بِرَدْعِ الْمُشْرِكِينَ، فَلَاحَ فَلَاحُ قُلُوبِهِمْ لِأَعْيُنِ النَّاظِرِينَ، رَاحَ وَرَاحُ غَفَلَاتِهِمْ بِإِيقَاظِ النَّائِمِينَ، فَصَاحَ فَصَاحُ أَلْسِنَتُهُمْ بِالدُّعَاءِ لَهُ كُلَّ حِينٍ: خَلِيفَةٌ خَلَفَتْ أَنْوَارُ غُرَّتِهِ ... شَمْسَ الضُّحَى وَنَدَاهُ يُخْلِفُ الدِّيَمَا سَالَتْ فَوَاضِلُهُ لِلْمُعْتَفِي نِعَمًا ... صَالَتْ نَوَاضِلُهُ لِلْمُعْتَدِي نِقَمَا السُّلْطَانُ الْأَعْظَمُ، وَالْخَاقَانُ الْأَفْخَمُ، تَاجُ مُلُوكِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، ظِلُّ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ لِلْأُمَمِ، مَحْمُودُ الذَّاتِ، مَمْدُوحُ الصِّفَاتِ، لَا زَالَتْ دَعَائِمُ سَلْطَنَتِهِ قَائِمَةً، وَعُيُونُ الْحَوَادِثِ عَنْهَا نَائِمَةً، وَلَا بَرِحَتْ رِيَاضُ عِزَّتِهِ مُخْضَرَّةً بِدِيَمِ الدَّيْمُومَةِ وَالْأُبُودِ، وَرَيَاحِينُ ذُرِّيَّتِهِ رَيَّانَةً بِطَلَاوَةِ التَّأْبِيدِ وَالْخُلُودِ، وَلَا زَالَتْ أَعْيَانُ دَوْلَتِهِ مِنْ عُلَمَائِهِ وَقُضَاتِهِ وَوُزَرَائِهِ، يُزِيلُ نِبْرَاسُ آرَائِهِمْ دُجَى الْجَوْرِ بِسَنَاهُ وَسَنَائِهِ، وَلَا فَتِئَتْ نُجُومُ جُنُودِهِ السَّاطِعَةُ فِي أَفْلَاكِ سَمَائِهِ، شُهُبًا ثَوَاقِبَ عَلَى مَرَدَةِ أَعْدَائِهِ، آمِينَ آمِينَ آمِينَ. وَهَذَا، وَقَدْ نُجِّزَ هَذَا السِّفْرُ الْمُسَفَّرُ، عَنْ رَوْضٍ أَرِيضٍ مُزْهِرٍ، مُقَابَلَةً وَتَصْحِيحًا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، سِوَى مَا شَذَّ بِعُرُوضِ سَهْوٍ أَوْ نِسْيَانٍ، لَا تَخْلُو عَنْهُ جِبِلَّةُ الْإِنْسَانِ، وَذَلِكَ بِرَسْمِ مَنْ أَمَرَ بِاسْتِكْتَابِهِ، رَغْبَةً فِي نَيْلِ رِضَا مَوْلَاهُ وَثَوَابِهِ الْإِمَامُ الْهُمَامُ، عَلِيُّ الْقَدْرِ وَالْمَقَامِ، مَنْ امْتَطَى الْجَوْزَاءَ بِزِمَامٍ وَصَالَ فِي مَوَاكِبِ الْعِزِّ وَحَامَ، وَاشْتَهَرَ اشْتِهَارَ الْبَدْرِ فِي الظَّلَامِ، قَاضِي قُضَاةِ الْإِسْلَامِ، مُنَفِّذِ الْقَضَايَا وَالْأَحْكَامِ بِالْإِتْقَانِ وَالْإِحْكَامِ، ذِي الْخَيْرَاتِ الْحَمِيدَةِ، وَالْمَآثِرِ الْفَرِيدَةِ الَّتِي لَا تُرَامُ، مَوْلَانَا عَبْدُ الْحَمِيدِ أَفَنْدِي كَجّه جى زَادَهْ الْقَاضِي سَابِقًا بِدِمَشْقَ الشَّامِ، دَامَ فِي عِزٍّ وَإِنْعَامٍ، وَمَجْدٍ وَاحْتِرَامٍ، بِجَاهِ مَنْ هُوَ لِلْأَنْبِيَاءِ خِتَامٌ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ السَّادَةِ الْكِرَامِ، عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ، فِي الْبَدْءِ وَالْخِتَامِ. وَلِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ آمِينَ آمِينَ آمِينَ. [كِتَابُ الْجِهَادِ] ِ هَذَا الْكِتَابُ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالسِّيَرِ وَالْجِهَادِ وَالْمَغَازِي فَالسِّيَرُ جَمْعُ سِيرَةٍ وَهِيَ فِعْلَةٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ مِنْ السَّيْرِ، فَتَكُونُ لِبَيَانِ هَيْئَةِ السَّيْرِ، وَحَالَتِهِ إلَّا أَنَّهَا غَلَبَتْ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ عَلَى أُمُورِ الْمَغَازِي، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا كَالْمَنَاسِكِ عَلَى أُمُورِ الْحَجِّ وَقَالُوا السِّيَرُ الْكَبِيرُ، فَوَصَفُوهَا بِصِفَةِ الْمُذَكَّرِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْمُضَافِ الَّذِي هُوَ الْكِتَابُ كَقَوْلِهِمْ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَسِيَرُ الْكَبِيرِ خَطَأٌ كَجَامِعِ الصَّغِيرِ وَجَامِعِ الْكَبِيرِ بَحْرٌ. مَطْلَبٌ فِي فَضْلِ الْجِهَادِ قُلْت: وَالسِّيَرُ الْكَبِيرُ وَالسِّيَرُ الصَّغِيرُ كِتَابَانِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى صِيغَةِ جَمْعِ سِيرَةٍ لَا عَلَى صِيغَةِ الْمُفْرَدِ. هَذَا وَفَضْلُ الْجِهَادِ عَظِيمٌ، كَيْفَ وَحَاصِلُهُ بَذْلُ أَعَزِّ الْمَحْبُوبَاتِ وَهُوَ النَّفْسُ وَإِدْخَالُ أَعْظَمِ الْمَشَقَّاتِ عَلَيْهِ تَقَرُّبًا بِذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَشَقُّ مِنْهُ قَصْرُ النَّفْسِ عَلَى الطَّاعَاتِ عَلَى الدَّوَامِ، وَمُجَانَبَةُ هَوَاهَا وَلِذَا «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 أَوْرَدَهُ بَعْدَ الْحُدُودِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ، وَوَجْهُ التَّرَقِّي غَيْرُ خَفِيٍّ.   [رد المحتار] وَقَدْ رَجَعَ مِنْ غَزَاةٍ رَجَعْنَا مِنْ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ» وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَهُ فِي الْفَضِيلَةِ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى وَقْتِهَا فِي حَدِيثِ «ابْنِ مَسْعُودٍ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى مِيقَاتِهَا. قُلْت: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قُلْت: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَجَاءَ تَأْخِيرُهُ عَنْ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ إيمَانٌ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ. قِيلَ ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قِيلَ ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ حَجٌّ مَبْرُورٌ» وَيَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ كُلٌّ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مُرَادَةً بِلَفْظِ الْإِيمَانِ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ. وَلَا تَرَدُّدَ فِي أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى أَدَاءِ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِهَا أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ؛ لِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ وَتَتَكَرَّرُ وَلِأَنَّ الْجِهَادَ لَيْسَ إلَّا لِلْإِيمَانِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، فَكَانَ حَسَنًا لِغَيْرِهِ وَالصَّلَاةُ حَسَنَةٌ لِعَيْنِهَا وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ مِنْهُ وَتَمَامُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ مَعَ مَا وَرَدَ فِي فَضْلِ الْجِهَادِ الْمَذْكُورِ فِي الْفَتْحِ. مَطْلَبٌ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى فَرَائِضِ الصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِهَا أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ قُلْت: وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ حَيْثُ قَالَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْجِهَادَ فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنْ الْجِهَادِ إلَّا الْفَرَائِضَ» يُرِيدُ بِهِ الْفَرَائِضَ الَّتِي تَثْبُتُ فَرِيضَتُهَا عَيْنًا وَهِيَ الْأَرْكَانُ الْخَمْسَةُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ آكَدُ مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَالثَّوَابُ بِحَسَبِ آكَدِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ، فَلِهَذَا اسْتَثْنَى الْفَرَائِضَ. مَطْلَبٌ فِي تَكْفِيرِ الشَّهَادَةِ مَظَالِمَ الْعِبَادِ ثُمَّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ فِي أَنَّ الشَّهِيدَ تُكَفَّرُ خَطَايَاهُ إلَّا الدَّيْنَ وَقَالَ إذَا كَانَ مُحْتَسِبًا صَابِرًا مُقْبِلًا قَالَ: وَفِيهِ بَيَانُ شِدَّةِ الْأَمْرِ فِي مَظَالِمِ الْعِبَادِ، وَقِيلَ كَانَ هَذَا فِي الِابْتِدَاءِ حِينَ نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الِاسْتِدَانَةِ لِقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِمْ وَعَجْزِهِمْ عَنْ قَضَائِهِ، وَلِهَذَا كَانَ لَا يُصَلِّي عَلَى مَدْيُونٍ لَمْ يُخَلِّفْ مَالًا ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا أَوْ عِيَالًا فَهُوَ عَلَيَّ» وَوَرَدَ نَظِيرُهُ فِي الْحَجِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا لِأُمَّتِهِ بِعَرَفَاتٍ، فَاسْتُجِيبَ لَهُ إلَّا الْمَظَالِمَ ثُمَّ دَعَا بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ حَتَّى الْمَظَالِمِ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُخْبِرُهُ أَنَّهُ تَعَالَى يَقْضِي عَنْ بَعْضِهِمْ حَقَّ الْبَعْضِ» فَلَا يَبْعُدُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الشَّهِيدِ الْمَدْيُونِ. مَطْلَبٌ فِيمَنْ يُرِيدُ الْجِهَادَ مَعَ الْغَنِيمَةِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَجُلٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ يُرِيدُ عَرَضَ الدُّنْيَا، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا أَجْرَ لَهُ» الْحَدِيثَ. قَالَ: ثُمَّ تَأْوِيلُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرَى أَنَّهُ يُرِيدُ الْجِهَادَ وَمُرَادُهُ فِي الْحَقِيقَةِ الْمَالُ، فَهَذَا كَانَ حَالُ الْمُنَافِقِينَ وَلَا أَجْرَ لَهُ، أَوْ يَكُونَ مُعْظَمُ مَقْصُودِهِ الْمَالَ وَفِي مِثْلِهِ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِي اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْجِهَادِ بِدِينَارَيْنِ إنَّمَا لَك دِينَارَاكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» وَأَمَّا إذَا كَانَ مُعْظَمُ مَقْصُودِهِ الْجِهَادَ، وَيَرْغَبُ مَعَهُ فِي الْغَنِيمَةِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْله تَعَالَى - {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198]- يَعْنِي التِّجَارَةَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ فَكَمَا أَنَّهُ لَا يُحْرَمُ ثَوَابَ الْحَجِّ فَكَذَا الْجِهَادُ (قَوْلُهُ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ) وَهُوَ إخْلَاءُ الْأَرْضِ مِنْ الْفَسَادِ ح (قَوْلُهُ وَوَجْهُ التَّرَقِّي) أَيْ مِنْ الْحُدُودِ إلَى الْجِهَادِ (قَوْلُهُ غَيْرُ خَفِيٍّ) ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 وَهُوَ لُغَةً: مَصْدَرُ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَشَرْعًا: الدُّعَاءُ إلَى الدِّينِ الْحَقِّ وَقِتَالُ مَنْ لَمْ يَقْبَلْهُ شُمُنِّيٌّ. وَعَرَّفَهُ ابْنُ الْكَمَالِ بِأَنَّهُ بَذْلُ الْوُسْعِ فِي الْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مُبَاشَرَةً أَوْ مُعَاوَنَةً بِمَالٍ، أَوْ رَأْيٍ أَوْ تَكْثِيرِ سَوَادٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. اهـ. . وَمِنْ تَوَابِعِهِ: الرِّبَاطُ وَهُوَ الْإِقَامَةُ فِي مَكَان لَيْسَ وَرَاءَهُ إسْلَامٌ هُوَ الْمُخْتَارُ وَصَحَّ " أَنَّ صَلَاةَ الْمُرَابِطِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَدِرْهَمَهُ بِسَبْعِمِائَةٍ وَإِنْ مَاتَ فِيهِ أُجْرِيَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَرِزْقُهُ   [رد المحتار] إخْلَاءٌ عَنْ الْفِسْقِ وَالْجِهَادَ إخْلَاءٌ عَنْ الْكُفْرِ ح (قَوْلُهُ مَصْدَرُ جَاهَدَ) أَيْ بَذَلَ وُسْعَهُ وَهَذَا عَامٌّ يَشْمَلُ الْمُجَاهِدَ بِكُلِّ أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ، وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ ح. قُلْت: فَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ مَعْنَاهُ لُغَةً بَلْ بَيَّنَ تَصْرِيفَهُ (قَوْلُهُ وَقِتَالُ مَنْ لَمْ يَقْبَلْهُ) أَيْ قِتَالُهُ مُبَاشَرَةً أَوْ لَا فَتَعْرِيفُ ابْنِ كَمَالٍ تَفْصِيلٌ لِإِجْمَالِ هَذَا ح (قَوْلُهُ فِي الْقِتَالِ) أَيْ فِي أَسْبَابِهِ وَأَنْوَاعِهِ مِنْ ضَرْبٍ وَهَدْمٍ وَحَرْقٍ وَقَطْعِ أَشْجَارٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَوْ مُعَاوَنَةً إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهُمْ بِدَلِيلِ الْعَطْفِ ط (قَوْلُهُ أَوْ تَكْثِيرِ سَوَادٍ) السَّوَادُ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ وَسَوَادُ الْمُسْلِمِينَ جَمَاعَتُهُمْ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) كَمُدَاوَاةِ الْجَرْحَى وَتَهْيِئَةِ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ ط. مَطْلَبٌ فِي الرِّبَاطِ وَفَضْلِهِ (قَوْلُهُ وَمِنْ تَوَابِعِهِ الرِّبَاطُ إلَخْ) قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ: وَالْمُرَابَطَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ: عِبَارَةٌ عَنْ الْمَقَامِ فِي ثَغْرِ الْعَدُوِّ لِإِعْزَازِ الدِّينِ وَدَفْعِ شَرِّ الْمُشْرِكِينَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنْ رَبَطَ الْخَيْلَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60]- وَالْمُسْلِمُ يَرْبِطُ خَيْلَهُ حَيْثُ يَسْكُنُ مِنْ الثَّغْرِ لِيُرْهِبَ الْعَدُوَّ بِهِ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُهُ عَدُوُّهُ وَلِهَذَا سُمِّيَ مُرَابِطَةً اهـ وَاشْتَرَطَ الْإِمَامُ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْوَطَنِ وَنَظَرَ فِيهِ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ وَطَنَهُ وَيَنْوِي بِالْإِقَامَةِ فِيهِ دَفْعَ الْعَدُوِّ وَمِنْ ثَمَّ اخْتَارَ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ سُكْنَى الثُّغُورِ (قَوْلُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ) ؛ لِأَنَّ مَأْذُونَهُ لَوْ كَانَ رَابِطًا فَكُلُّ الْمُسْلِمِينَ فِي بِلَادِهِمْ مُرَابِطُونَ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. قُلْت: لَكِنْ لَوْ كَانَ الثَّغْرُ الْمُقَابِلُ لِلْعَدُوِّ لَا تَحْصُلُ بِهِ كِفَايَةُ الدَّفْعِ إلَّا بِثَغْرٍ وَرَاءَهُ فَهُمَا رِبَاطٌ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ وَصَحَّ إلَخْ) هَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْفَتْحِ حَدِيثًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِهِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَإِنْ مَاتَ فِيهِ أُجْرِيَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ» زَادَ الطَّبَرَانِيُّ «وَبُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَهِيدًا» وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدِ ثِقَاتٍ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ «مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا أَمِنَ الْفَزَعَ الْأَكْبَرَ» وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَبَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آمِنًا مِنْ الْفَزَعِ» وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إنَّ صَلَاةَ الْمُرَابِطِ تَعْدِلُ خَمْسَمِائَةِ صَلَاةٍ وَنَفَقَتَهُ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ مِنْهُ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِمِائَةِ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ فِي غَيْرِهِ» . اهـ. (قَوْلُهُ «أُجْرِيَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَرِزْقُهُ» ) قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَقَوْلُهُ: «أُجْرِيَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ» نَمَّى لَهُ عَمَلَهُ، وَذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى - {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100]- وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ مَاتَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ كُتِبَ لَهُ حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ» فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ أَيْضًا فِي كُلِّ مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا أَنَّهُ يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْمُرَابِطِ إلَى فَنَاءِ الدُّنْيَا فِيمَا يُجْرَى لَهُ مِنْ الثَّوَابِ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ اسْتِدَامَةُ الرِّبَاطِ لَوْ بَقِيَ حَيًّا إلَى فَنَاءِ الدُّنْيَا وَالثَّوَابُ بِحَسَبِ النِّيَّةِ. اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 وَأَمِنَ الْفَتَّانَ وَبُعِثَ شَهِيدًا آمِنًا مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ " وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) كُلُّ مَا فُرِضَ لِغَيْرِهِ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ إذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْبَعْضِ،   [رد المحتار] قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِإِجْرَاءِ الْعَمَلِ دَوَامُ ثَوَابِ الرِّبَاطِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ «وَمَنْ قُتِلَ مُجَاهِدًا أَوْ مَاتَ مُرَابِطًا فَحَرَامٌ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ لَحْمَهُ وَدَمَهُ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الدُّنْيَا، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَحَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَزَوْجَتَهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ وَحَتَّى يَشْفَعَ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَيُجْرَى لَهُ أَجْرُ الرِّبَاطِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا يَكُونُ حَيًّا فِي قَبْرِهِ كَالشَّهِيدِ وَبِهِ يَظْهَرُ مَعْنَى إجْرَاءِ رِزْقِهِ عَلَيْهِ. مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ مَنْ يُجْرَى عَلَيْهِمْ الْأَجْرُ بَعْدَ الْمَوْتِ [تَنْبِيهٌ] قَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى قَدْ نَظَمَ شَيْخُنَا الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاقِي الْحَنْبَلِيُّ الْمُحَدِّثُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِمَّنْ يَجْرِي عَلَيْهِ الْأَجْرُ بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ وَأَصْلِهَا لِلْحَافِظِ الْأَسْيُوطِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ: إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ جَاءَ يَجْرِي ... عَلَيْهِ الْأَجْرُ عُدَّ ثَلَاثَ عَشَرَ عُلُومٌ بَثَّهَا وَدُعَاءُ نَجْلٍ ... وَغَرْسُ النَّخْلِ وَالصَّدَقَاتُ تَجْرِي وِرَاثَةُ مُصْحَفٍ وَرِبَاطُ ثَغْرٍ ... وَحَفْرُ الْبِئْرِ أَوْ إجْرَاءُ نَهْرِ وَبَيْتٌ لِلْغَرِيبِ بَنَاهُ يَأْوِي ... إلَيْهِ أَوْ بِنَاءُ مَحَلِّ ذِكْرِ وَتَعْلِيمٌ لِقُرْآنٍ كَرِيمٍ ... شَهِيدٌ لِلْقِتَالِ لِأَجْلِ بِرِّ كَذَا مَنْ سَنَّ صَالِحَةً لِيُقْفَى ... فَخُذْهَا مِنْ أَحَادِيثَ بِشَعْرِ مَطْلَبٌ الْمُرَابِطُ لَا يُسْأَلُ فِي الْقَبْرِ كَالشَّهِيدِ (قَوْلُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ) ضُبِطَ أَمِنَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ بِلَا وَاوٍ وَأُومِنَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبِزِيَادَةِ وَاوٍ وَضُبِطَ الْفَتَّانُ بِفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ فَتَّانُ الْقَبْرِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فِي سُنَنِهِ «وَأَمِنَ مِنْ فَتَّانَيْ الْقَبْرِ» وَبِضَمِّهَا جَمْعُ فَاتِنٍ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَتَكُونُ لِلْجِنْسِ أَيْ كُلِّ ذِي فِتْنَةٍ. قُلْت: أَوْ الْمُرَادُ فَتَّانُ الْقَبْرِ مِنْ إطْلَاقِ صِفَةِ الْجَمْعِ عَلَى اثْنَيْنِ أَوْ عَلَى أَنَّهُمْ أَكْثَرُ مِنْ اثْنَيْنِ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ فَتَّانَ الْقَبْرِ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ وَقَدْ اسْتَدَلَّ غَيْرُ وَاحِدٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْمُرَابِطَ لَا يُسْأَلُ فِي قَبْرِهِ كَالشَّهِيدِ عَلْقَمِيٌّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَلَيْسَ بِتَطَوُّعٍ أَصْلًا هُوَ الصَّحِيحُ فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَبْعَثَ سَرِيَّةً إلَى دَارِ الْحَرْبِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَعَلَى الرَّعِيَّةِ إعَانَتُهُ إلَّا إذَا أَخَذَ الْخَرَاجَ فَإِنْ لَمْ يَبْعَثْ كَانَ كُلُّ الْإِثْمِ عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُكَافِئُهُمْ وَإِلَّا فَلَا يُبَاحُ قِتَالُهُمْ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الزَّاهِدِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْبَعْضِ) هَذَا الْقَيْدُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِئَلَّا يُنْتَقَضَ بِالنَّفِيرِ الْعَامِّ فَإِنَّهُ مَعَهُ مَفْرُوضٌ لِغَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَعْضِ نَهْرٌ. قُلْت: يَعْنِي أَنَّهُ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى مَنْ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ وَهُوَ دَفْعُ الْعَدُوِّ فَمَنْ كَانَ بِحِذَاءِ الْعَدُوِّ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُمْ مُدَافَعَتُهُ يُفْتَرَضُ عَيْنًا عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ، وَهَكَذَا كَمَا سَيَأْتِي، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا عِنْدَ هُجُومِ الْعَدُوِّ أَوْ عِنْدَ خَوْفِ هُجُومِهِ وَكُلًّا مِنَّا فِي فَرِيضَتِهِ ابْتِدَاءً، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فَرْضَ عَيْنٍ إلَّا إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ قِلَّةٌ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 وَإِلَّا فَفَرْضُ عَيْنٍ وَلَعَلَّهُ قَدَّمَ الْكِفَايَةَ لِكَثْرَتِهِ (ابْتِدَاءً) وَإِنْ لَمْ يَبْدَءُونَا وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: - {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191] وَتَحْرِيمُهُ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فَمَنْسُوخٌ بِالْعُمُومَاتِ كَ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] (إنْ قَامَ بِهِ الْبَعْضُ) وَلَوْ عَبِيدًا أَوْ نِسَاءً (سَقَطَ عَنْ الْكُلِّ وَإِلَّا) يَقُمْ بِهِ أَحَدٌ فِي زَمَنٍ مَا (أَثِمُوا بِتَرْكِهِ) أَيْ أَثِمَ الْكُلُّ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ،   [رد المحتار] تَعَالَى بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُومَ بِهِ بَعْضُهُمْ، فَحِينَئِذٍ يُفْتَرَضُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَيْنًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُ قَدَّمَ الْكِفَايَةَ) أَيْ الَّذِي هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى فَرْضِ الْعَيْنِ وَهُوَ الْآتِي فِي قَوْلِهِ وَفَرْضُ عَيْنٍ إنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ (قَوْلُهُ لِكَثْرَتِهِ) أَيْ كَثْرَةِ وُقُوعِهِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ ابْتِدَاءً، وَعَلَى عَدَمِ تَقْيِيدِهِ بِغَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْقِتَالِ نَزَلَ مُرَتَّبًا فَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَأْمُورًا أَوَّلًا بِالتَّبْلِيغِ، وَالْإِعْرَاضِ: - {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94]- ثُمَّ بِالْمُجَادَلَةِ بِالْأَحْسَنِ - {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل: 125] الْآيَةَ - ثُمَّ أُذِنَ لَهُمْ بِالْقِتَالِ - {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} [الحج: 39]- الْآيَةَ، ثُمَّ أُمِرُوا بِالْقِتَالِ إنْ قَاتَلُوهُمْ - {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191]- ثُمَّ أُمِرُوا بِهِ بِشَرْطِ انْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ - {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]- ثُمَّ أُمِرُوا بِهِ مُطْلَقًا - {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 190] الْآيَةَ - وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا سَرَخْسِيٌّ مُلَخَّصًا يَعْنِي فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ وَالْأَمَاكِنِ، سِوَى الْحَرَمِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ لَا يُبْتَدَأَ بِهِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ اهـ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: سِوَى الْحَرَمِ إذَا لَمْ يَدْخُلُوا فِيهِ لِلْقِتَالِ فَلَوْ دَخَلُوهُ لِلْقِتَالِ حَلَّ قِتَالُهُمْ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة: 191] وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ السِّيَرِ (قَوْلُهُ إنْ قَامَ بِهِ الْبَعْضُ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَقَعَتْ مَوْقِعَ التَّفْسِيرِ لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ فَتْحٌ. مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ فَرْضِ الْعَيْنِ وَفَرْضِ الْكِفَايَةِ وَحَاصِلُهُ: أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ مَا يَكْفِي فِيهِ إقَامَةُ الْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ مَجْمُوعِ الْمُكَلَّفِينَ كَتَغْسِيلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ وَرَدِّ السَّلَامِ بِخِلَافِ فَرْضِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ إقَامَتُهُ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ أَيْ مِنْ كُلِّ ذَاتٍ مُكَلَّفَةٍ بِعَيْنِهَا، فَلَا يَكْفِي فِيهِ فِعْلُ الْبَعْضِ عَنْ الْبَاقِينَ، وَلِذَا كَانَ أَفْضَلَ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْعِنَايَةَ بِهِ أَكْثَرُ ثُمَّ إنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْعَالِمِينَ بِهِ سَوَاءٌ كَانُوا كُلَّ الْمُسْلِمِينَ شَرْقًا وَمَغْرِبًا أَوْ بَعْضَهُمْ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ. وَفِيهِ رَمْزٌ إلَى أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَالِمِينَ بِهِ بِطَرِيقِ الْبَدَلِ، وَقِيلَ: إنَّهُ فَرْضٌ عَلَى بَعْضٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَالْأَوَّلُ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَى الْبَعْضِ، لَكَانَ الْآثِمُ بَعْضًا مُبْهَمًا، وَذَا غَيْرُ مَقْبُولٍ وَإِلَى أَنَّهُ قَدْ يَصِيرُ بِحَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ، وَبِحَيْثُ يَجِبُ عَلَى بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، فَإِنْ ظَنَّ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ أَنَّ غَيْرَهُمْ قَدْ فَعَلُوا سَقَطَ الْوَاجِبُ عَنْ الْكُلِّ؛ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ أَنْ لَا يَقُومَ بِهِ أَحَدٌ وَإِنْ ظَنَّ كُلُّ طَائِفَةٍ أَنَّ غَيْرَهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا وَجَبَ عَلَى الْكُلِّ، وَإِنْ ظَنَّ الْبَعْضُ أَنَّ غَيْرَهُمْ أَتَى بِهِ وَظَنَّ آخَرُونَ أَنَّ غَيْرَهُمْ مَا أَتَى بِهِ وَجَبَ عَلَى الْآخَرِينَ دُونَ الْأَوَّلِينَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوُجُوبَ هَهُنَا مَنُوطٌ بِظَنِّ الْمُكَلَّفِ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْعِلْمِ بِفِعْلِ الْغَيْرِ وَعَدَمِهِ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ فِي حَيِّزِ التَّعَسُّرِ، فَالتَّكْلِيفُ بِهِ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ وَتَمَامُهُ فِي مَنَاهِجِ الْعُقُولِ وَإِلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْجَاهِلِ بِهِ وَمَا فِي حَوَاشِي الْكَشَّافِ لِلْفَاضِلِ التَّفْتَازَانِيُّ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا فَمُخَالِفٌ لِلْمُتَدَاوَلَاتِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي زَمَنٍ مَا) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ فِي أَيِّ زَمَنٍ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ط لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكْفِي فِعْلُهُ فِي سَنَةٍ عَنْ سَنَةٍ أُخْرَى (قَوْلُهُ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ) أَيْ الْعَالِمِينَ بِهِ كَمَا مَرَّ وَنَظِيرُهُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَةٍ مُسَافِرِينَ فِي مَفَازَةٍ، فَإِنَّمَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ كِفَايَةً عَلَى بَاقِي رُفَقَائِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 وَإِيَّاكَ أَنْ تَتَوَهَّمَ أَنَّ فَرْضِيَّتَهُ تَسْقُطُ عَنْ أَهْلِ الْهِنْدِ بِقِيَامِ أَهْلِ الرُّومِ مَثَلًا بَلْ يُفْرَضُ عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ الْعَدُوِّ إلَى أَنْ تَقَعَ الْكِفَايَةُ فَلَوْ لَمْ تَقَعْ إلَّا بِكُلِّ النَّاسِ فُرِضَ عَيْنًا كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَمِثْلُهُ الْجِنَازَةُ وَالتَّجْهِيزُ وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ (لَا) يُفْرَضُ (عَلَى صَبِيٍّ) وَبَالِغٍ لَهُ أَبَوَانِ   [رد المحتار] الْعَالِمِينَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ (قَوْلُهُ وَإِيَّاكَ إلَخْ) كَذَا فِي شَرْحِ ابْنِ كَمَالٍ وَمِثْلُهُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ (قَوْلُهُ بِقِيَامِ أَهْلِ الرُّومِ مَثَلًا) إذْ لَا يَنْدَفِعُ بِقِتَالِهِمْ الشَّرُّ عَنْ الْهُنُودِ الْمُسْلِمِينَ نَهْرٌ عَنْ الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا وقَوْله تَعَالَى - {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: 123]- يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى أَهْلِ كُلِّ قُطْرٍ، ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ - وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ يَلِي الْكُفَّارَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى الْكِفَايَةِ فَلَا يَسْقُطُ بِقِيَامِ الرُّومِ عَنْ أَهْلِ الْهِنْدِ، وَأَهْلِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ مَثَلًا كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَدَائِعِ. وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُخْلِيَ ثَغْرًا مِنْ الثُّغُورِ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ غَنَاءٌ وَكِفَايَةٌ، لِقِتَالِ الْعَدُوِّ فَإِنْ قَامُوا بِهِ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ، وَإِنْ ضَعُفَ أَهْلُ ثَغْرٍ عَنْ مُقَاوَمَةِ الْكَفَرَةِ وَخِيفَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَدُوِّ، فَعَلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ أَنْ يَنْفِرُوا إلَيْهِمْ، وَأَنْ يُمِدُّوهُمْ بِالسِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَالْمَالِ لِمَا ذَكَرْنَا إنَّهُ فَرْضٌ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ، وَلَكِنْ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُمْ لِحُصُولِ الْكِفَايَةِ بِالْبَعْضِ فَمَا لَمْ يَحْصُلْ لَا يَسْقُطُ اهـ. قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ خِيفَ هُجُومُ الْعَدُوِّ مِنْهُ فُرِضَ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ حِفْظُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا فُرِضَ عَلَى الْأَقْرَبِ إلَيْهِمْ إعَانَتُهُمْ إلَى حُصُولِ الْكِفَايَةِ بِمُقَاوَمَةِ الْعَدُوِّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَسْأَلَتِنَا وَهِيَ قِتَالُنَا لَهُمْ ابْتِدَاءً فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بَلْ يُفْرَضُ عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ إلَخْ) أَيْ يُفْرَضُ عَلَيْهِمْ عَيْنًا وَقَدْ يُقَالُ كِفَايَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَامَ بِهِ الْأَبْعَدُ حَصَلَ الْمَقْصُودُ فَيَسْقُطُ عَنْ الْأَقْرَبِ، لَكِنْ هَذَا ذَكَرَهُ فِي الدُّرَرِ فِيمَا لَوْ هَجَمَ الْعَدُوُّ وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ وَفَرْضُ عَيْنٍ إنْ هَجَمُوا عَلَى ثَغْرٍ مِنْ ثُغُورِ الْإِسْلَامِ، فَيَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى مَنْ قَرُبَ مِنْهُمْ، وَهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْجِهَادِ وَنَقَلَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْجِهَادَ إذَا جَاءَ النَّفِيرُ إنَّمَا يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى مَنْ يَقْرُبُ مِنْ الْعَدُوِّ، فَأَمَّا مَنْ وَرَاءَهُمْ بِبُعْدٍ مِنْ الْعَدُوِّ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يَسَعُهُمْ تَرْكُهُ إذَا لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِمْ فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِمْ بِأَنْ عَجَزَ مَنْ كَانَ يَقْرُبُ مِنْ الْعَدُوِّ عَنْ الْمُقَاوَمَةِ مَعَ الْعَدُوِّ أَوْ لَمْ يَعْجِزُوا عَنْهَا، لَكِنَّهُمْ تَكَاسَلُوا وَلَمْ يُجَاهِدُوا فَإِنَّهُ يُفْتَرَضُ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ فَرْضَ عَيْنٍ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، لَا يَسَعُهُمْ تَرْكُهُ ثُمَّ وَثُمَّ إلَى أَنْ يُفْتَرَضَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ شَرْقًا وَغَرْبًا عَلَى هَذَا التَّدْرِيجِ وَنَظِيرُهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ، فَإِنَّ مَنْ مَاتَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْبَلَدِ فَعَلَى جِيرَانِهِ وَأَهْلِ مَحَلَّتِهِ أَنْ يَقُومُوا بِأَسْبَابِهِ، وَلَيْسَ عَلَى مَنْ كَانَ بِبُعْدٍ مِنْ الْمَيِّتِ أَنْ يَقُومَ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي بِبُعْدٍ مِنْ الْمَيِّتِ يَعْلَمُ أَنَّ أَهْلَ مَحَلَّتِهِ يُضَيِّعُونَ حُقُوقَهُ أَوْ يَعْجِزُونَ عَنْهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِحُقُوقِهِ كَذَا هُنَا اهـ. مَطْلَبٌ طَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ (قَوْلُهُ لَا يُفْرَضُ عَلَى صَبِيٍّ) فِي الذَّخِيرَةِ لِلْأَبِ أَنْ يَأْذَنَ لِلْمُرَاهِقِ بِالْقِتَالِ، وَإِنْ خَافَ عَلَيْهِ الْقَتْلَ وَقَالَ السَّعْدِيُّ لَا بُدَّ أَنْ لَا يَخَافَ عَلَيْهِ فَإِنْ خَافَ قَتْلَهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَبَالِغٍ لَهُ أَبَوَانِ) مُفَادُهُ أَنَّهُمَا لَا يَأْثَمَانِ فِي مَنْعِهِ وَإِلَّا لَكَانَ لَهُ الْخُرُوجُ حَتَّى يُبْطِلَ عَنْهُمَا الْإِثْمَ، مَعَ أَنَّهُمَا فِي سَعَةٍ مِنْ مَنْعِهِ إذَا كَانَ يَدْخُلُهُمَا مِنْ ذَلِكَ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ، وَشَمِلَ الْكَافِرَيْنِ أَيْضًا أَوْ أَحَدَهُمَا إذَا كَرِهَ خُرُوجَهُ مَخَافَةً وَمَشَقَّةً وَإِلَّا بَلْ لِكَرَاهَةِ قِتَالِ أَهْلِ دِينِهِ، فَلَا يُطِيعُهُ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ إذْ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا مُحْتَاجًا إلَى خِدْمَتِهِ فُرِضَتْ عَلَيْهِ وَلَوْ كَافِرًا وَلَيْسَ مِنْ الصَّوَابِ تَرْكُ فَرْضِ عَيْنٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 أَوْ أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّ طَاعَتَهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ لَمَّا أَرَادَ الْجِهَادَ الْزَمْ أُمَّكَ فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلِ أُمِّكَ» سِرَاجٌ وَفِيهِ لَا يَحِلُّ سَفَرٌ فِيهِ خَطَرٌ إلَّا بِإِذْنِهِمَا. وَمَا لَا خَطَرَ فِيهِ يَحِلُّ بِلَا إذْنٍ وَمِنْهُ السَّفَرُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ (وَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ) لِحَقِّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ وَمُفَادُهُ وُجُوبُهُ لَوْ أَمَرَهَا الزَّوْجُ بِهِ فَتْحٌ. وَعَلَى غَيْرِ الْمُزَوَّجَةِ نَهْرٌ. قُلْت: تَعْلِيلُ الشُّمُنِّيِّ بِضَعْفِ بُنْيَتِهَا يُفِيدُ خِلَافَهُ وَفِي الْبَحْرِ: إنَّمَا يَلْزَمُهَا أَمْرُهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى النِّكَاحِ وَتَوَابِعِهِ   [رد المحتار] لِيُتَوَصَّلَ إلَى فَرْضِ كِفَايَةٍ وَلَوْ مَاتَ أَبَوَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ جَدُّهُ لِأَبِيهِ وَجَدَّتُهُ لِأُمِّهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْآخَرَانِ: أَيْ أَبُو الْأُمِّ وَأُمُّ الْأَبِ فَلَا بَأْسَ بِخُرُوجِهِ لِقِيَامِ أَبٍ الْأَبِ وَأُمِّ الْأُمِّ مَقَامَ الْأَبِ وَالْأُمِّ عِنْدَ فَقْدِهِمَا، وَالْآخَرَانِ كَبَاقِي الْأَجَانِبِ إلَّا إذَا عُدِمَ الْأَوَّلَانِ: فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِهِمَا، وَلَوْ لَهُ أُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أَبٍ، فَالْإِذْنُ لِأُمِّ الْأُمِّ بِدَلِيلِ تَقَدُّمِهَا فِي الْحَضَانَةِ وَلِأَنَّ الْأُخْرَى لَا تَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ، وَلَوْ لَهُ أَبٌ وَأُمُّ أَبٍ لَا يَنْبَغِي الْخُرُوجُ بِلَا إذْنِهَا؛ لِأَنَّهَا كَالْأُمِّ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ لَهَا، وَأَمَّا غَيْرُ هَؤُلَاءِ كَالزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِلَا إذْنِهِمْ إلَّا إذَا كَانَتْ نَفَقَتُهُمْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ وَخَافَ عَلَيْهِمْ الضَّيْعَةَ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ طَاعَتَهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ) أَيْ وَالْجِهَادُ لَمْ يَتَعَيَّنْ فَكَانَ مُرَاعَاةُ فَرْضِ الْعَيْنِ أَوْلَى، كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَأُخِذَ مِنْهُ فِي الْبَحْرِ كَرَاهَةُ الْخُرُوجِ بِلَا إذْنِهِمَا، وَاعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِ الْفَتْحِ إنَّهُ يَحْرُمُ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْأَوْلَى هُنَا بِمَعْنَى الْأَقْوَى وَالْأَرْجَحِ أَيْ أَنَّ الْأَقْوَى مُرَاعَاةُ فَرْضِ الْعَيْنِ لِقُوَّتِهِ وَرُجْحَانِهِ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ، فَحَيْثُ ثَبَتَ أَنَّهُ فَرْضٌ كَانَ خِلَافُهُ حَرَامًا، وَلِذَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ: فَعَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ الْأَقْوَى. نَعَمْ قَدَّمْنَا آنِفًا عَنْهُ فِي الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ الْفَاسِدَيْنِ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِهِمَا (قَوْلُهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى تَقْدِيمِ الْوَالِدَيْنِ، وَقَدَّمْنَا الْحَدِيثَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ وَفِيهِ تَقْدِيمُ بِرِّهِمَا عَلَى الْجِهَادِ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «فِي الرَّجُلِ الَّذِي جَاءَ يَسْتَأْذِنُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجِهَادِ قَالَ أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ هُوَ جَاهِمَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ، ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ قَالَ: وَذُكِرَ «عَنْ ابْنِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ الْجِهَادَ قَالَ أَلَك أُمٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ الْزَمْ أُمَّك» إلَخْ (قَوْلُهُ تَحْتَ رِجْلِ أُمِّك) هُوَ فِي مَعْنَى حَدِيثِ «الْجَنَّةُ تَحْتَ أَقْدَامِ الْأُمَّهَاتِ» وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ تَقْبِيلُ رِجْلِهَا أَوْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ التَّوَاضُعِ لَهَا وَأُطْلِقَتْ الْجَنَّةُ عَلَى سَبَبِ دُخُولِهَا (قَوْلُهُ فِيهِ خَطَرٌ) كَالْجِهَادِ وَسَفَرِ الْبَحْرِ وَالْخَطَرُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ الْإِشْرَافُ عَلَى الْهَلَاكِ كَمَا فِي ط عَنْ الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ وَمَا لَا خَطَرَ) كَالسَّفَرِ لِلتِّجَارَةِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يَحِلُّ بِلَا إذْنٍ إلَّا إنْ خِيفَ عَلَيْهِمَا الضَّيْعَةُ سَرَخْسِيٌّ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ السَّفَرُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ التِّجَارَةِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَلَمْ يَخَفْ عَلَيْهِمَا الضَّيْعَةَ سَرَخْسِيٌّ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ إلَخْ) أَيْ تَعْلِيلُ عَدَمِ وُجُوبِهِ كِفَايَةً عَلَى الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ بِكَوْنِهِ حَقَّ الْمَوْلَى، وَالزَّوْجِ أَيْ حَقَّ مَخْلُوقٍ فَيُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْخَالِقِ لِاحْتِيَاجِ الْمَخْلُوقِ وَاسْتِغْنَاءِ الْخَالِقِ تَعَالَى يُفِيدُ وُجُوبَهُ كِفَايَةً عَلَى الْمَرْأَةِ لَوْ أَمَرَهَا بِهِ الزَّوْجُ لِارْتِفَاعِ الْمَانِعِ مِنْ حَقِّ الْخَالِقِ تَعَالَى وَكَذَا غَيْرُ الْمُزَوَّجَةِ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ أَصْلِهِ، وَمِثْلُهُ الْعَبْدُ لَوْ أَمَرَهُ بِهِ مَوْلَاهُ لَكِنْ سَكَتَ عَنْهُ لِظُهُورِ وُجُوبِهِ كِفَايَةً عَلَى الْعَبْدِ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَلَوْ غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ لِضَعْفِ بُنْيَتِهَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فِي فَصْلِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ: وَلِهَذَا أَيْ لِعَجْزِهَا عَنْ الْجِهَادِ لَمْ يَلْحَقْهَا فَرْضُهُ؛ وَلِأَنَّهَا عَوْرَةٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ قَالَ فَلَا يَخُصُّ الْمُزَوَّجَةَ كَمَا ظَنَّ، وَبِهِ ظَهَرَ الْفَرْقُ وَهُوَ أَنَّ عَدَمَ وُجُوبِهِ عَلَى الْعَبْدِ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَإِذَا زَالَ حَقُّهُ بِإِذْنِهِ ثَبَتَ الْوُجُوبُ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِحَقِّ الزَّوْجِ بَلْ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهِ وَلِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى غَيْرِ الْمُزَوَّجَةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَحْرِ إلَخْ) مُرَادُ صَاحِبِ الْبَحْرِ مُنَاقَشَةُ الْفَتْحِ فِي دَعْوَاهُ الْوُجُوبَ عَلَى الْمَرْأَةِ لَوْ أَمَرَهَا الزَّوْجُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وُجُوبُهُ عَلَيْهَا بِسَبَبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 (وَأَعْمَى وَمُقْعَدٍ) أَيْ أَعْرَجَ فَتْحٌ (وَأَقْطَعَ) لِعَجْزِهِمْ (وَمَدْيُونٍ بِغَيْرِ إذْنِ غَرِيمِهِ) بَلْ وَكَفِيلِهِ أَيْضًا لَوْ بِأَمْرِهِ تَجْنِيسٌ، وَلَوْ بِالنَّفْسِ نَهْرٌ. وَهَذَا فِي الْحَالِ، أَمَّا الْمُؤَجَّلُ فَلَهُ الْخُرُوجُ إنْ عَلِمَ بِرُجُوعِهِ قَبْلَ حُلُولِهِ ذَخِيرَةٌ (وَعَالِمٍ لَيْسَ فِي الْبَلْدَةِ أَفْقَهُ مِنْهُ) فَلَيْسَ لَهُ الْغَزْوُ خَوْفَ ضَيَاعِهِمْ سِرَاجِيَّةٌ، وَعَمَّمَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ السَّفَرَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُقَيَّدَ يُفِيدُ غَيْرَهُ بِالْأَوْلَى (وَفَرْضُ عَيْنٍ   [رد المحتار] أَمْرِهِ لَهَا، وَفِيهِ أَنَّ مُرَادَهُ الْوُجُوبُ بِأَمْرِهِ تَعَالَى لَا بِأَمْرِ الزَّوْجِ، بَلْ هُوَ إذْنٌ وَفَكٌّ لِلْحَجْرِ كَمَا أَفَادَهُ ح. وَقَدْ عَلِمْت عَدَمَ وُجُوبِهِ عَلَيْهَا أَصْلًا إلَّا إذَا هَجَمَ الْعَدُوُّ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ أَيْ أَعْرَجَ) نَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ دِيوَانِ الْأَدَبِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ: وَأَقْطَعَ، وَفِي الْمُغْرِبِ أَنَّهُ الَّذِي أَقْعَدَهُ الدَّاءُ عَنْ الْحَرَكَةِ وَعِنْدَ الْأَطِبَّاءِ هُوَ الزَّمِنُ وَقِيلَ الْمُقْعَدُ الْمُتَشَنِّجُ الْأَعْضَاءُ وَالزَّمِنُ الَّذِي طَالَ مَرَضُهُ اهـ (قَوْلُهُ وَأَقْطَعَ) هُوَ الْمَقْطُوعُ الْيَدِ وَالْجَمْعُ قُطْعَانٌ كَأَسْوَدَ وَسُودَانٍ صِحَاحٌ (قَوْلُهُ لِعَجْزِهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ} [الفتح: 17] فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ زَيْلَعِيٌّ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْهُ لِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ لَمْ يُفْرَضْ عَلَيْهِ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَدْيُونٍ بِغَيْرِ إذْنِ غَرِيمِهِ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَفَاءٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَرِيمِ تَجْنِيسٌ، فَلَوْ أَذِنَ لَهُ الدَّائِنُ وَلَمْ يُبْرِئْهُ فَالْمُسْتَحَبُّ الْإِقَامَةُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَدْءَ بِالْأَوْجَبِ أَوْلَى، فَإِنْ خَرَجَ فَلَا بَأْسَ ذَخِيرَةٌ وَلَوْ الدَّائِنُ غَائِبًا فَأَوْصَى بِقَضَاءِ دَيْنِهِ إنْ مَاتَ فَلَا بَأْسَ بِالْخُرُوجِ لَوْ لَهُ وَفَاءٌ، وَإِلَّا فَالْأَوْلَى الْإِقَامَةُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ هِنْدِيَّةٌ وَكَذَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ رَبُّهَا غَائِبٌ فَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِدَفْعِهَا إلَى رَبِّهَا فَلَهُ الْخُرُوجُ بَحْرٌ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ لَوْ بِأَمْرِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَثْبُتُ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا يُؤَدَّى عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَفَلَهُ لَا بِأَمْرِهِ، فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ لِلْكَفِيلِ عَلَيْهِ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْذَانِهِ بَلْ يَسْتَأْذِنُ الدَّائِنَ فَقَطْ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِالنَّفْسِ) ؛ لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ حَقًّا بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ إلَيْهِ إذَا طَلَبَ مِنْهُ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ لِلْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ مَنْعَهُ مِنْ السَّفَرِ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ عَلَى خِلَافِ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَلَهُ الْخُرُوجُ) أَيْ بِلَا إذْنِ الْكَفِيلِ لِعَدَمِ تَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ الْإِقَامَةُ لِقَضَائِهِ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ إنْ عَلِمَ) أَيْ بِطَرِيقِ الظَّاهِرِ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ لَهُ الْغَزْوُ إلَخْ) لَمَّا كَانَ الْمَتْنُ صَادِقًا بِجَوَازِ خُرُوجِهِ زَادَ قَوْلَهُ: فَلَيْسَ إلَخْ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ ط. قُلْت: وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ بِخَوْفِ ضَيَاعِهِمْ جَوَازُ خُرُوجِهِ لَوْ كَانَ فِي الْبَلْدَةِ مَنْ يُسَاوِيهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَمَّمَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ السَّفَرَ) يَعْنِي أَطْلَقَهُ حَيْثُ قَالَ أَرَادَ السَّفَرَ (قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُقَيَّدَ) وَهُوَ مَنْعُهُ عَنْ سَفَرِ الْغَزْوِ يُفِيدُ غَيْرَهُ بِالْأَوْلَى أَيْ يُفِيدُ مَنْعَهُ عَنْ سَفَرِ غَيْرِ الْغَزْوِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْغَزْوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَإِذَا مُنِعَ مِنْهُ يُمْنَعُ مِنْ غَيْرِهِ كَسَفَرِ التِّجَارَةِ وَحَجِّ النَّفْلِ. وَأَمَّا السَّفَرُ لِحَجِّ الْفَرْضِ أَوْ الْغَزْوِ إذَا هَجَمَ الْعَدُوُّ، فَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ قَطْعًا فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ عَلَى أَنَّ فِي دَعْوَى الْأَوْلَوِيَّةِ نَظَرًا؛ لِأَنَّ مَنْعَهُ مِنْ سَفَرِ الْغَزْوِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَنْعُهُ مِمَّا لَا خَطَرَ فِيهِ كَمَا مَرَّ فِي سَفَرِ الِابْنِ بِلَا إذْنِ الْأَبِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ عَنْ سَفَرِهِ لِلْجِهَادِ لَا لِلتِّجَارَةِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ لِمَا قُلْنَا، وَأَمَّا مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمُرَادَ بِهِ السَّفَرُ الطَّوِيلُ أَوْ عَلَى قَصْدِ الرَّحِيلِ فَإِنَّ فِيهِ ضَيَاعَهُمْ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَفَرْضُ عَيْنٍ) أَيْ عَلَى مَنْ يَقْرُبُ مِنْ الْعَدُوِّ، فَإِنْ عَجَزُوا أَوْ تَكَاسَلُوا فَعَلَى مَنْ يَلِيهِمْ حَتَّى يُفْتَرَضَ عَلَى هَذَا التَّدْرِيجِ عَلَى كُلِّ الْمُسْلِمِينَ شَرْقًا وَغَرْبًا كَمَا مَرَّ فِي عِبَارَةِ الدُّرَرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَكَانَ مَعْنَاهُ إذَا دَامَ الْحَرْبُ بِقَدْرِ مَا يَصِلُ الْأَبْعَدُونَ وَيَبْلُغُهُمْ الْخَبَرُ وَإِلَّا فَهُوَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ بِخِلَافِ إنْقَاذِ الْأَسِيرِ وُجُوبُهُ عَلَى الْكُلِّ مُتَّجِهٌ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ مِمَّنْ عَلِمَ، وَيَجِبُ أَنْ لَا يَأْثَمَ مَنْ عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ، وَقُعُودُهُ لِعَدَمِ خُرُوجِ النَّاسِ، وَتَكَاسُلِهِمْ أَوْ قُعُودِ السُّلْطَانِ أَوْ مَنْعِهِ اهـ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: مُسْلِمَةٌ سُبِيَتْ بِالْمَشْرِقِ وَجَبَ عَلَى أَهْلِ الْمَغْرِبِ تَخْلِيصُهَا مِنْ الْأَسْرِ مَا لَمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 إنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ فَيَخْرُجُ الْكُلُّ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ) وَيَأْثَمُ الزَّوْجُ وَنَحْوُهُ بِالْمَنْعِ ذَخِيرَةٌ (وَلَا بُدَّ) لِفَرْضِيَّتِهِ (مِنْ) قَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ (الِاسْتِطَاعَةُ) فَلَا يَخْرُجُ الْمَرِيضُ الدَّنِفُ، أَمَّا مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ، دُونَ الدَّفْعِ يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ لِتَكْثِيرِ السَّوَادِ إرْهَابًا فَتْحٌ. وَفِي السِّرَاجِ وَشُرِطَ لِوُجُوبِهِ: الْقُدْرَةُ عَلَى السِّلَاحِ لَا أَمْنُ الطَّرِيقِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ إذَا حَارَبَ قُتِلَ وَإِنْ لَمْ يُحَارِبْ أُسِرَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقِتَالُ (وَيُقْبَلُ خَبَرُ الْمُسْتَنْفِرِ وَمُنَادِي السُّلْطَانِ وَلَوْ) كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا (فَاسِقًا) ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ يَشْتَهِرُ فِي الْحَالِ ذَخِيرَةٌ (وَكُرِهَ الْجُعْلُ) أَيْ أَخْذُ الْمَالِ مِنْ النَّاسِ لِأَجْلِ الْغُزَاةِ (مَعَ الْفَيْءِ) أَيْ مَعَ وُجُودِ شَيْءٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ دُرَرٌ.   [رد المحتار] تَدْخُلْ دَارَ الْحَرْبِ وَفِي الذَّخِيرَةِ يَجِبُ عَلَى مَنْ لَهُمْ قُوَّةٌ اتِّبَاعُهُمْ لِأَخْذِ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ النِّسَاءِ وَالذَّرَارِيِّ وَإِنْ دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ مَا لَمْ يَبْلُغُوا حُصُونَهُمْ، وَلَهُمْ أَنْ لَا يَتَّبِعُوهُمْ لِلْمَالِ (قَوْلُهُ إنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ) أَيْ دَخَلَ بَلْدَةً بَغْتَةً، وَهَذِهِ الْحَالَةُ تُسَمَّى النَّفِيرُ الْعَامُّ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: وَالنَّفِيرُ الْعَامُّ أَنْ يُحْتَاجَ إلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ فَيَخْرُجُ الْكُلُّ) أَيْ كُلُّ مَنْ ذُكِرَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْمَدْيُونِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ السَّرَخْسِيُّ، وَكَذَلِكَ الْغِلْمَانُ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا إذَا أَطَاقُوا الْقِتَالَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجُوا وَيُقَاتِلُوا فِي النَّفِيرِ الْعَامِّ وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ (قَوْلُهُ الْمُدْنَفُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ الَّذِي لَازَمَهُ الْمَرَضُ وَفِي ح عَنْ جَامِعِ اللُّغَةِ الدَّنَفُ الْمَرَضُ الْمُلَازِمُ، وَفِي الْمِصْبَاحِ دَنِفَ دَنَفًا مِنْ بَابِ تَعِبَ فَهُوَ دَنِفٌ إذَا لَازَمَهُ الْمَرَضُ وَأَدْنَفَهُ الْمَرَضُ، وَأَدْنَفَ هُوَ يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى. اهـ. (قَوْلُهُ وَشَرَطَ لِوُجُوبِهِ الْقُدْرَةَ عَلَى السِّلَاحِ) أَيْ وَعَلَى الْقِتَالِ وَمِلْكَ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ قُهُسْتَانِيٌّ وَقَدَّمْنَا عَنْهُ اشْتِرَاطَ الْعِلْمِ أَيْضًا (قَوْلُهُ لَا أَمْنَ الطَّرِيقِ) أَيْ مِنْ قُطَّاعٍ أَوْ مُحَارِبِينَ، فَيَخْرُجُونَ إلَى النَّفِيرِ، وَيُقَاتِلُونَ بِطَرِيقِهِمْ أَيْضًا حَيْثُ أَمْكَنَ وَإِلَّا سَقَطَ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّ الطَّاعَةَ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُقْتَلُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ بِشَرْطِ أَنْ يَنْكِي فِيهِمْ وَإِلَّا فَلَا بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ (قَوْلُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقِتَالُ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ جَازَ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ السِّيَرِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُقْتَلُ إذَا كَانَ يَصْنَعُ شَيْئًا بِقَتْلٍ أَوْ بِجَرْحٍ أَوْ بِهَزْمٍ فَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ وَمَدَحَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَأَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْكِي فِيهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِحَمْلَتِهِ شَيْءٌ مِنْ إعْزَازِ الدِّينِ، بِخِلَافِ نَهْيِ فَسَقَةِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ مُنْكَرٍ إذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَمْتَنِعُونَ بَلْ يَقْتُلُونَهُ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْإِقْدَامِ، وَإِنْ رُخِّصَ لَهُ السُّكُوتُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَعْتَقِدُونَ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ مُؤَثِّرًا فِي بَاطِنِهِمْ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ (قَوْلُهُ وَيُقْبَلُ خَبَرُ الْمُسْتَنْفِرِ) أَيْ طَالِبِ النَّفْرِ وَهُوَ الْخُرُوجُ لِلْغَزْوِ أَفَادَهُ الشَّلَبِيُّ وَيُقْبَلُ خَبَرُ الْعَبْدِ فِيهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى ط (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ يَشْتَهِرُ فِي الْحَالِ) أَيْ فَلَا يَكُونُ الْوُجُوبُ مَبْنِيًّا عَلَى خَبَرِ الْفَاسِقِ فَقَطْ، أَوْ الْمُرَادُ أَنَّ خَوْفَ الِاشْتِهَارِ قَرِينَةٌ عَلَى صِدْقِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكُرِهَ الْجُعْلُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَهُوَ مَا يُجْعَلُ لِلْإِنْسَانِ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ يَفْعَلُهُ وَالْمُرَادُ هُنَا أَنْ يُكَلِّفَ الْإِمَامُ النَّاسَ بِأَنْ يُقَوِّيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْكُرَاعِ أَيْ الْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّفَقَةِ وَالزَّادِ نَهْرٌ وَعَلَّلَ الْكَرَاهَةَ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْأَجْرَ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ مُعَدٌّ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ اهـ وَالثَّانِي: يُوجِبُ ثُبُوتَ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْإِمَامِ فَقَطْ وَالْأَوَّلُ يُوجِبُهَا عَلَى الْغَازِي، وَعَلَى الْإِمَامِ كَرَاهَةَ تَسَبُّبِهِ فِي الْمَكْرُوهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ لِقَوْلِ الْفَتْحِ: إنَّ حَقِيقَةَ الْأَجْرِ عَلَى الطَّاعَةِ حَرَامٌ فَمَا يُشْبِهُهُ مَكْرُوهٌ قِيلَ إنَّ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ: قُلْت: لَا يَخْفَى فَسَادُهُ بَلْ هُوَ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ،؛ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّمَا أَجَازُوا الْأَجْرَ عَلَى أَشْيَاءَ خَاصَّةٍ نَصُّوا عَلَيْهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ، وَمُفَادُهُ: أَنَّ الْفَيْءَ هُنَا يَعُمُّ الْغَنِيمَةَ فَلْيُحْفَظْ (وَإِلَّا لَا) لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى (فَإِنْ حَاصَرْنَاهُمْ دَعَوْنَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَسْلَمُوا) فَبِهَا (وَإِلَّا فَإِلَى الْجِزْيَةِ) لَوْ مَحَلًّا لَهَا كَمَا سَيَجِيءُ (فَإِنْ قَبِلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لَنَا) مِنْ الْإِنْصَافِ (وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا) مِنْ الِانْتِصَافِ فَخَرَجَ الْعِبَادَاتُ إذْ الْكُفَّارُ لَا يُخَاطَبُونَ بِهَا عِنْدَنَا   [رد المحتار] مِنْ الطَّاعَاتِ وَهِيَ: التَّعْلِيمُ وَالْأَذَانُ وَالْإِمَامَةُ لَا عَلَى كُلِّ طَاعَةٍ، وَإِلَّا لَشَمِلَ نَحْوَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَلَا قَائِلَ بِهِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِجَارَاتِ، وَأَوْضَحْنَاهُ فِي رِسَالَتِنَا شِفَاءِ الْعَلِيلِ وَبَلِّ الْغَلِيلِ فِي أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْخَتَمَاتِ وَالتَّهَالِيلِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ إلَخْ) أَيْ مُفَادُ تَفْسِيرِ الْفَيْءِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ وُجُودِ شَيْءٍ إلَخْ وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ هُنَا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفَيْءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ مَا يُؤْخَذُ بِغَيْرِ قِتَالٍ كَالْخَرَاجِ، وَالْجِزْيَةِ أَمَّا الْمَأْخُوذُ بِقِتَالٍ فَيُسَمَّى غَنِيمَةً كَمَا يَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْآتِي وَلَا تَتَقَيَّدُ الْكَرَاهَةُ بِوُجُودِ الْفَيْءِ فَقَطْ، وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَالْبَحْرِ. وَقَالَ لِجَوَازِ الِاسْتِقْرَاضِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْفَيْءَ فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ فَصْلِ الْجِزْيَةِ بَيَانُ مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ وَتَقَدَّمَتْ مَنْظُومَةً فِي بَابِ الْعُشْرِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَا يُكْرَهُ الْجُعَلُ لِلضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْأَعْلَى) وَهُوَ تَعَدِّي شَرِّ الْكُفَّارِ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِالْأَدْنَى) وَهُوَ الْجُعْلُ الْمَذْكُورُ، فَيُلْتَزَمُ الضَّرَرُ الْخَاصُّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ. [تَنْبِيهٌ] مَنْ قَدَرَ عَلَى الْجِهَادِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ لَزِمَهُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَخْذُ الْجُعْلِ، وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْخُرُوجِ وَلَهُ مَالٌ يَنْبَغِي أَنْ يَبْعَثَ غَيْرَهُ عَنْهُ بِمَالِهِ وَعَكْسُهُ إنْ أَعْطَاهُ الْإِمَامُ كِفَايَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِهِ جُعْلًا، وَإِذَا قَالَ الْقَاعِدُ لِلْغَازِي: خُذْ هَذَا الْمَالَ لِتَغْزُوَ بِهِ عَنِّي لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى الْجِهَادِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: فَاغْزُ بِهِ وَمِثْلُهُ الْحَجُّ وَلِلْغَازِي أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ الْجُعْلِ لِنَفَقَةِ عِيَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُ الْخُرُوجُ إلَّا بِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ دَعَوْنَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ) أَيْ نَدْبًا إنْ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ، وَإِلَّا فَوُجُوبًا مَا لَمْ يَتَضَمَّنْ ضَرَرًا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ فَإِنْ أَسْلَمُوا) أَيْ بِالتَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَيْنِ عَلَى تَفْصِيلٍ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ هُنَا وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ الْمُرْتَدِّ مَعَ التَّبَرِّي عَنْ دِينِهِ، لَوْ كَانَ كِتَابِيًّا عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ يَكُونُ الْإِسْلَامُ بِالْفِعْلِ كَالصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ وَالْحَجِّ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مَنْظُومًا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَأَشْبَعْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ ثَمَّةَ (قَوْلُهُ فَبِهَا) أَيْ فَبِالْخَصْلَةِ الْكَامِلَةِ أَخَذُوا وَنِعْمَتْ الْخَصْلَةُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَحَلًّا لَهَا) بِأَنْ لَمْ يَكُونُوا مُرْتَدِّينَ وَلَا مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الْجِزْيَةِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ مِقْدَارَ الْجِزْيَةِ وَوَقْتَ وُجُوبِهَا وَالتَّفَاوُتَ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ فِي مِقْدَارِهَا (قَوْلُهُ فَلَهُمْ مَا لَنَا مِنْ الْإِنْصَافِ إلَخْ) أَيْ الْمُعَامَلَةِ بِالْعَدْلِ وَالْقِسْطِ وَالِانْتِصَافُ الْأَخْذُ بِالْعَدْلِ قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَجِبُ لَهُمْ عَلَيْنَا وَيَجِبُ لَنَا عَلَيْهِمْ لَوْ تَعَرَّضْنَا لِدِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ أَوْ تَعَرَّضُوا لِدِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا مَا يَجِبُ لِبَعْضِنَا عَلَى بَعْضٍ عِنْدَ التَّعَرُّضِ اهـ وَفِي الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي فِي الْبُيُوعِ اسْتِثْنَاءُ عَقْدِهِمْ عَلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ كَعَقْدِنَا عَلَى الْعَصِيرِ وَالشَّاةِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الذِّمِّيَّ مُؤَاخَذٌ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ إلَّا حَدَّ الشُّرْبِ وَمَرَّ فِي النِّكَاحِ لَوْ اعْتَقَدُوا جَوَازَهُ بِلَا مَهْرٍ أَوْ شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةٍ لِتَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ بِخِلَافِ الرِّبَا. اهـ. (قَوْلُهُ فَخَرَجَ) أَيْ بِالتَّقْيِيدِ بِالْإِنْصَافِ وَالِانْتِصَافِ. مَطْلَبٌ فِي أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ نَدْبًا (قَوْلُهُ إذْ الْكُفَّارُ لَا يُخَاطَبُونَ بِهَا عِنْدَنَا) الَّذِي تَحَرَّرَ فِي الْمَنَارِ وَشَرْحِهِ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْإِيمَانِ، وَبِالْعُقُوبَاتِ سِوَى حَدِّ الشُّرْبِ، وَالْمُعَامَلَاتِ وَأَمَّا الْعِبَادَاتُ فَقَالَ السَّمرقَنْديُّون نَ: إنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِهَا أَدَاءً وَاعْتِقَادًا قَالَ الْبُخَارِيُّونَ: إنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِهَا أَدَاءً فَقَطْ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِهِمَا فَيُعَاقَبُونَ عَلَيْهِمَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. اهـ. ح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا (وَلَا) يَحِلُّ لَنَا أَنْ (نُقَاتِلَ مَنْ لَا تَبْلُغُهُ الدَّعْوَةُ) بِفَتْحِ الدَّالِ (إلَى الْإِسْلَامِ) وَهُوَ وَإِنْ اشْتَهَرَ فِي زَمَانِنَا شَرْقًا وَغَرْبًا لَكِنْ لَا شَكَّ أَنَّ فِي بِلَادِ اللَّهِ مَنْ لَا شُعُورَ لَهُ بِذَلِكَ بَقِيَ لَوْ بَلَغَهُ الْإِسْلَامُ لَا الْجِزْيَةُ فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَا يَنْبَغِي قِتَالُهُمْ حَتَّى يَدْعُوَهُمْ إلَى الْجِزْيَةِ نَهْرٌ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ (وَنَدْعُو نَدْبًا مَنْ بَلَغَتْهُ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ ضَرَرًا) وَلَوْ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ كَأَنْ يَسْتَعِدُّونَ أَوْ يَتَحَصَّنُونَ فَلَا يَفْعَلُ فَتْحٌ (وَإِلَّا) يَقْبَلُوا الْجِزْيَةَ (نَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ وَنُحَارِبُهُمْ بِنَصْبِ الْمَجَانِيقِ وَحَرْقِهِمْ وَغَرَقِهِمْ وَقَطْعِ أَشْجَارِهِمْ) وَلَوْ مُثْمِرَةً وَإِفْسَادِ زُرُوعِهِمْ إلَّا إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ ظَفَرُنَا فَيُكْرَهُ فَتْحٌ (وَرَمْيِهِمْ) بِنَبْلٍ وَنَحْوِهِ (وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِبَعْضِنَا) وَلَوْ تَتَرَّسُوا بِنَبِيٍّ سُئِلَ ذَلِكَ النَّبِيُّ (وَنَقْصِدُهُمْ) أَيْ الْكُفَّارَ (وَمَا أُصِيبَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (لَا دِيَةَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ) ؛ لِأَنَّ الْفُرُوضَ لَا تُقْرَنُ بِالْغَرَامَاتِ (وَلَوْ فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً وَفِيهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ لَا يَحِلُّ قَتْلُ أَحَدٍ مِنْهُمْ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَيُؤَيِّدُهُ) أَيْ يُؤَيِّدُ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْإِنْصَافِ وَالِانْتِصَافِ، أَوْ يُؤَيِّدُ خُرُوجَ الْعِبَادَاتِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ لَهُمْ حُكْمَنَا فِي الْعُقُوبَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ دُونَ الْإِيمَانِ وَالْعِبَادَاتِ فَلَا نُطَالِبُهُمْ بِهِمَا وَإِنْ عُوقِبُوا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يَحِلُّ لَنَا إلَخْ) ؛ لِأَنَّ بِالدَّعْوَةِ يَعْلَمُونَ أَنَّا مَا نُقَاتِلُهُمْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَسَبْيِ عِيَالِهِمْ فَرُبَّمَا يُجِيبُونَ إلَى الْمَقْصُودِ بِلَا قِتَالٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِعْلَامِ فَتْحٌ فَلَوْ قَاتَلَهُمْ قَبْلَ الدَّعْوَةِ أَثِمَ لِلنَّهْيِ وَلَا غَرَامَةَ لِعَدَمِ الْعَاصِمِ وَهُوَ الدِّينُ أَوْ الْإِحْرَازُ بِالدَّارِ، فَصَارَ كَقَتْلِ النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مَنْ لَا تَبْلُغْهُ) الْأَوْلَى مَنْ لَمْ ط (قَوْلُهُ بِفَتْحِ الدَّالِ) قَالَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى: الدَّعْوَةُ هُنَا بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَذَا فِي الدَّعْوَةِ إلَى الطَّعَامِ، وَأَمَّا فِي النَّسَبِ فَبِالْكَسْرِ كَذَا قَالَهُ الْبَاقَانِيُّ لَكِنْ ذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ بِالضَّمِّ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الْإِسْلَامُ (قَوْلُهُ لَا يَنْبَغِي إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِمَعْنَى لَا يَحِلُّ كَمَا يَأْتِي نَظِيرُهُ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ) الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ بَقِيَ إلَخْ أَيْ لَا يَحِلُّ فِي زَمَانِنَا أَيْضًا خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْيَنَابِيعِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الْآنُ فَقَدْ فَاضَ وَاشْتَهَرَ، فَيَكُونُ الْإِمَامُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْبَعْثِ إلَيْهِمْ وَتَرْكِهِ اهـ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيَجِبُ أَنَّ الْمَدَارَ غَلَبَةُ ظَنِّ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ ضَرَرًا) ذَكَرُوا هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ فِي الِاسْتِحْبَابِ مَعَ إمْكَانِهِ فِي الْوُجُوبِ أَيْضًا زَادَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى عَنْ الْمُحِيطِ: أَنْ يَطْمَعَ فِيهِمْ مَا يَدْعُوهُمْ إلَيْهِ ط. (قَوْلُهُ كَأَنْ يَسْتَعِدُّونَ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ النُّونِ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِأَنْ الْمَصْدَرِيَّةِ (قَوْلُهُ بِنَصْبِ الْمَجَانِيقِ) أَيْ عَلَى حُصُونِهِمْ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَصَبَهَا عَلَى الطَّائِفِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ نَهْرٌ، وَهُوَ جَمْعُ مَنْجَنِيقٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَإِسْكَانِ النُّونِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ فَارِسِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ تُذَكَّرُ وَتَأْنِيثُهَا أَحْسَنُ وَهِيَ آلَةٌ تُرْمَى بِهَا الْحِجَارَةُ الْكِبَارُ قُلْت: وَقَدْ تُرِكَتْ الْيَوْمَ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِالْمَدَافِعِ الْحَادِثَةِ (قَوْلُهُ وَحَرْقِهِمْ) أَرَادَ حَرْقَ دُورِهِمْ وَأَمْتِعَتِهِمْ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ حَرْقُ ذَاتِهِمْ بِالْمَجَانِيقِ وَإِذَا جَازَتْ مُحَارَبَتُهُمْ بِحَرْقِهِمْ فَمَالُهُمْ أَوْلَى نَهْرٌ، وَقَوْلُهُ: بِالْمَجَانِيقِ أَيْ بِرَمْيِ النَّارِ بِهَا عَلَيْهِمْ، لَكِنْ جَوَازُ التَّحْرِيقِ وَالتَّغْرِيقِ مُقَيَّدٌ كَمَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ بِمَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ الظَّفَرِ بِهِمْ بِدُونِ ذَلِكَ، بِلَا مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ فَإِنْ تَمَكَّنُوا بِدُونِهَا فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إهْلَاكَ أَطْفَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَمَنْ عِنْدَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا غَلَبَ إلَخْ) كَذَا قَيَّدَ فِي الْفَتْحِ إطْلَاقَ الْمُتُونِ، وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ إفْسَادٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ وَمَا أُبِيحَ إلَّا لَهَا وَلَا يَخْفَى حُسْنُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ كَسْرُ شَوْكَتِهِمْ وَإِلْحَاقُ الْغَيْظِ بِهِمْ فَإِذَا غَلَبَ الظَّنُّ بِحُصُولِ ذَلِكَ بِدُونِ إتْلَافٍ، وَأَنَّهُ يَصِيرُ لَنَا لَا نُتْلِفُهُ (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ) كَرَصَاصٍ وَقَدْ اُسْتُغْنِيَ بِهِ عَنْ النَّبْلِ فِي زَمَانِنَا (قَوْلُهُ سُئِلَ ذَلِكَ النَّبِيُّ) كَذَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ أَيْ بِأَنْ نَقُولَ لَهُ هَلْ نَرْمِي أَمْ لَا وَنَعْمَلُ بِقَوْلِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ سُؤَالُهُ (قَوْلُهُ وَمَا أُصِيبَ مِنْهُمْ) أَيْ إذَا قَصَدْنَا الْكُفَّارَ بِالرَّمْيِ، وَأَصَبْنَا أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ تَتَرَّسَ الْكُفَّارُ بِهِمْ لَا نَضْمَنُهُ، وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الْقَوْلَ لِلرَّامِي بِيَمِينِهِ فِي أَنَّهُ قَصَدَ الْكُفَّارَ لَا لِوَلِيِّ الْمُسْلِمِ الْمَقْتُولِ أَنَّهُ تَعَمَّدَ قَتْلَهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْفُرُوضَ لَا تُقْرَنُ بِالْغَرَامَاتِ) أَيْ كَمَا لَوْ مَاتَ الْمَحْدُودُ بِالْجَلْدِ، أَوْ الْقَطْعِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 أَصْلًا وَلَوْ أُخْرِجَ وَاحِدٌ) مَّا (حَلَّ) حِينَئِذٍ (قَتْلُ الْبَاقِينَ) لِجَوَازِ كَوْنِ الْمُخْرَجِ هُوَ ذَاكَ فَتْحٌ (وَنُهِينَا عَنْ إخْرَاجِ مَا يَجِبُ تَعْظِيمُهُ وَيَحْرُمُ الِاسْتِخْفَافُ بِهِ كَمُصْحَفٍ وَكُتُبِ فِقْهٍ وَحَدِيثٍ وَامْرَأَةٍ) وَلَوْ عَجُوزًا لِمُدَاوَاةٍ هُوَ الْأَصَحُّ ذَخِيرَةٌ وَأَرَادَ بِالنَّهْيِ مَا فِي مُسْلِمٍ «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ» (إلَّا فِي جَيْشٍ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ) فَلَا كَرَاهَةَ لَكِنْ إخْرَاجُ الْعَجَائِزِ وَالْإِمَاءِ أَوْلَى (وَإِذَا دَخَلَ مُسْلِمٌ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ جَازَ حَمْلُ الْمُصْحَفِ مَعَهُ إذَا كَانُوا يُوفُونَ بِالْعَهْدِ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ تَعَرُّضِهِمْ هِدَايَةٌ (وَ) نُهِينَا (عَنْ غَدْرٍ -   [رد المحتار] وَأُورِدَ الْمُضْطَرُّ إلَى أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ، وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْلُهُ فَلَمْ يَكُنْ فَرْضًا فَهُوَ كَالْمُبَاحِ يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أُخْرِجَ وَاحِدٌ مَّا) أَرَادَ بِالْإِخْرَاجِ مَا يَعُمُّ الْخُرُوجَ وَزَادَ لَفْظَ مَّا لِلتَّعْمِيمِ، فَالْمُرَادُ أَيُّ رَجُلٍ كَانَ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ بِتَغْلِيبِ الظَّنِّ وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَوْ أُخْرِجَ وَاحِدٌ مِنْ عَرْضِ النَّاسِ (قَوْلُهُ لِجَوَازِ كَوْنِ الْمُخْرَجِ هُوَ ذَاكَ) فَصَارَ فِي كَوْنِ الْمُسْلِمِ فِي الْبَاقِي شَكٌّ، بِخِلَافِ الْحَالَةِ الْأُولَى فَإِنَّ كَوْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فِيهِمْ مَعْلُومٌ بِالْفَرْضِ فَوَقَعَ الْفَرْقُ فَتْحٌ. قُلْت: وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ تَنَجَّسَ بَعْضُ الثَّوْبِ فَغَسَلَ طَرَفًا مِنْهُ وَلَوْ بِلَا تَحَرٍّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ إذَا لَمْ يَبْقَ مُتَيَقِّنَ النَّجَاسَةِ، وَهَذَا يَرُدُّ عَلَى قَوْلِهِمْ الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ وَقَدَّمْنَا تَحْقِيقَ الْمَسْأَلَةِ فِي الطَّهَارَةِ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ الِاسْتِخْفَافُ بِهِ) زَادَ ذَلِكَ وَإِنْ اسْتَلْزَمَهُ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِلَّةُ النَّهْيِ فَإِنَّ إخْرَاجَهُ يُؤَدِّي إلَى وُقُوعِهِ فِي يَدِ الْعَدُوِّ، وَفِي ذَلِكَ تَعْرِيضٌ لِاسْتِخْفَافِهِمْ بِهِ، وَهُوَ حَرَامٌ خِلَافًا لِقَوْلِ الطَّحَاوِيِّ إنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ عِنْدَ قِلَّةِ الْمَصَاحِفِ كَيْ لَا تَنْقَطِعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ، وَأَمَّا الْيَوْمُ فَلَا يُكْرَهُ (قَوْلُهُ وَامْرَأَةٍ) أَيْ وَعَنْ إخْرَاجِ امْرَأَةٍ، فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا (قَوْلُهُ هُوَ الْأَصَحُّ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ إلَّا فِي جَيْشٍ) أَقَلُّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَأَقَلُّ السَّرِيَّةِ عِنْدَهُ مِائَةٌ كَمَا رَأَيْته فِي الْخَانِيَّةِ، وَكَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ نَقْلًا عَنْهَا وَعَنْ الْعِنَايَةِ، خِلَافًا لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ أَقَلَّ السَّرِيَّةِ مِائَتَانِ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَمَا قَالَهُ ابْنُ زِيَادٍ مِنْ أَنَّ أَقَلَّ السَّرِيَّةِ أَرْبَعُمِائَةٍ، وَأَقَلَّ الْجَيْشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ قَالَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ اهـ وَفِي الْفَتْحِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَسْكَرُ الْعَظِيمُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَنْ تُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ» . اهـ. قُلْت: وَالتَّقْيِيدُ بِالْقِلَّةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تُغْلَبُ بِسَبَبٍ آخَرَ كَخِيَانَةِ الْأُمَرَاءِ فِي زَمَانِنَا. [تَتِمَّةٌ] فِي الْخَانِيَّةِ: لَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَفِرُّوا إذَا كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ أَكْثَرَ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُغْلَبُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَفِرَّ وَلَا بَأْسَ لِلْوَاحِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ سِلَاحٌ أَنْ يَفِرَّ مِنْ اثْنَيْنِ لَهُمَا سِلَاحٌ، وَذَكَرَ قَبْلَهُ وَيُكْرَهُ لِلْوَاحِدِ الْقَوِيِّ أَنْ يَفِرَّ مِنْ الْكَافِرَيْنِ وَالْمِائَةُ مِنْ الْمِائَتَيْنِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَفِرَّ الْوَاحِدُ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَالْمِائَةُ مِنْ ثَلَثِمِائَةٍ (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: ثُمَّ الْأَوْلَى فِي إخْرَاجِ النِّسَاءِ الْعَجَائِزُ لِلطِّبِّ وَالْمُدَاوَاةِ وَالسَّقْيِ دُونَ الشَّوَابِّ وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى الْمُبَاضَعَةِ فَالْأَوْلَى إخْرَاجُ الْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ. مَطْلَبٌ لَفْظُ يَنْبَغِي يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنْدُوبِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ (قَوْلُهُ وَنُهِينَا عَنْ غَدْرٍ إلَخْ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَغْدِرُوا؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ اسْتِعْمَالُ يَنْبَغِي بِمَعْنَى يُنْدَبُ وَلَا يَنْبَغِي بِمَعْنَى يُكْرَهُ تَنْزِيهًا، وَإِنْ كَانَ فِي عُرْفِ الْمُتَقَدِّمِينَ اسْتِعْمَالُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 وَغُلُولٍ وَ) عَنْ (مُثْلَةٍ) بَعْدَ الظَّفْرِ بِهِمْ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا بَأْسَ بِهَا اخْتِيَارٌ (وَ) عَنْ (قَتْلِ امْرَأَةٍ وَغَيْرِ مُكَلَّفٍ وَشَيْخٍ) خَرٍّ (فَانٍ) لَا صِيَاحَ وَلَا نَسْلَ لَهُ فَلَا يُقْتَلُ وَلَا إذَا ارْتَدَّ (وَأَعْمَى وَمُقْعَدٍ) وَزَمِنٍ وَمَعْتُوهٍ   [رد المحتار] فِي أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ - مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِك مِنْ أَوْلِيَاءَ - قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَا مَعْنَاهُ يَجِبُ أَوْ يُنْدَبُ بِحُسْنِ مَا فِيهِ مِنْ الطَّلَبِ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ نَسْخِ الْمُثْلَةِ (قَوْلُهُ عَنْ غَدْرٍ) أَيْ نَقْضِ عَهْدٍ وَغُلُولٍ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْخِيَانَةُ مِنْ الْمَغْنَمِ قَبْلَ قِسْمَتِهِ وَمُثْلَةٌ بِضَمِّ الْمِيمِ اسْمُ مَصْدَرٍ مَثَلَ بِهِ مِنْ بَابِ نَصَرَ أَيْ قَطَعَ أَطْرَافَهُ وَشَوَّهَ بِهِ كَذَا فِي جَامِعِ اللُّغَةِ (قَوْلُهُ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا بَأْسَ بِهَا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذَا حَسَنٌ وَنَظِيرُهُ الْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ، وَقَيَّدَ جَوَازَهَا قَبْلَهُ فِي الْفَتْحِ بِمَا إذَا وَقَعَتْ قِتَالًا كَمُبَارِزٍ ضَرَبَ فَقَطَعَ أُذُنَهُ ثُمَّ ضَرِبَ فَفَقَأَ عَيْنَهُ ثُمَّ ضَرَبَ فَقَطَعَ يَدَهُ وَأَنْفَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ كَافِرٍ حَالَ قِيَامِ الْحَرْبِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُمَثِّلَ بِهِ بَلْ يَقْتُلُهُ، وَمُقْتَضَى مَا فِي الِاخْتِيَارِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ كَيْفَ وَقَدْ عُلِّلَ بِأَنَّهَا أَبْلَغُ فِي كَبْتِهِمْ وَأَضَرُّ بِهِمْ نَهْرٌ. [تَنْبِيهٌ] ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا النَّهْيُ عَنْ الْمُثْلَةِ فَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ فَالنَّسْخُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ يُدْرَ فَقَدْ تَعَارَضَ مُحَرِّمٌ وَمُبِيحٌ، فَيُقَدَّمُ الْمُحَرِّمُ وَيَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِنَسْخِ الْآخَرِ، وَأَمَّا مَنْ جَنَى عَلَى جَمَاعَةٍ بِأَنْ قَطَعَ أَنْفَ رَجُلٍ وَأُذُنَيْ رَجُلٍ وَيَدَيْ آخَرَ وَرِجْلَيْ آخَرَ وَفَقَأَ عَيْنَيْ آخَرَ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ لِكُلٍّ، لَكِنْ يُسْتَأْنَى بِكُلِّ قِصَاصٍ إلَى بُرْءِ مَا قَبْلَهُ فَهَذِهِ مُثْلَةٌ ضِمْنًا لَا قَصْدًا، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُ النَّهْيِ وَالنَّسْخِ فِيمَنْ مَثَّلَ بِشَخْصٍ حَتَّى قَتَلَهُ فَمُقْتَضَى النَّسْخِ أَنْ يُقْتَلَ بِهِ ابْتِدَاءً وَلَا يُمَثَّلُ بِهِ فَتْحٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَغَيْرِ مُكَلَّفٍ) كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ (قَوْلُهُ وَشَيْخٍ خَرٍّ فَانٍ) أَصْلَ الْمَتْنِ وَشَيْخٍ فَانٍ لَكِنْ زَادَ الشَّارِحُ لَفْظَةَ خَرٍّ فَيَكُونُ عَطْفَ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ قَالَ فِي الْفَتْحِ: ثُمَّ الْمُرَادُ بِالشَّيْخِ الْفَانِي الَّذِي لَا يَقْتُلُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ، وَلَا الصِّيَاحِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَلَا عَلَى الْإِحْبَالِ؛ لِأَنَّهُ يَجِيءُ مِنْهُ الْوَلَدُ فَيُكَثِّرُ مُحَارِبَ الْمُسْلِمِينَ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ زَادَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَامِلَ الْعَقْلِ نَقْتُلُهُ، وَمِثْلُهُ نَقْتُلُهُ إذَا ارْتَدَّ، وَاَلَّذِي لَا نَقْتُلُهُ الشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي خَرِفَ وَزَالَ عَنْ حُدُودِ الْعُقَلَاءِ وَالْمُمَيِّزِينَ فَهَذَا لَا نَقْتُلُهُ وَلَا إذَا ارْتَدَّ. اهـ. قُلْت: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّازِيّ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَامِلَ الْعَقْلِ يُقْتَلُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِتَالِ وَالصِّيَاحِ وَالْإِحْبَالِ، وَمُقْتَضَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ لَا يُقْتَلُ، وَإِنْ كَانَ كَامِلَ الْعَقْلِ، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَهَذَا الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَاقِلًا لَكِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ يَكُونُ فِي مَعْنَى الْمَرْأَةِ وَالرَّاهِبِ بَلْ أَوْلَى. فَصَارَ الْحَاصِلُ: أَنَّ الشَّيْخَ الْفَانِيَ إنْ كَانَ خَرٍّ فَانٍ زَائِلُ الْعَقْلِ لَا يُقْتَلُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ صِيَاحٌ وَنَسْلٌ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَجْنُونِ، وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا لَا يُقْتَلُ أَيْضًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِتَالِ وَنَحْوِهِ وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مِنْ عَدَمِ الِانْتِظَامِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ وَشَيْخٍ فَانٍ لَا صِيَاحَ، وَلَا نَسْلَ لَهُ أَوْ خَرٍّ فَانٍ لَا يَعْقِلُ فَلَا يُقْتَلُ وَلَا إذَا ارْتَدَّ، وَالْمُرَادُ بِمَنْ لَا صِيَاحَ لَهُ مَنْ لَا يُحَرِّضُ عَلَى الْقِتَالِ بِصِيَاحِهِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ (قَوْلُهُ وَمُقْعَدٍ وَزَمِنٍ) وَكَذَا مَنْ فِي مَعْنَاهُمَا كَيَابِسٍ الشِّقِّ وَمَقْطُوعِ الْيُمْنَى أَوْ مِنْ خِلَافٍ لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِأَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَنْ رُتْبَةِ الشَّيْخِ الْقَادِرِ عَلَى الْإِحْبَالِ أَوْ الصِّيَاحِ اهـ. قُلْت: وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْأَعْمَى وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ يَنْدَفِعُ مَا يُحْذَرُ مِنْهُمْ بِإِخْرَاجِهِمْ إلَى دَارِنَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 وَرَاهِبٍ وَأَهْلِ كَنَائِسَ لَمْ يُخَالِطُوا النَّاسَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ مَلِكًا) أَوْ مُقَاتِلًا (أَوْ ذَا رَأْيٍ) أَوْ مَالٍ (فِي الْحَرْبِ، وَلَوْ قَتَلَ مَنْ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ) مِمَّنْ ذُكِرَ (فَعَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ فَقَطْ) كَسَائِرِ الْمَعَاصِي؛ لِأَنَّ دَمَ الْكَافِرِ لَا يَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْأَمَانِ وَلَمْ يُوجَدْ، ثُمَّ لَا يَتْرُكُونَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، بَلْ يَحْمِلُونَهُمْ تَكْثِيرًا لِلْفَيْءِ وَتَمَامُهُ فِي السِّرَاجِ وَسَيَجِيءُ [فَرْعَانِ: الْأَوَّلُ] لَا بَأْسَ بِحَمْلِ رَأْسِ الْمُشْرِكِ لَوْ فِيهِ غَيْظُهُمْ وَفِيهِ فَرَاغُ قَلْبِنَا، وَقَدْ «حَمَلَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَوْمَ بَدْرٍ رَأْسَ أَبِي جَهْلٍ وَأَلْقَاهَا بَيْنَ يَدَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اللَّهُ أَكْبَرُ هَذَا فِرْعَوْنِي وَفِرْعَوْنُ أُمَّتِي كَانَ شَرُّهُ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي أَعْظَمَ مِنْ شَرِّ فِرْعَوْنَ عَلَى مُوسَى وَأُمَّتِهِ» ظَهِيرِيَّةٌ [الثَّانِي] لَا بَأْسَ بِنَبْشِ قُبُورِهِمْ طَلَبًا لِلْمَالِ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَعِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ قُبُورُ الْكُفَّارِ فَعَمَّتْ الذِّمِّيَّ (وَلَا) يَحِلُّ لِلْفَرْعِ أَنْ (يَبْدَأَ أَصْلَهُ الْمُشْرِكَ بِقَتْلٍ)   [رد المحتار] لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ مَنْ لَا يَقْتُلُ يُحْمَلُ إلَى دَارِنَا سِوَى الشَّيْخِ الْفَانِي عَادِمِ النَّفْعِ بِالْكُلِّيَّةِ وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَرَاهِبٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: لَا يُقْتَلُ الرَّاهِبُ فِي صَوْمَعَتِهِ، وَلَا أَهْلُ الْكَنَائِسِ الَّذِينَ لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ، فَإِنْ خَالَطُوا قُتِلُوا كَالْقِسِّيسِ وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ يُقْتَلُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ اهـ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَكَذَا يَجُوزُ قَتْلُ الْأَخْرَسِ وَالْأَصَمِّ وَأَقْطَعِ الْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُقَاتِلَ رَاكِبًا وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا قَاتَلَتْ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ حُكْمِ عَدَمِ الْقَتْلِ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا لِأَحَدٍ وَصَحَّ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَتْلِ دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةَ وَكَانَ عُمْرُهُ مِائَةً وَعِشْرِينَ عَامًا أَوْ أَكْثَرَ، وَقَدْ عَمِيَ لَمَّا جِيءَ بِهِ فِي جَيْشِ هَوَازِنَ لِلرَّأْيِ، وَكَذَا يُقْتَلُ مَنْ قَاتَلَ مِنْ كُلِّ مَنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يُقْتَلُ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ إلَّا أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ يُقْتَلَانِ فِي حَالِ قِتَالِهِمَا، أَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ النِّسَاءِ وَالرُّهْبَانِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ إذَا قَاتَلُوا بَعْدَ الْأَسْرِ، وَالْمَرْأَةُ الْمَلِكَةُ تُقْتَلُ وَإِنْ لَمْ تُقَاتِلْ وَكَذَا الصَّبِيُّ الْمَلِكُ؛ لِأَنَّ فِي قَتْلِ الْمَلِكِ كَسْرُ شَوْكَتِهِمْ، وَقَيَّدَ فِي الْجَوْهَرَةِ الصَّبِيَّ الْمَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ حَاضِرًا (قَوْلُهُ فِي الْحَرْبِ) مُتَعَلِّقٌ بِرَأْيٍ وَمَالٍ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَالِ بِالْإِنْفَاقِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَتْرُكُونَهُمْ إلَخْ) أَيْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتْرُكُوا مَنْ ذُكِرَ مِمَّنْ لَا يُقْتَلُ بَلْ يَحْمِلُونَهُمْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ عَلَى ذَلِكَ لِمَا ذُكِرَ وَلِئَلَّا يُولَدَ لَهُمْ فَيَكُونَ فِي تَرْكِهِمْ عَوْنٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ الصِّبْيَانُ يَبْلُغُونَ فَيُقَاتِلُونَ، وَأَمَّا الشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي لَا يُقَاتِلَ وَلَا يُلْقِحُ وَلَا رَأْيَ لَهُ، فَإِنْ شَاءُوا تَرَكُوهُ إذْ لَا نَفْعَ فِيهِ لِلْكُفَّارِ أَوْ حَمَلُوهُ لِيُفَادِيَ بِهِ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى الْمُفَادَاةَ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا فَائِدَةَ فِي حَمْلِهِ، وَمِثْلُهُ الْعَجُوزُ الَّتِي لَا تَلِدُ مِنَحٌ عَنْ السِّرَاجِ مُلَخَّصًا وَالْمُعْتَمَدُ الْقَوْلُ بِالْمُفَادَاةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي، وَكَذَلِكَ الرُّهْبَانُ وَأَصْحَابُ الصَّوَامِعِ إذَا كَانُوا لَا يَتَزَوَّجُونَ بَحْرٌ: أَيْ وَلَا يُخَالِطُونَ وَبِهِ وَفَّقَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بَيْنَ هَذَا وَرِوَايَةِ أَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَفِيهِ فَرَاغُ قَلْبِنَا) أَيْ بِانْدِفَاعِ شَرِّهِ عَنَّا لِاشْتِهَارِ قَتْلِهِ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَقَدْ حَمَلَ إلَخْ) وَكَذَا فَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٌ بِسُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةً بِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ كَمَا بَسَطَهُ السَّرَخْسِيُّ وَقَالَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا لَوْ فِيهِ غَيْظُهُمْ وَفَرَاغُ قَلْبِنَا بِأَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مِنْ قُوَّادِ الْمُشْرِكِينَ أَوْ عُظَمَاءِ الْمُبَارِزِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَمْ أَرَ نَبْشَ قُبُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ إنْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ إلَّا بَيْتَ الْمَالِ جَازَ نَبْشُهُ، ثُمَّ نَقَلَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَالَ هَذَا يَعُمُّ الذِّمِّيَّ اهـ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَيْسَ فِيهِ التَّقْيِيدُ بِتَحَقُّقِ الْمَالِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ عِنْدَ تَوَهُّمِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ التَّحَقُّقِ يَجُوزُ النَّبْشُ فِي الْمُسْلِمِ لِحَقِّ آدَمِيٍّ كَسُقُوطِ مَتَاعٍ أَوْ تَكْفِينٍ بِثَوْبٍ مَغْصُوبٍ أَوْ دَفْنٍ مَالٍ مَعَهُ وَلَوْ دِرْهَمًا كَمَا فِي جَنَائِزِ الْبَحْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَنْ يَبْدَأَ أَصْلَهُ الْمُشْرِكَ) ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ بِالْإِنْفَاقِ فَيُنَاقِضُهُ الْإِطْلَاقُ فِي إفْتَائِهِ هِدَايَةٌ، وَالْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ كَانَ سَبَبَ إيجَادِهِ لِمَا يَأْتِي قَرِيبًا قَيَّدَ بِالْبَدْءِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ قَصَدَ الْأَصْلُ قَتْلَهُ كَمَا يَأْتِي وَبِالْأَصْلِ احْتِرَازًا عَنْ الْفَرْعِ الْمُشْرِكِ وَإِنْ سَفُلَ فَلِلْأَبِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِقَتْلِهِ وَكَذَا سَائِرُ الْقَرَابَاتِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَعَدَلَ عَنْ تَعْبِيرِ الْكَنْزِ بِالْأَبِ؛ لِأَنَّ أُمَّهُ وَأَجْدَادَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 كَمَا لَا يَبْدَأُ قَرِيبَهُ الْبَاغِيَ (وَيَمْتَنِعُ الْفَرْعُ) عَنْ قَتْلِهِ بَلْ يَشْغَلُهُ (لِ) لِأَجْلِ أَنْ (يَقْتُلَهُ غَيْرُهُ) فَإِنْ فُقِدَ قَتَلَهُ (وَلَوْ قَتَلَهُ فَهَدَرٌ) لِعَدَمِ الْعَاصِمِ (وَلَوْ قَصَدَ الْأَصْلُ قَتْلَهُ وَلَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ قَتَلَهُ) لِجَوَازِ الدَّفْعِ مُطْلَقًا (وَيَجُوزُ الصُّلْحُ) عَلَى تَرْكِ الْجِهَادِ (مَعَهُمْ بِمَالٍ) مِنْهُمْ أَوْ مِنَّا (لَوْ خُيِّرَا) - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61]- (وَنَنْبِذُ) أَيْ نُعْلِمُهُمْ بِنَقْضِ الصُّلْحِ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ الْمُحَرَّمِ (لَوْ خُيِّرَا) لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَهْلِ مَكَّةَ   [رد المحتار] وَجَدَّاتِهِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ كَالْأَبِ (قَوْلُهُ كَمَا لَا يَبْدَأُ قَرِيبَهُ الْبَاغِيَ) أَشَارَ إلَى فَائِدَةِ التَّقْيِيدِ بِالْمُشْرِكِ وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُحَارِبُ بَاغِيًا لَا يَتَقَيَّدُ بِكَوْنِهِ أَصْلًا بَلْ يَعُمُّ الْأَخَ وَغَيْرَهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ لِاتِّحَادِ الدِّينِ فَكَذَا بِتَرْكِ الْقَتْلِ. اهـ. قُلْت: وَمُفَادُهُ تَقْيِيدُ الْقَرِيبِ بِالرَّحِمِ الْمَحْرَمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى غَيْرِهِ، لَكِنْ يَرِدُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ عَلَى فَرْعِهِ الْمُشْرِكِ يُجَابُ بِأَنَّ ذَاكَ فِي غَيْرِ الْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ الْحَرْبِيِّينَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَدْءُ أَصْلِهِ بِالْقَتْلِ، وَأَنْ لَا يَصِحَّ التَّعْلِيلُ الْمَارُّ عَنْ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ بِالْإِنْفَاقِ كَمَا أَوْرَدَهُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ فَالْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ السِّيَرِ أَنَّ الْأَبَ كَانَ سَبَبَ إيجَادِهِ فَلَا يَكُونُ سَبَبَ إعْدَامِهِ بِالْقَصْدِ إلَى قَتْلِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ بَلْ يَشْغَلُهُ) أَيْ بِالْمُحَارَبَةِ بِأَنْ يُعَرْقِبَ فَرَسَهُ، أَوْ يَطْرَحَهُ عَنْهَا أَوْ يُلْجِئَهُ إلَى مَكَان وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْهُ وَيَتْرُكَهُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ فُقِدَ قَتَلَهُ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ غَيْرُهُ قَتَلَهُ كَذَا قَالَهُ فِي النَّهْرِ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ. وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَنْ يَقْتُلُهُ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الرُّجُوعِ حَتَّى لَا يَعُودَ حَرْبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَكِنَّهُ يُلْجِئُهُ إلَى مَكَان يَسْتَمْسِكُ بِهِ حَتَّى يَجِيءَ غَيْرُهُ فَيَقْتُلَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَتَلَهُ فَهَدَرٌ) أَيْ بَاطِلٌ لَا دِيَةَ فِيهِ وَلَا قِصَاصَ نَعَمْ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ لِجَوَازِ الدَّفْعِ مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ إذَا أَرَادَ قَتْلَ ابْنِهِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّخَلُّصِ مِنْهُ إلَّا بِقَتْلِهِ كَانَ لَهُ قَتْلُهُ لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا لِدَفْعِ شَرِّهِ فَهُنَا أَوْلَى، وَلَوْ كَانَا فِي سَفَرٍ وَعَطِشَا وَمَعَ الِابْنِ مَاءٌ يَكْفِي لِنَجَاةِ أَحَدِهِمَا كَانَ لِلِابْنِ شُرْبُهُ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ يَمُوتُ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ سَمِعَ أَبَاهُ الْمُشْرِكَ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ رَسُولَهُ بِسُوءٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ قَتْلُهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ قَتَلَ أَبَاهُ حِينَ سَمِعَهُ يَسُبُّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشُرِّفَ وَكُرِّمَ، فَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ» كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ بِمَالٍ مِنْهُمْ) وَيُصْرَفُ مَصَارِفَ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ إنْ كَانَ قَبْلَ النُّزُولِ بِسَاحَتِهِمْ بَلْ بِرَسُولٍ أَمَّا إذَا نَزَلْنَا بِهِمْ فَهُوَ غَنِيمَةٌ نُخَمِّسُهَا وَنَقْسِمُ الْبَاقِيَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ مِنَّا) أَيْ بِمَالٍ نُعْطِيهِ لَهُمْ إنْ خَافَ الْإِمَامُ الْهَلَاكَ عَلَى نَفْسِهِ وَالْمُسْلِمِينَ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ - {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ} [الأنفال: 61] أَيْ مَالُوا قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالسِّلْمُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ الصُّلْحُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَالْآيَةُ مُقَيَّدَةٌ بِرُؤْيَةِ الْمَصْلَحَةِ إجْمَاعًا - {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: 35]- أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَيْ نُعْلِمُهُمْ بِنَقْضِ الصُّلْحِ) أَفَادَ شَرْطًا زَائِدًا عَلَى الْمَتْنِ وَهُوَ إعْلَامُهُمْ بِهِ؛ لِأَنَّ نَبْذَ الْعَهْدِ نَقْضُهُ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ أَيْضًا حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهِ زَمَانٌ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مَلِكُهُمْ مِنْ إنْفَاذِ الْخَبَرِ إلَى أَطْرَافِ مَمْلَكَتِهِ، حَتَّى لَوْ كَانُوا خَرَّبُوا حُصُونَهُمْ لِلْأَمَانِ، وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَعُودُوا إلَى مَأْمَنِهِمْ وَيَعْمُرُوا حُصُونَهُمْ كَمَا كَانَتْ تَوَقِّيًا عَنْ الْغَدْرِ، وَهَذَا لَوْ نُقِضَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، أَمَّا لَوْ مَضَتْ فَلَا يَنْبِذُ إلَيْهِمْ، وَلَوْ كَانَ الصُّلْحُ بِجُعْلٍ فَنَقَضَهُ قَبْلَ الْمُدَّةِ رَدَّ عَلَيْهِمْ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْأَمَانِ فِي الْمُدَّةِ فَيَرْجِعُونَ بِمَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُمْ الْأَمَانَ فِيهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَهْلِ مَكَّةَ) تَبِعَ فِيهِ الْهِدَايَةَ وَرَدَّهُ الْكَمَالُ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبَذَ الْمُوَادَعَةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ فَالْأَلْيَقُ جَعْلُهُ دَلِيلًا لِقَوْلِهِ الْآتِي وَإِنْ بَدَءُوا بِخِيَانَةٍ قَاتَلَهُمْ، وَلَمْ يَنْبِذْ إلَيْهِمْ إذَا كَانَ بِاتِّفَاقِهِمْ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 (وَنُقَاتِلُهُمْ بِلَا نَبْذٍ مَعَ خِيَانَةِ مَلِكِهِمْ) وَلَوْ بِقِتَالِ ذِي مَنَعَةٍ بِإِذْنِهِ وَلَوْ بِدُونِهِ انْتَقَضَ حَقُّهُمْ فَقَطْ (وَ) نُصَالِحُ (الْمُرْتَدِّينَ لَوْ غَلَبُوا عَلَى بَلْدَةٍ وَصَارَتْ دَارُهُمْ دَارَ حَرْبٍ) لَوْ خُيِّرَا (بِلَا مَالٍ وَإِلَّا) يَغْلِبُوا عَلَى بَلْدَةٍ (لَا) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَقْرِيرَ الْمُرْتَدِّ عَلَى الرِّدَّةِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَتْحٌ (وَإِنْ أُخِذَ) الْمَالُ (مِنْهُمْ لَمْ يُرَدَّ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ بِخِلَافِ أَخْذِهِ مِنْ بُغَاةٍ فَإِنَّهُ يُرَدُّ بَعْدَ وَضْعِ الْحَرْبِ أَوْزَارَهَا فَتْحٌ (وَلَمْ نَبِعْ) فِي الزَّيْلَعِيِّ يَحْرُمُ أَنْ نَبِيعَ (مِنْهُمْ مَا فِيهِ تَقْوِيَتُهُمْ عَلَى الْحَرْبِ) كَحَدِيدٍ وَعَبِيدٍ وَخَيْلٍ (وَلَا نَحْمِلُهُ إلَيْهِمْ وَلَوْ بَعْدَ صُلْحٍ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَأَمَرَ بِالْمِيرَةِ وَهِيَ الطَّعَامُ وَالْقُمَاشُ فَجَازَ اسْتِحْسَانًا (وَلَا نَقْتُلُ مَنْ أَمَّنَهُ حُرٌّ أَوْ حُرَّةٌ وَلَوْ فَاسِقًا) أَوْ أَعْمَى أَوْ فَانِيًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا   [رد المحتار] ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَبْدَأْ أَهْلَ مَكَّةَ بَلْ هُمْ بَدَءُوا بِالْغَدْرِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَقَاتَلَهُمْ، وَلَمْ يَنْبِذْ إلَيْهِمْ بَلْ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعْمِيَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَبْغَتَهُمْ هَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ لِجَمِيعِ أَهْلِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي وَتَمَامُهُ فِي ح (قَوْلُهُ وَلَوْ بِقِتَالٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ خِيَانَةُ مَلِكِهِمْ بِقِتَالِ أَهْلِ مَنَعَةٍ بِإِذْنِهِ: أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ قِتَالِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِقِتَالِ بَعْضِ أَتْبَاعِهِ بِإِذْنِهِ (قَوْلُهُ انْتَقَضَ حَقُّهُمْ فَقَطْ) أَيْ حَقُّ الْمُقَاتِلِينَ ذَوِي الْمَنَعَةِ بِلَا إذْنِ مَلِكِهِمْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فَلَا يُنْتَقَضُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمْ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنَعَةٌ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِلْعَهْدِ اهـ أَيْ بِأَنْ قَاتَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مَثَلًا ثُمَّ تَرَكَ الْقِتَالَ يَبْقَى عَهْدُهُ (قَوْلُهُ بِلَا مَالٍ) أَيْ بِلَا أَخْذِهِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِزْيَةِ: وَهِيَ لَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ نَهْرٌ وَلَمْ يَذْكُرْ صُلْحَهُمْ عَلَى أَخْذِهِمْ الْمَالَ مِنَّا وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي أَهْلِ الْحَرْبِ، وَلَكِنْ هَلْ يَلْزَمُ إعْلَامُهُمْ بِنَقْضِ الْعَهْدِ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ أَمْ لَا لِكَوْنِهِمْ يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ أَهْلِ الْحَرْبِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ إذَا ظَهَرُوا فَتْحٌ (قَوْلُهُ بَعْدَ وَضْعِ الْحَرْبِ أَوْزَارَهَا) أَيْ أَثْقَالَهَا، وَالْمُرَادُ بَعْدَ انْتِهَائِهَا وَإِنَّمَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فَيْئًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ حَالَ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لَهُمْ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ نَبِعْ إلَخْ) أَرَادَ بِهِ التَّمْلِيكَ بِوَجْهٍ كَالْهِبَةِ قُهُسْتَانِيٌّ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِيجَارَ وَالْإِعَارَةَ كَذَلِكَ أَفَادَهُ الْحَمَوِيُّ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ مَنْعُ مَا فِيهِ تَقْوِيَةٌ عَلَى قِتَالِنَا كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ يَحْرُمُ) أَيْ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَحَدِيدٍ) وَكَسِلَاحٍ مِمَّا اُسْتُعْمِلَ لِلْحَرْبِ، وَلَوْ صَغِيرًا كَالْإِبْرَةِ، وَكَذَا مَا فِي حُكْمِهِ مِنْ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ فَإِنَّ تَمْلِيكَهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ يُصْنَعُ مِنْهُ الرَّايَةُ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَبِيدٍ) ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَوَالَدُونَ عِنْدَهُمْ فَيَعُودُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا مُسْلِمًا كَانَ الرَّقِيقُ أَوْ كَافِرًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَا نَحْمِلُهُ إلَيْهِمْ) أَيْ لِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ لِتَاجِرِنَا أَنْ يَدْخُلَ دَارَهُمْ بِأَمَانٍ وَمَعَهُ سِلَاحٌ لَا يُرِيدُ بَيْعَهُ مِنْهُمْ إذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَتَعَرَّضُونَ لَهُ وَإِلَّا فَيُمْنَعُ عَنْهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ لَوْ جَاءَ الْحَرْبِيُّ بِسَيْفٍ فَاشْتَرَى مَكَانَهُ قَوْسًا أَوْ رُمْحًا أَوْ فَرَسًا لَمْ يُتْرَكْ أَنْ يَخْرُجَ، وَكَذَا لَوْ اسْتَبْدَلَ بِسَيْفِهِ سَيْفًا خَيْرًا مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ لَمْ يُمْنَعْ، وَالْمُسْتَأْمَنُ كَالْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ إلَّا إذَا خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ بِهِ. اهـ. نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْدَ صُلْحٍ) تَعْمِيمٌ لِلْبَيْعِ وَالْحَمْلِ قَالَ فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى شَرَفِ الِانْقِضَاءِ أَوْ النَّقْضِ (قَوْلُهُ فَجَازَ اسْتِحْسَانًا) أَيْ اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ إلَى الطَّعَامِ فَلَوْ احْتَاجُوهُ لَمْ يَجُزْ (قَوْلُهُ وَلَا نَقْتُلُ مَنْ أَمَّنَهُ إلَخْ) أَيْ إذَا أَمَّنَ رَجُلٌ حُرٌّ أَوْ امْرَأَةٌ حَرَّةٌ كَافِرًا أَوْ جَمَاعَةً أَوْ أَهْلَ حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ صَحَّ أَمَانُهُمْ وَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُمْ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» أَيْ لَا تَزِيدُ دِيَةُ الشَّرِيفِ عَلَى دِيَةِ الْوَضِيعِ «وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» أَيْ أَقَلُّهُمْ عَدَدًا وَهُوَ الْوَاحِدُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ فَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَدْنَى الَّذِي هُوَ الْأَقَلُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ} [المجادلة: 7]- فَهُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى صِحَّةِ أَمَانِ الْوَاحِدِ أَوْ مِنْ الدُّنُوِّ وَهُوَ الْقُرْبُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9] فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ أَمَانِ الْمُسْلِمِ فِي ثَغْرٍ بِقُرْبِ الْعَدُوِّ أَوْ مِنْ الدَّنَاءَةِ فَهُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى صِحَّةِ أَمَانِ الْفَاسِقِ أَفَادَهُ السَّرَخْسِيُّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 أُذِنَ لَهُمَا فِي الْقِتَالِ (بِأَيِّ لُغَةٍ كَانَ) الْأَمَانُ (وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَهَا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمُسْلِمِينَ) ذَلِكَ (بِشَرْطِ سَمَاعِهِمْ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) فَلَا أَمَانَ لَوْ كَانَ بِالْبُعْدِ مِنْهُمْ، وَيَصِحُّ بِالصَّرِيحِ كَأَمَّنْتُ أَوْ لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ وَبِالْكِنَايَةِ كَتَعَالَ إذَا ظَنَّهُ أَمَانًا وَبِالْإِشَارَةِ بِالْأُصْبُعِ إلَى السَّمَاءِ وَلَوْ نَادَى الْمُشْرِكُ بِالْأَمَانِ صَحَّ لَوْ مُمْتَنِعًا وَصَحَّ طَلَبُهُ لِذَرَارِيِّهِ لَا لِأَهْلِهِ   [رد المحتار] بَحْثُ الْأَمَانِ (قَوْلُهُ أُذِنَ لَهُمَا فِي الْقِتَالِ) أَيْ إذَا كَانَ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ مَأْذُونَيْنِ فِي الْقِتَالِ صَحَّ أَمَانُهُمَا فِي الْأَصَحِّ اتِّفَاقًا قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْهِدَايَةِ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْكَمَالِ عَنْ الِاخْتِيَارِ دُرٌّ مُنْتَقَى (قَوْلُهُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ) أَيْ كَوْنُ ذَلِكَ اللَّفْظِ أَمَانًا. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّرْطَ مَعْرِفَةُ الْمُتَكَلَّمِ بِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْأَمَانُ بِهِ ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَيْضًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ لَمْ يُعْرَفْ مَعْنَاهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلَا أَمَانَ لَوْ كَانَ بِالْبُعْدِ مِنْهُمْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ السَّمَاعُ وَلَوْ حُكْمًا لِمَا نَقَلَهُ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ لَوْ نَادَوْهُمْ مِنْ مَوْضِعٍ يَسْمَعُونَ وَعَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا بِأَنْ كَانُوا نِيَامًا أَوْ مَشْغُولِينَ بِالْحَرْبِ فَذَلِكَ أَمَانٌ (قَوْلُهُ كَ تَعَالَ) قَالَ السَّرَخْسِيُّ: اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ بِحَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " أَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَشَارَ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْعَدُوِّ أَنْ تَعَالَ فَإِنَّك إنْ جِئْت قَتَلْتُك فَأَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ " وَتَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَفْهَمْ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ قَوْلَهُ إنْ جِئْت قَتَلْتُك أَمَّا لَوْ عَلِمَ وَسَمِعَ فَهُوَ فَيْءٌ (قَوْلُهُ إلَى السَّمَاءِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَيَانَ إنِّي أَعْطَيْتُك ذِمَّةَ إلَهِ السَّمَاءِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْ أَنْتَ آمِنٌ بِحَقِّهِ سَرَخْسِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَوْ نَادَى الْمُشْرِكُ) بِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ أَيْ لَوْ طَلَبَ الْمُشْرِكُ الْأَمَانَ مِنَّا صَحَّ لَوْ مُمْتَنِعًا أَيْ فِي مَوْضِعٍ يَمْنَعُهُ عَنْ وُصُولِنَا إلَيْهِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ وَهُوَ مَادٌّ سَيْفَهُ أَوْ رُمْحَهُ فَهُوَ فَيْءٌ. اهـ. قُلْت: وَمُفَادُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُمْتَنِعًا يَصِيرُ آمِنًا بِمُجَرَّدِ طَلَبِهِ الْأَمَانَ وَإِنْ لَمْ نُؤَمِّنْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هَذَا إذَا تَرَكَ مَنْعَتَهُ وَجَاءَ إلَيْنَا طَالِبًا فَفِي شَرْحِ السِّيَرِ وَلَوْ كَانَ فِي مَنَعَةٍ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ الْمُسْلِمُونَ كَلَامَهُ وَلَا يَرَوْنَهُ فَانْحَطَّ إلَيْنَا وَحْدَهُ بِلَا سِلَاحٍ فَلَمَّا كَانَ بِحَيْثُ نَسْمَعُهُ نَادَى بِالْأَمَانِ فَهُوَ آمِنٌ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقْبَلَ سَالًّا سَيْفَهُ مَادًّا بِرُمْحِهِ نَحْوَنَا فَلَمَّا قَرُبَ اسْتَأْمَنَ فَهُوَ فَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الظَّاهِرِ فِيمَا يَتَعَذَّرُ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ جَائِزٌ، وَلَوْ فِي إبَاحَةِ الدَّمِ كَمَا لَوْ دَخَلَ بَيْتَهُ إنْسَانٌ لَيْلًا، وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ سَارِقٌ أَوْ هَارِبٌ، فَلَوْ عَلَيْهِ سِيَمَا اللُّصُوصِ لَهُ قَتْلُهُ وَإِلَّا فَلَا ثَمَّ. قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ فَارَقَ الْمَنَعَةَ عِنْدَ الِاسْتِئْمَانِ فَإِنَّهُ يَكُونُ آمِنًا عَادَةً وَالْعَادَةُ تُجْعَلُ حُكْمًا إذَا لَمْ يُوجَدْ التَّصْرِيحُ بِخِلَافِهِ، وَلَوْ وَجَدْنَا حَرْبِيًّا فِي دَارِنَا فَقَالَ: دَخَلْت بِأَمَانٍ لَمْ يُصَدَّقْ وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنَا رَسُولُ الْمَلِكِ إلَى الْخَلِيفَةِ إلَّا إذَا أَخْرَجَ كِتَابًا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كِتَابَ مَلِكِهِمْ، وَإِنْ اُحْتُمِلَ أَنَّهُ مُفْتَعِلٌ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ آمِنٌ كَمَا جَرَى بِهِ الرَّسْمُ جَاهِلِيَّةً وَإِسْلَامًا وَلَا يَجِدُ مُسْلِمَيْنِ فِي دَارِهِمْ لِيَشْهَدَا لَهُ فَلَوْ لَمْ يَصْحَبْهُ دَلِيلٌ وَلَا كِتَابٌ فَأَخَذَهُ مُسْلِمٌ فَهُوَ فَيْءٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَنْ وُجِدَ فِي عَسْكَرِنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأَخَذَهُ وَاحِدٌ، لَكِنَّهُ هُنَاكَ يُخَمَّسُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَهُنَا فِيهِ رِوَايَتَانِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ فَيْءٌ لِمَنْ أَخَذَهُ كَالصَّيْدِ وَالْحَشِيشِ وَفِي إيجَابِ الْخُمُسِ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ وَصَحَّ طَلَبُهُ إلَخْ) هَذَا غَلَطٌ وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ: لَوْ طَلَبَ الْأَمَانَ لِأَهْلِهِ لَا يَكُونُ هُوَ آمِنًا، بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَبَ لِذَرَارِيِّهِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْأَمَانِ اهـ فَإِنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ يَصِحُّ طَلَبُ الْأَمَانِ لِأَهْلِهِ وَذَرَارِيّهِ جَمِيعًا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْأَوَّلِ، وَيَدْخُلُ فِي الثَّانِي اهـ ح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 وَيَدْخُلُ فِي الْأَوْلَادِ أَوْلَادُ الْأَبْنَاءِ لَا أَوْلَادُ الْبَنَاتِ، وَلَوْ غَارَ عَلَيْهِمْ عَسْكَرٌ آخَرُ ثُمَّ بَعْدَ الْقِسْمَةِ عَلِمُوا بِالْأَمَانِ فَعَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ وَعَلَى الْوَاطِئِ الْمَهْرُ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِأَبِيهِ وَتُرَدُّ النِّسَاءُ وَالْأَوْلَادُ إلَى أَهْلِهَا يَعْنِي بَعْدَ ثَلَاثِ حِيَضٍ (وَيَنْقُضْ الْإِمَامُ) الْأَمَانَ (لَوْ) بَقَاؤُهُ (شَرًّا) وَمُبَاشِرُهُ بِلَا مَصْلَحَةٍ يُؤَدَّبُ (وَبَطَلَ أَمَانُ ذِمِّيٍّ) إلَّا إذَا أَمَرَهُ بِهِ مُسْلِمٌ شُمُنِّيٌّ   [رد المحتار] قُلْت: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَوْ قَالَ أَمِّنُوا أَهْلِي أَوْ قَالَ أَمِّنُوا ذَرَارِيَّ فَيَدْخُلُ الطَّالِبُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ خَفِيٌّ، أَمَّا لَوْ قَالَ أَمِّنُونِي عَلَى أَهْلِي أَوْ عَلَى ذَرَارِيَّ أَوْ عَلَى مَتَاعِي أَوْ قَالَ أَمِّنُونِي عَلَى عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ دَخَلَ هُوَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ نَفْسَهُ بِضَمِيرِ الْكِنَايَةِ وَشَرَطَ مَا ذَكَرَهُ مَعَهُ؛ لِأَنَّ عَلَى لِلشَّرْطِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ السَّرَخْسِيُّ مَعَ فُرُوعٍ أُخَرَ ذَكَرْت بَعْضَهَا مُلَخَّصَةً فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْبَحْرِ. مَطْلَبٌ لَوْ قَالَ عَلَى أَوْلَادِي فَفِي دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ رِوَايَتَانِ (قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ فِي الْأَوْلَادِ أَوْلَادُ الْأَبْنَاءِ إلَخْ) أَيْ لَوْ قَالَ آمِنُونِي عَلَى أَوْلَادِي دَخَلَ فِيهِ أَوْلَادُهُ لِصُلْبِهِ، وَأَوْلَادُهُمْ مِنْ قِبَلِ الذُّكُورِ دُونَ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَوْلَادِهِ، هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ هَهُنَا وَذَكَرَ الْخَصَّافُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ أَخَذَ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ أَوْلَادُنَا أَكْبَادُنَا» وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى: أَنَّ هَذَا مَجَازٌ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى - {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40]- أَوْ هُوَ خَاصٌّ بِأَوْلَادِ فَاطِمَةَ، كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ " «كُلُّ الْأَوْلَادِ يَنْتَمُونَ إلَى آبَائِهِمْ إلَّا أَوْلَادَ فَاطِمَةَ فَإِنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَيَّ أَنَا أَبُوهُمْ لَكِنَّهُ» حَدِيثٌ شَاذٌّ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَلَوْنَا. مَطْلَبٌ لَوْ قَالَ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ وَلَوْ قَالَ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي دَخَلَ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ؛ لِأَنَّ اسْمَ وَلَدِ الْوَلَدِ حَقِيقَةٌ لِمَنْ وَلَدَهُ وَلَدُك وَابْنَتُك وَلَدُك فَمَا وَلَدَتْهُ ابْنَتُك يَكُونُ وَلَدَ وَلَدِك حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ وَلَدَك مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْك، وَذَلِكَ أَوْلَادُ الِابْنِ دُونَ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ سَرَخْسِيٌّ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ أَيْضًا وَسَيَأْتِي تَمَامُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي الْوَقْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. مَطْلَبٌ فِي دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِي الذُّرِّيَّةِ رِوَايَتَانِ [تَنْبِيهٌ] سَكَتَ الشَّارِحُ عَنْ دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِي الذَّرَارِيِّ وَفِي الْبَحْرِ: أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ أَيْضًا، وَكَذَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَذَكَرَ وَجْهَ رِوَايَةِ عَدَمِ الدُّخُولِ أَنَّ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ مِنْ ذُرِّيَّةِ آبَائِهِمْ لَا مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمِ الْأُمِّ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الدُّخُولِ أَنَّ الذُّرِّيَّةَ اسْمٌ لِلْفَرْعِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ الْأَصْلِ، وَالْأَبَوَانِ أَصْلَانِ لِلْوَلَدِ وَمَعْنَى الْأَصْلِيَّةِ وَالتَّوَلُّدِ فِي جَانِبِ الْأُمِّ أَرْجَحُ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتَوَلَّدُ مِنْهَا بِوَاسِطَةِ مَاءِ الْفَحْلِ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ حِكَايَةً (قَوْلُهُ وَلَوْ غَارَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى مَنْ أَمَّنَهُمْ بَعْضُ الْعَسْكَرِ الْأُوَلِ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْوَاطِئِ الْمَهْرُ) أَيْ مَهْرُ الْمِثْلِ ط (قَوْلُهُ وَالْوَلَدُ حُرٌّ) أَيْ مِنْ غَيْرِ قِيمَةٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ أَيْضًا تَبَعًا لِأَبِيهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ يَعْنِي بَعْدَ ثَلَاثِ حِيَضٍ) وَفِي زَمَانِ الِاعْتِدَادِ يُوضَعْنَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، وَالْعَدْلُ امْرَأَةٌ عَجُوزٌ ثِقَةٌ لَا الرَّجُلُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَيَنْقُضُ الْإِمَامُ الْأَمَانَ) وَيُعْلِمُهُمْ بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ يُؤَدَّبُ) أَيْ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ شَرْعًا، وَإِلَّا فَجَهْلُهُ عُذْرٌ فِي دَفْعِ الْعُقُوبَةِ عَنْهُ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَمَرَهُ بِهِ مُسْلِمٌ) بِأَنْ قَالَ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 (وَأَسِيرٍ وَتَاجِرٍ وَصَبِيٍّ وَعَبْدٍ مَحْجُورَيْنِ عَنْ الْقِتَالِ) وَصَحَّحَ مُحَمَّدٌ أَمَانَ الْعَبْدِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ خِدْمَةُ الْمُسْلِمِ مَوْلَاهُ الْحَرْبِيَّ أَمَانٌ لَهُ (وَمَجْنُونٍ وَشَخْصٍ أَسْلَمَ ثَمَّةَ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا) ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الْقِتَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بَابُ الْمَغْنَمِ وَقِسْمَتُهُ فِي الْمُغْرِبِ: الْغَنِيمَةُ مَا نِيل مِنْ الْكُفَّارِ عَنْوَةً وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ، فَتُخَمَّسُ وَبَاقِيهَا لِلْغَانِمِينَ وَالْفَيْءُ: مَا نِيلَ مِنْهُمْ بَعْدُ كَخَرَاجٍ   [رد المحتار] أَمِّنْهُمْ فَقَالَ الذِّمِّيُّ: قَدْ أَمَّنْتُكُمْ أَوْ أَنَّ فُلَانًا الْمُسْلِمَ قَدْ أَمَّنَكُمْ فَيَصِحُّ فِي الْوَجْهَيْنِ: أَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ الْمُسْلِمُ: قُلْ لَهُمْ إنَّ فُلَانًا أَمَّنَكُمْ فَيَصِحُّ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الرِّسَالَةَ عَلَى وَجْهِهَا دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءُ عَقْدٍ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهُ، بِخِلَافِ قَوْلِ الْمُسْلِمِ لَهُ أَمِّنْهُمْ،؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ صَارَ مَالِكًا لِلْأَمَانِ بِهَذَا الْأَمْرِ، فَيَكُونُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ مُسْلِمٍ آخَرَ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ السَّرَخْسِيِّ وَصَرَّحَ أَيْضًا بِأَنَّهُ يَصِحُّ سَوَاءٌ كَانَ الْآمِرُ أَمِيرَ الْعَسْكَرِ أَوْ رَجُلًا غَيْرَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ أَمَانَ الذِّمِّيِّ إنَّمَا لَا يَصِحُّ لِتُهْمَةِ مَيْلِهِ إلَيْهِمْ، وَتَزُولُ التُّهْمَةُ إذَا أَمَرَهُ مُسْلِمٌ بِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمَرَهُ بِالْقِتَالِ إذْ لَا يَتَعَيَّنُ بِهِ مَعْنَى الْخَيْرِيَّةِ فِي الْأَمَانِ اهـ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ تَقْيِيدِ الْآمِرِ بِكَوْنِهِ أَمِيرَ الْعَسْكَرِ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَأَسِيرٍ وَتَاجِرٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا مَقْهُورَانِ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ فَلَا يَخَافُونَ وَالْأَمَانُ يَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْخَوْفِ بَحْرٌ. ثُمَّ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ فِي حَقِّ بَاقِي الْمُسْلِمِينَ حَتَّى كَانَ لَهُمْ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهِمْ أَمَّا فِي حَقِّهِ فَصَحِيحٌ، وَيَصِيرُ كَالدَّاخِلِ فِيهِمْ بِأَمَانٍ فَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ بِلَا رِضَاهُمْ وَكَذَا مَعْنَى عَدَمِ صِحَّةِ أَمَانِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ أَيْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَمَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَصَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّاجِرَ الْمُسْتَأْمَنَ كَذَلِكَ. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي شَرْحِ السِّيَرِ: لَوْ أَمَّنَهُمْ الْأَسِيرُ ثُمَّ جَاءَ بِهِمْ لَيْلًا إلَى عَسْكَرِنَا فَهُمْ فَيْءٌ لَكِنْ لَا تُقْتَلُ رِجَالُهُمْ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُمْ جَاءُوا لِلِاسْتِئْمَانِ لَا لِلْقِتَالِ كَالْمَحْصُورِ إذَا جَاءَ تَارِكًا لِلْقِتَالِ بِأَنْ أَلْقَى السِّلَاح وَنَادَى بِالْأَمَانِ فَإِنَّهُ يَأْمَنُ الْقَتْلَ (قَوْلُهُ مَحْجُورَيْنِ عَنْ الْقِتَالِ) فَلَوْ مَأْذُونَيْنِ فِيهِ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ اتِّفَاقًا كَمَا قَدَّمْنَا (قَوْلُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) عِبَارَتُهَا: حَرْبِيٌّ لَهُ عَبْدٌ كَافِرٌ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ، ثُمَّ خَدَمَ مَوْلَاهُ كَانَتْ الْخِدْمَةُ أَمَانًا اهـ وَفِيهِ أَنَّ تَعْلِيلَهُمْ عَدَمَ جَوَازِ أَمَانِ الْأَسِيرِ وَالتَّاجِرِ، بِأَنَّهُمَا مَقْهُورَانِ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ هَذَا الْفَرْعِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. ح. قُلْت: يَتَعَيَّنُ حَمْلُ قَوْلِهِ كَانَتْ الْخِدْمَةُ أَمَانًا عَلَى مَعْنَى كَوْنِهَا أَمَانًا فِي حَقِّ الْعَبْدِ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ بَاقِي الْمُسْلِمِينَ نَظِيرَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ فِي الْأَسِيرِ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْبِيرُ الْخَانِيَّةِ بِالْحَرْبِيِّ: أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خُرُوجٍ وَلَا قِتَالٍ إذْ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا فِي الْخَانِيَّةِ فِي فَصْلِ إعْتَاقِ الْحَرْبِيِّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمَغْنَمِ وَقِسْمَتُهُ] ُ لَمَّا ذَكَرَ الْقِتَالَ وَمَا يُسْقِطُهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَحْصُلُ بِهِ (قَوْلُهُ وَالْفَيْءُ مَا نِيلَ مِنْهُمْ بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ الْحَرْبِ هَذَا لَا يَشْمَلُ هَدِيَّةَ أَهْلِ الْحَرْبِ بِلَا تَقَدُّمِ قِتَالٍ. مَطْلَبٌ بَيَانُ مَعْنَى الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: الْغَنِيمَةُ اسْمٌ لِمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِ الْكَفَرَةِ بِقُوَّةِ الْغُزَاةِ وَقَهْرِ الْكَفَرَةِ وَالْفَيْءُ: مَا أُخِذَ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ كَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ وَفِي الْغَنِيمَةِ الْخُمُسُ دُونَ الْفَيْءِ وَمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ هَدِيَّةٌ أَوْ سَرِقَةٌ أَوْ خِلْسَةٌ أَوْ هِبَةٌ، فَلَيْسَ بِغَنِيمَةٍ وَهُوَ لِلْآخِذِ خَاصَّةً. اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 وَهُوَ لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ (إذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً صُلْحًا جَرَى عَلَى مُوجِبِهِ وَكَذَا مَنْ بَعْدَهُ) مِنْ الْأُمَرَاءِ (وَأَرْضُهَا تَبْقَى مَمْلُوكَةً لَهُمْ وَلَوْ فَتَحَهَا عَنْوَةً) بِالْفَتْحِ أَيْ قَهْرًا (قَسَمَهَا بَيْنَ الْجَيْشِ) إنْ شَاءَ (أَوْ أَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا بِجِزْيَةٍ) عَلَى رُءُوسِهِمْ (وَخَرَاجٍ) عَلَى أَرَاضِيِهِمْ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى عِنْدَ حَاجَةِ الْغَانِمِينَ (أَوْ أَخْرَجَهُمْ مِنْهَا وَأَنْزَلَ بِهَا قَوْمًا غَيْرَهُمْ وَوَضَعَ عَلَيْهِمْ الْخَرَاجَ) وَالْجِزْيَةَ (لَوْ) كَانُوا (كُفَّارًا) فَلَوْ مُسْلِمِينَ وَضَعَ الْعُشْرَ لَا غَيْرُ (وَقَتَلَ الْأُسَارَى)   [رد المحتار] قُلْت: لَكِنْ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَوْ وَادَعَ الْإِمَامُ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ سَنَةً عَلَى مَالٍ دَفَعُوهُ إلَيْهِ جَازَ لَوْ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ هَذَا الْمَالُ لَيْسَ بِفَيْءٍ وَلَا غَنِيمَةً حَتَّى لَا يُخَمَّسَ وَلَكِنَّهُ كَالْخَرَاجِ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ اسْمٌ لِمَالٍ مُصَابٍ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَالْفَيْءُ اسْمٌ لِمَا يَرْجِعُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إلَى أَيْدِينَا بِطَرِيقِ الْقَهْرِ، وَهَذَا رَجَعَ إلَيْنَا بِطَرِيقِ الْمُرَاضَاةِ، فَيَكُونُ كَالْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَا أُخِذَ بِالْقِتَالِ وَالْحَرْبِ غَنِيمَةٌ وَمَا أَخَذَهُ بَعْدَهُ مِمَّا وُضِعَ عَلَيْهِمْ قَهْرًا كَالْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ فَيْءٌ وَمَا أُخِذَ مِنْهُمْ بِلَا حَرْبٍ وَلَا قَهْرٍ كَالْهَدِيَّةِ وَالصُّلْحِ فَهُوَ لَا غَنِيمَةَ وَلَا فَيْءَ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْفَيْءِ لَا يُخَمَّسُ وَيُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً صُلْحًا) وَيُعْتَبَرُ فِي صُلْحِهِ الْمَاءُ الْخَرَاجِيُّ وَالْعُشْرِيُّ، فَإِنْ كَانَ مَاؤُهُمْ خَرَاجِيًّا صَالَحَهُمْ عَلَى الْخَرَاجِ وَإِلَّا فَعَلَى الْعُشْرِ أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ ط (قَوْلُهُ وَكَذَا مَنْ بَعْدَهُ) فَلَا يُغَيِّرُهُ أَحَدٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ نَقْضِ الْعَهْدِ ط (قَوْلُهُ أَيْ قَهْرًا) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَاتَّفَقَ الشَّارِحُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ تَفْسِيرًا لَهُ لُغَةً؛ لِأَنَّهَا مِنْ عَنَا يَعْنُو عَنْوَةً ذَلَّ وَخَضَعَ، لَكِنْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقَامُوسِ أَنَّ الْعَنْوَةَ الْقَهْرُ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ صَاحِبَ الْقَامُوسِ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ، بَلْ سَيَذْكُرُ الْمَعَانِيَ جُمْلَةً أَيْ يَذْكُرُ الْمَعَانِيَ الِاصْطِلَاحِيَّةَ مَعَ اللُّغَوِيَّةِ بِلَا تَمْيِيزٍ. قُلْت: لَكِنْ نَقَلَ صَاحِبُ النَّهْرِ فِي أَوَّلِ بَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ عَنْ الْفَارَابِيِّ أَنَّهُ مِنْ الْأَضْدَادِ يُطْلَقُ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْقَهْرِ وَكَذَا قَالَ - فِي الْمِصْبَاحِ عَنَا يَعْنُو عَنْوَةً إذَا أَخَذَ الشَّيْءَ قَهْرًا وَكَذَا إذَا أَخَذَهُ صُلْحًا فَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ، وَفُتِحَتْ مَكَّةُ عَنْوَةً أَيْ قَهْرًا. اهـ. (قَوْلُهُ قَسَمَهَا بَيْنَ الْجَيْشِ) أَيْ مَعَ رُءُوسِ أَهْلِهَا اسْتِرْقَاقًا وَأَمْوَالُهُمْ بَعْدَ إخْرَاجِ خُمُسِهَا لِجِهَاتِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ أَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا) أَيْ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ وَأَرْضِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَوَضَعَ الْجِزْيَةَ عَلَى الرُّءُوسِ وَالْخَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيهِمْ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْمَاءِ الَّذِي تُسْقَى بِهِ أَهُوَ مَاءُ الْعُشْرِ كَمَاءِ السَّمَاءِ وَالْعُيُونِ وَالْأَوْدِيَةِ وَالْآبَارِ، أَوْ مَاءُ الْخَرَاجِ كَالْأَنْهَارِ الَّتِي شَقَّتْهَا الْأَعَاجِمُ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ التَّوْظِيفِ عَلَى الْكَافِرِ، وَأَمَّا الْمَنُّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ وَأَرْضِهِمْ فَمَكْرُوهٌ، إلَّا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِمْ مِنْ الْمَالِ مَا يَتَمَكَّنُونَ بِهِ مِنْ إقَامَةِ الْعَمَلِ وَالنَّفَقَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى الْأَرَاضِي إلَى أَنْ يَخْرُجَ الْغِلَالُ وَإِلَّا فَهُوَ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُطَاقُ، وَأَمَّا الْمَنُّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ مَعَ الْمَالِ دُونَ الْأَرْضِ أَوْ بِرِقَابِهِمْ فَقَطْ، فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إضْرَارُ الْمُسْلِمِينَ بِرَدِّهِمْ حَرْبًا عَلَيْنَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى) عِبَارَةُ الِاخْتِيَارِ قَالُوا وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَعَبَّرَ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ بِقِيلَ (قَوْلُهُ وَوَضَعَ عَلَيْهِمْ الْخَرَاجَ) أَيْ عَلَى أَرْضِهِمْ (قَوْلُهُ وَضَعَ الْعُشْرَ لَا غَيْرُ) ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ وَضْعٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنَحٌ. [تَنْبِيهٌ] لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا [الدُّرَّةَ الْيَتِيمَةَ فِي الْغَنِيمَةِ] حَاصِلُهَا: أَنَّ تَخْيِيرَ الْإِمَامِ بَيْنَ مَا ذُكِرَ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى مَا فَعَلَهُ عُمَرُ مِنْ عَدَمِ قِسْمَةِ الْأَرَاضِي بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَعَدَمِ أَخْذِ الْخُمُسِ مِنْهَا كَمَا نَقَلَهُ عُلَمَاؤُنَا وَأَقَرُّوهُ. قُلْت: وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ إنَّمَا فَعَلَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ هُوَ الْأَصَحَّ إذْ ذَاكَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْقِصَّةِ لَا لِكَوْنِهِ هُوَ اللَّازِمُ، كَيْفَ وَقَدْ «قَسَّمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ» ، فَعُلِمَ أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِي فِعْلِ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ فَيَفْعَلُهُ (قَوْلُهُ وَقَتَلَ الْأُسَارَى) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا قَامُوسٌ وَالسَّمَاعُ الضَّمُّ لَا غَيْرُ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّضِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ: أَيْ قَتَلَ الَّذِينَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 إنْ شَاءَ إنْ لَمْ يُسْلِمُوا (أَوْ اسْتَرَقَّهُمْ أَوْ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً لَنَا) إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ كَمَا سَيَجِيءُ (وَحَرُمَ مَنُّهُمْ) أَيْ إطْلَاقُهُمْ مَجَّانًا وَلَوْ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ ابْنُ كَمَالٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَانِمِينَ، وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4]- قُلْنَا نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]- شَرْحُ مَجْمَعٍ (وَ) حَرُمَ (فِدَاؤُهُمْ) بَعْدَ تَمَامِ الْحَرْبِ، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَيَجُوزُ بِالْمَالِ لَا بِالْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ دُرَرٌ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَقَالَا: يَجُوزُ وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ شُمُنِّيٌّ: وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يُفَادَى بِنِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ وَخَيْلٍ وَسِلَاحٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَا بِأَسِيرٍ أَسْلَمَ بِمُسْلِمٍ أَسِيرٍ   [رد المحتار] يَأْخُذُهُمْ مِنْ الْمُقَاتِلِينَ، سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ الْعَرَبِ أَوْ الْعَجَمِ فَلَا تُقْتَلُ النِّسَاءُ وَلَا الذَّرَارِيُّ بَلْ يُسْتَرَقُّونَ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُسْلِمُوا) فَلَوْ أَسْلَمُوا تَعَيَّنَ الْأَسْرُ (قَوْلُهُ أَوْ اسْتَرَقَّهُمْ) وَإِسْلَامُهُ لَا يَمْنَعُ اسْتِرْقَاقَهُمْ، مَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَ الْأَخْذِ كَذَا فِي الْمُلْتَقَى وَشَرْحِهِ (قَوْلُهُ ذِمَّةً لَنَا) أَيْ حَقًّا وَاجِبًا لَنَا عَلَيْهِمْ مِنْ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ، فَإِنَّ الذِّمَّةَ الْحَقُّ وَالْعَهْدُ وَالْأَمَانُ وَيُسَمَّى أَهْلُ الذِّمَّةِ لِدُخُولِهِمْ فِي عَهْدِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَانِهِمْ كَمَا قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ، وَقَدْ ظَنَّ أَنَّ الْمَعْنَى لِيَكُونُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ لَنَا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ) فَإِنَّهُمْ لَا يُسْتَرَقُّونَ وَلَا يَكُونُونَ ذِمَّةً لَنَا بَلْ إمَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فَصْلُ الْجِزْيَةِ (قَوْلُهُ قُلْنَا نُسِخَ إلَخْ) أَيْ بِآيَةِ - {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]- مِنْ سُورَةِ بَرَاءَةَ فَإِنَّهَا آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ فَتْحٌ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ عَلَى أَبِي عَزَّةَ الْجُمَحِيِّ يَوْمَ بَدْرٍ» فَقَدْ كَانَ قَبْلَ النَّسْخِ، وَلِذَا لَمَّا أَسَرَهُ يَوْمَ أُحُدٍ قَتَلَهُ. وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ جَوَابًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَهُمْ لَا يُؤْسَرُونَ فَلَيْسَ فِي الْمَنِّ عَلَيْهِ إبْطَالُ حَقٍّ ثَابِتٍ لِلْمُسْلِمِينَ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ فِيهِمْ وَفِي الْمُرْتَدِّينَ وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ النَّظَرَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْمَنِّ عَلَى بَعْضِ الْأَسَارَى، فَلَا بَأْسَ بِهِ أَيْضًا؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنَّ عَلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ الْحَنَفِيِّ بِشَرْطِ أَنْ يَقْطَعَ الْمِيرَةَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَفَعَلَ ذَلِكَ حَتَّى قَحَطُوا» شَرْحُ السِّيَرِ مُلَخَّصًا. وَقَدْ نَقَلَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ كَقَوْلِنَا ثُمَّ أَيَّدَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ بِمَا مَرَّ مِنْ قِصَّةِ الْجُمَحِيِّ وَنَحْوِهَا وَقَدْ عَلِمْت جَوَابَهُ (قَوْلُهُ وَحَرُمَ فِدَاؤُهُمْ إلَخْ) أَيْ إطْلَاقُ أَسِيرِهِمْ بِأَخْذِ بَدَلٍ مِنْهُمْ إمَّا مَالٍ أَوْ أَسِيرٍ مُسْلِمٌ فَالْأَوَّلُ لَا يَجُوزُ فِي الْمَشْهُورِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ عَلَى مَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا بَأْسَ بِهِ لَوْ بِحَيْثُ لَا يُرْجَى مِنْهُ النَّسْلُ كَالشَّيْخِ الْفَانِي كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ وَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الزَّادِ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا عَنْ السِّيَرِ الْكَبِيرِ: أَنَّ الْجَوَازَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ قَوْلُهُمَا وَقَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: «أَنَّهُ فَدَى رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَفَدَى بِامْرَأَةٍ نَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا أُسِرُوا بِمَكَّةَ» . قُلْت: وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْمُتُونِ حَرُمَ فِدَاؤُهُمْ مُقَيَّدٌ بِالْفِدَاءِ بِالْمَالِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ أَمَّا الْفِدَاءُ بِالْمَالِ عِنْدَ الْحَاجَةِ أَوْ بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ جَائِزٌ (قَوْلُهُ بَعْدَ تَمَامِ الْحَرْبِ إلَخْ) عِبَارَةُ الدُّرَرِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ: وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَقَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَرْبِ جَازَ بِالْمَالِ لَا بِالْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ، وَبَعْدَهُ لَا يَجُوزُ بِالْمَالِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا وَلَا بِالنَّفْسِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ مُطْلَقًا. اهـ. قُلْت: وَهَذَا التَّفْصِيلُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ كَلَامِهِمْ كَمَا عَلِمْت، وَلِذَا قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ نَحْوَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُمْ وَهَذَا الْبَيَانُ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ وَضْعِ الْحَرْبِ أَوْزَارَهَا أَوْ بَعْدَهُ اهـ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يُفَادَى بِنِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ) إذْ الصِّبْيَانُ يَبْلُغُونَ فَيُقَاتِلُونَ وَالنِّسَاءُ يَلِدْنَ فَيَكْثُرُ نَسْلُهُمْ مِنَحٌ وَلَعَلَّ الْمَنْعَ فِيمَا إذَا أَخَذَ الْبَدَلَ مَالًا وَإِلَّا فَقَدْ جَوَّزُوا دَفْعَ أَسْرَاهُمْ فِدَاءً لِأَسْرَانَا مَعَ أَنَّهُمْ إذَا ذَهَبُوا إلَى دَارِهِمْ يَتَنَاسَلُونَ ط (قَوْلُهُ وَخَيْلٍ وَسِلَاحٍ) أَيْ إذَا أَخَذْنَاهُمَا مِنْهُمْ فَطَلَبُوا الْمُفَادَاةَ بِمَالٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ نَفْعَلَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَةً يَخْتَصُّ بِالْقِتَالِ فَيَجُوزُ مِنْ غَيْرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 إلَّا إذَا أَمِنَ عَلَى إسْلَامِهِ (وَ) حُرِّمَ (رَدُّهُمْ إلَى دَارِهِمْ) ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الشَّرْحِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ دُونَ الْمَتْنِ تَبَعًا لِابْنِ الْكَمَالِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ مَنْعِ الْمَنِّ بِالْأَوْلَى (وَ) حَرُمَ (عَقْرُ دَابَّةٍ شَقَّ نَقْلُهَا) إلَى دَارِنَا (فَتُذْبَحُ وَتُحْرَقُ) بَعْدَهُ إذْ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّهَا (كَمَا تُحْرَقُ أَسْلِحَةٌ وَأَمْتِعَةٌ تَعَذَّرَ نَقْلُهَا وَمَا لَا يُحْرَقُ مِنْهَا) كَحَدِيدٍ (يُدْفَنُ بِمَوْضِعٍ خَفِيٍّ) وَتُكْسَرُ أَوَانَيْهِمْ وَتُرَاقُ أَدْهَانُهُمْ مُغَايَظَةً لَهُمْ (وَيُتْرَكُ صِبْيَانٌ وَنِسَاءٌ مِنْهُمْ شَقَّ إخْرَاجُهَا بِأَرْضٍ خَرِبَةٍ حَتَّى يَمُوتُوا جُوعًا) وَعَطَشًا لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِمْ وَلَا وَجْهَ إلَى إبْقَائِهِمْ (وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا فِي رِحَالِهِمْ ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (يَنْزِعُونَ ذَنَبَ الْعَقْرَبِ وَأَنْيَابَ الْحَيَّةِ) قَطْعًا لِلضَّرَرِ عَنَّا (بِلَا قَتْلٍ) إبْقَاءً لِلنَّسْلِ تَتَارْخَانِيَّةٌ وَفِيهَا مَاتَ نِسَاءٌ مُسْلِمَاتٌ ثَمَّةَ وَأَهْلُ الْحَرْبِ يُجَامِعُونَ الْأَمْوَاتَ يُحْرَقْنَ بِالنَّارِ   [رد المحتار] ضَرُورَةٍ مِنَحٌ ط (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَمِنَ عَلَى إسْلَامِهِ) أَيْ وَطَابَتْ نَفْسُهُ بِدَفْعِهِ فِدَاءً؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ تَخْلِيصَ مُسْلِمٍ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ لِمُسْلِمٍ آخَرَ فَتْحٌ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْقُنْيَةِ: أَرَادَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَنْ يَشْتَرِيَ أُسَارَى وَفِيهِمْ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ وَعُلَمَاءُ وَجُهَّالٌ فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ الرِّجَالِ وَالْجُهَّالِ قَالَ: وَجَوَابُهُ إنْ كَانَ مَنْصُوصًا مِنْ السَّلَفِ فَسَمْعًا وَطَاعَةً، وَإِلَّا فَقَضِيَّةُ الدَّلِيلِ تَقْدِيمُ النِّسَاءِ صِيَانَةً لِأَبْضَاعِ الْمُسْلِمَاتِ. قُلْت: وَالْعُلَمَاءُ احْتِرَامًا لِلْعِلْمِ. اهـ. وَعَلَّلَ الْبَزَّازِيُّ تَأْخِيرَ الْعَالِمِ لِفَضْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْدَعُ بِخِلَافِ الْجَاهِلِ دُرٌّ مُنْتَقَى، وَقَدْ يُقَالُ يُقَدَّمُ الرِّجَالُ لِلِانْتِفَاعِ بِهِمْ فِي الْقِتَالِ ط وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا اُضْطُرَّ إلَيْهِمْ وَإِلَّا فَصِيَانَةُ الْأَبْضَاعِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى ذَلِكَ الِانْتِفَاعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِلْعِلْمِ بِهِ) عِلَّةٌ لِسُقُوطِهِ مِنْ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ بِالْأَوْلَى) ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَرُمَ الْمَنُّ وَهُوَ الْإِطْلَاقُ يَحْرُمُ الْإِطْلَاقُ مَعَ الرَّدِّ إلَى الدَّارِ (قَوْلُهُ وَحَرُمَ عَقْرُ دَابَّةٍ إلَخْ) أَيْ إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْعَوْدَ وَمَعَهُ مَوَاشِي أَهْلِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَقْلِهَا إلَى دَارِنَا لَا يَعْقِرُهَا كَمَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُثْلَةِ بِالْحَيَوَانِ فَتْحٌ. وَفِي الْمُغْرِبِ: عَقْرُ النَّاقَةِ بِالسَّيْفِ ضَرْبُ قَوَائِمِهَا (قَوْلُهُ إذْ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّهَا) عِلَّةٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ وَهُوَ عَدَمُ إحْرَاقِهَا قَبْلَ الذَّبْحِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «فَإِنَّهُ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إلَّا اللَّهُ» وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حِبَّانَ قَالَ: كُنْت عِنْدَ أُمِّ الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَأَخَذْت بُرْغُوثًا فَأَلْقَيْته فِي النَّارِ فَقَالَتْ: سَمِعْت أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ» " فَتْحٌ مُلَخَّصًا. وَلَا يَرِدُ هَذَا عَلَى مَا مَرَّ مِنْ جَوَازِ حَرْقِ أَهْلِ الْحَرْبِ عِنْدَ قِتَالِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الظَّفْرُ بِهِمْ بِدُونِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ السِّيَرِ فَافْهَمْ، وَأَوْرَدَ الْمُحَشِّي عَلَى جَوَازِ إحْرَاقِهَا بَعْدَ الذَّبْحِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَتَأَلَّمُ مَعَ أَنَّهُ وَرَدَ أَنَّهُ يَتَأَلَّمُ بِكَسْرِ عَظْمِهِ. قُلْت: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِبَنِي آدَمَ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَنَعَّمُونَ وَيُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِعَظْمِهَا وَنَحْوِهِ ثُمَّ رَأَيْت ط ذَكَرَ نَحْوَهُ (قَوْلُهُ وَلَا وَجْهَ إلَى إبْقَائِهِمْ) لِئَلَّا يَعُودُوا حَرْبًا عَلَيْنَا؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ بِهِنَّ النَّسْلُ وَالصِّبْيَانُ يَبْلُغُونَ فَيَصِيرُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا وَلْوَالِجِيَّةٌ، وَاعْتَرَضَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ تَرْكَهُمْ كَذَلِكَ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي حَقِّهِمْ قَالَ: اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُضْطَرُّوا إلَى ذَلِكَ بِسَبَبِ عَدَمِ الْحَمْلِ وَالْمِيرَةِ فَيُتْرَكُوا ضَرُورَةً اهـ وَهُوَ عَجِيبٌ فَإِنَّ الْوَلْوَالِجِيَّ صَرَّحَ بِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ إمْكَانِ الْإِخْرَاجِ لَا مُطْلَقًا، وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا بَحْرٌ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ مُرَادَ الْفَتْحِ أَنَّ تَرْكَهُمْ فِي أَرْضٍ خَرِبَةٍ بِلَا طَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ، فَحَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُمْ فَلْيُتْرَكُوا فِي مَكَانِهِمْ بِلَا مُبَاشَرَةِ السَّبَبِ فِي إهْلَاكِهِمْ (قَوْلُهُ إبْقَاءً لِلنَّسْلِ) أَيْ لِتَتَنَاسَلَ بَعْدَ رُجُوعِ عَسْكَرِنَا فَتُؤْذِي أَهْلَ الْحَرْبِ (قَوْلُهُ يُحْرَقْنَ بِالنَّارِ) أَيْ إذَا لَمْ يُمْكِنْ دَفْنُهُنَّ بِمَحِلٍّ يَخْفَى عَلَيْهِمْ وَلَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ بِحَيْثُ يَتَفَسَّخْنَ ط. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 (وَلَا تُقْسَمُ غَنِيمَةٌ ثَمَّةَ إلَّا إذَا قُسِمَ) عَنْ اجْتِهَادٍ أَوْ لِحَاجَةِ الْغُزَاةِ فَتَصِحُّ أَوْ (لِلْإِيدَاعِ) فَتَحِلُّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ حَمُولَةٌ فَإِنْ أَبَوْا هَلْ يُجْبِرُهُمْ بِأَجْرِ الْمِثْلِ رِوَايَتَانِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ فَإِنْ بِحَالٍ لَوْ قَسَمَهَا قَدَرَ كُلٌّ عَلَى حَمْلِهِ قُسِمَ بَيْنَهُمْ وَإِلَّا فَهُوَ مِمَّا شَقَّ نَقْلُهُ وَسَبَقَ حُكْمُهُ (وَلَمْ تُبَعْ) الْغَنِيمَةُ (قَبْلَهَا) لَا لِلْإِمَامِ وَلَا لِغَيْرِهِ يَعْنِي لِلتَّمَوُّلِ أَمَّا لَوْ بَاعَ شَيْئًا كَطَعَامٍ جَازَ جَوْهَرَةٌ (وَرُدَّ) الْبَيْعُ (لَوْ وَقَعَ) دَفْعًا لِلْفَسَادِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ رُدَّ ثَمَنُهُ لِلْغَنِيمَةِ خَانِيَّةٌ (وَمَدَدٌ لَحِقَهُمْ ثَمَّةَ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ (قَوْلُهُ وَلَا تُقْسَمُ غَنِيمَةٌ ثَمَّةَ) عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا قَبْلَ الْإِحْرَازِ، وَقِيلَ تُكْرَهُ تَحْرِيمًا دُرٌّ مُنْتَقَى (قَوْلُهُ أَوْ لِحَاجَةِ الْغُزَاةِ) وَكَذَا لَوْ طَلَبُوا الْقِسْمَةَ مِنْ الْإِمَامِ وَخَشِيَ الْفِتْنَةَ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ فَتَصِحُّ) أَيْ وَتَثْبُتُ الْأَحْكَامُ فَتْحٌ أَيْ مِنْ حِلِّ الْوَطْءِ وَالْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَالْإِرْثِ. بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِدُونِ اجْتِهَادٍ أَوْ احْتِيَاجٍ، وَلَوْ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَاَلَّذِي قَرَّرَهُ فِي الْمِنَحِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا مِلْكَ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا أَيْضًا إلَّا بِالْقِسْمَةِ، فَلَا يَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ مِلْكٌ لِأَحَدٍ، بَلْ يَتَأَكَّدُ الْحَقُّ وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ وَاحِدٌ مِنْ الْغَانِمِينَ عَبْدًا بَعْدَ الْإِحْرَازِ لَا يُعْتَقُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مِلْكٌ وَلَوْ بِشَرِكَةٍ لَعَتَقَ وَحُكْمُ اسْتِيلَادِ الْجَارِيَةِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا سَوَاءٌ، نَعَمْ لَوْ قُسِمَتْ الْغَنِيمَةُ عَلَى الرَّايَاتِ أَوْ الْعَرَّافَةِ فَوَقَعَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ أَهْلِ رَايَةٍ صَحَّ اسْتِيلَاءُ أَحَدِهِمْ وَعِتْقُهُ لِلشَّرِكَةِ الْخَاصَّةِ حَيْثُ كَانُوا قَلِيلًا كَمِائَةٍ فَأَقَلَّ، وَقِيلَ كَأَرْبَعِينَ وَالْأَوْلَى تَفْوِيضُهُ لِلْإِمَامِ اهـ مُلَخَّصًا. وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِيهِ وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: أَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ عِنْدَنَا بِنَفْسِ الْأَخْذِ وَيَتَأَكَّدُ بِالْإِحْرَازِ وَيُمْلَكُ بِالْقِسْمَةِ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ يَثْبُتُ بِالْبَيْعِ، وَيَتَأَكَّدُ بِالطَّلَبِ وَيَتِمُّ الْمِلْكُ بِالْأَخْذِ وَمَا دَامَ الْحَقُّ ضَعِيفًا لَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ. اهـ. وَيُبْتَنَى عَلَى هَذَا مَا يَأْتِي فِي الْمَتْنِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ بَلْ الْقِسْمَةُ وَمِنْ اسْتِحْقَاقِ الْمَدَدِ لَا مَنْ مَاتَ قَبْلَهَا كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ. قُلْت: وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ عَسْكَرُنَا عَلَى الْبَلَدِ، فَلَوْ ظَهَرُوا عَلَيْهَا وَصَارَتْ بَلَدَ إسْلَامٍ صَارَتْ الْغَنِيمَةُ مُحْرَزَةً بِدَارِنَا، وَيَتَأَكَّدُ الْحَقُّ فَتَصِحُّ الْقِسْمَةُ كَمَا يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ فَتَحِلُّ) عَبَّرَ بِالْحِلِّ وَفِيمَا قَبْلَهُ بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا قِسْمَةَ التَّمْلِيكِ بَلْ الْإِيدَاعُ لِيَحْمِلُوهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يُرْجِعُهَا مِنْهُمْ وَيَقْسِمُهَا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا فَلَيْسَتْ قِسْمَةً حَقِيقَةً حَتَّى تُوصَفَ بِالصِّحَّةِ (قَوْلُهُ حَمُولَةً) بِفَتْحِ الْحَاءِ كُلُّ مَا اُحْتُمِلَ عَلَيْهِ مِنْ حِمَارٍ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَيْهِ الْأَحْمَالُ أَوْ لَمْ تَكُنْ. اهـ. ح (قَوْلُهُ رِوَايَتَانِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ إنْ خَافَ تَفَرُّقَهُمْ لَوْ قَسَمَهَا قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ يَفْعَلُ هَذَا، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ قَسَمَهَا قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهَا تَصِحُّ لِلْحَاجَةِ وَفِيهِ إسْقَاطُ الْإِكْرَاهِ وَإِسْقَاطُ الْأُجْرَةِ اهـ وَقَوْلُهُ: يَفْعَلُ هَذَا أَيْ جَبْرَهُمْ بِأَجْرِ الْمِثْلِ (قَوْلُهُ فَإِذَا تَعَذَّرَ) أَيْ الْقَسْمُ لِلْإِيدَاعِ بِسَبَبِ عَدَمِ الْإِجْبَارِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُمْ حَمُولَةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ حِينَئِذٍ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَلَمْ تُبَعْ الْغَنِيمَةُ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ بَعْدَ الْإِحْرَازِ فِي دَارِنَا شُرُنْبُلَالِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَمَا عَلِمْت قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي بَيْعِ الْغُزَاةِ، وَأَمَّا بَيْعُ الْإِمَامِ لَهَا فَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ، وَأَقَلُّهُ تَخْفِيفُ إكْرَاهِ الْحَمْلِ عَنْ النَّاسِ أَوْ عَنْ الْبَهَائِمِ وَنَحْوِهِ وَتَخْفِيفُ مُؤْنَتِهِ عَنْهُمْ فَيَقَعُ عَنْ اجْتِهَادٍ فِي الْمَصْلَحَةِ فَلَا يَقَعُ جُزَافًا فَيَنْعَقِدُ بِلَا كَرَاهَةٍ مُطْلَقًا اهـ وَبِهِ يَظْهَرُ مَا فِي قَوْلِهِ لَا لِلْإِمَامِ وَلَا لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ جَوْهَرَةٌ) نَصُّ عِبَارَتِهَا: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَنَائِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُمْ بِالطَّعَامِ وَالْعَلَفِ لِلْحَاجَةِ وَمَنْ أُبِيحَ لَهُ تَنَاوُلُ شَيْءٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ كَمَنْ أَبَاحَ طَعَامًا لِغَيْرِهِ اهـ. فَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُمْ إلَخْ جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ كَيْفَ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ الِانْتِفَاعُ بِالطَّعَامِ وَالْعَلَفِ كَمَا يَأْتِي، وَالْجَوَابُ ظَاهِرٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بَيْعَ شَيْءٍ بِطَعَامٍ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَمَدَدٌ لَحِقَهُمْ ثَمَّةَ) أَيْ إذَا لَحِقَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 كَمُقَاتِلٍ لَا سُوقِيٍّ) وَحَرْبِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ أَسْلَمَ ثَمَّةَ (بِلَا قِتَالٍ) فَإِنْ قَاتَلُوا شَارَكُوهُمْ (وَلَا مَنْ مَاتَ ثَمَّةَ قَبْلَ قِسْمَةٍ أَوْ بَيْعٍ، وَ) أَوْ مَاتَ (بَعْدَ أَحَدِهِمَا ثَمَّةَ أَوْ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا يُورَثُ نَصِيبُهُ) لِتَأَكُّدِ مِلْكِهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ وَفِيهَا ادَّعَى رَجُلٌ شُهُودَ الْوَقْعَةِ وَبَرْهَنَ وَقَدْ قُسِمَتْ لَمْ تُنْقَضْ اسْتِحْسَانًا وَيُعَوَّضُ بِقَدْرِ حَظِّهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ قِيَاسِ الْوَقْفِ عَلَى الْغَنِيمَةِ رَدَّهُ فِي النَّهْرِ وَحَرَّرْنَاهُ فِي الْوَقْفِ   [رد المحتار] الْمُقَاتِلِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ جَمَاعَةً يَمُدُّونَهُمْ وَيَنْصُرُونَهُمْ شَارَكُوهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُقَاتِلِينَ لَمْ يَمْلِكُوهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ لَا تَنْقَطِعُ مُشَارَكَةُ الْمَدَدِ لَهُمْ إلَّا بِثَلَاثٍ إحْدَاهَا: إحْرَازُ الْغَنِيمَةِ بِدَارِنَا. الثَّانِيَةُ: قِسْمَتُهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ. الثَّالِثَةُ: بَيْعُ الْإِمَامِ لَهَا ثَمَّةَ؛ لِأَنَّ الْمَدَدَ لَا يُشَارِكُ الْجَيْشَ فِي الثَّمَنِ اهـ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَتَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ ثَمَّةَ أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ فَتَحَ الْعَسْكَرُ بَلَدًا بِدَارِ الْحَرْبِ، وَاسْتَظْهَرُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ لَحِقَهُمْ الْمَدَدُ لَمْ يُشَارِكْهُمْ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بَلَدَ الْإِسْلَامِ، فَصَارَتْ الْغَنِيمَةُ مُحْرَزَةً بِدَارِ الْإِسْلَامِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارِ. اهـ. قُلْت: وَكَذَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ وَزَادَ أَنَّ مِثْلَهُ لَوْ وَقَعَ قِتَالُ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِنَا فَلَا شَيْءَ لِلْمَدَدِ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمُقَاتِلَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ، حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْجُنْدِيُّ الَّذِي لَمْ يُقَاتِلْ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ وَاحِدٌ عَلَى آخَرَ بِشَيْءٍ حَتَّى أَمِيرُ الْعَسْكَرِ، وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَفِي الْمُحِيطِ وَالْمُتَطَوِّعُ فِي الْغَزْوِ وَصَاحِبُ الدِّيوَانِ سَوَاءٌ (قَوْلُهُ لَا سُوقِيٍّ) هُوَ الْخَارِجُ مَعَ الْعَسْكَرِ لِلتِّجَارَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَسْلَمَ ثَمَّةَ) عَائِدٌ عَلَى الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ لِلْعَطْفِ بِأَوْ وَزَادَ فِي الْفَتْحِ التَّاجِرَ الَّذِي دَخَلَ بِأَمَانٍ وَلَحِقَ الْعَسْكَرَ وَقَاتَلَ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ أَحَدِهِمَا) أَيْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَوْ الْبَيْعِ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الطَّحَاوِيِّ مِنْ أَنَّ لِلْإِمَامِ بَيْعَ الْغَنِيمَةِ (قَوْلُهُ أَوْ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا) قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ رَابِعٌ هُوَ التَّنْفِيلُ فَسَيَجِيءُ أَنَّهُ يُورَثُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مَاتَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمِلْكُ فِيهِ وَفِيهَا يُلْغَزُ: أَيُّ مَالٌ يُورَثُ وَلَا يَمْلِكُهُ مُوَرِّثُهُ؟ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ هُنَا فَلْيُنْظَرْ. اهـ. قُلْت: وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُضْمَرَاتِ وَمَنْ مَاتَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ الْغَانِمِينَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَوْ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا أَوْ بَعْدَ بَيْعِ الْإِمَامِ الْغَنَائِمَ فِي دَارِنَا أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِيَقْسِمَ الثَّمَنَ بَيْنَهُمْ أَوْ بَعْدَمَا نَفَّلَ لَهُمْ شَيْئًا تَحْرِيضًا أَوْ بَعْدَ مَا فَتَحَ الدَّارَ وَجَعَلَهَا دَارَ إسْلَامٍ فَإِنَّهُ يُورَثُ نَصِيبُهُ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ بَعْدَ إصَابَةِ الْغَنِيمَةِ لَا يُورَثُ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْلِكُ مَا قَبَضَهُ بِالتَّنْفِيلِ ثَمَّةَ فَفِي كَلَامِ الدُّرِّ الْمُنْتَقَى نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لِتَأَكُّدِ مِلْكِهِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ أَوْ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا فَيُورَثُ نَصِيبُهُ إذَا مَاتَ فِي دَارِنَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ لِلتَّأَكُّدِ لَا الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الْمُتَأَكِّدَ يُورَثُ كَحَقِّ الرَّهْنِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِخِلَافِ الضَّعِيفِ كَالشُّفْعَةِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) لَعَلَّ وَجْهَهُ تَعَسُّرُ النَّقْضِ. مَطْلَبٌ فِي أَنَّ مَعْلُومَ الْمُسْتَحِقِّ مِنْ الْوَقْفِ هَلْ يُورَثُ (قَوْلُهُ وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ قِيَاسِ الْوَقْفِ) أَيْ غَلَّةِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَعْلُومَ الْمُسْتَحَقِّ لَا يُورَثُ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَلَمْ أَرَ تَرْجِيحًا وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ، فَمَنْ مَاتَ بَعْدَ خُرُوجِ الْغَلَّةِ وَإِحْرَازِ النَّاظِرِ لَهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ يُورَثُ نَصِيبُهُ لِتَأَكُّدِ الْحَقِّ فِيهِ كَالْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ فِي يَدِ الْمُتَوَلِّي لَا يُورَثُ. (قَوْلُهُ رَدَّهُ فِي النَّهْرِ) حَيْثُ قَالَ: أَقُولُ فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ عَنْ فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ لِلْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَقْفٌ فَلَمْ يَسْتَوْفِيَا حَتَّى مَاتَا سَقَطَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الصِّلَةِ وَكَذَا الْقَاضِي وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ كَالْأُجْرَةِ. اهـ. وَجَزَمَ فِي الْبُغْيَةِ بِأَنَّهُ يُورَثُ رِزْقُ الْقَاضِي. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْقَاضِي لَيْسَ صِلَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا أَجْرًا؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْعِبَادَةِ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُمَا فَبِالنَّظَرِ إلَى الْأُجْرَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 أَيْ لِلْغَانِمِينَ لَا غَيْرُ (الِانْتِفَاعُ فِيهَا) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (بِعَلَفٍ وَطَعَامٍ وَحَطَبٍ وَسِلَاحٍ وَدُهْنٍ بِلَا قِسْمَةٍ) أَطْلَقَ الْكُلَّ تَبَعًا لِلْكَنْزِ وَقَيَّدَ فِي الْوِقَايَةِ السِّلَاحَ بِالْحَاجَةِ، -   [رد المحتار] يُورَثُ مَا يُسْتَحَقُّ إذَا اُسْتُحِقَّ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِظُهُورِ الْغَلَّةِ وَقَبْضِهَا فِي يَدِ النَّاظِرِ وَبِالنَّظَرِ إلَى الصِّلَةِ لَا يُورَثُ، وَإِنْ قَبَضَهُ النَّاظِرُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَبِهَذَا عُرِفَ أَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى الْغَنِيمَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيدُ بَيَانٍ فِي الْوَقْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ. أَقُولُ: لَمْ يَفِ بِمَا وَعَدَ مِنْ بَيَانِهِ فِي الْوَقْفِ، وَقَوْلُهُ إنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْقَاضِي لَيْسَ صِلَةً مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا قُبَيْلَ بَابِ الْمُرْتَدِّ كَمَا سَيَأْتِي نَعَمْ مَا يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ وَنَحْوُهُ فِيهِ مَعْنَى الصِّلَةِ وَمَعْنَى الْأُجْرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مَنْشَأُ الْخِلَافِ الْمَحْكِيِّ فِي الدُّرَرِ لَكِنْ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْغُنْيَةِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ جَانِبِ الْأُجْرَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا سِيَّمَا عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ جَوَازِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ وَالتَّعْلِيمِ وَعَلَى هَذَا مَشَى الْإِمَامُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَلَى أَنَّ الْمُدَرِّسَ وَنَحْوَهُ مِنْ أَصْحَابِ الْوَظَائِفِ إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ يُعْطَى بِقَدْرِ مَا بَاشَرَ وَيَسْقُطُ الْبَاقِي قَالَ بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالذُّرِّيَّةِ فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ مُسْتَحِقٌّ مِنْهُمْ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ وَقْتُ ظُهُورِ الْغَلَّةِ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ ظُهُورِهَا وَلَوْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا صَارَ مَا يَسْتَحِقُّهُ لِوَرَثَتِهِ وَإِلَّا سَقَطَ. اهـ. وَتَبِعَهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَأَفْتَى بِهِ فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ، فَلْيَكُنْ الْعَمَلُ عَلَيْهِ مِنْ التَّفْصِيلِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ كَوْنِ الْمُسْتَحِقِّ مِثْلَ الْمُدَرِّسِ أَوْ مِنْ الْأَوْلَادِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، ثُمَّ رَأَيْت الشَّيْخَ إسْمَاعِيلَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الدُّرَرِ نَقَلَ قُبَيْلَ بَابِ الْمُرْتَدِّ مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ، وَأَنَّ الْمُدَرِّسَ الثَّانِيَ يَسْتَحِقُّ الْوَظِيفَةَ مِنْ وَقْتِ إعْطَاءِ السُّلْطَانِ فَتُلْحَقُ الْأَيَّامُ الَّتِي قَبْلَ الْمُبَاشَرَةِ بِأَيَّامِ الْمُبَاشَرَةِ حَيْثُ كَانَ الْأَخْذُ عَنْ مَيِّتٍ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَبَادِئِ أَيَّامِ الْمُبَاشَرَةِ كَأَيَّامِ التَّعْطِيلِ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] ظَهَرَ مِنْ كَلَامِ الطَّرَسُوسِيِّ أَنَّ مَعْلُومَ الْمُدَرِّسِ وَنَحْوِهِ يُورَثُ عَنْهُ بِقَدْرِ مَا بَاشَرَ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ الْغَلَّةُ وَأَنَّ مَعْلُومَ الْمُسْتَحِقِّ فِي وَقْفِ الذُّرِّيَّةِ يُورَثُ عَنْهُ بِمَوْتِهِ بَعْدَ ظُهُورِ الْغَلَّةِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا النَّاظِرُ عَلَى خِلَافِ مَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْغَلَّةُ بَعْدَ قَبْضِ النَّاظِرِ لَهَا مِلْكًا لِلْمُسْتَحِقَّيْنِ وَإِنْ لَمْ تُقْسَمْ حَيْثُ كَانُوا مِائَةً فَأَقَلَّ قِيَاسًا عَلَى الْغَنِيمَةِ إذَا قُسِمَتْ عَلَى الرَّايَاتِ قَبْلَ أَنْ تُقْسَمَ عَلَى الرُّءُوسِ فَقَدْ مَرَّ قَرِيبًا أَنَّهَا تُمْلَكُ لِلشَّرِكَةِ الْخَاصَّةِ. فَالْحَاصِلُ: أَنَّ غَلَّةَ الْوَقْفِ بَعْدَ ظُهُورِهَا تُورَثُ؛ لِأَنَّهُ تَأَكَّدَ فِيهَا حَقُّ الْمُسْتَحِقِّينَ وَبَعْدَ إحْرَازِهَا بِيَدِ النَّاظِرِ صَارَتْ مِلْكًا لَهُمْ وَهِيَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ لَهُمْ يَضْمَنُهَا إذَا اسْتَهْلَكَهَا وَأُهْلِكَتْ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ عَنْ قِسْمَتِهَا إذَا طَلَبُوا الْقِسْمَةَ وَإِذَا كَانَتْ حِنْطَةً أَوْ نَحْوَهَا يَصِحُّ شِرَاءُ النَّاظِرِ حِصَّةَ أَحَدِهِمْ مِنْهَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِي الْحَوَالَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْبَحْرِ حَيْثُ جَعَلَ الْحَوَالَةَ عَلَى النَّاظِرِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ كَالْحَوَالَةِ عَلَى الْمُودَعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ أَيْ لِلْغَانِمِينَ) أَيْ مِمَّنْ لَهُ سَهْمٌ أَوْ رَضْخٌ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ، وَيَأْخُذُ الْجُنْدِيُّ مَا يَكْفِيهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ عَبِيدِهِ وَنِسَائِهِ وَصِبْيَانِهِ الَّذِينَ دَخَلُوا مَعَهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا غَيْرُ) فَخَرَجَ التَّاجِرُ وَالدَّاخِلُ لِخِدْمَةِ الْجُنْدِيِّ بِأَجْرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ خَبَزَ الْحِنْطَةَ أَوْ طَبَخَ اللَّحْمَ، فَلَا بَأْسَ بِهِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَلَوْ فَعَلُوا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِعَلَفٍ) وَلَا بَأْسَ بِعَلَفِ دَوَابِّهِ الْبُرَّ إذَا لَمْ يُوجَدْ الشَّعِيرُ دُرٌّ مُنْتَقَى (قَوْلُهُ وَطَعَامٍ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُهَيَّأَ لِلْأَكْلِ وَغَيْرَهُ حَتَّى يَجُوزَ لَهُمْ ذَبْحُ الْمَوَاشِي، وَيَرُدُّونَ جُلُودَهَا فِي الْغَنِيمَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَدُهْنٍ) بِالضَّمِّ مَا يُدْهَنُ بِهِ أَمَّا بِالْفَتْحِ فَهُوَ مَصْدَرٌ، وَالْأَوَّلُ هُنَا أَوْلَى لِتَنَاسُقِ الْمَعْطُوفَاتِ خِلَافًا لِلْعَيْنِيِّ كَمَا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ، وَالْمُرَادُ بِالدُّهْنِ مَا يُؤْكَلُ لِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ إنَّ مَا لَا يُؤْكَلُ عَادَةً لَا يَجُوزُ لَهُ تَنَاوُلُهُ مِثْلُ الْأَدْوِيَةِ وَالطِّيبِ وَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. اهـ. وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ بِأَحَدِهِمْ مَرَضٌ يَحُوجُهُ إلَى اسْتِعْمَالِهَا جَازَ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْفَتْحِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ فِي الْوِقَايَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: اعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 وَهُوَ الْحَقُّ وَقَيَّدَ الْكُلَّ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِعَدَمِ نَهْيِ الْإِمَامِ عَنْ أَكْلِهِ فَإِنْ نَهَى لَمْ يُبَحْ فَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمُتُونِ بِهِ (وَ) بِلَا (بَيْعٍ وَتَمَوُّلٍ) فَلَوْ بَاعَ رَدَّ ثَمَنَهُ، فَإِنْ قُسِمَتْ تَصَدَّقَ بِهِ لَوْ غَيْرَ فَقِيرٍ. وَمَنْ وَجَدَ مَا لَا يَمْلِكُهُ أَهْلُ الْحَرْبِ كَصَيْدٍ وَعَسَلٍ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ فَيَتَوَقَّفُ بَيْعُهُ عَلَى إجَازَةِ الْأَمِيرِ فَإِنْ هَلَكَ أَوْ الثَّمَنُ أَنْفَعُ أَجَازَهُ وَإِلَّا رَدَّهُ لِلْغَنِيمَةِ بَحْرٌ (وَبَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا لَا) إلَّا بِرِضَاهُمْ (وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ)   [رد المحتار] فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ اسْتِعْمَالَ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَالْفَرَسِ إنَّمَا يَجُوزُ بِشَرْطِ الْحَاجَةِ بِأَنْ مَاتَ فَرَسُهُ أَوْ تَكَسَّرَ سَيْفُهُ أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يُوَفِّرَ سَيْفَهُ وَفَرَسَهُ بِاسْتِعْمَالِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ، وَلَوْ فَعَلَ أَثِمَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ تَلِفَ، وَأَمَّا غَيْرُ السِّلَاحِ وَنَحْوُهُ مِمَّا مَرَّ كَالطَّعَامِ فَشَرَطَ فِي السِّيَرِ الصَّغِيرِ الْحَاجَةَ إلَى التَّنَاوُلِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. فَيَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ تَنَاوُلُهُ اهـ مُلَخَّصًا وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَلَا يَخْفَى تَرْجِيحُ الِاسْتِحْسَانِ هَهُنَا. قُلْت: وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ الْمَاتِنُ يَعْنِي صَاحِبَ الْمُلْتَقَى وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا عَلِمْت. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَوْ احْتَاجَ الْكُلُّ إلَى السِّلَاحِ وَالثِّيَابِ قَسَمَهَا حِينَئِذٍ بِخِلَافِ السَّبْيِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَلَوْ لِلْخِدْمَةِ لِكَوْنِهِ مِنْ فُضُولِ الْحَوَائِجِ اهـ وَفَسَّرَ الْحَاجَةَ بِالْفَقْرِ قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا أَعَمُّ إذْ لَوْ كَانَ غَنِيًّا وَلَا يَجِدُ مَا يَشْتَرِيهِ فَهُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ فَإِنْ نَهَى لَمْ يُبَحْ) وَالْحَاصِلُ مَنْعُ الِانْتِفَاعِ بِسِلَاحٍ وَدَوَابَّ وَدَوَاءٍ إلَّا لِحَاجَةٍ وَحَلَّ الْمَأْكُولُ مُطْلَقًا إلَّا لِنَهْيِ الْإِمَامِ، فَالْمَنْعُ مُطْلَقًا كَمَنْعِ اسْتِبَاحَةِ الْفَرْجِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْفَرْجَ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا وَلَوْ أَمَتَهُ الْمَأْسُورَةَ، بِخِلَافِ امْرَأَتِهِ الْمَأْسُورَةِ وَمُدَبَّرَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ إنْ لَمْ يَطَأْهُنَّ الْحَرْبِيُّ كَمَا سَيَجِيءُ فَلْيُحْفَظْ دُرٌّ مُنْتَقَى. لَكِنْ فِي الْبَحْرِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ النَّهْيُ عَنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ فَإِنْ كَانَتْ لَا يَعْمَلُ نَهْيُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبِلَا بَيْعٍ وَتَمَوُّلٍ) أَيْ لَا يَنْتَفِعُ بِالْكُلِّ بِالْبَيْعِ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَصْلًا اُحْتِيجَ إلَيْهِ أَوْ لَا وَلَا التَّمَوُّلُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ؛ وَإِنَّمَا أُبِيحَ الِانْتِفَاعُ لِلْحَاجَةِ، وَالْمُبَاحُ لَهُ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ دُرٌّ مُنْتَقَى وَالْمُرَادُ بِالتَّمَوُّلِ أَنْ يَبْقَى ذَلِكَ الشَّيْءُ عِنْدَهُ يَجْعَلُهُ مَالًا لَهُ، وَلِذَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَإِذَا اسْتَعْمَلَ السِّلَاحَ وَنَحْوَهُ يَرُدُّهُ إلَى الْمَغْنَمِ. (قَوْلُهُ رَدَّ ثَمَنَهُ) أَيْ إذَا أَجَازَهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْفُضُولِيِّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ قُسِمَتْ) أَيْ الْغَنِيمَةُ تَصَدَّقَ بِهِ أَيْ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لِقِلَّتِهِ لَا تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ فَتَعَذَّرَ إيصَالُهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ كَاللُّقَطَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَوْ غَيْرَ فَقِيرٍ) فَلَوْ فَقِيرًا يَأْكُلُهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مَا لَا يَمْلِكُهُ أَهْلُ الْحَرْبِ) أَيْ شَيْئًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَهُمْ لَكِنْ يُخَصُّ مِنْهُ مَا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْعَامَّةُ لِمَا فِي الْبَحْرِ لَوْ حَشَّ الْجُنْدِيُّ الْحَشِيشَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ اسْتَقَى الْمَاءَ وَبَاعَهُ طَابَ لَهُ ثَمَنَهُ (قَوْلُهُ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ) أَيْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ الْآخِذُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَجَازَهُ) أَيْ وَأَخَذَ الثَّمَنَ وَرَدَّهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَقَسَمَهُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا، وَالثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ الْبَيْعُ أَنْفَعَ مِنْ الثَّمَنِ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ فِيهِمَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ وَيُرَدُّ الْمَبِيعُ لِلْغَنِيمَةِ مَعَ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَائِمًا وَالثَّمَنُ أَنْفَعَ لَهُمْ أَجَازَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ قَوْلِهِ أَوْ الثَّمَنُ أَنْفَعُ عَلَى مَعْنَى أَوْ لَمْ يَهْلِكْ وَالثَّمَنُ أَنْفَعُ (قَوْلُهُ وَبَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَا: أَيْ لَا يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ لِزَوَالِ الْمُبِيحِ وَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ قَدْ تَأَكَّدَ حَتَّى يُورَثَ نَصِيبُهُمْ بَحْرٌ. زَادَ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ وَمَا فَضَلَ رَدَّهُ أَيْ وَاَلَّذِي فَضَلَ فِي يَدِهِ مِمَّا أَخَذَهُ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَرَدَّهُ الْآخِذُ إلَى الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْخُرُوجِ إلَى دَارِنَا لِزَوَالِ الْحَاجَةِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْإِبَاحَةِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فَقِيرًا أَكَلَهُ بِالضَّمَانِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ هَذَا كُلُّهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَمَّا بَعْدَهَا فَإِنْ كَانَ غَنِيًّا وَكَانَتْ الْعَيْنُ قَائِمَةً تَصَدَّقَ بِهَا وَبِقِيمَتِهَا لَوْ هَالِكَةً، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا انْتَفَعَ بِهَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 قَبْلَ مَسْكِهِ (عَصَمَ نَفْسَهُ وَطِفْلَهُ وَكُلَّ مَا مَعَهُ) فَإِنْ كَانُوا أُخِذُوا أَحْرَزَ نَفْسَهُ فَقَطْ (أَوْ أَوْدَعَهُ مَعْصُومًا) وَلَوْ ذِمِّيًّا فَلَوْ عِنْدَ حَرْبِيٍّ فَفَيْءٌ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى الدَّارِ فَمَالُهُ ثَمَّةَ فَيْءٌ سِوَى طِفْلِهِ لِتَبَعِيَّتِهِ (لَا وَلَدَهُ الْكَبِيرَ وَزَوْجَتَهُ وَحَمْلَهَا وَعَقَارَهُ وَعَبْدَهُ الْمُقَاتِلَ) وَأَمَتَهُ الْمُقَاتِلَةَ وَحَمْلَهَا؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْأُمِّ. (حَرْبِيٌّ دَخَلَ دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ) فَأَخَذَهُ أَحَدُنَا (فَهُوَ) وَمَا مَعَهُ (فَيْءٌ) لِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ (أُخِذَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَوْ بَعْدَهُ) وَقَالَا لِآخِذِهِ خَاصَّةً وَفِي الْخُمُسِ رِوَايَتَانِ قُنْيَةٌ، وَفِيهَا اسْتَأْجَرَهُ لِخِدْمَةِ سَفَرِهِ فَغَزَا بِفَرَسِ الْمُسْتَأْجِرِ وَسِلَاحِهِ فَسَهْمُهُ بَيْنَهُمَا إلَّا إذَا شَرَطَ فِي الْعَقْدِ أَنَّهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ.   [رد المحتار] الْإِسْلَامِ، ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى دَارِهِ فَجَمِيعُ مَا خَلْفَهُ فِيهَا مِنْ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ وَالْمَالِ فَيْءٌ؛ لِأَنَّ التَّبَايُنَ قَاطِعٌ لِلْعِصْمَةِ وَلِلتَّبَعِيَّةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ قَبْلَ مَسْكِهِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ فَهُوَ عَبْدٌ؛؛ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِ الْمِلْكِ فِيهِ بَحْرٌ، وَقَيَّدَ فِي الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ بِقَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا وَفِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانُوا أُخِذُوا) أَيْ قَبْلَ إسْلَامِهِ (قَوْلُهُ أَوْ أَوْدَعَهُ مَعْصُومًا) قَيَّدَ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ غَصْبًا فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَهُوَ فَيْءٌ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ سِوَى طِفْلِهِ) كَذَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْفَتْحِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْفَتْحِ قَالَ بَعْدَهُ: وَمَا أَوْدَعَهُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا لَيْسَ فَيْئًا فَقَدْ نَظَرَ إلَى صَدْرِ كَلَامِهِ الْمُوهِمِ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى عَجْزِهِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي الْمُسْتَأْمَنِ مَتْنًا حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ فَجَاءَنَا فَظُهِرَ عَلَيْهِمْ فَطِفْلُهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ وَوَدِيعَتُهُ مَعَ مَعْصُومٍ لَهُ وَغَيْرِهِ فَيْءٌ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هُنَاكَ: إنَّ حُكْمَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدٌ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ تَقْيِيدَ الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا غَيْرُ صَحِيحٍ (قَوْلُهُ لَا وَلَدَهُ الْكَبِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ وَلَا تَبَعِيَّةً وَكَذَا زَوْجَتُهُ بَحْرٌ وَمُفَادُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَبِيرِ الْبَالِغُ، وَأَنَّ الصَّغِيرَ يَتْبَعُهُ وَلَوْ كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ، خِلَافًا لِمَا قِيلَ إنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ، إلَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْجَنَائِزِ وَسَنَذْكُرُهُ أَيْضًا فِي فَصْلِ اسْتِئْمَانِ الْكَافِرِ فَاغْتَنِمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ كَثِيرٌ (قَوْلُهُ وَحَمْلَهَا) ؛ لِأَنَّهُ جَزْءٌ مِنْهَا فَيُرَقُّ بِرِقِّهَا وَالْمُسْلِمُ مَحَلٌّ لِلتَّمَلُّكِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ لِانْعِدَامِ الْجُزْئِيَّةِ عِنْدَ ذَلِكَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَعَقَارَهُ) وَكَذَا مَا فِيهِ مِنْ زَرْعٍ لَمْ يُحْصَدْ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ أَهْلِ الدَّارِ إذْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ دَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ إلَّا حُكْمًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَعَبْدَهُ الْمُقَاتِلَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَمَرَّدَ عَلَى مَوْلَاهُ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ وَصَارَ تَبَعًا لِأَهْلِ دَارِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَوْ بَعْدَهُ) لَعَلَّهُ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْإِسْلَامُ لَا يَمْنَعُ الرِّقَّ السَّابِقَ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ وَقَالَا لِآخِذِهِ) أَيْ هُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ خَاصَّةً وَقَدَّمْنَا قَبْلَ هَذَا الْبَابِ عَنْ شَرْحِ السِّيَرِ نِسْبَةَ هَذَا الْقَوْلِ لِمُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ وَفِي الْخُمُسِ) أَيْ فِي وُجُوبِ الْخُمُسِ رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ وَكَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ اسْتَأْجَرَهُ لِخِدْمَةِ سَفَرِهِ إلَخْ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْفَصْلِ الْآتِي وَوَجْهُهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ، فَإِنَّ أَجِيرَ الْغَازِي لِلْخِدْمَةِ لَا سَهْمَ لَهُ لِأَخْذِهِ عَلَى خُرُوجِهِ مَالًا إلَّا إذَا قَاتَلَ وَتَرَكَ الْعَمَلَ كَمَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ، وَفِيهِ لَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَارِسًا ثُمَّ دَفَعَ فَرَسَهُ لِرَجُلٍ لِيُقَاتِلَ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ سَهْمَ الْفَرَسِ لِصَاحِبِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ كَانَ سَهْمُ فَرَسِهِ لَهُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَسَهْمُ الْفَرَسِ لِمَنْ أَدْخَلَهُ دَارَ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وَهُوَ الِانْفِصَالُ فَارِسًا قَدْ انْعَقَدَ لَهُ وَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْفَرَسِ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ فَرَسِهِ اهـ مُلَخَّصًا فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ] مَطْلَبٌ مُخَالَفَةُ الْأَمِيرِ حَرَامٌ. فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ. لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْغَنِيمَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ قِسْمَتِهَا وَأَفْرَدَهَا بِفَصْلٍ لِكَثْرَةِ شُعَبِهَا وَهُوَ جَعْلُ النَّصِيبِ الشَّائِعِ مُعَيَّنًا نَهْرٌ. قَالَ فِي الْمُلْتَقَى: وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْرِضَ الْجَيْشَ عِنْدَ دُخُولِ دَارِ الْحَرْبِ لِيَعْلَمَ الْفَارِسَ مِنْ الرَّاجِلِ قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ (الْمُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ) لِسَهْمِ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ (وَقْتُ الْمُجَاوَزَةِ) أَيْ الِانْفِصَالِ مِنْ دَارِنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَقْتُ الْقِتَالِ (فَلَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَارِسًا فَنَفَقَ) أَيْ مَاتَ (فَرَسُهُ اسْتَحَقَّ سَهْمَيْنِ، وَمَنْ دَخَلَ رَاجِلًا فَشَرَى فَرَسًا اسْتَحَقَّ سَهْمًا وَلَا يُسْهَمُ لِغَيْرِ فَرَسٍ وَاحِدٍ) صَحِيحٍ كَبِيرٍ (صَالِحٍ لِقِتَالٍ) فَلَوْ مَرِيضًا إنْ صَحَّ قَبْلَ الْغَنِيمَةِ اسْتَحَقَّهُ اسْتِحْسَانًا لَا لَوْ مُهْرًا فَكَبَرَ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَكَأَنَّ الْفَرْقَ حُصُولُ الْإِرْهَابِ بِكَبِيرِ مَرِيضٍ لَا بِالْمُهْرِ وَلَوْ غُصِبَ فَرَسُهُ قَبْلَ دُخُولِهِ أَوْ رَكِبَهُ آخَرُ أَوْ نَفَرٌ وَدَخَلَ رَاجِلًا ثُمَّ أَخَذَهُ -   [رد المحتار] فِي شَرْحِهِ: وَأَنْ يَكْتُبَ أَسْمَاءَهُمْ وَأَنْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهِمْ مَنْ كَانَ بَصِيرًا بِأُمُورِ الْحَرْبِ وَتَدْبِيرِهَا وَلَوْ مِنْ الْمَوَالِي وَعَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ؛ لِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْأَمِيرِ حَرَامٌ إلَّا إذْ اتَّفَقَ الْأَكْثَرُ أَنَّهُ ضَرَرٌ فَيُتَّبَعُ. اهـ. (قَوْلُهُ الْمُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ) أَيْ اسْتِحْقَاقِ الْغَانِمِينَ لِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ،؛ لِأَنَّ خُمُسَهَا يُخْرِجُهُ الْإِمَامُ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا سَيَجِيءُ قَالَ تَعَالَى: - {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41]- دُرٌّ مُنْتَقَى (قَوْلُهُ وَقْتُ الْمُجَاوَزَةِ) بِرَفْعِ وَقْتُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ (قَوْلُهُ أَيْ الِانْفِصَالُ مِنْ دَارِنَا) أَيْ مُجَاوَزَةُ الدَّرْبِ وَهُوَ الْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَ دَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارِ الْحَرْبِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَارِسًا) هُوَ مَنْ مَعَهُ فَرَسٌ، وَلَوْ فِي سَفِينَةٍ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ،؛ لِأَنَّهُ تَأَهَّبَ لِلْقِتَالِ عَلَى الْفَرَسِ وَالْمُتَأَهِّبُ لِلشَّيْءِ كَالْمُبَاشِرِ لَهُ. (قَوْلُهُ فَنَفَقَ) كَفَرِحَ وَنَصَرَ نَفِدَ وَفَنِيَ قَامُوسٌ ط وَشَمِلَ مَا لَوْ قَتَلَ فَرَسَهُ رَجُلٌ وَأَخَذَ مِنْهُ الْقِيمَةَ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَخَذَهُ الْعَدُوُّ كَمَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ بَاعَهُ قَبْلَ الْقِتَالِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ رَاجِلٍ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ اسْتَحَقَّ سَهْمَيْنِ) سَهْمٌ لِنَفْسِهِ وَسَهْمٌ لِفَرَسِهِ، وَهَذَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لَهُ سَهْمٌ وَلِفَرَسِهِ سَهْمَانِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، وَحَمَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى التَّنْفِيلِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ مُلْتَقَى وَشَرْحُهُ، وَإِذَا كَانَ حَدِيثٌ فِي الْبُخَارِيِّ وَحَدِيثٌ آخَرُ فِي غَيْرِهِ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ أَوْ رِجَالٌ رَوَى عَنْهُمْ الْبُخَارِيُّ كَانَ الْحَدِيثَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ تَحَكُّمٌ لَا نَقُولُ بِهِ مَعَ أَنَّ الْجَمْعَ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْوَى أَوْلَى مِنْ إبْطَالِ الْآخَرِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُسْهَمُ لِغَيْرِ فَرَسٍ وَاحِدٍ) وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ، وَمَا رُوِيَ فِيهِ يُحْمَلُ عَلَى التَّنْفِيلِ أَيْضًا دُرٌّ مُنْتَقَى (قَوْلُهُ صَالِحٌ لِلْقِتَالِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ صَحِيحٌ كَبِيرٌ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ صَحِيحًا كَبِيرًا صَلَاحِيَّتُهُ لِلْقِتَالِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ حَرُونًا أَوْ لَا يَجْرِي فَلَا يَصْلُحُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ أَفَادَهُ ط لَكِنَّ مُرَادَ الْمُتَعَرِّضِ أَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ يُغْنِي عَمَّا زَادَهُ الشَّارِحُ، فَالْأَوْلَى الْجَوَابُ بِأَنَّهُ زَادَ ذَلِكَ تَفْسِيرًا لِقَوْلِ الْمَتْنِ صَالِحٌ لِلْقِتَالِ نَعَمْ كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُ عَنْهُ كَمَا فَعَلَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] يُشْتَرَطُ فِي الْفَرَسِ أَنْ لَا يَكُونَ مُشْتَرَكًا فَلَا سَهْمَ لِفَرَسٍ مُشْتَرَكٍ لِلْقِتَالِ عَلَيْهِ، إلَّا إذَا اسْتَأْجَرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّةَ الْآخَرِ قَبْلَ الدُّخُولِ دُرٌّ مُنْتَقَى، وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْفَرَسُ مِلْكَهُ فَيَشْمَلُ الْمُسْتَأْجَرَ وَالْمُسْتَعَارَ وَكَذَا الْمَغْصُوبُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ لَا لَوْ مُهْرًا فَكَبَرَ) أَيْ بِأَنْ طَالَ الْمُكْثُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، حَتَّى بَلَغَ الْمُهْرَ وَصَارَ صَالِحًا لِلرُّكُوبِ فَقَاتَلَ عَلَيْهِ لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَكَأَنَّ الْفَرْقَ إلَخْ) هُوَ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ، وَلَا يَظْهَرُ إذَا كَانَ الْمَرَضُ بَيِّنًا أَفَادَهُ ط. قُلْت: وَقَدْ ذَكَرَ الْفَرْقَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ، وَهُوَ أَنَّ الْمَرِيضَ كَانَ صَالِحًا لِلْقِتَالِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ لِعَارِضٍ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَإِذَا زَالَ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِ الْمُهْرِ فَإِنَّهُ مَا كَانَ صَالِحًا، وَإِنَّمَا صَارَ صَالِحًا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَيُوَضِّحُهُ أَنَّ الصَّغِيرَةَ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِخِدْمَةِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ الْمَرِيضَةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ صَالِحَةً وَلَكِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ لِعَارِضٍ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ قَبْلَ دُخُولِهِ) أَيْ فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ دَارِنَا وَدَارِ الْحَرْبِ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَخَذَهُ) أَيْ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ: أَيْ أَخَذَهُ قَبْلَ الْقِتَالِ فَلَهُ سَهْمَانِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مُؤْنَةَ الْفَرَسِ مِنْ حِينِ خُرُوجِهِ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 فَلَهُ سَهْمَانِ لَا لَوْ بَاعَهُ وَلَوْ بَعْدَ تَمَامِ الْقِتَالِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ قَصْدَهُ التِّجَارَةَ فَتْحٌ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ لَكِنْ نَقَلَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ وَالتَّبْيِينِ مَا يُخَالِفُهُ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: لَوْ بَاعَهُ فِي وَقْتِ الْقِتَالِ فَرَاجِلٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ بَعْدَ تَمَامِ الْقِتَالِ فَارِسٌ بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى فَتَنَبَّهْ وَلْتَحْفَظْ هَذِهِ الْقُيُودَ خَوْفَ الْخَطَأِ فِي الْإِفْتَاءِ وَالْقَضَاءِ (وَلَا) يُسْهَمُ (لِعَبْدٍ وَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَذِمِّيٍّ) وَمَجْنُونٍ وَمَعْتُوهٍ وَمُكَاتَبٍ (وَرُضِخَ لَهُمْ) قَبْلَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ عِنْدَنَا (إذَا بَاشَرُوا الْقِتَالَ   [رد المحتار] أَهْلِهِ وَقَاتَلَ عَلَيْهِ، فَلَا يُحْرَمُ سَهْمَهُ بِعَارِضِ غَصْبٍ وَنَحْوِهِ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ أَمَّا لَوْ قَاتَلَ عَلَيْهِ الْغَاصِبُ حَتَّى غَنِمُوا وَخَرَجُوا فَلَهُ سَهْمُ الْفَارِسِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرَسِ الْمَغْصُوبِ وَالْمَمْلُوكِ، وَلِصَاحِبِ الْفَرَسِ سَهْمُ رَاجِلٍ إلَّا إذَا أَصَابُوا غَنَائِمَ بَعْدَ أَخْذِهِ فَرَسَهُ فَلَهُ مِنْهَا سَهْمُ فَارِسٍ، وَلِلْغَاصِبِ سَهْمُ رَاجِلٍ كَمَا لَوْ كَانَ الْغَصْبُ بَعْدَ دُخُولِ دَارِ الْحَرْبِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ السِّيَرِ (قَوْلُهُ فَلَهُ سَهْمَانِ) وَكَذَا لَوْ جَاوَزَهُ أَيْ جَاوَزَ الدَّرْبَ مُسْتَأْجِرًا أَوْ مُسْتَعِيرًا وَحَضَرَ بِهِ أَيْ حَضَرَ بِهِ الْوَقْعَةَ وَكَذَا الْغَاصِبُ. لَكِنْ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ وَجْهٍ مَحْظُورٍ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ جَوْهَرَةٌ. وَفِي الْمِنَحِ: لَوْ رَجَعَ الْوَاهِبُ فَالْمَوْهُوبُ لَهُ فَارِسٌ فِيمَا أَصَابَهُ قَبْلَ الرُّجُوعِ وَرَاجِلٌ فِيمَا أَصَابَهُ بَعْدَهُ وَالرَّاجِعُ رَاجِلٌ مُطْلَقًا. اهـ. دُرٌّ مُنْتَقَى أَيْ؛ لِأَنَّهُ جَاوَزَ الدَّرْبَ رَاجِلًا بِاخْتِيَارِهِ كَالْمُؤَجِّرِ وَالْمُعِيرِ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ (قَوْلُهُ لَا لَوْ بَاعَهُ) أَيْ بِاخْتِيَارِهِ فَلَوْ مُكْرَهًا فَلَهُ سَهْمُ فَارِسٍ، كَمَا فِي الْبَحْرِ وَكَالْبَيْعِ مَا لَوْ رَهَنَهُ أَوْ آجَرَهُ أَوْ وَهَبَهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْدَ تَمَامِ الْقِتَالِ) تَبِعَ فِي هَذَا الْمُصَنِّفَ حَيْثُ قَالَ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ بَاعَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِتَالِ لَا يَسْقُطُ عِنْدَ الْبَعْضِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَعْنِي صَاحِبَ الْهِدَايَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ قَصْدَهُ التِّجَارَةُ اهـ وَهُوَ غَلَطٌ فِي النَّقْلِ، عَنْ الْفَتْحِ وَهَذِهِ عِبَارَةُ الْفَتْحِ وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِتَالِ لَمْ يَسْقُطْ سَهْمُ الْفَارِسِ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا إذَا بَاعَهُ حَالَ الْقِتَالِ لَا يَسْقُطُ عِنْدَ الْبَعْضِ قَالَ الْمُصَنِّفُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ قَصْدَهُ التِّجَارَةُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي التَّبْيِينِ وَالْجَوْهَرَةِ وَعِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ مُوَافِقَةٌ لَهُ فَلَا مَعْنَى لِلِاسْتِدْرَاكِ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ مَا بَيْنَ لَفْظَتَيْ الْقِتَالِ، فَحَصَلَ الِاخْتِلَالُ فَاسْتِدْرَاكُ الشَّارِحِ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّهِ. نَعَمْ كَانَ الْأَوْلَى لَهُ مُرَاجَعَةُ عِبَارَةِ الْفَتْحِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلْتُحْفَظْ هَذِهِ الْقُيُودُ) أَيْ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ وَلَا يُسْهَمُ لِغَيْرِ فَرَسٍ وَاحِدٍ صَحِيحٍ كَبِيرٍ صَالِحٍ لِلْقِتَالِ، كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَتِهِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى، وَأَصْلُ ذَلِكَ لِلْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ قَيَّدَ الْمَتْنَ بِقَوْلِهِ: صَالِحٌ لِلْقِتَالِ قَالَ: إنَّ صَاحِبَ الْكَنْزِ وَغَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِ الْمُتُونِ أَخَلَّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقَيْدِ وَإِنَّ الْعَجَبَ مِنْ أَصْحَابِ الْمُتُونِ فَإِنَّهُمْ يَتْرُكُونَ فِي مُتُونِهِمْ قُيُودًا لَا بُدَّ مِنْهَا: وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ، فَيَظُنُّ مَنْ يَقِفُ عَلَى مَسَائِلِهِ الْإِطْلَاقَ، فَيُجْرِي الْحُكْمَ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ فَيُرْتَكَبُ الْخَطَأُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الْإِفْتَاءِ وَالْقَضَاءِ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَذِمِّيٍّ) وَلَوْ أَسْلَمَ أَوْ بَلَغَ الْمُرَاهِقُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَالْخُرُوجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ يُسْهَمُ لَهُ كَمَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أُعْتِقَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَرُضِخَ لَهُمْ) أَيْ يُعْطَوْنَ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ فَإِنَّ الرَّضِيخَةَ هِيَ الْإِعْطَاءُ كَذَلِكَ، وَالْكَثِيرُ السَّهْمُ فَالرَّضْخُ لَا يَبْلُغُ السَّهْمَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ عِنْدَنَا) وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ مِنْ أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ إذَا بَاشَرُوا الْقِتَالَ) شَمِلَ الْمَرْأَةَ فَإِنَّهَا يُرْضَخُ لَهَا إذَا قَاتَلَتْ أَيْضًا وَأَطْلَقَ مُبَاشَرَةَ الْقِتَالِ فِي الْعَبْدِ، فَشَمِلَ مَا إذَا قَاتَلَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ بِدُونِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ، وَقَالَ: الْقِيَاسُ أَنَّهُ إذَا قَاتَلَ بِلَا إذْنِ الْمَوْلَى لَا يُرْضَخُ لَهُ كَمُسْتَأْمَنٍ قَاتَلَ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ وَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّهُ يُرْضَخُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَمَّا يَتَمَحَّضُ مَنْفَعَةً، وَهُوَ نَظِيرُ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِي الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ إذَا آجَرَ نَفْسَهُ وَسَلِمَ مِنْ الْعَمَلِ اهـ مُلَخَّصًا وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ مَعَ مَوْلَاهُ يُقَاتِلُ بِإِذْنِهِ يُرْضَخُ لَهُ غَيْرُ قَيْدٍ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ فَتَنَبَّهْ، وَظَهَرَ بِهِ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ: يَنْبَغِي أَنْ يُسْهَمَ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بَحْثٌ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَقُومُ بِمَصَالِحِ الْمَرْضَى) أَوْ تُدَاوِي الْجَرْحَى (أَوْ دَلَّ الذِّمِّيُّ عَلَى الطَّرِيقِ) وَمُفَادُهُ جَوَازُ الِاسْتِعَانَةِ بِالْكَافِرِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَقَدْ «اسْتَعَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْيَهُودِ عَلَى الْيَهُودِ وَرَضَخَ لَهُمْ» (وَلَا يَبْلُغُ بِهِ السَّهْمَ إلَّا فِي الذِّمِّيِّ) إذَا دَلَّ فَيُزَادُ عَلَى السَّهْمِ؛ لِأَنَّهُ كَالْأُجْرَةِ (وَالْبَرَاذِينُ) خَيْلُ الْعَجَمِ (وَالْعِتَاقُ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ جَمْعُ عَتِيقٍ كِرَامُ خَيْلِ الْعَرَبِ وَالْهَجِينُ الَّذِي أَبُوهُ عَرَبِيٌّ وَأُمُّهُ عَجَمِيَّةٌ وَالْمُقْرِفُ عَكْسُهُ قَامُوسٌ (سَوَاءٌ لَا) يُسْهِمُ (لِلرَّاحِلَةِ وَالْبَغْلِ) وَالْحِمَارِ لِعَدَمِ الْإِرْهَابِ -   [رد المحتار] [تَنْبِيهٌ] اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَذْكُورِينَ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ لَا يُسْهَمُ لَهُ وَلَا يُرْضَخُ لِعَدَمِ اجْتِمَاعِ الْأَجْرِ وَالنَّصِيبِ مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَّا إذَا قَاتَلَ فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ بَحْرٌ أَيْ بِخِلَافِ الْمَذْكُورِينَ، فَإِنَّهُمْ إذَا قَاتَلُوا يُرْضَخُ وَلَا يُسْهَمُ لَهُمْ (قَوْلُهُ أَوْ تُدَاوِي الْجَرْحَى) هَذَا دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ مَعَ أَنَّهُ يُوهِمُ التَّخْصِيصَ بِهَذَا النَّوْعِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَدَلَهُ أَوْ تَطْبُخُ أَوْ تَخْبِزُ لِلْغُزَاةِ كَمَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ السَّقْيُ وَمُنَاوَلَةُ السِّهَامِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمُرَادَ حُصُولُ مَنْفَعَةٍ مِنْهَا لِلْغُزَاةِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا خَرَجَتْ لِخِدْمَةِ زَوْجِهَا مَثَلًا (قَوْلُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ) أَمَّا بِدُونِهَا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ غَدْرُهُ. مَطْلَبٌ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِمُشْرِكٍ (قَوْلُهُ وَقَدْ اسْتَعَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ فِي سَنَدِهِ ضَعْفًا، وَأَنَّ جَمَاعَةً قَالُوا لَا يَجُوزُ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَرَجَ إلَى بَدْرٍ فَلَحِقَهُ رَجُلٌ مُشْرِكٌ فَقَالَ: ارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ» الْحَدِيثَ وَرُوِيَ رَجُلَانِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَدُّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمُشْرِكَ وَالْمُشْرِكَيْنِ كَانَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ ثُمَّ «إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَعَانَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ بِيَهُودٍ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَفِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ بِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَهُوَ مُشْرِكٌ» فَالرَّدَّانِ كَانَ لِأَجْلِ أَنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الِاسْتِعَانَةِ وَعَدَمِهَا فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ أَنَّهُ مُشْرِكٌ فَقَدْ نَسَخَهُ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ فَيُزَادُ عَلَى السَّهْمِ) أَيْ إذَا كَانَ فِي دَلَالَتِهِ مَنْفَعَةٌ عَظِيمَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَيُرْضَخُ لَهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْإِمَامُ وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ سِهَامِ الْفُرْسَانِ شَرْحُ السِّيَرِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ كَالْأُجْرَةِ) أَشَارَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا قَاتَلَ الذِّمِّيُّ، حَيْثُ لَا يَبْلُغُ فِي الرَّضْخِ لَهُ السَّهْمَ وَمَا إذَا دَلَّ حَيْثُ تَصِحُّ الزِّيَادَةُ، وَهُوَ أَنَّ مَا يُدْفَعُ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَيْسَ رَضْخًا، بَلْ قَائِمٌ مَقَامَ الْأُجْرَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَاتَلَ فَإِنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِهِ السَّهْمَ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ عَمَلَ الْجِهَادِ وَلَا يُسَوَّى فِي عَمَلِهِ بَيْنَ مَنْ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ، وَمَنْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ حُكْمِ الدَّلَالَةِ عَلَى الطَّرِيقِ بِالذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ أَيْضًا إذَا دَلَّ يُعْطَى لَهُ أَجْرُ الدَّلَالَةِ بَالِغًا مَا بَلَغَ إلَّا أَنْ تَمْنَعَ إرَادَةُ التَّخْصِيصِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ سَوَاءٌ) أَيْ فِي الْقَسْمِ فَلَا يُفَضَّلُ أَحَدُهَا عَلَى الْآخَرِ فَتْحٌ، وَهُوَ خَبَرٌ عَنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْبَرَاذِينُ وَالْعِتَاقُ، وَعَلَى حَلِّ الشَّارِحِ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ قَدَّرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى انْفِرَادِهِ خَبَرًا فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْهَا جَمِيعًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا زَادَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْهَجِينِ بِوَزْنِ عَجِينٍ، وَالْمُقْرِفُ بِوَزْنِ مُحْسِنٍ يُفْهَمُ حُكْمُهُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ الْبَرَاذِينِ (قَوْلُهُ لَا يُسْهَمُ لِلرَّاحِلَةِ) هِيَ الْمَرْكُوبُ مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَالتَّاءُ فِيهَا لِلْوَحْدَةِ أَوْ لِلنَّقْلِ مِنْ الْوَصْفِيَّةِ إلَى الِاسْمِيَّةِ وَالْجَمَلُ يَخْتَصُّ بِالذَّكَرِ ط (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْإِرْهَابِ) أَيْ تَخْوِيفِ الْعَدُوِّ إذْ لَا تَصْلُحُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 (وَالْخُمُسُ) الْبَاقِي يُقْسَمُ أَثْلَاثًا عِنْدَنَا (لِلْيَتِيمِ وَالْمِسْكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) وَجَازَ صَرْفُهُ لِصِنْفٍ وَاحِدٍ فَتْحٌ، وَفِي الْمُنْيَةِ لَوْ صَرَفَهُ لِلْغَانِمِينَ لِحَاجَتِهِمْ جَازَ وَقَدْ حَقَّقْتُهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى (وَقَدَّمَ فُقَرَاءَ ذَوِي الْقُرْبَى) مِنْ بَنِي هَاشِمٍ (مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ (عَلَيْهِمْ) لِجَوَازِ الصَّدَقَاتِ لِغَيْرِهِمْ لَا لَهُمْ (وَلَا حَقَّ لِأَغْنِيَائِهِمْ) عِنْدَنَا   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي قِسْمَةِ الْخُمُسِ (قَوْلُهُ وَالْخُمُسُ الْبَاقِي) أَيْ الْبَاقِي بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَانِمِينَ (قَوْلُهُ عِنْدَنَا) وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَيُقْسَمُ أَخْمَاسًا سَهْمٌ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَسَهْمٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْلُفُهُ فِيهِ الْإِمَامُ، وَيَصْرِفُهُ إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَالْبَاقِي لِلثَّلَاثَةِ لِلْآيَةِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لِلْيَتِيمِ) أَيْ بِشُرُوطِ فَقْرِهِ، وَفَائِدَةُ ذِكْرِهِ دَفْعُ تَوَهُّمِ أَنَّ الْيَتِيمَ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا بِالْجِهَادِ، وَالْيَتِيمُ صَغِيرٌ فَلَا يَسْتَحِقُّهَا، وَمِثْلُهُ مَا فِي التَّأْوِيلَاتِ لِلشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ لَمَّا كَانَ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى يَسْتَحِقُّونَ بِالْفَقْرِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِمْ فِي الْقُرْآنِ أَجَابَ بِأَنَّ أَفْهَامَ بَعْضِ النَّاسِ قَدْ تَقْضِي إلَى أَنَّ الْفَقِيرَ مِنْهُمْ لَا يَسْتَحِقُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الصَّدَقَةِ، وَلَا تَحِلُّ لَهُمْ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَالْمِسْكِينِ) الْمُرَادُ مِنْهُ مَا يَشْمَلُ الْفَقِيرَ (قَوْلُهُ وَجَازَ صَرْفُهُ إلَخْ) عَلَّلَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ ذِكْرَ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ لِبَيَانِ الْمَصَارِفِ، لَا لِإِيجَابِ الصَّرْفِ إلَى كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ شَيْئًا بَلْ لِتَعْيِينِ الْمَصْرِفِ، حَتَّى لَا يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَى غَيْرِ هَؤُلَاءِ اهـ. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ حَقَّقْته فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى) وَنَصُّهُ وَالْخُمُسُ الْبَاقِي مِنْ الْمَغْنَمِ كَالْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ يَكُونُ مَصْرِفُهَا لِلْيَتَامَى الْمُحْتَاجِينَ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَتُقْسَمُ عِنْدَنَا أَثْلَاثًا هَذِهِ الْأَمْوَالُ الثَّلَاثَةُ لِهَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ خَاصَّةً غَيْرَ مُتَجَاوَزٍ عَنْهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ، فَتُصْرَفُ لِكُلِّهِمْ أَوْ لِبَعْضِهِمْ، فَسَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِمْ احْتِيَاجٌ بِيُتْمٍ أَوْ مَسْكَنَةٍ أَوْ كَوْنِهِ ابْنَ السَّبِيلِ فَلَا يَجُوزُ الصَّرْفُ لِغَنِيِّهِمْ، وَلَا لِغَيْرِهِمْ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ. قُلْت: وَنَقَلْت فِيمَا عَلَّقْته عَلَى التَّنْوِيرِ عَنْ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ لَوْ صُرِفَ لِلْغَانِمِينَ لِحَاجَتِهِمْ جَازَ اهـ وَلَعَلَّهُ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ فَلَا تَنَافِي حِينَئِذٍ فَتَنَبَّهْ. اهـ. أَقُولُ: لَا مَعْنَى لِلتَّرَجِّي بَعْدَ تَصْرِيحِ الْمُنْيَةِ بِقَوْلِهِ لِحَاجَتِهِمْ. اهـ. ح (قَوْلُهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ) بَيَانٌ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَفِيهِ قُصُورٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ هُنَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَضَعَ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى فِيهِمْ، وَتَرَكَ بَنِي نَوْفَلٍ وَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ مَعَ أَنَّ قَرَابَتَهُمْ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ عَبْدَ مَنَافٍ الْجَدَّ الثَّالِثَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ أَوْلَادٌ هَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ وَنَوْفَلٌ وَعَبْدُ شَمْسٍ بَحْرٌ. وَالْمُطَّلِبُ عَمُّ الْجَدِّ الْأَوَّلِ وَهُوَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ (قَوْلُهُ أَيْ مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ) وَكَذَا الضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِمْ رَاجِعٌ إلَيْهِمْ، وَالضَّمِيرُ الثَّانِي يُغْنِي عَنْ الْأَوَّلِ، وَلَكِنْ زَادَهُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الرَّكَاكَةِ لِيُفِيدَ أَنَّ ذَوِي الْقُرْبَى إذَا كَانُوا مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ يُقَدَّمُونَ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى، فَيَتِيمُ ذَوِي الْقُرْبَى مُقَدَّمٌ عَلَى يَتِيمِ غَيْرِهِمْ، وَهَكَذَا قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَالْأَوْضَحُ أَنْ يُقَالَ خُمُسُ الْغَنِيمَةِ وَالْمَعْدِنِ لِلْمُحْتَاجِ وَذَوُو الْقُرْبَى مِنْهُ أَوْلَى (قَوْلُهُ لِجَوَازِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَقُدِّمَ أَيْ؛ لِأَنَّ غَيْرَ ذَوِي الْقُرْبَى يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ لِدَفْعِ حَاجَتِهِ بِخِلَافِهِمْ فَلَيْسَ فِي تَقْدِيمِهِمْ إضْرَارٌ بِغَيْرِهِمْ (قَوْلُهُ وَلَا حَقَّ لِأَغْنِيَائِهِمْ عِنْدَنَا) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: يَسْتَوِي فِيهِ فَقِيرُهُمْ وَغَنِيُّهُمْ وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ كَالْأُنْثَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ فِي الْآيَةِ بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ، وَلَنَا أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ قَسَمُوهُ كَمَا قُلْنَاهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَكَانَ إجْمَاعًا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعْطِيهِمْ لِلنُّصْرَةِ، لَا لِلْفَقْرِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مَعِي هَكَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» حِينَ أَعْطَى بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ؛ لِأَنَّهُمْ قَامُوا مَعَهُ حِينَ أَرَادَتْ قُرَيْشٌ قَتْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَدَخَلَ بَنُو نَوْفَلٍ وَعَبْدُ شَمْسٍ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 وَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ مَا فِي الْحَاوِي يُفِيدُ تَرْجِيحَ الصَّرْفِ لِأَغْنِيَائِهِمْ نَظَرَ فِيهِ فِي النَّهْرِ (وَذِكْرُهُ تَعَالَى لِلتَّبَرُّكِ) بِاسْمِهِ فِي ابْتِدَاءِ الْكَلَامِ إذْ الْكُلُّ لِلَّهِ (وَسَهْمُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَقَطَ بِمَوْتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ عُلِّقَ بِمُشْتَقٍّ وَهُوَ الرِّسَالَةُ   [رد المحتار] وَلَوْ كَانَ لِأَجْلِ الْقَرَابَةِ لَمَا خَصَّهُمْ؛ لِأَنَّ عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا أَخَوَانِ لِهَاشِمٍ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَالْمُطَّلِبُ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ فَكَانَ أَقْرَبَ وَالْمُرَادُ بِالنُّصْرَةِ كَوْنُهُمْ مَعَهُ يُؤَانِسُونَهُ بِالْكَلَامِ، وَالْمُصَاحَبَةِ لَا بِالْمُقَاتَلَةِ، وَلِذَا كَانَ لِنِسَائِهِمْ فِيهِ نَصِيبٌ ثُمَّ سَقَطَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدَمِ تِلْكَ الْعِلَّةِ، وَهِيَ النُّصْرَةُ، فَيَسْتَحِقُّونَهُ بِالْفَقْرِ زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ كَمَا سَقَطَ سَهْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَوْتِهِ عِنْدَنَا سَقَطَ سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى بِمَوْتِهِ أَيْضًا لِفَقْدِ عِلَّةِ اسْتِحْقَاقِهِمْ، حَتَّى قَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا يَسْتَحِقُّ فَقِيرُهُمْ أَيْضًا لَكِنْ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ أَظْهَرُ، وَقَدْ حُقِّقَ فِي الْفَتْحِ قِسْمَةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَثْلَاثًا كَمَا قُلْنَا لَا أَخْمَاسًا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فَرَاجِعْهُ. [تَنْبِيهٌ] فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبَدَائِعِ تُعْطَى الْقَرَابَةُ كِفَايَتَهُمْ. اهـ. وَفِيهَا عَنْ الْجَوْهَرَةِ أَنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ كَالْأُنْثَيَيْنِ. قُلْت: وَاعْتَرَضَهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى بِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا هَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ لَا عِنْدَنَا. قُلْت: عَلَى أَنَّهُ يُنَافِيهِ مَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ) حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: الْخُمُسُ يُصْرَفُ إلَى ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَبِهِ نَأْخُذُ. اهـ. وَهَذَا يَقْتَضِي كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا يَعْنِي صَاحِبَ الْبَحْرِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الصَّرْفِ إلَى الْأَقْرِبَاءِ الْأَغْنِيَاءِ فَلْيُحْفَظْ. اهـ. (قَوْلُهُ نَظَرَ فِيهِ فِي النَّهْرِ) حَيْثُ قَالَ: وَأَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ تَرْجِيحٌ لِإِعْطَائِهِمْ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ سَكَتَ عَنْ اشْتِرَاطِ الْفَقْرِ فِيهِمْ لِلْعِلْمِ بِهِ اهـ وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت كَلَامَ الْحَاوِي رَأَيْتَهُ شَاهِدًا لِمَا فِي الْبَحْرِ، وَهَذِهِ عِبَارَتُهُ، وَأَمَّا الْخُمُسُ فَيُقْسَمُ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِلْيَتَامَى، وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٌ لِابْنِ السَّبِيلِ يَدْخُلُ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى فِيهِمْ، وَيُقَدَّمُونَ وَلَا يُدْفَعُ لِأَغْنِيَائِهِمْ شَيْءٌ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْخُمُسَ يُصْرَفُ إلَى ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ إذْ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ فِي النَّهْرِ لَكَانَتْ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَيْنَ مَا قَبْلَهَا فَتَدَبَّرْ اهـ ح. قُلْت: لَكِنْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: وَهِيَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَالْمُتُونُ وَالشُّرُوحُ أَيْضًا عَلَى خِلَافِهَا فَالْوَاجِبُ اتِّبَاعُ الْمَذْهَبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّذِي اعْتَنَى الشُّرَّاحُ وَغَيْرُهُمْ بِتَأْيِيدِ أَدِلَّتِهِ وَالْجَوَابِ عَمَّا يُنَافِيهِ فَهَذَا أَقْوَى تَرْجِيحٍ وَلَا يُعَارِضُهُ تَرْجِيحُ الْحَاوِي، ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ الشَّيْخَ إسْمَاعِيلَ النَّابُلُسِيَّ نَبَّهَ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْته فِي شَرْحِهِ عَلَى الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ (قَوْلُهُ وَذِكْرُهُ تَعَالَى) أَيْ قَوْله تَعَالَى - {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]- (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ عُلِّقَ بِمُشْتَقٍّ وَهُوَ الرِّسَالَةُ) عِبَارَةُ النَّهْرِ وَهُوَ الرَّسُولُ، فَيَكُونُ مَبْدَأَ الِاشْتِقَاقِ عِلَّةٌ وَهُوَ الرِّسَالَةُ وَلَا رَسُولَ بَعْدَهُ اهـ أَيْ كَمَا لَوْ قِيلَ إذَا لَقِيت عَالِمًا فَأَكْرِمْهُ وَإِذَا لَقِيت فَاسِقًا فَأَهِنْهُ، فَإِنَّهُ عُلِّقَ فِيهِ الْأَمْرُ بِالْإِكْرَامِ وَالْإِهَانَةِ عَلَى مُشْتَقٍّ، وَهُوَ عَالِمٌ وَفَاسِقٌ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا اُشْتُقَّ مِنْهُ ذَلِكَ الْوَصْفُ: أَعَنَى الْعِلْمَ وَالْفِسْقَ عِلَّةُ الْحُكْمِ أَيْ أَكْرِمْهُ لِعِلْمِهِ وَأَهِنْهُ لِفِسْقِهِ، وَبِهِ يَظْهَرُ مَا فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا أَغْلَبِيٌّ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41]- لَيْسَ عِلَّتُهُ الْقَرَابَةَ عِنْدَنَا بَلْ النُّصْرَةُ إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُمْ نَفْيُ كَوْنِ الْعِلَّةِ مُجَرَّدَ الْقَرَابَةِ بَلْ الْعِلَّةُ قَرَابَةٌ خَاصَّةٌ مُقَيَّدَةٌ بِالنُّصْرَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَارِّ فَتَدَبَّرْ. مَطْلَبٌ فِي أَنَّ رِسَالَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاقِيَةٌ بَعْدَ مَوْتِهِ [تَنْبِيهٌ] قَدَّمْنَا عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ سَهْمَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْلُفُهُ فِيهِ الْإِمَامُ بَعْدَهُ أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَحِقُّهُ لِإِمَامَتِهِ، وَعِنْدَنَا لِرِسَالَتِهِ، وَلَا رَسُولَ بَعْدَهُ أَيْ لَا يُوصَفُ بَعْدَهُ أَحَدٌ بِهَذَا الْوَصْفِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 (كَالصَّفِيِّ) الَّذِي كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَصْطَفِيهِ لِنَفْسِهِ (وَمَنْ دَخَلَ دَارَهُمْ بِإِذْنِ) الْإِمَامِ (أَوْ مَنَعَةٍ) أَيْ قُوَّةٍ (فَأَغَارَ خَمَسَ) مَا أَخَذُوا؛ لِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ (وَإِلَّا لَا) ؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَاسٌ وَفِي الْمُنْيَةِ لَوْ دَخَلَ أَرْبَعَةٌ خَمَسَ وَلَوْ ثَلَاثَةٌ لَا. قَالَ الْإِمَامُ مَا أَصَبْتُمْ لَا أُخَمِّسُهُ فَلَوْ لَهُمْ مَنَعَةٌ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ (وَنُدِبَ لِلْإِمَامِ   [رد المحتار] فَلِذَا سَقَطَ بِمَوْتِهِ بِخِلَافِ الْإِمَامَةِ وَالْقِيَامِ بِأُمُورِ الْأُمَّةِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ الْمَقْدِسِيَّ عَلَى قَوْلِهِمْ: وَلَا رَسُولَ بَعْدَهُ مِنْ أَنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا أَنَّ رِسَالَتَهُ مَقْصُورَةٌ عَلَى حَيَاتِهِ فَمَمْنُوعٌ إذْ قَدْ صَرَّحَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي بِأَنَّ رِسَالَةَ الرَّسُولِ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ ثُمَّ قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا بَاقِيَةٌ حُكْمًا بَعْدَ مَوْتِهِ وَكَانَ اسْتِحْقَاقُهُ بِحَقِيقَةِ الرِّسَالَةِ لَا بِالْقِيَامِ بِأُمُورِ الْأُمَّةِ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ إيهَامِ انْقِطَاعِ حَقِيقَتِهَا بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ أَفَادَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى أَنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. قُلْت: وَأَمَّا مَا نُسِبَ إلَى الْإِمَامِ الْأَشْعَرِيِّ إمَامِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنْ إنْكَارِ ثُبُوتِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ. فَهُوَ افْتِرَاءٌ وَبُهْتَانٌ وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي كُتُبِهِ وَكُتُبِ أَصْحَابِهِ خِلَافُ مَا نَسَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَعْدَائِهِ؛ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ وَقَدْ أَقَامَ النَّكِيرُ عَلَى افْتِرَاءِ ذَلِكَ الْإِمَامُ الْعَارِفُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ فِي كِتَابِهِ: شِكَايَةِ السُّنَّةِ، وَكَذَا غَيْرُهُ كَمَا بَسَطَ ذَلِكَ الْإِمَامُ ابْنُ السُّبْكِيّ فِي طَبَقَاتِهِ الْكُبْرَى فِي تَرْجَمَةِ الْإِمَامِ الْأَشْعَرِيِّ (قَوْلُهُ كَالصَّفِيِّ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَالْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ نَهْرٌ أَيْ كَمَا سَقَطَ الصَّفِيُّ بِمَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ يَصْطَفِيهِ لِنَفْسِهِ) أَيْ قَبْلَ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ، وَإِخْرَاجِ الْخُمُسِ نَهْرٌ كَمَا اصْطَفَى ذَا الْفَقَارِ وَهُوَ سَيْفُ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ حِينَ قَتَلَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَكَمَا اصْطَفَى صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ بْنِ أَخَطَبَ مِنْ غَنِيمَةِ خَيْبَرَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَالْحَاكِمُ فَتْحٌ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قَالَ فِي طَلِبَةِ الطَّلَبَةِ: وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَسْتَأْثِرُ بِالصَّفِيِّ زِيَادَةً عَلَى سَهْمِهِ (قَوْلُهُ وَمَنْ دَخَلَ دَارَهُمْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ) وَلَوْ وَاحِدًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ط عَنْ الشَّلَبِيِّ (قَوْلُهُ أَوْ مَنَعَةٍ) فِي الْمِصْبَاحِ هُوَ فِي مَنَعَةٍ بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ فِي عِزِّ قَوْمِهِ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مَنْ يُرِيدُهُ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَهِيَ مَصْدَرٌ مِثْلُ الْأَنَفَةِ وَالْعَظَمَةِ أَوْ جَمْعُ مَانِعٍ وَهُمْ الْعَشِيرَةُ وَالْحُمَاةُ وَقَدْ تُسَكَّنُ فِي الشِّعْرِ لَا غَيْرُ خِلَافًا لِمَنْ أَجَازَهُ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ خَمَسَ) أَيْ يَأْخُذُ الْإِمَامُ خُمُسَهُ وَالْبَاقِي لَهُمْ قَالَ فِي الْفَتْحِ:؛ لِأَنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَنْصُرَهُمْ حَيْثُ أَذِنَ لَهُمْ كَمَا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَنْصُرَ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ لَهُمْ مَنَعَةٌ إذَا دَخَلُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ تَحَامِيًا عَنْ تَوْهِينِ الْمُسْلِمِينَ وَالدِّينِ فَلَمْ يَكُونُوا مَعَ نُصْرَةِ الْإِمَامِ مُتَلَصِّصِينَ فَكَانَ الْمَأْخُوذُ قَهْرًا غَنِيمَةً (قَوْلُهُ مَا أَخَذُوا) بِضَمِيرِ الْجَمْعِ مُرَاعَاةً لِمَعْنَى مَنْ كَمَا رُوعِيَ لَفْظُهَا فِي قَوْلِهِ فَأَغَارَ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلُوا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَكُونُوا ذَوِي مَنَعَةٍ بِأَنْ دَخَلُوا بِلَا إذْنِهِ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ فَأَقَلَّ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ: قَالَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَدَّرَ الْجَمَاعَةَ الَّتِي لَا مَنَعَةَ لَهَا بِسَبْعَةٍ، وَاَلَّتِي لَهَا مَنَعَةٌ بِعَشَرَةٍ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَاسٌ) مِنْ خَلَسْت الشَّيْءَ خَلْسًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ اخْتَطَفْته بِسُرْعَةٍ عَلَى غَفْلَةٍ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُنْيَةِ إلَخْ) أَفَادَ بِهِ تَقْدِيرَ الْمَنَعَةِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا جَازَ) ؛ لِأَنَّ الْخُمُسَ فِي الثَّانِي وَاجِبٌ بِقَوْلِ الْإِمَامِ، فَلَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِهِ فِي الْأَوَّلِ، وَلِذَا لَوْ دَخَلُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ خَمِسَ مَا أَخَذُوهُ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنَعَةٌ لَا يَجِبُ الْخُمُسُ إلَّا إذَا أَذِنَ فَيَكُونُ قَدْ وَجَبَ بِسَبَبِ قَوْلِهِ: فَلَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ فَلَمْ يَجِبْ بِقَوْلِهِ فَلَيْسَ لَهُ إبْطَالُهُ وَفِي النَّهْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة: لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ بِإِذْنِهِ وَبَعْضُهُمْ بِلَا إذْنِهِ وَلَا مَنَعَةَ لَهُمْ فَالْحُكْمُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ كَمَا فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَنَعَةٌ يَجِبُ الْخُمُسُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَنُدِبَ لِلْإِمَامِ) وَكَذَا لِأَمِيرِ السَّرِيَّةِ إلَّا إذَا نَهَاهُ الْإِمَامُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا الْعَسْكَرِ فَيَجُوزُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ بَحْرٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 أَنْ يُنَفِّلَ وَقْتَ الْقِتَالِ حَثًّا) وَتَحْرِيضًا فَيَقُولُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ سَمَّاهُ قَتِيلًا لِقُرْبِهِ مِنْهُ (أَوْ يَقُولُ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي التَّنْفِيلِ (قَوْلُهُ أَنْ يُنَفِّلَ) التَّنْفِيلُ: إعْطَاءُ الْإِمَامِ الْفَارِسَ فَوْقَ سَهْمِهِ وَهُوَ مِنْ النَّفْلِ، وَمِنْهُ النَّافِلَةُ لِلزَّائِدِ عَلَى الْفَرْضِ وَيُقَالُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ كَذَلِكَ، وَيُقَالُ نَفَّلَهُ تَنْفِيلًا وَنَفَلَهُ بِالتَّخْفِيفِ نَفْلًا لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقْتَ الْقِتَالِ) قَيَّدَ بِهِ الْقُدُورِيُّ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَهُ لَا يَمْلِكُهُ الْإِمَامُ، وَقِيلَ: مَا دَامُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ يَمْلِكُهُ كَذَا فِي السِّرَاجِ؛ وَقَدْ يُؤَيِّدُ هَذَا الْقِيلَ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» إنَّمَا كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ حُنَيْنٍ وَلَمْ أَرَ جَوَازَهُ قَبْلَ الْمُقَاتَلَةِ نَهْرٌ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ الْهَزِيمَةِ تَحْرِيضًا لِلْمُسْلِمِينَ، عَلَى الرُّجُوعِ إلَى الْقِتَالِ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: إنَّ فِي قَوْلِهِ: وَقْتَ الْقِتَالِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّنْفِيلُ قَبْلَهُ بِالْأَوْلَى وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِهِ بَعْدَهُ لَكِنْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ فِيهِ حَقُّ الْغَانِمِينَ اهـ فَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِجَوَازِهِ قَبْلَهُ وَعَزَاهُ ح إلَى الْمُحِيطِ وَقَوْلُهُ: لَكِنْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقِيلِ الْمَارِّ عَنْ السِّرَاجِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمُتُونِ: وَيُنَفِّلُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ مِنْ الْخُمُسِ فَقَطْ، فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا يَجُوزُ مِنْ الْكُلِّ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِخِلَافِهِ، فَفِي الْمَنْبَعِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: لَا خِلَافَ أَنَّ التَّنْفِيلَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ، وَإِحْرَازِ الْغَنِيمَةِ وَقَبْلَ أَنْ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا جَائِزٌ وَيَوْمَ الْهَزِيمَةِ، وَيَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ التَّحْرِيضُ عَلَى الْقِتَالِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ إذَا انْهَزَمَ الْعَدُوُّ، وَأَمَّا بَعْدَ الْإِحْرَازِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى، وَمَتْنِ الْمُخْتَارِ وَلِلْإِمَامِ: أَنْ يُنَفِّلَ قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ وَقَبْلَ أَنْ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا فَقَوْلُهُمْ: وَقَبْلَ أَنْ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا فَائِدَتُهُ دَفْعُ تَوَهُّمِ الْجَوَازِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ يَشْمَلُ مَا بَعْدَ الْإِصَابَةِ: أَيْ إصَابَةِ الْعَسْكَرِ الْغَنِيمَةَ بِالْهَزِيمَةِ وَانْتِهَاءِ الْحَرْبِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ كَمَا بَيَّنَهُ عَطْفُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ. وَفِي الْفَتْحِ التَّنْفِيلُ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَنَا قَبْلَ الْإِصَابَةِ، فَقَدْ ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي السِّرَاجِ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ السِّرَاجِ، لَمْ يُعَوِّلْ عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرِهِ الْجَوْهَرَةِ حَيْثُ قَالَ: عَنْ الْخُجَنْدِيِّ: التَّنْفِيلُ: إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِتَالِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَا يَمْلِكُهُ الْإِمَامُ،؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لِأَجْلِ التَّحْرِيضِ عَلَى الْقِتَالِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ لَا تَحْرِيضَ. اهـ. قُلْت: وَكُلُّ مَا وَرَدَ مِنْ التَّنْفِيلِ بَعْدَ الْقِتَالِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْخُمُسِ كَمَا بَسَطَهُ السَّرَخْسِيُّ. مَطْلَبٌ الِاقْتِبَاسُ مِنْ الْقُرْآنِ جَائِزٌ عِنْدَنَا [تَنْبِيهٌ] قَوْلُهُمْ أَنْ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا اقْتِبَاسٌ مِنْ الْقُرْآنِ، وَبِهِ يُسْتَدَلُّ عَلَى جَوَازِهِ عِنْدَنَا كَمَا بَسَطَهُ الشَّارِحُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَتَحْرِيضًا) أَيْ تَرْغِيبًا فِي الْقِتَالِ. مَطْلَبٌ فِي قَوْلِهِمْ اسْمُ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ (قَوْلُهُ سَمَّاهُ قَتِيلًا لِقُرْبِهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقَتْلِ فَفِيهِ مَجَازٌ الْأَوَّلُ مِثْلُ أَعْصِرُ خَمْرًا لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَوْلُهُمْ: اسْمُ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ أَيْ حَالِ التَّلَبُّسِ بِالْفِعْلِ لَا حَالِ النُّطْقِ فَإِنَّ حَقِيقَةَ الضَّارِبِ وَالْمَضْرُوبِ لَا تَتَقَدَّمُ عَلَى الضَّرْبِ وَلَا تَتَأَخَّرُ عَنْهُ، فَهُمَا مَعَهُ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَمِنْ هَذَا ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» أَنَّ قَتِيلًا حَقِيقَةٌ، وَأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ سُمِّيَ قَتِيلًا بِاعْتِبَارِ مُشَارَفَتِهِ لِلْقَتْلِ لَا تَحْقِيقَ فِيهِ. اهـ. وَصَرَّحَ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْقِيحِ، بِأَنَّ الْمُشْتَقَّ إنَّمَا يَكُونُ حَقِيقَةً فِي الْحَالِ مَجَازًا فِي الِاسْتِقْبَالِ مُخْتَلِفًا فِيهِ فِي الْمَاضِي إذَا كَانَ مَحْكُومًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ) وَقَدْ يَكُونُ بِدَفْعِ مَالٍ وَتَرْغِيبِ مَآلٍ فَالتَّحْرِيضُ نَفْسُهُ وَاجِبٌ لِلْأَمْرِ بِهِ وَاخْتِيَارٌ لِأَدْعَى الْمَقْصُودِ مَنْدُوبٌ وَلَا يُخَالِفُهُ تَعْبِيرُ الْقُدُورِيِّ أَيْ بِلَا بَأْسٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُطَّرِدًا لِمَا تَرْكُهُ أَوْلَى بَلْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنْدُوبِ أَيْضًا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلِذَا عَبَّرَ فِي الْمَبْسُوطِ بِالِاسْتِحْبَابِ (وَيَسْتَحِقُّ الْإِمَامُ لَوْ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ إذَا قَتَلَ هُوَ) اسْتِحْسَانًا (بِخِلَافِ) مَا لَوْ قَالَ مِنْكُمْ أَوْ قَالَ (مَنْ قَتَلْتُهُ أَنَا فَلِي سَلَبُهُ) فَلَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا إذَا عَمَّمَ بَعْدَهُ ظَهِيرِيَّةٌ وَيَسْتَحِقُّهُ مُسْتَحِقُّ سَهْمٍ أَوْ رَضْخٍ فَعَمَّ الذِّمِّيَّ وَغَيْرَهُ (وَذَا) أَيْ التَّنْفِيلُ   [رد المحتار] بِهِ أَمَّا إذَا كَانَ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ كَمَا هُنَا فَهُوَ حَقِيقَةٌ مُطْلَقًا، يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ بِمَعْنَى الْحَالِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ أَوْ الْمَاضِي إجْمَاعًا وَحِينَئِذٍ، فَلَا مَجَازَ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ وَقَوْلُهُ: إذَا كَانَ مَحْكُومًا بِهِ كَقَوْلِك: زَيْدٌ قَائِمٌ فَإِنَّهُ حَكَمَ بِهِ عَلَى زَيْدٍ، بِخِلَافِ جَاءَ الْقَائِمُ فَإِنَّهُ جَعَلَ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ بِالْمَجِيءِ فَفِي الْأَوَّلِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِفًا بِالْقِيَامِ حَالَ النُّطْقِ، حَتَّى يَصِحَّ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالصِّفَةِ وَإِلَّا كَانَ مَجَازًا بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّ قَوْلَك: جَاءَ الْقَائِمُ غَدًا حُكْمٌ بِالْمَجِيءِ عَلَى ذَاتِ الْقَائِمِ غَدًا أَيْ عَلَى مَنْ يُسَمَّى قَائِمًا غَدًا أَيْ حَالَ التَّلَبُّسِ بِالصِّفَةِ وَمِنْهُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا أَيْ شَخْصًا يُسَمَّى قَتِيلًا عِنْدَ تَحَقُّقِ الْقَتْلِ فِيهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ أَوْ يَقُولُ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ) هَذَا الْفَرْعُ مَنْقُولٌ فِي حَوَاشِي الْهِدَايَةِ وَلِلْكَمَالِ فِيهِ كَلَامٌ سَنَذْكُرُهُ مَعَ جَوَابِهِ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ وَجَازَ التَّنْفِيلُ بِالْكُلِّ (قَوْلُهُ وَقَدْ يَكُونُ بِدَفْعِ مَالٍ) كَأَنْ يَقُولَ لَهُ خُذْ هَذِهِ الْمِائَةَ وَاقْتُلْ هَذَا الْكَافِرَ تَأَمَّلْ وَلَمْ أَرَهُ (قَوْلُهُ وَتَرْغِيبِ مَآلٍ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ وَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى فِي: أَيْ تَرْغِيبٍ فِي الْمَآلِ مِثْلُ: إنْ قَتَلْت قَتِيلًا فَلَكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُصَرِّحَ بِالْأَجْرِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ فَالتَّحْرِيضُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُورَدُ عَلَى قَوْلِهِ: وَنُدِبَ لِلْإِمَامِ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ التَّحْرِيضَ الْوَاجِبَ قَدْ يَكُونُ بِالتَّرْغِيبِ فِي ثَوَابِ الْآخِرَةِ أَوْ فِي التَّنْفِيلِ، فَهُوَ وَاجِبٌ مُخَيَّرٌ وَإِذَا كَانَ التَّنْفِيلُ أَدْعَى الْخِصَالِ إلَى الْمَقْصُودِ يَكُونُ هُوَ الْأَوْلَى، فَصَارَ الْمَنْدُوبُ اخْتِيَارَ إسْقَاطِ الْوَاجِبِ بِهِ لَا هُوَ فِي نَفْسِهِ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ مُخَيَّرٌ فَتْحٌ مُلَخَّصًا، وَفِيهِ رَدٌّ لِقَوْلِ الْعِنَايَةِ إنَّ الْأَمْرَ فِي الْآيَةِ مَصْرُوفٌ عَنْ الْوُجُوبِ لِقَرِينَةٍ (قَوْلُهُ وَلَا يُخَالِفُهُ) أَيْ لَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَنُدِبَ. مَطْلَبٌ كَلِمَةُ لَا بَأْسَ قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنْدُوبِ (قَوْلُهُ بَلْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنْدُوبِ) يَظْهَرُ لِي أَنَّ مَحَلَّهُ فِي مَوْضِعٍ يُتَوَهَّمُ فِيهِ الْبَأْسُ أَيْ الشِّدَّةُ كَمَا هُنَا فَإِنَّ فِيهِ تَخْصِيصَ الْفَارِسِ بِزِيَادَةٍ مَعَ قَطْعِ الْخُمُسِ بَلْ اُسْتُعْمِلَ نَظِيرُهُ فِي الْقُرْآنِ فِي الْوَاجِبِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]- فَنَفَى الْجُنَاحَ لِمَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ حُرْمَةِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (قَوْلُهُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ تَبَعًا لِلْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِهِ مَنْدُوبًا لَا خِلَافَ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ عَدَمُهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ يُسْتَحَقُّ بِإِيجَابِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْإِيجَابَ لِنَفْسِهِ كَالْقَاضِي لَا يَمْلِكُ الْقَضَاءَ لِنَفْسِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَوْجَبَ النَّفَلَ لِلْجَيْشِ وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ خَصَّهُمْ بِقَوْلِهِ مِنْكُمْ؛ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْكَلَامُ، وَفِي الثَّانِي هُوَ مُتَّهَمٌ بِتَخْصِيصِهِ نَفْسَهُ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا عَمَّمَ بَعْدَهُ) أَيْ إذَا قَالَ: إنْ قَتَلْتُ قَتِيلًا فَلِي سَلَبُهُ وَلَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا حَتَّى قَالَ: وَمَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَقَتَلَ الْأَمِيرُ قَتِيلًا اسْتَحَقَّهُ؛ لِأَنَّ التَّنْفِيلَ صَارَ عَامًّا بِاعْتِبَارِ كَلَامَيْهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ بِكَلَامَيْنِ، أَوْ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَصِحَّ لِلتُّهْمَةِ بِالتَّخْصِيصِ وَقَدْ زَالَتْ بِالثَّانِي أَفَادَهُ السَّرَخْسِيُّ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ التَّعْمِيمَ حَصَلَ بِمَجْمُوعِ الْكَلَامَيْنِ لَا بِالثَّانِي فَقَطْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَيَسْتَحِقُّهُ) أَيْ السَّلَبَ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ) كَالتَّاجِرِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَيْ التَّنْفِيلُ) أَيْ تَنْفِيلُ الْإِمَامِ بِقَوْلِهِ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا إنَّمَا يَكُونُ فِي مُبَاحِ الْقَتْلِ: أَيْ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ قَتِيلًا نَكِرَةً لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَنْ يُبَاحُ قَتْلُهُ، فَيَدْخُلُ فِيهِ أَجِيرٌ لَهُمْ وَتَاجِرٌ مِنْهُمْ وَعَبْدٌ يَخْدُمُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 (إنَّمَا يَكُونُ فِي مُبَاحِ الْقَتْلِ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ بِقَتْلِ امْرَأَةٍ وَمَجْنُونٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ لَمْ يُقَاتِلْ وَسَمَاعُ الْقَاتِلِ مَقَالَةَ الْإِمَامِ لَيْسَ بِشَرْطٍ) فِي اسْتِحْقَاقِهِ مَا نَفَّلَهُ إذْ لَيْسَ فِي الْوُسْعِ إسْمَاعُ الْكُلِّ، وَيَعُمُّ كُلَّ قِتَالٍ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مَا لَمْ يَرْجِعُوا وَإِنْ مَاتَ الْوَالِي أَوْ عُزِلَ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ الثَّانِي نَهْرٌ، وَكَذَا يَعُمُّ كُلَّ قَتِيلٍ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ وَهُوَ مَنْ بِخِلَافِ إنْ قَتَلْتَ قَتِيلًا وَلَوْ قَالَ إنْ قَتَلْتَ ذَلِكَ الْفَارِسَ فَلَكَ كَذَا لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ قَطَعْتَ رَأْسَ أُولَئِكَ الْقَتْلَى فَلَكَ كَذَا صَحَّ -   [رد المحتار] مَوْلَاهُ وَمُرْتَدٌّ أَوْ ذِمِّيٌّ لَحِقَ بِهِمْ وَمَرِيضٌ أَوْ مَجْرُوحٌ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْقِتَالَ وَشَيْخٌ فَانٍ لَهُ رَأْيٌ أَوْ يُرْجَى نَسْلُهُ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ مُبَاحٌ نَعَمْ لَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا كَانَ يُقَاتِلُ فِي صَفِّهِمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَلَبُهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُبَاحَ الدَّمِ لَكِنَّ سَلَبَهُ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ كَأَهْلِ الْبَغْيِ إلَّا إذَا كَانَ سَلَبُهُ لِلْمُشْرِكِينَ أَعَارُوهُ إيَّاهُ سَرَخْسِيٌّ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ بِقَتْلِ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ اسْتِحْسَانًا لَمْ أَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بَلْ الَّذِي فِيهَا عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا عَزَاهُ إلَيْهَا الْقُهُسْتَانِيُّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مِمَّنْ لَمْ يُقَاتِلْ) حَتَّى لَوْ قَاتَلَ الصَّبِيُّ فَلَهُ سَلَبُهُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ وَكَذَا الْمَرْأَةُ كَمَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ (قَوْلُهُ وَيَعُمُّ كُلَّ قِتَالٍ فِي تِلْكَ السَّنَةِ) الْأَوْلَى السَّفْرَةِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَفِي شَرْحِ السِّيَرِ لَوْ نَفَّلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ الْقِتَالِ يَبْقَى حُكْمُهُ إلَى أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى لَوْ رَأَى مُسْلِمٌ مُشْرِكًا نَائِمًا فَقَتَلَهُ فَلَهُ سَلَبُهُ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ فِي الصَّفِّ أَوْ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ أَمَّا لَوْ نَفَّلَ بَعْدَمَا اصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ الْقِتَالِ حَتَّى يَنْقَضِيَ وَلَوْ بَقِيَ أَيَّامًا. (قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ الْوَالِي أَوْ عُزِلَ) فِي شَرْحِ السِّيَرِ لَوْ جَاءَ مَعَ الْمَدَدِ أَمِيرٌ وَعُزِلَ الْأَمِيرُ الْأَوَّلُ بَطَلَ تَنْفِيلُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لِزَوَالِ وِلَايَتِهِ بِالْعَزْلِ، أَمَّا لَوْ لَمْ يَقْدَمْ أَمِيرٌ بَلْ مَاتَ أَمِيرُهُمْ فَأُمِّرَ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُ لَمْ يَبْطُلْ حُكْمُ تَنْفِيلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ قَائِمٌ مَقَامَهُ إلَّا إذَا أَبْطَلَهُ الثَّانِي أَوْ كَانَ الْخَلِيفَةُ قَالَ لَهُمْ إنْ مَاتَ أَمِيرُكُمْ فَأَمِيرُكُمْ فُلَانٌ فَيَبْطُلُ تَنْفِيلُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ نَائِبُ الْخَلِيفَةِ بِتَقْلِيدِهِ مِنْ جِهَتِهِ، فَكَأَنَّهُ قَلَّدَهُ ابْتِدَاءً، فَيَنْقَطِعُ حُكْمُ رَأْيِ الْأَوَّلِ بِرَأْيٍ فَوْقَهُ اهـ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ: بُطْلَانُهُ بِالْعَزْلِ وَكَذَا بِالْمَوْتِ إذَا نُصِبَ غَيْرُهُ بَعْدَهُ مِنْ جِهَةِ الْخَلِيفَةِ لَا مِنْ جِهَتِهِمْ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الشَّرْحِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ) فِيهِ أَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ إنَّمَا تَعُمُّ فِي الْيَمِينِ الْمُثْبَتِ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى نَفْيِهِ دُونَ الْمَنْفِيِّ كَإِنْ لَمْ أُكَلِّمْ رَجُلًا؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْإِثْبَاتِ كَأَنَّهُ قَالَ لَأُكَلِّمَنَّ رَجُلًا كَمَا فِي التَّحْرِيرِ ح. قُلْت: ذَكَرَ فِي التَّحْرِيرِ أَيْضًا أَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ عُمُومُ النَّكِرَةِ مِنْ الْمَقَامِ وَغَيْرِهِ كَعَلِمَتْ نَفْسٌ وَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ وَأَكْرِمْ كُلَّ رَجُلٍ اهـ وَهُنَا كَذَلِكَ كَمَا يَأْتِي تِلْوَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ إنْ قَتَلْتَ قَتِيلًا) أَيْ فَقَتَلَ الْمُخَاطَبُ قَتِيلَيْنِ مَثَلًا لَا يَعُمُّ الْكُلَّ بَلْ لَهُ سَلَبُ الْأَوَّلِ فَقَطْ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ كَالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ اسْتِحْقَاقَهُ بِشَرْطٍ يَتَكَرَّرُ فَلَا يَنْتَهِي بِقَتْلِ الْأَوَّلِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ لَمَّا لَمْ يُعَيِّنْ إنْسَانًا بِعَيْنِهِ، فَقَدْ خَرَجَ الْكَلَامُ مِنْهُ عَامًّا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْمُخَاطَبِينَ، فَكَمَا يَعُمُّ جَمَاعَتَهُمْ يَعُمُّ جَمَاعَةَ الْمَقْتُولِينَ، وَحَقِيقَةُ مَعْنَى الْفَرْقِ أَنَّ مَقْصُودَ الْإِمَامِ مِنْ تَحْرِيضِهِمْ الْمُبَالَغَةُ فِي النِّكَايَةِ فِي الْمُشْرِكِينَ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ لِلْعَشَرَةِ مَثَلًا عَشَرَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمْ، وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمَقْصُودُ فِيهِ مَعْرِفَةُ جَلَادَةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، وَذَلِكَ يَتِمُّ بِدُونِ إثْبَاتِ الْعُمُومِ فِي الْمَقْتُولِينَ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ. وَقَدْ خَطَرَ لِي هَذَا الْفَرْقُ قَبْلَ رُؤْيَتِهِ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَحَاصِلُهُ: يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الْعُمُومَ فِي أَحَدِهِمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ قَرِينَةِ الْمَقَامِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ آنِفًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ إنْ قَتَلْتُ ذَلِكَ الْفَارِسَ إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا إذَا صَرَّحَ بِكَوْنِهِ أَجْرًا وَإِلَّا فَهُوَ تَنْفِيلٌ لِمَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِلسَّرَخْسِيِّ، وَلَوْ قَالَ الْأَمِيرُ لِمُسْلِمٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ إنْ قَتَلْتُ ذَلِكَ الْفَارِسَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَلَكَ عَلَيَّ أَجْرٌ مِائَةُ دِينَارٍ، فَقَتَلَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجْرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَرَّحَ بِالْأَجْرِ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى التَّنْفِيلِ، وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْجِهَادِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ لِذِمِّيٍّ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ جَازَ وَأَصْلُ جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْقَتْلِ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إزْهَاقُ الرُّوحِ، وَلَيْسَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 (وَلَوْ نَفَّلَ السَّرِيَّةَ) هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ الْجَيْشِ مِنْ أَرْبَعَةٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ مَأْخُوذَةٌ مِنْ السَّرَى وَهُوَ الْمَشْيُ لَيْلًا دُرَرٌ (الرُّبُعَ وَسَمِعَ الْعَسْكَرُ دُونَهَا فَلَهُمْ النَّفَلُ) اسْتِحْسَانًا ظَهِيرِيَّةٌ، وَجَازَ التَّنْفِيلُ بِالْكُلِّ أَوْ بِقَدْرٍ مِنْهُ لِسَرِيَّةٍ لَا لِعَسْكَرٍ وَالْفَرْقُ فِي الدُّرَرِ   [رد المحتار] مِنْ عَمَلِهِ وَلَوْ كَانَ الْأَسْرَى قَتْلَى فَقَالَ مَنْ قَطَعَ رُءُوسَهُمْ فَلَهُ أَجْرٌ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ اسْتَحَقَّهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ الْجِهَادِ، وَلَوْ أَرَادَ قَتْلَ الْأَسْرَى فَاسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ اهـ مُلَخَّصًا. وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالِاسْتِئْجَارِ يَكُونُ تَنْفِيلًا، وَيَشْهَدُ لَهُ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَيْضًا مِنْهَا مَنْ جَاءَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَلَهُ أَلْفَانِ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِأَلْفٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا، بِخِلَافِ مَنْ جَاءَ بِأَسِيرٍ فَهُوَ لَهُ وَخَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يُعْطَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا نِكَايَةُ الْعَدُوِّ، وَفِيمَا قَبْلَهُ لَا مَقْصُودَ إلَّا الْمَالُ، وَلَوْ قَالَ: مَنْ قَتَلَ الْمَلِكَ فَلَهُ عَشَرَةُ آلَافِ دِينَارٍ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِقَتْلِهِ مَالٌ، قَالَ حِينَ اصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ: مَنْ جَاءَ بِرَأْسٍ فَلَهُ مِائَةُ دِينَارٍ فَهُوَ عَلَى رَأْسِ الرِّجَالِ دُونَ السَّبْيِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ التَّحْرِيضُ عَلَى الْقِتَالِ اهـ فَفِي هَذِهِ الْفُرُوعِ ذِكْرُ مَالٍ مَعْلُومٍ وَقَدْ جُعِلَ تَنْفِيلًا لَا إجَارَةً لِعَدَمِ التَّصْرِيحِ بِهَا، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلنَّهْرِ عَلَى الْمُنْيَةِ، وَكَذَا مَا نَقَلَهُ ح عَنْ قَاضِي خَانْ، لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى الطَّاعَاتِ جَائِزٌ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَفِيهِ أَنَّهُمْ أَجَازُوهُ فِي مَسَائِلَ خَاصَّةٍ لِلضَّرُورَةِ، وَلَيْسَ الْجِهَادُ مِنْهَا وَلَا يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى كُلِّ عِبَادَةٍ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ سَابِقًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَفَّلَ السَّرِيَّةَ إلَخْ) مِنْ فُرُوعِ قَوْلِهِ وَسَمَاعُ الْقَاتِلِ إلَخْ (قَوْلُهُ هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ الْجَيْشِ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ (قَوْلُهُ الرُّبُعَ) أَيْ رُبُعَ الْغَنِيمَةِ أَيْ بِأَنْ جَعَلَ لَهُمْ رُبُعَهَا يَأْخُذُونَهُ دُونَ بَقِيَّةِ الْعَسْكَرِ زِيَادَةً عَلَى سِهَامِهِمْ (قَوْلُهُ فَلَهُمْ النَّفَلُ) أَيْ لِلسَّرِيَّةِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَلَهَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْعَسْكَرِ (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا نَفْلَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّحْرِيضُ، وَلَا يَحْصُلُ إذَا لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَتَكَلُّمُ الْأَمِيرِ بِذَلِكَ فِي عَسْكَرِهِ كَتَكَلُّمِهِ لَيْلًا مَعَ عِيَالِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ فِي عَسْكَرِهِ يَفْشُو عَادَةً وَأَنَّ عَادَةَ الْمُلُوكِ التَّكَلُّمُ بَيْنَ خَوَاصِّهِمْ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ السِّيَرِ. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي التَّنْفِيلِ الْعَامِّ بِالْكُلِّ أَوْ بِقَدْرٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَجَازَ التَّنْفِيلُ بِالْكُلِّ) بِأَنْ يَقُولَ لِلسَّرِيَّةِ مَا أَصَبْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ سَوِيَّةً بَيْنَكُمْ (قَوْلُهُ أَوْ بِقَدْرٍ مِنْهُ) بِأَنْ يَقُولَ: مَا أَصَبْتُمْ فَلَكُمْ ثُلُثُهُ سَوِيَّةً بَيْنَكُمْ بَعْدَ الْخُمُسِ أَوْ يَقُولَ قَبْلَ الْخُمُسِ: أَيْ لَكُمْ ثُلُثُهُ بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ أَوْ قَبْلَ إخْرَاجِهِ أَيْ ثُلُثُ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ أَوْ ثُلُثُ الْكُلِّ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ فِي الدُّرَرِ) أَيْ الْفَرْقُ بَيْنَ جَوَازِ التَّنْفِيلِ الْمَذْكُورِ لِلسَّرِيَّةِ، وَعَدَمِ جَوَازِهِ لِلْعَسْكَرِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الدُّرَرِ فِي الْفَرْقِ إلَّا التَّنْفِيلَ بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ الْفَرْقُ فِي التَّنْفِيلِ بِقَدْرٍ مِنْهُ، وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ هَكَذَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ السِّيَرِ الْكَبِيرِ: أَنَّ الْإِمَامَ إذَا قَالَ لِأَهْلِ الْعَسْكَرِ جَمِيعًا مَا أَصَبْتُمْ فَلَكُمْ نَفْلًا بِالسَّوِيَّةِ بَعْدَ الْخُمُسِ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَكَذَا إذَا قَالَ مَا أَصَبْتُمْ فَلَكُمْ وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ الْخُمُسِ فَإِنْ فَعَلَهُ مَعَ السَّرِيَّةِ جَازَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّنْفِيلِ التَّحْرِيضُ عَلَى الْقِتَالِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِتَخْصِيصِ الْبَعْضِ بِشَيْءٍ وَفِي التَّعْمِيمِ إبْطَالُ تَفْضِيلِ الْفَارِسِ عَلَى الرَّاجِلِ وَإِبْطَالُ الْخُمُسِ أَيْضًا إذَا لَمْ يَسْتَثْنِ اهـ. قُلْت: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ صِحَّتِهِ لِلسَّرِيَّةِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالِاخْتِيَارِ وَالزَّيْلَعِيِّ: لَكِنْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْكَمَالِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْعَسْكَرِ وَالسَّرِيَّةِ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ قَالَ لِلْعَسْكَرِ كُلُّ مَا أَخَذْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ بِالسَّوِيَّةِ بَعْدَ الْخُمُسِ أَوْ لِلسَّرِيَّةِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ السَّهْمَيْنِ اللَّذَيْنِ أَوْجَبَهُمَا الشَّرْعُ، إذْ فِيهِ تَسْوِيَةُ الْفَارِسِ بِالرَّاجِلِ وَكَذَا لَوْ قَالَ مَا أَصَبْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ الْخُمُسِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ الْخُمُسِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ قَالَ الْكَمَالُ: وَهَذَا بِعَيْنِهِ يُبْطِلُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ لِاتِّحَادِ اللَّازِمِ فِيهِمَا، وَهُوَ بُطْلَانُ السَّهْمَيْنِ الْمَنْصُوصَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] بِالتَّسْوِيَةِ، بَلْ وَزِيَادَةُ حِرْمَانِ مَنْ لَمْ يُصِبْ شَيْئًا أَصْلًا بِانْتِهَائِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ، وَالْفَرْعُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْحَوَاشِي وَبِهِ أَيْضًا يَنْتَفِي مَا ذَكَرَ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ إنَّهُ لَوْ نَفَّلَ بِجَمِيعِ الْمَأْخُوذِ جَازَ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ وَفِيهِ زِيَادَةُ إيحَاشِ الْبَاقِينَ وَزِيَادَةُ الْفِتْنَةِ اهـ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ. أَقُولُ وَبِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التَّوْفِيقُ: لَا تَنَافِيَ بَيْنَ مَا نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَمَا نَقَلَهُ الْكَمَالُ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى السَّرِيَّةِ الْمَبْعُوثَةِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، وَالثَّانِي عَلَى الْمَبْعُوثَةِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا أَوْرَدَهُ الْكَمَالُ عَلَى الْفَرْعِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْحَوَاشِي وَغَيْرِهِ، كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْهُ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ السَّرِيَّةَ إنْ كَانَتْ مَبْعُوثَةً مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بِأَنْ دَخَلَ الْإِمَامُ مَعَ الْجَيْشِ ثُمَّ بَعَثَ سَرِيَّةً وَنَفَّلَ لَهُمْ مَا أَصَابُوا جَازَ؛ لِأَنَّهُمْ قَبْلَ التَّنْفِيلِ لَا يَخْتَصِمُونَ بِمَا أَصَابُوا، وَهَذَا التَّنْفِيلُ لِلتَّخْصِيصِ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيضِ، وَإِنْ كَانَتْ السَّرِيَّةُ مَبْعُوثَةً مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَكَذَا لَوْ نَفَّلَ لَهُمْ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ، أَوْ قَبْلَ الْخُمُسِ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ مَا خَصَّ بَعْضَهُمْ بِالتَّنْفِيلِ، وَلَيْسَ مَقْصُودُهُ إلَّا إبْطَالَ الْخُمُسِ أَوْ إبْطَالَ تَفْضِيلِ الْفَارِسِ عَلَى الرَّاجِلِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ قَالَ: لَا خُمُسَ عَلَيْكُمْ فِيمَا أَصَبْتُمْ أَوْ الْفَارِسُ وَالرَّاجِلُ سَوَاءٌ فِيمَا أَصَبْتُمْ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَاطِلًا فَكَذَا كُلُّ تَنْفِيلٍ لَا يُفِيدُ إلَّا ذَلِكَ بَاطِلٌ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْكُمْ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ دُونَ بَاقِي أَصْحَابِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّخْصِيصِ لِلتَّحْرِيضِ،؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ يَخْتَصُّ بِالنَّفْلِ، دُونَ بَاقِي أَصْحَابِهِ. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ إبْطَالُ الْخُمُسِ عَنْ الْأَسْلَابِ، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّحْرِيضُ، وَتَخْصِيصُ الْقَاتِلِينَ بِإِبْطَالِ شَرِكَةِ الْعَسْكَرِ عَنْ الْأَسْلَابِ ثُمَّ يَثْبُتُ إبْطَالُ الْخُمُسِ عَنْهَا تَبَعًا، وَقَدْ يَثْبُتُ تَبَعًا مَا لَا يَثْبُتُ قَصْدًا كَالشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ فِي الْبَيْعِ وَالْوَقْفِ فِي الْمَنْقُولِ يَثْبُتُ تَبَعًا لِلْعَقَارِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ قَصْدًا، وَيُوَضِّحُهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ ظَهَرَ عَلَى بَلْدَةٍ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا خَرَاجًا، وَيُبْطِلَ مِنْهَا سِهَامَ مَنْ أَصَابَهَا وَالْخُمُسَ وَلَوْ أَرَادَ قِسْمَتَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَيَجْعَلَ حِصَّةَ الْخُمُسِ خَرَاجًا لِلْمُقَاتِلَةِ الْأَغْنِيَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إبْطَالُ الْخُمُسِ مَقْصُودًا، فَلَا يَجُوزُ وَفِي الْأَوَّلِ يَثْبُتُ إبْطَالُهُ تَبَعًا لِإِبْطَالِ حَقِّ الْغَانِمِينَ فِي الْغَنِيمَةِ فَيَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ تَخْلُصُ الْمَنْفَعَةُ لِلْمُقَاتِلَةِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ مَوَاضِعِهِ. وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ مِنْهُ وَمِمَّا مَرَّ: أَنَّ تَنْفِيلَ كُلِّ الْعَسْكَرِ بِكُلِّ الْمَأْخُوذِ أَوْ ثُلُثِهِ مَثَلًا بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ أَوْ قَبْلَهُ لَا يَصِحُّ وَكَذَا تَنْفِيلُ السَّرِيَّةِ الْمَبْعُوثَةِ مِنْ دَارِنَا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَسْكَرِ، وَالتَّنْفِيلُ هُوَ تَخْصِيصُ بَعْضِ الْمُقَاتِلِينَ بِزِيَادَةٍ لِلتَّحْرِيضِ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ الْمَأْخُوذِ أَوْ ثُلُثَهُ بَيْنَ كُلِّ الْمُقَاتِلِينَ سَوِيَّةً بَيْنَهُمْ، فَصَارَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ إبْطَالَ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ وَإِبْطَالَ الْخُمُسِ أَيْضًا إنْ لَمْ يَسْتَثْنِهِ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ بَعْدَ الْخُمُسِ وَإِبْطَالُ ذَلِكَ مَقْصُودًا لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ السَّرِيَّةِ الْمَبْعُوثَةِ مِنْ الْجَيْشِ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّنْفِيلِ مَوْجُودٌ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ تَمْيِيزُهَا مِنْ بَيْنِ الْعَسْكَرِ بِجَمِيعِ الْمَأْخُوذِ أَوْ بِثُلُثِهِ مَثَلًا لِأَجْلِ تَحْرِيضِهَا عَلَى الْقِتَالِ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ إبْطَالُ التَّفَاوُتِ وَالْخُمُسِ لِكَوْنِهِ ضِمْنًا لَا قَصْدًا فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لِلْعَسْكَرِ: مَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَإِنَّهُ تَخْصِيصٌ لِبَعْضٍ مِنْهُمْ، وَهُوَ الْقَاتِلُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الْبَاقِي وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ مَا ذَكَرَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِكُلِّ الْعَسْكَرِ مَا أَصَبْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ ذَلِكَ لِلسَّرِيَّةِ الْمَبْعُوثَةِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ، لِعَدَمِ الْمُشَارِكِ لَهَا فَلَيْسَ فِيهِ تَخْصِيصُ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، فَلَا يَصِحُّ كَمَا قَرَرْنَاهُ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ صِحَّةُ الْفَرْعِ الْمَنْقُولِ مِنْ حَوَاشِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلْمُصِيبِ بِمَا أَصَابَهُ. فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ مَا أَصَبْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ، أَوْ كُلُّ مَا أَخَذْتُمْ، فَهُوَ لَكُمْ بِالسَّوِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ تَشْرِيكٌ مَحْضٌ بِجَمِيعِ الْمَأْخُوذِ بَيْنَ جَمِيعِ الْعَسْكَرِ أَوْ السَّرِيَّةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ قِسْمَةُ جَمِيعِ مَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ بَيْنَهُمْ سَوِيَّةً، فَصَارَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 (وَلَا يُنَفِّلُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ هُنَا) أَيْ بِدَارِنَا (إلَّا مِنْ الْخُمُسِ) لِجَوَازِهِ لِصِنْفٍ وَاحِدٍ كَمَا مَرَّ (وَسَلَبُهُ مَا مَعَهُ مِنْ مَرْكَبِهِ وَثِيَابِهِ وَسِلَاحِهِ) وَكَذَا مَا عَلَى مَرْكَبِهِ لَا مَا عَلَى دَابَّةٍ أُخْرَى . (وَ) التَّنْفِيلُ (حُكْمُهُ قَطْعُ حَقِّ الْبَاقِينَ لَا الْمِلْكُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ فَلَوْ قَالَ الْإِمَامُ مَنْ أَصَابَ جَارِيَةً فَهِيَ لَهُ فَأَصَابَهَا مُسْلِمٌ فَاسْتَبْرَأَهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا بَيْعُهَا) كَمَا لَوْ أَخَذَهَا الْمُتَلَصِّصُ ثَمَّةَ وَاسْتَبْرَأَهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ إجْمَاعًا. (وَالسَّلَبُ لِلْكُلِّ إنْ لَمْ يُنَفِّلْ) لِحَدِيثِ «لَيْسَ لَك مِنْ سَلَبِ قَتِيلِك إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِك» فَحَمَلْنَا حَدِيثَ السَّلَبِ عَلَى التَّنْفِيلِ. قُلْت: وَفِي مَعْرُوضَاتِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ هَلْ يَحِلُّ وَطْءُ الْإِمَامِ الْمُشْتَرَاةَ مِنْ الْغُزَاةِ الْآنَ حَيْثُ وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ فِي قِسْمَتِهِمْ بِالْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ؟ فَأَجَابَ: لَا تُوجَدُ فِي زَمَانِنَا قِسْمَةٌ شَرْعِيَّةٌ لَكِنْ فِي سَنَةٍ 948 وَقَعَ التَّنْفِيلُ الْكُلِّيُّ   [رد المحتار] إبْطَالَ التَّفَاوُتِ وَالْخُمُسِ لَا يَصِحُّ إبْطَالُ ذَلِكَ قَصْدًا كَمَا عَلِمْت، وَكَذَا ظَهَرَ صِحَّةُ قَوْلِهِ لَوْ نَفَّلَ بِجَمِيعِ الْمَأْخُوذِ جَازَ أَيْ بِأَنْ قَالَ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ بِخِلَافِ مَا أَصَبْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ تَشْرِيكٌ لَا تَخْصِيصٌ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ إنَّ فِيهِ إبْطَالَ السَّهْمَيْنِ أَيْ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ، وَكَذَا إبْدَالِ الْخُمُسِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَ ضِمْنًا لَا قَصْدًا، وَهُنَا حَيْثُ وُجِدَ تَخْصِيصُ كُلِّ آخِذٍ بِمَا أَخَذَهُ لِلتَّحْرِيضِ، فَقَدْ تَحَقَّقَ مَعْنَى التَّنْفِيلِ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ حِرْمَانُ مَنْ لَمْ يُصِبْ شَيْئًا فَاغْتَنِمْ تَحْقِيقَ هَذَا الْمَحَلِّ فَإِنَّهُ مِنْ فَيْضِ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ (قَوْلُهُ ولَا يُنَفِّلُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ هُنَا) وَكَذَا قَبْلَ الْإِحْرَازِ بَعْدَ الْإِصَابَةِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَنُدِبَ لِلْإِمَامِ أَنْ: يُنَفِّلَ وَقْتَ الْقِتَالِ (قَوْلُهُ لِجَوَازِهِ لِصِنْفٍ وَاحِدٍ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ التَّنْفِيلُ الْمَذْكُورُ لِأَحَدِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ، فَلَا يَجُوزُ لِغَنِيٍّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَالْقُهُسْتَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ رَدَّهُ فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَسَلَبُهُ) بِفَتْحَتَيْنِ بِمَعْنَى الْمَسْلُوبِ وَالْجَمْعُ أَسْلَابٌ (قَوْلُهُ مَا مَعَهُ مِنْ مَرْكَبِهِ وَثِيَابِهِ) وَمِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فِي حَقِيبَتِهِ أَوْ وَسَطِهِ، وَخَاتَمٍ وَسِوَارٍ وَمِنْطَقَةٍ فِي الصَّحِيحِ نَهْرٌ عَنْ الْحَقَائِقِ (قَوْلُهُ لَا مَا عَلَى دَابَّةٍ أُخْرَى) وَلَا مَا كَانَ مَعَ غُلَامِهِ أَوْ فِي خَيْمَتِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ حُكْمُهُ قَطْعُ حَقِّ الْبَاقِينَ) أَيْ بَاقِي الْغَانِمِينَ، وَحِينَئِذٍ فَلَا خُمُسَ فِيمَا أَصَابَهُ لِأَحَدٍ وَيُورَثُ عَنْهُ، وَلَوْ مَاتَ بِدَارِ الْحَرْبِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ فَلْيُحْفَظْ دُرٌّ مُنْتَقَى. قُلْت: وَمِنْ حُكْمِهِ قَطْعُ التَّفَاوُتِ أَيْضًا فَيَسْتَوِي فِيهِ الْفَارِسُ وَالرَّاجِلُ كَمَا قَدَّمْنَا عَنْ شَرْحِ السِّيَرِ (قَوْلُهُ لَا الْمِلْكُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ) هَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَثْبُتُ وَوُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْإِتْلَافِ هِدَايَةٌ وَغَيْرُهَا. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِنَفْيِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ عِنْدَهُمَا نَفْيُ تَمَامِهِ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يُورَثُ مَالٌ لَمْ يَمْلِكْهُ مُوَرِّثُهُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ دُرٌّ مُنْتَقَى (قَوْلُهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا بَيْعُهَا) أَيْ قَبْلَ الْإِحْرَازِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ إجْمَاعًا) أَيْ حَتَّى يُخْرِجَهَا ثُمَّ يَسْتَبْرِئَهَا ط عَنْ الشَّلَبِيِّ (قَوْلُهُ وَالسَّلَبُ لِلْكُلِّ) أَيْ لِكُلِّ الْجُنْدِ إنْ لَمْ يُنَفِّلْ الْإِمَامُ بِهِ لِلْقَاتِلِ وَخَصَّهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْقَاتِلِ دُرٌّ مُنْتَقَى (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ، وَلَا يَضُرُّ ضَعْفُهُ؛ لِأَنَّا نَسْتَأْنِسُ بِهِ لِأَحَدِ مُحْتَمَلِي حَدِيثِ السَّلَبِ أَيْ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» بِحَمْلِهِ عَلَى التَّنْفِيلِ، وَلَيْسَ كُلُّ ضَعِيفٍ بَاطِلًا، وَقَدْ تَظَافَرَتْ أَحَادِيثُ ضَعِيفَةٌ تُفِيدُ أَنَّ حَدِيثَ السَّلْبِ لَيْسَ نَصًّا عَامًا مُسْتَمِرًّا وَالضَّعِيفُ إذَا تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ يَرْتَقِي إلَى الْحَسَنِ، فَيَغْلِبُ الظَّنُّ بِأَنَّهُ تَنْفِيلٌ وَتَمَامُ تَحْقِيقِ الْمَقَامِ فِيهِ (قَوْلُهُ حَيْثُ وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ فِي قِسْمَتِهِمْ) الْأَوْلَى فِي قِسْمَتِهِنَّ بِضَمِيرِ النِّسْوَةِ لِعَوْدِهِ إلَى الْإِمَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْغُزَاةِ وَفِيهِ بُعْدٌ ثُمَّ الْوَاقِعُ الْآنَ أَنَّهُ لَا تُقْسَمُ غَنِيمَةٌ أَصْلًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوَابِ (قَوْلُهُ وَقَعَ التَّنْفِيلُ الْكُلِّيُّ) أَيْ بِقَوْلِ السُّلْطَانِ كُلُّ مَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 فَبَعْدَ إعْطَاءِ الْخُمُسِ لَا تَبْقَى شُبْهَةٌ ابْتِدَاءً انْتَهَى فَلْيُحْفَظْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [رد المحتار] أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ أَمَّا لَوْ قَالَ كُلُّ مَا أَصَبْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا مَرَّ، وَالْمُرَادُ وُقُوعُهُ لِأَيِّ عَسْكَرٍ كَانَ فِي أَيِّ غَزْوَةٍ كَانَتْ وَإِلَّا خَالَفَهُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَعُمُّ كُلَّ قِتَالٍ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مَا لَمْ يَرْجِعُوا لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا بَعْدَ مَوْتِ السُّلْطَانِ الْمُنَفِّلِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْ بَعْدَ عَزْلِهِ وَتَوْلِيَةِ غَيْرِهِ هَلْ يَبْقَى تَنْفِيلُ الْأَوَّلِ الْعَامِّ أَمْ لَا وَيَتَعَيَّنُ عَدَمُهُ مَا لَمْ يُنَفِّلْ الثَّانِي مِثْلَهُ وَهَكَذَا إلَى وَقْتِنَا هَذَا فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْخَيْرِيَّةِ أَنَّ أَمْرَ السُّلْطَانِ لَا يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِهِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ كُلَّ سُلْطَانٍ مِنْ سَلَاطِينِ آلِ عُثْمَانَ نَصَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يُؤْخَذُ عَلَيْهِ عَهْدُ مَنْ قَبْلَهُ لَا يَنْفَعُ كَمَا أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي كِتَابِي تَنْبِيهِ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ عَلَى شَاتِمِ خَيْرِ الْأَنَامِ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْغَنِيمَةِ الْمَأْخُوذَةِ بِلَا قِسْمَةٍ فِي زَمَانِنَا (قَوْلُهُ فَبَعْدَ إعْطَاءِ الْخُمُسِ لَا تَبْقَى شُبْهَةٌ) قَدْ عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا عِنْدَ قَوْلِهِ وَجَازَ التَّنْفِيلُ بِالْكُلِّ، أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إعْطَاءُ الْخُمُسِ فِي التَّنْفِيلِ الْعَامِّ الْمَقْصُودِ مِنْهُ التَّخْصِيصُ دُونَ التَّشْرِيكِ كَمَا لَا يَلْزَمُ فِيهِ تَفَاوُتُ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ لِسُقُوطِ ذَلِكَ ضِمْنًا لَا قَصْدًا عَلَى أَنَّ الْوَاقِعَ فِي زَمَانِنَا عَدَمُ الْقِسْمَةِ وَعَدَمُ إعْطَاءِ الْخُمُسِ فَكَيْفَ تَنْتَفِي الشُّبْهَةُ عَلَى فَرْضِ لُزُومِ الْخُمُسِ، بَلْ الشُّبْهَةُ بَاقِيَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّ سُلْطَانَ زَمَانِنَا هَلْ نَفَّلَ تَنْفِيلًا عَامًّا أَمْ لَا، وَلَا يُقَالُ إنَّ عَدَمَ الْقِسْمَةِ الْيَوْمَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِ التَّنْفِيلِ؛ لِأَنَّ جُيُوشَ زَمَانِنَا يَأْخُذُونَ مَا تَصِلُ إلَيْهِ أَيْدِيهِمْ سَلْبًا وَنُهْبَةً، حَتَّى مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ ظَهَرَ مَالِكُهُ الْمُسْلِمُ لَا يَدْفَعُهُ إلَيْهِ إلَّا بِثَمَنِهِ فَلَيْسَ فِي حَالِهِمْ مَا يَقْتَضِي حَمْلَهُمْ عَلَى الْكَمَالِ، وَكَذَا حُكَّامُ هَذَا الزَّمَانِ، وَأُمَرَاءُ الْجُيُوشِ لَا يُنَفِّلُونَ وَلَا يُقَسِّمُونَ، وَلَا يُخَمِّسُونَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْغَنَائِمِ الْيَوْمَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْغُلُولِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْغَالَّ إذَا نَدِمَ وَأَتَى بِمَا غَلَّهُ إلَى الْإِمَامِ بَعْدَ تَفَرُّقِ الْجَيْشِ، فَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ عَلَيْهِ وَأَمَرَهُ بِصَرْفِهِ إلَى مُسْتَحَقِّيهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ مِنْهُ وَدَفَعَ خُمُسَهُ لِمُسْتَحِقِّهِ وَيَكُونُ الْبَاقِي كَاللُّقَطَةِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهِ إلَى أَهْلِهِ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ جَعَلَهُ مَوْقُوفًا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ الْغَالُّ إلَى الْإِمَامِ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهِ إلَى أَهْلِهِ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، وَإِنْ قَدَرَ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَاللُّقَطَةِ وَدَفْعُهُ إلَى الْإِمَامِ أَحَبُّ كَمَا فِي اللُّقَطَةِ فَيُعْطِي الْخُمُسَ مِنْهُ لِأَهْلِهِ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ بَيْعَ الْغَازِي سَهْمَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بَاطِلٌ كَإِعْتَاقِهِ. مَطْلَبٌ فِي وَطْءِ السَّرَارِي فِي زَمَانِنَا وَفِي حَاوِي الزَّاهِدِيِّ: اشْتَرَى جَارِيَةً مَأْسُورَةً لَمْ يُؤَدِّ مِنْهَا الْخُمُسَ مِنْ الْأَمِيرِ يَنْفُذُ، وَيَحِلُّ وَطْؤُهَا، وَإِنْ اشْتَرَاهَا مِمَّنْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ نَفَذَ فِي أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا اهـ أَيْ إذَا قُسِمَتْ وَلَمْ تُخَمَّسْ، وَإِنَّمَا حَلَّ فِي بَيْعِ الْأَمِيرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُ الْبَيْعَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ كَمَا مَرَّ، وَيَكُونُ الْخُمُسُ حِينَئِذٍ وَاجِبًا فِي الثَّمَنِ لَا فِيهَا فَيَحِلُّ وَطْؤُهَا، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ تَنْفِيلٌ وَلَا قِسْمَةٌ وَلَا شِرَاءٌ مِنْ أَمِيرِ الْجَيْشِ لَا يَحِلُّ الْوَطْءُ بِوَجْهٍ أَصْلًا، لَكِنْ لَا نَحْكُمُ عَلَى كُلِّ جَارِيَةٍ بِعَيْنِهَا مِنْ الْغَنِيمَةِ بِأَنَّهَا لَمْ يُوجَدْ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ مَنْ أَخَذَهَا اشْتَرَاهَا مِنْ الْأَمِيرِ فَارْتَفَعَ تَيَقُّنُ الْحُرْمَةِ، وَبَقِيَتْ الشُّبْهَةُ الْقَوِيَّةُ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْجُيُوشِ فِي زَمَانِنَا عَدَمُ الشِّرَاءِ، وَلَا تَرْتَفِعُ الشُّبْهَةُ بِعَقْدِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا حَيْثُ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَأَصْحَابِ الْخُمُسِ لَمْ يَصِحَّ تَزْوِيجُهَا نَفْسَهَا فَالْأَحْوَطُ مَا نَقَلَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْوَرَعِ: أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ التَّسَرِّي بِجَارِيَةٍ شَرَاهَا ثَانِيًا مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ. قُلْت: أَيْ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْيَأْسُ مِنْ مَعْرِفَةِ مُسْتَحِقِّهَا مِنْ الْغَانِمِينَ صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ وَاللُّقَطَةُ مِنْ مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ، لَكِنْ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي فَقِيرًا لَهُ تَمَلُّكُهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَى بَعْضِهِمْ بَعْضًا أَوْ عَلَى أَمْوَالِنَا (إذَا سَبَى كَافِرٌ كَافِرًا) آخَرَ (بِدَارِ الْحَرْبِ وَأَخَذَ مَالِهِ مَلَكَهُ)   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِيمَنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَظَفَرَ بِشَيْءٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَنَقَلَ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ الْإِمَامِ الْوَبَرِيِّ أَنَّ مَنْ لَهُ حَظٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ ظَفَرَ بِمَالٍ وُجِّهَ لِبَيْتِ الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ دِيَانَةً اهـ وَنَظَمَهُ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ: إذَا كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَمَاتَ الْمُودِعُ بِلَا وَارِثٍ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ الْوَدِيعَةَ إلَى نَفْسِهِ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَاهَا لِبَيْتِ الْمَالِ لَضَاعَتْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَصْرِفُونَهُ مَصَارِفَهُ، فَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ صَرَفَهُ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَّا صَرَفَهُ إلَى الْمَصْرِفِ. اهـ. وَقَدَّمَ الشَّارِحُ هَذَا فِي بَابِ الْعُشْرِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ لَهُ حَظٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ بِكَوْنِهِ فَقِيرًا أَوْ عَالِمًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَوَجَدَ مَا مَرْجِعُهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ مِنْ أَيِّ بَيْتٍ مِنْ الْبُيُوتِ الْأَرْبَعَةِ الْآتِيَةِ فِي آخِرِ الْجِزْيَةِ لَهُ أَخْذُهُ دِيَانَةً بِطَرِيقِ الظَّفْرِ فِي زَمَانِنَا، وَلَا يَتَقَيَّدُ أَخْذُهُ بِأَنْ يَكُونَ مَرْجِعُ الْمَأْخُوذِ إلَى الْبَيْتِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ مِنْهُ، وَإِلَّا فَمَصْرِفُ تَرْكِهِ بِلَا وَارِثٍ وَلُقَطَةٌ هُوَ لَقِيطُ فَقِيرٍ وَفَقِيرٌ لَا وَلِيَّ لَهُ، وَقَوْلُهُ: فَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ أَيْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الْمَالِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ. كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْوَبَرِيِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَقَيَّدَ بِذَلِكَ، لَزِمَ أَنْ لَا يَأْخُذَ مُسْتَحِقٌّ شَيْئًا؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ فِي زَمَانِنَا غَيْرُ مُنْتَظِمٍ، وَلَيْسَ فِيهِ بُيُوتٌ مُرَتَّبَةٌ، وَلَوْ رَدَّ مَا وَجَدَهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ لَزِمَ ضَيَاعُهُ لِعَدَمِ صَرْفِهِ الْآنَ فِي مَصَارِفِهِ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي بَابِ الْعُشْرِ مِنْ الزَّكَاةِ فَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ الْغَنِيمَةِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ مِنْ الْخُمُسِ، جَازَ لَهُ صَرْفُهَا إلَى نَفْسِهِ بِطَرِيقِ اسْتِحْقَاقِهِ مِنْ الْخُمُسِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا مِنْهُ، وَلَهُ اسْتِحْقَاقٌ مِنْ غَيْرِهِ كَالْعَالِمِ الْغَنِيِّ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُمَلِّكَهَا لِفَقِيرٍ مُسْتَحِقٍّ مِنْ الْخُمُسِ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ أَوْ يُمَلِّكَهُ خُمُسَهَا فَقَطْ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَرَفَهَا إلَى نَفْسِهِ يَبْقَى فِيهَا الْخُمُسُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْغَنِيمَةَ بَعْدَ الْإِحْرَازِ صَارَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَأَصْحَابِ الْخُمُسِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ مَنْ مَاتَ بَعْدَ الْإِحْرَازِ يُورَثُ نَصِيبُهُ، وَلَكِنْ لَمَّا جُهِلَتْ أَصْحَابُ الْحُقُوقِ وَانْقَطَعَ الرَّجَاءُ مِنْ مَعْرِفَتِهِمْ صَارَ مَرْجِعُهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَانْقَطَعَتْ الشَّرِكَةُ الْخَاصَّةُ، وَصَارَتْ مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ الْمُسْتَحَقَّةِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ اسْتِحْقَاقًا لَا بِطَرِيقِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ مَنْ مَاتَ، وَلَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَا يُورَثُ حَقُّهُ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْغَنِيمَةِ الْمُحْرَزَةِ قَبْلَ جَهَالَةِ مُسْتَحِقِّيهَا، وَتَفَرُّقِهِمْ فَإِنَّهَا شَرِكَةٌ خَاصَّةٌ، وَحَيْثُ صَارَ مَرْجِعُهَا بَيْتَ الْمَالِ لَمْ يَبْقَ فِيهَا حَقُّ الْخُمُسِ أَيْضًا فَلِمَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا لِنَفْسِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. وَقَدْ رَأَيْت رِسَالَةً لِمُحَقِّقِ الشَّافِعِيَّةِ السَّيِّدِ السَّمْهُودِيِّ قَالَ فِيهَا وَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا الْوَالِدُ قَدْ شَرَى لِي أَمَةً لِلتَّسَرِّي فَذَاكَرَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ مُحَقِّقُ الْعَصْرِ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ فِي أَمْرِ الْغَنَائِمِ وَالشِّرَاءِ مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ فَقَالَ لَهُ شَيْخُنَا الْوَالِدُ: نَحْنُ نَتَمَلَّكُهَا بِطَرِيقِ الظَّفْرِ لِمَا لَنَا مِنْ الْحَقِّ الَّذِي لَا نَصِلُ إلَيْهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْجَارِيَةَ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا مِنْ غَنِيمَةٍ لَمْ تُقْسَمْ قِسْمَةً شَرْعِيَّةً قَدْ آلَ الْأَمْرُ فِيهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ لِتَعَذُّرِ الْعِلْمِ بِمُسْتَحِقِّيهَا، فَقَالَ شَيْخُنَا الْمَحَلِّيُّ: نَعَمْ لَكُمْ فِيهِ حُقُوقٌ مِنْ وُجُوهٍ اهـ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْقُنْيَةِ وَعَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَى بَعْضِهِمْ بَعْضًا أَوْ عَلَى أَمْوَالِنَا] بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ اسْتِيلَائِنَا عَلَيْهِمْ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ اسْتِيلَاءِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَحُكْمِ اسْتِيلَائِهِمْ عَلَيْنَا فَتْحٌ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ لَا إلَى مَفْعُولِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ هُوَ مَا فَرَغَ مِنْ بَيَانِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَلَى بَعْضِهِمْ بَعْضًا) تَبِعَ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ صَاحِبَ النَّهْرِ، وَصَوَابُهُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ كَمَا قَالَ ح أَوْ إسْقَاطُ لَفْظِ بَعْضًا كَمَا قَالَ ط (قَوْلُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ) أَفَادَ إطْلَاقُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِحْرَازُ بِدَارِ الْمَالِكِ، حَتَّى لَوْ اسْتَوْلَى كُفَّارُ التُّرْكِ وَالْهِنْدِ عَلَى الرُّومِ وَأَحْرَزُوهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 لِاسْتِيلَائِهِ عَلَى مُبَاحٍ (وَلَوْ سَبَى أَهْلُ الْحَرْبِ أَهْلَ الذِّمَّةِ مِنْ دَارِنَا لَا) يَمْلِكُونَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَحْرَارٌ (وَمَلَكْنَا مَا نَجِدُهُ مِنْ ذَلِكَ) السَّبْيِ لِلْكَافِرِ (إنْ غَلَبْنَا عَلَيْهِمْ) اعْتِبَارًا لِسَائِرِ أَمْلَاكِهِمْ (وَإِنْ غَلَبُوا عَلَى أَمْوَالِنَا) وَلَوْ عَبْدًا مُؤْمِنًا (وَأَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ مَلَكُوهَا) لَا لِلِاسْتِيلَاءِ عَلَى مُبَاحٍ،   [رد المحتار] بِالْهِنْدِ، ثَبَتَ الْمِلْكُ لِكُفَّارِ التُّرْكِ كَكُفَّارِ الْهِنْدِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ قُهُسْتَانِيٌّ وَنَحْوُهُ فِي الْبَحْرِ. وَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ كَمَالٍ أَنَّ الْإِحْرَازَ هُنَا غَيْرُ شَرْطٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مَخْصُوصٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَإِنْ غَلَبُوا عَلَى أَمْوَالِنَا إلَخْ عَلَى مَا أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ اهـ أَيْ حَيْثُ أَطْلَقَ هُنَا وَقَيَّدَ بِالْإِحْرَازِ فِي الْآتِيَةِ، وَذَكَرَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَمَالٍ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِاسْتِيلَائِهِ عَلَى مُبَاحٍ) أَيْ فَيَمْلِكُهُ هُوَ بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِهِ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاصْطِيَادِ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَبَى إلَخْ) ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ بِتَعْلِيلِهَا فِي الدُّرَرِ عَنْ وَاقِعَاتِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَمْوَالَ أَهْلِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهَا كَأَمْوَالِنَا فَتُمْلَكُ بِالْإِحْرَازِ، وَقَوْلُهُ: مِنْ دَارِنَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ لَحِقَ الذِّمِّيُّ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَ مِنْهَا أَمَّا لَوْ دَخَلَ دَارَهُمْ عَلَى نِيَّةِ الْعَوْدِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِالسَّبْيِ لِبَقَاءِ عَهْدِ الذِّمَّةِ فَلَهُ حُكْمُنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مِنْ ذَلِكَ السَّبْيِ لِلْكَافِرِ) فَسَّرَ اسْمَ الْإِشَارَةِ بِمَا ذُكِرَ لِيُفِيدَ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى دُونَ مَسْأَلَةِ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَمْلِكُوا الذِّمِّيَّ إذَا سَبَوْهُ لَمْ نَمْلِكْهُ مِنْهُمْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ أَمْلَاكِهِمْ) أَيْ كَمَا نَمْلِكُ بَاقِيَ أَمْلَاكِهِمْ، وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَسْبِيِّينَ مُوَادَعَةٌ؛ لِأَنَّا لَمْ نَغْدِرْهُمْ إنَّمَا أَخَذْنَا مَالًا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِمْ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مُوَادَعَةٌ كَانَ لَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ مِنْ السَّابِينَ لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا إذَا اقْتَتَلُوا بِدَارِنَا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ فَيَكُونُ شِرَاؤُنَا غَدْرًا بِالْآخَرِينَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِهِمْ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ وَقَوْلُهُ: لَمْ يَمْلِكُوهُ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْإِحْرَازِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ بَاعَ الْحَرْبِيُّ وَلَدَهُ [تَنْبِيهٌ] فِي النَّهْرِ عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي إذَا بَاعَ الْحَرْبِيُّ هُنَاكَ وَلَدَهُ مِنْ مُسْلِمٍ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الرَّدِّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ، أَنَّهُ يُجْبَرُ إذَا خَاصَمَ الْحَرْبِيُّ، وَلَوْ دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ مَعَ وَلَدِهِ فَبَاعَ الْوَلَدَ لَا يَجُوزُ فِي الرِّوَايَاتِ اهـ أَيْ؛ لِأَنَّ فِي إجَازَةِ بَيْعِ الْوَلَدِ نَقْضَ أَمَانِهِ كَمَا فِي ط عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَبْدًا مُؤْمِنًا) وَكَذَا الْكَافِرُ بِالْأَوْلَى وَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِالْقِنِّ لِيَخْرُجَ الْمُدَبَّرُ، وَالْمُكَاتَبُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُمْ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَمِثْلُ الْعَبْدِ الْأَمَةُ كَمَا فِي الدُّرَرِ. مَطْلَبٌ يُلْحَقُ بِدَارِ الْحَرْبِ الْمَفَازَةُ وَالْبَحْرُ الْمِلْحُ 1 - (قَوْلُهُ وَأَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ) وَيُلْحَقُ بِهَا الْبَحْرُ الْمِلْحُ وَنَحْوُهُ كَمَفَازَةٍ لَيْسَ وَرَاءَهَا بِلَادُ إسْلَامٍ، نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْحَمَوِيِّ وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ شَرْحِ النَّظْمِ الْهَامِلِيِّ سَطْحُ الْبَحْرِ لَهُ حُكْمُ دَارِ الْحَرْبِ اهـ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قُبَيْلَ بَابِ الْعُشْرِ: سُئِلَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ عَنْ الْبَحْرِ الْمِلْحِ أَمِنْ دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ الْإِسْلَامِ أَجَابَ: أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَحَدِ الْقَبِيلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَهْرَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ اهـ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى هُنَاكَ: لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ أَنَّ الْبَحْرَ الْمِلْحَ مُلْحَقٌ بِدَارِ الْحَرْبِ (قَوْلُهُ مَلَكُوهَا) هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ أَيْضًا فَيَحِلُّ الْأَكْلُ وَالْوَطْءُ لِمَنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8]- سَمَّاهُمْ فُقَرَاءَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مَلَكُوا أَمْوَالَهُمْ الَّتِي هَاجَرُوا عَنْهَا، وَمَنْ لَا يَصِلُ إلَى مَالِهِ لَيْسَ فَقِيرًا، بَلْ هُوَ ابْنُ سَبِيلٍ وَلِذَا عُطِفُوا عَلَيْهِمْ فِي آيَةِ الصَّدَقَاتِ وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا وَرَدَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً تُفِيدُ هَذَا الْحُكْمَ بِلَا شَكٍّ، كَمَا أَوْضَحَهُ وَأَطَالَ فِي تَحْقِيقِهِ ابْنُ الْهُمَامِ (قَوْلُهُ لَا لِلِاسْتِيلَاءِ إلَخْ) رَدَّ عَلَى الْهِدَايَةِ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَمْلِكُونَهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ مَحْظُورٌ فَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 لِمَا أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ التَّوَقُّفُ، وَالْإِبَاحَةُ رَأْيُ الْمُعْتَزِلَةِ، بَلْ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْكَامِ الْمَشْرُوعَةِ وَهُمْ لَمْ يُخَاطَبُوا بِهَا فَبَقِيَ فِي حَقِّهِمْ مَالًا غَيْرَ مَعْصُومٍ فَيَمْلِكُونَهُ كَمَا حَقَّقَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي شَرْحِهِ وَيُفْتَرَضُ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا تَقَرَّرَ مِلْكُهُمْ (وَإِنْ غَلَبْنَا عَلَيْهِمْ) أَيْ بَعْدَ مَا أَحْرَزُوهَا بِدَرَاهِمَ   [رد المحتار] وَلَنَا أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ فِي الْمَالِ إنَّمَا ثَبَتَتْ عَلَى مُنَافَاةِ الدَّلِيلِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]- فَإِنَّهُ يَقْتَضِي إبَاحَةَ الْأَمْوَالِ وَعَدَمَ الْعِصْمَةِ لَكِنَّهَا ثَبَتَتْ لِضَرُورَةِ تَمَكُّنِ الْمَالِكِ مِنْ الِانْتِفَاعِ، فَإِذَا زَالَتْ الْمُكْنَةُ بِالِاسْتِيلَاءِ وَتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ عَادَ مُبَاحًا كَمَا كَانَ اهـ مُوَضَّحًا مِنْ الْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ. مَطْلَبٌ فِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ (قَوْلُهُ لِمَا أَنَّ الصَّحِيحَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ الْمَارَّ عَنْ الْهِدَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ وَهُوَ رَأْيُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْوَقْفُ حَتَّى يَرِدَ الشَّرْعُ، بَلْ الْوَجْهُ أَنَّ الْعِصْمَةَ ثَابِتَةٌ بِخِطَابِ الشَّرْعِ عِنْدَنَا، فَلَمْ تَظْهَرْ الْعِصْمَةُ فِي حَقِّهِمْ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُمْ مُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ، فَظَهَرَتْ الْعِصْمَةُ فِي حَقِّهِمْ فَلَا يَمْلِكُونَهَا بِالِاسْتِيلَاءِ هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الْمَنْبَعِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ. الْأَوَّلُ: أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْهِدَايَةِ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ إنَّمَا أَثْبَتَ الْإِبَاحَةَ بَعْدَ وُرُودِ الشَّرْعِ بِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ يَعْنِي أَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ إبَاحَتُهَا، لَكِنْ ثَبَتَتْ الْعِصْمَةُ بِعَارِضٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي أُصُولِ الْبَزْدَوِيِّ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ وُرُودِ الشَّرْعِ الْأَمْوَالُ عَلَى الْإِبَاحَةِ بِالْإِجْمَاعِ مَا لَمْ يَظْهَرْ دَلِيلُ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَهَا بِقَوْلِهِ - {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]-. الثَّانِي: أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالْإِيمَانِ وَبِالْعُقُوبَاتِ سِوَى حَدِّ الشُّرْبِ وَبِالْمُعَامَلَاتِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْعِبَادَاتِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَائِلَ الْجِهَادِ. الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ فَلَمْ تَظْهَرْ الْعِصْمَةُ فِي حَقِّهِمْ أَيْ هُوَ مُبَاحٌ لَهُمْ فَفِيهِ رُجُوعٌ إلَى الْقَوْلِ بِالْإِبَاحَةِ كَمَا أَفَادَهُ ط. الرَّابِعُ: أَنَّ نِسْبَةَ الْإِبَاحَةِ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، فَفِي تَحْرِيرِ ابْنِ الْهُمَامِ الْمُخْتَارُ الْإِبَاحَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ اهـ وَفِي شَرْحِ أُصُولِ الْبَزْدَوِيِّ لِلْعَلَّامَةِ الْأَكْمَلِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ الشَّرْعُ بِإِبَاحَتِهَا وَحُرْمَتِهَا قَبْلَ وُرُودِهِ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَهِيَ الْأَصْلُ فِيهَا حَتَّى أُبِيحَ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الشَّرْعُ أَنْ يَأْكُلَ مَا شَاءَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْإِكْرَاهِ حَيْثُ قَالَ: أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَشُرْبُ الْخَمْرِ لَمْ يُحَرَّمَا إلَّا بِالنَّهْيِ، فَجَعَلَ الْإِبَاحَةَ أَصْلًا وَالْحُرْمَةَ بِعَارِضِ النَّهْيِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُبَّائِيُّ وَأَبِي هَاشِمٍ وَأَصْحَابِ الظَّاهِرِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمُعْتَزِلَةُ بَغْدَادَ: إنَّهَا عَلَى الْحَظْرِ وَقَالَتْ الْأَشْعَرِيَّةُ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ: إنَّهَا عَلَى الْوَقْفِ حَتَّى أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الشَّرْعُ يَتَوَقَّفُ وَلَا يَتَنَاوَلُ شَيْئًا فَإِنْ تَنَاوَلَ لَمْ يُوصَفْ فِعْلُهُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ وَقَالَ عَبْدُ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيُّ تَفْسِيرُهُ لَا يَسْتَحِقُّ ثَوَابًا وَلَا عِقَابًا وَإِلَيْهِ مَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ اهـ وَبَسَطَ أَدِلَّةَ الْأَقْوَالِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَيُفْتَرَضُ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُمْ) أَيْ لِاسْتِنْقَاذِ أَمْوَالِنَا مَا دَامُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ فَإِنْ دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ لَا يُفْتَرَضُ؛ وَالْأَوْلَى الِاتِّبَاعُ بِخِلَافِ الذَّرَارِيِّ يُفْتَرَضُ اتِّبَاعُهُمْ مُطْلَقًا بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ، وَإِنْ دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ لَكِنْ مَا لَمْ يَبْلُغُوا حُصُونَهُمْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْجِهَادِ عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَسْلَمُوا تَقَرَّرَ مِلْكُهُمْ) أَيْ لَا سَبِيلَ لِأَرْبَابِهَا عَلَيْهَا بَحْرٌ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ؛ وَعَبَّرَ الشَّارِحُ بِالتَّقَرُّرِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُمْ بَعْدَ الْإِحْرَازِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 أَمَّا قَبْلَهُ فَهِيَ لِمَالِكِهَا مَجَّانًا مُطْلَقًا (فَمَنْ وَجَدَ مِلْكَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ) بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَا بَيْنَ الْكُفَّارِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الدُّرَرِ (فَهُوَ لَهُ مَجَّانًا) بِلَا شَيْءٍ (وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَهَا فَهُوَ لَهُ بِالْقِيمَةِ) جَبْرًا لِلضَّرَرَيْنِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ (وَلَوْ) كَانَ مِلْكُهُ (مِثْلِيًّا فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ بَعْدَهَا) إذْ لَوْ أَخَذَهُ أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ فَلَا يُفِيدُ وَلَوْ قَبْلَهَا أَخَذَهُ مَجَّانًا كَمَا مَرَّ (وَبِالثَّمَنِ) الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ (لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ تَاجِرٌ) أَيْ مِنْ الْعَدُوِّ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِنَا، وَبِقِيمَةِ الْعَرَضِ لَوْ اشْتَرَاهُ بِهِ، وَبِالْقِيمَةِ لَوْ اتَّهَبَهُ مِنْهُمْ زَادَ فِي الدُّرَرِ أَوْ مَلَكَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ: شَرَاهُ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ لَيْسَ لِمَالِكِهِ أَخْذُهُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَكَذَا لَوْ شَرَاهُ بِمِثْلِهِ نَسِيئَةً أَوْ بِمِثْلِهِ قَدْرًا وَوَصْفًا بِعَقْدٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ -   [رد المحتار] قَبْلَ الْإِسْلَامِ، عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ إذَا غَلَبْنَا عَلَيْهِمْ وَبِهَذَا التَّعْبِيرِ صَحَّ ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ، وَإِنْ غَلَبُوا عَلَى أَمْوَالِنَا إلَخْ، لِيُفِيدَ أَنَّ قَوْلَهُ مَلَكُوهَا أَيْ مِلْكًا عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ، وَإِلَّا كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَلَكْنَا مَا نَجِدُهُ مِنْ ذَلِكَ إلَخْ بِأَنْ يَقُولَ إلَّا إنْ كَانُوا أَسْلَمُوا لِتَقَرُّرِ مِلْكِهِمْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَمَّا قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْإِحْرَازِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ بَعْدَهَا (قَوْلُهُ فَمَنْ وَجَدَ مِلْكَهُ) الْإِضَافَةُ لِلْعَهْدِ أَيْ الَّذِي يَمْلِكُهُ الْكُفَّارُ، فَلَوْ دَخَلَ فِي دَارِنَا حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ وَسَرَقَ مِنْ مُسْلِمٍ طَعَامًا أَوْ مَتَاعًا، وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِهِمْ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِنَا أَخَذَهُ مَالِكُهُ بِلَا شَيْءٍ، وَكَذَا لَوْ أَبَقَ عَبْدٌ إلَيْهِمْ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الدُّرَرِ) أَيْ رَادًّا عَلَى مَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِمُصَنَّفِهِ مِنْ حَمْلِ الْقِسْمَةِ عَلَى الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْكُفَّارِ، حَيْثُ قَالَ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ الْكُتُبِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أُولِي الْأَبْصَارِ (قَوْلُهُ بِلَا شَيْءٍ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مَجَّانًا (قَوْلُهُ بِالْقِيمَةِ) أَيْ قِيمَتِهِ يَوْمَ أَخْذِ الْغَانِمِ قُهُسْتَانِيٌّ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمَالِكُ لَا سَبِيلَ لِوَارِثِهِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَمْ يُورَثْ اهـ أَيْ؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِهِ بِالْقِيمَةِ وَتَرْكِهِ، لَكِنْ نَقَلَ السَّائِحَانِيُّ عَنْ الْخَانِيَّةِ لَوْ مَاتَ الْمَأْسُورُ مِنْهُ بَعْدَ إخْرَاجِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ لِوَرَثَتِهِ أَخَذُهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَخْذُهُ. [تَنْبِيهٌ] فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ: لَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ نَفَذَ عِتْقُهُ وَبَطَلَ حَقُّ الْمَالِكِ، وَإِنْ بَاعَهُ أَخَذَهُ مَالِكُهُ بِالثَّمَنِ، وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ جَبْرًا لِلضَّرَرَيْنِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ الْقَدِيمَ يَتَضَرَّرُ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ بِلَا رِضَاهُ، وَمَنْ وَقَعَ الْعَيْنُ فِي نَصِيبِهِ يَتَضَرَّرُ بِالْأَخْذِ مِنْهُ مَجَّانًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ عِوَضًا عَنْ سَهْمِهِ فِي الْغَنِيمَةِ، فَقُلْنَا بِحَقِّ الْأَخْذِ بِالْقِيمَةِ جَبْرًا لِلضَّرَرَيْنِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ الْمِلْكُ فِيهِ لِلْعَامَّةِ، فَلَا يُصِيبُ كُلُّ فَرْدٍ مِنْهُمْ مَا يُبَالِي بِفَوْتِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الضَّرَرُ اهـ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَبْلَهَا إلَخْ) مُكَرَّرٌ بِمَا قَبْلَهُ ط (قَوْلُهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ) الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ عَائِدٌ إلَى تَاجِرٍ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَأَخَّرَ فِي اللَّفْظِ لَكِنَّهُ مُتَقَدِّمٌ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ، فَإِنَّ التَّقْدِيرَ وَلَوْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ تَاجِرٌ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ (قَوْلُهُ وَبِالْقِيمَةِ لَوْ اتَّهَبَهُ مِنْهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ مِلْكٌ خَاصٌّ فَلَا يُزَالُ إلَّا بِالْقِيمَةِ بَحْرٌ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ مِثْلِيًّا لَا فَائِدَةَ فِي أَخْذِهِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ أَوْ مَلَكَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ) أَيْ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ لَوْ قِيَمِيًّا (قَوْلُهُ لَيْسَ لِمَالِكِهِ أَخْذُهُ) أَيْ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، بَلْ يَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ، كَمَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَحِينَئِذٍ لَا مَعْنَى لِلِاسْتِدْرَاكِ، بَلْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: لَوْ مَلَكَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ كَمَا لَوْ شَرَاهُ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ. اهـ. ح. قُلْت: لَكِنَّ صَاحِبَ السِّرَاجِ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَخَذَهُ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ اهـ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ مِثْلِيًّا وَمَا فِي السِّرَاجِ عَلَى مَا إذَا كَانَ قِيَمِيًّا تَأَمَّلْ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَلْ لَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ وَالظَّاهِرُ نَعَمْ يَجْعَلُ قِيمَةَ الْخِنْزِيرِ قَائِمَةً مَقَامَ الْمَبِيعِ لَا مَقَامَ الْخِنْزِيرِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الشُّفْعَةِ، فِيمَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا بِخِنْزِيرٍ وَشَفِيعُهَا مُسْلِمٌ يَأْخُذُهَا بِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ وَتَكُونُ قَائِمَةً مَقَامَ الدَّارِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ شَرَاهُ إلَخْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 فَلَوْ بِأَقَلَّ قَدْرًا وَأَرْدَأَ وَصْفًا فَلَهُ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ وَلَيْسَ بِرِبًا؛ لِأَنَّهُ فِدَاءٌ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (فَقَأَ عَيْنَهُ) أَوْ قَطَعَ يَدَهُ (وَأَخَذَ) مُشْتَرِيهِ (أَرْشَهُ) أَوْ فَقَأَهَا الْمُشْتَرِي، فَيَأْخُذُهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْهُ (وَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي فِي مِقْدَارِهِ) أَيْ الثَّمَنِ (بِيَمِينِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْبُرْهَانِ) ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ مُبَيِّنَةٌ، وَلَوْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَةُ الْمَالِكِ أَيْضًا خِلَافًا لِلثَّانِي نَهْرٌ (وَإِنْ تَكَرَّرَ الْأَسْرُ وَالشِّرَاءُ) بِأَنْ أُسِرَ ثَانِيًا وَشَرَاهُ آخَرُ (أَخَذَ) الْمُشْتَرِي (الْأَوَّلُ مِنْ الثَّانِي بِثَمَنِهِ) جَبْرًا لِوُرُودِ الْأَسْرِ عَلَى مِلْكِهِ، فَكَانَ الْأَخْذُ لَهُ (ثُمَّ يَأْخُذُ) الْمَالِكُ (الْقَدِيمُ بِالثَّمَنَيْنِ إنْ شَاءَ) لِقِيَامِهِ عَلَيْهِ بِهِمَا وَقَبْلَ أَخْذِ الْأَوَّلِ لَا يَأْخُذُهُ الْقَدِيمُ كَيْ لَا يُضَيِّعَ الثَّمَنَ (وَلَا يَمْلِكُونَ حُرَّنَا وَمُدَبَّرَنَا وَأُمَّ وَلَدِنَا وَمُكَاتَبَنَا) لِحُرِّيَّتِهِمْ مِنْ وَجْهٍ فَيَأْخُذُهُ مَالِكُهُ مَجَّانًا لَكِنْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ تُؤَدَّى قِيمَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ   [رد المحتار] أَيْ لَيْسَ لِمَالِكِهِ أَخْذُهُ وَهَذَا تَقْيِيدٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ وَبِالثَّمَنِ إلَخْ (قَوْلُهُ فَلَوْ بِأَقَلَّ قَدْرًا) كَمَا لَوْ كَانَ التَّاجِرُ اشْتَرَى قَفِيزَ بُرٍّ بِنِصْفِ قَفِيزٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ أَوْ أَرْدَأَ وَصْفًا) كَأَنْ اشْتَرَى قَفِيزًا جَيِّدًا بِأَرْدَأَ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ بِالْعَكْسِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ بِرِبًا؛ لِأَنَّهُ فِدَاءٌ) أَيْ لَا عِوَضٌ وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ فَلَوْ بِأَقَلَّ قَدْرًا، أَمَّا الْأَرْدَأُ وَصْفًا بَعْدَ التَّمَاثُلِ فِي الْقَدْرِ، فَلَا يُتَوَهَّمُ كَوْنُهُ رِبًا؛ لِأَنَّ جَيِّدَهَا وَرَدِيئَهَا سَوَاءٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ وَصْلِيَّةٌ) أَيْ وَاصِلَةٌ مَا بَعْدَهَا بِمَا قَبْلَهَا لَا شَرْطِيَّةٌ (قَوْلُهُ فُقِئَ عَيْنُهُ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَرْسُمَ فُقِئَ بِالْيَاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ: إذَا أَخَذَ الْكُفَّارُ عَبْدًا وَدَخَلُوا بِهِ دَارَ الْحَرْبِ، فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ وَأَخَذَ أَرْشَهَا، فَإِنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ بِهِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ، وَلَا يَأْخُذُ الْأَرْشَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ صَحِيحٌ، فَكَانَ الْأَرْشُ حَاصِلًا فِي مِلْكِهِ وَلَوْ أَخَذَهُ فَإِنَّمَا يَأْخُذُهُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ أَوْ فَقَأَهَا الْمُشْتَرِي) أَشَارَ بِهِ إلَى قَوْلِ الْبَحْرِ إنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْفَاقِئِ، بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِيَ أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ إلَخْ) أَيْ وَالْعَيْنُ كَالْوَصْفِ؛ لِأَنَّ بِهَا يَحْصُلُ وَصْفُ الْإِبْصَارِ وَقَدْ كَانَتْ فِي مِلْكٍ صَحِيحٍ فَلَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْهُ وَالْعُقْرُ كَالْأَرْشِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ الْأَخْذِ بِمَا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ كَالْمُشْتَرِي مَعَ الشَّفِيعِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ مُبَيِّنَةٌ) أَيْ مُظْهِرَةٌ وَهُوَ عِلَّةٌ لِمُقَدَّرٍ، وَهُوَ إمَّا عِنْدَ وُجُودِ الْبُرْهَانِ مِنْ أَحَدِهِمَا فَيُقْبَلُ؛ لِأَنَّ إلَخْ (قَوْلُهُ أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّ بَيِّنَةَ الْمَالِكِ تُقْبَلُ إذَا بَرْهَنَ وَحْدَهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ عِنْدَهُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوْجَهَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لِإِثْبَاتِ خِلَافِ الظَّاهِرِ، وَالظَّاهِرُ مَعَ مَنْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَهُوَ الْمُشْتَرِي فَبَيِّنَةُ الْمَالِكِ أَقْوَى لِإِثْبَاتِهَا خِلَافَهُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَكَرَّرَ الْأَسْرُ وَالشِّرَاءُ) قَيَّدَ بِالتَّكَرُّرِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ لَوْ وَهَبَهُ كَانَ لِمَوْلَاهُ أَخْذُهُ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِقِيمَتِهِ كَمَا لَوْ وَهَبَهُ الْكَافِرُ لِمُسْلِمٍ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِوُرُودِ الْأَسْرِ عَلَى مِلْكِهِ) أَيْ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فَكَانَ الْأَخْذُ لَهُ، حَتَّى لَوْ أَبَى أَنْ يَأْخُذَهُ لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ إعْطَاؤُهُ لِلْأَوَّلِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ) أَيْ ثُمَّ بَعْدَ أَخْذِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي إذَا أَرَادَ الْمَالِكُ الْأَوَّلُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنَيْنِ (قَوْلُهُ وَقَبْلَ أَخْذِ الْأَوَّلِ) الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ لَا يَأْخُذُهُ الْقَدِيمُ قَالَ فِي النَّهْرِ: أَيْ لَا يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ مِنْ الثَّانِي، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا أَبَى عَنْ أَخْذِهِ؛ لِأَنَّ الْأَسْرَ مَا وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ (قَوْلُهُ كَيْ لَا يَضِيعَ الثَّمَنُ) أَيْ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَمُدَبَّرَنَا) ظَاهِرٌ فِي الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ، أَمَّا الْمُقَيَّدُ فَهَلْ يَمْلِكُونَهُ أَوْ لَا، وَفِي تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ إنَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ إذَا لَاقَى مَحَلًّا قَابِلًا لِلْمِلْكِ إشَارَةٌ إلَى مِلْكِهِمْ الْمُقَيَّدِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ فَيَأْخُذُهُ مَالِكُهُ) وَلَوْ فِي يَدِ تَاجِرٍ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ أَوْ وَاحِدٍ مِنْ الْعَسْكَرِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ تُؤَدَّى قِيمَتُهُ) أَيْ لِمَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 (وَنَمْلِكُ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ ذَلِكَ بِالْغَلَبَةِ) لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ (وَلَوْ نَدَّ إلَيْهِمْ دَابَّةٌ مَلَكُوهَا) لِتَحَقُّقِ الِاسْتِيلَاءِ إذْ لَا يَدَ لِلْعَجْمَاءِ (وَإِنْ أَبَقَ إلَيْهِمْ قِنٌّ مُسْلِمٌ فَأَخَذُوهُ) قَهْرًا (لَا) خِلَافًا لَهُمَا لِظُهُورِ يَدِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْخُرُوجِ مِنْ دَارِنَا فَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْمِلْكِ (بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَقَ إلَيْهِمْ بَعْدَ ارْتِدَادِهِ فَأَخَذُوهُ) مَلَكُوهُ اتِّفَاقًا، وَلَوْ أَبَقَ وَمَعَهُ فَرَسٌ أَوْ مَتَاعٌ فَاشْتَرَى رَجُلٌ ذَلِكَ (كُلَّهُ مِنْهُمْ أَخَذَ) الْمَالِكُ (الْعَبْدَ مَجَّانًا) لِمَا مَرَّ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ وَأَخَذَ (غَيْرَهُ بِالثَّمَنِ) ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهُ (وَعَتَقَ عَبْدٌ مُسْلِمٌ) أَوْ ذِمِّيٌّ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ أَيْضًا زَيْلَعِيٌّ (شَرَاهُ مُسْتَأْمَنٌ هَهُنَا وَأَدْخَلَهُ دَارَهُمْ) إقَامَةً لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ مَقَامَ -   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ أَرِقَّاءُ (قَوْلُهُ وَنَمْلِكُ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ ذَلِكَ) فَلَوْ أَهْدَى مَلِكُهُمْ لِمُسْلِمٍ هَدِيَّةً مِنْ أَحْرَارِهِمْ مَلَكَهُ إلَّا إذَا كَانَ قَرَابَةً لَهُ، وَلَوْ دَخَلَ دَارَهُمْ مُسْلِمٌ بِأَمَانٍ ثُمَّ اشْتَرَى مِنْ أَحَدِهِمْ ابْنَهُ ثُمَّ أَخْرَجَهُ إلَى دَارِنَا قَهْرًا مَلَكَهُ، وَهَلْ يَمْلِكُهُ فِي دَارِهِمْ؟ خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ لَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْكُفَّارَ فِي دَارِهِمْ أَحْرَارٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُمْ أَرِقَّاءُ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِلْكٌ لِأَحَدٍ عَلَيْهِمْ عَلَى مَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَغَيْرِهِ قُهُسْتَانِيٌّ مُلَخَّصًا دُرٌّ مُنْتَقَى. قُلْت: لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي الْعِتْقِ أَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِمْ أَرِقَّاءَ أَيْ بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِمْ، أَمَّا قَبْلَهُ فَهُمْ أَحْرَارٌ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ نَسَبُك حُرٌّ أَوْ أَصْلُك حُرٌّ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ سَبْيٌ لَا يَعْتِقُ وَإِلَّا عَتَقَ قَالَ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ أَحْرَارٌ اهـ وَمَا فِي الْمُحِيطِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَلَوْ نَدَّ) أَيْ نَفَرَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ مَصْدَرُهُ النُّدُودُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ إذْ لَا يَدَ لِلْعَجْمَاءِ) أَيْ لِلدَّابَّةِ لِكَوْنِهَا لَا تَعْقِلُ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَبَقَ إلَيْهِمْ قِنٌّ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَخَذُوهُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكُوهُ اتِّفَاقًا، وَبِقَوْلِهِ مُسْلِمٌ احْتِرَازًا عَنْ الْمُرْتَدِّ كَمَا يَأْتِي، وَفِي الْعَبْدِ الذِّمِّيِّ إذَا أَبَقَ قَوْلَانِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَبِقَوْلِهِ: قَهْرًا لِمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا أَخَذُوهُ قَهْرًا وَقَيَّدُوهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ قَهْرًا فَلَا يَمْلِكُونَهُ اتِّفَاقًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ لَا) أَيْ لَا يَمْلِكُونَهُ، فَيَأْخُذُهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ بِلَا شَيْءٍ سَوَاءٌ كَانَ مَوْهُوبًا مِنْهُمْ لِلَّذِي أَخْرَجَهُ أَوْ مُشْتَرًى أَوْ مَغْنُومًا لَكِنْ لَوْ أَخَذَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ يُعَوِّضْ الْإِمَامُ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِظُهُورِ يَدِهِ عَلَى نَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مُكَلَّفٌ لَهُ يَدٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ اعْتِبَارُ يَدِهِ لِتَمْكِينِ الْمَوْلَى مِنْ الِانْتِفَاعِ، وَقَدْ زَالَتْ يَدُ الْمَوْلَى بِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ فَظَهَرَتْ يَدُ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ وَصَارَ مَعْصُومًا بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذُوهُ مِنْ دَارِنَا؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَوْلَى قَائِمَةٌ حُكْمًا لِقِيَامِ يَدِ أَهْلِ الدَّارِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ مَلَكُوهُ اتِّفَاقًا) لِعَدَمِ الْيَدِ وَالْعِصْمَةِ ط (قَوْلُهُ وَأَخَذَ غَيْرَهُ بِالثَّمَنِ مَجَّانًا) أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا بِالثَّمَنِ أَيْضًا اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الِاجْتِمَاعِ بِالِانْفِرَادِ، وَلَا تَكُونُ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ مَانِعَةً مِنْ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَى مَانِعِهِ لِقِيَامِ الرِّقِّ الْمَانِعِ لِلْمِلْكِ بِالِاسْتِيلَاءِ لِغَيْرِهِ بَحْرٌ، وَنَظَرَ فِيهِ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ مِلْكَهُمْ مَا مَعَهُ لِإِبَاحَتِهِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُبَاحًا إذَا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ يَدٌ لِأَحَدٍ وَهَذَا عَلَيْهِ يَدُ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ وَعَتَقَ عَبْدٌ مُسْلِمٌ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَسْلَمَ فِي يَدِهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ مَطْلَبٌ إذَا شَرَى الْمُسْتَأْمَنُ عَبْدًا ذِمِّيًّا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُسْتَأْمَنُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ أَيْ بَيْعِ الْعَبْدِ الذِّمِّيِّ الَّذِي شَرَاهُ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ إدْخَالِهِ دَارَ الْحَرْبِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ عَنْ النِّهَايَةِ عَنْ الْإِيضَاحِ (قَوْلُهُ إقَامَةً لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ إلَخْ) هَذَا وَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ، وَقَالَا: لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْإِزَالَةَ كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً بِطَرِيقٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ الْبَيْعُ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ وِلَايَةُ الْجَبْرِ عَلَيْهِ، فَبَقِيَ فِي يَدِهِ عَبْدًا، وَلَهُ أَنَّ تَخَلُّصَ الْمُسْلِمِ عَنْ ذُلِّ الْكَافِرِ وَاجِبٌ، فَيُقَامُ الشَّرْطُ، وَهُوَ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ مَقَامَ الْعِلَّةِ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ تَخْلِيصًا لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 الْإِعْتَاقِ كَمَا لَوْ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ وَأَدْخَلُوهُ دَارَهُمْ فَأَبَقَ مِنْهُمْ إلَيْنَا قَيَّدَ بِالْمُسْتَأْمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَاهُ حَرْبِيٌّ لَا يُعْتِقُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا لِمَانِعِ حَقِّ اسْتِرْدَادِهِ نَهْرٌ (كَعَبْدٍ لَهُمْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ فَجَاءَنَا) إلَى دَارِنَا أَوْ إلَى عَسْكَرِنَا ثَمَّةَ، أَوْ اشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ أَوْ حَرْبِيٌّ ثَمَّةَ، أَوْ عَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي بَحْرٌ (أَوْ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ) فَفِي هَذِهِ التِّسْعِ صُوَرٍ يَعْتِقُ الْعَبْدُ بِلَا إعْتَاقٍ وَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا عِتْقٌ حُكْمِيٌّ دُرَرٌ، وَفِي الزَّيْلَعِيِّ لَوْ قَالَ الْحَرْبِيُّ لِعَبْدِهِ آخِذًا بِيَدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ مُعْتِقٌ بِبَيَانِهِ مُسْتَرِقٌّ بِبَنَانِهِ.   [رد المحتار] كَمَا يُقَامُ مُضِيُّ الثَّلَاثِ حِيَضٍ مَقَامَ التَّفْرِيقِ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ إلَخْ) ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ فِي الدُّرَرِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ الْمُلْتَقِطِ عَبْدٌ أَسَرَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ وَأَلْحَقُوهُ بِدَارِهِمْ ثُمَّ أَبَقَ مِنْهُمْ يُرَدُّ إلَى سَيِّدِهِ وَفِي رِوَايَةٍ يَعْتِقْ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَجَّحَ عَدَمُ الْعِتْقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ سَيِّدَهُ الْمُسْلِمَ لَهُ حَقُّ اسْتِرْدَادِهِ كَمَا يُوَضِّحُهُ مَا يَأْتِي عَقِبَهُ (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِالْمُسْتَأْمَنِ إلَخْ) عِبَارَةُ النَّهْرِ هَكَذَا قَيَّدَ بِشِرَاءِ الْمُسْتَأْمَنِ؛ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ أَسَرَ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ وَأَدْخَلَهُ دَارِهِ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا لِلْمَانِعِ عِنْدَهُ مِنْ عَمَلِ الْمُقْتَضِي عَمَلَهُ، وَهُوَ حَقُّ اسْتِرْدَادِ الْمُسْلِمِ اهـ وَبِهِ يَظْهَرُ مَا فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ مِنْ الْخَلَلِ (قَوْلُهُ لِمَانِعِ حَقِّ اسْتِرْدَادِهِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ: أَيْ لِمَانِعٍ هُوَ حَقُّ اسْتِرْدَادِ الْمَوْلَى الْمُسْلِمِ عَبْدَهُ. وَحَاصِلُهُ: الْفَرْقُ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا قَبْلَهَا، وَهُوَ أَنَّ كَلَامَنَا فِيمَنْ مَلَكَهُ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِنَا، وَوَجَبَ إزَالَتُهُ عَنْ مِلْكِهِ، وَهُنَا لَمْ يَمْلِكْهُ قَبْلَ إدْخَالِهِ دَارِهِمْ، فَكَانَ لِلْمَوْلَى حَقُّ اسْتِرْدَادِهِ فَلَوْ أَعْتَقْنَاهُ عَلَى الْحَرْبِيِّ حِينَ أَحْرَزَهُ أَبْطَلْنَا حَقَّ اسْتِرْدَادِ الْمُسْلِمِ إيَّاهُ جَبْرًا فَكَانَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ عَمَلِ الْمُقْتَضِي عَمَلَهُ أَيْ مِنْ تَأْثِيرِ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فِي الْإِعْتَاقِ (قَوْلُهُ كَعَبْدٍ لَهُمْ إلَخْ) أَيْ كَمَا يَعْتِقُ عَبْدٌ إلَخْ وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِ خِلَافًا لَهُمَا (قَوْلُهُ أَسْلَمَ ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهُوَ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ إذْ لَوْ خَرَجَ مُرَاغِمًا لِمَوْلَاهُ فَأَسْلَمَ فِي دَارِنَا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ بِأَمْرِهِ لِحَاجَةٍ فَأَسْلَمَ فِي دَارِنَا، فَإِنَّ حُكْمَهُ أَنْ يَبِيعَهُ الْإِمَامُ، وَيَحْفَظَ ثَمَنَهُ لِمَوْلَاهُ الْحَرْبِيِّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ إلَى عَسْكَرِنَا ثَمَّةَ) لَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ أَوْ اشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ إلَخْ) أَيْ يَعْتِقُ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ قَهْرَ مَوْلَاهُ زَالَ حَقِيقَةً بِالْبَيْعِ، وَكَانَ إسْلَامُهُ يُوجِبُ إزَالَةَ قَهْرِهِ عَنْهُ إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ الْخِطَابُ بِالْإِزَالَةِ فَأُقِيمَ مَا لَهُ أَثَرٌ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ مَقَامَ الْإِزَالَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ عَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَرَضَهُ فَقَدْ رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَفِي هَذِهِ التِّسْعِ صُوَرٍ) أَقُولُ: بَلْ هِيَ إحْدَى عَشْرَةَ صُورَةً إلَّا أَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي اشْتَرَاهُ الْمُسْتَأْمَنُ وَأَدْخَلَهُ دَارَهُمْ إمَّا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ، وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ. اهـ. ح. قُلْت: مَسْأَلَةُ الِاسْتِيلَاءِ قَدْ عَلِمْت مَا فِيهَا نَعَمْ يُزَادُ مَسْأَلَةُ مَا لَوْ خَرَجَ مُرَاغِمًا لِمَوْلَاهُ (قَوْلُهُ وَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ إلَخْ) عَزَاهُ فِي الدُّرَرِ إلَى غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الَّذِي فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَا يَثْبُتُ وَلَاءُ الْعَبْدِ الْخَارِجِ إلَيْنَا مُسْلِمًا لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا عِتْقٌ حُكْمِيٌّ اهـ فَقَدْ خَصَّهُ بِالْخَارِجِ إلَيْنَا. قُلْت: لَكِنَّ الْعُذْرَ لِصَاحِبِ الدُّرَرِ أَنَّ الْعِتْقَ حُكْمِيٌّ فِي الْكُلِّ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْفَرْقِ (قَوْلُهُ لَوْ قَالَ الْحَرْبِيُّ إلَخْ) الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ صَحَّ فِيهِ الْعِتْقُ بِلَا إعْتَاقٍ وَهَذِهِ بِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَصِحَّ فِيهَا مَعَ صَرِيحِ الْإِعْتَاقِ، وَالْمُرَادُ بِالْحَرْبِيِّ مَنْ كَانَ مَنْشَؤُهُ دَارَ الْحَرْبِ، سَوَاءٌ أَسْلَمَ هُنَاكَ أَوْ بَقِيَ عَلَى حُرِّيَّتِهِ احْتِرَازًا عَنْ مُسْلِمٍ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ، فَاشْتَرَى عَبْدًا حَرْبِيًّا فَأَعْتَقَهُ فَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِلَا تَخْلِيَةٍ وَلَهُ الْوَلَاءُ كَمَا حَرَّرْنَاهُ أَوَّلَ بَابِ الْعِتْقِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ آخِذًا بِيَدِهِ) أَيْ لَمْ يُخْلِ سَبِيلَهُ (قَوْلُهُ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ وَالْعَبْدُ عِنْدَهُ فَهُوَ مِلْكُهُ، وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ لِصُدُورِ رُكْنِ الْعِتْقِ مِنْ أَهْلِهِ، بِدَلِيلِ صِحَّةِ إعْتَاقِهِ عَبْدًا مُسْلِمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي مَحَلِّهِ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَقٌ بِبَيَانِهِ) أَيْ بِتَصْرِيحِهِ بِلِسَانِهِ مُسْتَرَقٌّ بِبَنَانِهِ: أَيْ بِيَدِهِ وَهَذَا وَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 بَابُ الْمُسْتَأْمِنِ أَيْ الطَّالِبِ لِلْأَمَانِ (هُوَ مَنْ يَدْخُلُ دَارَ غَيْرِهِ بِأَمَانٍ) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ حَرْبِيًّا (دَخَلَ مُسْلِمٌ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ حَرُمَ تَعَرُّضُهُ لِشَيْءٍ) مِنْ دَمٍ وَمَالٍ وَفَرْجٍ (مِنْهُمْ) إذْ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ (فَلَوْ أَخْرَجَ) إلَيْنَا (شَيْئًا مَلَكَهُ) مِلْكًا (حَرَامًا) لِلْغَدْرِ (فَيَتَصَدَّقُ بِهِ) وُجُوبًا، قَيَّدَ بِالْإِخْرَاجِ لِأَنَّهُ لَوْ غَصَبَ مِنْهُمْ شَيْئًا رَدَّهُ عَلَيْهِمْ وُجُوبًا (بِخِلَافِ الْأَسِيرِ) فَيُبَاحُ تَعَرُّضُهُ (وَإِنْ أَطْلَقُوهُ طَوْعًا) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَأْمَنٍ، فَهُوَ كَالْمُتَلَصِّصِ (فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْمَالِ وَقَتْلُ النَّفْسِ دُونَ اسْتِبَاحَةِ الْفَرْجِ) لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا بِالْمِلْكِ (إلَّا إذَا وَجَدَ امْرَأَتَهُ الْمَأْسُورَةَ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرَتَهُ) لِأَنَّهُمْ مَا مَلَكُوهُنَّ بِخِلَافِ الْأَمَةِ (وَلَمْ يَطَأْهُنَّ أَهْلُ الْحَرْبِ) إذْ لَوْ وَطِئُوهُنَّ تَجِبُ الْعِدَّةُ لِلشُّبْهَةِ   [رد المحتار] كَمَا يَزُولُ يَثْبُتُ بِاسْتِيلَاءٍ جَدِيدٍ وَهُوَ أَخْذُهُ لَهُ بِيَدِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيَكُونُ عَبْدًا لَهُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلِّ التَّمَلُّكِ بِالِاسْتِيلَاءِ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمُسْتَأْمِنِ] ِ بِكَسْرِ الْمِيمِ اسْمُ فَاعِلٌ بِقَرِينَةِ التَّفْسِيرِ وَيَصِحُّ بِالْفَتْحِ اسْمُ مَفْعُولٌ وَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلصَّيْرُورَةِ: أَيْ مَنْ صَارَ مُؤَامَنَا أَفَادَهُ (قَوْلُهُ دَارَ غَيْرِهِ) الْمُرَادُ بِالدَّارِ الْإِقْلِيمُ الْمُخْتَصُّ بِقَهْرِ مَلْكِ إسْلَامٍ أَوْ كُفْرٍ، لَا مَا يَشْمَلُ دَارَ السُّكْنَى حَتَّى يُرَدَّ أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ حَرُمَ تَعَرُّضُهُ لِشَيْءٍ إلَخْ) شَمِلَ الشَّيْءُ أَمَتَهُ الْمَأْسُورَةَ لِأَنَّهَا مِنْ أَمْلَاكِهِمْ بِخِلَافِ زَوْجَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرَتِهِ لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ لَهُنَّ وَكَذَا مَا أَسَرُوهُ مِنْ ذَرَارِيِّ الْمُسْلِمِينَ فَلَهُ تَخْلِيصُهُمْ مِنْ أَيْدِيهِمْ إذَا قَدَرَ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. [تَنْبِيهٌ] فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَإِنْ بَايَعَهُمْ الدِّرْهَمَ بِدِرْهَمَيْنِ نَقْدًا أَوْ نَسِيئَةً أَوْ بَايَعَهُمْ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَمْوَالَهُمْ بِرِضَاهُمْ فِي قَوْلِهِمَا وَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. (قَوْلُهُ إذْ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ) لِأَنَّهُ ضَمِنَ بِالِاسْتِئْمَانِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لَهُمْ، وَالْغَدْرُ حَرَامٌ إلَّا إذَا غَدَرَ بِهِ مَلِكُهُمْ فَأَخَذَ مَالَهُ أَوْ حَبَسَهُ أَوْ فَعَلَ غَيْرُهُ بِعِلْمِهِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَخْرَجَ إلَخْ) تَفْرِيغٌ لِكَوْنِ الْمِلْكِ حَرَامًا عَلَى حُرْمَةِ التَّعَرُّضِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِلْغَدْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ) لِحُصُولِهِ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ وَهُوَ الْغَدْرُ حَتَّى لَوْ كَانَ جَارِيَةً لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا لِلْمُشْتَرَى مِنْهُ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا فَإِنَّ حُرْمَةَ وَطْئِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي خَاصَّةً وَتَحِلُّ لِلْمُشْتَرَى مِنْهُ لِأَنَّهُ يُبَاعُ بَيْعًا صَحِيحًا فَانْقَطَعَ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ فِي الِاسْتِرْدَادِ، وَهُنَا الْكَرَاهَةُ لِلْغَدْرِ وَالْمُشْتَرِي الثَّانِي كَالْأَوَّلِ فِيهِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ، وَفِيهِ: لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْهُمْ ثُمَّ أَخْرَجَهَا إلَى دَارِنَا قَهْرًا مَلَكَهَا فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ وَيَصِحُّ بَيْعُهُ لَهَا وَإِنْ طَاوَعَتْهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا، وَقَيَّدُوا إخْرَاجَهَا كُرْهًا بِمَا إذَا أَضْمَرَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ يُخْرِجُهَا لِيَبِيعَهَا وَلَا بُدَّ مِنْهُ إذْ لَوْ أَخْرَجَهَا لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ لَهُ إنْ يَذْهَبَ بِزَوْجَتِهِ إذَا أَوْفَاهَا الْمُعَجَّلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَهَا اهـ. (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِالْإِخْرَاجِ لِأَنَّهُ لَوْ غَصَبَ إلَخْ) يَعْنِي وَلَمْ يُخْرِجْهُ لِأَنَّهُ مُحْتَرَزُ الْقَيْدِ، وَعِبَارَتُهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى قَيَّدَ بِالْإِخْرَاجِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُخْرِجْهُ وَجَبَ رَدُّهُ عَلَيْهِمْ لِلْغَدْرِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَطْلَقُوهُ) أَيْ تَرَكُوهُ فِي دَارِهِمْ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا بِالْمِلْكِ) وَلَا مِلْكَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا (قَوْلُهُ إلَّا إذَا وَجَدَ) أَيْ الْأَسِيرُ وَمِثْلُهُ التَّاجِرُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي قَوْلِهِ امْرَأَتَهُ إشَارَةً إلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ، سَوَاءٌ سُبِيَتْ الزَّوْجَةُ قَبْلَ زَوْجِهَا أَوْ بَعْدَهُ، لَكِنْ فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْمَأْسُورَةَ تَبِينُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ ثُمَّ نَقَلَ فِي النِّكَاحِ مَا يُفِيدُ أَنَّهَا لَا تَبِينُ لِعَدَمِ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ قَالَ: فَلْيُتَأَمَّلْ فِيمَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ) أَيْ الْقِنَّةِ الْمَأْسُورَةِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا مُطْلَقًا لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ بَحْرٌ (قَوْلُهُ تَجِبُ الْعِدَّةُ) فَلَا يَجُوزُ وَطْؤُهُنَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِلشُّبْهَةِ) أَيْ شُبْهَةُ الْمِلْكِ فَفِي الْبَحْرِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ عَنْ الْمُحِيطِ لِأَنَّهُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 (فَإِنْ أَدَانَهُ حَرْبِيٌّ دَيْنًا بِبَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ وَبِعَكْسِهِ أَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَخَرَجَ إلَيْنَا لَمْ نَقْضِ) لِأَحَدٍ (بِشَيْءٍ) لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ فِيمَا مَضَى بَلْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ (وَيُفْتَى الْمُسْلِمُ بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ) زَيْلَعِيٌّ، زَادَ الْكَمَالُ (وَ) بِرَدِّ (الدَّيْنِ) أَيْضًا (دِيَانَةً) لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ غَدْرٌ (وَكَذَا الْحُكْمُ) يَجْرِي (فِي حَرْبِيَّيْنِ فَعَلَا ذَلِكَ) أَيْ الْإِدَانَةَ وَالْغَصْبَ (ثُمَّ اسْتَأْمَنَا) لِمَا بَيَّنَّا (خَرَجَ حَرْبِيٌّ مَعَ مُسْلِمٍ إلَى الْعَسْكَرِ فَادَّعَى الْمُسْلِمُ أَنَّهُ أَسِيرُهُ وَقَالَ) الْحَرْبِيُّ (كُنْت مُسْتَأْمَنًا فَالْقَوْلُ لِلْحَرْبِيِّ إلَّا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ) كَكَوْنِهِ مَكْتُوفًا أَوْ مَغْلُولًا عَمَلًا بِالظَّاهِرِ بَحْرٌ (وَإِنْ خَرَجَا) أَيْ الْحَرْبِيَّانِ (مُسْلِمَيْنِ) وَتَحَاكَمَا (قَضَى بَيْنَهُمَا بِالدَّيْنِ) لِوُقُوعِهِ صَحِيحًا لِلتَّرَاضِي (وَ) أَمَّا (الْغَصْبُ فَ) لَا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مِلْكُهُ (قَتَلَ أَحَدُ الْمُسْلِمِينَ الْمُسْتَأْمِنِينَ صَاحِبَهُ) عَمْدًا أَوْ خَطَأً (تَجِبُ الدِّيَةُ) لِسُقُوطِ الْقَوَدِ ثَمَّةَ كَالْحَدِّ (فِي مَالِهِ) فِيهِمَا لِتَعَذُّرِ الصِّيَانَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ مَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ (وَالْكَفَّارَةِ) أَيْضًا (فِي الْخَطَأِ) لِإِطْلَاقِ النَّصِّ (وَفِي) قَتْلِ أَحَدِ (الْأَسِيرَيْنِ) الْآخَرَ (كُفْرٌ فَقَطْ) لِمَا مَرَّ بِلَا دِيَةٍ (فِي الْخَطَأِ) وَلَا شَيْءَ فِي الْعَمْدِ أَصْلًا لِأَنَّهُ بِالْأَسْرِ   [رد المحتار] بَاشَرُوا الْوَطْءَ عَلَى تَأْوِيلِ الْمِلْكِ فَتَجِبُ الْعِدَّةُ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ. اهـ. . (قَوْلُهُ فَإِنْ أَدَانَهُ التَّاجِرُ) الَّذِي دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ (قَوْلُهُ بِبَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ) ظَاهِرُهُ شُمُولُ الدَّيْنِ لِلْقَرْضِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمُغْرِبِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْقَامُوسِ. وَفِي طِلْبَةِ الطَّلَبَةِ مَا حَاصِلُهُ: إنَّ مَنْ قَصَرَ الْمُدَايَنَةَ عَلَى الْبَيْعِ بِالدَّيْنِ شَدَّدَ فَقَالَ ادَّانَ مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ، وَمَنْ أَدْخَلَ فِيهِ الْقَرْضَ وَنَحْوَهُ - مِمَّا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِالْعَقْدِ أَوْ الِاسْتِهْلَاكِ خَفَّفَ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَبِعَكْسِهِ) أَيْ بِأَنْ أَدَانَ حَرْبِيًّا (قَوْلُ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَسْتَدْعِي الْوِلَايَةَ وَيَعْتَمِدُهَا وَلَا وِلَايَةَ وَقْتَ الْإِدَانَةِ أَصْلًا إذْ لَا قُدْرَةَ لِلْقَاضِي فِيهِ عَلَى مَنْ هُوَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَا وَقْتَ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ فِيمَا مَضَى مِنْ أَفْعَالِهِ، وَإِنَّمَا الْتَزَمَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ وَالْغَصْبُ فِي دَارِ الْحَرْبِ سَبَبٌ يُفِيدُ الْمِلْكَ لِأَنَّهُ اسْتِيلَاءٌ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ فَصَارَ كَالْإِدَانَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَقْضِي بِالدَّيْنِ عَلَى الْمُسْلِمِ دُونَ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ حَيْثُ كَانَ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْمِنِ امْتَنَعَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَيْضًا تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا. اهـ. مُلَخَّصًا قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ فَإِنَّ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا لَيْسَ فِي أَنْ يُبْطِلَ حَقَّ أَحَدِهِمَا بِلَا مُوجِبٍ لِوُجُوبِ إبْطَالِ حَقِّ الْآخَرِ بِمُوجِبٍ بَلْ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْإِقْبَالِ وَالْإِقَامَةِ وَالْإِجْلَاسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ غَدَرَ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِالْأَمَانِ أَنْ لَا يَغْدِرَهُمْ، وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا زَيْلَعِيٌّ: أَيْ مِنْ أَنَّهُ اسْتِيلَاءٌ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمِلْكَ حَصَلَ بِالِاسْتِيلَاءِ فَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالرَّدِّ لَكِنَّهُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ وَهُوَ الْغَدْرُ فَأَوْرَثَ خُبْثًا فِي الْمِلْكِ فَلِذَا يُفْتَى بِالرَّدِّ دِيَانَةً فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا) فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ إلَخْ. (قَوْلُهُ كَكَوْنِهِ مَكْتُوفًا أَوْ مَغْلُولًا) أَوْ مَعَ عَدَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ لِوُقُوعِهِ صَحِيحًا) أَيْ وَالْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ حَالَةَ الْقَضَاءِ لِالْتِزَامِهِمَا الْأَحْكَامَ بِالْإِسْلَامِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِلتَّرَاضِي) عِلَّةٌ لِكَوْنِهِ صَحِيحًا (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ أَوَّلَ الْبَابِ السَّابِقِ، وَلَا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ لِأَنَّ مِلْكَهُ صَحِيحٌ لَا خُبْثَ فِيهِ نَهْرٌ: أَيْ لِأَنَّهُ لَا غَدْرَ فِيهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْمِنِ. (قَوْلُهُ لِسُقُوطِ الْقَوَدِ) أَيْ فِي الْعَمْدِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْقَوَدِ إلَّا بِمَنَعَةٍ وَلَا مَنَعَةَ دُونَ الْإِمَامِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَالْحَدِّ) أَيْ كَسُقُوطِ الْحَدِّ لَوْ زَنَى أَوْ سَرَقَ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ (قَوْلُهُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ (قَوْلُهُ لِتَعَذُّرِ الصِّيَانَةِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ فِي مَالِهِ: أَيْ لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِسَبَبِ تَرْكِهِمْ صِيَانَتَهُ عَنْ الْقَتْلِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَيْهَا مَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ، وَهَذَا فِي الْخَطَإِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ وَلِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ (قَوْلُهُ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ) هُوَ قَوْله تَعَالَى - {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]- بِلَا تَقْيِيدٍ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْحَرْبِ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ إطْلَاقِ النَّصِّ (قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ فِي الْعَمْدِ أَصْلًا) أَيْ لَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي الْعَمْدِ عِنْدَنَا وَلَا قَوَدَ لِمَا ذَكَرَهُ وَهَذَا عِنْدَهُ وَقَالَا فِي الْأَسِيرَيْنِ الدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ وَالْعَمْدِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بِالْأَسْرِ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْفَرْقِ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِينَ وَالْأَسِيرَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 صَارَ تَبَعًا لَهُمْ فَسَقَطَتْ عِصْمَتُهُ الْمُقَوِّمَةُ لَا الْمُؤَثِّمَةُ، فَلِذَا يُكَفِّرُ فِي الْخَطَأِ (كَقَتْلِ مُسْلِمٍ) أَسِيرًا أَوْ (مَنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ) وَلَوْ وَرَثَتُهُ مُسْلِمُونَ ثَمَّةَ فَيُكَفِّرُ فِي الْخَطَإِ فَقَطْ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا. فَصْلٌ فِي اسْتِئْمَانِ الْكَافِرِ لَا يُمَكَّنُ حَرْبِيٌّ مُسْتَأْمَنٌ فِينَا سَنَةً لِئَلَّا يَصِيرَ عَيْنًا لَهُمْ وَعَوْنًا عَلَيْنَا (وَقِيلَ لَهُ) مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ (إنْ أَقْمَتْ سَنَةً) قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ لِجَوَازِ تَوْقِيتِ مَا دُونَهُ كَشَهْرٍ وَشَهْرَيْنِ دُرَرٌ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْحَقَهُ ضَرَرٌ بِتَقْصِيرِ الْمُدَّةِ جِدًّا فَتْحٌ (وَضَعْنَا عَلَيْك الْجِزْيَةَ فَإِنْ مَكَثَ سَنَةً) بَعْدَ قَوْلِهِ (فَهُوَ ذِمِّيٌّ) ظَاهِرُ الْمُتُونِ أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ لَهُ ذَلِكَ شَرْطٌ لِكَوْنِهِ ذِمِّيًّا، فَلَوْ أَقَامَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ قَبْلَ الْقَوْلِ فَلَيْسَ بِذِمِّيٍّ وَبِهِ صَرَّحَ الْعَتَّابِيُّ وَقِيلَ نَعَمْ وَبِهِ جَزَمَ فِي الدُّرِّ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ   [رد المحتار] وَذَلِكَ أَنَّ الْأَسِيرَ صَارَ تَبَعًا لَهُمْ بِالْقَهْرِ حَتَّى صَارَ مُقِيمًا بِإِقَامَتِهِمْ وَمُسَافِرًا بِسَفَرِهِمْ كَعَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا كَانَ تَبَعًا لَهُمْ فَلَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ كَأَصْلِهِ وَهُوَ الْحَرْبِيُّ فَصَارَ كَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَقَتْلِ مُسْلِمٍ مَنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ: أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ إلَّا الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَإِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ بِالدَّارِ فَكَذَا هَذَا لِبُطْلَانِ الْإِحْرَازِ الَّذِي كَانَ فِي دَارِنَا بِالتَّبَعِيَّةِ لَهُمْ فِي دَارِهِمْ وَأَمَّا الْمُسْتَأْمِنُ فَغَيْرُ مَقْهُورٍ لِإِمْكَانِ خُرُوجِهِ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لَهُمْ وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ فَسَقَطَتْ عِصْمَتُهُ الْمُقَوِّمَةُ) هِيَ مَا تُوجِبُ الْمَالَ أَوْ الْقِصَاصَ عِنْدَ التَّعَرُّضِ وَالْمُؤَثِّمَةُ مَا تُوجِبُ الْإِثْمَ، وَالْأُولَى تَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ كَعِصْمَةِ الْمَالِ لَا بِالْإِسْلَامِ عِنْدَنَا، فَإِنَّ الذِّمِّيَّ مَعَ كُفْرِهِ يَتَقَوَّمُ بِالْإِحْرَازِ وَالثَّانِيَةُ بِكَوْنِهِ آدَمِيًّا لِأَنَّهُ خُلِقَ لِإِقَامَةِ الدِّينِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِعِصْمَةِ نَفْسِهِ بِأَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لَهُ أَحَدٌ وَلَا يُبَاحُ قَتْلُهُ إلَّا بِعَارِضٍ أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ كَقَتْلِ مُسْلِمٍ أَسِيرًا) أَفَادَ أَنَّ تَصْوِيرَ الْمَسْأَلَةِ بِالْأَسِيرَيْنِ غَيْرُ قَيْدٍ بَلْ الْمُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمَقْتُولِ أَسِيرًا لِأَنَّ الْمَنَاطَ كَوْنُ الْمَقْتُولِ صَارَ تَبَعًا لَهُمْ بِالْقَهْرِ كَمَا عَلِمْت سَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ مِثْلَهُ أَوْ مُسْتَأْمَنًا فَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ قَتَلَ الْأَسِيرُ مُسْتَأْمَنًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَقَتْلِ أَحَدِ الْمُسْتَأْمَنِينَ صَاحِبَهُ كَمَا بَحَثَهُ ح (قَوْلُهُ وَلَوْ وَرَثَتُهُ مُسْلِمُونَ ثَمَّةَ) كَذَا فِي غَالِبِ النُّسَخِ، وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ مُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ خَبَرُ كَانَ الْمُقَدَّرَةِ بَعْدَ لَوْ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُسْلِمُونَ فَهُوَ صِفَةٌ لِوَرَثَتِهِ وَخَبَرُ كَانَ قَوْلُهُ ثَمَّةَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. . [فَصْلٌ فِي اسْتِئْمَانِ الْكَافِرِ] (قَوْلُهُ وَلَا يُمَكَّنُ حَرْبِيٌّ مُسْتَأْمَنٌ إلَخْ) قَيَّدَ بِالْمُسْتَأْمَنِ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ دَارَنَا بِلَا أَمَانٍ كَانَ وَمَا مَعَهُ فَيْئًا وَلَوْ قَالَ دَخَلْت بِأَمَانٍ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ، وَلَوْ قَالَ: أَنَا رَسُولُ الْمَلِكِ، فَلَوْ مَعَهُ كِتَابٌ بِعَلَامَةٍ تُعْرَفُ كَانَ آمِنًا وَلَوْ دَخَلَ الْحَرَمَ فَهُوَ فَيْءٌ عِنْدَهُ وَقَالَا: لَا يُؤْخَذُ، وَلَكِنْ لَا يُطْعَمُ وَلَا يُسْقَى وَلَا يُؤْذَى وَلَا يُخْرَجُ وَلَوْ قَالَ مُسْلِمٌ: أَنَا أَمَّنْتُهُ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ رَجُلَانِ غَيْرُهُ، وَسَوَاءٌ أُخِذَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَوْ بَعْدَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا: إنْ أَسْلَمَ فَهُوَ حُرٌّ وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ الْآخِذُ عِنْدَهُ وَظَاهِرُ قَوْلِهِمَا إنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِ. اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ. وَقَدَّمْنَا بَعْضَهُ قَبْلَ بَابِ الْمَغْنَمِ قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَيُؤْخَذُ - مِمَّا ذُكِرَ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى: وَهُوَ أَنَّهُ يَخْرُجُ كَثِيرًا مِنْ سُفُنِ أَهْلِ الْحَرْبِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ لِلِاسْتِقَاءِ مِنْ الْأَنْهُرِ الَّتِي بِالسَّوَاحِلِ الْإِسْلَامِيَّةِ، فَيَقَعُ فِيهِمْ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ فَيَأْخُذُهُمْ اهـ أَيْ فَيَكُونُ فَيْئًا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَفِي كَوْنِهِ يُخَمَّسُ عَنْهُ رِوَايَتَانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ الْمَغْنَمِ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَصِيرَ عَيْنًا لَهُمْ إلَخْ) الْعَيْنُ هُوَ الْجَاسُوسُ وَالْعَوْنُ الظَّهِيرُ عَلَى الْأَمْرِ، وَالْجَمْعُ أَعْوَانٌ عِنَايَةٌ قَالَ الرَّمْلِيُّ: هَذِهِ الْعِلَّةُ تُنَادِي بِحُرْمَةِ تَمْكِينِهِ سَنَةً بِلَا شَرْطِ وَضْعِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ إنْ هُوَ أَقَامَهَا تَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ) أَيْ أَوْ نَائِبِهِ ط (قَوْلُهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَقَلِّ لَا لِلْأَكْثَرِ فَلَا يَجُوزُ تَحْدِيدًا أَكْثَرُ مِنْ سَنَةٍ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ السَّابِقِ لَا يُمَكَّنُ إلَخْ ط (قَوْلُهُ وَقِيلَ نَعَمْ) أَيْ يَكُونُ ذِمِّيًّا وَالْأَوْلَى إبْدَالُ نَعَمْ بِلَا أَيْ لَا يَكُونُ شَرْطًا (قَوْلُهُ وَبِهِ جَزَمَ فِي الدُّرَرِ) أَيْ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ لَكِنَّ عِبَارَةَ الْمَبْسُوطِ: يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ فَيَأْمُرَهُ إلَى أَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 (وَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ فِي حَوْلِ الْمُكْثِ إلَّا بِشَرْطِ أَخْذِهَا مِنْهُ فِيهِ) (وَ) إذَا صَارَ ذِمِّيًّا (يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ) -   [رد المحتار] قَالَ وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ مُدَّةً فَالْمُعْتَبَرُ الْحَوْلُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَيْسَ بِلَازِمٍ أَيْ لَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ لَهُ ذَلِكَ غَيْرُ شَرْطٍ، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ بِقَوْلِهِ لَهُ إنْ أَقَمْت طَوِيلًا مَنَعْتُك مِنْ الْعَوْدِ فَإِنْ أَقَامَ سَنَةً مَنَعَهُ مِنْ الْعَوْدِ، وَفِي هَذَا اشْتِرَاطُ التَّقَدُّمِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ لَهُ مُدَّةً خَاصَّةً وَالْوَجْهُ أَنْ لَا يَمْنَعَهُ حَتَّى يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَا فِي الْمَبْسُوطِ غَيْرُ صَرِيحٍ فِي عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ، فَلَا يُنَافِي تَصْرِيحَ الْعَتَّابِيِّ بِالِاشْتِرَاطِ، وَهُوَ مَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ سَنَةً بِغَيْرِ تَقْدِيرِ الْإِمَامِ إلَخْ وَبِهِ يُسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِ السَّعْدِيَّةِ فَلَعَلَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ فَافْهَمْ، وَعَلَيْهِ فَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ التَّقَدُّمِ لَا مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ وَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ فِي حَوْلِ الْمُكْثِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ ذِمِّيًّا بَعْدَهُ فَتَجِبُ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي بَحْرٌ (قَوْلُهُ إلَّا بِشَرْطِ أَخْذِهَا مِنْهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَوْلِ أَيْ بِأَنْ قَالَ لَهُ إنْ أَقَمْت حَوْلًا أَخَذْت مِنْك الْجِزْيَةَ فَتْحٌ. . مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْمُسْتَأْمِنِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ ذِمِّيًّا (قَوْلُهُ وَإِذَا صَارَ ذِمِّيًّا يَجْرِي الْقِصَاصُ إلَخْ) أَمَّا قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ ذِمِّيًّا فَلَا قِصَاصَ بِقَتْلِهِ عَمْدًا بَلْ الدِّيَةُ. قَالَ فِي شَرْحِ السِّيَرُ: الْأَصْلُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ نُصْرَةُ الْمُسْتَأْمَنِينَ مَا دَامُوا فِي دَارِنَا، فَكَانَ حُكْمُهُمْ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِقَتْلِ مُسْتَأْمَنٍ، وَيُقْتَصُّ مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ بِقَتْلِ مِثْلِهِ، وَيَسْتَوْفِيهِ وَارِثُهُ إنْ كَانَ مَعَهُ وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ فِي دَارِنَا إذَا ارْتَكَبَ مَا يُوجِبُ عُقُوبَةً لَا يُقَامُ عَلَيْهِ إلَّا مَا فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ مِنْ قِصَاصٍ، أَوْ حَدِّ قَذْفٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يُقَامُ عَلَيْهِ كُلُّ ذَلِكَ إلَّا حَدَّ الْخَمْرِ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَوْ أَسْلَمَ عَبْدُ الْمُسْتَأْمَنِ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ، وَلَمْ يُتْرَكْ يَخْرُجُ بِهِ وَلَوْ دَخَلَ مَعَ امْرَأَتِهِ وَمَعَهُمَا أَوْلَادٌ صِغَارٌ، فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ صَارَ ذِمِّيًّا فَالصِّغَارُ تَبَعٌ لَهُ، بِخِلَافِ الْكِبَارِ، وَلَوْ إنَاثًا لِانْتِهَاءِ التَّبَعِيَّةِ بِالْبُلُوغِ عَنْ عَقْلٍ، وَلَا يَصِيرُ الصَّغِيرُ تَبَعًا لِأَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ أَوْ جَدِّهِ وَلَوْ الْأَبُ مَيِّتًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ: يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ جَدِّهِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ إذْ لَوْ صَارَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ الْجَدِّ الْأَدْنَى، لَصَارَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ الْأَعْلَى، فَيَلْزَمُ الْحُكْمُ بِالرِّدَّةِ لِكُلِّ كَافِرٍ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ آدَمَ وَنُوحَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، وَلَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِنَا وَلَهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ فِي دَارِهِمْ لَمْ يَتْبَعُوهُ إلَّا إذَا أُخْرِجُوا إلَى دَارِنَا قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِمْ اهـ مُلَخَّصًا وَسَنَذْكُرُ عَنْهُ أَنَّ تَبَعِيَّةَ الصَّغِيرِ تَثْبُتُ وَإِنْ كَانَ - مِمَّنْ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ لَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا وَلَوْ عَمْدًا أَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ أَوْ تَجَسَّسَ أَخْبَارَنَا، فَبَعَثَ بِهَا إلَيْهِمْ أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ أَوْ ذِمِّيَّةٍ كُرْهًا أَوْ سَرَقَ لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ اهـ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ فِي دَارِنَا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ ذِمِّيًّا حُكْمُهُ حُكْمُ الذِّمِّيِّ إلَّا فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِقَتْلِهِ، وَعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْعُقُوبَاتِ غَيْرَ مَا فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ، وَفِي أَخْذِ الْعَاشِرِ مِنْهُ الْعُشْرَ وَقَدَّمْنَا قَبْلَ هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ الْتَزَمَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ. مَطْلَبٌ مَا يُؤْخَذُ مِنْ النَّصَارَى زُوَّارِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَا يَجُوزُ أَقُولُ: وَعَلَى هَذَا فَلَا يَحِلُّ أَخْذُ مَالِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنَّ لَهُ أَخْذَ مَالِهِمْ بِرِضَاهُمْ، وَلَوْ بِرِبًا أَوْ قِمَارٍ لِأَنَّ مَالَهُمْ مُبَاحٌ لَنَا إلَّا أَنَّ الْغَدْرَ حَرَامٌ، وَمَا أُخِذَ بِرِضَاهُمْ لَيْسَ غَدْرًا مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَأْمَنِ مِنْهُمْ فِي دَارِنَا لِأَنَّ دَارَنَا مَحَلُّ إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ فِي دَارِنَا أَنْ يَعْقِدَ مَعَ الْمُسْتَأْمَنِ إلَّا مَا يَحِلُّ مِنْ الْعُقُودِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ شَيْءٌ لَا يَلْزَمُهُ شَرْعًا وَإِنْ جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، كَاَلَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ زُوَّارِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْعَاشِرِ عَنْ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ. وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْجِزْيَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 وَيَضْمَنُ الْمُسْلِمُ قِيمَةَ خَمْرِهِ وَخِنْزِيرِهِ إذَا أَتْلَفَهُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ إذَا قَتَلَهُ خَطَأً وَيَجِبُ كَفِّ الْأَذَى عَنْهُ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِيمَا يَفْعَلُهُ التُّجَّارُ مِنْ دَفْعِ مَا يُسَمَّى سَوْكَرَةً وَتَضْمِينِ الْحَرْبِيِّ مَا هَلَكَ فِي الْمَرْكَبِ وَبِمَا قَرَرْنَاهُ يَظْهَرُ جَوَابُ مَا كَثُرَ السُّؤَالُ عَنْهُ فِي زَمَانِنَا: وَهُوَ أَنَّهُ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ التُّجَّارَ إذَا اسْتَأْجَرُوا مَرْكَبًا مِنْ حَرْبِيٍّ يَدْفَعُونَ لَهُ أُجْرَتَهُ، وَيَدْفَعُونَ أَيْضًا مَالًا مَعْلُومًا لِرَجُلٍ حَرْبِيٍّ مُقِيمٍ فِي بِلَادِهِ، يُسَمَّى ذَلِكَ الْمَالُ: سَوْكَرَةً عَلَى أَنَّهُ مَهْمَا هَلَكَ مِنْ الْمَالِ الَّذِي فِي الْمَرْكَبِ بِحَرْقٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ نَهْبٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَذَلِكَ الرَّجُلُ ضَامِنٌ لَهُ بِمُقَابَلَةِ مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ، وَلَهُ وَكِيلٌ عَنْهُ مُسْتَأْمَنٌ فِي دَارِنَا يُقِيمُ فِي بِلَادِ السَّوَاحِلِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ يَقْبِضُ مِنْ التُّجَّارِ مَالَ السَّوْكَرَةِ وَإِذَا هَلَكَ مِنْ مَالِهِمْ فِي الْبَحْرِ شَيْءٌ يُؤَدِّي ذَلِكَ الْمُسْتَأْمَنِ لِلتُّجَّارِ بَدَلَهُ تَمَامًا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلتَّاجِرِ أَخْذُ بَدَلِ الْهَالِكِ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّ هَذَا الْتِزَامٌ مَا لَا يَلْزَمُ. فَإِنْ قُلْت: إنَّ الْمُودَعَ إذَا أَخَذَ أُجْرَةً عَلَى الْوَدِيعَةِ يَضْمَنُهَا إذَا هَلَكَتْ قُلْت لَيْسَتْ مَسْأَلَتُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ فِي يَدِ صَاحِبِ السَّوْكَرَةِ بَلْ فِي يَدِ صَاحِبِ الْمَرْكَبِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ السَّوْكَرَةِ هُوَ صَاحِبُ الْمَرْكَبِ يَكُونُ أَجِيرًا مُشْتَرِكًا قَدْ أَخَذَ أُجْرَةً عَلَى الْحِفْظِ، وَعَلَى الْحَمْلِ، وَكُلٌّ مِنْ الْمُودَعِ وَالْأَجِيرِ الْمُشْتَرِكِ لَا يَضْمَنُ مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالْمَوْتِ وَالْغَرَقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَإِنْ قُلْت: سَيَأْتِي قُبَيْلَ بَابِ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ قَالَ لِآخَرَ اُسْلُكْ هَذَا الطَّرِيقَ، فَإِنَّهُ آمِنٌ فَسَلَكَ، وَأُخِذَ مَالُهُ لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ قَالَ: إنْ كَانَ مَخُوفًا وَأُخِذَ مَالُكَ فَأَنَا ضَامِنٌ ضَمِنَ وَعَلَّلَهُ الشَّارِحُ هُنَالِكَ بِأَنَّهُ ضَمِنَ الْغَارُّ صِفَةَ السَّلَامَةِ لِلْمَغْرُورِ نَصًّا اهـ أَيْ بِخِلَافِ الْأُولَى، فَإِنَّهُ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الضَّمَانِ بِقَوْلِهِ فَأَنَا ضَامِنٌ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَغْرُورَ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ لَوْ حَصَلَ الْغُرُورُ فِي ضِمْنِ الْمُعَاوَضَةِ أَوْ ضَمِنَ الْغَارُّ صِفَةَ السَّلَامَةَ لِلْمَغْرُورِ فَيُصَارُ كَقَوْلِ الطَّحَّانِ لِرَبِّ الْبُرِّ: اجْعَلْهُ فِي الدَّلْوِ فَجَعَلَهُ فِيهِ، فَذَهَبَ مِنْ النَّقْبِ إلَى الْمَاءِ، وَكَانَ الطَّحَّانُ عَالِمًا بِهِ يَضْمَنُ؛ إذْ غَرَّهُ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ وَهُوَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ. اهـ. قُلْت: لَا بُدَّ فِي مَسْأَلَةِ التَّغْرِيرِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْغَارُّ عَالِمًا بِالْخَطَرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الطَّحَّانِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمَغْرُورُ غَيْرَ عَالِمٍ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ رَبَّ الْبُرِّ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِنَقْبِ الدَّلْوِ يَكُونُ هُوَ الْمُضَيِّعُ لِمَالِهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَفْظُ الْمَغْرُورِ يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ لُغَةً لِمَا فِي الْقَامُوسِ غَرَّهُ غَرًّا وَغُرُورًا فَهُوَ مَغْرُورٌ وَغَرِيرٌ خَدَعَهُ وَأَطْمَعَهُ بِالْبَاطِلِ فَاغْتَرَّ هُوَ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ صَاحِبَ السَّوْكَرَةِ لَا يَقْصِدُ تَغْرِيرَ التُّجَّارِ، وَلَا يَعْلَمُ بِحُصُولِ الْغَرَقِ هَلْ يَكُونُ أَمْ لَا، وَأَمَّا الْخَطَرُ مِنْ اللُّصُوصِ، وَالْقُطَّاعِ فَهُوَ مَعْلُومٌ لَهُ، وَلِلتُّجَّارِ لِأَنَّهُمْ لَا يُعْطُونَ مَالَ السَّوْكَرَةِ إلَّا عِنْدَ شِدَّةِ الْخَوْفِ طَمَعًا فِي أَخْذِ بَدَلِ الْهَالِكِ، فَلَمْ تَكُنْ مَسْأَلَتُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَيْضًا، نَعَمْ: قَدْ يَكُونُ لِلتَّاجِرِ شَرِيكٌ حَرْبِيٌّ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ، فَيَعْقِدُ شَرِيكُهُ هَذَا الْعَقْدَ مَعَ صَاحِبِ السَّوْكَرَةِ فِي بِلَادِهِمْ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ بَدَلَ الْهَالِكِ، وَيُرْسِلُهُ إلَى التَّاجِرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا يَحِلُّ لِلتَّاجِرِ أَخْذُهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ جَرَى بَيْنَ حَرْبِيَّيْنِ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ مَالُهُمْ بِرِضَاهُمْ فَلَا مَانِعَ مِنْ أَخْذِهِ، وَقَدْ يَكُونُ التَّاجِرُ فِي بِلَادِهِمْ، فَيَعْقِدُ مَعَهُمْ هُنَاكَ، وَيَقْبِضُ الْبَدَلَ فِي بِلَادِنَا أَوْ بِالْعَكْسِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ فِي الْأُولَى إنْ حَصَلَ بَيْنَهُمَا خِصَامٌ فِي بِلَادِنَا لَا تُقْضَى لِلتَّاجِرِ بِالْبَدَلِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ خِصَامٌ وَدَفَعَ لَهُ الْبَدَلَ وَكِيلُهُ الْمُسْتَأْمَنُ هُنَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي صَدَرَ فِي بِلَادِهِمْ، لَا حُكْمَ لَهُ فَيَكُونُ قَدْ أَخَذَ مَالَ حَرْبِيٍّ بِرِضَاهُ وَأَمَّا فِي صُورَةِ الْعَكْسِ بِأَنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي بِلَادِنَا، وَالْقَبْضُ فِي بِلَادِهِمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَخْذُهُ، وَلَوْ بِرِضَا الْحَرْبِيِّ لِابْتِنَائِهِ عَلَى الْعَقْدِ الْفَاسِدِ الصَّادِرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 (وَتَحْرُمُ غِيبَتُهُ كَالْمُسْلِمِ) فَتْحٌ. وَفِيهِ: لَوْ مَاتَ الْمُسْتَأْمِنُ فِي دَارِنَا وَوَرَثَتُهُ ثَمَّةَ وَقَفَ مَالِهِ لَهُمْ، وَيَأْخُذُوهُ بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَبِكَفِيلٍ وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ مَلِكِهِمْ (وَإِذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ الْحَوْلِ) وَلَوْ لِتِجَارَةٍ أَوْ قَضَاءِ حَاجَةٍ كَمَا يُفِيدُ الْإِطْلَاقُ نَهْرٌ (مُنِعَ) لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ لَا يُنْقَضُ، وَمُفَادُهُ مَنْعُ الذِّمِّيِّ أَيْضًا (كَمَا) يُمْنَعُ (لَوْ وُضِعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ) بِأَنْ أُلْزِمَ بِهِ وَأُخِذَ مِنْهُ   [رد المحتار] فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَيُعْتَبَرُ حُكْمُهُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَحْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَاغْتَنِمْهُ فَإِنَّك لَا تَجِدُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ (قَوْلُهُ وَتَحْرُمُ غِيبَتُهُ كَالْمُسْلِمِ) لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ، وَجَبَ لَهُ مَالَنَا فَإِذَا حَرُمَتْ غِيبَةُ الْمُسْلِمِ حَرُمَتْ غِيبَتُهُ بَلْ قَالُوا: إنَّ ظُلْمَ الذِّمِّيِّ أَشَدُّ (قَوْلُهُ وَيَأْخُذُوهُ بِبَيِّنَةٍ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَيَأْخُذُونَهُ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِعَدَمِ مَا يَقْتَضِي حَذْفَ النُّونِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِنْ أَقَامُوا بَيِّنَةً مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ قُبِلَتْ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ إقَامَتُهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ أَنْسَابَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَعْرِفُهَا الْمُسْلِمُونَ، فَصَارَ كَشَهَادَةِ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَإِذَا قَالُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُمْ دَفَعَ إلَيْهِمْ الْمَالَ، وَأَخَذَ مِنْهُمْ كَفِيلًا لِمَا يَظْهَرُ فِي الْمَآلِ مِنْ ذَلِكَ قِيلَ هُوَ قَوْلُهُمَا لَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْمُسْلِمِينَ وَقِيلَ بَلْ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ مَلِكِهِمْ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ كِتَابُهُ أَيْ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ وَحْدَهُ لَا تُقْبَلُ فَكِتَابُهُ بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ بَعْدَ الْحَوْلِ) أَيْ بَعْدَ الْمُدَّةِ الَّتِي عَيَّنَهَا لَهُ الْإِمَامُ حَوْلًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (قَوْلُهُ كَمَا يُفِيدُهُ الْإِطْلَاقُ) كَذَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ، وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ خِيفَ عَدَمَ عَوْدِهِ وَإِلَّا فَلَا كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ الْآتِي (قَوْلُهُ لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ لَا يُنْقَضُ) لِكَوْنِهِ خَلْفًا عَنْ الْإِسْلَامِ بَحْرٌ، وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ لِأَنَّ فِي عَوْدِهِ ضَرَرًا بِالْمُسْلِمِينَ بِعَوْدِهِ حَرْبًا عَلَيْنَا، وَبِتَوَالُدِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَطْعِ الْجِزْيَةِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَوْدِ اللَّحَاقُ بِدَارِهِمْ بِلَا رُجُوعٍ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ مَنْعُ الذِّمِّيِّ أَيْضًا) كَذَا فِي النَّهْرِ؛ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَتَثْبُتُ أَحْكَامُ الذِّمِّيِّ فِي حَقِّهِ مِنْ مَنْعِ الْخُرُوجِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ إلَخْ. قُلْت: وَالْمُرَادُ الْخُرُوجُ عَلَى وَجْهِ اللَّحَاقِ بِهِمْ، وَإِذْ لَوْ خَرَجَ لِتِجَارَةٍ مَعَ أَمْنِ عَوْدِهِ عَادَةً لَا يُمْنَعُ كَالْمُسْلِمِ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ الْمَارِّ فَتَدَبَّرْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ أَرَادَ الدُّخُولَ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ أَنْ يُدْخِلَ فَرَسًا مَعَهُ أَوْ سِلَاحًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَبِيعُهُ مِنْهُمْ، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِعَدَاوَتِهِمْ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الدُّخُولِ بِتِجَارَةٍ عَلَى الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالسُّفُنِ لِأَنَّهُ لِلْحَمْلِ لَكِنْ يُسْتَحْلَفُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بَيْعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ. (قَوْلُهُ كَمَا يُمْنَعُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَمَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا، كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: إذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَاشْتَرَى أَرْضَ خَرَاجٍ، فَوُضِعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ فِيهَا كَانَ ذِمِّيًّا اهـ قَالَ السَّرَخْسِيُّ: فَيُوضَعُ عَلَيْهِ خَرَاجُ رَأْسِهِ، وَلَا يُتْرَكُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى دَارِهِ لِأَنَّ خَرَاجَ الْأَرْضِ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَانَ ذِمِّيًّا وَفِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا لَزِمَهُ خَرَاجُ الْأَرْضِ، فَبَعْدَ ذَلِكَ تَلْزَمُهُ الْجِزْيَةُ لِسَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِلُزُومِ الْخَرَاجِ فَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ وُجُوبِهِ (قَوْلُهُ بِأَنْ أُلْزِمَ بِهِ وَأُخِذَ مِنْهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَخْذِ اسْتِحْقَاقُ الْأَخْذِ مِنْهُ، وَهُوَ مَعْنَى الْوَضْعِ عَلَيْهِ فِي عِبَارَةِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَخْذَ بِالْفِعْلِ بَلْ هُوَ تَأْكِيدٌ لَرَدِّ مَا قِيلَ إنَّهُ يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِيهَا لِلتِّجَارَةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْمُرَادُ بِوَضْعِهِ إلْزَامُهُ بِهِ وَأَخْذُهُ مِنْهُ عِنْدَ حُلُولِ وَقْتِهِ، وَهُوَ بِمُبَاشَرَةِ السَّبَبِ، وَهُوَ زِرَاعَتُهَا أَوْ تَعْطِيلُهَا مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهَا إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِهِ أَوْ زِرَاعَتُهَا بِالْإِجَارَةِ وَهِيَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ لَا مِنْ الْمَالِكِ فَيَصِيرُ بِهِ ذِمِّيًّا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَى الْمَالِكِ اهـ أَيْ بِأَنْ كَانَ خَرَاجًا مُوَظَّفًا أَيْ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً، فَإِنَّهُ عَلَى مَالِكِ الْأَرْضِ، فَلَا يَصِيرُ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ ذِمِّيًّا لِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ. أَمَّا خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ: وَهُوَ مَا يَكُونُ جُزْءًا مِنْ الْخَارِجِ كَنِصْفِهِ أَوْ ثُلُثِهِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ، لَكِنْ هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا، أَمَّا عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 عِنْدَ حُلُولِ وَقْتِهِ لِأَنَّ خَرَاجَ الْأَرْضِ كَخَرَاجِ الرَّأْسِ (أَوْ صَارَ لَهَا) أَيْ الْمُسْتَأْمَنَةِ الْكِتَابِيَّةِ (زَوْجٌ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ) لِتَبَعِيَّتِهَا لَهُ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا (لَا عَكْسُهُ) لِإِمْكَانِ طَلَاقِهَا، وَلَوْ نَكَحَهَا هُنَا فَطَالَبَتْهُ بِمَهْرِهَا فَلَهَا مَنْعُهُ مِنْ الرُّجُوعِ تَتَارْخَانِيَّةٌ. فَلَوْ لَمْ يَفِ حَتَّى مَضَى حَوْلٌ يَنْبَغِي صَيْرُورَتُهُ ذِمِّيًّا عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الدُّرَرِ وَمِنْهُ عُلِمَ حُكْمُ الدَّيْنِ الْحَادِثِ فِي دَارِنَا. (فَإِنْ رَجَعَ) الْمُسْتَأْمَنُ (إلَيْهِمْ) وَلَوْ لِغَيْرِ دَارِهِ (حَلَّ دَمُهُ) لِبُطْلَانِ أَمَانِهِ (فَإِنْ تَرَكَ وَدِيعَةً عِنْدَ مَعْصُومٍ) مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ (أَوْ دَيْنًا) عَلَيْهِمَا (فَأُسِرَ أَوْ ظُهِرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ بِمَعْنَى غَلَبَ (عَلَيْهِمْ فَأَخَذُوهُ أَوْ قَتَلُوهُ سَقَطَ دَيْنُهُ) وَسَلَمُهُ وَمَا غُصِبَ مِنْهُ وَأُجْرَةُ عَيْنٍ أَجَّرَهَا لِسَبْقِ يَدِهِ (وَصَارَ مَالُهُ) كَوَدِيعَتِهِ وَمَا عِنْدَ شَرِيكِهِ وَمَضَارِبِهِ وَمَا فِي بَيْتِهِ فِي دَارِنَا (فَيْئًا) . وَاخْتُلِفَ فِي الرَّهْنِ وَرُجِّحَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ. وَفِي السِّرَاجِ: لَوْ بَعَثَ مَنْ يَأْخُذُ الْوَدِيعَةَ وَالْقَرْضَ   [رد المحتار] قَوْلِهِ فَإِنَّ الْخَرَاجَ مُطْلَقًا عَلَى الْمَالِكِ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْعُشْرِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ السَّرَخْسِيُّ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْعُشْرِ، وَقَدَّمْنَا تَرْجِيحَ قَوْلِ الْإِمَامِ هُنَاكَ فَفِي إطْلَاقِ الْفَتْحِ نَظَرٌ لِإِيهَامِهِ أَنَّ ذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ كَخَرَاجِ الرَّأْسِ) أَيْ فِي أَنَّهُ إذْ الْتَزَمَهُ صَارَ مُلْتَزِمًا الْمُقَامَ فِي دَارِنَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ صَارَ لَهَا إلَخْ) أَيْ تَصِيرُ ذِمِّيَّةً بِذَلِكَ وَظَاهِرُهُ أَنَّ النِّكَاحَ حَادِثٌ بَعْدَ دُخُولِهَا دَارَنَا، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ، فَإِنَّهُمَا لَوْ دَخَلَا دَارَنَا ثُمَّ صَارَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا، فَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ، وَقَيَّدَ بِالْكِتَابِيَّةِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً وَأَسْلَمَ زَوْجُهَا يَعْرِضُ الْقَاضِي عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ، فَإِنْ أَسْلَمَتْ وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كَمَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ (قَوْلُهُ لِتَبَعِيَّتِهَا لَهُ) الْمُرَادُ بِالتَّبَعِيَّةِ كَوْنُهَا الْتَزَمَتْ الْمُقَامَ مَعَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَهَذَا شَامِلٌ لِلزَّوْجِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا) فَالشَّرْطُ مُجَرَّدُ عَقْدِهِ عَلَيْهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الزَّيْلَعِيَّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا عَكْسُهُ) أَيْ لَا يَصِيرُ الْمُسْتَأْمَنُ ذِمِّيًّا إذَا نَكَحَ ذِمِّيَّةً لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ طَلَاقُهَا فَيَرْجِعُ إلَى بَلَدِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُلْتَزِمًا الْمُقَامَ وَكَذَا لَوْ دَخَلَا بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَتْ بَحْرٌ وَمَا فِي الْهِدَايَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ أَنَّهُ يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِالتَّزْوِيجِ فِي دَارِنَا غَلَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ مُخَالِفٌ لِلنُّسْخَةِ الْأَصْلِيَّةِ أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الدُّرَرِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَوْلُ الْإِمَامِ إنْ قُمْت سَنَةً وَضَعْنَا عَلَيْك الْجِزْيَةُ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ إلَخْ) أَيْ مِنْ حُكْمِ الْمَهْرِ عُلِمَ حُكْمُ غَيْرِهِ مِنْ الدَّيْنِ فَإِنَّ لِلدَّائِنِ مَنْعَهُ مِنْ الرُّجُوعِ أَيْضًا فَإِذَا مَنَعَهُ وَمَضَى حَوْلٌ صَارَ ذِمِّيًّا. (قَوْلُهُ فَإِنْ رَجَعَ الْمُسْتَأْمَنُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِكَوْنِهِ ذِمِّيًّا، أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ صَارَ حَرْبِيًّا كَمَا سَيَأْتِي بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَأُسِرَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ ظُهُورٍ عَلَى دَارِهِمْ بِأَنْ وَجَدَهُ مُسْلِمٌ فَأَسَرَهُ (قَوْلُهُ بِمَعْنَى غَلَبَ) الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِمْ لِقَوْلِ الْمُغْرِبِ ظَهَرَ عَلَيْهِ غَلَبَ (قَوْلُهُ فَأَخَذُوهُ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ هَرَبَ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ سَقَطَ دَيْنُهُ) لِأَنَّ إثْبَاتَ الْيَدِ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمُطَالَبَةِ، وَقَدْ سَقَطَتْ، وَيَدُ مَنْ عَلَيْهِ أَسْبَقُ إلَيْهِ مِنْ يَدِ الْعَامَّةِ فَيَخْتَصُّ بِهِ فَيَسْقُطُ وَلَا طَرِيقَ لِجَعْلِهِ فَيْئًا لِأَنَّهُ الَّذِي يُؤْخَذُ قَهْرًا، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الدَّيْنِ نَهْرٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ الْآتِي لِسَبْقِ يَدِهِ فَهُوَ عِلَّةٌ لِلْكُلِّ (قَوْلُهُ وَسَلَّمَهُ) أَيْ لَوْ أَسْلَمَ إلَى مُسْلِمٍ دَرَاهِمَ عَلَى شَيْءٍ (قَوْلُهُ وَمَا غُصِبَ مِنْهُ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا، وَبَنَى عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ السَّلَمَ وَالْأُجْرَةَ. (قَوْلُهُ وَصَارَ مَالُهُ) أَفَادَ أَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ مَالَهُ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمَدْيُونِ، وَلِلْمَالِكِ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِهِ لِيَسْتَوْفِيَ مِثْلَهُ لَا عَيْنَهُ (قَوْلُهُ كَوَدِيعَتِهِ) أَيْ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ مُلْتَقًى قَالَ ط وَكَذَا غَيْرُهُ بِالْأَوْلَى وَفِي الْبَحْرِ: وَإِنَّمَا صَارَتْ وَدِيعَتُهُ غَنِيمَةً لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ تَقْدِيرًا لِأَنَّ يَدَ الْمُودِعِ كَيَدِهِ فَيَصِيرُ فَيْئًا تَبَعًا لِنَفْسِهِ، وَإِذَا صَارَ مَالُهُ غَنِيمَةً لَا خُمُسَ فِيهِ وَإِنَّمَا يُصْرَفُ كَمَا يُصْرَفُ الْخَرَاجُ، وَالْجِزْيَةُ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِلَا قِتَالٍ بِخِلَافِ الْغَنِيمَةِ (قَوْلُهُ وَاخْتُلِفَ فِي الرَّهْنِ) فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُبَاعُ وَيُسْتَوْفَى دَيْنُهُ وَالزِّيَادَةُ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ فِي حُكْمِ الْوَدِيعَةِ بَحْرٌ وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ تَقْدِيمَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُؤْذِنُ بِتَرْجِيحِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 وَجَبَ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ انْتَهَى. وَعَلَيْهِ فَيُوَفَّى مِنْهُ دَيْنُهُ هُنَا وَلَوْ صَارَتْ وَدِيعَتُهُ فَيْئًا (وَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ فَقَطْ) بِلَا غَلَبَةٍ عَلَيْهِ. (فَدِيَتُهُ وَقَرْضُهُ وَوَدِيعَتُهُ لِوَرَثَتِهِ) لِأَنَّ نَفْسَهُ لَمْ تَصِرْ مَغْنُومَةً فَكَذَا مَالُهُ كَمَا لَوْ ظُهِرَ عَلَيْهِ فَهَرَبَ فَمَالُهُ لَهُ (حَرْبِيٌّ هُنَا لَهُ ثَمَّةَ عِرْسٌ وَأَوْلَادٌ وَوَدِيعَةٌ مَعَ مَعْصُومٍ وَغَيْرِهِ فَأَسْلَمَ) هُنَا أَوْ صَارَ ذِمِّيًّا (ثُمَّ ظَهْرَنَا عَلَيْهِمْ فَكُلُّهُ فَيْءٌ) لِعَدَمِ يَدِهِ وَوِلَايَتِهِ؛ وَلَوْ سُبِيَ طِفْلُهُ إلَيْنَا فَهُوَ قِنٌّ مُسْلِمٌ (وَإِنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ فَجَاءَ) هُنَا (فَظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَطِفْلُهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ)   [رد المحتار] وَهَذَا لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ إنَّمَا كَانَتْ فَيْئًا لِمَا مَرَّ أَنَّهَا فِي يَدِهِ حُكْمًا وَلَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ اهـ. وَأَجَابَ الْحَمَوِيُّ: بِأَنَّهُ عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ التَّقْدِيمَ يُفِيدُ التَّرْجِيحَ دَائِمًا فَيُفِيدُ أَرْجَحِيَّةَ الْأَوَّلِ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ قَدْرَ الدَّيْنِ، أَمَّا الزِّيَادَةُ فَقَدْ صَرَّحُوا فِي كِتَابِ الرَّهْنِ بِأَنَّهَا أَمَانَةٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ وَكَذَا قَالَ ح: الْحَقُّ مَا فِي الْبَحْرِ وَذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَجَبَ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ) لِأَنَّ مَالَهُ لَا يَصِيرُ فَيْئًا إلَّا بِأَسْرِهِ أَوْ بِقَتْلِهِ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا ط (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ، وَوَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّ طَلَبَ غَرِيمِهِ كَطَلَبِهِ بِوَكِيلِهِ، أَوْ رَسُولِهِ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا فِي الْبَحْرِ بَحْثًا فَقَالَ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا كَانَ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ دَيْنٌ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَدَانَهُ لَهُ فِي دَارِنَا ثُمَّ رَجَعَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بَاقٍ لِبَقَاءِ الْمُطَالَبَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُوَفَّى مِنْ مَالِهِ الْمَتْرُوكِ، وَلَوْ صَارَتْ وَدِيعَتُهُ فَيْئًا اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلنَّهْرِ مِنْ بِنَاءِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا قَبْلَهَا تَقْوِيَةً لِلْبَحْثِ، وَقَدْ عَلِمْت وَجْهَهُ وَقَالَ فِي النَّهْرِ، فَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ بَاعَهَا الْقَاضِي وَوَفَّى مِنْهَا وَقَدْ أَفْتَيْت بِذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَمَالُهُ لَهُ) وَكَذَا دَيْنُهُ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ مَنْ يَأْخُذُهُ وَجَبَ تَسْلِيمُهُ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ لَهُ ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ عِرْسٌ بِالْكَسْرِ أَيْ زَوْجَةٌ (قَوْلُهُ وَأَوْلَادٌ) أَيْ وَلَوْ صِغَارًا لِأَنَّ الصَّغِيرَ إنَّمَا يَتْبَعُ أَبَاهُ فِي الْإِسْلَامِ عِنْدَ اتِّحَادِ الدَّارِ بَحْرٌ: أَيْ وَلَوْ حُكْمًا لِمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ، وَكَذَا يَتْبَعُهُ إذَا كَانَ الْمَتْبُوعُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَالتَّابِعُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ اهـ أَيْ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ الصَّبِيُّ يَتْبَعُ أَحَدَ أَبَوَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ مَا لَمْ يَبْلُغْ وَخِلَافُهُ خَطَأٌ [تَنْبِيهٌ] فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَوْ دَخَلَ الصَّغِيرُ الَّذِي يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ دَارَنَا لِزِيَارَةِ أَبَوَيْهِ فَإِنْ كَانَا ذِمِّيَّيْنِ فَلَهُ الرُّجُوعُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلْمُسْلِمِ مِنْهُمَا لِأَنَّ الَّذِي يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فِي حُكْمِ التَّبَعِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ كَاَلَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ خَطَأُ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ فَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ هَاهُنَا عَلَى أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ تَنْقَطِعُ تَبَعِيَّةُ الْوَلَدِ فِي الْإِسْلَامِ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ بِبُلُوغِهِ عَاقِلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ السَّرَخْسِيُّ قَبْلَ ذَلِكَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ مَجْنُونًا تَبْقَى التَّبَعِيَّةُ، وَبِهِ ظَهَرَ مَا فِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ ابْنِ الشَّلَبِيِّ مِنْ أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا عَقَلَ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ خَطَأٌ وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ، وَفِي بَابِ الْجَنَائِزِ عِنْدَ قَوْلِهِ كَصَبِيٍّ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَبَقِيَ مَا لَوْ ادَّعَى الِابْنُ الْبُلُوغَ، وَبَرْهَنَ وَادَّعَى أَبُوهُ أَنَّهُ قَاصِرٌ وَبَرْهَنَ أَيْضًا يُرِيهِ الْقَاضِي أَهْلَ الْخِبْرَةِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْأَبِ إنَّهُ قَاصِرٌ، لِيَجْعَلَ الِابْنَ مُسْلِمًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الرَّحِيمِيُّ، وَأَطَالَ فِي تَحْقِيقِهِ فِي فَتَاوَاهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الدَّعْوَى (قَوْلُهُ: ثُمَّ ظَهْرَنَا عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى دَارِهِمْ. (قَوْلُهُ فَكُلُّهُ) أَيْ كُلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ عِرْسِهِ وَمَا بَعْدَهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ سُبِيَ طِفْلُهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ سُبِيَ الصَّبِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَصَارَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَهُوَ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِأَبِيهِ لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ إخْرَاجِهِ وَهُوَ فَيْءٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ لَكِنَّ فِي الْعَزْمِيَّةِ قَوْلُهُ: وَلَوْ سُبِيَ أَيْ مَعَ أُمِّهِ فَإِنَّهُ لَوْ سُبِيَ بِدُونِهَا لَا تَظْهَرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 لِاتِّحَادِ الدَّارِ (وَوَدِيعَتُهُ مَعَ مَعْصُومٍ لَهُ) لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ مُحْتَرَمَةٌ (وَغَيْرُهُ فَيْءٌ) وَلَوْ عَيْنًا غَصَبَهَا مُسْلِمٌ لِعَدَمِ النِّيَابَةِ فَتْحٌ (وَلِلْإِمَامِ) حَقُّ (أَخْذُ دِيَةِ مُسْلِمٍ لَا وَلِيَّ لَهُ) أَصْلًا (وَ) دِيَةِ (مُسْتَأْمَنٍ أَسْلَمَ هُنَا مِنْ عَاقِلَةِ قَاتِلِهِ خَطَأً) لِقَتْلِهِ نَفْسًا مَعْصُومَةً (وَفِي الْعَمْدِ لَهُ الْقَتْلُ) قِصَاصًا (أَوْ الدِّيَةُ) صُلْحًا (لَا الْعَفْوُ) نَظَرًا لِحَقِّ الْعَامَّةِ (حَرْبِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ أَوْ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَوَدٌ الْتَجَأَ بِالْحَرَمِ لَا يُقْتَلُ بَلْ يُحْبَسُ عِنْدَ الْغَدَاءِ لِيَخْرُجَ فَيُقْتَلَ) لِأَنَّ مَنْ دَخَلَهُ فَهُوَ آمِنٌ بِالنَّصِّ وَسَيَجِيءُ فِي الْجِنَايَاتِ (لَا تَصِيرُ دَارُ الْإِسْلَامِ دَارَ حَرْبٍ إلَّا) بِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ:   [رد المحتار] فَائِدَةُ التَّبَعِيَّةِ بِالْأَبِ، فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِإِسْلَامِهِ بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ عَلَى مَا مَرَّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ اهـ أَيْ فِي فَصْلِ الْجَنَائِزِ (قَوْلُهُ لِاتِّحَادِ الدَّارِ) لِأَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ تَبِعَهُ طِفْلُهُ دُرَرٌ. فَالْمُرَادُ بِالدَّارِ دَارُ الْحَرْبِ فَافْهَمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ يَكُونُ بَاقِيًا مَا لَمْ يُوجَدْ مُزِيلٌ وَمِثْلُهُ لَوْ لَمْ يُسْلِمْ بَلْ بَعَثَ إلَى الْإِمَامِ إنِّي ذِمَّةٌ لَكُمْ أُقِيمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَأَبْعَثُ بِالْخَرَاجِ كُلَّ سَنَةٍ جَازَ، وَيَكُونُ الْأَبُ أَحَقَّ بِهِ لِمَا قُلْنَا لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يُمْلَكُ بِالْقَهْرِ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ الْأَبُ فِي دَارِنَا أَوْ صَارَ ذِمِّيًّا، ثُمَّ رَجَعَ حَتَّى ظَهَرْنَا عَلَى دَارِهِمْ تَبِعَهُ طِفْلُهُ وَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ السِّيَرِ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ مَا ذُكِرَ مِنْ الطِّفْلِ الْوَدِيعَةِ مَعَ مَعْصُومٍ وَهُوَ أَوْلَادُهُ الْكِبَارُ وَعِرْسُهُ وَعَقَارُهُ وَوَدِيعَتُهُ مَعَ حَرْبِيٍّ دُرَرٌ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ النِّيَابَةِ) أَيْ نِيَابَةِ الْغَاصِبِ عَنْهُ. (قَوْلُهُ وَلِلْإِمَامِ حَقُّ أَخْذِ دِيَةِ إلَخْ) زَادَ لَفْظَ: حَقُّ إشَارَةً إلَى مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ أَخْذَهُ الدِّيَةَ لَيْسَ لِنَفْسِهِ، بَلْ لِيَضَعَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِهَا هُنَا، وَإِلَّا فَحُكْمُ الْقَتْلِ الْخَطَأِ مَعْلُومٌ، وَلِذَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْكَفَّارَةِ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ وَدِيَةِ مُسْتَأْمَنٍ أَسْلَمَ هُنَا) أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَأْمَنًا أَوْ لَمْ يُسْلِمْ لَا شَيْءَ عَلَى قَاتِلِهِ كَمَا فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ وَتَقَدَّمَ قُبَيْلَ هَذَا الْفَصْلِ مَا لَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ (قَوْلُهُ لَهُ الْقَتْلُ قِصَاصًا) لِأَنَّ الدِّيَةَ وَإِنْ كَانَتْ أَنْفَعَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ قَتْلِهِ لَكِنْ قَدْ تَعُودُ عَلَيْهِمْ مِنْ قَتْلِهِ مَنْفَعَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنْ يَنْزَجِرَ أَمْثَالُهُ عَنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِينَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ الدِّيَةُ صُلْحًا) أَيْ بِرِضَا الْقَاتِلِ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ هُوَ الْقَوَدُ بَحْرٌ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَ أَوْ يُصَالِحَ عَلَى الدِّيَةِ إنْ رَضِيَ الْقَاتِلُ بِالصُّلْحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الصُّلْحُ عَلَى أَقَلِّ مِنْ الدِّيَةِ، كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ الْآتِي إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ إثْبَاتُ الْقَتْلِ عَلَيْهِ كَمَا فِي وَصِيِّ الْيَتِيمِ تَأَمَّلْ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَهَلْ إذَا طَلَبَ الْإِمَامُ الدِّيَةَ يَنْقَلِبُ الْقِصَاصُ مَالًا كَمَا فِي الْوَلِيِّ فَلْيُنْظَرْ اهـ. قُلْت: الظَّاهِرُ: نَعَمْ لِقَوْلِ الْفَتْحِ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلسُّلْطَانِ ذَلِكَ أَيْ الْقَتْلُ أَوْ الصُّلْحُ لِأَنَّهُ هُوَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» . اهـ. (قَوْلُهُ نَظَرًا لَحِقَ الْعَامَّةِ) فَإِنَّ وِلَايَتَهُ عَلَيْهِمْ نَظَرِيَّةٌ، وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إسْقَاطُ حَقِّهِمْ بِلَا عِوَضٍ فَتْحٌ، وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ لَقِيطًا لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَ الْقَاتِلَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ أَوْ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَوَدٌ) أَيْ فِي نَفْسٍ، أَمَّا فِيمَا دُونَهَا فَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْحَرَمِ إجْمَاعًا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْجِنَايَاتِ ط (قَوْلُهُ الْتَجَأَ بِالْحَرَمِ) أَفَادَ أَنَّهُ لَمْ يُنْشِئْ الْقَتْلَ فِيهِ: فَلَوْ أَنْشَأَهُ فِيهِ قُتِلَ فِيهِ إجْمَاعًا وَلَوْ قَتَلَ فِي الْبَيْتِ لَا يُقْتَلُ فِيهِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْجِنَايَاتِ، وَفِي شَرْحِ السِّيَرِ: لَوْ كَانُوا جَمَاعَةً دَخَلُوا الْحَرَمَ لِلْقِتَالِ فَلَا بَأْسَ أَنْ نُقَاتِلَهُمْ - {حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة: 191]- لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَرَمِ لَا تُلْزِمُنَا تَحَمُّلَ أَذَاهُمْ كَالصَّيْدِ إذَا صَالَ عَلَى إنْسَانٍ فِي الْحَرَمِ، جَازَ قَتْلُهُ دَفْعًا لِأَذَاهُ وَلَوْ قَاتَلُوا فِي غَيْرِهِ، ثُمَّ انْهَزَمُوا وَدَخَلُوا فِيهِ لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ إلَّا إذَا كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ فِي الْحَرَمِ، وَصَارَتْ لَهُمْ مَنْعَةٌ لِأَنَّ الْمُلْتَجِئَ إلَى فِئَةٍ مُحَارِبُ وَجَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ هُوَ كَذَلِكَ فِي الْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ. اهـ. . . مَطْلَبٌ فِيمَا تَصِيرُ بِهِ دَارُ الْإِسْلَامِ دَارَ حَرْبٍ وَبِالْعَكْسِ (قَوْلُهُ لَا تَصِيرُ دَارُ الْإِسْلَامِ دَارَ حَرْبٍ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ يَغْلِبَ أَهْلُ الْحَرْبِ عَلَى دَارٍ مِنْ دُورِنَا أَوْ ارْتَدَّ أَهْلُ مِصْرَ وَغَلَبُوا وَأَجْرُوا أَحْكَامَ الْكُفْرِ أَوْ نَقَضَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْعَهْدَ، وَتَغَلَّبُوا عَلَى دَارِهِمْ، فَفِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ لَا تَصِيرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 (بِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَبِاتِّصَالِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ، وَبِأَنْ لَا يَبْقَى فِيهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ آمِنًا بِالْأَمَانِ الْأَوَّلِ) عَلَى نَفْسِهِ (وَدَارُ الْحَرْبِ تَصِيرُ دَارَ الْإِسْلَامِ بِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِيهَا) كَجُمُعَةٍ وَعِيدٍ (وَإِنْ بَقِيَ فِيهَا كَافِرٌ أَصْلِيٌّ وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ) دُرَرٌ، وَهَذَا ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ سَاقِطٌ مِنْ نُسَخِ الشَّرْحِ فَكَأَنَّهُ تَرَكَهُ لِمَجِيءِ بَعْضِهِ وَوُضُوحِ بَاقِيهِ.   [رد المحتار] دَارَ حَرْبٍ، إلَّا بِهَذِهِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ وَقَالَا: بِشَرْطٍ وَاحِدٍ لَا غَيْرَ وَهُوَ إظْهَارُ حُكْمِ الْكُفْرِ وَهُوَ الْقِيَاسُ هِنْدِيَّةٌ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى كَوْنِهَا صَارَتْ دَارَ حَرْبٍ أَنَّ الْحُدُودَ وَالْقَوَدَ لَا يَجْرِي فِيهَا وَأَنَّ الْأَسِيرَ الْمُسْلِمَ يَجُوزُ لَهُ التَّعَرُّضُ لِمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَتَنْعَكِسُ الْأَحْكَامُ إذَا صَارَتْ دَارُ الْحَرْبِ دَارَ الْإِسْلَامِ فَتَأَمَّلْ ط وَفِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إذَا تَحَقَّقَتْ تِلْكَ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ فِي مِصْرِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ حَصَلَ لِأَهْلِهِ الْأَمَانُ، وَنُصِّبَ فِيهِ قَاضٍ مُسْلِمٌ يُنَفِّذُ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ عَادَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَمَنْ ظَفِرَ مِنْ الْمُلَّاكِ الْأَقْدَمِينَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ بِعَيْنِهِ، فَهُوَ لَهُ بِلَا شَيْءٍ وَمَنْ ظَفِرَ بِهِ بَعْدَمَا بَاعَهُ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ مِنْ مُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ إنْ شَاءَ وَمَنْ ظَفِرَ بِهِ بَعْدَمَا وَهَبَهُ مُسْلِمٌ، أَوْ كَافِرٌ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ إنْ شَاءَ. اهـ. قُلْت: حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمَّا صَارَ دَارَ حَرْبٍ صَارَ فِي حُكْمِ مَا اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ فِي دَارِهِمْ (قَوْلُهُ بِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ أَهْلِ الشِّرْكِ) أَيْ عَلَى الِاشْتِهَارِ وَأَنْ لَا يُحْكَمَ فِيهَا بِحُكْمِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ هِنْدِيَّةٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ أُجْرِيَتْ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ، وَأَحْكَامُ أَهْلِ الشِّرْكِ لَا تَكُونُ دَارَ حَرْبٍ ط (قَوْلُهُ وَبِاتِّصَالِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ) بِأَنْ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُمَا بَلْدَةٌ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ هِنْدِيَّةٌ ط وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَحْرَ لَيْسَ فَاصِلًا، بَلْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ أَنَّ بَحْرَ الْمِلْحِ مُلْحَقٌ بِدَارِ الْحَرْبِ، خِلَافًا لِمَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ. قُلْت: وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الشَّامِ مِنْ جَبَلِ تَيْمِ اللَّهِ الْمُسَمَّى بِجَبَلِ الدُّرُوزِ وَبَعْضُ الْبِلَادِ التَّابِعَةِ كُلُّهَا دَارُ إسْلَامٍ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ لَهَا حُكَّامٌ دُرُوزٌ أَوْ نَصَارَى، وَلَهُمْ قُضَاةٌ عَلَى دِينِهِمْ وَبَعْضُهُمْ يُعْلِنُونَ بِشَتْمِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ لَكِنَّهُمْ تَحْتَ حُكْمِ وُلَاةِ أُمُورِنَا وَبِلَادُ الْإِسْلَامِ مُحِيطَةٌ بِبِلَادِهِمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَإِذَا أَرَادَ وَلِيُّ الْأَمْرِ تَنْفِيذَ أَحْكَامِنَا فِيهِمْ نَفَّذَهَا (قَوْلُهُ بِالْأَمَانِ الْأَوَّلِ) أَيْ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ لِلْمُسْلِمِ بِإِسْلَامِهِ وَلِلذِّمِّيِّ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ هِنْدِيَّةٌ ط. [تَتِمَّةٌ] ذَكَرَ فِي أَوَّلِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ كُلُّ مِصْرٍ فِيهِ وَالٍ مُسْلِمٌ مِنْ جِهَةِ الْكُفَّارِ، يَجُوزُ مِنْهُ إقَامَةُ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَأَخْذُ الْخَرَاجِ وَتَقْلِيدُ الْقَضَاءِ وَتَزْوِيجُ الْأَيَامَى لِاسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا طَاعَةُ الْكُفْرِ فَهِيَ مُوَادَعَةٌ وَمُخَادَعَةٌ وَأَمَّا فِي بِلَادٍ عَلَيْهَا وُلَاةٌ كُفَّارٌ فَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ إقَامَةُ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ، وَيَصِيرُ الْقَاضِي قَاضِيًا بِتَرَاضِي الْمُسْلِمِينَ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ طَلَبُ وَالٍ مُسْلِمٍ اهـ وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ قَوْلُهُ حَرْبِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ إلَى آخِرِ الْبَابِ وَقَوْلُهُ لِمَجِيءِ بَعْضِهِ أَيْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّهَا سَتَجِيءُ فِي الْجِنَايَاتِ وَقَوْلُهُ وَوُضُوحُ بَاقِيهِ أَيْ مَسْأَلَةِ الدَّارِ وَفِي وُضُوحِهَا نَظَرٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ] شُرُوعٌ فِيمَا عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ فِي أَرْضِهِ مِنْ الْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ إذَا صَارَ ذِمِّيًّا بَعْدَ الْفَرَاغِ عَمَّا بِهِ يَصِيرُ ذِمِّيًّا وَذَكَرَ لِلْعُشْرِ مَعَهُ تَتْمِيمًا لِوَظِيفَةِ الْأَرْضِ وَقَدَّمَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ نَهْرٌ وَأَلْحَقَ بِهِ الْجِزْيَةَ لِأَنَّ الْمَصْرِفَ وَاحِدٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 [مَطْلَبٌ فِيمَا تَصِيرُ بِهِ دَارُ الْإِسْلَامِ دَارَ حَرْبٍ وَبِالْعَكْسِ] بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ (أَرْضَ الْعَرَبِ) وَهِيَ مِنْ حَدِّ الشَّامِ وَالْكُوفَةِ إلَى أَقْصَى الْيَمَنِ (وَمَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ) طَوْعًا (أَوْ فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِمَ بَيْنَ جَيْشَنَا وَالْبَصْرَةَ) أَيْضًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ (عُشْرِيَّةٌ) لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالْمُسْلِمِ وَكَذَا بُسْتَانُ مُسْلِمٍ أَوْ كَرْمُهُ كَانَ دَارِهِ دُرَرٌ وَمَرَّ فِي بَابِ الْعَاشِرِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا وَحَرَّرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى (وَسَوَادُ) قُرَى (الْعِرَاقِ وَحَدُّهُ مِنْ الْعُذَيْبِ) طُولًا بِضَمٍّ فَفَتْحٍ   [رد المحتار] (قَوْلُهُ أَرْضُ الْعَرَبِ) فِي مُخْتَصَرِ تَقْوِيمِ الْبُلْدَانِ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: تِهَامَةُ وَنَجْدٌ وَحِجَازٌ وَعَرُوضٌ، وَيَمَنُ فَأَمَّا تِهَامَةُ فَهِيَ النَّاحِيَةُ الْجَنُوبِيَّةُ مِنْ الْحِجَازِ، وَأَمَّا نَجْدٌ فَهِيَ النَّاحِيَةُ الَّتِي بَيْنَ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ، وَأَمَّا الْحِجَازُ فَهُوَ حَبْلٌ يُقْبِلُ مِنْ الْيَمَنِ حَتَّى يَتَّصِلَ بِالشَّامِ، وَفِيهِ الْمَدِينَةُ وَعَمَّانُ، وَأَمَّا الْعَرُوضُ فَهُوَ الْيَمَامَةُ إلَى الْبَحْرَيْنِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْحِجَازُ حِجَازًا لِأَنَّهُ حَجَزَ بَيْنَ نَجْدٍ وَالْيَمَامَةِ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: الْحِجَازُ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى تَبُوكَ، وَمِنْ الْمَدِينَةِ إلَى طَرِيقِ الْكُوفَةِ، وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُشَارِفَ الْبَصْرَةَ، فَهُوَ نَجْدٌ وَمِنْ الْمَدِينَةِ إلَى طَرِيقِ مَكَّةَ إلَى أَنْ يَبْلُغَ هَبَطَ الْعَرْجِ حِجَازٌ أَيْضًا وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ إلَى مَكَّةَ وَجُدَّةَ فَهُوَ تِهَامَةٌ وَمَا كَانَ بَيْنَ الْعِرَاقِ وَبَيْنَ وَجْرَةَ وَغَمْرَةِ الطَّائِفِ فَهُوَ نَجْدٌ وَمَا وَرَاءَ وَجْرَةَ إلَى الْبَحْرِ فَهُوَ تِهَامَةُ وَمَا بَيْنَ تِهَامَةَ وَنَجْدٍ فَهُوَ حِجَازٌ (قَوْلُهُ وَهِيَ مِنْ حَدِّ الشَّامِ) نَظَمَ بَعْضُهُمْ حَدَّهَا طُولًا وَعَرْضًا بِقَوْلِهِ: جَزِيرَةُ هَذِهِ الْأَعْرَابِ حُدَّتْ ... بِحَدٍّ عِلْمُهُ لِلْحَشْرِ بَاقِي فَأَمَّا الطُّولُ عِنْدَ مُحَقِّقِيهِ ... فَمِنْ عَدَنٍ إلَى رَبْوِ الْعِرَاقِ وَسَاحِلُ جُدَّةٍ إنْ سِرْت عَرْضًا ... إلَى أَرْضِ الشَّآمِ بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ وَمَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ) أَيْ وَالْأَرْضُ الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلُهَا وَذِكْرُ الضَّمِيرِ هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي مُرَاعَاةٌ لِلَفْظِ مَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ عَنْوَةً) بِالْفَتْحِ قَالَ الْفَارَابِيُّ: وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ يُطْلَقُ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْقَهْرِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَقُسِمَ بَيْنَ جَيْشِنَا) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا قُسِمَ بَيْنَ قَوْمٍ كَافِرِينَ غَيْرِ أَهْلِهِ، فَإِنَّهُ خَرَاجِيٌّ كَمَا فِي النُّتَفِ، وَلَوْ قَالَ: بَيْنَنَا لَشَمَلَ مَا إذَا قُسِمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ غَيْرِ الْغَانِمِينَ، فَإِنَّهُ عَشْرِيٌّ لِأَنَّ الْخَرَاجَ لَا يُوَظَّفُ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَالْبَصْرَةِ أَيْضًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ خَرَاجِيَّةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهَا بِقُرْبِ أَرْضِ الْخَرَاجِ، لَكِنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - دُرٌّ مُنْتَقًى وَغَيْرُهُ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ مَا أَحْيَاهُ مُسْلِمٌ يُعْتَبَرُ قُرْبَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْتَبَرُ الْمَاءُ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَالْبَصْرَةُ أَحْيَاهَا الْمُسْلِمُونَ لِأَنَّهَا بُنِيَتْ فِي أَيَّامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهِيَ فِي حَيِّزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنْ تَكُونَ خَرَاجِيَّةً (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالْمُسْلِمِ) أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَكَذَا هُوَ أَخَفُّ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْخَارِجِ، وَهَذَا عِلَّةٌ لِمَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ أَوْ قُسِمَ بَيْنَ جَيْشِنَا، وَأَمَّا أَرْضُ الْعَرَبِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْخُلَفَاءِ أَخْذُ خَرَاجٍ مِنْ أَرَاضِيهِمْ وَكَمَا لَا رِقَّ عَلَيْهِمْ لَا خَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيهِمْ نَهْرٌ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَحَرَّرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى) نَصُّهُ وَفِي دَارٍ جُعِلَتْ بُسْتَانًا خَرَاجٌ إنْ كَانَتْ لِذِمِّيٍّ مُطْلَقًا خِلَافًا لَهُمَا أَوْ لِمُسْلِمٍ سَقَاهَا بِمَائِهِ أَيْ الْخَرَاجِ، وَإِنْ سَقَاهَا بِمَاءِ الْعُشْرِ فَعُشْرٌ، وَلَوْ أَنَّ الْمُسْلِمَ أَوْ الذِّمِّيَّ سَقَاهَا مَرَّةً بِمَاءِ الْعُشْرِ وَمَرَّةً بِمَاءِ الْخَرَاجِ، فَالْمُسْلِمُ أَحَقُّ بِالْعُشْرِ وَالذِّمِّيُّ بِالْخَرَاجِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ. وَاسْتَشْكَلَ الْبَاقَانِيُّ وُجُوبَ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً فِيمَا إذَا سَقَاهَا بِمَاءِ الْخَرَاجِ، بَلْ عَلَيْهِ الْعُشْرُ بِكُلِّ حَالٍّ وَفِي الْغَايَةِ عَنْ السَّرَخْسِيِّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْمَمْنُوعَ فِي وَضِعْ فِي الْخَرَاجِ عَلَيْهِ جَبْرٌ أَمَّا بِاخْتِيَارِهِ فَيَجُوزُ كَمَا هُنَا وَكَمَا لَوْ أَحْيَا مَوَاتًا بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَسَقَاهَا بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ. اهـ. ح وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَاءِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ. (قَوْلُهُ وَسَوَادُ قُرَى الْعِرَاقِ) أَيْ عِرَاقِ الْعَرَبِ دُرَرٌ. فِي الْقَامُوسِ: سَوَادُ الْبَلَدِ قُرَاهَا وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ لِخُضْرَةِ أَشْجَارِهِ وَكَثْرَةِ زُرُوعِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْكُوفَةِ (إلَى عُقْبَةِ حُلْوَانَ) بْنِ عِمْرَانَ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ قَرْيَةٌ بَيْنَ بَغْدَادَ وَهَمَزَانَ (عَرْضًا وَمِنْ الْغَلْثِ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٌ فَمُثَلَّثَةٌ قَرْيَةٌ شَرْقِيُّ دِجْلَةَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْعَلَوِيَّةِ، وَمَا قِيلَ مِنْ الثَّعْلَبَةِ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ غَلَطُ مُصَنَّفٍ عَنْ الْمُغْرِبِ (إلَى عَبَّادَانَ) بِالتَّشْدِيدِ حِصْنٌ صَغِيرٌ بِشَطِّ الْبَحْرِ فِي الْمَثَلِ: لَيْسَ وَرَاءَ عَبَّادَانَ قَرْيَةٌ مُسْتَصْفًى (طُولًا) وَبِالْأَيَّامِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَنِصْفٌ وَعَرْضُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ سِرَاجٌ (وَمَا فُتِحَ عَنْوَةً و) لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ جَيْشِنَا إلَّا مَكَّةَ سَوَاءٌ (أَقَرَّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ) أَوْ نُقِلَ إلَيْهِ كُفَّارٌ أُخَرُ (أَوْ فُتِحَ صُلْحًا خَرَاجِيَّةٌ) لِأَنَّهُ أَلِيقُ بِالْكَافِرِ (وَأَرْضُ السَّوَادِ مَمْلُوكَةٌ   [رد المحتار] وَالْعِرَاقُ بِالْكَسْرِ اسْمُ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ وَبَغْدَادَ وَنَوَاحِيهَا دُرٌّ مُنْتَقًى وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ قُرَى بَدَلٌ مِنْ سَوَادٍ أَوْ تَفْسِيرٌ عَلَى إسْقَاطِ أَيْ التَّفْسِيرِيَّةِ، وَالِاحْتِرَازُ بِعِرَاقِ الْعَرَبِ عَنْ عِرَاقِ الْعَجَمِ، وَهُوَ مِنْ الْغَرْبِ أَذْرَبِيجَانُ وَمِنْ الْجَنُوبِ شَيْءٌ مِنْ الْعِرَاقِ وَخُوزِسْتَانُ وَمِنْ الشَّرْقِ مَفَازَةُ خُرَاسَانَ وَفَارِسٍ وَمِنْ الشِّمَالِ بِلَادُ الدَّيْلَمِ وَقَرَفَيْنِ كَمَا فِي تَقْوِيمِ الْبُلْدَانِ (قَوْلُهُ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْكُوفَةِ) الَّذِي فِي تَقْوِيمِ الْبُلْدَانِ أَنَّهُ مَاءٌ لِبَنِي تَمِيمٍ، وَهُوَ أَوَّلُ مَاءٍ يَلْقَى الْإِنْسَانَ بِالْبَادِيَةِ إذَا سَارَ مِنْ قَادِسِيَّةِ الْكُوفَةِ يُرِيدُ مَكَّةَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْقَرْيَةِ الْقَادِسِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ فِي تَقْوِيمِ الْبُلْدَانِ جَعَلَهَا الْحَدَّ فَإِنَّهُ قَالَ وَامْتِدَادُ الْعِرَاقِ طُولًا شَمَالًا وَجَنُوبًا مِنْ الْحَدِيثَةِ عَلَى دِجْلَةَ إلَى عَبْدَانَ وَامْتِدَادُهُ عَرْضًا وَغَرْبًا وَشَرْقًا مِنْ الْقَادِسِيَّةِ إلَى حُلْوَانَ. (قَوْلُهُ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ) أَيْ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ (قَوْلُهُ مِنْ الثَّعْلَبَةِ) الَّذِي رَأَيْته فَفِي غَيْرِ الثَّعْلَبِيَّةِ بِيَاءِ النِّسْبَةِ (قَوْلُهُ غَلَطٌ) لِأَنَّهَا مِنْ مَنَازِلِ الْبَادِيَةِ بَعْدَ الْعُذَيْبَةِ بِكَثِيرٍ كَمَا نُقِلَ عَنْ ذَخِيرَةِ الْعَقَبِيِّ (قَوْلُهُ حِصْنٌ صَغِيرٌ بِشَطِّ الْبَحْرِ) أَيْ بَحْرِ فَارِسٍ، وَهُوَ يَدُورُ بِهَا فَلَا يَبْقَى مِنْهَا فِي الْبَرِّ إلَّا الْقَلِيلُ وَهِيَ عَنْ الْبَصْرَةِ مَرْحَلَةٌ وَنِصْفٌ كَذَا فِي تَقْوِيمِ الْبُلْدَانِ (قَوْلُهُ وَبِالْأَيَّامِ إلَخْ) قَالَ فِي تَقْوِيمِ الْبُلْدَانِ وَالسَّائِرُ مِنْ تَكْرِيتَ، وَهِيَ عَلَى النِّهَايَةِ الشَّمَالِيَّةِ لِلْعِرَاقِ إلَى عَبْدَانَ: وَهِيَ عَلَى النِّهَايَةِ الْجَنُوبِيَّةِ لَهُ عَلَى تَقْوِيسِ الْحَدِّ الشَّرْقِيِّ مَسَافَةُ شَهْرٍ، وَكَذَلِكَ مِنْ تَكْرِيتَ إلَى عَبْدَانَ إذَا سَارَ عَلَى تَقْوِيسِ الْحَدِّ الْغَرْبِيِّ أَعْنِي مِنْ تَكْرِيتَ إلَى الْأَنْبَارِ إلَى وَاسِطٍ إلَى الْبَصْرَةِ إلَى عَبَّادَانَ يَكُونُ دُورُ الْعِرَاقِ مَسَافَةَ شَهْرَيْنِ وَطُولُهُ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ مِنْ تَكْرِيتَ إلَى عَبْدَانَ نَحْوَ عِشْرِينَ مَرْحَلَةٍ وَعَرْضُ الْعِرَاقِ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ إلَى حُلْوَانَ نَحْوَ إحْدَى عَشْرَةَ مَرْحَلَةً اهـ تَأَمَّلْ. وَهَذَا تَحْدِيدُ الْعِرَاقِ بِتَمَامِهِ وَأَمَّا تَحْدِيدُ سَوَادِهِ، فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبِنَايَةِ عَنْ شَرْحِ الْوَجِيزِ: طُولُ سَوَادِ الْعِرَاقِ مِائَةٌ وَسِتُّونَ فَرْسَخًا وَعَرْضُهُ ثَمَانُونَ فَرْسَخًا وَمِسَاحَتُهُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ أَلْفَ أَلْفٍ جَرِيبٍ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا مَكَّةَ) فَإِنَّهَا وَإِنْ فُتِحَتْ عَنْوَةً، لَكِنَّهَا عُشْرِيَّةٌ لِأَنَّهَا مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ أُقِرَّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلْكَنْزِ، وَأُقِرَّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي كَوْنِهَا خَرَاجِيَّةً بَلْ الشَّرْطُ عَدَمُ قِسْمَتِهَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ كَمَا فِي النَّهْرِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ كَوْنَهَا خَرَاجِيَّةً بِأَنْ تُسْقَى بِمَاءِ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا سُقِيَتْ بِمَاءِ الْعُشْرِ كَمَا إذَا قُسِمَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهَا عُشْرِيَّةٌ، وَإِنْ سُقِيَتْ بِمَاءِ الْخَرَاجِ، وَإِنَّمَا التَّفْصِيلُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يُسْقَى بِمَاءِ الْعُشْرِ أَوْ بِمَاءِ الْخَرَاجِ فِي الْأَرْضِ الْمُحْيَاةِ لِمُسْلِمٍ الَّتِي لَمْ تُقْسَمْ، وَلَمْ يُقَرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَيَأْتِي بِتَمَامِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالْكَافِرِ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْجِزْيَةَ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَلِأَنَّ فِيهِ تَغْلِيظًا حَيْثُ يَجِبُ وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْ بِخِلَافِ الْعُشْرِ لِتَعَلُّقِهِ بِعَيْنِ الْخَارِجِ لَا بِالْأَرْضِ. . مَطْلَبٌ فِي أَنَّ أَرْضَ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ عَنْوَةٌ خَرَاجِيَّةٌ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا (قَوْلُهُ وَأَرْضُ السَّوَادِ) أَيْ سَوَادِ الْعِرَاقِ أَيْ قُرَاهُ وَكَذَا كُلُّ مَا فُتِحَ عَنْوَةً وَأُقِرَّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ أَوْ صُولِحُوا وَوُضِعَ الْخَرَاجُ عَلَى أَرَاضِيهِمْ: فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا دُرٌّ مُنْتَقًى قُلْت: وَكَذَا أَرْضُ الشَّامِ وَمِصْرَ فُتِحَتْ عَنْوَةً عَلَى الصَّحِيحِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 لِأَهْلِهَا يَجُوزُ بَيْعُهُمْ لَهَا وَتَصَرُّفُهُمْ فِيهَا) هِدَايَةٌ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ هِيَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُمْ فَتْحٌ (وَيَجِبُ الْخَرَاجُ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ) إلَّا الْمُشْتَرَاةَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إذَا وَقَفَهَا مُشْتَرِيهَا فَلَا عُشْرَ وَلَا خَرَاجَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ مَعْزِيًّا لِلْبَحْرِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يُوقِفْهَا كَمَا ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى (وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَوْ) كَانَتْ الْأَرْضُ (خَرَاجِيَّةً وَالْعُشْرُ   [رد المحتار] وَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا بِالْخَرَاجِ فَقَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ: وَهَذِهِ الْأَرْضُونَ إذَا قُسِمَتْ فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ وَإِنْ تَرَكَهَا الْإِمَامُ فِي أَيْدِي أَهْلِهَا الَّذِينَ قُهِرُوا عَلَيْهَا فَهُوَ حَسَنٌ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ افْتَتَحُوا أَرْضَ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ، وَلَمْ يُقْسِمُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَلْ وَضَعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَيْهَا الْخَرَاجَ، وَلَيْسَ فِيهَا خُمُسٌ اهـ مُلَخَّصًا فَقَدْ أَفَادَ أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا. مَطْلَبٌ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْأَرَاضِي الْمِصْرِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُهُمْ لَهَا وَتَصَرُّفُهُمْ فِيهَا) أَيْ بِالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا فَتَحَ أَرْضًا عَنْوَةً لَهُ أَنْ يُقِرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا، وَيَضَعَ عَلَيْهَا الْخَرَاجَ وَعَلَى رُءُوسِهِمْ الْجِزْيَةَ فَتَبْقَى الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً لِأَهْلِهَا وَقَدَّمْنَاهُ قَبْلَ بَابِ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ فَتْحٌ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَفَى: وَتُورَثُ عَنْهُمْ إلَى أَنْ لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ فَيَنْتَقِلُ الْمِلْكُ لِبَيْتِ الْمَالِ إلَخْ وَيَأْتِي تَمَامُهُ. (قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْخَرَاجُ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ) أَيْ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ، كَمَا يَأْتِي تَقْيِيدُهُ فِي قَوْلِهِ لَوْ خَرَاجِيَّةً إلَخْ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْأَرْضَ تَبْقَى وَظِيفَتُهَا بَعْدَ الْوَقْفِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَهُ. مَطْلَبٌ الْأَرَاضِي الْمُمَلَّكَةُ وَالْحَوْزُ لَا عُشْرِيَّةَ وَلَا خَرَاجِيَّةَ (قَوْلُهُ فَلَا عُشْرَ وَلَا خَرَاجَ) لَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَحْرِ الْعُشْرَ وَإِنَّمَا قَالَ بَعْدَمَا حَقَّقَ: أَنَّ الْخَرَاجَ ارْتَفَعَ عَنْ أَرَاضِي مِصْرَ لِعَوْدِهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ بِمَوْتِ مُلَّاكِهَا قَالَ: فَإِذَا اشْتَرَاهَا إنْسَانٌ مِنْ الْإِمَامِ بِشَرْطِهِ شِرَاءً صَحِيحًا مَلَكَهَا، وَلَا خَرَاجَ عَلَيْهَا، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ لِأَنَّ الْإِمَامَ قَدْ أَخَذَ الْبَدَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِذَا وَقَفَهَا وَقَفَهَا سَالِمَةً مِنْ الْمُؤَنِ، فَلَا يَجِبُ الْخَرَاجُ فِيهَا وَتَمَامُهُ فِيمَا كَتَبْنَاهُ فِي التُّحْفَةِ الْمَرْضِيَّةِ فِي الْأَرَاضِي الْمِصْرِيَّةِ اهـ. نَعَمْ ذَكَرَ الْعُشْرَ فِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ فَقَالَ: إنَّهُ لَا يَجِبُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ فِيهِ نَقْلًا. قُلْت: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِأَنَّهُمْ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ فَرْضِيَّةَ الْعُشْرِ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ، وَبِأَنَّهُ زَكَاةُ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ وَبِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الْأَرْضِ الْغَيْرِ الْخَرَاجِيَّةِ، وَبِأَنَّهُ يَجِبُ فِيمَا لَيْسَ بِعَشْرِيٍّ وَلَا خَرَاجِيٍّ كَالْمَفَاوِزِ وَالْجِبَالِ، وَبِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْخَارِجِ حَقِيقَةً، بِأَنَّهُ يَجِبُ فِي أَرْضِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ، وَبِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ شَرْطٍ فِيهِ بَلْ الشَّرْطُ مِلْكُ الْخَارِجِ، فَيَجِبُ فِي الْأَرَاضِي الْمَوْقُوفَةِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى - {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267]- وقَوْله تَعَالَى - {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]- وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا سَقَتْ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ» وَلِأَنَّ الْعُشْرَ يَجِبُ فِي الْخَارِجِ لَا فِي الْأَرْضِ، فَكَانَ مِلْكُ الْأَرْضِ وَعَدَمُهُ سَوَاءً كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ الْمُشْتَرَاةَ وُجِدَ فِيهَا سَبَبُ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ وَشَرْطُهُ وَهُوَ مِلْكُ الْخَارِجِ، وَدَلِيلُهُ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا وَقَوْلُ الْمَتْنِ: يَجِبُ الْعُشْرُ فِي مَسْقَى سَمَاءٍ وَسَيْحٍ إلَخْ فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْأَرْضِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ، وَنَقْلٍ صَرِيحٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْخَرَاجِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْأَرْضِ سُقُوطُ الْعُشْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْخَارِجِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُنَازَعُ فِي سُقُوطِ الْخَرَاجِ، حَيْثُ كَانَتْ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ أَوْ سُقِيَتْ بِمِائَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْغَازِي الَّذِي اخْتَطَّ لَهُ الْإِمَامُ دَارًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا فَإِذَا جَعَلَهَا بُسْتَانًا، وَسَقَاهَا بِمَاءِ الْعَشْرِ، فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ أَوْ بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ كَمَا يَأْتِي مَعَ أَنَّ الْوَاقِعَ الْآنَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْقُرَى أَوْ الْمَزَارِعِ الْمَوْقُوفَةِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهَا لِلْمَيْرَى النِّصْفُ أَوْ الرُّبْعُ، أَوْ الْعُشْرُ وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْعُشْرِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ خَرَاجِيَّةً) شَرْطٌ لِقَوْلِهِ وَيَجِبُ الْخَرَاجُ وَقَوْلُهُ وَالْعُشْرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 لَوْ عُشْرِيَّةً) دُرَرٌ وَمَرَّ فِي الزَّكَاةِ وَقَالُوا أَرَاضِي الشَّامُ وَمِصْرَ خَرَاجِيَّةٌ وَفِي الْفَتْحِ الْمَأْخُوذِ الْآنَ مِنْ أَرَاضِي مِصْرَ أُجْرَةٌ لَا خَرَاجٌ،   [رد المحتار] عُطِفَ عَلَى الْخَرَاجِ. (قَوْلُهُ وَقَالُوا إلَخْ) هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَالْحَاصِلُ: الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهَا خَرَاجِيَّةٌ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، أَوْ صُلْحًا وَلَا يُؤَثِّرُ فِي كَوْنِهَا خَرَاجِيَّةً لِأَنَّهَا تَكُونُ خَرَاجِيَّةً إذَا لَمْ يُسْلِمْ أَهْلُهَا سَوَاءٌ فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَمُنَّ عَلَى أَهْلِهَا بِهَا أَوْ صُلْحًا، وَوُضِعَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ كَمَا مَرَّ آنِفًا. مَطْلَبٌ لَا شَيْءَ عَلَى زُرَّاعِ الْأَرَاضِي السُّلْطَانِيَّةِ مِنْ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ سِوَى الْأُجْرَةِ (قَوْلُهُ الْمَأْخُوذُ الْآنَ مِنْ أَرَاضِي مِصْرَ أُجْرَةٌ لَا خَرَاجٌ) وَكَذَا أَرَاضِي الشَّامِ كَمَا يَأْتِي عَنْ فَضْلِ اللَّهِ الرُّومِيِّ، وَقَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى فَيُؤَجِّرُهَا الْإِمَامُ، وَيَأْخُذُ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ لِبَيْتِ الْمَالِ كَدَارٍ صَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَاخْتَارَ السُّلْطَانُ اسْتِغْلَالَهَا وَإِنْ اخْتَارَ بَيْعَهَا فَلَهُ ذَلِكَ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ لِحَاجَةٍ فَثَبَتَ أَنَّ بَيْعَ الْأَرَاضِي الْمِصْرِيَّةِ وَكَذَا الشَّامِيَّةُ صَحِيحٌ مُطْلَقًا إمَّا مِنْ مَالِكِهَا أَوْ مِنْ السُّلْطَانِ فَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِكِهَا انْتَقَلَتْ بِخَرَاجِهَا، وَإِنْ مِنْ السُّلْطَانِ فَإِنْ لِعَجْزِ مَالِكِهَا عَنْ زِرَاعَتِهَا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لِمَوْتِ مَالِكِهَا فَقَدَّمْنَا أَنَّهَا صَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ وَأَنَّ الْخَرَاجَ سَقَطَ عَنْهَا فَإِذَا بَاعَهَا الْإِمَامُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي خَرَاجٌ سَوَاءٌ وَقَفَهَا أَوْ أَبْقَاهَا. قُلْت: وَهَذَا نَوْعٌ ثَالِثٌ يَعْنِي لَا عُشْرِيَّةٍ وَلَا خَرَاجِيَّةَ مِنْ الْأَرَاضِي تُسَمَّى أَرْضَ الْمُمَلَّكَةِ وَأَرَاضِي الْحَوْزِ، وَهُوَ مَنْ مَاتَ أَرْبَابُهُ بِلَا وَارِثٍ وَآلَ لِبَيْتِ الْمَالِ أَوْ فُتِحَ عَنْوَةً، وَأُبْقِيَ لِلْمُسْلِمِينَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَحُكْمُهُ عَلَى مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ دَفْعُهُ لِلزُّرَّاعِ بِأَحَدِ طَرِيقَيْنِ إمَّا بِإِقَامَتِهِمْ مَقَامَ الْمُلَّاكِ فِي الزِّرَاعَةِ وَإِعْطَاءِ الْخَرَاجِ، وَأَمَّا بِإِجَارَتِهَا لَهُمْ بِقَدْرِ الْخَرَاجِ، فَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ خَرَاجًا، ثُمَّ إنْ كَانَ دَرَاهِمَ فَهُوَ خَرَاجٌ مُوَظَّفٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْضَ الْخَرَاجِ فَخَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْإِكْرَاءِ فَأُجْرَةٌ لَا غَيْرَ لَا عُشْرَ وَلَا خَرَاجَ فَلَمَّا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الْمُؤْنَتَيْنِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ فِي أَرَاضِي الْمُمَلَّكَةِ وَالْحَوْزِ كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْهَا أُجْرَةً لَا غَيْرَ اهـ مَا فِي الدُّرَرِ الْمُنْتَقَى مُلَخَّصًا. مَطْلَبٌ لَا شَيْءَ عَلَى الْفَلَّاحِ لَوْ عَطَّلَهَا وَلَوْ تَرَكَهَا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا قُلْت: فَعَلَى هَذَا لَا شَيْءَ عَلَى زُرَّاعِهَا مِنْ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ إلَّا عَلَى قَوْلِهِمَا بِأَنَّ الْعُشْرَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ عَلَى أَنَّك عَلِمْت أَنَّ الْمَأْخُوذَ لَيْسَ أُجْرَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ هُوَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ خَرَاجٌ، وَلَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ مَعَ خَرَاجٍ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْخَيْرِيَّةِ الزَّارِعِ فِي الْأَرْضِ الْوَقْفَ عَامِلٌ بِالْحِصَّةِ وَهُوَ كَالْمُسْتَأْجِرِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ خَرَاجٌ قَالَ فِي الْإِسْعَافِ وَإِذَا دَفَعَ الْمُتَوَلِّي الْأَرْضَ مُزَارَعَةً فَالْخَرَاجُ أَوْ الْعُشْرُ مِنْ حِصَّةِ أَهْلِ الْوَقْفِ لِأَنَّهَا إجَارَةُ مَعْنًى، وَبِمِثْلِهِ نَقُولُ: إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَتُدْفَعُ مُزَارَعَةً لِلْمُزَارِعِينَ، فَالْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ بَدَلُ إجَارَةٍ لَا خَرَاجٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْكَمَالُ وَغَيْرُهُ وَمِمَّا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ أَنَّ خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ، لَا يَلْزَمُ بِالتَّعْطِيلِ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْفَلَّاحِ لَوْ عَطَّلَهَا وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَأْجِرٍ لَهَا وَلَا جَبْرَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهَا وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ بَعْضَ الْمُزَارِعِينَ إذَا تَرَكَ الزِّرَاعَةَ وَسَكَنَ مِصْرًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَمَا تَفْعَلُهُ الظَّلَمَةُ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِ حَرَامٌ صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ اهـ مُلَخَّصًا لَكِنْ إذَا كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمُزَارِعِينَ كَالرُّبْعِ أَوْ الثُّلُثِ، مِنْ الْغَلَّةِ بَدَلُ إجَارَةٍ كَمَا مَرَّ، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ مِنْهَا، وَهُوَ فَاسِدٌ لِجَهَالَتِهِ، فَمَا وَجْهُ الْجَوَازِ هُنَا قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَالْجَوَابُ مَا قُلْنَا إنَّهُ جُعِلَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ خَرَاجًا وَفِي حَقِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِلزُّرَّاعِ كَأَنَّهُ لِمَوْتِ الْمَالِكِينَ شَيْئًا فَشَيْئًا بِلَا وَارِثٍ فَصَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ   [رد المحتار] الْأَكَرَةِ أُجْرَةً لِضَرُورَةِ عَدَمِ صِحَّةِ الْخَرَاجِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِمَا مَرَّ اهـ أَيْ لِعَدَمِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ مَوْتِ أَهْلِهَا، وَصَيْرُورَتِهَا لِبَيْتِ الْمَالِ. قُلْت: لَكِنْ يُمْكِنُ جَعْلُهَا مُزَارَعَةً كَمَا مَرَّ فِي كَلَامِ الْخَيْرِيَّةِ: وَهِيَ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ لَا إجَارَةً حَقِيقَةً، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ إنَّ الْمَأْخُوذَ بَدَلُ إجَارَةٍ. مَطْلَبٌ الْقَوْلُ لِذِي الْيَدِ أَنَّ الْأَرْضَ مِلْكُهُ وَإِنْ كَانَتْ خَرَاجِيَّةً ثُمَّ اعْلَمْ: أَنَّ أَرَاضِيَ بَيْتِ الْمَالِ الْمُسَمَّاةِ بِأَرَاضِي الْمُمَلَّكَةِ وَأَرَاضِي الْحَوْزِ إذَا كَانَتْ فِي أَيْدِي زُرَّاعِهَا لَا تُنْزَعُ مِنْ أَيْدِيهِمْ مَا دَامُوا يُؤَدُّونَ مَا عَلَيْهَا، وَلَا تُورَثُ عَنْهُمْ إذَا مَاتُوا، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُمْ لَهَا وَلَكِنْ جَرَى الرَّسْمُ فِي الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ ابْنٍ انْتَقَلَتْ لِابْنِهِ مَجَّانًا، وَإِلَّا فَلِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ لَهُ بِنْتٌ أَوْ أَخٌ لِأَبٍ لَهُ أَخْذُهَا بِالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَإِنْ عَطَّلَهَا مُتَصَرِّفٌ ثَلَاثَ سِنِينَ، أَوْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ الْأَرْضِ تُنْزَعُ مِنْهُ وَتُدْفَعُ لِآخَرَ، وَلَا يَصِحُّ فَرَاغُ أَحَدِهِمْ عَنْهَا لِآخَرَ بِلَا إذْنِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ قَدْ بَسَطْنَاهُ فِي تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِلزُّرَّاعِ إلَخْ) هَذَا مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ. قُلْت: لَكِنَّ عَدَمَ مِلْكِ الزُّرَّاعِ فِي الْأَرَاضِي الشَّامِيَّةِ غَيْرُ مَعْلُومٍ لَنَا إلَّا فِي نَحْوِ الْقُرَى وَالْمَزَارِعِ الْمَوْقُوفَةِ أَوْ الْمَعْلُومِ كَوْنِهَا لِبَيْتِ الْمَالِ أَمَّا غَيْرُهَا فَنَرَاهَا يَتَوَارَثُونَهَا، وَيَبِيعُونَهَا جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وَفِي شُفْعَةِ الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ: سُئِلَ فِي إخْوَةٍ لَهُمْ أَرَاضٍ مَغْرُوسَةٌ، وَلِرَجُلٍ أَرْضٌ مَغْرُوسَةٌ مُجَاوِرَةٌ لَهَا، وَطَرِيقُ الْكُلِّ وَاحِدٌ بَاعَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ هَلْ لَهُمْ أَخْذُهَا بِالشُّفْعَةِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُهَا خَرَاجِيَّةً؟ أَجَابَ: نَعَمْ لَهُمْ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ، وَكَوْنُهَا خَرَاجِيَّةً لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ إذْ الْخَرَاجُ لَا يُنَافِي الْمِلْكَ فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَكَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ: وَأَرْضُ الْخَرَاجِ مَمْلُوكَةٌ وَكَذَلِكَ أَرْضُ الْعُشْرِ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَإِيقَافُهَا وَتَكُونُ مِيرَاثًا كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، فَتَثْبُتُ فِيهَا الشُّفْعَةُ، وَأَمَّا الْأَرَاضِي الَّتِي حَازَهَا السُّلْطَانُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَيَدْفَعُهَا لِلنَّاسِ مُزَارَعَةً لَا تُبَاعُ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا فَإِذَا ادَّعَى وَاضِعُ الْيَدِ الَّذِي تَلَقَّاهَا شِرَاءً أَوْ إرْثًا أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَأَنَّهُ يُؤَدِّي خَرَاجَهَا، فَالْقَوْلُ لَهُ أَوْ عَلَى مَنْ يُخَاصِمُهُ فِي الْمِلْكِ الْبُرْهَانُ وَإِنْ صَحَّتْ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ شَرْعًا، وَاسْتُوْفِيَتْ شُرُوطُ الدَّعْوَى، وَإِنَّمَا ذَكَرْت ذَلِكَ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ فِي بَلَدِنَا حِرْصًا عَلَى نَفْعِ هَذِهِ الْأَمَةِ بِإِفَادَةِ هَذَا الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ كُلَّ حِينٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ مَا فِي الْخَيْرِيَّةِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ كَلَامٌ حَسَنٌ جَارٍ عَلَى الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَقَدْ قَالُوا إنَّ وَضْعَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفَ مِنْ أَقْوَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمِلْكِ، وَلِذَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَفِي رِسَالَةِ الْخَرَاجِ لِأَبِي يُوسُفَ: وَأَيُّمَا قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ، أَوْ الْحَرْبِ بَادُوا فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَبَقِيَتْ أَرْضُهُمْ مُعَطَّلَةً، وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهَا فِي يَدِ أَحَدٍ، وَلَا أَنَّ أَحَدًا يَدَّعِي فِيهَا دَعْوَى، وَأَخَذَهَا رَجُلٌ فَحَرَثَهَا وَغَرَسَ فِيهَا، وَأَدَّى عَنْهَا الْخَرَاجَ أَوْ الْعُشْرَ، فَهِيَ لَهُ، وَهَذِهِ الْمَوَاتُ الَّتِي وُصِفَتْ لَك، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَ شَيْئًا مِنْ يَدِ أَحَدٍ إلَّا بِحَقٍّ ثَابِتٍ مَعْرُوفٍ. اهـ. وَقَدَّمْنَاهُ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ أَرْضَ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ عَنْوِيَّةٌ خَرَاجِيَّةٌ تُرِكَتْ لِأَهْلِهَا الَّذِينَ قُهِرُوا عَلَيْهَا، وَفِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِلسَّرْخَسِيِّ: فَإِنْ صَالَحُوهُمْ عَلَى أَرَاضِيهِمْ، مِثْلَ أَرْضِ الشَّامِ مَدَائِنَ وَقُرَى، فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْخُذُوا شَيْئًا مِنْ دُورِهِمْ وَأَرَاضِيهِمْ، وَلَا أَنْ يَنْزِلُوا عَلَيْهِمْ مَنَازِلَهُمْ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ عَهْدٍ وَصُلْحٍ اهـ فَإِذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِأَهْلِهَا فَمِنْ أَيْنَ يُقَالُ إنَّهَا صَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ بِاحْتِمَالِ أَنَّ أَهْلَهَا كُلَّهُمْ مَاتُوا بِلَا وَارِثٍ فَإِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ لَا يَنْفِي الْمِلْكَ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا، وَقَدْ سَمِعْت التَّصْرِيحَ فِي الْمَتْنِ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ، بِأَنَّ أَرْضَ سَوَادِ الْعِرَاقِ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا يَجُوزُ بَيْعُهُمْ لَهَا، وَتَصَرُّفُهُمْ فِيهَا، وَكَذَلِكَ أَرْضُ مِصْرَ وَالشَّامِ كَمَا سَمِعْته، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِنَا ظَاهِرٌ وَكَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّهَا وَقْفٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ السُّبْكِيُّ: إنَّ الْوَاقِعَ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ وَالْمِصْرِيَّةِ، أَنَّهَا فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، فَلَا شَكَّ أَنَّهَا لَهُمْ إمَّا وَقْفًا، وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِمَّا مِلْكًا، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مَنْ انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنَّ مَنْ بِيَدِهِ شَيْءٌ لَمْ يُعْرَفْ مِنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْهُ يَبْقَى فِي يَدِهِ، وَلَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ وَجَدْنَا فِي يَدِهِ أَوْ مِلْكِهِ مَكَانًا مِنْهَا، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أُحْيِيَ، أَوْ وَصَلَ إلَيْهِ وُصُولًا صَحِيحًا. اهـ. مَطْلَبٌ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَ شَيْئًا مِنْ يَدِ أَحَدٍ إلَّا بِحَقٍّ ثَابِتٍ مَعْرُوفٍ قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ فِي فَتَاوَاهُ الْفِقْهِيَّةِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ السُّبْكِيّ: فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّا نَحْكُمُ لِذَوِي الْأَمْلَاكِ وَالْأَوْقَافِ بِبَقَاءِ أَيْدِيهِمْ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَلَا يَضُرُّنَا كَوْنُ أَصْلِ الْأَرَاضِي مِلْكًا لِبَيْتِ الْمَالِ، أَوْ وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ كُلَّ أَرْضٍ نَظَرْنَا إلَيْهَا بِخُصُوصِهَا، لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهَا أَنَّهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْفِ، وَلَا الْمِلْكِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا كَانَتْ مَوَاتًا وَأُحْيِيَتْ وَعَلَى فَرْضِ تَحَقُّقِ أَنَّهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنَّ اسْتِمْرَارَ الْيَدِ عَلَيْهَا وَالتَّصَرُّفَ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فِي أَمْلَاكِهِمْ أَوْ النُّظَّارِ فِيمَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ الْأَزْمَانَ الْمُتَطَاوِلَةَ قَرَائِنُ ظَاهِرَةٌ، أَوْ قَطْعِيَّةٌ عَلَى الْيَدِ الْمُفِيدَةِ لِعَدَمِ التَّعَرُّضِ لِمَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ وَعَدَمِ انْتِزَاعِهَا مِنْهُ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَوْ جَوَّزْنَا الْحُكْمَ بِرَفْعِ الْمَوْجُودِ الْمُحَقَّقِ: أَيْ وَهُوَ الْيَدُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، بَلْ بِمُجَرَّدِ أَصْلٍ مُسْتَصْحَبٍ، لَزِمَ تَسْلِيطُ الظَّلَمَةِ عَلَى مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ: إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ بَانَ لَك وَاتَّضَحَ اتِّضَاحًا لَا يَبْقَى مَعَهُ رِيبَةٌ أَنَّ الْأَرَاضِيَ الَّتِي فِي أَيْدِي النَّاسِ بِمِصْرَ وَالشَّامِ الْمَجْهُولَ انْتِقَالُهَا إلَيْهِمْ تُقَرُّ فِي أَيْدِي أَرْبَابِهَا، وَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ فِيهَا بِشَيْءٍ أَصْلًا لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ إذَا قَالُوا فِي الْكَنَائِسِ الْمَبْنِيَّةِ لِلْكُفْرِ إنَّهَا تَبْقَى، وَلَا يُتَعَرَّضُ لَهَا عَمَلًا بِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ الضَّعِيفِ أَيْ كَوْنُهَا كَانَتْ فِي بَرِيَّةٍ، فَاتَّصَلَتْ بِهَا عِمَارَةُ الْمِصْرِ فَأَوْلَى أَنْ يَقُولُوا بِبَقَاءِ تِلْكَ الْأَرَاضِي بِيَدِ مَنْ هِيَ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ، بِاحْتِمَالِ أَنَّهَا كَانَتْ مَوَاتًا فَأُحْيِيَتْ، أَوْ أَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ اهـ. مَطْلَبٌ فِيمَا وَقَعَ مِنْ الْمَلِكِ الظَّاهِرِ بِيبَرْسَ مِنْ إرَادَتِهِ انْتِزَاعَ الْعَقَارَاتِ مِنْ مُلَّاكِهَا لِبَيْتِ الْمَالِ وَقَدْ أَطَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي ذَلِكَ إطَالَةً حَسَنَةً رَدًّا عَلَى مَنْ أَرَادَ انْتِزَاعَ أَوْقَافِ مِصْرَ وَإِقْلِيمِهَا، وَإِدْخَالَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَصَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهَا قَالَ: وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ بِيبَرْسُ، فَإِنَّهُ أَرَادَ مُطَالَبَةَ ذَوِي الْعَقَارَاتِ بِمُسْتَنَدَاتٍ تَشْهَدُ لَهُمْ بِالْمِلْكِ، وَإِلَّا انْتَزَعَهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ مُتَعَلِّلًا بِمَا تَعَلَّلَ بِهِ ذَلِكَ الظَّالِمُ، فَقَامَ عَلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَعْلَمَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ غَايَةُ الْجَهْلِ وَالْعِنَادِ وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ مَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَهُوَ مِلْكُهُ، لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ، وَلَا يُكَلَّفُ إثْبَاتَهُ بِبَيِّنَةٍ وَلَا زَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُشَنِّعُ عَلَى السُّلْطَانِ، وَيَعِظُهُ إلَى أَنْ كَفَّ عَنْ ذَلِكَ، فَهَذَا الْخَبَرُ الَّذِي اتَّفَقَتْ عُلَمَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى قَبُولِ نَقْلِهِ وَالِاعْتِرَافِ بِتَحْقِيقِهِ وَفَضْلِهِ نَقَلَ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ بِمُسْتَنَدٍ عَمَلًا بِالْيَدِ الظَّاهِرِ فِيهَا أَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ اهـ. قُلْت: فَإِذَا كَانَ مَذْهَبُ هَؤُلَاءِ الْأَعْلَامِ، أَنَّ الْأَرَاضِيَ الْمِصْرِيَّةَ وَالشَّامِيَّةَ أَصْلُهَا وَقْفٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُجِيزُوا مُطَالَبَةَ أَحَدٍ يَدَّعِي شَيْئًا أَنَّهُ مَلَكَهُ بِمُسْتَنَدٍ يَشْهَدُ لَهُ بِنَاءً عَلَى احْتِمَالِ انْتِقَالِهِ إلَيْهِ، بِوَجْهٍ صَحِيحٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِنَا بِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا أُقِرُّوا عَلَيْهَا بِالْخَرَاجِ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ يُقَالُ إنَّهَا صَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِلزُّرَّاعِ لِاحْتِمَالِ مَوْتِ الْمَالِكِينَ لَهَا شَيْئًا فَشَيْئًا بِلَا وَارِثٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ أَوْقَافِهَا وَإِبْطَالِ الْمَوَارِيثِ فِيهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 وَعَلَى هَذَا فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْإِمَامِ، وَلَا شِرَاؤُهُ مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ لِشَيْءٍ مِنْهَا لِأَنَّهُ كَوَكِيلِ الْيَتِيمِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى زَادَ فِي الْبَحْرِ أَوْ رَغِبَ فِي الْعَقَارِ بِضِعْفِ قِيمَتِهِ.   [رد المحتار] وَتَعَدِّي الظَّلَمَةِ عَلَى أَرْبَابِ الْأَيْدِي الثَّابِتَةِ الْمُحَقَّقَةِ فِي الْمُدَدِ الْمُطَاوِلَةِ بِلَا مُعَارِضٍ، وَلَا مُنَازِعٍ، وَوَضْعُ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا لَا يُنَافِي مِلْكِيَّتَهَا كَمَا مَرَّ، وَهُوَ صَرِيحُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ هُنَا أَنَّ أَرْضَ سَوَادِ الْعِرَاقِ خَرَاجِيَّةٌ وَأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا وَاحْتِمَالُ مَوْتِ أَهْلِهَا بِلَا وَارِثٍ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِي إبْطَالِ الْيَدِ الْمُثْبِتَةِ لِلْمِلْكِ فَإِنَّهُ مُجَرَّدُ احْتِمَالٍ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ دَلِيلٍ، وَمِثْلُهُ لَا يُعَارِضُ الْمُحَقَّقَ الثَّابِتَ، فَإِنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمِلْكِيَّةِ وَالْيَدُ أَقْوَى دَلِيلٍ عَلَيْهَا، فَلَا تَزُولُ إلَّا بِحُجَّةٍ ثَابِتَةٍ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يُقَالَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ بِظَاهِرِ الْيَدِ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ، وَقَدْ سَمِعْت نَقْلَ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ التَّعَرُّضِ مَعَ أَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ تِلْكَ الْأَرَاضِيَ فِي الْأَصْلِ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِأَهْلِهَا بَلْ هِيَ وَقْفٌ، أَوْ مِلْكٌ لِبَيْتِ الْمَالِ فَعَلَى مَذْهَبِنَا بِالْأَوْلَى وَاحْتِمَالُ كَوْنِ أَهْلِهَا مَاتُوا بِلَا وَارِثٍ بَعِدَ الْإِمَامِ النَّوَوِيُ أَبْعَدَ الْبُعْدِ، وَهَذَا ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ بَعْدَ النَّوَوِيِّ بِمِئَاتِ مِنْ السِّنِينَ وَقَدْ سَمِعْت كَلَامَهُ. وَالْحَاصِلُ فِي الْأَرَاضِي الشَّامِيَّةِ وَالْمِصْرِيَّةِ وَنَحْوِهَا: أَنَّ مَا عُلِمَ مِنْهَا كَوْنُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْفَتْحِ، وَمَا لَمْ يُعْلَمْ فَهُوَ مِلْكٌ لِأَرْبَابِهِ وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ خَرَاجٌ لَا أُجْرَةٌ؛ لِأَنَّهُ خَرَاجِيٌّ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ، فَإِنَّهُ صَرِيحُ الْحَقِّ الَّذِي يُعَضُّ عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ وَإِنَّمَا أَطَلْت فِي ذَلِكَ لِأَنِّي لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ هُنَا بَلْ تَبِعُوا الْمُحَقِّقَ الْكَمَالِ فِي ذَلِكَ وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعُ وَلَعَلَّ مُرَادَ الْمُحَقِّقِ وَمَنْ تَبِعَهُ الْأَرَاضِي الَّتِي عُلِمَ كَوْنُهَا لِبَيْتِ الْمَالِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ السُّلْطَانِ وَشِرَائِهِ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى كَوْنِهَا صَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ) مُتَعَلِّقٌ بُشَرَاؤُهُ، وَهُوَ مِنْ نَصَبَهُ الْإِمَامُ قَيِّمًا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ بِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ الشِّرَاءِ، فَإِنَّ وَصِيَّ الْيَتِيمَ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ مَالَ الْيَتِيمِ، فَلِذَا قَيَّدَ الشِّرَاءَ بِكَوْنِهِ مِنْ الْوَكِيلِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ: فَإِنْ أَرَادَ السُّلْطَانُ أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ يَبِيعُهَا مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ يَشْتَرِي مِنْ الْمُشْتَرِي اهـ وَفِي التَّجْنِيسِ: إذَا أَرَادَ السُّلْطَانُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِنَفْسِهِ أَمَرَ غَيْرَهُ أَوْ يَبِيعُهَا مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ يَشْتَرِيهَا لِنَفْسِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ هَذَا أَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَوَكِيلِ الْيَتِيمِ) أَيْ كَوَصِيِّهِ وَسَمَّاهُ وَكِيلًا مُشَاكَلَةً (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ) أَيْ بِأَنْ احْتَاجَ بَيْتُ الْمَالِ، لَكِنْ نَازَعَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي رِسَالَتِهِ بِإِطْلَاقِ مَا مَرَّ آنِفًا عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ لِلْإِمَامِ مُطْلَقًا، وَبِمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةً عَامَّةً، وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَالِاعْتِيَاضُ عَنْ الْمُشْتَرَكِ الْعَامِ جَائِزٌ مِنْ الْإِمَامِ؛ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ صَحَّ بَيْعُهُ فَقَوْلُهُ شَيْئًا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ يَعُمُّ الْعَقَارَ وَغَيْرَهُ لِحَاجَةٍ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ زَادَ فِي الْبَحْرِ) أَيْ زَادَ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا لِضَرُورَةِ قَوْلِهِ أَوْ رَغِبَ فِي الْعَقَارِ إلَخْ، وَعَبَّرَ عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي التُّحْفَةِ الْمَرْضِيَّةَ بِقَوْلِهِ: أَوْ مَصْلَحَةٍ فَافْهَمْ. قُلْت: وَسَنَذْكُرُ آخِرَ الْبَابِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ الْأَرْضَ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ، وَأَنَّ هَذَا تَمْلِيكُ رَقَبَتِهَا كَمَا سَنُحَقِّقُهُ، وَعَلَى هَذَا فَيُمْكِنُ شِرَاؤُهَا مِنْ الْمُسْتَحِقِّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُفْتَى بِهِ. قُلْت: وَسَيَجِيءُ فِي بَابِ الْوَصِيِّ جَوَازُ بَيْعِ عَقَارِ الصَّبِيِّ فِي سَبْعِ مَسَائِلَ، وَأَفْتَى مُفْتِي دِمَشْقَ فَضْلُ اللَّهِ الرُّومِيُّ بِأَنَّ غَالِبَ أَرَاضِينَا سُلْطَانِيَّةٌ لِانْقِرَاضِ مُلَّاكِهَا، فَآلَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَتَكُونُ فِي يَدِ زُرَّاعِهَا كَالْعَارِيَّةِ اهـ وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ: لَوْ أَرَادَ السُّلْطَانُ شِرَاءَهَا لِنَفْسِهِ يَأْمُرُ غَيْرَهُ بِبَيْعِهَا ثُمَّ يَشْتَرِيهَا مِنْهُ لِنَفْسِهِ انْتَهَى، وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ الْحَالَ فِي الشِّرَاءِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَالْأَصْلُ الصِّحَّةُ وَبِهِ عُرِفَ صِحَّةُ وَقْفِ الْمُشْتَرَاةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَأَنَّ شُرُوطَ الْوَاقِفِينَ صَحِيحَةٌ   [رد المحتار] قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ) أَيْ فِي وَصِيِّ الْيَتِيمِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ إلَّا فِي الْمَسَائِلِ السَّبْعِ الْآتِيَةِ وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ وَعِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ لَهُ الْبَيْعُ مُطْلَقًا وَاخْتَارَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَصَاحِبُ الْمَجْمَعِ وَكَثِيرٌ كَمَا فِي التُّحْفَةِ الْمَرْضِيَّةَ. (قَوْلُهُ فِي سَبْعِ مَسَائِلَ) وَنَصُّهُ وَجَازَ بَيْعُهُ عَقَارَ صَغِيرٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، لَا مِنْ نَفْسِهِ بِضِعْفِ قِيمَتِهِ أَوْ لِنَفَقَةِ الصَّغِيرِ، أَوْ دَيْنِ الْمَيِّتِ أَوْ وَصِيَّةٍ مُرْسَلَةٍ لَا إنْفَاذَ لَهَا إلَّا مِنْهُ أَوْ تَكُونُ غَلَّتُهُ لَا تَزِيدُ عَلَى مُؤْنَتِهِ أَوْ خَوْفِ خَرَابِهِ أَوْ نُقْصَانِهِ، أَوْ كَوْنُهُ فِي يَدِ مُتَغَلِّبٍ. اهـ. ح (قَوْلُهُ فَضْلُ اللَّهِ الرُّومِيُّ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ الرَّضِيُّ وَلَعَلَّهُ تَحْرِيفٌ (قَوْلُهُ بِأَنَّ غَالِبَ أَرَاضِينَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَرَاضِي الشَّامِيَّةُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْأَرَاضِيَ الرُّومِيَّةَ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الدُّرِّ الْمُنْتَقَى مِنْ قَوْلِهِ: وَكَذَا الشَّامِيَّةُ حَيْثُ جَعَلَهَا مِثْلَ الْمِصْرِيَّةِ، وَكَأَنَّ هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ الْمَارِّ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ (قَوْلُهُ كَالْعَارِيَّةِ) وَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَهُمَا عَدَمُ تَصَرُّفِ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ مِنْ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ. اهـ. ح فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَيْدِيهِمْ بِالْأُجْرَةِ بِقَدْرِ الْخَرَاجِ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ أَنَّ مَنْ أَقْطَعَهُ السُّلْطَانُ أَرْضًا فَلَهُ إجَارَتُهَا (قَوْلُهُ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا مِنْهُ) يَعْنِي مِنْ الْمُشْتَرِي كَمَا قَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهِ فِي عِبَارَةِ التَّجْنِيسِ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ الضَّرُورَةُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ الْحَالُ فِي الشِّرَاءِ إلَخْ) أَيْ لَمْ يُعْرَفُ أَنَّهُ شِرَاءٌ صَحِيحٌ، وُجِدَ فِيهِ الْمُسَوِّغُ الشَّرْعِيُّ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ (قَوْلُهُ فَالْأَصْلُ الصِّحَّةُ) حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَمَالِ (قَوْلُهُ وَبِهِ عُرِفَ إلَخْ) هَذَا كُلُّهُ أَيْضًا مِنْ كَلَامِ النَّهْر، وَأَصْلُهُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ. مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْأَرَاضِي الَّتِي لِبَيْتِ الْمَالِ وَمُرَاعَاةِ شُرُوطِ الْوَاقِفِ حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا مِمَّا صَارَ لِبَيْتِ الْمَالِ فَقَدْ مَلَكَهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ حَالَ الشِّرَاءِ حَمْلًا لَهُ عَلَى الصِّحَّةِ وَلَا خَرَاجَ عَلَيْهَا بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا لَمَّا مَاتَ مُلَّاكُهَا بِلَا وَرَثَةٍ عَادَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ وَسَقَطَ خَرَاجُهَا لِعَدَمِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ فَإِذَا بَاعَهَا الْإِمَامُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُشْتَرِي خَرَاجُهَا لِقَبْضِ الْإِمَامِ ثَمَنَهَا وَهُوَ بَدَلُ عَيْنِهَا وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا عُشْرَ عَلَيْهَا أَيْضًا وَقَدَّمْنَا مَا فِي ذَلِكَ وَحَيْثُ مَلَكَهَا بِالشِّرَاءِ صَحَّ وَقْفُهُ لَهَا وَتُرَاعَى شُرُوطُ وَقْفِهِ قَالَ فِي التُّحْفَةِ الْمَرْضِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ سُلْطَانًا أَوْ أَمِيرًا أَوْ غَيْرَهُمَا، وَمَا ذَكَرَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُرَاعَى شُرُوطُهُ إنْ كَانَ سُلْطَانًا أَوْ أَمِيرًا وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ رِيعَهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ فِي بَيْتِ الْمَالِ، مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ لِلْوَظَائِفِ، فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَصَلَتْ إلَى الْوَاقِفِ بِإِقْطَاعِ السُّلْطَانِ إيَّاهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ لَا يُخَالِفُ مَا قُلْنَا لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعْرَفُ شِرَاءُ الْوَاقِفِ لَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بَلْ وَصَلَتْ إلَيْهِ بِإِقْطَاعِ السُّلْطَانِ لَهَا: أَيْ بِأَنْ جَعَلَ لَهُ خَرَاجَهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا لِبَيْتِ الْمَالِ فَلَمْ يَصِحَّ وَقْفُهُ لَهَا، وَلَا تَلْزَمُ شُرُوطُهُ، بِخِلَافِ مَا إذْ مَلَكَهَا ثُمَّ وَقَفَهَا كَمَا قُلْنَا. مَطْلَبٌ أَوْقَافُ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ لَا يُرَاعَى شَرْطُهَا قُلْت: لَكِنْ بَقِيَ مَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ شِرَاؤُهُ لَهَا وَلَا عَدَمُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ وَقْفِهَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وَقْفِهِ لَهَا أَنَّهُ مَلَكَهَا وَلِهَذَا قَالَ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ قُبَيْلَ قَاعِدَةِ: إذَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ مَا نَصُّهُ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 وَأَنَّهُ لَا خَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيهَا (وَمَوَاتٌ أَحْيَاهُ ذِمِّيٌّ بِإِذْنِ الْإِمَامِ) أَوْ رَضَخَ لَهُ كَمَا مَرَّ (خَرَاجِيٌّ وَلَوْ أَحْيَاهُ مُسْلِمٌ اُعْتُبِرَ قُرْبُهُ) مَا قَارَبَ الشَّيْءَ يُعْطَى حُكْمُهُ   [رد المحتار] وَقَدْ أَفْتَى عَلَّامَةُ الْوُجُودِ الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ مُفْتِي السَّلْطَنَةِ السُّلَيْمَانِيَّةِ بِأَنَّ أَوْقَافَ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ لَا يُرَاعَى شَرْطُهَا: لِأَنَّهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ تَرْجِعُ إلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَجُوزُ الْإِحْدَاثُ إذَا كَانَ الْمُقَرَّرُ فِي الْوَظِيفَةِ أَوْ الْمُرَتَّبُ مِنْ مَصَارِيفِ بَيْتِ الْمَالِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَوْلَى أَبَا السُّعُودِ أَدْرَى بِحَالِ أَوْقَافِ الْمُلُوكِ وَمِثْلُهُ مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي الْوَقْفِ عَنْ الْمُحِبِّيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ السُّلْطَانَ يَجُوزُ لَهُ مُخَالَفَةُ الشَّرْطِ إذَا كَانَ غَالِبُ جِهَاتِ الْوَقْفِ قُرًى وَمَزَارِعَ لِأَنَّ أَصْلَهَا لِبَيْتِ الْمَالِ اهـ يَعْنِي إذَا كَانَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَمْ يَعْلَمْ مِلْكَ الْوَاقِفِ لَهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ إرْصَادًا لَا وَقْفًا حَقِيقَةً: أَيْ أَنَّ ذَلِكَ السُّلْطَانَ الَّذِي وَقَفَهُ أَخْرَجَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَعَيَّنَهُ لِمُسْتَحِقِّيهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالطَّلَبَةِ، وَنَحْوِهِمْ عَوْنًا لَهُمْ عَلَى وُصُولِهِمْ إلَى بَعْضِ حَقِّهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. مَطْلَبٌ عَلَى مَا وَقَعَ لِلسُّلْطَانِ بَرْقُوقَ مِنْ إرَادَتِهِ نَقْضَ أَوْقَافِ بَيْتِ الْمَالِ وَلِذَا لَمَّا أَرَادَ السُّلْطَانُ نِظَامُ الْمَمْلَكَةِ بَرْقُوقُ فِي عَامِ نَيِّفٍ وَثَمَانِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ أَنْ يَنْقُضَ هَذِهِ الْأَوْقَافَ لِكَوْنِهَا. أُخِذَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَعَقَدَ لِذَلِكَ مَجْلِسًا حَافِلًا حَضَرَهُ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ وَالْبُرْهَانُ بْنُ جَمَاعَةِ وَشَيْخُ الْحَنَفِيَّةِ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ شَارِحُ الْهِدَايَةِ فَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَا وُقِفَ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَالطَّلَبَةِ لَا سَبِيلَ إلَى نَقْضِيهِ لِأَنَّ لَهُمْ فِي الْخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَمَا وُقِفَ عَلَى فَاطِمَةَ وَخَدِيجَةَ وَعَائِشَةَ يُنْقَضُ، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الْحَاضِرُونَ كَمَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ فِي النَّقْلِ الْمَسْتُورِ فِي جَوَازِ قَبْضِ مَعْلُومِ الْوَظَائِفِ بِلَا حُضُورٍ. ثُمَّ رَأَيْت نَحْوَهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى، فَفِي هَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّ أَوْقَافَ السَّلَاطِينِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إرْصَادَاتٌ، لَا أَوْقَافَ حَقِيقَةً، وَأَنَّ مَا كَانَ مِنْهَا عَلَى مَصَارِيفِ بَيْتِ الْمَالِ لَا يُنْقَضُ، بِخِلَافِ مَا وَقَفَهُ السُّلْطَانُ عَلَى أَوْلَادِهِ أَوْ عُتَقَائِهِ مَثَلًا، وَأَنَّهُ حَيْثُ كَانَتْ إرْصَادًا لَا يَلْزَمُ مُرَاعَاةُ شُرُوطِهَا لِعَدَمِ كَوْنِهَا وَقْفًا صَحِيحًا، فَإِنَّ شَرْطَ صِحَّتِهِ مِلْكُ الْوَاقِفِ، وَالسُّلْطَانُ بِدُونِ الشِّرَاءِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَا يَمْلِكُهُ. وَقَدْ عَلِمْت مُوَافَقَةَ الْعَلَّامَةِ الْأَكْمَلِ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَعَنْ الْمَوْلَى أَبِي السُّعُودِ وَلِمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي الْوَقْفِ عَنْ النَّهْرِ: مِنْ أَنَّ وَقْفَ الْإِقْطَاعَاتِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَتْ أَرْضًا مَوَاتًا، أَوْ مِلْكًا لِلْإِمَامِ فَأَقْطَعَهَا رَجُلًا، وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي التُّحْفَةِ الْمَرْضِيَّةِ عَنْ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ مِنْ أَنَّ وَقْفَ السُّلْطَانِ لِأَرْضِ بَيْتِ الْمَالِ صَحِيحٌ. قُلْت: وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ لَازِمٌ لَا يُغَيَّرُ إذَا كَانَ عَلَى مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ كَمَا نَقَلَ الطَّرَسُوسِيُّ عَنْ قَاضِي خَانْ مِنْ أَنَّ السُّلْطَانَ لَوْ وَقَفَ أَرْضًا مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ لِلْمُسْلِمِينَ جَازَ قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ: لِأَنَّهُ إذَا أَبَّدَهُ عَلَى مَصْرِفِهِ الشَّرْعِيِّ، فَقَدْ مَنَعَ مَنْ يَصْرِفُهُ مِنْ أُمَرَاءِ الْجَوْرِ فِي غَيْرِ مَصْرِفِهِ اهـ فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ تَأْبِيدُ صَرْفِهِ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا السُّلْطَانُ مَا هُوَ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ، وَهُوَ مَعْنَى الْإِرْصَادِ السَّابِقِ، فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ ط عَنْ الْمِنَحِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَنَّهُ إذَا قَاتَلَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ دَلَّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ يَرْضَخُ لَهُ ط (قَوْلُهُ خَرَاجِيٌّ) لِأَنَّهُ ابْتِدَاءً وُضِعَ عَلَى الْكَافِرِ وَهُوَ أَلْيَقُ بِهِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ اُعْتُبِرَ قُرْبُهُ) أَيْ قُرْبُ مَا أَحْيَاهُ إنْ كَانَ إلَى أَرْضِ الْخَرَاجِ أَقْرَبَ كَانَتْ خَرَاجِيَّةً، وَإِنْ كَانَ إلَى الْعُشْرِ أَقْرَبَ فَعُشْرِيَّةٌ نَهْرٌ. وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا فَعُشْرِيَّةٌ مُرَاعَاةً لِجَانِبِ الْمُسْلِمِ، عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَاعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ الْمَاءَ فَإِنْ أَحْيَاهَا بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَخَرَاجِيَّةٌ وَإِلَّا فَعُشْرِيَّةٌ بَحْرٌ وَبِالْأَوَّلِ يُفْتِي دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ مَا قَارَبَ الشَّيْءَ يُعْطَى حُكْمُهُ) اسْتِئْنَافٌ قُصِدَ بِهِ التَّعْلِيلُ ط كَفِنَاءِ الدَّارِ لِصَاحِبِهَا الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لَهُ وَلِذَا لَا يَجُوزُ إحْيَاءُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 (وَكُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ الْعُشْرِيَّةُ وَالْخَرَاجِيَّةُ (إنْ سُقِيَ بِمَاءِ الْعُشْرِ أُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ إلَّا أَرْضَ كَافِرٍ تُسْقَى بِمَاءِ الْعُشْرِ) إذْ الْكَافِرُ لَا يُبْدَأُ بِالْعُشْرِ (وَإِنْ سَقَى بِمَاءِ الْخَرَاجِ أُخِذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ) لِأَنَّ النَّمَاءَ بِالْمَاءِ (وَهُوَ) أَيْ الْخَرَاجُ (نَوْعَانِ خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ إنْ كَانَ الْوَاجِبُ   [رد المحتار] مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إلَخْ) تَبِعَ فِي هَذَا صَاحِبَ الدُّرَرِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهَا، مِنْ أَنَّ اعْتِبَارَ الْمَاءِ فِيمَا لَوْ جَعَلَ الْمُسْلِمُ دَارِهِ بُسْتَانًا قَالَ فِي الْكَافِي: لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ فِي غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ تَدُورُ مَعَ الْمَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ تُسْقَى بِمَاءِ بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَتْ تُسْقَى بِأَنْهَارِ الْأَعَاجِمِ فَخَرَاجِيَّةٌ وَلَوْ بِهَذَا مَرَّةً وَبِهَذَا مَرَّةً فَالْعُشْرُ أَحَقُّ بِالْمُسْلِمِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَى أَنَّهُ عَشْرِيٌّ كَأَرْضِ الْعَرَبِ وَنَحْوِهَا أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَرَاجِيٌّ كَأَرْضِ السَّوَادِ وَنَحْوِهَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَاءِ وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ كَلَامٍ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً إنْ أَقَرَّ الْكُفَّارَ عَلَيْهَا لَا يُوَظَّفُ عَلَيْهِمْ إلَّا الْخَرَاجُ وَلَوْ سُقِيَتْ بِمَاءِ الْمَطَرِ، وَإِنْ قُسِمَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يُوَظَّفُ إلَّا الْعُشْرُ وَإِنْ سُقِيَتْ بِمَاءِ الْأَنْهُرِ. وَكُلُّ أَرْضٍ لَمْ تُفْتَحْ عَنْوَةً بَلْ أَحْيَاهَا مُسْلِمٌ، إنْ كَانَ يَصِلُ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ فَخَرَاجِيَّةٌ، أَوْ مَاءُ عَيْنٍ وَنَحْوُهُ فَعُشْرِيَّةٌ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْمَاءَ يُعْتَبَرُ فِيمَا لَوْ أَحْيَا مُسْلِمٌ أَرْضًا أَوْ جَعَلَ دَارِهِ بُسْتَانًا، بِخِلَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَى أَنَّهُ عَشْرِيٌّ أَوْ خَرَاجِيٌّ، وَقَدَّمْنَا عَلَى الدُّرِّ الْمُنْتَقَى أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إنَّهُ يَعْتَبِرُ الْقُرْبَ، وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا كَالْكَنْزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى، فَأَفَادَ تَرْجِيحَهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ ح: وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْحَمَوِيِّ عَلَى الْكَنْزِ عَنْ شَرْحِ قراحصاري، وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ وَاعْتِبَارُ الْمَاءِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ قَوْلُهُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إلَخْ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ: وَمَا أَحْيَاهُ مُسْلِمٌ يُعْتَبَرُ بِقُرْبِهِ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ الْحَيِّزَ ثَمَّةَ وَهُنَا اعْتَبَرَ الْمَاءَ وَعَلِمْت أَنَّ ذَاكَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ اهـ (قَوْلُهُ بِمَاءِ الْعُشْرِ) هُوَ مَاءُ السَّمَاءِ وَالْبِئْرِ وَالْعَيْنِ وَالْبَحْرِ الَّذِي لَا يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ أَحَدٍ وَمَاءُ الْخَرَاجِ هُوَ مَاءُ أَنْهَارٍ حَفَرَتْهَا الْأَعَاجِمُ، وَكَذَا سَيْحُونُ وَجَيْحُونُ وَدِجْلَةُ وَالْفُرَاتُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ يَدُ الْكَفَرَةِ ثُمَّ حَوَيْنَاهُ قَهْرًا وَمَا سِوَاهُ عَشْرِيٌّ وَتَمَامُهُ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْعُشْرِ. . مَطْلَبٌ فِي خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ (قَوْلُهُ خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ إلَخْ) هَذَا إنَّمَا يُوضَعُ ابْتِدَاءً عَلَى الْكَافِرِ كَالْمُوَظَّفِ، فَإِذَا فَتَحَ بَلْدَةً وَمَنَّ عَلَى أَهْلِهَا بِأَرْضِهَا لَهُ أَنْ يَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَيْهَا مُقَاسَمَةً أَوْ مُوَظَّفًا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَسَمَهَا بَيْنَ الْجَيْشِ، فَإِنَّهُ يَضَعُ الْعُشْرَ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ كَالْمُوَظَّفِ مَصْرِفًا وَكَالْعُشْرِ مَا أَخَذَ إلَّا فَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ الرِّطَابِ وَالزَّرْعِ وَالْكَرْمِ وَالنَّخْلِ الْمُتَّصِلِ وَغَيْرِهِ فَيَقْسِمُ الْجَمِيعَ عَلَى حَسَبِ مَا تُطِيقُ الْأَرْضُ مِنْ النِّصْفِ، أَوْ الثُّلُثِ، أَوْ الرُّبْعِ، أَوْ الْخُمُسِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ كَالْعُشْرِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْخَارِجِ، وَلِذَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ فِي السَّنَةِ وَإِنَّمَا يُفَارِقُهُ فِي الْمَصْرِفِ فَكُلُّ شَيْءٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ، وَتَجْرِي الْأَحْكَامُ الَّتِي قُرِّرَتْ فِي الْعُشْرِ وِفَاقًا وَخِلَافًا؛ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ عَلِمْت مَا يُزْرَعُ فِي بِلَادِنَا وَمَا يُغْرَسُ فَإِذَا غَرَسَ رَجُلٌ فِي أَرْضِهِ زَيْتُونًا أَوْ كَرْمًا أَوْ أَشْجَارًا يَقْسِمُ الْخَارِجَ كَالزَّرْعِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُطْعِمَ بِخِلَافِ مَا إذَا غَرَسَ فِي الْمُوَظَّفِ، وَلَوْ أَخَذَهَا مُقَاطَعَةً عَلَى دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ بِالتَّرَاضِي يَنْبَغِي الْجَوَازُ وَكَذَا لَوْ وَقَعَ عَلَى عِدَادِ الْأَشْجَارِ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ، وَلِأَنَّ تَقْدِيرَ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ مُفَوَّضٌ لِرَأْيِ الْإِمَامِ، وَكُلٌّ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ يُفْعَلُ فِي بِلَادِنَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 بَعْضَ الْخَارِجِ كَالْخُمُسِ وَنَحْوِهِ، وَخَرَاجُ وَظِيفَةٍ إنْ كَانَ الْوَاجِبُ شَيْئًا فِي الذِّمَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ كَمَا وَضَعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى السَّوَادِ لِكُلِّ جَرِيبٍ) هُوَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي سِتِّينَ بِذِرَاعِ كِسْرَى سَبْعُ قَبَضَاتٍ، وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ عُرْفُهُمْ، وَعُرْفُ مِصْرَ التَّقْدِيرُ بِالْفَدَّانِ فَتْحٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ الْمُعَوَّلُ بَحْرٌ (يَبْلُغُهُ الْمَاءُ صَاعًا مِنْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ وَدِرْهَمًا) عُطِفَ عَلَى صَاعٍ مِنْ أَجْوَدِ النُّقُودِ زَيْلَعِيٌّ (وَلِجَرِيبِ الرُّطَبَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَلِجَرِيبِ الْكَرَمِ أَوْ النَّخْلِ مُتَّصِلَةٌ)   [رد المحتار] فَبَعْضُ الْأَرْضِ تُقَسَّمُ ثِمَارُ أَشْجَارِهَا، وَيَأْخُذُ مَأْذُونُ السُّلْطَانِ مِنْهَا ثُلُثًا أَوْ رُبْعًا وَنَحْوَهُ، وَبَعْضُهَا يَقْطَعُ عَلَيْهِ دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةً، وَبَعْضُهَا يَعُدُّ أَشْجَارَهَا، وَيَأْخُذُ عَلَى كُلِّ شَجَرَةٍ قَدْرًا مُعَيَّنًا، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ الطَّاقَةِ وَالتَّرَاضِي عَلَى أَخْذِ شَيْءٍ فِي مُقَابَلَةِ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَرَاضِي بِلَادِنَا خَرَاجِيَّةٌ، وَخَرَاجُهَا مُقَاسَمَةٌ، كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ وَتَقْدِيرُهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ اهـ. وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ: قُلْت: لَكِنْ مَرَّ أَنَّ الْمَأْخُوذَ الْآنَ مِنْ أَرَاضِي مِصْرَ وَالشَّامِ أُجْرَةٌ لَا عُشْرٌ وَلَا خَرَاجٌ وَالْمُرَادُ الْأَرَاضِي الَّتِي صَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ لَا الْمَمْلُوكَةِ أَوْ الْمَوْقُوفَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لَكِنَّ هَذِهِ الْأُجْرَةَ بَدَلُ الْخَرَاجِ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي (قَوْلُهُ يَتَعَلَّقُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ) بَيَانٌ لِكَوْنِهِ وَاجِبًا فِي الذِّمَّةِ أَيْ أَنَّهُ يَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ بِمُجَرَّدِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ لَا بِعَيْنِ الْخَارِجِ حَتَّى لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَعَطَّلَهَا وَجَبَ، بِخِلَافِ مَا لَمْ يَتَمَكَّنْ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ كَمَا وَضَعَ إلَخْ) تَمْثِيلٌ لِخَرَاجِ الْوَظِيفَةِ (قَوْلُهُ عَلَى السَّوَادِ) أَيْ قُرَى الْعِرَاقِ (قَوْلُهُ بِذِرَاعِ كِسْرَى) احْتَرَزَ عَنْ ذِرَاعِ الْعَامَّةِ وَهُوَ سِتُّ قَبَضَاتٍ فَتْحٌ وَالْقَبْضَةُ أَرْبَعُ أَصَابِعَ (قَوْلُهُ بِالْفَدَّانِ) بِالتَّثْقِيلِ آلَةُ الْحَرْثِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الثَّوْرَيْنِ يَحْرُثُ عَلَيْهِمَا فِي قِرَانٍ وَجَمْعُهُ فَدَادِينَ، وَقَدْ يُخَفَّفُ فَيُجْمَعُ عَلَى أَفْدِنَةٍ وَفِدْنٍ مِصْبَاحٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَرْضُ، وَهُوَ فِي عُرْفِ الشَّامِ نَوْعَانِ رُومَانِيٌّ وَخَطَّاطِيٌّ وَمِسَاحَةُ كُلٍّ مَعْرُوفَةٍ عِنْدَ الْفَلَّاحِينَ. (قَوْلُهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ الْمُعَوَّلُ بَحْرٌ) وَأَصْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ إنَّ الثَّانِيَ يَقْضِي أَنَّ الْجَرِيبَ يَخْتَلِفُ قَدْرُهُ فِي الْبُلْدَانِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَتَّحِدَ الْوَاجِبُ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَقَادِيرِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ عُرْفُ بَلَدٍ فِيهِ مِائَةُ ذِرَاعٍ وَعُرْفُ أُخْرَى فِيهِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا (قَوْلُهُ يَبْلُغُهُ الْمَاءُ) صِفَةٌ لِجَرِيبٍ، قَيَّدَ بِهِ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا خَرَاجَ إنْ غَلَبَ الْمَاءُ عَلَى أَرْضِهِ أَوْ انْقَطَعَ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَاءُ الَّذِي تَصِيرُ بِهِ الْأَرْضُ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ، فَصَارَ كَقَوْلِ الْكَنْزِ جَرِيبٌ صَلَحَ لِلزِّرَاعَةِ (قَوْلُهُ صَاعًا) مَفْعُولُ وَضَعَ وَهُوَ الْقَفِيزُ الْهَاشِمِيُّ الَّذِي وَرَدَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ أَرْبَعَةُ أَمْنَاءٍ، وَهُوَ صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيُنْسَبُ إلَى الْحَجَّاجِ فَيُقَالُ صَاعٌ حَجَّاجِيٌّ لِأَنَّ الْحَجَّاجَ أَخْرَجَهُ بَعْدَمَا فُقِدَ كَمَا فِي ط عَنْ الشَّلَبِيِّ (قَوْلُهُ مِنْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ) أَيْ فَهُوَ مُخَيَّرُ فِي إعْطَاءِ الصَّاعِ مِنْ الشَّعِيرِ أَوْ الْبُرِّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِمَّا يُزْرَعُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْكَافِي شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ، وَبَقِيَ مَا إذَا عَطَّلَهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِمَامَ يُخَيِّرُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَدِرْهَمًا) هُوَ وَزْنُ سَبْعَةٍ كَمَا فِي الزَّكَاةِ بَحْرٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وَزْنُهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا جَوْهَرَةٌ. (قَوْلُهُ الرَّطْبَةُ) بِالْفَتْحِ وَالْجَمْعُ الرِّطَابِ: وَهِيَ الْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ وَالْبِطِّيخُ وَالْبَاذِنْجَانُ، وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ وَالْبُقُولُ غَيْرُ الرِّطَابِ مِثْلُ الْكُرَّاثِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ مُتَّصِلَةً) يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي تِلْكَ الْأَشْجَارِ الَّتِي لِلْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَغَيْرِهِمَا أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَزْرَعَ بَيْنَهَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى، فَلَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً فِي جَوَانِبِ الْأَرْضِ وَوَسَطُهَا مَزْرُوعٌ فَلَا شَيْءَ فِيهَا كَمَا لَا شَيْءَ فِي غَرْسِ أَشْجَارٍ غَيْرِ مُثْمِرَةٍ بَحْرٌ ط وَقَوْلُهُ: فَلَا شَيْءَ فِيهَا أَيْ فِي الْأَشْجَارِ الْمُتَفَرِّقَةِ بَلْ يَجِبُ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً فَهِيَ بُسْتَانٌ فَيَجِبُ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ عَلَى مَا يَأْتِي أَوْ الْمُرَادُ لَا شَيْءَ فِيهَا مُقَدَّرٌ تَأَمَّلْ، وَقَوْلُهُ كَمَا لَا شَيْءَ فِي غَرْسٍ إلَخْ هَذَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ شَغْلَ أَرْضِهِ بِهَا فَلَوْ اسْتَنْمَا أَرْضَهُ بِقَوَائِمِ الْخِلَافِ وَمَا أَشْبَهَهُ أَوْ الْقَصَبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 قَيَّدَ فِيهِمَا (ضِعْفَهَا وَلِمَا سِوَاهُ) مِمَّا لَيْسَ فِيهِ تَوْظِيفُ عُمَرَ (كَزَعْفَرَانٍ وَبُسْتَانٍ) هُوَ كُلُّ أَرْضٍ يُحَوِّطَهَا حَائِطٌ وَفِيهَا أَشْجَارٌ مُتَفَرِّقَةٌ يُمْكِنُ الزَّرْعُ تَحْتَهَا فَلَوْ مُلْتَفَّةً أَيْ مُتَّصِلَةً لَا يُمْكِنُ زِرَاعَةُ أَرْضِهَا فَهُوَ كَرْمٌ [مَطْلَبٌ فِي خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ] (طَاقَتُهُ وَ) غَايَةُ الطَّاقَةِ (نِصْفُ الْخَارِجِ) لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ (فَلَا يَزِدْ عَلَيْهِ) فِي إخْرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ وَلَا فِي الْمُوَظِّفِ عَلَى مِقْدَارِ مَا وَظَّفَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -،   [رد المحتار] أَوْ الْحَشِيشِ كَانَ فِيهِ الْعُشْرُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِهِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ضِعْفَهَا) أَيْ ضِعْفَ الْخَمْسَةِ وَهُوَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ لِمَا فِيهَا مِنْ الْأَثْمَارِ، فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُثْمِرْ بَعْدُ فَفِيهَا خَرَاجُ الزَّرْعِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ دُرٌّ مُنْتَقَى (قَوْلُهُ وَلِمَا سِوَاهُ) أَيْ سِوَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ الْمُوَظَّفِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ تَوْظِيفُ عُمَرَ) قَصَدَ بِهِ إصْلَاحَ الْمَتْنِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الزَّعْفَرَانَ وَالْبُسْتَانَ فِيهِ تَوْظِيفُ عُمَرَ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الْعَطْفِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ يُحَوِّطُهَا) أَيْ يَرْعَاهَا وَيَحْفَظُهَا، أَوْ هُوَ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيْ دَارَ عَلَيْهَا حَائِطٌ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: حَاطُّهُ يُحَوِّطُهُ حَوْطًا رَعَاهُ وَحَوَّطَ حَوْلَهُ تَحْوِيطًا أَدَارَ عَلَيْهِ نَحْوَ التُّرَابِ حَتَّى جَعَلَهُ مُحِيطًا بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَوْ مُلْتَفَّةً إلَخْ) فِي الْمِصْبَاحِ الْتَفَّ النَّبَاتُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ اخْتَلَطَ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبُسْتَانِ وَالْكَرْمِ، هُوَ أَنَّ مَا كَانَتْ أَشْجَارُهُ مُلْتَفَّةً فَهُوَ كَرْمٌ، وَمَا كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً فَهُوَ بُسْتَانٌ، وَقَدْ عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَمِثْلُهُ فِي كَافِي النَّسَفِيِّ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْكَرَمَ لَا تَخْتَصُّ بِشَجَرِ الْعِنَبِ، مَعَ أَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ مِنْ عَطْفِ النَّحْلِ عَلَى الْكَرْمِ يُفِيدُ أَنَّهُ غَيْرُهُ. وَفِي الِاخْتِيَارِ: وَالْجَرِيبُ الَّذِي فِيهِ أَشْجَارٌ مُثْمِرَةٌ مُلْتَفَّةٌ لَا يُمْكِنُ زِرَاعَتُهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُوضَعُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يُطِيقُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْبُسْتَانِ تَقْدِيرٌ فَكَانَ مُفَوَّضًا إلَى أَمْرِ الْإِمَامِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُزَادُ عَلَى الْكَرْمِ لِأَنَّ الْبُسْتَانَ بِمَعْنَى الْكَرْمِ فَالْوَارِدُ فِي الْكَرْمِ وَارِدٌ فِيهِ دَلَالَةً وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَشْجَارٌ مُتَفَرِّقَةٌ فَهِيَ تَابِعَةٌ لِلْأَرْضِ اهـ وَمُفَادُ هَذَا أَيْضًا أَنَّ الْكَرْمَ مُخْتَصٌّ بِالْعِنَبِ وَالْبُسْتَانُ غَيْرُهُ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ أَوَّلًا وَثَانِيًا، وَهَذَا أَوْفَقُ بِمَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ، وَمُفَادُهُ أَيْضًا أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ فِي الْبُسْتَانِ إذَا كَانَتْ أَشْجَارُهُ مُلْتَفَّةً، وَأَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ جَرَى فِي الْمُلْتَقَى، وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ مِثْلَ مَا فِي الِاخْتِيَارِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي جَرِيبِ الْكَرْمِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَأَمَّا جَرِيبُ الْأَرْضِ الَّتِي فِيهَا أَشْجَارٌ مُثْمِرَةٌ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ زِرَاعَتُهَا لَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ النَّخْلُ مُلْتَفًّا جَعَلْت عَلَيْهِ الْخَرَاجَ بِقَدْرِ مَا يُطِيقُ وَلَا أَزِيدُ عَلَى جَرِيبِ الْكَرْمِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَغَايَةُ الطَّاقَةِ نِصْفُ الْخَارِجِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَجُوزُ النَّقْصُ عَنْهُ فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ لَا يُحَوَّلُ خَرَاجُ الْمُوَظِّفِ إلَى خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ وَبِالْعَكْسِ (قَوْلُهُ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ فِي خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ) تَرَكَ مَا لَمْ يُوَظَّفْ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا فِي خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ وَلَا فِي الْمُوَظَّفِ إلَخْ أَفَادَهُ ط. قُلْت: وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَالتَّنْصِيفُ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَضْعُ النِّصْفِ أَوْ الرُّبْعِ أَوْ الْخُمُسِ فَيَصِيرُ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ لِأَنَّهُ جَزْءٌ مِنْ الْخَارِجِ وَهُوَ غَيْرُ الْمُوَظَّفِ، فَقَوْلُهُ فِي خَرَاجِ مُقَاسَمَةٍ أَرَادَ بِهِ هَذَا النَّوْعَ، وَقَوْلُهُ وَلَا فِي الْمُوَظَّفِ إلَخْ أَرَادَ بِهِ النَّوْعَ الْأَوَّلَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَا فِي الْمُوَظَّفِ عَلَى مِقْدَارِ مَا وَظَّفَهُ عُمَرُ) وَكَذَا إذَا فُتِحَتْ بَلْدَةٌ بَعْدَ عُمَرَ فَأَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَضَعَ عَلَى مَا يُزْرَعُ حِنْطَةً دِرْهَمَيْنِ وَقَفِيزًا وَهِيَ تُطِيقُهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمْ يَزِدْ لَمَّا أُخْبِرَ بِزِيَادَةِ الطَّاقَةِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْكَافِي. قَالَ ط: وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي حُرْمَةِ مَا أَحْدَثَهُ الظَّلَمَةُ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمُوَظَّفِ، وَلَوْ سَلِمَ أَنَّ الْأَرَاضِيَ آلَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ وَصَارَتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 وَإِنْ أَطَاقَتْ عَلَى الصَّحِيحِ كَافِيٌّ (وَيُنْقِصُ مِمَّا وُظِّفَ) عَلَيْهَا (إنْ لَمْ تُطِقْ) بِأَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْخَارِجُ ضِعْفَ الْخَرَاجِ الْمُوَظَّفِ فَيُنْقَصُ إلَى نِصْفِ الْخَارِجِ وُجُوبًا وَجَوَازًا عِنْدَ الْإِطَاقَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُزَادَ عَلَى النِّصْفِ وَلَا يُنْقَصُ عَنْ الْخُمُسِ   [رد المحتار] مُسْتَأْجَرَةً. اهـ. أَيْ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ يَدْفَعُهَا لِلزُّرَّاعِ بِأَحَدِ طَرِيقَيْنِ: إمَّا بِإِقَامَتِهِمْ مَقَامَ الْمُلَّاكِ فِي الزِّرَاعَةِ، وَإِعْطَاءِ الْخَرَاجِ، وَإِمَّا بِإِجَارَتِهَا لَهُمْ بِقَدْرِ الْخَرَاجِ، فَقَوْلُهُ: بِقَدْرِ الْخَرَاجِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الزِّيَادَةِ. قُلْت: لَكِنَّ الْمَأْخُوذَ الْآنَ مِنْ الْأَرَاضِي الشَّامِيَّةِ الَّتِي آلَتْ إلَى بَيْتِ الْمَالِ بِمُوجِبِ الْبَرَاءَةِ وَالدَّفَاتِرِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَكَذَا مِنْ الْأَوْقَافِ شَيْءٌ كَثِيرٌ فَإِنَّ مِنْهَا مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ نِصْفُ الْخَارِجِ، وَمِنْهَا الرُّبْعُ، وَمِنْهَا الْعُشْرُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ فَيُؤْخَذُ بِقَدْرِهِ إذَا صَارَ بَدَلَ أُجْرَةٍ، وَلَعَلَّ مَا مَرَّ مِنْ التَّوْظِيفِ كَانَ عَلَى سَوَادِ الْعِرَاقِ فَقَطْ، وَالْمَوْضُوعُ عَلَى الْأَرَاضِي الشَّامِيَّةِ كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ فَبَقِيَ الْمَأْخُوذُ قَدْرُهُ وَقَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ عَنْ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ بِأَنَّهُ خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَطَاقَتْ) تَعْمِيمٌ لِقَوْلِهِ: وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ إلَخْ، فَيَشْمَلُ مَا لَمْ يُوَظَّفْ كَمَا صَرَّحَ فِي قَوْلِهِ: وَغَايَةُ الطَّاقَةِ نِصْفُ الْخَارِجِ، وَيَشْمَلُ خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ وَكَذَا الْمُوَظَّفُ مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَمَا فِي الْبَحْرِ أَوْ مِنْ إمَامٍ بَعْدَهُ كَمَا مَرَّ فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ لَا يَلْزَمُ جَمِيعُ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ إذَا لَمْ تُطِقْ لِكَثْرَةِ الْمَظَالِمِ (قَوْلُهُ وَجَوَازًا عِنْدَ الْإِطَاقَةِ) اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: وَيُنْقَصُ مِمَّا وُظِّفَ إنْ لَمْ تُطِقْ يُفْهَمُ مِنْهُ إنَّهَا إنْ أَطَاقَتْ لَا يُنْقَصُ مِنْهُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الدِّرَايَةِ مِنْ جَوَازِ النُّقْصَانِ عِنْدَ الْإِطَاقَةِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِطَاقَةِ وَبِجَوَازِهِ عِنْدَ الْإِطَاقَةِ لَكَانَ حَسَنًا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الدِّرَايَةِ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ. وَحِينَئِذٍ فَالْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: إنْ لَمْ تُطِقْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّنْقِيصُ عِنْدَ الْإِطَاقَةِ فَلَا يُنَافِي جَوَازَهُ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ وُجُوبًا قَيْدٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُنْقَصُ مِمَّا وُظِّفَ لَا لِقَوْلِهِ فِي الشَّرْحِ فَيُنْقَصُ إلَى نِصْفِ الْخَارِجِ وَقَوْلُهُ: وَجَوَازًا عُطِفَ عَلَى وُجُوبًا فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَيُنْقَصُ وُجُوبًا مِمَّا وُظِّفَ إنْ لَمْ تُطِقْ، وَجَوَازًا إنْ أَطَاقَتْ، وَهَذَا كَلَامٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَبِهِ سَقَطَ مَا قِيلَ إنَّ مُقْتَضَى هَذَا الْعَطْفِ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ الْكَرْمِ مَثَلًا لَوْ بَلَغَ أَلْفَ دِرْهَمٍ جَازَ أَخْذُ خَمْسِمِائَةٍ وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إنْ بَلَغَ الْخَارِجُ ضِعْفَ الْمُوَظَّفِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُنْقِصَ عَنْ الْمُوَظَّفِ. اهـ. وَوَجْهُ السُّقُوطِ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يُرَادُ لَوْ كَانَ قَوْلُهُ وُجُوبًا قَيْدًا لِقَوْلِهِ فَيُنْقَصُ إلَى نِصْفِ الْخَارِجِ فَيَصِيرُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَجَوَازُ أَنَّهُ يُنْقَصُ إلَى نِصْفِ الْخَارِجِ جَوَازًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَلَا مُوجِبَ لِهَذَا الْحِلِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُزَادَ عَلَى النِّصْفِ إلَخْ) هَذَا فِي خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِهِ لِانْفِهَامِهِ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالنِّصْفِ وَالْخُمُسِ فَإِنَّ خَرَاجَ الْوَظِيفَةِ لَيْسَ فِيهِ جَزْءٌ مُعَيَّنٌ تَأَمَّلْ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَسَكَتَ عَنْ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ، وَهُوَ إذَا مَنَّ الْإِمَامُ عَلَيْهِمْ بِأَرَاضِيِهِمْ وَرَأَى أَنْ يَضَعَ عَلَيْهِمْ جُزْءًا مِنْ الْخَارِجِ كَنِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ رُبْعٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعُشْرِ وَمِنْ حُكْمِهِ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى النِّصْفِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ الْخُمُسِ قَالَهُ الْحَدَّادِيُّ اهـ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ: وَيَنْبَغِي مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النِّصْفِ غَيْرُ جَائِزَةٍ كَمَا مَرَّ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي قَوْلِهِ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَكَأَنَّ عَدَمَ التَّنْقِيصِ عَنْ الْخُمُسِ غَيْرُ مَنْقُولٍ فَذَكَرَهُ الْحَدَّادِيُّ بَحْثًا، لَكِنْ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ تُطِيقُ، فَلَوْ كَانَتْ قَلِيلَةَ الرِّيعِ كَثِيرَةَ الْمُؤَنِ يُنْقِصُ، إذْ يَجِبُ أَنْ يَتَفَاوَتَ الْوَاجِبُ لِتَفَاوُتِ الْمُؤْنَةِ كَمَا فِي أَرْضِ الْعُشْرِ ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْكَافِي: وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ الْخَرَاجَ الْمُوَظَّفَ إلَى خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ. أَقُولُ: وَكَذَلِكَ عَكْسُهُ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ تَعْلِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لِأَنَّ فِيهِ نَقْضَ الْعَهْدِ وَهُوَ حَرَامٌ. اهـ. قُلْت: صَرَّحَ بِالْعَكْسِ الْقُهُسْتَانِيُّ وَقَدَّمْنَا عَلَى الرَّمْلِيِّ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْأَرَاضِي الشَّامِيَّةِ خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ، وَكَتَبْنَا أَنَّ مَا صَارَ مِنْهَا لِبَيْتِ الْمَالِ تُؤْخَذُ أُجْرَتُهُ بِقَدْرِ الْخَرَاجِ وَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ خَرَاجًا، فَحَيْثُ كَانَ كَذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 حَدَّادِيٌّ، وَفِيهِ لَوْ غَرَسَ بِأَرْضِ الْخَرَاجِ كَرْمًا أَوْ شَجَرًا فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الْأَرْضِ إلَى أَنْ يُطْعِمَ وَكَذَا لَوْ قَلَعَ الْكَرْمَ. وَزَرَعَ الْحَبَّ فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الْكَرْمِ، وَإِذَا أَطْعَمَ فَعَلَيْهِ قَدْرُ مَا يُطِيقُ وَلَا يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَا يُنْقِصُ عَمَّا كَانَ وَكُلُّ مَا يُمْكِنُ الزَّرْعُ تَحْتَ شَجَرِهِ فَبُسْتَانٌ، وَمَا لَا يُمْكِنُ فَكَرْمٌ، وَأَمَّا الْأَشْجَارُ الَّتِي عَلَى الْمُسَنَّاةِ فَلَا شَيْءَ فِيهَا انْتَهَى: وَفِي زَكَاةِ الْخَانِيَّةِ قَوْمٌ شَرَوْا ضَيْعَةً فِيهَا كَرْمٌ وَأَرْضٌ فَشَرَى أَحَدُهُمَا الْكَرَمَ وَالْآخَرُ الْأَرَاضِيَ وَأَرَادُوا قَسْمَ الْخَرَاجِ، فَلَوْ مَعْلُومًا فَكَمَا كَانَ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَإِلَّا كَأَنْ كَانَ جُمْلَةً -   [رد المحتار] تُعْتَبَرُ فِيهِ الطَّاقَةُ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ التَّيْمَارِ وَالزَّعَامَاتِ مِنْ مُطَالَبَةِ أَهْلِ الْقُرَى بِجَمِيعِ مَا عَيَّنَهُ لَهُمْ السُّلْطَانُ عَلَى الْقُرَى كَالْقَسْمِ مِنْ النِّصْفِ وَنَحْوِهِ ظُلْمٌ مَحْضٌ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُعَيَّنَ فِي الدَّفَاتِرِ السُّلْطَانِيَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الزُّرَّاعِ، سِوَى ذَلِكَ الْقَسْمِ الْمُعَيَّنِ وَالْفَاضِلُ عَنْهُ يَبْقَى لِلزُّرَّاعِ، وَالْوَاقِعُ فِي زَمَانِنَا خِلَافُهُ فَإِنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْآنَ ظُلْمًا مِمَّا يُسَمَّى بِالذَّخَائِرِ وَغَيْرِهَا شَيْءٌ كَثِيرٌ رُبَّمَا يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ الْخَارِجِ مِنْ بَعْضِ الْأَرَاضِي، بَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا وَقَدْ شَاهَدْنَا مِرَارًا أَنَّ بَعْضَهُمْ يَنْزِلُ عَنْ أَرْضِهِ لِغَيْرِهِ بِلَا شَيْءٍ لِكَثْرَةِ مَا عَلَيْهَا مِنْ الظُّلْمِ، وَحِينَئِذٍ فَمُطَالَبَتُهُ بِالْقَسْمِ ظُلْمٌ عَلَى ظُلْمٍ وَالظُّلْمُ يَجِبُ إعْدَامُهُ فَلَا يَجُوزُ مُسَاعَدَةُ أَهْلِ التَّيْمَارِ عَلَى ظُلْمِهِمْ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا تُطِيقُهُ الْأَرَاضِي، كَمَا أَفْتَى بِهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ. وَنَقَلَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ مِنْ سِيرَةِ الْأَكَاسِرَةِ إذَا أَصَابَ زَرْعَ بَعْضِ الرَّعِيَّةِ آفَةٌ عَوَّضُوا لَهُ مَا أَنْفَقَهُ فِي الزِّرَاعَةِ مِنْ بَيْتِ مَالِهِمْ وَقَالُوا التَّاجِرُ شَرِيكٌ فِي الْخُسْرَانِ كَمَا هُوَ شَرِيكٌ فِي الرِّبْحِ، فَإِذَا لَمْ يُعْطِهِ الْإِمَامُ شَيْئًا فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ لَا يُغَرِّمَهُ الْخَرَاجَ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الْأَرْضِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَالَ ط: وَالْأَوْلَى خَرَاجُ الزَّرْعِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى فِي بَابِ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ أَيْ فَيَدْفَعُ صَاعًا وَدِرْهَمًا (قَوْلُهُ إلَى أَنْ يُطْعِمَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: أَطْعَمْت الشَّجَرَةَ بِالْأَلِفِ أَدْرَكَ ثَمَرُهَا (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الْكَرْمِ) أَيْ دَائِمًا لِأَنَّهُ صَارَ إلَى الْأَدْنَى مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْأَعْلَى، قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ قَالُوا: مَنْ انْتَقَلَ إلَى أَخَسِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الْأَعْلَى كَمَنْ لَهُ أَرْضُ الزَّعْفَرَانِ فَتَرَكَهُ وَزَرَعَ الْحُبُوبَ فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الزَّعْفَرَانِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ كَرْمٌ فَقَطَعَ وَزَرَعَ الْحُبُوبَ فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الْكَرْمِ وَهَذَا شَيْءٌ يُعْلَمُ، وَلَا يُفْتَى بِهِ كَيْ لَا يَطْمَعَ الظَّلَمَةُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ كَذَا فِي الْكَافِي ح قَالَ فِي الْفَتْحِ: إذْ يَدَّعِي كُلُّ ظَالِمٍ أَنَّ أَرْضَهُ كَانَتْ تَصْلُحُ لِزِرَاعَةِ الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ وَعِلَاجُهُ صَعْبٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِذَا أُطْعِمَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ إلَى أَنْ يُطْعِمَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ أَنْبَتَ أَرْضُهُ كَرْمًا فَعَلَيْهِ خَرَاجُهَا إلَى أَنْ يُطْعِمَ، فَإِذَا أُطْعِمَ، فَإِنْ كَانَ ضِعْفَ وَظِيفَةِ الْكَرْمِ فَفِيهِ وَظِيفَةُ الْكَرْمِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَنِصْفُهُ إلَى أَنْ يَنْقُصَ عَنْ قَفِيزٍ وَدِرْهَمٍ، فَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيْهِ قَفِيزٌ وَدِرْهَمٌ. اهـ. وَالْقَفِيزُ صَاعٌ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ لِلزِّرَاعَةِ، فَلَوْ لِلرَّطْبَةِ فَالظَّاهِرُ لُزُومُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ فَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ وَلَا يَنْقُصُ عَمَّا كَانَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَا يُمْكِنُ إلَخْ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ ح (قَوْلُهُ عَلَى الْمُسَنَّاةِ) قَالَ فِي جَامِعِ اللُّغَةِ: الْمُسَنَّاةُ الْعَرِمُ، وَهُوَ مَا يُبْنَى لِلسَّيْلِ لِيَرُدَّ الْمَاءَ. اهـ. ح. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهَا مَا يُبْنَى حَوْلَ الْأَرْضِ لِيَرُدَّ السَّيْلَ عَنْهَا، وَتُسَمَّى حَافَّتَا النَّهْرِ مُسَنَّاةٌ أَيْضًا ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا كَذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مَحَلَّ الزَّرْعِ فَلَا يُسَمَّى شَاغِلًا لِلْأَرْضِ فَيَكُونَ تَابِعًا لَهَا (قَوْلُهُ قَوْمٌ) أَرَادَ بِاسْمِ الْجَمْعِ الِاثْنَيْنِ مَجَازًا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ أَحَدُهُمَا وَوَاوُ الْجَمْعِ فِي شَرَوْا بِاعْتِبَارِ صُورَةِ اسْمِ الْجَمْعِ ح (قَوْلُهُ وَفِيهَا كَرْمٌ) أَرَادَ بِهِ الْجِنْسَ كَاَلَّذِي بَعْدَهُ بِقَرِينَةِ الْجَمْعِ فِيمَا يَأْتِي ح (قَوْلُهُ فَشَرَى) عُطِفَ عَلَى شَرَوْا عَطْفُ مُفَصَّلٍ عَلَى مُجْمَلٍ ح (قَوْلُهُ فَلَوْ مَعْلُومًا) أَيْ عَلِمَ حِصَّةَ الْكُرُومِ وَحِصَّةَ الْأَرَاضِي مِنْ الْخَرَاجِ الْمَأْخُوذِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا كَأَنْ كَانَ جُمْلَةً) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِأَنْ كَانَ جُمْلَةً أَيْ بِأَنْ كَانَ خَرَاجَ الضَّيْعَةِ يُؤْخَذُ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لِحِصَّةِ الْكُرُومِ وَحِصَّةِ الْأَرَاضِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ الْكُرُومُ إلَّا كُرُومًا قُسِمَ بِقَدْرِ الْحِصَصِ قَرْيَةٌ خَرَاجُهُمْ مُتَفَاوِتٌ، فَطَلَبُوا التَّسْوِيَةَ إنْ لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ ابْتِدَاءً تُرِكَ عَلَى مَا كَانَ (وَلَا خَرَاجَ إنْ غَلَبَ الْمَاءُ عَلَى أَرْضِهِ أَوْ انْقَطَعَ) الْمَاءُ (أَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ سَمَاوِيَّةٌ كَغَرَقٍ وَحَرْقٍ وَشِدَّةِ بَرْدٍ) إلَّا إذَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ مَا يُمْكِنُ الزَّرْعُ فِيهِ ثَانِيًا (أَمَّا إذَا كَانَتْ الْآفَةُ غَيْرَ سَمَاوِيَّةٍ) وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا (كَأَكْلِ قِرَدَةٍ وَسِبَاعٍ وَنَحْوِهِمَا) كَأَنْعَامٍ وَفَأْرٍ وَدُودَةِ بَحْرٍ (أَوْ هَلَكَ) الْخَارِجُ (بَعْدَ الْحَصَادِ لَا) يَسْقُطُ وَقَبْلَهُ يَسْقُطُ وَلَوْ هَلَكَ بَعْضُهُ إنْ فَضَلَ عَمَّا أَنْفَقَ شَيْءٌ   [رد المحتار] قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تُعْرَفُ إلَخْ) يَعْنِي لَمْ يَعْرِفْ أَحَدٌ أَنَّ الْكُرُومَ كَانَتْ أَرَاضِيَ، وَلَا أَنَّ الْأَرَاضِيَ كَانَتْ كُرُومًا ح (قَوْلُهُ قُسِمَ بِقَدْرِ الْحِصَصِ) أَيْ يُنْظَرُ إلَى خَرَاجِ الْكُرُومِ وَالْأَرَاضِي، فَإِذَا عَرَفَ ذَلِكَ يَقْسِمُ جُمْلَةَ خَرَاجِ الضَّيْعَةِ عَلَيْهَا عَلَى قَدْرِ حِصَصِهَا ح عَنْ الْخَانِيَّةِ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى خَرَاجِهِمَا خَرَاجَ وَظِيفَةٍ بِأَنْ يَنْظُرَ كَمْ جَرِيبًا فِيهِمَا فَإِذَا بَلَغَ خَرَاجُ الْكُرُومِ مِائَةَ دِرْهَمٍ مَثَلًا وَخَرَاجُ الْأَرَاضِي مِائَتَيْنِ يَقْسِمُ جُمْلَةَ خَرَاجِ الضَّيْعَةِ عَلَيْهِمَا ثَلَاثَةً ثُلُثُهُ عَلَى الْكُرُومِ وَثُلُثَاهُ عَلَى الْأَرَاضِي (قَوْلُهُ قَرْيَةٌ) الْمُرَادُ أَهْلُهَا؛ فَلِذَا قَالَ خَرَاجُهُمْ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ إلَخْ) أَيْ إنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ خَرَاجَ أَرَاضِيهِمْ كَانَ عَلَى التَّسَاوِي أَمْ لَا تُرِكَ كَمَا كَانَ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْخَيْرِيَّةِ سُئِلَ فِي مَسْجِدِ قَرْيَةٍ لَهُ أَرْضٌ لَمْ يُعْرَفْ عَلَيْهَا خَرَاجٌ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ، وَيُرِيدُ السَّبَاهِي الْمُتَكَلِّمُ عَلَى الْقَرْيَةِ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا خَرَاجًا. أَجَابَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالْقَدِيمُ يَبْقَى عَلَى قِدَمِهِ، وَحَمْلُ أَحْوَالِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّلَاحِ وَاجِبٌ. (قَوْلُهُ وَلَا خَرَاجَ إلَخْ) أَيْ خَرَاجَ الْوَظِيفَةِ وَكَذَا خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ وَالْعُشْرُ بِالْأَوْلَى لِتَعَلُّقِ الْوَاجِبِ بِعَيْنِ الْخَارِجِ فِيهِمَا وَمِثْلُ الزَّرْعِ الرَّطْبَةُ وَالْكَرْمُ وَنَحْوُهُمَا خَيْرِيَّةٌ (قَوْلُهُ مَا يُمْكِنُ الزَّرْعُ فِيهِ ثَانِيًا) قَالَ فِي الْكُبْرَى وَالْفَتْوَى أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَيُمْكِنُ احْتِرَازٌ عَنْهَا) خَرَجَ مَا لَا يُمْكِنُ كَالْجَرَادِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ كَأَنْعَامٍ) وَكَقِرَدَةٍ وَسِبَاعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَفَأْرٍ وَدُودَةٍ) عِبَارَةُ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الدُّودَةَ وَالْفَأْرَةَ إذَا أَكَلَا الزَّرْعَ لَا يَسْقُطُ الْخَرَاجُ. اهـ. قُلْت: لَا شَكَّ أَنَّهُمَا مِثْلُ الْجَرَادِ فِي عَدَمِ إمْكَانِ الدَّفْعِ، وَفِي النَّهْرِ لَا يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِي كَوْنِ الدُّودَةِ آفَةً سَمَاوِيَّةً، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَأَقُولُ إنْ كَانَ كَثِيرًا غَالِبًا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِحِيلَةٍ يَجِبُ أَنْ يَسْقُطَ بِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ لَا يَسْقُطُ هَذَا هُوَ الْمُتَعَيِّنُ لِلصَّوَابِ (قَوْلُهُ أَوْ هَلَكَ الْخَارِجُ بَعْدَ الْحَصَادِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ قَبْلَهُ يَسْقُطُ الْخَرَاجُ لَكِنْ يُخَالِفُهُ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِيمَا لَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَإِنَّ الزَّرْعَ اسْمٌ لِلْقَائِمِ فِي أَرْضِهِ، فَحَيْثُ وَجَبَ الْخَرَاجُ بِهَلَاكِهِ بِآفَةٍ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا عُلِمَ أَنَّهُ يَجِبُ قَبْلَ الْحَصَادِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْهَلَاكُ هُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ بِمَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَتَنْدَفِعُ الْمُخَالَفَةُ. وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الْعُشْرِ مِنْ الزَّكَاةِ الِاخْتِلَافَ فِي وَقْتِ وُجُوبِهِ. فَعِنْدَهُ يَجِبُ عِنْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ وَالْأَمْنِ عَلَيْهَا مِنْ الْفَسَادِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْحَصَادَ إذَا بَلَغَتْ حَدًّا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَعِنْدَ الثَّانِي عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْحَصَادِ، وَعِنْدَ الثَّالِثِ إذَا حُصِدَتْ وَصَارَتْ فِي الْجَرِينِ، فَلَوْ أَكَلَ مِنْهَا بَعْدَ بُلُوغِ الْحَصَادِ قَبْلَ أَنْ تُحْصَدَ ضَمِنَ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَلَوْ بَعْدَمَا صَارَتْ فِي الْجَرِينِ لَا يَضْمَنُ إجْمَاعًا وَمَرَّ تَمَامُهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَقَبْلَهُ يَسْقُطُ) أَيْ إلَّا إذَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الزِّرَاعَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَلَفَ ط. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَلَوْ هَلَكَ الْخَارِجُ فِي خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ قَبْلَ الْحَصَادِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْخَارِجِ حَقِيقَةً، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الشَّرِيكِ شَرِكَةَ الْمِلْكِ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي، فَاعْلَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَيَكْثُرُ وُقُوعُهُ فِي بِلَادِنَا وَفِي الْخَانِيَّةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي سُقُوطِهِ فِي حِصَّةِ رَبِّ الْأَرْضِ بَعْدَ الْحَصَادِ وَوُجُوبُهُ عَلَيْهِ فِي حِصَّةِ الْأَكَّارِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْأَرْضَ فِي حِصَّتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ فَضَلَ عَمَّا أَنْفَقَ) يَنْبَغِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 أُخِذَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَا بَيَّنَّا مُصَنَّفٌ سِرَاجٌ وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ مَعْزِيًّا لِلْبَحْرِ. قَالَ وَكَذَا حُكْمُ الْإِجَارَةِ فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ (فَإِنْ عَطَّلَهَا صَاحِبُهَا وَكَانَ خَرَاجُهَا مُوَظَّفًا أَوْ أَسْلَمَ) صَاحِبُهَا (أَوْ اشْتَرَى مُسْلِمٌ) مِنْ ذِمِّيٍّ (أَرْضُ خَرَاجٍ) يَجِبُ الْخَرَاجُ (وَلَوْ مَنَعَهُ إنْسَانٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ أَوْ كَانَ الْخَارِجُ) خَرَاجَ (مُقَاسَمَةٍ لَا) يَجِبُ شَيْءٌ سِرَاجٌ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَأْخُوذَ   [رد المحتار] أَنْ يُلْحِقَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الزَّرْعِ مَا يَأْخُذُهُ الْأَعْرَابُ وَحُكَّامُ السِّيَاسَةِ ظُلْمًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ أُخِذَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَا بَيَّنَّا) أَيْ إنْ بَقِيَ ضِعْفُ الْخَرَاجِ كَدِرْهَمَيْنِ وَصَاعَيْنِ، يَجِبُ الْخَرَاجُ، وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ مِقْدَارِ الْخَرَاجِ يَجِبُ نِصْفُهُ وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ فَإِنَّهُ مَذْكُورٌ فَبِهَا أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ مُصَنَّفٌ سِرَاجٌ) عَلَى حَذْفِ الْعَاطِفِ أَوْ عَلَى مَعْنَى مُصَنَّفٍ عَنْ السِّرَاجِ (قَوْلُهُ وَكَذَا حُكْمُ الْإِجَارَةِ) أَيْ لَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَغَلَبَ عَلَيْهَا الْمَاءُ أَوْ انْقَطَعَ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ، وَأَمَّا لَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَإِنَّمَا يُسْقِطُ أُجْرَةَ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ بَعْدَ الْهَلَاكِ لَا مَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الْأَجْرَ يَجِبُ بِإِزَاءِ الْمَنْفَعَةِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَجِبُ أَجْرُ مَا اسْتَوْفِي لَا غَيْرَهُ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْخَرَاجِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ. قُلْت: لَكِنْ فِي إجَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ: الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ إذَا بَقِيَ بَعْدَ هَلَاكِ الزَّرْعِ مُدَّةً لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الزِّرَاعَةِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ وَلَا يَجِبُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ زِرَاعَتِهِ مِثْلَ الْأَوَّلِ أَوْ دُونَهُ فِي الضَّرَرِ وَكَذَا لَوْ مَنَعَهُ غَاصِبٌ. اهـ. وَالْخَرَاجُ كَذَلِكَ كَمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ فَإِنْ عَطَّلَهَا صَاحِبُهَا) أَيْ عَطَّلَ الْأَرْضَ الصَّالِحَةَ لِلزِّرَاعَةِ دُرٌّ مُنْتَقًى. قُلْت: فِي الْخَانِيَّةِ: لَهُ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ أَرْضٌ سَبِخَةٌ لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ أَوْ لَا يَصِلُهَا الْمَاءُ، إنْ أَمْكَنَهُ إصْلَاحُهَا وَلَمْ يُصْلِحْ فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ إلَّا فَلَا. اهـ. وَمِنْ التَّعْطِيلِ مِنْ وَجْهٍ مَا لَوْ زَرَعَ الْأَخَسَّ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْأَعْلَى كَمَا مَرَّ. قُلْت: وَيُسْتَثْنَى مِنْ التَّعْطِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْإِسْعَافِ فِي فَصْلِ أَحْكَامِ الْمَقَابِرِ وَالرُّبَطِ لَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً أَوْ خَانًا لِلْغَلَّةِ أَوْ مَسْكَنًا سَقَطَ الْخَرَاجُ عَنْهُ، وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ. مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ عَجَزَ الْمَالِكُ عَنْ زِرَاعَةِ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ وَبَقِيَ مَا لَوْ عَجَزَ مَالِكُهَا عَنْ الزِّرَاعَةِ لِعَدَمِ قُوَّتِهِ وَأَسْبَابِهِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَدْفَعَهَا لِغَيْرِهِ مُزَارَعَةً لِيَأْخُذَ الْخَرَاجَ مِنْ نَصِيبِ الْمَالِكِ وَيُمْسِكَ الْبَاقِيَ لِلْمَالِكِ، وَإِنْ شَاءَ آجَرَهَا وَأَخَذَ الْخَرَاجَ مِنْ الْأُجْرَةِ، وَإِنْ شَاءَ زَرَعَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ بَاعَهَا وَأَخَذَ الْخَرَاجَ مِنْ ثَمَنِهَا. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ صَرْفِ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِالضَّرَرِ الْخَاصِّ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَدْفَعُ لِلْعَاجِزِ كِفَايَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَرْضًا لِيَعْمَلَ فِيهَا زَيْلَعِيٌّ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ عَادَتْ قُدْرَةُ مَالِكِهَا رَدَّهَا الْإِمَامُ عَلَيْهِ إلَّا فِي الْبَيْعِ. (قَوْلُهُ يَجِبُ الْخَرَاجُ) أَمَّا فِي التَّعْطِيلِ فَلِأَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ، وَأَمَّا فِيمَا بَعْدَهُ فَلِأَنَّ الْخَرَاجَ فِيهِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ فَأَمْكَنَ إبْقَاؤُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ اشْتَرَوْا أَرَاضِيَ الْخَرَاجِ وَكَانُوا يُؤَدُّونَ خَرَاجَهَا وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ إذَا مَنَعَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَلِأَنَّ خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْخَارِجِ مِثْلَ الْعُشْرِ فَإِذَا لَمْ يَزْرَعْ مَعَ الْقُدْرَةِ لَمْ يُوجَدْ الْخَارِجُ بِخِلَافِ خَرَاجِ الْوَظِيفَةِ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ. مَطْلَبٌ لَوْ رَحَلَ الْفَلَّاحُ مِنْ قَرْيَةٍ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْعَوْدِ (قَوْلُهُ وَقَدْ عَلِمْت إلَخْ) حَاصِلُهُ دَفْعُ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ عَطَّلَهَا صَاحِبُهَا يَجِبُ الْخَرَاجُ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الزِّرَاعَةَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ رَحَلَ مِنْ الْقَرْيَةِ يُجْبَرُ عَلَى الزِّرَاعَةِ وَالْعَوْدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ أَمَّا أَوَّلًا فَلِمَا عَلِمْت مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الْإِمَامَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 مِنْ أَرَاضِي مِصْرَ أُجْرَةٌ لَا خَرَاجٌ فَمَا يُفْعَلُ الْآنَ مِنْ الْأَخْذِ مِنْ الْفَلَاحِ وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْ وَيُسَمَّى ذَلِكَ فِلَاحَةً وَإِجْبَارُهُ عَلَى السُّكْنَى فِي بَلْدَةٍ مُعَيَّنَةٍ يَعْمُرُ دَارِهِ وَيَزْرَعُ الْأَرْضَ حَرَامٌ بِلَا شُبْهَةٍ نَهْرٌ وَنَحْوُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ مَعْزِيًّا لِلْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِصْرَ الْآنَ لَيْسَتْ خَرَاجِيَّةً بَلْ بِالْأُجْرَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ لَمْ يَزْرَعْ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَأْجِرًا، وَلَا جَبْرَ عَلَيْهِ بِتَسْيِيبِهَا، فَمَا يَفْعَلُهُ الظَّلَمَةُ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِ حَرَامٌ خُصُوصًا إذَا أَرَادَ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ، وَقَالُوا لَوْ زَرَعَ الْأَخَسَّ قَادِرًا عَلَى الْأَعْلَى كَزَعْفَرَانٍ فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الْأَعْلَى وَهَذَا يُعْلَمُ وَلَا يُفْتَى بِهِ كَيْ لَا يَتَجَرَّأَ الظَّلَمَةُ. (بَاعَ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً إنْ بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ مِقْدَارُ مَا يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي مِنْ الزِّرَاعَةِ فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ وَإِلَّا فَعَلَى الْبَائِعِ) عِنَايَةٌ. (وَلَا يُؤْخَذُ الْعُشْرُ مِنْ الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ) لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَلَا يَتَكَرَّرُ الْخَرَاجُ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ فِي سَنَةٍ لَوْ مُوَظَّفًا وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ (تَكَرَّرَ) لِتَعَلُّقِهِ بِالْخَارِجِ حَقِيقَةً (كَالْعُشْرِ) فَإِنَّهُ   [رد المحتار] يَدْفَعُهَا لِغَيْرِهِ مُزَارَعَةً أَوْ بِالْأُجْرَةِ أَوْ يَبِيعُهَا وَلَمْ يَقُولُوا بِإِجْبَارِ صَاحِبِهَا، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْأَرَاضِيَ الشَّامِيَّةَ خَرَاجُهَا مُقَاسَمَةً لَا وَظِيفَةً فَلَا يَجِبُ بِالتَّعْطِيلِ أَصْلًا، وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّهَا لَمَّا صَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ صَارَ الْمَأْخُوذُ مِنْهَا أُجْرَةً بِقَدْرِ الْخَرَاجِ، وَالْأُجْرَةُ لَا تَلْزَمُ هُنَا بِدُونِ الْتِزَامٍ، إمَّا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ أَوْ بِالزِّرَاعَةِ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ أَقُولُ: رَأَيْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَفْتَى بِأَنَّهُ إذَا رَحَلَ الْفَلَّاحُ مِنْ قَرْيَتِهِ وَلَزِمَ خَرَابُ الْقَرْيَةِ بِرَحِيلِهِ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْعَوْدِ وَرُبَّمَا اغْتَرَّ بِهِ بَعْضُ الْجَهَلَةِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا رَحَلَ لَا عَنْ ظُلْمٍ وَجَوْرٍ وَلَا عَنْ ضَرُورَةٍ بَلْ تَعَنُّتًا وَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِإِعَادَتِهِ لِلْمَصْلَحَةِ وَهِيَ صِيَانَةُ الْقَرْيَةِ عَنْ الْخَرَابِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الْعَوْدِ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ الظَّلَمَةُ الْآنَ مِنْ الْإِلْزَامِ بِالرَّدِّ إلَى الْقَرْيَةِ مَعَ التَّكَالِيفِ الشَّاقَّةِ وَالْجَوْرِ الْمُفْرِطِ فَلَا يَقُولُ بِهِ مُسْلِمٌ، وَقَدْ جَعَلَ الْحِصْنِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ رِسَالَةً أَقَامَ بِهَا الطَّامَّةَ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ فَارْجِعْ إلَيْهَا إنْ شِئْت (قَوْلُهُ كَيْ لَا يَتَجَرَّأُ الظَّلَمَةُ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَرُدَّ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَجُوزُ الْكِتْمَانُ وَأَنَّهُمْ لَوْ أَخَذُوا كَانَ فِي مَوْضِعِهِ لِكَوْنِهِ وَاجِبًا أُجِيبَ بِأَنَّا لَوْ أَفْتَيْنَا بِذَلِكَ لَادَّعَى كُلُّ ظَالِمٍ فِي أَرْضٍ لَيْسَ شَأْنُهَا ذَلِكَ أَنَّهَا قَبْلَ هَذَا كَانَتْ تُزْرَعُ الزَّعْفَرَانَ فَيَأْخُذَ خَرَاجَ ذَلِكَ، وَهُوَ ظُلْمٌ وَعُدْوَانٌ. اهـ. (قَوْلُهُ بَاعَ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً إلَخْ) هَذَا إذَا كَانَتْ فَارِغَةً لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي اعْتِبَارِ مَا يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي مِنْ زِرَاعَتِهِ، فَقِيلَ: الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ، وَقِيلَ أَيُّ زَرْعٍ كَانَ وَفِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ إدْرَاكُ الرِّيعِ بِكَمَالِهِ أَوَّلًا. وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى تَقْدِيرِهِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَهَذَا مِنْهُ اعْتِبَارٌ لِزَرْعِ الدُّخْنِ وَإِدْرَاكِ الرِّيعِ فَإِنَّ رِيعَ الدُّخْنِ يُدْرَكُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مَزْرُوعَةً فَبَاعَهَا مَعَ الزَّرْعِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَالْخَرَاجُ عَلَى الْمُشْتَرِي مُطْلَقًا، وَإِنْ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَانْعِقَادِ حَبِّهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَهَا فَارِغَةً، وَلَوْ كَانَ لَهَا رِيعَانِ خَرِيفِيٌّ وَرَبِيعِيٌّ وَسَلَّمَ أَحَدَهُمَا لِلْبَائِعِ وَالْآخَرَ لِلْمُشْتَرِي فَالْخَرَاجُ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ تَدَاوَلَتْهَا الْأَيْدِي وَلَمْ تَمْكُثْ فِي مِلْكِ أَحَدِهِمَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فَلَا خَرَاجَ عَلَى أَحَدٍ. اهـ. مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ عِنَايَةٌ) لَمْ أَجِدْهُ فِيهَا وَإِنَّمَا عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْبِنَايَةِ وَهِيَ شَرْحُ الْهِدَايَةِ لِلْعَيْنِيِّ (قَوْلُهُ وَلَا يُؤْخَذُ الْعُشْرُ إلَخْ) أَيْ لَوْ كَانَ لَهُ أَرْضٌ خَرَاجُهَا مُوَظَّفٌ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عُشْرُ الْخَارِجِ وَكَذَا لَوْ كَانَ خَرَاجُهَا مُقَاسَمَةً مِنْ النِّصْفِ وَنَحْوِهِ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ عُشْرِيَّةً لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا خَرَاجٌ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ، وَلِذَا لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَإِلَّا لَنُقِلَ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَكَرَّرُ الْخَرَاجُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَالْخَرَاجُ لَهُ شِدَّةٌ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِالتَّمَكُّنِ، وَلَهُ خِفَّةٌ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ تَكَرُّرِهِ فِي السَّنَةِ وَلَوْ زَرَعَ فِيهَا مِرَارًا وَالْعُشْرُ لَهُ شِدَّةٌ وَهُوَ تَكَرُّرُهُ بِتَكَرُّرِ خُرُوجِ الْخَارِجِ وَخِفَّةٌ بِتَعَلُّقِهِ بِعَيْنِ الْخَارِجِ فَإِذَا عَطَّلَهَا لَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ. اهـ. قُلْت: وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْخَرَاجَ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ وَبِالتَّدَاخُلِ كَالْجِزْيَةِ وَقِيلَ لَا كَالْعُشْرِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 يَتَكَرَّرُ. (تَرَكَ السُّلْطَانِ) أَوْ نَائِبُهُ (الْخَرَاجَ لِرَبِّ الْأَرْضِ) أَوْ وَهَبَهُ لَهُ وَلَوْ بِشَفَاعَةٍ (جَازَ) عِنْدَ الثَّانِي وَحَلَّ لَهُ لَوْ مَصْرِفًا وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ بِهِ يُفْتَى، وَمَا فِي الْحَاوِي مِنْ تَرْجِيحِ حِلِّهِ لِغَيْرِ الْمَصْرِفِ خِلَافُ الْمَشْهُورِ (وَلَوْ تَرَكَ الْعُشْرَ لَا) يَجُوزُ إجْمَاعًا وَيُخْرِجُهُ بِنَفْسِهِ لِلْفُقَرَاءِ سِرَاجٌ، خِلَافًا لِمَا فِي قَاعِدَةِ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ مِنْ الْأَشْبَاهِ مَعْزِيًّا لِلْبَزَّازِيَّةِ فَتَنَبَّهْ وَفِي النَّهْرِ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ الثَّانِي حُكْمُ الْإِقْطَاعَاتِ مِنْ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ إذْ حَاصِلُهَا: أَنَّ الرَّقَبَةَ لِبَيْتِ الْمَالِ -   [رد المحتار] فِي الْفَصْلِ الْآتِي. (قَوْلُهُ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ) بِأَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ ثُمَّ أَعْطَاهُ إيَّاهُ (قَوْلُهُ عِنْدَ الثَّانِي) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ بَحْرٌ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ مَصْرِفًا لِلْخَرَاجِ (قَوْلُهُ وَحَلَّ لَهُ لَوْ مَصْرِفًا) أَعَادَهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: جَازَ أَيْ جَازَ مَا فَعَلَهُ السُّلْطَانُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ حِلُّهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَفِي الْقُنْيَةِ وَيُعْذَرُ فِي صَرْفِهِ إلَى نَفْسِهِ إنْ كَانَ مَصْرِفًا كَالْمُفْتِي، وَالْمُجَاهِدِ وَالْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِ وَالذَّاكِرِ وَالْوَاعِظِ عَنْ عِلْمٍ، وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ، وَكَذَا إذَا تَرَكَ عُمَّالُ السُّلْطَانِ الْخَرَاجَ لِأَحَدٍ بِدُونِ عِلْمِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ) أَيْ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الْعَامَّةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْعُشْرَ مَصْرِفُهُ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ زَكَاةُ الْخَارِجِ، وَلَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ مَصْرِفًا لِزَكَاةِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ زَكَاةً وَلِذَا يُوضَعُ عَلَى أَرْضِ الْكَافِرِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مَعْزِيًّا لِلْبَزَّازِيَّةِ) وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ السُّلْطَانُ إذَا تَرَكَ الْعُشْرَ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ جَازَ، غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا، لَكِنْ إنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ لَهُ فَقِيرًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى السُّلْطَانِ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ السُّلْطَانُ الْعُشْرَ لِلْفُقَرَاءِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْخَرَاجِ لِبَيْتِ مَالِ الصَّدَقَةِ. اهـ. قُلْت: وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْغَنِيُّ مِنْ مُسْتَحَقِّي الْخَرَاجِ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ السُّلْطَانُ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ تَأَمَّلْ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الْعَشْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ مِثْلَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبُرْجَنْدِيِّ فِي بَيَانِ مَصْرِفِ الْجِزْيَةِ، وَكَذَا لَوْ جَعَلَ الْعُشُورَ لِلْمُقَاتِلَةِ جَازَ لِأَنَّهُ مَالٌ حَصَلَ بِقُوَّتِهِمْ اهـ فَلْيُحْفَظْ وَلْيَكُنْ التَّوْفِيقُ اهـ: أَيْ بِحَمْلِ الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ عَلَى غَيْرِ الْمُقَاتِلَةِ وَالْقَوْلُ بِالْجَوَازِ عَلَيْهِمْ. قُلْت: لَكِنْ قَوْلُهُ لَوْ جَعَلَ الْعُشُورَ لِلْمُقَاتِلَةِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي جَعْلِ عُشُورِ أَرَاضِيهِمْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي النَّهْرِ) مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ وَفِي الْأَشْبَاهِ مِنْ كَلَامِ النَّهْرِ (قَوْلُهُ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ الثَّانِي) أَيْ بِجَوَازِ تَرْكِ الْخَرَاجِ وَهِبَتِهِ لِمَنْ هُوَ مَصْرِفٌ لَهُ. مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْإِقْطَاعِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ حُكْمُ الْإِقْطَاعَاتِ إلَخْ) قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ كُلَّ مَوَاتٍ وَكُلَّ مَا لَيْسَ فِيهِ مِلْكٌ لِأَحَدٍ، وَيَعْمَلَ بِمَا يَرَى أَنَّهُ خَيْرٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَعَمُّ نَفْعًا وَقَالَ أَيْضًا: وَكُلُّ أَرْضٍ لَيْسَتْ لِأَحَدٍ، وَلَا عَلَيْهَا أَثَرُ عِمَارَةٍ فَأَقْطَعهَا رَجُلًا فَعَمَرَهَا، فَإِنْ كَانَتْ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ أَدَّى عَنْهَا الْخَرَاجَ وَإِنْ كَانَتْ عُشْرِيَّةً فَفِيهَا الْعُشْرُ، وَقَالَ فِي ذِكْرِ الْقَطَائِعِ إنَّ عُمَرَ اصْطَفَى أَمْوَالَ كِسْرَى، وَأَهْلَ كِسْرَى، وَكُلَّ مَنْ فَرَّ عَنْ أَرْضِهِ أَوْ قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَكُلَّ مَفِيضِ مَاءٍ أَوْ أَجَمَةٍ فَكَانَ عُمَرُ يَقْطَعُ مَنْ هَذَا لِمَنْ أُقْطِعَ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ بَيْتِ الْمَالِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ، وَلَا فِي يَدِ وَارِثٍ فَلِلْإِمَامِ الْعَادِلِ أَنْ يُجِيزَ مِنْهُ وَيُعْطِيَ مَنْ كَانَ لَهُ عَنَاءٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَيَضَعُ ذَلِكَ مَوْضِعَهُ، وَلَا يُحَابِي بِهِ فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْأَرْضُ، فَهَذَا سَبِيلُ الْقَطَائِعِ عِنْدِي فِي أَرْضِ الْعِرَاقِ، وَإِنَّمَا صَارَتْ الْقَطَائِعُ يُؤْخَذُ مِنْهَا الْعُشْرُ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الصَّدَقَةِ. اهـ. قُلْت: وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْقَطَائِعَ قَدْ تَكُونُ مِنْ الْمَوَاتِ، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِمَنْ هُوَ مِنْ مَصَارِفِهِ، وَأَنَّهُ يَمْلِكُ رَقَبَةَ الْأَرْضِ، وَلِذَا قَالَ يُؤْخَذُ مِنْهَا الْعُشْرُ، لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الصَّدَقَةِ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ أَيْضًا: وَكُلُّ مَنْ أَقْطَعَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 وَالْخَرَاجَ لَهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ، وَلَا وَقْفُهُ. نَعَمْ لَهُ إجَارَتُهُ تَخْرِيجًا عَلَى إجَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَمِنْ الْحَوَادِثِ، لَوْ أَقْطَعهَا السُّلْطَانُ لَهُ وَلِأَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهِ، عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى أَخِيهِ ثُمَّ مَاتَ السُّلْطَانُ، وَانْتَقَلَ مَنْ أَقْطَعَ لَهُ فِي زَمَنِ سُلْطَانٍ آخَرَ، هَلْ يَكُونُ لِأَوْلَادِهِ؟ لَمْ أَرَهُ وَمُقْتَضَى قَوَاعِدِهِمْ إلْغَاءُ التَّعْلِيقِ   [رد المحتار] الْوُلَاةُ الْمَهْدِيُّونَ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ السَّوَادِ وَأَرْضُ الْعَرَبِ وَالْجِبَالِ مِنْ الْأَصْنَافِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ مِنْهَا، فَلَا يَحِلُّ لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ مِنْ الْخُلَفَاءِ أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ، وَلَا يُخْرِجُهُ مِنْ يَدِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ وَارِثٌ أَوْ مُشْتَرٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالْأَرْضُ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يُجِيزَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَنْ لَهُ عَنَاءٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَنْ يَقْوَى بِهِ عَلَى الْعَدُوِّ وَيَعْمَلُ فِي ذَلِكَ بِاَلَّذِي يَرَى أَنَّهُ خَيْرٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَصْلَحُ لِأَمْرِهِمْ وَكَذَلِكَ الْأَرْضُونَ يَقْطَعُ الْإِمَامُ مِنْهَا مَنْ أَحَبَّ مِنْ الْأَصْنَافِ. اهـ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَ الْأَرْضَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ لِرَقَبَتِهَا كَمَا يُعْطِي الْمَالَ، حَيْثُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْمَالِ فِي الدَّفْعِ لِلْمُسْتَحِقِّ فَاغْتَنِمْ هَذِهِ الْفَائِدَةَ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهَا وَإِنَّمَا الْمَشْهُورُ فِي الْكُتُبِ أَنَّ الْإِقْطَاعَ تَمْلِيكُ الْخَرَاجِ مَعَ بَقَاءِ رَقَبَةِ الْأَرْضِ لِبَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ كَانَتْ رَقَبَتُهَا بِبَيْتِ الْمَالِ وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ رَقَبَتُهَا لِلْمُقْطَعِ لَهُ كَمَا قُلْنَا فَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ بَيْعِهِ وَغَيْرِهِ. مَطْلَبٌ فِي إجَارَةِ الْجُنْدِيِّ مَا أَقْطَعَهُ لَهُ الْإِمَامُ (قَوْلُهُ نَعَمْ لَهُ إجَارَتُهُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي رِسَالَتِهِ فِي الْإِقْطَاعَاتِ وَصَرَّحَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي فَتْوَى رُفِعَتْ لَهُ بِأَنَّ لِلْجُنْدِيِّ أَنْ يُؤَجِّرَ مَا أَقْطَعَهُ لَهُ الْإِمَامُ، وَلَا أَثَرَ لِجَوَازِ إخْرَاجِ الْإِمَامِ لَهُ أَثْنَاءَ الْمُدَّةِ كَمَا لَا أَثَرَ لِجَوَازِ مَوْتِ الْمُؤَجِّرِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، وَلَا لِكَوْنِهِ مِلْكَ مَنْفَعَةٍ لَا فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ مَنْ صُولِحَ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ سَنَةً، كَانَ لِلْمُصَالَحِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ النَّاطِقَةِ بِإِيجَارِ مَا مَلَكَهُ مِنْ الْمَنَافِعِ، لَا فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ فَهُوَ نَظِيرُ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ مَلَكَ مَنْفَعَةَ الْإِقْطَاعِ بِمُقَابَلَةِ اسْتِعْدَادِهِ لِمَا أُعِدَّ لَهُ وَإِذَا مَاتَ الْمُؤَجِّرُ أَوْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ الْأَرْضَ عَنْ الْمُقْطَعِ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى غَيْرِ الْمُؤَجِّرِ كَمَا لَوْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ فِي النَّظَائِرِ الَّتِي خُرِّجَ عَلَيْهَا إجَارَةُ الْإِقْطَاعِ، وَهِيَ إجَارَةُ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِجَارَةُ الْعَبْدِ الَّذِي صُولِحَ عَلَى خِدْمَتِهِ مُدَّةً وَإِجَارَةُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْغَلَّةُ وَإِجَارَةُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَإِجَارَةُ أُمِّ الْوَلَدِ. [تَنْبِيهٌ] الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْإِجَارَةِ إجَارَةُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ، لَكِنْ إذَا كَانَ لِلْأَرْضِ زُرَّاعٌ، وَاضِعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهَا وَلَهُمْ فِيهَا حَرْثٌ، وَكِيسٌ وَنَحْوُهُ مِمَّا يُسَمَّى كِرْدَارًا وَيُؤَدُّونَ مَا عَلَيْهَا لَا تَصِحُّ إجَارَتُهَا لِغَيْرِهِمْ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زُرَّاعٌ مَخْصُوصُونَ، بَلْ يَتَوَارَدُهَا أُنَاسٌ بَعْدَ آخَرِينَ وَيَدْفَعُونَ مَا عَلَيْهَا مِنْ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ، فَلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا لِمَنْ أَرَادَ لَكِنَّ الْوَاقِعَ فِي زَمَانِنَا الْمُسْتَأْجِرُ يَسْتَأْجِرُهَا لِأَجْلِ أَخْذِ خَرَاجِهَا لَا لِلزِّرَاعَةِ وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْتِزَامًا وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ، وَكَذَا فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَانْتَقَلَ مِنْ أُقْطِعَ لَهُ فِي زَمَنِ سُلْطَانٍ آخَرَ) كَذَا فِي عِبَارَةِ النَّهْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: انْتَقَلَ بِمَعْنَى مَاتَ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ هَلْ يَكُونُ لِأَوْلَادِهِ) أَيْ هَلْ تَصِيرُ الْأَرْضُ لِأَوْلَادِ الْمُقْطَعِ لَهُ عَمَلًا بِقَوْلِ السُّلْطَانِ، وَلِأَوْلَادِهِ فَإِنَّهُ بِمَعْنَى إنْ مَاتَ عَنْ أَوْلَادٍ فَلِأَوْلَادِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَهُوَ تَعْلِيقُ مَعْنًى. مَطْلَبٌ فِي بُطْلَانِ التَّعْلِيقِ بِمَوْتِ الْمُعَلِّقِ (قَوْلُهُ وَمُقْتَضَى قَوَاعِدِهِمْ إلَخْ) حَاصِلُ الْجَوَابِ: أَنَّهَا لَا تَكُونُ لِأَوْلَادِهِ لِبُطْلَانِ التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ بِمَوْتِ السُّلْطَانِ الْمُعَلِّقِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 بِمَوْتِ الْمُعَلِّقِ فَتَدَبَّرْهُ، وَلَوْ أَقْطَعَهُ السُّلْطَانُ أَرْضًا مَوَاتًا أَوْ مَلَكَهَا السُّلْطَانَ، ثُمَّ أَقْطَعَهَا لَهُ جَازَ وَقْفُهُ لَهَا وَالْأَرْصَادُ مِنْ السُّلْطَانِ لَيْسَ بِإِيقَافٍ أَلْبَتَّةَ وَفِي الْأَشْبَاهِ قُبَيْلَ الْقَوْلِ فِي الدَّيْنِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ بِصِحَّةِ إجَارَةِ الْمُقْطَعِ وَأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَهُ مَتَى شَاءَ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ بِغَيْرِ الْمَوَاتِ، أَمَّا الْمَوَاتُ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إخْرَاجُهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَهُ بِالْإِحْيَاءِ فَلْيُحْفَظْ فَصْلٌ فِي الْجِزْيَةِ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي صِحَّةِ تَعْلِيقِ التَّقْرِيرِ فِي الْوَظَائِفِ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ: يَصِحُّ تَعْلِيقُ التَّقْرِيرِ فِي الْوَظَائِفِ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيقِ الْقَضَاءِ، وَالْإِمَارَةِ بِجَامِعِ الْوِلَايَةِ، فَلَوْ مَاتَ الْمُعَلِّقُ بَطَلَ التَّقْرِيرُ، فَإِذَا قَالَ الْقَاضِي إنْ مَاتَ فُلَانٌ أَوْ شَغَرَتْ وَظِيفَةُ كَذَا فَقَدْ قَرَّرْتُك فِيهَا صَحَّ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ تَفَقُّهًا وَهُوَ فِقْهٌ حَسَنٌ. اهـ. أَقُولُ: قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي فَصْلِ كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ فِي التَّنْفِيلِ أَنَّهُ يَعُمُّ كُلَّ قِتَالٍ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، مَا لَمْ يَرْجِعُوا وَإِنْ مَاتَ الْوَالِي أَوْ عُزِلَ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ الثَّانِي، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ التَّعْلِيقَ لَا يَبْطُلُ لِمَوْتِ الْمُعَلِّقِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» فِيهِ تَعْلِيقُ اسْتِحْقَاقِ السَّلْبِ عَلَى الْقَتْلِ لَكِنْ قَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ خِلَافَهُ، وَهُوَ أَنَّهُ يَبْطُلُ التَّنْفِيلُ بِعَزْلِ الْأَمِيرِ وَكَذَا بِمَوْتِهِ إذَا نُصِّبَ غَيْرُهُ مِنْ جِهَةِ الْخَلِيفَةِ لَا مِنْ جِهَةِ الْعَسْكَرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَقْطَعَهُ السُّلْطَانُ أَرْضًا مَوَاتًا) أَيْ مِنْ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ حَيْثُ كَانَ الْمُقْطَعُ لَهُ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، فَيَمْلِكُ رَقَبَتَهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوْ مِنْ غَيْرِ بَيْتِ الْمَالِ، وَالْمُرَادُ بِإِقْطَاعِهِ أَنَّهُ لَهُ بِإِحْيَائِهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ اشْتِرَاطِ إذْنِهِ بِصِحَّةِ الْإِحْيَاءِ، وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِكَوْنِ الْمُحْيِي مُسْتَحِقًّا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بَلْ لَوْ كَانَ ذِمِّيًّا مَلَكَ مَا أَحْيَاهُ (قَوْلُهُ أَوْ مَلَكَهَا السُّلْطَانُ) أَيْ بِإِحْيَاءٍ أَوْ شِرَاءٍ مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَقْطَعَهَا لَهُ) يَعْنِي وَهَبَهَا لَهُ (قَوْلُهُ جَازَ وَقْفُهُ لَهَا) وَكَذَا بَيْعُهُ وَنَحْوُهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا حَقِيقَةً (قَوْلُهُ وَالْإِرْصَادُ إلَخْ) الرَّصَدُ الطَّرِيقُ وَرَصَدَتْهُ رَصْدًا مِنْ بَابِ قَتَلَ: قَعَدْت لَهُ عَلَى الطَّرِيقِ، وَقَعَدَ فُلَانٌ بِالْمَرْصَدِ كَجَعْفَرٍ وَبِالْمِرْصَادِ بِالْكَسْرِ، وَبِالْمُرْتَصِدِ أَيْضًا أَيْ بِطَرِيقِ الِارْتِقَابِ وَالِانْتِظَارِ، وَرَبُّك لَك بِالْمِرْصَادِ: أَيْ مُرَاقِبُك، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ فِعَالِك، وَلَا تَفُوتُهُ مِصْبَاحٌ وَمِنْهُ سُمِّيَ إرْصَادُ السُّلْطَانِ بَعْضَ الْقُرَى، وَالْمَزَارِعِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ، وَنَحْوِهَا لِمَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَالْقُرَّاءِ وَالْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَنَحْوِهِمْ، كَأَنَّ مَا أَرْصَدَهُ قَائِمٌ عَلَى طَرِيقِ حَاجَاتِهِمْ يُرَاقِبُهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ وَقْفًا حَقِيقَةً لِعَدَمِ مِلْكِ السُّلْطَانِ لَهُ، بَلْ هُوَ تَعْيِينُ شَيْءٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى بَعْضِ مُسْتَحَقِّيهِ فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ بَعْدَهُ أَنْ يُغَيِّرَهُ وَيُبَدِّلَهُ كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ مَبْسُوطًا (قَوْلُهُ بِصِحَّةِ إجَارَةِ الْمُقْطَعِ) تَقَدَّمَ آنِفًا وَذَكَرْنَا عِبَارَةَ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الْجِزْيَةِ] هَذَا هُوَ الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الْخَرَاجِ، وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِقُوَّتِهِ لِوُجُوبِهِ، وَإِنْ أَسْلَمُوا بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ، أَوْ لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ إذْ هُوَ الْمُتَبَادِرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَلَا يُطْلَقُ عَلَى الْجِزْيَةِ إلَّا مُقَيَّدًا: أَيْ فَيُقَالُ خَرَاجُ الرَّأْسِ، وَهَذَا أَمَارَةُ الْمَجَازِ، وَبُنِيَتْ عَلَى فِعْلَةٍ دَلَالَةً عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي هِيَ الْإِذْلَالُ عِنْدَ الْإِعْطَاءِ نَهْرٌ. وَتُسَمَّى جَالِيَةٌ مِنْ جَلَوْت عَنْ الْبَلَدِ جَلَاءً بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ خَرَجْت وَأَجْلَيْت مِثْلَهُ، وَالْجَالِيَةُ الْجَمَاعَةُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ جَلَاهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ: الْجَالِيَةُ ثُمَّ نُقِلَتْ الْجَالِيَةُ إلَى الْجِزْيَةِ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْهُمْ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ فِي كُلِّ جِزْيَةٍ تُؤْخَذُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا أُجْلِيَ عَنْ وَطَنِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 هِيَ لُغَةً الْجَزَاءُ، لِأَنَّهَا جَزَتْ عَنْ الْقَتْلِ وَالْجَمْعُ جِزَى كَلِحْيَةٍ وَلِحَى، وَهِيَ نَوْعَانِ (الْمَوْضُوعُ مِنْ الْجِزْيَةِ بِصُلْحٍ لَا) يُقَدَّرُ وَلَا (يُغَيَّرُ) تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ (وَمَا وُضِعَ بَعْدَمَا قُهِرُوا وَأُقِرُّوا عَلَى أَمْلَاكِهِمْ يُقَدَّرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَلَى فَقِيرٍ مُعْتَمِلٍ) يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ النَّقْدَيْنِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ يَنَابِيعُ، وَتَكْفِي صِحَّتُهُ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ هِدَايَةٌ (اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا) فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمٌ (وَعَلَى وَسَطِ الْحَالِ ضِعْفُهُ) فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمَانِ (وَعَلَى الْمُكْثِرِ ضِعْفُهُ) فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ وَهَذَا لِلتَّسْهِيلِ لَا لِبَيَانِ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ بِأَوَّلِ الْحَوْلِ بِنَايَةٌ (وَمَنْ مَلَك عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا غَنِيٌّ وَمَنْ مَلَك مِائَتَيْ   [رد المحتار] فَقِيلَ اُسْتُعْمِلَ فُلَانٌ عَلَى الْجَالِيَةِ، وَالْجَمْعُ الْجَوَالِي مِصْبَاحٌ، فَإِطْلَاقُهَا عَلَى الْجِزْيَةِ مَجَازٌ بِمَرْتَبَتَيْنِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا جَزَتْ عَنْ الْقَتْلِ) أَيْ قَضَتْ وَكَفَتْ عَنْهُ فَإِذَا قَبِلَهَا سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ بَحْرٌ، أَوْ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عُقُوبَةً عَلَى الْكُفْرِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلِهَذَا سُمِّيَتْ جِزْيَةً وَهِيَ وَالْجَزَاءُ وَاحِدٌ وَهُوَ يُقَالُ عَلَى ثَوَابِ الطَّاعَةِ وَعُقُوبَةِ الْمَعْصِيَةِ. (قَوْلُهُ وَالْجَمْعُ جِزَى) وَفِي لُغَةٍ جِزْيَاتٌ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ لَا يُقَدَّرُ وَلَا يُغَيَّرُ) أَيْ لَا يَكُونُ لَهُ تَقْدِيرٌ مِنْ الشَّارِعِ، بَلْ كُلُّ مَا يَقَعُ الصُّلْحُ عَلَيْهِ يَتَعَيَّنُ وَلَا يُغَيَّرُ بِزِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ دُرَرٌ وَذَلِكَ كَمَا صَالَحَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَهْلُ نَجْرَانَ، وَهُمْ قَوْمٌ نَصَارَى بِقُرْبِ الْيَمَنِ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ فِي الْعَامِ وَصَالَحَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، عَلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ضِعْفَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمَالِ الْوَاجِبِ، فَلَزِمَ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي الزَّكَاةِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَمَا وُضِعَ بَعْدَمَا قُهِرُوا إلَخْ) هَذَا الْوَضْعُ وَالتَّقْدِيرُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ رِضَاهُمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ عَلَى فَقِيرٍ مُعْتَمِلٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْعَمَلِ شَرْطٌ فِي حَقِّ الْفَقِيرِ فَقَطْ لِقَوْلِهِ الْآتِي: وَفَقِيرٌ غَيْرُ مُعْتَمِلٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبِنَايَةِ وَغَيْرِهَا: لَا يَلْزَمُ الزَّمِنُ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ مُفْرِطًا فِي الْيَسَارِ وَكَذَا لَوْ مَرِضَ نِصْفَ السَّنَةِ، كَمَا فِي شَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ، فَلَوْ حَذَفَ الْفَقِيرَ لَكَانَ أَوْلَى بَحْرٌ. أَيْ لَوْ حَذَفَهُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي فِيمَنْ لَا يُوضَعُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، وَفَقِيرٌ غَيْرُ مُعْتَمِلٍ بِأَنْ يَقُولَ وَغَيْرُ مُعْتَمِلٍ لِيَشْمَلَ الْفَقِيرَ وَغَيْرَهُ، لَا مِنْ قَوْلِهِ هُنَا عَلَى فَقِيرٍ مُعْتَمِلٍ كَمَا فَهِمَهُ فِي النَّهْرِ، فَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَمُعْتَمِلٍ لَمَا أَفَادَ اشْتِرَاطَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَمَلِ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ كَيْفَ وَقَدْ قَابَلَهُ بِهِ. اهـ. قُلْت: الِاعْتِمَالُ الِاضْطِرَابُ فِي الْعَمَلِ وَهُوَ الِاكْتِسَابُ، وَالْمُرَادُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْمَلْ مَعَ قُدْرَتِهِ وَجَبَتْ كَمَنْ عَطَّلَ الْأَرْضَ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَقَالَ قَيَّدَ بِالِاعْتِمَالِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَرِيضًا فِي نِصْفِ السَّنَةِ فَصَاعِدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ اهـ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمُعْتَمِلِ هُنَا وَاقِعٌ فِي مَحَلِّهِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ الْآتِي لَا تُوضَعُ عَلَى زَمِنٍ وَأَعْمَى وَفَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ الْقَيْدِ هُنَا، وَأَنَّ عَطْفَ الْفَقِيرِ وَالْأَعْمَى عَلَى الزَّمِنِ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالزَّمِنِ الْعَاجِزُ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَأَغْنَاهُ لِشُمُولِهِ الْفَقِيرَ وَغَيْرَهُ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ غَيْرَ الْمُعْتَمِلِ أَعَمُّ، لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ سَالِمَ الْآلَاتِ صَحِيحَ الْبَدَنِ، لَكِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ لِخَرِقِهِ وَعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ حِرْفَةً يَكْتَسِبُ مِنْهَا، وَعَلَى هَذَا فَتَكُونُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْعَمَلِ شَرْطًا فِي الْفَقِيرِ فَقَطْ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ غَيْرَ الْفَقِيرِ تُوضَعُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ صَحِيحًا غَيْرَ زَمِنٍ، وَلَا أَعْمَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَمِلًا بِهَذَا الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فَيَتَعَيَّنُ تَفْسِيرُ غَيْرِ الْمُعْتَمِلِ بِمَا ذَكَرْنَا لِيَنْدَفِعَ الِاسْتِدْرَاكُ عَلَى عِبَارَاتِ الْمُتُونِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَا يُؤَيِّدُهُ حَيْثُ قَالَ: وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْفَقِيرَ هُوَ الَّذِي يَعِيشُ بِكَسْبِ يَدِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، فَلَوْ فَضَلَ عَلَى قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ أُخِذَتْ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا وَإِلَى أَنَّ غَيْرَهُ مَنْ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَى الْكَسْبِ لِلنَّفَقَةِ فِي الْحَالِ. (قَوْلُهُ وَهَذَا لِلتَّسْهِيلِ إلَخْ) الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمٌ وَقَوْلُهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ: دِرْهَمَانِ وَقَوْلُهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ: أَرْبَعَةٌ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ إنَّهَا تَجِبُ فِي أَوَّلِهِ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهَا جَزَاءُ الْقَتْلِ وَبِعَقْدِ الذِّمَّةِ يَسْقُطُ الْأَصْلُ، فَوَجَبَ خُلْفُهُ فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ يُخَاطَبُ بِأَدَاءِ الْكُلِّ عِنْدَهُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ تَخْفِيفًا، وَبِأَدَاءِ قِسْطِ شَهْرَيْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ آخِرُهُمَا، وَقِسْطِ شَهْرٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي آخِرِهِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا مُتَوَسِّطٌ وَمَنْ مَلَك مَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ أَوْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا فَقِيرٌ) قَالَهُ الْكَرْخِيُّ، وَهُوَ أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ بَحْرٌ وَاعْتَبَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الْعُرْفَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَيُعْتَبَرُ وُجُودُ هَذِهِ الصِّفَاتِ فِي آخِرِ السَّنَةِ   [رد المحتار] وَالْحَاصِلُ: أَنَّهَا تَجِبُ فِي أَوَّلِ الْعَامِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا كَالصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْأَدَاءُ فِي آخِرِهِ أَوْ فِي آخِرِ كُلِّ شَهْرَيْنِ أَوْ شَهْرٍ لِلتَّسْهِيلِ وَالتَّخْفِيفِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَاعْتَبَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الْعُرْفَ) حَيْثُ قَالَ يُنْظَرُ إلَى عَادَةِ كُلِّ بَلَدٍ فِي ذَلِكَ. أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ خَمْسِينَ أَلْفًا بِبَلْخٍ يُعَدُّ مِنْ الْمُكْثِرِينَ، وَفِي الْبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ لَا يُعَدُّ مُكْثِرًا وَذَكَرَهُ عَنْ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ) صَحَّحَهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَيْضًا قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَالصَّحِيحُ فِي مَعْرِفَةِ هَؤُلَاءِ عُرْفُهُمْ، كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ، وَذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَاعْتَرَفَ فِي الْمِنَحِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ بِأَنَّهُ أَيْ التَّحْدِيدَ لَمْ يُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَيْ اعْتِبَارَ الْعُرْفِ أَقْرَبُ لِرَأْيِ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ وَأَقَرَّهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ: وَيَنْبَغِي تَفْوِيضُهُ لِلْإِمَامِ أَيْ كَمَا هُوَ رَأْيُ الْإِمَامِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إنَّهُ الْأَصَحُّ فَتَبَصَّرْ. اهـ. يَعْنِي إنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ الَّتِي لَمْ يَرِدْ بِهَا نَصٌّ لَا تَثْبُتُ بِالرَّأْيِ، بَلْ تُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى كَمَا قَالَ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ وَفِي غُسْلِ النَّجَاسَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ وُجُودُ هَذِهِ الصِّفَاتِ فِي آخِرِ السَّنَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُهَا فِي أَوَّلِهَا لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ. اهـ. وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا وُجُودَهَا فِي آخِرِهَا لِأَنَّهُ وَقْتُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لَوْ كَانَ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ غَنِيًّا أُخِذَ مِنْهُ جِزْيَةُ الْأَغْنِيَاءِ، أَوْ فَقِيرًا أُخِذَتْ مِنْهُ جِزْيَةُ الْفُقَرَاءِ وَلَوْ اُعْتُبِرَ الْأَوَّلُ لَوَجَبَ إذَا كَانَ فِي أَوَّلِهَا غَنِيًّا فَقِيرًا فِي أَكْثَرِهَا أَنْ يَجِبَ جِزْيَةُ الْأَغْنِيَاءِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ نَعَمْ الْأَكْثَرُ كَالْكُلِّ اهـ وَاعْتَرَضَهُ مُحَشِّي مِسْكِينٍ، بِأَنَّ مَا أَوْرَدَهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ إذْ هُوَ وَارِدٌ أَيْضًا عَلَى اعْتِبَارِ الْآخَرِ لِاقْتِضَائِهِ وُجُوبَ جِزْيَةِ الْأَغْنِيَاءِ إذَا كَانَ غَنِيًّا فِي آخِرِهَا فَقِيرًا فِي أَكْثَرِهَا. اهـ. قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ الْوَصْفَ الْمَوْجُودَ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ فِي أَوَّلِهَا أَوْ آخِرِهَا، وَعَلَى هَذَا فَمَنْ اعْتَبَرَ آخِرَهَا أَرَادَ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْوَصْفُ مَوْجُودًا فِي أَكْثَرِهَا، وَعَلَى هَذَا فَلَا اعْتِبَارَ لِخُصُوصِ الْأَوَّلِ أَوْ الْآخِرِ لَكِنْ سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْأَهْلِيَّةِ وَعَدَمِهَا وَقْتُ الْوَضْعِ، بِخِلَافِ الْفَقِيرِ إذَا أَيْسَرَ بَعْدَ الْوَضْعِ حَيْثُ تُوضَعُ عَلَيْهِ. وَحَاصِلُهُ عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلُ بِهِ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اعْتِبَارِ أَكْثَرِ السَّنَةِ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا وَقْتَ الْوَضْعِ وُضِعَتْ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ حُرًّا مُكَلَّفًا وَإِلَّا لَمْ تُوضَعْ عَلَيْهِ، وَإِنْ صَارَ أَهْلًا بَعْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي وَمَنْ كَانَ أَهْلًا وَقْتَ الْوَضْعِ لَكِنْ قَامَ بِهِ عُذْرٌ لَمْ تُوضَعْ عَلَيْهِ إلَّا إذَا زَالَ الْعُذْرُ بَعْدَهُ كَالْفَقِيرِ إذَا أَيْسَرَ وَالْمَرِيضِ إذَا صَحَّ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى مِنْ السَّنَةِ أَكْثَرُهَا وَعَلَى هَذَا فَيُعْتَبَرُ أَوَّلُ السَّنَةِ لِتَعْرِفَ الْأَهْلَ مِنْ غَيْرِهِ، وَبَعْدَ تَحَقُّقِ الْأَهْلِيَّةِ لَا يُعْتَبَرُ أَوَّلُهَا فِي حَقِّ تَغَيُّرِ الْأَوْصَافِ، بَلْ يُعْتَبَرُ أَكْثَرُهَا فِيهِ كَمَا إذَا كَانَ مَرِيضًا فِي أَوَّلِهَا، فَإِنْ صَحَّ بَعْدَهُ فِي أَكْثَرِهَا وَجَبَتْ، وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا لَوْ كَانَ فَقِيرًا غَيْرَ مُعْتَمِلٍ، ثُمَّ صَارَ فَقِيرًا مُعْتَمِلًا أَوْ مُتَوَسِّطًا أَوْ غَنِيًّا فِي أَكْثَرِهَا، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ الْفَقِيرَ لَوْ أَيْسَرَ فِي آخِرِ السَّنَةِ أُخِذَتْ مِنْهُ. اهـ. أَيْ إذَا أَيْسَرَ أَكْثَرَهَا، وَعَلَى هَذَا عَكْسُهُ بِأَنْ كَانَ غَنِيًّا فِي أَوَّلِهَا فَقِيرًا فِي آخِرِهَا اُعْتُبِرَ مَا وُجِدَ فِي أَكْثَرِهَا، لَكِنْ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يُؤْخَذُ فِي كُلِّ شَهْرٍ قِسْطٌ يُؤْخَذُ مِمَّنْ كَانَ غَنِيًّا فِي أَوَّلِهَا شَهْرَيْنِ مَثَلًا قِسْطُ شَهْرَيْنِ دُونَ الْبَاقِي لِمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ يَسْقُطُ الْبَاقِي فِي جِزْيَةِ السَّنَةِ إذَا صَارَ شَيْخًا كَبِيرًا أَوْ فَقِيرًا أَوْ مَرِيضًا نِصْفَ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ. اهـ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّ مَا نَقَصَ عَنْ نِصْفِ سَنَةٍ لَا يُجْعَلُ عُذْرًا وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّمَا يُوَظَّفُ عَلَى الْمُعْتَمِلِ إذَا كَانَ صَحِيحًا فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ وَإِلَّا فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلِ مَرَضٍ فَلَا يُجْعَلُ الْقَلِيلُ مِنْهُ عُذْرًا وَهُوَ مَا نَقَصَ عَنْ نِصْفِ الْعَامِ. اهـ. هَذَا مَا ظَهَرَ لِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 فَتْحٌ لِأَنَّهُ وَقْتُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ نَهْرٌ (وَتُوضَعُ عَلَى كِتَابِيٍّ) يَدْخُلُ فِي الْيَهُودِ السَّامِرَةُ لِأَنَّهُمْ يَدِينُونَ بِشَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَفِي النَّصَارَى الْفِرِنْجُ وَالْأَرْمَنُ وَأَمَّا الصَّابِئَةُ فَفِي الْخَانِيَّةِ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا (وَمَجُوسِيٍّ) وَلَوْ عَرَبِيًّا لِوَضْعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى مَجُوسِ هَجَرَ (وَوَثَنِيٍّ عَجَمِيٍّ) لِجَوَازِ اسْتِرْقَاقِهِ فَجَازَ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ (لَا) عَلَى وَثَنِيٍّ (عَرَبِيٍّ) لِأَنَّ الْمُعْجِزَةَ فِي حَقِّهِ أَظْهَرُ فَلَمْ يُعْذَرْ (وَمُرْتَدٍّ) فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمَا إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ وَلَوْ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ فَيْءٌ   [رد المحتار] فِي تَحَيُّرِ هَذَا الْمَحَلِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَتُوضَعُ عَلَى كِتَابِيٍّ) أَيْ وَلَوْ عَرَبِيًّا فَتْحٌ وَالْكِتَابِيُّ مَنْ يَعْتَقِدُ دِينًا سَمَاوِيًّا أَيْ مُنَزَّلًا بِكِتَابٍ كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى (قَوْلُهُ السَّامِرَةُ) فَاعِلُ يَدْخُلُ وَهُمْ فِرْقَةٌ مِنْ الْيَهُودِ وَتُخَالِفُ الْيَهُودَ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ، وَمِنْهُمْ السَّامِرِيُّ الَّذِي وَضَعَ الْعِجْلَ وَعَبَدَهُ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَالْأَرْمَنُ) نِسْبَةٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ إلَى إرْمِينْيَةَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ بَيْنهمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ وَبِفَتْحِ الْيَاءِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ النُّونِ وَهِيَ نَاحِيَةٌ بِالرُّومِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ مِنْ النَّصَارَى أَوْ مِنْ الْيَهُودِ فَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ، فَلَيْسُوا مِنْ الْكِتَابِيِّينَ بَلَى كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ. قَالَ ح أَقُولُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إنَّ الصَّائِبَةَ مِنْ الْعَرَبِ إذْ لَوْ كَانُوا مِنْ الْعَجَمِ لَمَا تَأَتَّى الْخِلَافُ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْعَجَمِيَّ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَلَوْ مُشْرِكًا. اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَهُ السَّائِحَانِيُّ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ عِنْدَهُمَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ إذَا كَانُوا مِنْ الْعَجَمِ لِأَنَّهُمْ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَجُوسِيٍّ) مَنْ يَعْبُدُ النَّارَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ عَلَى مَجُوسِ هَجَرَ) بِفَتْحَتَيْنِ قَالَ فِي الْفَتْحِ بَلْدَةٌ فِي الْبَحْرَيْنِ اهـ وَفِي الْمِصْبَاحِ: وَقَدْ أُطْلِقَتْ عَلَى نَاحِيَةِ بِلَادِ الْبَحْرَيْنِ وَعَلَى جَمِيعِ الْإِقْلِيمِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ. اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا الْبَحْرَانِ عَلَى لَفْظِ التَّثْنِيَةِ مَوْضِعٌ بَيْنَ الْبَصْرَةِ وَعُمَانَ وَهُوَ مِنْ بِلَادِ نَجْدٍ (قَوْلُهُ وَوَثَنِيٍّ عَجَمِيٍّ) الْوَثَنُ مَا كَانَ مَنْقُوشًا فِي حَائِطٍ وَلَا شَخْصَ لَهُ وَالصَّنَمُ مَا كَانَ عَلَى صُورَةِ الْإِنْسَانِ وَالصَّلِيبُ مَا لَا نَقْشَ لَهُ وَلَا صُورَةَ وَلَكِنَّهُ يُعْبَدُ مِنَحٌ عَلَى السِّرَاجِ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ لَكِنْ ذَكَرَ قَبْلَهُ الْوَثَنَ مَا لَهُ جُثَّةٌ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ جَوْهَرٍ يُنْحَتُ، وَالْجَمْعُ أَوْثَانٌ وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَنْصِبُهَا وَتَعْبُدُهَا اهـ وَفِي الْمِصْبَاحِ الْوَثَنُ الصَّنَمُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ اهـ. وَالْعَجَمِيُّ خِلَافُ الْعَرَبِيِّ (قَوْلُهُ لِجَوَازِ اسْتِرْقَاقِهِ إلَخْ) وَإِنَّمَا لَمْ تُضْرَبْ الْجِزْيَةُ عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، مَعَ جَوَازِ اسْتِرْقَاقِهِمْ لِأَنَّهُمْ صَارُوا أَتْبَاعًا لِأُصُولِهِمْ فِي الْكُفْرِ، فَكَانُوا أَتْبَاعًا فِي حُكْمِهِمْ فَكَانَتْ الْجِزْيَةُ عَنْ الرَّجُلِ وَأَتْبَاعِهِ فِي الْمَعْنَى، إنْ كَانَ لَهُ أَتْبَاعٌ، وَإِلَّا فَهِيَ عَنْهُ خَاصَّةٌ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُعْجِزَةَ فِي حَقِّهِ أَظْهَرُ) لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ فَكَانَ كُفْرُهُمْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَغْلَظُ مِنْ كُفْرِ الْعَجَمِ فَتْحٌ وَأَوْرَدَ فِي النَّهْرِ: أَنَّ هَذَا يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ كِتَابِيًّا اهـ: أَيْ فَيُخَالِفُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا تُوضَعُ عَلَيْهِ. قُلْت: وَالْجَوَابُ أَنَّهُ وَإِنْ شَمِلَهُ لَكِنْ خُصَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [التوبة: 29]- اهـ ثُمَّ رَأَيْته فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ (قَوْلُهُ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْعَرَبِيِّ الْوَثَنِيِّ وَالْمُرْتَدِّ إلَّا الْإِسْلَامُ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمَا قُتِلَا بِالسَّيْفِ وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ أَنَّ نِسْبَةَ الْقَبُولِ إلَى السَّيْفِ مُسَامَحَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ ظَهْرنَا عَلَيْهِمْ فَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ فَيْءٌ) لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اسْتَرَقَّ نِسَاءَ بَنِي حَنِيفَةَ وَصِبْيَانَهُمْ لَمَّا ارْتَدُّوا وَقَسَّمَهُمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ هِدَايَةٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ: إلَّا أَنَّ ذَرَارِيَّ الْمُرْتَدِّينَ وَنِسَاءَهُمْ يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ الِاسْتِرْقَاقِ بِخِلَافِ ذَرَارِيِّ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ لَا يُجْبَرُونَ اهـ: أَيْ وَكَذَا نِسَاؤُهُمْ وَالْفَرْقُ أَنَّ ذَرَارِيَّ الْمُرْتَدِّينَ تَبَعٌ لَهُمْ فَيُجْبَرُونَ مِثْلَهُمْ وَكَذَا نِسَاؤُهُمْ لِسَبْقِ الْإِسْلَامِ مِنْهُنَّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 (وَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ) وَمُكَاتَبٍ وَمُدَبَّرٍ وَابْنِ أُمِّ وَلَدٍ (وَزَمِنٍ) مِنْ زَمِنَ يَزْمَنُ زَمَانَةً نَقَصَ بَعْضُ أَعْضَائِهِ أَوْ تَعَطَّلَ قُوَاهُ فَدَخَلَ الْمَفْلُوجُ وَالشَّيْخُ الْعَاجِزُ (وَأَعْمَى وَفَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ وَرَاهِبٍ لَا يُخَالِطُ) لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ وَالْجِزْيَةُ لِإِسْقَاطِهِ وَجَزَمَ الْحَدَّادِيُّ بِوُجُوبِهَا وَنَقَلَ ابْنُ كَمَالٍ أَنَّهُ الْقِيَاسُ وَمُفَادُهُ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ بِخِلَافِهِ فَتَأَمَّلْ (وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْأَهْلِيَّةِ) لِلْجِزْيَةِ (وَعَدَمِهَا وَقْتُ الْوَضْعِ) فَمَنْ أَفَاقَ أَوْ عَتَقَ أَوْ بَلَغَ أَوْ بَرِئَ بَعْدَ وَضْعِ الْإِمَامِ لَمْ تُوضَعْ عَلَيْهِ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ الزِّنْدِيقُ إذَا أُخِذَ قَبْلَ التَّوْبَةِ يُقْتَلُ وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْفَتْحِ قَالُوا لَوْ جَاءَ زِنْدِيقٌ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ فَأَخْبَرَ بِأَنَّهُ زِنْدِيقٌ وَتَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، فَإِنْ أُخِذَ ثُمَّ تَابَ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَيُقْتَلُ لِأَنَّهُمْ بَاطِنِيَّةٌ يَعْتَقِدُونَ فِي الْبَاطِنِ خِلَافَ ذَلِكَ فَيُقْتَلُ وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ، وَفِي الْقُهُسْتَانِيُّ وَلَا تُوضَعُ عَلَى الْمُبْتَدِعِ، وَلَا يُسْتَرَقُّ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا لَكِنْ يُبَاحُ قَتْلُهُ إذَا أَظْهَرَ بِدْعَتَهُ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ ذَلِكَ وَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الْإِبَاحِيَّةِ وَالشِّيعَةِ وَالْقَرَامِطَةِ وَالزَّنَادِقَةِ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ تَابَ الْمُبْتَدِعُ قَبْلَ الْأَخْذِ وَالْإِظْهَارِ، تُقْبَلُ وَإِنْ تَابَ بَعْدَهُمَا لَا تُقْبَلُ كَمَا هُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي التَّمْهِيدِ السَّالِمِيِّ اهـ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَاعْتَمَدَ الْأَخِيرَ صَاحِبُ التَّنْوِيرِ (قَوْلُهُ وَصَبِيٍّ) وَلَا مَجْنُونٍ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَامْرَأَةٍ) إلَّا نِسَاءَ بَنِي تَغْلِبَ فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ كَمَا تُؤْخَذُ مِنْ رِجَالِهِمْ لِوُجُوبِهِ بِالصُّلْحِ كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَابْنِ أُمِّ وَلَدٍ) صُورَتُهُ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً لَهَا وَلَدٌ قَدْ مَلَكَهُ مَعَهَا فَإِنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ. [تَنْبِيهٌ] : قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى سَقَطَ مِنْ نُسَخِ الْهِدَايَةِ لَفْظُ ابْنٍ وَتَبِعَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ، بَلْ زَادَ وَأَمَةٍ وَلَا يَنْبَغِي فَإِنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَى النِّسَاءِ الْأَحْرَارِ، فَكَيْفَ بِأُمِّ الْوَلَدِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ ابْنُ أُمِّ الْوَلَدِ (قَوْلُهُ وَفَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إلَخْ) الْأَصْلُ أَنَّ الْجِزْيَةَ لِإِسْقَاطِ الْقَتْلِ فَمَنْ لَا يَجِبُ قَتْلُهُ لَا تُوضَعُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ إلَّا إذَا أَعَانُوا بِرَأْيٍ أَوْ مَالٍ فَتَجِبُ الْجِزْيَةُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ دُرٌّ مُنْتَقًى وَقُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَجَزَمَ الْحَدَّادِيُّ بِوُجُوبِهَا) أَيْ إذَا قَدَرَ عَلَى الْعَمَلِ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى الرُّهْبَانِ الَّذِينَ لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ، هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْعَمَلِ أَمَّا إذَا كَانُوا يَقْدِرُونَ فَعَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ فِيهِمْ مَوْجُودَةٌ، وَهُمْ الَّذِينَ ضَيَّعُوهَا فَصَارَ كَتَعْطِيلِ أَرْضِ الْخَرَاجِ. اهـ. وَبِهِ جَزَمَ فِي الِاخْتِيَارِ أَيْضًا كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَجَعَلَهُ فِي الْخَانِيَّةِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ حَيْثُ قَالَ وَيُؤْخَذُ مِنْ الرُّهْبَانِ وَالْقِسِّيسِينَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ اهـ (قَوْلُهُ وَنَقَلَ ابْنُ كَمَالٍ أَنَّهُ الْقِيَاسُ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَلَا عَلَى رَاهِبٍ لَا يُخَالِطُ فَأَمَّا الرُّهْبَانُ، وَأَصْحَابُ الصَّوَامِعِ الَّذِينَ يُخَالِطُونَ النَّاسَ فَقَالَ مُحَمَّدٌ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ بِوَضْعِ الْجِزْيَةِ إذَا كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى الْعَمَلِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ قَالَ عَمْرُو بْنُ أَبِي عُمَرَ قُلْت لِمُحَمَّدٍ فَمَا قَوْلُك؟ قَالَ الْقِيَاسُ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: كَذَا فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِلْأَقْطَعِ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ هَذَا فِي الْمُخَالِطِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ تُفِيدُ اخْتِيَارَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا تُفِيدُ أَنَّ مُقَابِلَهُ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ الَّذِي يُقَدَّمُ عَلَى الْقِيَاسِ، وَوَجْهُ كَوْنِهِ هُوَ الْقِيَاسُ أَنَّا لَوْ ظَهَرْنَا عَلَى دَارِ الْحَرْبِ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ الرَّاهِبَ الْمُخَالِطَ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُخَالِطِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ مَنْ لَا يُقْتَلُ لَا تُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَيْهِ وَهَذَا الْقِيَاسُ، هُوَ مَفْهُومُ مَا جَرَى عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ فَيَكُونُ هُوَ الْمَذْهَبُ وَمَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ مَشَى عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ لَمْ تُوضَعْ عَلَيْهِ) لِأَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ أَوَّلُ السَّنَةِ عِنْدَ وَضْعِ الْإِمَامِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يُجَدِّدُ الْوَضْعَ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ سَنَةٍ لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِهِمْ بِبُلُوغِ الصَّبِيِّ وَعِتْقِ الْعَبْدِ، وَغَيْرِهِمَا فَإِذَا احْتَلَمَ وَعَتَقَ الْعَبْدُ بَعْدَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 (بِخِلَافِ الْفَقِيرِ إذَا أَيْسَرَ بَعْدَ الْوَضْعِ حَيْثُ تُوضَعُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ سُقُوطَهَا لِعَجْزِهِ وَقَدْ زَالَ اخْتِيَارٌ (وَهِيَ) أَيْ الْجِزْيَةُ لَيْسَتْ رِضًا مِنَّا بِكُفْرِهِمْ كَمَا طَعَنَ الْمَلَاحِدَةُ بَلْ إنَّمَا هِيَ (عُقُوبَةٌ) لَهُمْ عَلَى إقَامَتِهِمْ (عَلَى الْكُفْرِ) فَإِذَا جَازَ إمْهَالُهُمْ لِلِاسْتِدْعَاءِ إلَى الْإِيمَانِ بِدُونِهَا فَهِيَ أَوْلَى، وَقَالَ تَعَالَى - {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]- وَأَخَذَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ وَنَصَارَى نَجْرَانَ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى دِينِهِمْ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَتَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ) وَلَوْ بَعْدَ تَمَامِ السَّنَةِ، وَيَسْقُطُ الْمُعَجَّلُ لِسَنَةٍ لَا لِسَنَتَيْنِ، فَيُرَدُّ عَلَيْهِ سَنَةٌ خُلَاصَةٌ (وَالْمَوْتُ وَالتَّكْرَارُ) لِلتَّدَاخُلِ كَمَا سَيَجِيءُ (وَ) بِ (الْعَمَى وَالزَّمَانَةِ وَصَيْرُورَتِهِ) -   [رد المحتار] الْوَضْعِ فَقَدْ مَضَى وَقْتُ الْوُجُوبِ، فَلَمْ يَكُونَا أَهْلًا لِلْوُجُوبِ وَالْوَالِجِيَّةُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْفَقِيرِ) أَيْ غَيْرِ الْمُعْتَمِلِ إذَا أَيْسَرَ بِالْعَمَلِ فَإِنَّهَا تُوضَعُ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّ سُقُوطَهَا لِعَجْزِهِ) لِأَنَّ الْفَقِيرَ أَهْلٌ لِوَضْعِ الْجِزْيَةِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ: أَيْ لِكَوْنِهِ حُرًّا مُكَلَّفًا لَكِنَّهُ مَعْذُورٌ بِالْفَقْرِ فَإِذَا زَالَ أُخِذَتْ مِنْهُ لَكِنْ إنْ بَقِيَ مِنْ الْحَوْلِ أَكْثَرُهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا تَحْرِيرَهُ. (قَوْلُهُ كَمَا طَعَنَ الْمَلَاحِدَةُ) أَيْ الطَّاعِنُونَ فِي الدِّينِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ لَحَدَ الرَّجُلُ فِي الدِّينِ لَحْدًا وَأَلْحَدَ إلْحَادًا طَعَنَ (قَوْلُهُ إنَّمَا هِيَ عُقُوبَةٌ لَهُمْ) وَلِأَنَّهَا دَعْوَةٌ إلَى الْإِسْلَامِ بِأَحْسَنِ الْجِهَاتِ، وَهُوَ أَنْ يَسْكُنَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَرَى مَحَاسِنَ الْإِسْلَامِ، فَيُسْلِمَ مَعَ دَفْعِ شَرِّهِ فِي الْحَالِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِذَا جَازَ إمْهَالُهُمْ) أَيْ تَأْخِيرُهُمْ بِلَا جِزْيَةٍ لِلِاسْتِدْعَاءِ إلَى الْإِيمَانِ أَيْ لِأَجْلِ دُعَائِهِمْ إلَيْهِ بِمُحَارَبَتِهِمْ وَقِتَالِهِمْ بِدُونِهَا فَهِيَ أَوْلَى أَيْ فَإِمْهَالُهُمْ لِلِاسْتِدْعَاءِ إلَى الْإِيمَانِ بِالْجِزْيَةِ أَوْلَى لِأَنَّ مُخَالَطَتَهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ وَرُؤْيَتَهُمْ حُسْنَ سِيرَتِهِمْ تَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ كَمَا عَلِمْت، فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِلَا قِتَالٍ فَيَكُونُ أَوْلَى، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ كَلَامِهِ وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُ وَاحِدٍ بِلَا جِزْيَةٍ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا قَرَرْنَاهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَقَالَ تَعَالَى إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَى سَوْقِ الدَّلِيلِ النَّقْلِيِّ هُنَا لِأَنَّ الْمُلْحِدَ مُعْتَرِضٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ هَذَا الْحُكْمِ مِنْ أَصْلِهِ (قَوْلُهُ وَنَصَارَى نَجْرَانَ) بَلْدَةٌ مِنْ بِلَادِ هَمْدَانَ مِنْ الْيَمَنِ مِصْبَاحٌ، وَفِي الْفَتْحِ: رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: «صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ نَجْرَانَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ النِّصْفُ فِي صَفَرٍ وَالنِّصْفُ فِي رَجَبٍ» . (قَوْلُهُ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى كَوْنِهَا عُقُوبَةً عَلَى الْكُفْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْدَ تَمَامِ السَّنَةِ) يَجِبُ أَنْ تُحْمَلُ الْبَعْدِيَّةُ عَلَى الْمُقَارِنَةِ لِلتَّمَامِ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ التَّمَامِ بِمُدَّةٍ فَالسُّقُوطُ بِالتَّكْرَارِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ لَا بِالْإِسْلَامِ. اهـ. ح. قُلْت: لَكِنْ تَحَقَّقَ التَّكْرَارُ بِدُخُولِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فِيهِ خِلَافٌ كَمَا تَعْرِفُهُ (قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ الْمُعَجَّلُ) عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ يَسْقُطُ رَدُّهُ، فَالسُّقُوطُ هُنَا عَنْ الْإِمَامِ لَا عَنْهُ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ سَنَةٌ) أَيْ لَوْ عَجَّلَ لِسَنَتَيْنِ لِأَنَّهُ أَدَّى خَرَاجَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، قَبْلَ الْوُجُوبِ، فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَمَّا لَوْ عَجَّلَ لِسَنَةٍ فِي أَوَّلِهَا فَقَدْ أَدَّى خَرَاجَهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْجِزْيَةِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ وَالْمَوْتِ) أَيْ وَلَوْ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَالتَّكْرَارِ) أَيْ بِدُخُولِ السَّنَةِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّهَا فِي الْأَصَحِّ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا وَسُقُوطُهَا بِالتَّكْرَارِ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَسْقُطُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَبِالْعَمَى وَالزَّمَانَةِ إلَخْ) أَيْ لَوْ حَدَثَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ يُؤْخَذْ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ أَيْ لَوْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَقْسَاطِ الْأَشْهُرِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَمْ يَدْفَعُ شَيْئًا لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ تَقْيِيدَ سُقُوطِ الْبَاقِي بِمَا إذَا دَامَتْ هَذِهِ الْأَعْذَارُ نِصْفَ سَنَةٍ فَأَكْثَرَ، وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ الْفَصْلِ عَنْ الْهِدَايَةِ فَافْهَمْ: هَذَا وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ فِي الْمُنْتَقَى: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ أَصَابَتْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 فَقِيرًا أَوْ (مُقْعَدًا أَوْ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ الْعَمَلَ) ثُمَّ بَيَّنَ التَّكْرَارَ فَقَالَ (وَإِذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حَوْلَانِ تَدَاخَلَتْ وَالْأَصَحُّ سُقُوطُ جِزْيَةِ السَّنَةِ الْأُولَى بِدُخُولِ) السَّنَةِ (الثَّانِيَةِ) زَيْلَعِيٌّ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِأَوَّلِ الْحَوْلِ بِعَكْسِ خَرَاجِ الْأَرْضِ (وَيَسْقُطُ الْخَرَاجُ بِ) الْمَوْتِ فِي الْأَصَحِّ حَاوِيٌّ وَبِ (التَّدَاخُلِ) كَالْجِزْيَةِ (وَقِيلَ لَا) يَسْقُطُ كَالْعُشْرِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ عُقُوبَةٌ بِخِلَافِ الْعُشْرِ بَحْرٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَعَزَاهُ فِي الْخَانِيَّةِ لِصَاحِبِ الْمُذْهَبِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهَا لَا يَحِلُّ أَكْلُ الْغَلَّةِ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْخَرَاجَ (وَلَا تُقْبَلُ مِنْ الذِّمِّيِّ لَوْ بَعَثَهَا عَلَى يَدِ نَائِبِهِ) فِي الْأَصَحِّ (بَلْ يُكَلَّفُ أَنْ يَأْتِيَ بِنَفْسِهِ فَيُعْطِيَهَا قَائِمًا وَالْقَابِضُ مِنْهُ قَاعِدٌ) هِدَايَةٌ وَيَقُولُ: -   [رد المحتار] زَمَانَةٌ وَهُوَ مُوسِرٌ أُخِذَتْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ قَالَ الْإِمَامُ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُشْتَرَطُ لِلْأَخْذِ أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ شَرْطُهَا مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ عَلَى رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْأَهْلِيَّةِ فِي أَوَّلِهِ فَقَطْ فَلَا يَضُرُّ زَوَالُهَا بَعْدَهُ وَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ يُشْتَرَطُ عَدَمُ زَوَالِهَا، وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ عَدَمُ الزَّوَالِ أَصْلًا بَلْ الْمُرَادُ أَنْ لَا يَسْتَمِرَّ الْعُذْرُ نِصْفَ سَنَةٍ فَأَكْثَرَ، فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْعَمَلَ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فَقِيرًا وَمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ إلَخْ) وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ الثَّانِيَةِ لِيَتَحَقَّقَ الِاجْتِمَاعُ (قَوْلُهُ بِعَكْسِ خَرَاجِ الْأَرْضِ) فَإِنَّ وُجُوبَهُ بِآخِرِ الْحَوْلِ لِأَنَّ بِهِ يَتَحَقَّقُ الِانْتِفَاعُ. (قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ الْخَرَاجُ) أَيْ خَرَاجُ الْأَرْضِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ بَحْرٌ) أَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَعَزَاهُ فِي الْخَانِيَّةِ) حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ اجْتَمَعَ الْخَرَاجُ فَلَمْ يُؤَدَّ سِنِينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُؤْخَذُ بِخَرَاجِ هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَا يُؤْخَذُ بِخَرَاجِ السَّنَةِ الْأُولَى، وَيَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْهُ كَمَا قَالَ فِي الْجِزْيَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَسْقُطُ الْخَرَاجُ بِالْإِجْمَاعِ، بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ، وَهَذَا إذَا عَجَزَ عَنْ الزِّرَاعَةِ، فَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ يُؤْخَذُ بِالْخَرَاجِ عِنْدَ الْكُلِّ. اهـ. قُلْت: وَقَدْ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هَذَا الْقَيْدَ وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ الزِّرَاعَةِ أَيْ فِي السَّنَةِ الْأُولَى، وَعَلَى هَذَا فَلَا مَحَلَّ لِذِكْرِ الْخَرَاجِ هُنَا لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ لَا يُقَالُ إنَّهُ سَقَطَ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ لَفْظِيٌّ بِحَمْلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا عَجَزَ، وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْجِزْ إذْ لَا يَتَأَتَّى الْوُجُوبُ مَعَ الْعَجْزِ كَمَا مَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ، وَلِذَا قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ يُؤْخَذُ بِالْخَرَاجِ عِنْدَ الْكُلِّ، وَعَلَى هَذَا فَلَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ، لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ كَلَامِهِمْ، فَإِنَّ الْخِلَافَ مَحْكِيٌّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْخِلَافُ مَعَ الْعَجْزِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَعَلَيْهِ فَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ هَذَا الْقَيْدِ، وَلِذَا ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الْعُشْرِ بِدُونِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا الْقَوْلَ الثَّانِيَ، فَاقْتَضَى كَلَامُهُ اعْتِمَادَ قَوْلِ الْإِمَامِ: إنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِخَرَاجِ السَّنَةِ الْأُولَى لَكِنْ فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ ذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ اهـ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ مَرْوِيٌّ عَنْ صَاحِبِ الْمُذْهَبِ، وَالْمُصَرَّحُ بِتَصْحِيحِهِ عَدَمُ السُّقُوطِ، فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلِذَا جَزَمَ بِهِ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى وَذَكَرَ فِي الْعِنَايَةِ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِزْيَةِ بِأَنَّ الْخَرَاجَ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ مُؤْنَةٌ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَى مَعْنَى الْعُقُوبَةِ، وَلِذَا لَوْ شَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً، لَزِمَهُ خَرَاجُهَا، فَجَازَ أَنْ لَا يَتَدَاخَلَ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ، فَإِنَّهَا عُقُوبَةٌ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً وَالْعُقُوبَاتُ تَتَدَاخَلُ اهـ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَفِيهَا إلَخْ) أَيْ فِي الْخَانِيَّةِ، وَمَحَلُّ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْبَابُ السَّابِقُ، وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي بَابِ الْعُشْرِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) أَيْ مِنْ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّ قَبُولَهَا مِنْ النَّائِبِ يُفَوِّتُ الْمَأْمُورَ بِهِ مِنْ الْإِزَالَةِ عِنْدَ الْإِعْطَاءِ قَالَ تَعَالَى - {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]- فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْقَابِضُ مِنْهُ قَاعِدٌ) وَتَكُونُ يَدُ الْمُؤَدِّي أَسْفَلَ وَيَدُ الْقَابِضِ أَعْلَى هِنْدِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَيَقُولُ إلَخْ) هَذَا فِي الْهِدَايَةِ أَيْضًا لَكِنْ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ كَمَا فَعَلَهُ الشَّارِحُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 أَعْطِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، وَيَصْفَعُهُ فِي عُنُقِهِ لَا يَا كَافِرُ، وَيَأْثَمُ الْقَائِلُ إنْ أَذَاهُ بِهِ قُنْيَةٌ (وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يُحْدِثَ بِيعَةً، وَلَا كَنِيسَةً وَلَا صَوْمَعَةً، وَلَا بَيْتَ نَارٍ، وَلَا مَقْبَرَةً) وَلَا صَنَمًا حَاوِيٌّ (فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) وَلَوْ قَرْيَةً فِي الْمُخْتَارِ فَتْحٌ   [رد المحتار] بَلْ قَالَ وَفِي رِوَايَةٍ يَأْخُذُ بِتَلْبِيبِهِ وَيَهُزُّهُ هَزًّا وَيَقُولُ أَعْطِ الْجِزْيَةَ يَا ذِمِّيُّ اهـ وَمُفَادُهُ عَدَمُ اعْتِمَادِهَا وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالتَّلْبِيبُ بِالْفَتْحِ مَا عَلَى مَوْضِعِ اللَّبَبِ مِنْ الثِّيَابِ، وَاللَّبَبُ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ مِنْ الصَّدْرِ (قَوْلُهُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ) كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَاَلَّذِي فِي الْهِدَايَةِ وَالْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ يَا ذِمِّيُّ (قَوْلُهُ وَيَصْفَعُهُ فِي عُنُقِهِ) الصَّفْعُ أَنْ يَبْسُطَ الرَّجُلُ كَفَّهُ فَيَضْرِبَ بِهَا قَفَا الْإِنْسَانِ أَوْ بَدَنَهُ، فَإِذَا قَبَضَ كَفَّهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ فَلَيْسَ بِصَفْعٍ بَلْ يُقَالُ ضَرَبَهُ بِجَمْعٍ مِصْبَاحٌ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الصَّفْعِ نَقَلَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَنَقَلَهُ أَيْضًا فِي النَّهْرِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَقَدْ حَكَاهُ بَعْضُهُمْ بِقِيلَ (قَوْلُهُ لَا يَا كَافِرُ) مُفَادُهُ الْمَنْعُ مِنْ قَوْلِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ بَلْ وَمِنْ الْأَخْذِ بِالتَّلْبِيبِ وَالْهَزِّ وَالصَّفْعِ إذْ لَا شَكَّ بِأَنَّهُ يُؤْذِيهِ وَلِهَذَا رَدَّ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي السُّنَّةِ وَلَا فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ (قَوْلُهُ وَيَأْثَمُ الْقَائِلُ إنْ أَذَاهُ بِهِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِارْتِكَابِ الْإِثْمِ بَحْرٌ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ، لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ فِي النَّهْرِ. قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَ مَا مَرَّ فِي يَا فَاسِقُ مِنْ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِنَفْسِهِ قَبْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ أَفَادَهُ الشَّارِحُ فِي التَّعْزِيرِ ط. قُلْت: لَكِنْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ هُنَاكَ فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْدِثَ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الدَّالِ وَفَاعِلُهُ الْكَافِرُ وَمَفْعُولُهُ بِيعَةً كَمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُ الشَّارِحِ، وَلَا صَنَمًا. وَفِي نُسْخَةٍ: وَلَا يُحْدِثُوا أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ. اهـ. ح وَمِنْ الْإِحْدَاثِ نَقْلُهَا إلَى غَيْرِ مَوْضِعِهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ ط (قَوْلُهُ بِيعَةً) بِالْكَسْرِ مَعْبَدُ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ، كَذَلِكَ الْكَنِيسَةُ إلَّا أَنَّهُ غَلَّبَ الْبِيعَةَ عَلَى مَعْبَدِ النَّصَارَى، وَالْكَنِيسَةَ عَلَى الْيَهُودِ قُهُسْتَانِيٌّ. وَفِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ: وَأَهْلُ مِصْرَ يُطْلِقُونَ الْكَنِيسَةَ عَلَى مُتَعَبِّدِهِمَا وَيَخُصَّانِ اسْمَ الدَّيْرِ بِمَعْبَدِ النَّصَارَى. قُلْت: وَكَذَا أَهْلُ الشَّامِ دُرٌّ مُنْتَقًى وَالصَّوْمَعَةُ بَيْتٌ يُبْنَى بِرَأْسٍ طَوِيلٍ لِيُتَعَبَّدَ فِيهِ بِالِانْقِطَاعِ عَنْ النَّاسِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَا مَقْبَرَةً) عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ إلَى الْخُلَاصَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا يُخَالِفُهُ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَمِنْ ثَمَّ عَوَّلْنَا عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ. مَطْلَبٌ لَا يَجُوزُ إحْدَاثُ كَنِيسَةٍ فِي الْقُرَى وَمَنْ أَفْتَى بِالْجَوَازِ فَهُوَ مُخْطِئٌ وَيُحْجَرُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَرْيَةً فِي الْمُخْتَارِ) نُقِلَ تَصْحِيحُهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ شَرْحِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ فِي الْإِجَارَاتِ ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ إلَى أَنْ قَالَ: فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْإِفْتَاءُ بِالْإِحْدَاثِ فِي الْقُرَى لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ زِمَامِنَا بَعْدَمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّصْحِيحِ وَالِاخْتِيَارِ لِلْفَتْوَى وَأَخْذِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى فَتْوَى مَنْ أَفْتَى بِمَا يُخَالِفُ هَذَا، وَلَا يَحِلُّ الْعَمَلُ بِهِ وَلَا الْأَخْذُ بِفَتْوَاهُ، وَيُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي الْفَتْوَى وَيُمْنَعُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ مُجَرَّدُ إتْبَاعِ هَوَى النَّفْسِ وَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قُوَّةُ التَّرْجِيحِ، لَوْ كَانَ الْكَلَامُ مُطْلَقًا فَكَيْفَ مَعَ وُجُودِ النَّقْلِ بِالتَّرْجِيحِ وَالْفَتْوَى فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. مَطْلَبٌ تُهْدَمُ الْكَنَائِسُ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ سُكْنَاهَا قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، أَمَّا هِيَ فَيُمْنَعُونَ مِنْ قُرَاهَا أَيْضًا لِخَبَرِ «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» . اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 [مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ] (وَيُعَادُ الْمُنْهَدِمُ) أَيْ لَا مَا هَدَمَهُ الْإِمَامُ، بَلْ مَا انْهَدَمَ أَشْبَاهُ فِي آخِرِ الدُّعَاءِ بِرَفْعِ الطَّاعُونِ   [رد المحتار] قُلْت: الْكَلَامُ فِي الْإِحْدَاثِ مَعَ أَنَّ أَرْضَ الْعَرَبِ لَا تُقَرُّ فِيهَا كَنِيسَةٌ وَلَوْ قَدِيمَةً فَضْلًا عَنْ إحْدَاثِهَا لِأَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ السُّكْنَى بِهَا لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ كَمَا يَأْتِي وَقَدْ بَسَطَهُ فِي الْفَتْحِ وَشَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَتَقَدَّمَ تَحْدِيدُ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ أَوَّلَ الْبَابِ الْمَارِّ. مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ أَنَّ الْأَمْصَارَ ثَلَاثَةٌ وَبَيَانُ إحْدَاثِ الْكَنَائِسِ فِيهَا [تَنْبِيهٌ] فِي الْفَتْحِ: قِيلَ الْأَمْصَارُ ثَلَاثَةٌ مَا مَصَّرَهُ الْمُسْلِمُونَ، كَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ وَوَاسِطٍ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ إحْدَاثُ ذَلِكَ إجْمَاعًا وَمَا فَتَحَهُ الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً فَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَا فَتَحُوهُ صُلْحًا فَإِنْ وَقَعَ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ جَازَ الْإِحْدَاثُ وَإِلَّا فَلَا إلَّا إذَا شَرَطُوا الْإِحْدَاثَ اهـ مُلَخَّصًا وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْدِثُوا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَقَعْ الصُّلْحُ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ أَوْ عَلَى الْإِحْدَاثِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا اسْتِثْنَاءَ فِيهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. قُلْت: لَكِنْ إذَا صَالَحَهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ فَلَهُمْ الْإِحْدَاثُ إلَّا إذَا صَارَ مِصْرًا لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدُ فَإِنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ الْإِحْدَاثِ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَوْ تَحَوَّلَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ الْمِصْرِ إلَّا نَفَرًا يَسِيرًا فَلَهُمْ الْإِحْدَاثُ أَيْضًا، فَلَوْ رَجَعَ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهِ لَمْ يَهْدِمُوا مَا أُحْدِثَ قَبْلَ عَوْدِهِمْ كَمَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَمَا فُتِحَ عَنْوَةً فَهُوَ كَذَلِكَ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ أَيْضًا بَلْ هُوَ فِيمَا قُسِمَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ أَوْ صَارَ مِصْرًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَقَدْ صَرَّحَ فِي شَرْحِ السِّيَرِ بِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ عَلَى أَرْضِهِمْ وَجَعَلَهُمْ ذِمَّةً لَا يُمْنَعُونَ مِنْ إحْدَاثِ كَنِيسَةٍ لِأَنَّ الْمَنْعَ مُخْتَصٌّ بِأَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا الْجُمَعُ وَالْحُدُودِ، فَلَوْ صَارَتْ مِصْرًا لِلْمُسْلِمِينَ مُنِعُوا مِنْ الْإِحْدَاثِ، وَلَا تُتْرَكُ لَهُمْ الْكَنَائِسُ الْقَدِيمَةُ أَيْضًا كَمَا لَوْ قَسَّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ لَكِنْ لَا تُهْدَمُ، بَلْ يَجْعَلُهَا مَسَاكِنَ لَهُمْ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ، بِخِلَافِ مَا صَالَحَهُمْ عَلَيْهَا قَبْلَ الظُّهُورِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ يَتْرُكُ لَهُمْ الْقَدِيمَةَ وَيَمْنَعُهُمْ مِنْ الْإِحْدَاثِ بَعْدَمَا صَارَتْ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ اهـ مُلَخَّصًا. مَطْلَبٌ لَوْ اخْتَلَفْنَا مَعَهُمْ فِي أَنَّهَا صُلْحِيَّةٌ أَوْ عَنْوِيَّةٌ فَإِنْ وُجِدَ أَثَرٌ وَإِلَّا تُرِكَتْ بِأَيْدِيهِمْ [تَتِمَّةٌ] لَوْ كَانَتْ لَهُمْ كَنِيسَةٌ فِي مِصْرٍ فَادْعُوَا أَنَا صَالَحْنَاهُمْ عَلَى أَرْضِهِمْ، وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: بَلْ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَأَرَادَ مَنْعَهُمْ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا وَجَهِلَ الْحَالَ لِطُولِ الْعَهْدِ سَأَلَ الْإِمَامُ الْفُقَهَاءَ، وَأَصْحَابَ الْأَخْبَارِ فَإِنْ وَجَدَ أَثَرًا عَمِلَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَوْ اخْتَلَفَتْ الْآثَارُ جَعَلَهَا أَرْضَ صُلْحٍ، وَجَعَلَ الْقَوْلَ فِيهَا لِأَهْلِهَا، لِأَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمْ وَهُمْ مُتَمَسِّكُونَ بِالْأَصْلِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ السِّيَرِ. (قَوْلُهُ وَيُعَادُ الْمُنْهَدِمُ) هَذَا فِي الْقَدِيمَةِ الَّتِي صَالَحْنَاهُمْ عَلَى إبْقَائِهَا قَبْلَ الظُّهُورِ عَلَيْهِمْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّ الْأَبْنِيَةَ لَا تَبْقَى دَائِمًا وَلَمَّا أَقَرَّهُمْ الْإِمَامُ فَقَدْ عَهِدَ إلَيْهِمْ الْإِعَادَةَ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ نَقْلِهَا لِأَنَّهُ إحْدَاثٌ فِي الْحَقِيقَةِ. اهـ. مَطْلَبٌ إذَا هُدِمَتْ الْكَنِيسَةُ وَلَوْ بِغَيْرِ وَجْهٍ لَا تَجُوزُ إعَادَتُهَا (قَوْلُهُ أَشْبَاهٌ) حَيْثُ قَالَ فِي فَائِدَةٍ نَقَلَ السُّبْكِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْكَنِيسَةَ إذَا هُدِمَتْ وَلَوْ بِغَيْرِ وَجْهٍ لَا يَجُوزُ إعَادَتُهَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ فِي حُسْنِ الْمُحَاضَرَةِ. قُلْت: يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ أَنَّهَا إذَا قُفِلَتْ، لَا تُفْتَحُ وَلَوْ بِغَيْرِ وَجْهٍ كَمَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي عَصْرِنَا بِالْقَاهِرَةِ فِي كَنِيسَةٍ بِحَارَةِ زُوَيْلَةَ قَفَلَهَا الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ إلْيَاسَ قَاضِي الْقُضَاةِ، فَلَمْ تُفْتَحْ إلَى الْآنَ حَتَّى وَرَدَ الْأَمْرُ السُّلْطَانِيُّ بِفَتْحِهَا فَلَمْ يَتَجَاسَرْ حَاكِمٌ عَلَى فَتْحِهَا، وَلَا يُنَافِي مَا نَقَلَهُ السُّبْكِيُّ قَوْلَ أَصْحَابِنَا يُعَادُ الْمُنْهَدِمُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا هَدَمَهُ الْإِمَامُ لَا فِيمَا تَهَدَّمَ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 (مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ) وَلَا يَعْدِلُ   [رد المحتار] قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِي الْبَحْرِ أَقُولُ: كَلَامُ السُّبْكِيّ عَامٌّ فِيمَا هَدَمَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ فِي كَلَامِ الْأَشْبَاهِ يَخُصُّ الْأَوَّلَ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ الْعُمُومُ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِيمَا يَظْهَرُ أَنَّ فِي إعَادَتِهَا بَعْدَ هَدْمِ الْمُسْلِمِينَ اسْتِحْفَافًا بِهِمْ، وَبِالْإِسْلَامِ وَإِخْمَادًا لَهُمْ وَكَسْرًا لِشَوْكَتِهِمْ، وَنَصْرًا لِلْكُفْرِ وَأَهْلِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ فِيهِ افْتِيَاتًا عَلَى الْإِمَامِ فَيَلْزَمُ فَاعِلَهُ التَّعْزِيرُ كَمَا إذَا أَدْخَلَ الْحَرْبِيَّ بِغَيْرِ إذْنِهِ يَصِحُّ أَمَانُهُ وَيُعَزَّرُ لِافْتِيَاتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَدَمُوهَا بِأَنْفُسِهِمْ فَإِنَّهَا تُعَادُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ عُلَمَاءُ الشَّافِعِيَّةِ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَيُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ كَلَامِ السُّبْكِيّ. اهـ. مَطْلَبٌ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ إعَادَةِ الْمُنْهَدِمِ أَنَّهُ جَائِزٌ نَأْمُرُهُمْ بِهِ بَلْ الْمُرَادُ نَتْرُكُهُمْ وَمَا يَدِينُونَ [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ فِي أَحْكَامِ الْكَنَائِسِ عَنْ الْإِمَامِ السُّبْكِيّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا نَمْنَعُهُمْ مِنْ التَّرْمِيمِ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ جَائِزٌ نَأْمُرُهُمْ بِهِ بَلْ بِمَعْنَى نَتْرُكُهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَعَاصِي الَّتِي يُقَرُّونَ عَلَيْهَا كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ وَلَا نَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُمْ، فَلَا يَحِلُّ لِلسُّلْطَانِ وَلَا لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لَهُمْ افْعَلُوا ذَلِكَ وَلَا أَنْ يُعِينَهُمْ عَلَيْهِ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَعْمَلَ لَهُمْ فِيهِ، وَلَا يَخْفَى ظُهُورُهُ وَمُوَافَقَتُهُ لِقَوَاعِدِنَا. مَطْلَبٌ لَمْ يَكُنْ مِنْ الصَّحَابَةِ صُلْحٌ مَعَ الْيَهُودِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ السِّرَاجِ الْبُلْقِينِيِّ فِي كَنِيسَةٍ لِلْيَهُودِ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عِنْدَ فَتْحِ النَّوَاحِي لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ صُلْحٌ مَعَ الْيَهُودِ أَصْلًا. اهـ. قُلْت: وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْبِلَادَ كَانَتْ بِيَدِ النَّصَارَى، وَلَمْ تَزَلْ الْيَهُودُ مَضْرُوبَةً عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ؛ ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا الرَّحْمَتِيِّ كَتَبَ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ فِي خُطْبَةِ الْإِمَامِ بِجَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ مَا نَصُّهُ: ثُمَّ نَقَضَ أَهْلُ الذِّمَّةِ عَهْدَهُمْ فِي وَقْعَةِ التَّتَارِ وَقُتِلُوا عَنْ آخِرِهِمْ فَكَنَائِسُهُمْ الْآنَ مَوْضُوعَةٌ بِغَيْرِ حَقٍّ. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ: حَادِثَةُ الْفَتْوَى فِي أَخْذِ النَّصَارَى كَنِيسَةً مَهْجُورَةً لِلْيَهُودِ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا حُكْمُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى الْوَاقِعَةِ فِي عَامِ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ وَالْأَلْفِ قَرِيبًا مِنْ كِتَابَتِي لِهَذَا الْمَحَلِّ، وَهِيَ أَنَّ كَنِيسَةً لِفِرْقَةٍ مِنْ الْيَهُودِ تُسَمَّى الْيَهُودَ الْقَرَّايِينَ مَهْجُورَةٌ مِنْ قَدِيمٍ لِفَقْدِ هَذِهِ الْفِرْقَةِ وَانْقِطَاعِهِمْ فِي دِمَشْقَ، فَحَضَرَ يَهُودِيٌّ غَرِيبٌ هُوَ مِنْ هَذِهِ الْفِرْقَةِ إلَى دِمَشْقَ، فَدَفَعَ لَهُ النَّصَارَى دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً، وَأَذِنَ لَهُمْ فِي بِنَائِهَا، وَأَنْ يَجْعَلُوهَا مَعْبَدًا لَهُمْ، وَصَدَّقَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْيَهُودِ لِقُوَّةِ شَوْكَةِ النَّصَارَى فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَبَلَغَنِي أَنَّ الْكَنِيسَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي دَاخِلِ حَارَةٍ لِلْيَهُودِ مُشْتَمِلَةً عَلَى دُورٍ عَدِيدَةٍ وَأَنَّ مُرَادَ النَّصَارَى شِرَاءُ الْحَارَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِدْخَالُهَا لِلْكَنِيسَةِ، وَطَلَبُوا فَتْوَى عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ الْإِذْنِ، وَعَلَى كَوْنِهَا صَارَتْ مَعْبَدًا لِلنَّصَارَى، فَامْتَنَعْت مِنْ الْكِتَابَةِ. مَطْلَبٌ فِيمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُتَهَوِّرِينَ فِي زَمَانِنَا وَقُلْت: إنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فَكَتَبَ لَهُمْ بَعْضُ الْمُتَهَوِّرِينَ طَمَعًا فِي عَرَضِ الدُّنْيَا أَنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ جَائِزٌ، فَقَوِيَتْ بِذَلِكَ شَوْكَتُهُمْ، وَعَرَضُوا ذَلِكَ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ لِيَأْذَنَ لَهُمْ بِذَلِكَ حَيْثُ وَافَقَ غَرَضُهُمْ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ، بِنَاءً عَلَى مَا أَفْتَاهُمْ بِهِ ذَلِكَ الْمُفْتِي وَلَا أَدْرِي مَا يَئُولُ إلَيْهِ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ الْمُشْتَكَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 عَنْ النَّقْضِ الْأَوَّلِ إنْ كَفَى وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ -   [رد المحتار] وَمُسْتَنَدِي فِيمَا قُلْته أُمُورٌ: مِنْهَا مَا عَلِمْته مِنْ أَنَّ الْيَهُودَ لَا عَهْدَ لَهُمْ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ كَنَائِسَهُمْ الْقَدِيمَةَ أُقِرَّتْ مَسَاكِنَ لَا مَعَابِدَ، فَتَبْقَى كَمَا أُبْقِيَتْ عَلَيْهِ، وَمَا عَلِمْته أَيْضًا مِنْ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ نَقَضُوا عَهْدَهُمْ لِقِتَالِهِمْ الْمُسْلِمِينَ مَعَ التَّتَارِ الْكُفَّارِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ عَهْدٌ فِي كَنَائِسِهِمْ فَهِيَ مَوْضُوعَةٌ الْآنَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَأْتِي قَرِيبًا عِنْدَ قَوْلِهِ وَسَبُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ عَهْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الشَّامِ مَشْرُوطٌ بِأَنَّ لَا يُحْدِثُوا بِيعَةً، وَلَا كَنِيسَةً، وَلَا يَشْتِمُوا مُسْلِمًا وَلَا يَضْرِبُوهُ، وَأَنَّهُمْ إنْ خَالَفُوا فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ. وَمِنْهَا: أَنَّ هَذِهِ كَنِيسَةٌ مَهْجُورَةٌ انْقَطَعَ أَهْلُهَا وَتَعَطَّلَتْ عَنْ الْكُفْرِ فِيهَا فَلَا تَجُوزُ الْإِعَانَةُ عَلَى تَجْدِيدِ الْكُفْرِ فِيهَا، وَهَذَا إعَانَةٌ عَلَى ذَلِكَ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ حَيْثُ تَعَطَّلَتْ عَنْ كُفْرِ أَهْلِهَا. وَقَدْ نَقَلَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ عَنْ الْإِمَامِ الْقَرَافِيِّ أَنَّهُ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يُعَادُ مَا انْهَدَمَ مِنْ الْكَنَائِسِ، وَأَنَّ مَنْ سَاعَدَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ رَاضٍ بِالْكُفْرِ وَالرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ اهـ. فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ سُوءِ الْمُنْقَلَبِ. وَمِنْهَا: أَنَّ عَدَاوَةَ الْيَهُودِ لِلنَّصَارَى أَشَدُّ مِنْ عَدَاوَتِهِمْ لَنَا، وَهَذَا الرِّضَا وَالتَّصْدِيقُ نَاشِئٌ عَنْ خَوْفِهِمْ مِنْ النَّصَارَى لِقُوَّةِ شَوْكَتِهِمْ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. وَمِنْهَا: أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةٌ لِفِرْقَةٍ خَاصَّةٍ لَيْسَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْفِرْقَةِ أَنْ يَصْرِفَهَا إلَى جِهَةٍ أُخْرَى وَإِنْ كَانَ الْكُفْرُ مِلَّةً وَاحِدَةً عِنْدَنَا كَمَدْرَسَةٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ مَثَلًا لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ أَنْ يَجْعَلَهَا لِأَهْلِ مَذْهَبٍ آخَرَ وَإِنْ اتَّحَدَتْ الْمِلَّةُ. وَمِنْهَا: أَنَّ الصُّلْحَ الْعُمَرِيَّ الْوَاقِعَ حِينَ الْفَتْحِ مَعَ النَّصَارَى إنَّمَا وَقَعَ عَلَى إبْقَاءِ مَعَابِدِهِمْ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ إذْ ذَاكَ، وَمِنْ جُمْلَةِ الصُّلْحِ مَعَهُمْ كَمَا عَلِمْته آنِفًا أَنْ لَا يُحْدِثُوا كَنِيسَةً وَلَا صَوْمَعَةً، وَهَذَا إحْدَاثُ كَنِيسَةٍ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ بِلَا شَكٍّ، وَاتَّفَقَتْ مَذَاهِبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ عَنْ الْإِحْدَاثِ كَمَا بَسَطَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِنَقْلِهِ نُصُوصَ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِحْدَاثِ أَنْ يَكُونَ بِنَاءً حَادِثًا لِأَنَّهُ نَصَّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادُوا أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْتًا لَهُمْ مُعَدًّا لِلسُّكْنَى كَنِيسَةً يَجْتَمِعُونَ فِيهِ يُمْنَعُونَ مِنْهُ لِأَنَّ فِيهِ مُعَارَضَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَازْدِرَاءٌ بِالدِّينِ. اهـ. أَيْ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ مَعْبَدٍ لَهُمْ عَارَضُوا بِهِ مَعَابِدَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذِهِ الْكَنِيسَةُ كَذَلِكَ جَعَلُوهَا مَعْبَدًا لَهُمْ حَادِثًا فَمَا أَفْتَى بِهِ ذَلِكَ الْمِسْكِينُ خَالَفَ فِيهِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا كُلُّهُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا قَصَدُوهُ مِنْ عِمَارَتِهَا بِأَنْقَاضٍ جَدِيدَةٍ وَزِيَادَتِهِمْ فِيهَا فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَنِيسَةً لَهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ أَئِمَّةِ الدِّينِ أَيْضًا وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ أَفْتَاهُمْ وَسَاعَدَهُمْ وَقَوَّى شَوْكَتَهُمْ يُخْشَى عَلَيْهِ سُوءُ الْخَاتِمَة وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ عَنْ النُّقْضِ) بِالضَّمِّ مَا انْتَقَضَ مِنْ الْبُنْيَانِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ) ذَكَرَ عِبَارَتَهُ فِي النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ: قَالَ فِي عَقْدِ الْفَرَائِدِ: وَهَذَا أَيْ قَوْلُهُمْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ يُفِيدُ أَنَّهُمْ لَا يَبْنُونَ مَا كَانَ بِاللَّبِنِ بِالْآجُرِّ، وَلَا مَا كَانَ بِالْآجُرِّ بِالْحَجَرِ وَلَا مَا كَانَ بِالْجَرِيدِ، وَخَشَبِ النَّخْلِ بِالنَّقِيِّ وَالسَّاجِ وَلَا بَيَاضَ لَمْ يَكُنْ. قَالَ: وَلَمْ أَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ أَنْ لَا تُعَادَ إلَّا بِالنَّقْضِ الْأَوَّلِ وَكَوْنُ ذَلِكَ مَفْهُومَ الْإِعَادَةِ شَرْعًا وَلُغَةً غَيْرَ ظَاهِرِ عِنْدِي عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ مُحَمَّدٍ يَبْنُونَهَا وَفِي إجَارَةِ الْخَانِيَّةِ يَعْمُرُوا وَلَيْسَ فِيهِمَا مَا يُشْعِرُ بِاشْتِرَاطِ النُّقْضِ الْأَوَّلِ. مَطْلَبٌ فِي كَيْفِيَّةِ إعَادَةِ الْمُنْهَدِمِ مِنْ الْكَنَائِسِ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَإِذَا انْهَدَمَتْ الْبِيَعُ وَالْكَنَائِسُ لِذَوِي الصُّلْحِ إعَادَتُهَا بِاللَّبِنِ وَالطِّينِ إلَى مِقْدَارِ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَا يَزِيدُونَ عَلَيْهِ، وَلَا يُشَيِّدُونَهَا بِالْحَجَرِ وَالشِّيدِ وَالْآجُرِّ، وَإِذَا وَقَفَ الْإِمَامُ عَلَى بِيعَةٍ جَدِيدَةٍ أَوْ بَنَى مِنْهَا فَوْقَ مَا كَانَ فِي الْقَدِيمِ خَرَّبَهَا وَكَذَا مَا زَادَ فِي عِمَارَتِهَا الْعَتِيقَةِ اهـ وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّ النَّقْضَ الْأَوَّلَ حَيْثُ وُجِدَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 وَأَمَّا الْقَدِيمَةُ فَتُتْرَكُ مَسْكَنًا فِي الْفَتْحِيَّةِ وَمَعْبَدًا فِي الصُّلْحِيَّةِ بَحْرٌ خِلَافًا لِمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ فَتَنَبَّهْ (وَيُمَيِّزُ الذِّمِّيُّ عَنَّا فِي زِيِّهِ) بِالْكَسْرِ لِبَاسَهُ وَهَيْئَتَهُ وَمَرْكَبَهُ وَسَرْجَهُ وَسِلَاحَهُ (فَلَا يَرْكَبُ خَيْلًا) إلَّا إذَا اسْتَعَانَ بِهِمْ الْإِمَامُ لِمُحَارِبَةٍ وَذَبَّ عَنَّا ذَخِيرَةً وَجَازَ بَغْلٌ كَحِمَارٍ تَتَارْخَانِيَّةٌ وَفِي الْفَتْحِ وَهَذَا عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَاخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّهُ لَا يَرْكَبُ أَصْلًا   [رد المحتار] كَافِيًا لِلْبِنَاءِ الْأَوَّلِ لَا يَعْدِلُ عَنْهُ إلَى آلَةٍ جَدِيدَةٍ إذْ لَا شَكَّ فِي زِيَادَةِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ حِينَئِذٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْقَدِيمَةُ إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ: وَلَا يُحْدِثُ بِيعَةً وَلَا كَنِيسَةً، وَكَانَ الَأَوْلَى ذَكَرَهُ قَبْلَ قَوْلِهِ وَيُعَادُ الْمُنْهَدِمُ لِأَنَّ إعَادَةَ الْمُنْهَدِمِ إنَّمَا هِيَ فِي الْقَدِيمَةِ دُونَ الْحَادِثَةِ (قَوْلُهُ فِي الْفَتْحِيَّةِ) أَرَادَ بِهَا الْمَفْتُوحَةَ عَنْوَةً بِقَرِينَةِ مُقَابَلَتِهَا بِالصُّلْحِيَّةِ (قَوْلُهُ بَحْرٌ) عِبَارَتُهُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْبِيَعَ وَالْكَنَائِسَ الْقَدِيمَةَ فِي السَّوَادِ لَا تُهْدَمُ عَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا، وَأَمَّا فِي الْأَمْصَارِ فَاخْتَلَفَ كَلَامُ مُحَمَّدٍ، فَذَكَرَ فِي الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ تُهْدَمُ الْقَدِيمَةُ وَذَكَرَ فِي الْإِجَارَةِ لَا تُهْدَمُ، وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَى هَذَا، فَإِنَّا رَأَيْنَا كَثِيرًا مِنْهَا تَوَالَتْ عَلَيْهَا أَئِمَّةٌ وَأَزْمَانٌ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ لَمْ يَأْمُرْ إمَامٌ بِهَدْمِهَا؛ فَكَانَ مُتَوَارِثًا مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ مَصَّرْنَا بَرِّيَّةً فِيهَا أَوْ كَنِيسَةً فَوَقَعَ دَاخِلَ السُّوَرِ، يَنْبَغِي أَنْ لَا يُهْدَمَ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْأَمَانِ قَبْلَ وَضْعِ السُّوَرِ فَيُحْمَلُ مَا فِي جَوْفِ الْقَاهِرَةِ مِنْ الْكَنَائِسِ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ قَضَاءً فَأَدَارَ الْعُبَيْدِيُّونَ عَلَيْهَا السُّوَرَ، ثُمَّ فِيهَا الْآنَ كَنَائِسُ وَيَبْعُدُ مِنْ إمَامٍ تَمْكِينُ الْكُفَّارِ مِنْ إحْدَاثِهَا جِهَارًا وَعَلَى هَذَا أَيْضًا فَالْكَنَائِسُ الْمَوْضُوعَةُ الْآنَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ كُلُّهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تُهْدَمَ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي الْأَمْصَارِ قَدِيمَةً، فَلَا شَكَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَوْ التَّابِعِينَ حِينَ فَتَحُوا الْمَدِينَةَ عَلِمُوا بِهَا وَأَبْقَوْهَا، وَبَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ فُتِحَتْ عَنْوَةً حَكَمْنَا بِأَنَّهُمْ أَبْقَوْهَا مَسَاكِنَ لَا مَعَابِدَ فَلَا تُهْدَمُ وَلَكِنْ يُمْنَعُونَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ فِيهَا لِلتَّقَرُّبِ، وَإِنْ عُرِفَ أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا حَكَمْنَا بِأَنَّهُمْ أَقَرُّوهَا مَعَابِدَ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِيهَا بَلْ مِنْ الْإِظْهَارِ. اهـ. قُلْت: وَقَوْلُهُ فَوَقَعَ دَاخِلَ السُّوَرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُهْدَمَ ظَاهِرُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ مَنْقُولًا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَشَرْحِ السِّيَرِ، وَقَوْلُهُ: وَبَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ إلَخْ قَدَّمْنَا مَا لَوْ اخْتَلَفَ فِي أَنَّهَا فَتَحِيَّةٌ أَوْ صُلْحِيَّةٌ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ الْآثَارِ وَالْأَخْبَارِ تَبْقَى فِي أَيْدِيهِمْ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ) أَيْ عَنْ التَّتِمَّةِ مِنْ أَنَّهَا فِي الصُّلْحِيَّةِ تُهْدَمُ فِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ مَطْلَبٌ فِي تَمْيِيزِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْمَلْبَسِ (قَوْلُهُ وَيُمَيَّزُ الذِّمِّيُّ إلَخْ) حَاصِلُهُ: أَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا مُخَالِطِينَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزِهِمْ عَنَّا كَيْ لَا يُعَامَلَ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِ مِنْ التَّوْقِيرِ وَالْإِجْلَالِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَرُبَّمَا يَمُوتُ أَحَدُهُمْ فَجْأَةً فِي الطَّرِيقِ وَلَا يُعْرَفُ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَإِذَا وَجَبَ التَّمْيِيزُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِمَا فِيهِ صَغَارٌ لَا إعْزَازٌ لِأَنَّ إذْلَالَهُمْ لَازِمٌ بِغَيْرِ أَذًى مِنْ ضَرْبٍ أَوْ صَفْعٍ بِلَا سَبَبٍ يَكُونُ مِنْهُ بَلْ الْمُرَادُ اتِّصَافُهُ بِهَيْئَةٍ وَضَيْعَةٍ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَمَرْكَبِهِ) مُخَالَفَةُ الْهَيْئَةِ فِيهِ إنَّمَا تَكُونُ إذَا رَكِبُوا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَغَالِبُ ظَنِّي أَنِّي سَمِعْته مِنْ الشَّيْخِ الْأَخِ كَذَلِكَ نَهْرٌ. قُلْت: وَهُوَ كَذَلِكَ فَفِي رِسَالَةِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ فِي الْكَنَائِسِ، وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ يَخْتِمُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ بِالرَّصَاصِ وَيَرْكَبُوا عَلَى الْأُكُفِ عُرْضًا (قَوْلُهُ سِلَاحِهِ) تَبِعَ فِيهِ الدُّرَرَ وَهُوَ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الْمُتُونِ، وَلَا يَعْمَلُ بِسِلَاحٍ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا اسْتَعَانَ بِهِمْ الْإِمَامُ أَوْ الْمُرَادُ مِنْ تَمْيِيزِهِ فِي سِلَاحِهِ بِأَنْ لَا يَحْمِلَ سِلَاحًا، وَهُوَ بَعِيدٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا اسْتَعَانَ بِهِمْ الْإِمَامُ إلَخْ) لَكِنَّهُ يَرْكَبُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِإِكَافٍ لَا بِسَرْجٍ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَذَبٍّ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ دَفْعٍ وَطَرْدِ الْعَدُوِّ (قَوْلُهُ وَجَازَ بَغْلٌ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عِزٌّ وَشَرَفٌ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ جَوَازُ رُكُوبِهِ لِبَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ وَكَانَ يَنْبَغِي تَأْخِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 إلَّا لِضَرُورَةٍ وَفِي الْأَشْبَاهِ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنْ لَا يَرْكَبُوا مُطْلَقًا وَلَا يَلْبَسُوا الْعَمَائِمَ وَإِنْ رَكِبَ الْحِمَارَ لِضَرُورَةٍ نَزَلَ فِي الْمَجَامِعِ (وَيُرَكِّبُ سَرْجًا كَالْأُكُفِ) كَالْبَرْذَعَةِ فِي مُقَدَّمَةِ شِبْهِ الرُّمَّانَةِ (وَلَا يَعْمَلُ بِسِلَاحٍ وَيُظْهِرُ الْكُسْتِيجَ) فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ الزُّنَّارُ مِنْ صُوفٍ أَوْ شَعْرٍ وَهَلْ يَلْزَمُ تَمْيِيزُهُمْ بِكُلِّ الْعَلَامَاتِ خِلَافٌ أَشْبَاهٌ. وَالصَّحِيحُ إنْ فَتَحَهَا عَنْوَةً فَلَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَعَلَى الشَّرْطِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (وَيُمْنَعُ مِنْ لُبْسِ الْعِمَامَةِ) وَلَوْ زَرْقَاءَ أَوْ صَفْرَاءَ عَلَى الصَّوَابِ نَهْرٌ وَنَحْوُهُ فِي الْبَحْرِ وَاعْتَمَدَهُ فِي الْأَشْبَاهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِنَّمَا تَكُونُ طَوِيلَةً سَوْدَاءَ (وَ) مِنْ (زُنَّارٍ -   [رد المحتار] كُلِّهَا عَنْ قَوْلِهِ وَيَرْكَبُ سَرْجًا كَالْأُكُفِ. (قَوْلُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ) كَمَا إذَا خَرَجَ إلَى قَرْيَةٍ أَوْ كَانَ مَرِيضًا فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَمَدُ أَنْ لَا يَرْكَبُوا) كَتَبَ بَعْضُهُمْ هُنَا أَنَّ الصَّوَابَ يَرْكَبُونَ بِالنُّونِ، كَمَا هُوَ عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ لِعَدَمِ النَّاصِبِ وَالْجَازِمِ وَأَنْ مُخَفَّفَةٌ مِنْ الثَّقِيلَةِ وَاسْمُهَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ. أَقُولُ: هَذَا التَّصْوِيبُ خَطَأٌ مَحْضٌ، لِأَنَّ الْمُخَفَّفَةَ مِنْ الثَّقِيلَةِ الَّتِي لَا تَنْصِبُ الْمُضَارِعَ شَرْطًا أَنْ تَقَعَ بَعْدَ فِعْلِ الْيَقِينِ أَوْ مَا يَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ نَحْوَ - {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ} [المزمل: 20]- {أَفَلا يَرَوْنَ أَلا يَرْجِعُ} [طه: 89]- وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ الْمَصْدَرِيَّةُ النَّاصِبَةُ نَحْوَ - {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184]- (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ حِمَارًا (قَوْلُهُ فِي الْمَجَامِعِ) أَيْ فِي مَجَامِعِ الْمُسْلِمِينَ إذَا مَرَّ بِهِمْ فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَالْأُكُفِ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ إكَافٍ مِثْلُ حِمَارٍ وَحُمُرٍ مِصْبَاحٌ فَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْإِكَافِ الْمُفْرَدِ (قَوْلُهُ كَالْبَرْذَعَةِ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ كَالْأُكُفِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْبَرْذَعَةُ بِالذَّالِ وَالدَّالِ حُلْسٌ يُجْعَلُ تَحْتَ الرَّحْلِ وَالْجَمْعُ الْبَرَاذِعُ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ. وَفِي عُرْفِ زَمَانِنَا هِيَ لِلْحِمَارِ مَا يُرْكَبُ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ السَّرْجِ لِلْفَرَسِ اهـ فَالْمُرَادُ هُنَا الْمَعْنَى الْعُرْفِيُّ لَا اللُّغَوِيُّ (قَوْلُهُ وَلَا يَعْمَلُ بِسِلَاحٍ) أَيْ لَا يَسْتَعْمِلُهُ وَلَا يَحْمِلُهُ لِأَنَّهُ عِزٌّ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يُمْنَعُونَ عَنْهُ. قُلْت: وَمِنْ هَذَا الْأَصْلِ تُعْرَفُ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَيُظْهِرُ الْكُسْتِيجُ) بِضَمِّ الْكَافِ وَبِالْجِيمِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ مَعْنَاهُ الْعَجْزُ وَالذُّلُّ كَمَا فِي النَّهْرِ، فَيَشْمَلُ الْقَلَنْسُوَةَ وَالزُّنَّارَ وَالنَّعْلَ لِوُجُودِ الذُّلِّ فِيهَا، وَلِقَوْلِهِ فِي الْبَحْرِ وَكُسْتِيجَاتُ النَّصَارَى قَلَنْسُوَةٌ سَوْدَاءُ مِنْ اللُّبَدِ مُضَرَّبَةٌ وَزُنَّارٌ مِنْ الصُّوفِ اهـ فَتَعْبِيرُهُ بِخُصُوصِ الزُّنَّارِ بَيَانٌ لِبَعْضِ أَنْوَاعِهِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ الزُّنَّارُ) بِوَزْنِ تُفَّاحٍ وَجَمْعُهُ زَنَانِيرُ مِصْبَاحٌ، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُغْرِبِ أَنَّهُ خَيْطٌ غَلِيظٌ بِقَدْرِ الْأُصْبُعِ يَشُدُّهُ الذِّمِّيُّ فَوْقَ ثِيَابِهِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الصُّوفِ أَوْ الشَّعْرِ وَأَنْ لَا يَجْعَلَ لَهُ حَلْقَةً تَشُدُّهُ كَمَا يَشُدُّ الْمُسْلِمُ الْمِنْطَقَةَ بَلْ يُعَلِّقُهُ عَلَى الْيَمِينِ أَوْ الشِّمَالِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَلَوْ زَرْقَاءَ أَوْ صَفْرَاءَ) أَيْ خِلَافًا لِمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الْعَلَامَةَ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ مُتَعَارَفُهَا، وَفِي بِلَادِنَا جُعِلَتْ الْعَلَامَةُ فِي الْعِمَامَةِ فَأُلْزِمَ النَّصَارَى بِالْأَزْرَقِ وَالْيَهُودُ بِالْأَصْفَرِ، وَاخْتَصَّ الْمُسْلِمُونَ بِالْأَبْيَضِ قَالَ فِي النَّهْرِ: إلَّا أَنَّهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ: وَأَمَّا لُبْسُ الْعِمَامَةِ وَالزُّنَّارِ الْإِبْرَيْسَمِ فَجَفَاءٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَمُكْسِرَةٌ لِقُلُوبِهِمْ وَهَذَا يُؤْذِنُ بِمَنْعِ التَّمْيِيزِ بِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة حَيْثُ صَرَّحَ بِمَنْعِهِمْ مِنْ الْقَلَانِسِ الصِّغَارِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ طَوِيلَةً مِنْ كِرْبَاسٍ مَصْبُوغَةٍ بِالسَّوَادِ مُضَرَّبَةً مُبَطَّنَةً، وَهَذَا فِي الْعَلَامَةِ أَوْلَى وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَمَنْعُهُمْ مِنْ لُبْسِ الْعَمَائِمِ هُوَ الصَّوَابُ الْوَاضِحُ بِالتِّبْيَانِ فَأَيَّدَ اللَّهُ سُلْطَانَ زَمَانِنَا، وَلِسَعَادَتِهِ أَبَّدَ وَلِمُلْكِهِ شَيَّدَ وَلِأَمْرِهِ سَدَّدَ إذْ مَنَعَهُمْ مِنْ لُبْسِهَا اهـ. قُلْت: وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا ذَكَرَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ مِنْ إلْزَامِهِمْ لُبْسَ الْقَلَانِسِ الطَّوِيلَةِ الْمُضَرَّبَةِ، وَأَنَّ عُمَرَ كَانَ يَأْمُرُ بِذَلِكَ وَمَنْ مَنَعَهُمْ مِنْ لُبْسِ الْعَمَائِمِ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْفَتْحِ وَكَذَا تُؤْخَذُ نِسَاؤُهُمْ بِالزِّيِّ فِي الطُّرُقِ فَيَجْعَلُ عَلَى مَلَاءَةِ الْيَهُودِيَّةِ خِرْقَةً صَفْرَاءَ وَعَلَى النَّصْرَانِيَّةِ زَرْقَاءَ وَكَذَا فِي الْحَمَّامَاتِ. اهـ. أَيْ فَيَجْعَلُ فِي أَعْنَاقِهِنَّ طَوْقَ الْحَدِيدِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى قُلْت: وَسَيَجِيءُ أَنَّ الذِّمِّيَّةَ فِي النَّظَرِ إلَى الْمُسْلِمَةِ كَالرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ فِي الْأَصَحِّ فَلَا تَنْظُرُ أَصْلًا إلَى الْمُسْلِمَةِ فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ اهـ وَمُفَادُهُ مَنْعُهُنَّ مِنْ دُخُولِ حَمَّامٍ فِيهِ مُسْلِمَةٌ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَفْهُومِ مِنْ كَلَامِهِمْ هُنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تَكُونُ طَوِيلَةً سَوْدَاءَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 الْإِبْرَيْسَمِ وَالثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالشَّرَفِ) كَصُوفٍ مُرَبَّعٍ وَجُوخٍ رَفِيعٍ وَأَبْرَادٍ رَقِيقَةٍ وَمِنْ اسْتِكْتَابٍ وَمُبَاشَرَةٍ يَكُونُ بِهَا مُعَظَّمًا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْحَاوِي: وَيَنْبَغِي أَنْ يُلَازِمَ الصِّغَارَ فِيمَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَعَلَيْهِ فَيُمْنَعُ مِنْ الْقُعُودِ حَالَ قِيَامِ الْمُسْلِمِ عِنْدَهُ بَحْرٌ. وَيَحْرُمُ تَعْظِيمُهُ، وَتُكْرَهُ مُصَافَحَتُهُ، وَلَا يُبْدَأُ بِسَلَامٍ إلَّا لِحَاجَةٍ وَلَا يُزَادُ فِي الْجَوَابِ عَلَيَّ وَعَلَيْك وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ فِي الْمُرُورِ وَيُجْعَلُ عَلَى دَارِهِ عَلَامَةٌ وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَحْكَامِ الذِّمِّيِّ. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ: وَيُمْنَعُونَ مِنْ اسْتِيطَانِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَجْتَمِعُ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ دِينَانِ» وَلَوْ دَخَلَ لِتِجَارَةٍ جَازَ وَلَا يُطِيلُ. وَأَمَّا دُخُولُهُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ الْمَنْعَ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَدَمَهُ وَالسِّيَرُ الْكَبِيرُ آخِرُ تَصْنِيفِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -   [رد المحتار] ظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْعِمَامَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ لِلْقَلَنْسُوَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَنْعُهُمْ مِنْ الْعِمَامَةِ وَلَوْ غَيْرَ طَوِيلَةٍ وَإِلْزَامُهُمْ بِالْقَلَنْسُوَةِ الطَّوِيلَةِ كَمَا عَلِمْته فَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا يَلْبَسُ قَلَنْسُوَةً طَوِيلَةً سَوْدَاءَ وَالْقَلَنْسُوَةُ هِيَ الَّتِي يُدْخِلُ فِيهَا الرَّأْسَ وَالْعِمَامَةُ مَا يُدَارُ عَلَيْهَا مِنْ مِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ الْإِبْرَيْسَمِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَالرَّاءِ وَفَتْحِ السِّينِ وَهُوَ الْحَرِيرُ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْحَرِيرَةُ وَاحِدَةُ الْحَرِيرِ وَهُوَ الْإِبْرَيْسَمِ (قَوْلُهُ كَصُفُوفٍ مُرَبَّعٍ) لِعِلَّةِ الْفَرْجِيَّةِ فَإِنَّهُ الْآنَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ أَهْلِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ ط (قَوْلُهُ وَأَبْرَادٍ رَقِيقَةٍ) الْبُرْدُ نَوْعٌ مِنْ الثِّيَابِ مُخَطَّطٌ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ) حَيْثُ قَالَ: بَلْ رُبَّمَا يَقِفُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ خِدْمَةً لَهُمْ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَتَغَيَّرَ خَاطِرُهُ مِنْهُ، فَيَسْعَى بِهِ عِنْدَ مُسْتَكْتِبِهِ سِعَايَةً تُوجِبُ لَهُ مِنْهُ الضَّرَرُ ثُمَّ قَالَ: وَتُجْعَلُ مَكَاعِبُهُمْ خَشِنَةً فَاسِدَةَ اللَّوْنِ وَلَا يَلْبَسُوا طَيَالِسَةً كَطَيَالِسَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا أَرِدْيَةً كَأَرْدِيَتِهِمْ هَكَذَا أُمِرُوا وَاتَّفَقَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. وَقَالَ أَيْضًا وَلَا شَكَّ فِي وُقُوعِ خِلَافِ هَذَا فِي هَذِهِ الدِّيَارِ. اهـ. قُلْت: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ اسْتَأْسَدَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ: أَحْبَابَنَا نُوَبُ الزَّمَانِ كَثِيرَةٌ ... وَأَمَرُّ مِنْهَا رِفْعَةُ السُّفَهَاءِ فَمَتَى يُفِيقُ الدَّهْرُ مِنْ سَكَرَاتِهِ ... وَأَرَى الْيَهُودَ بِذِلَّةِ الْفُقَهَاءِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلَازِمَ الصَّغَارَ) أَيْ الذُّلَّ وَالْهَوَانَ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَنْبَغِيَ هُنَا بِمَعْنَى يَجِبُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ إظْهَارُ الذُّلِّ وَالصَّغَارِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَدَمُ تَعْظِيمِهِمْ لَكِنْ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: إذَا دَخَلَ يَهُودِيٌّ الْحَمَّامَ إنْ خَدَمَهُ الْمُسْلِمُ طَمَعًا فِي فُلُوسِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ تَعْظِيمًا لَهُ فَإِنْ كَانَ لِيَمِيلَ قَلْبُهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا كُرِهَ وَكَذَا لَوْ دَخَلَ ذِمِّيٌّ عَلَى مُسْلِمٍ فَقَامَ لَهُ لِيَمِيلَ قَلْبُهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ عَظَّمَهُ لِغِنَاهُ كُرِهَ اهـ قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ: وَإِنْ قَامَ تَعْظِيمًا لِذَاتِهِ وَمَا هُوَ عَلَيْهِ كَفَرَ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ فَكَيْفَ بِتَعْظِيمِ الْكُفْرِ. اهـ. قُلْت: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ قَامَ لَهُ خَوْفًا مِنْ شَرِّهِ فَلَا بَأْسَ أَيْضًا بَلْ إذَا تَحَقَّقَ الضَّرَرُ، فَقَدْ يَجِبُ وَقَدْ يُسْتَحَبُّ عَلَى حَسَبِ حَالِ مَا يَتَوَقَّعُهُ (قَوْلُهُ وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ فِي الْمُرُورِ) بِأَنْ يُلْجِئَهُ إلَى أَضْيَقِ الطَّرِيقِ، وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ فِي الطَّرِيقِ. (قَوْلُهُ وَيَجْعَلُ عَلَى دَارِهِ عَلَامَةً) لِئَلَّا يَقِفَ سَائِلٌ فَيَدْعُو لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ أَوْ يُعَامِلَهُ فِي التَّضَرُّعِ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ) أَفَادَ أَنَّ الْحُكْمَ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، بَلْ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ كُلُّهَا كَذَلِكَ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمْنَا تَحْدِيدَهَا، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ قَالَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ كَمَا أَخْرَجَهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ وَبَسَطَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا يُطِيلُ) فَيُمْنَعُ أَنْ يُطِيلَ فِيهَا الْمُكْثَ حَتَّى يَتَّخِذَ فِيهَا مَسْكَنًا لِأَنَّ حَالَهُمْ فِي الْمُقَامِ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ مَعَ الْتِزَامِ الْجِزْيَةِ كَحَالِهِمْ فِي غَيْرِهَا بِلَا جِزْيَةٍ وَهُنَاكَ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ التِّجَارَةِ، بَلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَوْرَدَ فِيهِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْحَالُ انْتَهَى. وَفِي الْخَانِيَّةِ تُمَيَّزُ نِسَاؤُهُمْ لَا عَبِيدُهُمْ بِالْكُسْتِيجِ. [مَطْلَبٌ فِي تَمْيِيزِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْمَلْبَسِ] (الذِّمِّيُّ إذَا اشْتَرَى دَارًا) أَيْ أَرَادَ شِرَاءَهَا (فِي الْمِصْرِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُبَاعَ مِنْهُ فَلَوْ اشْتَرَى يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهَا مِنْ الْمُسْلِمِ) وَقِيلَ لَا يُجْبَرُ إلَّا إذَا كَثُرَ دُرَرٌ. قُلْت: وَفِي مَعْرُوضَاتِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ سُئِلَ عَنْ مَسْجِدٍ لَمْ يَبْقَ فِي أَطْرَافِهِ بَيْتُ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَحَاطَ بِهِ الْكَفَرَةُ فَكَانَ الْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ فَقَطْ لِأَجْلِ وَظِيفَتِهِمَا يَذْهَبَانِ إلَيْهِ فَيُؤَذِّنَانِ وَيُصَلِّيَانِ بِهِ فَهَلْ تَحِلُّ لَهُمْ الْوَظِيفَةُ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: تِلْكَ الْبُيُوتُ تَأْخُذُهَا الْمُسْلِمُونَ بِقِيمَتِهَا جَبْرًا عَلَى الْفَوْرِ وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ الشَّرِيفُ السُّلْطَانِيُّ بِذَلِكَ فَالْحَاكِمُ لَا يُؤَخِّرُ هَذَا أَصْلًا، وَفِيهَا مِنْ الْجِهَادِ، وَبَعْدَ أَنْ وَرَدَ الْأَمْرُ الشَّرِيفُ السُّلْطَانِيُّ بِعَدَمِ اسْتِخْدَامِ الذِّمِّيِّينَ لِلْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي لَوْ اسْتَخْدَمَ ذِمِّيٌّ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً مَاذَا يَلْزَمُهُ؟   [رد المحتار] مِنْ إطَالَةِ الْمُقَامِ فَكَذَلِكَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ شَرْحُ السِّيَرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ حَدَّ الطُّولِ سَنَةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَوْرَدَ فِيهِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْحَالُ) أَيْ فَيَكُونُ الْمَنْعُ هُوَ الْمُتَعَمَّدُ فِي الْمَذْهَبِ. قُلْت: لَكِنْ الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ فِي كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَاكَ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ الْمَنْعُ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَحْدَهُ دُونَ الْإِمَامِ، وَأَنَّ أَصْحَابَ الْمُتُونِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُتُونَ مَوْضُوعَةٌ لِنَقْلِ مَا هُوَ الْمَذْهَبُ، فَلَا يَعْدِلُ عَمَّا فِيهَا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ السَّرَخْسِيُّ ذَكَرَ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ جَاءَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَلِذَلِكَ قِصَّةٌ قَالَ فَهَذَا دَلِيلٌ لَنَا عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَنْعِهِ الْمُشْرِكَ، مِنْ أَنْ يَدْخُلَ شَيْئًا مِنْ الْمَسَاجِدِ ثُمَّ قَالَ: إنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ يُمْنَعُونَ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَاصَّةً لِلْآيَةِ - {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]- فَأَمَّا عِنْدَنَا لَا يُمْنَعُونَ كَمَا لَا يُمْنَعُونَ عَنْ دُخُولِ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْحَرْبِيُّ وَالذِّمِّيُّ إلَخْ (قَوْلُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى مَسْأَلَةِ الِاسْتِيطَانِ ثُمَّ إنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ نِسَاءَهُمْ تُمَيَّزُ بِالْكُسْتِيجِ دُونَ الْعَبِيدِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ ذِكْرُ النِّسَاءِ أَصْلًا وَنَصُّهَا: وَلَا يُؤْخَذُ عُبَيْدُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالْكُسْتِيجَاتِ، وَهَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَعِبَارَةُ النَّهْرِ قَالُوا وَيَجِبُ أَنْ تُمَيَّزَ نِسَاؤُهُمْ أَيْضًا عَنْ نِسَائِنَا فِي الطُّرُقَاتِ وَالْحَمَّامَاتِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يُؤْخَذُ عُبَيْدُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالْكُسْتِيجَاتِ. اهـ. . . مَطْلَبٌ فِي سُكْنَى أَهْلِ الذِّمَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمِصْرِ (قَوْلُهُ الذِّمِّيُّ إذَا اشْتَرَى دَارًا إلَخْ) قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ فَإِنْ مَصَّرَ الْإِمَامُ فِي أَرَاضِيهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا مَصَّرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْبَصْرَةَ وَالْكُوفَةَ، فَاشْتَرَى بِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ دُورًا وَسَكَنُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يُمْنَعُوا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّا قَبِلْنَا مِنْهُمْ عَقْدَ الذِّمَّةِ، لِيَقِفُوا عَلَى مَحَاسِنِ الدِّينِ، فَعَسَى أَنْ يُؤْمِنُوا وَاخْتِلَاطُهُمْ بِالْمُسْلِمِينَ وَالسَّكَنِ مَعَهُمْ يُحَقِّقُ هَذَا الْمَعْنَى، وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ يَقُولُ: هَذَا إذَا قَلُّوا وَكَانَ بِحَيْثُ لَا تَتَعَطَّلُ جَمَاعَاتُ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَقَلَّلُ الْجَمَاعَةُ بِسُكْنَاهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَأَمَّا إذَا كَثُرُوا عَلَى وَجْهٍ يُؤَدِّي إلَى تَعْطِيلِ بَعْضِ الْجَمَاعَاتِ أَوْ تَقْلِيلِهَا مُنِعُوا مِنْ ذَلِكَ وَأُمِرُوا أَنْ يَسْكُنُوا نَاحِيَةً لَيْسَ فِيهَا لِلْمُسْلِمِينَ جَمَاعَةٌ، وَهَذَا مَحْفُوظٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي. اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ أَرَادَ شِرَاءَهَا) إنَّمَا فَسَّرَهُ بِهَذَا لِقَوْلِهِ بَعْدُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُبَاعَ مِنْهُ ط (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يُجْبَرُ إلَّا إذَا كَثُرَ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الصُّغْرَى بَعْدَ أَنْ نَقَلَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ، بِلَا تَقْيِيدٍ بِالْكَثْرَةِ، وَلَكِنْ لَمْ يُعَبِّرْ عَنْهُ بِقِيلَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ يَصْلُحُ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَهَذَا قَوْلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ كَمَا عَلِمْته آنِفًا وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَشَرْحِهَا، وَكَذَا قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 فَأَجَابَ: يَلْزَمُهُ التَّعْزِيرُ الشَّدِيدُ وَالْحَبْسُ فَفِي الْخَانِيَّةِ: وَيُؤْمَرُونَ بِمَا كَانَ اسْتِخْفَافًا لَهُمْ وَكَذَا تُمَيَّزُ دُورِهِمْ عَنْ دُورِنَا انْتَهَى فَلْيُحْفَظْ ذَلِكَ [مَطْلَبٌ فِي سُكْنَى أَهْلِ الذِّمَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمِصْرِ] (وَإِذَا تَكَارَى أَهْلُ الذِّمَّةِ دُورًا فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِيَسْكُنُوا فِيهَا) فِي الْمِصْرِ (جَازَ) لِعَوْدِ نَفْعِهِ إلَيْنَا وَلِيَرَوْا تَعَامُلَنَا فَيُسْلِمُوا (بِشَرْطِ عَدَمِ تَقْلِيلِ الْجَمَاعَاتِ لِسُكْنَاهُمْ) شَرَطَهُ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ (فَإِنْ لَزِمَ ذَلِكَ مِنْ سُكْنَاهُمْ أُمِرُوا بِالِاعْتِزَالِ عَنْهُمْ وَالسُّكْنَى بِنَاحِيَةٍ لَيْسَ فِيهَا مُسْلِمُونَ) وَهُوَ مَحْفُوظٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بَحْرٌ عَنْ الذَّخِيرَةِ، وَفِي الْأَشْبَاهِ: وَاخْتُلِفَ فِي سُكْنَاهُمْ بَيْنَنَا فِي الْمِصْرِ وَالْمُعْتَمَدُ الْجَوَازُ فِي مَحَلَّةٍ خَاصَّةٍ انْتَهَى وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، لَكِنْ رَدَّهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ جَوَى زَادَهْ وَجَزَمَ بِأَنَّهُ فَهِمَ خَطَأً فَكَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ النَّاحِيَةِ الْمَحَلَّةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحَ التُّمُرْتَاشِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَعْدَمَا نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمْ يُؤْمَرُونَ بِبَيْعِ دُورِهِمْ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ وَبِالْخُرُوجِ عَنْهَا، وَبِالسُّكْنَى خَارِجَهَا لِئَلَّا يَكُونَ لَهُمْ مَحَلَّةٌ خَاصَّةٌ   [رد المحتار] الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ إنَّ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ التَّفْصِيلُ، فَلَا نَقُولُ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا وَلَا بِعَدَمِهِ مُطْلَقًا بَلْ يَدُورُ الْحُكْمُ عَلَى الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَالضَّرَرِ وَالْمَنْفَعَةِ وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ فَأَجَابَ إلَخْ) هَذَا الْجَوَابُ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِيَارِ الْحَلْوَانِيِّ وَغَيْرِهِ قَالَ ط: وَلَمْ يُجِبْ عَنْ الْمَسْئُولِ عَنْهُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُمَا يَسْتَحِقَّانِ الْوَظِيفَةَ لِقِيَامِهِمَا بِالْعَمَلِ. اهـ. قُلْت: وَإِنَّمَا تَرَكَهُ لِظُهُورِهِ وَتَنْبِيهًا عَلَى مَا هُوَ الْأَهَمُّ فَهُوَ مِنْ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ} [البقرة: 189]- الْآيَةَ (قَوْلُهُ فَفِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) أَيْ وَالِاسْتِخْدَامُ الْمَذْكُورُ يُنَافِي الِاسْتِخْفَافَ. (قَوْلُهُ وَإِذَا تَكَارَى إلَخْ) شُرُوعٌ فِي الْكِرَاءِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الشِّرَاءِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَبْرِ عَلَى الْبَيْعِ مُطْلَقًا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ بِالتَّفْصِيلِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكِرَاءِ وَالشِّرَاءِ بَلْ أَصْلُ الْعِبَارَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا هُوَ فِي الشِّرَاءِ كَمَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْ السَّرَخْسِيِّ (قَوْلُهُ فِي الْمِصْرِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ بَعْدَ اعْتِبَارِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ لَيْسَ فِيهَا مُسْلِمُونَ) هُوَ فِي مَعْنَى مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ لَيْسَ فِيهَا لِلْمُسْلِمِينَ جَمَاعَةٌ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُسْلِمِينَ إقَامَةَ الْجَمَاعَةِ (قَوْلُهُ لَكِنْ رَدَّهُ إلَخْ) وَعِبَارَتُهُ كَمَا رَأَيْته فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ وَغَيْرِهَا قَوْلُهُ فِي مَحَلَّةٍ خَاصَّةٍ، هَذَا اللَّفْظُ لَمْ أَجِدْهُ لِأَحَدٍ وَإِنَّمَا الْمَوْجُودُ فِي الْكُتُبِ أَنَّ الْجَوَازَ مُقَيَّدٌ بِمَا ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ بِقَوْلِهِ هَذَا إذَا قَلُّوا بِحَيْثُ لَا تَتَعَطَّلُ بِسَبَبِ سُكْنَاهُمْ جَمَاعَاتُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَقَلَّلُ أَمَّا إذَا تَعَطَّلَتْ أَوْ تَقَلَّلَتْ، فَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ السُّكْنَى فِيهَا، وَيَسْكُنُونَ فِي نَاحِيَةٍ لَيْسَ فِيهَا لِلْمُسْلِمِينَ جَمَاعَةٌ، فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ فَهِمَ مِنْ النَّاحِيَةِ الْمَحَلَّةَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَدْ صَرَّحَ التُّمُرْتَاشِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَعْدَمَا نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمْ يُؤْمَرُونَ بِبَيْعِ دُورِهِمْ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْخُرُوجِ عَنْهَا وَبِالسُّكْنَى خَارِجَهَا لِئَلَّا تَكُونَ لَهُمْ مَنَعَةٌ كَمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ بِمَنْعِهِمْ عَنْ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ مَحَلَّةٌ خَاصَّةٌ حَيْثُ قَالَ بَعْدَمَا ذَكَرْنَاهُ نَقْلًا عَنْ النَّسَفِيِّ، وَالْمُرَادُ أَيْ بِالْمَنْعِ الْمَذْكُورِ عَنْ الْأَمْصَارِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي الْمِصْرِ مَحَلَّةٌ خَاصَّةٌ يَسْكُنُونَهَا وَلَهُمْ فِيهَا مَنَعَةٌ كَمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَأَمَّا سُكْنَاهُمْ بَيْنَهُمْ وَهُمْ مَقْهُورُونَ فَلَا كَذَلِكَ اهـ. قُلْت: وَقَوْلُهُ بِمَنْعِهِمْ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ صَرَّحَ وَقَوْلُهُ: حَيْثُ قَالَ أَيْ التُّمُرْتَاشِيُّ وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَحَلَّةَ مِنْ جُمْلَةِ الْمِصْرِ مَعَ أَنَّ الْحَلْوَانِيَّ قَالَ: لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ السُّكْنَى فِيهَا أَيْ فِي الْمِصْرِ وَيَسْكُنُونَ فِي نَاحِيَةٍ إلَخْ فَهُوَ صَرِيحٌ بِأَنَّهُ إذَا لَزِمَ تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ يَسْكُنُونَ فِي نَاحِيَةٍ خَارِجَةٍ عَنْ الْمِصْرِ فَهِيَ غَيْرُ الْمَحَلَّةِ، وَصَرِيحُ كَلَامِ التُّمُرْتَاشِيِّ أَيْضًا مَنْعُهُمْ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مَحَلَّةٌ خَاصَّةٌ فِي الْمِصْرِ وَإِنَّمَا يَسْكُنُونَ بَيْنَهُمْ مَقْهُورِينَ، يَعْنِي إذَا لَمْ يَلْزَمْ تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ، فَتَحَصَّلَ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِ الْحَلْوَانِيِّ وَالتُّمُرْتَاشِيّ: أَنَّهُ إذَا لَزِمَ مِنْ سُكْنَاهُمْ فِي الْمِصْرِ تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ أُمِرُوا بِالسُّكْنَى فِي نَاحِيَةٍ خَارِجَ الْمِصْرِ، لَيْسَ فِيهَا جَمَاعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ يَسْكُنُونَ فِي الْمِصْرِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَقْهُورِينَ لَا فِي مَحَلَّةٍ خَاصَّةٍ فِي الْمِصْرِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي مِصْرِ الْمُسْلِمِينَ مَنَعَةٌ كَمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ، بِسَبَبِ اجْتِمَاعِهِمْ فِي مَحَلَّتِهِمْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَنَّهُمْ يُؤْمَرُونَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 نَقْلًا عَنْ النَّسَفِيِّ، وَالْمُرَادُ أَيْ بِالْمَنْعِ الْمَذْكُورِ عَنْ الْأَمْصَارِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي الْمِصْرِ مَحَلَّةٌ خَاصَّةٌ يَسْكُنُونَهَا وَلَهُمْ فِيهَا مَنَعَةٌ عَارِضَةٌ كَمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِمَّا سَكَنًا بَيْنَهُمْ وَهُمْ مَقْهُورُونَ، فَلَا وَذَلِكَ كَذَا فِي فَتَاوَى الْإِسْكُوبِيُّ فَلْيُحْذَرْ   [رد المحتار] مَفْعُولُ نَقَلَ ط (قَوْلُهُ نَقْلًا) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ صَرَّحَ بِتَأْوِيلِ اسْمِ الْفَاعِلِ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ) الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ بِأَنَّ الْمُرَادَ، وَيَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِصَرَّحَ ط (قَوْلُهُ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَعَةٌ) الْوَاوُ لِلْحَالِ وَالْمَنَعَةُ بِفَتْحِ النُّونِ جَمْعُ مَانِعٍ أَيْ جَمَاعَاتٌ يَمْنَعُونَهُمْ مِنْ وُصُولِ غَيْرِهِمْ إلَيْهِمْ أَفَادَهُ ح وَقَوْلُهُ: عَارِضَةٌ صِفَةُ مَنَعَةٍ وَعُرُوضُهَا إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ اجْتِمَاعِهِمْ فِي مَحَلَّةٍ خَاصَّةٍ وَقَوْلُهُ فَأَمَّا سُكْنَاهُمْ إلَخْ مُقَابَلَةُ أَيْ أَنَّ سُكْنَاهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، لَا فِي مَحَلَّةٍ خَاصَّةٍ بَلْ مُتَفَرِّقِينَ بَيْنَهُمْ وَهُمْ مَقْهُورُونَ لَهُمْ فَلَا كَذَلِكَ أَيْ فَلَا يَكُونُ مَمْنُوعًا. مَطْلَبٌ فِي مَنْعِهِمْ عَنْ التَّعَلِّي فِي الْبِنَاءِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَكَذَا يُمْنَعُونَ عَنْ التَّعَلِّي فِي بِنَائِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ الْمُسَاوَاةِ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ نَعَمْ يَبْقَى الْقَدِيمُ كَمَا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَشُرُوحِهَا وَفِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ: وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ مِنْ أَنْ يَسْكُنَا ... أَوْ أَنْ يَحُلَّ مَنْزِلًا عَالِي الْبِنَا إنْ كَانَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ يَسْكُنُ ... بَلْ أَهْلُ ذِمَّةٍ عَلَى مَا بَيَّنُوا . اهـ. قُلْت: وَمُقْتَضَى النَّظْمِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمَنْعَ وَلَوْ الْبِنَاءُ قَدِيمًا لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْمَنْعَ عَلَى السُّكْنَى لَا عَلَى التَّعْلِيَةِ فِي الْبِنَاءِ لَكِنْ سُئِلَ فِي الْخَيْرِيَّةِ عَنْ طَبَقَةٍ لِيَهُودِيٍّ رَاكِبَةٍ عَلَى بَيْتٍ لِمُسْلِمٍ، يُرِيدُ الْمُسْلِمُ مَنْعَهُ مِنْ سُكْنَاهُمْ، وَمِنْ التَّعَلِّي عَلَيْهِ فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِ ذَلِكَ فَقَدْ جَوَّزُوا إبْقَاءَ دَارَ الذِّمِّيِّ الْعَالِيَةِ، عَلَى دَارِ الْمُسْلِمِ وَسُكْنَاهَا إذَا مَلَكَهَا مَا لَمْ تَنْهَدِمْ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُهَا عَالِيَةً كَمَا كَانَتْ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ النَّظْمِ الْوَهْبَانِيِّ وَكَثِيرٌ مِنْ عُلَمَائِنَا. اهـ. وَذَكَرَ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ آخَرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ التَّعَلِّي لِلتَّحَفُّظِ مِنْ اللُّصُوصِ، لَا يُمْنَعُ مِنْهُ لِأَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ رَفْعُ بِنَائِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَعِلَّةُ الْمَنْعِ مُقَيَّدَةٌ بِالتَّعَلِّي عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَلْ لِلتَّحَفُّظِ، فَلَا يُمْنَعُونَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ اهـ وَقَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ فِي فَتَاوَاهُ: أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الْمُعَامَلَاتِ كَالْمُسْلِمِينَ فَمَا جَازَ لِلْمُسْلِمِ فِعْلُهُ فِي مِلْكِهِ جَازَ لَهُمْ وَمَا لَا فَلَا وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ تَعْلِيَةِ بِنَائِهِ إذَا حَصَلَ لِجَارِهِ ضَرَرٌ كَمَنْعِ ضَوْءٍ وَهَوَاءٍ قَالَ: هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ أَنَّ لِلْقَاضِي مَنْعَهُمْ مِنْ السُّكْنَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ يَسْكُنُونَ مُنْعَزِلِينَ قَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ: وَهُوَ الَّذِي أُفْتِي بِهِ أَنَا اهـ أَيْ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مَنْعُهُمْ مِنْ السُّكْنَى بَيْنَنَا، فَلَهُ مَنْعُهُمْ مِنْ التَّعَلِّي بِالْأَوْلَى، وَذَكَرَ فِي جَوَابٍ آخَرَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُعْلُوا بِنَاءَهُمْ عَلَى بِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ: وَلَا أَنْ يَسْكُنُوا دَارًا عَالِيَةَ الْبِنَاءِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بَلْ يُمْنَعُونَ أَنْ يَسْكُنُوا مَحَلَّاتِ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. وَهَذَا مَيْلٌ مِنْهُ إلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَأَفْتَى بِهِ أَوَّلًا أَيْضًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الْمُعَامَلَاتِ كَالْمُسْلِمِينَ، وَلَمَّا كَانَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونُوا مِثْلَهُمْ فِيمَا فِيهِ اسْتِعْلَاءٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَفْتَى فِي الْمَوْضُوعَيْنِ بِالْمَنْعِ لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْحَاوِي مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُلَازِمَ الصَّغَارَ فِيمَا يَكُونُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ اسْتِعْلَاءَهُ فِي الْبِنَاءِ عَلَى جِيرَانِهِ الْمُسْلِمِينَ خِلَافُ الصَّغَارِ، بَلْ بَحَثَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ إذَا اسْتَعْلَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَلَّ لِلْإِمَامِ قَتْلُهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ لَفْظَ اسْتَعْلَى يَشْمَلُ مَا بِالْقَوْلِ وَمَا بِالْفِعْلِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخَيْرِيَّةِ مُخَالِفًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ مَا أَفْتَى بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ مِنْ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، أَقْوَى مُدْرَكًا لِلْحَدِيثِ الشَّرِيفِ الْمُوجِبِ لِكَوْنِهِمْ لَهُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا، فَإِنَّ قَارِئَ الْهِدَايَةِ لَمْ يُفْتِ بِهِ بَلْ أَفْتَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِخِلَافِهِ كَمَا سَمِعْت. وَالْحَدِيثُ الشَّرِيفُ لَا يُفِيدُ أَنَّ لَهُمْ مَا لَنَا مِنْ الْعِزِّ وَالشَّرَفِ، بَلْ فِي الْمُعَامَلَاتِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 (وَيُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ لِلْحَرْبِ أَوْ بِاللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ) زَادَ فِي الْفَتْحِ أَوْ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ قَبُولِ الْجِزْيَةِ (أَوْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ طَلِيعَةً لِلْمُشْرِكِينَ) بِأَنْ يُبْعَثَ لِيَطَّلِعَ عَلَى أَخْبَارِ الْعَدُوِّ. فَلَوْ لَمْ يَبْعَثُوهُ لِذَلِكَ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُحِيطِ (وَصَارَ) الذِّمِّيُّ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ صُوَرٍ (كَالْمُرْتَدِّ) فِي كُلِّ أَحْكَامِهِ (إلَّا أَنَّهُ) لَوْ أُسِرَ (يُسْتَرَقُّ) وَالْمُرْتَدُّ يُقْتَلُ (وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الذِّمَّةِ) وَالْمُرْتَدُّ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ (لَا) يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ (بِقَوْلِهِ نَقَضْت الْعَهْدَ) زَيْلَعِيٌّ (بِخِلَافِ الْأَمَانِ) لِلْحَرْبِيِّ، فَإِنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْقَوْلِ بَحْرٌ (وَلَا بِالْإِبَاءِ عَنْ) أَدَاءِ (الْجِزْيَةِ)   [رد المحتار] مِنْ الْعُقُودِ وَنَحْوِهَا لِلْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى إلْزَامِهِمْ الصَّغَارَ وَعَدَمِ التَّمَرُّدِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ مَنْعَهُمْ عَنْ التَّعَلِّي وَاجِبٌ، وَأَنَّ ذَلِكَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمِ دِينَهُ فَلَا يُبَاحُ بِرِضَا الْجَارِ الْمُسْلِمِ. اهـ. وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يَحْرُمُ تَعْظِيمُهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الرِّضَا بِاسْتِعْلَائِهِ تَعْظِيمٌ لَهُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. مَطْلَبٌ فِيمَا يُنْتَقَضُ بِهِ عَهْدُ الذِّمِّيِّ وَمَا لَا يُنْتَقَضُ (قَوْلُهُ وَيُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ إلَخْ) لِأَنَّهُمْ بِذَلِكَ صَارُوا حَرْبًا عَلَيْنَا وَعَقْدُ الذِّمَّةِ مَا كَانَ إلَّا لِدَفْعِ شَرِّ حِرَابَتِهِمْ فَيُعَرَّى عَنْ الْفَائِدَةِ فَلَا يَبْقَى وَلَا يَبْطُلُ أَمَانُ ذُرِّيَّتِهِ بِنَقْضِ عَهْدِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ) أَيْ قَرْيَةٍ أَوْ حِصْنٍ فَتْحٌ وَقَوْلُهُ لِلْحَرْبِ أَيْ لِأَجْلِ حَرْبِنَا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِلْحِرَابِ بِزِيَادَةِ الْأَلْفِ وَاحْتَرَزَ بِالْغَلَبَةِ الْمَذْكُورَةِ عَمَّا لَوْ كَانُوا مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ يُعِينُونَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ، فَإِنَّهُ لَا يُنْقَضُ عَهْدُهُمْ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ فِي بَابِ الْبُغَاةِ (قَوْلُهُ أَوْ بِاللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ) لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ انْتِقَالُهُ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي تَغَلَّبُوا فِيهِ كَانْتِقَالِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِالِاتِّفَاقِ، إنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمَكَانُ مُوَاخِمًا لِدَارِ الْإِسْلَامِ: أَيْ بِأَنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِدَارِ الْحَرْبِ وَإِلَّا فَعَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ قَبُولِ الْجِزْيَةِ) أَيْ بِخِلَافِ الِامْتِنَاعِ عَنْ أَدَائِهَا عَلَى مَا يَأْتِي، لَكِنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ قَبُولِهَا إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ وَضْعِهَا وَهُوَ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدُ ذِمَّةٍ، حَتَّى يُنْتَقَضَ، وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ فِيمَنْ دَخَلَ فِي عَهْدِ الذِّمَّةِ تَبَعًا ثُمَّ صَارَ أَهْلًا كَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ، فَإِذَا أَفَاقَ أَوْ بَلَغَ أَوَّلَ الْحَوْلِ تُوضَعُ عَلَيْهِ فَإِذَا امْتَنَعَ انْتَقَضَ عَهْدُهُ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ أَوْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ طَلِيعَةً لِلْمُشْرِكِينَ) هَذَا مِمَّا زَادَهُ فِي الْفَتْح أَيْضًا لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا، بَلْ ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ فِي بَابِ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ (قَوْلُهُ بِأَنْ يُبْعَثَ لِيَطَّلِعَ إلَخْ) صُورَتُهُ أَنْ يَدْخُلَ مُسْتَأْمَنٌ وَيُقِيمَ سَنَةً، وَتُضْرَبَ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَقَصْدُهُ التَّجَسُّسُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِيُخْبِرَ الْعَدُوَّ ط (قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ يَبْعَثُوهُ) بِأَنْ كَانَ ذِمِّيًّا أَصْلِيًّا وَطَرَأَ عَلَيْهِ هَذَا الْقَصْدُ ط (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُحِيطِ) حَيْثُ قَالَ لَوْ كَانَ يُخْبِرُ الْمُشْرِكِينَ بِعُيُوبِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ يُقَاتِلُ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِيَقْتُلَهُ لَا يَكُونُ نَقْضًا لِلْعَهْدِ، وَهَذَا التَّوْفِيقُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ، وَيُشْعِرُ بِهِ تَعْبِيرُ الْفَتْحِ بِالطَّلِيعَةِ فَإِنَّ الطَّلِيعَةَ وَاحِدَةُ الطَّلَائِعِ فِي الْحَرْبِ، وَهُمْ الَّذِينَ يُبْعَثُونَ لِيَطَّلِعُوا عَلَى أَخْبَارِ الْعَدُوِّ، كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ فِي كُلِّ أَحْكَامِهِ) فَيُحْكَمُ بِمَوْتِهِ بِاللَّحَاقِ وَإِذَا تَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَتَعُودُ ذِمَّتُهُ وَتَبِينُ مِنْهُ زَوْجَتُهُ الذِّمِّيَّةُ الَّتِي خَلَفَهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إجْمَاعًا وَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ فَتْحٌ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالْمُرْتَدُّ يُقْتَلُ) لِأَنَّ كُفْرَهُ أَغْلَظُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَالْمُرْتَدُّ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ) أَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَإِنَّهَا تُسْتَرَقُّ بَعْدَ اللَّحَاقِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَبْلَهُ فِي رِوَايَةِ بَحْرٍ (قَوْلُهُ بِقَوْلِهِ نَقَضْت الْعَهْدَ) لِأَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِالْقَوْلِ بَلْ بِالْفِعْلِ كَمَا مَرَّ، بِخِلَافِ الْأَمَانِ لِلْحَرْبِيِّ. قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ أَنَّ أَمَانَ الْحَرْبِيِّ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْعَوْدِ، مَتَى أَرَادَ فَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ، بِخِلَافِ عَهْدِ الذِّمَّةِ فَهُوَ لَازِمٌ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَلِذَا لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْعَوْدِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، فَيُجْبِرُهُ الْإِمَامُ عَلَى الْجِزْيَةِ مَا دَامَ تَحْتَ قَهْرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَحِقَ بِدَارِهِمْ أَوْ غَلَبُوا عَلَى مَوْضِعٍ أَوْ جَعَلَ نَفْسَهُ طَلِيعَةً أَوْ امْتَنَعَ عَنْ قَبُولِ الْجِزْيَةِ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ صَارَ حَرْبًا عَلَيْنَا كَمَا مَرَّ وَفِي الثَّالِثِ: عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْعَهْدَ بَلْ جَعَلَهُ وَصْلَةً إلَى إضْرَارِهِ بِنَا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 بَلْ عَنْ قَبُولِهَا كَمَا مَرَّ وَنَقَلَ الْعَيْنِيُّ عَنْ الْوَاقِعَاتِ قَتْلَهُ بِالْإِبَاءِ عَنْ الْأَدَاءِ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ الثَّلَاثَةِ لَكِنْ ضَعَّفَهُ فِي الْبَحْرِ (وَ) لَا (بِالزِّنَا بِمُسْلِمَةٍ وَقَتْلِ مُسْلِمٍ) وَإِفْتَانِ مُسْلِمٍ عَنْ دِينِهِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ (وَسَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)   [رد المحتار] وَفِي الرَّابِعِ: لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ الْقَتْلَ بِخِلَافِ مَا إذَا امْتَنَعَ عَنْ أَدَائِهَا وَلِذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ: لِأَنَّ الْغَايَةَ الَّتِي يَنْتَهِي بِهَا الْقِتَالُ الْتِزَامُ الْجِزْيَةِ لَا أَدَاؤُهَا وَالِالْتِزَامُ بَاقٍ فَيَأْخُذُهَا الْإِمَامُ مِنْهُ جَبْرًا اهـ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا اسْتَشْكَلَهُ فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ عَنْ قَبُولِهَا نُقِضَ عَهْدُهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا بِالْقَوْلِ. وَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّ الِانْتِقَاضَ لَمْ يَجِئْ مِنْ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ بَلْ مِنْ عَدَمِ وُجُودِ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ الْقَتْلَ وَهُوَ الْتِزَامُ أَدَائِهَا بِخِلَافِ امْتِنَاعِهِ عَنْ أَدَائِهَا بِقَوْلِهِ لَا أُؤَدِّيهَا، فَإِنَّهُ قَوْلٌ وُجِدَ بَعْدَ الْتِزَامِهَا الدَّافِعُ لِلْقَتْلِ، وَلَا يَزُولُ ذَلِكَ الِالْتِزَامُ بِهِ وَكَذَا بِقَوْلِهِ نَقَضْت الْعَهْدَ لِمَا قُلْنَا، مِنْ أَنَّهُ لَازِمٌ لَا يَمْلِكُ فَسْخَهُ صَرِيحًا، وَلَا دَلَالَةً مَا دَامَ تَحْتَ قَهْرِنَا فَافْهَمْ، وَانْدَفَعَ بِهِ أَيْضًا مَا أَوْرَدَهُ فِي الدُّرَرِ مِنْ أَنَّ امْتِنَاعَهُ عَنْ أَدَائِهَا بِقَوْلِهِ: لَا أُعْطِيهَا يُنَافِي بَقَاءَ الِالْتِزَامِ لِمَا قُلْنَا مِنْ لُزُومِ ذَلِكَ الِالْتِزَامِ، وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَقْضَهُ صَرِيحًا فَكَذَا دَلَالَةً بِالْأَوْلَى فَيُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهَا مَا دَامَ مَقْهُورًا فِي دَارِنَا، ثُمَّ رَأَيْت الْحَمَوِيَّ أَجَابَ بِنَحْوِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ بَلْ عَنْ قَبُولِهَا) أَيْ بَلْ يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِالْإِبَاءِ عَنْ قَبُولِهَا، وَقَدَّمْنَا تَصْوِيرَهُ، وَقَدْ عَلِمْت آنِفًا وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ (قَوْلُهُ وَنَقَلَ الْعَيْنِيُّ) حَيْثُ قَالَ وَفِي رِوَايَةٍ مَذْكُورَةٍ فِي وَاقِعَاتِ حُسَامٍ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا امْتَنَعُوا عَنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ يُنْتَقَضُ الْعَهْدُ، وَيُقَاتَلُونَ وَهُوَ قَوْلُ الثَّلَاثَةِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهَا رِوَايَةً وَدِرَايَةً بَحْرٌ. قُلْت: أَمَّا وَجْهُ الضَّعْفِ رِوَايَةً فَلِأَنَّهُ خِلَافُ الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصَةِ فِي الْمُتُونِ وَغَيْرِهَا وَأَمَّا الدِّرَايَةُ أَيْ الضَّعْفُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، فَلِمَا عَلِمْت مِنْ بَقَاءِ الِالْتِزَامِ الدَّافِعِ لِلْقَتْلِ فَتُؤْخَذُ مِنْهُمْ جَبْرًا، وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُ مَا فِي الْوَاقِعَاتِ، بِمَا إذَا كَانُوا جَمَاعَةً تَغَلَّبُوا عَلَى مَوْضِعٍ هُوَ بَلَدُهُمْ أَوْ غَيْرُهُمْ وَأَظْهَرُوا الْعِصْيَانَ وَالْمُحَارَبَةَ، فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهَا مِنْهُمْ إلَّا بِالْقِتَالِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا بِالزِّنَا بِمُسْلِمَةٍ) بَلْ يُقَامُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ، وَهُوَ الْحَدُّ وَكَذَا لَوْ نَكَحَهَا لَا يُنْقَضُ عَهْدُهُ، وَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ وَيُعَزَّرَانِ وَكَذَا السَّاعِي بَيْنَهُمَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَإِفْتَانِ مُسْلِمٍ) مَصْدَرُ أَفْتَنَ الرُّبَاعِيِّ اهـ ح. قُلْت: لَكِنَّ الَّذِي رَأَيْنَاهُ فِي النُّسَخِ افْتِتَانٍ بِتَاءَيْنِ وَفِي الْمِصْبَاحِ: فَتَنَ الْمَالُ النَّاسَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ اسْتَمَالَهُمْ، وَفُتِنَ فِي دِينِهِ وَافْتَتَنَ أَيْضًا بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مَالَ عَنْهُ اهـ وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّ الِافْتِتَانَ مُتَعَدٍّ لَا لَازِمٌ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ سَبِّ الذِّمِّيِّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ وَسَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ إذَا لَمْ يُعْلِنْ، فَلَوْ أَعْلَنَ بِشَتْمِهِ أَوْ اعْتَادَهُ قُتِلَ، وَلَوْ امْرَأَةً وَبِهِ يُفْتَى الْيَوْمُ دُرٌّ مُنْتَقًى وَهَذَا حَاصِلُ مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ هُنَا وَقَيَّدَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِقَيْدٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ أَقُولُ: هَذَا إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ انْتِقَاضُهُ بِهِ أَمَّا إذَا شُرِطَ انْتَقَضَ بِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. قُلْت: وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ فِي صُلْحِ أَبِي عُبَيْدَةَ، مَعَ أَهْلِ الشَّامِ أَنَّهُ صَالَحَهُمْ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ حِينَ دَخَلَهَا عَلَى أَنْ يَتْرُكَ كَنَائِسَهُمْ، وَبِيَعَهُمْ عَلَى أَنْ لَا يُحْدِثُوا بِنَاءَ بِيعَةٍ، وَلَا كَنِيسَةٍ، وَأَنْ لَا يَشْتُمُوا مُسْلِمًا، وَلَا يَضْرِبُوهُ إلَخْ، وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ مِنْ رِوَايَةِ الْخَلَّالِ وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا كِتَابَ الْعَهْدِ وَفِي آخِرِهِ فَلَمَّا أَتَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِالْكِتَابِ زَادَ فِيهِ: وَأَنْ لَا نَضْرِبَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَرَطْنَا لَهُمْ ذَلِكَ عَلَيْنَا، وَعَلَى أَهْلِ مِلَّتِنَا وَقَبِلْنَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 لِأَنَّ كُفْرَهُ الْمُقَارِنَ لَهُ لَا يَمْنَعُهُ فَالطَّارِئُ لَا يَرْفَعُهُ فَلَوْ مِنْ مُسْلِمٍ قُبِلَ كَمَا سَيَجِيءُ [مَطْلَبٌ فِيمَا يُنْتَقَضُ بِهِ عَهْدُ الذِّمِّيِّ وَمَا لَا يُنْتَقَضُ] (وَيُؤَدَّبُ الذِّمِّيُّ وَيُعَاقَبُ عَلَى سَبِّهِ دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْقُرْآنَ أَوْ النَّبِيَّ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاوِيٌّ وَغَيْرُهُ   [رد المحتار] عَنْهُمْ الْأَمَانَ، فَإِنْ نَحْنُ خَالَفْنَا شَيْئًا مِمَّا شَرَطْنَاهُ لَكُمْ وَضَمِنَّاهُ عَلَى أَنْفُسِنَا فَلَا ذِمَّةَ لَنَا وَقَدْ حَلَّ لَكُمْ مِنَّا مَا يَحِلُّ لَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْمُعَانَدَةِ وَالشِّقَاقِ، وَفِي رِوَايَةِ الْخَلَّالِ: فَكَتَبَ عُمَرُ أَنْ أَمْضِ لَهُمْ مَا سَأَلُوهُ وَأَلْحَقَ فِيهِ حَرْفَيْنِ اشْتَرَطَهُمَا عَلَيْهِمْ مَعَ مَا شَرَطُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنْ لَا يَشْتَرُوا شَيْئًا مِنْ سَبَايَانَا وَمَنْ ضَرَبَ مُسْلِمًا عَمْدًا فَقَدْ خُلِعَ عَهْدُهُ. اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ كِتَابَ الْعَهْدِ بِتَمَامِهِ ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ اعْتَمَدَ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي بَدْرُ الدِّينِ الْقَرَافِيُّ اهـ ثُمَّ ذَكَرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَنَّهُ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ بِإِحْدَاثِ ذَلِكَ الدَّيْرِ أَيْ الَّذِي أَحْدَثُوهُ فِي زَمَنِهِ، وَأَلَّفَ فِيهِ الرِّسَالَةَ الْمَذْكُورَةَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا أَلْحَقَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ هَذَا دَلِيلٌ لِمَا قَالَهُ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ مِنْ نَقْضِي الْعَهْدِ بِتَمَرُّدِهِمْ وَاسْتِعْلَائِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. اهـ. قُلْت: وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يُقَيِّدُوا بِهَذَا الْقَيْدِ لِظُهُورِهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الرَّمْلِيِّ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَى أَمْرٍ لَا يُوجَدُ بِدُونِهِ وَلِأَنَّ مُرَادَهُمْ بَيَانُ أَنَّ مُجَرَّدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ لَا يُنْتَقَضُ بِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ السَّبِّ وَنَحْوِهِ، وَالْجِهَادُ مَاضٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ كُلُّ إمَامٍ إذَا فَتَحَ بَلْدَةً يَشْتَرِطُ هَذَا الشَّرْطَ الَّذِي شَرَطَهُ عُمَرُ فَلِذَا تَرَكُوا التَّصْرِيحَ بِهِ عَلَى أَنَّ مَا شَرَطَهُ عُمَرُ عَلَى الشَّامِ وَنَحْوِهَا لَا يَجْرِي حُكْمُهُ عَلَى كُلِّ مَا فَتَحَهُ مِنْ الْبِلَادِ مَا لَمْ يُعْلَمْ اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا. فَصَارَ الْحَاصِلُ: أَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ لَا يُنْتَقَضُ بِمَا ذَكَرُوهُ مَا لَمْ يُشْتَرَطْ انْتِقَاضُهُ بِهِ فَإِذَا اُشْتُرِطَ انْتَقَضَ، وَإِلَّا فَلَا إلَّا إذَا أَعْلَنَ بِالشَّتْمِ أَوْ اعْتَادَهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَلِمَا يَأْتِي عَنْ الْمَعْرُوضَاتِ وَغَيْرِهَا وَلِمَا ذَكَرَهُ ط عَنْ الشَّلَبِيِّ عَنْ حَافِظِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ إذَا طَعَنَ الذِّمِّيُّ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ طَعْنًا ظَاهِرًا جَازَ قَتْلُهُ لِأَنَّ الْعَهْدَ مَعْقُودٌ مَعَهُ عَلَى أَنْ لَا يَطْعَنَ فَإِذَا طَعَنَ، فَقَدْ نَكَثَ عَهْدَهُ وَخَرَجَ مِنْ الذِّمَّةِ اهـ لَكِنْ مُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ اشْتِرَاطُ عَدَمِ الطَّعْنِ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الذِّمَّةِ، وَهُوَ خِلَافُ كَلَامِهِمْ فَتَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] قَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ الشَّتْمَ بِمَا لَا يَتَدَيَّنُونَ بِهِ وَنَقَلَهُ فِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ الذَّخِيرَةِ بِقَوْلِهِ: إذَا ذَكَرَهُ بِسُوءٍ يَعْتَقِدُهُ وَيَتَدَيَّنُ بِهِ، بِأَنْ قَالَ إنَّهُ لَيْسَ بِرَسُولٍ أَوْ قَتَلَ الْيَهُودَ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ نَسَبَهُ إلَى الْكَذِبِ فَعِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ أَمَّا إذَا ذَكَرَهُ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ وَلَا يَتَدَيَّنُ بِهِ كَمَا لَوْ نَسَبَهُ إلَى الزِّنَا أَوْ طَعَنَ فِي نَسَبِهِ يُنْتَقَضُ. اهـ. (قَوْلُهُ الْمُقَارِنَ لَهُ) أَيْ لِعَهْدِ الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ فَالطَّارِئُ) أَيْ بِالسَّبِّ (قَوْلُهُ فَلَوْ مِنْ مُسْلِمٍ قُبِلَ) أَيْ إنْ لَمْ يَتُبْ لَا مُطْلَقًا خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي الدُّرَرِ هُنَا وَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا، فَإِنَّهُ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ لَا مَذْهَبُنَا كَمَا سَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَيُؤَدَّبُ الذِّمِّيُّ وَيُعَاقَبُ إلَخْ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ تَأْدِيبَهُ وَعَاقَبَهُ بِالْقَتْلِ، إذَا اعْتَادَهُ، وَأَعْلَنَ بِهِ كَمَا يَأْتِي، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ حَافِظِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ أَنَّهُ يُقْتَلُ الْمُكَابِرُ بِالظُّلْمِ وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَالْمُكَّاسُ وَجَمِيعُ الظَّلَمَةِ وَجَمِيعُ الْكَبَائِرِ، وَأَنَّهُ أَفْتَى النَّاصِحِيُّ بِقَتْلِ كُلِّ مُؤْذٍ. وَرَأَيْت فِي كِتَابِ الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ الْحَنْبَلِيِّ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَقَالُوا: لَا يُنْتَقَضُ الْعَهْدُ بِالسَّبِّ، وَلَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِذَلِكَ لَكِنْ يُعَزَّرُ عَلَى إظْهَارِ ذَلِكَ كَمَا يُعَزَّرُ عَلَى إظْهَارِ الْمُنْكَرَاتِ الَّتِي لَيْسَ لَهُمْ فِعْلُهَا مِنْ إظْهَارِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَاخْتِيَارِي فِي السَّبِّ أَنْ يُقْتَلَ. اهـ. وَتَبِعَهُ ابْنُ الْهُمَامِ. قُلْت: وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُنَا الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ رَأَيْت فِي مَعْرُوضَاتِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ، أَنَّهُ وَرَدَ أَمْرٌ سُلْطَانِيٌّ بِالْعَمَلِ بِقَوْلِ أَئِمَّتُنَا الْقَائِلِينَ بِقَتْلِهِ إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ مُعْتَادُهُ وَبِهِ أَفْتَى ثُمَّ أَفْتَى فِي بَكْرٍ الْيَهُودِيِّ قَالَ لِبِشْرٍ النَّصْرَانِيِّ نَبِيُّكُمْ عِيسَى وَلَدُ زِنًا بِأَنَّهُ يُقْتَلُ   [رد المحتار] أَصْوَاتِهِمْ بِكِتَابِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَحَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ الثَّوْرِيِّ، وَمِنْ أُصُولِهِمْ يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ أَنَّ مَا لَا قَتْلَ فِيهِ عِنْدَهُمْ مِثْلُ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ، وَالْجِمَاعِ فِي غَيْرِ الْقُبُلِ إذَا تَكَرَّرَ، فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَ فَاعِلَهُ، وَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْحَدِّ الْمُقَدَّرِ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ وَيَحْمِلُونَ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ مِنْ الْقَتْلِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْجَرَائِمِ، عَلَى أَنَّهُ رَأْيُ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ وَيُسَمُّونَهُ الْقَتْلَ سِيَاسَةً. وَكَانَ حَاصِلُهُ: أَنَّ لَهُ أَنْ يُعَزِّرَ بِالْقَتْلِ فِي الْجَرَائِمِ الَّتِي تَعَظَّمَتْ بِالتَّكْرَارِ، وَشُرِعَ الْقَتْلُ فِي جِنْسِهَا؛ وَلِهَذَا أَفْتَى أَكْثَرُهُمْ بِقَتْلِ مَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ أَخْذِهِ، وَقَالُوا يُقْتَلُ سِيَاسَةً، وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ عَلَى أُصُولِهِمْ. اهـ. فَقَدْ أَفَادَ أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا قَتْلُهُ إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ وَأَظْهَرَهُ وَقَوْلُهُ وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ أَخْذِهِ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ عِنْدَنَا لَكِنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ مَذْهَبِنَا وَهُوَ ثَبْتٌ فَيُقْبَلُ (قَوْلُهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَا أَصْلَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ اهـ وَرَدَّهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ، بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ النَّقْضِ عَدَمُ الْقَتْلِ، وَقَدْ صَرَّحُوا قَاطِبَةً بِأَنَّهُ يُعَزَّرُ عَلَى ذَلِكَ، وَيُؤَدَّبُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قَتْلِهِ زَجْرًا لِغَيْرِهِ إذْ يَجُوزُ التَّرَقِّي فِي التَّعْزِيرِ إلَى الْقَتْلِ، إذَا عَظُمَ مُوجِبُهُ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَمَذْهَبِنَا عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْ عَدَمِ الِانْتِقَاضِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ. اهـ. وَلَيْسَ فِي مَذْهَبِنَا مَا يَنْفِي قَتْلَهُ خُصُوصًا إذَا أَظْهَرَ مَا هُوَ الْغَايَةُ فِي التَّمَرُّدِ، وَعَدَمِ الِاكْتِرَاثِ وَالِاسْتِخْفَافِ وَاسْتَعْلَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهٍ صَارَ مُتَمَرِّدًا عَلَيْهِمْ اهـ وَنَقَلَ الْمَقْدِسِيَّ مَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ، ثُمَّ قَالَ، وَهُوَ مِمَّا يَمِيلُ إلَيْهِ كُلُّ مُسْلِمٍ وَالْمُتُونُ، وَالشُّرُوحُ خِلَافُهُ أَقُولُ وَلَنَا أَنْ نُؤَدِّبَ الذِّمِّيَّ تَعْزِيرًا شَدِيدًا بِحَيْثُ لَوْ مَاتَ كَانَ دَمُهُ هَدْرًا. اهـ. قُلْت: لَكِنَّ هَذَا إذَا أَعْلَنَ بِالسَّبِّ وَكَانَ مِمَّا لَا يَعْتَقِدُهُ كَمَا عَلِمْته آنِفًا (قَوْلُهُ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْهُمَامِ) حَيْثُ قَالَ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ سَبَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ نِسْبَةَ مَا لَا يَنْبَغِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَعْتَقِدُونَهُ كَنِسْبَةِ الْوَلَدِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ عَنْ ذَلِكَ إذَا أَظْهَرَهُ يُقْتَلُ بِهِ وَيُنْتَقَضُ عَهْدُهُ، وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْهُ وَلَكِنْ عُثِرَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَكْتُمُهُ فَلَا وَهَذَا لِأَنَّهُ الْغَايَةُ فِي التَّمَرُّدِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِالْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَكُونُ جَارِيًا عَلَى الْعَقْدِ الَّذِي يَدْفَعُ عَنْهُ الْقَتْلَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَاغِرًا ذَلِيلًا إلَى أَنْ قَالَ: وَهَذَا الْبَحْثُ مِنَّا يُوجِبُ أَنَّهُ إذَا اسْتَعْلَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهٍ صَارَ مُتَمَرِّدًا عَلَيْهِمْ يَحِلُّ لِلْإِمَامِ قَتْلُهُ أَوْ يَرْجِعُ إلَى الذُّلِّ وَالصَّغَارِ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ بَحْثٌ خَالَفَ فِيهِ أَهْلَ الْمَذْهَبِ اهـ وَقَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ إنَّ مَا بَحَثَهُ فِي النَّقْضِ مُسَلَّمٌ مُخَالَفَتُهُ لِلْمَذْهَبِ وَأَمَّا مَا بَحَثَهُ فِي الْقَتْلِ فَلَا اهـ أَيْ لِمَا عَلِمْته آنِفًا مِنْ جَوَازِ التَّعْزِيرِ بِالْقَتْلِ وَلِمَا يَأْتِي مِنْ جَوَازِ قَتْلِهِ إذَا أَعْلَنَ بِهِ (قَوْلُهُ وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُنَا) أَيْ بِالْقَتْلِ لَكِنْ تَعْزِيرًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ مُعْتَادُهُ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي الْمَعْرُوضَاتِ أَوْ بِمَا إذَا أَعْلَنَ بِهِ كَمَا يَأْتِي بِخِلَافِ مَا إذَا أُعْثِرَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَكْتُمُهُ كَمَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْهُمَامِ. (قَوْلُهُ وَبِهِ أَفْتَى) أَيْ أَبُو السُّعُودِ مُفْتِي الرُّومِ بَلْ أَفْتَى بِهِ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ إذَا أَكْثَرَ السَّبَّ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ مُعْتَادُهُ وَمِثْلُهُ مَا إذَا أَعْلَنَ بِهِ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْهُمَامِ إذَا أَظْهَرَهُ يُقْتَلُ بِهِ، فَلَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ مُخَالِفًا لِلْمَذْهَبِ، بَلْ صَرَّحَ بِهِ مُحَرِّرُ الْمَذْهَبِ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ) لَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا إذَا اعْتَادَهُ كَمَا قَيَّدَ بِهِ أَوَّلًا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ مُطْلَقًا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَلِمَا مَرَّ عَنْ الْعَيْنِيِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 لِسَبِّهِ لِلْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ ابْنَ كَمَالٍ بَاشَا فِي أَحَادِيثِهِ الْأَرْبَعِينِيَّةِ فِي الْحَدِيثِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ: يَا عَائِشَةُ لَا تَكُونِي فَاحِشَةً مَا نَصُّهُ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ يُقْتَلُ عِنْدَنَا إذَا أَعْلَنَ بِشَتْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَرَّحَ بِهِ فِي سِيَرِ الذَّخِيرَةِ، حَيْثُ قَالَ: وَاسْتَدَلَّ مُحَمَّدٌ لِبَيَانِ قَتْلِ الْمَرْأَةِ إذَا أَعْلَنَتْ بِشَتْمِ الرَّسُولِ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَدِيٍّ لَمَّا سَمِعَ عَصْمَاءَ بِنْتَ مَرْوَانَ تُؤْذِي الرَّسُولَ فَقَتَلَهَا لَيْلًا مَدَحَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ» انْتَهَى فَلْيُحْفَظْ (وَيُؤْخَذُ مِنْ مَالِ بَالِغِ تَغْلِبِينَ وَتَغْلَبِيَّةٍ) لَا مِنْ طِفْلِهِمْ إلَّا الْخَرَاجَ (ضِعْفُ زَكَاتِنَا) بِأَحْكَامِهَا (مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ) الْمَعْهُودَةُ بَيْنَنَا لِأَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ كَذَلِكَ (وَ) يُؤْخَذُ (مِنْ مَوْلَاهُ) أَيْ مُعْتِقُ التَّغْلِبِيِّ (فِي الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ كَمَوْلَى الْقُرَشِيِّ) وَحَدِيثُ «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» مَخْصُوصٌ بِالْإِجْمَاعِ   [رد المحتار] وَالْمَقْدِسِيِّ، لَكِنْ عَلِمْت تَقْيِيدَهُ بِالْإِعْلَانِ، أَوْ بِمَا فِي الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّكْرَارِ (قَوْلُهُ لِسَبِّهِ لِلْأَنْبِيَاءِ) الْمُرَادُ الْجِنْسُ وَإِلَّا فَهُوَ قَدْ سَبَّ نَبِيًّا وَاحِدًا (قَوْلُهُ وَيُؤَيِّدُهُ) أَيْ يُؤَيِّدُهُ قَتْلُ الْكَافِرِ السَّابِّ (قَوْلُهُ فِي أَحَادِيثِهِ) الْجَارُ وَالْمَجْرُورُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَمَا فِي قَوْله مَا نَصُّهُ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ بِمَعْنَى شَيْءٍ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وَالْجُمْلَةُ مِنْ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ خَبَرُ إنَّ وَنَصُّهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى مَنْصُوصِهِ مَرْفُوعٌ، عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ وَالْحَقُّ إلَخْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ إلَى آخِرِهَا أُرِيدَ بِهَا لَفْظُهَا فِي مَحَلِّ رَفْعٍ، عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ نَصِّهِ وَجُمْلَةُ هَذَا الْمُبْتَدَأِ أَوْ خَبَرِهِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهَا صِفَةٌ لِمَا الْوَاقِعَةِ مُبْتَدَأً وَجُمْلَةُ مَا وَخَبَرُهَا الْمُقَدَّمُ خَبَرُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ أَنَّ ابْنَ كَمَالٍ وَالْمَعْنَى: أَنَّ ابْنَ كَمَالٍ شَيْءٌ مَنْصُوصُهُ، وَالْحَقُّ إلَخْ ثَابِتٌ فِي أَحَادِيثِهِ الْأَرْبَعِينِيَّةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ حَيْثُ قَالَ إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّ هَذَا اسْتِدْلَالٌ مِنْ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، عَلَى جَوَازِ قَتْلِ الْمَرْأَةِ إذَا أَعْلَنَتْ بِالشَّتْمِ فَهُوَ مَخْصُوصٌ مِنْ عُمُومِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ، مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ الذِّمِّيِّ الْمَنْهِيّ عَنْ قَتْلِهِ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ، إذَا أَعْلَنَ بِالشَّتْمِ أَيْضًا، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ بِعِدَّةِ أَحَادِيثَ مِنْهَا: حَدِيثُ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ سَمِعْت امْرَأَةً مِنْ يَهُودٍ وَهِيَ تَشْتُمُك وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا لَمُحْسِنَةٌ إلَيَّ فَقَتَلْتهَا فَأَهْدَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَمَهَا» (قَوْلُهُ تَغْلِبِيٍّ وَتَغْلَبِيَّةٍ) بِكَسْرِ اللَّامِ عَلَى الْأَصْلِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَفْتَحُهَا مِصْبَاحٌ نِسْبَةً إلَى تَغْلِبَ بْنِ وَائِلِ بْنِ رَبِيعَةَ بِوَزْنِ تَضْرِبُ قَوْمٌ تَنَصَّرُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَسَكَنُوا بِقُرْبِ الرُّومِ امْتَنَعُوا عَنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ عَلَى ضِعْفِ زَكَاتِنَا فَهُوَ وَإِنْ كَانَ جِزْيَةً فِي الْمَعْنَى إلَّا أَنَّهُ لَا يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُهَا مِنْ وَصْفِ الصَّغَارِ، وَتُقْبَلُ مِنْ النَّائِبِ بَلْ شَرَائِطُ الزَّكَاةِ وَأَسْبَابُهَا وَلِذَا أُخِذَتْ مِنْ الْمَرْأَةِ لِأَهْلِيَّتِهَا لَهَا بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ مَوَاشِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ إلَّا الْخَرَاجَ) أَيْ خَرَاجَ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ طِفْلِهِمْ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّهُ وَظِيفَةُ الْأَرْضِ وَلَيْسَ عِبَادَةً بَحْرٌ (قَوْلُهُ ضِعْفُ زَكَاتِنَا) فَيَأْخُذُ السَّاعِي مِنْ غَنَمِهِمْ السَّائِمَةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاتَيْنِ، وَمِنْ كُلِّ مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ أَرْبَعَ شِيَاهٍ وَعَلَى هَذَا مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ نَهْرٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِي بَقِيَّةِ أَمْوَالِهِمْ وَرَقَبَتِهِمْ كَمَا فِي الأتقاني يَعْنِي إلَّا إذَا مَرُّوا عَلَى الْعَاشِرِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُمْ ضِعْفَ مَا يَأْخُذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ كَمَوْلَى الْقُرَشِيِّ) يَعْنِي أَنَّ مُعْتِقَ التَّغْلِبِيِّ كَمُعْتِقِ الْقُرَشِيِّ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَتْبَعُ أَصْلَهُ، حَتَّى تُوضَعَ الْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ لَمْ يُوضَعَا عَلَى أَصْلِهِمَا تَخْفِيفًا وَالْمُعْتَقُ لَا يَلْحَقُ أَصْلَهُ فِي التَّخْفِيفِ وَلِذَا لَوْ كَانَ لِمُسْلِمٍ مَوْلًى نَصْرَانِيٌّ، وُضِعَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَحَدِيثُ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ وَهُوَ أَنَّ مَا عَلَّلْتُمْ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَقَ لَا يَلْحَقُ أَصْلَهُ فِي التَّخْفِيفِ مُعَارِضٌ لِلنَّصِّ وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ غَيْرُ مُجْرًى عَلَى عُمُومِهِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ لَا يَلْحَقُهُ فِي الْكَفَاءَةِ لِلْهَاشِمِيَّةِ وَلَا فِي الْإِمَامَةِ، وَإِذَا كَانَ عَامًّا مَخْصُوصًا يَصِحُّ تَخْصِيصُهُ أَيْضًا بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعِلَّةِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 (وَمَصْرِفُ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ وَمَالُ التَّغْلِبِيِّ وَهَدِيَّتُهُمْ لِلْإِمَامِ) وَإِنَّمَا يَقْبَلُهَا إذَا وَقَعَ عِنْدَهُمْ إنَّ قِتَالَنَا لِلدِّينِ لَا الدُّنْيَا جَوْهَرَةٌ (وَمَا أُخِذَ مِنْهُمْ بِلَا حَرْبٍ) وَمِنْهُ تَرِكَةُ ذِمِّيٍّ وَمَا أَخَذَهُ عَاشِرٌ مِنْهُمْ ظَهِيرِيَّةٌ (مَصَالِحُنَا) خَبَرُ مَصْرِفٍ (كَسَدِّ ثُغُورٍ وَبِنَاءِ قَنْطَرَةٍ وَجِسْرٍ وَكِفَايَةِ الْعُلَمَاءِ) وَالْمُتَعَلِّمِينَ تَجْنِيسٌ وَبِهِ يَدْخُلُ طَلَبَةُ الْعِلْمِ فَتْحٌ (وَالْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ) كَكَتَبَةِ قُضَاةٍ وَشُهُودِ قِسْمَةٍ وَرُقَبَاءِ سَوَاحِلَ (وَرِزْقِ الْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ) أَيْ ذَرَارِيِّ مَنْ ذُكِرَ مِسْكِينٌ وَاعْتَمَدَهُ فِي الْبَحْرِ قَائِلًا: وَهَلْ يُعْطُونَ بَعْدَ مَوْتِ آبَائِهِمْ حَالَةَ الصِّغَرِ؟   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ وَمَصْرِفُ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ إلَخْ) قَيَّدَ بِالْخَرَاجِ لِأَنَّ الْعُشْرَ مَصْرِفُهُ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَقْبَلُهَا إلَخْ) تَرَكَ قَيْدًا آخَرَ ذَكَرَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُهْدِي لَا يَطْمَعُ فِي إيمَانِهِ لَوْ رُدَّتْ هَدَيْته فَلَوْ طَمِعَ فِي إيمَانِهِ بِالرَّدِّ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَمَا أُخِذَ مِنْهُمْ بِلَا حَرْبٍ) فِيهِ أَنَّ مَا قَبْلَهُ مَأْخُوذٌ بِحَرْبٍ، لَكِنْ فَسَّرَهُ فِي النَّهْرِ بِالْمَأْخُوذِ صُلْحًا عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ قَبْلَ نُزُولِ الْعَسْكَرِ بِسَاحَتِهِمْ (قَوْلُهُ مَصَالِحُنَا) نَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُخَمَّسُ وَلَا يُقْسَمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ نَهْرٌ، وَهُوَ جَمْعُ مَصْلَحَةٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى الْإِسْلَامِ ط عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ كَسَدِّ ثُغُورٍ) أَيْ حِفْظِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَيْسَ وَرَاءَهَا إسْلَامٌ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى جَمَاعَةٍ يَحْفَظُونَ الطَّرِيقَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عَنْ اللُّصُوصِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَبِنَاءِ قَنْطَرَةٍ وَجِسْرٍ) الْقَنْطَرَةُ مَا بُنِيَ عَلَى الْمَاءِ لِلْعُبُورِ، وَالْجِسْر بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ مَا يُعْبَرُ بِهِ النَّهْرُ وَغَيْرُهُ مَبْنِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَمِثْلُهُ بِنَاءِ مَسْجِدٍ وَحَوْضٍ، وَرِبَاطٍ وَكَرْيِ أَنْهَارٍ عِظَامٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ كَالنِّيلِ وَجَيْحُونَ قُهُسْتَانِيٌّ وَكَذَا النَّفَقَةِ عَلَى الْمَسَاجِدِ كَمَا فِي زَكَاةِ الْخَانِيَّةِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الصَّرْفُ عَلَى إقَامَةِ شَعَائِرِهَا مِنْ وَظَائِفِ الْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ وَنَحْوِهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَكِفَايَةُ الْعُلَمَاءِ) هُمْ أَصْحَابُ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ مَنْ يُعَلِّمُ الْعُلُومَ الشَّرْعِيَّةَ، فَيَشْمَلُ الصَّرْفَ وَالنَّحْوَ وَغَيْرَهُمَا حَمَوِيٌّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ ط. وَفِي التَّعْبِيرِ بِالْكِفَايَةِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ وَكَذَا يُشْعِرُ بِاشْتِرَاطِ فَقْرِهِمْ، لَكِنْ فِي حَظْرِ الْخَانِيَّةِ سُئِلَ عَلِيُّ الرَّازِيّ عَنْ بَيْتِ الْمَالِ هَلْ لِلْأَغْنِيَاءِ فِيهِ نَصِيبٌ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ يَكُونَ عَامِلًا أَوْ قَاضِيًا، وَلَيْسَ لِلْفُقَهَاءِ فِيهِ نَصِيبٌ إلَّا فَقِيهٌ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِتَعْلِيمِ النَّاسِ الْفِقْهَ أَوْ الْقُرْآنَ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: أَيْ بِأَنْ صَرَفَ غَالِبَ أَوْقَاتِهِ فِي الْعِلْمِ وَلَيْسَ مُرَادُ الرَّازِيّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْعَامِلِ، أَوْ الْقَاضِي، بَلْ أَشَارَ بِهِمَا إلَى كُلِّ مَنْ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِعَمَلِ الْمُسْلِمِينَ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُفْتِي وَالْجُنْدِيُّ، فَيَسْتَحِقَّانِ الْكِفَايَةَ مَعَ الْغَنِيِّ اهـ وَذَكَرَ قَبْلَهُ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يَتَأَهَّلَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ لَكِنْ لِيَعْمَلَ بَعْدَهُ لِلْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ وَالْعُمَّالُ) مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ لِمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّهُ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ جَمْعُ عَامِلٍ، وَهُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى أُمُورَ رَجُلٍ فِي مَالِهِ وَعَمَلِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُذَكِّرُ وَالْوَاعِظُ بِحَقٍّ وَعِلْمٍ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ، وَكَذَا الْوَالِي وَطَالِبُ الْعِلْمِ وَالْمُحْتَسِبُ، وَالْقَاضِي، وَالْمُفْتِي وَالْمُعَلِّمُ بِلَا أَجْرٍ كَمَا فِي الْمُضْمِرَاتِ (قَوْلُهُ وَشُهُودِ قِسْمَةٍ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الْقِسْمَةَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ، وَالشُّرَكَاءِ وَاسْتِيفَاءِ حُقُوقِهِمْ، وَفِي نُسْخَةٍ: وَشُهُودِ قِيمَةٍ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عَلَى التَّقْوِيمِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الْقِيمَةِ ط (قَوْلُهُ وَرُقَبَاءِ سَوَاحِلَ) جَمْعُ رَقِيبٍ مِنْ رَقَبْته أَرْقُبُهُ مِنْ بَابِ قَتَلَ: أَيْ حَفِظْته وَالسَّوَاحِلُ جَمْعُ سَاحِلٍ، وَهُوَ شَاطِئُ الْبَحْرِ مِصْبَاحٌ فَالْمُرَادُ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ السَّوَاحِلَ، وَهُمْ الْمُرَابِطُونَ فِي الثُّغُورِ أَوْ أَعَمُّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَرِزْقِ الْمُقَاتِلَةِ) الرِّزْقُ بِالْكَسْرِ اسْمٌ مِنْ الرَّزْقِ بِالْفَتْحِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ قَامُوسٌ، وَقَالَ الرَّاغِبُ: الرِّزْقُ يُقَالُ لِلْعَطَاءِ الْجَارِي دِينِيًّا كَانَ أَوْ دُنْيَوِيًّا وَلِلنَّصِيبِ وَلِمَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ وَيَتَغَذَّى بِهِ قُهُسْتَانِيٌّ ط (قَوْلُهُ أَيْ ذَرَارِيِّ مَنْ ذُكِرَ إلَخْ) لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَعُمُّ الْكُلَّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ وَمُنْلَا مِسْكِينٍ وَغَيْرُهُمَا، وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي تُوهِمُ تَخْصِيصَهُمْ بِالْمُقَاتِلَةِ وَبِهِ صَرَّحَ شَارِحُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 لَمْ أَرَهُ، وَإِلَى هُنَا تَمَّتْ مَصَارِفُ بَيْتِ الْمَالِ ثَلَاثَةٌ،   [رد المحتار] الْمَجْمَعِ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَتَبِعَهُ فِي الْمِنَحِ دُرٌّ مُنْتَقًى، وَفَسَّرَ الذَّرَارِيَّ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ بِالزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ: مَطْلَبٌ مَنْ لَهُ اسْتِحْقَاقٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ يُعْطَى وَلَدُهُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ لَمْ أَرَهُ) نَقَلَ الشَّيْخُ عِيسَى السَّفْطِيُّ فِي رِسَالَتِهِ مَا نَصُّهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ: إنَّ مَنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَفُرِضَ لَهُ اسْتِحْقَاقُهُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِذُرِّيَّتِهِ أَيْضًا تَبَعًا لَهُ، وَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي الْفَتْوَى: عَلَى أَنَّهُ يُفْرَضُ لِذَرَارِيِّ الْعُلَمَاءِ، وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُقَاتِلَةِ، وَمَنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا فِي بَيْتِ الْمَالِ لَا يَسْقُطُ مَا فُرِضَ لِذَرَارِيِّهِمْ بِمَوْتِهِمْ اهـ ط. قُلْت: لَكِنَّ قَوْلَ الْمُتُونِ الْآتِي: وَمَنْ مَاتَ فِي نِصْفِ الْحَوْلِ حُرِمَ مِنْ الْعَطَاءِ يُنَافِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَا يَجْرِي عَلَى الذَّرَارِيِّ عَطَاءٌ مُسْتَقِلٌّ خَاصٌّ بِالذَّرَارِيِّ لِإِعْطَاءِ الْمَيِّتِ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ بَيْنَ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ تَأَمَّلْ، لَكِنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْحَاوِي لَمْ أَرَهُ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ، وَلَا فِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ، وَرَاجَعْت مَوَاضِعَ كَثِيرَةً مِنْ كِتَابِ الْخَرَاجِ فَلَمْ أَرَهُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. نَعَمْ قَالَ الْحَمَوِيُّ فِي رِسَالَتِهِ: وَقَدْ ذَكَرَ عُلَمَاؤُنَا أَنَّهُ يُفْرَضُ لِأَوْلَادِهِمْ تَبَعًا وَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ الْأَصْلِ تَرْغِيبًا اهـ وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ: أَنَّ إعْطَاءَهُمْ بِالْأَوْلَى لِشِدَّةِ احْتِيَاجِهِمْ، سِيَّمَا إذَا كَانُوا يَجْتَهِدُونَ فِي سُلُوكِ طَرِيقِ آبَائِهِمْ. اهـ. مَطْلَبٌ مَنْ لَهُ وَظِيفَةٌ تَوَجَّهَ لِوَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَنَقَلَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ عَنْ الْخِزَانَةِ عَنْ مَبْسُوطِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ: إذَا مَاتَ مَنْ لَهُ وَظِيفَةٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَإِعْزَازِ الْإِسْلَامِ كَأَجْرِ الْإِمَامَةِ وَالتَّأْذِينِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ صَلَاحُ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ وَلِلْمَيِّتِ أَبْنَاءٌ يُرَاعُونَ وَيُقِيمُونَ حَقَّ الشَّرْعِ وَإِعْزَازَ الْإِسْلَامِ، كَمَا يُرَاعِي وَيُقِيمُ الْأَبُ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَ وَظِيفَةَ الْأَبِ لِأَبْنَاءِ الْمَيِّتِ لَا لِغَيْرِهِمْ لِحُصُولِ مَقْصُودِ الشَّرْعِ، وَانْجِبَارِ كَسْرِ قُلُوبِهِمْ. اهـ. مَطْلَبٌ تَحْقِيقٌ مُهِمٌّ فِي تَوْجِيهِ الْوَظَائِفِ لِلِابْنِ قَالَ الْبِيرِيُّ أَقُولُ: هَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا هُوَ عُرْفُ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَمِصْرَ وَالرُّومِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ إبْقَاءِ أَبْنَاءِ الْمَيِّتِ وَلَوْ كَانُوا صِغَارًا عَلَى وَظَائِفِ آبَائِهِمْ مُطْلَقًا مِنْ إمَامَةٍ وَخَطَابَةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ عُرْفًا مَرْضِيًّا لِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءَ خَلَفِ الْعُلَمَاءِ وَمُسَاعَدَتَهُمْ عَلَى بَذْلِ الْجَهْدِ فِي الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ، وَقَدْ أَفْتَى بِجَوَازِ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَكَابِرِ الْفُضَلَاءِ الَّذِينَ يُعَوَّلُ عَلَى إفْتَائِهِمْ. اهـ. قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِالذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ هِيَ إحْيَاءُ خَلَفِ الْعُلَمَاءِ وَمُسَاعَدَتُهُمْ عَلَى تَحْصِيلِ الْعِلْمِ، فَإِذَا اتَّبَعَ الِابْنُ طَرِيقَةَ وَالِدِهِ فِي الِاشْتِغَالِ فِي الْعِلْمِ، فَذَلِكَ ظَاهِرٌ. أَمَّا إذَا أَهْمَلَ ذَلِكَ وَاشْتَغَلَ بِاللَّهْوِ وَاللَّعِبِ أَوْ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا جَاهِلًا غَافِلًا مُعَطِّلًا لِلْوَظَائِفِ الْمَذْكُورَةِ، أَوْ يُنِيبُ غَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ، وَيَصْرِفُ بَاقِيَ ذَلِكَ فِي شَهَوَاتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمَا فِيهِ مِنْ أَخْذِ وَظَائِفِ الْعُلَمَاءِ، وَتَرْكِهِمْ بِلَا شَيْءٍ يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى الْعِلْمِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي زَمَانِنَا، فَإِنَّ عَامَّةَ أَوْقَافِ الْمَدَارِسِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْوَظَائِفِ فِي أَيْدِي جَهَلَةٍ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا مِنْ فَرَائِضِ دِينِهِمْ، وَيَأْكُلُونَ ذَلِكَ بِلَا مُبَاشَرَةٍ وَلَا إنَابَةٍ بِسَبَبِ تَمَسُّكِهِمْ بِأَنَّ خُبْزَ الْأَبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 فَهَذَا مَصْرِفُ جِزْيَةٍ وَخَرَاجٍ وَمَصْرِفُ زَكَاةٍ وَعُشْرٍ مَرَّ فِي الزَّكَاةِ، وَمَصْرِفُ خُمُسٍ وَرِكَازٍ مَرَّ فِي السِّيَرِ وَبَقِيَ رَابِعٌ وَهُوَ لُقَطَةٌ وَتَرِكَةٌ بِلَا وَارِثٍ، وَدِيَةُ مَقْتُولٍ بِلَا وَلِيٍّ، وَمَصْرِفُهَا لَقِيطٌ فَقِيرٌ وَفَقِيرٌ بِلَا وَلِيٍّ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ نَوْعٍ بَيْتًا يَخُصُّهُ وَلَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ مِنْ أَحَدِهَا لِيَصْرِفَهُ لِلْآخِرِ وَيُعْطِي بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْفِقْهِ وَالْفَضْلِ فَإِنْ قَصَّرَ كَانَ اللَّهُ عَلَيْهِ حَسِيبًا زَيْلَعِيٌّ. وَفِي الْحَاوِي: الْمُرَادُ بِالْحَافِظِ فِي حَدِيثِ «لِحَافِظِ الْقُرْآنِ مِائَتَا دِينَارٍ» -   [رد المحتار] لِابْنِهِ، فَيَتَوَارَثُونَ الْوَظَائِفَ أَبًا عَنْ جَدٍّ كُلُّهُمْ جَهَلَةٌ كَالْأَنْعَامِ وَيُكَبِّرُونَ بِذَلِكَ فِرَاهُمْ وَعَمَائِمَهُمْ، وَيَنْصَدِرُونَ فِي الْبَلْدَةِ حَتَّى أَدَّى ذَلِكَ إلَى انْدِرَاسِ الْمَدَارِسِ وَالْمَسَاجِدِ، وَأَكْثَرُهَا صَارَ بُيُوتًا بَاعُوهَا أَوْ بَسَاتِينَ اشْتَغَلُوهَا، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَطْلُبَ الْعِلْمَ لَا يَجِدُ لَهُ مَأْوًى يَسْكُنُهُ وَلَا شَيْئًا يَأْكُلُهُ فَيَضْطَرُّ إلَى أَنْ يَتْرُكَ الْعِلْمَ، وَيَكْتَسِبَ وَوَقَعَ فِي زَمَانِنَا أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَكَابِرِ دِمَشْقَ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ أَجْهَلَ مِنْهُ لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ فَوُجِّهْت مِنْ وَظَائِفِهِ تَوْلِيَةُ مَسْجِدٍ وَمَدْرَسَةٍ عَلَى رَجُلَيْنِ مِنْ أَعْلَمِ عُلَمَاءِ دِمَشْقَ فَذَهَبَ وَلَدُهُ وَعَزَلَهُمَا عَنْ ذَلِكَ بِالرِّشْوَةِ، وَفِي أَوَاخِرِ الْقَرْنِ الثَّالِثِ مِنْ الْأَشْبَاهِ إذَا وَلَّى السُّلْطَانُ مُدَرِّسًا لَيْسَ بِأَهْلٍ لَمْ تَصِحَّ تَوْلِيَتُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ السُّلْطَانُ إذَا أَعْطَى غَيْرَ الْمُسْتَحِقِّ فَقَدْ ظَلَمَ مَرَّتَيْنِ بِمَنْعِ الْمُسْتَحِقِّ وَإِعْطَاءِ غَيْرِهِ اهـ فَفِي تَوْجِيهِ هَذِهِ الْوَظَائِفِ لِأَبْنَاءِ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةِ ضَيَاعُ الْعِلْمِ، وَالدِّينِ، وَإِعَانَتُهُمْ عَلَى إضْرَارِ الْمُسْلِمِينَ، فَيَجِبُ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ تَوْجِيهُهَا عَلَى أَهْلِهَا وَنَزْعُهَا مِنْ أَيْدِي غَيْرِ الْأَهْلِ، وَإِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهَا تُوَجَّهُ عَلَى وَلَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَلَى طَرِيقَةِ وَالِدِهِ يُعْزَلُ عَنْهَا وَتُوَجَّهُ لِلْأَهْلِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ غَرَضَ الْوَاقِفِ إحْيَاءُ مَا أَوْقَفَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَكُلُّ مَا كَانَ فِيهِ تَضْيِيعُهُ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِغَرَضِ الشَّرْعِ وَالْوَاقِفِ هَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا مَحِيدَ عَنْهُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. (قَوْلُهُ فَهَذَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَصَالِحِ وَقَوْلُهُ مَصْرِفُ جِزْيَةٍ، وَخَرَاجٍ أَيْ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا ذُكِرَ مَعَهُمَا (قَوْلُهُ مَرَّ فِي الزَّكَاةِ) أَيْ فِي بَابِ الْمَصْرِفِ (قَوْلُهُ مَرَّ فِي السِّيَرِ) أَيْ فِي فَصْلِ كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ (قَوْلُهُ وَبَقِيَ رَابِعٌ) تَقَدَّمَ هَذَا مَعَ الثَّلَاثَةِ الَّتِي قَبْلَهُ نَظْمًا لِابْنِ الشِّحْنَةِ فِي آخِرِ بَابِ الْعُشْرِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ وَفَقِيرٌ بِلَا وَلِيٍّ) أَيْ لَيْسَ لَهُ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: يُعْطُونَ مِنْهُ نَفَقَتَهُمْ وَأَدْوِيَتَهُمْ وَيُكَفَّنُ بِهِ مَوْتَاهُمْ وَيُعْقَلُ بِهِ جِنَايَتُهُمْ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْأَحْكَامِ: الْعُلَمَاءُ يَسْتَحِقُّونَ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ بِالْعَمَلِ مَعَ الْغِنَى، وَمِنْ النَّوْعِ الثَّانِي بِصِفَةِ الْفَقْرِ وَنَحْوِهِمَا، وَمِنْ النَّوْعِ الثَّالِثِ بِأَحَدِ صِفَاتِ مُسْتَحِقِّيهِ، وَمِنْ النَّوْعِ الرَّابِعِ بِصِفَةِ الْمَرَضِ، وَنَحْوِهِ وَمَنْ خَصَّ اسْتِحْقَاقَهُمْ بِالْأَوَّلِ نَظَرَ إلَى مَحْضِ صِفَةِ الْعِلْمِ. اهـ. (قَوْلُهُ بَيْتًا يَخُصُّهُ) فَلَا يُخْلَطُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ لِأَنَّ لِكُلِّ نَوْعٍ حُكْمًا يَخْتَصُّ بِهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لِيَصْرِفَهُ لِلْآخِرِ) أَيْ لِأَهْلِهِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: ثُمَّ إذَا حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ شَيْءٌ رَدَّهُ فِي الْمُسْتَقْرِضِ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَصْرُوفُ مِنْ الصَّدَقَاتِ، أَوْ مِنْ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ وَهُمْ فُقَرَاءُ، فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ فِيهِ شَيْئًا لِأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ لِلصَّدَقَاتِ بِالْفَقْرِ وَكَذَا فِي غَيْرِهِ إذَا صَرَفَهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُعْطِي بِقَدْرِ الْحَاجَةِ إلَخْ) الَّذِي فِي الزَّيْلَعِيِّ هَكَذَا، وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَصْرِفَ إلَى كُلِّ مُسْتَحِقٍّ قَدْرَ حَاجَتِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فَإِنْ قَصَّرَ فِي ذَلِكَ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ حَسِيبًا. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُسَوِّي فِي الْعَطَاءِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُعْطِيهِمْ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْفِقْهِ وَالْفَضْلِ، وَالْأَخْذُ بِهَذَا فِي زَمَانِنَا أَحْسَنُ فَتُعْتَبَرُ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ اهـ أَيْ فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْأَحْوَجَ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ الْأَحْوَجِ، وَكَذَا الْأَفْقَهَ وَالْأَفْضَلَ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمَا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا تُرَاعَى الْحَاجَةُ فِي الْأَفْقَهِ وَالْأَفْضَلِ، وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِمَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يُعْطِي مَنْ كَانَ لَهُ زِيَادَةُ فَضِيلَةٍ، مِنْ عِلْمٍ، أَوْ نَسَبٍ أَوْ نَحْوِهِ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ، وَفِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَنْ الْمُحِيطِ وَالرَّأْيُ إلَى الْإِمَامِ مِنْ تَفْضِيلٍ وَتَسْوِيَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمِيلَ فِي ذَلِكَ إلَى هَوًى، وَفِيهِ عَنْ الْقُنْيَةِ وَلِلْإِمَامِ الْخِيَارُ فِي الْمَنْعِ وَالْإِعْطَاءِ فِي الْحُكْمِ. اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 هُوَ الْمُفْتِي الْيَوْمَ وَلَا شَيْءَ لِذِمِّيٍّ فِي بَيْتِ الْمَالِ إلَّا أَنْ يَهْلِكَ لِضَعْفِهِ فَيُعْطِيَهُ مَا يَسُدُّ جَوْعَتُهُ (وَمَنْ مَاتَ) مِمَّنْ ذُكِرَ (فِي نِصْفِ الْحَوْلِ حَرُمَ مِنْ الْعَطَاءِ) لِأَنَّهُ صِلَةٌ فَلَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَأَهْلُ الْعَطَاءِ فِي زَمَانِنَا الْقَاضِي وَالْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسُ صَدْرُ شَرِيعَةٍ (وَلَوْ) مَاتَ (فِي آخِرِهِ) أَوْ بَعْدَ تَمَامِهِ كَمَا صَحَّحَهُ أَخِي زَادَهْ (يُسْتَحَبُّ الصَّرْفُ إلَى قَرِيبِهِ) لِأَنَّهُ أَوْفَى تَعَبَهُ فَيُنْدَبُ الْوَفَاءُ لَهُ وَمَنْ تَعَجَّلَهُ ثُمَّ مَاتَ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ الْحَوْلِ يَجِبُ رَدُّ مَا بَقِيَ وَقِيلَ لَا كَالنَّفَقَةِ الْمُعَجَّلَةِ زَيْلَعِيٌّ [مَطْلَبٌ فِي مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ] (وَالْمُؤَذِّنُ وَالْإِمَامُ إذَا كَانَ لَهُمَا وَقْفٌ وَلَمْ يَسْتَوْفِيَا حَتَّى مَاتَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ) لِأَنَّهُ كَالصِّلَةِ (وَكَذَلِكَ الْقَاضِي وَقِيلَ لَا) يَسْقُطُ لِأَنَّهُ كَالْأُجْرَةِ   [رد المحتار] قُلْت: وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ لِأَبِي يُوسُفَ الَّذِي خَاطَبَ بِهِ هَارُونَ الرَّشِيدِ حَيْثُ قَالَ: فَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَالْوُلَاةِ وَالنُّقْصَانُ مِمَّا يَجْرِي عَلَيْهِمْ، فَذَلِكَ إلَيْك مَنْ رَأَيْت أَنْ تَزِيدَهُ مِنْ الْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ فِي رِزْقِهِمْ فَزِدْهُ وَمَنْ رَأَيْت أَنْ تَحُطَّ رِزْقَهُ حَطَطْت (قَوْلُهُ هُوَ الْمُفْتَى الْيَوْمُ) لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُحَفِّظُونَ الْقُرْآنَ وَيُعَلِّمُونَ أَحْكَامَهُ ط (قَوْلُهُ مِمَّنْ ذُكِرَ) أَيْ مِمَّنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، كَالْقُضَاةِ وَالْغُزَاةِ، وَنَحْوِهِمْ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فِي نِصْفِ الْحَوْلِ) الْمُرَادُ بِهِ مَا قَبْلَ آخِرِهِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وَلَوْ فِي آخِرِهِ ط (قَوْلُهُ حُرِمَ مِنْ الْعَطَاءِ) هُوَ مَا يَثْبُتُ فِي الدِّيوَانِ بِاسْمِ كُلٍّ مِمَّنْ ذَكَرْنَا، مِنْ الْمُقَاتِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ كَالْجَامِكِيِّةِ فِي عُرْفِنَا إلَّا أَنَّهَا شَهْرِيَّةٌ، وَالْعَطَاءُ سَنَوِيٌّ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ صِلَةٌ) وَلِذَا سُمِّيَ عَطَاءً فَلَا يُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يُورَثُ وَيَسْقُطُ بِالْمَوْتِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي زَمَانِنَا) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَفِي الِابْتِدَاءِ كَانَ يُعْطَى كُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ ضَرْبُ مَزِيَّةٍ فِي الْإِسْلَامِ كَأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَوْلَادِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ (قَوْلُهُ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسُ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ مِثْلُ الْقَاضِي، وَالْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسِ: وَهِيَ أَوْلَى لِشُمُولِهَا نَحْوَ الْمُقَاتِلَةِ. اهـ. ح. قُلْت: وَهِيَ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ أَوْ بَعْدَ تَمَامِهِ) هَذَا مَفْهُومٌ بِالْأُولَى لِأَنَّهُ إذَا اُسْتُحِبَّ الصَّرْفُ إلَى الْقَرِيبِ قَبْلَ التَّمَامِ فَبَعْدَهُ أَوْلَى (قَوْلُهُ فَيُنْدَبُ الْوَفَاءُ لَهُ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْوَجْهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ لِأَنَّ حَقَّهُ تَأَكَّدَ بِإِتْمَامِ عَمَلِهِ فِي السَّنَةِ، كَمَا قُلْنَا إنَّهُ يُورَثُ سَهْمُ الْغَازِي بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لِتَأَكُّدِ الْحَقِّ حِينَئِذٍ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ مِلْكٌ وَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَإِنَّمَا خَصَّ نِصْفَ السَّنَةِ لِأَنَّ عِنْدَ آخِرِهَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَصْرِفَ ذَلِكَ إلَى وَرَثَتِهِ، فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا إلَّا عَلَى قَدْرِ عَنَائِهِ يَقْتَضِي أَنْ يُعْطِيَ حِصَّتَهُ مِنْ الْعَامِ اهـ (قَوْلُهُ قِيلَ يَجِبُ إلَخْ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ قِيلَ يَجِبُ رَدُّ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ، وَقِيلَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ يَرْجِعُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَرْجِعُ هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى امْرَأَةٍ لِيَتَزَوَّجَهَا وَهُمَا يَعْتَبِرَانِهِ بِالْهِبَةِ اهـ وَنُقِلَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ تَصْحِيحُ وُجُوبِ الرَّدِّ عَنْ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَلَكِنِّي لَمْ أَرَهُ فِيهِمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَلْيُرَاجَعْ. مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُؤَذِّنُ أَوْ الْإِمَامُ قَبْلَ أَخْذِ وَظِيفَتِهِمَا (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ إلَخْ) حَاصِلُهُ: أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ مِنْ الْوَقْفِ بِمَنْزِلَةِ مَا يَأْخُذُهُ الْقَاضِي وَنَحْوُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ فِي مَعْنَى الصِّلَةِ لَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ إلَخْ) أَيْ مَا يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ جَزَمَ فِي الْبُغْيَةِ تَلْخِيصِ الْقُنْيَةِ بِأَنَّهُ يُورَثُ بِخِلَافِ رِزْقِ الْقَاضِي كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ. اهـ. قُلْت: وَوَجْهُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلدُّرَرِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ كَالْأُجْرَةِ أَيْ فِيهِ مَعْنَى الْأُجْرَةِ وَمَعْنَى الصِّلَةِ، فَلَيْسَ أُجْرَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لَكِنَّ وَجْهَ الْأُجْرَةِ فِيهِ أَرْجَحُ لِجَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ وَالتَّعْلِيمِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 وَهَذَا ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الشَّرْحِ سَاقِطٌ مِنْ نُسَخِ الْمَتْنِ هُنَا وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ وَقَدْ لَخَّصْنَاهُ فِي الْوَقْفِ. [مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُؤَذِّنُ أَوْ الْإِمَامُ قَبْلَ أَخْذِ وَظِيفَتِهِمَا] بَابُ الْمُرْتَدِّ هُوَ لُغَةً الرَّاجِعُ مُطْلَقًا وَشَرْعًا (الرَّاجِعُ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَرُكْنُهَا إجْرَاءُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ بَعْدَ الْإِيمَانِ) وَهُوَ تَصْدِيقُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا عُلِمَ مَجِيئُهُ ضَرُورَةً وَهَلْ هُوَ فَقَطْ أَوْ هُوَ مَعَ الْإِقْرَارِ؟ قَوْلَانِ وَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى الثَّانِي وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْإِقْرَارُ شَرْطٌ   [رد المحتار] الْمُتَأَخِّرُونَ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الطَّاعَاتِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَصْلًا وَلَعَلَّ وَجْهَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ تَرْجِيحُ مَعْنَى الصِّلَةِ فِي الْكُلِّ بِنَاءً عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْأُجْرَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الطَّاعَاتِ، لَكِنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ فَلِذَا جَزَمَ فِي الْبُغْيَةِ بِالْقَوْلِ الثَّانِي، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْقَاضِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ فَصْلٍ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ، وَقَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ عَنْ الطَّرَسُوسِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُدَرِّسَ وَنَحْوَهُ إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ، يُعْطَى بِقَدْرِ مَا بَاشَرَ فَقَطْ بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالذُّرِّيَّةِ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِمْ ظُهُورُ الْغَلَّةِ فَمَنْ مَاتَ بَعْدَ ظُهُورِهَا اسْتَحَقَّ لَا قَبْلَهُ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَيْضًا عَنْ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْمُدَرِّسَ الثَّانِيَ يَسْتَحِقُّ الْوَظِيفَةَ مِنْ وَقْتِ تَوْجِيهِ السُّلْطَانِ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ قَوْلُهُ وَالْمُؤَذِّنُ إلَخْ، وَقَدْ نَقَلَهُ فِي الدُّرَرِ عَنْ فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ) قَالَ فِيهَا وَفِي فَوَائِدِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ طَاهِرِ بْنِ مَحْمُودٍ قَرْيَةٌ فِيهَا أَرَاضِي الْوَقْفِ عَلَى إمَامِ الْمَسْجِدِ يَصْرِفُ إلَيْهِ غَلَّتَهَا وَقْتَ الْإِدْرَاكِ فَأَخَذَ الْإِمَامُ الْغَلَّةَ وَقْتَ الْإِدْرَاكِ، وَذَهَبَ عَنْ تِلْكَ الْقَرْيَةِ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ حِصَّةُ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ وَهُوَ نَظِيرُ مَوْتِ الْقَاضِي، وَأَخْذِ الرِّزْقِ وَيَحِلُّ لِلْإِمَامِ أَكْلُ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ إنْ كَانَ فَقِيرًا وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي طَلَبَةِ الْعِلْمِ فِي الْمَدَارِسِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [بَابُ الْمُرْتَدِّ] ِّ شُرُوعٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْكُفْرِ الطَّارِئِ بَعْدَ بَيَانِ الْأَصْلِيِّ أَيْ الَّذِي لَمْ يَسْبِقْهُ إيمَانٌ (قَوْلُهُ وَرُكْنُهَا إجْرَاءُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ) هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الظَّاهِرِ الَّذِي يَحْكُمُ بِهِ الْحَاكِمُ، وَإِلَّا فَقَدْ تَكُونُ بِدُونِهِ كَمَا لَوْ عَرَضَ لَهُ اعْتِقَادٌ بَاطِلٌ أَوْ نَوَى أَنْ يَكْفُرَ بَعْدَ حِينٍ أَفَادَهُ (قَوْلُهُ بَعْدَ الْإِيمَانِ) خَرَجَ بِهِ الْكَافِرُ إذَا تَلَفَّظَ بِمُكَفِّرٍ، فَلَا يُعْطَى حُكْمَ الْمُرْتَدِّ نَعَمْ قَدْ يُقْتَلُ الْكَافِرُ، وَلَوْ امْرَأَةً إذَا أَعْلَنَ بِشَتْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا مَرَّ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ هُوَ تَصْدِيقٌ إلَخْ) مَعْنَى التَّصْدِيقِ قَبُولُ الْقَلْبِ، وَإِذْعَانُهُ لِمَا عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَيْثُ تَعْلَمُهُ الْعَامَّةُ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ كَالْوَحْدَانِيَّةِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ، وَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَحُرْمَةِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهَا. اهـ. ح عَنْ شَرْحِ الْمُسَايَرَةِ (قَوْلُهُ وَهَلْ هُوَ فَقَطْ) أَيْ وَهَلْ الْإِيمَانُ التَّصْدِيقُ فَقَطْ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَشَاعِرَةِ وَبِهِ قَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ عَنْ شَرْحِ الْمُسَايَرَةِ (قَوْلُهُ أَوْ هُوَ مَعَ الْإِقْرَارِ) قَالَ فِي الْمُسَايَرَةِ: وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَشْهُورٌ عَنْ أَصْحَابِهِ وَبَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْأَشَاعِرَةِ وَقَالَ الْخَوَارِجُ: هُوَ التَّصْدِيقُ مَعَ الطَّاعَةِ، وَلِذَا كَفَّرُوا بِالذَّنْبِ لِانْتِفَاءِ جَزْءِ الْمَاهِيَّةِ وَقَالَ الْكَرَّامِيَّةُ: هُوَ التَّصْدِيقُ بِاللِّسَانِ فَقَطْ فَإِنْ طَابَقَ تَصْدِيقَ الْقَلْبِ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ نَاجٍ وَإِلَّا فَهُوَ مُؤْمِنٌ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ. اهـ. ح قُلْت: وَقَدْ حَقَّقَ فِي الْمُسَايَرَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ مِنْ عَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَيَأْتِي بَيَانُهُ. (قَوْلُهُ وَالْإِقْرَارُ شَرْطٌ) هُوَ مِنْ تَتِمَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَهُوَ شَطْرٌ لِأَنَّهُ جَزْءٌ مِنْ مَاهِيَّةِ الْإِيمَانِ، فَلَا يَكُونُ بِدُونِهِ مُؤْمِنًا لَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُدْرِكَ زَمَنًا يَتَمَكَّنُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 لِإِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ يَعْتَقِدُ مَتَى طُولِبَ بِهِ أَتَى بِهِ فَإِنْ طُولِبَ بِهِ فَلَمْ يُقِرَّ فَهُوَ كُفْرُ عِنَادٍ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي الْفَتْحِ مَنْ هَزَلَ بِلَفْظِ كُفْرٍ ارْتَدَّ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ لِلِاسْتِخْفَافِ فَهُوَ كَكُفْرِ الْعِنَادِ.   [رد المحتار] فِيهِ مِنْ الْإِقْرَارِ وَإِلَّا فَيَكْفِيهِ التَّصْدِيقُ اتِّفَاقًا كَمَا ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ (قَوْلُهُ لِإِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ) أَيْ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَخَلْفَهُ وَالدَّفْنِ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُطَالَبَةِ بِالْعُشُورِ، وَالزَّكَوَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِقْرَارَ لِهَذَا الْغَرَضِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْإِعْلَانِ، وَالْإِظْهَارِ عَلَى الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْل الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِإِتْمَامِ الْإِيمَانِ فَإِنَّهُ يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّكَلُّمِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ عَلَى غَيْرِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ (قَوْلُهُ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ) أَيْ بَعْدَ اتِّفَاقِ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْإِقْرَارِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُسَايَرَةِ: وَاتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْإِقْرَارِ، عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُصَدِّقَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ مَتَى طُولِبَ بِهِ أَتَى بِهِ فَإِنْ طُولِبَ بِهِ فَلَمْ يُقِرَّ بِهِ فَهُوَ أَيْ كَفُّهُ عَنْ الْإِقْرَارِ كُفْرُ عِنَادٍ، وَهَذَا مَا قَالُوا إنَّ تَرْكَ الْعِنَادِ شَرْطٌ وَفَسَّرُوهُ بِهِ أَيْ فَسَّرُوا تَرْكَ الْعِنَادِ بِأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ مَتَى طُولِبَ بِالْإِقْرَارِ أَتَى بِهِ اهـ بَقِيَ مَا لَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ خَالِي الذِّهْنِ، أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ مَتَى طُولِبَ بِهِ لَا يَأْتِي بِهِ لَكِنَّهُ عِنْدَ مَا طُولِبَ بِهِ أَتَى بِهِ فَهَلْ يَكْفِي نَظَرًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ أَوْ لَا يَكْفِي نَظَرًا لِاشْتِرَاطِهِمْ الِاعْتِقَادَ السَّابِقَ فَلْيُحَرَّرْ. اهـ. ح. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاشْتِرَاطِ الْمَذْكُورِ نَفْيُ اعْتِقَادِ عَدَمِهِ أَيْ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مَتَى طُولِبَ بِهِ لَا يُقِرُّ، وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَشَرْحِ التَّحْرِيرِ مَا يُفِيدُهُ وَنَصُّهُ: ثُمَّ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ قَادِرًا، وَتَرَكَ التَّكَلُّمَ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِبَاءِ إذْ الْعَاجِزُ كَالْأَخْرَسِ مُؤْمِنٌ اتِّفَاقًا وَالْمُصِرُّ عَلَى عَدَمِ الْإِقْرَارِ مَعَ الْمُطَالَبَةِ بِهِ كَافِرٌ وِفَاقًا لِكَوْنِ ذَلِكَ مِنْ أَمَارَاتِ عَدَمِ التَّصْدِيقِ وَلِهَذَا أَطْبَقُوا عَلَى كُفْرِ أَبِي طَالِبٍ فَظَهَرَ أَنَّ خَالِي الذِّهْنِ لَوْ أَتَى بِهِ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ مُؤْمِنٌ لِعَدَمِ الْإِصْرَارِ عَلَى عَدَمِ الْإِقْرَارِ، وَمَنْ اعْتَقَدَ عَدَمَ الْإِتْيَانِ بِهِ عِنْدَهَا لَيْسَ مُؤْمِنًا فَلَوْ أَتَى بِهِ عِنْدَهَا كَانَ ذَلِكَ إيمَانًا مُسْتَأْنَفًا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ مَنْ هَزَلَ بِلَفْظِ كُفْرٍ) أَيْ تَكَلَّمَ بِهِ بِاخْتِيَارِهِ غَيْرَ قَاصِدٍ مَعْنَاهُ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ فَقَطْ أَوْ مَعَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ، وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا حَقِيقَةً لَكِنَّهُ زَائِلٌ حُكْمًا لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ بَعْضَ الْمَعَاصِي أَمَارَةً عَلَى عَدَمِ وُجُودِهِ كَالْهَزْلِ الْمَذْكُورِ، وَكَمَا لَوْ سَجَدَ لِصَنَمٍ أَوْ وَضَعَ مُصْحَفًا فِي قَاذُورَةٍ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ، وَإِنْ كَانَ مُصَدِّقًا لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حُكْمِ التَّكْذِيبِ، كَمَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِلِاسْتِخْفَافِ، فَإِنَّ فِعْلَ ذَلِكَ اسْتِخْفَافٌ وَاسْتِهَانَةٌ بِالدِّينِ فَهُوَ أَمَارَةُ عَدَمِ التَّصْدِيقِ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُسَايَرَةِ: وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ ضُمَّ إلَى التَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ، أَوْ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ فِي تَحْقِيقِ الْإِيمَانِ أُمُورٌ الْإِخْلَالُ بِهَا إخْلَالٌ بِالْإِيمَانِ اتِّفَاقًا، كَتَرْكِ السُّجُودِ لِصَنَمٍ، وَقَتْلِ نَبِيٍّ وَالِاسْتِخْفَافِ بِهِ، وَبِالْمُصْحَفِ وَالْكَعْبَةِ. وَكَذَا مُخَالَفَةُ أَوْ إنْكَارُ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّصْدِيقَ مَفْقُودٌ، ثُمَّ حَقَّقَ أَنَّ عَدَمَ الْإِخْلَالِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ أَحَدُ أَجْزَاءِ مَفْهُومِ الْإِيمَانِ فَهُوَ حِينَئِذٍ التَّصْدِيقُ وَالْإِقْرَارُ وَعَدَمُ الْإِخْلَالِ بِمَا ذُكِرَ بِدَلِيلِ أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْأُمُورِ، تَكُونُ مَعَ تَحَقُّقِ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ، ثُمَّ قَالَ وَلِاعْتِبَارِ التَّعْظِيمِ الْمُنَافِي لِلِاسْتِخْفَافِ كَفَرَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ، وَأَفْعَالٍ تَصْدُرُ مِنْ الْمُنْتَهِكِينَ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ كَالصَّلَاةِ بِلَا وُضُوءٍ عَمْدًا بَلْ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى تَرْكِ سُنَّةٍ اسْتِخْفَافًا بِهَا بِسَبَبِ أَنَّهُ فَعَلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زِيَادَةً أَوْ اسْتِقْبَاحُهَا كَمَنْ اسْتَقْبَحَ مِنْ آخَرَ جَعْلَ بَعْضِ الْعِمَامَةِ تَحْتَ حَلْقِهِ أَوْ إحْفَاءَ شَارِبِهِ اهـ. قُلْت: وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا كَانَ دَلِيلَ الِاسْتِخْفَافِ يَكْفُرُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِخْفَافَ لِأَنَّهُ لَوْ تُوُقِّفَ عَلَى قَصْدِهِ لَمَا احْتَاجَ إلَى زِيَادَةِ عَدَمِ الْإِخْلَالِ بِمَا مَرَّ لِأَنَّ قَصْدَ الِاسْتِخْفَافِ مُنَافٍ لِلتَّصْدِيقِ (قَوْلُهُ فَهُوَ كَكُفْرِ الْعِنَادِ) أَيْ كَكُفْرِ مَنْ صَدَّقَ بِقَلْبِهِ وَامْتَنَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالشَّهَادَتَيْنِ عِنَادًا وَمُخَالَفَةً فَإِنَّهُ أَمَارَةُ عَدَمِ التَّصْدِيقِ وَإِنْ قُلْنَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 وَالْكُفْرُ لُغَةً: السِّتْرُ. وَشَرْعًا: تَكْذِيبُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ مِمَّا جَاءَ بِهِ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً وَأَلْفَاظُهُ تُعْرَفُ فِي الْفَتَاوَى، بَلْ أُفْرِدَتْ بِالتَّآلِيفِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِالْكُفْرِ بِشَيْءٍ مِنْهَا إلَّا فِيمَا اتَّفَقَ الْمَشَايِخُ عَلَيْهِ كَمَا سَيَجِيءُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ أَلْزَمْت نَفْسِي أَنْ لَا أُفْتِيَ بِشَيْءٍ مِنْهَا..   [رد المحتار] إنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ رُكْنًا (قَوْلُهُ وَالْكُفْرُ لُغَةً السِّتْرُ) وَمِنْهُ سُمِّيَ الْفَلَّاحُ كَافِرًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْبَذْرَ فِي الْأَرْضِ وَمِنْهُ كُفْرُ النِّعْمَةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لِأَنَّهُ سَتَرَ مَا وَجَبَ إظْهَارُهُ. (قَوْلُهُ تَكْذِيبُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) الْمُرَادُ بِالتَّكْذِيبِ عَدَمُ التَّصْدِيقِ الَّذِي مَرَّ أَيْ عَدَمُ الْإِذْعَانِ وَالْقَبُولِ، لِمَا عُلِمَ مَجِيئُهُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَرُورَةً، أَيْ عِلْمًا ضَرُورِيًّا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ كَاذِبٌ فِي كَذَا لِأَنَّ مُجَرَّدَ نِسْبَةِ الْكَذِبِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفْرٌ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ تَخْصِيصُ الْكُفْرِ بِجَحْدِ الضَّرُورِيِّ فَقَطْ، مَعَ أَنَّ الشَّرْطَ عِنْدَنَا ثُبُوتُهُ عَلَى وَجْهِ الْقَطْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورِيًّا، بَلْ قَدْ يَكُونُ اسْتِخْفَافًا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ كَمَا مَرَّ، وَلِذَا ذَكَرَ فِي الْمُسَايَرَةِ أَنَّ مَا يَنْفِي الِاسْتِسْلَامَ أَوْ يُوجِبُ التَّكْذِيبَ، فَهُوَ كُفْرٌ فَمَا يَنْفِي الِاسْتِسْلَامَ كُلُّ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ أَيْ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ، وَمَا ذُكِرَ قَبْلَهُ مِنْ قَتْلِ نَبِيٍّ إذْ الِاسْتِخْفَافُ فِيهِ أَظْهَرُ وَمَا يُوجِبُ التَّكْذِيبَ جَحْدُ كُلِّ مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ادِّعَاؤُهُ ضَرُورَةً، وَأَمَّا مَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الضَّرُورَةِ كَاسْتِحْقَاقِ بِنْتِ الِابْنِ السُّدُسَ مَعَ الْبِنْتِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ الْإِكْفَارَ بِجَحْدِهِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَشْرِطُوا سِوَى الْقَطْعِ فِي الثُّبُوتِ وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذْ عَلِمَ الْمُنْكِرُ ثُبُوتَهُ قَطْعًا لِأَنَّ مَنَاطَ التَّكْفِيرِ، وَهُوَ التَّكْذِيبُ أَوْ الِاسْتِخْفَافُ عِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَا إلَّا أَنْ يَذْكُرَ لَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ ذَلِكَ فَيَلِجُّ اهـ مَطْلَبٌ فِي مُنْكِرِ الْإِجْمَاعِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِإِنْكَارِ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ، وَمِثْلُهُ مَا فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ شَرْحِ الْعُمْدَةِ أَطْلَقَ بَعْضُهُمْ، أَنَّ مُخَالِفَ الْإِجْمَاعِ يَكْفُرُ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَسَائِلَ الْإِجْمَاعِيَّةَ تَارَةً يَصْحَبُهَا التَّوَاتُرُ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ كَوُجُوبِ الْخَمْسِ، وَقَدْ لَا يَصْحَبُهَا فَالْأَوَّلُ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ لِمُخَالَفَتِهِ التَّوَاتُرَ لَا لِمُخَالَفَتِهِ الْإِجْمَاعَ. اهـ. ثُمَّ نَقَلَ فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ رِسَالَةِ الْفَاضِلِ الشَّهِيرِ حُسَامِ جَلْبِي مِنْ عُظَمَاءِ عُلَمَاءِ السُّلْطَانِ سَلِيمِ بْنِ بَايَزِيدْخَانْ مَا نَصُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ الْآيَةُ أَوْ الْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْخَبَرُ مُتَوَاتِرًا، أَوْ كَانَ قَطْعِيًّا لَكِنْ فِيهِ شُبْهَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْإِجْمَاعُ إجْمَاعَ الْجَمِيعِ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَكُنْ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَكُنْ إجْمَاعَ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ أَوْ كَانَ إجْمَاعَ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَكُنْ قَطْعِيًّا بِأَنْ لَمْ يَثْبُتْ بِطَرِيقِ التَّوَاتُرِ أَوْ كَانَ قَطْعِيًّا لَكِنْ كَانَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا فَفِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يَكُونُ الْجُحُودُ كُفْرًا يَظْهَرُ ذَلِكَ لِمَنْ نَظَرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ فَاحْفَظْ هَذَا الْأَصْلَ فَإِنَّهُ يَنْفَعُك فِي اسْتِخْرَاجِ فُرُوعِهِ حَتَّى تَعْرِفَ مِنْهُ صِحَّةَ مَا قِيلَ، إنَّهُ يَلْزَمُ الْكُفْرُ فِي مَوْضِعِ كَذَا، وَلَا يَلْزَمُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْبَحْرِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ الْحَرَامَ حَلَالًا فَإِنْ كَانَ حَرَامًا لِغَيْرِهِ كَمَالِ الْغَيْرِ لَا يَكْفُرُ وَإِنْ كَانَ لِعَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ دَلِيلُهُ قَطْعِيًّا كَفَرَ، وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ التَّفْصِيلُ فِي الْعَالِمِ أَمَّا الْجَاهِلُ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَرَامِ لِعَيْنِهِ وَلِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا الْفَرْقُ فِي حَقِّهِ أَنَّ مَا كَانَ قَطْعِيًّا كَفَرَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا فَيَكْفُرُ إذَا قَالَ الْخَمْرُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ بَلْ أُفْرِدَتْ بِالتَّآلِيفِ) مِنْ أَحْسَنِ مَا أُلِّفَ فِيهَا مَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ نُورِ الْعَيْنِ، وَهُوَ تَأْلِيفٌ مُسْتَقِلٌّ وَمِنْ ذَلِكَ كِتَابُ الْإِعْلَامِ فِي قَوَاطِعِ الْإِسْلَامِ لِابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ ذَكَرَ فِيهِ الْمُكَفِّرَاتِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَحَقَّقَ فِيهِ الْمَقَامَ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ جُمْلَةً مِنْ الْمُكَفِّرَاتِ. مَطْلَبٌ مَا يُشَكُّ فِي أَنَّهُ رِدَّةٌ لَا يَحْكُمُ بِهَا (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ إلَخْ) سَبَبُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 (وَشَرَائِطُ صِحَّتِهَا الْعَقْلُ) وَالصَّحْوُ (وَالطَّوْعُ) فَلَا تَصِحُّ رِدَّةُ مَجْنُونٍ، وَمَعْتُوهٍ وَمُوَسْوِسٍ، وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ وَسَكْرَانَ وَمُكْرَهٍ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْبُلُوغُ وَالذُّكُورَةُ فَلَيْسَا بِشَرْطٍ بَدَائِعُ. وَفِي الْأَشْبَاهِ لَا تَصِحُّ رِدَّةُ السَّكْرَانِ إلَّا الرِّدَّةَ بِسَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   [رد المحتار] لَا يُخْرِجُ الرَّجُلَ مِنْ الْإِيمَانِ إلَّا جُحُودُ مَا أَدْخَلَهُ فِيهِ ثُمَّ مَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ رِدَّةٌ يُحْكَمُ بِهَا وَمَا يَشُكُّ أَنَّهُ رِدَّةٌ لَا يُحْكَمُ بِهَا إذْ الْإِسْلَامُ الثَّابِتُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ مَعَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَيَنْبَغِي لِلْعَالِمِ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ هَذَا أَنْ لَا يُبَادِرَ بِتَكْفِيرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَعَ أَنَّهُ يَقْضِي بِصِحَّةِ إسْلَامِ الْمُكْرَهِ. أَقُولُ: قَدَّمْت هَذَا لِيَصِيرَ مِيزَانًا فِيمَا نَقَلْته فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ الْمَسَائِلِ، فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ فِي بَعْضِهَا إنَّهُ كُفْرٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ عَلَى قِيَاسِ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: الْكُفْرُ شَيْءٌ عَظِيمٌ فَلَا أَجْعَلُ الْمُؤْمِنَ كَافِرًا مَتَى وَجَدْت رِوَايَةً أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ اهـ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا: إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ وُجُوهٌ تُوجِبُ التَّكْفِيرَ وَوَجْهٌ وَاحِدٌ يَمْنَعُهُ فَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَمِيلَ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَمْنَعُ التَّكْفِيرَ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ زَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَّا إذَا صَرَّحَ بِإِرَادَةِ مُوجِبِ الْكُفْرِ فَلَا يَنْفَعُهُ التَّأْوِيلُ ح وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَا يَكْفُرُ بِالْمُحْتَمَلِ، لِأَنَّ الْكُفْرَ نِهَايَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ فَيَسْتَدْعِي نِهَايَةً فِي الْجِنَايَةِ وَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا نِهَايَةَ اهـ وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِكُفْرِ مُسْلِمٍ أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ أَوْ كَانَ فِي كُفْرِهِ اخْتِلَافٌ وَلَوْ رِوَايَةً ضَعِيفَةً فَعَلَى هَذَا فَأَكْثَرُ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ الْمَذْكُورَةِ لَا يُفْتَى بِالتَّكْفِيرِ فِيهَا وَلَقَدْ أَلْزَمْت نَفْسِي أَنْ لَا أُفْتِيَ بِشَيْءٍ مِنْهَا اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ بِاخْتِصَارٍ (قَوْلُهُ وَالطَّوْعُ) أَيْ الِاخْتِيَارُ احْتِرَازًا عَنْ الْإِكْرَاهِ وَدَخَلَ فِيهِ الْهَازِلُ كَمَا مَرَّ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُسْتَخِفًّا لِتَعَمُّدِهِ التَّلَفُّظَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ مَعْنَاهُ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ: إذَا أَطْلَقَ الرَّجُلُ كَلِمَةَ الْكُفْرِ عَمْدًا، لَكِنَّهُ لَمْ يَعْتَقِدْ الْكُفْرَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يَكْفُرُ لِأَنَّ الْكُفْرَ يَتَعَلَّقُ بِالضَّمِيرِ وَلَمْ يَعْقِدْ الضَّمِيرَ عَلَى الْكُفْرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَكْفُرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي لِأَنَّهُ اسْتَخَفَّ بِدِينِهِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ لِلْكُفْرِ هَازِلًا أَوْ لَاعِبًا كَفَرَ عِنْدَ الْكُلِّ وَلَا اعْتِبَارَ بِاعْتِقَادِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَمَنْ تَكَلَّمَ بِهَا مُخْطِئًا أَوْ مُكْرَهًا لَا يَكْفُرُ عِنْدَ الْكُلِّ، وَمَنْ تَكَلَّمَ بِهَا عَامِدًا عَالِمًا كَفَرَ عِنْدَ الْكُلِّ وَمَنْ تَكَلَّمَ بِهَا اخْتِيَارًا جَاهِلًا بِأَنَّهَا كُفْرٌ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَعْتُوهٍ) عَزَاهُ فِي النَّهْرِ إلَى السِّرَاجِ، وَهُوَ النَّاقِصُ الْعَقْلِ وَقِيلَ الْمَدْهُوشُ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَفِي إحْكَامَاتِ الْأَشْبَاهِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فَتَصِحُّ الْعِبَادَاتُ مِنْهُ وَلَا تَجِبُ، وَقِيلَ: هُوَ كَالْمَجْنُونِ وَقِيلَ كَالْبَالِغِ الْعَاقِلِ. اهـ. قُلْت: وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأُصُولِيُّونَ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ تَصِحَّ رِدَّتُهُ لَكِنَّهُ لَا يُقْتَلُ كَمَا هُوَ حُكْمُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ: وَأَمَّا رِدَّةُ الْمَعْتُوهِ فَلَمْ تُذْكَرْ فِي الْكُتُبِ الْمَعْرُوفَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا هُوَ فِي حُكْمِ الرِّدَّةِ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمُوَسْوِسٍ) بِالْكَسْرِ وَلَا يُقَالُ بِالْفَتْحِ وَلَكِنْ مُوَسْوَسٌ لَهُ أَوْ إلَيْهِ أَيْ تُلْقَى إلَيْهِ الْوَسْوَسَةُ، وَقَالَ اللَّيْثُ: الْوَسْوَسَةُ حَدِيثُ النَّفْسِ، وَإِنَّمَا قِيلَ مُوَسْوِسٌ لِأَنَّهُ يُحَدِّثُ بِمَا فِي ضَمِيرِهِ وَعَنْ اللَّيْثِ لَا يَجُوزُ طَلَاقُ الْمُوَسْوِسِ قَالَ: يَعْنِي الْمَغْلُوبَ فِي عَقْلِهِ، وَعَنْ الْحَاكِمِ هُوَ الْمُصَابُ فِي عَقْلِهِ إذَا تَكَلَّمَ يَتَكَلَّمُ بِغَيْرِ نِظَامٍ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ) قُدِّرَ عَقْلُهُ فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ بِأَنْ يَبْلُغَ سَبْعَ سِنِينَ نَهْرٌ وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ وَسَكْرَانُ) أَيْ وَلَوْ مِنْ مُحَرَّمٍ لِمَا فِي إحْكَامَاتِ الْأَشْبَاهِ أَنَّ السَّكْرَانَ مِنْ مُحَرَّمٍ كَالصَّاحِي إلَّا فِي ثَلَاثٍ: الرِّدَّةُ، وَالْإِقْرَارُ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ، وَالْإِشْهَادُ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَمُكْرَهٍ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الرِّدَّةِ وَالْمُرَادُ الْإِكْرَاهُ بِمُلْجِئٍ مِنْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ أَوْ ضَرْبٍ مُبَرِّحٍ فَإِنَّهُ يُرَخَّصُ لَهُ أَنْ يُظْهِرَ مَا أُمِرَ بِهِ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَا تَبِينُ زَوْجَتُهُ اسْتِحْسَانًا كَمَا سَيَجِيءُ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ فَلَيْسَا بِشَرْطٍ) هَذَا فِي الذُّكُورَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا فِي الْبُلُوغِ فَعِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا يَأْتِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُعْفَى عَنْهُ (مَنْ ارْتَدَّ عَرَضَ) الْحَاكِمُ (عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ اسْتِحْبَابًا) عَلَى الْمَذْهَبِ لِبُلُوغِهِ الدَّعْوَةَ (وَتُكْشَفُ شُبْهَتُهُ) بَيَانٌ لِثَمَرَةِ الْعَرْضِ (وَيُحْبَسُ) وُجُوبًا وَقِيلَ نَدْبًا (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا خَانِيَّةٌ (إنْ اسْتَمْهَلَ) أَيْ طَلَبَ الْمُهْلَةَ وَإِلَّا قَتَلَهُ مِنْ سَاعَتِهِ إلَّا إذَا رُجِيَ إسْلَامُهُ بَدَائِعُ وَكَذَا؛ لَوْ ارْتَدَّ ثَانِيًا لَكِنَّهُ يُضْرَبُ، وَفِي الثَّالِثَةِ يُحْبَسُ أَيْضًا حَتَّى تَظْهَرَ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ، فَإِنْ عَادَ فَكَذَلِكَ تَتَارْخَانِيَّةٌ. قُلْت: لَكِنْ نَقَلَ فِي الزَّوَاجِرِ عَنْ آخِرِ حُدُودِ الْخَانِيَّةِ   [رد المحتار] آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُعْفَى عَنْهُ) قَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا إذَا كَانَ سُكْرُهُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ بَاشَرَهُ مُخْتَارًا بِلَا إكْرَاهٍ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ. اهـ. ح. قُلْت: وَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ أَيْ إنْ تَابَ سَيَأْتِي مَا يُخَالِفُهُ . (قَوْلُهُ مَنْ ارْتَدَّ) أَيْ عَنْ الْإِسْلَامِ فَلَوْ أَنَّ الْيَهُودِيَّ تَنَصَّرَ أَوْ تَمَجَّسَ أَوْ النَّصْرَانِيَّ تَهَوَّدَ أَوْ تَمَجَّسَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْعَوْدِ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ وَغَيْرِهِ دُرٌّ مُنْتَقًى وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ الْحَاكِمُ) أَيْ الْإِمَامُ أَوْ الْقَاضِي بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِبُلُوغِهِ الدَّعْوَةَ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ وَالدَّعْوَةُ فَاعِلٌ. اهـ. ح. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ هُوَ الدَّعْوَةُ إلَيْهِ وَدَعْوَةُ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَى غَيْرُ وَاجِبَةٍ (قَوْلُهُ بَيَانٌ لِثَمَرَةِ الْعَرْضِ) الظَّاهِرُ أَنَّ ثَمَرَةَ الْعَرْضِ الْإِسْلَامُ وَالنَّجَاةُ مِنْ الْقَتْلِ، وَأَمَّا هَذَا فَهُوَ ثَمَرَةُ التَّأْجِيلِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّ مَنْ انْتَقَلَ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا بُدَّ لَهُ غَالِبًا مِنْ شُبْهَةٍ فَتُكْشَفُ لَهُ إنْ أَبْدَاهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ نَدْبًا) أَيْ وَإِنْ اسْتَمْهَلَ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُمْهَلُ بِدُونِ اسْتِمْهَالٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إنْ اسْتَمْهَلَ) أَيْ بَعْدَ الْعَرْضِ لِلتَّفَكُّرِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا قَتَلَهُ) أَيْ بَعْدَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ وَكَشْفِ شُبْهَتِهِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا رُجِيَ إسْلَامُهُ) أَيْ فَإِنَّهُ يُمْهَلُ، وَهَلْ هُوَ حِينَئِذٍ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ؟ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يُضْرَبُ إلَخْ) أَيْ إذَا ارْتَدَّ ثَانِيًا ثُمَّ تَابَ ضَرَبَهُ الْإِمَامُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ، وَإِنْ ارْتَدَّ ثَالِثًا ثُمَّ تَابَ ضَرَبَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا وَحَبَسَهُ حَتَّى تَظْهَرَ عَلَيْهِ آثَارُ التَّوْبَةِ وَيَرَى أَنَّهُ مُخْلِصٌ ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ، فَإِنْ عَادَ فَعَلَ بِهِ هَكَذَا بَحْرٌ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة. وَفِي الْفَتْحِ: فَإِنْ ارْتَدَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ ثَانِيًا قَبِلْنَا تَوْبَتَهُ أَيْضًا وَكَذَا ثَالِثًا وَرَابِعًا، إلَّا أَنَّ الْكَرْخِيَّ قَالَ: فَإِنْ عَادَ بَعْدَ الثَّالِثَةِ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يَتُبْ فِي الْحَالِ وَلَا يُؤَجَّلُ، فَإِنْ تَابَ ضَرَبَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا وَلَا يَبْلُغُ بِهِ الْحَدُّ ثُمَّ يَحْبِسُهُ وَلَا يُخْرِجُهُ حَتَّى يَرَى عَلَيْهِ خُشُوعَ التَّوْبَةِ وَحَالَ الْمُخْلِصِ فَحِينَئِذٍ يُخَلِّي سَبِيلَهُ، فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ فُعِلَ بِهِ كَذَلِكَ أَبَدًا مَا دَامَ يَرْجِعُ إلَى الْإِسْلَامِ. قَالَ الْكَرْخِيُّ: هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا إنَّ الْمُرْتَدَّ يُسْتَتَابُ أَبَدًا، وَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ مَرْوِيٌّ فِي النَّوَادِرِ. قَالَ إذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ يُضْرَبُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا ثُمَّ يُحْبَسُ إلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ وَرُجُوعُهُ اهـ وَذَلِكَ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى - {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} [التوبة: 5]- الْآيَةُ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ: لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ كَالزِّنْدِيقِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَاللَّيْثِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا يُقْتَلُ غِيلَةً، وَفَسَّرَهُ بِأَنْ يَنْتَظِرَ فَإِذَا أَظْهَرَ كَلِمَةَ الْكُفْرِ قُتِلَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَتَابَ لِأَنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ الِاسْتِخْفَافُ اهـ بِاخْتِصَارٍ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ وَكَذَا ثَالِثًا وَرَابِعًا أَنَّهُ لَوْ اُسْتُمْهِلَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ يُؤَجَّلُ وَلَا يُحْبَسُ بَعْدَ التَّوْبَةِ. وَاَلَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ لَا يُؤَجَّلُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ بَلْ يُقْتَلُ إلَّا إنْ تَابَ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ يُقْتَلُ وَلَا تَوْبَةَ لَهُ مِثْلُ الزِّنْدِيقِ (قَوْلُهُ عَنْ آخِرِ حُدُودِ الْخَانِيَّةِ) وَنَصُّهُ: وَحُكِيَ أَنَّهُ كَانَ بِبَغْدَادَ نَصْرَانِيَّانِ مُرْتَدَّانِ إذَا أُخِذَا تَابَا وَإِذَا تُرِكَا عَادَا إلَى الرِّدَّةِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيّ يُقْتَلَانِ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمَا. اهـ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْبَلْخِيّ اخْتَارَ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ، وَلَا يَصِحُّ بِنَاؤُهُ عَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ الْمَارَّةِ عَنْ الْفَتْحِ كَمَا لَا يَخْفَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 مَعْزِيًّا لِلْبَلْخِيِّ مَا يُفِيدُ قَتْلَهُ بِلَا تَوْبَةٍ فَتَنَبَّهْ (فَإِنْ أَسْلَمَ) فِيهَا (وَإِلَّا قُتِلَ) لِحَدِيثِ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» (وَإِسْلَامُهُ أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ الْأَدْيَانِ) سِوَى الْإِسْلَامِ (أَوْ عَمَّا انْتَقَلَ إلَيْهِ) بَعْدَ نُطْقِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ؛ وَلَوْ أَتَى بِهِمَا عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ لَمْ يَنْفَعْهُ مَا لَمْ يَتَبَرَّأْ بَزَّازِيَّةٌ (وَكُرِهَ) تَنْزِيهًا لِمَا مَرَّ (قَتْلُهُ قَبْلَ الْعَرْضِ بِلَا ضَمَانٍ) لِأَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ لِلدَّمِ، قُيِّدَ بِإِسْلَامِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّ الْكُفَّارَ أَصْنَافٌ خَمْسَةٌ: مَنْ يُنْكِرُ الصَّانِعَ كَالدَّهْرِيَّةِ، وَمَنْ يُنْكِرُ الْوَحْدَانِيَّةَ كَالثَّنَوِيَّةِ، وَمَنْ يُقِرُّ بِهِمَا لَكِنْ يُنْكِرُ بَعْثَةَ الرُّسُلِ كَالْفَلَاسِفَةِ، وَمَنْ يُنْكِرُ الْكُلَّ كَالْوَثَنِيَّةِ، وَمَنْ يُقِرُّ بِالْكُلِّ لَكِنْ يُنْكِرُ عُمُومَ رِسَالَةِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   [رد المحتار] فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِلَا تَوْبَةٍ) أَيْ بِلَا قَبُولِ تَوْبَةٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا قُتِلَ) أَيْ وَلَوْ عَبْدًا فَيُقْتَلُ وَإِنْ تَضَمَّنَ قَتْلُهُ إبْطَالَ حَقِّ الْمَوْلَى، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ فَتْحٌ. قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَأُطْلِقَ فَشَمَلَ الْإِمَامَ وَغَيْرَهُ، لَكِنْ إنْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ أَدَّبَهُ الْإِمَامُ. اهـ. وَسَيَأْتِي مَتْنًا وَشَرْحًا اسْتِثْنَاءُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ لَا يُقْتَلُونَ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إلَخْ) رِوَايَةُ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِمَا زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ بَعْدَ نُطْقِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ) كَذَا قَيَّدَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ، وَعَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ لَكِنْ مُقْتَضَى مَا فِي الْفَتْحِ عَدَمُ اعْتِمَادِهِ، لِأَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِقِيلَ وَكَأَنَّهُ تَابَعَ ظَاهِرَ الْمُتُونِ، وَهُوَ مُفَادُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْمَتْنِ مِنْ أَنَّ إنْكَارَهُ الرِّدَّةَ تَوْبَةٌ وَرُجُوعٌ. وَقَدْ يُوَفَّقُ بِحَمْلِ مَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ عَلَى الْإِسْلَامِ الْمُنَجِّي فِي الدُّنْيَا عَنْ الْقَتْلِ. وَمَا فِي الشُّرُوحِ مِنْ اشْتِرَاطِ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى الْإِسْلَامِ الْحَقِيقِيِّ النَّافِعِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَأَمَّلْ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ مُسْتَحَبٌّ (قَوْلُهُ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ) أَيْ بِدُونِ التَّبَرِّي. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَفَادَ بِاشْتِرَاطِ التَّبَرِّي أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ لَمْ يَنْفَعْهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَمَّا قَالَ إذْ لَا يَرْتَفِعُ بِهِمَا كُفْرُهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. اهـ. قُلْت: وَظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ التَّبَرِّي وَإِنْ لَمْ يَنْتَحِلْ دِينًا آخَرَ بِأَنْ كَانَ كُفْرُهُ بِمُجَرَّدِ كَلِمَةِ رِدَّةٍ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ، وَأَنَّ اشْتِرَاطَ التَّبَرِّي فِيمَنْ انْتَحَلَ دِينًا آخَرَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الدُّنْيَا عَلَيْهِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِأَحْكَامِ الْآخِرَةِ فَيَكْفِيهِ التَّلَفُّظُ بِالشَّهَادَتَيْنِ مُخْلِصًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَذْكُرُهُ فِي إسْلَامِ الْعِيسَوِيَّةِ . (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْعَرْضَ مُسْتَحَبٌّ وَيُكْرَهُ تَحْرِيمًا عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَهُ أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى ط (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِإِسْلَامِ الْمُرْتَدِّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَإِسْلَامُهُ. مَطْلَبٌ فِي أَنَّ الْكُفَّارَ خَمْسَةُ أَصْنَافٍ، وَمَا يُشْتَرَطُ فِي إسْلَامِهِمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْكُفَّارَ) أَيْ بِكُفْرٍ أَصْلِيٍّ وَالْمُرْتَدُّ كُفْرُهُ عَارِضٌ (قَوْلُهُ كَالدُّهْرِيَّةِ) بِضَمِّ الدَّالِ نِسْبَةً إلَى الدَّهْرِ بِفَتْحِهَا، سُمُّوا بِذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ - {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24]- (قَوْلُهُ كَالثَّنَوِيَّةِ) وَهُمْ الْمَجُوسُ الْقَائِلُونَ بِإِلَهَيْنِ أَوْ كَالْمَجُوسِ كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُمْ غَيْرُهُمْ، وَهُوَ الَّذِي حَقَّقَهُ ابْنُ كَمَالِ بَاشَا نَقْلًا عَنْ الْآمِدِيِّ مَعَ مُشَارَكَةِ الْكُلِّ فِي اعْتِقَادِ أَنَّ أَصْلَ الْعَالَمِ النُّورُ وَالظُّلْمَةُ: أَيْ النُّورُ الْمُسَمَّى يَزْدَانُ، وَشَأْنُهُ خَلْقُ الْخَيْرِ. وَالظُّلْمَةُ الْمُسَمَّاةُ أَهْرَمَنْ وَشَأْنُهَا خَلْقُ الشَّرِّ (قَوْلُهُ كَالْفَلَاسِفَةِ) أَيْ قَوْمٍ مِنْهُمْ كَمَا فِي النَّهْرِ، وَإِلَّا فَجُمْهُورُ الْفَلَاسِفَةِ يُثْبِتُونَ الرُّسُلَ عَلَى أَبْلَغِ وَجْهٍ لِقَوْلِهِمْ بِالْإِيجَابِ اهـ ح أَيْ بِاللُّزُومِ وَالتَّوْلِيدِ لَا بِالِاخْتِيَارِ لِإِنْكَارِهِمْ كَوْنَهُ تَعَالَى مُخْتَارًا، وَيُنْكِرُونَ كَوْنَهَا بِنُزُولِ الْمَلَكِ مِنْ السَّمَاءِ وَكَثِيرًا مِمَّا عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ مَجِيءُ الْأَنْبِيَاءِ كَحَشْرِ الْأَجْسَادِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ وَإِنْ أَثْبَتُوا الرُّسُلَ لَكِنْ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْإِسْلَامِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُسَايَرَةِ فَصَارَ إثْبَاتُهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ، وَعَلَيْهِ فَيَصِحُّ إطْلَاقُ الشَّارِحِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَالْوَثَنِيَّةِ) فِيهِ أَنَّ الْوَثَنِيَّةَ لَا يُنْكِرُونَ الصَّانِعَ تَعَالَى كَمَا لَا يَخْفَى. قَالَ فَفِي شَرْحِ السِّيَرِ: وَعَبَدَةُ الْأَوْثَانِ كَانُوا يُقِرُّونَ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى - {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87]- الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 كَالْعِيسَوِيَّةِ، فَيَكْتَفِي فِي الْأَوَّلَيْنِ بِقَوْلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَفِي الثَّالِثِ بِقَوْلِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَفِي الرَّابِعِ بِأَحَدِهِمَا، وَفِي الْخَامِسِ بِهِمَا مَعَ التَّبَرِّي عَنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ بَدَائِعُ وَآخِرُ كَرَاهِيَةِ الدُّرَرِ،   [رد المحتار] وَلَكِنْ كَانُوا لَا يُقِرُّونَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ. قَالَ تَعَالَى - {إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات: 35]- اهـ وَهَذَا زَادَهُ فِي الدُّرَرِ عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ أَدْخَلَهُ فِي الثَّنَوِيَّةِ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا مَعَ اللَّهِ تَعَالَى مَعْبُودًا ثَانِيًا وَهُوَ أَصْنَامُهُمْ فَهُمْ مُنْكِرُونَ لِلْوَحْدَانِيَّةِ كَالْمَجُوسِ وَحُكْمُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ وَاحِدٌ كَمَا تَعْرِفُهُ (قَوْلُهُ كَالْعِيسَوِيَّةِ) هُمْ قَوْمٌ مِنْ الْيَهُودِ يُنْسَبُونَ إلَى عِيسَى الْأَصْفَهَانِيِّ الْيَهُودِيِّ ح. قُلْت: وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ: وَصِنْفٌ مِنْهُمْ يُقِرُّونَ بِالصَّانِعِ وَتَوْحِيدِهِ وَالرِّسَالَةِ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ عُمُومَ رِسَالَةِ رَسُولِنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ كُلَّ النَّصَارَى بَلْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فِي الْعِرَاقِ يُقَالُ لَهُمْ الْعِيسَوِيَّةُ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَكْتَفِي فِي الْأَوَّلَيْنِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبَدَائِعِ: فَإِنْ كَانَ مِنْ الصِّنْفِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي فَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَمْتَنِعُونَ عَنْ الشَّهَادَةِ أَصْلًا، فَإِذَا أَقَرُّوا بِهَا كَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ إيمَانِهِمْ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ لِأَنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ كَلِمَتَيْ الشَّهَادَةِ فَكَانَ الْإِتْيَانُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَيَّتَهُمَا كَانَتْ دَلَالَةَ الْإِيمَانِ اهـ أَيْ وَيَلْزَمُ مِنْ الْإِيمَانِ بِإِحْدَاهُمَا الْإِيمَانُ بِالْأُخْرَى وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الثَّنَوِيَّةَ يُنْكِرُونَ الرِّسَالَةَ فَهُمْ كَالْوَثَنِيَّةِ، فَيَكْتَفِي فِي الْكُلِّ بِإِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ فَقَالَ: إنَّ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ وَالنِّيرَانِ وَالْمُشْرِكَ فِي الرُّبُوبِيَّةِ وَالْمُنْكِرَ لِلْوَحْدَانِيَّةِ كَالثَّنَوِيَّةِ إذَا قَالَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَوْ قَالَ أَسْلَمْنَا أَوْ آمَنَّا بِاَللَّهِ اهـ وَذَكَرَ قَبْلَهُ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَقَرَّ بِخِلَافِ مَا اعْتَقَدَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي شَرْحِ الْمُسَايَرَةِ لِابْنِ أَبِي شَرِيفٍ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَكْتَفِي الثَّنَوِيُّ وَالْوَثَنِيُّ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِدُونِ تَبَرِّي فَهُوَ عَلَى مَذْهَبِهِ، أَوْ الْمُرَادُ بِهِ إحْدَاهُمَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَفِي الثَّالِثِ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ) فَلَوْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّهُ مُنْكِرُ الرِّسَالَةِ وَلَا يَمْتَنِعُ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّهُ يُمْتَنَعُ عَنْ هَذِهِ الشَّهَادَةِ فَكَانَ الْإِقْرَارُ بِهَا دَلِيلَ الْإِيمَانِ بَدَائِعُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالثَّانِيَةِ يَكْفِيهِ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِخِلَافِ مُعْتَقَدِهِ (قَوْلُهُ وَفِي الرَّابِعِ بِأَحَدِهِمَا) عَلَّلَهُ فِي الدُّرَرِ بِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، فَبِأَيِّهِمَا شَهِدَ دَخَلَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ اهـ وَهَذَا التَّعْلِيلُ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَبِهِ صَرَّحَ أَيْضًا فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ، وَزَادَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ فَهُوَ مُسْلِمٌ لِأَنَّ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ لَا يَدَّعُونَ هَذَا الْوَصْفَ لِأَنْفُسِهِمْ بَلْ يَبْرَءُونَ عَلَى قَصْدِ الْمُغَايَظَةِ لِلْمُسْلِمِينَ؛ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنَا عَلَى دِينِ مُحَمَّدٍ أَوْ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ أَوْ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا الرَّابِعَ دَاخِلٌ فِي الْأَوَّلَيْنِ، وَالْحُكْمُ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ وَهُوَ الِاكْتِفَاءُ بِأَحَدِ اللَّفْظَيْنِ عَنْ الْآخَرِ وَأَنَّ مَا مَرَّ عَنْ شَرْحِ الْمُسَايَرَةِ لَا يَدْفَعُ الْمَنْقُولَ عِنْدَنَا فَافْهَمْ. مَبْحَثٌ فِي اشْتِرَاطِ التَّبَرِّي مَعَ الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ. (قَوْلُهُ وَفِي الْخَامِسِ بِهِمَا مَعَ التَّبَرِّي إلَخْ) ذَكَرَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي الْمُسَايَرَةِ، أَنَّ اشْتِرَاطَ التَّبَرِّي لِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ لَا لِثُبُوتِ الْإِيمَانِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ لَوْ اعْتَقَدَ عُمُومَ الرِّسَالَةِ وَتَشَهَّدَ فَقَطْ كَانَ مُؤْمِنًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. ثُمَّ إنَّ الَّذِي فِي الْبَدَائِعِ: لَوْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حَتَّى يَتَبَرَّأَ عَنْ الدِّينِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ. وَزَادَ فِي الْمُحِيطِ: لَا يَكُونُ مُسْلِمًا حَتَّى يَتَبَرَّأَ مِنْ دِينِهِ مَعَ ذَلِكَ وَيُقِرُّ أَنَّهُ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ وَدَخَلَ فِي النَّصْرَانِيَّةِ، فَإِذَا قَالَ مَعَ ذَلِكَ وَدَخَلْت فِي الْإِسْلَامِ يَزُولُ هَذَا الِاحْتِمَالُ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إذَا قَالَ دَخَلْت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 وَحِينَئِذٍ فَيُسْتَفْسَرُ مَنْ جُهِلَ حَالُهُ بَلْ عَمَّمَ فِي الدُّرَرِ اشْتِرَاطَ التَّبَرِّي مِنْ كُلِّ يَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ، وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ وَابْنِ نُجَيْمٍ وَغَيْرِهِمَا. وَفِي رَهْنِ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ كَذَا أَفْتَى عُلَمَاؤُنَا. وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ صِحَّتُهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِلَا تَبَرِّي،   [رد المحتار] فِي الْإِسْلَامِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَبَرَّأْ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى دُخُولٍ حَادِثٍ مِنْهُ فِي الْإِسْلَامِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ. قُلْت: اشْتِرَاطُ قَوْلِهِ وَدَخَلْت فِي دِينِ الْإِسْلَامِ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا تَبَرَّأَ مِنْ دِينِهِ فَقَطْ، أَمَّا إذَا تَبَرَّأَ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دَيْنَ الْإِسْلَامِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِعَدَمِ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ، فَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِحُ مَعَ صِيغَةِ التَّبَرِّي الَّتِي ذَكَرَهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ وَصَرَّحَ بِتَعْمِيمِ الرِّسَالَةِ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَغَيْرِهِمْ أَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَى كَافَّةِ الْخَلْقِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يَكْفِي عَنْ التَّبَرِّي أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ اشْتِرَاطَ التَّبَرِّي إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ بَيْنَ أَظْهُرِنَا مِنْهُمْ، وَأَمَّا مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَوْ حَمَلَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ فَقَالَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ، أَوْ قَالَ دَخَلْت فِي دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ دَلِيلُ إسْلَامِهِ فَكَيْفَ إذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ضِيقًا، وَقَوْلُهُ هَذَا إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْإِسْلَامَ الَّذِي يَدْفَعُ عَنْهُ الْقَتْلَ الْحَاضِرَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَيُحْكَمُ بِهِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ. اهـ. قُلْت: وَإِنَّمَا اكْتَفَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّ أَهْلَ زَمَنِهِ كَانُوا مُنْكِرِينَ لِرِسَالَتِهِ أَصْلًا كَمَا يَأْتِي. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْعِيسَوِيِّ أَنَّ مَنْ كَانَ كُفْرُهُ بِإِنْكَارِ أَمْرٍ ضَرُورِيٍّ كَحُرْمَةِ الْخَمْرِ مَثَلًا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَبَرُّئِهِ مِمَّا كَانَ يَعْتَقِدُهُ لِأَنَّهُ كَانَ يُقِرُّ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَبَرُّئِهِ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ ظَاهِرُ (قَوْلِهِ فَيُسْتَفْسَرُ مَنْ جُهِلَ حَالُهُ) ذَكَرَ ذَلِكَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَذَلِكَ، بَلْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُمْ الْعِيسَوِيَّةُ، فَقَالَ: وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَفْسَرَ الْآتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ مِنْهُمْ إنْ جُهِلَ حَالُهُ اهـ أَيْ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ عِيسَوِيٌّ يَعْتَقِدُ تَخْصِيصَ الرِّسَالَةِ بِغَيْرِ بَنِي إسْرَائِيلَ لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ إلَّا بِالتَّبَرِّي، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ يُنْكِرُهَا مُطْلَقًا اكْتَفَى بِالشَّهَادَتَيْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بَلْ عَمَّمَ فِي الدُّرَرِ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ أَوَّلَ الْجِهَادِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: أَمَّا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَكَانَ إسْلَامُهُمْ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُنْكِرُونَ رِسَالَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا الْيَوْمَ بِبِلَادِ الْعِرَاقِ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِهِمَا مَا لَمْ يَقُلْ تَبَرَّأْت عَنْ دِينِي وَدَخَلْت فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّهُ رَسُولٌ إلَى الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ لَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ، كَذَا صَرَّحَ بِهِ مُحَمَّدٌ. اهـ. وَفِي شَرْحِ السِّيَرِ لِلسَّرَخْسِيِّ: وَأَمَّا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى الْيَوْمَ بَيْنَ ظَهْرَانِي الْمُسْلِمِينَ إذَا أَتَى وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِالشَّهَادَتَيْنِ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا لِأَنَّهُمْ جَمِيعًا يَقُولُونَ هَذَا لَيْسَ مِنْ نَصْرَانِيٍّ وَلَا يَهُودِيٍّ عِنْدَنَا نَسْأَلُهُ إلَّا قَالَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ، فَإِذَا اسْتَفْسَرْتَهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ لَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا بِهَذَا لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَدَّعِي ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، فَالْمُسْلِمُ هُوَ الْمُسْتَسْلِمُ لِلْحَقِّ، وَكَّلَ ذِي دِينٍ يَدَّعِي أَنَّهُ مُنْقَادٌ لِلْحَقِّ، وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَقُولُ إلَّا الْمَجُوسَ فِي دِيَارِنَا فَإِنَّ مَنْ يَقُولُ مِنْهُمْ أَنَا مُسْلِمٌ يَصِيرُ مُسْلِمًا لِأَنَّهُمْ يَأْبَوْنَ هَذِهِ الصِّفَةَ لِأَنْفُسِهِمْ وَيَسُبُّونَ بِهِ أَوْلَادَهُمْ وَيَقُولُونَ يَا مُسْلِمَانِ اهـ. قُلْت: وَمَا عَزَاهُ إلَى شَيْخِهِ يَعْنِي الْإِمَامَ الْحَلْوَانِيَّ جَزَمَ بِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ، وَقَدَّمْنَا عَنْهُ قَرِيبًا فِي الْوَثَنِيِّ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِقَوْلِهِ أَنَا مُسْلِمٌ أَوْ عَلَى دِينِ مُحَمَّدٍ أَوْ الْحَنِيفِيَّةِ أَوْ الْإِسْلَامِ، فَعَلَى هَذَا يُقَالُ كَذَلِكَ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي بِلَادِنَا فَإِنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ مِنْ قَوْلِ أَنَا مُسْلِمٌ، حَتَّى إنَّ أَحَدَهُمْ إذَا أَرَادَ مَنْعَ نَفْسِهِ عَنْ أَمْرٍ يَقُولُ إنْ فَعَلْته أَكُونُ مُسْلِمًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 لِأَنَّ التَّلَفُّظَ بِهَا صَارَ عَلَامَةً عَلَى الْإِسْلَامِ فَيُقْتَلُ إنْ رَجَعَ مَا لَمْ يَعُدْ. (وَ) اعْلَمْ أَنَّهُ (لَا يُفْتَى بِكُفْرِ مُسْلِمٍ أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ   [رد المحتار] فَإِذَا قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ طَائِعًا فَهُوَ دَلِيلُ إسْلَامِهِ وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ السِّيَرِ فِيمَنْ صَلَّى بِجَمَاعَةٍ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَبِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِالْإِسْلَامِ بِمُجَرَّدِ سِيمَا الْمُسْلِمِينَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ وَكَذَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ فَإِذَا أَتَى بِهِمَا طَائِعًا يَجِبُ الْحُكْمُ بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّهُ فَوْقَ السِّيمَا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مُحَمَّدًا إنَّمَا اشْتَرَطَ التَّبَرِّي بِنَاءً عَلَى مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ مِنْ إقْرَارِهِمْ بِالرِّسَالَةِ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنْكَارِهَا فَإِذَا أَنْكَرُوهَا فِي زَمَانِنَا وَامْتَنَعُوا مِنْ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ يَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ الْأَمْرُ إلَى مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ لَمْ يَبْقَ وَجْهٌ لِلْعُدُولِ عَنْهُ. عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا إنَّمَا حَكَمَ عَلَى مَا كَانَ فِي بِلَادِ الْعِرَاقِ لَا مُطْلَقًا كَمَا يُوهِمُهُ مَا فِي الدُّرَرِ، وَعَنْ هَذَا ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ سَامِرِيٍّ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ. فَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي اعْتِقَادِهِ، فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ بَعْضَ الْيَهُودِ يُخَصِّصُ رِسَالَةَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعَرَبِ وَهَذَا لَا يَكْفِيهِ مُجَرَّدُ الشَّهَادَتَيْنِ، بِخِلَافِ مَنْ يُنْكِرُ الرِّسَالَةَ أَصْلًا، وَبَعْضُ مَنْ أَعْمَى اللَّهُ قَلْبَهُ جَعَلَهُمْ فِرْقَةً وَاحِدَةً فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ حَتَّى حَكَمَ فِي نَصْرَانِيٍّ مُنْكِرٍ لِلرِّسَالَةِ تَلَفَّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِبَقَائِهِ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَرَّأْ اهـ مُلَخَّصًا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الَّذِي يَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ جَهِلَ يَسْتَفْسِرُ عَنْهُ، وَإِنْ عَلِمَ كَمَا فِي زَمَانِنَا، فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَهَذَا وَجْهُ مَا يَأْتِي عَنْ قَارِئِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّلَفُّظَ بِهِ صَارَ عَلَامَةً عَلَى الْإِسْلَامِ إلَخْ) أَفَادَ بِقَوْلِهِ صَارَ إلَى أَنَّ مَا كَانَ فِي زَمَنِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ تَغَيَّرَ لِأَنَّهُمْ فِي زَمَنِهِ مَا كَانُوا يَمْتَنِعُونَ عَنْ النُّطْقِ بِهَا فَلَمْ تَكُنْ عَلَامَةَ الْإِسْلَامِ فَلِذَا شُرِطَ مَعَهَا التَّبَرِّي. أَمَّا فِي زَمَنِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ فَقَدْ صَارَتْ عَلَامَةَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَا إلَّا الْمُسْلِمُ كَمَا فِي زَمَانِنَا هَذَا وَلِذَا نَقَلَ فِي الْبَحْرِ أَوَّلَ كِتَابِ الْجِهَادِ كَلَامَ قَارِئِ الْهِدَايَةِ ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ وَهَذَا يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ فِي دِيَارِ مِصْرَ بِالْقَاهِرَةِ لِأَنَّهُ لَا يُسْمَعُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيهَا الشَّهَادَتَانِ، وَلِذَا قَيَّدَهُ مُحَمَّدٌ بِالْعِرَاقِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ. وَنَقَلَ أَيْضًا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى كَلَامَ قَارِئِ الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ: وَبِهِ أَفْتَى أَحْمَدُ بْنُ كَمَالٍ بَاشَا. وَفِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَفَنْدِي دَامَادْ: وَأَفْتَى الْبَعْضُ فِي دِيَارِنَا بِإِسْلَامِهِ مِنْ غَيْرِ تَبَرٍّ وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ اهـ فَلْيُحْفَظْ اهـ وَقَدْ أَسْمَعْنَاك آنِفًا مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ. مَطْلَبٌ الْإِسْلَامُ يَكُونُ بِالْفِعْلِ كَالصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ [خَاتِمَةٌ] اعْلَمْ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَكُونُ بِالْفِعْلِ أَيْضًا كَالصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ أَوْ الْإِقْرَارِ بِهَا أَوْ الْأَذَانِ فِي بَعْضِ الْمَسَاجِدِ أَوْ الْحَجِّ وَشُهُودِ الْمَنَاسِكِ لَا الصَّلَاةُ وَحْدَهُ وَمُجَرَّدُ الْإِحْرَامِ بَحْرٌ وَقَدَّمَ الشَّارِحُ ذَلِكَ نَظْمًا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْإِسْلَامِ بِالْفِعْلِ بَيْنَ الْعِيسَوِيِّ وَغَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ دَلِيلُ الْإِسْلَامِ فَيُحْكَمُ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ بِهِ، وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الْإِسْلَامِ الْمُنَجِّيَةُ فِي الْآخِرَةِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّصْدِيقِ الْجَازِمِ مَعَ الْإِقْرَارِ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَوْ بِدُونِهِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَارِّ (قَوْلُهُ لَا يُفْتَى بِكُفْرِ مُسْلِمٍ أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِهِ مِنْ حَيْثُ اسْتِحْقَاقُهُ لِلْقَتْلِ وَلَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ بِبَيْنُونَةِ زَوْجَتِهِ. وَقَدْ يُقَالُ: الْمُرَادُ الْأَوَّلُ فَقَطْ، لِأَنَّ تَأْوِيلَ كَلَامِهِ لِلتَّبَاعُدِ عَنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِأَنْ يَكُونَ قَصَدَ ذَلِكَ التَّأْوِيلَ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مُعَامَلَتَهُ بِظَاهِرِ كَلَامِهِ فِيمَا هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ طَلَاقُ الزَّوْجَةِ وَمِلْكُهَا لِنَفْسِهَا، بِدَلِيلِ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُمْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ مُبَاحَةٍ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ كَلِمَةُ الْكُفْرِ خَطَأً بِلَا قَصْدٍ لَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ لَا يَكْفُرُ فِيمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 أَوْ كَانَ فِي كُفْرِهِ خِلَافٌ، وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ (رِوَايَةً ضَعِيفَةً) كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ، وَعَزَاهُ فِي الْأَشْبَاهِ إلَى الصُّغْرَى. وَفِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا: إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ وُجُوهٌ تُوجِبُ الْكُفْرَ وَوَاحِدٌ يَمْنَعُهُ فَعَلَى الْمُفْتِي الْمَيْلُ لِمَا يَمْنَعُهُ، ثُمَّ لَوْ نِيَّتُهُ ذَلِكَ فَمُسَلَّمٌ وَإِلَّا لَمْ يَنْفَعْهُ حَمْلُ الْمُفْتِي عَلَى خِلَافِهِ، وَيَنْبَغِي التَّعَوُّذُ بِهَذَا الدُّعَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً فَإِنَّهُ سَبَبُ الْعِصْمَةِ مِنْ الْكُفْرِ بِوَعْدِ الصَّادِقِ الْأَمِينِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ إنَّك أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ» . وَتَوْبَةُ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ دُونَ إيمَانِ الْيَأْسِ دُرَرٌ.   [رد المحتار] بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَعَالَى، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَحَرِّرْهُ نَقْلًا فَإِنِّي لَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِهِ، نَعَمْ سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ أَنَّ مَا يَكُونُ كُفْرًا اتِّفَاقًا يُبْطِلُ الْعَمَلَ وَالنِّكَاحَ، وَمَا فِيهِ خِلَافٌ يُؤْمَرُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ وَتَجْدِيدِ النِّكَاحِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَمْرٌ احْتِيَاطٌ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ مَنْ شَتَمَ دِينَ مُسْلِمٍ ثُمَّ إنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِشَتْمِ دِينِ مُسْلِمٍ: أَيْ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ لِإِمْكَانِ التَّأْوِيلِ. ثُمَّ رَأَيْته فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ أَقُولُ: وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكْفُرَ مَنْ شَتَمَ دِينَ مُسْلِمٍ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ التَّأْوِيلُ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَخْلَاقُهُ الرَّدِيئَةُ وَمُعَامَلَتُهُ الْقَبِيحَةُ لَا حَقِيقَةُ دِينِ الْإِسْلَامِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكْفُرَ حِينَئِذٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي [نُورِ الْعَيْنِ] وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِفَسْخِ النِّكَاحِ، وَفِيهِ الْبَحْثُ الَّذِي قُلْنَاهُ. وَأَمَّا أَمْرُهُ بِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ فَهُوَ لَا شَكَّ فِيهِ احْتِيَاطًا خُصُوصًا فِي حَقِّ الْهَمَجِ الْأَرْذَالِ الَّذِينَ يَشْتُمُونَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ فَإِنَّهُمْ لَا يَخْطُرُ عَلَى بَالِهِمْ هَذَا الْمَعْنَى أَصْلًا. وَقَدْ سُئِلَ فِي الْخَيْرِيَّةِ عَمَّنْ قَالَ لَهُ الْحَاكِمُ ارْضَ بِالشَّرْعِ فَقَالَ لَا أَقْبَلُ فَأَفْتَى مُفْتٍ بِأَنَّهُ كَفَرَ وَبَانَتْ زَوْجَتُهُ فَهَلْ يَثْبُتُ كُفْرُهُ بِذَلِكَ؟ فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُبَادِرَ بِتَكْفِيرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إلَى آخِرِ مَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ. وَأَجَابَ قَبْلَهُ فِي مِثْلِهِ بِوُجُوبِ تَعْزِيرِهِ وَعُقُوبَتِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ رِوَايَةً ضَعِيفَةً) قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: أَقُولُ وَلَوْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ لِغَيْرِ أَهْلِ مَذْهَبِنَا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اشْتِرَاطُ كَوْنِ مَا يُوجِبُ الْكُفْرَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ) قَدَّمْنَا عِبَارَتَهُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَشَرَائِطُ صِحَّتِهَا (قَوْلُهُ وُجُوهٌ) أَيْ احْتِمَالَاتٌ لِمَا مَرَّ فِي عِبَارَةِ الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِالْمُحْتَمِلِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةُ ذَلِكَ الْوَجْهِ الَّذِي يَمْنَعُ الْكُفْرَ بِأَنْ أَرَادَ الْوَجْهَ الْمُكَفِّرَ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَصْلًا لَمْ يَنْفَعْهُ تَأْوِيلُ الْمُفْتِي لِكَلَامِهِ وَحَمْلِهِ إيَّاهُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَكْفُرُ، كَمَا لَوْ شَتَمَ دِينَ مُسْلِمٍ وَحَمَلَ الْمُفْتِي الدِّينَ عَلَى الْأَخْلَاقِ الرَّدِيئَةِ لِنَفْيِ الْقَتْلِ عَنْهُ فَلَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ التَّأْوِيلُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَعَالَى إلَّا إذَا نَوَاهُ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي التَّعَوُّذُ بِهَذَا الدُّعَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً) تَدْخُلُ أَوْرَادُ الصَّبَاحِ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ وَالْمَسَاءِ مِنْ الزَّوَالِ، هَذَا فِيمَا عَبَّرَ فِيهِ بِهِمَا. وَأَمَّا إذَا عَبَّرَ بِالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَيُعْتَبَرَانِ تَحْدِيدًا مِنْ أَوَّلِهِمَا، فَلَوْ قَدَّمَ الْمَأْمُورُ بِهِ فِيهِمَا عَلَيْهِ لَا يَحْصُلُ لَهُ الْمَوْعُودُ بِهِ، أَفَادَهُ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ ط. قُلْت: وَلَمْ أَرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرَ صَبَاحًا وَمَسَاءً بَلْ فِيهِ ذِكْرُ ثَلَاثًا كَمَا فِي الزَّوَاجِرِ عَنْ الْحَكِيمِ التِّرْمِذِيِّ «أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا يُذْهِبُ اللَّهُ بِهِ عَنْكَ صِغَارَ الشِّرْكِ وَكِبَارَهُ، تَقُولُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك أَنْ أُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ» " وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ «أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا الشِّرْكَ فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، وَقَالُوا: كَيْفَ نَتَّقِيهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا نَعْلَمُهُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا نَعْلَمُهُ» ". مَطْلَبٌ تَوْبَةُ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ دُونَ إيمَانِ الْيَأْسِ (قَوْلُهُ وَتَوْبَةُ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ دُونَ إيمَانِ الْيَأْسِ) هُوَ بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ ضِدُّ الرَّجَاءِ وَقَطْعِ الطَّمَعِ عَنْ الْحَيَاةِ وَعَلَّلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 وَفِيهَا أَيْضًا شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَهُوَ يُنْكِرُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي النَّوَازِلِ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَشَهَادَةُ نَصْرَانِيَّيْنِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِأَنَّهُ أَسْلَمَ. اهـ. . [مَطْلَبٌ تَوْبَةُ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ دُونَ إيمَانِ الْيَأْسِ] (وَكُلُّ مُسْلِمٍ ارْتَدَّ فَتَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ إلَّا) جَمَاعَةٌ مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ عَلَى مَا مَرَّ وَ (الْكَافِرُ بِسَبِّ نَبِيٍّ) مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا   [رد المحتار] قَبُولَهَا فِي الدُّرَرِ تَبَعًا لِلْبَزَّازِيَّةِ بِأَنَّ الْكَافِرَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ عَارِفٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَابْتَدَأَ إيمَانًا وَعِرْفَانًا، وَالْفَاسِقُ حَالُهُ حَالَةُ الْبَقَاءِ، وَالْبَقَاءُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى قَبُولِهَا مُطْلَقًا قَوْله تَعَالَى - {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25]- اهـ وَقَدْ أَطَالَ فِي آخِرِ الْبَزَّازِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَنَقَلَ قَبْلَهُ الْقَوْلَ بِعَدَمِ قَبُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَعَزَاهُ أَيْضًا إلَى الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَانْتَصَرَ لَهُ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِيّ فِي شَرْحِ [بَدْءِ الْأَمَالِي] وَقَدَّمْنَا ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي أَوَّلِ بَابِ صَلَاةِ الْجَنَائِزِ. مَطْلَبٌ أَجْمَعُوا عَلَى كُفْرِ فِرْعَوْنَ وَأَمَّا إيمَانُ الْيَأْسِ، فَذَهَبَ أَهْلُ الْحَقِّ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ عِنْدَ الْغَرْغَرَةِ، وَلَا عِنْدَ مُعَايَنَةِ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: 85]- وَلِذَا أَجْمَعُوا عَلَى كُفْرِ فِرْعَوْنَ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ يُونُسَ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْإِمَامُ الْعَارِفُ الْمُحَقِّقُ سَيِّدِي مُحْيِي الدِّينِ بْنُ عَرَبِيٍّ فِي كِتَابِهِ الْفُتُوحَاتِ. قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الزَّوَاجِرِ: فَإِنَّا وَإِنْ كُنَّا نَعْتَقِدُ جَلَالَةَ قَائِلِهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ، فَإِنَّ الْعِصْمَةَ لَيْسَتْ إلَّا لِلْأَنْبِيَاءِ مَعَ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ كُتُبِهِ أَنَّهُ صَرَّحَ فِيهَا بِأَنَّ فِرْعَوْنَ مَعَ هَامَانَ وَقَارُونَ فِي النَّارِ. وَإِذَا اخْتَلَفَ كَلَامُ إمَامٍ فَيُؤْخَذُ بِمَا يُوَافِقُ الْأَدِلَّةَ الظَّاهِرَةَ وَيُعْرِضُ عَمَّا خَالَفَهَا ثُمَّ أَطَالَ فِي بَيَانِ رَدِّهِ. مَطْلَبٌ فِي اسْتِثْنَاءِ قَوْمِ يُونُسَ وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ إيمَانِ الْيَأْسِ قَوْمُ يُونُسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {إِلا قَوْمَ يُونُسَ} [يونس: 98]- الْآيَةُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلٌ، وَأَنَّ إيمَانَهُمْ كَانَ عِنْدَ مُعَايَنَةِ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ بِجَعْلِهِ كَرَامَةً وَخُصُوصِيَّةً لِنَبِيِّهِمْ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا. مَطْلَبٌ فِي إحْيَاءِ أَبَوَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَوْتِهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِحَيَاةِ أَبَوَيْهِ لَهُ حَتَّى آمَنَا بِهِ كَمَا فِي حَدِيثٍ صَحَّحَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَابْنُ نَاصِرِ الدِّينِ حَافِظُ الشَّامِ وَغَيْرُهُمَا، فَانْتَفَعَا بِالْإِيمَانِ بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ إكْرَامًا لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَحْيَا قَتِيلَ بَنِي إسْرَائِيلَ لِيُخْبِرَ بِقَاتِلِهِ. وَكَانَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُحْيِي الْمَوْتَى، وَكَذَلِكَ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْيَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ جَمَاعَةً مِنْ الْمَوْتَى. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَدَّ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشَّمْسَ بَعْدَ مَغِيبِهَا حَتَّى صَلَّى عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ الْعَصْرَ، فَكَمَا أُكْرِمَ بِعَوْدِ الشَّمْسِ وَالْوَقْتِ بَعْدَ فَوَاتِهِ فَكَذَلِكَ أُكْرِمَ بِعَوْدِ الْحَيَاةِ وَوَقْتِ الْإِيمَانِ بَعْدَ فَوَاتِهِ. وَمَا قِيلَ إنَّ قَوْله تَعَالَى - {وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} [البقرة: 119]- نَزَلَ فِيهِمَا لَمْ يَصِحَّ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «أَبِي وَأَبُوكَ فِي النَّارِ» " كَانَ قَبْلَ عِلْمِهِ اهـ مُلَخَّصًا وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ (قَوْلُهُ وَفِيهَا أَيْضًا شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ إلَخْ) هَذَا سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَسَيَذْكُرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَكُلُّ مُسْلِمٍ ارْتَدَّ إلَخْ (قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ عَنْ الْخَانِيَّةِ مَعْزِيًّا لِلْبَلْخِيِّ، لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا خِلَافُهُ. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي حُكْمِ سَابِّ الْأَنْبِيَاءِ (قَوْلُهُ الْكَافِرُ بِسَبِّ نَبِيٍّ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالْكَافِرُ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا) يَعْنِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ مُطْلَقًا، وَلَوْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى قُبِلَتْ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْأَوَّلُ حَقُّ عَبْدٍ لَا يَزُولُ بِالتَّوْبَةِ، وَمَنْ شَكَّ فِي عَذَابِهِ وَكُفْرِهِ كَفَرَ، وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ فِي فَصْلِ الْجِزْيَةِ مَعْزِيًّا لِلْبَزَّازِيَّةِ، وَكَذَا لَوْ أَبْغَضَهُ بِالْقَلْبِ فَتْحٌ وَأَشْبَاهٌ. وَفِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ: وَيَجِبُ إلْحَاقُ الِاسْتِهْزَاءِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ أَيْضًا. وَفِيهَا: سُئِلَ عَمَّنْ قَالَ لِشَرِيفٍ لَعَنَ اللَّهُ وَالِدَيْكَ وَوَالِدَيْ الَّذِينَ خَلَّفُوكَ. فَأَجَابَ: الْجَمْعُ الْمُضَافُ يَعُمُّ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ، خِلَافًا لِأَبِي هَاشِمٍ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ، وَحِينَئِذٍ فَيَعُمُّ حَضْرَةَ الرِّسَالَةِ فَيَنْبَغِي الْقَوْلُ بِكُفْرِهِ، وَإِذَا كَفَرَ بِسَبِّهِ لَا تَوْبَةَ لَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ وَتَوَارَدَهُ الشَّارِحُونَ، نَعَمْ لَوْ لُوحِظَ قَوْلُ أَبِي هَاشِمٍ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ بِاحْتِمَالِ الْعَهْدِ فَلَا كُفْرَ، وَهُوَ اللَّائِقُ بِمَذْهَبِنَا لِتَصْرِيحِهِمْ بِالْمَيْلِ إلَى مَا لَا يَكْفُرُ. وَفِيهَا: مَنْ نَقَصَ مَقَامَ الرِّسَالَةِ بِقَوْلِهِ بِأَنْ سَبَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بِفِعْلِهِ بِأَنْ بَغَضَهُ بِقَلْبِهِ قُتِلَ حَدًّا كَمَا مَرَّ التَّصْرِيحُ بِهِ، لَكِنْ صَرَّحَ فِي آخِرِ الشِّفَاءِ بِأَنَّ حُكْمَهُ كَالْمُرْتَدِّ،   [رد المحتار] أَنَّ جَزَاءَهُ الْقَتْلُ عَلَى وَجْهِ كَوْنِهِ حَدًّا، وَلِذَا عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ فَهُوَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ؛ وَأَفَادَ أَنَّهُ حُكْمُ الدُّنْيَا، أَمَّا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَهِيَ مَقْبُولَةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مُجَارَاةً لِصَاحِبِ الدُّرَرِ وَالْبَزَّازِيَّةِ، وَإِلَّا فَسَيَذْكُرُ خِلَافَهُ وَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ جَاءَ تَائِبًا بِنَفْسِهِ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ حَقُّ عَبْدٍ) فِيهِ أَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ لَا يَسْقُطُ إذَا طَالَبَ بِهِ كَحَدِّ الْقَذْفِ، فَلَا بُدَّ هُنَا مِنْ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ لَهُ هَذِهِ الْمُطَالَبَةُ وَلَمْ يَثْبُتْ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَفَا عَنْ كَثِيرِينَ مِمَّنْ آذَوْهُ وَشَتَمُوهُ وَقَبِلَ إسْلَامَهُمْ كَأَبِي سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ) حَيْثُ قَالَ نَقْلًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ الْمَالِكِيُّ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ شَاتِمَهُ كَافِرٌ، وَحُكْمُهُ الْقَتْلُ، وَمَنْ شَكَّ فِي عَذَابِهِ وَكُفْرِهِ كَفَرَ. اهـ. قُلْت: وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الشِّفَاءِ لِلْقَاضِي عِيَاضٍ الْمَالِكِيِّ نَقَلَهَا عَنْهُ الْبَزَّازِيُّ وَأَخْطَأَ فِي فَهْمِهَا، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مَا قَبْلَ التَّوْبَةِ، وَإِلَّا لَزِمَ تَكْفِيرُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ الْقَائِلِينَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ وَسُقُوطِ الْقَتْلِ بِهَا عَنْهُ. عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ يُقْتَلُ وَإِنْ تَابَ يَقُولُ إنَّهُ إذَا تَابَ لَا يُعَذَّبُ فِي الْآخِرَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَقَدَّمْنَاهُ آنِفًا، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا قُلْنَاهُ قَطْعًا (قَوْلُهُ وَالِدَيْكَ وَوَالِدِي الَّذِينَ خَلَّفُوكَ) بِكَسْرِ الدَّالِ عَلَى لَفْظِ الْجَمْعِ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ فَيَعُمُّ حَضْرَةَ الرِّسَالَةِ) أَيْ صَاحِبَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ لَا يَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِالشَّرِيفِ بَلْ غَيْرُهُ مِثْلُهُ، لِأَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَبُو جَمِيعِ النَّاسِ وَنُوحٌ الْأَبُ الثَّانِي (قَوْلُهُ بِاحْتِمَالِ الْعَهْدِ) الْمَفْهُومِ مِنْ الْعِبَارَةِ السَّابِقَةِ أَنَّهُمَا يَقُولَانِ بِأَنَّهُ لَا يَعُمُّ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ (قَوْلُهُ فَلَا كُفْرَ) أَيْ لِوُجُودِ الْخِلَافِ فِي عُمُومِهِ وَتَحَقَّقَ الِاحْتِمَالُ فِيهِ (قَوْلُهُ لَكِنْ صَرَّحَ فِي آخِرِ الشِّفَاءِ إلَخْ) هَذَا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ. وَعِبَارَةُ الشِّفَاءِ هَكَذَا: قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْتَلُ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ، وَبِمِثْلِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي الْمُسْلِمِ، لَكِنَّهُمْ قَالُوا هِيَ رِدَّةٌ. وَرَوَى مِثْلَهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِثْلَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فِيمَنْ يَنْقُصُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بَرِئَ مِنْهُ أَوْ كَذَّبَهُ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى كُفْرِ السَّابِّ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ مَالِكٍ وَمَنْ ذُكِرَ بَعْدَهُ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ. فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى قَتْلِهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَبِمِثْلِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إلَخْ أَيْ قَالَ إنَّهُ يُقْتَلُ يَعْنِي قَبْلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 وَمُفَادُهُ قَبُولُ التَّوْبَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، زَادَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ: وَقَدْ سَمِعْت مِنْ مُفْتِي الْحَنَفِيَّةِ بِمِصْرَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْعَالِ أَنَّ الْكَمَالَ وَغَيْرَهُ تَبِعُوا الْبَزَّازِيَّ   [رد المحتار] التَّوْبَةِ لَا مُطْلَقًا، وَلِذَا اسْتَدْرَكَ بِقَوْلِهِ لَكِنَّهُمْ قَالُوا هِيَ رِدَّةٌ: يَعْنِي لَيْسَتْ حَدًّا ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْوَلِيدَ رَوَى عَنْ مَالِكٍ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَصَارَ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ فِي قَبُولِ التَّوْبَةِ وَعَدَمِهِ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ الْعَدَمُ وَلِذَا قَدَّمَهُ. وَقَالَ فِي الشِّفَاءِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: مَنْ بَرِئَ مِنْ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ كَذَّبَ بِهِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ حَلَالُ الدَّمِ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ مِنْ عِبَارَتِهِ الْأُولَى. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ عَدَمُ قَبُولِ تَوْبَتِهِ، وَكَلَامُ شُيُوخِنَا هَؤُلَاءِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِقَتْلِهِ حَدًّا لَا كُفْرًا. وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْوَلِيدِ عَنْ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدْ صَرَّحُوا أَنَّهُ رِدَّةٌ قَالُوا، وَيُسْتَتَابُ مِنْهَا، إنْ تَابَ نَكَلَ وَإِنْ أَبَى قُتِلَ، فَحَكَمُوا لَهُ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّ مُطْلَقًا، وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ. اهـ. يَعْنِي أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ بِعَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ مِمَّا رَوَاهُ عَنْهُ الْوَلِيدُ، فَهَذَا كَلَامُ الشِّفَاءِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ الْقَوْلُ بِقَبُولِ التَّوْبَةِ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْوَلِيدِ عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْأَوْزَاعِيِّ فِي الْمُسْلِمِ أَيْ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ إذَا سَبَّ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَضُ عَهْدُهُ عِنْدَهُمْ كَمَا مَرَّ تَحْرِيرُهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ. ثُمَّ إنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ خِلَافُ الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَالْمَشْهُورُ قَبُولُ التَّوْبَةِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ. قَالَ الْإِمَامُ خَاتِمَةُ الْمُجْتَهِدِينَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي كِتَابِهِ [السَّيْفُ الْمَسْلُولُ عَلَى مَنْ سَبَّ الرَّسُولَ] : حَاصِلُ الْمَنْقُولِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يُسْلِمْ قُتِلَ قَطْعًا وَمَتَى أَسْلَمَ، فَإِنْ كَانَ السَّبُّ قَذْفًا فَالْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ هَلْ يُقْتَلُ أَوْ يُجْلَدُ أَوْ لَا شَيْءَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ قَذْفٍ فَلَا أَعْرِفُ فِيهِ نَقْلًا لِلشَّافِعِيَّةِ غَيْرَ قَبُولِ تَوْبَتِهِ. وَلِلْحَنَفِيَّةِ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ قَرِيبٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَلَا يُوجَدُ لِلْحَنِيفَةِ غَيْرَ قَبُولِ التَّوْبَةِ. وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَكَلَامُهُمْ قَرِيبٌ مِنْ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ عَدَمُ قَبُولِ تَوْبَتِهِ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ بِقَبُولِهَا فَمَذْهَبُهُ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ سَوَاءٌ، هَذَا تَحْرِيرُ الْمَنْقُولِ فِي ذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا، فَهَذَا أَيْضًا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ الْقَبُولُ وَأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُمْ بِخِلَافِهِ. وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى نَقْلِ ذَلِكَ أَيْضًا شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَقِيُّ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ الْحَنْبَلِيُّ فِي كِتَابِهِ [الصَّارِمُ الْمَسْلُولُ عَلَى شَاتِمِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] كَمَا رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ مِنْهُ قَدِيمَةٍ عَلَيْهَا خَطُّهُ حَيْثُ قَالَ: وَكَذَلِكَ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَيْ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يُقْتَلُ سَابُّ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، وَعَامَّةُ هَؤُلَاءِ لَمَّا ذَكَرُوا الْمَسْأَلَةَ قَالُوا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَقَوْلِهِمَا أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ كَالْمُرْتَدِّ وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُنْقَضُ عَهْدُهُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ وَرَقَةٍ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إذَا قَذَفَ أُمَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَفِي الْكَافِرِ إذَا سَبَّهَا ثُمَّ أَسْلَمَ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ فِي الْحَالَيْنِ اهـ ثُمَّ قَالَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يُسْتَتَابُ وَلَا يَسْقُطُ الْقَتْلُ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ السَّلَفِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى قَبُولِ تَوْبَةِ الْمُرْتَدِّ. اهـ. فَهَذَا صَرِيحُ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي الشِّفَاءِ وَالسُّبْكِيِّ وَابْنِ تَيْمِيَّةَ وَأَئِمَّةُ مَذْهَبِهِ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ قَبُولُ التَّوْبَةِ بِلَا حِكَايَةِ قَوْلٍ آخَرَ عَنْهُمْ، وَإِنَّمَا حَكَوْا الْخِلَافَ فِي بَقِيَّةِ الْمَذَاهِبِ، وَكَفَى بِهَؤُلَاءِ حُجَّةٌ لَوْ لَمْ يُوجَدْ النَّقْلُ كَذَلِكَ فِي كُتُبِ مَذْهَبِنَا الَّتِي قَبْلَ الْبَزَّازِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ مَعَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ قَرِيبًا، وَقَدْ اسْتَوْفَيْتُ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابٍ سَمَّيْته [تَنْبِيهُ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ عَلَى أَحْكَامِ شَاتِمِ خَيْرِ الْأَنَامِ] أَوْ أَحَدِ أَصْحَابِهِ الْكِرَامِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ قَبُولُ التَّوْبَةِ) أَقُولُ: بَلْ هُوَ صَرِيحٌ، وَنَصَّ فِي ذَلِكَ كَمَا عَلِمْته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 وَالْبَزَّازِيُّ تَبِعَ صَاحِبَ [السَّيْفِ الْمَسْلُولِ] عَزَاهُ إلَيْهِ وَلَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي النُّتَفِ وَمُعِينِ الْحُكَّامِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَحَاوِي الزَّاهِدِيِّ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ حُكْمَهُ كَالْمُرْتَدِّ وَلَفْظُ النُّتَفِ مَنْ سَبَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ مُرْتَدٌّ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ وَيُفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ بِالْمُرْتَدِّ انْتَهَى. -   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَالْبَزَّازِيُّ تَبِعَ صَاحِبَ السَّيْفِ الْمَسْلُولِ) الَّذِي قَالَهُ الْبَزَّازِيُّ إنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا، وَلَا تَوْبَةَ لَهُ أَصْلًا، سَوَاءٌ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَالشَّهَادَةِ أَوْ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ كَالزِّنْدِيقِ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَجَبَ، فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ خِلَافٌ لِأَحَدٍ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ إلَى أَنْ قَالَ وَدَلَائِلُ الْمَسْأَلَةِ تُعْرَفُ فِي كِتَابِ [الصَّارِمُ الْمَسْلُولُ عَلَى شَاتِمِ الرَّسُولِ] اهـ وَهَذَا كَلَامٌ يَقْضِي مِنْهُ غَايَةَ الْعَجَبِ، كَيْفَ يَقُولُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ خِلَافٌ لِأَحَدٍ بَعْدَ مَا وَقَعَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ مَعَ صِدْقِ النَّاقِلِينَ عَنْهُمْ كَمَا أَسْمَعْنَاك وَعَزْوُهُ الْمَسْأَلَةَ إلَى كِتَابِ [الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ] وَهُوَ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ الْحَنْبَلِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَصَفَّحْ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ مِنْ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ قَبُولُ التَّوْبَةِ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ، وَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيُّ فِي السَّيْفِ الْمَسْلُولِ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ كَمَا سَمِعْته مَعَ أَنَّ عِبَارَةَ الْبَزَّازِيِّ بِطُولِهَا أَكْثَرُهَا مَأْخُوذٌ مِنْ الشِّفَاءِ. فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْبَزَّازِيَّ قَدْ تَسَاهَلَ غَايَةَ التَّسَاهُلِ فِي نَقْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَيْتَهُ حَيْثُ لَمْ يَنْقُلْهَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِنَا بَلْ اسْتَنَدَ إلَى مَا فِي الشِّفَاءِ وَالصَّارِمِ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي الْمُرَاجَعَةِ حَتَّى يَرَى مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي خِلَافِ مَا فَهِمَهُ مِمَّنْ نَقَلَ الْمَسْأَلَةَ عَنْهُمْ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. فَلَقَدْ صَارَ هَذَا التَّسَاهُلُ سَبَبًا لِوُقُوعِ عَامَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْهُ فِي الْخَطَأِ حَيْثُ اعْتَمَدُوا عَلَى نَقْلِهِ وَقَلَّدُوهُ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْمَسْأَلَةَ عَنْ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ، بَلْ الْمَنْقُولُ قَبْلَ حُدُوثِ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ الْبَزَّازِيِّ فِي كُتُبِنَا وَكُتُبِ غَيْرِنَا خِلَافُهُ (قَوْلُهُ وَقَدْ صَرَّحَ فِي النُّتَفِ إلَخْ) أَقُولُ: وَرَأَيْت فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ لِأَبِي يُوسُفَ مَا نَصُّهُ: وَأَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ كَذَّبَهُ أَوْ عَابَهُ أَوْ تَنَقَّصَهُ فَقَدْ كَفَرَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبَانَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ لَا تُقْتَلُ الْمَرْأَةُ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ اهـ وَهَكَذَا نَقَلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ أَنَّ الْمَسْطُورَ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا رِدَّةٌ، وَحُكْمُهَا حُكْمُهَا، ثُمَّ نَقَلَ عِبَارَةَ النُّتَفِ وَمُعِينِ الْحُكَّامِ: وَالْعَجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ أَفْتَى بِخِلَافِهِ فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ. رَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيِّ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ حَيْثُ سَمِعَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْعَالِ، وَرَأَى هَذِهِ النُّقُولَ كَيْفَ لَا يَشْطُبُ مَتْنَهُ عَنْ ذَلِكَ. وَقَدْ أَسْمَعَنِي بَعْضُ مَشَايِخِي رِسَالَةً حَاصِلُهَا أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ اهـ وَكَذَلِكَ كَتَبَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الرَّحْمَتِيُّ هُنَا عَلَى نُسْخَتِهِ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الشِّفَاءِ وَابْنِ أَبِي جَمْرَةَ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ «إنَّ فَرِيضَةَ الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي» إلَخْ " أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُرْتَدَّ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ كَمَا نَقَلَهُ هُنَا عَنْ النُّتَفِ وَغَيْرِهِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي سَابِّ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفِي سَابِّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا بِالْأَوْلَى، فَقَدْ تَحَرَّرَ أَنَّ الْمَذْهَبَ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ قَبُولُ تَوْبَتِهِ كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَأَنَّ تَحَتُّمَ قَتْلِهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَمَا عَدَاهُ فَإِنَّهُ إمَّا نَقْلُ غَيْرِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَوْ طُرَّةُ مَجْهُولٍ لَمْ يُعْلَمْ كَاتِبُهَا، فَكُنْ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي الْأَحْكَامِ، وَلَا تَغْتَرَّ بِكُلِّ أَمْرٍ مُسْتَغْرَبٍ وَتَغْفُلْ عَنْ الصَّوَابِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. وَكَذَلِكَ قَالَ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ: إنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْأَشْبَاهِ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ قَدْ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ أَهْلُ عَصْرِهِ وَأَنْ ذَلِكَ إنَّمَا يُحْفَظُ لِبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ. أَمَّا عَلَى طَرِيقَتِنَا فَلَا. اهـ. وَذَكَرَ فِي آخِرِ كِتَابِ [نُورِ الْعَيْنِ] أَنَّ الْعَلَّامَةَ النِّحْرِيرَ الشَّهِيرَ بِحُسَامِ جَلْبِي أَلَّفَ رِسَالَةً فِي الرَّدِّ عَلَى الْبَزَّازِيِّ وَقَالَ فِي آخِرِهَا: وَبِالْجُمْلَةِ قَدْ تَتَبَّعْنَا كُتُبَ الْحَنَفِيَّةِ فَلَمْ نَجِدْ الْقَوْلَ بِعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ السَّابِّ عِنْدَهُمْ سِوَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ كَمَا مَرَّ عَنْ الشِّفَاءِ اهـ فَلْيُحْفَظْ. قُلْت: وَظَاهِرُ الشِّفَاءِ أَنَّ قَوْلَهُ يَا ابْنَ أَلْفِ خِنْزِيرٍ أَوْ يَا ابْنَ مِائَةِ كَلْبٍ، وَأَنَّ قَوْلَهُ لِهَاشِمِيٍّ لَعَنَ اللَّهُ بَنِي هَاشِمٍ كَذَلِكَ وَأَنَّ شَتْمَ الْمَلَائِكَةِ كَالْأَنْبِيَاءِ فَلْيُحَرَّرْ. وَمِنْ حَوَادِثِ الْفَتْوَى مَا لَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِكُفْرِهِ بِسَبِّ نَبِيٍّ هَلْ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ، الظَّاهِرُ نَعَمْ لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ أُخْرَى وَإِنْ حَكَمَ بِمُوجِبِهِ نَهْرٌ. قُلْت: ثُمَّ رَأَيْت فِي مَعْرُوضَاتِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ سُؤَالًا مُلَخَّصُهُ: أَنَّ طَالِبَ عِلْمٍ ذُكِرَ عِنْدَهُ حَدِيثٌ نَبَوِيٌّ فَقَالَ أَكُلُّ أَحَادِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صِدْقٌ يُعْمَلُ بِهَا. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَكْفُرُ أَوَّلًا بِسَبَبِ اسْتِفْهَامِهِ الْإِنْكَارِيِّ، وَثَانِيًا بِإِلْحَاقِهِ الشَّيْنَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفِي كُفْرِهِ الْأَوَّلِ عَنْ اعْتِقَادِهِ يُؤْمَرُ بِتَجْدِيدِ الْإِيمَانِ فَلَا يُقْتَلُ، وَالثَّانِي يُفِيدُ الزَّنْدَقَةَ، -.   [رد المحتار] مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَقَدْ عَلِمْت بُطْلَانَهُ وَمَنْشَأَ غَلَطِهِ أَوَّلَ الرِّسَالَةِ. اهـ. وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُحَقِّقِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ التَّصْرِيحَ بِأَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إذَا تَابَ وَيُكْتَفَى بِتَعْزِيرِهِ، فَهَذَا صَرِيحُ الْمَنْقُولِ عَمَّنْ تَقَدَّمَ عَلَى الْبَزَّازِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَلَمْ يَسْتَنِدْ هُوَ وَلَا مَنْ تَبِعَهُ إلَى كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ، وَإِنَّمَا اسْتَنَدَ إلَى فَهْمٍ أَخْطَأَ فِيهِ حَيْثُ نَقَلَ عَمَّنْ صَرَّحَ، بِخِلَافِ مَا فَهِمَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنْ أَرَدْت زِيَادَةَ الْبَيَانِ فِي الْمَقَامِ فَارْجِعْ إلَى كِتَابِنَا تَنْبِيهِ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ (قَوْلُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ) الْمُرَادُ بِقَبُولِ التَّوْبَةِ فِي الدُّنْيَا بِدَفْعِ الْقَتْلِ عَنْهُ أَمَّا قَبُولُهَا فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ مَحَلُّ وِفَاقٍ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ كِتَابِ الْخَرَاجِ لِأَبِي يُوسُفَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ (قَوْلُهُ كَذَلِكَ) أَيْ يَكُونُ شَاتِمًا لِنَبِيٍّ، لَكِنَّ قَوْلَهُ يَا ابْنَ مِائَةِ كَلْبٍ، وَإِنْ قَالَهُ لِشَرِيفٍ فَهُوَ مُمْكِنٌ فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمَارُّ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ وَعَدَمِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ لَهُ مِائَةُ أَبٍ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيٌّ. عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ اجْتَمَعَ عَلَى أُمِّ الْمَشْتُومِ مِائَةُ كَلْبٍ أَوْ أَلْفُ خِنْزِيرٍ، فَلَا يَدْخُلُ أَجْدَادُهُ فِي ذَلِكَ، وَحَيْثُ احْتَمَلَ التَّأْوِيلَ فَلَا يُحْكَمُ بِالْكُفْرِ عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَأَنَّ شَتْمَ الْمَلَائِكَةِ كَالْأَنْبِيَاءِ) هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ عِنْدَنَا فَقَالُوا: إذَا شَتَمَ أَحَدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ الْمَلَائِكَةِ كَفَرَ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْكُفْرَ بِشَتْمِ الْأَنْبِيَاءِ كُفْرُ رِدَّةٍ فَكَذَا الْمَلَائِكَةُ، فَإِنْ تَابَ فَبِهَا وَإِلَّا قُتِلَ (قَوْلُهُ فَلْيُحَرَّرْ) قَدْ عَلِمْت تَحْرِيرَهُ بِمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ هَلْ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ) أَيْ فِي إسْقَاطِ الْقَتْلِ عَنْهُ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ أَهْلَ الْمَذْهَبِ قَائِلُونَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ فَلَا وَجْهَ لِمَا ذَكَرَهُ. اهـ ط. وَكَذَا قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَذْهَبًا لِلْحَنَفِيَّةِ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ كُتُبُهُمْ وَنَقَلَهُ عَنْهُمْ الْأَئِمَّةُ كَالْقَاضِي عِيَاضٍ وَابْنِ أَبِي جَمْرَةَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ أُخْرَى إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِكُفْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ عَدَمُ قَبُولِ التَّوْبَةِ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ فِي عَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ لِأَنَّ عَدَمَ قَبُولِهَا حَادِثَةٌ أُخْرَى لَمْ يَحْكُمْ بِهَا الْحَنَفِيُّ فَيَسُوغُ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِقَبُولِهَا وَإِنْ قَالَ الْحَنَفِيُّ حَكَمْت بِالْكُفْرِ وَمُوجِبُهُ لِأَنَّ مُوجِبَ الْكُفْرِ الْقَتْلُ إنْ لَمْ يَتُبْ وَهُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْقَتْلُ أَيْضًا إنْ تَابَ عَلَى أَنَّهُ لَهُ مُوجِبَاتٌ أُخَرُ مِنْ فَسْخِ النِّكَاحِ وَحَبْطِ الْعَمَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا يَكُونُ قَوْلُ الْحَنَفِيِّ حَكَمْت بِمُوجِبِهِ حُكْمًا بِقَتْلِهِ، وَإِنْ تَابَ فَلِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِعَدَمِ قَتْلِهِ إذَا تَابَ. وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّارِحِ حَيْثُ نَقَلَ صَرِيحَ مَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ الْحَنَفِيَّ كَالشَّافِعِيِّ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ كَيْفَ جَارَى صَاحِبَ النَّهْرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يُبَدِّلَ الْحَنَفِيَّ بِالْمَالِكِيِّ أَوْ الْحَنْبَلِيِّ. (قَوْلُهُ سُؤَالًا) مَفْعُولُ رَأَيْت. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ سُؤَالٌ بِالرَّفْعِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ (قَوْلُهُ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَكْفُرُ إلَخْ) قَالَ السَّائِحَانِيُّ: أَقُولُ هَذَا لَا يَصْدُرُ عَنْ أَبِي السُّعُودِ لِأَنَّ كَلَامَ الْقَائِلِ يَحْتَمِلُ أَنَّ كُلَّ الْأَحَادِيثِ الْمَوْجُودَةِ لَيْسَتْ صِدْقًا لِأَنَّ فِيهَا الْمَوْضُوعَ، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 فَبَعْدَ أَخْذِهِ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ اتِّفَاقًا فَيُقْتَلُ، وَقَبْلَهُ اُخْتُلِفَ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُقْبَلُ فَلَا يُقْتَلُ وَعِنْدَ بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ لَا تُقْبَلُ وَيُقْتَلُ حَدًّا فَلِذَلِكَ وَرَدَ أَمْرٌ سُلْطَانِيٌّ فِي سَنَةِ 944 لِقُضَاةِ الْمَمَالِكِ الْمَحْمِيَّةِ بِرِعَايَةِ رَأْيِ الْجَانِبَيْنِ بِأَنَّهُ إنْ ظَهَرَ صَلَاحُهُ وَحُسْنُ تَوْبَتِهِ وَإِسْلَامِهِ لَا يُقْتَلُ، وَيُكْتَفَى بِتَعْزِيرِهِ وَحَبْسِهِ عَمَلًا بِقَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أُنَاسٍ يُفْهَمُ خَيْرُهُمْ يُقْتَلُ عَمَلًا بِقَوْلِ الْأَئِمَّةِ، ثُمَّ فِي سَنَةِ 955 تَقَرَّرَ هَذَا الْأَمْرُ بِآخَرَ، فَيُنْظَرُ الْقَائِلُ مِنْ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ هُوَ فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ اهـ فَلْيُحْفَظْ، وَلْيَكُنْ التَّوْفِيقُ (أَوْ) الْكَافِرُ بِسَبِّ (الشَّيْخَيْنِ أَوْ) بِسَبِّ (أَحَدِهِمَا) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ مَعْزِيًّا لِلشَّهِيدِ مَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ طَعَنَ فِيهِمَا كَفَرَ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَبِهِ أَخَذَ الدَّبُوسِيُّ وَأَبُو اللَّيْثِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى انْتَهَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَشْبَاهِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ قَائِلًا: وَهَذَا يُقَوِّي الْقَوْلَ بِعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ سَابِّ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الْإِفْتَاءِ وَالْقَضَاءِ رِعَايَةً لِجَانِبِ حَضْرَةِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ لَكِنْ فِي النَّهْرِ وَهَذَا لَا وُجُودَ لَهُ فِي أَصْلِ الْجَوْهَرَةِ، وَإِنَّمَا وُجِدَ عَلَى هَامِشِ بَعْضِ النُّسَخِ، فَأُلْحِقَ بِالْأَصْلِ مَعَ أَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ انْتَهَى.   [رد المحتار] أَقْرَبُ مِنْ غَيْرِهِ، وَتَقَدَّمَ عَنْ الدُّرَرِ إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ وُجُوهٌ تُوجِبُ الْكُفْرَ وَوَجْهٌ وَاحِدٌ يَمْنَعُهُ فَعَلَى الْمُفْتِي الْمَيْلُ لِمَا يَمْنَعُهُ وَقَوْلُهُ وَالثَّانِي: أَيْ إلْحَاقُ الشَّيْنِ يُفِيدُ الزَّنْدَقَةَ. أَقُولُ: لَا إفَادَةَ فِيهِ لِأَنَّ الزَّنْدَقَةَ أَنْ لَا يَتَدَيَّنَ بِدِينٍ اهـ وَكَتَبَ ط نَحْوَهُ (قَوْلُهُ فَبَعْدَ أَخْذِهِ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِهِ صَارَ زِنْدِيقًا. وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الزِّنْدِيقَ لَوْ تَابَ قَبْلَ أَخْذِهِ: أَيْ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ إلَى الْحَاكِمِ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ عِنْدَنَا وَبَعْدَهُ لَا، اتِّفَاقًا. وَوَرَدَ الْأَمْرُ السُّلْطَانِيُّ لِلْقُضَاةِ بِأَنْ يُنْظَرَ فِي حَالِ ذَلِكَ الرَّجُلِ إنْ ظَهَرَ حُسْنُ تَوْبَتِهِ يُعْمَلُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِلَّا فَبِقَوْلِ بَاقِي الْأَئِمَّةِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَهُوَ عَدَمُ قَبُولِ تَوْبَتِهِ وَأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الزِّنْدِيقِ عِنْدَهُمْ، وَتَبِعَهُ الْبَزَّازِيُّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ، وَكَذَا تَبِعَهُ فِي الْفَتْحِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ صَرِيحَ مَذْهَبِنَا خِلَافُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ. (قَوْلُهُ وَلْيَكُنْ التَّوْفِيقُ) أَيْ يُحْمَلُ مَا مَرَّ عَنْ النُّتَفِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ يُفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ بِالْمُرْتَدِّ عَلَى مَا إذَا تَابَ قَبْلَ أَخْذِهِ، وَحُمِلَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَلَى مَا بَعْدَ أَخْذِهِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا التَّوْفِيقَ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِتَصْرِيحِ عُلَمَائِنَا بِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ غَيْرُ حُكْمِ الزِّنْدِيقِ وَلَمْ يُفَصِّلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذَا التَّفْصِيلَ؛ وَلِأَنَّ الْبَزَّازِيَّ وَمَنْ تَابَعَهُ قَالُوا إنَّهُ لَا تَوْبَةَ لَهُ أَصْلًا سَوَاءٌ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَالشَّهَادَةِ أَوْ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، فَعُلِمَ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُخْتَلِفَانِ، بَلْ مَذْهَبَانِ مُتَبَايِنَانِ. عَلَى أَنَّ الزِّنْدِيقَ الَّذِي لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بَعْدَ الْأَخْذِ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِالزَّنْدَقَةِ الدَّاعِي إلَى زَنْدَقَتِهِ كَمَا يَأْتِي، وَمَنْ صَدَرَتْ مِنْهُ كَلِمَةُ الشَّتْمِ مَرَّةً عَنْ غَيْظٍ أَوْ نَحْوِهِ لَا يَصِيرُ زِنْدِيقًا بِهَذَا الْمَعْنَى . (قَوْلُهُ وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ) قُلْت: الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فَإِنَّ اتِّبَاعَنَا لَهُ وَاجِبٌ ط (قَوْلُهُ رِعَايَةً لِجَانِبِ حَضْرَةِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَقُولُ: رِعَايَةُ جَانِبِهِ فِي اتِّبَاعِ مَا ثَبَتَ عَنْهُ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي النَّهْرِ إلَخْ) قَالَ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ: حُكِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ نُجَيْمٍ أَنَّ أَخَاهُ أَفْتَى بِذَلِكَ فَطَلَبَ مِنْهُ النَّقْلَ فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا عَلَى طُرَّةِ الْجَوْهَرَةِ وَذَلِكَ بَعْدَ حَرْقِ الرَّجُلِ. اهـ. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي حُكْمِ سَبِّ الشَّيْخَيْنِ وَأَقُولُ: عَلَى فَرْضِ ثُبُوتِ ذَلِكَ فِي عَامَّةِ نُسَخِ الْجَوْهَرَةِ لَا وَجْهَ لَهُ يَظْهَرُ، لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَبُولِ تَوْبَةِ مَنْ سَبَّ الْأَنْبِيَاءَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ مَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ بَلْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 قُلْت: وَيَكْفِينَا مَا مَرَّ مِنْ الْأَمْرِ فَتَدَبَّرْ. -   [رد المحتار] عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِيمَا أَعْلَمُ اهـ وَنَقَلَهُ عَنْهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ الْأَزْهَرِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ ط. أَقُولُ: نَعَمْ نَقَلَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّ الرَّافِضِيَّ إذَا كَانَ يَسُبُّ الشَّيْخَيْنِ وَيَلْعَنُهُمَا فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ كَانَ يُفَضِّلُ عَلِيًّا عَلَيْهِمَا فَهُوَ مُبْتَدِعٌ. اهـ. وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ قَبُولِ التَّوْبَةِ. عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ مُشْكِلٌ، لِمَا فِي الِاخْتِيَارِ اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى تَضْلِيلِ أَهْلِ الْبِدَعِ أَجْمَعَ وَتَخْطِئَتِهِمْ وَسَبُّ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَبُغْضُهُ لَا يَكُونُ كُفْرًا، لَكِنْ يُضَلَّلُ إلَخْ. وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْخَوَارِجَ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ وَيُكَفِّرُونَ الصَّحَابَةَ حُكْمُهُمْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ حُكْمُ الْبُغَاةِ. وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ إلَى أَنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَهْلَ الْحَدِيثِ عَلَى تَكْفِيرِهِمْ، وَهَذَا يَقْتَضِي نَقْلَ إجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ. وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ لَا يُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ. وَبَعْضُهُمْ يُكَفِّرُونَ الْبَعْضَ، وَهُوَ مَنْ خَالَفَ بِبِدْعَتِهِ دَلِيلًا قَطْعِيًّا وَنَسَبَهُ إلَى أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالنَّقْلُ الْأَوَّلُ أَثْبَتُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ أَعْرَفُ بِنَقْلِ كَلَامِ الْمُجْتَهِدِينَ، نَعَمْ يَقَعُ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ تَكْفِيرُ كَثِيرٍ وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ هُمْ الْمُجْتَهِدُونَ بَلْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْفُقَهَاءِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ مَا ذَكَرْنَا اهـ وَمِمَّا يَزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كُتُبِهِمْ مُتُونًا وَشُرُوحًا مِنْ قَوْلِهِمْ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَّابِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ مُلْكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: وَتُرَدُّ شَهَادَةُ مَنْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ لِأَنَّهُ يَكُونُ ظَاهِرَ الْفِسْقِ، وَتُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ الْجَبْرُ وَالْقَدَرُ وَالرَّفْضُ وَالْخَوَارِجُ وَالتَّشْبِيهُ وَالتَّعْطِيلُ. اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَوْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ يَعْنِي الصَّالِحِينَ مِنْهُمْ وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَدُلُّ عَلَى قُصُورِ عَقْلِهِ وَقِلَّةِ مُرُوءَتِهِ، وَمَنْ لَمْ يَمْتَنِعْ عَنْ مِثْلِهَا لَا يَمْتَنِعْ عَنْ الْكَذِبِ عَادَةً، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ يُخْفِي السَّبَّ اهـ وَلَمْ يُعَلِّلْ أَحَدٌ لِعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ بِالْكُفْرِ كَمَا تَرَى، نَعَمْ اسْتَثْنَوْا الْخَطَّابِيَّةِ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ شَهَادَةَ الزُّورِ لِأَشْيَاعِهِمْ أَوْ لِلْحَالِفِ، وَكَذَا نَصَّ الْمُحَدِّثُونَ عَلَى قَبُولِ رِوَايَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَهَذَا فِيمَنْ يَسُبُّ عَامَّةَ الصَّحَابَةِ وَيُكَفِّرُهُمْ بِنَاءً عَلَى تَأْوِيلٍ لَهُ فَاسِدٍ. فَعُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّهُ كَافِرٌ قَوْلٌ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ كَمَا سَمِعْت. وَقَدْ أَلَّفَ الْعَلَّامَةُ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي رِسَالَةً فِي الرَّدِّ عَلَى الْخُلَاصَةِ، وَبِهَذَا تَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ مَا عُزِيَ إلَى الْجَوْهَرَةِ مِنْ الْكُفْرِ مَعَ عَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ عَلَى فَرْضِ وُجُودِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَلَوْ رِوَايَةً ضَعِيفَةً، فَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَمِيلَ إلَى عَدَمِ التَّكْفِيرِ، فَكَيْفَ يَمِيلُ هُنَا إلَى التَّكْفِيرِ الْمُخَالِفِ لِلْإِجْمَاعِ فَضْلًا عَنْ مَيْلِهِ إلَى قَتْلِهِ وَإِنْ تَابَ، وَقَدْ مَرَّ أَيْضًا أَنَّ الْمَذْهَبَ قَبُولُ تَوْبَةِ سَابِّ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ سَابُّ الشَّيْخَيْنِ. وَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ تَسَاهَلَ غَايَةَ التَّسَاهُلِ فِي الْإِفْتَاءِ بِقَتْلِهِ مَعَ قَوْلِهِ: وَقَدْ أَلْزَمْتُ نَفْسِي أَنْ لَا أُفْتِيَ بِشَيْءٍ مِنْ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ الْمَذْكُورَةِ فِي كُتُبِ الْفَتَاوَى، نَعَمْ لَا شَكَّ فِي تَكْفِيرِ مَنْ قَذَفَ السَّيِّدَةَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَوْ أَنْكَرَ صُحْبَةَ الصِّدِّيقِ، أَوْ اعْتَقَدَ الْأُلُوهِيَّةَ فِي عَلِيٍّ أَوْ أَنَّ جِبْرِيلَ غَلِطَ فِي الْوَحْيِ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْكُفْرِ الصَّرِيحِ الْمُخَالِفِ لِلْقُرْآنِ، وَلَكِنْ لَوْ تَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا حَرَّرْنَاهُ فِي كِتَابِنَا تَنْبِيهُ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ، وَإِنْ أَرَدْت الزِّيَادَةَ فَارْجِعْ إلَيْهِ وَاعْتَمِدْ عَلَيْهِ فَفِيهِ الْكِفَايَةُ لِذَوِي الدِّرَايَةِ. (قَوْلُهُ وَيَكْفِينَا إلَخْ) هَذَا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَهَذَا يُقَوِّي الْقَوْلَ إلَخْ وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ الْأَمْرُ السُّلْطَانِيُّ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 وَفِي الْمَعْرُوضَاتِ الْمَذْكُورَةِ مَا مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ قَالَ عَنْ فُصُوصِ الْحُكْمِ لِلشَّيْخِ مُحْيِى الدِّينِ بْنِ الْعَرَبِيِّ إنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الشَّرِيعَةِ وَقَدْ صَنَّفَهُ لِلْإِضْلَالِ وَمَنْ طَالَعَهُ مُلْحِدٌ مَاذَا يَلْزَمُهُ؟ أَجَابَ: نَعَمْ فِيهِ كَلِمَاتٌ تُبَايِنُ الشَّرِيعَةَ، وَتَكَلَّفَ بَعْضُ الْمُتَصَلَّفِينَ لِإِرْجَاعِهَا إلَى الشَّرْعِ، لَكِنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ بَعْضَ الْيَهُودِ افْتَرَاهَا عَلَى الشَّيْخِ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ فَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ بِتَرْكِ مُطَالَعَةِ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ، وَقَدْ صَدَرَ أَمْرٌ سُلْطَانِيٌّ بِالنَّهْيِ فَيَجِبُ الِاجْتِنَابُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ انْتَهَى فَلْيُحْفَظْ، وَقَدْ أَثْنَى صَاحِبُ الْقَامُوسِ عَلَيْهِ فِي سُؤَالٍ رُفِعَ إلَيْهِ فِيهِ، فَكَتَبَ اللَّهُمَّ أَنْطِقْنَا بِمَا فِيهِ رِضَاك، الَّذِي أَعْتَقِدُهُ   [رد المحتار] وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا شَكَّ وَلَا شُبْهَةَ فِي كُفْرِ شَاتِمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي اسْتِبَاحَةِ قَتْلِهِ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ إذَا أَسْلَمَ. فَعِنْدَنَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْقَبُولُ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَدَمُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَتْلَهُ حَدًّا أَوْ لَا. وَأَمَّا الرَّافِضِيُّ سَابُّ الشَّيْخَيْنِ بِدُونِ قَذْفٍ لِلسَّيِّدَةِ عَائِشَةَ وَلَا إنْكَارٍ لِصُحْبَةِ الصِّدِّيقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِكُفْرٍ فَضْلًا عَنْ عَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ بَلْ هُوَ ضَلَالٌ وَبِدْعَةٌ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الْبُغَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. مَطْلَبٌ فِي حَالِ الشَّيْخِ الْأَكْبَرِ سَيِّدِي مُحْيِي الدِّينِ ابْنِ عَرَبِيٍّ نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ (قَوْلُهُ لِلشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ الْعَرَبِيِّ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَاتِمِيُّ الطَّائِيُّ الْأَنْدَلُسِيُّ الْعَارِفُ الْكَبِيرُ ابْنُ عَرَبِيٍّ، وَيُقَالُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. وُلِدَ سَنَةَ 560 وَمَاتَ فِي رَبِيعٍ سَنَةَ 636 وَدُفِنَ بِالصَّالِحِيَّةِ. وَحَسْبُك قَوْلُ زَرُّوقٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْفُحُولِ ذَاكِرِينَ بَعْضَ فَضْلِهِ، هُوَ أَعْرَفُ بِكُلِّ فَنٍّ مِنْ أَهْلِهِ، وَإِذَا أُطْلِقَ الشَّيْخُ الْأَكْبَرُ فِي عُرْفِ الْقَوْمِ فَهُوَ الْمُرَادُ، وَتَمَامُهُ فِي ط عَنْ طَبَقَاتِ الْمُنَاوِيِّ (قَوْلُهُ بَعْضُ الْمُتَصَلَّفِينَ) أَيْ الْمُتَكَلِّفِينَ (قَوْلُهُ لَكِنَّا تَيَقَّنَّا إلَخْ) لَعَلَّ تَيَقُّنَهُ بِذَلِكَ بِدَلِيلٍ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَوْ بِسَبَبِ عَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى مُرَادِ الشَّيْخِ فِيهَا وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهَا فَتَعَيَّنَ عِنْدَهُ أَنَّهَا مُفْتَرَاةٌ عَلَيْهِ؛ كَمَا وَقَعَ لِلْعَارِفِ الشَّعْرَانِيِّ أَنَّهُ افْتَرَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْحُسَّادِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ أَشْيَاءَ مُكَفِّرَةً وَأَشَاعَهَا عَنْهُ حَتَّى اجْتَمَعَ بِعُلَمَاءِ عَصْرِهِ وَأَخْرَجَ لَهُمْ مُسَوَّدَةَ كِتَابِهِ الَّتِي عَلَيْهَا خُطُوطُ الْعُلَمَاءِ فَإِذَا هِيَ خَالِيَةٌ عَمَّا اُفْتُرِيَ عَلَيْهِ هَذَا. وَمَنْ أَرَادَ شَرْحَ كَلِمَاتِهِ الَّتِي اعْتَرَضَهَا الْمُنْكِرُونَ فَلْيَرْجِعْ إلَى كِتَابِ الرَّدِّ الْمَتِينِ عَلَى مُنْتَقِصِ الْعَارِفِ مُحْيِي الدِّينِ لِسَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيِّ (قَوْلُهُ فَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ إلَخْ) لِأَنَّهُ إنْ ثَبَتَ افْتِرَاؤُهَا فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَلَا يَفْهَمُ كُلُّ أَحَدٍ مُرَادَهُ فِيهَا، فَيَخْشَى عَلَى النَّاظِرِ فِيهَا مِنْ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ أَوْ فَهِمَ خِلَافَ الْمُرَادِ. وَلِلْحَافِظِ السُّيُوطِيّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا تَنْبِيهُ الْغَبِيِّ بِتَبْرِئَةِ ابْنِ عَرَبِيٍّ ذَكَرَ فِيهَا أَنَّ النَّاسَ افْتَرَقُوا فِيهِ فِرْقَتَيْنِ: الْفِرْقَةُ الْمُصِيبَةُ تَعْتَقِدُ وِلَايَتَهُ، وَالْأُخْرَى بِخِلَافِهَا. ثُمَّ قَالَ: وَالْقَوْلُ الْفَصْلُ عِنْدِي فِيهِ طَرِيقَةٌ لَا يَرْضَاهَا الْفِرْقَتَانِ، وَهِيَ اعْتِقَادُ وِلَايَتِهِ وَتَحْرِيمُ النَّظَرِ فِي كُتُبِهِ. فَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: نَحْنُ قَوْمٌ يَحْرُمُ النَّظَرُ فِي كُتُبِنَا، وَذَلِكَ أَنَّ الصُّوفِيَّةَ تَوَاطَئُوا عَلَى أَلْفَاظٍ اصْطَلَحُوا عَلَيْهَا وَأَرَادُوا بِهَا مَعَانِيَ غَيْرَ الْمَعَانِي الْمُتَعَارَفَةِ مِنْهَا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، فَمَنْ حَمَلَهَا عَلَى مَعَانِيهَا الْمُتَعَارَفَةِ كَفَرَ؛ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْغَزَالِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ، وَقَالَ إنَّهُ شَبِيهٌ بِالْمُتَشَابِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كَالْوَجْهِ وَالْيَدِ وَالْعَيْنِ وَالِاسْتِوَاءِ. وَإِذَا ثَبَتَ أَصْلُ الْكِتَابِ عَنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ كُلِّ كَلِمَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يهدَسَّ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ مُلْحِدٍ أَوْ زِنْدِيقٍ وَثُبُوتُ أَنَّهُ قَصَدَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الْمَعْنَى الْمُتَعَارَفَ، وَهَذَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَمَنْ ادَّعَاهُ كَفَرَ لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الْقَلْبِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ سَأَلَ بَعْضُ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ بَعْضَ الصُّوفِيَّةِ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنَّكُمْ اصْطَلَحْتُمْ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يُسْتَشْنَعُ ظَاهِرُهَا فَقَالَ غَيْرُهُ: عَلَى طَرِيقِنَا هَذَا أَنْ يَدَّعِيَهُ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ لَيْسَ أَهْلَهُ، وَالْمُتَصَدِّي لِلنَّظَرِ فِي كُتُبِهِ أَوْ إقْرَائِهَا لَمْ يَنْصَحْ نَفْسَهُ وَلَا غَيْرَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مِنْ الْقَاصِرِينَ عَنْ عُلُومِ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ يَضِلُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 وَأَدِينُ اللَّهَ بِهِ إنَّهُ كَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - شَيْخَ الطَّرِيقَةِ حَالًا وَعِلْمًا، وَإِمَامَ الْحَقِيقَةِ حَقِيقَةً وَرَسْمًا وَمُحْيِي رُسُومِ الْمَعَارِفِ فِعْلًا وَاسْمًا: إذَا تَغَلْغَلَ فِكْرُ الْمَرْءِ فِي طَرَفٍ ... مِنْ عِلْمِهِ غَرِقَتْ فِيهِ خَوَاطِرُهُ عُبَابٌ لَا تُكَدِّرُ الدِّلَاءُ، وَسَحَابٌ تَتَقَاصَى عَنْهُ الْأَنْوَاءُ، كَانَتْ دَعْوَتُهُ تَخْرِقُ السَّبْعَ الطِّبَاقَ، وَتُفَرَّقُ بَرَكَاتُهُ فَتَمْلَأُ الْآفَاقَ. وَإِنِّي أَصِفُهُ وَهُوَ يَقِينًا فَوْقَ مَا وَصَفْتُهُ، وَنَاطِقٌ بِمَا كَتَبْتُهُ،   [رد المحتار] وَيُضِلُّ، وَإِنْ كَانَ عَارِفًا فَلَيْسَ مِنْ طَرِيقَتِهِمْ إقْرَاءُ الْمُرِيدِينَ لِكُتُبِهِمْ، وَلَا يُؤْخَذُ هَذَا الْعِلْمُ مِنْ الْكُتُبِ اهـ مُلَخَّصًا. وَذَكَرَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ: سَمِعْت أَنَّ الْفَقِيهَ الْعَالِمَ الْعَلَّامَةَ عِزَّ الدِّينِ بْنَ عَبْدِ السَّلَامِ كَانَ يَطْعَنُ فِي ابْنِ عَرَبِيٍّ وَيَقُولُ هُوَ زِنْدِيقٌ، فَقَالَ لَهُ يَوْمًا بَعْضُ أَصْحَابِهِ: أُرِيدُ أَنْ تُرِيَنِي الْقُطْبَ فَأَشَارَ إلَى ابْنِ عَرَبِيٍّ، فَقَالَ لَهُ أَنْتَ تَطْعَنُ فِيهِ: فَقَالَ حَتَّى أَصُونَ ظَاهِرَ الشَّرْعِ أَوْ كَمَا قَالَ. وَلِلْمُحَقِّقِ ابْنِ كَمَالٍ بَاشَا فَتْوَى قَالَ فِيهَا بَعْدَ مَا أَبْدَعَ فِي مَدْحِهِ: وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا فُصُوصٌ حُكْمِيَّةٌ وَفُتُوحَاتٌ مَكِّيَّةٌ بَعْضُ مَسَائِلِهَا مَفْهُومُ النَّصِّ وَالْمَعْنَى وَمُوَافِقٌ لِلْأَمْرِ الْإِلَهِيِّ وَالشَّرْعِ النَّبَوِيِّ؛ وَبَعْضُهَا خَفِيٌّ عَنْ إدْرَاكِ أَهْلِ الظَّاهِرِ دُونَ أَهْلِ الْكَشْفِ وَالْبَاطِنِ، وَمَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَامِ يَجِبْ عَلَيْهِ السُّكُوتُ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} [الإسراء: 36] - (قَوْلُهُ شَيْخُ الطَّرِيقَةِ حَالًا وَعِلْمًا) الطَّرِيقَةُ: هِيَ السِّيرَةُ الْمُخْتَصَّةُ بِالسَّالِكِينَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى: مِنْ قَطْعِ الْمَنَازِلِ وَالتَّرَقِّي فِي الْمَقَامَاتِ، وَالْحَالُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ مَعْنًى يَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ تَصَنُّعٍ وَلَا اجْتِلَابٍ وَلَا اكْتِسَابٍ، مِنْ طَرَبٍ أَوْ حُزْنٍ، أَوْ قَبْضٍ أَوْ بَسْطٍ، أَوْ هَيْبَةٍ، وَيَزُولُ بِظُهُورِ صِفَاتِ النَّفْسِ سَوَاءٌ تَعَقَّبَهُ الْمِثْلُ أَوْ لَا فَإِذَا دَامَ وَصَارَ مَلَكَةً يُسَمَّى مَقَامًا، فَالْأَحْوَالُ مَوَاهِبُ، وَالْمَقَامَاتُ تَحْصُلُ بِبَذْلِ الْمَجْهُودِ، وَالْعِلْمُ هُوَ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ الْمُطَابِقُ لِلْوَاقِعِ، وَمِنْهُ فِعْلِيٌّ وَهُوَ مَا لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْغَيْرِ وَانْفِعَالِيٌّ مَا أُخِذَ مِنْ الْغَيْرِ اهـ مِنْ تَعْرِيفَاتِ السَّيِّدِ الشَّرِيفِ قَدَّسَ سِرَّهُ. (قَوْلُهُ وَإِمَامُ الْحَقِيقَةِ) هِيَ مُشَاهَدَةُ الرُّبُوبِيَّةِ بِالْقَلْبِ، وَيُقَالُ هِيَ سِرٌّ مَعْنَوِيٌّ لَا حَدَّ لَهُ وَلَا جِهَةَ، وَهِيَ وَالطَّرِيقَةُ وَالشَّرِيعَةُ مُتَلَازِمَةٌ، لِأَنَّ الطَّرِيقَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَهَا ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ؛ فَظَاهِرُهَا الشَّرِيعَةُ وَالطَّرِيقَةُ وَبَاطِنُهَا الْحَقِيقَةُ فَبُطُونُ الْحَقِيقَةِ فِي الشَّرِيعَةِ وَالطَّرِيقَةِ كَبُطُونِ الزُّبْدِ فِي لَبَنِهِ لَا يُظْفَرُ مِنْ اللَّبَنِ بِزُبْدِهِ بِدُونِ مَخْضِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الثَّلَاثَةِ إقَامَةُ الْعُبُودِيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُرَادِ مِنْ الْعَبْدِ اهـ مِنْ الْفُتُوحَاتِ الْإِلَهِيَّةِ لِلْقَاضِي زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ حَقِيقَةً وَرَسْمًا) الْحَقِيقَةُ ضِدُّ الْمَجَازِ. وَالرَّسْمُ الْأَثَرُ أَوْ بَقِيَّتُهُ أَوْ مَا لَا شَخْصَ لَهُ مِنْ الْآثَارِ جَمْعُهُ أَرْسُمٌ وَرُسُومٌ قَامُوسٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ الْإِمَامُ مِنْ جِهَةِ الْحَقِيقَةِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ، وَمِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ الظَّاهِرِ لِلْبَصَرِ (قَوْلُهُ فِعْلًا وَاسْمًا) أَيْ أَحْيَا آثَارَهَا مِنْ جِهَةِ الْفِعْلِ وَالِاسْمِ حَتَّى صَارَتْ الْمَعَارِفُ فَاعِلَةَ أَفْعَالِهَا وَمَشْهُورَةً بَيْنَ النَّاسِ (قَوْلُهُ إذَا تَغَلْغَلَ إلَخْ) هَذَا بَيْتٌ مِنْ بَحْرِ الْبَسِيطِ. وَالتَّغَلْغُلُ الدُّخُولُ وَالْإِسْرَاعُ. وَالْفِكْرُ: بِالْكَسْرِ وَيُفْتَحُ إعْمَالُ النَّظَرِ فِي الشَّيْءِ. وَالْخَاطِرُ: الْهَاجِسُ قَامُوسٌ، وَهُوَ مَا يَخْطُرُ فِي الْقَلْبِ مِنْ تَدْبِيرِ أَمْرٍ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ عُبَابٌ) كَغُرَابٍ مُعْظَمُ السَّيْلِ وَكَثْرَتُهُ وَمَوْجُهُ. وَالدِّلَاءُ جَمْعُ دَلْوٍ: أَيْ لَا يَتَغَيَّرُ بِأَخْذِ الدِّلَاءِ مِنْهُ، لِأَنَّهَا لَا تَصِلُ إلَى أَسْفَلِهِ لِكَثْرَتِهِ (قَوْلُهُ تَتَقَاصَى عَنْهُ الْأَنْوَاءُ) التَّقَاصِي: بِالْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ التَّبَاعُدُ. وَالْأَنْوَاءُ: جَمْعُ نَوْءٍ وَهُوَ النَّجْمُ. وَاسْتِنَاءَهُ: طَلَبُ نَوْئِهِ أَيْ عَطَاءَهُ قَامُوسٌ: أَيْ أَنَّهُ سَحَابٌ تَتَبَاعَدُ عَنْ مَطَرِهِ وَفَيْضِهِ النُّجُومُ الَّتِي يَكُونُ الْمَطَرُ وَقْتَ طُلُوعِهَا، أَوْ تَتَبَاعَدُ عَنْهُ عَطَايَا النَّاسِ: أَيْ لَا تُشْبِهُهُ (قَوْلُهُ الْآفَاقَ) جَمْعُ أُفُقٍ بِضَمٍّ وَبِضَمَّتَيْنِ النَّاحِيَةُ وَمَا ظَهَرَ مِنْ نَوَاحِي الْفَلَكِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ يَقِينًا) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ أَيْقَنَهُ، جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ ط (قَوْلُهُ وَنَاطِقٌ بِمَا كَتَبْته) الْمُرَادُ أَنَّهُ مُقِرٌّ بِهِ وَأَنَّ الْقَوْلَ طَابَقَ الْفِعْلَ ط. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 وَغَالِبُ ظَنِّيِّ أَنِّي مَا أَنْصَفْتُهُ: وَمَا عَلَيَّ إذَا مَا قُلْتُ مُعْتَقَدِي ... دَعْ الْجَهُولَ يَظُنُّ الْجَهْلَ عُدْوَانًا وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ الْعَظِيمِ وَمَنْ ... أَقَامَهُ حُجَّةً لِلَّهِ بُرْهَانًا إنَّ الَّذِي قُلْتُ بَعْضٌ مِنْ مَنَاقِبِهِ ... مَا زِدْتُ إلَّا لَعَلِّي زِدْتُ نُقْصَانًا إلَى أَنْ قَالَ: وَمِنْ خَوَاصِّ كُتُبِهِ أَنَّهُ مَنْ وَاظَبَ عَلَى مُطَالَعَتِهَا انْشَرَحَ صَدْرُهُ لِفَكِّ الْمُعْضِلَاتِ، وَحَلِّ الْمُشْكِلَاتِ وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ الْعَارِفُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الشَّعْرَانِيُّ سِيَّمَا فِي كِتَابِهِ [تَنْبِيهُ الْأَغْبِيَاءِ، عَلَى قَطْرَةٍ مِنْ بَحْرِ عُلُومِ الْأَوْلِيَاءِ] فَعَلَيْك وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ (وَ) الْكَافِرُ بِسَبَبِ اعْتِقَادِ (السِّحْرِ) لَا تَوْبَةٌ لَهُ (وَلَوْ امْرَأَةً) فِي الْأَصَحِّ   [رد المحتار] وَالْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى أَصِفُهُ (قَوْلُهُ مَا أَنْصَفْته) يُقَالُ أَنْصَفْته إنْصَافًا عَامَلْته بِالْعَدْلِ وَالْقِسْطِ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَمَا عَلَيَّ) مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ أَوْ نَافِيَةٌ: أَيْ وَمَا عَلَيَّ شَيْءٌ (قَوْلُهُ يَظُنُّ الْجَهْلَ) أَيْ يَظُنُّ الْجَهْلَ فِي غَيْرِهِ فَهُوَ مَفْعُولٌ أَوَّلُ أَوْ يَظُنُّ الظَّنَّ الْجَهْلَ فَهُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ، وَقَوْلُهُ عُدْوَانًا أَيْ ظُلْمًا مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ أَوْ حَالٌ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا قِيلَ إنَّ الْجَهْلَ بِمَعْنَى الْمَجْهُولِ مَفْعُولٌ أَوَّلُ وَعُدْوَانًا مَفْعُولٌ ثَانٍ: أَيْ ذَا عُدْوَانٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بُرْهَانًا) هُوَ الْحُجَّةُ قَامُوسٌ، فَهُوَ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ ط (قَوْلُهُ مِنْ مَنَاقِبِهِ) جَمْعُ مَنْقَبَةٍ وَهِيَ الْمَفْخَرَةُ قَامُوسٌ ط (قَوْلُهُ إلَّا لَعَلِّي) أَيْ لَكِنْ أَخَافُ وَأُشْفِقُ أَنِّي زِدْتُ مِنْ جِهَةِ النُّقْصَانِ وَالتَّقْصِيرِ فِي حَقِّهِ، فَنُقْصَانًا تَمْيِيزٌ لَا مَفْعُولُ زِدْت لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ مَا قِيلَ فِي زَادَ النَّقْصُ أَنَّهُ لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ حَتَّى يَتَسَلَّطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ. مَطْلَبٌ فِي السَّاحِرِ وَالزِّنْدِيقِ (قَوْلُهُ وَالْكَافِرُ بِسَبَبِ اعْتِقَادِ السِّحْرِ) فِي الْفَتْحِ: السِّحْرُ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَاعْتِقَادُ إبَاحَتِهِ كُفْرٌ. وَعَنْ أَصْحَابِنَا وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ يَكْفُرُ السَّاحِرُ بِتَعَلُّمِهِ وَفِعْلِهِ سَوَاءٌ اعْتَقَدَ الْحُرْمَةَ أَوْ لَا وَيُقْتَلُ وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ» يَعْنِي الْقَتْلَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُقْتَلُ وَلَا يَكْفُرُ إلَّا إذَا اعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ. وَأَمَّا الْكَاهِنُ، فَقِيلَ هُوَ السَّاحِرُ، وَقِيلَ هُوَ الْعَرَّافُ الَّذِي يُحَدِّثُ وَيَتَخَرَّصُ، وَقِيلَ مَنْ لَهُ مِنْ الْجِنِّ مَنْ يَأْتِيهِ بِالْأَخْبَارِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ يَفْعَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ كَفَرَ لَا إنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ تَخْيِيلٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنْ اعْتَقَدَ مَا يُوجِبُ الْكُفْرَ مِثْلَ التَّقَرُّبِ إلَى الْكَوَاكِبِ وَأَنَّهَا تَفْعَلُ مَا يَلْتَمِسُهُ كَفَرَ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ حُكْمُهُ كَالسَّاحِرِ فِي رِوَايَةٍ يُقْتَلُ، وَفِي رِوَايَةٍ إنْ لَمْ يَتُبْ، وَيَجِبُ أَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي كُفْرِ السَّاحِرِ وَالْعَرَّافِ وَعَدَمِهِ. وَأَمَّا قَتْلُهُ فَيَجِبُ وَلَا يُسْتَتَابُ إذَا عُرِفَتْ مُزَاوَلَتُهُ لِعَمَلِ السِّحْرِ لِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ لَا بِمُجَرَّدِ عِلْمِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي اعْتِقَادِهِ مَا يُوجِبُ كُفْرَهُ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ اخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ إلَّا إذَا اعْتَقَدَ مُكَفِّرًا، وَبِهِ جَزَمَ فِي النَّهْرِ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، وَأَنَّهُ يُقْتَلُ مُطْلَقًا إنْ عُرِفَ تَعَاطِيهِ لَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ: اتَّخَذَ لُعْبَةً لِيُفَرِّقَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ. قَالُوا: هُوَ مُرْتَدٌّ وَيُقْتَلُ إنْ كَانَ يَعْتَقِدُ لَهَا أَثَرًا وَيَعْتَقِدُ التَّفْرِيقَ مِنْ اللُّعْبَةِ لِأَنَّهُ كَافِرٌ. اهـ. وَفِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ الْمُخْتَارَاتِ: سَاحِرٌ يُسْحِرُ وَيَدَّعِي الْخَلْقَ مِنْ نَفْسِهِ يَكْفُرُ وَيُقْتَلُ لِرِدَّتِهِ. وَسَاحِرٌ يُسْحِرُ وَهُوَ جَاحِدٌ لَا يُسْتَتَابُ مِنْهُ وَيُقْتَلُ إذَا ثَبَتَ سِحْرُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ. وَسَاحِرٌ يُسْحِرُ تَجْرِبَةً وَلَا يَعْتَقِدُ بِهِ لَا يَكْفُرُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: السَّاحِرُ إذَا أَقَرَّ بِسِحْرِهِ أَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ مِنْهُ، وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِيهِ سَوَاءٌ. وَقِيلَ يُقْتَلُ السَّاحِرُ الْمُسْلِمُ لَا الْكِتَابِيُّ، وَالْمُرَادُ مِنْ السَّاحِرِ غَيْرُ الْمُشَعْوِذِ وَلَا صَاحِبُ الطَّلْسَمِ وَلَا الَّذِي يَعْتَقِدُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 لِسَعْيِهَا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، ثُمَّ قَالَ (وَ) كَذَا الْكَافِرُ بِسَبَبِ (الزَّنْدَقَةِ) -   [رد المحتار] الْإِسْلَامَ. وَالسِّحْرُ فِي نَفْسِهِ حَقٌّ أَمْرٌ كَائِنٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلشَّرِّ وَالضَّرَرِ بِالْخَلْقِ، وَالْوَسِيلَةُ إلَى الشَّرِّ شَرٌّ فَيَصِيرُ مَذْمُومًا. اهـ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ: أَنَّ الْأَوَّلَ مُصَرِّحٌ بِمَا هُوَ كُفْرٌ. وَالثَّانِي لَا يَدْرِي كَيْفَ يَقُولُ كَمَا وَقَعَ التَّعْبِيرُ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ لِأَنَّهُ جَاحِدٌ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُسْتَتَابُ: أَيْ لَا يُمْهَلُ طَلَبًا لِلتَّوْبَةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مِنْهُ فِي دَفْعِ الْقَتْلِ عَنْهُ بَعْدَ أَخْذِهِ كَمَا يَأْتِي دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَالْخَنَّاقِ وَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الثَّالِثَ وَإِنْ كَانَ لَا يَكْفُرُ لَكِنَّهُ يُقْتَلُ أَيْضًا لِلِاشْتِرَاكِ فِي الضَّرَرِ، وَأَنَّ تَقْيِيدَ الشَّارِحِ بِكَوْنِهِ كَافِرًا بِسَبَبِ اعْتِقَادِ السِّحْرِ غَيْرُ قَيْدٍ، بَلْ يُقْتَلُ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا أَصْلِيًّا أَوْ لَمْ يَكْفُرْ بِاعْتِقَادِهِ، نَعَمْ لَمَّا كَانَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُسْلِمِ الَّذِي ارْتَدَّ قَيَّدَ بِذَلِكَ تَأَمَّلْ. وَعُلِمَ بِهِ وَبِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِمُجَرَّدِ عَمَلِ السِّحْرِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ اعْتِقَادٌ أَوْ عَمَلُ مَا هُوَ مُكَفِّرٌ، وَلِذَا نَقَلَ فِي [تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ] عَنْ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ كُفْرٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ خَطَأٌ وَيَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ حَقِيقَتِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ رَدَّ مَا لَزِمَ فِي شَرْطِ الْإِيمَانِ فَهُوَ كُفْرٌ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ أَصْحَابِنَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ السِّحْرَ لَا يَكُونُ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ كُفْرًا وَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ وَقَدَّمْنَا فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ تَعْدَادَ أَنْوَاعِ السِّحْرِ وَتَمَامُ بَيَانِ ذَلِكَ فِي رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ [سَلْ الْحُسَامِ الْهِنْدِيِّ لِنُصْرَةِ مَوْلَانَا خَالِدٍ النَّقْشَبَنْدِيِّ] (قَوْلُهُ لِسَعْيِهَا إلَخْ) أَيْ لَا بِسَبَبِ اعْتِقَادِهَا الَّذِي هُوَ رِدَّةٌ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلُ عِنْدَنَا، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ مَا فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهَا لَا تُقْتَلُ بَلْ تُحْبَسُ وَتُضْرَبُ كَالْمُرْتَدَّةِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ. مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الزِّنْدِيقِ وَالْمُنَافِقِ وَالدَّهْرِيِّ وَالْمُلْحِدِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْكَافِرُ بِسَبَبِ الزِّنْدِيقِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي رِسَالَتِهِ: الزِّنْدِيقُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ يَنْفِي الْبَارِيَ تَعَالَى، وَعَلَى مَنْ يُثْبِتُ الشَّرِيكَ، وَعَلَى مَنْ يُنْكِرُ حِكْمَتَهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَدِّ الْعُمُومُ الْوَجْهِيُّ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ مُرْتَدًّا، كَمَا لَوْ كَانَ زِنْدِيقًا أَصْلِيًّا غَيْرَ مُنْتَقِلٍ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَالْمُرْتَدُّ قَدْ لَا يَكُونُ زِنْدِيقًا كَمَا لَوْ تَنَصَّرَ أَوْ تَهَوَّدَ، وَقَدْ يَكُونُ مُسْلِمًا فَيَتَزَنْدَقُ. وَأَمَّا فِي اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ، فَالْفَرْقُ أَظْهَرُ لِاعْتِبَارِهِمْ فِيهِ إبْطَانَ الْكُفْرِ وَالِاعْتِرَافَ بِنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ، لَكِنَّ الْقَيْدَ الثَّانِيَ فِي الزِّنْدِيقِ الْإِسْلَامِيِّ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الزِّنْدِيقِ وَالْمُنَافِقِ وَالدَّهْرِيِّ وَالْمُلْحِدِ مَعَ الِاشْتِرَاكِ فِي إبْطَانِ الْكُفْرِ أَنَّ الْمُنَافِقَ غَيْرُ مُعْتَرِفٍ بِنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدَّهْرِيَّ كَذَلِكَ مَعَ إنْكَارِهِ إسْنَادَ الْحَوَادِثِ إلَى الصَّانِعِ الْمُخْتَارِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَالْمُلْحِدُ: وَهُوَ مَنْ مَالَ عَنْ الشَّرْعِ الْقَوِيمِ إلَى جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْكُفْرِ، مَنْ أَلْحَدَ فِي الدِّينِ: حَادَ وَعَدَلَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاعْتِرَافُ بِنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا بِوُجُودِ الصَّانِعِ تَعَالَى وَبِهَذَا فَارَقَ الدَّهْرِيَّ أَيْضًا، وَلَا إضْمَارَ الْكُفْرِ وَبِهِ فَارَقَ الْمُنَافِقَ، وَلَا سَبَقَ الْإِسْلَامَ وَبِهِ فَارَقَ الْمُرْتَدَّ، فَالْمُلْحِدُ أَوْسَعُ فِرَقِ الْكُفْرِ حَدًّا: أَيْ هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْكُلِّ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْتُ: لَكِنَّ الزِّنْدِيقَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُسْلِمًا وَقَدْ يَكُونُ كَافِرًا مِنْ الْأَصْلِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاعْتِرَافُ بِالنُّبُوَّةِ وَسَيَأْتِي عَنْ الْفَتْحِ تَفْسِيرُهُ بِمَنْ لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ. ثُمَّ بَيَّنَ حُكْمَ الزِّنْدِيقِ فَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو، إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا دَاعِيًا إلَى الضَّلَالِ أَوْ لَا. وَالثَّانِي مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ زِنْدِيقًا مِنْ الْأَصْلِ عَلَى الشِّرْكِ، أَوْ يَكُونَ مُسْلِمًا فَيَتَزَنْدَقَ، أَوْ يَكُونَ ذِمِّيًّا فَيَتَزَنْدَقَ، فَالْأَوَّلُ يُتْرَكُ عَلَى شِرْكِهِ إنْ كَانَ مِنْ الْعَجَمِ، أَيْ بِخِلَافِ مُشْرِكِ الْعَرَبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 لَا تَوْبَةَ لَهُ، وَجَعَلَهُ فِي الْفَتْحِ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ، لَكِنْ فِي حَظْرِ الْخَانِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ (إذَا أُخِذَ) السَّاحِرُ أَوْ الزِّنْدِيقُ الْمَعْرُوفُ الدَّاعِي (قَبْلَ تَوْبَتِهِ) ثُمَّ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ وَيُقْتَلْ، وَلَوْ أُخِذَ بَعْدَهَا قُبِلَتْ. وَأَفَادَ فِي السِّرَاجِ أَنَّ الْخَنَّاقَ لَا تَوْبَةَ لَهُ. وَفِي الشُّمُنِّيِّ: الْكَاهِنُ قِيلَ كَالسَّاحِرِ. وَفِي حَاشِيَةِ الْبَيْضَاوِيِّ لِمُنْلَا خُسْرو:   [رد المحتار] فَإِنَّهُ لَا يُتْرَكُ. وَالثَّانِي يُقْتَلُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ. وَفِي الثَّالِثِ يُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ اهـ وَالْأَوَّلُ أَيْ الْمَعْرُوفُ الدَّاعِي لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَئُوبَ بِالِاخْتِيَارِ وَيَرْجِعَ عَمَّا فِيهِ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ أَوَّلًا، وَالثَّانِي يُقْتَلُ دُونَ الْأَوَّلِ اهـ وَتَمَامُهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ لَا تَوْبَةَ لَهُ) تَصْرِيحٌ بِوَجْهِ الشَّبَهِ، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ التَّوْبَةِ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مِنْهُ فِي نَفْيِ الْقَتْلِ عَنْهُ كَمَا مَرَّ فِي السَّابِّ، وَلِذَا نَقَلَ الْبِيرِيُّ عَنْ الشُّمُنِّيّ بَعْدَ نَقْلِهِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِي الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي حَقِّ الدُّنْيَا، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بِلَا خِلَافٍ اهـ وَنَحْوُهُ فِي رِسَالَةِ ابْنِ كَمَالٍ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي حَظْرِ الْخَانِيَّةِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْفَتْحِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا التَّفْصِيلَ. وَنَقَلَ فِي النَّهْرِ عَنْ الدِّرَايَةِ رِوَايَتَيْنِ فِي الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّفْصِيلُ مَحْمَلَ الرِّوَايَتَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ الْمَعْرُوفُ) أَيْ بِالزَّنْدَقَةِ الدَّاعِي أَيْ الَّذِي يَدْعُو النَّاسُ إلَى زَنْدَقَتِهِ. اهـ. ح. فَإِنْ قُلْتُ: كَيْفَ يَكُونُ مَعْرُوفًا دَاعِيًا إلَى الضَّلَالِ، وَقَدْ اعْتَبَرَ فِي مَفْهُومِهِ الشَّرْعِيِّ أَنْ يُبْطِنَ الْكُفْرَ. قُلْتُ: لَا بُعْدَ فِيهِ، فَإِنَّ الزِّنْدِيقَ يُمَوِّهُ كُفْرَهُ وَيُرَوِّجُ عَقِيدَتَهُ الْفَاسِدَةَ وَيُخْرِجُهَا فِي الصُّورَةِ الصَّحِيحَةِ، وَهَذَا مَعْنَى إبْطَالِ الْكُفْرِ، فَلَا يُنَافِي إظْهَارَهُ الدَّعْوَى إلَى الضَّلَالِ وَكَوْنِهِ مَعْرُوفًا بِالْإِضْلَالِ اهـ. ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ أَنَّ الْخَنَّاقَ لَا تَوْبَةَ لَهُ) أَفَادَ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ أَنَّ مَنْ خَنَقَ مَرَّةً لَا يُقْتَلُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ قُبَيْلَ الْجِهَادِ: وَمَنْ تَكَرَّرَ الْخَنْقُ مِنْهُ فِي الْمِصْرِ قُتِلَ بِهِ وَإِلَّا لَا. اهـ. ط. قُلْتُ: ذِكْرُ الْخَنَّاقِ هُنَا اسْتِطْرَادِيٌّ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْكَافِرِ الَّذِي لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَالْخَنَّاقُ غَيْرُ كَافِرٍ، وَإِنَّمَا لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ لِسَعْيِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَدَفْعِ ضَرَرِهِ عَنْ الْعِبَادِ، وَمِثْلُهُ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ: مَطْلَبٌ فِي الْكَاهِنِ وَالْعَرَّافِ (قَوْلُهُ الْكَاهِنُ قِيلَ كَالسَّاحِرِ) فِي الْحَدِيثِ " «مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَالْكَاهِنُ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ لِلسُّيُوطِيِّ: مَنْ يَتَعَاطَى الْخَبَرَ عَنْ الْكَائِنَاتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَدَّعِي مَعْرِفَةَ الْأَسْرَارِ. وَالْعَرَّافُ: الْمُنَجِّمُ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ الَّذِي يَتَعَاطَى مَعْرِفَةَ مَكَانِ الْمَسْرُوقِ وَالضَّالَّةِ وَنَحْوِهِمَا. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَاهِنَ مَنْ يَدَّعِي مَعْرِفَةَ الْغَيْبِ بِأَسْبَابٍ وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ فَلِذَا انْقَسَمَ إلَى أَنْوَاعٍ مُتَعَدِّدَةٍ كَالْعَرَّافِ. وَالرَّمَّالِ وَالْمُنَجِّمِ: وَهُوَ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ بِطُلُوعِ النَّجْمِ وَغُرُوبِهِ، وَاَلَّذِي يَضْرِبُ بِالْحَصَى، وَاَلَّذِي يَدَّعِي أَنَّ لَهُ صَاحِبًا مِنْ الْجِنِّ يُخْبِرُهُ عَمَّا سَيَكُونُ، وَالْكُلُّ مَذْمُومٌ شَرْعًا، مَحْكُومٌ عَلَيْهِمْ وَعَلَى مُصَدِّقِهِمْ بِالْكُفْرِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: يَكْفُرُ بِادِّعَاءِ عِلْمِ الْغَيْبِ وَبِإِتْيَانِ الْكَاهِنِ وَتَصْدِيقِهِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ أَنَا أَعْلَمُ الْمَسْرُوقَاتِ أَوْ أَنَا أُخْبِرُ عَنْ إخْبَارِ الْجِنِّ إيَّايَ اهـ. قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا أَرْبَابُ التَّقَاوِيمِ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَاهِنِ لِادِّعَائِهِمْ الْعِلْمَ بِالْحَوَادِثِ الْكَائِنَةِ. وَأَمَّا مَا وَقَعَ لِبَعْضِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 الدَّاعِي إلَى الْإِلْحَادِ وَالْإِبَاحِيُّ كَالزِّنْدِيقِ. وَفِي الْفَتْحِ: وَالْمُنَافِقُ الَّذِي يُبْطِنُ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ كَالزِّنْدِيقِ الَّذِي لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ، وَكَذَا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُنْكِرُ فِي الْبَاطِنِ بَعْضَ الضَّرُورِيَّاتِ كَحُرْمَةِ الْخَمْرِ وَيُظْهِرُ اعْتِقَادَ حُرْمَتِهِ،   [رد المحتار] الْخَوَاصِّ كَالْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ بِالْوَحْيِ أَوْ الْإِلْهَامِ فَهُوَ بِإِعْلَامٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ حَاشِيَةِ نُوحٍ مِنْ كِتَابِ الصَّوْمِ. مَطْلَبٌ فِي دَعْوَى عِلْمِ الْغَيْبِ قُلْتُ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ دَعْوَى عِلْمِ الْغَيْبِ مُعَارِضَةٌ لِنَصِّ الْقُرْآنِ فَيَكْفُرُ بِهَا، إلَّا إذَا أُسْنِدَ ذَلِكَ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً إلَى سَبَبٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى كَوَحْيٍ أَوْ إلْهَامٍ، وَكَذَا لَوْ أَسْنَدَهُ إلَى أَمَارَةٍ عَادِيَّةٍ يَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِهِ مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ: وَأَمَّا عِلْمُ النُّجُومِ فَهُوَ فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ غَيْرُ مَذْمُومٍ، إذْ هُوَ قِسْمَانِ: حِسَابِيٌّ وَإِنَّهُ حَقٌّ وَقَدْ نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ. قَالَ تَعَالَى - {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5]- أَيْ سَيْرُهُمَا بِحُسْبَانٍ. وَاسْتِدْلَالِيٌّ بِسَيْرِ النُّجُومِ وَحَرَكَةِ الْأَفْلَاكِ عَلَى الْحَوَادِثِ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ، وَهُوَ جَائِزٌ كَاسْتِدْلَالِ الطَّبِيبِ بِالنَّبْضِ عَلَى الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، وَلَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ ادَّعَى عِلْمَ الْغَيْبِ بِنَفْسِهِ يَكْفُرُ اهـ وَتَمَامُ تَحْقِيقِ هَذَا الْمَقَامِ يُطْلَبُ مِنْ رِسَالَتِنَا سَلِّ الْحُسَامِ الْهِنْدِيِّ (قَوْلُهُ الدَّاعِي إلَى الْإِلْحَادِ) قَدَّمْنَا عَنْ ابْنِ كَمَالٍ بَيَانَهُ (قَوْلُهُ وَالْإِبَاحِيُّ) أَيْ الَّذِي يَعْتَقِدُ إبَاحَةَ الْمُحَرَّمَاتِ وَهُوَ مُعْتَقَدُ الزَّنَادِقَةِ. فَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ الزِّنْدِيقُ هُوَ الَّذِي يَقُولُ بِبَقَاءِ الدَّهْرِيِّ وَيَعْتَقِدُ أَنَّ الْأَمْوَالَ وَالْحُرُمَ مُشْتَرَكَةٌ. اهـ. وَفِي رِسَالَةِ ابْنِ كَمَالٍ عَنْ الْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ فِي كِتَابِ [التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالزَّنْدَقَةِ] وَمِنْ جِنْسِ ذَلِكَ مَا يَدَّعِيهِ بَعْضُ مَنْ يَدَّعِي التَّصَوُّفَ أَنَّهُ بَلَغَ حَالَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَسْقَطَتْ عَنْهُ الصَّلَاةَ وَحَلَّ لَهُ شُرْبُ الْمُسْكِرِ وَالْمَعَاصِي وَأَكْلُ مَالِ السُّلْطَانِ، فَهَذَا مِمَّا لَا أَشُكُّ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ إذْ ضَرَرُهُ فِي الدِّينِ أَعْظَمُ؛ وَيَنْفَتِحُ بِهِ بَابٌ مِنْ الْإِبَاحَةِ لَا يَنْسَدُّ؛ وَضَرَرُ هَذَا فَوْقَ ضَرَرِ مَنْ يَقُولُ بِالْإِبَاحَةِ مُطْلَقًا؛ فَإِنَّهُ يُمْتَنَعُ عَنْ الْإِصْغَاءِ إلَيْهِ لِظُهُورِ كُفْرِهِ. أَمَّا هَذَا فَيَزْعُمُ أَنَّهُ لَمْ يَرْتَكِبْ إلَّا تَخْصِيصَ عُمُومِ التَّكْلِيفِ بِمَنْ لَيْسَ لَهُ مِثْلُ دَرَجَتِهِ فِي الدِّينِ وَيَتَدَاعَى هَذَا إلَى أَنْ يَدَّعِيَ كُلُّ فَاسِقٍ مِثْلَ حَالِهِ اهـ. مُلَخَّصًا. مَطْلَبٌ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إذَا ظَهَرَتْ بِدْعَتُهُمْ وَفِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ التَّمْهِيدِ: أَهْلُ الْأَهْوَاءِ إذَا ظَهَرَتْ بِدْعَتُهُمْ بِحَيْثُ تُوجِبُ الْكُفْرَ فَإِنَّهُ يُبَاحُ قَتْلُهُمْ جَمِيعًا إذَا لَمْ يَرْجِعُوا وَلَمْ يَتُوبُوا، وَإِذَا تَابُوا وَأَسْلَمُوا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ جَمِيعًا إلَّا الْإِبَاحِيَّةَ وَالْغَالِيَةَ وَالشِّيعَةَ مِنْ الرَّوَافِضِ وَالْقَرَامِطَةَ وَالزَّنَادِقَةَ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ، وَيُقْتَلُ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَقَبْلَهَا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَقِدُوا بِالصَّانِعِ تَعَالَى حَتَّى يَتُوبُوا وَيَرْجِعُوا إلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ تَابَ قَبْلَ الْأَخْذِ وَالْإِظْهَارِ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ حَسَنٌ جِدًّا، فَأَمَّا فِي بِدْعَةٍ لَا تُوجِبُ الْكُفْرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ التَّعْزِيرُ بِأَيِّ وَجْهٍ يُمْكِنُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِلَا حَبْسٍ وَضَرْبٍ يَجُوزُ حَبْسُهُ وَضَرْبُهُ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يُمْكِنْ الْمَنْعُ بِلَا سَيْفٍ إنْ كَانَ رَئِيسُهُمْ وَمُقْتَدَاهُمْ جَازَ قَتْلُهُ سِيَاسَةً وَامْتِنَاعًا. وَالْمُبْتَدِعُ لَوْ لَهُ دَلَالَةٌ وَدَعْوَةٌ لِلنَّاسِ إلَى بِدْعَتِهِ وَيَتَوَهَّمُ مِنْهُ أَنْ يَنْشُرَ الْبِدْعَةَ وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ جَازَ لِلسُّلْطَانِ قَتْلُهُ سِيَاسَةً وَزَجْرًا لِأَنَّ فَسَادَهُ أَعْلَى وَأَعَمُّ حَيْثُ يُؤَثِّرُ فِي الدِّينِ. وَالْبِدْعَةُ لَوْ كَانَتْ كُفْرًا يُبَاحُ قَتْلُ أَصْحَابِهَا عَامًا، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ كُفْرًا يُقْتَلُ مُعَلِّمُهُمْ وَرَئِيسُهُمْ زَجْرًا وَامْتِنَاعًا. اهـ. (قَوْلُهُ الَّذِي لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَفِيهِ: يَكْفُرُ السَّاحِرُ بِتَعَلُّمِهِ وَفِعْلِهِ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ أَوْ لَا وَيُقْتَلُ انْتَهَى؛ لَكِنْ فِي حَظْرِ الْخَانِيَّةِ: لَوْ اسْتَعْمَلَهُ لِلتَّجْرِبَةِ وَالِامْتِحَانِ وَلَا يَعْتَقِدُهُ لَا يَكْفُرُ   [رد المحتار] الْمُرَادُ بِهِ الَّذِي لَا يَسْتَقِرُّ عَلَى دِينٍ، أَوْ الَّذِي يَكُونُ اعْتِقَادُهُ خَارِجًا عَنْ جَمِيعِ الْأَدْيَانِ. وَالثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ الَّذِي سَيَذْكُرُهُ عَنْهُ، وَقَدَّمْنَا عَنْ رِسَالَةِ ابْنِ كَمَالٍ تَفْسِيرَهُ شَرْعًا بِمَنْ يُبْطِنُ الْكُفْرَ وَهَذَا أَعَمُّ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْمُنَافِقِ فِي عَدَمِ قَبُولِنَا تَوْبَتَهُ كَالزِّنْدِيقِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الزِّنْدِيقِ لِعَدَمِ الِاطْمِئْنَانِ إلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ التَّوْبَةِ إذَا كَانَ يُخْفِي كُفْرَهُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ اعْتِقَادِهِ دِينًا، وَالْمُنَافِقُ مِثْلُهُ فِي الْإِخْفَاءِ. وَعَلَى هَذَا فَطَرِيقُ الْعِلْمِ بِحَالِهِ إمَّا بِأَنْ يَعْثُرَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَيْهِ أَوْ يَسُرَّهُ إلَى مَنْ أَمِنَ إلَيْهِ اهـ. مَطْلَبٌ حُكْمُ الدُّرُوزِ وَالتَّيَامِنَةِ وَالنُّصَيْرِيَّةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّة [تَنْبِيهٌ] يُعْلَمُ مِمَّا هُنَا حُكْمُ الدُّرُوزِ وَالتَّيَامِنَةِ فَإِنَّهُمْ فِي الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ وَالصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ مَعَ أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ تَنَاسُخَ الْأَرْوَاحِ وَحِلَّ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَأَنَّ الْأُلُوهِيَّةَ تَظْهَرُ فِي شَخْصٍ بَعْدَ شَخْصٍ وَيَجْحَدُونَ الْحَشْرَ وَالصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَالْحَجَّ، وَيَقُولُونَ الْمُسَمَّى بِهِ غَيْرُ الْمَعْنَى الْمُرَادِ وَيَتَكَلَّمُونَ فِي جَنَابِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلِمَاتٍ فَظِيعَةً. وَلِلْعَلَّامَةِ الْمُحَقِّقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِمَادِيِّ فِيهِمْ فَتْوَى مُطَوَّلَةٌ، وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُمْ يَنْتَحِلُونَ عَقَائِدَ النُّصَيْرِيَّةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّة الَّذِينَ يُلَقَّبُونَ بِالْقَرَامِطَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ صَاحِبُ الْمَوَاقِفِ. وَنَقَلَ عَنْ عُلَمَاءِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إقْرَارُهُمْ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ بِجِزْيَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا ذَبَائِحُهُمْ، وَفِيهِمْ فَتْوَى فِي الْخَيْرِيَّةِ أَيْضًا فَرَاجِعْهَا. مَطْلَبٌ جُمْلَةُ مَنْ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ اسْمُ الزِّنْدِيقِ وَالْمُنَافِقِ وَالْمُلْحِدِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ إقْرَارَهُمْ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ هَذَا الِاعْتِقَادِ الْخَبِيثِ لَا يَجْعَلُهُمْ فِي حُكْمِ الْمُرْتَدِّ لِعَدَمِ التَّصْدِيقِ، وَلَا يَصِحُّ إسْلَامُ أَحَدِهِمْ ظَاهِرًا إلَّا بِشَرْطِ التَّبَرِّي عَنْ جَمِيعِ مَا يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ الْإِسْلَامَ وَيُقِرُّونَ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَبَعْدَ الظَّفَرِ بِهِمْ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ أَصْلًا. وَذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ سَأَلَ فُقَهَاءَ سَمَرْقَنْدَ عَنْ رَجُلٍ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ ثُمَّ أُقِرُّ بِأَنِّي كُنْت أَعْتَقِدُ مَعَ ذَلِكَ مَذْهَبَ الْقَرَامِطَةِ وَأَدْعُو إلَيْهِ وَالْآنَ تُبْت وَرَجَعْت وَهُوَ يُظْهِرُ الْآنَ مَا كَانَ يُظْهِرُهُ قَبْلُ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنُ مُحَمَّدٍ: قَتْلُ الْقَرَامِطَةِ وَاسْتِئْصَالُهُمْ فَرْضٌ. وَأَمَّا هَذَا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ، فَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالَ يُتَغَفَّلُ وَيُقْتَلُ: أَيْ تُطْلَبُ غَفْلَتُهُ فِي عِرْفَانِ مَذْهَبِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُقْتَلُ بِلَا اسْتِغْفَالٍ لِأَنَّ مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ ذَلِكَ وَدَعَا النَّاسَ لَا يُصَدَّقُ فِيمَا يَدَّعِي بَعْدُ مِنْ التَّوْبَةِ وَلَوْ قُبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ لَهَدَمُوا الْإِسْلَامَ وَأَضَلُّوا الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُمْكِنَ قَتْلُهُمْ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ، وَنَقَلَ عِدَّةَ فَتَاوَى عَنْ أَئِمَّتِنَا وَغَيْرِهِمْ بِنَحْوِ ذَلِكَ، لَكِنْ تَقَدَّمَ اعْتِمَادُ قَبُولِ التَّوْبَةِ قَبْلَ الْأَخْذِ لَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي حَظْرِ الْخَانِيَّةِ) أَيْ فِي كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ مِنْهَا وَالِاسْتِدْرَاكُ عَلَى قَوْلِ الْفَتْحِ أَوْ لَا: أَيْ أَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ تَحْرِيمَهُ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ فِي الْفَتْحِ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِنَا وَأَنَّهُ اخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ مَا لَمْ يَعْتَقِدْ مَا يُوجِبُ الْكُفْرَ لَكِنَّهُ يُقْتَلُ، وَلَعَلَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ السِّحْرَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِمَا هُوَ كُفْرٌ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْله تَعَالَى - {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102]- وَعَلَى هَذَا فَغَيْرُ الْمُكَفِّرِ لَا يُسَمَّى سِحْرًا، وَيُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُخْتَارَاتِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاحِرِ غَيْرُ الْمُشَعْوِذِ وَلَا صَاحِبُ الطَّلْسَمِ وَلَا مَنْ يَعْتَقِدُ الْإِسْلَامَ: أَيْ بِأَنْ لَمْ يَفْعَلْ أَوْ يَعْتَقِدْ مَا يُنَافِي الْإِسْلَامَ، وَلِذَا قَالَ هُنَا وَلَا يَعْتَقِدُهُ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ يُسَمَّى سَاحِرًا مَا لَمْ يَعْتَقِدْ أَوْ يَفْعَلْ مَا هُوَ كُفْرٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 وَحِينَئِذٍ فَالْمُسْتَثْنَى أَحَدَ عَشَرَ. (وَ) اعْلَمْ أَنَّ (كُلَّ مُسْلِمٍ ارْتَدَّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يَتُبْ إلَّا) جَمَاعَةً (الْمَرْأَةَ وَالْخُنْثَى، وَمَنْ إسْلَامُهُ تَبَعًا، وَالصَّبِيَّ إذَا أَسْلَمَ، وَالْمُكْرَهَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ ثَبَتَ إسْلَامُهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ ثُمَّ رَجَعَا) زَادَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَمَنْ ثَبَتَ إسْلَامُهُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ انْتَهَى. وَلَوْ شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَهُوَ يُنْكِرُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا، وَقِيلَ تُقْبَلُ؛ وَلَوْ عَلَى نَصْرَانِيَّةٍ قُبِلَتْ اتِّفَاقًا، وَتَمَامُهُ فِي آخِرِ كَرَاهِيَةِ الدُّرَرِ، وَيُلْحَقُ بِالصَّبِيِّ مَنْ وَلَدَتْهُ الْمُرْتَدَّةُ بَيْنَنَا إذَا بَلَغَ مُرْتَدًّا،   [رد المحتار] مَطْلَبٌ جُمْلَةُ مَنْ لَا يُقْتَلُ إذَا ارْتَدَّ (قَوْلُهُ فَالْمُسْتَثْنَى أَحَدَ عَشَرَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَكُلُّ مُسْلِمٍ ارْتَدَّ فَتَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ إلَّا أَحَدَ عَشَرَ: مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ، وَسَابُّ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَسَابُّ أَحَدِ الشَّيْخَيْنِ، وَالسَّاحِرُ، وَالزِّنْدِيقُ وَالْخَنَّاقُ؛ وَالْكَاهِنُ، وَالْمُلْحِدُ، وَالْإِبَاحِيُّ وَالْمُنَافِقُ، وَمُنْكِرُ بَعْضِ الضَّرُورِيَّاتِ بَاطِنًا. اهـ. ح. قُلْت: لَكِنَّ السَّاحِرَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُرْتَدًّا بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَصْلِيًّا فَعَلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَلَوْ كَافِرًا كَمَا مَرَّ، وَالْخَنَّاقُ غَيْرُ كَافِرٍ وَإِنَّمَا يُقْتَلُ لِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَأَمَّا الزِّنْدِيقُ الدَّاعِي وَالْمُلْحِدُ وَمَا بَعْدَهُ فَيَكْفِي فِيهِ إظْهَارُهُ لِلْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَصْلِيًّا فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ جُمْلَةِ مَنْ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا ارْتَدَّ أَوْ لَمْ يَرْتَدَّ أَوْ كَانَ كَافِرًا أَصْلِيًّا؛ وَعَلَيْهِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَكَذَا أَهْلُ الْأَهْوَاءِ كَمَا مَرَّ عَنْ التَّمْهِيدِ، وَكَذَا الْعَوَانِي كَمَا مَرَّ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ شُرْبٍ. وَأَمَّا ذِكْرُ سَابِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَحَدِ الشَّيْخَيْنِ فَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ (قَوْلُهُ الْمَرْأَةَ) يُسْتَثْنَى مِنْهَا الْمُرْتَدَّةُ بِالسِّحْرِ كَمَا مَرَّ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالْخُنْثَى) أَيْ الْمُشْكِلَ فَإِنَّهُ إذَا ارْتَدَّ لَمْ يُقْتَلْ وَيُحْبَسْ وَيُجْبَرْ عَلَى الْإِسْلَامِ بَحْرٌ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ وَمَنْ إسْلَامُهُ تَبَعًا) صَوَابُهُ تَبَعٌ. اهـ. ح. قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ: صَبِيٌّ أَبَوَيْهِ مُسْلِمَانِ حَتَّى حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ فَبَلَغَ كَافِرًا وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ إقْرَارٌ بِاللِّسَانِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا يُقْتَلُ لِانْعِدَامِ الرِّدَّةِ مِنْهُ إذْ هِيَ اسْمٌ لِلتَّكْذِيبِ بَعْدَ سَابِقَةِ التَّصْدِيقِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّصْدِيقُ بَعْدَ الْبُلُوغِ، حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِالْإِسْلَامِ ثُمَّ ارْتَدَّ بِقَتْلٍ وَلَكِنَّهُ فِي الْأُولَى يُحْبَسُ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْبُلُوغِ تَبَعًا، وَالْحُكْمُ فِي أَكْسَابِهِ كَالْحُكْمِ فِي أَكْسَابِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ حُكْمًا اهـ (قَوْلُهُ وَالصَّبِيَّ إذَا أَسْلَمَ) أَيْ اسْتِقْلَالًا بِنَفْسِهِ لَا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ الْمَسْأَلَةُ الْمَارَّةُ، وَأَطْلَقَ عَدَمَ قَتْلِهِ فَشَمَلَ مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ. فَفِي الْبَحْرِ: لَوْ بَلَغَ مُرْتَدًّا لَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ إسْلَامِهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي إسْلَامِهِ وَرِدَّتِهِ: وَبَقِيَ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَهِيَ مَا لَوْ ارْتَدَّ الصَّبِيُّ فِي صِغَرِهِ. فَعُلِمَ أَنَّ الْأَوْلَى فِيمَا إذَا ارْتَدَّ حَالَ الْبُلُوغِ: أَيْ قَبْلَ أَنْ يُقِرَّ بِالْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ وَالْمُكْرَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ) لِأَنَّ الْحُكْمَ بِإِسْلَامِهِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ لِأَنَّ قِيَامَ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ الِاعْتِقَادِ فَيَصِيرُ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْقَتْلِ فَتْحٌ، وَفِيهِ بَعْدَ نَقْلِهِ هَذِهِ الْمَسَائِلَ عَنْ الْمَبْسُوطِ. قَالَ: وَفِي كُلِّ ذَلِكَ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَا) لِأَنَّ الرُّجُوعَ شُبْهَةُ الْكَذِبِ فِي الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ وَمَنْ ثَبَتَ إسْلَامُهُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) هَذَا عَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ كَمَا سَتَرَاهُ ح (قَوْلُهُ وَقِيلَ تُقْبَلُ) يُوهِمُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى اتِّفَاقِيَّةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَيُمْكِنُ إرْجَاعُهُ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَى نَصْرَانِيَّةٍ قُبِلَتْ اتِّفَاقًا) لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلُ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ وَلَكِنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الْإِمَامِ. وَفِي النَّوَادِرِ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَشَهَادَةُ نَصْرَانِيَّيْنِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي فِي آخِرِ كَرَاهِيَةِ الدُّرَرِ كَمَا فِي ح وَاعْتَمَدَ قَاضِي خَانْ قَوْلَ الْإِمَامِ بِعَدَمِ الْقَتْلِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّ أَيَّ نَفْسٍ كَانَتْ لَا تُقْتَلُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ ط عَنْ نُوحٍ أَفَنْدِي (قَوْلُهُ مَنْ وَلَدَتْهُ الْمُرْتَدَّةُ بَيْنَنَا) لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ كَأُمِّهِ لَكِنَّهُ لَا يُقْتَلُ كَمَنْ كَانَ إسْلَامُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 وَالسَّكْرَانُ إذَا أَسْلَمَ وَكَذَا اللَّقِيطُ لِأَنَّ إسْلَامَهُ حُكْمِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ، وَقَيَّدَ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا الْمُكْرَهَ بِالْحَرْبِيِّ. أَمَّا الذِّمِّيُّ الْمُسْتَأْمَنُ فَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ انْتَهَى، لَكِنْ حَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ عَلَى جَوَابِ الْقِيَاسِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَصِحُّ فَلْيُحْفَظْ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُسْتَثْنَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ. (شَهِدُوا عَلَى مُسْلِمٍ بِالرِّدَّةِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ) لَا لِتَكْذِيبِ الشُّهُودِ الْعُدُولِ بَلْ (لِأَنَّ إنْكَارَهُ تَوْبَةٌ وَرُجُوعٌ) يَعْنِي فَيُمْتَنَعُ الْقَتْلُ فَقَطْ. وَتَثْبُتُ بَقِيَّةُ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّ كَحَبْطِ عَمَلٍ وَبُطْلَانِ وَقْفٍ وَبَيْنُونَةِ زَوْجَةٍ لَوْ فِيمَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَإِلَّا قُتِلَ كَالرِّدَّةِ بِسَبِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا مَرَّ أَشْبَاهٌ. زَادَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ رَأَيْت مَنْ يَغْلَطُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُسْتَثْنَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ: مَا يَكُونُ كُفْرًا اتِّفَاقًا يُبْطِلُ الْعَمَلَ   [رد المحتار] تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ وَلَمْ يَصِفْ الْإِسْلَامَ فَبَلَغَ كَافِرًا كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ بَيْنَنَا أَيْ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ قَيْدٍ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ لَوْ ارْتَدَّا مَعًا فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُجْبَرُ بِالضَّرْبِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَإِنْ حَبِلَتْ بِهِ ثَمَّةَ (قَوْلُهُ وَالسَّكْرَانُ إذَا أَسْلَمَ) يَعْنِي فَإِنَّ إسْلَامَهُ يَصِحُّ، فَإِنْ ارْتَدَّ لَا يُقْتَلُ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ إذَا ارْتَدَّ بَحْرٌ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة. قُلْت: أَيْ إنْ ارْتَدَّ بَعْدَ صَحْوِهِ لَا يُقْتَلُ لِأَنَّ فِي إسْلَامِهِ شُبْهَةً (قَوْلُهُ لِأَنَّ إسْلَامَهُ حُكْمِيٌّ) أَيْ بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَصِحُّ) وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ رَمْلِيٌّ وَهُوَ الصَّوَابُ ط عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ. قُلْت: وَوَجْهُهُ أَنَّ الْحَرْبِيَّ إنَّمَا يُقَاتَلُ عَلَى الْإِسْلَامِ أَصَالَةً فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ، بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ بَعْدَ الْتِزَامِ الذِّمَّةِ لَا يُقَاتَلُ عَلَيْهِ، فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ إسْلَامُهُ بِالْإِكْرَاهِ: كَمَا لَا تَصِحُّ رِدَّةُ الْمُسْلِمِ بِهِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَصِحُّ، لَكِنْ لَوْ ارْتَدَّ لَا يُقْتَلُ وَتَقَدَّمَ وَجْهُهُ (قَوْلُهُ فَالْمُسْتَثْنَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ) لِأَنَّ الْمُكْرَهَ تَحْتَهُ ثَلَاثَةٌ: الْحَرْبِيُّ وَالذِّمِّيُّ وَالْمُسْتَأْمِنُ، وَشَهَادَةُ نَصْرَانِيَّيْنِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ صُورَتَانِ، وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ إنْكَارَهُ تَوْبَةٌ وَرُجُوعٌ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ بِدُونِ إقْرَارٍ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُتُونِ أَوَّلَ الْبَابِ، وَإِسْلَامُهُ أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ الْأَدْيَانِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرُوا الْإِقْرَارَ بِالشَّهَادَتَيْنِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْإِنْكَارَ مَعَ الْإِقْرَارِ بِهِمَا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَإِذَا رُفِعَتْ الْمُرْتَدَّةُ إلَى الْإِمَامِ فَقَالَتْ مَا ارْتَدَدْت وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ كَانَ هَذَا تَوْبَةً مِنْهَا تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبِيرِيِّ عَلَى الْأَشْبَاهِ قَالَ: كَوْنُ مُجَرَّدِ الْإِنْكَارِ تَوْبَةً غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِثَلَاثَةِ قُيُودٍ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ: إذَا جَحَدَ الْمُرْتَدُّ الرِّدَّةَ وَأَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ وَبِمَعْرِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَبِدِينِ الْإِسْلَامِ فَهَذَا مِنْهُ تَوْبَةٌ اهـ (قَوْلُهُ كَحَبْطِ عَمَلٍ) يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَبُطْلَانِ وَقْفٍ) أَيْ الَّذِي وَقَفَهُ حَالَ إسْلَامِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى قُرْبَةٍ ابْتِدَاءً أَوْ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَلَا بَقَاءَ لَهَا مَعَ وُجُودِ الرِّدَّةِ، وَإِذَا عَادَ مُسْلِمًا لَا يَعُودُ وَقْفُهُ إلَّا بِتَجْدِيدٍ مِنْهُ، وَإِذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ كَانَ الْوَقْفُ مِيرَاثًا بَيْنَ وَرَثَتِهِ بَحْرٌ عَنْ الْخَصَّافِ. (قَوْلُهُ وَبَيْنُونَةِ زَوْجَةٍ) وَتَكُونُ فَسْخًا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: فُرْقَةٌ بِطَلَاقٍ وَلَوْ هِيَ الْمُرْتَدَّةُ فَبِغَيْرِ طَلَاقٍ إجْمَاعًا، ثُمَّ إذَا تَابَ وَأَسْلَمَ تَرْتَفِعُ تِلْكَ الْبَيْنُونَةُ بِيرِيٌّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَأَقَرَّهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ تَرْفَعُ أَصْلُهُ لَا تَرْتَفِعُ فَسَقَطَتْ لَفْظَةُ لَا النَّافِيَةِ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ وَإِلَّا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِفُرُوعِهِمْ الْكَثِيرَةِ الْمُقَرَّرَةِ فِي بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ وَغَيْرِهِ الْمُصَرِّحَةِ بِلُزُومِ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ، وَمِنْهَا مَا يَأْتِي قَرِيبًا، وَصَرَّحَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِنَايَةِ أَنَّ الْبَيْنُونَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إسْلَامِهِ كَبُطْلَانِ وَقْفِهِ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا بِإِسْلَامِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَوْ فِيمَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ) شَرَطَ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ فَيُمْتَنَعُ الْقَتْلُ ط (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) قَدَّمْنَا مَا فِيهِ (قَوْلُهُ وَقَدْ رَأَيْت مَنْ يَغْلَطُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ) أَيْ حَيْثُ فَهِمَ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ أَصْلًا حَتَّى فِي بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ فَالْمُسْتَثْنَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 وَالنِّكَاحَ وَأَوْلَادُهُ أَوْلَادُ زِنًا، وَمَا فِيهِ خِلَافٌ يُؤْمَرُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ وَتَجْدِيدِ النِّكَاحِ (وَلَا يُتْرَكُ) الْمُرْتَدُّ (عَلَى رِدَّتِهِ بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ وَلَا بِأَمَانٍ مُؤَقَّتٍ وَلَا بِأَمَانٍ مُؤَبَّدٍ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ بَعْدَ اللَّحَاقِ) بِدَارِ الْحَرْبِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ خَانِيَّةٌ (وَالْكُفْرُ) كُلُّهُ (مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. (فَلَوْ تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ أَوْ عَكْسُهُ تُرِكَ عَلَى حَالِهِ) وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْعَوْدِ (وَيَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ مَالِهِ زَوَالًا مَوْقُوفًا، فَإِنْ أَسْلَمَ عَادَ مِلْكُهُ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ) أَوْ حُكِمَ بِلَحَاقِهِ (وَرِثَ كَسْبَ إسْلَامِهِ وَارِثُهُ الْمُسْلِمُ) وَلَوْ زَوْجَتَهُ بِشَرْطِ الْعِدَّةِ زَيْلَعِيٌّ   [رد المحتار] صَوَابُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ لِأَنَّ هَذَا زَائِدٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَتُبْ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا تَابَ حُكْمًا بِجَعْلِ إنْكَارِهِ تَوْبَةً فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمُسْلِمِ الَّذِي ارْتَدَّ وَلَمْ يَتُبْ ط (قَوْلُهُ وَأَوْلَادُهُ أَوْلَادُ زِنًا) كَذَا فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي [نُورِ الْعَيْنِ] وَيُجَدِّدُ بَيْنَهُمَا النِّكَاحَ إنْ رَضِيَتْ زَوْجَتُهُ بِالْعَوْدِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا تُجْبَرُ، وَالْمَوْلُودُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ بِالْوَطْءِ بَعْدَ الرِّدَّةِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لَكِنْ يَكُونُ زِنًا اهـ. قُلْت: وَلَعَلَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ فَإِنَّهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَبِينُ مِنْهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالتَّوْبَةِ) أَيْ تَجْدِيدِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ وَتَجْدِيدِ النِّكَاحِ) أَيْ احْتِيَاطًا كَمَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ. وَزَادَ فِيهَا قِسْمًا ثَالِثًا فَقَالَ: وَمَا كَانَ خَطَأً مِنْ الْأَلْفَاظِ وَلَا يُوجِبُ الْكُفْرَ فَقَائِلُهُ يُقَرُّ عَلَى حَالِهِ، وَلَا يُؤْمَرُ بِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ وَلَكِنْ يُؤْمَرُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالرُّجُوعِ عَنْ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ احْتِيَاطًا أَيْ يَأْمُرُهُ الْمُفْتِي بِالتَّجْدِيدِ لِيَكُونَ وَطْؤُهُ حَلَالًا بِاتِّفَاقٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاخْتِلَافِ وَلَوْ رِوَايَةً ضَعِيفَةً وَلَوْ فِي غَيْرِ الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ) أَيْ فَإِنَّهَا تُسْتَرَقُّ بَعْدَ اللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ وَلَا تُقْتَلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَلَا يَكُونُ اسْتِرْقَاقُهَا مُسْقِطًا عَنْهَا الْجَبْرَ عَلَى الْإِسْلَامِ؛ كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ الْأَمَةُ ابْتِدَاءً فَإِنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَيَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ إلَخْ) أَيْ خِلَافًا لَهُمَا. وَفِي الْبَدَائِعِ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ فَأَمْوَالُهُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ، وَأَنَّهُ إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ تَزُولُ عَنْ مِلْكِهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي زَوَالِهَا بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَقْصُورًا عَلَى الْحَالِ عِنْدَهُمَا وَمُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ وُجُودِ الرِّدَّةِ عِنْدَهُ. وَتَظْهَرُ الثَّمَرَةُ فِي تَصَرُّفَاتِهِ، فَعِنْدَهُمَا نَافِذَةٌ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَعِنْدَهُ مَوْقُوفَةٌ لِوُقُوفِ أَمْلَاكِهِ اهـ قَيَّدَ بِالْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَا تُوقَفُ فِي إحْبَاطِ طَاعَتِهِ وَفُرْقَةِ زَوْجَتِهِ وَتَجْدِيدِ الْإِيمَانِ فَإِنَّ الِارْتِدَادَ فِيهَا عَمِلَ عَمَلَهُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ عِبَادَاتِهِ الَّتِي بَطَلَتْ وَقْفُهُ وَأَنَّهُ لَا يَعُودُ بِإِسْلَامِهِ، وَكَذَا لَا تُوقَفُ فِي بُطْلَانِ إيجَارِهِ وَاسْتِئْجَارِهِ وَوَصِيَّتِهِ وَإِيصَائِهِ وَتَوْكِيلِهِ وَوَكَالَتِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَيُسْتَثْنَى مِنْ فُرْقَةِ الزَّوْجَةِ مَا لَوْ ارْتَدَّا مَعًا فَإِنَّهُ يَبْقَى النِّكَاحُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ. وَفِي الْبَحْرِ: وَأَفَادَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحُرِّ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَتَصَرُّفُ الْمُكَاتَبِ فِي رِدَّتِهِ نَافِذٌ فِي قَوْلِهِمْ. زَادَ فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ وَكَسْبُهُ حَالَ الرِّدَّةِ لِمَوْلَاهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَسْلَمَ إلَخْ) جُمْلَةٌ مُفَسِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا ط. (قَوْلُهُ وَرِثَ كَسْبَ إسْلَامِهِ وَارِثُهُ الْمُسْلِمُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ وُجُودُ الْوَارِثِ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ أَوْ الْحُكْمِ بِاللَّحَاقِ، وَهُوَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ الْإِمَامِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَرُوِيَ عَنْهُ اعْتِبَارُ وَقْتِ الرِّدَّةِ، وَرُوِيَ اعْتِبَارُهُمَا مَعًا، فَعَلَى الْأَصَحِّ لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ كَافِرٌ أَوْ عَبْدٌ يَوْمَ الرِّدَّةِ فَعَتَقَ أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهَا قَبْلَ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ وَرِثَهُ، وَكَذَا لَوْ وُلِدَ مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ بَعْدَهَا إذَا كَانَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأُمِّهِ بِأَنْ عَلِقَ مِنْ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ قَوْلُهُ أَوْ الْحُكْمُ بِاللَّحَاقِ خِلَافُ الْأَصَحِّ فَإِنَّ الْأَصَحَّ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اعْتِبَارُ وُجُودِ الْوَارِثِ عِنْدَ اللَّحَاقِ، وَرُوِيَ عِنْدَ الْحُكْمِ بِهِ كَمَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ زَوْجَتَهُ) لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ كَأَنَّهُ مَرِضَ مَرَضَ الْمَوْتِ لِاخْتِيَارِهِ سَبَبَ الْمَرَضِ بِإِصْرَارِهِ عَلَى الْكُفْرِ مُخْتَارًا حَتَّى قُتِلَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ الْعِدَّةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا لَا تَرِثُ لِصَيْرُورَتِهَا بِالرِّدَّةِ أَجْنَبِيَّةً، وَلَيْسَتْ الرِّدَّةُ مَوْتًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 (بَعْد قَضَاءِ دَيْنِ إسْلَامِهِ، وَكَسْبُ رِدَّتِهِ فَيْءٌ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِ رِدَّتِهِ) وَقَالَا: مِيرَاثٌ أَيْضًا كَكَسْبِ الْمُرْتَدَّةِ (وَإِنْ حَكَمَ) الْقَاضِي (بِلَحَاقِهِ عَتَقَ مُدَبَّرُهُ) مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ (وَأُمِّ وَلَدِهِ) مِنْ كُلِّ مَالِهِ (وَحَلَّ دَيْنُهُ) وَقُسِمَ مَالُهُ وَيُؤَدِّي مُكَاتَبُهُ إلَى الْوَرَثَةِ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ الْمُعْتِقُ بَدَائِعُ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْقَضَاءُ بِهِ إلَّا فِي ضِمْنِ دَعْوَى حَقِّ الْعَبْدِ نَهْرٌ   [رد المحتار] حَقِيقِيًّا بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَدْخُولَةَ إنَّمَا تَعْتَدُّ بَعْدَ مَوْتِهِ بِالْحَيْضِ لَا بِالْأَشْهُرِ، فَلَا تَنْتَهِضُ سَبَبًا لِلْإِرْثِ، وَالْإِرْثُ وَإِنْ اسْتَنَدَ إلَى الرِّدَّةِ لَكِنْ يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْمَوْتِ، هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الْفَتْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِ إسْلَامِهِ إلَخْ) هَذَا أَعْنِي قَضَاءَ دَيْنِ إسْلَامِهِ مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ وَدَيْنِ الرِّدَّةِ مِنْ كَسْبِهَا رَوَاهُ زُفَرُ عَنْ الْإِمَامِ. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ إلَّا أَنْ لَا يَفِيَ فَيَقْضِيَ الْبَاقِيَ مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ لَا يَفِيَ فَيَقْتَضِيَ الْبَاقِيَ مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ دَيْنَ الْمَيِّتِ إنَّمَا يُقْضَى مِنْ مَالِهِ وَهُوَ كَسْبُ إسْلَامِهِ، فَأَمَّا كَسْبُ الرِّدَّةِ فَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَقْتَضِي مِنْهُ الدَّيْنُ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَإِذَا لَمْ يَفِ تَحَقَّقَتْ نَهْرٌ، فَمَا فِي الْمَتْنِ تَبَعًا لِلْكَنْزِ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ. قُلْت: لَكِنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِالضَّعْفِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّهُ جَرَى عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ كَالْمُخْتَارِ وَالْوِقَايَةِ وَالْمَوَاهِبِ وَالْمُلْتَقَى وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْقُهُسْتَانِيِّ: هَذَا إذَا كَانَ لَهُ كَسْبَانِ وَإِلَّا قُضِيَ مِمَّا كَانَ بِلَا خِلَافٍ، وَهَذَا أَيْضًا إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ بِغَيْرِ الْإِقْرَارِ وَإِلَّا فَفِي كَسْبِ الرِّدَّةِ (قَوْلُهُ وَكَسْبُ رِدَّتِهِ فَيْءٌ) أَيْ لِلْمُسْلِمِينَ فَيُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَالْمُرَادُ مَا اكْتَسَبَهُ قَبْلَ اللَّحَاقِ. أَمَّا مَا اكْتَسَبَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ لِابْنِهِ الَّذِي ارْتَدَّ وَلَحِقَ مَعَهُ إذَا مَاتَ مُرْتَدًّا لِأَنَّهُ اكْتَسَبَهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَهُمْ يَتَوَارَثُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَلَوْ لَحِقَ مَعَهُ ابْنٌ مُسْلِمٌ وَرِثَ كَسْبَ إسْلَامِهِ فَقَطْ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ السِّيَرِ (قَوْلُهُ وَقَالَا مِيرَاثٌ أَيْضًا) لِأَنَّ زَوَالَ مِلْكِهِ عِنْدَهُمَا مَقْصُورٌ عَلَى الْحَالِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ كَكَسْبِ الْمُرْتَدَّةِ) فَإِنَّهُ لِوَرَثَتِهَا، وَيَرِثُهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ إنْ ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ لِقَصْدِهَا إبْطَالَ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَا يَرِثُهَا لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ بِمَا لِهَا بِالرِّدَّةِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ زَوْجَةَ الْمُرْتَدِّ تَرِثُ مِنْهُ مُطْلَقًا وَزَوْجَ الْمُرْتَدَّةِ لَا يَرِثُهَا إلَّا إذَا ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ بَحْرٌ وَسَيَأْتِي أَيْضًا (قَوْلُهُ وَإِنْ حَكَمَ بِلَحَاقِهِ) كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ الْحُكْمَ بِاللَّحَاقِ أَوَّلًا كَمَا عَبَّرَ الشَّارِحُ وَيَقُولُ وَعِتْقُ مُدَبَّرِهِ إلَخْ عَطْفًا عَلَى وَرِثَ لِئَلَّا يُوهِمَ اخْتِصَاصَ الْعِتْقِ بِالْحُكْمِ بِاللَّحَاقِ وَإِنْ كَانَ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمَوْتَ وَالْقَتْلَ مِثْلُهُ فَإِنَّهُ تَطْوِيلٌ بِلَا فَائِدَةٍ كَمَا أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كَسْبُ الْإِسْلَامِ ح وَبِهِ جَزَمَ ط بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ وَحَلَّ دَيْنُهُ) لِأَنَّهُ بِاللَّحَاقِ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَهُمْ أَمْوَاتٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فَصَارَ كَالْمَوْتِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ لَحَاقُهُ إلَّا بِالْقَضَاءِ لِاحْتِمَالِ الْعَوْدِ. وَإِذَا تَكَرَّرَ مَوْتُهُ تَثْبُتُ الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ كَمَا ذُكِرَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَيُؤَدِّي مُكَاتَبُهُ) أَيْ يُؤَدِّي بَدَلَ كِتَابَتِهِ (قَوْلُهُ وَالْوَلَاءُ لِلْمُرْتَدِّ) أَيْ لِوَرَثَتِهِ ابْتِدَاءً فَيَرِثُهُ الْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِلْوَرَثَةِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْإِنَاثُ ط. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَهُمْ لَا يَشْتَرِطُ الْقَضَاءَ بِاللَّحَاقِ بَلْ يَكْتَفِي بِالْقَضَاءِ بِحُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِهِ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ بِهِ سَابِقًا عَلَى الْقَضَاءِ بِالْأَحْكَامِ أَفَادَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَنَحْوُهُ فِي الْفَتْحِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِاللَّحَاقِ قَصْدًا صَحِيحٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إلَّا فِي ضِمْنِ دَعْوَى حَقٍّ لِلْعَبْدِ لِأَنَّ اللَّحَاقَ كَالْمَوْتِ، وَيَوْمُ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَدْخُلَ اللَّحَاقُ تَحْتَ الْقَضَاءِ قَصْدًا بَحْرٌ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَقُولُ لَيْسَ مَعْنَى الْحُكْمِ بِإِلْحَاقِهِ سَابِقًا عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ أَنْ يَقُولَ ابْتِدَاءً حَكَمْتُ بِلَحَاقِهِ، بَلْ إذَا ادَّعَى مُدَبَّرٌ مَثَلًا عَلَى وَارِثِهِ أَنَّهُ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَأَنَّهُ عَتَقَ بِسَبَبِهِ وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي حَكَمَ أَوَّلًا بِلَحَاقِهِ ثُمَّ يُعْتَقُ ذَلِكَ الْمُدَبَّرُ كَمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ اهـ وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 (وَ) اعْلَمْ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ فَ (يَنْفُذُ مِنْهُ) اتِّفَاقًا مَا لَا يَعْتَمِدُ تَمَامَ وِلَايَةٍ، وَهِيَ خَمْسٌ: (الِاسْتِيلَادُ وَالطَّلَاقُ وَقَبُولُ الْهِبَةِ وَتَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ وَالْحَجْرُ عَلَى عَبْدِهِ) الْمَأْذُونِ (وَيَبْطُلُ مِنْهُ) اتِّفَاقًا مَا يَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ وَهِيَ خَمْسٌ (النِّكَاحُ، وَالذَّبِيحَةُ، وَالصَّيْدُ، وَالشَّهَادَةُ، وَالْإِرْثُ. وَيَتَوَقَّفُ مِنْهُ) اتِّفَاقًا مَا يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ، وَهُوَ (الْمُفَاوَضَةُ) أَوْ وِلَايَةٌ مُتَعَدِّيَةٌ   [رد المحتار] وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ الْخِلَافِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِعِتْقِ الْمُدَبَّرِ يَكْفِي عِنْدَ الْبَعْضِ لِثُبُوتِ اللَّحَاقِ ضِمْنًا، وَأَمَّا عِنْدَ الْعَامَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمِهِ أَوَّلًا بِاللَّحَاقِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ، وَفِي كَوْنِهِ فِي حُكْمِ الْمَوْتِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ فَلِشُبْهَةِ الْخِلَافِ لَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ بِهِ أَوَّلًا ثُمَّ بِالْعِتْقِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِاللَّحَاقِ قَبْلَ دَعْوَى الْمُدَبَّرِ مَثَلًا حَتَّى يَرُدَّ مَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ إلَّا فِي ضِمْنِ دَعْوَى حَقِّ الْعَبْدِ مَعْنَاهُ أَنْ يَسْبِقَ دَعْوَى حَقِّ الْعَبْدِ، فَيَحْكُمُ بِهِ أَوَّلًا ثُمَّ بِمَا ادَّعَاهُ الْعَبْدُ لِأَنَّهُ الَّذِي فِي النَّهْرِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَكْتَفِي عَنْ الْحُكْمِ بِهِ بِالْحُكْمِ بِمَا ادَّعَاهُ لِيَثْبُتَ الْحُكْمُ بِاللَّحَاقِ فِي ضِمْنِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَاعْلَمْ إلَخْ) بَيَانٌ لِتَصَرُّفِهِ حَالَ رِدَّتِهِ بَعْدَ بَيَانِ حُكْمِ أَمْلَاكِهِ قَبْلَ رِدَّتِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ) نَافِذٌ اتِّفَاقًا، بَاطِلٌ اتِّفَاقًا، مَوْقُوفٌ اتِّفَاقًا مَوْقُوفٌ عِنْدَهُ نَافِذٌ عِنْدَهُمَا ط (قَوْلُهُ مَا لَا يَعْتَمِدُ تَمَامَ وِلَايَةٍ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَدْعِي الْوِلَايَةَ وَلَا تَعْتَمِدُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ حَتَّى صَحَّتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مِنْ الْعَبْدِ مَعَ قُصُورِ وِلَايَتِهِ. اهـ. ط (قَوْلُهُ الِاسْتِيلَادُ) صُورَتُهُ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَيَرِثُ ذَلِكَ الْوَلَدُ مَعَ وَرَثَتِهِ وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بَحْرٌ ط (قَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ) أَيْ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِالرِّدَّةِ غَيْرُ مُتَأَبَّدَةٍ لِارْتِفَاعِهَا بِالْإِسْلَامِ فَيَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ، بِخِلَافِ حُرْمَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ فَإِنَّهَا لَا غَايَةَ لَهَا فَلَا يُفِيدُ لُحُوقُ الطَّلَاقِ فَائِدَةً فَتْحٌ مِنْ بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ طَلَاقَهُ إنَّمَا يَقَعُ قَبْلَ لُحُوقِهِ، فَلَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَا يَقَعُ إلَّا إذَا عَادَ مُسْلِمًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَطَلَّقَهَا. وَأَوْرَدَ أَنَّهُ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ طَلَاقُهُ وَقَدْ بَانَتْ بِرِدَّتِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ امْتِنَاعُ الطَّلَاقِ، وَقَدْ سَلَفَ أَنَّ الْمُبَانَةَ يَلْحَقُهَا الصَّرِيحُ فِي الْعِدَّةِ بَحْرٌ أَيْ وَلَوْ كَانَ الْوَاقِعُ بِذَلِكَ الصَّرِيحِ بَائِنًا كَالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَوْ عَلَى مَالٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ فَذَاكَ إذَا أَمْكَنَ جَعْلُهُ إخْبَارًا عَنْ الْأَوَّلِ؛ حَتَّى لَوْ قَالَ أَبَنْتُكِ بِأُخْرَى يَقَعُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكِنَايَاتِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَتَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ وَالْحَجْرِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يُمْكِنُ تَوَقُّفُ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ بَطَلَتْ بِهِ مُطْلَقًا. وَأَمَّا الْحَجْرُ فَيَصِحُّ بِحَقِّ الْمِلْكِ فَبِحَقِيقَةِ الْمِلْكِ الْمَوْقُوفِ أَوْلَى. اهـ. قُلْت: وَمَفْهُومُهُ أَنَّ لَهُ قَبْلَ إسْلَامِهِ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ. وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ السِّيَرِ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا شُفْعَةَ لَهُ حَتَّى يُسْلِمَ، فَلَوْ لَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يَطْلُبْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِتَرْكِهِ الطَّلَبَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ بِأَنْ يُسْلِمَ (قَوْلُهُ مَا يَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ) أَيْ مَا يَكُونُ الِاعْتِمَادُ فِي صِحَّتِهِ عَلَى كَوْنِ فَاعِلِهِ مُعْتَقِدًا مِلَّةً مِنْ الْمِلَلِ ط أَيْ وَالْمُرْتَدُّ لَا مِلَّةَ لَهُ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِلَّةً سَمَاوِيَّةً لِئَلَّا يَرُدَّ النِّكَاحَ فَإِنَّ نِكَاحَ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ صَحِيحٌ وَلَا مِلَّةَ لَهُمَا سَمَاوِيَّةٌ بَلْ الْمُرَادُ الْأَعَمُّ (قَوْلُهُ النِّكَاحُ) أَيْ وَلَوْ لِمُرْتَدَّةٍ مِثْلِهِ (قَوْلُهُ وَالذَّبِيحَةُ) الْأَوْلَى وَالذَّبْحُ لِأَنَّهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ (قَوْلُهُ وَالصَّيْدُ) أَيْ بِالْكَلْبِ وَالْبَازِي وَمِثْلُهُ الرَّمْيُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَالشَّهَادَةُ) أَيْ أَدَاؤُهَا لَا تَحَمُّلُهَا ط. وَذَكَرَ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ شَهَادَاتِ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّهُ يَبْطُلُ مَا رَوَاهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْحَدِيثِ فَلَا يَجُوزُ لِلسَّامِعِ مِنْهُ أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْهُ بَعْدَ رِدَّتِهِ اهـ وَلَكِنَّ كَلَامَنَا فِيمَا فَعَلَهُ فِي رِدَّتِهِ وَهَذَا قَبْلَهَا. (قَوْلُهُ الْإِرْثُ) فَلَا يَرِثُ أَحَدًا وَلَا يَرِثُهُ أَحَدٌ مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي رِدَّتِهِ، بِخِلَافِ كَسْبِ إسْلَامِهِ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ كَمَا مَرَّ لِاسْتِنَادِهِ إلَى مَا قَبْلَهَا فَهُوَ إرْثُ مُسْلِمٍ مِنْ مِثْلِهِ وَالْكَلَامُ فِي إرْثِ الْمُرْتَدِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مَا يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ) أَيْ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الدَّيْنِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُفَاوَضَةُ) فَإِذَا فَاوَضَ مُسْلِمًا تَوَقَّفَتْ اتِّفَاقًا، فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَتْ، وَإِنْ هَلَكَ بَطَلَتْ، وَتَصِيرُ عِنَانًا مِنْ الْأَصْلِ عِنْدَهُمَا، وَتَبْطُلُ عِنْدَهُ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ وِلَايَةٌ مُتَعَدِّيَةٌ) أَيْ إلَى غَيْرِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 (وَ) هُوَ (التَّصَرُّفُ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ. وَ) يَتَوَقَّفُ مِنْهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيَنْفُذُ عِنْدَهُمَا كُلُّ مَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ أَوْ عَقْدِ تَبَرُّعٍ كَ (الْمُبَايَعَةِ) وَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ (وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَالْهِبَةِ) وَالرَّهْنِ (وَالْإِجَارَةِ) وَالصُّلْحِ عَنْ إقْرَارٍ، وَقَبْضِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ (وَالْوَصِيَّةُ) وَبَقِيَ أَمَانُهُ وَعَقْلُهُ وَلَا شَكَّ فِي بُطْلَانِهِمَا. وَأَمَّا إيدَاعُهُ وَاسْتِيدَاعُهُ وَالْتِقَاطُهُ وَلُقَطَتُهُ فَيَنْبَغِي عَدَمُ جَوَازِهَا نَهْرٌ (إنْ أَسْلَمَ نَفَذَ، وَإِنْ هَلَكَ) بِمَوْتٍ أَوْ قَتْلٍ (أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ) بِلَحَاقِهِ (بَطَلَ) ذَلِكَ كُلُّهُ (فَإِنْ جَاءَ مُسْلِمًا قَبِلَهُ) قَبْلَ الْحُكْمِ (فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ) وَكَمَا لَوْ عَادَ بَعْدَ الْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ زَيْلَعِيٌّ (وَإِنْ) جَاءَ مُسْلِمًا (بَعْدَهُ وَمَالُهُ مَعَ وَارِثِهِ أَخَذَهُ) بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا،   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَيَتَوَقَّفُ مِنْهُ عِنْدَ الْإِمَامِ) بِنَاءً عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ كَمَا سَلَفَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَيَنْفُذُ عِنْدَهُمَا) إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَصِحُّ كَمَا تَصِحُّ مِنْ الصَّحِيحِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَوْدُهُ إلَى الْإِسْلَامِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا تَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ لِأَنَّهَا تُفْضِي إلَى الْقَتْلِ ظَاهِرًا عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالصَّرْفُ وَالسَّلَمُ) مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ لِأَنَّهُمَا مِنْ عُقُودِ الْمُبَايَعَةِ ط (قَوْلُهُ وَالْهِبَةُ) هِيَ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَادَلَةِ إنْ كَانَتْ بِعِوَضٍ كَمَا فِي النَّهْرِ، وَمِنْ قَبِيلِ التَّبَرُّعِ إنْ لَمْ تَكُنْ ح (قَوْلُهُ وَالرَّهْنُ) لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عِنْدَ الْهَلَاكِ بِالدَّيْنِ فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ مَآلًا (قَوْلُهُ وَالصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ) أَيْ فَيَكُونُ مُبَادَلَةً وَأَمَّا إذَا كَانَ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ فَالْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ أَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي، وَفِدَاءُ يَمِينٍ وَقَطْعُ نِزَاعٍ فِي حَقِّ الْآخَرِ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ مُدَّعِيًا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُقُودِ الْمُبَادَلَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدْخُلُ فِي عَقْدِ التَّبَرُّعِ أَفَادَهُ ط، لَكِنْ فِي كَوْنِهِ تَبَرُّعًا نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ الْمَالَ مَجَّانًا بَلْ مُفَادَاةً لِيَمِينِهِ، فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ وَعَنْ عَقْدِ التَّبَرُّعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ) وَجْهُهُ مَا قَالُوا إنَّ الدَّيْنَ يُقْضَى بِمِثْلِهِ وَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ، فَقَابِضُ الدَّيْنِ أَخَذَ بَدَلَ مَا تَحَقَّقَ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ ط (قَوْلُهُ وَالْوَصِيَّةُ) أَيْ الَّتِي فِي حَالِ رِدَّتِهِ، أَمَّا الَّتِي فِي حَالِ إسْلَامِهِ فَالْمَذْكُورُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا تَبْطُلُ قُرْبَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ قُرْبَةٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَبَقِيَ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْمَنْقُولِ فِي الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ ذَكَرَ أَشْيَاءَ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَا شَكَّ فِي بُطْلَانِهِمَا) أَمَّا الْأَمَانُ فَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ الذِّمِّيِّ فَمِنْ الْمُرْتَدِّ أَوْلَى. وَأَمَّا الْعَقْلُ فَلِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُنْصَرُ وَلَا يَنْصُرُ وَالْعَقْلُ بِالنُّصْرَةِ ح (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي عَدَمُ جَوَازِهَا) عِبَارَةُ النَّهْرِ: فَلَا يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِي جَوَازِهَا مِنْهُ اهـ فَلَفْظَةُ عَدَمِ مِنْ سَبْقِ الْقَلَمِ (قَوْلُهُ بَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ) الْإِشَارَةُ تَرْجِعُ إلَى الْمُتَوَقِّفِ اتِّفَاقًا وَالْمُتَوَقِّفِ عِنْدَ الْإِمَامِ ط (قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ) فَلَا يُعْتَقُ مُدَبَّرُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ، وَلَا تَحِلُّ دُيُونُهُ، وَلَهُ إبْطَالُ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ الْوَارِثُ لِكَوْنِهِ فُضُولِيًّا بَحْرٌ، وَمَا مَعَ وَارِثِهِ يَعُودُ لِمِلْكِهِ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا مِنْ الْوَارِثِ دُرٌّ مُنْتَقًى. قُلْتُ: وَكَذَا يَبْطُلُ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ اللَّحَاقِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ الَّذِي فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ بَاعَهُ مِنْ مُسْلِمٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ رَجَعَ تَائِبًا قَبْلَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهٍ فَمَالُهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ وَجَمِيعُ مَا صَنَعَ فِيهِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ بِاللَّحَاقِ زَالَ مِلْكُهُ، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ عَلَى الْقَضَاءِ دُخُولُهُ فِي مِلْكِ وَارِثِهِ، فَتَصَرُّفُهُ بَعْدَ اللَّحَاقِ صَادَفَ مَالًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَهُ فَلَا يَنْفُذُ، وَإِنْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ بَعْدُ كَالْبَائِعِ بِشَرْطِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي إذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَبِيعِ لَا يَنْفُذُ وَإِنْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ بِفَسْخِ الْمُشْتَرِي، نَعَمْ لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ الْعَبْدِ أَوْ بِأَنَّهُ لِفُلَانٍ صَحَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِنْشَاءِ التَّصَرُّفِ بَلْ هُوَ إقْرَارٌ لَازِمٌ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعَبْدِ الْغَيْرِ ثُمَّ مَلَكَهُ مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ وَكَمَا لَوْ عَادَ بَعْدَ الْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ) أَيْ لَوْ أَحْيَا اللَّهُ تَعَالَى مَيِّتًا حَقِيقَةً وَأَعَادَهُ إلَى دَارِ الدُّنْيَا كَانَ لَهُ أَخْذُ مَا فِي يَدِ وَرَثَتِهِ بَحْرٌ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهُ بَعْدَ عَوْدِ مَنْ حُكِمَ بِلَحَاقِهِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ جَاءَ بَعْدَهُ كَمَا أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا) لِأَنَّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ صَارَ الْمَالُ مِلْكًا لِوَرَثَتِهِ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِالْقَضَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ بَعْدَ رُجُوعِ الْمُرْتَدِّ قَبْلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 وَلَوْ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَا لِأَنَّهُ فَيْءٌ نَهْرٌ (وَإِنْ هَلَكَ) مَالُهُ (أَوْ أَزَالَهُ) الْوَارِثُ (عَنْ مِلْكِهِ لَا) يَأْخُذُهُ وَلَوْ قَائِمًا لِصِحَّةِ الْقَضَاءِ وَلَهُ وَلَاءُ مُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُكَاتَبُهُ لَهُ إنْ لَمْ يُؤَدِّ، وَإِنْ عَجَزَ عَادَ رَقِيقًا لَهُ بَدَائِعُ (وَيَقْضِي مَا تَرَكَ مِنْ عِبَادَةٍ فِي الْإِسْلَام) لِأَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ مَعْصِيَةٌ وَالْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ (وَمَا أَدَّى مِنْهَا فِيهِ يَبْطُلُ، وَلَا يَقْضِي)   [رد المحتار] الْقَضَاءِ بِرَدِّ الْمَالِ عَلَيْهِ نَفَذَ عِتْقُهُ وَلَمْ يَضْمَنْ لِلْمُرْتَدِّ شَيْئًا كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ رُجُوعِ الْمُرْتَدِّ، وَبِهَذَا يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَسْتَدْعِي حَقِيقَةَ الْمِلْكِ شَرْحُ السِّيَرِ، وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة، وَبِهِ جَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ. (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَا) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي قَوْلِهِ وَإِرْثُهُ إيمَاءً إلَى أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا وَجَدَهُ مِنْ كَسْبِ رِدَّتِهِ لِأَنَّ أَخْذَهُ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ بَلْ لِأَنَّهُ فَيْءٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يَسْتَرِدُّ مَالَهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ، وَهَذَا وَإِنْ لَمْ نَرَهُ مَسْطُورًا إلَّا أَنَّ الْقَوَاعِدَ تُؤَيِّدُهُ وَأَصْلُ الْبَحْثِ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا وُضِعَ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِعَدَمِ الْوَارِثِ لَهُ أَخْذُهُ، فَفِي كَلَامِ الشَّرْحِ إبْهَامٌ كَمَا أَفَادَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ أَوْ أَزَالَهُ الْوَارِثُ عَنْ مِلْكِهِ) سَوَاءٌ كَانَ بِسَبَبٍ يَقْبَلُ الْفَسْخَ كَبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، أَوْ لَا يَقْبَلُهُ كَعِتْقٍ أَوْ تَدْبِيرٍ وَاسْتِيلَادٍ فَإِنَّهُ يَمْضِي وَلَا عَوْدَ لَهُ فِيهِ وَلَا يَضْمَنُهُ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَهُ وَلَاءُ مُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ) أَفَادَ أَنَّهُمْ لَا يَعُودُونَ فِي الرِّقِّ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِعِتْقِهِمْ قَدْ صَحَّ وَالْعِتْقُ بَعْدَ نَفَاذِهِ لَا يَقْبَلُ الْبُطْلَانَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَمُكَاتَبُهُ لَهُ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُؤَدِّ) أَيْ إلَى الْوَرَثَةِ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَيَأْخُذُهَا مِنْ الْمُكَاتَبِ. وَأَمَّا إنْ أَدَّاهُ إلَيْهِمْ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عِتْقٌ بِأَدَاءِ الْمَالِ وَالْعِتْقُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ الْمَالَ لَوْ قَائِمًا وَإِلَّا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ بَحْرٌ. مَطْلَبٌ الْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ (قَوْلُهُ وَالْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ) نَقَلَ ذَلِكَ مَعَ التَّعْلِيلِ قَبْلَهُ فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ عِنْدَ الْعَامَّةِ مَا وَقَعَ حَالَ الرِّدَّةِ وَقَبْلَهَا مِنْ الْمَعَاصِي، وَلَا يَسْقُطُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ. قُلْت: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَسْقُطُ عِنْدَ الْعَامَّةِ بِالتَّوْبَةِ وَالْعَوْدِ إلَى الْإِسْلَامِ لِلْحَدِيثِ «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَأَمَّا فِي حَالِ الرِّدَّةِ فَيَبْقَى مَا فَعَلَهُ فِيهَا أَوْ قَبْلَهَا إذَا مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ ازْدَادَ فَوْقَهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ فَكَيْفَ تَصْلُحُ مَاحِيَةً لَهُ بَلْ الظَّاهِرُ عَوْدُ مَعَاصِيهِ الَّتِي تَابَ مِنْهَا أَيْضًا لِأَنَّ التَّوْبَةَ طَاعَةٌ وَقَدْ حَبَطَتْ طَاعَاتُهُ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ السِّرَاجِيَّةِ: مَنْ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ كَفَرَ وَمَاتَ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِعُقُوبَةِ الْكُفْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ اهـ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يُؤَيِّدُ قَوْلَ الْعَامَّةِ: وَلَا يُنَافِيهِ وُجُوبُ قَضَاءِ مَا تَرَكَهُ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صِيَامٍ وَمُطَالَبَتُهُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ لِأَنَّ قَضَاءَ ذَلِكَ كُلِّهِ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَيْسَ هُوَ نَفْسَ الْمَعْصِيَةِ وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ إخْرَاجُ الْعِبَادَةِ عَنْ وَقْتِهَا وَجِنَايَتُهُ عَلَى الْعَبْدِ فَإِذَا سَقَطَتْ هَذِهِ الْمَعْصِيَةُ لَا يَلْزَمُ سُقُوطُ الْحَقِّ الثَّابِتِ فِي ذِمَّتِهِ، كَمَا أَجَابَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِذَلِكَ عَنْ الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ الْكَبَائِرَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَمَا أَدَّى مِنْهَا فِيهِ يَبْطُلُ) فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا إلَى التَّتِمَّةِ قِيلَ لَهُ لَوْ تَابَ تَعُودُ حَسَنَاتُهُ؟ قَالَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ فَعِنْدَ أَبِي عَلِيٍّ وَأَبِي هَاشِمٍ وَأَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَعُودُ. وَعِنْدَ أَبِي الْقَاسِمِ الْكَعْبِيِّ لَا، وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهُ لَا يَعُودُ مَا بَطَلَ مِنْ ثَوَابِهِ لَكِنَّهُ تَعُودُ طَاعَاتُهُ الْمُتَقَدِّمَةُ مُؤَثِّرَةٌ فِي الثَّوَابِ بَعْدُ اهـ بَحْرٌ. مَطْلَبٌ لَوْ تَابَ الْمُرْتَدُّ هَلْ تَعُودُ حَسَنَاتُهُ وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ لِلْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيُّ فِي بَحْثِ التَّوْبَةِ: ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الْمُعْتَزِلَةُ فِي أَنَّهُ إذَا سَقَطَ اسْتِحْقَاقُ عِقَابِ الْمَعْصِيَةِ بِالتَّوْبَةِ هَلْ يَعُودُ اسْتِحْقَاقُ ثَوَابِ الطَّاعَةِ الَّذِي أَبْطَلَتْهُ تِلْكَ الْمَعْصِيَةُ؟ فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو هَاشِمٍ: لَا لِأَنَّ الطَّاعَةَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 مِنْ الْعِبَادَاتِ (إلَّا الْحَجَّ) لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ صَارَ كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، فَإِذَا أَسْلَمَ وَهُوَ غَنِيٌّ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ فَقَطْ. [مَطْلَبٌ الْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ] (مُسْلِمٌ أَصَابَ مَالًا أَوْ شَيْئًا يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ أَوْ حَدُّ السَّرِقَةِ) يَعْنِي الْمَالَ الْمَسْرُوقَ لَا الْحَدَّ خَانِيَّةٌ، وَأَصْلُهُ أَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِحَقِّ الْعَبْدِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ (أَوْ الدِّيَةُ ثُمَّ ارْتَدَّ أَوْ أَصَابَهُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ لَحِقَ) وَحَارَبَنَا زَمَانًا (ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا يُؤَاخَذُ بِهِ كُلِّهِ، وَلَوْ أَصَابَهُ بَعْدَمَا لَحِقَ مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ لَا) يُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يُؤَاخَذُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِمَا كَانَ أَصَابَهُ حَالَ كَوْنِهِ مُحَارِبًا لَنَا. (أَخْبَرَتْ بِارْتِدَادِ زَوْجِهَا فَلَهَا التَّزَوُّجُ بِآخَرَ بَعْدَ الْعِدَّةِ) اسْتِحْسَانًا (كَمَا فِي الْإِخْبَارِ) مِنْ ثِقَةٍ -   [رد المحتار] تَنْعَدِمُ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا يَبْقَى اسْتِحْقَاقُ الثَّوَابِ وَقَدْ سَقَطَ وَالسَّاقِطُ لَا يَعُودُ. وَقَالَ الْكَعْبِيُّ: نَعَمْ لِأَنَّ الْكَبِيرَةَ لَا تُزِيلُ الطَّاعَةَ وَإِنَّمَا تَمْنَعُ حُكْمَهَا وَهُوَ الْمَدْحُ وَالتَّعْظِيمُ فَلَا تُزِيلُ ثَمَرَتَهَا فَإِذَا صَارَتْ بِالتَّوْبَةِ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ ظَهَرَتْ ثَمَرَةُ الطَّاعَةِ كَنُورِ الشَّمْسِ إذَا زَالَ الْغَيْمُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يَعُودُ ثَوَابُهُ السَّابِقُ لَكِنْ تَعُودُ طَاعَتُهُ السَّالِفَةُ مُؤَثِّرَةً فِي اسْتِحْقَاقِ ثَمَرَاتِهِ وَهُوَ الْمَدْحُ، وَالثَّوَابُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِمَنْزِلَةِ شَجَرَةٍ احْتَرَقَتْ بِالنَّارِ أَغْصَانُهَا وَثِمَارُهَا ثُمَّ انْطَفَأَتْ النَّارُ فَإِنَّهُ يَعُودُ أَصْلُ الشَّجَرَةِ وَعُرُوقُهَا إلَى خُضْرَتِهَا وَثَمَرَتِهَا اهـ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي عَلِيٍّ وَأَبِي هَاشِمٍ وَبَيْنَ الْكَعْبِيِّ عَلَى عَكْسِ مَا مَرَّ وَأَنَّ الْخِلَافَ فِي إحْبَاطِ الْكَبَائِرِ لِلطَّاعَاتِ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ. وَعِنْدَهُمْ أَنَّ الْكَبِيرَةَ تُخْرِجُ صَاحِبَهَا مِنْ الْإِيمَانِ لَكِنَّهَا لَا تُدْخِلُهُ فِي الْكُفْرِ وَإِنْ كَانَ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ، وَيَلْزَمُ مِنْ إخْرَاجِهِ مِنْ الْإِيمَانِ حَبْطُ طَاعَاتِهِ، فَالْكَبِيرَةُ عِنْدَهُمْ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ بِمَنْزِلَةِ الرِّدَّةِ عِنْدَنَا فَيَصِحُّ نَقْلُ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ إلَى الرِّدَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا الْحَجَّ) لِأَنَّ سَبَبَهُ الْبَيْتُ الْمُكَرَّمُ وَهُوَ بَاقٍ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أَدَّاهَا لِخُرُوجِ سَبَبِهَا: وَلِهَذَا قَالُوا: إذَا صَلَّى الظُّهْرَ مَثَلًا ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ تَابَ فِي الْوَقْتِ يُعِيدُ الظُّهْرَ لِبَقَاءِ السَّبَبِ وَهُوَ الْوَقْتُ، وَلِذَا اُعْتُرِضَ اقْتِصَارُهُ عَلَى ذِكْرِ الْحَجِّ وَتَسْمِيَتِهِ قَضَاءً، بَلْ هُوَ إعَادَةٌ لِعَدَمِ خُرُوجِ السَّبَبِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَلَا يَقْضِي وَلِقَوْلِهِ إلَّا الْحَجَّ ط (قَوْلُهُ أَصَابَ مَالًا) أَيْ أَخَذَ، وَقَوْلُهُ أَوْ شَيْئًا أَيْ فَعَلَ شَيْئًا إلَخْ ط (قَوْلُهُ يَعْنِي الْمَالَ الْمَسْرُوقَ لَا الْحَدَّ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يُؤَاخَذُ بِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ وَلَا هُوَ مَحَلُّ إيهَامٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ حَدُّ مَرْفُوعٌ عَطْفًا عَلَى فَاعِلِ يَجِبُ لَا مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى مَفْعُولِ أَصَابَ حَتَّى يَحْتَاجَ لِلتَّأْوِيلِ (قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ) أَيْ الْقَاعِدَةُ فِيمَا ذُكِرَ ط (قَوْلُهُ أَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِحَقِّ الْعَبْدِ) أَيْ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالرِّدَّةِ إلَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يُقْتَلُ بِهَا كَالْمَرْأَةِ وَنَحْوِهَا إذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَتْ فَصَارَتْ أَمَةً يَسْقُطُ عَنْهَا جَمِيعُ حُقُوقِ الْعِبَادِ إلَّا الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِيرِيٌّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ) وَهُوَ أَنَّهُ يَقْضِي مَا تَرَكَ مِنْ عِبَادَةٍ فِي الْإِسْلَامِ كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا الْحُدُودُ. فَفِي شَرْحِ السِّيَرِ: لَوْ أَصَابَ الْمُسْلِمُ مَالًا أَوْ مَا يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ أَوْ حَدُّ الْقَذْفِ ثُمَّ ارْتَدَّ أَوْ أَصَابَهُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ ثُمَّ لَحِقَ ثُمَّ تَابَ فَهُوَ مَأْخُوذٌ بِهِ لَا لَوْ أَصَابَهُ بَعْدَ اللَّحَاقِ ثُمَّ أَسْلَمَ. وَمَا أَصَابَهُ الْمُسْلِمُ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فِي زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ قَطْعِ طَرِيقٍ ثُمَّ ارْتَدَّ أَوْ أَصَابَهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ ثُمَّ لَحِقَ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْهُ إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ، وَالدَّمَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ بِالْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ لَوْ خَطَأً عَلَى الْعَاقِلَةِ لَوْ قَبْلَ الرِّدَّةِ، وَفِي مَالِهِ لَوْ بَعْدَهَا. وَمَا أَصَابَهُ مِنْ حَدِّ الشُّرْبِ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ اللَّحَاقِ لَا يُؤْخَذُ بِهِ، وَكَذَا لَوْ أَصَابَهُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ مَحْبُوسٌ فِي يَدِ الْإِمَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ لِأَنَّ الْحُدُودَ زَوَاجِرُ عَنْ أَسْبَابِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِقَادِ الْمُرْتَكِبِ حُرْمَةَ السَّبَبِ، وَيُؤْخَذُ بِمَا سِوَاهُ مِنْ حُدُودِهِ تَعَالَى لِاعْتِقَادِهِ حُرْمَةَ السَّبَبِ وَتَمَكُّنِ الْإِمَامِ مِنْ إقَامَتِهِ لِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ حِينَ أَصَابَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ اللَّحَاقِ لَا يُؤْخَذُ بِهِ أَيْضًا اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ أَوْ الدِّيَةُ) أَيْ عَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ أَصَابَ ذَلِكَ قَبْلَ الرِّدَّةِ، وَفِي مَالِهِ إنْ أَصَابَهُ بَعْدَهَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَحَارَبَنَا زَمَانًا) تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ ثُمَّ لَحِقَ وَكَذَا بِدُونِ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ أَخْبَرَتْ بِارْتِدَادِ زَوْجِهَا) أَيْ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 (بِمَوْتِهِ أَوْ تَطْلِيقِهِ) ثَلَاثًا، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ ثِقَةً فَأَتَاهَا بِكِتَابِ طَلَاقِهَا وَأَكْبَرُ رَأْيِهَا أَنَّهُ حَقٌّ لَا بَأْسَ بِأَنْ تَعْتَدَّ وَتَتَزَوَّجَ مَبْسُوطٌ. (وَالْمُرْتَدَّةُ) وَلَوْ صَغِيرَةً أَوْ خُنْثَى بَحْرٌ (تُحْبَسُ) أَبَدًا، وَلَا تُجَالَسُ وَلَا تُؤَاكَلُ حَقَائِقُ (حَتَّى تُسْلِمَ وَلَا تُقْتَلْ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَإِنْ قَتَلَهَا أَحَدٌ لَا يَضْمَنُ) شَيْئًا وَلَوْ أَمَةً فِي الْأَصَحِّ، وَتُحْبَسُ عِنْدَ مَوْلَاهَا لِخِدْمَتِهِ سِوَى الْوَطْءِ سَوَاءٌ طَلَبَ ذَلِكَ أَمْ لَا فِي الْأَصَحِّ وَيَتَوَلَّى ضَرْبَهَا جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ. وَلَيْسَ لِلْمُرْتَدَّةِ التَّزَوُّجُ بِغَيْرِ زَوْجِهَا بِهِ يُفْتَى. وَعَنْ الْإِمَامِ تُسْتَرَقُّ وَلَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَلَوْ أَفْتَى بِهِ حَسْمًا لِقَصْدِهَا السَّيِّئِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَتَكُونُ قِنَّةً لِلزَّوْجِ بِالِاسْتِيلَاءِ مُجْتَبًى. وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهَا فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَشْتَرِيهَا مِنْ الْإِمَامِ أَوْ يَهَبُهَا لَهُ لَوْ مَصْرِفًا   [رد المحتار] رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى رِوَايَةِ السِّيَرِ. وَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ: يَكْفِي خَبَرُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ لِأَنَّ حِلَّ التَّزَوُّجِ وَحُرْمَتَهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ كَمَا لَوْ أَخْبَرَ بِمَوْتِهِ. وَالْفَرْقُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ رِدَّةَ الرَّجُلِ يَتَعَلَّقُ بِهَا اسْتِحْقَاقُ الْقَتْلِ كَمَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِلسَّرَخْسِيِّ. وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ أَنَّ الْأَصَحَّ رِوَايَةُ الِاسْتِحْسَانِ، وَمِثْلُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِخْبَارُ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ لَا إثْبَاتِ الرِّدَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ تَطْلِيقِهِ ثَلَاثًا) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْبَائِنُ مِثْلَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا فِي الرَّجْعِيِّ لَا يَجُوزُ لَهَا التَّزَوُّجُ وَلَعَلَّهُ لِاحْتِمَالِ الْمُرَاجَعَةِ وَلْيُحَرَّرْ ط (قَوْلُهُ فَأَتَاهَا بِكِتَابٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْرَ الثِّقَةِ لَوْ لَمْ يَأْتِهَا بِكِتَابٍ لَا يَحِلُّ لَهَا وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهَا صِدْقَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ تَعْتَدَّ) أَيْ مِنْ حِينِ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ لَا مِنْ حِينِ الْإِخْبَارِ فِيمَا يَظْهَرُ تَأَمَّلْ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ حَيَاتُهُ أَوْ أَنْكَرَ الطَّلَاقَ أَوْ الرِّدَّةَ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ شَرْعِيَّةٌ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ الثَّانِي وَتَعُودُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ تُحْبَسُ) لَمْ يَذْكُرْ ضَرْبَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهَا تُضْرَبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثَةَ أَسْوَاطٍ. وَعَنْ الْحَسَنِ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ إلَى أَنْ تَمُوتَ أَوْ تُسْلِمَ، وَهَذَا قَتْلٌ مَعْنًى لِأَنَّ مُوَالَاةَ الضَّرْبِ تُفْضِي إلَيْهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا تُضْرَبُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا، وَهَذَا مَيْلٌ إلَى قَوْلِ الثَّانِي فِي نِهَايَةِ التَّعْزِيرِ. وَقَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ فِي كُلِّ تَعْزِيرٍ بِالضَّرْبِ نَهْرٌ وَجَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهَا تُضْرَبُ فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَظَاهِرُ الْفَتْحِ تَضْعِيفُ مَا مَرَّ، وَالظَّاهِرُ اخْتِصَاصُ الضَّرْبِ وَالْحَبْسِ بِغَيْرِ الصَّغِيرَةِ تَأَمَّلْ، وَسَنَذْكُرُ مَا يُؤَيِّدُهُ (قَوْلُهُ وَلَا تُقْتَلُ) يُسْتَثْنَى السَّاحِرَةُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا مَنْ أَعْلَنَتْ بِشَتْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا مَرَّ فِي الْجِزْيَةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) أَيْ وَبَاقِي الْأَئِمَّةِ، وَالْأَدِلَّةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا) لَكِنَّهُ يُؤَدَّبُ عَلَى ذَلِكَ لِارْتِكَابِهِ مَا لَا يَحِلُّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَدَّةِ التَّزَوُّجُ بِغَيْرِ زَوْجِهَا) فِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِنْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ كَانَ لِزَوْجِهَا أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، فَإِنْ سُبِيَتْ أَوْ عَادَتْ مُسْلِمَةً لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ نِكَاحَ الْأُخْتِ وَكَانَتْ فَيْئًا إنْ سُبِيَتْ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِنْ عَادَتْ مُسْلِمَةً كَانَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ مِنْ سَاعَتِهَا. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ لَهَا التَّزَوُّجَ بِمَنْ شَاءَتْ، لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ أَفْتَى الدَّبُوسِيُّ وَالصَّفَّارُ وَبَعْضُ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ بِعَدَمِ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِالرِّدَّةِ رَدًّا عَلَيْهَا، وَغَيْرُهُمْ مَشَوْا عَلَى الظَّاهِرِ وَلَكِنْ حَكَمُوا بِجَبْرِهَا عَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ مَعَ الزَّوْجِ وَيُضْرَبُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ لِلْفَتْوَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ الْإِمَامِ) أَيْ فِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَفْتَى بِهِ إلَخْ) فِي الْفَتْحِ: قِيلَ وَلَوْ أَفْتَى بِهَذِهِ لَا بَأْسَ بِهِ فِيمَنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ حَسْمًا لِقَصْدِهَا السَّيِّئِ بِالرِّدَّةِ مِنْ إثْبَاتِ الْفُرْقَةِ (قَوْلُهُ وَتَكُونُ قِنَّةً لِلزَّوْجِ بِالِاسْتِيلَاءِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: قِيلَ وَفِي الْبِلَادِ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا التَّتَرُ وَأَجْرَوْا أَحْكَامَهُمْ فِيهَا وَنَفَوْا الْمُسْلِمِينَ كَمَا وَقَعَ فِي خُوَارِزْمَ وَغَيْرِهَا إذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الزَّوْجُ بَعْدَ الرِّدَّةِ مَلَكَهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ حَرْبٍ فِي الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْ الْإِمَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْفَتْحِ إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ قَبْلَ الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنْهُ آنِفًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 (وَصَحَّ تَصَرُّفُهَا) لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ (وَأَكْسَابُهَا) مُطْلَقًا (لِوَرَثَتِهَا) وَيَرِثُهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ لَوْ مَرِيضَةً وَمَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ كَمَا مَرَّ فِي طَلَاقِ الْمَرِيضِ. قُلْت: وَفِي الزَّوَاهِرِ أَنَّهُ لَا يَرِثُهَا لَوْ صَحِيحَةً لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَلَمْ تَكُنْ فَارَّةً فَتَأَمَّلْ. (وَلَدَتْ أَمَتُهُ وَلَدًا فَادَّعَاهُ فَهُوَ ابْنُهُ حُرًّا يَرِثُهُ فِي) أَمَتِهِ (الْمُسْلِمَةِ مُطْلَقًا) وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ أَوْ أَكْثَرَ لِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأُمِّهِ، وَالْمُسْلِمُ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ (إنْ مَاتَ الْمُرْتَدُّ) أَوْ لَحِقَ بِدَارِهِمْ، وَكَذَا فِي (أَمَتِهِ النَّصْرَانِيَّةِ) أَيْ الْكِتَابِيَّةِ (إلَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ مُنْذُ ارْتَدَّ) وَكَذَا لِنِصْفِهِ لِعُلُوقِهِ مِنْ مَاءِ الْمُرْتَدِّ فَيَتْبَعُهُ لِقُرْبِهِ لِلْإِسْلَامِ بِالْجَبْرِ عَلَيْهِ وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ الْمُرْتَدَّ (وَإِنْ لَحِقَ بِمَالِهِ) أَيْ مَعَ مَالِهِ (وَظَهَرَ عَلَيْهِ فَهُوَ) أَيْ مَالُهُ (فَيْءٌ) لَا نَفْسُهُ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُسْتَرَقُّ (فَإِنْ رَجَعَ) أَيْ بَعْدَمَا لَحِقَ بِلَا مَالٍ سَوَاءٌ قَضَى بِلَحَاقِهِ أَوْ لَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْوَجْهُ فَتْحٌ (فَلَحِقَ) ثَانِيًا (بِمَالِهِ وَظَهَرَ عَلَيْهِ فَهُوَ لِوَارِثِهِ) لِأَنَّهُ بِاللَّحَاقِ انْتَقَلَ لِوَارِثِهِ فَكَانَ مَالِكًا قَدِيمًا، -   [رد المحتار] وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا إذَا ارْتَدَّتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ صَارَتْ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ فَتُسْتَرَقُّ عَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ بِأَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْ الْإِمَامِ أَوْ يَهَبَهَا لَهُ. أَمَّا لَوْ ارْتَدَّتْ فِيمَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْكُفَّارُ وَصَارَ دَارَ حَرْبٍ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ بِلَا شِرَاءٍ وَلَا هِبَةٍ كَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ مُتَلَصِّصًا وَسَبَى مِنْهُمْ، وَهَذَا لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ لِأَنَّ الِاسْتِرْقَاقَ وَقَعَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ وَصَحَّ تَصَرُّفُهَا) أَيْ لَا تَتَوَقَّفُ تَصَرُّفَاتُهَا مِنْ مُبَايَعَةٍ وَنَحْوِهَا بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ، نَعَمْ يَبْطُلُ مِنْهَا مَا يَبْطُلُ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ الْمَارَّةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ) فَلَمْ تَكُنْ رِدَّتُهَا سَبَبًا لِزَوَالِ مِلْكِهَا فَجَازَ تَصَرُّفُهَا فِي مَالِهَا بِالْإِجْمَاعِ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: فَلَوْ كَانَتْ مِمَّنْ يَجِبُ قَتْلُهَا كَالسَّاحِرَةِ وَالزِّنْدِيقَةِ يَنْبَغِي أَنْ تُلْحَقَ بِالْمُرْتَدِّ (قَوْلُهُ وَأَكْسَابُهَا مُطْلَقًا لِوَرَثَتِهَا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ كَسْبَ إسْلَامٍ أَوْ كَسْبَ رِدَّةٍ. قَالَ فِي النَّهْرِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِهَا مَنْ لَا يُقْتَلُ إذَا ارْتَدَّ لِشُبْهَةٍ فِي إسْلَامِهِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لَوْ مَرِيضَةً) لِأَنَّهَا تَكُونُ فَارَّةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ لَوْ صَحِيحَةً) أَيْ لَوْ ارْتَدَّتْ حَالَ كَوْنِهَا صَحِيحَةً (قَوْلُهُ فَلَمْ تَكُنْ فَارَّةً) لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ لَا تُقْتَلُ لَمْ تَكُنْ رِدَّتُهَا فِي حُكْمِ مَرَضِ الْمَوْتِ فَلَمْ تَكُنْ فَارَّةً فَلَا يَرِثُهَا لِأَنَّهَا بَانَتْ مِنْهُ وَقَدْ مَاتَتْ كَافِرَةً، بِخِلَافِ رِدَّتِهِ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ مَرَضِ الْمَوْتِ مُطْلَقًا فَتَرِثُهُ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ فَتَأَمَّلْ) مَا ذَكَرَهُ فِي الزَّوَاهِرِ مَفْهُومٌ مِمَّا قَبْلَهُ، وَقَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهِ عَنْ الْبَحْرِ وَتَقَدَّمَ مَتْنًا فِي بَابِ طَلَاقِ الْمَرِيضِ أَيْضًا فَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ الْأَمْرِ بِالتَّأَمُّلِ، نَعَمْ يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَبْلَ قَوْلِهِ قُلْت مَا نَصُّهُ: وَيَرِثُهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ اسْتِحْسَانًا إنْ مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ وَتَرِثُ الْمُرْتَدَّةُ زَوْجَهَا الْمُرْتَدَّ اتِّفَاقًا خَانِيَّةٌ. قُلْت: وَفِي الزَّوَاهِرِ إلَخْ، وَعَلَيْهِ فَالْأَمْرُ بِالتَّأَمُّلِ وَارِدٌ عَلَى إطْلَاقِ قَوْلِ الْخَانِيَّةِ وَيَرِثُهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الِارْتِدَادِ ط (قَوْلُهُ أَيْ الْكِتَابِيَّةُ) فَسَّرَهُ بِهِ لِيَعُمَّ الْيَهُودِيَّةَ ط (قَوْلُهُ إلَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ يَرِثُهُ، أَمَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ الْعُلُوقُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ مُسْلِمًا يَرِثُ الْمُرْتَدَّ دُرَرٌ (قَوْلُهُ بِالْجَبْرِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنْ يُسْلِمَ دُرَرٌ: أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّبَعَ أُمَّهُ الْكِتَابِيَّةَ لِأَنَّهَا لَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَظُهِرَ عَلَيْهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ: أَيْ غُلِبَ وَقُهِرَ (قَوْلُهُ فَيْءٌ) أَيْ غَنِيمَةٌ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَا لِوَرَثَتِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُسْتَرَقُّ) بَلْ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ. وَلَا يُشْكِلُ كَوْنُ مَالِهِ فَيْئًا دُونَ نَفْسِهِ لِأَنَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ كَذَلِكَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِلَا مَالٍ) مُتَعَلِّقٌ بِلَحِقَ. بَقِيَ مَا إذَا لَحِقَ بِبَعْضِ مَالِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَلَحِقَ بِالْبَاقِي، وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّ مَا لَحِقَ بِهِ أَوَّلًا فَيْءٌ، وَمَا لَحِقَ بِهِ ثَانِيًا لِوَرَثَتِهِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) لِأَنَّ عَوْدَهُ وَأَخَذَهُ وَلَحَاقَهُ ثَانِيًا يُرَجِّحُ جَانِبَ عَدَمِ الْعَوْدِ وَيُؤَكِّدُهُ، فَيَتَقَرَّرُ مَوْتُهُ، وَمَا اُحْتِيجَ لِلْقَضَاءِ بِاللَّحَاقِ لِصَيْرُورَتِهِ مِيرَاثًا إلَّا لِيَتَرَجَّحَ عَدَمُ عَوْدِهِ فَتَقَرَّرَ إقَامَتُهُ ثَمَّةَ فَيَتَقَرَّرُ مَوْتُهُ، فَكَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 وَحُكْمُهُ مَا مَرَّ أَنَّهُ لَهُ (قَبْلَ قِسْمَتِهِ بِلَا شَيْءٍ وَبَعْدَهَا بِقِيمَتِهِ) إنْ شَاءَ وَلَا يَأْخُذُهُ لَوْ مِثْلِيًّا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ (وَإِنْ قَضَى بِعَبْدِ) شَخْصٍ (مُرْتَدٍّ لَحِقَ) بِدَارِهِمْ (لِابْنِهِ فَكَاتَبَهُ) الِابْنُ (فَجَاءَ) الْمُرْتَدُّ (مُسْلِمًا فَبَدَلُهَا) وَالْوَلَاءُ كِلَاهُمَا (لِلْأَبِ) الَّذِي عَادَ مُسْلِمًا لِجَعْلِ الِابْنِ كَالْوَكِيلِ. (مُرْتَدٌّ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً فَلَحِقَ أَوْ قُتِلَ فَدِيَتُهُ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ) إنْ كَانَ وَإِلَّا فَفِي كَسْبِ الرِّدَّةِ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِغَصْبٍ. أَمَّا لَوْ كَانَ الْغَصْبُ بِالْمُعَايَنَةِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ فِي الْكَسْبَيْنِ اتِّفَاقًا ظَهِيرِيَّةٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ كَجِنَايَتِهِمْ فِي غَيْرِ الرِّدَّةِ (قُطِعَتْ يَدُهُ عَمْدًا فَارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَمَاتَ مِنْهُ أَوْ لَحِقَ) فَحَكَمَ بِهِ (فَجَاءَ مُسْلِمًا فَمَاتَ مِنْهُ ضَمِنَ الْقَاطِعُ نِصْفَ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ لِوَارِثِهِ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّ السِّرَايَةَ حَلَّتْ مَحَلًّا غَيْرَ مَعْصُومٍ فَأُهْدِرَتْ،   [رد المحتار] رُجُوعُهُ ثُمَّ عَوْدُهُ ثَانِيًا بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ. وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ السِّيَرِ جَعَلَهُ فَيْئًا لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ اللَّحَاقِ لَا يَصِيرُ الْمَالُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ، وَالْوَجْهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ تَبَعًا لِلنِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ الْإِطْلَاقُ وَاعْتَمَدَهُ فِي الْكَافِي، وَبِهِ سَقَطَ إشْكَالُ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى النِّهَايَةِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ إذَا وَجَدَ مِلْكَهُ فِي الْغَنِيمَةِ مَا مَرَّ فِي الْجِهَادِ مِنْ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ) أَيْ فِي أَخْذِهِ وَدَفْعِ مِثْلِهِ . (قَوْلُهُ لَحِقَ بِدَارِهِمْ) أَيْ بِدَارِ أَهْلِ الْحَرْبِ (قَوْلُهُ فَجَاءَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمًا) يَعْنِي قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ لِلِابْنِ، إذْ لَوْ كَانَ بَعْدَهُ يَكُونُ الْوَلَاءُ لِلِابْنِ، وَقَيَّدَ بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّ الِابْنَ إذَا دَبَّرَهُ ثُمَّ جَاءَ الْأَبُ مُسْلِمًا فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِلِابْنِ دُونَ الْأَبِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة، وَكَأَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْكِتَابَةَ تَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالتَّعْجِيزِ فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى الْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ كِلَاهُمَا لِلْأَبِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ فَسْخَ الْكِتَابَةِ لِصُدُورِهَا عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ؛ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يَمْلِكُ إبْطَالَ كِتَابَةِ الْوَارِثِ قَبْلَ أَدَاءِ جَمِيعِ الْبَدَلِ؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ فَسْخَهَا بِمُجَرَّدِ مَجِيئِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْسَخَهَا، أَمَّا إذَا فَسَخَهَا انْفَسَخَتْ إلَّا أَنَّ جَعْلَهُمْ الْوَارِثَ كَالْوَكِيلِ مِنْ جِهَتِهِ يَأْبَاهُ. اهـ. . . (قَوْلُهُ فَلَحِقَ) أَمَّا لَوْ قُتِلَ بَعْدَ اللَّحَاقِ ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ أَوْ قَذَفَ لِصَيْرُورَتِهِ فِي حُكْمِ أَهْلِ الْحَرْبِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَدِيَتُهُ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ) هَذَا بِنَاءٌ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْمُصَحَّحَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ دَيْنَ الْمُرْتَدِّ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ إسْلَامِهِ، إلَّا أَنْ لَا يَفِيَ فَمِنْ كَسْبِ رِدَّتِهِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْبَحْرِ؛ وَهَذَا خِلَافُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ فِي الدَّيْنِ (قَوْلُهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ) صَوَابُهُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة: وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى قَوْلِ الْفَتْحِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا كَسْبَ رِدَّةٍ فَقَطْ فَجِنَايَتُهُ هَدَرٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَهْوٌ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ لَهُ الْكَسْبَانِ قَالَا يَسْتَوْفِي مِنْهُمَا. وَقَالَ الْإِمَامُ مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ أَوَّلًا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ اسْتَوْفَى مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ (قَوْلُهُ وَكَذَا) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ وُجُوبِهِ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَ إلَخْ وَهُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ النَّهْرِ عَنْ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ فَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ: وَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ فَعِنْدَهُمَا يُسْتَوْفَى مِنْ الْكَسْبَيْنِ جَمِيعًا، وَعِنْدَهُ مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فَيَصِحُّ فِي مَالِهِ وَكَسْبُ الرِّدَّةِ مَالُهُ عِنْدَهُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ كَجِنَايَتِهِمْ فِي غَيْرِ الرِّدَّةِ) فَيُخَيَّرُ السَّيِّدُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، وَالْمُكَاتَبُ مُوجِبٌ جِنَايَتَهُ فِي كَسْبِهِ، وَأَمَّا الْجِنَايَةُ عَلَيْهِمْ فَهَدَرٌ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. وَأَمَّا جِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ فَسَتَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ ط (قَوْلُهُ فَارْتَدَّ) أَفَادَ أَنَّ الرِّدَّةَ بَعْدَ الْقَطْعِ، فَلَوْ قَبْلَهُ لَا يَضْمَنُ قَاطِعُهُ، إذْ لَوْ قَتَلَهُ لَا يَضْمَنُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَوْ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ: أَيْ نَعُوذُ الْعِيَاذَ بِاَللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَمَاتَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقَطْعِ: أَيْ مَاتَ مُرْتَدًّا، فَلَوْ مُسْلِمًا فَيَأْتِي (قَوْلُهُ نِصْفُ الدِّيَةِ) أَيْ ضَمِنَ دِيَةَ الْيَدِ فَقَطْ وَذَلِكَ نِصْفُ دِيَةِ النَّفْسِ، وَلَا يَضْمَنُ بِالسِّرَايَةِ إلَى النَّفْسِ شَيْئًا (قَوْلُهُ لِوَارِثِهِ) إنَّمَا كَانَتْ لَهُ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ كَسْبِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ السِّرَايَةَ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَعَلَّلَ الثَّانِيَةَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ صَارَ مَيِّتًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 قَيَّدَ بِالْعَمْدِ لِأَنَّهُ فِي الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ (وَ) قَيَّدْنَا بِالْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ لِأَنَّهُ (إنْ) عَادَ قَبْلَهُ أَوْ (أَسْلَمَ هَاهُنَا) وَلَمْ يَلْحَقْ (فَمَاتَ مِنْهُ) بِالسِّرَايَةِ (ضَمِنَ) الدِّيَةَ (كُلَّهَا) لِكَوْنِهِ مَعْصُومًا وَقْتَ السِّرَايَةِ أَيْضًا ارْتَدَّ الْقَاطِعُ فَقُتِلَ أَوْ مَاتَ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ فَهَدَرٌ لَوْ عَمَدَ الْفَوَاتَ مَحَلَّ الْقَوَدِ، وَلَوْ خَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ خَانِيَّةٌ. وَلَا عَاقِلَةَ لِمُرْتَدٍّ. (وَلَوْ ارْتَدَّ مُكَاتَبٌ وَلَحِقَ) وَاكْتَسَبَ مَالًا (وَأَخَذَ بِمَالِهِ وَ) لَمْ يُسْلِمْ فَقُتِلَ (فَبَدَلُ مُكَاتَبَتِهِ لِمَوْلَاهُ، وَمَا بَقِيَ) مِنْ مَالِهِ (لِوَارِثِهِ) لِأَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْكِتَابَةِ. (زَوْجَانِ ارْتَدَّا وَلَحِقَا فَوَلَدَتْ) الْمُرْتَدَّةُ (وَلَدًا وَوُلِدَ لَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْمَوْلُودِ (وَلَدٌ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ) جَمِيعًا (فَالْوَلَدَانِ فَيْءٌ) كَأَصْلِهِمَا (وَ) الْوَلَدُ (الْأَوَّلُ يُجْبَرُ) بِالضَّرْبِ (عَلَى الْإِسْلَامِ) وَإِنْ حَبِلَتْ بِهِ ثَمَّةَ لِتَبَعِيَّتِهِ لِأَبَوَيْهِ (لَا الثَّانِي)   [رد المحتار] تَقْدِيرًا وَالْمَوْتُ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ، وَإِسْلَامُهُ حَيَاةٌ حَادِثَةٌ فِي التَّقْدِيرِ فَلَا يَعُودُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى اهـ وَإِنَّمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ لِاعْتِرَاضِ الرِّدَّةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فِي الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى مَا ذُكِرَ مِنْ ضَمَانِ نِصْفِ الدِّيَةِ، وَفِيهِ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْأَطْرَافَ فَلْيُتَأَمَّلْ ط. أَقُولُ: لَمْ نَرَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُصَرَّحُ بِهِ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ مَا دُونَ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ وَالْوَاجِبُ هُنَا نِصْفُ الدِّيَةِ فَتَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ بِلَا شُبْهَةٍ (قَوْلُهُ كُلُّهَا) هَذَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ النِّصْفُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ ارْتَدَّ الْقَاطِعُ) لَمَّا بَيَّنَ حُكْمَ الْمَقْطُوعِ الْمُرْتَدِّ أَرَادَ بَيَانَ حُكْمِ الْقَاطِعِ الْمُرْتَدِّ ط (قَوْلُهُ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْقَوَدِ) مُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْفَرْقِ فِي الْقَاطِعِ بَيْنَ أَنْ يَرْتَدَّ أَوْ لَا ط. قُلْت: وَقَدْ صَرَّحُوا فِي الْجِنَايَاتِ بِأَنَّ مَوْتَ الْقَاتِلِ قَبْلَ الْمَقْتُولِ مُسْقِطٌ لِلْقَوَدِ (قَوْلُهُ فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) لِأَنَّهُ حِينَ الْقَطْعِ كَانَ مُسْلِمًا وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْجِنَايَةَ قَتْلٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَا عَاقِلَةَ لِمُرْتَدٍّ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا مَحَلَّ لَهُ هُنَا، بَلْ مَحَلُّهُ عِنْدَ قَوْلِهِ مُرْتَدٌّ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً. قُلْتُ: أَشَارَ بِذِكْرِهِ هُنَا إشَارَةً خَفِيَّةً كَمَا هُوَ عَادَتُهُ شَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى سَعْيَهُ إلَى فَائِدَةِ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِ الرِّدَّةِ بَعْدَ الْقَطْعِ فِي قَوْلِهِ ارْتَدَّ الْقَاطِعُ، وَهِيَ مَا لَوْ كَانَ الْقَطْعُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَإِنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لِلْمُرْتَدِّ، فَاسْتَغْنَى بِالتَّعْلِيلِ عَنْ التَّصْرِيحِ بِالْمُعَلَّلِ لِانْفِهَامِهِ مِمَّا قَبْلَهُ وَلَا تَنْسَ قَوْلَهُ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ فَرُبَّمَا خَالَفْتُ فِي حُكْمٍ أَوْ دَلِيلٍ، فَحَسِبَهُ مَنْ لَا اطِّلَاعَ لَهُ وَلَا فَهْمَ عُدُولًا عَنْ السَّبِيلِ إلَخْ فَافْهَمْ . (قَوْلُهُ وَأُخِذَ بِمَالِهِ) أَيْ أُسِرَ مَعَ مَالِهِ الَّذِي اكْتَسَبَهُ فِي زَمَنِ رِدَّتِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَبَدَلُ مُكَاتَبَتِهِ لِمَوْلَاهُ إلَخْ) أَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ كَسْبَ الرِّدَّةِ مِلْكُهُ إذَا كَانَ حُرًّا فَكَذَا إذَا كَانَ مُكَاتَبًا، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إنَّمَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ بِالْكِتَابَةِ وَالْكِتَابَةُ لَا تَتَوَقَّفُ بِالرِّدَّةِ فَكَذَا أَكْسَابُهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَحِقَا فَوَلَدَتْ) وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الرِّدَّةِ ثُمَّ لَحِقَا بِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ خَرَجَ عَنْ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ كَانَ بِالتَّبَعِيَّةِ لَهُمَا أَوْ لِلدَّارِ، وَقَدْ انْعَدَمَ الْكُلُّ فَيَكُونُ الْوَلَدُ فَيْئًا، وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ إذَا بَلَغَ كَالْأُمِّ، فَإِنْ كَانَ الْأَبُ ذَهَبَ بِهِ وَحْدَهُ وَالْأُمُّ مُسْلِمَةٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ فَيْئًا لِأَنَّهُ بَقِيَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأُمِّهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَالْوَلَدَانِ فَيْءٌ كَأَصْلِهِمَا) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْوَلَدِ، فَإِنَّ أُمَّهُ تُسْتَرَقُّ وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ. أَمَّا وَلَدُ الْوَلَدِ فَلَا يَتْبَعُهَا لِأَنَّهُ لَا يَتْبَعُ الْجَدَّ كَمَا يَأْتِي وَهَذِهِ جَدَّةٌ فِي حُكْمِ الْجَدِّ، وَلَا أَبَاهُ لِأَنَّ أَبَاهُ تَبَعٌ وَالتَّبَعُ لَا يَسْتَتْبِعُ غَيْرَهُ كَمَا يَأْتِي. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تَبَعٌ لِأُمِّهِ الْحَرْبِيَّةِ، وَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ تَكُونُ أُمُّهُ ذِمِّيَّةً مُسْتَأْمَنَةً، فَالْمُنَاسِبُ كَوْنُ الْعِلَّةِ فِي كَوْنِهِ فَيْئًا أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْحَرْبِيِّ كَمَا يَأْتِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْوَلَدُ الْأَوَّلُ يُجْبَرُ بِالضَّرْبِ) أَيْ وَالْحَبْسِ نَهْرٌ أَيْ بِخِلَافِ أَبَوَيْهِ فَإِنَّهُمَا يُجْبَرَانِ بِالْقَتْلِ (قَوْلُهُ وَإِنْ حَبِلَتْ بِهِ ثَمَّةَ) أَشَارَ إلَى أَنَّهَا لَوْ حَبِلَتْ بِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يُجْبَرُ بِالْأَوْلَى. وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ تَقْيِيدَ الْهِدَايَةِ بِالْحَبَلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ غَيْرُ احْتِرَازِيٍّ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِتَبَعِيَّتِهِ لِأَبَوَيْهِ) أَيْ فِي الْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ وَهُمَا يُجْبَرَانِ فَكَذَا هُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 لِعَدَمِ تَبَعِيَّةِ الْجَدِّ عَلَى الظَّاهِرِ فَحُكْمُهُ كَحَرْبِيٍّ (وَ) قُيِّدَ بِرِدَّتِهِمَا لِأَنَّهُ (لَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ عَنْ امْرَأَةٍ حَامِلٍ فَارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ فَوَلَدَتْ هُنَاكَ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِ تِلْكَ الدَّارِ (فَإِنَّهُ لَا يُسْتَرَقُّ وَيَرِثُ أَبَاهُ) لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ (وَلَوْ لَمْ تَكُنْ وَلَدَتْهُ حَتَّى سُبِيَتْ ثُمَّ وَلَدَتْهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ) تَبَعًا لِأَبِيهِ (مَرْقُوقٌ) تَبَعًا لِأُمِّهِ (فَلَا يَرِثُ أَبَاهُ) لِرِقِّهِ بَدَائِعُ. (وَإِذَا ارْتَدَّ صَبِيٌّ عَاقِلٌ صَحَّ) خِلَافًا لِلثَّانِي، وَلَا خِلَافَ فِي تَخْلِيدِهِ فِي النَّارِ لِعَدَمِ الْعَفْوِ عَنْ الْكُفْرِ تَلْوِيحٌ (كَإِسْلَامِهِ) فَإِنَّهُ يَصِحُّ اتِّفَاقًا (فَلَا يَرِثُ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ) تَفْرِيعٌ عَلَى الثَّانِي (وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ) بِالضَّرْبِ تَفْرِيعٌ عَلَى الْأَوَّلِ (وَالْعَاقِلُ الْمُمَيِّزُ) وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ فَأَكْثَرَ مُجْتَبًى وَسِرَاجِيَّةٌ (وَقِيلَ الَّذِي يَعْقِلُ أَنَّ الْإِسْلَامَ سَبَبُ النَّجَاةِ وَيُمَيِّزُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَالْحُلْوَ مِنْ الْمُرِّ) قَائِلُهُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ قَائِلًا وَلَمْ أَرَ مَنْ قَدَّرَهُ بِالسِّنِّ.   [رد المحتار] وَإِنْ اخْتَلَفَتْ كَيْفِيَّةُ الْجَبْرِ ط (قَوْلُهُ لِعَدَمِ تَبَعِيَّةِ الْجَدِّ) وَلِعَدَمِ تَبَعِيَّتِهِ لِأَبِيهِ لِأَنَّ رِدَّةَ أَبِيهِ كَانَتْ تَبَعًا وَالتَّبَعُ لَا يَسْتَتْبِعُ خُصُوصًا، وَأَصْلُ التَّبَعِيَّةِ ثَابِتَةٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ حَقِيقَةً وَلِذَا يُجْبَرُ بِالْحَبْسِ لَا بِالْقَتْلِ، بِخِلَافِ أَبِيهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ أَنَّهُ يَتْبَعُ الْجَدَّ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ تَبِعَ الْجَدَّ لَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مُسْلِمِينَ تَبَعًا لِآدَمَ وَحَوَّاءَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَلَمْ يُوجَدْ فِي ذُرِّيَّتِهِمَا كَافِرٌ غَيْرُ مُرْتَدٍّ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. وَالْمَسَائِلُ الَّتِي يُخَالِفُ فِيهَا الْجَدُّ الْأَبَ ثَلَاثَةَ عَشْرَ سَتَأْتِي فِي الْفَرَائِضِ، وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ مِنْهَا هُنَا إحْدَى عَشْرَةَ ذَكَرَهَا الْمُحَشِّيُّ (قَوْلُهُ فَحُكْمُهُ كَحَرْبِيٍّ) فِي أَنَّهُ يُسْتَرَقُّ وَتُوضَعُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ أَوْ يُقْتَلُ. وَأَمَّا الْجَدُّ فَيُقْتَلُ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهُ الْمُرْتَدُّ بِالْأَصَالَةِ أَوْ يُسْلِمُ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ) أَيْ تَبَعًا لِأَبِيهِ، وَلَا يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الرِّقِّ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمِلْكِ عَلَيْهَا وَقْتَ وِلَادَتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ السَّبْيِ ط. مَطْلَبٌ فِي رِدَّةِ الصَّبِيِّ وَإِسْلَامِهِ (قَوْلُهُ وَإِذَا ارْتَدَّ صَبِيٌّ عَاقِلٌ صَحَّ) سَوَاءٌ كَانَ إسْلَامُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ ثُمَّ ارْتَدَّ قَبْلَ الْبُلُوغِ، فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَلَا يَبْقَى وَارِثًا قُهُسْتَانِيٌّ، وَلَكِنْ لَا يُقْتَلُ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ الْقَتْلَ عُقُوبَةٌ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا فِي الدُّنْيَا، وَلَكِنْ لَوْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا كَالْمَرْأَةِ إذَا ارْتَدَّتْ لَا تُقْتَلُ وَلَا يَغْرَمُ قَاتِلُهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) فَلَا تَصِحُّ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُلْتَقَى أَنَّ الْإِمَامَ رَجَعَ إلَيْهِ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا خِلَافَ فِي تَخْلِيدِهِ فِي النَّارِ) فَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَقَطْ بَحْرٌ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْكُفْرِ دُخُولُ الْجَنَّةِ مَعَ الشِّرْكِ خِلَافُ حُكْمِ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ كَمَا فِي الْأُصُولِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَإِسْلَامِهِ) فَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ مِنْ عِصْمَةِ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَحِلِّ الذَّبْحِ وَنِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ وَالْإِرْثِ مِنْ الْمُسْلِمِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ اتِّفَاقًا) أَيْ مِنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ، وَإِلَّا فَقَدْ خَالَفَ فِي صِحَّةِ إسْلَامِهِ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ. فَإِنْ قِيلَ: هُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ. قُلْنَا: إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ كَمَا عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَأَنَّهُ يَقَعُ مُسْقِطًا لِلْوَاجِبِ لَكِنَّا إنَّمَا نَخْتَارُ أَنَّهُ يَصِحُّ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ الدُّنْيَوِيَّةُ وَالْأُخْرَوِيَّةُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ بِالضَّرْبِ) أَيْ وَالْحَبْسِ كَمَا مَرَّ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا بَعْدَ بُلُوغِهِ، لِمَا مَرَّ أَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ، وَلِمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِنْ ارْتَدَّ الْغُلَامُ الْمُرَاهِقُ عَنْ الْإِسْلَامِ لَمْ يُقْتَلْ، فَإِنْ أَدْرَكَ كَافِرًا حُبِسَ وَلَمْ يُقْتَلْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ الَّذِي يَعْقِلُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ بَيَّنَ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ زَادَ فِي الْمَبْسُوطِ كَوْنَهُ بِحَيْثُ يُنَاظِرُ وَيَفْهَمُ وَيُفْحِمُ. اهـ. قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ، وَمَعْنَى تَمْيِيزِهِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الصِّدْقَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 قُلْت: وَقَدْ رَأَيْت نَقْلَهُ. وَيُؤَيِّدُهُ " أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَرَضَ الْإِسْلَامَ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَسِنُّهُ سَبْعٌ» وَكَانَ يَفْتَخِرُ بِهِ، حَتَّى قَالَ: سَبَقْتُكُمْ إلَى الْإِسْلَامِ طُرًّا ... غُلَامًا مَا بَلَغْتُ أَوَانَ حُلْمِي وَسُقْتُكُمْ إلَى الْإِسْلَامِ قَهْرًا ... بِصَارِمِ هِمَّتِي وَسِنَانِ عَزْمِي ثُمَّ هَلْ يَقَعُ فَرْضًا قَبْلَ الْبُلُوغِ؟ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ نَعَمْ اتِّفَاقًا. وَفِي التَّحْرِيرِ: الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمَاتُرِيدِيِّ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِأَدَاءِ الْإِيمَانِ كَالْبَالِغِ،   [رد المحتار] مَثَلًا حَسَنٌ وَالْكَذِبَ قَبِيحٌ يُلَامُ فَاعِلُهُ، وَأَنَّ الْعَسَلَ حُلْوٌ وَالصَّبْرَ مُرٌّ؛ وَمَعْنَى كَوْنِهِ بِحَيْثُ يُنَاظَرُ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمُسْلِمَ فِي الْجَنَّةِ وَالْكَافِرَ فِي النَّارِ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ لَا يَنْبَغِي لَك أَنْ تُخَالِفَ دِينَ أَبَوَيْك يَقُولُ نَعَمْ لَوْ كَانَ دِينُهُمَا حَقًّا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ ابْنَ سَبْعٍ لَا يَعْقِلُ ذَلِكَ غَالِبًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمُنَاظَرَةَ وَلَوْ فِي أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَدَفَعَ إلَى الْبَائِعِ الثَّمَنَ وَامْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ قَائِلًا لَا أُسَلِّمُهُ إلَّا إلَى أَبِيكَ لِأَنَّكَ قَاصِرٌ فَيَقُولُ لَهُ لِمَ أَخَذْتَ مِنِّي الثَّمَنَ؛ فَإِنْ لَمْ تُسَلِّمْنِي الْمَبِيعَ ادْفَعْ لِي الثَّمَنَ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ يَقَعُ مِنْ ابْنِ سَبْعٍ غَالِبًا، وَعَلَيْهِ يَتَّحِدُ الْقَوْلَانِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَدْ رَأَيْتَ) بِفَتْحِ تَاءِ الْمُخَاطَبِ (قَوْلُهُ وَسِنُّهُ سَبْعٌ) وَقِيلَ ثَمَانٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عُرْوَةَ، وَقِيلَ عَشْرٌ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقِيلَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَهُوَ مَرْدُودٌ وَتَمَامُ ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الصِّبْيَانِ الْأَحْرَارِ، وَمِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ أَبُو بَكْرٍ، وَمِنْ النِّسَاءِ خَدِيجَةُ، وَمِنْ الْمَوَالِي زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَنَقَلَ عِبَارَتَهُ الْمُحَشِّيُّ (قَوْلُهُ حَتَّى قَالَ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ فِي مَادَّةِ وَدَقَ. قَالَ الْمَازِنِيُّ: لَمْ يَصِحَّ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ الشِّعْرِ غَيْرَ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ تِلْكُمْ قُرَيْشٌ تَمُنَّانِي لِتَقْتُلَنِي إلَخْ وَصَوَّبَهُ الزَّمَخْشَرِيُ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ نِسْبَةَ مَا هُنَا إلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ (قَوْلُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ نَعَمْ اتِّفَاقًا) فَائِدَةُ وُقُوعِهِ فَرْضًا عَدَمُ فَرِيضَةِ تَجْدِيدِ إقْرَارٍ آخَرَ بَعْدَ الْبُلُوغِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ. ثُمَّ قَالَ: لَكِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى الصَّبِيِّ بَلْ يَقَعُ فَرْضًا قَبْلَ الْبُلُوغِ. أَمَّا عِنْدَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَلِأَنَّهُ يَثْبُتُ أَصْلُ الْوُجُوبِ بِهِ عَلَى الصَّبِيِّ بِالسَّبَبِ وَهُوَ حُدُوثُ الْعَالَمِ وَعَقْلِيَّةُ دَلَالَتِهِ دُونَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لِأَنَّهُ بِالْخِطَابِ وَهُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ، فَإِذَا وُجِدَ بَعْدَ السَّبَبِ وَقَعَ الْفَرْضُ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ. وَأَمَّا عِنْدَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ لَا وُجُوبَ أَصْلًا لِعَدَمِ حُكْمِهِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ، فَإِذَا وُجِدَ وُجِدَ، فَصَارَ كَالْمُسَافِرِ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ يَسْقُطُ فَرْضُهُ، وَلَيْسَتْ الْجُمُعَةُ فَرْضًا عَلَيْهِ، لَكِنَّ ذَلِكَ لِلتَّرْفِيهِ عَلَيْهِ بَعْدَ سَبَبِهَا فَإِذَا فَعَلَ تَمَّ اهـ. مَطْلَبٌ هَلْ يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ الْإِيمَانُ (قَوْلُهُ وَفِي التَّحْرِيرِ إلَخْ) هَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ. وَعِبَارَةُ التَّحْرِيرِ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ: وَعَنْ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَالْمُعْتَزِلَةِ إنَاطَةُ وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِهِ أَيْ بِعَقْلِ الصَّبِيِّ وَعِقَابِهِ بِتَرْكِهِ. وَنَفَاهُ بَاقِي الْحَنَفِيَّةِ دِرَايَةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ» وَرِوَايَةً لِعَدَمِ انْفِسَاخِ نِكَاحِ الْمُرَاهَقَةِ بِعَدَمِ وَصْفِ الْإِيمَانِ اهـ مُوَضَّحًا مِنْ شَرْحِهِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ. وَقَالَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّانِي: وَزَادَ أَبُو مَنْصُورٍ إيجَابَهُ عَلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، وَنَقَلُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَوْ لَمْ يَبْعَثْ اللَّهُ تَعَالَى لِلنَّاسِ رَسُولًا لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ مَعْرِفَتُهُ بِعُقُولِهِمْ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّونَ: لَا تَعَلُّقَ لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَالتَّبْلِيغِ كَالْأَشَاعِرَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَحَكَمُوا بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ رِوَايَةِ: لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي الْجَهْلِ بِخَالِقِهِ، لِمَا يَرَى مِنْ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَخَلْقِ نَفْسِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 حَتَّى لَوْ مَاتَ بَعْدَهُ بِلَا إيمَانٍ خُلِّدَ فِي النَّارِ نَهْرٌ وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: بِدَرْوِيشِ دَرْوِيشَانِ كَفَّرَ بَعْضُهُمْ ... وَصَحَّحَ أَنْ لَا كُفْرَ وَهْوَ الْمُحَرَّرُ كَذَا قَوْلُ شَيْ لِلَّهِ قِيلَ بِكُفْرِهِ ... وَيَا حَاضِرٌ يَا نَاظِرٌ لَيْسَ يَكْفُرُ وَمَنْ يَسْتَحِلُّ الرَّقْصَ قَالُوا بِكُفْرِهِ ... وَلَا سِيَّمَا بِالدُّفِّ يَلْهُو وَيَزْمُرُ   [رد المحتار] بَعْدَ الْبَعْثَةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ حَمْلُ الْوُجُوبِ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْنَى يَنْبَغِي، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِهِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ لَوْ مَاتَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْعَقْلِ. مَطْلَبٌ فِي مَعْنَى دَرْوِيشٍ دَرْوِيشَانِ (قَوْلُهُ كَفَّرَ بَعْضُهُمْ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ جَمِيعُ الْأَشْيَاءِ مُبَاحَةٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا لَا تَجُوزُ إبَاحَتُهُ فَيَكُونُ مُبِيحَ الْحَرَامِ وَهُوَ كُفْرٌ وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ مَسْكَنَةُ الْمَسَاكِينِ أَوْ فَقْرُ الْفُقَرَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ تَمَسَّكْنَا بِمَسْكَنَةِ الْمَسَاكِينِ أَوْ افْتَقَرْنَا إلَيْكَ بِفَقْرِ الْفُقَرَاءِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ قَطُّ عَلَى مَا ذُكِرَ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَنَازَعَهُ فِي [نُورِ الْعَيْنِ] بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَى هُوَ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيُّ أَمَّا الْعُرْفِيُّ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ اصْطِلَاحُ الْمَلَاحِدَةِ والقلندرية فَهُوَ أَنَّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ مُبَاحَةٌ لَكَ. فَالْحَقُّ أَنْ يَكْفُرَ الْقَائِلُ إنْ كَانَ مِنْ تِلْكَ الْفِئَةِ، أَوْ أَرَادَ مَا أَرَادُوهُ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ مَعْنَاهُ لَكِنَّهُ قَالَهُ تَقْلِيدًا وَتَشْبِيهًا بِهِمْ أَوْ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ فَيُجَدِّدُ وُجُوبًا أَوْ احْتِيَاطًا إيمَانَهُ، وَإِنْ قَالَهُ غَيْرُ عَالِمٍ وَلَا مُتَأَمِّلٍ فَهُوَ مُخْطِئٌ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يُرَخِّصَ فِي التَّكَلُّمِ بِأَمْثَالِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ قِيلَ بِكُفْرِهِ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ طَلَبَ شَيْئًا لِلَّهِ تَعَالَى وَاَللَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَالْكُلُّ مُفْتَقِرٌ وَمُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَجِّحَ عَدَمَ التَّكْفِيرِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ أَرَدْتُ أَطْلُبُ شَيْئًا إكْرَامًا لِلَّهِ تَعَالَى. اهـ. شَرْحُ الْوَهْبَانِيَّةِ. قُلْتُ: فَيَنْبَغِي أَوْ يَجِبُ التَّبَاعُدُ عَنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ مَا فِيهِ خِلَافٌ يُؤْمَرُ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَتَجْدِيدِ النِّكَاحِ، لَكِنَّ هَذَا إنْ كَانَ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ، أَمَّا إنْ قَصَدَ الْمَعْنَى الصَّحِيحَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ (قَوْلُهُ لَيْسَ يَكْفُرُ) فَإِنَّ الْحُضُورَ بِمَعْنَى الْعِلْمِ شَائِعٌ - {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7]- وَالنَّظَرُ بِمَعْنَى الرُّؤْيَةِ - {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 14]- فَالْمَعْنَى يَا عَالِمَ مَنْ يَرَى بَزَّازِيَّةٌ. مَطْلَبٌ فِي مُسْتَحِلِّ الرَّقْصِ (قَوْلُهُ وَمَنْ يَسْتَحِلُّ الرَّقْصَ قَالُوا بِكُفْرِهِ) الْمُرَادُ بِهِ التَّمَايُلُ وَالْخَفْضُ وَالرَّفْعُ بِحَرَكَاتٍ مَوْزُونَةٍ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ مَنْ يَنْتَسِبُ إلَى التَّصَوُّفِ. وَقَدْ نَقَلَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْقُرْطُبِيِّ إجْمَاعَ الْأَئِمَّةِ عَلَى حُرْمَةِ هَذَا الْغِنَاءِ وَضَرْبِ الْقَضِيبِ وَالرَّقْصِ. قَالَ وَرَأَيْتُ فَتْوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ جَلَالِ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ الْكَرْمَانِيِّ أَنَّ مُسْتَحِلَّ هَذَا الرَّقْصِ كَافِرٌ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ. وَنَقَلَ فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ التَّمْهِيدِ أَنَّهُ فَاسِقٌ لَا كَافِرٌ. ثُمَّ قَالَ: التَّحْقِيقُ الْقَاطِعُ لِلنِّزَاعِ فِي أَمْرِ الرَّقْصِ وَالسَّمَاعِ يَسْتَدْعِي تَفْصِيلًا ذَكَرَهُ فِي عَوَارِفِ الْمَعَارِفِ وَإِحْيَاءِ الْعُلُومِ، وَخُلَاصَتُهُ مَا أَجَابَ بِهِ الْعَلَّامَةُ النِّحْرِيرُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا بِقَوْلِهِ: مَا فِي التَّوَاجُدِ إنْ حَقَّقْتَ مِنْ حَرَجٍ ... وَلَا التَّمَايُلِ إنْ أَخْلَصْتَ مِنْ بَاسِ فَقُمْتَ تَسْعَى عَلَى رِجْلٍ وَحُقَّ لِمَنْ ... دَعَاهُ مَوْلَاهُ أَنْ يَسْعَى عَلَى الرَّاسِ الرُّخْصَةُ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَوْضَاعِ، عِنْدَ الذِّكْرِ وَالسَّمَاعِ، لِلْعَارِفَيْنِ الصَّارِفِينَ أَوْقَاتَهُمْ إلَى أَحْسَنِ الْأَعْمَالِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 وَمَنْ لِوَلِيٍّ قَالَ طَيُّ مَسَافَةٍ ... يَجُوزُ جَهُولٌ ثُمَّ بَعْضٌ يَكْفُرُ وَإِثْبَاتُهَا فِي كُلِّ مَا كَانَ خَارِقًا ... عَنْ النَّسَفِيِّ النَّجْمِ يُرْوَى وَيَنْصُرُ بَابُ الْبُغَاةِ   [رد المحتار] السَّالِكِينَ الْمَالِكِينَ لِضَبْطِ أَنْفُسِهِمْ عَنْ قَبَائِحِ الْأَحْوَالِ، فَهُمْ لَا يَسْتَمِعُونَ إلَّا مِنْ الْإِلَهِ، وَلَا يَشْتَاقُونَ إلَّا لَهُ، إنْ ذَكَرُوهُ نَاحُوا، وَإِنْ شَكَرُوهُ بَاحُوا، وَإِنْ وَجَدُوهُ صَاحُوا، وَإِنْ شَهِدُوهُ اسْتَرَاحُوا، وَإِنْ سَرَحُوا فِي حَضْرَةِ قُرْبِهِ سَاحُوا، إذَا غَلَبَ عَلَيْهِمْ الْوَجْدُ بِغَلَبَاتِهِ، وَشَرِبُوا مِنْ مَوَارِدِ إرَادَتِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ طَرَقَتْهُ طَوَارِقُ الْهَيْبَةِ فَخَرَّ وَذَابَ وَمِنْهُمْ مَنْ بَرَقَتْ لَهُ بَوَارِقُ اللُّطْفِ فَتَحَرَّكَ وَظَابَ، وَمِنْهُمْ مِنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْحُبُّ مِنْ مَطْلَعِ الْقُرْبِ سَكِرَ وَغَابَ، هَذَا مَا عَنَّ لِي فِي الْجَوَابِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. وَمَنْ يَكُ وَجْدُهُ وَجْدًا صَحِيحًا ... فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى قَوْلِ الْمُغَنِّي لَهُ مِنْ زَانَهُ طَرَبٌ قَدِيمٌ ... وَسُكْرٌ دَائِمٌ مِنْ غَيْرِ دَنِّ اهـ. مَطْلَبٌ فِي كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ (قَوْلُهُ وَمَنْ لِوَلِيٍّ إلَخْ) مَنْ مُبْتَدَأٌ وَقَالَ صِلَتُهُ وَجَهُولٌ خَبَرُهُ وَلِوَلِيٍّ مُتَعَلِّقٌ بِيَجُوزُ وَطَيُّ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ يَجُوزُ، وَأَصْلُ التَّرْكِيبِ: وَمَنْ قَالَ طَيُّ مَسَافَةٍ يَجُوزُ لِوَلِيٍّ جَهُولٍ، وَهَذَا قَوْلُ الزَّعْفَرَانِيِّ، وَالْقَائِلُ بِكُفْرِهِ هُوَ ابْنُ مُقَاتِلٍ وَمُحَمَّدُ بْنِ يُوسُفَ ط (قَوْلُهُ وَإِثْبَاتُهَا إلَخْ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَقَدْ ذَكَرَ عُلَمَاؤُنَا أَنَّ مَا هُوَ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ الْكِبَارِ: كَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَقَلْبِ الْعَصَا حَيَّةً وَانْشِقَاقِ الْقَمَرِ. وَإِشْبَاعِ الْجَمْعِ مِنْ الطَّعَامِ، وَخُرُوجِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ الْأَصَابِعِ لَا يُمْكِنُ إجْرَاؤُهُ كَرَامَةً لِلْوَلِيِّ، وَطَيُّ الْمَسَافَةِ مِنْهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «زُوِيَتْ لِي الْأَرْضُ» فَلَوْ جَازَ لِغَيْرِهِ لَمْ يَبْقَ فَائِدَةٌ لِلتَّخْصِيصِ، لَكِنْ فِي كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ. اهـ. قُلْتُ: وَيَدُلُّ لَهُ مَا قَالُوا فِيمَنْ كَانَ بِالْمَشْرِقِ وَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بِالْمَغْرِبِ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ يَلْحَقُهُ فَتَأَمَّلْ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تُؤَيِّدُ الْجَوَازَ. وَقَدْ قَالَ الْعَلَّامَةُ التَّفْتَازَانِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى عَنْ أَكْثَرِ الْمُعْتَزِلَةِ الْمَنْعَ مِنْ وَأَنَّ الْأُسْتَاذَ أَبَا إِسْحَاقَ يَمِيلُ إلَى قَرِيبٍ مِنْ مَذْهَبِهِمْ، وَحَكَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْمَرَضِيُّ عِنْدَنَا تَجْوِيزُ جُمْلَةِ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ فِي مَعْرِضِ الْكَرَامَاتِ. ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ قَدْ يَرِدُ فِي بَعْضِ الْمُعْجِزَاتِ نَصٌّ قَاطِعٌ، عَلَى أَنَّ أَحَدًا لَا يَأْتِي بِمِثْلِهِ أَصْلًا كَالْقُرْآنِ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْأَقْوَالِ. ثُمَّ قَالَ: وَالْإِنْصَافُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ حِين سُئِلَ عَمَّا يُحْكَى أَنَّ الْكَعْبَةَ كَانَتْ تَزُورُ وَاحِدًا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ، هَلْ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ فَقَالَ: نَقْضُ الْعَادَةِ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَامَةِ لِأَهْلِ الْوِلَايَةِ جَائِزٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ. قُلْت: النَّسَفِيُّ هَذَا هُوَ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ عُمَرُ مُفْتِي الْإِنْسِ وَالْجِنِّ رَأْسُ الْأَوْلِيَاءِ فِي عَصْرِهِ. اهـ. مِنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [بَابُ الْبُغَاةِ] ِ أَخَّرَهُ لِقِلَّةِ وُجُودِهِ، وَلِبَيَانِ حُكْمِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ الْكُفَّارِ بَحْرٌ. قُلْت: وَلَمْ يُتَرْجِمْ لَهُ بِكِتَابٍ إشَارَةً إلَى دُخُولِهِ تَحْتَ كِتَابِ الْجِهَادِ لِأَنَّ الْقِتَالَ مَعَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مِنَّا شَهِيدًا كَمَا سَيَأْتِي إذْ لَا يَخْتَصُّ الْجِهَادُ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي النَّهْرِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْبُغَاةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 الْبَغْيُ لُغَةً الطَّلَبُ، وَمِنْهُ {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} [الكهف: 64] وَعُرْفًا: طَلَبُ مَا لَا يَحِلُّ مِنْ جَوْرٍ وَظُلْمٍ فَتْحٌ. وَشَرْعًا (هُمْ الْخَارِجُونَ عَنْ الْإِمَامِ الْحَقِّ بِغَيْرِ حَقٍّ) فَلَوْ بِحَقٍّ فَلَيْسُوا بِبُغَاةٍ، وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. -   [رد المحتار] جَمْعُ بَاغٍ، وَهَذَا الْوَزْنُ مُطَّرِدٌ فِي كُلِّ اسْمِ فَاعِلٍ مُعْتَلِّ اللَّامِ كَغُزَاةٍ وَرُمَاةٍ وَقُضَاةٍ اهـ وَإِنَّمَا جَمَعَهُ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يُوجَدُ وَاحِدٌ يَكُونُ لَهُ قُوَّةُ الْخُرُوجِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ الْبَغْيُ لُغَةً الطَّلَبُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ: الْبَغْيُ فِي اللُّغَةِ الطَّلَبُ، بَغَيْت كَذَا: أَيْ طَلَبْته. قَالَ تَعَالَى حِكَايَةَ ذَلِكَ {مَا كُنَّا نَبْغِ} [الكهف: 64] ثُمَّ اُشْتُهِرَ فِي الْعُرْفِ فِي طَلَبِ مَا لَا يَحِلُّ مِنْ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ وَالْبَاغِي فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ الْخَارِجُ عَلَى إمَامِ الْحَقِّ اهـ لَكِنَّ فِي الْمِصْبَاحِ: بَغَيْته أَبْغِيهِ بَغْيًا طَلَبْته، وَبَغَى عَلَى النَّاسِ بَغْيًا: ظَلَمَ وَاعْتَدَى فَهُوَ بَاغٍ وَالْجَمْعُ بُغَاةٌ، وَبَغَى: سَعَى فِي الْفَسَادِ، وَمِنْهُ الْفِرْقَةُ الْبَاغِيَةُ؛ لِأَنَّهَا عَدَلَتْ عَنْ الْقَصْدِ، وَأَصْلُهُ مِنْ بَغَى الْجُرْحُ: إذَا تَرَامَى إلَى الْفَسَادِ اهـ وَفِي الْقَامُوسِ: الْبَاغِي الطَّالِبُ، وَفِئَةٌ بَاغِيَةٌ: خَارِجَةٌ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَقَوْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: الْبَاغِي فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ الْخَارِجُ عَنْ إمَامِ الْحَقِّ تَسَاهُلٌ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ فِي اللُّغَةِ أَيْضًا. اهـ. قُلْت: قَدْ اُشْتُهِرَ أَنَّ صَاحِبَ الْقَامُوسِ يَذْكُرُ الْمَعَانِيَ الْعُرْفِيَّةَ مَعَ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ وَذَلِكَ مِمَّا عِيبَ بِهِ عَلَيْهِ، فَلَا يَدُلُّ ذِكْرُهُ لِذَلِكَ أَنَّهُ مَعْنًى لُغَوِيٌّ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَا يَعْرِفُونَ مَعْنَى الْإِمَامِ الْحَقِّ الَّذِي جَاءَ فِي الشَّرْعِ بَعْدَ اللُّغَةِ نَعَمْ قَدْ يَعْتَرِضُ عَلَى الْفَتْحِ بِأَنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْبَغْيِ بِمَعْنَى الطَّلَبِ، وَأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ مَعْنًى عُرْفِيٌّ فَقَطْ، وَقَدْ سَمِعْت أَنَّهُ لُغَوِيٌّ أَيْضًا. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ اُشْتُهِرَ فِي الْعُرْفِ إلَخْ الْعُرْفِ اللُّغَوِيِّ، وَأَنَّ الْأَصْلَ وَمَدَارَ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَى الطَّلَبِ لَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُ الْمِصْبَاحِ وَأَصْلُهُ مِنْ بَغَى الْجُرْحُ إلَخْ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا هُمْ الْخَارِجُونَ) عَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ وَالْبَغْيُ شَرْعًا هُمْ الْخَارِجُونَ وَهُوَ فَاسِدٌ كَمَا أَفَادَهُ ح فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: فَالْبُغَاةُ عُرْفًا الطَّالِبُونَ لِمَا لَا يَحِلُّ مِنْ جَوْرٍ وَظُلْمٍ وَشَرْعًا إلَخْ أَفَادَهُ ط. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَلَى تَقْدِيرِ مُبْتَدَإٍ: أَيْ وَالْبُغَاةُ شَرْعًا إلَخْ (قَوْلُهُ: عَلَى الْإِمَامِ الْحَقِّ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَعُمُّ الْمُتَغَلِّبَ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ سَلْطَنَتِهِ وَنُفُوذِ قَهْرِهِ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى قَالَ: إنَّ هَذَا فِي زَمَانِهِمْ، وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَالْحُكْمُ لِلْغَلَبَةِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يَطْلُبُونَ الدُّنْيَا فَلَا يُدْرَى الْعَادِلُ مِنْ الْبَاغِي كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. اهـ. وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِلَّا فَالشَّرْطُ اعْتِقَادُهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى حَقٍّ بِتَأْوِيلٍ وَإِلَّا فَهُمْ لُصُوصٌ وَيَأْتِي تَمَامُ بَيَانِهِ (قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ) حَيْثُ قَالَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ: بَيَانُهُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى إمَامٍ وَصَارُوا آمِنِينَ بِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ لِظُلْمٍ ظَلَمَهُمْ بِهِ فَهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ الظُّلْمَ وَيُنْصِفَهُمْ. وَلَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يُعِينُوا الْإِمَامَ، عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى الظُّلْمِ، وَلَا أَنْ يُعِينُوا تِلْكَ الطَّائِفَةَ عَلَى الْإِمَامِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى خُرُوجِهِمْ عَلَى الْإِمَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِظُلْمٍ ظَلَمَهُمْ وَلَكِنْ لِدَعْوَى الْحَقِّ وَالْوِلَايَةِ فَقَالُوا الْحَقُّ مَعَنَا فَهُمْ أَهْلُ الْبَغْيِ، فَعَلَى كُلِّ مَنْ يَقْوَى عَلَى الْقِتَالِ أَنْ يَنْصُرُوا إمَامَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْخَارِجِينَ؛ لِأَنَّهُمْ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ صَاحِبِ الشَّرْعِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْفِتْنَةُ نَائِمَةٌ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَيْقَظَهَا» فَإِنْ كَانُوا تَكَلَّمُوا بِالْخُرُوجِ لَكِنْ لَمْ يَعْزِمُوا عَلَى الْخُرُوجِ بَعْدُ. فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْجِنَايَةِ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ كَذَا ذَكَرَ فِي وَاقِعَاتِ اللَّامِشِيِّ، وَذَكَرَ الْقَلَانِسِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: لَوْلَا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا دَرَيْنَا الْقِتَالَ مَعَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَكَانَ عَلِيٌّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَخَصْمُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَفِي زَمَانِنَا الْحُكْمُ لِلْغَلَبَةِ وَلَا تَدْرِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 ثُمَّ الْخَارِجُونَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ ثَلَاثَةٌ: قُطَّاعُ طَرِيقٍ وَعُلِمَ حُكْمُهُمْ. وَبُغَاةٌ وَيَجِيءُ حُكْمُهُمْ وَخَوَارِجُ وَهُمْ قَوْمٌ لَهُمْ مَنَعَةٌ خَرَجُوا عَلَيْهِ بِتَأْوِيلٍ يَرَوْنَ أَنَّهُ عَلَى بَاطِلٍ كُفْرٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ تُوجِبُ قِتَالَهُ بِتَأْوِيلِهِمْ، وَيَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا وَيَسْبُونَ نِسَاءَنَا، وَيُكَفِّرُونَ أَصْحَابَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَحُكْمُهُمْ حُكْمُ الْبُغَاةِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ وَإِنَّمَا لَمْ نُكَفِّرْهُمْ لِكَوْنِهِ عَنْ تَأْوِيلٍ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا، -   [رد المحتار] الْعَادِلَةَ وَالْبَاغِيَةَ كُلُّهُمْ يَطْلُبُونَ الدُّنْيَا. اهـ. ط لَكِنَّ قَوْلَهُ وَلَا أَنْ يُعِينُوا تِلْكَ الطَّائِفَةَ عَلَى الْإِمَامِ فِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: قُطَّاعُ طَرِيقٍ) وَهُمْ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا الْخَارِجُونَ بِلَا تَأْوِيلٍ بِمَنَعَةٍ وَبِلَا مَنَعَةٍ، يَأْخُذُونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ وَيَقْتُلُونَهُمْ وَيُخِيفُونَ الطَّرِيقَ. وَالثَّانِي قَوْمٌ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُمْ لَا مَنَعَةَ لَهُمْ لَكِنْ لَهُمْ تَأْوِيلٌ، كَذَا فِي الْفَتْحِ، لَكِنَّهُ عَدَّ الْأَقْسَامَ أَرْبَعَةً، وَجَعَلَ هَذَا الثَّانِيَ قِسْمًا مِنْهُمْ مُسْتَقِلًّا مُلْحَقًا بِالْقُطَّاعِ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ. وَفِي النَّهْرِ: هُنَا تَحْرِيفٌ فَتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ: وَبُغَاةٌ) هُمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ خَرَجُوا عَلَى إمَامِ الْعَدْلِ وَلَمْ يَسْتَبِيحُوا مَا اسْتَبَاحَهُ الْخَوَارِجُ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ اهـ وَالْمُرَادُ خَرَجُوا بِتَأْوِيلٍ وَإِلَّا فَهُمْ قُطَّاعٌ كَمَا عَلِمْت. وَفِي الِاخْتِيَارِ: أَهْلُ الْبَغْيِ كُلُّ فِئَةٍ لَهُمْ مَنَعَةٌ يَتَغَلَّبُونَ وَيَجْتَمِعُونَ وَيُقَاتِلُونَ أَهْلَ الْعَدْلِ بِتَأْوِيلٍ يَقُولُونَ الْحَقُّ مَعَنَا وَيَدَّعُونَ الْوِلَايَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَخَوَارِجُ وَهُمْ قَوْمٌ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ تَعْرِيفُ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؛ لِأَنَّ مَنَاطَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبُغَاةِ هُوَ اسْتِبَاحَتُهُمْ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَذَرَارِيَّهُمْ بِسَبَبِ الْكُفْرِ إذْ لَا تُسْبَى الذَّرَارِيُّ ابْتِدَاءً بِدُونِ كُفْرٍ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِ الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْبُغَاةَ أَعَمُّ، فَالْمُرَادُ بِالْبُغَاةِ مَا يَشْمَلُ الْفَرِيقَيْنِ، وَلِذَا فَسَّرَ فِي الْبَدَائِعِ الْبُغَاةَ بِالْخَوَارِجِ لِبَيَانِ أَنَّهُمْ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ الْبُغَاةُ أَعَمَّ، وَهَذَا مِنْ حَيْثُ الِاصْطِلَاحُ، وَإِلَّا فَالْبَغْيُ وَالْخُرُوجُ مُتَحَقِّقَانِ فِي كُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى السَّوِيَّةِ، وَلِذَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْخَوَارِجِ: إخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا (قَوْلُهُ: لَهُمْ مَنَعَةٌ) بِفَتْحِ النُّونِ: أَيْ عِزَّةٌ فِي قَوْمِهِمْ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَرُدُّهُمْ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: بِتَأْوِيلٍ) أَيْ بِدَلِيلٍ يُؤَوِّلُونَهُ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ كَمَا وَقَعَ لِلْخَوَارِجِ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ عَسْكَرِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ بِزَعْمِهِمْ أَنَّهُ كَفَرَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ حَيْثُ حَكَمَ جَمَاعَةٌ فِي أَمْرِ الْحَرْبِ الْوَاقِعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَقَالُوا إنْ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ، وَمَذْهَبُهُمْ أَنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ كَافِرٌ؛ وَأَنَّ التَّحْكِيمَ كَبِيرَةٌ لِشُبَهٍ قَامَتْ لَهُمْ اسْتَدَلُّوا بِهَا مَذْكُورَةً مَعَ رَدِّهَا فِي كُتُبِ الْعَقَائِدِ. مَطْلَبٌ فِي أَتْبَاعِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْخَوَارِجِ فِي زَمَانِنَا (قَوْلُهُ: وَيُكَفِّرُونَ أَصْحَابَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) عَلِمْت أَنَّ هَذَا غَيْرُ شَرْطٍ فِي مُسَمَّى الْخَوَارِجِ، بَلْ هُوَ بَيَانٌ لِمَنْ خَرَجُوا عَلَى سَيِّدِنَا عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَإِلَّا فَيَكْفِي فِيهِمْ اعْتِقَادُهُمْ كُفْرَ مَنْ خَرَجُوا عَلَيْهِ، كَمَا وَقَعَ فِي زَمَانِنَا فِي أَتْبَاعِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ نَجْدٍ وَتَغَلَّبُوا عَلَى الْحَرَمَيْنِ وَكَانُوا يَنْتَحِلُونَ مَذْهَبَ الْحَنَابِلَةِ، لَكِنَّهُمْ اعْتَقَدُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْمُسْلِمُونَ وَأَنَّ مَنْ خَالَفَ اعْتِقَادَهُمْ مُشْرِكُونَ، وَاسْتَبَاحُوا بِذَلِكَ قَتْلَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَقَتْلَ عُلَمَائِهِمْ حَتَّى كَسَرَ اللَّهُ تَعَالَى شَوْكَتَهُمْ وَخَرَّبَ بِلَادَهُمْ وَظَفِرَ بِهِمْ عَسَاكِرُ الْمُسْلِمِينَ عَامَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَأَلْفٍ (قَوْلُهُ: كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ) حَيْثُ قَالَ: وَحُكْمُ الْخَوَارِجِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ حُكْمُ الْبُغَاةِ. وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ إلَى كُفْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَهْلَ الْحَدِيثِ عَلَى تَكْفِيرِهِمْ، وَهَذَا يَقْتَضِي نَقْلَ إجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ. مَطْلَبٌ فِي عَدَمِ تَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ لَا يُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ. وَبَعْضُهُمْ يُكَفِّرُ مَنْ خَالَفَ مِنْهُمْ بِبِدْعَتِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 بِخِلَافِ الْمُسْتَحِيلِ بِلَا تَأْوِيلٍ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ. (وَالْإِمَامُ يَصِيرُ إمَامًا) بِأَمْرَيْنِ (بِالْمُبَايَعَةِ مِنْ الْأَشْرَافِ وَالْأَعْيَانِ، وَبِأَنْ يَنْفُذَ حُكْمُهُ فِي رَعِيَّتِهِ خَوْفًا مِنْ قَهْرِهِ وَجَبَرُوتِهِ، فَإِنْ بَايَعَ النَّاسُ) الْإِمَامَ (وَلَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ فِيهِمْ لِعَجْزِهِ) عَنْ قَهْرِهِمْ (لَا يَصِيرُ إمَامًا، فَإِذَا صَارَ إمَامًا فَجَارَ لَا يَنْعَزِلُ إنْ) كَانَ (لَهُ قَهْرٌ وَغَلَبَةٌ) لِعَوْدِهِ بِالْقَهْرِ فَلَا يُفِيدُ -   [رد المحتار] دَلِيلًا قَطْعِيًّا وَنَسَبَهُ إلَى أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالنَّقْلُ الْأَوَّلُ أَثْبَتُ نَعَمْ يَقَعُ فِي كَلَامِ أَهْلِ مَذْهَبٍ تَكْفِيرُ كَثِيرٍ، لَكِنْ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ هُمْ الْمُجْتَهِدُونَ بَلْ مِنْ غَيْرِهِمْ. مَطْلَبٌ لَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْفُقَهَاءِ يَعْنِي الْمُجْتَهِدِينَ وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْفُقَهَاءِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ مَا ذَكَرْنَا وَابْنُ الْمُنْذِرِ أَعْرَفُ بِنَقْلِ مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ اهـ لَكِنْ صَرَّحَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَايَرَةِ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى تَكْفِيرِ الْمُخَالِفِ فِيمَا كَانَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَضَرُورِيَّاتِهِ: كَالْقَوْلِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ، وَنَفْيِ حَشْرِ الْأَجْسَادِ، وَنَفْيِ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّاتِ، وَأَنَّ الْخِلَافَ فِي غَيْرِهِ كَنَفْيِ مَبَادِئِ الصِّفَاتِ، وَنَفْيِ عُمُومِ الْإِرَادَةِ، وَالْقَوْلُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ إلَخْ. وَكَذَا قَالَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي: إنَّ سَابَّ الشَّيْخَيْنِ وَمُنْكِرَ خِلَافَتِهِمَا مِمَّنْ بَنَاهُ عَلَى شُبْهَةٍ لَهُ لَا يَكْفُرُ، بِخِلَافِ مَنْ ادَّعَى أَنَّ عَلِيًّا إلَهٌ وَأَنَّ جِبْرِيلَ غَلِطَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَنْ شُبْهَةٍ وَاسْتِفْرَاغِ وُسْعٍ فِي الِاجْتِهَادِ بَلْ مَحْضُ هَوًى اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ. قُلْت: وَكَذَا يَكْفُرُ قَاذِفُ عَائِشَةَ وَمُنْكِرُ صُحْبَةِ أَبِيهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَكْذِيبُ صَرِيحِ الْقُرْآنِ كَمَا مَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُسْتَحِلِّ بِلَا تَأْوِيلٍ) أَيْ مَنْ يَسْتَحِلُّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ قَطْعِيَّ التَّحْرِيمِ وَلَمْ يَبْنِهِ عَلَى دَلِيلٍ كَمَا بَنَاهُ الْخَوَارِجُ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَنَاهُ عَلَى تَأْوِيلِ دَلِيلٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ كَانَ فِي زَعْمِهِ إتْبَاعُ الشَّرْعِ لَا مُعَارَضَتُهُ وَمُنَابَذَتُهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَالْإِمَامُ) أَيْ الْإِمَامُ الْحَقُّ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَلَمْ يَذْكُرْ شُرُوطَهُ اسْتِغْنَاءً بِمَا قَدَّمَهُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا هُنَاكَ فَرَاجِعْهَا. مَطْلَبٌ الْإِمَامُ يَصِيرُ إمَامًا بِالْمُبَايَعَةِ أَوْ بِالِاسْتِخْلَافِ مِمَّنْ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: يَصِيرُ إمَامًا بِالْمُبَايَعَةِ) وَكَذَا بِاسْتِخْلَافِ إمَامٍ قَبْلَهُ وَكَذَا بِالتَّغَلُّبِ وَالْقَهْرِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ. قَالَ فِي الْمُسَايَرَةِ: وَيَثْبُتُ عَقْدُ الْإِمَامَةِ إمَّا بِاسْتِخْلَافِ الْخَلِيفَةِ إيَّاهُ كَمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَإِمَّا بِبَيْعَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الرَّأْي وَالتَّدْبِيرِ. وَعِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ يَكْفِي الْوَاحِدُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ مِنْ أُولِي الرَّأْيِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ بِمَشْهَدِ شُهُودٍ لِدَفْعِ الْإِنْكَارِ إنْ وَقَعَ. وَشَرَطَ الْمُعْتَزِلَةُ خَمْسَةً. وَذَكَرَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ اشْتِرَاطَ جَمَاعَةٍ دُونَ عَدَدٍ مَخْصُوصٍ اهـ ثُمَّ قَالَ: لَوْ تَعَذَّرَ وُجُودُ الْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ فِيمَنْ تَصَدَّى لِلْإِمَامَةِ وَكَانَ فِي صَرْفِهِ عَنْهَا إثَارَةُ فِتْنَةٍ لَا تُطَاقُ حَكَمْنَا بِانْعِقَادِ إمَامَتِهِ كَيْ لَا تَكُونَ كَمَنْ يَبْنِي قَصْرًا وَيَهْدِمُ مِصْرًا، وَإِذَا تَغَلَّبَ آخَرُ عَلَى الْمُتَغَلِّبِ وَقَعَدَ مَكَانَهُ انْعَزَلَ الْأَوَّلُ وَصَارَ الثَّانِي إمَامًا وَتَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ عَادِلًا كَانَ أَوْ جَائِرًا إذَا لَمْ يُخَالِفْ الشَّرْعَ، فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ يَصِيرُ إمَامًا بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ، لَكِنَّ الثَّالِثَ فِي الْإِمَامِ الْمُتَغَلِّبِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي شُرُوطِ الْإِمَامَةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالتَّغَلُّبِ مَعَ الْمُبَايَعَةِ وَهُوَ الْوَاقِعُ فِي سَلَاطِينِ الزَّمَانِ نَصَرَهُمْ الرَّحْمَنُ. (قَوْلُهُ: وَبِأَنْ يَنْفُذَ حُكْمُهُ) أَيْ يُشْتَرَطُ مَعَ وُجُودِ الْمُبَايَعَةِ نَفَاذُ حُكْمِهِ وَكَذَا هُوَ شَرْطٌ أَيْضًا مَعَ الِاسْتِخْلَافِ فِيمَا يَظْهَرُ، بَلْ يَصِيرُ إمَامًا بِالتَّغَلُّبِ وَنَفَاذِ الْحُكْمِ وَالْقَهْرِ بِدُونِ مُبَايَعَةٍ أَوْ اسْتِخْلَافٍ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: فَلَا يُفِيدُ) أَيْ لَا يُفِيدُ عَزْلُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 (وَإِلَّا يَنْعَزِلْ بِهِ) لِأَنَّهُ مُفِيدٌ خَانِيَّةً، وَتَمَامُهُ فِي كُتُبِ الْكَلَامِ (فَإِذَا خَرَجَ جَمَاعَةٌ مُسْلِمُونَ عَنْ طَاعَتِهِ) أَوْ طَاعَةِ نَائِبِهِ الَّذِي رَضِيَ النَّاسُ بِهِ فِي أَمَانٍ دُرَرٌ (وَغَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ دَعَاهُمْ إلَيْهِ) أَيْ إلَى طَاعَتِهِ (وَكَشَفَ شُبْهَتَهُمْ) اسْتِحْبَابًا (فَإِنْ تَحَيَّزُوا مُجْتَمِعِينَ حَلَّ لَنَا قِتَالُهُمْ بَدْءًا حَتَّى نُفَرِّقَ جَمْعَهُمْ) إذْ الْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ وَالِامْتِنَاعُ (وَمَنْ دَعَاهُ الْإِمَامُ إلَى ذَلِكَ) أَيْ قِتَالِهِمْ (اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ إجَابَتُهُ) لِأَنَّ طَاعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ فَرْضٌ فَكَيْفَ فِيمَا هُوَ طَاعَةُ بَدَائِعُ (لَوْ قَادِرًا) -   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِيمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْخَلِيفَةُ الْعَزْلَ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا يَنْعَزِلُ بِهِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَهْرٌ وَمَنَعَةٌ يَنْعَزِلُ بِهِ أَيْ بِالْجَوْرِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ: يَنْحَلُّ عَقْدُ الْإِمَامَةِ بِمَا يَزُولُ بِهِ مَقْصُودُ الْإِمَامَةِ كَالرِّدَّةِ وَالْجُنُونِ الْمُطْبَقِ، وَصَيْرُورَتِهِ أَسِيرًا لَا يُرْجَى خَلَاصُهُ، وَكَذَا بِالْمَرَضِ الَّذِي يُنْسِيهِ الْمَعْلُومَ، وَبِالْعَمَى وَالصَّمَمِ وَالْخَرَسِ، وَكَذَا بِخَلْعِهِ نَفْسَهُ لِعَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا بَلْ اسْتَشْعَرَهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَلْعُ الْحَسَنِ نَفْسَهُ. وَأَمَّا خَلْعُهُ لِنَفْسِهِ بِلَا سَبَبٍ فَفِيهِ خِلَافٌ، وَكَذَا فِي انْعِزَالِهِ بِالْفِسْقِ. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى. وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ، وَيَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. وَقَالَ فِي الْمُسَايَرَةِ: وَإِذَا قَلَّدَ عَدْلًا ثُمَّ جَارٍ وَفَسَقَ لَا يَنْعَزِلُ وَلَكِنْ يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ إنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ فِتْنَةٌ. اهـ. وَفِي الْمَوَاقِفِ وَشَرْحِهِ: إنَّ لِلْأُمَّةِ خَلْعَ الْإِمَامِ وَعَزْلَهُ بِسَبَبٍ يُوجِبُهُ، مِثْلُ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يُوجِبُ اخْتِلَالَ أَحْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَانْتِكَاسَ أُمُورِ الدِّينِ كَمَا كَانَ لَهُمْ نَصْبُهُ وَإِقَامَتُهُ لِانْتِظَامِهَا وَإِعْلَائِهَا، وَإِنْ أَدَّى خَلْعُهُ إلَى فِتْنَةٍ اُحْتُمِلَ أَدْنَى الْمَضَرَّتَيْنِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: فَإِذَا خَرَجَ جَمَاعَةٌ مُسْلِمُونَ) قَيَّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا غَلَبُوا عَلَى بَلْدَةٍ صَارُوا أَهْلَ حَرْبٍ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ قَاتَلُونَا مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْعَهْدِ مِنْهُمْ، وَهَذَا لَا يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ لِلْبُغَاةِ الْمُسْلِمِينَ نَهْرٌ أَيْ فَلَهُمْ حُكْمُهُمْ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ. (قَوْلُهُ: عَنْ طَاعَتِهِ) أَيْ طَاعَةِ الْإِمَامِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنْ يَكُونَ النَّاسُ بِهِ فِي أَمَانٍ وَالطُّرُقَاتُ آمِنَةً اهـ وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الدُّرَرِ وَجْهُهُ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ يَكُونُ عَاجِزًا أَوْ جَائِرًا ظَالِمًا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ وَعَزْلُهُ إنْ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ فِتْنَةٌ كَمَا عَلِمْته آنِفًا (قَوْلُهُ: وَغَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ) الظَّاهِرُ إنَّ ذِكْرَ الْبَلَدِ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ غَالِبًا؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى تَجَمُّعِهِمْ وَتَعَسْكُرِهِمْ، وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي مَحَلٍّ يَظْهَرُ فِيهِ قَهْرُهُمْ وَالْغَالِبُ كَوْنُهُ بَلْدَةً، فَلَوْ تَجَمَّعُوا فِي بَرِيَّةٍ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَيْ إلَى طَاعَتِهِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ (قَوْلُهُ: وَكَشَفَ شُبْهَتَهُمْ اسْتِحْبَابًا) أَيْ بِأَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ سَبَبِ خُرُوجِهِمْ، فَإِنْ كَانَ لِظُلْمٍ مِنْهُ أَزَالَهُ، وَإِنْ لِدَعْوَى أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُمْ وَالْوِلَايَةَ لَهُمْ فَهُمْ بُغَاةٌ فَلَوْ قَاتَلَهُمْ بِلَا دَعْوَةٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا مَا يُقَاتِلُونَ عَلَيْهِ كَالْمُرْتَدِّينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَحَيَّزُوا مُجْتَمِعِينَ) أَيْ مَالُوا إلَى جِهَةٍ مُجْتَمِعِينَ فِيهَا أَوْ إلَى جَمَاعَةٍ، وَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ وَغَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُغْنِي عَنْ الْآخَرِ عَلَى مَا قُلْنَا (قَوْلُهُ: حَلَّ لَنَا قِتَالُهُمْ بَدْءًا) هَذَا اخْتِيَارٌ لِمَا نَقَلَهُ خُوَاهَرْ زَادَهُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّا نَبْدَؤُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْدَؤُنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَ حَقِيقَةَ قِتَالِهِمْ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ، فَيُدَارُ عَلَى الدَّلِيلِ ضَرُورَةَ دَفْعِ شَرِّهِمْ. وَنَقَلَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يَبْدَؤُهُمْ حَتَّى يَبْدَؤُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلُ بَحْرٌ، وَلَوْ انْدَفَعَ شَرُّهُمْ بِأَهْوَنَ مِنْ الْقَتْلِ وَجَبَ بِقَدْرِ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ شَرُّهُمْ زَيْلَعِيٌّ. مَطْلَبٌ فِي وُجُوبِ طَاعَةِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: افْتَرَضَ عَلَيْهِ إجَابَتُهُ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَلَوْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ أَجْدَعُ» وَرُوِيَ «مُجَدَّعٌ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 وَإِلَّا لَزِمَ بَيْتَهُ دُرَرٌ. وَفِي الْمُبْتَغَى لَوْ بَغَوْا لِأَجَلِ ظُلْمِ السُّلْطَانِ وَلَا يَمْتَنِعُ عَنْهُ لَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ مُعَاوَنَةُ السُّلْطَانِ وَلَا مُعَاوَنَتُهُمْ . (وَلَوْ طَلَبُوا الْمُوَادَعَةَ أُجِيبُوا) إلَيْهَا (إنْ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ) كَمَا فِي أَهْلِ الْحَرْبِ (وَإِلَّا لَا) يُجَابُوا بَحْرٌ (وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ، فَلَوْ أَخَذْنَا مِنْهُمْ رُهُونًا وَأَخَذُوا مِنَّا رُهُونًا، ثُمَّ غَدَرُوا بِنَا وَقَتَلُوا رُهُونَنَا لَا نَقْتُلُ رُهُونَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ يُحْبَسُونَ إلَى أَنْ يَهْلِكَ أَهْلُ الْبَغْيِ أَوْ يَتُوبُوا، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الشِّرْكِ) إذَا فَعَلُوا بِرُهُونِنَا ذَلِكَ لَا نَفْعَلُ بِرُهُونِهِمْ (وَ) لَكِنْ (يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ يَصِيرُوا ذِمَّةً) لَنَا. (وَلَوْ لَهُمْ فِئَةٌ أُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ) أَيْ أُتِمَّ قَتْلُهُ (وَاتُّبِعَ مُوَلِّيهِمْ وَإِلَّا لَا) لِعَدَمِ الْخَوْفِ (وَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ فِي أَسِرْهُمْ، إنْ شَاءَ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُ) حَتَّى يَتُوبَ أَهْلُ الْبَغْيِ، فَإِنْ تَابُوا حَبَسَهُ أَيْضًا حَتَّى يُحْدِثَ تَوْبَةً سِرَاجٌ (وَنُقَاتِلُهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ وَالْإِغْرَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَأَهْلِ الْحَرْبِ وَمَا لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ) كَنِسَاءٍ وَشُيُوخٍ (لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ مِنْهُمْ) مَا لَمْ يُقَاتِلُوا، وَلَا يَقْتُلُ عَادِلٌ مَحْرَمَهُ مُبَاشَرَةً مَا لَمْ يُرِدْ قَتْلَهُ   [رد المحتار] «عَلَيْكُمْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِكُلِّ مَنْ يُؤَمَّرُ عَلَيْكُمْ مَا لَمْ يَأْمُرْكُمْ بِمُنْكَرٍ» فَفِي الْمُنْكَرِ لَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ ثُمَّ إذَا أَمَرَ الْعَسْكَرَ بِأَمْرٍ فَهُوَ عَلَى أَوْجُهٍ: إنْ عَلِمُوا أَنَّهُ نَفْعٌ بِيَقِينٍ أَطَاعُوهُ وَإِنْ عَلِمُوا خِلَافَهُ كَأَنْ كَانَ لَهُمْ قُوَّةٌ وَلِلْعَدُوِّ مَدَدٌ يَلْحَقُهُمْ لَا يُطِيعُونَهُ، وَإِنْ شَكُّوا لَزِمَهُمْ إطَاعَتُهُ، وَتَمَامُهُ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَزِمَ بَيْتَهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، أَنَّهُمْ قَعَدُوا فِي الْفِتْنَةِ، وَرُبَّمَا كَانَ بَعْضُهُمْ فِي تَرَدُّدٍ مِنْ حِلِّ الْقِتَالِ. وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ قَوْلِ الْفِتْنَةِ: إذَا وَقَعَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَزِلَ الْفِتْنَةَ وَيَقْعُدَ فِي بَيْتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إمَامٌ. وَمَا رُوِيَ «إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» مَحْمُولٌ عَلَى اقْتِتَالِهِمَا حَمِيَّةً وَعَصَبِيَّةً كَمَا يُتَّفَقُ بَيْنَ أَهْلِ قَرْيَتَيْنِ وَمَحَلَّتَيْنِ، أَوْ لِأَجْلِ الدُّنْيَا وَالْمُلْكِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُبْتَغَى إلَخْ) مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَمِثْلُهُ فِي السِّرَاجِ، لَكِنْ فِي الْفَتْحِ: وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَطَاقَ الدَّفْعَ أَنْ يُقَاتِلَ مَعَ الْإِمَامِ إلَّا إنْ أَبْدَوْا مَا يُجَوِّزُ لَهُمْ الْقِتَالَ كَأَنْ ظَلَمَهُمْ أَوْ ظَلَمَ غَيْرَهُمْ ظُلْمًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ بَلْ يَجِبُ أَنْ يُعِينُوهُمْ حَتَّى يُنْصِفَهُمْ وَيَرْجِعَ عَنْ جَوْرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَالُ مُشْتَبَهًا أَنَّهُ ظُلْمٌ مِثْلُ تَحْمِيلِ بَعْضِ الْجِبَايَاتِ الَّتِي لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا وَإِلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهَا لِدَفْعِ ضَرَرٍ أَعَمَّ مِنْهُ. اهـ. قُلْت: وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ وُجُوبَ إعَانَتِهِمْ إذَا أَمْكَنَ امْتِنَاعُهُ عَنْ بَغْيِهِ وَإِلَّا فَلَا كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْمُبْتَغَى، وَلَا تُمْتَنَعُ عَنْهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ طَلَبُوا الْمُوَادَعَةَ) أَيْ الصُّلْحَ مِنْ تَرْكِ قِتَالِهِمْ ط (قَوْلُهُ: وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ) أَيْ عَلَى الْمُوَادَعَةِ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ وَمِثْلُهُ فِي الْمُرْتَدِّينَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لَا نَقْتُلُ رُهُونَهُمْ) أَيْ وَإِنْ وَقَعَ الشَّرْطُ عَلَى أَنَّ أَيُّهُمَا غَدَرَ يَقْتُلُ الْآخَرُونَ الرَّهْنَ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا آمِنِينَ بِالْمُوَادَعَةِ أَوْ بِإِعْطَاءِ الْأَمَانِ لَهُمْ حِينَ أَخَذْنَاهُمْ رَهْنًا وَالْغَدْرُ مِنْ غَيْرِهِمْ لَا يُؤَاخَذُونَ بِهِ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ يَصِيرُوا ذِمَّةً لَنَا) أَوْ بِمَعْنَى إلَّا فَلِذَلِكَ حَذَفَ النُّونَ ح (قَوْلُهُ أُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فِيهِ وَفِي اُتُّبِعَ (قَوْلُهُ: أَيْ أُتِمَّ قَتْلُهُ) فِي الْمِصْبَاحِ: جَهَزْت عَلَى الْجَرِيحِ مِنْ بَابِ نَفَعَ وَأَجْهَزْت إجْهَازًا أَتْمَمْت عَلَيْهِ وَأَسْرَعْت قَتْلَهُ (قَوْلُهُ: وَاتُّبِعَ مُوَلِّيهِمْ) أَيْ هَارِبُهُمْ لِقَتْلِهِ أَوْ أَسْرِهِ كَيْ لَا يَلْحَقَ هُوَ أَوْ الْجَرِيحُ بِفِئَتِهِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ يَلْحَقُونَ بِهَا لَا يُجْهَزُ وَلَا يُتْبَعُ (قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ قَتَلَهُ) أَيْ إنْ كَانَ لَهُ فِئَةٌ وَإِلَّا لَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَعْنَى هَذَا الْخِيَارِ أَنْ يُحَكِّمَ نَظَرَهُ فِيمَا هُوَ أَحْسَنُ الْأَمْرَيْنِ فِي كَسْرِ الشَّوْكَةِ لَا بِهَوَى النَّفْسِ وَالتَّشَفِّي. (قَوْلُهُ: كَنِسَاءٍ وَشُيُوخٍ) أَدْخَلَتْ الْكَافُ الصِّبْيَانَ وَالْعُمْيَانَ كَمَا فِي الْبَحْرِ ط (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُقَاتِلُوا) أَيْ فَيُقْتَلُونَ حَالَ الْقِتَالِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ إلَّا الصِّبْيَانَ وَالْمَجَانِينَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَقْتُلُ) أَيْ يُكْرَهُ لَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُرِدْ قَتْلَهُ) فَإِذَا أَرَادَهُ فَلَهُ دَفْعُهُ وَلَوْ بِقَتْلِهِ، وَلَهُ أَنْ يَتَسَبَّبَ لِيَقْتُلَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 (وَلَمْ تُسْبَ لَهُمْ ذُرِّيَّةٌ، وَتُحْبَسُ أَمْوَالُهُمْ إلَى ظُهُورِ تَوْبَتِهِمْ) فَتُرَدُّ عَلَيْهِمْ، وَبَيْعُ الْكُرَاعِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَنْفَعُ فَتْحٌ وَيُقَاسَ عَلَيْهِ الْعَبِيدُ نَهْرٌ (وَنُقَاتِلُ بِسِلَاحِهِمْ وَحِيَلِهِمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَلَا يُنْتَفَعُ بِغَيْرِهِمَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ مُطْلَقًا) وَلَوْ عِنْدَ الْحَاجَةِ سِرَاجٌ. (وَلَوْ قَالَ الْبَاغِي: تُبْت وَأَلْقَى السِّلَاحَ مِنْ يَدِهِ كُفَّ عَنْهُ، وَلَوْ قَالَ: كُفَّ عَنِّي لِأَنْظُرَ فِي أَمْرِي لَعَلِّي أَتُوبُ وَأَلْقَى السِّلَاحَ كُفَّ عَنْهُ، وَلَوْ قَالَ أَنَا عَلَى دِينِك وَمَعَهُ السِّلَاحُ لَا) لِأَنَّ وُجُودَ السِّلَاحِ مَعَهُ قَرِينَةُ بَقَاءِ بَغْيِهِ، فَمَتَى أَلْقَاهُ كُفَّ عَنْهُ وَإِلَّا لَا فَتْحٌ. (وَلَوْ قَتَلَ بَاغٍ مِثْلَهُ فَظُهِرَ عَلَيْهِمْ فَلَا شَيْءَ فِيهِ) لِكَوْنِهِ مُبَاحَ الدَّمِ فَتْحٌ، فَلَا إثْمَ أَيْضًا، وَقَتْلَانَا شُهَدَاءُ وَلَا يُصَلَّى عَلَى بُغَاةٍ بَلْ يُكَفَّنُونَ وَيُدْفَنُونَ بَدَائِعُ (وَيُكْرَهُ نَقْلُ رُءُوسِهِمْ إلَى الْآفَاقِ) وَكَذَلِكَ رُءُوسُ أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّهَا مُثْلَةٌ؛ وَجَوَّزَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَوْ فِيهِ كَسْرُ شَوْكَتِهِمْ أَوْ فَرَاغُ قَلْبِنَا فَتْحٌ وَمَرَّ فِي الْجِهَادِ. (وَلَوْ غَلَبُوا عَلَى مِصْرٍ فَقَتَلَ مِصْرِيٌّ مِثْلَهُ عَمْدًا فَظَهَرَ عَلَى الْمِصْرِ قُتِلَ بِهِ إنْ لَمْ يَجْرِ عَلَى أَهْلِهِ) أَيْ الْمِصْرِ (أَحْكَامُهُمْ) وَإِنْ جَرَى لَا لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْإِمَامِ عَنْهُمْ (وَإِنْ قَتَلَ عَادِلٌ بَاغِيًا وَرِثَهُ) مُطْلَقًا   [رد المحتار] غَيْرُهُ كَعَقْرِ دَابَّتِهِ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْحَرْبِ فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَ مَحْرَمَهُ مِنْهُمْ مُبَاشَرَةً إلَّا الْوَالِدَيْنِ بَحْرٌ أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ الْوَالِدَيْنِ الْحَرْبِيَّيْنِ مُبَاشَرَةً، بَلْ لَهُ مَنْعُهُمَا لِيَقْتُلَهُمَا غَيْرُهُ إلَّا إذَا أَرَادَ قَتْلَهُ وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ إلَّا بِالْقَتْلِ فَلَهُ قَتْلُهُمَا مُبَاشَرَةً كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْجِهَادِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُحَرَّمَ هُنَا كَالْوَالِدَيْنِ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْحَرْبِ، فَإِنَّ لَهُ قَتْلَ الْمُحَرَّمِ فَقَطْ. وَالْفَرْقُ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ اُجْتُمِعَ فِي الْبَاغِي حُرْمَتَانِ: حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ، وَحُرْمَةُ الْقَرَابَةِ. وَفِي الْكَافِرِ حُرْمَةُ الْقَرَابَةِ فَقَطْ (قَوْلُهُ وَلَمْ تُسْبَ لَهُمْ ذُرِّيَّةٌ) أَيْ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَكَذَا النِّسَاءُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَمْنَعُ الِاسْتِرْقَاقَ ابْتِدَاءً كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ: وَبَيْعُ الْكُرَاعِ أَوْلَى) بِضَمِّ الْكَافِ، مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ بَعْضِهِ، لِمَا فِي الْمِصْبَاحِ أَنَّ الْكُرَاعَ مِنْ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ مُسْتَدَقُّ السَّاعِدِ بِمَنْزِلَةِ الْوَظِيفِ مِنْ الْفَرَسِ، وَهُوَ مُؤَنَّثٌ يُجْمَعُ عَلَى أَكْرُعٍ وَالْأَكْرُعُ عَلَى أَكَارِعَ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْأَكَارِعُ لِلدَّابَّةِ قَوَائِمُهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَنْفَعُ) أَيْ أَنْفَعُ مِنْ إمْسَاكِهِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ لِلرُّجُوعِ عَلَى صَاحِبِهِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَأَلْقَى السِّلَاحَ) فِعْلٌ مَاضٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَالَ (قَوْلُهُ: فَمَتَى أَلْقَاهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَا لَمْ يُلْقِ السِّلَاحَ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ كَانَ لَهُ قَتْلُهُ، وَمَتَى أَلْقَاهُ كُفَّ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ لَا يَلْزَمُهُ الْكَفُّ عَنْهُ بِإِلْقَاءِ السِّلَاحِ (قَوْلُهُ: فَلَا شَيْءَ فِيهِ) أَيْ لَا دِيَةَ وَلَا قِصَاصَ إذَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ مُبَاحَ الدَّمِ) أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَادِلَ إذَا قَتَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِالْوِلَايَةِ وَهِيَ بِالْمَنْفَعَةِ، وَلَا وِلَايَةَ لِإِمَامِنَا عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَجِبْ شَيْءٌ وَصَارَ كَالْقَتْلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُقْتَلُ بِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَلَا إثْمَ أَيْضًا) أَخَذَهُ فِي النَّهْرِ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِ الْفَتْحِ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: وَقَتْلَانَا شُهَدَاءُ) أَيْ فَيُصْنَعُ بِهِمْ مَا يُصْنَعُ بِالشُّهَدَاءِ كَافِيٌّ (قَوْلُهُ: بَلْ يُكَفَّنُونَ) أَيْ بَعْدَ أَنْ يُغَسَّلُوا كَمَا فِي الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا مُثْلَةٌ) أَيْ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ: أَوْ أَنَّثَهُ لِتَأْنِيثِ الْخَبَرِ أَيْ وَالْمُثْلَةُ مَنْهِيٌّ عَنْهُمَا (قَوْلُهُ: وَجَوَّزَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) لِمَنْعِ كَوْنِهِ مُثْلَةً، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمَنَعَهُ فِي الْمُحِيطِ فِي رُءُوسِ الْبُغَاةِ؛ وَجَوَّزَهُ فِي رُءُوسِ أَهْلِ الْحَرْبِ. (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَجْرِ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ أَخْرَجَهُمْ إمَامُ الْعَدْلِ قَبْلَ تَقَرُّرِ حُكْمِهِمْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَنْقَطِعْ وِلَايَةُ الْإِمَامِ فَوَجَبَ الْقَوَدُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ جَرَى لَا) أَيْ لَا يُقْتَلُ بِهِ وَلَكِنْ يَسْتَحِقُّ عَذَابَ الْآخِرَةِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ إذَا قَتَلَ عَادِلٌ بَاغِيًا فَإِنَّهُ يَرِثُهُ وَلَا تَفْصِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِحَقٍّ فَلَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ. وَأَصْلُهُ أَنَّ الْعَادِلَ إذَا أَتْلَفَ نَفْسَ الْبَاغِي أَوْ مَالَهُ لَا يَضْمَنُ وَلَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقِتَالِهِمْ دَفْعًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 وَبِالْعَكْسِ (إذَا قَالَ) الْبَاغِي وَقْتَ قَتْلِهِ (أَنَا عَلَى بَاطِلٍ لَا) يَرِثُهُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ (وَإِنْ قَالَ: أَنَا عَلَى حَقٍّ) فِي الْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ وَأَصَرَّ عَلَى دَعْوَاهُ (وَرِثَهُ) أَمَّا لَوْ رَجَعَ تَبْطُلُ دِيَانَتُهُ فَلَا إرْثَ ابْنُ كَمَالٍ. وَفِي الْفَتْحِ: لَوْ دَخَلَ بَاغٍ بِأَمَانٍ فَقَتَلَهُ عَادِلٌ عَمْدًا لَزِمَهُ الدِّيَةُ كَمَا فِي الْمُسْتَأْمَنِ لِبَقَاءِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ.   [رد المحتار] لِشَرِّهِمْ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَنَحْوُهُ فِي الْبَدَائِعِ. وَفِي الْمُحِيطِ: الْعَادِلُ لَوْ أَتْلَفَ مَالَ الْبَاغِي يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ فِي حَقِّنَا. وَوُفِّقَ الزَّيْلَعِيُّ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى إتْلَافِهِ حَالَ الْقِتَالِ بِسَبَبِ الْقِتَالِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْتُلَهُمْ إلَّا بِإِتْلَافِ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ كَالْخَيْلِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِ الضَّمَانِ لِعِصْمَةِ أَمْوَالِهِمْ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَيَظْهَرُ لِي التَّوْفِيقُ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ حَمْلُ الضَّمَانِ عَلَى مَا قَبْلَ تَحَيُّزِهِمْ وَخُرُوجِهِمْ أَوْ بَعْدَ كَسْرِهِمْ وَتَفَرُّقِ جَمْعِهِمْ، أَمَّا إذَا تَحَيَّزُوا لِقِتَالِنَا مُجْتَمِعِينَ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَعْصُومِينَ بِدَلِيلِ حِلِّ قِتَالِنَا لَهُمْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُ الْهِدَايَةِ بِالْأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ إذْ لَا يُؤْمَرُ بِقِتَالِهِمْ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَلَوْ أَتْلَفَ الْعَادِلُ مِنْهُمْ شَيْئًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَضْمَنُهُ لِسُقُوطِ الْعِصْمَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَعْصُومٌ فِي حَقِّنَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ هَذَا التَّوْفِيقَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ وَبِالْعَكْسِ) أَيْ إذَا قَتَلَ بَاغٍ عَادِلًا (قَوْلُهُ وَقْتَ قَتْلِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَنَا عَلَى بَاطِلٍ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُ عَقِبَهُ إذْ لَا يَلْزَمُ قَوْلُهُ ذَلِكَ وَقْتَ قَتْلِهِ، بَلْ اللَّازِمُ اعْتِقَادُ ذَلِكَ وَقْتَهُ، لَكِنْ قَدْ يَأْتِي لَفْظُ قَالَ بِمَعْنَى اعْتَقَدَ تَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ، وَإِنْ قَالَ قَتَلْته وَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي عَلَى بَاطِلٍ لَمْ يَرِثْهُ (قَوْلُهُ: اتِّفَاقًا) أَيْ مِنْ أَبِي يُوسُفَ وَصَاحِبَيْهِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ) وَهِيَ التَّأْوِيلُ بِاعْتِقَادِ كَوْنِهِ عَلَى حَقٍّ (قَوْلُهُ: وَرِثَهُ) أَيْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِتَأْوِيلٍ فَاسِدٍ وَالْفَاسِدُ مِنْهُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ إذَا ضُمَّتْ إلَيْهِ الْمَنَعَةُ فِي حَقِّ الدَّفْعِ كَمَا فِي مَنَعَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَتَأْوِيلُهُمْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَفْيَ الضَّمَانِ مَنُوطٌ بِالْمَنَعَةِ مَعَ التَّأْوِيلِ، فَلَوْ تَجَرَّدَتْ الْمَنَعَةُ عَنْ التَّأْوِيلِ كَقَوْمٍ تَغَلَّبُوا عَلَى بَلْدَةٍ فَقَتَلُوا وَاسْتَهْلَكُوا الْأَمْوَالَ بِلَا تَأْوِيلٍ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ أُخِذُوا بِجَمِيعِ ذَلِكَ، وَلَوْ انْفَرَدَ التَّأْوِيلُ عَنْ الْمَنَعَةِ بِأَنْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ وَاثْنَانِ فَقَتَلُوا وَأَخَذُوا عَنْ تَأْوِيلٍ ضَمِنُوا إذَا تَابُوا وَقُدِّرَ عَلَيْهِمْ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَالزَّيْلَعِيِّ. وَفِي الِاخْتِيَارِ: وَمَا أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الْآخَرِ مِنْ دَمٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ اسْتِهْلَاكِ مَالٍ فَهُوَ مَوْضُوعٌ لَا دِيَةَ فِيهِ، وَلَا ضَمَانَ وَلَا قِصَاصَ، وَمَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ لِلْآخَرِ فَهُوَ لِصَاحِبِهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا تَابُوا أُفْتِيهِمْ أَنْ يَغْرَمُوا وَلَا أَجْبُرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ أَتْلَفُوهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَسُقُوطُ الْمُطَالَبَةِ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: مَا فَعَلُوهُ قَبْلَ التَّحَيُّزِ وَالْخُرُوجِ، وَبَعْدَ تَفَرُّقِ جَمْعِهِمْ يُؤْخَذُونَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا، وَلَا مَنْعَةَ لَهُمْ كَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَمَّا مَا فَعَلُوهُ بَعْدَ التَّحَيُّزِ لَا ضَمَانَ فِيهِ لِمَا بَيَّنَّا. اهـ. قُلْت: فَتَحَصَّلَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ إذَا كَانُوا كَثِيرِينَ ذَوِي مَنَعَةٍ وَتَحَيَّزُوا لِقِتَالِنَا مُعْتَقِدِينَ حِلَّهُ بِتَأْوِيلٍ سَقَطَ عَنْهُمْ ضَمَانُ مَا أَتْلَفُوهُ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ دُونَ مَا كَانَ قَائِمًا، وَيَضْمَنُونَ كُلَّ ذَلِكَ إذَا كَانُوا قَلِيلِينَ لَا مَنْعَةَ لَهُمْ أَوْ قَبْلَ تَحَيُّزِهِمْ أَوْ بَعْدَ تَفَرُّقِ جَمْعِهِمْ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَا أَتْلَفَهُ أَهْلُ الْعَدْلِ لَا يَضْمَنُونَهُ وَقِيلَ يَضْمَنُونَهُ وَقَدَّمْنَا التَّوْفِيقَ (قَوْلُهُ: تَبْطُلُ دِيَانَتُهُ) أَيْ تَأْوِيلُهُ الَّذِي كَانَ يَتَدَيَّنُ بِهِ وَأَسْقَطْنَا ضَمَانَهُ بِسَبَبِهِ، فَإِذَا رَجَعَ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا تَأْوِيلَ لَهُ فَلَا يَرِثُ وَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَ. وَفِي عَامَّةِ النُّسَخِ دِيَانَةً بِدُونِ ضَمِيرٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَالْمُوَافِقُ لِمَا فِي ابْنِ كَمَالٍ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ هُوَ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: عَمْدًا) لَيْسَ فِي كَلَامِ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ حَمَلَهُ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ. ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَرِثَ مِنْهُ، وَهَذِهِ تُرَدُّ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْمُسْتَأْمَنِ) أَيْ كَمَا لَوْ قَتَلَ الْمُسْلِمُ مُسْتَأْمَنًا فِي دَارِنَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِبَقَاءِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ الْمَفْهُومِ مِنْ وُجُوبِ الدِّيَةِ. اهـ. ح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 (وَيُكْرَهُ) تَحْرِيمًا (بَيْعُ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ إنْ عُلِمَ) لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ (وَبَيْعُ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ كَالْحَدِيدِ) وَنَحْوِهِ يُكْرَهُ لِأَهْلِ الْحَرْبِ (لَا) لِأَهْلِ الْبَغْيِ لِعَدَمِ تَفَرُّغِهِمْ لِعَمَلِهِ سِلَاحًا لِقُرْبِ زَوَالِهِمْ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْحَرْبِ زَيْلَعِيٌّ. قُلْت: وَأَفَادَ كَلَامُهُمْ أَنَّ مَا قَامَتْ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ يُكْرَه بَيْعُهُ تَحْرِيمًا وَإِلَّا فَتَنْزِيهًا نَهْرٌ. وَفِي الْفَتْحِ: يَنْفُذُ حُكْمُ قَاضِيهِمْ لَوْ عَادِلًا وَإِلَّا لَا، وَلَوْ كَتَبَ قَاضِيهِمْ إلَى قَاضِينَا كِتَابًا، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ قَضَى بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ نَفَّذَهُ وَإِلَّا لَا.   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي كَرَاهَةِ بَيْعِ مَا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ (قَوْلُهُ: تَحْرِيمًا) بَحْثٌ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ لِتَعْلِيلِهِمْ بِالْإِعَانَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ ط (قَوْلُهُ: مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ) شَمِلَ الْبُغَاةَ وَقُطَّاعَ الطَّرِيقِ وَاللُّصُوصَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: إنْ عَلِمَ) أَيْ إنْ عَلِمَ الْبَائِعُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ) ؛ لِأَنَّهُ يُقَاتِلُ بِعَيْنِهِ، بِخِلَافِ مَا لَا يُقْتَلُ بِهِ إلَّا بِصَنْعَةٍ تَحْدُثُ فِيهِ كَالْحَدِيدِ، وَنَظِيرُهُ كَرَاهَةُ بَيْعِ الْمَعَازِفِ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تُقَامُ بِهَا عَيْنُهَا، وَلَا يُكْرَهُ بَيْعُ الْخَشَبِ الْمُتَّخَذَةِ هِيَ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا بَيْعُ الْخَمْرِ لَا يَصِحُّ وَيَصِحُّ بَيْعُ الْعِنَبِ. وَالْفَرْقُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَا ذَكَرْنَا فَتْحٌ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَكَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ لَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ وَكَذَا لَا يُكْرَهُ بَيْعُ الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَالْكَبْشِ النَّطُوحِ وَالدِّيكِ الْمُقَاتِلِ وَالْحَمَامَةِ الطَّيَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْنُهَا مُنْكَرًا وَإِنَّمَا الْمُنْكَرُ فِي اسْتِعْمَالِهَا الْمَحْظُورِ. اهـ. قُلْت: لَكِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تُقَامُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهَا لَكِنْ لَيْسَتْ هِيَ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْهَا، فَإِنَّ عَيْنَ الْجَارِيَةِ لِلْخِدْمَةِ مَثَلًا وَالْغِنَاءُ عَارِضٌ فَلَمْ تَكُنْ عَيْنَ النُّكُرِ، بِخِلَافِ السِّلَاحِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْهُ هُوَ الْمُحَارَبَةُ بِهِ فَكَانَ عَيْنُهُ مُنْكَرًا إذَا بِيعَ لِأَهْلِ الْفِتْنَةِ، فَصَارَ الْمُرَادُ بِمَا تُقَامُ الْمَعْصِيَةُ بِهِ مَا كَانَ عَيْنُهُ مُنْكَرًا بِلَا عَمَلِ صَنْعَةٍ فِيهِ، فَخَرَجَ نَحْوُ الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَيْنَ الْمُنْكَرِ، وَنَحْوُ الْحَدِيدِ وَالْعَصِيرِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يُعْمَلُ مِنْهُ عَيْنُ الْمُنْكَرِ لَكِنَّهُ بِصَنْعَةٍ تَحْدُثُ فَلَمْ يَكُنْ عَيْنَهُ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ بَيْعَ الْأَمْرَدِ مِمَّنْ يَلُوطُ بِهِ مِثْلُ الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ فَلَيْسَ مِمَّا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ، خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فِي بَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: يُكْرَهُ لِأَهْلِ الْحَرْبِ) مُقْتَضَى مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمَنْفِيُّ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ وَالْمُثْبَتُ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيدَ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ لَكِنْ إذَا كَانَ بَيْعُهُ مِمَّنْ يَعْمَلُهُ سِلَاحًا كَانَ فِيهِ نَوْعُ إعَانَةٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: نَهْرٌ) عِبَارَتُهُ: وَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بَيْعُ مَا لَمْ تَقُمْ الْمَعْصِيَةُ بِهِ كَبَيْعِ الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَالْكَبْشِ النَّطُوحِ وَالْحَمَامَةِ الطَّيَّارَةِ وَالْعَصِيرِ وَالْخَشَبِ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْهُ الْعَازِفُ، وَمَا فِي بُيُوعِ الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ بَيْعُ الْأَمْرَدِ مِنْ فَاسِقٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْصِي بِهِ مُشْكِلٌ. وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بَيْعُ جَارِيَةٍ مِمَّنْ يَأْتِيهَا فِي دُبُرِهَا أَوْ بَيْعُ الْغُلَامِ مِنْ لُوطِيٍّ وَهُوَ الْمُوَفِّقُ لِمَا مَرَّ. وَعِنْدِي أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَالْمَنْفِيُّ هُوَ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ، وَعَلَى هَذَا فَيُكْرَهُ فِي الْكُلِّ تَنْزِيهًا، وَهُوَ الَّذِي إلَيْهِ تَطْمَئِنُّ النَّفْسُ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي الْإِعَانَةِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ اهـ (قَوْلُهُ: يُنَفَّذُ) بِالتَّشْدِيدِ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ (قَوْلُهُ: لَوْ عَادِلًا) أَيْ لَوْ كَانَ حُكْمُ قَاضِيهمْ عَادِلًا: أَيْ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْعَدْلِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِذَا وَلَّى الْبُغَاةُ قَاضِيًا عَلَى مَكَان غَلَبُوا عَلَيْهِ فَقَضَى مَا شَاءَ ثُمَّ ظَهَرَ أَهْلُ الْعَدْلِ فَرُفِعَتْ أَقْضِيَتُهُ إلَى قَاضِي الْعَدْلِ نَفَّذَ مِنْهَا مَا هُوَ عَدْلٌ وَكَذَا مَا قَضَى بِرَأْيِ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي فِي الْمُجْتَهِدَاتِ نَافِذٌ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِرَأْيِ قَاضِي الْعَدْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَتَبَ قَاضِيهِمْ إلَخْ) مَحَلُّهُ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَإِلَّا لَا يُقْبَلُ كِتَابُهُ لِفِسْقِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَأَفَادَ صِحَّةَ تَوْلِيَةِ الْبُغَاةِ لِلْقَضَاءِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 [مَطْلَبٌ فِي كَرَاهَةِ بَيْعِ مَا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ] كِتَابُ اللَّقِيطِ عَقَّبَهُ مَعَ اللُّقَطَةِ بِالْجِهَادِ لِعَرْضِيَّتِهِمَا لِفَوَاتِ النَّفْسِ وَالْمَالِ، وَقُدِّمَ اللَّقِيطُ لِتَعَلُّقِهِ بِالنَّفْسِ، وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَالِ. (هُوَ) لُغَةً مَا يُلْقَطُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ثُمَّ غُلِّبَ عَلَى الْوَلَدِ الْمَنْبُوذِ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ وَشَرْعًا (اسْمٌ لِحَيٍّ مَوْلُودٍ طَرَحَهُ أَهْلُهُ خَوْفًا مِنْ الْعَيْلَةِ أَوْ فِرَارًا مِنْ تُهْمَةِ الرِّيبَةِ) مُضَيِّعُهُ آثِمٌ مُحْرِزُهُ غَانِمٌ (الْتِقَاطُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ هَلَاكُهُ لَوْ لَمْ يَرْفَعْهُ) وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ غَيْرُهُ فَفَرْضُ عَيْنٍ، وَمِثْلُهُ رُؤْيَةُ أَعْمَى يَقَعُ فِي بِئْرٍ شُمُنِّيٌّ (وَإِلَّا فَمَنْدُوبٌ) لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّفَقَةِ وَالْإِحْيَاءِ و (هُوَ حُرٌّ)   [رد المحتار] [كِتَابُ اللَّقِيطِ] ِ أَيْ كِتَابُ لَقْطِ اللَّقِيطِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَالْأَوْلَى قَوْلُ الْحَمَوِيِّ كِتَابٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ اللَّقِيطِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ لَقْطِهِ كَنَفَقَتِهِ وَجِنَايَتِهِ وَإِرْثِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ط (قَوْلُهُ: عَقَّبَهُ مَعَ اللُّقَطَةِ بِالْجِهَادِ) تَبِعَ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ صَاحِبَ النَّهْرِ، وَفِيهِ قَلْبٌ، وَصَوَابُهُ عَقِبَ الْجِهَادِ بِهِ مَعَ اللُّقَطَةِ ط. قُلْت: لَكِنْ فِي الْمِصْبَاحِ كُلُّ شَيْءٍ جَاءَ بَعْدَ شَيْءٍ فَقَدْ عَاقَبَهُ وَعَقِبَهُ تَعْقِيبًا، ثُمَّ قَالَ وَعَقَبْت زَيْدًا عَقِبًا مِنْ بَابِ قَتَلَ وَعُقُوبًا جِئْت بَعْدَهُ، ثُمَّ قَالَ وَالسَّلَامُ يَعْقُبُ التَّشَهُّدَ أَيْ يَتْلُوهُ، فَهُوَ عَقِيبٌ لَهُ. اهـ. فَعَلَى هَذَا إذَا قُلْت أَعْقَبْت زَيْدًا عَمْرًا كَانَ مَعْنَاهُ جَعَلْت زَيْدًا تَالِيًا لِعَمْرٍو؛ لِأَنَّ زَيْدًا فَاعِلٌ فِي الْأَصْلِ كَمَا أَلْبَسْت زَيْدًا جُبَّةً وَكَذَا تَقُولُ أَعْقَبْت السَّلَامَ التَّشَهُّدَ: أَيْ أَتَيْت بِالسَّلَامِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ، وَمِثْلُهُ أَعْقَبْت السَّلَامَ بِالتَّشَهُّدِ بِزِيَادَةِ الْبَاءِ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ عَقَّبَ اللَّقِيطَ بِالْجِهَادِ مَعْنَاهُ أَتَى بِهِ عَقِبَ الْجِهَادِ فَلَا قَلْبَ فِيهِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ: لِعَرَضِيَّتِهِمَا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ اهـ ح: أَيْ لِتَوَقُّعِ عُرُوضِ الْهَلَاكِ وَالزَّوَالِ فِيهِمَا: أَيْ كَمَا أَنَّ الْأَنْفُسَ وَالْأَمْوَالَ فِي الْجِهَادِ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَهُ عَلَيْهِمَا لِكَوْنِهِ فَرْضًا لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالِالْتِقَاطُ مَنْدُوبٌ (قَوْلُهُ: مَا يُلْقَطُ) أَيْ يُرْفَعُ مِنْ الْأَرْضِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ غُلِّبَ) أَيْ فِي اللُّغَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَغْرِبِ وَالْمِصْبَاحِ، فَهُوَ كَاسْتِعْمَالِهِمْ اللَّفْظَ بِمَعْنَى الْمَلْفُوظِ ثُمَّ تَخْصِيصُهُ بِمَا يَلْفِظُهُ الْفَمُ مِنْ الْحُرُوفِ (قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ) ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ أَمْرُهُ إلَى الِالْتِقَاطِ فِي الْعَادَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ بِعَلَاقَةِ الْأَوَّلِ مِثْلَ - {أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36]- وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ سَمَّاهُ قَتِيلًا إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا اسْمٌ لِحَيٍّ مَوْلُودٍ إلَخْ) كَذَا فِي الْبَحْرِ، وَظَاهِرُ الْفَتْحِ اتِّحَادُ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَاللُّغَوِيِّ، وَعَلَى مَا هُنَا فَالْمُغَايَرَةُ بَيْنَهُمَا بِزِيَادَةِ قَيْدِ الْحَيَاةِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ كَذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ حَتَّى يُحْكَمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلدَّارِ فَيُغْسَلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي مَحَلَّةٍ تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ تَأَمَّلْ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا كَانَ مِنْ بَنِي آدَمَ كَمَا نُقِلَ عَنْ الأتقاني، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ طَرَحَهُ أَهْلُهُ. احْتِرَازًا عَنْ الضَّائِعِ (قَوْلُهُ: خَوْفًا مِنْ الْعَيْلَةِ) بِالْفَتْحِ: الْفَقْرُ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: فِرَارًا مِنْ تُهْمَةِ الرِّيبَةِ) التُّهْمَةُ: بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِهَا الشَّكُّ وَالرِّيبَةُ مِصْبَاحٌ. وَفِيهِ أَيْضًا: الرِّيبَةُ الظَّنُّ وَالشَّكُّ، لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهَا هُنَا الزِّنَا (قَوْلُهُ: مُضَيِّعُهُ) أَيْ طَارِحُهُ أَوْ تَارِكُهُ حَتَّى ضَاعَ أَيْ هَلَكَ (قَوْلُهُ: إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ هَلَاكُهُ) بِأَنْ وَجَدَهُ فِي مَفَازَةٍ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمَهَالِكِ، وَلَيْسَ مُرَادُ الْكَنْزِ مِنْ الْوُجُوبِ الِاصْطِلَاحِيِّ بَلْ الِافْتِرَاضُ، فَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَاقِي الْأَئِمَّةِ كَمَا قَدْ تَوَهَّمَ بَحْرٌ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُلْتَقَطِ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا، فَلَا يَصِحُّ الْتِقَاطُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا عَدْلًا رَشِيدًا لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْتِقَاطَ الْكَافِرِ صَحِيحٌ وَالْفَاسِقِ أَوْلَى، وَأَنَّ الْعَبْدَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ يَصِحُّ الْتِقَاطُهُ أَيْضًا، فَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ أَوْلَى. اهـ. وَيَأْتِي قَرِيبًا تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى الْمَحْجُورِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَمَنْدُوبٌ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ طَرْحُهُ بَعْدَ الْتِقَاطِهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْتِقَاطِهِ حِفْظُهُ فَلَا يَمْلِكُ رَدَّهُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ حُرٌّ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 مُسْلِمٌ تَبَعًا لِلدَّارِ (إلَّا بِحُجَّةِ رِقِّهِ) عَلَى خَصْمٍ وَهُوَ الْمُلْتَقِطُ لِسَبْقِ يَدِهِ (وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ) مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَسُكْنَى وَدَوَاءٍ وَمَهْرٍ إذَا زَوَّجَهُ السُّلْطَانُ (فِي بَيْتِ الْمَالِ) إنْ بَرْهَنَ عَلَى الْتِقَاطِهِ (وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ) أَوْ قَرَابَةٌ (فَفِي مَالِهِ) أَوْ عَلَى قَرَابَتِهِ (وَارِثُهُ) وَلَوْ دِيَةً (فِي بَيْتِ الْمَالِ كَجِنَايَتِهِ) لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ (وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ مِنْهُ قَهْرًا)   [رد المحتار] أَيْ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى يُحَدَّ قَاذِفُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَنِي آدَمَ الْحُرِّيَّةُ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ آدَمَ وَحَوَّاءَ، وَإِنَّمَا عَرَضَ الرِّقُّ بِعُرُوضِ الْكُفْرِ لِبَعْضِهِمْ، وَكَذَا الدَّارُ دَارُ الْأَحْرَارِ فَتْحٌ، وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْوَاجِدُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا وَلَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْوَاجِدِ والولوالجية. وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ وَجَدَهُ الْمَحْجُورُ وَلَا يُعْرَفُ إلَّا بِقَوْلِهِ قَالَ الْمَوْلَى كَذَبْت بَلْ هُوَ عَبْدِي فَالْقَوْلُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ ذُو الْيَدِ إذْ لَا يَدَ لِلْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا فَالْقَوْلُ لَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ يَدًا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: مُسْلِمٌ تَبَعًا لِلدَّارِ) أَفَادَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ثُبُوتِ إسْلَامِهِ الْمَكَانُ سَوَاءٌ كَانَ الْوَاجِدُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، وَفِيهِ خِلَافٌ سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: إلَّا بِحُجَّةِ رِقِّهِ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ كَانَ الْمُلْتَقَطُ عَبْدًا مَحْجُورًا وَادَّعَى مَوْلَاهُ أَنَّهُ عَبْدُهُ كَمَا مَرَّ آنِفًا وَكَذَا لَوْ ادَّعَاهُ الْمُلْتَقِطُ الْحُرُّ إنْ لَمْ يَكُنْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَقِيطٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: عَلَى خَصْمٍ وَهُوَ الْمُلْتَقِطُ) هَذَا إذَا كَانَ اللَّقِيطُ صَغِيرًا، فَلَوْ كَبِيرًا يَثْبُتُ رِقُّهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَبِإِقْرَارِهِ أَيْضًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ النَّظْمِ، لَكِنْ إقْرَارُهُ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ وَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْفُرُوعِ. (قَوْلُهُ: وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ) عِبَارَةُ الْمُتُونِ وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قَالَ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَانَ أَوْلَى لِمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ مَهْرَهُ إذَا زَوَّجَهُ السُّلْطَانُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَفِي مَالِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ إلَخْ) فِي النَّهْرِ: قَدْ مَرَّ أَنَّ النَّفَقَةَ اسْمٌ لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى (قَوْلُهُ: وَدَوَاءٍ) ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ التَّزْوِيجِ (قَوْلُهُ: إذَا زَوَّجَهُ السُّلْطَانُ) أَيْ أَوْ وَكِيلُهُ، وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُلْتَقَطَ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُ كَمَا يَأْتِي. وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَزْوِيجَ السُّلْطَانِ لَهُ مُقَيَّدٌ بِالْحَاجَةِ كَمَا لَوْ احْتَاجَ إلَى خَادِمٍ فَزَوَّجَهُ امْرَأَةً تَخْدُمُهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَفِيهِ الْإِنْفَاقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِلَا ضَرُورَةٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ نَفَقَةَ زَوْجَتِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إنْ بَرْهَنَ عَلَى الْتِقَاطِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَسَاهُ ابْنُهُ، وَالْوَجْهُ أَنْ لَا يُتَوَقَّفَ عَلَى الْبَيِّنَةِ بَلْ مَا يُرَجِّحُ صِدْقَهُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَقُمْ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: هَذِهِ لِكَشْفِ الْحَالِ، وَالْبَيِّنَةُ لِكَشْفِ الْحَالِ مَقْبُولَةٌ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ عَلَى خَصْمٍ فَتْحٌ. [تَنْبِيهٌ] أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ مِنْ مَالِهِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ إلَّا إذَا أَذِنَ لَهُ الْقَاضِي بِشَرْطِ الرُّجُوعِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي اللُّقَطَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ دِيَةً) قَالَ فِي الْفَتْحِ: حَتَّى لَوْ وُجِدَ اللَّقِيطُ قَتِيلًا فِي مَحَلَّةٍ كَانَ عَلَى أَهْلِهَا دِيَتُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَعَلَيْهِمْ الْقَسَامَةُ وَكَذَا إذَا قَتَلَهُ الْمُلْتَقِطُ أَوْ غَيْرُهُ خَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ عَمْدًا فَالْخِيَارُ إلَى الْإِمَامِ اهـ أَيْ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالصُّلْحِ عَلَى الدِّيَةِ، وَلَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: كَجِنَايَتِهِ) أَيْ عَلَى غَيْرِهِ. مَطْلَبٌ فِي قَوْلِهِمْ الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ كَجِنَايَتِهِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَالْغُنْمُ بِالْغُرْمِ أَيْ مُقَابَلٌ بِهِ فَكَمَا أَنَّ الْمَالِكَ يَخْتَصُّ بِالْغُنْمِ وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ فَكَذَلِكَ يَتَحَمَّلُ الْغُرْمَ وَلَا يَتَحَمَّلُ مَعَهُ أَحَدٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْغُرْمُ مَجْبُورٌ بِالْغُنْمِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ مِنْهُ قَهْرًا) ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ حَقُّ الْحِفْظِ لَهُ لِسَبْقِ يَدِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْتَزَعَ مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِحِفْظِهِ كَمَا قَالُوا فِي الْحَاضِنَةِ، وَكَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْفَتْحِ الْآتِي إلَّا بِسَبَبٍ يُوجِبُ ذَلِكَ بَحْرٌ. قُلْت: وَكَذَا يُفِيدُهُ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ ذِمِّيٍّ، وَلَكِنْ هُوَ مُسْلِمٌ فَيُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ قُبَيْلَ عَقْلِ الْأَدْيَانِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّزْعَ فِيهِ وَاجِبٌ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ فَاسِقًا يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْهُ الْفُجُورُ بِاللَّقِيطِ فَيُنْزَعُ مِنْهُ قُبَيْلَ حَدِّ الِاشْتِهَاءِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 وَهَلْ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَخْذُهُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ فِي الْفَتْحِ لَا، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَحُرِّرَ فِي النَّهْرِ، نَعَمْ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَخْذُهُ إلَّا بِمُوجِبٍ (فَلَوْ أَخَذَهُ أَحَدٌ وَخَاصَمَهُ الْأَوَّلُ رُدَّ إلَيْهِ) إلَّا إذَا دَفَعَهُ بِاخْتِيَارِهِ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ (وَ) هَذَا إذَا اتَّحَدَ الْمُلْتَقِطُ، فَلَوْ تَعَدَّدَ وَتَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا كَمَا (لَوْ وَجَدَهُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ فَتَنَازَعَا قُضِيَ بِهِ لِلْمُسْلِمِ) لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلَّقِيطِ خَانِيَّةٌ، وَلَوْ اسْتَوَيَا فَالرَّأْيُ لِلْقَاضِي بَحْرٌ بَحْثًا. (وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ وَاحِدٍ) بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ وَلَوْ غَيْرَ الْمُلْتَقِطِ اسْتِحْسَانًا لَوْ حَيًّا وَإِلَّا فَالْبَيِّنَةُ خَانِيَّةٌ (وَمِنْ اثْنَيْنِ) مُسْتَوِيَيْنِ كَوَلَدِ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ.   [رد المحتار] وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ الْقَاضِي عَجْزَهُ عَنْ حِفْظِهِ بِنَفْسِهِ وَأُتِيَ بِهِ إلَيْهِ فَإِنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَقْبَلَهُ اهـ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُرِدْ بِالْأَوْلَى الْوُجُوبَ فَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ بَعْدَمَا أُتِيَ بِهِ إلَيْهِ عَلِمَ أَمَانَتَهُ وَدِيَانَتَهُ وَأَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ يَدْفَعُهُ هُوَ إلَى مَنْ يَحْفَظُهُ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ لِلْقَاضِي لِأَخْذِهِ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَخْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْمُلْتَقِطِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: فِي الْفَتْحِ لَا) حَيْثُ قَالَ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُلْتَقِطِ إلَّا بِسَبَبٍ يُوجِبُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ يَدَهُ سَبَقَتْ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَحَرَّرَ فِي النَّهْرِ نَعَمْ) حَيْثُ قَالَ: وَأَقُولُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ لِلْعَامَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ عَدَمُ أَخْذِهِ مِنْ الْمُلْتَقِطِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلَّقِيطِ) ؛ لِأَنَّهُ يُعَلِّمُهُ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَلِأَنَّهُ مَحْكُومٌ لَهُ بِالْإِسْلَامِ فَكَانَ الْمُسْلِمُ أَوْلَى بِحِفْظِهِ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَهَذَا إذَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ وَإِلَّا نُزِعَ مِنْ الْكَافِرِ وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمُلْتَقِطَ وَحْدَهُ كَمَا يَأْتِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَوَيَا) بِأَنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ (قَوْلُهُ: فَالرَّأْيُ لِلْقَاضِي) وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَجَّحَ مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلَّقِيطِ نَهْرٌ، بِأَنْ يُقَدَّمَ الْعَدْلُ عَلَى الْفَاسِقِ وَالْغَنِيُّ عَلَى الْفَقِيرِ، بَلْ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ الْخَانِيَّةِ بِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلَّقِيطِ عَدَمُ اخْتِصَاصِ التَّرْجِيحِ بِالْإِسْلَامِ فَيَعُمُّ مَا ذُكِرَ، فَيُقْضَى بِهِ لِلْعَدْلِ وَالْغَنِيِّ حَيْثُ كَانَ هُوَ الْأَنْفَعَ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ التَّرْجِيحُ اخْتَصَّ بِهِ الرَّاجِحُ. اهـ. وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَوَيَا أَيْ فِي صِفَاتِ التَّرْجِيحِ كُلِّهَا. (قَوْلُهُ: اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ دَعْوَاهُمَا، أَمَّا الْمُلْتَقِطُ فَلِتَنَاقُضِهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقٍّ ثَابِتٍ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى أَعْنِي الْحِفْظَ لِلْمُلْتَقِطِ وَحَقَّ الْوَلَدِ لِلْعَامَّةِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إقْرَارٌ لِلصَّبِيِّ بِمَا يَنْفَعُهُ وَالتَّنَاقُضُ لَا يَضُرُّ فِي دَعْوَى النَّسَبِ، وَإِبْطَالُ حَقِّ الْمُلْتَقِطِ ضِمْنَا ضَرُورَةِ ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا لَا قَصْدًا، أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ بِالْوِلَادَةِ تَصِحُّ ثُمَّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا اسْتِحْقَاقُهُ لِلْإِرْثِ، (قَوْلُهُ: لَوْ حَيًّا) أَيْ لَوْ كَانَ اللَّقِيطُ حَيًّا وَهُوَ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَبِالْبَيِّنَةِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ اللَّقِيطُ مَيِّتًا وَتَرَكَ مَالًا أَوْ لَمْ يَتْرُكْ فَادَّعَى رَجُلٌ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَيْ لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ مَالٍ لَهُ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ أَنَّ دَعْوَى الْحَيِّ تَتَمَحَّضُ لِلنَّسَبِ، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ بِالْمَوْتِ فَصَارَتْ دَعْوَى الْإِرْثِ، ثُمَّ رَأَيْته صَرِيحًا فِي الْفَتْحِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ فِي دَعْوَى الْحَيِّ غَيْرُ مُتَّهَمٍ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ. تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ اثْنَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ) أَيْ إذَا ادَّعَيَاهُ مَعًا فَلَوْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَهُوَ ابْنُهُ مَا لَمْ يُبَرْهِنْ الْآخَرُ، وَقَيَّدَ الِاسْتِوَاءَ إذْ لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا مُرَجِّحٌ، فَهُوَ أَوْلَى كَمُلْتَقَطٍ وَخَارِجٍ فَيُحْكَمُ بِهِ لِلْمُلْتَقِطِ وَلَوْ ذِمِّيًّا وَبِإِسْلَامِ الْوَلَدِ؛ وَلَوْ خَارِجَيْنِ يُقَدَّمُ مَنْ بَرْهَنَ عَلَى مَنْ لَمْ يُبَرْهِنْ، وَالْمُسْلِمُ عَلَى الذِّمِّيِّ، وَالْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ، وَالذِّمِّيُّ الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ تَرَكَ التَّقْيِيدَ بِالْمَعِيَّةِ لِكَوْنِ الْأَسْبَقِ لَهُ مُرَجَّحٌ وَهُوَ السَّبْقُ لِعَدَمِ الْمُنَازِعِ، وَمِنْ الْمُرَجَّحِ وَصْفُ أَحَدِهِمَا عَلَامَةٌ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ كَوَلَدِ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ) أَيْ فَإِنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ كُلٌّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ الشُّرَكَاءُ مَعًا ثَبَتَ مِنْ الْكُلِّ، فَهُوَ تَشْبِيهٌ لِمَسْأَلَةِ الْمَتْنِ بِهَذِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 وَعِبَارَةُ الْمُنْيَةِ: ادَّعَاهُ أَكْثَرُ مِنْ اثْنَيْنِ فَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ إلَى خَمْسَةٍ ظَاهِرَةٍ فِي عَدَمِ قَبُولِ دَعْوَى الزَّائِدِ. وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْإِمَامِ نَهْرٌ، لَكِنَّ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ النَّظْمِ مَا يُفِيدُ ثُبُوتَهُ مِنْ الْأَكْثَرِ فَلْيُحَرَّرْ. (وَلَوْ ادَّعَتْهُ امْرَأَةٌ) وَاحِدَةٌ (ذَاتُ زَوْجٍ، فَإِنْ صَدَّقَهَا زَوْجُهَا أَوْ شَهِدَتْ لَهَا الْقَابِلَةُ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ) وَلَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْوِلَادَةِ (صَحَّتْ) دَعْوَتُهَا (وَإِلَّا لَا) لِمَا فِيهِ مِنْ تَحَمُّلِ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ فَلَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ؛ وَلَوْ ادَّعَتْهُ امْرَأَتَانِ وَأَقَامَتْ إحْدَاهُمَا الْبَيِّنَةَ فَهِيَ أَوْلَى بِهِ، وَإِنْ أَقَامَتَا جَمِيعًا فَهُوَ ابْنُهُمَا) خِلَافًا لَهُمَا الْكُلُّ مِنْ الْخَانِيَّةِ (وَإِنْ) ادَّعَاهُ خَارِجَانِ وَ (وَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً بِهِ) أَيْ بِجَسَدِهِ لَا بِثَوْبِهِ (وَوَافَقَ فَهُوَ أَحَقُّ) إذَا لَمْ يُعَارِضْهَا أَقْوَى مِنْهَا، كَبَيِّنَةِ الْآخَرِ وَحُرِّيَّتِهِ وَسَبْقِهِ   [رد المحتار] لَا تَقْيِيدٌ لِمَا فِي الْمَتْنِ بِمَا إذَا ادَّعَاهُ كُلٌّ مِنْ الْمُلْتَقِطَيْنِ مِنْ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ، خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ، وَلِذَا قَالَ بَعْدَهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْأُمِّ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَعِبَارَةُ الْمُنْيَةِ) مُبْتَدَأٌ وَمُضَافٌ إلَيْهِ، وَقَوْلُهُ ادَّعَاهُ إلَخْ بَدَلٌ مِنْ عِبَارَةٍ، وَقَوْلُهُ ظَاهِرَةٌ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ، وَمِثْلُ مَا فِي الْمُنْيَةِ مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يُلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ جَوَّزَهُ إلَى خَمْسَةٍ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ تَوْجِيهَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْأُمِّ) لِمَا فِي النَّهْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة: لَوْ عَيَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا امْرَأَةً أُخْرَى قُضِيَ بِالْوَلَدِ بَيْنَهُمَا، وَهَلْ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ يَثْبُتُ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا (قَوْلُهُ: لَكِنَّ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا فِي الْمُنْيَةِ وَعِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ هَكَذَا: وَفِيهِ: أَيْ فِي قَوْلِ النِّقَابَةِ: وَلَوْ رَجُلَيْنِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ أَكْثَرُ مِنْ رَجُلَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ مِنْهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيَثْبُتُ مِنْ الثَّلَاثِ لَا الْأَكْثَرِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَثْبُتُ مِنْ الْأَكْثَرِ اهـ فَقَوْلُهُ مِنْ الْأَكْثَرِ يَشْمَلُ مَا فَوْقَ الْخَمْسَةِ لَكِنْ حَيْثُ قَيَّدَهُ غَيْرُهُ بِالْخَمْسَةِ يُحْمَلُ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ) لَعَلَّهُ أَتَى بِالْمُبَالَغَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّ قَوْلَهُ الْآتِيَ فَلَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْحَصْرَ فِي الرَّجُلَيْنِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ نِصَابُ الشَّهَادَةِ فَهُوَ نَفْيٌ لِقَبُولِ شَهَادَةِ الْفَرْدِ، فَلَا يُنَافِي قَبُولَ شَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّسَبِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الرِّجَالُ بِخِلَافِ نَحْوِ الْحُدُودِ وَالْقَوَدِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: عَلَى الْغَيْرِ) أَيْ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِهِ مِنْهَا ثُبُوتُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ (قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ) ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ هَذَا يُخَالِفُ مَا فِي الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّهَا تُصَدَّقُ وَلَوْ ادَّعَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْهُ اهـ. وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَبُولِ دَعْوَى الرَّجُلِ بِلَا بَيِّنَةٍ، وَهُوَ أَنَّ فِي قَبُولِ قَوْلِ الرَّجُلِ دَفْعُ الْعَارِ عَنْ اللَّقِيطِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي دَعْوَى الْمَرْأَةِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا بِلَا بَيِّنَةٍ اهـ وَلِذَا قُبِلَ قَوْلُهَا بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ وَشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الزَّوْجِ فَيَنْدَفِعُ عَنْهُ الْعَارُ أَيْ عَارُهُ بِكَوْنِهِ لَا أَبَ لَهُ فَإِنَّهُ مَظِنَّةُ كَوْنِهِ ابْنَ زِنَا (قَوْلُهُ: خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، لَكِنْ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا كَقَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: الْكُلُّ مِنْ الْخَانِيَّةِ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ مَسَائِلِ دَعْوَى الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَتَيْنِ (قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَاهُ خَارِجَانِ) أَيْ لَا يَدَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ، وَقَيَّدَ بِهِ لِمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ مَا فِي الْفَتْحِ تَقْدِيمُ ذِي الْيَدِ عَلَى الْخَارِجِ ذِي الْعَلَامَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ بِجَسَدِهِ) أَيْ كَشَامَةٍ وَسِلْعَةٍ (قَوْلُهُ: لَا بِثَوْبِهِ) ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ غَيْرُ مُلَازِمٍ لَهُ فَلَا يُفِيدُ التَّعْيِينَ ط. قُلْت: وَهَذَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ أَخْذًا مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ بِجَسَدِهِ (قَوْلُهُ: وَوَافَقَ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوَافِقْ فَلَا تَرْجِيحَ وَهُوَ ابْنُهُمَا وَكَذَا لَوْ أَصَابَ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ أَوْ وَصَفَهَا وَلَمْ يُصِبْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، أَمَّا لَوْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَهُوَ لِمَنْ أَصَابَ بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ وَسَبَقَهُ) أَيْ لَوْ كَانَتْ دَعْوَى أَحَدِهِمَا سَابِقَةً عَلَى الْآخَرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 وَسِنِّهِ إنْ أَرَّخَا، فَإِنْ اشْتَبَهَ فَبَيْنَهُمَا وَإِسْلَامِهِ وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ ابْنَتُهُ فَإِذَا هُوَ خُنْثَى، فَلَوْ مُشْكِلًا قُضِيَ لَهُمَا وَإِلَّا فَلِمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ، وَلَوْ شَهِدَ لِلْمُسْلِمِ ذِمِّيَّانِ وَلِلذِّمِّيِّ مُسْلِمَانِ قُضِيَ بِهِ لِلْمُسْلِمِ تَتَارْخَانِيَّةٌ. (وَ) يَثْبُتُ نَسَبُهُ (مِنْ ذِمِّيٍّ وَ) لَكِنْ (هُوَ مُسْلِمٌ) اسْتِحْسَانًا فَيُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ قُبَيْلَ عَقْلِ الْأَدْيَانِ مَا لَمْ يُبَرْهِنْ بِمُسْلِمَيْنِ أَنَّهُ ابْنُهُ فَيَكُونُ كَافِرًا نَهْرٌ (إنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ يُوجَدُ (فِي مَكَانِ أَهْلِ الذِّمَّةِ) كَقَرْيَتِهِمْ أَوْ بَيْعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ وَالْمَسْأَلَةُ رَبَاعِيَةٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَجِدَهُ مُسْلِمٌ فِي مَكَانِنَا فَمُسْلِمٌ، أَوْ كَافِرٌ فِي مَكَانِهِمْ فَكَافِرٌ، أَوْ كَافِرٌ فِي مَكَانِنَا أَوْ عَكْسُهُ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اعْتِبَارُ الْمَكَانِ لِسَبْقِهِ اخْتِيَارٌ (وَ) يَثْبُتُ (مِنْ عَبْدٍ وَهُوَ حُرٌّ) وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَكَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ ظَاهِرٌ فِي اخْتِيَارِهِ. (وَلَوْ ادَّعَاهُ حُرَّانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ هَذِهِ الْحَرَّةِ وَالْآخَرُ مِنْ الْأَمَةِ فَاَلَّذِي يَدَّعِيهِ مِنْ الْحُرَّةِ أَوْلَى)   [رد المحتار] كَانَ ابْنَهُ وَلَوْ وَصَفَ الثَّانِي عَلَامَةً لِثُبُوتِهِ فِي وَقْتٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ. اهـ. فَتْحٌ. فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ السَّبَقُ فِي الدَّعْوَى لَا فِي وَضْعِ الْيَدِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْخَارِجِينَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَحُرِّيَّتُهُ) ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا (قَوْلُهُ: وَسِنُّهُ إنْ أَرَّخَا، فَإِنْ اشْتَبَهَ فَبَيْنَهُمَا) هَذَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: رَجُلَانِ ادَّعَيَاهُ وَأَرَّخَتْ بَيِّنَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا يَقْضِي لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ سِنُّ الصَّبِيِّ، فَلَوْ السِّنُّ مُشْتَبَهًا فَعَلَى قَوْلِهِمَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ التَّارِيخِ وَيُقْضَى لَهُمَا. وَعَلَى قَوْلِهِ، فِي رِوَايَةٍ كَذَلِكَ، وَفِي أُخْرَى لِأَسْبَقِهِمَا تَارِيخًا. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ مُلَخَّصًا وَحَيْثُ كَانَتْ الْعَلَامَةُ مُرَجِّحَةً فَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُهَا هُنَا أَيْضًا فَيُقْضَى بِهِ لِذِي الْعَلَامَةِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَكُلَّمَا لَمْ يَتَرَجَّحْ دَعْوَى وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ يَكُونُ ابْنًا لَهُمَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُرْجَعُ إلَى الْقَافَةِ (قَوْلُهُ: قَضَى لَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَاسْتَوَيَا كَمَا لَوْ وَصَفَ بِهِ وَصْفًا وَلَمْ يُصِبْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَمَا مَرَّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلِمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ) مُقْتَضَاهُ وَلَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ أُنْثَى، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْمَسَائِلِ الْمَارَّةِ، وَلِذَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: يَنْبَغِي أَنَّهُ لِمَنْ وَافَقَ. قُلْت: عَلَى أَنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا وَحُكِمَ بِكَوْنِهِ ابْنًا فَهُوَ لِلَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ ابْنُهُ اهـ وَهَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ وَالشَّارِحُ تَبِعَ فِي التَّعْبِيرِ صَاحِبَ الْبَحْرِ، وَفِيهِ اخْتِصَارٌ مُخِلٌّ (قَوْلُهُ: قُضِيَ بِهِ لِلْمُسْلِمِ) ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّيْنِ شَهِدَا عَلَى ذِمِّيٍّ وَالْمُسْلِمَيْنِ عَلَى مُسْلِمٍ فَصَحَّتْ الشَّهَادَتَانِ وَتَرَجَّحَ الْمُسْلِمُ اهـ ح (قَوْلُهُ: اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَثْبُتَ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْيَ إسْلَامِهِ الثَّابِتِ بِالدَّارِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ دَعْوَاهُ تَضَمَّنَتْ شَيْئَيْنِ: النَّسَبَ وَهُوَ نَفْعٌ لِلصَّغِيرِ وَنَفْيَ الْإِسْلَامِ الثَّابِتِ بِالدَّارِ وَهُوَ ضَرَرٌ بِهِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ الْكَافِرِ الْكُفْرُ لِجَوَازِ مُسْلِمٍ هُوَ ابْنُ كَافِرٍ، بِأَنْ أَسْلَمَتْ أُمُّهُ فَصَحَّحْنَا دَعْوَاهُ فِيمَا يَنْفَعُهُ دُونَ مَا يَضُرُّهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُبَرْهِنْ) وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ عَلَيْهِ زِيُّ أَهْلِ الشِّرْكِ كَصَلِيبٍ وَنَحْوِهِ فَهُوَ ابْنُهُ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِمُسْلِمَيْنِ) فَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا يَكُونُ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّا حَكَمَنَا بِإِسْلَامِهِ فَلَا يَبْطُلُ هَذَا الْحُكْمُ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ قَامَتْ فِي حَقِّ الدِّينِ عَلَى مُسْلِمٍ فَلَا تُقْبَلُ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَكْسُهُ) أَيْ مُسْلِمٌ فِي مَكَانِهِمْ (قَوْلُهُ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اعْتِبَارُ الْمَكَانِ) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَبْسُوطِ اُعْتُبِرَ الْوَاجِدُ، وَفِي بَعْضِهَا اُعْتُبِرَ الْإِسْلَامُ أَيْ مَا يَصِيرُ بِهِ الْوَلَدُ مُسْلِمًا نَظَرًا لَهُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْدَلَ عَنْ ذَلِكَ. وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِالسِّيمَا وَالزِّيِّ فَتْحٌ. وَعَلَى مَا رَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ يَصِيرُ مُسْلِمًا فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ، وَذِمِّيًّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَا لَوْ وَجَدَهُ ذِمِّيٌّ فِي مَكَانِهِمْ وَهُوَ ظَاهِرُ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا: وَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: لِسَبْقِهِ) أَيْ سَبْقِ الْمَكَانِ عَلَى يَدِ الْوَاجِدِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ حُرٌّ) أَيْ إلَّا بِحُجَّةِ رِقِّهِ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: عِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَكُونُ عَبْدًا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ حُرًّا بَيْنَ رَقِيقِينَ. قُلْنَا: لَا يَسْتَحِيلُ لِجَوَازِ عِتْقِهِ قَبْلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 لِثُبُوتِهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ زَيْلَعِيٌّ (وَإِنْ وُجِدَ مَعَهُ مَالٌ فَهُوَ لَهُ) عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَلَوْ فَوْقَهُ أَوْ تَحْتَهُ أَوْ دَابَّةٌ هُوَ عَلَيْهَا، لَا مَا كَانَ بِقُرْبِهِ (فَيَصْرِفُهُ الْوَاجِدُ) أَوْ غَيْرُهُ (إلَيْهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ. (وَلَوْ قَرَّرَ الْقَاضِي وَلَاءَهُ لِلْمُلْتَقِطِ صَحَّ) ظَهِيرِيَّةٌ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي فَصْلِ مُجْتَهَدٍ فِيهِ، نَعَمْ لَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ خَانِيَّةٌ (وَيَدْفَعُهُ فِي حِرْفَةٍ وَيَقْبِضُ هِبَتَهُ) وَصَدَقَتَهُ (وَلَيْسَ لَهُ خَتْنُهُ) فَلَوْ فَعَلَ فَهَلَكَ ضَمِنَ، وَلَوْ عَلِمَ الْخَتَّانُ أَنَّهُ مُلْتَقَطٌ ضَمِنَ ذَخِيرَةٌ (وَلَهُ نَقْلُهُ حَيْثُ شَاءَ) وَيَنْبَغِي مَنْعُهُ مِنْ مِصْرٍ إلَى قَرْيَةٍ بَحْرٌ (وَلَا يَنْفُذُ لِلْمُلْتَقِطِ عَلَيْهِ نِكَاحٌ وَبَيْعٌ وَ) كَذَا (إجَارَةُ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ»   [رد المحتار] الِانْفِصَالِ وَبَعْدَهُ، فَلَا تَبْطُلُ الْحُرِّيَّةُ بِالشَّكِّ زَيْلَعِيٌّ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: لِثُبُوتِهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) فِيهِ أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَمَةُ زَوْجَةً لَهُ أَوْ مَمْلُوكَةً لَهُ، فَالْمُرَادُ ثُبُوتُ أَحْكَامِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ: أَيْ كَالْإِرْثِ وَحَقِّ الْحَضَانَةِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا مُخْتَصُّ بِالْحُرَّةِ فَكَانَتْ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ أَكْثَرَ إثْبَاتًا (قَوْلُهُ: عَمَلًا بِالظَّاهِرِ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الظَّاهِرَ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلْإِثْبَاتِ. قُلْنَا نَعَمْ يُدْفَعُ بِهَذَا الظَّاهِرِ دَعْوَى مِلْكِ غَيْرِهِ عَنْهُ ثُمَّ يَثْبُتُ مِلْكُهُ بِقِيَامِ يَدِهِ مَعَ حُرِّيَّتِهِ الْمَحْكُومِ بِهَا، أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ فَوْقَهُ أَوْ تَحْتَهُ) دَخَلَ فِيهِ الدَّرَاهِمُ الْمَوْضُوعَةُ عَلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الدَّرَاهِمُ الَّتِي فَوْقَ فِرَاشِهِ أَوْ تَحْتَهُ لَهُ كَلِبَاسِهِ وَمِهَادِهِ وَدِثَارِهِ، بِخِلَافِ الْمَدْفُونَةِ تَحْتَهُ وَلَمْ أَرَهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: أَوْ دَابَّةً) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى فَوْقِهِ: أَيْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ دَابَّةً هُوَ عَلَيْهَا. اهـ. ح (قَوْلُهُ: لَا مَا كَانَ بِقُرْبِهِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا مَكَانَ بِقُرْبِهِ، وَعَلَيْهَا كَتَبَ ح فَقَالَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ سَقَطَ لَفْظُ فِي وَالْأَصْلُ لَا فِي مَكَان بِقُرْبِهِ عَطْفًا عَلَى فَوْقِهِ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ الدَّارَ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَكَذَا الْبُسْتَانُ لَا يَكُونُ لَهُ بِالْأَوْلَى اهـ وَقَدْ تَوَقَّفَ فِيهِ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الدَّارَ لَهُ وَفِي الْبُسْتَانِ وَجْهَانِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: أَيْ لَا حَافِظَ لَهُ وَمَالِكُهُ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْحِفْظِ، وَلِلْقَاضِي وِلَايَةُ صَرْفِ مِثْلِهِ إلَيْهِ وَكَذَا لِغَيْرِ الْوَاجِدِ بِأَمْرِهِ، وَالْقَوْلُ لَهُ فِي نَفَقَةِ مِثْلِهِ وَقِيلَ لَهُ صَرْفُهُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَرَّرَ الْقَاضِي وَلَاءَهُ لِلْمُلْتَقِطِ صَحَّ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ جَعَلْت وَلَاءَ هَذَا اللَّقِيطِ لَك تَرِثُهُ إذَا مَاتَ وَتَعْقِلُ عَنْهُ إذَا جَنَى (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ) فَإِنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْمُلْتَقِطَ يُشْبِهُ الْمُعْتِقَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحْيَاهُ كَالْمُعْتِقِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِالْإِنْفَاقِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي إذَا أَشْهَدَ لِيَرْجِعَ كَالْمُوصِي بَحْرٌ مِنْ كِتَابِ اللُّقَطَةِ ط (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَهُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ بَعْدَمَا قَرَّرَ الْقَاضِي وَلَاءَهُ لِلْمُلْتَقِطِ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ تَأَكَّدَ بِالْقَضَاءِ، وَقَدْ رَاجَعْت عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ فَرَأَيْته ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَسْأَلَةَ تَقْرِيرِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ) فَإِنْ جَنَى ثُمَّ عَقَلَ عَنْهُ تَقَرَّرَ إرْثُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْغُنْمَ بِالْغُرْمِ (قَوْلُهُ: وَيَدْفَعُهُ فِي حِرْفَةٍ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مَا قِيلَ فِي وَصِيِّ الْيَتِيمِ أَنَّهُ يُعَلِّمُهُ الْعِلْمَ أَوَّلًا، فَإِنْ لَمْ يَجِد فِيهِ قَابِلِيَّةً سَلَّمَهُ لِحِرْفَةٍ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَيَقْبِضُ هِبَتَهُ وَصَدَقَتَهُ) أَيْ مَا وَهَبَهُ لَهُ الْغَيْرُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فَقِيرًا (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ خَتْنُهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَوْ بِدُونِ إذْنِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ، فَلَوْ أَذِنَ صَحَّ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ لَهُ كَمَا يَأْتِي، وَلِذَا كَانَ لِوَصِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يَخْتِنَهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلِمَ الْخِتَانَ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ بِقِيلِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَنْفُذُ لِلْمُلْتَقِطِ عَلَيْهِ نِكَاحٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ الْوِلَايَةَ مِنْ الْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ وَالسَّلْطَنَةِ، وَلَا وُجُودَ لِوَاحِدٍ مِنْهَا نَهْرٌ، وَقَدَّمَ الشَّارِحُ أَنَّ مَهْرَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ إذَا زَوَّجَهُ السُّلْطَانُ (قَوْلُهُ: وَبَيْعٌ) أَيْ بَيْعُ مَالِهِ وَكَذَا شِرَاءُ شَيْءٍ لِيَسْتَحِقَّ الثَّمَنَ دَيْنًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي إلَيْهِ لَيْسَ إلَّا الْحِفْظُ وَالصِّيَانَةُ، وَمَا مِنْ ضَرُورِيَّاتِ ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِالْأُمِّ فَإِنَّهَا لَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ مَعَ أَنَّهَا تَمْلِكُ تَزْوِيجَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْعُصْبَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ وَلَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا فَأَشْبَهَ الْعَمَّ، بِخِلَافِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 فُرُوعٌ] لَوْ بَاعَ أَوْ كَفَلَ وَدَبَّرَ أَوْ كَاتَبَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ عَبْدٌ لِزَيْدٍ لَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ؛ وَمَجْهُولُ نَسَبٍ كَلَقِيطٍ. كِتَابُ اللُّقَطَةِ (هِيَ) بِالْفَتْحِ وَتُسَكَّنُ: اسْمٌ وُضِعَ لِلْمَالِ الْمُلْتَقَطِ عَيْنِيٌّ. وَشَرْعًا مَالٌ يُوجَدُ ضَائِعًا ابْنُ كَمَالٍ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة   [رد المحتار] إتْلَافَ مَنَافِعِهِ بِالِاسْتِخْدَامِ وَالْإِعَارَةِ بِلَا عِوَضٍ فَبِالْعِوَضِ بِالْإِجَارَةِ أَوْلَى فَتْحٌ، وَقَوْلُهُ: وَلَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا يَشْمَلُ مَا إذَا آجَرَهُ لِيَأْخُذَ الْأُجْرَةَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلَّقِيطِ، بَلْ الْمُتَبَادَلُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ: لَا يَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ. وَعَلَيْهِ فَيُشْكِلُ قَوْلَ الْقُهُسْتَانِيِّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِيَأْخُذَ الْأُجْرَةَ لِنَفْسِهِ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ. وَعَلَى هَذَا فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ مِنْ جَوَازِ إيجَارِهِ عَلَى مَا إذَا آجَرَهُ لِيَأْخُذَ الْأُجْرَةَ لِنَفْسِهِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فَافْهَمْ. [فُرُوعٌ فِي تَصْرِف اللَّقِيط] (قَوْلُهُ: لَوْ بَاعَ إلَخْ) أَيْ اللَّقِيطُ بَعْدَ بُلُوغِهِ (قَوْلُهُ: وَسَلَّمَ) قَيَّدَ فِي وَهْبٍ وَتَصَدُّقٍ؛ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ الْمِلْكُ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَالْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي إقْرَارِهِ بِالرِّقِّ لِزَيْدٍ، وَهَذَا إذَا كَانَ زَيْدٌ يَدَّعِيهِ وَكَانَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِمَا لَا يُقْضَى بِهِ إلَّا عَلَى الْأَحْرَارِ كَالْحَدِّ الْكَامِلِ وَنَحْوِهِ، فَلَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِنَحْوِ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَلِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ شَرْعًا فَهُوَ كَمَا لَوْ كَذَّبَهُ زَيْدٌ، وَلَوْ كَانَتْ اللَّقِيطَةُ امْرَأَةً لَهَا زَوْجٌ كَانَتْ أَمَةً لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَلَا تُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ النِّكَاحِ، وَلَوْ كَانَ رَجُلًا عَلَيْهِ مَهْرٌ لِزَوْجَتِهِ لَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِهِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ظَهَرَ وُجُوبُهُ اهـ فَتْحٌ مُلَخَّصًا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. وَفِيهِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة، إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ عَبْدٌ لَا يُصَدَّقُ عَلَى إبْطَالِ شَيْءٍ كَانَ فَعَلَهُ إلَّا النِّكَاحَ؛ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ إذْنِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ مَوْلَاهُ فَيُؤَاخَذُ بِزَعْمِهِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ لَا يَبْطُلُ نِكَاحُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَجْهُولُ نَسَبٍ كَلَقِيطٍ) أَيْ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ الْإِقْرَارِ لَا فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ سَتَأْتِي فِي آخِرِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ بِتَفَاصِيلِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [كِتَابُ اللُّقَطَةِ] ِ تَقَدَّمَ وَجْهُ تَقْدِيمِ اللَّقِيطِ عَلَيْهَا. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: هُمَا مُتَقَارِبَانِ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَخَصَّ اللَّقِيطَ بِبَنِي آدَمَ وَاللُّقَطَةَ بِغَيْرِهِمْ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا، وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِشَرَفِ بَنِي آدَمَ (قَوْلُهُ: بِالْفَتْحِ) أَيْ فَتْحِ الْقَافِ مَعَ ضَمِّ اللَّامِ وَبِفَتْحِهِمَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ: وَتُسَكَّنُ) قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْفَتْحُ قَوْلُ جَمِيعِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَحُذَّاقِ النَّحْوِيِّينَ. وَقَالَ اللَّيْثُ: هِيَ بِالسُّكُونِ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ لِغَيْرِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَعُدُّ السُّكُونَ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامّ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ اسْمٌ وُضِعَ لِلْمَالِ الْمُلْتَقَطِ) فَهُوَ حَقِيقَةٌ لَا مَجَازٌ، وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادَلُ مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ، لَكِنْ اخْتَارَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهَا مَجَازٌ؛ لِأَنَّهَا بِالْفَتْحِ وَصْفُ مُبَالَغَةٍ لِلْفَاعِلِ كَهُمَزَةٍ وَلُمَزَةٍ لِكَثِيرِ الْهَمْزِ وَاللَّمْزِ، وَبِالسُّكُونِ لِلْمَفْعُولِ كَضُحَكَةٍ وَهُزَأَةٍ لِمَنْ يُضْحَكُ مِنْهُ وَيُهْزَأُ بِهِ، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْمَالِ لُقَطَةٌ بِالْفَتْحِ؛ لِأَنَّ الطِّبَاعَ فِي الْغَالِبِ تُبَادِرُ إلَى الْتِقَاطِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ فَصَارَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ دَاعٍ إلَى أَخْذِهِ لِمَعْنًى فِيهِ كَأَنَّهُ الْكَثِيرُ الِالْتِقَاطِ مَجَازًا وَإِلَّا فَحَقِيقَتُهُ الْمُلْتَقَطُ الْكَثِيرُ الِالْتِقَاطِ، وَمَا عَنْ الْأَصْمَعِيِّ وَابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْمَالِ أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَشَرْعًا مَالٌ يُوجَدُ ضَائِعًا) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسَاوٍ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الْمَذْكُورِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْمِصْبَاحِ: الشَّيْءُ الَّذِي تَجِدُهُ مُلْقًى فَتَأْخُذُهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ ابْنَ كَمَالٍ لَمْ يَذْكُرْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْفَتْحِ أَيْضًا. وَعَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ فِي حَقِيقَتِهَا عَدَمُ مَعْرِفَةِ الْمَالِكِ وَلَا عَدَمُ الْإِبَاحَةِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ الَّذِي ضَاعَ مِنْهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ لُقَطَةً. أَمَّا كَوْنُهَا يَجِبُ تَعْرِيفُهَا فَذَاكَ إذَا لَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهَا، إذْ لَا يَلْزَمُ اتِّحَادُ الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ أَفْرَادِ الْحَقِيقَةِ كَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا. وَأَمَّا الْمُبَاحُ كَالسَّاقِطِ مِنْ حَرْبِيٍّ فَكَذَلِكَ، وَمِثْلُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 عَنْ الْمُضْمَرَاتِ: مَالٌ يُوجَدُ وَلَا يُعْرَفُ مَالِكُهُ، وَلَيْسَ بِمُبَاحٍ كَمَالِ الْحَرْبِيِّ. وَفِي الْمُحِيطِ (رَفْعُ شَيْءٍ ضَائِعٍ لِلْحِفْظِ عَلَى غَيْرٍ لَا لِلتَّمْلِيكِ) وَهَذَا يَعُمُّ مَا عُلِمَ مَالِكُهُ كَالْوَاقِعِ مِنْ السَّكْرَانِ، وَفِيهِ أَنَّهُ أَمَانَةٌ لَا لُقَطَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ بَلْ يُدْفَعُ لِمَالِكِهِ (نَدْبُ رَفْعِهَا لِصَاحِبِهَا) إنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ تَعْرِيفَهَا وَإِلَّا فَالتَّرْكُ أَوْلَى. وَفِي الْبَدَائِعِ وَإِنْ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ حَرُمَ لِأَنَّهَا كَالْغَصْبِ (وَوَجَبَ) أَيْ فَرْضٌ فَتْحٌ وَغَيْرُهُ (عِنْدَ خَوْفِ ضَيَاعِهَا)   [رد المحتار] مَا يُلْقَطُ مِنْ الثِّمَارِ كَجَوْزٍ وَنَحْوِهِ كَمَا يَأْتِي، فَهُوَ يُسَمَّى لُقَطَةً شَرْعًا وَلُغَةً وَإِنْ لَمْ يَجِبْ تَعْرِيفُهُ وَلَا رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ. وَبِهِ عُلِمَ مُغَايَرَةُ هَذَا التَّعْرِيفِ لِمَا بَعْدَهُ، وَلَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: مَالٌ يُوجَدُ إلَخْ) فَخَرَجَ مَا عُرِفَ مَالِكُهُ فَلَيْسَ لُقَطَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ بَلْ يُرَدُّ إلَيْهِ، وَبِالْأَخِيرِ مَالُ الْحَرْبِيِّ. لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا كَانَ مُحْرَزًا بِمَكَانٍ أَوْ حَافِظٍ فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِي التَّعْرِيفِ، فَالْأَوَّلُ أَنْ يُقَالَ هُوَ مَالٌ مَعْصُومٌ مُعَرَّضٌ لِلضَّيَاعِ بَحْرٌ. وَأَقُولُ: الْحِرْزُ بِالْمَكَانِ وَنَحْوِهِ خَرَجَ بِقَوْلِهِ يُوجَدُ أَيْ فِي الْأَرْضِ ضَائِعًا إذْ لَا يُقَالُ فِي الْمُحْرَزِ ذَلِكَ. عَلَى أَنَّهُ فِي الْمُحِيطِ جَعَلَ عَدَمَ الْإِحْرَازِ مِنْ شَرَائِطِهَا وَعَرَّفَهَا بِمَا يَأْتِي، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ عَدَمَ مَعْرِفَةِ الْمَالِكِ لَيْسَ شَرْطًا فِي مَفْهُومِهَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ: رُفِعَ شَيْءٌ إلَخْ) هَذَا تَعْرِيفٌ لَهَا بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ: أَعْنِي الِالْتِقَاطَ؛ لِأَنَّهُ لَازِمُهَا، وَهَذَا يَقَعُ فِي كَلَامِهِمْ كَثِيرًا، وَمِنْهُ الْأُضْحِيَّةُ فَإِنَّهَا اسْمٌ لِمَا يُضَحَّى بِهِ. وَعَرَّفُوهَا شَرْعًا بِذَبْحِ حَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ إلَخْ وَهَذَا التَّعْرِيفُ يُخْرِجُ مَا كَانَ مُبَاحًا (قَوْلُهُ: لَا لِلتَّمْلِيكِ) الْأَوْلَى لَا لِلتَّمَلُّكِ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ أَنَّهُ أَمَانَةٌ لَا لُقَطَةٌ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ اللُّقَطَةَ أَيْضًا أَمَانَةٌ، وَعَدَمُ وُجُوبِ تَعْرِيفِهِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ لُقَطَةً كَمَا قَدَّمْنَا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ عُلِمَ مَالِكُهُ فَهُوَ مَالٌ ضَائِعٌ: أَيْ لَا حَافِظَ لَهُ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الْمَالِ الَّذِي يُوجَدُ مَعَ اللَّقِيطِ. وَفِي الْقَامُوسِ: ضَاعَ الشَّيْءُ صَارَ مُهْمَلًا، وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ يَدُلُّ عَلَى مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ مِنْ أَنَّ عَدَمَ مَعْرِفَةِ الْمَالِكِ لَيْسَ شَرْطًا فِي مَفْهُومِهَا (قَوْلُهُ: نُدِبَ رَفْعُهَا) وَقِيلَ الْأَفْضَلُ عَدَمُهُ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا كَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ. قُلْت: وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِالْأَمْنِ وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ: إنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ تَعْرِيفَهَا) أَيْ عَدَمَ تَعْرِيفِهَا كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. ح أَيْ؛ لِأَنَّ الْأَمْنَ مِمَّا يُخَافُ مِنْهُ وَالْمَخُوفُ عَدَمُ التَّعْرِيفِ لَا التَّعْرِيفُ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ تَضْمِينَ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ مَعْنَى وَثِقَ مِنْهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ بِأَنْ شَكَّ، فَلَا يُنَافِي مَا فِي الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا إذَا أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ، فَإِذَا تَيَقَّنَ مِنْ نَفْسِهِ مَنْعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا فُرِضَ التَّرْكُ، وَإِذَا شَكَّ نُدِبَ أَفَادَهُ ط لَكِنْ إنْ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ ضَمَانِهَا إلَّا بِرَدِّهَا إلَى صَاحِبِهَا كَمَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا كَالْغَصْبِ) أَيْ حُكْمًا مِنْ جِهَةِ الْحُرْمَةِ وَالضَّمَانِ، وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الْغَصْبِ رَفْعُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَوَضْعُ الْمُبْطِلَةِ، وَلَا يَدَ مُحِقَّةٌ هُنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَوَجَبَ أَيْ فُرِضَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ الْفَرْضُ الْقَطْعِيُّ الَّذِي يَكْفُرُ مُنْكِرُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى أَنَّهُ فِي الْفَتْحِ لَمْ يُفَسِّرْ الْوُجُوبَ بِالِافْتِرَاضِ كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ، بَلْ قَالَ: وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ: أَيْ ضَيَاعَهَا إنْ لَمْ يَأْخُذْهَا فَفِي الْخُلَاصَةِ يُفْتَرَضُ الرَّفْعُ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَتْحٌ وَغَيْرُهُ) أَيْ كَالْخُلَاصَةِ وَالْمُجْتَبَى، لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: إنَّهُ وَاجِبٌ وَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ لَيْسَ تَضْيِيعًا بَلْ امْتِنَاعٌ عَنْ حِفْظٍ غَيْرِ مُلْتَزَمٍ كَالِامْتِنَاعِ عَنْ قَبُولِ الْوَدِيعَةِ اهـ وَأَشَارَ فِي الْهِدَايَةِ إلَى التَّبَرِّي مِنْ الْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ وَاجِبٌ إذَا خَافَ الضَّيَاعَ عَلَى مَا قَالُوا بَحْرٌ مُلَخَّصًا، وَجَزَمَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ شَاذٌّ وَأَنَّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ جَرَى عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ والتتارخانية وَالِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهَا. اهـ. قُلْت: وَكَذَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ تَبَعًا لِلذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ خَوْفِ ضَيَاعِهَا) الْمُرَادُ بِالْخَوْفِ غَلَبَةُ الظَّنِّ كَمَا نَقَلْنَاهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 كَمَا مَرَّ لِأَنَّ لِمَالِ الْمُسْلِمِ حُرْمَةً كَمَا لِنَفْسِهِ، فَلَوْ تَرَكَهَا حَتَّى ضَاعَتْ أَثِمَ، وَهَلْ يَضْمَنُ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ النَّهْرِ لَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَعَمْ لِمَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ: حِمَارٌ يَأْكُلُ حِنْطَةَ إنْسَانٍ فَلَمْ يَمْنَعْهُ حَتَّى أَكَلَ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَضْمَنُ انْتَهَى. وَفِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ: لَوْ رَفَعَهَا ثُمَّ رَدَّهَا لِمَكَانِهَا لَمْ يَضْمَنْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَصَحَّ الْتِقَاطُ صَبِيٍّ وَعَبْدٍ، لَا مَجْنُونٍ وَمَدْهُوشٍ وَمَعْتُوهٍ وَسَكْرَانَ لِعَدَمِ الْحِفْظِ مِنْهُمْ   [رد المحتار] آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ، وَهَذَا إذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِلَّا فَالتَّرْكُ أَوْلَى كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي اللَّقِيطِ مِنْ قَوْلِهِ الْتِقَاطُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ هَلَاكُهُ لَوْ لَمْ يَرْفَعْهُ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ غَيْرُهُ فَفَرْضُ عَيْنٍ اهـ وَيَنْبَغِي هَذَا التَّفْصِيلُ هُنَا حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ: فَلَوْ تَرَكَهَا) أَيْ وَقَدْ أَمِنَ عَلَى نَفْسه وَإِلَّا فَالتَّرْكُ أَفْضَلُ ط (قَوْلُهُ: ظَاهِرُ كَلَامِ النَّهْرِ لَا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: اسْتَظْهَرَ فِي النَّهْرِ لَا، وَأَصْلُهُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ اسْتِدْلَالًا بِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ انْفَتَحَ زِقٌّ فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَلَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ بَرِيءَ، وَلَوْ أَخَذَهُ ثُمَّ تَرَكَ ضَمِنَ لَوْ مَالِكُهُ غَائِبًا لَا لَوْ حَاضِرًا وَكَذَا لَوْ رَأَى مَا وَقَعَ مِنْ كُمِّ رَجُلٍ. اهـ. فَقَوْلُهُ وَكَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِتَرْكِ أَخْذِهِ، لَكِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ ثُمَّ تَرَكَهُ يَضْمَنُهُ، وَهُوَ خِلَافُ مَا يَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْفَتْحِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزِّقِّ أَنَّ الزِّقَّ إذَا انْفَتَحَ ثُمَّ تَرَكَهُ بَعْدَ أَخْذِهِ لَا بُدَّ مِنْ سَيْلَانِ شَيْءٍ مِنْهُ فَالْهَلَاكُ فِيهِ مُحَقَّقٌ، بِخِلَافِ الْوَاقِعِ مِنْ الْكُمِّ لَوْ تَرَكَهُ بَعْدَ أَخْذِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَلْتَقِطَهُ أَمِينٌ غَيْرُهُ. [تَنْبِيهٌ] أَفَادَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِثْمِ الضَّمَانُ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا قَالُوا لَوْ مَنَعَ الْمَالِكَ عَنْ أَمْوَالِهِ حَتَّى هَلَكَتْ يَأْثَمُ وَلَا يَضْمَنُ. اهـ. قُلْت وَكَذَا لَوْ حَلَّ دَابَّةً مَرْبُوطَةً وَلَمْ يَذْهَبْ بِهَا فَهَرَبَتْ أَوْ فَتَحَ بَابَ قَفَصٍ فِيهِ طَيْرٌ أَوْ دَارٍ فِيهَا دَوَابُّ فَذَهَبَتْ فَلَا يَضْمَنُ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَّ حَبْلًا عُلِّقَ فِيهِ شَيْءٌ أَوْ شَقَّ زِقًّا فِيهِ زَيْتٌ كَمَا فِي الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ وَالسَّيَلَانَ مُحَقَّقٌ بِنَفْسِ الْحَلِّ وَالشَّقِّ، بِخِلَافِ ذَهَابِ الدَّوَابِّ أَوْ الطَّيْرِ فَإِنَّهُ بِفِعْلِهَا لَا بِنَفْسِ فَتْحِ الْبَابِ، وَمِثْلُهُ تَرْكُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ أَخْذِهَا فَإِنَّ هَلَاكَهَا لَيْسَ بِالتَّرْكِ بَلْ بِفِعْلِ الْآخِذِ بَعْدَهُ وَكَذَا لَوْ تَرَكَهَا قَبْلَ أَخْذِهَا بِالْأَوْلَى، بِخِلَافِ تَرْكِ الزِّقِّ الْمُنْفَتِحِ بَعْدَ أَخْذِهِ فَإِنَّ سَيَلَانَهُ بِتَرْكِهِ، أَمَّا لَوْ تَرَكَهُ قَبْلَ أَخْذِهِ فَإِنَّهُ لَا يُنْسَبُ سَيَلَانُهُ إلَيْهِ أَصْلًا (قَوْلُهُ: لِمَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ إلَخْ) ذَكَرَ الزَّاهِدِيُّ هَذَا الْفَرْعَ بِلَفْظِ رَأَى حِمَارَهُ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: فَلَوْ الْحِمَارُ لِغَيْرِهِ أَفْتَيْت بِعَدَمِ الضَّمَانِ اهـ وَلَا يَخْفَى ظُهُورُ الْفَرْقِ بَيْنَ حِمَارِهِ وَحِمَارِ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْحِمَارُ لَهُ وَتَرَكَهُ صَارَ الْفِعْلُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ وَالنَّفْعُ عَائِدًا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ حِمَارِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْإِتْلَافُ مُحَقَّقًا وَهُوَ يُشَاهِدُهُ لَكِنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ رَأَى زِقًّا مُنْفَتِحًا كَمَا مَرَّ؛ وَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ هُنَا لَا يَضْمَنُ بِتَرْكِ اللُّقَطَةِ بِالْأَوْلَى لِعَدَمِ تَحَقُّقِ التَّلَفِ بِهِ كَمَا قُلْنَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لَمْ يَضْمَنْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) هَذَا إذَا أَخَذَهَا لِيَعْرِفَهَا فَلَوْ لِيَأْكُلَهَا لَا يَبْرَأُ مَا لَمْ يَرُدَّهَا إلَى رَبِّهَا كَمَا فِي [نُورِ الْعَيْنِ] عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا رَدَّهَا قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ بِهَا أَوْ بَعْدَهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِمَا إذَا لَمْ يَذْهَبْ بِهَا، فَلَوْ بَعْدَهُ ضَمِنَ، وَبَعْضُهُمْ ضَمَّنَهُ مُطْلَقًا، وَالْوَجْهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اهـ وَشَمِلَ أَيْضًا مَا لَوْ خَافَ بِإِعَادَتِهَا الْهَلَاكَ، وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا اسْتَظْهَرَهُ فِي النَّهْرِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَصَحَّ الْتِقَاطُ صَبِيٍّ وَعَبْدٍ) أَيْ وَيَكُونُ التَّعْرِيفُ إلَى وَلِيِّ الصَّبِيِّ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ إلَى مَوْلَى الْعَبْدِ كَالصَّبِيِّ بِجَامِعِ الْحَجْرِ فِيهِمَا، أَمَّا الْمَأْذُونُ وَالْمُكَاتَبُ فَالتَّعْرِيفُ إلَيْهِمَا نَهْرٌ. وَصَحَّ أَيْضًا الْتِقَاطُ الْكَافِرِ لِقَوْلِ الْكَافِي: لَوْ أَقَامَ مُدَّعِيهَا شُهُودًا كُفَّارًا عَلَى مُلْتَقَطٍ كَافِرٍ قُبِلَتْ. اهـ. وَعَلَيْهِ فَتَثْبُتُ الْأَحْكَامُ مِنْ التَّعْرِيفِ وَالتَّصَدُّقِ بَعْدَهُ أَوْ الِانْتِقَاعِ، وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لَا مَجْنُونٌ إلَخْ) مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي النَّهْرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَرَدَّدَ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ عَاقِلًا صَاحِيًا فَلَا يَصِحُّ الْتِقَاطُ الْمَجْنُونِ إلَخْ، لَكِنَّ الشَّارِحَ زَادَ عَلَيْهِ الْمَعْتُوهَ، وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ بَابِ الْمُرْتَدِّ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، وَمُقْتَضَاهُ صِحَّةُ الْتِقَاطِهِ تَأَمَّلْ. قَالَ ط: وَفَائِدَةُ عَدَمِ صِحَّةِ الْتِقَاطِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 (فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ) بِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ عَلَى رَبِّهِ وَيَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَنْشُدُ لُقَطَةً فَدِلُّوهُ عَلَيَّ (وَعَرَّفَ) أَيْ نَادَى عَلَيْهَا حَيْثُ وَجَدَهَا وَفِي الْجَامِعِ (إلَى أَنْ عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا أَوْ أَنَّهَا تَفْسُدُ إنْ بَقِيَتْ كَالْأَطْعِمَةِ) وَالثِّمَارِ (كَانَتْ أَمَانَةً) لَمْ تُضْمَنْ بِلَا تَعَدٍّ فَلَوْ لَمْ يُشْهِدْ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ   [رد المحتار] الْمَجْنُونِ وَنَحْوِهِ أَنَّهُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ لَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ مِمَّنْ أَخَذَهَا مِنْهُ. وَمُفَادُ التَّعْلِيلِ تَقْيِيدُ الصِّحَّةِ فِي الصَّبِيِّ بِالْعَقْلِ اهـ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ) ظَاهِرُ الْمَبْسُوطِ اشْتِرَاطُ الْعَدْلَيْنِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَيَكْفِيهِ) أَيْ فِي الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ إلَخْ وَكَذَا قَوْلُهُ عِنْدِي ضَالَّةٌ أَوْ شَيْءٌ فَمَنْ سَمِعْتُمُوهُ إلَخْ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ اللُّقَطَةِ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهَا اسْمُ جِنْسٍ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يُعَيِّنَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَتْحٌ، وَقَوْلُهُ أَوْ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّصْرِيحُ بِكَوْنِهِ لُقَطَةً وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ: يَنْشُدُ) فِي الْمِصْبَاحِ نَشَدْت الضَّالَّةَ نَشْدًا مِنْ بَابِ قَتَلَ طَلَبْتهَا: وَكَذَا إذَا عَرَّفْتهَا وَالِاسْمُ نِشْدَةٌ وَنِشْدَانُ بِكَسْرِهِمَا وَأَنْشَدْتهَا بِالْأَلِفِ عَرَّفْتهَا (قَوْلُهُ: وَعَرَّفَ) مَعْطُوفٌ عَلَى أَشْهَدَ، فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِشْهَادَ لَا يَكْفِي لِنَفْيِ الضَّمَانِ، وَهَكَذَا شَرَطَ فِي الْمُحِيطِ لِنَفْيِ الضَّمَانِ الْإِشْهَادَ وَإِشَاعَةَ التَّعْرِيفِ. وَحَكَى فِيهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ اخْتِلَافًا. فَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ يَكْفِي عَنْ التَّعْرِيفِ إشْهَادُهُ عِنْدَ الْأَخْذِ بِأَنَّهُ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي السِّيَرِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَأْتِي عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَيُنَادِي. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِشْهَادَ لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ بِاتِّفَاقِهِمْ، وَالْخِلَافُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَكْفِي عَنْ التَّعْرِيفِ بَعْدَهُ أَوْ لَا؟ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّ التَّعْرِيفَ بَعْدَ الْأَخْذِ يَكْفِي عَنْ الْإِشْهَادِ وَقْتَ الْأَخْذِ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي الْفَتْحِ، هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ: أَيْ نَادَى عَلَيْهَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْرِيفِ الْجَهْرُ بِهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ لَا كَمَا فَعَلَهُ بَعْضُهُمْ حَيْثُ دَلَّى رَأْسَهُ فِي بِئْرٍ خَارِجَ الْمِصْرِ فَنَادَى عَلَيْهَا فَاتُّفِقَ أَنَّ صَاحِبَهَا كَانَ هُنَاكَ فَسَمِعَهُ كَمَا حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ، وَمَرَّ أَنَّ لُقَطَةَ الصَّبِيِّ يُعَرِّفُهَا وَلِيُّهُ، زَادَ فِي الْقُنْيَةِ أَوْ وَصِيُّهُ وَهَلْ لِلْمُلْتَقِطِ دَفْعُهَا إلَى غَيْرِهِ لِيُعَرِّفَهَا فَقِيلَ نَعَمْ إنْ عَجَزَ، وَقِيلَ لَا مَا لَمْ يَأْذَنْ الْقَاضِي بَحْرٌ مُلَخَّصًا. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: لَهُ دَفْعُهَا لِأَمِينٍ، وَلَهُ اسْتِرْدَادُهَا مِنْهُ، وَإِنْ هَلَكَتْ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَجَامِعِ) أَيْ مَحِلَّاتُ الِاجْتِمَاعِ كَالْأَسْوَاقِ وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ بَحْرٌ، وَكَبُيُوتِ الْقَهَوَاتِ فِي زَمَانِنَا (قَوْلُهُ: إلَى أَنْ عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا) لَمْ يَجْعَلْ لِلتَّعْرِيفِ مُدَّةً اتِّبَاعًا لِلسَّرَخْسِيِّ فَإِنَّهُ بَنَى الْحُكْمَ عَلَى غَالِبِ الرَّأْيِ، فَيَعْرِفُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى رَأْيِهِ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَطْلُبُهُ، وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْمُضْمَرَاتِ وَالْجَوْهَرَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ التَّقْدِيرِ بِالْحَوْلِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَعَلَيْهِ قِيلَ يُعَرِّفُهَا كُلَّ جُمُعَةٍ وَقِيلَ كُلَّ شَهْرٍ، وَقِيلَ كُلَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَحْرٌ. قُلْت: وَالْمُتُونُ عَلَى قَوْلِ السَّرَخْسِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رِوَايَةٌ أَوْ تَخْصِيصٌ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِالْكَثِيرِ تَأَمَّلْ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ كَانَتْ شَيْئًا يُعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا كَالنَّوَاةِ وَقِشْرِ الرُّمَّانِ يَكُونُ إلْقَاؤُهُ إبَاحَةً، حَتَّى جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِلَا تَعْرِيفٍ وَلَكِنَّهُ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ. وَفِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ: لَوْ وَجَدَ مِثْلَ السَّوْطِ وَالْحَبْلِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ، وَمَا جَاءَ فِي التَّرْخِيصِ فِي السَّوْطِ فَذَاكَ فِي الْمُنْكَسِرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ وَلَا يَطْلُبُهُ صَاحِبُهُ بَعْدَمَا سَقَطَ مِنْهُ وَرُبَّمَا أَلْقَاهُ مِثْلَ النَّوَى وَقُشُورِ الرُّمَّانِ وَبَعْرِ الْإِبِلِ وَجِلْدِ الشَّاةِ الْمَيِّتَةِ. أَمَّا مَا يُعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهُ يَطْلُبُهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ، وَالدَّابَّةُ الْعَجْفَاءُ الَّتِي يُعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهَا تَرَكَهَا إذَا أَخَذَهَا إنْسَانٌ فَعَلَيْهِ رَدُّهَا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا إنَّمَا تَرَكَهَا عَجْزًا فَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهَا بِذَلِكَ، وَالسَّوْطُ إنَّمَا أَلْقَاهُ رَغْبَةً عَنْهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى حَمْلِهِ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ أَنَّك قُلْت: مَنْ أَخَذَهَا فَهِيَ لَهُ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِهَا بِيَمِينِهِ إلَّا إذَا نَكَلَ أَوْ بَرْهَنَ الْآخِذُ فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا حِينَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَبَعْدَ صِحَّةِ الْهِبَةِ إذَا سَمِنَتْ الدَّابَّةُ فِي يَدِهِ فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: كَانَتْ أَمَانَةً) جَوَابُ قَوْلِهِ فَإِنْ أَشْهَدَ إلَخْ (قَوْلُهُ: مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْإِشْهَادِ؛ أَمَّا لَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُشْهِدُهُ عِنْدَ الرَّفْعِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 أَوْ لَمْ يُعَرِّفْهَا ضَمِنَ إنْ أَنْكَرَ رَبُّهَا أَخْذَهُ لِلرَّدِّ وَقَبِلَ الثَّانِي قَوْلَهُ بِيَمِينِهِ وَبِهِ نَأْخُذُ حَاوِي، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ (وَلَوْ مِنْ الْحَرَمِ أَوْ قَلِيلَةٍ أَوْ كَثِيرَةٍ) فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَكَان وَمَكَانٍ وَلُقَطَةٍ وَلُقَطَةٍ (فَيَنْتَفِعُ) الرَّافِعُ (بِهَا لَوْ فَقِيرًا وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى فَقِيرٍ وَلَوْ عَلَى أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ وَعُرْسِهِ، إلَّا إذَا عَرَفَ أَنَّهَا لِذِمِّيٍّ   [رد المحتار] أَوْ خَافَ أَنَّهُ لَوْ أَشْهَدَ عِنْدَهُ يَأْخُذُهُ مِنْهُ الظَّالِمُ فَتَرَكَهُ لَا يَضْمَنُ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يُعَرِّفْهَا) مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْإِشْهَادَ لَا يَكْفِي عَنْ التَّعْرِيفِ (قَوْلُهُ: إنْ أَنْكَرَ بِهَا) أَمَّا لَوْ صَدَّقَهُ فَلَا ضَمَانَ إجْمَاعًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَبِهِ نَأْخُذُ إلَخْ) وَكَذَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الأتقاني. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى كَوْنِهَا لُقَطَةً لَكِنْ اخْتَلَفَا هَلْ الْتَقَطَهَا لِلْمَالِكِ أَوْ لَا أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي كَوْنِهَا لُقَطَةً فَقَالَ الْمَالِكُ أَخَذْتهَا غَصْبًا وَقَالَ الْمُلْتَقِطُ لُقَطَةً وَقَدْ أَخَذْتهَا لَك فَالْمُلْتَقِطُ ضَامِنٌ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ الْحَرَمِ) لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اعْرِفْ عِفَاصَهَا» أَيْ وِعَاءَهَا وَوِكَاءَهَا أَيْ رِبَاطَهَا «وَعَرِّفْهَا سَنَةً» وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي مَكَّةَ «وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ» فَقَالَ فِي الْفَتْحِ لَا يُعَارِضُهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَحِلُّ إلَّا لِمَنْ يُعَرِّفُ وَلَا يَحِلُّ لِنَفْسِهِ، وَتَخْصِيصُ مَكَّةَ حِينَئِذٍ لِدَفْعِ وَهْمِ سُقُوطِ التَّعْرِيفِ بِهَا بِسَبَبِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا وُجِدَ بِهَا مِنْ لُقَطَةٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِلْغُرَبَاءِ وَقَدْ تَفَرَّقُوا، فَلَا يُفِيدُ التَّعْرِيفُ فَيَسْقُطُ (قَوْلُهُ: وَلُقَطَةٍ وَلُقَطَةٍ) أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا: أَيْ فِي وُجُوبِ أَصْلِ التَّعْرِيفِ لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ إلَى أَنْ عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَعْرِيفَ كُلِّ لُقَطَةٍ بِمَا يُنَاسِبُهَا، بِخِلَافِ مَا مَرَّ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ التَّعْرِيفِ حَوْلًا لِلْكُلِّ (قَوْلُهُ: فَيَنْتَفِعُ الرَّافِعُ) أَيْ مَنْ رَفَعَهَا مِنْ الْأَرْضِ: أَيْ الْتَقَطَهَا وَأَتَى بِالْفَاءِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَنْتَفِعُ بِهَا بَعْدَ الْإِشْهَادِ وَالتَّعْرِيفِ إلَى أَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا، وَالْمُرَادُ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَالتَّصَدُّقِ، وَلَهُ إمْسَاكُهَا لِصَاحِبِهَا. وَفِي الْخُلَاصَةِ لَهُ بَيْعُهَا أَيْضًا وَإِمْسَاكُ ثَمَنِهَا ثُمَّ إذَا جَاءَ رَبُّهَا لَيْسَ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ لَوْ بِأَمْرِ الْقَاضِي، وَإِلَّا فَلَوْ قَائِمَةً لَهُ إبْطَالُهُ؛ وَإِنْ هَلَكَتْ، فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْبَائِعَ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَنْفُذُ بَيْعُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَهُ دَفْعُهَا لِلْقَاضِي فَيَتَصَدَّقُ بِهَا أَوْ يُقْرِضُهَا مِنْ مَلِيءٍ أَوْ يَدْفَعُهَا مُضَارَبَةً وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ الْبَيْعَ أَيْضًا. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ الدَّفْعُ إلَى الْقَاضِي أَجْوَدُ لِيَفْعَلَ الْأَصْلَحَ. وَفِي الْمُجْتَبَى: التَّصَدُّقُ بِهَا فِي زَمَانِنَا أَوْلَى، وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَنْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وَرَعُهُ وَعَدَمُهُ نَهْرٌ مُلَخَّصًا. [تَنْبِيهٌ] ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مُتُونًا وَشُرُوحًا أَنَّ حِلَّ الِانْتِفَاعِ لِلْفَقِيرِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِ الْقَاضِي، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ لِلْفَقِيرِ بِلَا أَمْرِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ بِشْرٌ يَحِلُّ. اهـ. بَحْرٌ، وَمِثْلُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْبُرْهَانِ، نَعَمْ فِي الْهِدَايَةِ وَالْعِنَايَةِ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ لِلْغَنِيِّ بِإِذْنِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ النَّهْرِ. وَفِي النَّهْرِ: مَعْنَى الِانْتِفَاعِ بِهَا صَرْفُهَا إلَى نَفْسِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ مَا بَقِيَتْ فِي يَدِهِ لَا تَمَلَّكَهَا كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا مَا لَمْ يَتَصَرَّفْ بِهَا، حَتَّى لَوْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ وَعِنْدَهُ مَا تَصِيرُ بِهِ نِصَابًا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ تَحْتَ يَدِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةٌ. اهـ. قُلْت: مُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ لَا يَمْلِكُهَا مَعَ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَرَفَهَا إلَى نَفْسِهِ، فَمُرَادُ الْبَحْرِ التَّصَرُّفُ بِهَا عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ، فَلَوْ دَرَاهِمَ يَكُونُ بِإِنْفَاقِهَا وَغَيْرَهَا بِحَبْسِهِ، فَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ التَّصَرُّفِ بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا، وَلِذَا قَالَ: إنَّمَا فَسَّرْنَا الِانْتِفَاعَ بِالتَّمَلُّكِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الِانْتِفَاعَ بِدُونِهِ كَالْإِبَاحَةِ وَلِذَا مَلَكَ بَيْعَهَا وَصَرْفَ الثَّمَنِ إلَى نَفْسِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَوْ فَقِيرًا) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ لَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بِطَرِيقِ الْقَرْضِ، لَكِنْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: عَلَى فَقِيرٍ) أَيْ وَلَوْ ذِمِّيًّا لَا حَرْبِيًّا كَمَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: قَالُوا وَلَا يَجُوزُ عَلَى غَنِيٍّ وَلَا عَلَى طِفْلِهِ الْفَقِيرِ وَعَبْدِهِ، وَلَوْ فَعَلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُتَرَدَّدَ فِي ضَمَانِهِ (قَوْلُهُ: وَفَرْعِهِ) الضَّمِيرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 فَإِنَّهَا تُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) تَتَارْخَانِيَّةٌ. وَفِي الْقُنْيَةِ: لَوْ رَجَى وُجُودَ الْمَالِكِ وَجَبَ الْإِيصَاءُ. (فَإِنْ جَاءَ مَالِكُهَا) بَعْدَ التَّصَدُّقِ (خُيِّرَ بَيْنَ إجَازَةِ فِعْلِهِ وَلَوْ بَعْدَ هَلَاكِهَا) وَلَهُ ثَوَابُهَا (أَوْ تَضْمِينُهُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ وَالْأَبِ إجَازَتُهَا نَهْرٌ. وَفِي الْوَهْبَانِيَّةُ: الصَّبِيُّ كَالْبَالِغِ فَيَضْمَنُ إنْ لَمْ يُشْهِدْ، ثُمَّ لِأَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ التَّصَدُّقُ وَضَمَانُهَا فِي مَالِهِمَا لَا مَالِ الصَّغِيرِ (وَلَوْ تَصَدَّقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي) فِي الْأَصَحِّ (كَمَا) لَهُ أَنْ (يَضْمَنَ الْقَاضِي) أَوْ الْإِمَامُ (لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِمَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ذَخِيرَةٌ (أَوْ) يَضْمَنُ (الْمِسْكِينُ وَأَيُّهُمَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى صَاحِبِهِ) وَلَوْ الْعَيْنُ قَائِمَةً أَخَذَهَا مِنْ الْفَقِيرِ (وَلَا شَيْءَ لِلْمُلْتَقِطِ) لِمَالٍ أَوْ بَهِيمَةٍ أَوْ ضَالٍّ (مِنْ الْجُعْلِ أَصْلًا) إلَّا بِالشَّرْطِ كَمَنْ رَدَّهُ فَلَهُ كَذَا فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ كَإِجَارَةٍ فَاسِدَةٍ.   [رد المحتار] عَائِدٌ إلَى الْغَنِيِّ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهَا، فَلَا بُدَّ أَنْ يُرَادَ بِفَرْعِهِ الْكَبِيرُ الْفَقِيرُ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى طِفْلِ الْغَنِيِّ وَلَوْ فَقِيرًا (قَوْلُهُ: تُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) لِلنَّوَائِبِ بَحْرٌ ط (قَوْلُهُ: وَفِي الْقُنْيَةِ إلَخْ) عِبَارَتُهَا: وَمَا يَتَصَدَّقُ بِهِ الْمُلْتَقِطُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَغَلَبَةِ ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ صَاحِبُهُ لَا يَجِبُ إيصَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ يَرْجُو وُجُودَ الْمَالِكِ وَجَبَ الْإِيصَاءُ اهـ وَالْمُرَادُ الْإِيصَاءُ بِضَمَانِهَا إذَا ظَهَرَ صَاحِبُهَا وَلَمْ يَجُزْ تَصَدُّقُ الْمُلْتَقِطِ لَا الْإِيصَاءُ بِعَيْنِهَا قَبْلَ التَّصَدُّقِ بِهَا لَكِنَّهُ مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى فَلِذَا عَمَّمَ الشَّارِحُ. وَفِي النَّهْرِ: ثُمَّ إذَا أَمْسَكَهَا وَحَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَوْصَى بِهَا ثُمَّ الْوَرَثَةُ يُعَرِّفُونَهَا. قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يُعَرِّفُوهَا حَتَّى هَلَكَتْ وَجَاءَ صَاحِبُهَا أَنَّهُمْ يَضْمَنُونَ؛ لِأَنَّهُمْ وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى اللُّقَطَةِ وَلَمْ يُشْهِدُوا أَيْ لَمْ يُعَرِّفُوا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ يُقَالُ إنَّ التَّعْرِيفَ عَلَيْهِمْ غَيْرُ وَاجِبٍ حَيْثُ عَرَّفَهَا الْمُلْتَقِطُ. اهـ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ الْفَتْحِ فِيمَا إذَا لَمْ يُشْهِدْ الْمُلْتَقِطُ وَلَمْ يُعَرِّفْهَا بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ التَّعْرِيفُ قَبْلَ هَلَاكِهَا لَا الْإِشْهَادُ وَقْتَ الْأَخْذِ، وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ التَّصَدُّقِ) أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ انْتِفَاعَ الْمُلْتَقَطِ بِهَا إذَا كَانَ فَقِيرًا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَضْمِينُهُ) فَيَمْلِكُهَا الْمُلْتَقِطُ مِنْ وَقْتِ الْأَخْذِ وَيَكُونُ الثَّوَابُ لَهُ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: إجَازَتُهَا) الْأَوْلَى إجَازَتُهُ أَيْ إجَازَةُ فِعْلِ الْمُلْتَقِطِ (قَوْلُهُ: الصَّبِيُّ كَبَالِغِ) أَيْ فِي اشْتِرَاطِ الْإِشْهَادِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْقُنْيَةِ: وَجَدَ الصَّبِيُّ لُقَطَةً وَلَمْ يُشْهِدْ يَضْمَنُ كَالْبَالِغِ. اهـ. قُلْت: وَالْمُرَادُ مَا يَشْمَلُ إشْهَادَ وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ لِأَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ التَّصَدُّقُ) أَيْ بَعْدَ الْإِشْهَادِ وَالتَّعْرِيفِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَكَذَا لَهُ تَمْلِيكُهَا لِلصَّبِيِّ لَوْ فَقِيرًا بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ: وَضَمَانُهَا فِي مَالِهَا) كَذَا بَحَثَهُ فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ لِلْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ: يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا إذَا تَصَدَّقَ بِهَا الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ ثُمَّ ظَهَرَ صَاحِبُهَا وَضَمِنَهَا أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ فِي مَالِهِمَا دُونَ الصَّبِيِّ. اهـ. قُلْت: قَدْ يُؤَيِّدُ بَحْثَهُ بِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ لِلْمُلْتَقِطِ تَضْمِينَ الْقَاضِي تَأَمَّلْ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ بَحْثُ الْبَحْرِ بِأَنَّ فِي تَصَدُّقِهِمَا بِهَا إضْرَارًا بِالصَّغِيرِ إذَا حَضَرَ الْمَالِكُ وَالْعَيْنُ هَالِكَةٌ مِنْ يَدِ الْفَقِيرِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَصَدَّقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ أَوْ تَضْمِينُهُ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْقَاضِي لَا يَزِيدُ عَلَى تَصَدُّقِهِ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: وَأَيُّهُمَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى صَاحِبِهِ) فَإِنْ ضَمِنَ الْمُلْتَقِطُ مَلَكَهَا الْمُلْتَقِطُ مِنْ وَقْتِ الْأَخْذِ وَيَكُونُ الثَّوَابُ لَهُ خَانِيَّةٌ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الثَّوَابَ مَوْقُوفٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: أَوْ ضَالٍّ) الضَّالُّ: هُوَ الْإِنْسَانُ، وَالضَّالَّةُ الْحَيَوَانُ الضَّائِعُ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وَيُقَالُ لِغَيْرِ الْحَيَوَانِ ضَائِعٌ وَلُقَطَةٌ مِصْبَاحٌ. فَعُلِمَ أَنَّ الضَّالَّةَ بِالتَّاءِ تَشْمَلُ الْإِنْسَانَ الضَّائِعَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَبِدُونِ تَاءٍ خَاصٌّ بِالْإِنْسَانِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ هُنَا لِعَطْفِهِ عَلَى الْبَهِيمَةِ (قَوْلُهُ: أَصْلًا) أَيْ سَوَاءٌ الْتَقَطَهُ مِنْ مَكَان قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ، بِخِلَافِ الْآبِقِ كَمَا يَأْتِي. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِنْ عَوَّضَهُ شَيْئًا فَحَسَنٌ (قَوْلُهُ: فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ) عَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهَا إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 (وَنُدِبَ الْتِقَاطُ الْبَهِيمَةِ الضَّالَّةِ وَتَعْرِيفُهَا مَا لَمْ يَخَفْ ضَيَاعَهَا) فَيَجِبُ، وَكُرِهَ لَوْ مَعَهَا مَا تَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهَا كَقَرْنِ الْبَقَرِ وَكَدْمٍ لِإِبِلٍ تَتَارْخَانِيَّةٌ (وَلَوْ) كَانَ الِالْتِقَاطُ (فِي الصَّحْرَاءِ) إنْ ظَنَّ أَنَّهَا ضَالَّةٌ حَاوِي (وَهُوَ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى اللَّقِيطِ وَاللُّقَطَةِ مُتَبَرِّعٌ) لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ (إلَّا إذَا قَالَ لَهُ قَاضٍ أَنْفِقْ لِتَرْجِعَ) فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ الرُّجُوعَ لَمْ يَكُنْ دَيْنًا فِي الْأَصَحِّ (أَوْ يُصَدِّقُهُ اللَّقِيطُ بَعْدَ بُلُوغِهِ) كَذَا فِي الْمَجْمَعِ أَيْ يُصَدِّقُهُ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ لَا مَا زَعَمَهُ ابْنُ الْمَلِكِ نَهْرٌ، وَالْمَدْيُونُ رَبُّ اللُّقَطَةِ وَأَبُو اللَّقِيطِ   [رد المحتار] وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَا إجَارَةَ أَصْلًا لِعَدَمِ مَنْ يَقْبَلُ. وَأَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ بِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِجَمْعٍ حَضَرَ. قُلْت: يُؤَيِّدُهُ مَا فِي إجَارَاتِ الْوَلْوَالِجيَّةِ: ضَاعَ لَهُ شَيْءٌ فَقَالَ مَنْ دَلَّنِي عَلَيْهِ فَلَهُ كَذَا فَالْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ لَهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَالدَّلَالَةَ لَيْسَتْ بِعَمَلٍ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْأَجْرَ فَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ؛ وَإِنْ خَصَّصَ بِأَنْ قَالَ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ إنْ دَلَلْتنِي عَلَيْهِ فَلَكَ كَذَا، إنْ مَشَى لَهُ وَدَلَّهُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي الْمَشْيِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَمَلٌ يُسْتَحَقُّ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِقَدْرٍ فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ دَلَّهُ بِلَا مَشْيٍ فَهُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ. اهـ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ هُنَا إنْ خَصَّصَ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ لِكَوْنِ مَكَانِ الرَّدِّ غَيْرَ مُقَدَّرٍ فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ عُمِّمَ فَبَاطِلَةٌ وَلَا أَجْرَ، فَقَوْلُهُ كَإِجَارَةٍ فَاسِدَةٍ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ بِصِيغَةِ التَّعْلِيلِ كَمَا فَعَلَ فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: وَنُدِبَ الْتِقَاطُ الْبَهِيمَةِ إلَخْ) وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: إذَا وَجَدَ الْبَقَرَ وَالْبَعِيرَ فِي الصَّحْرَاءِ فَالتَّرْكُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ الْحُرْمَةُ وَإِبَاحَةُ الِالْتِقَاطِ مَخَافَةَ الضَّيَاعِ، وَإِذَا كَانَ مَعَهَا مَا تَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهَا كَالْقَرْنِ مَعَ الْقُوَّةِ فِي الْبَقَرِ وَالرَّفْسِ مَعَ الْكَدْمِ فِي الْبَعِيرِ وَالْفَرَسِ يَقِلُّ ظَنُّ ضَيَاعِهَا وَلَكِنَّهُ يُتَوَهَّمُ. وَلَنَا أَنَّهَا لُقَطَةٌ يُتَوَهَّمُ ضَيَاعُهَا فَيُسْتَحَبُّ أَخْذُهَا وَتَعْرِيفُهَا صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ كَالشَّاةِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي ضَالَّةِ الْإِبِلِ، مَالَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ، فَذَرْهَا حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا» أَجَابَ عَنْهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ كَانَ إذْ ذَاكَ لِغَلَبَةِ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْأَمَانَةِ، وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا يُؤْمَنُ وُصُولُ يَدٍ خَائِنَةٍ إلَيْهَا بَعْدَهُ، فَفِي أَخْذِهَا إحْيَاؤُهَا وَحِفْظُهَا فَهُوَ أَوْلَى، وَمُقْتَضَاهُ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ أَنْ يَجِبَ الِالْتِقَاطُ وَهَذَا حَقٌّ، فَإِنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّارِعِ وُصُولُهَا إلَى رَبِّهَا، فَإِذَا تَغَيَّرَ الزَّمَانُ وَصَارَ طَرِيقَ التَّلَفِ فَحُكْمُهُ عِنْدَهُ بِلَا شَكٍّ خِلَافُهُ وَهُوَ الِالْتِقَاطُ لِلْحِفْظِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَكَرِهَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْتِقَاطَ الْبَهِيمَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، لَكِنَّ ظَاهِرَ الْهِدَايَةِ أَنَّ صُورَةَ الْكَرَاهَةِ إنَّمَا هِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا عِنْدَنَا. اهـ. قُلْت: وَهُوَ أَيْضًا ظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَكَدْمٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ الدَّالِ فِعْلُهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَقَتَلَ وَهُوَ الْعَضُّ بِأَدْنَى الْفَمِ (قَوْلُهُ: إنْ ظَنَّ أَنَّهَا ضَالَّةٌ) أَيْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بِأَنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ بِقُرْبِهِ بَيْتُ مَدَرٍ أَوْ شَعْرٌ أَوْ قَافِلَةٌ نَازِلَةٌ أَوْ دَوَابُّ فِي مَرَاعِيهَا بَحْرٌ عَنْ الْحَاوِي. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا قَالَ لَهُ قَاضٍ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْمُلْتَقِط كَمَا شَرَطَهُ فِي الْأَصْلِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ غَصْبًا فِي يَدِهِ، وَالْبَيِّنَةُ لِكَشْفِ الْحَالِ لَا لِلْقَضَاءِ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا خَصْمٌ، وَصَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي يَقُولُ لَهُ بَيْنَ يَدَيَّ ثِقَاتٌ أَنْفِقْ عَلَيْهَا إنْ كُنْت صَادِقًا، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ جَعَلَ وَلَاءَ اللَّقِيطِ لِلْمُلْتَقِطِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَعَلَيْهِ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِالْإِنْفَاقِ بِلَا أَمْرِهِ إذَا أَشْهَدَ لِيَرْجِعَ كَالْوَصِيِّ بَحْرٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ دَيْنًا فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْحِسْبَةِ وَالرُّجُوعِ، فَلَا يَكُونُ دَيْنًا بِالشَّكِّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لَا مَا زَعَمَهُ ابْنُ الْمَلِكِ) مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِنْفَاقِ فَادَّعَاهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَصَدَّقَهُ اللَّقِيطُ رَجَعَ عَلَيْهِ ح (قَوْلُهُ: نَهْرٌ) أَصْلُهُ لِلْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَالْمَدْيُونُ) أَيْ الَّذِي يُثْبِتُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 أَوْ سَيِّدُهُ أَوْ هُوَ بَعْدَ بُلُوغِهِ (وَإِنْ كَانَ لَهَا نَفْعٌ آجَرَهَا) بِإِذْنِ الْحَاكِمِ (وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا) مِنْهُ كَالضَّالِّ، بِخِلَافِ الْآبِقِ وَسَيَجِيءُ فِي بَابِهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَاعَهَا) الْقَاضِي وَحَفِظَ ثَمَنَهَا، وَلَوْ الْإِنْفَاقُ أَصْلَحُ أَمَرَ بِهِ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ نَظَرِيَّةُ اخْتِيَارٍ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ نَظَرٌ لَمْ يَنْفُذْ أَمْرُهُ بِهِ فَتْحٌ بَحْثًا. (وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ رَبِّهَا لِيَأْخُذَ النَّفَقَةَ) فَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَ حَبْسِهِ سَقَطَتْ، وَقَبْلَهُ لَا (وَلَا يَدْفَعُهَا إلَى مُدَّعِيهَا) جَبْرًا عَلَيْهِ (بِلَا بَيِّنَةٍ، فَإِنْ بَيَّنَ عَلَامَةً حَلَّ الدَّفْعُ) بِلَا جَبْرٍ (وَكَذَا) يَحِلُّ (إنْ صَدَّقَهُ مُطْلَقًا) بَيَّنَ أَوْ لَا، وَلَهُ أَخْذُ كَفِيلٍ إلَّا مَعَ الْبَيِّنَةِ فِي الْأَصَحِّ نِهَايَةٌ.   [رد المحتار] لِلْمُلْتَقِطِ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَهُ بِقَوْلِ الْقَاضِي أَنْفِقْ لِتَرْجِعَ (قَوْلُهُ: أَوْ سَيِّدُهُ) أَيْ إنْ ظَهَرَ لَهُ سَيِّدٌ بِإِقْرَارِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: أَوْ هُوَ بَعْدَ بُلُوغِهِ) فَلَوْ مَاتَ صَغِيرًا يَرْجِعُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ النَّظْمِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَهَا نَفْعٌ) بِأَنْ كَانَتْ بَهِيمَةً يُحْمَلُ عَلَيْهَا كَالْحِمَارِ وَالْبَغْلِ (قَوْلُهُ: بِإِذْنِ الْحَاكِمِ) الَّذِي فِي الْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُؤَجِّرُهَا الْقَاضِي، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ إذْنَهُ كَفِعْلِهِ (قَوْلُهُ: مِنْهُ) أَيْ مِنْ بَدَلِ الْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ كَالضَّالِّ) أَيْ الْعَبْدِ الَّذِي ضَلَّ عَنْ سَيِّدِهِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْآبِقِ) فَإِنَّهُ لَا يُؤَجِّرُهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْبَقَ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ كَذَلِكَ يُفْعَلُ بِالْعَبْدِ الْآبِقِ بَحْرٌ، وَوَفَّقَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ بِحَمْلِ مَا فِي الْهِدَايَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَعَهُ عَلَامَةٌ تَمْنَعُ مِنْ الْإِبَاقِ كَالرَّايَةِ، وَنَقَلَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْهُ وَجْهًا آخَرَ، وَهُوَ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ ذَا قُوَّةٍ وَمَنَعَةٍ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْإِيجَارِ مَعَ إعْلَامِ الْمُسْتَأْجِرِ بِحَالِهِ لِيَحْفَظَهُ غَايَةَ الْحِفْظِ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ اللَّقِيطِ إذَا صَارَ مُمَيِّزًا وَلَا مَالَ لَهُ هَلْ يُؤَجِّرُهُ الْقَاضِي لِلنَّفَقَةِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ وَلَوْ الْإِنْفَاقُ أَصْلَحُ إلَخْ) قَالُوا إنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْإِنْفَاقِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى رَجَاءَ أَنْ يَظْهَرَ مَالِكُهَا، فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ يَأْمُرُ بِبَيْعِهَا؛ لِأَنَّ دَارَةَ النَّفَقَةِ مُسْتَأْصَلَةٌ فَلَا نَظَرَ فِي الْإِنْفَاقِ مُدَّةً مَدِيدَةً هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ رَبِّهَا لِيَأْخُذَ النَّفَقَةَ) فَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ بَاعَهَا الْقَاضِي وَأَعْطَى نَفَقَتَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ الْبَاقِيَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُلْتَقِطُ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ أَوْ اسْتَدَلَّ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِيَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهَا كَمَا فِي الْحَاوِي، وَقَدْ صَرَّحُوا فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ الْمُسْتَدَانَةِ بِإِذْنِ الْقَاضِي أَنَّ الْمَرْأَةَ تَتَمَكَّنُ مِنْ الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَقِيَاسُهُ هُنَا كَذَلِكَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَ حَبْسِهِ) أَيْ مَعَ الْمُلْتَقِطِ اللُّقَطَةُ عَنْ صَاحِبِهَا سَقَطَتْ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ كَالرَّهْنِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَمْ يَحْكِ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِيهِ خِلَافًا فَيُفْهَمُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَجَعَلَهُ الْقُدُورِيُّ فِي تَقْرِيبِهِ قَوْلَ زُفَرٍ. وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا لَا يَسْقُطُ لَوْ هَلَكَ بَعْدَهُ، وَعَزَاهُ فِي الْيَنَابِيعِ إلَى عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ. اهـ. قُلْت: وَظَاهِرُ الْفَتْحِ اعْتِمَادُ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ، فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّهُ الْمَنْقُولُ، وَكَذَا نَقَلَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ خَطِّ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ لِأَحَدٍ مِنْ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَلَا يُسَاعِدُهُ الْوَجْهُ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَنْ عُلَمَائِنَا فِيهِ رِوَايَتَانِ، أَوْ اخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ قَوْلَ زُفَرَ فَتَأَمَّلْهُ اهـ وَعَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ جَرَى فِي الْمُلْتَقَى وَالدُّرَرِ وَالنُّقَايَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: جَبْرًا عَلَيْهِ) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الدَّفْعِ عَدَمُ لُزُومِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: بِلَا بَيِّنَةٍ) أَرَادَ بِهَا الْقَضَاءَ بِهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ بَيَّنَ عَلَامَةً) أَيْ مَعَ الْمُطَابَقَةِ وَمَرَّ فِي اللَّقِيطِ أَنَّ الْإِصَابَةَ فِي بَعْضِ الْعَلَامَاتِ لَا تَكْفِي. وَظَاهِرُ قَوْلِ التَّتَارْخَانِيَّة أَصَابَ فِي عَلَامَاتِ اللُّقَطَةِ كُلِّهَا أَنَّهُ شَرْطٌ، وَلَمْ أَرَ مَا لَوْ بَيَّنَ كُلٌّ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ وَأَصَابَا، وَيَنْبَغِي حِلُّ الدَّفْعِ لَهُمَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: بَيَّنَ أَوْ لَا) لَكِنْ هَلْ يُجْبَرُ: قِيلَ نَعَمْ كَمَا لَوْ بَرْهَنَ، وَقِيلَ لَا كَالْوَكِيلِ يَقْبِضُ الْوَدِيعَةَ إذَا صَدَّقَهُ الْمُودِعُ. وَدَفَعَ الْفَرْقَ بِأَنَّ الْمَالِكَ هُنَا غَيْرُ ظَاهِرٍ وَالْمُودِعَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ ظَاهِرٌ فَتْحٌ. [تَتِمَّةٌ] دَفَعَ بِالتَّصْدِيقِ أَوْ بِالْعَلَامَةِ وَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ، فَإِنْ قَائِمَةً أَخَذَهَا، وَإِنْ هَالِكَةً ضَمَّنَ أَيَّهُمَا شَاءَ؛ فَإِنْ ضَمِنَ الْقَابِضُ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ أَوْ الْمُلْتَقِطُ فَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ وَفِي أُخْرَى يَرْجِعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ صَدَّقَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 (الْتَقَطَ لُقَطَةً فَضَاعَتْ مِنْهُ ثُمَّ وَجَدَهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ) مُجْتَبَى وَنَوَازِلُ، لَكِنَّ فِي السِّرَاجِ الصَّحِيحَ أَنَّ لَهُ الْخُصُومَةَ لِأَنَّ يَدَهُ أَحَقُّ. (عَلَيْهِ دُيُونٌ وَمَظَالِمُ جَهِلَ أَرْبَابَهَا وَأَيِسَ) مَنْ عَلَيْهِ ذَلِكَ (مِنْ مَعْرِفَتِهِمْ فَعَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِقَدْرِهَا مِنْ مَالِهِ وَإِنْ اسْتَغْرَقَتْ جَمِيعَ مَالِهِ) هَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا لَا تَعْلَمُ بَيْنَهُمْ خِلَافًا كَمَنْ فِي يَدِهِ عُرُوضٌ لَا يَعْلَمُ مُسْتَحِقِّيهَا اعْتِبَارًا لِلدُّيُونِ بِالْأَعْيَانِ (وَ) مَتَى فَعَلَ ذَلِكَ (سَقَطَ عَنْهُ الْمُطَالَبَةُ) مِنْ أَصْحَابِ الدُّيُونِ (فِي الْمُعَقِّبِيِّ) مُجْتَبَى. وَفِي الْعُمْدَةِ: وَجَدَ لُقَطَةً وَعَرَّفَهَا وَلَمْ يَرَ رَبَّهَا فَانْتَفَعَ بِهَا لِفَقْرِهِ ثُمَّ أَيْسَرَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ. (مَاتَ فِي الْبَادِيَةِ جَازَ لِرَفِيقِهِ بَيْعُ مَتَاعِهِ وَمَرْكَبِهِ وَحَمْلُ ثَمَنِهِ إلَى أَهْلِهِ.   [رد المحتار] إلَّا أَنَّهُ بِالْقَضَاءِ عَلَيْهِ صَارَ مُكَذِّبًا شَرْعًا فَبَطَلَ إقْرَارُهُ نَهْرٌ عَنْ الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ يَدَهُ أَحَقُّ) لَعَلَّ وَجْهَهُ كَوْنُهَا أَسْبَقَ وَأَنَّ لَهُ حَقَّ تَمَلُّكِهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ لَوْ فَقِيرًا، وَيُفْهَمُ مِنْهُ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ لَوْ انْتَزَعَهَا مِنْ يَدِهِ آخَرُ لَهُ أَخْذُهَا مِنْهُ كَمَا قَالُوا فِي اللَّقِيطِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ حَيْثُ سَوَّى بَيْنَ مَسْأَلَتَيْ الضَّيَاعِ وَالِانْتِزَاعِ فِي أَنَّهُ لَا خُصُومَةَ لَهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي السِّرَاجِ يَشْمَلُهَا. (قَوْلُهُ: جَهِلَ أَرْبَابَهَا) يَشْمَلُ وَرَثَتَهُمْ، فَلَوْ عَلِمَهُمْ لَزِمَهُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ صَارَ حَقَّهُمْ. وَفِي الْفُصُولِ الْعَلَامِيَّةِ: مَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ فَطَلَبَهُ وَلَمْ يُعْطِهِ فَمَاتَ رَبُّ الدَّيْنِ لَمْ تَبْقَ لَهُ خُصُومَةٌ فِي الْآخِرَةِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّهَا بِسَبَبِ الدَّيْنِ وَقَدْ انْتَقَلَ إلَى الْوَرَثَةِ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْخُصُومَةَ فِي الظُّلْمِ بِالْمَنْعِ لِلْمَيِّتِ، وَفِي الدَّيْنِ لِلْوَارِثِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: مَنْ تَنَاوَلَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ رَدَّ الْبَدَلَ عَلَى وَارِثِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بَرِئَ عَنْ الدَّيْنِ وَبَقِيَ حَقُّ الْمَيِّتِ لِظُلْمِهِ إيَّاهُ، وَلَا يَبْرَأُ عَنْهُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالدُّعَاءِ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِقَدْرِهَا مِنْ مَالِهِ) أَيْ الْخَاصِّ بِهِ أَوْ الْمُتَحَصِّلِ مِنْ الْمَظَالِمِ. اهـ. ط وَهَذَا إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ. وَفِي الْفُصُولِ الْعَلَامِيَّةِ: لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَدَاءِ لِفَقْرِهِ أَوْ لِنِسْيَانِهِ أَوْ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ قَالَ شَدَّادٌ وَالنَّاطِفِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: لَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ ثَمَنَ مَتَاعٍ أَوْ قَرْضًا، وَإِنْ كَانَ غَصْبًا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنْ نَسِيَ غَصْبَهُ، وَإِنْ عَلِمَ الْوَارِثُ دَيْنَ مُوَرِّثِهِ وَالدَّيْنُ غَصْبٌ أَوْ غَيْرُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهُ مِنْ التَّرِكَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْضِ فَهُوَ مُؤَاخَذٌ بِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَدْيُونُ وَلَا وَارِثُهُ صَاحِبَ الدَّيْنِ وَلَا وَارِثَهُ فَتَصَدَّقَ الْمَدْيُونُ أَوْ وَارِثُهُ عَنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ بَرِئَ فِي الْآخِرَةِ. مَطْلَبٌ فِيمَنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَمَظَالِمُ جَهِلَ أَرْبَابَهَا (قَوْلُهُ: كَمَنْ فِي يَدِهِ عُرُوضٌ لَا يَعْلَمُ مُسْتَحَقِّيهَا) يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَتْ لُقَطَةً عَلِمَ حُكْمَهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَهَا فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ بِأَعْيَانِهَا أَيْضًا (قَوْلُهُ: سَقَطَ عَنْهُ الْمُطَالَبَةُ إلَخْ) كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ الضَّائِعِ وَالْفُقَرَاءُ مَصْرِفُهُ عِنْدَ جَهْلِ أَرْبَابِهِ، وَبِالتَّوْبَةِ يَسْقُطُ إثْمُ الْإِقْدَامِ عَلَى الظُّلْمِ ط (قَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ) الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، وَكَذَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ. مَطْلَبٌ فِيمَنْ مَاتَ فِي سَفَرِهِ فَبَاعَ رَفِيقُهُ مَتَاعَهُ (قَوْلُهُ: جَازَ لِرَفِيقِهِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ إذْ الرَّفِيقُ فِي السَّفَرِ مَأْذُونٌ بِذَلِكَ دَلَالَةً كَمَا قَالُوا فِي جَوَازِ إحْرَامِهِ عَنْ رَفِيقِهِ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَكَذَا إنْفَاقُهُ عَلَيْهِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَقَعَتْ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي سَفَرِهِ، مَاتَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَبَاعَ كُتُبَهُ وَأَمْتِعَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَسْت بِقَاضٍ، فَقَالَ {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمُصْلِحِ الْمَأْذُونِ فِيهِ عَادَةً، فَإِنَّهُ لَوْ حَمَلَ مَتَاعَهُ إلَى أَهْلِهِ يَحْتَاجُ إلَى نَفَقَةٍ رُبَّمَا اسْتَغْرَقَتْ الْمَتَاعَ، لَكِنْ لِلْوَرَثَةِ الْخِيَارُ. فَفِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ الْمُحِيطِ عَنْ الْمُنْتَقَى: مَاتَ فِي السَّفَرِ فَبَاعَ رُفَقَاؤُهُ تِرْكَتَهُ وَهُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 حَطَبٌ وُجِدَ فِي الْمَاءِ، إنْ لَهُ قِيمَةٌ فَلُقَطَةٌ وَإِلَّا فَحَلَالٌ لِآخِذِهِ) كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ الْأَصْلِيَّةِ دُرَرٌ. وَفِي الْحَاوِي: غَرِيبٌ مَاتَ فِي بَيْتِ إنْسَانٍ وَلَمْ يَعْرِفْ وَارِثَهُ فَتِرْكَتُهُ كَلُقَطَةٍ، مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا فَلِبَيْتِ الْمَالِ بَعْدَ الْفَحْصِ عَنْ وَرَثَتِهِ سِنِينَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمْ فَلَهُ لَوْ مُصْرَفًا. [مَطْلَبٌ فِيمَنْ مَاتَ فِي سَفَرِهِ فَبَاعَ رَفِيقُهُ مَتَاعَهُ] (مُحْضِنَةُ) أَيْ بُرْجُ (حَمَامٍ اخْتَلَطَ بِهَا أَهْلِيٌّ لِغَيْرِهِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَإِنْ أَخَذَهُ طَلَبَ صَاحِبَهُ لِيَرُدَّهُ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ كَاللُّقَطَةِ (فَإِنْ فَرَّخَ عِنْدَهُ، فَإِنْ) كَانَتْ (الْأُمُّ غَرِيبَةً لَا يَتَعَرَّضُ لِفَرْخِهَا) لِأَنَّهُ مِلْكُ الْغَيْرِ (وَإِنْ الْأُمُّ لِصَاحِبِ الْمُحْضِنَةِ وَالْغَرِيبُ ذَكَرٌ فَالْفَرْخُ لَهُ) وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ بِبُرْجِهِ غَرِيبًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. قُلْت: وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ الْفَرْخَ، فَإِنْ فَقِيرًا أَكَلَهُ، وَإِنْ غَنِيًّا تَصَدَّقَ بِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ، وَهَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ ظَهِيرِيَّةٌ. وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: مَرَّ بِثِمَارٍ تَحْتَ أَشْجَارٍ فِي غَيْرِ أَمْصَارٍ لَا بَأْسَ بِالتَّنَاوُلِ مَا لَمْ يَعْلَمْ النَّهْيَ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ.   [رد المحتار] فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ قَاضٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ: جَازَ بَيْعُهُمْ وَلِلْمُشْتَرِي الِانْتِفَاعُ بِمَا اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ إذَا جَاءَ الْوَارِثُ إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مَا وَجَدَهُ مِنْ الْمَتَاعِ وَضَمِنَ مَا لَمْ يَجِدْ كَاللُّقَطَةِ إذَا جَاءَ صَاحِبُهَا يَأْخُذُهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلَهُ أَنْ يَضْمَنَ الَّذِي أَصَابَهَا وَلَهُ أَنْ يُجِيزَ التَّصَدُّقَ. اهـ. مَطْلَبٌ فِيمَنْ وَجَدَ حَطَبًا فِي نَهْرٍ أَوْ وَجَدَ جَوْزًا أَوْ كُمَّثْرَى (قَوْلُهُ: إنْ لَهُ قِيمَةٌ فَلُقَطَةٌ) وَقِيلَ: إنَّهُ كَالتُّفَّاحِ الَّذِي يَجِدُهُ فِي الْمَاءِ. وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ ضَابِطًا، وَهُوَ أَنَّ مَا لَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَلَا يُعْتَادُ رَمْيُهُ كَحَطَبٍ وَخَشَبٍ فَهُوَ لُقَطَةٌ إنْ كَانَتْ لَهُ قِيمَةٌ وَلَوْ جَمَعَهُ مِنْ أَمَاكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ فِي الصَّحِيحِ كَمَا لَوْ وَجَدَ جَوْزَةً ثُمَّ أُخْرَى وَهَكَذَا حَتَّى بَلَغَ مَالَهُ قِيمَةٌ، بِخِلَافِ تُفَّاحٍ أَوْ كُمَّثْرَى فِي نَهْرٍ جَارٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُهُ وَإِنْ كَثُرَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَفْسُدُ لَوْ تُرِكَ، وَبِخِلَافِ النَّوَى إذَا وُجِدَ مُتَفَرِّقًا وَلَهُ قِيمَةٌ فَيَجُوزُ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُرْمَى عَادَةً فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَاحِ وَلَا كَذَلِكَ الْجَوْزُ، حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ صَاحِبُهُ تَحْتَ الْأَشْجَارِ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا) ذَكَرَ الضَّمِيرَ عَلَى تَأْوِيلِ التَّرِكَةِ بِالْمَتْرُوكِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَثِيرِ مَا زَادَ عَلَى خَمْسَةِ دَرَاهِمَ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة: مَاتَ غَرِيبٌ فِي دَارِ رَجُلٍ وَمَعَهُ قَدْرُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ فَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى نَفْسِهِ إنْ كَانَ فَقِيرًا كَاللُّقَطَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَاللُّقَطَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالْأَوَّلُ أَثْبَتُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمْ فَلَهُ لَوْ مَصْرِفًا) هَذَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ وَهُوَ زَائِدٌ عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ، وَقَدْ رَاجَعْت الْحَاوِيَ فَلَمْ أَجِدْهُ فِيهِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: مُحْضِنَةُ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ فِي الْمِصْبَاحِ: حَضَنَ الطَّائِرُ بَيْضَهُ إذَا جَثَمَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَيْ بُرْجُ) فِي الْمِصْبَاحِ: بُرْجُ الْحَمَامِ مَأْوَاهُ (قَوْلُهُ: اخْتَلَطَ بِهَا أَهْلِيٌّ لِغَيْرِهِ) الْمُرَادُ بِالْأَهْلِيِّ مَا كَانَ مَمْلُوكًا (قَوْلُهُ: لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ) ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَطِيرُ فَيَذْهَبُ إلَى مَحَلِّهِ الْأَصْلِيِّ، فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ أَنَّ اللُّقَطَةَ يُنْدَبُ أَخْذُهَا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِلْكُ الْغَيْرِ) ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْحَيَوَانِ يَتْبَعُ أُمَّهُ (قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ الْفَرْخَ) أَيْ وَلَمْ يَعْلَمْ مَالِكَهُ (قَوْلُهُ: وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ إلَخْ) نَقَلَ بِالْمَعْنَى، وَتَرَكَ مِمَّا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ قَيْدَ كَوْنِ الثِّمَارِ مِمَّا لَا يَبْقَى، وَكَوْنَ ذَلِكَ فِي بُسْتَانٍ احْتِرَازٌ عَنْ الْقُرَى وَالسَّوَادِ. وَحَاصِلُ مَا فِي شَرْحِهَا عَنْ الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الثِّمَارَ إذَا كَانَتْ سَاقِطَةً تَحْتَ الْأَشْجَارِ، فَلَوْ فِي الْمِصْرِ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْهَا مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَهَا أَبَاحَ ذَلِكَ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً؛ لِأَنَّهُ فِي الْمِصْرِ لَا يَكُونُ مُبَاحًا عَادَةً، وَإِنْ كَانَ فِي الْبُسْتَانِ، فَلَوْ الثِّمَارُ مِمَّا يَبْقَى وَلَا يَفْسُدُ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ لَا يَأْخُذُهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ الْإِذْنَ، وَلَوْ مِمَّا لَا يَبْقَى، فَقِيلَ كَذَلِكَ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ النَّهْيَ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً أَوْ عَادَةً، وَإِنْ كَانَ فِي السَّوَادِ وَالْقُرَى، فَلَوْ الثِّمَارُ مِمَّا يَبْقَى لَا يَأْخُذُ مَا لَمْ يَعْلَمْ الْإِذْنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 وَفِيهَا: أَخْذُك تُفَّاحًا مِنْ النَّهْرِ جَارِيًا ... بِجَوْزٍ وَكُمَّثْرَى وَفِي الْجَوْزِ يُنْكَرُ   [رد المحتار] وَلَوْ مِمَّا لَا يَبْقَى اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ لَهُ الْأَخْذَ مَا لَمْ يَعْلَمْ النَّهْيَ، وَلَوْ كَانَ الثَّمَرُ عَلَى الشَّجَرِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُؤْخَذَ مَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، إلَّا فِي مَوْضِعٍ كَثِيرِ الثِّمَارِ يُعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَشِحُّونَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَلَهُ الْأَكْلُ دُونَ الْحَمْلِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْجَوْزِ يُنْكَرُ) ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَبْقَى وَلَا يُرْمَى عَادَةً، بِخِلَافِ التُّفَّاحِ وَالْكُمَّثْرَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ يَفْسُدُ، وَبِخِلَافِ النَّوَى؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُرْمَى كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْحَطَبِ. [مَطْلَبٌ أَلْقَى شَيْئًا وَقَالَ مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ] [فُرُوعٌ أَلْقَى شَيْئًا وَقَالَ مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ] 1 مَطْلَبٌ أَلْقَى شَيْئًا وَقَالَ مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ [فُرُوعٌ] أَلْقَى شَيْئًا وَقَالَ مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ فَلِمَنْ سَمِعَهُ أَوْ بَلَغَهُ ذَلِكَ الْقَوْلُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَإِلَّا لَمْ يَمْلِكْهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ إعَانَةً لِمَالِكِهِ لِيَرُدَّهُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ وَقَدْ تَمَّتْ بِالْقَبْضِ. وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ إيجَابٌ لِمَجْهُولٍ فَلَا يَصِحُّ هِبَةً؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذِهِ جَهَالَةٌ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ عِنْدَ الْأَخْذِ. وَعِنْدَهُ هُوَ مُتَعَيَّنٌ مَعْلُومٌ، أَصْلُهُ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَرَّبَ بَدَنَاتٍ ثُمَّ قَالَ مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ» . [مَطْلَبٌ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ نِثَارِ السُّكْرِ فِي الْعُرْسِ] 1 ِ وَيُقَرِّرُهُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِلْقَاءِ مِنْ غَيْرِ كَلَامٍ يُفِيدُ هَذَا الْحُكْمَ كَمَنْ يَنْثُرُ السُّكْرَ وَالدَّرَاهِمَ فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِهِ، فَمَنْ أَخَذَ شَيْئًا مَلَكَهُ؛ لِأَنَّ الْحَالَ دَلِيلٌ عَلَى الْإِذْنِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ وَضَعَ الْمَاءَ وَالْجُمْدَ عَلَى بَابِهِ يُبَاحُ الشُّرْبُ مِنْهُ لِمَنْ مَرَّ بِهِ مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ وَكَذَا إذَا غَرَسَ شَجَرَةً فِي مَوْضِعٍ لَا مِلْكَ فِيهِ لِأَحَدٍ وَأَبَاحَ لِلنَّاسِ ثِمَارَهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَدِيثِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ. [مَطْلَبٌ مَنْ وَجَدَ دَرَاهِمَ فِي الْجِدَارِ أَوْ اسْتَيْقَظَ وَفِي يَدِهِ صُرَّةٌ] ٌ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْيَنَابِيعِ اشْتَرَى دَارًا فَوَجَدَ فِي بَعْضِ الْجِدَارِ دَرَاهِمَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنَّهَا كَاللُّقَطَةِ. قَالَ الْفَقِيهُ وَإِنْ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ رُدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ لَيْسَتْ لِي فَهِيَ لُقَطَةٌ. اهـ. وَفِيهَا سَأَلَ رَجُلٌ عَطَاءً - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ بَاتَ فِي الْمَسْجِدِ فَاسْتَيْقَظَ وَفِي يَدِهِ صُرَّةُ دَنَانِيرَ؟ قَالَ: إنَّ الَّذِي صَرَّهَا فِي يَدِك لَا يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهَا لَك. وَفِي الْبَحْرِ: وَجَدَ فِي الْبَادِيَةِ بَعِيرًا مَذْبُوحًا قَرِيبَ الْمَاءِ لَا بَأْسَ بِالْأَكْلِ مِنْهُ إنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّ مَالِكَهُ أَبَاحَهُ. 1 - مَطْلَبُ أَخْذُ صُوفِ مَيْتَةٍ أَوْ جِلْدِهَا وَعَنْ الثَّانِي: طَرَحَ مَيِّتَةً فَأَخَذَ آخَرُ صُوفَهَا لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَلِلْمَالِكِ أَخْذُهُ مِنْهُ، وَلَوْ سَلَخَ الْجِلْدَ وَدَبَغَهُ لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَرُدَّ عَلَيْهِ مَا زَادَ الدَّبْغُ فِيهِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَضَعَتْ مُلَاءَتَهَا وَوَضَعَتْ الْأُخْرَى مُلَاءَتَهَا ثُمَّ أَخَذَتْ الْأُولَى مُلَاءَةَ الثَّانِيَةِ لَا يَنْبَغِي لِلثَّانِيَةِ الِانْتِفَاعُ بِمُلَاءَةِ الْأُولَى، فَإِنْ أَرَادَتْ ذَلِكَ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ تَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى بِنْتِهَا الْفَقِيرَةِ بِنِيَّةِ كَوْنِ الثَّوَابِ لِصَاحِبَتِهَا إنْ رَضِيَتْ ثُمَّ تَسْتَوْهِبُ الْمُلَاءَةَ مِنْ الْبِنْتِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ. 1 - مَطْلَبٌ سُرِقَ مُكَعَّبُهُ وَوَجَدَ مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي الْمُكَعَّبِ إذَا سُرِقَ اهـ وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَكُونَ الْمُكَعَّبُ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ أَوْ أَجْوَدَ، فَلَوْ دُونَهُ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 كِتَابُ الْآبِقِ مُنَاسَبَتُهُ عَرْضِيَّةُ التَّلَفِ وَالزَّوَالِ: وَالْإِبَاقُ: انْطِلَاقُ الرَّقِيقِ تَمَرُّدًا، كَذَا عَرَّفَهُ ابْنُ الْكَمَالِ لِيَدْخُلَ الْهَارِبُ مِنْ مُؤَجِّرِهِ وَمُسْتَعِيرِهِ وَمُودِعِهِ وَوَصِيِّهِ.   [رد المحتار] الِانْتِفَاعُ بِهِ بِدُونِ هَذَا التَّكَلُّفِ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْأَجْوَدِ وَتَرْكَ الْأَدْوَنِ دَلِيلُ الرِّضَا بِالِانْتِفَاعِ بِهِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلُّقَطَةِ مِنْ جِهَةِ جَوَازِ التَّصَدُّقِ قَبْلَ التَّعْرِيفِ وَكَأَنَّهُ لِلضَّرُورَةِ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: مَا ذَكَرَ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْأَدْوَنِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْمُكَعَّبِ الْمَسْرُوقِ، وَعَلَيْهِ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَعْرِيفٍ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَدْوَنِ مُعْرِضٌ عَنْهُ قَصْدًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّابَّةِ الْمَهْزُولَةِ الَّتِي تَرَكَهَا صَاحِبُهَا عَمْدًا بَلْ بِمَنْزِلَةِ إلْقَاءِ النَّوَى وَقُشُورِ الرُّمَّانِ. أَمَّا لَوْ أَخَذَ مُكَعَّبَ غَيْرِهِ وَتَرَكَ مُكَعَّبَهُ غَلَطًا لِظُلْمَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِالْقَرَائِنِ فَهُوَ فِي حُكْمِ اللُّقَطَةِ لَا بُدَّ مِنْ السُّؤَالِ عَنْ صَاحِبِهِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ أَجْوَدَ وَأَدْوَنَ، وَكَذَا لَوْ اشْتَبَهَ كَوْنُهُ غَلَطًا أَوْ عَمْدًا لِعَدَمِ دَلِيلِ الْإِعْرَاضِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ. [فَائِدَةٌ] ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ عَنْ بَعْضِ الصُّوفِيَّةِ قَدَّسَ اللَّهُ تَعَالَى أَسْرَارَهُمْ مَا نَصُّهُ: إذَا ضَاعَ مِنْك شَيْءٌ فَقُلْ: يَا جَامِعَ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، اجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَ كَذَا وَيُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ فَإِنَّهُ مُجَرَّبٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقَدْ جَرَّبْته فَوَجَدْته نَافِعًا لِوُجُودِ الضَّالَّةِ عَنْ قُرْبٍ غَالِبًا. وَنَقَلَ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ مِثْلَ ذَلِكَ. اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْآبِقِ] ِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَبَقَ كَضَرَبَ وَسَمِعَ وَمَنَعَ قَامُوسٌ، وَالْأَكْثَرُ الْأَوَّلُ مِصْبَاحٌ، وَمَصْدَرُهُ أَبْقٌ وَيُحَرَّكُ وَإِبَاقٌ كَكِتَابٍ وَجَمْعُهُ كَكُفَّارٍ وَرُكَّعٍ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: مُنَاسَبَتُهُ) أَيْ مُنَاسَبَةُ الْآبِقِ لِلَّقِيطِ وَاللُّقَطَةِ، عَرَضِيَّةُ التَّلَفِ: أَيْ الْهَلَاكِ وَالزَّوَالِ أَيْ زَوَالُ يَدِ الْمَالِكِ: أَيْ تَوَقُّعُ عُرُوضِ الْأَمْرَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا فِي الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ وَجْهٌ ذَكَرَهَا عَقِبَ الْجِهَادِ، فَإِنَّ الْأَنْفُسَ وَالْأَمْوَالَ فِيهِ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ كَمَا مَرَّ. وَاعْتَرَضَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ عَرَضِيَّةَ ذَلِكَ فِي الْآبِقِ بِفِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، فَالْأَوْلَى ذِكْرُهُ عَقِبَ الْجِهَادِ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ خَوْفَ التَّلَفِ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ فِي اللَّقِيطِ أَكْثَرُ مِنْ اللُّقَطَةِ فَذُكِرَا عَقِبَهُ، وَأَمَّا التَّلَفُ فِي الْآبِقِ فَمِنْ حَيْثُ الِانْتِفَاعُ لِلْمَوْلَى لَا مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعُدْ إلَى مَوْلَاهُ لَا يَمُوتُ، بِخِلَافِ اللَّقِيطِ فَإِنَّهُ لِصِغَرِهِ إنْ لَمْ يُرْفَعْ يَمُوتُ فَالْأَنْسَبُ تَرْتِيبُ الْمَشَايِخِ (قَوْلُهُ: وَالْإِبَاقُ انْطِلَاقُ الرَّقِيقِ تَمَرُّدًا) وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْهَرَبُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ. وَالتَّمَرُّدُ: الْخُرُوجُ عَنْ الطَّاعَةِ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الضَّالِّ: وَهُوَ الْمَمْلُوكُ الَّذِي ضَلَّ عَنْ الطَّرِيقِ إلَى مَنْزِلِ سَيِّدِهِ بِلَا قَصْدٍ (قَوْلُهُ: مِنْ مُؤَجَّرِهِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ. اهـ. ح أَيْ مُسْتَأْجِرِهِ، وَلَوْ عَبَّرَ لَكَانَ أَوْلَى ط (قَوْلُهُ: وَمُودَعِهِ) بِفَتْحِ الدَّالِ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: وَوَصِيِّهِ) أَيْ الْوَصِيِّ عَلَيْهِ بِأَنْ مَاتَ سَيِّدُهُ عَنْ أَوْلَادٍ صِغَارٍ وَأَقَامَ هُوَ أَوْ الْقَاضِي عَلَيْهِمْ وَصِيًّا، فَإِنَّ الْعَبْدَ يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ وِصَايَتِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 (أَخْذُهُ فَرْضٌ إنْ خَافَ ضَيَاعَهُ، وَيَحْرُمُ) أَخْذُهُ (لِنَفْسِهِ، وَيَنْدُبُ) أَخْذُهُ (إنْ قَوِيَ عَلَيْهِ) وَإِلَّا فَلَا نَدْبَ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ: حُكْمُ أَخْذِهِ كَلُقَطَةٍ (فَإِنْ ادَّعَاهُ آخَرُ دَفَعَهُ إلَيْهِ إنْ بَرْهَنَ وَاسْتَوْثَقَ) مِنْهُ (بِكَفِيلٍ) إنْ شَاءَ لِجَوَازِ أَنْ يَدَّعِيَهُ آخَرُ (وَيُحَلِّفُهُ) الْحَاكِمُ أَيْضًا بِاَللَّهِ مَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ (وَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ) عَطْفٌ عَلَى إنْ بَرْهَنَ (وَأَقَرَّ) الْعَبْدُ (أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ ذَكَرَ) الْمَوْلَى (عَلَامَتَهُ وَحِلْيَتَهُ دُفِعَ إلَيْهِ بِكَفِيلِ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْمَوْلَى إبَاقَهُ) مَخَافَةَ جُعْلِهِ (حَلَفَ) إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ عَلَى إبَاقِهِ أَوْ عَلَى إقْرَارِ الْمَوْلَى بِذَلِكَ زَيْلَعِيٌّ (فَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ) أَيْ مُدَّةُ مَجِيءِ الْمَوْلَى (بَاعَهُ الْقَاضِي وَلَوْ عَلِمَ مَكَانَهُ) لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ الْمَوْلَى بِكَثْرَةِ النَّفَقَةِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ: أَخْذُهُ فَرْضٌ إنْ خَافَ ضَيَاعَهُ) أَيْ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ، وَهَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ أَخْذًا مِنْ عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ وَيَأْتِي مَا فِيهِ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ بَحْثًا فَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: وَيُنْدَبُ أَخْذُهُ إنْ قَوِيَ عَلَيْهِ) عِبَارَةُ كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِذَا وَجَدَ عَبْدًا آبِقًا وَهُوَ قَوِيٌّ عَلَى أَخْذِهِ قَالَ يَسَعُهُ تَرْكُهُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَأْخُذَهُ فَيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ اهـ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ قَيْدَ الْقُوَّةِ عَلَى أَخْذِهِ تَأْكِيدٌ لِإِفَادَةِ جَوَازِ التَّرْكِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ أَخْذُهُ بَلْ يُنْدَبُ، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ الْوُجُوبِ عِنْدَ الْقُوَّةِ عَلَيْهِ. وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يَخُصُّ مَا نَحْنُ فِيهِ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي سَائِرِ التَّكْلِيفِ. عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْقُدْرَةِ شَرْطًا عَامًّا لَا يُوجِبُ عَدَمَ ذِكْرِهَا فِي مَعْرِضِ بَيَانِ الْأَحْكَامِ. قَالَ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَلَمْ يُصَرِّحْ بِاشْتِرَاطِ عَدَمِ خَوْفِ ضَيَاعِهِ لِعِلْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ فَرْضٌ إنْ خَافَ ضَيَاعَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لِمَا فِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ أَخْذُهُ فَرْضٌ إنْ خَافَ ضَيَاعَهُ إلَخْ، وَقَدْ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْبَحْرَ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ قَدَّمَ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْقَوْلَ بِفَرْضِيَّةِ أَخْذِ اللُّقَطَةِ عِنْدَ خَوْفِ الضَّيَاعِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، فَقَوْلُ الْبَدَائِعِ هُنَا إنَّ حُكْمَ أَخْذِ الْآبِقِ كَحُكْمِ اللُّقَطَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى فَرْضِيَّةِ أَخْذِهِ عِنْدَنَا، نَعَمْ فِي الْفَتْحِ. يُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ التَّفْصِيلُ فِي اللُّقَطَةِ بَيْنَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ تَلَفُهُ عَلَى الْمَوْلَى إنْ لَمْ يَأْخُذْهُ مَعَ قُدْرَةٍ تَامَّةٍ عَلَيْهِ فَيَجِبُ أَخْذُهُ وَإِلَّا فَلَا اهـ. قُلْت: لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا نَسَبَهُ فِي الْبَدَائِعِ إلَى الشَّافِعِيِّ مَذْهَبُنَا، فَقَوْلُهُ هُنَا حُكْمُهُ كَحُكْمِ اللُّقَطَةِ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَخْذُهَا وَاجِبًا يَكُونُ أَخْذُهُ مِثْلَهَا، وَقَدْ صَرَّحَ فِي غَيْرِ الْبَدَائِعِ بِأَنَّ أَخْذَهَا وَاجِبٌ فَأَخْذُ الْآبِقِ كَذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَاسْتَوْثَقَ مِنْهُ بِكَفِيلٍ إنْ شَاءَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: ثُمَّ إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ عَنْ بَيِّنَةٍ فَفِي أَوْلَوِيَّةِ أَخْذِ الْكَفِيلِ وَتَرْكِهِ رِوَايَتَانِ اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْقَاضِي، وَهُوَ صَرِيحُ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ. قَالَ ط: وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ: قِيلَ رِوَايَةُ عَدَمِ أَخْذِ الْكَفِيلِ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَهُ حَرُمَ تَأْخِيرُهُ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَاجِبٌ. اهـ. قُلْت: لَكِنَّ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ رِوَايَةَ الْأَخْذِ أَحْوَطُ (قَوْلُهُ: أَيْضًا) أَيْ مَعَ الِاسْتِيثَاقِ مِنْهُ بِكَفِيلٍ (قَوْلُهُ: بِوَجْهٍ) كَبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ (قَوْلُهُ: دَفَعَ إلَيْهِ بِكَفِيلٍ) أَخَذَهُ الْكَفِيلُ هُنَا رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَتَخَيَّرُ فِي الدَّفْعِ إلَيْهِ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ. اهـ. قُلْت: يَنْبَغِي وُجُوبُ الدَّفْعِ فِي صُورَةِ إقْرَارِ الْعَبْدِ وَعَدَمُهُ فِي صُورَةُ ذِكْرِ الْعَلَامَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مَخَافَةَ جُعْلِهِ) أَيْ أَخْذِ جُعْلِهِ (قَوْلُهُ: بِذَلِكَ) أَيْ بِإِقَامَةٍ (قَوْلُهُ: فَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ) سَيَأْتِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَحْبِسُ الْآبِقَ تَعْزِيرًا. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة يَحْبِسُهُ إلَى أَنْ يَجِيءَ طَالِبُهُ، وَيَكُونُ هَذَا الْحَبْسُ بِطَرِيقِ التَّعْزِيرِ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الْحَبْسِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَجِئْ لَهُ طَالِبٌ وَطَالَ ذَلِكَ بَاعَهُ بَعْدَمَا حَبَسَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَى صَاحِبِهِ إذَا وَصَفَ حِلْيَتَهُ وَعَلَامَتَهُ اهـ وَجَوَازُ بَيْعِهِ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَجِّرُهُ خَوْفَ إبَاقِهِ كَمَا مَرَّ فِي اللُّقَطَةِ وَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلِمَ مَكَانَهُ) فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 (وَحَفِظَ ثَمَنَهُ لِصَاحِبِهِ وَ) أَمْسَكَ مِنْ ثَمَنِهِ مَا (أَنْفَقَ مِنْهُ، وَإِنْ جَاءَ) الْمَوْلَى (بَعْدَهُ وَبَرْهَنَ) أَوْ عَلِمَ (دَفَعَ بَاقِيَ الثَّمَنِ إلَيْهِ، وَلَا يَمْلِكُ) الْمَوْلَى (نَقْضَ بَيْعِهِ) أَيْ بَيْعِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ بِأَمْرِ الشَّرْعِ كَحُكْمِهِ لَا يُنْقَضُ. قُلْت: لَكِنْ رَأَيْت فِي مَعْرُوضَاتِ الْمَرْحُومِ أَبِي السُّعُودِ مُفْتِي الرُّومِ أَنَّهُ صَدَرَ أَمْرٌ سُلْطَانِيٌّ بِمَنْعِ الْقُضَاةِ عَنْ إعْطَاءِ الْإِذْنِ بِبَيْعِ عَبِيدِ الْعَسْكَرِيَّةِ. وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ عَبِيدِ السَّبَاهِيَةِ فَلَهُمْ أَخْذُهَا مِنْ مُشْتَرِيهَا وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ عَلَى الْبَائِعِ. وَأَمَّا عَبِيدُ الرَّعَايَا فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَإِلَّا فَلِلرَّعَايَا الثَّمَنُ وَبِذَلِكَ وَرَدَ الْأَمْرُ أَيْضًا انْتَهَى بِالْمَعْنَى فَلْيُحْفَظْ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ (وَلَوْ زَعَمَ) الْمَوْلَى (تَدْبِيرَهُ أَوْ كِتَابَتَهُ) أَوْ اسْتِيلَادَهَا (لَمْ يُصَدَّقْ فِي نَقْضِهِ) إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ وَلَدٌ مِنْهَا أَوْ يُبَرْهِنَ عَلَى ذَلِكَ نَهْرٌ. (وَاخْتُلِفَ فِي الضَّالِّ) قِيلَ أَخْذُهُ أَفْضَلُ، وَقِيلَ تَرْكُهُ؛ وَلَوْ عَرَفَ بَيْتَهُ فَإِيصَالُهُ إلَيْهِ أَوْلَى (أَبَقَ عَبْدٌ فَجَاءَ بِهِ رَجُلٌ وَقَالَ: لَمْ أَجِدْ مَعَهُ شَيْئًا) مِنْ الْمَالِ (صُدِّقَ) وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَلِمَنْ رَدَّهُ) خَبَرُ قَوْلِهِ الْآتِي أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا (إلَيْهِ مِنْ مُدَّةِ سَفَرٍ) فَأَكْثَرَ   [رد المحتار] يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا إذَا تَعَذَّرَ إيصَالُهُ إلَى مَالِكِهِ وَخِيفَ تَلَفُهُ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ مَالَ الْغَائِبِ لَا يُبَاعُ إذَا عُلِمَ مَكَانَ الْغَائِبِ لِإِمْكَانِ إيصَالِهِ. اهـ. نَهْرٌ. قُلْت: قَدْ يَكُونُ إيصَالُهُ إلَى مَالِكِهِ مُوجِبًا لِكَثْرَةِ النَّفَقَةِ فَيَتَضَرَّرُ مَالِكُهُ، وَقَدْ لَا يُمْكِنُ مَعَهُ أَخْذُ مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: وَأَمْسَكَ مِنْ ثَمَنِهِ مَا أَنْفَقَ مِنْهُ) الضَّمِيرُ فِي مِنْهُ لِلْقَاضِي، وَالْمُرَادُ مَا أَنْفَقَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ: أَيْ يُمْسِكُ قَدْرَ مَا أَنْفَقَ لِيَرُدَّهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَّمَ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ: أَيْ وَصَفَ عَلَامَتَهُ. وَفِي الْمِصْبَاحِ: عَلَّمْت لَهُ عَلَامَةً بِالتَّشْدِيدِ وَضَعْت لَهُ أَمَارَةً يَعْرِفُهَا (قَوْلُهُ: دَفَعَ بَاقِيَ الثَّمَنِ إلَيْهِ) نَقَلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِ الثَّمَنَ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَلَا يَكْتَفِي بِالْحِلْيَةِ. وَنَقَلَ عَنْ الْكَافِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِهَا. قُلْت: يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ الْأُولَى فِي وُجُوبِ الدَّفْعِ وَالثَّانِيَ فِي جَوَازِهِ (قَوْلُهُ: عَنْ إعْطَاءِ الْإِذْنِ) أَيْ لِوَاجِدِ الْآبِقِ (قَوْلُهُ: فَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِلَا إذْنِ الْقَاضِي، وَحَيْثُ كَانَ الْقَاضِي مَمْنُوعًا مِنْ إعْطَاءِ الْإِذْنِ لَا يَصِحُّ إذْنُهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ السُّلْطَانِ، وَلَكِنْ هَذَا الْمَنْعُ السُّلْطَانِيُّ لَا يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِ السُّلْطَانِ الْمَانِعِ عَلَى مَا أَفَادَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي فَتَاوَاهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ) أَيْ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ وَخُصُوصًا بَعْدَ وُرُودِ الْأَمْرِ لَهُ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي نَقْضِهِ) أَيْ لَمْ يُصَدَّقْ فِي زَعْمِهِ الْمَذْكُورِ فِي حَقِّ نَقْضِ الْبَيْعِ وَإِلَّا فَهُوَ مُؤَاخَذٌ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ وَلَدٌ مِنْهَا) أَيْ وَلَدٌ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ فَيَدَّعِي أَنَّهُ وَلَدُهُ مِنْهَا فَيُصَدَّقُ عَلَيْهِ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ. اهـ. كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ (قَوْلُهُ: أَوْ يُبَرْهِنُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى مَا زَعَمَهُ مِنْ التَّدْبِيرِ وَنَحْوِهِ. وَأَفَادَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُجَرَّدَ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ. وَبِهِ الدَّفْعُ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ اللُّقَطَةِ مِنْ أَنَّ عَدَمَ تَصْدِيقِهِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ: أَيْ الْمَالِكَ لَوْ بَاعَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ هُوَ مُدَبَّرٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ وَبَرْهَنَ قَبْلَ بُرْهَانِهِ؛ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ وَفُرُوعِهَا لَا يَمْنَعُ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: فَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُبَرْهِنْ اهـ وَبِهِ أَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي الضَّالِّ) الْأُولَى لِلْمُصَنِّفِ ذَكَرَ هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ وَيَنْدُبُ إنْ قَوِيَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي نَقْضِ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ: قِيلَ إلَخْ) وَعَلَيْهِ فَهُوَ مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْآبِقُ، وَيُخَالِفُهُ أَيْضًا فِي أَنَّهُ لَا جُعْلَ لِرَادِّهِ، وَأَنَّهُ لَا يُحْبَسُ، وَأَنَّهُ يُؤَجِّرُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَتِهِ كَاللُّقَطَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَرَفَ بَيْتَهُ إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَحَلَّ الِاخْتِلَاف مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْوَاجِدُ مَوْلَاهُ وَلَا مَكَانَهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: أَمَّا إذَا عَلِمَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ فِي أَفْضَلِيَّةِ أَخْذِهِ وَرَدِّهِ. (قَوْلُهُ: صُدِّقَ) أَيْ بِيَمِينِهِ كَافِيٌّ (قَوْلُهُ: مِنْ مُدَّةِ سَفَرٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي هَذِهِ الْمَسَافَةِ مَا بَيْنَ مَكَانِ الْأَخْذِ وَمَكَانِ سَيِّدِ الْعَبْدِ، سَوَاءٌ أَبَقَ مِنْ مَكَانِ سَيِّدِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 (وَهُوَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الرَّادَّ وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا لَكِنَّ الْجُعْلَ لِمَوْلَاهُ (مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ) قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا جُعْلَ لِسُلْطَانٍ وَشَحْنَةٍ وَخَفِيرٍ وَوَصِيِّ يَتِيمٍ وَعَائِلِهِ وَمَنْ اسْتَعَانَ بِهِ كَإِنْ وَجَدْته فَخُذْهُ فَقَالَ نَعَمْ أَوْ كَانَ فِي عِيَالِهِ وَابْنٍ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مُطْلَقًا زَيْلَعِيٌّ وَشَرِيكٍ وَنُتَفٌ   [رد المحتار] أَوْ غَيْرِهِ، كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُ الْهِدَايَةِ: وَمَنْ رَدَّ الْآبِقَ عَلَى مَوْلَاهُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَقَدْ اُعْتُبِرَ مَكَانُ الرَّدِّ وَمَكَانُ الْمَوْلَى، وَعَلَيْهِ فَلَوْ خَرَجَ فِي حَاجَةٍ لِمَوْلَاهُ مَسَافَةَ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَبَقَ مِنْهَا مَسَافَةَ يَوْمٍ فَأَخَذَهُ رَجُلٌ وَرَدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ فَلَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا اعْتِبَارًا لِمَكَانِ الْمَوْلَى وَالظَّاهِرُ أَيْضًا كَمَا أَفَادَهُ ط أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي مَكَانِ الْمَوْلَى الْمَكَانُ الَّذِي يَحْصُلُ فِيهِ الرَّدُّ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ لَحِقَهُ الْمَوْلَى وَقَدْ سَارَ يَوْمًا فَلَقِيَهُ الْوَاجِدُ بَعْدَمَا سَارَ يَوْمَيْنِ فَلَهُ جُعْلُ الْيَوْمَيْنِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا إلَخْ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ اسْمِ إنَّ وَخَبَرِهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ، وَدَخَلَ فِي هَذَا التَّعْمِيمِ مَا إذَا تَعَدَّدَ الرَّادُّ كَائِنَيْنِ، فَيَشْتَرِكَانِ فِي الْأَرْبَعِينَ إذَا رَدَّاهُ إلَى مَوْلَاهُ، وَمَا إذَا رَدَّاهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ كَمَا إذَا دَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ إلَى مَوْلَاهُ وَأَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْجُعْلَ، وَمَا إذَا اغْتَصَبَهُ مِنْهُ رَجُلٌ وَجَاءَ بِهِ إلَى مَوْلَاهُ وَأَخَذَ جُعْلَهُ ثُمَّ جَاءَ الْآخِذُ وَبَرْهَنَ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ فَلَهُ الْجُعْلُ وَيَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ (قَوْلُهُ: مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَعْمَلُ مُتَبَرِّعًا، بِخِلَافِ الْمُتَبَرِّعِ إمَّا لِوُجُوبِ ذَلِكَ الْعَمَلِ عَلَيْهِ كَالسُّلْطَانِ أَوْ أَحَدِ نُوَّابِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ يَحْفَظُ مَالَ سَيِّدِ الْعَبْدِ كَوَصِيِّ الْيَتِيمِ وَعَائِلِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ مِمَّنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِرَدِّهِ عَلَيْهِ تَبَرُّعًا، إمَّا لِاسْتِعَانَةٍ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ فِي عِيَالِهِ أَوْ لِزَوْجِيَّةٍ أَوْ بُنُوَّةٍ أَوْ شَرِكَةٍ (قَوْلُهُ: وَشَحْنَةٍ) هُوَ حَافِظُ الْمَدِينَةِ اهـ. ح (قَوْلُهُ: وَخَفِيرٍ) هُوَ بِمَعْنَى الْمُعَاهِدِ: أَيْ مَنْ يُعَاهِدُك عَلَى النُّصْرَةِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ يُنَصِّبُهُ الْحَاكِمُ فِي الطَّرِيقِ لِدَفْعِ الْقُطَّاعِ عَنْ الْمُسَافِرِينَ، ثُمَّ رَأَيْت نَقْلًا عَنْ الْحَمَوِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا الْحَارِسُ (قَوْلُهُ: وَعَائِلِهِ) أَيْ مَنْ يَعُولُ الْيَتِيمَ وَيُرَبِّيهِ فِي حِجْرِهِ بِلَا وِصَايَةٍ (قَوْلُهُ: فَقَالَ نَعَمْ) كَذَا شَرَطَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ قَدْ وَعَدَ لَهُ الْإِعَانَةَ بَحْرٌ. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ التَّبَرُّعُ بِالْعَمَلِ حَيْثُ لَمْ يَشْرُطْ عَلَيْهِ جُعْلًا. اهـ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ عَدَمَ شَرْطِ الْجُعْلِ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّبَرُّعِ وَإِلَّا لَزِمَ شَرْطُهُ فِي كُلِّ الْمَوَاضِعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَعَانَ بِهِ وَوَعَدَهُ الْإِعَانَةَ فَإِنَّ إجَابَتَهُ بِالْقَوْلِ لِمَا طَلَبَ دَلِيلُ التَّبَرُّعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ فِي عِيَالِهِ) عَطْفٌ عَنْ اسْتَعَانَ وَشَمِلَ أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ إذَا رَدَّ عَبْدَ الِابْنِ فَلَا جُعْلَ لَهُ إذَا كَانَ فِي عِيَالِ الِابْنِ كَحُكْمِ بَقِيَّةِ الْمَحَارِمِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا كِفَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمِعْرَاجِ وَالْفَتْحِ وَالْعِنَايَةِ، وَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَالنَّهْرِ، عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ، حَيْثُ سَوَّى بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ وَالِابْنِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ، إذَا كَانَ الرَّادُّ فِي عِيَالِ مَالِكِ الْغُلَامِ لَا جُعْلَ لَهُ، وَإِلَّا فَلَهُ الْجُعْلُ سَوَاءٌ كَانَ أَجْنَبِيًّا أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ إلَّا الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودَيْنِ (قَوْلُهُ: وَابْنٍ) عَطْفٌ عَلَى سُلْطَانٍ ح (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الِابْنُ فِي عِيَالِ الْأَبِ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي عِيَالِ الْآخَرِ أَوْ لَا. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْآبِقِ عَلَى الْمَوْلَى نَوْعُ خِدْمَةٍ لِلْمَوْلَى وَخِدْمَةُ الْأَبِ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَى الِابْنِ فَلَا تُقَابَلُ بِالْأُجْرَةِ وَكَذَا خِدْمَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: وَشَرِيكٍ) ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ يَكُونُ فِي حِصَّتِهِ وَحِصَّةِ شَرِيكِهِ بِلَا تَمْيِيزٍ فَلَا أَجْرَ لَهُ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ شَرِيكَهُ عَلَى حَمْلِ الْحَمْلِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا لَا يَسْتَحِقُّ أَجْرًا، وَمِنْهُ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ جَاءَ بِهِ وَارِثُ الْمَيِّتِ، إنْ أَخَذَهُ وَسَارَ بِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَسَلَّمَهُ فِي حَيَاةِ الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ وَإِنْ سَلَّمَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَيْسَ وَلَدَ الْمَوْلَى وَلَا فِي عِيَالِهِ وَكَانَ مَعَهُ وَارِثٌ آخَرُ. قَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ الْجُعْلُ فِي حِصَّةِ شُرَكَائِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا، وَقِيلَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ مُلَخَّصًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 وَوَهْبَانِيَّةٍ وَلْوَالِجِيَّةٌ، فَالْمُسْتَثْنَى أَحَدَ عَشَرَ (أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) فَبَطَلَ صُلْحُهُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا (وَلَوْ بِلَا بِشَرْطٍ) اسْتِحْسَانًا. وَلَوْ رَدَّ أَمَةً وَلَهَا وَلَدٌ يَعْقِلُ الْإِبَاقَ فَجُعْلَانِ نَهْرٌ بَحْثًا (وَإِنْ لَمْ يَعْدِلْهَا) عِنْدَ الثَّانِي لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ فَلِذَا عَوَّلَ عَلَيْهِ أَرْبَابُ الْمُتُونِ (إنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ) وَإِلَّا لَا شَيْءَ لَهُ   [رد المحتار] قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَ الْخِلَافِ أَنَّهُ إنْ نَظَرَ إلَى أَنَّ الْعَمَلَ الْمُوجِبَ لِلْجُعْلِ وَهُوَ سَيْرُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَصَلَ فِي حَيَاةِ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ الرَّادُّ شَرِيكًا وَجَبَ الْجُعْلُ، وَإِنْ نَظَرَ إلَى أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالتَّسْلِيمِ وَهُوَ لَمْ يَحْصُلْ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالِاشْتِرَاكِ لَمْ يَجِبْ الْجُعْلُ، وَيُؤَيِّدُ الثَّانِيَ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الْجُعْلِ فِي مَوْتِ مَوْلَى أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبِّرِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: ووَهْبَانِيَّةٌ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ. وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي عِدَّةِ نُسَخٍ وَرُهْبَانٌ، وَهَكَذَا رَأَيْته مَعْزِيًّا إلَى نُسْخَةِ الشَّارِحِ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الشَّارِحَ عَزَاهُ للولوالجية وَاَلَّذِي رَأَيْته فِيهَا وَرُهْبَانٌ وَشَحْنَةٌ، وَهَكَذَا رَأَيْته فِي التَّجْنِيسِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي عُرْفِهِمْ اسْمٌ لِنَوْعٍ مِمَّنْ يُرْهَبُ مِنْهُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَاتِ بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ مَعَ الشَّحْنَةِ، وَحِينَئِذٍ يَتِمُّ قَوْلُ الشَّارِحِ فَالْمُسْتَثْنَى أَحَدَ عَشَرَ، فَإِنَّ بِهِ يَتِمُّ الْعَدَدُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) بِوَزْنِ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ فَتْحٌ، وَإِنْ أَنْفَقَ أَضْعَافَهَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي كَافِي الْحَاكِمِ. أَمَّا لَوْ أَنْفَقَ بِأَمْرِهِ فَإِنَّ لَهُ الْأَرْبَعِينَ مَعَ جَمِيعِ مَا أَنْفَقَ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَرْبَعِينَ فَقَطْ إلَّا إذَا كَانَ إنْفَاقُهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي، وَبِهِ سَقَطَ اعْتِرَاضُهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَلَى شَارِحِ الْوَهْبَانِيَّةِ بِأَنَّ تَعْبِيرَهُ بِلَفْظِ غَيْرِ مِنْ سَبْقِ الْقَلَمِ (قَوْلُهُ: فَبَطَلَ صُلْحُهُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى مَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ كَمَا بَطَلَ صُلْحُ الْقَاتِلِ فِيمَا زَادَ عَلَى الدِّيَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَلَى الْأَقَلِّ؛ لِأَنَّهُ حَطٌّ مِنْهُ (قَوْلُهُ: اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ إلَّا بِالشَّرْطِ كَمَا إذَا رَدَّ بَهِيمَةً ضَالَّةً أَوْ عَبْدًا ضَالًّا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَجْمَعُوا عَلَى أَصْلِ الْجُعْلِ. وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ، فَأَوْجَبْنَا الْأَرْبَعِينَ فِي مُدَّةِ السَّفَرِ وَمَا دُونَهَا فِيمَا دُونَهُ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ رَدَّ أَمَةً إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ فِي كَافِي الْحَاكِمِ عَمَّمَ أَوَّلًا فِي وُجُوبِ الْجُعْلِ فِي رَدِّ الْآبِقِ فَقَالَ بَالِغًا أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ. ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا أَبَقَتْ الْأَمَةُ وَلَهَا صَبِيٌّ رَضِيعٌ فَرَدَّهَا رَجُلٌ كَانَ لَهُ جُعْلٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ كَانَ ابْنُهَا غُلَامًا قَدْ قَارَبَ الْحُلُمَ فَلَهُ الْجُعْلُ ثَمَانُونَ دِرْهَمًا اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُرَاهَقْ لَمْ يُعْتَبَرْ آبِقًا اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: أَوْ غَيْرُ بَالِغٍ هُوَ الْمُرَاهِقُ. وَوَفَّقَ فِي الْبَحْرِ بَيْنَ عِبَارَتَيْ الْكَافِي بِأَنَّ الْوَلَدَ إنْ كَانَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ اشْتَرَطَ كَوْنَهُ مُرَاهِقًا: أَيْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ لِوُجُوبِ جُعْلٍ آخَرَ لِرَدِّ الْوَلَدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدِهِمَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُرَاهِقًا، لَكِنْ يُشْتَرَطُ عَقْلُهُ لِقَوْلِ التَّتَارْخَانِيَّة: وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْجَوَابِ فِي الصَّغِيرِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْإِبَاقَ وَإِلَّا فَهُوَ ضَالٌّ لَا يَسْتَحِقُّ لَهُ الْجُعْلَ. اهـ. وَوَفَّقَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ قَوْلَهُ قَدْ قَارَبَ الْحُلُمَ غَيْرُ قَيْدٍ، لِقَوْلِ شَارِحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي يَجِبُ الْجُعْلُ بِرَدِّهِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ هُوَ الَّذِي يَعْقِلُ الْإِبَاقَ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُرَاهِقًا فِي وُجُوبِ الْجُعْلِ بِرَدِّهِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ وَحْدَهُ، بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَعْقِلَ الْإِبَاقَ، فَبَحْثُ النَّهْرِ إنَّمَا هُوَ تَقْيِيدُ الْوَلَدِ فِي مَسْأَلَةِ الْكَافِي بِكَوْنِهِ يَعْقِلُ الْإِبَاقَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ قَدْ قَارَبَ الْحُلُمَ (قَوْلُهُ: لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ) فَلَا يَحُطُّ مِنْهُ لِنُقْصَانِ الْقِيمَةِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ لَا يَحُطُّ مِنْهَا لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّأْسِ أَنْقَصَ مِنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَقْضِي بِقِيمَتِهِ إلَّا دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إحْيَاءُ مَالِ الْمَالِكِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُسَلَّمَ لَهُ شَيْءٌ تَحْقِيقًا لِلْفَائِدَةِ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ والإسبيجابي الْإِمَامُ مَعَ مُحَمَّدٍ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ بَحْرٌ. وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْمُتُونُ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا لَا يَخْفَى، فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ لِمُوَافَقَتِهِ لِلنَّصِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مِنَحٌ ط (قَوْلُهُ: إنْ أَشْهَدَ إلَخْ) شَرْطٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْجُعْلِ الْمَذْكُورِ، وَهَذَا عِنْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْإِشْهَادِ وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بَحْرٌ. وَفِي الْكَافِي: أَخَذَهُ رَجُلٌ فَاشْتَرَاهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 (وَ) لِرَادِّهِ (مِنْ أَقَلَّ مِنْهَا بِقِسْطِهِ، وَقِيلَ يَرْضَخُ لَهُ بِرَأْيِ الْحَاكِمِ) أَوْ يَقْدِرُ بِاصْطِلَاحِهِمَا (بِهِ يُفْتَى) تَتَارْخَانِيَّةٌ بَحْرٌ (وَلَوْ مِنْ الْمِصْرِ) فَيَرْضَخُ لَهُ أَوْ يُقَسِّطُهُ كَمَا مَرَّ (وَأُمُّ وَلَدٍ وَمُدَبَّرٍ) وَمَأْذُونٍ (كَقِنٍّ) فِي الْجُعْلِ. (وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ وُصُولِهِ) أَيْ الْآبِقِ (وَهُوَ مُدَبَّرٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ فَلَا جُعْلَ لَهُ) لِعِتْقِهِمَا بِمَوْتِهِ (وَإِنْ أَبَقَ مِنْهُ بَعْدَ إشْهَادِهِ) الْمُتَقَدِّمِ (لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ، حَتَّى لَوْ اسْتَعْمَلَ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ ثُمَّ إنَّهُ أَبَقَ ضَمِنَ ابْنُ مَلَكٍ عَنْ الْقُنْيَةِ. وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: لَوْ أَنْكَرَ الْمَوْلَى إبَاقَهُ قَبْلَ قَوْلِهِ بِيَمِينِهِ وَيَلْزَمُ مُرِيدَ الرَّدِّ قِيمَتُهُ مَا لَمْ يُبَيِّنْ إبَاقَهُ (وَضَمِنَ لَوْ) أَبَقَ أَوْ مَاتَ (قَبْلَهُ) مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ (وَلَا جُعْلَ لَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ) خِلَافًا لِلثَّانِي فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ عِنْدَهُ لَيْسَ شَرْطًا فِيهِ وَفِي اللُّقَطَةِ (وَلَا جُعْلَ بِرَدِّ مُكَاتَبٍ) لِحُرِّيَّتِهِ يَدًا. (وَجُعْلُ عَبْدِ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ لَوْ قِيمَتُهُ مُسَاوِيَةً لِلدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ، وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ دَيْنِهِ وَالْبَاقِي عَلَى الرَّاهِنِ) لِأَنَّ حَقَّهُ بِالْقَدْرِ الْمَضْمُونِ مِنْهُ. (وَجُعْلُ عَبْدٍ أَوْصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ) فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُ (فَإِذَا نُقِضَتْ) الْخِدْمَةُ (رَجَعَ صَاحِبُهَا عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ أَوْ بِيعَ الْعَبْدُ فِيهِ) أَيْ فِي الْجُعْلِ. (وَجُعْلُ مَأْذُونٍ مَدْيُونٍ عَلَى مَنْ يَسْتَقِرُّ لَهُ الْمِلْكُ) فَإِنْ بِيعَ بُدِئَ بِالْجُعْلِ وَالْبَاقِي لِلْغُرَمَاءِ (كَمَا يَجِبُ جُعْلُ) آبِقٍ جَنَى خَطَأً لَا فِي يَدِ الْآخِذِ   [رد المحتار] مِنْهُ رَجُلٌ وَجَاءَ بِهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ لِيَرُدَّهُ وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْمِيرَاثُ، وَإِنْ أَشْهَدَ حِينَ اشْتَرَاهُ أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهُ لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا بِالشِّرَاءِ فَلَهُ الْجُعْلُ اهـ وَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِالثَّمَنِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: بِقِسْطِهِ) أَيْ بِأَنْ تُقْسَمَ الْأَرْبَعُونَ عَلَى الْأَيَّامِ لِكُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَثُلُثٌ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: يَرْضَخُ لَهُ) يُقَالُ رَضَخَ لَهُ كَمَنَعَ وَضَرَبَ أَعْطَاهُ عَطَاءً غَيْرَ كَثِيرٍ قَامُوسٌ، وَاعْتِبَارُ رَأْيِ الْحَاكِمِ عِنْدَ عَدَمِ الِاصْطِلَاحِ عَلَى شَيْءٍ ط (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) أَيْ بِالرَّضْخِ بِرَأْيِ الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ الْمِصْرِ) تَعْمِيمٌ لِقَوْلِهِ وَمِنْ أَقَلَّ. وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: كَقِنٍّ فِي الْجُعْلِ) أَيْ فِي وُجُوبِهِ، وَهَذَا إذَا رُدَّ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي حَيَاةِ الْمَوْلَى كَمَا أَفَادَهُ مَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: لِعِتْقِهِمَا بِمَوْتِهِ) فَيَقَعُ رَدُّ حُرٍّ لَا مَمْلُوكٍ، وَهَذَا فِي أُمٍّ ظَاهِرٌ وَكَذَا فِي الْمُدَبَّرِ لَوْ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُعْتَقُ بِالْمَوْتِ اتِّفَاقًا، وَإِلَّا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَهُ يَصِيرُ كَالْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لِيُعْتَقَ، وَلَا جُعْلَ فِي رَدِّ الْمُكَاتَبِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَبَقَ مِنْهُ) وَكَذَا لَوْ مَاتَ فِي يَدِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنَّهُ أَبَقَ) أَيْ فِي حَالِ اسْتِعْمَالِهِ، أَمَّا لَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ وَعَزْمِهِ عَلَى أَنْ يَرُدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ فَيَنْبَغِي عَدَمُ الضَّمَانِ لِعَوْدِهِ إلَى الْوِفَاقِ ط (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ مَرِيدَ الرَّدِّ قِيمَتُهُ) أَيْ إذَا أَبَقَ مِنْهُ أَوْ مَاتَ فِي يَدِهِ، سَوَاءٌ أَشْهَدَ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ أَوْ لَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ عِنْدَ إنْكَارِ الْمَوْلَى إبَاقَهُ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُبَيِّنْ إبَاقَهُ) أَيْ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى إبَاقِهِ أَوْ عَلَى إقْرَارِ الْمَوْلَى بِهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِيمَا إذَا أَبَقَ مِنْهُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ أَوْ قَبْلَهُ. قَالَ فِي الْمِنَحِ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ إلَى مَوْلَاهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ صَارَ غَاصِبًا (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلثَّانِي فِي الثَّانِي) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَضَمِنَ لَوْ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ، وَالْأَوَّلُ ذَكَرَ الْخِلَافَ قَبْلَ قَوْلِهِ وَلَا جُعْلَ لَهُ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجُعْلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَإِنْ أَوْجَبَ الْجُعْلَ بِدُونِ إشْهَادٍ لَكِنْ لَا بُدَّ فِيهِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ، وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا أَبَقَ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الرَّدِّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: أَوْ بَيْعَ الْعَبْدُ فِيهِ) أَيْ إنْ لَمْ يَدْفَعْ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ الْجُعْلَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي يَبِيعُهُ هُوَ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ: عَلَى مَنْ يَسْتَقِرُّ لَهُ الْمِلْكُ) وَهُوَ الْمَوْلَى إنْ اخْتَارَ قَضَاءَ دَيْنِهِ أَوْ الْغُرَمَاءَ إنْ اخْتَارَ بَيْعَهُ فِي الدَّيْنِ فَيَجِبُ الْجُعْلُ فِي الثَّمَنِ، وَفِي كَلَامِهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَسْتَقِرَّ لَهُمْ فِيهِ بَلْ فِي ثَمَنِهِ وَإِنَّمَا اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: جَنَى خَطَأً) أَيْ قَبْلَ الْإِبَاقِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْأَخْذِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 عَلَى مَنْ سَيَصِيرُ لَهُ، وَ (مَغْصُوبُ عَلَى غَاصِبِهِ، وَمَوْهُوبٌ عَلَى مَوْهُوبٍ لَهُ وَإِنْ رَجَعَ الْوَاهِبُ) بَعْدَ الرَّدِّ لِأَنَّ زَوَالَ مِلْكِهِ بِالرُّجُوعِ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ وَهُوَ تَرْكُ التَّصَرُّفِ (وَ) جُعْلُ عَبْدٍ (صَبِيٍّ فِي مَالِهِ، وَ) الْآبِقُ (نَفَقَتُهُ كَنَفَقَةِ لُقَطَةٍ) كَمَا مَرَّ (وَلَهُ حَبْسُهُ لِدَيْنِ نَفَقَتِهِ، وَلَا يُؤَجِّرُهُ الْقَاضِي) خَشْيَةَ إبَاقِهِ ثَانِيًا (وَ) لَكِنْ (يَحْبِسُهُ تَعْزِيرًا) لَهُ، وَقِيلَ يُؤَجِّرُهُ لِلنَّفَقَةِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي (بِخِلَافِ) اللُّقَطَةِ وَ (الضَّالِّ) وَقَدَّرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة مُدَّةَ حَبْسِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَنَفَقَتُهُ فِيهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ بَعْدَهَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي كَمَا مَرَّ. [فَرْعٌ] أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْمُشْتَرِي رُفِعَ الْأَمْرُ لِلْقَاضِي لِيَفْسَخَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [كِتَابُ الْمَفْقُودِ] ِ (هُوَ) لُغَةً الْمَعْدُومُ. وَشَرْعًا (غَائِبٌ لَمْ يَدْرِ أَحَيٌّ هُوَ فَيُتَوَقَّعُ) قُدُومُهُ (أَمْ مَيِّتٌ أُودِعَ اللَّحْدَ الْبَلْقَعَ) أَيْ الْقَفْرَ   [رد المحتار] كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ لَا فِي يَدِ الْآخِذِ، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ جَنَى فِي يَدِ الْآخِذِ فَلَا جُعْلَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ كَمَا لَوْ قَتَلَ عَمْدًا ثُمَّ رَدَّهُ (قَوْلُهُ: عَلَى مَنْ سَيَصِيرُ لَهُ) وَهُوَ الْمَوْلَى إنْ اخْتَارَ فِدَاءَهُ، أَوْ الْأَوْلِيَاءُ إنْ اخْتَارَ دَفْعَهُ إلَيْهِمْ، فَلَوْ دَفَعَ الْمَوْلَى الْجُعْلَ ثُمَّ قَضَى عَلَيْهِ بِالدَّفْعِ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ بِالْجُعْلِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ ط (قَوْلُهُ: عَلَى غَاصِبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَحْيَاهُ لَهُ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِدَفْعِهِ، وَظَاهِرُهُ لُزُومُ الْجُعْلِ لَهُ وَلَوْ رَدَّهُ إلَى مَالِكِهِ وَيُحَرَّرُ ط (قَوْلُهُ: وَهُوَ تَرْكُ التَّصَرُّفِ) أَيْ تَصَرُّفِهِ بِمَا يَمْنَعُ رُجُوعَ الْوَاهِبِ فِي هِبَتِهِ. (قَوْلُهُ: عَبْدٍ صَبِيٍّ) بِالْإِضَافَةِ: أَيْ جُعْلُ عَبْدِ الصَّبِيِّ فِي مَالِ الصَّبِيِّ (قَوْلُهُ: كَنَفَقَةِ لُقَطَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ لُقَطَةٌ حَقِيقِيَّةٌ فَإِذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْآخِذُ بِلَا أَمْرِ الْقَاضِي كَانَ مُتَبَرِّعًا، وَبِإِذْنِهِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِشَرْطِ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ عَلَى الْأَصَحِّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَهُ حَبْسُهُ لِدَيْنِ نَفَقَتِهِ) فَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَجِئْ صَاحِبُهُ بَاعَهُ الْقَاضِي وَحَفِظَ ثَمَنَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ بَحْرٌ. قُلْت: وَلَهُ حَبْسُهُ أَيْضًا لِلْجُعْلِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَلِمَنْ جَاءَ بِالْآبِقِ أَنْ يُمْسِكَهُ حَتَّى يَأْخُذَ الْجُعْلَ، فَإِنْ مَاتَ فِي يَدِهِ بَعْدَمَا قَضَى لَهُ الْقَاضِي بِإِمْسَاكِهِ بِالْجُعْلِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا جُعْلَ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَا إلَى الْقَاضِي (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُؤَجِّرُهُ لِلنَّفَقَةِ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي اللُّقَطَةِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ وَالضَّالِّ) فَإِنَّ الدَّابَّةَ اللُّقَطَةَ تُؤَجَّرُ لِيُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ أُجْرَتِهَا الضَّالُّ لَا يُحْبَسُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُؤَجِّرُهُ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ بَعْدَهَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي) أَيْ وَيَرُدُّ لِبَيْتِ الْمَالِ مَا أَنْفَقَهُ مِنْهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ ح، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ] كِتَابُ الْمَفْقُودِ مُنَاسَبَتُهُ لِلْآبِقِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فَقَدَهُ أَهْلُهُ وَهُمْ فِي طَلَبِهِ، وَأُخِّرَ عَنْهُ لِقِلَّةِ وُجُودِهِ (قَوْلُهُ: هُوَ غَائِبٌ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ قَوْلَ الْكَنْزِ هُوَ غَائِبٌ لَمْ يُدْرَ مَوْضِعُهُ مَعْنَاهُ لَمْ تُدْرَ حَيَاتُهُ وَلَا مَوْتُهُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَالْمَدَارُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْجَهْلِ بِحَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ لَا عَلَى الْجَهْلِ بِمَكَانِهِ، فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا مِنْهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ الْمُسْلِمَ الَّذِي أَسَرَهُ الْعَدُوُّ وَلَا يُدْرَى أَحَيٌّ أَمْ مَيِّتٌ مَعَ أَنَّ مَكَانَهُ مَعْلُومٌ وَهُوَ دَارُ الْحَرْبِ، فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عُرِفَ أَنَّهُ فِي بَلْدَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَا اهـ لَكِنَّ فِي الْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ: هُوَ غَائِبٌ لَا يُدْرَى مَكَانُهُ وَلَا حَيَاتُهُ وَلَا مَوْتُهُ، قِيلَ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي اشْتِرَاطِ جَهْلِ الْمَكَانِ فَيَكُونُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ عِلْمَ الْمَكَانِ يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ بِالْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ غَالِبًا وَعَدَمَهُ عَدَمَهُ، فَالْعَطْفُ لِلتَّفْسِيرِ، وَلَوْ عُلِمَ مَكَانُهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مَعَ تَحَقُّقِ الْجَهْلِ بِحَالِهِ وَعَدَمِ إمْكَانِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ مَفْقُودٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: فَيُتَوَقَّعُ قُدُومُهُ) أَيْ يُطْلَبُ أَوْ يُنْتَظَرُ وُقُوعُهُ، وَقَوْلُهُ قُدُومُهُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ الضَّمِيرِ فِي يُتَوَقَّعُ الْعَائِدُ إلَى قَوْلِهِ غَائِبٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 جَمْعُهُ بَلَاقِعُ، فَدَخَلَ الْأَسِيرُ وَمُرْتَدٌّ لَمْ يُدْرَ أُلْحِقَ أَوْ لَا؟ (وَهُوَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَيٌّ) بِالِاسْتِصْحَابِ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهِ (فَلَا يَنْكِحُ عُرْسَهُ غَيْرُهُ وَلَا يَقْسِمُ مَالَهُ) قُلْت: وَفِي مَعْرُوضَاتِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَمِينِ بَيْتِ الْمَالِ نَزْعُهُ مِنْ يَدِ مَنْ بِيَدِهِ مِمَّنْ أَمَّنَهُ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَهَابِهِ لِمَا سَيَجِيءُ مَعْزِيًّا لِخِزَانَةِ الْمُفْتِينَ (وَلَا تُفْسَخُ إجَارَتُهُ) (وَنَصَّبَ الْقَاضِي مَنْ) أَيْ وَكِيلًا (يَأْخُذُ حَقَّهُ) كَغَلَّاتِهِ وَدُيُونِهِ الْمُقَرِّ بِهَا (وَيَحْفَظُ مَالَهُ وَيَقُومُ عَلَيْهِ) عِنْدَ الْحَاجَةِ، فَلَوْ لَهُ وَكِيلٌ فَلَهُ حِفْظُ مَالِهِ لَا تَعْمِيرُ دَارِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ لَعَلَّهُ مَاتَ، وَلَا يَكُونُ وَصِيًّا تَجْنِيسٌ (لَكِنَّهُ) أَيْ هَذَا الْوَكِيلَ الْمَنْصُوبَ (لَيْسَ بِخَصْمٍ فِيمَا يُدَّعَى عَلَى الْمَفْقُودِ مِنْ دَيْنٍ الْوَدِيعَةٍ وَشَرِكَةٍ فِي عَقَارٍ   [رد المحتار] لَا نَائِبَ فَاعِلٍ؛ لِأَنَّ حَذْفَهُ لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ: وَمُرْتَدٌّ لَمْ يُدْرَ أَلْحَقَ أَمْ لَا) أَيْ فَإِنَّهُ يُوقَفُ مِيرَاثُهُ كَمَا يُوقَفُ مِيرَاثُ الْمُسْلِمِ كَافِي الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا جُهِلَ لِحَاقُهُ لَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عُلِمَ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِهِ وَيَكُونُ مَوْتًا حُكْمًا فَيُقْسَمُ مِيرَاثُهُ عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَيٌّ) مُقَابِلُهُ قَوْلُهُ الْآتِي وَمَيِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَيًّا فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَضُرُّهُ وَهِيَ الْمُتَوَقِّفَةُ عَلَى ثُبُوتِ مَوْتِهِ وَيُعْتَبَرُ مَيِّتًا فِيمَا يَنْفَعُهُ وَيَضُرُّ غَيْرَهُ، وَهُوَ مَا يُتَوَقَّفُ عَلَى حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ حَيٌّ وَأَنَّهُ إلَى الْآنَ كَذَلِكَ اسْتِصْحَابًا لِلْحَالِ السَّابِقِ وَالِاسْتِصْحَابُ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ تَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلْإِثْبَاتِ: أَيْ تَصْلُحُ لِدَفْعِ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ لَا لِإِثْبَاتِهِ (قَوْلُهُ: نَزَعَهُ) أَيْ نَزَعَ مَالِ الْمَفْقُودِ (قَوْلُهُ لِمَا سَيَجِيءُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ مَا هُنَا أَوْدَعَهُ بِنَفْسِهِ وَمَا يَجِيءُ فِي مَالِ مُوَرِّثِهِ ط. قُلْت: لَكِنْ يَأْتِي قَرِيبًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ وَكِيلٌ لَهُ حِفْظُ مَالِهِ: أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِفَقْدِ الْمُوَكِّلِ كَمَا يَأْتِي، لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ الْمُؤَيَّدِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ أَخَذَ الْقَاضِي وَدِيعَةَ الْمَفْقُودِ مِمَّنْ هِيَ بِيَدِهِ وَوَضَعَهَا عِنْدَ ثِقَةٍ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ وَهَذَا يُخَالِفُ مَا فِي الْمَعْرُوضَاتِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا فِيهَا هُوَ فِي حَقِّ أَمِينِ بَيْتِ الْمَالِ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمَفْقُودُ لَا وَارِثَ لَهُ إلَّا بَيْتَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ حَقِيقَةً لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَأَمِينُ بَيْتِ الْمَالِ بِالْأَوْلَى، وَمَا نَقَلْنَاهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَاضِي الَّذِي لَهُ وِلَايَةُ حِفْظِ مَالِ الْغَائِبِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ، بِأَنْ كَانَ مَنْ الْمَالُ بِيَدِهِ غَيْرَ ثِقَةٍ وَإِلَّا فَهُوَ عَبَثٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَا تُفْسَخُ إجَارَتُهُ) ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ تُفْسَخُ بِمَوْتِ الْمُؤَجِّرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ لَكِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مَوْتُهُ. (قَوْلُهُ: الْمَقَرِّ بِهَا) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ: أَيْ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا غُرَمَاؤُهُ، قَيَّدَ بِهِ لِمَا فِي النَّهْرِ: وَيُخَاصِمُ فِي دَيْنٍ وَجَبَ بِعَقْدِهِ بِلَا خِلَافٍ، لَا فِيمَا وَجَبَ بِعَقْدِ الْمَفْقُودِ، وَلَا فِي نَصِيبٍ لَهُ فِي عَقَارٍ أَوْ عَرَضٍ فِي يَدِ رَجُلٍ، وَلَا فِي حَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ إذَا جَحَدَهُ مَنْ هُوَ عِنْدَهُ أَوْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ بِلَا خِلَافٍ (قَوْلُهُ: وَيَقُومُ عَلَيْهِ) أَعَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الْحِفْظَ وَغَيْرَهُ كَحَصَادٍ وَدِيَاسٍ مَثَلًا (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَنَصَّبَ الْقَاضِي، وَهَذَا بَحْثٌ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ، أَصْلُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يُنَصَّبُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَكِيلٌ فِي الْحِفْظِ أَقَامَهُ الْغَائِبُ قَبْلَ فَقْدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِفَقْدِهِ، لِمَا فِي التَّجْنِيسِ: جَعَلَ دَارِهِ بِيَدِ رَجُلٍ لِيَعْمُرَهَا أَوْ دَفَعَ مَالَهُ لِيَحْفَظَهُ وَفُقِدَ الدَّافِعُ فَلَهُ الْحِفْظُ لَا التَّعْمِيرُ إلَّا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ لَعَلَّهُ مَاتَ وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ وَصِيًّا. اهـ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَيْ وَكِيلَ الْمَفْقُودِ لَا يَمْلِكُ قَبْضَ دُيُونِهِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا غُرَمَاؤُهُ وَلَا غَلَّاتِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَحْتَاجُ إلَى النَّصْبِ، وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي إطْلَاقِهِمْ نَصْبَ الْوَكِيلِ. اهـ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الْبَحْرِ أَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يُنَصِّبُ لَهُ مَنْ يَأْخُذُ حَقَّهُ وَيَحْفَظُ مَالَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَكِيلٌ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ وَكِيلَهُ لَا يَنْعَزِلُ بِفَقْدِهِ؛ وَقَوْلُ النَّهْرِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَبْضَ دُيُونِهِ إلَخْ غَيْرُ مُسَلَّمٍ إلَّا بِنَقْلٍ صَرِيحٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْعَزِلْ وَقَدْ وَكَّلَهُ بِذَلِكَ فَمَا الْمَانِعُ لَهُ مِنْهُ؟ فَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَمْ يُعَوِّلْ الشَّارِحُ عَلَى كَلَامِهِ (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِخَصْمٍ فِيمَا يُدَّعَى عَلَى الْمَفْقُودِ) وَلَا فِيمَا يُدَّعَى لَهُ كَمَا عَلِمْته. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَكَذَا لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 أَوْ رَقِيقٍ وَنَحْوِهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي، وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ بِلَا خِلَافٍ؛ وَلَوْ قَضَى بِخُصُومَتِهِ لَمْ يَنْفُذْ زَادَ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْقَضَاءِ وَتَبِعَهُ الْكَمَالُ إلَّا بِتَنْفِيذِ قَاضٍ آخَرَ، لَكِنَّ فِي الْخُلَاصَةِ: الْفَتْوَى عَلَى النَّفَاذِ يَعْنِي لَوْ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا نَهْرٌ (وَلَا يَبِيعُ) الْقَاضِي (مَا لَا يَخَافُ فَسَادُهُ فِي نَفَقَةٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا، بِخِلَافِ مَا يُخَافُ فَسَادُهُ) فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ الْقَاضِي وَيَحْفَظُ ثَمَنَهُ.   [رد المحتار] ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ أَحَدُهُمَا مَفْقُودٌ فَزَعَمَ وَرَثَةُ الْمَفْقُودِ أَنَّهُ حَيٌّ وَلَهُ الْمِيرَاثُ وَالِابْنُ الْآخَرُ يَزْعُمُ مَوْتَهُ لَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ وَرَثَةَ الْمَفْقُودِ اعْتَرَفُوا أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي التَّرِكَةِ فَكَيْفَ يُخَاصِمُونَ عَمَّهُمْ اهـ؛ لِأَنَّ اعْتِرَافَهُمْ بِحَيَاتِهِ اعْتِرَافٌ بِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ مَا ذَكَرَ مِنْ رَدٍّ بِعَيْبٍ أَوْ مُطَالَبَةٍ لِاسْتِحْقَاقٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: بِلَا خِلَافٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَضَمُّنِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ الْمَعْرُوفُ بَيْنَهُمْ فِيمَنْ وَكَّلَهُ الْمَالِكُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ هَلْ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ أَمْ لَا؟ فَعِنْدَهُ يَمْلِكُهَا وَعِنْدَهُمَا لَا. اهـ. ح عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. مَطْلَبٌ: قَضَاءُ الْقَاضِي ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (قَوْلُهُ: لَمْ يَنْفُذْ) اعْلَمْ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَرِدُ بِكُلِّ حَالٍ، وَهُوَ مَا خَالَفَ النَّصَّ أَوْ الْإِجْمَاعَ. وَقِسْمٌ يَمْضِي بِكُلِّ حَالٍ، حَتَّى لَوْ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَرَاهُ نَفَّذَهُ وَأَمْضَاهُ وَلَا يُبْطِلُهُ، وَهُوَ مَا يَكُونُ الْخِلَافُ فِيهِ لَا فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ بَلْ فِي سَبَبِهِ. وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا لَوْ قَضَى شَافِعِيٌّ بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِينَ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَوْ قَضَى لِامْرَأَةٍ بِشَهَادَةِ زَوْجِهَا وَأَجْنَبِيٍّ نَفَذَ؛ وَلَوْ رُفِعَ إلَى حَنَفِيٍّ لَزِمَهُ تَنْفِيذُهُ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي سَبَبِ الْقَضَاءِ، وَهُوَ أَنَّ شَهَادَةَ هَؤُلَاءِ هَلْ تَصِيرُ حُجَّةً لِلْحُكْمِ أَمْ لَا، أَمَّا نَفْسُ الْحُكْمِ فَلَا اخْتِلَافَ فِيهِ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: الْحُكْمُ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ، وَهُوَ مَا يَقَعُ الْخِلَافُ فِيهِ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ؛ فَقِيلَ يَنْفُذُ أَيْضًا، وَقِيلَ لَا يَنْفُذُ إلَّا إذَا نَفَّذَهُ قَاضٍ آخَرُ، فَإِذَا نَفَّذَهُ الثَّانِي نَفَذَ، حَتَّى لَوْ رُفِعَ إلَى ثَالِثٍ أَمْضَاهُ وَإِذَا أَبْطَلَهُ الثَّانِي فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُجِيزَهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَبَعْضُهُمْ صَحَّحَ الْأَوَّلَ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ قَضَى لِوَلَدِهِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ أَوْ لِامْرَأَتِهِ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ قَضَى عَلَى الْغَائِبِ، فَقِيلَ هُوَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فَلَا يَنْفُذُ إلَّا بِتَنْفِيذِ قَاضٍ آخَرَ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالْكَمَالِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ. وَقِيلَ هُوَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي فَيَنْفُذُ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى تَنْفِيذِ قَاضٍ آخَرَ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ لَا فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ بَلْ فِي سَبَبِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ هَلْ تَكُونُ حُجَّةً مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ أَوْ لَا؟ (قَوْلُهُ: يَعْنِي لَوْ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ مُقَلِّدًا الْمُجْتَهِدَ، وَهَذَا تَرْجِيحٌ لِمَا حَقَّقَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي نَفَاذِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، مَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَ مَذْهَبُ الْقَاضِي صِحَّةَ هَذَا الْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ وَسَيَأْتِي فِي الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْقِيقُ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَبِيعُ الْقَاضِي مَا لَا يُخَافُ فَسَادُهُ) مَنْقُولًا كَانَ أَوْ عَقَارًا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ إلَّا فِي الْحِفْظِ، وَفِي الْبَيْعِ تَرْكُ حِفْظِ الصُّورَةِ بِلَا مُلْجِئٍ، وَمَا يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ كَالثِّمَارِ وَنَحْوِهَا يَبِيعُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ حِفْظُ صُورَتِهِ وَمَعْنَاهُ فَيَنْظُرُ لِلْغَائِبِ بِحِفْظِ مَعْنَاهُ اهـ مِنْ الْهِدَايَةِ وَالْفَتْحِ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَشَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: لِلْقَاضِي بَيْعُ مَالِ الْمَفْقُودِ وَالْأَسِيرِ مِنْ الْمَتَاعِ وَالرَّقِيقِ وَالْعَقَارِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ الْفَسَادُ، وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهَا لِنَفَقَةِ عِيَالِهِمَا، وَإِنْ بَاعَهَا لِخَوْفِ الضَّيَاعِ فَصَارَتْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ يُعْطِي النَّفَقَةَ مِنْهَا بِطَرِيقَةٍ. اهـ. وَفِيهِ شَرَاهُ فَغَابَ قَبْلَ قَبْضِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً وَلَا يُدْرَى أَيْنَ هُوَ جَازَ لِلْقَاضِي بَيْعُ الْمَبِيعِ وَإِيفَاءُ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 قُلْت: لَكِنَّ فِي مَعْرُوضَاتِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ أَنَّ الْقُضَاةَ وَأُمَنَاءَ بَيْتِ الْمَالِ فِي زَمَنِنَا مَأْمُورُونَ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يُخَفْ فَسَادُهُ فَإِنْ ظَهَرَ حَيًّا فَلَهُ الثَّمَنُ لِأَنَّ الْقُضَاةَ غَيْرُ مَأْمُورِينَ بِفَسْخِهِ، نَعَمْ إذَا بِيعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَلَهُ فَسْخُهُ اهـ فَلْيُحْفَظْ. (وَيُنْفِقُ عَلَى عُرْسِهِ وَقَرِيبِهِ وِلَادًا) وَهُمْ أُصُولُهُ وَفُرُوعُهُ (وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَلَوْ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعِ سِنِينَ) خِلَافًا لِمَالِكٍ   [رد المحتار] لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مَنْقُولًا لَا لَوْ عَقَارًا. وَعَلَى هَذَا لَوْ رَهَنَ الْمَدْيُونُ وَغَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فَرَفَعَ الْمُرْتَهِنُ الْأَمْرَ لِلْقَاضِي لِيَبِيعَ الرَّهْنَ بِدَيْنِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. اهـ. قُلْت: وَمَسْأَلَةُ بَيْعِ الْمَبِيعِ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْبُيُوعِ، وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ هُنَاكَ أَنَّهُ لَوْ غَابَ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ لَيْسَ لِلْقَاضِي بَيْعُهُ، وَمَسْأَلَةُ بَيْعِ الرَّهْنِ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ، وَمُقْتَضَى قِيَاسِ هَذِهِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى تَخْصِيصُ الرَّهْنِ بِكَوْنِهِ مَنْقُولًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مَأْمُورُونَ بِالْبَيْعِ) أَيْ أَمَرَهُمْ السُّلْطَانُ بِذَلِكَ. أَقُولُ: كَيْفَ يُتَّجَهُ هَذَا الْأَمْرُ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِمَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ كَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَكَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ إذْنٌ لِلْقُضَاةِ بِالْحُكْمِ عَلَى مَذْهَبِ الْغَيْرِ، لَكِنْ فِي حُكْمِ الْقَاضِي بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ كَلَامٌ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ، عَلَى أَنَّ أَمْرَ قُضَاةِ زَمَانِهِ لَا يَسْرِي عَلَى غَيْرِهِمْ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْخَيْرِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَيُنْفِقُ) أَيْ الْوَكِيلُ الْمَنْصُوبُ نَهْرٌ: أَيْ يُنْفِقُ مِنْ مَالِ الْمَفْقُودِ الْحَاصِلِ فِي بَيْتِهِ وَالْوَاصِلِ مِنْ ثَمَنِ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَمِنْ مَالٍ مَوْدُوعٍ عِنْدَ مُقِرٍّ وَدَيْنٍ عَلَى مُقِرٍّ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وِلَادًا) نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَهُمْ أُصُولُهُ وَفُرُوعُهُ) أَعَادَ الضَّمِيرَ بِالْجَمْعِ عَلَى الْقَرِيبِ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْأَكْثَرِ، وَالْمُرَادُ الْأُصُولُ وَإِنْ عَلَوْا وَالْفُرُوعُ وَإِنْ سَفَلُوا وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْفَقْرُ فِي الْأُصُولِ اسْتِغْنَاءً بِمَا مَرَّ فِي النَّفَقَاتِ؛ وَإِنَّمَا يُنْفَقُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ لَهُمْ وَلَا يُتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ فَكَانَ إعَانَةً لَهُمْ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْوِلَادِ مِنْ الْأَخِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ وُجُوبَهَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، فَكَانَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ مُقَيَّدٌ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالتِّبْرِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَطْعُومِ وَالْمَلْبُوسِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي مَالِهِ اُحْتِيجَ إلَى الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ وَهِيَ النَّقْدَانِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْأَبِ فَإِنَّ لَهُ بَيْعَ الْعَرْضِ لِنَفَقَتِهِ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ فِي النَّفَقَاتِ أَنَّ لِهَؤُلَاءِ أَخْذَ النَّفَقَةِ مِنْ مُودَعِهِ وَمَدْيُونِهِ الْمُقِرَّيْنِ بِالنِّكَاحِ وَالنَّسَبِ إذَا لَمْ يَكُونَا ظَاهِرَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي، فَإِنْ ظَهَرَا لَمْ يُشْتَرَطْ أَوْ أَحَدُهُمَا اُشْتُرِطَ الْإِقْرَارُ بِمَا خَفِيَ هُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْوَدِيعَةَ وَالدَّيْنَ لَمْ يَنْتَصِبْ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ خَصْمًا فِيهِ وَالْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا مَرَّتْ نَهْرٌ: أَيْ مَرَّتْ فِي النَّفَقَاتِ. مَطْلَبٌ فِي الْإِفْتَاءِ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ فِي زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَالِكٍ) فَإِنَّ عِنْدَهُ تَعْتَدُّ زَوْجَةُ الْمَفْقُودِ عِدَّةَ الْوَفَاةِ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعِ سِنِينَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْقَدِيمُ وَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَمَذْهَبُهُمَا كَمَذْهَبِنَا فِي التَّقْدِيرِ بِتِسْعِينَ سَنَةً، أَوْ الرُّجُوعِ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ إنْ كَانَ يَغْلِبُ عَلَى حَالِهِ الْهَلَاكُ كَمَنْ فُقِدَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ أَوْ فِي مَرْكَبٍ قَدْ انْكَسَرَ أَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ قَرِيبَةٍ فَلَمْ يَرْجِعْ وَلَمْ يُعْلَمْ خَبَرُهُ فَهَذَا بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ يُقْسَمُ مَالُهُ وَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ كَالْمُسَافِرِ لِتِجَارَةٍ أَوْ لِسِيَاحَةٍ فَإِنَّهُ يُفَوَّضُ لِلْحَاكِمِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَفِي أُخْرَى يُقَدَّرُ بِتِسْعِينَ مِنْ مَوْلِدِهِ كَمَا فِي شَرْحِ ابْنِ الشِّحْنَةِ، لَكِنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى النَّاظِمِ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلْحَنَفِيِّ إلَى ذَلِكَ أَيْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ مَذْهَبِنَا فَحَذْفُهُ أَوْلَى. وَقَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: لَيْسَ بِأَوْلَى، لِقَوْلِ الْقُهُسْتَانِيِّ: لَوْ أَفْتَى بِهِ فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى مَا أَظُنُّ اهـ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 (وَمَيِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَا يَرِثُ مِنْ غَيْرِهِ) حَتَّى لَوْ مَاتَ رَجُلٌ عَنْ بِنْتَيْنِ وَابْنٍ مَفْقُودٍ وَلِلْمَفْقُودِ بِنْتَانِ وَأَبْنَاءٌ وَالتَّرِكَةُ فِي يَدِ الْبِنْتَيْنِ وَالْكُلُّ مُقِرُّونَ بِفَقْدِ الِابْنِ وَاخْتَصَمُوا لِلْقَاضِي لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحَرِّكَ الْمَالَ عَنْ مَوْضِعِهِ: أَيْ لَا يَنْزِعُهُ مِنْ يَدِ الْبِنْتَيْنِ خِزَانَةُ الْمُفْتِينَ (وَلَا يَسْتَحِقُّ مَا أَوْصَى لَهُ إذَا مَاتَ الْمُوصِي بَلْ يُوقَفُ قِسْطُهُ إلَى مَوْتِ أَقْرَانِهِ فِي بَلَدِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ الْغَالِبُ،   [رد المحتار] قُلْت: وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِدَّةُ مُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ الَّتِي بَلَغَتْ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ امْتَدَّ طُهْرُهَا فَإِنَّهَا تَبْقَى فِي الْعِدَّةِ إلَى أَنْ تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ. وَعِنْدَ مَالِكٍ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ. وَقَدْ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ. وَقَالَ الزَّاهِدِيُّ كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُفْتُونَ بِهِ لِلضَّرُورَةِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ لَا دَاعِيَ إلَى الْإِفْتَاءِ بِمَذْهَبِ الْغَيْرِ لِإِمْكَانِ التَّرَافُعِ إلَى مَالِكِيٍّ يَحْكُمُ بِمَذْهَبِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ مَشَى ابْنُ وَهْبَانَ فِي مَنْظُومَتِهِ هُنَاكَ، لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ مَالِكِيٌّ يَحْكُمُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَمَيِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَيٌّ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَلِلْمَفْقُودِ بِنْتَانِ وَأَبْنَاءٌ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالْمَدِّ جَمْعُ ابْنٍ، إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُفْرَدًا مَنْصُوبًا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَابْنَانِ بِصِيغَةِ الْمُثَنَّى، وَفِي بَعْضِهَا وَابْنٌ بِصِيغَةِ الْمُفْرَدِ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ: وَالتَّرِكَةُ فِي يَدِ الْبِنْتَيْنِ) أَيْ بِنْتَيْ الرَّجُلِ الْمَيِّتِ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سِتَّ صُوَرٍ وَالْمَذْكُورُ هُنَا صُورَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهَا. وَحَاصِلُ الصُّوَرِ أَنَّ الْمَالَ، إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ فِي يَدِ الْبِنْتَيْنِ أَوْ فِي يَدِ أَوْلَادِ الِابْنِ، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى الْفَقْدِ أَوْ يُنْكِرَهُ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ وَيَدَّعِي أَنَّهُ مَاتَ، وَأَحْكَامُ الْكُلِّ مُبَيَّنَةٌ فِي الْفَتْحِ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت (قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَنْزِعُهُ مِنْ يَدِ الْبِنْتَيْنِ) بَلْ يَقْضِي لَهُمَا بِالنِّصْفِ مِيرَاثًا وَيُوقَفُ النِّصْفُ فِي أَيْدِيهِمَا عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ، فَإِنْ ظَهَرَ الْمَفْقُودُ حَيًّا دُفِعَ إلَيْهِ، وَإِنْ ظَهَرَ مَيِّتًا أُعْطِيَ الْبِنْتَانِ سُدُسَ كُلِّ الْمَالِ مِنْ ذَلِكَ النِّصْفِ وَالثُّلُثُ الْبَاقِي لِأَوْلَادِ الِابْنِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَسْتَحِقُّ إلَخْ) أَيْ لَا يُحْكَمُ بِاسْتِحْقَاقِهِ لِلْوَصِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلَا بِعَدَمِهِ، بَلْ يُوقَفُ إلَى ظُهُورِ الْحَالِ، فَإِنْ ظَهَرَ إلَى آخِرِ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: إلَى مَوْتِ أَقْرَانِهِ) هَذَا لَيْسَ خَاصًّا بِالْوَصِيَّةِ بَلْ هُوَ حُكْمُهُ الْعَامُّ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ مِنْ قِسْمَةِ مِيرَاثِهِ وَبَيْنُونَةِ زَوْجَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فِي بَلَدِهِ) هُوَ الْأَصَحُّ بَحْرٌ، وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ مَوْتُ أَقْرَانِهِ مِنْ جَمِيعِ الْبِلَادِ فَإِنَّ الْأَعْمَارَ قَدْ تَخْتَلِفُ طُولًا وَقِصَرًا بِحَسَبِ الْأَقْطَارِ بِحَسَبِ إجْرَائِهِ سُبْحَانَهُ الْعَادَةَ، وَلِذَا قَالُوا: الصَّقَالِبَةُ أَطْوَلُ أَعْمَارًا مِنْ الرُّومِ، لَكِنْ فِي تَعَرُّفِ مَوْتِ أَقْرَانِهِ مِنْ الْبِلَادِ حَرَجٌ عَظِيمٌ، بِخِلَافِهِ مِنْ بَلَدِهِ فَإِنَّمَا فِيهِ نَوْعُ حَرَجٍ مُحْتَمَلٍ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ) وَقِيلَ يُقَدَّرُ بِتِسْعِينَ سَنَةً بِتَقْدِيمِ التَّاءِ مِنْ حِينِ وِلَادَتِهِ وَاخْتَارَهُ فِي الْكَنْزِ، وَهُوَ الْأَرْفَقُ هِدَايَةٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ذَخِيرَةٌ، وَقِيلَ بِمِائَةٍ، وَقِيلَ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَاخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ سِتِّينَ سَنَةً وَاخْتَارَ ابْنُ الْهُمَامِ سَبْعِينَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ» فَكَانَتْ الْمُنْتَهَى غَالِبًا. وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّهُ حَكَاهُ فِي الْيَنَابِيعِ عَنْ بَعْضِهِمْ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْعَجَبُ كَيْفَ يَخْتَارُونَ خِلَافَ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ مَعَ أَنَّهُ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ عَلَى مُقَلِّدِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ التَّفَحُّصَ عَنْ مَوْتِ الْأَقْرَانِ غَيْرُ مُمْكِنٍ أَوْ فِيهِ حَرَجٌ، فَعَنْ هَذَا اخْتَارُوا تَقْدِيرَهُ بِالسِّنِّ. اهـ. قُلْت: وَقَدْ يُقَالُ: لَا مُخَالَفَةَ بَلْ هُوَ تَفْسِيرٌ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ مَوْتُ الْأَقْرَانِ، لَكِنْ اخْتَلَفُوا؛ فَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ أَطْوَلَ مَا يَعِيشُ إلَيْهِ الْأَقْرَانُ غَالِبًا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ هُوَ تِسْعُونَ أَوْ مِائَةٌ أَوْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ، وَمِنْهُمْ وَهُمْ الْمُتَأَخِّرُونَ اعْتَبَرُوا الْغَالِبَ مِنْ الْأَعْمَارِ، أَيْ أَكْثَرَ مَا يَعِيشُ إلَيْهِ الْأَقْرَانُ غَالِبًا لَا أَطْوَلَهُ فَقَدَّرُوهُ بِسِتِّينَ؛ لِأَنَّ مَنْ يَعِيشُ فَوْقَهَا نَادِرٌ وَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ، وَقَدَّرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ بِسَبْعِينَ لِلْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهَا نِهَايَةُ هَذَا الْغَالِبِ وَيُشِيرُ إلَى هَذَا الْجَوَابِ قَوْلُهُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 وَاخْتَارَ الزَّيْلَعِيُّ تَفْوِيضَهُ لِلْإِمَامِ. وَطَرِيقُ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ أَنْ يَجْعَلَ الْقَاضِي مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ خَصْمًا عَنْهُ أَوْ يُنَصَّبُ عَلَيْهِ فِيمَا تُقْبَلُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ نَهْرٌ. قُلْت: وَفِي وَاقِعَاتِ الْمُفْتِينَ لِقَدْرِيٍّ أَفَنَدِي مَعْزِيًّا لِلْقُنْيَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَحْكُمُ بِمَوْتِهِ بِقَضَاءٍ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُحْتَمَلٌ، فَمَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ الْقَضَاءُ لَا يَكُونُ حُجَّةً (فَإِنْ ظَهَرَ قَبْلَهُ) قَبْلَ مَوْتِ أَقْرَانِهِ (حَيًّا فَلَهُ ذَلِكَ) الْقِسْطُ   [رد المحتار] وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ مَا جَاءَ إلَّا مِنْ اخْتِلَافِ الرَّأْيِ فِي أَنَّ الْغَالِبَ هَذَا فِي الطُّولِ أَوْ مُطْلَقًا اهـ (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ الزَّيْلَعِيُّ تَفْوِيضَهُ لِلْإِمَامِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَأَيُّ وَقْتٍ رَأَى الْمَصْلَحَةَ حَكَمَ بِمَوْتِهِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي الْيَنَابِيعِ: قِيلَ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، وَلَا تَقْدِيرَ فِيهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي الْقُنْيَةِ: جَعَلَ هَذَا رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ. اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا، بَلْ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْقَوْلِ بِالتَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ بِأَنْ يَنْظُرَ وَيَجْتَهِدَ وَيَفْعَلَ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ فَلَا يَقُولُ بِالتَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ بَلْ يَنْظُرُ فِي الْأَقْرَانِ وَفِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَيَجْتَهِدُ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ مُغْنِي الْحَنَابِلَةِ حِكَايَتَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدٍ، وَأَنَّهُ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَكَذَا غَلَبَةُ الظَّنِّ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَإِنَّ الْمِلْكَ الْعَظِيمَ إذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ فِي أَدْنَى مُدَّةٍ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَجْتَهِدُ وَيُحَكِّمُ الْقَرَائِنَ الظَّاهِرَةَ الدَّالَّةَ عَلَى مَوْتِهِ وَعَلَى هَذَا يُبْتَنَى عَلَى مَا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا فُقِدَ فِي الْمُهْلِكَةِ فَمَوْتُهُ غَالِبٌ فَيُحْكَمُ بِهِ، كَمَا إذَا فُقِدَ فِي وَقْتِ الْمُلَاقَاةِ مَعَ الْعَدُوِّ أَوْ مَعَ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، أَوْ سَافَرَ عَلَى الْمَرَضِ الْغَالِبُ هَلَاكُهُ، أَوْ كَانَ سَفَرُهُ فِي الْبَحْرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ حُكِمَ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ احْتِمَالَيْنِ، وَاحْتِمَالُ مَوْتِهِ نَاشِئٌ عَنْ دَلِيلٍ لَا احْتِمَالَ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ كَاحْتِمَالِ مَا إذَا بَلَغَ الْمَفْقُودُ مِقْدَارَ مَا لَا يَعِيشُ عَلَى حَسَبِ مَا اخْتَلَفُوا فِي الْمِقْدَارِ نَقْلٌ مِنْ الْغُنْيَةِ اهـ مَا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى. وَأَفْتَى بِهِ بَعْضُ مَشَايِخِ مَشَايِخِنَا وَقَالَ إنَّهُ أَفْتَى بِهِ قَاضِي زَادَهْ صَاحِبُ بَحْر الْفَتَاوَى، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ لَا بِمُجَرَّدِ فَقْدِهِ عِنْدَ مُلَاقَاةِ الْعَدُوِّ أَوْ سَفَرِهِ الْبَحْرَ وَنَحْوَهُ إلَّا إذَا كَانَ مَلِكًا عَظِيمًا فَإِنَّهُ إذَا بَقِيَ حَيًّا تَشْتَهِرُ حَيَاتُهُ، فَلِذَا قُلْنَا إنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَطَرِيقُ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ) فِيهِ إيهَامٌ أَنَّهُ يُحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ عَلَى مَوْتِ أَقْرَانِهِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، بَلْ الْمُرَادُ مَا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى مَوْتِهِ حَقِيقَةً. فَفِي النَّهْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة: ثُمَّ طَرِيقُ مَوْتِهِ إمَّا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ مَوْتِ الْأَقْرَانِ. وَطَرِيقُ قَبُولِ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ أَنْ يَجْعَلَ الْقَاضِي إلَخْ (قَوْلُهُ: أَوْ يُنَصِّبَ عَلَيْهِ قَيِّمًا) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَكِيلٌ يَحْفَظُ مَالَهُ يُنَصِّبُ عَنْهُ مُسَخَّرًا لِإِثْبَاتِ دَعْوَى مَوْتِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ أَوْ أَحَدِ وَرَثَتِهِ أَوْ غَرِيمِهِ (قَوْلُهُ: بِقَضَاءٍ إلَخْ) هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَفِي الْفَاءِ مِنْ قَوْلِهِ فَتُعْتَدُّ عُرْسُهُ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ بِمُجَرَّدِ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَلَا يُتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي كَمَا قَالَ شَرَفُ الْأَئِمَّةِ وَقَالَ نَجْمُ الْأَئِمَّةِ الْقَاضِي عَبْدُ الرَّحِيمِ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ. اهـ. وَمَا قَالَهُ شَرَفُ الْأَئِمَّةِ مُوَافِقٌ لِلْمُتُونِ سَائِحَانِيٌّ. قُلْت: لَكِنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ الثَّانِي. ثُمَّ رَأَيْت عِبَارَةَ الْوَاقِعَاتِ عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّ هَذَا أَيْ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ تَفْوِيضِ مَوْتِهِ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي نَصَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ بِقَضَاءٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ ظَهَرَ قَبْلَهُ) هَذِهِ الْقَبْلِيَّةَ لَا مَفْهُومَ لَهَا وَإِنْ ذَكَرَهَا الْكَثِيرُونَ سَائِحَانِيٌّ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنْ عُلِمَ حَيَاتُهُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ يَرِثُ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ أَقَارِبِهِ اهـ لَكِنْ لَوْ عَادَ حَيًّا بَعْدَ الْحُكْمِ بِمَوْتِ أَقْرَانِهِ قَالَ ط: الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْمَيِّتِ إذَا أُحْيِيَ، وَالْمُرْتَدِّ إذَا أَسْلَمَ، فَالْبَاقِي فِي يَدِ وَرَثَتِهِ لَهُ وَلَا يُطَالِبُ بِمَا ذَهَبَ. قَالَ: ثُمَّ بَعْدَ رَقْمِهِ رَأَيْت الْمَرْحُومَ أَبَا السُّعُودِ نَقَلَهُ عَنْ الشَّيْخِ شَاهِينَ وَنَقَلَ أَنَّ زَوْجَتَهُ لَهُ وَالْأَوْلَادَ لِلثَّانِي اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَلَهُ ذَلِكَ الْقِسْطُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 (وَبَعْدَهُ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ فِي حَقِّ مَالِهِ يَوْمَ عَلِمَ ذَلِكَ) أَيْ مَوْتَ أَقْرَانِهِ (فَتَعْتَدُّ) مِنْهُ (عُرْسُهُ لِلْمَوْتِ وَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ مَنْ يَرِثُهُ الْآنَ وَ) يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ (فِي) حَقِّ (مَالِ غَيْرِهِ مِنْ حِينِ فَقْدِهِ فَيُرَدُّ الْمَوْقُوفُ لَهُ إلَى مَنْ يَرِثُ مُوَرِّثَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَالِ حُجَّةٌ دَافِعَةٌ لَا مُثَبِّتَةٌ (وَلَوْ كَانَ مَعَ الْمَفْقُودِ وَارِثٌ يُحْجَبُ بِهِ لَمْ يُعْطَ) الْوَارِثُ (شَيْئًا، وَإِنْ انْتَقَضَ حَقُّهُ) بِهِ (أُعْطِيَ أَقَلَّ النَّصِيبَيْنِ) وَيُوقَفُ الْبَاقِي (كَالْحَمْلِ) وَمَحَلُّهُ الْفَرَائِضُ، وَلِذَا حَذَفَهُ الْقُدُورِيُّ وَغَيْرُهُ. [فَرْعٌ] لَيْسَ لِلْقَاضِي تَزْوِيجُ أَمَةِ غَائِبٍ وَمَجْنُونٍ وَعَبْدِهِمَا، وَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُمَا وَيَبِيعَهُمَا. كِتَابُ الشَّرِكَةِ لَا يَخْفَى مُنَاسَبَتُهَا لِلْمَفْقُودِ مِنْ حَيْثُ الْأَمَانَةُ، بَلْ قَدْ تَحَقَّقَ فِي مَالِهِ عِنْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ (هِيَ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ فِي الْمَعْرُوفِ   [رد المحتار] أَيْ الْمَوْقُوفُ لَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَكَذَا الْإِرْثُ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ أَقْرَانِهِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُحْكَمُ لَا بِقَوْلِهِ ظَهَرَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى وَإِنْ ظَهَرَ حَيًّا بَعْدَ مَوْتِ أَقْرَانِهِ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ إلَخْ وَهُوَ فَاسِدٌ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: فَتَعْتَدُّ مِنْهُ عُرْسُهُ لِلْمَوْتِ) أَيْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَيُرَدُّ قِسْطُهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي (قَوْلُهُ: بَيْنَ مَنْ يَرِثُهُ الْآنَ) أَيْ حِينَ حُكِمَ بِمَوْتِهِ لَا مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ وَرَثَتِهِ زَيْلَعِيٌّ، وَكَذَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ مُدَبَّرِيهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: مِنْ حِينِ فَقْدِهِ) أَيْ مَا لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ فِي وَقْتٍ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: عِنْدَ مَوْتِهِ) أَيْ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ (قَوْلُهُ: حُجَّةً دَافِعَةً) فَتَدْفَعُ ثُبُوتَ حَقٍّ لِغَيْرِهِ فِي مَالِهِ (قَوْلُهُ: لَا مُثْبِتَةً) فَلَا يَثْبُتُ لَهُ حَقٌّ فِي مَالِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ مَعَ الْمَفْقُودِ وَارِثٌ يُحْجَبُ بِهِ إلَخْ) أَيْ يُحْجَبُ ذَلِكَ الْوَارِثُ بِالْمَفْقُودِ، وَيَظْهَرُ هَذَا مِنْ الْمِثَالِ السَّابِقِ حَيْثُ لَمْ يُعْطَ أَوْلَادُ الِابْنِ الْمَفْقُودِ شَيْئًا قَبْلَ ظُهُورِ حَيَاتِهِ لِحَجْبِهِمْ بِهِ وَأُعْطِيَ الْبِنْتَانِ النِّصْفَ فَقَطْ دُونَ الثُّلُثَيْنِ وَوُقِفَ لَهُمَا السُّدُسُ وَلِأَوْلَادِ الِابْنِ الثُّلُثُ إلَى ظُهُورِ مَوْتِهِ فَإِنْ ظَهَرَ حَيًّا أَخَذَ النِّصْفَ الْمَوْقُوفَ (قَوْلُهُ: كَالْحَمْلِ) فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ وَارِثٌ لَا يَتَغَيَّرُ إرْثُهُ بِحَالٍ يُعْطَى كُلَّ نَصِيبِهِ، وَإِنْ كَانَ يَنْقُصُ حَقُّهُ بِهِ يُعْطَى الْأَقَلَّ، وَإِنْ كَانَ يَسْقُطُ بِهِ لَا يُعْطَى شَيْئًا فَلَوْ تَرَكَ ابْنًا وَزَوْجَةً حَامِلًا تُعْطَى الزَّوْجَةُ الثُّمُنَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ وَالِابْنُ نِصْفَ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ كُلِّ الْبَاقِي عَلَى تَقْدِيرِ مَوْتِ الْحَمْلِ وَمِنْ ثُلُثَيْ الْبَاقِي عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْحَمْلِ أُنْثَى، وَلَوْ تَرَكَ زَوْجَةً حَامِلًا وَأَخًا شَقِيقًا أَوْ عَمًّا لَا يُعْطَى شَيْئًا لِاحْتِمَالِ ذُكُورَةِ الْحَمْلِ (قَوْلُهُ: وَلِذَا حَذَفَهُ) أَيْ حَذَفَ قَوْلَهُ وَلَوْ كَانَ مَعَ الْمَفْقُودِ وَارِثٌ إلَخْ. [فَرْعٌ لَيْسَ لِلْقَاضِي تَزْوِيجُ أَمَةِ غَائِبٍ وَمَجْنُونٍ] (قَوْلُهُ: فَرْعٌ إلَخْ) عَزَاهُ فِي الدُّرَرِ إلَى فُصُولِ الْعِمَادِيِّ (قَوْلُهُ: وَيَبِيعُهُمَا) فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْقُنْيَةِ: فَقَدَتْ مَوْلَاهَا وَلَا تَجِدُ نَفَقَةً وَخِيفَ عَلَيْهَا الْفَاحِشَةُ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهَا أَوْ يُؤَجِّرَهَا مِنْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ وَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُهَا اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ تَأَمَّلْ. [كِتَابُ الشَّرِكَةِ] قِيلَ مَشْرُوعِيَّتُهَا ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ وَاخْتَلَفُوا فِي النَّصِّ الْمُفِيدِ لِذَلِكَ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا شَكَّ أَنَّ مَشْرُوعِيَّتَهَا أَظْهَرُ ثُبُوتًا إذْ التَّوَارُثُ وَالتَّعَامُلُ بِهَا مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَلُمَّ جَرًّا مُتَّصِلٌ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ لِإِثْبَاتِ حَدِيثٍ بِعَيْنِهِ (قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ الْأَمَانَةُ) فَإِنَّ مَالَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْآخَرِ، كَمَا أَنَّ مَالَ الْمَفْقُودِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْحَاضِرِ بَحْرٌ، وَجُعِلَ فِي الْفَتْحِ هَذِهِ مُنَاسَبَةٌ عَامَّةٌ فِيهِمَا وَفِي الْآبِقِ وَاللَّقِيطِ وَاللُّقَطَةِ (قَوْلُهُ: بَلْ قَدْ تُحَقَّقُ فِي مَالِهِ) هَذِهِ مُنَاسَبَةٌ خَاصَّةٌ؛ بَيَانُهَا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَبُوهُ عَنْهُ وَعَنْ ابْنٍ آخَرَ فَإِنَّ مَالَ الْمَفْقُودِ مِنْ التَّرِكَةِ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ مُشْتَرَكٌ: أَيْ مُخْتَلِطٌ مَعَ مَالِ أَخِيهِ (قَوْلُهُ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ فِي الْمَعْرُوفِ) كَذَا فِي الْفَتْحِ: أَيْ الْمَشْهُورُ فِيهَا كَسْرُ الشِّينِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 لُغَةً الْخَلْطُ، سُمِّيَ بِهَا الْعَقْدُ لِأَنَّهَا سَبَبُهُ. وَشَرْعًا (عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ بَيْنَ الْمُتَشَارِكِينَ فِي الْأَصْلِ وَالرِّبْحِ) جَوْهَرَةٌ. (وَرُكْنُهَا فِي شَرِكَةِ الْعَيْنِ اخْتِلَاطُهُمَا، وَفِي الْعَقْدِ اللَّفْظُ الْمُفِيدُ لَهُ) وَشَرْطُ جَوَازِهَا كَوْنُ الْوَاحِدِ قَابِلًا لِلشَّرِكَةِ (وَهِيَ ضَرْبَانِ: شَرِكَةُ مِلْكٍ، وَهِيَ أَنْ يَمْلِكَ مُتَعَدِّدٌ) اثْنَانِ فَأَكْثَرُ (عَيْنًا) أَوْ حِفْظًا كَثَوْبٍ هَبَّهُ الرِّيحُ فِي دَارِهِمَا فَإِنَّهُمَا شَرِيكَانِ فِي الْحِفْظِ قُهُسْتَانِيٌّ (أَوْ دَيْنًا) عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ؛ فَلَوْ دَفَعَ الْمَدْيُونُ لِأَحَدِهِمَا فَلِلْآخَرِ الرُّجُوعُ بِنِصْفِ -   [رد المحتار] وَسُكُونُ الرَّاءِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَكَ فَتْحُ الشِّينِ مَعَ كَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا (قَوْلُهُ: لُغَةً الْخَلْطُ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: هِيَ لُغَةً خَلْطُ النَّصِيبَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا، وَمَا قِيلَ اخْتِلَاطُ النَّصِيبَيْنِ تَسَاهُلٌ لِأَنَّهَا اسْمُ الْمَصْدَرِ وَالْمَصْدَرُ الشِّرْكُ مَصْدَرُ شَرَكْت الرَّجُلَ أَشْرُكُهُ شِرْكًا فَظَهَرَ أَنَّهَا فِعْلُ الْإِنْسَانِ وَفِعْلُهُ الْخَلْطُ. وَأَمَّا الِاخْتِلَاطُ فَصِفَةٌ لِلْمَالِ تَثْبُتُ عَنْ فِعْلِهِمَا لَيْسَ لَهُ اسْمٌ مِنْ الْمَادَّةِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ. قُلْت: لَكِنَّ الشَّرِكَةَ قَدْ تَتَحَقَّقُ بِالِاخْتِلَاطِ كَمَا يَأْتِي، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا اسْمٌ تَأَمَّلْ. إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَا يُسَمُّونَهَا شَرِكَةً (قَوْلُهُ: سُمِّيَ بِهَا الْعَقْدُ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ: ثُمَّ يُطْلَقُ اسْمُ الشَّرِكَةِ عَلَى الْعَقْدِ مَجَازًا لِكَوْنِهِ سَبَبًا لَهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا سَبَبُهُ) الضَّمِيرُ الْأَوَّلُ عَائِدٌ إلَى الْعَقْدِ بِتَأْوِيلِ الشَّرِكَةِ، وَالثَّانِي إلَى الْخَلْطِ اهـ ح. وَالْأَظْهَرُ تَذْكِيرُ الضَّمِيرَيْنِ كَعِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ، أَوْ يَقُولُ: لِأَنَّهُ سَبَبُهَا أَيْ لِأَنَّ الْعَقْدَ سَبَبُ الشَّرِكَةِ الَّتِي حَقِيقَتُهَا الْخَلْطُ فَالْعَلَاقَةُ السَّبَبِيَّةُ؛ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى سَبَبِهِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِذَا قِيلَ شِرْكَةُ الْعَقْدِ بِالْإِضَافَةِ فَهِيَ إضَافَةٌ بَيَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا إلَخْ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اتِّحَادُ اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ فَإِنَّهَا فِي الشَّرْعِ تُطْلَقُ عَلَى الْخَلْطِ وَكَذَا عَلَى الْعَقْدِ مَجَازًا تَأَمَّلْ. بِدَلِيلِ تَقْسِيمِهِمْ لَهَا إلَى شَرِكَةِ عَقْدٍ وَشَرِكَةِ مِلْكٍ. وَالثَّانِيَةُ تَكُونُ بِالْخَلْطِ أَوْ الِاخْتِلَاطِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ تَعْرِيفُ شَرِكَةِ الْعَقْدِ فَقَطْ لِأَنَّهَا الَّتِي فُصِّلَتْ أَنْوَاعُهَا إلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ مُفَاوَضَةٍ وَغَيْرِهَا . (قَوْلُهُ: فِي شَرِكَةِ الْعَيْنِ) أَيْ الْمِلْكِ فَإِنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الْعَقْدِ الَّذِي هُوَ عَرَضٌ غَيْرُ عَيْنٍ، وَقَوْلُهُ اخْتِلَاطُهُمَا أَيْ اخْتِلَاطُ الْمَالَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا، وَعَبَّرَ بِالِاخْتِلَاطِ تَبَعًا لِلْفَتْحِ مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى مَا مَرَّ التَّعْبِيرُ بِالْخَلْطِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ اللَّفْظُ الْمُفِيدِ لَهُ) أَيْ لِعَقْدِ الشَّرِكَةِ، وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَلَوْ مَعْنًى كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: كَوْنُ الْوَاحِدِ إلَخْ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَرَادَ بِالْوَاحِدِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ احْتِرَازًا عَنْ الْمُبَاحَاتِ وَالنِّكَاحِ وَالْوَقْفِ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ: وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَابِلًا لِلْوَكَالَةِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَبُولِهِ الِاشْتِرَاطُ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ ضَرْبَانِ) أَيْ الشَّرِكَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهَا شَرِكَةَ عَقْدٍ فَفِيهِ شِبْهُ الِاسْتِخْدَامِ وَإِلَّا كَانَ مِنْ تَقْسِيمِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ شَرِكَةُ مِلْكٍ) أَيْ اخْتِصَاصٍ فَالْإِضَافَةُ بِمَعْنَى الْبَاءِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ حِفْظًا) دُخُولُهُ فِي الْمِلْكِ الْمُفَسَّرِ بِالِاخْتِصَارِ ظَاهِرٌ، وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْحِفْظِ وَثُبُوتِ الْحَقِّ لَهُمَا الْوَاحِدُ فَقَطْ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ مَسْأَلَةٍ فِي بَابٍ جَرَيَانُ جَمِيعِ أَحْكَامِ الْبَابِ فِيهَا كَالدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّهُ لَا تَجْرِي فِيهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْعَيْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: هَبَّهُ الرِّيحُ) حَقُّهُ أَنْ يُقَالَ هَبَّتْ بِهِ الرِّيحُ لِمَا فِي الْقَامُوسِ: الْهَبُّ وَالْهُبُوبُ ثَوَرَانُ الرِّيحِ، وَهَبَّهُ هَبًّا وَهَبَّةً بِالْفَتْحِ وَهِبَّةً بِالْكَسْرِ قَطَعَهُ اهـ فَقَدْ جَعَلَ الْمُتَعَدِّيَ بِمَعْنَى الْقَاطِعِ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى. مَطْلَبٌ الْحَقُّ أَنَّ الدَّيْنَ يُمْلَكُ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ مِنْ شَرِكَةِ الْأَمْلَاكِ الشَّرِكَةَ فِي الدَّيْنِ، فَقِيلَ مَجَازٌ لِأَنَّ الدَّيْنَ شَرْعِيٌّ لَا يُمْلَكُ. وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ يُمْلَكُ شَرْعًا، وَلِذَا جَازَ هِبَتُهُ مِمَّنْ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْهِبَةَ مَجَازٌ عَنْ الْإِسْقَاطِ، وَلِذَا لَمْ تَجُزْ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ، وَالْحَقُّ مَا ذَكَرُوا مِنْ مِلْكِهِ، وَلِذَا مُلِكَ مَا عَنْهُ مِنْ الْعَيْنِ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 مَا أَخَذَ فَتْحٌ وَسَيَجِيءُ مَتْنًا فِي الصُّلْحِ وَأَنَّ مِنْ حِيلَ اخْتِصَاصِهِ بِمَا أَخَذَهُ أَنْ يَهَبَهُ الْمَدْيُونُ قَدْرَ حِصَّتِهِ وَيَهَبَهُ رَبُّ الدَّيْنِ حِصَّتَهُ وَهْبَانِيَّةٌ (بِإِرْثٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا) بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ جَبْرِيًّا أَوْ اخْتِيَارِيًّا وَلَوْ مُتَعَاقِبًا؛ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ أَشْرَكَ فِيهِ آخَرَ مُنْيَةٌ : (وَكُلٌّ) مِنْ شُرَكَاءِ الْمِلْكِ (أَجْنَبِيٌّ) فِي الِامْتِنَاعِ عَنْ تَصَرُّفٍ مُضِرٍّ (فِي مَالِ صَاحِبِهِ) لِعَدَمِ تَضَمُّنِهَا الْوَكَالَةَ (فَصَحَّ لَهُ بَيْعُ حِصَّتِهِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ بِلَا إذْنٍ إلَّا فِي صُورَةِ الْخَلْطِ) لِمَالَيْهِمَا بِفِعْلِهِمَا كَحِنْطَةٍ بِشَعِيرٍ وَكَبِنَاءٍ وَشَجَرٍ وَزَرْعٍ مُشْتَرَكٍ قُهُسْتَانِيٌّ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَصْلِ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْعِمَادِيَّةِ وَنَحْوُهُ فِي فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ، وَفِيهَا بَعْدَ وَرَقَتَيْنِ أَنَّ الْمَبْطَخَةَ كَذَلِكَ   [رد المحتار] الِاشْتِرَاكِ حَتَّى لَوْ دَفَعَ إلَخْ اهـ وَقَوْلُهُ مُلِكَ مَا عَنْهُ إلَخْ أَيْ لَوْ صَالَحَ أَحَدَهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى عَيْنٍ كَثَوْبٍ مَثَلًا مَلَكَهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ، وَتَمَامُهُ فِي الصُّلْحِ قُبَيْلَ التَّخَارُجِ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّ مِنْ حِيَلِ اخْتِصَاصِهِ) أَيْ اخْتِصَاصِ الْآخِذِ بِمَا أَخَذَ دُونَ شَرِيكِهِ، وَهَذِهِ الْحِلْيَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا وَسَيَأْتِي غَيْرُهَا فِي الصُّلْحِ (قَوْلُهُ: بِإِرْثٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُمْلَكُ مُتَعَدِّدٌ ط (قَوْلُهُ: بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ إلَخْ) هُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ بِإِرْثٍ أَوْ بَيْعٍ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ جَبْرِيٌّ وَالثَّانِيَ اخْتِيَارِيٌّ، وَمِنْ الْأَوَّلِ مَا لَوْ اخْتَلَطَ مَالُهُمَا بِلَا صُنْعٍ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَمِنْ الثَّانِي مَا لَوْ مَلَكَا عَيْنًا بِهِبَةٍ أَوْ اسْتِيلَاءٍ عَلَى مَالِ حَرْبِيٍّ، أَوْ خَلَطَا مَالِهِمَا بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ كَمَا يَأْتِي، أَوْ قَبِلَا وَصِيَّةً بِعَيْنٍ لَهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُتَعَاقِبًا) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: أَنْ يُمْلَكَ مُتَعَدِّدٌ ط (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَشْرَكَ فِيهِ آخَرَ) سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ الْإِشْرَاكِ آخِرَ الشَّرِكَةِ. (قَوْلُهُ: فِي الِامْتِنَاعِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ فِي التَّصَرُّفِ لَا فِي الِامْتِنَاعِ عَنْهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ أَجْنَبِيٌّ: أَيْ كَأَجْنَبِيٍّ وَيَكُونُ هَذَا بَيَانًا لِوَجْهِ الشَّبَهِ ط (قَوْلُهُ عَنْ تَصَرُّفٍ مُضِرٍّ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ غَيْرِ الْمُضِرِّ كَالِانْتِفَاعِ بِبَيْتٍ وَخَادِمٍ وَأَرْضٍ فِي غَيْبَةِ شَرِيكِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ: فَصَحَّ لَهُ بَيْعُ حِصَّتِهِ) تَفْرِيعٌ عَلَى التَّقْيِيدِ بِمَالِ صَاحِبِهِ ط (قَوْلُهُ: إلَّا فِي صُورَةِ الْخَلْطِ) وَالِاخْتِلَاطِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ بِلَا إذْنِهِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرِكَةَ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا مِنْ الِابْتِدَاءِ، بِأَنْ اشْتَرَيَا حِنْطَةً أَوْ وَرِثَاهَا. كَانَتْ كُلُّ حَبَّةٍ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فَبَيْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ شَائِعًا جَائِزٌ مِنْ الشَّرِيكِ وَالْأَجْنَبِيِّ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِالْخَلْطِ أَوْ الِاخْتِلَاطِ كَانَ كُلُّ حَبَّةٍ مَمْلُوكَةٍ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا لَيْسَ لِلْآخَرِ فِيهَا شِرْكَةٌ، فَإِذَا بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إلَّا مَخْلُوطًا بِنَصِيبِ الشَّرِيكِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ، بِخِلَافِ بَيْعِهِ مِنْ الشَّرِيكِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ. اهـ. فَتْحٌ وَبَحْرٌ. قُلْت: وَمِثْلُ الْخَلْطِ وَالِاخْتِلَاطِ بَيْعُ مَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الشَّرِيكِ، أَوْ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي، كَبَيْعِ الْحِصَّةِ مِنْ الْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ، وَبَيْعِ بَيْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ كَمَا يَأْتِي تَحْرِيرُهُ (قَوْلُهُ: بِفِعْلِهِمَا) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا كَانَ بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا بِلَا إذْنِ الْآخَرِ، فَإِنَّ الْخَالِطَ يَمْلِكُ مَالَ الْآخَرِ وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْمِثْلِ لِلتَّعَدِّي (قَوْلُهُ: كَحِنْطَةٍ بِشَعِيرٍ) وَمِثْلُهُ حِنْطَةٌ بِحِنْطَةٍ بِالْأَوْلَى لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ، وَفِي الْأَوَّلِ يَتَعَسَّرُ (قَوْلُهُ: وَكَبِنَاءٍ وَشَجَرٍ وَزَرْعٍ مُشْتَرَكٍ) صَنِيعُهُ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْخَلْطِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ الْبَيْعُ فِيهِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى إذْنِ شَرِيكِهِ لِتَضَرُّرِ الشَّرِيكِ بِالْقَلْعِ وَالْهَدْمِ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ اهـ ح. قُلْت: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَكَبِنَاءٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي صُورَةِ الْخَلْطِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءَ صُورَةٍ أُخْرَى وَهِيَ مَا فِي بَيْعِهِ ضَرَرٌ كَمَا قُلْنَا. (قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ فِي فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ) أَيْ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ حَيْثُ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْبِنَاءِ حِصَّتَهُ لِأَجْنَبِيٍّ لَا يَجُوزُ وَلِشَرِيكِهِ جَازَ، وَأَفْتَى أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ حِصَّتَهُ مِنْ الزَّرْعِ لِأَجْنَبِيٍّ بِلَا رِضَا شَرِيكِهِ لَا يَجُوزُ، وَمُفَادُهُ تَقْيِيدُ الْأَوَّلِ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يَرْضَ الشَّرِيكُ أَفَادَهُ ح. وَفِي الْخَيْرِيَّةِ صَرَّحُوا بِأَنَّ بَيْعَ الْحِصَّةِ فِي الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لِغَيْرِ الشَّرِيكِ لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ: وَفِيهَا بَعْدَ وَرَقَتَيْنِ أَنَّ الْمَبْطَخَةَ كَذَلِكَ) وَنَصُّهُ: سُئِلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 لَكِنْ فِيهَا بَعْدَ وَرَقَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ جَوَازُ بَيْعِ الْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ الْمُشْتَرَكِ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ وَلَوْ لِلْأَجْنَبِيِّ   [رد المحتار] فِي مَبْطَخَةٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ لِأَجْنَبِيٍّ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ بِدُونِ رِضَا شَرِيكِهِ هَلْ يَجُوزُ الْبَيْعُ أَمْ لَا؟ أَجَابَ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ اهـ وَالْمُرَادُ بِالْمَبْطَخَةِ: الْبِطِّيخُ الْمَزْرُوعُ لَا أَرْضُ الْبِطِّيخِ إذْ بَيْعُهُ مَعَ الْأَرْضِ جَائِزٌ، وَالْمُرَادُ أَيْضًا مَا إذَا بَاعَهُ قَبْلَ النُّضْجِ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الشَّرِيكِ بِالْقَطْعِ. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ الْمَبْطَخَةِ بِرِضَا شَرِيكِهِ، فَلَوْ ضَرَّهُ لِقَطْعٍ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ وَنَصِيبُ الْبَائِعِ الْمُشْتَرِي مَا لَمْ يَفْسَخْ الْبَيْعَ وَلِشَرِيكِهِ أَنْ لَا يَرْضَى بَعْدَ الْإِجَازَةِ إذْ فِي قَلْعِهِ ضَرَرٌ وَالْإِنْسَانُ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَحَمُّلِ الضَّرَرِ اهـ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ قَبْلَ الْفَسْخِ لِقَوْلِهِ: وَنَصِيبُ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي إلَخْ يَعْنِي إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ. . مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي بَيْعِ الْحِصَّةِ الشَّائِعَةِ مِنْ الْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِيهَا إلَخْ) أَفْتَى بِمِثْلِهِ فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ، وَاسْتَنَدَ إلَى مَا فِي فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ، وَبَيَّنَ وَجْهَ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: سُئِلَ فِيمَا إذَا بَاعَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ حِصَّتَهُ فِي الْغِرَاسِ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَأَعْلَمَهُ بِمَا عَلَى الْحِصَّةِ مِنْ الْحِكْرِ هَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِكَوْنِهِ لَا مُطَالِبَ لَهُ بِالْقَلْعِ فَلَا يَتَضَرَّرُ أَمْ لَا؟ أَجَابَ: نَعَمْ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِعَدَمِ الضَّرَرِ بِعَدَمِ التَّكْلِيفِ بِالْقَلْعِ. فَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ زَيْنِ بْنِ نُجَيْمٍ: إذَا بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ حِصَّتَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ هَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُ أَمْ لَا؟ أَجَابَ: نَعَمْ يَجُوزُ، وَكَذَا مِنْ الشَّرِيكِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. وَوَجْهُ عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ بِالْقَلْعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ اهـ مَا فِي الْخَيْرِيَّةِ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ هَذَا وَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ مَنَاطَ الْفَسَادِ حُصُولُ الضَّرَرِ فَافْهَمْ، وَلِذَا قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ بَعْدَ كَلَامٍ: فَتَحَرَّرَ لَنَا مِنْ هَذِهِ النُّقُولِ أَنَّ بَيْعَ الْحِصَّةِ مِنْ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ وَالْمَبْطَخَةِ بِغَيْرِ الْأَرْضِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ مِنْ أَحَدِ شَرِيكَيْهِ لَا يَجُوزُ، فَلَوْ رَضِيَ الشَّرِيكُ، قِيلَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا، وَقِيلَ يَجُوزُ. وَيَظْهَرُ لِي التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ الْمُشْتَرِي إجْبَارَ الشَّرِيكِ عَلَى الْقَلْعِ، وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ، وَيُفْهَمُ هَذَا التَّوْفِيقُ مِنْ تَعْلِيلِ الْمُحِيطِ لِعَدَمِ الْجَوَازِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا وَالْإِنْسَانُ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَحَمُّلِ الضَّرَرِ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ. اهـ. كَمَا قَالُوا فِيمَا إذَا بَاعَ نِصْفَ زَرْعِهِ مِنْ رَجُلٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُطَالِبُهُ بِالْقَلْعِ فَيَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ فِيمَا لَمْ يَبِعْهُ وَهُوَ النِّصْفُ الْآخَرُ كَبَيْعِ الْجِذْعِ فِي السَّقْفِ. ثُمَّ إذَا طَلَبَ الْمُشْتَرِي الْقَلْعَ لَا يُجَابُ إلَيْهِ نَظَرًا لِلشَّرِيكِ، لَكِنْ إنْ طَلَبَ هُوَ أَوْ الْبَائِعُ النَّقْضَ فُسِخَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ فَاسِدٌ، وَإِنْ سَكَتَ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ انْقَلَبَ جَائِزًا لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَذُكِرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ نَصِيبَ الْبَائِعِ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مَا لَمْ يَنْقَضِ الْبَيْعُ. اهـ. وَأَمَّا بَيْعُ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ الشَّرِيكِ كَأَرْضٍ بَيْنَهُمَا فِيهَا زَرْعٌ لَهُمَا لَمْ يُدْرَكْ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الزَّرْعِ لِشَرِيكِهِ بِدُونِ الْأَرْضِ، فَفِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ، وَفِي أُخْرَى لَا وَعَلَيْهَا جَوَابُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ، وَلَكِنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى مَا فِيهِ ضَرَرٌ بِالْقَلْعِ كَبَيْعِ رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ الْأَكَّارِ حِصَّتَهُ مِنْ الزَّرْعِ أَوْ الثَّمَرَةِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُكَلِّفُ الْأَكَّارَ الْقَلْعَ فَيَتَضَرَّرُ. أَمَّا لَوْ بَاعَ الْأَكَّارُ لِرَبِّ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَالدَّلِيلُ قَوْلُ الْمُحِيطِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يُطَالِبُهُ بِالْقَلْعِ لِيُفْرِغَ نَصِيبَهُ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِقَلْعِ الْكُلِّ فَيَتَضَرَّرُ الْمُشْتَرِي فِيمَا لَمْ يَشْتَرِهِ وَهُوَ نَصِيبُ نَفْسِهِ اهـ كَلَامُ الطَّرَسُوسِيِّ مُلَخَّصًا ثُمَّ حَرَّرَ أَنَّ حُكْمَ الْغِرَاسِ كَالزَّرْعِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُدْرَكْ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ، وَإِلَّا جَازَ لِعَدَمِ الضَّرَرِ بِالْقَلْعِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ عَنْ الْفَتَاوَى: إذَا بَلَغَتْ الْأَشْجَارُ أَوَانَ الْقَطْعِ جَازَ الشِّرَاءُ وَإِلَّا فَسَدَ وَمِثْلُهُ الزَّرْعُ كَمَا فِي بُيُوعِ الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 فَتَنَبَّهْ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا بَاعَ أَحَدُهُمَا بَيْتًا مُعَيَّنًا أَوْ نَصِيبَهُ مِنْ بَيْتٍ مُعَيَّنٍ فَلِلْآخَرِ أَنْ يُبْطِلَ الْبَيْعَ.   [رد المحتار] وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا بَلَغَ أَوَانَ قَطْعِهِ يَصِحُّ بَيْعُ الْحِصَّةِ مِنْهُ لِلشَّرِيكِ وَلِغَيْرِهِ وَلَوْ بِلَا إذْنِ الشَّرِيكِ لِعَدَمِ الضَّرَرِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِلَا إذْنِ الشَّرِيكِ، فَلَوْ ` بِإِذْنِهِ لَمْ يَجُزْ إنْ كَانَ مُرَادُ الْمُشْتَرِي إجْبَارَ الشَّرِيكِ عَلَى الْقَلْعِ، وَإِلَّا بِأَنْ سَكَتَ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ يَجُوزُ، وَعَلَى هَذَا مَا كَانَ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ؛ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِلْبَقَاءِ لَا لِلْقَطْعِ فَلَا يَتَضَرَّرُ أَحَدُهُمَا، فَلَوْ أَرَادَ الْقَطْعَ قَبْلَ بُلُوغِ أَوَانِهِ لَا يُجَابُ إلَى ذَلِكَ، وَإِذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا فَسْخَ الْبَيْعِ يُجَابُ؛ لِأَنَّهُ فَاسِدٌ، وَإِنَّمَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا إذَا سَكَتَ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ. وَأَمَّا الْبِنَاءُ فَذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ أَنَّهُ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ لَهُمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ كَانَتْ لَهُمَا فَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ الْبِنَاءِ فَقَطْ لِأَجْنَبِيٍّ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَتَهُ بِالْهَدْمِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْكُلُّ لَهُ فَبَاعَ نِصْفَهُ مِنْ رَجُلٍ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُطَالِبُهُ بِالْهَدْمِ فَيَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ فِيمَا لَمْ يَبِعْهُ، وَلَوْ بَاعَ مِنْ شَرِيكِهِ فِي رِوَايَةٍ جَازَ، وَفِي أُخْرَى لَا وَاخْتَارَهَا أَبُو اللَّيْثِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يُطَالِبُهُ بِتَفْرِيغِ نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِغَيْرِهِمَا فَفِي الْبَدَائِعِ وَالْخُلَاصَةِ: لَوْ بَاعَ لِأَجْنَبِيٍّ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهَا إلَّا بِضَرَرٍ وَهُوَ نَقْضُ الْبِنَاءِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لِشَرِيكِهِ يَجُوزُ، لَكِنْ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَهَا لِلْبِنَاءِ مُدَّةً وَمَضَتْ الْمُدَّةُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَلَا يُمْكِنُهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِالْقَلْعِ، بِخِلَافِ الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِبَقَاءِ حَقِّهِ فِي الْأَرْضِ إلَّا أَنْ يُؤَجِّرَهُ نَصِيبَهُ مِنْهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ مَغْصُوبَةً؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لِلْبَقَاءِ بَلْ لِلْقَلْعِ فَهُوَ كَالْمَقْلُوعِ حَقِيقَةً فَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَوْ لِأَجْنَبِيٍّ، وَمِثْلُهُ الْأَحْكَارُ الَّتِي يُدْفَعُ لَهَا كُلَّ سَنَةٍ مَبْلَغٌ مَعْلُومٌ بِلَا إجَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمَغْصُوبَةِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْقَلْعِ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ بَاعَ أَحَدَهُمَا لِأَجْنَبِيٍّ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ لِشَرِيكِهِ يَنْبَغِي الْجَوَازُ سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ صَاحِبَ الْأَرْضِ أَوْ الْآخَرُ لِأَنَّ الْبِنَاءَ هُنَا لَا يَكُونُ إلَّا بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ فَهُوَ مُسْتَحِقٌّ الْقَلْعَ، بِخِلَافِ الزَّرْعِ فِي أَرْضِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ بِطَرِيقِ الْمُزَارَعَةِ وَهِيَ عَقْدٌ لَازِمٌ فَالزَّرْعُ مُسْتَحِقٌّ الْبَقَاءَ، فَلِذَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ صَاحِبِ الْأَرْضِ حِصَّتَهُ فِي الزَّرْعِ لِلْمُزَارِعِ وَصَحَّ الْعَكْسُ لِعَدَمِ الضَّرَرِ؛ هَذَا خُلَاصَةُ مَا حَرَّرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ. قُلْت: وَالْعُرْفُ الْآنَ فِي الْعِمَارَةِ أَنَّهَا تُبْنَى فِي أَرْضِ الْوَقْفِ أَوْ أَرْضِ بَيْتِ الْمَالِ بَعْدَ اسْتِئْجَارِ أَرْضِ الْوَقْفِ مُدَّةً طَوِيلَةً عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَاهَا، فَإِذَا بَاعَ حِصَّتَهُ مِنْ الْبِنَاءِ لِأَجْنَبِيٍّ بَعْدَ مَا أَحْكَرَهُ الْحِصَّةَ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ فَرَغَ لَهُ عَنْ حَقِّ تَصَرُّفِهِ فِي الْأَرْضِ السُّلْطَانِيَّةِ بِإِذْنِ الْمُتَكَلِّمِ عَلَيْهَا صَحَّ لِعَدَمِ الضَّرَرِ، وَكَذَا لَوْ تَأَخَّرَ الْإِحْكَارُ أَوْ الْفَرَاغُ عَنْ الْبَيْعِ لِارْتِفَاعِ الْمُفْسِدِ كَمَا مَرَّ فِيمَا لَوْ بَاعَ حِصَّتَهُ مِنْ الشَّجَرِ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ وَلَمْ يَطْلُبْ الْقَلْعَ إلَى الْإِدْرَاكِ، وَعَلَى هَذَا فَمَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ وَالْخُلَاصَةِ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ لِلْأَجْنَبِيِّ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مُسْتَعَارَةً بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ غَيْرُ مُسْتَعِيرٍ وَلَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْهَدْمِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الشَّرِيكِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي أَرْضِ وَقْفٍ أَوْ أَرْضٍ سُلْطَانِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ مَعَ الْأَرْضِ فَيَقُومُ الْمُشْتَرِي مَقَامَ الْبَائِعِ إذَا كَانَ قَصْدُهُ إبْقَاءَ الْبِنَاءِ وَنُزُولَ عِلَّةِ الْفَسَادِ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَهَذَا مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي عِلَّةِ الْجَوَازِ تَبَعًا لِابْنِ نُجَيْمٍ كَمَا مَرَّ، لَكِنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ، فَيُحْمَلُ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ فِي الْغِرَاسِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ أَوَانَ الْقَطْعِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ لِلْبَائِعِ، وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي كِتَابِنَا الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ فَتَنَبَّهْ) أَشَارَ بِهِ إلَى وَجْهِ التَّوْفِيقِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بَيْنَ كَلَامَيْ ابْنِ نُجَيْمٍ (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ إلَّا فِي صُورَةِ الْخَلْطِ وَمَا بَعْدَهُ اهـ ح وَقَدْ سَقَطَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ " وَالِاخْتِلَاطُ ". (قَوْلُهُ فَلِلْآخَرِ أَنْ يُبْطِلَ الْبَيْعَ) كَذَا فِي غَالِبِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ مُعَلِّلِينَ بِتَضَرُّرِ الشَّرِيكِ بِذَلِكَ عِنْدَ الْقِسْمَةِ إذْ لَوْ صَحَّ فِي نَصِيبِهِ لَتَعَيَّنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 وَفِي الْوَاقِعَاتِ: دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِآخَرَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ التَّرْكِ أَوْ بِشَرْطِ الْقَلْعِ أَوْ الْهَدْمِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ شَرْطُ مَنْفَعَةٍ لِلْمُشْتَرِي سِوَى الْبَيْعِ فَصَارَ كَشَرْطِ إجَارَةٍ فِي الْبَيْعِ، وَلَا يَجُوزُ بِشَرْطِ الْهَدْمِ وَالْقَلْعِ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِالشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَبِعْ. وَفِي الْفَتَاوَى: مَشْجَرَةٌ بَيْنَ قَوْمٍ بَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ مَشَاعًا وَالْأَشْجَارُ قَدْ انْتَهَتْ أَوَانَ الْقَطْعِ حَتَّى لَا يَضُرَّهَا الْقَطْعُ جَازَ الشِّرَاءُ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْطَعَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقَسْمِ ضَرَرٌ. وَفِي النَّوَازِلِ: بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ الْمَشْجَرَةِ بِلَا أَرْضٍ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ، إنْ بَلَغَتْ أَوَانَ انْقِطَاعِهَا جَازَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَرَّرُ الْمُشْتَرِي بِالْقِسْمَةِ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ فَسَدَ لِتَضَرُّرِهِ بِهَا. وَفِيهَا: بَاعَ بِنَاءً بِلَا أَرْضِهِ عَلَى أَنْ يَشْتَرِكَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِمَادِيَّةٌ مِنْ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ مَسَائِلِ الشُّيُوعِ (وَالِاخْتِلَاطِ) بِلَا صُنْعٍ مِنْ أَحَدِهِمَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ لِعَدَمِ شُيُوعِ الشَّرِكَةِ فِي كُلِّ حَبَّةٍ، بِخِلَافِ نَحْوِ حَمَّامٍ وَطَاحُونٍ وَعَبْدٍ وَدَابَّةٍ حَيْثُ يَصِحُّ بَيْعُ حِصَّتِهِ اتِّفَاقًا كَمَا بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ. ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ الْمُرَادُ الْإِخْرَاجُ عَنْ الْمِلْكِ وَلَوْ بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، -   [رد المحتار] نَصِيبُهُ فِيهِ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ لِلدَّارِ كَانَ ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى الشَّرِيكِ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى جَمْعِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ فِيهِ وَالْحَالُ هَذِهِ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا جَمْعِ نَصِيبِ الْبَائِعِ فِيهِ لِفَوَاتِ ذَلِكَ بِبَيْعِهِ النِّصْفَ، وَإِذَا سَلِمَ الْأَمْرُ مِنْ ذَلِكَ انْتَفَى ذَلِكَ وَسَهُلَ طَرِيقُ الْقِسْمَةِ كَذَا فِي الْخَيْرِيَّةِ مِنْ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ: بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ) أَيْ مِنْ الْبِنَاءِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْعِمَادِيَّةِ، أَمَّا بَيْعُ النَّصِيبِ مِنْ الدَّارِ بِتَمَامِهَا فَلَا مَانِعَ مِنْ جَوَازِهِ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ الْقَلْعِ أَوْ الْهَدْمِ) أَيْ قَلْعِ الْأَخْشَابِ أَوْ هَدْمِ الْبِنَاءِ وَالْعِمَارَةِ. وَاَلَّذِي فِي ح عَنْ الْعِمَادِيَّةِ وَالْهَدْمِ بِالْوَاوِ (قَوْلُهُ: كَشَرْطِ إجَارَةٍ فِي الْبَيْعِ) أَيْ كَمَا لَوْ بَاعَ الْبِنَاءَ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ إجَارَةَ الْأَرْضِ وَهُوَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. (قَوْلُهُ بَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ) أَيْ مِنْ الشَّجَرِ، وَبِهِ عَبَّرَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى ط (قَوْلُهُ قَدْ: انْتَهَتْ أَوَانُ الْقَطْعِ) الْأَوْلَى قَدْ انْتَهَى أَوَانُ قَطْعِهَا، وَهَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ فِي شَجَرٍ يُرَادُ مِنْهُ الْقَطْعُ، بِخِلَافِ مَا يُرَادُ مِنْهُ الثَّمَرُ ط (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَضُرَّهَا) أَيْ لَا يَضُرَّ الْأَشْجَارَ. وَفِي نُسْخَةٍ لَا يَضُرُّهُمَا بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ: أَيْ لَا يَضُرُّ الشَّرِيكَ وَالْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ: وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْطَعَ) أَيْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ط (قَوْلُهُ وَفِي النَّوَازِلِ) هُوَ عَيْنُ مَا فِي الْفَتَاوَى ط، لَكِنْ أَعَادَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ التَّصْرِيحَ بِقَوْلِهِ بِلَا أَرْضٍ، وَبِقَوْلِهِ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ. وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ أَوَانَ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُطَالِبَ شَرِيكَهُ بِالْقَطْعِ؛ لِأَنَّ مَا تَحْتَهُ مِلْكُهُ فَلَا يَتَضَرَّرُ أَحَدُهُمَا كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَأَنَّهُ لَوْ بَاعَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ أَوْ مِنْ الشَّرِيكِ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَصِحُّ أَيْضًا، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَفِيهَا إلَخْ) هِيَ مَسْأَلَةُ الْوَاقِعَاتِ ط. (قَوْلُهُ: وَالِاخْتِلَاطُ بِلَا صُنْعٍ مِنْ أَحَدِهِمَا) كَمَا إذَا انْشَقَّ الْكِيسَانِ فَاخْتَلَطَ مَا فِيهِمَا مِنْ الدَّرَاهِمِ ط عَنْ الشَّلَبِيِّ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ شُيُوعِ الشَّرِكَةِ إلَخْ) يُشِيرُ إلَى الْفَرْقِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَصِحُّ بَيْعُ حِصَّتِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ ط (قَوْلُهُ: كَمَا بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ) حَاصِلُ مَا بَسَطَهُ، هُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ ذِكْرِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُشْتَرَكِ بِالْخَلْطِ وَالِاخْتِلَاطِ وَالْمُشْتَرَكِ بِغَيْرِهِمَا كَإِرْثٍ وَنَحْوِهِ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ الْإِفْرَازُ عِنْدَ التَّسْلِيمِ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى صِحَّةِ بَيْعٍ مَشَاعٍ لَا يُمْكِنُ إفْرَازُهُ كَالْحَمَّامِ وَالطَّاحُونِ وَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْبَيْعَ) أَيْ الْوَاقِعَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَصَحَّ لَهُ بَيْعُ حِصَّتِهِ إلَخْ وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْبَحْرِ، لَكِنَّ إخْرَاجَ الْمُشْتَرَكِ عَنْ الْمِلْكِ بِهِبَةٍ يُشْتَرَطُ لَهُ كَوْنُهُ غَيْرَ قَابِلٍ لِلْقِسْمَةِ كَبَيْتٍ صَغِيرٍ وَحَمَّامٍ وَطَاحُونٍ، أَمَّا قَابِلُهَا فَلَا يَصِحُّ مَا لَمْ يُقْسَمْ فَيَصِيرُ كَالْمُشْتَرَكِ بِخَلْطٍ أَوْ اخْتِلَاطٍ وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ لَا حَاجَةَ إلَى إذْنِ الشَّرِيكِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 وَتَمَامُهُ فِي الرِّسَالَةِ الْمُبَارَكَةِ، فِي الْأَشْيَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ وَهِيَ نَافِعَةٌ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِالْإِفْتَاءِ. وَزَادَ الْوَانِيُّ الشُّفْعَةَ أَيْضًا فَرَاجِعْهُ. وَأَمَّا الِانْتِفَاعُ بِهِ بِغَيْبَةِ شَرِيكِهِ فَفِي بَيْتٍ وَخَادِمٍ وَأَرْضٍ يُنْتَفَعُ بِالْكُلِّ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ يَنْفَعُهَا الزَّرْعُ وَإِلَّا لَا بَحْرٌ، بِخِلَافِ الدَّابَّةِ وَنَحْوِهَا، وَتَمَامُهُ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ الْفُصُولَيْنِ   [رد المحتار] تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي الرِّسَالَةِ الْمُبَارَكَةِ إلَى قَوْلِهِ: وَأَمَّا الِانْتِفَاعُ) سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ فِي النَّهْرِ، وَبَاقِي الْأَحْكَامِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيَّنَّاهُ مُسْتَوْفًى فِي الرِّسَالَةِ الْمُبَارَكَةِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ فَعَلَيْك بِهَا تَزْدَدْ بِهَا بَهَاءً، فَإِنَّهَا لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِالْإِفْتَاءِ نَافِعَةٌ، وَأَنْوَارُ الْقَبُولِ عَلَيْهَا سَاطِعَةٌ (قَوْلُهُ: وَزَادَ الْوَانِيُّ) أَيْ مُحَشِّي الدُّرَرِ حَيْثُ قَالَ: قَوْلُهُ: إلَّا فِي صُورَةِ الْخَلْطِ وَالِاخْتِلَاطِ اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُشِيرَ إلَى اسْتِثْنَاءِ صُورَةِ الشُّفْعَةِ أَيْضًا، فَإِنَّهُمَا لَوْ وَرِثَا أَرْضًا لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ أَحَدُ الْوَارِثِينَ حِصَّتَهُ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ غَيْرُ خَارِجَةٍ عَنْ صُورَةِ الِاخْتِلَاطِ اهـ وَفِيهِ تَأَمَّلْ، بَلْ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ الشَّرِكَةِ بِسَبَبٍ جَبْرِيٍّ، فَإِذَا آلَتْ إلَيْهِمَا بِالْإِرْثِ جَازَ لِكُلٍّ التَّصَرُّفُ فِي حِصَّتِهِ وَإِنْ كَانَ لِشَرِيكِهِ الشُّفْعَةُ ط. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: إلَّا فِي صُورَةِ الْخَلْطِ وَالِاخْتِلَاطِ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِلَا إذْنِ الشَّرِيكِ، وَحَاصِلُهُ تَوَقُّفُ الصِّحَّةِ عَلَى إذْنِ الشَّرِيكِ، وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي الشُّفْعَةِ فَإِنَّ بَيْعَ الْحِصَّةِ مِنْ الدَّارِ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ لِلشَّرِيكِ حَقُّ التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ، فَإِنَّهُ إذَا ادَّعَى الشُّفْعَةَ يَتَمَلَّكُهَا مِلْكًا جَدِيدًا، وَإِنْ سَكَتَ يَبْقَى مِلْكُ الْمُشْتَرِي عَلَى حَالِهِ سَوَاءٌ أَذِنَ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الِانْتِفَاعُ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ عَنْ تَصَرُّفٍ مُضِرٍّ (قَوْلُهُ: فَفِي بَيْتٍ وَخَادِمٍ إلَخْ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَفِي الْكَرْمِ يَقُومُ عَلَيْهِ، فَإِذَا أُدْرِكَتْ الثَّمَرَةُ يَبِيعُهُ وَيَأْخُذُ حِصَّتَهُ وَيَقِفُ حِصَّةَ الْغَائِبِ فَإِذَا قَدِمَ الْغَائِبُ أَجَازَ بَيْعَهُ أَوْ ضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ؛ وَلَوْ أَدَّى الْخَرَاجَ فَمُتَبَرِّعٌ. أَرْضٌ بَيْنَهُمَا زَرَعَ أَحَدُهُمَا كُلَّهَا تُقْسَمُ الْأَرْضُ بَيْنَهُمَا، فَمَا وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ أَقَرَّ وَمَا وَقَعَ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ أَمَرَ بِقَلْعِهِ وَضَمِنَ نُقْصَانَ الْأَرْضِ هَذَا إذَا لَمْ يُدْرِكْ الزَّرْعَ، فَلَوْ أَدْرَكَ أَوْ قَرُبَ يَغْرَمُ الزَّارِعُ لِشَرِيكِهِ نُقْصَانَ نِصْفِهِ لَوْ انْتَقَصَتْ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ. اهـ. قُلْت: هَذَا إذَا كَانَ الشَّرِيكُ حَاضِرًا كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْأَرْضِ لَا تَكُونُ مَعَ الْغَائِبِ وَلِأَنَّهُ لَا يَكُونُ غَاصِبًا فِي صُورَةِ الْغَيْبَةِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ زِرَاعَتُهَا، نَعَمْ يُمْكِنُ كَوْنُهُ غَاصِبًا لَوْ كَانَتْ الزِّرَاعَةُ تَنْقُصُهَا، لِقَوْلِهِ فِي الْفُصُولَيْنِ وَيُفْتَى بِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ الزَّرْعَ يَنْفَعُ الْأَرْضَ لَا يُنْقِصُهَا فَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ كُلَّهَا، وَلَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِكُلِّ الْأَرْضِ مِثْلَ تِلْكَ الْمُدَّةِ لِرِضَا الْغَائِبِ فِي مِثْلِهِ دَلَالَةً؛ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الزَّرْعَ يُنْقِصُهَا أَوْ التَّرْكَ يَنْفَعُهَا وَيَزِيدُهَا قُوَّةً فَلَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا شَيْئًا أَصْلًا إذْ الرِّضَا لَمْ يَثْبُتْ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَزْرَعَ. اهـ. قُلْت: وَفِي الْقُنْيَةِ لَا يَلْزَمُ الْحَاضِرَ فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ أَجْرٌ، وَلَيْسَ لِلْغَائِبِ اسْتِعْمَالُهُ بِقَدْرِ تِلْكَ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ بَعْدَ الْخُصُومَةِ اهـ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ عَنْ الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ وَلِمَا ذَكَرَهُ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ الدَّارَ كَالْأَرْضِ وَأَنَّ لِلْغَائِبِ أَنْ يَسْكُنَ مِثْلَ مَا سَكَنَ شَرِيكُهُ وَأَنَّ الْمَشَايِخَ اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْغَصْبِ (قَوْلُهُ: يَنْتَفِعُ بِالْكُلِّ) فِي الْخَانِيَّةِ: لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْكُنَ كُلَّ الدَّارِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: لَهُ أَنْ يَسْكُنَ مِنْهَا قَدْرَ حِصَّتِهِ، وَلَوْ خَافَ أَنْ تُخَرَّبَ الدَّارُ لَهُ أَنْ يَسْكُنَ كُلَّهَا. اهـ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْمَشْهُورَةَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ نِصْفُ الدَّارِ مَثَلًا يَسْكُنُهَا كُلَّهَا مُدَّةً بِقَدْرِ حِصَّتِهِ كَنِصْفِ سَنَةٍ وَيَتْرُكَهَا نِصْفَ سَنَةٍ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَسْكُنُ نِصْفَهَا فَقَطْ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَخَفْ خَرَابَهَا بِالتَّرْكِ، فَلَوْ خَافَ يَسْكُنُهَا كُلَّهَا دَائِمًا، وَذُكِرَ فِي الْفُصُولَيْنِ وَكَذَا فِي الْخَادِمِ يَسْتَخْدِمُهُ الْحَاضِرُ بِحِصَّتِهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَسْتَخْدِمُهُ يَوْمًا وَيَتْرُكُهُ يَوْمًا بِقَدْرِ حِصَّةِ الْغَائِبِ، فَإِطْلَاقُ الشَّارِحِ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الدَّابَّةِ) لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الرُّكُوبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 وَشَرِكَهُ عَقْدٍ أَيْ وَاقِعَةٌ بِسَبَبِ الْعَقْدِ قَابِلَةٌ لِلْوَكَالَةِ. (وَرُكْنُهَا) أَيْ مَاهِيَّتُهَا (الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) وَلَوْ مَعْنًى؛ كَمَا لَوْ دَفَعَ لَهُ أَلْفًا وَقَالَ أَخْرِجْ مِثْلَهَا وَاشْتَرِ وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا. (وَشَرْطُهَا) أَيْ شَرِكَةِ الْعَقْدِ (كَوْنُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَابِلًا لِلْوَكَالَةِ) فَلَا تَصِحُّ فِي مُبَاحٍ كَاحْتِطَابٍ (وَعَدَمُ مَا يَقْطَعُهَا كَشَرْطِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ مِنْ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا) لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَرْبَحُ غَيْرُ الْمُسَمَّى (وَحُكْمُهَا الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ،) (وَهِيَ) أَرْبَعَةٌ: مُفَاوَضَةٌ، وَعِنَانٌ، وَتَقَبُّلٌ، وَوُجُوهٌ، وَكُلٌّ مِنْ الْأَخِيرَيْنِ يَكُونُ مُفَاوَضَةً وَعِنَانًا كَمَا سَيَجِيءُ -   [رد المحتار] لَا السُّكْنَى وَالِاسْتِخْدَامِ فُصُولَيْنِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ يَسْكُنُ وَحْدَهُ؛ أَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ وَعِيَالٌ كَثِيرُونَ لَا شَكَّ أَنَّ السُّكْنَى تَتَفَاوَتُ أَكْثَرَ مِنْ الرُّكُوبِ، وَكَذَا الِاسْتِخْدَامُ يَتَفَاوَتُ بِكَثْرَةِ الْأَعْمَالِ وَالْأَشْغَالِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَأَفَادَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّ الْمَنْعَ فِي الرُّكُوبِ خَاصَّةً لَا فِي غَيْرِهِ كَالْحَرْثِ وَنَحْوِهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ وَاقِعَةٌ بِسَبَبِ الْعَقْدِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَى السَّبَبِ وَهِيَ أَقْوَى الْإِضَافَاتِ، وَقَدْ سَلَفَ عَنْ الْكَمَالِ أَنَّ الْإِضَافَةَ لِلْبَيَانِ ط (قَوْلُهُ: قَابِلَةٌ لِلْوَكَالَةِ) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَابِلًا لِلْوَكَالَةِ. ط (قَوْلُهُ: الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) كَأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا: شَارَكْتُك فِي كَذَا وَيَقْبَلُ الْآخَرُ، وَلَفْظُ كَذَا كِنَايَةٌ عَنْ الشَّيْءِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا كَالْبَزِّ وَالْبَقْلِ، أَوْ عَامًّا كَمَا إذَا شَارَكَهُ فِي عُمُومِ التِّجَارَاتِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَعْنًى) يَرْجِعُ إلَى كُلٍّ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ط (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ دَفَعَ لَهُ أَلْفًا) أَيْ وَقَبِلَ الْآخَر وَأَخَذَهَا وَفَعَلَ انْعَقَدَتْ الشَّرِكَةُ بَحْرٌ، وَقَوْلُهُ: وَأَخَذَهَا عَطْفُ تَفْسِيرٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْقَبُولُ مَعْنًى وَهُوَ بِنَفْسِ الْأَخْذِ. . مَطْلَبُ شَرِكَةِ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ: وَشَرْطُهَا إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ كُلَّ صُوَرِ عُقُودِ الشَّرِكَةِ تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ وَذَلِكَ لِيَكُونَ مَا يُسْتَفَادُ بِالتَّصَرُّفِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، فَيَتَحَقَّقُ حُكْمُ عَقْدِ الشَّرِكَةِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ وَهُوَ الِاشْتِرَاكُ فِي الرِّبْحِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كُلٌّ مِنْهُمَا وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فِي النِّصْفِ وَأَصِيلًا فِي الْآخَر لَا يَكُونُ الْمُسْتَفَادُ مُشْتَرَكًا لِاخْتِصَاصِ الْمُشْتَرِي بِالْمُشْتَرَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ: كَاحْتِطَابٍ) وَاحْتِشَاشٍ وَاصْطِيَادٍ وَتَكَدٍّ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي كُلِّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِمَنْ بَاشَرَ السَّبَبَ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ) الْوَاوُ لِلْحَالِ ط: أَيْ فَيَلْزَمُ انْتِفَاءُ حُكْمِهَا لَوْ لَمْ يَرْبَحْ غَيْرَ الْمُسَمَّى، وَيُحْمَلُ كَوْنُ الْوَاوِ لِلْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ: وَشَرْطُهَا. مَطْلَبٌ: اشْتِرَاطُ الرِّبْحِ مُتَفَاوِتًا صَحِيحٌ، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ الْخُسْرَانِ [تَنْبِيهٌ] وَيُنْدَبُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ كَيْفِيَّةَ كِتَابَتِهِمْ فَقَالَ: هَذَا مَا اشْتَرَكَ عَلَيْهِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ اشْتَرَكَا عَلَى تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ثُمَّ يُبَيِّنُ قَدْرَ رَأْسِ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَيَقُولُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي أَيِّهِمَا يَشْتَرِيَانِ بِهِ وَيَبِيعَانِ جَمِيعًا وَشَتَّى وَيَعْمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِرَأْيِهِ وَيَبِيعُ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ، وَهَذَا وَإِنْ مَلَكَهُ كُلٌّ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الشَّرِكَةِ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِهِ ثُمَّ يَقُولُ: فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمَا، وَمَا كَانَ مِنْ وَضِيعَةٍ أَوْ تَبِعَةٍ فَكَذَلِكَ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْوَضِيعَةِ بِخِلَافِ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ بَاطِلٌ وَاشْتِرَاطُ الرِّبْحِ مُتَفَاوِتًا عِنْدَنَا صَحِيحٌ فِيمَا سَيُذْكَرُ، فَإِنْ اشْتَرَطَا التَّفَاوُتَ فِيهِ كَتَبَاهُ كَذَلِكَ، وَيُكْتَبُ التَّارِيخُ كَيْ لَا يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا لِنَفْسِهِ حَقًّا فِيمَا اشْتَرَاهُ الْآخَرُ قَبْلَ التَّارِيخِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ شَرِكَةُ الْعَقْدِ، وَقَوْلُهُ أَرْبَعَةٌ خَبَرٌ عَنْهُ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إمَّا مُفَاوَضَةٌ مَعَ مَا عَطَفَ عَلَيْهِ بَدَلٌ مِنْهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَكُلٌّ مِنْ الْأَخِيرَيْنِ) أَيْ التَّقَبُّلِ وَالْوُجُوهِ فَهِيَ حِينَئِذٍ سِتَّةٌ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الرَّكَاكَةِ فَكَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 إمَّا مُفَاوَضَةٌ) مِنْ التَّفْوِيضِ، بِمَعْنَى الْمُسَاوَاةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ (إنْ تَضَمَّنَتْ وَكَالَةً وَكَفَالَةً) لِصِحَّةِ الْوَكَالَةِ بِالْمَجْهُولِ ضِمْنًا لَا قَصْدًا (وَتَسَاوَيَا مَالًا) تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ، وَكَذَا رِبْحًا كَمَا حَقَّقَهُ الْوَانِيُّ (وَتَصَرُّفًا وَدَيْنًا) لَا يَخْفَى أَنَّ التَّسَاوِيَ فِي التَّصَرُّفِ يَسْتَلْزِمُ التَّسَاوِيَ فِي الدَّيْنِ، وَأَجَازَهَا أَبُو يُوسُفَ مَعَ اخْتِلَافِ الْمِلَّةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ (فَلَا تَصِحُّ) مُفَاوَضَةً وَإِنْ صَحَّتْ عِنَانًا (بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ) وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا (وَصَبِيٍّ وَبَالِغٍ وَمُسْلِمٍ وَكَافِرٍ) لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ   [رد المحتار] عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ وَهِيَ سِتَّةٌ: شَرِكَةٌ بِالْمَالِ وَبِالْأَعْمَالِ وَوُجُوهٌ، وَكُلٌّ إمَّا مُفَاوَضَةٌ أَوْ عِنَانٌ كَمَا قَالَ الشَّيْخَانِ الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ، وَجَرَى عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ، نَعَمْ مَا فَعَلَهُ الشَّارِحُ حَسَنٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إمَّا مُفَاوَضَةٌ وَإِمَّا عِنَانٌ خَاصٌّ بِشَرِكَةِ الْمَالِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ وَإِمَّا تَقَبُّلٌ وَإِمَّا وُجُوهٌ فَقَدْ دَفَعَ مَا يُوهِمُهُ الْمَتْنُ مِنْ أَنَّ الْأَخِيرَيْنِ لَا يَكُونَانِ مُفَاوَضَةً وَلَا عِنَانًا فَافْهَمْ وَسَنَذْكُرُ أَنَّ شُرُوطَ الْمُفَاوَضَةِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا فِي الْأَخِيرَيْنِ مَجَازٌ. مَطْلَبٌ فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ (قَوْلُهُ: مِنْ التَّفْوِيضِ) أَوْ مِنْ الْفَوْضِ الَّذِي مِنْهُ فَاضَ الْمَاءُ: إذَا عَمَّ فَتْحٌ، وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهَا شَرِكَةٌ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْمُفَاوَضَةُ الِاشْتِرَاكُ فِي كُلِّ شَيْءٍ الْمُسَاوَاةُ اهـ لَكِنَّهَا فِي الِاصْطِلَاحِ أَخُصُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِيهَا مُسَاوَاتُهُمَا فِي الْعَقَارِ وَالْعُرُوضِ كَمَا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: إنْ تَضَمَّنَتْ وَكَالَةً وَكَفَالَةً) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا وَجَبَ لِصَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ، وَفِيمَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفِيلِ عَنْهُ خَانِيَّةٌ. وَقَدْ اعْتَرَضَ ذِكْرَ الْوَكَالَةِ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُفَاوَضَةِ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ لَا بِدْعَ فِي ذِكْرِ شَرْطِ الشَّيْءِ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لِآخَرَ اهـ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ مَجْمُوعُ الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ وَهَذَا خَاصٌّ بِالْمُفَاوَضَةِ (قَوْلُهُ: لِصِحَّةِ الْوَكَالَةِ بِالْمَجْمُوعِ ضِمْنًا) جَوَابٌ عَمَّا أَوْرَدَ مِنْ أَنَّ الْوَكَالَةَ بِالْمَجْهُولِ لَا تَصِحُّ. وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَصِحُّ بِدُونِ قَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ وَهُوَ هُنَا مَجْهُولٌ. وَأُجِيبَ بِمِثْلِ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّارِحُ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ الْكَفَالَةَ أَيْضًا، لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ عَقِبَ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ: عَلَى أَنَّ الْفَتْوَى فِي الْكَفَالَةِ عَلَى الصِّحَّةِ: أَيْ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَبُولِ، وَسَبَقَهُ إلَى هَذَا فِي الدُّرَرِ، فَالِاعْتِرَاضُ بِهَا سَاقِطٌ مِنْ أَصْلِهِ فَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهَا الشَّارِحُ، لَكِنْ فِيهِ اشْتِبَاهٌ، وَهُوَ أَنَّ الْوَاقِعَ هُنَا جَهَالَةُ الْمَكْفُولِ لَهُ. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْعِلْمَ بِهِ شَرْطٌ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ قَبُولِ الْكَفَالَةِ فَقِيلَ يُشْتَرَطُ وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ وَصَحَّحُوهُ، وَقِيلَ غَيْرُ شَرْطٍ وَصُحِّحَ أَيْضًا (قَوْلُهُ: تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ) صِفَةٌ لِقَوْلِهِ مَالًا، احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ اخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِمِلْكِ عَرْضٍ أَوْ عَقَارٍ كَمَا يَأْتِي أَوْ دَيْنٍ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَلَوْ قَبَضَهُ بَطَلَتْ وَانْقَلَبَتْ عِنَانًا إذْ تُشْتَرَطُ الْمُسَاوَاةُ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: كَمَا حَقَّقَهُ الْوَانِيُّ) أَخْذًا مِنْ كَوْنِهَا عِبَارَةً عَنْ الْمُسَاوَاةِ فِي جَمِيعِ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الشَّرِكَةُ وَقَالَ فَلِذَا لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ. قُلْت: فِي الْخَانِيَّةِ وَيُشْتَرَطُ الْمُسَاوَاةُ فِي الرِّبْحِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: يَسْتَلْزِمُ التَّسَاوِي فِي الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ إذَا اشْتَرَى خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا لَا يَقْدِرُ الْمُسْلِمُ أَنْ يَبِيعَهُ وَكَالَةً مِنْ جِهَتِهِ، فَيَفُوتُ شَرْطُ التَّسَاوِي فِي التَّصَرُّفِ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ: مَعَ الْكَرَاهَةِ) ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَهْتَدِي إلَى الْجَائِزِ مِنْ الْعُقُودِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: وَمُسْلِمٍ وَكَافِرٍ) أَفَادَ أَنَّهَا تَصِحُّ بَيْنَ ذِمِّيِّينَ كَنَصْرَانِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ) فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَالْكِفَايَةَ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى بِخِلَافِ الْحُرِّ، وَالصَّبِيُّ لَا يَمْلِكُ الْكَفَالَةَ أَصْلًا وَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ بِخِلَافِ الْبَالِغِ وَالْكَافِرُ يَقْدِرُ عَلَى تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمَلُّكِهَا، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 وَأَفَادَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بَيْنَ صَبِيَّيْنِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمَا لِلْكَفَالَةِ وَلَا مَأْذُونَيْنِ لِتَفَاوُتِهِمَا قِيمَةً (وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَمْ تَصِحَّ الْمُفَاوَضَةُ لِفَقْدِ شَرْطِهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْعِنَانِ كَانَ عِنَانًا) كَمَا مَرَّ (لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهِ) كَمَا سَيَتَّضِحُ. (وَتَصِحُّ) الْمُفَاوَضَةُ (بَيْنَ حَنَفِيٍّ وَشَافِعِيٍّ) وَإِنْ تَفَاوَتَا تَصَرُّفًا فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ لِتَسَاوِيهِمَا مِلَّةً، وَوِلَايَةُ الْإِلْزَامِ بِالْحُجَّةِ ثَابِتَةٌ (وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ) وَإِنْ لَمْ يَعْرِفَا مَعْنَاهَا سِرَاجٌ (أَوْ بَيَانِ) جَمِيعِ (مُقْتَضَيَاتِهَا) إنْ لَمْ يُذْكَرْ لَفْظُهَا إذْ الْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى لَا لِلْمَبْنَى وَإِذَا صَحَّتْ (فَمَا اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا يَقَعُ مُشْتَرَكًا إلَّا طَعَامَ أَهْلِهِ وَكِسْوَتَهُمْ)   [رد المحتار] أَفَادَهُ فِي الدُّرَرِ وَالنَّهْرِ وَفِي عِبَارَةِ ح هُنَا سَقْطٌ فَتَنَبَّهْ. (قَوْلُهُ: وَأَفَادَ) أَيْ بِالدَّلَالَةِ الْأَوْلَوِيَّةِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمَا لِلْكَفَالَةِ) أَيْ وَلَوْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَا مَأْذُونَيْنِ) وَلَا مُكَاتَبَيْنِ نَهْرٌ وَلَا بَيْنَ حُرٍّ وَمُكَاتَبٍ، وَلَا بَيْنَ مَجْنُونٍ وَعَاقِلٍ ح عَنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ: لِتَفَاوُتِهِمَا قِيمَةً) أَيْ فَإِنَّهُمَا وَإِنْ كَانَا أَهْلًا لِلْكَفَالَةِ بِالْإِذْنِ إلَّا أَنَّهُمَا يَتَفَاضَلَانِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُمَا يَتَفَاوَتَانِ قِيمَةً فَلَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا كَفِيلًا بِجَمِيعِ مَا لَزِمَ صَاحِبَهُ نَهْرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ رَقَبَتَهُمَا يَتَعَلَّقُ بِقِيمَتِهِمَا فَيَلْزَمُ مُطَالَبَةُ الْأَكْثَرِ قِيمَةً بِأَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْعِنَانِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ احْتَرَزَ بِهَا عَمَّا يُشْتَرَطُ فِي الْعِنَانِ أَيْضًا كَعَدَمِ اشْتِرَاطِ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ مِنْ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا فَلَا تَكُونُ عِنَانًا أَيْضًا (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) فِي قَوْلِهِ وَإِنْ صَحَّتْ عِنَانًا ح (قَوْلُهُ: لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهِ) أَيْ شَرَائِطِ الْعِنَانِ (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَتَّضِحُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ فَتَصِحُّ مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْكَفَالَةِ. ح (قَوْلُهُ: لِتَسَاوِيهِمَا مِلَّةً إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ لِأَبِي يُوسُفَ عَلَى جَوَازِهَا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ بِإِبْدَاءِ الْفَارِقِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَمَّا الْحَنَفِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فَالْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا ثَابِتَةٌ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى كَوْنِهِ لَيْسَ مَالًا مُتَقَوِّمًا قَائِمٌ، وَوِلَايَةُ الْإِلْزَامِ بِالْمُحَاجَّةِ ثَابِتَةٌ بِاتِّحَادِ الْمِلَّةِ وَالِاعْتِقَادِ فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ لِلشَّافِعِيِّ كَالْحَنَفِيِّ اهـ أَيْ بِخِلَافِ الْكَافِرِ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَإِنْ كَانَ قَائِمًا لَكِنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ مِلَّتَنَا حَتَّى نُلْزِمَهُ بِالدَّلِيلِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَعْرِفَا مَعْنَاهَا) ؛ لِأَنَّ لَفْظَهَا عُلِمَ عَلَى تَمَامِ الْمُسَاوَاةِ فِي أَمْرِ الشَّرِكَةِ فَإِذَا ذَكَرَاهُ تَثْبُتُ أَحْكَامُهَا إقَامَةً لِلَّفْظِ مُقَامَ الْمَعْنَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ: أَوْ بَيَانُ جَمِيعِ مُقْتَضَيَاتِهَا) بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا وَهُمَا حُرَّانِ بَالِغَانِ مُسْلِمَانِ أَوْ ذِمِّيَّانِ شَارَكْتُك فِي جَمِيعِ مَا أَمْلِكُ مِنْ نَقْدٍ وَقَدِّرْ مَا تَمْلِكُ عَلَى وَجْهِ التَّفْوِيضِ الْعَامِّ مِنْ كُلٍّ مِنَّا لِلْآخَرِ فِي التِّجَارَاتِ وَالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ، وَعَلَى أَنَّ كُلًّا ضَامِنٌ عَنْ الْآخَرِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ أَمْرِ كُلِّ بَيْعٍ فَتْحٌ. . 1 - مَطْلَبٌ فِيمَا يَقَعُ كَثِيرًا فِي الْفَلَّاحِينَ مِمَّا صُورَتُهُ شَرِكَةُ مُفَاوَضَةٍ [تَنْبِيهٌ] يَقَعُ كَثِيرًا فِي الْفَلَّاحِينَ وَنَحْوِهِمْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَمُوتُ فَتَقُومُ أَوْلَادُهُ عَلَى تَرِكَتِهِ بِلَا قِسْمَةٍ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا مِنْ حَرْثٍ وَزِرَاعَةٍ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَاسْتِدَانَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَتَارَةً يَكُونُ كَبِيرُهُمْ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى مُهِمَّاتِهِمْ وَيَعْمَلُونَ عِنْدَهُ بِأَمْرِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِطْلَاقِ وَالتَّفْوِيضِ، لَكِنْ بِلَا تَصْرِيحٍ بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ وَلَا بَيَانِ جَمِيعِ مُقْتَضَيَاتِهَا مَعَ كَوْنِ التَّرِكَةِ أَغْلَبُهَا أَوْ كُلُّهَا عُرُوضٌ لَا تَصِحُّ فِيهَا شَرِكَةُ الْعَقْدِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ، خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ فِي زَمَانِنَا مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ بَلْ هِيَ شَرِكَةُ مِلْكٍ كَمَا حَرَّرْته فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ. ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِهِ بِعَيْنِهِ فِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ، فَإِذَا كَانَ سَعْيُهُمْ وَاحِدًا وَلَمْ يَتَمَيَّزْ مَا حَصَّلَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَمَلِهِ يَكُونُ مَا جَمَعُوهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الْعَمَلِ وَالرَّأْيِ كَثْرَةً وَصَوَابًا كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ، وَمَا اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمْ لِنَفْسِهِ يَكُونُ لَهُ وَيَضْمَنُ حِصَّةَ شُرَكَائِهِ مِنْ ثَمَنِهِ إذَا دَفَعَهُ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، وَكُلُّ مَا اسْتَدَانَهُ أَحَدُهُمْ يُطَالَبُ بِهِ وَحْدَهُ. وَقَدْ سُئِلَ فِي الْخَيْرِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى عَنْ إخْوَةٍ أَشِقَّاءَ عَائِلَتِهِمْ وَكَسْبُهُمْ وَاحِدٌ وَكُلٌّ مُفَوِّضٌ لِأَخِيهِ جَمِيعَ التَّصَرُّفَاتِ ادَّعَى أَحَدُهُمْ أَنَّهُ اشْتَرَى بُسْتَانًا لِنَفْسِهِ. فَأَجَابَ: إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ تُقْبَلُ وَإِنْ كَتَبَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الْمَعْلُومَ بِدَلَالَةِ الْحَالِ كَالْمَشْرُوطِ بِالْمَقَالِ، وَأَرَادَ بِالْمُسْتَثْنَى مَا كَانَ مِنْ حَوَائِجِهِ وَلَوْ جَارِيَةً لِلْوَطْءِ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ كَمَا يَأْتِي (وَلِلْبَائِعِ مُطَالَبَةُ أَيِّهِمَا شَاءَ بِثَمَنِهِمَا) أَيْ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ (وَيَرْجِعُ الْآخَرُ) بِمَا أَدَّى (عَلَى الْمُشْتَرِي بِقَدْرِ حِصَّتِهِ) إنْ أَدَّى مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ (وَكُلُّ دَيْنٍ لَزِمَ أَحَدَهُمَا بِتِجَارَةٍ) وَاسْتِقْرَاضٍ (وَغَصْبٍ) وَاسْتِهْلَاكٍ (وَكَفَالَةٍ بِمَالٍ -   [رد المحتار] صَكِّ التَّبَايُعِ أَنَّهُ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ. اهـ. مُلَخَّصًا وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْآتِي. (قَوْلُهُ: اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ الْمُشْتَرَى وَالْكِسْوَةُ الْمُشْتَرَاةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ عُقُودِ التِّجَارَةِ فَكَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يَتَنَاوَلُهُ عَقْدُ الشَّرِكَةِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَعْلُومَ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يَقْصِدْ بِالْمُفَاوَضَةِ أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهُ وَنَفَقَةُ عِيَالِهِ عَلَى شَرِيكِهِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِ حَاجَتِهِ إلَّا بِالشِّرَاءِ فَصَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَثْنِيًا هَذَا الْقَدْرَ مِنْ تَصَرُّفِهِ وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمَعْلُومُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ كَالِاسْتِثْنَاءِ الْمَشْرُوطِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ: مَا كَانَ مِنْ حَوَائِجِهِ) شَمِلَ شِرَاءَ بَيْتِ السُّكْنَى وَالِاسْتِئْجَارِ لِلسُّكْنَى أَوْ لِلرُّكُوبِ لِحَاجَتِهِ كَالْحَجِّ وَغَيْرِهِ وَكَذَا الْإِدَامُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَارِيَةً لِلْوَطْءِ) لَكِنْ هُنَا لَا يَرْجِعُ شَرِيكُهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ ثَمَنِهَا الْمُؤَدَّى مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ (قَوْلُهُ: كَمَا يَأْتِي) أَيْ فِي الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ: أَيِّهِمَا شَاءَ) أَيْ الْمُشْتَرِي بِالْأَصَالَةِ وَصَاحِبُهُ بِالْكَفَالَةِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ: بِمَا أَدَّى) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ أَدَّى الْمُشْتَرِي، نَعَمْ يُفْهَمُ ذَلِكَ دَلَالَةً. وَفِي ط عَنْ الشَّلَبِيِّ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: وَإِنْ نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ ضَمِنَ نِصْفَهُ لِصَاحِبِهِ، فَإِذَا وَصَلَ إلَى يَدِهِ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ؛ لِأَنَّهُ فَضْلُ مَالِ شَرِيكِهِ وَالْفَضْلُ فِي الْمَالِ يُبْطِلُ الْمُفَاوَضَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ حِصَّتِهِ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ بِمَا أَدَّى (قَوْلُهُ: إنْ أَدَّى مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ) وَإِنْ أَدَّى مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ مِلْكٌ لَهُ لَا يَرْجِعُ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ؛ لِأَنَّهُ بِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ زَادَ مَالُهُ وَإِلَّا فَلَا تَبْطُلُ كَمَا إذَا دَفَعَ عَرْضًا كَمَا لَا يَخْفَى. ط (قَوْلُهُ: وَكُلُّ دَيْنٍ لَزِمَ أَحَدَهُمَا إلَخْ) يُسْتَثْنَى مَا إذَا كَانَ الدَّائِنُ الشَّرِيكُ، لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ ثَوْبًا لِيَقْطَعَهُ قَمِيصًا لِنَفْسِهِ أَوْ أَمَةً لِيَطَأَهَا أَوْ طَعَامًا لِأَهْلِهِ جَازَ الْبَيْعُ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ شَيْئًا مِنْ الشَّرِكَةِ لِأَجْلِ التِّجَارَةِ اهـ فَفِي صُورَةِ الْجَوَازِ لَزِمَهُ الثَّمَنُ وَلَمْ يَلْزَمْ شَرِيكَهُ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَيَكُونُ الثَّمَنُ نِصْفُهُ لَهُ وَنِصْفُهُ لِشَرِيكِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي، وَإِنَّمَا جَازَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَقَعُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا حَيْثُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إذْ لَوْ صَحَّ عَادَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا كَمَا كَانَ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَبْدٌ مِيرَاثٌ فَاشْتَرَاهُ الْآخَرُ لِلتِّجَارَةِ جَازَ وَكَانَ بَيْنَهُمَا. اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الشِّرَاءَ هُنَا مُفِيدٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَكًا قَبْلَ الشِّرَاءِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ: بِتِجَارَةٍ) كَثَمَنِ الْمُشْتَرَى فِي بَيْعٍ جَائِزٍ وَقِيمَتُهُ فِي فَاسِدٍ، سَوَاءٌ كَانَ مُشْتَرَكًا أَوْ لِنَفْسِهِ، وَأُجْرَةُ مَا اسْتَأْجَرَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِحَاجَةِ التِّجَارَةِ، وَكَذَا مَهْرُ الْمُشْتَرَاةِ الْمَوْطُوءَةِ لِأَحَدِهِمَا إذَا اسْتَحَقَّتْ فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَأْخُذَ أَيُّهُمَا شَاءَ بِالْعُقْرِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ، بِخِلَافِ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَاسْتِقْرَاضٍ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الْإِقْرَاضُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَحْرٌ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَغَصْبٍ) الْمُرَادُ بِهِ مَا يُشْبِهُ ضَمَانَ التِّجَارَةِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الِاسْتِهْلَاكُ الْوَدِيعَةُ الْمَجْحُودَةُ أَوْ الْمُسْتَهْلَكَةُ، وَكَذَا الْعَارِيَّةُ؛ لِأَنَّ تَقَرُّرَ الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ يُفِيدُ لَهُ تَمَلُّكَ الْأَصْلِ فَيَصِيرُ فِي مَعْنَى التِّجَارَةِ بَحْرٌ. وَعَلَيْهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِتِجَارَةٍ أَوْ يُشْبِهُهَا كَاسْتِقْرَاضٍ وَغَصْبٍ إلَخْ، وَخَرَجَ مَا لَا يُشْبِهُ ضَمَانَ التِّجَارَةِ كَمَهْرٍ وَبَدَلِ خُلْعٍ أَوْ جِنَايَةٍ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَكَفَالَةٍ بِمَالٍ بِأَمْرِهِ) هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ. وَقَالَا: لَا يَلْزَمُ الْآخَرَ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ، وَلَهُ أَنَّهَا تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَمُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً؛ لِأَنَّ لِلْكَفِيلِ تَضْمِينَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ لَوْ كَانَتْ بِأَمْرِهِ، بِخِلَافِ كَفَالَةِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، وَكَذَا كَفَالَةُ الْمَالِ بِلَا أَمْرٍ، فَلَا يَلْزَمُ صَاحِبَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 بِأَمْرِهِ لَزِمَ الْآخَرَ وَلَوْ) لُزُومُهُ (بِإِقْرَارِهِ) إلَّا إذَا أَقَرَّ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَلَوْ مُعْتَدَّتَهُ فَيَلْزَمُهُ خَاصَّةً كَمَهْرٍ وَخُلْعٍ وَجِنَايَةٍ وَكُلِّ مَا لَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِيهِ (وَ) فَائِدَةُ اللُّزُومِ أَنَّهُ (إذَا ادَّعَى عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَهُ تَحْلِيفُ الْآخَرِ) وَلَوْ ادَّعَى عَلَى الْغَائِبِ لَهُ تَحْلِيفُ الْحَاضِرِ عَلَى عِلْمِهِ، ثُمَّ إذَا قَدِمَ لَهُ تَحْلِيفُهُ أَلْبَتَّةَ وَلْوَالَجِيَّةٌ (وَبَطَلَتْ إنْ وَهَبَ لِأَحَدِهِمَا أَوْ وَرِثَ مَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ) مِمَّا يَجِيءُ وَوَصَلَ لِيَدِهِ وَلَوْ بِصَدَقَةٍ أَوْ إيصَاءٍ لِفَوَاتِ الْمُسَاوَاةِ بَقَاءً وَهِيَ شَرْطٌ كَالِابْتِدَاءِ (لَا) تَبْطُلُ بِقَبْضِ (مَا لَا تَصِحُّ فِيهِ) الشَّرِكَةُ (كَعَرْضٍ وَعَقَارٍ، وَ) إذَا بَطَلَتْ بِمَا ذُكِرَ   [رد المحتار] فِي الصَّحِيحِ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لُزُومُهُ) أَيْ لُزُومُ مَا ذُكِرَ مِنْ الثَّلَاثَةِ بِإِقْرَارِهِ: أَيْ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ وَسَنَذْكُرُ فِي الْفُرُوعِ أَنَّ إقْرَارَهُ بِالِاسْتِقْرَاضِ يَلْزَمُهُ خَاصَّةً، وَيَأْتِي تَمَامُهُ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ لُزُومِهِ بِالْإِقْرَارِ فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ، أَمَّا الْعِنَانُ فَلَا يَمْضِي إقْرَارُهُ عَلَى شَرِيكِهِ بَلْ عَلَى نَفْسِهِ عَلَى تَفْصِيلٍ سَنَذْكُرُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا إقْرَارُهُ بِدَيْنٍ (قَوْلُهُ: لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ) كَأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَامْرَأَتِهِ. وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُ شَرِيكَهُ أَيْضًا إلَّا لِعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُعْتَدَّتُهُ) أَيْ عَنْ نِكَاحٍ، فَلَوْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ يَلْزَمُهُمَا وَإِنْ كَانَتْ فِي عِدَّتِهِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ لَهَا جَائِزَةٌ، بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ نِكَاحٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَخُلْعٍ) عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ بَدَلِ خُلْعٍ، كَمَا لَوْ عَقَدَتْ امْرَأَةٌ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ مَعَ آخَرَ ثُمَّ خَالَعَتْ زَوْجَهَا عَلَى مَالٍ لَا يَلْزَمُ شَرِيكَهَا، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّتْ بِبَدَلِ الْخُلْعِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَجِنَايَةٍ) أَيْ أَرْشِ جِنَايَةٍ عَلَى الْآدَمِيِّ، أَمَّا الْجِنَايَةُ عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ الثَّوْبِ فَيَلْزَمُ شَرِيكَهُ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ، لِمَا أَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ نَهْرٌ عَنْ الْحَدَّادِيِّ (قَوْلُهُ: وَكُلِّ مَا لَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِيهِ) كَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَعَنْ النَّفَقَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَفَائِدَةُ اللُّزُومِ إلَخْ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَلْزَمُ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ بِمُبَاشَرَةِ الْآخَرِ وَمَا لَا يَلْزَمُهُ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ إذَا ادَّعَى عَلَى أَحَدِهِمَا) أَيْ ادَّعَى عَلَيْهِ بَيْعًا أَوْ نَحْوَهُ فَلَهُ تَحْلِيفُ الْآخَرِ: أَيْ الَّذِي لَمْ يُبَاشِرْ الْعَقْدَ، لَكِنْ يَحْلِفُ الْمُبَاشِرُ عَلَى الْبَتِّ أَيْ الْقَطْعِ بِأَنْ يَحْلِفَ إنِّي مَا بِعْتُك مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ نَفْسِهِ وَيَحْلِفُ الْآخَرُ عَلَى الْعِلْمِ، بِأَنْ يَحْلِفَ إنِّي لَا أَعْلَمُ أَنَّ شَرِيكِي بَاعَك، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ الْآخَرَ لِأَنَّ الدَّعْوَى عَلَى أَحَدِهِمَا دَعْوَى عَلَيْهِمَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِمَا يُسْتَحْلَفُ كُلَّ وَاحِدٍ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسْتَحْلَفُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَأَيُّهُمَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ يَمْضِي الْأَمْرُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَ أَحَدِهِمَا كَإِقْرَارِهِمَا. اهـ. وَهَذَا لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمَا مُبَاشِرَيْنِ كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ، فَلَوْ كَانَ الْمُبَاشِرُ أَحَدَهُمَا يَحْلِفُ الْآخَرُ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ غَيْرِهِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَلَوْ ادَّعَى عَلَى الْغَائِبِ) أَيْ عَلَى فِعْلِ الْغَائِبِ، بِأَنْ ادَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ بِأَنَّ شَرِيكَك الْغَائِبَ بَاعَنِي كَذَا (قَوْلُهُ: لَهُ تَحْلِيفُ الْحَاضِرِ عَلَى عِلْمِهِ) ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ غَيْرِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لَهُ تَحْلِيفُهُ أَلْبَتَّةَ) ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحْلِفُهُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ بَحْرٌ. قَالَ ح، أَيْ الْيَمِينُ أَلْبَتَّةَ، فَأَلْبَتَّةَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ الْمَحْذُوفِ قِيَامَ الصِّفَةِ مَقَامَ الْمَوْصُوفِ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ ادَّعَى عَلَى أَحَدِهِمَا أَرْشَ جِرَاحَةٍ خَطَأً وَاسْتَحْلَفَهُ أَلْبَتَّةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْلِيفُ الْآخَرِ، وَكَذَا الْمَهْرُ وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ غَيْرُ دَاخِلَةٍ تَحْتَ الشَّرِكَةِ فَلَا يَكُونُ فِعْلَ أَحَدِهِمَا كَفِعْلِهِمَا. (قَوْلُهُ: وَبَطَلَتْ إنْ وَهَبَ إلَخْ) لَوْ قَالَ وَبَطَلَتْ إنْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا إلَخْ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَفْوَدَ لِشُمُولِهِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْإِيصَاءِ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ: مِمَّا يَجِيءُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَلَا تَصِحُّ مُفَاوَضَةٌ وَعِنَانٌ بِغَيْرِ النَّقْدَيْنِ إلَخْ ط (قَوْلُهُ: وَوَصَلَ لِيَدِهِ) مُقْتَضَاهُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِي الْمَوْرُوثِ أَيْضًا. وَرَدَّهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِأَنَّ الْمِلْكَ حَصَلَ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ اهـ ح وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّقْدِ الْعَيْنِ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ لِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ: وَلَوْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا دَيْنًا، وَهُوَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ لَا تَبْطُلُ حَتَّى تُقْبَضَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِيهِ أَفَادَهُ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ: كَعَرْضٍ) أَدْخَلَتْ الْكَافُ الدُّيُونَ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِهَا إلَّا بِالْقَبْضِ ط عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: بِمَا ذُكِرَ) أَيْ بِمِلْكِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 صَارَتْ عِنَانًا) أَيْ تَنْقَلِبُ إلَيْهَا. (وَلَا تَصِحُّ مُفَاوَضَةٌ وَعِنَانٌ) ذُكِرَ فِيهِمَا الْمَالُ وَإِلَّا فَهُمَا تَقَبُّلٌ وَوُجُوهٌ (بِغَيْرِ النَّقْدَيْنِ، وَالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ وَالتِّبْرِ وَالنُّقْرَةِ) أَيْ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ لَمْ يُضْرَبَا (إنْ جَرَى) مَجْرَى النُّقُودِ (التَّعَامُلُ بِهِمَا) وَإِلَّا فَكَعُرُوضٍ (وَصَحَّتْ بِعَرْضٍ) هُوَ الْمَتَاعُ غَيْرُ النَّقْدَيْنِ وَيُحَرَّكُ قَامُوسٌ (إنْ بَاعَ كُلٌّ مِنْهُمَا نِصْفَ عَرْضِهِ بِنِصْفِ عَرْضِ الْآخَرِ ثُمَّ عَقَدَاهَا) مُفَاوَضَةً أَوْ عِنَانًا، وَهَذِهِ حِيلَةٌ لِصِحَّتِهَا بِالْعُرُوضِ وَهَذَا إنْ تَسَاوَيَا قِيمَةً، وَإِنْ تَفَاوَتَا بَاعَ صَاحِبُ الْأَقَلِّ بِقَدْرِ مَا تَثْبُتُ بِهِ الشَّرِكَةُ ابْنُ كَمَالٍ، فَقَوْلُهُ بِنِصْفِ عَرْضِ الْآخَرِ اتِّفَاقِيٌّ   [رد المحتار] أَحَدِهِمَا مَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ ط (قَوْلُهُ: صَارَتْ عِنَانًا) لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُسَاوَاةِ فِيهَا ط عَنْ الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ: ذُكِرَ فِيهِمَا الْمَالُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي شَرِكَةِ الْأَمْوَالِ اهـ ح أَيْ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ إمَّا مُفَاوَضَةٌ وَإِمَّا عِنَانٌ خَاصٌّ بِشَرِكَةِ الْمَالِ بِدَلِيلِ عَطْفِهِ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَتَقَبُّلٌ وَوُجُوهٌ. وَقَدْ تَابَعَ الشَّارِحُ النَّهْرُ وَالدُّرَرُ (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ النَّقْدَيْنِ) فَلَا تَصِحَّانِ بِالْعَرْضِ وَلَا بِالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِ الْمُتَقَارِبِ قَبْلَ الْخَلْطِ بِجِنْسِهِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَيَكُونُ الْمَخْلُوطُ شَرِكَةَ مِلْكٍ وَهُوَ قَوْلُ الثَّانِي. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: شَرِكَةُ عَقْدٍ، وَأَثَرُ الْخِلَافِ يَظْهَرُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَشْرُوطِ مِنْ الرِّبْحِ، وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لَا تَنْعَقِدُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَالْفُلُوسُ النَّافِقَةُ) أَيْ الرَّائِجَةُ، وَكَانَ يُغْنِي عَنْهُ مَا بَعْدَهُ مِنْ التَّقْيِيدِ بِجَرَيَانِ التَّعَامُلِ وَالْجَوَازِ بِهَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ بِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ فَلَا تَبْطُلُ مَا لَمْ يَصْطَلِحْ عَلَى ضِدِّهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَالتِّبْرِ وَالنُّقْرَةِ) فِي الْمُغْرِبِ: التِّبْرُ مَا لَمْ يُضْرَبْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّقْرَةُ الْقِطْعَةُ الْمُذَابَةُ مِنْهُمَا. اهـ. زَادَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَقِيلَ الذَّوْبُ هِيَ التِّبْرُ، فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لَهُمَا لِأَخْذِ عَدَمِ الضَّرْبِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ التِّبْرَ لَمْ يَذُبْ فِي النَّارِ تَأَمَّلْ. (قَوْلَهُ: إنْ جَرَى التَّعَامُلُ بِهِمَا) قَيَّدَ بِذَلِكَ زِيَادَةً عَلَى مَا فِي الْكَنْزِ لِيُوَافِقَ الرِّوَايَةَ الْمُصَحَّحَةَ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّتْ) أَيْ شَرِكَةُ الْأَمْوَالِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُفَاوَضَةً أَوْ عِنَانًا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ ثُمَّ عَقَدَاهَا مُفَاوَضَةً أَوْ عِنَانًا ط (قَوْلُهُ: إنْ بَاعَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ صَارَ بَيْنَهُمَا شَرِكَةَ مِلْكٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ ثُمَّ بِالْعَقْدِ بَعْدَهُ صَارَتْ شَرِكَةَ عَقْدٍ فَيَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: بِنِصْفِ عَرْضِ الْآخَرِ) وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ عَقَدَ الشَّرِكَةَ فِي الْعَرْضِ الَّذِي بَاعَهُ جَازَ أَيْضًا زَيْلَعِيٌّ وَبَحْرٌ، وَقَوْلُهُ: الَّذِي بَاعَهُ يَعْنِي الَّذِي بَاعَ نِصْفَهُ بِالدَّرَاهِمِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ بَيْعُ النِّصْفِ بِالنِّصْفِ (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ مَا تَثْبُتُ بِهِ الشَّرِكَةُ) أَوْضَحَهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنْ تَكُونَ قِيمَةُ عَرْضِ أَحَدِهِمَا أَرْبَعَمِائَةٍ وَقِيمَةُ عَرْضِ الْآخَرِ مِائَةً، فَإِنَّهُ يَبِيعُ صَاحِبُ الْأَقَلِّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ عَرْضِهِ بِخُمْسِ عَرْضِ الْآخَرِ فَيَصِيرُ الْمَتَاعُ كُلُّهُ أَخْمَاسًا وَيَكُونُ الرِّبْحُ كُلُّهُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالَيْهِمَا اهـ. وَرَدَّهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ هَذَا الْحَمْلَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ مَالِهِ بِنِصْفِ مَالِ الْآخَرِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ قِيمَتُهُمَا حَتَّى يَصِيرَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَكَذَا الْعَكْسُ جَائِزٌ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُمَا مُتَسَاوِيَةً فَبَاعَاهُ عَلَى التَّفَاوُتِ، بِأَنْ بَاعَ أَحَدُهُمَا رُبْعَ مَالِهِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ مَالِ الْآخَرِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ بَاعَ نِصْفَ مَالِهِ إلَخْ وَقَعَ اتِّفَاقًا أَوْ قَصْدًا لِيَكُونَ شَامِلًا لِلْمُفَاوَضَةِ وَالْعِنَانِ؛ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ شَرْطُهَا التَّسَاوِي بِخِلَافِ الْعِنَانِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّ مَا صَوَّرَهُ فِي النِّهَايَةِ هُوَ الْوَاقِعُ عَادَةً؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْبَعِمِائَةِ مَثَلًا لَا يَرْضَى فِي الْعَادَةِ بِبَيْعِ نِصْفِ عَرْضِهِ بِنِصْفِ عَرْضِ صَاحِبِ الْمِائَةِ حَتَّى يَصِيرَ الْعَرْضَانِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ، لَكِنَّ مُطْلَقَ الْكَلَامِ يُحْمَلُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ، وَلِذَا حَمَلُوا مَا فِي الْمُتُونِ مِنْ بَيْعِ النِّصْفِ بِالنِّصْفِ عَلَى مَا إذَا تَسَاوَيَا قِيمَةً فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: اتِّفَاقِيٌّ) أَيْ لَمْ يُقْصَدْ ذِكْرُهُ لِفَائِدَةٍ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ فَائِدَتَهُ مُوَافَقَتُهُ لِلْعَادَةِ وَشُمُولُهُ لِلْمُفَاوَضَةِ أَيْ نَصًّا، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بَعْضَ عَرْضِهِ بِبَعْضِ عَرْضِ الْآخَرِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ شَمَلَ الْمُفَاوَضَةَ أَيْضًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 (وَلَا تَصِحُّ بِمَالٍ غَائِبٍ أَوْ دَيْنٍ مُفَاوَضَةً كَانَتْ أَوْ عِنَانًا) لِتَعَذُّرِ الْمُضِيِّ عَلَى مُوجِبِ الشَّرِكَةِ. [مَطْلَبٌ الشَّرِكَةُ بِمَالِ غَائِبٍ] (وَإِمَّا عِنَانٌ) بِالْكَسْرِ وَتُفْتَحُ (إنْ تَضَمَّنَتْ وَكَالَةً فَقَطْ) بَيَانٌ لِشَرْطِهَا (فَتَصِحُّ مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ) كَصَبِيٍّ وَمَعْتُوهٍ يَعْقِلُ الْبَيْعَ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْكَفَالَةِ) لِكَوْنِهَا لَا تَقْتَضِي الْكَفَالَةَ بَلْ الْوَكَالَةَ [مَطْلَبٌ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ] (وَ) لِذَا (تَصِحُّ) عَامًّا   [رد المحتار] لَكِنْ لَا يَشْمَلُهَا إلَّا إذَا أُرِيدَ بِالْبَعْضِ النِّصْفُ دُونَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فَافْهَمْ، نَعَمْ هُوَ اتِّفَاقِيٌّ بِالنَّظَرِ إلَى جَوَازِ بَيْعِ نِصْفِهِ بِالدَّرَاهِمِ كَمَا مَرَّ. . مَطْلَبٌ لَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ بِمَالِ غَائِبٍ (قَوْلُهُ وَلَا تَصِحُّ بِمَالٍ غَائِبٍ) بَلْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ حَاضِرًا وَالْمُرَادُ حُضُورُهُ عِنْدَ عَقْدِ الشِّرَاءِ لَا عِنْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَ عَقْدِهَا يَجُوزُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا وَقَالَ أَخْرِجْ مِثْلَهَا وَاشْتَرِ بِهَا وَالْحَاصِلُ بَيْنَنَا أَنْصَافًا وَلَمْ يَكُنْ الْمَالُ حَاضِرًا وَقْتَ الشَّرِكَةِ فَبَرْهَنَ الْمَأْمُورُ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَأَحْضَرَ الْمَالَ وَقْتَ الشِّرَاءِ جَازَ بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ نُقِلَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَنْ الْقُنْيَةِ مَا يُفِيدُ فَسَادَهَا بِالِافْتِرَاقِ بِلَا دَفْعٍ ثُمَّ انْعِقَادُهَا وَقْتَ حُضُورِ الْمَالِ. [فَرْعٌ] دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا وَقَالَ اشْتَرِ بِهَا بَيْنِي وَبَيْنَك نِصْفَيْنِ وَالرِّبْحُ لَنَا وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْنَا فَهَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ الشِّرَاءِ يَضْمَنُ وَبَعْدَهُ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي النِّصْفَ بَحْرٌ عَنْ الذَّخِيرَةِ. قُلْت: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لِمَا أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ نِصْفَيْنِ صَارَ مُشْتَرِيًا لِلنِّصْفِ وَكَالَةً عَنْ الْآمِرِ وَلِلنِّصْفِ أَصَالَةً عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْ أَوْفَى الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الْآمِرِ فَيَضْمَنُ حِصَّةَ نَفْسِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ شَرِكَةُ مِلْكٍ لَا شَرِكَةُ عَقْدٍ كَمَا سَيَتَّضِحُ قُبَيْلَ الْفُرُوعِ وَلَيْسَتْ مُضَارَبَةً لِمَا قُلْنَا فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقَعُ كَثِيرًا (قَوْلُهُ: عَلَى مُوجِبِ الشَّرِكَةِ) أَيْ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِالْمَالِ وَالرِّبْحِ بِهِ. مَطْلَبٌ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ (قَوْلُهُ: وَإِمَّا عِنَانٌ) مَأْخُوذٌ مِنْ عَنَّ كَذَا: عَرَضَ أَيْ ظَهَرَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْبَعْضِ مِنْ مَالِهِ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ) أَيْ تَوْكِيلِ غَيْرِهِ، فَتَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ بِالتِّجَارَةِ وَفِي حُكْمِهِ الْمَعْتُوهُ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهَا لَا تَقْتَضِي الْكَفَالَةَ) أَيْ بِخِلَافِ الْمُفَاوَضَةِ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ ذَكَرَ الْكَفَالَةَ مَعَ تَوَفُّرِ بَاقِي شُرُوطِ الْمُفَاوَضَةِ انْعَقَدَتْ مُفَاوَضَةً، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَوَفِّرَةً كَانَتْ عِنَانًا ثُمَّ هَلْ تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ؟ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ تَبْطُلُ وَأَنْ يُقَالَ لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا أَيْ فِي الْعِنَانِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْكَفَالَةِ لَا اعْتِبَارُ عَدَمِهَا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ يُرَجَّحُ الْأَوَّلُ بِأَنَّهَا كَفَالَةٌ بِمَجْهُولٍ فَلَا تَصِحُّ إلَّا ضِمْنًا، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ مِمَّا تَتَضَمَّنُهَا الشَّرِكَةُ لَمْ يَكُنْ ثُبُوتُهَا إلَّا قَصْدًا. اهـ. نَهْرٌ. قُلْت: لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَا يَكُونُ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْكَفَالَةَ بِخِلَافِ الْمُفَاوَضَةِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَكُونُ كَفِيلًا إذَا ذَكَرَ الْكَفَالَةَ، وَهَذَا تَرْجِيحٌ لِلِاحْتِمَالِ الثَّانِي، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْكَفَالَةَ مَتَى ذُكِرَتْ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ تَثْبُتُ تَبَعًا لَهَا وَضِمْنًا لَا قَصْدًا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تُنَافِي الْكَفَالَةَ بَلْ تَسْتَدْعِيهَا، لَكِنَّهَا لَا تَثْبُتُ فِيهَا إلَّا بِاقْتِضَاءِ اللَّفْظِ لَهَا كَلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ أَوْ بِذِكْرِهَا فِي الْعَقْدِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِهَا لَا تَقْتَضِي الْكَفَالَةَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَوْ اقْتَضَتْهَا لَمْ تَصِحَّ خَاصَّةً أَيْ فِي نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ وَلَا مُؤَقَّتَةٍ بِوَقْتٍ خَاصٍّ. قَالَ ح وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ لَا تَكُونُ خَاصَّةً مَعَ أَنَّهَا تَكُونُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ اهـ. [مَطْلَبٌ فِي تَوْقِيتِ الشَّرِكَةِ] 1 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 وَخَاصًّا وَمُطْلَقًا وَمُؤَقَّتًا وَ (مَعَ التَّفَاضُلِ فِي الْمَالِ دُونَ الرِّبْحِ وَعَكْسِهِ، وَبِبَعْضِ الْمَالِ دُونَ بَعْضٍ، وَبِخِلَافِ الْجِنْسِ كَدَنَانِيرَ) مِنْ أَحَدِهِمَا (وَدَرَاهِمَ مِنْ الْآخَرِ، وَ) بِخِلَافِ الْوَصْفِ كَبِيضٍ وَسُودٍ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي تَوْقِيتِ الشَّرِكَةِ رِوَايَتَانِ ثُمَّ إذَا وَقَّتَهَا فَهَلْ تَتَوَقَّفُ بِالْوَقْتِ حَتَّى لَا تَبْقَى بَعْدَ مُضِيِّهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ كَمَا فِي تَوْقِيتِ الْوَكَالَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَلَمْ يَذْكُرْ تَرْجِيحًا، وَجُزِمَ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنَّهَا تَتَوَقَّتُ حَيْثُ قَالَ: وَالتَّوْقِيتُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ هَذِهِ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ، وَإِنْ وَقَّتَا لِذَلِكَ وَقْتًا بِأَنْ قَالَ مَا اشْتَرَيْت الْيَوْمَ فَهُوَ بَيْنَنَا صَحَّ التَّوْقِيتُ، فَمَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ الْيَوْمِ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي خَاصَّةً، وَكَذَا لَوْ وَقَّتَ الْمُضَارَبَةَ؛ لِأَنَّهَا وَالشَّرِكَةَ تَوْكِيلٌ وَالْوَكَالَةُ مِمَّا يَتَوَقَّفُ. اهـ. لَكِنْ سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ الْوَكِيلُ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَكِيلٌ فِي الْعَشَرَةِ وَبَعْدَهَا فِي الْأَصَحِّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَمَعَ التَّفَاضُلِ فِي الْمَالِ دُونَ الرِّبْحِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَلِلْآخَرِ أَلْفَانِ مَثَلًا وَاشْتَرَطَا التَّسَاوِيَ فِي الرِّبْحِ، وَقَوْلُهُ وَعَكْسُهُ: أَيْ بِأَنْ يَتَسَاوَى الْمَالَانِ وَيَتَفَاضَلَا فِي الرِّبْحِ، لَكِنَّ هَذَا مُقَيَّدٌ بِأَنْ يُشْتَرَطَ الْأَكْثَرُ لِلْعَامِلِ مِنْهُمَا أَوْ لِأَكْثَرِهَا عَمَلًا، أَمَّا لَوْ شَرَطَاهُ لِلْقَاعِدِ أَوْ لِأَقَلِّهِمَا عَمَلًا فَلَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالْكَمَالِ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْعَمَلُ مَشْرُوطًا عَلَى أَحَدِهِمَا. وَفِي النَّهْرِ: اعْلَمْ أَنَّهُمَا إذَا شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا إنْ تَسَاوَيَا مَالًا وَتَفَاوَتَا رِبْحًا جَازَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا وَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ؛ وَإِنْ شَرَطَاهُ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَإِنْ شَرَطَا الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا جَازَ، وَيَكُونُ مَالُ الَّذِي لَا عَمَلَ لَهُ بِضَاعَةً عِنْدَ الْعَامِلِ لَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ، وَإِنْ شَرَطَا الرِّبْحَ لِلْعَامِلِ أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ جَازَ أَيْضًا عَلَى الشَّرْطِ وَيَكُونُ مَالُ الدَّافِعِ عِنْدَ الْعَامِلِ مُضَارَبَةً، وَلَوْ شَرَطَا الرِّبْحَ لِلدَّافِعِ أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ لَا يَصِحُّ الشَّرْطُ وَيَكُونُ مَالُ الدَّافِعِ عِنْدَ الْعَامِلِ بِضَاعَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِبْحُ مَالِهِ وَالْوَضِيعَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا أَبَدًا هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الْعِنَايَةِ اهـ مَا فِي النَّهْرِ. قُلْت: وَحَاصِلُ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّهُ إذَا تَفَاضَلَا فِي الرِّبْحِ، فَإِنْ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا سَوِيَّةً جَازَ: وَلَوْ تَبَرَّعَ أَحَدُهُمَا بِالْعَمَلِ وَكَذَا لَوْ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَكَانَ الرِّبْحُ لِلْعَامِلِ بِقَدْرِ رَأْسِ مَالِهِ أَوْ أَكْثَرَ وَلَوْ كَانَ الْأَكْثَرُ لِغَيْرِ الْعَامِلِ أَوْ لِأَقَلِّهِمَا عَمَلًا لَا يَصِحُّ وَلَهُ رِبْحُ مَالِهِ فَقَطْ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْعَمَلُ مَشْرُوطًا كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ إذَا شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا إلَخْ فَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَجْعَلَ الْمَالَ مَضْمُونًا عَلَى الْمُضَارِبِ أَقْرَضَهُ كُلَّهُ إلَّا دِرْهَمًا مِنْهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَعَقَدَ شَرِكَةَ الْعِنَانِ ثُمَّ يَدْفَعُ إلَيْهِ الدِّرْهَمَ وَيَعْمَلُ فِيهِ الْمُسْتَقْرِضُ، فَإِنْ رَبِحَ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا، وَإِنْ هَلَكَ هَلَكَ عَلَيْهِ اهـ وَرَأَيْت مِثْلَهُ فِي آخِرِ مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ. وَوَجْهُ عَدَمِ الْمُنَافَاةِ أَنَّ الْعَمَلَ هُنَا لَمْ يُشْرَطْ عَلَى أَحَدٍ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ بَلْ تَبَرَّعَ بِهِ الْمُسْتَقْرِضُ، فَيَجُوزُ لِصَاحِبِ الدِّرْهَمِ الْوَاحِدِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الرِّبْحِ بِقَدْرِ مَا شَرَطَ مِنْ نِصْفٍ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَامِلًا، وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّوْفِيقَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْكَفَالَةِ فِي بَحْثِ مَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، حَيْثُ قَالَ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ وَالشَّرِكَةُ بِأَنْ قَالَ شَارَكْتُك عَلَى أَنْ تُهْدِيَنِي كَذَا، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا فِي شَرِكَةِ الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى أَكْثَرِهِمَا مَالًا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ الشَّرْطُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا. اهـ. وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةٌ تَوَهَّمَ بَعْضُ حَنَفِيَّةِ الْعَصْرِ أَنَّهَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، هِيَ تَفَاضَلَا فِي الْمَالِ وَشَرَطَا الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ تَبَرَّعَ أَفْضَلُهُمَا مَالًا بِالْعَمَلِ: فَأَجَبْت بِأَنَّ الشَّرْطَ صَحِيحٌ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعَمَلِ عَلَى أَكْثَرِهِمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 وَإِنْ تَفَاوَتَتْ قِيمَتُهُمَا وَالرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا (وَ) مَعَ (عَدَمِ الْخَلْطِ) لِاسْتِنَادِ الشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ: إلَى الْعَقْدِ لَا الْمَالِ -   [رد المحتار] مَالًا وَالتَّبَرُّعُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا فِي بُيُوعِ الذَّخِيرَةِ: اشْتَرَى حَطَبًا فِي قَرْيَةٍ شِرَاءً صَحِيحًا وَقَالَ مَوْصُولًا بِالشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي الشِّرَاءِ حَمْلُهُ إلَى مَنْزِلِي لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْبَيْعِ، بَلْ هُوَ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ فَلَا يُوجِبُ فَسَادَهُ اهـ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّوْفِيق، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ. وَبَقِيَ مَا يَقَعُ كَثِيرًا، وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ رَجُلٌ إلَى آخَرَ أَلْفًا يُقْرِضُهُ نِصْفَهَا وَيُشَارِكُهُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ ثُلُثَاهُ لِلدَّافِعِ وَثُلُثُهُ لِلْمُسْتَقْرِضِ فَهُنَا تَسَاوَيَا فِي الْمَالِ دُونَ الرِّبْحِ وَهِيَ صُورَةُ الْعَكْسِ. وَصَرِيحُ مَا مَرَّ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالْكَمَالِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِلدَّافِعِ أَخْذُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الرِّبْحِ إلَّا إذَا كَانَ هُوَ الْعَامِلَ، فَلَوْ كَانَ الْعَامِلُ هُوَ الْمُسْتَقْرِضَ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ كَانَ لَهُ نِصْفُ الرِّبْحِ بِقَدْرِ مَالِهِ، لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا شَرَطَ الْعَمَلَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ صَحَّ التَّفَاضُلُ كَمَا عَلِمْت مِنْ التَّوْفِيقِ. وَمِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ أَيْضًا أَنَّهُ يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا أَلْفٌ فَيَدْفَعُ لَهُ آخَرُ أَلْفَيْنِ لِيَعْمَلَ بِالْكُلِّ وَيَشْرِطَا الرِّبْحَ أَثْلَاثًا، وَهَذَا جَائِزٌ أَيْضًا حَيْثُ كَانَ الرِّبْحُ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا مَرَّ فِي عِبَارَةِ النَّهْرِ، فَلَوْ شَرَطَا الرِّبْحَ أَرْبَاعًا مَعَ اشْتِرَاطِ الْعَمَلِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا يُفِيدُهُ التَّقْيِيدُ بِكَوْنِهِ بِقَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِنْ اشْتَرَطَا الرِّبْحَ عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا أَثْلَاثًا وَالْعَمَلَ مِنْ أَحَدِهِمَا كَانَ جَائِزًا. [تَنْبِيهٌ] عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْعَمَلَ لَوْ كَانَ مَشْرُوطًا وَعَلَيْهِمَا لَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُهُمَا عَلَيْهِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ قَوْلِهِ وَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: اشْتَرَكَا وَعَمِلَ أَحَدُهُمَا فِي غَيْبَةِ الْآخَر فَلَمَّا حَضَرَ أَعْطَاهُ حِصَّتَهُ ثُمَّ غَابَ الْآخَر وَعَمِلَ الْآخَرُ فَلَمَّا حَضَرَ الْغَائِبُ أَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ، إنْ كَانَ الشَّرْطُ أَنْ يَعْمَلَا جَمِيعًا وَشَتَّى فَمَا كَانَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا مِنْ الرِّبْحِ فَبَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ عَمَلًا أَوْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ مَرِضَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَعْمَلْ وَعَمِلَ الْآخَر فَهُوَ بَيْنَهُمَا. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ الْعَمَلِ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا فَرْقَ أَنْ يَكُونَ بِعُذْرٍ أَوْ بِدُونِهِ كَمَا صُرِّحَ بِمِثْلِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَرْتَفِعُ امْتِنَاعُهُ وَاسْتِحْقَاقُهُ الرِّبْحَ بِحُكْمِ الشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ لَا الْعَمَلِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْعِلَّةَ جَارِيَةٌ هُنَا. . مَطْلَبٌ فِي تَحْقِيقِ حُكْمِ التَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَفَاوَتَتْ قِيمَتُهُمَا) رَاجِعٌ لِخِلَافِ الْجِنْسِ وَالْوَصْفِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمُفَاوَضَةِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَسَاوِي الْقِيمَةِ فِيهِمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَالرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا) أَيْ مِنْ كَوْنِهِ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ لَا لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا عَلِمْته مِنْ التَّفْصِيلِ الْمَارِّ، وَأَعَادَهُ مَعَ قَوْلِهِ مَعَ التَّفَاصِيلِ فِي الْمَالِ دُونَ الرِّبْحِ لِلتَّصْرِيحِ بِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ صَحِيحٌ فَافْهَمْ، نَعَمْ ذِكْرُهُ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَاتِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ، وَقُيِّدَ بِالرِّبْحِ؛ لِأَنَّ الْوَضِيعَةَ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ وَإِنْ شَرَطَا غَيْرَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَمَعَ عَدَمِ الْخَلْطِ) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْخَلْطُ، وَهَذَا قِيَاسٌ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُشْتَرَطُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ ح عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ: لِاسْتِنَادِ الشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ إلَى الْعَقْدِ لَا الْمَالِ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يُسَمَّى شَرِكَةً وَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ مَعْنَى الِاسْمِ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ الْخَلْطُ شَرْطًا بَحْرٌ فَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا مِائَةُ دِرْهَمٍ وَلِلْآخَرِ مِائَةُ دِينَارٍ فَاشْتَرَيَا بِهَا فَهُوَ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَيَا بِالدَّرَاهِمِ مَتَاعًا ثُمَّ بِالدَّنَانِيرِ آخَرَ فَوَضَعَا أَيْ خَسِرَا فِي أَحَدِهِمَا وَرَبِحَا فِي الْآخَرِ فَهُوَ عَلَى قَدْرِ مَالِهِمَا اهـ مُلَخَّصًا مِنْ كَافِي الْحَاكِمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 فَلَمْ يُشْتَرَطْ مُسَاوَاةٌ وَاتِّحَادٌ وَخَلْطٌ (وَيُطَالَبُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَقَطْ) لِعَدَمِ تَضَمُّنِ الْكَفَالَةِ [مَطْلَبٌ فِي تَحْقِيقِ حُكْمِ التَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ] (وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ إنْ أَدَّى مِنْ مَالِ نَفْسِهِ) أَيْ مَعَ بَقَاءِ مَالِ الشَّرِكَةِ وَإِلَّا فَالشِّرَاءُ لَهُ خَاصَّةً لِئَلَّا يَصِيرَ مُسْتَدِينًا عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ بِلَا إذْنٍ بَحْرٌ - (وَتَبْطُلُ) الشَّرِكَةُ (بِهَلَاكِ الْمَالَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ) وَالْهَلَاكُ عَلَى مَالِكِهِ قَبْلَ الْخَلْطِ وَعَلَيْهِمَا بَعْدَهُ [مَطْلَبٌ فِيمَا يُبْطِلُ الشَّرِكَةَ] (وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِمَالِهِ وَهَلَكَ) بَعْدَهُ (مَالُ الْآخَرِ) قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ شَيْئًا (فَالْمُشْتَرَى) بِالْفَتْحِ (بَيْنَهُمَا) شَرِكَةُ عَقْدٍ عَلَى مَا شَرَطَا (وَرَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الثَّمَنِ لِقِيَامِ الشَّرِكَةِ وَقْتَ الشِّرَاءِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ: فَلَمْ يُشْتَرَطْ إلَخْ) تَفْرِيغٌ عَلَى قَوْلِهِ وَمَعَ التَّفَاضُلِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَقَطْ) قَيْدٌ لِلْمُشْتَرِي أَيْ وَلَا يُطَالِبُ شَرِيكَهُ الْآخَرَ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ تَضَمُّنِ الْكَفَالَةِ) هَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْكَفَالَةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ. . مَطْلَبٌ فِي دَعْوَى الشَّرِيكِ أَنَّهُ أَدَّى الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ (قَوْلُهُ: وَيَرْجِعُ إلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ) أَيْ بِحِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَكِيلٌ عَنْهُ فِي حِصَّتِهِ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحِسَابِهِ إنْ أَدَّى مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَإِنْ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ لَمْ يَرْجِعْ، وَإِنْ كَانَ شِرَاؤُهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِقَوْلِهِ فَعَلَيْهِ الْحُجَّةُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي وُجُوبَ الْمَالِ فِي ذِمَّةِ الْآخَرِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكَرِ بِيَمِينِهِ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَنَحْوِهِ فِي الزَّيْلَعِيِّ. وَبَقِيَ مَا لَوْ صَدَّقَهُ فِي الشِّرَاءِ لِلشَّرِكَةِ وَكَذَّبَهُ فِي دَعْوَى الْأَدَاءِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَدَّقَهُ الْآخَرُ فِي الشِّرَاءِ ثَبَتَ الشِّرَاءُ لِلشَّرِكَةِ وَبِهِ يَثْبُتُ نِصْفُ الثَّمَنِ بِذِمَّتِهِ، وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ دَفَعَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ دَعْوَى وَفَائِهِ فَلَا تُقْبَلُ بِلَا بَيِّنَةٍ، وَلِذَا قَالُوا: إذَا لَمْ يُعْرَفْ شِرَاؤُهُ إلَّا بِقَوْلِهِ فَعَلَيْهِ الْحُجَّةُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي وُجُوبَ الْمَالِ فِي ذِمَّةِ الْآخَرِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَهُنَا لَيْسَ مُنْكِرًا بَلْ مُقِرُّ بِالشِّرَاءِ الْمُوجِبِ لِتَعَلُّقِ الثَّمَنِ بِذِمَّتِهِ، وَلَهُ تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ مَا دَفَعَهُ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ اهـ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ فِي صُورَةِ مَا إذَا كَذَّبَهُ فِي الشِّرَاءِ لِلشَّرِكَةِ، إنْ كَانَ مَا اشْتَرَاهُ هَالِكًا فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي أَصْلِ الشِّرَاءِ وَادَّعَى أَنَّهُ مِنْ أَعْيَانٍ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي إنْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ذُو الْيَدِ اسْتَقْرَضْت أَلْفًا فَالْقَوْلُ لَهُ وَيَأْتِي بَيَانُهُ. 1 - مَطْلَبٌ ادَّعَى الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ وَأَمَّا لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ لَا لِلشَّرِكَةِ. فَفِي الْخَانِيَّةِ: اشْتَرَى مَتَاعًا فَقَالَ الْآخَر هُوَ مِنْ شَرِكَتِنَا وَقَالَ الْمُشْتَرِي هُوَ لِي خَاصَّةً اشْتَرَيْتُهُ بِمَالِي لِنَفْسِي قَبْلَ الشَّرِكَةِ فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ بِاَللَّهِ مَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِنَا؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ فِيمَا اشْتَرَى. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ قَبْلَ الشَّرِكَةِ احْتِرَازٌ عَنْ الشِّرَاءِ حَالَ الشَّرِكَةِ؛ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ مِنْ جِنْسِ تِجَارَتِهِمَا فَهُوَ لِلشَّرِكَةِ وَإِنْ أَشْهَدَ عِنْدَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي النِّصْفِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ تِجَارَتِهِمَا فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً. اهـ. قُلْت: وَيُخَالِفُهُ مَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ: إنْ أَشْهَدَ عِنْدَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ لِنَفْسِهِ فَهُوَ لَهُ، وَإِلَّا فَإِنْ نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ فَهُوَ لِلشَّرِكَةِ اهـ لَكِنْ اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ لِنَقْلٍ فَلَا يُعَارِضُ مَا فِي الْمُحِيطِ. وَقَدْ يُجَابُ بِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ تِجَارَتِهِمَا تَأَمَّلْ. وَبَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ يَقَعُ كَثِيرًا، وَهُوَ مَا لَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا مِنْ شَرِيكِهِ لِنَفْسِهِ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا لِكَوْنِهِ اشْتَرَى مَا يَمْلِكُ بَعْضَهُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ اشْتَرَى نَصِيبَ شَرِيكِهِ بِالْحِصَّةِ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَإِنْ أَوْقَعَ الشِّرَاءَ فِي الصُّورَةِ عَلَى الْكُلِّ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتْحِ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَوْ ضَمَّ مَالَهُ إلَى مَالِ الْمُشْتَرِي وَبَاعَهُمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ صَحَّ فِي مَالِهِ بِالْحِصَّةِ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ فِي شَيْءٍ اهـ مُلَخَّصًا. وَرَأَيْت فِي بُيُوعِ الصَّيْرَفِيَّةِ أَيْضًا: اشْتَرَى نِصْفَ دَارٍ مَشَاعًا ثُمَّ اشْتَرَى جَمِيعَهَا ثَانِيًا قَالَ يَجُوزُ فِيِّص. الْبَاقِي وَفِي فَتَاوَى الصُّغْرَى لَا يَجُوزُ. اهـ. 1 - (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 (وَإِنْ هَلَكَ) مَالُ أَحَدِهِمَا (ثُمَّ اشْتَرَى الْآخَرُ بِمَالِهِ، فَإِنْ صَرَّحَا بِالْوَكَالَةِ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ) بِأَنْ قَالَ عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَالِهِ هَذَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا نَهْرٌ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ (فَالْمُشْتَرَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا) -   [رد المحتار] أَيْ إنْ لَمْ يَبْقَ مَالُ الشَّرِكَةِ: أَيْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مَالٌ نَاضٌّ بَلْ صَارَ مَالُ الشَّرِكَةِ أَعْيَانًا وَأَمْتِعَةً فَاشْتَرَى بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ نَسِيئَةً فَالشِّرَاءُ لَهُ خَاصَّةً دُونَ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ عَلَى الشَّرِكَةِ صَارَ مُسْتَدِينًا عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ وَأَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي ذَلِكَ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. مَطْلَبٌ فِيمَا يُبْطِلُ الشَّرِكَةَ (قَوْلُهُ: وَتَبْطُلُ بِهَلَاكِ الْمَالَيْنِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِيهَا هُوَ الْمَالُ، وَيَبْطُلُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ تَمَامَ الْمُبْطِلَاتِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ: أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ) ؛ لِأَنَّهَا لِمَا بَطَلَتْ فِي الْهَالِكِ بَطَلَتْ فِيمَا يُقَابِلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِشَرِكَةِ صَاحِبِهِ فِي مَالِهِ إلَّا بِشَرِكَتِهِ فِي مَالِهِ (قَوْلُهُ: وَالْهَلَاكُ عَلَى مَالِكِهِ) فَلَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْهَالِكِ عَلَى الشَّرِيكِ الْآخَرِ حَيْثُ بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ وَلَوْ الْهَلَاكُ فِي يَدِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ هَلَكَ بَعْدَ الْخَلْطِ؛ لِأَنَّهُ يَهْلِكُ عَلَى الشَّرِكَةِ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ ط عَنْ الأتقاني. قَالَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا تَمَيَّزَ بَعْدَ الْخَلْطِ كَدَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ فَهُوَ كَعَدَمِ الْخُلْفِ. اهـ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: لَوْ خَلَّفَ الدَّرَاهِمَ كَانَ الْهَالِكُ مِنْهَا عَلَيْهِمَا وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يُعْرَفَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْهَالِكِ أَوْ الْبَاقِي مِنْ مَالِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَالْبَاقِي مِنْ الْهَالِكِ وَالْقَائِمِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا اخْتَلَفَ وَلَمْ يُعْرَفْ اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا) بَيَانٌ لِمَفْهُومِ تَقْيِيدِ الْهَلَاكِ بِمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ (قَوْلُهُ: بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَنَبَّهَ بِزِيَادَتِهِ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ هُنَا لِلتَّرْتِيبِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ هَلَكَ قَبْلَهُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: فَالْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا) لِقِيَامِ الشَّرِكَةِ وَقْتَ الشِّرَاءِ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِهَلَاكِ مَالِ الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: شَرِكَةُ عَقْدٍ عَلَى مَا شَرَطَا) أَيْ مِنْ الرِّبْحِ، وَأَيُّهُمَا بَاعَ جَازَ بَيْعُهُ وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ هِيَ شَرِكَةُ مِلْكٍ فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ أَحَدِهِمَا إلَّا فِي نَصِيبِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ تَرْجِيحُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَرَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ وَقَدْ قَضَى الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحِسَابِهِ. وَفِي الْمُحِيطِ: لِأَحَدِهِمَا مِائَةُ دِينَارٍ قِيمَتُهَا أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ وَلِلْآخَرِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَشَرَطَا الرِّبْحَ وَالْوَضِيعَةَ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ فَاشْتَرَى الثَّانِي جَارِيَةً ثُمَّ هَلَكَتْ الدَّنَانِيرُ فَالْجَارِيَةُ بَيْنَهُمَا وَرِبْحُهَا أَخْمَاسًا ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْأَوَّلِ وَخُمُسَاهُ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ مَالَيْهِمَا يَوْمَ الشِّرَاءِ وَيَرْجِعُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِثَلَاثَةِ أَخْمَاسٍ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ بِالشِّرَاءِ فِي ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الْجَارِيَةِ وَقَدْ نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ رَجَعَ صَاحِبُ الدَّنَانِيرِ عَلَى الْآخَر بِخُمُسَيْ الثَّمَنِ أَرْبَعُونَ دِينَارًا؛ وَلَوْ اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَالِهِ غُلَامًا وَقَبَضَا وَهَلَكَا يَهْلَكَانِ مِنْ مَالِهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ حِينَ اشْتَرَى كَانَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا قَائِمَةً. اهـ. بَحْرٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: لِقِيَامِ الشَّرِكَةِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِكَوْنِ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا عِلَّةُ الرُّجُوعِ فَكَوْنُهُ وَكِيلًا كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: بِأَنْ قَالَ) الْأَوْلَى قَالَا كَمَا فِي عِبَارَةِ النَّهْرِ، وَأَفَادَ بِهَذَا التَّصْوِيرِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالْوَكَالَةِ ذِكْرَ لَفْظِهَا بَلْ مَا يَشْمَلُ مَعْنَاهَا (قَوْلُهُ: كُلٌّ مِنْهُمَا) الْأَوْلَى كُلٌّ مِنَّا أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ: بِمَالِهِ هَذَا) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ عَلَى مَالٍ مَخْصُوصٍ لَا لِكَوْنِهِ قَيْدًا فِي ثُبُوتِ الْوَكَالَةِ صَرِيحًا فَافْهَمْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 فِي أَصْلِ الْمَالِ لَا الرِّبْحِ لِصَيْرُورَتِهَا (شَرِكَةَ مِلْكٍ لِبَقَاءِ الْوَكَالَةِ) الْمُصَرَّحِ بِهَا وَيَرْجِعُ بِحِصَّةِ ثَمَنِهِ (وَإِلَّا) أَيْ إنْ ذَكَرَا مُجَرَّدَ الشَّرِكَةِ وَلَمْ يَتَصَادَقَا عَلَى الْوَكَالَةِ فِيهَا ابْنُ كَمَالٍ (فَهُوَ لِمَنْ اشْتَرَاهُ خَاصَّةً) لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَمَّا بَطَلَتْ بَطَلَ مَا فِي ضِمْنِهَا مِنْ الْوَكَالَةِ (وَتَفْسُدُ بِاشْتِرَاطِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ مِنْ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا) لِقَطْعِ الشَّرِكَةِ كَمَا مَرَّ لَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِعَدَمِ فَسَادِهَا بِالشَّرْطِ، وَظَاهِرُهُ بُطْلَانُ الشَّرْطِ لَا الشَّرِكَةِ بَحْرٌ وَمُصَنَّفٌ. قُلْت: صَرَّحَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ الْكَمَالِ بِفَسَادِ الشَّرِكَةِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ (وَلِكُلٍّ مِنْ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ وَالْمُفَاوَضَةِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ) مَنْ يَتَّجِرُ لَهُ أَوْ يَحْفَظُ الْمَالَ (وَيُبْضِعُ) أَيْ يَدْفَعُ الْمَالَ بِضَاعَةً، بِأَنْ يَشْتَرِطَ الرِّبْحَ لِرَبِّ الْمَالِ (وَيُودِعُ)   [رد المحتار] مَطْلَبٌ اشْتَرَكَا عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَيَا مِنْ تِجَارَةٍ فَهُوَ بَيْنَنَا قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ مَا اشْتَرَيْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَك أَوْ اشْتَرَكَا عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَيَا مِنْ تِجَارَةٍ فَهُوَ بَيْنَنَا يَجُوزُ وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى بَيَانِ الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ وَالْوَقْتِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَارَ وَكِيلًا عَنْ الْآخَرِ فِي نِصْفِ مَا يَشْتَرِيهِ وَغَرَضُهُ بِذَلِكَ تَكْثِيرُ الرِّبْحِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِعُمُومِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْفَصْلِ. قُلْت: وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ تَقَعُ فِي زَمَانِنَا كَثِيرًا يَكُونُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي بَلْدَةٍ وَالْآخَرُ فِي بَلْدَةٍ يَشْتَرِي كُلٌّ مِنْهُمَا وَيُرْسِلُ إلَى الْآخَرِ لِيَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ لَكِنَّهَا شَرِكَةُ مِلْكٍ وَالْغَالِبُ أَنَّهُمَا يَعْقِدَانِ بَيْنَهُمَا شَرِكَةَ عَقْدٍ بِمَالٍ مُتَسَاوٍ أَوْ مُتَفَاضِلٍ مِنْهُمَا وَيَجْعَلَانِ الرِّبْحَ عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ وَيَقْتَسِمَانِ رِبْحَ الشَّرِكَتَيْنِ كَذَلِكَ، وَهَذَا صَحِيحٌ فِي شَرِكَةِ الْعَقْدِ لَا فِي شَرِكَةِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ فِيهَا عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ فَإِذَا شَرَطَا الشِّرَاءَ بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً يَكُونُ الرِّبْحُ كَذَلِكَ إلَّا إذَا شَرَطَا الشِّرَاءَ عَلَى قَدْرِ مَالِ شَرِكَةِ الْعَقْدِ فَيَكُونُ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ فِي الشَّرِكَتَيْنِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقَعُ كَثِيرًا وَيُغْفَلُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: لَا الرِّبْحِ) فَإِنَّهُ يَكُونُ بِقَدْرِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: لِصَيْرُورَتِهَا إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا الرِّبْحِ وَقَوْلُهُ لِبَقَاءِ الْوَكَالَةِ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا ح (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَتَصَادَقَا عَلَى الْوَكَالَةِ) عِبَارَةُ ابْنِ كَمَالٍ وَلَمْ يَنُصَّا عَلَى الْوَكَالَةِ فِيهَا. ط (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَعَدَمُ مَا يَقْطَعُهَا إلَخْ وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ التَّصْرِيحَ بِفَسَادِهَا بِمَا ذُكِرَ مُفَرَّعٌ عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا عَدَمُ مَا يَقْطَعُهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ تَكْرَارًا مَحْضًا فَافْهَمْ. وَبَيَانُ الْقَطْعِ أَنَّ اشْتِرَاطَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا مِنْ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا يَسْتَلْزِمُ اشْتِرَاطَ جَمِيعِ الرِّبْحِ لَهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَظْهَرَ رِبْحٌ إلَّا الْعَشَرَةُ، وَالشَّرِكَةُ تَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فِي الرِّبْحِ وَذَلِكَ يَقْطَعُهَا فَتَخْرُجُ إلَى الْقَرْضِ أَوْ الْبِضَاعَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: لَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ عِلَّةَ الْفَسَادِ مَا ذُكِرَ مِنْ قَطْعِ الشَّرِكَةِ وَلَيْسَتْ الْعِلَّةُ اشْتِرَاطَ شَرْطٍ فَاسِدٍ فِيهَا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَالْمُصَرَّحُ بِهِ أَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ فَاسِدَةٌ، فَقَوْلُهُ قُلْت: إلَخْ تَأْيِيدٌ لِقَوْلِهِ لَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ إلَخْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ: أَيْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ لِعَدَمِ فَسَادِهَا بِالشُّرُوطِ فَلَا مَحَلَّ لَهُ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِمَا قَبْلُهُ (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ) أَيْ وَإِنْ اُشْتُرِطَ فِيهِ التَّفَاضُلُ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَمَّا فَسَدَتْ صَارَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا شَرِكَةَ مِلْكٍ وَالرِّبْحُ فِي شَرِكَةِ الْمِلْكِ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ وَسَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ أَنَّهَا لَوْ فَسَدَتْ وَكَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لِأَحَدِهِمَا فَلِلْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِهِ. (قَوْلُهُ وَلِكُلٍّ مِنْ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ إلَخْ) هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ النَّهْيِ. فَفِي الْفَتْحِ: وَكُلُّ مَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا إذَا نَهَاهُ عَنْهُ شَرِيكُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْلُهُ؛ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهُ اُخْرُجْ لِدِمْيَاطَ وَلَا تُجَاوِزْهَا فَجَاوَزَهَا فَهَلَكَ الْمَالُ ضَمِنَ حِصَّةَ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَ حِصَّتَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَكَذَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ بَيْعِ النَّسِيئَةِ بَعْدَ مَا كَانَ أَذِنَ لَهُ فِيهِ. اهـ. قُلْت: وَسَيَأْتِي فِي الْمُضَارَبَةِ أَنَّهُ إذَا صَارَ الْمَالُ عَرُوضًا لَا يَصِحُّ نَهْيُ الْمُضَارِبِ عَنْ الْبَيْعِ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّرِكَةَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَسْخَهَا مُطْلَقًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ (قَوْلُهُ: وَيُبْضِعُ إلَخْ) فِي الْقَامُوسِ: الْبَاضِعُ الشَّرِيكُ اهـ وَالْمُرَادُ هُنَا دَفْعُ الْمَالِ لِآخَرَ لِيَعْمَلَ فِيهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَا شَيْءَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 وَيُعِيرُ (وَيُضَارِبُ) لِأَنَّهَا دُونَ الشَّرِكَةِ فَتَضَمَّنَتْهَا (وَيُوَكِّلُ) أَجْنَبِيًّا بِبَيْعٍ وَشِرَاءٍ، وَلَوْ نَهَاهُ الْمُفَاوِضُ الْآخَرُ صَحَّ نَهْيُهُ بَحْرٌ (وَيَبِيعُ) بِمَا عَزَّ وَهَانَ خُلَاصَةٌ (بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ) بَزَّازِيَّةٌ (وَيُسَافِرُ) بِالْمَالِ لَهُ حِمْلٌ أَوْ لَا هُوَ الصَّحِيحُ، خِلَافًا لِلْأَشْبَاهِ. وَقِيلَ: إنْ لَهُ حِمْلٌ يَضْمَنُ وَإِلَّا لَا ظَهِيرِيَّةٌ، وَمُؤْنَةُ السَّفَرِ وَالْكِرَاءِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إنْ لَمْ يَرْبَحْ خُلَاصَةٌ. (لَا) يَمْلِكُ الشَّرِيكُ (الشَّرِكَةَ) إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ جَوْهَرَةٌ   [رد المحتار] لِلْعَامِلِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَيُعِيرُ) فَلَوْ أَعَارَ دَابَّةً فَعَطِبَتْ تَحْتَ الْمُسْتَعِيرِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَضْمَنَ الْمُعِيرُ نِصْفَ شَرِيكِهِ، وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ لَا أَضْمَنَهُ، وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعَارَ ثَوْبًا أَوْ دَارًا أَوْ خَادِمًا بَحْرٌ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ: وَيُضَارِبُ) أَيْ يَدْفَعُ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَهُوَ الْأَصَحُّ. أَمَّا إذَا أَخَذَ مَالًا مُضَارَبَةً، فَإِنْ أَخَذَهُ لِيَتَصَرَّفَ فِيمَا لَيْسَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا فَالرِّبْحُ لَهُ خَاصَّةً، وَكَذَا فِيمَا هُوَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا إذَا كَانَ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ، وَلَوْ مَعَ غَيْبَتِهِ أَوْ مُطْلَقًا كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفُهُ لِشَرِيكِهِ وَنِصْفُهُ بَيْنَ الْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ نَهْرٌ، وَقَوْلُهُ أَوْ مُطْلَقًا: أَيْ عَنْ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ مِنْ تِجَارَتِهِمَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا) أَيْ الْمُضَارَبَةَ دُونَ الشَّرِكَةِ لِكَوْنِ الْوَضِيعَةِ تَلْزَمُ الشَّرِيكَ وَلَا تَلْزَمُ الْمُضَارِبَ فَتَتَضَمَّنُ الشَّرِكَةُ الْمُضَارَبَةَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَيُوَكِّلُ) ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ أَعْمَالِ التِّجَارَةِ، وَالشَّرِكَةُ انْعَقَدَتْ لَهَا، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ صَرِيحًا بِالشِّرَاءِ لَيْسَ لَهُ أَنَّهُ يُوَكِّلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ خَاصٌّ طَلَبَ بِهِ شِرَاءَ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَلَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَهَاهُ الْمُفَاوِضُ الْآخَرُ) التَّقْيِيدُ بِالْمُفَاوِضِ وَبِكَوْنِ النَّهْيِ عَنْ التَّوْكِيلِ اتِّفَاقِيٌّ لِمَا مَرَّ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا فِعْلُهُ يَصِحُّ نَهْيُ الْآخَرِ عَنْهُ ط. أَقُولُ: سِيَاقُ كَلَامِ الْبَحْرِ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالْمُفَاوَضَةِ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ ح كَمَا يُعْلَمُ مِنْ مُرَاجَعَةِ الْبَحْرِ لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ فِي فَصْلِ الْعِنَانِ: وَلَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا رَجُلًا فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ وَأَخْرَجَهُ الْآخَرُ عَنْ الْوَكَالَةِ صَارَ خَارِجًا عَنْهَا، فَإِنْ وَكَّلَ الْبَائِعُ رَجُلًا يَتَقَاضَى ثَمَنَ مَا بَاعَ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ اهـ أَيْ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا قَبْضُ ثَمَنِ مَا بَاعَهُ الْآخَرُ وَلَا الْمُخَاصَمَةُ فِيهِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا فَكَذَا لَيْسَ لَهُ إخْرَاجُ وَكِيلِهِ بِالْقَبْضِ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الضَّمِيرَ الْمَنْصُوبَ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ وَلَوْ نَهَاهُ عَائِدٌ إلَى الْوَكِيلِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ لَا إلَى الْمُوَكِّلِ حَتَّى يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ التَّوْكِيلِ وَيَكُونَ التَّقْيِيدُ فِيهِ اتِّفَاقِيًّا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَيَبِيعُ بِمَا عَزَّ وَهَانَ) أَيْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنٍ زَائِدٍ وَنَاقِصٍ، قَيَّدَ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْمَعْرُوفِ كَمَا فِي الرَّمْلِيِّ عَنْ الْمِنَحِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ أَنَّ الْوَكِيلَ لَهُ الْبَيْعُ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَبِالْعَرْضِ، وَخَصَّاهُ بِالْقِيمَةِ وَالنُّقُودِ، وَبِهِ يُفْتَى بَزَّازِيَّةٌ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ هُنَا كَذَلِكَ لَكِنْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ هُنَاكَ تَصْحِيحَ قَوْلِ الْإِمَامِ وَإِنَّهُ أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ فَافْهَمْ، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ بَاعَ أَحَدُهُمَا مَتَاعًا وَرَدَّ عَلَيْهِ فَقِبَلَهُ جَازَ وَلَوْ بِلَا قَضَاءٍ، وَكَذَا لَوْ حَطَّ أَوْ أَخَّرَ مِنْ عَيْبٍ وَإِنْ بِلَا عَيْبٍ جَازَ فِي حِصَّتِهِ وَكَذَا لَوْ وَهَبَ؛ وَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْبٍ فِي مَتَاعٍ بَاعَهُ جَازَ عَلَيْهِمَا. اهـ. وَيَأْتِي تَمَامُ ذَلِكَ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَهُوَ أَمِينٌ (قَوْلُهُ: وَبِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَيَبِيعُ. وَأَمَّا الشِّرَاءُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ دَرَاهِمُ وَلَا دَنَانِيرُ مِنْ الشَّرِكَةِ فَاشْتَرَى بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ مُشْتَرِكًا تَضَمَّنَ إيجَابَ مَالٍ زَائِدٍ عَلَى الشَّرِيكِ وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَالْوَالِجِيَّةُ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ رَضِيَ وَقَعَ مُشْتَرَكًا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَمِنْهُ مَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ الْفُرُوعِ عَنْ الْأَشْبَاهِ وَيَأْتِي تَمَامُهُ، وَمَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الشِّرَاءِ إنَّمَا هُوَ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ أَمَّا فِي الْمُفَاوَضَةِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا مُطْلَقًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْأَشْبَاهِ) الَّذِي فِيهَا هُوَ مَا نَقَلَهُ عَقِبَهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَمُؤْنَةُ السَّفَرِ إلَخْ) أَيْ مَا أَنْفَقَهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ كِرَائِهِ وَنَفَقَتِهِ وَطَعَامِهِ وَإِدَامِهِ مِنْ جُمْلَةِ رَأْسِ الْمَالِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، فَإِنْ رَبِحَ تُحْسَبُ النَّفَقَةُ مِنْ الرِّبْحِ وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ كَانَتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ خَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: لَا يَمْلِكُ الشَّرِيكُ) أَيْ شَرِيكُ الْعِنَانِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ أَمَّا الْمُفَاوَضَةُ إلَخْ، وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْعِنَانِ: وَلَوْ شَارَكَ أَحَدُهُمَا شَرِكَةَ عِنَانٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 وَ) لَا (الرَّهْنَ) إلَّا بِإِذْنِهِ أَوْ يَكُونُ هُوَ الْعَاقِدَ فِي مُوجِبِ الدَّيْنِ وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ (بِالرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ) سِرَاجٌ (وَ) لَا (الْكِتَابَةَ) وَالْإِذْنَ بِالتِّجَارَةِ (وَتَزْوِيجَ الْأَمَةِ) وَهَذَا كُلُّهُ (لَوْ عِنَانًا) أَمَّا الْمُفَاوِضُ فَلَهُ كُلُّ ذَلِكَ. وَلَوْ فَاوَضَ إنْ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ جَازَ وَإِلَّا تَنْعَقِدُ عِنَانًا بَحْرٌ (وَلَا يَجُوزُ لَهُمَا) فِي عِنَانٍ وَمُفَاوَضَةٍ (تَزْوِيجُ الْعَبْدِ وَلَا الْإِعْتَاقِ) وَلَوْ عَلَى مَالٍ (وَ) لَا (الْهِبَةُ) أَيْ لِثَوْبٍ وَنَحْوِهِ فَلَمْ يَجُزْ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ، وَجَازَ فِي نَحْوِ لَحْمٍ وَخُبْزٍ وَفَاكِهَةٍ (وَ) لَا (الْقَرْضُ) إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ إذْنًا صَرِيحًا فِيهِ سِرَاجٌ. وَفِيهِ: إذَا قَالَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِك فَلَهُ كُلُّ التِّجَارَةِ إلَّا الْقَرْضَ وَالْهِبَةَ (وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ إتْلَافًا لِلْمَالِ أَوْ) كَانَ (تَمْلِيكًا) لِلْمَالِ (بِغَيْرِ عِوَضٍ) -   [رد المحتار] فَمَا اشْتَرَاهُ الشَّرِيكُ الثَّالِثُ كَانَ نِصْفُهُ لَهُ وَنِصْفُهُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، وَمَا اشْتَرَاهُ الَّذِي لَمْ يُشَارِكْ فَهُوَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ نِصْفَيْنِ، وَلَا شَيْءَ مِنْهُ لِلشَّرِيكِ الثَّالِثِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. وَفِيهَا: وَلَوْ أَخَذَ مَالًا مُضَارَبَةً فَهُوَ لَهُ كَمَا لَوْ آجَرَ نَفْسَهُ اهـ وَلَكِنْ فِيهِ تَفْصِيلٌ قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: وَلَا الرَّهْنُ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: أَيْ رَهْنُ عَيْنٍ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ فَإِنْ رَهَنَ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا لَمْ يَجُزْ وَضَمِنَ؛ وَلَوْ ارْتَهَنَ بِدَيْنٍ لَهُمَا لَمْ يَجُزْ عَلَى شَرِيكِهِ، فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ وَقِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ ذَهَبَ بِحِصَّتِهِ وَيَرْجِعُ شَرِيكُهُ بِحِصَّتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَيَرْجِعُ الْمَطْلُوبُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ شَاءَ شَرِيكُ الْمُرْتَهِنِ ضَمِنَ شَرِيكُهُ حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ كَالِاسْتِيفَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ يَكُونُ هُوَ) أَيْ الرَّاهِنُ الْعَاقِدُ: أَيْ الَّذِي تَوَلَّى عَقْدَ الْمُبَايَعَةِ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلِمَنْ وَلِيَ الْمُبَايَعَةَ أَنْ يَرْهَنَ بِالثَّمَنِ اهـ ط (قَوْلُهُ: فِي مُوجِبِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ. ح (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ هُوَ الْعَاقِدَ بِنَفْسِهِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَإِقْرَارُهُ بِالرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ عِنْدَ وِلَايَتِهِ الْعَقْدَ صَحِيحٌ اهـ ط. أَمَّا لَوْ وَلِيَ الْعَقْدَ غَيْرُهُ أَوْ كَانَا وَلِيَاهُ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ، وَهَلْ يَجُوزُ فِي حِصَّةِ نَفْسِهِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بَعْدَ مَا تَنَاقَضَا الشَّرِكَةَ إذَا كَذَّبَهُ الْآخَرُ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا الْكِتَابَةُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: فَلَهُ كُلُّ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الشَّرِكَةِ وَالرَّهْنِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ فَاوَضَ) أَيْ الْمُفَاوِضُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا تَنْعَقِدْ عِنَانًا) وَمَا خَصَّهُ مِنْ الرِّبْحِ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ. ط (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ لَهُمَا تَزْوِيجُ الْعَبْدِ) أَيْ عَبْدِ التِّجَارَةِ. وَاحْتَرَزَ بِالْعَبْدِ عَنْ الْأَمَةِ، فَإِنَّ لِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ تَزْوِيجَهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَا يُزَوَّجُ الْعَبْدُ وَلَوْ مِنْ أَمَةِ التِّجَارَةِ اسْتِحْسَانًا ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَا الْهِبَةُ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ هِبَةُ ثَمَنِ مَا بَاعَهُ فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ بَاعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ عَيْنًا مِنْ تِجَارَتِهِمَا ثُمَّ وَهَبَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ جَازَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؛ وَلَوْ وَهَبَ غَيْرُ الْبَائِعِ جَازَ فِي حِصَّتِهِ إجْمَاعًا. اهـ. قُلْت: لَكِنَّهُ فِي الْأُولَى يَضْمَنُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ كَوَكِيلِ الْبَيْعِ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ) أَيْ مِمَّا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُؤْكَلُ وَيُهْدَى عَادَةً بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَجُزْ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْهِبَةِ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ، بَلْ جَازَ فِي حِصَّتِهِ إنْ وُجِدَ شَرْطُ الْهِبَةِ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالْقِسْمَةِ فِيمَا يُقْسَمُ وَكَذَا الْإِعْتَاقُ، وَتَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ عِتْقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْمُقَرَّرَةُ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ: وَجَازَ فِي نَحْوِ لَحْمٍ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ أَيْ لِثَوْبٍ وَنَحْوِهِ. مَطْلَبٌ يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا الْقَرْضُ) أَيْ الْإِقْرَاضُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، أَمَّا الِاسْتِقْرَاضُ فَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ وَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ: إذْنًا صَرِيحًا) فَلَوْ قَالَ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ لَا يَكْفِي (قَوْلُهُ: وَفِيهِ إلَخْ) وَمِثْلُهُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَعْمَلَ مَا يَقَعُ فِي التِّجَارَةِ: كَالرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ، وَالسَّفَرِ وَالْخَلْطِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 لِأَنَّ الشَّرِكَةَ وُضِعَتْ لِلِاسْتِرْبَاحِ وَتَوَابِعِهِ، وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ لَا يَنْتَظِمُهُ عَقْدُهَا. (وَصَحَّ بَيْعُ) شَرِيكٍ (مُفَاوِضٍ مِمَّنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ) كَابْنِهِ وَأَبِيهِ، وَيَنْفُذُ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ إجْمَاعًا (لَا) يَصِحُّ (إقْرَارُهُ بِدَيْنٍ) فَلَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ عِنْدَهُ بَزَّازِيَّةٌ وَفِي الْخُلَاصَةِ: أَقَرَّ شَرِيكُ الْعِنَانِ بِجَارِيَةٍ لَمْ يَجُزْ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا لَيْسَ لِلْآخَرِ أَخْذُ ثَمَنِهِ وَلَا الْخُصُومَةُ فِيمَا بَاعَهُ أَوْ أَدَانَهُ (وَهُوَ) أَنَّ الشَّرِيكَ (أَمِينٌ فِي الْمَالِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ) بِيَمِينِهِ (فِي) مِقْدَارِ الرِّبْحِ وَالْخُسْرَانِ وَالضَّيَاعِ وَ (الدَّفْعِ لِشَرِيكِهِ وَلَوْ) ادَّعَاهُ (بَعْدَ مَوْتِهِ) كَمَا فِي الْبَحْرِ مُسْتَدِلًّا بِمَا فِي وَكَالَةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ   [رد المحتار] بِمَالِهِ، وَالشَّرِكَةُ بِمَالِ الْغَيْرِ لَا الْهِبَةُ وَالْقَرْضُ؛ وَمَا كَانَ إتْلَافًا لِلْمَالِ أَوْ تَمْلِيكًا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ نَصًّا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الشَّرِكَةَ) أَيْ مُطْلَقَهَا. (قَوْلُهُ: وَصَحَّ بَيْعُ شَرِيكٍ مُفَاوِضٍ) اُنْظُرْ هَلْ الْمُفَاوِضُ قَيْدٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِدَيْنٍ) أَيْ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، أَمَّا لِغَيْرِهِ فَيُقْبَلُ كَمَا سَبَقَ فِي قَوْلِهِ وَكُلُّ دَيْنٍ لَزِمَ أَحَدَهُمَا إلَخْ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي شَرِيكِ الْمُفَاوَضَةِ، أَمَّا شَرِيكُ الْعِنَانِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ بِدَيْنٍ فِي تِجَارَتِهِمَا لَزِمَ الْمُقِرَّ جَمِيعُ ذَلِكَ إنْ كَانَ هُوَ الَّذِي وَلِيَهُ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَلِيَاهُ لَزِمَهُ نِصْفَهُ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّ صَاحِبَهُ وَلِيَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ مُطَالَبًا بِذَلِكَ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْفَتْحِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ إقْرَارَ أَحَدِ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ بِدَيْنٍ فِي تِجَارَتِهِمَا لَا يَمْضِي عَلَى الْآخَرِ، وَإِنَّمَا يَمْضِي عَلَى نَفْسِهِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ. أَمَّا شَرِيكُ الْمُفَاوَضَةِ فَيَمْضِي عَلَيْهِمَا مُطْلَقًا فَافْهَمْ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ اسْتَقْرَضْت أَلْفًا فَالْقَوْلُ لَهُ أَنَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْخُلَاصَةِ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْمَتْنِ بِأَنَّ الْعَيْنَ كَالدَّيْنِ اهـ ح لَكِنْ مَا فِي الْمَتْنِ فِي الْمُفَاوَضَةِ وَهَذَا فِي الْعِنَانِ (قَوْلُهُ: بِجَارِيَةٍ) أَيْ فِي يَدِهِ مِنْ الشَّرِكَةِ أَنَّهَا لِرَجُلٍ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: لَيْسَ لِلْآخَرِ أَخْذُ ثَمَنِهِ) أَفَادَ أَنَّ لِلْمَدْيُونِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ، فَإِنْ دَفَعَ بَرِئَ مِنْ حِصَّةِ الْقَابِضِ وَلَمْ يَبْرَأ مِنْ حِصَّةِ الْآخَرِ فَتْحٌ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ الدَّيْنَ لَوْ الْعَاقِدُ غَيْرَهُ أَوْ هُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي نَصِيبِهِ، وَلَوْ أَجَّلَهُ الْعَاقِدُ جَازَ فِي النَّصِيبَيْنِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي نَصِيبِهِ فَقَطْ، وَأَصْلُهُ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا أَبْرَأَ عَنْ الثَّمَنِ أَوْ حَطَّ أَوْ أَجَّلَهُ يَصِحُّ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ يَضْمَنُ لِمُوَكِّلِهِ عِنْدَهُمَا لَا هُنَا بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. . مَطْلَبٌ أَقَرَّ بِمِقْدَارِ الرِّبْحِ ثُمَّ ادَّعَى الْخَطَأَ (قَوْلُهُ: فِي مِقْدَارِ الرِّبْحِ) فَلَوْ أَقَرَّ بِمِقْدَارِهِ ثُمَّ ادَّعَى الْخَطَأَ فِيهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، كَذَا نَقَلَهُ أَبُو السُّعُودِ عَنْ إقْرَارِ الْأَشْبَاهِ ط قُلْت: لَكِنْ فِي حَاوِي الزَّاهِدِيِّ قَالَ الشَّرِيكُ رَبِحْت عَشَرَةً ثُمَّ قَالَ لَا بَلْ رَبِحْت ثَلَاثَةً فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ أَنَّهُ لَمْ يَرْبَحْ عَشَرَةً اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْقَوْلَ لَهُ بِيَمِينِهِ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوْجَهَ مَا فِي الْأَشْبَاهِ؛ لِأَنَّهُ بِرُجُوعِهِ مُتَنَاقِضٌ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ عَزَاهُ إلَى كَافِي الْحَاكِمِ فَهُوَ نَصُّ الْمَذْهَبِ فَلَا يُعَارِضُهُ مَا فِي الْحَاوِي (قَوْلُهُ: وَالضَّيَاعُ) أَيْ ضَيَاعُ الْمَالِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَلَوْ مِنْ غَيْرِ تِجَارَةٍ ط (قَوْلُهُ: مُسْتَدِلًّا بِمَا فِي وَكَالَةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ) عِبَارَةُ الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَلَوْ وُكِّلَ بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُوَكِّلُ فَقَالَ الْوَكِيلُ قَبَضْت فِي حَيَاتِهِ وَهَلَكَ وَأَنْكَرَتْ الْوَرَثَةُ أَوْ قَالَ دَفَعْته إلَيْهِ صُدِّقَ، وَلَوْ كَانَ دَيْنًا لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ حَكَى أَمْرًا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ، لَكِنْ مَنْ حَكَى أَمْرًا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ، إنْ كَانَ فِيهِ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْغَيْرِ لَا يُصَدَّقُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَفْيُ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ صُدِّقَ وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 كُلُّ مَنْ حَكَى أَمْرًا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ، إنْ فِيهِ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْغَيْرِ لَا يُصَدَّقُ وَإِنْ فِيهِ نَفْيُ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ صُدِّقَ انْتَهَى فَلْيُحْفَظْ هَذَا الضَّابِطُ. (وَيُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي) وَهَذَا حُكْمُ الْأَمَانَاتِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: التَّقْيِيدُ بِالْمَكَانِ صَحِيحٌ، فَلَوْ قَالَ لَا تُجَاوِزْ خُوَارِزْمَ فَجَاوَزَ ضَمِنَ حِصَّةَ شَرِيكِهِ، وَفِي الْأَشْبَاهِ: نَهَى أَحَدُهُمَا شَرِيكَهُ عَنْ الْخُرُوجِ وَعَنْ بَيْعِ النَّسِيئَةِ جَازَ (كَمَا يَضْمَنُ الشَّرِيكُ) عِنَانًا أَوْ مُفَاوَضَةً بَحْرٌ (بِمَوْتِهِ مُجَهِّلًا نَصِيبَ صَاحِبِهِ) عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالْقَوْلُ بِخِلَافِهِ غَلَطٌ كَمَا فِي الْوَقْفِ مِنْ الْخَانِيَّةِ وَسَيَجِيءُ فِي الْوَدِيعَةِ خِلَافًا لِلْأَشْبَاهِ. [فُرُوعٌ] فِي الْمُحِيطِ: قَدْ وَقَعَ حَادِثَتَانِ: الْأُولَى نَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ نَسِيئَةً فَبَاعَ، فَأَجَبْت بِنَفَاذِهِ فِي حِصَّتِهِ، وَتَوَقَّفَ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ، فَإِنْ أَجَازَ فَالرِّبْحُ لَهُمَا. -   [رد المحتار] فِيمَا يَحْكِي يَنْفِي الضَّمَانَ عَنْ نَفْسِهِ فَصُدِّقَ، وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ فِيمَا يَحْكِي يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمَيِّتِ وَهُوَ ضَمَانُ مِثْلِ الْمَقْبُوضِ فَلَا يُصَدَّقُ اهـ. مَطْلَبٌ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ دَفَعْت الْمَالَ بَعْدَ مَوْتِ الشَّرِيكِ أَوْ الْمُوَكِّلِ قُلْت: أَيْ إنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا قَالَ قَبَضْته مِنْ الْمَدْيُونِ وَهَلَكَ عِنْدِي أَوْ قَالَ دَفَعْته لِلْمُوَكِّلِ الْمَيِّتِ لَا يُصَدَّقُ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَرَاءَةِ الْمَدْيُونِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إلْزَامَ الضَّمَانِ عَلَى الْمَيِّتِ، فَإِنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَيَثْبُتُ لِلْمَدْيُونِ بِذِمَّةِ الدَّائِنِ مِثْلُ مَا لِلدَّائِنِ بِذِمَّتِهِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَكِيلِ نَفْسِهِ فَيُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَبِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ لَمْ تَرْتَفِعْ أَمَانَتُهُ، وَإِنْ بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ فَلَا يَضْمَنُ مَا قَبَضَهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمَدْيُونُ، وَقَدْ أَوْضَحَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْخَيْرِيَّةِ أَوَّلَ كِتَابِ الْوَكَالَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: كُلُّ مَنْ حَكَى أَمْرًا إلَخْ) فَإِنَّ الْوَكِيلَ هُنَا حَكَى أَمْرًا وَهُوَ قَبْضُ الْوَدِيعَةِ أَوْ الدَّيْنِ فِي حَيَاةِ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَكِّلِ: أَيْ لَوْ كَانَ لَمْ يَقْبِضْ فِي حَيَاتِهِ وَأَرَادَ اسْتِئْنَافَ الْقَبْضِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ؛ لِأَنَّهُ انْعَزَلَ عَنْ الْوَكَالَةِ. (قَوْلُهُ: التَّقْيِيدُ بِالْمَكَانِ صَحِيحٌ إلَخْ) ظَاهِرُ التَّفْرِيعِ أَنَّ التَّنْصِيصِ عَلَى الْمَكَانِ بِلَا نَهْيٍ لَا يَكُونُ تَقْيِيدًا، وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ بِالتَّقْيِيدِ بِالْمَكَانِ صَحِيحٌ، حَتَّى لَوْ قَالَ اُخْرُجْ إلَى خُوَارِزْمَ وَلَا تُجَاوِزْهُ صَحَّ، فَلَوْ جَاوَزَهُ ضَمِنَ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ: وَأَلْفَاظُ التَّخْصِيصِ وَالتَّقْيِيدِ أَنْ يَقُولَ: خُذْ هَذَا مُضَارَبَةً بِالنَّصِّ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِهِ فِي الْكُوفَةِ أَوْ فَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ أَمَّا إذَا قَالَ وَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ بِالْوَاوِ لَا يَكُونُ تَقْيِيدًا فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْوَاوَ حَرْفُ عَطْفٍ وَمَشُورَةٍ وَلَيْسَتْ مِنْ حُرُوفِ الشَّرْطِ. اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ مُجَرَّدَ التَّنْصِيصِ لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ يُفِيدُ التَّقْيِيدَ كَالشَّرْطِ وَكَالنَّهْيِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْأَشْبَاهِ إلَخْ) أَعَمُّ مِنْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا إذَا نَهَاهُ عَنْهُ شَرِيكُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْلُهُ (قَوْلُهُ: جَازَ) أَيْ النَّهْيُ. (قَوْلُهُ: بِمَوْتِهِ مُجَهِّلًا إلَخْ) فِي حَاوِي الزَّاهِدِيِّ: مَاتَ الشَّرِيكُ وَمَالُ الشَّرِكَةِ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ بَلْ مَاتَ مُجَهِّلًا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ مَاتَ مُجَهِّلًا لِلْعَيْنِ اهـ أَيْ عَيْنِ مَالِ الشَّرِكَةِ الَّذِي فِي يَدِهِ وَمِثْلُهُ بَقِيَّةُ الْأَمَانَاتِ، لَكِنْ إذَا عَلِمَ أَنَّ وَارِثَهُ يَعْلَمُهَا لَا يَضْمَنُ؛ وَلَوْ ادَّعَى الْوَارِثُ الْعِلْمَ وَأَنْكَرَ الطَّالِبُ فَإِنْ فَسَّرَهَا الْوَارِثُ وَقَالَ: هِيَ كَذَا وَهَلَكَتْ صُدِّقَ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ (قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ بِخِلَافِهِ غَلَطٌ) وَهُوَ عَدَمُ تَضْمِينِ الْمُفَاوِضِ (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ فِي الْوَدِيعَةِ) سَيَجِيءُ هُنَاكَ بِضْعُ عَشَرَةَ مَوْضِعًا يَضْمَنُ فِيهَا الْأَمِينُ بِمَوْتِهِ مُجَهِّلًا (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْأَشْبَاهِ) حَيْثُ جَرَى فِي كِتَابِ الْأَمَانَاتِ عَلَى مَا هُوَ الْغَلَطُ. [فُرُوعٌ فِي الشَّرِكَة] (قَوْلُهُ فِي الْمُحِيطِ) صَوَابُهُ فِي الْبَحْرِ: فَإِنَّ الْحَادِثَتَيْنِ وَقَعَتَا لِصَاحِبِ الْبَحْرِ سُئِلَ عَنْهُمَا وَأَجَابَ بِمَا ذُكِرَ، ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ أَرَ فِيهِمَا إلَّا مَا قَدَّمْتُهُ: أَيْ مَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَجَازَ فَالرِّبْحُ لَهُمَا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 الثَّانِيَةُ نَهَاهُ عَنْ الْإِخْرَاجِ فَخَرَجَ ثُمَّ رَبِحَ، فَأَجَبْت أَنَّهُ غَاصِبٌ حِصَّةَ شَرِيكِهِ بِالْإِخْرَاجِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الرِّبْحُ عَلَى الشَّرْطِ انْتَهَى، وَمُقْتَضَاهُ فَسَادُ الشَّرِكَةِ نَهْرٌ. وَفِيهِ: وَتَفَرَّعَ عَلَى كَوْنِهِ أَمَانَةً مَا سُئِلَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ عَمَّنْ طَلَبَ مُحَاسَبَةَ شَرِيكِهِ فَأَجَابَ لَا يَلْزَمُ بِالتَّفْصِيلِ وَمِثْلُهُ الْمُضَارِبُ وَالْوَصِيُّ وَالْمُتَوَلِّي نَهْرٌ، وَقُضَاةُ زَمَانِنَا لَيْسَ لَهُمْ قَصْدٌ بِالْمُحَاسَبَةِ إلَّا الْوُصُولُ إلَى سُحْتِ الْمَحْصُولِ (وَ) إمَّا (تَقَبُّلٌ) وَتُسَمَّى شَرِكَةَ صَنَائِعَ وَأَعْمَالٍ وَأَبْدَانٍ (إنْ اتَّفَقَ) صَانِعَانِ (خَيَّاطَانِ أَوْ خَيَّاطٌ وَصَبَّاغٌ)   [رد المحتار] وَإِنْ لَمْ يَجُزْ فَالْبَيْعُ فِي حِصَّتِهِ بَاطِلٌ (قَوْلُهُ: فَأَجَبْت أَنَّهُ غَاصِبٌ) أَيْ كَمَا هُوَ صَرِيحُ مَا قَدَّمَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ ضَمِنَ حِصَّةَ شَرِيكِهِ (قَوْلُهُ: بِالْإِخْرَاجِ) فِيهِ نَظَرٌ. فَفِي مُضَارَبَةِ الْجَوْهَرَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ: وَإِنْ خَصَّ لَهُ رَبُّ الْمَالِ التَّصَرُّفَ فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ، فَإِنْ خَرَجَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ دَفَعَ الْمَالَ إلَى مَنْ أَخْرَجَهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ حَتَّى يَشْتَرِيَ بِهِ خَارِجَ الْبَلَدِ، فَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَعَادَهُ إلَى الْبَلَدِ عَادَتْ الْمُضَارَبَةُ كَمَا كَانَتْ عَلَى شَرْطِهَا، وَإِنْ اشْتَرَى بِهِ قَبْلَ الْعَوْدِ صَارَ مُخَالِفًا ضَامِنًا وَيَكُونُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ فَيَكُونُ لَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ اشْتَرَى بِبَعْضِهِ وَأَعَادَ بَقِيَّتَهُ إلَى الْبَلَدِ ضَمِنَ قَدْرَ مَا اشْتَرَى بِهِ، وَلَا يَضْمَنُ قَدْرَ مَا أَعَادَ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّرِكَةَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الرِّبْحُ عَلَى الشَّرْطِ) أَيْ بَلْ يَكُونُ لَهُ كَمَا عَلِمْته مَنْقُولًا (قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَاهُ فَسَادُ الشَّرِكَةِ) أَيْ مُقْتَضَى الْجَوَابِ بِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا وَبِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَكُونُ عَلَى الشَّرْطِ، وَلَكِنَّ هَذَا بَعْدَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ لَا بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ، فَلَوْ عَادَ قَبْلَ التَّصَرُّفِ تَبْقَى الشَّرِكَةُ كَمَا عَلِمْت فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: فَأَجَابَ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ فِي مِقْدَارِ الرِّبْحِ وَالْخُسْرَانِ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَذْكُرَ الْأَمْرَ مُفَصَّلًا، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الضَّيَاعِ وَالرَّدِّ إلَى الشَّرِيكِ اهـ. مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى شَرِيكِهِ خِيَانَةً مُبْهَمَةً قُلْت: بَقِيَ مَا لَوْ ادَّعَى عَلَى شَرِيكِهِ خِيَانَةً مُبْهَمَةً، فَفِي قَضَاءِ الْأَشْبَاهِ لَا يَحْلِفُ. وَنَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ قَارِئِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يَحْلِفُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارًا لَكِنْ إذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ مِقْدَارَ مَا نَكَلَ فِيهِ. ثُمَّ قَالَ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ قَارِئَ الْهِدَايَةِ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى نَقْلٍ، فَلَا يُعَارِضُ مَا نَقَلَهُ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ الْمُضَارِبُ وَالْوَصِيُّ وَالْمُتَوَلِّي) سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي الْوَقْفِ عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لَا تَلْزَمُهُ الْمُحَاسَبَةُ فِي كُلِّ عَامٍ وَيَكْتَفِي الْقَاضِي مِنْهُ بِالْإِجْمَالِ لَوْ مَعْرُوفًا بِالْأَمَانَةِ وَلَوْ مُتَّهَمًا يَجْبُرُهُ عَلَى التَّعْيِينِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَلَا يَحْبِسُهُ بَلْ يُهَدِّدُهُ؛ وَلَوْ اتَّهَمَهُ يُحَلِّفُهُ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ وَالْوَصِيِّ فَيُحْمَلُ إطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِ الْمُتَّهَمِ: أَيْ الَّذِي لَمْ يُعْرَفْ بِالْأَمَانَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: نَهْرٌ) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ أَوَّلًا وَفِيهِ (قَوْلُهُ: إلَى سُحْتِ الْمَحْصُولِ) السُّحْتُ: بِالضَّمِّ وَبِضَمَّتَيْنِ الْحَرَامُ، أَوْ مَا خَبُثَ مِنْ الْمَكَاسِبِ فَلَزِمَ مِنْهُ الْعَارُ ط عَنْ الْقَامُوسِ إذْ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي الْأَخْذُ عَلَى نَفْسِ الْمُحَاسَبَةِ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، نَعَمْ لَوْ كَتَبَ سِجِلًّا أَوْ تَوَلَّى قِسْمَةً وَأَخَذَ أَجْرَ الْمِثْلِ لَهُ ذَلِكَ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ الْوَقْفِ. مَطْلَبٌ فِي شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ (قَوْلُهُ: وَإِمَّا تَقَبُّلٌ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ إمَّا مُفَاوَضَةٌ (قَوْلُهُ: وَتُسَمَّى شَرِكَةَ صَنَائِعَ) جَمْعُ صِنَاعَةٍ كَرِسَالَةٍ وَرَسَائِلَ وَهِيَ كأصنعة حِرْفَةُ الصَّانِعِ وَعَمَلُهُ (قَوْلُهُ: وَأَعْمَالٌ وَأَبْدَانٌ) ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ يَكُونُ مِنْهُمَا غَالِبًا بِأَبْدَانِهِمَا (قَوْلُهُ: إنْ اتَّفَقَ صَانِعَانِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعَقْدِ أَوَّلًا، بِأَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الشَّرِكَةِ قَبْلَ التَّقَبُّلِ لِمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ الْفُرُوعِ لَوْ تَقَبَّلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 فَلَا يَلْزَمُ اتِّحَادُ صَنْعَةٍ وَمَكَانٍ (عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ) الَّتِي يُمْكِنُ اسْتِحْقَاقُهَا وَمِنْهُ تَعْلِيمُ كِتَابَةٍ وَقُرْآنٍ وَفِقْهٍ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ، بِخِلَافِ شَرِكَةِ دَلَّالِينَ وَمُغَنِّينَ وَشُهُودِ مَحَاكِمَ وَقُرَّاءِ مَجَالِسَ وَتَعَازٍ   [رد المحتار] ثَلَاثَةٌ عَمَلًا بِلَا عَقْدِ شَرِكَةٍ فَعَمِلَهُ أَحَدُهُمْ فَلَهُ ثُلُثُ الْأَجْرِ وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرِينَ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَالْمُرَادُ عَقْدُ الشَّرِكَةِ عَلَى التَّقَبُّلِ وَالْعَمَلِ، لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْحَمَّالِينَ عَلَى أَنْ يَمْلَأَ أَحَدُهُمْ الْجَوَالِقَ وَيَأْخُذَ الثَّانِي فَمَهَا وَيَحْمِلَهَا الثَّالِثُ إلَى بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ. قَالَ: فَسَادُهَا لِهَذِهِ الشُّرُوطِ، فَإِنَّ شَرِكَةَ الْحَمَّالِينَ صَحِيحَةٌ إذَا اشْتَرَكُوا فِي التَّقَبُّلِ وَالْعَمَلِ جَمِيعًا اهـ أَيْ وَهُنَا لَمْ يُذْكَرْ التَّقَبُّلُ أَصْلًا، بَلْ مُجَرَّدُ الْعَمَلِ مُقَيَّدًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِنَوْعٍ مِنْهُ، وَلَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ التَّقَبُّلِ مِنْهُمَا مَعًا؛ لِمَا فِي الْبَحْرِ أَيْضًا: لَوْ اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَ أَحَدُهُمَا الْمَتَاعَ وَيَعْمَلَ الْآخَر أَوْ يَتَقَبَّلَهُ أَحَدُهُمَا وَيَقْطَعَهُ ثُمَّ يَدْفَعَهُ إلَى الْآخَرِ لِلْخِيَاطَةِ بِالنِّصْفِ جَازَ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ، لَكِنْ مِنْ شُرِطَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ فَقَطْ لَوْ تَقَبَّلَ جَازَ، فَلَوْ شُرِطَ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الْعَمَلُ أَنْ لَا يَتَقَبَّلَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ السُّكُوتِ جُعِلَ إثْبَاتُهَا اقْتِضَاءً وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ مَعَ النَّفْيِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. قُلْت: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الشَّرْطَ عَدَم نَفْيِ التَّقَبُّلِ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا التَّنْصِيصُ عَلَى تَقَبُّلِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَا عَلَى عَمَلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَ أَحَدُهُمَا وَيَعْمَلَ الْآخَرُ بِلَا نَفْيٍ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا التَّقَبُّلُ وَالْعَمَلُ لِتَضَمُّنِ الشَّرِكَةِ الْوَكَالَةَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَحُكْمُهَا أَنْ يَصِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ بِتَقَبُّلِ الْأَعْمَالِ، وَالتَّوْكِيلُ بِهِ جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَ الْوَكِيلُ يُحْسِنُ مُبَاشَرَةَ ذَلِكَ الْعَمَلِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: فَلَا يَلْزَمُ اتِّحَادُ صَنْعَةٍ وَمَكَانٍ) تَفْرِيعُ الْأَوَّلِ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ بِالْمَكَانِ. وَوَجْهُ عَدَمِ اللُّزُومِ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزَ لِشَرِكَةِ التَّقَبُّلِ مِنْ كَوْنِ الْمَقْصُودِ تَحْصِيلَ الرِّبْحِ لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ كَوْنِ الْعَمَلِ فِي دَكَاكِينَ أَوْ دُكَّانٍ، وَكَوْنِ الْأَعْمَالِ مِنْ أَجْنَاسٍ أَوْ جِنْسٍ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ) أَيْ مَحَلُّهَا كَالثِّيَابِ مَثَلًا، فَإِنَّ الْعَمَلَ عَرْضٌ لَا يَقْبَلُ الْقَبُولَ أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ. وَعَلِمْت أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى تَقَبُّلِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ عَلَى عَمَلِهِ غَيْرُ شَرْطٍ. وَفِي النَّهْرِ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ الْعَمَلُ، وَلِذَا قَالُوا: مِنْ صُوَرِ هَذِهِ الشَّرِكَةِ أَنْ يَجْلِسَ آخَرُ عَلَى دُكَّانِهِ فَيَطْرَحَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَحَدِهِمَا الْعَمَلُ وَمِنْ الْآخَرِ الْحَانُوتُ وَاسْتُحْسِنَ جَوَازُهَا؛ لِأَنَّ التَّقَبُّلَ مِنْ صَاحِبِ الْحَانُوتِ عَمَلٌ. اهـ. وَمِنْهَا مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ لِأَحَدِهِمَا آلَةُ الْقِصَارَةِ وَلِلْآخَرِ بَيْتٌ اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا فِي بَيْتِ هَذَا وَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا جَازَ، وَكَذَا سَائِرُ الصِّنَاعَاتِ، وَلَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَدَاةُ الْقِصَارَةِ وَالْعَمَلُ مِنْ الْآخَرِ فَسَدَتْ وَالرِّبْحُ لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَدَاءِ اهـ وَنَظِيرُ هَذِهِ الْأَخِيرَةِ مَسَائِلُ سَتَأْتِي فِي الْفَصْلِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ إلَخْ (قَوْلُهُ: الَّتِي يُمْكِنُ اسْتِحْقَاقُهَا) أَيْ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ. وَزَادَ فِي الْبَحْرِ قَيَّدَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ حَلَالًا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ اشْتَرَكَا فِي عَمَلٍ حَرَامٍ لَمْ يَصِحَّ اهـ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْحَرَامَ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْأَجْرِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) الْأَوْلَى وَمِنْهَا أَيْ الْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُفْتَى بِهِ) أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى التَّعْلِيمِ، وَكَذَا عَلَى الْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ شَرِكَةِ دَلَّالِينَ) فَإِنَّ عَمَلَ الدَّلَالَةِ لَا يُمْكِنُ اسْتِحْقَاقُهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ، حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَ دَلَّالًا يَبِيعُ لَهُ أَوْ يَشْتَرِي فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ أَجَلًا كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي إجَارَةِ الْمُجْتَبَى ح (قَوْلُهُ: وَمُغَنِّينَ) ؛ لِأَنَّ الْغِنَاءَ حَرَامٌ ح (قَوْلُهُ: وَشُهُودِ مَحَاكِمَ) لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الشَّهَادَةِ ح (قَوْلُهُ: وَقُرَّاءِ مَجَالِسَ وَتَعَازٍ) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَوْ مُغَايِرٍ وَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَبِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ ثُمَّ زَايٌ جَمْعُ تَعْزِيَةٍ: وَهِيَ الْمَأْتَمُ بِالْهَمْزَةِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ الَّذِي يُصْنَعُ لِلْأَمْوَاتِ؛ لِأَنَّ عَادَتَهُمْ الْقِرَاءَةُ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ يَشْتَمِلُ عَلَى التَّمْطِيطِ وَعَلَى قَطْعِ بَعْضِ الْكَلِمَاتِ وَالِابْتِدَاءِ مِنْ أَثْنَاءِ الْكَلِمَةِ وَلِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى الْقِرَاءَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 وَوُعَّاظٍ، وَسُؤَّالٍ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالسُّؤَالِ لَا يَصِحُّ قُنْيَةٌ وَأَشْبَاهٌ (وَيَكُونُ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا) عَلَى مَا شَرَطَا مُطْلَقًا فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرِبْحٍ بَلْ بَدَلُ عَمَلٍ فَصَحَّ تَقْوِيمُهُ (وَكُلُّ مَا تَقَبَّلَهُ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُمَا) وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ (فَيُطَالَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَمَلِ وَيُطَالِبُ) كُلٌّ مِنْهُمَا (بِالْأَجْرِ وَيَبْرَأُ) دَافِعُهَا (بِالدَّفْعِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى أَحَدِهِمَا (وَالْحَاصِلُ مِنْ) أَجْرِ (عَمَلِ أَحَدِهِمَا بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ) وَلَوْ الْآخَرُ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا أَوْ امْتَنَعَ عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ لِأَنَّ الشَّرْطَ مُطْلَقُ الْعَمَلِ لَا عَمَلُ الْقَابِلِ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَصَّارَ لَوْ اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ بَزَّازِيَّةٌ (وَ) إمَّا (وُجُوهٌ) هَذَا رَابِعُ وُجُوهِ شَرِكَةِ الْعَقْدِ (إنْ عَقَدَاهَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا) نَوْعًا أَوْ أَنْوَاعًا (بِوُجُوهِهِمَا) أَيْ بِسَبَبِ وَجَاهَتِهِمَا (وَيَبِيعَا) فَمَا حَصَلَ بِالْبَيْعِ يَدْفَعَانِ مِنْهُ ثَمَنَ -   [رد المحتار] وَاَلَّذِي أَجَازَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ إنَّمَا هُوَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى التَّعْلِيمِ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ خِلَافَهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْإِجَارَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي الْقُنْيَةِ: وَلَا شَرِكَةِ الْقُرَّاءِ بِالزَّمْزَمَةِ فِي الْمَجَالِسِ وَالتَّعَازِي؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ عَلَيْهِمْ. اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ الزَّمْزَمَةُ الصَّوْتُ الْبَعِيدُ لَهُ دَوِيُّ وَتَتَابُعُ صَوْتِ الرَّعْدِ. وَذَكَرَ ابْنُ الشِّحْنَةِ أَنَّ ابْنَ وَهْبَانَ بَالَغَ فِي النَّكِيرِ عَلَى إقْرَارِهِمْ عَلَى هَذَا فِي زَمَانِهِ وَعَلَى الْقِرَاءَةِ بِالتَّمْطِيطِ وَمَنَعَ مِنْ جَوَازِ سَمَاعِهَا وَأَطْنَبَ فِي إنْكَارِهَا، وَتَمَامُهُ فِي ح (قَوْلُهُ: وَوُعَّاظٌ) أَيْ شَرِكَةُ وُعَّاظٍ فِيمَا يَتَحَصَّلُ لَهُمْ بِسَبَبِ الْوَعْظِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِمْ ط (قَوْلُهُ: وَسُؤَالٌ) بِتَشْدِيدِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ السَّائِلِ: وَهُوَ الشَّحَّاذُ اهـ ح (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالسُّؤَالِ لَا يَصِحُّ) وَمَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الْوَكَالَةُ لَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ شَرَطَا الرِّبْحَ عَلَى السَّوَاءِ أَوْ مُتَفَاضِلًا، وَسَوَاءٌ تَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ أَوْ لَا، وَقِيلَ: إنْ شَرَطَا أَكْثَرَ الرِّبْحِ لِأَدْنَاهُمَا عَمَلًا لَا يَصِحُّ. وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُفَاوَضَةٌ إذْ لَا تَكُونُ الْمُفَاوَضَةُ إلَّا مَعَ التَّسَاوِي كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرِبْحٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ التَّفَاضُلَ فِي الرِّبْحِ عِنْدَ اشْتِرَاطِ التَّسَاوِي فِي الْعَمَلِ لَا يَجُوزُ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِقَدْرِ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ رِبْحٌ مَا لَمْ يَضْمَنْ، فَلَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ كَمَا فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ. وَيَجُوزُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ لَيْسَ رِبْحًا؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَهُنَا رَأْسُ الْمَالِ عَمَلٌ وَالرِّبْحُ مَالٌ فَلَمْ يَتَّحِدْ الْجِنْسُ، فَكَانَ مَا يَأْخُذُهُ بَدَلَ الْعَمَلِ وَالْعَمَلُ يُتَقَوَّمُ بِالتَّقْوِيمِ إذَا رَضِيَا بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ، فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِ مَا قُوِّمَ بِهِ فَلَمْ يُؤَدِّ إلَى رِبْحٍ مَا لَمْ يَضْمَنْ، بِخِلَافِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ فِيهَا التَّفَاوُتُ فِي الرِّبْحِ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْمُشْتَرَى؛ لِأَنَّ جِنْسَ الْمَالِ وَهُوَ الثَّمَنُ الْوَاجِبُ فِي ذِمَّتِهِمَا مُتَّحِدٌ وَالرِّبْحُ يَتَحَقَّقُ فِي الْجِنْسِ الْمُتَّحِدِ، فَلَوْ جَازَ زِيَادَةُ الرِّبْحِ كَانَ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: فَيُطَالَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَمَلِ إلَخْ) هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ مُفَاوَضَةً، أَمَّا إذَا أَطْلَقَاهَا أَوْ قَيَّدَاهَا بِالْعِنَانِ فَثُبُوتُ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ اسْتِحْسَانٌ، وَفِيمَا سِوَاهُمَا فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مُقْتَضَى الْعِنَانِ، وَلِذَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ مُسْتَهْلَكٍ أَوْ أَجْرِ أَجِيرٍ أَوْ دُكَّانٍ لِمُدَّةٍ مَضَتْ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ نَفَاذَ الْإِقْرَارِ عَلَى الْآخَرِ مُوجِبٌ الْمُفَاوَضَةَ وَلَمْ يَنُصَّا عَلَيْهَا فَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ لَمْ يُسْتَهْلَكْ أَوْ الْمُدَّةُ لَمْ تَمْضِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُمَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ اهـ ح مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: وَيَبْرَأُ دَافِعُهَا) أَنَّثَ الضَّمِيرَ وَإِنْ عَادَ عَلَى الْأَجْرِ لِتَأْوِيلِهِ بِالْأُجْرَةِ ط فِي (قَوْلِهِ: وَالْحَاصِلُ إلَخْ) مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ وَيَكُونُ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هُوَ فِي الْكَسْبِ الْحَاصِلِ مِنْ عَمَلِهِمَا، وَمَا هُنَا فِي الْحَاصِلِ مِنْ عَمَلِ أَحَدِهِمَا: أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْمَلَا أَوْ يَعْمَلَ أَحَدُهُمَا سَوَاءٌ كَانَ عَدَمُ عَمَلِ الْآخَرِ لِعُذْرٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ مُعِينُ الْقَابِلِ وَالشَّرْطُ مُطْلَقُ الْعَمَلِ إلَخْ مَا ذَكَرَهُ. مَطْلَبٌ: شَرِكَةُ الْوُجُوهِ (قَوْلُهُ: وَإِمَّا وُجُوهٌ) وَيُقَالُ لَهَا شَرِكَةُ الْمَفَالِيسِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: نَوْعًا أَوْ أَنْوَاعًا) أَفَادَ أَنَّهَا تَكُونُ خَاصَّةً وَعَامَّةً كَمَا فِي النَّهْرِ وَلِذَا حَذَفَ الْمُصَنِّفُ الْمَفْعُولَ (قَوْلُهُ: أَيْ بِسَبَبِ وَجَاهَتِهِمَا) أَفَادَ وَجْهَ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا مَالَ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 مَا اشْتَرَيَا (بِالنَّسِيئَةِ) وَمَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا [مَطْلَبٌ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ] (وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا) مِنْ التَّقَبُّلِ وَالْوُجُوهِ (عِنَانًا وَمُفَاوَضَةً) أَيْضًا (بِشَرْطِهِ) السَّابِقِ، وَإِذَا أُطْلِقَتْ كَانَتْ عِنَانًا (وَتَتَضَمَّنُ) شَرِكَةُ كُلٍّ مِنْ التَّقَبُّلِ وَالْوُجُوهِ (الْوَكَالَةَ) لِاعْتِبَارِهَا فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الشَّرِكَةِ (وَالْكَفَالَةَ أَيْضًا إذَا كَانَتْ مُفَاوَضَةً) بِشَرْطِهَا (وَالرِّبْحُ) فِيهَا (عَلَى مَا شَرَطَا مِنْ مُنَاصَفَةِ الْمُشْتَرَى) بِفَتْحِ الرَّاءِ (أَوْ مُثَالَثَتُهُ) لِيَكُونَ الرِّبْحُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، بِخِلَافِ الْعِنَانِ كَمَا مَرَّ. وَفِي الدُّرَرِ: لَا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: بِمَالٍ، أَوْ عَمَلٍ، أَوْ تَقَبُّلٍ.   [رد المحتار] لَا يَبِيعُهُ النَّاسُ نَسِيئَةً إلَّا إذَا كَانَ لَهُ جَاهٌ وَوَجَاهَةٌ وَشَرَفٌ عِنْدَهُمْ. وَأَفَادَ الْكَمَالُ أَنَّ الْجَاهَ مَقْلُوبُ الْوَجْهِ بِوَضْعِ الْوَاوِ مَوْضِعَ الْعَيْنِ فَوَزْنُهُ عَفْلٌ إلَّا أَنَّ الْوَاوَ انْقَلَبَتْ أَلِفًا لِلْمُوجِبِ لِذَلِكَ، وَقِيلَ أُضِيفَتْ إلَى الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهَا تُبْتَذَلُ فِيهَا الْوُجُوهُ لِعَدَمِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: بِالنَّسِيئَةِ) هُوَ عَلَى حَلِّ الشَّارِحِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ اشْتَرَيَا، وَقَصْدُهُ بِذَلِكَ دَفْعُ مَا يُوهِمُهُ الْمَتْنُ مِنْ كَوْنِهِ مَطْلُوبًا لِيَشْتَرِيَا وَيَبِيعَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مَطْلُوبٌ لِقَوْلِهِ يَشْتَرِيَا فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرُهُ عَقِبَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُمَا، فَشِرَاؤُهُمَا يَكُونُ بِالنَّسِيئَةِ أَمَّا الْبَيْعُ فَهُوَ أَعَمُّ. (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا عِنَانًا وَمُفَاوَضَةً بِشَرْطِهِ) فَصُورَةُ اجْتِمَاعِ شَرَائِطِ الْمُفَاوَضَةِ فِي التَّقَبُّلِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ: أَنْ يَشْتَرِكَ الصَّانِعَانِ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا جَمِيعًا الْأَعْمَالَ، وَأَنْ يَضْمَنَا الْعَمَلَ جَمِيعًا عَلَى التَّسَاوِي، وَأَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الرِّبْحِ وَالْوَضِيعَةِ، وَأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فِيمَا لَحِقَهُ بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ. اهـ. وَصُورَتُهَا فِي الْوُجُوهِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، أَنْ يَكُونَ الرَّجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ، وَأَنْ يَكُونَ ثَمَنُ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَأَنْ يَتَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ زَادَ فِي الْفَتْحِ: وَيَتَسَاوَيَا فِي الرِّبْحِ، وَيَكْفِي ذِكْرُ مُقْتَضَيَاتِ الْمُفَاوَضَةِ عَنْ التَّلَفُّظِ بِهَا كَمَا سَلَفَ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا فُقِدَ مِنْهَا شَرْطٌ كَانَتْ عِنَانًا، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ شُرُوطَ الْمُفَاوَضَةِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ قَدْ اخْتَلَفَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الْمُتَدَاوَلَاتِ إلَى أَنَّهَا فِي كُلٍّ مِنْهَا حَقِيقَةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا فِي الْأَوَّلِ أَيْ فِي الْمَالِ حَقِيقَةٌ وَفِي الْبَاقِيَيْنِ مَجَازٌ تَرْجِيحًا عَلَى الِاشْتِرَاكِ. (قَوْلُهُ: مِنْ مُنَاصَفَةِ الْمُشْتَرَى) أَيْ فِي الْمُفَاوَضَةِ وَالْعِنَانِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ مُثَالَثَتُهُ أَيْ فِي الْعِنَانِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِمَفْهُومِ مَا قَبْلَهُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مُخَالِفًا لِقَدْرِ الْمِلْكِ، وَعِبَارَةُ الْكَنْزِ: وَإِنْ شَرَطَا مُنَاصَفَةَ الْمُشْتَرِي أَوْ مُثَالَثَتَهُ فَالرِّبْحُ كَذَلِكَ وَبَطَلَ شَرْطُ الْفَضْلِ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الرِّبْحِ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ بِالضَّمَانِ وَهُوَ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ فِي الْمُشْتَرَى فَكَانَ الرِّبْحُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ، بِخِلَافِ الْعِنَانِ فَإِنَّ التَّفَاضُلَ فِي الرِّبْحِ فِيهَا مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمُضَارَبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَعْمَلُ فِي مَالِ صَاحِبِهِ فَالْتَحَقَتْ بِهَا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْعِنَانِ) أَيْ فِي شَرِكَةِ الْأَمْوَالِ، وَكَذَا فِي شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا التَّفَاضُلُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ فِيهَا لَيْسَ بِرِبْحٍ بَلْ بَدَلُ عَمَلٍ كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: بِمَالٍ) كَمَا فِي شَرِكَةِ الْأَمْوَالِ وَفِي الْمُضَارَبَةِ فِي حَقِّ رَبِّ الْمَالِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَمَلٍ) كَالْمُضَارِبِ فِي الْمُضَارَبَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَقَبُّلٍ) عِبَارَةُ الدُّرَرِ أَوْ ضَمَانٍ، وَكَذَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَذَلِكَ كَمَنْ أَجْلَسَ عَلَى دُكَّانِهِ تِلْمِيذًا يَطْرَحُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ، وَكَمَا فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ فَإِنَّ الرِّبْحَ فِيهَا بِقَدْرِ الضَّمَانِ وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ رِبْحٌ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَلَا يَجُوزُ كَمَا مَرَّ. قَالَ فِي الدُّرَرِ: وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: تَصَرَّفْ فِي مَالِكَ عَلَى أَنَّ لِي بَعْضَ رِبْحِهِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِعَدَمِ هَذِهِ الْمَعَانِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 فَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ (لَا تَصِحُّ شَرِكَةٌ فِي احْتِطَابٍ وَاحْتِشَاشٍ وَاصْطِيَادٍ وَاسْتِقَاءٍ وَسَائِرِ مُبَاحَاتٍ) كَاجْتِنَاءِ ثِمَارٍ مِنْ جِبَالٍ وَطَلَبِ مَعْدِنٍ مِنْ كَنْزٍ وَطَبْخِ آجُرٍّ مِنْ طِينٍ مُبَاحٍ لِتَضَمُّنِهَا الْوَكَالَةَ وَالتَّوْكِيلُ فِي أَخْذِ الْمُبَاحِ لَا يَصِحُّ (وَمَا حَصَّلَهُ أَحَدُهُمَا فَلَهُ وَمَا حَصَّلَاهُ مَعًا فَلَهُمَا) نِصْفَيْنِ إنْ لَمْ يُعْلَمُ مَا لِكُلٍّ (وَمَا حَصَّلَهُ أَحَدُهُمَا بِإِعَانَةِ صَاحِبِهِ فَلَهُ وَلِصَاحِبِهِ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ ثَمَنِ ذَلِكَ)   [رد المحتار] [فَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ] ِ مَا فِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ مِنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُتَرْجِمَ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا فِي التَّرْجَمَةِ لَا تَضُرُّ (قَوْلُهُ: وَاصْطِيَادٍ) جَعَلَهُ مِنْ الْمُبَاحِ وَذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلتَّلَهِّي أَوْ يَتَّخِذُهُ حِرْفَةً وَإِلَّا فَلَا يَحِلُّ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ: وَطَلَبِ مَعْدِنٍ مِنْ كَنْزٍ) الْمَعْدِنُ مَا وُضِعَ فِي الْأَرْضِ خِلْقَةً، وَالْكَنْزُ مَا وَضَعَهُ بَنُو آدَمَ وَالرِّكَازُ يَعُمُّهُمَا فَلَوْ قَالَ: وَطَلَبِ مَعْدِنٍ وَكَنْزٍ جَاهِلِيٍّ كَمَا فَعَلَ فِي الْهِنْدِيَّةِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْكَنْزَ الْإِسْلَامِيَّ لُقَطَةٌ ط (قَوْلُهُ: مِنْ طِينٍ مُبَاحٍ) فَإِنْ كَانَ الطِّينُ أَوْ النُّورَةُ أَوْ سَهْلَةُ الزُّجَاجِ مَمْلُوكًا فَاشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا ذَلِكَ وَيَطْبُخَاهُ وَيَبِيعَاهُ جَازَ، وَهُوَ كَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الشَّافِي، وَتَبِعَهُ الْبَزَّازِيُّ وَالْعَيْنِيُّ. وَالْمَذْكُورُ فِي الْفَتْحِ أَنَّ هَذَا مِنْ شَرِكَةِ الصَّنَائِعِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَمَا حَصَّلَهُ أَحَدُهُمَا) أَيْ بِدُونِ عَمَلٍ مِنْ الْآخَرِ (قَوْلُهُ: وَمَا حَصَّلَاهُ مَعًا إلَخْ) يَعْنِي ثُمَّ خَلَطَاهُ وَبَاعَهُ، فَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَى كَيْلِ أَوْ وَزْنِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَزْنِيًّا وَلَا كَيْلِيًّا قُسِّمَ عَلَى قِيمَةِ مَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مِقْدَارُ مَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا صُدِّقَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى النِّصْفِ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الِاكْتِسَابِ وَكَأَنَّ الْمُكْتَسَبَ فِي أَيْدِيهِمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَالظَّاهِرُ يَشْهَدُ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الزِّيَادَةِ عَلَى النِّصْفِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي خِلَافَ الظَّاهِرِ. اهـ. فَتْحٌ. مَطْلَبٌ: اجْتَمَعَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَاكْتَسَبَا وَلَا يُعْلَمُ التَّفَاوُتُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ [تَنْبِيهٌ] يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا مَا أَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ فِي زَوْجِ امْرَأَةٍ وَابْنِهَا اجْتَمَعَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَأَخَذَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَكْتَسِبُ عَلَى حِدَةٍ وَيَجْمَعَانِ كَسْبَهُمَا وَلَا يُعْلَمُ التَّفَاوُتُ وَلَا التَّسَاوِي وَلَا التَّمْيِيزُ. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ بَيْنَهُمَا سَوِيَّةً، وَكَذَا لَوْ اجْتَمَعَ إخْوَةٌ يَعْمَلُونَ فِي تَرِكَةِ أَبِيهِمْ وَنَمَا الْمَالُ فَهُوَ بَيْنَهُمْ سَوِيَّةً، وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي الْعَمَلِ وَالرَّأْيِ اهـ وَقَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ مَا لَمْ يُصَرِّحَا بِلَفْظِهَا أَوْ بِمُقْتَضَيَاتِهَا مَعَ اسْتِيفَاءِ شُرُوطِهَا، ثُمَّ هَذَا فِي غَيْرِ الِابْنِ مَعَ أَبِيهِ؛ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ الْأَبُ وَابْنُهُ يَكْتَسِبَانِ فِي صَنْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا شَيْءٌ فَالْكَسْبُ كُلُّهُ لِلْأَبِ إنْ كَانَ الِابْنُ فِي عِيَالِهِ لِكَوْنِهِ مُعِينًا لَهُ أَلَا تَرَى لَوْ غَرَسَ شَجَرَةً تَكُونُ لِلْأَبِ ثُمَّ ذَكَرَ خِلَافًا فِي الْمَرْأَةِ مَعَ زَوْجِهَا إذَا اجْتَمَعَ بِعَمَلِهِمَا أَمْوَالٌ كَثِيرَةٌ، فَقِيلَ هِيَ لِلزَّوْجِ وَتَكُونُ الْمَرْأَةُ مُعِينَةً لَهُ، إلَّا إذَا كَانَ لَهَا كَسْبٌ عَلَى حِدَةٍ فَهُوَ لَهَا، وَقِيلَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: زَوَّجَ بَنِيهِ الْخَمْسَةَ فِي دَارِهِ وَكُلُّهُمْ فِي عِيَالِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَتَاعِ فَهُوَ لِلْأَبِ وَلِلْبَنِينَ الثِّيَابُ الَّتِي عَلَيْهِمْ لَا غَيْرُ، فَإِنْ قَالُوا هُمْ أَوْ امْرَأَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ: إنَّ هَذَا اسْتَفَدْنَاهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ لَهُمْ، وَإِنْ أَقَرُّوا أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ مَوْتِهِ فَهُوَ مِيرَاثٌ مِنْ الْأَبِ. (قَوْلُهُ: بِإِعَانَةِ صَاحِبِهِ) سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِعَانَةُ بِعَمَلٍ كَمَا إذَا أَعَانَهُ فِي الْجَمْعِ وَالْقَلْعِ أَوْ الرَّبْطِ أَوْ الْحَمْلِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ بِآلَةٍ، كَمَا لَوْ دَفَعَ لَهُ بَغْلًا أَوْ رَاوِيَةً لِيَسْتَقِيَ عَلَيْهَا أَوْ شَبَكَةً لِيَصِيدَ بِهَا حَمَوِيٌّ وَقُهُسْتَانِيٌّ ط (قَوْلُهُ لَا يُجَاوَزُ بِهِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ عَلَى الْبِنَاءِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 قِيلَ تَقْدِيمُهُمْ قَوْلَ مُحَمَّدٍ يُؤْذِنُ بِاخْتِيَارِهِ نَهْرٌ وَعِنَايَةٌ. (وَالرِّبْحُ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ بِقَدْرِ الْمَالِ، وَلَا عِبْرَةَ بِشَرْطِ الْفَضْلِ) فَلَوْ كُلُّ الْمَالِ لِأَحَدِهِمَا فَلِلْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِهِ كَمَا لَوْ دَفَعَ دَابَّتَهُ لِرَجُلٍ لِيُؤَجِّرَهَا وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا، فَالشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ وَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ وَلِلْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَكَذَلِكَ السَّفِينَةُ وَالْبَيْتُ، وَلَوْ لَمْ يَبِعْ عَلَيْهَا الْبُرَّ فَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْبُرِّ وَلِلْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِ الدَّابَّةِ، وَلَوْ لِأَحَدِهِمَا بَغْلٌ وَلِلْآخَرِ بَعِيرٌ فَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى مِثْلِ أَجْرِ الْبَغْلِ وَالْبَعِيرِ نَهْرٌ.   [رد المحتار] لِلْمَفْعُولِ، وَقَوْلُهُ: نِصْفُ ثَمَنِ ذَلِكَ بِالرَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ النَّائِبُ عَنْ الْفَاعِلِ. اهـ. فَتْحٌ: أَيْ يُعْطَى أَجْرَ الْمِثْلِ لَوْ كَانَ مِثْلَ نِصْفِ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ، فَلَوْ أَكْثَرَ لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، ثُمَّ التَّعْبِيرُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَقَعَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ ط: وَذُكِرَ فِي النُّقَايَةِ أَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْمُعِينَ وَصَاحِبَ الْعُدَّةِ يَطْلُبَانِ أَجْرَ الْمِثْلِ عِنْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ فَرُبَّمَا لَا يَتَيَسَّرُ الْبَيْعُ عِنْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ فَكَيْفَ يَفْرِضُ نِصْفَ ثَمَنِهِ حَتَّى يَطْلُبَ حَمَوِيٌّ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَلَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ: أَيْ قِيمَةِ الْمُبَاحِ يَوْمَ الْأَخْذِ إنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِيهِ التَّخْمِينُ وَالْقِيَاسُ اهـ (قَوْلُهُ: يُؤْذِنُ بِاخْتِيَارِهِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَكَذَا تَقْدِيمُ دَلِيلِ أَبِي يُوسُفَ عَلَى دَلِيلِ مُحَمَّدٍ فِي الْمَبْسُوطِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ اخْتَارُوا قَوْلَ مُحَمَّدٍ اهـ أَيْ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمُتَأَخِّرَ يَتَضَمَّنُ الْجَوَابَ عَنْ الدَّلِيلِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهَذِهِ عَادَةُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَيْضًا أَنَّهُ يُؤَخِّرُ دَلِيلَ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ، وَعِبَارَةُ كَافِي الْحَاكِمِ تُؤْذِنُ أَيْضًا بِاخْتِيَارِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ نِصْفَ الثَّمَنِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعَانَهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يُصِبْ شَيْئًا كَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ. اهـ. وَنَقَلَ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ عَنْ الْمِفْتَاحِ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى. وَعَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانٌ اهـ. مَطْلَبٌ يُرَجِّحُ الْقِيَاسَ قُلْت: وَعَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَرَجَّحَ فِيهَا الْقِيَاسُ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ. (قَوْلُهُ: وَالرِّبْحُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الشَّرِكَةَ الْفَاسِدَةَ إمَّا بِدُونِ مَالٍ أَوْ بِهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَحُكْمُ الْأُولَى أَنَّ الرِّبْحَ فِيهَا لِلْعَامِلِ كَمَا عَلِمْت، وَالثَّانِيَةُ بِقَدْرِ الْمَالِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ أَجْرًا؛ لِأَنَّهُ لَا أَجْرَ لِلشَّرِيكِ فِي الْعَمَلِ بِالْمُشْتَرَكِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَالثَّالِثَةُ لِرَبِّ الْمَالِ وَلِلْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِهِ (قَوْلُهُ فَالشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى بِعْ مَنَافِعَ دَابَّتِي لِيَكُونَ الْأَجْرُ بَيْنَنَا فَيَكُونُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ عَقَدَ الْعَقْدَ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ بِأَمْرِهِ، وَلِلْعَاقِدِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ أَنْ يَعْمَلَ مَجَّانًا فَتْحٌ. [تَنْبِيهٌ] لَمْ يَذْكُرُوا مَا لَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ بَيْنَ اثْنَيْنِ دَفَعَهَا أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ عَلَى أَنْ يُؤَجِّرَهَا وَيَعْمَلَ عَلَيْهَا عَلَى أَنَّ ثُلُثَيْ الْأَجْرِ لِلْعَامِلِ وَالثُّلُثَ لِلْآخَرِ وَهِيَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ، وَلَا شَكَّ فِي فَسَادِهَا؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ كَالْعُرُوضِ لَا تَصِحُّ فِيهَا الشَّرِكَةُ، وَحِينَئِذٍ فَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا، وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ، وَلَا يُشْبِهُ الْعَمَلَ فِي الْمُشْتَرَكِ حَتَّى نَقُولَ لَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِيمَا يَحْمِلُ وَهُوَ لِغَيْرِهِمَا تَأَمَّلْ. وَتَمَامُهُ فِي حَوَاشِي الْمِنَحِ لِلْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ وَيَأْتِي قَرِيبًا مَا يُؤَيِّدُهُ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ السَّفِينَةُ وَالْبَيْتُ) أَيْ مِثْلُ الدَّابَّةِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: لَهُ سَفِينَةٌ فَاشْتَرَكَ مَعَ أَرْبَعَةٍ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا بِسَفِينَتِهِ وَآلَاتِهَا وَالْخُمُسُ لِصَاحِبِ السَّفِينَةِ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ، وَالْحَاصِلُ لِصَاحِبِ السَّفِينَةِ، وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِأَحَدِهِمَا بَغْلٌ وَلِلْآخَرِ بَعِيرٌ) أَيْ وَقَدْ اشْتَرَكَا عَلَى أَنَّ كُلًّا يُؤَجِّرُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ وَالْحَاصِلُ بَيْنَهُمَا فَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَعْنَى هَذَا أَنَّ كُلًّا قَالَ لِصَاحِبِهِ: بِعْ مَنَافِعَ دَابَّتِك وَدَابَّتِي عَلَى أَنَّ ثَمَنَهُ بَيْنَنَا، ثُمَّ إنْ آجَرَاهُمَا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 (وَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ) أَيْ شَرِكَةُ الْعَقْدِ (بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) عَلِمَ الْآخَرُ أَوْ لَا لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ (وَلَوْ حُكْمًا) بِأَنْ قُضِيَ بِلِحَاقِهِ مُرْتَدًّا (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا (بِإِنْكَارِهَا) وَبِقَوْلِهِ: لَا أَعْمَلُ مَعَكَ فَتْحٌ (وَبِفَسْخِ أَحَدِهِمَا) وَلَوْ الْمَالُ عُرُوضًا، بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ -   [رد المحتار] صَفْقَةً وَاحِدَةً فِي عَمَلٍ مَعْلُومٍ قُسِّمَ الْأَجْرُ عَلَى مِثْلِ أَجْرِ الْبَغْلِ وَمِثْلِ أَجْرِ الْجَمَلِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْحُمُولَاتِ الْمَعْلُومَةَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَلَمْ يُؤَجِّرَا الْبَغْلَ وَالْجَمَلَ كَانَتْ صَحِيحَةً؛ لِأَنَّهَا شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَا يُعْتَبَرُ زِيَادَةُ حِمْلِ الْجَمَلِ عَلَى حِمْلِ الْبَغْلِ، كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ زِيَادَةُ عَمَلِ أَحَدِهِمَا كَصَبَّاغَيْنِ لِأَحَدِهِمَا آلَةُ الصَّبْغِ وَلِلْآخَرِ بَيْتٌ يَعْمَلُ فِيهِ، وَإِنْ أَجَّرَ الْبَغْلَ أَوْ الْبَعِيرَ بِعَيْنِهِ كَانَ كُلُّ الْأَجْرِ لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ، فَلَوْ أَعَانَهُ الْآخَرُ عَلَى التَّحْمِيلِ وَالنَّقْلِ كَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: عَلَى مِثْلِ أَجْرِ الْبَغْلِ) الْأَوْلَى أَجْرُ مِثْلِ الْبَغْلِ، وَقَوْلُهُ وَالْبَعِيرِ أَيْ وَأَجْرِ مِثْلِ الْبَعِيرِ، فَلَوْ الْبَعِيرُ يُؤَجَّرُ بِضِعْفِ مَا يُؤَجَّرُ بِهِ الْبَغْلُ مَثَلًا فَلِصَاحِبِ الْبَعِيرِ ثُلُثَا الْأَجْرِ وَلِصَاحِبِ الْبَغْلِ ثُلُثُهُ ط وَإِنْ آجَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَابَّتَهُ وَشَرَطَا عَمَلَهُمَا فِي الدَّابَّةِ أَوْ عَمَلَ أَحَدِهِمَا مِنْ السُّوقِ وَالْحَمْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ الْأَجْرُ مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ أَجْرِ مِثْلِ دَابَّتِهِمَا وَعَلَى مِقْدَارِ أَجْرِ عَمَلِهِمَا كَمَا قَبْلَ الشَّرِكَةِ اهـ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَا. [فَرْعٌ] أَعْطَى بَذْرَ الْفَيْلَقِ رَجُلًا لِيَقُومَ عَلَيْهِ فَيَعْلِفَهُ بِالْأَوْرَاقِ عَلَى أَنَّ مَا حَصَلَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا فَالْفَيْلَقُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ مِنْ بَذْرِهِ، وَلِلرَّجُلِ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْأَوْرَاقِ وَأَجْرُ مِثْلِهِ عَلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ، وَعَلَى هَذَا إذَا دَفَعَ الْبَقَرَةَ بِالْعَلَفِ لِيَكُونَ الْحَادِثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَمَا حَدَثَ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْبَقَرَةِ وَلِلْآخَرِ مِثْلُ عَلَفِهِ وَأَجْرُ مِثْلِهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ أَيْ شَرِكَةُ الْعَقْدِ) أَمَّا شَرِكَةُ الْمِلْكِ فَلَا تَبْطُلُ، وَقَوْلُ الدُّرَرِ وَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ مُطْلَقًا فَالْإِطْلَاقُ فِيهِ بِالنَّظَرِ لِلْمُفَاوَضَةِ وَالْعِنَانِ ط. قُلْت: وَالْمُرَادُ أَنَّ شَرِكَةَ الْمِلْكِ لَا تَبْطُلُ: أَيْ لَا يَبْطُلُ الِاشْتِرَاكُ فِيهَا، بَلْ يَبْقَى الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْحَيِّ وَوَرَثَةِ الْمَيِّتِ كَمَا كَانَ وَإِلَّا فَلَا يَخْفَى أَنَّ شَرِكَةَ الْمَيِّتِ مَعَ الْحَيِّ بَطَلَتْ بِمَوْتِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) ؛ لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ أَيْ شَرَطَ لَهَا ابْتِدَاءً وَبَقَاءً؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ ابْتِدَاؤُهَا إلَّا بِوِلَايَةِ التَّصَرُّفِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي مَالِ الْآخَرِ، وَلَا تَبْقَى الْوِلَايَةُ إلَّا بِبَقَاءِ الْوَكَالَةِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا قِيلَ الْوَكَالَةُ تَثْبُتُ تَبَعًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ التَّبَعِ بُطْلَانُ الْأَصْلِ فَتْحٌ، فَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَمَاتَ أَحَدُهُمْ حَتَّى انْفَسَخَتْ فِي حَقِّهِ لَا تَنْفَسِخُ فِي حَقِّ الْبَاقِيَيْنِ بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ قُضِيَ بِلِحَاقِهِ مُرْتَدًّا) حَتَّى لَوْ عَادَ مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا شَرِكَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُقْضَ بِلِحَاقِهِ انْقَطَعَتْ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ عَادَ مُسْلِمًا قَبْلَ الْحُكْمِ بَقِيَتْ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَطَعَتْ وَلَوْ لَمْ يَلْحَقْ وَانْقَطَعَتْ الْمُفَاوَضَةُ عَلَى التَّوَقُّفِ هَلْ تَصِيرُ عِنَانًا عِنْدَهُ لَا وَعِنْدَهُمَا نَعَمْ بَحْرٌ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: بِإِنْكَارِهَا) أَيْ وَيَضْمَنُ حِصَّةَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ جُحُودَ الْأَمِينِ غَصْبٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَبِقَوْلِهِ لَا أَعْمَلُ مَعَكَ) هَذَا فِي الْمَعْنَى فَسْخٌ فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُ عَنْ قَوْلِهِ وَبِفَسْخِ أَحَدِهِمَا، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: اشْتَرَكَا وَاشْتَرَيَا أَمْتِعَةً ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لَا أَعْمَلُ مَعَكَ بِالشَّرِكَةِ وَغَابَ فَبَاعَ الْحَاضِرُ الْأَمْتِعَةَ فَالْحَاصِلُ لِلْبَائِعِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْمَتَاعِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا أَعْمَلُ مَعَكَ فَسْخٌ لِلشَّرِكَةِ مَعَهُ وَأَحَدُهُمَا يَمْلِكُ فَسْخَهَا وَإِنْ كَانَ الْمَالُ عُرُوضًا، بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ هُوَ الْمُخْتَارُ اهـ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ) وَالْفَرْقُ أَنَّ مَالَ الشَّرِكَةِ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا وَوِلَايَةُ التَّصَرُّفِ إلَيْهِمَا جَمِيعًا فَيَمْلِكُ كُلٌّ نَهْيَ صَاحِبِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ نَقْدًا كَانَ أَوْ عُرُوضًا، بِخِلَافِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَا صَارَ عُرُوضًا ثَبَتَ حَقُّ الْمُضَارِبِ فِيهِ لِاسْتِحْقَاقِهِ رِبْحَهُ وَهُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ فَلَا يَمْلِكُ رَبُّ الْمَالِ نَهْيَهُ اهـ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 هُوَ الْمُخْتَارُ بَزَّازِيَّةٌ خِلَافًا لِلزَّيْلَعِيِّ، وَيَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ عَزْلٌ قَصْدِيٌّ (وَبِجُنُونِهِ مُطْبِقًا) فَالرِّبْحُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْعَامِلِ لَكِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِرِبْحِ مَالِ الْمَجْنُونِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (وَلَمْ يُزَكِّ أَحَدُهُمَا مَالَ الْآخَرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنْ أَذِنَ كُلٌّ وَأَدَّيَا مَعًا) أَوْ جَهِلَ (ضَمِنَ كُلٌّ نَصِيبَ صَاحِبِهِ) وَتَقَاصَّا أَوْ رُجِعَ بِالزِّيَادَةِ (وَإِنْ أَدَّيَا مُتَعَاقِبًا كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي، عَلِمَ بِأَدَاءِ صَاحِبِهِ أَوْ لَا كَالْمَأْمُورِ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ) أَوْ الْكَفَّارَةِ (إذَا دَفَعَ لِلْفَقِيرِ بَعْدَ أَدَاءِ الْآمِرِ بِنَفْسِهِ) لِأَنَّ فِعْلَ الْآمِرِ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ؛ وَفِيهِ: لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ خِلَافًا لَهُمَا. (اشْتَرَى أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَمَةً بِإِذْنِ الْآخَرِ) صَرِيحًا فَلَا يَكْفِي سُكُوتُهُ (لِيَطَأهَا فَهِيَ لَهُ) لَا لِلشَّرِكَةِ (بِلَا شَيْءٍ) لِتَضَمُّنِ الْإِذْنِ بِالشِّرَاءِ لِلْوَطْءِ الْهِبَةَ إذْ لَا طَرِيقَ لِحِلِّهِ إلَّا بِهَا لِحُرْمَةِ وَطْءِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَهِبَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا لَا يُقْسَمُ جَائِزَةٌ. وَقَالَ: يَلْزَمُهُ نِصْفُ الثَّمَنِ (وَلِلْبَائِعِ) وَالْمُسْتَحِقِّ (أَخْذُ كُلٍّ بِثَمَنِهَا) وَعُقْرِهَا لِتَضَمُّنِ الْمُفَاوَضَةِ لِلْكَفَالَةِ. (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا) مَثَلًا (فَقَالَ لَهُ آخَرُ: أَشْرِكْنِي فِيهِ فَقَالَ فَعَلْت،   [رد المحتار] فَتْحٌ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلزَّيْلَعِيِّ) حَيْثُ قَيَّدَ فَسْخَ أَحَدِهِمَا الشَّرِكَةَ بِكَوْنِ الْمَالِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، فَأَفَادَ عَدَمَهُ لَوْ عُرُوضًا كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ، وَصَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَمْلِكُ فَسْخَ الشَّرِكَةِ إلَّا بِرِضَى صَاحِبِهِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا غَلَطٌ، وَقَدْ صَحَّحَ هُوَ أَيْ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ انْفِرَادَ الشَّرِيكِ بِالْفَسْخِ وَالْمَالُ عُرُوضٌ. اهـ. وَوَفَّقَ فِي الْبَحْرِ بَيْنَ كَلَامَيْ الْخُلَاصَةِ، وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ، وَأَجَبْنَا عَنْهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَيَتَوَقَّفُ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِلْمَتْنِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عَزْلٌ قَصْدِيٌّ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ حَجْرٍ، فَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَبِجُنُونِهِ مُطْبِقًا) فَالشَّرِكَةُ قَائِمَةٌ إلَى أَنْ يَتِمَّ إطْبَاقُ الْجُنُونِ فَتَنْفَسِخُ، فَإِذَا عَمِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْعَامِلِ وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَالْغَصْبِ لِمَالِ الْمَجْنُونِ فَيَطِيبُ لَهُ رِبْحُ مَالِهِ لَا مَا رَبِحَ مِنْ مَالِ الْمَجْنُونِ، فَيَتَصَدَّقُ بِهِ بَحْرٌ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة. قَالَ ط: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِالْفَسْخِ إلَّا بِإِطْبَاقِ الْجُنُونِ، وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِشَهْرٍ أَوْ بِنِصْفِ حَوْلٍ عَلَى الْخِلَافِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يَتَصَدَّقُ إلَخْ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا تَصَرَّفَ أَحَدُهُمَا بِالْمَالِ فِي صُوَرِ بُطْلَانِ الشَّرِكَةِ الْمَارَّةِ، فَإِنَّ الرِّبْحَ يَكُونُ لِلْعَامِلِ وَيَتَصَدَّقُ بِمَا رَبِحَ مِنْ مَالِ الْآخَرِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُزَكِّ أَحَدُهُمَا إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بَيْنَهُمَا فِي التِّجَارَةِ وَالزَّكَاةُ لَيْسَتْ مِنْهَا وَلِأَنَّ أَدَاءَ الزَّكَاةِ مِنْ شَرْطِهِ النِّيَّةُ، وَعِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ لَا نِيَّةَ لَهُ فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ لِعَدَمِهَا ط عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ: وَأَدَّيَا مَعًا) أَيْ أَدَّى كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ شَرِيكِهِ ح. وَصُورَتُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ كَمَالٍ: بِأَنْ أَدَّى كُلٌّ مِنْهُمَا بِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَاتَّفَقَ أَدَاؤُهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: وَتَقَاصَّا) أَيْ إنْ كَانَتْ مُفَاوَضَةً أَوْ عِنَانًا تَسَاوَيَا فِيهَا ط (قَوْلُهُ: أَوْ رَجَعَ) أَيْ بِالزِّيَادَةِ إنْ كَانَتْ عِنَانًا لَمْ يَتَسَاوَ فِيهَا الْمَالَانِ. ط (قَوْلُهُ: اشْتَرَى أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ) قِيلَ التَّقْيِيدُ بِالْمُتَفَاوِضِينَ اتِّفَاقِيٌّ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَلِلْبَائِعِ أَخْذُ كُلٍّ بِثَمَنِهَا لَا يَشْمَلُ الْعِنَانَ لِعَدَمِ تَضَمُّنِهَا الْكَفَالَةَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ شَرِيكَ الْعِنَانِ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ تِجَارَتِهِمَا، وَيَقَعُ الشِّرَاءُ لَهُ وَيُطَالَبُ بِالثَّمَنِ، وَكَذَا يَقَعُ الشِّرَاءُ لَهُ إذَا اشْتَرَى مِنْ جِنْسِ تِجَارَتِهِمَا بَعْدَ مَا صَارَ الْمَالُ عُرُوضًا كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتَبْطُلُ بِهَلَاكِ الْمَالَيْنِ (قَوْلُهُ: بِإِذْنِ الْآخَرِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا لِلْوَطْءِ بِلَا إذْنٍ كَانَتْ شَرِكَةً بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لِلْوَطْءِ) مُتَعَلِّقٌ بِالشِّرَاءِ، وَقَوْلُهُ " الْهِبَةَ " بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ تَضَمَّنَ (قَوْلُهُ: وَقَالَا يَلْزَمُهُ نِصْفُ الثَّمَنِ) ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى دَيْنًا عَلَيْهِ خَاصَّةً مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِنَصِيبِهِ بَحْرٌ وَالْمُتُونُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: وَلِلْبَائِعِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ بَحْرٌ، وَالْمُرَادُ بِالتِّجَارَةِ الشِّرَاءُ فَإِنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِهَا كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ وَكُلُّ دَيْنٍ لَزِمَ أَحَدَهُمَا بِتِجَارَةٍ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَعُقْرِهَا) يَرْجِعُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ. قَالَ ح: فَهُوَ نَشْرٌ مُرَتَّبٌ (قَوْلُهُ: لِلْكَفَالَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَضَمُّنِ، وَاللَّامُ فِيهِ لِلتَّقْوِيَةِ، وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى مَعْمُولِ الْمُتَعَدِّي بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ مَحْمُولًا عَلَى الْفِعْلِ أَوْ مُتَأَخِّرًا عَنْ مَعْمُولِهِ، وَمَا هُنَا مِنْ الْأَوَّلِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ اشْتَرَى) بِمَعْنَى الْمُفْرَدِ؛ لِمَا فِي الْفَتْحِ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 إنْ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ بَعْدَهُ صَحَّ وَلَزِمَهُ نِصْفُ الثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالثَّمَنِ خُيِّرَ عِنْدَ الْعِلْمِ بِهِ؛ وَلَوْ قَالَ: أَشْرِكْنِي فِيهِ فَقَالَ نَعَمْ ثُمَّ لَقِيَهُ آخَرُ وَقَالَ مِثْلَهُ وَأُجِيبَ بِنَعَمْ، فَإِنْ) كَانَ الْقَائِلُ (عَالِمًا بِمُشَارَكَةِ الْأَوَّلِ فَلَهُ رُبْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَهُ نِصْفُهُ) لِكَوْنِ مَطْلُوبِهِ شَرِكَتَهُ فِي كَامِلِهِ (وَ) حِينَئِذٍ (خَرَجَ الْعَبْدُ مِنْ مِلْكِ الْأَوَّلِ) مَا اشْتَرَيْت الْيَوْمَ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ فَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَك فَقَالَ نَعَمْ جَازَ أَشْبَاهٌ. وَفِيهَا: تَقَبَّلَ ثَلَاثَةٌ عَمَلًا بِلَا عَقْدِ شَرِكَةٍ فَعَمِلَهُ أَحَدُهُمْ فَلَهُ ثُلُثُ الْأَجْرِ وَلَا شَيْءَ لَلْآخَرَيْنِ.   [رد المحتار] لَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ عَبْدًا فَأَشْرَكَا فِيهِ آخَرَ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفُهُ وَلِكُلٍّ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ رُبْعُهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا صَارَ مُمَلِّكًا نِصْفَ نَصِيبِهِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَهُ ثُلُثُهُ؛ لِأَنَّهُمَا حِينَ أَشْرَكَاهُ سَوَّيَاهُ بِأَنْفُسِهِمَا فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى الْعَبْدَ مَعَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَصِحَّ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: اعْلَمْ أَنَّ ثُبُوتَ الشَّرِكَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا كُلَّهُ يَنْبَنِي عَلَى صَيْرُورَةِ الْمُشْتَرِي بَائِعًا لِلَّذِي أَشْرَكَهُ وَهُوَ اسْتَفَادَ الْمِلْكَ مِنْهُ، فَانْبَنَى عَلَى هَذَا أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى أَشْرَكَ فِيهِ رَجُلًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضْ، وَلَوْ أَشْرَكَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ حَتَّى هَلَكَ لَمْ يَلْزَمْهُ ثَمَنٌ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ الَّذِي أَشْرَكَهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ أَشْرَكْتُك صَارَ إيجَابًا لِلْبَيْعِ. اهـ. قُلْت: وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ: اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ أَشْرَكَ آخَرَ فِيهِ فَهَذَا بَيْعُ النِّصْفِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِيهِ بَقِيَّةُ أَحْكَامِ الْبَيْعِ مِنْ ثُبُوتِ خِيَارِ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ وَنَحْوِهِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فِي الْمَجْلِسِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَبَادِرِ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ بَعْدَهُ صَحَّ إلَخْ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَزِمَهُ نِصْفُ الثَّمَنِ) بِنَاءً عَنْ أَنَّ مُطْلَقَ الشَّرِكَةِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12]- إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ خِلَافَهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ لَقِيَهُ آخَرُ) أَمَّا لَوْ أَشْرَكَ اثْنَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً. كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا فَتْحٌ وَكَافِيٌّ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ) أَيْ الثَّانِي (قَوْلُهُ: فَلَهُ رُبْعُهُ) أَيْ رُبْعُ جَمِيعِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ الْإِشْرَاكَ فِي نَصِيبِهِ وَنَصِيبُهُ النِّصْفُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لِكَوْنِ مَطْلُوبِهِ شَرِكَتَهُ فِي كَامِلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ بِمُشَارَكَةِ الْأَوَّلِ يَصِيرُ طَالِبًا لِشِرَاءِ النِّصْفِ وَقَدْ أَجَابَهُ إلَيْهِ. [تَنْبِيهٌ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ شَرِكَةُ مِلْكٍ، وَفِي التتارخانية عَنْ التَّتِمَّةِ: سُئِلَ وَالِدِي عَنْ أَحَدِ شَرِيكَيْ عِنَانٍ اشْتَرَى بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ عُرُوضًا ثُمَّ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ أَشْرَكْتُك فِي نَصِيبِي مِمَّا اشْتَرَيْت قَالَ يَصِيرُ شَرِيكًا لَهُ شَرِكَةَ مِلْكٍ. (قَوْلُهُ: مَا اشْتَرَيْت الْيَوْمَ إلَخْ) ذِكْرُ الْيَوْمِ غَيْرُ قَيْدٍ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِنْ اشْتَرَكَا بِلَا مَالٍ عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَيَا مِنْ الرَّقِيقِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا جَازَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَا فِي هَذَا الشَّهْرِ فَخَصَّا الْعَمَلَ وَالْوَقْتَ؛ فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا اشْتَرَيْت مَتَاعًا فَهَلَكَ مِنِّي وَطَالَبَ شَرِيكُهُ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ لَمْ يُصَدَّقْ، فَإِنْ بَرْهَنَ عَلَى الشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ ثُمَّ ادَّعَى الْهَلَاكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَإِنْ شُرِطَ الرِّبْحُ أَثْلَاثًا بَطَلَ الشَّرْطُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدُهُمَا الْخُرُوجَ مِنْ الشَّرِكَةِ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ اهـ مُلَخَّصًا. زَادَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَبِيعَ حِصَّةَ الْآخَرِ مِمَّا اشْتَرَى إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي الشِّرَاءِ لَا فِي الْبَيْعِ. اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ هَذِهِ شَرِكَةُ مِلْكٍ لَا عَقْدٍ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ اشْتَرَكَا عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَيَا مِنْ تِجَارَةٍ فَهُوَ بَيْنَنَا يَجُوزُ وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى بَيَانِ الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ وَالْوَقْتِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَارَ وَكِيلًا عَنْ الْآخَرِ فِي نِصْفِ مَا يَشْتَرِيه وَغَرَضُهُ تَكْثِيرُ الرِّبْحِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِعُمُومِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُنْتَقَى قَالَ هِشَامٌ: سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ فِي رَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ مَعِي عَشَرَةُ آلَافٍ فَخُذْهَا شَرِكَةً تَشْتَرِي بَيْنِي وَبَيْنَك قَالَ هُوَ جَائِزٌ وَالرِّبْحُ وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَكُونُوا شُرَكَاءَ كَانَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ ثُلُثُ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ ثُلُثَهُ بِثُلُثِ الْأَجْرِ، فَإِذَا عَمِلَ أَحَدُهُمْ الْكُلَّ صَارَ مُتَطَوِّعًا فِي الثُّلُثَيْنِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ اهـ ح عَنْ الْبَحْرِ: قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ: هَذَا فِي الْقَضَاءِ، أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُوَفِّيَهُ بَقِيَّةَ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 [فُرُوعٌ] الْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الشَّرِكَةِ بَرْهَنَ الْوَرَثَةُ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يُبَرْهِنُوا أَنَّهُ كَانَ مَعَ الْحَيِّ فِي حَيَاةِ الْمَيِّتِ بَرْهَنُوا عَلَى الْإِرْثِ وَالْحَيُّ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ قُضِيَ لَهُ بِنِصْفِهِ فَتْحٌ. تَصَرَّفَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْبَلَدِ وَالْآخَرُ فِي السَّفَرِ وَأَرَادَ الْقِسْمَةَ فَقَالَ ذُو الْيَدِ قَدْ اسْتَقْرَضْت أَلْفًا فَالْقَوْلُ لَهُ: إنَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ.   [رد المحتار] الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْعَامِلِ أَنَّهُ إنَّمَا عَمِلَ الْجَمِيعُ عَلَى الظَّنِّ أَنْ يُعْطِيَهُ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخِيبَ ظَنُّهُ. [فُرُوعٌ الْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الشَّرِكَةِ] (قَوْلُهُ: الْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الشَّرِكَةِ) أَيْ إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ فَادَّعَى عَلَيْهِ آخَرُ أَنَّهُ شَارَكَهُ مُفَاوَضَةً فَالْقَوْلُ لِلْجَاحِدِ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْعَقْدَ وَاسْتِحْقَاقَ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: بَرْهَنَ الْوَرَثَةُ إلَخْ) أَيْ إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُفَاوِضَيْنِ وَالْمَالُ فِي يَدِ الْحَيِّ فَبَرْهَنَ الْوَرَثَةُ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ لَمْ يُقْضَ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا فِي يَدِ الْحَيِّ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِعَقْدٍ عُلِمَ ارْتِفَاعُهُ بِالْمَوْتِ وَلِأَنَّهُ لَا حُكْمَ فِيمَا شَهِدَا بِهِ عَلَى الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ فِيمَا مَضَى لَا تُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الَّذِي فِي يَدِهِ فِي الْحَالِ مِنْ شَرِكَتِهِمَا إلَّا أَنْ يُبَرْهِنُوا أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ فِي حَيَاةِ الْمَيِّتِ أَوْ أَنَّهُ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ شَهِدُوا بِالنِّصْفِ لِلْمَيِّتِ وَوَرَثَتُهُ خُلَفَاؤُهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بَرْهَنُوا عَلَى الْإِرْثِ) يَعْنِي وَالْمَالُ فِي أَيْدِيهِمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: قُضِيَ لَهُ بِنِصْفِهِ) أَيْ تَرْجِيحًا لِبَيِّنَةٍ عَلَى بَيِّنَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ يَدَّعِي نِصْفَ الْمَالِ عَلَى ذِي الْيَدِ بِعَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ مَعَ الْمُوَرِّثِ. (قَوْلُهُ: تَصَرَّفَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْبَلَدِ إلَخْ) تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِكَوْنِهِ تَصَرَّفَ فِي الْبَلَدِ، وَالْآخَرُ فِي السَّفَرِ مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِهِ صُورَةَ الْوَاقِعَةِ، أَوْ لِيُفِيدَ أَنَّ الْقَوْلَ لِذِي الْيَدِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ صَاحِبُهُ بِمَا صَنَعَ. مَطْلَبٌ إذَا قَالَ الشَّرِيكُ اسْتَقْرَضْت أَلْفًا فَالْقَوْلُ إنَّ الْمَالَ بِيَدِهِ (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لَهُ إنَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ أَمِينٌ، فَقَدْ ادَّعَى أَنَّ الْأَلْفَ حَقُّ الْغَيْرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي دَيْنًا عَلَيْهِ، فَلَوْ قَالَ لِي فِي هَذَا الْمَالِ الَّذِي فِي يَدَيَّ كَذَا يُقْبَلُ أَيْضًا كَمَا يُقْبَلُ أَنَّهُ لِلْغَيْرِ تَأَمَّلْ. وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى، وَبِهِ أَفْتَيْت رَمْلِيٌّ عَلَى الْمِنَحِ. وَأَفْتَى أَيْضًا فِي الْخَيْرِيَّةِ فِيمَا إذَا قَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْمَالُ كُنْت اسْتَدَنْت مِنْ فُلَانٍ كَذَا لِلشَّرِكَةِ وَدَفَعْت لَهُ دَيْنَهُ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا فِي الْمِنَحِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ فِي فَصْلِ مَا يَجُوزُ لِأَحَدِ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ: لَوْ اسْتَقْرَضَ أَحَدُهُمَا مَالًا لَزِمَهُمَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْرَاضَ تِجَارَةٌ وَمُبَادَلَةٌ مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ يُمَلِّكُ الْمُسْتَقْرِضَ وَيَلْزَمُهُ رَدُّ مِثْلِهِ فَشَابَهُ الْمُصَارَفَةَ أَوْ الِاسْتِعَارَةَ، وَأَيُّهُمَا كَانَ نَفَذَ عَلَى صَاحِبِهِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ شَرِكَةِ الْعِنَانِ، لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا قَالَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ إنِّي اسْتَقْرَضْت مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ لِلتِّجَارَةِ لَزِمَهُ خَاصَّةً دُونَ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً لِإِلْزَامِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَمَرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِالِاسْتِدَانَةِ لَا يَصِحُّ الْأَمْرُ وَلَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَرْجِعُ الْمُقْرِضُ عَلَيْهِ لَا عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِدَانَةِ تَوْكِيلٌ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالتَّكَدِّي إلَّا أَنْ يَقُولَ الْوَكِيلُ لِلْمُقْرِضِ إنَّ فُلَانًا يَسْتَقْرِضُ مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَالُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَا عَلَى الْوَكِيلِ اهـ أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ رَسُولًا وَالْمُسْتَقْرِضُ هُوَ الْمُرْسِلَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَإِنْ أَذِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ لَزِمَهُ خَاصَّةً، فَكَانَ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى شَرِيكِهِ وَهُوَ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ فَصَارَ الْإِذْنُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً اهـ. قُلْت: وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا مَرَّ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ الِاسْتِقْرَاضَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 شَرَوْا كَرْمًا فَبَاعُوا ثَمَرَتَهُ وَدَفَعُوهُ لِأَحَدِهِمْ لِيَحْفَظَهُ فَدَسَّهُ فِي التُّرَابِ وَلَمْ يَجِدْهُ حَلَفَ فَقَطْ. دَفَعَ لِآخَرَ مَالًا أَقْرَضَهُ نِصْفَهُ وَعَقَدَ الشَّرِكَةَ فِي الْكُلِّ فَشَرَى أَمْتِعَةً فَطَلَبَ رَبُّ الْمَالِ حِصَّتَهُ، إنْ لَمْ يَصْبِرْ لِنَضِّهِ أَخَذَ الْمَتَاعَ بِقِيمَةِ الْوَقْتِ. بَيْنَهُمَا مَتَاعٌ عَلَى دَابَّةٍ فِي الطَّرِيقِ سَقَطَتْ فَاكْتَرَى أَحَدُهُمَا بِغَيْبَةِ الْآخَرِ خَوْفًا مِنْ هَلَاكِ الْمَتَاعِ أَوْ نَقْصِهِ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ قُنْيَةٌ.   [رد المحتار] لِأَنَّهُ تِجَارَةٌ: أَيْ مُبَادَلَةٌ مَعْنًى. وَالثَّانِي عَدَمُ الْجَوَازِ وَلَوْ بِصَرِيحِ الْإِذْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمُوَافَقَتِهِ لِقَوْلِهِمْ: إنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالتَّكَدِّي، وَبَيَانُهُ أَنَّ الِاسْتِقْرَاضَ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً فَكَانَ فِي مَعْنَى التَّكَدِّي: أَيْ الشِّحَاذَةِ. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ اسْتَقْرَضَ بِالْإِذْنِ وَهَلَكَ الْقَرْضُ يَهْلِكُ عَلَيْهِمَا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَعَلَى الثَّانِي يَهْلِكُ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يُنَافِي مَا مَرَّ عَنْ الْجَوَاهِرِ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَقْرَضَهُ أَحَدُهُمَا يَمْلِكُهُ الْمُسْتَقْرِضُ لِعَدَمِ الْإِذْنِ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَخَذَ الْمَالَ وَوَضَعَهُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ وَكَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ يُصَدَّقُ فَلَهُ أَخْذُ نَظِيرِهِ، لِمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الشَّرِيكَ أَمِينٌ فِي الْمَالِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى شَرِيكِهِ فَذَاكَ فِيمَا إذَا هَلَكَ الْقَرْضُ، فَلَا يُنَافِي قَبُولَ قَوْلِهِ إنَّ بَعْضَ هَذَا الْمَالِ قَرْضٌ، وَأَرَادَ أَخْذَ نَظِيرِهِ إذْ لَا رُجُوعَ فِي ذَلِكَ عَلَى الشَّرِيكِ، وَكَذَا لَا يُنَافِي مَا قَدَّمْنَاهُ عِنْد قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِدَيْنٍ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُقِرَّ جَمِيعُ الدَّيْنِ إنْ كَانَ هُوَ الَّذِي وَلِيَهُ إلَخْ لِمَا قُلْنَا، نَعَمْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ هُنَاكَ فِي الشَّرْحِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِجَارِيَةٍ فِي يَدِهِ مِنْ الشَّرِكَةِ أَنَّهَا لِرَجُلٍ لَمْ يَجُزْ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا إذَا عَلِمَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَنَّهَا مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا إذْ لَا يُصَدَّقُ عَلَى شَرِيكِهِ بَلْ إقْرَارُهُ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَقَامِ فَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَهُ، وَالسَّلَامُ. (قَوْلُهُ: وَدَفَعُوهُ) أَيْ الثَّمَنَ الْمَفْهُومَ مِنْ الْبَيْعِ الْتِزَامًا وَالْمُصَنِّفُ صَرَّحَ بِهِ اهـ ح (قَوْلُهُ: فَدَسَّهُ فِي التُّرَابِ) أَيْ تُرَابِ الْكَرْمِ الْحَصِينِ بِبَابٍ وَغَلَقَ، وَلَوْ فِي الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ لَمْ يُضْمَنْ إنْ جُعِلَ عَلَامَةً وَإِلَّا ضُمِنَ كَالْوَضْعِ فِي الْمَفَازَةِ مُطْلَقًا جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكَرْمِ وَالْأَرْضِ أَنَّ الْكَرْمَ مَطْلُوبٌ لِأَجْلِ الثِّمَارِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ حِرْزًا، وَأَمَّا الْأَرْضُ فَلَيْسَتْ مَقْصُودَةً سَائِحَانِيٌّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: أَقْرَضَهُ نِصْفَهُ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْإِقْرَاضُ بَعْدَ إفْرَازِهِ أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنَّ قَرْضَ الْمَشَاعِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. مَطْلَبٌ دَفَعَ أَلْفًا عَلَى أَنَّ نِصْفَهُ قَرْضٌ وَنِصْفَهُ مُضَارَبَةٌ أَوْ شَرِكَةٌ وَفِي مُضَارَبَةِ التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَوْ قَالَ خُذْ هَذِهِ الْأَلْفَ عَلَى أَنَّ نِصْفَهَا قَرْضٌ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ لِي جَازَ وَلَا يُكْرَهُ، فَإِنْ تَصَرَّفَ بِالْأَلْفِ وَرَبِحَ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْأَلْفِ صَارَ مِلْكًا لِلْمُضَارِبِ بِالْقَرْضِ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بِضَاعَةٌ فِي يَدِهِ، وَإِنْ عَلَى أَنَّ نِصْفَهَا قَرْضٌ وَنِصْفَهَا مُضَارَبَةٌ بِالنِّصْفِ جَازَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَرَاهَةَ هُنَا. اهـ. قُلْت: وَيَظْهَرُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِي الثَّانِي بِالْأَوْلَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّرِكَةَ كَالْمُفَاوَضَةِ لَوْ دَفَعَ أَلْفًا نِصْفُهَا قَرْضٌ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ بِالْأَلْفِ بِالشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا وَالرِّبْحُ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ مَثَلًا، وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ قَرْضًا جَرَّ نَفْعًا (قَوْلُهُ: فَطَلَبَ رَبُّ الْمَالِ حِصَّتَهُ) أَيْ مِمَّا كَانَ مِنْ الشَّرِكَةِ مِنَحٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ طَلَبَ مَالَ الْقَرْضَةِ، فَإِنْ صَبَرَ إلَى أَنْ يَصِيرَ مَالُ الشَّرِكَةِ نَاضًّا: أَيْ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ يَأْخُذُ مَا أَقْرَضَهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَصْبِرْ لِنَضِّهِ أَخَذَ مَتَاعًا بِقِيمَةِ الْوَقْتِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِرِضَا شَرِيكِهِ، وَإِلَّا فَلَهُ دَفْعُ قَرْضِهِ مِنْ غَيْرِ الْمَتَاعِ إنْ كَانَ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ يَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِبَيْعِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ الْمُرَادَ مَالُ الْقَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ قِسْمَةَ حِصَّتِهِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ اشْتَرَيَاهُ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْيَنَابِيعِ. (قَوْلُهُ: بَيْنَهُمَا مَتَاعٌ إلَخْ) وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 دَابَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ قَالَ الْبَيْطَارُونَ لَا بُدَّ مِنْ كَيِّهَا فَكَوَاهَا الْحَاضِرُ لَمْ يَضْمَنْ. دَارٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ سَكَنَ أَحَدُهُمَا وَخَرِبَتْ، إنْ خَرِبَتْ بِالسُّكْنَى ضَمِنَ طَاحُونٌ مُشْتَرَكَةٌ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ عَمِّرْهَا فَقَالَ هَذِهِ الْعِمَارَةُ تَكْفِينِي لَا أَرْضَى بِعِمَارَتِك فَعَمَّرَهَا لَمْ يَرْجِعْ جَوَاهِرُ الْفَتَاوَى. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: طَاحُونٌ مُشْتَرَكٌ أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا فِي عِمَارَتِهَا فَلَيْسَ بِمُتَطَوِّعٍ؛ وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَى عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ أَوْ أَدَّى خَرَاجَ كَرْمٍ مُشْتَرَكٍ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي الْكُلِّ مِنْ مِنَحِ الْمُصَنِّفِ قُلْت: وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ مَنْ أُجْبِرَ أَنْ يَفْعَلَ مَعَ شَرِيكِهِ إذَا فَعَلَهُ أَحَدُهُمَا بِلَا إذْنٍ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَإِلَّا لَا وَلَا يُجْبَرُ الشَّرِيكُ عَلَى الْعِمَارَةِ إلَّا فِي ثَلَاثٍ -   [رد المحتار] بَعِيرٌ حَمَلَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا بِأَمْرِ شَرِيكِهِ فَسَقَطَ فِي الطَّرِيقِ فَنَحَرَهُ، إنْ كَانَ تُرْجَى حَيَاتُهُ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ نَحَرَهُ أَجْنَبِيٌّ يَضْمَنُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَكَذَا الشَّاةُ لَوْ ذَبَحَهَا الرَّاعِي عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، وَلَوْ ذَبَحَهَا غَيْرُهُ يَضْمَنُ ط مُلَخَّصًا عَنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ: دَابَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ) أَيْ بَيْنَ حَاضِرٍ وَغَائِبٍ. ط (قَوْلُهُ: قَالَ الْبَيْطَارُونَ) جَمْعُ بَيْطَارٍ: مُعَالِجُ الدَّوَابِّ قَامُوسٌ ط (قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ إذَا هَلَكَتْ؛ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى خَبَرِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ ضَمِنَ. ط (قَوْلُهُ: سَكَنَ أَحَدُهُمَا إلَخْ) تَقَدَّمَتْ مَسَائِلُ الِانْتِفَاعِ بِالْمُشْتَرَكِ فِي غَيْبَةِ شَرِيكِهِ أَوَّلَ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ إلَّا فِي الْخَلْطِ وَالِاخْتِلَاطِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: طَاحُونٌ مُشْتَرَكَةٌ) الْمُرَادُ بِهَا كُلُّ مَا لَا يُقْسَمُ ط (قَوْلُهُ: عَمِّرْهَا) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ: أَيْ قَالَ لِلْآخَرِ عَمِّرْهَا مَعِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لَمْ يَرْجِعْ) ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكُهُ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ مَعَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الضَّابِطِ الْآتِي (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ بِمُتَطَوِّعٍ) مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهُ وَلِلضَّابِطِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ) ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ وَعَلَى أَدَاءِ الْخَرَاجِ ط. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِيمَا إذَا امْتَنَعَ الشَّرِيكُ مِنْ الْعِمَارَةِ وَالْإِنْفَاقِ فِي الْمُشْتَرَكِ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: جَازَ الْجَبْرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي قِنٍّ وَزَرْعٍ وَدَابَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ، وَلَمْ يُجْبَرْ ذُو السُّفْلِ عَلَى الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يَصِيرُ الْمُمْتَنِعُ عَنْ النَّفَقَةِ مُتْلِفًا حَقًّا قَائِمًا لِشَرِيكِهِ فَيُجْبَرُ، بِخِلَافِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ حَقَّ ذِي الْعُلُوِّ فَائِتٌ إذْ حَقُّهُ قَرَارُ الْعُلْوِ عَلَى السُّفْلِ وَلَمْ يُبْقَيَا، لَكِنْ يَأْتِي فِي الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ: لَوْ انْهَدَمَ وَعَرْصَتُهُ عَرِيضَةٌ، قِيلَ لَا يُجْبَرُ، وَقِيلَ يُجْبَرُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ لِتَضَرُّرِ الشَّرِيكِ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَنْبَغِي أَنْ يُجْبَرَ ذُو السُّفْلِ عَلَى الْبِنَاءِ اهـ مُلَخَّصًا. وَذُكِرَ قَبِيلُهُ فِي قِنٍّ أَوْ زَرْعٍ بَيْنَهُمَا فَغَابَ أَحَدُهُمَا وَأَنْفَقَ الْآخَرُ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا، بِخِلَافِ ذِي الْعُلْوِ مَعَ أَنَّ كُلًّا لَا يَصِلُ إلَى إحْيَاءِ حَقِّهِ إلَّا بِالْإِنْفَاقِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَوَّلَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ؛ لِأَنَّ شَرِيكَهُ لَوْ حَاضِرًا يَجْبُرُهُ الْقَاضِي عَلَى الْإِنْفَاقِ، وَلَوْ غَائِبًا يَأْمُرُ الْقَاضِي الْحَاضِرَ بِهِ لِيَرْجِعَ عَلَى الْآخَرِ، فَلَمَّا زَالَ الِاضْطِرَارُ كَانَ مُتَبَرِّعًا أَمَّا ذُو الْعُلْوِ فَمُضْطَرٌّ فِي بِنَاءِ السُّفْلِ إذْ الْقَاضِي لَا يَجْبُرُهُ لَوْ حَاضِرًا فَلَا يَأْمُرُ غَيْرَهُ لَوْ غَائِبًا وَالْمُضْطَرُّ لَيْسَ بِمُتَبَرِّعٍ اهـ مُلَخَّصًا، وَحَاصِلُهُ: أَنَّ فِي الْجَبْرِ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى الْقِنِّ وَالزَّرْعِ قَوْلَيْنِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذُو السُّفْلِ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَالضَّابِطُ إلَخْ) نُقِلَ هَذَا الضَّابِطُ فِي مُتَفَرِّقَاتِ قَضَاءِ الْبَحْرِ عَنْ الْإِمَامِ الْحَلْوَانِيِّ. قُلْت: وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا كَانَ مَرِيدُ الْإِنْفَاقِ مُضْطَرًّا إلَى إنْفَاقِ شَرِيكِهِ مَعَهُ فَيُقَالُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُضْطَرًّا إلَى الْإِنْفَاقِ مَعَهُ وَأَنْفَقَ بِلَا إذْنِ الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَ الْآخَرُ الْمُمْتَنِعُ يُجْبَرُ عَلَى الْفِعْلِ مَعَهُ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] رَفْعِهِ إلَى الْقَاضِي لِيُجْبِرَهُ وَإِلَّا لَا: أَيْ وَإِنْ لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا فَالْأَوَّلُ كَمَا فِي الثَّلَاثِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ وَكَمَا فِي قِنٍّ وَزَرْعٍ وَدَابَّةٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَالثَّانِي كَمَا فِي سُفْلٍ انْهَدَمَ، فَإِنَّ صَاحِبَهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى مَا مَرَّ، فَذُو الْعُلْوِ مُضْطَرٌّ إلَى الْبِنَاءِ وَصَاحِبُهُ لَا يُجْبَرُ، فَإِذَا أَنْفَقَ ذُو الْعُلْوِ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا، وَمِثْلُهُ الْحَائِطُ الْمُنْهَدِمُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حُمُولَةُ الْآخَرِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَرِيدُ الْإِنْفَاقِ غَيْرَ مُضْطَرٍّ وَكَانَ صَاحِبُهُ لَا يُجْبَرُ كَدَارٍ يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا وَامْتَنَعَ الشَّرِيكُ مِنْ الْعِمَارَةِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ، فَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا الْآخَرُ بِلَا إذْنِهِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُقَسِّمَ حِصَّتَهُ وَيُعَمِّرَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ، وَيُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي مِنْ التَّقْيِيدِ بِمَا لَا يُقْسَمُ أَيْضًا، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالِاضْطِرَارِ كَمَا قُلْنَا، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ مُتَبَرِّعًا حَيْثُ أَمْكَنَتْهُ الْقِسْمَةُ. وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ حَيْثُ قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الِاضْطِرَارَ يَثْبُتُ فِيمَا لَا يُجْبَرُ صَاحِبُهُ لَا فِيمَا يُجْبَرُ، فَفِي الْأَوَّلِ يَرْجِعُ لَا فِي الثَّانِي لَوْ فَعَلَهُ بِلَا إذْنٍ، وَهَذَا يُخَلِّصُك عَنْ الِاضْطِرَابِ الْوَاقِعِ فِي هَذَا الْبَابِ اهـ مُلَخَّصًا فَافْهَمْ، هَذَا. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ: حَمَّامٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَوْ دُولَابٌ وَنَحْوُهُ مِمَّا تَفُوتُ بِقِسْمَتِهِ الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ احْتَاجَ إلَى الْمَرَمَّةِ وَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْهَا. قَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤَجِّرُهَا الْقَاضِي لِيَرُمَّهَا بِالْأُجْرَةِ أَوْ يَأْذَنُ لِأَحَدِهِمَا بِالْإِجَارَةِ وَيَأْخُذُ الْمَرَمَّةَ مِنْهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْقَاضِيَ يَأْذَنُ لِغَيْرِ الْآبِي بِالْإِنْفَاقِ ثُمَّ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ حِصَّتَهُ، وَالْفَتْوَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْخَيْرِيَّةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ. قُلْت: وَهَذَا زِيَادَةُ بَيَانٍ لِمَا سَكَتَ عَنْهُ الضَّابِطُ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا اُضْطُرَّ وَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيُجْبِرَهُ ثُمَّ امْتَنَعَ تَعَنُّتًا أَوْ عَجْزًا يَأْذَنُ الْقَاضِي لِلْمُضْطَرِّ لِيَرْجِعَ بَقِيَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ بِمَاذَا يَرْجِعُ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: حَائِطٌ بَيْنَهُمَا وَهَى وَخِيفَ سُقُوطُهُ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا نَقْضَهُ وَأَبَى الْآخَرُ يُجْبَرُ عَلَى نَقْضِهِ، وَلَوْ هَدَمَا حَائِطًا بَيْنَهُمَا فَأَبَى أَحَدُهُمَا عَنْ بِنَائِهِ يُجْبَرُ، وَلَوْ انْهَدَمَ لَا يُجْبَرُ وَلَكِنَّهُ يَبْنِي الْآخَرُ فَيَمْنَعُهُ حَتَّى يَأْخُذَ نِصْفَ مَا أَنْفَقَ لَوْ أَنْفَقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَنِصْفَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ لَوْ أَنْفَقَ بِلَا أَمْرِ الْقَاضِي. اهـ. وَنُقِلَ هَذَا الْحُكْمُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ فِي مَسْأَلَةِ انْهِدَامِ السُّفْلِ وَقَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا فِيمَا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ كَالْحَائِطِ وَالسُّفْلِ أَمَّا مَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا لَا يُقْسَمُ لَا بُدَّ فِيهِ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ مِنْ إذْنِ الْقَاضِي كَمَا عَلِمْت خِلَافًا لِمَا سَيَأْتِي عَنْ الْأَشْبَاهِ. وَبِهِ يَظْهَرُ لَك مَا فِي قِسْمَةِ الْخَيْرِيَّةِ، حَيْثُ سُئِلَ فِي عَقَارٍ لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ كَالطَّاحُونِ وَالْحَمَّامِ إذَا احْتَاجَ إلَى مَرَمَّةٍ وَأَنْفَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ مَالِهِ، أَجَابَ: لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَجَعَلَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ: طَاحُونَةٌ لَهُمَا أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا فِي مَرَمَّتِهَا بِلَا إذْنِ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا إذْ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ إلَّا بِهِ اهـ فَرَاجِعْ كُتُبَ الْمَذْهَبِ، فَإِنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَعَ تَحَيُّرٌ وَاضْطِرَابٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: مَا نَقَلَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ الْفَضْلِيِّ قَالَ عَقِبَهُ أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى تَفْصِيلٍ قَدَّمْته. اهـ. قُلْت: أَرَادَ بِالتَّفْصِيلِ مَا مَرَّ مِنْ إنَاطَةِ الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ عَلَى الْجَبْرِ وَعَدَمِهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِمَا فِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ فِي الطَّاحُونِ يُجْبَرُ لِكَوْنِهَا مِمَّا لَا يُقْسَمُ فَلَا يَرْجِعُ الْمُعَمِّرُ بِلَا إذْنِهِ وَبِلَا أَمْرِ الْقَاضِي. وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُ كَلَامِ الْفَضْلِيِّ بِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا أَنْفَقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي أَوْ هُوَ قَوْلٌ آخَرُ كَمَا يَأْتِي وَأَمَّا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ السُّفْلِ، وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ بِعَيْنِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا يُجْبَرُ فِيهَا الشَّرِيكُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُعَمِّرُ وَإِنْ عَمَّرَ بِلَا إذْنِهِ كَمَا عَلِمْت وَلَا تُقَاسُ عَلَيْهَا مَسْأَلَةُ الطَّاحُونِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 وَصِيٌّ وَنَاظِرٌ وَضَرُورَةُ تَعَذُّرِ قِسْمَةٍ كَكَرْيِ نَهْرٍ وَمَرَمَّةِ قَنَاةٍ وَبِئْرٍ وَدُولَابٍ وَسَفِينَةٍ مَعِيبَةٍ وَحَائِطٍ لَا يُقْسَمُ أَسَاسُهُ فَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَيَبْنِي كُلُّ وَاحِدٍ فِي نَصِيبِهِ السُّتْرَةَ لَمْ يُجْبَرْ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي الْحَائِطِ إذَا خَرِبَ وَطَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قِسْمَتَهُ أَوْ تَعْمِيرَهُ وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ أَنَّ الشَّرِيكَ إذَا لَمْ يُضْطَرَّ إلَى الْعِمَارَةِ مَعَ شَرِيكِهِ بِأَنْ أَمْكَنَهُ الْقِسْمَةَ فَأَنْفَقَ بِلَا إذْنِهِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ، وَإِنْ اُضْطُرَّ وَكَانَ الشَّرِيكُ يُجْبَرُ عَلَى الْعَمَلِ مَعَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ أَوْ أَمْرِ الْقَاضِي فَيَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ، وَإِلَّا فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ إنْ اُضْطُرَّ وَكَانَ شَرِيكُهُ لَا يُجْبَرُ، فَإِنْ أَنْفَقَ بِإِذْنِهِ أَوْ بِأَمْرِ الْقَاضِي رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ أَوْ لَا فَبِالْقِيمَةِ، فَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَقَامِ الَّذِي هُوَ مَزَلَّةُ أَقْدَامِ الْأَفْهَامِ (قَوْلُهُ: وَصِيٌّ وَنَاظِرٌ) قَالَ فِي وَصَايَا الْخَانِيَّةِ: جِدَارٌ بَيْنَ دَارِ صَغِيرَيْنِ عَلَيْهِ حُمُولَةٌ يُخَافُ عَلَيْهِ السُّقُوطُ وَلِكُلِّ صَغِيرٍ وَصِيٌّ فَطَلَبَ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ مَرَمَّةَ الْجِدَارِ وَأَبَى الْآخَرُ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: يَبْعَثُ الْقَاضِي أَمِينًا يَنْظُرُ فِيهِ إنْ عَلِمَ أَنَّ فِي تَرْكِهِ ضَرَرًا عَلَيْهِمَا أُجْبِرَ الْآبِي أَنْ يَبْنِيَ مَعَ صَاحِبِهِ وَلَيْسَ هَذَا كَإِبَاءِ أَحَدِ الْمَالِكَيْنِ؛ لِأَنَّ ثَمَّةَ الْآبِي رَضِيَ بِدُخُولِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ فَلَا يُجْبَرُ، أَمَّا هُنَا الْوَصِيُّ أَرَادَ إدْخَالَ الضَّرَرِ عَلَى الصَّغِيرِ فَيُجْبَرُ أَنْ يَرُمَّ مَعَ صَاحِبِهِ. اهـ. قُلْت: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ كَمَالِ الْيَتِيمِ، فَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ وَقْفَيْنِ وَاحْتَاجَتْ إلَى الْمَرَمَّةِ فَأَرَادَهَا أَحَدُ النَّاظِرَيْنِ وَأَبَى الْآخَرُ يُجْبَرُ عَلَى التَّعْمِيرِ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ، وَقَدْ صَارَتْ حَادِثَةَ الْفَتْوَى، كَذَا فِي مُتَفَرِّقَاتِ قَضَاءِ الْبَحْرِ ح. قُلْت: بَقِيَ لَوْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَ بَالِغٍ وَيَتِيمٍ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الضَّرَرُ عَلَى الْبَائِعِ لَا يُجْبَرُ وَصِيُّ الْيَتِيمِ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَكَذَا لَوْ بَيْنَ يَتِيمَيْنِ وَالضَّرَرُ عَلَى أَحَدِهِمَا، بِأَنْ كَانَتْ حُمُولَةُ الْجِدَارِ لَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْبَرَ وَصِيُّ الْمُتَضَرِّرِ لَوْ امْتَنَعَ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْوَقْفِ مَعَ الْمِلْكِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَضَرُورَةُ تَعَذُّرِ قِسْمَةٍ) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ ط (قَوْلُهُ: كَكَرْيِ نَهْرٍ) أَيْ تَعْدِيلِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ) أَيْ يَحْتَمِلُ أَسَاسُهُ الْقِسْمَةَ، بِأَنْ كَانَ عَرِيضًا. وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ حُمُولَةٌ أَوْ لَا، فَفِي الثَّانِي إنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ وَأَبَى الْآخَرُ فَقَبِلَ لَا يُجْبَرُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: يُجْبَرُ لَوْ عَرْصَتُهُ عَرِيضَةً، بِهِ يُفْتَى وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْبِنَاءَ لَا الْقِسْمَةَ، فَلَوْ عَرِيضَةً لَا يُجْبَرُ الْآبِي، وَلَوْ غَيْرَ عَرِيضَةٍ، قِيلَ لَا يُجْبَرُ أَيْضًا، وَقِيلَ يُجْبَرُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ، وَإِنْ بَنَى أَحَدُهُمَا قِيلَ لَا يَرْجِعُ لَوْ عَرِيضَةً؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِيهِ وَفِي الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ حُمُولَةٌ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْحُمُولَةُ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ كَانَتْ لَهُمَا فَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ عَرْصَةِ الْحَائِطِ لَا يُجْبَرُ الْآخَرُ وَلَوْ عَرِيضَةً إذْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقٌّ فِي كَامِلِ الْعَرْصَةِ وَهُوَ وَضْعُ الْجُذُوعِ عَلَى جَمِيعِ الْحَائِطِ، وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْبِنَاءَ، قِيلَ لَا يُجْبَرُ الْآبِي لَوْ عَرِيضَةً، وَقِيلَ مُطْلَقًا، وَقِيلَ يُجْبَرُ مُطْلَقًا، وَبِهِ يُفْتَى إذْ فِي عَدَمِ الْجَبْرِ تَعْطِيلُ حَقِّ شَرِيكِهِ، وَهُوَ وَضْعُ الْجُذُوعِ عَلَى جَمِيعِ الْحَائِطِ، وَلَوْ بَنَى بِلَا إذْنٍ، قِيلَ: لَوْ عَرِيضَةً لَا يَرْجِعُ وَقِيلَ يَرْجِعُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ كَمَا لَوْ كَانَتْ غَيْرَ عَرِيضَةٍ، لَكِنْ مَرَّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ شَرِيكَهُ يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ وَلَا اضْطِرَارَ فِيمَا يُجْبَرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 وَإِلَّا أُجْبِرَ وَكَذَا كُلُّ مَا لَا يُقْسَمُ كَحَمَّامٍ وَخَانٍ وَطَاحُونٍ وَتَمَامُهُ فِي مُتَفَرِّقَاتِ قَضَاءِ الْبَحْرِ وَالْعَيْنِيِّ وَالْأَشْبَاهِ [مَطْلَبٌ فِي الْحَائِطِ إذَا خَرِبَ وَطَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قِسْمَتَهُ أَوْ تَعْمِيرَهُ] وَفِي غَصْبِ الْمُجْتَبَى زَرَعَ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ فَدَفَعَ لَهُ شَرِيكُهُ نِصْفَ الْبَذْرِ لِيَكُونَ الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ النَّبَاتِ لَمْ يَجُزْ وَبَعْدَهُ جَازَ وَإِنْ أَرَادَ قَلْعَهُ يُقَاسِمْهُ فَيَقْلَعُهُ مِنْ نَصِيبِهِ وَيَضْمَنُ الزَّارِعُ نُقْصَانَ الْأَرْضِ بِالْقَلْعِ، وَالصَّوَابُ " نُقْصَانُ الزَّرْعِ " وَفِي قِسْمَةِ الْأَشْبَاهِ الْمُشْتَرَكِ: إذَا انْهَدَمَ فَأَبَى أَحَدُهُمَا الْعِمَارَةَ، فَإِنْ احْتَمَلَ الْقِسْمَةَ لَا جَبْرَ وَقُسِمَ وَإِلَّا بَنَى ثُمَّ آجَرَهُ لِيَرْجِعَ وَتَمَامُهُ فِي شَرِكَةِ الْمَنْظُومَةِ الْمُحْبِيَةِ، وَفِيهَا: بَاعَ شَرِيكٌ شِقْصَهُ لِآخَرِ ... وَلَوْ بِلَا إذْنِ شَرِيكٍ نَاظِرِ فِيمَا عَدَا الْخَلْطِ وَالِاخْتِلَاطِ ... وَحَوْزِ ذَاكَ الْبَيْعِ وَالتَّعَاطِي ثُمَّ الشَّرِيكُ هَهُنَا لَوْ بَاعَا ... حِصَّتَهُ مِنْ فَرَسٍ وَابْتَاعَا   [رد المحتار] عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ تَحْقِيقُهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْحُمُولَةُ لِأَحَدِهِمَا وَطَلَبَ صَاحِبُهَا الْقِسْمَةَ يُجْبَرُ الْآبِي لَوْ عَرِيضَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ يُفْتَى؛ وَلَوْ أَرَادَ ذُو الْحُمُولَةِ الْبِنَاءَ وَأَبَى الْآخَرُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُجْبَرُ وَلَوْ بَنَى فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مُضْطَرٌّ، وَلَوْ بَنَاهُ الْآخَرُ وَالْعَرْصَةُ عَرِيضَةٌ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ، ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ الْبَانِي مُتَبَرِّعًا كَانَ لَهُ مَنْعُ صَاحِبِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ إلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مَا أَنْفَقَ أَوْ قِيمَةَ الْبِنَاءِ عَلَى مَا مَرَّ؛ فَلَوْ قَالَ صَاحِبُهُ أَنَا لَا أَتَمَتَّعُ بِالْمَبْنِيِّ، قِيلَ لَا يَرْجِعُ الْبَانِي، وَقِيلَ يَرْجِعُ. اهـ. جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا أُجْبِرَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ الْقِسْمَةَ أُجْبِرَ الْآبِي عَلَى الْبِنَاءِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: كَحَمَّامٍ إلَخْ) أَيْ إذَا احْتَاجَ إلَى مَرَمَّةٍ أَوْ قِدْرٍ أَوْ نَحْوِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا خَرِبَ وَصَارَ صَحْرَاءَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ) أَيْ فِي الْأَرْضِ بِأَنْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَعْنًى فَلَا يَصِحُّ فِي مَعْدُومٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَرَادَ) أَيْ غَيْرُ الزَّارِعِ. (قَوْلُهُ: يُقَاسِمُهُ) أَيْ يُقَاسِمُهُ الْأَرْضَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: فَيَقْلَعُهُ) أَيْ يَقْلَعُ الزَّرْعَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ. وَنَظِيرُ هَذَا مَا قَالُوا فِيمَا لَوْ بَنَى فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ وَطَلَبَ الْآخَرُ رَفْعَ الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ يُقَاسِمُهُ الدَّارَ وَيَأْمُرُهُ بِهَدْمِ مَا خَرَجَ مِنْ الْبِنَاءِ فِي حِصَّتِهِ (قَوْلُهُ: وَيَضْمَنُ الزَّارِعُ نُقْصَانَ الْأَرْضِ بِالْقَلْعِ) أَيْ نُقْصَانَ نِصْفِ الْأَرْضِ لَوْ اُنْتُقِصَتْ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ شَرْحُ الْمُنْتَقَى (قَوْلُهُ: وَالصَّوَابُ نُقْصَانُ الزَّرْعِ) هَذَا مِنْ عِنْدِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُجْتَبَى انْتَهَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ " نُقْصَانُ الْأَرْضِ بِالْقَلْعِ " كَمَا وَجَدْته فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ مِنْ نُسَخِ الْمُجْتَبَى، وَلَا وَجْهَ لِتَصْوِيبِ الشَّارِحِ، فَإِنَّ نُقْصَانَ الزَّرْعِ بِإِرَادَةِ مَالِكِهِ عَلَى الْخُصُوصِ. أَمَّا نُقْصَانُ الْأَرْضِ بِالْقَلْعِ فَمُضِرٌّ لِلشَّرِيكِ لِكَوْنِهَا مِلْكَهُمَا، فَإِنَّ الْقِسْمَةَ وَقَعَتْ عَلَى الزَّرْعِ فَقَطْ لَا عَلَى الْأَرْضِ أَيْضًا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ اهـ ح. قُلْت: فِي عِبَارَتِهِ قَلْبٌ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ فَإِنَّ الْقِسْمَةَ وَقَعَتْ عَلَى الْأَرْضِ فَقَطْ لَا عَلَى الزَّرْعِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ مَا فَهِمَهُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، وَيَبْعُدُ مِنْ هَذَا الشَّارِحِ الْفَاضِلِ أَنْ يَفْهَمَ هَذَا الْفَهْمَ الْعَاطِلَ، بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ الصَّوَابَ أَنْ يَقُولَ: وَيَضْمَنُ الزَّارِعُ نُقْصَانَ الْأَرْضِ بِالزَّرْعِ، لَكِنَّهُ اخْتَصَرَ الْعِبَارَةَ فَقَالَ نُقْصَانَ الزَّرْعِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ: أَيْ مَا نَقَصَهَا الزَّرْعُ وَوَجْهُ التَّصْوِيبِ أَنَّ الْأَرْضَ يَنْقُصُهَا الزَّرْعُ لَا الْقَلْعُ؛ لِأَنَّهَا تُحْرَثُ لِأَجْلِ الزَّرْعِ فَإِذَا زُرِعَتْ وَنَبَتَ الزَّرْعُ تَحْتَاجُ إلَى حَرْثٍ آخَرَ، بَلْ بَعْضُ أَنْوَاعِ الزَّرْعِ يُعَطِّلُ الْأَرْضَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ زِرَاعَتُهَا حَتَّى تُتْرَكَ عَامَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ. أَمَّا نَفْسُ الْقَلْعِ فَلَيْسَ ضَرَرُ الْأَرْضِ مِنْهُ فَافْهَمْ. . (قَوْلُهُ: وَإِلَّا بَنَى ثُمَّ آجَرَهُ لِيَرْجِعَ) أَيْ آجَرَهُ بِإِذْنِ الْقَاضِي لِيَأْخُذَ مَا أَنْفَقَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَأْذَنُ لَهُ بِالْإِنْفَاقِ ثُمَّ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ حِصَّتَهُ، وَقَدَّمْنَا عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. وَعِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ الْقِسْمَةِ " وَإِلَّا بَنَى ثُمَّ آجَرَهُ " لِيَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَ لَوْ بِأَمْرِ قَاضٍ وَإِلَّا فَبِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَقْتَ الْبِنَاءِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ فِيمَا لَا يُجْبَرُ فِيهِ الشَّرِيكُ. (قَوْلُهُ: بَاعَ شَرِيكٌ إلَخْ) أَيْ شَرِكَةَ الْمِلْكِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 ذَلِكَ مِنْهُ الْأَجْنَبِيُّ وَهَلَكَا ... وَكَانَ ذَا بِغَيْرِ إذْنِ الشُّرَكَا فَإِنْ يَشَاءُوا ضَمَّنُوا الشَّرِيكَ أَوْ ... مَنْ اشْتَرَى مِنْهُ عَلَى مَا قَدْ رَوَوْا وَإِنْ يَكُنْ كُلُّ شَرِيكٍ آجِرًا ... حِصَّةَ حَمَّامٍ لَهُ مِنْ آخَرَا وَكَانَ شَخْصٌ مِنْهُمَا قَدْ أَذِنَا ... لِذَاكَ فِي تَعْمِيرِهَا وَبِالْبِنَا فَلَا رُجُوعَ صَاحٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ ... فِي ذَا الْبِنَا عَلَى الشَّرِيكِ الْآخَرِ   [رد المحتار] تَقَدَّمَتْ مَتْنًا أَوَّلَ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَكُلُّ أَجْنَبِيٍّ فِي مَالِ صَاحِبِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهَلَكَا) أَيْ الْفَرَسُ وَالْأَلِفُ فِيهِ لِلْإِطْلَاقِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ هَلَكَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ: وَكَانَ ذَا) أَيْ الْبَيْعُ الْمَقْرُونُ بِالتَّسْلِيمِ إذْ الْبَيْعُ وَحْدَهُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْغَصْبِ بِهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ: بِعْت الْوَدِيعَةَ وَقَبَضْت ثَمَنَهَا لَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يَقُلْ دَفَعْتهَا إلَى الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ فَإِنْ يَشَاءُوا إلَخْ) أَيْ الشُّرَكَاءُ. وَفِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَالْمِنَحِ: لَهُمَا دَابَّةٌ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَهَلَكَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَالشَّرِيكُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَضْمَنَ شَرِيكَهُ أَوْ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ ضَمِنَ الشَّرِيكَ جَازَ بَيْعُهُ فَنِصْفُ الثَّمَنِ لَهُ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهِ وَالْبَائِعُ لَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى أَحَدٍ كَمَا هُوَ حُكْمُ الْغَاصِبِ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَبْنَى الضَّمَانِ هُوَ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُشْتَرِي بِدُونِ إذْنِ الشُّرَكَاءِ لَا مُجَرَّدُ الْبَيْعِ كَمَا قُلْنَا فَافْهَمْ. وَوَجْهُ الْخِيَارِ هُوَ أَنَّ الْبَائِعَ كَالْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِي كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ يَكُنْ كُلُّ شَرِيكٍ آجَرَ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ سُئِلَ عَنْهَا الْإِمَامُ الْفَضْلِيُّ وَأَجَابَ فِيهَا بِعَدَمِ الرُّجُوعِ. ثُمَّ قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ يَقُومُ مَقَامَ مُؤَجِّرِهِ فِيمَا أَنْفَقَ فَيَرْجِعُ عَلَى مُؤَجِّرِهِ وَهُوَ أَيْ مُؤَجِّرُهُ عَلَى شَرِيكِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: الْمُسْتَأْجِرُ إنَّمَا رَجَعَ عَلَى مُؤَجِّرِهِ بِالْأَمْرِ وَأَمْرُهُ إنَّمَا يَجُوزُ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ، فَالْمُسْتَأْجِرُ مُتَبَرِّعٌ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ. اهـ. وَنَاقَشَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِقَوْلِهِ: أَقُولُ: لَوْ رَمَّ الْمُؤَجِّرُ بِنَفْسِهِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى شَرِيكِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى مُؤَجِّرِهِ وَهُوَ عَلَى شَرِيكِهِ لِصِحَّةِ الْأَمْرِ إذَا أَمَرَ فِيمَا لَهُ فِعْلُهُ فَكَأَنَّهُ رَمَّ بِنَفْسِهِ، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ وَأَمْرُهُ إنَّمَا يَجُوزُ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ إذَا رَمَّ بِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ أَمْرُهُ عَلَى حَقِّ شَرِيكِهِ فَلَا رُجُوعَ، فَلَا يُفِيدُ قَوْلُهُ يَقُومُ مَقَامَ مُؤَجِّرِهِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ أَحَدَ الِاحْتِمَالَيْنِ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلَانِ فِي رُجُوعِ الْمُؤَجِّرِ لَوْ رَمَّ بِنَفْسِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِمَّا تَقَدَّمَ؛ وَلَوْ رَمَّهُ الْمُؤَجِّرُ بِنَفْسِهِ يَتَأَتَّى فِيهِ مَا مَرَّ مِنْ تَفْصِيلِ الْمُطَالَبَةِ وَتَرْكِهَا وَالْحُضُورِ وَالْغَيْبَةِ وَأَمْرِ الْقَاضِي وَعَدَمِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رُجُوعُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ. اهـ. قُلْت: وَهُوَ كَلَامٌ وَجِيهٌ، لَكِنْ تَقَدَّمَ عَنْ فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ أَنَّهُ لَوْ أَنْفَقَ فِي مَرَمَّةِ الطَّاحُونِ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْآبِيَ لَا يُجْبَرُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلضَّابِطِ الْمُتَقَدِّمِ كَمَا قَدَّمْنَا تَحْرِيرَهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ الْفَضْلِيِّ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي فَتَاوَاهُ فَيَرْجِعُ لَوْ رَمَّ بِنَفْسِهِ أَوْ رَمَّ مَأْمُورُهُ وَهُوَ الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِمَا يَمْلِكُ فِعْلَهُ فَيَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ، أَمَّا عَدَمُ رُجُوعِ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى شَرِيكِ الْمُؤَجِّرِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ. وَقَدْ كَتَبَ الشَّارِحُ هُنَا عَلَى الْهَامِشِ عِنْدَ قَوْلِهِ فَلَا رُجُوعَ صُلْحٍ لِلْمُسْتَأْجِرِ إلَخْ مَا نَصُّهُ: قُلْت: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْآذِنِ. بَقِيَ بِمَ يَرْجِعُ بِكُلِّهِ أَوْ بِحِصَّتِهِ فَلْيُرَاجَعْ اهـ. قُلْت: صَرِيحُ عِبَارَةِ الْفَضْلِيِّ الْمَارَّةِ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْآذِنِ وَهُوَ الْمُؤَجِّرُ، وَأَنَّهُ يُرْجَعُ بِالْكُلِّ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ وَبِحِصَّةِ الْمُؤَجِّرِ فَقَطْ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مُتَبَرِّعًا فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ، وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ يَثْبُتُ لِلشَّرِيكِ الرُّجُوعُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَأْمُورَهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْكُلِّ، أَمَّا عَلَى مُقْتَضَى الضَّابِطِ الْمَارِّ فَلَا رُجُوعَ لِلشَّرِيكِ وَيَرْجِعُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 لَوْ وَاحِدٌ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ سَكَنْ ... فِي الدَّارِ مُدَّةً مَضَتْ مِنْ الزَّمَنْ فَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يُطَالِبَهْ ... بِأُجْرَةِ السُّكْنَى وَلَا الْمُطَالَبَهْ بِأَنَّهُ يَسْكُنُ مِنْ الْأَوَّلِ ... لَكِنَّهُ إنْ كَانَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يَطْلُبُ أَنْ يُهَايِئَ الشَّرِيكَا ... يُجَابُ فَافْهَمْ وَدَعِ التَّشْكِيكَا كِتَابُ الْوَقْفِ مُنَاسَبَتُهُ لِلشَّرِكَةِ إدْخَالُ غَيْرِهِ مَعَهُ فِي مَالِهِ، غَيْرَ أَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ فِيهَا لَا فِيهِ. (هُوَ) لُغَةً الْحَبْسُ. وَشَرْعًا (حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى) حُكْمِ (مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ) وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ،   [رد المحتار] الْمَأْمُورُ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ فَقَطْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: لَوْ وَاحِدٌ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ سَكَنَ إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوَّلَ الْبَابِ قُبَيْلَ شَرِكَةِ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ: بِأُجْرَةِ السُّكْنَى) أَيْ وَلَوْ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ؛ لِأَنَّهُ سَكَنَ بِتَأْوِيلِ مِلْكٍ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ وَقْفًا أَوْ مَالَ يَتِيمٍ يَلْزَمُهُ أَجْرُ شَرِيكِهِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْغَصْبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ إلَخْ) هَذَا فِي غَيْرِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا تَجْرِي فِيهِ الْقِسْمَةُ وَلَا الْمُهَايَأَةُ كَمَا يَأْتِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْوَقْفِ] ِ هُوَ مَصْدَرُ وَقَفْت أَقِفُ: حَبَسَ، وَمِنْهُ الْمَوْقِفُ لِحَبْسٍ النَّاسِ فِيهِ لِلْحِسَابِ، وَأَوْقَفْت لُغَةٌ رَدِيئَةٌ حَتَّى ادَّعَى الْمَازِنِيُّ أَنَّهَا لَمْ تُعْرَفْ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ أَوْقَفْت إلَّا حَرْفًا وَاحِدًا، أَوْقَفْت عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي كُنْت عَلَيْهِ، ثُمَّ اشْتَهَرَ فِي الْمَوْقُوفِ فَقِيلَ هَذِهِ الدَّارُ وَقْفٌ وَلِذَا جُمِعَ عَلَى أَوْقَافٍ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَمْ يَحْبِسْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِيمَا عَلِمْت وَإِنَّمَا حَبَسَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ. وَفِي وَقْفِ الْمُنْيَةِ: الرِّبَاطُ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ إدْخَالُ غَيْرِهِ مَعَهُ فِي مَالِهِ) هَذَا فِي الشَّرِكَةِ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا فِي الْوَقْفِ فَلَا يَتِمُّ إلَّا إذَا وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ. وَمَا فِي النَّهْرِ أَوْضَحُ، حَيْثُ قَالَ: مُنَاسَبَتُهُ بِالشَّرِكَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْتِفَاعُ بِمَا يَزِيدُ عَلَى أَصْلِ الْمَالِ إلَّا أَنَّهُ فِي الشَّرِكَةِ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ. وَفِي الْوَقْفِ يَخْرُجُ عَنْهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ) قَدْرُ لَفْظِ حُكْمٍ تَبَعًا لِلْإِسْعَافِ والشُّرُنبُلالِيَّة لِيَكُونَ تَعْرِيفًا لِلْوَقْفِ اللَّازِمِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. أَمَّا غَيْرُ اللَّازِمِ فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ حَقِيقَةً عِنْدَهُ، وَلِذَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَشَرْعًا عِنْدَهُ حَبْسُ الْعَيْنِ وَمَنْعُ الرَّقَبَةِ الْمَمْلُوكَةِ بِالْقَوْلِ عَنْ تَصَرُّفِ الْغَيْرِ حَالَ كَوْنِهَا مُقْتَصِرَةً عَلَى مِلْكِ الْوَقْفِ، فَالرَّقَبَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ فِي حَيَاتِهِ وَمُلْكٌ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِحَيْثُ يُبَاعُ وَيُوهَبُ. ثُمَّ قَالَ: وَيُشْكِلُ بِالْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ حَبْسٌ عَلَى مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِجْمَاعِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلْوَقْفِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ عَرَّفَ الْوَقْفَ الْمُخْتَلَفَ وَالشَّارِحُ قَدَّرَ الْحُكْمَ اخْتِيَارًا لِلَازِمِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَلِكُلٍّ جِهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا لَكِنَّ جِهَةَ الشَّارِحِ أَرْجَحُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ وَذَلِكَ لَا يُنَاسِبُ تَعْرِيفَ غَيْرِ اللَّازِمِ إذْ لَا حَبْسَ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْ بَيْعِهِ وَنَحْوِهِ، بِخِلَافِ اللَّازِمِ فَإِنَّهُ مَحْبُوسٌ حَقِيقَةً، وَكَثِيرًا مَا تَخْفَى رُمُوزُ هَذَا الشَّرْحِ الْفَاضِلِ عَلَى النَّاظِرِينَ خُصُوصًا مَنْ هُوَ مُولَعٌ بِالِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ لَوْ وَقَفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَحْدَهُمْ لَمْ يَجُزْ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ) فَيَدْخُلُ فِيهِ الْوَقْفُ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ (عِنْدَهُ) جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ كَالْعَارِيَّةِ (وَعِنْدَهُمَا هُوَ حَبْسُهَا عَلَى) حُكْمِ (مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى   [رد المحتار] لِمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ وَقَفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَحْدَهُمْ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ، أَمَّا لَوْ جَعَلَ آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ فَإِنَّهُ يَكُونُ قُرْبَةً فِي الْجُمْلَةِ اهـ وَبِهَذَا التَّعْمِيمِ صَارَ التَّعْرِيفُ جَامِعًا وَاسْتَغْنَى عَمَّا زَادَهُ فِيهِ الْكَمَالُ، وَتَبِعَهُ ابْنُ كَمَالٍ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ صَرَفَ مَنْفَعَتَهَا إلَى مَنْ أَحَبَّ وَقَالَ إنَّ الْوَقْفَ يَصِحُّ لِمَنْ يُحِبُّ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ بِلَا قَصْدِ الْقُرْبَةِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فِي آخِرِهِ مِنْ الْقُرْبَةِ بِشَرْطِ التَّأْبِيدِ كَالْفُقَرَاءِ وَمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ لَكِنَّهُ يَكُونُ وَقْفًا قِيلَ انْقِرَاضُ الْأَغْنِيَاءِ بِلَا تَصَدُّقٍ اهـ أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا بِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْغَنِيِّ تَصَدُّقٌ بِالْمَنْفَعَةِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَكُونُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَتْ مَجَازًا عَنْ الْهِبَةِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَصَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ فِي التَّصَدُّقِ عَلَى الْغَنِيِّ نَوْعُ قُرْبَةٍ دُونَ قُرْبَةِ الْفَقِيرِ. اهـ. وَاعْتَرَضَهُ ح بِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْقُرْبَةِ لَوْ كَفَى فِي الْوَقْفِ لَصَحَّ الْوَقْفُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجْعَلَ آخِرُهُ لِلْفُقَرَاءِ وَعَلِمْت تَصْرِيحَ الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ الْفَصْلِ. قُلْت: وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْوَقْفَ تَصَدُّقٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً إذْ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالتَّصَدُّقِ عَلَى وَجْهِ التَّأْبِيدِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا يَأْتِي تَحْقِيقُهُ، وَلَكِنَّهُ إذَا جُعِلَ أَوَّلُهُ عَلَى مُعَيَّنِينَ صَارَ كَأَنَّهُ اُسْتُثْنِيَ ذَلِكَ مِنْ الدَّفْعِ إلَى الْفُقَرَاءِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَلِذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى بَنِيهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا ابْنٌ وَاحِدٌ يُعْطَى النِّصْفَ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي لِلْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ مَا بَطَلَ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى الِابْنِ صَارَ لِلْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ بِقَوْلِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ أَبَدًا، فَقَدْ ابْتَدَأَهُ بِالصَّدَقَةِ وَخَتَمَهُ بِهَا كَمَا قَالَهُ الْخَصَّافُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ صَدَقَةٌ ابْتِدَاءً، وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ ذَلِكَ اشْتِرَاطُ صَرْفِهِ لِمُعَيَّنٍ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عِنْدَهُ جَائِزٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْإِسْعَافِ: وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى. وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ: كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجِيزُ الْوَقْفَ فَأَخَذَ بَعْضُ النَّاسِ بِظَاهِرِ هَذَا اللَّفْظِ وَقَالَ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عِنْدَهُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ؛ فَعِنْدَهُ يَجُوزُ جَوَازٌ لَا إعَارَةٌ، فَتُصْرَفُ مَنْفَعَتُهُ إلَى جِهَةِ الْوَقْفِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ، وَلَوْ رَجَعَ عَنْهُ حَالَ حَيَاتِهِ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَيُورَثُ عَنْهُ. وَلَا يُلْزَم إلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ الْقَاضِي أَوْ يُخْرِجَهُ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ. وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُ بِدُونِ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. ثُمَّ إنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ سَتَأْتِي. اهـ. ط مُلَخَّصًا. وَبَحَثَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ فَلَفْظُ حَبَسَ لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ التَّصَرُّفَ فِيهِ مَتَى شَاءَ فَلَمْ يُحْدِثْ الْوَقْفَ إلَّا مَشِيئَةَ التَّصَدُّقِ بِالْمَنْفَعَةِ، وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ مَتَى شَاءَ، وَهَذَا الْقَدْرُ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الْوَقْفِ فَلَمْ يُفِدْ لَفْظُ الْوَقْفِ شَيْئًا، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ مَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ مَا فِي الْأَصْلِ صَحِيحٌ. وَنَظَرَ فِيهِ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ سَلْبَ الْفَائِدَةِ مُطْلَقًا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ يَصِحُّ الْحُكْمُ بِهِ، وَيَحِلُّ لِلْفَقِيرِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَيُثَابَ الْوَاقِفُ بِهِ، وَيُتْبَعُ شَرْطُهُ، وَيَصِحُّ نَصْبُ الْمُتَوَلِّي عَلَيْهِ. وَقَوْلُ مَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ أَصْلًا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ الْحُكْمُ بِهِ. اهـ. قُلْت: بَلْ ذُكِرَ فِي الْإِسْعَافِ أَنَّهُ عِنْدَهُ يَكُونُ نَذْرًا بِالتَّصَدُّقِ حَيْثُ قَالَ: وَحُكْمُهُ مَا ذُكِرَ فِي تَعْرِيفِهِ، فَلَوْ قَالَ أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ مُؤَبَّدَةٌ جَازَ لَازِمًا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَكُونُ نَذْرًا بِالصَّدَقَةِ بِغَلَّةِ الْأَرْضِ وَيَبْقَى مِلْكُهُ عَلَى حَالِهِ، فَإِذَا مَاتَ يُورَثُ عَنْهُ اهـ: أَيْ فَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِغَلَّتِهِ (قَوْلُهُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى) قَدَّرَ لَفْظَ حُكْمٍ لِيُفِيدَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَلَا انْتَقَلَ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، بَلْ صَارَ عَلَى حُكْمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 وَصَرْفُ مَنْفَعَتِهَا عَلَى مَنْ أَحَبَّ) وَلَوْ غَنِيًّا فَيَلْزَمُ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ إبْطَالُهُ وَلَا يُورَثُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ابْنُ الْكَمَالِ وَابْنُ الشِّحْنَةِ (وَسَبَبُهُ إرَادَةُ مَحْبُوبِ النَّفْسِ) فِي الدُّنْيَا بِبِرِّ الْأَحْبَابِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالثَّوَابِ يَعْنِي بِالنِّيَّةِ مِنْ أَهْلِهَا؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْكَافِرِ وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا بِالنَّذْرِ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا أَوْ بِثَمَنِهَا، وَلَوْ وَقَفَهَا عَلَى مَنْ لَا تَجُوزُ لَهُ الزَّكَاةُ   [رد المحتار] مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا مِلْكَ فِيهِ لِأَحَدٍ سِوَاهُ، وَإِلَّا فَالْكُلُّ مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى. وَاسْتَحْسَنَ فِي الْفَتْحِ قَوْلَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ فَلَا يَزُولُ عَنْهُ مِلْكُهُ، لَكِنْ لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ مِثْلُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَحَقَّقَهُ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ. قُلْت: وَظَاهِرُ أَنَّ هَذَا مُرَادُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ حَيْثُ عَرَّفَهُ بِأَنَّهُ حَبْسُ الْمَمْلُوكِ عَنْ التَّمْلِيكِ مِنْ الْغَيْرِ، فَإِنَّ الْحَبْسَ يُفِيدُ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا كَانَ وَأَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ (قَوْلُهُ: وَصَرْفُ مَنْفَعَتَهَا عَلَى مَنْ أَحَبَّ) عَبَّرَ بِهِ بَدَلَ قَوْلِهِ وَالصِّدْقُ بِالْمَنْفَعَةِ لِأَنَّهُ أَعَمُّ، وَإِلَى التَّعْمِيمِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ غَنِيًّا أَفَادَهُ ح، لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَحْدَهُمْ لَا يَجُوزُ؛ فَالْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِالتَّصَدُّقِ بِالْمَنْفَعَةِ إلَّا أَنْ يُرَادَ صَرْفُ مَنْفَعَتِهَا عَلَى وَجْهِ التَّصَدُّقِ (قَوْلُهُ فَيَلْزَمُ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا أَفَادَهُ التَّعْرِيفُ مِنْ خُرُوجِ الْعَيْنِ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ لِثُبُوتِ التَّلَازُمِ بَيْنَ اللُّزُومِ وَالْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِهِ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) أَيْ عَلَى قَوْلِهِمَا يَلْزَمُهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْحَقُّ تَرَجُّحُ قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ بِلُزُومِهِ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ مُتَظَافِرَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَاسْتَمَرَّ عَمَلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَلِذَا تَرَجَّحَ خِلَافُ قَوْلِهِ اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ بِبِرِّ الْأَحْبَابِ) أَيْ مَنْ يُحِبُّ بِرَّهُمْ وَنَفْعَهُمْ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ فَقِيرٍ أَجْنَبِيٍّ (قَوْلُهُ يَعْنِي بِالنِّيَّةِ) قُيِّدَ لِلثَّوَابِ؛ إذْ لَا ثَوَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ (قَوْلُهُ مِنْ أَهْلِهَا) وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ وَأَمَّا الْبُلُوغُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ النِّيَّةِ وَالثَّوَابِ بِهَا، بَلْ هُوَ شَرْطٌ هُنَا لِصِحَّةِ التَّبَرُّعِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ إلَخْ) يَعْنِي قَدْ يَكُونُ مُبَاحًا كَمَا عَبَّرَ فِي الْبَحْرِ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ مَوْضُوعًا لِلتَّعَبُّدِ بِهِ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ بِحَيْثُ لَا يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ أَصْلًا بَلْ التَّقَرُّبُ بِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى نِيَّةِ الْقُرْبَةِ، فَهُوَ بِدُونِهَا مُبَاحٌ حَتَّى يَصِحَّ مِنْ الْكَافِرِ كَالْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ، لَكِنَّ الْعِتْقَ أَنْفَذُ مِنْهُ حَتَّى صَحَّ مَعَ كَوْنِهِ حَرَامًا كَالْعِتْقِ لِلصَّنَمِ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي صُورَةِ الْقُرْبَةِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً فِي ذَاتِهِ؛ إذْ لَوْ اُشْتُرِطَ كَوْنُهُ قُرْبَةً حَقِيقَةً لَمْ يَصِحَّ مِنْ الْكَافِرِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا أَوْ بِثَمَنِهَا) خَلَطَ الشَّارِحُ مَسْأَلَةَ النَّذْرِ بِالْوَقْفِ بِمَسْأَلَةِ مَا لَوْ كَانَتْ صِيغَةُ الْوَقْفِ نَذْرًا مَعَ أَنَّ حُكْمَهُمَا مُخْتَلِفٌ، فَأَمَّا النَّذْرُ بِهِ فَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالثَّالِثُ الْمَنْذُورُ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ قَدِمَ وَلَدِي فَعَلَيَّ أَنْ أَقِفَ هَذِهِ الدَّارَ عَلَى ابْنِ السَّبِيلِ فَقَدِمَ فَهُوَ نَذْرٌ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، فَإِنْ وَقَفَهُ عَلَى وَلَدِهِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَيْهِمْ جَازَ فِي الْحُكْمِ وَنَذْرُهُ بَاقٍ وَإِنْ وَقَفَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ سَقَطَ، وَإِنَّمَا صَحَّ النَّذْرُ لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبًا، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَتَّخِذَ الْإِمَامُ لِلْمُسْلِمِينَ مَسْجِدًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مِنْ مَالِهِمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَيْتُ مَالٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَا لَوْ كَانَتْ صِيغَةُ الْوَقْفِ نَذْرًا فَقَالَ فِي الْبَحْرِ قَبْلَ هَذَا: التَّاسِعُ لَوْ قَالَ: هِيَ لِلسَّبِيلِ إنْ تَعَارَفُوهُ وَقْفًا مُؤَبَّدًا لِلْفُقَرَاءِ كَانَ كَذَلِكَ وَإِلَّا سُئِلَ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْوَقْفَ صَارَ وَقْفًا لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ لَفْظُهُ، أَوْ قَالَ أَرَدْت مَعْنَى صَدَقَةٍ فَهُوَ نَذْرٌ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا أَوْ بِثَمَنِهَا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَانَتْ مِيرَاثًا ذَكَرَهُ فِي النَّوَازِلِ. اهـ. ح. قُلْت: صِيغَةُ النَّذْرِ بِالْوَقْفِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْبَحْرِ غَيْرُ مُتَعَيِّنَةٍ فَلْيَكُنْ الشَّارِحُ أَشَارَ إلَى صِيغَةٍ غَيْرِهَا تَشْمَلُ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَأَنْ قَالَ إنْ قَدِمَ وَلَدِي فَعَلَيَّ أَنْ أَجْعَلَ هَذِهِ الدَّارَ لِلسَّبِيلِ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ أَرَادَ بِالسَّبِيلِ الصَّدَقَةَ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَ حُكْمَهَا بِقَوْلِهِ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا أَوْ بِثَمَنِهَا، وَإِنْ أَرَادَ الْوَقْفَ أَوْ كَانَ مُتَعَارَفًا كَانَتْ وَقْفًا وَقَدْ أَفَادَ حُكْمَهَا بِقَوْلِهِ وَلَوْ وَقَفَهَا إلَخْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 جَازَ فِي الْحُكْمِ وَبَقِيَ نَذْرُهُ وَبِهَذَا عُرِفَ صِفَتُهُ وَحُكْمُهُ مَا مَرَّ فِي تَعْرِيفِهِ (وَمَحَلُّهُ الْمَالُ الْمُتَقَوِّمُ) (وَرُكْنُهُ الْأَلْفَاظُ الْخَاصَّةُ كَ) أَرْضِي هَذِهِ (صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ مُؤَبَّدَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَنَحْوِهِ) مِنْ الْأَلْفَاظِ كَمَوْقُوفَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ عَلَى وَجْهِ الْخَيْرِ أَوْ الْبِرِّ وَاكْتَفَى أَبُو يُوسُفَ بِلَفْظِ مَوْقُوفَةٍ فَقَطْ قَالَ الشَّهِيدُ وَنَحْنُ نُفْتِي بِهِ لِلْعُرْفِ [مَطْلَبٌ قَدْ يَثْبُتُ الْوَقْفُ بِالضَّرُورَةِ] (وَشَرْطُهُ شَرْطُ سَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ) كَحُرِّيَّةٍ وَتَكْلِيفٍ   [رد المحتار] وَدِقَّةُ نَظَرِ الشَّارِحِ وَإِيجَازُهُ فِي التَّعْبِيرِ يَفُوقُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ مَارَسَ كِتَابَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: جَازَ فِي الْحُكْمِ) أَيْ صَحَّ الْوَقْفُ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، وَصَحَّ تَعْيِينُهُ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ النَّذْرُ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ الْوَاجِبَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ، وَصَرْفُهَا إلَى مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ فِيهِ نَفْعٌ لَهُ فَلَمْ تَخْلُصْ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا لَوْ صَرَفَ إلَيْهِ الْكَفَّارَةَ أَوْ الزَّكَاةَ وَقَعَتْ وَبَقِيَتْ فِي ذِمَّتِهِ (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا) أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ قُرْبَةً بِالنِّيَّةِ وَمُبَاحًا بِدُونِهَا وَوَاجِبًا بِالنَّذْرِ (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ) أَيْ الْأَثَرِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: مَا مَرَّ فِي تَعْرِيفِهِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِالْمَنْفَعَةِ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهُ الْمَالُ الْمُتَقَوِّمُ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَقَارًا أَوْ مَنْقُولًا فِيهِ تَعَامُلٌ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، ثُمَّ رَأَيْت هَذَا مَسْطُورًا فِي الْإِسْعَافِ. . مَطْلَبٌ قَدْ يَثْبُتُ الْوَقْفُ بِالضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ وَرُكْنُهُ الْأَلْفَاظُ الْخَاصَّةُ) وَهِيَ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ لَفْظًا عَلَى مَا بَسَطَهُ فِي الْبَحْرِ، وَمِنْهَا مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: فَرْعٌ يَثْبُتُ الْوَقْفُ بِالضَّرُورَةِ وَصُورَتُهُ أَنْ يُوصِيَ بِغَلَّةِ هَذِهِ الدَّارِ لِلْمَسَاكِينِ أَبَدًا أَوْ لِفُلَانٍ وَبَعْدَهُ لِلْمَسَاكِينِ أَبَدًا فَإِنَّ الدَّارَ تَصِيرُ وَقْفًا بِالضَّرُورَةِ. وَالْوَجْهُ أَنَّهَا كَقَوْلِهِ إذَا مِتُّ فَقَدْ وَقَفْت دَارِي عَلَى كَذَا اهـ أَيْ فَهُوَ مِنْ الْمُعَلَّقِ بِالْمَوْتِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ كَوَصِيَّةٍ مِنْ الثُّلُثِ وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ مِنْهَا لَوْ قَالَ: اشْتَرُوا مِنْ غَلَّةِ دَارِي هَذِهِ كُلَّ شَهْرٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ خُبْزًا وَفَرِّقُوهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ صَارَتْ الدَّارُ وَقْفًا اهـ وَعَزَاهُ لِلذَّخِيرَةِ وَبَسَطَ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا بَيْنَ الْأَصْحَابِ. قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الدَّارَ كُلَّهَا تَصِيرُ وَقْفًا مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَيَصْرِفُ مِنْهَا الْخُبْزَ إلَى مَا عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ، وَالْبَاقِيَ إلَى الْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُمْ مَصْرِفُ الْوَقْفِ فِي الْأَصْلِ، مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى غَيْرِهِمْ. وَنَظِيرُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَلَدٌ وَاحِدٌ فَلَهُ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْفُقَرَاءِ، وَقَدْ سَأَلْت عَنْ نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْ غَلَّةِ دَارِهِ كُلَّ سَنَةٍ كَذَا دَرَاهِمَ يُشْتَرَى بِهَا زَيْتٌ لِمَسْجِدِ كَذَا، ثُمَّ بَاعَ الْوَرَثَةُ الدَّارَ وَشَرَطُوا عَلَى الْمُشْتَرِي دَفْعَ ذَلِكَ الْمَبْلَغِ فِي كُلِّ سَنَةٍ لِلْمَسْجِدِ، فَأَفْتَيْت بِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ، وَبِأَنَّهَا صَارَتْ وَقْفًا حَيْثُ كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ (قَوْلُهُ: وَاكْتَفَى أَبُو يُوسُفَ بِلَفْظِ: مَوْقُوفَةٌ إلَخْ) أَيْ بِدُونِ ذِكْرِ تَأْبِيدٍ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَفْظِ صَدَقَةٍ، أَوْ لَفْظِ الْمَسَاكِينِ وَنَحْوِهِ كَالْمَسْجِدِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَقْفًا عَلَى مُعَيَّنٍ كَزَيْدٍ أَوْ أَوْلَادِ فُلَانٍ، فَإِنْ لَا يَصِحُّ بِلَفْظِ مَوْقُوفَةٍ لِمُنَافَاةِ التَّعْيِينِ لِلتَّأْبِيدِ، وَلِذَا فَرَّقَ بَيْنَ مَوْقُوفَةٍ وَبَيْنَ مَوْقُوفَةٍ عَلَى زَيْدٍ حَيْثُ أَجَازَ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي. نَعَمْ تَعْيِينُ الْمَسْجِدِ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ مُؤَيَّدٌ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَا يَصِحُّ أَيْ مَوْقُوفَةٌ فَقَطْ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَجْعَلُهَا بِمُجَرَّدِ هَذَا اللَّفْظِ مَوْقُوفَةً عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَإِذَا كَانَ مُفِيدًا لِخُصُوصِ الْمَصْرِفِ أَعْنِي الْفُقَرَاءَ لَزِمَ كَوْنُهُ مُؤَبَّدًا لِأَنَّ جِهَةَ الْفُقَرَاءِ لَا تَنْقَطِعُ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَمَشَايِخُ بَلْخٍ يُفْتُونَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَنَحْنُ نُفْتِي بِهِ أَيْضًا لِمَكَانِ الْعُرْفِ لِأَنَّ الْعُرْفَ إذَا كَانَ يَصْرِفُهُ إلَى الْفُقَرَاءِ كَانَ كَالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِمْ. اهـ. قُلْت: وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذِكْرَ التَّأْبِيدِ أَوْ وَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ غَيْرُ شَرْطٍ عِنْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. (قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ شَرْطُ سَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ) أَفَادَ أَنَّ الْوَاقِفَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَالِكُهُ وَقْتَ الْوَقْفِ مِلْكًا بَاتًّا وَلَوْ بِسَبَبٍ فَاسِدٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 (وَأَنْ يَكُونَ) قُرْبَةً فِي ذَاتِهِ مَعْلُومًا (مُنَجَّزًا) لَا مُعَلَّقًا إلَّا بِكَائِنٍ، وَلَا مُضَافًا، وَلَا مُوَقَّتًا   [رد المحتار] مَحْجُورًا عَنْ التَّصَرُّفِ، حَتَّى لَوْ وَقَفَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ مَلَكَهُ بَعْدُ بِشِرَاءٍ أَوْ صُلْحٍ، وَلَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ وَقْفَ فُضُولِيٍّ جَازَ وَصَحَّ وَقْفُ مَا شَرَاهُ فَاسِدًا بَعْدَ الْقَبْضِ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِلْبَائِعِ وَكَالشِّرَاءِ الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِخِيَارِ الْبَائِعِ فَوَقَفَهَا وَإِنْ أَجَازَ الْبَائِعُ بَعْدَهُ وَيُنْقَضُ وَقْفٌ اُسْتُحِقَّ بِمِلْكٍ أَوْ شُفْعَةٍ، وَإِنْ جَعَلَهُ مَسْجِدًا وَوَقْفُ مَرِيضٍ أَحَاطَ دَيْنُهُ بِمَالِهِ بِخِلَافٍ صَحِيحٍ وسَيَأْتِي تَمَامُهُ حُكْمُ وَقْفِ الْمَرْهُونِ قُبَيْلَ الْفَصْلِ وَكَذَا وَقْفُ مَحْجُورٍ لِسَفَهٍ أَوْ دَيْنٍ كَذَا أَطْلَقَهُ الْخَصَّافُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا وَقَفَهَا الْمَحْجُورُ لِسَفَهٍ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى جِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ أَنْ يَصِحَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِ وَعِنْدَ الْكُلِّ إذَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْوَقْفَ تَبَرُّعٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ. وَفِي النَّهْرِ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمَمْنُوعَ التَّبَرُّعُ عَلَى غَيْرِهِ لَا عَلَى نَفْسِهِ كَمَا هُنَا وَاسْتِحْقَاقُ الْغَيْرِ لَهُ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ مَوْتِهِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ قُرْبَةً فِي ذَاتِهِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ إلَى ذَاتِهِ وَصُورَتِهِ قُرْبَةً، وَالْمُرَادُ أَنْ يَحْكُمَ الشَّرْعُ بِأَنَّهُ لَوْ صَدَرَ مِنْ مُسْلِمٍ يَكُونُ قُرْبَةً حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ الْقُرْبَةَ، لَكِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ مَا لَوْ وَقَفَ الذِّمِّيُّ عَلَى حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَوْ أَجْرَى الْكَلَامَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَقْفُ الذِّمِّيِّ عَلَى الْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ لَا قُرْبَةَ مِنْ الذِّمِّيِّ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا كَانَ قُرْبَةً فِي اعْتِقَادِ الْوَاقِفِ يَدْخُلُ فِيهِ وَقْفُ الذِّمِّيِّ عَلَى بِيعَةٍ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فَنُعَيِّنُ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ فِي وَقْفِ الْمُسْلِمِ فَقَطْ، بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ لِمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ أَنَّ شَرْطَ وَقْفِ الذِّمِّيِّ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى مَسْجِدِ الْقُدْسِ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى بِيعَةٍ فَإِنَّهُ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ فَقَطْ أَوْ عَلَى حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَإِنَّهُ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا فَقَطْ فَأَفَادَ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِوَقْفِ الذِّمِّيِّ فَقَطْ؛ لِأَنَّ وَقْفَ الْمُسْلِمِ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ قُرْبَةً عِنْدَهُمْ بَلْ عِنْدَنَا كَوَقْفِنَا عَلَى حَجٍّ وَعُمْرَةٍ بِخِلَافِهِ عَلَى بِيعَةٍ فَإِنَّهُ غَيْرُ قُرْبَةٍ عِنْدَنَا بَلْ عِنْدَهُمْ (قَوْلُهُ: مَعْلُومًا) حَتَّى لَوْ وَقَفَ شَيْئًا مِنْ أَرْضِهِ وَلَمْ يُسَمِّهِ لَا يَصِحُّ وَلَوْ بَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ وَقَفْت هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ هَذِهِ، نَعَمْ لَوْ وَقَفَ جَمِيعَ حِصَّتِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ وَلَمْ يُسَمِّ السِّهَامَ جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ قَالَ: وَهُوَ ثُلُثُ جَمِيعِ الدَّارِ فَإِذَا هُوَ الَّتِي كَانَ الْكُلُّ وَقْفًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ نَهْرٌ أَيْ كُلُّ النِّصْفِ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: وَقَفَ أَرْضًا فِيهِ أَشْجَارٌ وَاسْتَثْنَاهَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَثْنِيًا الْأَشْجَارَ بِمَوَاضِعِهَا فَيَصِيرُ الدَّاخِلُ تَحْتَ الْوَقْفِ مَجْهُولًا. (قَوْلُهُ: مُنَجَّزًا) مُقَابِلُهُ الْمُعَلَّقُ وَالْمُضَافُ (قَوْلُهُ: لَا مُعَلَّقًا) كَقَوْلِهِ: إذَا جَاءَ غَدٌ أَوْ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ إذَا كَلَّمْت فُلَانًا فَأَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ أَوْ إنْ شِئْت أَوْ أَحْبَبْت يَكُونُ الْوَقْفُ: بَاطِلًا لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالْخَطَرِ لِكَوْنِهِ مِمَّا لَا يُحْلَفُ بِهِ كَمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْهِبَةِ بِخِلَافِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ وَيَحْلِفُ بِهِ، فَلَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا إذَا قَدِمَ أَوْ إنْ بَرِئْت مِنْ مَرَضِي هَذَا فَأَرْضِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِعَيْنِهَا إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ النَّذْرِ وَالْيَمِينِ إسْعَافٌ (قَوْلُهُ: إلَّا بِكَائِنٍ) أَوْ مَوْجُودٍ لِلْحَالِ فَلَا يُنَافِي عَدَمَ صِحَّتِهِ مُعَلَّقًا بِالْمَوْتِ قَالَ فِي الْإِسْعَافِ: وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَرْضُ فِي مِلْكِي فَهِيَ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ التَّكَلُّمِ صَحَّ الْوَقْفُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ الْكَائِنِ تَنْجَبِرُ (قَوْلُهُ: وَلَا مُضَافًا) يَعْنِي إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ. فَقَدْ نُقِلَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ يَكُونُ بَاطِلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. نَعَمْ سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ أَنَّهُ يَكُونُ وَصِيَّةً لَازِمَةً مِنْ الثُّلُثِ بِالْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ، أَمَّا لَوْ قَالَ دَارِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ غَدًا فَإِنَّهُ صَحِيحٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ قُبَيْلَ بَابِ الصَّرْفِ، فَمُرَادُ الشَّارِحِ بِالْمُضَافِ الْأَوَّلِ فَلَا غَلَطَ فِي كَلَامِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَا مُوَقَّتًا) كَمَا إذَا وَقَفَ دَارِهِ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا قَالَهُ الْخَصَّافُ، وَفَصَلَ هِلَالٌ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ رُجُوعَهَا إلَيْهِ بَعْدَ الْوَقْتِ فَيَبْطُلَ وَإِلَّا فَلَا. وَظَاهِرُ الْخَانِيَّةِ اعْتِمَادُهُ بَحْرٌ وَنَهْرٌ وَيَأْتِي تَمَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 وَلَا بِخِيَارِ شَرْطٍ، وَلَا ذَكَرَ مَعَهُ اشْتِرَاطَ بَيْعِهِ وَصَرْفَ ثَمَنِهِ، فَإِنْ ذَكَرَهُ بَطَلَ وَقْفُهُ بَزَّازِيَّةٌ. وَفِي الْفَتْحِ: لَوْ وَقَفَ الْمُرْتَدُّ فَقُتِلَ أَوْ مَاتَ أَوْ ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ بَطَلَ وَقْفُهُ، وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ عَلَى بِيعَةٍ أَوْ حَرْبِيٍّ قِيلَ أَوْ مَجُوسِيٍّ، وَجَازَ عَلَى ذِمِّيٍّ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ حَتَّى لَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ وَلَدِهِ أَوْ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِ النَّصْرَانِيَّةِ فَلَا شَيْءَ لَهُ   [رد المحتار] وَإِذَا وَقَّتَهُ بَطَلَ (قَوْلُهُ: وَلَا بِخِيَارِ شَرْطٍ) مَعْلُومٍ كَانَ أَوْ مَجْهُولًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَصَحَّحَهُ إسْعَافٌ وَفِي ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ: وَصَحَّ اشْتِرَاطُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عِنْدَ الثَّانِي وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ وَقْفِ الْمَسْجِدِ حَتَّى لَوْ اتَّخَذَ مَسْجِدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ جَازَ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا ذَكَرَ مَعَهُ اشْتِرَاطَ بَيْعِهِ إلَخْ) فِي الْخَصَّافِ لَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ لِي إخْرَاجَهَا مِنْ الْوَقْفِ إلَى غَيْرِهِ أَوْ عَلَى أَنْ أَهَبَهَا وَأَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا، أَوْ عَلَى أَنْ أَهَبَهَا لِمَنْ شِئْت أَوْ عَلَى أَنْ أَرْهَنَهَا مَتَى بَدَا لِي وَأَخْرَجَهَا عَنْ الْوَقْفِ بَطَلَ الْوَقْفُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، أَمَّا الْمَسْجِدُ لَوْ اُشْتُرِطَ إبْطَالُهُ أَوْ بَيْعُهُ صَحَّ وَبَطَلَ الشَّرْطُ. قُلْت: وَلَوْ اُشْتُرِطَ فِي الْوَقْفِ اسْتِبْدَالُهُ صَحَّ وسَيَأْتِي بَيَانُهُ. [تَتِمَّةٌ] : لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ، فَلَوْ لِشَخْصٍ بِعَيْنِهِ وَآخِرُهُ لِلْفُقَرَاءِ اُشْتُرِطَ قَبُولُهُ فِي حَقِّهِ، فَإِنْ قَبِلَهُ فَالْغَلَّةُ لَهُ، وَإِنْ رَدَّهُ فَلِلْفُقَرَاءِ، وَمَنْ قَبِلَ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ بَعْدَهُ، وَمَنْ رَدَّهُ أَوَّلَ الْأَمْرِ لَيْسَ لَهُ الْقَبُولُ بَعْدَهُ، وَتَمَامُ الْفُرُوعِ فِي الْإِسْعَافِ وَالْبَحْرِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا وُجُودُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ حِينَ الْوَقْفِ، حَتَّى لَوْ وَقَفَ مَسْجِدًا هَيَّأَ مَكَانَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَهُ فَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَمَا سَيَأْتِي وَلَا تَحْدِيدَ الْعَقَارِ، بَلْ الشَّرْطُ كَوْنُهُ مَعْلُومًا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْقُنْيَةِ وَالْفَتْحِ، نَعَمْ هُوَ شَرْطُ الشَّهَادَةِ وَسَنَذْكُرُ تَمَامَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ وَقَفَ الْعَقَارَ بِبَقَرِهِ (قَوْلُهُ: بَطَلَ وَقْفُهُ) هُوَ الْمُخْتَارُ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِ. . مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمُرْتَدِّ وَالْكَافِرِ (قَوْلُهُ: فَقُتِلَ أَوْ مَاتَ) أَمَّا إنْ أَسْلَمَ صَحَّ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَوْ ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ بَطَلَ وَقْفُهُ) وَيَصِيرُ مِيرَاثًا سَوَاءً قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ أَوْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ إلَّا إنْ أَعَادَ الْوَقْفَ بَعْدَ عَوْدِهِ إلَى الْإِسْلَامِ، وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُرْتَدَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ بَحْرٌ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الِاغْتِفَارُ فِي الِابْتِدَاءِ لَا فِي الْبَقَاءِ عَكْسُ الْقَاعِدَةِ، فَإِنَّ الرِّدَّةَ الْمُقَارِنَةَ لِلْوَقْفِ لَا تُبْطِلُهُ بَلْ يَتَوَقَّفُ، بِخِلَافِ الطَّارِئَةِ فَإِنَّهَا تُبْطِلُهُ بَتًّا اهـ ط وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ قُبَيْلَ الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ عَلَى بِيعَةٍ) أَمَّا فِي الْمُسْلِمِ فَلِعَدَمِ كَوْنِهِ قُرْبَةً فِي ذَاتِهِ، وَأَمَّا فِي الذِّمِّيِّ فَلِعَدَمِ كَوْنِهِ قُرْبَةً عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ كَمَا مَرَّ أَفَادَهُ ح. لَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَجْعَلْ آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ لِمَا فِي الْفَتْحِ: لَوْ وَقَفَ أَيْ الذِّمِّيُّ عَلَى بِيعَةٍ مَثَلًا فَإِذَا خَرِبَتْ يَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ كَانَ لِلْفُقَرَاءِ ابْتِدَاءً، وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ كَانَ مِيرَاثًا عَنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ فِي وَقْفِهِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْإِسْعَافِ، وَيَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْبَحْرِ سَقْطًا حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ وَقَفَ عَلَى بِيعَةٍ فَإِذَا خَرِبَتْ كَانَ لِلْفُقَرَاءِ لَمْ يَصِحَّ وَكَانَ مِيرَاثًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَنَا. اهـ. قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ مُطْلَقًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمُفْتَى بِهِ، وَهُوَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ التَّصْرِيحِ بِالتَّأْبِيدِ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْبِيعَةِ يُنَافِي التَّأْبِيدَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَوْ حَرْبِيٍّ) لِأَنَّا قَدْ نُهِينَا عَنْ بِرِّهِمْ ط (قَوْلُهُ: قِيلَ أَوْ مَجُوسِيٍّ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الصَّحِيحَ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً، كَمَا اخْتَارَهُ فِي الْقُنْيَةِ. وَفِي الْإِسْعَافِ لَوْ وَقَفَ نَصْرَانِيٌّ مَثَلًا عَلَى مَسَاكِينِ أَهْلِ الذِّمَّةِ جَازَ صَرْفُهَا لِمَسَاكِينِ الْيَهُودِ وَالْمَجُوس لِكَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَوْ عَيَّنَ مَسَاكِينَ أَهْلِ دِينِهِ تَعَيَّنُوا، وَلَوْ صَرَفَهَا الْقَيِّمُ إلَى غَيْرِهِمْ ضَمِنَ وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِلَّةً وَاحِدَةً لِتَعَيُّنِ الْوَقْفِ بِمَنْ يُعَيِّنُهُ الْوَاقِفُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 لَزِمَ شَرْطُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ [مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمُرْتَدِّ وَالْكَافِرِ] (وَالْمِلْكُ يَزُولُ) عَنْ الْمَوْقُوفِ بِأَرْبَعَةٍ بِإِفْرَازِ مَسْجِدٍ كَمَا سَيَجِيءُ وَ (بِقَضَاءِ الْقَاضِي) لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَصُورَتُهُ: أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي   [رد المحتار] مَطْلَبٌ شَرَائِطُ الْوَاقِفِ مُعْتَبَرَةٌ إذَا لَمْ تُخَالِفْ الشَّرْعَ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الطَّرَسُوسِيِّ، حَيْثُ شَنَّعَ عَلَى الْخَصَّافِ، بِأَنَّهُ جَعَلَ الْكُفْرَ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْإِسْلَامَ سَبَبَ الْحِرْمَانِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ تَعَقَّبَ الْخَصَّافَ غَيْرَهُ، وَهَذِهِ لِلْبُعْدِ مِنْ الْفِقْهِ، فَإِنَّ شَرَائِطَ الْوَاقِفِ مُعْتَبَرَةٌ إذَا لَمْ تُخَالِفْ الشَّرْعَ وَهُوَ مَالِكٌ، فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَالَهُ حَيْثُ شَاءَ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً وَلَهُ أَنْ يَخُصَّ صِنْفًا مِنْ الْفُقَرَاءِ وَلَوْ كَانَ الْوَضْعُ فِي كُلِّهِمْ قُرْبَةً، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ قُرْبَةٌ حَتَّى جَازَ أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِمْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتِ عِنْدَنَا فَكَيْفَ لَا يُعْتَبَرُ شَرْطُهُ فِي صِنْفٍ دُونَ صِنْفٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ؟ أَرَأَيْت لَوْ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُمْ أَلَيْسَ يُحْرَمُ مِنْهُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ دَفَعَ الْمُتَوَلِّي إلَى الْمُسْلِمِينَ ضَمِنَ فَهَذَا مِثْلُهُ وَالْإِسْلَامُ لَيْسَ سَبَبًا لِلْحِرْمَانِ بَلْ الْحِرْمَانُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ سَبَبِ تَمَلُّكِهِ لِهَذَا الْمَالِ وَهُوَ إعْطَاءُ الْوَاقِفِ الْمَالِكِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَالْمِلْكُ يَزُولُ) أَيْ مِلْكُ الْوَاقِفِ فَيَصِيرُ الْوَقْفُ لَازِمًا لِلْإِنْفَاقِ عَلَى التَّلَازُمِ بَيْنَ اللُّزُومِ وَالْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: بِأَرْبَعَةٍ) هَذَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ بِالثَّانِي وَالثَّالِثِ لَا يَزُولُ الْمِلْكُ فِيهِ عِنْدَ الْإِمَامِ، حَتَّى كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ مَا دَامَ حَيًّا كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ بِإِفْرَازِ مَسْجِدٍ) عَبَّرَ بِالْإِفْرَازِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَشَاعًا لَا يَصِحُّ إجْمَاعًا، وَأَفَادَ أَنَّهُ يَلْزَمُ بِلَا قَضَاءٍ (قَوْلُهُ: وَبِقَضَاءِ الْقَاضِي) أَيْ قَضَائِهِ بِلُزُومِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَعَبَّرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ أَيْ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَكُلُّ صَحِيحٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ آنِفًا مِنْ التَّلَازُمِ بَيْنَ الْخُرُوجِ وَاللُّزُومِ. [تَنْبِيهٌ] : قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْغَرْسِ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ قَالُوا: الْقَضَاءُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ لَا يَكُونُ قَضَاءً بِلُزُومِهِ. وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ الْوَقْفَ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ عِنْدَ الْإِمَامِ لَازِمٌ عِنْدَهُمَا فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِصِحَّتِهِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَضَى بِذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَلَا مَعْنَى لِلْجَوَازِ هَاهُنَا إلَّا الصِّحَّةُ، وَلَا يَلْزَمُهَا اللُّزُومُ فَيَحْتَاجُ فِي لُزُومِ الْوَقْفِ إلَى التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ، وَفِيهِ نَظَرٌ وَجْهُهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَقُلْ بِكَوْنِ الْوَقْفِ جَائِزًا غَيْرُ لَازِمٍ مُطْلَقًا بَلْ هُوَ عِنْدَهُ لَازِمٌ إذَا عَلَّقَهُ الْوَاقِفُ بِالْمَوْتِ أَوْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَضَاءَ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ قَضَاءٌ بِالْوَقْفِ، فَيَكُونُ الْقَضَاءُ بِصِحَّتِهِ مُقْتَضِيًا لِلُزُومِهِ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّصْرِيحِ بِاللُّزُومِ فِي الْقَضَاءِ بِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ كَلَامُ ابْنِ الْغَرْسِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْقَضَاءَ بِصِحَّتِهِ كَالْقَضَاءِ بِلُزُومِهِ أَوْ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى صِحَّةِ الْوَقْفِ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي اللُّزُومِ فَالْإِمَامُ لَا يَقُولُ بِهِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ يَرَاهُ نَفَذَ حُكْمُهُ وَصَارَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، فَلَيْسَ لِحَاكِمٍ غَيْرِهِ نَقْضُهُ وَالْوَقْفُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، فَإِذَا حَكَمَ بِلُزُومِهِ حَاكِمٌ يَرَاهُ لَزِمَ اتِّفَاقًا وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ، أَمَّا لَوْ حَكَمَ بِأَصْلِ الصِّحَّةِ فَلَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلَّ الْخِلَافِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا تَسْتَلْزِمُ اللُّزُومَ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ خِلَافٌ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ ثَابِتٌ فَقَوْلُهُمْ يَلْزَمُ عِنْدَ الْإِمَامِ بِالْقَضَاءِ مَعْنَاهُ بِالْقَضَاءِ بِلُزُومِهِ أَوْ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ كَمَا مَرَّ، أَمَّا لَوْ حَكَمَ بِالصِّحَّةِ بِأَنْ وَقَعَ النِّزَاعُ فِيهَا فَقَطْ بِأَنْ ادَّعَى عَبْدُهُ تَعْلِيقَ عِتْقِهِ عَلَى وَقْفِهِ أَرْضَهُ فَأَنْكَرَ الْمَوْلَى صِحَّةَ الْوَقْفِ لِكَوْنِهِ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ مَثَلًا فَأَثْبَتَ الْعَبْدُ أَنَّهُ عَلَّقَهُ بِكَائِنٍ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِصِحَّتِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ اللُّزُومَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ هَذَا مَا يَظْهَرُ لِلْفِكْرِ الْفَاتِرِ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ) أَيْ إنَّهُ يُسَوَّغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ رَافِعًا لِلْخِلَافِ كَمَا قُلْنَا، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِزَوَالِ الْمِلْكِ وَلُزُومِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ ذَلِكَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَصُورَتُهُ) أَيْ صُورَةُ قَضَاءِ الْقَاضِي بِلُزُومِهِ. (قَوْلُهُ: أَنْ يُسَلِّمَهُ) أَيْ يُسَلِّمَ الْوَاقِفُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 ثُمَّ يَظْهَرُ الرُّجُوعَ مُعِينُ الْمُفْتِي مَعْزِيًّا لِلْفَتْحِ (الْمُوَلَّى مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ) لَا الْمُحَكَّمِ وَسَيَجِيءُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى، ثُمَّ هَلْ الْقَضَاءُ بِالْوَقْفِ قَضَاءٌ عَلَى الْكَافَّةِ، فَلَا تُسْمَعُ فِيهِ دَعْوَى مِلْكٍ آخَرَ، وَوَقْفٍ آخَرَ أَمْ لَا فَتُسْمَعُ أَفْتَى أَبُو السُّعُودِ مُفْتِي الرُّومِ بِالْأَوَّلِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ صَوْنًا عَنْ الْحِيَلِ لِإِبْطَالِهِ، لَكِنَّهُ نَقَلَ بَعْدَهُ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الثَّانِي وَصَحَّحَهُ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ وَبِهِ أَفْتَى الْمُصَنِّفُ. (أَوْ بِالْمَوْتِ إذَا عُلِّقَ بِهِ) أَيْ بِمَوْتِهِ كَإِذَا مِتَّ   [رد المحتار] وَقْفَهُ بَعْدَ أَنْ نَصَبَ لَهُ مُتَوَلِّيًا (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُظْهِرَ الرُّجُوعَ) أَيْ يَدَّعِي عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ وَقْفِهِ، وَيَطْلُبُ رَدَّهُ إلَيْهِ لِعَدَمِ لُزُومِهِ وَيَمْتَنِعُ الْمُتَوَلِّي مِنْ رَدِّهِ إلَيْهِ فَيَحْكُمُ الْقَاضِي بِلُزُومِهِ، فَيَلْزَمُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَيْضًا لِارْتِفَاعِ الْخِلَافِ بِالْقَضَاءِ (قَوْلُهُ: لَا الْمُحَكَّمِ) فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ بِحُكْمِهِ لَا يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَهُ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْإِسْعَافِ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ. [تَنْبِيهٌ] : قَالَ فِي الْإِسْعَافِ: وَلَوْ كَانَ الْوَاقِفُ مُجْتَهِدًا يَرَى لُزُومَ الْوَقْفِ فَأَمْضَى رَأْيَهُ فِيهِ وَعَزَمَ عَلَى زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ أَوْ مُقَلِّدًا فَسَأَلَ فَأَفْتَى بِالْجَوَازِ فَقَبِلَهُ وَعَزَمَ عَلَى ذَلِكَ لَزِمَ الْوَقْفُ، وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ وَإِنْ تَبَدَّلَ رَأْيُ الْمُجْتَهِدِ وأَفْتَى الْمُقَلِّدُ بِعَدَمِ اللُّزُومِ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ فَهَذَا مِمَّا يُزَادُ عَلَى مَا يَلْزَمُ بِهِ الْوَقْفُ لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ لَهُ الظَّاهِرُ ضَعْفُهُ اهـ أَيْ لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِ الْمُتُونِ يَزُولُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعِبْرَةَ لِرَأْيِ الْحَاكِمِ فَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمٌ يَحْكُمُ فِيهِ بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ الْخَصْمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْإِسْعَافِ صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الدِّيَانَةِ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا تَغَيَّرَ رَأْيُهُ لَا يَنْقُضُ مَا أَمْضَاهُ أَوَّلًا وَكَذَا الْمُقَلِّدُ فِي حَادِثَةٍ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا بِتَقْلِيدِهِ مُجْتَهِدًا آخَرَ، وَأَمَّا لَوْ رُفِعَتْ حَادِثَةُ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ أَوْ الْمُقَلِّدِ إلَى حَاكِمٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ كَمَا قُلْنَا، وَلِذَا قَالَ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ وَلَمْ يَقُلْ وَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ بِخِلَافٍ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ: أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى) أَيْ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّ حُكْمَهُ هُوَ التَّصَدُّقُ بِالْغَلَّةِ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى يَصِحُّ الْقَضَاءُ بِالشَّهَادَةِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ، وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ مَا مَرَّ مِنْ تَصْوِيرِهِ بِالدَّعْوَى غَيْرُ لَازِمٍ لَكِنْ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَالْكَلَامُ فِي الْحُكْم الرَّافِعِ لِلْخِلَافِ لَا الْحُكْمِ بِثُبُوتِ أَصْلِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى الدَّعْوَى عِنْدَ الْبَعْضِ، وَأَمَّا الْحُكْمُ بِاللُّزُومِ عِنْدَ دَعْوَى عَدَمِهِ فَلَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الدَّعْوَى فِيهِ لِيَصِيرَ فِي حَادِثَةٍ إذْ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ حِينَئِذٍ اللُّزُومُ وَعَدَمُهُ فَيُرْفَعُ الْخِلَافُ اهـ. (قَوْلُهُ: قَضَاءٌ عَلَى الْكَافَّةِ إلَخْ) أَيْ لَا عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَقَطْ كَمَا فِي دَعْوَى الْمِلْكِ، فَإِنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَى ذِي الْيَدِ أَنَّ هَذَا مِلْكُهُ وَحَكَمَ بِهِ الْقَاضِي تُسْمَعُ دَعْوَى رَجُلٍ آخَرَ عَلَى الْمُدَّعِي بِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَكَمَ لِإِنْسَانٍ بِالْحُرِّيَّةِ وَلَوْ عَارِضَةً، أَوْ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ أَوْ بِنَسَبٍ أَوْ بِوَلَاءِ عَتَاقَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ دَعْوَى آخَرَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ قَضَاءٌ عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَسَيَجِيءُ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ) حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ يُفْتَى بِهِ وَيُعَوَّلُ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ صَوْنِ الْوَقْفِ عَنْ التَّعَرُّضِ إلَيْهِ بِالْحِيَلِ وَالتَّلَابِيسِ وَالدَّعَاوَى الْمُفْتَعَلَةِ قَصْدًا لِإِبْطَالِهِ؛ وَلِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ لِلْوَقْفِ، وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الْحَاوِي الْقُدْسِيُّ بِأَنَّهُ يُفْتِي بِكُلِّ مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ فِيمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ حَتَّى نُقِضَتْ الْإِجَارَةُ عِنْدَ الزِّيَادَةِ الْفَاحِشَةِ نَظَرًا لِلْوَقْفِ وَصِيَانَةً لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِبْقَاءً لِلْخَيْرَاتِ. اهـ. ط (قَوْلُهُ: أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الثَّانِي) قَالَ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِهَذَا إنْ عُرِفَ الْوَاقِفُ بِالْحِيَلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقِفُ عَقَارَ غَيْرِهِ، وَيَقْضِي الْقَاضِي بِلُزُومِهِ لِدَفْعِ دَعْوَى مَالِكِهِ وَإِلَّا فَيُفْتِي بِالْأَوَّلِ اهـ وَهُوَ حَسَنٌ وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِالْمَوْتِ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِقَضَاءٍ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَزُولُ الْمِلْكُ بِهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهَذَا أَيْ زَوَالُ الْمِلْكِ فِي حُكْمِ الْحَاكِمِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءُ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ، أَمَّا فِي تَعْلِيقِهِ بِالْمَوْتِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ إلَّا أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِمَنَافِعِهِ مُؤَبَّدًا فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ مُؤَبَّدًا فَيَلْزَمُهُ اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 فَقَدْ وَقَفْت دَارِي عَلَى كَذَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَوَصِيَّةٍ تَلْزَمُ مِنْ الثُّلُثِ بِالْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ. قُلْت: وَلَوْ لِوَارِثِهِ وَإِنْ رَدُّوهُ لَكِنَّهُ يُقْسَمُ كَالثُّلُثَيْنِ فَقَوْلُ الْبَزَّازِيَّةِ إنَّهُ إرْثٌ   [رد المحتار] وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إذَا عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وَصِيَّةٌ لَازِمَةٌ لَكِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّصْرِيفُ فِيهِ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ إبْطَالِ الْوَصِيَّةِ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ مَوْتِهِ كَسَائِرِ الْوَصَايَا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بَعْدَ مَوْتِهِ بَحْرٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ. وَمُحَصَّلُ هَذَا: أَنَّ الْمُغْلَقَ بِالْمَوْتِ لَا يَكُونُ وَقْفًا فِي الصَّحِيحِ فَلَا يَزُولُ بِهِ الْمِلْكُ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَلَا بَعْدَهُ بَلْ يَكُونُ وَصِيَّةً لَازِمَةً بَعْدَهُ حَتَّى لَا يَجُوزَ التَّصَرُّفُ بِهِ لَا قَبْلَهُ، حَتَّى جَازَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَوَصِيَّةٍ إلَخْ فَإِنَّهُ قَصَدَ بِهِ تَحْوِيلَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، لِأَنَّ كَلَامَهُ فِيمَا يَزُولُ بِهِ الْمِلْكُ لَا فِيمَا يَلْزَمُ، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى التَّلَازُمِ بَيْنَ اللُّزُومِ وَالْخُرُوجِ عَنْ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي الْوَقْفِ، وَأَمَّا الْمُعَلَّقُ بِالْمَوْتِ فَلَيْسَ وَقْفًا كَمَا عَلِمْت فَلَا يَلْزَمُ مِنْ لُزُومِهِ وَصِيَّةً أَنْ يَخْرُجَ عَنْ الْمِلْكِ (قَوْلُهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَوَصِيَّةٍ) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ تَحْوِيلٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَا تَفْرِيعٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحَ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى مُقَابِلِهِ مِنْ جَوَازِ تَعْلِيقِ الْوَقْفِ، وَالْوَقْفُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ اهـ وَاعْتَرَضَهُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِكَائِنٍ وَهُوَ كَالْمُنَجَّزِ. قُلْت: قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَائِنِ الْمُحَقَّقِ وُجُودُهُ لِلْحَالِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِوَارِثِهِ إلَخْ) أَيْ يَلْزَمُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَوْ كَانَ وَقْفًا عَلَى وَارِثِهِ وَإِنْ رَدُّوهُ أَيْ الْوَرَثَةُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ أَوْ وَارِثٌ آخَرُ. مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَرِيضِ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: امْرَأَةٌ وَقَفَتْ مَنْزِلًا فِي مَرَضِهَا عَلَى بَنَاتِهَا، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِنَّ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِنَّ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا فَإِذَا انْقَرَضُوا فَلِلْفُقَرَاءِ ثُمَّ مَاتَتْ فِي مَرَضِهَا، وَخَلَّفَتْ بِنْتَيْنِ وَأُخْتًا لِأَبٍ وَالْأُخْتُ لَا تَرْضَى بِمَا صَنَعَتْ، وَلَا مَالَ لَهَا سِوَى الْمَنْزِلِ جَازَ الْوَقْفُ فِي الثُّلُثِ وَلَمْ يَجُزْ فِي الثُّلُثَيْنِ، فَيُقْسَمُ الثُّلُثَانِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمْ، وَيُوقَفُ الثُّلُثُ فَمَا خَرَجَ مِنْ غَلَّتِهِ قُسِمَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمْ مَا عَاشَتْ الْبِنْتَانِ، فَإِذَا مَاتَتَا صُرِفَتْ الْغَلَّةُ إلَى أَوْلَادِهِمَا وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمَا كَمَا شَرَطَتْ الْوَاقِفَةُ لَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِي ذَلِكَ. رَجُلٌ وَقَفَ دَارًا لَهُ فِي مَرَضِهِ عَلَى ثَلَاثِ بَنَاتٍ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُنَّ قَالَ الثُّلُثُ مِنْ الدَّارِ وَقْفٌ وَالثُّلُثَانِ مُطْلَقٌ يَصْنَعْنَ بِهِمَا مَا شِئْنَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا إذَا لَمْ يُجِزْنَ أَمَّا إذَا أَجَزْنَ صَارَ الْكُلُّ وَقْفًا عَلَيْهِنَّ اهـ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ إسْعَافٌ أَيْ لِأَنَّهُ مَشَاعٌ حَيْثُ وَقَفَهُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَلَمْ يَقْسِمْهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْإِسْعَافِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يُقْسَمُ) أَيْ إذَا رَدُّوهُ يُقْسَمُ الثُّلُثُ الَّذِي صَارَ وَقْفًا أَيْ تُقْسَمُ غَلَّتُهُ كَالثُّلُثَيْنِ فَتُصْرَفُ مَصْرِفَ الثُّلُثَيْنِ عَنْ الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ مَا دَامَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ حَيًّا أَمَّا إذَا مَاتَ تُقْسَمُ غَلَّةُ الثُّلُثِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مَنْ يَصِيرُ لَهُ الْوَقْفُ كَمَا عَلِمْت: وَبَقِيَ مَا لَوْ مَاتَ بَعْضُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ سَهْمُهُ إلَى وَرَثَتِهِ مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ حَيًّا كَمَا فِي الْإِسْعَافِ (قَوْلُهُ: فَقَوْلُ الْبَزَّازِيَّةِ) عِبَارَتُهَا: أَرْضِي هَذِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى ابْنِي فُلَانٍ فَإِنْ مَاتَ فَعَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي وَنَسْلِي، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَهِيَ إرْثٌ بَيْنَ كُلِّ الْوَرَثَةِ مَا دَامَ الِابْنُ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ صَارَ كُلُّهَا لِلنَّسْلِ اهـ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 أَيْ حُكْمًا فَلَا خَلَلَ فِي عِبَارَتِهِ فَاعْتَبَرُوا الْوَارِثَ بِالنَّظَرِ لِلْغَلَّةِ وَالْوَصِيَّةِ، وَإِنْ رَدُّوا بِالنَّظَرِ لِلْغَيْرِ وَإِنْ لَمْ تَنْفُذْ لِوَارِثِهِ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَمَحَّضْ لَهُ بَلْ لِغَيْرِهِ بَعْدَهُ فَافْهَمْ   [رد المحتار] قَوْلُهُ: أَيْ حُكْمًا) اعْلَمْ أَنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَإِ، وَهُوَ قَوْلُ مَدْلُولِ أَيْ التَّفْسِيرِيَّةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ مُفَسَّرٌ بِالْإِرْثِ حُكْمًا، وَحُكْمًا تَمْيِيزٌ عَنْ الْإِرْثِ الْمُقَدَّرِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إرْثٌ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُقْسَمُ كَالْإِرْثِ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ: مَا دَامَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ حَيًّا، وَإِلَّا فَفِي الْحَقِيقَةِ الثُّلُثُ وَقْفٌ وَالْبَاقِي مِلْكٌ (قَوْلُهُ: فَلَا خَلَلَ فِي عِبَارَتِهِ) أَيْ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيِّ، وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الْبَحْرِ هِيَ عِبَارَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِمَا مَرَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الثُّلُثَيْنِ مِلْكٌ وَالثُّلُثَ وَقْفٌ، وَأَنَّ غَلَّةَ الثُّلُثِ تُقْسَمُ عَلَى الْوَرَثَةِ مَا دَامَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ حَيًّا. اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاعْتِرَاضَ عَلَى عِبَارَةِ الْبَزَّازِيِّ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ: فَهِيَ إرْثٌ وَجَوَابُهُ مَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهَا إرْثٌ حُكْمًا: أَيْ حِصَّةُ الْوَقْفِ فَقَطْ. وَالثَّانِي قَوْلُهُ: فَإِذَا مَاتَ صَارَ كُلُّهَا لِلنَّسْلِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا لِأَنَّ الَّذِي يَصِيرُ لِلنَّسْلِ هُوَ الثُّلُثُ الْمَوْقُوفُ، أَمَّا الثُّلُثَانِ فَهُمْ مِلْكٌ لِلْوَرَثَةِ حَيْثُ لَمْ يُجْبَرُوا. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ فَهِيَ إرْثٌ رَاجِعٌ إلَى غَلَّةِ الثُّلُثِ الْمَوْقُوفِ، وَكَذَا ضَمِيرُ قَوْلِهِ صَارَ كُلُّهَا لِلنَّسْلِ، أَوْ يُقَالُ مُرَادُهُ مَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ كُلُّهَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَصِيرُ كُلُّهَا وَقْفًا وَحَيْثُ لَمْ يُجِيزُوا تُقْسَمُ غَلَّتُهَا كَالْإِرْثِ ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِ الِابْنِ تَصِيرُ كُلُّهَا لِلنَّسْلِ يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا: وَقَفَ أَرْضَهُ فِي مَرَضِهِ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ فَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ فَهُوَ كَمَا قَالُوا فِي الْوَصِيَّةِ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ صَارَتْ الْأَرْضُ وَقْفًا وَإِلَّا فَمِقْدَارُ مَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ يَصِيرُ وَقْفًا تُقْسَمُ جَمِيعُ غَلَّةِ الْوَقْفِ مَا جَازَ فِيهِ الْوَقْفُ، وَمَا لَمْ يَجُزْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى مَا دَامَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَوْ أَحَدُهُمْ فِي الْأَحْيَاءِ، فَإِذَا انْقَرَضُوا كُلُّهُمْ تُصْرَفُ غَلَّةُ الْأَرْضِ إلَى الْفُقَرَاءِ إنْ لَمْ يُوصِ الْوَاقِفُ إلَى وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَتِهِ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدٌ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْوَرَثَةِ وَبَقِيَ الْآخَرُونَ فَإِنَّ الْمَيِّتَ فِي قِسْمَةِ الْغَلَّةِ مَا دَامَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ أَحْيَاءً كَأَنَّهُ حَيٌّ، فَيُقْسَمُ ثُمَّ يُجْعَلُ سَهْمُهُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ الَّذِينَ لَا حِصَّةَ لَهُمْ مِنْ الْوَقْفِ. اهـ. بَقِيَ لَوْ وَقَفَهَا فِي مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَلَمْ تُجِزْ فَفِي الْبَحْرِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا السُّدُسُ وَالْبَاقِي وَقْفٌ، لِمَا فِي وَصَايَا الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَأَوْصَى بِكُلِّ مَالِهِ لِرَجُلٍ، فَإِنْ أَجَازَتْ فَالْكُلُّ لَهُ، وَإِلَّا فَالسُّدُسُ لَهَا وَخَمْسَةُ الْأَسْدَاسِ لَهُ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَأْخُذُ الثُّلُثَ أَوَّلًا بَقِيَ أَرْبَعَةٌ تَأْخُذُ الرُّبْعَ وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ لَهُ فَحَصَلَ لَهُ خَمْسَةٌ مِنْ سِتَّةٍ اهـ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَقْفَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ اهـ (قَوْلُهُ: فَاعْتَبَرُوا الْوَارِثَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا وَقَفَ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ عَلَى أَوْلَادِهِنَّ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَإِنْ أَجَازَ الْوَارِثُ الْآخَرُ كَانَ الْكُلُّ وَقْفًا وَاتُّبِعَ الشَّرْطُ وَإِلَّا كَانَ الثُّلُثَانِ مِلْكًا بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالثُّلُثُ وَقْفًا مَعَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْبَعْضِ لَا تَنْفُذُ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَحَّضْ لِلْوَارِثِ لِأَنَّهُ بَعْدَهُ لِغَيْرِهِ فَاعْتُبِرَ الْغَيْرُ بِالنَّظَرِ إلَى ثُلُثٍ وَاعْتُبِرَ الْوَارِثُ بِالنَّظَرِ إلَى غَلَّةِ الثُّلُثِ الَّذِي صَارَ وَقْفًا فَلَا يُتْبَعُ الشَّرْطُ مَا دَامَ الْوَارِثُ حَيًّا وَإِنَّمَا تُقْسَمُ غَلَّةُ هَذَا الثُّلُثِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا انْقَرَضَ الْوَارِثُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ اُعْتُبِرَ شَرْطُهُ فِي غَلَّةِ الثُّلُثِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِالنَّظَرِ لِلْغَلَّةِ) وَلِهَذَا الِاعْتِبَارِ قَسَمُوهَا كَالثُّلُثَيْنِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: وَالْوَصِيَّةَ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ الْوَارِثَ أَيْ وَاعْتَبَرُوا الْوَصِيَّةَ بِالنَّظَرِ لِلْغَيْرِ وَكَانَ حَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ: وَاعْتَبَرُوا الْغَيْرَ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَصِيَّةِ أَيْ إلَى لُزُومِهَا ط (قَوْلُهُ: وَإِنْ رَدُّوا) أَيْ الْوَرَثَةُ أَيْ بَقِيَّتُهُمْ ط، وَكَذَا لَوْ رَدَّ كُلُّهُمْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تَنْفُذْ لِوَارِثِهِ) الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ: لِعَدَمِ نَفَاذِهَا لِلْوَارِثِ، وَيَكُونُ عِلَّةً لِقَوْلِهِ، وَالْوَصِيَّةُ بِالنَّظَرِ لِلْغَيْرِ يَعْنِي إنَّمَا اُعْتُبِرَ الْغَيْرُ فِي لُزُومِ الْوَصِيَّةِ لِعَدَمِ نَفَاذِهَا لِلْوَارِثِ ط (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَمْ تَتَمَحَّضْ لَهُ) غَلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَاعْتَبَرُوا الْوَصِيَّةَ ح (قَوْلُهُ: فَافْهَمْ) أَمْرٌ بِالْفَهْمِ لِدِقَّةِ الْمَقَامِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 (أَوْ بِقَوْلِهِ وَقَفْتهَا فِي حَيَاتِي وَبَعْدَ وَفَاتِي مُؤَبَّدًا) فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ، لَكِنْ عِنْدَ الْإِمَامِ مَا دَامَ حَيًّا هُوَ نَذْرٌ بِالتَّصَدُّقِ بِالْغَلَّةِ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ وَلَهُ الرُّجُوعُ، وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى مَاتَ جَازَ مِنْ الثُّلُثِ. قُلْت: فَفِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لَهُ الرُّجُوعُ مَا دَامَ حَيًّا غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا بِأَمْرِ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ، فَقَوْلُ الدُّرَرِ لَوْ افْتَقَرَ يَفْسَخُهُ الْقَاضِي لَوْ غَيْرَ مُسَجَّلٍ مَنْظُورٌ فِيهِ   [رد المحتار] ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ قَوْلِهِ قُلْت: إلَى هُنَا لَيْسَ هَذَا مَحَلَّهُ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْمِلْكِ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالتَّعْلِيقِ بِالْمَوْتِ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَوْ بَيَانٍ لِمَسْأَلَةٍ إجْمَاعِيَّةٍ كَمَا يَأْتِي عَنْ النَّهْرِ، وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مُصَوَّرٌ فِي مَسْأَلَةِ الْوَقْفِ فِي الْمَرَضِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُ آخِرَ الْبَابِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى وَقْفِ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ هُنَا يُوهِمُ أَنَّ الْوَقْفَ فِي الْمَرَضِ يَلْزَمُ عِنْدَ الْإِمَامِ نَظِيرُ التَّعْلِيقِ الْمَوْتُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْهِدَايَةِ وَلَوْ وَقَفَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُ إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْوَقْفُ فِي الصِّحَّةِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لَكِنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اعْتِمَادُهُ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ فَلَا فِي الصَّحِيحِ كَمَا عَلِمْته مِنْ عِبَارَةِ الْبَحْرِ. وَالْعَجَبُ مِمَّنْ نَقَلَ صَدْرَ عِبَارَةِ الْبَحْرِ الْمَذْكُورَةِ وَلَمْ يَنْظُرْ تَمَامَهَا فَافْهَمْ، ثُمَّ هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى أَنْ تَكُونَ وَقْفًا بَعْدَ وَفَاتِهٍ فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَاَلَّذِي نُجْزِهِ فِي مَرَضِهِ يَصِيرُ وَقْفَ الصِّحَّةِ إذَا بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ فَافْتَرَقَا كَمَا فِي الْخَصَّافِ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِقَوْلِهِ إلَخْ) ذَكَرَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ غَيْرَ قَيْدٍ لِإِغْنَاءِ التَّأْبِيدِ عَنْهُ. قَالَ فِي الْإِسْعَافِ: لَوْ قَالَ: أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ مُؤَبَّدَةٌ جَازَ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا اشْتَرَطَ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُتَوَلِّي وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. وَعِنْدَ الْإِمَامِ يَكُونُ نَذْرًا بِالصَّدَقَةِ بِغَلَّةِ الْأَرْضِ، وَيَبْقَى مِلْكُهُ عَلَى حَالِهِ فَإِذَا مَاتَ تُورَثُ عَنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ) أَيْ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَهَذَا أَيْضًا تَحْوِيلٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَنْ ظَاهِرِهِ إصْلَاحًا لَهُ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِيمَا يَزُولُ بِهِ الْمِلْكُ غَيْرُ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ جَائِزٌ لَازِمٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَهُ الرُّجُوعُ) أَيْ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْإِسْعَافِ (قَوْلُهُ: جَازَ مِنْ الثُّلُثِ) وَيَكُونُ كَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ لِإِنْسَانٍ، فَالْخِدْمَةُ لَهُ وَالرَّقَبَةُ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا، فَلَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ يَصِيرُ الْعَبْدُ مِيرَاثًا لِوَرَثَةِ الْمَالِكِ، إلَّا أَنَّ فِي الْوَقْفِ لَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُ الْمُوصَى لَهُمْ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ فَتَتَأَبَّدُ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ إسْعَافٌ وَدُرَرٌ (قَوْلُهُ: فَفِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ) أَيْ فِيمَا إذَا عَلَّقَهُ بِالْمَوْتِ، وَفِيمَا إذَا قَالَ: وَقَفْتهَا فِي حَيَاتِي وَبَعْدَ مَمَاتِي، وَقَدْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا يُفِيدَانِ الْخُرُوجَ وَاللُّزُومَ بِمَوْتِ الْوَاقِفِ بِخِلَافِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ، وَهُمَا مَا إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ أَوْ أَفْرَزَهُ مَسْجِدًا فَإِنَّهُمَا يُفِيدَانِ الْخُرُوجَ وَاللُّزُومَ فِي حَيَاتِهِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى مَوْتِهِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة فَاللُّزُومُ فِيهِمَا حَالِيٌّ وَفِي الْآخَرِينَ مَالِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَهُ الرُّجُوعُ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَقْفٌ لَازِمٌ، لَكِنْ يُنَافِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْمَوْتِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَقْفًا فِي الصَّحِيحِ، بَلْ هُوَ وَصِيَّةٌ لَازِمَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَهُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى جَعْلِهِ وَقْفًا مِنْ جَوَازِ تَعْلِيقِهِ وَالْوَقْفُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ تَأَمَّلْ. نَعَمْ لَا تَعْلِيقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَاللُّزُومُ فِيهَا ظَاهِرٌ عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ: لَوْ غَيْرَ مُسَجَّلٍ) أَيْ مَحْكُومٍ بِهِ فَأَطْلَقَ التَّسْجِيلَ، وَهُوَ الْكِتَابَةُ فِي السِّجِلِّ وَأَرَادَ مَلْزُومَهُ وَهُوَ الْحُكْمُ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ إذَا حَكَمَ بِشَيْءٍ كُتِبَ فِي السِّجِلِّ ط (قَوْلُهُ: مَنْظُورٍ فِيهِ) لِأَنَّ فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لَهُ الرُّجُوعُ بِلَا اشْتِرَاطِ فَقْرٍ وَلَا فَسْخِ قَاضٍ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا عَلِمْته وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ قُبَيْلَ الْفَصْلِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: أَطْلَقَ الْقَاضِي الْوَقْفَ غَيْرَ الْمُسَجَّلِ لِوَارِثِ الْوَاقِفِ فَبَاعَ صَحَّ وَلَوْ لِغَيْرِهِ لَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 (وَلَا يَتِمُّ) الْوَقْفُ (حَتَّى يُقْبَضَ) لَمْ يَقُلْ لِلْمُتَوَلِّي لِأَنَّ تَسْلِيمَ كُلِّ شَيْءٍ بِمَا يَلِيقُ بِهِ فَفِي الْمَسْجِدِ بِالْإِفْرَازِ وَفِي غَيْرِهِ بِنَصْبِ الْمُتَوَلِّي وَبِتَسْلِيمِهِ إيَّاهُ ابْنُ كَمَالٍ (وَيُفْرَزُ) فَلَا يَجُوزُ وَقْفُ مَشَاعٍ يُقْسَمُ خِلَافًا لِلثَّانِي (وَيُجْعَلُ آخِرُهُ لِجِهَةِ) قُرْبَةٍ (لَا تَنْقَطِعُ) هَذَا بَيَانُ شَرَائِطِهِ الْخَاصَّةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ،   [رد المحتار] مَطْلَبٌ شُرُوطُ الْوَقْفِ عَلَى قَوْلِهِمَا (قَوْلُهُ: وَلَا يَتِمُّ الْوَقْفُ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي شُرُوطِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بَعْدُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَسْلِيمَ إلَخْ) وَلِيَشْمَلَ تَسْلِيمَهُ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ كَمَا فِي الْعَزْمِيَّةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَفِي الْمَسْجِدِ بِالْإِفْرَازِ) أَيْ وَالصَّلَاةِ فِيهِ وَسَيَأْتِي وَفِي الْمَقْبَرَةِ بِدَفْنِ وَاحِدٍ فَصَاعِدًا بِإِذْنِهِ وَفِي السِّقَايَةِ بِشُرْبِ وَاحِدٍ، وَفِي الْخَانِ بِنُزُولِ وَاحِدٍ مِنْ الْمَارَّةِ، لَكِنَّ السِّقَايَةَ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى صَبِّ الْمَاءِ فِيهَا، وَالْخَانَ الَّذِي يَنْزِلُهُ الْحَاجُّ بِمَكَّةَ وَالْغُزَاةُ بِالثَّغْرِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي؛ لِأَنَّ نُزُولَهُمْ يَكُونُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً، فَيُحْتَاجُ إلَى مَنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِهِ وَإِلَى مَنْ يَصُبُّ الْمَاءَ فِيهَا إسْعَافٌ (قَوْلُهُ: وَفِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: أَنَّ التَّسْلِيمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ إذَا جَعَلَ الْوَاقِفُ نَفْسَهُ قَيِّمًا، وَلَا يُعْتَبَرُ التَّسْلِيمُ لِلْمُشْرِفِ؛ لِأَنَّهُ حَافِظٌ لَا غَيْرُ اهـ لَكِنَّ فِيهِ أَنَّ مَنْ شَرَطَ التَّسْلِيمَ وَهُوَ مُحَمَّدٌ لَمْ يُصَحِّحْ تَوْلِيَةَ الْوَاقِفِ نَفْسَهُ وَمَنْ صَحَّحَهَا وَهُوَ أَبُو يُوسُفَ لَمْ يَشْتَرِطْهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَيُفْرِزُ) أَيْ بِالْقِسْمَةِ وَهَذَا الشَّرْطُ وَإِنْ كَانَ مُفَرَّعًا عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِهِ إلَّا أَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ إيضَاحًا وَأَبُو يُوسُفَ لَمَّا لَمْ يَشْتَرِطْ التَّسْلِيمَ أَجَازَ وَقْفَ الْمَشَاعِ، وَالْخِلَافُ فِيمَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ، أَمَّا مَا لَا يَقْبَلُهَا كَالْحَمَّامِ وَالْبِئْرِ وَالرَّحَى فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا إلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ لِأَنَّ بَقَاءَ الشَّرِكَةِ يَمْنَعُ الْخُلُوصَ لِلَّهِ تَعَالَى نَهْرٌ وَفَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ وَقْفُ مَشَاعٍ يُقْسَمُ إلَخْ) شَمِلَ مَا لَوْ اُسْتُحِقَّ جَزْءٌ مِنْ الْأَرْضِ شَائِعٌ فَيَبْطُلُ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ مُقَارِنٌ كَمَا فِي الْهِبَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَجَعَ الْوَارِثُ فِي الثُّلُثَيْنِ بَعْدَ مَوْتِ الْوَاقِفِ فِي مَرَضِهِ وَفِي الْمَالِ ضِيقٌ؛ لِأَنَّهُ شُيُوعٌ طَارِئٌ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْبَاقِي لِعَدَمِ الشُّيُوعِ بَحْرٌ عَنْ الْهِدَايَةِ، وَلَوْ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ وَقَفَاهَا وَدَفَعَاهَا مَعًا إلَى قَيِّمٍ وَاحِدٍ جَازَ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ الشُّيُوعُ وَقْتَ الْقَبْضِ لَا وَقْتَ الْعَقْدِ، وَلَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا لِوُجُودِهِمَا مَعًا مِنْهُمَا، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ عَلَى جِهَةٍ وَسَلَّمَاهُ مَعًا لِقَيِّمٍ وَاحِدٍ لِعَدَمِ الشُّيُوعِ وَقْتَ الْقَبْضِ. وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي وَقْفَيْهِمَا جِهَةً وَقَيِّمًا وَاتَّحَدَ زَمَانُ تَسَلُّمِهِمَا مَالِهِمَا أَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِقَيِّمِهِ اقْبِضْ نَصِيبِي مَعَ نَصِيبِ صَاحِبِي لِأَنَّهُمَا صَارَا كَمُتَوَلٍّ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ كُلُّ وَاحِدٍ وَحْدَهُ وَسَلَّمَ لِقَيِّمِهِ وَحْدَهُ، فَلَا يَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الشُّيُوعِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَتَمَكُّنِهِ وَقْتَ الْقَبْضِ إسْعَافٌ وَفِيهِ أَيْضًا وَقَفَتْ دَارَهَا عَلَى بَنَاتِهَا الثَّلَاثِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَا مَالَ لَهَا غَيْرُهُ وَلَا وَارِثَ غَيْرُهُنَّ فَالثُّلُثُ وَقْفٌ وَالثُّلُثَانِ مِيرَاثٌ لَهُنَّ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ مَشَاعٌ حَيْثُ لَمْ تَقْسِمْهُ بَيْنَهُنَّ. مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّأْبِيدِ (قَوْلُهُ: وَيَجْعَلُ آخِرَهُ لِجِهَةِ قُرْبَةٍ لَا تَنْقَطِعُ) يَعْنِي لَا بُدَّ أَنْ يَنُصَّ عَلَى التَّأْبِيدِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. اهـ. ح وَيَأْتِي بَيَانُهُ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ إذْ لَا مُخَالَفَةَ لِمُحَمَّدٍ فِي لُزُومِهِ بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِلْإِمَامِ فِيهِ، وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ: هَذَا بَيَانُ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَتِمُّ حَتَّى وَأَشَارَ إلَى مَا فِي النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 لِأَنَّهُ كَالصَّدَقَةِ، وَجَعَلَهُ أَبُو يُوسُفَ كَالْإِعْتَاقِ   [رد المحتار] قُلْت: هَذَا مُنَافٍ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا وَالْمِلْكُ يَزُولُ بِالْقَضَاءِ إذْ مُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يَزُولُ بِغَيْرِهِ وَلَوْ تَوَفَّرَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ. قُلْت: الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ مَا قَالَهُ أَوَّلًا عَلَى مَسْأَلَةٍ إجْمَاعِيَّةٍ هِيَ أَنَّ الْمِلْكَ بِالْقَضَاءِ يَزُولُ، أَمَّا إذَا خَلَا عَنْ الْقَضَاءِ فَلَا يَزُولُ إلَّا بَعْدَ هَذِهِ الشُّرُوطِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِعَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ أَخَذُوا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَالُوا: إنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَمْ يُرَجِّحْ أَحَدٌ قَوْلَ الْإِمَامِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ كَيْفَ مَشَى أَوَّلًا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَثَانِيًا عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ وَهَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي يَعْنِي فِي الْمُتُونِ الْمَوْضُوعَةِ لِلتَّعْلِيمِ اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كَالصَّدَقَةِ) أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ وَالْإِفْرَازِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: وَجَعَلَهُ أَبُو يُوسُفَ كَالْإِعْتَاقِ) فَلِذَلِكَ لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَبْضُ وَالْإِفْرَازُ. اهـ. ح: أَيْ فَيَلْزَمُ عِنْدَهُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ كَالْإِعْتَاقِ بِجَامِعِ إسْقَاطِ الْمِلْكِ، قَالَ فِي الدُّرَرِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ التَّأْبِيدَ شَرْطٌ اتِّفَاقًا لَكِنَّ ذِكْرَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ اهـ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ أَيْضًا. وَقَالَ فِي الْإِسْعَافِ: لَوْ قَالَ وَقَفْت أَرْضِي هَذِهِ عَلَى وَلَدِ زَيْدٍ وَذِكْرُ جَمَاعَةً بِأَعْيَانِهِمْ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ إرَادَةَ غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ لِجَعْلِهِ إيَّاهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ مَوْقُوفَةٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى وَلَدِي فَصَحَّحَ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ قَوْلِهِ مَوْقُوفَةٌ يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ عُرْفًا، فَإِذَا ذَكَرَ الْوَلَدَ صَارَ مُقَيَّدًا، فَلَا يَبْقَى الْعُرْفُ، فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي اشْتِرَاطِ ذِكْرِ التَّأْبِيدِ وَعَدَمِهِ إنَّمَا هُوَ فِي التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَالْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ. مَطْلَبٌ: التَّأْبِيدُ مَعْنَى شَرْطِهِ اتِّفَاقًا وَأَمَّا التَّأْبِيدُ مَعْنًى فَشَرْطٌ اتِّفَاقًا عَلَى الصَّحِيحِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَقِّقُو الْمَشَايِخِ. اهـ. قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُقَيَّدَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا، لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّأْبِيدِ رِوَايَتَيْنِ الْأُولَى: أَنَّهُ غَيْرُ شَرْطٍ حَتَّى لَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي، وَلَمْ يَزِدْ جَازَ الْوَقْفُ، وَإِذَا انْقَرَضُوا عَادَ إلَى مِلْكِهِ لَوْ حَيًّا وَإِلَّا فَإِلَى مِلْكِ الْوَارِثِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ شَرْطٌ لَكِنَّ ذِكْرَهُ غَيْرُ شَرْطٍ حَتَّى تُصْرَفَ الْغَلَّةُ بَعْدَ الْأَوْلَادِ إلَى الْفُقَرَاءِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى يَصِحُّ كُلٌّ مِنْ الْوَقْفِ وَالتَّقْيِيدِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ يَصِحُّ الْوَقْفُ وَيَبْطُلُ التَّقْيِيدُ، لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُجْتَبَى وَالْخُلَاصَةِ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فِيمَا إذَا ذُكِرَ لَفْظُ الصَّدَقَةِ أَمَّا إذَا ذُكِرَ لَفْظُ الْوَقْفِ فَقَطْ، لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا إذَا كَانَ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا. اهـ. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ قَوْلِهِ مَوْقُوفَةٌ وَقَوْلِهِ فَمَوْقُوفَةٌ عَلَى فُلَانٍ قُلْت: وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ لَوْ قَالَ: أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ فَهِيَ وَقْفٌ بِلَا خِلَافٍ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ إنْسَانًا فَلَوْ عَيَّنَ وَذَكَرَ مَعَ لَفْظِ الْوَقْفِ لَفْظَ صَدَقَةٍ بِأَنْ قَالَ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى فُلَانٍ جَازَ وَيُصْرَفُ بَعْدَهُ إلَى الْفُقَرَاءِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ عَنْ الْمُنْتَقَى أَنَّهُ يَجُوزُ مَا دَامَ فُلَانٌ حَيًّا، وَبَعْدَهُ يَرْجِعُ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ اهـ وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ عَيَّنَ كَوَقَفْتُهَا عَلَى فُلَانٍ لَا يَجُوزُ اهـ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا ذَكَرَ لَفْظَ صَدَقَةٍ مَعَ مَوْقُوفَةٍ وَعَيَّنَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ، أَمَّا إذَا لَمْ يُعَيِّنْهُ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِذَا أَفْرَدَ مَوْقُوفَةً وَعَيَّنَ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، خِلَافًا لِمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] فِي الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ جَعَلَ الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْوَقْفِ، وَيُخَالِفُهُ أَيْضًا كَلَامُ الْإِسْعَافِ وَقَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ: وَقِيلَ إنَّ التَّأْبِيدَ شَرْطُ الْإِجْمَاعِ إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ مُنْبِئٌ عَنْهُ. وَلِهَذَا قَالَ فِي الْكِتَابِ وَصَارَ بَعْدَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ذِكْرُهُ شَرْطٌ إلَخْ فَقَوْلُهُ لِأَنَّ لَفْظَ الْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ يُفِيدُ أَنَّ الْكَلَامَ ذَكَرَهُمَا مَعًا لَا فِي ذِكْرِ لَفْظِ الْوَقْفِ فَقَطْ، وَيُوَضِّحُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ: صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى فُلَانٍ صَحَّ وَيَصِيرُ تَقْدِيرُهُ: صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ لِأَنَّ مَحَلَّ الصَّدَقَةِ الْفُقَرَاءُ إلَّا أَنَّ غَلَّتَهَا تَكُونُ لِفُلَانٍ مَا دَامَ حَيًّا، وَلَوْ قَالَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِي أَوْ عَلَى وَلَدِي لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُمْ يَنْقَطِعُونَ، فَلَا يَتَأَبَّدُ الْوَقْفُ وَبِدُونِ التَّأْبِيدِ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ آخِرُهُ لِلْفُقَرَاءِ فَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ قَوْلِهِ: مَوْقُوفَةٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى وَلَدِي فَيَصِحُّ الْأَوَّلُ لَا الثَّانِي اهـ أَيْ لِأَنَّ الثَّانِيَ ذُكِرَ مُقَيَّدًا بِالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ، وَذَلِكَ يُنَافِي التَّأْبِيدَ حَيْثُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ وَلَا بِمَا فِي مَعْنَاهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَوْقُوفَةٌ فَقَطْ لِانْصِرَافِهِ إلَى الْفُقَرَاءِ عُرْفًا فَهُوَ مُؤَبَّدٌ، وَكَذَا صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى فُلَانٍ فَإِنَّهُ وَإِنْ قُيِّدَ بِمُعَيَّنٍ لَكِنَّهُ مُطْلَقٌ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ لِلْفُقَرَاءِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ وَبَعْدَ فُلَانٍ فَعَلَى الْفُقَرَاءِ فَيَكُونُ مُؤَبَّدًا، لَكِنْ إذَا لَمْ يُقَيَّدْ بِمَعْنًى فَهُوَ مُؤَبَّدٌ بِلَا خِلَافٍ فَيَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا كَمَا مَرَّ لِعَدَمِ مُنَافِي التَّأْبِيدِ أَصْلًا. وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ مَوْقُوفَةٌ وَلَمْ يَزِدْ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَيَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَلَوْ قَالَ: مَوْقُوفَةٌ صَدَقَةٌ أَوْ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ وَلَمْ يَزِدْ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَهِلَالٍ، وَقِيلَ لَا مَا لَمْ يَقُلْ وَآخِرُهَا لِلْمَسَاكِينِ أَبَدًا وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الصَّدَقَةِ فِي الْأَصْلِ الْفُقَرَاءُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِمْ وَلَا انْقِطَاعَ لَهُمْ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْأَبَدِ أَيْضًا اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ التَّصْرِيحَ بِالصَّدَقَةِ تَصْرِيحٌ بِالتَّأْبِيدِ، فَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا بِلَا خِلَافٍ إنْ لَمْ يُعَيَّنْ، فَلَوْ عَيَّنَ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَجَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ يَعُودُ إلَى الْفُقَرَاءِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ كَالْقُدُورِيِّ وَالْمُلْتَقَى وَالنُّقَايَةِ وَغَيْرِهَا أَوْ يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ أَوْ وَرَثَتِهِ. وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ تَصْحِيحَهُ، لَكِنْ نَقَلَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَشَرْحِ السَّرَخْسِيِّ، وَأَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ قَالُوا إنَّهُ خَطَأٌ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْإِسْعَافِ مِنْ أَنَّ التَّأْبِيدَ شَرْطٌ اتِّفَاقًا، وَإِذَا عَادَ إلَى الْمِلْكِ لَمْ يَكُنْ مُؤَبَّدًا إلَّا لَفْظًا وَمَعْنًى. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ عِنْدَهُمَا فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ مَعَ عَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إذَا ذُكِرَ لَفْظُ التَّأْبِيدِ، وَأَمَّا فِي مَعْنَاهُ كَالْفُقَرَاءِ وَكَلَفْظِ صَدَقَتُهُ مَوْقُوفَةٌ وَكَمَوْقُوفَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَكَمَوْقُوفَةٍ عَلَى وُجُوهِ الْبِرِّ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الصَّدَقَةِ، وَكَذَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْجِهَادِ أَوْ عَلَى أَكْفَانِ الْمَوْتَى، أَوْ حَفْرِ الْقُبُورِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي بُطْلَانِهِ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى لَفْظٍ مَوْقُوفَةٌ مَعَ التَّعَيُّنِ كَمَوْقُوفَةٍ عَلَى زَيْدٍ، خِلَافًا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا لَوْ اقْتَصَرَ بِلَا تَعْيِينٍ أَوْ جَمَعَ مَعَ التَّعْيِينِ كَصَدَقَةٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى فُلَانٍ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يَصِحُّ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقِيلَ يَعُودُ إلَى الْمِلْكِ وَالْمُرَادُ بِالْمُعَيَّنِ مَا يَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ كَأَوْلَادِ زَيْدٍ، أَوْ فُقَرَاءِ قَرَابَةِ فُلَانٍ وَهُمْ يُحْصَوْنَ وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ وَقْفِ الْخَصَّافِ قَالَ: جَعَلْتُ هَذِهِ الْأَرْضَ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً عَلَى فُلَانٍ وَوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ، فَإِذَا سَمَّى مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَ بُطُونٍ فَهِيَ وَقْفٌ مُؤَبَّدٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَبَقِيَ مَا إذَا وَقَفَ عَلَى عِمَارَةِ مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ فَقِيلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 وَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ، وَالْأَخْذُ بِقَوْلِ الثَّانِي أَحْوَطُ وَأَسْهَلُ بَحْرٌ وَفِي الدُّرَرِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَبِهِ يُفْتَى وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ. (وَإِذَا وَقَّتَهُ) بِشَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ (بَطَلَ) اتِّفَاقًا دُرَرٌ وَعَلَيْهِ فَلَوْ وَقَفَ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ عَادَ بَعْدَ مَوْتِهِ لِوَرَثَةِ الْوَاقِفِ بِهِ يُفْتِي فَتْحٌ. قُلْت: وَجَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ بِصِحَّةِ الْمَوْقُوفِ مُطْلَقًا فَتَنَبَّهْ وَأَقَرَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ (فَإِذَا تَمَّ وَلَزِمَ   [رد المحتار] يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِتَأَبُّدِهِ مَسْجِدٌ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقِيلَ يَصِحُّ اتِّفَاقًا وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ فَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَحَلِّ فَإِنَّك لَا تَجِدُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَعَالَى مُلْهِمِ الصَّوَابِ (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ) مَعَ التَّصْرِيحِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ أَوْجَهُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ. (قَوْلُهُ: بَطَلَ اتِّفَاقًا) هَذَا إذَا شُرِطَ رُجُوعُهُ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَإِلَّا فَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا عِنْدَ الْخَصَّافِ صَحِيحٌ مُؤَبَّدٌ عِنْدَ هِلَالٍ كَمَا فِي الْإِسْعَافِ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ اعْتِمَادُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ: صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا فَهُوَ مِثْلُ مَا لَوْ وَقَفَهُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَارُّ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ، فَيَصِحُّ عِنْدَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ لَفْظَ صَدَقَةٍ يُفِيدُ التَّأْبِيدَ فَيَلْغُو التَّوْقِيتُ، أَمَّا إذَا شُرِطَ رُجُوعُهُ إلَيْهِ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ، فَقَدْ أَبْطَلَ التَّأْبِيدَ فَيَبْطُلُ الْوَقْفُ، نَعَمْ ذُكِرَ فِي الْإِسْعَافِ عَنْ هِلَالٍ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ بَعْدَ مَوْتِي سَنَةً يَصِحُّ مُؤَبَّدًا إلَّا إذَا قَالَ فَإِذَا مَضَتْ السَّاعَةُ فَالْوَقْفُ بَاطِلٌ فَهُوَ كَمَا شُرِطَ فَتَصِيرُ الْغَلَّةُ لِلْمَسَاكِينِ سَنَةً وَالْأَرْضُ مِلْكٌ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّهُ بِاشْتِرَاطِ الْبُطْلَانِ خَرَجَتْ مِنْ الْوَقْفِ الْمُضَافِ اللَّازِمِ بَعْدَ الْمَوْتِ إلَى الْوَصِيَّةِ الْمَحْضَةِ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ فَلَوْ وَقَفَ عَلَى رَجُلٍ) أَيْ مَقْرُونًا بِلَفْظِ صَدَقَةٍ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا كَمَا حَقَّقْنَاهُ قَرِيبًا، ثُمَّ إنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ بِنَاؤُهُ عَلَى بُطْلَانِ الْوَقْفِ الْمُوَقَّتِ، بَلْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّتِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُ بَعْدَ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ بَلْ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ وَإِذَا وَقَّتَهُ لِيَكُونَ تَفْرِيعًا عَلَى أَبِي يُوسُفَ، لَكِنَّهُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَقِّقُو الْمَشَايِخِ، وَلِمَا فِي الْمُتُونِ مِنْ أَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ يَعُودُ لِلْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ عَادَ لِلْمِلْكِ لَمْ يَكُنْ مُوَقَّتًا لَا لَفْظًا وَلَا مَعْنًى، وَالتَّأْبِيدُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ فَلِذَا أَفَادَ فِي النَّهْرِ ضَعْفَ مَا هُنَا وَإِنْ نُقِلَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْأَجْنَاسِ أَنَّهُ بِهِ يُفْتِي (قَوْلُهُ: قُلْت وَجَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِ الدُّرَرِ بَطَلَ اتِّفَاقًا، وَعِبَارَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَيْ الدُّرَرِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ وَقَفَ دَارِهِ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ وَقْتًا مَعْلُومًا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ جَازَ الْوَقْفُ وَيَكُونُ وَقْفًا أَبَدًا. اهـ. قُلْت: وَعَلَى مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ كَلَامَ الدُّرَرِ لَا يَرِدُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ إلَيْهِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مَحَلَّ لِقَوْلِ الشَّارِحِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يُفَسِّرُ الْإِطْلَاقَ بَلْ رُبَّمَا يُفِيدُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ شَرِطَ رُجُوعُهُ إلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ يَبْطُلُ اتِّفَاقًا كَمَا عَلِمْت، وَقَدْ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ عَقِبَ عِبَارَتِهِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَوْ قَالَ: أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ شَهْرًا فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ فَالْوَقْفُ بَاطِلٌ كَانَ الْوَقْفُ بَاطِلًا فِي كُلِّ هِلَالٍ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَجُوزُ إلَّا مُؤَبَّدًا، فَإِذَا كَانَ التَّأْبِيدُ شَرْطًا لَا يَجُوزُ مُؤَقَّتًا اهـ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ فِي قَوْلِ هِلَالٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ بَاطِلٌ مُطْلَقًا كَمَا عَلِمْت آنِفًا، وَقَيَّدَ الصِّيغَةَ بِقَوْلِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ لِأَنَّهُ بِدُونِ لَفْظِ صَدَقَةٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا لَا يَصِحُّ كَمَا مَرَّ، وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَقَفَ دَارِهِ يَوْمًا لَيْسَ صِيغَةَ الْوَقْفِ بَلْ حِكَايَةً عَنْ صِيغَةِ قَوْلِ الْوَاقِفِ أَرْضِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ وَنَحْوُهُ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا تَمَّ وَلَزِمَ) لُزُومُهُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ بِأَحَدِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ الْمَارَّةِ عِنْدَهُمَا بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ، وَلَكِنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ وَالْإِفْرَازِ وَالتَّأْبِيدِ لَفْظًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِالتَّأْبِيدِ فَقَطْ وَلَوْ مَعْنَى كَمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 لَا يُمَلَّكُ وَلَا يُمْلَكُ وَلَا يُعَارُ وَلَا يُرْهَنُ) فَبَطَلَ شَرْطُ وَاقِفِ الْكُتُبِ، الرَّهْنُ شَرْطٌ كَمَا فِي التَّدْبِيرِ وَلَوْ سَكَنَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ وَقْفٌ أَوْ الصَّغِيرُ لَزِمَ أَجْرُ الْمِثْلِ قُنْيَةٌ   [رد المحتار] عُلِمَ مِمَّا مَرَّ (قَوْلُهُ: لَا يُمْلَكُ) أَيْ لَا يَكُونُ مَمْلُوكًا لِصَاحِبِهِ وَلَا يُمَلَّكُ أَيْ لَا يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ لِغَيْرِهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ لِاسْتِحَالَةِ تَمْلِيكِ الْخَارِجِ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَا يُعَارُ، وَلَا يُرْهَنُ لِاقْتِضَائِهِمَا الْمِلْكَ دُرَرٌ؛ وَيُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ تَمْلِيكِهِ مَا لَوْ اشْتَرَطَ الْوَاقِفُ اسْتِبْدَالَهُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَعَلَى بَيْعِ الْوَقْفِ إذَا افْتَقَرَ الْوَاقِفُ، لَمْ يَكُنْ مُسَجَّلًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الْإِعَارَةِ مَا لَوْ كَانَ دَارًا مَوْقُوفَةً لِلسُّكْنَى؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ السُّكْنَى لَهُ الْإِعَارَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْمَوْقُوفِ لِلِاسْتِغْلَالِ. قَالَ فِي الْإِسْعَافِ: وَمَنْ وَقَفَ دُورَهُ لِلِاسْتِغْلَالِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا أَحَدٌ بِلَا أَجْرٍ اهـ وَفِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: وَجَازَ بَيْعُ الْمُصْحَفِ الْمُخَرَّقِ وَشِرَاءُ آخَرَ بِثَمَنِهِ (قَوْلُهُ: فَبَطَلَ إلَخْ) لَا يَصِحُّ تَفْرِيعُهُ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَا يُرْهَنُ لِأَنَّهُ فِي رَهْنِ الْوَقْفِ لَا فِي الرَّهْنِ بِهِ، بَلْ هُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَا يُمَلَّكُ فَافْهَمْ وَوَجْهُهُ أَنَّ الرَّهْنَ حَبْسُ شَيْءٍ مَالِيٍّ بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ كَالدَّيْنِ وَالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِالْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ لَوْ مُسَاوِيًا لِلرَّهْنِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِيمَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ وَالْوَقْفُ لَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهِ وَلِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ. مَطْلَبٌ فِي شَرْطِ وَاقِفِ الْكُتُبِ أَنْ لَا تُعَارَ إلَّا بِرَهْنٍ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ فِي الْقَوْلِ فِي الدَّيْنِ مَعْزِيًّا إلَى السُّبْكِيّ. فَرْعٌ: حَدَثَ فِي الْأَعْصَارِ الْقَرِيبَةِ وَقْفُ شَرْطِ الْوَاقِفِ أَنْ لَا تُعَارَى إلَّا بِرَهْنٍ أَوْ لَا تَخْرُجَ أَصْلًا وَاَلَّذِي أَقُولُ هَذَا: إنَّ الرَّهْنَ لَا يَصِحُّ بِهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ فِي يَدِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَلَا يُقَالُ لَهَا عَارِيَّةٌ أَيْضًا بَلْ الْآخِذُ لَهَا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفُ اسْتَحَقَّ الِانْتِفَاعَ وَيَدُهُ عَلَيْهَا فَشَرْطُ أَخْذِ الرَّهْنِ عَلَيْهَا فَاسِدٌ، وَإِنْ أَعْطَى كَانَ رَهْنًا فَاسِدًا، وَيَكُونُ فِي يَدِ خَازِنِ الْكُتُبِ أَمَانَةً هَذَا إنْ أُرِيدَ الرَّهْنُ الشَّرْعِيُّ، وَإِنْ أُرِيدَ مَدْلُولُهُ لُغَةً وَأَنْ يَكُونَ تَذْكِرَةً فَيَصِحُّ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ مُرَادُ الْوَاقِفِ، فَالْأَقْرَبُ الْحَمْلُ عَلَى اللُّغَوِيِّ تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ وَفِي بَعْضِ الْأَوْقَافِ يَقُولُ لَا تُخْرَجُ إلَّا بِتَذْكِرَةٍ، فَيَصِحُّ وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ أَنْ تَجُوزَ وَالْوَقْفُ الِانْتِفَاعُ مَشْرُوطٌ بِذَلِكَ، وَلَا نَقُولُ إنَّهَا تَبْقَى رَهْنًا بَلْ لَهُ أَخْذُهَا فَيُطَالِبُهُ الْخَازِنُ بِرَدِّ الْكِتَابِ، وَعَلَى كُلٍّ فَلَا تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الرَّهْنِ وَلَا بَيْعُهُ، وَلَا بَدَلُ الْكِتَابِ الْمَوْقُوفِ بِتَلَفِهِ إنْ لَمْ يُفَرِّطْ اهـ مُلَخَّصًا قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ بَعْدَ نَقْلِهِ: وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالْأَمَانَاتِ شَامِلٌ لِلْكُتُبِ الْمَوْقُوفَةِ وَالرَّهْنُ بِالْأَمَانَاتِ بَاطِلٌ، فَإِذَا هَلَكَ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ بِخِلَافِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ كَالصَّحِيحِ، أَمَّا وُجُوبُ اتِّبَاعِ شَرْطِهِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَغَيْرُ بَعِيدٍ. اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى جَوَازِ نَقْلِ الْكُتُبِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ: وَيَبْدَأُ مِنْ غَلَّتِهِ بِعِمَارَتِهِ. . مَطْلَبٌ سَكَنَ دَارًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا وَقْفٌ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مَا سَكَنَ (قَوْلُهُ: لَزِمَ أَجْرُ الْمِثْلِ) بِنَاءً عَلَى الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّ مَنَافِعَ الْعَقَارِ تُضْمَنُ إذَا كَانَ وَقْفًا أَوْ لِيَتِيمٍ أَوْ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يُفْتَى بِالضَّمَانِ إلَخْ وَبِهِ أَفْتَى الرَّمْلِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَتْحِ آخِرَ الْبَابِ وَعَلَى هَذَا فَمَا ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ سَكَنَ الدَّارَ سِنِينَ يَدَّعِي الْمِلْكَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ لِلْوَقْفِ لَا تَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مَا مَضَى اهـ ضَعِيفٌ، كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَوُجُوبُ الْأُجْرَةِ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِسْعَافِ، أَفَادَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَلَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي أَوْ غَرَسَ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ عِنْدَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 [مَطْلَبٌ سَكَنَ دَارًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا وَقْفٌ] (وَلَا يُقْسَمُ) بَلْ يَتَهَايَئُونَ (إلَّا عِنْدَهُمَا)   [رد المحتار] مَسْأَلَةِ ابْنِ النَّقَّارِ فِي سِوَادَةِ الْفَصْلِ الْآتِي. (قَوْلُهُ: وَلَا يُقْسَمُ إلَّا عِنْدَهُمَا إلَخْ) أَيْ إذَا قَضَى قَاضٍ بِجَوَازِ وَقْفِ الْمَشَاعِ وَنَفَذَ قَضَاؤُهُ وَصَارَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ كَسَائِرُ الْمُخْتَلِفَاتِ، فَإِنْ طَلَبَ بَعْضُهُمْ الْقِسْمَةَ فَعِنْدَهُ لَا يُقْسَمُ، وَيَتَهَايَئُونَ وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ: أَيْ إذَا كَانَتْ بَيْنَ الْوَاقِفِ وَالْمَالِكِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْكُلَّ لَوْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى الْأَرْبَابِ، فَأَرَادُوا الْقِسْمَةَ لَا يُقْسَمُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ دُرَرٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا عِنْدَهُمَا إذَا كَانَتْ بَيْنَ الْوَاقِفِ وَالْمَالِكِ لَا الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ. مَطْلَبٌ فِي التَّهَايُؤِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّينَ (قَوْلُهُ: بَلْ يَتَهَايَئُونَ) قَالَ فِي فَتَاوَى ابْنِ الشَّلَبِيِّ الْقِسْمَةُ بِطَرِيقِ التَّهَايُؤِ، وَهُوَ التَّنَاوُبُ فِي الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ كَمَا إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ أَرْضًا مَثَلًا بَيْنَ جَمَاعَةٍ، فَتَرَاضَوْا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، يَأْخُذُ لَهُ مِنْ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ قِطْعَةً مُعَيَّنَةً يَزْرَعُهَا لِنَفْسِهِ هَذِهِ السَّنَةَ، ثُمَّ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى يَأْخُذُ كُلٌّ مِنْهُمْ قِطْعَةً غَيْرَهَا، فَذَلِكَ سَائِغٌ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ، فَلَهُمْ إبْطَالُهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ بِقِسْمَةٍ إذْ الْقِسْمَةُ الْحَقِيقَةُ أَنْ يَخْتَصَّ بِبَعْضٍ مِنْ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الدَّوَامِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْبَحْرِ، عَنْ الْإِسْعَافِ، وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ اسْتِدَامَةُ هَذِهِ الْقِسْمَةِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ نَقْضُهَا، وَاسْتِبْدَالُ الْأَمَاكِنِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ إذْ لَوْ اُسْتُدِيمَتْ صَارَتْ مِنْ الْقِسْمَةِ الْمَمْنُوعَةِ بِالْإِجْمَاعِ، لِتَأَدِّيهَا فِي طُولِ الزَّمَانِ إلَى دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ، أَوْ دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمْ أَوْ بَعْضِهِمْ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْمُهَايَأَةَ فِي الْوَقْفِ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِطَلَبِ الْقِسْمَةِ، وَالْقِسْمَةُ فِي الْوَقْفِ مُتَعَذِّرَةٌ، فَهُوَ مَمْنُوعٌ، بَلْ يُمْكِنُ نَقْضُهَا وَإِبْطَالُهَا بِإِعَادَتِهِ كَمَا كَانَ أَوْ بِاسْتِبْدَالِ الْأَمَاكِنِ كَمَا قُلْنَا، وَلَوْ ثَبَتَ عَدَمُ إمْكَانِ إبْطَالِهَا لَبَطَلَ مَا نَقَلُوهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ، عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ لَا يُقْسَمُ أَيْ قِسْمَةً مُسْتَدَامَةً، فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ هَذَا كَلَامٌ نَاشِئٌ عَنْ عَدَمِ التَّدَبُّرِ، لِمُخَالَفَتِهِ لِلْإِجْمَاعِ فَتَدَبَّرْ. مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا ضَاقَتْ الدَّارُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ بَقِيَ مَا لَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ دَارًا شَرَطَ الْوَاقِفُ سُكْنَاهَا لِأَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِ قَالَ فِي الْإِسْعَافِ: تَكُونُ سُكْنَاهَا لَهُمْ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَلَوْ لَمْ يَبْقَ إلَّا وَاحِدٌ، وَأَرَادَ أَنْ يُؤَجِّرَهَا أَوْ مَا فَضَلَ عَنْهُ مِنْهَا لَيْسَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَهُ السُّكْنَى فَقَطْ، وَلَوْ كَثُرَتْ أَوْلَادُ الْوَاقِفِ، وَضَاقَتْ الدَّارُ عَلَيْهِمْ، لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُؤَجِّرُوهَا وَإِنَّمَا تَسْقُطُ سُكْنَاهَا عَلَى عَدَدِهِمْ، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بَطَلَ مَا كَانَ لَهُ مِنْ سُكْنَاهَا، وَيَكُونُ لِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ، وَلَوْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَأَرَادَ كُلٌّ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَنْ يُسْكِنُوا مَعَهُمْ نِسَاءَهُمْ وَأَزْوَاجَهُنَّ مَعَهُنَّ، جَازَ لَهُمْ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ الدَّارُ ذَاتَ مَقَاصِيرَ وَحُجَرٍ يُغْلَقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ بَابٌ، وَإِنْ كَانَتْ دَارًا وَاحِدَةً لَا يُمْكِنُ أَنْ تَسْقُطَ بَيْنَهُمْ لَا يَسْكُنُهَا إلَّا مَنْ جَعَلَ لَهُمْ الْوَاقِفُ السُّكْنَى دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ نِسَاءِ الرِّجَالِ وَرِجَالِ النِّسَاءِ اهـ: أَيْ لِأَنَّ الْوَاقِفَ قَصَدَ صِيَانَتَهُمْ، وَسَتْرَهُمْ، فَلَوْ سَكَنَ زَوْجُ امْرَأَةٍ مَعَهَا، وَلَهَا فِي هَذِهِ الدَّارِ أَخَوَاتٌ مَثَلًا كَانَ فِيهِ بِذْلَةٌ لَهُنَّ بِدُخُولِ الرَّجُلِ عَلَيْهِنَّ، كَمَا فِي الْخَصَّافِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ حُجْرَةٌ لَهَا بَابٌ يُغْلَقُ، فَإِنَّ لِكُلٍّ أَنْ يَسْكُنَ بِأَهْلِهِ وَحَشَمِهِ وَجَمِيعِ مَنْ مَعَهُ كَمَا فِي الْخَصَّافِ أَيْضًا وَقَدَّمْنَا فِي السَّرِقَةِ: أَنَّ الْمَقْصُورَةَ الْحُجْرَةَ بِلِسَانِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَإِنَّهُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِيمَا لَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ السَّرِقَةَ إلَى صَحْنِ الدَّارِ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِيهَا مَقَاصِيرُ، فَأَخْرَجَهَا مِنْ مَقْصُورَةٍ إلَى صَحْنِ الدَّارِ قُطِعَ، قَالَ فِي الْفَتْحِ هُنَاكَ: أَيْ إذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 فَيُقْسَمُ الْمَشَاعُ وَبِهِ أَفْتَى قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ (إذَا كَانَتْ) الْقِسْمَةُ (بَيْنَ الْوَاقِفِ وَ) شَرِيكِهِ (الْمَالِكِ) أَوْ لِوَاقِفِ الْآخَرِ أَوْ نَاظِرِهِ إنْ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ وَقْفِهِمَا قَارِئُ الْهِدَايَةِ،   [رد المحتار] كَانَتْ الدَّارُ عَظِيمَةً فِيهَا بُيُوتٌ كُلُّ بَيْتٍ يَسْكُنُهُ أَهْلُ بَيْتٍ عَلَى حِدَتِهِمْ، وَيَسْتَغْنُونَ بِهِ اسْتِغْنَاءَ أَهْلِ الْمَنَازِلِ بِمَنَازِلِهِمْ عَنْ صَحْنِ الدَّارِ وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ انْتِفَاعَهُمْ بِالسِّكَّةِ اهـ وَهَلْ الْمُرَادُ هُنَا بِالْحُجْرَةِ، كَذَلِكَ الظَّاهِرُ نَعَمْ، كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْخَصَّافِ لِكُلٍّ أَنْ يَسْكُنَ فِي حُجْرَةٍ بِأَهْلِهِ وَحَشَمِهِ وَجَمِيعِ مَنْ مَعَهُ. ثُمَّ قَدْ صَرَّحَ الْخَصَّافُ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا حُجَرٌ، لَا تُقْسَمُ، وَيَقَعُ فِيهَا مُهَايَأَةٌ بَيْنَهُمْ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهَا حُجَرٌ لَا تَكْفِيهِمْ، فَهِيَ كَذَلِكَ أَيْ يَسْكُنُهَا الْمُسْتَحِقُّونَ فَقَطْ، دُونَ نِسَاءِ الرِّجَالِ وَرِجَالِ النِّسَاءِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْخَصَّافِ، وَعَنْ هَذَا تَعْرِفُ أَنَّهُ لَوْ سَكَنَ بَعْضُهُمْ، فَلَمْ يَجِدْ الْآخَرُ مَوْضِعًا يَكْفِيهِ لَا يَسْتَوْجِبُ أُجْرَةَ حِصَّتِهِ عَلَى السَّاكِنِينَ، بَلْ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْكُنَ مَعَهُ فِي بُقْعَةٍ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ، بِلَا زَوْجَةٍ أَوْ زَوْجٍ وَإِلَّا تَرَكَ الْمُتَضَيِّقَ وَخَرَجَ، أَوْ جَلَسُوا مَعًا كُلٌّ فِي بُقْعَةٍ إلَى جَنْبِ الْآخَرِ، ثُمَّ ذُكِرَ أَنَّ الْخَصَّافَ لَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ فِيمَا ذُكِرَ كَيْفَ وَقَدْ نَقَلُوا إجْمَاعَهُمْ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ أَيْ عَلَى قَوْلِهِمْ: لَوْ كَانَ الْكُلُّ وَقْفًا عَلَى أَرْبَابِهِ وَأَرَادُوا الْقِسْمَةَ لَا يَجُوزُ التَّهَايُؤُ اهـ لَكِنْ هَذَا يُشْكَلُ عَلَى قَوْلِ الشَّارِحِ بَلْ يَتَهَايَئُونَ وَالتَّوْفِيقُ كَمَا أَفَادَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِحَمْلِ مَا فِي الْخَصَّافِ وَغَيْرِهِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْقِسْمَةِ، وَالتَّهَايُؤُ عَلَى الْقِسْمَةِ تَمَلُّكٌ جَبْرًا، وَمَا فِي الشَّرْحِ تَبَعًا لِلْإِسْعَافِ وَغَيْرِهِ، عَلَى قِسْمَةِ التَّرَاضِي بِلَا لُزُومٍ، وَلِذَا قَالُوا وَلِمَنْ أَبَى مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ إبْطَالُهُ. مَطْلَبٌ فِي قِسْمَةِ الْوَاقِفِ مَعَ شَرِيكِهِ (قَوْلُهُ: فَيُقْسَمُ الْمَشَاعُ) فَإِذَا تَقَاسَمَ الْوَاقِفُ مَعَ شَرِيكِهِ، فَوَقَعَ نَصِيبُ الْوَاقِفِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقِفَهُ ثَانِيًا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَعْيِينُ الْمَوْقُوفِ، وَإِذَا أَرَادَ الِاجْتِنَابَ عَنْ الْخِلَافِ يَقِفُ الْمَقْسُومُ ثَانِيًا بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ: أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَحْكُومًا بِصِحَّتِهِ، إذْ بَعْدَ الْحُكْمِ لَمْ يَبْقَ خِلَافٌ. مَطْلَبٌ قَاسَمَ وَجَمَعَ حِصَّةَ الْوَقْفِ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ جَازَ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَرْضُونَ وَدُورٌ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ آخَرَ فَوَقَفَ نَصِيبَهُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُقَاسِمَ شَرِيكَهُ، وَيَجْمَعَ الْوَقْفَ كُلَّهُ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَدَارٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهِلَالٍ. اهـ. مَطْلَبٌ لَوْ كَانَ فِي الْقِسْمَةِ فَضْلُ دَرَاهِمَ مِنْ الْوَقْفِ صَحَّ لَا مِنْ الشَّرِيكِ وَفِي الْفَتْحِ: وَلَوْ كَانَ فِي الْقِسْمَةِ دَرَاهِمُ بِأَنْ كَانَ أَحَدُ النِّصْفَيْنِ أَجْوَدَ، فَجُعِلَ بِإِزَاءِ الْجَوْدَةِ دَرَاهِمَ، فَإِنْ كَانَ الْآخِذُ لِلدَّرَاهِمِ هُوَ الْوَاقِفَ بِأَنْ كَانَ غَيْرَ الْوُقُوفِ هُوَ الْأَحْسَنَ، لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَائِعًا بَعْضَ الْوَقْفِ، وَإِنْ كَانَ الْآخِذُ شَرِيكَهُ بِأَنْ كَانَ نَصِيبُ الْوَقْفِ أَحْسَنَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ مُشْتَرٍ لَا بَائِعٌ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى بَعْضَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَوَقَفَهُ اهـ لَكِنْ فِي الْإِسْعَافِ، وَمَا اشْتَرَاهُ مِلْكٌ لَهُ وَلَا يَصِيرُ وَقْفًا، وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَكَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ إذَا وَقَفَ كُلَّ نِصْفٍ عَلَى حِدَةٍ صَارَا وَقْفَيْنِ (قَوْلُهُ: إنْ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ وَقْفِهِمَا) أَيْ بِأَنْ كَانَ كُلُّ وَقْفٍ مِنْهُمَا غَيْرَ الْجِهَةِ الْأُخْرَى، لَكِنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْإِسْعَافِ، حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ وَقَفَ نِصْفَ أَرْضِهِ عَلَى جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَجَعَلَ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ لِزَيْدٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 وَلَوْ وَقَفَ نِصْفَ عَقَارٍ كُلُّهُ لَهُ فَالْقَاضِي يَقْسِمُهُ مَعَ الْوَاقِفِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ الْكَمَالِ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ لِوَرَثَتِهِ ذَلِكَ فَيُفْرِزُ الْقَاضِي الْوَقْفَ مِنْ الْمِلْكِ، وَلَهُمْ بَيْعُهُ بِهِ أَفْتَى قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَاعْتَمَدَهُ فِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ (لَا الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ) فَلَا يُقْسَمُ الْوَقْف بَيْنَ مُسْتَحِقِّيهِ إجْمَاعًا دُرَرٌ وَكَافِيٌّ وَخُلَاصَةٌ وَغَيْرُهَا لِأَنَّ حَقَّهُمْ لَيْسَ فِي الْعَيْنِ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي فَتَاوَاهُ، وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَ ذَلِكَ، وَلَوْ سَكَنَ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَجِدْ الْآخَرُ مَوْضِعًا يَكْفِيهِ فَلَيْسَ لَهُ أُجْرَةٌ وَلَا لَهُ أَنْ يَقُولَ أَنَا أَسْتَعْمِلُ بِقَدْرِ مَا اسْتَعْمَلْته لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْخُصُومَةِ قُنْيَةٌ نَعَمْ لَوْ اسْتَعْمَلَهُ كُلَّهُ أَحَدُهُمْ بِالْغَلَبَةِ بِلَا إذْنِ الْآخَرِ، لَزِمَهُ أَجْرُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ، وَلَوْ وَقْفًا عَلَى سُكْنَاهُمَا بِخِلَافِ الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ وَلَوْ مُعَدًّا لِلْإِجَارَةِ قُنْيَةٌ. قُلْت: وَلَوْ بَعْضُهُ مِلْكٌ وَبَعْضُهُ وَقْفٌ وَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ. (وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْمَسْجِدِ   [رد المحتار] فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ، ثُمَّ وَقَفَ النِّصْفَ الْآخَرَ عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَجَعَلَ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ لِعَمْرٍو فِي حَيَاتِهِ، وَبَعْدَ وَفَاتِهِ يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَقْتَسِمَا وَيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ فَيَكُونَ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا وَقَفَ كُلَّ نِصْفٍ عَلَى حِدَةٍ صَارَا وَقْفَيْنِ وَإِنْ اتَّحَدَتْ الْجِهَةُ كَمَا لَوْ كَانَتْ لِشَرِيكَيْنِ فَوَقَفَاهَا كَذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْقَاضِي يَقْسِمُهُ مَعَ الْوَاقِفِ) أَيْ بِأَنْ يَأْمُرَ رَجُلًا بِأَنْ يُقَاسِمَهُ وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ الثَّانِيَ مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ يُقَاسِمَ الْمُشْتَرِيَ، ثُمَّ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ مِنْهُ إنْ أَحَبَّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُقَاسِمًا وَمُقَاسَمًا اهـ (قَوْلُهُ: بِهِ أَفْتَى قَارِئُ الْهِدَايَةِ) حَيْثُ قَالَ نَعَمْ تَجُوزُ الْقِسْمَةُ وَيُفْرَزُ الْوَقْفُ مِنْ الْمِلْكِ، وَيُحْكَمُ بِصِحَّتِهَا وَيَجُوزُ لِلْوَرَثَةِ بَيْعُ مَا صَارَ إلَيْهِمْ بِالْقِسْمَةِ، وَإِذَا قَسَمَ بَيْنَهُمْ مَنْ هُوَ عَالِمٌ بِالْقِسْمَةِ إنْ شَاءَ عَيَّنَ جِهَةَ الْوَقْفِ وَجِهَةَ الْمِلْكِ بِقَوْلِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَ الْجُزْأَيْنِ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يَقْسِمُ الْوَقْفَ بَيْنَ مُسْتَحِقِّيهِ إجْمَاعًا) وَكَذَا لَا يَجُوزُ التَّهَايُؤُ فِيهِ جَبْرًا كَمَا حَرَّرْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ: وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَ ذَلِكَ) هَذَا ضَعِيفٌ لِمُخَالَفَتِهِ الْإِجْمَاعَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْخُصُومَةِ) مَفْهُومُهُ ثُبُوتُ الْمُهَايَأَةِ لَهُ بَعْدَ الْخُصُومَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا مُهَايَأَةَ فِي الْوَقْفِ. نَعَمْ هَذَا فِي الْمِلْكِ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ الْوَقْفِ نَظْمًا (قَوْلُهُ لَزِمَهُ أَجْرُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ) لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَعْمَلَهُ بِالْغَلَبَةِ صَارَ غَاصِبًا، وَمَنَافِعُ الْوَقْفِ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ؛ لِأَنَّ السَّاكِنَ فِيهَا غَيْرُ غَاصِبٍ، كَمَا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ وَالْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَقْفًا عَلَى سُكْنَاهُمَا) أَيْ وَإِنْ كَانَ مَنْ لَهُ السُّكْنَى لَيْسَ لَهُ الْإِيجَارُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْإِسْعَافِ لِأَنَّ هَذَا تَضْمِينٌ لَا إيجَارٌ قَصْدِيٌّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ) أَيْ بَيْنَ بَالِغَيْنِ فَلَوْ أَحَدُهُمَا يَتِيمًا وَسَكَنَهُ الْآخَرُ، لَزِمَهُ أَجْرُ حِصَّةِ الْيَتِيمِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُعَدًّا لِلْإِجَارَةِ) لِأَنَّهُ سَكَنَهُ بِتَأْوِيلِ مِلْكٍ كَمَا يَأْتِي فِي الْغَصْبِ اهـ ح (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَعْضُهُ مِلْكٌ وَبَعْضُهُ وَقْفٌ) جُمْلَةُ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا خَبَرُ كَانَ الْمُقَدَّرَةِ بَعْدَ لَوْ وَاسْمُهَا مُسْتَتِرٌ فِيهَا عَائِدٌ عَلَى الْمَكَانِ الْمُسْتَعْمَلِ الْمُحَدَّثِ عَنْهُ، وَالْوَلُوعُ بِالِاعْتِرَاضِ يَمْنَعُ الِاهْتِدَاءَ إلَى طَرِيقِ الصَّوَابِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِدُونِ وَاوٍ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ لَوْ الْأَخِيرَةِ، لَكِنَّ نَسْخَ إثْبَاتِهَا أَحْسَنُ لِأَنَّ غَالِبَ مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ مَسَائِلِ الْغَصْبِ، يَأْتِي فِي بَابِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْأَخِيرَةُ لَمْ تَذْكُرْ فِيهِ نَصًّا لَكِنَّهَا مَعْلُومَةٌ لِأَنَّهُمْ نَصُّوا هُنَاكَ عَلَى تَضْمِينِ مَنَافِعِ الْوَقْفِ وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْضُهُ مِلْكًا عَلَى أَنَّهُ فِي الْغَصْبِ، قَالَ: أَمَّا فِي الْوَقْفِ إذَا سَكَنَهُ أَحَدُهُمَا بِالْغَلَبَةِ بِلَا إذْنٍ لَزِمَ الْآخَرَ. اهـ. قَوْلُهُ: إذَا سَكَنَهُ أَحَدُهُمَا أَيْ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، يَشْمَلُ الشَّرِيكَ فِي الْمِلْكِ أَوْ فِي الْوَقْفِ، وَاحْتُرِزَ بِالْغَلَبَةِ عَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْ شَرِيكُ الْوَقْفِ مَوْضِعًا يَسْكُنُ فِيهِ فَخَرَجَ بِاخْتِيَارِهِ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الدَّارُ كُلُّهَا وَقْفًا، فَإِنَّ السَّاكِنَ يَلْزَمُهُ أَجْرُهَا، وَلَوْ كَانَتْ بِتَأْوِيلِ مِلْكٍ كَمَا إذَا اشْتَرَاهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا وَقْفٌ كَمَا قَدَّمْنَا. (قَوْلُهُ: وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْمَسْجِدِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَسْجِدَ يُخَالِفُ سَائِرَ الْأَوْقَافِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 وَالْمُصَلَّى) بِالْفِعْلِ وَ (بِقَوْلِهِ جَعَلْته مَسْجِدًا) عِنْدَ الثَّانِي (وَشَرَطَ مُحَمَّدٌ) وَالْإِمَامُ (الصَّلَاةَ فِيهِ)   [رد المحتار] عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَفِي مَنْعِ الشُّيُوعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَالْمُصَلَّى) شَمِلَ مُصَلَّى الْجِنَازَةِ وَمُصَلَّى الْعِيدِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَكُونُ مَسْجِدًا حَتَّى إذَا مَاتَ لَا يُورَثُ عَنْهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا فِي مُصَلَّى الْجِنَازَةِ، أَمَّا مُصَلَّى الْعِيدِ لَا يَكُونُ مَسْجِدًا مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يُعْطَى لَهُ حُكْمَ الْمَسْجِدِ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا عَنْ الصُّفُوفِ وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَكُونُ مَسْجِدًا حَالَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ لَا غَيْرُ وَهُوَ وَالْجَبَّانَةُ سَوَاءٌ، وَيُجَنَّبُ هَذَا الْمَكَانُ عَمَّا يُجَنَّبُ عَنْهُ الْمَسَاجِدُ احْتِيَاطًا. اهـ. خَانِيَّةٌ وَإِسْعَافٌ وَالظَّاهِرُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ يُقَدَّمُ الْأَشْهَرُ (قَوْلُهُ بِالْفِعْلِ) أَيْ بِالصَّلَاةِ فِيهِ فَفِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى إنَّهُ يَصِيرُ مَسْجِدًا بِلَا خِلَافٍ، ثُمَّ قَالَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُلْتَقَى، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَزُولُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ وَلَمْ يَرِدْ أَنَّهُ لَا يَزُولُ بِدُونِهِ لِمَا عَرَفْت أَنَّهُ يَزُولُ بِالْفِعْلِ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ اهـ. مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ قُلْت: وَفِي الذَّخِيرَةِ وَبِالصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ يَقَعُ التَّسْلِيمُ بِلَا خِلَافٍ، حَتَّى إنَّهُ إذَا بَنَى مَسْجِدًا وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ جَمَاعَةً فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَسْجِدًا اهـ وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْفِعْلِ الْإِفْرَازُ، وَيَكُونَ بَيَانًا لِلشَّرْطِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَسْجِدَ لَوْ كَانَ مَشَاعًا لَا يَصِحُّ إجْمَاعًا وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ عِنْدَ الثَّانِي مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِ الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ: جَعَلْته مَسْجِدًا وَلَيْسَتْ الْوَاوُ فِيهِ بِمَعْنَى أَوْ فَافْهَمْ، لَكِنَّ عِنْدَهُ لَا بُدَّ مِنْ إفْرَازِهِ بِطَرِيقَةٍ فَفِي النَّهْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ جَعَلَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ إنْ شَرَطَ مَعَهُ الطَّرِيقَ صَارَ مَسْجِدًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَإِلَّا فَلَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَصِيرُ مَسْجِدًا وَيَصِيرُ الطَّرِيقُ مِنْ حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ كَمَا لَوْ آجَرَ أَرْضَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الطَّرِيقَ اهـ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَا بُدَّ مِنْ إفْرَازِهِ أَيْ تَمْيِيزِهِ عَنْ مِلْكِهِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَلَوْ كَانَ الْعُلُوُّ مَسْجِدًا وَالسُّفْلُ حَوَانِيتَ أَوْ بِالْعَكْسِ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِهِ كَمَا فِي الْكَافِي. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ مُفَادَ كَلَامِ الْحَاوِي اشْتِرَاطُ كَوْنِ أَرْضِ الْمَسْجِدِ مِلْكًا لِلْبَانِي اهـ لَكِنْ ذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ جَوَازَهُ عَلَى الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ أَخْذًا مِنْ جَوَازِ وَقْفِ الْبِنَاءِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ، وَسُئِلَ فِي الْخَيْرِيَّةِ عَمَّنْ جَعَلَ بَيْتَ شَعْرٍ مَسْجِدًا فَأَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ: وَشَرَطَ مُحَمَّدٌ وَالْإِمَامُ الصَّلَاةَ فِيهِ) أَيْ مَعَ الْإِفْرَازِ كَمَا عَلِمْته وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَقْفَ إنَّمَا اُحْتِيجَ فِي لُزُومِهِ إلَى الْقَضَاءِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْإِخْرَاجِ عَنْ الْمِلْكِ، بَلْ عَنْ الْإِبْقَاءِ فِيهِ، لِتَحْصُلَ الْغَلَّةُ عَلَى مِلْكِهِ، فَيَتَصَدَّقُ بِهَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ: جَعَلْته مَسْجِدًا، فَإِنَّهُ لَا يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ لِيَحْتَاجَ إلَى الْقَضَاءِ بِزَوَالِهِ، فَإِذَا أَذِنَ بِالصَّلَاةِ فِيهِ، قَضَى الْعُرْفُ بِزَوَالِهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ وَقَفْت وَنَحْوِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَقَفْته مَسْجِدًا، وَلَمْ يَأْذَنْ بِالصَّلَاةِ فِيهِ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ أَحَدٌ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا بِلَا حُكْمٍ وَهُوَ بَعِيدٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ مُلَخَّصًا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا قَالَ جَعَلْته مَسْجِدًا فَالْعُرْفُ قَاضٍ، وَمَاضٍ بِزَوَالِهِ عَنْ مِلْكِهِ أَيْضًا غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى الْقَضَاءِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يُتَرَدَّدَ فِيهِ نَهْرٌ. قُلْت يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْقَوْلِ عِنْدَهُ، وَهُوَ خِلَافُ صَرِيحِ كَلَامِهِمْ تَأَمَّلْ وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَقَدَّمَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 بِجَمَاعَةٍ وَقِيلَ: يَكْفِي وَاحِدٌ وَجَعَلَهُ فِي الْخَانِيَّةِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ. [فَرْعٌ] أَرَادَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ نَقْضَ الْمَسْجِدِ وَبِنَاءَهُ أَحْكَمَ مِنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْبَانِيَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَهُمْ ذَلِكَ وَإِلَّا لَا بَزَّازِيَّةٌ. (وَإِذَا جَعَلَ تَحْتَهُ سِرْدَابًا لِمَصَالِحِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ (جَازَ) كَمَسْجِدِ الْقُدْسِ (وَلَوْ جَعَلَ لِغَيْرِهَا أَوْ) جَعَلَ (فَوْقَهُ بَيْتًا وَجَعَلَ بَابَ الْمَسْجِدِ إلَى طَرِيقٍ وَعَزَلَهُ عَنْ مِلْكِهِ لَا) يَكُونُ مَسْجِدًا. (وَلَهُ بَيْعُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ) خِلَافًا لَهُمَا   [رد المحتار] فِي التَّنْوِيرِ وَالدُّرَرِ وَالْوِقَايَةِ وَغَيْرِهَا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلِمْت أَرْجَحِيَّتَهُ فِي الْوَقْفِ وَالْقَضَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِجَمَاعَةٍ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَتَسْلِيمُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، فَفِي الْمَقْبَرَةِ بِدَفْنِ وَاحِدٍ وَفِي السِّقَايَةِ بِشُرْبِهِ وَفِي الْخَانِ بِنُزُولِهِ كَمَا فِي الْإِسْعَافِ، وَاشْتِرَاطُ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَلِذَا شُرِطَ أَنْ تَكُونَ جَهْرًا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَإِلَّا لَمْ يَصِرْ مَسْجِدًا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَوْ اتَّحَدَ الْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ وَصَلَّى فِيهِ وَحْدَهُ صَارَ مَسْجِدًا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَالْجَمَاعَةِ، قَالَ فِي النَّهْرِ: وَإِذْ قَدْ عَرَفْت أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ أُقِيمَتْ مَقَامَ التَّسْلِيمِ، عَلِمْت أَنَّهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي يَكُونُ مَسْجِدًا دُونَهَا: أَيْ دُونَ الصَّلَاةِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ وَفِي الْفَتْحِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِأَنَّ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ يَحْصُلُ تَمَامُ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ تَعَالَى، وَكَذَا لَوْ سَلَّمَهُ إلَى الْقَاضِي أَوْ نَائِبِهِ كَمَا فِي الْإِسْعَافِ وَقِيلَ لَا وَاخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَكْفِي وَاحِدٌ) لَكِنْ لَوْ صَلَّى الْوَاقِفُ وَحْدَهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا تُشْتَرَطُ لِأَجْلِ الْقَبْضِ لِلْعَامَّةِ، وَقَبْضُهُ لِنَفْسِهِ لَا يَكْفِي فَكَذَا صَلَاتُهُ فَتْحٌ وَإِسْعَافٌ (قَوْلُهُ: وَجَعَلَهُ فِي الْخَانِيَّةِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ) وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ كَالْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ عَلِمْت تَصْحِيحَ الْأَوَّلِ وَصَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ فَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَيْضًا. [فَرْعٌ أَرَادَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ نَقْضَ الْمَسْجِدِ وَبِنَاءَهُ أَحْكَمَ مِنْ الْأَوَّلِ] (قَوْلُهُ: أَنَّ الْبَانِيَ إلَخْ) الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بَانِي الْمَسْجِدِ أَوَّلًا، لَكِنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يُرَادَ مُرِيدُ الْبِنَاءِ الْآنَ وَفِي ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ: مَسْجِدٌ مَبْنِيٌّ أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَنْقُضَهُ وَيَبْنِيَهُ أَحْكَمَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ مُضْمَرَاتٌ إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَنْهَدِمَ، إنْ لَمْ يُهْدَمْ تَتَارْخَانِيَّةٌ وَتَأْوِيلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ الْبَانِي مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ، وَأَمَّا أَهْلُهَا فَلَهُمْ أَنْ يَهْدِمُوهُ وَيُجَدِّدُوا بِنَاءَهُ وَيَفْرِشُوا الْحَصِيرَ، وَيُعَلِّقُوا الْقَنَادِيلَ، لَكِنْ مِنْ مَالِهِمْ لَا مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ إلَّا بِأَمْرِ الْقَاضِي خُلَاصَةٌ، وَيَضَعُوا حِيضَانَ الْمَاءِ لِلشُّرْبِ وَالْوُضُوءِ إنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلْمَسْجِدِ بَانٍ فَإِنْ عُرِفَ فَالْبَانِي أَوْلَى، وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ مَنْعُهُمْ مِنْ نَقْضِهِ وَالزِّيَادَةِ فِيهِ، وَلِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ تَحْوِيلُ بَابِ الْمَسْجِدِ خَانِيَّةٌ وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى لَهُمْ تَحْوِيلُ الْمَسْجِدِ إلَى مَكَان آخَرَ إنْ تَرَكُوهُ بِحَيْثُ لَا يُصَلَّى فِيهِ، وَلَهُمْ بَيْعُ مَسْجِدٍ عَتِيقٍ لَمْ يُعْرَفْ بَانِيهِ وَصَرْفُ ثَمَنِهِ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ. اهـ. سَائِحَانِيٌّ. اهـ. قُلْت: وَفِي الْهِنْدِيَّةِ آخِرَ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ نَقْلًا عَنْ الْكُبْرَى: أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا فِي مَسْجِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَفِيهِ نَفْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَهُ ذَلِكَ كَذَا قَالَ هُنَا وَذُكِرَ فِي بَابِ الْمَسْجِدِ قَبْلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ لَا يَحْفِرُ، وَيَضْمَنُ وَالْفَتْوَى عَلَى الْمَذْكُورِ هُنَا اهـ وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْبَحْرِ جُمْلَةٌ وَافِيَةٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا جَعَلَ تَحْتَهُ سِرْدَابًا) جَمْعُهُ سَرَادِيبُ، بَيْتٌ يُتَّخَذُ تَحْتَ الْأَرْضِ لِغَرَضِ تَبْرِيدِ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَشَرَطَ فِي الْمِصْبَاحِ أَنْ يَكُونَ ضَيِّقًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ جَعَلَ فَوْقَهُ بَيْتًا إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْتُ لِلْمَسْجِدِ أَوْ لَا إلَّا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ كَوْنِهِ مَسْجِدًا فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَقْفًا عَلَى مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْإِسْعَافِ فَقَالَ: وَإِذَا كَانَ السِّرْدَابُ أَوْ الْعُلُوُّ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَا وَقْفًا عَلَيْهِ صَارَ مَسْجِدًا. اهـ. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 (كَمَا لَوْ جَعَلَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا وَأَذِنَ لِلصَّلَاةِ فِيهِ) حَيْثُ لَا يَكُونُ مَسْجِدًا إلَّا إذَا شُرِطَ الطَّرِيقُ زَيْلَعِيٌّ. . [فَرْعٌ] لَوْ بَنَى فَوْقَهُ بَيْتًا لِلْإِمَامِ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ، أَمَّا لَوْ تَمَّتْ الْمَسْجِدِيَّةُ ثُمَّ أَرَادَ الْبِنَاءَ مُنِعَ وَلَوْ قَالَ عَنَيْت ذَلِكَ لَمْ يُصَدَّقْ تَتَارْخَانِيَّةٌ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْوَاقِفِ فَكَيْفَ بِغَيْرِهِ فَيَجِبُ هَدْمُهُ وَلَوْ عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ مِنْهُ وَلَا أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنْهُ مُسْتَغَلًّا وَلَا سُكْنَى بَزَّازِيَّةٌ. (وَلَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَهُ وَاسْتُغْنِيَ عَنْهُ يَبْقَى مَسْجِدًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَالثَّانِي) أَبَدًا إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ (وَبِهِ يُفْتِي) حَاوِي الْقُدْسِيِّ (وَعَادَ إلَى الْمِلْكِ) أَيْ مِلْكِ الْبَانِي أَوْ وَرَثَتِهِ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ)   [رد المحتار] قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ شَرْطَ كَوْنِهِ مَسْجِدًا أَنْ يَكُونَ سِفْلُهُ وَعُلُوُّهُ مَسْجِدًا لِيَنْقَطِعَ حَقُّ الْعَبْدِ عَنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18]- بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ السِّرْدَابُ وَالْعُلُوُّ مَوْقُوفًا لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ، فَهُوَ كَسِرْدَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُنَاكَ رِوَايَاتٌ ضَعِيفَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي الْهِدَايَةِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ جُعِلَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ مَعَ أَنَّ فِيهِ خِلَافَهُمَا أَيْضًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُنْيَةِ وَنَحْوِهِ فِي الْهِدَايَةِ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرُ قَوْلِهِ خِلَافًا لَهُمَا بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِيَكُونَ رَاجِعًا لِلْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ (قَوْلُهُ: وَأَذِنَ لِلصَّلَاةِ) اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ لَا صِلَةَ أَذِنَ، وَالْأَوْضَحُ وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ وَالْمُرَادُ الْإِذْنُ مَعَ الصَّلَاةِ إذَا لَوْ لَمْ يُصَلِّ فِيهِ أَحَدٌ لَا يَصِحُّ فِي الْمَسْجِدِ الْفَرْزُ فَهُنَا أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى. [فَرْعٌ بِنَاء بيتا لِلْإِمَامِ فَوْق الْمَسْجِد] (قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ تَمَّتْ الْمَسْجِدِيَّةُ) أَيْ بِالْقَوْلِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ أَوْ بِالصَّلَاةِ فِيهِ عَلَى قَوْلِهِمَا ط وَعِبَارَةُ التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِنْ كَانَ حِينَ بَنَاهُ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ يَبْنِي لَا بِتَرْكٍ اهـ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي النَّهْرِ، وَأَمَّا لَوْ تَمَّتْ الْمَسْجِدِيَّةُ، ثُمَّ أَرَادَ هَدْمَ ذَلِكَ الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عِبَارَةِ التَّتَارْخَانِيَّة ذِكْرُ الْهَدْمِ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْوَاقِفِ إلَخْ) مِنْ كَلَامِ الْبَحْرِ وَالْإِشَارَةِ إلَى الْمَنْعِ مِنْ الْبِنَاءِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ) مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ هَوَاءِ الْمَسْجِدِ شَيْئًا. اهـ. ط وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ قَبْلَهُ وَلَا يُوضَعُ الْجِذْعُ عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْقَافِهِ. اهـ. قُلْت: وَبِهِ حُكْمُ مَا يَصْنَعُهُ بَعْضُ جِيرَانِ الْمَسْجِدِ مِنْ وَضْعِ جُذُوعٍ عَلَى جِدَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ وَلَوْ دَفَعَ الْأُجْرَةَ (قَوْلُهُ: وَلَا أَنْ يَجْعَلَ إلَخْ) هَذَا ابْتِدَاءً عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُسْتَغِلِّ أَنْ يُؤَجَّرَ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَجْلِ عِمَارَتِهِ وَبِالسُّكْنَى مَحَلُّهَا وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ عَلَى مَا فِي الْبَحْرِ، وَلَا مَسْكَنًا وَقَدْ رُدَّ فِي الْفَتْحِ مَا بَحَثَهُ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ احْتَاجَ الْمَسْجِدُ إلَى نَفَقَةٍ تُؤَجَّرُ قِطْعَةٌ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ، بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ. قُلْت: وَبِهَذَا عُلِمَ أَيْضًا حُرْمَةُ إحْدَاثِ الْخَلَوَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ كَاَلَّتِي فِي رِوَاقِ الْمَسْجِدِ الْأُمَوِيِّ، وَلَا سِيَّمَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ تَقْذِيرِ الْمَسْجِدِ بِسَبَبِ الطَّبْخِ وَالْغَسْلِ وَنَحْوِهِ وَرَأَيْت تَأْلِيفًا مُسْتَقِلًّا فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ. . مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ خَرِبَ الْمَسْجِدُ أَوْ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَهُ) أَيْ وَلَوْ مَعَ بَقَائِهِ عَامِرًا وَكَذَا لَوْ خَرِبَ وَلَيْسَ لَهُ مَا يُعْمَرُ بِهِ وَقَدْ اسْتَغْنَى النَّاسُ عَنْهُ لِبِنَاءِ مَسْجِدٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْإِمَامِ وَالثَّانِي) فَلَا يَعُودُ مِيرَاثًا وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ وَنَقْلُ مَالِهِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ، سَوَاءٌ كَانُوا يُصَلُّونَ فِيهِ أَوْ لَا وَهُوَ الْفَتْوَى حَاوِي الْقُدْسِيِّ، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَيْهِ مُجْتَبَى وَهُوَ الْأَوْجَهُ فَتْحٌ. اهـ. بَحْرٌ قَالَ فِي الْإِسْعَافِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَبَعْضُهُمْ ذَكَرَهُ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ: وَعَادَ إلَى الْمِلْكِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 وَعَنْ الثَّانِي يُنْقَلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ بِإِذْنِ الْقَاضِي (وَمِثْلُهُ) فِي الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ (حَشِيشُ الْمَسْجِدِ وَحُصْرُهُ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُمَا وَ) كَذَا (الرِّبَاطُ وَالْبِئْرُ إذَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِمَا فَيُصْرَفُ وَقْفُ الْمَسْجِدِ وَالرِّبَاطِ وَالْبِئْرِ) وَالْحَوْضِ (إلَى أَقْرَبِ مَسْجِدٍ أَوْ رِبَاطٍ أَوْ بِئْرٍ) أَوْ حَوْضٍ (إلَيْهِ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِمَا دُرَرٌ وَفِيهَا: وَقْفُ ضَيْعَةٍ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَسَلَّمَهَا لِلْمُتَوَلِّي ثُمَّ قَالَ لِوَصِيِّهِ: أَعْطِ مِنْ غَلَّتِهَا فُلَانًا كَذَا وَفُلَانًا كَذَا لَمْ يَصِحَّ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِالتَّسْجِيلِ   [رد المحتار] ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ مَا إذَا انْهَدَمَ الْوَقْفُ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْغَلَّةُ مَا يُعْمَرُ بِهِ، فَيَرْجِعُ إلَى الْبَانِي أَوْ وَرَثَتِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إنَّمَا مِلْكُهُ مَا خَرَجَ عَنْ الِانْتِفَاعِ الْمَقْصُودِ لِلْوَاقِفِ بِالْكُلِّيَّةِ، كَحَانُوتٍ احْتَرَقَ، وَلَا يُسْتَأْجَرُ بِشَيْءٍ وَرِبَاطٍ وَحَوْضِ مَحَلَّةٍ خَرِبٍ، وَلَيْسَ لَهُ مَا يُعَمَّرُ بِهِ وَأَمَّا مَا كَانَ مُعَدًّا لِلْغَلَّةِ فَلَا يَعُودُ إلَى الْمِلْكِ إلَّا نَقْضُهُ وَتَبْقَى سَاحَتُهُ وَقْفًا تُؤَجَّرُ وَلَوْ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ بِخِلَافِ الرِّبَاطِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ لِلسُّكْنَى وَامْتَنَعَتْ بِانْهِدَامِهِ. أَمَّا دَارُ الْغَلَّةِ فَإِنَّهَا قَدْ تَخْرَبُ وَتَصِيرُ كَوْمًا وَهِيَ بِحَيْثُ لَوْ نُقِلَ نَقْضُهَا يَسْتَأْجِرُ أَرْضَهَا مَنْ يَبْنِي أَوْ يَغْرِسُ وَلَوْ بِقَلِيلٍ فَيُغْفَلُ عَنْ ذَلِكَ وَتُبَاعُ لِوَاقِفِهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْهَا إلَّا النَّقْضُ وَاسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ لِلْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ اعْتِمَادُهُ (قَوْلُهُ: وَعَنْ الثَّانِي إلَخْ) جَزَمَ بِهِ فِي الْإِسْعَافِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ خَرِبَ الْمَسْجِدُ، وَمَا حَوْلَهُ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ لَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيُبَاعُ نَقْضُهُ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ إلَى بَعْضِ الْمَسَاجِدِ اهـ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ حَشِيشُ الْمَسْجِدِ إلَخْ) أَيْ الْحَشِيشُ الَّذِي يُفْرَشُ بَدَلَ الْحُصُرِ، كَمَا يُفْعَلُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ كَبِلَادِ الصَّعِيدِ كَمَا أَخْبَرَنِي بِهِ بَعْضُهُمْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَعَلَى هَذَا حَصِيرُ الْمَسْجِدِ وَحَشِيشُهُ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُمَا يَرْجِعُ إلَى مَالِكِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُنْقَلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الرِّبَاطُ وَالْبِئْرُ إذَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهَا اهـ وَصَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي آلَاتِ الْمَسْجِدِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي تَأْبِيدِ الْمَسْجِدِ اهـ وَالْمُرَادُ بِآلَاتِ الْمَسْجِدِ نَحْوُ الْقِنْدِيلِ وَالْحَصِيرِ، بِخِلَافِ أَنْقَاضِهِ لِمَا قَدَّمْنَا عَنْهُ قَرِيبًا مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ لَا يَعُودُ مِيرَاثًا وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ وَنَقْلُ مَالِهِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الرِّبَاطُ) هُوَ الَّذِي يُبْنَى لِلْفُقَرَاءِ بَحْرٌ عَنْ الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ: إلَى أَقْرَبِ مَسْجِدٍ أَوْ رِبَاطٍ إلَخْ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُ وَقْفِ مَسْجِدٍ خَرِبٍ إلَى حَوْضٍ وَعَكْسُهُ وَفِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى يُصْرَفُ وَقْفُهَا لِأَقْرَبِ مُجَانِسٍ لَهَا. اهـ. ط. (قَوْلُهُ: تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهَا) أَيْ قَوْلُهُ فَيُصْرَفُ إلَخْ مُفَرَّعٌ عَلَى الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ: أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا خَرِبَ يَبْقَى مَسْجِدًا أَبَدًا لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ وَنَقْلُ مَالِهِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ كَمَا مَرَّ عَنْ الْحَاوِي: نَعَمْ هَذَا التَّفْرِيعُ إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ جَزَمَ بِهَا فِي الْإِسْعَافِ وَفِي الْخَانِيَّةِ رِبَاطٌ بَعِيدٌ اسْتَغْنَى عَنْهُ الْمَارَّةُ وَبِجَنْبِهِ رِبَاطٌ آخَرُ قَالَ السَّيِّدُ الْإِمَامُ أَبُو الشُّجَاعِ: تُصْرَفُ غَلَّتُهُ إلَى الرِّبَاطِ الثَّانِي كَالْمَسْجِدِ إذَا خَرِبَ وَاسْتَغْنَى عَنْهُ أَهْلُ الْقَرْيَةِ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي فَبَاعَ الْخَشَبَ وَصَرَفَ الثَّمَنَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ جَازَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَصِيرُ مِيرَاثًا وَكَذَا حَوْضُ الْعَامَّةِ إذَا خَرِبَ اهـ وَنُقِلَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَسْجِدٍ أَوْ حَوْضٍ خَرِبَ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَفَرُّقِ النَّاسِ عَنْهُ هَلْ لِلْقَاضِي أَنْ يَصْرِفَ أَوْقَافَهُ إلَى مَسْجِدٍ أَوْ حَوْضٍ آخَرَ: فَقَالَ: نَعَمْ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ وُلِلشُّرُنْبُلَالِيِّ رِسَالَةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ اعْتَرَضَ فِيهَا مَا فِي الْمَتْنِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ بِمَا مَرَّ عَنْ الْحَاوِي وَغَيْرِهِ، ثُمَّ قَالَ وَبِذَلِكَ تُعْلَمُ فَتْوَى بَعْضِ مَشَايِخِ عَصْرِنَا بَلْ وَمَنْ قَبْلَهُمْ كَالشَّيْخِ الْإِمَامِ أَمِينِ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ الْعَالِ وَالشَّيْخِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ الشَّلَبِيِّ وَالشَّيْخِ زَيْنِ بْنِ نُجَيْمٍ وَالشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْوَفَائِيِّ فَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِنَقْلِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِنَقْلِهِ وَنَقْلِ مَالِهِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ، وَقَدْ مَشَى الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ سِرَاجِ الدِّينِ الْحَانُوتِيُّ عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ عَدَمِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يُوَافِقْ الْمَذْكُورِينَ. اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَنَّ هَذَا فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 فَلَوْ قَبِلَهُ صَحَّ. قُلْت: لَكِنْ سَيَجِيءُ مَعْزِيًّا لِفَتَاوَى مُؤَيَّدٍ زَادَهْ أَنَّ لِلْوَاقِفِ الرُّجُوعَ فِي الشُّرُوطِ، وَلَوْ مُسَجَّلًا (اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَالْجِهَةُ وَقَلَّ مَرْسُومُ بَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) بِسَبَبِ خَرَابِ وَقْفِ أَحَدِهِمَا (جَازَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَصْرِفَ مِنْ فَاضِلِ الْوَقْفِ الْآخَرِ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ. (وَإِنْ اخْتَلَفَ أَحَدُهُمَا) بِأَنْ بَنَى رَجُلَانِ مَسْجِدَيْنِ أَوْ رَجُلٌ مَسْجِدًا وَمَدْرَسَةً وَوَقَفَ عَلَيْهِمَا أَوْقَافًا (لَا) يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ   [رد المحتار] الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ حَوْضٍ وَبِئْرٍ وَرِبَاطٍ وَدَابَّةٍ وَسَيْفٍ بِثَغْرٍ وَقِنْدِيلٍ وَبِسَاطٍ وَحَصِيرِ مَسْجِدٍ، فَقَدْ ذُكِرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا جَوَازُ نَقْلِهَا اهـ. مَطْلَبٌ فِي نَقْلِ أَنْقَاضِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ قُلْت: لَكِنَّ الْفَرْقَ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَلْيُتَأَمَّلْ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي مُتَابَعَةُ الْمَشَايِخِ الْمَذْكُورِينَ فِي جَوَازِ النَّقْلِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ مَسْجِدٍ أَوْ حَوْضٍ، كَمَا أَفْتَى بِهِ الْإِمَامُ أَبُو شُجَاعٍ وَالْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ وَكَفَى بِهِمَا قُدْوَةً، وَلَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا فَإِنَّ الْمَسْجِدَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ رِبَاطٍ أَوْ حَوْضٍ إذَا لَمْ يُنْقَلْ يَأْخُذُ أَنْقَاضَهُ اللُّصُوصُ وَالْمُتَغَلَّبُونَ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ وَكَذَلِكَ أَوْقَافُهُ يَأْكُلُهَا النُّظَّارُ أَوْ غَيْرُهُمْ، وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ النَّقْلِ خَرَابُ الْمَسْجِدِ الْآخَرِ الْمُحْتَاجِ إلَى النَّقْلِ إلَيْهِ، وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةٌ سُئِلْت عَنْهَا فِي أَمِيرٍ أَرَادَ أَنْ يَنْقُلَ بَعْضَ أَحْجَارِ مَسْجِدٍ خَرَابٍ فِي سَفْحِ قَاسِيُونَ بِدِمَشْقَ لِيُبَلِّطَ بِهَا صَحْنَ الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ فَأَفْتَيْت بِعَدَمِ الْجَوَازِ مُتَابَعَةً لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ، ثُمَّ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ الْمُتَغَلِّبِينَ أَخَذَ تِلْكَ الْأَحْجَارَ لِنَفْسِهِ، فَنَدِمْت عَلَى مَا أَفْتَيْت بِهِ، ثُمَّ رَأَيْت الْآنَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ: سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ رَحَلُوا وَتَدَاعَى مَسْجِدُهَا إلَى الْخَرَابِ، وَبَعْضُ الْمُتَغَلِّبَةِ يَسْتَوْلُونَ عَلَى خَشَبِهِ، وَيَنْقُلُونَهُ إلَى دُورِهِمْ هَلْ لِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَنْ يَبِيعَ الْخَشَبَ بِأَمْرِ الْقَاضِي، وَيُمْسِكَ الثَّمَنَ لِيَصْرِفَهُ إلَى بَعْضِ الْمَسَاجِدِ أَوْ إلَى هَذَا الْمَسْجِدِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَحَكَى أَنَّهُ وَقَعَ مِثْلُهُ فِي زَمَنِ سَيِّدِنَا الْإِمَامِ الْأَجَلِّ فِي رِبَاطٍ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ خَرِبَ، وَلَا يَنْتَفِعُ الْمَارَّةُ بِهِ وَلَهُ أَوْقَافٌ عَامِرَةٌ فَسُئِلَ هَلْ يَجُوزُ نَقْلُهَا إلَى رِبَاطٍ آخَرَ يَنْتَفِعُ النَّاسُ بِهِ قَالَ: نَعَمْ لِأَنَّ الْوَاقِفَ غَرَضُهُ انْتِفَاعُ الْمَارِّ، وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِالثَّانِي. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ التَّسْجِيلِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ لَا مُجَرَّدُ التَّسْلِيمِ الَّذِي فِي صَدْرِ الْعِبَارَةِ، لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ بَعْدَ لُزُومِ الْوَقْفِ قَبْلَ الْحُكْمِ، وَلِذَا لَمْ يُذْكَرْ التَّسْجِيلُ فِي الْخَانِيَّةِ، حَيْثُ قَالَ: وَقَفَ ضَيْعَةً فِي صِحَّتِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَأَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ إلَى الْمُتَوَلِّي ثُمَّ قَالَ لِوَصِيِّهِ عِنْدَ الْمَوْتِ: أَعْطِ مِنْ غَلَّتِهَا لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا فَجَعْلُهُ لِأُولَئِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّهِمْ إلَّا إذَا شَرَطَ فِي الْوَقْفِ أَنْ يَصْرِفَ غَلَّتَهَا إلَى مَنْ شَاءَ اهـ وَالْمُرَادُ بِبُطْلَانِهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَقًّا لَازِمًا لِفُلَانٍ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ فَلَوْ كَانَ فُلَانٌ فَقِيرًا لَا يَلْزَمُ إعْطَاؤُهُ بَلْ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ لَكِنْ سَيَجِيءُ) أَيْ آخِرَ الْفَصْلِ الْآتِي وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَالْجِهَةُ) بِأَنْ وَقَفَ وَقْفَيْنِ عَلَى الْمَسْجِدِ أَحَدُهُمَا عَلَى الْعِمَارَةِ وَالْآخَرُ إلَى إمَامِهِ أَوْ مُؤَذِّنِهِ وَالْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ لَا يَسْتَقِرُّ لِقِلَّةِ الْمَرْسُومِ لِلْحَاكِمِ الدَّيْنُ أَنْ يَصْرِفَ مِنْ فَاضِلِ وَقْفِ الْمَصَالِحِ، وَالْعِمَارَةُ إلَى الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ بِاسْتِصْوَابِ أَهْلِ الصَّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ إنْ كَانَ الْوَقْفُ مُتَّحِدًا لِأَنَّ غَرَضَهُ إحْيَاءُ وَقْفِهِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِمَا قُلْنَا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالْقَاضِي دُونَ النَّاظِرِ (قَوْلُهُ: بِسَبَبِ خَرَابِ وَقْفِ أَحَدِهِمَا) أَيْ خَرَابِ أَمَاكِنِ أَحَدِ الْوَقْفَيْنِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ بَنَى رَجُلَانِ مَسْجِدَيْنِ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ اخْتِلَافِهِمَا مَعًا أَمَّا اخْتِلَافُ الْوَاقِفِ فَفِيمَا إذَا وَقَفَ رَجُلَانِ وَقْفَيْنِ عَلَى مَسْجِدٍ (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ) أَيْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 (وَلَوْ وَقَفَ الْعَقَارُ بِبَقَرِهِ وَأَكْرَتْهُ) بِفَتْحَتَيْنِ عَبِيدُهُ الْحَرَّاثُونَ (صَحَّ) اسْتِحْسَانًا تَبَعًا لِلْعَقَارِ [مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَنْقُولِ تَبَعًا لِلْعَقَارِ] وَجَازَ وَقْفُ الْقِنِّ عَلَى مَصَالِحِ الرِّبَاطِ خُلَاصَةٌ   [رد المحتار] أَيْ الصَّرْفُ الْمَذْكُورُ، لَكِنْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ هَذَا عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ مَسْجِدٌ لَهُ أَوْقَافٌ مُخْتَلِفَةٌ لَا بَأْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَخْلِطَ غَلَّتَهَا كُلَّهَا، وَإِنْ خَرِبَ حَانُوتٌ مِنْهَا فَلَا بَأْسَ بِعِمَارَتِهِ مِنْ غَلَّةِ حَانُوتٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ لِلْمَسْجِدِ وَلَوْ كَانَ مُخْتَلِفًا لِأَنَّ الْمَعْنَى يَجْمَعُهُمَا اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ تَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: أَقُولُ: وَمِنْ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ مَا إذَا كَانَ الْوَقْفُ مَنْزِلَيْنِ أَحَدُهُمَا لِلسُّكْنَى وَالْآخَرُ لِلِاسْتِغْلَالِ فَلَا يُصْرَفُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى. اهـ. مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَنْقُولِ تَبَعًا لِلْعَقَارِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَقَفَ الْعَقَارُ) هُوَ الْأَرْضُ مَبْنِيَّةٌ أَوْ غَيْرُ مَبْنِيَّةٍ فَتْحٌ وَفِي الْقَامُوسِ هُوَ الضَّيْعَةُ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ بِبَقَرِهِ إلَخْ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: عَبِيدُهُ الْحَرَّاثُونَ) الْأَكَرَةُ الْحَرَّاثُونَ مِنْ أَكَرْت الْأَرْضَ حَرَثْتهَا وَاسْمُ الْفَاعِلِ أَكَّارٌ لِلْمُبَالَغَةِ مِصْبَاحٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا عَبِيدَهُ صَحَّ وَقْفُهُمْ تَبَعًا لِلْأَرْضِ وَكَذَا آلَاتُ الْحِرَاثَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: صَحَّ اسْتِحْسَانًا إلَخْ) فَإِنَّهُ قَدْ يَثْبُتُ مِنْ الْحُكْمِ تَبَعًا مَا لَا يَثْبُتُ مَقْصُودًا كَالشِّرْبِ فِي الْبَيْعِ وَالْبِنَاءِ فِي الْوَقْفِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ أَجَازَهُ إفْرَادَ بَعْضِ الْمَنْقُولِ بِالْوَقْفِ فَالتَّبَعُ أَوْلَى. قَالَ فِي الْإِسْعَافِ وَيَدْخُلُ فِي وَقْفِ الْأَرْضِ مَا فِيهَا مِنْ الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ دُونَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَيَدْخُلُ أَيْضًا لِلشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ كَالْإِجَارَةِ، وَلَوْ جَعَلَهَا مَقْبَرَةً وَفِيهَا أَشْجَارٌ عِظَامٌ وَأَبْنِيَةٌ لَا يَدْخُلُ، وَلَوْ زَادَ فِي وَقْفِ الْأَرْضِ بِحُقُوقِهَا وَجَمِيعِ مَا فِيهَا وَمِنْهَا وَعَلَى الشَّجَرَةِ ثَمَرَةٌ قَائِمَةٌ يَوْمَ الْوَقْفِ قَالَ هِلَالٌ: لَا تَدْخُلُ قِيَاسًا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِهَا عَلَى وَجْهِ النَّذْرِ لَا الْوَقْفِ وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ إذَا قَالَ بِحُقُوقِهَا تَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ، وَهَذَا أَوْلَى خُصُوصًا إذَا زَادَ بِجَمِيعِ مَا فِيهَا وَمِنْهَا وَلَوْ وَقَفَ دَارًا بِجَمِيعِ مَا فِيهَا وَفِيهَا حَمَامَاتٌ يَطِرْنَ أَوْ بَيْتًا وَفِيهِ كُورَاتُ عَسَلٍ يَدْخُلُ الْحَمَامُ وَالنَّحْلُ تَبَعًا لِلدَّارِ وَالْعَسَلِ كَمَا لَوْ وَقَفَ ضَيْعَةً وَذَكَرَ مَا فِيهَا مِنْ الْعَبِيدِ وَالدَّوَالِيبِ وَآلَاتِ الْحِرَاثَةِ اهـ مُلَخَّصًا وَقَوْلُهُ وَذِكْرُ مَا فِيهَا إلَخْ يُفِيدُ عَدَمَ الدُّخُولِ بِلَا ذِكْرِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْفَتْحِ، وَقَدْ اخْتَصَرَ فِي الْبَحْرِ عِبَارَةَ الْإِسْعَافِ اخْتِصَارًا مُخِلًّا. [مَطْلَبٌ التَّحْدِيدُ فِي وَقْفِ الْعَقَارِ] 1 مَطْلَبٌ لَا يُشْتَرَطُ التَّحْدِيدُ فِي وَقْفِ الْعَقَارِ [تَنْبِيهٌ] لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ اشْتِرَاطَ تَحْدِيدِ الْعَقَارِ لِأَنَّ الشَّرْطَ كَوْنُهُ مَعْلُومًا وَقَوْلُ الْفَتْحُ: إذَا كَانَتْ الدَّارُ مَشْهُورَةً مَعْرُوفَةً صَحَّ وَقْفُهَا وَإِنْ لَمْ تُحَدَّدْ اسْتِغْنَاءً بِشُهْرَتِهَا عَنْ تَحْدِيدِهَا اهـ ظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ التَّحْدِيدِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ بَلْ ذَلِكَ شَرْطٌ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ بِوَقْفِيَّتِهَا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ فِي أَنْفَعْ الْوَسَائِلِ بَعْدَ مَا قَسَّمَ مَسْأَلَةَ التَّحْدِيدِ إلَى سَبْعِ صُوَرٍ: وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ أَيْ مَا لَوْ لَمْ يُحَدِّدْهَا أَصْلًا، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَهَا فَقَالَ الْخَصَّافُ فِيهَا الْوَقْفُ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَشْهُورَةً وَقَالَ هِلَالٌ: الشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَوَّلَ يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ كَمَا قَالَ هِلَالٌ وَغَيْرُهُ، وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ التَّحْدِيدُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِإِبْطَالِهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الشُّهُودِ لَمْ يُحَدِّدْهَا لَنَا وَلَا نَعْرِفُهَا وَلَا هِيَ مَشْهُورَةٌ اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: وَجَازَ وَقْفُ الْقِنِّ عَلَى مَصَالِحِ الرِّبَاطِ) ظَاهِرُهُ جَوَازُ وَقْفِهِ اسْتِقْلَالًا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ فِي مَسَائِلِ وَقْفِ الْمَنْقُولِ الَّذِي جَرَى فِيهِ التَّعَامُلُ، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَمَنْقُولٌ فِيهِ تَعَامُلٌ، لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 وَنَفَقَتُهُ وَجِنَايَتُهُ فِي مَالِ الْوَقْفِ، وَلَوْ قَتَلَ عَمْدًا لَا قَوَدَ فِيهِ بَزَّازِيَّةٌ بَلْ تَجِبُ قِيمَتُهُ لِيَشْتَرِيَ بِهَا بَدَلَهُ. (كَ) مَا صَحَّ وَقْفُ (مَشَاعٍ قُضِيَ بِجَوَازِهِ) لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، فَلِلْحَنَفِيِّ الْمُقَلِّدِ أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ وَقْفِ الْمَشَاعِ وَبُطْلَانِهِ   [رد المحتار] أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ وَقَفَهُ تَبَعًا لِلرِّبَاطِ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا وَقْفُ الْعَبِيدِ تَبَعًا لِلْمَدْرَسَةِ وَالرِّبَاطِ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ جَوَّزَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ اهـ مَعَ أَنَّهُ فِيمَا سَيَأْتِي إنَّمَا ذَكَرَ مَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ: وَنَفَقَتُهُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا الْوَاقِفُ وَفِي الْإِسْعَافِ لَوْ شَرَطَهَا مِنْ الْغَلَّةِ ثُمَّ مَرِضَ بَعْضُهُمْ اسْتِحْقَاقًا إنْ شَرَطَ إجْرَاءَهَا عَلَيْهِمْ مَا دَامُوا أَحْيَاءً وَإِنْ قَالَ لِعَمَلِهِمْ لَا يَجْرِي شَيْءٌ عَلَى مَنْ تَعَطَّلَ عَنْ الْعَمَلِ، وَلَوْ بَاعَ الْعَاجِزَ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ عَبْدًا مَكَانَهُ جَازَ اهـ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَكَذَلِكَ الدَّوَالِيبُ وَالْآلَاتُ يَبِيعُهَا وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهَا مَا هُوَ أَصْلَحُ لِلْوَقْفِ (قَوْلُهُ: وَجِنَايَتُهُ فِي مَالِ الْوَقْفِ) وَعَلَى الْمُتَوَلِّي مَا هُوَ الْأَصْلَحُ مِنْ الدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَلَوْ فَدَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ كَانَ مُتَطَوِّعًا فِي الزَّائِدِ فَيَضْمَنُهُ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ فَدَاهُ أَهْلُ الْوَقْفِ كَانُوا مُتَطَوِّعِينَ وَيَبْقَى الْعَبْدُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ إسْعَافٌ (قَوْلُهُ: لَا قَوَدَ فِيهِ) كَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ فِي الْقَوَدِ ضَرَرَ الْوَقْفِ بِفَوَاتِ الْبَدَلِ. اهـ. ح وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ مَا ذُكِرَ فِيمَا إذَا رَضِيَ الْقَاتِلُ بِدَفْعِ الْبَدَلِ أَمَّا إذَا لَمْ يَرْضَ إلَّا بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ لِلْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ عِنْدَنَا هُوَ الْأَصْلُ ط (قَوْلُهُ: بَلْ تَجِبُ قِيمَتُهُ) كَمَا لَوْ قُتِلَ خَطَأً وَيَشْتَرِي بِهِ الْمُتَوَلِّي عَبْدًا وَيَصِيرُ وَقْفًا كَمَا لَوْ قُتِلَ الْمُدَبَّرُ خَطَأً وَأَخَذَ مَوْلَاهُ قِيمَتَهُ فَإِنَّهُ يَشْتَرِي بِهَا عَبْدًا وَيَصِيرُ مُدَبَّرًا، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْخَصَّافِ بَحْرٌ. . مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَشَاعِ الْمَقْضِيِّ بِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا صَحَّ وَقْفُ مَشَاعٍ قَضَى بِجَوَازِهِ) وَيَصِيرُ بِالْقَضَاءِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ وَالْخِلَافُ فِي وَقْفِ الْمَشَاعِ مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِهِ فَأَبُو يُوسُفَ أَجَازَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّسْلِيمَ وَمُحَمَّدٌ لَمْ يُجِزْهُ لِاشْتِرَاطِهِ التَّسْلِيمَ كَمَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُفْرِزُ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ بِخِلَافِ مَا لَا يَقْبَلُهَا فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا إلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ وَقَدَّمْنَا بَعْضَ فُرُوعِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ) أَيْ لَا يُسَوَّغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ لِعَدَمِ مُخَالَفَتِهِ لِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ إذَا حَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ أَوْ مُحَمَّدٌ لَمْ يَكُنْ حَاكِمًا بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ (قَوْلُهُ: فَلِلْحَنَفِيِّ الْمُقَلِّدِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ قَضَى بِجَوَازِهِ مَا يَشْمَلُ قَضَاءَ الْحَنَفِيِّ وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِالتَّفْرِيعِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مِنْ مَذْهَبٍ آخَرَ لِأَنَّ إمَامَ مَذْهَبِنَا غَيْرُ قَائِلٍ بِهِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ قَوْلُ أَصْحَابِهِ غَيْرَ خَارِجٍ عَنْ مَذْهَبِهِ صَحَّ حُكْمُ مُقَلِّدِهِ بِهِ وَلِذَا قَالَ فِي الدُّرَرِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي، بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ خِلَافُ أَصْلِ الْمَذْهَبِ كَالْحَنَفِيِّ إذَا حَكَمَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَأَمَّا إذَا حَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ أَوْ مُحَمَّدٌ أَوْ نَحْوُهُمَا مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ فَلَيْسَ حُكْمًا بِخِلَافِ رَأْيِهِ. اهـ. فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ أَقْوَالَ أَصْحَابِ الْإِمَامِ غَيْرُ خَارِجَةٍ عَنْ مَذْهَبِهِ، فَقَدْ نَقَلُوا عَنْهُمْ أَنَّهُمْ مَا قَالُوا قَوْلًا إلَّا هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ كَمَا أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ مَنْظُومَتِي فِي رَسْمِ الْمُفْتِي. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي إشْكَالِ وَقْفِ الْمَنْقُولِ عَلَى النَّفْسِ وَبِهَذَا يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ الْمَشْهُورُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَالْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّلَبِيِّ فِي فَتَاوَاهُ وَهُوَ إنَّ وَقَفَ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ أَجَازَهُ أَبُو يُوسُفَ، وَمَنَعَهُ مُحَمَّدٌ كَمَا سَيَأْتِي وَوَقْفُ الْمَنْقُولِ كَالْبِنَاءِ بِدُونِ أَرْضٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 لِاخْتِلَافِ التَّرْجِيحِ [مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَشَاعِ الْمَقْضِيِّ بِهِ] وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ جَازَ الْإِفْتَاءُ وَالْقَضَاءُ بِأَحَدِهِمَا بَحْرٌ وَمُصَنَّفٌ. (وَ) كَمَا صَحَّ أَيْضًا وَقْفُ كُلِّ (مَنْقُولٍ) قَصْدًا (فِيهِ تَعَامُلٌ) لِلنَّاسِ (كَفَأْسٍ وَقَدُومٍ) بَلْ (وَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ) .   [رد المحتار] وَالْكُتُبِ وَالْمُصْحَفِ مَنَعَهُ أَبُو يُوسُفَ وَأَجَازَهُ مُحَمَّدٌ فَوَقْفُ الْمَنْقُولِ عَلَى النَّفْسِ لَا يَقُولُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَيَكُونُ الْحُكْمُ بِهِ مُلَفَّقًا مِنْ قَوْلَيْنِ، وَالْحُكْمُ الْمُلَفَّقُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْكِتَابِ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا أَجَابَ بِهِ الطَّرَسُوسِيُّ مِنْ أَنَّهُ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي أَفَادَ جَوَازَ الْحُكْمِ الْمُلَفَّقِ، وَتَمَامُ ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي كِتَابِنَا تَنْقِيحُ الْحَامِدِيَّةِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: لِاخْتِلَافِ التَّرْجِيحِ) فَإِنْ كُلًّا مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَوْلِ مُحَمَّدٍ صُحِّحَ بِلَفْظِ الْفَتْوَى كَمَا مَرَّ. . مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ (قَوْلُهُ: قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ) أَيْ وَقَدْ تَسَاوَيَا فِي لَفْظَيْ التَّصْحِيحِ وَإِلَّا فَالْأَوْلَى الْأَخْذُ بِمَا هُوَ آكَدُ فِي التَّصْحِيحِ كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بِلَفْظِ الصَّحِيحِ وَالْآخَرُ بِلَفْظٍ عَلَيْهِ الْفَتْوَى، فَإِنَّ الثَّانِيَ أَقْوَى وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الْمُتُونِ أَوْ كَانَ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَوْ كَانَ هُوَ الْأَرْفَقَ فَإِنَّهُ إذَا صَحَّ هُوَ وَمُقَابِلُهُ كَانَ الْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: بِأَحَدِهِمَا) أَيْ بِأَيِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرَادَ لَكِنْ إذَا قَضَى بِأَحَدِهِمَا فِي حَادِثَةٍ لَيْسَ لَهُ الْقَضَاءُ فِيهَا بِالْقَوْلِ الْآخَرِ نَعَمْ يَقْضِي بِهِ فِي حَادِثَةٍ غَيْرِهَا وَكَذَا الْمُفْتِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَطْمَحَ نَظَرِهِ إلَى مَا هُوَ الْأَرْفَقُ وَالْأَصْلَحُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: إنَّ الْمُفْتِيَ يُفْتِي بِمَا يَقَعُ عِنْدَهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ أَيْ الْمَصْلَحَةِ الدِّينِيَّةِ لَا مَصْلَحَتِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ. . مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَنْقُولِ قَصْدًا (قَوْلُهُ: كُلُّ مَنْقُولٍ قَصْدًا) إمَّا تَبَعًا لِلْعَقَارِ فَهُوَ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَهُمَا كَمَا مَرَّ لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ وَقْفِ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ أَيْ الْخَيْلِ لِلْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ وَالْخِلَافُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ مَا فِيهِ تَعَامُلٌ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْإِسْعَافِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ قَدْ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ وَنُقِلَ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ السِّيَرِ جَوَازُ وَقْفِ الْمَنْقُولِ مُطْلَقًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِذَا جَرَى فِيهِ التَّعَامُلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: وَقَدُومٍ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَانِيهِ مُخَفَّفًا وَمُثَقَّلًا. مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (قَوْلُهُ: بَلْ وَدَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ) عَزَاهُ فِي الْخُلَاصَةِ إلَى الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ زُفَرَ، وَعَزَاهُ فِي الْخَانِيَّةِ إلَى زُفَرَ حَيْثُ قَالَ: وَعَنْ زُفَرَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَنْحِ: وَلَمَّا جَرَى التَّعَامُلُ فِي زَمَانِنَا فِي الْبِلَادِ الرُّومِيَّةِ وَغَيْرِهَا فِي وَقْفِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ دَخَلَتْ تَحْتَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ فِي وَقْفِ كُلِّ مَنْقُولٍ فِيهِ تَعَامُلٌ كَمَا لَا يَخْفَى؛ فَلَا يَحْتَاجُ عَلَى هَذَا إلَى تَخْصِيصِ الْقَوْلِ بِجَوَازِ وَقْفِهَا بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ زُفَرَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَنْصَارِيِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَقَدْ أَفْتَى مَوْلَانَا صَاحِبُ الْبَحْرِ بِجَوَازِ وَقْفِهَا وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا. اهـ. مَا فِي الْمَنْحِ قَالَ الرَّمْلِيُّ: لَكِنْ فِي إلْحَاقِهَا بِمَنْقُولٍ فِيهِ تَعَامُلٌ نَظَرٌ إذْ هِيَ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ، وَإِفْتَاءُ صَاحِبِ الْبَحْرِ بِجَوَازِ وَقْفِهَا بِلَا حِكَايَةٍ خِلَافٌ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ فِي وَقْفِ مَنْقُولٍ فِيهِ تَعَامُلٌ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اخْتَارَ قَوْلَ زُفَرَ وَأَفْتَى بِهِ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي الْمِنَحِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْبَقَرَةِ الْآتِيَةِ مَمْنُوعٌ بِمَا قُلْنَا إذْ يُنْتَفَعُ بِلَبَنِهَا وَسَمْنِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا لَكِنْ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ اهـ مُلَخَّصًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 قُلْت: بَلْ وَرُدَّ الْأَمْرُ لِلْقُضَاةِ بِالْحُكْمِ بِهِ كَمَا فِي مَعْرُوضَاتِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ وَمَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ فَيُبَاعُ وَيُدْفَعُ ثَمَنُهُ مُضَارَبَةً أَوْ بِضَاعَةً فَعَلَى هَذَا لَوْ وَقَفَ كُرًّا عَلَى شَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ لِمَنْ لَا بَذْرَ لَهُ لِيَزْرَعَهُ لِنَفْسِهِ فَإِذَا أَدْرَكَ أَخَذَ مِقْدَارَهُ ثُمَّ أَقْرَضَهُ لِغَيْرِهِ وَهَكَذَا جَازَ خُلَاصَةٌ، وَفِيهَا: وَقَفَ بَقَرَةً عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ لَبَنِهَا أَوْ سَمْنِهَا لِلْفُقَرَاءِ إنْ اعْتَادُوا ذَلِكَ رَجَوْت أَنْ يَجُوزَ (وَقِدْرٍ وَجِنَازَةٍ) وَثِيَابِهَا وَمُصْحَفٍ وَكُتُبٍ لِأَنَّ التَّعَامُلَ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ لِحَدِيثِ «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» بِخِلَافِ مَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ كَثِيَابٍ،   [رد المحتار] قُلْت وَإِنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا لَكِنْ بَدَلُهَا قَائِمٌ مَقَامَهَا لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا، فَكَأَنَّهَا بَاقِيَةٌ وَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهَا مِنْ الْمَنْقُولِ، فَحَيْثُ جَرَى فِيهَا تَعَامُلٌ دَخَلَتْ فِيمَا أَجَازَهُ مُحَمَّدٌ وَلِهَذَا لَمَّا مَثَّلَ مُحَمَّدٌ بِأَشْيَاءَ جَرَى فِيهَا التَّعَامُلُ فِي زَمَانِهِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ زَادُوا أَشْيَاءَ مِنْ الْمَنْقُولِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ لَمَّا رَأَوْا جَرَيَانَ التَّعَامُلِ فِيهَا، وَذَكَرَ مِنْهَا مَسْأَلَةَ الْبَقَرَةِ الْآتِيَةِ وَمَسْأَلَةَ الدَّرَاهِمِ وَالْمَكِيلِ حَيْثُ قَالَ: فَفِي الْخُلَاصَةِ: وَقَفَ بَقَرَةً عَلَى أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ لَبَنِهَا وَسَمْنِهَا يُعْطَى لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، قَالَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ غَلَبَ ذَلِكَ فِي أَوْقَافِهِمْ رَجَوْت أَنْ يَكُونَ جَائِزًا، وَعَنْ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ زُفَرَ فِيمَنْ وَقَفَ الدَّرَاهِمَ، أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ مَا يُوزَنُ أَيَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ: نَعَمْ قِيلَ وَكَيْفَ قَالَ يَدْفَعُ الدَّرَاهِمَ مُضَارَبَةً، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا فِي الْوَجْهِ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ وَمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ يُبَاعُ وَيَدْفَعُ ثَمَنَهُ لِمُضَارَبَةٍ أَوْ بِضَاعَةٍ قَالَ فَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إذَا وَقَفَ كُرًّا مِنْ الْحِنْطَةِ عَلَى شَرْطِ أَنْ يُقْرَضَ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ لَا بَذْرَ لَهُمْ لِيَزْرَعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ يُوجَدُ مِنْهُمْ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ قَدْرُ الْقَرْضِ، ثُمَّ يُقْرِضُ لِغَيْرِهِمْ بِهَذَا الْفُقَرَاءِ أَبَدًا عَلَى هَذَا السَّبِيلِ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا قَالَ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الرَّيِّ وَنَاحِيَةِ دُومَاوَنْدَ اهـ. وَبِهَذَا ظَهَرَ صِحَّةُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ إلْحَاقِهَا بِالْمَنْقُولِ الْمُتَعَارَفِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ وَإِنَّمَا خَصُّوهَا بِالنَّقْلِ عَنْ زُفَرَ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُتَعَارَفَةً إذْ ذَاكَ؛ ولِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَالَ بِهَا ابْتِدَاءً قَالَ فِي النَّهْرِ: وَمُقْتَضَى مَا مَرَّ عَنْ مُحَمَّدٍ عَدَمُ جَوَازِ ذَلِكَ أَيْ وَقْفُ الْحِنْطَةِ فِي الْأَقْطَارِ الْمِصْرِيَّةِ لِعَدَمِ تَعَارُفِهِ بِالْكُلِّيَّةِ. نَعَمْ وَقْفُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ تُعُورِفَ فِي الدِّيَارِ الرُّومِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَكِيلٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَدَرَاهِمَ (قَوْلُهُ: وَيَدْفَعُ ثَمَنَهُ مُضَارَبَةً أَوْ بِضَاعَةً) وَكَذَا يُفْعَلُ فِي وَقْفِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَمَا خَرَجَ مِنْ الرِّبْحِ يَتَصَدَّقُ بِهِ فِي جِهَةِ الْوَقْفِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ فِي قَوْلِ الْفَتْحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ بِرِبْحِهَا، وَعِبَارَةُ الْإِسْعَافِ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ (قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا) أَيْ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ وَقْفِ الْمَكِيلِ (قَوْلُهُ: وَجِنَازَةٍ) بِالْكَسْرِ النَّعْشُ وَثِيَابُهَا مَا يُغَطَّى بِهِ الْمَيِّتُ وَهُوَ فِي النَّعْشِ ط. مَطْلَبٌ فِي التَّعَامُلِ وَالْعُرْفِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّعَامُلَ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ) فَإِنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ صِحَّةِ وَقْفِ الْمَنْقُولِ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْوَقْفِ التَّأْبِيدَ، وَالْمَنْقُولُ لَا يَدُومُ وَالتَّعَامُلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّحْرِيرِ، هُوَ الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا وَفِي شَرْح الْبِيرِيِّ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّ الثَّابِتَ بِالْعُرْفِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ اهـ وَتَمَامُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ [نَشْرُ الْعُرْفِ فِي بِنَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْعُرْفِ] وَظَاهِرُ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْبَقَرَةِ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ الْحَادِثِ، فَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ، وَكَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا مِنْ زِيَادَةِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَشْيَاءَ جَرَى التَّعَامُلُ فِيهَا وَعَلَى هَذَا فَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ فِي الْمَوْضِعِ، أَوْ زَمَانُ الَّذِي اُشْتُهِرَ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ فَوَقْفُ الدَّرَاهِمِ مُتَعَارَفٌ فِي بِلَادِ الرُّومِ دُونَ بِلَادِنَا وَقْفُ الْفَأْسِ وَالْقَدُومِ كَانَ مُتَعَارَفًا فِي زَمَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَمْ نَسْمَعْ بِهِ فِي زَمَانِنَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْآنَ وَلَئِنْ وُجِدَ نَادِرًا لَا يُعْتَبَرُ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ التَّعَامُلَ هُوَ الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا فَتَأَمَّلَ (قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ إلَخْ) رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ، وَوَهَمَ مَنْ عَزَاهُ لِلْمُسْنَدِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 وَمَتَاعٍ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اخْتِيَارٌ وَأَلْحَقَ فِي الْبَحْرِ السَّفِينَةَ بِالْمَتَاعِ. [مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمَنْقُولِ قَصْدًا] وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: جَازَ وَقْفُ الْأَكْسِيَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَتُدْفَعُ إلَيْهِمْ شِتَاءً ثُمَّ يَرُدُّونَهَا بَعْدَهُ. وَفِي الدُّرَرِ وَقَفَ مُصْحَفًا عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ لِلْقِرَاءَةِ إنْ يُحْصُونَ جَازَ وَإِنْ وَقَفَ عَلَى الْمَسْجِدِ جَازَ وَيَقْرَأُ فِيهِ، وَلَا يَكُونُ مَحْصُورًا عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ وَبِهِ عُرِفَ حُكْمُ نَقْلِ كُتُبِ الْأَوْقَافِ مِنْ مَحَلَهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا وَالْفُقَهَاءُ بِذَلِكَ مُبْتَلَوْنَ فَإِنْ وَقَفَهَا عَلَى مُسْتَحِقِّي وَقْفِهِ لَمْ يَجُزْ نَقْلُهَا   [رد المحتار] مِنْ حَدِيثِ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ حَسَنٌ وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ عَنْ الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ لِلسَّخَاوِيِّ (قَوْلُهُ: وَمَتَاعٍ) مَا يُتَمَتَّعُ بِهِ فَهُوَ عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ، فَيَشْمَلُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْبَيْتِ مِنْ أَثَاثِ الْمَنْزِلِ كَفِرَاشٍ وَبِسَاطٍ وَحَصِيرٍ لِغَيْرِ مَسْجِدٍ وَالْأَوَانِي وَالْقُدُورِ. نَعَمْ تُعُورِفَ وَقْفُ الْأَوَانِي مِنْ النَّحَّاسِ وَنَصَّ الْمُتَقَدِّمُونَ عَلَى وَقْفِ الْأَوَانِي وَالْقُدُورِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا فِي غَسْلِ الْمَوْتَى (قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ جَوَازُ وَقْفِ الْمَنْقُولِ الْمُتَعَارَفِ (قَوْلُهُ: وَأَلْحَقَ فِي الْبَحْرِ السَّفِينَةَ بِالْمَتَاعِ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ لَكِنْ قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيُّ: إنَّهُمْ تَعَامَلُوا وَقْفَهَا فَلَا تَرَدُّدَ فِي صِحَّتِهِ. اهـ. وَكَأَنَّهُ حَدَثَ بَعْدَ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَأَلْحَقَ فِي الْمِنَحِ وَقْفَ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَرْضِ، وَكَذَا وَقْفُ الْأَشْجَارِ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ فِيهِ تَعَامُلٌ وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ الْمُنْتَقَى. وسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَنَى عَلَى أَرْضٍ إلَخْ. (قَوْلُهُ: جَازَ وَقْفُ الْأَكْسِيَةِ إلَخْ) قُلْت: وَفِي زَمَانِنَا قَدْ وَقَفَ بَعْضُ الْمُتَوَلِّينَ عَلَى الْمُؤَذِّنِينَ الْفِرَاءَ شِتَاءً لَيْلًا فَيَنْبَغِي الْجَوَازُ سِيَّمَا عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الزَّاهِدِيِّ فَتَدَبَّرْ شَرْحَ الْمُلْتَقَى: أَيْ مَا ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ فِي الْمُجْتَبَى مِنْ جَوَازِ وَقْفِ الْمَنْقُولِ مُطْلَقًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِي وَقْفِ نَفْسِ الْأَكْسِيَةِ أَمَّا لَوْ وَقَفَ عَقَارًا وَشَرَطَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ رِيعِهِ أَكْسِيَةً لِلْفُقَرَاءِ أَوْ الْمُؤَذِّنِينَ فَلَا كَلَامَ فِيهِ كَمَا أَفَادَهُ ط. مَطْلَبٌ مَتَى ذُكِرَ لِلْوَقْفِ مَصْرِفًا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ تَنْصِيصٌ عَلَى الْحَاجَةِ. (قَوْلُهُ: إنْ يُحْصَوْنَ جَازَ) هَذَا الشَّرْطُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مِنْ الضَّابِطِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ لِلْوَقْفِ مَصْرِفًا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ تَنْصِيصٌ عَلَى الْحَاجَةِ حَقِيقَةً كَالْفُقَرَاءِ أَوْ اسْتِعْمَالًا بَيْنَ النَّاسِ كَالْيَتَامَى وَالزَّمْنَى؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِمْ الْفَقْرُ، فَيَصِحُّ لِلْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ إنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ، وَإِلَّا فَلِفُقَرَائِهِمْ فَقَطْ، وَمَتَى ذَكَرَ مَصْرِفًا يَسْتَوِي فِيهِ الْأَغْنِيَاءُ وَالْفُقَرَاءُ، فَإِنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ صَحَّ بِاعْتِبَارِ أَعْيَانِهِمْ وَإِلَّا بَطَلَ، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَا لَا يُحْصَى عَشْرَةٌ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِائَةٌ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَقِيلَ أَرْبَعُونَ وَقِيلَ ثَمَانُونَ وَالْفَتْوَى أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ إسْعَافٌ وَبَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ وَقَفَ عَلَى الْمَسْجِدِ جَازَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ كَوْنُ أَهْلِهِ مِمَّنْ يُحْصَوْنَ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْمَسْجِدِ لَا عَلَى أَهْلِهِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْمُقَابَلَةِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ يَصِيرُ كَالتَّنْصِيصِ عَلَى التَّأْبِيدِ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عَلَى عِمَارَةِ مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمُخْتَارِ لِتَأَبُّدِهِ مَسْجِدًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَجْعَلُ آخِرَهُ لِجِهَةِ قُرْبَةٍ (قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ مَحْصُورًا عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ) هَذَا ذُكِرَ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَا يَكُونُ إلَخْ أَيْ وَذُكِرَ فِي كِتَابٍ آخَرَ فَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ: وَيَقْرَأُ فِيهِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ حَيْثُ كَانَ الْوَاقِفُ عَيَّنَ ذَلِكَ الْمَسْجِدَ، فَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ الدُّرِّ حَيْثُ نَقَلَ الْعِبَارَةَ عَنْ الْخُلَاصَةِ، وَأَسْقَطَ مِنْهَا قَوْلَهُ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ غَيْرِ مُنَاسِبٍ لِإِيهَامِهِ أَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ مَا قَبْلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ فَهِمَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَيَقْرَأُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ فَيَكُونُ مَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ غَيْرَ مُخَالِفٍ لَهُ تَأَمَّلْ، لَكِنْ فِي الْقُنْيَةِ: سَبَّلَ مُصْحَفًا فِي مَسْجِدٍ بِعَيْنِهِ لِلْقِرَاءَةِ لَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى آخَرَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ لِلْقِرَاءَةِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهَذَا يُوَافِقُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لَا مَا ذُكِرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ اهـ فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُتَغَايِرَانِ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي الدُّرَرِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: وَبِهِ عُرِفَ حُكْمُ إلَخْ) الْحُكْمُ هُوَ مَا بَيَّنَهُ بَعْدُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ وَقَفَهَا إلَخْ ط (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ نَقْلُهَا) وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ النَّاقِلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 وَإِنْ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ وَجَعَلَ مَقَرَّهَا فِي خِزَانَتِهِ الَّتِي فِي مَكَانِ كَذَا فَفِي جَوَازِ النَّقْلِ تَرَدُّدٌ نَهْرٌ (وَيَبْدَأُ مِنْ غَلَّتِهِ بِعِمَارَتِهِ)   [رد المحتار] لَيْسَ مِنْهُمْ نَهْرٌ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ عَيَّنَ مَكَانَهَا بِأَنْ بَنَى مَدْرَسَةً وَعَيَّنَ وَضْعَ الْكُتُبِ فِيهَا لِانْتِفَاعِ سُكَّانِهَا. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْوَقْفِ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِمْ الْفَقْرُ كَمَا عُلِمَ مِنْ الضَّابِطِ الْمَارِّ آنِفًا. وَفِي الْبَحْرِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: فَعَلَى هَذَا إذَا وَقَفَ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ فِي بَلْدَةِ كَذَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْفَقْرَ غَالِبٌ فِيهِمْ، فَكَانَ الِاسْمُ مُنْبِئًا عَنْ الْحَاجَةِ ثُمَّ ذَكَرَ الضَّابِطَ الْمَارَّ. قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ يَخْتَصُّ بِفُقَرَائِهِمْ، فَعَلَى هَذَا وَقْفُ الْمُصْحَفِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْكُتُبِ فِي الْمَدَارِسِ لَا يَحِلُّ لِغَيْرِ فَقِيرٍ وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ مِنْ عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ وَالْقُنْيَةِ فِي الْمُصْحَفِ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا مِمَّا يَسْتَوِي فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: مِنْهَا: مَا يَسْتَوِي فِيهِ الْفَرِيقَانِ كَرِبَاطٍ وَخَانٍ وَمَقَابِرَ وَسِقَايَةٍ وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يُرِيدُونَ فِيهِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ، وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ وَاقِفَ الْكُتُبِ يَقْصِدُ نَفْعَ الْفَرِيقَيْنِ ولِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ غَنِيٍّ يَجِدُ كُلَّ كِتَابٍ يُرِيدُهُ خُصُوصًا وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. مَطْلَبٌ فِي نَقْلِ كُتُبِ الْوَقْفِ مِنْ مَحَلِّهَا (قَوْلُهُ: فَفِي جَوَازِ النَّقْلِ تَرَدُّدٌ) الَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ كُتُبًا وَعَيَّنَ مَوْضِعَهَا فَإِنْ وَقَفَهَا عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، لَمْ يَجُزْ نَقْلُهَا مِنْهُ لَا لَهُمْ وَلَا لِغَيْرِهِمْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِمْ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَإِنْ وَقَفَهَا عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ، فَلِكُلِّ طَالِبٍ الِانْتِفَاعُ بِهَا فِي مَحَلِّهَا وَأَمَّا نَقْلُهَا مِنْهُ، فَفِيهِ تَرَدُّدٌ نَاشِئٌ مِمَّا تَقَدَّمَهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ مِنْ حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ الْمُصْحَفَ عَلَى الْمَسْجِدِ أَيْ بِلَا تَعْيِينِ أَهْلِهِ قِيلَ يَقْرَأُ فِيهِ أَيْ يَخْتَصُّ بِأَهْلِهِ الْمُتَرَدِّدِينَ إلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا يَخْتَصُّ بِهِ أَيْ فَيَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ عَلِمْت تَقْوِيَةَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِمَا مَرَّ عَنْ الْقُنْيَةِ وَبَقِيَ مَا لَوْ عَمَّمَ الْوَاقِفُ بِأَنَّ وَقْفَهُ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ لَكِنَّهُ شَرَطَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَدْرَسَةِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ وَقَدَّمْنَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يُرْهَنُ عَنْ الْأَشْبَاهِ: أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا بِرَهْنٍ لَا يَبْعُدُ وُجُوبُ اتِّبَاعِ شَرْطِهِ وَحَمْلُ الرَّهْنِ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ تَبَعًا لِمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَالْمِلْكُ يَزُولُ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ شَرَائِطَ الْوَاقِفِ مُعْتَبَرَةٌ إذَا لَمْ تُخَالِفْ الشَّرْعَ وَهُوَ مَالِكٌ، فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَالَهُ حَيْثُ شَاءَ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً وَلَهُ أَنْ يَخُصَّ صِنْفًا مِنْ الْفُقَرَاءِ، وَكَذَا سَيَأْتِي فِي فُرُوعِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ قَوْلَهُمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ أَيْ فِي الْمَفْهُومِ وَالدَّلَالَةِ، وَوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ قُلْت: لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الْوَاقِفَ نَفْسَهُ شَرَطَ ذَلِكَ حَقِيقَةً أَمَّا مُجَرَّدُ كِتَابَةِ ذَلِكَ عَلَى ظَهْرِ الْكُتُبِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الشَّرْطُ وَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ قَوَّامِ مَدْرَسَةٍ إنَّ وَاقِفَهَا كَتَبَ ذَلِكَ لِيَجْعَلَ حِيلَةً لِمَنْعِ إعَارَةِ مَنْ يُخْشَى مِنْهُ الضَّيَاعُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. . مَطْلَبٌ يَبْدَأُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ بِعِمَارَتِهِ (قَوْلُهُ: وَيَبْدَأُ مِنْ غَلَّتِهِ بِعِمَارَتِهِ) أَيْ قَبْلَ الصَّرْفِ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ الْعِمَارَةُ بِالْكَسْرِ مَصْدَرٌ أَوْ اسْمٌ مَا يُعَمَّرُ بِهِ الْمَكَانُ. بِأَنْ يُصْرَفَ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ حَتَّى يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ دُونَ الزِّيَادَةِ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ. كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ وَغَيْرِهِ، فَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ شَجَرًا يُخَافُ هَلَاكُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ غَلَّتِهِ قَصِيلًا فَيَغْرِزَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 ثُمَّ مَا هُوَ أَقْرَبُ لِعِمَارَتِهِ كَإِمَامِ مَسْجِدٍ وَمُدَرِّسِ مَدْرَسَةٍ يُعْطَوْنَ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِمْ   [رد المحتار] لِأَنَّ الشَّجَرَ يَفْسُدُ عَلَى امْتِدَادِ الزَّمَانِ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ سَبِخَةً لَا يَنْبُتُ فِيهَا شَيْءٌ كَانَ لَهُ أَنْ يُصْلِحَهَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. مَطْلَبٌ دَفْعُ الْمَرْصَدِ مُقَدَّمٌ عَلَى الدَّفْعِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ دَفْعُ الْمَرْصَدِ الَّذِي عَلَى الدَّارِ، فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الدَّفْعِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ كَمَا فِي فَتَاوَى تِلْمِيذِ الشَّارِحِ الْمَرْحُومِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ قَلَّ مَنْ تَنَبَّهَ لَهَا، فَإِنَّ الْمُرْصِدِينَ عَلَى الْوَقْفِ لِضَرُورَةِ تَعْمِيرِهِ فَإِذَا وُجِدَ فِي الْوَقْفِ مَالٌ وَلَوْ فِي كُلِّ سَنَةٍ شَيْءٌ حَتَّى تَتَلَخَّصَ رَقَبَةُ الْوَقْفِ وَيَصِيرَ يُؤَجَّرُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ لَزِمَ النَّاظِرَ ذَلِكَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. مَطْلَبٌ كَوْنُ التَّعْمِيرِ مِنْ الْغَلَّةِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْخَرَابُ بِصُنْعِ أَحَدٍ وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ كَوْنَ التَّعْمِيرِ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْخَرَابُ بِصُنْعِ أَحَدٍ، وَلِذَا قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ آجَرَ دَارَ الْوَقْفِ فَجَعَلَ الْمُسْتَأْجِرُ رُوَاتَهَا مَرْبُوطًا لِلدَّوَابِّ وَخَرَابَهَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ فِعْلٌ بِغَيْرِ إذْنٍ اهـ. مَطْلَبٌ عِمَارَةُ الْوَقْفِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَقَفَهُ [تَنْبِيهٌ] لَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَالْعِمَارَةُ فِي مَالِهِ كَمَا سَيَأْتِي بِقَدْرِ مَا يَبْقَى الْمَوْقُوفُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَقَفَهُ، فَإِنْ خَرِبَ يَبْنِي كَذَلِكَ وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِلَا رِضَاءٍ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَكَذَلِكَ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ تَجُوزُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ هِدَايَةً مُلَخَّصًا وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ عُمَارَةَ الْوَقْفِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ لَا تَجُوزُ بِلَا رِضَا الْمُسْتَحِقِّينَ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ بِقَدْرِ مَا يَبْقَى إلَخْ مَنْعُ الْبَيَاضِ وَالْحُمْرَةِ عَلَى الْحِيطَانِ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ إنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَهُ الْوَاقِفُ وَإِنْ فَعَلَهُ فَلَا مَنْعَ بَحْرٌ. مَطْلَبٌ يَبْدَأُ بَعْدَ الْعِمَارَةِ بِمَا هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَا هُوَ أَقْرَبُ لِعِمَارَتِهِ إلَخْ) أَيْ فَإِنْ انْتَهَتْ عِمَارَتُهُ وَفَضَلَ مِنْ الْغَلَّةِ شَيْءٌ يَبْدَأُ بِمَا هُوَ أَقْرَبُ لِلْعِمَارَةِ وَهُوَ عِمَارَتُهُ الْمَعْنَوِيَّةُ الَّتِي هِيَ قِيَامُ شَعَائِرِهِ قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَاَلَّذِي يَبْدَأُ بِهِ مِنْ ارْتِفَاعِ الْوَقْفِ أَيْ مِنْ غَلَّتِهِ عِمَارَتُهُ شَرْطُ الْوَاقِفِ أَوَّلًا ثُمَّ مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْعِمَارَةِ، وَأَعَمُّ لِلْمَصْلَحَةِ كَالْإِمَامِ لِلْمَسْجِدِ، وَالْمُدَرِّسِ لِلْمَدْرَسَةِ يُصْرَفُ إلَيْهِمْ إلَى قَدْرِ كِفَايَتِهِمْ، ثُمَّ السِّرَاجُ وَالْبِسَاطُ كَذَلِكَ إلَى آخِرِ الْمَصَالِحِ ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ مُعَيَّنًا عَلَى شَيْءٍ يُصْرَفُ إلَيْهِ بَعْدَ عِمَارَةِ الْبِنَاءِ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالسِّرَاجِ بِالْكَسْرِ: الْقَنَادِيلُ وَمُرَادُهُ مَعَ زَيْتِهَا وَالْبِسَاطُ بِالْكَسْرِ أَيْضًا الْحَصِيرُ، وَيُلْحَقُ بِهِمَا مَعْلُومُ خَادِمِهِمَا وَهُمَا الْوَقَّادُ وَالْفَرَّاشُ فَيُقَدَّمَانِ وَقَوْلُهُ إلَى آخِرِ الْمَصَالِحِ: أَيْ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُؤَذِّنُ وَالنَّاظِرُ وَيَدْخُلُ تَحْتَ الْإِمَامِ الْخَطِيبُ لِأَنَّهُ إمَامُ الْجَامِعِ اهـ مُلَخَّصًا ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ تَعْبِيرَ الْحَاوِي بِثُمَّ يُفِيدُ تَقْدِيمَ الْعِمَارَةِ عَلَى الْجَمِيعِ كَمَا هُوَ إطْلَاقُ الْمُتُونِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِمْ الْفَاضِلُ عَنْهَا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُ كَلَامَ الْبَحْرِ نَعَمْ كَلَامُ الْفَتْحِ الْآتِي يُفِيدُ الْمُشَارَكَةَ وَيَأْتِي بَيَانُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ كِفَايَتِهِمْ) أَيْ لَا بِقَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ الْمَشْرُوطِ لَهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ الْحَاوِي هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا إلَخْ رَاجِعٌ إلَيْهِ كَمَا فَهِمَهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى، وَقَالَ: إنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 ثُمَّ السِّرَاجُ وَالْبِسَاطُ كَذَلِكَ إلَى آخِرِ الْمَصَالِحِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ الْوَقْفُ) لِثُبُوتِهِ اقْتِضَاءً [مَطْلَبٌ يَبْدَأُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ بِعِمَارَتِهِ] وَتُقْطَعُ الْجِهَاتُ لِلْعِمَارَةِ إنْ لَمْ يُخَفْ ضَرَرٌ بَيِّنٌ فَتْحٌ، فَإِنْ خِيفَ كَإِمَامٍ وَخَطِيبٍ وَفِرَاشٍ قُدِّمُوا   [رد المحتار] الْوَقْفُ عَلَى جُمْلَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ بِلَا تَعْيِينٍ قُدِّرَ لِكُلٍّ فَلَوْ بِهِ فَلَا يَنْبَغِي جَعْلُ الْحُكْمِ كَذَلِكَ اهـ أَيْ بَلْ يُصْرَفُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمْ الْقَدْرُ الَّذِي عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ، ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّعْيِينِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْعِمَارَةِ كَالْعِمَارَةِ وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ مُطْلَقًا، وَيُقَوِّيهِ تَجْوِيزُهُمْ مُخَالَفَةَ شَرْطِ الْوَاقِفِ فِي سَبْعَةِ مَسَائِلَ مِنْهَا: الْإِمَامُ لَوْ شَرَطَ لَهُ مَا لَا يَكْفِيهِ يُخَالِفُ شَرْطَهُ اهـ. قُلْت: وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَالتَّسْوِيَةُ بِالْعِمَارَةِ تَقْتَضِي تَقْدِيمَهُمَا أَيْ الْإِمَامِ وَالْمُدَرِّسِ عِنْدَ شَرْطِ الْوَاقِفِ إنَّهُ إذَا ضَاقَ رِيعُ الْوَقْفِ قُسِمَ الرِّيعُ عَلَيْهِمْ بِالْحِصَّةِ وَأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يُعْتَبَرُ. اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْوَجْهَ يَقْتَضِي أَنَّ مَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْعِمَارَةِ يُلْحَقُ بِهَا فِي التَّقْدِيمِ عَلَى بَقِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ قِسْمَةَ الرِّيعِ عَلَى الْجَمِيعِ بِالْحِصَّةِ أَوْ جَعَلَ لِلْكُلِّ قَدْرًا وَكَانَ مَا قَدَّرَهُ لِلْإِمَامِ وَنَحْوِهِ لَا يَكْفِيهِ فَيُعْطِي قَدْرَ الْكِفَايَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَعْطِيلُ الْمَسْجِدِ، فَيُقَدِّمُ أَوَّلًا الْعِمَارَةَ الضَّرُورِيَّةَ ثُمَّ الْأَهَمَّ فَالْأَهَمَّ مِنْ الْمَصَالِحِ وَالشَّعَائِرِ بِقَدْرِ مَا يُقَوَّمُ بِهِ الْحَالُ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ يُعْطَى لِبَقِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَ الْوَاقِفِ انْتِظَامُ حَالِ مَسْجِدِهِ أَوْ مَدْرَسَتِهِ لَا مُجَرَّدُ انْتِفَاعِ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَإِنْ لَزِمَ تَعْطِيلُهُ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْحَاوِي الْمَذْكُورِ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ إرْجَاعُ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِ الْحَاوِي هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا إلَخْ إلَى صَدْرِ عِبَارَتِهِ، يَعْنِي أَنَّ الصَّرْفَ إلَى مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْعِمَارَةِ كَالْإِمَامِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ مُعَيَّنًا عَلَى جَمَاعَةٍ مَعْلُومِينَ كَالْمَسْجِدِ وَالْمَدْرَسَةِ، أَمَّا لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا كَالدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ أَوْ الْفُقَرَاءِ فَإِنَّهُ بَعْدَ الْعِمَارَةِ يُصْرَفُ الرِّيعُ إلَى مَا عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ بِلَا تَقْدِيمٍ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ لَا بِقَدْرِ الشَّرْطِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ الْآتِي: فَيُعْطُوا الْمَشْرُوطَ وَقَوْلُهُ: فَلَهُمْ أُجْرَةُ عَمَلِهِمْ، فَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ (قَوْلُهُ: لِثُبُوتِهِ اقْتِضَاءً) لِأَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ صَرْفَ الْغَلَّةِ مُؤَبَّدًا وَلَا تَبْقَى دَائِمَةً إلَّا بِالْعِمَارَةِ فَيَثْبُتُ شَرْطُ الْعِمَارَةِ اقْتِضَاءً بَحْرٌ وَمِثْلُهَا مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْهَا كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا. مَطْلَبٌ فِي قَطْعِ الْجِهَاتِ لِأَجْلِ الْعِمَارَةِ (قَوْلُهُ: وَتُقْطَعُ الْجِهَاتُ) أَيْ تُمْنَعُ مِنْ الصَّرْفِ إلَيْهَا، وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ وَتُقْطَعُ الْجِهَاتُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا لِلْعِمَارَةِ إنْ لَمْ يُخَفْ ضَرَرٌ بَيِّنٌ فَإِنْ خِيفَ قُدِّمَ اهـ أَيْ إنَّ مَنْ يُخَافُ بِقَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ كَإِمَامٍ وَنَحْوِهِ يُقَدَّمُ أَيْ عَلَى بَقِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ مِمَّنْ لَيْسَ فِي قَطْعِهِمْ ضَرَرٌ بَيِّنٌ لَا عَلَى الْعِمَارَةِ فَافْهَمْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْعِمَارَةَ الْغَيْرَ الضَّرُورِيَّةِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يُقَدَّمُ عَلَيْهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: قُدِّمَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِقَرِينَةِ صَدْرِ الْعِبَارَةِ، لَكِنْ يَصِيرُ مُفَادُهُ أَنَّ مَنْ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ يُسَاوِي الْعِمَارَةَ فَيُصْرَفُ أَوَّلًا إلَيْهَا وَإِلَيْهِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُفَادِ مِنْ التَّعْبِيرِ بِثُمَّ فِي عِبَارَةِ الْحَاوِي كَمَا مَرَّ، فَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِثُمَّ مَعْنَى الْوَاوِ كَمَا هُوَ مُفَادُ كَلَامِ الْبَحْرِ، أَوْ يُرَادَ بِالْعِمَارَةِ فِيمَا مَرَّ الضَّرُورِيَّةُ كَرَفْعِ سَقْفٍ أَوْ جِدَارٍ، فَيُصْرَفُ الرِّيعُ إلَيْهَا أَوَّلًا كَمَا هُوَ مُفَادُ الْمُتُونِ، ثُمَّ الْفَاضِلُ إلَى الْجِهَاتِ الضَّرُورِيَّةِ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ دُونَ غَيْرِهَا كَالشَّاهِدِ وَالْجَابِي وَخَازِنِ الْكُتُبِ وَنَحْوِهِمْ، وَيُرَادُ بِمَا فِي الْفَتْحِ الْعِمَارَةُ الْغَيْرُ الضَّرُورِيَّةِ فَتُقَدَّمُ الْجِهَاتُ الضَّرُورِيَّةُ عَلَيْهَا أَوْ تُشَارِكُهَا إذَا كَانَ الرِّيعُ يَكْفِي كُلًّا مِنْهُمَا، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ اُحْتِيجَ قَطْعُ الْكُلِّ لِلْعِمَارَةِ الضَّرُورِيَّةِ قُدِّمَتْ عَلَى جَمِيعِ الْجِهَاتِ؛ إذْ لَيْسَ مِنْ النَّظَرِ خَرَابُ الْمَسْجِدِ لِأَجْلِ إمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ. فَالْحَاصِلُ: أَنَّ التَّرْتِيبَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ عِبَارَةِ الْحَاوِي بِالنَّظَرِ إلَى تَقْدِيمِ الْعِمَارَةِ الضَّرُورِيَّةِ، عَلَى جَمِيعِ الْجِهَاتِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 فَيُعْطَى الْمَشْرُوطُ لَهُمْ   [رد المحتار] وَالْمُشَارَكَةِ الْمُفَادَةِ مِنْ عِبَارَةِ الْفَتْحِ بِالنَّظَرِ إلَى غَيْرِ الضَّرُورِيَّةِ أَوْ إذَا كَانَ فِي الرِّيعِ زِيَادَةٌ عَلَى الضَّرُورِيَّةِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ التَّصْرِيحَ بِحَمْلِ مَا فِي الْحَاوِي عَلَى مَا قُلْنَا (قَوْلُهُ: فَيُعْطَى الْمَشْرُوطُ لَهُمْ) بِرَفْعِ الْمَشْرُوطِ نَائِبُ فَاعِلِ يُعْطَى، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَيُعْطَوْا بِالْجَزْمِ بِحَذْفِ النُّونِ عَطْفًا عَلَى قُدِّمُوا وَنَصْبُ الْمَشْرُوطِ مَفْعُولٌ ثَانٍ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ تَابَعَ فِيهِ النَّهْرَ وَهُوَ خِلَافُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِمْ، وَخِلَافُ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَخْذِ قَدْرِ الْأُجْرَةِ. قُلْت: لَا يَخْفَى عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْفَتْحِ الْمَارِّ، وَتُقْطَعُ الْجِهَاتُ إلَخْ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ يُخَافُ بِقَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ لَا يُقْطَعُ مَعْلُومُهُ الْمَشْرُوطُ لَهُ بَلْ يُقَدَّمُ وَيَأْخُذُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ كَالنَّاظِرِ وَالشَّادِّ وَالْمُبَاشِرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَا يُعْطَى شَيْئًا أَيْ إلَّا إذَا عَمِلَ زَمَنَ الْعِمَارَةِ، فَلَهُ قَدْرُ أُجْرَتِهِ فَقَطْ لَا الْمَشْرُوطُ، فَإِنَّهُ فِي الْفَتْحِ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ قُدِّمَ، وَأَمَّا النَّاظِرُ فَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ مِنْ الْوَاقِفِ فَهُوَ كَأَحَدِ الْمُسْتَحِقِّينَ فَإِذَا قَطَعُوا لِلْعِمَارَةِ قَطَعَ إلَّا أَنْ يَعْمَلَ كَالْفَاعِلِ وَالْبِنَاءِ وَنَحْوِهِمَا فَيَأْخُذُ قَدْرَ أُجْرَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا اهـ وَلِهَذَا قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَفَادَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ مِمَّا يُخَافُ بِقَطْعِهِ الضَّرَرُ الْبَيِّنُ الْإِمَامُ وَالْخَطِيبُ، فَيُعْطَيَانِ الْمَشْرُوطَ لَهُمَا أَمَّا الْمُبَاشِرُ وَالشَّادُّ إذَا عَمِلَا زَمَنَ الْعِمَارَةِ فَإِنَّمَا يَسْتَحِقَّانِ بِقَدْرِ أُجْرَةِ عَمَلِهِمَا لَا الْمَشْرُوطِ اهـ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَأَفَادَ فِي الْبَحْرِ سَبْقُ قَلَمٍ، وَصَوَابُهُ وَأَفَادَ فِي الْفَتْحِ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُوَ مُفَادُ كَلَامِ الْفَتْحِ كَمَا عَلِمْته، وَأَمَّا مَا فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُ خِلَافُ هَذَا لِأَنَّهُ بَعْدَ مَا ذَكَرَ كَلَامَ الْفَتْحِ قَالَ: فَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ عَمِلَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ زَمَنَ الْعِمَارَةِ يَأْخُذُ قَدْرَ أُجْرَتِهِ، لَكِنْ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَرْكُ عَمَلِهِ إلَّا بِضَرَرٍ بَيِّنٍ كَالْإِمَامِ وَالْخَطِيبِ، وَلَا يُرَاعَى الْمَعْلُومُ الْمَشْرُوطُ زَمَنَ الْعِمَارَةِ، فَعَلَى هَذَا إذَا عَمِلَ الْمُبَاشِرُ وَالشَّادُّ زَمَنَ الْعِمَارَةِ يُعْطَيَانِ بِقَدْرِ أُجْرَةِ عَمَلِهِمَا فَقَطْ وَأَمَّا مَا لَيْسَ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ فَإِنَّهُ لَا يُعْطَى شَيْئًا أَصْلًا زَمَنَ الْعِمَارَةِ. اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا نَسَبَهُ إلَى ظَاهِرِ الْفَتْحِ خِلَافُ الظَّاهِرِ، فَإِنَّ ظَاهِرَ الْفَتْحِ أَنَّ مَنْ لَا يُقْطَعُ يُعْطَى الْمَشْرُوطَ لَا الْأَجْرَ وَمَنْ يُقْطَعُ وَهُوَ مَنْ لَيْسَ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ لَا يُعْطَى، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ النَّاظِرَ مِمَّنْ يُقْطَعُ وَأَنَّهُ إذَا عَمِلَ فَلَهُ قَدْرُ أُجْرَتِهِ: أَيْ لَا مَا شَرَطَهُ لَهُ الْوَاقِفُ فَأَفَادَ أَنَّ مَنْ يُقْطَعُ كَالنَّاظِرِ لَا يُعْطَى شَيْئًا إلَّا إذَا عَمِلَ وَهَذَا كُلُّهُ كَمَا تَرَى مُخَالِفٌ لِمَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ مَنْ لَا يُقْطَعُ كَالْإِمَامِ لَهُ الْأَجْرُ إذَا عَمِلَ، وَمَنْ يُقْطَعُ لَا يُعْطَى شَيْئًا أَصْلًا أَيْ لَا أَجْرًا وَلَا مَشْرُوطًا وَإِنْ عَمِلَ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ جَعَلَ لِلشَّادِّ وَالْمُبَاشِرِ أُجْرَةً إذَا عَمِلَا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُمَا مِنْ الشَّعَائِرِ الَّتِي لَا تُقْطَعُ، وَهُوَ خِلَافُ مَا صَرَّحَ بِهِ نَفْسُهُ بَعْدَ نَحْوِ ثَلَاثِ أَوْرَاقٍ نَعَمْ هُوَ مُوَافِقٌ لِمَا بَحَثَهُ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِهَؤُلَاءِ يَعْنِي الْإِمَامَ وَالْمُدَرِّسَ وَالْخَطِيبَ وَالْمُؤَذِّنَ وَالْمِيقَاتِيَّ وَالنَّاظِرَ؛ وَكَذَا الشَّادُّ وَالْكَاتِبُ وَالْجَابِي زَمَنَ الْعِمَارَةِ اهـ لَكِنْ رَدَّ فِي النَّهْرِ مَا فِي الْأَشْبَاهِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ كَلَامِهِمْ كَمَا مَرَّ، بَلْ النَّاظِرُ وَغَيْرُهُ إذَا عَمِلَ زَمَنَ الْعِمَارَةِ، كَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ الْحَقُّ اهـ وَمُرَادُهُ بِمَا جَرَى عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ، مَا نَقَلَهُ عَنْ الْفَتْحِ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: بَلْ النَّاظِرُ وَغَيْرُهُ: أَيْ مَنْ لَيْسَ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ وَوَجْهُ مُخَالَفَتِهِ لِلْمَنْقُولِ. أَنَّ هَؤُلَاءِ لَهُمْ أُجْرَةُ عَمَلِهِمْ إذَا عَمِلُوا زَمَنَ الْعِمَارَةِ فَإِلْحَاقُهُمْ بِالْإِمَامِ وَأَخَوَيْهِ تَقْتَضِي أَنَّ لَهُمْ الشُّرُوطَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْفَتْحِ وَبِهِ ظَهَرَ خَلَلُ مَا فِي الْبَحْرِ وَصِحَّةُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلنَّهْرِ خِلَافًا لِمَنْ نَسَبَهُمَا إلَى عَدَمِ الْفَهْمِ فَافْهَمْ. نَعَمْ فِي عِبَارَةِ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ خَلَلٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ كَلَامَهُمَا مَبْنِيٌّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمَلِ فِي عِبَارَةِ الْفَتْحِ عَمَلُهُ فِي وَظِيفَةٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ إذَا عَمِلَ فِي وَظِيفَتِهِ، وَأُعْطِيَ قَدْرَ أُجْرَتِهِ لَمْ يُقْطَعْ بَلْ صُدِّقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قُدِّمَ كَغَيْرِهِ مِمَّنْ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ كَالْإِمَامِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا مَرَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ. وَأَيْضًا مَنْ لَمْ يَعْمَلْ عَمَلَهُ الْمَشْرُوطَ لَا يُعْطَى شَيْئًا أَصْلًا وَلَوْ كَانَ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 [مَطْلَبٌ فِي قَطْعِ الْجِهَاتِ لِأَجْلِ الْعِمَارَةِ] وَأَمَّا النَّاظِرُ وَالْكَاتِبُ وَالْجَابِي، فَإِنْ عَمِلُوا زَمَنَ الْعِمَارَةِ، فَلَهُمْ أُجْرَةُ عَمَلِهِمْ لَا الْمَشْرُوطُ بَحْرٌ: قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ الْحَقُّ خِلَافًا لِمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَفِيهَا عَنْ الذَّخِيرَةِ لَوْ صُرِفَ النَّاظِرُ لَهُمْ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى التَّعْمِيرِ ضَمِنَ وَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ الظَّاهِرُ لَا لِتَعَدِّيهِ بِالدَّفْعِ   [رد المحتار] غَيْرِهِ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْعَمَلِ فِي كَلَامِ الْفَتْحِ عَلَى الْعَمَلِ فِي التَّعْمِيرِ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ: إلَّا أَنْ يَعْمَلَ كَالْفَاعِلِ وَالْبَنَّاءِ وَنَحْوِهِمَا فَيَأْخُذَ قَدْرَ أُجْرَتِهِ اهـ لَكِنْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا عَمِلَ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ عَمِلَ الْمُتَوَلِّي فِي الْوَقْفِ بِأَجْرٍ جَازَ وَيُفْتَى بِعَدَمِهِ إذْ لَا يَصْلُحُ مُؤَجِّرًا وَمُسْتَأْجِرًا وَصَحَّ لَوْ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ. اهـ. وَعَلَيْهِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ: إذَا عَمِلَ الْقَيِّمُ فِي عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ وَالْوَقْفِ كَعَمَلِ الْأَجِيرِ لَا يَسْتَحِقُّ أَجْرًا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِلَا أَمْرِ الْحَاكِمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّاظِرَ غَيْرُ قَيْدٍ، بَلْ كُلُّ مَنْ عَمِلَ فِي التَّعْمِيرِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ وَإِنَّمَا نَصُّوا عَلَى النَّاظِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مُؤَجِّرًا وَمُسْتَأْجِرًا أَيْ مُسْتَأْجِرًا لِنَفْسِهِ، فَإِذَا كَانَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ كَانَ الْحَاكِمُ هُوَ الْمُسْتَأْجِرَ لَهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَهُ هُوَ النَّاظِرُ، فَلَا شَبَهَ فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْأُجْرَةَ كَالْأَجْنَبِيِّ. وَحَيْثُ حَمَلْنَا كَلَامَ الْفَتْحِ عَلَى مَا قُلْنَا صَارَ حَاصِلُهُ: أَنَّ مَنْ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ لَا يُقْطَعُ زَمَنَ التَّعْمِيرِ أَيْ بَلْ يَبْقَى عَلَى مَا شَرَطَ لَهُ الْوَاقِفُ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيُقْطَعُ وَلَا يُعْطَى شَيْئًا أَصْلًا وَإِنْ عَمِلَ فِي وَظِيفَتِهِ. نَعَمْ يُعْطَى لِكُلٍّ أُجْرَةَ عَمَلِهِ إذَا عَمِلَ فِي الْعِمَارَةِ وَلَوْ هُوَ النَّاظِرُ لَكِنْ لَوْ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ سَقَطَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ النَّهْرِ فِي الرَّدِّ عَلَى الْأَشْبَاهِ إذْ لَا أُجْرَةَ عَلَى الْعَمَلِ فِي غَيْرِ التَّعْمِيرِ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَشْرُوطِ مَا يَكْفِيهِ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ لَهُ مِنْ الْوَقْفِ لَوْ كَانَ دُونَ كِفَايَتِهِ وَكَانَ لَا يَقُومُ بِعَمَلِهِ إلَّا بِهَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِي فُرُوعِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ لِلْقَاضِي الزِّيَادَةَ عَلَى مَعْلُومِ الْإِمَامِ إذَا كَانَ لَا يَكْفِيهِ، وَكَذَا الْخَطِيبُ. قُلْت: بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ مَنْ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ فَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي الْأَجِيرِ فِي التَّعْمِيرِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الْكِفَايَةِ فَلَا يُعْطَى إلَّا الْكِفَايَةَ فِي زَمَنِ التَّعْمِيرِ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى دَفْعِ الزَّائِدِ الْمُؤَدِّي إلَى قَطْعِ غَيْرِهِ فَيُصْرَفُ الزَّائِدُ إلَى مَنْ يَلِيهِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَعَلَى هَذَا يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا مَرَّ عَنْ الْحَاوِي مِنْ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِمْ، وَبَيْنَ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ الْمَشْرُوطَ. وَالْحَاصِلُ مِمَّا تَقَرَّرَ وَتَحَرَّرَ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالتَّعْمِيرِ الضَّرُورِيِّ حَتَّى لَوْ اسْتَغْرَقَ جَمِيعَ الْغَلَّةِ صُرِفَتْ كُلُّهَا إلَيْهِ وَلَا يُعْطَى أَحَدٌ وَلَوْ إمَامًا أَوْ مُؤَذِّنًا، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ التَّعْمِيرِ شَيْءٌ يُعْطَى مَا كَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِمَّا فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ وَكَذَا لَوْ كَانَ التَّعْمِيرُ غَيْرَ ضَرُورِيٍّ بِأَنْ كَانَ لَا يُؤَدِّي تَرْكُهُ إلَى خَرَابِ الْعَيْنِ، لَوْ أُخِّرَ إلَى غَلَّةِ السَّنَةِ الْقَابِلَةِ فَيُقَدَّمُ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ ثُمَّ مَنْ لَا يُقْطَعُ يُعْطَى الْمَشْرُوطَ لَهُ إذَا كَانَ قَدْرَ كِفَايَتِهِ وَإِلَّا يُزَادُ أَوْ يَنْقُصُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ قُدِّمَتْ الْعِمَارَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَمْكَنَ تَأْخِيرُهَا إلَى غَلَّةِ الْعَامِ الْقَابِلِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُتُونِ وَلَا يُعْطَى شَيْئًا أَصْلًا وَإِنْ بَاشَرَ وَظِيفَتَهُ مَا دَامَ الْوَقْفُ مُحْتَاجًا إلَى التَّعْمِيرِ وَكُلُّ مَنْ عَمِلَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ فِي الْعِمَارَةِ فَلَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ لَا الْمَشْرُوطُ وَلَا قَدْرُ الْكِفَايَةِ فَهَذَا غَايَةُ مَا ظَهَرَ لِي فِي تَحْرِيرِ هَذَا الْمَقَامِ الَّذِي زَلَّتْ فِيهِ أَقْدَامُ الْأَفْهَامِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا النَّاظِرُ وَالْكَاتِبُ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ وَمَا ادَّعَاهُ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ الْحَقُّ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْأَشْبَاهِ بِمَا حَرَّرْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ: ضَمِنَ) هَذَا إذَا كَانَ فِي تَأْخِيرِ التَّعْمِيرِ خَرَابُ عَيْنِ الْوَقْفِ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ الصَّرْفُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ، وَتَأْخِيرُ الْعِمَارَةِ لِلْغَلَّةِ الثَّانِيَةِ إذَا لَمْ يُخَفْ ضَرَرٌ بَيِّنٌ، فَإِنْ خِيفَ قُدِّمَ كَمَا فِي الزَّوَاهِرِ عَنْ الْبَحْرِ دُرٌّ مُنْتَقَى (قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ لَا) قِيَاسًا عَلَى مُودَعِ الِابْنِ إذَا أَنْفَقَ عَلَى الْأَبَوَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 وَمَا قُطِعَ لِلْعِمَارَةِ يَسْقُطُ رَأْسًا: وَفِيهَا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ تَقْدِيمَ الْعِمَارَةِ. ثُمَّ الْفَاضِلُ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ لِلْمُسْتَحِقِّينَ لَزِمَ النَّاظِرَ إمْسَاكُ قَدْرِ الْعِمَارَةِ كُلَّ سَنَةٍ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْهُ الْآنَ لِجَوَازِ أَنْ يَحْدُثَ حَدَثٌ وَلَا غَلَّةَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ فَلْيُحْفَظْ الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَعَدَمِهِ. وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ لَوْ زَادَ الْمُتَوَلِّي دَانَقًا عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ ضَمِنَ الْكُلَّ؛ لِوُقُوعِ الْإِجَارَةِ لَهُ وَفِي شَرْحِهَا لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَيَدْخُلُ فِي وَقْفِ الْمَصَالِحِ قَيِّمٌ ... إمَامٌ خَطِيبٌ وَالْمُؤَذِّنُ يَعْبُرُ الشَّعَائِرُ الَّتِي تَقَدَّمَ شَرَطَ أَمْ لَمْ يَشْتَرِطْ بَعْدَ الْعِمَارَةِ هِيَ إمَامٌ وَخَطِيبٌ وَمُدَرِّسٌ وَوَقَّادٌ وَفَرَّاشٌ وَمُؤَذِّنٌ وَنَاظِرٌ، وَثَمَنُ زَيْتٍ وَقَنَادِيلُ وَحُصْرٌ وَمَاءُ وُضُوءٍ وَكُلْفَةُ نَقَلَهُ لِلْمِيضَأَةِ فَلَيْسَ مُبَاشِرٌ وَشَاهِدٌ، وَشَادٌّ، وَجَابٍ، وَخَازِنٌ وَكُتُبٍ مِنْ الشَّعَائِرِ، فَتَقْيِيدُهُمْ فِي دَفْتَرِ الْمُحَاسَبَاتِ لَيْسَ بِشَرْعِيٍّ   [رد المحتار] بِلَا إذْنِهِ وَلَا إذْنِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِلَا رُجُوعٍ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ بِالضَّمَانِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ دَفَعَ مَالَ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بَحْرٌ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَهُ الرُّجُوعُ مَا دَامَ الْمَدْفُوعُ قَائِمًا لَوْ هَلَكَ لِأَنَّهُ هِبَةٌ نَهْرٌ. أَقُولُ: لَا وَجْهَ لِجَعْلِهِ هِبَةً بَلْ هُوَ دَفْعُ مَالٍ يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ فَيَنْبَغِي الرُّجُوعُ قَائِمًا أَوْ مُسْتَهْلِكًا كَدَفْعِ الدَّيْنِ الْمَظْنُونِ، بِخِلَافِ مُودَعِ الِابْنِ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ رَمْلِيٌّ مُلَخَّصًا وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ، وَنَقَلَ ط نَحْوَهُ عَنْ الْبِيرِيِّ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الظَّاهِرَ الرُّجُوعُ مُطْلَقًا لَا عَدَمُهُ مُطْلَقًا وَلَا التَّفْصِيلُ. (قَوْلُهُ: وَمَا قُطِعَ إلَخْ) فِي الْأَشْبَاهِ إذَا حَصَلَ تَعْمِيرُ الْوَقْفِ فِي سَنَةٍ وَقُطِعَ مَعْلُومُ الْمُسْتَحِقِّينَ كُلُّهُ، أَوْ بَعْضُهُ فَمَا قُطِعَ لَا يَبْقَى دَيْنًا لَهُمْ عَلَى الْوَقْفِ إذْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْغَلَّةِ زَمَنَ التَّعْمِيرِ، وَفَائِدَتُهُ لَوْ جَاءَتْ الْغَلَّةُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَفَاضَ شَيْءٌ بَعْدَ صَرْفِ مَعْلُومِهِمْ هَذِهِ السَّنَةَ لَا يُعْطِيهِمْ الْفَاضِلَ عِوَضًا عَمَّا قُطِعَ اهـ. (قَوْلُهُ: قَدْرِ الْعِمَارَةِ) أَيْ الْقَدْرِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ الْحَاجَةُ إلَيْهِ حَمَوِيٌّ وَيَصْرِفُ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَشْبَاهٌ (قَوْلُهُ: وَلَا غَلَّةَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا غَلَّةَ لِلْأَرْضِ حِينَ يَحْدُثُ حَدَثٌ (قَوْلُهُ: فَلْيُحْفَظْ الْفَرْقُ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ اشْتِرَاطِ تَقْدِيمِ الْعِمَارَةِ كُلَّ سَنَةٍ وَالسُّكُوتِ عَنْهُ فَإِنَّهُ مَعَ السُّكُوتِ تُقَدَّمُ الْعِمَارَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَلَا يُدَّخَرُ لَهَا عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَمَعَ الِاشْتِرَاطِ تُقَدَّمُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَيُدَّخَرُ لَهَا عِنْدَ عَدَمِهَا ثُمَّ يُفَرَّقُ الْبَاقِي لِأَنَّ الْوَاقِفَ إنَّمَا جَعَلَ الْفَاضِلَ اهـ عَنْهَا لِلْفُقَرَاءِ. اهـ. ط. (قَوْلُهُ: لَوْ زَادَ الْمُتَوَلِّي دَانَقًا) صُورَتُهُ اسْتَأْجَرَ الْمُتَوَلِّي رَجُلًا فِي عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ بِدِرْهَمٍ وَدَانَقٍ وَأُجْرَةُ مِثْلِهِ دِرْهَمٌ ضَمِنَ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّهُ زَادَ فِي الْأَجْرِ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ، فَيَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا لِنَفْسِهِ فَإِذَا نُقِضَ الْأَجْرُ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ، كَانَ ضَامِنًا بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالدَّانَقُ سُدُسُ الدِّرْهَمِ وَالْمَدَارُ عَلَى مَا لَا يَتَغَابَنُ فِيهِ أَيْ مَا لَا يَقْبَلُ النَّاسُ الْغَبْنَ فِيهِ إذْ مَا دُونَهُ يَسِيرٌ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: وَفِي شَرْحِهَا) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَجُمْلَةُ قَوْلِهِ الشَّعَائِرُ إلَخْ قَصَدَ بِهَا لَفْظَهَا مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ (قَوْلُهُ: فِي وَقْفِ الْمَصَالِحِ) أَيْ فِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: يَعْبُرُ) مِنْ الْعُبُورِ بِمَعْنَى الدُّخُولِ (قَوْلُهُ: الَّتِي تَقَدَّمَ) أَيْ عَلَى بَقِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ بَعْدَ الْعِمَارَةِ الضَّرُورِيَّةِ (قَوْلُهُ: إمَامٌ وَخَطِيبٌ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ ذُكِرَ يَكُونُ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ وَخَصَّهُ فِي النَّهْرِ بِالْخَطِيبِ فَقَطْ بِشَرْطِ أَنْ يَتَّحِدَ فِي الْبَلَدِ كَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَخْطُبُ حِسْبَةً بِإِذْنِ الْإِمَامِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ كَمَا فِي الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ: مُبَاشِرٍ) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَشَاهِدٍ) قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ كَاتِبُ الْغَيْبَةِ الْمَعْرُوفُ بِالنُّقْطَجِيِّ بِعُرْفِ أَهْلِ الشَّامِ (قَوْلُهُ: وَشَادٍّ) هُوَ الْمُلَازِمُ لِلْمَسْجِدِ مَثَلًا لِتَفَقُّدِ حَالِهِ مِنْ تَنْظِيفٍ وَنَحْوِهِ ط، وَقِيلَ: هُوَ الْمُسَمَّى بِالدَّعْجِي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 وَيَقَعُ الِاشْتِبَاهُ فِي بَوَّابٍ وَمُزَمِّلَاتِيٍّ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَلَا تَرَدُّدَ فِي تَقْدِيمِ بَوَّابٍ وَمُزَمِّلَاتِيٍّ وَخَادِمِ مَطْهَرَةٍ انْتَهَى. قُلْت: إنَّمَا يَكُونُ الْمُدَرِّسُ مِنْ الشَّعَائِرِ لَوْ مُدَرِّسَ الْمَدْرَسَةِ كَمَا مَرَّ، أَمَّا مُدَرِّسُ الْجَامِعِ فَلَا لِأَنَّهُ لَا يَتَعَطَّلُ لِغَيْبَتِهِ بِخِلَافِ الْمَدْرَسَةِ حَيْثُ تُقْفَلُ أَصْلًا. وَهَلْ يَأْخُذُ أَيَّامَ الْبَطَالَةِ كَعِيدٍ وَرَمَضَانَ لَمْ أَرَهُ وَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِبَطَالَةِ الْقَاضِي. وَاخْتَلَفُوا فِيهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْخُذُ؛ لِأَنَّهَا لِلِاسْتِرَاحَةِ أَشْبَاهٌ مِنْ قَاعِدَةِ الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ،   [رد المحتار] قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْقَامُوسِ الْإِشَادَةُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالشَّيْءِ وَتَعْرِيفُ الضَّالَّةِ وَالْإِهْلَالُ وَالشِّيَادَةُ الدُّعَاءُ بِالْإِبِلِ وَدَلْكُ الطِّيبِ بِالْجِلْدِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمُزَمِّلَاتِيٍّ) هُوَ الشَّاوِي بِعُرْفِ أَهْلِ الشَّامِ دُرٌّ مُنْتَقَى وَقِيلَ: هُوَ فِي عُرْفِ أَهْلِ مِصْرٍ مَنْ يَنْقُلُ الْمَاءَ مِنْ الصِّهْرِيجِ إلَى الْجِرَارِ. وَفِي الْقَامُوسِ مُزَّمِّلَةٌ كَمُعَظِّمَةٍ الَّتِي يُبَرَّدُ فِيهَا الْمَاءُ (قَوْلُهُ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ) أَيْ قَالَ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ: الشَّعَائِرُ إلَى هُنَا (قَوْلُهُ: قُلْتُ وَلَا تَرَدُّدَ) رَدَّ عَلَى قَوْلِ الْبَحْرِ وَيَقَعُ الِاشْتِبَاهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: انْتَهَى) أَيْ كَلَامُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: لَوْ مُدَرِّسَ الْمُدَرِّسَةِ) وَلَا يَكُونُ مُدَرِّسُهَا مِنْ الشَّعَائِرِ إلَّا إذَا لَازَمَ التَّدْرِيسَ عَلَى حُكْمِ الشَّرْطِ، أَمَّا مُدَرِّسُو زَمَانِنَا فَلَا أَشْبَاهٌ وَلَوْ أَنْكَرَ النَّاظِرُ مُلَازَمَةَ الْمُدَرِّسِ فَالْقَوْلُ لِلْمُدَرِّسِ بِيَمِينِهِ وَكَذَا لِوَرَثَتِهِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ، وَكَذَا كُلُّ ذِي وَظِيفَةٍ وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عِنْدَ قَوْلِ الْبَحْرِ السَّادِسَةُ. مَطْلَبٌ فِيمَنْ لَمْ يُدَرِّسْ لِعَدَمِ وُجُودِ الطَّلَبَةِ وَفِي الْحَمَوِيِّ سُئِلَ الْمُصَنِّفُ عَمَّنْ لَمْ يُدَرِّسْ لِعَدَمِ وُجُودِ الطَّلَبَةِ، فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ؟ أَجَابَ: إنْ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِلتَّدْرِيسِ بِأَنْ حَضَرَ الْمَدْرَسَةَ الْمُعَيَّنَةَ لِتَدْرِيسِهِ اسْتَحَقَّ الْمَعْلُومَ، لَا مَكَانَ التَّدْرِيسِ لِغَيْرِ الطَّلَبَةِ الْمَشْرُوطِينَ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ: الْمَقْصُودُ مِنْ الْمُدَرِّسِ يَقُومُ بِغَيْرِ الطَّلَبَةِ بِخِلَافِ الطَّالِبِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَقُومُ بِغَيْرِهِ اهـ وسَيَأْتِي قُبَيْلَ الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَوْ دَرَّسَ فِي غَيْرِهَا لِتَعَذُّرِهِ فِيهَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ الْعُلُوفَةَ، وَفِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ عِنْدَ قِيَامِ الْمَانِعِ مِنْ الْعَمَلِ وَلَمْ يَكُنْ بِتَقْصِيرِهِ سَوَاءٌ كَانَ نَاظِرًا أَوْ غَيْرَهُ كَالْجَابِي. . مَطْلَبٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الْقَاضِي وَالْمُدَرِّسِ الْوَظِيفَةَ فِي يَوْمِ الْبَطَالَةِ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِبَطَالَةِ الْقَاضِي إلَخْ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي أَخْذِ الْقَاضِي مَا رُتِّبَ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فِي يَوْمِ بَطَالَتِهِ، فَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: إنَّهُ يَأْخُذُ لِأَنَّهُ يَسْتَرِيحُ لِلْيَوْمِ الثَّانِي وَقِيلَ لَا. اهـ. وَفِي الْمُنْيَةِ الْقَاضِي يَسْتَحِقُّ الْكِفَايَةَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي يَوْمِ الْبَطَالَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّهُ أَظْهَرُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي الْمُدَرِّسِ؛ لِأَنَّ يَوْمَ الْبَطَالَةِ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ تَكُونُ لِلْمُطَالَعَةِ وَالتَّحْرِيرِ عِنْدَ ذَوِي الْهِمَّةِ، وَلَكِنَّ تَعَارُفَ الْفُقَهَاءِ فِي زَمَانِنَا بَطَالَةٌ طَوِيلَةٌ أَدَّتْ إلَى أَنْ صَارَ الْغَالِبُ الْبَطَالَةَ، وَأَيَّامُ التَّدْرِيسِ قَلِيلَةٌ اهـ وَرَدَّهُ الْبِيرِيُّ بِمَا فِي الْقُنْيَةِ إنْ كَانَ الْوَاقِفُ قَدَّرَ لِلدَّرْسِ لِكُلِّ يَوْمٍ مَبْلَغًا فَلَمْ يُدَرِّسْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ الثُّلَاثَاءِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ وَيَصْرِفَ أَجْرَ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ إلَى مَصَارِفِ الْمَدْرَسَةِ مِنْ الْمَرَمَّةِ وَغَيْرِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُقَدِّرْ لِكُلِّ يَوْمٍ مَبْلَغًا، فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ وَإِنْ لَمْ يُدَرِّسْ فِيهِمَا لِلْعُرْفِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ حَيْثُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَنْ يَوْمٍ لَمْ يُدَرِّسْ فِيهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قُدِّرَ لَهُ أَجْرٌ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ لَا. اهـ. ط قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا قَدَّرَ لِكُلِّ يَوْمٍ دَرَسَ فِيهِ مَبْلَغًا أَمَّا لَوْ قَالَ يُعْطَى الْمُدَرِّسُ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى لِيَوْمِ الْبَطَالَةِ الْمُتَعَارَفَةِ بِقَرِينَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي مُقَابِلِهِ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الْعُرْفِ، فَحَيْثُ كَانَتْ الْبَطَالَةُ مَعْرُوفَةً فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ وَالْجُمُعَةِ وَفِي رَمَضَانَ وَالْعِيدَيْنِ يَحِلُّ الْأَخْذُ، وَكَذَا لَوْ بَطَلَ فِي يَوْمٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ لِتَحْرِيرِ دَرْسٍ إلَّا إذَا نَصَّ الْوَاقِفُ عَلَى تَقْيِيدِ الدَّفْعِ بِالْيَوْمِ الَّذِي يُدَرَّسُ فِيهِ كَمَا قُلْنَا. وَفِي الْفَصْلِ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 وَسَيَجِيءُ مَا لَوْ غَابَ فَلْيُحْفَظْ (وَلَوْ) كَانَ الْمَوْقُوفُ (دَارًا فَعِمَارَتُهُ عَلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى) وَلَوْ مُتَعَدِّدًا مِنْ مَالِهِ لَا مِنْ الْغَلَّةِ إذْ الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ دُرَرٌ. (وَلَمْ يَزِدْ فِي الْأَصَحِّ) يَعْنِي إنَّمَا تَجِبُ الْعِمَارَةُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ الصِّفَةِ الَّتِي وَقَفَهَا الْوَاقِفُ (وَلَوْ أَبَى) مَنْ لَهُ السُّكْنَى (أَوْ عَجَزَ) لِفَقْرِهِ (عَمَّرَ الْحَاكِمُ) أَيْ آجَرَهَا الْحَاكِمُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَعَمَرَهَا (بِأُجْرَتِهَا) كَعِمَارَةِ الْوَاقِفِ وَلَمْ يَزِدْ فِي الْأَصَحِّ إلَّا بِرِضَا مَنْ لَهُ السُّكْنَى زَيْلَعِيٌّ. وَلَا يُجْبَرُ الْآبِي عَلَى الْعِمَارَةِ. وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ مَنْ لَهُ السُّكْنَى   [رد المحتار] وَمَنْ يَأْخُذُ الْأَجْرَ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ فِي يَوْمٍ لَا دَرْسَ فِيهِ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ جَائِزًا وَفِي الْحَاوِي إذَا كَانَ مُشْتَغِلًا بِالْكِتَابَةِ وَالتَّدْرِيسِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ) أَيْ عَنْ نَظْمِ الْوَهْبَانِيَّةِ بَعْدَ قَوْلِهِ مَاتَ الْمُؤَذِّنُ وَالْإِمَامُ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى) أَيْ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهَا، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ غَيْرَ سَاكِنٍ فِيهَا يَلْزَمُهُ التَّعْمِيرُ مَعَ السَّاكِنِينَ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ لِحَقِّهِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ الْوَقْفِ فَيُعَمِّرُ مَعَهُمْ وَإِلَّا تُؤَجَّرْ حِصَّتُهُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: مِنْ مَالِهِ) فَإِذَا رَمَّ حِيطَانَهَا بِالْآجُرِّ، أَوْ أَدْخَلَ فِيهَا جِذْعًا ثُمَّ مَاتَ وَلَا يُمْكِنُ نَزْعُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ نَزْعُهُ، بَلْ يُقَالُ لِمَنْ لَهُ السُّكْنَى بَعْدَهُ اضْمَنْ لِوَرَثَتِهِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ، فَإِنْ أَبَى أُوجِرَتْ الدَّارُ وَصُرِفَتْ الْغَلَّةُ إلَيْهِمْ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ، ثُمَّ أُعِيدَتْ السُّكْنَى إلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْضَى بِالْهَدْمِ وَالْقَلْعِ، وَإِنْ كَانَ مَا رَمَّ الْأَوَّلُ مِثْلَ تَجْصِيصِ الْحِيطَانِ، وَتَطْيِينِ السُّطُوحِ وَشَبَهِ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ الْوَرَثَةُ بِشَيْءٍ بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَيْ لِأَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ أَخْذُ عَيْنِهِ، فَهُوَ فِي حُكْمِ الْهَالِكِ بِخِلَافِ الْآجُرِّ، وَالْجِذْعِ وَلَوْ بَنَى الْأَوَّلُ مَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بِلَا ضَرَرٍ أُمِرَ الْوَرَثَةُ بِرَفْعِهِ وَلَيْسَ لِلثَّانِي تَمَلُّكُهُ بِلَا رِضَاهُمْ كَمَا فِي الْإِسْعَافِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ لَوْ بَنَى وَاحِدٌ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ بَعْضَ الدَّارِ وَطَيَّنَ الْبَعْضُ وَجَصَّصَ الْبَعْضُ وَبُسِطَ فِيهِ الْآجُرُّ فَطَلَبَ الْآخَرُ حِصَّتَهُ لِيَسْكُنَ فِيهَا فَمَنَعَهُ حَتَّى يَدْفَعَ حِصَّةَ مَا أَنْفَقَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالطِّينُ وَالْجِصُّ صَارَا تَبَعًا لِلْوَقْفِ وَلَهُ نَقْضُ الْآجُرِّ إنْ لَمْ يَضُرَّ. مَطْلَبٌ فِي عِمَارَةِ مَنْ لَهُ السُّكْنَى (قَوْلُهُ: لَا مِنْ الْغَلَّةِ) لِأَنَّ مَنْ لَهُ السُّكْنَى لَا يَمْلِكُ الِاسْتِغْلَالَ بِلَا خِلَافٍ. وَاخْتُلِفَ فِي عَكْسِهِ وَالرَّاجِحُ الْجَوَازُ كَمَا حَرَّرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: إذْ الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ) أَيْ الْمَضَرَّةُ بِمُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ. (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ الصِّفَةِ الَّتِي وَقَفَهَا الْوَاقِفُ) هَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: يَبْدَأُ مِنْ غَلَّتِهِ بِعِمَارَتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَنْعُ الزِّيَادَةِ بِلَا رِضَاهُ كَمَا يُفِيدُهُ تَمَامُ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَكَذَا مَا يَأْتِي عَنْ الزَّيْلَعِيِّ، فَلَا يُنَافِي مَا فِي الْإِسْعَافِ مِنْ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ رَمَّهَا مَرَمَّةً لَا غِنَى عَنْهَا، وَهِيَ مَا يَمْنَعُ مِنْ خَرَابِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ أَزْيَدُ مِنْ ذَلِكَ اهـ فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْبَيَاضِ وَالْحُمْرَةِ وَلَا إعَادَةُ مِثْلِ مَا خَرِبَ فِي الْحُسْنِ وَالنَّفَاسَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. . (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَبَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى) أَيْ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ فَيُؤَجِّرُ حِصَّتَهُ الْآبِي ثُمَّ يَرُدُّهَا إلَيْهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَالْإِسْعَافِ (قَوْلُهُ: عَمَّرَ الْحَاكِمُ) أَيْ أَوْ الْمُتَوَلِّي قُهُسْتَانِيٌّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قَالُوا عَمَّرَهَا الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: كَعِمَارَةِ الْوَاقِفِ) أَتَى بِهِ مَعَ عِلْمِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ لِلِاسْتِثْنَاءِ ط (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَزِدْ فِي الْأَصَحِّ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ فِيهِ خِلَافًا لَكِنْ هَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَقَدَّمْنَاهُ أَيْضًا عَنْ الْهِدَايَةِ وَكَلَامُنَا الْآنَ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ أَيْ كَذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ عَيَّنَ لَهُمْ السُّكْنَى وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الزِّيَادَةِ فِيهِ. . مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ آجَرَ مَنْ لَهُ السُّكْنَى (قَوْلُهُ: وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ مَنْ لَهُ السُّكْنَى) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَوَلِّيًا وَلَوْ زَادَتْ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ وَلَا مُسْتَحِقَّ غَيْرُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَا يُقْسَمُ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ مَا لَوْ ضَاقَتْ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ، وَكَذَا لَا تَصِحُّ إجَارَةُ مَنْ لَهُ الْغَلَّةُ كَمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 بَلْ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي (ثُمَّ رَدَّهَا) بَعْدَ التَّعْمِيرِ (إلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى) رِعَايَةً لِلْحَقَّيْنِ فَلَا عِمَارَةَ عَلَى مَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ لِأَنَّهُ لَا سُكْنَى لَهُ   [رد المحتار] فِي الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَالْوُقُوفُ عَلَيْهِ الْغَلَّةُ لَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ بَقِيَ لَوْ آجَرَ وَلَمْ تَصِحَّ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لِلْوَقْفِ بَحْرٌ، لَكِنْ قَالَ الْحَانُوتِيُّ إنَّهُ غَاصِبٌ وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الْأُجْرَةَ لِلْغَاصِبِ. اهـ. قُلْت: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُفْتَى بِهِ ضَمَانُ مَنَافِعِ الْوَقْفِ كَمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِهِ يُفْتِي بِالضَّمَانِ فِي غَصْبِ عَقَارِ الْوَقْفِ فَإِذَا كَانَتْ الْغَلَّةُ أَوْ السُّكْنَى لَهُ وَحْدَهُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ لَهُ وَإِلَّا فَلِلْكُلِّ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ لَا يَمْلِكُ الْقَاضِي التَّصَرُّفَ فِي الْوَقْفِ مَعَ وُجُودِ نَاظِرٍ مِنْ قِبَلِهِ (قَوْلُهُ بَلْ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي) ظَاهِرُهُ أَنَّ لِلْقَاضِي الْإِجَارَةَ وَلَوْ أَبَى الْمُتَوَلِّي، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ التَّوْزِيعَ فَالْقَاضِي يُؤَجِّرُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مُتَوَلٍّ أَوْ كَانَ وَأَبَى الْأَصْلَحُ وَأَمَّا مَعَ حُضُورِ الْمُتَوَلِّي فَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ بَحْرٌ. وَفِي الْأَشْبَاهِ فِي قَاعِدَةِ الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ أَقْوَى مِنْ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فُرُوعًا وَعَلَى هَذَا لَا يَمْلِكُ الْقَاضِي التَّصَرُّفَ فِي الْوَقْفِ مَعَ وُجُودِ نَاظِرٍ وَلَوْ مِنْ قِبَلِهِ. اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وسَيَأْتِي أَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْمَشْرُوطِ لَهُ وَوَصِيَّةٌ تَنَبَّهْ اهـ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْإِيجَارُ مَعَ حُضُورِ الْمُتَوَلِّي، وَأَيَّدَهُ الرَّمْلِيُّ فِي مَحَلٍّ آخَرَ وَاسْتَنَدَ لَهُ بِالْقَاعِدَةِ الْمَارَّةِ لَكِنَّهُ نَقَلَ بَعْدَهُ عَنْ أَوْقَافِ هِلَالٍ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا آجَرَ دَارَ الْوَقْفِ أَوْ وَكِيلُهُ بِأَمْرِهِ جَازَ قَالَ: وَظَاهِرُهُ إطْلَاقُ الْجَوَازِ مَعَ وُجُودِ الْمُتَوَلِّي وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ اهـ لَكِنْ فِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ أَنَّ تَنْصِيصَهُمْ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ مَحْجُورٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ عِنْدَ وَصِيِّ الْمَيِّتِ، أَوْ الْقَاضِيَ يَقْتَضِي بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ أَنَّهُ هُنَا كَذَلِكَ فَلَا يُؤَجَّرُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَوَلٍّ أَوْ كَانَ وَامْتَنَعَ اهـ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ هِلَالٍ. [تَنْبِيهٌ] لَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُونَ حُكْمَ الْعِمَارَةِ مِنْ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي، وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهَا لِصَاحِبِ السُّكْنَى لِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ كَانَتْ لَهُ فَكَذَا بَدَلُهَا وَالْقَيِّمُ إنَّمَا أَجَّرَ لِأَجْلِهِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ تَكُونُ مِيرَاثًا كَمَا لَوْ عَمَّرَهَا بِنَفْسِهِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: رِعَايَةً لِلْحَقَّيْنِ) حَقِّ الْوَقْفِ وَحَقِّ صَاحِبِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَمِّرْهَا تَفُوتُ السُّكْنَى أَصْلًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: فَلَا عِمَارَةَ عَلَى مَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ إلَخْ) مَفْهُومُ قَوْلِ الْمَتْنِ فَعِمَارَتُهُ عَلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى وَهَذَا مَعْلُومٌ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ يَبْدَأُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ بِعِمَارَتِهِ وَعَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَلَوْ دَارًا إلَخْ. مَطْلَبٌ مَنْ لَهُ السُّكْنَى لَا يَمْلِكُ الِاسْتِغْلَالَ وَاخْتُلِفَ فِي عَكْسِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا سُكْنَى لَهُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ لَا يَمْلِكُ السُّكْنَى وَمَنْ لَهُ السُّكْنَى لَا يَمْلِكُ الِاسْتِغْلَالَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْفَتْحِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: وَلَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ الدَّارُ سُكْنَاهَا بَلْ الِاسْتِغْلَالُ كَمَا لَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ السُّكْنَى بَلْ الِاسْتِغْلَالُ اهـ وَمَا فِي الظَّاهِرِيَّةِ: مِنْ أَنَّ الْعِمَارَةَ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ الْغَلَّةَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْعِمَارَةَ فِي غَلَّتِهَا وَلَمَّا كَانَتْ غَالِبُهَا لَهُ صَارَ كَأَنَّ الْعِمَارَةَ عَلَيْهِ. اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْخَصَّافَ سَوَّى بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، لَكِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ بِأَنَّ مَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ لَهُ السُّكْنَى لِأَنَّ سُكْنَاهُ كَسُكْنَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ فِيهَا حَقًّا لِغَيْرِهِ، وَمَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ إذَا سَكَنَ لَا يُوجِبُ حَقًّا لِغَيْرِهِ وَادَّعَى الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ أَنَّ الرَّاجِحَ هَذَا كَمَا قَدَّمْته قَرِيبًا وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْبَحْرِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 فَلَوْ سَكَنَ هَلْ تَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ؟ الظَّاهِرُ لَا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ إلَّا إذَا اُحْتِيجَ لِلْعِمَارَةِ، فَيَأْخُذُهَا الْمُتَوَلِّي لِيُعَمِّر بِهَا وَلَوْ هُوَ الْمُتَوَلِّي يَنْبَغِي أَنْ يُجْبِرَهُ الْقَاضِي عَلَى عِمَارَتِهِ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْأُجْرَةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ نَصَّبَ مُتَوَلِّيًا لِيَعْمُرَهَا وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ غَلَّتَهَا لَهُ وَمُؤْنَتَهَا عَلَيْهِ صَحَّا وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى عِمَارَتِهَا؟ الظَّاهِرُ: لَا نَهْرٌ وَفِي الْفَتْحِ: لَوْ لَمْ يَجِدْ الْقَاضِي مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا   [رد المحتار] مَطْلَبٌ وَقْفُ الدَّارِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِغْلَالِ لَا عَلَى السُّكْنَى [تَنْبِيهٌ] يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيَّدْ بِكَوْنِهَا لِلسُّكْنَى، أَوْ لِلِاسْتِغْلَالِ أَنَّهَا تَكُونُ لِلِاسْتِغْلَالِ، وَفِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ الْمُصَرَّحِ بِهَا فِي كُتُبِنَا أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا أَطْلَقَ الْوَقْفَ فَهُوَ عَلَى الِاسْتِغْلَالِ لَا السُّكْنَى قَالَ فِي النَّظْمِ الْوَهْبَانِيِّ: وَمَنْ وُقِفَتْ دَارٌ عَلَيْهِ فَمَا لَهُ ... سِوَى الْأَجْرِ وَالسُّكْنَى بِهَا لَا تَتَقَرَّرُ ثُمَّ ذَكَرَ عِبَارَةَ شَرْحِهِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ، وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ التَّجْنِيسِ وَفَتَاوَى الْخَاصِّيِّ، وَذُكِرَ فِي الْخَيْرِيَّةِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ. مَطْلَبٌ: مَنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ لَا يَمْلِكُ السُّكْنَى وَبِالْعَكْسِ وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا أَطْلَقَ أَوْ عَيَّنَ الِاسْتِغْلَالَ كَانَ لِلِاسْتِغْلَالِ، وَإِنْ قُيِّدَ بِالسُّكْنَى تَقَيَّدَ بِهَا، وَإِنْ صَرَّحَ بِهِمَا كَانَ لَهُمَا جَرَيَانٌ عَلَى كَوْنِ شَرْطِ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ، وَهَذَا كَمَا تَرَى خِلَافَ مَا رَجَّحَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْغَلَّةُ لَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ (قَوْلُهُ: فَلَوْ سَكَنَ) أَيْ مَنْ لَهُ الْغَلَّةُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا سُكْنَى لَهُ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ) لِأَنَّهَا إذَا أُخِذَتْ مِنْهُ دُفِعَتْ إلَيْهِ، حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْغَلَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ هُوَ الْمُتَوَلِّي) أَيْ لَوْ كَانَ السَّاكِنُ فِي دَارِ الْغَلَّةِ هُوَ الْمُتَوَلِّيَ (قَوْلُهُ: يَنْبَغِي إلَخْ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ (قَوْلُهُ: نَصَّبَ مُتَوَلِّيًا لِيُعَمِّرَهَا) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِنَصْبِ مُتَوَلٍّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَبَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى، أَوْ عَجَزَ عَمَّرَ الْحَاكِمُ إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ يُنَصِّبُ مُتَوَلِّيًا مُطْلَقًا لَا لِخُصُوصِ التَّعْمِيرِ لِظُهُورِ خِيَانَةِ الْأَوَّلِ بِمَا فَعَلَ فَيُتَأَمَّلُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ غَلَّتَهَا لَهُ) أَيْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الدَّارُ (قَوْلُهُ: صَحَّا) أَيْ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ الْمَذْكُورُ، لَكِنَّ أَصْلَ الْعِبَارَةِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَالْوَقْفُ جَائِزٌ مَعَ هَذَا الشَّرْطِ اهـ. وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ جَوَازَ الْوَقْفِ مُقْتَرِنًا بِهَذَا الشَّرْطِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ صِحَّةُ هَذَا الشَّرْطِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ الظَّاهِرُ لَا) هَذَا خِلَافُ مَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى عِمَارَتِهَا وَقِيَاسُهُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ السُّكْنَى كَذَلِكَ. اهـ. وَاسْتَوْضَحَ فِي النَّهْرِ لِمَا اسْتَظْهَرَهُ بِقَوْلِ الْهِدَايَةِ فِيمَا مَرَّ وَلَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْعِمَارَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ فَأَشْبَهَ امْتِنَاعَ صَاحِبِ الْبَذْرِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَلَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ مِنْهُ رِضًا بِبُطْلَانِ حَقِّهِ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ التَّرَدُّدِ اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ مَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ الْمَرَمَّةَ؛ لِأَنَّهَا حَيْثُ كَانَتْ عَلَيْهِ كَانَ فِي إجْبَارِهِ إتْلَافُ مَالِهِ اهـ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْجَبْرَ فَائِدَةُ صِحَّةِ الشَّرْطِ وَإِلَّا فَلَا ثَمَرَةَ لَهُ. قُلْت: عُلِمَتْ أَنَّ صِحَّةَ الشَّرْطِ غَيْرُ صَرِيحَةٍ فِي عِبَارَةِ التَّتَارْخَانِيَّة وَتَعْلِيلُ الْهِدَايَةِ شَامِلٌ لِلشَّرْطِ وَغَيْرِهِ، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ فَافْهَمْ، عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا ثَمَرَةَ لَهُ لِأَنَّ الْغَلَّةَ حَيْثُ كَانَتْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 لَمْ أَرَهُ وَخَطَرَ لِي أَنَّهُ يُخَيِّرُهُ بَيْنَ أَنْ يَعْمُرَهَا أَوْ يَرُدَّهَا لِوَرَثَةِ الْوَاقِفِ. قُلْت: فَلَوْ هُوَ الْوَارِثُ لَمْ أَرَهُ. وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ مَا يُفِيدُ اسْتِبْدَالَهُ أَوْ رَدَّ ثَمَنِهِ لِلْوَرَثَةِ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ [مَطْلَبٌ فِي الْوَقْفِ إذَا خَرِبَ وَلَمْ يُمْكِنْ عِمَارَتُهُ] (وَصَرَفَ)   [رد المحتار] تَعْمِيرِهِ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، فَإِذَا امْتَنَعَ عَنْ الْعِمَارَةِ مِنْ مَالِهِ يُؤَجِّرُهَا الْمُتَوَلِّي وَيُعَمِّرُهَا مِنْ غَلَّتِهَا لِأَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ لِلْغَلَّةِ وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمُتَوَلِّيَ وَامْتَنَعَ مِنْ عِمَارَتِهَا يُنَصِّبُ غَيْرَهُ لِيُعَمِّرَهَا أَوْ يُعَمِّرَهَا الْحَاكِمُ كَمَا مَرَّ. نَعَمْ قَدْ تَظْهَرُ الثَّمَرَةُ فِيمَا إذَا كَانَتْ غَلَّتُهَا لَا تَفِي بِعِمَارَتِهَا، فَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الشَّرْطِ لَزِمَهُ أَنْ يُعَمِّرَهَا مِنْ مَالِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِمَا عَلِمْته مِنْ كَلَامِ الْهِدَايَةِ وَلِأَنَّ كَلَامَ الْوَاقِفِ لَا يَصْلُحُ مُلْزِمًا لَهُ بِتَعْمِيرِهَا إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ. (قَوْلُهُ: لَمْ أَرَهُ) قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ هَذَا وَالْحَالُ بِهَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ تَصِيرَ نَقْصًا عَلَى الْأَرْضِ كَرَمَادٍ تَسْفُوهُ الرِّيَاحُ اهـ أَيْ لَوْ تُرِكَتْ بِلَا عِمَارَةٍ تَصِيرُ هَكَذَا (قَوْلُهُ: أَوْ يَرُدُّهُ لِوَرَثَةِ الْوَاقِفِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ عَجِيبٌ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِاسْتِبْدَالِ الْوَقْفِ إذَا خَرِبَ وَصَارَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْأَرْضِ وَالدَّارِ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْمُنْتَقَى قَالَ هِشَامٌ: سَمِعْت مُحَمَّدًا يَقُولُ الْوَقْفُ إذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَسَاكِينُ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ غَيْرَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِلْقَاضِي. اهـ. وَأَمَّا عَوْدُ الْوَقْفِ بَعْدَ خَرَابِهِ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ أَوْ وَرَثَتِهِ فَقَدْ قَدَّمْنَا ضَعْفَهُ. فَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ السُّكْنَى إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْعِمَارَةِ وَلَمْ يُوجَدْ مُسْتَأْجِرٌ بَاعَهَا الْقَاضِي وَاشْتَرَى بِثَمَنِهَا مَا يَكُونُ وَقْفًا، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمَشَايِخِ أَنَّ مَحَلَّ الِاسْتِبْدَالِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ إنَّمَا هُوَ الْأَرْضُ لَا الْبَيْتُ وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِي رِسَالَةِ الِاسْتِبْدَالِ اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ وَاعْتَرَضَهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ كَلَامَ الْمُنْتَقَى الْمَذْكُورِ شَامِلٌ لِلْأَرْضِ وَالْبَيْتِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ (قَوْلُهُ: فَلَوْ هُوَ الْوَارِثُ لَمْ أَرَهُ) قَبْلَ هَذَا عَجِيبٌ مِنْ الشَّارِحِ بَعْدَ مَا رَأَى كَلَامَ الْبَحْرِ خُصُوصًا، وَقَدْ أَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الِاسْتِبْدَالُ فَقَطْ، وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِالْوَارِثِ وَغَيْرِهِ وَبِهِ ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ. اهـ. قُلْت: بَلْ هُوَ عَجِيبٌ مِنْ الْمُعْتَرِضِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُعْتَرِضِ الْبَحْرُ، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمَشَايِخِ إلَخْ. نَعَمْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ وَكَذَا مَا قَدَّمْنَا عَنْ الْفَتْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَعَادَ إلَى الْمِلْكِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّ دَارَ الْغَلَّةِ إذَا خَرِبَتْ إنَّمَا يَعُودُ إلَى الْمِلْكِ عِنْدَهُ نَقْضُهَا دُونَ سَاحَتِهَا لِأَنَّ سَاحَتَهَا يُمْكِنُ اسْتِغْلَالُهَا وَلَوْ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُعَدِّ لِلْغَلَّةِ كَرِبَاطٍ أَوْ حَوْضٍ خَرِبٍ فَهَذَا يَعُودُ إلَى الْمِلْكِ كُلِّهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. مَطْلَبٌ فِي الْوَقْفِ إذَا خَرِبَ وَلَمْ يُمْكِنْ عِمَارَتُهُ (قَوْلُهُ: وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ سُئِلَ عَنْ وَقْفٍ انْهَدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ يُعَمِّرُ مِنْهُ، وَلَا أَمْكَنَ إجَارَتُهُ وَلَا تَعْمِيرُهُ، هَلْ تُبَاعُ أَنْقَاضُهُ مِنْ حَجَرٍ وَطُوبٍ وَخَشَبٍ؟ أَجَابَ: إذَا كَانَ الْأَمْوَالُ كَذَلِكَ صَحَّ بَيْعُهُ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ، وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ وَقْفٌ مَكَانَهُ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدَّهُ إلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ إنْ وُجِدُوا وَلَا يُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ. اهـ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ الْبَيْعَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَالرَّدُّ إلَى الْوَرَثَةِ أَوْ إلَى الْفُقَرَاءِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، حَيْثُ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ تَأَمَّلْ. . 1 - [تَتِمَّةٌ] قَالَ فِي الدُّرَرِ الْمُنْتَقَى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخَانَ لَوْ احْتَاجَ إلَى الْمَرَمَّةِ آجَرَ بَيْتًا أَوْ بَيْتَيْنِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ يُؤْذِنُ لِلنَّاسِ بِالنُّزُولِ سَنَةً، وَيُؤَجِّرُ سَنَةً أُخْرَى وَيَرُمُّ مِنْ أُجْرَتِهِ وَقَالَ النَّاطِفِيُّ الْقِيَاسُ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ يَجُوزَ إجَارَةُ سَطْحِهِ لِمِرَمَّتِهِ مُحِيطٌ، وَفِي الْبُرْجَنْدِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ عِمَارَةِ أَوْقَافِ الْمَسْجِدِ وَالْحَوْضِ وَالْبِئْرِ وَأَمْثَالِهَا حُكْمُ الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ. اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 الْحَاكِمُ أَوْ الْمُتَوَلِّي حَاوِي (نَقْضَهُ) أَوْ ثَمَنَهُ إنْ تَعَذَّرَ إعَادَةُ عَيْنِهِ (إلَى عِمَارَتِهِ إنْ احْتَاجَ وَإِلَّا حَفِظَهُ لَهُ لِيَحْتَاجَ) إلَّا إذَا خَافَ ضَيَاعَهُ فَيَبِيعَهُ وَيُمْسِكَ ثَمَنَهُ لِيَحْتَاجَ حَاوِي. (وَلَا يُقْسَمُ) النَّقْضُ أَوْ ثَمَنُهُ (بَيْنَ مُسْتَحِقِّ الْوَقْفِ) لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَنَافِعِ لَا الْعَيْنِ (جَعَلَ شَيْءٌ) أَيْ جَعَلَ الْبَانِي شَيْئًا (مِنْ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا) لِضِيقِهِ وَلَمْ يَضُرَّ بِالْمَارِّينَ (جَازَ) لِأَنَّهُمَا لِلْمُسْلِمِينَ   [رد المحتار] قَوْلُهُ: نَقْضُهُ) بِتَثْلِيثِ النُّونِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ أَيْ الْمَنْقُوضُ مِنْ خَشَبٍ وَحَجَرٍ وَآجُرٍّ وَغَيْرِهَا شَرْحُ الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ: إنْ احْتَاجَ) بِأَنْ أُحْضِرَتْ الْمُؤَنُ أَوْ كَانَ الْمُنْهَدِمُ لِقِلَّتِهِ لَا يُخِلُّ بِالِانْتِفَاعِ، فَيُؤَخِّرُهُ لِلِاحْتِيَاجِ وَإِلَّا فَبِالِانْهِدَامِ تَتَحَقَّقُ الْحَاجَةُ، فَلَا مَعْنَى لِلشَّرْطِ حِينَئِذٍ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ وَأَغْفَلَهُ فِي الْبَحْرِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: لِيَحْتَاجَ) الْأَوْلَى لِلِاحْتِيَاجِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْكَنْزِ (قَوْلُهُ: فَيَبِيعُهُ) فَعَلَى هَذَا يُبَاعُ النَّقْضُ فِي مَوْضُوعَيْنِ: عِنْدَ تَعَذُّرِ عَوْدِهِ وَعِنْدَ خَوْفِ هَلَاكِهِ بَحْرٌ، وَيُزَادُ مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ بَيْعِهِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الِانْتِفَاعُ بِهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا وَرَدَ عَلَيْهِ وَقْفُ الْوَاقِفِ أَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ مُسْتَغَلَّاتِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِلَا هَذَا الشَّرْطِ لِأَنَّ فِي صَيْرُورَتِهِ وَقْفًا خِلَافًا وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَقْفًا فَلِلْقَيِّمِ أَنْ يَبِيعَهُ مَتَى شَاءَ لِمَصْلَحَةٍ عَرَضَتْ. اهـ. وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي مَتْنًا. (قَوْلُهُ: لَا الْعَيْنُ) لِأَنَّهَا حَقُّ الْمَالِكِ أَوْ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخِلَافِ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ عَدَمُ جَوَازِ قِسْمَةِ حُصُرِ الْمَسْجِدِ الْعَتِيقَةِ بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَكَذَا مَا بَقِيَ مِنْ شَمْعِ رَمَضَانَ وَزَيْتِهِ لِلْإِمَامِ، وَالْوَقَّادِينَ حَمَوِيٌّ إلَّا إذَا كَانَ الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَنَّ الْإِمَامَ أَوْ الْمُؤَذِّنَ يَأْخُذُهُ بِلَا صَرِيحِ إذْنِ الدَّافِعِ، فَلَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ ط. قُلْت: وَشَجَرُ الْوَقْفِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ سَأَلَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ عَنْ شَجَرَةِ وَقْفٍ يَبِسَ بَعْضُهَا وَبَقِيَ بَعْضُهَا قَالَ مَا يَبِسَ مِنْهَا فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ غَلَّتِهَا وَمَا بَقِيَ مَتْرُوكٌ عَلَى حَالِهَا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْفَضْلِيِّ إنْ لَمْ تَكُنْ مُثْمِرَةً يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ الْقَلْعِ لِأَنَّهُ غَلَّتُهَا وَالْمُثْمِرَةُ لَا تُبَاعُ إلَّا بَعْدَ الْقَلْعِ كَبِنَاءِ الْوَقْفِ. اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ غَصَبَ وَقْفًا فَنَقَضَ فَمَا يُؤْخَذُ بِنَقْصِهِ يُصْرَفُ إلَى مَرَمَّتِهِ لَا إلَى أَهْلِ الْوَقْفِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّقَبَةِ وَحَقُّهُمْ فِي الْغَلَّةِ لَا فِي الرَّقَبَةِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: جُعِلَ شَيْءٌ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَشَيْءٌ نَائِبُ فَاعِلٍ وَالْأَصْلُ مَا فَسَّرَ بِهِ الشَّارِحُ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِيمَا مَرَّ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: أَيْ جَعَلَ الْبَانِي) ظَاهِرُهُ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ لَيْسَ لَهُ ذِكْرُ ذَلِكَ وَسَنَذْكُرُ مَا يُخَالِفُهُ. مَطْلَبٌ فِي جَعْلِ شَيْءٍ مِنْ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا (قَوْلُهُ: مِنْ الطَّرِيقِ) أَطْلَقَ فِي الطَّرِيقِ فَعَمَّ النَّافِذَ وَغَيْرَهُ وَفِي عِبَارَتِهِمْ مَا يُؤَيِّدُهُ ط وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: لِضِيقِهِ وَلَمْ يَضُرَّ بِالْمَارِّينَ) أَفَادَ أَنَّ الْجَوَازَ مُقَيَّدٌ بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ ط (قَوْلُهُ: جَازَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَصِيرُ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَقَدْ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الْمَسْجِدُ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْ جَانِبِ الطَّرِيقِ لَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ بَلْ هُوَ طَرِيقٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَفَعَ حَوَائِطَهُ عَادَ طَرِيقًا كَمَا كَانَ قَبْلَهُ. اهـ. شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي مَسْجِدٍ جُعِلَ كُلُّهُ مِنْ الطَّرِيقِ، وَالْكَلَامُ فِيمَا أُدْخِلَ مِنْ الطَّرِيقِ فِي الْمَسْجِدِ، وَهَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 (كَعَكْسِهِ) أَيْ كَجَوَازِ عَكْسِهِ وَهُوَ مَا إذَا جُعِلَ فِي الْمَسْجِدِ مَمَرٌّ لِتَعَارُفِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي الْجَوَامِعِ. وَجَازَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ فِيهِ حَتَّى الْكَافِرُ إلَّا الْجُنُبُ وَالْحَائِضَ وَالدَّوَابُّ زَيْلَعِيٌّ (كَمَا جَازَ جَعْلُ) الْإِمَامِ (الطَّرِيقَ مَسْجِدًا لَا عَكْسُهُ)   [رد المحتار] لَا مَانِعَ مِنْ أَخْذِهِ حُكْمَ الْمَسْجِدِ حَيْثُ جُعِلَ مِنْهُ كَمَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَقَدْ مَرَّ قُبَيْلَ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ فِي بَحْثِ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ أَنَّ مَا أُلْحِقَ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ مُلْحَقٌ بِهِ فِي الْفَضِيلَةِ نَعَمْ تَحَرِّي الْأَوَّلِ أَوْلَى اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: كَعَكْسِهِ) فِيهِ خِلَافٌ كَمَا يَأْتِي تَحْرِيرُهُ وَهَذَا عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لِتَعَارُفِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي الْجَوَامِعِ) لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ فِي جَوَامِعِنَا. نَعَمْ تَعَارَفَ النَّاسُ الْمُرُورَ فِي مَسْجِدٍ لَهُ بَابَانِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَكَذَا يُكْرَهُ أَنْ يُتَّخَذَ الْمَسْجِدُ طَرِيقًا، وَأَنْ يَدْخُلَهُ بِلَا طَهَارَةٍ اهـ. نَعَمْ يُوجَدُ فِي أَطْرَافِ صَحْنِ الْجَوَامِعِ رِوَاقَاتٌ مَسْقُوفَةٌ لِلْمَشْيِ فِيهَا وَقْتَ الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ أَوْ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْجَامِعِ لَا لِمُرُورِ الْمَارِّينَ مُطْلَقًا كَالطَّرِيقِ الْعَامِّ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ فَمَنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ إلَى الْمُرُورِ فِي الْمَسْجِدِ يَمُرُّ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَقَطْ لِيَكُونَ بَعِيدًا عَنْ الْمُصَلِّينَ؛ وَلِيَكُونَ أَعْظَمَ حُرْمَةً لِمَحَلِّ الصَّلَاةِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: حَتَّى الْكَافِرُ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ حَتَّى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِهِ غَايَةً هُنَا. قُلْت: فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحَاوِي: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ الْكَافِرُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ وَسَائِرَ الْمَسَاجِدِ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُهِمَّاتِ اهـ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ فِي دُخُولِهِ لِغَيْرِ مُهِمَّةٍ بَأْسًا وَبِهِ يُتَّجَهُ مَا هُنَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: كَمَا جَازَ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فِيهِ نَوْعُ اسْتِدْرَاكٍ بِمَا تَقَدَّمَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَاكَ فِي اتِّخَاذِ بَعْضِ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا، وَهَذَا فِي اتِّخَاذِ جَمِيعِهَا وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَضُرَّ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الضَّرَرَ ظَاهِرٌ فِي اتِّخَاذِ جَمِيعِ الطُّرُقِ مَسْجِدًا الْإِبْطَالُ حَقُّ الْعَامَّةِ مِنْ الْمُرُورِ الْمُعْتَادِ لِدَوَابِّهِمْ وَغَيْرِهَا فَلَا يُقَالُ بِهِ إلَّا بِالتَّأْوِيلِ بِأَنْ يُرَادَ بَعْضُ الطَّرِيقِ لَا كُلُّهُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ وَأُجِيبَ بِأَنَّ صُورَتَهُ مَا إذَا كَانَ لِمَقْصِدٍ طَرِيقَانِ، وَاحْتَاجَ الْعَامَّةُ إلَى مَسْجِدٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ جَعْلُ أَحَدِهِمْ مَسْجِدًا وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ بِالْكُلِّيَّةِ (قَوْلُهُ: لَا عَكْسُهُ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ الْمَسْجِدُ طَرِيقًا وَفِيهِ نَوْعُ مُدَافَعَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ إلَّا بِالنَّظَرِ لِلْبَعْضِ وَالْكُلِّ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. قُلْت: إنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ تَابَعَ صَاحِبَ الدُّرَرِ مَعَ أَنَّهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ نَقَلَ أَوَّلًا جَعَلَ مِنْ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا وَمِنْ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا جَازَ ثُمَّ رَمَزَ لِكِتَابٍ آخَرَ، لَوْ جَعَلَ الطَّرِيقَ مَسْجِدًا يَجُوزُ لَا جَعْلُ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي الطَّرِيقِ فَجَازَ جَعْلُهُ مَسْجِدًا، وَلَا يَجُوزُ الْمُرُورُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَجُزْ جَعْلُهُ طَرِيقًا اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَبَادَرَ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ فِي جَعْلِ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ، وَإِنْ أَرَادَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَنْ يَجْعَلُوا شَيْئًا مِنْ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا لِلْمُسْلِمِينَ فَقَدْ قِيلَ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَأَنَّهُ صَحِيحٌ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ عَنْ خُوَاهَرْ زَادَهْ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ ضَيِّقًا وَالْمَسْجِدُ وَاسِعًا لَا يَحْتَاجُونَ إلَى بَعْضِهِ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الطَّرِيقِ مِنْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ كُلَّهَا لِلْعَامَّةِ اهـ وَالْمُتُونُ عَلَى الثَّانِي، فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدَ لَكِنَّ كَلَامَ الْمُتُونِ فِي جَعْلِ شَيْءٍ مِنْهُ طَرِيقًا، وَأَمَّا جَعْلُ كُلِّ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا نَعَمْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ أَهْلِ مَسْجِدٍ أَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا الْمَسْجِدَ رَحْبَةً وَالرَّحْبَةَ مَسْجِدًا أَوْ يَتَّخِذُوا لَهُ بَابًا أَوْ يُحَوِّلُوا بَابَهُ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَأَبَى الْبَعْضُ ذَلِكَ قَالَ إذَا اجْتَمَعَ أَكْثَرُهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ لَيْسَ لِلْأَقَلِّ مَنْعُهُ. اهـ. قُلْت وَرَحْبَةُ الْمَسْجِدِ سَاحَتُهُ، فَهَذَا إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ جَعْلَ بَعْضِهِ رَحْبَةً فَلَا إشْكَالَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ جَعْلَ كُلِّهِ فَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُهُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ تَحْوِيلُهُ بِجَعْلِ الرَّحْبَةِ مَسْجِدًا بَدَلَهُ بِخِلَافِ جَعْلِهِ طَرِيقًا تَأَمَّلْ، ثُمَّ ظَاهِرُ مَا نَقَلْنَاهُ أَنَّ تَقْيِيدَ الشَّارِحِ أَوَّلًا بِالْبَانِي، وَثَانِيًا بِالْإِمَامِ غَيْرُ قَيْدٍ نَعَمْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي مَسْجِدٍ ضَاقَ بِأَهْلِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 لِجَوَازِ الصَّلَاةِ فِي الطَّرِيقِ لَا الْمُرُورِ فِي الْمَسْجِدِ (تُؤْخَذُ أَرْضٌ) وَدَارٌ وَحَانُوتٌ (بِجَنْبِ مَسْجِدٍ ضَاقَ عَلَى النَّاسِ بِالْقِيمَةِ كُرْهًا) دُرَرٌ وَعِمَادِيَّةٌ. (جَعَلَ) الْوَاقِفُ (الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ جَازَ) بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ لِأَحَدٍ فَالْوِلَايَةُ لَهُ عِنْدَ الثَّانِي. وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ نَهْرٌ، خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ، ثُمَّ لِوَصِيِّهِ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَلِلْحَاكِمِ فَتَاوَى   [رد المحتار] لَا بَأْسَ بِأَنْ يُلْحَقَ بِهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَامَّةِ إذَا كَانَ وَاسِعًا وَقِيلَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَقِيلَ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا فُتِحَتْ الْبَلْدَةُ عَنْوَةً لَا لَوْ صُلْحًا (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ الصَّلَاةِ فِي الطَّرِيقِ) فِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الطَّرِيقِ مَكْرُوهَةٌ كَالْمُرُورِ فِي الْمَسْجِدِ فَالصَّوَابُ لِعَدَمِ جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي الطَّرِيقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ يَعْنِي أَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً وَهِيَ أَنَّهُمْ لَوْ أَرَادُوا الصَّلَاةَ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يَجُزْ فَكَانَ فِي جَعْلِهِ مَسْجِدًا ضَرُورَةً، بِخِلَافِ جَعْلِ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَسْجِدِيَّةِ أَبَدًا فَلَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُرُورُ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا يَخْفَى فِي أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ هَذَا كَوْنُ الْمُرَادِ مُرُورَ أَيِّ مَارٍّ وَلَوْ غَيْرَ جُنُبٍ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ آخَرُ، وَقَدْ عَلِمْت تَرْجِيحَ خِلَافِهِ وَهُوَ جَوَازُ جَعْلِ شَيْءٍ مِنْهُ مَسْجِدًا وَتَسْقُطُ حُرْمَةُ الْمُرُورِ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ لَكِنْ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ، فَلِذَا لَمْ يَجُزْ الْمُرُورُ فِيهِ لِجُنُبٍ وَنَحْوِهِ كَمَا مَرَّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَتُؤْخَذُ أَرْضٌ) فِي الْفَتْحِ: وَلَوْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ وَبِجَنْبِهِ أَرْضُ وَقْفٍ عَلَيْهِ أَوْ حَانُوتٌ جَازَ أَنْ يُؤْخَذَ وَيُدْخَلَ فِيهِ اهـ زَادَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَتَقْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ: وَقْفٌ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْمَسْجِدِ يُفِيدُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَقْفًا عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ لَكِنَّ جَوَازَ أَخْذِ الْمَمْلُوكَةِ كُرْهًا يُفِيدُ الْجَوَازَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْوَقْفُ كَذَلِكَ وَلِذَا تَرَكَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ هَذَا الْقَيْدَ وَكَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بِالْقِيمَةِ كُرْهًا) لِمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمَّا ضَاقَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ أَخَذُوا أَرَضِينَ بِكُرْهٍ مِنْ أَصْحَابِهَا بِالْقِيمَةِ وَزَادُوا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بَحْرٌ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: وَلَعَلَّ الْأَخْذَ كُرْهًا لَيْسَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ ضَاقَ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنْ يَخْتَصَّ بِمَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ مَسْجِدٌ آخَرُ إذْ لَوْ كَانَ فِيهِ مَسْجِدٌ آخَرُ يُمْكِنُ دَفْعُ الضَّرُورَةِ بِالذَّهَابِ إلَيْهِ نَعَمْ فِيهِ حَرَجٌ لَكِنَّ الْأَخْذَ كُرْهًا أَشَدُّ حَرَجًا مِنْهُ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا فِعْلُ الصَّحَابَةِ إذْ لَا مَسْجِدَ فِي مَكَّةَ سِوَى الْحَرَامِ اهـ. . مَطْلَبٌ فِي اشْتِرَاطِ الْوَاقِفِ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: جَازَ بِالْإِجْمَاعِ) كَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ: لِأَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ مُعْتَبَرٌ فَيُرَاعَى لَكِنَّ الَّذِي فِي الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ هِلَالٍ أَيْضًا وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقَدْ رَدَّ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ دَعْوَاهُ الْإِجْمَاعَ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ أَنَّ اشْتِرَاطَهَا يُفْسِدُ الْوَقْفَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَنَازَعَهُ فِي النَّهْرِ وَأَطَالَ وَأَطَابَ. وَحَاصِلُ: مَا ذَكَرَهُ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَاخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي تَأْوِيلِ مَا نُقِلَ عَنْهُ وَإِنَّ هِلَالًا أَدْرَكَ بَعْضَ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَلَفْظُ الْمَشَايِخِ يُقَالُ عَلَى مَنْ دُونَهُ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي تَرْجَمَةِ هِلَالِ الرَّائِيِّ الْبَصْرِيِّ وَفِي الْفَتْحِ هِلَالٌ الرَّائِيُّ هُوَ هِلَالُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُسْلِمٍ الْبَصْرِيُّ نُسِبَ إلَى الرَّأْيِ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ وَرَأْيِهِمْ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ يُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ الْبَصْرِيِّ وَيُوسُفُ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ: إنَّ هِلَالًا أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَوَقَعَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا الرَّازِيّ وَفِي الْمُغْرِبِ هُوَ تَحْرِيفٌ لِأَنَّهُ مِنْ الْبَصْرَةِ لَا مِنْ الرَّيِّ وَالرَّازِيِّ نِسْبَةً إلَى الرَّيِّ وَهَكَذَا فِي صَحِيحِ مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 ابْنِ نُجَيْمٍ وَقَارِئِ الْهِدَايَةِ وَسَيَجِيءُ (وَيُنْزَعُ) وُجُوبًا بَزَّازِيَّةٌ (لَوْ) الْوَاقِفُ دُرَرٌ فَغَيْرُهُ بِالْأَوْلَى (غَيْرَ مَأْمُونٍ) أَوْ عَاجِزًا أَوْ ظَهَرَ بِهِ فِسْقٌ كَشُرْبِ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ فَتْحٌ،   [رد المحتار] مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا الْوَقْفُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَبِهِ يُفْتِي (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي الْفَصْلِ الْآتِي وَهُوَ قَوْلُ الْمَتْنِ وِلَايَةُ نَصْبِ الْقَيِّمِ إلَى الْوَاقِفِ ثُمَّ لِوَصِيِّهِ ثُمَّ لِلْقَاضِي. مَطْلَبٌ يَأْثَمُ بِتَوْلِيَةِ الْخَائِنِ (قَوْلُهُ: وَيُنْزَعُ وُجُوبًا) مُقْتَضَاهُ إثْمُ الْقَاضِي بِتَرْكِهِ وَالْإِثْمُ بِتَوْلِيَةِ الْخَائِنِ وَلَا شَكَّ فِيهِ بَحْرٌ. لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَنْ الْخَصَّافِ أَنَّ لَهُ عَزْلَهُ أَوْ إدْخَالَ غَيْرِهِ مَعَهُ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ رَفْعُ ضَرَرِهِ عَنْ الْوَقْفِ، فَإِذَا ارْتَفَعَ بِضَمِّ آخَرَ إلَيْهِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَعْزِلُهُ الْقَاضِي بِمُجَرَّدِ الطَّعْنِ فِي أَمَانَتِهِ بَلْ بِخِيَانَةٍ ظَاهِرَةٍ بِبَيِّنَةٍ، وَأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَهُ وَتَابَ وَأَنَابَ أَعَادَهُ، وَأَنَّ امْتِنَاعَهُ مِنْ التَّعْمِيرِ خِيَانَةٌ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْوَقْفَ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا جَائِزًا عَالِمًا بِهِ اهـ وَقَوْلُهُ: لَا يَعْزِلُهُ الْقَاضِي بِمُجَرَّدِ الطَّعْنِ إلَخْ سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي الْفُرُوعِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ قَرِيبًا عَلَى حُكْمِ عَزْلِ الْقَاضِي بِلَا حُجَّةٍ وَسَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ بَاعَ دَارًا حُكْمُ عَزْلِ الْوَاقِفِ لِلنَّاظِرِ. مَطْلَبٌ فِيمَا يُعْزَلُ بِهِ النَّاظِرُ [تَنْبِيهٌ] إذَا كَانَ نَاظِرًا عَلَى أَوْقَافٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ فِي بَعْضِهَا أَفْتَى الْمُفْتِي أَبُو السُّعُودِ بِأَنَّهُ يُعْزَلُ مِنْ الْكُلِّ. قُلْت: وَيَشْهَدُ قَوْلُهُمْ فِي الشَّهَادَةِ أَنَّ الْفِسْقَ لَا يَتَجَزَّأُ، وَفِي الْجَوَاهِرِ الْقَيِّمُ إذَا لَمْ يُرَاعِ الْوَقْفَ يَعْزِلُهُ الْقَاضِي وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ إذَا زَرَعَ الْقَيِّمُ لِنَفْسِهِ يُخْرِجُهُ الْقَاضِي مِنْ يَدِهِ قَالَ الْبِيرِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْ الْأَوَّلِ أَنَّ النَّاظِرَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ إعَارَةِ الْكُتُبِ الْمَوْقُوفَةِ كَانَ لِلْقَاضِي عَزْلُهُ، وَمِنْ الثَّانِي لَوْ سَكَنَ النَّاظِرُ دَارَ الْوَقْفِ وَلَوْ بِأَجْرِ الْمِثْلِ لَهُ عَزْلُهُ لِأَنَّهُ نَصَّ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ السُّكْنَى وَلَوْ بِأَجْرِ الْمِثْلِ. اهـ. وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِالْجُنُونِ الْمُطْبِقِ سَنَةً لَا أَقَلَّ وَلَوْ بَرِئَ عَادَ إلَيْهِ النَّظَرُ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي الْمَشْرُوطِ لَهُ النَّظَرُ أَمَّا الْمَنْصُوبُ الْقَاضِي فَلَا وَفِي الْبِيرِيِّ أَيْضًا عَنْ أَوْقَافِ النَّاصِحِيِّ الْوَاقِفُ عَلَى قَوْمٍ وَلَا يُوصَلُ إلَيْهِمْ مَا شُرِطَ لَهُمْ يَنْزِعُهُ الْقَاضِي مِنْ يَدِهِ وَيُوَلِّيهِ غَيْرُهُ اهـ وَيَنْعَزِلُ الْمُتَوَلِّي مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ بِمَوْتِ الْوَاقِفِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمُفْتَى بِهِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ إلَّا إذَا جَعَلَهُ قَيِّمًا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: لَوْ الْوَاقِفُ) أَيْ لَوْ كَانَ الْمُتَوَلِّي هُوَ الْوَاقِفَ (قَوْلُهُ: فَغَيْرُهُ بِالْأَوْلَى) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ لِلْقَاضِي عَزْلَ الْمُتَوَلِّي الْخَائِنِ غَيْرِ الْوَاقِفِ بِالْأَوْلَى. مَطْلَبٌ فِي شُرُوطِ الْمُتَوَلِّي (قَوْلُهُ: غَيْرَ مَأْمُونٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْإِسْعَافِ: وَلَا يُوَلَّى إلَّا أَمِينٌ قَادِرٌ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ تَوْلِيَةُ الْخَائِنِ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ، وَكَذَا تَوْلِيَةُ الْعَاجِزِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَكَذَا الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَكَذَا الْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ إذَا تَابَ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَقَالُوا: مَنْ طَلَبَ التَّوْلِيَةَ عَلَى الْوَقْفِ لَا يُعْطَى لَهُ وَهُوَ كَمَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ لَا يُقَلَّدُ اهـ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهَا شَرَائِطُ الْأَوْلَوِيَّةِ لَا شَرَائِطُ الصِّحَّةِ وَأَنَّ النَّاظِرَ إذَا فَسَقَ اسْتَحَقَّ الْعَزْلَ وَلَا يَنْعَزِلُ كَالْقَاضِي إذَا فَسَقَ لَا يَنْعَزِلُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 أَوْ كَانَ يَصْرِفُ مَالَهُ فِي الْكِيمْيَاءِ نَهْرٌ بَحْثًا   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي تَوْلِيَةِ الصَّبِيِّ وَيُشْتَرَطُ لِلصِّحَّةِ بُلُوغُهُ وَعَقْلُهُ لَا حُرِّيَّتُهُ وَإِسْلَامُهُ لِمَا فِي الْإِسْعَافِ لَوْ أَوْصَى إلَى الصَّبِيِّ تَبْطُلُ فِي الْقِيَاسِ مُطْلَقًا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هِيَ بَاطِلَةٌ مَا دَامَ صَغِيرًا، فَإِذَا كَبِرَ تَكُونُ الْوِلَايَةُ لَهُ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا يَجُوزُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانُهُ لِأَهْلِيَّةٍ فِي ذَاتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ تَصَرُّفَهُ الْمَوْقُوفَ لِحَقِّ الْمَوْلَى يَنْفُذُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ ثُمَّ الذِّمِّيُّ فِي الْحُكْمِ كَالْعَبْدِ فَلَوْ أَخْرَجَهُمَا الْقَاضِي ثُمَّ عَتَقَ الْعَبْدُ وَأَسْلَمَ الذِّمِّيُّ لَا تَعُودُ إلَيْهِمَا. اهـ. بَحْرٌ مُلَخَّصًا وَنَحْوُهُ فِي النَّهْرِ. وَفِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ الشَّلَبِيِّ: وَأَمَّا الْإِسْنَادُ لِلصَّغِيرِ فَلَا يَصِحُّ بِحَالٍ لَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ بِالنَّظَرِ وَلَا عَلَى سَبِيلِ الْمُشَارَكَةِ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ النَّظَرَ عَلَى الْوَقْفِ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَالصَّغِيرُ يُوَلَّى عَلَيْهِ لِقُصُورِهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوَلَّى عَلَى غَيْرِهِ اهـ وَفِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَنْ وَقْفِ هِلَالٍ لَهُ قَالَ: وِلَايَتُهَا إلَى وَلَدِي وَفِيهِمْ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ يُدْخِلُ الْقَاضِي مَكَانَ الصَّغِيرِ رَجُلًا وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ الْكِبَارَ مَقَامَهُ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْهُ مَا مَرَّ عَنْ الْإِسْعَافِ بِهَذِهِ النُّقُولِ صَرِيحَةٌ بِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَصْلُحُ نَاظِرًا وَأَمَّا مَا فِي الْأَشْبَاهِ فِي أَحْكَامِ الصِّبْيَانِ، مِنْ أَنَّ الصَّبِيَّ يَصْلُحُ وَصِيًّا وَنَاظِرًا وَيُقِيمُ الْقَاضِي مَكَانَهُ بَالِغًا إلَى بُلُوغِهِ كَمَا فِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ مِنْ الْوَصَايَا اهـ فَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَنْظُومَةِ قَوْلَهُ وَنَاظِرًا ثُمَّ رَأَيْت شَارِحَ الْأَشْبَاهِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْوَصِيِّ عَنْ الْمُجْتَبَى. مِنْ أَنَّهُ لَوْ فَوَّضَ وِلَايَةَ الْوَقْفِ لِلصَّبِيِّ صَحَّ اسْتِحْسَانًا فَفِيهِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى صَرَّحَ بِهِ نَفْسُهُ فِي الْحَاوِي بِقَوْلِهِ: وَلَوْ أَوْصَى إلَى صَبِيٍّ فِي وَقْفِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ فِي الْقِيَاسِ، وَلَكِنْ اسْتِحْسَانُ أَنْ تَكُونَ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ إذَا كَبِرَ. اهـ. وَهَذَا هُوَ مَا مَرَّ عَنْ الْإِسْعَافِ نَعَمْ رَأَيْت فِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ لِلْأُسْرُوشَنِيِّ عَنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ قَالَ الْقَاضِي: إذَا فَوَّضَ التَّوْلِيَةَ إلَى صَبِيٍّ يَجُوزُ إذَا كَانَ أَهْلًا لِلْحِفْظِ وَتَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ كَمَا أَنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ الصَّبِيَّ وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ لَا يَأْذَنُ اهـ وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ مَا فِي الْإِسْعَافِ وَغَيْرِهِ عَلَى غَيْرِ الْأَهْلِ لِلْحِفْظِ بِأَنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ، أَمَّا الْقَادِرُ عَلَيْهِ فَتَكُونُ تَوْلِيَتُهُ مِنْ الْقَاضِي إذْنًا لَهُ فِي التَّصَرُّفِ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ لِلصَّغِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلِيُّهُ. مَطْلَبٌ فِيمَا شَاعَ فِي زَمَانِنَا مِنْ تَفْوِيضِ نَظَرِ الْأَوْقَافِ لِلصَّغِيرِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ مَا شَاعَ فِي زَمَانِنَا مِنْ تَفْوِيضِ نَظَرِ الْأَوْقَافِ لِصَغِيرٍ لَا يَعْقِلُ وَحُكْمَ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ بِصِحَّةِ ذَلِكَ خَطَأٌ مَحْضٌ وَلَا سِيَّمَا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ تَوْلِيَةَ النَّظَرِ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ إذَا وُلِّيَ بَالِغٌ عَاقِلٌ رَشِيدٌ وَكَانَ فِي أَهْلِ الْوَقْفِ أَرْشَدُ مِنْهُ لَا تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ لِمُخَالَفَتِهَا شَرْطَ الْوَاقِفِ، فَكَيْفَ إذَا كَانَ طِفْلًا لَا يَعْقِلُ، وَثَمَّ بَالِغٌ رَشِيدٌ إنَّ هَذَا لَهُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ وَاعْتِقَادُهُمْ أَنَّ خَبَرَ الْأَبِ لِابْنِهِ لَا يُفِيدُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ حُكْمِ الشَّرْعِ، وَمُخَالَفَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَإِعْطَاءِ الْوَظَائِفِ مِنْ تَدْرِيسٍ وَإِمَامَةٍ وَغَيْرِهَا إلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهَا كَمَا أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي الْجِهَادِ فِي آخِرِ فَصْلِ الْجِزْيَةِ كَيْفَ وَلَوْ أَوْصَى الْوَاقِفُ بِالتَّوْلِيَةِ لِابْنِهِ لَا تَصِحُّ مَا دَامَ صَغِيرًا حَتَّى يَكْبَرَ فَتَكُونُ الْوِلَايَةُ لَهُ كَمَا مَرَّ، وَكَذَلِكَ اعْتِقَادُهُمْ أَنَّ الْأَرْشَدَ إذَا فُوِّضَ، وَأُسْنِدَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لِمَنْ أَرَادَ صَحَّ؛ لِأَنَّ مُخْتَارَ الْأَرْشَدِ أَرْشَدُ فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الرُّشْدَ فِي أُمُورِ الْوَقْفِ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالرَّشِيدِ لَا تَحْصُلُ لَهُ بِمُجَرَّدِ اخْتِيَارِ غَيْرِهِ لَهُ كَمَا لَا يَصِيرُ الْجَاهِلُ عَالِمًا بِمُجَرَّدِ اخْتِيَارِ الْغَيْرِ لَهُ فِي وَظِيفَةِ التَّدْرِيسِ، وَكُلُّ هَذِهِ أُمُورٌ نَاشِئَةٌ عَنْ جَهْلٍ وَاتِّبَاعِ الْعَادَةِ الْمُخَالِفَةِ لِصَرِيحِ الْحَقِّ بِمُجَرَّدِ تَحْكِيمِ الْعَقْلِ الْمُخْتَارِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ يَصْرِفُ مَالَهُ فِي الْكِيمْيَاءِ) لِأَنَّهُ اُسْتُقْرِئَ مِنْ أَحْوَالِ مُتَعَاطِيهَا أَنَّهَا تَسْتَجِرُّهُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ جَمِيعِ مَا فِي يَدِهِ وَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ دُيُونٌ بِهَذَا السَّبَبِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَجُرَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 [مَطْلَبٌ يَأْثَمُ بِتَوْلِيَةِ الْخَائِنِ] (وَإِنْ شُرِطَ عَدَمُ نَزْعِهِ) أَوْ أَنْ لَا يَنْزِعَهُ قَاضٍ وَلَا سُلْطَانٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَبْطُلُ كَالْوَصِيِّ فَلَوْ مَأْمُونًا لَمْ تَصِحَّ تَوْلِيَةُ غَيْرِهِ أَشْبَاهٌ [مَطْلَبٌ فِي عَزْلِ النَّاظِرِ]   [رد المحتار] الْحَالُ إلَى إضَاعَةِ مَالِ الْوَقْفِ ط. (قَوْلُهُ وَإِنْ شُرِطَ عَدَمُ نَزْعِهِ) هِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ السَّبْعِ الَّتِي يُخَالِفُ فِيهَا شَرْطُ الْوَاقِفِ عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ وَسَتَأْتِي ط (قَوْلُهُ: كَالْوَصِيِّ) فَإِنَّهُ يَنْزِعُهُ وَإِنْ شَرَطَ الْمُوصِي عَدَمَ نَزْعِهِ وَإِنْ خَانَ ط. مَطْلَبٌ فِي عَزْلِ النَّاظِرِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ مَأْمُونًا تَصِحُّ تَوْلِيَةُ غَيْرِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى إلَى الْأَشْبَاهِ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي عَزْلُ النَّاظِرِ الْمَشْرُوطِ لَهُ النَّظَرُ بِلَا خِيَانَةٍ، وَلَوْ عَزَلَهُ لَا يَصِيرُ الثَّانِي مُتَوَلِّيًا وَيَصِحُّ عَزْلُ النَّاظِرِ بِلَا خِيَانَةٍ لَوْ مَنْصُوبَ الْقَاضِي أَيْ لَا الْوَاقِفِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يُعِيدَهُ وَإِنْ عَزَلَهُ الْأَوَّلُ بِلَا سَبَبٍ لِحَمْلِ أَمْرِهِ عَلَى السَّدَادِ إلَّا أَنْ تَثْبُتَ أَهْلِيَّتُهُ اهـ وَأَمَّا الْوَاقِفُ فَلَهُ عَزْلُ النَّاظِرِ مُطْلَقًا بِهِ يُفْتِي وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ نَاظِرًا فَنَصَّبَهُ الْقَاضِي لَمْ يَمْلِكْ الْوَاقِفُ إخْرَاجَهُ كَذَا فِي فَتَاوَى صَاحِبِ التَّنْوِيرِ اهـ بِتَصَرُّفٍ وَالتَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي عَزْلِ النَّاظِرِ نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ، وَذَكَرَ الْمَرْحُومُ الشَّيْخُ شَاهِينُ عَنْ الْفَصْلِ الْأَخِيرِ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ إذَا كَانَ لِلْوَقْفِ مُتَوَلٍّ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ أَوْ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْقُضَاةِ لَا يَمْلِكُ الْقَاضِي نَصْبَ مُتَوَلٍّ آخَرَ بِلَا سَبَبٍ مُوجِبٍ لِذَلِكَ وَهُوَ ظُهُورُ خِيَانَةِ الْأَوَّلِ أَوْ شَيْءٍ آخَرَ اهـ. قَالَ: وَهَذَا مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْقُنْيَةِ اهـ أَبُو السُّعُودِ قَالَ وَكَذَا الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ أَطْلَقَ فِي عَدَمِ صِحَّةِ عَزْلِهِ بِلَا خِيَانَةٍ وَإِنْ عَزَلَهُ مَوْلَانَا السُّلْطَانُ فَعَمَّ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ كَانَ مَنْصُوبَ الْقَاضِي. اهـ. ط. قُلْت: وَذُكِرَ فِي الْبَحْرِ كَلَامًا عَنْ الْخَانِيَّةِ ثُمَّ قَالَ عَقِبَهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي عَزْلَ مَنْصُوبِ قَاضٍ آخَرَ بِغَيْرِ خِيَانَةٍ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ اهـ وَهَذَا دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، أَوْ شَيْءٍ آخَرَ كَمَا دَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ عَجَزَ أَوْ فَسَقَ وَفِي الْبِيرِيِّ عَنْ حَاوِي الْحَصِيرِيِّ عَنْ وَقْفِ الْأَنْصَارِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ يَتَوَلَّى مِنْ جِيرَانِ الْوَاقِفِ وَقَرَابَتِهِ إلَّا بِرِزْقٍ وَيَفْعَلُ وَاحِدٌ مِنْ غَيْرِهِمْ بِلَا رِزْقٍ فَذَلِكَ إلَى الْقَاضِي يَنْظُرُ فِيمَا هُوَ الْأَصْلَحُ لِأَهْلِ الْوَقْفِ اهـ. . [مَطْلَبٌ لَا يَصِحُّ عَزْلُ صَاحِبِ وَظِيفَةٍ بِلَا جُنْحَةٍ أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّةٍ] 1 ٍ [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْبَحْرِ وَاسْتُفِيدَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ عَزْلِ النَّاظِرِ بِلَا جُنْحَةٍ عَدَمُهَا لِصَاحِبِ وَظِيفَةٍ فِي وَقْفٍ بِغَيْرِ جُنْحَةٍ وَعَدَمِ أَهْلِيَّةٍ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَسْأَلَةِ غَيْبَةِ الْمُتَعَلِّمِ، مِنْ أَنَّهُ لَا تُؤْخَذُ حُجْرَتُهُ وَوَظِيفَتُهُ عَلَى حَالِهَا إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، فَهَذَا مَعَ الْغَيْبَةِ فَكَيْفَ مَعَ الْحَضْرَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ وسَتَأْتِي مَسْأَلَةُ الْغَيْبَةِ وَحُكْمُ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْوَظَائِفِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وِلَايَةُ نِصْفِ الْقِيَمِ إلَى الْوَاقِفِ، وَفِي آخِرِ الْفَنِّ الثَّالِثِ مِنْ الْأَشْبَاهِ إذَا وَلَّى السُّلْطَانُ مُدَرِّسًا لَيْسَ بِأَهْلٍ لَمْ تَصِحَّ تَوْلِيَتُهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ مُقَيَّدٌ بِالْمَصْلَحَةِ خُصُوصًا إنْ كَانَ الْمُقَرَّرُ عَنْ مُدَرِّسٍ أَهْلًا فَإِنَّ الْأَهْلَ لَمْ يَنْعَزِلْ وَصَرَّحَ الْبَزَّازِيُّ فِي الصُّلْحِ، بِأَنَّ السُّلْطَانَ إذَا أَعْطَى غَيْرَ الْمُسْتَحِقِّ فَقَدْ ظَلَمَ مَرَّتَيْنِ بِمَنْعِ الْمُسْتَحِقِّ وَأَعْطَاهُ غَيْرَ الْمُسْتَحِقِّ اهـ مُلَخَّصًا. . [مَطْلَبٌ فِي النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ] 1 ِ وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ عِنْدَ الْقَاضِي يُنَصِّبُ غَيْرَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ نَفْسِهِ حَتَّى يَبْلُغَ الْقَاضِي وَمَنْ عَزَلَ نَفْسَهُ لِفَرَاغٍ لِغَيْرِهِ عَنْ وَظِيفَةِ النَّظَرِ أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَنْزُولُ لَهُ غَيْرَ أَهْلٍ لَا يُقَرِّرُهُ الْقَاضِي وَلَوْ أَهْلًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْرِيرُهُ وَأَفْتَى الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ بِأَنَّ مَنْ فَرَغَ لِإِنْسَانٍ عَنْ وَظِيفَتِهِ سَقَطَ حَقُّهُ وَإِنْ لَمْ يُقَرِّرْ النَّاظِرُ الْمَنْزُولَ لَهُ اهـ فَالْقَاضِي بِالْأُولَى وَقَدْ جَرَى التَّعَارُفُ بِمِصْرَ الْفَرَاغُ بِالدَّرَاهِمِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَيَنْبَغِي الْإِبْرَاءُ الْعَامُّ بَعْدَهُ اهـ مَا فِي الْبَحْرِ مُلَخَّصًا، لَكِنْ يُنَافِي هَذَا مَا يَأْتِي فِي الْفَصْلِ مِنْ أَنْ يَتَوَلَّى إذَا أَرَادَ إقَامَةَ غَيْرِهِ مَقَامَهُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ مَعَ الْجَوَابِ عَنْهُ هُنَاكَ مَطْلَبٌ لَا بُدَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ تَقْرِيرِ الْقَاضِي فِي الْوَظِيفَةِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ لَمْ يَسْتَنِدْ فِيهِ إلَى نَقْلٍ وَأَنَّهُ خُولِفَ فِي ذَلِكَ أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْرِيرِ الْقَاضِي. وَسُئِلَ فِي الْخَيْرِيَّةِ عَمَّا إذَا قَرَّرَ السُّلْطَانُ رَجُلًا فِي وَظِيفَةٍ كَانَتْ لِرَجُلٍ فَرَغَ لِغَيْرِهِ عَنْهَا بِمَالٍ أَجَابَ بِأَنَّهَا لِمَنْ قَرَّرَهُ السُّلْطَانُ لَا لِلْمَفْرُوغِ لَهُ إذْ الْفَرَاغُ لَا يَمْنَعُ تَقْرِيرُهُ سَوَاءٌ قُلْنَا بِصِحَّتِهِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا أَوْ بِعَدَمِهَا الْمُوَافِقِ لِلْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ كَمَا حَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ ثُمَّ رَأَيْت صَرِيحَ الْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِ مِنْهَاجِ الشَّافِعِيَّةِ لِابْنِ حَجَرٍ مُعَلَّلًا بِأَنَّ مُجَرَّدَ الْفَرَاغِ سَبَبٌ ضَعِيفٌ لَا بُدَّ مِنْ انْضِمَامِ تَقْرِيرِ النَّاظِرِ إلَيْهِ اهـ مُلَخَّصًا. . مَطْلَبٌ لَوْ قَرَّرَ الْقَاضِي رَجُلًا ثُمَّ قَرَّرَ السُّلْطَانُ آخَرَ فَالْمُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ وَأَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ قَرَّرَ الْقَاضِي رَجُلًا ثُمَّ قَرَّرَ السُّلْطَانُ آخَرَ فَالْعِبْرَةُ لِتَقْرِيرِ الْقَاضِي كَالْوَكِيلِ إذَا نَجَّزَ مَا وُكِّلَ فِيهِ ثُمَّ فَعَلَهُ الْمُوَكِّلُ. 1 - مَطْلَبٌ النَّاظِرُ الْمَشْرُوطُ لَهُ التَّقْدِيرُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقَاضِي وأَفْتَى أَيْضًا بِأَنَّ النَّاظِرَ الْمَشْرُوطَ لَهُ التَّقْرِيرُ لَوْ قَرَّرَ شَخْصًا فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ دُونَ تَقْرِيرِ الْقَاضِي أَخْذًا مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ: وَهِيَ أَنَّ الْوِلَايَةَ الْخَاصَّةَ أَقْوَى مِنْ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ وَبِهِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ لَهُ التَّقْرِيرَ فَالْمُعْتَبَرُ تَقْرِيرُ الْقَاضِي. اهـ. . [مَطْلَبٌ لِلْمَفْرُوغِ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَالِ الْفَرَاغِ] 1 ِ وَأَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ فَرَغَ عَنْ الْوَظِيفَةِ بِمَالٍ فَلِلْمَفْرُوغِ لَهُ الرُّجُوعُ بِالْمَالِ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ حَقٍّ مُجَرَّدٍ وَهُوَ لَا يَجُوزُ صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً قَالَ وَمَنْ أَفْتَى بِخِلَافِهِ فَقَدْ أَفْتَى بِخِلَافِ الْمَذْهَبِ لِبِنَائِهِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْخَاصِّ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَالْمَسْأَلَةُ شَهِيرَةٌ وَقَدْ وَقَعَ فِيهَا لِلْمُتَأَخِّرِينَ رَسَائِلُ وَاتِّبَاعُ الْجَادَّةِ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكَتَبَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا كِتَابَةً حَسَنَةً فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْخَيْرِيَّةِ فَرَاجِعْهَا وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَحَاصِلُهُ جَوَازُ أَخْذِ الْمَالِ بِلَا رُجُوعٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 (وَجَازَ جَعْلُ غَلَّةِ الْوَقْفِ) أَوْ الْوِلَايَةِ (لِنَفْسِهِ عِنْدَ الثَّانِي) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (وَ) جَازَ (شَرْطُ الِاسْتِبْدَالِ بِهِ)   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي اشْتِرَاطِ الْغَلَّةِ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: وَجَازَ جَعْلُ غَلَّةِ الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ إلَخْ) أَيْ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِهِ التَّسْلِيمَ إلَى مُتَوَلٍّ وَقِيلَ هِيَ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ أَيْ غَيْرُ مَبْنِيَّةٍ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَوْجَهُ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى عَبِيدِهِ وَإِمَائِهِ صَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْغَلَّةِ لِمُدَبَّرَيْهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ فَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ اتِّفَاقًا لِثُبُوتِ حُرِّيَّتِهِمْ بِمَوْتِهِ، فَهُوَ كَالْوَقْفِ عَلَى الْأَجَانِبِ وَثُبُوتُهُ لَهُمْ حَالَ حَيَاتِهِ تَبَعٌ لِمَا بَعْدَهَا، وَقُيِّدَ بِجَعْلِ الْغَلَّةِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ قِيلَ: لَا يَجُوزُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: جَوَازُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى فُلَانٍ صَحَّ نِصْفُهُ وَهُوَ حِصَّةُ فُلَانٍ وَبَطَلَ حِصَّةُ نَفْسِهِ وَلَوْ قَالَ: ثُمَّ عَلَى فُلَانٍ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ بَحْرٌ مُلَخَّصًا، لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ فِي تَضْعِيفِهِ وَاعْتِمَادُ الْجَوَازِ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ، وَلَعَلَّهُ بَنَاهُ عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ جَعْلِ الْغَلَّةِ لِنَفْسٍ وَالْوَقْفُ عَلَى نَفْسِهِ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى شَخْصٍ سِوَى صَرْفِ الْغَلَّةِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْوَقْفَ تَصَدُّقٌ بِالْمَنْفَعَةِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ التَّصْحِيحُ الْمَنْقُولُ فِي صِحَّةِ الْأَوَّلِ شَامِلًا لِصِحَّةِ الثَّانِي، وَهُوَ ظَاهِرٌ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْفَتْحِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى عَبِيدِهِ وَإِمَائِهِ إلَخْ مَعَ أَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ فِي جَعْلِ الْغَلَّةِ لِنَفْسِهِ. مَطْلَبٌ فِي الْوَقْفِ عَلَى نَفْسِ الْوَاقِفِ (قَوْلُهُ: أَوْ الْوِلَايَةِ) مُفَادُهُ أَنَّ فِيهِ خِلَافَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْوِلَايَة لِنَفْسِهِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ نِزَاعٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مَعَ التَّوْفِيقِ بِأَنَّ عَنْ مُحَمَّدِ رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا تُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَالْأُخْرَى تُخَالِفُهُ فَدَعْوَى الْإِجْمَاعِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى؛ وَدَعْوَى الْخِلَافِ عَلَى الثَّانِيَةِ فَلَا خَلَلَ فِي النَّقْلَيْنِ فَلِذَا مَشَى الشَّارِحُ عَلَيْهِمَا فِي مَوْضِعَيْنِ مُشِيرًا إلَى صِحَّةِ كُلٍّ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) كَذَا قَالَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَهُوَ مُخْتَارُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ وَاخْتَارَ مَشَايِخُ بَلْخٍ وَفِي الْبَنْجَرِ عَنْ الْحَاوِي أَنَّهُ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي الْوَقْفِ وَتَكْثِيرًا لِلْخَيْرِ. . مَطْلَبٌ فِي اسْتِبْدَالِ الْوَقْفِ وَشُرُوطِهِ (قَوْلُهُ: وَجَازَ شَرْطُ الِاسْتِبْدَالِ بِهِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ عَلَى ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَشْرِطَهُ الْوَاقِفُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ، فَالِاسْتِبْدَالُ فِيهِ جَائِزٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ اتِّفَاقًا. وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَشْرُطَهُ سَوَاءٌ شَرَطَ عَدَمَهُ أَوْ سَكَتَ لَكِنْ صَارَ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ بِأَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْهُ شَيْءٌ أَصْلًا، أَوْ لَا يَفِي بِمُؤْنَتِهِ فَهُوَ أَيْضًا جَائِزٌ عَلَى الْأَصَحِّ إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَرَأْيِهِ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يَشْرُطَهُ أَيْضًا وَلَكِنْ فِيهِ نَفْعٌ فِي الْجُمْلَةِ وَبَدَلُهُ خَيْرٌ مِنْهُ رِيعًا وَنَفْعًا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهُ عَلَى الْأَصَحِّ الْمُخْتَارِ كَذَا حَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ قَنَالِي زَادَهْ فِي رِسَالَتِهِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الِاسْتِبْدَالِ، وَأَطْنَبَ فِيهَا عَلَيْهِ الِاسْتِدْلَالَ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ أَيْضًا كَمَا سَنَذْكُرُهُ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ لَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُ الْعَامِرِ إلَّا فِي أَرْبَعٍ وَيَأْتِي بَقِيَّةُ شُرُوطِ الْجَوَازِ. وَأَفَادَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي رِسَالَتِهِ فِي الِاسْتِبْدَالِ أَنَّ الْخِلَافَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 أَرْضًا أُخْرَى حِينَئِذٍ (أَوْ) شَرْطُ (بَيْعِهِ وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ أَرْضًا أُخْرَى إذَا شَاءَ فَإِذَا فَعَلَ صَارَتْ الثَّانِيَةُ كَالْأُولَى فِي شَرَائِطِهَا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا ثُمَّ لَا يَسْتَبْدِلُهَا) بِثَالِثَةٍ لِأَنَّهُ حُكْمٌ ثَبَتَ بِالشَّرْطِ وَالشَّرْطُ وُجِدَ فِي الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ   [رد المحتار] فِي الثَّالِثِ، إنَّمَا هُوَ فِي الْأَرْضِ إذَا ضَعُفَتْ عَنْ الِاسْتِغْلَالِ بِخِلَافِ الدَّارِ إذَا ضَعُفَتْ بِخَرَابِ بَعْضِهَا، وَلَمْ تَذْهَبْ أَصْلًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ حِينَئِذٍ الِاسْتِبْدَالُ عَلَى كُلِّ الْأَقْوَالِ قَالَ: وَلَا يُمْكِنُ قِيَاسُهَا عَلَى الْأَرْضِ فَإِنَّ الْأَرْضَ إذَا ضَعُفَتْ لَا يُرْغَبُ غَالِبًا فِي اسْتِئْجَارِهَا بَلْ فِي شِرَائِهَا أَمَّا الدَّارُ فَيُرْغَبُ فِي اسْتِئْجَارِهَا مُدَّةً طَوِيلَةً لِأَجْلِ تَعْمِيرِهَا لِلسُّكْنَى عَلَى أَنَّ بَابَ الْقِيَاسِ مَسْدُودٌ فِي زَمَانِنَا وَإِنَّمَا لِلْعُلَمَاءِ النَّقْلُ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ (قَوْلُهُ: أَرْضًا أُخْرَى) مَفْعُولٌ بِهِ لِلِاسْتِبْدَالِ وَعَمَلُ الْمَصْدَرِ الْمَقْرُونِ بِأَلْ قَلِيلٌ (قَوْلُهُ: حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ كَانَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ اشْتِرَاطَ الِاسْتِبْدَالِ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ اشْتِرَاطِ الْغَلَّةِ لِنَفْسِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفَرَّعَ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ شَرْطٌ وَالِاسْتِبْدَالُ لِنَفْسِهِ، فَيُجَوِّزُهُ أَبُو يُوسُفَ وَأَبْطَلَهُ مُحَمَّدٌ وَفِي الْخَانِيَّةِ الصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اهـ وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ صِحَّةُ الشَّرْطِ إجْمَاعًا وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي رِسَالَتِهِ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا ذُكِرَ الشَّرْطُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالثَّانِي مَا إذَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الِاسْتِبْدَالِ بِقَرِينَةِ تَعْبِيرِ الْخَانِيَّةِ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ شَرَطَ بَيْعَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِهِ بِلَفْظِ الِاسْتِبْدَالِ أَوْ الْبَيْعِ، وَهُوَ خِلَافُ التَّوْفِيقِ الْمَذْكُورِ آنِفًا. (قَوْلُهُ: وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ أَرْضًا) أَيْ وَأَنْ يَشْتَرِيَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي وَقُيِّدَ بِهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْبَيْعِ فَقَطْ يُفْسِدُ الْوَقْفَ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الِاسْتِبْدَالِ إلَّا بِذِكْرِ الشِّرَاءِ وَفِي فَتَاوَى الْكَازَرُونِيِّ عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ وَاقِفٍ شَرَطَ لِنَفْسِهِ الِاسْتِبْدَالَ وَالْبَيْعَ فَأَجَابَ: بِأَنَّ الْوَقْفَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ الْبَيْعَ بَعْدَ الِاسْتِبْدَالِ كَانَ عَطْفَ مُغَايِرٍ، وَأَطْلَقَ الْبَيْعَ وَلَمْ يَقُلْ وَاشْتَرَى بِالثَّمَنِ مَا يَكُونُ وَقْفًا مَكَانَهَا فَأَبْطَلَ الْوَقْفَ لِقَوْلِ الْخَصَّافِ لَوْ اشْتَرَطَ بَيْعَ الْأَرْضِ وَلَمْ يَقُلْ اسْتِبْدَالٌ بِثَمَنِهَا مَا يَكُونُ وَقْفًا مَكَانَهَا فَالْوَقْفُ بَاطِلٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا شَاءَ) كَذَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الدُّرَرِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ، وَأَكْثَرُ الْكُتُبِ الَّتِي رَأَيْتهَا نَعَمْ رَأَيْته مَعْزِيًّا لِلذَّخِيرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِلْبَيْعِ لَا لِلشِّرَاءِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ قَبْلَ قَوْلِهِ: وَيَشْتَرِي لِئَلَّا يُوهَمَ أَنَّهُ قَيْدٌ لِلشِّرَاءِ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ اشْتِرَاطُ الْبَيْعِ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ غَيْرَهُ وَهُوَ مُفْسِدٌ لِلْوَقْفِ كَمَا عَلِمْته هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا) أَيْ الشَّرَائِطَ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَهَا، وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا أَرْضًا أُخْرَى، وَلَمْ يَزِدْ صَحَّ اسْتِحْسَانًا وَصَارَتْ الثَّانِيَةُ وَقْفًا بِشَرَائِطِ الْأُولَى وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِيقَافِ كَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ، إذَا قُتِلَ خَطَأً وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ عَبْدًا آخَرَ ثَبَتَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ فِي خِدْمَتِهِ. مَطْلَبٌ فِي اشْتِرَاطِ الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ لَا يَسْتَبْدِلُهَا بِثَالِثَةٍ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: إلَّا أَنْ يَذْكُرَ عِبَارَةً تُفِيدُ لَهُ ذَلِكَ دَائِمًا، وَكَذَلِكَ لَيْسَ لِلْقَيِّمِ الِاسْتِبْدَالُ إلَّا أَنْ يَنُصَّ لَهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى وِزَانِ هَذَا الشَّرْطِ لَوْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ، أَنْ يُنْقِصَ مِنْ الْمَعَالِيمِ إذَا شَاءَ، وَيَزِيدَ وَيُخْرِجَ مَنْ شَاءَ، وَمَنْ اسْتَبْدَلَ بِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِقَيِّمِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ لَهُ وَإِذَا أَدْخَلَ وَأَخْرَجَ مَرَّةً، فَلَيْسَ لَهُ ثَانِيًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 (وَأَمَّا) الِاسْتِبْدَالُ وَلَوْ لِلْمَسَاكِينِ آلَ (بِدُونِ الشَّرْطِ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا الْقَاضِي) دُرَرٌ [مَطْلَبٌ فِي اسْتِبْدَالِ الْوَقْفِ وَشُرُوطِهِ] وَشَرْطَ فِي الْبَحْرِ خُرُوجُهُ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ وَكَوْنُ الْبَدَلِ عَقَارًا وَالْمُسْتَبْدِلُ قَاضِي الْجَنَّةِ الْمُفَسَّرُ بِذِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَفِي النَّهْرِ أَنَّ الْمُسْتَبْدِلَ قَاضِي الْجَنَّةِ فَالنَّفْسُ بِهِ مُطْمَئِنَّةٌ فَلَا يُخْشَى ضَيَاعُهُ   [رد المحتار] إلَّا بِشَرْطِهِ وَلَوْ شَرَطَهُ لِلْقَيِّمِ وَلَمْ يَشْرِطْهُ لِنَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِنَفْسِهِ اهـ وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ فُرُوعًا مُهِمَّةً فَلْتُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِلْمَسَاكِينِ آلَ) أَيْ رَجَعَ وَهَذِهِ الْمُبَالَغَةُ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي الدُّرَرِ قَالَ ح: وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُهَا (قَوْلُهُ: بِدُونِ الشَّرْطِ) دَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ اشْتَرَطَ عَدَمَهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الطَّرَسُوسِيِّ أَنَّهُ لَا نَقْلَ فِيهِ لَكِنَّهُ مُقْتَضَى قَوَاعِدَ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْقَاضِي أَوْ السُّلْطَانِ كَلَامٌ فِي الْوَقْفِ أَنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ، وَلِلْقَاضِي الْكَلَامُ لِأَنَّ نَظَرَهُ أَعْلَى وَهَذَا شَرْطٌ فِيهِ تَفْوِيتُ الْمَصْلَحَةِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، وَتَعْطِيلٌ لِلْوَقْفِ فَيَكُونُ شَرْطًا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِلْوَقْفِ وَلَا مَصْلَحَةَ فَلَا يُقْبَلُ اهـ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَشَرَطَ فِي الْبَحْرِ إلَخْ) عِبَارَتُهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ كَلَامُ قَاضِي خَانْ فِي مَوْضِعٍ جَوَّزَهُ لِلْقَاضِي بِلَا شَرْطِ الْوَاقِفِ، حَيْثُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ وَفِي مَوْضِعٍ مَنَعَ مِنْهُ: لَوْ صَارَتْ الْأَرْضُ بِحَالٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ بِلَا شَرْطٍ يَجُوزُ لِلْقَاضِي بِشَرْطِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ رِيعٌ لِلْوَقْفِ يُعَمِّرُ بِهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْبَيْعُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، وَشَرْطُ الْإِسْعَافِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَبْدِلُ قَاضِيَ الْجَنَّةِ الْمُفَسَّرِ بِذِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ لِئَلَّا يَحْصُلَ التَّطَرُّقُ إلَى إبْطَالِ أَوْقَافِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي زَمَانِنَا اهـ وَيَجِبُ أَنْ يُزَادَ آخَرُ فِي زَمَانِنَا: وَهُوَ أَنْ يُسْتَبْدَلَ بِعَقَارٍ لَا بِدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ فَإِنَّا قَدْ شَاهَدْنَا النُّظَّارَ يَأْكُلُونَهَا، وَقَلَّ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا بَدَلًا وَلَمْ نَرَ أَحَدًا مِنْ الْقُضَاةِ فَتَّشَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ الِاسْتِبْدَالِ فِي زَمَانِنَا. اهـ. مَطْلَبٌ فِي شُرُوطِ الِاسْتِبْدَالِ وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهُ خَمْسَةُ شُرُوطٍ أَسْقَطَ الشَّارِحُ مِنْهَا الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ، لِظُهُورِهِمَا لَكِنْ فِي الْخَامِسِ كَلَامٌ يَأْتِي قَرِيبًا، وَأَفَادَ فِي الْبَحْرِ زِيَادَةَ شَرْطٍ سَادِسٍ: وَهُوَ أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَلَا مِمَّنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَيْثُ قَالَ وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَتَانِ لِلْفَتْوَى. إحْدَاهُمَا: بَاعَ الْوَقْفَ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَأَجَبْت: بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ بَاعَ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ كَذَلِكَ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا عُرِفَ فِي الْوَكَالَةِ. ثَانِيهِمَا: بَاعَ مِنْ رَجُلٍ لَهُ عَلَى الْمُسْتَبْدِلِ دَيْنٌ وَبَاعَهُ الْوَقْفَ بِالدَّيْنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهِلَالٍ لِأَنَّهُمَا لَا يُجَوِّزَانِ الْبَيْعَ بِالْعُرُوضِ فَالدَّيْنُ أَوْلَى اهـ وَذَكَرَ عَنْ الْقُنْيَةِ مَا يُفِيدُ شَرْطًا سَابِعًا حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْقُنْيَةِ مُبَادَلَةُ دَارِ الْوَقْفِ بِدَارٍ أُخْرَى إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَتَا فِي مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مَحَلَّةِ الْأُخْرَى خَيْرًا وَبِالْعَكْسِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَمْلُوكَةُ أَكْثَرَ مِسَاحَةً وَقِيمَةً وَأُجْرَةً لِاحْتِمَالِ خَرَابِهَا فِي أَدْوَنِ الْمَحَلَّتَيْنِ لِدَنَاءَتِهَا وَقِلَّةِ الرَّغْبَةِ فِيهَا اهـ وَزَادَ الْعَلَّامَةُ قَنَالِي زَادَهْ فِي رِسَالَتِهِ ثَامِنًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ اسْتِبْدَالَهَا بِدَارٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِبْدَالُهَا بِأَرْضٍ، وَبِالْعَكْسِ أَوْ بِأَرْضِ الْبَصْرَةِ تَقَيَّدَ اهـ فَهَذَا فِيمَا شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ، فَكَذَا يَكُونُ شَرْطًا فِيمَا لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ لِنَفْسِهِ بِالْأَوْلَى تَأَمَّلْ. ثُمَّ قَالَ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فِي الْمَوْقُوفَةِ لِلِاسْتِغْلَالِ؛ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ فِيهَا كَثْرَةُ الرِّيعِ، وَقِلَّةُ الْمَرَمَّةِ وَالْمُؤْنَةِ فَلَوْ اُسْتُبْدِلَ الْحَانُوتُ بِأَرْضٍ تُزْرَعُ وَيَحْصُلُ مِنْهَا غَلَّةٌ قَدْرَ أُجْرَةِ الْحَانُوتِ كَانَ أَحْسَنَ لِأَنَّ الْأَرْضَ أَدْوَمُ وَأَبْقَى وَأَغْنَى عَنْ كَافَّةِ التَّرْمِيمِ وَالتَّعْمِيرِ بِخِلَافِ الْمَوْقُوفَةِ لِلسَّكَنِ لِظُهُورِ أَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ الِانْتِفَاعُ بِالسَّكَنِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ فِيمَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ اسْتِبْدَالَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 وَلَوْ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَكَذَا لَوْ شُرِطَ عَدَمُهُ وَهِيَ إحْدَى الْمَسَائِلِ السَّبْعِ الَّتِي يُخَالِفُ فِيهَا شَرْطَ الْوَاقِفِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَزَادَ ابْنُ الْمُصَنِّفِ فِي زَوَاهِرِهِ ثَامِنَةً وَهِيَ إذَا نَصَّ الْوَاقِفُ وَرَأَى الْحَاكِمُ ضَمَّ مَشَارِفِ جَازَ كَالْوَصِيِّ   [رد المحتار] فَلَوْ شَرَطَهُ لَا يَلْزَمُ خُرُوجُهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ وَلَا مُبَاشَرَةُ الْقَاضِي لَهُ وَلَا عَدَمُ رِيعٍ يُعَمِّرُ بِهِ كَمَا لَا يَخْفَى فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ) رَدٌّ لِمَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْبَدَلِ عَقَارًا، وَحَاصِلُهُ: إنَّ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِ الدَّرَاهِمِ يُخْشَى عَلَيْهَا أَكْلُ النُّظَّارِ لَهَا وَإِذَا كَانَ الْمَشْرُوطُ كَوْنَ الْمُسْتَبْدِلِ قَاضِيَ الْجَنَّةِ لَا يُخْشَى ذَلِكَ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَاضِيَ الْجَنَّةِ شَرْطٌ لِلِاسْتِبْدَالِ فَقَطْ لَا لِلشِّرَاءِ بِالثَّمَنِ أَيْضًا، فَقَدْ يَسْتَبْدِلُ قَاضِي الْجَنَّةِ بِالدَّرَاهِمِ وَيُبْقِيهَا عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ النَّاظِرِ، ثُمَّ يُعْزَلُ الْقَاضِي وَيَأْتِي فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مَنْ لَا يُفَتِّشُ عَلَيْهَا فَتَضِيعُ. نَعَمْ ذُكِرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ صَرِيحَ كَلَامِ قَاضِي خَانْ جَوَازُهُ بِالدَّرَاهِمِ، وَلَكِنْ قَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ لِلْوَقْفِ رِيعٌ وَلَكِنْ يَرْغَبُ شَخْصٌ فِي اسْتِبْدَالِهِ إنْ أَعْطَى مَكَانَهُ بَدَلًا أَكْثَرَ رِيعًا مِنْهُ فِي صُقْعٍ أَحْسَنَ مِنْ صُقْعِ الْوَقْفِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا فَقَدْ عَيَّنَ الْعَقَارَ لِلْبَدَلِ فَدَلَّ عَلَى مَنْعِهِ بِالدَّرَاهِمِ اهـ وَاعْتَرَضَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ كَيْفَ يُخَالِفُ قَاضِي خَانْ مَعَ صَرَاحَتِهِ بِالْجَوَازِ بِمَا قَالَهُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلِاسْتِبْدَالِ بِالدَّرَاهِمِ لَا بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ. اهـ. قُلْت: لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ إنْ أَعْطَى مَكَانَهُ بَدَلًا إلَخْ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْجَوَازِ بِدُونِ الْعَقَارِ، بَلْ صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا: نَعَمْ يُرَدُّ عَلَى الْبَحْرِ أَنَّ كَلَامَ قَارِئِ الْهِدَايَةِ لَا يُعَارِضُ كَلَامَ قَاضِي خَانْ لِأَنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ وَالْجَوَابُ أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ، لَمْ يُنْكِرْ كَوْنَ الْمَنْقُولِ فِي الْمَذْهَبِ مَا قَالَهُ قَاضِي خَانْ، وَلَكِنَّ مُرَادَهُ أَنَّ هَذَا الْمَنْقُولَ كَانَ فِي زَمَنِهِمْ وَأَنَّ مَا قَالَهُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَغَيُّرِ الزَّمَانِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ هَذَا قَوْلُهُ فِيمَا سَبَقَ، وَيَجِبُ أَنْ يُزَادَ آخَرُ فِي زَمَانِنَا إلَخْ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا هُوَ الِاحْتِيَاطُ، وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَبْدِلُ مِنْ قُضَاةِ هَذَا الزَّمَنِ وَنَاظِرُ الْوَقْفِ غَيْرُ مُؤْتَمَنٍ نَعَمْ مَا أَفْتَى بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ إذَا كَانَ لِلْوَقْفِ رِيعٌ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ فِي الشُّرُوطِ مِنْ اشْتِرَاطِ خُرُوجِهِ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ قَرِيبًا. . (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ شَرَطَ عَدَمَهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِ الْمَتْنِ وَأَمَّا بِدُونِ الشَّرْطِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الطَّرَسُوسِيِّ أَنَّ هَذَا لَا نَقْلَ فِيهِ بَلْ قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِيهِ مَطْلَبٌ يَجُوزُ مُخَالَفَةُ شَرْطِ الْوَاقِفِ فِي مَسَائِلَ (قَوْلُهُ: وَهِيَ إحْدَى الْمَسَائِلِ السَّبْعِ) الثَّانِيَةُ: شَرَطَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَعْزِلُ النَّاظِرَ، فَلَهُ عَزْلُ غَيْرِ الْأَهْلِ. الثَّالِثَةُ: شَرَطَ أَنْ لَا يُؤْجَرُ وَقْفَهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، وَالنَّاسُ لَا يَرْغَبُونَ فِي اسْتِئْجَارِ سَنَةٍ أَوْ كَانَ فِي الزِّيَادَةِ نَفْعٌ لِلْفُقَرَاءِ فَلِلْقَاضِي الْمُخَالَفَةُ دُونَ النَّاظِرِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ شَرَطَ أَنْ يُقْرَأَ عَلَى قَبْرِهِ فَالتَّعْيِينُ بَاطِلٌ أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِكَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ وَالْمُخْتَارُ خِلَافُهُ. الْخَامِسَةُ: شَرَطَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِفَاضِلِ الْغَلَّةِ عَلَى مَنْ يَسْأَلُ فِي مَسْجِدِ كَذَا، فَلِلْقَيِّمِ التَّصَدُّقُ عَلَى سَائِلِ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، أَوْ عَلَى مَنْ لَا يَسْأَلُ. السَّادِسَةُ: لَوْ شَرَطَ لِلْمُسْتَحِقِّينَ خُبْزًا وَلَحْمًا مُعَيَّنًا كُلَّ يَوْمٍ فَلِلْقَيِّمِ دَفْعُ الْقِيمَةِ مِنْ النَّقْدِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَهُمْ طَلَبُ الْمُعَيَّنِ وَأَخْذُ الْقِيمَةِ: أَيْ فَالْخِيَارُ لَهُمْ لَا لَهُ وَذَكَرَ فِي الدُّرَرِ الْمُنْتَقَى أَنَّهُ رَاجِحٌ. السَّابِعَةُ: تَجُوزُ الزِّيَادَةُ مِنْ الْقَاضِي عَلَى مَعْلُومِ الْإِمَامِ، إذَا كَانَ لَا يَكْفِيهِ وَكَانَ عَالِمًا تَقِيًّا وَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ سَيَذْكُرُهَا الشَّارِحُ فِي فُرُوعِ الْفَصْلِ الْآتِي، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا هُنَاكَ وَزَادَ عَلَيْهَا أُخْرَى وَهِيَ جَوَازُ مُخَالَفَةِ السُّلْطَانِ الشُّرُوطَ إذَا كَانَ أَصْلُ الْوَقْفِ لِبَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: وَزَادَ ابْنُ الْمُصَنِّفِ فِي زَوَاهِرِهِ) أَيْ فِي حَاشِيَتِهِ زَوَاهِرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 وَعَزَاهَا لِأَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَفِيهَا لَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُ الْعَامِرِ إلَّا فِي الْأَرْبَعِ قُلْت: لَكِنْ فِي مَعْرُوضَاتِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ أَنَّهُ فِي سَنَةِ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ وَرَدَ الْأَمْرُ الشَّرِيفُ بِمَنْعِ اسْتِبْدَالِهِ، وَأَمَرَ أَنْ يَصِيرَ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ تَبَعًا لِتَرْجِيحِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ انْتَهَى فَلْيُحْفَظْ. . وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الْعَزْلَ وَالنَّصْبَ وَسَائِرَ التَّصَرُّفَاتِ لِمَنْ يَتَوَلَّى مِنْ أَوْلَادِهِ وَلَا يُدَاخِلُهُمْ أَحَدٌ مِنْ الْقُضَاةِ وَالْأُمَرَاءِ وَإِنْ دَاخَلُوهُمْ فَعَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ هَلْ يُمْكِنُ مُدَاخَلَتُهُمْ؟ فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ قَدْ حُرِّرَتْ هَذِهِ الْوَقْفِيَّاتُ الْمَشْرُوطَةُ هَكَذَا فَالْمُتَوَلُّونَ لَوْ مِنْ الْأُمَرَاءِ يَعْرِضُونَ لِلدَّوْلَةِ الْعَلِيَّةِ عَلَى مُقْتَضَى الشَّرْعِ وَمَنْ دُونَهُمْ رُتْبَةً يَعْرِضُ بِآرَائِهِمْ مَعَ قُضَاةِ الْبِلَادِ عَلَى مُقْتَضَى الْمَشْرُوعِ مِنْ الْمَوَادِّ لَا يُخَالِفُ الْقُضَاةَ الْمُتَوَلِّينَ وَلَا الْمُتَوَلُّونَ الْقُضَاةَ بِهَذَا وَرَدَ الْأَمْرُ الشَّرِيفُ   [رد المحتار] الْجَوَاهِرِ عَلَى الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَنَصُّ عِبَارَةِ أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ هَكَذَا إذَا نَصَّ الْوَاقِفُ عَلَى أَنَّ أَحَدًا لَا يُشَارِكُ النَّاظِرَ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْوَقْفِ، وَرَأَى الْقَاضِي أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ مُشَارِفًا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ كَالْوَصِيِّ إذَا ضُمَّ إلَيْهِ غَيْرُهُ حَيْثُ يَصِحُّ اهـ وَهَذَا حَاصِلُ مَا يَأْتِي عَنْ الْمَعْرُوضَاتِ. قُلْت: وَأَوْصَالُهَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى إلَى إحْدَى عَشْرَةَ فَرَاجِعْهُ وَزَادَ الْبِيرِيُّ مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى: مَا إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَاجِرَ بِأَكْثَرَ مِنْ كَذَا وَأَجْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرُ وَالثَّانِيَةُ: لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ لِمُتَجَوِّهٍ أَيْ لِصَاحِبِ جَاهٍ فَآجَرَهُ مِنْهُ بِأُجْرَةٍ مُعَجَّلَةٍ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الْخَوْفُ عَلَى رَقَبَةِ الْوَاقِفِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ. قُلْت: وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْخَوْفِ عَلَى الْأُجْرَةِ وَالْخَوْفِ عَلَى الْوَقْفِ فَفِي الْأَوَّلِ يَصِحُّ بِتَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ (قَوْلُهُ: وَفِيهَا) أَيْ فِي الْأَشْبَاهِ. مَطْلَبٌ لَا يَسْتَبْدِلُ الْعَامِرَ إلَّا فِي أَرْبَعٌ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي أَرْبَعٍ) الْأُولَى: لَوْ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ. الثَّانِيَةُ: إذَا غَصَبَهُ غَاصِبٌ، وَأَجْرَى عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتَّى صَارَ بَحْرًا فَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ، وَيَشْتَرِي الْمُتَوَلِّي بِهَا أَرْضًا بَدَلًا: الثَّالِثَةُ: أَنْ يَجْحَدَهُ الْغَاصِبُ وَلَا بَيِّنَةَ أَيْ وَأَرَادَ دَفْعَ الْقِيمَةِ، فَلِلْمُتَوَلِّي أَخْذُهَا لِيَشْتَرِيَ بِهَا بَدَلًا. الرَّابِعَةُ: أَنْ يَرْغَبَ إنْسَانٌ فِيهِ بِبَدَلٍ أَكْثَرَ غَلَّةً، وَأَحْسَنَ صُقْعًا فَيَجُوزُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ قَالَ صَاحِبُ النَّهْرِ فِي كِتَابِهِ إجَابَةِ السَّائِلِ قَوْلُ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَالْعَمَلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مُعَارَضٌ مِمَّا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ، نَحْنُ لَا نُفْتِي بِهِ وَقَدْ شَاهَدْنَا فِي الِاسْتِبْدَالِ مَا لَا يُعَدُّ وَيُحْصَى: فَإِنَّ ظَلَمَةَ الْقُضَاةِ جَعَلُوهُ حِيلَةً لِإِبْطَالِ أَوْقَافِ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى تَقْدِيرِهِ فَقَدْ قَالَ فِي الْإِسْعَافِ الْمُرَادُ بِالْقَاضِي: هُوَ قَاضِي الْجَنَّةِ الْمُفَسَّرُ بِذِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ اهـ وَلَعَمْرِي إنَّ هَذَا أَعَزُّ مِنْ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ، وَمَا أَرَاهُ إلَّا لَفْظًا يُذْكَرُ فَالْأَحْرَى فِيهِ السَّدُّ خَوْفًا مِنْ مُجَاوَزَةِ الْحَدِّ وَاَللَّهُ سَائِلُ كُلِّ إنْسَانٍ اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ أَقُولُ: وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ إمَّا عَنْ شَرْطِ الِاسْتِبْدَالِ أَوَّلًا عَنْ شَرْطِهِ، فَإِنْ كَانَ لِخُرُوجِ الْوَقْفِ عَنْ انْتِفَاعِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَلِفَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ لَا لِذَلِكَ بَلْ اُتُّفِقَ أَنَّهُ أَمْكَنَ أَنْ يُؤْخَذَ بِثَمَنِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ مَعَ كَوْنِهِ مُنْتَفِعًا بِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إبْقَاءُ الْوَقْفِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ دُونَ زِيَادَةٍ وَلِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لِتَجْوِيزِهِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ فِي الْأَوَّلِ الشَّرْطُ وَفِي الثَّانِي الضَّرُورَةُ وَلَا ضَرُورَةَ فِي هَذَا إذْ لَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ بَلْ نُبْقِيهِ كَمَا كَانَ. اهـ. أَقُولُ: مَا قَالَهُ هَذَا الْمُحَقِّقُ هُوَ الْحَقُّ الصَّوَابُ اهـ كَلَامُ الْبِيرِيِّ وَهَذَا مَا حَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ الْقَنَالِيُّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: قُلْت لَكِنْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: بِمَنْعِ اسْتِبْدَالِهِ) أَيْ اسْتِبْدَالِ الْعَامِرِ إذَا قَلَّ رِيعُهُ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ تَبَعًا لِتَرْجِيحِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فَإِنَّ الَّذِي رَجَّحَهُ هُوَ هَذِهِ الصُّورَةُ كَمَا عَلِمْته آنِفًا (قَوْلُهُ: فَالْمُتَوَلُّونَ إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ مِنْ الرَّكَاكَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُعَرَّبَةٌ مِنْ عِبَارَةٍ تُرْكِيَّةٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 فَالْوَاقِفُونَ لَوْ أَرَادُوا أَيَّ فَسَادٍ صَدَرَ يَصْدُرُ وَإِذَا دَاخَلَهُمْ الْقُضَاةُ وَالْأُمَرَاءُ فَعَلَيْهِمْ اللَّعْنَةُ فَهُمْ الْمَلْعُونُونَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الشَّرَائِطَ الْمُخَالِفَةَ لِلشَّرْعِ جَمِيعَهَا لَغْوٌ وَبَاطِلٌ انْتَهَى فَلْيُحْفَظْ. . (بَنَى عَلَى أَرْضٍ ثُمَّ وَقَفَ الْبِنَاءَ) قَصْدًا (بِدُونِهَا أَنَّ الْأَرْضَ مَمْلُوكَةٌ لَا يَصِحُّ   [رد المحتار] وَحَاصِلُهَا: أَنَّهُ وَرَدَ الْأَمْرُ بِعَدَمِ الْعَمَلِ بِهَذَا الشَّرْطِ، فَإِذَا كَانَ الْمُتَوَلِّي مِنْ الْأُمَرَاءِ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ بَلْ يَعْرِضُ أَمْرَ الْوَقْفِ عَلَى الدَّوْلَةِ الْعَلِيَّةِ أَيْ عَلَى السُّلْطَانِ لِقُرْبِ الْأَمِيرِ مِنْهُ فَيَتَصَرَّفُ بِالْوَقْفِ بِرَأْيِ السُّلْطَانِ عَلَى مُقْتَضَى الشَّرْعِ الشَّرِيفِ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَلِّي مِمَّنْ دُونَ الْأُمَرَاءِ فِي الرُّتْبَةِ، وَهُوَ مَنْ لَا وُصُولَ لَهُ بِنَفْسِهِ إلَى السُّلْطَانِ يَعْرِضُ أَمْرَ الْوَقْفِ بِرَأْيِ الْأُمَرَاءِ عَلَى الْقُضَاةِ لِيَتَصَرَّفَ مَعَهُمْ عَلَى وَفْقِ الْمَشْرُوعِ مِنْ الْمَوَادِّ الْحَادِثَةِ وَلَا يُخَالِفُ الْمُتَوَلِّي لِلْقَاضِي إذَا أَمَرَهُ بِالْمَشْرُوعِ وَلَا الْقَاضِي الْمُتَوَلِّي إذَا كَانَ تَصَرُّفُ الْمُتَوَلِّي عَلَى وَفْقِ الْمَشْرُوعِ (قَوْلُهُ: فَالْوَاقِفُونَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْوَاقِفِينَ إذَا شَرَطُوا هَذَا الشَّرْطَ، وَلَعَنُوا مَنْ يُدَاخِلُ النَّاظِرَ مِنْ الْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ كَانُوا هُمْ الْمَلْعُونِينَ؛ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهَذَا الشَّرْطِ أَنَّهُ مَهْمَا صَدَرَ مِنْ النَّاظِرِ مِنْ الْفَسَادِ لَا يُعَارِضُهُ أَحَدٌ، وَهَذَا شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ وَفِيهِ تَفْوِيتُ الْمَصْلَحَةِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَتَعْطِيلُ الْوَقْفِ فَلَا يُقْبَلُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ. (قَوْلُهُ: بَنَى عَلَى أَرْضٍ إلَخْ) كَانَ الْمُنَاسِبُ لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرَهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَمَنْقُولٌ فِيهِ تَعَامُلٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ مِنْ قَسْمِ الْمَنْقُولِ وَلِذَا لَا تَجْرِي فِيهِ الشُّفْعَةُ كَمَا سَنُحَقِّقُهُ فِي بَابِهَا وَلَزِمَ مِنْ ذِكْرِهَا هُنَا الْفَصْلُ بَيْنَ مَسَائِلِ الِاسْتِبْدَالِ وَالْبَيْعِ. مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْبِنَاءِ بِدُونِ أَرْضٍ (قَوْلُهُ: ثُمَّ وَقَفَ الْبِنَاءَ قَصْدًا) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ وَقْفِهِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِلَا نِزَاعٍ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعَلَّامَةَ قَاسِمًا أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقْفُ الْبِنَاءِ بِدُونِ أَرْضٍ، وَعَزَاهُ فِي الْأَصْلِ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ وَإِلَى هِلَالِ بْنِ يَحْيَى الْبَصْرِيِّ وَالْخَصَّافِ وَإِلَى الْوَاقِعَاتِ وَالْمُضْمَرَاتِ وَقَالَ: يُحْتَمَلُ هَذَا الْمَنْعُ أَنْ يَكُونَ لَا لِعَدَمِ التَّعَارُفِ بَلْ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَنْقُولَاتِ تَبْقَى بِنَفْسِهَا مُدَّةً طَوِيلَةً، فَتَكُونُ مُتَأَبِّدَةً بِخِلَافِ الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ لَا بَقَاءَ لَهُ بِدُونِ الْأَرْضِ فَلَا يَتِمُّ التَّخْرِيجُ فَثَبَتَ أَنَّهُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ وَالْحُكْمُ بِهِ بَاطِلٌ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَقْفُ الْبِنَاءِ مِنْ غَيْرِ وَقْفِ الْأَصْلِ لَمْ يَجُزْ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ وَقْفُهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ وَإِذَا كَانَ أَصْلُ الْبُقْعَةِ مَوْقُوفًا عَلَى جِهَةِ قُرْبَةٍ فَبَنَى عَلَيْهَا بِنَاءً وَوَقَفَ بِنَاءَهَا عَلَى جِهَةِ قُرْبَةٍ أُخْرَى اخْتَلَفُوا فِيهِ. اهـ. مَطْلَبٌ مُنَاظَرَةُ ابْنِ الشِّحْنَةِ مَعَ شَيْخِهِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ فِي وَقْفِ الْبِنَاءِ فَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ الْجَوَازِ كَوْنُهُ غَيْرَ مُتَعَارَفٍ لَا لِمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فَحَيْثُ تُعُورِفَ وَقْفُهُ جَازَ وَعَنْ هَذَا خَالَفَهُ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ بَعْدَ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا كَلَامٌ فِي مَجْلِسِ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الظَّاهِرِ سَنَةَ 872 وَقَالَ: إنَّ النَّاسَ مِنْ زَمَنٍ قَدِيمٍ نَحْوِ مِائَتَيْ سَنَةٍ وَإِلَى الْآنَ عَلَى جَوَازِهِ وَالْأَحْكَامُ بِهِ مِنْ الْقُضَاةِ الْعُلَمَاءِ مُتَوَاتِرَةٌ وَالْعُرْفُ جَارٍ بِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ فِيهِ اهـ وَرَدَّهُ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ ظَهِيرَةَ الْقُرَشِيُّ كَمَا فِي فَتَاوَى الْكَازَرُونِيِّ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ خَالَفَ نُصُوصَ الْمَذْهَبِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ، وَخَالَفَ شَيْخَهُ الَّذِي أَجْمَعَ عُلَمَاءُ عَصْرِهِ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 وَقِيلَ صَحَّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) . سُئِلَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ عَنْ وَقْفِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ بِلَا أَرْضٍ؟ فَأَجَابَ: الْفَتْوَى عَلَى صِحَّتِهِ ذَلِكَ وَرَجَّحَهُ شَارِحُ الْوَهْبَانِيَّةِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ مَنْقُولٌ فِيهِ تَعَامُلٌ فَيَتَعَيَّنُ بِهِ الْإِفْتَاءُ (وَإِنْ مَوْقُوفَةً عَلَى مَا عُيِّنَ الْبِنَاءُ لَهُ جَازَ) تَبَعًا (إجْمَاعًا، وَإِنَّ) الْأَرْضَ (لَجِهَةٌ أُخْرَى فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ) وَالصَّحِيحُ الصِّحَّةُ كَمَا فِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ. . وَسُئِلَ ابْنُ نُجَيْمٍ عَنْ وَقْفِ الْأَشْجَارِ بِلَا أَرْضٍ؟ فَأَجَابَ: يَصِحُّ لَوْ الْأَرْضُ وَقْفًا، وَلَوْ لِغَيْرِ الْوَاقِفِ. وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ   [رد المحتار] عِلْمِهِ وَقَبُولِ قَوْلِهِ وَأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ، وَأَنَّهُ احْتَجَّ بِالْعُرْفِ وَعَمَلِ الْقُضَاةِ وَالْعُرْفُ لَا يُصَادِمُ الْمَنْقُولَ وَحُكْمُ الْقُضَاةِ بِالْمَرْجُوحِ لَا يَنْفُذُ. اهـ. قُلْت: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُتُونُ جَوَازُ وَقْفِ الْمَنْقُولِ الْمُتَعَارَفِ وَحَيْثُ صَارَ وَقْفُ الْبِنَاءِ مُتَعَارَفًا كَانَ جَوَازُهُ مُوَافِقًا لِلْمَنْقُولِ، وَلَمْ يُخَالِفْ نُصُوصَ الْمَذْهَبِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَارَفًا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الذَّخِيرَةِ الْمَارُّ وَيَأْتِي قَرِيبًا نَصُّ الْخَصَّافِ عَلَى جَوَازِهِ إذَا كَانَ الْبِنَاءُ فِي أَرْضٍ مُحْتَكَرَةٍ هَذَا: وَاَلَّذِي حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الظَّهِيرِيَّةِ، وَأَمَّا إذَا وَقَفَهُ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي كَانَتْ الْبُقْعَةُ وَقْفًا عَلَيْهَا جَازَ اتِّفَاقًا تَبَعًا لِلْبُقْعَةِ أَنَّ قَوْلَ الذَّخِيرَةِ لَمْ يَجُزْ هُوَ الصَّحِيحُ مَقْصُورٌ عَلَى مَا عَدَا صُورَةَ الِاتِّفَاقِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مِلْكًا أَوْ وَقْفًا عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى قَالَ وَقَصَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ عَلَى الْمِلْكِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ. اهـ. قُلْت: وَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ شَرْطَ الْوَقْفِ التَّأْبِيدُ وَالْأَرْضُ إذَا كَانَتْ مِلْكًا لِغَيْرِهِ فَلِلْمَالِكِ اسْتِرْدَادُهَا، وَأَمْرُهُ بِنَقْضِ الْبِنَاءِ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مِلْكًا لَهُ فَإِنَّ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ ذَلِكَ، فَلَا يَكُونُ الْوَقْفُ مُؤَبَّدًا وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ أَرْضِ الْوَقْفِ مَا إذَا كَانَتْ مُعَدَّةً لِلِاحْتِكَارِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ يَبْقَى فِيهَا كَمَا إذَا كَانَ وَقْفُ الْبِنَاءِ عَلَى جِهَةِ وَقْفِ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَا مُطَالِبَ لِنَقْضِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا وَجْهُ جَوَازِ وَقْفِهِ إذَا كَانَ مُتَعَارَفًا وَلِهَذَا أَجَازُوا وَقْفَ بِنَاءِ قَنْطَرَةٍ عَلَى النَّهْرِ الْعَامِّ وَقَالُوا إنَّ بِنَاءَهَا لَا يَكُونُ مِيرَاثًا وَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ إنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ وَقْفِ الْبِنَاءِ وَحْدَهُ يَعْنِي فِيمَا سَبِيلُهُ الْبَقَاءُ كَمَا قُلْنَا وَبِهِ يَتَّضِحُ الْحَالُ وَيَزُولُ الْإِشْكَالُ وَيَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْأَقْوَالِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ صَحَّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) أَخَذَهُ مِنْ إطْلَاقِ مَا نَقَلَهُ عَنْ قَارِئِ الْهِدَايَةِ فَقَدْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مِلْكًا أَوْ وَقْفًا لَكِنَّهُ لِمُخَالِفٍ لِمَا حَرَّرَهُ كَمَا عَلِمْته آنِفًا، وَلِمَا يَأْتِي عَنْ فَتَاوَاهُ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ مِنْ مُنَافَاتِهِ لِلتَّأْبِيدِ وَعَنْ هَذَا نَصٌّ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقْفُ الْبِنَاءِ فِي أَرْضٍ هِيَ عَارِيَّةٌ أَوْ إجَارَةٌ كَمَا يَأْتِي فَيَجِبُ حَمْلُ كَلَامِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ عَلَى غَيْرِ الْمِلْكِ (قَوْلُهُ: وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ) لَيْسَ فِي عِبَارَتِهِ التَّصْرِيحُ بِالْمِلْكِ، وَأَمَّا شَارِحُ الْوَهْبَانِيَّةِ فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ تَصْرِيحٌ بِتَرْجِيحِهِ فَإِنَّهُ قَالَ نَظْمًا: وَتَجْوِيزُ إيقَافِ الْبِنَا دُونَ أَرْضِهِ ... وَلَوْ تِلْكَ مِلْكُ الْغَيْرِ بَعْضٌ يُقَرَّرُ (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ الصِّحَّةُ) أَيْ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مُحْتَكَرَةً كَمَا عَلِمْت، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ إنَّهُ لَوْ بَنَى فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مَسْجِدًا أَنَّهُ يَجُوزُ قَالَ وَإِذَا جَازَ فَعَلَى مَنْ يَكُونُ حِكْرُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ مَا دَامَتْ الْمُدَّةُ بَاقِيَةً، فَإِذَا انْقَضَتْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْخَرَاجِ وَأَخَوَاتِهِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. (قَوْلُهُ: لَوْ الْأَرْضُ وَقْفًا) مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمَتْنُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ هَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَوَقْفُهُ وَهَلْ يَجُوزُ وَقْفُ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ أَوْ الْمُسْتَأْجَرَةِ؟ فَأَجَابَ نَعَمْ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَا يَجُوزُ وَقْفُ الْبِنَاءِ فِي أَرْضِ عَارِيَّةٍ أَوْ إجَارَةٍ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ فَفِي الْمُنْيَةِ حَانُوتٌ لِرَجُلٍ فِي أَرْضِ وَقْفٍ فَأَبَى صَاحِبُهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَرْضَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ أَنَّ الْعِمَارَةَ لَوْ رُفِعَتْ تُسْتَأْجَرُ بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهُ،   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي زِيَادَةِ أُجْرَةِ الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ (قَوْلُهُ: فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ) أَصْلُ الْحِكْرِ الْمَنْعُ بَحْرٌ عَنْ الْخُطَطِ وَفِي الْخَيْرِيَّةِ الِاسْتِحْكَارُ عَقْدُ إجَارَةٍ يُقْصَدُ بِهِ اسْتِبْقَاءُ الْأَرْضِ مُقَرَّرَةً لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ: فَأَجَابَ نَعَمْ) أَيْ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَوَقْفُهُ أَمَّا الْبَيْعُ فَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ مُحَرَّرًا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الشَّرِكَةِ وَأَمَّا وَقْفُ الْمَأْجُورِ فَفِي الْبَحْرِ يَصِحُّ وَلَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ، فَإِذَا انْقَضَتْ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا صُرِفَ إلَى جِهَاتِ الْوَقْفِ اهـ وَأَمَّا وَقْفُ الْمَرْهُونِ فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ قُبَيْلَ الْفَصْلِ وَأَمَّا وَقْفُ الشَّجَرِ فَهُوَ كَوَقْفِ الْبِنَاءِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ غَرْسُ شَجَرَةٍ وَوَقْفُهَا إنْ غَرَسَهَا عَلَى أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ يَجُوزُ وَقْفُهَا تَبَعًا لِلْأَرْضِ، وَإِنْ بِدُونِ أَصْلِهَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ إنْ وَقَفَهَا عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ جَازَ كَمَا فِي الْبِنَاءِ وَإِنْ وَقَفَهَا عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَعَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي وَقْفِ الْبِنَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ إجَارَةٍ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ، مِنْ أَنَّ الْأَرْضَ إذَا كَانَتْ مُتَقَرِّرَةً لِلِاحْتِكَارِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَحْرٌ قَالَ فِي الْإِسْعَافِ: وَذَكَرَ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ إنَّ وَقْفَ حَوَانِيتِ الْأَسْوَاقِ، يَجُوزُ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ بِإِجَارَةٍ فِي أَيْدِي الَّذِينَ بَنَوْهَا لَا يُخْرِجُهُمْ السُّلْطَانُ عَنْهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّا رَأَيْنَاهَا فِي أَيْدِي أَصْحَابِ الْبِنَاءِ تَوَارَثُوهَا وَتُقْسَمُ بَيْنَهُمْ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ السُّلْطَانُ فِيهَا، وَلَا يُزْعِجُهُمْ وَإِنَّمَا لَهُ غَلَّةٌ يَأْخُذُهَا مِنْهُمْ وَتَدَاوَلَهَا خَلَفٌ عَنْ سَلَفٍ وَمَضَى عَلَيْهَا الدُّهُورُ وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمْ يَتَبَايَعُونَهَا وَيُؤَجِّرُونَهَا وَتَجُوزُ فِيهَا وَصَايَاهُمْ وَيَهْدِمُونَ بِنَاءَهَا، وَيُعِيدُونَهُ وَيَبْنُونَ غَيْرَهُ فَكَذَلِكَ الْوَقْفُ فِيهَا جَائِزٌ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْفَتْحِ وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ مُخَصِّصٌ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ أَوْ إجَارَةٍ وَقَدْ عَلِمْت وَجْهَهُ وَهُوَ بَقَاءُ التَّأْبِيدِ وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَا مِنْ تَخْصِيصِ الْوَقْفِ لِمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مُحْتَكَرَةً. مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْكِرْدَارِ وَالْكَدَكِ 1 - [تَتِمَّةٌ] فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقْفُ الْكِرْدَارِ بِدُونِ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ كَوَقْفِ الْبِنَاءِ بِلَا أَرْضٍ. اهـ. وَفِي مُزَارَعَةِ الْخَيْرِيَّةِ الْكِرْدَارُ هُوَ أَنْ يُحْدِثَ الْمَزَارِعُ فِي الْأَرْضِ بِنَاءً أَوْ غِرَاسًا أَوْ كَبْسًا بِالتُّرَابِ صَرَّحَ بِهِ غَالِبُ أَهْلِ الْفَتَاوَى اهـ. قُلْت: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ فِي الْكِرْدَارِ فَإِنْ كَانَ كَبْسًا بِالتُّرَابِ، فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُ وَإِنْ كَانَ بِنَاءً أَوْ غَرْسًا فَفِيهِ مَا مَرَّ فِي وَقْفِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ، وَمِنْ الْكِرْدَارِ مَا يُسَمَّى الْآنَ كَدَكًا فِي حَوَانِيتِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهَا مِنْ وُقُوفِ مَرْكَبَةٍ فِي الْحَانُوتِ وَإِغْلَاقٍ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ، وَمِنْهُ مَا يُسَمَّى قِيمَةً فِي الْبَسَاتِينِ وَفِي الْحَمَّامَاتِ، وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقْفُهُ لِعَدَمِ الْعُرْفِ الشَّائِعِ بِخِلَافِ وَقْفِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ فَإِنَّهُ مِمَّا شَاعَ وَذَاعَ فِي عَامَّةِ الْبِقَاعِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ إلَخْ) مَحَلُّ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْآتِي عِنْدَ ذِكْرِ إجَارَةِ الْوَقْفِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مُسْتَأْجِرَ أَرْضِ الْوَقْفِ إذَا بَنَى فِيهَا ثُمَّ زَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ زِيَادَةً فَاحِشَةً فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ بِسَبَبِ الْعِمَارَةِ وَالْبِنَاءِ أَوْ بِسَبَبِ زِيَادَةِ أُجْرَةِ الْأَرْضِ فِي نَفْسِهَا فَفِي الْأَوَّلِ لَا تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ لِأَنَّهَا أُجْرَةُ عِمَارَتِهِ وَبِنَائِهِ، وَهَذَا لَوْ كَانَتْ الْعِمَارَةُ مِلْكَهُ أَمَّا لَوْ كَانَتْ لِلْوَقْفِ كَمَا لَوْ بَنَى بِأَمْرِ النَّاظِرِ لِيَرْجِعَ عَلَى الْوَقْفِ تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ وَلِهَذَا قُيِّدَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 أُمِرَ بِرَفْعِ الْعِمَارَةِ، وَتُؤَجَّرُ لِغَيْرِهِ وَإِلَّا تُتْرَكْ فِي يَدِهِ بِذَلِكَ الْأَجْرِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَفِيهِ لَوْ زِيدَ عَلَيْهِ أَنَّ إجَارَتَهُ مُشَاهَرَةٌ تُفْسَخُ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ، ثُمَّ إنْ ضَرَّ رَفْعُ الْبِنَاءِ لَمْ يُرْفَعْ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ رُفِعَ أَوْ يَتَمَلَّكُهُ الْقَيِّمُ بِرِضَا الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ تَبْقَى إلَى أَنْ يَخْلُصَ مِلْكُهُ مُحِيطٌ،   [رد المحتار] بِالْمُحْتَكَرَةِ، وَفِي الثَّانِي تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْفَصْلِ (قَوْلُهُ: أُمِرَ بِرَفْعِ الْعِمَارَةِ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَضُرَّ رَفْعُهُ بِالْأَرْضِ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَتُؤَجَّرُ لِغَيْرِهِ) لِأَنَّ النُّقْصَانَ عَنْ أَجْرِ الْمِثْلِ لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ بَحْرٌ. مَطْلَبٌ فِي اسْتِيفَاءِ الْعِمَارَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا تُرِكَ فِي يَدِهِ بِذَلِكَ الْأَجْرِ) لِأَنَّ فِيهَا ضَرُورَةً بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ تَرْكُهَا بِيَدِهِ وَلَوْ بَعْدَ فَرَاغِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُمِرَ بِرَفْعِهَا لِتُؤَجَّرَ مِنْ غَيْرِهِ يَلْزَمُ ضَرَرُهُ، وَحَيْثُ كَانَ يَدْفَعُ أُجْرَةَ مِثْلِهَا لَمْ يُوجَدْ ضَرَرٌ عَلَى الْوَقْفِ، فَتُتْرَكُ فِي يَدِهِ لِعَدَمِ الضَّرَرِ عَلَى الْجَانِبَيْنِ وَحِينَئِذٍ فَلَوْ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ كَانَ لِوَرَثَتِهِ الِاسْتِبْقَاءُ أَيْضًا إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْوَقْفِ بِوَجْهٍ مَا، بِأَنْ كَانَ هُوَ أَوْ وَارِثُهُ مُفْلِسًا أَوْ سَيِّئَ الْمُعَامَلَةِ أَوْ مُتَغَلِّبًا يُخْشَى عَلَى الْوَقْفِ مِنْهُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ مِنْ الْإِجَارَاتِ. وَأَفْتَى بِهِ فِي فَتَاوَاهُ الْخَيْرِيَّةِ، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ مِنْ أَنَّهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ يُؤْمَرُ بِالرَّفْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَبِهِ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ أَيْضًا قُبَيْلَ بَابِ ضَمَانِ الْأَجِيرِ فِي خُصُوصِ الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ. قُلْت: لَكِنْ يَنْبَغِي تَخْصِيصُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ، وَإِخْرَاجِ الْأَرْضِ الْمُعَدَّةِ لِلِاحْتِكَارِ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ لِيَتَوَافَقَ كَلَامُهُمْ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا مَرَّ عَنْ الْخَصَّافِ مِنْ صِحَّةِ وَقْفِ الْبِنَاءِ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ وَقَدَّمْنَا وَجْهَهُ وَهُوَ أَنَّ الْبِنَاءَ عَلَيْهَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ. فَيَبْقَى التَّأْبِيدُ الْمَشْرُوطُ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَمِثْلُ ذَلِكَ غَالِبُ الْقُرَى الَّتِي هِيَ وَقْفٌ أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَإِنَّ أَهْلَهَا إذَا عَلِمُوا أَنَّ بِنَاءَهُمْ وَغِرَاسَهُمْ يُقْلَعُ كُلَّ سَنَةٍ وَتُؤْخَذُ الْقَرْيَةُ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَتُدْفَعُ لِغَيْرِهِمْ لَزِمَ خَرَابُهَا، وَعَدَمُ مَنْ يَقُومُ بِعِمَارَتِهَا. وَمِثْلُ ذَلِكَ أَصْحَابُ الْكِرْدَارِ فِي الْبَسَاتِينِ وَنَحْوِهَا وَكَذَا أَصْحَابُ الْكَدَكِ فِي الْحَوَانِيتِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ إبْقَاءَهَا فِي أَيْدِيهِمْ سَبَبٌ لِعِمَارَتِهَا وَدَوَامِ اسْتِغْلَالِهَا فَفِي ذَلِكَ نَفْعٌ لِلْأَوْقَافِ، وَبَيْتِ الْمَالِ وَلَكِنْ كُلُّ ذَلِكَ بَعْدَ كَوْنِهِمْ يُؤَدُّونَ أُجْرَةَ مِثْلِهَا بِلَا نُقْصَانٍ فَاحِشٍ، وَهَذَا خِلَافُ الْوَاقِعِ فِي زَمَانِنَا وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَهَذَا خُلَاصَةُ مَا حَرَّرْته فِي رِسَالَتِي الْمُسَمَّاةِ تَحْرِيرِ الْعِبَارَةِ فِيمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْإِجَارَةِ فَعَلَيْك بِهَا فَإِنَّهَا بَدِيعَةٌ فِي بَابِهَا مُغْنِيَةٌ لِطُلَّابِهَا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ) أَيْ فِي الْبَحْرِ وَعَزَاهُ إلَى الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لَوْ زِيدَ عَلَيْهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزِيدَ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي نَفْسِهِ فَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ الْآتِي وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ إلَخْ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ زِيَادَةُ مُتَعَنِّتٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: تُفْسَخُ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ) أَيْ قَبْلَ دُخُولِهِ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ مُشَاهَرَةً كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا تَصِحُّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَقَطْ وَكُلَّمَا دَخَلَ شَهْرٌ صَحَّتْ فِيهِ (قَوْلُهُ: أَوْ يَتَمَلَّكَهُ الْقَيِّمُ) هَذَا فِيمَا إذَا ضَرَّ رَفْعُ الْبِنَاءِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ لَمْ يَضُرَّ رُفِعَ وَإِنْ ضَرَّ لَا بَلْ يَتَمَلَّكُهُ الْقَيِّمُ إلَخْ وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ أُجْرَتُهُ مُشَاهَرَةً إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ كَانَ لِلْقَيِّمِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ رَفْعُ الْبِنَاءِ لَا يَضُرُّ بِالْوَقْفِ فَلَهُ رَفْعُهُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَإِنْ كَانَ تَضُرُّ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ رَفْعُهُ؛ وَلِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِلْكُهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضُرَّ بِالْوَقْفِ، ثُمَّ إنْ رَضِيَ الْمُسْتَأْجِرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 بَقِيَ لَوْ إجَارَتُهُ مُسَانَهَةً أَوْ مُدَّةً طَوِيلَةً وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ الزِّيَادَةُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَلَيْهِ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا كَانَتْ بِسَبَبِ الْبِنَاءِ لَا الزِّيَادَةِ فِي نَفْسِ الْأَرْضِ انْتَهَى. . وَأَمَّا وَقْفُ الْإِقْطَاعَاتِ فَفِي النَّهْرِ: لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مَوَاتًا أَوْ مِلْكًا لِلْإِمَامِ فَأَقْطَعَهَا رَجُلًا قَالَ: وَأَغْلَبُ   [رد المحتار] أَنْ يَتَمَلَّكَهُ الْقَيِّمُ لِلْوَقْفِ بِالْقِيمَةِ مَبْنِيًّا أَوْ مَنْزُوعًا أَيُّهُمَا كَانَ أَخَفَّ يَتَمَلَّكُهُ الْقَيِّمُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ لَا يَتَمَلَّكُ لِأَنَّ التَّمَلُّكَ بِغَيْرِ رِضَاهُ لَا يَجُوزُ فَيَبْقَى إلَى أَنْ يَخْلُصَ مِلْكُهُ. اهـ. . قُلْت: سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ إنَّهُ إنْ ضَرَّ يَتَمَلَّكُهُ الْقَيِّمُ لِجِهَةِ الْوَقْفِ جَبْرًا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ فَيُعَوَّلُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ بِخِلَافِ قَوْلِ الْفَتَاوَى اهـ وَذُكِرَ مِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ هُنَاكَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمْ فِي الْفَتَاوَى كَالْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْعِمَادِيَّةِ جَعَلُوا الْخِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَلَوْ كَانَ الْقَلْعُ يَضُرُّ وَأَصْحَابُ الشُّرُوحِ جَعَلُوا الْخِيَارَ لِلنَّاظِرِ إنْ ضَرَّ وَإِلَّا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامًا مِمَّا فِي الْفَتَاوَى وَالشُّرُوحِ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ، وَإِلَّا تُتْرَكْ فِي يَدِهِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ آنِفًا وَعَلِمْت التَّوْفِيقَ عَلَى التَّحْقِيقِ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ الزِّيَادَةُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهَا مِثْلُ الْمُشَاهَرَةِ فَإِنَّهُ فِي الْمُشَاهَرَةِ لَا تُقْبَلُ الزِّيَادَةُ أَيْضًا بَلْ يَصْبِرُ إلَى انْتِهَاءِ الشَّهْرِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا تَقْبَلُ الزِّيَادَةَ فِي كُلِّ الصُّوَرِ حَيْثُ لَمْ تَزِدْ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي ذَاتِهَا لِلُزُومِ الْعَقْدِ، وَعَدَمُ مُوجِبِ الْفَسْخِ فَلَوْ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَذَلِكَ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْلَى أَفَادَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ. . مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي وَقْفِ الْإِقْطَاعَاتِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا وَقْفُ الْإِقْطَاعَاتِ إلَخْ) هِيَ مَا يَقْطَعُهُ الْإِمَامُ أَيْ يُعْطِيهِ مِنْ الْأَرَاضِيِ رَقَبَةً، أَوْ مَنْفَعَةً لِمَنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي رِسَالَتِهِ التُّحْفَةِ الْمَرْضِيَّةِ فِي الْأَرَاضِي الْمِصْرِيَّةِ: أَنَّ الْوَاقِفَ لِأَرْضٍ مِنْ الْأَرَاضِي لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لَهَا مِنْ الْأَصْلِ، بِأَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا حِينَ يَمُنُّ الْإِمَامُ عَلَى أَهْلِهَا، أَوْ تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ مَالِكِهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا خَفَاءَ فِي صِحَّةِ وَقْفِهِ لِوُجُودِ مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ غَيْرَهُمَا فَلَا يَخْلُو أَمَّا إنْ وَصَلَتْ إلَى يَدِهِ بِإِقْطَاعِ السُّلْطَانِ إيَّاهَا لَهُ، أَوْ بِشِرَاءٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ مِلْكَهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِنْ كَانَتْ مَوَاتًا أَوْ مِلْكًا لِلسُّلْطَانِ صَحَّ وَقْفُهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَقِّ بَيْتِ الْمَالِ لَا يَصِحُّ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ: إنَّ مَنْ أَقْطَعَهُ السُّلْطَانُ أَرْضًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِمُقَابَلَةِ مَا أُعِدَّ لَهُ فَلَهُ إجَارَتُهَا وَتَبْطُلُ بِمَوْتِهِ أَوْ إخْرَاجِهِ مِنْ الْإِقْطَاعِ لِأَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْهُ اهـ وَإِنْ وَصَلَتْ الْأَرْضُ إلَى الْوَاقِفِ بِالشِّرَاءِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِوَجْهٍ مُسَوَّغٍ؛ فَإِنَّ وَقْفَهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا، وَيُرَاعَى فِيهَا شُرُوطُهُ سَوَاءٌ كَانَ سُلْطَانًا أَوْ أَمِيرًا أَوْ غَيْرَهُمَا، وَمَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُرَاعَى فِيهَا الشَّرَائِطُ إنْ كَانَ سُلْطَانًا أَوْ كَانَ أَمِيرًا فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَصَلَتْ إلَى الْوَاقِفِ بِإِقْطَاعِ السُّلْطَانِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ فِي مَذْهَبِهِ، وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ لَهَا السُّلْطَانُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ شِرَاءٍ فَأَفْتَى الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ أَنَّ الْوَقْتَ صَحِيحٌ أَجَابَ بِهِ حِين سُئِلَ عَنْ وَقْفِ السُّلْطَانِ جَقْمَقَ فَإِنَّهُ أَرْصَدَ أَرْضًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى مَصَالِحِ مَسْجِدٍ وَأَفْتَى بِأَنَّ سُلْطَانًا آخَرَ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ اهـ حَاصِلُ مَا فِي الرِّسَالَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 أَوْقَافِ الْأُمَرَاءِ بِمِصْرَ إنَّمَا هُوَ إقْطَاعَاتٌ يَجْعَلُونَهَا مُشْتَرَاةً صُورَةً مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَلَوْ وَقَفَ السُّلْطَانُ مِنْ بَيْتِ مَالِنَا لِمَصْلَحَةٍ عَمَّتْ يَجُوزُ وَيُؤَجِّرُ. قُلْت: وَفِي شَرْحِهَا لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ وَكَذَا يَصِحُّ إذْنُهُ بِذَلِكَ إنْ فُتِحَتْ عَنْوَةً لَا صُلْحًا لِبَقَاءِ مِلْكِ مَالِكِهَا قَبْلَ الْفَتْحِ (أَطْلَقَ) الْقَاضِي (بَيْعَ الْوَقْفِ   [رد المحتار] قُلْت: وَمَا أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ مُشْكِلٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مِنْ حَقِّ بَيْتِ الْمَالِ لَا يَصِحُّ، وَكَذَا مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي فُرُوعِ الْفَصْلِ الْآتِي عَنْ الْمَبْسُوطِ، مِنْ أَنَّ لِلسُّلْطَانِ مُخَالَفَةَ شَرْطِ الْوَاقِفِ إذَا كَانَ غَالِبُ جِهَاتِ الْوَقْفِ قُرًى وَمَزَارِعَ؛ لِأَنَّ أَصْلَهَا لِبَيْتِ الْمَالِ أَيْ فَلَمْ تَكُنْ وَقْفًا حَقِيقَةً بَلْ هِيَ أَرْصَادٌ أَخْرَجَهَا الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَعَيَّنَهَا لِمَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَنَحْوِهِمْ، كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي بَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ شِرَاؤُهُ لَهَا وَلَا عَدَمُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ وَقْفِهَا لِأَنَّ شَرْطَهُ الْمِلْكُ، وَلَمْ يُعْلَمْ وَلَا يَلْزَمُ عِلْمُهُ مِنْ وَقْفِهِ لَهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا لِبَيْتِ الْمَالِ كَمَا يُفِيدُهُ الْمَذْكُورُ عَنْ الْمَبْسُوطِ. مَطْلَبٌ فِي أَوْقَافِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ وَلِهَذَا أَفْتَى الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ بِأَنَّ أَوْقَافَ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ لَا يُرَاعَى شَرْطُهَا لِأَنَّهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ تَئُولُ إلَيْهِ اهـ وَأَمَّا ذِكْرُهُ فِي النَّهْرِ هُنَاكَ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ الْحَالُ فِي الشِّرَاءِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَالْأَصْلُ هُوَ الصِّحَّةُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهَا إذَا عُلِمَ الشِّرَاءُ، وَلَكِنْ لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَمْ لَا لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إلَّا إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ كَمَا مَرَّ هُنَاكَ، فَيُحْمَلُ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الصِّحَّةُ فَافْهَمْ، وَلَعَلَّ مُرَادَ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ بِقَوْلِهِ: إنَّ الْوَقْفَ صَحِيحٌ أَيْ لَازِمٌ لَا يَنْقُصُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْصَادِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وُصُولُ الْمُسْتَحِقِّينَ إلَى حُقُوقِهِمْ وَلَمْ يُزِدْ حَقِيقَةَ الْوَقْفِ وَقَدَّمْنَا تَمَامَ ذَلِكَ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: يَجْعَلُونَهَا مُشْتَرَاةً صُورَةً) أَيْ بِدُونِ شَرَائِطِهِ الْمُسَوِّغَةِ لِعَدَمِ احْتِيَاجِ بَيْتِ الْمَالِ إلَى بَيْعِهَا فِي هَذِهِ الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ أَعَزَّ اللَّهُ بِهَا الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَقْفًا حَقِيقَةً بَلْ هُوَ إرْصَادٌ كَمَا عَلِمْته مِمَّا حَرَّرْنَاهُ آنِفًا فَلَمْ يَكُنْ مِمَّا جُهِلَ حَالَ شِرَائِهِ حَتَّى يُحْمَلَ عَلَى الصِّحَّةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: لِمَصْلَحَةٍ عَمَّتْ) كَالْوَقْفِ عَلَى الْمَسْجِدِ بِخِلَافِهِ عَلَى مُعَيَّنٍ وَأَوْلَادِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ جَعَلَ آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ كَمَا أَوْضَحَهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ ط (قَوْلُهُ: وَيُؤَجَّرُ) لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ مُعَدٌّ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا أَبَّدَهُ عَلَى مَصْرِفِهِ الشَّرْعِيِّ يُثَابُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ يُخَافُ عَلَيْهِ أُمَرَاءُ الْجَوْرِ الَّذِينَ يَصْرِفُونَهُ فِي غَيْرِ مَصْرِفِهِ الشَّرْعِيِّ، فَيَكُونُ قَدْ مَنَعَ مَنْ يَجِيءُ مِنْهُمْ يَتَصَرَّفُ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ ط وَمُفَادُهُ أَنَّهُ إرْصَادٌ لَا وَقْفٌ حَقِيقَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: قُلْت إلَخْ) أَصْلُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ أَنَّ سُلْطَانًا أَذِنَ لِقَوْمٍ أَنْ يَجْعَلُوا أَرْضًا مِنْ أَرَاضِي بَلْدَةِ حَوَانِيتَ مَوْقُوفَةً عَلَى الْمَسْجِدِ أَوْ أَمَرَهُمْ أَنْ يَزِيدُوا فِي مَسْجِدِهِمْ قَالُوا إنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ فُتِحَتْ عَنْوَةً يَنْفُذُ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْغَانِمِينَ فَيَجُوزُ أَمْرُ السُّلْطَانِ فِيهَا، وَإِذَا فُتِحَتْ صُلْحًا تَبْقَى عَلَى مِلْكِ مُلَّاكِهَا فَلَا يَنْفُذُ أَمْرُهُ فِيهَا. اهـ. قُلْت: وَمُفَادُ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَفْتُوحَةِ عَنْوَةً الَّتِي لَمْ تُقْسَمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ إذْ لَوْ قُسِمَتْ صَارَتْ مِلْكًا لَهُمْ حَقِيقَةً فَتَأَمَّلْ. . مَطْلَبٌ فِي إطْلَاقِ الْقَاضِي بَيْعَ الْوَقْفِ لِلْوَاقِفِ أَوْ لِوَارِثِهِ (قَوْلُهُ: أَطْلَقَ الْقَاضِي) أَيْ أَجَازَ ط عَنْ الْوَانِيِّ (قَوْلُهُ: بَيْعُ الْوَقْفِ) أَيْ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَلِيُّ أَبُو السُّعُودِ فَقَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ مُسَجَّلًا وَبَاعَهُ بِرَأْيِ الْحَاكِمِ يَبْطُلُ وَقْفِيَّةُ مَا بَاعَهُ وَالْبَاقِي عَلَى مَا كَانَ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 غَيْرِ الْمُسَجَّلِ لِوَارِثِ الْوَاقِفِ فَبَاعَ صَحَّ) وَكَانَ حُكْمًا بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ لِعَدَمِ تَسْجِيلِهِ حَتَّى لَوْ بَاعَهُ الْوَاقِفُ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ رَجَعَ عَنْهُ وَوَقَفَهُ لِجِهَةٍ أُخْرَى، وَحَكَمَ بِالثَّانِي قَبْلَ الْحُكْمِ بِلُزُومِ الْأَوَّلِ صَحَّ الثَّانِي لِوُقُوعِهِ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ كَمَا حَقَّقَهُ الْمُصَنِّفُ   [رد المحتار] قَوْلُهُ غَيْرِ الْمُسَجَّلِ) مَعْنَى قَوْلِهِمْ مُسَجَّلًا أَيْ مَحْكُومًا بِلُزُومِهِ بِأَنْ صَارَ اللُّزُومُ حَادِثَةً وَقَعَ التَّنَازُعُ فِيهَا فَحَكَمَ الْقَاضِي بِاللُّزُومِ بِوَجْهِهِ الشَّرْعِيِّ رَمْلِيٌّ، وَسُمِّيَ مُسَجَّلًا لِأَنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ يَكْتُبُ فِي سِجِلِّ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: وَكَانَ حُكْمًا بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ) الضَّمِيرُ فِي كَانَ عَائِدٌ إلَى إطْلَاقِ الْقَاضِي وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ كَانَ حُكْمًا بِصِحَّةِ بَيْعِ الْوَقْفِ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ يَكُونُ بَعْدَ بَيْعِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَمَا حَقَّقَهُ الْمُصَنِّفُ) حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَقَطْ بِعَدَمِ لُزُومِ الْوَقْفِ قَبْلَ التَّسْجِيلِ، بَلْ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى قَوْلِهِمَا أَيْضًا لِوُقُوعِهِ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ قَارِئِ الْهِدَايَةِ إذَا رَجَعَ الْوَاقِفُ عَمَّا وَقَفَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِلُزُومِهِ صَحَّ عِنْدَهُ لَكِنَّ الْفَتْوَى عَلَى خِلَافِهِ وَأَنَّهُ يَلْزَمُ بِلَا حُكْمٍ وَمَعَ ذَلِكَ إذَا قَضَى بِصِحَّةِ الرُّجُوعِ قَاضٍ حَنَفِيٌّ صَحَّ وَنَفَذَ فَإِذَا وَقَفَهُ ثَانِيًا عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى وَحَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ صَحَّ وَلَزِمَ وَصَارَ الْمُعْتَبَرُ الثَّانِي لِتَأَيُّدِهِ بِالْحُكْمِ. اهـ. وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ عَدَمِ النَّفَاذِ مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ قَضَاءٌ بِالْمَرْجُوحِ اهـ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ مِنْ تَصْحِيحِ أَنَّ الْمُفْتِيَ يُفْتِي بِقَوْلِ الْإِمَامِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، ثُمَّ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ بِقَوْلِ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، وَلَا يَتَخَيَّرُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا وَقَوْلُ الْإِمَامِ مُصَحِّحٌ أَيْضًا فَقَدْ جَزَمَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِ الْمُتُونِ: وَلَمْ يُعَوِّلُوا عَلَى غَيْرِهِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ كَمَالٍ فِي بَعْضِ مُؤَلَّفَاتِهِ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ يَجُوزُ الْقَضَاءُ وَالْإِفْتَاءُ بِأَحَدِهِمَا هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ كُتُبَ الْمَذْهَبِ مُطْبِقَةٌ عَلَى تَرْجِيحِ قَوْلِهِمَا بِلُزُومِهِ بِلَا حُكْمٍ وَبِأَنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ وَفِي الْفَتْحِ: أَنَّهُ الْحَقُّ كَمَا مَرَّ فَعَلَى الْمُفْتِي وَالْقَاضِي الْعَمَلُ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ جَزَمَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِ الْمُتُونِ إلَخْ فَفِيهِ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَوَّلًا قَوْلَ الْإِمَامِ، لِكَوْنِ الْمُتُونِ مَوْضُوعَةً لِنَقْلِ مَذْهَبِهِ ثُمَّ ذَكَرُوا قَوْلَهُمَا وَفَرَّعُوا عَلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْلُ السِّرَاجِيَّةِ إنَّ الْمُفْتِيَ يُفْتِي بِقَوْلِ الْإِمَامِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَا يَتَخَيَّرُ فَذَاكَ فِي غَيْرِ مَا صَرَّحَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ بِتَرْجِيحِ خِلَافِهِ، وَلِذَا قَالَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَهْلَ الِاجْتِهَادِ فِي الْمَذْهَبِ رَجَّحُوا قَوْلَهُمَا، فَعَلَيْنَا اتِّبَاعُ تَرْجِيحِهِمْ وَإِلَّا كَانَ عَبَثًا كَمَا رَجَّحُوا قَوْلَهُمَا فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْحَجْرِ فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُ مَرْجُوحٌ، وَالْقَضَاءُ بِالْمَرْجُوحِ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَأَمَّا مَا أَفْتَى بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ فَقَدْ أَفْتَى نَفْسَهُ بِخِلَافِهِ وَقَالَ لَكِنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلُزُومِهِ شَيْءٌ مِمَّا شَرَطَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، فَعَلَى هَذَا الْوَقْفِ هُوَ الْأَوَّلُ وَمَا فَعَلَهُ ثَانِيًا لَا اعْتِبَارَ بِهِ إلَّا إنْ شَرَطَهُ فِي وَقْفِهِ اهـ وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قَضَى الْحَنَفِيُّ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ فَحُكْمُهُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ، فَهُوَ مَعْزُولٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِصِحَّتِهِ وَقَدْ أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَأَمَّا مَا أَفْتَى بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ مِنْ صِحَّةِ الْحُكْمِ بِبَيْعِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِوَقْفِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ مُجْتَهِدٌ أَوْ سَهْوٌ مِنْهُ اهـ فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] صَرِيحُ كَلَامِ الْقُنْيَةِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ لَا فَاسِدٌ قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ: وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ اخْتِلَافٌ وَأَفْتَى بَعْضُ مَشَايِخِ الْعَصْرِ بِفَسَادِهِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِلْكَ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي رِسَالَةٍ لَمَّا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْبِلَادِ الرُّومِيَّةِ وأَفْتَى مُفْتِيهَا بِسَرَيَانِ الْفَسَادِ إذَا بِيعَ مِلْكٌ وَوَقْفٌ صَفْقَةً وَاحِدَةً، وَخَالَفَهُ شَيْخُنَا السَّيِّدُ الشَّرِيفُ مُحْيِي الدِّينِ الشَّهِيرُ بِمَعْلُولِ أَمِيرٍ وَأَلَّفَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمِصْرِيِّينَ رَسَائِلَ فِي ذَلِكَ حَتَّى الشَّافِعِيَّةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 وَأَفْتَى بِهِ تَبَعًا لِشَيْخِهِ وَقَارِئِ الْهِدَايَةِ وَالْمُنْلَا أَبِي السُّعُودِ. قُلْت: لَكِنْ حَمَلَهُ فِي النَّهْرِ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدُ فَرَاجِعْهُ (لَوْ) أَطْلَقَ الْقَاضِي الْبَيْعَ (لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْوَارِثِ (لَا) يَصِحُّ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ إذَا بَطَلَ عَادَ إلَى مِلْكِ الْوَارِثِ وَبَيْعُ مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ دُرَرٌ يَعْنِي بِغَيْرِ طَرِيقٍ شَرْعِيٍّ لِمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ بَاعَ الْقَيِّمُ الْوَقْفَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَرَأْيِهِ جَازَ. . قُلْت: وَأَمَّا الْمُسَجَّلُ لَوْ انْقَطَعَ ثُبُوتُهُ وَأَرَادَ أَوْلَادُ الْوَاقِفِ إبْطَالَهُ فَقَالَ الْمُفْتِي أَبُو السُّعُودِ فِي مَعْرُوضَاتِهِ قَدْ مَنَعَ الْقُضَاةُ مِنْ اسْتِمَاعِ هَذِهِ الدَّعْوَى انْتَهَى فَلْيُحْفَظْ (الْوَقْفُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ كَهِبَةٍ فِيهِ) مِنْ الثُّلُثِ مَعَ الْقَبْضِ (فَإِنْ خَرَجَ)   [رد المحتار] كَالشَّيْخِ نَاصِرِ الدِّينِ الطَّبَلَاوِيِّ، لِمَا وَقَعَ بَيْنَ قَاضِي الْقُضَاةِ نُورِ الدِّينِ الطَّرَابُلُسِيِّ وَقَاضِي الْقُضَاةِ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ إلْيَاسَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَفْتَى بِهِ) أَيْ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوَاهُ (قَوْلُهُ: تَبَعًا لِشَيْخِهِ) أَيْ صَاحِبِ الْبَحْرِ فِي فَتَاوَاهُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ فِي بَحْرِهِ مَا ارْتَضَاهُ (قَوْلُهُ: لَكِنْ حَمَلَهُ فِي النَّهْرِ) أَيْ تَبَعًا لِلْبَحْرِ كَمَا عَلِمْت وَمِثْلُ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ مَنْ قَلَّدَ مُجْتَهِدًا يَرَهُ أَفَادَهُ ح. مَطْلَبٌ بَيْعُ الْوَقْفِ بَاطِلٌ لَا فَاسِدٌ (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) يُفِيدُ أَنَّ إطْلَاقَ الْقَاضِي بَيْعَ الْوَقْفِ لِغَيْرِ الْوَارِثِ حُكْمٌ بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ، وَيَعُودُ إلَى مِلْكِ الْوَارِثِ غَايَتُهُ أَنَّ بَيْعَ غَيْرِ الْوَارِثِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ الْغَيْرِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ صَحِيحًا مَوْقُوفًا عَلَى إجَارَةِ الْوَارِثِ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. ح لَكِنْ لَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يُوجِبُ الْبُطْلَانَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يَصِحُّ، قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ لَا يَقْتَضِيهِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ أَيْضًا مَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْوَقْفِ بِمُجَرَّدِ إطْلَاقِ الْقَاضِي بَيْعَهُ لِغَيْرِ الْوَارِثِ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إذَا بَطَلَ يَعْنِي بَعْدَ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ: لِمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ بَاعَ الْقَيِّمُ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي صُورَةِ الِاسْتِبْدَالِ. اهـ. ح وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِالْمُسَوِّغِ الشَّرْعِيِّ وُجُودُ شَرَائِطِ الِاسْتِبْدَالِ وَقُيِّدَ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِأَنَّ الِاسْتِبْدَالَ إذَا لَمْ يَشْرِطْهُ الْوَاقِفُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْقَاضِي كَمَا مَرَّ. . مَطْلَبٌ فِي الْوَقْفِ إذَا انْقَطَعَ ثَوْبُهُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُسَجَّلُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُقَابِلُ قَوْلِ الْمَتْنِ غَيْرِ الْمُسَجَّلِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الْمَحْكُومُ بِلُزُومِهِ وَهَذَا لَا شُبْهَةَ فِي عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهِ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى حَالٍ يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهُ، وَأَمَّا لَوْ انْقَطَعَ ثُبُوتُهُ فَفِي الْخَصَّافِ: أَنَّ الْأَوْقَافَ الَّتِي تَقَادَمَ أَمْرُهَا وَمَاتَ شُهُودُهَا فَمَا كَانَ لَهَا رُسُومٌ فِي دَوَاوِينِ الْقُضَاةِ، وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمْ أُجْرِيَتْ عَلَى رُسُومِهَا الْمَوْجُودَةِ فِي دَوَاوِينِهِمْ اسْتِحْسَانًا إذَا تَنَازَعَ أَهْلُهَا فِيهَا وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهَا رُسُومٌ فِي دَوَاوِينِ الْقُضَاةِ الْقِيَاسُ فِيهَا عِنْدَ التَّنَازُعِ أَنَّ مَنْ أَثْبَتَ حَقًّا حُكِمَ لَهُ بِهِ. اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْفُرُوعِ. مَطْلَبٌ: الْوَقْفُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ: الْوَقْفُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ كَهِبَةٍ فِيهِ) أَيْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَقُولُ: إلَّا أَنَّهُ إذَا وَقَفَ عَلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ وَلَمْ يُجِزْهُ بَاقِيهِمْ لَا يَبْطُلُ أَصْلُهُ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ مَا جُعِلَ مِنْ الْغَلَّةِ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ دُونَ بَعْضٍ. فَيُصْرَفُ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ عَنْ الْوَاقِفِ مَا دَامَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ حَيًّا، ثُمَّ يُصْرَفُ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى مَنْ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ تَرْجِعُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَلَيْسَ كَوَصِيَّةٍ لِوَارِثٍ لِيَبْطُلَ أَصْلُهُ بِالرَّدِّ نَصَّ عَلَيْهِ هِلَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَتَنَبَّهْ لِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ بِالْمَوْتِ (قَوْلُهُ: مِنْ الثُّلُثِ الْقَبْضُ) خَبَرٌ ثَانٍ عَنْ قَوْلِهِ الْوَقْفُ، أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهَا. مِنْ الْقَبْضِ وَالْإِفْرَازِ اهـ وَأَصْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 الْوَقْفُ (مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَجَازَهُ الْوَارِثُ نَفَذَ فِي الْكُلِّ وَإِلَّا بَطَلَ فِي الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ) وَلَوْ أَجَازَ الْبَعْضُ جَازَ بِقَدْرِهِ. وَبَطَلَ وَقْفُ رَاهِنٍ مُعْسِرٍ وَمَرِيضٍ مَدْيُونٍ بِمُحِيطٍ بِخِلَافٍ صَحِيحٍ لَوْ قَبْلَ الْحَجْرِ   [رد المحتار] قَالَ فِيهَا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ ابْنُ الْفَضْلِ: الْوَقْفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ، أَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ فَالْقَبْضُ وَالْإِفْرَازُ شَرْطٌ فِي الْأَوَّلِ كَالْهِبَةِ، دُونَ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَكَالْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ يُعْتَبَرْ مِنْ الثُّلُثِ كَالْهِبَةِ فِي الْمَرَضِ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الصَّحِيحَ: أَنَّهُ كَوَقْفِ الصِّحَّةِ حَتَّى لَا يَمْنَعَ الْإِرْثَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يَلْزَمُ إلَّا أَنْ يَقُولَ فِي حَيَاتِي وَبَعْدَ مَمَاتِي اهـ مُلَخَّصًا وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَبْضِ قَبْضُ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِاشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ وَالْإِفْرَازِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ، وَإِنَّ الْخِلَافَ فِي كَوْنِ وَقْفِ الْمَرَضِ كَوَقْفِ الصِّحَّةِ أَوْ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ ثَمَرَتُهُ فِي كَوْنِهِ لَا يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، فَإِذَا مَاتَ يُورَثُ عَنْهُ كَوَقْفِ الصِّحَّةِ أَوْ يَلْزَمُ فَلَا يُورَثُ كَالْمُضَافِ، وَحَيْثُ مَشَى الشَّارِحُ عَلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ كَانَ الْأَوْلَى لَهُ حَذْفُ قَوْلِهِ مَعَ الْقَبْضِ وَلِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ قَبْضُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَجَازَهُ الْوَارِثُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا بَطَلَ) إلَّا أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ آخَرُ إسْعَافٌ وَخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَجَازَ الْبَعْضُ) أَيْ بَعْضُ الْوَرَثَةِ جَازَ بِقَدْرِهِ أَيْ نَفَذَ مِمَّا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مَا أَجَازَهُ وَبَطَلَ بَاقِي مَا زَادَ. وَصُورَتُهُ لَوْ كَانَ مَالُهُ تِسْعَةً وَوَقَفَ فِي مَرَضِهِ سِتَّةً وَمَاتَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَوْلَادٍ فَأَجَازَ أَحَدُهُمْ نَفَذَ فِي وَاحِدٍ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْوَصَايَا أَوْ أَجَازَ الْبَعْضَ وَرَدَّ الْبَعْضَ جَازَ عَلَى الْمُجِيزِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: وَبَطَلَ وَقْفُ رَاهِنٍ مُعْسِرٍ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ سَيَبْطُلُ فَفِي الْإِسْعَافِ وَغَيْرِهِ: لَوْ وَقَفَ الْمَرْهُونُ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ صَحَّ، وَأَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى دَفْعِ مَا عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا أَبْطَلَ الْوَقْفَ وَبَاعَهُ فِيمَا عَلَيْهِ اهـ وَكَذَا لَوْ مَاتَ فَإِنْ عَنْ وَفَاءٍ عَادَ إلَى الْجِهَةِ وَإِلَّا بِيعَ وَبَطَلَ الْوَقْفُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَمَرِيضٍ مَدْيُونٍ بِمُحِيطٍ) أَيْ بِدَيْنٍ مُحِيطٍ بِمَالِهِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُنْقَضُ الْوَقْفُ بَحْرٌ. وَيَأْتِي مُحْتَرَزُ الْمُحِيطِ وَفِي ط عَنْ الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ الدَّيْنُ الْمُحِيطُ بِالتَّرِكَةِ مَانِعٌ مِنْ نُفُوذِ الْإِعْتَاقِ وَالْإِيقَافِ وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ وَالْمُحَابَاةِ فِي عُقُودِ الْعِوَضِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ إلَّا بِإِجَازَةِ الدَّائِنِينَ وَكَذَا يَمْنَعُ مِنْ انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى الْوَرَثَةِ فَيَمْنَعُ تَصَرُّفَهُمْ إلَّا بِالْإِجَازَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافٍ صَحِيحٍ) أَيْ وَقْفُ مَدْيُونٍ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَوْ قَصَدَ بِهِ الْمُمَاطَلَةَ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ مِلْكَهُ كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ لَازِمٌ لَا يَنْقُضُهُ أَرْبَابُ الدُّيُونِ إذَا كَانَ قَبْلَ الْحَجْرِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُمْ فِي حَالِ صِحَّتِهِ. اهـ. وَبِهِ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ مِنْ الْبُيُوعِ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَفْتَى بِهِ ابْنُ نُجَيْمٍ وَسَيَأْتِي فِيهِ كَلَامٌ عَنْ الْمَعْرُوضَاتِ (قَوْلُهُ: لَوْ قَبْلَ الْحَجْرِ) أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَصِحُّ وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَشَرْطُهُ شَرْطُ سَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَهُ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ عَلَى جِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمُصَحَّحِ وَعِنْدَ الْكُلِّ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ. اهـ. وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ وَقْفَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَيْسَ تَبَرُّعًا بَقِيَ أَنَّ عَدَمَ صِحَّةِ وَقْفِ الْمَحْجُورِ إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى قَوْلِهِمَا بِصِحَّةِ حَجْرِ السَّفِيهِ أَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَلَا لِأَنَّهُ لَا يَرَى صِحَّةَ حَجْرِهِ فَيَبْقَى تَصَرُّفُهُ نَافِذًا وَعَنْ هَذَا حَكَمَ بَعْضِ الْقُضَاةِ بِصِحَّةِ وَقْفِهِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِحَجْرِهِ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، فَيَصِحُّ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ، فَيَصِحُّ وَقْفُهُ لَكِنَّ الْحُكْمَ بِلُزُومِهِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْإِمَامَ وَإِنْ قَالَ بِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ لَكِنَّهُ لَا يَقُولُ بِلُزُومِ الْوَقْفِ وَالْقَائِلُ بِلُزُومِهِ لَا يَقُولُ بِصِحَّةِ تَصَرُّفِ الْمَحْجُورِ فَيَصِيرُ الْحُكْمُ بِلُزُومِ وَقْفِهِ مُرَكَّبًا مِنْ مَذْهَبَيْنِ هَذَا حَاصِلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 فَإِنْ شُرِطَ وَفَاءُ دَيْنِهِ مِنْ غَلَّتِهِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ يُوَفَّى مِنْ الْفَاضِلِ عَنْ كِفَايَتِهِ بِلَا سَرَفٍ وَلَوْ وَقَفَهُ عَلَى غَيْرِهِ فَغَلَّتُهُ لِمَنْ جَعَلَهُ لَهُ خَاصَّةً فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ. قُلْت: قُيِّدَ بِمُحِيطٍ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُحِيطِ يَجُوزُ فِي ثُلُثِ مَا بَقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ لَوْ لَهُ وَرَثَةٌ وَإِلَّا فَفِي كُلِّهِ، فَلَوْ بَاعَهَا الْقَاضِي ثُمَّ ظَهَرَ مَالٌ شَرَى بِهِ أَرْضًا بَدَلَهَا وَتَمَامُهُ فِي الْإِسْعَافِ فِي بَابِ وَقْفِ الْمَرِيضِ وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: وَإِنْ وَقَفَ الْمَرْهُونُ فَافْتَكَّهُ يَجُزْ ... فَإِنْ مَاتَ عَنْ عَيْنٍ تَفِي لَا يُغَيَّرُ أَيْ وَإِلَّا فَيَبْطُلُ أَوْ لِلْعِلَّةِ يُمْهَلُ فَلْيُتَأَمَّلْ. قُلْت: لَكِنْ فِي مَعْرُوضَاتِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَهَرَبَ مِنْ الدُّيُونِ هَلْ يَصِحُّ:   [رد المحتار] مَا ذَكَرَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ فِي الْمُنْيَةِ الْمُفْتِي جَوَّزَ الْحُكْمَ الْمُلَفَّقَ وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى وَقْفِ الْمَشَاعِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ شَرَطَ وَفَاءَ دَيْنِهِ) أَيْ وَقَفَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَشَرَطَ وَفَاءَ دَيْنِهِ مِنْهُ كَمَا فِي فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ وَحَذَفَهُ الشَّارِحُ اسْتِغْنَاءً بِالْمُقَابِلِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَوْ وَقَفَهُ عَلَى غَيْرِهِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: يُوفِي مِنْ الْفَاضِلِ عَنْ كِفَايَتِهِ) أَيْ إذَا فَضَلَ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ شَيْءٌ عَنْ قُوتِهِ فَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُ لِأَنَّ الْغَلَّةَ بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِهِ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ: لَوْ لَهُ وَرَثَةٌ) أَيْ وَلَمْ يُجِيزُوا فَقَوْلُهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ أَوْ كَانَ وَأَجَازُوا. اهـ. ح (قَوْلُهُ: فَلَوْ بَاعَهَا الْقَاضِي) أَيْ فِي صُورَةِ الْمُحِيطِ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: أَيْ وَإِلَّا فَيُبْطَلُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِالْمَفْهُومِ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ عَنْ مَالٍ يَفِي بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ، فَإِنَّ الْوَقْفَ يُغَيَّرُ أَيْ يُبْطِلُهُ الْقَاضِي، وَيَبِيعُهُ لِلدَّيْنِ قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: وَهَذَا يُخَالِفُ عِتْقَ الْعَبْدِ لِلرَّهْنِ لَا يُبَاعُ؛ وَيَسْعَى فِي الدَّيْنِ إنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى قِيمَتِهِ، وَلَا يَبْطُلُ الْعِتْقُ. وَبَحَثَ فَاضِلٌ فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ الْوَقْفُ وَيُؤْخَذَ مِنْ غَلَّتِهِ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ كَسِعَايَةِ الْعَبْدِ إذَا لَمْ يُقَدَّرْ بِزَمَنٍ: وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا التَّحْرِيرُ فَإِنَّ الْوَقْفَ تَحْرِيرٌ عَنْ الْبَيْعِ وَتَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ يُقْضَى مِنْ رِيعِهِ كَسِعَايَةِ الْعَبْدِ بَلْ إنَّهُ أَمْكَنَ إذْ قَدْ يَمُوتُ الْعَبْدُ قَبْلَ أَدَاءِ السِّعَايَةِ وَالْعَقَارُ بَاقٍ رِعَايَةً لِلْمَصْلَحَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ مَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْعِتْقِ، فَإِنَّ الْعِتْقَ عَقْدٌ لَازِمٌ وَاسْتِهْلَاكٌ لِلرَّهْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ الْوَقْفِ، فَإِنَّهُ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَلِهَذَا يَدُومُ الثَّوَابُ بِدَوَامِهِ لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ، وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي عَوْدِهِ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ بَعْدَ خَرَابِهِ. وَفِي جَوَازِ بَيْعِهِ إذَا أَطْلَقَهُ الْقَاضِي لِلْوَاقِفِ أَوْ وَارِثِهِ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ عَوْدِهِ إلَى الْمِلْكِ، فَلِذَا كَانَ الْوَقْفُ مَوْقُوفًا عَلَى الْفِكَاكِ، فَإِذَا افْتَكَّهُ نَفَذَ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَكَّهُ حَتَّى مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَإِنَّهُ يَفْتَكُّ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا يَبْطُلُ لِتَعَذُّرِ الْفِكَاكِ مِنْ الْعَيْنِ بِدُونِهِ وَالْمَنْفَعَةُ كَالْكَسْبِ خَارِجَةٌ عَنْ الرَّهْنِ، فَإِنَّ الَّذِي كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ حَقُّ الْحَبْسِ إنَّمَا هُوَ الْعَيْنُ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلَا يُمْكِنُ رَدُّهُ بَعْدَ الْعِتْقِ إلَى الْمِلْكِ بِوَجْهٍ فَلِذَا يُسْتَسْعَى وَلِأَنَّ الْعِتْقَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ صَدَرَ مُنَجَّزًا غَيْرَ مَوْقُوفٍ بِخِلَافِ الْوَقْفِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ: أَوْ لِلْغَلَّةِ يُمْهَلُ) حِكَايَةَ قَوْلٍ آخَرَ فَلَيْسَتْ أَوْ فِيهِ لِلتَّخْيِيرِ، لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ بَحْثٌ غَيْرُ مَنْقُولٍ، وَأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ (قَوْلُهُ: قُلْت لَكِنْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ صَحِيحٌ. اهـ. ح وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَاهُ أَيْضًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 فَأَجَابَ: لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ وَالْقُضَاةُ مَمْنُوعُونَ مِنْ الْحُكْمِ وَتَسْجِيلِ الْوَقْفِ بِمِقْدَارِ مَا شُغِلَ بِالدَّيْنِ انْتَهَى فَلْيُحْفَظْ. (الْوَقْف) عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (إمَّا لِلْفُقَرَاءِ أَوْ لِلْأَغْنِيَاءِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ أَوْ يَسْتَوِي فِيهِ الْفَرِيقَانِ كَرِبَاطٍ وَخَانٍ وَمَقَابِرَ وَسِقَايَاتٍ وَقَنَاطِرَ وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَمَسَاجِدَ وَطَوَاحِينَ وَطَسْتٍ لِاحْتِيَاجِ الْكُلِّ لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْأَدْوِيَةِ فَلَمْ يَجُزْ لِغَنِيٍّ بِلَا تَعْمِيمٍ أَوْ تَنْصِيصٍ فَيَدْخُلُ الْأَغْنِيَاءُ تَبَعًا لِلْفُقَرَاءِ قُنْيَةٌ. [فَرْعٌ] أَقَرَّ بِوَقْفٍ صَحِيحٍ وَبِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ وَوَارِثُهُ يَعْلَمُ خِلَافَهُ جَازَ الْوَقْفُ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى وَارِثِهِ قَضَاءً دُرَرٌ وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: وَتَبْطُلُ أَوْقَافُ امْرِئٍ بِارْتِدَادِهِ.   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الرَّاهِنِ وَالْمَرِيضِ وَالْمَدْيُونِ (قَوْلُهُ: فَأَجَابَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ إلَخْ) هَذَا مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْمَنْقُولِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَالْفَتْحِ إلَّا أَنْ يُخَصَّصَ بِالْمَرِيضِ الْمَدْيُونِ. وَعِبَارَةُ الْفَتَاوَى الْإِسْمَاعِيلِيَّة لَا يُنْفِذُ الْقَاضِي هَذَا الْوَقْفَ وَيُجْبَرُ الْوَاقِفُ عَلَى بَيْعِهِ وَوَفَاءِ دَيْنِهِ وَالْقُضَاةُ مَمْنُوعُونَ عَنْ تَنْفِيذِهِ كَمَا أَفَادَهُ الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ اهـ وَهَذَا التَّعْبِيرُ أَظْهَرُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا مَنَعَهُ السُّلْطَانُ عَنْ الْحُكْمِ بِهِ كَانَ حُكْمُهُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ، وَقَدْ نَهَاهُ الْمُوَكِّلُ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ، وَيَكُونُ جَبْرُهُ عَلَى بَيْعِهِ مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ الْقَاضِي بَيْعَ وَقْفٍ لَمْ يُسَجَّلْ وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ بُطْلَانِ الْوَقْفِ بِذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ لِلْأَغْنِيَاءِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ) أَمَّا لِلْأَغْنِيَاءِ فَقَطْ فَلَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ: كَمَسَاجِدَ إلَخْ) وَكَذَا مَصَاحِفُ مَسَاجِدَ وَكُتُبُ مَدَارِسَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْقُولٌ فِيهِ تَعَامُلٌ (قَوْلُهُ: لِاحْتِيَاجِ الْكُلِّ لِذَلِكَ) أَيْ لِلنُّزُولِ فِي الْخَانِ وَالشِّرْبِ مِنْ السِّقَايَةِ إلَخْ زَادَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْفَارِقَ بَيْنَ الْمَوْقُوفِ لِلْغَلَّةِ، وَبَيْنَ هَذَا هُوَ الْعُرْفُ فَإِنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ فِي الْغَلَّةِ لِلْفُقَرَاءِ وَفِي غَيْرِهَا التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْأَدْوِيَةِ) أَيْ الْمَوْقُوفَةِ فِي التيمارخانه فَإِنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهَا دُونَ الْحَاجَةِ إلَى السِّقَايَةِ، فَإِنَّ الْعَطْشَانَ لَوْ تَرَكَ شُرْبَ الْمَاءِ يَأْثَمُ، وَلَوْ تَرَكَ الْمَرِيضُ التَّدَاوِي لَا يَأْثَمُ أَفَادَهُ ح عَنْ الْمِنَحِ (قَوْلُهُ: فَيَدْخُلُ الْأَغْنِيَاءُ تَبَعًا) هَذَا فِي التَّعْمِيمِ أَمَّا فِي التَّنْصِيصِ فَهُمْ مَقْصُودُونَ. اهـ. ح. [فَرْعٌ أَقَرَّ بِوَقْفٍ صَحِيحٍ وَبِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ وَوَارِثُهُ يَعْلَمُ خِلَافَهُ] (قَوْلُهُ وَبِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ) أَيْ سَلَّمَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ، وَقَوْلُهُ صَحِيحٌ يُغْنِي عَنْهُ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْوَقْفِ بِاسْتِيفَاءِ شُرُوطِهِ (قَوْلُهُ: وَوَارِثُهُ يَعْلَمُ خِلَافَهُ) أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْهُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ: قَضَاءً) أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ يَعْنِي يُسَوَّغُ لَهُ السَّعْيُ فِي إبْطَالِهِ، وَأَخْذُهُ لِنَفْسِهِ حَيْثُ عُلِمَ أَنَّ إقْرَارَ مُوَرِّثِهِ كَاذِبٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِجَوَازِهِ إنَّمَا هُوَ بِنَاءً عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ لَا عَلَى نَفْسِ الْأَمْرِ. . مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمُرْتَدِّ (قَوْلُهُ: وَتَبْطُلُ أَوْقَافُ امْرِئٍ بِارْتِدَادِهِ إلَخْ) لَا مَحَلَّ لِذِكْرِهِ هُنَا، وَمَحَلُّهُ أَوَّلَ الْبَابِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ هُنَاكَ مِنْ الْفَتْحِ. وَحَاصِلُهُ مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ وَقَفَ، ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى بَطَلَ وَقْفُهُ، وَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ، مَا لَمْ يَعُدْ وَقْفُهُ بَعْدَ عَوْدِهِ لِحُبُوطِ عَمَلِهِ بِالرِّدَّةِ وَنَظَرَ فِيهِ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّ الْحُبُوطَ فِي إبْطَالِ الثَّوَابِ، لَا فِيمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْفُقَرَاءِ، وَأَجَابَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ بِمَا فِي الْإِسْعَافِ، مِنْ أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ آخِرَهُ لِلْمَسَاكِينِ وَذَلِكَ قُرْبَةٌ فَبَطَلَ. اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 فَحَالُ ارْتِدَادٍ مِنْهُ لَا وَقْفَ أَجْدَرُ. [مَطْلَبٌ فِي وَقْفِ الْمُرْتَدِّ] فَصْلٌ يُرَاعَى شَرْطُ الْوَاقِفِ فِي إجَارَتِهِ فَلَمْ يَزِدْ الْقَيِّمُ بَلْ الْقَاضِي لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ النَّظَرِ لِفَقِيرٍ وَغَائِبٍ وَمَيِّتٍ (فَلَوْ أَهْمَلَ الْوَاقِفُ مُدَّتَهَا قِيلَ تُطْلَقُ) الزِّيَادَةُ لِلْقَيِّمِ (وَقِيلَ تُقَيَّدُ بِسَنَةٍ) مُطْلَقًا (وَبِهَا) أَيْ بِالسَّنَةِ (يُفْتَى فِي الدَّارِ وَبِثَلَاثِ سِنِينَ فِي الْأَرْضِ)   [رد المحتار] قُلْت: وَهَذَا الْجَوَابُ غَيْرُ مُلَاقٍ لِلسُّؤَالِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْإِسْعَافِ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا وَقَفَهُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ لَمْ يَكُنْ قُرْبَةً فَأَجَابَ بِمَا ذُكِرَ. فَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ: أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ قُرْبَةٌ بَاقِيَةٌ إلَى حَالِ الرِّدَّةِ وَالرِّدَّةُ تُبْطِلُ الْقُرْبَةَ الَّتِي قَارَنَتْهَا كَمَا لَوْ ارْتَدَّ فِي حَالِ صَلَاتِهِ أَوْ صَوْمِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا ارْتَدَّ بَعْدَ صَلَاتِهِ أَوْ صِيَامِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُ نَفْسَ الْفِعْلِ، بَلْ ثَوَابُهُ فَقَطْ وَأَمَّا حَقُّ الْفُقَرَاءِ، فَإِنَّمَا هُوَ فِي الصَّدَقَةِ فَقَطْ، فَإِذَا بَطَلَ التَّصَدُّقُ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْوَقْفِ بَطَلَ حَقُّهُمْ ضِمْنًا وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ قَصْدًا كَمَا يَبْطُلُ فِي خَرَابِ الْوَقْفِ وَخُرُوجِهِ عَنْ الْمَنْفَعَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَافْهَمْ. الثَّانِيَةُ: لَوْ وَقَفَ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عِنْدَ الْإِمَامِ، فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ صَحَّ وَإِلَّا بِأَنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ حُكِمَ بِلِحَاقِهِ بَطَلَ، وَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ مِنْهُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ انْتَقَلَ إلَى دِينِهِمْ وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُرْتَدَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ كَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: فَحَالَ ارْتِدَادٍ) مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِاسْمِ لَا وَأَجْدَرُ أَيْ أَحَقُّ خَبَرُهَا، وَالْمَعْنَى لَا يَكُونُ الْوَقْفُ حَالَ الرِّدَّةِ أَحَقَّ بِالْبُطْلَانِ مِنْ الْوَقْفِ قَبْلَهَا بَلْ ذَاكَ أَحَقُّ بِالْبُطْلَانِ لِعَدَمِ تَوَقُّفِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ إجَارَة الْوَاقِفِ] فَصْلٌ هَذَا الْفَصْلُ مُشْتَمِلٌ عَلَى بَيَانِ أَحْكَامِ إجَارَةِ الْوَقْفِ وَغَصْبِهِ وَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَالدَّعْوَى بِهِ، وَالْمُتَوَلِّي عَلَيْهِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ وَزَادَ فِيهِ الشَّارِحُ فُرُوعًا مُهِمَّةً وَفَوَائِدَ جَمَّةً (قَوْلُهُ: يُرَاعَى شَرْطُ الْوَاقِفِ فِي إجَارَتِهِ) أَيْ وَغَيْرِهَا لِمَا سَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِحِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ تَقَدَّمَتْ (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَزِدْ الْقَيِّمُ إلَخْ) يَعْنِي إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يُؤْجِرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، وَالنَّاسُ لَا يَرْغَبُونَ فِي اسْتِئْجَارِهَا وَكَانَتْ إجَارَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ أَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ فَلَيْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُؤْجِرَهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ بَلْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ لِلْقَاضِي، حَتَّى يُؤْجِرَهَا لِأَنَّ لَهُ النَّظَرَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْغَائِبِ وَالْمَيِّتِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ فَلِلْقَيِّمِ ذَلِكَ بِلَا إذْنِ الْقَاضِي كَمَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ اسْتَثْنَى فَقَالَ لَا تُؤَجَّره أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ إلَّا إذَا كَانَ أَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ فَلِلْقَيِّمِ ذَلِكَ إذَا رَآهُ خَيْرًا بِلَا إذْنِ الْقَاضِي إسْعَافٌ (قَوْلُهُ: لِفَقِيرٍ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَمِثْلُهُ الْوَقْفُ عَلَى الْمَسْجِدِ، وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى أَوْلَادِ الْوَاقِفِ لِأَنَّ مِنْهُمْ الْفَقِيرَ وَالْغَائِبَ بَلْ وَمَنْ لَمْ يُخْلَقْ عِنْدَ الْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ: وَغَائِبٍ وَمَيِّتٍ) فَإِنَّهُ يَحْفَظُ اللُّقَطَةَ وَمَالَ الْمَفْقُودِ وَمَالَ الْمَيِّتِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ لَهُ وَارِثٌ أَوْ وَصِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ تُقَيَّدُ بِسَنَةٍ) لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا طَالَتْ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ الْوَقْفِ، فَإِنَّ مَنْ رَآهُ يَتَصَرَّفُ بِهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ يَظُنُّهُ مَالِكًا إسْعَافٌ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ فِي الدَّارِ وَالْأَرْضِ ح (قَوْلُهُ: وَبِثَلَاثِ سِنِينَ فِي الْأَرْضِ) أَيْ إذَا كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الزِّرَاعَةِ فِيهَا إلَّا فِي الثَّلَاثِ كَمَا قَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلدُّرَرِ حَيْثُ قَالَ: يَعْنِي أَنَّ الْأَرْضَ إنْ كَانَتْ مِمَّا تُزْرَعُ فِي كُلِّ سَنَتَيْنِ مَرَّةً، أَوْ فِي كُلِّ ثَلَاثٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُؤْجِرَهَا مُدَّةً يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ الزِّرَاعَةِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْإِسْعَافِ وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ لَكِنْ ذَكَرَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلَهُ وَعَنْ الْإِمَامِ أَبِي حَفْصٍ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ إجَارَةَ الضِّيَاعِ ثَلَاثَ سِنِينَ، فَإِنْ آجَرَ أَكْثَرَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِ بَلْخٍ لَا يَجُوزُ وَقَالَ غَيْرُهُمْ: بِرَفْعِ الْأَمْرِ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يُبْطِلَهُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ اهـ وَظَاهِرُهُ جَوَازُ الثَّلَاثِ بِلَا تَفْصِيلٍ تَأَمَّلْ وَأَنَّ مُخْتَارَ الْفَقِيهِ جَوَازُ الْأَكْثَرِ، وَلَكِنْ لِلْقَاضِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا يَخْتَلِفُ زَمَانًا وَمَوْضِعًا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ اُحْتِيجَ لِذَلِكَ يَعْقِدُ عُقُودًا فَيَكُونُ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ لَازِمًا لِأَنَّهُ نَاجِزٌ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ مُضَافٌ.   [رد المحتار] إبْطَالُهَا أَيْ إذَا كَانَ أَنْفَعَ لِلْوَقْتِ، ثُمَّ رَأَيْت الشُّرُنْبُلَالِيُّ اعْتَرَضَ عَلَى الدُّرَرِ بِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْمَتْنَ عَنْ ظَاهِرِهِ وَالْفَتْوَى عَلَى إطْلَاقِ الْمَتْنِ كَمَا أَطْلَقَهُ شَارِحُ الْمَجْمَعِ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ. اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا الْعَلَّامَةُ قَنَالِي زَادَهْ فِي رِسَالَتِهِ أَحَدُهَا: قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ عَدَمُ تَقْدِيرِ الْإِجَارَةِ بِمُدَّةٍ وَرَجَّحَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَالْمُفْتَى بِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ خَوْفًا مِنْ ضَيَاعِ الْوَقْفِ كَمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ) هَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ الثَّمَانِيَةِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ مِنْ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الدُّورِ أَكْثَرُ مِنْ سَنَةٍ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الْجَوَازِ، وَفِي الضِّيَاعِ يَجُوزُ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ وَهَذَا أَمْرٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ وَاخْتِلَافِ الزَّمَانِ اهـ وَعَزَاهُ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ مَا فِي الْمَتْنِ لِأَنَّ أَصْلَ عُدُولِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ بِعَدَمِ التَّوْقِيتِ إلَى التَّوْقِيتِ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ الْخَوْفِ عَلَى الْوَقْفِ فَإِذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ الزِّيَادَةَ أَوْ النَّقْصَ اُتُّبِعَتْ، وَهُوَ تَوْفِيقٌ حَسَنٌ. وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ مَا فِي الْإِسْعَافِ: دَارٌ لِرَجُلٍ فِيهَا مَوْضِعُ وَقْفٍ بِمِقْدَارِ بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ فِي يَدِ الْمُتَوَلِّي شَيْءٌ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ وَأَرَادَ صَاحِبُ الدَّارِ اسْتِئْجَارَهَا مُدَّةً طَوِيلَةً قَالُوا إنْ كَانَ لِذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَسْلَكٌ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَجَّرَهُ مُدَّةً طَوِيلَةً لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ الْوَقْفِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْلَكٌ جَازَ اهـ وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ إذَا لَمْ تَحْصُلْ عِمَارَةُ الْوَقْفِ إلَّا بِذَلِكَ يَرْفَعُ الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ لِيُؤَجِّرهُ أَكْثَرَ اهـ أَيْ إذَا اُحْتِيجَ إلَى عِمَارَتِهِ مِنْ أُجْرَتِهِ يُؤَجِّرُهُ الْحَاكِمُ مُدَّةً طَوِيلَةً بِقَدْرِ مَا يُعَمَّرُ بِهِ. [تَنْبِيهٌ] مَحَلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّقْيِيدِ مَا إذَا كَانَ الْمُؤَجِّرُ غَيْرَ الْوَاقِفِ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ آجَرَ الْوَاقِفُ عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ خَمْسٍ وَانْتَقَلَ إلَى مَصْرِفٍ آخَرَ اُنْتُقِضَتْ الْإِجَارَةُ وَيَرْجِعُ بِمَا بَقِيَ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ اهـ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ أَرْضُ الْيَتِيمِ وَأَرْضُ بَيْتِ الْمَالِ فِي حُكْمِ أَرْضِ الْوَقْفِ ثُمَّ إنَّ أَرْضَ الْيَتِيمِ فِي حُكْمِ أَرْضِ الْوَقْفِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَأَفْتَى بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْمُصَنِّفُ كَذَا أَرْضُ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ وَقَالَ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى إنَّ أَرَاضِيَ بَيْتِ الْمَالِ جَرَتْ عَلَى رَقَبَتِهَا أَحْكَامُ الْوُقُوفِ الْمُؤَبَّدَةِ (قَوْلُهُ لَوْ احْتَاجَ لِذَلِكَ) أَيْ لِلْإِيجَارِ إلَى مُدَّةٍ زَائِدَةٍ عَنْ التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ أَيْ بِأَنْ لَمْ تَحْصُلْ عِمَارَةُ الْوَقْفِ إلَّا بِذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ قَارِئِ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: يَعْقِدُ عُقُودًا) أَيْ عُقُودًا مُتَرَادِفَةً كُلُّ عَقْدِ سَنَةٍ بِكَذَا خَانِيَّةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي الدَّارِ أَمَّا فِي الْأَرْضِ فَيَصِحُّ كُلَّ عَقْدِ ثَلَاثِ سِنِينَ. وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: آجَرْتُكَ الدَّارَ الْفُلَانِيَّةَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ بِكَذَا وَآجَرْتُكَ إيَّاهَا سَنَةَ خَمْسِينَ بِكَذَا وَآجَرْتُكَ إيَّاهَا سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ بِكَذَا وَهَذَا إلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ. مَطْلَبٌ فِي لُزُومِ الْأُجْرَةِ الْمُضَافَةِ تَصْحِيحَانِ (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي لَا) أَيْ لَا يَكُونُ لَازِمًا وَأَرَادَ بِالثَّانِي مَا عَدَا الْعَقْدَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا عَدَاهُ مُضَافٌ لَكِنْ قَالَ قَاضِي خَانْ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: أَنَّ الْإِجَارَةَ الْمُضَافَةَ تَكُونُ لَازِمَةً فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَأَيْضًا اعْتَرَضَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 قُلْت: لَكِنْ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْفَتْوَى عَلَى إبْطَالِ الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ وَلَوْ بِعُقُودٍ ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ فِي الْبَابِ التَّاسِعَ عَشَرَ وَأَقَرَّهُ قَدْرِي أَفَنْدِي وَسَيَجِيءُ فِي الْإِجَارَةِ (وَيُؤَجَّرُ) بِأَجْرِ (الْمِثْلِ) فَ (لَا) يَجُوزُ (بِالْأَقَلِّ)   [رد المحتار] قَاضِي خَانْ قَوْلَهُمْ إنْ احْتَاجَ الْقَيِّمُ إلَى تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ يَعْقِدُ عُقُودًا مُتَرَادِفَةً بِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ فِي الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ بِاشْتِرَاطِ التَّعْجِيلِ: أَيْ فَيَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الرُّجُوعُ بِمَا عَجَّلَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ فَلَا يَكُونُ هَذَا الْعَقْدُ مُفِيدًا لَكِنْ أَجَابَ الْعَلَّامَةُ قَنَالِي زَادَهْ بِأَنَّ رِوَايَةَ عَدَمِ لُزُومِ الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ مُصَحَّحَةٌ أَيْضًا وَبِأَنَّ قَاضِيَ خَانْ نَفْسَهُ أَجَابَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ عَنْ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: لَكِنْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ مِلْكَ الْأُجْرَةِ عِنْدَ التَّعْجِيلِ فِيهِ رِوَايَتَانِ: فَيُؤْخَذُ بِرِوَايَةِ الْمِلْكِ هُنَا لِلْحَاجَةِ، وَهَذَا يُنَافِي دَعْوَاهُ الْإِجْمَاعَ هُنَا. قُلْت: وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ أَنَّ رِوَايَةَ عَدَمِ اللُّزُومِ تَأَيَّدَتْ بِأَنَّ عَلَيْهَا الْفَتْوَى، أَيْ فَتَكُونُ أَصَحَّ التَّصْحِيحَيْنِ لِأَنَّ لَفْظَ الْفَتْوَى فِي التَّصْحِيحِ أَقْوَى، لَكِنْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ رِوَايَةَ عَدَمِ اللُّزُومِ هُنَا لَا تَنْفَعُ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ فَيَرْجِعُ بِمَا عَجَّلَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا تُمْلَكُ بِالتَّعْجِيلِ فَيَنْبَغِي هُنَا تَرْجِيحُ رِوَايَةِ اللُّزُومِ لِلْحَاجَةِ نَظِيرُ مَا قَالَهُ قَاضِي خَانْ فِي رِوَايَةِ الْمِلْكِ. مَطْلَبٌ فِي الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ بِعُقُودٍ (قَوْلُهُ: الْفَتْوَى عَلَى إبْطَالِ الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ وَلَوْ بِعُقُودٍ) أَيْ لِتَحَقُّقِ الْمَحْذُورِ الْمَارِّ فِيهَا، وَهُوَ أَنَّ طُولَ الْمُدَّةِ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ الْوَقْفِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ. قُلْت: لَكِنْ الْكَلَامُ هُنَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إذَا اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ لِحَاجَةِ عِمَارَةِ الْوَقْفِ بِتَعْجِيلِ أُجْرَةِ سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةٍ يَزُولُ الْمَحْذُورُ الْمَوْهُومُ عِنْدَ وُجُودِ الضَّرَرِ الْمُتَحَقِّقِ فَالظَّاهِرُ تَخْصِيصُ بُطْلَانِ هَذِهِ الْإِجَارَةِ بِمَا عَدَا هَذِهِ الصُّورَةِ وَهُوَ جَعْلُهَا حِيلَةً لِتَطْوِيلِ الْمُدَّةِ فَتَدَبَّرْ. ثُمَّ رَأَيْت ط نَقَلَ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ أَنَّ بَعْضَ الصَّكَّاكِينَ أَرَادُوا بِهَذِهِ الْإِجَارَةِ إبْقَاءَ الْوَقْفِ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ فَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: إنَّا نُبْطِلُهَا صِيَانَةً لِلْوَقْفِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ اهـ مُلَخَّصًا وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ إبْطَالَهَا عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ فَلَا يُنَاسِبُ ذِكْرَهُ هُنَا فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ لَا يَصِحُّ إيجَارُ الْوَقْفِ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ إلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ بِالْأَقَلِّ) أَيْ لَا يَصِحُّ إذَا كَانَ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ كَمَا يَأْتِي قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ إلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ وَفِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ شَرْطُ إجَارَةِ الْوَقْفِ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ إذَا نَابَتْهُ نَائِبَةٌ أَوْ كَانَ دَيْنٌ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي اسْتِئْجَارِ الدَّارِ لِمُرْصَدٍ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ قُلْت: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ وَمِمَّا عَزَاهُ لِلْأَشْبَاهِ جَوَازُ إجَارَةِ الدَّارِ الَّتِي عَلَيْهَا مَرْصَدٌ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمَرْصَدَ دَيْنٌ عَلَى الْوَقْفِ بِنَفَقَةِ الْمُسْتَأْجِرِ لِعِمَارَةِ الدَّارِ لِعَدَمِ مَالٍ حَاصِلٍ فِي الْوَقْفِ فَإِذَا زَادَتْ أُجْرَةُ مِثْلِهَا بِهَذِهِ الْعِمَارَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 وَلَوْ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ قَارِئُ الْهِدَايَةِ إلَّا بِنُقْصَانٍ يَسِيرٍ أَوْ إذَا لَمْ يَرْغَبْ فِيهِ إلَّا بِأَقَلَّ أَشْبَاهٌ (فَلَوْ رَخُصَ أَجْرُهُ) بَعْدَ الْعَقْدِ (لَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ) لِلُزُومِ الضَّرَرِ (وَلَوْ زَادَ) أَجْرُهُ (عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ   [رد المحتار] الَّتِي صَارَتْ لِلْوَقْفِ لَا تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ النَّاظِرُ إيجَارَ هَذِهِ الدَّارِ لِمَنْ يَدْفَعُ ذَلِكَ الْمُرْصَدَ لِصَاحِبِهِ لَا يَرْضَى بِاسْتِئْجَارِهَا بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا الْآنَ لَكِنْ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ بِلُزُومِ الْأُجْرَةِ الزَّائِدَةِ وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي الْوَقْفِ مَالٌ وَأَرَادَ النَّاظِرُ دَفْعَ الْمُرْصَدِ مِنْهُ فَحِينَئِذٍ لَا شَكَّ فِي لُزُومِ الزِّيَادَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمُؤَجِّرِ وَعِبَارَةُ قَارِئِ الْهِدَايَةِ سُئِلَ عَنْ مُسْتَحِقٍّ لِوَقْفٍ عَلَيْهِ هُوَ نَاظِرُهُ آجَرَهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ، فَأَجَابَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِمَا يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ بِالْأُجْرَةِ اهـ أَيْ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ، فَيَضُرُّ بِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَرُبَّمَا يَتَضَرَّرُ الْوَقْفُ أَيْضًا الْآنَ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا لِلتَّعْمِيرِ وَأَمَّا مَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّرْحِ مِنْ قَوْلِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَتُفْسَخَ هَذِهِ الْإِجَارَةُ اهـ فَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهَا لَا تُفْسَخُ بِمَوْتِ النَّاظِرِ عَلَى أَنَّ الضَّرَرَ إنَّمَا هُوَ فِي إبْقَائِهَا بِالْإِجَارَةِ الْقَلِيلَةِ لَا فِي فَسْخِهَا لِأَنَّهَا إذَا فُسِخَتْ تُؤَجَّرُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ فَلَا يَتَضَرَّرُ أَحَدٌ تَأَمَّلْ، وَلَا يَجُوزُ إرْجَاعُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَهُ لِانْفِسَاخِهَا بِمَوْتِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: إلَّا بِنُقْصَانٍ يَسِيرٍ) هُوَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ إسْعَافٌ أَيْ مَا يَقْبَلُونَهُ وَلَا يَعُدُّونَهُ غَبْنًا. مَطْلَبٌ لَيْسَ لِلنَّاظِرِ إلَّا الْإِقَالَةُ (قَوْلُهُ: لَا يَفْسَخُ الْعَقْدَ) أَيْ لَوْ طَلَبَ الْمُسْتَأْجِرُ فَسْخَهُ لَا يُجِيبُهُ النَّاظِرُ لِلُزُومِ الضَّرَرِ عَلَى الْوَقْفِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَيْسَ لَهُ الْإِقَالَةُ إلَّا إنْ كَانَتْ أَصْلَحَ لِلْوَقْفِ. مَطْلَبٌ فِيمَا زَادَ أَجْرُ الْمِثْلِ بَعْدَ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ وَلَوْ زَادَ أَجْرُهُ) أَيْ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ أَيْ الَّذِي كَانَ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَقَيَّدَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ الزِّيَادَةَ بِالْفَاحِشَةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ نَقْضِهَا بِالْيَسِيرَةِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْفَاحِشَةِ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهَا كَمَا مَرَّ فِي طَرَفِ النُّقْصَانِ، وَالْوَاحِدُ فِي الْعَشَرَةِ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ، وَهَذَا قَيْدٌ حَسَنٌ يَجِبُ حِفْظُهُ فَإِذَا كَانَتْ أُجْرَةُ دَارٍ عَشَرَةً مَثَلًا وَزَادَ أَجْرُ مِثْلِهَا وَاحِدًا فَإِنَّهَا لَا تُنْقَضُ كَمَا لَوْ آجَرَهَا الْمُتَوَلِّي بِتِسْعَةٍ فَإِنَّهَا لَا تُنْقَضُ بِخِلَافِ الدِّرْهَمَيْنِ فِي الطَّرَفَيْنِ اهـ. قُلْت: لَكِنْ نَقَلَ الْبِيرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْحَاوِي الْحَصِيرِيِّ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْفَاحِشَةَ مِقْدَارُهَا نِصْفُ مَا آجَرَ بِهِ أَوْ لَا اهـ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا يَرُدُّ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ. نَعَمْ فِي إجَارَاتِ الْخَيْرِيَّةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا قَدْرُ الْخُمُسِ، وَهُوَ عَيْنُ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ إنْ آجَرَهُ الْمُتَوَلِّي بِأَجْرِ مِثْلِهِ أَوْ بِقَدْرِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ وَإِنْ جَاءَ آخَرُ وَزَادَ فِي الْأُجْرَةِ دِرْهَمَيْنِ فِي عَشَرَةٍ فَهُوَ يَسِيرٌ حَتَّى لَوْ آجَرَ بِثَمَانِيَةٍ وَأَجْرُ مِثْلِهِ عَشَرَةٌ لَا تَنْفَسِخُ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْخُمُسَ قَلِيلٌ فِي طَرَفَيْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، فَلَا تَنْفَسِخُ بِهِ الْإِجَارَةُ لَكِنْ فِي وَكَالَةِ الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ أَنَّ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ أَوْ أَقَلُّ فَلَوْ أَكْثَرَ فَلَا، ثُمَّ نَقَلَ بَعْدَهُ تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فِي الْعُرُوضِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَفِي الْحَيَوَانِ الْعُشْرُ وَفِي الْعَقَارِ الْخُمْسُ، وَمَا خَرَجَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ فِيهِ، وَوَجْهُهُ كَثْرَةُ التَّصَرُّفِ فِي الْعُرُوضِ وَقِلَّتُهُ فِي الْعَقَارِ وَتَوَسُّطَهُ فِي الْحَيَوَانِ وَكَثْرَةُ الْغَبْنِ لِقِلَّةِ التَّصَرُّفِ فَهَذَا يُؤَيِّدُ بَحْثَ الْبَحْرِ هُنَا، وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ. وَانْظُرْ مَا فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 قِيلَ يَعْقِدُ ثَانِيًا بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ) فِي الْأَشْبَاهِ وَلَوْ زَادَ أَجْرَ مِثْلِهِ فِي نَفْسِهِ بِلَا زِيَادَةِ أَحَدٍ فَلِلْمُتَوَلِّي فَسْخُهَا بِهِ يُفْتَى وَمَا لَمْ يُفْسَخْ فَلَهُ الْمُسَمَّى (وَقِيلَ لَا) يَعْقِدُ بِهِ ثَانِيًا (كَزِيَادَةِ) وَاحِدٍ (تَعَنُّتًا) فَإِنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ وَسَيَجِيءُ فِي الْإِجَارَةِ (وَالْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ إذَا قَبِلَ الزِّيَادَةَ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْغَلَّةُ) أَوْ السُّكْنَى   [رد المحتار] جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ آخِرَ الْفَصْلِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ، فَإِنَّهُ نَقَلَ التَّفْصِيلَ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ مِمَّا لَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ مَعْلُومَةٌ، فَلَوْ عُلِمَتْ كَفَحْمٍ شَرَاهُ بِيَسِيرِ الْغَبْنِ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَبِهِ يُفْتَى، وَنَقَلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ عَنْ الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْأَخِيرَ هُوَ الصَّحِيحُ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّفْصِيلِ بَيَانٌ لِهَذَا الْقَوْلِ تَأَمَّلْ: [تَنْبِيهٌ] حَرَّرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ طَرِيقَ عِلْمِ الْقَاضِي بِالزِّيَادَةِ أَنْ يَجْتَمِعَ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ وَالْأَمَانَةِ فَيُؤْخَذُ بِقَوْلِهِمَا مَعًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا قَوْلُ الْوَاحِدِ يَكْفِي. اهـ. (قَوْلُهُ: قِيلَ يُعْقَدُ ثَانِيًا) أَيْ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْدَهُ وَقَوْلُهُ بِهِ أَيْ بِأَجْرِ الْمِثْلِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُجَدِّدُ الْعَقْدَ بِالْأُجْرَةِ الزَّائِدَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَبُولَ الْمُسْتَأْجِرِ الزِّيَادَةَ يَكْفِي عَنْ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ: فِي الْأَشْبَاهِ إلَخْ) هُوَ عَيْنُ مَا فِي الْمَتْنِ لَكِنَّهُ نَقَلَهُ لِأُمُورٍ سَكَتَ عَنْهَا الْمَتْنُ. أَوَّلُهَا: أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالزِّيَادَةِ مَا يَشْمَلُ زِيَادَةَ تَعَنُّتٍ: أَيْ إضْرَارٍ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ بَلْ الْمُرَادُ أَنْ تَزِيدَ فِي نَفْسِهَا عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَأَفَادَ أَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ نَفْسِ الْوَقْفِ لَا مِنْ عِمَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ بِمَا لَهُ لِنَفْسِهِ كَمَا فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ لِأَجْلِ الْعِمَارَةِ كَمَا مَرَّ قَبْلَ الْفَصْلِ. ثَانِيهَا: التَّصْحِيحُ بِأَنَّهُ بِهِ يُفْتَى فَإِنَّهُ أَقْوَى. ثَالِثُهَا: أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِمُجَرَّدِ الزِّيَادَةِ بَلْ يَفْسَخُهُ الْمُتَوَلِّي كَمَا حَرَّرَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَقَالَ فَإِنْ امْتَنَعَ يَفْسَخُهُ الْقَاضِي: رَابِعُهَا: أَنَّهُ قَبْلَ الْفَسْخِ لَا يَجِبُ إلَّا الْمُسَمَّى وَإِنَّمَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَعْقِدُ بِهِ ثَانِيًا) أَيْ لَا يَفْسَخُ وَلَا يَعْقِدُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ يُعْتَبَرُ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَهَذَا رِوَايَةُ فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ، وَعَلَيْهَا مَشَى فِي التَّجْنِيسِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْإِسْعَافِ وَالْأَوْلَى رِوَايَةُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَالْوَقْفُ يَجِبُ لَهُ النَّظَرُ (قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ أَوْلَى إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ يَعْقِدُ ثَانِيًا وَالْمُرَادُ إذَا كَانَ مُسْتَأْجِرًا إجَارَةً صَحِيحَةً وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَهُ وَتُقْبَلُ الزِّيَادَةُ وَيَخْرُجُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَقَوْلُهُ: إذَا قِيلَ الزِّيَادَةُ أَيْ الزِّيَادَةُ الْمُعْتَبَرَةُ عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا مَرَّ بَيَانُهَا: فَإِنْ قَبِلَهَا فَهُوَ الْأَحَقُّ وَإِلَّا آجَرَهَا مِنْ الثَّانِي إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ خَالِيَةً مِنْ الزِّرَاعَةِ، وَإِلَّا وَجَبَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ مِنْ وَقْتِهَا إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعَ لِأَنَّ شَغْلَهَا بِمِلْكِهِ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ إيجَارِهَا لِغَيْرِهِ فَإِذَا اسْتَحْصَدَ فَسَخَ وَأَجَّرَ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ، لَكِنْ هُنَا يَبْقَى إلَى انْتِهَاءِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ مَعْلُومَةٌ لِلْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ فَإِذَا انْتَهَى الْعَقْدُ فَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ قَبْلَ الْفَصْلِ فِي قَوْلِهِ: وَأَمَّا حُكْمُ الزِّيَادَةِ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ إلَخْ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُنَاسِبَ ذِكْرُهَا هُنَا. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ أَوْلَى [تَنْبِيهٌ] قَدْ عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الْمُسْتَأْجِرَ الْأَوَّلَ أَوْلَى إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا زَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ قَبْلَ فَرَاغِ أُجْرَتِهِ وَقَدْ قَبِلَ الزِّيَادَةَ، وَأَمَّا إذَا فَرَغَتْ مُدَّتُهُ، فَلَيْسَ بِأَوْلَى إلَّا إذَا كَانَ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْقَرَارِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْكِرْدَارِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مَبْسُوطًا فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ مِنْ أَنَّ لَهُ الِاسْتِبْقَاءَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ. مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ عَلَى الْوَقْفِ وَأَنَّ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ إطْلَاقِ عِبَارَاتِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ الْمُفِيدَةِ لِوُجُوبِ الْقَلْعِ وَالتَّسْلِيمِ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَهَذَا وَجْهُ كَوْنِهِ أَحَقَّ بِالِاسْتِئْجَارِ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا وَجْهُهُ فِي مَسْأَلَةِ زِيَادَةِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي أَثْنَاءِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 (لَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ) وَلَا الدَّعْوَى لَوْ غُصِبَ مِنْهُ الْوَقْفُ   [رد المحتار] الْمُدَّةِ، فَهُوَ أَنَّ مُدَّةَ إجَارَتِهِ قَائِمَةٌ لَمْ تَنْقَضِ، وَقَدْ عَرَضَ فِي أَثْنَائِهَا مَا يُسَوِّغُ الْفَسْخَ وَهُوَ الزِّيَادَةُ الْعَارِضَةُ، فَإِذَا قَبِلَهَا وَرَضِيَ بِدَفْعِهَا كَانَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ لِزَوَالِ ذَلِكَ الْمُسَوِّغِ فِي أَثْنَاءِ مُدَّتِهِ، فَلَا يَسُوغُ فَسْخُهَا وَإِيجَارُهَا لِغَيْرِهِ، بَلْ تُؤَجَّرُ مِنْهُ بِالزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَى تَمَامِ مُدَّتِهِ ثُمَّ يُؤْجِرُهَا نَاظِرُ الْوَقْفِ لِمَنْ أَرَادَ وَإِنْ قَبِلَ الْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ الزِّيَادَةَ لِزَوَالِ عِلَّةِ الْأَحَقِّيَّةِ وَهِيَ بَقَاءُ مُدَّةِ إجَارَتِهِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْقَرَارِ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ الْأُخْرَى كَمَا عَلِمْت. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لِأَرْضِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهَا مِنْ حَانُوتٍ أَوْ دَارٍ، إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْقَرَارِ الْمُسَمَّى بِالْكِرْدَارِ لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِالِاسْتِئْجَارِ بَعْدَ فَرَاغِ مُدَّةِ اسْتِئْجَارِهِ، سَوَاءٌ زَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ قَبِلَ الزِّيَادَةَ أَوْ لَا خِلَافًا لِمَا يَفْهَمُهُ أَهْلُ زَمَانِنَا مِنْ أَنَّهُ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ مُطْلَقًا، وَيُسَمُّونَهُ ذَا الْيَدِ وَيَقُولُونَ: إنَّهُ مَتَى قَبِلَ الزِّيَادَةَ الْعَارِضَةَ لَا تُؤَجَّرْ لِغَيْرِهِ وَيَحْكُمُونَ بِذَلِكَ وَيُفْتُونَ بِهِ مَعَ كَوْنِهِ مُخَالِفًا لِمَا أَطْبَقَتْ عَلَيْهِ كُتُبُ الْمَذْهَبِ مِنْ مُتُونٍ وَشُرُوحٍ وَفَتَاوَى بَلْ مُسْتَنَدُهُمْ إطْلَاقُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ مُصَوَّرٌ فِي زِيَادَةِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ قَبْلَ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَاتِهِمْ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِإِطْلَاقِهِ وَلَا يَخْفَى مَعَ ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنْ الْفَسَادِ وَضَيَاعِ الْأَوْقَافِ حَيْثُ لَزِمَ مِنْ إبْقَاءِ أَرْضِ الْوَقْفِ بِيَدِ مُسْتَأْجِرٍ وَاحِدٍ مُدَّةً مَدِيدَةً تُؤَدِّيهِ إلَى دَعْوَى تَمَلُّكِهَا، مَعَ أَنَّهُمْ مَنَعُوا مِنْ تَطْوِيلِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ كَمَا عَلِمْته، وَهَذَا خُلَاصَةُ مَا ذَكَرْته فِي رِسَالَتِي الْمُسَمَّاةِ بِتَحْرِيرِ الْعِبَارَةِ فِيمَنْ هُوَ أَوْلَى بِالْإِجَارَةِ، وَبِمُرَاجَعَتِهَا يَظْهَرُ لَك الْعَجَبُ الْعُجَابُ وَتَقِفُ عَلَى حَقِيقَةِ الصَّوَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُنْعِمِ الْوَهَّابِ مَطْلَبٌ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ (قَوْلُهُ: لَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَنَافِعَ بِلَا بَدَلٍ فَلَمْ يَمْلِكْ تَمْلِيكَهَا بِبَدَلٍ وَهُوَ الْإِجَارَةُ وَإِلَّا لَمَلَكَ أَكْثَرَ مِمَّا يَمْلِكُ بِخِلَافِ الْإِعَارَةِ ط (قَوْلُهُ: وَلَا الدَّعْوَى لَوْ غُصِبَ مِنْهُ الْوَقْفُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ دَعْوَى الْعَيْنِ فَقَطْ، مَعَ أَنَّ دَعْوَى الْغَلَّةِ كَذَلِكَ فَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: ادَّعَى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَقْفٌ عَلَيْهِ لَوْ ادَّعَاهُ بِإِذْنِ الْقَاضِي يَصِحُّ وِفَاقًا، وَبِغَيْرِ إذْنِهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْغَلَّةِ لَا غَيْرُ، فَلَا يَكُونُ خَصْمًا فِي شَيْءٍ آخَرَ وَلَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ جَمَاعَةً فَادَّعَى أَحَدُهُمْ أَنَّهُ وَقَفَ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي لَا يَصِحُّ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَمُسْتَحِقُّ غَلَّةِ الْوَقْفِ لَا يَمْلِكُ دَعْوَى غَلَّةِ الْوَقْفِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ الْمُتَوَلِّي اهـ مَطْلَبٌ فِي دَعْوَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَأَفَادَ أَنَّ دَعْوَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فِي الْغَلَّةِ كَدَعْوَى عَيْنِ الْوَقْفِ، لِسَكِنْ تَعْلِيلُهُ لِلْأَصَحِّ بِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْغَلَّةِ لَا غَيْرُ يُفِيدُ صِحَّةَ دَعْوَاهُ بِهَا، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ عَدَمَ سَمَاعِ دَعْوَاهُ فِي الْغَلَّةِ إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ جَمَاعَةً بِخِلَافِ مَا إذْ كَانَ وَاحِدًا وَادَّعَى بِهَا لِأَنَّهُ يُرِيدُ إثْبَاتَ حَقِّهِ فَقَطْ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ بَعْدُ: مَا مَرَّ، وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى رَجُلٍ مُعَيَّنٍ قِيلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 405 (إلَّا بِتَوْلِيَةٍ) أَوْ إذْنِ قَاضٍ وَلَوْ الْوَقْفُ عَلَى رَجُلٍ مُعَيَّنٍ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى عِمَادِيَّةٌ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْغَلَّةِ لَا الْعَيْنِ   [رد المحتار] يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُتَوَلِّيَ بِغَيْرِ إطْلَاقِ الْقَاضِي إذْ الْحَقُّ لَا يَعْدُوهُ، وَيُفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ حَقَّهُ أَخْذُ الْغَلَّةِ لَا التَّصَرُّفُ فِي الْوَقْفِ اهـ فَإِذَا كَانَ حَقُّهُ أَخْذَ الْغَلَّةِ وَغَصَبَهَا غَاصِبٌ، يَنْبَغِي أَنْ لَا يُتَرَدَّدَ فِي سَمَاعِ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ لِيَصِلَ إلَى حَقِّهِ وَفِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ: وَالْحَقُّ أَنَّ الْوَقْفَ إذَا كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ تَصِحُّ الدَّعْوَى مِنْهُ، وَظَاهِرُ سَمَاعِهَا عَلَى عَيْنِ الْوَقْفِ أَيْضًا وَلِذَا قَالَ فِي نُورُ الْعَيْنِ إنَّ الْغَلَّةَ نَمَاءُ الْوَقْفِ فَبِزَوَالِ الْوَقْفِ تَزُولُ الْغَلَّةُ فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ ادَّعَى شَطْرَ حَقِّهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ رِوَايَةُ الصِّحَّةِ هِيَ الْأَصَحَّ. اهـ. وَاسْتَشْهَدَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ بِعِدَّةِ مَسَائِلَ عَنْ الْخَصَّافِ. قُلْت: وَكَذَا فِي الْإِسْعَافِ ادَّعَى أَحَدُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَاعَ الْوَقْفَ مِنْ الْغَاصِبِ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَبَرْهَنَ، أَوْ نَكَلَ الْآخَرُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ وَيَشْتَرِي بِهَا ضَيْعَةً تُوقَفُ كَالْأَوَّلِ اهـ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ: أَرْضٌ فِي يَدِ رَجُلٍ يَزْعُمُ أَنَّهَا مِلْكُهُ فَادَّعَى قَوْمٌ أَنَّهُ وَقَفَهَا عَلَيْهِمْ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُمْ، وَحَكَمْت عَلَيْهِ بِالْوَقْفِ، وَأَخْرَجْتُهَا مِنْ يَدِهِ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الدَّعْوَى مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ صَحِيحَةٌ. اهـ. قُلْت: وَبَقِيَ مَا لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ أَوْ بِأَنَّ حَقَّهُ فِيهَا كَذَا أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ يُعْطِيهِ، وَيَنْبَغِي عَدَمُ التَّرَدُّدِ أَيْضًا فِي سَمَاعِهَا لِأَنَّهُ يَزِيدُ مُجَرَّدَ إثْبَاتِ حَقِّهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْإِسْعَافِ لَوْ مَنَعَ الْوَاقِفُ أَهْلَ الْوَقْفِ مَا سُمِّيَ لَهُمْ فَطَالَبُوهُ بِهِ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي بِدَفْعِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ غَلَّتِهِ اهـ وَكَذَا مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ بَعْدَ صَفْحَةٍ عَنْ الْمُصَنِّفِ وَالْخَانِيَّةِ وَذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ مِنْ الْوَقْفِ عِدَّةَ مَسَائِلَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مِنْهَا: دَعْوَاهُ أَنَّهُ مِنْ فُقَرَاءِ الْقَرَابَةِ فَرَاجِعْهُ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ بَعْضَ الْمُسْتَحِقِّينَ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْكُلِّ إذَا كَانَ أَصْلُ الْوَقْفِ ثَابِتًا وَهُوَ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ دَعْوَى أَحَدِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِإِذْنِ الْقَاضِي فَيُحْمَلُ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ سَمَاعِهَا رِوَايَةً وَاحِدَةً عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْوَقْفِ ثَابِتًا، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ صِحَّةِ دَعْوَاهُ عَلَى الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوْ بِاسْتِحْقَاقِهِ فَتَأَمَّلْ هَذَا وَاعْلَمْ: أَنَّ عَدَمَ مِلْكِهِ الدَّعْوَى فِي عَيْنِ الْوَقْفِ لَا يُنَافِي قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا تُقْبَلُ حِسْبَةً وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ قَرِيبًا وَيَأْتِي بَيَانُهُ بَلْ سَيَأْتِي مَتْنًا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ دَارًا ثُمَّ ادَّعَى أَنِّي كُنْت وَقَفْتُهَا أَوْ قَالَ وَقْفٌ عَلَيَّ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. مَطْلَبٌ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ قِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُتَوَلِّي (قَوْلُهُ: إلَّا بِتَوْلِيَةٍ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مُتَوَلِّيًا مِنْ قَبْلُ أَوْ يَنْصِبَهُ الْقَاضِي مُتَوَلِّيًا لِيَسْمَعَ دَعْوَاهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهَا أَيْضًا أَنَّهُ تَصِحُّ دَعْوَى الْوَاقِفِ (قَوْلُهُ: أَوْ إذْنِ قَاضٍ) بِالدَّعْوَى وَالْإِيجَارِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَقَفَ عَلَى رَجُلٍ مُعَيَّنٍ إلَخْ) هَذَا فِي الدَّعْوَى وَقَدْ عَلِمْت بَيَانَهُ وَأَمَّا فِي الْإِيجَارِ، فَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، بَلْ قَالَ: الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ لَمْ يَمْلِكُوا إجَارَةَ الْوَقْفِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: لَوْ كَانَ الْأَجْرُ كُلُّهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، بِأَنْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْعِمَارَةِ، وَلَا شَرِيكَ مَعَهُ فِي الْغَلَّةِ، فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ فِي الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ، وَأَمَّا الْأَرَاضِيِ فَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ تَقْدِيمَ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَسَائِرِ الْمُؤَنِ، وَجَعَلَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْفَاضِلَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ كَانَ كُلُّ الْأَجْرِ لَهُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ، فَيَفُوتُ شَرْطُ الْوَاقِفِ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ وَيَكُونَ الْخَرَاجُ وَالْمُؤَنُ عَلَيْهِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْإِسْعَافِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 406 وَهَلْ يَمْلِكُ السُّكْنَى مَنْ يَسْتَحِقُّ الرَّيْعَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ لَا وَفِي شَرْحِهَا لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ وَالتَّحْرِيرِ نَعَمْ (وَ) الْمَوْقُوفُ (إذَا آجَرَهُ الْمُتَوَلِّي بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ لَزِمَ الْمُسْتَأْجِرَ) لَا الْمُتَوَلِّيَ كَمَا غَلِطَ فِيهِ بَعْضُهُمْ (تَمَامُهُ) أَيْ تَمَامُ أَجْرِ الْمِثْلِ (كَأَبٍ) وَكَذَا وَصِيٌّ خَانِيَّةٌ (أَجَرَ مَنْزِلَ صَغِيرِهِ بِدُونِهِ) فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ تَمَامُهُ إذْ لَيْسَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وِلَايَةُ الْحَطِّ وَالْإِسْقَاطِ وَفِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْقُنْيَةِ: أَنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُهُ بِالِاسْتِئْجَارِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُ زَوْدِ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ، وَلَوْ كَانَ الْقَيِّمُ سَاكِتًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الرَّفْعِ لِلْقَاضِي لَا غَرَامَةَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَإِذَا ظَفِرَ النَّاظِرُ بِمَالِ السَّاكِنِ فَلَهُ أَخْذُ النُّقْصَانِ مِنْهُ فَيَصْرِفُهُ فِي مَصْرِفِهِ قَضَاءً وَدِيَانَةً اهـ فَلْيُحْفَظْ. قُلْت: وَقَيَّدَ بِإِجَارَةِ الْمُتَوَلِّي لِمَا فِي غَصْبِ الْأَشْبَاهِ لَوْ آجَرَ الْغَاصِبُ مَا مَنَافِعُهُ مَضْمُونَةٌ مِنْ مَالِ وَقْفٍ أَوْ يَتِيمٍ أَوْ مُعَدٍّ فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْمُسَمَّى لَا أَجْرُ الْمِثْلِ، وَعَلَى الْغَاصِبِ رَدُّ مَا قَبَضَهُ لَا غَيْرُ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي إيجَارِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا فَقَدْ عُلِمَ صِحَّةُ إيجَارِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا بِهَذِهِ الشُّرُوطِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يُؤَجَّرَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ كَمَا مَرَّ عَنْ قَارِئِ الْهِدَايَةِ قُلْت: وَيَنْبَغِي عَدَمُ التَّرَدُّدِ فِي مُدَّةِ إيجَارِهِ إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ التَّوْلِيَةَ، وَالنَّظَرَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، أَوْ لِلْأَرْشَدِ مِنْهُمْ وَكَانَ هُوَ الْأَرْشَدَ أَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَنْصُوبَ الْوَاقِفِ (قَوْلُهُ: وَهَلْ يَمْلِكُ السُّكْنَى إلَخْ) قَدَّمْنَا بَيَانَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَوْ أَبَى أَوْ عَجَزَ عَمَّرَ الْحَاكِمُ بِأُجْرَتِهَا (قَوْلُهُ: كَمَا غَلِطَ فِيهِ بَعْضُهُمْ) مَنْشَأُ غَلَطِهِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ لَزِمَهُ فَأَرْجَعَ ذَلِكَ الْبَعْضُ الضَّمِيرُ لِلْمُتَوَلِّي، مَعَ أَنَّهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتْوَاهُ مُسْتَنِدًا إلَى النُّقُولِ الصَّرِيحَةِ. مَطْلَبٌ إذَا آجَرَ الْمُتَوَلِّي بِغَبْنٍ فَاحِشٍ كَانَ خِيَانَةً لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خِيَانَةً مِنْ الْمُتَوَلِّي لَوْ عَالِمًا بِذَلِكَ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْوَاقِفَ أَيْضًا إذَا آجَرَ بِالْأَقَلِّ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَمْ تَجُزْ، وَيُبْطِلُهَا الْقَاضِي، فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ مَأْمُونًا وَفَعَلَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ أَقَرَّهُ الْقَاضِي فِي يَدِهِ، وَأَمَرَهُ بِإِجَارَتِهَا بِالْأَصْلَحِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ أَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ وَجَعَلَهَا فِي يَدِ مَنْ يَثِقُ بِدِينِهِ، وَكَذَا إذَا آجَرَهَا الْوَاقِفُ سِنِينَ كَثِيرَةً مِمَّنْ يَخَافُ أَنْ يَتْلَفَ فِي يَدِهِ يُبْطِلُ الْقَاضِي الْإِجَارَةَ وَيُخْرِجُهَا مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ اهـ فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْوَاقِفِ فَالْمُتَوَلِّي أَوْلَى اهـ (قَوْلُهُ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا) الْأَوْلَى مِنْهُمْ لِيَدْخُلَ الْمُتَوَلِّي ط (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُ زَوْدِ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ) لَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْإِجَارَةَ مَا لَمْ تُفْسَخْ، كَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْمُسَمَّى لِأَنَّ مَوْضُوعَهُ فِيمَا إذَا آجَرَ أَوْ لَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، ثُمَّ زَادَ الْأَجْرُ فِي نَفْسِهِ ط أَيْ فَالْإِجَارَةُ وَقَعَتْ مِنْ ابْتِدَائِهَا صَحِيحَةً بِخِلَافِ مَا هُنَا (قَوْلُهُ: لَا غَرَامَةَ عَلَيْهِ) وَعَلَيْهِ الْحُرْمَةُ وَلَا يُعْذَرُ، وَكَذَا أَهْلُ الْمَحَلَّةِ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْقُنْيَةِ، لَا يُعْذَرُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ فِي الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ الْمُسَبَّلَةِ إذَا أَمْكَنَهُمْ رَفْعُهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: فَيَأْثَمُ كُلُّهُمْ بِنَفْسِ السُّكُوتِ فَمَا بَالُك بِالْمُتَوَلِّي وَالْجَابِي وَالْكَاتِبِ إذَا تَرَكُوهَا وَلَا سِيَّمَا لِأَجْلِ الرِّشْوَةِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى. اهـ. ط (قَوْلُهُ بِمَالِ السَّاكِنِ) يَعْنِي وَكَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ: قَضَاءً وَدِيَانَةً) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ أَخَذَ ط (قَوْلُهُ: مَا مَنَافِعُهُ مَضْمُونَةٌ) أَيْ عَلَى الْغَاصِبِ ط (قَوْلُهُ أَوْ مُعَدٍّ) أَيْ لِلِاسْتِغْلَالِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْمُسَمَّى) يَعْنِي لِلْغَاصِبِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا بَعْدَهُ قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 407 لِتَأْوِيلِ الْعَقْدِ انْتَهَى فَلْيُحْفَظْ (يُفْتَى بِالضَّمَانِ فِي غَصْبِ عَقَارِ الْوَقْفِ وَغَصْبِ مَنَافِعِهِ) أَوْ إتْلَافِهَا كَمَا لَوْ سَكَنَ بِلَا إذْنٍ أَوْ أَسْكَنَهُ الْمُتَوَلِّي بِلَا أَجْرٍ كَانَ عَلَى السَّاكِنِ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَلَوْ غَيْرَ مُعَدٍّ لِلِاسْتِغْلَالِ بِهِ يُفْتَى صِيَانَةً لِلْوَقْفِ وَكَذَا مَنَافِعُ مَالِ الْيَتِيمِ دُرَرٌ (وَكَذَا) يُفْتَى (بِكُلِّ مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ فِيمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ) حَاوِي الْقُدْسِيِّ،   [رد المحتار] الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ الصَّوَابُ أَنَّ هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ، أَمَّا عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ فَعَلَى الْغَاصِبِ أَجْرُ الْمِثْلِ اهـ أَيْ إنْ كَانَ مَا قَبَضَهُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ أَجْرَ الْمِثْلِ أَوْ دُونَهُ، فَلَوْ أَكْثَرَ يَرُدُّ الزَّائِدَ أَيْضًا لِعَدَمِ طِيبِهِ لَهُ كَمَا حَرَّرَهُ الْحَمَوِيُّ وَتَبِعَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ. قُلْت: وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُفْتَى بِهِ، وَتَضْمِينُ مَنَافِعِ مَالِ الْوَقْفِ وَالْيَتِيمِ وَالْمُعَدِّ أَنَّ لَهُ تَضْمِينَ الْمُسْتَأْجِرِ أَيْضًا تَمَامُ أَجْرِ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ آجَرَهُ الْمُتَوَلِّي بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ كَمَا مَرَّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِتَأْوِيلِ الْعَقْدِ) لَيْسَ هَذَا فِي عِبَارَةِ الْأَشْبَاهِ ط (قَوْلُهُ: فِي غَصْبِ عَقَارِ الْوَقْفِ) بِأَنْ كَانَ أَرْضًا أَجْرَى عَلَيْهَا الْمَاءَ حَتَّى صَارَتْ لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ (قَوْلُهُ: وَغَصْبِ مَنَافِعِهِ) يَشْمَلُ مَا لَوْ عَطَّلَهُ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَوْ إتْلَافِهَا فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَطْفِ الْمُغَايَرَةُ، فَإِنَّ إتْلَافَهَا بِالِاسْتِعْمَالِ وَلِذَا قَالَ: كَمَا لَوْ سَكَنَ إلَخْ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا سَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ: لَا تُضْمَنُ مَنَافِعُ الْغَصْبِ اسْتَوْفَاهَا أَوْ عَطَّلَهَا إلَّا فِي ثَلَاثٍ، فَمُقْتَضَاهُ ضَمَانُهَا فِيهَا بِالِاسْتِيفَاءِ، أَوْ التَّعْطِيلِ فَقَوْلُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ هُنَاكَ وَيُنْظَرُ لَوْ عَطَّلَ الْمَنْفَعَةَ هَلْ يَضْمَنُ الْأُجْرَةَ كَمَا لَوْ سَكَنَ اهـ لَا مَحَلَّ لَهُ،. نَعَمْ وَقَعَ فِي الْخَصَّافِ لَوْ قَبَضَ الْمُسْتَأْجِرُ الْأَرْضَ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، وَلَمْ يَزْرَعْهَا لَا أَجْرَ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ الدَّارُ إذَا قَبَضَهَا وَلَمْ يَسْكُنْهَا اهـ لَكِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْإِسْعَافِ وَمُفَادُهُ لُزُومُ الْأُجْرَةِ بِالتَّمَكُّنِ فِي الْفَاسِدَةِ عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي أَوَائِلِ الْإِجَارَاتِ عَنْ الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ أَوْ أَسْكَنَهُ الْمُتَوَلِّي) أَيْ أَسْكَنَ فِيهِ غَيْرَهُ إلَّا إذَا كَانَ مَوْقُوفًا لِلسُّكْنَى وَانْحَصَرَتْ فِيهِ، فَإِنَّ لَهُ إعَارَتَهُ، وَلَوْ سَكَنَهُ الْمُتَوَلِّي بِنَفْسِهِ؛ وَلَمْ يَكُنْ لِلسُّكْنَى فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَلْ قَدَّمْنَاهُ عَنْ خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ أَنَّهُ لَوْ زَرَعَ الْوَقْفَ لِنَفْسِهِ يُخْرِجُهُ الْقَاضِي مِنْ يَدِهِ. مَطْلَبٌ سَكَنُ الْمُشْتَرِي دَارَ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: كَانَ عَلَى السَّاكِنِ أَجْرُ الْمِثْلِ) حَتَّى لَوْ بَاعَ الْمُتَوَلِّي دَارَ الْوَقْفِ فَسَكَنَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَبْطَلَ الْقَاضِي الْبَيْعَ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَتْحٌ وَبِهِ أَفْتَى الرَّمْلِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَمَا فِي الْإِسْمَاعِيلِيَّة مِنْ الْإِفْتَاءِ بِخِلَافِهِ تَبَعًا لِلْقُنْيَةِ فَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ، وَدَخَلَ مَا لَوْ كَانَ الْوَقْفُ مَسْجِدًا أَوْ مَدْرَسَةً سَكَنَ فِيهِ فَتَجِبُ فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ قَالَ وَأَفْتَى بِهِ الْجَدُّ وَالْعَمُّ وَالرَّمْلِيُّ وَالْمَقْدِسِيُّ وَكَذَا مَا لَوْ كَانَ بَعْضُهُ مِلْكًا وَسَكَنَهُ الشَّرِيكُ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الشَّرِكَةِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا مَنَافِعُ مَالِ الْيَتِيمِ) دَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ سَكَنَتْهُ أُمُّهُ مَعَ زَوْجِهَا فَيَلْزَمُ الزَّوْجَ الْأُجْرَةُ وَكَذَا شَرِيكُ الْيَتِيمِ كَمَا سَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَذَا مَا لَوْ شَرَاهَا أَحَدٌ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا لِيَتِيمٍ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ: فِيمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ) حَتَّى نَقَضُوا الْإِجَارَةَ عِنْدَ الزِّيَادَةِ الْفَاحِشَةِ نَظَرًا لِلْوَقْفِ، وَصِيَانَةً لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ أَيْضًا: أَيْ مَعَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ مُصَحَّحَيْنِ، وَكَذَا أَفْتَوْا بِالضَّمَانِ فِي غَصْبِ عَقَارِهِ، وَمَنَافِعِهِ مَعَ أَنَّ الْعَقَارَ لَا يُضْمَنُ بِالْغَضَبِ عِنْدَهُمَا بَلْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَكَذَا فِي مَسَائِلِ كَثِيرَةٍ مِنْهَا عَدَمُ اسْتِبْدَالِ مَا قَلَّ رَيْعُهُ وَكَذَا صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ وَعَدَمُ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً كَمَا مَرَّ وَالتَّتَبُّعُ يَنْفِي الْحَصْرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 408 وَمَتَى قَضَى بِالْقِيمَةِ شَرَى بِهَا عَقَارًا آخَرَ فَيَكُونُ وَقْفًا بَدَلَ الْأَوَّلِ (وَ) الَّذِي (تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ) حِسْبَةً (بِدُونِ الدَّعْوَى) أَرْبَعَةَ عَشَرَ: مِنْهَا الْوَقْفُ عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ لِأَنَّ حُكْمَهُ التَّصَدُّقُ بِالْغَلَّةِ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. بَقِيَ لَوْ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنِينَ هَلْ تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى فِي الْخَانِيَّةِ يَنْبَغِي، لَا اتِّفَاقًا وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشَّيْخِ حَسَنٍ وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إنْ هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى تُقْبَلُ وَإِلَّا لَا إلَّا بِالدَّعْوَى فَلْيُحْفَظْ قُلْت: لَكِنْ بَحَثَ فِيهِ ابْنُ الشِّحْنَةِ، وَوَافَقَ الْمُصَنِّفَ بِقَبُولِهَا مُطْلَقًا لِثُبُوتِ أَصْلِ الْوَقْفِ لِمَآلِهِ لِلْفُقَرَاءِ وَبِاشْتِرَاطِ الدَّعْوَى لِثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ كَانَ ثَمَّةَ مُسْتَحِقٌّ وَلَمْ يَدَّعِ لَمْ يُدْفَعْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْغَلَّةِ وَتُصْرَفُ كُلُّهَا لِلْفُقَرَاءِ.   [رد المحتار] فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَمَتَى قَضَى بِالْقِيمَةِ) أَيْ بِأَنْ غَصَبَ أَرْضًا وَأَجْرَى عَلَيْهَا الْمَاءَ، حَتَّى صَارَتْ بَحْرًا لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ إسْعَافٌ، وَقَدَّمْنَا عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ غَصَبَ وَقْفًا فَنَقَصَ فَمَا يُؤْخَذُ بِنَقْصِهِ يُصْرَفُ إلَى مَرَمَّتِهِ لَا إلَى أَهْلِ الْوَقْفِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّقَبَةِ، وَحَقُّهُمْ فِي الْغَلَّةِ لَا فِي الرَّقَبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَكُونُ وَقْفًا بَدَلَ الْأَوَّلِ) أَيْ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى تَلَفُّظٍ بِوَقْفِهِ كَمَا فِي مُعِينِ الْمُفْتِي وَغَيْرِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى ط (قَوْلُهُ: حِسْبَةً) الْحِسْبَةُ: بِالْكَسْرِ الْأَجْرُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ أَيْ لِقَصْدِ الْأَجْرِ، لَا لِإِجَابَةِ مُدَّعٍ أَفَادَهُ ط. مَطْلَبٌ الْمَوَاضِعُ الَّتِي تُقْبَلُ فِيهَا الشَّهَادَةِ حِسْبَةً بِلَا دَعْوَى (قَوْلُهُ: أَرْبَعَةَ عَشَرَ) وَهِيَ الْوَقْفُ، وَطَلَاقُ الزَّوْجَةِ، وَتَعْلِيقُ طَلَاقِهَا وَحُرِّيَّةُ الْأَمَةِ وَتَدْبِيرُهَا، وَالْخُلْعُ وَهِلَالُ رَمَضَانَ وَالنَّسَبُ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ خِلَافُهُ، وَحَدُّ الزِّنَا، وَحَدُّ الشُّرْبِ، وَالْإِيلَاءُ، وَالظِّهَارُ، وَحُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَدَعْوَى الْمَوْلَى نَسَبُ الْعَبْدِ اهـ قُلْت: وَيُزَادُ الشَّهَادَةُ بِالرَّضَاعِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ: مِنْهَا الْوَقْفُ) أَيْ الشَّهَادَةُ بِأَصْلِهِ لَا بِرَيْعِهِ أَشْبَاهٌ، وَأَمَّا الدَّعْوَى بِهِ أَوْ بِرَيْعِهِ فَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهَا وَيَأْتِي قَرِيبًا وَيَأْتِي بَيَانُ الْمُرَادِ بِأَصْلِهِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا التَّفْصِيلُ) أَيْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنِينَ فَلَا تُقْبَلُ وَبَيْنَ مَا إذَا قَامَتْ عَلَى أَنَّهُ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ لِلْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ فَتُقْبَلُ (قَوْلُهُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة) هُوَ عَيْنُ التَّفْصِيلِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: لَكِنْ بَحَثَ فِيهِ ابْن الشِّحْنَةِ إلَخْ) أَيْ بَحَثَ فِي الْإِطْلَاقِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ. اهـ. ح وَالْأَصْوَبُ إبْدَالُهُ بِابْنِ وَهْبَانَ، وَيَعُودُ الضَّمِيرُ إلَى التَّفْصِيلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ نَقْلًا عَنْ الْخَانِيَّةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِدُونِ الدَّعْوَى اهـ قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ: وَهَذَا التَّفْصِيلُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِأَنَّ الْوَقْفَ وَإِنْ كَانَ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَآخِرُهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لِجِهَةِ بِرٍّ لَا تَنْقَطِعُ كَالْفُقَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ فَالشَّهَادَةُ تُقْبَلُ إمَّا حَالًا أَوْ مَآلًا اهـ قَالَ: ابْنُ الشِّحْنَةِ: التَّفْصِيلُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إذَا قَامَتْ بِأَنَّ هَذَا وَقْفٌ يَسْتَحِقُّهُ قَوْمٌ بِأَعْيَانِهِمْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الدَّعْوَى لِثُبُوتِ اسْتِحْقَاقِهِمْ، وَتَنَاوُلِهِمْ وَإِنْ كَانَ آخِرُهُ مَا ذُكِرَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَامَتْ عَلَى أَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسْجِدِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ اهـ. قَالَ الْمُصَنِّفُ أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ ظَاهِرٌ جِدًّا وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ لَا يَنْتَهِضُ حُجَّةً عَلَيْهِ لِأَنَّ كَلَامَ ابْنِ وَهْبَانَ فِي أَنَّ ثُبُوتَ أَصْلِ الْوَقْفِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الدَّعْوَى مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ لَا يُدْفَعُ لَهُ شَيْءٌ، عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ دَعْوَاهُ وَكَلَامُ ابْنِ الشِّحْنَةِ فِي ثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ، وَلَا شَكَّ فِي تَوَقُّفِهِ عَلَى الدَّعْوَى. اهـ. قُلْت: لَكِنْ فِي الْحَادِيَةَ عَشَرَ مِنْ دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ: بَاعَ أَرْضًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ وَقَفَهَا أَوْ قَالَ: وَقْفٌ عَلَيَّ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ لَا يَحْلِفُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لِلتَّنَاقُضِ، وَإِنْ بَرْهَنَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 409 قُلْت: وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى اسْتَحَقَّ مَعَ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ مِنْهُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ إلَّا بِتَوْلِيَةٍ كَمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ. وَفِي الْأَشْبَاهِ لَنَا شَاهِدٌ حِسْبَةً فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَلَيْسَ لَنَا مُدَّعٍ حِسْبَةً إلَّا فِي دَعْوَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَصْلَ الْوَقْفِ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ عِنْدَ الْبَعْضِ وَالْمُفْتَى بِهِ لَا إلَّا التَّوْلِيَةَ فَإِذَا لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ فَالْأَجْنَبِيُّ أَوْلَى انْتَهَى وَقَدْ مَرَّ فَتَنَبَّهْ.   [رد المحتار] يُقْبَلُ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الدَّعْوَى فِي الْوَقْفِ كَمَا عِتْقِ الْأَمَةِ وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِطْلَاقَ غَيْرُ مَرَضِيٍّ فَإِنَّ الْوَقْفَ لَوْ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ وَإِنْ حَقَّ الْعَبْدِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الدَّعْوَى اهـ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْوَقْفَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إمَّا حَالًا أَوْ مَآلًا، وَهَذَا التَّصْحِيحُ لِلتَّفْصِيلِ الْمَارِّ عَنْ الْخَانِيَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ الْحَالُ لَا الْمَآلُ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ. قَوْلُهُ وَإِنْ حَقَّ الْعَبْدِ إلَخْ، وَهَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ وَهْبَانَ حَيْثُ جَعَلَ الْوَقْفَ كُلَّهُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ، وَمُؤَيِّدٌ لِمَا قَالَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ حَيْثُ اعْتَبَرَ فِيهِ الْحَالُ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ التَّحْقِيقُ أَنَّ الْوَقْفَ مِنْ حَيْثُ هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ تَصَدُّقٌ بِالْمَنْفَعَةِ، فَلَا تُشْتَرَطُ لَهُ الدَّعْوَى، لَكِنْ إذَا كَانَ أَوَّلُهُ عَلَى مُعَيَّنٍ وَأُرِيدَ إثْبَاتُ اسْتِحْقَاقِهِ اُشْتُرِطَ لَهُ الدَّعْوَى وَإِنْ ثَبَتَ أَصْلُ الْوَقْفِ بِدُونِهَا فَثَبَتَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ تَحْقِيقٌ وَتَلْفِيقٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَتَوْفِيقٌ بِنَظَرٍ دَقِيقٍ، لَكِنْ لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْبَائِعُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ اسْتِحْقَاقِهِ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ وَتَبْقَى الْبَيِّنَةُ مَسْمُوعَةً لِإِثْبَاتِ أَصْلِ الْوَقْفِ وَيَأْتِي لَهُ زِيَادَةُ بَيَانٍ عِنْدَ قَوْلِهِ بَاعَ دَارًا (قَوْلُهُ: إلَّا بِتَوْلِيَةٍ) أَيْ أَوْ بِإِذْنِ قَاضٍ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ لَكِنْ فِيهِ أَنَّ مَا مَرَّ فِي دَعْوَى عَيْنِ الْوَقْفِ لَوْ غَصَبَهُ غَاصِبٌ، أَمَّا دَعْوَى الْمُسْتَحِقِّ اسْتِحْقَاقَهُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ فَلَا شُبْهَةَ فِي صِحَّتِهَا وَلَا تَحْتَاجُ إلَى التَّدَبُّرِ أَفَادَهُ ح. قُلْت: قَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِأَنَّ مُسْتَحِقَّ غَلَّةِ الْوَقْفِ لَا يَمْلِكُ الدَّعْوَى بِهَا، وَهُوَ مُشْكِلٌ يَحْتَاجُ إلَى التَّدْبِيرِ وَقَدَّمْنَا بَيَانَهُ، وَقَوْلُهُ فَلَا شُبْهَةَ إلَخْ مُؤَيِّدٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: لَنَا شَاهِدٌ حِسْبَةً فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ) هَذَا مُكَرَّرٌ بِمَا تَقَدَّمَ، فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا بَعْدَهُ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَنَا مُدَّعٍ حِسْبَةً) بِتَنْوِينِ مُدَّعٍ وَنَصْبِ حِسْبَةٍ عَلَى التَّمْيِيزِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُدَّعِي بِالْيَاءِ فَهُوَ مُضَافٌ وَحِسْبَةٌ مَجْرُورٌ بِهِ (قَوْلُهُ: وَالْمُفْتَى بِهِ لَا) أَيْ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ فَلَا يَحْلِفُ الْخَصْمُ لَوْ أَنْكَرَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ لَكِنْ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً تُقْبَلُ بِطَرِيقِ الْحِسْبَةِ كَمَا عَلِمْت تَحْرِيرَهُ. (قَوْلُهُ: فَالْأَجْنَبِيُّ أَوْلَى) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ عَقِبَ هَذَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ مِنْ غَيْرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا اهـ أَيْ لِأَنَّ الْخِلَافَ مَذْكُورٌ فِي دَعْوَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ هَلْ تُسْمَعُ أَمْ لَا وَالْمُفْتَى بِهِ لَا فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ اتِّفَاقًا اهـ لَكِنْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ: بَلْ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ كَوْنُ الْمَحَلِّ قَابِلًا لِدَعْوَى الْحِسْبَةِ أَمْ لَا فَمَنْ قَالَ بِأَنَّهُ قَابِلٌ جَوَّزَ ذَلِكَ مِنْ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. وَحِينَئِذٍ يَتَّجِهُ مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ فَإِذَا كَانَتْ الدَّعْوَى لِإِثْبَاتِ عَيْنِ الْوَقْفِ يَكُونُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَتُسْمَعُ فِيهِ الدَّعْوَى حِسْبَةً مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ إلَّا إذَا بَاعَ الْوَقْفَ ثُمَّ ادَّعَى فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَأَمَّا الْبَيِّنَةُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا إلَّا إذَا كَانَتْ لِإِثْبَاتِ غَلَّةِ الْوَقْفِ فَلَا تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ شَاهِدَ الْحِسْبَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَدَّعِيَ مَا يَشْهَدُ بِهِ إنْ لَمْ يُوجَدْ مُدَّعٍ غَيْرُهُ وَعَلَى هَذَا فَكُلُّ مَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ حِسْبَةً يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تُقْبَلُ فِيهِ الدَّعْوَى حِسْبَةً، وَهَذَا يُنَافِي مَا مَرَّ عَنْ الْأَشْبَاهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُدَّعِيًا أَوْ أَنَّ مُدَّعِيَ الْحِسْبَةِ لَا يَحْلِفُ لَهُ الْخَصْمُ عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الشَّهَادَةِ فَلِذَا نَفَاهُ فَلْيَتَأَمَّلْ وَفِي الْفُصُولَيْنِ وَفِي عِتْقِ الْأَمَةِ وَالطَّلَاقِ قِيلَ يَحْلِفُ وَقِيلَ لَا. [تَنْبِيهٌ] شَاهِدُ الْحِسْبَةِ إذَا أَخَّرَهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ لَا تُقْبَلُ لِفِسْقِهِ أَشْبَاهٌ عَنْ الْقُنْيَةِ وَقَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي رِسَالَتِهِ الْمُؤَلَّفَةِ فِيمَا تُسْمَعُ فِيهِ الشَّهَادَةُ حِسْبَةً وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الشَّاهِدَ فِي الْوَقْفِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَقَدْ مَرَّ) أَيْ عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لَوْ غُصِبَ مِنْهُ الْوَقْفُ إلَّا بِتَوْلِيَةٍ مَعَ زِيَادَةِ قَوْلِهِ وَلَوْ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الدَّعْوَى عَلَى الْغَاصِبِ دَعْوَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 410 (وَيُشْتَرَطُ) فِي دَعْوَى الْوَقْفِ (بَيَانُ الْوَقْفِ) وَلَوْ الْوَقْفُ قَدِيمًا (فِي الصَّحِيحِ) بَزَّازِيَّةٌ لِئَلَّا يَكُونَ إثْبَاتًا لِلْمَجْهُولِ وَفِي الْعِمَادِيَّةِ تُقْبَلُ (وَ) تُقْبَلُ فِيهِ (الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَالشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ) لِإِثْبَاتِ أَصْلِهِ وَإِنْ صَرَّحُوا بِهِ أَيْ بِالسَّمَاعِ، فِي الْمُخْتَارِ وَلَوْ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنِينَ حِفْظًا لِلْأَوْقَافِ الْقَدِيمَةِ عَنْ الِاسْتِهْلَاكِ   [رد المحتار] أَصْلِ الْوَقْفِ أَيْ لَا دَعْوَى الْغَلَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَكُونَ إثْبَاتًا لِلْمَجْهُولِ) هَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ إنَّ الْوَقْفَ حَبْسُ أَصْلِ الْمِلْكِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ ط (قَوْلُهُ: وَفِي الْعِمَادِيَّةِ تُقْبَلُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الْوَاقِفِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُ بَلْخٍ كَأَبِي جَعْفَرٍ وَغَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْخَصَّافُ، وَمُقْتَضَى كَوْنِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الْوَقْفِ أَنَّهُ يُفْتَى بِقَوْلِهِ هُنَا أَفَادَهُ فِي الْمِنَحِ ط. وَفِي الْخَيْرِيَّةِ وَقْفٌ قَدِيمٌ مَشْهُورٌ لَا يُعْرَفُ وَاقِفُهُ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ ظَالِمٌ فَادَّعَى الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى كَذَا مَشْهُورٍ وَشَهِدَا بِذَلِكَ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجُوزُ اهـ وَعَزَاهُ إلَى جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَفِي الْإِسْعَافِ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَتَصِحُّ دَعْوَى الْوَقْفِ وَالشَّهَادَةُ بِهِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الْوَاقِفِ. مَطْلَبٌ فِي دَعْوَى الْوَقْفِ بِلَا بَيَانِ الْوَاقِفِ وَبِلَا بَيَانِ أَنَّهُ وَقْفٌ وَهُوَ يَمْلِكُهُ [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي الْإِسْعَافِ لَوْ ادَّعَى أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ وَقَفَهَا فُلَانٌ عَلَيَّ وَذُو الْيَدِ يَجْحَدُ وَيَقُولُ هِيَ مِلْكِي لَا يَصِحُّ وَإِنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ يَوْمَ وَقَفَهَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَقِفُ مَا لَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ بِيَدِهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ اهـ مُلَخَّصًا. وَمُفَادُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ بَعْدَ بَيَانِ الْوَاقِفِ بَيَانُ أَنَّهُ وَقَفَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي نَحْوِ هَذِهِ الدَّعْوَى، وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَنَّهُ وَقَفَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهُ أَوْ بَعْدَ مَا بَاعَهُ أَمَّا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَنَّ فُلَانًا وَقَفَهُ أَوْ لَا أَوْ كَانَ وَقْفًا قَدِيمًا مَشْهُورًا فَبَاعَهُ أَحَدٌ أَوْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ ظَالِمٌ، فَهَذَا شَرْطٌ لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ لَا لِلْحُكْمِ بِنَفْسِ الْوَقْفِ، فَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ سُئِلَ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِوَقْفٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ ثُبُوتُ مِلْكِ الْوَاقِفِ أَوْ الْبَائِعِ أَوْ الْمُؤَجِّرِ وَحِيَازَتُهُ أَمْ لَا، أَجَابَ: إنَّمَا يُحْكَمُ بِالصِّحَّةِ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا وَقَفَهُ أَوْ أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْإِيجَارِ أَوْ الْبَيْعِ لِمَا بَاعَهُ بِمِلْكٍ أَوْ نِيَابَةٍ وَكَذَا فِي الْوَقْفِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يُحْكَمُ بِالصِّحَّةِ بَلْ بِنَفْسِ الْوَقْفِ وَالْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ اهـ (قَوْلُهُ لِإِثْبَاتِ أَصْلِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالشَّهَادَةِ بِالشُّهْرَةِ فَقَطْ ح وَفِي الْمِنَحِ كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ أَصْلِهِ وَمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ الشَّرَائِطِ. مَطْلَبٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَقْفِ بِالتَّسَامُعِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ صَرَّحُوا بِهِ) بِأَنْ قَالُوا عِنْدَ الْقَاضِي نَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ دُرَرٌ وَفِي شَهَادَاتِ الْخَيْرِيَّةِ الشَّهَادَةُ عَلَى الْوَقْفِ بِالسَّمَاعِ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ أَشْهَدُ بِهِ لِأَنِّي سَمِعْته مِنْ النَّاسِ أَوْ بِسَبَبِ أَنِّي سَمِعْته مِنْ النَّاسِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ بِالسَّمَاعِ) أَشَارَ بِهِ إلَى تَأْوِيلِ الشُّهْرَةِ بِالسَّمَاعِ فَسَاغَ تَذْكِيرُ الضَّمِيرِ فَأَفَادَ أَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ ط وَفِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي: الشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ أَنْ يَدَّعِيَ الْمُتَوَلِّي أَنَّ هَذِهِ الضَّيْعَةَ وَقْفٌ عَلَى كَذَا مَشْهُورٌ وَيَشْهَدُ الشُّهُودُ بِذَلِكَ وَالشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ: أَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَآلَ وَاحِدٌ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَادَّةُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: فِي الْمُخْتَارِ إلَخْ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُتُونِ مِنْ الشَّهَادَاتِ فَفِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ: وَلَا يَشْهَدُ بِمَا لَمْ يُعَايِنْ إلَّا النَّسَبَ وَالْمَوْتَ وَالنِّكَاحَ وَالدُّخُولَ وَوِلَايَةَ الْقَاضِي وَأَصْلُهُ الْوَقْفُ، فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا إذَا أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ يَثِقُ بِهِ وَمَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ سِوَى الرَّقِيقِ لَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 411 بِخِلَافِ غَيْرِهِ (لَا) تُقْبَلُ بِالشُّهْرَةِ (لِ) لِإِثْبَاتِ (شَرَائِطِهِ فِي الْأَصَحِّ) دُرَرٌ وَغَيْرُهَا لَكِنْ فِي الْمُجْتَبَى الْمُخْتَارُ قَبُولُهَا عَلَى شَرَائِطِهِ أَيْضًا وَاعْتَمَدَهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَأَقَرَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَقَوَّاهُ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِمْ يُسْلَكُ بِمُنْقَطِعِ الثُّبُوتِ الْمَجْهُولَةِ شَرَائِطُهُ وَمَصَارِفُهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي دَوَاوِينِ الْقُضَاةِ انْتَهَى وَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ   [رد المحتار] لَهُ وَإِنْ فَسَّرَ أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ أَوْ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ لَا تُقْبَلُ. قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَإِنْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ فِي مَوْضِعِ يَجُوزُ بِالتَّسَامُعِ، أَوْ فَسَّرَ أَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالْمِلْكِ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ يَعْنِي بِرُؤْيَتِهِ فِي يَدِهِ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَزِيدُ عِلْمًا بِذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ إلَخْ، وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ مَبْسُوطًا. وَفِي شَهَادَاتِ الْخَيْرِيَّةِ: الشَّهَادَةُ عَلَى الْوَقْفِ بِالسَّمَاعِ فِيهَا خِلَافٌ وَالْمُتُونُ قَاطِبَةً قَدْ أَطْلَقَتْ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ إذَا فَسَّرَ أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالسَّمَاعِ لَا تُقْبَلُ، وَبِهِ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا اهـ وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ أَفَنْدِي مُفْتِي الرُّومِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ مَجْمُوعَةِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا مُنْلَا عَلِيٍّ التُّرْكُمَانِيِّ. قُلْت: لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُفْتَى بِكُلِّ مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ فِيمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ كَمَا أَشَارَ إلَى وَجْهِهِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ بِقَوْلِهِ حِفْظًا لِلْأَوْقَافِ الْقَدِيمَةِ إلَخْ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ أَنَّهُ تُقْبَلُ وَإِنْ صَرَّحَا بِالتَّسَامُعِ لِأَنَّ الشَّاهِدَ رُبَّمَا يَكُونُ سِنُّهُ عِشْرِينَ سَنَةً وَتَارِيخُ الْوَقْفِ مِائَةُ سَنَةٍ، فَيَتَيَقَّنُ الْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ لَا بِالْعِيَانِ فَإِذًا لَا فَرْقَ بَيْنَ السُّكُوتِ وَالْإِفْصَاحِ أَشَارَ إلَيْهِ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا تَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ فَإِنَّهَا إذَا صَرَّحَا بِهِ لَا نَقْبَلُ اهـ أَيْ بِخِلَافِ غَيْرِ الْوَقْفِ مِنْ الْخَمْسَةِ الْمَارَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ فِيهَا بِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّسَامُعِ فَيُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ السُّكُوتِ وَالْإِفْصَاحِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَشَايِخَ رَجَّحُوا اسْتِثْنَاءَ الْوَقْفِ مِنْهَا لِلضَّرُورَةِ: وَهِيَ حِفْظُ الْأَوْقَافِ الْقَدِيمَةِ عَنْ الضَّيَاعِ وَلِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالتَّسَامُعِ فِيهِ لَا يَزِيدُ عَلَى الْإِفْصَاحِ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: لِإِثْبَاتِ شَرَائِطِهِ) الْمُرَادُ مِنْ الشَّرَائِطِ أَنْ يَقُولُوا إنَّ قَدْرًا مِنْ الْغَلَّةِ لِكَذَا ثُمَّ يُصْرَفُ الْفَاضِلُ إلَى كَذَا بَعْدَ بَيَانِ الْجِهَةِ بَحْرٌ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَقَوْلُهُ: بَعْدَ بَيَانِ الْجِهَةِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَنْ يَقُولُوا لِأَنَّ بَيَانَ الْجِهَةِ هُوَ بَيَانُ الْمَصْرِفِ وَيَأْتِي أَنَّهُ مِنْ الْأَصْلِ لَا مِنْ الشَّرَائِطِ، فَالْمُرَادُ مِنْ الشَّرَائِطِ مَا يَشْتَرِطُهُ الْوَاقِفُ فِي كِتَابِ وَقْفِهِ لَا الشَّرَائِطُ الَّتِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا صِحَّةُ الْوَقْفِ كَالْمِلْكِ وَالْإِفْرَازِ وَالتَّسْلِيمِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى هِنْدِيَّةٌ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ ط (قَوْلُهُ: وَأَقَرَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ) وَعَزَاهُ إلَى الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْوَقْفِ الْقَدِيمِ الْمَجْهُولَةِ شَرَائِطُهُ وَمَصَارِفُهُ (قَوْلُهُ: وَقَوَّاهُ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِمْ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَأَنْتَ إذَا عَرَفْت قَوْلَهُمْ ذَلِكَ لَمْ تَتَوَقَّفْ عَنْ تَحْسِينِ مَا فِي الْمُجْتَبَى لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَعْنَى الثُّبُوتِ بِالتَّسَامُعِ اهـ أَيْ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّسَامُعِ هِيَ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا لَمْ يُعَايِنْهُ وَالْعَمَلُ بِمَا فِي دَوَاوِينِ الْقُضَاةِ عَمَلٌ بِمَا لَمْ يُعَايِنْ، وَأَيْضًا قَوْلُهُمْ الْمَجْهُولَةُ شَرَائِطُهُ وَمَصَارِفُهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَا لَمْ يُجْهَلْ مِنْهَا يُعْمَلُ بِمَا عُلِمَ مِنْهَا، وَذَلِكَ الْعِلْمُ قَدْ لَا يَكُونُ بِمُشَاهَدَةِ الْوَاقِفِ بَلْ بِالتَّصَرُّفِ الْقَدِيمِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ وَقْفٍ مَشْهُورٍ اشْتَبَهَتْ مَصَارِفُهُ وَقَدْرُ مَا يُصْرَفُ إلَى مُسْتَحَقِّيهِ قَالَ: يُنْظَرُ إلَى الْمَعْهُودِ مِنْ حَالِهِ فِيمَ سَبَقَ مِنْ الزَّمَانِ مِنْ أَنَّ قِوَامَهُ كَيْفَ يَعْمَلُونَ فِيهِ وَإِلَى مَنْ يَصْرِفُونَهُ، فَيُبْنَى عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 412 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ عَلَى مُوَافَقَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَهُوَ الْمَظْنُونُ بِحَالِ الْمُسْلِمِينَ فَيُعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ اهـ فَهَذَا عَيْنُ الثُّبُوتِ بِالتَّسَامُعِ وَفِي الْخَيْرِيَّةِ إنْ كَانَ لِلْوَقْفِ كِتَابٌ فِي دِيوَانِ الْقُضَاةِ الْمُسَمَّى فِي عُرْفِنَا بِالسِّجِلِّ، وَهُوَ فِي أَيْدِيهِمْ اُتُّبِعَ مَا فِيهِ اسْتِحْسَانًا إذَا تَنَازَعَ أَهْلُهُ فِيهِ وَإِلَّا يُنْظَرُ إلَى الْمَعْهُودِ مِنْ حَالِهِ فِيمَا سَبَقَ مِنْ الزَّمَانِ مِنْ أَنَّ قُوَّامَهُ كَيْفَ كَانُوا يَعْمَلُونَ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الْحَالُ فِيمَا سَبَقَ رَجَعْنَا إلَى الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَثْبَتَ بِالْبُرْهَانِ حَقًّا حُكِمَ لَهُ بِهِ اهـ لَكِنْ قَوْلُهُمْ الْمَجْهُولَةُ شَرَائِطُهُ إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ عُلِمَتْ وَلَوْ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَعْهُودِ مِنْ حَالِهِ فِيمَا سَبَقَ مِنْ تَصَرُّفِ الْقُوَّامِ لَا يُرْجَعُ إلَى مَا فِي سِجِلِّ الْقُضَاةِ وَهَذَا عَكْسُ مَا فِي الْخَيْرِيَّةِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ. مَطْلَبٌ أَحْضَرَ صَكًّا فِيهِ خُطُوطُ الْعُدُولِ وَالْقُضَاةِ لَا يُقْضَى بِهِ [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْإِسْعَافِ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ فِي يَدِهِ ضَيْعَةٌ أَنَّهَا وَقْفٌ وَأَحْضَرَ صَكًّا فِيهِ خُطُوطُ الْعُدُولِ وَالْقُضَاةِ الْمَاضِينَ وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي الْقَضَاءَ بِذَلِكَ الصَّكِّ قَالُوا لَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَقْضِي بِالْحُجَّةِ وَالْحُجَّةُ إنَّمَا هِيَ الْبَيِّنَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ، أَمَّا الصَّكُّ فَلَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَى بَابِ الدَّارِ لَوْحٌ مَضْرُوبٌ يَنْطِقُ بِالْوَقْفِ، لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ مَا لَمْ تَشْهَدْ الشُّهُودُ. اهـ. قُلْت: وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يُنَافِي مَا هُنَا مِنْ الْعَمَلِ بِمَا فِي دَوَاوِينِ الْقُضَاةِ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْعَمَلَ بِمَا فِيهَا اسْتِحْسَانٌ كَمَا فِي الْإِسْعَافِ وَغَيْرِهِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّكِّ وُجُودٌ فِي سِجِلِّ الْقُضَاةِ أَمَّا لَوْ وُجِدَ فِيهِ، فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ كَمَا فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ وَمِثْلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ الْخَيْرِيَّةِ إنْ كَانَ لِلْوَاقِفِ كِتَابٌ إلَخْ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ كِتَابٌ مُوَافِقٌ لِمَا فِي سِجِلِّ الْقُضَاةِ يَزْدَادُ بِهِ قُوَّةً وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْكِتَابُ عَلَيْهِ خُطُوطُ الْقُضَاةِ الْمَاضِينَ. مَطْلَبٌ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى الْخَطِّ إلَّا فِي مَسَائِلَ فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْأَشْبَاهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْقَضَاءِ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى الْخَطِّ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ إلَّا فِي كِتَابِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِطَلَبِ الْأَمَانِ إلَى الْإِمَامِ، وَفِي دَفْتَرِ السِّمْسَارِ وَالصَّرَّافِ وَالْبَيَّاعِ يُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْضًا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَمَا أَفَادَهُ الْبِيرِيُّ فَتَصِيرُ الْمَسَائِلُ الْمُسْتَثْنَاةُ ثَلَاثًا وَتَمَامُ بَيَانِهَا فِي كِتَابِنَا تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى فَرَاجِعْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. مَطْلَبٌ فِي الْبَرَاءَاتِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالدَّفَاتِرِ الْخَاقَانِيَّةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَلْحَقَ بِكِتَابِ أَهْلِ الْحَرْبِ الْبَرَاءَاتُ السُّلْطَانِيَّةُ بِالْوَظَائِفِ إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ أَنَّهُ لَا يُزَوَّرُ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ: وَالظَّاهِرُ هَذَا وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي الزَّكَاةِ إذَا قَالَ أَعْطَيْتهَا وَأَظْهَرَ الْبَرَاءَةَ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ وَعَلَّلَ بِأَنَّ الِاحْتِيَالَ فِي الْخَطِّ نَادِرٌ كَمَا فِي الْمُصَفَّى. اهـ. قُلْت: وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي رِسَالَةٍ عَمِلَهَا فِي الدَّفْتَرِ الْخَاقَانِيِّ الْمُعَنْوَنِ بِالطُّرَّةِ السُّلْطَانِيَّةِ الْمَأْمُونَةِ مِنْ التَّزْوِيرِ إلَى أَنْ قَالَ: فَلَوْ وَجَدَ فِي الدَّفَاتِرِ أَنَّ الْمَكَانَ الْفُلَانِيَّ وَقْفٌ عَلَى الْمَدْرَسَةِ الْفُلَانِيَّةِ مَثَلًا يَعْمَلُ بِهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 413 وَالْمُدَّعَى أَعَمُّ بَحْرٌ (وَبَيَانُ الْمَصْرِفِ) كَقَوْلِهِمْ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا (مِنْ أَصْلِهِ) لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ فَتُقْبَلُ بِالتَّسَامُعِ (وَبَعْضِ مُسْتَحِقِّيهِ) وَكَذَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ. قُلْت: وَكَذَا لَوْ ثَبَتَ إعْسَارُهُ فِي وَجْهِ أَحَدِ الْغُرَمَاءِ   [رد المحتار] قَالَ وَبِذَلِكَ يُفْتِي مَشَايِخُ الْإِسْلَامِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي بَهْجَةِ عَبْدِ اللَّهِ أَفَنْدِي وَغَيْرِهَا اهـ لَكِنْ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْوَقْفُ بِمُجَرَّدِ وُجُودِهِ فِي الدَّفْتَرِ السُّلْطَانِيِّ لِعَدَمِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْخَطِّ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْمُدَّعَى أَعَمُّ) أَيْ مِنْ كَوْنِهِ لِلضَّرُورَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي جَهْلِ الشَّرَائِطِ كَمَا عَلِمْت إذْ عِنْدَ عِلْمِهَا لَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهَا فَالْكَلَامُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لَا أَعَمُّ فَكَلَامُ الْكَمَالِ أَتَمُّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَبَيَانُ الْمَصْرِفِ مِنْ أَصْلِهِ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَيْ فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْمَصْرِفِ بِالتَّسَامُعِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِأَصْلِهِ كُلُّ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الشَّرَائِطِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَكَوْنُهُ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا، تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ صَرْفِ غَلَّتِهِ لِزَيْدٍ أَوْ لِلذُّرِّيَّةِ فَهُوَ مِنْ الشَّرَائِطِ لَا مِنْ الْأَصْلِ، وَلَعَلَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِاشْتِرَاطِ التَّصْرِيحِ فِي الْوَقْفِ بِذِكْرِ جِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ وَتَقَدَّمَ تَرْجِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّصْرِيحِ بِهِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ لَازِمٍ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَ فِي الشَّهَادَةِ بِالْأَوْلَى، لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الصِّحَّةِ عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا فِي الْإِسْعَافِ وَالْخَانِيَّةِ لَا يَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّرَائِطِ وَالْجِهَاتِ بِالتَّسَامُعِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجِهَاتِ هِيَ بَيَانُ الْمَصَارِفِ، فَقَدْ سَاوَى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشَّرَائِطِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا الْجِهَاتُ الَّتِي لَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَيْهَا. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَعَنْ أَبِي اللَّيْثِ: تَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِي الْوَقْفِ بِالِاسْتِفَاضَةِ مِنْ غَيْرِ الدَّعْوَى وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالْوَقْفِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنُوا وَجْهًا وَيَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ اهـ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ ذَكَرُوا الْوَاقِفَ لَا الْمَصْرِفَ تُقْبَلُ لَوْ قَدِيمًا وَيُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ اهـ وَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا مِنْ عَدَمِ لُزُومِهِ فِي الشَّهَادَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ بَيَانُ الْمَصْرِفِ مِنْ أَصْلِهِ فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ كَمَا سَمِعْت نَقْلَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْإِسْعَافِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ الْمَصْرِفُ جِهَةَ مَسْجِدٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، أَمَّا لَوْ كَانَ لِلْفُقَرَاءِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ بِالتَّسَامُعِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى مُجَرَّدِ الْوَقْفِ، فَإِذَا ثَبَتَ الْوَقْفُ بِالتَّسَامُعِ يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ بِدُونِ ذِكْرِهِمْ كَمَا عُلِمَ مِنْ عِبَارَةِ التَّتَارْخَانِيَّة وَالْفُصُولَيْنِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَقَدْ ذَكَرَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ تَوْفِيقًا آخَرَ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَبَيْنَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْإِسْعَافِ وَالْخَانِيَّةِ بِحَمْلِ جَوَازِ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ ثَابِتًا عَلَى جِهَةٍ بِأَنْ اُدُّعِيَ عَلَى ذِي يَدٍ يَتَصَرَّفُ بِالْمِلْكِ بِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى جِهَةِ كَذَا، فَشَهِدُوا بِالسَّمَاعِ. وَحَمَلَ عَدَمَ الْجَوَازِ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَصْلُهُ ثَابِتًا عَلَى جِهَةٍ فَادُّعِيَ جِهَةٌ غَيْرُهَا، وَشَهِدُوا عَلَيْهَا بِالسَّمَاعِ لِلضَّرُورَةِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي لِأَنَّ أَصْلَ جَوَازِ الشَّهَادَةِ فِيهِ بِالسَّمَاعِ لِلضَّرُورَةِ وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ وَجَازَتْ إذْ قَدَّمَ قَالَ وَقَدْ رَأَيْت شَيْخَنَا الْحَانُوتِيَّ أَجَابَ بِذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا. مَطْلَبٌ فِيمَنْ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَبَعْضُ مُسْتَحَقِّيهِ) مُبْتَدَأٌ أَوْ مُضَافٌ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْكُلِّ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ وَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَكَذَا بَعْضُ نُظَّارِ الْوَقْفِ لِمَا فِي الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَقَفَ أَرْضَهُ عَلَى قَرَابَتِهِ، فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَالْوَاقِفُ حَيٌّ فَهُوَ خَصْمُهُ وَإِلَّا فَالْقَيِّمُ وَلَوْ مُتَعَدِّدًا وَإِنْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ جَازَ وَلَا يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمْ، وَلَا يَكُونُ خَصْمًا وَارِثُ الْمَيِّتِ، وَلَا أَحَدُ أَرْبَابِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ) أَيْ يَقُومُ مَقَامَ جَمِيعِهِمْ فِيمَا لِلْمَيِّتِ أَوْ عَلَيْهِ وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: قُلْت إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ ثَبَتَ إعْسَارُهُ فِي وَجْهِ أَحَدِ الْغُرَمَاءِ) فَإِنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 414 كَمَا سَيَجِيءُ فَتَأَمَّلْ وَقَالُوا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْإِفْلَاسِ لِغَيْبَةِ الْمُدَّعِي وَكَذَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ الْمُتَسَاوِينَ يَثْبُتُ الِاعْتِرَاضُ لِكُلٍّ كَمَلًا وَكَذَا الْأَمَانُ وَالْقَوَدُ وَوِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ بِإِزَالَةِ الضَّرَرِ الْعَامِّ عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَالتَّتَبُّعُ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحَصْرِ   [رد المحتار] يَنْصِبُ خَصْمًا عَنْ بَقِيَّتِهِمْ فَلَا يُحْبَسُ لَهُمْ ط (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَجِيءُ) لَمْ أَرَهُ فِي فَصْلِ الْحَبْسِ مِنْ كِتَابِ الْقُضَاةِ وَلَا فِي كِتَابِ الْحَجْرِ فَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ فِي غَيْرِهِمَا فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَقَالُوا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْإِفْلَاسِ بِغَيْبَةِ الْمُدَّعِي) هَذَا تَأْيِيدٌ لِقَبُولِهَا فِي وَجْهِ أَحَدِ الْغُرَمَاءِ لَا بَيَانٌ لِمَوْضِعٍ آخَرَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا مَحَلَّ لِذِكْرِهِ هُنَا لِعَدَمِ انْتِصَابِ أَحَدٍ عَنْ أَحَدٍ فِيهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَكَذَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ الْمُتَسَاوِينَ) كَذَا خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَبَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَجُمْلَةُ يَثْبُتُ إلَخْ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ يَعْنِي أَنَّ رِضَا بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ الْمُتَسَاوِينَ بِنِكَاحِ غَيْرِ الْكُفْءِ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ كَرِضَا الْكُلِّ لِأَنَّ حَقَّ الِاعْتِرَاضِ ثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ كَمَلًا. وَهَذَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوَلِيِّ. اهـ. ح أَيْ أَنَّ تَزْوِيجَهَا نَفْسَهَا لِغَيْرِ كُفْءٍ بَاطِلٌ إذَا كَانَ لَهَا وَلِيٌّ لَمْ يَرْضَ بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَلَا يُفِيدُ رِضًا بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ فَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، ثُمَّ حَيْثُ ثَبَتَ الْحَقُّ لِكُلٍّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ كَمَلًا فَإِذَا رَضِيَ أَحَدُهُمْ فَكَأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ غَيْرِهِ فِي الرِّضَا حَتَّى لَا يَثْبُتَ لِغَيْرِهِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ وَلَوْ قَالَ يَثْبُتُ الِاعْتِرَاضُ وَكَذَا الْإِنْكَاحُ فِي الصَّغِيرِ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْأَمَانُ) يَعْنِي أَمَانَ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِحَرْبِيٍّ كَأَمَانِ جَمِيعِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي السِّيَرِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَالْقَوَدُ) يَعْنِي إذَا عَفَا وَاحِدٌ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ سَقَطَ الْقَوَدُ كَمَا إذَا عَفَا جَمِيعُهُمْ. اهـ. ح. قُلْت: وَكَذَا اسْتِيفَاءُ الْقَوَدِ فَسَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ أَنَّ لِلْكِبَارِ الْقَوَدَ قَبْلَ الصِّغَارِ خِلَافًا لَهُمَا وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَتَجَزَّأُ إذَا وُجِدَ سَبَبُهُ كَامِلًا، يَثْبُتُ لِكُلٍّ عَلَى الْكَمَالِ كَوِلَايَةِ إنْكَاحٍ، وَأَمَانٍ إلَّا إذَا كَانَ الْكَبِيرُ أَجْنَبِيًّا عَنْ الصَّغِيرِ فَلَا يَمْلِكُ الْقَوَدَ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ إجْمَاعًا زَيْلَعِيٌّ وَذَلِكَ كَابْنٍ لِلْمُتَوَفَّى صَغِيرٍ وَامْرَأَتِهِ وَهِيَ غَيْرُ أُمِّ الصَّغِيرِ اهـ ط (قَوْلُهُ: وَوِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ إلَخْ) قَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ بَابِ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ مِنْ نَحْوِ الْكَنِيفِ وَالْمِيزَابِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْخُصُومَةِ وَلَوْ ذِمِّيًّا مَنْعُهُ ابْتِدَاءً وَمُطَالَبَتُهُ بِنَقْضِهِ وَرَفْعِهِ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْبِنَاءِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ لَا إذَا بَنَى لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُطَالِبِ مِثْلُهُ اهـ فَقَوْلُهُ بِإِزَالَةِ الضَّرَرِ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ يَقُومُ أَحَدُ مَنْ لَهُ الْخُصُومَةُ بِالْمُطَالَبَةِ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ. اهـ. ط (قَوْلُهُ: وَالتَّتَبُّعُ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحَصْرِ) يَعْنِي أَنَّهُ زَادَ مَا ذَكَرَ وَلَمْ يَحْصُرْ الْمَوَاضِعَ بِعَدَدٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّتَبُّعُ لِلزِّيَادَةِ عَلَيْهَا خِلَافًا لِمَا فَعَلَهُ فِي الْأَشْبَاهِ، وَقَدْ زَادَ الْبِيرِيُّ مَسْأَلَةً وَهِيَ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَوْ قَالَ سَالِمٌ وَبُزَيْغٌ وَمَيْمُونٌ أَحْرَارٌ وَأَقَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ جَاءَ غَيْرُهُ لَا يُعِيدُ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ وَاحِدٌ. اهـ. قُلْت: وَيُزَادُ أَيْضًا مَا فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَرْهَنَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ بَاعَهُ، وَفُلَانًا الْغَائِبَ قِنًّا بِكَذَا يَقْضِي عَلَى الْحَاضِرِ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ، لَا عَلَى الْغَائِبِ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ وَيُعِيدَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ قَدْ ضَمِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا عَلَى الْآخَرِ مِنْ الثَّمَنِ جَازَ وَيَقْضِي عَلَيْهِمَا فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْغَائِبِ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَى غَائِبٍ، وَلَا لَهُ إلَّا فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ مَا يُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا لِمَا يُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ كَمَا إذَا بَرْهَنَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 415 ثُمَّ إنَّمَا يَنْتَصِبُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْكُلِّ لَوْ فِي دَعْوَى دَيْنٍ لَا عَيْنٍ مَا لَمْ تَكُنْ بِيَدِهِ فَلْيُحْفَظْ (يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْكُلِّ) أَيْ إذَا كَانَ وَقْفٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ وَوَاقِفُهُ وَاحِدٌ فَلَوْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَوْ وَكِيلُهُ الدَّعْوَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ وَكِيلِهِ (وَقِيلَ لَا) يَنْتَصِبُ فَلَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ إلَّا بِقَدْرِ مَا فِي يَدِ الْحَاضِرِينَ (وَهَذَا) أَيْ انْتِصَابُ بَعْضِهِمْ (إذَا كَانَ الْأَصْلُ ثَابِتًا وَإِلَّا فَلَا) يَنْتَصِبُ أَحَدُ الْمُسْتَحِقِّينَ خَصْمًا وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ (اشْتَرَى الْمُتَوَلِّي بِمَالِ الْوَقْفِ دَارًا) لِلْوَقْفِ   [رد المحتار] عَلَى ذِي الْيَدِ أَنَّهُ اشْتَرَى الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَحَكَمَ عَلَى الْحَاضِرِ كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا عَلَى الْغَائِبِ أَيْضًا حَتَّى لَوْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ لَمْ يُعْتَبَرْ قَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ وَلَهُ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ ذَكَرَ مِنْهَا فِي الْمُجْتَبَى تِسْعًا وَعِشْرِينَ. مَطْلَبٌ فِي انْتِصَابِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْكُلِّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنَّمَا يَنْتَصِبُ إلَخْ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: ادَّعَى بَيْتًا إرْثًا لِنَفْسِهِ وَلِإِخْوَتِهِ الْغُيَّبِ وَسَمَّاهُمْ وَقَالَ الشُّهُودُ: لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُمْ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ فِي ثُبُوتِ الْبَيْتِ لِلْمَيِّتِ إذْ أَحَدُ الْوَرَثَةِ خَصْمٌ عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا يُسْتَحَقُّ لَهُ، وَعَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا بِحَضْرَةِ أَحَدِهِمْ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْكُلِّ. وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمْ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ لِلْمَيِّتِ وَبَرْهَنَ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ إلَى الْحَاضِرِ إلَّا نَصِيبَهُ يَعْنِي فِي الْبَيْتِ مُشَاعًا غَيْرَ مَقْسُومٍ ثُمَّ قَالَا يُؤْخَذُ نَصِيبُ الْغَائِبِ وَيُوضَعُ عِنْدَ عَدْلٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُؤْخَذُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ ذَا الْيَدِ لَوْ مُقِرًّا لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ نَصِيبُ الْغَائِبِ هَذَا فِي الْعَقَارِ أَمَّا فِي النَّقْلِيِّ فَعِنْدَهُمَا يُوضَعُ عِنْدَ عَدْلٍ، وَعِنْدَهُ قِيلَ كَذَلِكَ وَقِيلَ: لَا يُؤْخَذُ كَمَا لَوْ كَانَ مُقِرًّا وَلَوْ مَاتَ عَنْ ثَلَاثَةِ بَنِينَ فَغَابَ اثْنَانِ، وَبَقِيَ ابْنٌ وَالدَّارُ فِي يَدِهِ غَيْرَ مَقْسُومَةٍ، فَادَّعَى رَجُلٌ كُلَّهَا مِلْكًا مُرْسَلًا أَوْ الشِّرَاءَ مِنْ أَبِيهِمْ يُحْكَمُ لَهُ بِالْكُلِّ وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى أَحَدِهِمْ أَنَّ الْمَيِّتَ غَصَبَ شَيْئًا وَبَعْضُهُ بِيَدِ الْحَاضِرِ وَبَعْضُهُ بِيَدِ وَكِيلِ الْغَائِبِ قَضَى عَلَى الْحَاضِرِ بِدَفْعِ مَا بِيَدِهِ دُونَ وَكِيلِ الْغَائِبِ. فَالْحَاصِلُ: أَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ خَصْمٌ عَنْ الْمَيِّتِ فِي عَيْنٍ هُوَ فِي يَدِ هَذَا الْوَارِثِ لَا فِيمَا لَيْسَ بِيَدِهِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا مِنْ التَّرِكَةِ لَيْسَتْ فِي يَدِهِ لَا يُسْمَعُ، وَفِي دَعْوَى الدَّيْنِ يَنْتَصِبُ أَحَدُهُمْ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِيهِ مِنْ الْفَصْلِ الرَّابِعِ. مَطْلَبٌ بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْكُلِّ (قَوْلُهُ وَيَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْمُسْتَحِقِّينَ وَكَذَا بَعْضُ النُّظَّارِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْمُحِيطِ وَالْقُنْيَةِ وَقْفٌ بَيْنَ أَخَوَيْنِ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَبَقِيَ فِي يَدِ الْحَيِّ، وَأَوْلَادِ الْمَيِّتِ فَبَرْهَنَ الْحَيُّ عَلَى أَحَدِهِمْ أَنَّ الْوَاقِفَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَالْبَاقِي غُيَّبٌ وَالْوَاقِفُ وَاحِدٌ يُقْبَلُ وَيَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ، وَلَوْ بَرْهَنَ الْأَوْلَادُ أَنَّ الْوَقْفَ مُطْلَقٌ عَلَيْنَا وَعَلَيْك فَبَيِّنَةُ الْأَوَّلِ أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَهَذَا إلَخْ) وَعَلَيْهِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا هُنَا، وَمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ الدَّعْوَى لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ ثَابِتًا وَأَرَادَ إثْبَاتَ أَنَّهُ وَقْفٌ وَمَرَّ تَقْرِيرُهُ. مَطْلَبٌ اشْتَرَى بِمَالِ الْوَقْفِ دَارًا لِلْوَقْفِ يَجُوزُ بَيْعُهَا (قَوْلُهُ: اشْتَرَى بِمَالِ الْوَقْفِ) أَيْ بِغَلَّةِ الْوَقْفِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ أَوْلَى احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ اشْتَرَى بِبَدَلِ الْوَقْفِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ وَقْفًا كَالْأَوَّلِ عَلَى شُرُوطِهِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا كَمَا مَرَّ فِي بَحْثِ الِاسْتِبْدَالِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ بِمَا إذَا لَمْ يَحْتَجْ الْوَقْفُ إلَى الْعِمَارَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَيْسَ لَهُ الشِّرَاءُ كَمَا لَيْسَ لَهُ الصَّرْفُ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ كَمَا مَرَّ وَفِي الْبَحْرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 416 (لَا تُلْحَقُ بِالْمَنَازِلِ الْمَوْقُوفَةِ وَيَجُوزُ بَيْعُهَا فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ لِلُزُومِهِ كَلَامًا كَثِيرًا وَلَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا [مَطْلَبٌ اشْتَرَى بِمَالِ الْوَقْفِ دَارًا لِلْوَقْفِ يَجُوزُ بَيْعُهَا] (مَاتَ الْمُؤَذِّنُ وَالْإِمَامُ وَلَمْ يَسْتَوْفِيَا وَظِيفَتَهُمَا مِنْ الْوَقْفِ سَقَطَ) لِأَنَّهُ كَالصِّلَةِ (كَالْقَاضِي وَقِيلَ لَا) يَسْقُطُ لِأَنَّهُ كَالْأُجْرَةِ كَذَا فِي الدُّرَرِ قَبْلَ بَابِ الْمُرْتَدِّ وَغَيْرِهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ثَمَّةَ: وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ لِحِكَايَةِ الثَّانِي بِقِيلَ. قُلْت: قَدْ جَزَمَ فِي الْبُغْيَةِ تَلْخِيصِ الْقُنْيَةِ بِأَنَّهُ يُورَثُ بِخِلَافِ رِزْقِ الْقَاضِي كَذَا فِي وَقْفِ الْأَشْبَاهِ وَمَغْنَمِ النَّهْرِ وَلَوْ عَلَى الْإِمَامِ دَارُ وَقْفٍ فَلَمْ يَسْتَوْفِ الْأُجْرَةَ حَتَّى مَاتَ إنْ آجَرَهَا الْمُتَوَلِّي سَقَطَ   [رد المحتار] عَنْ الْقُنْيَةِ إنَّمَا يَجُوزُ الشِّرَاءُ بِإِذْنِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ لَا يُسْتَفَادُ الشِّرَاءُ مِنْ مُجَرَّدِ تَفْوِيضِ الْقِوَامَةِ إلَيْهِ فَلَوْ اسْتَدَانَ فِي ثَمَنِهِ وَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ الْفَقِيهُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ احْتِيَاطًا فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ بَيْعُهَا فِي الْأَصَحِّ) فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا تَقَدَّمَ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ فِي الِاسْتِحْسَانِ يَصِيرُ وَقْفًا وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ الْمُخْتَارُ. اهـ. رَمْلِيٌّ. قُلْت: وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا إنْ احْتَاجُوا إلَيْهِ. مَطْلَبٌ فِي الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ (قَوْلُهُ: كَالْقَاضِي) فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ إلَّا إذَا مَاتَ فِي آخِرِ السَّنَةِ فَيُسْتَحَبُّ الصَّرْفُ لِوَرَثَتِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ قُبَيْلَ بَابِ الْمُرْتَدِّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ) أَيْ بَلْ يُعْطَى بِقَدْرِ مَا بَاشَرَ وَيَصِيرُ مِيرَاثًا عَنْهُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: قُلْت قَدْ جَزَمَ فِي الْبُغْيَةِ إلَخْ) أَيْ فَجَزْمُهُ بِهِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ. قُلْت: وَوَجْهُهُ مَا سَيَذْكُرُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِكِيَّةِ أَنَّ لَهَا شَبَهَ الْأُجْرَةِ وَشَبَهَ الصِّلَةِ، ثُمَّ إنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ مَنَعُوا أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَأَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ بِجَوَازِهِ عَلَى التَّعْلِيمِ وَالْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ نَظَرَ إلَى مَذْهَبِ الْمُتَقَدِّمِينَ رَجَّحَ شَبَهَ الصِّلَةِ فَقَالَ بِسُقُوطِهَا بِالْمَوْتِ، لِأَنَّ الصِّلَةَ لَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى مَذْهَبِ الْمُتَأَخِّرِينَ رَجَّحَ شِبْهَ الْأُجْرَةِ فَقَالَ بِعَدَمِ السُّقُوطِ، وَحَيْثُ كَانَ مَذْهَبُ الْمُتَأَخِّرِينَ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ جَزَمَ فِي الْبُغْيَةِ بِالثَّانِي، بِخِلَافِ رِزْقِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ شَبَهٌ بِالْأُجْرَةِ أَصْلًا إذْ لَا قَائِلَ بِأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْقَضَاءِ. مَطْلَبٌ إذَا مَاتَ الْمُدَرِّسُ وَنَحْوُهُ يُعْطَى بِقَدْرِ مَا بَاشَرَ بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَعَلَى هَذَا مَشَى الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَلَى أَنَّ الْمُدَرِّسَ وَنَحْوَهُ مِنْ أَصْحَابِ الْوَظَائِفِ إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ يُعْطَى بِقَدْرِ مَا بَاشَرَ وَيَسْقُطُ الْبَاقِي وَقَالَ بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالذُّرِّيَّةِ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِمْ وَقْتُ ظُهُورِ الْغَلَّةِ، فَمَنْ مَاتَ بَعْدَ ظُهُورِهَا وَلَوْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا صَارَ مَا يَسْتَحِقُّهُ لِوَرَثَتِهِ وَإِلَّا سَقَطَ اهـ وَتَبِعَهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَأَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ وَهُوَ الَّذِي حَرَّرَهُ الْمَرْحُومُ مُفْتِي الرُّومِ أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيُّ، وَهَذَا خُلَاصَةُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ قُبَيْلَ فَصْلِ الْقِسْمَةِ، وَقُبَيْلَ بَابِ الْمُرْتَدِّ وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ يُؤَجَّرُ أَقْسَاطًا فَتَمَامُ كُلِّ قِسْطٍ بِمَنْزِلَةِ طُلُوعِ الْغَلَّةِ فَمَنْ وُجِدَ وَقْتَهُ اسْتَحَقَّ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْحَانُوتِيُّ تَبَعًا لِلْفَتْحِ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ سُقُوطُ مَا نَقَلَهُ الْبِيرِيُّ عَنْ شَيْخِ الشُّيُوخِ الدِّيرِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَهُوَ عَدَمُ السُّقُوطِ بِالْمَوْتِ فِي حَقِّ الْمُدَرِّسِ وَالطَّلَبَةِ لَا فِي حَقِّ الْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ لِأَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِمَامَةَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، فَلَا تَكُونُ بِمُقَابَلَةِ أُجْرَةٍ اهـ مُلَخَّصًا فَإِنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ أَفْتَوْا بِأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 417 وَإِنْ آجَرَهَا الْإِمَامُ لَا عِمَادِيَّةٌ أَخَذَ الْإِمَامُ الْغَلَّةَ وَقْتَ الْإِدْرَاكِ، وَذَهَبَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ غَلَّةَ بَاقِي السَّنَةِ فَصَارَ كَالْجِزْيَةِ وَمَوْتِ الْقَاضِي قَبْلَ الْحَوْلِ، وَيَحِلُّ لِلْإِمَامِ غَلَّةُ بَاقِي السَّنَةِ لَوْ فَقِيرًا وَكَذَا الْحُكْمُ فِي طَلَبَةِ الْعِلْمِ فِي الْمَدَارِسِ دُرَرٌ. وَنَظَمَ ابْنُ الشِّحْنَةِ الْغَيْبَةَ الْمُسْقِطَةَ لِلْمَعْلُومِ الْمُقْتَضِيَةَ لِلْعَزْلِ.   [رد المحتار] مَطْلَبٌ إذَا مَاتَ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الصِّرِّ وَالْحَبِّ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ الْبِيرِيُّ أَيْضًا أَنَّهُ سُئِلَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ ظَهِيرَةَ الْقُرَشِيُّ الْحَنَفِيُّ إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ شَيْءٌ مِنْ الصِّرِّ وَالْحَبِّ وَوَرَّدَ ذَلِكَ عَنْ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ فِي حَيَاتِهِ وَفِي السَّنَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا هَلْ يَسْتَحِقُّهُ بِقِسْطِهِ؟ أَجَابَ: نَعَمْ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَبَرَّةً مِنْ السُّلْطَانِ صَارَ نَصِيبُهُ فِي حُكْمِ الْمَحْلُولِ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ أَنَّهُ يَكُونُ لِوَارِثِهِ اهـ وَمُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ قَوْمٌ أَمَرُوا أَنْ يَكْتُبُوا مَسَاكِينَ مَسْجِدِهِمْ فَكَتَبُوا وَرَفَعُوا أَسَامِيَهُمْ وَأَخْرَجُوا الدَّرَاهِمَ عَلَى عَدَدِهِمْ فَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الْمَسَاكِينِ قَالَ: يُعْطَى وَارِثُهُ إنْ مَاتَ بَعْدَ رَفْعِ اسْمِهِ اهـ وَمِنْهُ يُعْلَمُ حُكْمُ الْأَمَانَاتِ الْوَاصِلَةِ لِأَهْلِ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ وَالْمَبَرَّةِ ثُمَّ يَمُوتُ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ، وَقَدْ أَفْتَيْتُ بِدَفْعِ ذَلِكَ لِوَلَدِهِ بِيرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ آجَرَهَا الْإِمَامُ لَا) أَيْ لَا يَسْقُطُ مَعْلُومُهُ تَنْزِيلًا لِعَقْدِهِ مَنْزِلَةَ الْقَبْضِ تَأَمَّلْ، لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ الْغَلَّةُ أَوْ السُّكْنَى لَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ بِالسُّقُوطِ. مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا قَبَضَ الْمَعْلُومَ وَغَابَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ (قَوْلُهُ: أَخَذَ الْإِمَامُ الْغَلَّةَ) أَيْ قَبَضَ مَعْلُومَ السَّنَةِ بِتَمَامِهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: إمَامُ الْمَسْجِدِ رَفَعَ الْغَلَّةَ وَذَهَبَ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْهُ الصِّلَةَ وَالْعِبْرَةُ بِوَقْتِ الْحَصَادِ فَإِنْ كَانَ يَؤُمُّ فِي الْمَسْجِدِ وَقْتَ الْحَصَادِ يَسْتَحِقُّ كَذَا فِي الْوَجِيزِ وَهَلْ يَحِلُّ لِلْإِمَامِ أَكْلُ حِصَّةِ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ إنْ كَانَ فَقِيرًا، يَحِلُّ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي طَلَبَةِ الْعِلْمِ يُعْطَوْنَ فِي كُلِّ سَنَةٍ شَيْئًا مُقَدَّرًا مِنْ الْغَلَّةِ وَقْتَ الْإِدْرَاكِ فَأَخَذَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قِسْطَهُ وَقْتَ الْإِدْرَاكِ، فَتَحَوَّلَ عَنْ تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ وَقَوْلُهُ: وَالْعِبْرَةُ بِوَقْتِ الْحَصَادِ ظَاهِرُهُ الْمُنَافَاةُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الطَّرَسُوسِيِّ لَكِنْ أَجَابَ فِي الْبَحْرِ: بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِهِ فِيمَا إذَا قَبَضَ مَعْلُومَ السَّنَةِ قَبْلَ مُضِيِّهَا لَا لِاسْتِحْقَاقِهِ بِلَا قَبْضٍ قَالَ مَعَ أَنَّهُ نَقَلَ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْإِمَامِ حِصَّةَ مَا لَمْ يَؤُمَّ فِيهِ قَالَ ط: قُلْت: وَهُوَ الْأَقْرَبُ لِغَرَضِ الْوَاقِفِ. اهـ. قُلْت: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ هَذَا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُقَدَّرًا لِكُلِّ يَوْمٍ لِمَا قَدَّمْنَا عَنْ الْقُنْيَةِ إنْ كَانَ الْوَاقِفُ قَدَّرَ لِلْمُدَرِّسِ لِكُلِّ يَوْمٍ مَبْلَغًا فَلَمْ يُدَرِّسْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ الثُّلَاثَاءِ، لَا يَحِلُّ أَجْرُ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ وَتَقَدَّمَ تَمَامُهُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلَوْ دَارًا فَعِمَارَتُهُ عَلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَالْجِزْيَةِ) أَيْ إذَا مَاتَ الَّذِي فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ لِمَا مَضَى مِنْ الْحَوْلِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا عَجَّلَهَا أَثْنَاءَ السَّنَةِ ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ مَاتَ لَا تُسْتَرَدُّ ط (قَوْلُهُ وَنَظَمَ ابْنُ شِحْنَةٍ الْغَيْبَةَ إلَخْ) أَقُولُ: حَاصِلُ مَا فِي شَرْحِهِ تَبَعًا لِلْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ إذَا غَابَ عَنْ الْمَدْرَسَةِ فَإِمَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمِصْرِ أَوْ لَا فَإِنْ خَرَجَ مَسِيرَةَ سَفَرٍ ثُمَّ رَجَعَ لَيْسَ لَهُ طَلَبُ مَا مَضَى مِنْ مَعْلُومِهِ بَلْ يَسْقُطُ، وَكَذَا لَوْ سَافَرَ لِحَجٍّ وَنَحْوِهِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ لِسَفَرٍ بِأَنْ خَرَجَ إلَى الرُّسْتَاقِ فَإِنْ أَقَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ فَإِنْ بِلَا عُذْرٍ كَالْخُرُوجِ لِلتَّنَزُّهِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ لِعُذْرٍ كَطَلَبِ الْمَعَاشِ فَهُوَ عَفْوٌ إلَّا أَنْ تَزِيدَ غَيْبَتُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، فَلِغَيْرِهِ أَخْذُ حُجْرَتِهِ وَوَظِيفَتِهِ أَيْ مَعْلُومِهِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمِصْرِ فَإِنْ اشْتَغَلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 418 وَمِنْهُ: وَمَا لَيْسَ بُدٌّ مِنْهُ إنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى ... ثَلَاثِ شُهُورٍ فَهْوَ يُعْفَى وَيُغْفَرُ وَقَدْ أَطْبَقُوا لَا يَأْخُذُ السَّهْمَ مُطْلَقًا ... لِمَا قَدْ مَضَى وَالْحُكْمُ فِي الشَّرْعِ يُسْفَرُ قُلْت: وَهَذَا كُلُّهُ فِي سُكَّانِ الْمَدْرَسَةِ، وَفِي غَيْرِ فَرْضِ الْحَجِّ وَصِلَةِ الرَّحِمِ أَمَّا فِيهِمَا فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ وَالْمَعْلُومَ كَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ فِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ: لَا تُجِزْ اسْتِنَابَةَ الْفَقِيهِ لَا ... وَلَا الْمُدَرِّسِ لِعُذْرٍ حَصَلَا كَذَاكَ حُكْمُ سَائِرِ الْأَرْبَابِ ... أَوْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فَذَا مِنْ بَابِ   [رد المحتار] بِكِتَابَةِ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ، فَهُوَ عَفْوٌ وَإِلَّا جَازَ عَزْلُهُ أَيْضًا وَاخْتُلِفَ، فِيمَا إذَا خَرَجَ لِلرُّسْتَاقِ وَأَقَامَ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَقِيلَ: يَسْقُطُ، وَقِيلَ: لَا هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِهِ. وَمُلَخَّصَةُ: أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ مَعْلُومُهُ الْمَاضِي، وَلَا يُعْزَلُ فِي الْآتِي إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ مُشْتَغِلًا بِعِلْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ خَرَجَ لِغَيْرِ سَفَرٍ، وَأَقَامَ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلَا عُذْرٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَكْثَرَ، لَكِنْ لِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ كَطَلَبِ الْمَعَاشِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَأَنَّهُ يَسْقُطُ الْمَاضِي، وَلَا يُعْزَلُ لَوْ خَرَجَ مُدَّةَ سَفَرٍ وَرَجَعَ أَوْ سَافَرَ لِحَجٍّ وَنَحْوِهِ أَوْ خَرَجَ لِلرُّسْتَاقِ لِغَيْرِ عُذْرٍ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَأَنَّهُ يَسْقُطُ الْمَاضِي وَيُعْزَلُ لَوْ كَانَ فِي الْمِصْرِ غَيْرَ مُشْتَغِلٍ بِعِلْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ خَرَجَ مِنْهُ وَأَقَامَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَلَوْ لِعُذْرٍ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَكُلُّ هَذَا إذَا لَمْ يُنَصَّبْ نَائِبًا عَنْهُ وَإِلَّا فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَخْذُ وَظِيفَتِهِ. اهـ. وَيَأْتِي قَرِيبًا حُكْمُ النِّيَابَةِ، هَذَا وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ الْإِمَامَةِ إمَامٌ يَتْرُكُ الْإِمَامَةَ لِزِيَارَةِ أَقْرِبَائِهِ فِي الرَّسَاتِيقِ أُسْبُوعًا أَوْ نَحْوَهُ أَوْ لِمُصِيبَةٍ أَوْ لِاسْتِرَاحَةٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَمِثْلُهُ عَفْوٌ فِي الْعَادَةِ وَالشَّرْعِ اهـ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ خُرُوجَهُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلَا عُذْرٍ شَرْعِيٍّ، لَا يُسْقِطُ مَعْلُومَهُ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْأَشْبَاهِ فِي قَاعِدَةِ الْعَادَةِ مُحَكَّمَةٌ عِبَارَةُ الْقُنْيَةِ هَذِهِ وَحَمَلَهَا عَلَى أَنَّهُ يُسَامَحُ أُسْبُوعًا فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ مُحَشِّيهِ بِأَنَّ قَوْلَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ، لَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْقُنْيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قُلْت: وَالْأَظْهَرُ مَا فِي آخِرِ شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لِلْحَلَبِيِّ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ فِي كُلِّ سَنَةٍ. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ الْقَيِّمُ خَرَسٌ أَوْ عَمًى أَوْ جُنُونٌ أَوْ فَالِجٌ أَوْ نَحْوُهُ مِنْ الْآفَاتِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْكَلَامُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْأَخْذُ وَالْإِعْطَاءُ فَلَهُ أَخْذُ الْأَجْرِ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُدَرِّسَ وَنَحْوَهُ إذَا أَصَابَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ حَجٍّ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُبَاشَرَةُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ لِأَنَّهُ أَرَادَ الْحُكْمَ فِي الْمَعْلُومِ عَلَى نَفْسِ الْمُبَاشَرَةِ فَإِنْ وُجِدَتْ اسْتَحَقَّ الْمَعْلُومَ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا هُوَ الْفِقْهُ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ مِنْ الْمُسَامَحَةِ بِأُسْبُوعٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْقَلِيلَ مُغْتَفَرٌ كَمَا سُومِحَ بِالْبَطَالَةِ الْمُعْتَادَةِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ النَّظْمِ لِأَنَّ ابْنَ الشِّحْنَةِ نَظَمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةَ أَبْيَاتٍ فَاقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى بَيْتَيْنِ مِنْهَا (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ أَوْ لَا لَكِنْ بَعْدَ كَوْنِهِ مَسِيرَةَ سَفَرٍ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: وَالْحُكْمُ فِي الشَّرْعِ يَسْفُرُ بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ السَّفَرِ قَالَ نَاظِمُهُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِنَا فِي الشَّرْعِ يَسْفُرُ أَيْ مِنْ يُعَدُّ مُسَافِرًا شَرَعَا. لَكِنْ اعْتَرَضَهُ ط بِقَوْلِ الْقَامُوسِ السَّافِرُ وَالْمُسَافِرُ لَا فِعْلَ لَهُ. مَطْلَبٌ فِي الْغَيْبَةِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا الْعَزْلَ عَنْ الْوَظِيفَةِ وَمَا لَا يَسْتَحِقُّ (قَوْلُهُ: قُلْت وَهَذَا) أَيْ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْغَيْبَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا قَالَ: وَقَفْتُ هَذَا عَلَى سَاكِنِي مَدْرَسَتِي، وَأَطْلَقَ أَمَّا لَوْ شَرَطَ شَرْطًا اُتُّبِعَ كَحُضُورِ الدَّرْسِ أَيَّامًا مَعْلُومَةً فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ إلَّا مَنْ بَاشَرَ خُصُوصًا إذَا قَالَ مَنْ غَابَ عَنْ الدَّرْسِ قُطِعَ مَعْلُومُهُ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: أَمَّا فِيهِمَا) أَيْ فِي فَرْضِ الْحَجِّ وَصِلَةِ الرَّحِمِ (قَوْلُهُ: وَالْمَعْلُومَ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْعَزْلِ (قَوْلُهُ: لَا تَجُزْ اسْتِنَابَةُ الْفَقِيهِ) لَا نَاهِيَةٌ وَتَجُزْ مَجْزُومٌ بِهَا وَهُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 419 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ، وَلَا الثَّانِيَةُ تَأْكِيدٌ لِلْأُولَى وَقَوْلُهُ: وَسَائِرُ الْأَرْبَابِ أَيْ أَصْحَابُ الْوَظَائِفِ وَقَوْلُهُ: فَذَا مِنْ بَابِ أَيْ عَدَمُ جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَقَدْ تَابَعَ النَّاظِمَ فِي هَذَا مَا فَهِمَهُ الطَّرَسُوسِيٌّ مِنْ كَلَامِ الْخَصَّافِ الْمَارِّ آنِفًا قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ الِاسْتِنَابَةَ مَعَ قِيَامِ الْأَعْذَارِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهَا لَوْ جَازَتْ لَقَالَ، وَيَجْعَلُ لَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ إلَى زَوَالِ عُذْرِهِ، وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْخَصَّافَ صَرَّحَ بِأَنَّ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ مِنْ الْمَعْلُومِ شَيْئًا وَكَذَا فِي الْإِسْعَافِ وَهَذَا كَالتَّصْرِيحِ بِجَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ، لِأَنَّ النَّائِبَ وَكِيلٌ بِالْأُجْرَةِ وَفِي الْقُنْيَةِ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ خَلِيفَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَؤُمَّ فِيهِ زَمَانَ غَيْبَتِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْخَلِيفَةُ مِنْ أَوْقَافِ الْإِمَامَةِ شَيْئًا إنْ كَانَ الْإِمَامُ أَمَّ أَكْثَرَ السَّنَةِ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْإِمَامَ يَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ بِلَا إذْنٍ بِخِلَافِ الْقَاضِي، وَعَلَى هَذَا لَا تَكُونُ وَظِيفَتُهُ شَاغِرَةً، وَتَصِحُّ النِّيَابَةُ. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي الِاسْتِنَابَةِ فِي الْوَظَائِفِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَحَاصِلُ مَا فِي الْقُنْيَةِ: أَنَّ النَّائِبَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْوَقْفِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالتَّقْرِيرِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَيَسْتَحِقُّ الْأَصِيلُ الْكُلَّ إنْ عَمِلَ أَكْثَرَ السَّنَةِ وَسَكَتَ عَمَّا يُعَيِّنُهُ الْأَصِيلُ لِلنَّائِبِ كُلَّ شَهْرٍ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ وَقَدْ وَفَّى الْعَمَلَ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْإِمَامَةِ وَالتَّدْرِيسِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ إذَا لَمْ يَعْمَلْ الْأَصِيلُ وَعَمِلَ النَّائِبُ كَانَتْ الْوَظِيفَةُ شَاغِرَةً، وَلَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ الصَّرْفُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهَا وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي عَزْلُهُ وَعَمَلُ النَّاسِ بِالْقَاهِرَةِ عَلَى الْجَوَازِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهَا شَاغِرَةً مَعَ وُجُودِ النِّيَابَةِ ثُمَّ قَالَ: فَاَلَّذِي تَحَرَّرَ جَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْوَظَائِفِ اهـ وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ فِي الْجُمُعَةِ مِنْ تَرْجِيحِ جَوَازِ اسْتِنَابَةِ الْخَطِيبِ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْخُلَاصَةِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ مِنْ الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى، وَيَجِبُ تَقْيِيدُ جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ بِوَظِيفَةٍ تَقْبَلُ الْإِنَابَةَ كَالتَّدْرِيسِ، بِخِلَافِ التَّعْلِيمِ، وَحَيْثُ تَحَرَّرَ الْجَوَازُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَنَابُ مُسَاوِيًا لَهُ فِي الْفَضِيلَةِ، أَوْ فَوْقَهُ أَوْ دُونَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَرَأَيْت لِمُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ مَنْ قَيَّدَهُ بِالْمُسَاوِي، وَبِمَا فَوْقَهُ وَبَعْضُهُمْ قَالَ: بِجَوَازِهِ مُطْلَقًا وَلَوْ دُونَهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. وَقَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ: بَعْدَ نَقْلِ حَاصِلِ مَا فِي الْبَحْرِ وَالْمَسْأَلَةُ وُضِعَ فِيهَا رَسَائِلُ، وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِمَا عَلَيْهِ النَّاسُ وَخُصُوصًا مَعَ الْعُذْرِ وَعَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ الْمَعْلُومِ لِلْمُسْتَنِيبِ وَلَيْسَ لِلنَّائِبِ إلَّا الْأُجْرَةُ الَّتِي اسْتَأْجَرَهُ بِهَا. اهـ. قُلْت: وَهَذَا اخْتِيَارٌ لِخِلَافِ مَا أَفْتَى بِهِ عَلَّامَةُ الْوُجُودِ الْمُفْتِي أَبُو السُّعُودِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعُذْرِ الشَّرْعِيِّ وَكَوْنِ الْوَظِيفَةِ مِمَّا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ كَالْإِفْتَاءِ وَالتَّدْرِيسِ وَكَوْنِ النَّائِبِ مِثْلَ الْأَصِيلِ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ وَأَنَّ الْمَعْلُومَ بِتَمَامِهِ يَكُونُ لِلنَّائِبِ لَيْسَ لِلْأَصِيلِ مِنْهُ شَيْءٌ اهـ وَنَقَلَهُ الْبِيرِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ الْحَقُّ، لَكِنَّهُ نَقَلَ عَنْ الشَّيْخِ بَدْرِ الدِّينِ الشَّهَاوِيِّ الْحَنَفِيِّ مِثْلَ مَا فِي الْبَحْرِ، وَعَنْ شَيْخِ مَشَايِخِهِ الْقَاضِي عَلِيِّ بْنِ ظَهِيرَةَ الْحَنَفِيِّ اشْتِرَاطُ الْعُذْرِ. مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا شَرَطَ الْمَعْلُومَ لِمُبَاشِرِ الْإِمَامَةِ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُسْتَنِيبُ قُلْت: أَمَّا اشْتِرَاطُ الْعُذْرِ، فَلَهُ وَجْهٌ وَأَمَّا كَوْنُ النَّائِبِ مِثْلَ الْأَصِيلِ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ فَهُوَ بَعِيدٌ حَيْثُ وُجِدَتْ فِي النَّائِبِ أَهْلِيَّةُ تِلْكَ الْوَظِيفَةِ، إلَّا أَنْ يُرَادَ مِثْلُهُ فِي الْأَهْلِيَّةِ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ مَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الشَّلَبِيِّ حَيْثُ سُئِلَ عَنْ النَّاظِرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 420 وَالْمُتَوَلِّي لَوْ لِوَقْفٍ أَجَرَا ... لَكِنَّهُ فِي صَكِّهِ مَا ذَكَرَا مِنْ أَيِّ جِهَةٍ تَوَلَّى الْوَقْفَا ... مَا جَوَّزُوا ذَلِكَ حَيْثُ يُلْفَى وَمِثْلُهُ الْوَصِيُّ إذْ يَخْتَلِفُ ... حُكْمُهُمَا فِي ذَا عَلَى مَا يُعْرَفُ بِحَسَبِ التَّقْلِيدِ وَالنَّصْبِ فَقِسْ ... كُلَّ التَّصَرُّفَاتِ كَيْ لَا تَلْتَبِسْ قُلْت: لَكِنْ لِلسُّيُوطِيِّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا الضَّبَابَةَ فِي جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ، وَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ فَلْيُحْفَظْ (وِلَايَةُ نَصْبِ الْقَيِّمِ إلَى الْوَاقِفِ   [رد المحتار] إذَا ضَعُفَتْ قُوَّتُهُ عَنْ التَّحَدُّثِ عَلَى الْوَقْفِ هَلْ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ فِيهِ بَقِيَّةَ حَيَاتِهِ وَهَلْ لَهُ النُّزُولُ عَنْ النَّظَرِ؟ أَجَابَ: نَعَمْ لَهُ اسْتِنَابَةُ مَنْ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَالْكِفَايَةُ وَلَا يَصِحُّ نُزُولُهُ عَنْ النَّظَرِ الْمَشْرُوطِ لَهُ وَلَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ اهـ وَأَمَّا كَوْنُ الْمَعْلُومِ لِلنَّائِبِ فَيُنَافِيهِ مَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالتَّقْرِيرِ، وَلَا سِيَّمَا إذَا بَاشَرَ الْأَصِيلُ أَكْثَرَ السَّنَةِ، فَصَرِيحُ مَا مَرَّ عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ النَّائِبُ شَيْئًا أَيْ إلَّا إذَا شَرَطَ لَهُ الْأَصِيلُ أُجْرَةً أَمَّا إذَا كَانَ الْمُبَاشِرُ هُوَ النَّائِبَ وَحْدَهُ وَشَرَطَ الْوَاقِفُ الْمَعْلُومَ لِمُبَاشِرِ الْإِمَامَةِ أَوْ التَّدْرِيسِ مَثَلًا فَلَا خَفَاءَ فِي اخْتِصَاصِهِ بِالْمَعْلُومِ بِتَمَامِهِ، وَكَتَبْت فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ عَنْ الْمُحَقِّقِ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَفَنْدِي الْعِمَادِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ فِيمَا إذَا كَانَ لِمُؤَذِّنِي جَامِعٍ مُرَتَّبَاتٌ فِي أَوْقَاتٍ شَرَطَهَا وَاقِفُوهَا لَهُمْ فِي مُقَابَلَةِ أَدْعِيَةٍ يُبَاشِرُونَهَا لِلْوَاقِفِينَ الْمَذْكُورِينَ وَجَعَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُؤَذِّنِينَ لَهُمْ نُوَّابًا عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ، فَهَلْ يَسْتَحِقُّ النُّوَّابُ الْمُبَاشِرُونَ لِلْأَذَانِ وَالْأَدْعِيَةِ وَالْمَزْبُورَةِ الْمَرْتَبَاتِ الْمَرْمُوقَةَ دُونَ الْجَمَاعَةِ الْمَذْكُورِينَ الْجَوَابُ، نَعَمْ مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا أَجَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ جِهَةَ تَوْلِيَتِهِ (قَوْلُهُ: وَالْمُتَوَلِّي لَوْ لِوَقْفٍ أَجَرَا إلَخْ) فِي الْإِسْعَافِ النَّاظِرُ إذَا آجَرَ أَوْ تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا آخَرَ، وَكَتَبَ فِي الصَّكِّ آجَرَ وَهُوَ مُتَوَلِّي عَلَى هَذَا الْوَقْفِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ مُتَوَلٍّ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ قَالُوا تَكُونُ فَاسِدَةً اهـ. قُلْت: وَهَذَا مُشْكِلٌ إذْ لَوْ كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ أَوْ الْقَاضِي يَصِحُّ إيجَارُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ فَسَادُ كِتَابَةِ الصَّكِّ لِأَنَّ الصُّكُوكَ تُبْنَى عَلَى زِيَادَةِ الْإِيضَاحِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ إيجَارِهِ وَبَاقِي تَصَرُّفَاتِهِ مَا لَمْ يَصِحَّ نَصْبُهُ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ يُؤَيِّدُهُ مَا فِي السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ كَانَ الْوَصِيُّ أَوْ الْمُتَوَلِّي مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ فَالْأَوْثَقُ أَنْ يَكْتُبَ فِي الصُّكُوكِ، وَالسِّجِلَّاتِ، وَهُوَ الْوَصِيُّ مِنْ جِهَةِ حَاكِمٍ لَهُ وِلَايَةُ نَصْبِ الْوَصِيَّةِ وَالتَّوْلِيَةِ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الْوَصِيُّ مِنْ الْحَاكِمِ رُبَّمَا يَكُونُ مِنْ حَاكِمٍ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ نَصْبُ الْوَصِيِّ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَصِيِّ وَالْمُتَوَلِّي إلَّا إذَا كَانَ ذِكْرُ التَّصَرُّفِ فِي الْأَوْقَافِ وَالْأَيْتَامِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي مَنْشُورِهِ فَصَارَ كَحُكْمِ نَائِبِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرُوا أَنَّ فُلَانًا الْقَاضِيَ مَأْذُونٌ بِالْإِنَابَةِ تَحَرُّزًا عَنْ هَذَا الْوَهْمِ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَ السُّلْطَانِ جَعَلْتُك قَاضِيَ الْقُضَاةِ كَالتَّنْصِيصِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الْمَنْشُورِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِخْلَافِ الْقَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ: بِحَسْبِ التَّقْلِيدِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَخْتَلِفُ (قَوْلُهُ: فَقِسْ كُلَّ التَّصَرُّفَاتِ) أَيْ عَلَى الْإِجَارَةِ وَذَلِكَ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقَوْلُهُ: كَيْ لَا تَلْتَبِسَ أَيْ الْأَحْكَامُ وَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ مَا جَوَّزُوا ط (قَوْلُهُ: سَمَّاهَا الضَّبَابَةَ) اسْمُهَا كَشْفُ الضَّبَابَةِ فِي الْقَامُوسِ الضَّبَابُ بِالْفَتْحِ: نَدًى كَالْغَيْمِ أَوْ سَحَابٌ رَقِيقٌ كَالدُّخَانِ ط. مَطْلَبٌ وِلَايَةُ نَصْبِ الْقَيِّمِ إلَى الْوَاقِفِ ثُمَّ لِوَصِيِّهِ ثُمَّ لِلْقَاضِي (قَوْلُهُ: وِلَايَةُ نَصْبِ الْقَيِّمِ إلَى الْوَاقِفِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ قَدَّمْنَا أَنَّ الْوِلَايَةَ لِلْوَاقِفِ ثَابِتَةٌ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا وَأَنَّ لَهُ عَزْلَ الْمُتَوَلِّي، وَأَنَّ مَنْ وَلَّاهُ لَا يَكُونُ لَهُ النَّظَرُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَيْ مَوْتِ الْوَاقِفِ إلَّا بِالشَّرْطِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 421 ثُمَّ لِوَصِيِّهِ) لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ وَلَوْ جَعَلَهُ عَلَى أَمْرِ الْوَقْفِ فَقَطْ كَانَ وَصِيًّا فِي كُلِّ شَيْءٍ خِلَافًا لِلثَّانِي وَلَوْ جَعَلَ النَّظَرَ لِرَجُلٍ ثُمَّ جَعَلَ آخَرَ وَصِيًّا كَانَا نَاظِرَيْنِ مَا لَمْ يُخَصِّصْ، وَتَمَامُهُ فِي الْإِسْعَافِ فَلَوْ وُجِدَ كِتَابَا وَقْفٍ فِي كُلٍّ اسْمُ مُتَوَلٍّ وَتَارِيخُ الثَّانِي مُتَأَخِّرٌ اشْتَرَكَا بَحْرٌ.   [رد المحتار] مَطْلَبٌ الْأَفْضَلُ فِي زَمَانِنَا نَصْبُ الْمُتَوَلِّي بِلَا إعْلَامِ الْقَاضِي وَكَذَا وَصِيُّ الْيَتِيمِ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة مَا حَاصِلُهُ أَنَّ أَهْلَ الْمَسْجِدِ لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى نَصْبِ رَجُلٍ مُتَوَلِّيًا لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ فَعِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ يَصِحُّ وَلَكِنْ الْأَفْضَلُ كَوْنُهُ بِإِذْنِ الْقَاضِي، ثُمَّ اتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ لَا يُعْلِمُوا الْقَاضِيَ فِي زَمَانِنَا لِمَا عُرِفَ مِنْ طَمَعِ الْقُضَاةِ فِي أَمْوَالِ الْأَوْقَافِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى أَرْبَابٍ مَعْلُومِينَ يُحْصَى عَدَدُهُمْ إذَا نَصَّبُوا مُتَوَلِّيًا وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ. اهـ. قُلْت: ذَكَرُوا مِثْلَ هَذَا فِي وَصِيِّ الْيَتِيمِ وَأَنَّهُ لَوْ تَصَرَّفَ فِي مَالِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السِّكَّةِ مِنْ بَيْعٍ، أَوْ شِرَاءٍ جَازَ فِي زَمَانِنَا لِلضَّرُورَةِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: أَنَّهُ اسْتِحْسَانٌ وَبِهِ يُفْتَى. وَأَمَّا وِلَايَةُ نَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ فَسَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ. مَطْلَبٌ الْوَصِيُّ يَصِيرُ مُتَوَلِّيًا بِلَا نَصٍّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ لِوَصِيِّهِ) فَلَوْ نَصَبَ الْوَاقِفُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَصِيًّا وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ أَمْرِ الْوَقْفِ شَيْئًا تَكُونُ وِلَايَةُ الْوَقْفِ إلَى الْوَصِيِّ بَحْرٌ. وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ وَصِيُّ الْقَاضِي كَوَصِيِّ الْمَيِّتِ إلَّا فِي مَسَائِلَ، أَنَّ وَصِيَّ الْقَاضِي هُنَا كَذَلِكَ لِعَدَمِ اسْتِثْنَائِهِ مِنْ الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ أَفَادَهُ الرَّمْلِيُّ. قُلْت: وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ كَالْوَصِيِّ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: كَانَ وَصِيًّا فِي كُلِّ شَيْءٍ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلثَّانِي) فَعِنْدَهُ إذَا قَالَ لَهُ أَنْتَ وَصِيٌّ فِي أَمْرِ الْوَقْفِ فَهُوَ وَصِيٌّ فِي الْوَقْفِ فَقَطْ، وَهُوَ قَوْلُ هِلَالٍ أَيْضًا وَجَعَلَ فِي الْخَانِيَّةِ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فَكَانَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ إسْعَافٌ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَيْضًا وَجَعَلَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَأَنْ يَحْذِفَ قَوْلَهُ فَقَطْ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُخَصِّصْ) بِأَنْ يَقُولَ: وَقَفْتُ أَرْضِي عَلَى كَذَا وَجَعَلْتُ وِلَايَتَهَا لِفُلَانٍ، وَجَعَلْت فُلَانًا وَصِيِّي فِي تَرِكَاتِي وَجَمِيعِ أُمُورِي، فَحِينَئِذٍ يَنْفَرِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا فَوَّضَ إلَيْهِ إسْعَافٌ. وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ تَخْصِيصَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ قَرِينَةٌ عَلَى عَدَمِ الْمُشَارَكَةِ لَكِنْ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ فِي الْوَقْفِ وَأَوْصَى إلَى آخَرَ فِي وَلَدِهِ كَانَا وَصِيَّيْنِ فِيهِمَا جَمِيعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ اهـ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ نَصَبَ مُتَوَلِّيًا ثُمَّ آخَرَ اشْتَرَكَا (قَوْلُهُ: فَلَوْ وَجَدَ كِتَابَا وَقْفٍ إلَخْ) أَيْ كِتَابَانِ لِوَقْفٍ وَاحِدٍ وَهَذَا الْجَوَابُ أَخَذَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ عِبَارَةِ الْإِسْعَافِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُقَالُ إنَّ الثَّانِيَ نَاسِخٌ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْخَصَّافِ فِي الشَّرَائِطِ أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا تُبَاعَ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ: عَلَى أَنَّ لَهُ الِاسْتِبْدَالَ كَانَ لَهُ لِأَنَّ الثَّانِيَ نَاسِخٌ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ التَّوْلِيَةَ مِنْ الْوَاقِفِ خَارِجَةٌ عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الشَّرَائِطِ لِأَنَّ لَهُ فِيهَا التَّغْيِيرَ وَالتَّبْدِيلَ، كُلَّمَا بَدَا لَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي عُقْدَةِ الْوَقْفِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا بَاقِي الشَّرَائِطِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا فِي أَصْلِ الْوَقْفِ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ تَعْلِيلُهُ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ فَتَأَمَّلْ. نَعَمْ ذَكَرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 422 فَرْعٌ] طَالِبُ التَّوْلِيَةِ لَا يُوَلَّى إلَّا الْمَشْرُوطَ لَهُ النَّظَرُ لِأَنَّهُ مُوَلًّى فَيُرِيدُ التَّنْفِيذَ نَهْرٌ [مَطْلَبٌ طَالِبُ التَّوْلِيَةِ لَا يُوَلَّى] (ثُمَّ) إذَا مَاتَ الْمَشْرُوطُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْوَاقِفِ وَلَمْ يُوصِ لِأَحَدٍ فَوِلَايَةُ النَّصْبِ   [رد المحتار] فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَنْ الْخَصَّافِ إذَا وَقَفَ أَرْضِينَ كُلُّ أَرْضٍ عَلَى قَوْمٍ وَجَعَلَ وِلَايَةَ كُلِّ أَرْضٍ إلَى رَجُلٍ، ثُمَّ أَوْصَى بَعْدَ ذَلِكَ إلَى زَيْدٍ فَلِزَيْدٍ أَنْ يَتَوَلَّى مَعَ الرَّجُلَيْنِ، فَإِنْ أَوْصَى زَيْدٌ إلَى عَمْرٍو فَلِعَمْرٍو مِثْلُ مَا كَانَ لِزَيْدٍ قَالَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ فَقَدْ جَعَلَ وَصِيَّ الْوَصِيِّ بِمَنْزِلَةِ الْوَاقِفِ، حَتَّى جَعَلَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ مَنْ جَعَلَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لَهُ اهـ وَفِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة: أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَمَكَثَ زَمَانًا فَأَوْصَى إلَى آخَرَ فَهُمَا وَصِيَّانِ فِي كُلِّ وَصَايَاهُ، سَوَاءٌ تَذَكَّرَ إيصَاءَهُ إلَى الْأَوَّلِ أَوْ نَسِيَ لِأَنَّ الْوَصِيَّ عِنْدَنَا لَا يَنْعَزِلُ مَا لَمْ يَعْزِلْهُ الْمُوصِي، حَتَّى لَوْ كَانَ بَيْنَ وَصِيَّتَيْهِ مُدَّةُ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَنْعَزِلُ الْأَوَّلُ عَنْ الْوِصَايَةِ اهـ وَقَدْ قَالُوا إنَّ الْوَقْفَ يُسْتَقَى مِنْ الْوَصِيَّةِ. نَعَمْ فِي الْقُنْيَةِ: لَوْ نَصَبَ الْقَاضِي قَيِّمًا آخَرَ لَا يَنْعَزِلُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ مَنْصُوبًا مِنْ الْوَاقِفِ فَلَوْ مِنْ جِهَتِهِ وَيَعْلَمُهُ وَقْتَ نَصْبِ الثَّانِي يَنْعَزِلُ، وَمُفَادُهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَاقِفِ وَالْقَاضِي فِي نَصْبِ الثَّانِي فَفِي الْوَاقِفِ يُشَارِكُ، وَفِي الْقَاضِي يَخْتَصُّ الثَّانِي وَيَنْعَزِلُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ يَعْلَمُهُ وَقْتَ نَصْبِ الثَّانِي فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ. [فَرْعٌ طَالِبُ تولية الْوَقْف لَا يُوَلَّى] مَطْلَبٌ طَالِبُ التَّوْلِيَةِ لَا يُوَلَّى (قَوْلُهُ: طَالِبُ التَّوْلِيَةِ لَا يُوَلَّى) كَمَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ لَا يُقَلَّدُ فَتْحٌ، وَهَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَوْ لَا يَحِلُّ اسْتَظْهَرَ فِي الْبَحْرِ الْأَوَّلَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إلَّا الْمَشْرُوطَ لَهُ النَّظَرُ) بِأَنْ قَالَ جَعَلْتُ نَظَرَ وَقْفِي لِفُلَانٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ مَا لَوْ شَرَطَهُ لِلذُّكُورِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُ ذَكَرٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا لَوْ انْحَصَرَ الْوَقْفُ فِي وَاحِدٍ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هُوَ النَّاظِرَ عَلَيْهِ بِلَا شَرْطِ الْوَاقِفِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عِنْدَ قَوْلِهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ الْإِيجَارَ وَلَا الدَّعْوَى. مَطْلَبٌ التَّوْلِيَةُ خَارِجَةٌ عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الشَّرَائِطِ لِأَنَّ لَهُ فِيهَا التَّغْيِيرَ بِلَا شَرْطٍ بِخِلَافِ بَاقِي الشَّرَائِطِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ مَوْتِ الْوَاقِفِ إلَخْ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَهُ قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وِلَايَةُ النَّصْبِ لِلْوَاقِفِ وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ قَالَ مُحَمَّدٌ النَّصْبُ لِلْقَاضِي اهـ وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: الرَّأْيُ لِلْوَاقِفِ لَا لِلْقَاضِي، فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ مَيِّتًا فَوَصِيُّهُ أَوْلَى مِنْ الْقَاضِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْصَى فَالرَّأْيُ لِلْقَاضِي. اهـ. بَحْرٌ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْوَقْفِ مَعَ وُجُودِ الْمُتَوَلِّي وَمِنْهُ الْإِيجَارُ كَمَا حَرَّرْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ أَبَى أَوْ عَجَزَ عَمَّرَ الْحَاكِمُ بِأُجْرَتِهَا إلَخْ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ بَعْدَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ. مَطْلَبٌ وِلَايَةُ الْقَاضِي مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْمَشْرُوطِ لَهُ وَوَصِيِّهِ فَأَفَادَ أَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْمَشْرُوطِ لَهُ وَوَصِيِّهِ، فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ عَدَمُ صِحَّةِ تَقْرِيرِ الْقَاضِي فِي الْوَظَائِفِ فِي الْأَوْقَافِ إذَا كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ التَّقْرِيرَ لِلْمُتَوَلِّي، وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ فِي الْقَاهِرَةِ فِي زَمَانِنَا وَقَبْلَهُ بِيَسِيرٍ اهـ وَأَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ بِهَذَا الْمُسْتَفَادِ وَقَالَ: وَبِهِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُنْزَعُ لَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُوصِ) أَيْ الْمَشْرُوطُ لَهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: إذَا مَاتَ الْمُتَوَلِّي الْمَشْرُوطُ لَهُ بَعْدَ الْوَاقِفِ فَالْقَاضِي يَنْصِبُ غَيْرَهُ، وَشَرَطَ فِي الْمُجْتَبَى أَنْ لَا يَكُونَ الْمُتَوَلِّي أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَإِنْ أَوْصَى لَا يَنْصِبُ الْقَاضِي. اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 423 (لِلْقَاضِي) إذْ لَا وِلَايَةَ لِمُسْتَحِقٍّ إلَّا بِتَوْلِيَةٍ كَمَا مَرَّ (وَمَا دَامَ أَحَدٌ يَصْلُحُ لِلتَّوَلِّيَةِ مِنْ أَقَارِبِ الْوَاقِفِ لَا يُجْعَلُ الْمُتَوَلِّي مِنْ الْأَجَانِبِ) لِأَنَّهُ أَشْفَقُ   [رد المحتار] قُلْت: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَاقِفُ شَرَطَ بَعْدَ الْمُتَوَلِّي الْمَذْكُورِ إلَى آخَرَ لِأَنَّهُ، يَصِيرُ مَشْرُوطًا أَيْضًا وَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا مَطْلَبٌ الْمُرَادُ قَاضِي الْقُضَاةِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ ذَكَرُوا الْقَاضِيَ فِي أُمُورِ الْأَوْقَافِ (قَوْلُهُ: لِلْقَاضِي) قَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِقَاضِي الْقُضَاةِ أَخْذًا مِنْ عِبَارَةِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا قَبْلَ وَرَقَةٍ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُمْ فِي الِاسْتِدَانَةِ بِأَمْرِ الْقَاضِي الْمُرَادُ بِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ ذَكَرُوا الْقَاضِيَ فِي أُمُورِ الْأَوْقَافِ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ: وَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ أَمْضَاهُ فَإِنَّهُ أَعَمُّ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. مَطْلَبٌ نَائِبُ الْقَاضِي لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ الْوَقْفِ قَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ نَائِبَ الْقَاضِي لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ الْوَقْفِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ لَهُ السُّلْطَانُ فِي مَنْشُورِهِ نَصْبِ الْوُلَاةِ وَالْأَوْصِيَاءِ، وَفَوَّضَ لَهُ أُمُورَ الْأَوْقَافِ، وَيَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَإِنْ بَحَثَ فِيهِ شَيْخُنَا الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ سِرَاجِ الدِّينِ الْحَانُوتِيُّ لِمَا فِي إطْلَاقِ مِثْلِهِ لِلنُّوَّابِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ الِاخْتِلَالِ. وَالْمَسْأَلَةُ لَا نَصَّ فِيهَا بِخُصُوصِهَا فِيمَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ، وَكَذَا فِيمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا الْمَذْكُورُ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ وَإِنَّمَا اسْتَخْرَجَهَا تَفَقُّهًا اهـ وَنَقَلَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْبَحْرِ عِبَارَةَ شَيْخِهِ الْحَانُوتِيِّ بِطُولِهَا، وَأَقَرَّهَا وَمِنْ جُمْلَتِهَا وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اخْتِصَاصِ قَاضِي الْقُضَاةِ بِاسْتِبْدَالِ الْوَقْفِ، بَلْ يَجُوزُ مِنْ نَائِبِهِ أَيْضًا أَنَّ نَائِبَهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَلِذَا كَانَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ فِي مَنْشُورِهِ تَزْوِيجَ الصَّغَائِرِ وَالصِّغَارِ كَانَ لِمَنْصُوبِهِ ذَلِكَ وَعِبَارَةُ ابْنِ الْهُمَامِ فِي تَرْتِيبِ الْأَوْلِيَاءِ فِي النِّكَاحِ، ثُمَّ السُّلْطَانُ ثُمَّ الْقَاضِي إذَا شَرَطَ فِي عَهْدِهِ ذَلِكَ ثُمَّ مَنْ نَصَبَهُ الْقَاضِي اهـ مُلَخَّصًا. [تَنْبِيهٌ] قَدَّمْنَا عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْوَاقِفِ إلَّا إذَا جَعَلَهُ قَيِّمًا فِي حَيَاتِهِ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ إذَا مَاتَ الْقَاضِي أَوْ عُزِلَ يَبْقَى مَا نَصَّهُ عَلَى حَالِهِ قِيَاسًا عَلَى نَائِبِهِ فِي الْقَضَاءِ اهـ قَالَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا عَمَّمَ لَهُ الْوِلَايَةَ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، لِأَنَّ الْقَاضِيَ بِمَنْزِلَةِ الْوَاقِفِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي أَعَمُّ وَفِعْلُهُ حُكْمٌ، وَحُكْمُهُ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَلَا عَزْلِهِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ، لَكِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ وِلَايَةَ الْوَقْفِ لِلْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهَا السُّلْطَانُ فِي تَقْلِيدِهِ، وَلَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ وَهُوَ خِلَافُ الْمَنْقُولِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: إذْ لَا وِلَايَةَ لِمُسْتَحِقٍّ) تَعْلِيلٌ لِمَا فُهِمَ مِنْ حَصْرِ الْوِلَايَةِ بِمَنْ ذُكِرَ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْغَلَّةُ لَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ إلَّا بِتَوْلِيَةٍ وَقَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا. مَطْلَبٌ لَا يُجْعَلُ النَّاظِرُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ وَمَا دَامَ أَحَدٌ إلَخْ) الْمَسْأَلَةُ فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَنَصُّهَا: وَلَا يَجْعَلُ الْقَيِّمَ فِيهِ مِنْ الْأَجَانِبِ مَا وَجَدَ فِي وَلَدِ الْوَاقِفِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ، فَجَعَلَهُ إلَى أَجْنَبِيٍّ ثُمَّ صَارَ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ صَرَفَهُ إلَيْهِ اهـ وَمُفَادُهُ: تَقْدِيمُ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ بِأَنْ كَانَ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَدُلُّ لَهُ التَّعْلِيلُ الْآتِي وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ التَّهْذِيبِ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْصِبَ مِنْ أَوْلَادِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَأَقَارِبِهِ مَا دَامَ يُوجَدُ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ اهـ وَالظَّاهِرُ: أَنَّ مُرَادَهُ بِالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مَنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ، فَلَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ، ثُمَّ تَعْبِيرُهُ بِالْأَفْضَلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 424 وَمِنْ قَصْدِهِ نِسْبَةُ الْوَقْفِ إلَيْهِمْ [مَطْلَبٌ التَّوْلِيَةُ خَارِجَةٌ عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الشَّرَائِطِ] (أَرَادَ الْمُتَوَلِّي إقَامَةَ غَيْرِهِ مَقَامَهُ فِي حَيَاتِهِ) وَصِحَّتِهِ (إنْ كَانَ التَّفْوِيضُ لَهُ) بِالشَّرْطِ (عَامًّا صَحَّ) وَلَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ إلَّا إذَا كَانَ الْوَاقِفُ جَعَلَ لَهُ التَّفْوِيضَ وَالْعَزْلَ (وَإِلَّا) فَإِنْ فَوَّضَ فِي صِحَّتِهِ (لَا) يَصِحُّ وَإِنْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ صَحَّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ الْعَزْلُ وَالتَّفْوِيضُ إلَى غَيْرِهِ كَالْإِيصَاءِ أَشْبَاهٌ.   [رد المحتار] يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ نَصَبَ أَجْنَبِيًّا مَعَ وُجُودِ مَنْ يَصْلُحُ مِنْ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ يَصِحُّ فَافْهَمْ: وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ كَوْنَ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُمْ بِلَا خِيَانَةٍ، وَلَوْ فَعَلَ لَا يَصِيرُ مُتَوَلِّيًا. اهـ. لِأَنَّهُ فِيمَا إذَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ وَكَلَامُنَا عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ وَوَقَعَ قَرِيبًا مِنْ أَوَاخِرِ كِتَابِ الْوَقْفِ مِنْ الْخَيْرِيَّةِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ فَهِمَ عَدَمَ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ لَفْظِ لَا يَجْعَلُ فَتَأَمَّلْ. وَأَفْتَى أَيْضًا بِأَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسْتَحِقًّا بِالْفِعْلِ بَلْ يَكْفِي كَوْنُهُ مُسْتَحِقًّا بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ تَقْدِيمَ مَنْ ذُكِرَ مَشْرُوطٌ بِقِيَامِ الْأَهْلِيَّةِ فِيهِ حَتَّى لَوْ كَانَ خَائِنًا يُوَلَّى أَجْنَبِيٌّ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِمْ أَهْلٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَاقِفُ نَفْسُهُ يُعْزَلُ بِالْخِيَانَةِ فَغَيْرُهُ بِالْأَوْلَى. مَطْلَبٌ إذَا قَبِلَ الْأَجْنَبِيُّ النَّظَرَ مَجَّانًا فَلِلْقَاضِي نَصِيبُهُ [تَنْبِيهٌ] قَدَّمْنَا عَنْ الْبِيرِيِّ عَنْ حَاوِي الْحَصِيرِيِّ عَنْ وَقْفِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَنْ يَتَوَلَّى الْوَقْفَ مِنْ جِيرَانِ الْوَاقِفِ وَقَرَابَتِهِ إلَّا بِرِزْقٍ وَيَقْبَلُ وَاحِدٌ مِنْ غَيْرِهِمْ بِلَا رِزْقٍ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ الْأَصْلَحَ لِأَهْلِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ قَصْدِهِ) أَيْ قَصْدِ الْوَاقِفِ. وَعِبَارَةُ الْإِسْعَافِ أَوْ لِأَنَّ مِنْ قَصْدِ الْوَاقِفِ نِسْبَةَ الْوَقْفِ إلَيْهِ وَذَلِكَ فِيمَا ذَكَرْنَا. مَطْلَبٌ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: أَرَادَ الْمُتَوَلِّي إقَامَةَ غَيْرِهِ مَقَامَهُ) أَيْ بِطَرِيقِ الِاسْتِقْلَالِ، أَمَّا بِطَرِيقِ التَّوْكِيلِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِمَرَضِ الْمَوْتِ وَفِي الْفَتْحِ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَقُومُ بِمَا كَانَ إلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْوَقْفِ وَيَجْعَلَ لَهُ مِنْ جُعْلِهِ شَيْئًا وَلَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ وَيَسْتَبْدِلَ بِهِ أَوْ لَا يَسْتَبْدِلَ، وَلَوْ جُنَّ انْعَزَلَ وَكِيلُهُ وَيَرْجِعُ إلَى الْقَاضِي فِي النَّصْبِ اهـ وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْمُتَوَلِّيَ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي أَوْ الْوَاقِفِ كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَنْ التَّتِمَّةِ، وَقَالَ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْقُنْيَةِ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يُفَوِّضَ فِيمَا فُوِّضَ إلَيْهِ إنْ عَمَّمَ الْقَاضِي التَّفْوِيضَ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا اهـ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ فِي الْمُتَوَلِّي مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي فَقَطْ (قَوْلُهُ وَصِحَّتُهُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَرَادَ بِهِ بَيَانَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَيَاةِ مَا قَابَلَ الْمَرَضَ، وَهُوَ الصِّحَّةُ لَا مَا يَشْمَلُهُمَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ إنْ كَانَ التَّفْوِيضُ لَهُ بِالشَّرْطِ عَامًّا صَحَّ) لَمْ يَظْهَرْ لِي مَعْنَى قَوْلُهُ بِالشَّرْطِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ اشْتِرَاطُ الْوَاقِفِ أَوْ الْقَاضِي ذَلِكَ لَهُ وَقْتَ النَّصْبِ، وَمَعْنَى الْعُمُومِ كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ أَنَّهُ وَلَّاهُ وَأَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ وَجَعَلَ لَهُ أَنْ يُسْنِدَهُ وَيُوصِيَ بِهِ إلَى مَنْ شَاءَ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَجُوزُ التَّفْوِيضُ مِنْهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَفِي حَالَةِ الْمَرَضِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَوْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ بَحْثًا وَقَالَ بِخِلَافِ الْوَاقِفِ، فَإِنَّ لَهُ عَزْلَ الْقَيِّمِ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ وَالْقَيِّمُ لَا يَمْلِكُهُ كَالْوَكِيلِ إذَا أَذِنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ فِي أَنْ يُوَكِّلَ فَوَكَّلَ حَيْثُ لَمْ يَمْلِكْ الْعَزْلَ وَكَالْقَاضِي إذَا أَذِنَ لَهُ السُّلْطَانُ فِي الِاسْتِخْلَافِ فَاسْتَخْلَفَ شَخْصًا لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ، إلَّا إنْ شَرَطَ لَهُ السُّلْطَانُ الْعَزْلَ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّفْوِيضُ لَهُ عَامًّا لَا يَصِحُّ، وَقَوْلُهُ: فَإِنْ فَوَّضَ فِي صِحَّتِهِ الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصِّحَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ وَإِنْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ فِي حَيَاتِهِ وَإِنَّمَا صَحَّ إذَا فَوَّضَ فِي مَرَضِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 425 قَالَ: وَسُئِلْت عَنْ نَاظِرٍ مُعَيَّنٍ بِالشَّرْطِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِلْحَاكِمِ فَهَلْ إذَا فَوَّضَ النَّظَرَ لِغَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ يَنْتَقِلُ لِلْحَاكِمِ؟ فَأَجَبْت: إنْ فَوَّضَ فِي صِحَّتِهِ فَنَعَمْ، وَإِنْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لَا مَا دَامَ الْمُفَوَّضُ لَهُ بَاقِيًا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ،   [رد المحتار] مَوْتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّفْوِيضُ لَهُ عَامًّا لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ اهـ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ عَنْ الْأَشْبَاهِ الْفِعْلُ فِي الْمَرَضِ أَحَطُّ رُتْبَةً مِنْ الْفِعْلِ فِي الصِّحَّةِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ إسْنَادِ النَّاظِرِ النَّظَرَ لِغَيْرِهِ بِلَا شَرْطٍ فَإِنَّهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ صَحِيحٌ لَا فِي الصِّحَّةِ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهَا. اهـ. وَوَجْهُهُ مَا عَلِمْته مِنْ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ. وَلَمَّا كَانَ الْوَصِيُّ لَهُ عَزْلُ مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ وَنَصْبُ غَيْرِهِ اتَّجَهَ قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ الْعَزْلُ وَالتَّفْوِيضُ كَالْإِيصَاءِ بِخِلَافِ الْإِسْنَادِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ كَالْوَكِيلِ وَلَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ الْعَزْلَ كَمَا مَرَّ. مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ تَفْوِيضِ النَّاظِرِ النَّظَرَ فِي صِحَّتِهِ وَبَيْنَ فَرَاغِهِ عَنْهُ [تَنْبِيهٌ] صَرَّحُوا بِصِحَّةِ الْفَرَاغِ عَنْ النَّظَرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوَظَائِفِ، وَأَفْتَى الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ بِسُقُوطِ حَقِّ الْفَارِغِ بِمُجَرَّدِ فَرَاغِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يُتَابَعْ عَلَى ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْرِيرِ الْقَاضِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَيُنْزَعُ لَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا شَامِلٌ لِلْفَرَاغِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، فَيُنَافِي مَا هُنَا مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ التَّفْوِيضِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ بِلَا تَعْمِيمٍ، وَتَوَقَّفْت فِي ذَلِكَ مُدَّةً وَظَهَرَ لِي الْآنَ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْفَرَاغَ مَعَ التَّقْرِيرِ مِنْ الْقَاضِي عَزْلٌ لَا تَفْوِيضٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ: إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَنْصِبُ غَيْرَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ نَفْسِهِ مَا لَمْ يُبْلِغْ الْقَاضِيَ، ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ عَزْلِ نَفْسِهِ الْفَرَاغُ عَنْ وَظِيفَةِ النَّظَرِ لِرَجُلٍ عِنْدَ الْقَاضِي إلَخْ، فَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا لَا يَصِحُّ إقَامَةُ الْمُتَوَلِّي غَيْرَهُ مُقَامَهُ فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْقَاضِي. وَأَمَّا لَوْ كَانَ عِنْدَ الْقَاضِي كَانَ عَزْلًا لِنَفْسِهِ وَتَقْرِيرُ الْقَاضِي لِلْغَيْرِ نَصْبٌ جَدِيدٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْفَرَاغِ بِعَيْنِهَا وَبِهَذَا يَتَّجِهُ عَدَمُ سُقُوطِ حَقِّ الْفَارِغِ قَبْلَ تَقْرِيرِ الْقَاضِي، خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ إذْ لَوْ سَقَطَ قَبْلَهُ انْتَقَضَ قَوْلُهُمْ لَا تَصِحُّ إقَامَتُهُ فِي صِحَّتِهِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ تَقْرِيرِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ بَعْدَهُ يَصِيرُ عَزْلًا لِنَفْسِهِ عَنْ الْوَظِيفَةِ. وَلَا يَرِدُ أَنَّ الْعَزْلَ يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ عِلْمِ الْقَاضِي كَمَا مَرَّ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْرِيرِ لِأَنَّ الْفَرَاغَ عَزْلٌ خَاصٌّ مَشْرُوطٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِعَزْلِ نَفْسِهِ إلَّا لِتَصِيرَ الْوَظِيفَةُ لِمَنْ نَزَلَ لَهُ عَنْهَا فَإِذَا قَرَّرَ الْقَاضِي الْمَنْزُولَ لَهُ تَحَقَّقَ الشَّرْطُ فَتَحَقَّقَ الْعَزْلُ وَبِهَذَا تُجْمَعُ كَلِمَاتُهُمْ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ فَإِنَّهُ فَرِيدٌ (قَوْلُهُ: قَالَ) أَيْ صَاحِبُ الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ: فَأَجَبْتُ إنْ فَوَّضَ إلَخْ) أَيْ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ آنِفًا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ حَالِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْوَاقِفِ عَدَمُ الْإِذْنِ بِإِقَامَةِ غَيْرِهِ مُقَامَهُ لَا فِي الصِّحَّةِ وَلَا فِي الْمَرَضِ حَيْثُ شُرِطَ انْتِقَالُهُ مِنْ بَعْدِهِ لِلْحَاكِمِ وَكَذَا نَقَلَ الْحَمَوِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ انْتِقَالُهُ لِلْحَاكِمِ وَلَوْ فَوَّضَ فِي مَرَضِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 426 وَعَنْ وَاقِفٍ شَرَطَ مُرَتَّبًا لِرَجُلٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِلْفُقَرَاءِ فَفَرَغَ مِنْهُ لِغَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ هَلْ يَنْتَقِلُ لِلْفُقَرَاءِ؟ فَأَجَبْت: بِالِانْتِقَالِ وَفِيهَا لِلْوَاقِفِ عَزْلُ النَّاظِرِ مُطْلَقًا، بِهِ يُفْتَى، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ عَزْلِهِ لِمُدَرِّسٍ وَإِمَامٍ وَلَّاهُمَا،   [رد المحتار] لِأَنَّ فِي التَّفْوِيضِ تَفْوِيتَ الْعَمَلِ بِالشَّرْطِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ الْوَاقِفِ اهـ وَنَقَلَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ: أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِمَّا لَمْ يُطَّلَعْ عَلَى نَصٍّ فِيهَا. اهـ. مَطْلَبٌ شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ لِزَيْدٍ لَيْسَ لِعَبْدِ اللَّهِ أَنْ يُفَوِّضَ لِرَجُلٍ آخَرَ قُلْت: بَلْ هِيَ مَنْصُوصَةٌ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَنْ أَوْقَافِ هِلَالٍ، وَنَصُّهُ: إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ وِلَايَةَ هَذِهِ الصَّدَقَةِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ وَمِنْ بَعْدِ عَبْدِ اللَّهِ إلَى زَيْدٍ فَمَاتَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ أَيَكُونُ لِلْوَصِيِّ وِلَايَةٌ مَعَ زَيْدٍ قَالَ لَا يَجُوزُ لَهُ وِلَايَةٌ مَعَ زَيْدٍ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ: فَمَاتَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ فَمَا قِيلَ إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الصِّحَّةِ فَلَا يُنَافِي مَا فِي الْأَشْبَاهِ مَرْدُودٌ، بَلْ الْعَمَلُ بِالْمُتَبَادِرِ مِنْ الْمَنْقُولِ مَا لَمْ يُوجَدْ نَقْلٌ صَرِيحٌ بِخِلَافِهِ، وَلَمْ يَسْتَنِدْ فِي الْأَشْبَاهِ إلَى نَقْلٍ حَتَّى يُعْدَلَ عَنْ هَذَا الْمَنْقُولِ الْوَاجِبِ الْعَمَلُ بِهِ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى نَصِّ الْوَاقِفِ، وَهَذَا مَا حَرَّرَهُ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيُّ رَادًّا عَلَى الْأَشْبَاهِ، وَبِذَلِكَ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ الْحَانُوتِيُّ أَيْضًا فِيمَنْ شَرَطَ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ فَفَوَّضَ الْأَرْشَدُ لِزَوْجِ بِنْتِهِ وَمَاتَ فَقَالَ يَنْتَقِلُ لِمَنْ بَعْدَهُ عَمَلًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ، وَتَمَامُهُ فِي فَتَاوَاهُ. وَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ: التَّفْوِيضُ الْمُخَالِفُ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ لَا يَصِحُّ فَإِذَا شَرَطَ لِلْأَرْشَدِ فَفَوَّضَ الْأَرْشَدُ فِي الْمَرَضِ لِغَيْرِ الْأَرْشَدِ وَظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ يُوَلِّي الْقَاضِي الْأَرْشَدَ اهـ وَقَوْلُهُ: وَظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ أَيْ خِيَانَةُ الْمُفَوِّضِ حَيْثُ خَالَفَ فِي تَفْوِيضِ ذَلِكَ شَرْطَ الْوَاقِفِ، وَمَا اُشْتُهِرَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ مِنْ أَنَّ مُخْتَارَ الْأَرْشَدِ أَرْشَدُ قَدَّمْنَا رَدَّهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُنْزَعُ لَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ إلَخْ وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ (قَوْلُهُ: شَرَطَ مُرَتَّبًا) أَيْ رَتَّبَ لَهُ مِنْ رَيْعِ الْوَقْفِ دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرَهَا (قَوْلُهُ: وَفِيهَا) أَيْ فِي الْأَشْبَاهِ. مَطْلَبٌ لِلْوَاقِفِ عَزْلُ النَّاظِرِ (قَوْلُهُ: لِلْوَاقِفِ عَزْلُ النَّاظِرِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءً كَانَ بِجُنْحَةٍ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ شَرَطَ لَهُ الْعَزْلَ أَوْ لَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ وَخَالَفَهُ مُحَمَّدٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ: أَيْ لِأَنَّهُ وَكِيلُ الْفُقَرَاءِ عِنْدَهُ، وَأَمَّا عَزْلُ الْقَاضِي لِلنَّاظِرِ فَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُنْزَعُ لَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) وَاَلَّذِي فِي التَّجْنِيسِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَيْ بِعَدَمِ الْعَزْلِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ وَجَزَمَ بِهِ فِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَكَذَلِكَ الْمُؤَلِّفُ أَيْ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي رَسَائِلِهِ وَهُوَ مِنْ بَابِ الِاخْتِلَافِ فِي الِاخْتِيَارِ. اهـ. بِيرِيٌّ أَيْ فِيهِ اخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ. قُلْت: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي فَإِنَّهُ شَرْطٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فَلَا تَبْقَى لِلْوَاقِفِ وِلَايَةٌ إلَّا بِالشَّرْطِ، وَغَيْرُ شَرْطٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَتَبْقَى وِلَايَتُهُ فَاخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِهِ هُنَاكَ. مَطْلَبٌ فِي عَزْلِ الْوَاقِفِ الْمُدَرِّسَ وَالْإِمَامَ وَعَزْلِ النَّاظِرِ نَفْسَهُ (قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ عَزْلِهِ لِمُدَرِّسٍ وَإِمَامٍ وَلَا هُمَا) أَقُولُ: وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمُدَرِّسَ كَذَلِكَ بِلَا فَرْقٍ. فَفِي لِسَانِ الْحُكَّامِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: إذَا عَرَضَ لِلْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ عُذْرٌ مَنَعَهُ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَعْزِلَهُ وَيُوَلِّيَ غَيْرَهُ، وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ عَزْلِهِ إذَا مَضَى شَهْرٌ بِيرِيٌّ. أَقُولُ: إنَّ هَذَا الْعَزْلَ لِسَبَبٍ مُقْتَضٍ وَالْكَلَامُ عِنْدَ عَدَمِهِ ط. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 427 وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ نَاظِرًا فَنَصَبَ الْقَاضِي لَمْ يَمْلِكْ الْوَاقِفُ إخْرَاجَهُ، وَلَوْ عَزَلَ النَّاظِرُ نَفْسَهُ إنْ عَلِمَ الْوَاقِفُ أَوْ الْقَاضِي صَحَّ وَإِلَّا لَا. (بَاعَ دَارًا) ثُمَّ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ (ثُمَّ ادَّعَى أَنِّي كُنْتُ وَقَفْتُهَا أَوْ قَالَ وُقِفَ عَلَيَّ لَمْ تَصِحَّ) فَلَا يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي (وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً) أَوْ أَبْرَزَ حُجَّةً شَرْعِيَّةً (قُبِلَتْ) فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ وَيَلْزَمُ أَجْرُ الْمِثْلِ فِيهِ لَا فِي الْمِلْكِ لَوْ اُسْتُحِقَّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بَزَّازِيَّةٌ وَغَيْرُهَا، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي حَبْسُهُ بِالثَّمَنِ مُنْيَةٌ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ وَهِيَ إحْدَى الْمَسَائِلِ السَّبْعِ الْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ قَوْلِهِمْ: مَنْ سَعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ فَسَعْيُهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ. -   [رد المحتار] قُلْت: وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُؤَيَّدَةِ التَّصْرِيحَ بِالْجَوَازِ لَوْ غَيْرُهُ أَصْلَحُ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَحْرِ حُكْمَ عَزْلِ الْقَاضِي الْمُدَرِّسَ وَنَحْوَهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِجُنْحَةٍ وَعَدَمِ أَهْلِيَّةٍ (قَوْلُهُ: فَنَصَبَ الْقَاضِي) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ فَنَصَبَ الْقَاضِي لَهُ قَيِّمًا وَقَضَى بِقِوَامَتِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَضَاءَ شَرْطٌ لِعَدَمِ إخْرَاجِ الْوَاقِفِ لَهُ. وَذَكَرَ الْبِيرِيُّ أَنَّ مَنْصُوبَ الْوَاقِفِ كَذَلِكَ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِقِوَامَتِهِ لَا يَمْلِكُ الْوَاقِفُ إخْرَاجَهُ وَعَزَاهُ لِلْأَجْنَاسِ (قَوْلُهُ: إنْ عَلِمَ الْوَاقِفُ أَوْ الْقَاضِي صَحَّ) فَهُوَ كَالْوَكِيلِ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى عَزْلِ نَفْسِهِ وَفَرَاغِهِ لِآخَرَ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِلَا عَزْلٍ لَكِنْ فِي الْأَشْبَاهِ فِي بَحْثِ مَا يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ قَالَ وَفِي الْقُنْيَةِ النَّاظِرُ الْمَشْرُوطُ لَهُ النَّظَرُ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ لَا يَنْعَزِلُ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهُ الْوَاقِفُ أَوْ الْقَاضِي اهـ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ فِيمَنْ بَاعَ دَارًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ) لَيْسَ هَذَا قَيْدٌ بَلْ ذَكَرَهُ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي قَبُولِ الْبَيِّنَةِ بَيْنَ بَقَائِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَوْ خُرُوجِهِ عَنْهَا إلَى آخَرَ أَوْ لِأَنَّهُ صُورَةُ وَاقِعَةٍ سُئِلَ عَنْهَا ابْنُ نُجَيْمٍ فِيمَنْ يَمْلِكُ عَقَارًا فَبَاعَهُ مِنْ آخَرَ وَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ مُدَّةُ سِنِينَ ثُمَّ أَظْهَرَ الْبَائِعُ مَكْتُوبًا شَرْعِيًّا بِإِيقَافِ الْعَقَارِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَأَجَابَ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَإِذَا ثَبَتَ بَطَلَ الْبَيْعُ اهـ (قَوْلُهُ: أَوْ قَالَ وَقِفَ عَلَيَّ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْوَاقِفَ أَوْ غَيْرُهُ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ: لَمْ تَصِحَّ) أَيْ الدَّعْوَى لِلتَّنَاقُضِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي) لِأَنَّ التَّحْلِيفَ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ أَفَادَهُ فِي الْهِنْدِيَّةِ ط (قَوْلُهُ: أَوْ أَبْرَزَ حُجَّةً شَرْعِيَّةً) أَيْ كِتَابَ وَقْفٍ لَهُ أَصْلٌ فِي دِيوَانِ الْقُضَاةِ الْمَاضِينَ، كَمَا قَدَّمْنَا عِنْدَ قَوْلِهِ: وَتُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ حِسْبَةً لَا الدَّعْوَى إلَخْ وَفِي الْقُنْيَةِ: أَمَّا الْكِتَابُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي وُجِدَ فِي يَدِ الْخَصْمِ هَلْ يَدْفَعُ الدَّعْوَى وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَدْفَعُ وَيَعْمَلُ الْقُضَاةُ بِكِتَابِ الْقُضَاةِ الْمَاضِينَ اهـ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالْوَقْفِ الْقَدِيمِ (قَوْلُهُ: قُبِلَتْ) أَيْ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّ الدَّعْوَى وَإِنْ بَطَلَتْ لِلتَّنَاقُضِ بَقِيَتْ الشَّهَادَةُ، وَهِيَ مَقْبُولَةٌ فِي الْوَقْفِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى هِنْدِيَّةٌ ط (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ أَجْرُ الْمِثْلِ فِيهِ) أَيْ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ مَنَافِعَ الْوَقْفِ مَضْمُونَةٌ وَإِنْ كَانَتْ بِشُبْهَةِ مِلْكٍ كَمَا مَرَّ وَقَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: لَا فِي الْمِلْكِ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ مِلْكُ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ كَالْوَقْفِ، وَأَمَّا الْمُعَدُّ لِلِاسْتِغْلَالِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ أَيْضًا لَكِنَّهُ إذَا سَكَنَهُ بِتَأْوِيلِ مِلْكٍ كَسُكْنَى شَرِيكٍ أَوْ مُشْتَرٍ أَوْ بِتَأْوِيلِ عَقْدِ رَهْنٍ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِخِلَافِ عَقَارِ الْوَقْفِ أَوْ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ مُطْلَقًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي حَبْسُهُ بِالثَّمَنِ) لِأَنَّ الْحَبْسَ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ وَالْوَقْفُ لَا يُرْهَنُ ط. مَطْلَبٌ مَنْ سَعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ فَسَعْيُهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ إلَّا فِي تِسْعِ مَسَائِلَ (قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ إحْدَى الْمَسَائِلِ السَّبْعِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَضَاءِ الْأَشْبَاهِ أَنَّهَا تِسْعٌ: الْأُولَى: اشْتَرَى عَبْدًا قَبَضَهُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَهُ قَبْلَهُ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِكَذَا وَبَرْهَنَ يُقْبَلُ لِأَنَّهُ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَنَّهُ مِلْكُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 428 وَاعْتَمَدَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ أَنَّهُ إنْ ادَّعَى وَقْفًا مَحْكُومًا بِلُزُومِهِ قُبِلَ وَإِلَّا لَا وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ، لَكِنْ اعْتَمَدَ الْأَوَّلَ آخِرَ الْكِتَابِ تَبَعًا لِلْكَنْزِ وَغَيْرِهِ: وَفِي الْعِمَادِيَّةِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَصَوَّبَهُ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ: وَهُوَ أَحْوَطُ. وَفِي دَعْوَى الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ وَهَذَا فِي وَقْفٍ هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَمَّا لَوْ كَانَ عَلَى الْعِبَادِ لَمْ يَجُزْ. قُلْت: قَدْ قَدَّمْنَا قَبُولَهَا مُطْلَقًا لِثُبُوتِ أَصْلِهِ لِمَآلِهِ لِلْفُقَرَاءِ فَتَدَبَّرْ وَفِي فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ: نَعَمْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ   [رد المحتار] الْغَائِبِ. الثَّانِيَةُ: وَهَبَ جَارِيَةً وَاسْتَوْلَدَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الْوَاهِبُ أَنَّهُ كَانَ دَبَّرَهَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا وَبَرْهَنَ يُقْبَلُ وَيَسْتَرِدُّهَا وَالْعُقْرَ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ فِيمَا هُوَ مِنْ حُقُوقُ الْحُرِّيَّةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ وَنَدِمَ. الثَّالِثَةُ: بَاعَهُ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهُ. وَفِي الْفَتْحِ التَّنَاقُضُ لَا يَضُرُّ فِي الْحُرِّيَّةِ وَفُرُوعِهَا اهـ وَظَاهِرُهُ قَبُولُ دَعْوَى الْبَائِعِ التَّدْبِيرَ وَالِاسْتِيلَادَ فَالْهِبَةُ مِثَالُ الرَّابِعَةِ: اشْتَرَى أَرْضًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ بَائِعَهَا كَانَ جَعَلَهَا مَقْبَرَةً أَوْ مَسْجِدًا الْخَامِسَةُ: اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ أَعْتَقَهُ وَبَرْهَنَ يُقْبَلُ عِنْدَ الثَّانِي لَا عِنْدَهُمَا السَّادِسَةُ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ السَّابِعَةُ: بَاعَ الْأَبُ مَالَ وَلَدِهِ ثُمَّ ادَّعَى الْغَبْنَ الْفَاحِشَ إلَّا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، الثَّامِنَةُ: إذَا بَاعَ الْوَصِيُّ ثُمَّ ادَّعَى كَذَلِكَ. التَّاسِعَةُ: الْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَقْفِ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ: وَكَذَا كُلُّ مَنْ بَاعَ ثُمَّ ادَّعَى الْفَسَادَ وَشَرَطَ الْعِمَادِيُّ التَّوْفِيقَ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ وَذَكَرَ فِيهَا اخْتِلَافًا اهـ مَا فِي الْأَشْبَاهِ مُلَخَّصًا مَعَ زِيَادَةٍ. مَطْلَبٌ بَاعَ عَقَارًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ وَقْفٌ (قَوَّاهُ وَاعْتَمَدَ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ إلَخْ) أَيْ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ كِتَابِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ فِي الْفَتْحِ جَزَمَ بِهِ حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ بَاعَ عَقَارًا ثُمَّ بَرْهَنَ أَنَّهُ وَقْفٌ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْوَقْفِ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ، وَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُ وَقْفٌ مَحْكُومٌ بِلُزُومِهِ يُقْبَلُ. اهـ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ فِي مَتْنِهِ وَقَالَ فِي شَرْحِهِ هُنَا: يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْإِفْتَاءِ وَالْقَضَاءِ اهـ. قَالَ ط: وَهَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لَا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ مِنْ أَنَّهُ يَتِمُّ بِلَفْظِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهِ اهـ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ يَلْزَمُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَيْضًا إذَا كَانَ مُضَافًا إلَى الْمَوْتِ أَوْ كَانَ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْعِمَادِيَّةِ لَا تُقْبَلُ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ. وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ وَيُنْقَضُ الْبَيْعُ قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَصَوَّبَهُ الزَّيْلَعِيُّ) حَيْثُ قَالَ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ قِيلَ تُقْبَلُ وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ وَهُوَ أَصْوَبُ وَأَحْوَطُ (قَوْلُهُ: قُلْت قَدْ قَدَّمْنَا) أَيْ عَنْ الْمُصَنِّفِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَتُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِدُونِ الدَّعْوَى (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ ابْتِدَاءً أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ) يَعْنِي الدَّعْوَى الْمَقْرُونَةَ بِالْبَيِّنَةِ أَمَّا الدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةُ عَنْ الْبَيِّنَةِ فَلَا تُسْمَعُ حَتَّى لَا يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي كَمَا مَرَّ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ بِعَدَمِ سَمَاعِهَا فِي الصَّحِيحِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمُعْتَمَدَ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ دُونَ الدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَتْنِ هُنَا وَقَدَّمْنَا عَنْ شَرْحِهِ تَرْجِيحَهُ. وَفِي الْخَيْرِيَّةِ أَجَابَ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَكِنْ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَصَحُّ الْقَبُولُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْوَقْفَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَتُسْمَعُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ بِدُونِ الدَّعْوَى وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْمُسَجَّلِ فَتُقْبَلُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَلَا تُقْبَلُ وَالْأَصَحُّ مَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ وَقْفٌ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ لَهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ اهـ وَقَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 429 وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ [مَطْلَبٌ فِيمَنْ بَاعَ دَارًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ] (الْبَانِي) لِلْمَسْجِدِ (أَوْلَى) مِنْ الْقَوْمِ (بِنَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ فِي الْمُخْتَارِ إلَّا إذَا عَيَّنَ الْقَوْمُ أَصْلَحَ مِمَّنْ عَيَّنَهُ) الْبَانِي (صَحَّ الْوَقْفُ قَبْلَ وُجُودِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) فَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ زَيْدٍ وَلَا وَلَدَ لَهُ أَوْ عَلَى مَكَان هَيَّأَهُ لِبِنَاءِ مَسْجِدٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ صَحَّ (فِي الْأَصَحِّ) وَتُصْرَفُ الْغَلَّةُ لِلْفُقَرَاءِ إلَى أَنْ يُولَدَ لِزَيْدٍ أَوْ يُبْنَى الْمَسْجِدُ عِمَادِيَّةٌ زَادَ فِي النَّهْرِ:   [رد المحتار] الشَّارِحُ فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ تُقْبَلُ عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِمَا صَوَّبَهُ الزَّيْلَعِيُّ. اهـ. قُلْت: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ التَّحْقِيقَ هُوَ التَّفْصِيلُ وَالتَّوْفِيقُ وَذَلِكَ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا ادَّعَى فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى إثْبَاتِ أَصْلِ الْوَقْفِ وَلَا يُعْطَى شَيْئًا مِنْ الْغَلَّةِ لِعَدَمِ صِحَّةِ دَعْوَاهُ وَقَدْ مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَتُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِدُونِ الدَّعْوَى تَحْقِيقُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ مِنْ أَنَّ ثُبُوتَ أَصْلِ الْوَقْفِ لَا يَحْتَاجُ لِلدَّعْوَى وَأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَا يُدْفَعُ لَهُ شَيْءٌ بِلَا دَعْوَى حِينَئِذٍ، فَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِتَنَاقُضِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي غَيْرُهُ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهُ لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ مِنْهُمْ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى الْمَسْجِدِ فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ وَيَثْبُتُ الْوَقْفُ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ كَوْنِ الْمُدَّعِي هُوَ الْبَائِعُ أَوْ غَيْرُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [تَنْبِيهٌ] بَقِيَ مَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا ثُمَّ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهَا وَقْفٌ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَى الْبَائِعِ لَوْ هُوَ الْمُتَوَلِّي وَإِلَّا نَصَبَ الْقَاضِي لَهُ مُتَوَلِّيًا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي جَعْفَرَ وَغَيْرِهِ: وَإِنْ لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِ الْمُتَوَلِّي لِلتَّنَاقُضِ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِدُونِ الدَّعْوَى وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي الْخَيْرِيَّةِ فِي الثُّلُثِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ الْبَانِي أَوْلَى) وَكَذَا وَلَدُهُ وَعَشِيرَتُهُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ أَشْبَاهٌ (قَوْلُهُ: بِنَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ) أَمَّا فِي الْعِمَارَةِ فَنَقَلَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ أَنَّ الْبَانِيَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا عَيَّنَ الْقَوْمُ أَصْلَحَ مِمَّنْ عَيَّنَهُ) لِأَنَّ مَنْفَعَةَ ذَلِكَ تَرْجِعُ إلَيْهِمْ أَنْفَعُ الْوَسَائِلِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى مَكَان هَيَّأَهُ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَكَانَ مَوْجُودٌ فَيَكُونُ وَقْفًا عَلَى مَوْجُودٍ وَاَلَّذِي فِي الْمِنَحِ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ هَيَّأَ مَوْضِعًا لِبِنَاءِ مَدْرَسَةٍ وَقَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ وَقَفَ عَلَى هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ وَقْفًا لِشَرَائِطِهِ وَجَعَلَ آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ إلَخْ وَقَيَّدَ بِتَهْيِئَةِ الْمَكَانِ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ سَيُعَمِّرُهُ وَلَمْ يُهَيِّئْ مَكَانَهُ لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ كَمَا أَفْتَى بِهِ مُفْتِي دِمَشْقَ الْمُحَقِّقُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَفَنْدِي الْعِمَادِيُّ (قَوْلُهُ وَتُصْرَفُ الْغَلَّةُ لِلْفُقَرَاءِ إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا الْوَقْفُ يُسَمَّى مُنْقَطِعَ الْأَوَّلِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ أَرْضِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَنْ يَحْدُثُ لِي مِنْ الْوَلَدِ وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ يَصِحُّ فَإِذَا أَدْرَكَتْ الْغَلَّةُ تُقْسَمُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَإِنْ حَدَثَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ الْقِسْمَةِ تُصْرَفُ الْغَلَّةُ الَّتِي تُوجَدُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى هَذَا الْوَلَدِ لِأَنَّ قَوْلَهُ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَذَكَرَ الْوَلَدَ الْحَادِثَ لِلِاسْتِثْنَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ إلَّا إنْ حَدَثَ لِي وَلَدٌ فَغَلَّتُهَا لَهُ مَا بَقِيَ اهـ وَمِنْهُ مَا فِي الْإِسْعَافِ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَلَدُ ابْنٍ تُصْرَفُ الْغَلَّةُ لِوَلَدِ الِابْنِ إلَى أَنْ يَحْدُثَ لِلْوَاقِفِ وَلَدٌ لِصُلْبِهِ فَتُصْرَفُ إلَيْهِ اهـ وَقَدْ يَكُونُ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ وَمِنْهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَفَ عَلَى وَلَدَيْهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ وَلَدٍ يُصْرَفُ نِصْفُ الْغَلَّةِ إلَى الْبَاقِي وَالنِّصْفَ إلَى الْفُقَرَاءِ فَإِذَا مَاتَ الْآخَرُ يُصْرَفُ الْجَمِيعُ إلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ شَرْطِ الْوَاقِفِ لَازِمٌ وَالْوَاقِفُ إنَّمَا جَعَلَ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا يُصْرَفُ النِّصْفُ إلَى الْفُقَرَاءِ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ وَالْمُنْقَطِعِ الْوَسَطِ [تَنْبِيهٌ] عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ مُنْقَطِعَ الْأَوَّلِ وَمُنْقَطِعَ الْوَسَطِ يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ. وَوَقَعَ فِي الْخَيْرِيَّةِ خِلَافٌ حَيْثُ قَالَ فِي تَعْلِيلِ جَوَابِ مَا نَصَّهُ لِلِانْقِطَاعِ الَّذِي صَرَّحُوا، بِأَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الْأَقْرَبِ لِلْوَاقِفِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِغَرَضِهِ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 430 وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ وَقَفَهُ عَلَى مَدْرَسَةٍ يُدَرِّسُ فِيهَا الْمُدَرِّسُ مَعَ طَلَبَتِهِ فَدَرَّسَ فِي غَيْرِهَا لِتَعَذُّرِ التَّدْرِيسِ فِيهَا أَنْ تُصْرَفَ الْعَلُوفَةُ لَهُ لَا لِلْفُقَرَاءِ كَمَا يَقَعُ فِي الرُّومِ. [فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ حَدَثَتْ لِلْفَتْوَى] أَرْصَدَ الْإِمَامُ أَرْضًا عَلَى سَاقِيَةٍ لِيَصْرِفَ خَرَاجَهَا لِكُلْفَتِهَا فَاسْتَغْنَى عَنْهَا لِخَرَابِ الْبَلَدِ فَنَقَلَهَا وَكِيلُ الْإِمَامِ لِسَاقِيَةٍ هِيَ مِلْكٌ هَلْ يَصِحُّ؟ أَجَابَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ الْإِرْصَادَ عَلَى الْمِلْكِ إرْصَادٌ عَلَى الْمَالِكِ يَعْنِي فَيَصِحُّ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ الْمُرْصَدَ عَلَيْهِ إدَارَتُهَا كَمَا كَانَتْ لِمَا فِي الْحَاوِي الْحَوْضُ إذَا خَرِبَ صُرِفَتْ أَوْقَافُهُ فِي حَوْضٍ آخَرَ فَتَدَبَّرْ. دَارٌ كَبِيرَةٌ فِيهَا بُيُوتٌ وَقَفَ بَيْتًا مِنْهَا عَلَى عَتِيقَةِ فُلَانٍ وَالْبَاقِي عَلَى ذُرِّيَّتِهِ وَعَقِبِهِ ثُمَّ عَلَى عُتَقَائِهِ فَآلَ الْوَقْفُ إلَى الْعُتَقَاءِ هَلْ يَدْخُلُ مَنْ خَصَّهُ بِالْبَيْتِ فِي الثَّانِي؟ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ أَخْذًا مِنْ خِلَافٍ   [رد المحتار] وَهَذَا سَبْقُ قَلَمٍ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَقَدْ قَالَ نَفْسُهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ مِنْ الْخَيْرِيَّةِ وَالْمُنْقَطِعُ الْوَسَطِ فِيهِ خِلَافٌ قِيلَ يُصْرَفُ إلَى الْمَسَاكِينِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا وَالْمُتَظَافِرُ عَلَى أَلْسِنَةِ عُلَمَائِنَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَسْطُرٍ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ آخَرَ وَفِي مُنْقَطِعِ الْوَسَطِ الْأَصَحُّ صَرْفُهُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ اهـ (قَوْلُهُ: يَنْبَغِي إلَخْ) وَفِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ بَعْدَ كَلَامٍ فَعُلِمَ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ الْوَقْفَ الْمَعْلُومَ لِأَحَدٍ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ عِنْدَ قِيَامِ الْمَانِعِ مِنْ الْعَمَلِ وَلَمْ يَكُنْ بِتَقْصِيرِهِ سَوَاءٌ كَانَ نَاظِرًا أَوْ غَيْرَهُ كَالْجَابِي. اهـ. [فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ] (قَوْلُهُ: أَرْصَدَ الْإِمَامُ أَرْضًا) أَيْ أَخْرَجَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَعَيَّنَهَا لِهَذِهِ الْجِهَةِ وَالْإِرْصَادُ لَيْسَ بِوَقْفٍ حَقِيقَةً لِعَدَمِ الْمِلْكِ بَلْ يُشْبِهُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: يَعْنِي فَيَصِحُّ) عِبَارَةُ النَّهْرِ بَعْدَهُ وَهَذَا لَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِ عُلَمَائِنَا إلَّا أَنَّهُ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ الْمَسْجِدُ إذَا خَرِبَ أَوْ الْحَوْضُ إذَا خَرِبَ وَلَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ لِتَفَرُّقِ النَّاسِ عَنْهُ صُرِفَتْ أَوْقَافُهُ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ حَوْضٍ آخَرَ اهـ وَعَلَى هَذَا فَيَلْزَمُ الْمُرْصَدَ عَلَيْهِ أَنْ يُدِيرَهُمَا لِسَقْيِ الدَّوَابِّ وَتَسْبِيلِ الْمَاءِ كَمَا كَانَتْ، وَلَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَوْنِهِ إرْصَادًا عَلَى الْمَالِكِ أَنْ لَا يَلْزَمَ ذَلِكَ فَتَدَبَّرْهُ اهـ كَلَامُ النَّهْرِ وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمَنْقُولَ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ إذَا خَرِبَ يُصْرَفُ وَقْفُهُ إلَى مُجَانِسِهِ فَتُصْرَفُ أَوْقَافُ الْمَسْجِدِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَأَوْقَافُ الْحَوْضِ إلَى حَوْضٍ آخَرَ وَالْإِرْصَادُ نَظِيرُ الْوَقْفِ، فَحَيْثُ اسْتَغْنَى عَنْ السَّاقِيَةِ الْأُولَى وَأَرْصَدَ وَكِيلُ الْإِمَامِ الْأَرْضَ عَلَى السَّاقِيَةِ الثَّانِيَةِ الْمَمْلُوكَةِ وَكَانَ ذَلِكَ إرْصَادًا عَلَى مَالِكِهَا يَلْزَمُ الْمَالِكَ أَنْ يُدِيرَ تِلْكَ الْأَرْضَ أَيْ غَلَّتَهَا وَخَرَاجَهَا إلَى سَقْيِ الدَّوَابِّ وَنَحْوِهَا لِيَكُونَ صَرْفًا إلَى مَا يُجَانِسُ الْأَوَّلَ كَمَا فِي الْوَقْفِ، لِأَنَّ وَكِيلَ الْإِمَامِ لَمْ يَرْصُدْهَا لِيَنْتَفِعَ الْمَالِكُ بِخَرَاجِهَا كَيْفَمَا أَرَادَ بَلْ لِيَكُونَ لِسَقْيِ الْمَاءِ كَمَا كَانَتْ حِينَ أَرْصَدَهَا الْإِمَامُ أَوْ لَا، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمَالِكَ إدَارَةُ خَرَاجِ الْأَرْضِ عَلَى سَاقِيَتِهِ الَّتِي أَرْصَدَ عَلَيْهَا وَكِيلُ الْإِمَامِ بَلْ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى سَاقِيَةٍ أُخْرَى إذْ لَا يَلْزَمُهُ بِالْإِرْصَادِ الْمَذْكُورِ أَنْ يُسَبِّلَ مِلْكَهُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ لَك أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ إدَارَتُهَا كَمَا كَانَتْ عَائِدٌ إلَى الْأَرْضِ الْمُرْصَدَةِ لَا إلَى السَّاقِيَةِ كَمَا لَا يَخْفَى وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَجْعَلَ سَاقِيَتَهُ سَبِيلًا لِلنَّاسِ جَبْرًا وَلَا يَقُولُهُ أَحَدٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِمَا فِي الْحَاوِي إلَخْ) حَاصِلُهُ: أَنَّ مَا خَرِبَ تُصْرَفُ أَوْقَافُهُ إلَى مُجَانِسِهِ فَكَذَا الْإِرْصَادُ، فَهُوَ اسْتِدْلَالٌ عَلَى قَوْلِهِ تَلْزَمُ إدَارَتُهَا أَيْ الْأَرْضِ الْمُرْصَدَةِ كَمَا كَانَتْ أَيْ بِأَنْ يَصْرِفَ خَرَاجَهَا فِي تَسْبِيلِ الْمَاءِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ، وَالْمَقْصُودُ إلْحَاقُ الْإِرْصَادِ بِالْوَقْفِ لِأَنَّهُ نَظِيرُهُ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ النَّقْلِ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ وَقْفٍ إلَى وَقْفٍ وَفِي الْحَادِثَةِ وَمِنْ وَقْفٍ إلَى مِلْكٍ فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ وَقَفَ بَيْتًا عَلَى عَتِيقَةِ فُلَانٍ وَالْبَاقِي عَلَى عُتَقَائِهِ هَلْ يَدْخُلُ فُلَانٌ مَعَهُمْ؟ (قَوْلُهُ: فِي الثَّانِي) مُتَعَلِّقٌ بِيَدْخُلُ أَيْ فِي الْوَقْفِ الثَّانِي الْمَوْقُوفِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالْعَقِبِ ثُمَّ عَلَى الْعُتَقَاءِ وَالْمُرَادُ هَلْ يُشَارِكُ عَتِيقَةَ فُلَانٍ بَقِيَّةُ الْعُتَقَاءِ فِيمَا آلَ إلَيْهِمْ لِكَوْنِهِ مِنْهُمْ أَوْ لَا يَدْخُلُ لِكَوْنِ الْوَاقِفِ خَصَّهُ بِوَقْفٍ عَلَى حِدَةٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 431 مَذْكُورٍ فِي الذَّخِيرَةِ، لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمَالٍ وَلِلْفُقَرَاءِ بِمَالٍ وَالْمُوصَى لَهُ مُحْتَاجٌ هَلْ يُعْطَى مِنْ نَصِيبِ الْفُقَرَاءِ؟ اخْتَلَفُوا وَالْأَصَحُّ نَعَمْ. اسْتَأْجَرَ دَارًا مَوْقُوفَةً فِيهَا أَشْجَارٌ مُثْمِرَةٌ هَلْ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا؟ الظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ شَرْطَ الْوَاقِفِ لَمْ يَأْكُلْ لِمَا فِي الْحَاوِي: غَرَسَ فِي الْمَسْجِدِ أَشْجَارًا تُثْمِرُ إنْ غَرَسَ لِلسَّبِيلِ فَلِكُلِّ مُسْلِمٍ الْأَكْلُ وَإِلَّا فَتُبَاعُ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ   [رد المحتار] (قَوْلُهُ: مَذْكُورٌ فِي الذَّخِيرَةِ) عِبَارَتُهَا لَوْ جَعَلَ نِصْفَ غَلَّةِ أَرْضِهِ لِفُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ لِلْمَسَاكِينٍ فَاحْتَاجَ فُقَرَاءُ قَرَابَتِهِ هَلْ يُعْطَوْنَ مِنْ نِصْفِ الْمَسَاكِينِ؟ قَالَ هِلَالٌ لَا وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ السَّمْتِيِّ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ وَعَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْفَارِسِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِي: يُعْطَوْنَ. اهـ. نَهْرٌ (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ إفْتَاءُ بَعْضِ عُلَمَاءِ الرُّومِ يَعْنِي حَيْثُ وُجِدَ تَصْرِيحُ الْخَانِيَّةِ بِالْأَصَحِّ فَلَا وَجْهَ لِلِاخْتِلَافِ بَلْ يَلْزَمُ مُتَابَعَةُ الْأَصَحِّ بَعْدَ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ. وَقَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا مُلَخَّصُ رِسَالَةٍ كَبِيرَةٍ لِمَوْلَانَا قَاضِي الْقُضَاةِ عَلِيٍّ جَلَبِي وَضَعَهَا حِينَ نَقَضَ حُكْمَ مَوْلَانَا مُحَمَّدٍ شَاهْ بَادِرْنَهْ وَكُلٌّ مِنْهُمَا رَدَّ عَلَى صَاحِبِهِ وَقَدْ عَلِمْت مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَاعْتَمِدْهُ، اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. مَطْلَبٌ وَقَفَ النِّصْفَ عَلَى ابْنِهِ زَيْدٍ وَالنِّصْفَ عَلَى امْرَأَتِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ يَدْخُلُ زَيْدٌ فِيهِمْ قُلْت: وَقَدْ رَأَيْت فِي الْخَانِيَّةِ صَرِيحَ الْوَاقِعَةِ وَهُوَ وَقَفَ ضَيْعَةً نِصْفَهَا عَلَى امْرَأَتِهِ وَنِصْفَهَا عَلَى وَلَدِ زَيْدٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ فَنَصِيبُهَا لِأَوْلَادِهِ ثُمَّ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ فَالنِّصْفُ لِابْنِهِ زَيْدٍ وَنَصِيبُ الْمَرْأَةِ لِسَائِرِ الْأَوْلَادِ وَلِزَيْدٍ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَصِيبَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا لِأَوْلَادِهِ وَزَيْدٌ مِنْهُمْ أَيْضًا اهـ مُلَخَّصًا وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْوَصِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ فِيهَا تَفْصِيلًا فَقَالَ: إنْ أَوْصَى لِلْكُلِّ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَا يَأْخُذُ، وَإِنْ أَوْصَى لَهُ ثُمَّ أَوْصَى بِوَصَايَا أُخَرَ ثُمَّ أَوْصَى فِي آخِرِهِ لِلْفُقَرَاءِ بِكَذَا فَلَهُ الْأَخْذُ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ لَمَّا قَالَ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ مَيَّزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفُقَرَاءِ فَلَا يَصِحُّ الْجَمْعُ. اهـ. وَأَفْتَى الْحَانُوتِيُّ فِي الْوَقْفِ بِمِثْلِهِ قِيَاسًا عَلَيْهِ فِيمَنْ وَقَفَ ثُلُثَيْ كَذَا عَلَى طَائِفَةٍ وَالثُّلُثُ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَرَاجِعْهُ، لَكِنْ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ يُخَالِفُهُ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ وَقَفَ الْكُلَّ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْهَا أَيْضًا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ التَّفْصِيلِ فِي الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. مَطْلَبٌ اسْتَأْجَرَ دَارًا فِيهَا أَشْجَارٌ (قَوْلُهُ لَمْ يَأْكُلْ) أَيْ يَبِيعُهَا الْمُتَوَلِّي وَيَصْرِفُهَا فِي مَصَالِحِ الْوَقْفِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: إنْ غَرَسَ لِلسَّبِيلِ) وَهُوَ الْوَقْفُ عَلَى الْعَامَّةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَغْرِسْهَا لِلسَّبِيلِ بِأَنْ غَرَسَهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ غَرَضَهُ بَحْرٌ عَنْ الْحَاوِي، وَهَذَا مَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى قَوْلِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ شَرْطَ الْوَاقِفِ لَمْ يَأْكُلْ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَافْهَمْ وَأَصْلُهُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَمُقْتَضَاهُ أَيْ مُقْتَضَى مَا فِي الْحَاوِي أَنَّهُ فِي الْبَيْتِ الْمَوْقُوفِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ الشَّرْطَ أَنْ يَأْخُذَهَا الْمُتَوَلِّي لِيَبِيعَهَا وَيَصْرِفَهَا فِي مَصَالِحِ الْوَقْفِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْأَكْلُ مِنْهَا اهـ وَضَمِيرُ يَبِيعُهَا لِلثِّمَارِ لَا لِلْأَشْجَارِ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ شَجَرَةُ وَقْفٍ فِي دَارِ وَقْفٍ خَرِبَتْ لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَبِيعَ الشَّجَرَةَ وَيُعَمِّرَ الدَّارَ وَلَكِنْ يَكْرِي الدَّارَ وَيَسْتَعِينُ بِالْكِرَاءِ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 432 [مَطْلَبٌ اسْتَأْجَرَ دَارًا فِيهَا أَشْجَارٌ] قَوْلُهُمْ: شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ أَيْ فِي الْمَفْهُومِ وَالدَّلَالَةِ   [رد المحتار] عِمَارَةِ الدَّارِ لَا بِالشَّجَرَةِ اهـ فَهَذَا مَعَ خَرَابِ الدَّارِ فَكَيْفَ يَجُوزُ بَيْعُهَا مَعَ عَمَارِهَا ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا يَدْفَعُ الشَّجَرَةَ عَلَى وَجْهِ الْمُسَاقَاةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ، قَالَ فِي الْإِسْعَافِ: وَلَوْ كَانَ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ شَجَرٌ فَدَفَعَهُ مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ مَثَلًا جَازَ اهـ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْبَحْرِ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْجَارَ فِي الدَّارِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ اسْتِئْجَارِهَا لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ شَاغِلَةً لِأَنَّهَا لَا تُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ، وَهُوَ السُّكْنَى بِخِلَافِ الْأَشْجَارِ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّ ظِلَّهَا يَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ بِالزِّرَاعَةِ، وَلِهَذَا شَرَطُوا أَنْ يَتَقَدَّمَ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ عَلَى الْأَشْجَارِ وَسَتَأْتِي مَسْأَلَةُ غَرْسِ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُتَوَلِّي. مَطْلَبٌ فِي قَوْلِهِمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ (قَوْلُهُ: قَوْلُهُمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ) فِي الْخَيْرِيَّةِ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الشُّرُوطِ لِمَا هُوَ الْوَاقِعُ لَا لِمَا كُتِبَ فِي مَكْتُوبِ الْوَقْفِ، فَلَوْ أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ لِمَا لَمْ يُوجَدْ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ عُمِلَ بِهَا بِلَا رَيْبٍ لِأَنَّ الْمَكْتُوبَ خَطٌّ مُجَرَّدٌ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ. اهـ. ط. مَطْلَبٌ بَيَانُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ (قَوْلُهُ أَيْ فِي الْمَفْهُومِ وَالدَّلَالَةِ إلَخْ) كَذَا عَبَّرَ فِي الْأَشْبَاهِ وَاَلَّذِي فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ فِي الْفَهْمِ وَالدَّلَالَةِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ عِنْدَنَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي النُّصُوصِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ الْمُسَمَّى دَلِيلَ الْخِطَابِ، وَهُوَ أَقْسَامٌ مَفْهُومُ الصِّفَةِ، وَالشَّرْطِ وَالْغَايَةِ وَالْعَدَدِ وَاللَّقَبِ أَيْ الِاسْمِ الْجَامِدِ كَثَوْبٍ مَثَلًا، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِي النُّصُوصِ أَنَّ مِثْلَ قَوْلِك: أَعْطِ الرَّجُلَ الْعَالِمَ أَوْ أَعْطِ زَيْدًا إنْ سَأَلَك أَوْ أَعْطِهِ إلَى أَنْ يَرْضَى أَوْ أَعْطِهِ عَشَرَةً أَوْ أَعْطِهِ ثَوْبًا لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمُخَالِفِ لِلْمَنْطُوقِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْ إعْطَاءِ الرَّجُلِ الْجَاهِلِ، بَلْ هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ وَبَاقٍ عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ، حَتَّى يَأْتِيَ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى الْأَمْرِ بِإِعْطَائِهِ أَوْ النَّهْيِ عَنْهُ وَكَذَا فِي الْبَوَاقِي وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ. مَطْلَبٌ مَفْهُومُ التَّصْنِيفِ حُجَّةٌ نَعَمْ الْمَفْهُومُ مُعْتَبَرٌ عِنْدَنَا فِي الرِّوَايَاتِ فِي الْكُتُبِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ مَفْهُومُ التَّصْنِيفِ حُجَّةٌ اهـ أَيْ لِأَنَّ الْفُقَهَاءَ يَقْصِدُونَ بِذِكْرِ الْحُكْمِ فِي الْمَنْطُوقِ نَفْيَهُ عَنْ الْمَفْهُومِ غَالِبًا كَقَوْلِهِمْ: يَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ ذَكَرٍ حُرٍّ بَالِغٍ عَاقِلٍ مُقِيمٍ فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ نَفْيَ الْوُجُوبِ عَنْ مُخَالِفِهَا، وَيَسْتَدِلُّ بِهِ الْفَقِيهُ عَلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ إلَخْ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ فِي الْمَفْهُومِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مَفْهُومُهُ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي نُصُوصِ الشَّارِعِ. مَطْلَبٌ لَا يُعْتَبَرُ الْمَفْهُومُ فِي الْوَقْفِ وَفِي الْبِيرِيِّ نَحْنُ لَا نَقُولُ بِالْمَفْهُومِ فِي الْوَقْفِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الْخَصَّافُ وَأَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ اهـ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْخَيْرِيَّةِ أَيْضًا أَيْ فَإِذَا قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي الذُّكُورِ يُصْرَفُ إلَى الذُّكُورِ مِنْهُمْ بِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ، وَأَمَّا الْإِنَاثُ فَلَا يُعْطَى لَهُنَّ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْطَاءِ إلَّا إذَا دَلَّ فِي كَلَامِهِ دَلِيلٌ عَلَى إعْطَائِهِنَّ فَيَكُونُ مُثْبِتًا لِإِعْطَائِهِنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 433 وَوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ خِدْمَةُ وَظِيفَتِهِ أَوْ تَرْكِهَا لِمَنْ يَعْمَلُ، وَإِلَّا أَثِمَ لَا سِيَّمَا فِيمَا يَلْزَمُ بِتَرْكِهَا تَعْطِيلُ الْكُلِّ مِنْ النَّهْرِ. وَفِي الْأَشْبَاهِ الْجَامِكِيَّةِ فِي الْأَوْقَافِ لَهَا شَبَهُ الْأُجْرَةِ   [رد المحتار] ابْتِدَاءً لَا بِحُكْمِ الْمُعَارَضَةِ لَكِنْ نَقَلَ الْبِيرِيُّ فِي مَحَلٍّ آخَرَ عَنْ الْمُصَفَّى وَخِزَانَةِ الرِّوَايَاتِ وَالسِّرَاجِيَّةِ تَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ فِي مُتَفَاهَمِ النَّاسِ وَفِي الْمَعْقُولَاتِ وَفِي الرِّوَايَاتِ. مَطْلَبٌ الْمَفْهُومُ مُعْتَبَرٌ فِي عُرْفِ النَّاسِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ قُلْت: وَكَذَا قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ عَنْ حَاشِيَةِ الْهِدَايَةِ لِلْخَبَّازِيِّ، عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْكَرْدَرِيِّ: أَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ، لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ فِي خِطَابَاتِ الشَّارِعِ. أَمَّا فِي مُتَفَاهَمِ النَّاسِ وَعُرْفِهِمْ وَفِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ يَدُلُّ اهـ قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ وَتَدَاوَلَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَعَلَيْهِ مَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَالْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ مَالَك عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ، كَانَ إقْرَارًا بِالْمِائَةِ اهـ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ فِي غَيْرِ النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ وَتَمَامُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي شَرْحِنَا عَلَى مَنْظُومَتِنَا فِي رَسْمِ الْمُفْتِي، وَحَيْثُ كَانَ الْمَفْهُومُ مُعْتَبَرًا فِي مُتَفَاهَمِ النَّاسِ وَعُرْفِهِمْ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ عَلَى عُرْفِهِ وَعَنْ هَذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ، نَصَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ وَفِي كِتَابِ الْوَقْفِ عَنْ شَيْخِهِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ نُصُوصُهُ كَنَصِّ الشَّارِعِ يَعْنِي فِي الْفَهْمِ وَالدَّلَالَةِ لَا فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ مَعَ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ لَفْظَهُ وَالْمُوصِي، وَالْحَالِفِ، وَالنَّاذِرِ وَكُلِّ عَاقِدٍ يُحْمَلُ عَلَى عَادَتِهِ فِي خِطَابِهِ وَلُغَتِهِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا وَافَقَتْ لُغَةَ الْعَرَبِ وَلُغَةَ الشَّرْعِ أَمْ لَا. اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ قُلْت: وَإِذَا كَانَ الْمَعْنَى مَا ذُكِرَ فَمَا كَانَ مِنْ عِبَارَةِ الْوَاقِفِ مِنْ قَبِيلِ الْمُفَسَّرِ لَا يَحْتَمِلُ تَخْصِيصًا وَلَا تَأْوِيلًا يُعْمَلُ بِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الظَّاهِرِ كَذَلِكَ وَمَا احْتَمَلَ وَفِيهِ قَرِينَةٌ حُمِلَ عَلَيْهَا وَمَا كَانَ مُشْتَرَكًا لَا يُعْمَلُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا عُمُومَ لَهُ عِنْدَنَا وَلَمْ يَقَعْ فِيهِ نَظَرُ الْمُجْتَهِدِ لِيَتَرَجَّحَ أَحَدُ مَدْلُولَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمُجْمَلِ إذَا مَاتَ الْوَاقِفُ، وَإِنْ كَانَ حَيًّا يُرْجَعُ إلَى بَيَانِهِ هَذَا مَعْنَى مَا أَفَادَاهُ اهـ (قَوْلُهُ وَوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا، مَعَ أَنَّهُ فِي الْبَحْرِ نَقَلَهُ أَيْضًا وَقَالَ عَقِبَهُ فَعَلَى هَذَا إذَا تَرَكَ صَاحِبُ الْوَظِيفَةِ مُبَاشَرَتَهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ فِيهَا الْعَمَلُ لَا يَأْثَمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى غَايَتُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ اهـ نَعَمْ فِي الْأَشْبَاهِ جَزَمَ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَقَوَّاهُ فِي النَّهْرِ، وَعَزَاهُ فِي قَضَاءِ الْبَحْرِ إلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ. قُلْت: وَيَظْهَرُ لِي عَدَمُ التَّنَافِي وَذَلِكَ أَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْوَظِيفَةَ أَصْلًا وَبَاشَرَهَا غَيْرُهُ لَمْ يَأْثَمْ، وَهَذَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَوُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ بِاعْتِبَارِ حِلِّ تَنَاوُلِ الْمَعْلُومِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ وَتَنَاوَلَ الْمَعْلُومَ أَثِمَ لِتَنَاوُلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ (قَوْلُهُ: الْكُلُّ مِنْ النَّهْرِ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَيْ كُلُّ هَذِهِ الْفُرُوعِ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّهْرِ. مَطْلَبُ الْجَامِكِيَّةِ فِي الْأَوْقَافِ (قَوْلُهُ: الْجَامِكِيَّةِ) هِيَ مَا يُرَتَّبُ فِي الْأَوْقَافِ لِأَصْحَابِ الْوَظَائِفِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْبَحْرِ عَنْ ابْنِ الصَّائِغِ وَفِي الْفَتْحِ الْجَامِكِيَّةِ كَالْعَطَاءِ، وَهُوَ مَا يَثْبُتُ فِي الدِّيوَانِ بِاسْمِ الْجَامِكِيَّةِ أَوْ غَيْرِهِمْ إلَّا أَنَّ الْعَطَاءَ سَنَوِيٌّ وَالْجَامِكِيَّةُ شَهْرِيَّةٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 434 أَيْ فِي زَمَنِ الْمُبَاشَرَةِ وَالْحِلِّ لِلْأَغْنِيَاءِ، وَشَبَهُ الصِّلَةِ فَلَوْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ لَا تُسْتَرَدُّ الْمُعَجَّلَةُ، وَشَبَهُ الصَّدَقَةِ لِتَصْحِيحِ أَصْلِ الْوَقْفِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ ابْتِدَاءً وَتَمَامُهُ فِيهَا. [مَطْلَبٌ فِي قَوْلِهِمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ] يُكْرَهُ إعْطَاءُ نِصَابٍ لِفَقِيرٍ وَمِنْ وَقْفِ الْفُقَرَاءِ إلَّا إذَا وُقِفَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ اخْتِيَارٌ وَمِنْهُ يُعْلَمُ حُكْمُ الْمُرَتَّبِ الْكَثِيرِ مِنْ وَقْفِ الْفُقَرَاءِ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْفُقَرَاءِ فَلْيُحْفَظْ. لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُقَرِّرَ وَظِيفَةً فِي الْوَقْفِ بِغَيْرِ شَرْطِ الْوَاقِفِ، وَلَا يَحِلُّ لِلْمُقَرِّرِ الْأَخْذُ إلَّا النَّظَرَ عَلَى الْوَاقِفِ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ مَاتَ الْمُدَرِّسُ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ (قَوْلُهُ أَيْ فِي زَمَنِ الْمُبَاشَرَةِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ اعْتِبَارَ شَبَهِهَا بِالْأُجْرَةِ مِنْ حَيْثُ حِلُّ تَنَاوُلِهَا لِلْأَغْنِيَاءِ إذْ لَوْ كَانَتْ صَدَقَةً مَحْضَةً لَمْ تَحِلَّ لِمَنْ كَانَ غَنِيًّا، وَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُدَرِّسَ لَوْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ وَظُهُورِهَا مِنْ الْأَرْضِ، يُعْطَى بِقَدْرِ مَا بَاشَرَ، وَيَصِيرُ مِيرَاثًا عَنْهُ كَالْأَجِيرِ إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، وَلَوْ كَانَتْ صِلَةً مَحْضَةً لَمْ يُعْطَ شَيْئًا لِأَنَّ الصِّلَةَ لَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَلْ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ قَبْلَهُ، بِخِلَافِ الْقَاضِي إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ رِزْقُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَبَهُ الْأُجْرَةِ لَهُ لِعَدَمِ جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْقَضَاءِ، أَمَّا عَلَى التَّدْرِيسِ، وَهُوَ التَّعْلِيمُ فَأَجَازَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَبِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالذُّرِّيَّةِ، فَإِنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ ظُهُورِ الْغَلَّةِ سَقَطَ أَيْضًا لِأَنَّهُ صِلَةٌ مَحْضَةٌ كَمَا حَرَّرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ، وَتَقَدَّمَ تَمَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَاتَ الْمُؤَذِّنُ وَالْإِمَامُ وَلَمْ يَسْتَوْفِيَا وَظِيفَتَهُمَا إلَخْ (قَوْلُهُ لَا تُسْتَرَدُّ الْمُعَجَّلَةُ) أَيْ لَوْ قَبَضَ جَامَكِيَّةَ السَّنَةِ بِتَمَامِهَا، وَمَاتَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ لَا يَسْتَرِدُّ حِصَّةَ مَا بَقِيَ لِأَنَّ الصِّلَةَ تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ وَيَحِلُّ لَهُ لَوْ فَقِيرًا كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ، وَلَوْ كَانَتْ أُجْرَةً مَحْضَةً اسْتَرَدَّ مِنْهُ مَا بَقِيَ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ ابْتِدَاءً) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ صَدَقَةً مِنْ ابْتِدَائِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ أَبَدًا وَنَحْوُهُ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ كَمَا مَرَّ تَحْرِيرُهُ، وَأَشَرْنَا إلَيْهِ أَوَّلَ الْبَابِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ اشْتِرَاطَ صَرْفِ الْغَلَّةِ لِمُعَيِّنٍ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ صَرْفِهِ إلَى الْفُقَرَاءِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ قَائِمًا مَقَامَهُمْ، فَصَارَ فِي مَعْنَى الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُمْ هَذَا غَايَةُ مَا وَصَلَ إلَيْهِ فَهْمِي فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِيهَا) قَدَّمْنَا حَاصِلَهُ (قَوْلُهُ: يُكْرَهُ إعْطَاءُ نِصَابٍ لِفَقِيرٍ إلَخْ) لِأَنَّهُ صَدَقَةٌ فَأَشْبَهَ الزَّكَاةَ أَشْبَاهٌ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ) أَيْ فَلَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ كَالْوَصِيَّةِ أَشْبَاهٌ وَلِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى مُعَيَّنِينَ لَا حَقَّ لِغَيْرِهِمْ فِيهِ فَيَأْخُذُونَهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ (قَوْلُهُ: لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْفُقَرَاءِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمُرَتَّبِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُرَتَّبُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ، فَلَا شُبْهَةَ فِي جَوَازِ مَا رَتَّبَهُ، وَإِنْ كَثُرَ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ كَالْمُتَوَلِّي، فَلَا يَجُوزُ النِّصَابُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَفِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ الْمُرَتَّبُ إعْطَاءُ شَيْءٍ لَا فِي مُقَابَلَةِ خِدْمَةٍ بَلْ لِصَلَاحِ الْمُعْطِي أَوْ عِلْمِهِ أَوْ فَقْرِهِ وَيُسَمَّى فِي عُرْفِ الرُّومِ الزَّوَائِدُ اهـ: مَطْلَبٌ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُقَرِّرَ وَظِيفَةً فِي الْوَقْفِ إلَّا النَّظَرَ (قَوْلُهُ: لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُقَرِّرَ وَظِيفَةً فِي الْوَقْفِ إلَخْ) يَعْنِي وَظِيفَةً حَادِثَةً لَمْ يَشْرِطْهَا الْوَاقِفُ أَمَّا لَوْ قَرَّرَ فِي وَظِيفَةٍ مَشْرُوطَةٍ جَازَ إلَّا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ التَّقْرِيرَ لِلْمُتَوَلِّي كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَيْرِيَّةِ وَقَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ، وَهَذَا أَيْ عَدَمُ التَّقْرِيرِ بِغَيْرِ شَرْطٍ إذَا لَمْ يَقُلْ وَقَفْتُ عَلَى مَصَالِحِهِ، فَلَوْ قَالَ يَفْعَلُ الْقَاضِي كُلَّ مَا هُوَ مِنْ مَصَالِحِهِ اهـ وَهَذَا أَيْضًا فِي غَيْرِ أَوْقَافِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ أَمَّا هِيَ فَهِيَ أَوْقَافٌ صُورِيَّةٌ لَا تُرَاعَى شُرُوطُهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي الشَّرْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ: إلَّا النَّظَرَ عَلَى الْوَقْفِ) اعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ الْإِحْدَاثِ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ قَاسِمٍ، أَمَّا مَا دَعَتْ إلَيْهِ الضَّرُورَةُ وَاقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ كَخِدْمَةِ الرَّبْعَةِ الشَّرِيفَةِ وَقِرَاءَةِ الْعُشْرِ وَالْجِبَايَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 435 بِأَجْرِ مِثْلِهِ قُنْيَةٌ. [مَطْلَبٌ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُقَرِّرَ وَظِيفَةً فِي الْوَقْفِ إلَّا النَّظَرَ] تَجُوزُ الزِّيَادَةُ مِنْ الْقَاضِي عَلَى مَعْلُومِ الْإِمَامِ إذَا كَانَ لَا يَكْفِيهِ وَكَانَ عَالِمًا تَقِيًّا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ وَرَقَتَيْنِ وَالْخَطِيبُ يُلْحَقُ بِالْإِمَامِ بَلْ هُوَ إمَامُ الْجُمُعَةِ قُلْت: وَاعْتَمَدَهُ فِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ   [رد المحتار] وَشَهَادَةِ الدِّيوَانِ فَيُرْفَعُ إلَى الْقَاضِي، وَيُثْبِتُ عِنْدَهُ الْحَاجَةَ فَيُقَرِّرُ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ، وَيُقَدِّرُ لَهُ أَجْرَ مِثْلِهِ أَوْ يَأْذَنُ لِلنَّاظِرِ فِي ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ وَالنَّصُّ فِي مِثْلِ هَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَبُو السُّعُودِ عَلَى الْأَشْبَاهِ وَعَلَيْهِ فَالِاقْتِصَارُ عَلَى النَّظَرِ فِيهِ نَظَرٌ كَمَا أَفَادَهُ ط. قُلْت: لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُقَرِّرَ فِرَاشًا فِي الْمَسْجِدِ بِلَا شَرْطِ الْوَاقِفِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّ فِي تَقْرِيرِهِ مَصْلَحَةً لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْمُتَوَلِّي فِرَاشًا، وَالْمَمْنُوعُ تَقْرِيرُهُ فِي وَظِيفَةٍ تَكُونُ حَقًّا لَهُ وَلِذَا صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنَّ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَسْتَأْجِرَ خَادِمًا لِلْمَسْجِدِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ عَدَمُ صِحَّةِ تَقْرِيرِ الْقَاضِي، بِلَا شَرْطٍ فِي شَهَادَةٍ وَمُبَاشَرَةٍ وَطَلَبٍ بِالْأَوْلَى. اهـ. مَطْلَبٌ الْمُرَادُ مِنْ الْعُشْرُ لِلْمُتَوَلِّي أَجْرُ الْمِثْلِ (قَوْلُهُ: بِأَجْرِ مِثْلِهِ) وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِالْعُشْرِ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعُشْرِ أَجْرُ الْمِثْلِ حَتَّى لَوْ زَادَ عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ رَدَّ الزَّائِدَ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ مَعْلُومٌ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْوَلْوَالِجيَّةِ بَعْدَ أَنْ قَالَ: جَعَلَ الْقَاضِي لِلْقَيِّمِ عُشْرَ غَلَّةِ الْوَقْفِ فَهُوَ أَجْرُ مِثْلِهِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي إجَابَةِ السَّائِلِ، وَمَعْنَى قَوْلِ الْقَاضِي لِلْقَيِّمِ عُشْرُ غَلَّةِ الْوَقْفِ أَيْ الَّتِي هِيَ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا مَا تَوَهَّمَهُ أَرْبَابُ الْأَغْرَاضِ الْفَاسِدَةِ إلَخْ بِيرِيٌّ عَلَى الْأَشْبَاهِ مِنْ الْقَضَاءِ. قُلْت: وَهَذَا فِيمَنْ لَمْ يَشْرِطْ لَهُ الْوَاقِفُ شَيْئًا وَأَمَّا النَّاظِرُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فَلَهُ مَا عَيَّنَهُ لَهُ الْوَاقِفُ: وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَوْ عَيَّنَ لَهُ أَقَلَّ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُكْمِلَ لَهُ أَجْرَ الْمِثْلِ بِطَلَبِهِ كَمَا بَحَثَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَيَأْتِي قَرِيبًا مَا يُؤَيِّدُهُ وَهَذَا مُقَيِّدٌ لِقَوْلِهِ الْآتِي لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَخْذُ زِيَادَةٍ عَلَى مَا قَرَّرَ لَهُ الْوَاقِفُ أَصْلًا مَطْلَبٌ فِي زِيَادَةِ الْقَاضِي فِي مَعْلُومِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: تَجُوزُ الزِّيَادَةُ مِنْ الْقَاضِي إلَخْ) أَيْ إذَا اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَالْجِهَةُ كَمَا مَرَّ فِي الْمَتْنِ، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ قُبَيْلَ فَصْلِ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ، يَجُوزُ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ لِلْإِمَامِ إذَا كَانَ يَتَعَطَّلُ لَوْ لَمْ يُصْرَفْ إلَيْهِ يَجُوزُ صَرْفُ الْفَاضِلِ عَنْ الْمَصَالِحِ لِلْإِمَامِ الْفَقِيرِ بِإِذْنِ الْقَاضِي، وَلَوْ زَادَ الْقَاضِي فِي مَرْسُومِهِ مِنْ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ، وَالْإِمَامُ مُسْتَغْنٍ وَغَيْرُهُ يَؤُمُّ بِالْمَرْسُومِ الْمَعْهُودِ تَطِيبُ لَهُ الزِّيَادَةُ لَوْ عَالِمًا تَقِيًّا، وَلَوْ نُصِبَ إمَامٌ آخَرُ أَخَذَ الزِّيَادَةَ إنْ كَانَتْ لِقِلَّةِ وُجُودِ الْإِمَامِ لَا لَوْ كَانَتْ لِمَعْنًى فِي الْأَوَّلِ كَفَضِيلَةٍ أَوْ زِيَادَةِ حَاجَةٍ. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّهُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ إذَا كَانَ يَتَعَطَّلُ الْمَسْجِدُ بِدُونِهَا أَوْ كَانَ فَقِيرًا أَوْ عَالِمًا تَقِيًّا، فَالْمُنَاسِبُ الْعَطْفُ بِأَوْ فِي قَوْلِهِ: وَكَانَ عَالِمًا تَقِيًّا، وَأَمَّا مَا فِي قَضَاءِ الْبَحْرِ لَوْ قَضَى بِالزِّيَادَةِ لَا يَنْفُذُ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا فُقِدَتْ مِنْهُ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ كَمَا أَجَابَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَمُقْتَضَى التَّقْيِيدِ بِالْقَاضِي أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ لِلْإِمَامِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ) أَيْ فِي الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ: يَلْحَقُ بِالْإِمَامِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ كُلُّ مَنْ فِي قَطْعِهِ ضَرَرٌ إذَا كَانَ الْمُعَيَّنُ لَا يَكْفِيهِ كَالنَّاظِرِ، وَالْمُؤَذِّنِ وَمُدَرِّسِ الْمَدْرَسَةِ، وَالْبَوَّابِ وَنَحْوِهِمْ إذَا لَمْ يَعْمَلُوا بِدُونِ الزِّيَادَةِ يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ لَا يَسْتَقِرُّ لِقِلَّةِ الْمَرْسُومِ لِلْحَاكِمِ، الدِّينُ أَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِ مِنْ فَاضِلِ وَقْفِ الْمَصَالِحِ وَالْعِمَارَةِ بِاسْتِصْوَابِ أَهْلِ الصَّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَوْ اتَّحَدَ الْوَاقِفُ لِأَنَّ غَرَضَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 436 وَنَقَلَ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّ السُّلْطَانَ يَجُوزُ لَهُ مُخَالَفَةُ الشَّرْطِ إذَا كَانَ غَالِبُ جِهَاتِ الْوَقْفِ قُرًى وَمَزَارِعَ فَيُعْمَلُ بِأَمْرِهِ وَإِنْ غَايَرَ شَرْطَ الْوَاقِفِ لِأَنَّ أَصْلَهَا لِبَيْتِ الْمَالِ   [رد المحتار] إحْيَاءُ وَقْفِهِ لَا لَوْ اخْتَلَفَ، أَوْ اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ بِأَنْ بَنَى مَدْرَسَةً وَمَسْجِدًا وَعَيَّنَ لِكُلٍّ وَقْفًا وَفَضَلَ مِنْ غَلَّةِ أَحَدِهِمَا لَا يُبَدَّلُ شَرْطُهُ. مَطْلَبٌ لِلسُّلْطَانِ مُخَالَفَةُ الشَّرْطِ إذَا كَانَ الْوَقْفُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: وَنَقَلَ) أَيْ صَاحِبُ الْمُحِبِّيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَيْ مَبْسُوطِ خُوَاهَرْ زَادَهْ، وَاَلَّذِي فِي الْأَشْبَاهِ بَعْدَمَا نَقَلَ عَنْ يَنْبُوعِ السُّيُوطِيّ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْوَظَائِفَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِأَوْقَافِ الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ، إنْ كَانَ لَهَا أَصْلٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ تَرْجِعُ إلَيْهِ يَجُوزُ لِمَنْ كَانَ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ عَالِمٍ بِعِلْمٍ شَرْعِيٍّ، وَطَالِبِ عِلْمٍ كَذَلِكَ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا وَقَفُوهُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِمَا شَرَطُوهُ مَا نَصُّهُ، وَقَدْ اغْتَرَّ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي زَمَانِنَا فَاسْتَبَاحُوا تَنَاوُلَ مَعَالِيمَ الْوَظَائِفِ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ، وَمُخَالَفَةُ الشُّرُوطِ وَالْحَالُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ السُّيُوطِيّ عَنْ فُقَهَائِهِمْ إنَّمَا هُوَ فِيمَا بَقِيَ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ نَاقِلٌ أَمَّا الْأَرَاضِي الَّتِي بَاعَهَا السُّلْطَانُ وَحُكِمَ بِصِحَّةِ بَيْعِهَا ثُمَّ وَقَفَهَا الْمُشْتَرِي، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ شَرَائِطِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَوْقَافِ الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ، فَإِنَّ لِلسُّلْطَانِ الشِّرَاءَ مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ وَهِيَ جَوَابُ الْوَاقِعَةِ الَّتِي أَجَابَ عَنْهَا الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْأَشْرَفِ بِرِسْبَاي أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ أَرْضًا وَقْفًا فَأَجَابَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا إذَا وَقَفَ السُّلْطَانُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَرْضًا لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ فَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ جَوَازَهُ وَلَا يُرَاعَى مَا شَرَطَهُ دَائِمًا اهـ فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ فِيمَا نَقَلَهُ فِي الْمُحِبِّيَّةِ فَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ اشْتَرَى الْأَرَاضِيَ وَالْمَزَارِعَ، مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ يَجِبُ مُرَاعَاةُ شَرَائِطِهِ، وَإِنْ وَقَفَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَا تَجِبُ مُرَاعَاتُهَا. اهـ. ط. قُلْت: وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْأَشْبَاهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ نَاقِلٌ إلَخْ أَنَّهُ يُرَاعَى شُرُوطُهُ إذَا ثَبَتَ النَّاقِلُ، وَهُوَ كَوْنُ الْوَاقِفِ مَلَكَهَا بِشِرَاءٍ أَوْ إقْطَاعِ رَقَبَةٍ بِأَنْ كَانَتْ مَوَاتًا لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهَا فَأَقْطَعَهَا السُّلْطَانُ لِمَنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَمَّا بِدُونِ ثُبُوتِ النَّاقِلِ فَلَا لِأَنَّهَا بَعْدَمَا عُلِمَ أَنَّهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا عَلَى مَا كَانَتْ فَيَكُونُ وَقْفُهَا أَرْصَادًا وَهُوَ مَا يُفْرِزُهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَيُعَيِّنُهُ لِمُسْتَحِقِّيهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَنَحْوِهِمْ عَوْنًا لَهُمْ عَلَى وُصُولِهِمْ إلَى بَعْضِ حَقِّهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَتَجُوزُ مُخَالَفَةُ شَرْطِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُصُولُ الْمُسْتَحِقِّ إلَى حَقِّهِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ مُفْتِي دَارِ السَّلْطَنَةِ إنَّ أَوْقَافَ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ لَا يُرَاعَى شَرْطُهَا لِأَنَّهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ تَرْجِعُ إلَيْهِ اهـ قُلْت: وَالْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ مُرَاعَاةِ شَرْطِهَا أَنَّ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يَزِيدَ فِيهَا وَيَنْقُصَ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَصْرِفُهَا عَنْ الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ بِأَنْ يَقْطَعَ وَظَائِفَ الْعُلَمَاءِ، وَيَصْرِفَهَا إلَى غَيْرِهِمْ فَإِنَّ بَعْضَ الْمُلُوكِ أَرَادَ ذَلِكَ وَمَنَعَهُمْ عُلَمَاءُ عَصْرِهِمْ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ كُلِّهِ فِي بَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَقَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْهُ قُبَيْلَ الْفَصْلِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَأَمَّا وَقْفُ الْإِقْطَاعَاتِ وَلَا يُقَاسَ عَلَى ذَلِكَ أَوْقَافُ غَيْرِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ بَلْ تَجِبُ مُرَاعَاةُ شُرُوطِهِمْ لِأَنَّ أَوْقَافَهُمْ كَانَتْ أَمْلَاكًا لَهُمْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 437 [مَطْلَبٌ فِي زِيَادَةِ الْقَاضِي فِي مَعْلُومِ الْإِمَامِ] يَصِحُّ تَعْلِيقُ التَّقْرِيرِ فِي الْوَظَائِفِ فَلَوْ قَالَ الْقَاضِي إنْ مَاتَ فُلَانٌ أَوْ شَغَرَتْ وَظِيفَةُ كَذَا فَقَدْ قَرَّرْتُكَ فِيهَا صَحَّ لَيْسَ لِلْقَاضِي عَزْلُ النَّاظِرِ بِمُجَرَّدِ شِكَايَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ يَصِحُّ تَعْلِيقُ التَّقْرِيرِ فِي الْوَظَائِفِ (قَوْلُهُ: يَصِحُّ تَعْلِيقُ التَّقْرِيرِ فِي الْوَظَائِفِ) هَذَا ذَكَرَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ تَفَقُّهًا أَخْذًا مِنْ جَوَازِ تَعْلِيقِ الْقَضَاءِ وَالْإِمَارَةِ بِجَامِعِ الْوِلَايَةِ فَلَوْ مَاتَ الْمُعَلِّقُ بَطَلَ التَّقْرِيرُ، وَهُوَ تَفَقُّهٌ حَسَنٌ أَشْبَاهٌ. قُلْت: وَدَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّرَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» الْحَدِيثَ، ثُمَّ رَأَيْت الْإِمَامَ السَّرَخْسِيَّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ ذَكَرَ الْحَدِيثَ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا مَا حَاصِلُهُ: لَوْ جَاءَ مَعَ الْمَدَدِ أَمِيرٌ وَعَزَلَ الْأَمِيرَ الْأَوَّلَ بَطَلَ تَنْفِيلُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لِزَوَالِ وِلَايَتِهِ بِالْعَزْلِ، لَا لَوْ مَاتَ أَمِيرُهُمْ فَأَمَّرُوا عَلَيْهِمْ غَيْرَهُ لِأَنَّ الثَّانِيَ قَائِمٌ مَقَامَهُ إلَّا إذَا أَبْطَلَهُ الثَّانِي أَوْ كَانَ الْخَلِيفَةُ قَالَ لَهُمْ إنْ مَاتَ أَمِيرُكُمْ فَأَمِيرُكُمْ فُلَانٌ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ تَنْفِيلُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الثَّانِيَ نَائِبُ الْخَلِيفَةِ بِتَقْلِيدِهِ مِنْ جِهَتِهِ فَكَأَنَّهُ قَلَّدَهُ ابْتِدَاءً فَيَنْقَطِعُ رَأْيُ الْأَوَّلِ بِرَأْيِ فَوْقِهِ اهـ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ: بُطْلَانُ تَنْفِيلِ الْأَمِيرِ بِعَزْلِهِ وَكَذَا بِمَوْتِهِ إذَا نُصِبَ غَيْرُهُ مِنْ جِهَةِ الْخَلِيفَةِ لَا مِنْ جِهَةِ الْعَسْكَرِ إلَّا إذَا أَبْطَلَهُ الثَّانِي، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّنْفِيلَ بِقَوْلِهِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فِيهِ تَعْلِيقُ اسْتِحْقَاقِ النَّفْلِ بِالْقَتْلِ، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِهِ، فَلَوْ مَاتَ الْمُعَلِّقُ بَطَلَ التَّقْرِيرُ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى بُطْلَانِهِ بِالْعَزْلِ، بَقِيَ هَلْ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ الشُّغُورِ، فَاَلَّذِي حَرَّرَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَزْلُهُ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ عُدِمَ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالتَّعْلِيقُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْحَالِ عِنْدَنَا، وَفَرْقٌ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا لَوْ وَكَّلَهُ وَكَالَةً مُرْسَلَةً ثُمَّ قَالَ لَهُ: كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلٌ فِي ذَلِكَ وَكَالَةً مُسْتَقْبَلَةً، ثُمَّ قَالَ: عَزَلْتُك فِي تِلْكَ الْوَكَالَةِ كُلِّهَا فَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْعَزِلُ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ التَّعْلِيقَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ حَصَلَ فِي ضِمْنِ الْوَكَالَةِ الْمُنْجَزَةِ، فَصَارَ الْمَجْمُوعُ سَبَبًا، وَقَدْ يَثْبُتُ ضِمْنًا مَالًا يَثْبُتُ قَصْدًا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ هُنَا بِصِحَّةِ الْعَزْلِ لِأَنَّهُ قَصْدِيٌّ فَيَبْقَى جَوَابُ مُحَمَّدٍ وَجَوَابُ أَبِي يُوسُفَ هُنَا وَاحِدًا فِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَزْلُ هَذَا خُلَاصَةُ مَا أَطَالَ بِهِ. قُلْت: لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ لِلْأَمِيرِ الثَّانِي إبْطَالَ التَّنْفِيلِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوَّلَ كَذَلِكَ فَكَذَا يُقَالُ هُنَا لَوْ رَجَعَ عَنْ التَّعْلِيقِ يَصِحُّ لِأَنَّهُ قَبْلَ مَوْتِ فُلَانٍ لَيْسَ عَزْلًا بِلَا جُنْحَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَرَّرُ فِي الْوَظِيفَةِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ، وَقَبْلَهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ اسْتِحْقَاقٌ فِيهَا إذْ لَوْ ثَبَتَ لَمْ يَبْطُلْ التَّقْرِيرُ بِمَوْتِ الْمُعَلِّقِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَوْ شَغَرَتْ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَتَيْنِ أَيْ خَلَتْ عَنْ الْعَمَلِ، وَالْبَلَدُ الشَّاغِرُ الْخَالِيَةُ عَنْ النَّصْرِ وَالسُّلْطَانِ ط. مَطْلَبٌ لَيْسَ لِلْقَاضِي عَزْلُ النَّاظِرِ (قَوْلُهُ: لَيْسَ لِلْقَاضِي عَزْلُ النَّاظِرِ) قَيَّدَ بِالْقَاضِي لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَهُ عَزْلُهُ وَلَوْ بِلَا جُنْحَةٍ بِهِ يُفْتَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُنْزَعُ لَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي عَزْلُ النَّاظِرِ الْمَشْرُوطِ لَهُ النَّظَرُ بِلَا خِيَانَةٍ وَلَوْ عَزَلَهُ لَا يَصِيرُ الثَّانِي مُتَوَلِّيًا، وَيَصِحُّ عَزْلُهُ لَوْ مَنْصُوبَ الْقَاضِي وَأَنَّهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَالَ: لَا يَمْلِكُ الْقَاضِي عَزْلَهُ مُطْلَقًا إلَّا لِمُوجِبٍ وَتَقَدَّمَ تَمَامُهُ وَأَنَّهُ فِي الْبَحْرِ أُخِذَ مِنْهُ عَدَمُ الْعَزْلِ لِصَاحِبِ وَظِيفَةٍ إلَّا بِجُنْحَةٍ أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّةٍ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَيْضًا بَعْضَ مُوجِبَاتِ الْعَزْلِ، وَأَحْكَامَ الْفَرَاغِ وَالتَّقْرِيرِ فِي الْوَظَائِفِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 438 حَتَّى يُثْبِتُوا عَلَيْهِ خِيَانَةً وَكَذَا الْوَصِيُّ وَالنَّاظِرُ إذَا آجَرَ إنْسَانًا فَهَرَبَ وَمَالُ الْوَقْفِ عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ فَرَّطَ فِي خَشَبِ الْوَقْفِ حَتَّى ضَاعَ ضَمِنَ. [مَطْلَبٌ تَعْلِيقُ التَّقْرِيرِ فِي الْوَظَائِفِ] لَا تَجُوزُ الِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْوَقْفِ إلَّا إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا لِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ كَتَعْمِيرٍ وَشِرَاءِ بَذْرٍ فَيَجُوزُ بِشَرْطَيْنِ، الْأَوَّلُ: إذْنُ الْقَاضِي فَلَوْ بِبُعْدٍ مِنْهُ يَسْتَدِينُ بِنَفْسِهِ الثَّانِي: أَنْ لَا تَتَيَسَّرَ إجَارَةُ الْعَيْنِ وَالصَّرْفُ مِنْ أُجْرَتِهَا وَالِاسْتِدَانَةُ الْقَرْضُ وَالشِّرَاءُ نَسِيئَةً   [رد المحتار] مَطْلَبٌ لِلْقَاضِي أَنْ يُدْخِلَ مَعَ النَّاظِرِ غَيْرَهُ بِمُجَرَّدِ الشِّكَايَةِ (قَوْلُهُ: حَتَّى يُثْبِتُوا عَلَيْهِ خِيَانَةً) نَعَمْ لَهُ أَنْ يُدْخِلَ مَعَهُ غَيْرَهُ بِمُجَرَّدِ الشِّكَايَةِ وَالطَّعْنِ كَمَا حَرَّرَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْخَصَّافِ إنْ طُعِنَ عَلَيْهِ فِي الْأَمَانَةِ لَا يَنْبَغِي إخْرَاجُهُ إلَّا بِخِيَانَةٍ ظَاهِرَةٍ، وَأَمَّا إذَا أَدْخَلَ مَعَهُ رَجُلًا فَأَجْرُهُ بَاقٍ وَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ مِنْهُ شَيْئًا فَلَا بَأْسَ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَ لِلرَّجُلِ رِزْقًا مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ وَيَقْتَصِدَ فِيهِ اهـ مُلَخَّصًا. وَسَيَأْتِي حُكْمُ تَصَرُّفِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ ضَمَّ الْقَاضِي لِلْقَيِّمِ ثِقَةً إلَخْ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْوَصِيُّ) أَيْ وَصِيُّ الْمَيِّتِ لَيْسَ لِلْقَاضِي عَزْلُهُ بِمُجَرَّدِ الشِّكَايَةِ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ وَمِنْ جِهَةِ الْقَاضِي كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ آخِرَ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: إذَا آجَرَ إنْسَانًا) أَيْ وَامْتَنَعَ عَنْ مُطَالَبَتِهِ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ فَرَّطَ فِي خَشَبِ الْوَقْفِ إلَخْ) وَعَلَى هَذَا إذَا قَصَّرَ الْمُتَوَلِّي فِي عَيْنٍ ضَمِنَهَا إلَّا فِيمَا كَانَ فِي الْبَحْرِ، فَلَوْ تَرَكَ بِسَاطَ الْمَسْجِدِ بِلَا نَفْضٍ حَتَّى أَكَلَتْهُ الْأَرَضَةُ ضَمِنَ إنْ كَانَ لَهُ أُجْرَةٌ، وَكَذَا خَازِنُ الْكُتُبِ الْمَوْقُوفَةِ كَمَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ وَالْبِيرِيِّ. مَطْلَبٌ فِي الِاسْتِدَانَةِ عَلَى الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: لَا تَجُوزُ الِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْوَقْفِ) أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ بِأَمْرِ الْوَاقِفِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَصِيِّ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِلْيَتِيمِ شَيْئًا بِنَسِيئَةٍ بِلَا ضَرُورَةٍ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَثْبُتُ ابْتِدَاءً إلَّا فِي الذِّمَّةِ وَالْيَتِيمُ لَهُ ذِمَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَهُوَ مَعْلُومٌ فَتُتَصَوَّرُ مُطَالَبَتُهُ أَمَّا الْوَقْفُ فَلَا ذِمَّةَ لَهُ وَالْفُقَرَاءُ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ ذِمَّةٌ لَكِنْ لِكَثْرَتِهِمْ لَا تُتَصَوَّرُ مُطَالَبَتُهُمْ، فَلَا يَثْبُتُ إلَّا عَلَى الْقَيِّمِ، وَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ قَضَاءً مِنْ غَلَّةٍ لِلْفُقَرَاءِ ذَكَرَهُ هِلَالٌ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ لَكِنَّهُ تُرِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الِاسْتِدَانَةِ بُدٌّ تَجُوزُ بِأَمْرِ الْقَاضِي إنْ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا عَنْهُ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ أَعَمُّ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَقِيلَ تَجُوزُ مُطْلَقًا لِلْعِمَارَةِ وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ. أَمَّا مَالَهُ مِنْهُ بُدٌّ كَالصَّرْفِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ فَلَا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ إلَّا الْإِمَامَ وَالْخَطِيبَ، وَالْمُؤَذِّنَ فِيمَا يَظْهَرُ لِقَوْلِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لِضَرُورَةِ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ اهـ وَإِلَّا لِلْحُصْرِ وَالزَّيْتِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا مِنْ الْمَصَالِحِ وَهُوَ الرَّاجِحُ هَذَا خُلَاصَةُ مَا أَطَالَ بِهِ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ إذْنُ الْقَاضِي) فَلَوْ ادَّعَى الْإِذْنَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَلِّي مَقْبُولَ الْقَوْلِ، لِمَا أَنَّهُ يُرِيدُ الرُّجُوعَ فِي الْغَلَّةِ وَهُوَ إنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا فِي يَدِهِ، وَعَلَى هَذَا فَإِذَا كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْذِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأَخْذُ مِنْ الْغَلَّةِ لِأَنَّهُ بِلَا إذْنٍ مُتَبَرِّعٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: الثَّانِي أَنْ لَا تَتَيَسَّرَ إجَارَةُ الْعَيْنِ إلَخْ) أَطْلَقَ الْإِجَارَةَ، فَشَمِلَ الطَّوِيلَةَ مِنْهَا، وَلَوْ بِعُقُودٍ فَلَوْ وَجَدَ ذَلِكَ لَا يَسْتَدِينُ أَفَادَهُ الْبِيرِيُّ، وَمَا سَلَف مِنْ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ فَذَاكَ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ، كَمَا حَرَّرْنَاهُ سَابِقًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالِاسْتِدَانَةُ الْقَرْضُ وَالشِّرَاءُ نَسِيئَةً) صَوَابُهُ الِاسْتِقْرَاضُ. اهـ. ح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 439 [مَطْلَبٌ فِي الِاسْتِدَانَةِ عَلَى الْوَقْفِ] وَهَلْ لِلْمُتَوَلِّي شِرَاءُ مَتَاعٍ فَوْقَ قِيمَتِهِ ثُمَّ بَيْعُهُ لِلْعِمَارَةِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ عَلَى الْوَقْفِ؟ الْجَوَابُ: نَعَمْ.   [رد المحتار] وَتَفْسِيرُ الِاسْتِدَانَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْوَاقِفِ غَلَّةٌ فَيَحْتَاجُ إلَى الْقَرْضِ وَالِاسْتِدَانَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ لِلْوَقْفِ غَلَّةٌ فَأَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِإِصْلَاحِ الْوَقْفِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ اهـ وَمُفَادُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَرْضِ الْإِقْرَاضُ مِنْ مَالِهِ لَا الِاسْتِقْرَاضُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ لِدُخُولِهِ فِي الِاسْتِدَانَةِ مَطْلَبٌ فِي إنْفَاقِ النَّاظِرِ مِنْ مَالِهِ عَلَى الْعِمَارَةِ وَفِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ الَّذِي وَقَفْتُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّ النَّاظِرَ إذَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ عَلَى عِمَارَةِ الْوَقْفِ، لِيَرْجِعَ فِي غَلَّتِهِ لَهُ الرُّجُوعُ دِيَانَةً، لَكِنْ لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ كَمَا فِي الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الِاسْتِدَانَةِ عَلَى الْوَقْفِ وَإِلَّا لَمَا جَازَ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي وَلَمْ يُكَلَّفْ الْإِشْهَادَ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ لِلْوَقْفِ غَلَّةٌ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِ الْقَاضِي كَمَا أَفَادَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا لَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ إلَّا بِأَمْرِ الْقَاضِي، وَتَفْسِيرُ الِاسْتِدَانَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ لِلْوَقْفِ شَيْئًا وَلَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ الْغَلَّةِ أَمَّا لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ، فَاشْتَرَى لِلْوَقْفِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ، وَلَوْ بِلَا أَمْرِ قَاضٍ اهـ وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي إنْفَاقِهِ بِنَفْسِهِ يَأْتِي مِثْلُهُ فِي إذْنِهِ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَوْ غَيْرِهِ بِالْإِنْفَاقِ فَلَيْسَ مِنْ الِاسْتِدَانَةِ مَطْلَبٌ فِي إذْنِ النَّاظِرِ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِالْعِمَارَةِ وَفِي الْخَيْرِيَّةِ سُئِلَ فِي عِلِّيَّةِ جَارِيَةٍ فِي وَقْفٍ تَهَدَّمَتْ فَأَذِنَ النَّاظِرُ لِرَجُلٍ بِأَنْ يُعَمِّرَهَا مِنْ مَالِهِ فَمَا الْحُكْمُ فِيمَا صَرَفَهُ مِنْ مَالِهِ بِإِذْنِهِ أَجَابَ: اعْلَمْ أَنَّ عِمَارَةَ الْوَقْفِ بِإِذْنِ مُتَوَلِّيهِ: لِيَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَ يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ ذَكَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي عِمَارَةِ النَّاظِرِ بِنَفْسِهِ قَوْلَيْنِ، وَعِمَارَةُ مَأْذُونِهِ كَعِمَارَتِهِ فَيَقَعُ فِيهَا الْخِلَافُ وَقَدْ جَزَمَ فِي الْقُنْيَةِ وَالْحَاوِي بِالرُّجُوعِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ إذَا كَانَ يَرْجِعُ مُعْظَمُ الْعِمَارَةِ إلَى الْوَقْفِ اهـ. قُلْت: وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ إجَارَاتِ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْحَاوِي سُئِلَ عَمَّنْ آجَرَ مَنْزِلًا لِرَجُلٍ وَقَفَهُ وَالِدُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ وَأَنْفَقَ الْمُسْتَأْجِرُ فِي عِمَارَتِهِ بِأَمْرِ الْمُؤَجِّرِ قَالَ: إنْ كَانَ لِلْمُؤَجِّرِ وِلَايَةٌ عَلَى الْوَقْفِ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى الْوَقْفِ وَإِلَّا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ مُتَطَوِّعًا وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ اهـ وَظَاهِرُهُ مَعَ مَا مَرَّ عَنْ الْخَيْرِيَّةِ أَنَّهُ يَرْجِعُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الْقَيِّمِ مَالٌ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ فِيمَا لَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَلَعَلَّ مَا هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِدَانَةِ إذْنُ الْقَاضِي، وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ فَلْيُتَأَمَّلْ وَإِذَا قُلْنَا بِبِنَائِهِ عَلَى ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا مَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا فِي إثْبَاتِ الْمُرْصَدِ مِنْ تَحْكِيمِ قَاضٍ حَنْبَلِيٍّ يَرَى صِحَّةَ إذْنِ النَّاظِرِ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِالْعِمَارَةِ الضَّرُورِيَّةِ بِلَا أَمْرِ قَاضٍ غَيْرُ لَازِمٍ (قَوْلُهُ: فَوْقَ قِيمَتِهِ) أَيْ شِرَاءٍ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَوْقَ مَا يُبَاعُ بِثَمَنٍ حَالٍّ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمُؤَجَّلِ فَوْقَ قِيمَةِ الْحَالِّ (قَوْلُهُ وَيَكُونُ الرِّبْحُ) أَيْ مَا رَبِحَهُ بَائِعُ الْمَتَاعِ بِسَبَبِ التَّأْجِيلِ. مَطْلَبٌ لَوْ اشْتَرَى الْقَيِّمُ الْعَشَرَةَ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ فَالرِّبْحُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: الْجَوَابُ نَعَمْ) كَذَا حَرَّرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ أَشْبَاهٌ لَكِنْ فِي الْقُنْيَةِ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَلَّةٌ لِلْعِمَارَةِ فِي الْحَالِ، فَاسْتَقْرَضَ الْعَشَرَةَ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ فِي السَّنَةِ وَاشْتَرَى مِنْ الْمُقْرِضِ شَيْئًا يَسِيرًا ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ يَرْجِعُ فِي غَلَّتِهِ الْعَشَرَةُ وَعَلَيْهِ الزِّيَادَةُ اهـ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 440 أَقَرَّ بِأَرْضٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ أَنَّهَا وَقْفٌ وَكَذَّبَهُ ثُمَّ مَلَكَهَا صَارَتْ وَقْفًا. يُعْمَلُ بِالْمُصَادَقَةِ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ وَإِنْ خَالَفَتْ كِتَابَ الْوَقْفِ لَكِنْ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ خَاصَّةً   [رد المحتار] قَالَ فِي الْبَحْرِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ مِنْ أَنَّهُ لَا جَوَابَ لِلْمَشَايِخِ فِيهَا اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ، وَكَذَا نَقَلَ الْبِيرِيُّ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة مِثْلَ مَا فِي الْقُنْيَةِ وَقَالَ وَهَذَا الَّذِي نُفْتِي بِهِ، وَمَنْشَأُ مَا حَرَّرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ عَدَمُ الْوُقُوفِ عَلَى تَحْرِيرِ الْحُكْمِ مِمَّنْ تَقَدَّمَهُ وَالْعَجَبُ مِنْ الْمُصَنَّفِ أَيْ صَاحِبِ الْأَشْبَاهِ كَيْفَ اخْتَارَهُ وَرَضِيَ بِهِ. اهـ. (قَوْله وَكَذَّبَهُ) أَيْ الْغَيْرُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَلَكهَا) أَيْ الْمُقِرُّ وَلَوْ بِسَبَبٍ جَبْرِيٍّ أَشْبَاهٌ (قَوْلُهُ: صَارَتْ وَقْفًا) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِزَعْمِهِ أَشْبَاهٌ. مَطْلَبٌ فِي الْمُصَادَقَةِ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ (قَوْلُهُ يُعْمَلُ بِالْمُصَادَقَةِ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ إلَخْ) أَقُولُ: اغْتَرَّ كَثِيرٌ بِهَذَا الْإِطْلَاقِ، وَأَفْتَوْا بِسُقُوطِ الْحَقِّ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ وَالْحَقُّ الصَّوَابُ أَنَّ السُّقُوطَ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ يَعْرِفُهَا الْفَقِيهُ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْكَبِيرُ الْخَصَّافُ أَقَرَّ فَقَالَ غَلَّةُ هَذِهِ الصَّدَقَةِ لِفُلَانٍ دُونِي وَدُونَ النَّاسِ جَمِيعًا بِأَمْرٍ حَقٍّ وَاجِبٍ ثَابِتٍ لَازِمٍ عَرَفْتُهُ، وَلِزَمَنِي الْإِقْرَارُ لَهُ بِذَلِكَ قَالَ أُصَدِّقُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَأُلْزِمَ مَا أَقَرَّ بِهِ مَا دَامَ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ رَدَدْتُ الْغَلَّةَ إلَى مَنْ جَعَلَهَا الْوَاقِفُ لَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ جَعَلْتُهُ كَأَنَّ الْوَاقِفَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ ذَلِكَ لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَعَلَّلَهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ لِجَوَازِ أَنَّ الْوَاقِفَ قَالَ إنَّ لَهُ أَنْ يَزِيدَ وَيَنْقُصَ، وَأَنْ يَخْرُجَ وَأَنْ يُدْخِلَ مَكَانَهُ مَنْ رَأَى فَيُصَدَّقُ زَيْدٌ عَلَى حَقِّهِ. اهـ. أَقُولُ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ الْمُقِرَّ إنَّمَا أَقَرَّ بِذَلِكَ لِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ لِكَيْ يَسْتَبِدَّ بِالْوَقْفِ أَنَّ ذَلِكَ الْإِقْرَارَ غَيْرُ مَقْبُولٍ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ خَالٍ عَمَّا يُوجِبُ تَصْحِيحَهُ مِمَّا قَالَهُ الْإِمَامُ الْخَصَّافُ وَهُوَ الْإِقْرَارُ الْوَاقِعُ فِي زَمَانِنَا فَتَأَمَّلْهُ، وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ بِيرِيٌّ: أَيْ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ ابْتِدَاءً لَا يَصِحُّ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ بَعْدُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ خَالَفَتْ كِتَابَ الْوَقْفِ) حَمْلًا عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ رَجَعَ عَمَّا شَرَطَهُ، وَشَرَطَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُقِرُّ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فِي بَابٍ مُسْتَقِلٍّ أَشْبَاهٌ. أَقُولُ: لَمْ أَرَ شَيْئًا مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ مَا نَقَلَهُ الْبِيرِيُّ آنِفًا؛ وَلَيْسَ فِيهِ التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ رَجَعَ عَمَّا شَرَطَهُ وَلِذَا قَالَ الْحَمَوِيُّ إنَّهُ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْوَقْفَ إذَا لَزِمَ لَزِمَ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنْ الشُّرُوطِ إلَّا أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ بِعَدَمِ لُزُومِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَيُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى وَقْفٍ لَمْ يُسَجَّلْ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ الدُّرَرِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَالْجِهَةُ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ بَعْدَ ثُبُوتِ النَّقْلِ عَنْ الْخَصَّافِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ خَاصَّةً) فَإِذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى زَيْدٍ وَأَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِ، ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَأَقَرَّ زَيْدٌ بِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى هَذَا الرَّجُلِ لَا يُصَدَّقُ عَلَى وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ فِي إدْخَالِ النَّقْصِ عَلَيْهِمْ، بَلْ تُقْسَمُ الْغَلَّةُ عَلَى زَيْدٍ وَعَلَى مَنْ كَانَ مَوْجُودًا مِنْ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ، فَمَا أَصَابَ زَيْدًا مِنْهَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُقَرِّ لَهُ مَا دَامَ زَيْدٌ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ بَطَلَ إقْرَارُهُ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُقَرِّ لَهُ حَقٌّ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَأَقَرَّ زَيْدٌ بِهَذَا الْإِقْرَارِ لِهَذَا الرَّجُلِ شَارَكَهُ الرَّجُلُ فِي الْغَلَّةِ مَا دَامَ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ زَيْدٌ كَانَتْ لِلْفُقَرَاءِ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ زَيْدٌ عَلَيْهِمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 441 فَلَوْ أَقَرَّ الْمَشْرُوطُ لَهُ الرَّيْعُ أَوْ النَّظَرُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ فُلَانٌ دُونَهُ صَحَّ، وَلَوْ جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ لَا وَسَيَجِيءُ آخِرَ الْإِقْرَارِ   [رد المحتار] وَإِنْ مَاتَ الرَّجُلُ الْمُقَرُّ لَهُ وَزَيْدٌ حَيٌّ فَنِصْفُ الْغَلَّةِ لِلْفُقَرَاءِ وَالنِّصْفُ لِزَيْدٍ فَإِذَا مَاتَ زَيْدٌ صَارَتْ الْغَلَّةُ كُلُّهَا لِلْفُقَرَاءِ. اهـ. خَصَّافٌ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَإِنَّمَا عَادَ نِصْفُ الْغَلَّةِ لِلْفُقَرَاءِ إذَا مَاتَ الْمُقَرُّ لَهُ مَعَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْفُقَرَاءِ بَعْدَ مَوْتِ زَيْدٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ الْمَذْكُورَ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي النِّصْفِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ لِلرَّجُلِ، فَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِ الرَّجُلِ، فَيَرْجِعُ إلَى الْفُقَرَاءِ لِعَدَمِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُمْ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى زَيْدٍ وَأَوْلَادِهِ وَذَوِيهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ كَمَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَمَاتَ الرَّجُلُ الْمُقَرُّ لَهُ يَرْجِعُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ إلَى الْفُقَرَاءِ لَا إلَى زَيْدٍ لِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ وَلَا إلَى أَوْلَادِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ لَهُمْ بِهِ وَلَمْ يَنْقُصْ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْ حَقِّهِمْ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ وَذُرِّيَّتِهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ، ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ الْمُقَرُّ لَهُ يَرْجِعُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ إلَى الْفُقَرَاءُ لَا إلَى زَيْدٍ لِمَا قُلْنَا وَلَا إلَى أَوْلَادِهِ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ شَيْئًا إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ، فَصَارَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي حُكْمِ مُنْقَطِعِ الْوَسَطِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ قُبَيْلَ الْفُرُوعِ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ فَاغْتَنِمْ هَذِهِ الْفَائِدَةَ السَّنِيَّةَ مَطْلَبٌ فِي الْمُصَادَقَةِ عَلَى النَّظَرِ (قَوْلُهُ: أَوْ النَّظَرُ) أَفَادَ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّظَرِ مِثْلُ الْإِقْرَارِ بِرَيْعِ الْوَقْفِ: أَيْ غَلَّتِهِ، فَلَوْ أَقَرَّ النَّاظِرُ أَنَّ فُلَانًا يَسْتَحِقُّ مَعَهُ نِصْفَ النَّظَرِ مَثَلًا يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ وَيُشَارِكُهُ فُلَانٌ فِي وَظِيفَتِهِ مَا دَامَا حَيَّيْنِ بَقِيَ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُقِرَّ فَالْحُكْمُ ظَاهِرٌ وَهُوَ بُطْلَانُ الْإِقْرَارِ وَانْتِقَالُ النَّظَرِ لِمَنْ شَرَطَ لَهُ الْوَاقِفُ بَعْدَهُ، وَأَمَّا لَوْ مَاتَ الْمُقَرُّ لَهُ فَهِيَ مَسْأَلَةٌ تَقَعُ كَثِيرًا وَقَدْ سُئِلْت عَنْهَا مِرَارًا. وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ بُطْلَانُ الْإِقْرَارِ أَيْضًا لَكِنْ لَا تَعُودُ الْحِصَّةُ الْمُقَرُّ بِهَا إلَى الْمُقِرِّ لِمَا مَرَّ وَإِنَّمَا يُوَجِّهُهَا الْقَاضِي لِلْمُقِرِّ أَوْ لِمَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ لِأَنَّا صَحَّحْنَا إقْرَارَهُ حَمْلًا عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ ذَلِكَ لِلْمُقَرِّ لَهُ كَمَا مَرَّ عَنْ الْخَصَّافِ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ جَعَلَ النَّظَرَ لِاثْنَيْنِ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَمَا شَرَطَهُ لِاثْنَيْنِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا أَقَامَ الْقَاضِي غَيْرَهُ، وَلَيْسَ لِلْحَيِّ الِانْفِرَادُ إلَّا إذَا أَقَامَهُ كَمَا فِي الْقَاضِي كَمَا فِي الْإِسْعَافِ اهـ وَلَا يُمْكِنُ هُنَا الْقَوْلُ بِانْتِقَالِ مَا أَقَرَّ بِهِ إلَى الْمَسَاكِينِ كَمَا قُلْنَا فِي الْإِقْرَارِ بِالْغَلَّةِ إذْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي النَّظَرِ وَإِنَّمَا حَقُّهُمْ فِي الْغَلَّةِ فَقَطْ هَذَا مَا حَرَّرْته فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ فَاغْتَنِمْهُ (قَوْلُهُ: صَحَّ) أَيْ الْإِقْرَارُ الْمَذْكُورُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ حَيْثُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ، أَمَّا لَوْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَقَرَّ كَاذِبًا لَا يَحِلُّ لِلْمُقَرِّ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ كَمَا صَرَّحُوا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ إذْ الْإِقْرَارُ إخْبَارٌ لَا تَمْلِيكٌ عَلَى أَنَّ التَّمْلِيكَ هُنَا غَيْرُ صَحِيحٍ. مَطْلَبٌ فِي جَعْلِ النَّظَرِ أَوْ الرَّيْعِ لِغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ لَا) أَيْ لَا يَصِيرُ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ تَصْحِيحَ الْإِقْرَارِ إنَّمَا هُوَ مُعَامَلَةٌ لَهُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ ظَاهِرُ الْحَالِ تَصْدِيقًا لَهُ فِي إخْبَارِهِ مَعَ إمْكَانِ تَصْحِيحِهِ حَمْلًا عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ ذَلِكَ لِلْمُقَرِّ لَهُ كَمَا مَرَّ أَمَّا إذَا قَالَ الْمَشْرُوطُ لَهُ الْغَلَّةُ، أَوْ النَّظَرُ جَعَلْتُ ذَلِكَ لِفُلَانٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إنْشَاءِ ذَلِكَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ. نَعَمْ لَوْ جَعَلَ النَّظَرَ لِغَيْرِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ يَصِحُّ إنْ لَمْ يُخَالِفْ شَرْطَ الْوَاقِفِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَصِيًّا عَنْهُ وَكَذَا لَوْ فَرَغَ عَنْهُ لِغَيْرِهِ وَقَرَّرَ الْقَاضِي ذَلِكَ الْغَيْرَ يَصِحُّ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ وَالْفَرَاغُ عَزْلٌ، وَلَا يَصِيرُ الْمَفْرُوغُ لَهُ نَاظِرًا بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْرِيرِ الْقَاضِي كَمَا حَرَّرْنَاهُ سَابِقًا، فَإِذَا قَرَّرَ الْقَاضِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 442 وَلَا يَكْفِي صَرْفُ النَّاظِرِ لِثُبُوتِ اسْتِحْقَاقِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ نَسَبِهِ وَسَيَجِيءُ فِي دَعْوَى ثُبُوتِ النَّسَبِ.   [رد المحتار] الْمَفْرُوغَ لَهُ صَارَ نَاظِرًا بِالتَّقْرِيرِ لَا بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ، وَهَذَا غَيْرُ الْجَعْلِ الْمَذْكُورِ هُنَا فَافْهَمْ. وَأَمَّا جَعْلُ الرَّيْعِ لِغَيْرِهِ فَقَالَ ط: إنْ كَانَ الْجَعْلُ بِمَعْنَى التَّبَرُّعِ بِمَعْلُومِهِ لِغَيْرِهِ، بِأَنْ يُوَكِّلَهُ لِيَقْبِضَهُ لَهُ ثُمَّ يَأْخُذَهُ لِنَفْسِهِ فَلَا شُبْهَةَ فِي صِحَّةِ التَّبَرُّعِ بِهِ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ فَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: إنَّ الِاسْتِحْقَاقَ الْمَشْرُوطَ كَإِرْثٍ لَا يَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ. اهـ. قُلْت: مَا عَزَاهُ لِلْخَانِيَّةِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِثُبُوتِهِ فَرَاجِعْهَا. نَعَمْ الْمَنْقُولُ فِي الْخَانِيَّةِ مَا سَيَأْتِي، وَقَدْ فَرَّقَ فِي الْأَشْبَاهِ فِي بَحْثِ مَا يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ مِنْ الْحُقُوقِ بَيْنَ إسْقَاطِهِ لِمُعَيَّنٍ وَغَيْرِ مُعَيَّنٍ وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي جُمْلَةِ مَسَائِلَ كَثُرَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَلَمْ يَجِدْ فِيهَا نَقْلًا فَقَالَ إذَا أَسْقَطَ لِمَشْرُوطٍ لَهُ الرَّيْعُ حَقَّهُ لَا لِأَحَدٍ لَا يَسْقُطُ كَمَا فَهِمَهُ الطَّرَسُوسِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ لِغَيْرِهِ اهـ أَيْ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ، لَكِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ مُطْلَقًا فِي رِسَالَتِهِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي بَيَانِ مَا يَسْقُطُ مِنْ الْحُقُوقِ، وَمَا لَا يَسْقُطُ أَخْذًا مِمَّا فِي شَهَادَاتِ الْخَانِيَّةِ مَنْ كَانَ فَقِيرًا مِنْ أَصْحَابِ الْمَدْرَسَةِ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لِلْوَقْفِ اسْتِحْقَاقًا لَا يَبْطُلُ بِإِبْطَالِهِ فَلَوْ قَالَ أَبْطَلْت حَقِّي كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ اهـ قُلْت: لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ إسْقَاطٌ لَا لِأَحَدٍ نَعَمْ يَنْبَغِي عَدَمُ الْفَرْقِ إذْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الرَّيْعُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ، فَإِذَا قَالَ أَسْقَطْتُ حَقِّي مِنْهُ لِفُلَانٍ أَوْ جَعَلْتُهُ لَهُ يَكُونُ مُخَالِفًا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ، حَيْثُ أَدْخَلَ فِي وَقْفِهِ مَا لَمْ يَرْضَهُ الْوَاقِفُ لِأَنَّ هَذَا إنْشَاءُ اسْتِحْقَاقٍ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ فُلَانٌ فَإِنَّهُ إخْبَارٌ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ كَمَا مَرَّ، ثُمَّ رَأَيْت الْخَيْرَ الرَّمْلِيَّ أَفْتَى بِذَلِكَ وَقَالَ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي شَهَادَاتِ الْخَانِيَّةِ وَهَذَا فِي وَقْفِ الْمَدْرَسَةِ، فَكَيْفَ فِي الْوَقْفِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى تَقْرِيرِ الْحَاكِمِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ فَأَشْبَهَ الْإِرْثَ فِي عَدَمِ قَبُولِهِ الْإِسْقَاطَ، وَقَدْ وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَلَامٌ يَجِبُ أَنْ يُحْذَرَ. اهـ. مَطْلَبٌ لَا يَكْفِي صَرْفُ النَّاظِرِ لِثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَكْفِي صَرْفُ النَّاطِرِ إلَخْ) أَيْ لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ مُتَمَسِّكًا بِأَنَّ النَّاظِرَ كَانَ يَدْفَعُ لَهُ الِاسْتِحْقَاقَ، لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ نَسَبِهِ، وَفِي الْخَيْرِيَّةِ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِأَنَّهُ هُوَ وَأَبُوهُ وَجَدُّهُ مُتَصَرِّفُونَ فِي أَرْبَعَةِ قَرَارِيطَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمُدَّعَى كَمَنْ ادَّعَى حَقَّ الْمُرُورِ أَوْ رَقَبَةَ الطَّرِيقِ عَلَى آخَرَ وَبَرْهَنَ أَنَّهُ كَانَ يَمُرُّ فِي هَذِهِ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ شَيْئًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَالِبُ عُلَمَائِنَا وَالشَّاهِدُ إذَا فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. وَأَنْوَاعُ التَّصَرُّفِ كَثِيرَةٌ فَلَا يَحِلُّ الْحُكْمُ بِالِاسْتِحْقَاقِ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ بِالشَّهَادَةِ بِأَنَّهُ هُوَ وَأَبُوهُ وَجَدُّهُ مُتَصَرِّفُونَ فَقَدْ يَكُونُ تَصَرُّفُهُمْ بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَمِمَّا صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ دَعْوَى بُنُوَّةِ الْعَمِّ تَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ نِسْبَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ إلَى الْجَدِّ لِيَصِيرَ مَعْلُومًا لِأَنَّ انْتِسَابَهُ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ لَيْسَ بِثَابِتٍ عِنْدَ الْقَاضِي، فَيُشْتَرَطُ الْبَيَانُ لِيُعْلَمَ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلْقَاضِي بِدُونِ ذِكْرِ الْجَدِّ وَالْمَقْصُودُ هُنَا الْعِلْمُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَاقِفِ، وَكَوْنُهُ ابْنَ عَمِّ فُلَانٍ لَا يَتَحَقَّقُ بِهِ اسْتِحْقَاقٌ مِنْ وَقْفِ الْجَدِّ الْأَعْلَى لِتَحَقُّقِ الْعُمُومَةِ بِأَنْوَاعٍ مِنْهَا الْعَمُّ لِلْأُمِّ. اهـ. قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا أَرَادَ إثْبَاتَ أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ ابْنَ عَمِّ فُلَانٍ الَّذِي هُوَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ فَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ نَسَبِهِ إلَى الْجَدِّ الْجَامِعِ. وَأَمَّا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْوَقْفِ. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي إثْبَاتُ ذَلِكَ بِدُونِ ذِكْرِ النَّسَبِ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِخِلَافِ بُنُوَّةِ الْعَمِّ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ابْنَ عَمٍّ لِلْمُتَوَفَّى وَلَا يَكُونُ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِف لِكَوْنِهِ ابْنَ عَمٍّ لِأُمٍّ تَأَمَّلْ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ الْقَرَابَةِ وَبَيَانِ جِهَتِهَا (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ فِي دَعْوَى ثُبُوتِ النَّسَبِ) أَيْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 443 [مَطْلَبٌ فِي الْمُصَادَقَةِ عَلَى النَّظَرِ] مَتَى ذَكَرَ الْوَاقِفُ شَرْطَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ يُعْمَلُ بِالْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا عِنْدَنَا لِأَنَّهُ نَاسِخٌ لِلْأَوَّلِ. الْوَصْفُ بَعْدَ الْجُمَلِ يَرْجِعُ إلَى الْأَخِيرِ عِنْدَنَا وَإِلَى الْجَمِيعِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَوْ بِالْوَاوِ وَلَوْ بِثُمَّ فَإِلَى الْأَخِيرِ اتِّفَاقًا الْكُلُّ مِنْ وَقْفِ الْأَشْبَاهِ وَتَمَامُهُ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ. مَتَى وَقَفَ حَالَ صِحَّتِهِ وَقَالَ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ قُسِمَ عَلَى ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ بِالسَّوِيَّةِ هُوَ الْمُخْتَارُ الْمَنْقُولُ عَنْ الْأَخْبَارِ كَمَا حَقَّقَهُ مُفْتِي دِمَشْقَ يَحْيَى ابْنُ الْمِنْقَارِ فِي الرِّسَالَةِ الْمَرْضِيَّةِ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ   [رد المحتار] فِي الْفُرُوعِ حَيْثُ قَالَ الشَّارِحُ: وَلَوْ أَحْضَرَ رَجُلًا لِيَدَّعِيَ عَلَيْهِ حَقًّا لِأَبِيهِ وَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ أَوْ لَا فَلَهُ إثْبَاتُ نَسَبِهِ عِنْدَ الْقَاضِي بِحَضْرَةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ ط. مَطْلَبٌ مَتَى ذَكَرَ الْوَاقِفُ شَرْطَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ يُعْمَلُ بِالْمُتَأَخِّرِ (قَوْلُهُ: مَتَى ذَكَرَ الْوَاقِفُ شَرْطَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ إلَخْ) فِي الْإِسْعَافِ لَوْ كَتَبَ أَوَّلَ كِتَابِ الْوَقْفِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُمْلَكُ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ عَلَى أَنَّ لِفُلَانٍ بَيْعَهُ وَالِاسْتِبْدَالَ بِثَمَنِهِ مَا يَكُونُ وَقْفًا مَكَانَهُ جَازَ بَيْعُهُ وَيَكُونُ الثَّانِي نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ، وَلَوْ عَكَسَ بِأَنْ قَالَ عَلَى أَنَّ لِفُلَانٍ بَيْعَهُ وَالِاسْتِبْدَالَ بِهِ ثُمَّ قَالَ آخِرَهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَمَّا شَرَطَهُ أَوَّلًا وَهَذَا إذَا تَعَارَضَ الشَّرْطَانِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَارَضَا وَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا وَجَبَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبِيرِيُّ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ الْأَشْبَاهِ، وَمَا ذَكَرُوهُ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ فَإِنَّ النَّصَّيْنِ إذَا تَعَارَضَا عُمِلَ بِالْمُتَأَخِّرِ مِنْهَا ط (قَوْلُهُ: الْوَصْفُ بَعْدَ الْجُمَلِ إلَخْ) سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ نَظْمِ الْمُحِبِّيَّةِ مَعَ مَا يُنَاسِبُهَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي قَوْلِ الْوَاقِفِ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ (قَوْلُهُ: مَتَى وَقَفَ) أَيْ عَلَى أَوْلَادِهِ لِأَنَّهُ مَنْشَأُ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ كَمَا تَعْرِفُهُ، وَبِهِ يَظْهَرُ فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ حَالَ صِحَّتِهِ (قَوْلُهُ كَمَا حَقَّقَهُ مُفْتِي دِمَشْقَ إلَخْ) أَقُولُ: حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الرِّسَالَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «سَوُّوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ وَلَوْ كُنْت مُؤْثِرًا أَحَدًا لَآثَرْت النِّسَاءَ عَلَى الرِّجَالِ» رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ» فَالْعَدْلُ مِنْ حُقُوقِ الْأَوْلَادِ فِي الْعَطَايَا وَالْوَقْفُ عَطِيَّةٌ فَيُسَوِّي بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، لِأَنَّهُمْ فَسَّرُوا الْعَدْلَ فِي الْأَوْلَادِ بِالتَّسْوِيَةِ فِي الْعَطَايَا حَالَ الْحَيَاةِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ وَهَبَ شَيْئًا لِأَوْلَادِهِ فِي الصِّحَّةِ، وَأَرَادَ تَفْضِيلَ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ التَّفْضِيلُ لِزِيَادَةِ فَضْلٍ فِي الدِّينِ وَإِنْ كَانُوا سَوَاءً يُكْرَهُ وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْإِضْرَارَ وَإِلَّا سَوَّى بَيْنَهُمْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَيُعْطِي لِلذَّكَرِ ضِعْفَ الْأُنْثَى، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا إلَى تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى قَالَ: ذَكَرَ فِي الِاسْتِحْسَانِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ، وَيَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَ أَوْلَادِهِ فِي الْعَطَايَا وَالْعَدْلُ فِي ذَلِكَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَدْ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ حُكْمَ وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ مِنْ الْحَدِيثِ، وَتَبِعَهُ أَعْيَانُ الْمُجْتَهِدِينَ، وَأَوْجَبُوا التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ وَقَالُوا يَكُونُ آثِمًا فِي التَّخْصِيصِ وَفِي التَّفْضِيلِ، وَلَيْسَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَرِيضَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي بَابِ الْوَقْفِ إلَّا هَذِهِ بِمُوجِبِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ اجْتِنَابُ الْمَكْرُوهِ، فَلَا تَنْصَرِفُ الْفَرِيضَةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي بَابِ الْوَقْفِ إلَّا إلَى التَّسْوِيَةِ وَالْعُرْفُ لَا يُعَارِضُ النَّصَّ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ، وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُحَمَّدُ الْحِجَازِيُّ الشَّافِعِيُّ وَالشَّيْخُ سَالِمُ السَّنْهُورِيُّ الْمَالِكِيُّ وَالْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ وَغَيْرُهُمْ اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 444 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] قُلْت: وَقَدْ كُنْت قَدِيمًا جَمَعْت فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِسَالَةً سَمَّيْتهَا الْعُقُودَ الدُّرِّيَّةَ فِي قَوْلِ الْوَاقِفِ عَلَى الْفَرْضِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ حَقَّقْتُ فِيهَا الْمَقَامَ وَكَشَفْتُ عَنْ مُخَدَّرَاتِهِ اللِّثَامَ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ صَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبَرَّ أَوْلَادَهُ فَالْأَفْضَلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنْ يَجْعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجْعَلُهُمَا سَوَاءً وَهُوَ الْمُخْتَارُ، ثُمَّ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قُبَيْلَ الْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى كِتَابَةِ صَكِّ الْوَقْفِ إنْ أَرَادَ الْوَقْفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، يَقُولُ: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ يَقُولُ: الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى عَلَى السَّوَاءِ، وَلَكِنْ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ وَأَجْلَبُ لِلثَّوَابِ اهـ. مَطْلَبٌ مُرَاعَاةُ غَرَضِ الْوَاقِفِينَ وَاجِبَةٌ وَالْعُرْفُ يَصْلُحُ مُخَصِّصًا وَهَكَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى بِلَفْظِ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ، فَهْدًا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْوَقْفِ فَتَكُونُ الْفَرِيضَةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي الْوَقْفِ هِيَ الْمُفَاضَلَةَ فَإِذَا أَطْلَقَهَا الْوَاقِفُ انْصَرَفَتْ إلَيْهَا لِأَنَّهَا هِيَ الْكَامِلَةُ الْمَعْهُودَةُ فِي بَابِ الْوَقْفِ، وَإِنْ كَانَ الْكَامِلُ عَكْسَهَا فِي بَابِ الصَّدَقَةِ فَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ، عَلَى أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مُرَاعَاةَ غَرَضِ الْوَاقِفِينَ وَاجِبَةٌ، وَصَرَّحَ الْأُصُولِيُّونَ بِأَنَّ الْعُرْفَ يَصْلُحُ مُخَصِّصًا وَالْعُرْفُ الْعَامُّ بَيْنَ الْخَوَاصِّ وَالْعَوَامِّ أَنَّ الْفَرِيضَةَ الشَّرْعِيَّةَ يُرَادُ بِهَا الْمُفَاضَلَةُ: وَهِيَ إعْطَاءُ الذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَلِذَا يَقَعُ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ لِزِيَادَةِ التَّأْكِيدِ فِي غَالِبِ كُتُبِ الْأَوْقَافِ، بِأَنْ يَقُولَ: يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَا تَكَادُ تَسْمَعُ أَحَدًا يَقُولُ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَى لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمُتَعَارَفِ بَيْنَهُمْ فِي هَذَا اللَّفْظِ، وَفِي الْأَشْبَاهِ فِي قَاعِدَةِ الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ، أَنَّ أَلْفَاظَ الْوَاقِفِينَ تُبْنَى عَلَى عُرْفِهِمْ كَمَا فِي وَقْفِ فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى ابْنِ حَجَرٍ، وَنَقَلَ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مُطْلَقُ الْكَلَامِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ، وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ عَنْ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ وَقَدْ مَرَّ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ، فَحَيْثُ شَرَطَ الْقِسْمَةَ كَذَلِكَ وَكَانَ عَرَّفَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمُفَاضَلَةِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِمَا أَرَادَهُ، وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ مَدْلُولِهِ الْعُرْفِيِّ لِأَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي هَذَا الْمَعْنَى وَالْأَلْفَاظُ تُحْمَلُ عَلَى مَعَانِيهَا الْحَقِيقِيَّةِ اللُّغَوِيَّةِ إنْ لَمْ يُعَارِضْهَا نَقْلٌ فِي الْعُرْفِ إلَى مَعْنًى آخَرَ، فَلَفْظُ الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ إذَا كَانَ مَعْنَاهُ لُغَةً أَوْ شَرْعًا التَّسْوِيَةَ وَكَانَ مَعْنَاهُ فِي الْعُرْفِ الْمُفَاضَلَةَ، وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ كَمَا عَلِمْت، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ الْمُفَاضَلَةَ فِي الْوَقْفِ مَكْرُوهَةٌ كَمَا فِي الْهِبَةِ وَأَنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ فِي الْهِبَةِ وَارِدٌ فِي الْوَقْفِ أَيْضًا نَقُولُ إنَّ هَذَا الْوَاقِفَ أَرَادَ الْمُفَاضَلَةَ، وَارْتَكَبَ الْمَكْرُوهَ، فَلَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ تَقْدِيمُ الْعُرْفِ عَلَى النَّصِّ بَلْ فِيهِ إعْمَالُ النَّصِّ بِإِثْبَاتِ الْكَرَامَةِ فِيمَا فَعَلَهُ، وَإِعْمَالُ لَفْظِهِ بِحَمْلِهِ عَلَى مَدْلُولِهِ الْعُرْفِيِّ، فَإِنَّ النَّصَّ لَا يُغَيِّرُ الْأَلْفَاظَ عَنْ مَعَانِيهَا الْمُرَادَةِ، بَلْ يَبْقَى اللَّفْظُ عَلَى مَدْلُولِهِ الْعُرْفِيِّ، وَهُوَ الْمُفَاضَلَةُ لِأَنَّهُ صَارَ عَلَمًا عَلَيْهَا، وَهِيَ فَرِيضَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي مِيرَاثِ الْأَوْلَادِ، فَإِذَا ذَكَرَهَا فِي وَقْفِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِمُرَادِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ الْمُفَاضَلَةَ فِي الْوَقْفِ مَكْرُوهَةٌ كَمَا فِي الْهِبَةِ، وَقَدْ سَمِعْت التَّصْرِيحَ بِخِلَافِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ. وَقَدْ وَقَعَ سُؤَالٌ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْوَقْفِ مِنْ الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ فِيهِ ذِكْرُ الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ مَعَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ، بِأَنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَأَجَابَ فِيهِ بِالْقِسْمَةِ بِالْمُفَاضَلَةِ، وَأَجَابَ فِي الْخَيْرِيَّةِ قَبْلَهُ فِي سُؤَالٍ آخَرَ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَبِهِ أَفْتَى مُفْتِي دِمَشْقَ الْمَرْحُومُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ تِلْمِيذُ الشَّارِحِ، وَكَذَا شَيْخُ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيُّ، وَرَأَيْت مِثْلَ ذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 445 وَنَحْوُهُ فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ وَفِيهَا مَتَى ثَبَتَ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ وَقْفِيَّةُ مَكَان وَجَبَ نَقْضُ الْبَيْعِ وَلَا إثْمَ عَلَى الْبَائِعِ مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ وَلِلْمُتَوَلِّي أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي أَوْ غَرَسَ فَذَلِكَ لَهُمَا فَيُسْلَكُ مَعَهُمَا بِالْأَنْفَعِ لِلْوَقْفِ. -   [رد المحتار] فِي فَتَاوَى الشِّهَابِ أَحْمَدَ بْنِ الشَّلَبِيِّ الْحَنَفِيِّ شَيْخِ صَاحِبِ الْبَحْرِ، وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ الشِّهَابُ أَحْمَدُ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي فَتَاوِيهِ، وَرَأَيْت مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي فَتَاوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ مُحَقِّقِ الشَّافِعِيَّةِ السِّرَاجِ الْبُلْقِينِيِّ، وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ، وَعَزَاهُ أَيْضًا إلَى الْمَقْدِسِيَّ وَالطَّبَلَاوِيِّ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا، فَكُلُّ هَؤُلَاءِ الْأَعْلَامِ أَفْتَوْا بِمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ مِنْ مَعْنَى هَذَا اللَّفْظُ وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً، وَهَذَا خُلَاصَةُ مَا ذَكَرْته فِي الرِّسَالَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَمَنْ أَرَادَ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ إلَيْهَا وَلْيَعْتَمِدْ عَلَيْهَا فَفِيهَا الْمَقْنَعُ لِمَنْ يَتَدَبَّرُ مَا يَسْمَعُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ) هَذَا عَجِيبٌ بَلْ الَّذِي فِيهَا خِلَافُهُ وَهُوَ انْصِرَافُ الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ إلَى الْقِسْمَةِ بِالْمُفَاضَلَةِ حَيْثُ وُجِدَ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ، نَعَمْ وَقَعَ فِي السُّؤَالِ الَّذِي سُئِلَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ آلَ الْوَقْفُ إلَى أَخِي الْمَيِّتِ لِأُمِّهِ وَأَخِيهِ الشَّقِيقِ، فَأَجَابَ بِأَنَّهَا تُقْسَمُ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لَا قِسْمَةَ الْمِيرَاثِ: أَيْ لَا يُعْطَى لِلْأَخِ لِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لِلشَّقِيقِ وَقَالَ: إنَّ هَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِغَالِبِ أَحْوَالِ الْوَاقِفِينَ وَهُوَ قَصْدُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، فَإِذَا قَالَ عَلَى حُكْمِ الْفَرِيضَةِ يَنْزِلُ عَلَى الْغَالِبِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ قَالَ وَقَدْ أَجَابَ بِهَذَا الْجَوَابِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عُمْدَةُ الْأَنَامِ مُفْتِي الْوَقْتِ بِالْقَاهِرَةِ الْمَحْرُوسَةِ هُوَ الشَّيْخُ نُورُ الدِّينِ الْمَقْدِسِيَّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ مُحَمَّدُ الطَّبَلَاوِيُّ الشَّافِعِيُّ مُفْتِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ. اهـ. وَحَاصِلُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ حَيْثُ وُجِدَ ذُكُورٌ فَقَطْ كَمَا فِي وَاقِعَةِ السُّؤَالِ مِنْ أَخَوَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأُمٍّ وَالْآخَرُ شَقِيقٌ يُحْمَلُ لَفْظُ الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى الْقِسْمَةِ بِالسَّوِيَّةِ لَا عَلَى قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ أَحْوَالِ الْوَاقِفِينَ إرَادَةُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَيُحْمَلُ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى الْغَالِبِ إذَا وُجِدَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى لَا إذَا كَانَا ذَكَرَيْنِ. قُلْت: وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا مِنْ حَمْلِ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ عَلَى مَعْنَاهُ الْعُرْفِيِّ، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ نَظَرَ إلَى قَوْلِهِ فِي صَدْرِ الْجَوَابِ تُقْسَمُ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى بَاقِيهِ مَعَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي بَيْنِهِمَا رَاجِعٌ لِلْأَخَوَيْنِ لَا إلَى ذَكَرٍ وَأُنْثَى، وَقَدْ وَقَعَ لِابْنِ الْمِنْقَارِ فِي رِسَالَتِهِ نَظِيرُ مَا وَقَعَ لِلشَّارِحِ فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ الْحَافِظِ السُّيُوطِيّ فَتْوَى اسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى كَلَامِهِ مَعَ أَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى خِلَافِ مَرَامِهِ. فَإِنَّ حَاصِلَهَا أَنَّ وَاقِفًا شَرَطَ انْتِقَالَ نَصِيبِ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ إلَى أَقْرَبِ الطَّبَقَاتِ إلَيْهِ فَمَاتَ شَخْصٌ عَنْ ابْنِ عَمٍّ وَبِنْتَيْ عَمٍّ، فَأَجَابَ: بِانْتِقَالِ النَّصِيبِ إلَى الثَّلَاثَةِ وَأَنَّ قَوْلَهُ بِالْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى تَفْضِيلِ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى فَقَطْ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ ابْنُ الْعَمِّ وَإِنْ كَانَ عَصَبَةً. وَحَاصِلُهُ: حَمْلُ الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى الْمُفَاضَلَةِ لَا عَلَى التَّسْوِيَةِ وَلَا عَلَى قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهَذَا عَيْنُ مَا أَجَابَ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَلِلْمُتَوَلِّي أَجْرُ مِثْلِهِ) أَيْ أَجْرُ مِثْلِ الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ فِي مُدَّةِ وَضْعِ الْمُشْتَرِي يَدَهُ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ. مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ اشْتَرَطَ دَارَ الْوَقْفِ وَعَمَّرَ أَوْ غَرَسَ فِيهَا (قَوْلُهُ: فَذَلِكَ لَهُمَا) هَكَذَا عِبَارَةُ فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ وَنَصُّهَا: وَإِذَا زَادَ الْمُشْتَرَى فِي الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ زِيَادَةً هِيَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ كَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ فَذَلِكَ لَهُمَا وَلَهُمَا الْمُطَالَبَةُ فَيُسْلَكُ مَعَهُمَا فِيهِ طَرِيقًا يَظْهَرُ نَفْعُهَا لِجِهَةِ الْوَقْفِ وَيَعْظُمُ وَقْعُهَا اهـ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ: فَذَلِكَ لَهُ أَيْ لِلْمُشْتَرِي، وَالْمُرَادُ بِالْأَنْفَعِ لِلْوَقْفِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْقَلْعُ وَالتَّسْلِيمُ لِلْمُشْتَرِي أَنْفَعَ لِلْوَقْفِ يُفْعَلُ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ الْقَلْعُ يَضُرُّ بِالْوَقْفِ يَتَمَلَّكُهُ النَّاظِرُ لِلْوَقْفِ كَمَا مَرَّ فِي بِنَاءِ الْمُسْتَأْجِرِ تَأَمَّلْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 446 وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا لِلْجَامِعِ إنَّمَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ بَعْدَ نَقْضِهِ إنْ سَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ وَإِنْ أَمْسَكَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ لَوْ انْقَطَعَ ثُبُوتُهُ فَمَا كَانَ فِي دَوَاوِينِ الْقَضَاءِ اُتُّبِعَ وَإِلَّا فَمَنْ بَرْهَنَ عَلَى شَيْءٍ حُكِمَ لَهُ بِهِ وَإِلَّا صُرِفَ لِلْفُقَرَاءِ مَا لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ بُطْلَانِهِ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ فَيَعُودُ لِمِلْكِ وَاقِفِهِ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ إذَا هَدَمَ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ دَارَ الْوَقْفِ ضَمِنَ قُلْت: وَهَذَا إذَا كَانَ النَّقْضُ مِلْكَ الْمُشْتَرِي، فَلَوْ بَنَاهُ بِنَقْضِ الْوَقْفِ فَهُوَ لِلْوَقْفِ وَبَقِيَ لَوْ هَدَمَهُ. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ هَدَمَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ إنْ شَاءَ الْقَاضِي ضَمَّنَ الْبَائِعَ قِيمَةَ الْبِنَاءِ فَيَنْفُذُ بَيْعُهُ أَوْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِي، وَلَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ، وَيَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ بِالضَّمَانِ، وَيَكُونُ الضَّمَانُ لِلْوَقْفِ لَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ اهـ وَالْمُرَادُ بِالْبِنَاءِ نَقْضُهُ، وَهَذَا إذَا لَمْ تُمْكِنْ إعَادَتُهُ وَإِلَّا أُمِرَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْغَصْبِ، وَبَقِيَ أَيْضًا لَوْ هَدَمَهُ وَبَنَاهُ عَلَى غَيْرِ صِفَتِهِ فَفِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ فَتَاوَى الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ: يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي قَلْعَ مَا بَنَاهُ وَقِيمَةُ مَا قَلَعَهُ. اهـ. قُلْت: هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْبِنَاءُ الثَّانِي أَنْفَعَ لِلْوَقْفِ، فَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ سُئِلَ إذَا اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ دَارًا وَقْفًا ثُمَّ إنَّهُ هَدَمَهَا وَجَعَلَهَا طَاحُونًا أَوْ فُرْنًا أَوْ غَيْرَهُ مَا يَلْزَمُهُ؟ أَجَابَ: يَنْظُرُ الْقَاضِي إنْ كَانَ مَا غَيَّرَهَا إلَيْهِ أَنْفَعَ لِجِهَةِ الْوَقْفِ أَخَذَ مِنْهُ الْأُجْرَةَ وَبَقِيَ مَا عَمَّرَ لِجِهَةِ الْوَقْفِ وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ بِمَا أَنْفَقَهُ فِي الْعِمَارَةِ وَلَا يَجِبُ لَهُ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَنْفَعَ وَلَا أَكْثَرَ رَيْعًا أُلْزِمَ بِهَدْمِ مَا صَنَعَ وَإِعَادَةِ الْوَقْفِ إلَى الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا بَعْدَ تَعْزِيرِهِ بِمَا يَلِيقُ بِحَالِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) الَّذِي فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ وَكَذَا لَهُ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ عَلَى الْبَائِعِ إذَا نَقَضَ الْمُسْتَحِقُّ الْبِنَاءَ بِلَا قَيْدٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ، وَفِيهَا نَقْلًا عَنْ الْجَامِعِ أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَتِهِ مَبْنِيًّا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي سَلَّمَ النَّقْضَ إلَى الْبَائِعِ وَأَمَّا إذَا أَمْسَكَ النَّقْضَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ اهـ مَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ وَقَوْلُهُ بِلَا قَيْدٍ أَيْ قَيْدَ التَّسْلِيمِ الْمُقَيَّدِ بِهِ فِي الْعِبَارَةِ الثَّانِيَةِ، وَمِثْلُهُ مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ عَنْ الْمُنْيَةِ شَرَى دَارًا وَبَنَى فِيهَا فَاسْتُحِقَّتْ رَجَعَ بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ مَبْنِيًّا عَلَى الْبَائِعِ إذَا سَلَّمَ النَّقْضَ إلَيْهِ يَوْمَ تَسْلِيمِهِ، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ فَبِالثَّمَنِ لَا غَيْرُ اهـ وَقَوْلُهُ يَوْمَ تَسْلِيمِهِ مُتَعَلِّقٌ بِالْقِيمَةِ، حَتَّى لَوْ أَنْفَقَ فِي الْبِنَاءِ عَشَرَةَ آلَافٍ وَسَكَنَ فِي الدَّارِ حَتَّى تَغَيَّرَ الْبِنَاءُ وَتَهَدَّمَ بَعْضُهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِقِيمَتِهِ يَوْمَ يُسَلِّمُ الْبِنَاءَ لِلْبَائِعِ، وَلَوْ غَلَا حَتَّى صَارَ بِعِشْرِينَ أَلْفًا يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ يُسَلِّمُ وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَا أَنْفَقَ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ بَعْدَ نَقْضِهِ مُتَعَلِّقٌ بِيَرْجِعُ لَا بِقِيمَةٍ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ مَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ وَتَسْلِيمُهُ إلَى الْبَائِعِ فَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ جِصٍّ وَطِينٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ) هَذَا لَمْ يَذْكُرْ فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ وَلَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ كَمَا سَمِعْت، وَالصَّوَابُ إسْقَاطُهُ لِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ، وَهَذَا يُوهِمُ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا لَوْ اسْتَحَقَّ الْوَقْفَ وَمَا لَوْ اسْتَحَقَّهُ مَالِكٌ وَلَمْ نَرَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا كَمَا عَلِمْت مِنْ عِبَارَتِهِ فِي الْفَتَاوَى فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ فِي الْوَقْفِ إذَا انْقَطَعَ ثُبُوتُهُ (قَوْلُهُ: لَوْ انْقَطَعَ ثُبُوتُهُ إلَخْ) الْمُرَادُ عُلِمَ أَنَّهُ وَقْفٌ بِالشُّهْرَةِ وَلَكِنْ جُهِلَتْ شَرَائِطُهُ وَمَصَارِفُهُ بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ، وَلَا تَصَرُّفُ قُوَّامِهِ السَّابِقِينَ كَيْفَ كَانُوا يَعْمَلُونَ وَإِلَى مَنْ يَصْرِفُونَهُ، فَحِينَئِذٍ يُنْظَرْ إلَى مَا فِي دَوَاوِينِ الْقُضَاةِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا لَا يُعْطَى أَحَدٌ مِمَّنْ يَدَّعِي فِيهِ حَقًّا مَا لَمْ يُبَرْهِنْ فَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ يُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ لِأَنَّ الْوَقْفَ فِي الْأَصْلِ لَهُمْ وَقَدْ عُلِمَ مُجَرَّدُ كَوْنِهِ وَقْفًا وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِمْ فَيُصْرَفُ إلَيْهِمْ فَقَطْ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: يَجْعَلُهَا الْقَاضِي مَوْقُوفَةً إلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 447 أَوْ وَارِثِهِ أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَلَوْ أَوْقَفَهُ السُّلْطَانُ عَامًا جَازَ، وَلَوْ لِجِهَةٍ خَاصَّةٍ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يَصِحُّ. [مَطْلَبٌ مَتَى ذَكَرَ الْوَاقِفُ شَرْطَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ] لَوْ شَهِدَ الْمُتَوَلِّي مَعَ آخَرَ بِوَقْفِ مَكَانِ كَذَا عَلَى الْمَسْجِدِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ قَبُولُهَا. لَا تَلْزَمُ الْمُحَاسَبَةُ فِي كُلِّ عَامٍ وَيَكْتَفِي الْقَاضِي مِنْهُ بِالْإِجْمَالِ لَوْ مَعْرُوفًا بِالْأَمَانَةِ، وَلَوْ مُتَّهَمًا يُجْبِرُهُ عَلَى التَّعْيِينِ شَيْئًا فَشَيْئًا وَيَحْبِسُهُ بَلْ يُهَدِّدُهُ، وَلَوْ اتَّهَمَهُ يُحَلِّفُهُ قُنْيَةٌ. قُلْت: وَقَدَّمْنَا فِي الشَّرِكَةِ أَنَّ الشَّرِيكَ وَالْمُضَارِبَ وَالْوَصِيَّ وَالْمُتَوَلِّيَ لَا يُلْزَمُ بِالتَّفْصِيلِ، وَأَنَّ غَرَضَ قُضَاتِنَا لَيْسَ إلَّا الْوُصُولَ لِسُحْتِ الْمَحْصُولِ. لَوْ ادَّعَى الْمُتَوَلِّي الدَّفْعَ قُبِلَ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ لَكِنْ أَفْتَى الْمُنْلَا أَبُو السُّعُودِ أَنَّهُ إنْ ادَّعَى الدَّفْعَ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ   [رد المحتار] أَنْ يَظْهَرَ الْحَالُ وَقَدَّمْنَا تَمَامَ تَحْقِيقِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبَيَانُ الْمَصْرِفِ مِنْ أَصْلِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَوْ وَارِثِهِ) أَيْ إنْ مَاتَ مَالِكُهُ أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ (قَوْلُهُ: فَلَوْ وَقَفَهُ السُّلْطَانُ) أَيْ بَعْدَمَا صَارَ لِبَيْتِ الْمَالِ بِمَوْتِ أَرْبَابِهِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا إرْصَادٌ لَا وَقْفٌ حَقِيقِيٌّ (قَوْلُهُ: عَامًّا) كَالْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ وَالسِّقَايَةِ، وَمِثْلُهُ مَا وَظَّفَهُ فِي مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ لِلْعُلَمَاءِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ إبْطَالُهُ نَعَمْ لِلسُّلْطَانِ مُخَالَفَةُ شَرْطِ وَاقِفِهِ بِزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا بِصَرْفِهِ عَنْ جِهَتِهِ إلَى غَيْرِ جِهَتِهِ كَمَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَنُقِلَ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِجِهَةٍ خَاصَّةٍ) كَذُرِّيَّتِهِ أَوْ عُتَقَائِهِ (قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ) لِأَنَّ فِيهِ تَعْطِيلَ حَقِّ بَقِيَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ بَسَطَ الْمَقَامَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ قَبُولُهَا) كَمَا لَوْ شَهِدَ بِوَقْفِ مَدْرَسَةٍ وَهُوَ صَاحِبُ وَظِيفَةٍ بِهَا فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ، وَكَذَا شَهَادَةُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِوَقْفٍ عَلَيْهَا، وَأَبْنَاءُ السَّبِيلِ بِوَقْفٍ عَلَى أَبْنَاءِ السَّبِيلِ، وَهَذَا فِي الشَّهَادَةِ بِأَصْلِ الْوَقْفِ لَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْغَلَّةِ كَشَهَادَةٍ بِإِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا تُقْبَلُ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِيهَا فَكَانَ مُتَّهَمًا كَمَا فِي شَهَادَاتِ الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَإِلَّا جُبِرَ الْخَاصُّ، وَوَجْهُ الْقَبُولِ أَنَّ الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ فِي الْوَقْفِ حِسْبَةً بِدُونِ الدَّعْوَى كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: بَلْ يُهَدِّدُهُ) يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا يَكْتَفِي مِنْهُ بِالْيَمِينِ بَحْرٌ. مَطْلَبٌ فِي مُحَاسَبَةِ الْمُتَوَلِّي وَتَحْلِيفِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ اتَّهَمَهُ يُحَلِّفُهُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ أَمِينًا كَالْمُودَعِ يَدَّعِي هَلَاكَ الْوَدِيعَةِ أَوْ رَدِّهَا قِيلَ: إنَّمَا يَسْتَحْلِفُ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا مَعْلُومًا، وَقِيلَ يَحْلِفُ عَلَى كُلِّ حَالٍ بَحْرٌ عَنْ الْقُنْيَةِ. قُلْت: وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ عَلَى حَقٍّ مَجْهُولٍ إلَّا فِي سِتٍّ: إذَا اتَّهَمَ الْقَاضِي وَصِيَّ يَتِيمٍ وَمُتَوَلِّيَ وَقْفٍ وَفِي رَهْنٍ مَجْهُولٍ وَدَعْوَى سَرِقَةٍ وَغَصْبٍ وَخِيَانَةِ مُودَعٍ اهـ (قَوْلُهُ: قُلْت وَقَدَّمْنَا إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَوْ مُتَّهَمًا يُجْبِرُهُ عَلَى التَّعْيِينِ، وَقَدْ يُجَابُ مَا قَدَّمَهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالْأَمَانَةِ. مَطْلَبٌ فِي قَبُولِ قَوْلِ الْمُتَوَلِّي فِي ضَيَاعِ الْغَلَّةِ وَتَفْرِيقِهَا (قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ وَقْفِ النَّاصِحِي إذَا آجَرَ الْوَاقِفُ أَوْ قَيِّمُهُ أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ أَمِينُهُ ثُمَّ قَالَ قَبَضْتُ الْغَلَّةَ فَضَاعَتْ أَوْ فَرَّقْتهَا عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَأَنْكَرُوا فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْإِسْعَافِ وَكَذَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى عَنْ شُرُوطِ الظَّهِيرِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَسَيَجِيءُ فِي الْعَارِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا أَنْكَرُوهُ بَلْ يَدْفَعُهُ ثَانِيًا مِنْ مَالِ الْوَقْفِ اهـ وَفِي حَاشِيَةِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ فِي هَذَا الزَّمَانِ. اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 448 لِمَنْ نَصَّ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ فِي وَقْفِهِ كَأَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ قُبِلَ قَوْلُهُ، وَإِنْ ادَّعَى الدَّفْعَ إلَى الْإِمَامِ بِالْجَامِعِ وَالْبَوَّابِ وَنَحْوِهِمَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصًا لِلْبِنَاءِ فِي الْجَامِعِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ ثُمَّ ادَّعَى تَسْلِيمَ الْأُجْرَةِ إلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ تَفْصِيلٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ فَيُعْمَلُ بِهِ وَاعْتَمَدَهُ ابْنُهُ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ. قُلْت: وَسَيَجِيءُ فِي الْعَارِيَّةِ مَعْزِيًّا لِأَخِي زَادَهْ لَوْ آجَرَ الْقَيِّمُ، ثُمَّ عُزِلَ، فَقَبْضُ الْأُجْرَةِ لِلْمَنْصُوبِ فِي الْأَصَحِّ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ إذَا كَانَ النَّاظِرُ مُفْسِدًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ قُلْت: بَلْ نُقِلَ فِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ أَنَّهُ أَفْتَى بِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُفْسِدًا مُبَذِّرًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِصَرْفِ مَالِ الْوَقْفِ بِيَمِينِهِ، وَفِيهَا الْقَوْلُ فِي الْأَمَانَةِ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَمْرًا يُكَذِّبُهُ الظَّاهِرُ، فَحِينَئِذٍ تَزُولُ الْأَمَانَةُ وَتَظْهَرُ الْخِيَانَةُ، فَلَا يُصَدَّقُ بِيرِيٌّ عَنْ أَحْكَامِ الْأَوْصِيَاءِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ ظَهَرَتْ خِيَانَةُ نَاظِرٍ لَا يُصَدَّقُ قَوْلُهُ وَلَوْ بِيَمِينِهِ وَهِيَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ اهـ وَفِيهَا عَنْ فَتَاوَى الشَّلَبِيِّ بَعْدَ كَلَامٍ، وَمَنْ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَات الْمُخَالِفَةِ لِلشَّرْعِ الَّتِي صَارَ بِهَا فَاسِقًا لَا يُقْبَلُ فِيمَا صَرَفَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ اهـ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُ النَّاظِرِ الثِّقَةِ بَعْدَ الْعَزْلِ أَيْضًا ذَكَرَ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ مِنْ كِتَابِ الْأَمَانَاتِ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ الْقَبُولُ لِأَنَّ الْعَزْلَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ أَمِينًا، وَأَطَالَ فِيهِ فَرَاجِعْهُ وَبِهِ أَفْتَى الْمُصَنِّفُ قِيَاسًا عَلَى الْوَصِيِّ لَوْ ادَّعَى بَعْدَ بُلُوغِ الْيَتِيمِ أَنَّهُ أَنْفَقَ كَذَا فَإِنَّهُ يُقْبَلُ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ (قَوْلُهُ: فِي وَقْفِهِ) أَيْ وَقْفِ الْوَاقِفِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ (قَوْلُهُ: قُبِلَ قَوْلُهُ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ كَمَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ) لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ وَنَحْوُهُ، لَيْسَ مُجَرَّدَ صِلَةٍ، بَلْ فِيهِ شَوْبُ الْأُجْرَةِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي فَتَاوَاهُ لَكِنْ قَالَ فِي كِتَابِهِ تُحْفَةُ الْأَقْرَانِ غَيْرَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ عَلَى الْإِفْتَاءِ بِخِلَافِهِ اهـ وَفِي حَاشِيَةِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ أَبُو السُّعُودِ: أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْأُجْرَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَمُقْتَضَى مَا قَالَهُ أَبُو السُّعُودِ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ بَرَاءَةِ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ صَاحِبِ الْوَظِيفَةِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا فِي يَدِهِ فَيُلْزَمُ الضَّمَانَ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْوَقْفِ فَالْإِفْتَاءُ بِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ مُتَعَيِّنٌ، وَقَوْلُهُ يَعْنِي: الْمُصَنِّفُ هُوَ تَفْصِيلٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ إذْ يَلْزَمُ مِنْهُ تَضْمِينُ النَّاظِرِ إذَا دَفَعَ لَهُمْ بِلَا بَيِّنَةٍ لِتَعَدِّيهِ. اهـ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الضَّمَانُ عَلَى الْوَقْفِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ وَلَا تَعَدِّي مِنْهُ أَصْلًا لِأَنَّهُ دَفَعَ حَقًّا لِمَنْ يَسْتَحِقُّهُ فَأَيْنَ التَّعَدِّيَ إذَا لَمْ يُشْهَدْ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّهُ يَضْمَنُ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ اسْتِئْجَارِهِ شَخْصًا لِلْبِنَاءِ إذَا دَفَعَ لَهُ الْأُجْرَةَ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلِذَا قَالَ فِي الْحَامِدِيَّةِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ قُلْت: تَفْصِيلُ أَبِي السُّعُودِ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ بِاعْتِبَارِ التَّمْثِيلِ بِالْأُجْرَةِ فَهِيَ مِثْلُهَا، وَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الدَّفْعِ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِمْ الْعَمَلُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا لَا يَسْتَحِقُّونَ الْوَظِيفَةَ فَهِيَ كَالْأُجْرَةِ لَا مَحَالَةَ، وَهُوَ كَأَنَّهُ أَجِيرٌ فَإِذَا اكْتَفَيْنَا بِيَمِينِ النَّاظِرِ يَضِيعُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ لَا سِيَّمَا نُظَّارُ هَذَا الزَّمَانِ، وَقَالَ الْمَوْلَى عَطَاءُ اللَّهِ أَفَنْدِي فِي مَجْمُوعَتِهِ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا أَفَنْدِي عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْوَظِيفَةُ فِي مُقَابَلَةِ الْخِدْمَةِ، فَهِيَ أُجْرَةٌ لَا بُدَّ لِلْمُتَوَلِّي مِنْ إثْبَاتِ الْأَدَاءِ بِالْبَيِّنَةِ وَإِلَّا فَهِيَ صِلَةٌ وَعَطِيَّةٌ يُقْبَلُ فِي أَدَائِهِ قَوْلُ الْمُتَوَلِّي مَعَ يَمِينِهِ، وَإِفْتَاءُ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْمَشَايِخِ الْإِسْلَامِيَّةِ إلَى هَذَا الزَّمَانِ عَلَى هَذَا مُتَمَسِّكِينَ بِتَجْوِيزِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الطَّاعَاتِ اهـ (قَوْلُهُ: قُلْت وَسَيَجِيءُ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا إذَا ادَّعَى الصَّرْفَ إلَى وَظَائِفِ الْمُرْتَزِقَةِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّهِمْ، لَكِنْ لَا يَضْمَنُ مَا أَنْكَرُهُ لَهُ بَلْ يَدْفَعُهُ ثَانِيًا مِنْ مَالِ الْوَقْفِ كَمَا بُسِطَ فِي حَاشِيَةِ أَخِي زَادَهْ. اهـ. قُلْت: وَسَيَجِيءُ قَبْلَهُ فِي الْوَدِيعَةِ حُكْمُ مَا لَوْ مَاتَ النَّاظِرُ مُجَهِّلًا غَلَّاتِ الْوَقْفِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) ذَكَرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 449 وَهَلْ يَمْلِكُ الْمَعْزُولُ مُصَادَقَةَ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى التَّعْمِيرِ قِيلَ نَعَمْ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَاَلَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدِي لَا. لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَخْذُ زِيَادَةٍ عَلَى مَا قَرَّرَ لَهُ الْوَاقِفُ أَصْلًا وَيَجِبُ صَرْفُ جَمِيعِ مَا يَحْصُلُ مِنْ نَمَاءٍ وَعَوَائِدَ شَرْعِيَّةٍ وَعُرْفِيَّةٍ لِمَصَارِفِ الْوَقْفِ الشَّرْعِيَّةِ،   [رد المحتار] مِثْلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْمَعْزُولَ آجَرَهَا لِلْوَقْفِ لَا لِنَفْسِهِ، خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ فِي فَتَاوَاهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ وَاَلَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدِي لَا) أَيْ لَا تَصِحُّ مُصَادَقَتُهُ، وَأَخَذَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَنْ حَكَى أَمْرًا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ إنْ كَانَ فِيهِ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْغَيْرِ لَا يُصَدَّقُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَفْيُ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ صُدِّقَ قَالَ: وَحِكَايَةُ الْمُتَوَلِّي ذَلِكَ فِيهِ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ فَيَنْبَغِي عَدَمُ تَصْدِيقِهِ وَهَذَا مَا تَرَجَّحَ عِنْدِي فِي الْجَوَابِ. اهـ. قُلْت: وَهَذَا يَشْمَلُ الْمَعْزُولَ وَالْمَنْصُوبَ فَذِكْرُ الْمَعْزُولِ غَيْرُ قَيْدٍ، وَأَصْرَحُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَا فِي دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ لَا يَنْفُذُ إقْرَارُ الْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَقْفِ وَمِثْلُهُ فِي السَّابِعِ مِنْ الْعِمَادِيَّةِ، وَفِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ مِنْ الْإِجَارَةِ التَّصَادُقُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مِنْهُ عَلَى الْوَقْفِ وَإِقْرَارُ النَّاظِرِ عَلَى الْوَقْفِ غَيْرُ صَحِيحٍ (قَوْلُهُ: لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي إلَخْ) فِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي قَرِيبًا. مَطْلَبٌ فِيمَا يَأْخُذُهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ الْعَوَائِدِ الْعُرْفِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ صَرْفُ إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَرْيَةٍ مَوْقُوفَةٍ يُرِيدُ الْمُتَوَلِّي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَهَالِيِهَا مَا يَدْفَعُونَهُ بِسَبَبِ الْوَقْفِ مِنْ الْعَوَائِدِ الْعُرْفِيَّةِ مِنْ سَمْنٍ وَدَجَاجٍ وَغِلَالٍ يَأْخُذُونَهَا لِمَنْ يَحْفَظُ الزَّرْعَ، وَلِمَنْ يَحْضُرُ تَذْرِيَتَهُ فَيَدْفَعُ الْمُتَوَلِّي لَهُمَا مِنْهَا يَسِيرًا وَيَأْخُذُ الْبَاقِي مَعَ مَا ذُكِرَ لِنَفْسِهِ زِيَادَةً عَلَى مَعْلُومِهِ فَأَجَابَ: جَمِيعُ مَا تَحَصَّلَ مِنْ الْوَقْفِ مِنْ نَمَاءٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مِنْ تَعْلِيقَاتِ الْوَقْفِ يُصْرَفُ فِي مَصَارِفِهِ الشَّرْعِيَّةِ كَعِمَارَتِهِ وَمُسْتَحَقِّيهِ اهـ مُلَخَّصًا لَكِنْ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي رَيْعِ الْوَقْفِ عَوَائِدُ قَدِيمَةٌ مَعْهُودَةٌ يَتَنَاوَلُهَا النَّاظِرُ بِسَعْيِهِ لَهُ طَلَبَهَا لِقَوْلِ الْأَشْبَاهِ عَنْ إجَارَاتِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْمَعْرُوفُ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ شَرْطًا فَهُوَ صَرِيحٌ فِي اسْتِحْقَاقِهِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ اهـ مُلَخَّصًا. مَطْلَبٌ فِي تَحْرِيرِ حُكْمِ مَا يَأْخُذُهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ عَوَائِدَ قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ جَوَازِ أَخْذِ الْإِمَامِ فَاضِلَ الشَّمْعِ فِي رَمَضَانَ إذَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ هَذَا فِي الْمُتَعَارَفِ أَخْذُهُ مِنْ رَيْعِ الْوَقْفِ بِأَنْ تُعُورِفَ مَثَلًا أَنَّ هَذَا الْوَقْفَ يَأْخُذُهُ مُتَوَلِّيهِ عُشْرَ رَيْعِهِ فَحَيْثُ كَانَ قَدِيمًا يُجْعَلُ كَأَنَّ الْوَاقِفَ شَرَطَهُ لَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَأْخُذُهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ كَاَلَّذِي يُهْدَى لَهُ مِنْ دَجَاجٍ وَسَمْنٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ رِشْوَةٌ، وَكَاَلَّذِي يَأْخُذُهُ مِنْ الْغِلَالِ الْمَذْكُورَةِ الَّتِي جُعِلَتْ لِلْحَافِظِ فَافْهَمْ. لَكِنْ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْغِلَالَ إذَا كَانَتْ مِنْ رَيْعِ الْوَقْفِ، يَجِبُ صَرْفُهَا فِي مَصَارِفِ الْوَقْفِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 450 وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَمْرُ الْمُرْتَشِي بِرَدِّ الرِّشْوَةِ عَلَى الرَّاشِي غِبَّ الدَّعْوَى الشَّرْعِيَّةِ. الْكُلُّ مِنْ فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ. قُلْت: لَكِنْ سَيَجِيءُ فِي الْوَصَايَا وَمَرَّ أَيْضًا أَنَّ لِلْمُتَوَلِّي أَجْرَ مِثْلِ عَمَلِهِ فَتَنَبَّهْ. لَوْ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ مُدَّعِيهَا وَلَوْ وَلِيًّا لِصَغِيرٍ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى فَقْرِهِ وَقَرَابَتِهِ مَعَ بَيَانِ جِهَتِهَا، فَإِذَا -   [رد المحتار] وَأَمَّا مِثْلُ الدَّجَاجِ فَيَجِبُ رَدُّهُ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَمْرُ الْمُرْتَشِي بِرَدِّ الرِّشْوَةِ عَلَى الرَّاشِي. مَطْلَبٌ فِيمَا يُسَمَّى خِدْمَةً وَتَصْدِيقًا فِي زَمَانِنَا نَعَمْ إنْ كَانَ مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ تَكْمِلَةُ أَجْرِ الْمِثْلِ يَجِبُ صَرْفُهُ فِي مَصَارِفِ الْوَقْفِ وَذَلِكَ كَمَا يَقَعُ فِي زَمَانِنَا كَثِيرًا أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إذَا كَانَ لَهُ كَدَكٌ أَوْ كِرْدَار فِي دُكَّانٍ أَوْ عَقَارٍ لَا يَسْتَأْجِرُ إلَّا بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ، وَيَدْفَعُ لِلنَّاظِرِ دَرَاهِمَ تُسَمَّى خِدْمَةً لِأَجْلِ أَنْ يَرْضَى النَّاظِرُ بِالْإِجَارَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَلَوْ قُلْنَا يَرُدُّهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ يَلْزَمُ ضَرَرُ الْوَقْفِ وَلَا تَحِلُّ لِلنَّاظِرِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِلْوَقْفِ بِمَا شَرَطَهُ لَهُ الْوَاقِفُ، أَوْ الْقَاضِي س وَقَدْ صَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ النَّاظِرَ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَظَفِرَ بِمَالِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَهُ أَخْذُ قَدْرِ الْأُجْرَةِ مِنْهُ فَهَذِهِ الْخِدْمَةُ إنْ كَانَتْ رِشْوَةً لَا يَجِبُ رَدُّهَا عَلَى الرَّاشِي حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْهُ أَخْذُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ مِنْهُ بَلْ عَلَيْهِ صَرْفُهَا فِي مَصَارِفِ الْوَقْفِ، وَبِهَذَا عُلِمَ حُكْمُ مَا يَفْعَلُهُ النُّظَّارُ فِي زَمَانِنَا مِنْ أَخْذِهِمْ مَا يُسَمُّونَهُ تَصْدِيقًا فِيمَا إذَا مَاتَ صَاحِبُ الْكَدَكِ أَوْ الْكِرْدَارِ فَيَأْخُذُ النَّاظِرُ مِنْ وَرَثَتِهِ دَرَاهِمَ لِيُصَدِّقَ لَهُمْ عَلَى انْتِقَالِ ذَلِكَ إلَيْهِمْ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى أَحَدَ ذَلِكَ يَأْخُذُ مِنْ الْمُشْتَرِي دَرَاهِمَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ تَكْمِلَةَ أَجْرِ الْمِثْلِ، فَأَخْذُهُ جَائِزٌ إنْ صَرَفَهُ فِي مَصَارِفِهِ وَإِلَّا فَلَا وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ إلَخْ) لَمْ أَجِدْهُ فِي نُسْخَتِي مِنْ فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ (غِبِّ الدَّعْوَى الشَّرْعِيَّةِ) الْغِبُّ بِالْكَسْرِ عَاقِبَةُ الشَّيْءِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ ط، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَجِبُ لِأَنَّ وُجُوبَ الْحُكْمِ عَلَى الْحَاكِمِ بَعْدَ الدَّعْوَى الشَّرْعِيَّةِ فَإِذَا ادَّعَى الرَّاشِي عَلَى الْمُرْتَشِي بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَثَبَتَ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ أَمْرُ الْمُرْتَشِي بِرَدِّ الرِّشْوَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: قُلْت لَكِنْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي فَتَاوَاهُ: لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَخْذُ زِيَادَةٍ عَلَى مَا قَرَّرَهُ لَهُ الْوَاقِفُ. قُلْت: وَالْجَوَابُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِيمَنْ شَرَطَ لَهُ الْوَاقِفُ شَيْئًا مُعَيَّنًا: وَمَا سَيَجِيءُ فِي الْوَصَايَا وَمَرَّ أَيْضًا عَقِبَ مَسْأَلَةِ الْجَامِكِيَّةِ فِيمَنْ نَصَبَهُ الْقَاضِي، وَلَمْ يَشْرِطْ لَهُ الْوَاقِفُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، لَكِنْ قَدَّمْنَا أَيْضًا عَنْ أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ بَحْثًا أَنَّ الْأَوَّلَ لَوْ عَيَّنَ لَهُ الْوَاقِفُ أَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ، فَلِلْقَاضِي أَنْ يُكْمِلَ لَهُ أَجْرَ الْمِثْلِ بِطَلَبِهِ فَهَذَا مُقَيِّدٌ لِإِطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ. مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ (قَوْلُهُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ إلَخْ) سَيَأْتِي تَفْسِيرُ الْقَرَابَةِ، وَالْفَقْرِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الْآتِي، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ فَجَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّهُ مِنْ أَقْرِبَاءِ الْوَاقِفِ، وَهُوَ فَقِيرٌ كُلِّفَ أَنْ يُبَرْهِنَ عَلَى الْفَقْرِ وَأَنَّهُ مِنْ أَقَارِبِ الْوَاقِفِ وَأَنَّهُ لَا أَحَدَ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَالْفَقْرُ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا أَصْلِيًّا يَثْبُتُ بِظَاهِرِ الْحَالِ، لَكِنْ الظَّاهِرُ يَكْفِي لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنَّمَا شُرِطَ عَدَمُ الْمُنْفِقِ لِأَنَّهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ يُعَدُّ غَنِيًّا فِي بَابِ الْوَقْفِ، وَشُرِطَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 451 قُضِيَ لَهُ اسْتَحَقَّهُ مِنْ حِينِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ. وَفِيهَا سُئِلَ عَمَّنْ شَرَطَ السُّكْنَى لِزَوْجَتِهِ فُلَانَةَ بَعْدَ وَفَاتِهِ مَا دَامَتْ عَزَبًا فَمَاتَ وَتَزَوَّجَتْ وَطُلِقَتْ هَلْ يَنْقَطِعُ حَقُّهَا بِالتَّزْوِيجِ. أَجَابَ: نَعَمْ. قُلْت: وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ إلَّا مَنْ تَزَوَّجَ أَوْ عَلَى بَنِي فُلَانٍ إلَّا مَنْ خَرَجَ مِنْ هَذِهِ الْبَلْدَةِ فَخَرَجَ بَعْضُهُمْ ثُمَّ عَادَ أَوْ عَلَى بَنِي فُلَانٍ مِمَّنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ فَتَرَكَ بَعْضُهُمْ ثُمَّ اشْتَغَلَ بِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يَشْرِطَ أَنَّهُ لَوْ عَادَ فَلَهُ، فَلْيُحْفَظْ خِزَانَةُ الْمُفْتِينَ. -   [رد المحتار] لُزُومُهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ تَرْكُ الْإِنْفَاقِ، فَيَكُونُ فَقِيرًا قَالَ هِلَالٌ وَلَا بُدَّ أَيْضًا أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ فِي السِّرِّ، ثُمَّ يَسْتَحْلِفَهُ بِاَللَّهِ مَالَك مَالٌ وَلَا لَك أَحَدٌ تَجِبُ نَفَقَتُك عَلَيْهِ، وَإِنْ بَرْهَنَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَأَخْبَرَ عَدْلَانِ بِغِنَاهُ فَهُمَا أَوْلَى، وَالْخَبَرُ وَالشَّهَادَةُ هُنَا سَوَاءٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَهَادَةٍ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ خَبَرٌ وَلَوْ قَالَا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ كَفَى، وَلَوْ زَعَمَ الْبَعْضُ أَنَّهُ غَنِيٌّ إنْ ادَّعَى أَنَّ لَهُ مَا لَا يَصِيرُ بِهِ غَنِيًّا لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيٍّ، وَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُتَوَلِّي لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَا يَلْزَمُ فَإِذَا أَنْكَرَ لَا يَحْلِفُ وَالْخَصْمُ فِي ذَلِكَ هُوَ الْوَاقِفُ لَوْ حَيًّا، وَإِلَّا فَمَنْ الْوَقْفُ فِي يَدِهِ وَلَوْ أَحَدَ الْوَصِيِّينَ دُونَ الْوَارِثِ وَأَصْحَابِ الْوَقْفِ. فَإِنْ بَرْهَنَ عَلَى الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ قَرِيبُ الْوَاقِفِ لَا يُقْبَلُ، حَتَّى يُبَرْهِنَ عَلَى نَسَبٍ مَعْلُومٍ كَالْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ لَا عَلَى الْأُخُوَّةِ الْمُطْلَقَةِ أَوْ الْعُمُومَةِ، وَإِنْ قَالُوا لَا نَعْلَمُ بِهِ وَارِثًا آخَرَ أَعْطَاهُ، وَإِلَّا يَتَأَنَّى زَمَانًا ثُمَّ يَدْفَعُ إلَيْهِ وَيَأْخُذُ كَفِيلًا عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْمِيرَاثِ، وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ إثْبَاتَ قَرَابَةِ وَلَدِهِ أَوْ فَقْرِهِ فَلَهُ ذَلِكَ لَوْ صَغِيرًا بِخِلَافِ الْكِبَارِ فَإِنَّهُمْ يُثْبِتُونَ فَقْرَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَوَصِيُّ الْأَبِ مِثْلُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا فَلِلْأُمِّ أَوْ الْعَمِّ إثْبَاتُ ذَلِكَ لَوْ الصَّغِيرُ فِي حِجْرِهِمَا اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ تَمَحَّضَ نَفْعًا لَهُ فَأَشْبَهَ قَبُولَ الْهِبَةِ اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُ الْفُرُوعِ فِيهَا فَرَاجِعْهَا وَسَيَأْتِي آخِرَ الْفَصْلِ الْآتِي مَالَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا هُنَا (قَوْلُهُ مِنْ حِينِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ) أَيْ مِنْ حِينِ وُجُودِ شَرْطِ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَهُوَ الْفَقْرُ وَالْقَرَابَةُ لَا مِنْ حِينِ الْقَضَاءِ قَالَ فِي الْإِسْعَافِ: فَإِنْ شَهِدَا لَهُ بِالْفَقْرِ بَعْدَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ لَا يَدْخُلُ فِيهَا، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيمَا يَحْدُثُ مِنْهَا بَعْدَ الشَّهَادَةِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَا لَهُ فِي وَقْفٍ وَيُسْنِدَ فَقْرَهُ إلَى زَمَنٍ سَابِقٍ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ مِنْ مَبْدَأِ الزَّمَنِ الْأَوَّلِ وَإِنْ طَالَ. اهـ. مَطْلَبٌ إذَا قَالَ مَا دَامَتْ عَزَبًا فَتَزَوَّجَتْ وَطَلُقَتْ يَنْقَطِعُ حَقُّهَا (قَوْلُهُ: أَجَابَ نَعَمْ) أَيْ يَنْقَطِعُ حَقُّهَا بِالتَّزَوُّجِ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ أَنَّ مَنْ مَاتَ زَوْجُهَا أَوْ طَلَّقَهَا عَادَ حَقُّهَا إسْعَافٌ وَفَتْحٌ وَفِي لِسَانِ الْحُكَّامِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ أَنَّ جَدَّهُ أَجَابَ كَذَلِكَ، وَأَنَّ الْكَافِيجِيَّ خَالَفَهُ وَقَالَ يَعُودُ الدَّوَامُ كَمَا كَانَ بِالْفِرَاقِ وَوَقَعَ النِّزَاعُ بَيْنَ يَدَيْ السُّلْطَانِ، وَأَنَّ جَدَّهُ أَخْرَجَ الْقَوْلَ فَوَافَقَهُ الْحَاضِرُونَ (قَوْلُهُ: فَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يَشْرِطَ إلَخْ) بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَسْكُنُ بَغْدَادَ مِنْ فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ فَانْتَقَلَ بَعْضُهُمْ وَسَكَنَ الْكُوفَةَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا وَسَكَنَ فَإِنَّهُ يَعُودُ حَقًّا لِأَنَّ النَّظَرَ هَاهُنَا إلَى حَالِهِمْ يَوْمَ قِسْمَةِ غَلَّةِ الْوَقْفِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ افْتَقَرَ الْأَغْنِيَاءُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 452 وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: قَضَى بِدُخُولِ وَلَدِ الْبِنْتِ بَعْدَ مُضِيِّ السِّنِينَ فَلَهُ غَلَّةُ الْآتِي لَا الْمَاضِي لَوْ مُسْتَهْلَكَةً [مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ] وَقَفَ عَلَى بَنِيهِ وَلَهُ وَلَدٌ وَاحِدٌ فَلَهُ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى وَلَدِهِ لَهُ الْكُلُّ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ.   [رد المحتار] وَاسْتَغْنَى الْفُقَرَاءُ تَكُونُ الْغَلَّةُ لِمَنْ افْتَقَرَ دُونَ مَنْ اسْتَغْنَى وَلَوْ لَمْ يُنْظَرْ إلَى حَالِهِمْ يَوْمَ الْقِسْمَةِ لِرُبَّمَا لَزِمَ دَفْعُ الْغَلَّةِ إلَى الْأَغْنِيَاءِ دُونَ الْفُقَرَاءِ وَتَمَامُهُ فِي الْإِسْعَافِ فَافْهَمْ: مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا قَضَى بِدُخُولِ وَلَدِ الْبِنْتِ (قَوْلُهُ: قَضَى بِدُخُولِ وَلَدِ الْبِنْتِ) أَيْ فِي صُورَةِ الْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ (قَوْلُهُ: لَا الْمَاضِي لَوْ مُسْتَهْلَكَةً) لِأَنَّ الْحُكْمَ وَإِنْ كَانَ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْوَقْفِ، لَكِنْ فِي حَقِّ الْمَوْجُودِ وَقْتَ الْحُكْمِ وَغَلَّاتُ تِلْكَ السِّنِينَ مَعْدُومَةٌ كَالْحُكْمِ بِفَسَادِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، لَا يَظْهَرُ فِي الْوَطَآتِ الْمَاضِيَةِ، وَالْمَهْرِ، حَتَّى لَوْ كَانَ غَلَّاتُ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ قَائِمَةً يَسْتَحِقُّ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ حِصَّتَهُمْ مِنْهَا شَرْحُ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْقُنْيَةِ مُلَخَّصًا. لَكِنْ تَقَدَّمَ آنِفًا فِي الْوَقْفِ لِفُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ أَنَّهُ مَنْ قَضَى لَهُ اسْتَحَقَّهُ مِنْ حِينِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ، وَفِي قَضَاءِ الْخَيْرِيَّةِ لَوْ ثَبَتَ أَنَّ الْوَقْفَ سَوِيَّةً بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو، وَكَانَ زَيْدٌ يَتَنَاوَلُ زِيَادَةَ عَمَلٍ يَخُصُّهُ مُدَّةَ سِنِينَ أَجَابَ: لِعَمْرٍو الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا تَنَاوَلَهُ زَائِدًا عَنْ حَقِّهِ الْمُدَّةَ الْمَاضِيَةَ، وَالْقَضَاءُ هُنَا مُظْهِرٌ وَمُعَيِّنٌ لِكَوْنِهِ كَاشِفًا فَيَسْتَنِدُ لَا مُثْبِتٌ وَعَامِلٌ، حَتَّى يَقْتَصِرَ كَمَا قَرَّرَهُ أَصْحَابُ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ أَيْضًا. اهـ. مَطْلَبٌ أَثْبَتَ وَاحِدٌ أَنَّهُ مِنْ الذُّرِّيَّةِ يَرْجِعُ بِمَا يَخُصُّهُ فِي الْمَاضِي وَفِي فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ سُئِلَ عَنْ وَاقِفٍ وَقَفَ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ فَفَرَّقَ النَّاظِرُ الْغَلَّةَ سِنِينَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ أَثْبَتَ وَاحِدٌ أَنَّهُ مِنْهُمْ، وَقَضَى بِهِ عَلَى النَّاظِرِ فَطَالَبَهُ بِمَا يَخُصُّهُ فِي الْمَاضِي فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَجَابَ: بِأَنَّهُ إنْ دَفَعَ إلَى الْجَمَاعَةِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ رَجَعَ بِمَا يَخُصُّهُ عَلَى النَّاظِرِ وَإِلَّا رَجَعَ عَلَى الْجَمَاعَةِ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَصِيِّ إذَا قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ ثُمَّ ظَهَرَ دَيْنٌ آخَرُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنْ دَفَعَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ رَجَعَ الدَّائِنُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا عَلَى الْقَابِضِينَ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا فِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَضَى بِدُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ إلَخْ لِأَنَّ دُخُولَهُمْ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِلِاتِّفَاقِ اهـ وَذَكَرَ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ فِي الْفَتَاوَى الْحَانُوتِيُّ وَحَاصِلُهُ: أَنَّ فِي دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِي الْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ خِلَافًا كَمَا سَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ، فَإِذَا قَضَى بِدُخُولِهِمْ فَإِنَّهُ وَإِنْ وَقَعَ دُخُولُهُمْ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْوَقْفِ لَكِنْ بِسَبَبِ الِاخْتِلَافِ صَارَ الْحُكْمُ مُثْبِتًا حَقَّهُمْ الْآنَ فِي الْغَلَّةِ الْقَائِمَةِ، فَلَهُمْ غَلَّةُ سَنَةِ الْحُكْمِ وَغَلَّةُ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً لِلِاسْتِنَادِ دُونَ الْمُسْتَهْلَكَةِ لِشُبْهَةِ الِاقْتِصَارِ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَقَعْ خِلَافٌ فِي دُخُولِهِ، ثُمَّ أَثْبَتَ دُخُولَهُ فَإِنَّ الْقَضَاءَ بِهِ مُظْهِرٌ أَنَّهُ مِنْهُمْ لَا مُثْبِتٌ فَيَسْتَنِدُ وَلَا يَقْتَصِرُ كَمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ) أَيْ الْوَاحِدَ وَالْأَكْثَرَ بِخِلَافِ بَنِيهِ، وَعِبَارَةُ الْإِسْعَافِ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ هُنَا اثْنَانِ وَاسْمُ الْوَلَدِ يَصْدُقُ عَلَى الْوَاحِدِ فَلِهَذَا اخْتَلَفَا فِي الْحُكْمِ. اهـ. مَطْلَبٌ مَنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ هَلْ يَشْمَلُ الْوَاحِدَ أَوْ لَا [تَنْبِيهٌ] فِي الْبَحْرِ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَاحِدٌ أَوْ عَلَى بَنِيهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا ابْنٌ وَاحِدٌ كَانَ النِّصْفُ لَهُ وَالنِّصْفُ لِلْفُقَرَاءِ هَكَذَا سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَقَالَ فِي الْأَوْلَادِ يَسْتَحِقُّ الْوَاحِدُ الْكُلَّ وَفِي الْبَنِينَ لَا يَسْتَحِقُّ الْكُلَّ، وَقَالَ كَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ. اهـ. قُلْت: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَوْلَادِهِ وَبَنِيهِ فِي أَنَّ الْوَاحِدَ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ فَقَطْ لِأَنَّ اللَّفْظَ جَمْعٌ أَقَلُّهُ فِي الْوَقْفِ اثْنَانِ كَالْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ وَلَدِهِ، فَإِنَّ الْوَاحِدَ يَسْتَحِقُّ الْكُلَّ لِمَا مَرَّ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ مَشَى عَلَيْهِ فِي أَيْمَانِ الْأَشْبَاهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 453 لِلْمُتَوَلِّي الْإِقَالَةُ لَوْ خَيِّرًا. أَجَرَ بِعَرَضٍ مُعَيَّنٍ صَحَّ، وَخَصَّاهُ بِالنُّقُودِ، لِلْمُسْتَأْجِرِ غَرْسُ الشَّجَرِ بِلَا إذْنِ النَّاظِرِ، إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْأَرْضِ   [رد المحتار] حَيْثُ قَالَ: الْجَمْعُ لَا يَكُونُ لِلْوَاحِدِ إلَّا فِي مَسَائِلَ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَاحِدٌ فَلَهُ كُلُّ الْغَلَّةِ بِخِلَافِ بَنِيهِ إلَخْ، وَقَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى آخِرَ الْوَقْفِ: وَأَمَّا مَا فِي الْأَشْبَاهِ فَقَدْ عَزَاهُ لِلْعُمْدَةِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا، فَلَمْ يَبْقَ الْكَلَامُ إلَّا فِي التَّوْفِيقِ. فَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: قَدْ لَاحَ لِي أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْخَانِيَّةِ عَلَى مَا إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَهُ وَلَدَانِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ وَاحِدٌ وَبَقِيَ وَاحِدٌ وَقْتَ وُجُودِ الْغَلَّةِ، كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ وَلَهُ وَلَدٌ وَقْتَ وُجُودِ الْغَلَّةِ فَيَنْدَفِعُ عَنْ الْأَشْبَاهِ الِاشْتِبَاهُ فَتَدَبَّرْ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. اهـ. قُلْت: وَيَكْفِي فِي التَّوْفِيقِ مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ ابْتِنَائِهِ عَلَى الْعُرْفِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ يُرِيدُ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ، يَأْخُذُ الْوَقْفَ كُلَّهُ وَبِمَا تَقَرَّرَ عَلِمْت أَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ مَنْقُولٌ أَيْضًا. . مَطْلَبٌ فِي إقَالَةِ الْمُتَوَلِّي عَقْدَ الْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ: لِلْمُتَوَلِّي الْإِقَالَةُ لَوْ خَيِّرًا) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: إقَالَةُ النَّاظِرِ عَقْدَ الْإِجَارَةِ جَائِزَةٌ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى: إذَا كَانَ الْعَاقِدُ نَاظِرًا قَبْلَهُ كَمَا فُهِمَ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ الثَّانِيَةُ: إذَا كَانَ النَّاظِرُ تَعَجَّلَ الْأُجْرَةَ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ وَهْبَانَ. اهـ. لَكِنْ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ أَقُولُ: هَذَا لَيْسَ فِيهِ تَحْرِيرٌ فَإِنَّ قَبْضَ الْأُجْرَةِ وَعَدَمَهُ لَيْسَ فِيهِ نَظَرٌ لِلْخَيِّرِ وَعَدَمِهِ، بَلْ النَّظَرُ إنَّمَا هُوَ لِمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْبَحْرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْمُتَوَلِّي يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ لَوْ خَيِّرًا وَإِطْلَاقُهُ يَشْمَلُ الْقَبْضَ وَعَدَمَهُ، وَيَشْمَلُ إقَالَةَ عَقْدِ نَاظِرٍ قَبْلَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَسْأَلَةٌ هِيَ لَوْ بَاعَ الْقَيِّمُ دَارًا اشْتَرَاهَا بِمَالِ الْوَقْفِ فَلَهُ أَنْ يُقِيلَ الْبَيْعَ مَعَ الْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَكَذَا إذَا عُزِلَ وَنُصِبَ غَيْرُهُ، فَلِلْمَنْصُوبِ إقَالَتُهُ بِلَا خِلَافٍ كَذَا فِي الْبَحْرِ، وَفِي الْأَشْبَاهِ الْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَقْفِ لَوْ آجَرَ الْوَقْفَ ثُمَّ أَقَالَ وَلَا مَصْلَحَةَ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْوَقْفِ، فَالْمَنْظُورُ إلَيْهِ الْمَصْلَحَةُ وَعَدَمُهَا وَلِذَا قَالَ فِي الدُّرَرِ إذَا بَاعَ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْوَصِيُّ شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لَا تَجُوزُ إقَالَتُهُ اهـ مَعَ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا عَادَ تَرْجِعُ مَالِيَّتُهُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَالْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ لَا تَبْقَى الْأُجْرَةُ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ إلَّا بِالِاسْتِئْجَارِ فَيَفُوتُ النَّفْعُ الَّذِي لَزِمَ بِالِاسْتِئْجَارِ فَكَانَ عَدَمُ صِحَّةِ الْإِقَالَةِ مَعَ فَوَاتِ النَّفْعِ أَلْزَمَ مِنْ إقَالَةِ الْبَيْعِ خُصُوصًا، وَقَدْ تَرْبُو الْمَضَرَّةُ بِاحْتِيَاجِ الْعَيْنِ الَّتِي كَانَتْ مُؤَجَّرَةً لِمُؤْنَةٍ كَطَعَامٍ وَمَرَمَّةٍ بِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَخَصَّاهُ بِالنُّقُودِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّاظِرَ وَكِيلٌ يَتَصَرَّفُ بِالْعَرْضِ وَبِالنَّقْدِ وَبِالنَّسِيئَةِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بِالنُّقُودِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ كَذَا قِيلَ وَالْمَسْأَلَةُ نَظْمُهَا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ. مَطْلَبٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ غَرْسُ الشَّجَرِ (قَوْلُهُ: لِلْمُسْتَأْجِرِ غَرْسُ الشَّجَرِ إلَخْ) كَذَا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ، وَأَصْلُهُ فِي الْقُنْيَةِ يَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ غَرْسُ الْأَشْجَارِ وَالْكُرُومِ فِي الْأَرَاضِيِ الْمَوْقُوفَةِ، إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْأَرْضِ بِدُونِ صَرِيحِ الْإِذْنِ مِنْ الْمُتَوَلِّي، دُونَ حَفْرِ الْحِيَاضِ. مَطْلَبٌ إنَّمَا يَحِلُّ لِلْمُتَوَلِّي الْإِذْنُ فِيمَا يَزِيدُ الْوَقْفُ بِهِ خَيْرًا وَإِنَّمَا يَحِلُّ لِلْمُتَوَلِّي الْإِذْنُ فِيمَا يَزِيدُ الْوَقْفُ بِهِ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ قُلْت: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَقُّ قَرَارِ الْعِمَارَةِ فِيهَا أَمَّا إذَا كَانَ، يَجُوزُ الْحَفْرُ وَالْغَرْسُ وَالْحَائِطُ مِنْ تُرَابِهَا لِوُجُودِ الْإِذْنِ فِي مِثْلِهَا دَلَالَةً اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ قُلْت إلَخْ: مَحَلُّهُ عِنْدَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 454 وَلَيْسَ لَهُ الْحَفْرُ إلَّا بِإِذْنٍ، وَيَأْذَنُ لَوْ خَيِّرًا وَإِلَّا لَا وَمَا بَنَاهُ مُسْتَأْجِرٌ أَوْ غَرَسَهُ، فَلَهُ مَا لَمْ يَنْوِهِ لِلْوَقْفِ وَالْمُتَوَلِّي بِنَاؤُهُ وَغَرْسُهُ لِلْوَقْفِ مَا لَمْ يُشْهِدْ أَنَّهُ لِنَفْسِهِ قَبْلَهُ.   [رد المحتار] عَدَمِ الضَّرَرِ بِالْأَرْضِ، كَمَا يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ وَإِنَّمَا يَحِلُّ إلَخْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعَادَةَ فِي زَمَانِنَا أَنَّ النَّاظِرَ لَا يُمَكِّنُ الْمُسْتَأْجِرَ مِنْ الْغِرَاسِ إلَّا بِإِذْنِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْأَرْضِ حَقُّ الْقَرَارِ الْمُسَمَّى بِمِشَدِّ الْمَسْكَةِ، فَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِدُونِ إذْنِهِ، وَلَا سِيَّمَا وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْوَقْفِ لِأَنَّ الْأَنْفَعَ أَنْ يَغْرِسَ النَّاظِرُ لِلْوَقْفِ أَوْ يَأْذَنَ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِالْمُنَاصَبَةِ: وَهِيَ أَنْ يَغْرِسَ عَلَى أَنَّ الْغِرَاسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَقْفِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَنْفَعُ مِنْ غَرْسِهِ لِنَفْسِهِ فَقَطْ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ بِنَاءِ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْوَقْفِ بِلَا إذْنٍ (قَوْلُهُ وَمَا بَنَاهُ مُسْتَأْجِرٌ أَوْ غَرَسَهُ فَلَهُ) أَيْ إذَا بَنَاهُ مِنْ مَالِهِ بِلَا إذْنِ النَّاظِرِ ثُمَّ إذَا لَمْ يَضُرَّ رَفْعُهُ بِالْبِنَاءِ الْقَدِيمِ رَفَعَهُ وَإِنْ ضَرَّ فَهُوَ الْمُضَيِّعُ مَالَهُ فَلْيَتَرَبَّصْ، إلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ تَحْتِ الْبِنَاءِ ثُمَّ يَأْخُذُهُ وَلَا يَكُونُ بِنَاؤُهُ مَانِعًا مِنْ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ مِنْ غَيْرِهِ إذْ لَا يَدَ لَهُ عَلَيْهِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُ رَفْعَهُ، وَلَوْ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَجْعَلَهُ لِلْوَقْفِ بِثَمَنٍ لَا يُجَاوِزُ أَقَلَّ الْقِيمَتَيْنِ مَنْزُوعًا فِيهِ أَوْ مَبْنِيًّا صَحَّ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. وَفِي حَاشِيَتِهِ لِلْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ أَقُولُ: ظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ الرِّضَا إذْ الصُّلْحُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْهُ مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي الْإِجَارَةِ إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ، وَكَانَ الْقَلْعُ يَضُرُّ بِالْأَرْضِ يَتَمَلَّكُهُ الْمُؤَجِّرُ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ جَبْرًا، وَإِطْلَاقُهُ يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْمِلْكِ إذْ لَا وَجْهَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ فَيُحْمَلُ الصُّلْحُ فِي كَلَامِهِ عَلَى مُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ بِالصِّحَّةِ لَا عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ مُتَعَيِّنٌ فِي ذَلِكَ اهـ وَفِي الْخَانِيَّةِ: طَرَحَ فِيهَا السِّرْقِينَ، وَغَرَسَ الْأَشْجَارَ، ثُمَّ مَاتَ فَالْأَشْجَارُ لِوَرَثَتِهِ وَيُؤْمَرُونَ بِقَلْعِهَا وَلَا رُجُوعَ لَهُمْ بِمَا زَادَ السِّرْقِينُ فِي الْأَرْضِ عِنْدَنَا. اهـ. وَقَدَّمْنَا مَسْأَلَةَ اسْتِبْقَاءِ الْمُسْتَأْجِرِ الْعِمَارَةَ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ قَبْلَ الْفَصْلِ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ وَقَدَّمْنَا مَسْأَلَةَ الْعِمَارَةِ بِإِذْنِ النَّاظِرِ عِنْدَ مَسْأَلَةِ الِاسْتِبْدَالِ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ بِنَاءِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: وَالْمُتَوَلِّي بِنَاؤُهُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْبِنَاءَ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ فِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ الْبَانِي الْمُتَوَلِّي عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ بِمَالِ الْوَقْفِ فَهُوَ وَقْفٌ سَوَاءٌ بَنَاهُ لِلْوَقْفِ أَوْ لِنَفْسِهِ، أَوْ أَطْلَقَ وَإِنْ مِنْ مَالِهِ لِلْوَقْفِ أَوْ أَطْلَقَ فَهُوَ وَقْفٌ إلَّا إذَا كَانَ هُوَ الْوَاقِفَ وَأَطْلَقَ فَهُوَ لَهُ، كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِنْ بَنَاهُ مِنْ مَالِهِ لِنَفْسِهِ، وَأَشْهَدَ أَنَّهُ لَهُ فَهُوَ لَهُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْمُجْتَبَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَوَلِّيًا فَإِنْ بَنَى بِإِذْنِ الْمُتَوَلِّي لِيَرْجِعَ فَهُوَ وَقْفٌ، وَإِلَّا فَإِنْ بَنَى لِلْوَقْفِ فَوَقْفٌ، وَإِنْ لِنَفْسِهِ أَوْ أَطْلَقَ فَلَهُ رَفْعُهُ إنْ لَمْ يَضُرَّ وَتَمَامُهُ فِي ط عَنْ الْأَشْبَاهِ وَحَوَاشِيهَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ غَرَسَ فِي الْمَسْجِدِ يَكُونُ لِلْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لَا يَغْرِسُ فِيهِ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُشْهِدْ أَنَّهُ لِنَفْسِهِ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِيُشْهِدُ، وَهَذَا إذَا بَنَاهُ مِنْ مَالِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ قَبْلَهُ، وَقَيَّدَ بِالْإِشْهَادِ تَبَعًا لِجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ صَرَّحَ الْخَصَّافُ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ: إذَا اخْتَلَفَ هُوَ وَأَهْلُ الْوَقْفِ بِأَنْ قَالَ زَرَعْتُهَا لِنَفْسِي بِبَذْرِي وَنَفَقَتِي وَقَالُوا: بَلْ لَنَا لِأَنَّ الْبَذْرَ لَهُ فَمَا حَدَثَ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَاقِفِ فِيمَا يَزْرَعُ لَهُ، قَالَ الْخَصَّافُ: وَأَرَى إخْرَاجَهُ مِنْ يَدِهِ بِمَا فَعَلَ وَيَضْمَنُ نُقْصَانَ الْأَرْضِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ صَرِيحٌ أَيْضًا بِأَنَّهُ يَكُونُ خِيَانَةً مِنْهُ يَسْتَحِقُّ بِهَا الْعَزْلَ وَكَأَنَّهُ فِي الْبَحْرِ لَمْ يَرَهُ حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خِيَانَةً وَقَدَّمْنَا عِنْدَ قَوْلِهِ: وَيُنْزَعُ وُجُوبًا لَوْ خَائِنًا عَنْ شَرْحِ الْأَشْبَاهِ لِلْبِيرِيِّ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ النَّاظِرَ لَوْ سَكَنَ دَارَ الْوَقْفِ وَلَوْ بِأَجْرِ الْمِثْلِ لِلْقَاضِي عَزْلُهُ لِأَنَّهُ نَصَّ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ السُّكْنَى وَلَوْ بِأَجْرِ الْمِثْلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 455 [مَطْلَبٌ فِي إقَالَةِ الْمُتَوَلِّي عَقْدَ الْإِجَارَةِ] وَلَوْ آجَرَ لِابْنِهِ لَمْ يَجُزْ خِلَافًا لَهُمَا كَعَبْدِهِ اتِّفَاقًا هَذَا لَوْ بَاشَرَ بِنَفْسِهِ فَلَوْ الْقَاضِيَ صَحَّ وَكَذَا الْوَصِيُّ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ. وَقَفَ عَلَى أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الشَّافِعِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ وَيَدْخُلُ الْحَنَفِيُّ كَانَ فِي طَلَبِهِ أَوْ لَا بَزَّازِيَّةٌ: أَيْ لِكَوْنِهِ يَعْمَلُ بِالْمُرْسَلِ وَيُقَدِّمُ خَبَرَ الْوَاحِدِ عَلَى الْقِيَاسِ، وَجَازَ عَلَى حَفْرِ الْقُبُورِ وَالْأَكْفَانِ لَا عَلَى الصُّوفِيَّةِ وَالْعُمْيَانِ فِي الْأَصَحِّ.   [رد المحتار] مَطْلَبٌ لَوْ آجَرَ الْمُتَوَلِّي لِابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ آجَرَ لِابْنِهِ) أَيْ الْكَبِيرِ إذْ الصَّغِيرُ تَبَعٌ لَهُ شَرْحُ الْوَهْبَانِيَّةِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ بَاعَ الْقَيِّمُ مَالَ الْوَقْفِ أَوْ آجَرَ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةٌ لَهُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةِ، وَكَذَا الْوَصِيُّ وَقِيلَ الْوَصِيُّ كَمُضَارِبٍ، وَفِيهِ الْمُتَوَلِّي إذَا آجَرَ دَارَ الْوَقْفِ مِنْ ابْنِهِ الْبَالِغِ أَوْ أَبِيهِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ كَبَيْعِ الْوَصِيِّ لَوْ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ، صَحَّ عِنْدَهُمَا، وَلَوْ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ صَحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا مُتَوَلٍّ آجَرَ مِنْ نَفْسِهِ لَوْ خَيِّرًا صَحَّ، وَإِلَّا لَا وَمَعْنَى الْخَيِّرِ مَرَّ فِي بَيْعِ الْوَصِيِّ مِنْ نَفْسِهِ، وَبِهِ يُفْتَى اهـ وَاَلَّذِي مَرَّ هُوَ قَوْلُهُ فِي شِرَاءِ مَالِ الصَّغِيرِ جَازَ لِلْوَصِيِّ ذَلِكَ لَوْ خَيِّرًا وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَأْخُذَ بَخَمْسَةَ عَشَرَ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً أَوْ يَبِيعُ مِنْهُ بِعَشَرَةٍ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَبِهِ يُفْتَى. اهـ. (قَوْلُهُ: كَعَبْدِهِ اتِّفَاقًا) وَكَذَا لَوْ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: هَذَا لَوْ بَاشَرَ بِنَفْسِهِ) أَمَّا لَوْ ذَهَبَ إلَى الْقَاضِي فَآجَرَهُ صَحَّ شَرْحُ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ. قُلْت: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ وِلَايَةُ نَصْبِ الْقَيِّمِ إلَى الْوَاقِفِ، ثُمَّ لِوَصِيِّهِ ثُمَّ لِلْقَاضِي مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ مَعَ وُجُودِ الْمُتَوَلِّي وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ النِّزَاعِ عِنْدَ صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْمُتَوَلِّي بِنَفْسِهِ، وَهُنَا لَا يَصِحُّ وَقَدَّمْنَا عِنْدَ الْكَلَامِ، عَلَى قَطْعِ الْجِهَاتِ لِلتَّعْمِيرِ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لَوْ عَمِلَ كَالْفَاعِلِ وَالْبَنَّاءِ، فَلَهُ قَدْرُ أُجْرَتِهِ لَوْ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ وَإِلَّا فَلَا إذْ لَا يَصْلُحُ مُؤَجِّرًا وَمُسْتَأْجَرًا وَهَذِهِ الْعِلَّةُ جَارِيَةٌ هُنَا وَقَدَّمْنَا أَيْضًا أَوَّلَ الْفَصْلِ إذَا شَرَطَ الْوَاقِفَ أَنْ لَا تُؤْجَرَ الْأَرْضُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، وَكَانَتْ إجَارَتُهَا أَكْثَرَ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ فَلَيْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُؤْجِرَهَا أَكْثَرَ بَلْ يُرْفَعُ الْأَمْرُ لِلْقَاضِي لِيُؤْجِرَهَا لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ النَّظَرِ لِلْفُقَرَاءِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْوَصِيُّ) أَيْ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ بِخِلَافِ وَصِيِّ الْقَاضِي؛ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَلَا شِرَاؤُهُ مَالَ الْيَتِيمِ وَلَوْ خَيْرًا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ وَالْإِجَارَةُ بَيْعُ الْمَنَافِعِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْوَكِيلِ) فَإِنَّهُ لَا يَعْقِدُ مَعَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ لِلتُّهْمَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ إذَا أَطْلَقَ لَهُ الْمُوَكِّلُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: أَيْ لِكَوْنِهِ يَعْمَلُ بِالْمُرْسَلِ) هُوَ مَنْ سَقَطَ مِنْهُ الصَّحَابِيُّ ط وَهَذَا التَّعْلِيلُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ بِقَوْلِهِ: وَفِي حِفْظِي تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ إلَخْ، وَلَكِنِّي لَمْ أَظْفَرْ بِهِ الْآنَ. اهـ. قُلْت: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ عَمِلَ بِكُلِّ الْأَحَادِيثِ حَيْثُ لَمْ يَتْرُكْ الْعَمَلَ بِهَذَيْنِ، فَصَارَ أَحَقَّ بِإِطْلَاقِ هَذَا اللَّفْظِ عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا عِنْدَ عَدَمِ الْعُرْفِ أَمَّا إذَا تُعُورِفَ إطْلَاقُهُ عَلَى مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ هَذَا الْعِلْمُ حَتَّى اُشْتُهِرَ بِهِ، وَصَارَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ تَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى عُرْفِ الْوَاقِفِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ الْمِنْقَارِ (قَوْلُهُ: وَجَازَ عَلَى حَفْرِ الْقُبُورِ وَالْأَكْفَانِ) هُوَ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتَاوَى، وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّ الصِّحَّةَ أَظْهَرُ. مَطْلَبٌ فِي الْوَقْفِ عَلَى الصُّوفِيَّةِ وَالْعُمْيَانِ (قَوْلُهُ: لَا عَلَى الصُّوفِيَّةِ وَالْعُمْيَانِ فِي الْأَصَحِّ) فَإِنَّهُ وَقَعَ فِيهِ خِلَافٌ قَالَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْخُلَاصَةِ، بَعْدَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ، وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ عَلِيٌّ السَّعْدِيُّ الرِّوَايَةُ مِنْ وَقْفِ الْخَصَّافِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الصُّوفِيَّةِ وَالْعُمْيَانِ، فَرَجَعُوا إلَى جَوَابِهِ. اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 456 وَلَوْ شَرَطَ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ أَوْلَادِهِ فَاسْتَوَيَا اشْتَرَكَا بِهِ أَفْتَى بِهِ الْمُنْلَا أَبُو السُّعُودِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ يَنْتَظِمُ الْوَاحِدَ وَالْمُتَعَدِّدَ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْإِسْعَافِ شَرَطَهُ لِأَفْضَلِ أَوْلَادِهِ فَاسْتَوَيَا فَلِأَسَنِّهِمْ وَلَوْ أَحَدُهُمَا أَوْرَعَ وَالْآخَرُ أَعْلَمَ بِأُمُورِ الْوَقْفِ فَهُوَ أَوْلَى إذَا أُمِنَ خِيَانَتُهُ انْتَهَى جَوْهَرَةٌ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ لِأَرْشَدِهِمْ كَمَا فِي نَفْعِ الْوَسَائِلِ   [رد المحتار] قُلْت: لَكِنْ فِي الْإِسْعَافِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ إذَا ذُكِرَ مَصْرِفٌ فِيهِمْ تَنْصِيصٌ عَلَى الْحَاجَةِ، فَهُوَ صَحِيحٌ وَإِنْ اسْتَوَى فِيهِ الْأَغْنِيَاءُ وَالْفُقَرَاءُ، فَإِنْ يُحْصَوْا صَحَّ وَإِلَّا بَطَلَ إلَّا إنْ كَانَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَاجَةِ عُرْفًا كَالْيَتَامَى فَالْوَقْفُ عَلَيْهِمْ صَحِيحٌ، وَيُصْرَفُ لِفُقَرَائِهِمْ فَإِذًا الضَّابِطُ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْوَقْفِ عَلَى الزَّمْنَى وَالْعُمْيَانِ، وَقُرَّاءِ الْقُرْآنِ وَالْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ، وَيُصْرَفُ لِفُقَرَائِهِمْ لِإِشْعَارِ الْأَسْمَاءِ بِالْحَاجَةِ اسْتِعْمَالًا لِأَنَّ الْعَمَى، وَالِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ يَقْطَعُ عَنْ الْكَسْبِ، فَيَغْلِبُ فِيهِمْ الْفَقْرُ وَهُوَ أَصَحُّ مِمَّا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْبَاطِلِ أَنَّهُ بَاطِلٌ عَلَى هَؤُلَاءِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الصُّوفِيَّةِ أَيْضًا لِأَنَّ الْفَقْرَ فِيهِمْ أَغْلَبُ مِنْ الْعُمْيَانِ بَلْ اصْطِلَاحُهُمْ تَسْمِيَتُهُمْ بِالْفُقَرَاءِ وَهَذَا إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مَا ذُكِرَ وَإِلَّا فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْإِمَامِ أَبِي الْيُسْرِ أَنَّ الصُّوفِيَّةَ أَنْوَاعٌ، فَمِنْهُمْ قَوْمٌ يَضْرِبُونَ بِالْمَزَامِيرِ، وَيَشْرَبُونَ الْخُمُورَ إلَى أَنْ قَالَ فِيهِمْ إذَا كَانُوا بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، كَيْفَ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ اهـ فَأَفَادَ: أَنَّ الْعِلَّةَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ، فَلَا يَكُونُ قُرْبَةً، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْهُمْ إذَا عَيَّنَهُمْ الْوَاقِفُ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ لَكِنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَظْهَرُ لِأَنَّ لَفْظَ الصُّوفِيَّةِ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ فِي الْعَادَةِ مَنْ كَانُوا عَلَى طَرِيقَةٍ مَرْضِيَّةٍ أَمَّا غَيْرُهُمْ، فَلَيْسُوا مِنْهُمْ حَقِيقَةً وَإِنْ سَمَّوْا أَنْفُسَهُمْ بِهَذَا الِاسْمِ فَإِذَا أُطْلِقَ الِاسْمُ لَا يَدْخُلُونَ فِيهِ، فَيَصِحُّ الْوَقْفُ وَيَسْتَحِقُّهُ أَهْلُ ذَلِكَ الِاسْمِ حَقِيقَةً، وَحِينَئِذٍ تَكُونُ عِلَّةُ الصِّحَّةِ مَا مَرَّ مِنْ غَلَبَةِ وَصْفِ الْفَقْرِ عَلَيْهِمْ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ (قَوْلُهُ وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْإِسْعَافِ إلَخْ) تَخْصِيصٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ أَوْلَى) أَيْ الْأَعْلَمُ بِأُمُورِ الْوَقْفِ أَوْلَى، وَمِثْلُهُ لَوْ اسْتَوَيَا فِي الدِّيَانَةِ وَالسَّدَادِ وَالْفَضْلِ وَالرَّشَادِ فَالْأَعْلَمُ بِأَمْرِ الْوَقْفِ أَوْلَى بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ. مَطْلَبٌ فِي شَرْطِ التَّوْلِيَةِ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ شَرَطَهُ لِأَرْشَدِهِمْ) فَيُقَدَّمُ بَعْدَ الِاسْتِوَاءِ فِيهِ الْأَسَنُّ، وَلَوْ أُنْثَى كَمَا فِي الْإِسْعَافِ وَالْأَعْلَمُ بِأُمُورِ الْوَقْفِ، وَأَفْتَى فِي الْإِسْمَاعِيلِيَّة بِتَقْدِيمِ الرَّجُلِ عَلَى الْأُنْثَى وَالْعَالِمِ عَلَى الْجَاهِلِ: أَيْ بَعْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْفَضِيلَةِ وَالرُّشْدِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرُّشْدَ صَلَاحُ الْمَالِ، وَهُوَ حُسْنُ التَّصَرُّفِ وَفِيهِ عَنْ الْإِسْعَافِ، وَلَوْ قَالَ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ فَأَبَى الْأَفْضَلُ الْقَبُولَ، أَوْ مَاتَ يَكُونُ لِمَنْ يَلِيهِ عَلَى التَّرْتِيبِ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَقَالَ هِلَالٌ: الْقِيَاسُ أَنْ يُدْخِلَ الْقَاضِي بَدَلَهُ رَجُلًا مَا دَامَ حَيًّا، فَإِنْ مَاتَ صَارَتْ الْوِلَايَةُ لِمَنْ يَلِيهِ فِي الْفَضْلِ، وَلَوْ كَانَ الْأَفْضَلُ غَيْرَ مَوْضِعٍ أَقَامَ رَجُلًا مَقَامَهُ، وَإِذَا مَاتَ تَنْتَقِلُ لِمَنْ يَلِيهِ فِيهِ، وَإِذَا صَارَ أَهْلًا بَعْدَهُ تُرَدُّ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَهْلٌ أَقَامَ الْقَاضِي أَجْنَبِيًّا إلَى أَنْ يَصِيرَ فِيهِمْ أَهْلٌ، وَلَوْ صَارَ الْمَفْضُولُ مِنْهُمْ أَفْضَلَ مِمَّنْ كَانَ أَفْضَلَهُمْ تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ فَيُنْظَرُ فِي كُلِّ وَقْتٍ إلَى أَفْضَلِهِمْ كَالْوَقْفِ عَلَى الْأَفْقَرِ فَالْأَفْقَرِ اهـ مُلَخَّصًا. مَطْلَبٌ إذَا صَارَ غَيْرُ الْأَرْشَدِ أَرْشَدَ قُلْت: وَبِهِ عُلِمَ عَدَمُ صِحَّةِ مَا أَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ أَنَّهُ إذَا أَثْبَتَ أَحَدُهُمْ أَرْشَدِيَّتَهُ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ آخَرَ أَنَّهُ صَارَ أَرْشَدَ وَاسْتَنَدَ لِمَا فِي حَاوِي السُّيُوطِيّ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَنْ فِيهِ هَذَا الْوَصْفُ فِي الِابْتِدَاءِ، لَا فِي الْأَثْنَاءِ، وَبَيَّنْت الْجَوَابَ عَنْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 457 وَلَوْ ضَمَّ الْقَاضِي لِلْقَيِّمِ ثِقَةً أَيْ نَاظِرَ حِسْبَةٍ هَلْ لِلْأَصِيلِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالتَّصَرُّفِ لَمْ أَرَهُ وَأَفْتَى الشَّيْخُ الْأَخُ أَنَّهُ إنْ ضَمَّ إلَيْهِ الْخِيَانَةَ لَمْ يَسْتَقِلَّ وَإِلَّا فَلَهُ ذَلِكَ وَهُوَ حَسَنٌ نَهْرٌ وَفِي فَتَاوَى مُؤَيَّدِ زَادَهْ مَعْزِيًّا لِلْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا لَيْسَ لِلْمُشْرِفِ التَّصَرُّفُ بَلْ الْحِفْظُ   [رد المحتار] فِي تَنْقِيحِهَا وَذَكَرْتُ فِيهِ تَفْصِيلًا أَخْذًا مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى آخَرُ الْأَرْشَدِيَّةَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا لِلْأَوَّلِ، وَتَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ اشْتَرَكَا فِي التَّوْلِيَةِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ يَنْتَظِمُ الْوَاحِدَ وَالْأَكْثَرَ وَلِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى تَرْجِيحِ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى قَبْلَ الْحُكْمِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ وَقَصُرَ الزَّمَنُ لَا تُسْمَعُ الثَّانِيَةُ لِتَرَجُّحِ الْأُولَى بِالْحُكْمِ بِهَا فَتَلْغُو الثَّانِيَةُ، وَأَمَّا إذَا طَالَ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يَصِيرَ الثَّانِي أَرْشَدَ فَكَذَلِكَ إلَّا إذَا شَهِدَتْ الثَّانِيَةُ بِأَنَّ صَاحِبَهَا صَارَ الْآنَ أَرْشَدَ مِنْ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ قَاسِمٍ حَيْثُ قَالَ: إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِالْأَرْشَدِيَّةِ لِغَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْرِيحِهَا بِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ تَجَدَّدَ، وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْأَرْشَدِيَّةِ تَحْتَاجُ أَنْ يَكُونَ الْأَوْلَادُ وَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ مَعْلُومِينَ مَحْصُورِينَ، لِيَكُونَ الْمَشْهُودُ لَهُ أَرْشَدَ مِنْ غَيْرِهِمْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ ضَمَّ الْقَاضِي لِلْقَيِّمِ ثِقَةً) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ: لَيْسَ لِلْقَاضِي عَزْلُ النَّاظِرِ بِمُجَرَّدِ شِكَايَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ، أَنَّهُ يَضُمُّهُ إلَيْهِ إذَا طَعَنَ فِي أَمَانَتِهِ بِدُونِ إثْبَاتِ خِيَانَةٍ وَإِلَّا عَزَلَهُ وَتَقَدَّمَ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَهُ ذَلِكَ) قَدْ يُقَالُ إنَّهُ إذَا ضَمَّهُ إلَيْهِ لِلطَّعْنِ فِي أَمَانَتِهِ وَكَانَ لِلْأَصِيلِ الِاسْتِقْلَالُ بِالتَّصَرُّفِ لَمْ يَبْقَ فَائِدَةٌ لِضَمِّهِ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ فِيمَا إذَا ضَمَّهُ إلَيْهِ إعَانَةً لَهُ لَا لِطَعْنٍ وَلَا لِخِيَانَةٍ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ لَيْسَ لِلْمُشْرِفِ التَّصَرُّفُ (قَوْلُهُ: لَيْسَ لِلْمُشْرِفِ التَّصَرُّفُ) بَلْ لَهُ الْحِفْظُ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الْوَقْفِ مُفَوَّضٌ إلَى الْمُتَوَلِّي خَانِيَّةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِفْظِ حِفْظُ مَالِ الْوَقْفِ عِنْدَهُ لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْعُرْفِ فِي مَعْنَى الْمُشْرِفِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ تُعُورِفَ تَصَرُّفُهُ مَعَ الْمُتَوَلِّي اُعْتُبِرَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالْحِفْظِ مُشَارَفَتُهُ لِلْمُتَوَلِّي عِنْدَ التَّصَرُّفِ لِئَلَّا يَفْعَلَ مَا يَضُرُّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرُوهُ فِي مُشْرِفِ الْوَصِيِّ، فَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ الْفَضْلِيُّ يَكُونُ الْوَصِيُّ أَوْلَى بِإِمْسَاكِ الْمَالِ، وَلَا يَكُونُ الْمُشْرِفُ وَصِيًّا وَأَثَرُ كَوْنِهِ مُشْرِفًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْوَصِيِّ إلَّا بِعِلْمِهِ وَفِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ فَتَاوَى الْخَاصِّيِّ، وَبِقَوْلِ الْفَضْلِيِّ يُفْتَى، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْوَقْفَ يَسْتَقِي مِنْ الْوَصِيَّةِ وَمَسَائِلُهُ تُنْزَعُ مِنْهَا، وَعَنْ هَذَا أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي التَّصَرُّفُ فِي أُمُورِ الْوَقْفِ، بِدُونِ إذْنِ الْمُشْرِفِ وَاطِّلَاعِهِ. مَطْلَبٌ الْقَيِّمُ وَالْمُتَوَلِّي وَالنَّاظِرُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ وَفِي الْخَيْرِيَّةِ إنْ كَانَ النَّاظِرُ بِمَعْنَى الْمُشْرِفِ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَتَصَرَّفُ إلَّا بِعِلْمِ الْمُشْرِفِ وَفِيهَا سُئِلَ فِي وَقْفٍ لَهُ نَاظِرٌ وَمُتَوَلٍّ هَلْ لِأَحَدِهِمَا التَّصَرُّفُ بِلَا عِلْمِ الْآخَرِ أَجَابَ لَا يَجُوزُ وَالْقَيِّمُ وَالْمُتَوَلِّي وَالنَّاظِرُ فِي كَلَامِهِمْ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. اهـ. قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ الْإِفْرَادِ أَمَّا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ مُتَوَلِّيًا وَنَاظِرًا عَلَيْهِ كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا، فَيُرَادُ بِالنَّاظِرِ الْمُشْرِفُ وَعَنْ هَذَا أَجَبْتُ فِي حَادِثَةٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي الْإِيجَارُ، بِلَا عِلْمِ النَّاظِرِ، خِلَافًا لِمَا فِي الْفَتَاوَى الرَّحِيمِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ آجَرَ الْمُتَوَلِّي إجَارَةً شَرْعِيَّةً بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَا يَمْلِكُ النَّاظِرُ مُعَارَضَتَهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُشْرِفِ تَأَمَّلْ. وَأَفْتَى فِي الْإِسْمَاعِيلِيَّة بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّاظِرِ مُعَارَضَةُ الْمُتَوَلِّي إلَّا أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ نِظَارَتَهُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ. اهـ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَوْ نَصَبَهُ الْقَاضِي نَاظِرًا عَلَى الْمُتَوَلِّي لِثُبُوتِ خِيَانَتِهِ لَمْ يَسْتَقِلَّ الْمُتَوَلِّي بِالصَّرْفِ كَمَا مَرَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 458 لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْوَقْفِ لِلْعِمَارَةِ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي مَاتَ الْمُتَوَلِّي وَالْجُبَاةُ يَدَّعُونَ تَسْلِيمَ الْغَلَّةِ إلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمْ صُدِّقُوا بِيَمِينِهِمْ؛ لِإِنْكَارِهِمْ الضَّمَانَ. لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَقْفِ إذَا كَانَ مُسَجَّلًا، وَلَكِنْ يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمَشْرُوطِ كَالْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ وَالْمُعَلِّمِ وَإِنْ كَانُوا أَصْلَحَ اهـ جَوْهَرَةٌ.   [رد المحتار] عَنْ النَّهْرِ، بَلْ مِثْلُهُ مَا لَوْ نَصَبَهُ عَلَيْهِ لِلطَّعْنِ فِي أَمَانَتِهِ كَمَا بَحَثْنَاهُ آنِفًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَسْتَدِينَ إلَخْ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ مُسَجَّلًا) مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ إنَّ الْوَقْفَ لَا يَلْزَمُ قَبْلَ الْحُكْمِ وَالتَّسْجِيلِ، وَمَرَّ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُهُمَا. مَطْلَبٌ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْ الشُّرُوطِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانُوا أَصْلَحَ) الَّذِي رَأَيْته فِي فَتَاوَى مُؤَيَّدِ زَادَهْ إذَا لَمْ يَكُونُوا أَصْلَحَ أَوْ فِي أَمْرِهِمْ تَهَاوُنٌ فَيَجُوزُ لِلْوَاقِفِ؟ الرُّجُوعُ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ اهـ وَهَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى. ثُمَّ قَالَ بِحَذْفِ فِي ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْخُلَاصَةِ: لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَقْفِ إذَا كَانَ مُسَجَّلًا، وَلَكِنْ يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَتَغْيِيرُهُ وَإِنْ كَانَ مَشْرُوطًا كَالْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ وَالْمُعَلِّمِ إنْ لَمْ يَكُونُوا أَصْلَحَ أَوْ تَهَاوَنُوا فِي أَمْرِهِمْ، فَيَجُوزُ لِلْوَاقِفِ مُخَالَفَةُ الشَّرْطِ اهـ. قَالَ ط: أَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: إنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ إنْ لَمْ يَكُونُوا أَصْلَحَ لَيْسَ مِنْ الرُّجُوعِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُخَالَفَةٌ لِلشَّرْطِ لِكَوْنِهَا أَنْفَعَ لِلْوَقْفِ بِنَصْبِ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَصْلُحُ، فَهُوَ كَمَا إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُنْزَعَ مِنْ الْوِلَايَةِ فَخَانَ فَإِنَّهُ يُنْزَعُ وَلَا يُعْتَبَرُ هَذَا الشَّرْطُ وَيُوَلَّى غَيْرُهُ، وَكَمَا إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُؤْجِرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَلَا رَغْبَةَ فِيمَا عَيَّنَهُ فَإِنَّهُ يُخَالَفُ، وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يُفْرِدَ هَذَا بِفَرْعٍ مُسْتَقِلٍّ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ فِي جَمِيعِ الشُّرُوطِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ. قُلْت: وَقَدْ أَجَادَ فِيمَا أَفَادَ، أَعْطَاهُ مَوْلَاهُ غَايَةَ الْمُرَادِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ أَوْ الْمُؤَذِّنُ أَوْ الْمُعَلِّمُ شَخْصًا مُعَيَّنًا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ لَوْ كَانَ مُتَهَاوِنًا فِي مُبَاشَرَةِ وَظِيفَتِهِ أَوْ كَانَ غَيْرُهُ أَصْلَحَ، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَغْيِيرٌ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ: أَيْ تَغْيِيرُ الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ بِغَيْرِهِ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِعَةِ إلَى الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ نَظِيرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ الْبَانِي أَوْلَى بِنَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ فِي الْمُخْتَارِ إلَّا إذَا عَيَّنَ الْقَوْمُ أَصْلَحَ مِمَّنْ عَيَّنَهُ، وَبِهِ ظَهَرَ الْجَوَابُ عَمَّا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْأَشْبَاهِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ عَزْلِهِ لِمُدَرِّسٍ وَإِمَامٍ وَلَا هُمَا، وَهُوَ أَنَّهُ جَائِزٌ لِلْمَصْلَحَةِ إذَا كَانَا مَشْرُوطَيْنِ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ فَبِدُونِهِ بِالْأَوْلَى، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَاقِفِ الرُّجُوعُ عَنْ شُرُوطِ الْوَقْفِ كَمَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ، حَتَّى تَكَلَّفَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى لِلْجَوَابِ عَمَّا قَدَّمَهُ عَنْ الدُّرَرِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَالْجِهَةُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إعْطَاءُ الْغَلَّةِ لِغَيْرِ مَنْ عَيَّنَهُ لِخُرُوجِ الْوَقْفِ عَنْ مِلْكِهِ بِالتَّسْجِيلِ. اهـ. فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَنْ الشُّرُوطِ، وَلَا يُخَالِفُهُ مَا فِي الْمُؤَيِّدِيَّةِ عَلَى مَا عَلِمْتَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ إنَّ التَّوْلِيَةَ خَارِجَةٌ عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الشُّرُوطِ لِأَنَّ لَهُ فِيهَا التَّغْيِيرَ كُلَّمَا بَدَا لَهُ، وَأَمَّا بَاقِي الشَّرَائِطِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا فِي أَصْلِ الْوَقْفِ اهـ وَفِي الْإِسْعَافِ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ إلَّا مَا شُرِطَ وَقْتَ الْعَقْدِ. اهـ. وَفِيهِ: لَوْ شَرَطَ فِي وَقْفِهِ أَنْ يَزِيدَ وَظِيفَةَ مَنْ يَرَى زِيَادَتَهُ أَوْ يَنْقُصَ مِنْ وَظِيفَةِ مَنْ يَرَى نُقْصَانَهُ أَوْ يُدْخِلَ مَعَهُمْ مَنْ يَرَى إدْخَالَهُ أَوْ يُخْرِجَ مَنْ يَرَى إخْرَاجَهُ جَازَ، ثُمَّ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُغَيِّرَهُ لِأَنَّ شَرْطَهُ وَقَعَ عَلَى فِعْلٍ يَرَاهُ، فَإِذَا رَآهُ وَأَمْضَاهُ فَقَدْ انْتَهَى مَا رَآهُ اهـ وَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ قَاسِمٍ: وَمَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ مُعْتَبَرٍ فِي الْوَقْفِ فَلَيْسَ لِلْوَاقِفِ تَغْيِيرُهُ وَلَا تَخْصِيصُهُ بَعْدَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 459 وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: شَرَطَ لِنَفْسِهِ مَا دَامَ حَيًّا، ثُمَّ لِوَلَدِهِ فُلَانٍ مَا عَاشَ، ثُمَّ بَعْدَهُ لِلْأَعَفِّ الْأَرْشَدِ مِنْ أَوْلَادِهِ فَالْهَاءُ تَنْصَرِفُ لِلِابْنِ لَا لِلْوَاقِفِ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ تَنْصَرِفُ لِأَقْرَبِ الْمُكْنِيَّاتِ بِمُقْتَضَى الْوَضْعِ وَكَذَلِكَ مَسَائِلُ ثَلَاثٌ: وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَنَسْلِهِ فَالْهَاءُ لِعَمْرٍو فَقَطْ، وَقَفْتُ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي الذُّكُورِ، فَالذُّكُورِ رَاجِعٌ لِوَلَدِ الْوَلَدِ فَحَسْبُ،   [رد المحتار] تَقَرُّرِهِ وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ الْحُكْمِ. اهـ. فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الشُّرُوطِ لَا يَصِحُّ إلَّا التَّوْلِيَةَ مَا لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ فَلَهُ تَغْيِيرُ الْمَشْرُوطِ مَرَّةً وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَى أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّمَا بَدَا لَهُ وَإِلَّا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ اقْتَضَتْهُ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا) أَيْ الْكِنَايَةَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا بَعْدَهُ وَالْمُرَادُ بِهَا الضَّمِيرُ وَتَسْمِيَةُ الضَّمِيرِ كِنَايَةً اصْطِلَاحُ الْكُوفِيِّينَ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: لِأَقْرَبِ الْمُكَنَّيَاتِ) أَيْ لِأَقْرَبِ الْمَذْكُورَاتِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ كِنَايَةً عَنْهَا. مَطْلَبٌ فِي أَنَّ الْأَصْلَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ (قَوْلُهُ: بِمُقْتَضَى الْوَضْعِ) أَيْ الْأَصْلِ وَهُوَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ إلَيْهِ. قُلْت: وَهَذَا الْأَصْلُ عِنْدَ الْخُلُوِّ عَنْ الْقَرَائِنِ. مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا قَالَ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي الذُّكُورِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ: سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ حَسَنٍ وَعَلَى مَنْ يَحْدُثُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ الْإِنَاثِ وَأَوْلَادِهِنَّ. ثُمَّ حَدَثَ لِلْوَاقِفِ وَلَدٌ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ ثُمَّ مَاتَ حَسَنٌ الْمَذْكُورُ فَهَلْ الضَّمِيرُ فِي يَحْدُثُ لَهُ رَاجِعٌ إلَى حَسَنٍ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ أَمْ إلَى الْوَاقِفِ فَيَدْخُلُ مُحَمَّدٌ فَأَجَابَ مُفْتِي الْحَنَفِيَّةِ بِمِصْرَ مَوْلَانَا الشَّيْخُ حَسَنٌ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الْوَاقِفِ ثُمَّ قَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ إنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَشُكُّ ذُو فَهْمٍ فِيهِ إذْ هُوَ الْأَقْرَبُ إلَى غَرَضِ الْوَاقِفِ مَعَ صَلَاحِيَّةِ اللَّفْظِ لَهُ. مَطْلَبٌ إذَا كَانَ لِلَّفْظِ مُحْتَمَلَانِ تَعَيَّنَ أَحَدُهُمَا بِغَرَضِ الْوَاقِفِ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلَّفْظِ مُحْتَمَلَانِ تَعَيَّنَ أَحَدُهُمَا بِالْغَرَضِ، وَإِذَا أَرْجَعْنَا الضَّمِيرَ إلَى حَسَنٍ لَزِمَ حِرْمَانُ وَلَدِ الْوَاقِفِ لِصُلْبِهِ وَاسْتِحْقَاقُ أَوْلَادِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَفِيهِ غَايَةُ الْبُعْدِ، وَلَا تَمَسُّكَ بِكَوْنِهِ أَقْرَبَ مَذْكُورٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَحْظُورِ، وَهَذَا لِغَايَةِ ظُهُورِهِ غَنِيٌّ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ مَسَائِلُ ثَلَاثٌ) أَيْ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْأَقْرَبُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ضَمِيرٌ، فَإِنَّ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ لَا ضَمِيرَ فِيهِمَا ط (قَوْلُهُ: فَالْهَاءُ لِعَمْرٍو فَقَطْ) أَيْ فَلَا يَدْخُلُ نَسْلُ زَيْدٍ زَادَ الْإِمَامُ الْخَصَّافُ: فَإِنْ قَالَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَنَسْلِهِمَا، فَالْغَلَّةُ لِعَبْدِ اللَّهِ وَزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَنَسْلِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو دُونَ نَسْلِ عَبْدِ اللَّهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَالذُّكُورُ رَاجِعٌ لِوَلَدِ الْوَلَدِ فَحَسْبُ) أَيْ فَقَطْ: أَيْ لِلْمُضَافِ الْمَعْطُوفِ دُونَ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَدُونَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، فَقَوْلُهُ عَلَى وَلَدِي بَقِيَ شَامِلًا لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ مِنْ صُلْبِهِ، وَقَوْلُهُ وَوَلَدِ وَلَدِي الذُّكُورِ يَخْتَصُّ بِالذُّكُورِ مِنْ أَوْلَادِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ: أَيْ بِالْمُضَافِ فَقَطْ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ. وَلَا يُقَالُ الْمُضَافُ إلَيْهِ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ لِأَنَّا نَقُولُ الْأَصْلُ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْمُضَافِ؛ كَمَا إذَا قُلْت جَاءَ غُلَامُ زَيْدٍ وَأَكْرَمْته: أَيْ الْغُلَامَ لِأَنَّهُ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ ذُكِرَ مُعَرِّفًا لِلْمُضَافِ غَيْرَ مَقْصُودٍ بِالْحُكْمِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فَحَسْبُ احْتِرَازًا عَنْ رُجُوعِهِ لِلْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَطْ، فَلَا يُنَافِي رُجُوعَهُ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَهَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 460 وَعَكْسُهُ وَقَفْتُ عَلَى بَنِي زَيْدٍ وَعَمْرٍو لَمْ يَدْخُلْ بَنُو عَمْرٍو لِأَنَّهُ أَقْرَبُ، إلَى زَيْدٍ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. قُلْت: وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْوَصْفَ بَعْدَ مُتَعَاطِفَيْنِ لِلْأَخِيرِ عِنْدَنَا.   [رد المحتار] وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ فَحَوَى الْعِبَارَةِ لَكِنَّهُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ هِلَالٌ بِقَوْلِهِ قُلْت أَرَأَيْت إنْ قَالَ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي الذُّكُورِ، قَالَ: فَهِيَ لِمَنْ كَانَ ذَكَرًا مِنْ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ، قَالَ الذُّكُورُ مِنْ وَلَدِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ قَالَ نَعَمْ اهـ فَقَدْ جَعَلَهُ قَيْدًا لِلْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ دُونَ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَمِثْلُهُ فِي الْإِسْعَافِ. وَنَصُّهُ: وَلَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي الْإِنَاثِ يَكُونُ لِلْإِنَاثِ مِنْ وَلَدِهِ دُونَ ذُكُورِهِمْ وَالْإِنَاثِ مِنْ وَلَدِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَهُنَّ فِيهِمَا سَوَاءٌ اهـ وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِ الْخَصَّافِ أَيْضًا، لَكِنْ يَأْتِي أَنَّ الْوَصْفَ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ عِنْدَنَا، وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِلِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ فِي عِبَارَةِ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى، وَمُقْتَضِي كَلَامِ الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ قَيْدٌ لِلْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَطْ، وَتَمَامُ تَحْرِيرِ الْمَقَامِ فِي كِتَابِنَا تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ فَرَاجِعْهُ. مَطْلَبٌ إذَا تَقَدَّمَ الْقَيْدُ يَكُونُ لِمَا قَبْلَ الْعَاطِفِ (قَوْلُهُ: وَعَكْسُهُ وَقَفْتُ إلَخْ) عَكْسُ مُبْتَدَأٌ وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ أُرِيدَ بِهَا لَفْظُهَا خَبَرٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ عَكْسُ مَا قَبْلَهُ فِي كَوْنِ الْقَيْدِ فِيهِ مُتَقَدِّمًا فَيَكُونُ لِمَا قَبْلَ الْعَاطِفِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ الْقَيْدَ فِيهِ مُتَأَخِّرٌ فَيَكُونُ لِمَا بَعْدَ الْعَاطِفِ، فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ وَفِي قَوْلِهِ فَيُصْرَفُ عَائِدٌ لِلْقَيْدِ وَهُوَ لَفْظُ بَنِي لَا لِعَمْرٍو كَمَا وَهَمَ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ الْوَصْفَ يَعُودُ إلَى مَا يَلِيهِ سَوَاءٌ تَأَخَّرَ أَوْ تَقَدَّمَ، فَإِذَا قَالَ عَلَى فُقَرَاءِ أَوْلَادِي وَجِيرَانِي يَنْصَرِفُ إلَى الْأَوَّلِ فَقَطْ، وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَى ذُكُورِ أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِنَاثُ مِنْ أَوْلَادِ الذُّكُورِ، يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْأَصْلَ الْعَطْفُ عَلَى الْمُضَافِ، وَلَمْ أَرَ مَا لَوْ تَوَسَّطَ الْوَصْفُ مِثْلُ عَلَى أَوْلَادِي الذُّكُورِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي، وَالظَّاهِرُ انْصِرَافُهُ لِلْأَوَّلِ فَقَطْ، فَيَخُصُّ الذُّكُورَ لِصُلْبِهِ وَيَعُمُّ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، نَعَمْ لَوْ قَالَ وَأَوْلَادِهِمْ يَخُصُّ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ مِنْ أَوْلَادِ الذُّكُورِ لِعَوْدِ الضَّمِيرِ إلَيْهِمْ. وَفِي الْإِسْعَافِ: لَوْ قَالَ عَلَى الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِي وَعَلَى أَوْلَادِهِمْ فَهِيَ لِلذُّكُورِ مِنْ وَلَدِهِ لِصُلْبِهِ وَلِوَلَدِ الذُّكُورِ: إنَاثًا كَانُوا أَوْ ذُكُورًا دُونَ بَنَاتِ الصُّلْبِ، فَلَا تُعْطَى الْبِنْتُ الصُّلْبِيَّةُ وَتُعْطَى بِنْتُ أُخْتِهَا. وَلَوْ قَالَ عَلَى ذُكُورِ وَلَدِي وَذُكُورِ وَلَدِ وَلَدَى يَكُونُ لِلذُّكُورِ مِنْ وَلَدِهِ لِصُلْبِهِ وَلِلذُّكُورِ مِنْ وَلَدِ وَلَدِهِ، وَيَكُونُ الذُّكُورُ مِنْ وَلَدِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ فِيهِ سَوَاءً وَلَا يَدْخُلُ أُنْثَى مِنْ وَلَدِهِ وَلَا وَلَدِ وَلَدِهِ وَلَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي وَعَلَى أَوْلَادِ الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِي يَكُونُ عَلَى وَلَدِهِ لِصُلْبِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَعَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ مِنْ وَلَدِ الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِهِ وَلَا يَدْخُلُ بَنَاتُ الصُّلْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ) رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَمُقَابِلُهُ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْكِنَايَةَ تَنْصَرِفُ لِلْوَاقِفِ لَا لِابْنِهِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْمِنَحِ قُبَيْلَ هَذَا الْفَصْلِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي بَاقِي الْمَسَائِلِ كَذَلِكَ. مَطْلَبٌ الْوَصْفُ بَعْدَ جُمَلٍ يَرْجِعُ إلَى الْأَخِيرِ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ: قُلْت وَقَدَّمْنَا) أَيْ فِي هَذَا الْفَصْلِ حَيْثُ قَالَ: الْوَصْفُ بَعْدَ الْجُمَلِ يَرْجِعُ إلَى الْأَخِيرِ عِنْدَنَا إلَخْ وَيَأْتِي قَرِيبًا، وَهَذَا تَأْيِيدٌ لِقَوْلِهِ فَالذُّكُورُ رَاجِعٌ لِوَلَدِ الْوَلَدِ فَحَسْبُ، لَكِنْ عَلِمْت مُخَالَفَتَهُ لِكَلَامِ هِلَالٍ وَالْإِسْعَافِ (قَوْلُهُ: عِنْدَنَا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 461 وَفِي الزَّيْلَعِيِّ: مِنْ بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ: وَقَوْلُهُمْ يَنْصَرِفُ الشَّرْطُ إلَيْهِمَا وَهُوَ الْأَصْلُ قُلْنَا ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ الْمُصَرَّحِ بِهِ وَالِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا فِي الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ فَتُصْرَفُ إلَى مَا يَلِيهِ، نَحْوُ جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو الْعَالِمُ إلَى آخِرِهِ فَلْيُحْفَظْ وَفِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ قَالَ: وَالْوَصْفُ بَعْدَ جُمَلٍ إذَا أَتَى ... يَرْجِعُ لِلْجَمِيعِ فِيمَا ثَبَتَا عِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِيمَا ... إنْ كَانَ ذَا الْعَطْفُ بِوَاوٍ أَمَّا -   [رد المحتار] وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِلْجَمِيعِ إنْ لَمْ يُعْطَفْ بِثُمَّ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي (قَوْلُهُ: مِنْ بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ) أَيْ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصْلُ) أَيْ انْصِرَافُ الشَّرْطِ إلَى الْمُتَعَاطِفَيْنِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (قَوْلُهُ: فِي الشَّرْطِ الْمُصَرَّحِ بِهِ) مِثْلُ فُلَانَةُ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَيَكُونُ دُخُولُ الدَّارِ شَرْطًا لِطَلَاقِهِمَا لَا لِلْمَعْطُوفِ فَقَطْ. اهـ. ط (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى) لِأَنَّهُ شَرْطٌ حَقِيقَةً وَإِنْ سُمِّيَ اسْتِثْنَاءً عُرْفًا. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ بِإِلَّا فَفِي التَّلْوِيحِ: إذَا وَرَدَ الِاسْتِثْنَاءُ عَقِيبَ جُمَلٍ مَعْطُوفٍ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بِالْوَاوِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ رَدِّهِ إلَى الْجَمِيعِ وَالْأَخِيرِ خَاصَّةً، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الظُّهُورِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْعَوْدِ إلَى الْجَمِيعِ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى التَّوَقُّفِ وَبَعْضُهُمْ إلَى التَّفْصِيلِ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْعَوْدِ إلَى الْأَخِيرَةِ اهـ وَالْمُرَادُ بِالتَّفْصِيلِ هُوَ أَنَّهُ إنْ اسْتَقَلَّتْ الثَّانِيَةُ عَنْ الْأُولَى بِالْإِضْرَابِ عَنْهَا فَلِلْأَخِيرَةِ وَإِلَّا فَلِلْجَمِيعِ. وَاحْتَرَزَ بِالْجُمَلِ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ عَقِيبَ مُفْرَدَاتٍ فَإِنَّهُ لِلْكُلِّ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ مِثَالُ الْأَوَّلِ: وَقَفْتُ دَارِي عَلَى أَوْلَادِي وَوَقَفْتُ بُسْتَانِي عَلَى إخْوَتِي إلَّا إذَا خَرَجُوا، وَمِثَالُ الثَّانِي: وَقَفَتْ دَارِي عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ إلَّا إذَا خَرَجُوا (قَوْلُهُ: فَتُصْرَفُ إلَى مَا يَلِيهِ) أَيْ إلَى مَا يَلِي الْعَاطِفَ وَهُوَ الْمَعْطُوفُ الْمُتَأَخِّرُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ مِنْ صَرْفِهَا لِلْجَمِيعِ كَمَا فِي تَحْرِيرِ ابْنِ الْهُمَامِ (قَوْلُهُ: نَحْوُ جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو الْعَالِمُ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْوَصْفَ هُنَا لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ لِلْجَمِيعِ وَإِنْ أَمْكَنَ لِلْأَوَّلِ، لَكِنَّهُ غَيْرُ مَحَلِّ الْخِلَافِ، فَالْمُنَاسِبُ تَمْثِيلُ ابْنِ الْهُمَامِ بِقَوْلِهِ كَتَمِيمٍ وَقُرَيْشٍ الطِّوَالِ فَعَلُوا، فَإِنَّ الطِّوَالَ جَمْعُ طَوِيلٍ يُمْكِنُ صَرْفُهُ لِلْمُتَعَاطِفَيْنِ وَلِلْأَخِيرِ فَقَطْ، وَالثَّانِي مَذْهَبُنَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا عَلِمْت، وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَشَرْحِهِ: الصِّفَةُ كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْعَوْدِ إلَى كُلِّ الْمُتَعَدِّدِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ تَقَدَّمَتْ، نَحْوُ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ الْمُحْتَاجِينَ وَوَقَفْت عَلَى مُحْتَاجِي أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ، فَيَعُودُ الْوَصْفُ فِي الْأَوَّلِ إلَى الْأَوْلَادِ مَعَ أَوْلَادِهِمْ. وَفِي الثَّانِي إلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ مَعَ الْأَوْلَادِ، وَقِيلَ لَا. أَمَّا الْمُتَوَسِّطَةُ نَحْوُ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي الْمُحْتَاجِينَ وَأَوْلَادِهِمْ فَالْمُخْتَارُ اخْتِصَاصُهَا بِمَا وَلِيَتْهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ تَعُودُ إلَى مَا وَلِيَهَا أَيْضًا اهـ. مَطْلَبٌ الشَّرْطُ وَالِاسْتِثْنَاءُ يَرْجِعُ إلَى الْكُلِّ اتِّفَاقًا لَا الْوَصْفُ فَإِنَّهُ لِلْأَخِيرِ عِنْدَنَا [تَنْبِيهٌ] حَاصِلُ مَا مَرَّ أَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَالْوَصْفِ يَعُودُ إلَى الْمُتَعَاطِفَيْنِ جَمِيعًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَكَذَا عِنْدَنَا إلَّا الْوَصْفَ فَإِلَى الْأَخِيرِ فَقَطْ، لَكِنْ عَلِمْت مُخَالِفَتَهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ هِلَالٍ وَغَيْرِهِ. مَطْلَبٌ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِ وَقَدْ سُئِلَ الْمُصَنِّفُ عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَعَدَدَهُمْ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَيْسَ لِلْإِنَاثِ حَقٌّ إلَّا إذَا كُنَّ عَازِبَاتٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فَهَلْ هَذَا الشَّرْطُ رَاجِعٌ لِلْكُلِّ أَوْ لِلْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ الْمَعْطُوفَةِ بِثُمَّ وَمَا بَعْدَهَا لِطُولِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ لَيْسَ لِلْإِنَاثِ حَقٌّ إلَخْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 462 إنْ كَانَ ذَا عَطْفًا بِثُمَّ وَقَعَا ... إلَى الْأَخِيرِ بِاتِّفَاقٍ رَجَعَا وَلَوْ عَلَى الْبَنِينَ وَقْفًا يَجْعَلُ ... فَإِنَّ فِي ذَاكَ الْبَنَاتُ تَدْخُلُ وَوَلَدُ الِابْنِ كَذَاكَ الْبِنْتُ ... يَدْخُلُ فِي ذُرِّيَّةٍ بِثَبْتِ لَوْ وَقَفَ الْوَقْفَ عَلَى الذُّرِّيَّةِ ... مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ فَبِالسَّوِيَّةِ يُقْسَمُ بَيْنَ مَنْ عَلَا وَالْأَسْفَلِ ... مِنْ غَيْرِ تَفْضِيلٍ لِبَعْضٍ فَانْقُلْ وَتُنْقَضُ الْقِسْمَةُ فِي كُلِّ سَنَهْ ... وَيُقْسَمُ الْبَاقِي عَلَى مَنْ عَيَّنَهْ وَلَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى ... أَوْلَادِ أَوْلَادٍ لَهُ قَدْ جَعَلَا وَقْفًا فَقَالُوا لَيْسَ فِي ذَا يَدْخُلُ ... أَوْلَادُ بِنْتِهِ عَلَى مَا يُنْقَلُ بَنِيَّ أَوْلَادِي كَذَا أَقَارِبِي ... وَإِخْوَتِي وَلَفْظَ آبَائِي احْسِبْ   [رد المحتار] أَجَابَ: صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَنَّ كَذَا مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى اللُّزُومِ، وَوُجُودُ الْجَزَاءِ يُلَازِمُهُ وُجُودُ الشَّرْطِ كَمَا قَالَ تَعَالَى - {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ} [الممتحنة: 12]- أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ وَبِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا تَعَقَّبَ جُمَلًا يَرْجِعُ إلَى الْكُلِّ، بِخِلَافِ الصِّفَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ فَإِلَى الْأَخِيرِ عِنْدَنَا، وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا بَيْنَ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ وَالْعَطْفِ بِثُمَّ، وَعَلَى هَذَا فَيَعُودُ نَصِيبُ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ لِوَلَدِهِ عَمَلًا بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِغَرَضِ الْوَاقِفِينَ اهـ مُلَخَّصًا. وَظَاهِرُهُ أَنَّ طُولَ الْفَصْلِ الْمَذْكُورِ لَا يَضُرُّ أَيْضًا (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ ذَا الْعَطْفِ بِوَاوٍ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي فَتَاوَاهُ: وَقَدْ أَطْلَقَ أَصْحَابُنَا فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ الْعَطْفَ وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِأَدَاةٍ، وَمِمَّنْ حَكَى الْإِطْلَاقَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالشَّيْخَانِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَجَعَلَ ثُمَّ كَالْوَاوِ كَالْمُتَوَلِّي حَكَاهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ، وَمَثَّلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمَسْأَلَةَ بِثُمَّ ثُمَّ قَيَّدَهَا بِطَرِيقِ الْبَحْثِ بِمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ بِالْوَاوِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ: إلَى الْأَخِيرِ) مُتَعَلِّقٌ بِرَجَعَا الَّذِي هُوَ جَوَابُ أَمَّا. مَطْلَبٌ فِي تَحْرِيرِ الْكَلَامِ عَلَى دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَى الْبَنِينَ وَقْفًا يَجْعَلُ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ قَالَ عَلَى بَنِيَّ وَلَهُ بَنُونَ وَبَنَاتٌ يَدْخُلُ فِيهِ الْبَنَاتُ لِأَنَّ الْبَنَاتِ إذَا جُمِعْنَ مَعَ الْبَنِينَ ذُكِرْنَ بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ وَلَوْ لَهُ بَنَاتٌ فَقَطْ، أَوْ قَالَ عَلَى بَنَاتِي وَلَهُ بَنُونَ لَا غَيْرُ فَالْغَلَّةُ لِلْمَسَاكِينِ وَلَا شَيْءَ لَهُمْ، وَتَمَامُهُ فِي الْإِسْعَافِ، وَهَذَا الْبَيْتُ يُغْنِي عَنْهُ الْبَيْتَانِ الْأَخِيرَانِ (قَوْلُهُ: وَوَلَدُ الِابْنِ كَذَاكَ الْبِنْتُ) أَيْ كَذَاكَ وَلَدُ الْبِنْتِ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَأَبْقَى الْمُضَافَ إلَيْهِ عَلَى جَرِّهِ. اهـ. ح أَيْ لَوْ وَقَفَ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنِينَ وَأَوْلَادُ الْبَنَاتِ (قَوْلُهُ: لَوْ وَقَفَ الْوَقْفَ عَلَى الذُّرِّيَّةِ) أَيْ لَوْ قَالَ عَلَى ذُرِّيَّةِ زَيْدٍ أَوْ قَالَ عَلَى نَسْلِهِ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ، وَوَلَدُ الْبَنِينَ وَوَلَدُ الْبَنَاتِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ خَصَّافٌ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ إلَخْ) أَيْ إنْ لَمْ يُرَتِّبْ بَيْنَ الْبُطُونِ تُقْسَمُ الْغَلَّةُ يَوْمَ تَجِيءُ عَلَى عَدَدِهِمْ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ مِنْ وَلَدِهِ لِصُلْبِهِ وَالْأَسْفَلِ دَرَجَةً بِالسَّوِيَّةِ بِلَا تَفْضِيلٍ، ثُمَّ كُلَّمَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَقَطَ سَهْمُهُ، وَتُنْقَضُ الْقِسْمَةُ وَتُقْسَمُ بَيْنَ مَنْ يَكُونُ مَوْجُودًا يَوْمَ تَأْتِي الْغَلَّةُ، أَمَّا لَوْ رَتَّبَ، بِأَنْ قَالَ يُقَدَّمُ الْبَطْنُ الْأَعْلَى عَلَى الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ اُعْتُبِرَ شَرْطُهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْخَصَّافِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ الْمُفْتَى بِهِ عَدَمُ دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِي الْأَوْلَادِ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ قَالَ عَلَى أَوْلَادِي بِلَفْظِ الْجَمْعِ أَوْ بِلَفْظِ اسْمِ الْجِنْسِ كَوَلَدِي، وَسَوَاءٌ اقْتَصَرَ عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ كَمَا مَثَّلْنَا أَوْ ذَكَرَ الْبَطْنَ الثَّانِي مُضَافًا إلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ الْمُضَافِ إلَى ضَمِيرِ الْوَاقِفِ كَأَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي، أَوْ الْعَائِدِ عَلَى الْأَوْلَادِ كَأَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ عَلَى مَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. وَقَالَ الْخَصَّافُ: يَدْخُلُونَ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ. وَقَالَ عَلِيٌّ الرَّازِيّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 463 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] إنْ ذَكَرَ الْبَطْنَ الثَّانِيَ بِلَفْظِ اسْمِ الْجِنْسِ الْمُضَافِ إلَى ضَمِيرِ الْوَاقِفِ كَوَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي لَا يَدْخُلُونَ، وَإِنْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ الْمُضَافِ إلَى ضَمِيرِ الْأَوْلَادِ كَأَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ دَخَلُوا. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: لَا يَدْخُلُونَ فِي الْبَطْنِ الْأَوَّلِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْبَطْنِ الثَّانِي. وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الدُّخُولُ لِأَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ اسْمٌ لِمَنْ وَلَدُهُ وَلَدُهُ وَابْنَتُهُ وَلَدُهُ، فَمَنْ وَلَدَتْهُ بِنْتُهُ يَكُونُ وَلَدَ وَلَدِهِ حَقِيقَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَى وَلَدِي فَإِنَّ وَلَدَ الْبِنْتِ لَا يَدْخُلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ يَتَنَاوَلُ وَلَدَهُ لِصُلْبِهِ، وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ وَلَدَ الِابْنِ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ عُرْفًا، وَهُوَ اخْتِيَارٌ لِقَوْلِ هِلَالٍ وَصَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ مُسْتَنِدًا لِكَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ. وَفِي الْإِسْعَافِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ وَجَزَمَ بِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ نُورُ الدِّينِ الطَّرَابُلُسِيُّ وَتِلْمِيذُهُ الشَّلَبِيُّ وَابْنُ الشِّحْنَةِ وَابْنُ نُجَيْمٍ وَالْحَانُوتِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَكَذَا الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي مَوْضِعٍ مِنْ فَتَاوَاهُ، وَخَالَفَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَتَمَامُ تَحْرِيرِ ذَلِكَ وَتَرْجِيحُ مَا جَنَحَ إلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي كِتَابِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ، وَقَدَّمْنَا فِي الْجِهَادِ بَعْضَ ذَلِكَ. ثُمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى الْكَازَرُونِيِّ جَوَابًا مُطَوَّلًا لِلْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيَّ، مُلَخَّصُهُ أَنَّ الْمُحَقِّقَ ابْنَ الْهُمَامِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَوْ ضَمَّ إلَى الْوَلَدِ وَلَدَ الْوَلَدِ فَقَالَ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي اشْتَرَكَ الصُّلْبِيُّونَ وَأَوْلَادُ بَنِيهِ وَأَوْلَادُ بَنَاتِهِ، كَذَا اخْتَارَهُ هِلَالٌ وَالْخَصَّافُ وَصَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ، وَأَنْكَرَ الْخَصَّافُ رِوَايَةَ حِرْمَانِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَقَالَ لَمْ أَجِدْ مَنْ يَقُولُ بِرِوَايَةِ ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِوَلَدِ زَيْدٍ فَإِنْ وُجِدَ لَهُ وَلَدٌ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ لِصُلْبِهِ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي كَانَ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ لِصُلْبِهِ بَلْ وَلَدُ وَلَدٍ مِنْ أَوْلَادِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ كَانَ لِأَوْلَادِ الذُّكُورِ دُونَ أَوْلَادِ الْإِنَاثِ، فَكَأَنَّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى ذَلِكَ. وَفَرَّقَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بَيْنَهُمَا بِالْفَرْقِ الْمَشْهُورِ الْمَذْكُورِ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَيْ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ، فَهَذَا ابْنُ الْهُمَامِ الْمَعْرُوفُ بِالتَّحْقِيقِ عِنْدَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ قَدْ اعْتَمَدَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْعِظَامِ أَمَّا هِلَالٌ فَإِنَّهُ تِلْمِيذُ أَبِي يُوسُفَ. وَأَمَّا الْخَصَّافُ فَقَدْ شَهِدَ لَهُ بِالْفَضْلِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فَقَالَ: إنَّ الْخَصَّافَ إمَامٌ كَبِيرٌ فِي الْعُلُومِ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَقَدْ اقْتَدَى بِهِ أَئِمَّةُ الشَّافِعِيَّةِ. وَأَمَّا قَاضِي خَانْ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ فَمَا فِي الطَّبَقَاتِ يُغْنِي عَنْ التَّطْوِيلِ، وَإِذَا كَانَ مِثْلُ الْإِمَامِ الْخَصَّافِ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَقُولُ بِرِوَايَةِ حِرْمَانِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِي صُورَةِ وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي يَعْلَمُ أَنَّ الصُّورَةَ الَّتِي بِلَفْظِ الْجَمْعِ لَيْسَ فِيهَا اخْتِلَافُ رِوَايَةٍ قَطْعًا بَلْ دُخُولُ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِيهَا رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. فَعَنْ هَذَا قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا السُّرِّيُّ ابْنُ الشِّحْنَةِ: يَنْبَغِي أَنْ تُصَحَّحَ رِوَايَةُ الدُّخُولِ قَطْعًا لِأَنَّ فِيهَا نَصُّ مُحَمَّدٍ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَالْمُرَادُ بِهِمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ، وَقَدْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَا يَفْهَمُونَ سِوَى ذَلِكَ وَلَا يَقْصِدُونَ غَيْرَهُ، وَعَلَيْهِ عَمَلُهُمْ وَعُرْفُهُمْ مَعَ كَوْنِهِ حَقِيقَةَ اللَّفْظِ. وَقَدْ وَقَعَ لِشَيْخِ مَشَايِخِنَا الصَّدْرِ الْأَجَلِّ الْمَوْلَى ابْنِ كَمَالٍ بَاشَا مِثْلُ مَا وَقَعَ مِنْ ابْنِ الْهُمَامِ مِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْعِظَامِ. قَالَ: وَيَقْطَعُ عِرْقَ شُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ فِي صُورَةِ أَوْلَادِ أَوْلَادِي مَا نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ أَنَّ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ يَدْخُلُونَ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا الرِّوَايَتَانِ فِيمَا إذَا قَالَ آمِنُونِي عَلَى أَوْلَادِي. اهـ. وَبِهَذَا الْبَيَانِ اتَّضَحَ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ كَالتَّجْنِيسِ وَالْوَاقِعَاتِ وَالْمُحِيطِ الرَّضَوِيِّ مِنْ ذِكْرِ الْخِلَافِ فِي الْعِبَارَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ قَبِيلِ نَقْلِ الْخِلَافِ فِي إحْدَى الصُّورَتَيْنِ قِيَاسًا عَلَى الْأُخْرَى مَعَ قِيَامِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَمَا ذَكَرُوهُ فِي التَّعْلِيلِ مِنْ أَنَّ وَلَدَ الْبِنْتِ يُنْسَبُ لِأَبِيهِ لَا يُسَاعِدُهُمْ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يُنْسَبُ إلَى الْأُمِّ لُغَةً وَشَرْعًا فَلَا وَجْهَ لَهُ، إذْ لَا شُبْهَةَ فِي صِحَّةِ قَوْلِ الْوَاقِفِ وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِ بَنَاتِي، وَإِنْ أُرِيدَ لَا يُنْسَبُ إلَيْهَا عُرْفًا فَلَا يُجْدِي نَفْعًا فِي عَدَمِ دُخُولِ وَلَدِ الْبِنْتِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ دُخُولَهُ فِيهَا بِحُكْمِ الْعِبَارَةِ لَا بِحُكْمِ الْعُرْفِ، وَالدُّخُولُ بِحُكْمِ الْعُرْفِ إنَّمَا هُوَ فِي صُورَتَيْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُمَا وَلَدِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 464 يَشْتَرِكُ الْإِنَاثُ وَالذُّكُورُ ... فِيهِ وَذَاكَ وَاضِحٌ مَسْطُورُ وَمِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ مُرَتَّبًا وَجَعَلَ مِنْ شَرْطِهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ وَلَهُ وَلَدٌ قَامَ مَقَامَهُ لَوْ بَقِيَ حَيًّا فَهَلْ لَهُ حَظُّ أَبِيهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَيُشَارِكُ الطَّبَقَةَ الْأُولَى أَوْ لَا؟   [رد المحتار] وَأَوْلَادِي، وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِمَا. وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ الشِّحْنَةِ أَنَّ الْعُرْفَ مُوَافِقٌ لِلْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَالتَّعْوِيلُ عَلَيْهِ. اهـ. وَقَدْ أَجَابَ الْعَلَّامَةُ الْحَانُوتِيُّ بِمِثْلِ مَا قَالَهُ الْمَقْدِسِيَّ (قَوْلُهُ: يَشْتَرِكُ الْإِنَاثُ وَالذُّكُورُ) أَيْ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ تَغْلِيبًا لِلْمُذَكَّرِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ مَطْلَبٌ فِي مَسْأَلَةِ السُّبْكِيّ الْوَاقِعَةِ فِي الْأَشْبَاهِ فِي نَقْضِ الْقِسْمَةِ وَالدَّرَجَةِ الْجَعْلِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَمِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَعَ فِيهَا اخْتِلَافٌ وَاشْتِبَاهٌ وَلَا سِيَّمَا عَلَى صَاحِبِ الْأَشْبَاهِ. وَلَمَّا رَأَيْت الْأَمْرَ كَذَلِكَ جَمَعْت فِيهَا حِينَ وُصُولِي إلَى هَذَا الْمَحَلِّ رِسَالَةً سَمَّيْتهَا الْأَقْوَالُ الْوَاضِحَةُ الْجَلِيَّةُ فِي مَسْأَلَةِ نَقْضِ الْقِسْمَةِ وَمَسْأَلَةِ الدَّرَجَةِ الْجَعْلِيَّةِ وَكُنْت ذَكَرْت شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ وَأَوْضَحْت فِيهِ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِمَا تَقَرُّ بِهِ الْعَيْنُ، فَمَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ فَلْيَرْجِعْ إلَى هَذَيْنِ التَّأْلِيفَيْنِ: فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَدْعِي كَلَامًا طَوِيلًا، وَلْنَذْكُرْ لَك خُلَاصَةَ ذَلِكَ بِاخْتِصَارٍ. وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَهَكَذَا مُرَتِّبًا بَيْنَ الْبُطُونِ وَشَرَطَ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ أَوْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ لِشَيْءٍ وَلَهُ وَلَدٌ قَامَ وَلَدُهُ مَقَامَهُ وَاسْتَحَقَّ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّ لَوْ بَقِيَ حَيًّا فَمَاتَ الْوَاقِفُ أَوْ غَيْرُهُ عَنْ عَشَرَةِ أَوْلَادٍ مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ وَلَدٍ يُعْطَى سَهْمُهُ لِوَلَدِهِ عَمَلًا بِالشَّرْطِ، فَلَوْ مَاتَ بَعْدَهُ آخَرُ عَنْ وَلَدٍ وَعَنْ وَلَدِ وَلَدٍ مَاتَ وَالِدُهُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ فَهَلْ يُعْطَى هَذَا الْوَلَدُ مَعَ عَمِّهِ حِصَّةَ جَدِّهِ لِأَنَّ الْوَاقِفَ جَعَلَ دَرَجَتَهُ دَرَجَةَ أَبِيهِ وَهِيَ دَرَجَتُهُ الْجَعْلِيَّةُ فَيُشَارِكُ أَهْلَ الطَّبَقَةِ الْأُولَى وَهِيَ دَرَجَةُ عَمِّهِ أَوْ لَا يُعْطَى لَهُ شَيْئًا أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ، وَخَصَّ الْعَمَّ بِحِصَّةِ أَبِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ لَا يُسَمَّى مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَإِنَّمَا يُعْمَلُ بِشَرْطِهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ كُلُّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدِهِ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ، فَكُلَّمَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الْعَشَرَةِ يُعْطَى سَهْمُهُ لِوَلَدِهِ دُونَ وَلَدِ وَلَدِهِ الَّذِي مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ إلَى أَنْ يَمُوتَ الْعَاشِرُ مِنْ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا فَإِذَا مَاتَ هَذَا الْعَاشِرُ عَنْ وَلَدِهِ لَا يُعْطَى نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ بَلْ تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ وَيُقْسَمُ عَلَى الْبَطْنِ الثَّانِي قِسْمَةً مُسْتَأْنَفَةً، وَيَبْطُلُ قَوْلُ الْوَاقِفِ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدِهِ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ، وَيُرْجَعُ إلَى الْعَمَلِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ حَيْثُ رَتَّبَ بَيْنَ الطَّبَقَاتِ وَبَعْدَ ذَلِكَ فَكُلُّ مَنْ مَاتَ مِنْ الْبَطْنِ الثَّانِي عَنْ وَلَدِهِ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ، وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَمُوتَ آخِرُ هَذِهِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ فَتَبْطُلُ الْقِسْمَةُ وَتُسْتَأْنَفُ قِسْمَةٌ أُخْرَى عَلَى الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الطَّبَقَاتِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ وَغَيْرُهُ، لَكِنَّ السُّبْكِيَّ قَسَمَ عَلَى الْمَوْتَى مِنْ كُلِّ طَبَقَةٍ عِنْدَ اسْتِئْنَافِ الْقِسْمَةِ وَأَعْطَى حِصَّةَ كُلِّ مَيِّتٍ لِأَوْلَادِهِ وَأَمَّا الْخَصَّافُ فَقَسَمَ عَلَى عَدَدِ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الَّتِي تُسْتَأْنَفُ الْقِسْمَةُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى أُصُولِهِمْ، فَهَذَا خُلَاصَةُ مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، وَخَالَفَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فَاخْتَارَ أَنَّ وَلَدَ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ يَقُومُ مَقَامَ وَالِدِهِ عَمَلًا بِالشَّرْطِ وَيَسْتَحِقُّ مَنْ جَدِّهِ مَعَ أَعْمَامِهِ وَأَنَّهُ إذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ أَعْمَامِهِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ اسْتَحَقَّ مَعَهُمْ أَيْضًا لِأَنَّ عَدَمَ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ مَمْنُوعٌ، بَلْ صَرِيحٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 465 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] قَوْلِ الْوَاقِفِ وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ أَنَّهُ مِنْهُمْ؛ فَأَهْلُ الْوَقْفِ يَشْمَلُ الْمُسْتَحِقَّ وَمَنْ كَانَ بِصَدَدِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَأَنَّهُ إذَا مَاتَ آخِرُ مَنْ فِي الطَّبَقَةِ عَنْ وَلَدٍ يُعْطَى سَهْمُهُ لِوَلَدِهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ خَالَفَهُ فِي شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ أَوْلَادَ الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ لَا يُحْرَمُونَ مَعَ بَقَاءِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى، بَلْ يَسْتَحِقُّونَ مَعَهُمْ عَمَلًا بِاشْتِرَاطِ الدَّرَجَةِ الْجَعْلِيَّةِ. ثَانِيهمَا أَنَّهُ إذَا انْقَرَضَتْ الطَّبَقَةُ لَا تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ إعْطَائِهِ سَهْمَ آخِرِ مَنْ مَاتَ مِنْ الطَّبَقَةِ لِوَلَدِهِ، فَقَوْلُهُ فِي الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ وَافَقَ السُّبْكِيَّ عَلَى نَقْضِ الْقِسْمَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْأَشْبَاهِ قَالَ: إنَّ مُخَالَفَتَهُ لِلسُّبْكِيِّ فِي أَوْلَادِ الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاةِ أَبِيهِ وَاجِبَةٌ. وَأَمَّا نَقْضُ الْقِسْمَةِ بَعْدَ انْقِرَاضِ كُلِّ بَطْنٍ فَقَدْ أَفْتَى بِهِ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ وَعَزَوْهُ لِلْخَصَّافِ وَلَمْ يَتَنَبَّهُوا لِلْفَرْقِ بَيْنَ صُورَتَيْ الْخَصَّافِ وَالسُّبْكِيِّ، فَإِنَّ صُورَةَ السُّبْكِيّ ذَكَرَ فِيهَا الْعَطْفَ بِكَلِمَةٍ ثُمَّ بَيَّنَ الطَّبَقَاتِ، وَصُورَةُ الْخَصَّافِ قَالَ فِيهَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِمْ مُرَتِّبًا: أَيْ قَائِلًا عَلَى أَنْ يُبْدَأَ بِالْبَطْنِ الْأَعْلَى ثُمَّ بِاَلَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ بِاَلَّذِينَ يَلُونَهُمْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ، فَصَدْرُ مَسْأَلَةِ الْخَصَّافِ اقْتَضَى اشْتِرَاكَ الْبَطْنِ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ، وَقَوْلُهُ عَلَى أَنْ يُبْدَأَ بِالْبَطْنِ الْأَعْلَى إخْرَاجٌ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَصَدْرُ مَسْأَلَةِ السُّبْكِيّ اقْتَضَى عَدَمَ الِاشْتِرَاكِ لِلْعَطْفِ بِثُمَّ لَا بِالْوَاوِ فَنَقْضُ الْقِسْمَةِ خَاصٌّ بِمَسْأَلَةِ الْخَصَّافِ دُونَ مَسْأَلَةِ السُّبْكِيّ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِكَلَامِ الْخَصَّافِ عَلَى مَسْأَلَةِ السُّبْكِيّ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ عَبَّرَ بِالْوَاوِ بَيْنَ الطَّبَقَاتِ مُرَتِّبًا بَعْدَهُ، بِأَنْ يُبْدَأَ بِالْبَطْنِ الْأَعْلَى تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ عِنْدَ انْقِرَاضِ كُلِّ بَطْنٍ كَمَا قَالَهُ الْخَصَّافُ وَإِنْ عَبَّرَ بِثُمَّ لَا يَصِحُّ الْقَوْلُ بِنَقْضِ الْقِسْمَةِ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ، بَلْ كُلَّمَا مَاتَ أَحَدٌ عَنْ وَلَدٍ يُعْطَى سَهْمُهُ لِوَلَدِهِ فِي جَمِيعِ الْبُطُونِ. هَذَا خُلَاصَةُ مَا قَالَهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ، حَتَّى إنَّ الْعَلَّامَةَ الْمَقْدِسِيَّ أَلَّفَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ رِسَالَةً مُسْتَقِلَّةً ذَكَرَهَا الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي مَجْمُوعِ رَسَائِلِهِ، وَحَقَّقَ فِيهَا عَدَمَ الْفَرْقِ فِي نَقْضِ الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْعَطْفِ بِثُمَّ وَالْعَطْفِ بِالْوَاوِ الْمُقْتَرِنَةِ بِمَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ. وَقَالَ: قَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَفَاضِلِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ: مِنْهُمْ السَّرِيُّ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ الْحَنَفِيُّ وَنُورُ الدِّينِ الْمَحَلِّيُّ الشَّافِعِيُّ وَبُرْهَانُ الدِّينِ الطَّرَابُلُسِيُّ الْحَنَفِيُّ وَنُورُ الدِّينِ الطَّرَابُلُسِيُّ الْحَنَفِيُّ وَشِهَابُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ وَالْبُرْهَانُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ الشَّافِعِيُّ وَعَلَاءُ الدِّينِ الْإِخْمِيمِيُّ وَغَيْرُهُمْ. قُلْت: وَأَفْتَى بِذَلِكَ أَيْضًا الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّلَبِيِّ فِي سُؤَالٍ مُرَتَّبٍ بِثُمَّ، وَقَالَ الصَّوَابُ نَقْضُ الْقِسْمَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ صَرِيحُ كَلَامِ الْخَصَّافِ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ مَشَايِخِنَا خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ، بَلْ وَافَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ اهـ. وَقَدْ أَيَّدَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتَاوَاهُ الْقَوْلَ بِنَقْضِ الْقِسْمَةِ عَلَى نَحْوِ مَا مَرَّ عَنْ الْخَصَّافِ، وَنُقِلَ مِثْلُهُ عَنْ الْإِمَامِ الْبُلْقِينِيِّ وَغَيْرِهِ فِي صُورَةِ التَّرْتِيبِ بِثُمَّ، فَقَدْ تَحَرَّرَ بِهَذَا أَنَّ الصَّوَابَ الْقَوْلُ بِنَقْضِ الْقِسْمَةِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ الْعَطْفِ بِثُمَّ أَوْ بِالْوَاوِ الْمُقْتَرِنَةِ بِمَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ، وَأَنَّ اشْتِرَاطَ الدَّرَجَةِ الْجَعْلِيَّةِ مُعْتَبَرٌ، لَكِنْ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قِيَامُ مَنْ مَاتَ فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ مَقَامَ وَالِدِهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ سَهْمِ جَدِّهِ. وَأَمَّا دُخُولُهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ عَمِّهِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ هُوَ فِي دَرَجَةِ أَبِيهِ الْمُتَوَفَّى قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ، فَقَدْ وَقَعَ فِيهِ مُعْتَرَكٌ عَظِيمٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِدُخُولِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ السُّيُوطِيّ كَمَا مَرَّ، وَوَافَقَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ وَاعْتَمَدَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَأَلَّفَ فِيهِ رِسَالَةً تَبِعَ فِيهَا الْعَلَّامَةَ الْمَقْدِسِيَّ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 466 أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِالْمُشَارَكَةِ وَخَالَفَهُ السُّيُوطِيّ، وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ وَاجِبَةٌ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ، لَكِنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ وَرَقَتَيْنِ أَنَّ بَعْضَهُمْ يُعَبِّرُ بَيْنَ الطَّبَقَاتِ بِثُمَّ وَبَعْضَهُمْ بِالْوَاوِ، فَبِالْوَاوِ يُشَارِكُ بِخِلَافِ ثُمَّ فَرَاجِعْهُ مُتَأَمِّلًا مَعَ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ السُّبْكِيّ وَاقِعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ يُحْتَاجُ إلَيْهِمَا، وَلَمْ يَزَلْ الْعُلَمَاءُ مُتَحَيِّرِينَ فِي فَهْمِ شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ إلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ. وَلَقَدْ أَفْتَيْت فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ الظُّهُورِ دُونَ الْإِنَاثِ فَمَاتَتْ مُسْتَحِقَّةٌ عَنْ وَلَدَيْنِ أَبُوهُمَا مِنْ أَوْلَادِ الظُّهُورِ بِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهَا لَهُمَا لِصِدْقِ كَوْنِهِمَا مِنْ أَوْلَادِ الظُّهُورِ بِاعْتِبَارِ أَبِيهِمَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْإِسْعَافِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الْإِسْعَافِ والتتارخانية: لَوْ وَقَفَ عَلَى عَقِبِهِ يَكُونُ لِوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا مِنْ أَوْلَادِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَزْوَاجُهُنَّ مِنْ وَلَدِ وَلَدِهِ الذُّكُورِ، كُلُّ مَنْ يَرْجِعُ نَسَبُهُ إلَى الْوَاقِفِ بِالْآبَاءِ فَهُوَ مِنْ عَقِبِهِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ أَبُوهُ مِنْ غَيْرِ الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِ الْوَاقِفِ فَلَيْسَ مِنْ عَقِبِهِ انْتَهَى وَسَيَجِيءُ فِي الْوَصَايَا أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِآلِهٍ أَوْ جِنْسِهِ دَخَلَ كُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ آبَائِهِ، وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ وَأَنَّهَا لَوْ أَوْصَتْ إلَى أَهْلِ بَيْتِهَا أَوْ لِجِنْسِهَا لَا يَدْخُلُ وَلَدُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ مِنْ قَوْمِهَا لِأَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يُنْسَبُ لِأَبِيهِ لَا لِأُمِّهِ. قُلْتُ: وَبِهِ عُلِمَ جَوَابُ حَادِثَةِ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ الظُّهُورِ دُونَ أَوْلَادِ الْبُطُونِ فَمَاتَتْ مُسْتَحِقَّةٌ عَنْ وَلَدَيْنِ أَبُوهُمَا مِنْ أَوْلَادِ الظُّهُورِ هَلْ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهَا لَهَا، فَأَجَبْتُ: نَعَمْ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهَا لَهَا لِصِدْقِ كَوْنِهِمَا مِنْ أَوْلَادِ الظُّهُورِ بِاعْتِبَارِ وَالِدِهِمَا الْمَذْكُورِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَطْلَبٌ فِي مَسْأَلَةِ السُّبْكِيّ فِي نَقْضِ الْقِسْمَةِ وَالدَّرَجَةِ الْجَعْلِيَّةِ] فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْفِ الْأَوْلَادِ مِنْ الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا وَعِبَارَةُ الْمَوَاهِبِ فِي الْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَنَسَبِهِ وَعَقِبِهِ   [رد المحتار] وَأَفْتَى جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ بِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي الثَّانِي، وَهُوَ الَّذِي حَقَّقْتُهُ فِي الرِّسَالَةِ، وَفِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ، فَاغْتَنِمْ تَوْضِيحَ هَذَا الْمَحَلِّ، وَاشْكُرْ مَوْلَاك عَزَّ وَجَلَّ. (قَوْلُهُ أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِالْمُشَارَكَةِ وَخَالَفَهُ السُّيُوطِيّ) الْعِبَارَةُ مَقْلُوبَةٌ كَمَا ظَهَرَ لَك مِمَّا قَرَّرْنَاهُ، وَإِنَّ السُّبْكِيَّ أَفْتَى بِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ وَبِنَقْضِ الْقِسْمَةِ وَالسُّيُوطِيُّ خَالَفَهُ فِي الْأَمْرَيْنِ لَا فِي أَحَدِهِمَا خِلَافًا لِلْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ وَاجِبَةٌ) أَيْ يَجِبُ الْقَوْلُ بِمُشَارَكَتِهِ لِأَهْلِ دَرَجَةِ أَبِيهِ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي قُلْنَاهُ أَوْ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: فَبِالْوَاوِ) أَيْ الْمُقْتَرِنَةِ بِمَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الطَّبَقَاتِ، وَقَوْلُهُ يُشَارِكُ صَوَابُهُ تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ ثُمَّ) فَإِنَّ الْقِسْمَةَ لَا تُنْقَضُ فِيهَا بِانْقِرَاضِ كُلِّ طَبَقَةٍ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الصَّوَابَ نَقْضُ الْقِسْمَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ (قَوْلُهُ وَلَقَدْ أَفْتَيْتُ إلَخْ) أَفْتَى بِمِثْلِهِ الْحَانُوتِيُّ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهَا لَهُمَا) أَيْ إذَا وُجِدَ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ مَا يَدُلُّ عَلَى انْتِقَالِ نَصِيبِ الْمَيِّتِ لِوَلَدِهِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْإِسْعَافِ إلَخْ) هَذَا كُلُّهُ إلَى الْفَصْلِ سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي أَصْلِ النُّسْخَةِ مَا فِيهِ مِنْ التَّكْرَارِ بِإِعَادَةِ الْحَادِثَةِ الَّتِي أَفْتَى بِهَا (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ أَزْوَاجُهُنَّ مِنْ وَلَدِ وَلَدِهِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ دُونَ الْإِنَاثِ، وَهَذَا دَلِيلُ مَا أَفْتَى بِهِ، وَهُوَ مُرَادُهُ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْإِسْعَافِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ سُقُوطَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ أَصْلِ النُّسْخَةِ (قَوْلُهُ كُلُّ مَنْ يَرْجِعُ إلَخْ) تَوْضِيحٌ لِمَا قَبْلَهُ ط وَسَيَذْكُرُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي تَفْسِيرَ الْعَقِبِ وَالنَّسْلِ وَالْآلِ وَالْجِنْسِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْفِ الْأَوْلَادِ مِنْ الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا] فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ فِي وَقْفِ الْأَوْلَادِ مَا قَدَّمَهُ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى وَمَا بَعْدَهُ إلَى هُنَا مِنْ مُتَعَلَّقَاتِ هَذَا الْفَصْلِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَعِبَارَةُ الْمَوَاهِبِ) أَيْ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ لِلْعَلَّامَةِ بُرْهَانِ الدِّينِ إبْرَاهِيمَ الطَّرَابُلُسِيِّ صَاحِبِ الْإِسْعَافِ (قَوْلُهُ فِي الْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 467 جَعَلَ رَيْعَهُ لِنَفْسِهِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ ثُمَّ وَثُمَّ جَازَ عِنْدَ الثَّانِي وَبِهِ يُفْتَى، كَجَعْلِهِ لِوَلَدِهِ، وَلَكِنْ يَخْتَصُّ بِالصُّلْبِيِّ وَيَعُمُّ الْأُنْثَى مَا لَمْ يُقَيَّدْ بِالذَّكَرِ وَيَسْتَقِلُّ بِهِ الْوَاحِدُ، فَإِنْ انْتَفَى الصُّلْبِيُّ فَلِلْفُقَرَاءِ دُونَ وَلَدِ الْوَلَدِ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ حِينَ الْوَقْفِ صُلْبِيٌّ، فَيَخْتَصُّ بِوَلَدِ الِابْنِ وَلَوْ أُنْثَى دُونَ مَنْ دُونِهِ مِنْ الْبُطُونِ وَدُونَ وَلَدِ الْبِنْتِ فِي الصَّحِيحِ؛ وَلَوْ زَادَ وَوَلَدِ وَلَدِي فَقَطْ اُقْتُصِرَ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ زَادَ الْبَطْنَ الثَّالِثَ عَمَّ نَسْلَهُ، وَيَسْتَوِي الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ   [رد المحتار] أَيْ فِي فَصْلِ الْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ عِبَارَةُ الْمَوَاهِبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْمَوَاهِبِ (قَوْلُهُ: جَعَلَ رَيْعَهُ لِنَفْسِهِ إلَخْ) تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ وَجَازَ جَعْلُ غَلَّةِ الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ عِنْدَ الثَّانِي (قَوْلُهُ: ثُمَّ وَثُمَّ) حِكَايَةٌ لِمَا يَذْكُرُهُ الْوَاقِفُ مِنْ الْعَطْفِ بِثُمَّ فِي وَقْفِهِ كَقَوْلِهِ ثُمَّ بَعْدِي عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ، وَهَذَا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي نَقْلِ الْخِلَافِ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي جَعْلِهِ الرَّيْعَ لِنَفْسِهِ لَا لِأَوْلَادِهِ وَنَحْوِهِمْ، نَعَمْ مَنْ جَعَلَ الْوَقْفَ عَلَى النَّفْسِ بَاطِلًا أَبْطَلَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: كَجَعْلِهِ لِوَلَدِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ جَازَ لَكِنْ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ عِنْدَ الثَّانِي كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ يَخْتَصُّ بِالصَّبِيِّ) أَيْ بِالْبَطْنِ الْأَوَّلِ إنْ وُجِدَ، فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ الْبُطُونِ لِأَنَّ لَفْظَ وَلَدِي مُفْرَدٌ وَإِنْ عَمَّ مَعْنًى، بِخِلَافِ أَوْلَادِي بِلَفْظِ الْجَمْعِ عَلَى مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَيَعُمُّ الْأُنْثَى) أَيْ كَالذَّكَرِ لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْوِلَادَةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِيهِمَا دُرَرٌ وَإِسْعَافٌ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُقَيِّدْ بِالذَّكَرِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالذُّكُورِ وَهِيَ كَذَلِكَ فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ: وَيَسْتَقِلُّ بِهِ الْوَاحِدُ) أَيْ بِأَنْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ حِينَ الْوَقْفِ فَمَاتُوا إلَّا وَاحِدًا أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا وَاحِدٌ فَإِنَّ ذَلِكَ الْوَاحِدَ يَأْخُذُ جَمِيعَ غَلَّةِ الْوَقْفِ لِأَنَّ لَفْظَ وَلَدِي مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى بَنِيهِ فَإِنَّ الْوَاحِدَ يَسْتَحِقُّ نِصْفَهَا وَالنِّصْفَ الْآخَرَ لِلْفُقَرَاءِ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ كَمَا فِي الْإِسْعَافِ وَقَدْ مَرَّ فِي الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ انْتَفَى الصُّلْبِيُّ) أَيْ مَاتَ وَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِهِ (قَوْلُهُ: دُونَ وَلَدِ الْوَلَدِ) لِاقْتِصَارِهِ عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ، وَلَا اسْتِحْقَاقَ بِدُونِ شَرْطِ إسْعَافٍ، وَإِنَّمَا صُرِفَ لِلْفُقَرَاءِ لِانْقِطَاعِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الدُّرَرِ، وَهَذَا يُسَمَّى مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: فَيَخْتَصُّ بِوَلَدِ الِابْنِ) أَيْ لَا يُشَارِكُهُ فِي الْغَلَّةِ مَنْ دُونَهُ مِنْ الْبُطُونِ وَيَكُونُ وَلَدُ الِابْنِ عِنْدَ عَدَمِ الصُّلْبِيِّ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْبِيِّ دُرَرٌ أَيْ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَفِي الْخَصَّافِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ لِصُلْبِهِ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ وَكَانَ لَهُ وَلَدٌ وَوَلَدُ وَلَدٍ فَالْغَلَّةُ لَهُ وَلِمَنْ كَانَ أَسْفَلَ مِنْ الْبُطُونِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصُّلْبِيِّ حَيْثُ لَمْ يَدْخُلْ مَعَ الصُّلْبِيِّ مَنْ هُوَ أَسْفَلَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ إلَى ثَلَاثَةِ أَبْطُنٍ فَقَدْ صَارُوا مِثْلَ الْفَخِذِ وَالْقَبِيلَةِ كَمَا لَوْ قَالَ لِوَلَدِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لِمَنْ يُنْسَبُ إلَى الْعَبَّاسِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَلَوْ أُنْثَى) لِأَنَّ لَفْظَ الْوَلَدِ يَعُمُّهَا كَمَا قَدَّمَهُ آنِفًا (قَوْلُهُ: فِي الصَّحِيحِ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَبِهِ أَخَذَ هِلَالٌ لِأَنَّ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ يُنْسَبُونَ إلَى آبَائِهِمْ لَا آبَاءِ أُمَّهَاتِهِمْ، بِخِلَافِ وَلَدِ الِابْنِ دُرَرٌ، وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ وَلَدِ الِابْنِ أَيْ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبِنْتِ وَقَدَّمْنَا تَحْرِيرَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ زَادَ وَوَلَدَ وَلَدِي فَقَطْ) أَيْ مُقْتَصَرًا عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي (قَوْلُهُ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْبَطْنَيْنِ. قَالَ فِي الدُّرَرِ: يَشْتَرِكُونَ فِي الْغَلَّةِ، وَلَا يُقَدَّمُ الصُّلْبِيُّ عَلَى وَلَدِ الِابْنِ لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا أَيْ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَتَّبَ كَمَا يَأْتِي ثُمَّ قَالَ فِي الدُّرَرِ: ثُمَّ إذَا انْقَرَضَ الْأَوْلَادُ وَأَوْلَادُهُمْ فِي الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ أَيْ صُورَةِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَصُورَةِ زِيَادَةِ الثَّانِي صُرِفَتْ الْغَلَّةُ إلَى الْفُقَرَاءِ لِانْقِطَاعِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ فِي الصُّورَتَيْنِ لَا يَدْخُلُ الْبَطْنُ الثَّالِثُ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ الْوَلَدَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَادَ الْبَطْنَ الثَّالِثَ) بِأَنْ قَالَ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِ وَلَدِي دُرَرٌ (قَوْلُهُ: عَمَّ نَسْلَهُ) أَيْ صُرِفَ إلَى أَوْلَادِهِ مَا تَنَاسَلُوا لَا لِلْفُقَرَاءِ مَا بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلَ دُرَرٌ (قَوْلُهُ: وَيَسْتَوِي الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ) أَيْ يَشْتَرِكُ جَمِيعُ الْبُطُونِ فِي الْغَلَّةِ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَعَلَّلَهُ الْخَصَّافُ بِأَنَّهُ لَمَّا سَمَّى ثَلَاثَةَ أَبْطُنِ صَارُوا بِمَنْزِلَةِ الْفَخِذِ وَتَكُونُ الْغَلَّةُ لَهُمْ مَا تَنَاسَلُوا قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِ زَيْدٍ وَزَيْدٌ قَدْ مَاتَ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهُ ثَلَاثَةُ أَبْطُنٍ أَوْ أَكْثَرُ أَنَّ هَؤُلَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْفَخِذِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 468 إلَّا أَنْ يَذْكُرَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ، كَمَا لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً عَلَى أَوْلَادِي بِلَفْظِ الْجَمْعِ أَوْ عَلَى وَلَدِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي؛. وَلَوْ قَالَ عَلَى أَوْلَادِي وَلَكِنْ سَمَّاهُمْ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ   [رد المحتار] وَالْغَلَّةُ لِمَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ زَيْدٍ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِمْ أَبَدًا (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَذْكُرَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ) بِأَنْ يَقُولَ: الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، أَوْ يَقُولَ عَلَى وَلَدِي ثُمَّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِي، أَوْ يَقُولَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ فَحِينَئِذٍ يَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْوَاقِفُ دُرَرٌ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ قَالَ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ عَمَّ نَسْلَهُ. وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ كَذَا أَيْ صُرِفَ إلَى أَوْلَادِهِ مَا تَنَاسَلُوا لَا الْفُقَرَاءِ إذَا قَالَ: عَلَى وَلَدِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي، أَوْ قَالَ ابْتِدَاءً عَلَى أَوْلَادِي يَسْتَوِي فِيهِ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ كَمَا مَرَّ. اهـ. قَالَ مُحَشِّيهِ عَزْمِي زَادَهْ: قَوْلُهُ أَوْ قَالَ ابْتِدَاءً إلَخْ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ وَقَفَ أَرْضًا عَلَى أَوْلَادِهِ وَجَعَلَ آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ، قَالَ هِلَالٌ: يُصْرَفُ الْوَقْفُ إلَى الْبَاقِي، فَإِنْ مَاتُوا يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ لَا إلَى وَلَدِ الْوَلَدِ اهـ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَخِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَخِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَالنُّتَفِ، مَطْلَبٌ لَوْ قَالَ عَلَى أَوْلَادِي بِلَفْظِ الْجَمْعِ هَلْ يَدْخُلُ كُلُّ الْبُطُونِ نَعَمْ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ لَوْ قَالَ: عَلَى أَوْلَادِي يَدْخُلُ فِيهِ الْبُطُونُ كُلُّهَا لِعُمُومِ اسْمِ الْأَوْلَادِ وَلَكِنْ يُقَدَّمُ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ، فَإِذَا انْقَرَضَ فَالثَّانِي ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ يَشْتَرِكُ جَمِيعُ الْبُطُونِ فِيهِ عَلَى السَّوَاءِ قَرِيبُهُمْ وَبَعِيدُهُمْ اهـ وَقَدْ اُسْتُفْتِيَ عَنْ ذَلِكَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْمَوْلَى أَبِي السُّعُودِ وَأَدْرَجَ فِي سُؤَالِهِ عِبَارَةً وَاقِعَةً فِي بَعْضِ الْكُتُبِ مُوَافِقَةً لِمَا مَرَّ عَنْ الِاخْتِيَارِ. فَأَجَابَ عَنْهُ الْمَوْلَى الْمَذْكُورُ بِمَا حَاصِلُهُ: إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قَدْ خَطَأً فِيهَا رَضِيُّ الدِّينِ السَّرَخْسِيُّ فِي مُحِيطِهِ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الدُّرَرِ اهـ وَمَا قَالَهُ حَقٌّ مُطَابِقٌ لِلْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ كَمَا تَحَقَّقَتْ وَخِلَافُهُ شَاذٌّ ثُمَّ إنَّ مَا فِي الدُّرَرِ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِذَلِكَ الْقَوْلِ الشَّاذِّ أَيْضًا لِأَنَّ مُؤَدَّى كَلَامِهِمْ تَقْدِيمُ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ ثُمَّ الْبَطْنُ الثَّانِي ثُمَّ الِاشْتِرَاكُ بَيْنَ الْأَقْرَبِ وَالْأَبْعَدِ، بِخِلَافِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الدُّرَرِ مِنْ اسْتِوَاءِ الْأَقْرَبِ وَالْأَبْعَدِ أَوَّلًا وَآخِرًا اهـ مَا فِي الْعَزْمِيَّةِ مُلَخَّصًا، وَأَفَادَ أَنَّ قَوْلَ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الدُّرَرِ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ كَلَامَ الدُّرَرِ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، لَكِنْ جَزَمَ بِمِثْلِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمَقْدِسِيُّ فِي شَرْحِهِ وَالْأَشْبَاهِ فِي قَاعِدَةِ: الْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ، نَعَمْ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ أَيْضًا. . مَطْلَبٌ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَسَمَّاهُمْ (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ سَمَّاهُمْ) فَقَالَ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ وَجَعَلَ آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ دُرَرٌ. قُلْت: فَلَوْ كَانَ أَوْلَادُهُ أَرْبَعَةً وَسَمَّى مِنْهُمْ ثَلَاثَةً لَمْ يَدْخُلْ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ، فَلَوْ قَالَ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ لَمْ يَدْخُلْ أَوْلَادُ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ لِعَوْدِ الضَّمِيرِ فِي أَوْلَادِهِمْ إلَى الْمُسَمَّيْنَ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي فَإِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ إلَيْهِمْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْإِسْعَافِ: لَوْ قَالَ وَلَدِي وَأَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ وَلَهُ أَوْلَادُهُمْ وَلَهُ أَوْلَادٌ مَاتَ بَعْضُهُمْ قَبْلَ الْوَقْفِ يَكُونُ عَلَى الْأَحْيَاءِ وَأَوْلَادِهِمْ فَقَطْ دُونَ أَوْلَادِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْوَقْفِ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى الْأَحْيَاءِ وَمَنْ سَيَحْدُثُ دُونَ الْأَمْوَاتِ، وَقَدْ أَعَادَ الضَّمِيرَ إلَى أَوْلَادِ الْأَحْيَاءِ يَوْمَ الْوَقْفِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَلَوْ قَالَ عَلَى وَلَدَى وَوَلَدِ وَلَدِي وَأَوْلَادِهِمْ دَخَلُوا لِقَوْلِهِ وَوَلَدِ وَلَدِي، فَإِنَّ وَلَدَ مَنْ مَاتَ قَبْلَهُ وَلَدُ وَلَدِهِ اهـ مُلَخَّصًا. [فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ] قَالَ: عَلَى وَلَدِي الْمَخْلُوقِينَ وَنَسْلِي فَحَدَثَ لَهُ وَلَدٌ لِصُلْبِهِ يَدْخُلُ بِقَوْلِهِ وَنَسْلِي، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: وَنَسْلِهِمْ فَإِنَّ الْحَادِثَ لَا يَدْخُلُ هُوَ وَلَا أَوْلَادُهُ، وَلَوْ قَالَ: عَلَى وَلَدِي الْمَخْلُوقِينَ وَنَسْلِهِمْ وَكُلِّ وَلَدٍ يَحْدُثُ لِي فَإِنَّهُ يَدْخُلُ الْحَادِثُ دُونَ أَوْلَادِهِ، وَلَوْ قَالَ: عَلَى وَلَدِي الْمَخْلُوقِينَ وَنَسْلِهِمْ وَنَسْلِ مَنْ يَحْدُثُ لِي دَخَلَ أَوْلَادُ الْحَادِثِ دُونَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 469 صُرِفَ نَصِيبُهُ لِلْفُقَرَاءِ؛ وَلَوْ عَلَى امْرَأَتِهِ وَأَوْلَادِهِ ثُمَّ مَاتَتْ لَمْ يَخْتَصَّ ابْنُهَا بِنَصِيبِهَا إذَا لَمْ يَشْتَرِط رَدَّ نَصِيبِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ إلَى وَلَدِهِ؛ وَلَوْ قَالَ: عَلَى بَنِيَّ أَوْ عَلَى إخْوَتِي دَخَلَ الْإِنَاثُ عَلَى الْأَوْجَهِ، وَعَلَى بَنَاتِي لَا يَدْخُلُ الْبَنُونَ، وَلَوْ قَالَ: عَلَى بَنِيَّ وَلَهُ بَنَاتٌ فَقَطْ أَوْ قَالَ: عَلَى بَنَاتِي وَلَهُ بَنُونَ فَالْغَلَّةُ لِمَسَاكِينَ وَيَكُونُ وَقْفًا مُنْقَطِعًا فَإِنْ حَدَثَ مَا ذُكِرَ عَادَ إلَيْهِ. وَيَدْخُلُ فِي قِسْمَةِ الْغَلَّةِ مَنْ وُلِدَ لِدُونِ نِصْفِ حَوْلٍ مُذْ طُلُوعِ الْغَلَّةِ لَا أَكْثَرَ إلَّا إذَا أَكْثَرَ إلَّا إذَا وَلَدَتْ مُبَانَتُهُ أَوْ أُمُّ وَلَدِهِ الْمُعْتَقَةِ لِدُونِ سَنَتَيْنِ لِثُبُوتِ نَسَبِهِ بِلَا حِلِّ وَطْئِهَا، -   [رد المحتار] وَلَوْ قَالَ: عَلَى وَلَدِي الْمَخْلُوقِينَ وَعَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ يَدْخُلُ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ بِقَوْلِهِ وَنَسْلِهِمْ وَإِنْ تَجَاوَزَهُمْ بِبَطْنٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: عَلَى وَلَدِي الْمَخْلُوقِينَ وَعَلَى نَسْلِ أَوْلَادِهِمْ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْخَصَّافِ (قَوْلُهُ صُرِفَ نَصِيبُهُ لِلْفُقَرَاءِ) لِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ لِلْفُقَرَاءِ أَيْ وَلَمْ يُسَمِّ الْأَوْلَادَ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الْبَاقِي لِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى الْكُلِّ لَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَفَادَهُ فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَخْتَصَّ ابْنُهَا) أَيْ الْمُتَوَلِّي مِنْ الْوَقْفِ بَلْ يَكُونُ نَصِيبُهَا لِجَمِيعِ الْأَوْلَادِ دُرَرٌ، لَكِنَّ مُقْتَضَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَيَانِ الْمُنْقَطِعِ أَنْ يُصْرَفَ نَصِيبُهَا إلَى الْفُقَرَاءِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: دَخَلَ الْإِنَاثُ عَلَى الْأَوْجَهِ) لِأَنَّ جَمْعَ الذُّكُورِ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ يَشْمَلُ الْإِنَاثَ كَمَا سَلَفَ ط (قَوْلُهُ: لَا يَدْخُلُ الْبَنُونَ) وَكَذَا لَا تَدْخُلُ الْخُنْثَى فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ مَا هُوَ؟ هِنْدِيَّةٌ ط. (قَوْلُهُ: فَالْغَلَّةُ لِلْمَسَاكِينِ) وَلَا شَيْءَ لِلْبَنَاتِ أَوْ الْبَنِينَ لِعَدَمِ صِدْقِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَدْلُولَ الْآخَرِ بُرْهَانٌ ط (قَوْلُهُ وَيَكُونُ وَقْفًا مُنْقَطِعًا) أَيْ مُنْقَطِعَ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَدَثَ مَا ذُكِرَ) أَيْ بِأَنْ وُلِدَ لَهُ بَنُونَ فِي الْأَوَّلِ أَوْ بَنَاتٌ فِي الثَّانِي عَادَ الْوَقْفُ إلَيْهِ: أَيْ إلَى الْحَادِثِ مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ طُلُوعِ الْغَلَّةِ الَّذِي أُنِيطَ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ (قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ فِي قِسْمَةِ الْغَلَّةِ إلَخْ) قَالَ: فِي الْفَتْحِ: ثُمَّ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ الْوَلَدِ كُلُّ مَنْ أَدْرَكَ خُرُوجَ الْغَلَّةِ عَالِقًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ، حَتَّى لَوْ حَدَثَ وَلَوْ بَعْدَ خُرُوجِ الْغَلَّةِ بِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ اسْتَحَقَّ، وَمَنْ حَدَثَ إلَى تَمَامِهَا فَصَاعِدًا لَا يَسْتَحِقُّ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ بِوُجُودِ الْأَوَّلِ فِي الْبَطْنِ عِنْدَ خُرُوجِ الْغَلَّةِ فَاسْتَحَقَّ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَانَ لِوَرَثَتِهِ وَهَذَا فِي وَلَدِ الزَّوْجِيَّةِ أَمَّا لَوْ جَاءَتْ أَمَتُهُ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَاعْتَرَفَ بِهِ لَا يَسْتَحِقُّ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي الْإِقْرَارِ عَلَى الْغَيْرِ أَعَنَى بَاقِيَ الْمُسْتَحَقِّينَ، بِخِلَافِ وَلَدِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ حِينَ يُولَدُ ثَابِتُ النَّسَبِ (قَوْلُهُ: مُذْ طُلُوعِ الْغَلَّةِ) قَالَ: فِي الْفَتْحِ: وَخُرُوجُ الْغَلَّةِ الَّتِي هِيَ الْمَنَاطُ وَقْتَ انْعِقَادِ الزَّرْعِ حَبًّا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَوْمَ يَصِيرُ الزَّرْعُ مُتَقَوِّمًا ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَهَذَا فِي الْحَبِّ خَاصَّةً، وَفِي وَقْفِ الْخَصَّافِ يَوْمَ طَلَعَتْ الثَّمَرَةُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ وَقْتُ أَمَانَةِ الْعَاهَةِ كَمَا فِي الْحَبِّ لِأَنَّهُ بِالِانْعِقَادِ يَأْمَنُ الْعَاهَةَ وَقَدْ اُعْتُبِرَ انْعِقَادُهُ. وَأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ بِلَادِنَا مِنْ إجَازَةِ أَرْضِ الْوَقْفِ لِمَنْ يَزْرَعُهَا لِنَفْسِهِ بِأُجْرَةٍ تَسْتَحِقُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَاطٍ كُلُّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ قِسْطٌ فَيَجِبُ اعْتِبَارُ إدْرَاكِ الْقِسْطِ فَهُوَ كَإِدْرَاكِ الْغَلَّةِ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ مَخْلُوقًا قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ الرَّابِعِ حَتَّى تَمَّ وَهُوَ مَخْلُوقٌ اسْتَحَقَّ هَذَا الْقِسْطَ، وَمَنْ لَا فَلَا اهـ (قَوْلُهُ: لِدُونِ سَنَتَيْنِ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْإِبَانَةِ وَالْعِتْقِ وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ وُجُودِ الْغَلَّةِ لِحُكْمِ الشَّرْعِ بِوُجُودِ الْحَمْلِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ فِي الْعِدَّةِ فَيَكُونُ مَوْجُودًا عِنْدَ طُلُوعِ الْغَلَّةِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: لِثُبُوتِ نَسَبِهِ بِلَا حِلِّ وَطْئِهَا) هُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا لِحُكْمِ الشَّرْعِ إلَخْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 470 فَلَوْ يَحِلُّ فَلَا لِاحْتِمَالِ عُلُوقِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْغَلَّةِ، وَتُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ إنْ لَمْ يُرَتِّبْ الْبُطُونَ، وَإِنْ قَالَ: لِلذَّكَرِ كَأُنْثَيَيْنِ فَكَمَا قَالَ، فَلَوْ وَصِيَّةَ فَرْضٍ ذَكَرٍ مَعَ الْإِنَاثِ وَأُنْثَى مَعَ الذُّكُورِ وَيَرْجِعُ سَهْمُهُ لِلْوَرَثَةِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِلْمَعْدُومِ فَلَا بُدَّ مِنْ فَرْضِهِ لِيَعْلَمَ مَا يَرْجِعُ لِلْوَرَثَةِ. [مَطْلَبٌ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَسَمَّاهُمْ] وَلَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي وَنَسْلِي أَبَدًا وَكُلَّمَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَانَ نَصِيبُهُ لِنَسْلِهٍ فَالْغَلَّةُ لِجَمِيعِ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ حَيِّهِمْ وَمَيِّتِهِمْ بِالسَّوِيَّةِ وَنَصِيبُ الْمَيِّتِ لِوَلَدِهِ أَيْضًا بِالْإِرْثِ عَمَلًا بِالشَّرْطِ؛ وَلَوْ قَالَ: وَكُلُّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ نَسْلٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِمَنْ فَرَّقَهُ وَلَمْ يَكُنْ فَوْقَهُ أَحَدٌ، أَوْ سَكَتَ عَنْهُ يَكُونُ رَاجِعًا لِأَصْلِ الْغَلَّةِ لَا لِلْفُقَرَاءِ مَا دَامَ نَسْلُهُ بَاقِيًا وَالنَّسْلُ اسْمٌ لِلْوَلَدِ وَوَلَدِهِ أَبَدًا -   [رد المحتار] وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ إلَّا إذَا وَلَدَتْ: أَيْ يَدْخُلُ فِي قِسْمَةِ الْغَلَّةِ إذَا وَلَدَتْ مُبَانَتُهُ إلَخْ، وَالْمُرَادُ دُخُولُهُ فِي كُلِّ غَلَّةٍ خَرَجَتْ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ لِتَحَقُّقِ وُجُودِهِ عِنْدَهَا (قَوْلُهُ فَلَوْ يَحِلُّ) أَيْ وَطْؤُهَا بِأَنْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ غَيْرَ مُعْتَقَةٍ أَوْ زَوْجَةً أَوْ مُعْتَدَّةَ رَجْعِيٍّ (قَوْلُهُ: فَلَا) أَيْ لَا يَدْخُلُ إلَّا إذَا وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْغَلَّةِ ط (قَوْلُهُ: وَتُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ سَابِقًا وَيَسْتَوِي الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ إلَخْ ط. مَطْلَبٌ قَالَ: لِلذَّكَرِ كَأُنْثَيَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا ذُكُورٌ فَقَطْ أَوْ إنَاثٌ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ: لِلذَّكَرِ كَأُنْثَيَيْنِ إلَخْ) فِيهِ اخْتِصَارٌ وَأَصْلُهُ مَا فِي الْإِسْعَافِ: وَلَوْ قَالَ: بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَإِنْ جَاءَتْ الْغَلَّةُ وَالْبَطْنُ الْأَعْلَى ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ يَكُونُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ ذُكُورًا فَقَطْ أَوْ إنَاثًا فَقَطْ فَبِالسَّوِيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفْرَضَ ذَكَرٌ مَعَ الْإِنَاثِ أَوْ أُنْثَى مَعَ الذُّكُورِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَا لَهُ لِوَلَدِ زَيْدٍ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَكَانُوا ذُكُورًا فَقَطْ أَوْ إنَاثًا فَقَطْ، فَإِنَّهُ يُفْرَضُ مَعَ الذُّكُورِ أُنْثَى وَمَعَ الْإِنَاثِ ذَكَرٌ وَيُقْسَمُ الثُّلُثُ عَلَيْهِمْ، فَمَا أَصَابَهُمْ أَخَذُوهُ وَمَا أَصَابَ الْمَضْمُومَ إلَيْهِمْ يُرَدُّ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي. وَالْفَرْقُ أَنَّ مَا يَبْطُلُ مِنْ الثُّلُثِ يَرْجِعُ مِيرَاثًا إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي، وَمَا يَبْطُلُ مِنْ الْوَقْفِ لَا يَرْجِعُ مِيرَاثًا وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلْبَطْنِ الثَّانِي وَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ مَا دَامَ أَحَدٌ مِنْ الْبَطْنِ الْأَعْلَى بَاقِيًا، فَعُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إنَّمَا هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ الِاخْتِلَاطِ لَا مُطْلَقًا، وَعَلَى هَذَا أُمُورُ النَّاسِ وَمَعَانِيهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَرَضَ ذَكَرٌ) كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا ذَكَرًا بِالنَّصْبِ فَيَكُونُ " فَرَضَ " مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ. (قَوْلُهُ: فَالْغَلَّةُ لِجَمِيعِ وَلَدِهِ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَمْ يُرَتِّبْ بَيْنَ الْبُطُونِ وَلَمْ يُفَضِّلْ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ (قَوْلُهُ: وَنَصِيبُ الْمَيِّتِ لِوَلَدِهِ أَيْضًا) أَيْ مَا أَصَابَ الْمَيِّتَ يَأْخُذُهُ وَلَدُهُ مُنْضَمًّا إلَى نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ مِنْ وَجْهَيْنِ إسْعَافٌ، وَكَذَا يُقَالُ لَوْ رَتَّبَ بَيْنَ الْبُطُونِ وَشَرَطَ انْتِقَالَ نَصِيبِ الْمَيِّتِ لِوَلَدِهِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْإِسْعَافِ (قَوْلُهُ بِالْإِرْثِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى مَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ إرْثًا حَقِيقَةً وَلِذَا لَوْ كَانَ وَلَدُ الْمَيِّتِ ذَكَرًا وَأُنْثَى اسْتَحَقَّهُ سَوِيَّةً، نَعَمْ هُوَ شَبِيهٌ بِالْإِرْثِ مِنْ حَيْثُ انْتِقَالُ نَصِيبِ الْأَصْلِ إلَى فَرْعِهِ. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِيمَا لَوْ شَرَطَ عَوْدَ نَصِيبِ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ لِأَعْلَى طَبَقَةً (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ: إلَخْ) أَيْ فِي صُورَةِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْبُطُونِ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ كَمَا صَوَّرَهُ الْخَصَّافُ وَتَبِعَهُ فِي الْإِسْعَافِ وَقَوْلُهُ أَوْ سَكَتَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَوْ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا رَتَّبَ بَيْنَ الْبُطُونِ لَا يُعْطَى الثَّانِي مَا لَمْ يَنْقَرِضْ الْأَوَّلُ إلَّا إذَا شَرَطَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فَيُعْطَى لِوَلَدِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْبَطْنِ الثَّانِي فَإِنْ سَكَتَ عَنْ بَيَانِ نَصِيبِهِ لَا يُعْطَى لِوَلَدِهِ بَلْ يَرْجِعُ لِأَصْلِ الْغَلَّةِ فَيُقْسَمُ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْتَحَقِّينَ، وَكَذَا إذَا بَيَّنَ نَصِيبَ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ بِأَنْ شَرَطَ عَوْدَهُ لِأَعْلَى طَبَقَةً أَوْ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَطَبَقَتِهِ أَوْ لِمَنْ دُونَهُ اُتُّبِعَ شَرْطُهُ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَا شَرَطَهُ عَادَ نَصِيبُ ذَلِكَ الْمَيِّتِ لِأَصْلِ الْغَلَّةِ فَبَقِيَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 471 وَلَوْ أُنْثَى، وَالْعَقِبُ لِلْوَلَدِ وَوَلَدِهِ مِنْ الذُّكُورِ أَيْ دُونَ الْإِنَاثِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَزْوَاجُهُنَّ مِنْ وَلَدِ وَلَدِهِ الذُّكُورِ وَآلِهِ وَجِنْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ كُلُّ مَنْ يُنَاسِبُهُ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الَّذِي أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ أَسْلَمَ أَوَّلًا وَقَرَابَتُهُ وَأَرْحَامُهُ وَأَنْسَابُهُ كُلُّ مَنْ يُنَاسِبُهُ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ قِبَلِ أَبَوَيْهِ سِوَى أَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ لِصُلْبِهِ فَإِنَّهُمْ لَا يُسَمَّوْنَ قَرَابَةً اتِّفَاقًا، وَكَذَا مَنْ عَلَا مِنْهُمْ أَوْ سَفَلَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَعَدَّهُمْ مِنْهَا،   [رد المحتار] عَلَى الْجَمِيعِ لَا عَلَى الْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ شَرَطَ تَقْدِيمَ النَّسْلِ عَلَيْهِمْ فَلَا حَقَّ لَهُمْ مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ نَسْلِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَكَتَ عَنْ نَصِيبِ مَنْ مَاتَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَصْلِ الْغَلَّةِ قُلْت: وَبِهَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ عَوْدَ نَصِيبِ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ إلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ مِنْهُمْ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي الْأَوْقَافِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الدَّرَجَةِ أَحَدٌ يَرْجِعُ نَصِيبُهُ إلَى أَصْلِ الْغَلَّةِ لَا إلَى أَعْلَى طَبَقَةً كَمَا أَفْتَى بِهِ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ الرَّمْلِيُّ وَلَا إلَى الْأَقْرَبِ مِنْ أَيِّ طَبَقَةٍ كَانَتْ كَمَا أَفْتَى بِهِ آخَرُونَ مِنْهُمْ الرَّمْلِيُّ أَيْضًا لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَطَ الدَّرَجَةَ وَاشْتَرَطَ الْأَقْرَبَ مِنْ أَهْلِ الدَّرَجَةِ. فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الدَّرَجَةِ أَحَدٌ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُهُ فَتَلْغُو الْأَقْرَبِيَّةُ أَيْضًا، وَحَيْثُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ يَرْجِعُ نَصِيبُهُ إلَى أَصْلِ الْغَلَّةِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ لِأَعْلَى طَبَقَةً، وَقَوْلِهِ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ، فَمَنْ أَفْتَى بِخِلَافِ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ وَتَبِعَهُ فِي الْإِسْعَافِ وَلَمْ يَسْتَنِدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَى نَقْلٍ يُعَارِضُ ذَلِكَ، فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ إلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ كَمَا أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ بِمَا لَمْ أُسْبَقْ إلَيْهِ، ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ مِنْ تَحْرِيرِ هَذَا الْمَقَامِ وَرَدَ عَلَيَّ السُّؤَالُ مِنْ طَرَابُلُسِ الشَّامِ مَضْمُونُهُ أَنَّهُ وُجِدَ فِي دَرَجَةِ الْمُتَوَفَّى أَوْلَادُ عَمٍّ وَفِي الدَّرَجَةِ الَّتِي تَحْتَهَا أَوْلَادُ أُخْتٍ وَفِيهِ فَتَاوَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ تَبَعًا لِمَا فِي الْخَيْرِيَّةِ بِانْتِقَالِ نَصِيبِ الْمُتَوَفَّى إلَى أَوْلَادِ الْأُخْتِ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا وَإِنْ كَانُوا أَنْزَلَ دَرَجَةً، وَأَفْتَيْت بِعَوْدِهِ لِأَوْلَادِ الْعَمِّ تَبَعًا لِمَا فِي الْحَامِدِيَّةِ، وَلِمَا نَقَلَهُ فِيهَا عَنْ الْبَهْنَسِيِّ شَارِحِ الْمُتَلَقَّى وَلِأَنَّ الْوَاقِفَ إنَّمَا اشْتَرَطَ عَوْدَ النَّصِيبِ لِلْأَقْرَبِ مِنْ أَهْلِ دَرَجَةِ الْمُتَوَفَّى لَا إلَى مُطْلَقِ أَقْرَبَ، وَأَوْضَحْت ذَلِكَ غَايَةَ الْإِيضَاحِ فِي رِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا غَايَةُ الْمَطْلَبِ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ عَوْدَ النَّصِيبِ إلَى أَهْلِ دَرَجَةِ الْمُتَوَفَّى الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ وَبَيَّنْت فِيهَا مَا وَقَعَ فِي جَوَابِ الرَّمْلِيِّ مِنْ الْأَوْهَامِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أُنْثَى) ذَكَرَ هِلَالٌ رِوَايَتَيْنِ فِي دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِي النَّسْلِ، وَكَذَا قَاضِي خَانْ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ وَرَجَّحَ كُلًّا مُرَجِّحُونَ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْعَلَّامَةِ عَبْدِ الْبَرِّ. اهـ. ط. (قَوْلُهُ: وَالْعَقِبُ لِلْوَلَدِ وَوَلَدِهِ مِنْ الذُّكُورِ) أَيْ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا، فَكُلُّ مَنْ يَرْجِعُ بِنَسَبِهِ إلَى الْوَاقِفِ بِالْآبَاءِ فَهُوَ مِنْ عَقِبِهِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ أَبُوهُ مِنْ غَيْرِ الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِ الْوَاقِفِ فَلَيْسَ مِنْ عَقِبِهِ إسْعَافٌ. مَطْلَبٌ فِي النَّسْلِ وَالْعَقِبِ وَالْآلِ وَالْجِنْسِ وَأَهْلِ الْبَيْتِ وَالْقَرَابَةِ وَالْأَرْحَامِ وَالْأَنْسَابِ (قَوْلُهُ: كُلُّ مَنْ يُنَاسِبُهُ) أَيْ بِآبَائِهِ إسْعَافٌ وَهُوَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ النَّسَبِ: أَيْ مَنْ يُدَاخِلُهُ فِي نَسَبِهِ بِمَحْضِ الْآبَاءِ إلَى أَقْصَى أَبٍ فِي الْإِسْلَامِ وَهُوَ الَّذِي أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ أَسْلَمَ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ، فَكُلُّ مَنْ يُنَاسِبُهُ إلَى هَذَا الْأَبِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كَمَا فِي الْإِسْعَافِ وَكَذَا مِنْ آلِهِ وَجِنْسِهِ، وَالْمُرَادُ مَنْ كَانَ مَوْجُودًا مِنْهُمْ حَالَ الْوَقْفِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ مَجِيءِ الْغَلَّةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ إسْلَامُ الْأَبِ الْأَعْلَى، فَفِي الْعَلَوِيِّ أَقْصَى أَبٍ لَهُ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ هُوَ أَبُو طَالِبٍ، فَيَدْخُلُ أَوْلَادُهُ عَقِيلٌ وَجَعْفَرٌ وَعَلِيٌّ، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا يَدْخُلُ إلَّا أَوْلَادُ عَلِيٍّ لِأَنَّهُ أَوَّلُ أَبٍ أَسْلَمَ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ: مِنْ قِبَلِ أَبَوَيْهِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَعَدَّهُمْ مِنْهَا) أَيْ عَدَّ مُحَمَّدٌ مِنْ الْقَرَابَةِ مَنْ عَلَا مِنْ جِهَةِ أَبَوَيْهِ وَمَنْ سَفَلَ مِنْ جِهَةِ وَلَدِهِ، وَيُوهِمُ هَذَا التَّعْبِيرُ ضَعْفَهُ مَعَ أَنَّهُ فِي الْإِسْعَافِ قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا، وَرُوِيَ عَنْهُمَا أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 472 وَإِنْ قَيَّدَهُ بِفُقَرَائِهِمْ يُعْتَبَرُ الْفَقْرُ وَقْتَ وُجُودِ الْغَلَّةِ وَهُوَ الْمُجَوِّزُ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ، فَلَوْ تَأَخَّرَ صَرْفُهَا سِنِينَ لِعَارِضٍ فَافْتَقَرَ الْغَنِيُّ وَاسْتَغْنَى الْفَقِيرُ شَارَكَ الْمُفْتَقِرُ وَقْتَ الْقِسْمَةِ الْفَقِيرَ وَقْتَ وُجُودِ الْغَلَّةِ وَلِأَنَّ الْغَلَّاتِ إنَّمَا تُمْلَكُ حَقِيقَةً بِالْقَبْضِ وَطُرُوِّ الْغِنَى وَالْمَوْتُ لَا يُبْطِلُ مَا اسْتَحَقَّهُ،   [رد المحتار] مَطْلَبٌ يُعْتَبَرُ فِي لَفْظِ الْقَرَابَةِ الْمَحْرَمِيَّةُ وَالْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَقَالَ: وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَحَارِمُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَوْلَادِ الْإِنَاثِ وَإِنْ بَعُدُوا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُعْتَبَرُ الْمَحْرَمِيَّةُ وَالْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ لِلِاسْتِحْقَاقِ اهـ قُلْت: وَقَوْلُ الْإِمَامِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَقُلْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ قَالَ: عَلَى أَقَارِبِي أَوْ أَقْرِبَائِي أَوْ أَرْحَامِي أَوْ أَنْسَابِي لَا يَكُونُ لِأَقَلَّ مِنْ اثْنَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ أَيْضًا. قَالَ: فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ الْمَلَكِيِّ عَنْ الْحَقَائِقِ إذَا ذَكَرَ مَعَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ لَا يُعْتَبَرُ الْجَمْعُ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْأَقْرَبَ اسْمٌ فَرْدٌ خَرَجَ تَفْسِيرًا لِلْأَوَّلِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَحْرَمُ وَغَيْرُهُ، وَلَكِنْ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ لِصَرِيحِ شَرْطِهِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَيَّدَهُ بِفُقَرَائِهِمْ) أَمَّا لَوْ قَالَ: مَنْ افْتَقَرَ مِنْهُمْ، قَالَ مُحَمَّدٌ: تَكُونُ لِمَنْ كَانَ غَنِيًّا مِنْهُمْ ثُمَّ افْتَقَرَ وَنَفَيَا اشْتِرَاطَ تَقَدُّمِ الْغِنَى، وَلَوْ قَالَ: مَنْ احْتَاجَ مِنْهُمْ فَهِيَ لِكُلِّ مَنْ يَكُونُ مُحْتَاجًا وَقْتَ وُجُودِ الْغَلَّةِ، سَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا ثُمَّ احْتَاجَ أَوْ كَانَ مُحْتَاجًا مِنْ الْأَصْلِ وَمِثْلُهُ الْمِسْكِينُ وَالْفَقِيرُ إسْعَافٌ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُجَوِّزُ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ) أَيْ الْفَقْرُ هُنَا هُوَ الْمُجَوِّزُ إلَخْ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْإِسْعَافِ بَعْدَهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَلَدَ غَنِيٍّ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ لَا يَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ، بَلْ قَدَّمْنَا فِي الْفُرُوعِ عِنْدَ قَوْلِهِ، لَوْ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ أَحَدٌ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ يُعَدُّ غَنِيًّا فِي بَابِ الْوَقْفِ، وَذَكَرَ فِي الْإِسْعَافِ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الصَّغِيرَ يُعَدُّ غَنِيًّا بِغِنَى أَبَوَيْهِ وَجَدَّيْهِ فَقَطْ وَالرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ بِغِنَى فُرُوعِهَا وَزَوْجِهَا فَقَطْ وَهَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا قَالَ الْخَصَّافُ: وَالصَّوَابُ عِنْدِي إعْطَاؤُهُمْ وَإِنْ كَانَ تُفْرَضُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَرَدَّهُ هِلَالٌ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ تَأَخَّرَ صَرْفُهَا سِنِينَ إلَخْ) لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ فَاسْتِحْقَاقُ الْغَلَّةِ يُعْتَبَرُ يَوْمَ حُدُوثِ الْغَلَّةِ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لَا يَوْمَ الْوَقْفِ، فَالْمَوْجُودُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْوَقْفِ وَالْمَوْلُودُ بَعْدَهُ سَوَاءٌ إذَا كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ حُدُوثِ الْغَلَّةِ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ، فَمَنْ كَانَ فَقِيرًا يَوْمَ حُدُوثِ الْغَلَّةِ يُعْطَى لَهُ وَلَوْ اسْتَغْنَى بَعْدَهُ أَوْ كَانَ غَنِيًّا قَبْلَهُ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: الْمُسْتَحِقُّ لِلْغَلَّةِ مَنْ كَانَ فَقِيرًا يَوْمَ تَجِيءُ الْغَلَّةُ عِنْدَ هِلَالٍ وَبِهِ نَأْخُذُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ أَنَّ الْخَصَّافَ يَعْتَبِرُ يَوْمَ الْقِسْمَةِ لَا يَوْمَ طُلُوعِ الْغَلَّةِ. وَقَالَ: فِي الْفَتْحِ: وَفِي وَقْفِ الْخَصَّافِ لَوْ اجْتَمَعَتْ عِدَّةُ سِنِينَ بِلَا قِسْمَةٍ حَتَّى اسْتَغْنَى قَوْمٌ وَافْتَقَرَ آخَرُونَ ثُمَّ قُسِمَتْ يُعْطَى مَنْ كَانَ فَقِيرًا يَوْمَ الْقِسْمَةِ وَلَا أَنْظُرُ إلَى مَنْ كَانَ فَقِيرًا يَوْمَ الْغَلَّةِ ثُمَّ اسْتَغْنَى اهـ وَبِهَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ قَوْلَهُ شَارَكَ الْمُفْتَقِرَ وَقْتَ الْقِسْمَةِ إلَخْ لَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ هِلَالٍ وَلَا عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ كَانَ غَنِيًّا وَقْتَ الْغَلَّةِ ثُمَّ افْتَقَرَ وَقْتَ الْقِسْمَةِ يَسْتَحِقُّ مَعَ مَنْ كَانَ غَنِيًّا وَقْتَ الْقِسْمَةِ فَقِيرًا وَقْتَ الْغَلَّةِ، وَاسْتِحْقَاقُ الْأَوَّلِ ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ وَالثَّانِي عَلَى قَوْلِ هِلَالٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ: لَا يُشَارِكُ بِلَا النَّافِيَةِ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى قَوْلِ هِلَالٍ الْمُفْتَى بِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَلَوْ تَأَخَّرَ إلَخْ فَإِنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ قَبْلَهُ يُعْتَبَرُ الْفَقْرُ وَقْتَ وُجُودِ الْغَلَّةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الصِّلَاتِ إلَخْ) بِكَسْرِ الصَّادِ جَمْعُ صِلَةٍ، وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِمَا فُهِمَ مِنْ اخْتِصَاصِ الِاسْتِحْقَاقِ بِمَنْ كَانَ فَقِيرًا وَقْتَ وُجُودِ الْغَلَّةِ بِنَاءً عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الصَّوَابَ لَا يُشَارِكُ بِلَا النَّافِيَةِ وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لَهُ أَيْضًا وَبَيَانُ التَّعْلِيلِ حِينَئِذٍ أَنَّ مَنْ كَانَ فَقِيرًا وَقْتَ الْغَلَّةِ فِي هَذِهِ السِّنِينَ يَسْتَحِقُّ غَلَّةَ كُلِّ سَنَةٍ وَلَا يَصِيرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 473 وَأَمَّا مَنْ وُلِدَ مِنْهُمْ لِدُونِ نِصْفِ حَوْلٍ بَعْدَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ فَلَا حَظَّ لَهُ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْغَنِيِّ، وَقِيلَ: يَسْتَحِقُّ لِأَنَّ الْفَقِيرَ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ وَالْحَمْلُ لَا شَيْءَ لَهُ، وَلَوْ قَيَّدَهُ بِصُلَحَائِهِمْ أَوْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ -   [رد المحتار] غَنِيًّا بِمَا يَسْتَحِقُّهُ لِأَنَّهُ صِلَةٌ لَا تُمَلَّكُ إلَّا بِالْقَبْضِ، فَإِذَا جَاءَ يَوْمُ الْقِسْمَةِ وَكَانَ غَنِيًّا يَأْخُذُ مَا اسْتَحَقَّهُ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ بِصِفَةِ الْفَقْرِ لِأَنَّ طُرُوُّ الْغِنَى لَا يُبْطِلُ ذَلِكَ؛ كَمَا لَوْ مَاتَ بَعْدَ طُلُوعِ الْغَلَّةِ فَإِنَّ نَصِيبَهُ مِنْهَا لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ بَلْ يَصِيرُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ (قَوْلُهُ: فَلَا حَظَّ لَهُ) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْغَلَّةِ الَّتِي خَرَجَتْ وَهُوَ حَمْلٌ فِي بَطْنِ أُمِّهِ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ) لِأَنَّ الْفَقِيرَ هُوَ الْمُحْتَاجُ وَالْحَمْلَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِهِ فَإِنَّهُ يُدْخِلُ الْحَمْلَ لِتَعَلُّقِ الِاسْتِحْقَاقِ بِالنَّسَبِ وَهُنَا بِالْفَقْرِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: يَسْتَحِقُّ) هَذَا قَوْلُ الْخَصَّافِ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ هِلَالٍ. مَطْلَبُ تَفْسِيرٍ فِي الصَّالِحِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَيَّدَهُ بِصُلَحَائِهِمْ) الصَّالِحُ: مَنْ كَانَ مَسْتُورًا وَلَمْ يَكُنْ مَهْتُوكًا، وَلَا صَاحِبَ رِيبَةٍ، وَكَانَ مُسْتَقِيمَ الطَّرِيقَةِ سَلِيمَ النَّاحِيَةِ كَامِنَ الْأَذَى، قَلِيلَ الشَّرِّ، لَيْسَ بِمُعَاقِرٍ لِلنَّبِيذِ وَلَا يُنَادِمُ عَلَيْهِ الرِّجَالَ، وَلَا قَذَّافًا لِلْمُحْصَنَاتِ، وَلَا مَعْرُوفًا بِالْكَذِبِ فَهَذَا هُوَ الصَّلَاحُ عِنْدَنَا، وَمِثْلُهُ أَهْلُ الْعَفَافِ وَالْخَيْرِ وَالْفَضْلِ، وَمَنْ كَانَ أَمْرُهُ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرْنَا فَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَلَا الْعَفَافِ إسْعَافٌ. مَطْلَبُ الْمُرَادِ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ (قَوْلُهُ: أَوْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ) الْمُرَادُ بِالْأَقْرَبِ أَقْرَبُ النَّاسِ رَحِمًا لَا الْإِرْثُ وَالْعُصُوبَةُ كَمَا فِي الْخَيْرِيَّةِ وَذَكَرَ فِي أَنْفَعْ الْوَسَائِلِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَمْ يَعْتَبِرْ لَفْظَ أَقْرَبَ فِي التَّقْدِيمِ بَلْ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَبْعَدِ، ثُمَّ قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ إنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ إلْغَاءُ صِيغَةِ أَفْعَلَ بِلَا دَلِيلٍ وَإِلْغَاءُ مَقْصُودِ الْوَاقِفِ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَقْرَبِ. اهـ. فَالْمُعْتَمَدُ اعْتِبَارُ الْأَقْرَبِيَّةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ، لَكِنْ أَفْتَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِخِلَافِهِ حَيْثُ شَارَكَ جَمِيعَ أَهْلِ الدَّرَجَةِ فِي وَقْفٍ اشْتَرَطَ فِيهِ تَقْدِيمَ الْأَقْرَبِ مِنْ أَهْلِ الدَّرَجَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ذُهُولٌ مِنْهُ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ وَإِلَّا فَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَلِمْت. وَفِي الْإِسْعَافِ: لَوْ قَالَ: عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ مِنِّي أَوْ إلَيَّ ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَلَهُ وَلَدٌ وَأَبَوَانِ فَهِيَ لِلْوَلَدِ وَلَوْ أُنْثَى لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ أَبَوَيْهِ، ثُمَّ تَكُونُ لِلْمَسَاكِينِ دُونَ أَبَوَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ وَلَوْ لَهُ أَبَوَانِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَوْ لَهُ أُمٌّ وَإِخْوَةٌ فَلِلْأُمِّ، وَكَذَا لَوْ لَهُ أُمٌّ وَجَدَّةٌ لِأَبٍ، وَلَوْ لَهُ جَدٌّ لِأَبٍ وَإِخْوَةٌ فَلِلْجَدِّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لِلْإِخْوَةِ لِأَنَّ مَنْ ارْتَكَضَ مَعَهُ فِي رَحِمٍ أَوْ خَرَجَ مَعَهُ مِنْ صُلْبٍ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِمَّنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حَائِلٌ وَلَوْ لَهُ أَبٌ وَابْنُ ابْنٍ فَلِلْأَبِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ النَّافِلَةِ، وَلَوْ لَهُ بِنْتُ بِنْتٍ وَابْنُ ابْنِ ابْنٍ فَلِبِنْتِ الْبِنْتِ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْإِرْثِ، وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَقْرَبِ قَرَابَةٍ مِنِّي وَلَهُ أَبَوَانِ وَوَلَدٌ لَا يَدْخُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي الْوَقْفِ إذْ لَا يُقَالُ لَهُمْ قَرَابَةٌ؛ وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَقَارِبِي عَلَى أَنْ يَبْدَأَ بِأَقْرَبِهِمْ إلَيَّ نَسَبًا أَوْ رَحِمًا ثُمَّ مَنْ يَلِيهِ وَلَهُ أَخَوَانِ أَوْ أُخْتَانِ يَبْدَأُ بِمَنْ لِأَبَوَيْهِ ثُمَّ بِمَنْ لِأَبٍ؛ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا لِأَبٍ وَالْآخَرُ لِأُمٍّ يَبْدَأُ بِمَنْ لِأَبِيهِ عِنْدَهُ. وَقَالَا: هُمَا سَوَاءٌ، وَالْخَالُ أَوْ الْخَالَةُ لِأَبَوَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْعَمِّ لِأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ كَعَكْسِهِ، وَالْعَمُّ أَوْ الْعَمَّةُ لِأَبَوَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْخَالِ أَوْ الْخَالَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ هُمَا سَوَاءٌ؛ وَمَنْ لِأَبٍ مِنْهُمَا أَوْلَى مِمَّنْ لِأُمٍّ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا سَوَاءٌ؛ وَحُكْمُ الْفُرُوعِ إذَا اجْتَمَعُوا مُتَفَرِّقِينَ كَحُكْمِ الْأُصُولِ. وَعِنْدَهُمَا قَرَابَتُهُ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ أَوْ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ سَوَاءٌ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا أَوْ مُخْتَلَطِينَ، وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْهُمْ عَمَلًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِيهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 474 أَوْ فَالْأَحْوَجِ أَوْ بِمَنْ جَاوَرَهُ مِنْهُمْ أَوْ بِمَنْ سَكَنَ مِصْرَ تَقَيَّدَ الِاسْتِحْقَاقُ بِهِ عَمَلًا بِشَرْطِهِ، وَتَمَامِهِ فِي الْإِسْعَافِ. وَمَنْ أَحْوَجَهُ حَوَادِثُ زَمَانِهِ إلَى مَا خَفِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْأَوْقَافِ فَلْيَنْظُرْ إلَى كِتَابِ [الْإِسْعَافُ الْمَخْصُوصُ بِأَحْكَامِ الْأَوْقَافِ، الْمُلَخَّصُ مِنْ كِتَابِ هِلَالٍ وَالْخَصَّافِ] كَذَا فِي الْبُرْهَانِ شَرْحِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ لِلشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى بْنِ أَبِي بَكْرٍ الطَّرَابُلُسِيِّ الْحَنَفِيِّ نَزِيلِ الْقَاهِرَةِ بَعْدَ دِمَشْقَ الْمُتَوَفَّى فِي أَوَائِلِ الْقَرْنِ الْعَاشِرِ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ، وَهُوَ أَيْضًا صَاحِبُ الْإِسْعَافِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . (قَوْلُ الْأَشْبَاهِ) اخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ مَانِعٌ إلَّا فِي إحْدَى وَأَرْبَعِينَ قَالَ فِي زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ حَاشِيَتُهَا لِلشَّيْخِ صَالِحِ بْنِ الْمُصَنِّفِ: قَدْ ذَكَرَ فِي الشَّرْحِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مَسَائِلَ لَا يَضُرُّ فِيهَا اخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ وَأَنَا أَذْكُرُهَا سَرْدًا فَأَقُولُ: [الْأُولَى] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ تُقْبَلُ.   [رد المحتار] تَنْبِيهٌ] قَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ لَفْظَ الْأَقْرَبِ لَا يَخْتَصُّ بِالْقَرَابَةِ مَا لَمْ يُقَيَّدْ بِهَا بِأَنْ يَقُولَ: الْأَقْرَبُ مِنْ قَرَابَتِي، أَمَّا لَوْ قَالَ: عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ مِنِّي يَشْمَلُ الْقَرَابَةَ وَغَيْرَهَا وَلِذَا يَدْخُلُ فِيهِ الْأَبَوَانِ مَعَ أَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْقَرَابَةِ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ عَادَ نَصِيبُهُ إلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فِي ذَلِكَ وَوُجِدَ فِي دَرَجَتِهِ أَوْلَادُ عَمٍّ وَفِي الدَّرَجَةِ الَّتِي تَحْتَهَا ابْنُ أُخْتٍ، يُصْرَفُ إلَى أَوْلَادِ عَمِّهِ دُونَ ابْنِ أُخْتِهِ، خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ حَيْثُ صَرَفَهُ لِابْنِ الْأُخْتِ لِكَوْنِهَا أَقْرَبَ وَكَوْنِ أَوْلَادِ الْعَمِّ لَيْسُوا رَحِمًا مُحَرَّمًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ خَطَأٌ لِأَنَّ الْأَقْرَبَ لَا يَخُصُّ الرَّحِمَ الْمُحَرَّمَ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْقَرَابَةِ كَمَا عَلِمْت وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ وَرَقَةٍ عَنْ الْحَقَائِقِ يَظْهَرُ لَك الْحَقُّ (قَوْلُهُ: أَوْ فَالْأَحْوَجُ) قَالَ: الْحَسَنُ فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِلْأَحْوَجِ فَالْأَحْوَجِ مِنْ قَرَابَتِهِ وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ يَمْلِكُ مِائَةَ دِرْهَمٍ مَثَلًا، وَمَنْ يَمْلِكُ أَقَلَّ مِنْهَا يُعْطَى ذُو الْأَقَلِّ إلَى أَنْ يَصِيرَ مَعَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ ثُمَّ يُقْسَمَ الْبَاقِي بَيْنَهُمْ جَمِيعًا بِالسَّوِيَّةِ. قَالَ الْخَصَّافُ: وَالْوَقْفُ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ إسْعَافٌ (قَوْلُهُ: أَوْ بِمَنْ جَاوَرَهُ) لَوْ قَالَ: عَلَى فُقَرَاءِ جِيرَانِي فَهِيَ عِنْدَهُ لِلْفَقِيرِ الْمُلَاصِقَةِ دَارُهُ لِدَارِهِ السَّاكِنِ هُوَ فِيهَا لِتَخْصِيصِهِ الْجَارَ بِالْمُلَاصِقِ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَالْوَقْفُ مِثْلُهَا وَبِهِ قَالَ زُفَرُ، وَيَكُونُ لِجَمِيعِ السُّكَّانِ فِي الدُّورِ الْمُلَاصِقَةِ لَهُ الْأَحْرَارُ وَالْعَبِيدُ وَالذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ وَالْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ سَوَاءٌ، وَبُعْدُ الْأَبْوَابِ وَقُرْبُهَا سَوَاءٌ، وَلَا يُعْطِي الْقَيِّمُ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ بَلْ يَقْسِمُهَا عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ. وَعِنْدَهُمَا تَكُونُ لِلْجِيرَانِ الَّذِينَ يَجْمَعُهُمْ مَحَلَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي الْإِسْعَافِ (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَحْوَجَهُ حَوَادِثُ زَمَانِهِ) مِنْ هُنَا إلَى كِتَابِ الْبُيُوعِ سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَالظَّاهِرُ سُقُوطُهُ مِنْ نُسْخَةِ الْأَصْلِ خُصُوصًا الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ فَإِنَّهَا لَا ارْتِبَاطَ لَهَا بِكِتَابِ الْوَقْفِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّارِحَ لَمَّا انْتَهَى إلَى هُنَا بَقِيَ مَعَهُ بَيَاضُ وَرَقٍ هُوَ آخِرُ الْجُزْءِ فَكَتَبَ فِيهِ هَذِهِ الْمَسَائِلَ لَا عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْكِتَابِ فَأَلْحَقَهَا النَّاسِخُ بِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الشَّارِحَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى ذَكَرَ عِدَّةَ مَسَائِلَ الَّتِي لَا يَحْلِفُ فِيهَا الْمُنْكِرُ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْلَا خَشْيَةُ التَّطْوِيلِ لَسَرَدْتهَا، وَذَكَرَ نَحْوَهُ قَبْلَ كِتَابِ الدَّعْوَى، وَإِلَّا كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: قَدَّمْتهَا فِي مَحَلِّ كَذَا لَكِنَّ قَوْلَهُ فِي الْآخِرِ فَاغْتَنِمْ هَذَا الْمَقَامَ فَإِنَّهُ مِنْ جَوَاهِرِ هَذَا الْكِتَابِ يَقْتَضِي أَنَّ مُرَادَهُ جَعْلُهَا مِنْهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْعِبَارَةُ مِنْ جُمْلَةِ مَا نَقَلَهُ عَنْ زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ لَا مِنْ كَلَامِهِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: قَوْلُ الْأَشْبَاهِ) أَيْ صَاحِبِهَا ط. مَطْلَبٌ ذَكَرَ مَسَائِلَ اسْتِطْرَادِيَّةً خَارِجَةً عَنْ كِتَابِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي إحْدَى وَأَرْبَعِينَ) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ، وَقَدْ ذَكَرْت فِي الشَّرْحِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ مَسْأَلَةً وَبَيَّنْتهَا مُفَصَّلَةً، وَكَذَا قَالَ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ إلَّا فِي اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَزَادَ ابْنُ الْمُصَنِّفِ ثَلَاثَةَ عَشْرَ أُخَرَ تَرَكْتهَا خَشْيَةَ التَّطْوِيلِ (قَوْلُهُ: فِي الشَّرْحِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ) يَعْنِي الْبَحْرَ (قَوْلُهُ: وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ تُقْبَلُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 475 الثَّانِيَةُ] ادَّعَى كُرَّ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْجَوْدَةِ وَالْآخَرُ بِالرَّدِيَّةِ تُقْبَلُ بِالرَّدِيَّةِ وَيُقْضَى بِالْأَقَلِّ. [الثَّالِثَةُ] ادَّعَى مِائَةَ دِينَارٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: نَيْسَابُورِيَّةٌ وَالْآخَرُ بُخَارِيَّةٌ، وَالْمُدَّعَى نَيْسَابُورِيَّةٌ وَهِيَ أَجْوَدُ يُقْضَى بِالْبُخَارِيَّةِ بِلَا خِلَافٍ. [الرَّابِعَةُ] لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ [الْخَامِسَةُ] لَوْ اخْتَلَفَا فِي لَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ [السَّادِسَةُ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَعَلَهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً أَبَدًا عَلَى أَنَّ لِزَيْدٍ ثُلُثَ غَلَّتِهَا وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّ لِزَيْدٍ نِصْفَهَا تُقْبَلُ عَلَى الثُّلُثِ. [السَّابِعَةُ] ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ بَيْعَ الْوَفَاءِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَرَّ بِذَلِكَ تُقْبَلُ [الثَّامِنَةُ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا جَارِيَتُهُ وَالْآخَرُ أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ تُقْبَلُ [التَّاسِعَةُ] ادَّعَى أَلْفًا مُطْلَقًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى إقْرَارِهِ بِأَلْفٍ قَرْضٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَدِيعَةٍ تُقْبَلُ. [الْعَاشِرَةُ] ادَّعَى الْإِبْرَاءَ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ هِبَةٌ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَوْ حَلَّلَهُ جَازَ [الْحَادِيَةَ عَشَرَ] ادَّعَى الْهِبَةَ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْبَرَاءَةِ وَالْآخَرُ بِالْهِبَةِ أَوْ أَنَّهُ حَلَّلَهُ جَازَ [الثَّانِيَةَ عَشَرَ] ادَّعَى الْكَفِيلُ الْهِبَةَ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهَا وَالْآخَرُ بِالْإِبْرَاءِ جَازَ وَثَبَتَ الْإِبْرَاءُ.   [رد المحتار] هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَرَجَّحَهُ الصَّدْرُ. وَقَالَا: لَا تُقْبَلُ، وَمَثَّلَهَا كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالطَّلَاقِ وَالْآخَرُ بِإِقْرَارِهِ بِهِ، وَزَادَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: مَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى قَرْضِ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَالْآخَرُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ ط. (قَوْلُهُ: بِالرَّدِيَّةِ) الْأَنْسَبُ بِالرَّدَاءَةِ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: يُقْضَى بِالْبُخَارِيَّةِ بِلَا خِلَافٍ) وَمِثْلُهُ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ بِيضٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ سُودٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَفْضَلَ تُقْبَلُ عَلَى الْأَقَلِّ، وَوَجَّهَهُ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْكَمِّيَّةِ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِزِيَادَةِ وَصْفٍ، وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَقَلَّ لَا تُقْبَلُ إلَّا إنْ وُفِّقَ بِالْإِبْرَاءِ، وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: الرَّابِعَةُ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُوَافَقَةِ لَفْظًا أَنْ يَكُونَ بِعَيْنِ ذَلِكَ، أَوْ مُرَادِفِهِ حَتَّى لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ وَالْآخَرُ بِالْعَطِيَّةِ يُقْبَلُ. اهـ. وَحِينَئِذٍ لَا وَجْهَ لِلِاسْتِثْنَاءِ، لَكِنْ قَالَ: فِي الْبَحْرِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَقَدْ خَرَجَ عَنْ ظَاهِرِ قَوْلِ الْإِمَامِ مَسَائِلُ وَإِنْ أَمْكَنَ رُجُوعُهَا إلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَحِينَئِذٍ فَالِاسْتِثْنَاءُ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ الْإِمَامِ لَا عَلَى مَا هُوَ التَّحْقِيقُ فِي الْمَقَامِ حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ: الْخَامِسَةُ إلَخْ) فِيهَا مَا تَقَدَّمَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ: تُقْبَلُ عَلَى الثُّلُثِ) وَهَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْكُلِّ وَالْآخَرُ بِالنِّصْفِ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالنِّصْفِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ حَمَوِيٌّ، وَمَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَكْثَرَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُقِرُّ بِالْوَقْفِ وَيُنْكِرُ الِاسْتِحْقَاقَ، أَوْ يُنْكِرُهُمَا وَأُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ بِمَا ذَكَرَ ط. (قَوْلُهُ: السَّابِعَةُ ادَّعَى إلَخْ) لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ يَتَّحِدُ الْإِنْشَاءُ وَلَفْظُ الْإِقْرَارِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. وَفِي الْبَحْرِ: لَا خُصُوصِيَّةَ لِبَيْعِ الْوَفَاءِ وَلَا لِلْبَيْعِ، بَلْ كُلُّ قَوْلٍ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ الْفِعْلِ وَالنِّكَاحِ مِنْ الْفِعْلِ (قَوْلُهُ: إنَّهَا كَانَتْ لَهُ تُقْبَلُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ ط (قَوْلُهُ: ادَّعَى أَلْفًا مُطْلَقًا) أَيْ غَيْرَ مُقَيِّدٍ بِقَرْضٍ وَلَا وَدِيعَةٍ قَالَ: فِي الْبَحْرِ: وَإِنْ ادَّعَى أَحَدَ السَّبَبَيْنِ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ أَكْذَبُ ط شَاهِدَهُ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى إقْرَارِهِ بِأَلْفٍ قَرْضٍ إلَخْ) بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ قَرْضٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَدِيعَةٍ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْقَرْضَ فِعْلٌ وَالْإِيدَاعَ فِعْلٌ آخَرُ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْقَرْضِ وَالْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلٌ وَهُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَالْمَقَرُّ بِهِ وَإِنْ كَانَ جِنْسَيْنِ. لَكِنَّ الْوَدِيعَةَ مَضْمُونَةٌ عِنْدَ الْإِنْكَارِ، وَالشَّهَادَةُ إنَّمَا قَامَتْ بَعْدَ الْإِنْكَارِ فَكَانَتْ شَهَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا قَائِمَةً عَلَى إقْرَارِهِ بِمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَلَّلَ بِقَوْلِهِ لِإِنْفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْهُ الْأَلْفُ وَقَدْ جَحَدَ فَصَارَ ضَامِنًا (قَوْلُهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ هِبَةٌ) الَّذِي فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ وَهَبَهُ (قَوْلُهُ: جَازَ) لِأَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ وَالتَّصَدُّقِ بِهِ عَلَيْهِ، وَتَحْلِيلُهُ مِنْهُ إبْرَاءٌ لَهُ ط بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْهِبَةِ وَالْآخَرُ عَلَى صَدَقَةٍ لَا تُقْبَلُ بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: ادَّعَى الْهِبَةَ) أَيْ أَنَّ الدَّائِنَ وَهَبَهُ الدَّيْنَ وَالْوَجْهُ فِيهَا مَا ذُكِرَ فِي سَابِقَتِهَا ط (قَوْلُهُ: وَثَبَتَ الْإِبْرَاءُ) لِأَنَّهُ أَقَلُّهُمَا فَلَا يَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 476 الثَّالِثَةَ عَشَرَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ الْعَبْدَ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ أُودِعَ مِنْهُ هَذَا الْعَبْدُ تُقْبَلُ [الرَّابِعَةَ عَشَرَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُ مِنْهُ وَالْآخَرُ أَنَّ فُلَانًا أُودِعَ مِنْهُ هَذَا الْعَبْدُ يُقْضَى لِلْمُدَّعِي [الْخَامِسَةَ عَشَرَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ وَالْآخَرُ أَنَّهَا حَبِلَتْ مِنْهُ تُقْبَلُ [السَّادِسَةَ عَشَرَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الدَّارَ لَهُ وَقَالَ الْآخَرُ إنَّهُ سَكَنَ فِيهَا تُقْبَلُ. [السَّابِعَةَ عَشَرَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الدَّارَ لَهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ سَكَنَ فِيهَا تُقْبَلُ [الثَّامِنَةَ عَشَرَ] أَنْكَرَ إذْنَ عَبْدِهِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى إذْنِهِ فِي الثِّيَابِ وَالْآخَرُ فِي الطَّعَامِ يُقْبَلُ [التَّاسِعَةَ عَشَرَ] اخْتَلَفَ شَاهِدُ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ فِي كَوْنِهِ أَقَرَّ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ، بِخِلَافِهِ فِي الطَّلَاقِ [الْعِشْرُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَالْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ إزادى تُقْبَلُ. [الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ] قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كَلَّمَتْهُ غَدْوَةً وَالْآخَرُ عَشِيَّةً طَلُقَتْ [الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ] إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: طَلَّقَهَا الْيَوْمَ وَالْآخَرُ أَنَّهَا طَلَّقَهَا أَمْسِ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ [الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَلْبَتَّةَ وَالْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ أَلْبَتَّةَ يُقْضَى بِطَلْقَتَيْنِ وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ -   [رد المحتار] الْأَصِيلِ بَزَّازِيَّةٌ: أَيْ لِأَنَّ إبْرَاءَ الطَّالِبِ لِلْكَفِيلِ لَا يُوجِبُ رُجُوعَ الْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ، بِخِلَافِ هِبَةِ الطَّالِبِ الْكَفِيلِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ) صُورَتُهَا: ادَّعَى رَجُلٌ عَبْدًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَنْكَرَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي بِمَا ذَكَرَ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي الصُّورَةِ الْآتِيَةِ ط. وَوَجْهُ الْقَبُولِ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْأَخْذِ، لَكِنْ بِحُكْمِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْأَخْذِ مُفْرَدًا بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ: الْخَامِسَةَ عَشَرَ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ صُورَتَهَا فِيهَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى الْحَبَلِ فَإِنَّ الْوِلَادَةَ يَلْزَمُهَا الْحَبَلُ، فَقَدْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ تَصْوِيرُهَا بِالتَّعْلِيقِ عَلَى الْحَبَلِ فَإِنَّ الْحُبْلَى قَدْ لَا تَلِدُ لِمَوْتِهَا أَوْ مَوْتِ الْوَلَدِ فِي بَطْنِهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: السَّادِسَةَ عَشَرَ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الدَّارَ لَهُ) هَذِهِ الصُّورَةُ ذُكِرَتْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَرَّتَيْنِ السَّادِسَةَ عَشَرَ وَالسَّابِعَةَ عَشَرَ فَالْمُنَاسِبُ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْبَحْرِ: السَّادِسَةَ عَشَرَ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى تُقْبَلُ وَلَكِنَّهَا مُتَّحِدَةٌ مَعَ الْخَامِسَةَ عَشَرَ فِي التَّصْوِيرِ، وَلِذَا عَطَفَهَا عَلَيْهَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِأَوْ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَ بَدَلَهَا مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْأَقْضِيَةِ: شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَ مِنْ فُلَانٍ كَذَا وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهُ تُقْبَلُ اهـ. (قَوْلُهُ إنَّهُ أَقَرَّ) أَيْ إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَرَّ أَنَّ الدَّارَ لَهُ: أَيْ لِلْمُدَّعِي (قَوْلُهُ: وَالْآخَرُ أَنَّهُ سَكَنَ فِيهَا) أَيْ إنَّ الْمُدَّعِيَ سَكَنَ فِيهَا فَهِيَ شَهَادَةٌ بِثُبُوتِ يَدِ الْمُدَّعِي عَلَيْهَا وَالْأَصْلُ فِي الْيَدِ الْمِلْكُ فَقَدْ وَافَقَتْ الْأُولَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْآخَرُ فِي الطَّعَامِ يُقْبَلُ) لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي نَوْعٍ يَعُمُّ الْأَنْوَاعَ كُلَّهَا لِأَنَّهُ لَا يَتَخَصَّصُ بِنَوْعٍ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْمَأْذُونِ ط (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ فِي الطَّلَاقِ) قَالَ: فِي الْأَشْبَاهِ: وَالْأَصَحُّ الْقَبُولُ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: إزادى) كَلِمَةٌ فَارِسِيَّةٌ بِمَعْنَى حُرٍّ قَالَ: ط: وَفِي نُسَخٍ زِيَادَةُ لَامٍ بَيْنَ الدَّالِ وَالْيَاءِ. (قَوْلُهُ: طَلُقَتْ) لِأَنَّ الْكَلَامَ يَتَكَرَّرُ فَيُمْكِنُ أَنَّهَا كَلَّمَتْهُ فِي الْوَقْتَيْنِ (قَوْلُهُ: وَالْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهُمَا أَمْسِ) أَيْ فِي النَّوْمِ الَّذِي قَبْلَ يَوْمِ الشَّهَادَةِ لَا قَبْلَ يَوْمِ التَّعْلِيقِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ طَلَاقٌ مُسْتَقْبَلٌ (قَوْلُهُ يُقْضَى بِطَلْقَتَيْنِ وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ) لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ أَلْبَتَّةَ فِي ثَلَاثٍ بَحْرٌ عَنْ الْعُيُونِ لِأَبِي اللَّيْثِ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الثَّلَاثَ طَلَاقٌ بَائِنٌ، فَقَوْلُهُ أَلْبَتَّةَ لَغْوٌ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ وَانْفَرَدَ بِذِكْرِهِ الشَّاهِدُ الثَّانِي فَصَارَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ فِي مُجَرَّدِ الْعَدَدِ، وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الثِّنْتَيْنِ فَيُقْضَى بِهِمَا وَتَلْغُو الثَّالِثَةُ لِانْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِهَا، كَمَا لَغَا لَفْظُ أَلْبَتَّةَ لِذَلِكَ، فَلِذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَافْهَمْ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَبُولَ الشَّهَادَةِ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، لِأَنَّهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَزَاهُ إلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 477 الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَعْتَقَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْآخَرُ بِالْفَارِسِيَّةِ تُقْبَلُ [الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ] اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْمَهْرِ يُقْضَى بِالْأَقَلِّ [السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِخُصُومَةٍ مَعَ فُلَانٍ فِي دَارٍ سَمَّاهُ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِخُصُومَةٍ وَفِيهِ وَفِي شَيْءٍ آخَرَ تُقْبَلُ فِي دَارٍ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ [السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَقَفَهُ فِي صِحَّتِهِ وَالْآخَرُ بِأَنَّهُ وَقَفَهُ فِي مَرَضِهِ قُبِلَا. [الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ] لَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ أَوْصَى إلَيْهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَآخَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ جَازَتْ [التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ] ادَّعَى مَالًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ أَحَالَ غَرِيمَهُ بِهَذَا الْمَالِ تُقْبَلُ [الثَّلَاثُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ كَذَا إلَى شَهْرٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِالْبَيْعِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَجَلَ تُقْبَلُ -   [رد المحتار] وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ أَصْلًا، لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْكَافِي: شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ عَلَى أَلْفٍ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفَيْنِ، وَعَلَى هَذَا الْمِائَةُ وَالْمِائَتَانِ وَالطَّلْقَةُ وَالطَّلْقَتَانِ وَالطَّلْقَةُ وَالثَّلَاثُ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ وَرَقَةٍ مُسْتَدْرِكًا عَلَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ مَا فِي الْكَافِي هُوَ الْمَذْهَبُ. (قَوْلُهُ: شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَعْتَقَ بِالْعَرَبِيَّةِ إلَخْ) هَذَا لَفْظُ الشَّاهِدِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: أَنْتَ أزاد فَلَا تَكُونُ مُكَرَّرَةً مَعَ الْعِشْرِينَ ط تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْمَهْرِ يُقْضَى بِالْأَقَلِّ) كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ شَهِدَ بِبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ عَلَى مَالٍ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْبَدَلِ لَا تُقْبَلُ فِي النِّكَاحِ تُقْبَلُ وَيَرْجِعُ فِي الْمَهْرِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ. وَقَالَا: لَا تُقْبَلُ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا. اهـ. بَحْرٌ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الزَّوْجُ النِّكَاحَ مِنْ أَصْلِهِ وَكَذَا الْبَيْعَ وَنَحْوَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِيمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى النِّكَاحِ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَهْرِ وَوَجَّهَ عَدَمَ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوَ أَنَّ الْعَقْدَ بِأَلْفٍ مَثَلًا غَيْرُ الْعَقْدِ بِأَلْفَيْنِ وَكَذَا النِّكَاحُ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَعَلَى قَوْلِهِ بِاسْتِثْنَاءِ النِّكَاحِ أَنَّ الْمَالَ فِيهِ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَلِذَا صَحَّ بِدُونِ ذِكْرِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَارِّ آنِفًا عَنْ الْكَافِي (قَوْلُهُ: تُقْبَلُ فِي دَارٍ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ) أَيْ فِيمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّاهِدَانِ مِنْ الْخُصُومَةِ فِي دَارِ كَذَا دُونَ مَا زَادَهُ الْآخَرُ. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: إذْ الْوَكَالَةُ تَقْبَلُ التَّخْصِيصَ، وَفِيمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ لَا فِيمَا تَفَرَّدَ بِهِ أَحَدُهُمَا، فَلَوْ ادَّعَى وَكَالَةً مُعَيَّنَةً فَشَهِدَ بِهَا وَالْآخَرُ بِوَكَالَةٍ عَامَّةٍ يَنْبَغِي أَنْ تَثْبُتَ الْمُعَيَّنَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: قُبِلَا) إذْ شَهِدَا بِوَقْفٍ بَاتَ لَا أَنَّ حُكْمَ الْمَرَضِ يُنْتَقَضُ فِيمَا لَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، وَبِهَذَا لَا تَمْتَنِعُ الشَّهَادَةُ بَحْرٌ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، قَالَ فِي الْإِسْعَافِ، ثُمَّ إنْ خَرَجَتْ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ كَانَتْ كُلُّهَا وَقْفًا وَإِلَّا فَبِحِسَابِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَحَدُهُمَا وَقَفَهَا فِي صِحَّتِهِ وَقَالَ الْآخَرُ: جَعَلَهَا وَقْفًا بَعْدَ وَفَاتِهِ لَمْ تُقْبَلْ وَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الثَّانِيَ شَهِدَ بِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ادَّعَى مَالًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ أَحَالَ غَرِيمَهُ بِهَذَا الْمَالِ) سَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَهُوَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْ غَرِيمِهِ بِهَذَا الْمَالِ تُقْبَلُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَقَلَهَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ لَكِنَّ عِبَارَةَ الْقُنْيَةِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ احْتَالَ عَنْ غَرِيمِهِ بِهَذَا الْمَالِ إلَخْ. قَالَ ط: اعْلَمْ أَنَّ الْغَرِيمَ يُطْلَقُ عَلَى الدَّائِنِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ وَعَلَى الْمَدْيُونِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالثَّانِي وَصُورَتُهُ: ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍو مَالًا فَأَقَامَ زَيْدٌ شَاهِدَيْنِ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ عَمْرًا مُحَالٌ عَلَيْهِ يَعْنِي أَنَّ دَائِنَهُ أَحَالَ زَيْدًا عَلَيْهِ بِمَالِهِ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَشَهِدَ الثَّانِي أَنَّ عَمْرًا كَفَلَ عَنْ مَدْيُونِ زَيْدٍ بِهَذَا الْمَالِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَالَ عَلَى عَمْرٍو غَيْرَ أَنَّ أَحَدَ الشَّاهِدَيْنِ شَهِدَ أَنَّ الْمَالَ لَزِمَهُ بِطَرِيقِ الْإِحَالَةِ عَلَيْهِ وَالْآخَرَ شَهِدَ أَنَّ الْمَالَ لَزِمَهُ بِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَسَتَأْتِي هَذِهِ الصُّورَةُ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ صَالِحٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: يُقْضَى بِالْكَفَالَةِ لِأَنَّهَا الْأَقَلُّ اهـ لَكِنَّ هَذَا التَّصْوِيرَ لَا يُوَافِقُ عِبَارَةَ الشَّارِحِ، وَالْمُوَافِقُ لَهَا مَا لَوْ كَانَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 478 الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ يُقْبَلُ فِيهِمَا. [الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ] شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ فِي هَذِهِ الدَّارِ عِنْدَ قَاضِي الْكُوفَةِ وَآخَرُ عِنْدَ قَاضِي الْبَصْرَةِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا [الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْقَبْضِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ جَرَّاهُ تُقْبَلُ [الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِقَبْضٍ وَالْآخَرُ أَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ تُقْبَلُ [الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَوْصَى إلَيْهِ بِقَبْضِهِ فِي حَيَاتِهِ تُقْبَلُ [السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِطَلَبِ دَيْنِهِ وَالْآخَرُ: بِتَقَاضِيهِ تُقْبَلُ [السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ وَالْآخَرُ بِطَلَبِهِ تُقْبَلُ [الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَخْذِهِ أَوْ أَرْسَلَهُ لِيَأْخُذَهُ تُقْبَلُ [التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ] اخْتَلَفَا فِي زَمَنِ إقْرَارِهِ فِي الْوَقْفِ تُقْبَلُ [الْأَرْبَعُونَ] اخْتَلَفَا فِي مَكَانِ إقْرَارِهِ بِهِ تُقْبَلُ [الْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ] اخْتَلَفَا فِي وَقْفِهِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ تُقْبَلُ [الثَّانِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ] شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِوَقْفِهِ عَلَى زَيْدٍ وَالْآخَرُ بِوَقْفِهِ عَلَى عَمْرٍو تُقْبَلُ وَتَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ انْتَهَى. .   [رد المحتار] أَلْفٌ مَثَلًا فَأَحَالَ عَمْرٌو زَيْدًا بِالْأَلْفِ عَلَى بَكْرٍ وَدَفَعَهَا بَكْرٌ ثُمَّ ادَّعَى بِهَا بَكْرٌ عَلَى عَمْرٍو فَشَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِمَا ذَكَرَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّ بَكْرًا كَفَلَ عَمْرًا بِإِذْنِهِ وَأَنَّهُ دَفَعَ الْأَلْفَ لِزَيْدٍ وَعَلَى هَذَا فَغَرِيمُهُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ بِالرَّفْعِ فَاعِلٌ أَحَالَ، وَالْمُرَادُ بِهِ عَمْرٌو الْمَدْيُونُ لِأَنَّهُ الْمُحِيلُ لِزَيْدٍ عَلَى بَكْرٍ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْقُنْيَةِ إنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ احْتَالَ عَنْ غَرِيمِهِ أَيْ إنَّ بَكْرًا قَبِلَ الْحَوَالَةَ عَنْ غَرِيمِهِ عَمْرٍو (قَوْلُهُ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ) أَيْ وَالْآخَرُ بِلَا شَرْطٍ كَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ: يُقْبَلُ فِيهِمَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا لَكِنْ فِي الَّتِي قَبْلَهَا صَرَّحَ بِقَوْلِهِ تُقْبَلُ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ فِيهِمَا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْأَجَلُ وَالشَّرْطُ. (قَوْلُهُ: جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا) أَيْ عَلَى أَصْلِ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ (قَوْلُهُ: وَالْآخَرُ أَنَّهُ جَرَّاهُ) فِي بَابِ الْأَلِفِ الْمَقْصُورَةِ مِنْ الصِّحَاحِ: الْجَرِيُّ الْوَكِيلُ وَالرَّسُولُ. اهـ. وَعَلَّلَ الْقَبُولَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْجِرَايَةَ وَالْوَكَالَةَ سَوَاءٌ، وَالْجَرِيَّ وَالْوَكِيلَ سَوَاءٌ، فَقَدْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ فِي الْمَعْنَى وَاخْتَلَفَا فِي اللَّفْظِ وَأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ (قَوْلُهُ: وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَوْصَى إلَيْهِ بِقَبْضِهِ فِي حَيَاتِهِ تُقْبَلُ) لِأَنَّ الْوِصَايَةَ فِي الْحَيَاةِ وَكَالَةٌ كَمَا أَنَّ الْوَكَالَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ وِصَايَةٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَالْمُرَادُ بِالْوَصَايَا هُنَا الْوَكَالَةُ حَقِيقَةً لِتَقْيِيدِهَا بِقَوْلِهِ فِي حَيَاتِهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ إلَخْ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان أَوْ إنْشَاءٍ وَإِقْرَارٍ بِأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى إنْشَاءٍ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارٍ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي فِعْلٍ حَقِيقَةً وَحُكْمًا يَعْنِي فِي تَصَرُّفٍ فِعْلِيٍّ كَجِنَايَةٍ وَغَصْبٍ أَوْ فِي قَوْلٍ مُلْحَقٍ بِالْفِعْلِ كَنِكَاحٍ لِتَضَمُّنِهِ فِعْلًا وَهُوَ إحْضَارُ الشُّهُودِ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي قَوْلٍ مَحْضٍ كَبَيْعٍ وَطَلَاقٍ وَإِقْرَارٍ وَإِبْرَاءٍ وَتَحْرِيرٍ أَوْ فِي فِعْلٍ مُلْحَقٍ بِالْقَوْلِ وَهُوَ الْفَرْضُ لَا يَمْنَعُ الْقَبُولَ وَإِنْ كَانَ الْقَرْضُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْفِعْلِ وَهُوَ التَّسْلِيمُ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى قَوْلِ الْمُقْرِضِ أُقْرِضْتُك فَصَارَ كَطَلَاقٍ وَتَحْرِيرٍ وَبَيْعٍ. اهـ. قُلْت: وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَوْلَ إذَا تَكَرَّرَ فَمُدَاوِلُهُ وَاحِدٌ فَلَمْ يَخْتَلِفْ بِخِلَافِ الْفِعْلِ، وَإِطْلَاقُ الْإِقْرَارِ يُفِيدُ أَنَّ الْوَقْفَ غَيْرُ قَيْدٍ (قَوْلُهُ: الْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) مُكَرَّرَةٌ مَعَ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ ح (قَوْلُهُ تَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ) لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 479 قُلْت: وَزِدْت بِفَضْلِ اللَّهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَسَائِلَ: مِنْهَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي تَارِيخِ الرَّهْنِ، بِأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ رَهَنَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ رَهَنَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تُسْمَعُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ جَوَاهِرُ الْفَتَاوَى. وَمِنْهَا لَوْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْإِقْرَارِ مِنْ وَاحِدٍ بِمَالٍ وَاخْتَلَفَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا: كُنَّا جَمِيعًا فِي مَكَانِ كَذَا، وَقَالَ الْآخَرُ: كُنَّا فِي مَكَانِ كَذَا تُقْبَلُ. وَمِنْهَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا: كَانَ ذَلِكَ بِالْغَدَاةِ وَقَالَ الْآخَرُ: كَانَ ذَلِكَ بِالْعَشِيِّ تُقْبَلُ وَهُمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. . وَمِنْهَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَأَحَدُهُمَا يَقُولُ: إنَّهُ عَيَّنَ مَنْكُوحَتَهُ بِنْتَ فُلَانٍ وَالْآخَرُ يَقُولُ: مَا عَيَّنَهَا إنِّي أَعْلَمُ وَأَشْهَدُ أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي كَانَتْ لَهُ سِوَى ابْنَةِ فُلَانٍ قَدْ طَلَّقَهَا وَأَخْرَجَهَا مِنْ دَارِهِ قَبْلَ هَذَا التَّطْلِيقِ. قَالَ فَخْرُ الدِّينِ: إذَا شَهِدَا عَلَى الطَّلَاقِ إلَّا أَنَّهُ عَيَّنَ أَحَدُهُمَا الْمَرْأَةَ وَذَكَرَهَا بِاسْمِهَا وَلَمْ يُعَيِّنْ الْآخَرُ الَّتِي هِيَ فِي نِكَاحِهِ وَلَيْسَ فِي نِكَاحِهِ غَيْرُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تَصِحُّ الشَّهَادَةُ وَهِيَ فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى. وَمِنْهَا ادَّعَى مِلْكَ دَارِهِ فَشَهِدَ لَهُ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَهُ أَوْ قَالَ مِلْكُهُ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَهُ تُقْبَلُ مُنْيَةُ الْمُفْتِي. وَمِنْهَا ادَّعَى أَلْفَيْنِ أَوْ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ قُضِيَ لَهُ بِالْأَلْفِ إجْمَاعًا مُنْيَةٌ. وَمِنْهَا لَوْ شَهِدَ أَنَّ لَهُ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَدْ قَضَاهُ الْمَطْلُوبَ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ وَالطَّالِبُ يُنْكِرُ ذَلِكَ، فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا عَلَى الْأَلْفِ مَقْبُولَةٌ وَلْوَالِجِيَّةٌ. وَمِنْهَا ادَّعَى جَارِيَةً فِي يَدِ رَجُلٍ وَجَاءَ بِشَاهِدَيْنِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا جَارِيَتُهُ غَصَبَهَا مِنْهُ هَذَا وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهَا جَارِيَتُهُ   [رد المحتار] عَلَى الْوَقْفِ وَهُوَ صَدَقَةٌ. (قَوْلُهُ: قُلْت) مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ صَالِحٍ وَمَا قَبْلَهُ وَمِنْ الشَّرْحِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبَحْرُ (قَوْلُهُ: مِنْهَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي تَارِيخِ الرَّهْنِ) فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الشَّهَادَةُ بِعَقْدٍ تَمَامُهُ بِالْفِعْلِ كَرَهْنٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ يُبْطِلُهَا الِاخْتِلَافُ فِي زَمَانٍ وَمَكَانٍ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ. اهـ. وَنَقَلَ الْخِلَافَ هُنَا عَلَى الْعَكْسِ كَمَا تَرَى ثُمَّ قَالَ: فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ شَهِدَا بِرَهْنٍ وَاخْتَلَفَا فِي زَمَانِهِ أَوْ مَكَانِهِ وَهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَبْضِ تُقْبَلُ شِرَاءً وَهِبَةً وَصَدَقَةً لِأَنَّ الْقَبْضَ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مَرَّةٍ اهـ فَعُلِمَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى مُجَرَّدِ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا لَوْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْإِقْرَارِ إلَخْ) هَذِهِ مِنْ اخْتِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ فِي الْمَكَانِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا فِي الزَّمَانِ، وَهُمَا مُكَرَّرَتَانِ مَعَ التَّاسِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ كَانَتَا فِي الْإِقْرَارِ بِالْوَقْفِ وَهَاتَانِ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ، فَإِنَّ كُلَّ إقْرَارٍ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: إنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي كَانَتْ لَهُ إلَخْ) بِهَذَا تَعَيَّنَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الْآنَ هِيَ بِنْتُ فُلَانٍ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحِهِ غَيْرُهَا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: قُبِلَ هَذَا التَّطْلِيقُ) أَيْ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّعْيِينِ مِنْ أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ ط (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا ادَّعَى مِلْكَ دَارِهِ) الْأُولَى دَارٌ بِلَا ضَمِيرٍ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ مَعَ الثَّامِنَةِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا ادَّعَى أَلْفَيْنِ إلَخْ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَلْفًا وَالصَّوَابُ إسْقَاطُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَالِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ: أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ قَالَ فِي الْكَنْزِ: فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْأَلْفِ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ، وَإِنْ شَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي ذَلِكَ. قُبِلَتْ عَلَى أَلْفٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْأَلْفِ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَقَدْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ بِالْعَطْفِ وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَلِفِ وَالْأَلِفَيْنِ لِأَنَّ لَفْظَ الْأَلِفِ غَيْرُ لَفْظِ الْأَلِفَيْنِ وَلَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا إلَخْ) أَيْ زَادَ فِي شَهَادَتِهِ أَنَّهُ قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 480 وَلَمْ يَقُلْ غَصَبَهَا مِنْهُ قُبِلَتْ مَجْمَعُ الْفَتَاوَى. وَمِنْهَا شَهِدَا بِسَرِقَةِ بَقَرَةٍ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا تُقْبَلُ عِنْدَهُ، خِلَافًا لَهُمَا جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. . وَمِنْهَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِكَفَالَةٍ وَالْآخَرُ بِحَوَالَةٍ تُقْبَلُ فِي الْكَفَالَةِ لِأَنَّهَا أَقَلُّ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. . وَمِنْهَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِهَا وَحْدَهَا وَالْآخَرُ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِهَا وَطَلَاقِ فُلَانَةَ الْأُخْرَى فَهُوَ وَكِيلٌ فِي طَلَاقِ الَّتِي اتَّفَقَا عَلَيْهَا وَهِيَ فِيهِ أَيْضًا. وَمِنْهَا شَهِدَا بِوَكَالَةٍ وَزَادَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَزَلَهُ تُقْبَلُ فِي الْوَكَالَةِ لَا فِي الْعَزْلِ وَهِيَ مِنْهُ أَيْضًا. . وَمِنْهَا ادَّعَتْ أَرْضًا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا مِلْكُهَا عَنْ الدِّسْتِيمَانِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهَا تَمْلِكُهَا لِأَنَّ زَوْجَهَا أَقَرَّ أَنَّهَا مِلْكُهَا تُقْبَلُ، لِأَنَّ كُلَّ بَائِعٍ مُقِرٌّ بِالْمِلْكِ لِمُشْتَرِيهِ فَكَأَنَّهُمَا شَهِدَا أَنَّهُ مِلْكُهَا، وَقِيلَ: تُرَدُّ لِأَنَّهُ لَمَّا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ دَفَعَهَا عِوَضًا وَشَهِدَ بِالْعَقْدِ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِإِقْرَارِهِ بِالْمِلْكِ فَاخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ. أَمَّا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ زَوْجَهَا دَفَعَهَا عِوَضًا وَالْآخَرُ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ دَفَعَهَا عِوَضًا تُقْبَلُ لِاتِّفَاقِهِمَا، كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْبَيْعِ وَالْآخَرُ بِإِقْرَارِهِ بِهِ، وَهِيَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ صَالِحِ بْنِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْغَزِّيِّ. .   [رد المحتار] لَمْ تُقْبَلْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مَا لَمْ يَشْهَدْ مَعَهُ بِهَا آخَرُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَكْذِيبًا لِشَاهِدِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَذِّبْهُ فِيمَا شَهِدَ لَهُ بَلْ فِيمَا شَهِدَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لَهُمَا) اسْتَظْهَرَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ قَوْلَهُمَا، وَهَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُدَّعِي لَوْنَهَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ط. (قَوْلُهُ: شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِكَفَالَةٍ) مُكَرَّرَةٌ مَعَ التَّاسِعَةِ وَالْعِشْرِينَ ط (قَوْلُهُ: تُقْبَلُ فِي الْحَوَالَةِ لِأَنَّهَا أَقَلُّ) وَهَذَانِ اللَّفْظَانِ جُعِلَا كَلَفْظَةٍ وَاحِدَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَفَالَةَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةٌ، وَالْحَوَالَةَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ كَفَالَةٌ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. قُلْت: وَوَجْهُ كَوْنِ الْكَفَالَةِ أَقَلَّ أَنَّهَا ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ فَلَا يَثْبُتُ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ، بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَتَثْبُتُ مُطَالَبَتُهُ أَيْضًا فَقَدْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى ثُبُوتِ الْمُطَالَبَةِ وَاخْتَلَفَا فِي ثُبُوتِ الدَّيْنِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِهَا إلَخْ) مُكَرَّرَةٌ مَعَ السَّادِسَةِ وَالْعِشْرِينَ وَلِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ فِيمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ لَا فِيمَا اخْتَلَفَا فِيهِ لِقَبُولِ الْوَكَالَةِ التَّخْصِيصَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَهِيَ فِيهِ) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ: تُقْبَلُ فِي الْوَكَالَةِ لَا فِي الْعَزْلِ) فَهِيَ نَظِيرُ مَا لَوْ شَهِدَا بِأَلْفٍ وَزَادَ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَطْلُوبَ قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ وَالطَّالِبُ يُنْكِرُ. (قَوْلُهُ: عِوَضًا عَنْ الدِّسْتِيمَانِ) بِالدَّالِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَفِي أَكْثَرِ النُّسَخِ الِاسْتِيمَانُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ قَبْلَ السِّينِ. وَاَلَّذِي فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا يَدْفَعُهُ الزَّوْجُ لِلْمَرْأَةِ لِأَجْلِ الْجِهَازِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْمَهْرِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ بَائِعٍ إلَخْ) أَيْ وَالزَّوْجُ هُنَا بَاعَهَا الدَّارَ بِالدَّسْتِيمَانِ ط (قَوْلُهُ: وَشَهِدَ بِالْعَقْدِ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ الْوَاوِ كَمَا رَأَيْته مُصَلَّحًا فِي نُسْخَةِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، فَيَكُونُ جَوَابًا لِمَا، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ جَعْلِ جَوَابِهَا قَوْلَهُ فَاخْتُلِفَ لِأَنَّ اقْتِرَانَ جَوَابِهَا بِالْفَاءِ قَلِيلٌ (قَوْلُهُ: تُقْبَلُ لِاتِّفَاقِهِمَا) أَيْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَهِدَ عَلَى الْقَوْلِ، لِأَنَّ قَوْلَ أَحَدِهِمَا دَفَعَهَا عِوَضًا بِمَعْنَى بَاعَهَا وَالْآخَرُ شَهِدَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ وَالْإِقْرَارُ بِالْبَيْعِ يَصْلُحُ لِإِنْشَائِهِ وَبِالْعَكْسِ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: ادَّعَى شِرَاءً وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ تُقْبَلُ لِأَنَّ لَفْظَ الشِّرَاءِ يَصْلُحُ لِلْإِقْرَارِ وَلِلِابْتِدَاءِ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ لَا تُقْبَلُ اهـ أَيْ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا شَهِدَ بِفِعْلٍ وَالْآخَرُ بِقَوْلٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 481 فِي الْأَشْبَاهِ: السُّكُوتُ كَالنُّطْقِ فِي مَسَائِلَ] عَدَّ مِنْهَا سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ. -   [رد المحتار] مَطْلَبٌ الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا السُّكُوتُ كَالْقَوْلِ (قَوْلُهُ: عَدَّ مِنْهَا سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ) سُكُوتُ الْبِكْرِ عِنْدَ اسْتِئْمَارِ وَلِيِّهَا قَبْلَ التَّزْوِيجِ سُكُوتُهَا عِنْدَ قَبْضِ مَهْرِهَا سُكُوتُهَا إذَا بَلَغَتْ بِكْرًا فَلَا خِيَارَ لَهَا بَعْدَهُ حَلَفَتْ أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا فَسَكَتَتْ حَنِثَتْ سُكُوتُ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ قَبُولٌ لَا الْمَوْهُوبِ لَهُ سُكُوتُ الْمَالِكِ عِنْدَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ إذْنٌ سُكُوتُ الْوَكِيلِ قَبُولٌ، وَيَرْتَدُّ بِرَدِّهِ سُكُوتُ الْمُقَرِّ لَهُ قَبُولٌ وَيَرْتَدُّ بِرَدِّهِ سُكُوتُ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ الْقَضَاءُ أَوْ الْوِلَايَةُ قَبُولٌ وَلَهُ رَدُّهُ سُكُوتُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ قَبُولٌ وَيَرْتَدُّ بِرَدِّهِ. وَقِيلَ: لَا سُكُوتُ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي بَيْعِ التَّلْجِئَةِ حِينَ قَالَ صَاحِبُهُ: قَدْ بَدَا لِي أَنْ أَجْعَلَهُ بَيْعًا صَحِيحًا وَالتَّلْجِئَةُ أَنْ يَتَوَاضَعَا عَلَى إظْهَارِ الْبَيْعِ عِنْدَ النَّاسِ لَكِنْ بِلَا قَصْدِهِ سُكُوتُ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ حِينَ قُسِمَ مَالُهُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ رِضًا سُكُوتُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ حِينَ رَأَى الْعَبْدَ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي يُسْقِطُ الْخِيَارَ بِخِلَافِ سُكُوتِ الْبَائِعِ بِالْخِيَارِ سُكُوتُ الْبَائِعِ الَّذِي لَهُ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ حِينَ رَأَى الْمُشْتَرِيَ قَبَضَ الْمَبِيعَ إذْنٌ بِقَبْضِهِ صَحِيحًا كَانَ الْبَيْعُ أَوْ فَاسِدًا سُكُوتُ الشَّفِيعِ حِينَ عَلِمَ بِالْبَيْعِ سُكُوتُ الْمَوْلَى حِينَ رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي إذْنٌ فِي التِّجَارَةِ: أَيْ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ لَا فِيهِ لَوْ حَلَفَ الْمَوْلَى لَا يَأْذَنُ لَهُ فَسَكَتَ حَنِثَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ سُكُوتُ الْقِنِّ وَانْقِيَادُهُ عِنْدَ بَيْعِهِ أَوْ رَهْنِهِ أَوْ دَفْعِهِ بِجِنَايَةٍ إقْرَارٌ بِرِقِّهِ إنْ كَانَ يَعْقِلُ، بِخِلَافِ سُكُوتِهِ عِنْدَ إجَارَتِهِ أَوْ عَرْضِهِ لِلْبَيْعِ أَوْ تَزْوِيجِهِ أَيْ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَحْبُوسٌ بِالدَّيْنِ وَيُسْتَوْفَى مِنْهُ عِنْدَ الْهَلَاكِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ لَوْ حَلَفَ لَا يُنْزِلُ فُلَانًا فِي دَارِهِ وَهُوَ نَازِلٌ فِي دَارِهِ فَسَكَتَ حَنِثَ، لَا لَوْ قَالَ: اُخْرُجْ مِنْهَا فَأَبَى الْخُرُوجَ فَسَكَتَ أَيْ لِأَنَّ النُّزُولَ مِمَّا يَمْتَدُّ فَلِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ، بِخِلَافِ الْخُرُوجِ فَإِنَّهُ الِانْفِصَالُ مِنْ دَاخِلٍ إلَى خَارِجٍ سُكُوتُ الزَّوْجِ عِنْدَ وِلَادَةِ الْمَرْأَةِ وَتَهْنِئَتِهِ إقْرَارٌ بِهِ فَلَا يَمْلِكُ نَفْيَهُ سُكُوتُ الْمَوْلَى عِنْدَ وِلَادَةِ أُمِّ وَلَدِهِ إقْرَارٌ بِهِ أَيْ بِخِلَافِ سُكُوتِهِ عِنْدَ وِلَادَةِ قِنَّتِهِ السُّكُوتُ قَبْلَ الْبَيْعِ عِنْدَ الْإِخْبَارِ بِالْعَيْبِ رِضًا بِالْعَيْبِ إنْ كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا لَا لَوْ فَاسِقًا عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا رِضًا. وَلَوْ فَاسِقًا سُكُوتُ الْبِكْرِ عِنْدَ إخْبَارِهَا بِتَزْوِيجِ الْوَلِيِّ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ سُكُوتُهُ عِنْدَ بَيْعِ زَوْجَتِهِ أَوْ قَرِيبِهِ عَقَارًا إقْرَارٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ، عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ خِلَافًا لِمَشَايِخِ بُخَارَى فَلْيَنْظُرْ الْمُفْتِي أَيْ لِاخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ، لَكِنَّ الْمُتُونَ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَدْ مَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى آخِرَ الْكِتَابِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى، وَاحْتَرَزَ بِالْبَيْعِ عَنْ نَحْوِ الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ رَآهُ يَبِيعُ عَرَضًا أَوْ دَارًا فَتَصَرَّفَ فِيهِ الْمُشْتَرِي زَمَانًا وَهُوَ سَاكِتٌ تَسْقُطُ دَعْوَاهُ أَيْ إنَّ الْأَجْنَبِيَّ كَالْجَارِ مَثَلًا لَا يُجْعَلُ سُكُوتُهُ مُسْقِطًا لِدَعْوَاهُ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبَيْعِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ سُكُوتِهِ أَيْضًا عِنْدَ رُؤْيَتِهِ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ زَرْعًا وَبِنَاءً، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ سُكُوتِهِ عِنْدَ الْبَيْعِ يَمْنَعُ دَعْوَاهُ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ قَالَ لِلْآخَرِ: إنِّي أَشْتَرِي هَذِهِ الْأَمَةَ لِنَفْسِي خَاصَّةً فَسَكَتَ الشَّرِيكُ لَا تَكُونُ لَهُمَا: أَيْ بَلْ لِلْمُشْتَرِي، أَمَّا فِي الْمُفَاوَضَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ سُكُوتُ الْمُوَكِّلِ حِينَ قَالَ لَهُ الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ مُعَيَّنٍ: أُرِيدُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِي فَشَرَاهُ كَانَ لَهُ سُكُوتُ وَلِيِّ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ إذَا رَآهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي إذْنٌ سُكُوتُهُ عِنْدَ رُؤْيَةِ غَيْرِهِ يَشُقُّ زِقَّهُ حَتَّى سَالَ مَا فِيهِ رِضًا لَكِنْ اُعْتُرِضَ بِمَا فِي الْأَشْبَاهِ أَيْضًا: لَوْ رَأَى غَيْرَهُ يُتْلِفُ مَالَهُ فَسَكَتَ لَا يَكُونُ إذْنًا بِإِتْلَافِهِ سُكُوتُ الْحَالِفِ لَا يَسْتَخْدِمُ مَمْلُوكَهُ إذَا خَدَمَهُ بِلَا أَمْرِهِ وَلَمْ يَنْهَهُ حِنْثٌ دَفَعَتْ فِي تَجْهِيزِهَا لِبِنْتِهَا أَشْيَاءَ مِنْ أَمْتِعَةِ الْأَبِ وَهُوَ سَاكِتٌ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ أَنْفَقَتْ الْأُمُّ فِي جِهَازِهَا مَا هُوَ مُعْتَادٌ فَسَكَتَ الْأَبُ لَمْ تَضْمَنْ الْأُمُّ بَاعَ جَارِيَةً وَعَلَيْهَا حُلِيٌّ وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي لَكِنْ تَسَلَّمَهَا وَذَهَبَ بِهَا وَالْبَائِعُ سَاكِتٌ كَانَ بِمَنْزِلَةِ التَّسْلِيمِ فَكَانَ الْحُلِيُّ لَهُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ وَهُوَ سَاكِتٌ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ نُطْقِهِ فِي الْأَصَحِّ سُكُوتُ الْمُدَّعَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 482 قُلْت: وَزَادَ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ مَسْأَلَتَيْنِ: [الْأُولَى] مَسْأَلَةُ السُّكُوتِ فِي الْإِجَارَةِ قَبُولٌ وَرِضًا وَكَقَوْلِهِ لِسَاكِنِ دَارِهِ اُسْكُنْ بِكَذَا وَإِلَّا فَانْتَقِلْ فَسَكَتَ لَزِمَهُ الْمُسَمَّى وَذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْإِجَارَةِ. [الثَّانِيَةُ] سُكُوتُ الْمُودَعِ قَبُولٌ دَلَالَةً. قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي بَحْرِهِ: سُكُوتُهُ عِنْدَ وَضْعِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنَّهُ قَبُولٌ دَلَالَةً. اهـ. [وَزَادَ عَلَيْهَا فِي زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ مَسَائِلَ] مِنْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ سُكُوتُهُ عِنْدَ بَيْعِ زَوْجَتِهِ، فَقَالَ: وَكَذَا سُكُوتُهَا عِنْدَ بَيْعِ زَوْجِهَا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ السَّمَاعِ الدَّعْوَى فِي الْقَرِيبِ وَالزَّوْجَةِ اهـ وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ أَنَّهَا تُسْمَعُ فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى. قُلْت: وَيُزَادُ مَا فِي مُتَفَرِّقَاتِ التَّنْوِيرِ مِنْ سُكُوتِ الْجَارِ عِنْدَ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فِيهِ زَرْعًا وَبِنَاءً وَعَزَيْنَاهُ لِلْبَزَّازِيِّ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ مَعْزِيًّا إلَيْهَا، فَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ الزَّوَاهِرِ كَيْفَ ذَكَرَ صَدْرَ كَلَامِ الْبَزَّازِيَّةُ وَتَرَكَ الْآخِرَ.   [رد المحتار] عَلَيْهِ وَلَا عُذْرَ بِهِ إنْكَارٌ. وَقِيلَ: لَا وَيُحْبَسُ: أَيْ قِيلَ: لَا يَكُونُ إنْكَارًا وَلَا إقْرَارًا فَيُحْبَسُ عِنْدَ الثَّانِي، كَمَا لَوْ قَالَ: لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ وَبِهِ أَفْتَى صَاحِبُ الْبَحْرِ سُكُوتُ الْمُزَكِّي عِنْدَ سُؤَالِهِ عَنْ الشَّاهِدِ تَعْدِيلٌ سُكُوتُ الرَّاهِنِ عِنْدَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ الْعَيْنَ الْمَرْهُونَةَ اهـ مُلَخَّصًا مَعَ زِيَادَاتٍ (قَوْلُهُ: وَزَادَ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ) أَيْ حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ لِلشَّرَفِ الْغَزِّيِّ (قَوْلُهُ: كَقَوْلِهِ لِسَاكِنِ دَارِهِ) أَيْ سَاكِنِهَا بِإِعَارَةٍ أَوْ غَصْبٍ مَثَلًا (قَوْلُهُ وَذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ) أَيْ مُؤَلِّفُ الْأَشْبَاهِ. (قَوْلُهُ: قَالَ الْمُؤَلِّفُ إلَخْ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ سُكُوتُ الْمُودَعِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ قَبُولٌ دَلَالَةً) أَيْ فَيَضْمَنُ بِالتَّعَدِّي (قَوْلُهُ: عِنْدَ قَوْلِهِ) أَيْ قَوْلِ صَاحِبِ الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ) أَيْ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى: إذَا بَاعَ عَقَارًا وَامْرَأَتُهُ أَوْ وَوَلَدُهُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ إلَى أَنْ قَالَ: بَعْدَ حِكَايَتِهِ اخْتِلَافَ الْفَتْوَى مَا نَصُّهُ: وَفِي الْفَتَاوَى: يَتَأَمَّلُ الْمُفْتِي فِي ذَلِكَ، فَإِنْ رَأْي الْمُدَّعِيَ السَّاكِتَ الْحَاضِرَ ذَا حِيلَةٍ أَفْتَى بِعَدَمِ السَّمَاعِ، لَكِنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَهْلِ الزَّمَانِ الْفَسَادُ فَلَا يُفْتَى إلَّا بِمَا اخْتَارَهُ أَئِمَّةُ خُوَارِزْمَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْقَرِيبِ وَالزَّوْجَةِ) عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ فِي حُضُورِهِمَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى) أَيْ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ بِأَنْ يَنْظُرَ فِي الْمُدَّعِي هَلْ هُوَ ذُو حِيلَةٍ أَوْ لَا، لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُتُونَ عَلَى عَدَمِ السَّمَاعِ؛ وَوَجْهُهُ مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ غَلَبَةِ الْفَسَادِ. قُلْت: لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ غَلَبَةِ الْفَسَادِ أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ يُعْلَمُ حَالُهُ بِالصَّلَاحِ وَعَدَمُ التَّزْوِيرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مِنْ سُكُوتِ الْجَارِ عِنْدَ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي) أَيْ وَعِنْدَ الْبَيْعِ، فَسُكُوتُهُ عِنْدَ الْبَيْعِ فَقَطْ لَا يَمْنَعُ دَعْوَاهُ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَيْسَ لِهَذَا مُدَّةٌ مَحْدُودَةٌ وَأَمَّا عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ مُضِيِّ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً إذَا تُرِكَتْ بِلَا عُذْرٍ فَذَاكَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ مَعَ أَنَّهُ مَنْعٌ سُلْطَانِيٌّ فَيَكُونُ الْقَاضِي مَعْزُولًا عَنْ سَمَاعِهَا، وَلَوْلَا ذَلِكَ الْمَنْعُ تُسْمَعُ مَا لَمْ يَمْضِ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ مِنْ عَدَمِ سَمَاعِهَا إذَا تُرِكَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ عُذْرٌ كَمَا أَوْضَحْته فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ، ثُمَّ إنَّ مَنْ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ لِمَانِعٍ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى وَارِثِهِ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ غَيْرُهَا (قَوْلُهُ: وَعَزَيْنَاهُ لِلْبَزَّازِيِّ) أَيْ عَزَا مَا فِي مُتَفَرِّقَاتِ التَّنْوِيرِ (قَوْلُهُ: فَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ الزَّوَاهِرِ إلَخْ) أَيْ الشَّيْخِ صَالِحِ ابْنِ صَاحِبِ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ ذَكَرَ أَوَّلًا الْمَسْأَلَةَ السَّابِقَةَ آنِفًا، ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ أَرَادَ الِاسْتِدْرَاكَ عَلَى الْأَشْبَاهِ بِزِيَادَةِ صُوَرٍ أُخْرَى فَنَقَلَ عَلَى الْبَزَّازِيَّةِ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى وَتَرَكَ هَذِهِ مَعَ أَنَّهَا مَذْكُورَةٌ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى أَوَّلِ الْعِبَارَةِ وَتَرَكَ آخِرَهَا. قُلْت: لَا عَجَبَ أَصْلًا، بَلْ إنَّمَا تَرَكَ هَذِهِ لِكَوْنِهَا مَذْكُورَةً فِي الْأَشْبَاهِ فَإِنَّهَا الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمَقْصُودُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 483 وَمِنْهَا لَوْ تَزَوَّجَتْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَسَكَتَ الْوَلِيُّ حَتَّى وَلَدَتْ كَانَ سُكُوتُهُ رِضًا زَيْلَعِيُّ. وَمِنْهَا مَا فِي الْمُحِيطِ: رَجُلٌ زَوَّجَ رَجُلًا بِغَيْرِ أَمَرَهُ فَهَنَّأَهُ الْقَوْمُ وَقَبِلَ التَّهْنِئَةَ فَهُوَ رِضًا لِأَنَّ قَبُولَ التَّهْنِئَةِ دَلِيلُ الْإِجَازَةِ. وَمِنْهَا أَنَّ الْوَكَالَةَ تَثْبُتُ بِالصَّرِيحِ، وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ. لَوْ قَالَ ابْنُ الْعَمِّ لِلْكَبِيرَةِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجَك مِنْ نَفْسِي فَسَكَتَتْ فَزَوَّجَهَا جَازَ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي بَحْرِهِ مِنْ بَحْثِ الْأَوْلِيَاءِ. وَمِنْهَا سُكُوتُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ فِي التَّعْدِيلِ كَمَا فِي شَهَادَاتِ الْبَحْرِ. قَالَ: وَيُكْتَفَى بِالسُّكُوتِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ فَيَكُونُ سُكُوتُهُ تَزْكِيَةً لِلشَّاهِدِ؛ لِمَا فِي الْمُلْتَقَطِ: وَكَانَ اللَّيْثُ بْنُ مُسَاوِرٍ قَاضِيًا فَاحْتَاجَ إلَى تَعْدِيلٍ وَكَانَ الْمُزَكِّي مَرِيضًا فَعَادَهُ الْقَاضِي وَسَأَلَهُ عَنْ الشَّاهِدِ فَسَكَتَ الْمُعَدَّلُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَسَكَتَ، فَقَالَ أَسْأَلُك وَلَا تُجِيبُنِي؟ فَقَالَ الْمُعَدَّلُ: أَمَا يَكْفِيك مِنْ مِثْلِي السُّكُوتُ. قُلْت: قَدْ عَدَّ هَذِهِ فِي الْأَشْبَاهِ مَعْزِيًّا لِشَهَادَاتِ شَرْحِهِ فَكَيْفَ تَكُونُ زَائِدَةً نَعَمْ زَادَ تَقْيِيدَهُ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ فَعَدَّهَا مِنْ الزَّوَائِدِ. وَمِنْهَا لَوْ أَنَّ الْعَبْدَ خَرَجَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَرَآهُ مَوْلَاهُ فَسَكَتَ حَلَّ لَهُ الْخُرُوجُ لَهَا، لِأَنَّ السُّكُوتَ بِمَنْزِلَةِ الرِّضَا كَمَا فِي جَمْعِهِ الْبَحْرُ. وَمِنْهَا مَا فِي الْقُنْيَةِ بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ بِعَلَامَةٍ (قَعْ عت) وَلَوْ زُفَّتْ إلَيْهِ بِلَا جِهَازٍ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِمَا بَعَثَ إلَيْهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ وَإِنْ كَانَ الْجِهَازُ قَلِيلًا فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِمَا يَلِيقُ بِالْمَبْعُوثِ فِي عُرْفِهِمْ (نج) يُفْتَى بِأَنَّهُ إذَا لَمْ تُجَهَّزْ بِمَا يَلِيقُ فَلَهُ اسْتِرْدَادُ مَا بَعَثَ -   [رد المحتار] الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَشْبَاهِ. (قَوْلُهُ: لَوْ تَزَوَّجَتْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ إلَخْ) هَذِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْمُفْتَى بِهَا فَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ ط (قَوْلُهُ: لِأَنَّ قَبُولَ التَّهْنِئَةِ دَلِيلُ الْإِجَازَةِ) أَيْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُكُوتَهُ وَقْتَ التَّزْوِيجِ كَانَ رِضًا وَإِجَازَةً، وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَبُولُ التَّهْنِئَةِ بِدُونِ قَوْلٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا أَنَّ الْوَكَالَةَ تَثْبُتُ بِالصَّرِيحِ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: تَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ كَمَا تَثْبُتُ بِالصَّرِيحِ. وَفِي نُسْخَةٍ: كَمَا تَثْبُتُ بِالصَّرِيحِ تَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ وَهِيَ أَوْضَحُ، وَالْمُرَادُ بِالْوَكَالَةِ التَّوْكِيلُ كَمَا يُفِيدُهُ التَّمْثِيلُ، وَإِلَّا فَقَدْ عُدَّ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ الْمَزِيدِ عَلَيْهَا وَهُوَ السَّابِعُ مِنْهَا سُكُوتُ الْوَكِيلِ قَبُولٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ التَّوَكُّلُ لَا التَّوْكِيلُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَكَيْفَ تَكُونُ إلَخْ) اخْتَلَفَتْ النُّسَخُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ فَاَلَّذِي فِي أَغْلَبِ النُّسَخِ: فَكَيْفَ يَكُونُ أَنَّ فِيهِ تَقْيِيدَهُ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ فَعَدَّهَا مِنْ الزَّوَائِدِ، وَفِي بَعْضِهَا لِكَوْنِ بِاللَّامِ وَنَعُدُّهَا بِالنُّونِ بَدَلَ الْفَاءِ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ لِكَوْنِ عِلَّةٌ لِقَوْلِ نَعُدُّهَا، وَالْمَعْنَى كَيْفَ نَعُدُّهَا مِنْ الزَّوَائِدِ لِأَجْلِ كَوْنِهِ قَيَّدَ الْمُزَكِّي بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ. وَحَاصِلُهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى صَاحِبِ زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ بِأَنَّ قَوْلَ الْأَشْبَاهِ سُكُوتُ الْمُزَكِّي عِنْدَ السُّؤَالِ عَنْ الشَّاهِدِ تَعْدِيلٌ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ فَلَا يَكُونُ بِزِيَادَةِ هَذَا الْقَيْدِ، زَادَ عَلَيْهِ مَسْأَلَةً أُخْرَى وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: فَكَيْفَ تَكُونُ مِنْ الزَّوَائِدِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: فِيهِ تَقْيِيدُهُ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ فَعَدَّهَا مِنْ الزَّوَائِدِ اهـ وَعَلَيْهِ فَهُوَ اعْتِذَارٌ لَا اعْتِرَاضٌ (قَوْلُهُ: بِعَلَامَةِ قَعْ عت) الْأَوَّلُ بِالْقَافِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ رَمْزٌ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَالثَّانِي بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّاءِ رَمْزٌ لِعَلَاءِ الدِّينِ التَّرْجُمَانِيِّ اهـ ح (قَوْلُهُ: مِنْ الدَّنَانِيرِ) أَيْ الَّتِي يَبْعَثُهَا الزَّوْجُ إلَى أَبِي الزَّوْجَةِ بِمُقَابَلَةِ الْجِهَازِ، وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ فِي عُرْفِهِمْ بِالدَّسْتِيمَانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَقَدَّمْنَا تَحْقِيقَهُ فِي بَابِ الْمَهْرِ وَاخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ وَالتَّوْفِيقِ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسَمَّى فِي الْمَهْرِ أَوْ كَانَ الْمُسَمَّى غَيْرَهُ، فَفِي الثَّانِي لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْجِهَازِ لَا فِي الْأَوَّلِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: نج) بِالنُّونِ وَالْجِيمِ كَمَا رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ مُصَحَّحَةٍ مِنْ الْقُنْيَةِ، وَهُوَ رَمْزٌ لِنَجْمِ الْأَئِمَّةِ الْحَكِيمِيِّ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 484 وَالْمُعْتَبَرُ مَا يُتَّخَذُهُ لِلزَّوْجِ لَا مَا يُتَّخَذُ لَهَا؛ وَلَوْ سَكَتَ بَعْدَ الزِّفَافِ زَمَانًا يُعْرَفُ بِذَلِكَ رِضَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُتَّخَذْ لَهُ شَيْءٌ. وَمِنْهَا إذَا أَبْرَأهُ فَسَكَتَ صَحَّ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُرْهَانُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ. وَمِنْهَا سُكُوتُ الرَّاهِنِ عِنْدَ بَيْعِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ يَكُونُ مُبْطِلًا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهِيَ تُعْلَمُ مِنْ الْأَشْبَاهِ أَوَّلَ الْقَاعِدَةِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [قَوْلُ الْأَشْبَاهِ يَحْلِفُ الْمُنْكِرُ فِي إحْدَى وَثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً بَيَّنَّاهَا فِي الشَّرْحِ] قَالَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهَا الْمُسَمَّاةُ بِتَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ عَلَى الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ. أَقُولُ: قَالَ فِي شَرْحِهِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ اقْتَصَرَ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِحْلَافِ عِنْدَهُ عَلَى الْأَشْيَاءِ التِّسْعَةِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ فِي إحْدَى وَثَلَاثِينَ خَصْلَةً بَعْضُهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَبَعْضُهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَذَكَرَ سَرْدًا اخْتِصَارَ التِّسْعَةِ.   [رد المحتار] وَبَعْدَ هَذَا الرَّمْزِ يُفْتَى بِأَنَّهُ: وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّارِحِ فح بِالْفَاءِ وَالْحَاءِ وَبَعْدَهُ يَعْنِي مُضَارِعَ عَنَى وَهُوَ تَحْرِيفٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَكَتَ إلَخْ) هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا إذَا أَبْرَأهُ فَسَكَتَ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ سَائِرَ الدُّيُونِ، وَقَيَّدَهُ فِي مُدَايَنَاتِ الْأَشْبَاهِ نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ بِغَيْرِ بَدَلِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ، فَفِيهَا يُتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ: أَيْ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْهُمَا يُوجِبُ انْفِسَاخَ عَقْدِهِمَا فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِهِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ فَوَاتَ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ. وَزَادَ الْحَمَوِيُّ ثَالِثَةً، وَهِيَ مَا لَوْ أَبْرَأ الطَّالِبُ الْأَصِيلَ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ أَوْ مَوْتِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ لِأَنَّهُ قَبُولٌ حُكْمًا (قَوْلُهُ: وَهِيَ تُعْلَمُ مِنْ الْأَشْبَاهِ) حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ رَأْي الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ يَبِيعُ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَلَا يَكُونُ رِضًا فِي رِوَايَةٍ اهـ قَالَ: الزَّيْلَعِيُّ: وَالْمَذْهَبُ مَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ رِضًا وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْفَتَّالِ. قَالَ: ح: وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَائِعَ فِي عِبَارَةِ الْأَشْبَاهِ هُوَ الرَّاهِنُ وَفِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ هُوَ الْمُرْتَهِنُ كَمَا لَا يَخْفَى، لَكِنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ لِمَا يَأْتِي أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبِيعُهُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ اهـ. [تَتِمَّةٌ] زَادَ بَعْضُهُمْ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ أَوْ أَحَدُ الْوَرَثَةِ بِحَضْرَةِ الْوَصِيَّيْنِ مَنْ يَحْمِلُ الْجِنَازَةَ إلَى الْمَقْبَرَةِ وَالْآخَرُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ وَالسُّكُوتُ عَلَى الْبِدْعَةِ وَالْمُنْكَرِ فَإِنَّهُ رِضًا أَيْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِزَالَةِ وَإِلَّا كَفَاهُ الْإِنْكَارُ بِالْقَلْبِ وَمَا لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ فَسَكَتَ فِي حَيَاتِهِ فَلَمَّا مَاتَ بَاعَ الْوَصِيُّ بَعْضَ التَّرِكَةِ أَوْ تَقَاضَى دَيْنَهُ فَهُوَ قَبُولٌ لِلْوِصَايَةِ كَمَا عَزَاهُ الْحَمَوِيُّ إلَى مُعِينِ الْحُكَّامِ. وَزَادَ الْبِيرِيُّ: مَا لَوْ غَزَلَتْ امْرَأَتُهُ قُطْنَهُ أَوْ نَسَجَتْ غَزْلَهُ لَيْسَ لَهُ تَضْمِينُهَا قِيمَتَهُ مَحْلُوجًا أَوْ مَغْزُولًا وَبَعْدَ سُكُوتِهِ رِضًا، وَكَذَا لَوْ عَجَنَ الْعَجِينَ أَوْ أَضْجَعَ شَاةً فَجَاءَ إنْسَانٌ وَخَبَزَهُ أَوْ ذَبَحَهَا يَكُونُ السُّكُوتُ كَالْأَمْرِ دَلَالَةً. (قَوْلُهُ: قَوْلُ الْأَشْبَاهِ يَحْلِفُ الْمُنْكِرُ فِي إحْدَى وَثَلَاثِينَ) صَوَابُهُ لَا يَحْلِفُ كَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا يَحْلِفُ الْمُنْكِرُ إلَّا فِي إحْدَى وَثَلَاثِينَ (قَوْلُهُ: بَيَّنَّاهَا فِي الشَّرْحِ) أَيْ فِي الْبَحْرِ. مَطْلَبٌ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَحْلِفُ فِيهَا الْمُنْكِرِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَشْيَاءِ التِّسْعَةِ) بِتَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ عَلَى السِّينِ كَاَلَّتِي بَعْدَهَا. اهـ. ح وَهِيَ مَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الدَّعْوَى مِنْ قَوْلِهِ وَلَا تَحْلِيفَ فِي نِكَاحٍ أَنْكَرَهُ هُوَ أَوْ هِيَ وَرَجْعَةٍ جَحَدَهَا هُوَ أَوْ هِيَ عِدَّةٌ وَفِي إيلَاءٍ أَنْكَرَهُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْمُدَّةِ وَاسْتِيلَادٍ تَدَّعِيهِ الْأَمَةُ وَرِقِّ نَسَبٍ وَوَلَاءٍ، بِأَنْ ادَّعَى عَلَى مَجْهُولٍ أَنَّهُ قِنُّهُ أَوْ ابْنُهُ وَبِالْعَكْسِ، وَحَدٍّ وَلِعَانٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ التَّحْلِيفُ فِي الْكُلِّ إلَّا فِي الْحُدُودِ. اهـ. وَأَفَادَ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ التَّحْلِيفِ فِي هَذِهِ التِّسْعَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 485 وَفِي تَزْوِيجِ الْبِنْتِ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً. وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ الْأَبُ فِي الصَّغِيرَةِ. وَفِي تَزْوِيجِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ خِلَافًا لَهُمَا. وَفِي دَعْوَى الدَّائِنِ الْإِيصَاءَ فَأَنْكَرَهُ لَا يَحْلِفُ. وَفِي دَعْوَى الدَّيْنِ عَلَى الْوَصِيِّ وَفِي الدَّعْوَى عَلَى الْوَكِيلِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَالْوَصِيِّ: وَفِيمَا إذَا كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ شَيْءٌ فَادَّعَاهُ رَجُلَانِ كُلٌّ اشْتَرَى مِنْهُ فَأَقَرَّ بِهِ لِأَحَدِهَا وَأَنْكَرَ لِلْآخَرِ لَا يُحَلِّفُهُ؛ وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَهُمَا فَحَلَفَ لِأَحَدِهِمَا فَنَكَلَ وَقَضَى عَلَيْهِ لَمْ يَحْلِفْ لِلْآخَرِ. وَفِيمَا إذَا ادَّعَيَا الْهِبَةَ مَعَ التَّسْلِيمِ مِنْ ذِي الْيَدِ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا لَا يَحْلِفُ لِلْآخَرِ، وَكَذَا لَوْ نَكَلَ لِأَحَدِهِمَا لَا يَحْلِفُ لِلْآخِرِ. وَفِيمَا إذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ رَهَنَهُ وَقَبَضَهُ فَأَقَرَّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا أَوْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا فَنَكَلَ لَا يَحْلِفُ لِلْآخَرِ. وَفِيمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الرَّهْنَ وَالتَّسْلِيمَ وَالْآخَرُ الشِّرَاءَ فَأَقَرَّ بِالرَّهْنِ وَأَنْكَرَ الْبَيْعَ لَا يَحْلِفُ لِلْمُشْتَرِي. وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُ هَذَيْنِ الْإِجَارَةَ وَالْآخَرُ الشِّرَاءَ فَأَقَرَّ بِهَا   [رد المحتار] عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ خِلَافُ الْمُفْتَى بِهِ (قَوْلُهُ: وَفِي تَزْوِيجِ الْبِنْتِ) عَطْفٌ عَلَى التِّسْعَةِ أَيْ وَذَكَرَ عَدَمَ الِاسْتِحْلَافِ فِي تَزْوِيجِ الْبِنْتِ اهـ ح أَيْ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِلَّا زَادَتْ عَلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ ط. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ الْأَبُ فِي الصَّغِيرَةِ) يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا يُسْتَحْلَفُ، وَاَلَّذِي فِي الْبَحْرِ بِدُونِ لَا وَهِيَ الصَّوَابُ (قَوْلُهُ: وَفِي دَعْوَى الدَّائِنِ الْإِيصَاءَ) أَيْ دَعْوَاهُ عَلَى رَجُلٍ أَنَّك وَصِيُّ الْمَيِّتِ فَادْفَعْ لِي دَيْنِي مِنْ تَرِكَتِهِ (قَوْلُهُ وَفِي دَعْوَى الدَّيْنِ عَلَى الْوَصِيِّ) أَيْ دَعْوَاهُ الْوَصِيَّ الثَّابِتَةَ وِصَايَتُهُ بِأَنَّ لِي عَلَى الْمَيِّتِ كَذَا وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي فَلَا يَحْلِفُ الْوَصِيُّ إذَا أَنْكَرَ الدَّيْنَ (قَوْلُهُ: فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَالْوَصِيِّ) أَيْ إذَا ادَّعَى الدَّائِنُ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْوَكَالَةِ فَأَنْكَرَهَا أَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ الدَّيْنَ وَهُوَ ثَابِتُ الْوَكَالَةِ فَأَنْكَرَهُ، فَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا يَحْلِفُ كَالْوَصِيِّ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: كُلٌّ اشْتَرَى مِنْهُ) أَيْ ادَّعَى مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ، وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ الشِّرَاءُ بِالْمَدِّ (قَوْلُهُ: لَا يُحَلِّفُهُ) لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا صَارَ لَهُ فَإِذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَا يَصِيرُ لِلْآخَرِ فَلَا يَحْلِفُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ (قَوْلُهُ: لَوْ أَنْكَرَهُمَا) أَيْ أَنْكَرَ دَعْوَاهُمَا (قَوْلُهُ: فَحُلِّفَ لِأَحَدِهِمَا) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ: أَيْ طَلَبَ الْقَاضِي تَحْلِيفَهُ لِأَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ: لَمْ يَحْلِفْ لِلْآخَرِ) لِأَنَّ نُكُولَهُ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ بِهِ لِلْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَفِيمَا إذَا ادَّعَى مِنْهُمَا أَنَّهُ رَهَنَهُ وَقَبَضَهُ) أَيْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ ذَا الْيَدِ رَهَنَ عِنْدِي هَذَا الشَّيْءَ وَقَبَضْته مِنْهُ (قَوْلُهُ: فَأَقَرَّ بِالرَّهْنِ وَأَنْكَرَ الْبَيْعَ إلَخْ) أَمَّا لَوْ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ وَأَنْكَرَ الرَّهْنَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْبَيْعِ صَارَ مِلْكَ الْمُشْتَرِي فَلَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بَعْدَهُ بِالرَّهْنِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ. وَفَائِدَةُ التَّحْلِيفِ النُّكُولُ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ: لَا يَحْلِفُ لِلْمُشْتَرِي) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَوْ طُلِبَ تَحْلِيفُهُ فَنَكَلَ حَتَّى صَارَ نُكُولُهُ إقْرَارًا بِالْبَيْعِ لَا يَكُونُ لَهُ فَائِدَةٌ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يُمْكِنُهُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمَسْأَلَةِ بَعْدَهُ، وَلَكِنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ فَسْخَ الْبَيْعِ وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُهُ، وَإِنَّمَا لَهُمَا حَبْسُ الرَّهْنِ وَالْمَأْجُورِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَأَقَرَّ بِهَا) أَيْ بِالْإِجَازَةِ. وَفِي بَعْضٍ فَأَقَرَّ بِهِمَا: أَيْ بِالرَّهْنِ فِي الصُّورَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 486 وَأَنْكَرَهُ لَا يَحْلِفُ لِمُدَّعِيهِ وَيُقَالُ لِمُدَّعِيهِ: إنْ شِئْت فَانْتَظِرْ انْقِضَاءَ الْمُدَّةِ أَوْ فُكَّ الرَّهْنَ، وَإِنْ شِئْت فَافْسَخْ. وَفِيمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الصَّدَقَةَ وَالْقَبْضَ وَالْآخَرُ الشِّرَاءَ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا لَا يَحْلِفُ. وَفِيمَا إذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا الْإِجَارَةَ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا أَوْ نَكَلَ لَا يَحْلِفُ، بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى ذِي الْيَدِ الْغَصْبَ مِنْهُ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا أَوْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا فَنَكَلَ يَحْلِفُ لِلثَّانِي؛ كَمَا لَوْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا الْإِيدَاعَ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا يَحْلِفُ لِلثَّانِي، وَكَذَا الْإِعَارَةُ وَيَحْلِفُ مَا لَهُ عَلَيْك كَذَا وَلَا قِيمَتُهُ وَهِيَ كَذَا وَكَذَا. وَفِيمَا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ رِضَا الْمُوَكِّلِ بِالْعَيْبِ لَمْ يَحْلِفْ وَكِيلُهُ. وَفِيمَا إذَا أَنْكَرَ تَوْكِيلَهُ لَهُ بِالنِّكَاحِ. وَفِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الصَّانِعُ وَالْمُسْتَصْنِعُ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ لَا يَمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الصَّانِعُ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ اسْتَصْنَعَهُ فِي كَذَا فَأَنْكَرَ لَا يَحْلِفُ. الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ - لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْ الْغَائِبِ بِقَبْضِ دَيْنِهِ وَبِالْخُصُومَةِ فَأَنْكَرَ لَا يُسْتَحْلَفُ الْمَدْيُونُ عَلَى قَوْلِهِ خِلَافًا لَهُمَا، هَكَذَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: يُسْتَحْلَفُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ تَسَاهُلٌ وَقُصُورٌ حَيْثُ قَالَ: كُلُّ مَوْضِعٍ لَوْ أَقَرَّ لَزِمَهُ إذَا أَنْكَرَهُ يُسْتَحْلَفُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ:   [رد المحتار] الْأُولَى وَبِالْإِجَارَةِ فِي هَذِهِ، وَالْأُولَى أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَأَنْكَرَهُ) أَيْ أَنْكَرَ الْبَيْعَ (قَوْلُهُ: وَيُقَالُ لِمُدَّعِيهِ إلَخْ) أَيْ مُدَّعِي الشِّرَاءِ فِي الصُّورَتَيْنِ، هَذَا إذَا أَثْبَتَ الشِّرَاءَ، وَإِلَّا فَمَا فَائِدَةُ هَذَا الْقَوْلِ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا أَنْكَرَ وَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ لَا إنْ طَلَبَ التَّحْلِيفَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْبَيِّنَةِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: وُجِدَ بَيِّنَةٌ بَعْدَ (قَوْلِهِ أَوْ فَكَّ الرَّهْنِ) مَعْطُوفٌ عَلَى انْقِضَاءِ، وَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ (قَوْلُهُ: فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا لَا يَحْلِفُ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدَّعِي الْمِلْكَ، فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا ثَبَتَ، وَلَا يُصَدَّقُ بَعْدَهُ بِنُكُولِهِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّحْلِيفِ (قَوْلُهُ: أَوْ نَكَلَ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ: الْغَصْبُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُدَّعِي (قَوْلُهُ: يَحْلِفُ لِلثَّانِي) لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لِلثَّانِي بِالْغَصْبِ يُؤَاخَذُ بِهِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ فَيَحْلِفُ رَجَاءَ نُكُولِهِ، لَكِنْ يَلْزَمُهُ لِلثَّانِي ضَمَانُ الْمَغْصُوبِ بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ لَا رَدُّ عَيْنِ مَا فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ صَارَ لِلْأَوَّلِ فَلَا يَمْلِكُ إخْرَاجَهُ عَنْهُ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ ادَّعَى إلَخْ) لِأَنَّهُ بِإِنْكَارِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْعَارِيَّةِ صَارَ غَاصِبًا (قَوْلُهُ: وَيَحْلِفُ مَا لَهُ عَلَيْك وَلَا قِيمَتُهُ) أَيْ يَحْلِفُ فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ وَمَا بَعْدَهَا، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ بِالْإِنْكَارِ يَصِيرُ غَاصِبًا. (قَوْلُهُ: وَلَا قِيمَتُهُ وَهِيَ كَذَا وَكَذَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّحْلِيفُ عَلَى مِقْدَارِ الْقِيمَةِ إذَا ادَّعَى أَنَّهَا أَقَلُّ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهِ لِلْأَوَّلِ وَثَبَتَ لَهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهُ لِلثَّانِي لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهِ أَيْضًا بِالنُّكُولِ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ الْقِيمَةَ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ وَقِيمَتُهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِيمَا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ رِضَا الْمُوَكِّلِ إلَخْ) أَيْ لَوْ بَاعَ لِوَكِيلِ رَجُلٍ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ أَرَادَ الْوَكِيلُ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى الْوَكِيلِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِالْعَيْبِ لَمْ يَحْلِفْ الْوَكِيلُ وَهُوَ الْمُشْتَرِي. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ مَا إذَا أَرَادَ الْمُوَكِّلُ رَدَّهُ بِعَيْبٍ فَادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ أَنَّك رَضِيت بِالْعَيْبِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَعُدَّهَا صُورَةً أُخْرَى مَعَ أَنَّهُ فِي الْخُلَاصَةِ جَعَلَهُمَا صُورَتَيْنِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَفِيمَا إذَا أَنْكَرَ تَوْكِيلَهُ لَهُ بِالنِّكَاحِ) أَيْ لَوْ زَوَّجَهُ رَجُلٌ فَأَنْكَرَ تَوْكِيلَهُ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ إنْكَارٌ لِلنِّكَاحِ وَقَدْ مَرَّ (قَوْلُهُ: لَا يَمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ لَوْ عَمِلَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَلِلْمُتَصَنِّعِ أَخْذُهُ وَتَرْكُهُ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ آخِرَ السَّلَمِ، فَمِنْ بَابٍ أَوْلَى إذَا اخْتَلَفَا ط. (قَوْلُهُ: لَا يُسْتَحْلَفُ الْمَدْيُونُ) لِأَنَّهُ لَوْ نَكَلَ يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ وَهُوَ ضَرَرٌ بِهِ، إذْ قَدْ يُصَدِّقُ الْمُوَكِّلُ الْوَكِيلَ عِنْدَ حُضُورِهِ فَيُضَيِّعُ عَلَيْهِ مَا دَفَعَهُ إنْ هَلَكَ عِنْدَ الْوَكِيلِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ ط (قَوْلُهُ: انْتَهَى) أَيْ مَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَبِهِ عُلِمَ إلَخْ) مِنْ كَلَامِ الشَّرْحِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبَحْرُ (قَوْلُهُ: تَسَاهُلٌ وَقُصُورٌ) لِاقْتِصَارِهِ عَلَى اسْتِثْنَاءِ ثَلَاثٍ ط وَهَذِهِ الثَّلَاثُ تَقَدَّمَتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 487 مِنْهَا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا وَجَدَ بِالْمُشْتَرَى عَيْبًا فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ وَأَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِالْعَيْبِ لَا يَحْلِفُ، فَإِذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَيَبْطُلُ حَقُّ الرَّدِّ. الثَّانِيَةُ لَوْ ادَّعَى عَلَى الْآمِرِ رِضَاهُ لَا يَحْلِفُ، وَإِنْ أَقَرَّ لَزِمَهُ. الثَّالِثَةُ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا ادَّعَى الْمَدْيُونُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَبْرَأهُ عَنْ الدَّيْنِ وَطَلَبَ يَمِينَ الْوَكِيلِ عَنْ الْعِلْمِ لَا يَحْلِفُ، وَإِنْ أَقَرَّ لَزِمَهُ انْتَهَى. وَزِدْت عَلَى الْوَاحِدِ وَالثَّلَاثِينَ السَّابِقَةِ: الْبَائِعُ إذَا أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ لِلْحَالِ لَا يَحْلِفُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ كَمَا مَرَّ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ. وَالشَّاهِدُ إذَا أَنْكَرَ رُجُوعَهُ لَا يُسْتَحْلَفُ؛ وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا، وَالسَّارِقُ إذَا أَنْكَرَهَا لَا يُسْتَحْلَفُ لِلْقَطْعِ؛ وَلَوْ أَقَرَّ بِهَا قُطِعَ وَكَذَا قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ؛ وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْأَبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَلَا الْوَصِيُّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَلَا الْمُتَوَلِّي لِلْمَسْجِدِ وَالْأَوْقَافِ إلَّا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِمْ الْعَقْدَ فَيَحْلِفُونَ حِينَئِذٍ انْتَهَى. قُلْت: وَزِدْت عَلَى مَا ذَكَرَهُ مَسَائِلَ: الْأُولَى: لَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ شَيْئًا وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ. فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ لِابْنِي الصَّغِيرِ فَلَا يَحْلِفُ. وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ: عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، فَإِذَا اُسْتُحْلِفَ فَنَكَلَ   [رد المحتار] الْأُولَى مِنْهَا فَقَطْ فِي الْمَسَائِلِ الْمَارَّةِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ) أَيْ بِرِضَا الْمُوَكِّلِ ط (قَوْلُهُ: الثَّانِيَةُ لَوْ ادَّعَى عَلَى الْآمِرِ رِضَاهُ) أَيْ رِضَا الْآمِرِ فَافْهَمْ. وَصُورَتُهَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ شَيْئًا فَظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ فَأَرَادَ الْآمِرُ أَيْ الْمُوَكِّلُ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ فَادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى الْآمِرِ أَنَّك رَضِيت بِالْعَيْبِ لَا يَحْلِفُ الْآمِرُ أَيْ لِأَنَّ الرَّدَّ بِهِ يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ مَا دَامَ حَيًّا وَلِوَصِيِّهِ مِنْ بَعْدِهِ لَا لِلْمُوَكِّلِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فِيهِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَرَّ لَزِمَهُ) أَيْ لَزِمَ الْوَكِيلَ إقْرَارُهُ: أَيْ مُقْتَضَى إقْرَارِهِ وَهُوَ تَرْكُ الْمُخَاصَمَةِ مَعَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ مَا أَقَرَّ بِهِ وَكِيلُهُ أَفَادَهُ ط وَمِثْلُهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ: وَزِدْت عَلَى الْوَاحِدِ وَالثَّلَاثِينَ السَّابِقَةِ) هَذَا مِنْ كَلَامِ الْبَحْرِ وَهُوَ عَجِيبٌ، فَإِنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ فِيهِ مَسْأَلَتَانِ وَهُمَا الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ لَمْ يَذْكُرْهُمَا فِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ فَتَصِيرُ الْمَسَائِلُ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ (قَوْلُهُ: الْبَائِعُ إذَا أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ لِلْحَالِّ) أَيْ لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي إبَاقَ الْعَبْدِ مَثَلًا لَمْ يَحْلِفْ بَائِعُهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْبَقْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي حَتَّى يُبَرْهِنَ الْمُشْتَرِي لِتَتَوَجَّهَ الْخُصُومَةُ عَلَى الْبَائِعِ، فَإِنْ بَرْهَنَ يَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ عِنْدَك (قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ) أَيْ بِقِيَامِ الْعَيْبِ لِلْحَالِّ أَيْ بِأَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَزِمَهُ إقْرَارُهُ أَيْ حُكْمُ إقْرَارِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ صَارَ خَصْمًا حَتَّى يَحْلِفَ عَلَى أَنَّهُ مَا أَبَقَ عِنْدَك أَيْضًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ بِإِبَاقِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ أَيْضًا حَتَّى يَثْبُتَ الرَّدُّ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ) أَيْ مَرَّ فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى لَا هُنَا (قَوْلُهُ: ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا) أَيْ بِشَهَادَتِهِ (قَوْلُهُ وَالسَّارِقُ إذَا أَنْكَرَهَا) أَيْ أَنْكَرَ السَّرِقَةَ (قَوْلُهُ: لَا يُسْتَحْلَفُ لِلْقَطْعِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ حَلَفَ لِأَجْلِ إثْبَاتِ الْمَالِ كَمَا مَرَّ عَنْ عِصَامٍ حِينَ سَأَلَهُ أَمِيرُ بَلْخٍ عَنْ سَارِقٍ يُنْكِرُ فَقَالَ عِصَامٌ: عَلَيْهِ الْيَمِينُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا قَالَ: الْإِسْبِيجَابِيُّ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ: وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْأَبُ إلَى إلَخْ) أَيْ لَوْ جَنَى الصَّبِيُّ جِنَايَةً فَأَنْكَرَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ، أَوْ ادَّعَى أَحَدٌ جِدَارَ الْمَسْجِدِ أَوْ الدَّارَ الْمَوْقُوفَةَ، وَأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَى الْوَقْفِ شَيْئًا بِإِذْنِ الْمُتَوَلِّي السَّابِقِ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِمْ الْعَقْدَ) بِأَنْ ادَّعَى عَلَى أَحَدِهِمْ أَنَّهُ آجَرَ كَذَا مِنْ مَالِ الْوَقْفِ أَوْ الصَّبِيِّ مَثَلًا وَأَنْكَرَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ لِمَنْ ادَّعَى الِاسْتِئْجَارَ ط (قَوْلُهُ: انْتَهَى) أَيْ مَا فِي الشَّرْحِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ ط. (قَوْلُهُ: قُلْت) مِنْ كَلَامِ الشَّرَفِ الْغَزِّيّ ط (قَوْلُهُ وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ إلَخْ) الَّذِي يَظْهَرُ خِلَافُهُ، وَلِذَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ. اهـ. سَائِحَانِيٌّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 488 وَالْمُدَّعَى أَرْضٌ يُقْضَى بِالْأَرْضِ لِلْمُدَّعِي ثُمَّ يُنْتَظَرُ بُلُوغُ الصَّبِيِّ، إنْ صَدَّقَ الْمُدَّعِيَ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِنْ كَذَّبَهُ ضَمِنَ الْوَلَدُ قِيمَةَ الْأَرْضِ، وَيُؤْخَذُ الْأَرْضُ مِنْ الْمُدَّعِي وَتُدْفَعُ لِلصَّبِيِّ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقَرَّ لِغَائِبٍ لَمْ يَظْهَرْ جُحُودُهُ وَلَا تَصْدِيقُهُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْيَمِينُ فَكَذَلِكَ هُنَا. قُلْت: وَعَلَى الْأَوَّلِ رُجُوعُ هَذِهِ إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْأَبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهَا لِلصَّبِيِّ ظَهَرَ أَنَّهَا مِنْ مَالِهِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ. الثَّانِيَةُ - لَوْ اشْتَرَى دَارًا فَحَضَرَ الشَّفِيعُ فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ. قَالَ فِي النَّوَازِلِ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى دَارًا فَحَضَرَ الشَّفِيعُ فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ أَوْ أَقَرَّ أَنَّ الدَّارَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَلَا بَيِّنَةَ فَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ لِابْنِهِ فَلَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ لِغَيْرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. . الثَّالِثَةُ - لَوْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ غُلَامٌ أَوْ جَارِيَةٌ أَوْ ثَوْبٌ ادَّعَاهُ رَجُلَانِ فَقَدَّمَاهُ إلَى الْقَاضِي فَأَقَرَّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا ثُمَّ أَرَادَ الْآخَرُ تَحْلِيفَهُ، فَإِنْ ادَّعَى مِلْكًا مُرْسَلًا أَوْ شِرَاءً مِنْ جِهَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ، فَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْغَصْبَ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالْغَصْبِ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، كَذَا فِي النَّوَازِلِ. الرَّابِعَةُ - لَوْ اشْتَرَى الْأَبُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ دَارًا ثُمَّ اخْتَلَفَ مَعَ الشَّفِيعِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ بِلَا يَمِينٍ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ.   [رد المحتار] قُلْت: وَفِي الْأَشْبَاهِ مِنْ فَنِّ الْحِيَلِ: إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا بَاطِلًا فَالْحِيلَةُ لِمَنْعِ الْيَمِينِ أَنْ يُقِرَّ بِهِ لِابْنِهِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ، وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْأَوَّلِ، وَهُوَ مُبَايِنٌ لِقَوْلِ الْفَضْلِيِّ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. وَذَكَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ سَوَّوْا بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْأَجْنَبِيِّ دَفْعًا لِلْحِيَلِ، وَبَعْضَهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ إقْرَارَهُ لِلْغَائِبِ يَتَوَقَّفُ عَمَلُهُ عَلَى تَصْدِيقِهِ، فَلَا يَمْلِكُ الْعَيْنَ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ فَلَا تَسْقُطُ الْيَمِينُ، بِخِلَافِ إقْرَارِهِ لِلصَّغِيرِ (قَوْلُهُ: وَالْمُدَّعَى أَرْضٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَرْضًا. وَفِي بَعْضِهَا: وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَرْضٌ وَكِلَاهُمَا تَحْرِيفٌ (قَوْلُهُ: ضَمِنَ الْوَلَدُ قِيمَةَ الْأَرْضِ) أَيْ لِلْمُدَّعِي اهـ ح (قَوْلُهُ: وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقَرَّ لِغَائِبٍ لَمْ يُظْهِرْ جُحُودَهُ وَلَا تَصْدِيقَهُ) جُمْلَةُ لَمْ يُظْهِرْ إلَخْ صِفَةٌ لِغَائِبٍ، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ قَوْلِهِ لِغَائِبٍ مَا نَصُّهُ: أَيُّ رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِلْكِي فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: هُوَ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ مَثَلًا لَمْ يُظْهِرْ جُحُودَهُ وَلَا تَصْدِيقَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا هَامِشٌ أُلْحِقَتْ بِالْأَصْلِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا (قَوْلُهُ: لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْيَمِينُ) أَيْ فَيَحْلِفُ لِلْمُدَّعِي، فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِ وَيُنْتَظَرُ قُدُومُ الْغَائِبِ فَإِنْ صَدَّقَ الْمُدَّعِيَ فِيهَا وَإِلَّا دَفَعَ لَهُ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْمُدَّعِي ط (قَوْلُهُ: قُلْت) مِنْ كَلَامِ الشَّرَفِ الْغَزِّيِّ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ الْقَوْلِ بَعْدَ التَّحْلِيفِ (قَوْلُهُ: إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ) أَيْ صَاحِبِ الْأَشْبَاهِ وَهُوَ مَا مَرَّ آنِفًا عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ (قَوْلُهُ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ مَالُ الصَّبِيِّ وَهُنَا لَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ مَالُهُ إلَّا بِإِقْرَارِ الْأَبِ، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ أَقَرَّ تَحَيُّلًا لِدَفْعِ الدَّعْوَى عَنْهُ ط (قَوْلُهُ: فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ) يَعْنِي وَأَقَرَّ أَنَّهَا لِابْنِهِ كَمَا ذَكَرَهُ عَنْ النَّوَازِلِ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ إنْكَارِ الشِّرَاءِ لَا يَدْفَعُ عَنْهُ التَّحْلِيفَ بَلْ يَحْلِفُ، فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ بِهَا عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَقَرَّ أَنَّ الدَّارَ) الصَّوَابُ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ لَا بِأَوْ وَلِمَا عَلِمْت. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: ادَّعَى شُفْعَةً بِجِوَارٍ فَقَالَ خَصْمُهُ: هَذِهِ الدَّارُ لِابْنِي هَذَا الطِّفْلِ صَحَّ إقْرَارُهُ لِابْنِهِ، إذْ الدَّارُ فِي يَدِهِ وَالْيَدُ دَلِيلُ الْمِلْكِ فَكَانَ مُقِرًّا عَلَى نَفْسِهِ فَصَحَّ، وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ تَحْلِيفُهُ بِاَللَّهِ مَا أَنَا شَفِيعُهَا لِأَنَّ إقْرَارَ الْأَبِ بِالشُّفْعَةِ عَلَى ابْنِهِ لَمْ يَجُزْ فَلَا يُفِيدُ التَّحْلِيفُ، وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْحِيَلِ فِي الْخُصُومَاتِ؛ وَلَوْ بَرْهَنَ الشَّفِيعُ عَلَى الشِّرَاءِ كَانَ الْأَبُ خَصْمًا لِقِيَامِهِ مَقَامَ الِابْنِ. (قَوْلُهُ: الثَّالِثَةُ) مُكَرَّرَةٌ مَعَ قَوْلِ الْبَحْرِ. وَفِيمَا إذَا كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ شَيْءٌ فَادَّعَاهُ رَجُلَانِ كُلٌّ الشِّرَاءَ مِنْهُ، نَعَمْ فِي هَذِهِ زِيَادَةُ الدَّعْوَى فِي الْمِلْكِ الْمُرْسَلِ فِي الزَّوَاهِرِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ بِلَا يَمِينٍ) لِأَنَّ الثَّمَنَ مَالُ الصَّبِيِّ وَلَا يُسْتَحْلَفُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 489 الْخَامِسَةُ - لَوْ ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ الْمَسْرُوقَ وَرَبُّ الْمَسْرُوقِ أَنَّهُ قَائِمٌ عِنْدَهُ فَالْقَوْلُ لِلسَّارِقِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ: وَسُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ السَّارِقِ إذَا اسْتَهْلَكَ الْمَسْرُوقَ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَدُهُ هَلْ يَضْمَنُ قَالَ لَا. وَيَسْتَوِي حُكْمُهُ فِيمَا اسْتَهْلَكَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ وَبَعْدَ الْقَطْعِ، قِيلَ: لَهُ: فَإِنْ قَالَ السَّارِقُ قَدْ هَلَكَ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَالِ: لَمْ تَسْتَهْلِكْهُ وَهُوَ قَائِمٌ عِنْدَك هَلْ يَحْلِفُ؟ قَالَ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ السَّارِقِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ. السَّادِسَةُ - إذَا وَهَبَ رَجُلٌ شَيْئًا وَأَرَادَ الرُّجُوعَ فَادَّعَى الْمَوْهُوبُ لَهُ هَلَاكَ الْمَوْهُوبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا. السَّابِعَةُ - ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَصِيُّ فُلَانٍ الْمَيِّتِ فَأَنْكَرَ لَا يَحْلِفُ. الثَّامِنَةُ - ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّك وَكِيلُ فُلَانٍ فَأَنْكَرَ أَنَّهُ وَكِيلُ فُلَانٍ لَا يَحْلِفُ وَهُمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. التَّاسِعَةُ - قَالَ الْوَاهِبُ: اشْتَرَطْتُ الْعِوَضَ وَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَمْ تَشْتَرِطْهُ فَالْقَوْلُ لَهُ بِلَا يَمِينٍ. الْعَاشِرَةُ - اشْتَرَى الْعَبْدُ شَيْئًا فَقَالَ الْبَائِعُ: أَنْتِ مَحْجُورٌ وَقَالَ الْعَبْدُ: أَنَا مَأْذُونٌ فَالْقَوْلُ لَهُ بِدُونِ الْيَمِينِ. الْحَادِيَةَ عَشَرَ - إذَا اشْتَرَى عَبْدٌ مِنْ عَبْدٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا مَحْجُورٌ وَقَالَ الْآخَرُ: أَنَا وَأَنْتَ مَأْذُونٌ لَنَا فَالْقَوْلُ لَهُ بِلَا يَمِينٍ. الثَّانِيَةَ عَشَرَ - بَاعَ الْقَاضِي مَالَ الْيَتِيمِ فَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَقَالَ الْقَاضِي: أَبْرَأَتْنِي مِنْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ وَكَذَا لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ قِبَلَهُ إجَارَةَ أَرْضِ الْيَتِيمِ وَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ لَمْ يُحَلِّفْهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ؛ كَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ يَدَّعِي عَلَيْهِ. . الثَّالِثَةَ عَشَرَ - لَوْ طَالَبَ أَبُو الزَّوْجَةِ زَوْجَهَا بِالْمَهْرِ فَلَهُ ذَلِكَ لَوْ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً بِكْرًا وَلَوْ اخْتَلَفَ الْأَبُ وَالزَّوْجُ فِي بَكَارَتِهَا وَلَا بَيِّنَةَ لِلزَّوْجِ وَالْتَمَسَ مِنْ الْقَاضِي تَحْلِيفَهُ عَلَى الْعِلْمِ بِذَلِكَ. عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَحْلِفُ. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ كَالْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا ادَّعَى الْمَدْيُونُ أَنَّ صَاحِبَ الدِّينِ أَبْرَأهُ وَأَنْكَرَ الْوَكِيلُ لَا يَحْلِفُ الْوَكِيلُ وَكَذَلِكَ هُنَا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.   [رد المحتار] فِي مَالِ الصَّبِيِّ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لِلسَّارِقِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ الْيَمِينِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى بَعْدَ الْقَطْعِ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ قَبْلَهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ تَقَوُّمُ الْمَسْرُوقِ إلَّا بِالْقَطْعِ فَيَكُونُ قَبْلَهُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَإِنْ سَقَطَ الضَّمَانُ بِالْقَطْعِ بَعْدُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَيَسْتَوِي حُكْمُهُ) وَهُوَ عَدَمُ الضَّمَانِ (قَوْلُهُ: فِيمَا اسْتَهْلَكَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ) يَعْنِي ثُمَّ قُطِعَ بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ، أَمَّا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ وَلَمْ يُقْطَعْ بَعْدُ بَقِيَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُ تَقَوُّمَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ: السَّارِقُ قَدْ هَلَكَ إلَخْ) هَذَا مَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَعَبَّرَ بِالْهَلَاكِ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّهُ لَازِمُ الِاسْتِهْلَاكِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الرَّدَّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ ط. (قَوْلُهُ: السَّابِعَةُ) تَقَدَّمَتْ هِيَ وَالثَّامِنَةُ فِي جُمْلَةِ الْإِحْدَى وَالثَّلَاثِينَ الْمَارَّةِ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لَهُ بِلَا يَمِينٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْهِبَةِ أَنْ تَكُونَ بِلَا عِوَضٍ ط (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لَهُ بِدُونِ الْيَمِينِ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ إقْدَامَ الْبَائِعِ عَلَى بَيْعِهِ اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِالْإِذْنِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِتَنَاقُضِهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ فَقَالَ الْقَاضِي: أَبْرَأْتَنِي مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْعَيْبِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ) فِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ الْقَوْلِيَّ يَحْتَاجُ إلَى الدَّعْوَى، وَظَاهِرُهُ كَمَا قَالَ: ط أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُقْبَلُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ لَوْ كَبِيرَةً بِكْرًا) أَمَّا لَوْ كَانَتْ كَبِيرَةً ثَيِّبًا فَإِنَّ الْأَبَ لَيْسَ لَهُ قَبْضُ مَهْرِهَا مِنْ الزَّوْجِ بِلَا إذْنِهَا (قَوْلُهُ: عَلَى الْعِلْمِ بِذَلِكَ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا ثَيِّبٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 490 الرَّابِعَةَ عَشَرَ - اشْتَرَى أَمَةً فَادَّعَى أَنَّ لَهَا زَوْجًا فَقَالَ الْبَائِعُ: لَهَا زَوْجُ عَبْدِي فَطَلَّقَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ مَاتَ فَالْقَوْلُ لَهُ بِلَا يَمِينٍ، كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ: وَهَذَا التَّحْرِيرُ مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الْكِتَابِ، كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلشَّرَفِ الْغَزِّيِّ أَيْضًا. . [قُلْت: وَفِي حَاشِيَتِهَا لِلشَّيْخِ صَالِحٍ زَادَ سَبْعَةً أُخَرَ فَنَقُولُ] : الْخَامِسَةَ عَشَرَ - لَوْ طَعَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الشَّاهِدِ وَقَالَ: هُوَ ادَّعَى هَذِهِ الدَّارَ لِنَفْسِهِ قَبْلَ شَهَادَتِهِ فَأَنْكَرَ فَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ لَا يَحْلِفُ مَجْمَعُ الْفَتَاوَى. السَّادِسَةَ عَشَرَ - إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ مُسْتَغْرِقَةً بِدُيُونِ جَمَاعَةٍ بِأَعْيَانِهَا فَجَاءَ غَرِيمٌ آخَرُ وَادَّعَى دَيْنًا لِنَفْسِهِ فَالْخَصْمُ هُوَ الْوَارِثُ لَكِنَّهُ لَا يَحْلِفُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَوْ أَقَرَّ لَهُ لَمْ يُقْبَلْ فَلَمْ يَحْلِفْ مَجْمَعُ الْفَتَاوَى. . السَّابِعَةَ عَشَرَ - رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ بِهَا ثُمَّ أَنْكَرَ إقْرَارَهُ هَلْ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا أَقْرَرْت قَالَ الدَّبُوسِيُّ: نَعَمْ وَقَالَ الصَّفَّارُ: لَا، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى نَفْسِ الْحَقِّ مَجْمَعُ الْفَتَاوَى. . الثَّامِنَةَ عَشَرَ - دَفَعَ لِآخَرَ مَالًا ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ: قَبَضْت وَدِيعَةً وَقَالَ الدَّافِعُ: بَلْ لِنَفْسِك لَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي: الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ قَبْضُ مَالِ الْغَيْرِ مَجْمَعُ الْفَتَاوَى. . التَّاسِعَةَ عَشَرَ - رَجُلٌ قَدَّمَ رَجُلًا لِلْقَاضِي وَقَالَ: إنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ تُوُفِّيَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا غَيْرِي وَلَهُ عَلَى هَذَا كَذَا وَكَذَا مِنْ الْمَالِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَعْوَاهُ، فَقَالَ الِابْنُ: اسْتَحْلِفْهُ مَا يَعْلَمُ أَنِّي ابْنُهُ وَأَنَّهُ مَاتَ لَمْ يَحْلِفْ بَلْ يُبَرْهِنُ الِابْنُ عَلَيْهِمَا ثُمَّ يُحَلِّفُهُ عَلَى مَا يَدَّعِي لِأَبِيهِ مِنْ الْمَالِ، وَقِيلَ: يُسْتَحْلَفُ عَلَى الْعِلْمِ، الْأَوَّلُ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَالثَّانِي قَوْلُهُمَا وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: الصَّحِيحُ الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ يَحْلِفُ وَلْوَالِجِيَّةٌ. الْعِشْرُونَ - مِنْهَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْقَاضِي: إنَّهُ قَدْ كَانَ ادَّعَى عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضِي بَلَدِ كَذَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْ دَعْوَاهُ ذَلِكَ فَأَبْرَأنِي عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى فَحَلِّفْهُ أَنَّهُ لَمْ يُبَرِّئْنِي مِنْهَا، فَإِنْ حَلَفَ حَلَفْت لَهُ مَا لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ، اُخْتُلِفَ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عَلَى دَعْوَاهُ وَلْوَالِجِيَّةٌ. وَمِنْهَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ خَرَقَ ثَوْبَهُ وَأَحْضَرَ الثَّوْبَ مَعَهُ لِلْقَاضِي وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ عَلَى السَّبَبِ لَا يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ.   [رد المحتار] (قَوْلُهُ: فَادَّعَى أَنَّ لَهَا زَوْجًا) أَيْ لِيَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنْقِصُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةً وَهِيَ اسْتِمْتَاعُهُ بِهَا. (قَوْلُهُ وَقَالَ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ أَيْ الشَّاهِدُ (قَوْلُهُ: فَأَقَرَّ بِهَا) أَيْ ادَّعَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِهَا (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى نَفْسِ الْحَقِّ) أَيْ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَقَرَّ كَاذِبًا، فَفِي إلْزَامِهِ بِالْحَلِفِ عَلَى الْإِقْرَارِ إضْرَارٌ بِهِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُ يَحْلِفُ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: بَلْ لِنَفْسِك) أَيْ قَرْضًا أَوْ غَصْبًا فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْك بِالْهَلَاكِ (قَوْلُهُ لَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) بَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلدَّافِعِ، فَقَوْلُهُ قَالَ الْقَاضِي بَيَانٌ لِحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ ط. (قَوْلُهُ: بَلْ يُبَرْهِنُ الِابْنُ عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى أَنَّهُ ابْنُهُ وَأَنَّ أَبَاهُ مَاتَ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: يُسْتَحْلَفُ عَلَى الْعِلْمِ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنِّي ابْنُهُ وَأَنَّهُ مَاتَ (قَوْلُهُ: الصَّحِيحُ قَوْلُ الثَّانِي) فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْقَوْلُ الثَّانِي وَهِيَ أَوْلَى، لِأَنَّ الثَّانِيَ قَوْلُهُمَا لَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَقَطْ وَحَيْثُ كَانَ الصَّحِيحُ التَّحْلِيفَ فَلَا فَائِدَةَ فِي اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَذَا الَّتِي بَعْدَهَا (قَوْلُهُ: ثُمَّ خَرَجَ مِنْ دَعْوَاهُ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ نَفْسِ دَعْوَاهُ، بِمَعْنَى أَنَّهُ تَرَكَهَا أَوْ مِنْ مَكَانِ دَعْوَاهُ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ) أَيْ مُدَّعِي الْمَالِ يُسْتَحْلَفُ عَلَى دَعْوَاهُ: أَيْ دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ أَبْرَأهُ عَنْ الدَّعْوَى كَمَا يَحْلِفُ عَلَى دَعْوَى التَّحْلِيفِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ: أَيْ عَلَى دَعْوَاهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ حَلَّفَنِي عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى عِنْدَ فُلَانٍ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ عَلَى السَّبَبِ) أَيْ سَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْخَرْقُ لَا يُحَلِّفُهُ عَلَى السَّبَبِ بِأَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ مَا خَرَقْته لِأَنَّهُ قَدْ يَخْرِقُهُ بِإِذْنِهِ أَوْ عَلَى مِلْكِهِ ثُمَّ بَاعَهُ لَهُ مَخْرُوقًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 491 فَائِدَةٌ] قُلْت: وَبِهَذِهِ مَعَ مَا قَبْلَهَا صَارَتْ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ فَلْيُحْفَظْ، وَقَدْ أَفَادَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ الْجَهَالَةَ كَمَا تَمْنَعُ قَبُولَ الْبَيِّنَةِ تَمْنَعُ الِاسْتِحْلَافَ أَيْضًا، إلَّا إذَا اتَّهَمَ الْقَاضِي وَصِيَّ الْيَتِيمِ أَوْ قَيِّمَ مَوْقِفٍ، وَلَا يَدَّعِي شَيْئًا مَعْلُومًا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ نَظَرًا لِلْوَقْفِ وَالْيَتِيمِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. . [قَوْلُ الْأَشْبَاهِ: الْقَاضِي إذَا قَضَى فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ إلَخْ] أَيْ فَيُنْقَضُ فِيهَا حُكْمُ الْحَاكِمِ. قَالَ ابْنُ الْمُصَنِّفِ الشَّيْخُ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهَا الْمُسَمَّاةِ بِزَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ فِي التَّفْسِيرِ عَلَى الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ، وَقَدْ ظَفِرْت بِمَسَائِلَ أُخَرَ فَزِدْتهَا تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ، وَقَسَمْتهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ   [رد المحتار] وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ، بَلْ يُحَلِّفُهُ لَا ضَمَانَ لَهُ عَلَيْهِ بِهَذَا الْخَرْقِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: فَائِدَةٌ) سَقَطَ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ: وَبِهَذِهِ مَعَ مَا قَبْلَهَا صَارَتْ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ) أَقُولُ: بَلْ هِيَ ثَمَانِيَةٌ وَخَمْسُونَ فِي الْخَانِيَّةِ إحْدَى وَثَلَاثُونَ. وَزَادَ فِي الْبَحْرِ سِتَّةً. وَفِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ. وَفِي الزَّوَاهِرِ سَبْعَةٌ. اهـ. ح. قُلْت: بَلْ هِيَ سِتُّونَ بِزِيَادَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الَّتِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا فِي الْخُلَاصَةِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ، وَبِمَسْأَلَةِ الْجَهَالَةِ الْآتِيَةِ تَصِيرُ إحْدَى وَسِتِّينَ. وَزِدْت عَلَيْهَا ثَمَانِيَ مَسَائِلَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الشَّاهِدُ لَوْ أَنْكَرَ الشَّهَادَةَ لَا يَحْلِفُ. الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ قَالَ: كَذَبَ الشَّاهِدُ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعِيَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَا يَحْلِفُ. ادَّعَى عَلَيْهِ عِتْقَ أَمَتِهِ أَوْ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ قِيلَ: يَحْلِفُ، وَقِيلَ: لَا فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى. ادَّعَيَا امْرَأَةً وَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: تَزَوَّجْتهَا فَأَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا وَأَنْكَرَتْ لِلْآخَرِ لَا تَحْلِفُ لَهُ وِفَاقًا، وَكَذَا لَوْ لَمْ تُقِرَّ وَلَكِنْ حَلَفَتْ لِأَحَدِهِمَا فَنَكَلَتْ لَا تَحْلِفُ لِلْآخَرِ. بَالِغَةٌ زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا فَادَّعَى الزَّوْجُ رِضَاهَا وَأَنْكَرَتْ لَا تَحْلِفُ. وَكَذَا أَوْ زَوَّجَهَا رَجُلٌ لِآخَرَ ثُمَّ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ بِهِ فَأَنْكَرَ لَا يَحْلِفُ. ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ فِي يَدِهِ وَلَا بَيِّنَةَ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا تَحْلِيفَ الْآخَرِ بِاَللَّهِ مَا تَعْلَمُ أَنَّهُ فِي يَدِي، قِيلَ: يَحْلِفُ، وَقِيلَ: لَا اهـ فَصَارَتْ تِسْعَةً وَسِتِّينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (قَوْلُهُ: تُمْنَعُ الِاسْتِحْلَافَ أَيْضًا) كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى شَرِيكِهِ خِيَانَةً مُبْهَمَةً (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا اتَّهَمَ الْقَاضِي إلَخْ) زَادَ فِي الْأَشْبَاهِ أَرْبَعَةً غَيْرَ هَاتَيْنِ: الْأُولَى إذَا ادَّعَى الْمُودِعُ عَلَى الْمُودَعِ خِيَانَةً مُطْلَقَةً فَإِنَّهُ يُحَلِّفُهُ فِي الْقُنْيَةِ. الثَّانِيَةُ الرَّهْنُ الْمَجْهُولُ. الثَّالِثَةُ فِي دَعْوَى الْغَصْبِ. الرَّابِعَةُ فِي دَعْوَى السَّرِقَةِ. اهـ. . [مَطْلَبٌ الْقَاضِي إذَا قَضَى فِي مُجْتَهِدٍ فِيهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ] َ (قَوْلُهُ: قَوْلُ الْأَشْبَاهِ الْقَاضِي إذَا قَضَى إلَخْ) عِبَارَتُهُ مَعَ زِيَادَةِ تَفْسِيرٍ لِلتَّوْضِيحِ: الْقَاضِي إذَا قَضَى فِي مُجْتَهِدٍ نَفَذَ قَضَاؤُهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ نَصَّ أَصْحَابُنَا فِيهَا عَلَى عَدَمِ النَّفَاذِ لَوْ قَضَى بِبُطْلَانِ الْحَقِّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ أَيْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إذَا لَمْ يُخَاصِمْ ثَلَاثَ سِنِينَ وَهُوَ فِي الْمِصْرِ بَطَلَ حَقُّهُ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مَهْجُورٌ فَلَا يَنْفُذُ قَضَاءُ الْقَاضِي فِيهِ إذَا رُفِعَ إلَى آخَرَ أَبْطَلَهُ وَجَعَلَ الْمُدَّعِيَ عَلَى حَقِّهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ بُطْلَانَ الْحَقِّ فِي الْآخِرَةِ بَلْ بُطْلَانَ الدَّعْوَى بِهِ، لَكِنَّ كَوْنَهُ مَهْجُورًا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ هُوَ مَعْمُولٌ عِنْدَنَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى بُطْلَانِ الدَّعْوَى كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسَائِلِ السُّكُوتِ مِنْ عَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى إذَا سَكَتَ عِنْدَ بَيْعِ الْقَرِيبِ أَوْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ سَكَتَ مَعَ الِاطِّلَاعِ عَلَى تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي، أَوْ سَكَتَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً مُطْلَقًا فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ قَالَ: أَوْ بِالتَّفْرِيقِ لِلْعَجْزِ عَلَى الْإِنْفَاقِ غَائِبًا عَلَى الصَّحِيحِ لَا حَاضِرًا: أَيْ فَإِنَّهُ إذَا حَكَمَ شَافِعِيٌّ عَلَى الزَّوْجِ الْحَاضِرِ بِالْفُرْقَةِ لِعَجْزِهِ عَنْ النَّفَقَةِ نَفَذَ حُكْمُهُ عِنْدَنَا، بِخِلَافِ الْغَائِبِ لِأَنَّ عَجْزَهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَلَا يَنْفُذُ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ لِظُهُورِ مُجَازَفَةِ الشُّهُودِ، وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 492 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] فِي النَّفَقَةِ فَافْهَمْ قَالَ: أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ مَزْنِيَّةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ: لِأَنَّ النِّكَاحَ لُغَةً الْوَطْءُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْفُذُ لِأَنَّ هَذَا النَّصَّ ظَاهِرٌ وَالتَّأْوِيلُ فِيهِ سَائِغٌ. قَالَ: أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ أُمِّ مَزْنِيَّتِهِ أَوْ بِنْتِهَا: أَيْ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ، وَسَتَأْتِي فِي عِبَارَةِ الزَّوَاهِرِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي قَالَ: أَوْ بِنِكَاحِ الْمُتْعَةِ أَيْ لِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَقَدْ صَحَّ رُجُوعُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْقَوْلِ بِجَوَازِهَا قَالَ: أَوْ بِسُقُوطِ الْمَهْرِ بِالتَّقَادُمِ أَيْ بِأَنْ لَمْ يُخَاصِمْ زَوْجُهَا فِيهِ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ ثُمَّ خَاصَمَتْهُ يَبْطُلُ حَقُّهَا فِي الصَّدَاقِ، وَالْقَاضِي لَا يَلْتَفِتُ إلَى خُصُومَتِهَا شَرْحُ أَدَبِ الْقَضَاءِ، فَلَوْ قَضَى عَلَيْهَا بِبُطْلَانِهِ لَمْ يَنْفُذْ قَالَ: أَوْ بِعَدَمِ تَأْجِيلِ الْعِنِّينِ: أَيْ فَلَوْ رُفِعَ قَضَاؤُهُ لِقَاضٍ أَبْطَلَهُ وَأَجَلَّ الزَّوْجَ حَوْلًا خَانِيَّةٌ، قَالَ: أَوْ بِعَدَمِ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ بِلَا رِضَاهَا أَيْ لِمُخَالَفَتِهِ {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] قَالَ: أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَى الْحُبْلَى، أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ عَلَى الْحَائِضِ أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ بِكَلِمَةٍ: أَيْ لِمُخَالَفَتِهِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ} [البقرة: 230] لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ، فَمَنْ قَالَ: لَا يَقَعُ شَيْءٌ أَوْ تَقَعُ وَاحِدَةٌ فَقَدْ أَثْبَتَ الْحِلَّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ بِدُونِ الزَّوْجِ الثَّانِي وَهُوَ خِلَافُ الْكِتَابِ، فَلَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِهِ شَرْحُ أَدَبِ الْقَضَاءِ. قُلْت: فَمَا ذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى الْمَنْسُوبَةِ إلَى ابْنِ كَمَالٍ بَاشَا مِنْ وُقُوعِ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَفْتَى بِهِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا فَهُوَ جَاهِلٌ كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي إفْتَاءٍ طَوِيلٍ قَالَ: أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ عَقِبَهُ عِبَارَتُهُ فِي الْبَحْرِ، أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ. قَالَ: أَوْ بِنِصْفِ الْجِهَازِ لِمَنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ بَعْدَ الْمَهْرِ وَالتَّجْهِيزِ: أَيْ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَمَا قَبَضَتْ الْمَهْرَ وَتَجَهَّزَتْ بِهِ فَقَضَى الْقَاضِي لِلزَّوْجِ بِنِصْفِ الْجِهَازِ لِرَأْيِهِ أَنَّ الزَّوْجَ بِدَفْعِ الْمَهْرِ رَضِيَ بِتَصَرُّفِهَا فِيهِ فَصَارَ كَأَنَّ الزَّوْجَ اشْتَرَاهُ بِنَفْسِهِ وَسَاقَهُ إلَيْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهُ نِصْفُهُ لَمْ يَنْفُذْ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ بِخِلَافِ النَّصِّ، لِأَنَّهُ - تَعَالَى - جَعَلَ لَهُ نِصْفَ الْمَفْرُوضِ أَيْ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ وَالْجِهَازُ غَيْرُ مُسَمًّى فَلَا يَتَنَصَّفُ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ عَنْ الْمُحِيطِ. قَالَ: أَوْ بِشَهَادَةٍ بِخَطِّ أَبِيهِ أَيْ شَهَادَتِهِ عَلَى شَيْءٍ بِسَبَبِ رُؤْيَتِهِ بِخَطِّ أَبِيهِ قَالَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ: صُورَتُهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا مَاتَ فَوَجَدَ ابْنُهُ خَطَّ أَبِيهِ فِي صَكٍّ وَعَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُ خَطُّ أَبِيهِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ الصَّكِّ لِأَنَّ الِابْنَ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، لَكِنَّ هَذَا قَوْلٌ مَهْجُورٌ إلَخْ. قُلْت: وَزَادَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، أَوْ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ بِمَا فِي دِيوَانِهِ وَقَدْ نَسِيَ، وَبِشَهَادَةِ شَاهِدٍ عَلَى صَكٍّ لَمْ يَذْكُرْ مَا فِيهِ إلَّا أَنَّهُ يَعْرِفُ خَطَّهُ وَخَاتَمَهُ، أَوْ بِشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ عَلَى قَضِيَّةٍ مَخْتُومَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُقْرَأَ عَلَيْهِ وَبِقَضَاءِ الْمَرْأَةِ فِي حَدٍّ أَوْ قَوَدٍ اهـ لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْفُصُولَيْنِ بِنَفَاذِهِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَإِنَّمَا حُكِيَ خِلَافًا فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ، وَلَعَلَّهُ أَسْقَطَهَا مِنْ الْأَشْبَاهِ لِهَذَا، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. قَالَ: أَوْ فِي قَسَامَةٍ بِقَتْلٍ: أَيْ قُضِيَ فِيمَا فِيهِ الْقَسَامَةُ بِالْقَتْلِ. وَصُورَتُهُ كَمَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إذَا كَانَ بَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْقَتِيلِ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ عَدَاوَةٌ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَيْنَ دُخُولِهِ فِي الْمَحَلَّةِ وَوُجُودِ الْقَتِيلِ مُدَّةً قَرِيبَةً فَالْقَاضِي يُحَلِّفُ الْوَلِيَّ عَلَى دَعْوَاهُ؛ فَإِذَا حَلَفَ قُضِيَ لَهُ بِالْقِصَاصِ، وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، بَلْ فِيهِ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عِنْدَنَا قَالَ: أَوْ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِشَهَادَةِ الْمُرْضِعَةِ أَوْ قُضِيَ لِوَلَدِهِ أَيْ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ. أَمَّا لَوْ قُضِيَ بِشَهَادَةِ الِابْنِ لِأَبِيهِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ ثُمَّ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى بُطْلَانِهِ فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرَ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ السَّابِقَ عِنْدَهُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَنْفُذُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَرْفَعُهُ عِنْدَهُ فَلَمْ يَكُنْ قَضَاءً فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ. قَالَ: أَوْ رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ صَبِيٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ، أَيْ لَوْ قَضَى بِمَا حَكَمَ بِهِ هَؤُلَاءِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 493 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] لَا يَنْفُذُ لِأَنَّ حُكْمَهُمْ غَيْرُ نَافِذٍ. قَالَ: أَوْ الْحَاكِمُ بِحَجْرِ سَفِيهٍ، يَعْنِي لَوْ حَجَرَ الْقَاضِي عَلَى سَفِيهٍ فَأَطْلَقَهُ آخَرُ جَازَ وَبَطَلَ قَضَاءُ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ لِقَاضٍ ثَالِثٍ أَنْ يُنْفِذَهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ قَضَاءً بَلْ فَتْوًى لِعَدَمِ الْمَقْضِيِّ لَهُ، وَلَئِنْ كَانَ قَضَاءً فَنَفْسُهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مَا لَمْ يُمْضِهِ قَاضٍ آخَرُ كَمَا لَوْ قَضَى الْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ لَا يَكُونُ حُجَّةً مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْإِمْضَاءُ مِنْ قَاضٍ آخَرَ، هَذَا حَاصِلُ مَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ مِنْ بَابِ الْحَجْرِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ أَوْ الْحُكْمُ بِحَجْرِ سَفِيهٍ أَبْطَلَهُ قَاضٍ آخَرُ؛ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَوْ رُفِعَ إلَى ثَالِثٍ لَا يُنْفِذُهُ. أَمَّا لَوْ أَجَازَهُ الثَّانِي لَزِمَ الثَّالِثَ تَنْفِيذُهُ فَافْهَمْ. قَالَ: أَوْ بِصِحَّةِ بَيْعِ نَصِيبِ السَّاكِتِ مِنْ قِنٍّ حَرَّرَهُ أَحَدُهُمَا أَيْ حَرَّرَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مُعْسِرًا كَمَا فِي الْبَحْرِ: أَيْ لَوْ بَاعَ السَّاكِتُ نِصْفَهُ وَقَضَى الْقَاضِي بِهِ ثُمَّ اخْتَصَمُوا إلَى آخَرَ فَإِنَّهُ يُبْطِلُهُ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِدَامَةُ الرِّقِّ فِيهِ كَمَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ قَالَ: أَوْ بَيْعٌ مَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا: أَيْ عِنْدَ الثَّانِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ: وَقَالَا: يَنْفُذُ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ. قَالَ: أَوْ بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ. عَلَى الْأَظْهَرِ، وَقِيلَ: يَنْفُذُ عَلَى الْأَصَحِّ: أَيْ الْأَظْهَرُ عَدَمُ النَّفَاذِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ: ثُمَّ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ، وَبِهِ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ السَّابِقُ عِنْدَهُ كَمَا مَرَّ. وَعِنْدَهُمَا لَا يَرْتَفِعُ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ. وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى عَدَمِ النَّفَاذِ، وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ، فَرَاجِعْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. قَالَ: أَوْ بِبُطْلَانِ عَفْوِ الْمَرْأَةِ عَنْ الْقَوَدِ: أَيْ لَوْ قُتِلَ زَوْجُهَا أَوْ أَبُوهَا عَمْدًا فَعَفَتْ عَلَى الْقَاتِلِ فَأَبْطَلَهُ مَنْ لَا يَرَى لِلنِّسَاءِ حَقًّا فِي الْقِصَاصِ ثُمَّ قَبْلَ الْقَوَدِ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يُنْفِذُهُ وَيَحْكُمْ بِصِحَّةِ الْعَفْوِ وَبُطْلَانِ الْقَوَدِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْجُمْهُورِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَوَدِ فَالْقَاضِي الثَّانِي لَا يَتَعَرَّضُ بِشَيْءٍ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ غَيْرُ سَدِيدٍ بَلْ السَّدِيدُ أَنَّهُ بَعْدَ الْقَوَدِ يَلْزَمُهُ أَيْ الْقَائِدَ الْقِصَاصُ لَوْ عَالِمًا لِأَنَّهُ قَتَلَ شَخْصًا مَحْقُونَ الدَّمِ، وَلَوْ جَاهِلًا فَالدِّيَةُ. قَالَ: أَوْ بِصِحَّةِ ضَمَانِ الْخَلَاصِ، أَيْ بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ لِلْمُشْتَرِي: إنْ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ الْمُشْتَرَاةُ مِنْ يَدِك فَأَنَا ضَامِنٌ لَك اسْتِخْلَاصَهَا بِالْبَيْعِ أَوْ بِالْهِبَةِ وَأُسَلِّمُهَا إلَيْك، فَهَذَا الضَّمَانُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ ضَمِنَ مَا لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ، وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ يَصِحُّ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى قِيَاسٍ صَحِيحٍ فَالْقَضَاءُ بِهِ بَاطِلٌ. وَفَسَّرَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْخَلَاصَ بِالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ الدَّرَكُ وَالْعُهْدَةُ وَاحِدٌ عِنْدَهُمَا، وَحِينَئِذٍ فَالْقَضَاءُ بِهِ صَحِيحٌ وَإِذَا رُفِعَ إلَى آخَرَ لَا يُبْطِلُهُ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ. قَالَ: أَوْ بِزِيَادَةِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي مَعْلُومِ الْإِمَامِ مِنْ أَوْقَافِ الْمَسْجِدِ: أَيْ إذَا كَانَتْ بِلَا مُوجِبٍ وَإِلَّا فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي فُرُوعِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي زِيَادَةُ مَرْسُومِ الْإِمَامِ إذَا كَانَ يَتَعَطَّلُ الْمَسْجِدُ بِدُونِهَا، أَوْ كَانَ فَقِيرًا أَوْ عَالِمًا تَقِيًّا. قَالَ: أَوْ بِحِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الثَّانِي: أَيْ بِلَا دُخُولٍ كَمَا هُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، نَعَمْ فِي قَضَاءِ الْفَتْحِ عَنْ الْفُصُولِ: إذَا طَلَّقَهَا الثَّانِي بَعْدَ الدُّخُولِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَحَكَمَ بِصِحَّتِهِ نَفَذَ، إذْ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغٌ وَهُوَ صَرِيحُ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب: 49] الْآيَةَ، وَهُوَ مَذْهَبُ زُفَرَ اهـ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الطَّلَاقِ فَرَاجِعْهُ. قَالَ: أَوْ بِعَدَمِ مِلْكِ الْكَافِرِ مَالَ الْمُسْلِمِ بِإِحْرَازِهِ بِدَارِهِمْ، أَيْ دَارِ أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، فَكَانَ الْقَضَاءُ بِهِ مُخَالِفًا لِإِجْمَاعِهِمْ. قَالَ: أَوْ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ يَدًا بِيَدٍ: أَيْ لَوْ قَضَى بِبَيْعِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ مُتَفَاضِلًا مَعَ الْقَابِضِ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمْ يَصِحَّ إذْ لَمْ يُوَافِقْهُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ. قَالَ: أَوْ بِصِحَّةِ صَلَاةِ الْمُحْدِثِ، أَيْ لَوْ قَالَ: إنْ صَلَّيْت صَلَاةً صَحِيحَةً فَأَمْرُك بِيَدِك فَرَعَفَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ وَقَضَى قَاضٍ بِصِحَّتِهَا وَبِأَنَّهُ صَارَ أَمْرُ الْمَرْأَةِ بِيَدِهَا، فَلِلْحَنَفِيِّ إبْطَالُهُ لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرْطِ الْمَأْخُوذِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، " مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ " كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ عَنْ تَنْوِيرِ الْأَذْهَانِ فَتَأَمَّلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 494 الْأَوَّلُ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ مَشَايِخُنَا فِيهِ وَالثَّانِي مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالثَّالِثُ مَا لَا نَصَّ فِيهِ عَنْ الْإِمَامِ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ وَتَعَارَضَتْ فِيهِ تَصَانِيفُهُمْ.   [رد المحتار] قَالَ: أَوْ بِقَسَامَةٍ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّةٍ بِتَلَفِ الْمَالِ أَيْ إذَا تَلِفَ مَالُ إنْسَانٍ فِي مَحَلَّةٍ فَقَضَى بِضَمَانِهِمْ بِالْقَسَامَةِ قِيَاسًا عَلَى النَّفْسِ فَهُوَ بَاطِلٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْإِجْمَاعِ، فَلِلثَّانِي أَنْ يَنْقُضَهُ كَمَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ. قَالَ: أَوْ بِحَدِّ الْقَذْفِ بِالتَّعَرُّضِ، أَيْ كَقَوْلِهِ أَمَّا أَنَا فَلَسْت بِزَانٍ، وَقَالَ بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَهُوَ قَوْلٌ مَهْجُورٌ خَالَفَهُ فِيهِ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فَلِلْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يُبْطِلَهُ وَيَجْعَلَ ذَلِكَ الْمَحْدُودَ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ كَمَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ قَالَ: أَوْ بِالْقُرْعَةِ فِي مُعْتَقِ الْبَعْضِ: أَيْ فِي مَرِيضٍ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبِيدِهِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، لَكِنْ صَرَّحَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ بِنَفَاذِهِ، نَعَمْ نَقَلَ فِي تَنْوِيرِ الْأَذْهَانِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَنْفُذُ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْقُرْعَةِ نَوْعُ قِمَارٍ قَالَ: أَوْ بِعَدَمِ تَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ فِي مَالِهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا لَمْ يَنْفُذْ فِي الْكُلِّ: أَيْ فِي كُلِّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، هَذَا مَا حَرَّرْته مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَالْعِمَادِيَّةِ وَالصَّيْرَفِيَّةِ والتتارخانية اهـ كَلَامُ الْأَشْبَاهِ بِزِيَادَاتٍ تُوَضِّحُهُ مَعَ ذِكْرِ الْمَسَائِلِ الَّتِي زَادَهَا فِي الْبَحْرِ وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَقِبَ ذَلِكَ عَنْ السُّبْكِيّ أَنَّ الْقَضَاءَ يُنْقَضُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إذَا كَانَ حُكْمًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. مَطْلَبٌ مَا خَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَالْحُكْمُ بِهِ حُكْمٌ بِلَا دَلِيلٍ وَمَا خَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَهُوَ حُكْمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ نَصُّهُ فِي الْوَقْفِ نَصًّا أَوْ ظَاهِرًا اهـ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ مَشَايِخِنَا كَغَيْرِهِمْ، شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ. اهـ. (قَوْلُهُ الْأَوَّلُ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ مَشَايِخُنَا فِيهِ) أَيْ فِي نَقْضِهِ، وَكَذَا هُوَ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ بَعْدَهُ، وَأَرَادَ بِالْمَشَايِخِ الْإِمَامَ وَصَاحِبَيْهِ وَأَرَادَ بِالْأَصْحَابِ فِي قَوْلِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ الصَّاحِبَيْنِ ط. مَطْلَبٌ الْمُرَادُ بِأَصْحَابِنَا أَئِمَّتُنَا الثَّلَاثَةُ، وَبِالْمَشَايِخِ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْإِمَامَ قُلْت: لَكِنَّ الْمَشْهُورَ إطْلَاقُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَأَمَّا الْمَشَايِخُ فَفِي وَقْفِ النَّهْرِ عَنْ الْعَلَامَةِ قَاسِمٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ فِي الِاصْطِلَاحِ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْإِمَامَ (قَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ مَا لَا نَصَّ فِيهِ عَنْ الْإِمَامِ) أَيْ لَا نَصَّ فِيهِ ظَاهِرٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ الْآتِي فِي قِسْمِ الثَّالِثِ إذَا حَكَمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي الْأَمْوَالِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى حَاكِمٍ يَرَى خِلَافَهُ نَقَضَهُ عِنْدَ الثَّانِي، وَعَنْ الْإِمَامِ لَا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: وَتَعَارَضَتْ فِيهِ تَصَانِيفُهُمْ) أَيْ تَصَانِيفُ الْأَصْحَابِ بِمَعْنَى أَهْلِ الْمَذْهَبِ. مَطْلَبٌ قَضَايَا الْقُضَاةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: قَضَايَا الْقُضَاةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ حُكْمُهُ بِخِلَافِ نَصٍّ وَإِجْمَاعٍ وَهَذَا بَاطِلٌ، فَلِكُلٍّ مِنْ الْقُضَاةِ نَقْضُهُ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُجِيزَهُ. الثَّانِي حُكْمُهُ فِيمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ وَهُوَ يَنْفُذُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ. وَالثَّالِثُ حُكْمُهُ لِشَيْءٍ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْخِلَافُ بَعْدَ الْحُكْمِ فِيهِ: أَيْ يَكُونُ الْخِلَافُ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ فَقِيلَ: نَفَذَ وَقِيلَ: تَوَقَّفَ عَلَى إمْضَاءٍ آخَرَ، فَلَوْ أَمْضَاهُ يَصِيرُ كَالْقَاضِي الثَّانِي إذَا حَكَمَ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَلَيْسَ لِلثَّانِي نَقْضُهُ، فَلَوْ أَبْطَلَهُ الثَّانِي بَطَلَ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُجِيزَهُ. اهـ. ط وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 495 فَمِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ] إذَا بَاعَ دَارًا وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي وَاسْتُحِقَّتْ مِنْهُ وَتَعَذَّرَ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّهَا فَقُضِيَ عَلَى الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي بِدَارٍ مِثْلِهَا فِي الْمَوَاضِعِ وَالْخُطَّةِ وَالذَّرْعِ وَالْبِنَاءِ، كَقَوْلِ عُثْمَانَ الْبُسْتِيِّ: ثُمَّ رُفِعَ لِقَاضٍ آخَرَ أَبْطَلَهُ وَأَلْزَمَ بِرَدِّ الثَّمَنِ فَقَطْ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحْدَثَ بِنَاءً أَوْ غَرْسًا فَيُلْزِمْهُ بِقِيمَةِ ذَلِكَ مَعَ الثَّمَنِ. (وَمِنْهُ) حَاكِمٌ قَضَى بِبُطْلَانِ شُفْعَةِ الشَّرِيكِ ثُمَّ رُفِعَ لِقَاضٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَنْقُضُهُ وَيُثْبِتُ الشُّفْعَةَ لِلشَّرِيكِ لِمُخَالِفَتِهِ لِنَصِّ الْحَدِيثِ (وَمِنْهُ) الْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ إذَا قَذَفَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ثُمَّ رَفَعَ الْحَاكِمُ لِقَاضٍ آخَرَ لَا يَرَاهُ أَبْطَلَهُ (وَمِنْهُ) مَا لَوْ حَكَمَ أَعْمَى ثُمَّ رُفِعَ لِمَنْ لَمْ يَرَهُ نَقَضَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءُ فَوْقَهَا. (وَمِنْهُ) إذَا حَكَمَ بِشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ ثُمَّ رُفِعَ لِآخَرَ نَقَضَهُ لِأَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ، وَكَذَا مَا أَدَّاهُ النَّائِمُ فِي نَوْمِهِ. (وَمِنْهُ) الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ فِي شِجَاجِ الْحَمَّامِ وَرُفِعَ لِآخَرَ لَا يُمْضِيهِ (وَمِنْهُ) الْحُكْمُ بِإِجَارَةِ الْمَدْيُونِ فِي دَيْنِهِ لَا يَنْفُذُ (وَمِنْهُ) الْقَضَاءُ بِخَطِّ شُهُودٍ أَمْوَاتٍ لَا يَنْفُذُ   [رد المحتار] اللَّهُ - تَعَالَى - (قَوْلُهُ وَتَعَذَّرَ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّهَا) أَيْ إلَى الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ: فِي الْمَوَاضِعِ) أَيْ الْمَسَاكِنِ وَالْخُطَّةِ: أَيْ الْمَحَلَّةِ وَالذَّرْعِ أَيْ عَدَدِ الْأَذْرُعِ اهـ ح (قَوْلُهُ: كَقَوْلِ عُثْمَانَ الْبُسْتِيِّ) هَذَا خِلَافُ مَا فِي الزَّوَاهِرِ، فَإِنَّ الَّذِي فِيهَا أَنَّ عُثْمَانَ الْبُسْتِيَّ قَالَ: إذَا رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ أَبْطَلَهُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لِمُخَالَفَتِهِ لِنَصِّ الْحَدِيثِ) هُوَ مَا وَرَدَ. أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقْضِي بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ رَبْعٍ وَحَائِطٍ، فَلَا يُعْمَلُ بِخِلَافِ مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ط (قَوْلُهُ: إذَا قَضَى بَعْدَ ثُبُوتِهِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ أَيْ بَعْدَ أَنْ تَابَ وَهِيَ أَظْهَرُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِشَيْءٍ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي، لَكِنْ كُلٌّ مِنْ النُّسْخَتَيْنِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الزَّوَاهِرِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْمُحَشِّي أَبُو السُّعُودِ عَنْهَا. قُلْت: وَالصَّوَابُ قَبْلَ تَوْبَتِهِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَنْقُضُ وَلَا يُنْفِذُهُ أَحَدٌ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ، لِمَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ: وَأَمَّا الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ إذَا قَضَى قَبْلَ التَّوْبَةِ فَالْقَاضِي الثَّانِي يُبْطِلُ قَضَاءَهُ لَا مَحَالَةَ، حَتَّى لَوْ نَفَذَهُ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ ثَالِثٍ فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ قَاضِيًا بِالْإِجْمَاعِ فَكَانَ الْقَضَاءُ الثَّانِي مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ فَكَانَ بَاطِلًا، أَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَ التَّوْبَةِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ عِنْدَنَا، لَكِنْ لِقَاضٍ آخَرَ أَنْ يُنْفِذَهُ، حَتَّى لَوْ نَفَذَهُ ثُمَّ رُفِعَ إلَى ثَالِثٍ لَيْسَ لِلثَّالِثِ أَنْ يُبْطِلَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ مَا لَوْ حَكَمَ أَعْمَى إلَخْ) فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ أَمْضَى حُكْمَ الْأَعْمَى نَفَذَ إذْ فِي أَهْلِيَّةِ شَهَادَتِهِ خِلَافٌ ظَاهِرٌ، وَلَوْ رُفِعَ حُكْمُهُ إلَى قَاضٍ لَا يَرَى جَوَازَ قَضَائِهِ أَبْطَلَهُ: إذْ نَفْسُ الْحُكْمِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَارَّةِ آنِفًا عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ ثَانٍ، فَإِنْ أَمْضَاهُ الثَّانِي نَفَذَ فَلَيْسَ لِثَالِثٍ إبْطَالُهُ، وَإِنْ أَبْطَلَهُ الثَّانِي بَطَلَ، فَهُوَ نَظِيرُ حُكْمِ الْمَحْدُودِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَعَلِمْت مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ) عِلَّةٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَهُ ط. (قَوْلُهُ: وَكَذَا مَا أَدَّاهُ النَّائِمُ فِي نَوْمِهِ) يَعْنِي إذَا أَدَّى النَّائِمُ شَهَادَةً فَقَضَى بِهَا وَرُفِعَ لِقَاضٍ آخَرَ نَقَضَهُ ط (قَوْلُهُ: فِي شِجَاجِ الْحَمَّامِ) قَالَ الشَّارِحُ فِي الشَّهَادَاتِ: وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِيمَا يَقَعُ فِي الْمَلَاعِبِ، وَلَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا يَقَعُ فِي الْحَمَّامَاتِ وَإِنْ مَسَّتْ الْحَاجَةُ لِمَنْعِ الشَّرْعِ عَمَّا يَسْتَحِقُّ بِهِ السَّجْنَ وَمَلَاعِبَ الصِّبْيَانِ وَحَمَّامَاتِ النِّسَاءِ فَكَانَ التَّقْصِيرُ مُضَافًا إلَيْهِمْ لَا إلَى الشَّرْعِ بَزَّازِيَّةٌ وَصُغْرَى وَشُرُنْبُلَالِيُّ، لَكِنْ فِي الْحَاوِي: تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْقَتْلِ فِي الْحَمَّامِ بِحُكْمِ الدِّيَةِ لِئَلَّا يُهْدَرَ الدَّمُ اهـ فَلْيُتَنَبَّهْ عِنْدَ الْفَتْوَى. اهـ. ط (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الْحُكْمُ بِإِجَارَةِ الْمَدْيُونِ فِي دَيْنِهِ) أَيْ لَوْ حَكَمَ لِلدَّائِنِ بِأَنْ يُؤَخِّرَ مَدْيُونَهُ لِيَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ مِنْ أُجْرَتِهِ لَا يَنْفُذُ لِمُخَالَفَتِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] نَعَمْ، قَالُوا: إنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ يَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ بِدَفْعِ الْفَاضِلِ. هَذَا وَقَدْ أَسْقَطَ الشَّارِحُ مِنْ عِبَارَةِ الزَّوَاهِرِ مَسْأَلَةً قَبْلَ هَذِهِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَمِنْهُ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: كُلِي أَوْ اشْرَبِي يُرِيدُ الطَّلَاقَ فَقَضَى عَلَيْهِ الْقَاضِي بِذَلِكَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ رُفِعَ إلَى مَنْ لَا يَرَاهُ نَقَضَهُ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الْقَضَاءُ بِخَطِّ شُهُودٍ أَمْوَاتٍ) لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهِ بِالشَّهَادَةِ فَالْحُكْمُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 496 (وَمِنْهُ) الْقَضَاءُ بِجَوَازِ بَيْعِ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ نَسِيئَةً. (وَمِنْهُ) الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْأَسْفَارِ فِي الْوَصِيَّةِ ثُمَّ رُفِعَ لِمَنْ لَا يَرَاهُ نَقَضَهُ (وَمِنْهُ) إذَا قَضَى بِشَيْءٍ ثُمَّ رُفِعَ لِآخَرَ فَنَقَضَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ النَّقْضِ أُمْضِيَ النَّقْضُ (وَمِنْهُ) إذَا بَاعَ رَجُلٌ مِنْ آخَرَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ مُدَّةٌ ثُمَّ ظَهَرَ فِيهِ عَيْبٌ لَمْ يُقِرَّ الْبَائِعُ بِهِ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَهُ فَرَدَّهُ الْقَاضِي عَلَى الْبَائِعِ ثُمَّ رُفِعَ حُكْمُهُ لِآخَرَ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ الرَّدَّ وَيُعِيدُهُ لِلْمُشْتَرِي. (وَمِنْهُ) إذَا حَكَمَ بِتَحْرِيمِ بِنْتِ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا ثُمَّ رُفِعَ لِحَاكِمٍ آخَرَ أَبْطَلَ حُكْمَهُ الْأَوَّلَ لِمُخَالَفَتِهِ لِنَصِّ {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] الْآيَةَ. . [وَمِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي] إذَا اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ عَلَى قَوْلَيْنِ ثُمَّ أَخَذَ النَّاسُ بِأَحَدِ قَوْلَيْهِمْ وَتَرَكُوا الْآخَرَ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِالْمَتْرُوكِ لَمْ يُنْقَضْ عِنْدَهُ خِلَافًا لِلثَّانِي (وَمِنْهُ) إذَا وَطِئَ أُمَّ امْرَأَتِهِ وَحُكِمَ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ ثُمَّ رُفِعَ لِآخَرَ يَرَى خِلَافَهُ لَمْ يُبْطِلْهُ ثُمَّ إنْ كَانَ الزَّوْجُ جَاهِلًا فَهُوَ فِي سَعَةٍ، وَإِنْ عَالِمًا لَا يَحِلُّ لَهُ الْمُقَامُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يُحَلِّلُ وَلَا يُحَرِّمُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي الْمُنْتَقَى فِي رَجُلٍ وَطِئَ أُمَّ امْرَأَتِهِ فَقَضَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْرُمُ ثُمَّ رُفِعَ لِآخَرَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَذَكَرَ ذَلِكَ مُطْلَقًا، فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُهُ أَوْ قَوْلُ الْإِمَامِ لِمُخَالَفَتِهِ لِنَصِّ {وَلا تَنْكِحُوا} [النساء: 22] وَهُوَ الْوَطْءُ.   [رد المحتار] بِالْخَطِّ حُكْمٌ بِلَا شَهَادَةٍ فَهُوَ بَاطِلٌ (قَوْلُهُ: نَسِيئَةً) وَكَذَا مَعَ التَّفَاضُلِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: نَقَضَهُ) لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ: أَمْضَى النَّقْضَ) عِبَارَةُ الزَّوَاهِرِ ثُمَّ رُفِعَ النَّقْضُ إلَى آخَرَ أَمْضَى النَّقْضَ اهـ أَيْ حَمْلًا لِحُكْمِهِ بِالنَّقْضِ عَلَى الصِّحَّةِ، بِأَنْ عَلِمَ النَّاقِضُ أَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ بَاطِلٌ فَعَدَّ هَذِهِ هُنَا بِالنَّظَرِ إلَى هَذَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: ثُمَّ ظَهَرَ فِيهِ عَيْبٌ) قَيَّدَهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ بِالْجُنُونِ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: يَرُدُّ الْعَبْدَ بِهِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ نُقْصَانٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَيَكُونُ مِنْ عِنْدِ الْبَائِعِ. (قَوْلُهُ: الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا) صِفَةٌ لِلْمَرْأَةِ (قَوْلُهُ: الْآيَةَ) تَتِمَّتُهَا {مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] . (قَوْلُهُ: لَمْ يُنْقَضْ عِنْدَهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) كَذَا فِي الزَّوَاهِرِ. وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْعِبَارَةَ مَقْلُوبَةٌ وَالصَّوَابُ يُنْقَضُ عِنْدَهُ بِإِسْقَاطِ لَمْ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُوَ الْمَسْأَلَةُ الْأُصُولِيَّةُ، وَهِيَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ اللَّاحِقَ هَلْ يَرْفَعُ الْخِلَافَ السَّابِقَ؟ فَعِنْدَهُمَا لَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَعَمْ، فَإِذَا حَكَمَ بِالْقَوْلِ الْمَتْرُوكِ أَيْ الَّذِي تَرَكَهُ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ، فَعِنْدَهُمَا لَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ لِعَدَمِ ارْتِفَاعِ الْخِلَافِ السَّابِقِ فَكَانَ حُكْمًا فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُنْقَضُ لِارْتِفَاعِ الْخِلَافِ فَيَكُونُ حُكْمًا مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ وَمِثْلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ شَهَادَةِ الِابْنِ لِأَبِيهِ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَمِنْ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ إذَا وَطِئَ أُمَّ امْرَأَتِهِ إلَخْ) فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ: لَوْ وَطِئَ أُمَّ امْرَأَتِهِ أَوْ بِنْتَهَا فَخَاصَمَتْهُ زَوْجَتُهُ إلَى قَاضٍ يَرَى أَنَّ الْحَرَامَ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ فَقَضَى بِهَا لِزَوْجِهَا ثُمَّ رَفَعَتْهُ إلَى قَاضٍ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ يُحَرِّمُهَا عَلَى زَوْجِهَا فَلَيْسَ لِلثَّانِي أَنْ يُبْطِلَ قَضَاءَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ الصَّحَابَةُ وَالْعُلَمَاءُ، فَإِذَا قَضَى نَفَذَ قَضَاؤُهُ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِذَا قَضَى الثَّانِي بِخِلَافِهِ كَانَ قَضَاؤُهُ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ، ثُمَّ هَلْ يَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْمُقَامُ مَعَهَا، فَلَوْ جَاهِلًا وَقَضَى بِالْمَرْأَةِ لَهُ حَلَّ بِلَا شُبْهَةٍ لَا لَوْ قَضَى بِتَحْرِيمِهَا وَلَوْ عَالِمًا؟ فَإِنْ قَضَى عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ هُوَ لَا يَرَى تَحْرِيمَهَا وَالْقَاضِي قَضَى بِتَحْرِيمِهَا نَفَذَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا؟ وَإِنْ قَضَى لَهُ بِأَنْ كَانَ هُوَ يَرَى تَحْرِيمَهَا وَقَضَى لَهُ بِحِلِّهَا، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَذَلِكَ، وَعِنْدَهُمَا يَحِلُّ اهـ مُلَخَّصًا. وَرَأَيْت بِهَامِشِهِ بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ فَإِذَا قَضَى نَفَذَ قَضَاؤُهُ بِالْإِجْمَاعِ مَا نَصُّهُ: ذَكَرَ فِي الْوَاقِعَاتِ الصُّغْرَى أَنَّ نَفَاذَ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْفُذُ وَلِلثَّانِي أَنْ يُبْطِلَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْفُذُ وَلَيْسَ لِلثَّانِي ذَلِكَ، فَكَانَ النَّفَاذُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ مَوْقُوفًا عَلَى قَضَاءٍ ثَانٍ بِصِحَّةِ قَضَاءِ الْأَوَّلِ اهـ وَرَأَيْت نَحْوَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ حِكَايَةِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَالِمًا لَا يَحِلُّ لَهُ الْمُقَامُ) أَيْ إنْ عَالِمًا بِحُرْمَتِهَا مُعْتَقِدًا لَهَا وَقُضِيَ لَهُ بِالْحِلِّ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ ذَلِكَ مُطْلَقًا) أَيْ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ (قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُهُ) أَيْ مَذْهَبُ صَاحِبِ الْمُنْتَقَى (قَوْلُهُ أَوْ قَوْلُ الْإِمَامِ) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ: لِمُخَالَفَتِهِ لِنَصِّ {وَلا تَنْكِحُوا} [النساء: 22] أَيْ {مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 497 (وَمِنْهُ) إذَا قَضَى بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ غَلَطًا وَوَافَقَ قَوْلَ مُجْتَهِدٍ ثُمَّ رُفِعَ لِآخَرَ أَمْضَاهُ عِنْدَ الْإِمَامِ. وَقَالَا: يَنْقُضُهُ لِأَنَّهُ غَلَطٌ وَالْغَلَطُ لَيْسَ بِمُجْتَهَدٍ فِيهِ (وَمِنْهُ) الْمَدْيُونُ إذَا حُبِسَ لَا يَكُونُ حَبْسُهُ حَجْرًا عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ: حَجْرٌ، فَلَوْ حَكَمَ بِهِ ثُمَّ رُفِعَ لِآخَرَ نَقَضَهُ. وَقَالَا: يُنْفِذُهُ، فَلَوْ حَكَمَ الثَّانِي بِهِ نَفَذَ وَلَا يُنْقَضُ. . [وَمِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ] إذَا حَكَمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي الْأَمْوَالِ ثُمَّ رُفِعَ لِحَاكِمٍ يَرَى خِلَافَهُ نَقَضَهُ عِنْدَ الثَّانِي. وَعَنْ الْإِمَامِ لَا لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ (وَمِنْهُ) إذَا قَضَى بِشَهَادَةِ الْأَبِ لِابْنِهِ أَوْ جَدِّهِ ثُمَّ رُفِعَ لِآخَرَ لَا يَرَاهُ أَمْضَاهُ عِنْدَ الثَّانِي، وَيَنْقُضُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ (وَمِنْهُ) إذَا تَزَوَّجَ الزَّانِي بِابْنَتِهِ مِنْ الزِّنَا وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِحِلِّ ذَلِكَ ثُمَّ رُفِعَ لِمَنْ لَا يَرَاهُ أَبْطَلَهُ لِأَنَّهُ مِمَّا يَسْتَشْنِعُهُ النَّاسُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. (وَمِنْهُ) رَجُلٌ أَعْتَقَ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتِقُ وَلَا وَارِثَ لَهُ، ثُمَّ قَضَى الْقَاضِي بِمِيرَاثِهِ لِلْمُعْتَقِ ثُمَّ رُفِعَ لِحَاكِمٍ آخَرَ نَقَضَهُ وَجَعَلَ مَالَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَلَا يَلْزَمُ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ بِالْعَقْدِ وَهُوَ قَائِمٌ بِهِمَا فَاسْتَوَيَا كَالزَّوْجِيَّةِ،   [رد المحتار] وَهَذَا لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى مَا قَبْلَهُ، بَلْ إنَّمَا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَعِبَارَتُهُ: وَلَوْ قُضِيَ بِجَوَازِ نِكَاحِ مَزْنِيَّةِ الْأَبِ لِلِابْنِ أَوْ الِابْنِ لِلْأَبِ لَا يَنْعَقِدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذْ الْحَادِثَةُ نُصَّ عَلَيْهَا فِي الْكِتَابِ اهـ ط. [مَطْلَبٌ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ] ِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ إذَا قَضَى بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ إلَخْ) فِي قَضَاءِ الْبَحْرِ: لَوْ قَضَى فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَاسِيًا نَفَذَ عِنْدَهُ. وَفِي الْعَامِدِ رِوَايَتَانِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ. وَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ. قَالَ: فِي الْفَتْحِ: وَالْوَجْهُ الْآنَ أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ التَّارِكَ لِمَذْهَبِهِ عَمْدًا لَا يَفْعَلُهُ إلَّا لِهَوًى بَاطِلٍ، وَأَمَّا النَّاسِي فَلِأَنَّ الْمُقَلِّدَ مَا قَلَّدَهُ إلَّا لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِهِ لَا بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ، فَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَإِنَّمَا وَلَّاهُ لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَمْلِكُ الْمُخَالَفَةَ فَيَكُونَ مَعْزُولًا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ. اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ حَجْرٌ) أَيْ الْحَبْسُ حَجْرٌ ط. قُلْت: وَالْقَاسِمُ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، أَخَذَ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ كَمَا فِي طَبَقَاتِ عَبْدِ الْقَادِرِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ حَكَمَ الثَّانِي) أَيْ الْحَاكِمُ الثَّانِي بِأَنَّهُ حَجْرٌ نَفَذَ وَلَا يُنْقَضُ، مُفَادُهُ أَنَّ هَذَا مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ الْأَقْسَامِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: إذَا حَكَمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ) قَالَ: فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: ذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ يَنْفُذُ وَفِي بَعْضِهَا لَا يَنْفُذُ، وَفِي أَقْضِيَةِ الْجَامِعِ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ. اهـ. ط (قَوْلُهُ: وَعَنْ الْإِمَامِ لَا) تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ لَا نَصَّ فِيهِ عَنْ الْإِمَامِ وَتَقَدَّمَ جَوَابُهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِمَّا يَسْتَشْنِعُهُ النَّاسُ) أَيْ يَعُدُّونَهُ أَمْرًا شَنِيعًا لِأَنَّهَا بِنْتُهُ حَقِيقَةً وَلُغَةً لِوُجُودِ الْجُزْئِيَّةِ، وَإِنَّمَا قَطَعَ الشَّرْعُ نِسْبَتَهَا إلَيْهِ فَقَطْ، إذْ الْجُزْئِيَّةُ لَا تَنْتَفِي بِالزِّنَا ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا، وَمُقْتَضَى عَدِّهِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ وُجُودُ الْخِلَافِ فِيهِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتِقُ) بِكَسْرِ التَّاءِ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ بِفَتْحِهَا ط (قَوْلُهُ: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ) لِأَنَّ إنَّمَا تُفِيدُ قَصْرَ الْوَلَاءِ عَلَى مَنْ أَعْتَقَ، وَمِنْ أَحْكَامِ الْوَلَاءِ الْإِرْثُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ) أَيْ لَا يَلْزَمُنَا أَنْ نَقُولَ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ كَذَلِكَ: أَيْ إنَّهُ يَكُونُ إرْثُهُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَقَطْ كَمَا قُلْنَا فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ لِأَنَّهُ: أَيْ الْوَلَاءَ الْمَفْهُومَ مِنْ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ مُسْتَحَقٌّ بِالْعَقْدِ لِأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَعْقِدَ رَجُلَانِ مَجْهُولَا النَّسَبِ عَقْدَ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ عَنْ غَيْرِ وَارِثٍ وَرِثَهُ الْآخَرُ وَهَذَا الْعَقْدُ قَائِمٌ بِهِمَا أَيْ وُجِدَ مِنْهُمَا فَيَتَوَارَثَانِ بِهِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ فَإِنَّ سَبَبَهُ الْإِعْتَاقُ وَهُوَ قَائِمٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 498 فَاغْتَنِمْ هَذَا الْمَقَامَ فَإِنَّهُ مِنْ جَوَاهِرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ: بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.   [رد المحتار] بِالْمُعْتَقِ فَقَطْ كَالزَّوْجِيَّةِ فَإِنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِيرَاثِ وَالْإِرْثُ ثَابِتٌ بِهَا مِنْ الطَّرَفَيْنِ لِقِيَامِ عَقْدِهَا بِهِمَا مَعًا فَيَتَوَارَثَانِ بِهَا وَإِنْ اخْتَلَفَ مِقْدَارُ الْإِرْثِ بِهَا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهِيَ تَفْضِيلُ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ بِذُكُورَتِهِ وَكَوْنِهِ قَوَّامًا عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: فَاغْتَنِمْ هَذَا الْمَقَامَ) أَيْ فُزْ بِهِ بِلَا مَشَقَّةٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، حَيْثُ قَالَ: غَنِمَ بِالْكَسْرِ غُنْمًا بِالضَّمِّ وَبِالْفَتْحِ وَبِالتَّحْرِيكِ وَغَنِيمَةً وَغُنْمَانًا بِالضَّمِّ: الْفَوْزُ بِالشَّيْءِ بِلَا مَشَقَّةٍ اهـ وَالِاغْتِنَامُ افْتِعَالٌ مِنْهُ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى مَا عَلَّمَ وَفَهَّمَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَبَارَكَ وَسَلَّمَ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ الْمُعَظَّمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ فِي سِلْكِهِ انْتَظَمَ، لَا سِيَّمَا إمَامُنَا الْأَعْظَمُ، وَقُدْوَتُنَا الْمُقَدَّمُ، وَأَصْحَابُهُ وَمَشَايِخُ مَذْهَبِهِ الْمُحْكَمِ، وَأَتْبَاعُهُمْ ذَوُو الْمَقَامِ الْأَفْخَمِ وَالْمُصَنِّفُ ذُو الْفَضْلِ الْمُسَلَّمِ، وَالشَّارِحُ الَّذِي أَتْقَنَ مَسَائِلَهُ وَأَحْكَمَ، وَوَالِدِينَا وَمَشَايِخُنَا وَأَهَالِينَا وَمَنْ أَسْدَى إلَيْنَا مَعْرُوفًا وَأَكْرَمَ {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف: 15] وَتَقَبَّلْ مِنِّي هَذَا الْعَمَلَ، وَبَلِّغْنِي فِي إكْمَالِهِ غَايَةَ الْأَمَلِ، وَجَنِّبْنِي فِيهِ عَنْ الْخَطَإِ وَالْخَلَلِ، وَاجْعَلْهُ سَبَبًا لِغُفْرَانِ الذَّنْبِ وَالزَّلَلِ، وَلِحُسْنِ الْخِتَامِ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْأَجَلِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 499 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْبُيُوعِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ شَرَعَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الْمُعَامَلَاتِ. وَمُنَاسَبَتُهُ لِلْوَقْفِ إزَالَةُ الْمِلْكِ لَكِنْ لَا إلَى مَالِكٍ وَهُنَا إلَيْهِ فَكَانَا كَبَسِيطٍ وَمُرَكَّبٍ وَجُمِعَ لِكَوْنِهِ بِاعْتِبَارِ كُلٍّ مِنْ الْبَيْعِ وَالْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ   [رد المحتار] [كِتَابُ الْبُيُوعِ] ِ (قَوْلُهُ: لَمَّا فَرَغَ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ جُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَ وَجُمْلَةِ مَا يَأْتِي مَعَ بَيَانِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ خُصُوصِ الْوَقْفِ وَالْبَيْعِ، وَالْمُرَادُ بِالْعِبَادَاتِ مَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا فِي الْأَصْلِ تَقَرُّبَ الْعَبْدِ إلَى الْمَلِكِ الْمَعْبُودِ، وَنَيْلَ الثَّوَابِ وَالْجُودِ، كَالْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ وَنَحْوِهَا وَبِالْمُعَامَلَاتِ مَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا فِي الْأَصْلِ قَضَاءَ مَصَالِحِ الْعِبَادِ كَالْبَيْعِ وَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ وَنَحْوِهَا وَكَوْنُ الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا لِعَارِضٍ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ، كَمَا لَا تَخْرُجُ الصَّلَاةُ مَعَ الرِّيَاءِ عَنْ كَوْنِ أَصْلِ الصَّلَاةِ عِبَادَةً. ثُمَّ إنْ مَا تَقَدَّمَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْعِبَادَاتِ بَلْ هُوَ حُقُوقُهُ - تَعَالَى -، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: عِبَادَاتٌ وَعُقُوبَاتٌ، وَكَفَّارَاتٌ، فَالْمُعَامَلَاتُ فِي مُقَابَلَةِ حُقُوقِهِ - تَعَالَى -: وَأَرَادَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ لَا يَخْفَى شُرُوعُهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ مِنْ زَمَانٍ فَإِنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اللُّقَطَةِ وَاللَّقِيطِ وَالْمَفْقُودِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ. قَالَ: فِي النَّهْرِ: وَكَانَ النِّكَاحُ أَوْلَى بِالذِّكْرِ مِنْ اللَّقِيطِ وَنَحْوِهِ. اهـ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ النِّكَاحَ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ لَكِنَّهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَيْضًا، بَلْ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْهُ الْعِبَادَاتُ، وَهِيَ تَحْصِينُ النَّفْسِ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَتَكْثِيرُ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ قَالُوا: إنَّ التَّخَلِّيَ لَهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِلنَّوَافِلِ. وَقَدْ يُقَالُ الْأَوْلَى إيرَادُ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ اللُّقَطَةِ وَاللَّقِيطِ أَيْ الْتِقَاطِهِمَا مَنْدُوبٌ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَقَدْ يَجِبُ فَلِذَا ذُكِرَ فِي حُقُوقِهِ - تَعَالَى -، وَكَذَا رَدُّ الْآبِقِ. وَأَمَّا الْمَفْقُودُ فَإِنَّهُ ذُكِرَ فِيهَا لِمُنَاسَبَةٍ اقْتَضَتْهُ، وَكَذَا اللُّقَطَةُ وَنَحْوِهَا وَالشَّرِكَةُ، وَكَمَا ذَكَرُوا فِي الْمُعَامَلَاتِ بَعْضَ الْعِبَادَاتِ كَالْأُضْحِيَّةِ لِمُنَاسَبَتِهَا لِلذَّبَائِحِ، وَالْقَرْضِ لِمُنَاسَبَتِهِ لِلْبَيْعِ تَأَمَّلْ (قَوْلَهُ: لَكِنْ لَا إلَى مَالِكٍ) أَيْ الْإِزَالَةُ فِي الْوَقْفِ لَا تَنْتَهِي إلَى مَالِكٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ مُلْكِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَهَذَا قَوْلُهُمَا. وَقَالَ: الْإِمَامُ: هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ ط (قَوْلُهُ فَكَانَا كَبَسِيطٍ وَمُرَكَّبٍ) أَيْ وَالْبَسِيطُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُرَكَّبِ فِي الْمَوْجُودِ فَقُدِّمَ عَلَيْهِ فِي الذِّكْرِ. قَالَ: ط: وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ مُرَكَّبًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْإِزَالَةَ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهَا تَرْكِيبٌ، (قَوْلُهُ: وَجَمَعَ إلَخْ) لَمَّا كَانَ الْبَيْعُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرًا وَالْمَصْدَرُ لَا يُجْمَعُ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْحَدَثِ كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَقَدْ جَمَعَهُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ أَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْمَفْعُولُ فَجُمِعَ بِاعْتِبَارِهِ كَمَا يُجْمَعُ الْمَبِيعُ، أَيْ فَإِنَّ أَنْوَاعَ الْمَبِيعَاتِ كَثِيرَةٌ مُخْتَلِفَةٌ أَوْ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِهِ مُرَادًا بِهِ الْمَعْنَى لَكِنَّهُ جُمِعَ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ. 1 - فَإِنَّ الْبَيْعَ الَّذِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 500 أَنْوَاعًا أَرْبَعَةً: نَافِذٌ مَوْقُوفٌ فَاسِدٌ بَاطِلٌ، وَمُقَايَضَةٌ صَرْفٌ سَلَمٌ مُطْلَقٌ مُرَابَحَةٌ تَوْلِيَةٌ، وَضِيعَةٌ مُسَاوَمَةٌ. (هُوَ) لُغَةً: مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ مَالًا أَوْ لَا   [رد المحتار] هُوَ الْحَدَثُ إنْ اُعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَهُوَ أَرْبَعَةٌ: نَافِذٌ إنْ أَفَادَهُ الْحُكْمُ لِلْحَالِ، وَمَوْقُوفٌ إنْ أَفَادَهُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ، وَفَاسِدٌ إنْ أَفَادَهُ عِنْدَ الْقَبْضِ، وَبَاطِلٌ إنْ لَمْ يُفِدْ أَصْلًا وَإِنْ اُعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِالْمَبِيعِ فَهُوَ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَقَعَ عَلَى عَيْنٍ بِعَيْنٍ، أَوْ ثَمَنٍ بِثَمَنٍ، أَيْ يَكُونُ الْمَبِيعُ فِيهِ مِنْ الْأَثْمَانِ: أَيْ النُّقُودِ، أَوْ ثَمَنٍ بِعَيْنٍ، أَوْ عَيْنٍ بِثَمَنٍ، وَيُسَمَّى الْأَوَّلُ مُقَايَضَةً، وَالثَّانِي صَرْفًا، وَالثَّالِثُ سَلَمًا، وَلَيْسَ لِلرَّابِعِ اسْمٌ خَاصٌّ، فَهُوَ بَيْعٌ مُطْلَقٌ. وَإِنْ اُعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِالثَّمَنِ أَوْ بِمِقْدَارِهِ فَهُوَ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةٍ فَمُرَابَحَةٌ، أَوْ بِدُونِ زِيَادَةٍ فَتَوْلِيَةٌ، أَوْ أُنْقِصَ مِنْ الثَّمَنِ فَوَضِيعَةٌ، أَوْ بِدُونِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ فَمُسَاوَمَةٌ، وَزَادَ فِي الْبَحْرِ خَامِسًا وَهُوَ الْإِشْرَاكُ: أَيْ أَنْ يُشْرِكَ غَيْرَهُ فِيمَا اشْتَرَاهُ: أَيْ بِأَنْ يَبِيعَهُ نِصْفَهُ مَثَلًا، وَتَرَكَهُ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ الْأَرْبَعَةِ وَقَدْ يُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِوَصْفِ الثَّمَنِ كَكَوْنِهِ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ لَكَ أَنَّ قَوْلَهُ بِاعْتِبَارِ كُلٍّ مِنْ الْبَيْعِ وَالْمَبِيعِ لَيْسَ الْمُرَادُ اعْتِبَارَ الْمَبِيعِ وَحْدَهُ أَيْ بِدُونِ تَعَلُّقِ بَيْعٍ بِهِ، حَتَّى يَرِدَ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، فَإِنَّ جَمْعَ الْبَيْعِ بَاقِيًا عَلَى مَصْدَرِيَّتِهِ نَظَرًا إلَى أَنْوَاعِهِ حَقِيقَةٌ، بِخِلَافِ جَمْعِهِ مَنْقُولًا إلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ فَإِنَّهُ مَجَازٌ. وَوَجْهُ عَدَمِ الْوُرُودِ أَنَّ الْمُرَادَ جَمْعُهُ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَتِهِ، لَكِنْ نَظَرًا إلَى ذَاتِهِ مُنْفَرِدًا أَوْ مُتَعَلِّقًا بِغَيْرِهِ لَا مَنْقُولًا إلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: أَنْوَاعًا أَرْبَعَةٌ) خَبَرُ الْكَوْنِ، وَقَوْلُهُ: نَافِذٌ إلَخْ، بَيَانٌ لِلْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ، وَقَدْ عَلِمْتَ بَيَانَهَا. ثُمَّ إنَّ تَقْسِيمَ الْأَوَّلِ إلَى مَا ذُكِرَ هُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْحَاوِي، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ مِنْ قِسْمِ الصَّحِيحِ، وَهُوَ أَحَدُ طَرِيقَيْنِ لِلْمَشَايِخِ، وَهُوَ الْحَقُّ. وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ قَسِيمًا لِلصَّحِيحِ وَعَلَيْهِ مَشَى الزَّيْلَعِيُّ فَإِنَّهُ قَسَّمَهُ إلَى صَحِيحٍ وَبَاطِلٍ وَفَاسِدٍ وَمَوْقُوفٍ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ الْبَحْرِ، وَيَأْتِي قَرِيبًا اسْتِثْنَاءُ بَيْعِ الْمُكْرَهِ (قَوْلُهُ: هُوَ لُغَةً مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ) أَيْ عَلَى وَجْهِ الْمُبَادَلَةِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهَا بَدَلَ الْمُقَابَلَةِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ، وَظَاهِرُهُ شُمُولُ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ شَيْءٌ بِاعْتِبَارِ الشَّرْعِ أَنَّهَا مَوْجُودَةٌ حَتَّى صَحَّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا بِالْمَالِ، وَكَذَا بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ فِي تَعْرِيفِ الْمَالِ وَالْمِلْكِ وَالْمُتَقَوِّمِ (قَوْلُهُ: مَالًا أَوْ لَا) إلَخْ، الْمُرَادُ بِالْمَالِ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ وَيُمْكِنُ ادِّخَارُهُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ، وَالْمَالِيَّةُ تَثْبُتُ بِتَمَوُّلِ النَّاسِ كَافَّةً أَوْ بَعْضِهِمْ، وَالتَّقَوُّمُ يَثْبُتُ بِهَا وَبِإِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ شَرْعًا؛ فَمَا يُبَاحُ بِلَا تَمَوُّلٍ لَا يَكُونُ مَالًا كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ وَمَا يُتَمَوَّلُ بِلَا إبَاحَةِ انْتِفَاعٍ لَا يَكُونُ مُتَقَوِّمًا كَالْخَمْرِ، وَإِذَا عُدِمَ الْأَمْرَانِ لَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَالدَّمِ بَحْرٌ مُلَخَّصًا عَنْ الْكَشْفِ الْكَبِيرِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَالَ أَعَمُّ مِنْ الْمُتَمَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَا يُمْكِنُ ادِّخَارُهُ وَلَوْ غَيْرَ مُبَاحٍ كَالْخَمْرِ، وَالْمُتَقَوِّمُ مَا يُمْكِنُ ادِّخَارُهُ مَعَ الْإِبَاحَةِ، فَالْخَمْرُ مَالٌ لَا مُتَقَوِّمٌ، فَلِذَا فَسَدَ الْبَيْعُ بِجَعْلِهَا ثَمَنًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا بِجَعْلِهَا مَبِيعًا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بَلْ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَقْصُودِ، إذْ الِانْتِفَاعُ بِالْأَعْيَانِ لَا بِالْأَثْمَانِ، وَلِهَذَا اُشْتُرِطَ وُجُودُ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ، فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ صَارَ الثَّمَنُ مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُوطِ بِمَنْزِلَةِ آلَاتِ الصُّنَّاعِ وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي فَصْلِ النَّهْيِ مِنْ التَّلْوِيحِ. وَمِنْ هَذَا قَالَ: فِي الْبَحْرِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ وَإِنْ كَانَ مَبْنَاهُ عَلَى الْبَدَلَيْنِ لَكِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْمَبِيعُ دُونَ الثَّمَنِ؛ وَلِذَا تُشْتَرَطُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 501 بِدَلِيلِ {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ، وَيُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا وَبِمِنْ لِلتَّأْكِيدِ وَبِاللَّامِ، يُقَالُ: بِعْتُكَ الشَّيْءَ وَبِعْتُ لَكَ فَهِيَ زَائِدَةٌ قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّاعِ، وَبَاعَ عَلَيْهِ الْقَاضِي: أَيْ بِلَا رِضَاهُ. وَشَرْعًا: (مُبَادَلَةُ شَيْءٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ بِمِثْلِهِ) خَرَجَ غَيْرُ الْمَرْغُوبِ كَتُرَابٍ وَمَيْتَةٍ وَدَمٍ   [رد المحتار] الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ وَيَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ. اهـ. وَفِي التَّلْوِيحِ أَيْضًا مِنْ بَحْثِ الْقَضَاءِ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ مِلْكٌ لَا مَالٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُتَصَرَّفَ فِيهِ بِوَصْفِ الِاخْتِصَاصِ، وَالْمَالَ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُدَّخَرَ لِلِانْتِفَاعِ وَقْتَ الْحَاجَةِ، وَالتَّقْوِيمُ يَسْتَلْزِمُ الْمَالِيَّةَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْمِلْكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: الْمَالُ اسْمٌ لِغَيْرِ الْآدَمِيِّ، خُلِقَ لِمَصَالِحِ الْآدَمِيِّ وَأُمْكِنَ إحْرَازُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ، وَالْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ حَقِيقَةً حَتَّى لَا يَجُوزَ قَتْلُهُ وَإِهْلَاكُهُ. اهـ. قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الْمُنْتَفَعَ بِهِ فِي التَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ، وَالْقَتْلُ وَالْإِهْلَاكُ لَيْسَ بِانْتِفَاعٍ؛ وَلِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمَالِ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِمَا يَصْلُحُ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ إهْلَاكُ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ بِلَا انْتِفَاعٍ أَصْلًا كَقَتْلِ الدَّابَّةِ بِلَا سَبَبٍ مُوجِبٍ (قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] أَيْ بَاعُوهُ: أَيْ إخْوَةُ يُوسُفَ بِثَمَنٍ نَاقِصٍ، وَقِيلَ: بَاعُوهُ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا، فَالْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْمَبِيعِ فِيهِ مَالًا؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يُمْلَكُ. قُلْتُ: وَفِيهِ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَسْتَرِقُّونَ الْأَحْرَارَ وَيَبِيعُونَهُمْ، فَلَا تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ لُغَةً لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمَالِيَّةُ، عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحُرَّ يُمْلَكُ قَبْلَ شَرْعِنَا، بِدَلِيلِ - {قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} [يوسف: 75]- ثُمَّ رَأَيْتُ ذَلِكَ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْحُرَّ كَانَ مَالًا فِي شَرِيعَةِ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَتَّى اُسْتُرِقَّ السَّارِقُ كَمَا فِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ. اهـ. فَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِمِثْلِ - {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} [التوبة: 111]- {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ} [التوبة: 111]- {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} [البقرة: 16]- وَنَحْوَهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ دَعْوَى الْمَجَازِ فِي ذَلِكَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَافْهَمْ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ تَعْرِيفَهُ لُغَةً بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْمُحِيطِ أَوْلَى مِمَّا فِي الْفَتْحِ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ لُغَةً مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ النِّكَاحُ، إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْمُقَابَلَةِ مَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ حَقِيقَةً تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ) أَيْ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُطْلَقُ عَلَى الشَّيْءِ وَعَلَى ضِدِّهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} [الكهف: 79]- أَيْ قُدَّامَهُمْ. قَالَ: فِي الْفَتْحِ: يُقَالُ بَاعَهُ إذَا أَخْرَجَ الْعَيْنَ مِنْ مِلْكِهِ إلَيْهِ، وَبَاعَهُ أَيْ اشْتَرَاهُ. اهـ. وَكَذَا الشِّرَاءُ بِدَلِيلِ - {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20]- فَيُطْلَقُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ. وَفِي الْمِصْبَاحِ: وَالْبَيْعُ مِنْ الْأَضْدَادِ مِثْلُ الشِّرَاءِ وَيُطْلَقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَنَّهُ بَائِعٌ، لَكِنْ إذَا أُطْلِقَ الْبَائِعُ فَالْمُتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ بَاذِلُ السِّلْعَةِ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا) أَيْ بِنَفْسِهِ إلَى مَفْعُولَيْنِ (قَوْلُهُ: وَبِمِنْ لِلتَّأْكِيدِ) كَبِعْتُ مِنْ زَيْدٍ الدَّارَ، وَظَاهِرُ الْفَتْحِ أَنَّهَا لِلتَّعْدِيَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَيَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَبِالْحَرْفِ (قَوْلُهُ: وَبِاللَّامِ) أَيْ قَلِيلًا. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْقَطَّاعِ عَلَى مَا فِي الْمِصْبَاحِ: وَرُبَّمَا دَخَلَتْ اللَّامُ مَكَانَ مِنْ، تَقُولُ: بِعْتُكَ الشَّيْءَ وَبِعْتُ لَكَ فَهِيَ زَائِدَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُقَالُ بِعْتُكَ الشَّيْءَ) مِثَالٌ لِلْمُتَعَدِّي بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ مِثَالَ التَّعَدِّي بِمِنْ (قَوْلُهُ: وَبَاعَ عَلَيْهِ الْقَاضِي) أَفَادَ أَنَّهُ يَتَعَدَّى بِعَلَى أَيْضًا فِي مَقَامِ الْإِجْبَارِ وَالْإِلْزَامِ (قَوْلُهُ: مُبَادَلَةُ شَيْءٍ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى مَفْعُولِهِ الْأَوَّلِ وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ، وَالْأَصْلُ أَنْ يَتَبَادَلَ الْمُتَبَايِعَانِ شَيْئًا مَرْغُوبًا فِيهِ بِمِثْلِهِ، فَشَيْئًا مَفْعُولٌ أَوَّلٌ وَبِمِثْلِهِ مَفْعُولٌ ثَانٍ بِوَاسِطَةِ الْحَرْفِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: مَرْغُوبٍ فِيهِ) أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ تَرْغَبَ إلَيْهِ النَّفْسُ وَهُوَ الْمَالُ؛ وَلِذَا احْتَرَزَ بِهِ الشَّارِحُ عَنْ التُّرَابِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ، فَرَجَعَ إلَى قَوْلِ الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى: مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ؛ وَلِذَا فَسَّرَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُلْتَقَى فِي شَرْحِهِ بِقَوْلِهِ: أَيْ تَمْلِيكُ شَيْءٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ بِشَيْءٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ، فَقَدْ تَسَاوَى التَّعْرِيفَانِ فَافْهَمْ، نَعَمْ زَادَ فِي الْكَنْزِ بِالتَّرَاضِي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 502 عَلَى وَجْهٍ) مُفِيدٍ. (مَخْصُوصٍ) أَيْ بِإِيجَابٍ أَوْ تَعَاطٍ، فَخَرَجَ التَّبَرُّعُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ، وَخَرَجَ بِمُفِيدٍ مَا لَا يُفِيدُ،   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْمُكْرَهِ وَالْمَوْقُوفِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَخْرُجُ بَيْعُ الْمُكْرَهِ مَعَ أَنَّهُ مُنْعَقِدٌ، وَأَجَابَ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ بِأَنَّ مَنْ ذَكَرَهُ أَرَادَ تَعْرِيفَ الْبَيْعِ النَّافِذِ، وَمَنْ تَرَكَهُ أَرَادَ الْأَعَمَّ، وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ فَاسِدٌ مَوْقُوفٌ لَا مَوْقُوفٌ فَقَطْ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ شَارِحِ النُّقَايَةِ. قُلْتُ: لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَوْقُوفَ مِنْ قِسْمِ الصَّحِيحِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ كَذَلِكَ لَكِنْ صَرَّحُوا فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَ الْقَبْضِ لِلْفَسَادِ، فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ فَاسِدٌ وَإِنْ خَالَفَ بَقِيَّةَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ فِي أَرْبَعِ صُوَرٍ سَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ وَأَفَادَ فِي الْمَنَارِ وَشَرْحِهِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا لِعَدَمِ الرِّضَا الَّذِي هُوَ شَرْطُ النَّفَاذِ، وَأَنَّهُ بِالْإِجَازَةِ يَصِحُّ وَيَزُولُ الْفَسَادُ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى الْإِجَازَةِ صِحَّتُهُ، فَصَحَّ كَوْنُهُ فَاسِدًا مَوْقُوفًا، وَظَهَرَ أَنَّ الْمَوْقُوفَ مِنْهُ فَاسِدٌ كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ، وَمِنْهُ صَحِيحٌ كَبَيْعِ عَبْدٍ أَوْ صَبِيٍّ مَحْجُورَيْنِ، وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ سَتَأْتِي فِي بَابِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ مُطْلَقًا بَيْعٌ حَقِيقَةً، وَالْفَاسِدَ بَيْعٌ أَيْضًا وَإِنْ تَوَقَّفَ حُكْمُهُ، وَهُوَ الْمِلْكُ عَلَى الْقَبْضِ، فَلَا يُنَاسِبُ ذِكْرَ التَّرَاضِي فِي التَّعْرِيفِ؛ وَلِذَا قَالَ: فِي الْفَتْحِ: إنَّ التَّرَاضِيَ لَيْسَ جُزْءَ مَفْهُومِ الْبَيْعِ الشَّرْعِيِّ، بَلْ شَرْطُ ثُبُوتِ حُكْمِهِ شَرْعًا. اهـ. أَيْ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جُزْءَ مَفْهُومِهِ شَرْعًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ بَاطِلًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ فَاسِدٌ كَمَا عَلِمْت. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ شَامِلٌ لِلْفَاسِدِ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ حَقِيقَةً، وَإِنْ تَوَقَّفَ حُكْمُهُ عَلَى الْقَبْضِ، فَالتَّقْيِيدُ بِالتَّرَاضِي لِإِخْرَاجِ بَعْضِ الْفَاسِدِ، وَهُوَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ غَيْرَ مَرْضِيٍّ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُرَادُ تَعْرِيفَ مُطْلَقِ الْبَيْعِ يَكُونُ غَيْرَ جَامِعٍ لِخُرُوجِ هَذَا مِنْهُ، وَإِنْ أُرِيدَ تَعْرِيفُ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ فَلَيْسَ بِمَانِعٍ لِدُخُولِ أَكْثَرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ فِيهِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَشْفِ وَالتَّلْوِيحِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ مَعَ أَنَّ بَيْعَهُ بَاطِلٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِهِ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ، وَمَرَّ الْفَرْقُ. وَأَمَّا مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ مَالٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَالِ الْمُتَقَوِّمَ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ، وَحِينَئِذٍ فَيَرِدُ عَلَى تَعْرِيفِ الْمُصَنِّفُ كَالْكَنْزِ فَافْهَمْ. وَيَرِدُ عَلَى تَعْرِيفِ الْمُصَنِّفُ فَقَطْ الْإِجَارَةُ وَالنِّكَاحُ. قَالَ: ط: فَإِنَّ فِيهِمَا مُبَادَلَةَ مَالٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ بِمَرْغُوبٍ فِيهِ، وَلَا يَخْرُجَانِ بِقَوْلِهِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَالتَّعَاطِي. اهـ. إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَرْغُوبِ فِيهِ الْمَالُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ أَوَّلًا، وَالْمَنْفَعَةُ غَيْرُ الْمَالِ كَمَا مَرَّ، أَوْ يُقَالُ: إنَّ الْمُبَادَلَةَ هِيَ التَّمْلِيكُ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الدِّرَايَةِ: أَيْ التَّمْلِيكُ الْمُطْلَقُ وَالْمَنْفَعَةُ فِي الْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ مَمْلُوكَةٌ مِلْكًا مُقَيَّدًا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهٍ مُفِيدٍ) هَذَا التَّقْيِيدُ غَيْرُ مُفِيدٍ، إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ أَخْرَجَ مَا لَا يُفِيدُ كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ اتَّحَدَ وَزْنًا وَصِفَةً وَهُوَ فَاسِدٌ، وَقَدْ عَلِمْتَ شُمُولَ التَّعْرِيفِ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْفَاسِدِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي إخْرَاجِ نَوْعٍ مِنْهُ كَمَا قُلْنَاهُ فِي بَيْعِ الْمُكْرَهِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ بَيْعُ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمِ بَاطِلًا فَهُوَ تَقْيِيدٌ مُفِيدٌ، لَكِنَّ بُطْلَانَهُ بَعِيدٌ لِوُجُودِ الْمُبَادَلَةِ بِالْمَالِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَيْ بِإِيجَابٍ أَوْ تَعَاطٍ) بَيَانٌ لِلْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ، وَأَرَادَ الْإِيجَابَ مَا يَكُونُ بِالْقَوْلِ بِدَلِيلِ الْمُقَابَلَةِ فَيَشْمَلُ الْقَبُولَ، وَإِلَّا لَمْ يَخْرُجْ التَّبَرُّعُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا قَالَهُ ط فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَخَرَجَ التَّبَرُّعُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إلَخْ) قَالَ: الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ: وَلَمَّا كَانَ هَذَا يَشْمَلُ مُبَادَلَةَ رَجُلَيْنِ بِمَالِهِمَا بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ أَوْ الْهِبَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 503 فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ اسْتَوَيَا وَزْنًا وَصِفَةً، وَلَا مُقَايَضَةُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّةَ دَارِهِ بِحِصَّةِ الْآخَرِ صَيْرَفِيَّةٌ وَلَا إجَارَةُ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى أَشْبَاهٌ (وَيَكُونُ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، أَمَّا الْقَوْلُ فَالْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) وَهُمَا رُكْنُهُ وَشَرْطُهُ أَهْلِيَّةُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ   [رد المحتار] بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ ابْتِدَاءً وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِهِ بَقَاءً، أَرَادَ إخْرَاجَ ذَلِكَ فَقَالَ: عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ. اهـ. قُلْتُ: وَهَذَا صَرِيحٌ فِي دُخُولِهِمَا تَحْتَ الْمُبَادَلَةِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي النَّهْرِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَوْ تَبَرَّعَ لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ الرَّجُلُ عَوَّضَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ آخَر بِلَا شَرْطٍ فَهُوَ تَبَرُّعٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَعَ الْمُبَادَلَةِ لَكِنْ مِنْ جَانِبِ الثَّانِي، وَهَذَا يُوجَدُ كَثِيرًا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ يَبْعَثُ إِلَيْهَا مَتَاعًا وَتَبْعَثُ لَهُ أَيْضًا وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ هِبَةٌ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ الْعَارِيَّةَ رَجَعَ وَلَهَا أَيْضًا الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهَا قَصَدَتْ التَّعْوِيضَ عَنْ هِبَةٍ، فَلَمَّا لَمْ تُوجَدْ الْهِبَةُ بِدَعْوَى الْعَارِيَّةِ لَمْ يُوجَدْ التَّعْوِيضُ عَنْهَا فَلَهَا الرُّجُوعُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْهِبَةِ، وَكَذَا لَوْ وَهَبَهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْهُ شَيْئًا مَعِيبًا فَهُوَ هِبَةٌ ابْتِدَاءً مَعَ وُجُودِ الْمُبَادَلَةِ الْمَشْرُوطَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: اسْتَوَيَا وَزْنًا) أَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَوِيَا فِيهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِرِبَا الْفَضْلِ لَا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَقَوْلُهُ: " وَصِفَةً " خَرَجَ مَا اخْتَلَفَا فِيهَا مَعَ اتِّحَادِ الْوَزْنِ كَكَوْنِ أَحَدِهِمَا كَبِيرًا وَالْآخَرِ صَغِيرًا أَوْ أَحَدِهِمَا أَسْوَدَ وَالْآخَرِ أَبْيَضَ. قُلْتُ: وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ مِنْ الذَّخِيرَةِ: بَاعَ دِرْهَمًا كَبِيرًا بِدِرْهَمٍ صَغِيرٍ أَوْ دِرْهَمًا جَيِّدًا بِدِرْهَمٍ رَدِيءٍ جَازَ؛ لِأَنَّ لَهُمَا فِيهِ غَرَضًا صَحِيحًا، أَمَّا إذَا كَانَا مُسْتَوِيَيْنِ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، قَالَ: بَعْضُ الْمَشَايِخِ: لَا يَجُوزُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْحَاكِمُ الْإِمَامُ أَبُو أَحْمَدَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا مُقَايَضَةُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ) أَيْ الْمُسْتَوِيَيْنِ: وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالشَّرِيكَيْنِ أَنَّ الدَّارَ مُشَاعَةٌ بَيْنَهُمَا، أَمَّا لَوْ كَانَتْ حِصَّةُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَفْرُوزَةً عَنْ الْأُخْرَى فَالظَّاهِرُ جَوَازُ الْمُقَايَضَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ رَغْبَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا فِي يَدِ الْآخَرِ فَهُوَ بَيْعٌ مُفِيدٌ، بِخِلَافِ الْمُشَاعَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلَا إجَارَةَ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى) ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَعْدُومَةٌ فَيَكُونُ بَيْعُ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ نَسِيئَةً، وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَنْ حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ. (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ) أَيْ الْبَيْعُ مِنَحٌ، وَالْأَظْهَرُ إرْجَاعُ الضَّمِيرِ إلَى قَوْلِهِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، فَهُوَ بَيَانٌ لَهُ وَإِلَّا كَانَ تَكْرَارًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَهُمَا رُكْنُهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَيُحْتَمَلُ إرْجَاعُهُ لِلْقَوْلِ وَالْفِعْلِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْبَحْرِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: رُكْنُهُ الْمُبَادَلَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ رُكْنَهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ الدَّالَّانِ عَلَى التَّبَادُلِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مِنْ التَّعَاطِي، فَرُكْنُهُ الْفِعْلُ الدَّالُّ عَلَى الرِّضَا بِتَبَادُلِ الْمِلْكَيْنِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ. اهـ. وَأَرَادَ بِالْفِعْلِ أَوَّلًا مَا يَشْمَلُ فِعْلَ اللِّسَانِ، وَبِالْفِعْلِ ثَانِيًا غَيْرَهُ، وَقَوْلُهُ: الدَّالُّ عَلَى الرِّضَا: أَيْ بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهِ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَا يُنَافِي الرِّضَا كَإِكْرَاهٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ غَيْرُ الْبَيْعِ مَعَ أَنَّ رُكْنَ الشَّيْءِ عَيْنُهُ، وَإِذَا أَرْجَعْنَا الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: وَيَكُونُ إلَى قَوْلِهِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ لَا يَرِدُ ذَلِكَ، وَكَذَا إذَا أُرِيدَ بِالْبَيْعِ حُكْمُهُ وَهُوَ الْمِلْكُ، وَهَاهُنَا أَبْحَاثٌ رَائِقَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ أَهْلِيَّةِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) أَيْ بِكَوْنِهِمَا عَاقِلَيْنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ. مَطْلَبٌ: شَرَائِطُ الْبَيْعِ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ شَرَائِطَ الْبَيْعِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: شَرْطُ انْعِقَادٍ وَنَفَاذٍ وَصِحَّةٍ وَلُزُومٍ. فَالْأَوَّلُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: فِي الْعَاقِدِ، وَفِي نَفْسِ الْعَقْدِ، وَفِي مَكَانِهِ، وَفِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَشَرَائِطُ الْعَاقِدِ اثْنَانِ: الْعَقْلُ وَالْعَدَدُ، فَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ، وَلَا وَكِيلٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، إلَّا فِي الْأَبِ وَوَصِيِّهِ وَالْقَاضِي، وَشِرَاءُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ بِأَمْرِهِ، وَالرَّسُولِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْبُلُوغُ وَلَا الْحُرِّيَّةُ، فَيَصِحُّ بَيْعُ الصَّبِيِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 504 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] أَوْ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ مَوْقُوفًا وَلِغَيْرِهِ نَافِذًا، وَلَا الْإِسْلَامُ وَالنُّطْقُ وَالصَّحْوُ. وَشَرْطُ الْعَقْدِ اثْنَانِ أَيْضًا: مُوَافَقَةُ الْإِيجَابِ لِلْقَبُولِ، فَلَوْ قَبِلَ غَيْرَ مَا أَوْجَبَهُ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ بِغَيْرِ مَا أَوْجَبَهُ أَوْ بِبَعْضِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ إلَّا فِي الشُّفْعَةِ بِأَنْ بَاعَ عَبْدًا وَعَقَارًا فَطَلَبَ الشَّفِيعُ الْعَقَارَ وَحْدَهُ، وَكَوْنُهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي. وَشَرْطُ مَكَانِهِ وَاحِدٌ، وَهُوَ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ. وَشَرْطُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ سِتَّةٌ: كَوْنُهُ مَوْجُودًا مَالًا مُتَقَوِّمًا مَمْلُوكًا فِي نَفْسِهِ، وَكَوْنُ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ فِيمَا يَبِيعُهُ لِنَفْسِهِ، وَكَوْنُهُ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعُ الْمَعْدُومِ وَمَا لَهُ خَطَرُ الْعَدَمِ كَالْحَمْلِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالثَّمَرِ قَبْلَ ظُهُورِهِ وَهَذَا الْعَبْدُ فَإِذَا هُوَ جَارِيَةٌ، وَلَا بَيْعُ الْحُرِّ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَلَا بَيْعُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فِي حَقِّ مُسْلِمٍ وَكِسْرَةِ خُبْزٍ؛ لِأَنَّ أَدْنَى الْقِيمَةِ الَّتِي تُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْبَيْعِ فَلْسٌ، وَلَا بَيْعُ الْكَلَأِ وَلَوْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ، وَالْمَاءِ فِي النَّهْرِ أَوْ بِئْرٍ، وَالصَّيْدِ وَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ مَمْلُوكًا لَهُ وَإِنْ مَلَكَهُ بَعْدَهُ، إلَّا السَّلَمُ وَالْمَغْصُوبُ لَوْ بَاعَهُ الْغَاصِبُ ثُمَّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَبَيْعُ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّهُ مُنْعَقِدٌ مَوْقُوفٌ، وَبَيْعُ الْوَكِيلِ، فَإِنَّهُ نَافِذٌ، وَلَا بَيْعُ مَعْجُوزِ التَّسْلِيمِ كَالْآبِقِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْبَحْرِ إنْ كَانَ فِي يَدِهِ فَصَارَتْ شَرَائِطُ الِانْعِقَادِ أَحَدَ عَشَرَ. قُلْتُ: صَوَابُهُ تِسْعَةٌ. 1 - وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ شَرَائِطُ النَّفَاذِ فَاثْنَانِ: الْمِلْكُ أَوْ الْوِلَايَةُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي الْبَيْعِ حَقٌّ لِغَيْرِ الْبَائِعِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعُ الْفُضُولِيِّ عِنْدَنَا، أَمَّا شِرَاؤُهُ فَنَافِذٌ. قُلْتُ: أَيْ لَمْ يَنْعَقِدْ إذَا بَاعَهُ لِأَجْلِ نَفْسِهِ لَا لِأَجْلِ مَالِكِهِ لَكِنَّهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ. وَالصَّحِيحُ انْعِقَادُهُ مَوْقُوفًا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ. وَالْوِلَايَةُ إمَّا بِإِنَابَةِ الْمَالِكِ كَالْوَكَالَةِ، وَالشَّارِعِ كَوِلَايَةِ الْأَبِ ثُمَّ وَصِيِّهِ ثُمَّ الْجَدِّ ثُمَّ وَصِيِّهِ ثُمَّ الْقَاضِي ثُمَّ وَصِيِّهِ، وَلَا يَنْفُذُ بَيْعُ مَرْهُونٍ وَمُسْتَأْجَرٍ، وَلِلْمُشْتَرِي فَسْخُهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ لَا لِمُرْتَهِنٍ وَمُسْتَأْجِرٍ. 1 - وَأَمَّا الثَّالِثُ: وَهُوَ شَرَائِطُ الصِّحَّةِ فَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ: مِنْهَا عَامَّةٌ وَمِنْهَا خَاصَّةٌ، فَالْعَامَّةُ لِكُلِّ بَيْعٍ شُرُوطُ الِانْعِقَادِ الْمَارَّةُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَنْعَقِدُ لَا يَصِحُّ، وَعَدَمُ التَّوْقِيتِ، وَمَعْلُومِيَّةُ الْمَبِيعِ، وَمَعْلُومِيَّةُ الثَّمَنِ بِمَا يَرْفَعُ الْمُنَازَعَةَ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ شَاةٍ مِنْ هَذَا الْقَطِيعِ وَبَيْعُ الشَّيْءِ بِقِيمَتِهِ، أَوْ بِحُكْمِ فُلَانٍ وَخُلُوُّهُ عَنْ شَرْطٍ مُفْسِدٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالرِّضَا وَالْفَائِدَةِ، فَفَسَدَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ وَشِرَاؤُهُ وَبَيْعُ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَشِرَاؤُهُ كَمَا مَرَّ، وَالْخَاصَّةُ مَعْلُومَةُ الْأَجَلِ فِي الْبَيْعِ الْمُؤَجَّلِ ثَمَنُهُ، وَالْقَبْضُ فِي بَيْعِ الْمُشْتَرَى الْمَنْقُولِ، وَفِي الدَّيْنِ، فَفَسَدَ بَيْعُ الدَّيْنِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ، وَرَأْسُ الْمَالِ وَبَيْعُ شَيْءٍ بِدَيْنٍ عَلَى غَيْرِ الْبَائِعِ وَكَوْنُ الْبَدَلِ مُسَمًّى فِي الْمُبَادَلَةِ الْقَوْلِيَّةِ، فَإِنَّ سَكَتَ عَنْهُ فَسَدَ وَمَلَكَ بِالْقَبْضِ، وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا، وَالْخُلُوُّ عَنْ شُبْهَةٍ، وَوُجُودُ شَرَائِطِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَالْقَبْضُ فِي الصَّرْفِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، وَعِلْمُ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فِي مُرَابَحَةٍ، وَتَوْلِيَةٍ وَإِشْرَاكٍ وَوَضِيعَةٍ. وَأَمَّا الرَّابِعُ، وَهُوَ شَرَائِطُ اللُّزُومِ بَعْدَ الِانْعِقَادِ وَالنَّفَاذِ فَخُلُوُّهُ مِنْ الْخِيَارَاتِ الْأَرْبَعَةِ الْمَشْهُورَةِ وَبَاقِي الْخِيَارَاتِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 505 وَمَحَلُّهُ الْمَالُ. وَحُكْمُهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ. وَحِكْمَتُهُ نِظَامُ بَقَاءِ الْمَعَاشِ وَالْعَالَمِ. وَصِفَتُهُ: مُبَاحٌ مَكْرُوهٌ حَرَامٌ وَاجِبٌ. وَثُبُوتُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ (فَالْإِيجَابُ) هُوَ: (مَا يُذْكَرُ أَوَّلًا مِنْ كَلَامِ) أَحَدِ (الْمُتَعَاقِدَيْنِ) وَالْقَبُولُ مَا يُذْكَرُ ثَانِيًا مِنْ الْآخَرِ سَوَاءٌ كَإِنْ بِعْت أَوْ اشْتَرَيْت   [رد المحتار] الْآتِيَةِ فِي أَوَّلِ بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ، فَقَدْ صَارَتْ جُمْلَةُ الشَّرَائِطِ سِتَّةً وَسَبْعِينَ. اهـ. مُلَخَّصًا أَيْ؛ لِأَنَّ شَرَائِطَ الِانْعِقَادِ أَحَدَ عَشَرَ عَلَى مَا قَالَهُ أَوَّلًا وَشَرَائِطَ النَّفَاذِ اثْنَانِ، وَشَرَائِطَ الصِّحَّةِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ صَارَتْ ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثِينَ، وَهِيَ كُلُّهَا شَرَائِطُ اللُّزُومِ مَعَ زِيَادَةِ الْخُلُوِّ مِنْ الْخِيَارَاتِ، لَكِنْ بِذَلِكَ تَصِيرُ الْجُمْلَةُ سَبْعَةً وَسَبْعِينَ، نَعَمْ تَنْقُصُ ثَمَانِيَةً عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ شَرَائِطَ الِانْعِقَادِ تِسْعَةٌ فَيَسْقُطُ مِنْهَا اثْنَانِ، وَمِنْ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ اثْنَانِ، وَمِنْ شَرَائِطِ اللُّزُومِ أَرْبَعَةٌ فَتَصِيرُ الْجُمْلَةُ تِسْعَةً وَسِتِّينَ نَعَمْ يُزَادُ فِي شُرُوطِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُرِيَاهُ الْإِشَارَةَ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَكَانِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَشَرْطُ الصِّحَّةِ مَعْرِفَةُ قَدْرِ مَبِيعٍ وَثَمَنٍ. (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهُ الْمَالُ) فِيهِ نَظَرٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ مَعَ أَنَّ بَيْعَهُ بَاطِلٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، فَكَانَ عَلَيْهِ إبْدَالُهُ بِالْمُتَقَوِّمِ وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْمَالِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ، فَيَخْرُجُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ أَصْلًا كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَمَا كَانَ مَالًا غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ كَالْخَمْرِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَحَلٌّ لِلْبَيْعِ. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ) أَيْ فِي الْبَدَلَيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي بَدَلٍ، وَهَذَا حُكْمُهُ الْأَصْلِيُّ، وَالتَّابِعُ وُجُوبُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ، وَوُجُوبُ اسْتِبْرَاءِ الْجَارِيَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَمِلْكُ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَثُبُوتُ الشُّفْعَةِ لَوْ عَقَارًا، وَعِتْقُ الْمَبِيعِ لَوْ مُحَرَّمًا مِنْ الْبَائِعِ بَحْرٌ، وَصَوَابُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ: وَحِكْمَتُهُ نِظَامُ بَقَاءِ الْمَعَاشِ وَالْعَالَمِ) حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ: بَقَاءُ نِظَامِ الْمَعَاشِ إلَخْ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَلَقَ الْعَالَمَ عَلَى أَتَمِّ نِظَامٍ وَأَحْكَمَ أَمْرَ مَعَاشِهِ أَحْسَنَ إحْكَامٍ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إذَا لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ لِنَفْسِهِ كُلَّ مَا يَحْتَاجُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَغَلَ بِحَرْثِ الْأَرْضِ وَبَذْرِ الْقَمْحِ وَخِدْمَتِهِ وَحِرَاسَتِهِ وَحَصْدِهِ وَدِرَاسَتِهِ وَتَذْرِيَتِهِ وَتَنْظِيفِهِ وَطَحْنِهِ وَعَجْنِهِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَشْتَغِلَ بِيَدِهِ مَا يَحْتَاجُ ذَلِكَ مِنْ آلَاتِ الْحِرَاثَةِ وَالْحَصْدِ وَنَحْوِهِ فَضْلًا عَنْ اشْتِغَالِهِ فِيمَا يَحْتَاجُهُ مِنْ مَلْبَسٍ وَمَسْكَنٍ فَاضْطُرَّ إلَى شِرَاءِ ذَلِكَ، وَلَوْلَا الشِّرَاءُ لَكَانَ يَأْخُذُهُ بِالْقَهْرِ أَوْ السُّؤَالِ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا قَاتَلَ صَاحِبَهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَتِمُّ مَعَ ذَلِكَ بَقَاءُ الْعَالَمِ. (قَوْلُهُ: مُبَاحٌ) هُوَ مَا خَلَا عَنْ أَوْصَافِ مَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: مَكْرُوهٌ) كَالْبَيْعِ بَعْدَ النِّدَاءِ فِي الْجُمُعَةِ. (قَوْلُهُ: حَرَامٌ) كَبَيْعِ خَمْرٍ لِمَنْ يَشْرَبُهَا. (قَوْلُهُ: وَاجِبٌ) كَبَيْعِ شَيْءٍ لِمَنْ يُضْطَرَّ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةِ) فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَاعَ وَاشْتَرَى وَأَقَرَّ أَصْحَابَهُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ وَالْمَعْقُولِ اهـ. ح؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ يَجْزِمُ الْعَقْلُ بِثُبُوتِهِ كَبَاقِي الْأُمُورِ الضَّرُورِيَّةِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهَا انْتِظَامُ مَعَاشِهِ وَبَقَائُهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: فَالْإِيجَابُ إلَخْ) هَذِهِ الْفَاءُ الْفَصِيحَةُ وَهِيَ الْمُفْصِحَةُ عَنْ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ: أَيْ إذَا أَرَدْتُ مَعْرِفَةَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ الْمَذْكُورَيْنِ. وَفِي الْفَتْحِ: الْإِيجَابُ الْإِثْبَاتُ لُغَةً لِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ، وَالْمُرَادُ هُنَا إثْبَاتُ الْفِعْلِ الْخَاصِّ وَالدَّالِّ عَلَى الرِّضَا الْوَاقِعِ أَوَّلًا سَوَاءٌ وَقَعَ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي، كَأَنْ يَبْتَدِئَ الْمُشْتَرِي فَيَقُولَ اشْتَرَيْتُ مِنْكَ هَذَا بِأَلْفٍ، وَالْقَبُولُ الْفِعْلُ الثَّانِي، وَإِلَّا فَكُلٌّ مِنْهُمَا إيجَابٌ: أَيْ إثْبَاتٌ فَسَمَّى الثَّانِيَ بِالْقَبُولِ تَمْيِيزًا لَهُ عَنْ الْإِثْبَاتِ الْأَوَّلِ؛ وَلِأَنَّهُ يَقَعُ قَبُولًا وَرِضًا بِفِعْلِ الْأَوَّلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْقَبُولُ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَالْقَبُولُ بِالْفَاءِ، فَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى تَعْرِيفِ الْإِيجَابِ؛ وَلِذَا قَالَ: الْمُصَنِّفُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْإِيجَابَ مَا ذُكِرَ أَوَّلًا عُلِمَ أَنَّ الْقَبُولَ هُوَ مَا ذُكِرَ ثَانِيًا مِنْ كَلَامِ أَحَدِهِمَا أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: مَا يُذْكَرُ ثَانِيًا مِنْ الْآخَرِ) أَيْ مِنْ الْعَاقِدِ الْآخَرِ وَالتَّعْبِيرُ بِ يُذْكَرُ لَا يَشْمَلُ الْفِعْلَ، وَعَرَّفَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ الْفِعْلُ الثَّانِي كَمَا مَرَّ، وَقَالَ: لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ اللَّفْظِ، فَإِنَّ مِنْ الْفُرُوعِ مَا لَوْ قَالَ: كُلُّ هَذَا الطَّعَامِ بِدِرْهَمٍ فَأَكَلَهُ تَمَّ الْبَيْعُ وَأَكْلُهُ حَلَالٌ، وَالرُّكُوبُ وَاللُّبْسُ بَعْدَ قَوْلِ الْبَائِعِ ارْكَبْهَا بِمِائَةٍ وَالْبَسْهُ بِكَذَا رِضًا بِالْبَيْعِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 506 الدَّالُ عَلَى التَّرَاضِي) قُيِّدَ بِهِ اقْتِدَاءً بِالْآيَةِ وَبَيَانًا لِلْبَيْعِ الشَّرْعِيِّ، وَلِذَا لَمْ يَلْزَمْ بَيْعُ الْمُكْرَهِ وَإِنْ انْعَقَدَ، وَلَمْ يَنْعَقِدْ مَعَ الْهَزْلِ لِعَدَمِ الرِّضَا بِحُكْمِهِ مَعَهُ.   [رد المحتار] مَطْلَبٌ الْقَبُولُ قَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ وَلَيْسَ مِنْ صُوَرِ التَّعَاطِي وَكَذَا إذَا قَالَ: بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ فَقَبَضَهُ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا كَانَ قَبْضُهُ قَبُولًا، بِخِلَافِ بَيْعِ التَّعَاطِي، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إيجَابٌ بَلْ قَبْضٌ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ فَقَطْ، فَفِي جَعْلِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صُوَرِ التَّعَاطِي كَمَا فَعَلَ بَعْضُهُمْ نَظَرٌ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْقَبْضَ يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ، وَعَلَيْهِ فَتَعْرِيفُ الْقَبُولِ بِالْقَوْلِ لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ. (قَوْلُهُ: الدَّالُّ عَلَى التَّرَاضِي) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الرِّضَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ؛ لِأَنَّ التَّرَاضِيَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِيجَابُ وَحْدُهُ بَلْ هُوَ مَعَ الْقَبُولِ أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ: قُيِّدَ بِهِ اقْتِدَاءً بِالْآيَةِ) وَهِيَ قَوْله تَعَالَى - {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]-. (قَوْلُهُ: وَبَيَانًا لِلْبَيْعِ الشَّرْعِيِّ) اسْتَظْهَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ التَّرَاضِيَ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْبَيْعِ اللُّغَوِيِّ أَيْضًا، فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ بَاعَ زَيْدٌ عَبْدَهُ لُغَةً إلَّا أَنَّهُ اسْتَبْدَلَهُ بِالتَّرَاضِي. اهـ. وَنَقَلَ مِثْلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْكِفَايَةِ وَالْكَرْمَانِيِّ وَقَالَ: وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الرَّاغِبِ خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: وَلِذَا لَمْ يَلْزَمْ بَيْعُ الْمُكْرَهِ) قَدَّمْنَا أَنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ فَاسِدٌ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْبَائِعِ، وَأَنَّ الْبَيْعَ الْمُعَرَّفَ يَشْمَلُ سَائِرَ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَأَنَّ قَوْلَ الْكَنْزِ: الْبَيْعُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي غَيْرُ مَرْضِيٍّ؛ لِأَنَّهُ يُخْرِجُ بَيْعَ الْمُكْرَهِ مَعَ أَنَّهُ دَاخِلٌ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ قُيِّدَ بِهِ اقْتِدَاءً بِالْآيَةِ: أَيْ لَا لِلِاحْتِرَازِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ وَبَيَانًا لِلْبَيْعِ الشَّرْعِيِّ إنْ أَرَادَ بِهِ الْبَيْعَ الْمُقَابِلَ لِلُّغَوِيِّ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا عَلِمْتَهُ مِنْ اعْتِبَارِ التَّرَاضِي فِي الْبَيْعِ اللُّغَوِيِّ، وَأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْبَيْعِ الشَّرْعِيِّ، إذْ لَوْ كَانَ جُزْءُ مَفْهُومِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ بَاطِلًا لَا فَاسِدًا، بَلْ التَّرَاضِي شَرْطٌ لِثُبُوتِ حُكْمِهِ شَرْعًا، وَهُوَ الْمِلْكُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ، وَإِنْ أَرَادَ بِالشَّرْعِيِّ الْخَالِيَ عَنْ الْفَسَادِ فَالتَّقْيِيدُ بِالتَّرَاضِي لَا يُخْرِجُ بَقِيَّةَ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ، بَلْ التَّعْرِيفُ شَامِلٌ لَهَا، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي عِبَارَةِ الْكَنْزِ حَيْثُ جَعَلَ فِيهَا التَّرَاضِيَ قَيْدًا فِي التَّعْرِيفِ. أَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الدَّالُّ عَلَى التَّرَاضِي فَلَا لِكَوْنِهِ ذَكَرَهُ صِفَةً لِلْإِيجَابِ، فَهُوَ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى الرِّضَا وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُودُ الرِّضَا حَقِيقَةً فَلَا يَخْرُجُ بِهِ بَيْعُ الْمُكْرَهِ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ مَعَ الْهَزْلِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَنْعَقِدْ مَعَ الْهَزْلِ إلَخْ) الْهَزْلُ فِي اللُّغَةِ: اللَّعِبُ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ: هُوَ أَنْ يُرَادَ بِالشَّيْءِ مَا لَمْ يَوْضَعْ لَهُ، وَلَا مَا صَحَّ لَهُ اللَّفْظُ اسْتِعَارَةً، وَالْهَازِلُ يَتَكَلَّمُ بِصِيغَةِ الْعَقْدِ مَثَلًا بِاخْتِيَارِهِ وَرِضَاهُ، لَكِنْ لَا يَخْتَارُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ وَلَا يَرْضَاهُ. وَالِاخْتِيَارُ: هُوَ الْقَصْدُ إلَى الشَّيْءِ وَإِرَادَتُهُ. الرِّضَا: هُوَ إيثَارُهُ وَاسْتِحْسَانُهُ، فَالْمُكْرِهُ عَلَى الشَّيْءِ يَخْتَارُهُ وَلَا يَرْضَاهُ، وَمِنْ هُنَا قَالُوا: إنَّ الْمَعَاصِيَ وَالْقَبَائِحَ بِإِرَادَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - لَا بِرِضَاهُ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ. وَشَرْطُهُ: أَيْ شَرْطُ تَحَقُّقِ الْهَزْلِ وَاعْتِبَارُهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا بِاللِّسَانِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنِّي أَبِيعُ هَازِلًا، وَلَا يَكْتَفِي بِدَلَالَةِ الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ فِي الْعَقْدِ، فَيَكْفِي أَنْ تَكُونَ الْمُوَاضَعَةُ سَابِقَةً عَلَى الْعَقْدِ، فَإِنْ تَوَاضَعَا عَلَى الْهَزْلِ بِأَصْلِ الْبَيْعِ: أَيْ تَوَافَقَا عَلَى أَنَّهُمَا يَتَكَلَّمَانِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ عِنْدَ النَّاسِ وَلَا يُرِيدَانِهِ وَاتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ: أَيْ عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَرْفَعَا الْهَزْلَ وَلَمْ يَرْجِعَا عَنْهُ فَالْبَيْعُ مُنْعَقِدٌ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، لَكِنْ يَفْسُدُ الْبَيْعُ لِعَدَمِ الرِّضَا بِحُكْمِهِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَبَدًا، لَكِنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ لِعَدَمِ الرِّضَا بِالْحُكْمِ؛ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ هَكَذَا ذَكَرُوا. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بَاطِلًا لِوُجُودِ حُكْمِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ. وَأَمَّا الْفَاسِدُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 507 هَذَا وَيَرِدُ عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَوْ خَرَجَا مَعًا صَحَّ الْبَيْعُ، لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ: لَوْ كَانَا مَعًا لَمْ يَنْعَقِدْ كَمَا قَالُوا فِي السَّلَامِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ مَا فِي الْأَشْبَاهِ تَكْرَارُ الْإِيجَابِ مُبْطِلٌ لِلْأَوَّلِ إلَّا فِي عِتْقٍ وَطَلَاقٍ عَلَى مَالٍ،   [رد المحتار] فَحُكْمُهُ أَنْ يُمْلَكَ بِالْقَبْضِ حَيْثُ كَانَ مُخْتَارًا رَاضِيًا بِحُكْمِهِ، أَمَّا عِنْدَ عَدَمِ الرِّضَا بِهِ فَلَا. اهـ. مَنَارٌ وَشَرْحُهُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَلَمْ يَنْعَقِدْ مَعَ الْهَزْلِ الَّذِي هُوَ مِنْ مَدْخُولِ الْعِلَّةِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمُنَافَاتِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ مُنْعَقِدٌ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، لَكِنَّهُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ لِعَدَمِ الرِّضَا بِالْحُكْمِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى نَفْيِ الِانْعِقَادِ الصَّحِيحِ أَوْ يَتَمَشَّى عَلَى الْبَحْثِ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَيَنْبَغِي إلَخْ. اهـ. قُلْتُ: قَدْ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْقُنْيَةِ بِأَنَّهُ بَيْعٌ بَاطِلٌ وَبِهِ يَتَأَيَّدُ مَا بَحَثَهُ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ وَكَثِيرًا مَا يُطْلِقُونَ الْفَاسِدَ عَلَى الْبَاطِلِ كَمَا سَتَعْرِفُهُ فِي بَابِهِ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَى بُطْلَانِهِ أَنَّهُمَا لَوْ أَجَازَهُ جَازَ وَالْبَاطِلُ لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ، وَأَنَّ الْبَاطِلَ مَا لَيْسَ مُنْعَقِدًا أَصْلًا، وَالْفَاسِدَ مَا كَانَ مُنْعَقِدًا بِأَصْلِهِ لَا بِوَصْفِهِ، وَهَذَا مُنْعَقِدٌ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ دُونَ وَصْفِهِ؛ وَلِذَلِكَ أَجَابَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِحَمْلِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبُطْلَانِ الْفَسَادُ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ وَتَمَامُهُ فِيهَا. قُلْتُ: وَهَذِهِ أَوْلَى لِمُوَافَقَتِهِ لِمَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ مِنْ أَنَّهُ فَاسِدٌ. وَأَمَّا عَدَمُ إفَادَتِهِ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ فَلِكَوْنِهِ أَشْبَهَ الْبَيْعَ بِالْخِيَارِ لَهُمَا، وَلَيْسَ كُلُّ فَاسِدٍ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ؛ وَلِذَا قَالَ: فِي الْأَشْبَاهِ: إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فَاسِدًا مَلَكَهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ: الْأُولَى لَا يَمْلِكُهُ فِي بَيْعِ الْهَازِلِ كَمَا فِي الْأُصُولِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ اشْتَرَاهُ الْأَبُ مِنْ مَالِهِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ بَاعَهُ لَهُ كَذَلِكَ فَاسِدًا لَا يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ حَتَّى يَسْتَعْمِلَهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. الثَّالِثَةُ لَوْ كَانَ مَقْبُوضًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَمَانَةً لَا يَمْلِكُهُ بِهِ. اهـ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ مَسْأَلَةَ بَيْعِ الْهَزْلِ قُبَيْلَ الْكَفَالَةِ وَذَكَرهَا الْمُصَنِّفُ مَتْنًا فِي الْإِكْرَاهِ. . (قَوْلُهُ: وَيَرِدُ عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ) أَيْ تَعْرِيفَيْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ حَيْثُ قَيَّدَ الْإِيجَابَ بِكَوْنِهِ أَوَّلًا وَالْقَبُولَ بِكَوْنِهِ ثَانِيًا ط. (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَخْ) وَمِثْلُهُ فِي التَّجْنِيسِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: كَمَا قَالُوا فِي السَّلَامِ) أَيْ لَوْ رَدَّ عَلَى الْمُسَلِّمِ مَعَ السَّلَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعَادَةِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ وَيَرِدُ عَلَى التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ حَيْثُ قُيِّدَ بِكَوْنِهِ أَوَّلًا، وَالْمُعْتَبَرُ فِي التَّكْرَارِ هُوَ الثَّانِي. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ لَمَّا بَطَلَ صَارَ الثَّانِي أَوَّلًا فِي التَّحْقِيقِ، عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِيجَابَيْنِ أَوَّلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَبُولِ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: تَكْرَارُ الْإِيجَابِ) أَيْ قَبْلَ الْقَبُولِ. (قَوْلُهُ: مُبْطِلٌ لِلْأَوَّلِ) وَيَنْصَرِفُ الْقَبُولُ إلَى الْإِيجَابِ الثَّانِي، وَيَكُونُ بَيْعًا بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ بَحْرٌ، وَصَوَابُهُ بِالثَّمَنِ الثَّانِي كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَيُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي عِتْقٍ وَطَلَاقٍ عَلَى مَالٍ) لَمْ يَذْكُرْ فِي الْأَشْبَاهِ الطَّلَاقَ بَلْ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ. وَقَدْ اعْتَرَضَ الْبِيرِيُّ عَلَى الْأَشْبَاهِ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى الْعِتْقِ مَعَ أَنَّ الْوَلْوَالِجِيَّ ذَكَرَ الطَّلَاقَ أَيْضًا، وَذَكَرَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمَا كَالْبَيْعِ، وَأَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَصَحُّ. اهـ. وَفِي الْبِيرِيِّ أَيْضًا عَنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ: لِغَيْرِهِ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ: بِعْتُكَهُ بِمِائَةٍ دِينَارٍ فَقَالَ: الْمُشْتَرِي قَبِلْتُ انْصَرَفَ قَبُولُهُ إلَى الْإِيجَابِ الثَّانِي وَيَكُونُ بَيْعًا بِمِائَةِ دِينَارٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فَقَالَ: الْعَبْدُ قَبِلْتُ لَزِمَهُ الْمَالَانِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ رُجُوعٌ عَنْ الْإِيجَابِ الْأَوَّلِ، وَرُجُوعُ الْبَائِعِ قَبْلَ قَبُولِ الْمُشْتَرِي عَامِلٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: رَجَعْتُ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ قَبُولِ الْمُشْتَرِي يَعْمَلُ رُجُوعُهُ، وَإِذَا عَمِلَ رُجُوعُهُ بَطَلَ الْإِيجَابُ الْأَوَّلُ وَانْصَرَفَ الْقَبُولُ إلَى الْإِيجَابِ الثَّانِي. أَمَّا رُجُوعُ الْمَوْلَى عَنْ إيجَابِ الْعِتْقِ لَيْسَ بِعَامِلٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: رَجَعْتُ عَنْ ذَلِكَ لَا يَعْمَلُ رُجُوعُهُ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْعِتْقِ بِالْمَالِ تَعْلِيقٌ بِالْقَبُولِ، وَالرُّجُوعُ فِي التَّعْلِيقَاتِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 508 وَسَيَجِيءُ فِي الصُّلْحِ، وَفِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ   [رد المحتار] لَا يَعْمَلُ، فَبَقِيَ كُلٌّ مِنْ الْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَانْصَرَفَ الْقَبُولُ إلَيْهِمَا. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ فِي الصُّلْحِ) قَالَ: الشَّارِحُ هُنَاكَ: وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ أُعِيدَ فَالثَّانِي بَاطِلٌ إلَّا فِي الْكَفَالَةِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ. اهـ. وَفِيهِ أَنَّ هَذَا وَمَا فِي النَّظْمِ مِنْ تَكْرَارِ الْعَقْدِ، وَالْكَلَامُ فِي تَكْرَارِ الْإِيجَابِ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. ح أَيْ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَتَكْرَارُهُ غَيْرُ تَكْرَارِ الْإِيجَابِ الَّذِي كَلَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ عَقْدٍ بَعْدَ عَقْدٍ جُدِّدَ إلَخْ) فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ: بِعْتُكَ عَبْدِي هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِعْتُكَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَالَ: الْمُشْتَرَى: قَبِلْتُ يَنْصَرِفُ إلَى الْإِيجَابِ الثَّانِي، وَيَكُونُ بَيْعًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ قَالَ: بِعْتُهُ مِنْكَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ وَقَالَ: الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ يَنْعَقِدُ الثَّانِي وَيَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ بِجِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ نَحْوَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بَاعَهُ بِتِسْعَةٍ أَوْ بِأَحَدَ عَشَرَ، فَإِنْ بَاعَ بِعَشَرَةٍ لَا يَنْعَقِدُ الثَّانِي وَيَبْقَى الْأَوَّلُ بِحَالِهِ. اهـ. فَهَذَا مِثَالٌ لِتَكْرَارِ الْإِيجَابِ فَقَطْ وَمِثَالٌ لِتَكْرَارِ الْعَقْدِ. (قَوْلُهُ: فَأَبْطَلَ الثَّانِيَ) أَيْ إذَا كَانَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ كَمَا عَلِمْتَ؛ لِأَنَّهُ سُدَى أَيْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ. (قَوْلُهُ: فَالصُّلْحُ بَعْدَ الصُّلْحِ أَضْحَى بَاطِلًا) هَذَا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى سَبِيلِ الْإِسْقَاطِ، أَمَّا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى عِوَضٍ ثُمَّ اصْطَلَحَا عَلَى عِوَضٍ آخَرَ، فَالثَّانِي هُوَ الْجَائِزُ، وَيُفْسَخُ الْأَوَّلُ كَالْبَيْعِ بِيرِيٌّ عَنْ الْخُلَاصَةِ عَنْ الْمُنْتَقَى. قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى سَبِيلِ الْإِسْقَاطِ بِمَعْنَى الْإِبْرَاءِ، وَبُطْلَانُ الثَّانِي ظَاهِرٌ، وَلَكِنَّهُ بَعِيدُ الْإِرَادَةِ هُنَا فَالْمُنَاسِبُ حَمْلُ الصُّلْحِ عَلَى الْمُتَبَادِرِ مِنْهُ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ مَا إذَا كَانَ بِمِثْلِ الْعِوَضِ الْأَوَّلِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ كَالْبَيْعِ، وَعَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ كَالْبَيْعِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَارِّ فِيهِ. (قَوْلُهُ: كَذَا النِّكَاحُ) أَيْ فَالثَّانِي بَاطِلٌ، فَلَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى فِيهِ إلَّا إذَا جَدَّدَهُ لِلزِّيَادَةِ فِي الْمَهْرِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ بَحْرٌ. قُلْتُ: لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي أَوَائِلِ بَابِ الْمَهْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ عَدَمَ اللُّزُومِ إذَا جُدِّدَ الْعَقْدُ لِلِاحْتِيَاطِ، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا عَنْ الْكَافِي لَوْ تَزَوَّجَهَا فِي السِّرِّ بِأَلْفٍ ثُمَّ فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَلْفَيْنِ ظَاهِرُ الْمَنْصُوصِ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ عِنْدَهُ الْأَلْفَانِ وَيَكُونُ زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْمَهْرُ هُوَ الْأَوَّلُ إذْ الْعَقْدُ الثَّانِي لَغْوٌ فَيَلْغُو مَا فِيهِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَنَّ الثَّانِي وَإِنْ لَغَا لَا يَلْغُو مَا فِيهِ مِنْ الزِّيَادَةِ اهـ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ هُنَاكَ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَى أَنَّ الثَّانِي هَزْلٌ، وَإِلَّا فَلَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ اعْتَبَرَ مَا فِي الْعَقْدِ الثَّانِي فَقَطْ، وَبَعْضَهُمْ أَوْجَبَ كِلَا الْمَهْرَيْنِ وَأَنَّ قَاضِي خَانْ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ الثَّانِي شَيْءٌ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الزِّيَادَةَ فِي الْمَهْرِ، ثُمَّ وَفَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ اللُّزُومَ بِحَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ دِيَانَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا بِقَصْدِ الزِّيَادَةِ بَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِظَاهِرِ لَفْظِهِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الْهَزْلِ اهـ. وَالْحَاصِلُ: اعْتِمَادُ قَوْلِ الْإِمَامِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الْمَنْصُوصِ مِنْ لُزُومِ الزِّيَادَةِ وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى كَوْنِ الثَّانِي لَغْوًا أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ بِهِ. (قَوْلُهُ: مَا عَدَا مَسَائِلَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَأَبْطَلَ الثَّانِي. (قَوْلُهُ: مِنْهَا الشِّرَا بَعْدَ الشِّرَاءِ) بِقَصْرِ الشِّرَا الْأَوَّلِ لِلنَّظْمِ قَالَ: فِي الْأَشْبَاهِ أَطْلَقَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنْ يَكُونَ الثَّانِي أَكْثَرَ ثَمَنًا مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ بِجِنْسٍ آخَر، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ. اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 509 وَكُلُّ عَقْدٍ بَعْدَ عَقْدٍ جُدِّدَا ... فَأَبْطِلْ الثَّانِيَ لِأَنَّهُ سُدَى فَالصُّلْحُ بَعْدَ الصُّلْحِ أَضْحَى بَاطِلَا ... كَذَا النِّكَاحُ مَا عَدَا مَسَائِلَا مِنْهَا الشِّرَا بَعْدَ الشِّرَاءِ صَحَّحُوا ... كَذَا كَفَالَةٌ عَلَى مَا صَرَّحُوا إذْ الْمُرَادُ صَاحَ فِي الْمُحَقِّقِ ... مِنْهَا إذًا زِيَادَةُ التَّوَثُّقِ (وَهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ لَفْظَيْنِ يُنْبِئَانِ عَنْ مَعْنَى التَّمَلُّكِ وَالتَّمْلِيكِ مَاضِيَيْنِ) كَبِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ   [رد المحتار] قُلْتُ: فَعَلَى مَا فِي الْقُنْيَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ؛ وَلِذَا أَطْلَقَ الْعَقْدَ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا تَعَدَّدَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ انْعَقَدَ الثَّانِي وَانْفَسَخَ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ بِأَزْيَدَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ أَنْقَصَ وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ لَمْ يَنْفَسِخْ الْأَوَّلُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كَانَ الثَّانِي فَاسِدًا هَلْ يَتَضَمَّنُ فَسْخَ الْأَوَّلِ. اهـ. قَالَ: فِي النَّهْرِ: وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَنْفَسِخُ. اهـ. لَكِنْ جَزَمَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْبَزَّازِيَّةِ بِأَنَّهُ يَنْفَسِخُ وَكَذَا قَالَ: فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الثَّانِيَ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ فَسْخَ الْأَوَّلِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى قَلْبَ فِضَّةٍ وَزْنُهُ عَشَرَةٌ وَتَقَابَضَا ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِتِسْعَةٍ وَعَلَّلَهُ الْبَزَّازِيُّ بِأَنَّ الْفَاسِدَ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ. اهـ. رَمْلِيٌّ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: كَذَا كَفَالَةٌ) قَالَ: فِي الْخَانِيَّةِ: الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ إذَا أَعْطَى الطَّالِبُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ فَمَاتَ الْأَصِيلُ بَرِيءَ الْكَفِيلَانِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ بَرِيءَ الْكَفِيلُ الثَّانِي كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ قَالَ: وَأَشَارَ بِجَوَازِ تَعَدُّدِهَا إلَى أَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ لَوْ أَخَذَ مِنْ الْأَصِيلِ كَفِيلًا آخَرَ بَعْدَ الْأَوَّلِ لَمْ يَبْرَأْ الْأَوَّلُ. كَذَا فِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ أَبِي السُّعُودِ عَلَى الْأَشْبَاهِ. [تَنْبِيهٌ] زَادَ فِي الْأَشْبَاهِ أَنَّ الْإِجَارَةَ بَعْدَ الْإِجَارَةِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ فَسْخٌ لِلْأُولَى كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَقَالَ: الْبَحْرُ وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُدَّةَ إذَا اتَّحَدَتْ فِيهَا وَاتَّحَدَ الْأَجْرَانِ لَا تَصِحُّ الثَّانِيَة كَالْبَيْعِ. (قَوْلُهُ: إذْ الْمُرَادُ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ بُطْلَانِ الْكَفَالَةِ الثَّانِيَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا فِي الْحَقِيقَةِ إذَا أَيْ حِينَ كُرِّرَتْ إنَّمَا هُوَ زِيَادَةُ التَّوَثُّقِ بِأَخْذِ كَفِيلٍ آخَرَ، حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ مُطَالَبَةِ أَيِّهِمَا أَرَادَ. (قَوْلُهُ: وَهُمَا عِبَارَةٌ إلَخْ) أَيْ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مُعَبَّرٌ بِهِمَا عَنْ كُلِّ لَفْظَيْنِ إلَخْ. قَالَ: الزَّيْلَعِيُّ: وَيَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يُنْبِئُ عَنْ التَّحْقِيقِ كَبِعْتُ وَاشْتَرَيْت وَرَضِيتُ أَوْ أَعْطَيْتُكَ أَوْ خُذْهُ بِكَذَا. اهـ. أَوْ كُلْ هَذَا الطَّعَامَ بِدِرْهَمٍ لِي عَلَيْك فَأَكَلَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ قَبْلَ وَرَقَتَيْنِ، وَيَنْعَقِدُ بَيْعٌ مُعَلَّقٌ بِفِعْلِ قَلْبٍ كَإِنْ أَرَدْتَ فَقَالَ: أَرَدْتُ أَوْ إنْ أُعْجِبْتَ أَوْ وَافَقَكَ فَقَالَ: أَعْجَبَنِي أَوْ وَافَقَنِي، وَأَمَّا إنْ أَدَّيْتَ إلَيَّ الثَّمَنَ فَقَدْ بِعْتُكَ فَإِنْ أَدَّى فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ، وَيَصِحُّ الْإِيجَابُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَأَشْرَكْتُكَ فِيهِ وَأَدْخَلْتُكَ فِيهِ، وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الرَّدِّ بَحْرٌ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة. قُلْتُ: وَعِبَارَتُهَا وَلَوْ قَالَ: أَرُدُّ عَلَيْكَ هَذِهِ الْأَمَةَ بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَقَبِلَ الْآخَرُ ثَبَتَ الْبَيْعُ. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ وَيَصِحُّ الْإِيجَابُ بِلَفْظِ الْجَعْلِ كَقَوْلِهِ: جَعَلْتُ لَكَ هَذَا بِأَلْفٍ وَتَمَامُهُ فِيهِ. قُلْتُ: وَفِي عُرْفِنَا يُسَمَّى بَيْعُ الثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ ضَمَانًا فَإِذَا قَالَ: ضَمَّنْتُكَ هَذِهِ الثِّمَارَ بِكَذَا، وَقَبِلَ الْآخَرُ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ، وَكَذَا تَعَارَفُوا فِي بَيْعِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الدَّوَابِّ لِشَرِيكِهِ الْآخَرِ لَفْظَ الْمُقَاصَرَةِ، فَيَقُولُ: قَاصَرْتُكَ بِكَذَا وَمُرَادُهُ بِعْتُك حِصَّتِي مِنْ هَذِهِ الدَّابَّةِ بِكَذَا فَإِذَا قَبِلَ الْآخَرُ صَحَّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَلْفَاظِ التَّمْلِيكِ عُرْفًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 510 أَوْ حَالَيْنِ) كَمُضَارِعَيْنِ لَمْ يُقْرَنَا بِسَوْفَ وَالسِّينِ كَأَبِيعُكَ فَيَقُولُ أَشْتَرِيهِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَاضٍ وَالْآخَرُ حَالٌ. (وَ) لَكِنْ (لَا يَحْتَاجُ الْأَوَّلُ إلَى نِيَّةٍ بِخِلَافِ الثَّانِي) فَإِنْ نَوَى بِهِ الْإِيجَابَ لِلْحَالِ صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِلَّا لَا إذَا اسْتَعْمَلُوهُ لِلْحَالِ كَأَهْلِ خُوَارِزْمَ فَكَالْمَاضِي وَكَأَبِيعُكَ الْآنَ لِتَمَحُّضِهِ لِلْحَالِ، وَأَمَّا الْمُتَمَحِّضُ لِلِاسْتِقْبَالِ فَكَالْأَمْرِ لَا يَصِحُّ أَصْلًا إلَّا الْأَمْرُ إذَا دَلَّ عَلَى الْحَالِ كَخُذْهُ بِكَذَا فَقَالَ أَخَذْتُ أَوْ رَضِيتُ صَحَّ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ فَلْيُحْفَظْ (وَيَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى عُضْوٍ يَصِحُّ إضَافَةُ الْعِتْقِ إلَيْهِ) كَوَجْهٍ وَفَرْجٍ (وَإِلَّا لَا) كَظَهْرٍ وَبَطْنٍ (وَ) كُلُّ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنَى بِعْت وَاشْتَرَيْت نَحْوُ: (قَدْ فَعَلْتُ وَنَعَمْ وَهَاتِ الثَّمَنَ) وَهُوَ لَكَ أَوْ عَبْدُكَ أَوْ فِدَاكَ أَوْ خُذْهُ (قَبُولٌ)   [رد المحتار] تَنْبِيهٌ] ظَاهِرُ قَوْلِهِ عَنْ لَفْظَيْنِ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْإِشَارَةِ بِالرَّأْسِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ فِي فَصْلِ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ: فُضُولِيٌّ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ فَبَلَغَهُ فَسَكَتَ مُتَأَمِّلًا فَقَالَ: ثَالِثٌ: هَلْ أَذِنْتَ لِي فِي الْإِجَازَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ فَأَجَازَهُ يَنْفُذُ، وَلَوْ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِنَعَمٍ فَلَا؛ لِأَنَّ تَحْرِيكَ الرَّأْسِ فِي حَقِّ النَّاطِقِ لَا يُعْتَبَرُ اهـ. لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إذَا قَالَ: لَهُ بِعْنِي كَذَا بِكَذَا فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ نَعَمْ، فَقَالَ: الْآخَرُ اشْتَرَيْت وَحَصَلَ التَّسْلِيمُ بِالتَّرَاضِي يَكُونُ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ التَّسْلِيمُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَيْعِ التَّعَاطِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ وَلَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. وَفِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَحْكَامِ الْإِشَارَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَقَلَ اللِّسَانِ لَمْ تُعْتَبَرْ إشَارَتُهُ إلَّا فِي أَرْبَعٍ الْكُفْرُ وَالْإِسْلَامُ وَالنَّسَبُ وَالْإِفْتَاءُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: أَوْ حَالَيْنِ) بِتَخْفِيفِ اللَّامِ. (قَوْلُهُ: لَا يَحْتَاجُ الْأَوَّلُ) وَهُوَ الصَّادِرُ بِلَفْظَيْنِ مَاضِيَيْنِ ط عَنْ الْمِنَحِ وَكَذَا الْمَاضِي فِيمَا لَوْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الثَّانِي) فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً لِلْحَالِ عِنْدَنَا عَلَى الْأَصَحِّ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الِاسْتِقْبَالِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) صَادِقٌ بِمَا إذَا نَوَى الِاسْتِقْبَالَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ط. (قَوْلُهُ: لِلْحَالِ) أَيْ وَلَا يَسْتَعْمِلُونَهُ لِلْوَعْدِ وَالِاسْتِقْبَالِ ط. (قَوْلُهُ: فَكَالْمَاضِي) فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ بَحْرٌ ط. (قَوْلُهُ: وَكَأَبِيعُكَ الْآنَ) عَطْفٌ عَلَى الْمُسْتَثْنَى اهـ. ح وَهَذَا أَوْلَى بِالْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا عُلِمَتْ نِيَّةُ الْحَالِ فَالتَّصْرِيحُ بِهِ أَوْلَى ط. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُتَمَحَّضُ لِلِاسْتِقْبَالِ) كَالْمَقْرُونِ بِالسِّينِ وَسَوْفَ ط. (قَوْلُهُ: كَالْأَمْرِ) بِأَنْ قَالَ: الْمُشْتَرِي: بِعْنِي هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا فَيَقُولُ: بِعْتُ أَوْ يَقُولُ: الْبَائِعُ: اشْتَرِهِ مِنِّي بِكَذَا فَيَقُولُ: اشْتَرَيْتُهُ. (قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ أَصْلًا) أَيْ سَوَاءٌ نَوَى بِذَلِكَ الْحَالَ أَوْ لَا لِكَوْنِ الْأَمْرِ مُتَمَحَّضًا لِلِاسْتِقْبَالِ وَكَذَا الْمُضَارِعُ الْمَقْرُونُ بِالسِّينِ أَوْ سَوْفَ. (قَوْلُهُ: كَخُذْهُ بِكَذَا إلَخْ) قَالَ: فِي الْفَتْحِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُسْتَقْبَلًا لَكِنَّ خُصُوصَ مَادَّتِهِ أَعْنِي الْأَمْرَ بِالْأَخْذِ يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ الْبَيْعِ، فَكَانَ كَالْمَاضِي إلَّا أَنَّ اسْتِدْعَاءَ الْمَاضِي سَبَقَ الْبَيْعَ بِحَسَبِ الْوَضْعِ وَاسْتِدْعَاءَ خُذْ سَبْقَهُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ فَهُوَ كَمَا إذَا قَالَ: بِعْتُكَ عَبْدِي هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ: فَهُوَ حُرٌّ عَتَقَ، وَيَثْبُتُ بِاشْتَرَيْتُ اقْتِضَاءً بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: هُوَ حُرٌّ بِلَا فَاءٍ لَا يَعْتِقُ. (قَوْلُهُ: كَوَجْهٍ وَفَرْجٍ) بِأَنْ قَالَ: بِعْتُك وَجْهَ هَذَا الْعَبْدِ أَوْ فَرْجَ هَذِهِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَا دَلَّ إلَخْ) تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ وَهُمَا عِبَارَتَانِ عَنْ كُلِّ لَفْظَيْنِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: قَبُولٌ) خَبَرُ قَوْلِهِ وَكُلُّ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَبُولٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ إيجَابًا مَعَ أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ الْبَائِعِ فَقَطْ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ لَكِنْ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَيَكُونُ إيجَابًا أَيْضًا قَالَ: فِي الْبَحْرِ لَوْ قَالَ: أَتَبِيعُنِي عَبْدَكَ هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ: نَعَمْ فَقَالَ: أَخَذْتُهُ فَهُوَ بَيْعٌ لَازِمٌ فَوَقَعَتْ كَلِمَةُ نَعَمْ إيجَابًا وَكَذَا تَقَعُ قَبُولًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 511 لَكِنْ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: إنْ بَدَأَ الْبَائِعُ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي بِنَعَمْ لَمْ يَنْعَقِدْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَحْقِيقٍ وَبِعَكْسِهِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ جَوَابٌ وَفِي الْقُنْيَةِ نَعَمْ بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ كَهَلْ بِعْتَ مِنِّي بِكَذَا بِيعَ إنْ نَقَدَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ دَلِيلُ التَّحْقِيقِ وَلَوْ قَالَ: بِعْته فَبَلِّغْهُ يَا فُلَانُ فَبَلَّغَهُ غَيْرُهُ جَازَ فَلْيُحْفَظْ. (وَلَا يَتَوَقَّفُ شَطْرُ الْعَقْدِ فِيهِ) أَيْ الْبَيْعِ (عَلَى قَبُولِ غَائِبٍ) فَلَوْ قَالَ بِعْتُ فُلَانًا الْغَائِبَ فَبَلِّغْهُ فَقَبِلَ لَمْ يَنْعَقِدْ (اتِّفَاقًا) إلَّا إذَا كَانَ بِكِتَابَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ فَيُعْتَبَرُ مَجْلِسُ بُلُوغِهَا. (كَمَا) لَا يَتَوَقَّفُ. (فِي النِّكَاحِ عَلَى الْأَظْهَرِ) خِلَافًا لِلثَّانِي،   [رد المحتار] فِيمَا لَوْ قَالَ: اشْتَرَيْتُ مِنْكَ هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ: نَعَمْ. اهـ. وَنَحْوَهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إلَخْ) وَمِثْلُهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِعْتُ مِنْكَ هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ: الْمُشْتَرِي قَدْ فَعَلْتُ، فَهَذَا بَيْعٌ وَلَوْ قَالَ: نَعَمْ لَا يَكُونُ بَيْعًا وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدِيِّ أَنَّ مَنْ قَالَ: لِغَيْرِهِ اشْتَرَيْت عَبْدَكَ هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ: الْبَائِعُ قَدْ فَعَلْتُ، أَوْ قَالَ: نَعَمْ أَوْ قَالَ: هَاتِ الثَّمَنَ صَحَّ الْبَيْعُ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. فَهَذَا أَيْضًا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَبُولًا مِنْ الْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَحْقِيقٍ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُشْتَرِي نَعَمْ تَصْدِيقٌ لِقَوْلِ الْبَائِعِ بِعْتُكَ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْبَيْعُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ بِعْتُكَ، بِخِلَافِ قَوْلِ الْبَائِعِ نَعَمْ بَعْدَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ؛ لِأَنَّهُ جَوَابٌ لَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: نَعَمْ اشْتَرَيْتَ مِنِّي وَالشِّرَاءُ يَتَوَقَّفُ عَلَى سَبْقِ الْبَيْعِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْقُنْيَةِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ أَيْضًا عَلَى الْمَتْنِ بِأَنَّهُ يَكُونُ إيجَابًا أَيْضًا كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ وَعِبَارَتُهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ: كَهَلْ بِعْتَ مِنِّي بِكَذَا أَوْ هَلْ اشْتَرَيْتَ مِنِّي بِكَذَا إلَخْ وَظَاهِرُهُ أَنَّ نَقْدَ الثَّمَنِ قَائِمٌ مَقَامَ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ نَعَمْ بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ إيجَابٌ فَقَطْ، فَكَانَ النَّقْدُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَخَذْتُهُ أَوْ رَضِيتُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَبُولِ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا كَمَا نَقَلْنَاهُ سَابِقًا عَنْ الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ: بِعْتُهُ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ ذِكْرُ هَذَا الْفَرْعِ عَقِبَ قَوْلِهِ الْآتِي إلَّا إذَا كَانَ بِكِتَابَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ، وَوَجْهُ الْجَوَازِ مَا نُقِلَ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ حِينَ قَالَ: بَلِّغْهُ فَقَدْ أَظْهَرَ مِنْ نَفْسِهِ الرِّضَا بِالتَّبْلِيغِ فَكُلُّ مَنْ بَلَّغَهُ كَانَ التَّبْلِيغُ بِرِضَاهُ فَإِنْ قَبِلَ صَحَّ الْبَيْعُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَوَقَّفُ) أَيْ بَلْ يَبْطُلُ ح. (قَوْلُهُ: شَطْرُ الْعَقْدِ) الْمُرَادُ بِهِ الْإِيجَابُ الصَّادِرُ أَوَّلًا. (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ الْبَيْعِ احْتِرَازٌ عَنْ الْخُلْعِ وَالْعِتْقِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: فَبَلَغَهُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ أَحَدًا بِتَبْلِيغِهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَمَّا لَوْ أَمَرَ أَحَدًا بِهِ فَبَلَّغَهُ وَقَبِلَ يَصِحُّ وَلَوْ كَانَ الْمُبَلِّغُ غَيْرَ الْمَأْمُورِ كَمَا مَرَّ آنِفًا. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ بِكِتَابَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ) صُورَةُ الْكِتَابَةِ أَنْ يَكْتُبَ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بِعْتُ عَبْدِي فُلَانًا مِنْكَ بِكَذَا فَلَمَّا بَلَغَهُ الْكِتَابُ قَالَ: فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ اشْتَرَيْتُ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا: وَصُورَةُ الْإِرْسَالِ أَنْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيَقُولَ الْبَائِعُ بِعْتُ هَذَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاذْهَبْ يَا فُلَانُ وَقُلْ لَهُ فَذَهَبَ الرَّسُولُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ: فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ، وَفِي النِّهَايَةِ وَكَذَا هَذَا فِي الْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَالْكِتَابَةِ بَحْرٌ. قُلْتُ: وَيَكُونُ بِالْكِتَابَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِذَا كَتَبَ اشْتَرَيْتُ عَبْدَكَ فُلَانًا بِكَذَا فَكَتَبَ إلَيْهِ الْبَائِعُ قَدْ بِعْتُ فَهَذَا بَيْعٌ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ: فَيُعْتَبَرُ مَجْلِسُ بُلُوغِهَا) إي بُلُوغِ الرِّسَالَةِ أَوْ الْكِتَابَةِ قَالَ: فِي الْهِدَايَةِ: وَالْكِتَابَةُ كَالْخِطَابِ وَكَذَا الْإِرْسَالُ حَتَّى اُعْتُبِرَ مَجْلِسُ بُلُوغِ الْكِتَابَةِ وَأَدَاءِ الرِّسَالَةِ. اهـ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَالَ: شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ مَبْسُوطِهِ: كَمَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِالْكِتَابَةِ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَسَائِرُ التَّصَرُّفِ بِالْكِتَابَةِ أَيْضًا. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 512 فَلَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ بِخِلَافِ الْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ اتِّفَاقًا فَلَا رُجُوعَ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ نِهَايَةٌ (وَأَمَّا الْفِعْلُ فَالتَّعَاطِي) وَهُوَ التَّنَاوُلُ قَامُوسٌ. (فِي خَسِيسٍ وَنَفِيسٍ) خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ   [رد المحتار] خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ الْكِتَابُ وَالْخِطَابُ سَوَاءٌ إلَّا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَخَاطَبَهَا بِالنِّكَاحِ، فَلَمْ تُجِبْ فِي مَجْلِسِ الْخِطَابِ، ثُمَّ أَجَابَتْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ وَفِي الْكِتَابِ إذَا بَلَغَهَا وَقَرَأَتْ الْكِتَابَ وَلَمْ تُزَوِّجْ نَفْسَهَا مِنْهُ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي قَرَأَتْ الْكِتَابَ فِيهِ، ثُمَّ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ بَيْنَ يَدَيْ الشُّهُودِ، وَقَدْ سَمِعُوا كَلَامَهَا وَمَا فِي الْكِتَابِ يَصِحُّ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ إنَّمَا صَارَ خَاطِبًا لَهَا بِالْكِتَابِ وَالْكِتَابُ بَاقٍ فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي فَصَارَ بَقَاءُ الْكِتَابِ فِي مَجْلِسِهِ وَقَدْ سَمِعَ الشُّهُودُ مَا فِيهِ فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَكَرَّرَ الْخِطَابُ مِنْ الْحَاضِرِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَأَمَّا إذَا كَانَ حَاضِرًا فَإِنَّمَا صَارَ خَاطِبًا لَهَا بِالْكَلَامِ، وَمَا وُجِدَ مِنْ الْكَلَامِ لَا يَبْقَى إلَى الْمَجْلِسُ الثَّانِي وَإِنَّمَا سَمِعَ الشُّهُودُ فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي أَحَدَ شَطْرَيْ الْعَقْدِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ قَوْلَهُ تَزَوَّجْتُكَ بِكَذَا إذَا لَمْ يُوجَدْ قَبُولٌ يَكُونُ مُجَرَّدَ خِطْبَةٍ مِنْهُ لَهَا، فَإِذَا قَبِلَتْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَتَبَ ذَلِكَ إِلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَمَّا قَرَأَتْ الْكِتَابَ ثَانِيًا وَفِيهِ قَوْلُهُ تَزَوَّجْتُكِ بِكَذَا، وَقَبِلَتْ عِنْدَ الشُّهُودِ صَحَّ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ خَطَبَهَا بِهِ ثَانِيًا: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَيْعَ كَذَلِكَ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْهِدَايَةِ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْإِيجَابِ مِنْ الْكَاتِبِ، فَإِذَا قَبِلَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ، فَقَدْ صَدَرَ الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ إلَّا إذَا كَانَ بِكِتَابَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ، نَعَمْ بِالنَّظَرِ إلَى مَجْلِسِ الْكِتَابَةِ يَصِحُّ فَإِنَّهُ لَمَّا كَتَبَ بِعْتُكَ لَمْ يَلْغُ بَلْ تَوَقَّفَ عَلَى الْقَبُولِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقَبُولُ مُتَوَقِّفًا عَلَى قِرَاءَةِ الْكِتَابِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: فَلَهُ الرُّجُوعُ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُوجِبَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، فَإِنَّ الْإِيجَابَ إذَا كَانَ بَاطِلًا فَلَا مَعْنَى لِلرُّجُوعِ عَنْهُ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُوجِبَ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ قَبُولِ الْحَاضِرِ، قَالَ: فِي الْمِنَحِ: ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَتَوَقَّفُ شَطْرُ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مِنْ الْعَاقِدِ الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَتَوَقَّفُ كَالْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ، وَيَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ لِكَوْنِهِ يَمِينًا مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى، مُعَارَضَةً مِنْ جَانِبِ الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَمِينٌ) أَيْ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى وَذَلِكَ أَنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - ذِكْرُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَالْخَلْعُ وَالْعِتْقُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ بِقَبُولِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَهُمَا مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ مُعَاوَضَةٌ فَحَيْثُ كَانَ يَمِينًا مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى امْتَنَعَ الرُّجُوعُ وَتَمَامُهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْفِعْلُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَمَّا الْقَوْلُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ التَّنَاوُلُ قَامُوسٌ) قَالَ: فِي الْبَحْرِ: وَهَكَذَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمِصْبَاحِ، وَهُوَ إنَّمَا يَقْتَضِي الْإِعْطَاءَ مِنْ جَانِبٍ وَالْأَخْذَ مِنْ جَانِبٍ لَا الْإِعْطَاءَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا فَهِمَ الطَّرَسُوسِيُّ أَيْ حَيْثُ قَالَ: إنْ حَقِيقَةَ التَّعَاطِي وَضْعُ الثَّمَنِ وَأَخْذُ الْمُثَمَّنِ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِعْطَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَاطَاةِ وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ اهـ. قُلْتُ: وَقَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ يُفِيدُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا كَانَ قَبْضُهُ قَبُولًا، وَلَيْسَ مِنْ بَيْعِ التَّعَاطِي، خِلَافًا لِمَنْ جَعَلَهُ مِنْهُ فَإِنَّ التَّعَاطِيَ لَيْسَ فِيهِ إيجَابٌ بَلْ قَبْضٌ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ. (قَوْلُهُ: فِي خَسِيسٍ وَنَفِيسٍ) النَّفِيسُ مَا كَثُرَ ثَمَنُهُ كَالْعَبْدِ وَالْخَسِيسُ مَا قَلَّ ثَمَنُهُ كَالْخُبْزِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَدَّ النَّفِيسَ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ فَأَكْثَرَ وَالْخَسِيسَ بِمَا دُونَهُ وَالْإِطْلَاقُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ ط عَنْ الْبَحْرِ. قُلْتُ: لَيْسَ فِي الْبَحْرِ قَوْلُهُ: " وَالْإِطْلَاقُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ "، نَعَمْ ذَكَرَهُ فِي شُمُولِ التَّعَاطِي لِلْخَسِيسِ وَالنَّفِيسِ، فَقَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ) فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَنْعَقِدُ إلَّا فِي الْخَسِيسِ ط عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 513 وَلَوْ) التَّعَاطِي (مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ) فَتْحٌ وَبِهِ يُفْتِي فَيْضٌ. (إذَا لَمْ يُصَرِّحْ مَعَهُ) مَعَ التَّعَاطِي (بِعَدَمِ الرِّضَا) فَلَوْ دَفَعَ الدَّرَاهِمَ وَأَخَذَ الْبَطَاطِيخَ وَالْبَائِعُ يَقُولُ: لَا أُعْطِيهَا بِهَا لَمْ يَنْعَقِدْ كَمَا لَوْ كَانَ بَعْدَ عَقْدٍ فَاسِدٍ خُلَاصَةٌ وَبَزَّازِيَّةٌ وَصَرَّحَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ بَعْدَ عَقْدٍ فَاسِدٍ لَا يَنْعَقِدُ بِهِمَا الْبَيْعُ قَبْلَ مُتَارَكَةِ الْفَاسِدِ   [رد المحتار] فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مِنْ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ التَّعَاطِي مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ) صُورَتُهُ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الثَّمَنِ ثُمَّ يَأْخُذَ الْمُشْتَرِي الْمَتَاعَ، وَيَذْهَبَ بِرِضَا صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ دَفْعِ الثَّمَنِ، أَوْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ ثُمَّ يَذْهَبَ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ عَلَى الصَّحِيحِ، حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا بَعْدَهُ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي وَهَذَا فِيمَا ثَمَنُهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ أَمَّا الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ، فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى بَيَانِ الثَّمَنِ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ. وَالْمُرَادُ فِي صُورَةِ دَفْعِ الثَّمَنِ فَقَطْ أَنَّ الْمَبِيعَ مَوْجُودٌ مَعْلُومٌ لَكِنَّ الْمُشْتَرِيَ دَفَعَ ثَمَنَهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ ط. وَفِي الْقُنْيَةِ دَفَعَ إلَى بَائِعِ الْحِنْطَةِ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ لِيَأْخُذ مِنْهُ حِنْطَةً، وَقَالَ: لَهُ بِكَمْ تَبِيعُهَا؟ فَقَالَ: مِائَةٌ بِدِينَارٍ فَسَكَتَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ الْحِنْطَةَ لِيَأْخُذهَا فَقَالَ: الْبَائِعُ غَدًا أَدْفَعُ لَكَ وَلَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ، وَذَهَبَ الْمُشْتَرِي فَجَاءَ غَدًا لِيَأْخُذَ الْحِنْطَةَ، وَقَدْ تَغَيَّرَ السِّعْرُ فَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَدْفَعَهَا بِالسِّعْرِ الْأَوَّلِ قَالَ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَفِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا الِانْعِقَادُ بِالتَّعَاطِي. الثَّانِيَةُ: الِانْعِقَادُ فِي الْخَسِيسِ وَالنَّفِيسِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. الثَّالِثَةُ: الِانْعِقَادُ بِهِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ. الرَّابِعَةُ: كَمَا يَنْعَقِدُ بِإِعْطَاءِ الْمَبِيعِ يَنْعَقِدُ بِإِعْطَاءِ الثَّمَنِ. اهـ. قُلْتُ: وَفِيهَا مَسْأَلَةٌ خَامِسَةٌ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِ وَلَوْ تَأَخَّرَتْ مَعْرِفَةُ الْمُثَمَّنِ لِكَوْنِ دَفْعِ الثَّمَنِ قَبْلَ مَعْرِفَتِهِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَنْعَقِدْ) أَيْ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ عَادَةَ السُّوقَةِ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا لَمْ يَرْضَ بِرَدِّ الثَّمَنِ أَوْ يَسْتَرِدَّ الْمَتَاعَ وَإِلَّا يَكُونُ رَاضِيًا بِهِ، وَيَصِحُّ خَلْفُهُ لَا أُعْطِيهَا تَطْيِيبًا لِقَلْبِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ مَعَ هَذَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ قُنْيَةٌ. مَطْلَبٌ الْبَيْعُ بِالتَّعَاطِي (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ كَانَ) أَيْ الْبَيْعُ بِالتَّعَاطِي بَعْدَ عَقْدٍ فَاسِدٍ، وَعِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ وَسَائِدِي وَسَائِدِ وَوُجُوهَ الطَّنَافِسِ، وَهِيَ غَيْرُ مَنْسُوجَةٍ بَعْدُ وَلَمْ يَضْرِبَا لَهُ أَجَلًا لَمْ يَجُزْ، فَلَوْ نَسَجَ الْوَسَائِدَ وَوُجُوهَ الطَّنَافِسِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُشْتَرِي لَا يَصِيرُ هَذَا بَيْعًا بِالتَّعَاطِي؛ لِأَنَّهُمَا يُسَلِّمَانِ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْبَيْعِ السَّابِقِ، وَأَنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا. اهـ. وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ وَالتَّعَاطِي إنَّمَا يَكُونُ بَيْعًا إذَا لَمْ يَكُنْ بِنَاءً عَلَى بَيْعٍ فَاسِدٍ أَوْ بَاطِلٍ سَابِقٍ أَمَّا إذَا كَانَ بِنَاءً عَلَيْهِ فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَنْعَقِدُ بِهِمَا الْبَيْعُ قَبْلَ مُتَارَكَةِ الْفَاسِدِ) يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا شِرَاءً فَاسِدًا ثُمَّ لَقِيَهُ غَدًا فَقَالَ: قَدْ بِعْتنِي ثَوْبَكَ هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ: بَلَى فَقَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَهَذَا عَلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، فَإِنْ كَانَا تَتَارَكَا الْبَيْعَ الْفَاسِدَ فَهُوَ جَائِزٌ الْيَوْمَ. اهـ. قُلْتُ: لَكِنْ فِي النِّهَايَةِ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِمَا عِنْدَ قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ إلَخْ الْبَيْعُ بِالرَّقْمِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ جَهَالَةٍ تَمَكَّنَتْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَهِيَ جَهَالَةُ الثَّمَنِ بِرَقْمٍ لَا يَعْلَمُهُ الْمُشْتَرِي، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْقِمَارِ وَعَنْ هَذَا قَالَ: شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ، وَإِنْ عَلِمَ بِالرَّقْمِ فِي الْمَجْلِسِ لَا يَنْقَلِبُ ذَلِكَ الْعَقْدُ جَائِزًا، وَلَكِنْ إنْ كَانَ الْبَائِعُ دَائِمًا عَلَى الرِّضَا فَرَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي يَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ بِالتَّرَاضِي. اهـ. وَعَبَّرَ فِي الْفَتْحِ بِالتَّعَاطِي، وَالْمُرَادُ وَاحِدٌ وَسَيَأْتِي أَيْضًا فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّ بَيْعَ الْآبِقِ لَا يَصِحُّ، وَأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ ثُمَّ عَادَ وَسَلَّمَهُ يَتِمُّ الْبَيْعُ فِي رِوَايَةٍ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ قَالَ: فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ وَأَوَّلُوا الرِّوَايَةَ الْأُولَى بِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي. اهـ. وَظَاهِرُ هَذَا عَدَمُ اشْتِرَاطِ مُتَارَكَةِ الْفَاسِدِ، وَقَدْ يُجَابُ عَلَى بُعْدٍ بِحَمْلِ الِاشْتِرَاطِ عَلَى مَا إذَا كَانَ التَّعَاطِي بَعْدَ الْمَجْلِسِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 514 فَفِي بَيْعِ التَّعَاطِي بِالْأَوْلَى، وَعَلَيْهِ فَيُحْمَلُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى ذَلِكَ، وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْفَوَائِدِ إذَا بَطَلَ الْمُتَضَمِّنُ بَطَلَ الْمُتَضَمَّنُ وَالْمَبْنِيُّ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ. (وَقِيلَ: لَا بُدَّ) فِي التَّعَاطِي (مِنْ الْإِعْطَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ) قَالَهُ الطَّرَسُوسِيُّ، وَاخْتَارَهُ الْبَزَّازِيُّ. وَأَفْتَى بِهِ الْحَلْوَانِيُّ وَاكْتَفَى الْكَرْمَانِيُّ بِتَسْلِيمِ الْبَيْعِ مَعَ بَيَانِ الثَّمَنِ فَتَحَرَّرَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَقَدْ عَلِمْتَ الْمُفْتَى بِهِ وَحَرَّرْنَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى صِحَّةَ الْإِقَالَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالصَّرْفِ بِالتَّعَاطِي فَلْيُحْفَظْ.   [رد المحتار] أَمَّا فِيهِ فَلَا يُشْتَرَطُ كَمَا هُنَا، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ يَتَقَرَّرُ الْفَسَادُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُتَارَكَةِ أَمَّا فِي الْمَجْلِسِ، فَلَا يُقَرَّرُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَحْصُلَ الْمُتَارَكَةُ ضِمْنًا تَأَمَّلْ. وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ وَانْظُرْ مَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَفَسَدَ فِي الْكُلِّ فِي بَيْعٍ ثُلُثُهُ إلَخْ. هَذَا وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْحُلْوَانِيِّ فِي الْبَيْعِ بِالرَّقْمِ جَزَمَ بِخِلَافِهِ فِي الْهِنْدِيَّةِ آخِرَ بَابِ الْمُرَابَحَةِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْعِلْمَ فِي الْمَجْلِسِ يُجْعَلُ كَابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، وَيَصِيرُ كَتَأْخِيرِ الْقَبُولِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْفَتْحِ هُنَاكَ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: فَفِي بَيْعِ التَّعَاطِي بِالْأَوْلَى إلَخْ) مَأْخُوذٌ مِنْ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: فَفِي بَيْعِ التَّعَاطِي بِالْأَوْلَى، وَهُوَ صَرِيحُ الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ إنَّ التَّعَاطِيَ بَعْدَ عَقْدٍ فَاسِدٍ أَوْ بَاطِلٍ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى السَّابِقِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. اهـ. وَقَوْلُهُ: عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَيْ أَنَّ عَدَمَ الِانْعِقَادِ قَبْلَ مُتَارَكَةِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ، فَيُحْمَلُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى ذَلِكَ وَمُرَادُهُ بِمَا فِي الْخُلَاصَةِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا لَوْ كَانَ بَعْدَ عَقْدٍ فَاسِدٍ، وَنَقَلْنَا عِبَارَتَهَا وَعِبَارَةَ الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَيْسَ فِيهَا التَّقْيِيدُ بِمَا قَبْلَ مُتَارَكَةِ الْأَوَّلِ فَقَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِهِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ لِئَلَّا يُخَالِفَ كَلَامَ غَيْرِهَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْفَوَائِدِ) أَيْ فِي آخِرِ الْفَنِّ الثَّالِثِ، وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَا كَتَبَ عَلَى الْأَشْبَاهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِمَّا تَفَرَّعَ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ: إذَا بَطَلَ الْمُتَضَمِّنُ) بِالْكَسْرِ بَطَلَ الْمُتَضَمَّنُ بِالْفَتْحِ، فَإِنَّهُ لَمَّا بَطَلَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ بَطَلَ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ إذَا كَانَ قَبْلَ الْمُتَارَكَةِ، قَالَ: ح: وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ الْفَوَائِدِ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ. اهـ. ط وَفِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بَحْثٌ سَنَذْكُرُهُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ الْبَارِزَةِ. (قَوْلُهُ: فَتَحَرَّرَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ) هَذَا الِاخْتِلَافُ نَشَأَ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ بَيْعَ التَّعَاطِي فِي مَوَاضِعَ، فَصَوَّرَهُ فِي مَوْضِعٍ بِالْإِعْطَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَفَهِمَ مِنْهُ الْبَعْضُ أَنَّهُ شَرْطٌ، وَصَوَّرَهُ فِي مَوْضِعٍ بِالْإِعْطَاءِ مِنْ أَحَدِهِمَا فَفَهِمَ الْبَعْضُ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ، وَصَوَّرَهُ فِي مَوْضِعٍ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَفَهِمَ الْبَعْضُ أَنَّ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ لَا يَكْفِي بَحْرٌ عَنْ الذَّخِيرَةِ ط. (قَوْلُهُ: وَحَرَّرْنَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى إلَخْ) عِبَارَتَهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ الْإِقَالَةُ تَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي أَيْضًا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ. وَكَذَا الْإِجَارَةُ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ، وَكَذَا الصَّرْفُ كَمَا فِي النَّهْرِ مُسْتَدِلًّا عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ التَّتَارْخَانِيَّة: اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ، فَأَعْطَاهُ مِائَةَ دِينَارٍ ثُمَّ فَسَخَ الْبَيْعَ، فَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الصَّرْفُ جَائِزٌ وَيَرُدُّ الدَّرَاهِمَ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الصَّرْفُ بَاطِلٌ وَهِيَ فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهَا. اهـ. [تَتِمَّةٌ] طَالَبَ مَدْيُونَهُ فَبَعَثَ إلَيْهِ شَعِيرًا قَدْرًا مَعْلُومًا وَقَالَ: خُذْهُ بِسِعْرِ الْبَلَدِ وَالسِّعْرُ لَهُمَا مَعْلُومٌ كَانَ بَيْعًا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَاهُ فَلَا، وَمِنْ بَيْعِ التَّعَاطِي تَسْلِيمُ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ إلَى مَنْ يُطَالِبُهُ بِالشُّفْعَةِ فِي مَوْضِعٍ لَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَكَذَا تَسْلِيمُ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إلَى الْمُوَكِّلِ بَعْدَ مَا أَنْكَرَ التَّوْكِيلَ وَمِنْهُ حُكْمُ مَا إذَا جَاءَ الْمُودِعُ بِأَمَةٍ غَيْرِ الْمُودَعَةِ، وَحَلَفَ حَلَّ لِلْمُودِعِ وَطْؤُهَا وَكَانَ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ: لِلْخَيَّاطِ لَيْسَتْ هَذِهِ بِطَانَتِي فَحَلَفَ الْخَيَّاطُ أَنَّهَا هِيَ وَسِعَهُ أَخْذُهَا، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ لِلدَّافِعِ وَمِنْهُ لَوْ رَدَّهَا بِخِيَارِ عَيْبٍ وَالْبَائِعُ مُتَيَقِّنٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ فَأَخَذَهَا وَرَضِيَ بِهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 515 فُرُوعٌ] مَا يَسْتَجِرُّهُ الْإِنْسَانُ مِنْ الْبَيَّاعِ إذَا حَاسَبَهُ عَلَى أَثْمَانِهَا بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهَا جَازَ اسْتِحْسَانًا. بَيْعُ الْبَرَاءَاتِ الَّتِي يَكْتُبُهَا الدِّيوَانُ عَلَى الْعُمَّالِ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ بَيْعِ حُظُوظِ الْأَئِمَّةِ   [رد المحتار] كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَعَلَى هَذِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الرِّضَا فِي جَارِيَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْبِطَانَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ [فُرُوعٌ فِي الْبَيْع] . (قَوْلُهُ: مَا يَسْتَجِرُّهُ الْإِنْسَانُ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ مِنْ شَرَائِطِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا، فَلَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعُ الْمَعْدُومِ ثُمَّ قَالَ: وَمِمَّا تَسَامَحُوا فِيهِ، وَأَخْرَجُوهُ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَا فِي الْقُنْيَةِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْ الْبَيَّاعِ عَلَى وَجْهِ الْخَرْجِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ كَالْعَدَسِ وَالْمِلْحِ وَالزَّيْتِ وَنَحْوِهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا بَعْدَمَا انْعَدَمَتْ صَحَّ. اهـ. فَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ هُنَا. اهـ. وَقَالَ: بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَيْسَ هَذَا بَيْعَ مَعْدُومٍ إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ بِإِذْنِ مَالِكِهَا عُرْفًا تَسْهِيلًا لِلْأَمْرِ وَدَفْعًا لِلْحَرَجِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ، وَفِيهِ أَنَّ الضَّمَانَ بِالْإِذْنِ مِمَّا لَا يُعْرَفُ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ حَمَوِيٌّ، وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ ضَمَانَ الْمِثْلِيَّاتِ بِالْمِثْلِ لَا بِالْقِيمَةِ وَالْقِيَمِيَّاتِ بِالْقِيمَةِ لَا بِالثَّمَنِ ط. قُلْتُ: كُلُّ هَذَا قِيَاسٌ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ اسْتِحْسَانٌ وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهَا عَلَى فَرْضِ الْأَعْيَانِ، وَيَكُونُ ضَمَانُهَا بِالثَّمَنِ اسْتِحْسَانًا وَكَذَا حِلُّ الِانْتِفَاعِ فِي الْأَشْيَاءِ الْقِيَمِيَّةِ؛ لِأَنَّ قَرْضَهَا فَاسِدٌ لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَإِنْ مُلِكَتْ بِالْقَبْضِ وَخَرَّجَهَا فِي النَّهْرِ عَلَى كَوْنِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْعَدَسِ وَنَحْوِهِ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي، وَأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِي مِثْلِهِ إلَى بَيَانِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ. اهـ. وَاعْتَرَضَهُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّ أَثْمَانَ هَذِهِ تَخْتَلِفُ فَيُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ. اهـ. قُلْتُ: مَا فِي النَّهْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ مَعْلُومٌ، لَكِنَّهُ عَلَى هَذَا لَا يَكُونُ مِنْ بَيْعِ الْمَعْدُومِ بَلْ كُلَّمَا أَخَذَ شَيْئًا انْعَقَدَ بَيْعًا بِثَمَنِهِ الْمَعْلُومِ قَالَ: فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: دَفَعَ دَرَاهِمَ إلَى خَبَّازٍ فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ مِنْكَ مِائَةً مَنٍّ مِنْ خُبْزٍ، وَجَعَلَ يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَةَ أُمَنَاءَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَمَا أَكَلَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى خُبْزًا غَيْرَ مُشَارٍ إلَيْهِ، فَكَانَ الْمَبِيعُ مَجْهُولًا وَلَوْ أَعْطَاهُ الدَّرَاهِمَ، وَجَعَلَ يَأْخُذُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَةَ أَمْنَانٍ وَلَمْ يَقُلْ فِي الِابْتِدَاءِ اشْتَرَيْتُ مِنْكَ يَجُوزُ وَهَذَا حَلَالٌ وَإِنْ كَانَ نِيَّتُهُ وَقْتَ الدَّفْعِ الشِّرَاءَ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ، وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ الْآنَ بِالتَّعَاطِي وَالْآنَ الْمَبِيعُ مَعْلُومٌ فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ صَحِيحًا. اهـ. قُلْت: وَوَجْهُهُ أَنَّ ثَمَنَ الْخُبْزِ مَعْلُومٌ فَإِذَا انْعَقَدَ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي وَقْتَ الْأَخْذِ مَعَ دَفْعِ الثَّمَنِ قَبْلَهُ، فَكَذَا إذَا تَأَخَّرَ دَفْعُ الثَّمَنِ بِالْأَوْلَى، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا كَانَ ثَمَنُهُ مَعْلُومًا وَقْتَ الْأَخْذِ مِثْلَ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ أَمَّا إذَا كَانَ ثَمَنُهُ مَجْهُولًا فَإِنَّهُ وَقْتَ الْأَخْذِ لَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ، فَإِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ الْآخِذُ وَقَدْ دَفَعَهُ الْبَيَّاعُ بِرِضَاهُ بِالدَّفْعِ وَبِالتَّصَرُّفِ فِيهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْوِيضِ عَنْهُ لَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعًا، وَإِنْ كَانَ عَلَى نِيَّةِ الْبَيْعِ لِمَا عَلِمْتَ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ، فَيَكُونُ شَبِيهَ الْقَرْضِ الْمَضْمُونِ بِمِثْلِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ فَإِذَا تَوَافَقَا عَلَى شَيْءٍ بَدَلَ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْآخِذِ، لَكِنْ يَبْقَى الْإِشْكَالُ فِي جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيهِ إذَا كَانَ قِيَمِيًّا فَإِنَّ قَرْضَ الْقِيَمِيِّ لَا يَصِحُّ فَيَكُونُ تَصْحِيحُهُ هُنَا اسْتِحْسَانًا كَقَرْضِ الْخُبْزِ وَالْخَمِيرَةِ وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ، أَوْ عَلَى الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ. ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي الْأَشْبَاهِ فِي الْقَوْلِ فِي ثَمَنِ الْمِثْلِ حَيْثُ قَالَ: وَمِنْهَا لَوْ أَخَذَ مِنْ الْأُرْزِ وَالْعَدَسِ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَقَدْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ دِينَارًا مَثَلًا لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ ثُمَّ اخْتَصَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي قِيمَتِهِ هَلْ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْأَخْذِ أَوْ يَوْمَ الْخُصُومَةِ. قَالَ: فِي التَّتِمَّةِ: تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْأَخْذِ قِيلَ: لَهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا بَلْ كَانَ يَأْخُذُ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ ثَمَنَ مَا يَجْتَمِعُ عِنْدَهُ قَالَ: يُعْتَبَرُ وَقْتُ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ سَوْمٌ حِينَ ذَكَرَ الثَّمَنَ. اهـ. (قَوْلُهُ: بَيْعُ الْبَرَاءَاتِ) جَمْعُ بَرَاءَةٍ وَهِيَ الْأَوْرَاقُ الَّتِي يَكْتُبُهَا كُتَّابُ الدِّيوَانِ عَلَى الْعَامِلِينَ عَلَى الْبِلَادِ بِحَظٍّ كَعَطَاءٍ أَوْ عَلَى الْأَكَّارِينَ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِمْ وَسُمِّيَتْ بَرَاءَةً؛ لِأَنَّهُ يَبْرَأُ بِدَفْعِ مَا فِيهَا ط. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ بَيْعِ حُظُوظِ الْأَئِمَّةِ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالظَّاءِ الْمُشَالَةِ جَمْعُ حَظٍّ، بِمَعْنَى: النَّصِيبِ الْمُرَتَّبِ لَهُ مِنْ الْوَقْفِ أَيْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ فَإِنَّ مُؤَلِّفَهَا سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الْحَظِّ فَأَجَابَ لَا يَجُوزُ، ط عَنْ حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 516 لِأَنَّ مَالَ الْوَقْفِ قَائِمٌ ثَمَّةَ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا أَشْبَاهٌ وَقُنْيَةٌ. وَمُفَادُهُ: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسْتَحِقِّ بَيْعُ خُبْزِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ الْمُشْرِفِ بِخِلَافِ الْجُنْدِيِّ بَحْرٌ وَتَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ وَأَفْتَى الْمُصَنِّفُ بِبُطْلَانِ بَيْعِ الْجَامِكِيَّةِ، لِمَا فِي الْأَشْبَاهِ بَيْعُ الدَّيْنِ إنَّمَا يَجُوزُ مِنْ الْمَدْيُونِ،   [رد المحتار] قُلْتُ: وَعِبَارَةُ الصَّيْرَفِيَّةِ هَكَذَا سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الْخَطِّ قَالَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ بَاعَ مَا فِيهِ أَوْ عَيْنَ الْخَطِّ لَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَلَا وَجْهَ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْكَاغَدِ لَيْسَ مُتَقَوِّمًا بِخِلَافِ الْبَرَاءَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَاغَدَةَ مُتَقَوِّمَةٌ. اهـ. قُلْتُ: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْخَطَّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَهَذِهِ لَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِحُظُوظِ الْأَئِمَّةِ مَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُتَوَلِّي مِنْ نَحْوِ خُبْزٍ أَوْ حِنْطَةٍ قَدْ اسْتَحَقَّهُ الْإِمَامُ، وَكَلَامُ الصَّيْرَفِيَّةِ فِيمَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ. (قَوْلُهُ: ثَمَّةَ) أَيْ هُنَاكَ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ حُظُوظِ الْأَئِمَّةِ وَأَشَارَ إِلَيْهَا بِالْبَعِيدِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ كَانَ فِي بَيْعِ الْبَرَاءَاتِ؛ وَلِذَا أَشَارَ إِلَيْهَا بِلَفْظِ هُنَا. (قَوْلُهُ: مِنْ الْمُشْرِفِ) أَيْ الْمُبَاشِرِ الَّذِي يَتَوَلَّى قَبْضَ الْخُبْزِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْجُنْدِيِّ) أَيْ إذَا بَاعَ الشَّعِيرَ الْمُعَيَّنَ لِعَلَفِ دَابَّتِهِ مِنْ حَاشِيَةِ السَّيِّدِ أَبِي السُّعُودِ. مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الِاسْتِجْرَارِ (قَوْلُهُ: وَتَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ) أَيْ تَعَقَّبَ مَا ذُكِرَ مِنْ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الِاسْتِجْرَارِ وَمَا بَعْدَهُ حَيْثُ قَالَ: أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ ضَعِيفٌ لِاتِّفَاقِ كَلِمَتِهِمْ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْمَعْدُومِ لَا يَصِحُّ، وَكَذَا غَيْرُ الْمَمْلُوكِ، وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْعَدَسِ وَنَحْوِهِ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي وَلَا يُحْتَاجُ فِي مِثْلِهِ إلَى بَيَانِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ كَمَا سَيَأْتِي، وَحَظُّ الْإِمَامِ لَا يُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَأَنَّى يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَكُنْ عَلَى ذِكْرٍ مِمَّا قَالَهُ ابْنُ وَهْبَانَ فِي كِتَابِ الشُّرْبِ مَا فِي الْقُنْيَةِ إذَا كَانَ مُخَالِفًا لِلْقَوَاعِدِ لَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ مَا لَمْ يُعَضِّدْهُ نَقْلٌ مِنْ غَيْرِهِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى بَيْعِ الِاسْتِجْرَارِ وَأَمَّا بَيْعُ حَظِّ الْإِمَامِ فَالْوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ يُورَثُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ اسْتَحَقَّهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ الْمِلْكُ كَمَا قَالُوا فِي الْغَنِيمَةِ بَعْدَ إحْرَازِهَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهَا حَقٌّ تَأَكَّدَ بِالْإِحْرَازِ، وَلَا يَحْصُلُ الْمِلْكُ فِيهَا لِلْغَانِمِينَ إلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَالْحَقُّ الْمُتَأَكَّدُ يُورَثُ كَحَقِّ الرَّهْنِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، بِخِلَافِ الضَّعِيفِ كَالشُّفْعَةِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَعَنْ هَذَا بَحَثَ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ فِي مَعْلُومِ الْمُسْتَحِقِّ بِأَنَّهُ إنْ مَاتَ بَعْدَ خُرُوجِ الْغَلَّةِ وَإِحْرَازِ النَّاظِرِ لَهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ يُورَثُ نَصِيبُهُ لِتَأَكُّدِ الْحَقِّ فِيهِ كَالْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُورَثُ، لَكِنْ قَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ مَعْلُومَ الْإِمَامِ لَهُ شِبْهُ الصِّلَةِ وَشِبْهُ الْأُجْرَةِ وَالْأَرْجَحُ الثَّانِي، وَعَلَيْهِ يَتَحَقَّقُ الْإِرْثُ وَلَوْ قَبْلَ إحْرَازِ النَّاظِرِ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهَا لَا تُمْلَكُ قَبْلَ قَبْضِهَا فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا. [مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْجَامِكِيَّةِ] (قَوْلُهُ: وَأَفْتَى الْمُصَنِّفُ إلَخْ) تَأْيِيدٌ لِكَلَامِ النَّهْرِ، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي فَتَاوَاهُ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الْجَامِكِيَّةِ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ جَامَكِيَّةٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَيَحْتَاجَ إلَى دَرَاهِمَ مُعَجَّلَةٍ قَبْلَ أَنْ تُخْرَجَ الْجَامِكِيَّةِ فَيَقُولَ لَهُ رَجُلٌ: بِعْتنِي جَامِكِيَّتَك الَّتِي قَدْرُهَا كَذَا بِكَذَا، أَنْقَصَ مِنْ حَقِّهِ فِي الْجَامِكِيَّةِ فَيَقُولَ لَهُ: بِعْتُكَ فَهَلْ الْبَيْعُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ أَمْ لَا لِكَوْنِهِ بَيْعَ الدَّيْنِ بِنَقْدٍ أَجَابَ إذَا بَاعَ الدَّيْنَ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ كَمَا ذُكِرَ لَا يَصِحُّ قَالَ: مَوْلَانَا فِي فَوَائِدِهِ: وَبَيْعُ الدَّيْنِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ الْمَدْيُونِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 517 وَفِيهَا وَفِي الْأَشْبَاهِ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ الْحُقُوقِ الْمُجَرَّدَةِ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ الْوَظَائِفِ بِالْأَوْقَافِ، وَفِيهَا فِي آخِرِ بَحْثٍ تَعَارَضَ الْعُرْفُ مَعَ اللُّغَةِ. الْمَذْهَبُ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْخَاصِّ لَكِنْ أَفْتَى كَثِيرٌ بِاعْتِبَارِهِ   [رد المحتار] أَوْ وَهَبَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِيهَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْقُنْيَةِ وَيَحْتَمِلُ عَوْدَهُ لِفَتَاوَى الْمُصَنِّفِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ أَفْتَى، وَأَمَّا ضَمِيرُ وَفِيهَا الْآتِيَةِ فَلِلْأَشْبَاهِ. اهـ. ح مَطْلَبٌ: لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ الْحُقُوقِ الْمُجَرَّدَةِ (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ الْحُقُوقِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْمِلْكِ) قَالَ: فِي الْبَدَائِعِ: الْحُقُوقُ الْمُفْرَدَةُ لَا تَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهَا. أَقُولُ: وَكَذَا لَا تُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ قَالَ: فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِلسَّرَخْسِيِّ وَإِتْلَافُ مُجَرَّدِ الْحَقِّ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ؛ لِأَنَّ الِاعْتِيَاضَ عَنْ مُجَرَّدِ الْحَقِّ بَاطِلٌ إلَّا إذَا فَوَّتَ حَقًّا مُؤَكَّدًا، فَإِنَّهُ يُلْحَقُ بِتَفْوِيتِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ كَحَقِّ الْمُرْتَهِنِ؛ وَلِذَا لَا يَضْمَنُ بِإِتْلَافِ شَيْءٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ أَوْ وَطْءِ جَارِيَةٍ مِنْهَا قَبْلَ الْإِحْرَازِ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ مُجَرَّدُ الْحَقِّ وَإِنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَبَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ يَضْمَنُ لِتَفْوِيتِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ فِي قَتْلِهِ عَبْدًا مِنْ الْغَنِيمَةِ يُعَدُّ الْإِحْرَازُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ بِيرِيٌّ، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ لِتَفْوِيتِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ الْحَقَّ الْمُؤَكَّدَ إذْ لَا تَحْصُلُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ إلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: كَحَقِّ الشُّفْعَةِ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: فَلَوْ صَالَحَ عَنْهَا بِمَالٍ بَطَلَتْ وَرَجَعَ، وَلَوْ صَالَحَ الْمُخَيَّرَةَ بِمَالٍ لِتَخْتَارَهُ بَطَلَ وَلَا شَيْءَ لَهَا وَلَوْ صَالَحَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ بِمَالٍ لِتَتْرُكَ نَوْبَتَهَا لَمْ يَلْزَمْ وَلَا شَيْءَ لَهَا وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ الْوَظَائِفِ فِي الْأَوْقَافِ وَخَرَجَ عَنْهَا حَقُّ الْقِصَاصِ وَمِلْكُ النِّكَاحِ وَحَقُّ الرِّقِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الشُّفْعَةِ، وَالْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ إذَا صَالَحَ الْمَكْفُولَ لَهُ بِمَالٍ لَا يَصِحُّ وَلَا يَجِبُ، وَفِي بُطْلَانِهَا رِوَايَتَانِ، وَفِي بَيْعِ حَقِّ الْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ رِوَايَتَانِ وَكَذَا بَيْعُ الشِّرْبِ إلَّا تَبَعًا. اهـ. مَطْلَبٌ: فِي الِاعْتِيَاضِ عَنْ الْوَظَائِفِ وَالنُّزُولِ عَنْهَا (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ الْوَظَائِفِ بِالْأَوْقَافِ) مِنْ إمَامَةٍ وَخَطَابَةٍ وَأَذَانٍ وَفِرَاشَةٍ وَبَوَّابَةٍ، وَلَا عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْحَقِّ لَا يَجُوزُ كَمَا فِي شَرْحِ الْأَدَبِ وَغَيْرِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ: أَنَّ أَخْذَ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ أَمْرُ عُرْفٍ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَظْهَرُ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّ جَوَازِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ. اهـ. أَقُولُ: وَالْحَقُّ فِي الْوَظِيفَةِ مِثْلُهُ وَالْحُكْمُ وَاحِدٌ بِيرِيٌّ. (قَوْلُهُ: الْمَذْهَبُ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْخَاصِّ) قَالَ: فِي الْمُسْتَصْفَى التَّعَامُلُ الْعَامُّ أَيْ الشَّائِعُ الْمُسْتَفِيضُ، وَالْعُرْفُ الْمُشْتَرَكُ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَيْهِ مَعَ التَّرَدُّدِ. اهـ. . وَفِي مَحَلٍّ آخَرَ مِنْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 518 وَعَلَيْهِ فَيُفْتَى بِجَوَازِ النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ بِمَالٍ   [رد المحتار] وَلَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُشْتَرَكًا كَانَ مُتَعَارِضًا. اهـ. بِيرِيٌّ وَفِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ، وَكَذَا أَيْ تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ لَوْ دَفَعَ إلَى حَائِكٍ غَزْلًا عَلَى أَنْ يَنْسِجَهُ بِالثُّلُثِ وَمَشَايِخُ بَلْخٍ وَخُوَارِزْمَ أَفْتَوْا بِجَوَازِ إجَارَةِ الْحَائِكِ لِلْعُرْفِ وَبِهِ أَفْتَى أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ أَيْضًا وَالْفَتْوَى عَلَى جَوَابِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ إبْطَالُ النَّصِّ. اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ النَّصُّ، بِخِلَافِهِ لَا يَصْلُحُ نَاسِخًا لِلنَّصِّ، وَلَا مُقَيِّدًا لَهُ، وَإِلَّا فَقَدْ اعْتَبَرُوهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا مَسَائِلُ الْإِيمَانِ، وَكُلُّ عَاقِدٍ وَوَاقِفٍ، وَحَالِفٍ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى عُرْفِهِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ وَأَفَادَ مَا مَرَّ أَيْضًا أَنَّ الْعُرْفَ الْعَامَّ يَصْلُحُ مُقَيِّدًا؛ وَلِذَا نَقَلَ الْبِيرِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْحَائِكِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ: السَّيِّدُ الشَّهِيدُ: لَا نَأْخُذُ بِاسْتِحْسَانِ مَشَايِخِ بَلْخٍ بَلْ نَأْخُذُ بِقَوْلِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ فِي بَلَدٍ لَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ مِنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى تَقْرِيرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إيَّاهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَيَكُونُ شَرْعًا مِنْهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ فِعْلُهُمْ حُجَّةً إذَا كَانَ كَذَلِكَ مِنْ النَّاسِ كَافَّةً فِي الْبُلْدَانِ كُلِّهَا فَيَكُونُ إجْمَاعًا وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ تَعَامَلُوا عَلَى بَيْعِ الْخَمْرِ وَالرِّبَا لَا يُفْتَى بِالْحِلِّ؟ . اهـ. قُلْتُ: وَبِهِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعُرْفِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْسُوطٌ فِي رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ: بِنَشْرِ الْعَرْفِ فِي بِنَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَام عَلَى الْعُرْفِ. مَطْلَبٌ فِي النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ بِمَالٍ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ فَيُفْتَى بِجَوَازِ النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ بِمَالٍ) قَالَ: الْعَلَّامَةُ الْعَيْنِيُّ فِي فَتَاوَاهُ: لَيْسَ لِلنُّزُولِ شَيْءٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ الْعُلَمَاءَ وَالْحُكَّامَ مَشَّوْا ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ ، وَاشْتَرَطُوا إمْضَاءَ النَّاظِرِ لِئَلَّا يَقَعَ فِيهِ نِزَاعٌ. اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ حَاشِيَةِ: الْأَشْبَاهِ لِلسَّيِّدِ أَبِي السُّعُودِ، وَذَكَرَ الْحَمَوِيُّ أَنَّ الْعَيْنِيَّ ذَكَرَ فِي شَرْحِ نَظْمِ دُرَرِ الْبِحَارِ فِي بَابِ الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ الْكِبَارِ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُحْكَمَ بِصِحَّةِ النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ الدِّينِيَّةِ قِيَاسًا عَلَى تَرْكِ الْمَرْأَةِ قَسْمَهَا لِصُحْبَتِهَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُجَرَّدُ إسْقَاطٍ اهـ. مَطْلَبٌ فِي الْعُرْفِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ قُلْت: وَقَدَّمْنَا فِي الْوَقْفِ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ لِلْمُتَوَلِّي عَزْلَ نَفْسِهِ، عِنْدَ الْقَاضِي، وَأَنَّ مِنْ الْعَزْلِ الْفَرَاغَ لِغَيْرِهِ عَنْ وَظِيفَةِ النَّظَرِ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِمُجَرَّدِ عَزْلِ نَفْسِهِ خِلَافًا لِلْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْرِيرِ الْقَاضِي الْمَفْرُوغِ لَهُ لَوْ أَهْلًا وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَاضِيَ تَقْرِيرُهُ، وَلَوْ أَهْلًا وَأَنَّهُ جَرَى الْعُرْفُ بِالْفَرَاغِ بِالدَّرَاهِمِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَيَنْبَغِي الْإِبْرَاءُ الْعَامُّ بَعْدَهُ اهـ. أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الِاعْتِيَاضِ عَنْ مُجَرَّدِ الْحَقِّ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَيْسَ فِيمَا ذُكِرَ عَنْ الْعَيْنِيِّ جَوَازُهُ لَكِنْ قَالَ: الْحَمَوِيُّ وَقَدْ اسْتَخْرَجَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا نُورُ الدِّينِ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيَّ صِحَّةَ الِاعْتِيَاضِ عَنْ ذَلِكَ فِي شَرْحِهِ عَلَى نَظْمِ الْكَنْزِ مِنْ فَرْعِهِ فِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ وَهُوَ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِشَخْصٍ، وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ لَوْ قُطِعَ طَرَفُهُ أَوْ شُجَّ مُوضِحَةً فَأَدَّى الْأَرْشَ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تُنْقِصُ الْخِدْمَةَ يُشْتَرَى بِهِ عَبْدٌ آخَرُ يَخْدُمُهُ أَوْ يَضُمُّ إلَيْهِ ثَمَنَ الْعَبْدِ بَعْدَ بَيْعِهِ فَيُشْتَرَى بِهِ عَبْدٌ يَقُومُ مَقَامَ الْأَوَّلِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي بَيْعِهِ لَمْ يُبَعْ، وَإِنْ اصْطَلَحَا عَلَى قِسْمَةِ الْأَرْشِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَلَهُمَا ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ مَا يَسْتَوْفِيهِ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ مِنْ الْأَرْشِ بَدَلَ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاعْتِيَاضَ عَنْهَا، وَلَكِنَّهُ إسْقَاطٌ لِحَقِّهِ بِهِ كَمَا لَوْ صَالَحَ مُوصًى لَهُ بِالرَّقَبَةِ عَلَى مَالٍ دَفَعَهُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ لِيُسَلِّمَ الْعَبْدَ لَهُ. اهـ. قَالَ: فَرُبَّمَا يَشْهَدُ هَذَا لِلنُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ بِمَالٍ. اهـ. قَالَ: الْحَمَوِيُّ: فَلْيُحْفَظْ هَذَا فَإِنَّهُ نَفِيسٌ جِدًّا. اهـ. وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْبِيرِيُّ عِنْدَ قَوْلِ الْأَشْبَاهِ، وَيَنْبَغِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 519 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] أَنَّهُ لَوْ نَزَلَ لَهُ وَقَبَضَ الْمَبْلَغَ، ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فَقَالَ: أَيْ عَلَى وَجْهِ إسْقَاطِ الْحَقِّ إلْحَاقًا لَهُ بِالْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَى وَجْهِ الْإِسْقَاطِ لِلْحَقِّ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْفَارِغَ يَسْتَحِقُّ الْمَنْزُولَ عَنْهُ اسْتِحْقَاقًا خَاصًّا بِالتَّقْرِيرِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ بَعْدَمَا قَبَضَ الْمُوصَى لَهُ بَدَلَ الصُّلْحِ فَهُوَ جَائِزٌ. اهـ. فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا رُجُوعَ عَلَى النَّازِلِ، وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الَّذِي يَطْمَئِنُّ بِهِ الْقَلْبُ لِقُرْبِهِ اهـ. كَلَامُ الْبِيرِيِّ، ثُمَّ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الصُّلْحِ عَنْ حَقِّ الشُّفْعَةِ وَالْقَسْمِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ جَوَازَ أَخْذِ الْعِوَضِ هُنَا ثُمَّ قَالَ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا حَقٌّ جَعَلَهُ الشَّرْعُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَذَلِكَ حَقٌّ فِيهِ صِلَةٌ وَلَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا فَافْتَرَقَا وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ. اهـ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ الشُّفْعَةِ لِلشَّفِيعِ، وَحَقِّ الْقَسْمِ لِلزَّوْجَةِ وَكَذَا حَقُّ الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ لِلْمُخَيَّرَةِ إنَّمَا هُوَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّفِيعِ وَالْمَرْأَةِ، وَمَا ثَبَتَ لِذَلِكَ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ لَمَّا رَضِيَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا أَمَّا حَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ، فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ ثَبَتَ لَهُ عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ فَيَكُونُ ثَابِتًا لَهُ أَصَالَةً فَيَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْهُ إذَا نَزَلَ عَنْهُ لِغَيْرِهِ، وَمِثْلُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْأَشْبَاهِ مِنْ حَقِّ الْقِصَاصِ وَالنِّكَاحِ وَالرِّقِّ وَحَيْثُ صَحَّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ لِصَاحِبِهِ أَصَالَةً لَا عَلَى وَجْهِ رَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ صَاحِبِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ صَاحِبَ الْوَظِيفَةِ ثَبَتَ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ بِتَقْرِيرِ الْقَاضِي عَلَى وَجْهِ الْأَصَالَةِ لَا عَلَى وَجْهِ رَفْعِ الضَّرَرِ، فَإِلْحَاقُهَا بِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ، وَحَقُّ الْقِصَاصِ وَمَا بَعْدَهُ أَوْلَى مِنْ إلْحَاقِهَا بِحَقِّ الشُّفْعَةِ وَالْقَسْمِ، وَهَذَا كَلَامٌ وَجِيهٌ لَا يَخْفَى عَلَى نَبِيهٍ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي يَأْخُذُهُ النَّازِلُ، عَنْ الْوَظِيفَة رِشْوَةٌ، وَهِيَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ، وَالْعُرْفُ لَا يُعَارِضُ النَّصَّ وَجْهُ الدَّفْعِ مَا عَلِمْتَ مِنْ أَنَّهُ صُلْحٌ عَنْ حَقٍّ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ وَالرِّشْوَةُ لَا تَكُونُ بِحَقٍّ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ لِلْجَوَازِ بِنُزُولِ سَيِّدِنَا الْحُسَيْنِ بْنِ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ الْخِلَافَةِ لِمُعَاوِيَةَ عَلَى عِوَضٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ أَيْضًا، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فِي الْوَقْفِ عَنْ الْخَيْرِيَّةِ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ وَمِنْ أَنَّ لِلْمَفْرُوغِ لَهُ الرُّجُوعَ بِالْبَدَلِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْخَاصِّ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ مُجَرَّدِ الْحَقِّ لِمَا عَلِمْتَ مِنْ أَنَّ الْجَوَازَ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْخَاصِّ، بَلْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ نَظَائِرِهِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ وَإِنَّ عَدَمَ جَوَازِ الِاعْتِيَاضِ عَنْ الْحَقِّ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ. وَرَأَيْتُ بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ عَنْ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ أَنَّهُ أَفْتَى بِجَوَازِ أَخْذِ الْعِوَضِ فِي حَقِّ الْقَرَارِ وَالتَّصَرُّفِ، وَعَدَمِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ بِالْجُمْلَةِ فَالْمَسْأَلَةُ ظَنِّيَّةٌ وَالنَّظَائِرُ الْمُتَشَابِهَةِ لِلْبَحْثِ فِيهَا مَجَالٌ وَإِنْ كَانَ الْأَظْهَرُ فِيهَا مَا قُلْنَا فَالْأَوْلَى مَا قَالَ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي الْإِبْرَاءُ الْعَامُّ بَعْدَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ] مَا قُلْنَاهُ فِي الْفَرَاغِ عَنْ الْوَظِيفَةِ يُقَالُ مِثْلُهُ فِي الْفَرَاغِ عَنْ حَقِّ التَّصَرُّفِ فِي مِشَدِّ مَسْكَةِ الْأَرَاضِي وَيَأْتِي بَيَانُهَا قَرِيبًا وَكَذَا فِي فَرَاغِ الزَّعِيمِ عَنْ تَيْمَارِهِ، ثُمَّ إذَا فَرَغَ عَنْهُ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يُوَجِّهْهُ السُّلْطَانُ لِلْمَفْرُوغِ لَهُ بَلْ أَبْقَاهُ عَلَى الْفَارِغِ أَوْ وَجَّهَهُ لِغَيْرِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الرُّجُوعُ لِلْمَفْرُوغِ لَهُ عَلَى الْفَارِغِ بِبَدَلِ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِدَفْعِهِ إلَّا بِمُقَابَلَةِ ثُبُوتِ ذَلِكَ الْحَقِّ لَهُ، لَا بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ وَإِنْ حَصَلَ لِغَيْرِهِ. وَبِهَذَا أَفْتَى فِي الْإِسْمَاعِيلِيَّة وَالْحَامِدِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ عَدَمِ الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ الْفَارِغِ فَعَلَ مَا فِي وُسْعِهِ وَقُدْرَتِهِ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 520 [مَطْلَبٌ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ الْحُقُوقِ الْمُجَرَّدَةِ] وَبِلُزُومِ خُلُوِّ الْحَوَانِيتِ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْحَانُوتِ إخْرَاجُهُ وَلَا إجَارَتُهَا لِغَيْرِهِ وَلَوْ وَقْفًا انْتَهَى مُلَخَّصًا.   [رد المحتار] الطَّرَفَيْنِ وَلَا سِيَّمَا إذَا أَبْقَى السُّلْطَانُ وَالْقَاضِي التَّيْمَارَ أَوْ الْوَظِيفَةَ عَلَى الْفَارِغِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْعِوَضَيْنِ فِي تَصَرُّفِهِ وَهُوَ خِلَافُ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [مَطْلَبٌ فِي خُلُوِّ الْحَوَانِيتِ] ِ (قَوْلُهُ: وَبِلُزُومِ خُلُوِّ الْحَوَانِيتِ) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ: أَقُولُ عَلَى اعْتِبَارِهِ أَيْ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْخَاصِّ: يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِأَنَّ مَا يَقَعُ فِي بَعْضِ أَسْوَاقِ الْقَاهِرَةِ مِنْ خُلُوِّ الْحَوَانِيتِ لَازِمٌ، وَيَصِيرُ الْخُلُوُّ فِي الْحَانُوتِ حَقًّا لَهُ فَلَا يَمْلِكُ صَاحِبُ الْحَانُوتِ إخْرَاجَهُ مِنْهَا وَلَا إجَارَتَهَا لِغَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَتْ وَقْفًا وَقَدْ وَقَعَ فِي حَوَانِيتِ الْجَمَلُونِ فِي الْغُورِيَّةِ أَنَّ السُّلْطَانَ الْغُورِيَّ لَمَّا بَنَاهَا أَسْكَنَهَا لِلتُّجَّارِ بِالْخُلُوِّ وَجَعَلَ لِكُلِّ حَانُوتٍ قَدْرًا أَخَذَهُ مِنْهُمْ وَكَتَبَ ذَلِكَ بِمَكْتُوبِ الْوَقْفِ اهـ. وَقَدْ أَعَادَ الشَّارِحُ ذِكْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْكَفَالَةِ، ثُمَّ قَالَ: قُلْتُ: وَأَيَّدَهُ فِي زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ بِمَا فِي وَاقِعَاتِ الضَّرِيرِيِّ رَجُلٌ فِي يَدِهِ دُكَّانَ فَغَابَ فَرَفَعَ الْمُتَوَلِّي أَمْرَهُ لِلْقَاضِي، فَأَمَرَهُ الْقَاضِي بِفَتْحِهِ وَإِجَارَتِهِ فَفَعَلَ الْمُتَوَلِّي ذَلِكَ وَحَضَرَ الْغَائِبُ فَهُوَ أَوْلَى بِدُكَّانِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ خُلُوٌّ فَهُوَ أَوْلَى بِخُلُوِّهِ أَيْضًا، وَلَهُ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْإِجَارَةَ وَسَكَنَ فِي دُكَّانِهِ وَإِنْ شَاءَ أَجَازَهَا وَرَجَعَ بِخُلُوِّهِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَيُؤْمَرُ الْمُسْتَأْجِرُ بِأَدَاءِ ذَلِكَ إنْ رَضِيَ بِهِ وَإِلَّا يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الدُّكَانِ اهـ. بِلَفْظِهِ. اهـ. لَكِنْ قَالَ: السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ أَقُولُ: مَا نُقِلَ عَنْ وَاقِعَاتِ الضَّرِيرِيِّ مِنْ ذِكْرِ لَفْظَةِ الْخُلُوِّ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ كَذِبٌ فَإِنَّ الْإِثْبَاتَ مِنْ النَّقَلَةِ كَصَاحِبِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ نَقَلَ عِبَارَةَ الضَّرِيرِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا لَفْظَ الْخُلُوِّ: هَذِهِ وَقَدْ اُشْتُهِرَ نِسْبَةُ مَسْأَلَةِ الْخُلُوِّ إلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَنْهُ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى قَالَ: الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ: إنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ التَّعَرُّضُ؛ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّمَا فِيهَا فُتْيَا لِلْعَلَّامَةِ نَاصِرِ الدِّينِ اللَّقَانِيِّ الْمَالِكِيِّ بَنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ وَخَرَّجَهَا عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ فَيُعْتَبَرُ تَخْرِيجُهُ، وَإِنْ نُوزِعَ فِيهِ وَقَدْ انْتَشَرَتْ فُتْيَاهُ فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ وَتَلَقَّاهَا عُلَمَاءُ عَصْرِهِ بِالْقَبُولِ اهـ. قُلْتُ: وَرَأَيْتُ فِي فَتَاوَى الْكَازَرُونِيِّ عَنْ الْعَلَّامَةِ اللَّقَانِيِّ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ صَاحِبُ الْخُلُوِّ يُوَفَّى مِنْهُ دُيُونُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ وَيَنْتَقِلُ لِبَيْتِ الْمَالِ عِنْدَ فَقْدِ الْوَارِثِ. اهـ. هَذَا، وَقَدْ اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى لُزُومِهِ وَصِحَّةِ بَيْعِهِ عِنْدَنَا بِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ بَاعَ سُكْنَى لَهُ فِي حَانُوتٍ لِغَيْرِهِ فَأَخْبَرَ الْمُشْتَرِيَ أَنَّ أُجْرَةَ الْحَانُوتِ كَذَا فَظَهَرَ أَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالُوا: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ السُّكْنَى بِهَذَا الْعَيْبِ اهـ. وَلِلْعَلَّامَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ رِسَالَةٌ رَدَّ فِيهَا عَلَى هَذَا الْمُسْتَدِلِّ بِأَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَى السُّكْنَى؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا عَيْنٌ مُرَكَّبَةٌ فِي الْحَانُوتِ، وَهِيَ غَيْرُ الْخُلُوِّ. فَفِي الْخُلَاصَةِ اشْتَرَى سُكْنَى حَانُوتٍ فِي حَانُوتِ رَجُلٍ مُرَكَّبًا وَأَخْبَرَهُ الْبَائِعُ أَنَّ أُجْرَةَ الْحَانُوتِ كَذَا فَإِذَا هِيَ أَكْثَرُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ الذَّخِيرَةِ شَرَى سُكْنَى فِي دُكَّانِ وَقْفٍ فَقَالَ: الْمُتَوَلِّي: مَا أَذِنْتُ لَهُ أَيْ لِلْبَائِعِ بِوَضْعِهَا فَأَمَرَهُ أَيْ الْمُشْتَرِي بِالرَّفْعِ، فَلَوْ شَرَاهُ بِشَرْطِ الْقَرَارِ يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ وَإِلَّا فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِثَمَنِهِ وَلَا بِنُقْصَانِهِ. اهـ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّكْنَى عَيْنٌ قَائِمَةٌ فِي الْحَانُوتِ وَرَدَّ فِيهَا أَيْضًا عَلَى الْأَشْبَاهِ، بِأَنَّ الْخُلُوَّ لَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا مُتَأَخِّرٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، حَتَّى أَفْتَى بِصِحَّةِ وَقْفِهِ وَلَزِمَ مِنْهُ أَنَّ أَوْقَافَ الْمُسْلِمِينَ صَارَتْ لِلْكَافِرِينَ، بِسَبَبِ وَقْفِ خُلُوِّهَا عَلَى كَنَائِسِهِمْ، وَبِأَنَّ عَدَمَ إخْرَاجِ صَاحِبِ الْحَانُوتِ لِصَاحِبِ الْخُلُوِّ يَلْزَمُ مِنْهُ حَجْرُ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ عَنْ مِلْكِهِ وَإِتْلَافُ مَالِهِ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الْخُلُوِّ لَا يُعْطَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 521 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] أَجْرَ الْمِثْلِ، وَيَأْخُذُ هُوَ فِي نَظِيرِ خُلُوِّهِ قَدْرًا كَثِيرًا، بَلْ لَا يَجُوزُ هَذَا فِي الْوَقْفِ. وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ مَنْ سَكَنَ الْوَقْفَ يَلْزَمُهُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَفِي مَنْعِ النَّاظِرِ مِنْ إخْرَاجِهِ تَفْوِيتُ نَفْعِ الْوَقْفِ وَتَعْطِيلُ مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ مِنْ إقَامَةِ شَعَائِرِ مَسْجِدٍ وَنَحْوِهَا. اهـ. مُلَخَّصًا. مَطْلَبٌ فِي الْكَدَكِ قُلْتُ: وَمَا ذَكَرَهُ حَقٌّ خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا هَذَا، وَأَمَّا مَا يَتَمَسَّكُ بِهِ صَاحِبُ الْخُلُوِّ مِنْ أَنَّهُ اشْتَرَى خُلُوَّهُ بِمَالٍ كَثِيرٍ، وَأَنَّهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ تَصِيرُ أُجْرَةُ الْوَقْفِ شَيْئًا قَلِيلًا فَهُوَ تَمَسُّكٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ صَاحِبُ الْخُلُوِّ الْأَوَّلِ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ نَفْعٌ لِلْوَقْفِ فَيَكُونُ الدَّافِعُ هُوَ الْمُضَيِّعُ مَالَهُ فَكَيْفَ يَحِلُّ لَهُ ظُلْمُ الْوَقْفِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ أُجْرَةِ مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِ شَيْءٍ زَائِدٌ عَلَى الْخُلُوِّ مِنْ بِنَاءٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُسَمَّى فِي عُرْفِنَا بِالْكَدَكِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ لَفْظِ السُّكْنَى الْمَارِّ، فَإِذَا لَمْ يَدْفَعْ أُجْرَةَ مِثْلِهِ لَمْ يُؤْمَرْ بِرَفْعِهِ، وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعًا بِإِذْنِ الْوَاقِفِ أَوْ أَحَدِ النُّظَّارِ وَيَرْجِعُ هَذَا إلَى مَسْأَلَةِ الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ الْمَنْقُولَةِ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ حَيْثُ قَالَ: حَانُوتٌ أَصْلُهُ وَقْفٌ وَعِمَارَتُهُ لِرَجُلٍ وَهُوَ لَا يَرْضَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَرْضَهُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ قَالُوا إنْ كَانَتْ الْعِمَارَةُ ب حَيْثُ لَوْ رُفِعَتْ يَسْتَأْجِرُ الْأَصْلَ بِأَكْثَرِ مِمَّا يَسْتَأْجِرُ صَاحِبُ الْبِنَاءِ كُلِّفَ رَفْعَهُ، وَيُؤْجَرُ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِلَّا يُتْرَكُ فِي يَدِهِ بِذَلِكَ الْأَجْرِ. اهـ. وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا يُتْرَكُ فِي يَدِهِ يُفِيدُ أَنَّهُ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ حَيْثُ كَانَ مَا يَدْفَعُهُ أَجْرَ الْمِثْلِ فَهُنَا يُقَالُ لَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يُخْرِجَهُ وَلَا أَنْ يَأْمُرَ بِرَفْعِهِ إذْ لَيْسَ فِي اسْتِبْقَائِهِ ضَرَرٌ عَلَى الْوَقْفِ مَعَ الرِّفْقِ بِهِ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ، كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي الْوَقْفِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ: فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِ: بَنَى الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ غَرَسَ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ صَارَ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْقَرَارِ، وَهِيَ الْمُسَمَّى بِالْكِرْدَارِ لَهُ الِاسْتِبْقَاءُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ. اهـ. وَفِي الْخَيْرِيَّةِ: وَقَدْ صَرَّحَ عُلَمَاؤُنَا بِأَنَّ لِصَاحِبِ الْكِرْدَارِ حَقَّ الْقَرَارِ، وَهُوَ أَنْ يُحْدِثَ الْمُزَارِعُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي الْأَرْضِ بِنَاءً أَوْ غَرْسًا أَوْ كَبْسًا بِالتُّرَابِ بِإِذْنِ الْوَاقِفِ أَوْ النَّاظِرِ فَتَبْقَى فِي يَدِهِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الدَّرَاهِمَ الَّتِي دَفَعَهَا صَاحِبُ الْخُلُوِّ لِلْوَاقِفِ وَاسْتَعَانَ بِهَا عَلَى بِنَاءِ الْوَقْفِ شَبِيهَةٌ بِكَبْسِ الْأَرْضِ بِالتُّرَابِ، فَيَصِيرُ لَهُ حَقُّ الْقَرَارِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ يَدِهِ إذَا كَانَ يَدْفَعُ أَجْرَ الْمِثْلِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ يَرُمُّ دُكَّانَ الْوَقْفِ وَيَقُومُ بِلَوَازِمِهَا مِنْ مَالِهِ بِإِذْنِ النَّاظِرِ، أَمَّا مُجَرَّدُ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الدُّكَانِ وَنَحْوِهَا وَكَوْنُهُ يَسْتَأْجِرُهَا عِدَّةَ سِنِينَ بِدُونِ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَلِلْمُؤَجِّرِ إخْرَاجُهَا مِنْ يَدِهِ إذَا مَضَتْ مُدَّةُ إجَارَتِهِ، وَإِيجَارُهَا لِغَيْرِهِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي رِسَالَتِنَا تَحْرِيرُ الْعِبَارَةِ فِي بَيَانِ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْإِجَارَةِ وَذَكَرْنَا حَاصِلَهَا فِي الْوَقْفِ، وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ صَاحِبَ الْخُلُوِّ الْمُعْتَبَرِ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ لَوْ اسْتَأْجَرَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ يَحْمِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخَيْرِيَّةِ مِنْ الْوَقْفِ حَيْثُ سُئِلَ فِي الْخُلُوِّ الْوَاقِعِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَافِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْأَوْقَافِ الرُّومِيَّةِ فِي الْحَوَانِيتِ وَغَيْرِهَا، هَلْ يَصِيرُ حَقًّا لَازِمًا لِصَاحِبِ الْخُلُوِّ، وَيَجُوزُ بَيْعُ سُكْنَاهُ وَشِرَاؤُهُ وَإِذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ يَمْتَنِعُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ حُكَّامِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ نَقْضُهُ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْجَوَابِ عِبَارَةَ الْأَشْبَاهِ وَوَاقِعَاتِ الضَّرِيرِيِّ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ وَمَسْأَلَةِ حَقِّ الْقَرَارِ وَمَسْأَلَةِ بَيْعِ السُّكْنَى. ثُمَّ قَالَ: أَقُولُ: لَيْسَ الْغَرَضُ بِإِيرَادِ هَذِهِ الْجُمَلِ الْقَطْعَ بِالْحُكْمِ بَلْ لِيَقَعَ الْيَقِينُ بِارْتِفَاعِ الْخِلَافِ بِالْحُكْمِ حَيْثُ اسْتَوْفَى شَرَائِطَهُ مِنْ مَالِكِيٍّ يَرَاهُ أَوْ غَيْرَهُ صَحَّ وَلَزِمَ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ خُصُوصًا فِيمَا لِلنَّاسِ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ لَا سِيَّمَا فِي الْمُدُنِ الْمَشْهُورَةِ كَمِصْرِ وَمَدِينَةِ الْمُلْكِ فَإِنَّهُمْ يَتَعَاطَوْنَهُ وَلَهُمْ فِيهِ نَفْعٌ كُلِّيٌّ وَيَضُرُّ بِهِمْ نَقْضُهُ وَإِعْدَامُهُ فَلَرُبَّمَا بِفِعْلِهِ تَكْثُرُ الْأَوْقَافُ، أَلَا تَرَى مَا فَعَلَهُ الْغُورِيُّ كَمَا مَرَّ؟ وَمِمَّا بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ الْمُلُوكِ عَمَّرَ مِثْلَ ذَلِكَ بِأَمْوَالِ التُّجَّارِ وَلَمْ يَصْرِفْ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ الدِّرْهَمَ وَالدِّينَارَ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ مَا خَفَّفَ عَنْ أُمَّتِهِ، وَالدِّينُ يُسْرٌ وَلَا مَفْسَدَةَ فِي ذَلِكَ فِي الدِّينِ، وَلَا عَارَ بِهِ عَلَى الْمُوَحِّدِينَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. مُلَخَّصًا. وَمِمَّنْ أَفْتَى بِلُزُومِ الْخُلُوِّ الَّذِي يَكُونُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 522 وَفِي مُعِينِ الْمُفْتِي لِلْمُصَنِّفِ مَعْزِيًّا للولوالجية: عِمَارَةٌ فِي أَرْضٍ بِيعَتْ فَإِنْ بِنَاءً أَوْ أَشْجَارًا   [رد المحتار] بِمُقَابَلَةِ دَرَاهِمَ يَدْفَعُهَا لِلْمُتَوَلِّي أَوْ الْمَالِكِ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَفَنْدِي الْعِمَادِيُّ صَاحِبُ هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ وَقَالَ: فَلَا يَمْلِكُ صَاحِبُ الْحَانُوتِ إخْرَاجَهُ وَلَا إجَارَتَهَا لِغَيْرِهِ مَا لَمْ يَدْفَعْ لَهُ الْمَبْلَغَ الْمَرْقُومَ، فَيُفْتِي بِجَوَازِ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ قِيَاسًا عَلَى بَيْعِ الْوَفَاءِ الَّذِي تَعَارَفَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ احْتِيَالًا عَلَى الرِّبَا إلَخْ. قُلْتُ: وَهُوَ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا قُلْنَا إذَا كَانَ يَدْفَعُ أَجْرَ الْمِثْلِ، وَإِلَّا كَانَتْ سُكْنَاهُ بِمُقَابَلَةِ مَا دَفَعَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ عَيْنَ الرِّبَا كَمَا قَالُوا: فِيمَنْ دَفَعَ لِلْمُقْرِضِ دَارًا لِيَسْكُنَهَا أَوْ حِمَارًا لِيَرْكَبَهُ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ قَرْضَهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الدَّارِ أَوْ الْحِمَارِ عَلَى أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ الدَّرَاهِمِ يَنْتَفِعُ بِهِ لِنَفْسِهِ، فَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ صَاحِبَ الْخُلُوِّ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ يَلْزَمُ ضَيَاعُ حَقِّهِمْ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا قَبَضَهُ الْمُتَوَلِّي صَرَفَهُ فِي عِمَارَةِ الْوَقْفِ، حَيْثُ تَعَيَّنَ ذَلِكَ طَرِيقًا إلَى عِمَارَتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ مَعَ دَفْعِ ذَلِكَ الْمَبْلَغِ اللَّازِمِ لِلْعِمَارَةِ، فَحِينَئِذٍ قَدْ يُقَالُ بِجَوَازِ سُكْنَاهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِلضَّرُورَةِ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُسَمَّى فِي زَمَانِنَا مَرْصَدًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْوَقْفِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. بَقِيَ طَرِيقُ مَعْرِفَةِ أَجْرِ الْمِثْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: فِيهِ إنَّا نَنْظُرُ إلَى مَا دَفَعَهُ صَاحِبُ الْخُلُوِّ لِلْوَاقِفِ أَوْ الْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَإِلَى مَا يُنْفِقُهُ فِي مَرَمَّةِ الدُّكَانِ وَنَحْوِهَا فَإِذَا كَانَ النَّاسُ يَرْغَبُونَ فِي دَفْعِ جَمِيعِ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْخُلُوِّ وَمَعَ ذَلِكَ يَسْتَأْجِرُونَ الدُّكَانَ بِمِائَةٍ مَثَلًا، فَالْمِائَةُ هِيَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَا دَفَعَهُ هُوَ إلَى صَاحِبِ الْخُلُوِّ السَّابِقِ مِنْ مَالٍ كَثِيرٍ طَمَعًا فِي أَنَّ أُجْرَةَ هَذِهِ الدُّكَانِ عَشَرَةٌ مَثَلًا كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّ مَا دَفَعَهُ مِنْ الْمَالِ الْكَثِيرِ لَمْ يَرْجِعْ مِنْهُ نَفْعٌ لِلْوَقْفِ أَصْلًا بَلْ هُوَ مَحْضُ ضَرَرٍ بِالْوَقْفِ، حَيْثُ لَزِمَ مِنْهُ اسْتِئْجَارُ الدُّكَانِ بِدُونِ أُجْرَتِهَا بِغَبَنٍ فَاحِشٍ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى مَا يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى الْوَقْفِ فَقَطْ كَمَا ذَكَرْنَا. نَعَمْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ صَاحِبَ الْخُلُوِّ حِينَ يَسْتَأْجِرُ الدُّكَانَ بِالْأُجْرَةِ الْيَسِيرَةِ يَدْفَعُ لِلنَّاظِرِ دَرَاهِمَ تُسَمَّى خِدْمَةً هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ تَكْمِلَةُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ دُونَهَا، وَكَذَا إذَا مَاتَ صَاحِبُ الْخُلُوِّ أَوْ نَزَلَ عَنْ خُلُوِّهِ لِغَيْرِهِ يَأْخُذُ النَّاظِرُ مِنْ الْوَارِثِ أَوْ الْمَنْزُولِ لَهُ دَرَاهِمَ تُسَمَّى تَصْدِيقًا فَهَذَا تُحْسَبُ مِنْ الْأُجْرَةِ أَيْضًا، وَيَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ صَرْفُهَا إلَى جِهَةِ الْوَقْفِ كَمَا قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْوَقْفِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَوَائِدِ الْعُرْفِيَّةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ: أَنَّ الْخُلُوَّ يَصْدُقُ بِالْعَيْنِ الْمُتَّصِلِ اتِّصَالَ قَرَارٍ وَبِغَيْرِهِ وَكَذَا الْجَدَكُ الْمُتَعَارَفُ فِي الْحَوَانِيتِ الْمَمْلُوكَةِ وَنَحْوِهَا كَالْقَهَاوِي تَارَةً يَتَعَلَّقُ بِمَا لَهُ حَقُّ الْقَرَارِ كَالْبِنَاءِ بِالْحَانُوتِ وَتَارَةً يَتَعَلَّقُ بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ كَالْخُلُوِّ فِي الْحُكْمِ بِجَامِعِ وُجُودِ الْعُرْفِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْمُرَادُ بِالْمُتَّصِلِ اتِّصَالَ قَرَارٍ مَا وُضِعَ لَا لِيَفْصِلَ كَالْبِنَاءِ وَلَا فَرْقَ فِي صِدْقِ كُلٍّ مِنْ الْخُلُوِّ وَالْجَدَكُ بِهِ، وَبِالْمُتَّصِلِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ كَالْخَشَبِ الَّذِي يُرَكَّبُ بِالْحَانُوتِ لِوَضْعِ عِدَّةِ الْحَلَّاقِ مَثَلًا، فَإِنَّ الِاتِّصَالَ وُجِدَ لَكِنْ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ، وَكَذَا يَصْدُقَانِ بِمُجَرَّدِ الْمَنْفَعَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلدَّرَاهِمِ، لَكِنْ يَنْفَرِدُ الْجَدَكُ بِالْعَيْنِ الْغَيْرِ الْمُتَّصِلَةِ أَصْلًا كَالْبَكَارِجِ وَالْفَنَاجِينِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَهْوَةِ وَالْمِقَشَّةِ وَالْفُوَطِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَمَّامِ وَالشُّونَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْفُرْنِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَكُونُ الْجَدَكُ أَعَمَّ. بَقِيَ لَوْ كَانَ الْخُلُوُّ بِنَاءً أَوْ غِرَاسًا بِالْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ أَوْ الْمَمْلُوكَةِ يَجْرِي فِيهِ حَقُّ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اتَّصَلَ بِالْأَرْضِ اتِّصَالَ قَرَارٍ الْتَحَقَ بِالْعَقَارِ. اهـ. قُلْتُ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ جَرَيَانِ الشُّفْعَةِ فِيهِ سَهْوٌ ظَاهِرٌ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَافْهَمْ. هَذَا غَايَةُ مَا تَحَرَّرَ لِي فِي مَسْأَلَةِ الْخُلُوِّ فَاغْتَنِمْهُ فَإِنَّهُ مُفْرَدٌ وَقَدْ أَوْضَحْنَا الْفَرْقَ فِي بَابِ مِشَدِّ الْمَسْكَةِ مِنْ تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ بَيْنَ الْمِشَدِّ وَالْخُلُوِّ وَالْجَدَكِ وَالْقِيمَةِ وَالْمَرْصَدِ الْمُتَعَارَفَةِ فِي زَمَانِنَا إيضَاحًا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْكِتَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَلِكِ الْوَهَّابِ. . (قَوْلُهُ: وَفِي مُعِينِ الْمُفْتِي إلَخْ) أَفَادَ بِهِ أَنَّ الْخُلُوَّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَيْنًا قَائِمَةً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 523 جَازَ، وَإِنْ كِرَابًا أَوْ كُرَى أَنْهَارٍ أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِمَالٍ وَلَا بِمَعْنَى مَالٍ لَمْ يَجُزْ اهـ. قُلْتُ: وَمُفَادُهُ أَنَّ بَيْعَ الْمَسْكَةِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا رَهْنُهَا وَلِذَا جَعَلُوهُ الْآنَ فَرَاغًا كَالْوَظَائِفِ فَلْيُحَرَّرْ. اهـ. وَسَنَذْكُرُهُ فِي بَيْعِ الْوَفَاءِ.   [رد المحتار] لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ (قَوْلُهُ جَازَ) تَرَكَ قَيْدًا ذَكَرَهُ فِي مُعِينِ الْمُفْتِي وَهُوَ قَوْلُهُ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ تَرْكُهَا. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كِرَابًا أَوْ كَرْيَ أَنْهَارٍ) فِي الْمُغْرِبِ: كَرَبَ الْأَرْضَ كَرْبًا قَلَّبَهَا لِلْحَرْثِ مِنْ بَابِ طَلَبَ وَكَرَيْت النَّهْرَ كَرْيًا حَفَرْته (قَوْلُهُ وَلَا بِمَعْنَى مَالٍ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ التُّرَابُ الْمُسَمَّى كَبْسًا وَهُوَ مَا تُكْبَسُ بِهِ الْأَرْضُ أَيْ تُطَمُّ وَتُسَوَّى فَتَأَمَّلْ: وَفِي ط وَهُوَ كَالسُّكْنَى فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ بِطَرِيقِ الْخُلُوِّ وَكَالْجَدَكِ عَلَى مَا سَلَفَ. مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ مِشَدِّ الْمَسْكَةِ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ أَنَّ بَيْعَ الْمَسْكَةِ لَا يَجُوزُ) لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ كِرَابِ الْأَرْضِ وَكَرْيِ أَنْهَارِهَا سُمِّيَتْ مَسْكَةً لِأَنَّ صَاحِبَهَا صَارَ لَهُ مَسْكَةً بِهَا بِحَيْثُ لَا تُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ بِسَبَبِهَا، وَتُسَمَّى أَيْضًا مِشَدَّ مَسْكَةٍ لِأَنَّ الْمِشَدَّ مِنْ الشِّدَّةِ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ أَيْ قُوَّةُ التَّمَسُّكِ وَلَهَا أَحْكَامٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَوَامِرَ سُلْطَانِيَّةٍ أَفْتَى بِهَا عُلَمَاءُ الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ ذَكَرَتْ كَثِيرًا مِنْهَا فِي بَابِهَا مِنْ تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ. وَمِنْهَا: أَنَّهَا لَا تُورَثُ، وَإِنَّمَا تُوَجَّهُ لِلِابْنِ الْقَادِرِ عَلَيْهَا دُونَ الْبِنْتِ وَعِنْدَ عَدَمِ الِابْنِ تُعْطَى لِلْبِنْتِ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فَلِلْأَخِ لِأَبٍ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَلِلْأُخْتِ السَّاكِنَةِ فِي الْقَرْيَةِ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فَلِلْأُمِّ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِي خَرَاجِ الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: أَنَّهَا تَنْتَقِلُ لِلِابْنِ وَلَا تُعْطَى الْبِنْتُ حِصَّةً، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ ابْنًا بَلْ بِنْتًا لَا يُعْطِيهَا وَيُعْطِيهَا صَاحِبُ التَّيْمَارِ لِمَنْ أَرَادَ وَفِي سَنَةِ ثَمَانِيَةٍ وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَرَاضِيِ الَّتِي تَحْيَا وَتُفَلَّحُ بِعَمَلٍ وَكُلْفَةِ دَرَاهِمَ فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تُعْطَى لِلْغَيْرِ بِالطَّابُو، فَالْبَنَاتُ لَمَّا كَانَ يَلْزَمُ حِرْمَانُهُنَّ مِنْ الْمَالِ الَّذِي صَرَفَهُ أَبُوهُنَّ وَرَدَ الْأَمْرُ السُّلْطَانِيُّ بِالْإِعْطَاءِ لَهُنَّ، لَكِنْ تُنَافِسُ الْأُخْتُ الْبِنْتَ فِي ذَلِكَ، فَيُؤْتَى بِجَمَاعَةٍ لَيْسَ لَهُنَّ غَرَضٌ، فَأَيُّ مِقْدَارٍ قَدَّرُوا بِهِ الطَّابُو تُعْطِيهِ الْبَنَاتُ وَيَأْخُذْنَ الْأَرْضَ اهـ. وَنَقَلَ فِي الْحَامِدِيَّةِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ التَّفْوِيضُ بِلَا إذْنِ صَاحِبِ الْأَرْضِ يَعْنِي التَّيْمَارِيَّ الَّذِي وَجَّهَ السُّلْطَانُ لَهُ أَخْذَ خَرَاجِهَا لَا تَزُولُ الْأَرْضُ عَنْ يَدِ الْمُفَوِّضِ حَقِيقَةً، فَكَانَتْ فِي يَدِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ عَارِيَّةً، وَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ وَقْفًا فَتَفْوِيضُهَا مُتَوَقِّفٌ عَلَى إذْنِ النَّاظِرِ لَا عَلَى إجَازَةِ التَّيْمَارِ، وَلَا تُؤَجَّرُ مِمَّنْ لَا مَسْكَةَ لَهُ مَعَ وُجُودِهِ بِدُونِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ وَإِذَا زَرَعَ أَجْنَبِيٌّ فِيهَا بِلَا إذْنِ صَاحِبِ الْمَسْكَةِ يُؤْمَرُ بِقَلْعِ الزَّرْعِ وَيَسْقُطُ حَقُّ صَاحِبِهَا مِنْهَا بِتَرْكِهِ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ اخْتِيَارًا اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلِذَا جَعَلُوهُ) أَيْ جَعَلُوا بَيْعَهَا وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُرُوجُ عَنْهَا يَعْنِي أَنَّ الْمَسْكَةَ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مَالًا مُتَقَوِّمًا لَا يُمْكِنُ بَيْعُهَا، فَإِذَا أَرَادَ صَاحِبُهَا النُّزُولَ عَنْهَا لِغَيْرِهِ بِعِوَضٍ جَعَلُوا ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْفَرَاغِ كَالنُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْمُفْتَى أَبِي السُّعُودِ أَنَّهُ أَفْتَى بِجَوَازِهِ وَكَأَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ فَأَمَرَ بِتَحْرِيرِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَسَنَذْكُرُهُ فِي بَيْعِ الْوَفَاءِ) أَيْ قُبَيْلَ كِتَابِ الْكَفَالَةِ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ هُنَاكَ هُوَ النُّزُولُ عَنْ الْوَظَائِفِ وَمَسْأَلَةُ الْخُلُوِّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ هُنَاكَ لِلْمَسْكَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 524 (وَيَنْعَقِدُ) أَيْضًا (بِلَفْظٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي بَيْعِ) الْقَاضِي وَالْوَصِيِّ وَ (الْأَبِ مِنْ طِفْلِهِ وَشِرَائِهِ مِنْهُ) فَإِنَّهُ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ جُعِلَتْ عِبَارَتُهُ كَعِبَارَتَيْنِ، وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ (وَإِذَا أَوْجَبَ وَاحِدٌ قَبْلَ الْآخَرِ) بَائِعًا كَانَ أَوْ مُشْتَرِيًا   [رد المحتار] [مَطْلَبٌ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ] ِ (قَوْلُهُ وَيَنْعَقِدُ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ مِنْهُمَا أَوْ بِتَعَاطٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ط (قَوْلُهُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِالتَّعَاطِي هُنَا (قَوْلُهُ كَمَا فِي بَيْعِ الْقَاضِي) أَيْ بَيْعِهِ مَالَ الْيَتِيمِ مِنْ يَتِيمٍ آخَرَ أَوْ شِرَائِهِ لَهُ كَذَلِكَ، أَمَّا عَقْدُهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ وَقَضَاءَهُ لِنَفْسِهِ بَاطِلٌ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ جَامِعًا بِذَلِكَ بَيْنَ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ الْجَوَازِ وَمَا فِي الْخِزَانَةِ مِنْ عَدَمِهِ ط. (قَوْلُهُ: وَالْوَصِيِّ) أَيْ إذَا اشْتَرَى لِلْيَتِيمِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ لِنَفْسِهِ مِنْهُ بِشَرْطِهِ الْمَعْرُوفِ وَقَيَّدَهُ فِي نَظْمِ الزندويستي بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي. اهـ. فَتْحٌ أَيْ لِأَنَّ وَصِيَّ الْقَاضِي وَكِيلٌ مَحْضٌ وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ أَوْ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ خُلَاصَةٌ وَأَرَادَ بِالشَّرْطِ الْمَعْرُوفِ الْخَيْرِيَّةَ: وَهِيَ فِي الشِّرَاءِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ، أَنْ يَكُونَ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بَخَمْسَةَ عَشَرَ، وَفِي الْبَيْعِ مِنْهُ بِالْعَكْسِ وَقِيلَ: يَكْتَفِي بِدِرْهَمَيْنِ فِي الْعَشَرَةِ وَالْأَوَّلُ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ الْبُيُوعِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَبُ مِنْ طِفْلِهِ) وَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الْخَيْرِيَّةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَزَادَ فِيمَنْ يَتَوَلَّى الْعَقْدَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ الْعَبْدَ إذَا اشْتَرَى نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ بِأَمْرِهِ وَالرَّسُولَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ مِنْهُمَا. اهـ. زَادَ فِي الدُّرَرِ قَوْلَهُ: وَكَذَا لَوْ قَالَ: بِعْتُ مِنْكَ هَذَا بِدِرْهَمٍ فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ. اهـ. وَقَالَ: فِي الْعَزْمِيَّةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ التَّعَاطِي. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ بَيْعَ التَّعَاطِي لَيْسَ فِيهِ إيجَابٌ بَلْ قَبْضٌ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ فَقَطْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ، وَقَدَّمْنَا عَنْهُ أَنَّ الْقَبُولَ يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَأَنَّ الْقَبْضَ قَبُولٌ فَحِينَئِذٍ لَمْ يُوجَدْ انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِالْعَقْدِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ إلَخْ) أَيْ وَوَصِيُّ الْأَبِ نَائِبٌ عَنْهُ فَلَهُ حُكْمُهُ؛ وَلِذَا سَكَتَ عَنْهُ وَأَمَّا الْقَاضِي فَكَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ) ذَكَرَ فِيهَا بَعْدَ عِبَارَةِ الشَّارِحِ مَا نَصُّهُ: فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الْقَبُولِ، وَكَانَ أَصِيلًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَنَائِبًا عَنْ طِفْلِهِ حَتَّى إذَا بَلَغَ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ دُونَ أَبِيهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مَالَ طِفْلِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، فَبَلَغَ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى أَبِيهِ فَإِذَا لَزِمَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ فِي صُورَةِ شِرَائِهِ لَا يَبْرَأُ عَنْ الدَّيْنِ حَتَّى يَنْصِبَ الْقَاضِي وَكِيلًا يَقْبِضُهُ لِلصَّغِيرِ فَيَرُدُّهُ عَلَى أَبِيهِ فَيَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: قَبِلَ الْآخَرِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ مِنْ الْقَبُولِ الْمُقَابِلِ لِلْإِيجَابِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ تَرَكَ عَطْفٌ عَلَيْهِ أَيْ يُخَيَّرُ الْآخَرُ بَيْنَ الْقَبُولِ وَالتَّرْكِ فِي الْمَجْلِسِ، مَا دَامَ الْمُوجِبُ عَلَى إيجَابِهِ، فَلَوْ رَجَعَ عَنْهُ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ كَمَا يَأْتِي وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ كَوْنِ الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ، وَكَوْنُهُ مُوَافِقًا لِلْإِيجَابِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ وَكَوْنُهُ فِي حَيَاةِ الْمُوجِبِ. فَلَوْ مَاتَ قَبْلَهُ بَطَلَ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى مَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ لَا اسْتِثْنَاءَ فَرَاجِعْهُ، وَكَوْنُهُ قَبْلَ رَدِّ الْمُخَاطَبِ الْإِيجَابَ وَكَوْنُهُ قَبْلَ تَغَيُّرِ الْمَبِيعِ فَلَوْ قُطِعَتْ يَدُ الْجَارِيَةِ بَعْدَ الْإِيجَابِ، وَأَخَذَ الْبَائِعُ أَرْشَهَا لَمْ يَصِحَّ قَبُولُ الْمُشْتَرِي، كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ بَحْرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِأَخْذِ الْأَرْشِ اتِّفَاقِيٌّ نَهْرٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 525 فِي الْمَجْلِسِ) لِأَنَّ خِيَارَ الْقَبُولِ مُقَيَّدٌ بِهِ (كُلُّ الْمَبِيعِ بِكُلِّ الثَّمَنِ، أَوْ تَرَكَ) لِئَلَّا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ (إلَّا إذَا) أَعَادَ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ   [رد المحتار] قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ التَّتَارْخَانِيَّة وَدَفَعَ أَرْشَ الْيَدِ إلَى الْبَائِعِ أَوْ لَمْ يَدْفَعْ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَجْلِسِ) حَتَّى لَوْ تَكَلَّمَ الْبَائِعُ مَعَ إنْسَانٍ فِي حَاجَةٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بَحْرٌ فَالْمُرَادُ بِالْمَجْلِسِ مَا لَا يُوجَدُ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ، وَأَنْ لَا يَشْتَغِلَ بِمُفَوِّتٍ لَهُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْإِعْرَاضِ أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ، فَإِنْ وُجِدَ بَطَلَ وَلَوْ اتَّحَدَ الْمَكَانَ ط. (قَوْلُهُ: كُلُّ الْمَبِيعِ بِكُلِّ الثَّمَنِ) بَيَانٌ لِاشْتِرَاطِ مُوَافَقَةِ الْقَبُولِ لِلْإِيجَابِ بِأَنْ يَقْبَلَ الْمُشْتَرِي مَا أَوْجَبَهُ الْبَائِعُ بِمَا أَوْجَبَهُ فَإِنْ خَالَفَهُ بِأَنْ قَبِلَ غَيْرَ مَا أَوْجَبَهُ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ بِغَيْرِ مَا أَوْجَبَهُ أَوْ بِبَعْضِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ إلَّا فِي الشُّفْعَةِ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي شُرُوطِ الْعَقْدِ، وَإِلَّا فِيمَا إذَا كَانَ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَقَبِلَ الْبَائِعُ بِأَنْقَصَ مِنْ الثَّمَنِ صَحَّ وَكَانَ خَطَأً، أَوْ كَانَ مِنْ الْبَائِعِ فَقَبِلَ الْمُشْتَرَى بِأَزْيَدَ صَحَّ، وَكَانَ زِيَادَةً إنْ قَبِلَهَا فِي الْمَجْلِسِ لَزِمَتْ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ، وَذَكَرَ أَنَّ هِبَةَ الثَّمَنِ بَعْدَ الْإِيجَابِ قَبْلَ الْقَبُولِ تُبْطِلُ الْإِيجَابَ، وَقِيلَ: لَا وَيَكُونُ إبْرَاءُ وَسُكُوتُ الْمُشْتَرِي عَنْ الثَّمَنِ مُفْسِدًا لِلْبَيْعِ. اهـ. مَطْلَبٌ مَا يُوجِبُ اتِّحَادَ الصَّفْقَةِ وَتَفْرِيقَهَا (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَلْزَمُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ) هِيَ ضَرْبُ الْيَدِ عَلَى الْيَدِ فِي الْبَيْعِ، ثُمَّ جُعِلَتْ عِبَارَةً عَنْ الْعَقْدِ نَفْسِهِ مُغْرِبٌ. قَالَ: فِي الْبَحْرِ: وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا يُوجِبُ اتِّحَادَهَا وَتَفْرِيقَهَا. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرُوهُ: أَنَّ الْمُوجِبَ إذَا اتَّحَدَ وَتَعَدَّدَ الْمُخَاطَبُ لَمْ يَجُزْ التَّفْرِيقُ بِقَبُولِ أَحَدِهِمَا بَائِعًا كَانَ الْمُوجِبُ أَوْ مُشْتَرِيًا وَعَلَى عَكْسِهِ لَمْ يَجُزْ الْقَبُولُ فِي حِصَّةِ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ اتَّحَدَا لَمْ يَصِحَّ قَبُولُ الْمُخَاطَبِ فِي الْبَعْضِ فَلَمْ يَصِحَّ تَفْرِيقُهَا مُطْلَقًا فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ فِي الْكُلِّ، وَكَذَا إذَا اتَّحَدَ الْعَاقِدَانِ، وَتَعَدَّدَ الْمَبِيعُ كَأَنْ يُوجِبَ فِي مِثْلَيْنِ أَوْ قِيَمِيٍّ وَمِثْلِيٍّ لَمْ يَجُزْ تَفْرِيقُهَا بِالْقَبُولِ فِي أَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَرْضَى الْآخَرُ بِذَلِكَ بَعْدَ قَبُولِهِ فِي الْبَعْضِ، وَيَكُونُ الْمَبِيعُ مِمَّا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ بِالْأَجْزَاءِ كَعَبْدٍ وَاحِدٍ أَوْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ، فَيَكُونُ الْقَبُولُ إيجَابًا وَالرِّضَا قَبُولًا وَبَطَلَ الْإِيجَابُ الْأَوَّلُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ إلَّا بِالْقِيمَةِ كَثَوْبَيْنِ وَعَبْدَيْنِ لَا يَجُوزُ فَلَوْ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُكَرِّرَ لَفْظَ الْبَيْعِ، فَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ صَفْقَتَانِ، فَإِذَا قَبِلَ فِي أَحَدِهِمَا يَصِحُّ كَقَوْلِهِ بِعْتُك هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ وَبِعْتُك هَذَا بِأَلْفٍ، وَأَمَّا أَنْ لَا يُكَرِّرَهُ وَفَصَلَ الثَّمَنَ فَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ التَّعَدُّدُ، وَبِهِ قَالَ: بَعْضُهُمْ وَمَنَعَهُ الْآخَرُونَ، وَحَمَلُوا كَلَامَهُ عَلَى مَا إذَا كَرَّرَ لَفْظَ الْبَيْعِ، وَقِيلَ: إنَّ اشْتِرَاطَ تَكْرَارِهِ لِلتَّعَدُّدِ اسْتِحْسَانٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَعَدَمَهُ قِيَاسٌ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ: وَالْوَجْهُ الِاكْتِفَاءُ بِمُجَرَّدِ تَفْرِيقِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ فَائِدَتَهُ لَيْسَ إلَّا قَصْدُهُ بِأَنْ يَبِيعَ مِنْهُ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ غَرَضُهُ أَنْ لَا يَبِيعَهَا مِنْهُ إلَّا جُمْلَةً لَمْ تَكُنْ فَائِدَةً لِتَعْيِينِ ثَمَنِ كُلٍّ. اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ تَفْصِيلَ الثَّمَنِ إنَّمَا يَجْعَلُهُمَا عَقْدَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُنْقَسِمًا عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ مُنْقَسِمًا عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ كَالْقَفِيزَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ التَّفْصِيلَ لَا يَجْعَلُهُ فِي حُكْمِ عَقْدَيْنِ لِلِانْقِسَامِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ التَّفْصِيلُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ. اهـ. مَا فِي الْبَحْرِ وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِيهِ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أَعَادَ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ) كَأَنْ قَالَ: اشْتَرَيْتُ نِصْفَ هَذَا الْمَكِيلِ بِكَذَا وَقَبِلَ الْآخَرُ فَيَكُونُ بَيْعًا مُسْتَأْنَفًا لِوُجُودِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 526 أَوْ رَضِيَ الْآخَرُ وَكَانَ الثَّمَنُ مُنْقَسِمًا عَلَى الْمَبِيعِ بِالْأَجْزَاءِ كَمَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ وَإِلَّا لَا، وَإِنْ رَضِيَ الْآخَرُ لِعَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً كَمَا حَرَّرَهُ الْوَانِيُّ أَوْ (بَيَّنَ ثَمَنَ كُلٍّ) كَقَوْلِهِ بِعْتُهُمَا كُلَّ وَاحِدٍ بِمِائَةٍ وَإِنْ لَمْ يُكَرِّرْ لَفْظَ بِعْتُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ (وَمَا لَمْ يُقْبَلْ بَطَلَ الْإِيجَابُ إنْ رَجَعَ الْمُوجِبُ) قَبْلَ الْقَبُولِ (أَوْ قَامَ أَحَدُهُمَا) وَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ (عَنْ مَجْلِسِهِ) عَلَى الرَّاجِحِ نَهْرٌ وَابْنُ الْكَمَالِ،   [رد المحتار] رُكْنَيْهِ وَبَطَلَ الْأَوَّلُ. (قَوْلُهُ: أَوْ رَضِيَ الْآخَرُ) أَيْ بِدُونِ إعَادَةِ الْإِيجَابِ فَيَكُونُ الْقَبُولُ إيجَابًا وَالرِّضَا قَبُولًا كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: كَمَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ) أَدْخَلَتْ الْكَافَ الْعَبْدَ الْوَاحِدَ كَمَا سَلَفَ ذِكْرُهُ فِي عِبَارَةِ الْبَحْرِ ط. وَوَجْهُ الصِّحَّةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُنْقَسِمًا عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ تَكُونُ حِصَّةُ كُلِّ بَعْضٍ مَعْلُومَةً. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ يَكُنْ الثَّمَنُ مُنْقَسِمًا عَلَيْهِمَا كَذَلِكَ بَلْ كَانَ مُنْقَسِمًا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ كَمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدَيْنِ أَوْ ثَوْبَيْنِ لَا يَصِحُّ الْقَبُولُ لِأَحَدِهِمَا، وَإِنْ رَضِيَ الْآخَرُ لِجَهَالَةِ مَا يَخُصُّ أَحَدَهُمَا مِنْ الثَّمَنِ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً) صُورَتُهُ مَا إذَا قَالَ: بِعْتُ مِنْكَ هَذَا الْعَبْدَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأَلْفِ الْمُوَزَّعِ عَلَى قِيمَتِهِ وَقِيمَةِ ذَلِكَ الْعَبْدُ الْآخَرُ، فَإِنَّهُ بَاطِلٌ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ وَقْتَ الْبَيْعِ كَذَا فِي فَصْلِ قَصْرِ الْعَامِّ مِنْ التَّلْوِيحِ عَزْمِيَّةٌ، وَقَوْلُهُ: ابْتِدَاءً خَرَجَ بِهِ مَا إذَا عَرَضَ الْبَيْعَ بِالْحِصَّةِ، بِأَنْ بَاعَهُ الدَّارَ بِتَمَامِهَا فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا وَرَضِيَ الْمُشْتَرِي بِالْبَاقِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِعُرُوضِ الْبَيْعِ بِالْحِصَّةِ انْتِهَاءً، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مَحِلَّ عَدَمِ الْجَوَازِ فِيمَا إذَا لَمْ يُكَرِّرْ الثَّمَنَ وَلَفْظَ الْبَيْعِ أَوْ يَفْصِلْ الثَّمَنَ فَقَطْ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ط. (قَوْلُهُ: كَمَا حَرَّرَهُ الْوَانِيُّ) لَمْ يَذْكُرْ الْوَانِيُّ فِي هَذَا الْمَحَلِّ تَحْرِيرًا ط. (قَوْلُهُ: أَوْ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلٍّ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ كَعَبْدَيْنِ وَثَوْبَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُكَرِّرْ لَفْظَ بِعْتُ) ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ تَتَعَدَّدُ الصَّفْقَةُ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ) تَقَدَّمَ وَجْهُ تَرْجِيحِهِ عَنْ الْفَتْحِ. [مَطْلَبٌ مَا يُبْطِلُ الْإِيجَابَ سَبْعَةٌ] ٌ (قَوْلُهُ: بَطَلَ الْإِيجَابُ إنْ رَجَعَ الْمُوجِبُ إلَخْ) قَالَ: فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِيجَابَ يَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَبِرُجُوعِ أَحَدِهِمَا عَنْهُ وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا؛ وَلِذَا قُلْنَا: إنَّ خِيَارَ الْقَبُولِ لَا يُورَثُ وَبِتَغَيُّرِ الْمَبِيعِ بِقَطْعِ يَدٍ وَتَخَلُّلِ عَصِيرٍ وَزِيَادَةٍ بِوِلَادَةٍ وَهَلَاكِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَعْدَ قَلْعِ عَيْنِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بَعْدَمَا وَهَبَ لِلْمَبِيعِ هِبَةً، كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَبْطُلُ بِهِبَةِ الثَّمَنِ قَبْلَ قَبُولِهِ فَأَصْلُ مَا يُبْطِلُهُ سَبْعَةٌ فَلْيُحْفَظْ. اهـ. (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْقَبُولِ) وَكَذَا مَعَهُ، فَلَوْ خَرَجَ الْقَبُولُ وَرَجَعَ الْمُوجِبُ مَعًا كَانَ الرُّجُوعُ أَوْلَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ عَنْ مَجْلِسِهِ عَلَى الرَّاجِحِ) وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ مَا دَامَ فِي مَكَانِهِ بَحْرٌ. وَيَبْطُلُ بِالْقِيَامِ وَإِنْ كَانَ لِمَصْلَحَةٍ لَا مُعْرِضًا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ قَالَ: فِي النَّهْرِ. وَاخْتِلَافُ الْمَجْلِسِ بِاعْتِرَاضِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِعَمَلٍ آخَرَ كَأَكْلٍ إلَّا إذَا كَانَ لُقْمَةً، وَشُرْبٍ إلَّا إذَا كَانَ الْإِنَاءُ فِي يَدِهِ، وَنَوْمٍ إلَّا أَنْ يَكُونَا جَالِسَيْنِ، وَصَلَاةٍ إلَّا إتْمَامَ الْفَرِيضَةِ، أَوْ شَفْعٍ نَفْلًا، وَكَلَامٍ وَلَوْ لِحَاجَةٍ وَمَشْيٍ مُطْلَقًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَتَّى لَوْ تَبَايَعَا وَهُمَا يَمْشِيَانِ أَوْ يَسِيرَانِ وَلَوْ عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَصِحَّ. وَاخْتَارَ غَيْرُ وَاحِدٍ كَالطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إنْ أَجَابَ عَلَى فَوْرِ كَلَامِهِ مُتَّصِلًا جَازَ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَقَالَ: فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَبِلَ بَعْدَمَا مَشَى خَطْوَةً أَوْ خَطْوَتَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 527 فَإِنَّهُ كَمَجْلِسِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ وَكَذَا سَائِرُ التَّمْلِيكَاتِ فَتْحٌ. (وَإِذَا وُجِدَا لَزِمَ الْبَيْعُ) بِلَا خِيَارٍ إلَّا لِعَيْبٍ أَوْ رُؤْيَةٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَحَدِيثُهُ مَحْمُولٌ عَلَى تَفَرُّقِ الْأَقْوَالِ إذْ الْأَحْوَالُ ثَلَاثَةٌ قَبْلَ قَوْلِهِمَا وَبَعْدَهُ وَبَعْدَ أَحَدِهِمَا، وَإِطْلَاقُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي الْأَوَّلِ مَجَازُ الْأَوَّلِ، وَفِي الثَّانِي مَجَازُ الْكَوْنِ وَفِي الثَّالِثِ حَقِيقَةٌ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ   [رد المحتار] جَازَ، وَفِي مَجْمَعِ التَّفَارِيقِ وَبِهِ نَأْخُذُ، وَفِي الْمُجْتَبَى الْمَجْلِسُ الْمُتَّحِدُ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِغَيْرِ مَا عُقِدَ لَهُ الْمَجْلِسُ، أَوْ مَا هُوَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ وَالسَّفِينَةُ كَالْبَيْتِ فَلَا يَنْقَطِعُ الْمَجْلِسُ بِجَرَيَانِهَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ إيقَافَهَا. اهـ. مُلَخَّصًا ط وَفِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ كَانَ قَائِمًا فَعَقَدَ لَمْ يَبْطُلْ بَحْرٌ وَكَذَا لَوْ نَامَا جَالِسَيْنِ لَا لَوْ مُضْطَجِعَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَتْحٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ كَمَجْلِسِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ) أَيْ الَّتِي مَلَّكَهَا زَوْجُهَا طَلَاقَهَا بِقَوْلِهِ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَكَ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَيَبْطُلُ مَجْلِسُ الْبَيْعِ بِمَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الْمُخَيَّرَةِ اهـ. وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ خِيَارَهَا يَقْتَصِرُ عَلَى مَجْلِسِهَا خَاصَّةً لَا عَلَى مَجْلِسِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى مَجْلِسِهِمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا سَائِرُ التَّمْلِيكَاتِ فَتْحٌ) لَمْ يَذْكُرْ فِي الْفَتْحِ إلَّا خِيَارَ الْمُخَيَّرَةِ ط. وَفِي الْبَحْرِ، قَيَّدَ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ وَالْعِتْقَ عَلَى مَالٍ لَا يُبْطِلُ الْإِيجَابَ فِيهِ بِقِيَامِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى لِكَوْنِهِ يَمِينًا وَيَبْطُلُ بِقِيَامِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً فِي حَقِّهِمَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) وَبِقَوْلِهِ قَالَ: أَحْمَدُ وَبِقَوْلِنَا قَالَ: مَالِكٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَحَدِيثُهُ) أَيْ الْخِيَارِ أَوْ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ رُوِيَ بِرِوَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ مِنْهَا مَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونُ الْبَيْعُ خِيَارًا» " ط. (قَوْلُهُ: مَحْمُولٌ عَلَى تَفْرِيقِ الْأَقْوَالِ) هُوَ أَنْ يَقُولَ الْآخَرُ بَعْدَ الْإِيجَابِ: لَا أَشْتَرِي، أَوْ يَرْجِعَ الْمُوجِبُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَإِسْنَادُ التَّفَرُّقِ إلَى النَّاسِ مُرَادًا بِهِ تَفَرُّقُ أَقْوَالِهِمْ كَثِيرٌ فِي الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ قَالَ: اللَّهُ - تَعَالَى {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 4]- وَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «افْتَرَقَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً» فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: إذْ الْأَحْوَالُ ثَلَاثَةٌ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْمُشْتَغِلَانِ بِأَمْرِ الْبَيْعِ لَا مَنْ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَانْقَضَى؛ لِأَنَّهُ مَجَازٌ وَالْمُتَشَاغَلَانِ يَعْنِي الْمُتَسَاوِمَيْنِ يَصْدُقُ عِنْدَ إيجَابِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ أَنَّهُمَا مُتَبَايِعَانِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادَ، وَهَذَا هُوَ خِيَارُ الْقَبُولِ، وَهَذَا حَمْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. لَا يُقَالُ هَذَا أَيْضًا مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ قَبْلَ الْآخَرِ بَائِعٌ وَاحِدٌ لَا مُتَبَايِعَانِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذِهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَصْدُقُ الْحَقِيقَةُ فِيهَا بِجُزْءٍ مِنْ مَعْنَى اللَّفْظِ؛ وَلِأَنَّا نَفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ زَيْدٌ وَعَمْرٌو هُنَاكَ يَتَبَايَعَانِ عَلَى وَجْهِ التَّبَادُرِ إلَّا أَنَّهُمَا يَشْتَغِلَانِ بِأَمْرِ الْبَيْعِ مُتَرَاضِيَانِ فِيهِ فَلْيَكُنْ هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ، وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقِيِّ مُتَعَيِّنٌ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ لِنَفْيِ تَوَهُّمِ أَنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الثَّمَنِ وَتَرَاضَيَا عَلَيْهِ ثُمَّ أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ يَلْزَمُ الْآخَرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ أَصْلًا لِلِاتِّفَاقِ وَالتَّرَاضِي السَّابِقِ عَلَى أَنَّ السَّمْعَ وَالْقِيَاسَ ضِدَّانِ لِلْمَذْهَبِ، أَمَّا السَّمْعُ فَقَوْلُهُ: - تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]- وَهَذَا عَقْدٌ قَبِلَ التَّخْيِيرَ وقَوْله تَعَالَى - {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]- وَبَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ تَصْدُقُ تِجَارَةٌ عَنْ تَرَاضٍ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى التَّخْيِيرِ فَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَكْلَ الْمُشْتَرَى قَبْلَ التَّخْيِيرِ وقَوْله تَعَالَى - {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282]- أَمَرَ بِالتَّرَفُّقِ بِالشَّهَادَةِ حَتَّى لَا يَقَعَ التَّجَاحُدُ وَالْبَيْعُ يَصْدُقُ قَبْلَ الْخِيَارِ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، فَلَوْ ثَبَتَ الْخِيَارُ وَعُدِمَ اللُّزُومُ قَبْلَهُ كَانَ إبْطَالًا لِهَذِهِ النُّصُوصِ وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَعَلَى النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ كُلٌّ مِنْهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَتِمُّ بِلَا خِيَارِ الْمَجْلِسِ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الرِّضَا فَكَذَا الْبَيْعُ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ وَالْفَتْحِ ط. (قَوْلُهُ: مَجَازُ الْأَوَّلِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ مَا تَئُولُ إلَيْهِ عَاقِبَتُهُ ط عَنْ الْمِنَحِ مِثْلُ - {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36]-. (قَوْلُهُ: مَجَازُ الْكَوْنِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ مِنْ قَبْلُ مِثْلُ - {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2]-. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 528 (وَشُرِطَ لِصِحَّتِهِ مَعْرِفَةُ قَدْرِ) مَبِيعٍ وَثَمَنٍ (وَوَصْفُ ثَمَنٍ)   [رد المحتار] (قَوْلُهُ: وَشَرَطَ لِصِحَّتِهِ مَعْرِفَةَ قَدْرِ مَبِيعٍ وَثَمَنٍ) كَكُرِّ حِنْطَةٍ وَخَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَكْرَارِ حِنْطَةٍ فَخَرَجَ مَا لَوْ كَانَ قَدْرُ الْمَبِيعِ مَجْهُولًا أَيْ جَهَالَةً فَاحِشَةً، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقَيَّدْنَا بِالْفَاحِشَةِ لِمَا قَالُوهُ لَوْ بَاعَهُ جَمِيعَ مَا فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ أَوْ هَذِهِ الدَّارِ وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ مَا فِيهَا لَا يَصِحُّ لِفُحْشِ الْجَهَالَةِ أَمَّا لَوْ بَاعَهُ جَمِيعَ مَا فِي هَذَا الْبَيْتِ، أَوْ الصُّنْدُوقِ، أَوْ الْجَوَالِقِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ يَسِيرَةٌ قَالَ: فِي الْقُنْيَةِ: إلَّا إذَا كَانَ لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِدُونِ مَعْرِفَةِ قَدْرِ الْمَبِيعِ، كَمَنْ أَقَرَّ أَنَّ فِي يَدِهِ مَتَاعَ فُلَانٍ غَصْبًا أَوْ وَدِيعَةً ثُمَّ اشْتَرَاهُ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مِقْدَارَهُ. اهـ. وَمَعْرِفَةُ الْحُدُودِ تُغْنِي عَنْ مَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ، فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ -: بَاعَهُ أَرْضًا وَذَكَرَ حُدُودَهَا لَا ذَرْعَهَا طُولًا وَعَرْضًا، جَازَ، وَكَذَا إنْ لَمَّ الْحُدُودَ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا تَجَاحُدٌ، وَفِيهَا جَهْلُ الْبَائِعِ مَعْرِفَةَ الْمَبِيعِ لَا يَمْنَعُ وَجَهْلُ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ. اهـ. وَعَلَى هَذَا تَفَرَّعَ مَا فِي الْقُنْيَةِ: لَكَ فِي يَدِي أَرْضٌ خَرِبَةٌ لَا تُسَاوِي شَيْئًا فِي مَوْضِعِ كَذَا فَبِعْهَا مِنِّي بِسِتَّةِ دَرَاهِمَ، فَقَالَ: بِعْتهَا، وَلَمْ يَعْرِفْهَا الْبَائِعُ وَهِيَ تُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ جَازَ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَيْعَ الْمَجْهُولِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: لَكَ فِي يَدِي أَرْضٌ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: أَرْضُ كَذَا وَفِي الْمَجْمَعِ لَوْ بَاعَهُ نَصِيبَهُ مِنْ دَارٍ فَعِلْمُ الْعَاقِدَيْنِ شَرْطٌ أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَيُجِيزُهُ أَيْ أَبُو يُوسُفَ مُطْلَقًا وَشَرَطَ أَيْ مُحَمَّدٌ عِلْمَ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ: اشْتَرَى كَذَا كَذَا قِرْبَةً مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ. قَالَ: أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَتْ الْقِرْبَةُ بِعَيْنِهَا جَازَ لِمَكَانِ التَّعَامُلِ، وَكَذَا الرَّاوِيَةُ وَالْجَرَّةُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ لَا يَعْرِفُ قَدْرَهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَخَرَجَ أَيْضًا مَا لَوْ كَانَ الثَّمَنُ مَجْهُولًا كَالْبَيْعِ بِقِيمَتِهِ أَوْ بِرَأْسِ مَالِهِ أَوْ بِمَا اشْتَرَاهُ أَوْ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَاهُ فُلَانٌ، فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْقَدْرِ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ وَمِنْهُ أَيْضًا مَا لَوْ بَاعَهُ بِمِثْلِ مَا يَبِيعُ النَّاسُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا لَا يُتَفَاوَتُ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَوَصْفُ ثَمَنٍ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَجْهُولَ الْوَصْفِ تَتَحَقَّقُ الْمُنَازَعَةُ فَالْمُشْتَرِي يُرِيدُ دَفْعَ الْأَدْوَنِ وَالْبَائِعُ يَطْلُبُ الْأَرْفَعَ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ شَرْعِيَّةِ الْعَقْدِ نَهْرٌ. [تَنْبِيهٌ] ظَاهِرُ كَلَامِهِ كَالْكَنْزِ يُعْطَى أَنَّ مَعْرِفَةَ وَصْفِ الْمَبِيعِ غَيْرُ شَرْطٍ، وَقَدْ نَفَى اشْتِرَاطَهُ فِي الْبَدَائِعِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ، وَظَاهِرُ الْفَتْحِ إثْبَاتُهُ فِيهِمَا، وَوَفَّقَ فِي الْبَحْرِ بِحَمْلِ مَا فِي الْبَدَائِعِ عَلَى الْمُشَارِ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَكَانِهِ، وَمَا فِي الْفَتْحِ عَلَى غَيْرِهِ لِمَنْ حَقَّقَ فِي النَّهْرِ أَنَّ مَا فَهِمَهُ مِنْ الْفَتْحِ وَهْمٌ فَاحِشٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْفَتْحِ فِي الثَّمَنِ فَقَطْ. قُلْتُ: وَظَاهِرُهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى اشْتِرَاطِ مَعْرِفَةِ الْقَدْرِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ الْوَصْفِ فِيهِمَا وَلِلْعَلَّامَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا: نَفِيسَ الْمَتْجَرِ بِشِرَاءِ الدُّرَرِ، حَقَّقَ فِيهَا أَنَّ الْمَبِيعَ الْمُسَمَّى جِنْسُهُ لَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى بَيَانِ قَدْرِهِ وَلَا وَصْفِهِ وَلَوْ غَيْرَ مُشَارٍ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَكَانِهِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْمَانِعَةَ مِنْ الصِّحَّةِ تَنْتَفِي بِثُبُوتِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُوَافِقْهُ يَرُدُّهُ فَلَمْ تَكُنْ الْجَهَالَةُ مُفْضِيَةً إلَى الْمُنَازَعَةِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِفُرُوعٍ صَحَّحُوا فِيهَا الْبَيْعَ بِدُونِ بَيَانِ قَدْرٍ وَلَا وَصْفٍ، مِنْهَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ صِحَّةِ بَيْعِ جَمِيعِ مَا فِي هَذَا الْبَيْتِ أَوْ الصُّنْدُوقِ، وَشِرَاءِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ غَصْبٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 529 كَمِصْرِيٍّ أَوْ دِمَشْقِيٍّ. (غَيْرِ مُشَارٍ) إلَيْهِ (لَا) يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي (مُشَارٍ إلَيْهِ) لِنَفْيِ الْجَهَالَةِ بِالْإِشَارَةِ مَا لَمْ يَكُنْ رِبَوِيًّا قُوبِلَ بِجِنْسِهِ   [رد المحتار] أَوْ وَدِيعَةٍ، وَبَيْعِ الْأَرْضِ مُقْتَصِرًا عَلَى ذِكْرِ حُدُودِهَا وَشِرَاءِ الْأَرْضِ الْخَرِبَةِ الْمَارَّةِ عَنْ الْقُنْيَةِ. وَمِنْهَا: مَا قَالُوا لَوْ قَالَ: بِعْتُك عَبِيدِي، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا عَبْدٌ وَاحِدٌ صَحَّ، بِخِلَافِ بِعْتُكَ عَبْدًا بِدُونِ إضَافَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ. وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ كُرًّا مِنْ الْحِنْطَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ الْكُرِّ فِي مِلْكِهِ بَطَلَ وَلَوْ بَعْضُهُ فِي مِلْكِهِ بَطَلَ فِي الْمَعْدُومِ وَفَسَدَ فِي الْمَوْجُودِ، وَلَوْ كُلُّهُ فِي مِلْكِهِ لَكِنْ فِي مَوْضِعَيْنِ أَوْ مِنْ نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، لَا يَجُوزُ وَلَوْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُضِفْ الْبَيْعَ إلَى تِلْكَ الْحِنْطَةِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ مَا فِي كُمِّي فَعَامَّتُهُمْ عَلَى الْجَوَازِ وَبَعْضُهُمْ عَلَى عَدَمِهِ وَأَوَّلَ قَوْلَ الْكَنْزِ وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِ وَوَصْفِ ثَمَنٍ، بِأَنَّ لَفْظَ " قَدْرِ " غَيْرُ مُنَوَّنٍ مُضَافًا لِمَا بَعْدَهُ مِنْ الثَّمَنِ مِثْلُ قَوْلِ الْعَرَبِ: بِعْتُكَ بِنِصْفِ وَرُبْعِ دِرْهَمٍ. قُلْتُ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِ الْجِنْسِ عَنْ ذِكْرِ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْبَيْعِ فِي نَحْوِ: بِعْتُكَ حِنْطَةً بِدِرْهَمٍ وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَمِثْلُهُ بِعْتُكَ عَبْدًا أَوْ دَارًا وَمَا قَالَهُ مِنْ انْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ بِثُبُوتِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ قَدْ يَسْقُطُ بِرُؤْيَةِ بَعْضِ الْمَبِيعِ، فَتَبْقَى الْجَهَالَةُ الْمُفْضِيَةُ إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَكَذَا قَدْ يَبْطُلُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ قَبْلَهَا، بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ رَهْنٍ لِمَا اشْتَرَاهُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِهَا؛ وَلِذَا قَالَ: الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ: صَحَّ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ لِمَا لَمْ يَرَيَاهُ، وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَكَانِهِ شَرْطُ الْجَوَازِ اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ انْتِفَاءَ الْجَهَالَةِ بِهَذِهِ الْإِشَارَةِ شَرْطُ جَوَازِ أَصْلِ الْبَيْعِ لِيَثْبُتَ بَعْدَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ. نَعَمْ: صَحَّحَ بَعْضُهُمْ الْجَوَازَ بِدُونِ الْإِشَارَةِ الْمَذْكُورَةِ، لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا حَصَلَ انْتِفَاءُ الْجَهَالَةِ بِدُونِهَا وَلِذَا قَالَ: فِي النِّهَايَةِ هُنَاكَ: صَحَّ شِرَاءُ مَا لَمْ يَرَهُ يَعْنِي شَيْئًا مُسَمًّى مَوْصُوفًا أَوْ مُشَارًا إلَيْهِ أَوْ إلَى مَكَانِهِ وَلَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ بِذَلِكَ الِاسْمِ. اهـ. وَقَالَ: فِي الْعِنَايَةِ قَالَ: صَاحِبُ الْأَسْرَارِ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي عَيْنٍ هِيَ بِحَالَةٍ لَوْ كَانَتْ الرُّؤْيَةُ حَاصِلَةً لَكَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا. اهـ. وَفِي حَاوِي الزُّهْدِيِّ: بَاعَ حِنْطَةً قَدْرًا مَعْلُومًا، وَلَمْ يُعَيِّنْهَا لَا بِالْإِشَارَةِ، وَلَا بِالْوَصْفِ لَا يَصِحُّ. اهـ. هَذَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ تَفْرِيعًا وَتَعْلِيلًا أَنَّ الْمُرَادَ بِمَعْرِفَةِ الْقَدْرِ، وَالْوَصْفِ مَا يَنْفِي الْجَهَالَةَ الْفَاحِشَةَ وَذَلِكَ بِمَا يُخَصِّصُ الْمَبِيعَ عَنْ أَنْظَارِهِ، وَذَلِكَ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ لَوْ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَإِلَّا فَبَيَانُ مِقْدَارِهِ مَعَ بَيَانِ وَصْفِهِ لَوْ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ، كَبِعْتُكَ كُرَّ حِنْطَةٍ بَلَدِيَّةٍ مَثَلًا بِشَرْطِ كَوْنِهِ فِي مِلْكِهِ، أَوْ بِبَيَانِ مَكَانِهِ الْخَاصِّ كَبِعْتُكَ مَا فِي هَذَا الْبَيْتِ، أَوْ مَا فِي كُمِّي أَوْ بِإِضَافَتِهِ إلَى الْبَائِعِ كَبِعْتُكَ عَبْدِي، وَلَا عَبْدَ لَهُ غَيْرُهُ، أَوْ بَيَانِ حُدُودِ أَرْضٍ فَفِي كُلِّ ذَلِكَ تَنْتَفِي الْجَهَالَةُ الْفَاحِشَةُ عَنْ الْمَبِيعِ، وَتَبْقَى الْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ الَّتِي لَا تُنَافِي صِحَّةَ الْبَيْعِ لِارْتِفَاعِهَا بِثُبُوتِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، فَإِنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ صِحَّةِ الْبَيْعِ لِرَفْعِ تِلْكَ الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ لَا لِرَفْعِ الْفَاحِشَةِ الْمُنَافِيَةِ لِصِحَّتِهِ فَاغْتَنِمْ تَحْقِيقَ هَذَا الْمَقَامِ بِمَا يَرْفَعُ الظُّنُونَ وَالْأَوْهَامَ، وَيَنْدَفِعُ بِهِ التَّنَاقُضُ وَاللَّوْمُ عَنْ عِبَارَاتِ الْقَوْمِ. (قَوْلُهُ: كَمِصْرِيٍّ أَوْ دِمَشْقِيٍّ) وَنَظِيرُهُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مِنْ غَيْرِ النُّقُودِ كَالْحِنْطَةِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ قَدْرِهَا وَوَصْفِهَا كَكُرِّ حِنْطَةٍ بُحَيْرِيَّةٍ أَوْ صَعِيدِيَّةٍ كَمَا أَفَادَهُ الْكَمَالُ وَحَقَّقَهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: غَيْرُ مُشَارٍ إلَيْهِ) أَيْ إلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ قَالَ: فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَالتَّسَلُّمَ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَيَمْتَنِعُ التَّسْلِيمُ وَالتَّسَلُّمُ وَكُلُّ جَهَالَةٍ هَذِهِ صِفَتُهَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي مُشَارٍ إلَيْهِ) قَالَ: فِي الْبَحْرِ: وَقَوْلُهُ: غَيْرُ مُشَارٍ إلَيْهِ قَيْدٌ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ مَبِيعًا كَانَ أَوْ ثَمَنًا لَا يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ، وَوَصْفِهِ فَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ هَذِهِ الْكَوْرَجَةَ مِنْ الْأُرْزِ وَالشَّاشَاتِ: وَهِيَ مَجْهُولَةُ الْعَدَدِ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي فِي يَدِك: وَهِيَ مَرْئِيَّةٌ لَهُ فَقَبِلَ جَازَ، وَلَزِمَ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ جَهَالَةُ الْوَصْفِ يَعْنِي الْقَدْرَ، وَهُوَ لَا يَضُرُّ إذْ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ) أَيْ الْمُشَارُ إلَيْهِ رِبَوِيًّا قُوبِلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 530 أَوْ سَلَمًا اتِّفَاقًا أَوْ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ لَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا خِلَافًا لَهُمَا كَمَا سَيَجِيءُ [فَرْعٌ] لَوْ كَانَ الثَّمَنُ فِي صُرَّةٍ وَلَمْ يَعْرِفْ مَا فِيهَا مِنْ خَارِجٍ خُيِّرَ وَيُسَمَّى خِيَارَ الْكَمِّيَّةِ لَا خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ فِي النُّقُودِ فَتْحٌ (وَصَحَّ بِثَمَنٍ حَالٍّ) وَهُوَ الْأَصْلُ (وَمُؤَجَّلٍ إلَى مَعْلُومٍ) لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى النِّزَاعِ   [رد المحتار] بِجِنْسِهِ أَيْ وَبِيعَ مُجَازَفَةً مِثْلَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ مِنْ الْحِنْطَةِ بِهَذِهِ الصُّبْرَةِ. قَالَ: فِي الْبَحْرِ: فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا وَاحْتِمَالُهُ مَانِعٌ كَحَقِيقَتِهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ سَلَمًا) أَرَادَ بِهِ الْمُسْلَمَ فِيهِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ لَكِنَّهُ لَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مُؤَجَّلٌ غَيْرُ حَاضِرٍ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُشَارًا إلَيْهِ وَالْكَلَامُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: لَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا) فَلَا تَكْفِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ كَمَا فِي مَذْرُوعٍ وَحَيَوَانٍ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، فَيَحْتَاجُ إلَى رَدِّ رَأْسِ الْمَالِ وَقَدْ يُنْفِقُ بَعْضَهُ ثُمَّ يَجِدُ بَاقِيَهُ مَعِيبًا فَيَرُدُّهُ وَلَا يَسْتَبْدِلُهُ رَبُّ السَّلَمِ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ فَيُفْسَخُ الْعَقْدُ فِي الْمَرْدُودِ، وَيَبْقَى فِي غَيْرِهِ فَتَلْزَمُ جَهَالَةُ الْمُسْلَمِ فِيهِ فِيمَا بَقِيَ فَوَجَبَ بَيَانُهُ كَمَا سَيَجِيءُ فِي بَابِ السَّلَمِ. [فَرْعٌ لَوْ كَانَ الثَّمَنُ فِي صُرَّةٍ وَلَمْ يَعْرِفْ مَا فِيهَا] (قَوْلُهُ: خُيِّرَ) أَيْ الْبَائِعُ وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ عَدَمُ التَّخْيِيرِ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْتهَا بِهَذِهِ الصُّرَّةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ، فَوَجَدَ الْبَائِعُ مَا فِيهَا بِخِلَافِ نَقْدِ الْبَلَدِ، فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الدَّرَاهِمِ فِي الْبَيْعِ يَنْصَرِفُ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ وَجَدَهَا نَقْدَ الْبَلَدِ جَازَ، وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: اشْتَرَيْتُ بِمَا فِي هَذِهِ الْخَابِيَةِ ثُمَّ رَأَى الدَّرَاهِمَ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَتْ نَقْدَ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّ الصُّرَّةَ يُعْرَفُ مِقْدَارُ مَا فِيهَا مِنْ خَارِجِهَا. وَفِي الْخَابِيَةِ لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ الْخَارِجِ فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ وَيُسَمَّى هَذَا الْخِيَارُ خِيَارَ الْكَمِّيَّةِ لَا خِيَارَ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَثْبُتُ فِي النُّقُودِ. اهـ. ط. . [مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَثْمَانِ وَالْمَبِيعَاتِ] (قَوْلُهُ: وَصَحَّ بِثَمَنٍ حَالٍّ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ قَالَ: فِي الْمِصْبَاحِ: حَلَّ الدَّيْنُ يَحِلُّ بِالْكَسْرِ حُلُولًا. اهـ. قَيَّدَ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ تَأْجِيلَ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ لَا يَجُوزُ وَيُفْسِدُهُ بَحْرٌ. مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَثْمَانِ وَالْمَبِيعَاتِ وَاعْلَمْ أَنَّ كُلًّا مِنْ النَّقْدَيْنِ ثَمَنٌ أَبَدًا وَالْعَيْنَ الْغَيْرَ الْمِثْلِيَّ مَبِيعٌ أَبَدًا، وَكُلٌّ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ الْغَيْرِ النَّقْدِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ إنْ قُوبِلَ بِكُلٍّ مِنْ النَّقْدَيْنِ كَانَ مَبِيعًا، أَوْ قُوبِلَ بِعَيْنٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ الْمُتَقَارِبُ مُتَعَيِّنًا كَانَ مَبِيعًا أَيْضًا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَعَيِّنٍ فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ حَرْفُ الْبَاءِ مِثْلُ اشْتَرَيْتُ هَذَا الْعَبْدَ بِكُرِّ حِنْطَةٍ كَانَ ثَمَنًا وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ اسْتِعْمَالَ الْمَبِيعِ وَكَانَ سَلَمًا مِثْلُ اشْتَرَيْتُ مِنْكَ كُرَّ حِنْطَةٍ بِهَذَا الْعَبْدِ، فَلَا بُدَّ مِنْ رِعَايَةِ شَرَائِطِ السَّلَمِ غُرَرُ الْأَذْكَارِ شَرْحُ دُرَرِ الْبِحَارِ. وَسَيَأْتِي لَهُ زِيَادَةُ بَيَانٍ فِي آخِرِ الصَّرْفِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَصْلُ) ؛ لِأَنَّ الْحُلُولَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَمُوجِبُهُ وَالْأَجَلُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْطِ بَحْرٌ عَنْ السِّرَاجِ. (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى النِّزَاعِ) تَعْلِيلٌ لِاشْتِرَاطِ كَوْنِ الْأَجَلِ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ لَا يُفْضِي إلَى النِّزَاعِ، وَأَمَّا مَفْهُومُ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَجْهُولًا فَعِلَّتُهُ كَوْنُهُ يُفْضِي إلَى النِّزَاعِ فَافْهَمْ. وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بَيَانَ الْأَجَلِ الْمُفْسِدِ وَغَيْرَهُ. مَطْلَبٌ فِي التَّأْجِيلِ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ. [تَنْبِيهٌ] مِنْ جَهَالَةِ الْأَجَلِ مَا إذَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ الثَّمَنَ فِي بَلَدٍ آخَرَ، وَلَوْ قَالَ: إلَى شَهْرٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ فِي بَلَدٍ آخَرَ جَازَ بِأَلْفٍ إلَى شَهْرٍ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فِيمَا لَا حَمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَلَوْ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يَصِحُّ وَمِنْهَا اشْتِرَاطُ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ عَلَى التَّفَارِيقِ أَوْ كُلَّ أُسْبُوعٍ الْبَعْضَ فَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ فِي الْبَيْعِ بَلْ ذُكِرَ بَعْدَهُ لَمْ يَفْسُدْ، وَكَانَ لَهُ أَخْذُ الْكُلِّ جُمْلَةً وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَقَوْلُهُ: لَمْ يَفْسُدْ أَيْ الْبَيْعُ فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 531 وَلَوْ بَاعَ مُؤَجَّلًا صُرِفَ لِشَهْرٍ بِهِ يُفْتَى وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ لِنَافِيهِ إلَّا فِي السَّلَمِ بِهِ يُفْتَى وَلَوْ فِي قَدْرِهِ فَلِلْمُدَّعِي الْأَقَلُّ وَالْبَيِّنَةُ فِيهِمَا لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ فِي مُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُشْتَرِي وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ بِمَوْتِ الْمَدْيُونِ لَا الدَّائِنِ. [فُرُوعٌ] بَاعَ بِحَالٍّ ثُمَّ أَجَّلَهُ أَجَلًا مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا كَنَيْرُوزَ وَحَصَادٍ صَارَ مُؤَجَّلًا مُنْيَةٌ.   [رد المحتار] كَلَامٌ يَأْتِي قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَ مُؤَجَّلًا) أَيْ بِلَا بَيَانِ مُدَّةٍ بِأَنْ قَالَ: بِعْتُك بِدِرْهَمٍ مُؤَجَّلٍ. (قَوْلُهُ: صُرِفَ لِشَهْرٍ) كَأَنَّهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ فِي الشَّرْعِ فِي السَّلَمِ وَالْيَمِينِ فِي لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ آجِلًا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) وَعِنْدَ الْبَعْضِ لِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَحْرٌ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ. قُلْت: وَيَشْكُلُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ التَّأْجِيلِ أَنْ يَعْرِفَهُ الْعَاقِدَانِ وَلِذَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إلَى النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ وَصَوْمِ النَّصَارَى إذَا لَمْ يَدْرِهِ الْعَاقِدَانِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَكَذَا لَوْ عَرَفَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَتَأَمَّلْ. . (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لِنَافِيهِ) وَهُوَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُلُولُ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي السَّلَمِ) فَإِنَّ الْقَوْلَ لِمُثْبِتِهِ؛ لِأَنَّ نَافِيَهُ يَدَّعِي فَسَادَهُ بِفَقْدِ شَرْطِ صِحَّتِهِ، وَهُوَ التَّأْجِيلُ وَمُدَّعِيه يَدَّعِي صِحَّتَهُ بِوُجُودِهِ وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ ط. (قَوْلُهُ: فَلِمُدَّعِي الْأَقَلِّ) لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ ح. (قَوْلُهُ: وَالْبَيِّنَةُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ ح. (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا اتَّفَقَا عَلَى الْأَجَلِ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي فِي عَدَمِ مُضِيِّهِ وَلِأَنَّهُ مُنْكِرٌ تَوَجُّهَ الْمُطَالَبَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَأَمَّا تَقْدِيمُ بَيِّنَتِهِ عَلَى بَيِّنَةِ الْبَائِعِ فَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدَّعْوَى اهـ. وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ شَأْنَ الْبَيِّنَةِ إثْبَاتُ خِلَافِ الظَّاهِرِ، وَهُوَ هُنَا دَعْوَى الْبَائِعِ عَلَى أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَدَمِ الْمُضِيِّ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ إثْبَاتٌ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْأَجَلَ بَاقٍ تَأَمَّلْ وَحِينَئِذٍ فَوَجْهُ تَقْدِيمِ بَيِّنَتِهِ كَوْنُهَا أَكْثَرَ إثْبَاتًا وَيَدُلُّ لَهُ مَا سَيَأْتِي فِي السَّلَمِ مِنْ أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّ الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَتُهُ أَوْلَى وَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ بِإِثْبَاتِهَا زِيَادَةَ الْأَجَلِ قَالَ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ الِاخْتِلَافَ فِي الثَّمَنِ أَوْ فِي الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فِي فَصْلِ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ بِمَوْتِ الْمَدْيُونِ) ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّأْجِيلِ أَنْ يَتَّجِرَ فَيُؤَدِّيَ الثَّمَنَ مِنْ نَمَاءِ الْمَالِ فَإِذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ تَعَيَّنَ الْمَتْرُوكُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ، فَلَا يُفِيدُ التَّأْجِيلُ بَحْرٌ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَصَرَّحَ قَبْلَهُ بِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْبَائِعُ لَا يَبْطُلُ الْأَجَلُ. [فُرُوعٌ بَاعَ بِحَالٍّ ثُمَّ أَجَّلَهُ أَجَلًا مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا] (قَوْلُهُ: أَوْ مَجْهُولًا) أَيْ جَهَالَةً يَسِيرَةً بِدَلِيلِ التَّمْثِيلِ فَيَخْرُجُ مَا لَوْ أَجَّلَهُ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ جَهَالَةً فَاحِشَةً كَهُبُوبِ الرِّيحِ. (قَوْلُهُ: صَارَ مُؤَجَّلًا) كَذَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا، وَذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ أَيْضًا وَكَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَمَتْنِ الْمُلْتَقَى وَالدُّرَرِ وَغَيْرِهَا، وَعَزَاهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إلَى الْكَافِي، وَفِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ بَاعَ شَيْئًا بَيْعًا جَائِزًا وَأَخْرَجَ الثَّمَنَ إلَى الْحَصَادِ أَوْ الدِّيَاسِ، قَالَ: يَفْسُدُ الْبَيْعُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَيَصِحُّ التَّأْخِيرُ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ بَعْدَ الْبَيْعِ تَبَرُّعٌ، فَيُقْبَلُ التَّأْجِيلُ إلَى الْوَقْتِ الْمَجْهُولِ؛ كَمَا لَوْ كَفَلَ بِمَالٍ إلَى الْحَصَادِ أَوْ الدِّيَاسِ وَقَالَ: الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ: هَذَا يَشْكُلُ بِمَا إذَا أَقْرَضَ رَجُلًا، وَشَرَطَ فِي الْقَرْضِ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا لَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ، وَلَوْ أَقْرَضَ ثَمَّ أَخَّرَ لَا يَصِحُّ أَيْضًا فَكَانَ الصَّحِيحُ مِنْ الْجَوَابِ مَا قَالَ: الشَّيْخُ الْإِمَامُ إنَّهُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ، سَوَاءٌ أَجَّلَهُ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فِي الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَهُ اهـ. قُلْتُ: وَهَذَا تَصْحِيحٌ لِخِلَافِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَفِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّ إلْحَاقَ الْبَيْعِ بِالْقَرْضِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْقَرْضَ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ أَصْلًا، وَإِنْ كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا وَتَأْجِيلُ الْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ فِي التَّاسِعِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ لَوْ أُلْحِقَ بَعْدَ الْعَقْدِ هَلْ يُلْتَحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قِيلَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 532 لَهُ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَقَالَ: أَعْطِ كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً فَلَيْسَ بِتَأْجِيلٍ بَزَّازِيَّةٌ. عَلَيْهِ أَلْفٌ ثَمَنُ جَعْلِهِ رَبَّهُ نُجُومًا إنْ أَخَلَّ بِنَجْمٍ حَلَّ الْبَاقِي فَالْأَمْرُ كَمَا شَرَطَ مُلْتَقِطٌ، وَهِيَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ. قُلْت: وَمِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ مَا لَوْ اشْتَرَى بِقِطَعٍ رَائِجَةٍ فَكَسَدَتْ بِضَرْبِ جَدِيدَةٍ يَجِبُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْبَيْعِ مِنْ الذَّهَبِ لَا غَيْرَ إذْ لَا يُمْكِنُ الْحُكَّامَ الْحُكْمُ بِمِثْلِهَا لِمَنْعِ السُّلْطَانِ مِنْهَا، وَلَا يَدْفَعُ قِيمَتَهَا مِنْ الْفِضَّةِ الْجَدِيدَةِ لِأَنَّهَا مَا لَمْ يَغْلِبْ غِشُّهَا فَجَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ إجْمَاعًا   [رد المحتار] نَعَمْ وَقِيلَ: لَا هُوَ الصَّحِيحُ اهـ. ثُمَّ قَالَ: بَعْدَهُ: اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَشَرَطَ تَعْجِيلَ الْأُجْرَةِ إلَى الْحَصَادِ أَوْ الدِّيَاسِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي الْعَقْدِ بَلْ بَعْدَهُ لَا يَفْسُدُ كَمَا فِي الْبَيْعِ، فَإِنَّ الرِّوَايَةَ مَحْفُوظَةٌ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مُطْلَقًا ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَى حَصَادٍ وَدِيَاسٍ لَا يَفْسُدُ وَيَصِحُّ الْأَجَلُ اهـ. [تَنْبِيهٌ] عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْآجَالَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مَعْلُومَةٌ، وَمَجْهُولَةٌ، وَالْمَجْهُولَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مُتَقَارِبَةٌ كَالْحَصَادِ وَمُتَفَاوِتَةٌ: كَهُبُوبِ الرِّيحِ، فَالثَّمَنُ الْعَيْنُ يَفْسُدُ بِالتَّأْجِيلِ، وَلَوْ مَعْلُومًا، وَالدَّيْنُ لَا يَجُوزُ لِمَجْهُولٍ، لَكِنْ لَوْ جَهَالَتُهُ مُتَقَارِبَةً وَأَبْطَلَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ مَحَلِّهِ وَقَبْلَ فَسْخِهِ لِلْفَسَادِ انْقَلَبَ جَائِزًا لَا لَوْ بَعْدَ مُضِيِّهِ أَمَّا لَوْ مُتَفَاوِتَةً وَأَبْطَلَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ انْقَلَبَ جَائِزًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ، هَذَا وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَنْ الْعَيْنِيِّ مَا يُوهِمُ أَنَّ الْأَخِيرَ لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَافْهَمْ. وَنَقَلَ الشَّارِحُ هُنَاكَ تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ عَنْ ابْنِ كَمَالٍ وَابْنِ مَلَكٍ أَنَّ إبْطَالَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ شَرْطٌ فِي الْمَجْهُولِ جَهَالَةً مُتَقَارِبَةً كَالْحَصَادِ وَهُوَ خَطَأٌ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ بِتَأْجِيلٍ) ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْأَمْرِ بِذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّأْجِيلَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إنْ أَخَلَّ بِنَجْمٍ) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ جَعَلَهُ بِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ أَيْ جَعَلَهُ رَبُّهُ نُجُومًا قَائِلًا إنْ أَخَلَّ إلَخْ اهـ. ح. [مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي أَحْكَامِ النُّقُودِ إذَا كَسَدَتْ أَوْ انْقَطَعَتْ أَوْ غَلَتْ أَوْ رَخُصَتْ] ْ (قَوْلُهُ: قُلْتُ وَمِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ إلَخْ) أَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي غَلَبَ غِشُّهَا أَوْ بِالْفُلُوسِ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا لِلْبَائِعِ ثُمَّ كَسَدَتْ بَطَلَ الْبَيْعُ وَالِانْقِطَاعُ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ كَالْكَسَادِ وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ الْمَبِيعِ لَوْ قَائِمًا وَمِثْلُهُ أَوْ قِيمَتُهُ لَوْ هَالِكًا، إنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا فَلَا حُكْمَ لِهَذَا الْبَيْعِ أَصْلًا وَهَذَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَذِّرَ التَّسْلِيمُ بَعْدَ الْكَسَادِ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ لِاحْتِمَالِ الزَّوَالِ بِالرَّوَاجِ لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْبَيْعِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الْكَسَادِ وَهُوَ آخِرُ مَا تَعَامَلَ النَّاسُ بِهَا وَفِي الذَّخِيرَةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي الْمُحِيطِ وَالتَّتِمَّةِ وَالْحَقَائِقِ وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ يُفْتَى رِفْقًا بِالنَّاسِ اهـ. وَالْكَسَادُ: أَنْ تُتْرَكَ الْمُعَامَلَةُ بِهَا فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ، فَلَوْ فِي بَعْضِهَا لَا يَبْطُلُ لَكِنَّهُ تَتَعَيَّبُ إذَا لَمْ تَرُجْ فِي بَلَدِهِمْ، فَيَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ. وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي السُّوقِ وَإِنْ وُجِدَ فِي يَدِ الصَّيَارِفَةِ وَالْبُيُوتِ هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالِانْقِطَاعُ كَالْكَسَادِ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ لَكِنْ قَالَ: فِي الْمُضْمَرَاتِ فَإِنْ انْقَطَعَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قِيمَتُهُ فِي آخِرِ يَوْمٍ انْقَطَعَ هُوَ الْمُخْتَارُ اهـ. هَذَا إذَا كَسَدَتْ وَانْقَطَعَتْ أَمَّا إذَا غَلَتْ قِيمَتُهَا أَوْ انْتَقَضَتْ فَالْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ وَلَا يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، وَيُطَالَبُ بِالنَّقْدِ بِذَلِكَ الْعِيَارِ الَّذِي كَانَ وَقْتَ الْبَيْعِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْمُنْتَقَى غَلَتْ الْفُلُوسُ أَوْ رَخُصَتْ فَعِنْدَ الْإِمَامِ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي، أَوَّلًا لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا، وَقَالَ: الثَّانِي ثَانِيًا عَلَيْهِ قِيمَتُهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ يَوْمَ الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَهَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 533 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] وَالْخُلَاصَةِ عَنْ الْمُنْتَقَى، وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ وَأَقَرَّهُ، فَحَيْثُ صَرَّحَ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ، فَيَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ إفْتَاءً وَقَضَاءً، وَلَمْ أَرَ مَنْ جَعَلَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رِسَالَتِهِ: بَذْلِ الْمَجْهُودِ فِي مَسْأَلَةِ تَغَيُّرِ النُّقُودِ وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْمُنْتَقَى إذَا غَلَتْ الْفُلُوسُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ رَخُصَتْ. قَالَ: أَبُو يُوسُفَ، قَوْلِي وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ: عَلَيْهِ قِيمَتُهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ، يَوْمَ وَقَعَ الْبَيْعُ وَيَوْمَ وَقَعَ الْقَبْضُ. اهـ. وَقَوْلُهُ: يَوْمَ وَقَعَ الْبَيْعُ أَيْ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ، وَقَوْلُهُ: وَيَوْمَ وَقَعَ الْقَبْضُ أَيْ فِي صُورَةِ الْقَرْضِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ فِي بَابِ الصَّرْفِ. وَحَاصِلُ مَا مَرَّ: أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمُفْتَى بِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَسَادِ وَالِانْقِطَاعِ وَالرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ فِي أَنَّهُ تَجِبُ قِيمَتُهَا يَوْمَ وَقَعَ الْبَيْعُ أَوْ الْقَرْضُ لَا مِثْلُهَا، وَفِي دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ، مِنْ النَّوْعِ الْخَامِسَ عَشَرَ، عَنْ فَوَائِدِ الْإِمَامِ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ اسْتَقْرَضَ مِنْهُ دَانِقَ فُلُوسٍ حَالَ كَوْنِهَا عَشَرَةً بِدَانِقٍ، فَصَارَتْ سِتَّةٌ بِدَانِقٍ أَوْ رَخُصَ وَصَارَ عِشْرُونَ بِدَانِقٍ يَأْخُذُ مِنْهُ عَدَدَ مَا أَعْطَى وَلَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ. اهـ. قُلْتُ: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُهُ: ثَانِيًا بِوُجُوبِ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْقَرْضِ، وَهُوَ دَانِقٌ أَيْ سُدُسُ دِرْهَمٍ سَوَاءٌ صَارَ الْآنَ سِتَّةَ فُلُوسٍ بِدَانِقٍ أَوْ عِشْرِينَ بِدَانِقٍ تَأَمَّلْ وَمِثْلُهُ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الْقَرْضِ مِنْ قَوْلِهِ اسْتَقْرَضَ مِنْ الْفُلُوسِ الرَّائِجَةِ وَالْعَدَالِي فَكَسَدَتْ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا كَاسِدَةً لَا قِيمَتُهَا. اهـ. فَهُوَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ. وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الصَّرْفِ مَتْنًا وَشَرْحًا اشْتَرَى شَيْئًا بِهِ أَيْ بِغَالِبِ الْغِشِّ، وَهُوَ نَافِقٌ أَوْ بِفُلُوسٍ نَافِقَةٍ فَكَسَدَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لِلْبَائِعِ بَطَلَ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ انْقَطَعَتْ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ، فَإِنَّهُ كَالْكَسَادِ وَكَذَا حُكْمُ الدَّرَاهِمِ، لَوْ كَسَدَتْ أَوْ انْقَطَعَتْ بَطَلَ وَصَحَّحَاهُ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ وَبِهِ يُفْتَى رِفْقًا بِالنَّاسِ بَحْرٌ وَحَقَائِقُ. اهـ. وَقَوْلُهُ: بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ صَوَابُهُ بِقِيمَةِ الثَّمَنِ الْكَاسِدِ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: لَمْ تَخْتَلِفْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَرْضِ الْفُلُوسِ إذَا كَسَدَتْ أَنَّ عَلَيْهِ مِثْلَهَا قَالَ بِشْرٌ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ يَوْمَ وَقَعَ الْقَرْضُ فِي الدَّرَاهِمِ الَّتِي ذَكَرْتُ لَكَ أَصْنَافَهَا، يَعْنِي الْبُخَارِيَّةَ وَالطَّبَرِيَّةَ وَالْيَزِيدِيَّةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: قِيمَتُهَا فِي آخِرِ نَفَاقِهَا قَالَ الْقُدُورِيُّ: وَإِذَا ثَبَتَ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَرْضِ الْفُلُوسِ مَا ذَكَرْنَا فَالدَّرَاهِمُ الْبُخَارِيَّةُ فُلُوسٌ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَالطَّبَرِيَّةُ وَالْيَزِيدِيَّةُ، هِيَ الَّتِي غَلَبَ الْغِشُّ عَلَيْهَا فَتُجْرَى مَجْرَى الْفُلُوسِ فَلِذَلِكَ قَاسَهَا أَبُو يُوسُفَ عَلَى الْفُلُوسِ. اهـ. مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْقَرْضِ جَازَ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا، كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ يَوْمَ وَقَعَ الْبَيْعُ إلَخْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ، إنَّمَا هُوَ فِي الْفُلُوسِ وَالدَّرَاهِمِ الْغَالِبَةِ الْغِشِّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْفُلُوسِ. وَفِي بَعْضِهَا ذَكَرَ الْعَدَالِيَّ مَعَهَا وَهِيَ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبِنَايَةِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالدَّالِ وَكَسْرِ اللَّامِ دَرَاهِمُ فِيهَا غِشٌّ. وَفِي بَعْضِهَا تَقْيِيدُ الدَّرَاهِمِ بِغَالِبَةِ الْغِشِّ، وَكَذَا تَعْلِيلُهُمْ قَوْلَ الْإِمَامِ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ، بِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ بَطَلَتْ بِالْكَسَادِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ الَّتِي غَلَبَ غِشُّهَا إنَّمَا جُعِلَتْ ثَمَنًا بِالِاصْطِلَاحِ، فَإِذَا تَرَكَ النَّاسُ الْمُعَامَلَةَ بِهَا بَطَلَ الِاصْطِلَاحُ فَلَمْ تَبْقَ ثَمَنًا فَبَقِيَ الْبَيْعُ بِلَا ثَمَنٍ فَبَطَلَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِحُكْمِ الدَّرَاهِمِ الْخَالِصَةِ أَوْ الْمَغْلُوبَةِ الْغِشِّ سِوَى مَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ هُنَا. وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِكَسَادِهَا، وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِثْلُهَا فِي الْكَسَادِ، وَالِانْقِطَاعِ وَالرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ، أَمَّا عَدَمُ بُطْلَانِ الْبَيْعِ، فَلِأَنَّهَا ثَمَنٌ خِلْقَةً فَتَرْكُ الْمُعَامَلَةِ بِهَا لَا يُبْطِلُ ثَمَنِيَّتَهَا فَلَا يَتَأَتَّى تَعْلِيلُ الْبُطْلَانِ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ بَقَاءُ الْبَيْعِ بِلَا ثَمَنٍ. وَأَمَّا وُجُوبُ مِثْلِهَا وَهُوَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ كَمِائَةِ ذَهَبٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 534 أَمَّا مَا غَلَبَ غِشُّهُ فَفِيهِ الْخِلَافُ، كَمَا سَيَجِيءُ فِي فَصْلِ الْقَرْضِ فَتَنَبَّهْ وَبِهِ أَجَابَ سَعْدِيٌّ أَفَنَدَى وَهَذَا إذَا بِيعَ بِثَمَنِ دَيْنٍ فَلَوْ بِعَيْنٍ فَسَدَ فَتْحٌ وَ (بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَلَمْ يَجْمَعْهُمَا قَدْرٌ) لِمَا فِيهِ مِنْ رِبَا النَّسَاءِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي بَابِهِ (وَ) الْأَجَلُ (ابْتِدَاؤُهُ مِنْ وَقْتِ التَّسْلِيمِ) وَلَوْ فِيهِ خِيَارٌ   [رد المحتار] مُشَخَّصٍ، أَوْ مِائَةِ رِيَالٍ فِرِنْجِيٍّ فَلِبَقَاءِ ثَمَنِيَّتِهَا أَيْضًا وَعَدَمِ بُطْلَانِ تَقَوُّمِهَا، وَتَمَامُ بَيَانِ ذَلِكَ فِي رِسَالَتِنَا تَنْبِيهِ الرُّقُودِ فِي أَحْكَامِ النُّقُودِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ تَجِبُ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ مِثْلِيَّتَهَا، لَمْ تَبْطُلْ فَكَيْفَ يُعْدَلُ إلَى الْقِيمَةِ، وَقَوْلُهُ: إذَا لَمْ يُمْكِنْ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَنْعَ السُّلْطَانِ التَّعَامُلَ بِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَسْتَلْزِمُ مَنْعَ الْحَاكِمِ مِنْ الْحُكْمِ عَلَى شَخْصٍ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْهَا فِي الْمَاضِي. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَلَا يَدْفَعُ قِيمَتَهَا مِنْ الْجَدِيدَةِ، فَظَاهِرٌ وَبَيَانُهُ أَنَّ كَسَادَهَا عَيْبٌ فِيهَا عَادَةً؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ الْخَالِصَةَ إذَا كَانَتْ مَضْرُوبَةً رَائِجَةً تُقَوَّمُ بِأَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا، فَإِذَا كَانَتْ الْعَشَرَةُ مِنْ الْكَاسِدَةِ تُسَاوِي تِسْعَةً مِنْ الرَّائِجَةِ مَثَلًا فَإِنْ أَلْزَمْنَا الْمُشْتَرِيَ بِقِيمَتِهَا وَهُوَ تِسْعَةٌ مِنْ الْجَدِيدَةِ يَلْزَمُ الرِّبَا، وَإِنْ أَلْزَمْنَاهُ بِعَشَرَةٍ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْجَوْدَةَ وَالرَّدَاءَةَ فِي بَابِ الرِّبَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ يَلْزَمُ ضَرَرُ الْمُشْتَرِي، حَيْثُ أَلْزَمْنَاهُ بِأَحْسَنَ مِمَّا الْتَزَمَ فَلَمْ يُمْكِنْ إلْزَامُهُ بِقِيمَتِهَا مِنْ الْجَدِيدَةِ، وَلَا بِمِثْلِهَا مِنْهَا فَتَعَيَّنَ إلْزَامُهُ بِقِيمَتِهَا مِنْ الذَّهَبِ لِعَدَمِ إمْكَانِ إلْزَامِهِ بِمِثْلِهَا مِنْ الْكَاسِدَةِ أَيْضًا لِمَا عَلِمْت مِنْ مَنْعِ الْحُكَّامِ مِنْهُ، لَكِنْ عَلِمْت مَا فِيهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَقَامِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. وَبَقِيَ مَا لَوْ وَقَعَ الشِّرَاءُ بِالْقُرُوشِ كَمَا هُوَ عُرْفُ زَمَانِنَا وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: أَمَّا مَا غَلَبَ غِشُّهُ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ فِيمَا كَانَ خَالِيًا عَنْ الْغِشِّ أَوْ كَانَ غِشُّهُ مَغْلُوبًا، وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا. (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَجِيءُ فِي فَصْلِ الْقَرْضِ) صَوَابُهُ فِي بَابِ الصَّرْفِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إلَى مَعْلُومٍ. (قَوْلُهُ: بِثَمَنِ دَيْنٍ إلَخْ) أَرَادَ بِالدَّيْنِ مَا يَصِحُّ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ سَوَاءٌ كَانَ نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُ، وَبِالْعَيْنِ مَا قَابَلَهُ فَيَدْخُلُ فِي الدَّيْنِ الثَّوْبُ الْمَوْصُوفُ بِمَا يَعْرِفُهُ لِقَوْلِهِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ: إنَّ الثِّيَابَ كَمَا تَثْبُتُ مَبِيعًا فِي الذِّمَّةِ بِطَرِيقِ السَّلَمِ تَثْبُتُ دَيْنًا مُؤَجَّلًا فِي الذِّمَّةِ عَلَى أَنَّهَا ثَمَنٌ، وَحِينَئِذٍ يُشْتَرَطُ الْأَجَلُ لَا لِأَنَّهَا ثَمَنٌ بَلْ لِتَصِيرَ مُلْحَقَةً بِالسَّلَمِ فِي كَوْنِهَا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَلِذَا قُلْنَا: إذَا بَاعَ عَبْدًا بِثَوْبٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ إلَى أَجَلٍ جَازَ، وَيَكُونُ بَيْعًا فِي حَقِّ الْعَبْدِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ الدَّرَاهِمَ فِي الثَّوْبِ، وَإِنَّمَا ظَهَرَتْ أَحْكَامُ الْمُسْلَمِ فِيهِ فِي الثَّوْبِ حَتَّى شُرِطَ فِيهِ الْأَجَلُ وَامْتَنَعَ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لِإِلْحَاقِهِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ. اهـ. فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ جِنْسِهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِثَمَنِ دَيْنٍ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ " أَوْ " بَدَلَ الْوَاوِ، وَالْأُولَى أَوْلَى؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ كُلٌّ مِنْهُمَا لَا أَحَدُهُمَا كَمَا أَفَادَهُ ط وَقَوْلُهُ " وَلَمْ يَجْمَعْهُمَا قَدْرٌ " جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَالْقَدْرُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ، وَذَلِكَ كَبَيْعِ ثَوْبٍ بِدَرَاهِمَ وَاحْتَرَزَ عَمَّا لَوْ كَانَ بِجِنْسِهِ وَجَمَعَهُمَا قَدْرٌ كَكُرِّ بُرٍّ بِمِثْلِهِ أَوْ كَانَ بِجِنْسِهِ، وَلَمْ يَجْمَعْهُمَا قَدْرٌ كَثَوْبٍ هَرَوِيٌّ بِمِثْلِهِ، أَوْ كَانَ بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَجَمَعَهُمَا قَدْرٌ كَكُرِّ بُرٍّ بِكُرِّ شَعِيرٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ لِمَا فِيهَا مِنْ رِبَا النَّسَاءِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: لِمَا فِيهِ مِنْ رِبَا النَّسَاءِ بِالْفَتْحِ أَيْ التَّأْخِيرِ تَعْلِيلٌ لِمَفْهُومِ الْمَتْنِ، وَهُوَ عَدَمُ صِحَّةِ التَّأْجِيلِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثَةِ أَفَادَهُ ح. قُلْتُ: بَقِيَ شَرْطٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَبِيعُ الْكَيْلِيُّ أَوْ الْوَزْنِيُّ هَالِكًا، فَقَدْ ذَكَرَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَوَّلَ الْبُيُوعِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: لَهُ عَلَى آخَرَ حِنْطَةٌ غَيْرُ السَّلَمِ فَبَاعَهَا مِنْهُ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ إلَى شَهْرٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَقَدْ نُهِينَا عَنْهُ، وَإِنْ بَاعَهَا مِمَّنْ عَلَيْهِ وَنَقَدَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ فَيَكُونُ دَيْنًا بِعَيْنٍ. اهـ. وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمِنَحِ قُبَيْلَ بَابِ الرِّبَا، وَمِثْلُهُ كُلُّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ. وَكَالْبَيْعِ الصُّلْحُ فَفِي الثَّلَاثِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَلَوْ غَصَبَ كُرَّ بُرٍّ فَصَالَحَهُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى دَرَاهِمَ مُؤَجَّلَةٍ جَازَ، وَكَذَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَسَائِرُ الْمَوْزُونَاتِ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى كَيْلٍ مُؤَجَّلٍ لَمْ يَجُزْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 535 فَمُذْ سُقُوطِ الْخِيَارِ عِنْدَهُ خَانِيَّةٌ (وَلِلْمُشْتَرِي) بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إلَى سَنَةٍ مُنَكَّرَةٍ (أَجَلُ سَنَةٍ ثَانِيَةٍ) مُذْ تَسَلَّمَ (لِمَنْعِ الْبَائِعِ السِّلْعَةَ) عَنْ الْمُشْتَرِي (سَنَةَ الْأَجَلِ) الْمُنَكَّرَةَ تَحْصِيلًا لِفَائِدَةِ التَّأْجِيلِ فَلَوْ مُعَيَّنَةٌ أَوْ لَمْ يُمْنَعْ الْبَائِعُ مِنْ التَّسْلِيمِ لَا اتِّفَاقًا لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْهُ (وَ) الثَّمَنُ الْمُسَمَّى قَدْرُهُ لَا وَصْفُهُ (يَنْصَرِفُ مُطْلَقُهُ إلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ) بَلَدِ الْعَقْدِ مَجْمَعُ الْفَتَاوَى لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ (وَإِنْ اخْتَلَفَتْ النُّقُودُ مَالِيَّةً) كَذَهَبٍ شَرِيفِي وَبُنْدُقِيٍّ (فَسَدَ الْعَقْدُ مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي رَوَاجِهَا   [رد المحتار] إذْ الْجِنْسُ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ، وَلَوْ كَانَ الْبُرُّ هَالِكًا لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا نَسِيئَةً؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ إلَّا إذَا صَالَحَ عَلَى بُرٍّ مِثْلِهِ، أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ مُؤَجَّلًا جَازَ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ حَقِّهِ وَالْحَطُّ جَائِزٌ لَا لَوْ عَلَى أَكْثَرَ لِلرِّبَا، وَالصُّلْحُ عَلَى بَعْضِ حَقِّهِ فِي الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ حَالَ قِيَامِهِ لَمْ يَجُزْ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْحِيلَةُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْحِنْطَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ بِالنَّسِيئَةِ، أَنْ يَبِيعَهَا بِثَوْبٍ وَيَقْبِضَ الثَّوْبَ ثُمَّ يَبِيعَهُ بِدَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ. اهـ. أَقُولُ: وَتَجْرِي هَذِهِ الْحِيلَةُ فِي الصُّلْحِ أَيْضًا وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى وَيَكْثُرُ وُقُوعُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: فَمُذْ سُقُوطِ الْخِيَارِ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتُ اسْتِقْرَارِ الْبَيْعِ. (قَوْلُهُ: مُذْ تَسَلَّمَ) مُتَعَلِّقٌ بِأَجَلٍ. (قَوْلُهُ: لِمَنْعِ) اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ، أَوْ لِلتَّوْقِيتِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ قَوْلُهُ وَلِلْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ: تَحْصِيلًا لِفَائِدَةِ التَّأْجِيلِ) وَهِيَ التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ وَإِيفَاءُ الثَّمَنِ مِنْ رِبْحِهِ مَثَلًا. (قَوْلُهُ: فَلَوْ مُعَيَّنَةً) كَسَنَةِ كَذَا وَمِثْلُهُ إلَى رَمَضَانَ مَثَلًا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْهُ) تَعْلِيلٌ لِلثَّانِيَةِ، أَمَّا الْأُولَى فَلِكَوْنِهِ لَمَّا عَيَّنَ تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِيمَا عَيَّنَهُ فَلَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَالثَّمَنُ الْمُسَمَّى قَدْرُهُ لَا وَصْفُهُ) لَمَّا كَانَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَنْصَرِفُ مُطْلَقًا مُوهِمًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُطْلَقِ مَا لَمْ يُذْكَرْ قَدْرُهُ وَلَا وَصْفُهُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَشُرِطَ لِصِحَّتِهِ مَعْرِفَةُ قَدْرِ وَوَصْفِ ثَمَنٍ، دَفَعَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْمُطْلَقُ عَنْ تَسْمِيَةِ الْوَصْفِ فَقَطْ. مَطْلَبٌ يُعْتَبَرُ الثَّمَنُ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ وَزَمَنِهِ (قَوْلُهُ: مَجْمَعُ الْفَتَاوَى) فَإِنَّهُ قَالَ مَعْزِيًّا إلَى بُيُوعِ الْخِزَانَةِ: بَاعَ عَيْنًا مِنْ رَجُلٍ بِأَصْفَهَانَ بِكَذَا مِنْ الدَّنَانِيرِ فَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى وَجَدَ الْمُشْتَرِيَ بِبُخَارَى يَجِبُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بِعِيَارِ أَصْفَهَانَ، فَيُعْتَبَرُ مَكَانُ الْعَقْدِ. اهـ. مِنَحٌ. قُلْتُ: وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ مَالِيَّةُ الدِّينَارِ مُخْتَلِفَةً فِي الْبَلَدَيْنِ، وَتَوَافَقَ الْعَاقِدَانِ عَلَى أَخْذِ قِيمَةِ الدِّينَارِ لِفَقْدِهِ أَوْ كَسَادِهِ فِي الْبَلْدَةِ الْأُخْرَى، فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُلْزِمَهُ بِأَخْذِ قِيمَتِهِ الَّتِي فِي بُخَارَى إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ الَّتِي فِي أَصْبَهَانَ وَكَمَا يُعْتَبَرُ مَكَانُ الْعَقْدِ يُعْتَبَرُ زَمَنُهُ أَيْضًا كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكَسَادِ وَالرُّخْصِ فَلَا يُعْتَبَرُ زَمَنُ الْإِيفَاءِ: لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِيهِ مَجْهُولَةٌ وَقْتَ الْعَقْدِ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ بَاعَهُ إلَى أَجَلٍ مُعَيَّنٍ وَشَرَطَ أَنْ يُعْطِيَهُ الْمُشْتَرِي أَيَّ نَقْدٍ يَرُوجُ يَوْمَئِذٍ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا. (قَوْلُهُ: كَذَهَبٍ شَرِيفِيٍّ وَبُنْدُقِيٍّ) فَإِنَّهُمَا اتَّفَقَا فِي الرَّوَاجِ لَكِنَّ مَالِيَّةَ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ فَإِذَا بَاعَ بِمِائَةِ ذَهَبٍ مَثَلًا، وَلَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهُ فَسَدَ لِلتَّنَازُعِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَطْلُبُ الْأَكْثَرَ مَالِيَّةً، وَالْمُشْتَرِيَ يَدْفَعُ الْأَقَلَّ. (قَوْلُهُ: مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي رَوَاجِهَا) أَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ رَوَاجًا مَعَ اخْتِلَافِ مَالِيَّتِهَا أَوْ بِدُونِهِ فَيَصِحُّ، وَيَنْصَرِفُ إلَى الْأَرْوَجِ وَكَذَا يَصِحُّ لَوْ اسْتَوَتْ مَالِيَّةً وَرَوَاجًا، لَكِنْ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يُؤَدِّيَ أَيَّهُمَا شَاءَ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ رُبَاعِيَّةٌ وَأَنَّ الْفَسَادَ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ: وَهِيَ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَالِيَّةِ فَقَطْ، وَالصِّحَّةُ فِي الثَّلَاثِ الْبَاقِيَةِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْبَحْرِ، وَمَثَّلَ فِي الْهِدَايَةِ مَسْأَلَةَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْمَالِيَّةِ وَالرَّوَاجِ بِالثُّنَائِيِّ وَالثُّلَاثِيِّ، وَاعْتَرَضَهُ الشُّرَّاحُ بِأَنَّ مَالِيَّةَ الثَّلَاثَةِ أَكْثَرُ مِنْ الِاثْنَيْنِ وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالثُّنَائِيِّ مَا قِطْعَتَانِ مِنْهُ بِدِرْهَمٍ وَبِالثُّلَاثِيِّ مَا ثَلَاثَةٌ مِنْهُ بِدِرْهَمٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 536 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي حُكْمِ الشِّرَاءِ بِالْقُرُوشِ فِي زَمَانِنَا قُلْتُ: وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِدِرْهَمٍ فَلَهُ دَفْعُ دِرْهَمٍ كَامِلٍ أَوْ دَفْعُ دِرْهَمٍ مُكَسَّرٍ قِطْعَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ حَيْثُ تَسَاوَى الْكُلُّ فِي الْمَالِيَّةِ وَالرَّوَاجِ، وَمِثْلُهُ فِي زَمَانِنَا الذَّهَبُ يَكُونُ كَامِلًا وَنِصْفَيْنِ وَأَرْبَعَةَ أَرْبَاعٍ، وَكُلُّهَا سَوَاءٌ فِي الْمَالِيَّةِ وَالرَّوَاجِ، بَلْ ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ التُّجَّارِ كَالْمَشْرُوطِ بِرَمْزِ عت: بَاعَ شَيْئًا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَاسْتَقَرَّتْ الْعَادَةُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ أَنَّهُمْ يُعْطُونَ كُلَّ خَمْسَةِ أَسْدَاسٍ مَكَانَ الدِّينَارِ، وَاشْتَهَرَتْ بَيْنَهُمْ فَالْعَقْدُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا تَعَارَفَهُ النَّاسُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي تِلْكَ التِّجَارَةِ، ثُمَّ رَمْزُ فك: جَرَتْ الْعَادَةُ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ خُوَارِزْمَ أَنَّهُمْ يَشْتَرُونَ سِلْعَةً بِدِينَارٍ ثُمَّ يَنْقُدُونَ ثُلُثَيْ دِينَارٍ مَحْمُودِيَّةٍ أَوْ ثُلُثَيْ دِينَارٍ وَطُسُوجٍ نَيْسَابُورِيَّةٍ قَالَ: يَجْرِي عَلَى الْمُوَاضَعَةِ وَلَا تَبْقَى الزِّيَادَةُ دَيْنًا عَلَيْهِمْ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة، وَمِنْهُ يُعْلَمُ حُكْمُ مَا تُعُورِفَ فِي زَمَانِنَا مِنْ الشِّرَاءِ بِالْقُرُوشِ، فَإِنَّ الْقِرْشَ فِي الْأَصْلِ قِطْعَةٌ مَضْرُوبَةٌ مِنْ الْفِضَّةِ تُقَوَّمُ بِأَرْبَعِينَ قِطْعَةً مِنْ الْقِطَعِ الْمِصْرِيَّةِ الْمُسَمَّاةِ فِي مِصْرَ نِصْفًا ثُمَّ إنَّ أَنْوَاعَ الْعُمْلَةِ الْمَضْرُوبَةِ تُقَوَّمُ بِالْقِرْشِ، فَمِنْهَا مَا يُسَاوِي عَشَرَةَ قُرُوشٍ، وَمِنْهَا أَقَلُّ وَمِنْهَا أَكْثَرُ، فَإِذَا اشْتَرَى بِمِائَةِ قِرْشٍ فَالْعَادَةُ أَنَّهُ يَدْفَعُ مَا أَرَادَ إمَّا مِنْ الْقُرُوشِ أَوْ مِمَّا يُسَاوِيهَا مِنْ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِ الْعُمْلَةِ مِنْ رِيَالٍ أَوْ ذَهَبٍ، وَلَا يَفْهَمُ أَحَدٌ أَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ بِنَفْسِ الْقِطْعَةِ الْمُسَمَّاةِ قِرْشًا، بَلْ هِيَ أَوْ مَا يُسَاوِيهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْعُمْلَةِ الْمُتَسَاوِيَةِ فِي الرَّوَاجِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الْمَالِيَّةِ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ صُورَةَ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَالِيَّةِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الرَّوَاجِ: هِيَ صُورَةُ الْفَسَادِ مِنْ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ؛ لِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يَحْصُلْ اخْتِلَافُ مَالِيَّةِ الثَّمَنِ حَيْثُ قُدِّرَ بِالْقُرُوشِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الِاخْتِلَافُ إذَا لَمْ يُقَدَّرْ بِهَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِمِائَةِ ذَهَبٍ وَكَانَ الذَّهَبُ أَنْوَاعًا كُلُّهَا رَائِجَةٌ، مَعَ اخْتِلَافِ مَالِيَّتِهَا، فَقَدْ صَارَ التَّقْدِيرُ بِالْقُرُوشِ فِي حُكْمِ مَا إذَا اسْتَوَتْ فِي الْمَالِيَّةِ وَالرَّوَاجِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُخَيَّرُ فِي دَفْعِ أَيِّهِمَا شَاءَ قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَلَوْ طَلَبَ الْبَائِعُ أَحَدَهُمَا لِلْمُشْتَرِي دَفْعُ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْبَائِعِ مِنْ قَبُولِ مَا دَفَعَهُ الْمُشْتَرِي وَلَا فَضْلَ تَعَنُّتٌ. اهـ. بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمُفْتَى بِهِ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَسَادِ وَالِانْقِطَاعِ وَالرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ فِي أَنَّهُ تَجِبُ قِيمَتُهَا يَوْمَ وَقَعَ الْبَيْعُ أَوْ الْقَرْضُ إذَا كَانَتْ فُلُوسًا أَوْ غَالِبَةَ الْغِشِّ، وَإِنْ كَانَ فِضَّةً خَالِصَةً أَوْ مَغْلُوبَةَ الْغِشِّ تَجِبُ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ، يَوْمَ الْبَيْعِ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّارِحُ، أَوْ مِثْلُهَا عَلَى مَا بَحَثْنَاهُ وَهَذَا إذَا اشْتَرَى بِالرِّيَالِ أَوْ الذَّهَبِ، مِمَّا يُرَادُ نَفْسُهُ، أَمَّا إذَا اشْتَرَى بِالْقُرُوشِ الْمُرَادِ بِهَا مَا يَعُمُّ الْكُلَّ كَمَا قَرَّرْنَاهُ، ثُمَّ رَخُصَ بَعْضُ أَنْوَاعِ الْعُمْلَةِ أَوْ كُلُّهَا وَاخْتَلَفَتْ فِي الرُّخْصِ، كَمَا وَقَعَ مِرَارًا فِي زَمَانِنَا فَفِيهِ اشْتِبَاهٌ فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ غَالِبَةَ الْغِشِّ، وَقُلْنَا: تَجِبُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْبَيْعِ، فَهُنَا لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْقُرُوشِ نَوْعًا مُعَيَّنًا مِنْ الْعُمْلَةِ حَتَّى نُوجِبَ قِيمَتَهُ. وَإِذَا قُلْنَا: إنَّ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فِي تَعْيِينِ نَوْعٍ مِنْهَا كَمَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ قَبْلَ أَنْ تَرْخُصَ، فَإِنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا فِي دَفْعِ أَيِّ نَوْعٍ أَرَادَ، فَإِبْقَاءُ الْخِيَارِ لَهُ بَعْدَ الرُّخْصِ يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَالضَّرَرِ فَإِنَّ خِيَارَهُ قَبْلَ الرُّخْصِ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْبَائِعِ أَمَّا بَعْدَهُ فَفِيهِ ضَرَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَنْظُرُ إلَى الْأَنْفَعِ لَهُ وَالْأَضَرِّ عَلَى الْبَائِعِ فَيَخْتَارُهُ، فَإِنَّ مَا كَانَ يُسَاوِي عَشَرَةً إذَا صَارَ نَوْعٌ مِنْهُ بِثَمَانِيَةٍ وَنَوْعٌ مِنْهُ بِثَمَانِيَةٍ وَنِصْفٍ، يَخْتَارُ مَا صَارَ بِثَمَانِيَةٍ فَيَدْفَعُهُ لِلْبَائِعِ، وَيَحْسِبُهُ عَلَيْهِ بِعَشَرَةٍ كَمَا كَانَ يَوْمَ الْبَيْعِ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ دَفْعُ مِثْلِ مَا كَانَ يَوْمَ الْبَيْعِ لَا قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ كُلِّ نَوْعٍ تُعْتَبَرُ بِغَيْرِهِ، فَحَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُ الْقِيمَةِ لِمَا قُلْنَا وَلَزِمَ مِنْ إبْقَاءِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي، لُزُومُ الضَّرَرِ لِلْبَائِعِ حَصَلَ الِاشْتِبَاهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 537 إلَّا إذَا بَيَّنَ) فِي الْمَجْلِسِ لِزَوَالِ الْجَهَالَةِ (وَصَحَّ بَيْعُ الطَّعَامِ) هُوَ فِي عُرْفِ الْمُتَقَدِّمِينَ اسْمٌ لِلْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا (كَيْلًا وَجُزَافًا) مُثَلَّثُ الْجِيمِ مُعَرَّبٌ كُزَافٍ الْمُجَازَفَةُ (إذَا كَانَ بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَلَمْ يَكُنْ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ) لِشَرْطِيَّةِ مَعْرِفَتِهِ كَمَا سَيَجِيءُ (أَوْ كَانَ بِجِنْسِهِ وَهُوَ دُونَ نِصْفِ صَاعٍ) إذْ لَا رِبَا فِيهِ كَمَا سَيَجِيءُ (وَ) مِنْ الْمُجَازَفَةِ الْبَيْعُ (بِإِنَاءٍ وَحَجَرٍ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ) قَيْدٌ فِيهِمَا وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِيهِمَا نَهْرٌ وَهَذَا (إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ) الْإِنَاءُ (النُّقْصَانَ وَ) الْحَجْرُ (التَّفَتُّتَ) فَإِنْ احْتَمَلَهُمَا لَمْ يَجُزْ   [رد المحتار] فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قُلْنَا، وَاَلَّذِي حَرَّرْتُهُ فِي رِسَالَتِي: تَنْبِيهِ الرُّقُودِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْمَرَ الْمُشْتَرِي بِدَفْعِ الْمُتَوَسِّطِ رُخْصًا لَا بِالْأَكْثَرِ رُخْصًا وَلَا بِالْأَقَلِّ، حَتَّى لَا يَلْزَمَ اخْتِصَاصُ الضَّرَرِ بِهِ، وَلَا بِالْبَائِعِ لَكِنْ هَذَا إذَا حَصَلَ الرُّخْصُ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعُمْلَةِ، أَمَّا لَوْ بَقِيَ مِنْهَا نَوْعٌ عَلَى حَالِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: بِإِلْزَامِ الْمُشْتَرِي الدَّفْعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ دَفْعَ غَيْرِهِ يَكُونُ تَعَنُّتًا بِقَصْدِهِ إضْرَارَ الْبَائِعِ مَعَ إمْكَانِ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ حَصَلَ الرُّخْصُ لِلْجَمِيعِ، فَهَذَا غَايَةُ مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا بَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ) قَالَ: فِي الْبَحْرِ: فَإِذَا ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ بِبَيَانِ أَحَدِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ، وَرَضِيَ الْآخَرُ صَحَّ لِارْتِفَاعِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ فَصَارَ كَالْبَيَانِ الْمُقَارَنِ. (قَوْلُهُ: هُوَ فِي عُرْفِ الْمُتَقَدِّمِينَ إلَخْ) كَذَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ: وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ الْفِطْرَةِ «كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» ، لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْمِصْبَاحِ الطَّعَامُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ الْبُرُّ خَاصَّةً، وَفِي الْعُرْفِ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ، مِثْلُ الشَّرَابِ اسْمٌ لِمَا يُشْرَبُ، وَجَمْعُهُ أَطْعِمَةٌ. اهـ. وَالْمُرَادُ بِهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْحُبُوبُ كُلُّهَا لَا الْبُرُّ وَحْدَهُ وَلَا كُلُّ مَا يُؤْكَلُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ كَيْلًا وَجُزَافًا. اهـ. (قَوْلُهُ: كَيْلًا وَجُزَافًا) مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ، أَوْ الْمَفْعُولِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: مُثَلَّثُ الْجِيمِ إلَخْ) أَيْ يَجُوزُ فِي جِيمِهِ الْحَرَكَاتُ الثَّلَاثُ فِي الْقَامُوسِ الْجُزَافُ، وَالْجِزَافَةُ مُثَلَّثَتَيْنِ، وَالْمُجَازَفَةُ الْحَدْسُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مُعَرَّبُ " كزاف ". اهـ. وَالْحَدْسُ الظَّنُّ وَالتَّخْمِينُ وَحَاصِلُهُ مَا فِي الْمُغْرِبِ: مِنْ أَنَّهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَنَقَلَ ط أَنَّ شَرْطَ جَوَازِهِ أَنْ يَكُونَ مُمَيَّزًا مُشَارًا إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ بِخِلَافِ جِنْسِهِ) أَمَّا بِجِنْسِهِ فَلَا يَجُوزُ مُجَازَفَةً لِاحْتِمَالِ التَّفَاضُلِ إلَّا إذَا ظَهَرَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْمَجْلِسِ بَحْرٌ حَتَّى لَوْ لَمْ يَحْتَمِلْ التَّفَاضُلَ، كَأَنْ بَاعَ كِفَّةَ مِيزَانٍ مِنْ فِضَّةِ بِكِفَّةٍ مِنْهَا جَازَ، وَإِنْ كَانَ مُجَازَفَةً كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَالْمُجَازَفَةُ فِيهِ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهَا. (قَوْلُهُ: لِشَرْطِيَّةِ مَعْرِفَتِهِ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَفَاسَخَا السَّلَمَ فَيُرِيدَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ دَفْعَ مَا أَخَذَ، وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بِمَعْرِفَةِ الْقَدْرِ ط. (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمُجَازَفَةِ الْبَيْعُ إلَخْ) صَرَّحَ بِأَنَّهُ مِنْ الْمُجَازَفَةِ، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَتْنِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا بِقَرِينَةِ الْعَطْفِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ الْمُغَايَرَةُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى صُورَةِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَلَيْسَ بِهِ حَقِيقَةً أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِيهَا) أَفَادَ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ وَهَذَا الْخِيَارُ خِيَارُ كَشْفِ الْحَالِ بَحْرٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَأَظْهَرُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَوَّلَ فِي الْفَتْحِ قَوْلَهُ: لَا يَجُوزُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَوْفِيقًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَيْ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّصْحِيحِ، لِارْتِفَاعِ الْخِلَافِ، فَاعْتِرَاضُ الْبَحْرِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْهِدَايَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ وَيُشْتَرَطُ لِبَقَاءِ عَقْدِ الْبَيْعِ عَلَى الصِّحَّةِ بَقَاءُ الْإِنَاءِ وَالْحَجَرِ عَلَى حَالِهِمَا فَلَوْ تَلِفَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَبْلَغُ مَا بَاعَهُ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ الْإِنَاءُ النُّقْصَانَ) بِأَنْ لَا يَنْكَبِسَ وَلَا يَنْقَبِضَ كَأَنْ يَكُونَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَدِيدٍ أَمَّا إذَا كَانَ كَالزِّنْبِيلِ وَالْجُوَالِقِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا فِي قِرَبِ الْمَاءِ اسْتِحْسَانًا لِلتَّعَامُلِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَالْحَجَرُ التَّفَتُّتَ) هَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ حَتَّى لَا يَجُوزَ بِوَزْنِ هَذِهِ الْبِطِّيخَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهَا تَنْقُصُ بِالْجَفَافِ وَعَوَّلَ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّ الْبَيْعَ بِوَزْنِ حَجَرٍ بِعَيْنِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِشَرْطِ تَعْجِيلِ التَّسْلِيمِ، وَلَا جَفَافَ يُوجِبُ نُقْصَانًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 538 كَبَيْعِهِ قَدْرَ مَا يَمْلَأُ هَذَا الْبَيْتَ وَلَوْ قَدْرَ مَا يَمْلَأُ هَذَا الطَّشْتَ جَازَ سِرَاجٌ (وَ) صَحَّ (فِي) مَا سَمَّى (صَاعٌ فِي بَيْعِ صُبْرَةٍ كُلُّ صَاعٍ بِكَذَا) مَعَ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، وَيُسَمَّى خِيَارَ التَّكَشُّفِ (وَ) صَحَّ (فِي الْكُلِّ إنْ) كِيلَتْ فِي الْمَجْلِسِ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ أَوْ (سَمَّى جُمْلَةَ قُفْزَانِهَا)   [رد المحتار] وَمَا قَدْ يَعْرِضُ مِنْ تَأَخُّرِهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ مَمْنُوعٌ بَلْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَجُوزُ فِي السَّلَمِ، وَكُلُّ الْعِبَارَاتِ تُفِيدُ تَقْيِيدَ صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ بِالتَّعْجِيلِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ قَالَ: فِي الْبَحْرِ وَهُوَ حَسَنٌ جِدًّا وَقَوَّاهُ فِي النَّهْرِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: كَبَيْعِهِ إلَخْ) عَبَّرَ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ بَاعَهُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ قَدْرَ مَا يَمْلَأُ الطَّشْتَ جَازَ وَلَوْ بَاعَهُ قَدْرَ مَا يَمْلَأُ هَذَا الْبَيْتَ لَا يَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّ فِيمَا سَمَّى) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الصَّاعَ لَيْسَ بِقَيْدٍ حَتَّى لَوْ قَالَ: كُلُّ صَاعَيْنِ أَوْ كُلُّ عَشَرَةٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ فِي اثْنَيْنِ أَوْ عَشَرَةٍ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْمَتْنِ " صَاعٍ " بَدَلٌ مِنْ " مَا " بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ وَفِيهِ مِنْ الْحَزَازَةِ مَا لَا يَخْفَى اهـ. ح. (قَوْلُهُ: فِي بَيْعِ صُبْرَةٍ) هِيَ الطَّعَامُ الْمَجْمُوعُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِإِفْرَاغِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَمِنْهُ قِيلَ: لِلسَّحَابِ فَوْقَ السَّحَابِ صَبِيرٌ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ، وَأَرَادَ صُبْرَةً مُشَارًا إلَيْهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَلَيْسَتْ قَيْدًا بَلْ كُلُّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، إذَا لَمْ تَخْتَلِفْ قِيمَتُهُ كَذَلِكَ نَهْرٌ وَقَيَّدَ بِصُبْرَةٍ احْتِرَازًا عَنْ صُبْرَتَيْنِ مِنْ جِنْسَيْنِ، كَمَا فِي الْغُرَرِ وَقَالَ فِي شَرْحِهِ الدُّرَرَ: أَيْ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ عِنْدَهُ فِي الْقَدْرِ الْمُسَمَّى إذَا بِيعَ صُبْرَتَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ كَصُبْرَتَيْ بُرٍّ وَشَعِيرٍ كُلِّ قَفِيزٍ أَوْ قَفِيزَيْنِ بِكَذَا حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ عِنْدَهُ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ لِتَفَاوُتِ الصُّبْرَتَيْنِ وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ فِيهِمَا أَيْضًا وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ وَالْإِيضَاحِ أَنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ عَلَى قَفِيزٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. اهـ. وَقَوْلُهُ: يَصِحُّ أَيْ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْكَافِي وَقَوْلُهُ: مِنْهُمَا أَيْ مِنْ الصُّبْرَتَيْنِ مِنْ جِنْسَيْنِ أَيْ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفُ قَفِيزٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ عَزْمِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: كُلِّ صَاعٍ بِكَذَا) قِيلَ: بِجَرِّ " كُلِّ " بَدَلٌ مِنْ صُبْرَةٍ، وَقِيلَ: مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَالْجُمْلَةُ صِفَةُ صُبْرَةٍ. اهـ. أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ أَيْ مَقُولٌ فِيهَا كُلُّ صَاعٍ بِكَذَا وَيَحْتَمِلُ كَوْنَ الْجُمْلَةِ صِفَةً لِبَيْعٍ وَكَوْنَهَا فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ بِإِضْمَارِ الْقَوْلِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: مَعَ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي) أَيْ دُونَ الْبَائِعِ نَهْرٌ. وَفِي الْبَحْرِ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْخِيَارَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، قَالُوا: وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْوَاحِدِ كَمَا إذَا رَآهُ وَلَمْ يَكُنْ رَآهُ وَقْتَ الْبَيْعِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْخِيَارَ قَبْلَ الْكَيْلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ قَائِمَةٌ، أَوْ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ ثُمَّ قَالَ: وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِلُزُومِ الْبَيْعِ فِي الْوَاحِدِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَعِنْدَهُمَا الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ لَازِمٌ وَلَا خِيَارَ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ) اُسْتُشْكِلَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ قَائِلٌ بِانْصِرَافِهِ إلَى الْوَاحِدِ، فَلَا تَفْرِيقَ وَأَجَابَ فِي الْمِعْرَاجِ بِأَنَّ انْصِرَافَهُ إلَى الْوَاحِدِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَالْعَوَامُّ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِالْمَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ، فَلَا يُنَزَّلُ عَالِمًا فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ. اهـ. بَحْرٌ. وَلَعَلَّ وَجْهَ التَّأَمُّلِ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ الْعَقْدَ مُنْصَرِفٌ إلَى الْوَاحِدِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْخِيَارُ لِعَدَمِ تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّ كَلَامَهُمْ شَامِلٌ لِلْعَالِمِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْ هَذَا كَانَ الظَّاهِرُ مَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ لُزُومِ الْبَيْعِ فِي الْوَاحِدِ. (قَوْلُهُ: وَيُسَمَّى خِيَارَ التَّكَشُّفِ) أَيْ تَكَشُّفِ الْحَالِ بِالصِّحَّةِ فِي وَاحِدٍ، وَهُوَ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَى السَّبَبِ ط. (قَوْلُهُ: إنْ كِيلَتْ فِي الْمَجْلِسِ) وَلَهُ الْخِيَارُ أَيْضًا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ وَالنَّهْرِ. (قَوْلُهُ: لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ) وَهُوَ جَهَالَةُ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ. (قَوْلُهُ: قَبْلَ تَقَرُّرِهِ) أَيْ قَبْلَ ثُبُوتِهِ بِانْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ ط. (قَوْلُهُ: أَوْ سَمَّى جُمْلَةَ قُفْزَانِهَا) وَكَذَا لَوْ سَمَّى ثَمَنَ الْجَمِيعِ وَلَمْ يُبَيِّنْ جُمْلَةَ الصُّبْرَةِ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي الْجَمِيعِ اتِّفَاقًا بَحْرٌ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إنْ لَمْ يُسَمِّ جُمْلَةَ الْمَبِيعِ وَجُمْلَةَ الثَّمَنِ صَحَّ فِي وَاحِدٍ، وَإِنْ سَمَّى أَحَدَهُمَا صَحَّ فِي الْكُلِّ كَمَا لَوْ سَمَّى الْكُلَّ، وَيَأْتِي بَيَانُ مَا لَوْ ظَهَرَ الْمَبِيعُ أَزْيَدَ أَوْ أَنْقَصَ، وَبَقِيَ مَا إذَا بَاعَ قَفِيزًا مَثَلًا مِنْ الصُّبْرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ لِلْعِلْمِ بِالْمَبِيعِ فَهُوَ كَبَيْعِ الصُّبْرَةِ كُلِّ قَفِيزٍ بِكَذَا إذَا سَمَّى جُمْلَةَ قُفْزَانِهَا وَلِذَا أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ بِصِحَّةِ الْمَبِيعِ بِلَا ذِكْرِ خِلَافٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 539 بِلَا خِيَارٍ لَوْ عِنْدَ الْعَقْدِ وَبِهِ لَوْ بَعْدَهُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ عِنْدَهُمَا بِهِ يُفْتَى فَإِنْ رَضِيَ هَلْ يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِلَا رِضَا الْبَائِعِ؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ نَهْرٌ (وَفَسَدَ فِي الْكُلِّ فِي بَيْعِ ثَلَّةٍ) بِفَتْحٍ فَتَشْدِيدٍ قَطِيعُ الْغَنَمِ (وَثَوْبٍ كُلُّ شَاةٍ أَوْ ذِرَاعٍ) لَفٌّ وَنَشْرٌ (بِكَذَا) وَإِنْ عَلِمَ عَدَدَ الْغَنَمِ فِي الْمَجْلِسِ، لَمْ يَنْقَلِبْ صَحِيحًا عِنْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ رَضِيَا انْعَقَدَ بِالتَّعَاطِي   [رد المحتار] حَيْثُ سُئِلَ فِيمَنْ اشْتَرَى غَرَائِرَ مَعْلُومَةً مِنْ صُبْرَةٍ كَثِيرَةٍ، فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ يَصِحُّ، وَيَلْزَمُ وَلَا جَهَالَةَ مَعَ تَسْمِيَةِ الْغَرَائِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِلَا خِيَارٍ لَوْ عِنْدَ الْعَقْدِ) صَرَّحَ بِهِ ابْنُ كَمَالٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ قَبْلَ الْعَقْدِ فِي مَجْلِسِهِ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ لَوْ بَعْدَهُ إلَخْ) الضَّمِيرُ الْأَوَّلُ لِلْخِيَارِ وَالثَّانِي لِلْعَقْدِ، قَالَ: ح: أَيْ وَصَحَّ فِي الْكُلِّ بِالْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي لَوْ سَمَّى جُمْلَةَ قُفْزَانِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ فِي الْمَجْلِسِ. (قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْمَجْلِسِ. (قَوْلُهُ: عِنْدَهُمَا) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ بَعْدَهُ لَكِنْ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمَا تَقْتَضِيهِ عِبَارَتُهُ أَفَادَهُ ح. قُلْتُ: فَكَانَ الْأَصْوَبُ أَنْ يَقُولَ لَا بَعْدَهُ وَصَحَّ عِنْدَهُمَا وَعِبَارَةُ الْمُلْتَقَى مَعَ شَرْحِهِ لَا يَصِحُّ لَوْ زَالَتْ الْجَهَالَةُ بِأَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ الْمَجْلِسِ لِتَقَرُّرِ الْمُفْسِدِ، وَقَالَا: يَصِحُّ مُطْلَقًا اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ عِنْدَهُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا زَادَ عَلَى صَاعٍ، أَمَّا فِيهِ فَالصِّحَّةُ ثَابِتَةٌ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ تَسْمِيَةٌ أَصْلًا كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ الْمَتْنِ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ يُفْتَى) عَزَاهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَى الْبُرْهَانِ وَفِي النَّهْرِ عَنْ عُيُونِ الْمَذَاهِبِ وَبِهِ يُفْتَى، لَا لِضَعْفِ دَلِيلِ الْإِمَامِ بَلْ تَيْسِيرًا. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ تَرْجِيحُ قَوْلِهِمَا لِتَأْخِيرِهِ دَلِيلَهُمَا كَمَا هُوَ عَادَتُهُ. اهـ. قُلْتُ: لَكِنْ رَجَّحَ فِي الْفَتْحِ قَوْلَهُ وَقَوَّى دَلِيلَهُ عَلَى دَلِيلِهِمَا، وَنَقَلَ تَرْجِيحَهُ أَيْضًا الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ عَنْ الْكَافِي وَالْمَحْبُوبِيِّ وَالنَّسَفِيِّ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَلَعَلَّهُ مِنْ حَيْثُ قُوَّةُ الدَّلِيلِ فَلَا يُنَافِي تَرْجِيحَ قَوْلِهِمَا مِنْ حَيْثُ التَّيْسِيرُ ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى أَفَادَ ذَلِكَ وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ التَّيْسِيرِ عَلَى قُوَّةِ الدَّلِيلِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ رَضِيَ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَبِهِ لَوْ بَعْدَهُ فِي الْمَجْلِسِ. (قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ نَعَمْ) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ اسْتَظْهَرَهَا فِي النَّهْرِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا. (قَوْلُهُ: وَفَسَدَ فِي الْكُلِّ) أَيْ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَفْرَادَ إذَا كَانَتْ مُتَفَاوِتَةً لَمْ يَصِحَّ فِي شَيْءٍ بَحْرٌ أَيْ لَا فِي وَاحِدٍ وَلَا فِي أَكْثَرَ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الصُّبْرَةِ وَسَيَأْتِي تَرْجِيحُ قَوْلِهِمَا وَهَذَا شُرُوعٌ فِي حُكْمِ الْقِيَمِيَّاتِ بَعْدَ بَيَانِ حُكْمِ الْمِثْلِيَّاتِ كَالصُّبْرَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ كُلِّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ. (قَوْلُهُ: بِفَتْحٍ) أَيْ بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ أَمَّا بِضَمِّهَا، فَالْكَثِيرُ مِنْ النَّاسِ أَوْ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَبِكَسْرِهَا الْهَلَكَةُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. (قَوْلُهُ: وَثَوْبٍ) أَيْ يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ أَمَّا فِي الْكِرْبَاسِ، فَيَنْبَغِي جَوَازُهُ فِي ذِرَاعٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الطَّعَامِ الْوَاحِدِ بَحْرٌ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ. قُلْتُ: وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْكِرْبَاسَ فِي الْعَادَةِ لَا يَخْتَلِفُ ذِرَاعٌ مِنْهُ عَنْ ذِرَاعٍ، وَلِذَا فَرَضَ الْقُهُسْتَانِيُّ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا يَخْتَلِفُ فِي الْقِيمَةِ وَقَالَ: فَإِنَّ الذِّرَاعَ مِنْ مُقَدَّمِ الْبَيْتِ أَوْ الثَّوْبِ أَكْثَرُ قِيمَةً مِنْ مُؤَخَّرِهِ. اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ مَا لَا يَخْتَلِفُ مُقَدَّمُهُ وَمُؤَخَّرُهُ فَهُوَ كَالصُّبْرَةِ. (قَوْلُهُ كُلُّ شَاةٍ) أَمَّا لَوْ قَالَ: شَاتَيْنِ بِعِشْرِينَ، وَسَمَّى الْجُمْلَةَ مِائَةً مَثَلًا كَانَ بَاطِلًا إجْمَاعًا وَإِنْ وَجَدَهُ كَمَا سَمَّى؛ لِأَنَّ كُلَّ شَاةٍ لَا يُعْرَفُ ثَمَنُهَا إلَّا بِانْضِمَامِ غَيْرِهَا إلَيْهَا قَالَهُ الْحَدَّادِيُّ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ عَدَدِيٍّ مُتَقَارِبٍ جَازَ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ) أَيْ بَعْدَ الْعَقْدِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَلَوْ رَضِيَا إلَخْ) فِي السِّرَاجِ قَالَ: الْحَلْوَانِيُّ: الْأَصَحُّ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا أَحَاطَ عِلْمُهُ بِعَدَدِ الْأَغْنَامِ فِي الْمَجْلِسِ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا لَكِنْ لَوْ كَانَ الْبَائِعُ عَلَى رِضَاهُ وَرَضِيَ الْمُشْتَرِي يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بِالتَّرَاضِي، كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَنَظِيرُهُ الْبَيْعُ بِالرَّقْمِ. اهـ. بَحْرٌ. وَفِي الْمُجْتَبَى وَلَوْ اشْتَرَى عَشْرَ شِيَاهٍ مِنْ مِائَةِ شَاةٍ أَوْ عَشْرَ بِطِّيخَاتٍ مِنْ وِقْرٍ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَكَذَا الرُّمَّانُ، وَلَوْ عَزَلَهَا الْبَائِعُ وَقَبِلَهَا الْمُشْتَرِي جَازَ اسْتِحْسَانًا وَالْعَزْلُ وَالْقَبُولُ بِمَنْزِلَةِ إيجَابٍ وَقَبُولٍ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا قَالَ: الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَفِيهِ نَوْعُ إشْكَالٍ وَهُوَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّعَاطِيَ بَعْدَ عَقْدٍ فَاسِدٍ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ. اهـ. وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْجَوَابِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ التَّعَاطِي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 540 وَنَظِيرُهُ الْبَيْعُ بِالرَّقْمِ سِرَاجٌ (وَكَذَا) الْحُكْمُ (فِي كُلِّ مَعْدُودٍ مُتَفَاوِتٍ) كَإِبِلٍ وَعَبِيدٍ وَبِطِّيخٍ وَكَذَا كُلُّ مَا فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ كَمَصُوغِ أَوَانٍ بَدَائِعَ وَلَوْ سَمَّى عَدَدَ الْغَنَمِ أَوْ الذَّرْعَ أَوْ جُمْلَةَ الثَّمَنِ صَحَّ اتِّفَاقًا، وَالضَّابِطُ لِكَلِمَةِ كُلٍّ أَنَّ الْأَفْرَادَ إنْ لَمْ تُعْلَمْ نِهَايَتُهَا فَإِنْ لَمْ تُؤَدِّ لِلْجَهَالَةِ فَلِلِاسْتِغْرَاقِ كَيَمِينٍ وَتَعْلِيقٍ وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ فِي الْمَجْلِسِ فَعَلَى الْوَاحِدِ اتِّفَاقًا كَإِجَارَةٍ وَكَفَالَةٍ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ: الْبَيْعُ بِالرَّقْمِ (قَوْلُهُ: وَنَظِيرُهُ الْبَيْعُ بِالرَّقْمِ) بِسُكُونِ الْقَافِ عَلَامَةٌ يُعْرَفُ بِهَا مِقْدَارُ مَا وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ مِنْ الثَّمَنِ، فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي يُنْظَرُ إنْ عَلِمَ فِي مَجْلِسِ الْبَيْعِ نَفَذَ، وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْعِلْمِ بَطَلَ دُرَرٌ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَتَعَقَّبَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِأَنَّ النَّافِذَ لَازِمٌ وَهَذَا فِيهِ الْخِيَارُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِقَدْرِ الثَّمَنِ فِي الْمَجْلِسِ، وَبِأَنَّ قَوْلَهُ: بَطَلَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّهُ فَاسِدٌ، يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ بِخِلَافِ الْبَاطِلِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ نَافِذٍ لَازِمًا فَقَدْ شَاعَ أَخْذُهَا النَّافِذَ مُقَابِلًا لِلْمَوْقُوفِ اهـ وَفِي الْفَتْحِ: أَنَّ الْبَيْعَ بِالرَّقْمِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَمَكَّنَتْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ جَهَالَةُ الثَّمَنِ. بِسَبَبِ الرَّقْمِ وَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْقِمَارِ لِلْخَطَرِ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ كَذَا وَكَذَا وَجَوَازُهُ فِيمَا إذَا عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ بِعَقْدٍ آخَرَ هُوَ التَّعَاطِي كَمَا قَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ. اهـ. وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَحْثِ الْبَيْعِ بِالتَّعَاطِي. (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَمَّى إلَخْ) أَيْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ: وَإِنْ عَلِمَ عَدَدَ الْغَنَمِ فِي الْمَجْلِسِ إلَخْ قَالَ: فِي الْبَحْرِ: قَيَّدَ بِعَدَمِ تَسْمِيَةِ ثَمَنِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَمَّى كَمَا إذَا قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَكُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ فِي الْكُلِّ اتِّفَاقًا كَمَا لَوْ سَمَّى جُمْلَةَ الذُّرْعَانِ أَوْ الْقَطِيعِ. اهـ. مَطْلَبٌ: الضَّابِطُ فِي كُلٍّ (قَوْلُهُ: وَالضَّابِطُ لِكَلِمَةِ كُلٍّ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا فُرُوعًا فِي كُلٍّ ظَاهِرُهَا التَّنَافِي، فَإِنَّهُمْ تَارَةً جَعَلُوهَا مُفِيدَةً لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَتَارَةً لِلْوَاحِدِ وَتَارَةً لَا تُفِيدُ شَيْئًا مِنْهُمَا فَاقْتَحَمَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي ذِكْرِ ضَابِطٍ يَحْصُرُ الْفُرُوعَ الْمَذْكُورَةَ بَعْدَ تَصْرِيحِهِمْ، بِأَنَّ لَفْظَ كُلٍّ لِاسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ مَا دَخَلَتْهُ مِنْ الْمُنَكَّرِ وَأَجْزَائِهِ فِي الْمُعَرَّفِ. قُلْتُ: وَلِذَا صَحَّ قَوْلُكَ: كُلُّ رُمَّانٍ مَأْكُولٌ بِخِلَافِ قَوْلِكَ: كُلُّ الرُّمَّانِ مَأْكُولٌ؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَجْزَائِهِ كَقِشْرِهِ غَيْرُ مَأْكُولٍ. (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ تُعْلَمْ نِهَايَتُهَا) أَمَّا إنْ عُلِمَتْ فَالْأَمْرُ فِيهَا وَاضِحٌ كَمَا إذَا قَالَ: كُلُّ زَوْجَةٍ لِي طَالِقٌ، وَلَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ مَثَلًا فَإِنَّ كُلًّا تَسْتَغْرِقُهَا اهـ. ح أَيْ بِلَا تَفْصِيلٍ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ تُؤَدِّ لِلْجَهَالَةِ) أَيْ الْمُفْضِيَةِ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَالْأَوْلَى قَوْلُ الْبَحْرِ: فَإِنْ لَمْ تُفْضِ الْجَهَالَةُ إلَى مُنَازَعَةٍ. (قَوْلُهُ: كَيَمِينٍ وَتَعْلِيقٍ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ كَمَسْأَلَةِ التَّعْلِيقِ وَالْأَمْرِ بِالدَّفْعِ عَنْهُ وَذَكَرَ قَبْلَهُ مَسْأَلَةَ التَّعْلِيقِ وَقَالَ: إنَّهَا لِلْكُلِّ اتِّفَاقًا كَمَا إذَا قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا، أَوْ كُلَّمَا اشْتَرَيْتُ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ ثَوْبًا فَهُوَ صَدَقَةٌ أَوْ كُلَّمَا رَكِبْتُ هَذِهِ الدَّابَّةَ أَوْ دَابَّةً، وَفَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ الْمُنَكَّرِ وَالْمُعَيَّنِ فِي الْكُلِّ وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ مِنْ التَّعْلِيقِ وَفِي الْخَانِيَّةِ كُلَّمَا أَكَلْتُ اللَّحْمَ، فَعَلَيَّ دِرْهَمٌ، فَعَلَيْهِ بِكُلِّ لُقْمَةٍ دِرْهَمٌ، وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْأَمْرِ بِالدَّفْعِ فِيمَا إذَا أَمَرَ رَجُلًا بِأَنْ يَدْفَعَ لِزَوْجَتِهِ نَفَقَةً فَقَالَ: ادْفَعْ عَنِّي كُلَّ شَهْرٍ كَذَا فَدَفَعَ الْمَأْمُورُ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ لَزِمَ الْآمِرَ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ أَدَّتْ لِلْجَهَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الْمُنَازَعَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ) أَيْ لَمْ يُمْكِنْ عِلْمُهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ، فَفِي عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ. (قَوْلُهُ: كَإِجَارَةٍ) صُورَتُهُ: آجَرْتُك دَارِي كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا صَحَّ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ، وَكُلُّ شَهْرٍ سَكَنَ أَوَّلَهُ لَزِمَهُ. (قَوْلُهُ: وَكَفَالَةٍ) صُورَتُهُ: إذَا ضَمِنَ لَهَا نَفَقَتَهَا كُلَّ شَهْرٍ أَوْ كُلَّ يَوْمٍ، لَزِمَهُ نَفَقَةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 541 وَإِقْرَارٍ وَإِلَّا فَإِنْ تَفَاوَتَتْ الْأَفْرَادُ كَالْغَنَمِ لَمْ يَصِحَّ فِي شَيْءٍ عِنْدَهُ وَالْأَصَحُّ فِي وَاحِدٍ عِنْدَهُ كَالصُّبْرَةِ وَصَحَّحَاهُ فِيهِمَا فِي الْكُلِّ بَحْرٌ. وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْعُيُونِ والشُّرُنبُلالِيَّة عَنْ الْبُرْهَانِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَبِقَوْلِهِمَا يُفْتَى تَيْسِيرًا (وَإِنْ بَاعَ صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ قَفِيزٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهِيَ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ أَخَذَ) الْمُشْتَرِي (الْأَقَلَّ بِحِصَّتِهِ) إنْ شَاءَ (أَوْ فَسَخَ) لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ وَكَذَا كُلُّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ   [رد المحتار] خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَإِقْرَارٍ) صُورَتُهُ: إذَا قَالَ: لَكَ عَلَيَّ كُلُّ دِرْهَمٍ، وَلَوْ زَادَ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَقِيَاسُ قَوْلِ الْإِمَامِ عَشَرَةٌ وَقَالَا ثَلَاثَةٌ بَحْرٌ. [تَنْبِيهٌ] زَادَ فِي الْبَحْرِ هُنَا قِسْمًا آخَرَ، وَعِبَارَتُهُ ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي آخِرِ غَصْبِ الْخَانِيَّةِ مِنْ مَسَائِلِ الْإِبْرَاءِ لَوْ قَالَ: كُلُّ غَرِيمٍ لِي فَهُوَ فِي حِلٍّ قَالَ: ابْنُ مُقَاتِلٍ لَا يَبْرَأُ غُرَمَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إيجَابُ الْحَقِّ لِلْغُرَمَاءِ وَإِيجَابُ الْحُقُوقِ لَا يَجُوزُ إلَّا لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، وَأَمَّا كَلِمَةُ كُلٍّ فِي بَابِ الْإِبَاحَةِ فَقَالَ: فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ لَوْ قَالَ: كُلُّ إنْسَانٍ تَنَاوَلَ مِنْ مَالِي فَهُوَ لَهُ حَلَالٌ قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ: لَا يَجُوزُ وَمَنْ تَنَاوَلَهُ ضَمِنَ، وَقَالَ: أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ: هُوَ جَائِزٌ نَظَرًا إلَى الْإِبَاحَةِ، وَالْإِبَاحَةُ لِلْمَجْهُولِ جَائِزَةٌ وَمُحَمَّدٌ جَعَلَهُ إبْرَاءً عَمَّا تَنَاوَلَهُ وَالْإِبْرَاءُ لِلْمَجْهُولِ بَاطِلٌ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي نَصْرٍ. اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: فِي الضَّابِطِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَهُوَ عَلَى الْوَاحِدِ اتِّفَاقًا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إيجَابُ حَقٍّ لِأَحَدٍ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَصِحَّ وَلَا فِي وَاحِدٍ كَمَسْأَلَةِ الْإِبْرَاءِ اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ عُلِمَتْ فِي الْمَجْلِسِ وَالْمُرَادُ أَمْكَنَ عِلْمُهَا فِيهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْغَنَمَ إنْ عُلِمَتْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ صَحَّ فِي الْكُلِّ وَأَنَّ الصُّبْرَةَ إنْ عُلِمَتْ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ فِي الْكُلِّ أَيْضًا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: كَالْغَنَمِ) أَدْخَلَتْ الْكَافُ كُلَّ مَعْدُومٍ مُتَفَاوِتٍ ط. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَتَفَاوَتْ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَاهُ فِيهِمَا فِي الْكُلِّ) أَيْ وَصَحَّحَ الصَّاحِبَانِ الْعَقْدَ فِي الثَّلَّةِ وَالصُّبْرَةِ فِي كُلِّ الْغَنَمِ وَكُلِّ الْأَقْفِزَةِ. اهـ. ح: أَيْ سَوَاءٌ عُلِمَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ لَا، وَالْأَوْلَى إرْجَاعُ ضَمِيرِ فِيهِمَا إلَى الْمِثْلِيِّ وَالْقِيَمِيِّ، لِيَشْمَلَ الْمَذْرُوعَ وَكُلَّ مَعْدُودٍ مُتَفَاوِتٍ، وَعِبَارَةُ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ هَكَذَا وَبَيْعُ صُبْرَةٍ مَجْهُولَةِ الْقَدْرِ كُلِّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَثَلَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ كُلِّ شَاةٍ أَوْ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ صَحِيحٌ فِي وَاحِدَةٍ فِي الْأُولَى، فَاسِدٌ فِي كُلِّ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، وَأَجَازَهُ فِي الْكُلِّ كَمَا لَوْ عَمَّ فِي الْمَجْلِسِ بِكَيْلٍ. أَقُولُ: وَبِهِ يُفْتَى. اهـ. وَعِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَهُ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَنَفَذَ فِي الْكُلِّ فِي الصُّورَتَيْنِ: أَيْ صُورَتَيْ الْمِثْلِيِّ وَالْقِيَمِيِّ بِلَا خِيَارٍ لِلْمُشْتَرِي إنْ رَآهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَاعَ صُبْرَةً إلَخْ) قِيلَ: هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ وَفِي صَاعٍ فِي بَيْعِ صُبْرَةٍ. قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ مُقَابِلُهُ قَوْلُهُ وَصَحَّ فِي الْكُلِّ إنْ سَمَّى جُمْلَةَ قُفْزَانِهَا وَمَا هُنَا بَيَانٌ لِذَلِكَ الْمُقَابِلِ وَتَفْصِيلٌ لَهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ قَفِيزٍ) قَيْدٌ بِكَوْنِهِ بَيْعَ مُكَايَلَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً مُجَازَفَةً فِي الْبَيْتِ، فَوَجَدَ تَحْتَهَا دُكَّانًا خُيِّرَ بَيْنَ أَخْذِهَا بِكُلِّ الثَّمَنِ وَتَرْكِهَا، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بِئْرًا مِنْ حِنْطَةٍ، عَلَى أَنَّهَا كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا، فَإِذَا هِيَ أَقَلُّ، وَإِذَا كَانَ طَعَامًا فِي حَبٍّ فَإِذَا نِصْفُهُ تِبْنٌ يَأْخُذُهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْحَبَّ وِعَاءٌ يُكَالُ فِيهِ فَصَارَ الْمَبِيعُ حِنْطَةً مُقَدَّرَةً وَالْبَيْتُ وَالْبِئْرُ لَا يُكَالُ بِهِمَا وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى مَشْرُوطًا بِلَفْظٍ أَوْ بِالْعَادَةِ، لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلْدَةٍ عَلَى سِعْرِ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ، وَشَاعَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَفَاوَتُ فَأَعْطَى رَجُلٌ ثَمَنًا وَاشْتَرَى وَأَعْطَاهُ أَقَلَّ مِنْ الْمُتَعَارَفِ إنْ مِنْ أَهْلِ الْبَلْدَةِ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فِيهِمَا مِنْ الثَّمَنِ، وَإِلَّا رَجَعَ فِي الْخُبْزِ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ مُتَعَارَفٌ، فَيَلْزَمُ الْكُلُّ لَا فِي اللَّحْمِ فَلَا يَعُمُّ. اهـ. بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: أَخَذَ الْأَقَلَّ بِحِصَّتِهِ أَوْ فَسَخَ) أَطْلَقَ فِي تَخْيِيرِهِ عِنْدَ النُّقْصَانِ فِي الْمِثْلِيِّ، وَذَكَرَ لَهُ الْبَحْرُ قَيْدَيْنِ: الْأَوَّلُ عَدَمُ قَبْضِهِ كُلَّ الْمَبِيعِ أَوْ بَعْضَهُ فَإِنْ قَبَضَ الْكُلَّ لَا يُخَيَّرُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، يَعْنِي بَلْ يَرْجِعُ فِي النُّقْصَانِ، وَالثَّانِي عَدَمُ كَوْنِهِ مُشَاهِدًا لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 542 لَيْسَ فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ. (وَمَا زَادَ لِلْبَائِعِ) لِوُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ (وَإِنْ بَاعَ الْمَذْرُوعَ مِثْلَهُ) عَلَى أَنَّهُ مِائَةُ ذِرَاعٍ مَثَلًا (أَخَذَ) الْمُشْتَرِي (الْأَقَلَّ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ تَرَكَ)   [رد المحتار] لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ اشْتَرَى سَوِيقًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ لَتَّهُ بِمَنٍّ مِنْ السَّمْنِ وَتَقَابَضَا وَالْمُشْتَرِي يَنْظُرُ إلَيْهِ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَتَّهُ بِنِصْفِ مَنٍّ جَازَ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُعْرَفُ بِالْعِيَانِ، فَإِذَا عَايَنَهُ انْتَفَى الْغَرَرُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى صَابُونًا عَلَى أَنَّهُ مُتَّخَذٌ مِنْ كَذَا جَرَّةً مِنْ الدُّهْنِ فَظَهَرَ أَنَّهُ مُتَّخَذٌ مِنْ أَقَلَّ، وَالْمُشْتَرِي يَنْظُرُ إلَى الصَّابُونِ وَقْتَ الشِّرَاءِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى قَمِيصًا عَلَى أَنَّهُ مُتَّخَذٌ مِنْ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ، وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ فَإِذَا هُوَ مِنْ تِسْعَةٍ جَازَ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي. اهـ. وَاعْتَرَضَ فِي النَّهْرِ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلتَّخْيِيرِ إنَّمَا هُوَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، وَهَذَا الْقَدْرُ ثَابِتٌ فِيمَا لَوْ وَجَدَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ نَاقِصًا إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ بِالْقَبْضِ صَارَ رَاضِيًا بِذَلِكَ فَتَدَبَّرْهُ اهـ. قُلْتُ: هَذَا ظَاهِرٌ إذَا عَلِمَ بِنَقْضِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا فَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ تَأَمَّلْ. وَاعْتَرَضَ فِي النَّهْرِ أَيْضًا الثَّانِيَ، بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَبِيعٍ يَنْقَسِمُ أَجْزَاءُ الثَّمَنِ فِيهِ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَيْسَ مِنْهُ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ السَّوِيقَ قِيَمِيٌّ لِمَا بَيْنَ السَّوِيقَيْنِ مِنْ التَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ بِسَبَبِ الْقَلْيِ، وَكَذَا الصَّابُونُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَأَمَّا الثَّوْبُ فَظَاهِرٌ وَعَلَى هَذَا، فَمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي نَقْصِ الْقِيَمِيِّ بَيْنَ أَخْذِهِ بِكُلِّ الثَّمَنِ، أَوْ تَرْكِهِ مُقَيَّدًا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُشَاهَدًا فَتَدَبَّرْهُ. اهـ. قُلْتُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا فِيمَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ النُّقْصَانِ فِيهِ بِمُجَرَّدِ الْمُشَاهَدَةِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا يَفْحُشُ نُقْصَانُهُ فَإِذَا شَاهَدَهُ يَكُونُ رَاضِيًا بِهِ، ثُمَّ إنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ، بِلَا خِيَارٍ، وَكَلَامُنَا فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْفَسْخِ وَأَخْذِ الْأَقَلِّ بِحِصَّتِهِ لَا بِكُلِّ الثَّمَنِ، فَلِذَا جَعَلَ فِي النَّهْرِ عَدَمَ الْمُشَاهَدَةِ قَيْدًا فِي الْقِيَمِيِّ، لَا فِي الْمِثْلِيِّ أَيْ أَنَّهُ فِي الْقِيَمِيِّ يَأْخُذُ الْأَقَلَّ بِكُلِّ الثَّمَنِ بِلَا خِيَارٍ إذَا كَانَ مُشَاهَدًا وَعَنْ هَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِحُ هُنَا بَلْ فِي الْقِيَمِيِّ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ) خَرَجَ مَا فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ بَاعَ لُؤْلُؤَةً عَلَى أَنَّهَا تَزِنُ مِثْقَالًا فَوَجَدَهَا أَكْثَرَ سَلِمَتْ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ فِيمَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ وَصْفٌ بِمَنْزِلَةِ الذُّرْعَانِ فِي الثَّوْبِ. اهـ. وَفِيهَا الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي فِي النُّقْصَانِ، وَإِنْ وَزَنَهُ لَهُ الْبَائِعُ مَا لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ الْمِقْدَارَ اهـ. نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَمَا زَادَ لِلْبَائِعِ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ، قَالَ: فِي النَّهْرِ وَقَيَّدَهُ الزَّاهِدِيُّ بِمَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلَيْنِ، أَوْ الْوَزْنَيْنِ أَمَّا مَا يَدْخُلُ، فَلَا يَجِبُ رَدُّهُ وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِهِ فَقِيلَ: نِصْفُ دِرْهَمٍ فِي مِائَةٍ وَقِيلَ: دَانِقٌ فِي مِائَةٍ لَا حُكْمَ لَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ دَانِقٌ فِي عَشَرَةٍ كَثِيرٌ وَقِيلَ: مَا دُونَ حَبَّةٍ عَفْوٌ فِي الدِّينَارِ، وَفِي الْقَفِيزِ الْمُعْتَادِ فِي زَمَانِنَا نِصْفُ مَنٍّ. اهـ. مَطْلَبٌ: الْمُعْتَبَرُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَإِنْ ظَنَّ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ (قَوْلُهُ: عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ) فَمَا زَادَ عَلَيْهِ لَا يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ بَحْرٌ وَمُفَادُهُ: أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ مِنْ الْعَدَدِ، وَإِنْ كَانَ ظَنُّ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ وَلِذَا قَالَ: فِي الْقُنْيَةِ: عَدَّ الْكَوَاغِدَ فَظَنَّهَا أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَأَخْبَرَ الْبَائِعُ بِهِ ثُمَّ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى عَيْنِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْعَدَدَ ثُمَّ زَادَتْ عَلَى مَا ظَنَّهُ فَهِيَ حَلَالٌ لِلْمُشْتَرِي. سَاوَمَهُ الْحِنْطَةَ كُلَّ قَفِيزٍ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ وَحَاسَبُوا فَبَلَغَ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ فَغَلِطُوا، وَحَاسَبُوا الْمُشْتَرِيَ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَبَاعُوهَا مِنْهُ بِالْخَمْسِمِائَةِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ فِيهَا غَلَطًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا خَمْسُمِائَةٍ. أَفْرَزَ الْقَصَّابُ أَرْبَعَ شِيَاهٍ فَقَالَ: بَائِعُهَا هِيَ بِخَمْسَةٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِدِينَارٍ وَرُبُعٍ، فَجَاءَ الْقَصَّابُ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ فَقَالَ: هَلْ بِعْتَ هَذِهِ بِهَذَا الْقَدْرِ وَالْبَائِعُ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا خَمْسَةٌ صَحَّ الْبَيْعُ قَالَ: وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مَا سَبَقَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِدِينَارٍ وَرُبُعٍ. اهـ. وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَاعَ الْمَذْرُوعَ) كَثَوْبٍ وَأَرْضِ دُرٌّ مُنْتَقًى. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ مِائَةُ ذِرَاعٍ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 543 إلَّا إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ أَوْ شَاهَدَهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ نَهْرٌ. (وَ) أَخَذَ (الْأَكْثَرَ بِلَا خِيَارٍ لِلْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ لِتَعَيُّبِهِ بِالتَّبْعِيضِ ضِدُّ الْقَدْرِ وَالْوَصْفُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا إذَا كَانَ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ : (وَإِنْ قَالَ) فِي بَيْعِ الْمَذْرُوعِ (كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَخَذَ الْأَقَلَّ بِحِصَّتِهِ) لِصَيْرُورَتِهِ أَصْلًا بِإِفْرَادِهِ بِذِكْرِ الثَّمَنِ (أَوْ تَرَكَ) لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. (وَكَذَا) أَخَذَ (الْأَكْثَرَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ فَسَخَ) لِدَفْعِ ضَرَرِ الْتِزَامٍ لِلزَّائِدِ (وَقَدْ بِيعَ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ   [رد المحتار] بَيَانٌ لِلْمِثْلِيَّةِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لِتَتِمَّ الْمُمَاثَلَةُ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ أَوْ شَاهَدَهُ إلَخْ) قَدَّمْنَا قَرِيبًا أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْمِثْلِيِّ كَالصُّبْرَةِ إذَا ظَهَرَ الْمَبِيعُ نَاقِصًا وَأَنَّهُ فِي النَّهْرِ بَحَثَ فِي الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَبْلَ قَبْضٍ أَوْ بَعْدَهُ، وَفِي الثَّانِي بِأَنَّهُ مُسَلَّمٌ فِي نَقْصِ الْقِيَمِيِّ دُونَ الْمِثْلِيِّ فَلِذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ ذَلِكَ فِي الْمَذْرُوعِ؛ لِأَنَّهُ قِيَمِيٌّ، وَتَرَكَ ذِكْرَهُ فِي الْمِثْلِيِّ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ مَا بَحَثَهُ فِي النَّهْرِ فِي الْأَوَّلِ، وَهُوَ اعْتِبَارُ الْقَبْضِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ، وَأَنَّ سُقُوطَ الْخِيَارِ بِالْمُشَاهَدَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيمَا يُدْرَكُ نُقْصَانُهُ بِالْمُشَاهَدَةِ. (قَوْلُهُ: وَأَخَذَ الْأَكْثَرَ) أَيْ قَضَاءً وَهَلْ تَحِلُّ لَهُ الزِّيَادَةُ دِيَانَةً فِيهِ خِلَافٌ نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ. قُلْتُ: وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ اخْتِيَارُ الْحِلِّ وَفِي الْبَحْرِ، عَنْ الْعُمْدَةِ لَوْ اشْتَرَى حَطَبًا عَلَى أَنَّهُ عِشْرُونَ وِقْرًا فَوَجَدَهُ ثَلَاثِينَ طَابَتْ لَهُ الزِّيَادَةُ كَمَا فِي الذُّرْعَانِ قَالَ: فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ مُشْكِلٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ الْقَدْرِ؛ لِأَنَّ الْحَطَبَ لَا يَتَعَيَّبُ بِالتَّبْعِيضِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ خُصُوصًا إنْ كَانَ مِنْ الطَّرْفَاءِ الَّتِي تُعُورِفَ وَزْنُهَا بِالْقَاهِرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ إلَخْ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَدْرِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ مِنْ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ، وَبَيْنَ الذَّرْعِ فِي الْقِيَمِيَّاتِ حَيْثُ جَعَلَ الْقَدْرَ أَصْلًا وَالذَّرْعَ وَصْفًا وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ أَحْكَامًا مِنْهَا مَا ذَكَرُوهُ هُنَا مِنْ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الصُّبْرَةِ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ قَفِيزٍ بِمِائَةٍ، وَبَيْعُ الْمَذْرُوعِ كَذَلِكَ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ الْفَرْقِ، عَلَى أَقْوَالٍ: مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا وَكَذَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى حَيْثُ قَالَ: قُلْتُ: وَإِنَّمَا كَانَ الذَّرْعُ وَصْفًا دُونَ الْمِقْدَارِ؛ لِأَنَّ التَّشْقِيصَ يَضُرُّ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي، وَقَالُوا مَا تَعَيَّبَ بِالتَّشْقِيصِ وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَصْفٌ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ أَصْلٌ، وَكُلُّ مَا هُوَ وَصْفٌ فِي الْمَبِيعِ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ) أَيْ تَنَاوُلِ الْمَبِيعِ لَهُ كَأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ ذِرَاعٍ مَبِيعًا ط. (قَوْلُهُ: لِصَيْرُورَتِهِ) أَيْ الذَّرْعِ أَصْلًا أَيْ مَقْصُودًا كَالْقَدْرِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ. (قَوْلُهُ: بِإِفْرَادِهِ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ. (قَوْلُهُ: كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ) بِنَصْبِ " كُلَّ " حَالٌ مِنْ الْأَكْثَرِ لِتَأَوُّلِهِ بِالْمُشْتَقِّ أَيْ مَذْرُوعًا كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ فَسَخَ) حَاصِلُهُ: أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فِي الْوَجْهَيْنِ أَمَّا فِي النُّقْصَانِ فَلِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ، وَأَمَّا فِي الزِّيَادَةِ فَلِدَفْعِ ضَرَرِ الْتِزَامِ الزَّائِدِ مِنْ الثَّمَنِ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقِيلَ: الْخِيَارُ فِيمَا تَتَفَاوَتُ جَوَانِبُهُ كَالْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ، وَأَمَّا فِيمَا لَا تَتَفَاوَتُ كَالْكِرْبَاسِ فَلَا يَأْخُذُ الزَّائِدَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَكِيلِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى ط. وَقَدَّمْنَا وَجْهَ كَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْمَكِيلِ، وَأَنَّهُ جَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ وَيَأْتِي أَيْضًا وَكَذَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ أَوْ النُّقْصَانُ بِنِصْفِ ذِرَاعٍ، فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، وَفِيهِ خِلَافٌ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ: فِي الدُّرَرِ إنَّمَا قَالَ: فِي الْأُولَى: أَوْ تَرَكَ وَقَالَ: هَهُنَا: أَوْ فَسَخَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا كَانَ نَاقِصًا فِي الْأُولَى، لَمْ يُوجَدْ الْمَبِيعُ فَلَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ حَقِيقَةً وَكَانَ أَخْذُ الْأَقَلِّ كَالْبَيْعِ بِالتَّعَاطِي، وَفِي الثَّانِيَةِ وُجِدَ الْمَبِيعُ مَعَ زِيَادَةٍ هِيَ تَابِعَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَتَدَبَّرْ. اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ) قَيَّدَ بِهِ - وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا عِنْدَهُ - بَيْنَ جُمْلَةِ ذُرْعَانِهَا، أَوْ لَا لِدَفْعِ قَوْلِ الْخَصَّافِ: إنَّ مَحَلَّ الْفَسَادِ عِنْدَهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ جُمْلَتَهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلِيَصِحَّ قَوْلُهُ: لَا أَسْهُمَ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُبَيِّنْ جُمْلَةَ السِّهَامِ كَانَ فَاسِدًا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْفَسَادُ، فِيمَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ جُمْلَةَ الذُّرْعَانِ مَفْهُومًا أَوْلَوِيًّا أَفَادَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 544 مِنْ دَارٍ) أَوْ حَمَّامٍ وَصَحَّحَاهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ جُمْلَتَهَا عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ إزَالَتَهَا بِيَدِهِمَا (لَا) يُفْسِدُ بَيْعَ عَشَرَةِ (أَسْهُمٍ) مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ اتِّفَاقًا لِشُيُوعِ السَّهْمِ لَا الذِّرَاعِ، بَقِيَ لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى تَعْيِينِ الْأَذْرُعِ فِي مَكَان لَمْ أَرَهُ، وَيَنْبَغِي انْقِلَابُهُ صَحِيحًا لَوْ فِي الْمَجْلِسِ وَلَوْ بَعْدَهُ فَبِيعَ بِالتَّعَاطِي نَهْرٌ (اشْتَرَى عَدَدًا مِنْ قِيَمِيٍّ) ثِيَابًا أَوْ غَنَمًا جَوْهَرَةٌ (عَلَى أَنَّهُ كَذَا فَنَقَصَ أَوْ زَادَ فَسَدَ) لِلْجَهَالَةِ وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا نَخْلًا مُثْمِرًا فَإِذَا وَاحِدَةٌ فِيهَا لَا تُثْمِرُ فَسَدَ بَحْرٌ. (كَمَا لَوْ بَاعَ عِدْلًا) مِنْ الثِّيَابِ (أَوْ غَنَمًا وَاسْتَثْنَى وَاحِدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ) فَسَدَ (وَلَوْ بِعَيْنِهِ جَازَ) الْبَيْعُ خَانِيَّةٌ (وَلَوْ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلٍّ مِنْ الْقِيَمِيِّ) بِأَنْ قَالَ كُلُّ ثَوْبٍ مِنْهُ بِكَذَا   [رد المحتار] فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: مِنْ دَارٍ أَوْ حَمَّامٍ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُهَا ح. (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَاهُ إلَخْ) ذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ، وَالْإِمَامِ الْعَتَّابِيِّ أَنَّ قَوْلَهُمَا، بِجَوَازِ الْبَيْعِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ مِائَةَ ذِرَاعٍ، وَيُفْهَمُ هَذَا مِنْ تَعْلِيلِهَا أَيْضًا حَيْثُ قَالَا: لِأَنَّ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ عُشْرُ الدَّارِ فَأَشْبَهَ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ، وَلَهُ أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الدَّارِ لَا عَلَى شَائِعٍ؛ لِأَنَّ الذِّرَاعَ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِخَشَبَةٍ يُذْرَعُ بِهَا، وَاسْتُعِيرَ هَهُنَا لِمَا يُحِلُّهُ وَهُوَ مُعَيَّنٌ لَا مُشَاعٌ؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُذْرَعَ، فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ مَا يُحِلُّهُ، وَهُوَ مُعَيَّنٌ لَكِنَّهُ مَجْهُولُ الْمَوْضِعِ بَطَلَ الْعَقْدُ دُرَرٌ. قُلْتُ: وَوَجْهُ كَوْنِ الْمَوْضِعِ مَجْهُولًا أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ مِنْ مُقَدَّمِ الدَّارِ، أَوْ مِنْ مُؤَخَّرِهَا، وَجَوَانِبُهَا تَتَفَاوَتُ قِيمَةً فَكَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَجْهُولًا جَهَالَةً مُفْضِيَةً إلَى النِّزَاعِ، فَيَفْسُدُ كَبَيْعِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الدَّارِ كَذَا فِي الْكَافِي عَزْمِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ إلَخْ) حَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا سَمَّى جُمْلَةَ الذُّرْعَانِ صَحَّ، وَإِلَّا فَقِيلَ: لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا لِلْجَهَالَةِ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهَا جَهَالَةٌ بِيَدِهِمَا أَيْ الْمُتَبَايِعَيْنِ إزَالَتُهَا بِأَنْ تُقَاسَ كُلُّهَا فَيُعْلَمَ نِسْبَةُ الْعَشَرَةِ مِنْهَا فَيُعْلَمَ الْمَبِيعُ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لِشُيُوعِ السَّهْمِ) ؛ لِأَنَّ السَّهْمَ اسْمٌ لِلْجُزْءِ الشَّائِعِ، فَكَانَ الْمَبِيعُ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ شَائِعَةٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَيْ فَهُوَ كَبَيْعِ عَشَرَةِ قَرَارِيطَ مَثَلًا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، فَإِنَّهُ شَائِعٌ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الدَّارِ بِخِلَافِ الذِّرَاعِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ فَبَيْعٌ بِالتَّعَاطِي) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي صِحَّتِهِ مُتَارَكَةُ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: اشْتَرَى عَدَدًا) أَيْ مَعْدُودًا وَقَوْلُهُ: مِنْ قِيَمِيٍّ بَيَانٌ لَهُ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمِثْلِيِّ كَالصُّبْرَةِ وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهَا وَبِالْعَدَدِيِّ عَنْ الْمَذْرُوعِ وَمَرَّ حُكْمُهُ أَيْضًا فَمَا قِيلَ: إنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ اشْتَرَى قِيَمِيًّا عَلَى أَنَّهُ كَذَا؛ لِأَنَّ كَذَا عِبَارَةٌ عَنْ الْعَدَدِ مَدْفُوعٌ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ كَذَا) بِأَنْ قَالَ: بِعْتُكَ مَا فِي هَذَا الْعِدْلِ، عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَثْوَابٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَهْرٌ، وَفُسِّرَ الشِّرَاءُ فِي كَلَامِ الْكَنْزِ بِالْبَيْعِ فَلِذَا صَوَّرَهُ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ. (قَوْلُهُ: لِلْجَهَالَةِ) أَيْ جَهَالَةِ الثَّمَنِ فِي النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا تُقْسَمُ أَجْزَاؤُهُ، عَلَى أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ الْقِيَمِيِّ، فَلَمْ يُعْلَمُ لِلثَّوْبِ النَّاقِصِ حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى، لِيَنْقُصَ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْهُ فَكَانَ النَّاقِصُ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرًا مَجْهُولًا، فَيَصِيرُ الثَّمَنُ مَجْهُولًا وَجَهَالَةُ الْمَبِيعِ فِي فَصْلِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى رَدِّ الزَّائِدِ فَيَتَنَازَعَانِ فِي الْمَرْدُودِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: مُثْمِرًا) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ أَرْضًا عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا نَخْلَةً، فَوَجَدَهَا الْمُشْتَرِي نَاقِصَةً جَازَ الْبَيْعُ، وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ تَبَعًا، وَلَا يَكُونُ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ دَارًا عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا كَذَا بَيْتًا فَوَجَدَهَا نَاقِصَةً جَازَ الْبَيْعُ، وَيُخَيَّرُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: فَسَدَ) ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ، فَإِذَا كَانَتْ الْوَاحِدَةُ غَيْرَ مُثْمِرَةٍ لَمْ يَدْخُلْ الْمَعْدُومُ فِي الْبَيْعِ فَصَارَتْ حِصَّةُ الْبَاقِي مَجْهُولَةً فَيَكُونُ هَذَا ابْتِدَاءَ عَقْدٍ فِي الْبَاقِي بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ، فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ بَاعَ) تَنْظِيرٌ لَا تَمْثِيلٌ، وَقَوْلُهُ: عِدْلًا بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْمُغْرِبِ: عِدْلُ الشَّيْءِ مِثْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ وَفِي الْمِقْدَارِ أَيْضًا وَمِنْهُ عِدْلَا الْحِمْلِ. اهـ. فَعِدْلُ الْحِمْلِ مَا يُسَاوِي الْعِدْلَ الْآخَرَ فِي مِقْدَارِهِ وَهَذَا شَامِلٌ لِلْوِعَاءِ وَمَا فِيهِ مِنْ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الثِّيَابُ. (قَوْلُهُ: فَسَدَ) ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّنَازُعِ فِي الْمُسْتَثْنَى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُعَيَّنًا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَيَّنَ إلَخْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 545 وَنَقَصَ) ثَوْبٌ (صَحَّ) الْبَيْعُ (بِقَدْرِهِ) لِعَدَمِ الْجَهَالَةِ (وَخُيِّرَ) لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ. (وَإِنْ زَادَ) ثَوْبٌ (فَسَدَ) لِجَهَالَةِ الْمَزِيدِ وَلَوْ رَدَّ الزَّائِدُ أَوْ عَزَلَهُ هَلْ يَحِلُّ لَهُ الْبَاقِي خِلَافٌ. (اشْتَرَى ثَوْبًا) تَتَفَاوَتُ جَوَانِبُهُ فَلَوْ لَمْ تَتَفَاوَتْ كَكِرْبَاسٍ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الزِّيَادَةُ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ الْقَطْعُ وَجَازَ بَيْعُ ذِرَاعٍ مِنْهُ نَهْرٌ (عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَخَذَهُ بِعَشَرَةٍ فِي عَشَرَةٍ وَ) زِيَادَةِ (نِصْفٍ بِلَا خِيَارٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ (وَ) أَخْذُهُ (بِتِسْعَةٍ فِي تِسْعَةٍ وَنِصْفٍ بِخِيَارٍ) لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَأْخُذُهُ فِي الْأَوَّلِ بِعَشَرَةٍ وَنِصْفٍ بِالْخِيَارِ وَفِي الثَّانِي بِتِسْعَةٍ وَنِصْفٍ بِهِ   [رد المحتار] رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ اشْتَرَى عَدَدًا مِنْ قِيَمِيٍّ. (قَوْلُهُ: وَنَقَصَ ثَوْبٌ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: ثَوْبًا كَمَا قَالَ: فِي طَرَفِ الزِّيَادَةِ، فَيَكُونُ فِي " نَقَصَ " ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الْقِيَمِيِّ، وَثَوْبًا تَمْيِيزٌ وَعَلَى جَعْلِهِ فَاعِلُ نَقَصَ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ ضَمِيرٍ مَجْرُورٍ بِمِنْ يَعُودُ عَلَى الْقِيَمِيِّ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: بِقَدْرِهِ) أَيْ بِمَا سِوَى قَدْرِ النَّاقِصِ فَتْحٌ وَنَهْرٌ. وَالْأَوْلَى بِقَدْرِ مَا سِوَى النَّاقِصِ أَوْ بِقَدْرِ الْمَوْجُودِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ أَوْ بِقَدْرِ الْقِيَمِيِّ الْمَذْكُورِ الَّذِي نَقَصَ ثَوْبًا، وَهَذَا أَقْرَبُ بِنَاءً عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْأَوْلَى نَصْبُ " ثَوْبًا " فَيَتَّحِدُ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ فِي نَقَصَ وَفِي بِقَدْرِهِ. (قَوْلُهُ: لِجَهَالَةِ الْمَزِيدِ) فَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي تَعْيِينِ الْعَشَرَةِ الْمَبِيعَةِ مِنْ الْأَحَدَ عَشَرَ كَمَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ رَدَّ الزَّائِدَ) أَيْ إلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ حَاضِرًا، وَقَوْلُهُ: أَوْ عَزَلَهُ أَيْ أَفْرَزَهُ وَأَبْقَاهُ عِنْدَهُ إنْ كَانَ الْبَائِعُ غَائِبًا. (قَوْلُهُ: خِلَافٌ) مَذْكُورٌ فِي الشَّرْحِ وَالنَّهْرِ، لَمْ يَذْكُرْ فِي النَّهْرِ خِلَافًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ وَعِبَارَتُهُ: قُلْتُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اشْتَرَى عِدْلًا عَلَى أَنَّهُ كَذَا فَوَجَدَهُ أَزْيَدَ وَالْبَائِعُ غَائِبٌ يَعْزِلُ الزَّائِدَ، وَيَسْتَعْمِلُ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ. اهـ. وَكَأَنَّهُ اسْتِحْسَانٌ، وَإِلَّا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ يَعْزِلَ ثَوْبًا مِنْ ذَلِكَ، وَيَسْتَعْمِلَ الْبَقِيَّةَ، وَفِيهَا قَبْلَهُ اشْتَرَى شَيْئًا فَوَجَدَهُ أَزْيَدَ يَدْفَعُ الزِّيَادَةَ إلَى الْبَائِعِ، وَالْبَاقِي حَلَالٌ لَهُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ، وَفِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ لَا يَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَشْتَرِيَ مِنْهُ الْبَاقِيَ إلَّا إذَا كَانَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ مِمَّا لَا تُجْرَى فِيهَا الضِّنَّةُ فَحِينَئِذٍ يُعْذَرُ. اهـ. وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحِلِّ عِنْدَ غَيْبَةِ الْبَائِعِ بِالْأَوْلَى فَهُوَ مُعَارِضٌ لِمَا تَقَدَّمَ. اهـ. مَا فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْبَحْرِ، وَيُمْكِنُ دَفْعُ الْمُعَارَضَةِ بِحَمْلِ الثَّانِي عَلَى الْقِيَاسِ، فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ أَنَّهُ اسْتِحْسَانٌ وَيَظْهَرُ مِنْهُ تَرْجِيحُ مَا مَرَّ، لَكِنْ ذَكَرُوا الِاسْتِحْسَانَ فِي صُورَةِ غَيْبَةِ الْبَائِعِ قَالَ: فِي الْخَانِيَّةِ: فَإِنْ غَابَ الْبَائِعُ قَالُوا يَعْزِلُ الْمُشْتَرِي مِنْ ذَلِكَ ثَوْبًا، وَيَسْتَعْمِلُ الْبَاقِيَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ أَخَذَ بِهِ مُحَمَّدٌ نَظَرًا لِلْمُشْتَرِي. اهـ. أَيْ لِأَنَّهُ عِنْدَ غَيْبَةِ الْبَائِعِ يَلْزَمُ الضَّرَرُ عَلَى الْمُشْتَرِي، بِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ إلَى حُضُورِ الْبَائِعِ، وَرُبَّمَا لَا يَحْضُرُ أَوْ تَطُولُ غَيْبَتُهُ فَلِذَا اسْتَحْسَنَ مُحَمَّدٌ عَزْلَ ثَوْبٍ، وَاسْتِعْمَالَ الْبَاقِي نَظَرًا لِلْمُشْتَرِي، وَهَذَا لَا يَجْرِي فِي صُورَةِ حَضْرَةِ الْبَائِعِ لِإِمْكَانِ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ، مَعَهُ فَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ عَلَى الْقِيَاسِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ، وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ إجْرَاءِ الْخِلَافِ فِي الصُّورَتَيْنِ غَيْرُ مُحَرَّرٍ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَجَازَ بَيْعُ ذِرَاعٍ مِنْهُ نَهْرٌ) عِبَارَةُ النَّهْرِ قَيَّدْنَا بِتَفَاوُتِ جَوَانِبِهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَتَفَاوَتْ كَالْكِرْبَاسِ لَا تَسْلَمُ لَهُ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْزُونِ، حَيْثُ لَا يَضُرُّهُ النُّقْصَانُ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا يَجُوزُ بَيْعُ ذِرَاعٍ مِنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ: فِي عَشَرَةٍ وَزِيَادَةِ نِصْفٍ) أَيْ فِيمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ عَشَرَةٌ وَنِصْفٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَنْفَعُ) كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ مَعِيبًا فَوَجَدَهُ سَالِمًا نَهْرٌ أَيْ حَيْثُ لَا خِيَارَ لَهُ. (قَوْلُهُ: فِي تِسْعَةٍ وَنِصْفٍ) أَيْ فِي نُقْصَانِهِ نِصْفًا عَنْ الْعَشَرَةِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ: مُحَمَّدٌ إلَخْ) يُوجَدُ قَبْلَ هَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ: يَأْخُذُهُ فِي الْأُولَى بِأَحَدَ عَشَرَ بِالْخِيَارِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِعَشَرَةٍ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الثَّانِي بِتِسْعَةٍ وَنِصْفٍ بِهِ) لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ مُقَابَلَةِ الذِّرَاعِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 546 وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ بَحْرٌ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. قُلْتُ: لَكِنْ صَحَّحَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلَ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ فَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. فَصْلٌ فِيمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا وَمَا لَا يَدْخُلُ. الْأَصْلُ أَنَّ مَسَائِلَ هَذَا الْفَصْلِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا مَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: (كُلُّ مَا كَانَ فِي الدَّارِ مِنْ الْبِنَاءِ) الْمَعْنَى كُلُّ مَا هُوَ مُتَنَاوِلٌ اسْمَ الْمَبِيعِ عُرْفًا يَدْخُلُ بِلَا ذِكْرٍ وَذَكَرَ الثَّانِيَةَ بِقَوْلِهِ: (أَوْ مُتَّصِلًا بِهِ تَبَعًا لَهَا دَخَلَ فِي بَيْعِهَا) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْبَيْعِ اتِّصَالَ قَرَارٍ وَهُوَ مَا وُضِعَ لَا لَأَنْ يَفْصِلَهُ الْبَشَرُ دَخَلَ تَبَعًا   [رد المحتار] بِالدِّرْهَمِ مُقَابَلَةَ نِصْفِهِ بِنِصْفِهِ فَيُجْرَى عَلَيْهِ حُكْمُهُمَا دُرَرٌ وَقَوْلُهُ بِهِ أَيْ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّ فِي الزِّيَادَةِ نَفْعًا يَشُوبُهُ ضَرَرٌ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ عَلَيْهِ وَفِي النُّقْصَانِ فَوَاتَ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ قَالَ: الْأَتْقَانِيُّ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَبِهِ نَأْخُذُ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ صَحَّحَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَغَيْرُهُ إلَخْ) وَفِي الْفَتْحِ عَنْ الذَّخِيرَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَصَحُّ. اهـ. وَفِي تَصْحِيحِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ عَنْ الْكُبْرَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ. (قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ تَصْحِيحِهِ، وَمَشَى الْمُتُونُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ لِقَوْلَيْنِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا قَوْلَ الْإِمَامِ أَوْ فِي الْمُتُونِ أُخِذَ بِمَا هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ، وَبِمَا فِي الْمُتُونِ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ وَهُنَا اجْتَمَعَ الْأَمْرَانِ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِيمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا وَمَا لَا يَدْخُلُ] فَصْلٌ فِيمَا يَدْخُلُ فِي الْمَبِيعِ تَبَعًا وَمَا لَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْمَبِيعِ، وَمَسَائِلَ أُخَرَ (قَوْلُهُ: الْأَصْلُ إلَخْ) فِي الْمِصْبَاحِ أَصْلُ الشَّيْءِ: أَسْفَلُهُ وَأَسَاسُ الْحَائِطِ: أَصْلُهُ حَتَّى قِيلَ: أَصْلُ كُلِّ شَيْءٍ مَا يَسْتَنِدُ وُجُودُ ذَلِكَ الشَّيْءِ إلَيْهِ. اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا الْقَاعِدَةُ فِي الِاصْطِلَاحِ بِمَعْنَى الضَّابِطِ، وَهُوَ الْأَمْرُ الْكُلِّيُّ الْمُنْطَبِقُ عَلَى جَمِيعِ جُزْئِيَّاتِهِ. اهـ. فَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّ الْأَصْلَ الَّذِي يَسْتَنِدُ إلَيْهِ مَعْرِفَةُ هَذَا الْفَصْلِ، هُوَ أَنَّ مَسَائِلَهُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا تَرْكِيبٌ صَحِيحٌ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: عَلَى قَاعِدَتَيْنِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَى ثَلَاثِ قَوَاعِدَ كَمَا فَعَلَ فِي الدُّرَرِ وَقَالَ: وَالثَّالِثُ أَنَّ مَا لَا يَكُونُ مِنْ الْقِسْمَيْنِ إنْ كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْمَبِيعِ، وَمَرَافِقِهِ يَدْخُلُ فِي الْمَبِيعِ بِذِكْرِهَا وَإِلَّا فَلَا. اهـ. وَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْقِسْمَيْنِ إلَخْ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: يَعْنِي كُلَّ مَا هُوَ مُتَنَاوِلٌ اسْمَ الْمَبِيعِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْبِنَاءَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِثَالٌ لَا قَيْدٌ وَكَذَا الدَّارُ ط. (قَوْلُهُ: اتِّصَالَ قَرَارٍ إلَخْ) فَيَدْخُلُ الْحِجَارَةُ الْمَخْلُوقَةُ وَالْمُثَبَّتَةُ فِي الْأَرْضِ وَالدَّارِ لَا الْمَدْفُونَةُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ: لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا بِحُقُوقِهَا وَانْهَدَمَ حَائِطٌ مِنْهَا، فَإِذَا فِيهِ رَصَاصٌ أَوْ سَاجٌ أَوْ خَشَبٌ إنْ مِنْ جُمْلَةِ الْبِنَاءِ كَاَلَّذِي يَكُونُ تَحْتَ الْحَائِطِ يَدْخُلُ، وَإِنْ شَيْئًا مُودَعًا فِيهِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: لَيْسَ لِي فَحُكْمُهُ حُكْمُ اللُّقَطَةِ، فَقَوْلُهُمْ شَيْئًا مُودَعًا يَدْخُلُ فِيهِ الْأَحْجَارُ الْمَدْفُونَةُ، وَيَقَعُ كَثِيرًا فِي بِلَادِنَا أَنَّهُ يَشْتَرِي الْأَرْضَ أَوْ الدَّارَ، فَيَرَى الْمُشْتَرِي فِيهَا بَعْدَ حَفْرِهَا أَحْجَارَ الْمَرْمَرِ وَالْكَذَّانِ، وَالْبَلَاطِ وَالْحُكْمُ فِيهِ إنْ كَانَ مَبْنِيًّا، فَلِلْمُشْتَرِي وَإِنْ مَوْضُوعًا لَا عَلَى وَجْهِ الْبِنَاءِ فَلِلْبَائِعِ وَهِيَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فَاغْتَنِمْ ذَلِكَ. بَقِيَ لَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهَا كَانَتْ مَدْفُونَةً، فَلَمْ تَدْخُلْ وَالْمُشْتَرِي أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ فَقَدْ يُقَالُ يَتَحَالَفَانِ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ وَقَدْ يُقَالُ: يُصَدَّقُ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي تَابِعٍ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَالتَّحَالُفُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، فِيمَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ خُرُوجَهُ عَنْ مِلْكِهِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مِلْكِهِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ حَاشِيَةِ الْمِنَحِ لِلْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا وُضِعَ لَا لَأَنْ يَفْصِلَهُ الْبَشَرُ إلَخْ) فَيَدْخُلُ الشَّجَرُ كَمَا يَأْتِي لِاتِّصَالِهَا بِهَا اتِّصَالَ قَرَارٍ إلَّا الْيَابِسَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى شَرَفِ الْقَلْعِ كَمَا يَأْتِي وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ لَأَنْ يُفْصَلَ فَأَشْبَهَ مَتَاعًا فِيهَا كَمَا فِي الدُّرَرِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ الْمِفْتَاحُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْغَلْقِ الْمُتَّصِلِ فَهُوَ كَالْجُزْءِ مِنْهُ إذْ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِهِ بِخِلَافِ مِفْتَاحِ الْقُفْلِ كَمَا يَأْتِي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 547 وَمَا لَا فَلَا وَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْقِسْمَيْنِ فَإِنْ مِنْ حُقُوقِهِ وَمَرَافِقِهِ دَخَلَ بِذِكْرِهَا، وَإِلَّا لَا، (فَيَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالْمَفَاتِيحُ) الْمُتَّصِلَةُ أَغِلَاقهَا كَضَبَّةٍ وَكِيلُونٍ وَلَوْ مِنْ فِضَّةٍ لَا الْقُفْلُ لِعَدَمِ اتِّصَالِهِ (وَالسُّلَّمُ الْمُتَّصِلُ وَالسَّرِيرُ   [رد المحتار] وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ بَعْضُ الْمَنْقُولِ الْمُنْفَصِلِ إذَا كَانَ تَبَعًا لِلْمَبِيعِ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِهِ فَيَصِيرُ كَالْجُزْءِ كَوَلَدِ الْبَقَرَةِ الرَّضِيعِ بِخِلَافِ وَلَدِ الْأَتَانِ، وَقَدْ يَدْخُلُ عُرْفًا كَقِلَادَةِ الْحِمَارِ وَثِيَابِ الْعَبْدِ. (قَوْلُهُ: وَمَا لَا فَلَا) تَبِعَ فِيهِ الدُّرَرَ وَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُهُ لِيَصِحَّ التَّفْصِيلُ فِي قَوْلِهِ: وَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْقِسْمَيْنِ إلَخْ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ مِنْ حُقُوقِهِ وَمَرَافِقِهِ) الْمَرَافِقُ هِيَ الْحُقُوقُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَهُوَ عَطْفُ مُرَادِفٍ وَالْحَقُّ مَا هُوَ تَبَعٌ لِلْمَبِيعِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَلَا يُقْصَدُ إلَّا لِأَجْلِهِ كَالطَّرِيقِ وَالشِّرْبِ لِلْأَرْضِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْحُقُوقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -. (قَوْلُهُ: دَخَلَ بِذِكْرِهَا) أَيْ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حُقُوقِهِ وَمَرَافِقِهِ لَا يَدْخُلُ وَإِنْ ذَكَرَهَا فَلَا يَدْخُلُ الثَّمَرُ بِشِرَاءِ شَجَرٍ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ اتِّصَالُهُ خِلْقِيًّا فَهُوَ لِلْقَطْعِ لَا لِلْبَقَاءِ فَصَارَ كَالزَّرْعِ إلَّا إذَا قَالَ: بِكُلِّ مَا فِيهَا أَوْ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ الْمَبِيعِ كَمَا فِي الدُّرَرِ. (قَوْلُهُ: فَيَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالْمَفَاتِيحُ إلَخْ) وَكَذَا الْعُلُوُّ وَالْكَنِيفُ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَقَوْلُهُ الْآتِي فِي بَيْعِ دَارٍ مُتَعَلِّقٌ بِ يَدْخُلُ: أَيْ إذَا بَاعَهَا بِحُدُودِهَا يَدْخُلُ مَا ذُكِرَ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِكُلِّ حَقٍّ لَهَا أَوْ بِمَرَافِقِهَا كَمَا فِي الدُّرَرِ، قَالَ: لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِمَا يُدَارُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ، وَالْعُلُوُّ مِنْهَا وَكَذَا الْبِنَاءُ، ثُمَّ قَالَ: لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا الظُّلَّةُ وَالطَّرِيقُ وَالشِّرْبُ وَالْمَسِيلُ إلَّا بِهِ أَيْ بِكُلِّ حَقٍّ لَهَا وَنَحْوِهِ، أَمَّا الظُّلَّةُ فَلِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَوَاءِ الطَّرِيقِ فَأَخَذَتْ حُكْمَهُ. وَأَمَّا الطَّرِيقُ وَالشِّرْبُ وَالْمَسِيلُ فَلِأَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ الْحُدُودِ، لَكِنَّهَا مِنْ الْحُقُوقِ فَتَدْخُلُ بِذِكْرِهَا وَتَدْخُلُ فِي الْإِجَارَةِ بِلَا ذِكْرِهَا لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ، وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ. اهـ. قُلْتُ: وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا لَا يَكُونُ مِنْ بِنَاءِ الدَّارِ وَلَا مُتَّصِلًا بِهَا لَا يَدْخُلُ إلَّا إذَا جَرَى الْعُرْفُ فِي أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَمْنَعُهُ عَنْ الْمُشْتَرِي، فَالْمِفْتَاحُ يَدْخُلُ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا لِعَدَمِ اتِّصَالِهِ، وَقُلْنَا بِدُخُولِهِ بِحُكْمِ الْعُرْفِ. اهـ. مُلَخَّصًا وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّ شِرْبَ الدَّارِ يَدْخُلُ فِي دِيَارِنَا دِمَشْقَ الْمَحْمِيَّةِ لِلتَّعَارُفِ، بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ دُخُولِ السُّلَّمِ الْمُنْفَصِلِ فِي عُرْفِ مِصْرَ الْقَاهِرَةِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ فِي دِمَشْقَ إذَا كَانَ لَهَا مَاءٌ جَارٍ وَانْقَطَعَ عَنْهَا أَصْلًا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهَا، وَأَيْضًا إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شِرْبَهَا بِعَقْدِ الْبَيْعِ لَا يَرْضَى بِشِرَائِهَا إلَّا بِثَمَنٍ قَلِيلٍ جِدًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَدْخُلُ فِيهَا شِرْبُهَا، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ نَشْرَ الْعُرْفِ فِي بِنَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْعُرْفِ. (قَوْلُهُ: الْمُتَّصِلَةُ أَغْلَاقُهَا إلَخْ) جَمْعُ غَلَقٍ بِفَتْحَتَيْنِ: أَيْ مَا يُغْلَقُ عَلَى الْبَابِ قَالَ: فِي الْفَتْحِ: الْمُرَادُ بِالْغَلَقِ مَا نُسَمِّيهِ ضَبَّةً، وَهَذَا إذَا كَانَتْ مُرَكَّبَةً لَا إذَا كَانَتْ مَوْضُوعَةً فِي الدَّارِ. اهـ. هَذَا وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْمَفَاتِيحِ لِلْعِلْمِ بِدُخُولِ الْأَغْلَاقِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ دُخُولَ الْمَفَاتِيحِ بِالتَّبَعِيَّةِ لَهَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: كَضَبَّةٍ وَكِيلُونٍ) قِيلَ: الْأَوَّلُ هُوَ الْمُسَمَّى بِالسَّكَرَةِ، وَالثَّانِي الْمُسَمَّى بِالْغَالِ. (قَوْلُهُ: لَا الْقُفْلِ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ لَا يَدْخُلُ سَوَاءٌ ذَكَرَ الْحُقُوقَ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْبَابُ مُغْلَقًا أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ حَانُوتًا أَوْ بَيْتًا أَوْ دَارًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ اتِّصَالِهِ) وَإِنَّمَا تَدْخُلُ الْأَلْوَاحُ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً؛ لِأَنَّهَا فِي الْعُرْفِ كَالْأَبْوَابِ الْمُرَكَّبَةِ وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْأَلْوَاحِ مَا تُسَمَّى بِمِصْرَ دَرَارِيبَ الدُّكَّانِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا عَدَمَ الدُّخُولِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. اهـ. فَتْحٌ أَيْ لِأَنَّهَا لَا يُنْتَفَعُ بِالدُّكَّانِ إلَّا بِهَا. (قَوْلُهُ: وَالسُّلَّمُ الْمُتَّصِلُ) فِي عُرْفِ الْقَاهِرَةِ يَنْبَغِي دُخُولُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ بُيُوتَهُمْ طَبَقَاتٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا بِدُونِهِ، وَلَا يَرِدُ عَدَمُ دُخُولِ الطَّرِيقِ، مَعَ أَنَّهُ لَا انْتِفَاعَ إلَّا بِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ رَقَبَتِهَا قَدْ يُقْصَدُ لِلْأَخْذِ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ. وَلِهَذَا دَخَلَ فِي الْإِجَارَةِ بِلَا ذِكْرٍ كَمَا سَيَأْتِي بَحْرٌ: أَيْ لِأَنَّ إجَارَةَ الْأَرْضِ لَا يُقْصَدُ بِهَا إلَّا الِانْتِفَاعُ بِرَقَبَتِهَا فَلِذَا دَخَلَ الطَّرِيقُ فِيهَا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا نَاقِضٌ لِلْجَوَابِ؛ لِأَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فِي بُيُوتِ الْقَاهِرَةِ لَا يَدْخُلُ السُّلَّمُ الْمَوْضُوعُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ بِشِرَاءِ الْبَيْتِ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ أَيْ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ مَا يُجَاوِرُهُ، فَلَمْ يَكُنْ الْمَقْصُودُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 548 وَالدَّرَجُ الْمُتَّصِلَةُ) وَالرَّحَى لَوْ أَسْفَلُهَا مَبْنِيًّا وَالْبَكَرَةُ لَا الدَّلْوُ وَالْحَبْلُ مَا لَمْ يَقُلْ بِمَرَافِقِهَا (فِي بَيْعِهَا) أَيْ الدَّارِ وَكَذَا بُسْتَانُهَا كَمَا سَيَجِيءُ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْحَمَّامِ الْقُدُورُ لَا الْقِصَاعُ وَفِي الْحِمَارِ إكَافُهُ إنْ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُزَارِعِينَ وَأَهْلِ الْقُرَى لَا لَوْ مِنْ الْحِمَرِيّين   [رد المحتار] الِانْتِفَاعَ بِرَقَبَتِهِ حَتَّى يَدْخُلَ فِيهِ السُّلَّمُ تَبَعًا. تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: الْمُتَّصِلَةُ) هَذَا يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ قَبْلَهُ الْمُتَّصِلُ؛ لِأَنَّهُ نَعْتٌ لِلثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَوْ جُعِلَ نَعْتًا لِلسَّرِيرِ وَالدَّرَجِ لَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ الْمُتَّصِلَانِ قَالَ: فِي الْبَحْرِ: وَيَدْخُلُ الْبَابُ الْمُرَكَّبُ لَا الْمَوْضُوعُ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ فَادَّعَاهُ كُلٌّ فَلَوْ مُرَكَّبًا مُتَّصِلًا بِالْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ مَقْلُوعًا فَلَوْ الدَّارُ بِيَدِ الْبَائِعِ فَالْقَوْلُ لَهُ وَإِلَّا فَالْمُشْتَرِي. اهـ. قُلْتُ: وَبِهِ عُلِمَ حُكْمُ أَبْوَابِ الشَّبَابِيكِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَبْوَابَ الَّتِي كُلُّهَا مِنْ الدُّفِّ تَدْخُلُ إنْ كَانَتْ مُرَكَّبَةً مُتَّصِلَةً وَاَلَّتِي مِنْ الْبِلَّوْرِ لَا تَدْخُلُ إلَّا إذَا كَانَتْ مُتَّصِلَةً أَيْضًا لِأَنَّ غَيْرَ الْمُتَّصِلَةِ تُوضَعُ وَتُرْفَعُ. تَأَمَّلْ. وَأَمَّا الدُّفُّ الَّذِي يُفْرَشُ فِي إيوَانِ الْبُيُوتِ لِدَفْعِ الْعَفَنِ وَالنَّدَاوَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالسَّرِيرِ الْمُسَمَّى بِالتَّخْتِ، فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الِاتِّصَالُ وَعَدَمُهُ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ السَّرِيرَ يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ وَأَمَّا هَذَا فَإِنَّهُ لَا يُنْقَلُ مِنْ مَحَلِّهِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمُتَّصِلِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لَوْ أَسْفَلُهَا مَبْنِيًّا) أَيْ فَيَدْخُلُ الْحَجَرُ الْأَعْلَى اسْتِحْسَانًا، وَهَذَا فِي دِيَارِهِمْ أَمَّا فِي دِيَارِ مِصْرَ لَا تَدْخُلُ الرَّحَى؛ لِأَنَّهَا بِحَجَرَيْهَا تُنْقَلُ وَتُحَوَّلُ وَلَا تُبْنَى فَهِيَ كَالْبَابِ الْمَوْضُوعِ لَا يَدْخُلُ بِالِاتِّفَاقِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَالْبَكَرَةُ) أَيْ بَكَرَةُ الْبِئْرِ الَّتِي عَلَيْهَا فَتَدْخُلُ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ بِالْبِئْرِ اهـ. بَحْرٌ وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مُرَكَّبَةً بِأَنْ كَانَتْ مَشْدُودَةً بِحَبْلٍ أَوْ مَوْضُوعَةً بِخُطَّافٍ فِي حَلْقَةِ الْخَشَبَةِ الَّتِي عَلَى الْبِئْرِ أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ وَيُحَرَّرُ فِي الْهِنْدِيَّةِ وَالْبَكَرَةُ وَالدَّلْوُ الَّذِي فِي الْحَمَّامِ لَا يَدْخُلُ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ قَالَ: السَّيِّدُ أَبُو الْقَاسِمِ: فِي عُرْفِنَا لِلْمُشْتَرِي كَذَا فِي مُخْتَارَاتِ الْفَتَاوَى. اهـ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْعُرْفُ ط. (قَوْلُهُ: فِي بَيْعِهَا أَيْ الدَّارِ) وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَيَدْخُلُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا بُسْتَانُهَا) أَيْ الَّذِي فِيهَا وَلَوْ كَبِيرًا لَا لَوْ خَارِجَهَا وَإِنْ كَانَ بَابُهُ فِيهَا قَالَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ وَقَالَ: الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: يَدْخُلُ لَوْ أَصْغَرَ مِنْهَا وَمِفْتَاحُهُ فِيهَا لَا لَوْ أَكْبَرَ أَوْ مِثْلَهَا، وَقِيلَ: إنْ صَغُرَ دَخَلَ وَإِلَّا لَا وَقِيلَ: يَحْكُمُ الثَّمَنُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَجِيءُ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ) صَوَابُهُ فِي بَابِ الْحُقُوقِ وَعِبَارَتُهُ وَكَذَا الْبُسْتَانُ الدَّاخِلُ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ لَا الْبُسْتَانُ الْخَارِجُ إلَّا إذَا كَانَ أَصْغَرَ مِنْهَا فَيَدْخُلُ تَبَعًا وَلَوْ مِثْلَهَا أَوْ أَكْبَرَ فَلَا إلَّا بِالشَّرْطِ زَيْلَعِيٌّ وَعَيْنِيٌّ. اهـ. وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَيْضًا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ هُنَاكَ. (قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْحَمَّامِ الْقُدُورُ) جَمْعُ قِدْرٍ بِالْكَسْرِ آنِيَةٌ يُطْبَخُ فِيهَا مِصْبَاحٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا قِدْرُ النُّحَاسِ الَّتِي يُسَخَّنُ فِيهَا الْمَاءُ، وَتُسَمَّى حَلَّةً أَوْ الْمُرَادُ الْفَسَاقِي الَّتِي يَنْزِلُ إلَيْهَا الْمَاءُ، وَيُغْتَسَلُ مِنْهَا، وَتُسَمَّى أَجْرَانًا لَكِنْ إنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً فَلَا كَلَامَ أَمَّا إنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً مَوْضُوعَةً، فَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لَا تُنْقَلُ وَلَا تُحَوَّلُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَالْمُتَّصِلَةِ وَإِلَّا فَلَا. تَأَمَّلْ. قَالَ: فِي الْفَتْحِ: وَأَمَّا قِدْرُ الصَّبَّاغِينَ وَالْقَصَّارِينَ وَأَجَاجِينُ الْغَسَّالِينَ وَخَوَابِي الزَّيَّاتِينَ وَحِبَابُهُمْ وَدِنَانُهُمْ وَجِذْعُ الْقَصَّارِ الَّذِي يَدُقُّ عَلَيْهِ الْمُثَبَّتُ كُلُّ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ، فَلَا يَدْخُلُ وَإِنْ قَالَ: بِحُقُوقِهَا. قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ تَدْخُلَ كَمَا إذَا قَالَ: بِمَرَافِقِهَا اهـ. أَقُولُ: بَلْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ عَلَى قِيَاسِ مَسْأَلَةِ الْبَكَرَةِ وَالسُّلَّمِ مَا كَانَ مُثَبَّتًا فِي الْبِنَاءِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِي الْبَيْعِ. اهـ. أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِحُقُوقِهَا. (قَوْلُهُ: وَفِي الْحِمَارِ إكَافُهُ) فِي الْقَامُوسِ: إكَافُ الْحِمَارِ كَكِتَابٍ وَغُرَابٍ: بَرْدَعَتُهُ، وَهِيَ الْحِلْسُ تَحْتَ الرَّحْلِ وَقَدْ تُنْقَطُ دَالُهُ. اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ غَيْرُهُ وَالْعُرْفُ أَنَّهَا الْخَشَبُ فَوْقَ الْبَرْدَعَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لَا لَوْ مِنْ الْحِمَرِيِّينَ) جَمْعُ حِمَرِيٍّ وَهُوَ مَنْ يَبِيعُ الْحَمِيرَ وَكَأَنَّهُ لِأَنَّ عَادَتَهُمْ التِّجَارَةُ فِيهَا مُجَرَّدَةً عَنْ الْإِكَافِ ط. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 549 وَتَدْخُلُ قِلَادَتُهُ عُرْفًا وَيَدْخُلُ وَلَدُ الْبَقَرَةِ الرَّضِيعُ فِي الْأَتَانِ لَا رَضِيعًا أَوَّلًا بِهِ يُفْتَى وَتَدْخُلُ ثِيَابُ عَبْدٍ وَجَارِيَةٍ أَيْ كُسْوَةُ مِثْلِهِمَا يُعْطِيهِمَا هَذِهِ أَوْ غَيْرَهَا لَا حُلِيُّهَا إلَّا إنْ سَلَّمَهَا أَوْ قَبَضَهَا وَسَكَتَ وَتَمَامُهُ فِي الصَّيْرَفِيَّةِ (وَيَدْخُلُ الشَّجَرُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ بِلَا ذِكْرٍ) قَيْدٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ فَبِالذِّكْرِ أَوْلَى. (مُثْمِرَةً كَانَتْ أَوْ لَا) صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً   [رد المحتار] قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَهَذَا بِحَسَبِ الْعُرْفِ وَفِيهَا أَيْضًا إذَا بَاعَ حِمَارًا مُوكَفًا دَخَلَ الْإِكَافُ وَالْبَرْدَعَةُ بِحُكْمِ الْعُرْفِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ هُوَ الْمُخْتَارُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَرْدَعَةٌ وَلَا إكَافٌ دَخَلَا أَيْضًا كَذَا اخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا إذَا كَانَ عُرْيَانًا لَا يَدْخُلُ شَيْءٌ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ ابْنَ الْفَضْلِ قَالَ: لَا يَدْخُلُ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ كَوْنِهِ مُوكَفًا أَوْ لَا وَهُوَ الظَّاهِرُ، ثُمَّ إذَا دَخَلَا لَا يَكُونُ لَهُمَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا فِي ثِيَابِ الْجَارِيَةِ. (قَوْلُهُ: وَتَدْخُلُ قِلَادَتُهُ عُرْفًا) ، فِي الظَّهِيرِيَّةِ بَاعَ فَرَسًا دَخَلَ الْعِذَارُ بِحُكْمِ الْعُرْفِ وَالْعِذَارُ وَالْمِقْوَدُ وَاحِدٌ. اهـ. لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ: لَا يَدْخُلُ الْمِقْوَدُ فِي بَيْعِ الْحِمَارِ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَادُ بِدُونِهِ بِخِلَافِ الْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ قَالَ: فِي الْفَتْحِ وَلْيُتَأَمَّلْ فِي هَذَا. (قَوْلُهُ: وَفِي الْأَتَانِ لَا إلَخْ) الْفَرْقُ أَنَّ الْبَقَرَةَ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا بِالْعِجْلِ، وَلَا كَذَلِكَ الْأَتَانُ ظَهِيرِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: وَتَدْخُلُ ثِيَابُ عَبْدٍ وَجَارِيَةٍ إلَخْ) هَذَا إذَا بِيعَا فِي الثِّيَابِ الْمَذْكُورَةِ وَإِلَّا دَخَلَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ فَقَطْ فَفِي الْبَحْرِ: لَوْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً كَانَ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ الْكِسْوَةِ مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُ، فَإِنْ بِيعَتْ فِي ثِيَابِ مِثْلِهَا دَخَلَتْ فِي الْبَيْعِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ، وَدُخُولُ ثِيَابِ الْمِثْلِ بِحُكْمِ الْعُرْفِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَحِينَئِذٍ فَالْمَدَارُ عَلَى الْعُرْفِ. (قَوْلُهُ: يُعْطِيهِمَا هَذِهِ أَوْ غَيْرَهَا) أَيْ يُخَيَّرُ الْبَائِعُ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَ مَا عَلَيْهِمَا أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ بِالْعُرْفِ كِسْوَةُ الْمِثْلِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ، حَتَّى لَوْ اُسْتُحِقَّ ثَوْبٌ مِنْهَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ، وَكَذَا إذَا وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا زَيْلَعِيٌّ زَادَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ هَلَكَتْ الثِّيَابُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، أَوْ تَعَيَّبَتْ ثُمَّ رَدَّ الْجَارِيَةَ بِعَيْبٍ رَدَّهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ اهـ. وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ قَالَ: بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: يَعْنِي مِنْ الثَّمَنِ، وَأَمَّا رُجُوعُهُ بِكِسْوَةِ مِثْلِهَا فَثَابِتٌ لَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَكَذَلِكَ إذَا وَجَدَ بِالْجَارِيَةِ عَيْبًا رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا ثِيَابَهَا وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بِالثِّيَابِ عَيْبًا. اهـ. وَعَلَيْهِ فَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ وَجَدَ بِالْجَارِيَةِ عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِدُونِ تِلْكَ الثِّيَابِ، فَمَعْنَاهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ إذَا هَلَكَتْ، وَإِلَّا لَزِمَ حُصُولُهَا لِلْمُشْتَرِي بِلَا مُقَابِلٍ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: أَوْ قَبَضَهَا) أَيْ الْمُشْتَرِي، وَسَكَتَ أَيْ الْبَائِعُ، لِأَنَّهُ كَالتَّسْلِيمِ مِنَحٌ عَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة فَأَمَّا سَلَمُ الْبَائِعِ الْحُلِيَّ لَهَا فَهُوَ لَهَا وَإِنْ سَكَتَ عَنْ طَلَبِهِ، وَهُوَ يَرَاهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ سَلَّمَ لَهَا وَفِيهَا عَنْ الْمُحِيطِ بَاعَ عَبْدًا مَعَهُ مَالٌ، فَإِنْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْمَالِ جَازَ الْمَبِيعُ وَالْمَالُ لِلْبَائِعِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ بَاعَهُ مَعَ مَالِهِ وَسَمَّى مِقْدَارَهُ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ أَزْيَدَ مِنْ مَالِ الْعَبْدِ، لِيَكُونَ بِإِزَاءِ مَالِ الْعَبْدِ قَدْرُهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْبَاقِي بِإِزَاءِ الْعَبْدِ وَتَمَامُهُ فِيهَا. (قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ الشَّجَرُ إلَخْ) قَالَ: فِي الْمُحِيطِ: كُلُّ مَا لَهُ سَاقٌ وَلَا يُقْطَعُ أَصْلُهُ كَانَ شَجَرًا يَدْخُلُ تَحْتَ بَيْعِ الْأَرْضِ بِلَا ذِكْرٍ وَمَا لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا يَدْخُلُ بِلَا ذِكْرٍ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ. اهـ. ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. (قَوْلُهُ: قَيْدٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ) الْأَوْلَى الْبِنَاءُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَالثَّانِيَةُ الشَّجَرُ ط. (قَوْلُهُ: مُثْمِرَةً كَانَتْ أَوْ لَا إلَخْ) لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا، وَلَا بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ فَكَانَ الْحَقُّ دُخُولَ الْكُلِّ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّ غَيْرَ الْمُثْمِرَةِ لَا تَدْخُلُ إلَّا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُغْرَسُ لِلْقَرَارِ، بَلْ لِلْقَطْعِ إذَا كَبِرَ خَشَبُهَا، فَصَارَ كَالزَّرْعِ وَلِمَنْ قَالَ: إنَّ الصَّغِيرَةَ لَا تَدْخُلُ فَتْحٌ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ إنَّ هَذَا أَصَحُّ أَيْ عَدَمَ التَّفْصِيلِ. اهـ. قُلْتُ: لَكِنْ فِي الذَّخِيرِيَّةِ إنَّ الْعَرَائِشَ وَالْأَشْجَارَ وَالْأَبْنِيَةَ تَدْخُلُ لِأَنَّهَا لَيْسَ لِنِهَايَتِهَا مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ فَتَكُونُ لِلتَّأْبِيدِ، فَتَتْبَعُ الْأَرْضَ بِخِلَافِ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ، لِأَنَّ لِقَطْعِهَا غَايَةً مَعْلُومَةً فَكَانَتْ كَالْمَقْطُوعِ. اهـ. مُلَخَّصًا وَمُقْتَضَاهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 550 إلَّا الْيَابِسَةَ لِأَنَّهَا عَلَى شَرَفِ الْقَلْعِ فَتْحٌ (إذَا كَانَتْ مَوْضُوعَةً فِيهَا) كَالْبِنَاءِ (لِلْقَرَارِ) فَلَوْ فِيهَا صِغَارٌ تُقْلَعُ زَمَنَ الرَّبِيعِ إنْ مِنْ أَصْلِهَا تَدْخُلُ وَإِنْ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ لَا إلَّا بِالشَّرْطِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ. وَفِي الْقُنْيَةِ شَرَى كَرْمًا دَخَلَ الْوَثَائِلُ الْمَشْدُودَةُ عَلَى الْأَوْتَادِ الْمَنْصُوبَةِ فِي الْأَرْضِ وَكَذَا الْأَعْمِدَةُ الْمَدْفُونَةُ فِي الْأَرْضِ الَّتِي عَلَيْهَا أَغْصَانُ الْكَرْمِ الْمُسَمَّاةُ بِأَرْضِ الْخَلِيلِ بِرَكَائِزِ الْكَرْمِ.   [رد المحتار] أَنَّ غَيْرَ الْمُثْمِرِ الْمُعَدَّ لِلْقَطْعِ كَالزَّرْعِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا عَلَى شَرَفِ الْقَلْعِ) فَهِيَ كَحَطَبٍ مَوْضُوعٍ فِيهَا فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: كَالْبِنَاءِ) أَشَارَ بِذِكْرِهِ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي دُخُولِ الشَّجَرِ: هِيَ الْعِلَّةُ فِي دُخُولِ الْبِنَاءِ وَهِيَ أَنَّهُمَا وُضِعَا لِلْقَرَارِ ط. (قَوْلُهُ: فَلَوْ فِيهَا صِغَارٌ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَيَأْتِي قَرِيبًا مَا يُفِيدُ أَنَّ صِغَرَهَا وَقَطْعَهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ غَيْرُ قَيْدٍ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ لَا) أَيْ لَا تَدْخُلُ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ حِينَئِذٍ كَالثَّمَرَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ) حَاصِلُهُ: أَنَّهُ فِي الْوَاقِعَاتِ صَرَّحَ بِأَنَّ الْقَصَبَ لَا يَدْخُلُ بِلَا شَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُقْطَعُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ، وَأَخَذَ الطَّرَسُوسِيُّ مِنْ التَّعْلِيلِ بِالْقَطْعِ أَنَّ الْحَوَرَ وَنَحْوَهُ مِمَّا يُقْطَعُ فِي أَوْقَاتٍ مَعْرُوفَةٍ لَا يَدْخُلُ، وَنَازَعَهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّ الْقَصَبَ يُقْطَعُ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَكَانَ كَالثَّمَرَةِ بِخِلَافِ خَشَبِ الْحَوَرِ فَلَا وَجْهَ لِلْإِلْحَاقِ. اهـ. لَكِنْ فِي الْوَاقِعَاتِ أَيْضًا لَوْ فِيهَا أَشْجَارٌ تُقْطَعُ فِي كُلِّ ثَلَاثِ سِنِينَ، فَلَوْ تُقْطَعُ مِنْ الْأَصْلِ تَدْخُلُ وَلَوْ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ فَلَا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ قَالَ: ابْنُ الشِّحْنَةِ: فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ يُبَاعُ شَجَرًا بِأَصْلِهِ فَلَا يَكُونُ كَالثَّمَرَةِ بِخِلَافِ الْمَقْطُوعِ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ لِأَنَّهُ كَالثَّمَرَةِ. اهـ. قُلْت: وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الشَّجَرَ الْمَوْضُوعَ لِلْقَرَارِ، وَهُوَ الَّذِي يُقْصَدُ لِلثَّمَرِ يَدْخُلُ إلَّا إذَا يَبِسَ، وَصَارَ حَطَبًا كَمَا مَرَّ، أَمَّا غَيْرُ الْمُثْمِرِ الْمُعَدُّ لِلْقَطْعِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَلَا يَدْخُلُ أَيْضًا، بِخِلَافِ مَا أُعِدَّ لِلْقَطْعِ فِي زَمَنٍ خَاصٍّ كَأَيَّامِ الرَّبِيعِ، أَوْ فِي كُلِّ ثَلَاثِ سِنِينَ فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَوْرَ بِالْمُهْمَلَتَيْنِ لَيْسَ لِقَطْعِهِ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. هَذَا وَاعْلَمْ أَنَّهُ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ وَكَذَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ أَرْضًا فِيهَا رُطَبَةٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ أَوْ خِلَافٌ يُقْلَعُ فِي كُلِّ ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ رَيَاحِينُ أَوْ بُقُولٌ قَالَ الْفَضْلِيُّ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرِ، لَا يَدْخُلُ بِلَا شَرْطٍ، وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ أُصُولِهَا يَدْخُلُ، لِأَنَّ أُصُولَهَا لِلْبَقَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِيهَا قَصَبٌ أَوْ حَشِيشٌ أَوْ حَطَبٌ نَابِتٌ يَدْخُلُ أُصُولُهُ لَا مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَاخْتَلَفُوا فِي قَوَائِمِ الْخِلَافِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ أَنْسَبُ لِمُقْتَضَى قَوَاعِدِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: دَخَلَ الْوَثَائِلُ إلَخْ) الْوَثَلُ بِالتَّحْرِيكِ الْحَبْلُ مِنْ اللِّيفِ، وَالْوَثِيلُ نَبْتٌ كَذَا فِي جَامِعِ اللُّغَةِ اهـ ح. وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْقُنْيَةِ وَفِي نُسْخَةٍ الْوَتَائِرُ وَهُوَ جَمْعُ وَتِيرَةٍ وَهِيَ مَا يُوَتَّرُ بِالْأَعْمِدَةِ مِنْ الْبَيْتِ كَالْوَتَرَةِ مُحَرَّكَةً كَذَا فِي الْقَامُوسِ، ثُمَّ قَالَ: وَتَرَهَا يَتِرُهَا عَلَّقَ عَلَيْهَا. اهـ. فَالْمُرَادُ: مَا يُعَلَّقُ عَلَيْهِ الْكَرْمُ وَاَلَّذِي وَقَعَ فِيمَا رَأَيْته مِنْ نُسَخِ الْمِنَحِ يَدْخُل الْوَتَائِرُ الْمَشْدُودَةُ عَلَى الْأَوْتَارِ الْمَنْصُوبَةِ فِي الْأَرْضِ اهـ ط. قُلْت: وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الشَّرْحِ وَكَذَا فِي الْمِنَحِ الْوَتَائِدُ الْمَشْدُودَةُ عَلَى الْأَوْتَادِ إلَخْ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْأَعْمِدَةُ الْمَدْفُونَةُ فِي الْأَرْضِ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: تَقْيِيدُهُ بِالْمَدْفُونَةِ يُفِيدُ أَنَّ الْمُلْقَاةَ عَلَى الْأَرْضِ لَا تَدْخُلُ، لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْحَطَبِ الْمَوْضُوعِ فِي الْكَرْمِ، وَصَارَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى فَيُفْتَى بِالدُّخُولِ فِي الْمَبِيعِ، وَإِنْ كَانَتْ مَدْفُونَةً وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ فِي دِيَارِنَا بِبَرَابِيرِ الْكَرْمِ اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 551 وَفِي النَّهْرِ: كُلُّ مَا يَدْخُلُ تَبَعًا لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لِكَوْنِهِ كَالْوَصْفِ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ قُبَيْلَ السَّلَمِ (وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ بِلَا تَسْمِيَةٍ) إلَّا إذَا نَبَتَ وَلَا قِيمَةَ لَهُ فَيَدْخُلُ فِي الْأَصَحِّ شَرْحُ الْمَجْمَعِ   [رد المحتار] [مَطْلَبٌ كُلُّ مَا دَخَلَ تَبَعًا لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ] ِ (قَوْلُهُ: وَفِي النَّهْرِ إلَخْ) قَالَ فِيهِ وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: اشْتَرَى دَارًا فَذَهَبَ بِنَاؤُهَا لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ أَخْذَ الدَّارِ بِالْحِصَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا اهـ وَنَحْوُ ذَلِكَ ثِيَابُ الْجَارِيَةِ كَمَا سَلَفَ ط وَفِي الْكَافِي: رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ بَيْضَاءُ وَلِآخَرَ فِيهَا نَخْلٌ فَبَاعَهَا رَبُّ الْأَرْضِ بِإِذْنِ الْآخَرِ بِأَلْفٍ، وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ خَمْسُمِائَةٍ فَالثَّمَنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، فَإِنْ هَلَكَ النَّخْلُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ التَّرْكِ، وَأَخْذِ الْأَرْضِ بِكُلِّ الثَّمَنِ لِأَنَّ النَّخْلَ كَالْوَصْفِ وَالثَّمَنُ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ لَا الْوَصْفِ فَلِذَا لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ اهـ وَقَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا إذَا لَمْ يُفَصَّلْ ثَمَنُ كُلٍّ، فَلَوْ فُصِّلَ سَقَطَ النَّخْلُ بِهَلَاكِهَا كَمَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ. [تَنْبِيهٌ] : فِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ أَبِي السُّعُودِ اُسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ إذَا كَانَ لَبَابِ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ كِيلُونٌ مِنْ فِضَّةٍ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْقُدَ مِنْ الثَّمَنِ مَا يُقَابِلُهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لِدُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا، وَلَا يُشْكِلُ بِمَا سَيَأْتِي فِي الصَّرْفِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْأَمَةِ مَعَ الطَّوْقِ وَالسَّيْفِ الْمُحَلَّى؛ لِأَنَّ دُخُولَ الطَّوْقِ وَالْحِلْيَةِ فِي الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِيَّةِ، لِكَوْنِ الطَّوْقِ غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِالْأَمَةِ، وَالْحِلْيَةِ وَإِنْ اتَّصَلَتْ بِالسَّيْفِ إلَّا أَنَّ السَّيْفَ اسْمٌ لِلْحِلْيَةِ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الصَّرْفِ، فَكَانَتْ مِنْ مُسَمَّى السَّيْفِ، إذَا عُلِمَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ فِي بَيْعِ الشَّاشِ وَنَحْوِهِ إذَا كَانَ فِيهِ عَلَمٌ لَا يُشْتَرَطُ نَقْدُ مَا قَابَلَ الْعَلَمَ مِنْ الثَّمَنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّ الْعَلَمَ لَمْ يَكُنْ مِنْ مُسَمَّى الْمَبِيعِ، فَكَانَ دُخُولُهُ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِيَّةِ، فَلَا يُقَابِلُهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ. اهـ. قُلْتُ: وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِيلُونِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَسَنَذْكُرُ تَحْرِيرَ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الصَّرْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -. (قَوْلُهُ: وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ إلَخْ) إطْلَاقُهُ يَعُمُّ مَا إذَا لَمْ يَنْبُتْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُمْكِنُ أَخْذُهُ بِالْغِرْبَالِ، وَمَا إذَا عَفِنَ وَاخْتَارَ الْفَضْلِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الْإِفْرَادِ، وَبِالْإِطْلَاقِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ نَهْرٌ وَقَالَ: فِي الْفَتْحِ وَاخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ بِكُلِّ حَالٍ كَمَا هُوَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا نَبَتَ وَلَا قِيمَةَ لَهُ) ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ قَوْلَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ، وَذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّ الصَّوَابَ الدُّخُولُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُدُورِيُّ والإسبيجابي وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ أَنْ تَنَالَهُ الْمَشَافِرُ وَالْمَنَاجِلُ. قَالَ: فِي الْفَتْحِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، قَالَ: يَدْخُلُ وَمَنْ قَالَ: يَجُوزُ قَالَ: لَا يَدْخُلُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الِاخْتِلَافَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى سُقُوطِ تَقَوُّمِهِ وَعَدَمِهِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِ وَبِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ كِلَيْهِمَا مَبْنِيٌّ عَلَى سُقُوطِ تَقَوُّمِهِ وَالْأَوْجَهُ جَوَازُ بَيْعِهِ عَلَى رَجَاءِ تَرْكِهِ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَحْشِ كَمَا وُلِدَ رَجَاءَ حَيَاتِهِ فَيُنْتَفَعُ بِهِ فِي ثَانِي الْحَالِ. اهـ. مَا فِي الْفَتْحِ. وَظَاهِرُهُ اخْتِيَارُ عَدَمِ الدُّخُولِ، لِاخْتِيَارِهِ جَوَازَ بَيْعِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي السِّرَاجِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ بَاعَهُ بَعْدَ مَا نَبَتَ وَلَمْ تَنَلْهُ الْمَشَافِرُ وَالْمَنَاجِلُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ أَوْ لَا الصَّحِيحُ الْجَوَازُ. اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ النَّبَاتِ أَوْ قَبْلَهُ، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ قِيمَةٌ أَوْ لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 552 (وَ) لَا (الثَّمَرُ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ بِدُونِ الشَّرْطِ) عَبَّرَ هُنَا بِالشَّرْطِ وَثَمَّةَ بِالتَّسْمِيَةِ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ غَيْرُ مُفْسِدٍ وَخَصَّهُ بِالثَّمَرِ اتِّبَاعًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ»   [رد المحتار] وَلَا يَدْخُلُ فِي الْكُلِّ لَكِنْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِيمَا لَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ قَبْلَ النَّبَاتِ أَوْ بَعْدَهُ. فَفِي الثَّانِيَةِ الْأَصَحُّ الدُّخُولُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بَلْ عَلِمْتُ أَنَّهُ الصَّوَابُ، وَظَاهِرُ الْفَتْحِ اخْتِيَارُ عَدَمِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي السِّرَاجِ، وَكَذَا فِي الْأُولَى اخْتَلَفَ التَّرْجِيعُ فَاخْتَارَ الْفَضْلِيُّ الدُّخُولَ، وَاخْتَارَ أَبُو اللَّيْثِ عَدَمَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ النَّهْرِ وَالْفَتْحِ، وَاقْتِصَارُ الشَّارِحِ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الثَّانِيَةِ فَقَطْ يُفِيدُ تَرْجِيحَ مَا اخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْأُولَى، لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ اخْتِيَارَ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ بِكُلِّ حَالٍ كَمَا هُوَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي صَاحِبَ الْهِدَايَةِ، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الدُّخُولِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي الْبَحْرِ هَهُنَا خَلَلٌ فِي فَهْمِ كَلَامِ السِّرَاجِ الْمُتَقَدِّمِ، وَفِي بَيَانِ الْخِلَافِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِيمَا عَلَّقْتُهُ عَلَيْهِ فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] قَيَّدَ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ فِي رَهْنِ الْأَرْضِ يَدْخُلُ الشَّجَرُ وَالثَّمَرُ وَالزَّرْعُ وَفِي وَقْفِهَا يَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ، لَا الزَّرْعُ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِأَرْضٍ عَلَيْهَا زَرْعٌ أَوْ شَجَرٌ دَخَلَ وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ فِي إقَالَةِ الْأَرْضِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. 1 - قَوْلُهُ: وَلَا الثَّمَرُ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ) الثَّمَرُ بِمُثَلَّثَةٍ الْحَمْلُ الَّذِي يُخْرِجُهُ الشَّجَرَةُ وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ فَيُقَالُ ثَمَرُ الْأَرَاكِ وَالْعَوْسَجِ وَالْعِنَبِ مِصْبَاحٌ. وَفِي الْفَتْحِ وَيَدْخُلُ فِي الثَّمَرَةِ الْوَرْدُ وَالْيَاسَمِينُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ الْمَشْمُومَاتِ نَهْرٌ وَشَمِلَ مَا إذَا بِيعَ الشَّجَرُ مَعَ الْأَرْضِ أَوْ وَحْدَهُ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ أَوْ لَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ) أَيْ بَيْنَ أَنْ يُسَمِّيَ الزَّرْعَ وَالثَّمَرَ بِأَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ الْأَرْضَ وَزَرْعَهَا أَوْ بِزَرْعِهَا أَوْ الشَّجَرَ وَثَمَرَهُ أَوْ مَعَهُ أَوْ بِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يُخْرِجَهُ مَخْرَجَ الشَّرْطِ فَيَقُولَ بِعْتُكَ الْأَرْضَ عَلَى أَنْ يَكُونَ زَرْعُهَا لَكَ أَوْ بِعْتُك الشَّجَرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَرُ لَكَ كَذَا فِي الْمِنَحِ. اهـ. ح، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ. مَطْلَبٌ الْمُجْتَهِدُ إذَا اسْتَدَلَّ بِحَدِيثٍ كَانَ تَصْحِيحًا لَهُ (قَوْلُهُ: وَخَصَّهُ بِالثَّمَرِ) أَيْ خَصَّ ذِكْرَ الشَّرْطِ بِمَسْأَلَةِ الثَّمَرِ دُونَ مَسْأَلَةِ الزَّرْعِ مَعَ إمْكَانِهِ الْعَكْسَ اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الثَّمَرِ مُؤَبَّرًا أَوْ لَا. التَّأْبِيرُ التَّلْقِيحُ، وَهُوَ أَنْ يَشُقَّ الْكِمَّ وَيَذَرَ فِيهِ مِنْ طَلْعِ النَّخْلِ لِيُصْلِحَ إنَاثَهَا وَالْكِمُّ بِالْكَسْرِ وِعَاءُ الطَّلْعِ، وَأَمَّا حَدِيثُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ: «مَنْ بَاعَ نَخْلًا مُؤَبَّرًا فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» فَلَا يُعَارِضُهُ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ الصِّفَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا وَمَا قِيلَ: مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ غَرِيبٌ فَفِيهِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا اسْتَدَلَّ بِحَدِيثٍ كَانَ تَصْحِيحًا لَهُ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ وَغَيْرِهِ نَعَمْ: يَرِدُ مَا فِي الْفَتْحِ أَنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ هُنَا وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُمْ قَاسُوا الثَّمَرَ عَلَى الزَّرْعِ كَمَا قَالَ: فِي الْهِدَايَةِ إنَّهُ مُتَّصِلٌ لِلْقَطْعِ لَا لِلْبَقَاءِ، وَهُوَ قِيَاسٌ صَحِيحٌ وَهُمْ يُقَدِّمُونَ الْقِيَاسَ عَلَى الْمَفْهُومِ إذَا تَعَارَضَا. مَطْلَبٌ فِي حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَاعْتَرَضَ فِي الْبَحْرِ قَوْلَهُ إنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَاجِبٌ إلَخْ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ لِمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَا فِي حَادِثَةٍ، وَلَا فِي حَادِثَتَيْنِ حَتَّى جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ التَّيَمُّمَ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ بِحَدِيثِ «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَلَمْ يُحْمَلْ هَذَا الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَهُوَ حَدِيثُ «التُّرَابُ طَهُورٌ» . اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 553 (وَيُؤْمَرُ الْبَائِعُ بِقَطْعِهِمَا) الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ (وَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ) الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ عِنْد وُجُوبِ تَسْلِيمِهِمَا، فَلَوْ لَمْ يُنْقِدْ الثَّمَنَ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ خَانِيَّةٌ. (وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ) صَلَاحُهُ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي مَشْغُولٌ بِمِلْكِ الْبَائِعِ فَيُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَارِغًا (كَمَا لَوْ أَوْصَى بِنَخْلٍ لِرَجُلٍ وَعَلَيْهِ بُسْرٌ حَيْثُ يُجْبَرُ الْوَرَثَةُ عَلَى قَطْعِ الْبُسْرِ هُوَ الْمُخْتَارُ) مِنْ الرِّوَايَةِ وَلْوَالَجِيَّةٌ وَمَا فِي الْفُصُولَيْنِ بَاعَ أَرْضًا بِدُونِ الزَّرْعِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ بِأَجْرِ مِثْلِهَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا رَضِيَ الْمُشْتَرِي نَهْرٌ (وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَةً بَارِزَةً)   [رد المحتار] أَقُولُ: أَجَبْتُ عَنْهُ فِيمَا عَلَّقْتُهُ عَلَى الْبَحْرِ بِأَنَّ الْمُقَيَّدَ هُنَا لَا يَنْفِي هُنَا الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَقَبٌ، وَمَفْهُومُ اللَّقَبِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ إلَّا عِنْدَ فِرْقَةٍ شَاذَّةٍ مِمَّنْ اعْتَبَرَ الْمَفَاهِيمَ، فَلَيْسَ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الْحَمْلُ فَلَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يُحْمَلُ فِي حَادِثَةٍ عِنْدَنَا كَيْفَ وَحَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ وَالْحَادِثَةِ مَشْهُورٌ عِنْدَنَا مُصَرَّحٌ بِهِ فِي مَتْنِ الْمَنَارِ وَالتَّوْضِيحِ وَالتَّلْوِيحِ وَغَيْرِهَا فَمَا اُسْتُنِدَ إلَيْهِ مِنْ كَلَامِ النِّهَايَةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَيُؤْمَرُ الْبَائِعُ بِقَطْعِهِمَا) أَيْ فِيمَا إذَا بَاعَ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ لَمْ يُسَمِّهِ أَوْ شَجَرًا عَلَيْهِ ثَمَرٌ لَمْ يَشْتَرِطْهُ حَتَّى بَقِيَ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ. (قَوْلُهُ: الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ) بَدَلٌ مِنْ ضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ وَقَوْلُهُ: " الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ " بَدَلٌ مِنْ " الْمَبِيعِ ". (قَوْلُهُ: عِنْدَ وُجُوبِ تَسْلِيمِهِمَا) أَيْ تَسْلِيمِ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ وَذَلِكَ عِنْدَ نَقْدِ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ. (قَوْلُهُ: لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ) أَيْ بِالْقَطْعِ لِعَدَمِ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ صَلَاحُهُ) الْأَوْلَى صَلَاحُهُمَا أَيْ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ بِقَطْعِهِمَا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي مَشْغُولٌ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَيُؤْمَرُ الْبَائِعُ بِقَطْعِهِمَا إلَخْ وَفِي النَّهْرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَاعَ شَجَرًا عَلَيْهِ ثَمَرٌ أَوْ كَرْمًا عَلَيْهِ عِنَبٌ لَا يَدْخُلُ الثَّمَرُ فَلَوْ اسْتَأْجَرَ الشَّجَرَ مِنْ الْمُشْتَرِي لِيَتْرُكَ عَلَيْهِ الثَّمَرَ لَمْ يَجُزْ وَلَكِنْ يُعَارُ إلَى الْإِدْرَاكِ فَلَوْ أَبَى الْمُشْتَرِي يُخَيَّرُ الْبَائِعُ إنْ شَاءَ أَبْطَلَ الْبَيْعَ أَوْ قَطَعَ الثَّمَرَ. اهـ. وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ آخِرَ الْبَابِ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ قَوْلِ الْمُتُونِ، وَيُؤْمَرُ الْبَائِعُ بِالْقَطْعِ فَإِنَّهُ يُنَافِي التَّخْيِيرَ الْمَذْكُورَ وَلَعَلَّهُ قَوْلٌ آخَرُ فَلْيُحَرَّرْ. (قَوْلُهُ: وَمَا فِي الْفُصُولَيْنِ) أَيْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لِابْنِ قَاضِي سَمَاوَةَ جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ فُصُولَيْ الْعِمَادِيِّ والإستروشني ط. (قَوْلُهُ: مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا رَضِيَ الْمُشْتَرِي) أَيْ رَضِيَ بِإِبْقَاءِ الزَّرْعِ بِأَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ وَإِلَّا أُمِرَ الْبَائِعُ بِالْقَلْعِ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ، وَأَمَّا إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فِي الْإِجَارَةِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُبْقِيَ الزَّرْعَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى انْتِهَائِهِ لِلِانْتِفَاعِ وَذَلِكَ بِالتَّرْكِ دُونَ الْقَلْعِ، بِخِلَافِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ إمْكَانُ الِانْتِفَاعِ بَحْرٌ. [مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَالشَّجَرِ مَقْصُودًا] . (قَوْلُهُ: وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَةً بَارِزَةً) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيْعِ الثَّمَرِ تَبَعًا لِلشَّجَرِ شَرَعَ فِي بَيْعِهِ مَقْصُودًا وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ بَيْعِ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ مَقْصُودًا قَالَ: فِي الدُّرَرِ: لَا يَصِحُّ بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ بَقْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُنْتَفَعٍ بِهِ، وَتَابِعٌ لِلْأَرْضِ، فَيَكُونُ كَالْوَصْفِ، فَلَا يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ، وَإِنْ بَاعَ عَلَى أَنْ يَتْرُكَهُ حَتَّى يُدْرِكَ لَمْ يَجُزْ وَكَذَا الرَّطْبَةُ وَالْبُقُولُ وَيَجُوزُ بَيْعُ حِصَّتِهِ مِنْ شَرِيكِهِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ بَلَغَ أَوَانَ الْحَصَادِ أَوْ لَا وَمِنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إنْ لَمْ يَفْسَخْ إلَى الْحَصَادِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ كَمَا إذَا بَاعَ الْجِذْعَ فِي السَّقْفِ وَلَمْ يَفْسَخْ الْبَيْعَ حَتَّى أَخْرَجَهُ وَسَلَّمَهُ. اهـ. وَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ بَيْعُ الْبُرِّ فِي سُنْبُلِهِ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: اشْتَرَى شَجَرَةً لِلْقَلْعِ يُؤْمَرُ بِقَلْعِهَا بِعُرُوقِهَا، وَلَيْسَ لَهُ حَفْرُ الْأَرْضِ إلَى انْتِهَاءِ الْعُرُوقِ بَلْ يَقْلَعُهَا عَلَى الْعَادَةِ إلَّا إنْ شَرَطَ الْبَائِعُ الْقَطْعَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، أَوْ يَكُونُ فِي الْقَلْعِ مِنْ الْأَصْلِ مَضَرَّةٌ لِلْبَائِعِ كَكَوْنِهَا بِقُرْبِ حَائِطٍ أَوْ بِئْرٍ فَيَقْطَعُهَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَإِنْ قَطَعَهَا أَوْ قَلَعَهَا فَنَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى، فَالنَّابِتُ لِلْبَائِعِ إلَّا إذَا قَطَعَ مِنْ أَعْلَاهَا فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي سِرَاجٌ وَلَوْ اشْتَرَى نَخْلَةً وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا لِلْقَلْعِ أَوْ لِلْقَرَارِ قَالَ: أَبُو يُوسُفَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 554 أَمَّا قَبْلَ الظُّهُورِ فَلَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا. (ظَهَرَ صَلَاحُهَا أَوْ لَا صَحَّ) فِي الْأَصَحِّ. (وَلَوْ بَرَزَ بَعْضُهَا دُونَ بَعْضٍ لَا) يَصِحُّ. (فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) وَصَحَّحَهُ السَّرَخْسِيُّ وَأَفْتَى الْحَلْوَانِيُّ بِالْجَوَازِ   [رد المحتار] لَا يَمْلِكُ أَرْضَهَا وَأَدْخَلَ مُحَمَّدٌ مَا تَحْتَهَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَإِنْ اشْتَرَاهَا لِلْقَطْعِ لَا تَدْخُلُ الْأَرْضُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ لِلْقَرَارِ تَدْخُلُ اتِّفَاقًا وَإِنْ بَاعَ نَصِيبًا لَهُ مِنْ شَجَرَةٍ بِلَا إذْنِ الشَّرِيكِ جَازَ إنْ بَلَغَتْ أَوَانَ قَطْعِهَا وَإِلَّا فَلَا. اهـ. وَقَدَّمْنَا فِي الشَّرِكَةِ حُكْمَ بَيْعِ الْحِصَّةِ الشَّائِعَةِ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ شَجَرٍ مُفَصَّلًا مُوَضَّحًا فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: أَمَّا قَبْلَ الظُّهُورِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْبُرُوزَ بِمَعْنَى الظُّهُورِ، وَالْمُرَادُ بِهِ انْفِرَادُ الزَّهْرِ عَنْهَا وَانْعِقَادُهَا ثَمَرَةً وَإِنْ صَغُرَتْ. (قَوْلُهُ: ظَهَرَ صَلَاحُهَا أَوْ لَا) قَالَ: فِي الْفَتْحِ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ وَلَا فِي عَدَمِ جَوَازِهِ بَعْدَ الظُّهُورِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، بِشَرْطِ التَّرْكِ وَلَا فِي جَوَازِهِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِيمَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَلَا فِي الْجَوَازِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، لَكِنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ عِنْدَنَا أَنْ تُؤْمَنَ الْعَاهَةُ وَالْفَسَادُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ ظُهُورُ النُّضْجِ وَبُدُوُّ الْحَلَاوَةِ وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي بَيْعِهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ عَلَى الْخِلَافِ فِي مَعْنَاهُ، لَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ لَا يَجُوزُ، وَعِنْدَنَا إنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْأَكْلِ، وَلَا فِي عَلْفِ الدَّوَابِّ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْمَشَايِخِ قِيلَ: لَا يَجُوزُ وَنَسَبَهُ قَاضِي خَانْ لِعَامَّةِ مَشَايِخِنَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فِي ثَانِي الْحَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُنْتَفَعًا بِهِ فِي الْحَالِ، وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِهِ بِاتِّفَاقِ الْمَشَايِخِ أَنْ يَبِيعَ الْكُمَّثْرَى أَوَّلَ مَا تَخْرُجُ مَعَ أَوْرَاقِ الشَّجَرِ فَيَجُوزَ فِيهَا تَبَعًا لِلْأَوْرَاقِ كَأَنَّهُ وَرَقٌ كُلَّهُ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَوْ عَلْفًا لِلدَّوَابِّ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ مُطْلَقًا. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) قَالَ: فِي الْفَتْحِ: وَلَوْ اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا أَيْ بِلَا شَرْطِ قَطْعٍ أَوْ تَرْكٍ فَأَثْمَرَتْ ثَمَرًا آخَرَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ فَأَشْبَهَ هَلَاكَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَلَوْ أَثْمَرَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ لِلِاخْتِلَاطِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي مِقْدَارِهِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ وَكَذَا فِي بَيْعِ الْبَاذِنْجَانِ وَالْبِطِّيخِ إذَا حَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ خُرُوجُ بَعْضِهَا اشْتَرَكَا كَمَا ذَكَرْنَا. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَوْ أَثْمَرَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْمَوْجُودِ وَقْتَ الْبَيْعِ، فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا بَاعَ الْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ كَمَا يُفِيدُهُ مَا يَأْتِي عَنْ الْحَلْوَانِيِّ، مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ التَّفْصِيلِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا بَاعَ الْمَوْجُودَ فَقَطْ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْفَتْحِ عَقِبَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ، وَكَانَ الْحَلْوَانِيُّ يُفْتِي بِجَوَازِهِ فِي الْكُلِّ إلَخْ، لَا يُنَاسِبُ التَّفْصِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِجَوَازِ الْبَيْعِ فِي الْكُلِّ إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى الْمَوْجُودِ فَقَطْ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ. (قَوْلُهُ: وَأَفْتَى الْحَلْوَانِيُّ بِالْجَوَازِ) وَزَعَمَ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَصْحَابِنَا وَكَذَا حَكَى عَنْ الْإِمَامِ الْفَضْلِيِّ، وَقَالَ: اُسْتُحْسِنَ فِيهِ لِتَعَامُلِ النَّاسِ، وَفِي نَزْعِ النَّاسِ عَنْ عَادَتِهِمْ حَرَجٌ قَالَ: فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ رَأَيْتُ رِوَايَةً فِي نَحْوِ هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ فِي بَيْعِ الْوَرْدِ عَلَى الْأَشْجَارِ فَإِنَّ الْوَرْدَ مُتَلَاحِقٌ، وَجُوِّزَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. اهـ. قَالَ: الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ: شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى مِثْلِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَ الْأُصُولَ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَوْ يَشْتَرِيَ الْمَوْجُودَ بِبَعْضِ الثَّمَنِ، وَيُؤَخِّرَ الْعَقْدَ فِي الْبَاقِي إلَى وَقْتِ وُجُودِهِ أَوْ يَشْتَرِيَ الْمَوْجُودَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ: وَيُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعَ بِمَا يَحْدُثُ مِنْهُ، فَيَحْصُلَ مَقْصُودُهُمَا بِهَذَا الطَّرِيقِ، فَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَجْوِيزِ الْعَقْدِ فِي الْمَعْدُومِ مُصَادِمًا لِلنَّصِّ، وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ» اهـ. قُلْتُ: لَكِنْ لَا يَخْفَى تَحَقُّقُ الضَّرُورَةِ فِي زَمَانِنَا وَلَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ دِمَشْقَ الشَّامِ كَثِيرَةِ الْأَشْجَارِ وَالثِّمَارِ فَإِنَّهُ لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ عَلَى النَّاسِ لَا يُمْكِنُ إلْزَامُهُمْ بِالتَّخَلُّصِ بِأَحَدِ الطُّرُقِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِ أَفْرَادِ النَّاسِ لَا يُمْكِنُ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَامَّتِهِمْ وَفِي نَزْعِهِمْ عَنْ عَادَتِهِمْ حَرَجٌ كَمَا عَلِمْت، وَيَلْزَمُ تَحْرِيمُ أَكْلِ الثِّمَارِ فِي هَذِهِ الْبُلْدَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 555 لَوْ الْخَارِجُ أَكْثَرَ زَيْلَعِيٌّ. (وَيَقْطَعُهَا الْمُشْتَرِي فِي الْحَالِ) جَبْرًا عَلَيْهِ (وَإِنْ شَرَطَ تَرْكَهَا عَلَى الْأَشْجَارِ فَسَدَ) الْبَيْعُ كَشَرْطِ الْقَطْعِ عَلَى الْبَائِعِ حَاوِي. (وَقِيلَ:) قَائِلُهُ مُحَمَّدٌ. (لَا) يَفْسُدُ (إذَا تَنَاهَتْ) الثَّمَرَةُ لِلتَّعَارُفِ فَكَانَ شَرْطًا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ (وَبِهِ يُفْتَى) بَحْرٌ عَنْ الْأَسْرَارِ، لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا الْفَتْوَى فَتَنَبَّهْ. قَيَّدَ بِاشْتِرَاطِ التَّرْكِ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَاهَا مُطْلَقًا وَتَرَكَهَا بِإِذْنِ الْبَائِعِ طَابَ لَهُ الزِّيَادَةُ وَإِنْ بِغَيْرِ إذْنِهِ تَصَدَّقَ بِمَا زَادَ فِي ذَاتِهَا وَإِنْ بَعْدَمَا تَنَاهَتْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ وَإِنْ اسْتَأْجَرَ الشَّجَرَ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ وَطَابَتْ الزِّيَادَةُ لِبَقَاءِ الْإِذْنِ.   [رد المحتار] إذْ لَا تُبَاعُ إلَّا كَذَلِكَ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا رَخَّصَ فِي السَّلَمِ لِلضَّرُورَةِ مَعَ أَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، فَحَيْثُ تَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ هُنَا أَيْضًا أَمْكَنَ إلْحَاقُهُ بِالسَّلَمِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ، فَلَمْ يَكُنْ مُصَادِمًا لِلنَّصِّ، فَلِذَا جَعَلُوهُ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْفَتْحِ الْمَيْلُ إلَى الْجَوَازِ وَلِذَا أَوْرَدَ لَهُ الرِّوَايَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ بَلْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَلْوَانِيَّ رَوَاهُ عَنْ أَصْحَابِنَا وَمَا ضَاقَ الْأَمْرُ إلَّا اتَّسَعَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُسَوِّغٌ لِلْعُدُولِ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ نَشْرَ الْعُرْفِ فِي بِنَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْعُرْفِ فَرَاجِعْهَا. (قَوْلُهُ: لَوْ الْخَارِجُ أَكْثَرَ) ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ مَا نَقَلَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ عَنْ الْإِمَامِ الْفَضْلِيِّ لَمْ يُقَيِّدْهُ عَنْهُ بِكَوْنِ الْمَوْجُودِ وَقْتَ الْعَقْدِ أَكْثَرَ بَلْ قَالَ: عَنْهُ أَجْعَلُ الْمَوْجُودَ أَصْلًا، وَمَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ تَبَعًا. (قَوْلُهُ: وَيَقْطَعُهَا الْمُشْتَرِي) أَيْ إذَا طَلَبَ الْبَائِعُ تَفْرِيغَ مِلْكِهِ وَهَذَا رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ. (قَوْلُهُ: جَبْرًا عَلَيْهِ) مُفَادُهُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فِي إبْطَالِ الْبَيْعِ إذَا امْتَنَعَ الْبَائِعُ عَنْ إبْقَاءِ الثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ، وَفِيهِ بَحْثٌ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ آخِرَ الْبَابِ. (قَوْلُهُ: فَسَدَ) أَيْ مُطْلَقًا كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ التَّفْصِيلُ فِي الْقَوْلِ الْمُقَابِلِ لَهُ فَافْهَمْ. وَعَلَّلَ فِي الْبَحْرِ الْفَسَادَ بِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَهُوَ شَغْلُ مِلْكِ الْغَيْرِ. (قَوْلُهُ: كَشَرْطِ الْقَطْعِ عَلَى الْبَائِعِ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ: بَاعَ عِنَبًا جُزَافًا وَكَذَا الثُّومُ فِي الْأَرْضِ وَالْجَزَرُ وَالْبَصَلُ، فَعَلَى الْمُشْتَرِي قَطْعُهُ إذَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرَى؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ وَلَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ مُكَايَلَةً وَلَا مُوَازَنَةً. (قَوْلُهُ: وَبِهِ يُفْتَى) قَالَ: فِي الْفَتْحِ: وَيَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اسْتِحْسَانًا وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ لِعُمُومِ الْبَلْوَى. (قَوْلُهُ: بَحْرٌ عَنْ الْأَسْرَارِ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ وَفِي الْأَسْرَارِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ وَفِي الْمُنْتَقَى ضَمَّ إلَيْهِ أَبَا يُوسُفَ وَفِي التُّحْفَةِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا. (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ) حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ عَنْ النِّهَايَةِ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْقُهُسْتَانِيِّ مَعَ الْمَتْنِ: وَشَرْطُ تَرْكِهَا عَلَى الشَّجَرِ وَالرِّضَا بِهِ يُفْسِدُ الْبَيْعَ عِنْدَهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَلَا يُفْسِدُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ بَدَا صَلَاحُ بَعْضٍ وَقَرُبَ صَلَاحُ الْبَاقِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ اهـ. وَمَا نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهَا مِنْ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الَّذِي تَنَاهَى صَلَاحُهُ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَنَاهِي الصَّلَاحِ لَا فِي بُدُوِّهِ، وَأَيْضًا الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ صَلَاحُ الْكُلِّ. تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَتَنَبَّهْ) أَشَارَ بِهِ إلَى اخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ وَتَخْيِيرِ الْمُفْتِي فِي الْإِفْتَاءِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ لَكِنْ حَيْثُ كَانَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ الِاسْتِحْسَانَ يَتَرَجَّحُ عَلَى قَوْلِهِمَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِاشْتِرَاطِ التَّرْكِ) أَيْ قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ الْفَسَادَ بِهِ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ بِلَا شَرْطِ تَرْكٍ أَوْ قَطْعٍ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ التَّرْكُ مُتَعَارَفًا مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْمَعْرُوفُ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ نَصًّا، وَمُقْتَضَاهُ فَسَادُ الْبَيْعِ وَعَدَمُ حِلِّ الزِّيَادَةِ. تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: طَابَ لَهُ الزِّيَادَةُ) هِيَ مَا زَادَ فِي ذَاتِ الْمَبِيعِ فَلَا يُنَافِي مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَثْمَرَتْ ثَمَرًا آخَرَ، فَإِنْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَدَ الْبَيْعُ أَوْ بَعْدَهُ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْمَبِيعِ مِمَّا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الْبَيْعُ، وَهَذَا فِي زِيَادَةِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ كَمَا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ لَا الْمُنْفَصِلَةُ. (قَوْلُهُ: تَصَدَّقَ بِمَا زَادَ فِي ذَاتِهَا) لِحُصُولِهِ بِجِهَةٍ مَحْظُورَةٍ بَحْرٌ وَتُعْرَفُ الزِّيَادَةُ بِالتَّقْوِيمِ يَوْمَ الْبَيْعِ وَالتَّقْوِيمِ يَوْمَ الْإِدْرَاكِ فَالزِّيَادَةُ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَهُمَا. ط عَنْ الْعَيْنِيِّ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ) نَعَمْ عَلَيْهِ إثْمُ غَصْبِ الْمَنْفَعَةِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ) وَإِنْ عَيَّنَ الْمُدَّةَ دُرٌّ مُنْتَقًى، فَإِنَّ أَصْلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 556 وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ لِتَرْكِ الزَّرْعِ فَسَدَتْ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ، وَلَمْ تَطِبْ الزِّيَادَةُ مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ لِفَسَادِ الْإِذْنِ بِفَسَادِ الْإِجَارَةِ بِخِلَافِ الْبَاطِلِ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي شَرْحِهِ. وَالْحِيلَةُ أَنْ يَأْخُذَ الشَّجَرَةَ مُعَامَلَةً عَلَى أَنَّ لَهُ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ أَنْ يَشْتَرِيَ أُصُولَ الرَّطْبَةِ كَالْبَاذِنْجَانِ وَأَشْجَارِ الْبِطِّيخِ وَالْخِيَارِ لِيَكُونَ الْحَادِثُ لِلْمُشْتَرِي   [رد المحتار] الْإِجَارَةِ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ فِيهَا الْبُطْلَانُ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَجَازَهَا لِلْحَاجَةِ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ، وَلَا تَعَامُلَ فِي إجَارَةِ الْأَشْجَارِ الْمُجَرَّدَةِ فَلَا يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَشْجَارًا لِيُجَفِّفَ عَلَيْهَا ثِيَابَهُ لَمْ يَجُزْ. ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لِتَرْكِ الزَّرْعِ) الْأَوْلَى تَعْبِيرُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بِقَوْلِهِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الزَّرْعُ أَيْ وَقْتِ إدْرَاكِهِ بِلَا ذِكْرِ مُدَّةٍ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَطِبْ الزِّيَادَةُ) أَيْ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّمَرَةِ وَعَلَى مَا غَرِمَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ. ط عَنْ الْعَيْنِيِّ. مَطْلَبٌ: فَسَادُ الْمُتَضَمِّنِ يُوجِبُ فَسَادَ الْمُتَضَمَّنِ (قَوْلُهُ: كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي شَرْحِهِ) وَنَصُّهُ لِفَسَادِ الْإِذْنِ بِفَسَادِ الْإِجَارَةِ وَفَسَادُ الْمُتَضَمِّنِ يُوجِبُ فَسَادَ الْمُتَضَمَّنِ بِخِلَافِ الْبَاطِلِ، فَإِنَّهُ مَعْدُومٌ شَرْعًا أَصْلًا وَوَصْفًا، فَلَا يَتَضَمَّنُ شَيْئًا فَكَانَتْ مُبَاشَرَتُهُ عِبَارَةً عَنْ الْإِذْنِ. اهـ. ح. وَحَاصِلُ الْفَرْقِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ الْفَاسِدَ لَهُ وُجُودٌ؛ لِأَنَّهُ فَائِتُ الْوَصْفِ دُونَ الْأَصْلِ فَكَانَ الْإِذْنُ ثَابِتًا فِي ضِمْنِهِ فَيَفْسُدُ، بِخِلَافِ الْبَاطِلِ فَإِنَّهُ لَا وُجُودَ لَهُ أَصْلًا فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا الْإِذْنُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ يُنَافِي مَا مَرَّ أَوَّلَ الْبُيُوعِ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ بَعْدَ عَقْدٍ فَاسِدٍ أَوْ بَاطِلٍ لَا يَنْعَقِدُ قَبْلَ مُتَارَكَةِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَيُنَافِي فُرُوعًا أُخَرَ مَذْكُورَةً فِي آخِرِ الْفَنِّ الثَّالِثِ مِنْ الْأَشْبَاهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " فَائِدَةٌ: إذَا بَطَلَ الشَّيْءُ بَطَلَ مَا فِي ضِمْنِهِ " فَرَاجِعْهَا مُتَأَمِّلًا. (قَوْلُهُ: وَالْحِيلَةُ) فِي أَنْ يَطِيبَ لِلْمُشْتَرِي مَا زَادَ فِي ذَاتِ الْمَبِيعِ وَمَا لَمْ يَكُنْ بَارِزًا وَقْتَ الْعَقْدِ. (قَوْلُهُ: أَنْ يَأْخُذَ) أَيْ الْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ: مُعَامَلَةً) أَيْ مُسَاقَاةً لِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ لَهُ إلَخْ) أَيْ لِلْبَائِعِ قَالَ: فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بَعْدَ مَا دَفَعَ الثَّمَنَ أَخَذْتُ مِنْكَ هَذَا الشَّجَرَ مُعَامَلَةً عَلَى أَنَّ لَكَ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ، وَلِي أَلْفَ جُزْءٍ إلَّا جُزْءًا أَيْ مِنْ الثَّمَرِ ذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ، وَفِيهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ أَخَذَ الثَّمَرَ شِرَاءً فَكَيْفَ يَأْخُذُهُ مُعَامَلَةً إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ دَفَعَ لَهُ الثَّمَنَ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ، وَيَكُونُ الِاعْتِبَارُ عَلَى عَقْدِ الْمُعَامَلَةِ. اهـ. قُلْتُ: الشِّرَاءُ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى الْبَارِزِ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَالْمُعَامَلَةُ لِأَجْلِ طِيبِ مَا لَمْ يَبْرُزْ بَعْدُ، وَطِيبِ مَا زَادَ فِي ذَاتِ الْبَارِزِ، نَعَمْ هَذِهِ الْحِيلَةُ إنَّمَا تَتَأَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ الشَّجَرُ وَقْفًا أَوْ لِيَتِيمٍ لِعَدَمِ الْحَظِّ وَالْمَصْلَحَةُ فِي أَخْذِهِ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ وَالْبَاقِي لِلْمُشْتَرِي، كَمَا ذَكَرَ الشَّارِحُ نَظِيرَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ. (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَشْتَرِيَ إلَخْ) هَذِهِ حِيلَةٌ ثَانِيَةٌ، وَبَيَانُهَا أَنَّ الْمُشْتَرَى إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُوجَدُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَقَدْ وُجِدَ بَعْضُهُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ شَيْءٌ كَالْبَاذِنْجَانِ وَالْبِطِّيخِ وَالْخِيَارِ أَوْ يُوجَدُ كُلُّهُ لَكِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ كَالزَّرْعِ وَالْحَشِيشِ، أَوْ يَكُونَ وُجِدَ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ كَثَمَرِ الْأَشْجَارِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَنْوَاعِ: فَفِي الْأَوَّلِ يَشْتَرِي الْأُصُولَ بِبَعْضِ الثَّمَنِ وَيَسْتَأْجِرُ الْأَرْضَ مُدَّةً مَعْلُومَةً بِبَاقِي الثَّمَنِ، لِئَلَّا يَأْمُرَهُ الْبَائِعُ بِالْقَلْعِ قَبْلَ خُرُوجِ الْبَاقِي أَوْ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ، وَفِي الثَّانِي يَشْتَرِي الْمَوْجُودَ مِنْ الْحَشِيشِ وَالزَّرْعِ، وَيَسْتَأْجِرُ الْأَرْضَ كَمَا قُلْنَا، وَفِي الثَّالِثِ يَشْتَرِي الْمَوْجُودَ مِنْ الثَّمَرِ بِكُلِّ الثَّمَنِ، وَيُحِلُّ لَهُ الْبَائِعُ مَا سَيُوجَدُ؛ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَ الْأَرْضِ لَا يَتَأَتَّى هُنَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 557 وَفِي الزَّرْعِ وَالْحَشِيشِ يَشْتَرِي الْمَوْجُودَ بِبَعْضِ الثَّمَنِ وَيَسْتَأْجِرُ الْأَرْضَ مُدَّةً مَعْلُومَةً يَعْلَمُ فِيهَا الْإِدْرَاكَ بِبَاقِي الثَّمَنِ، وَفِي الْأَشْجَارِ الْمَوْجُودَ، وَيُحِلُّ لَهُ الْبَائِعُ مَا يُوجَدُ، فَإِنْ خَافَ أَنْ يَرْجِعَ يَقُولُ عَلَى أَنِّي مَتَى رَجَعْتُ فِي الْإِذْنِ تَكُونُ مَأْذُونًا فِي التَّرْكِ شُمُنِّيٌّ مُلَخَّصًا. (مَا جَازَ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ) إلَّا الْوَصِيَّةَ بِالْخِدْمَةِ يَصِحُّ إفْرَادُهَا دُونَ اسْتِثْنَائِهَا أَشْبَاهٌ. فَرْعٌ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بِقَوْلِهِ: (فَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ) قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ وَشَاةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ قَطِيعٍ وَ (أَرْطَالٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ بَيْعِ تَمْرٍ نَخْلَةٍ)   [رد المحتار] لِأَنَّ الْأَشْجَارَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، وَقِيَامُهَا فِي الْأَرْضِ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَهَا أَوَّلًا مُعَامَلَةً كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ فِي تَصَرُّفِهِ أَوْ تَكُونُ الْأَشْجَارُ عَلَى الْمُسَنَّاةِ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ إجَارَةِ الْأَرْضِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَابِهِمْ، وَمَسْأَلَةُ الْإِحْلَالِ تَتَأَتَّى فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَيْضًا. (قَوْلُهُ: بِبَعْضِ الثَّمَنِ) تَنَازَعَ فِيهِ يَشْتَرِي الْأَوَّلَ وَيَشْتَرِي الثَّانِيَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَقَوْلُهُ: وَيَسْتَأْجِرُ الْأَرْضَ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ أَيْضًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْأَشْجَارِ الْمَوْجُودَ) أَيْ وَفِي الْأَشْجَارِ يَشْتَرِي الْمَوْجُودَ مِنْهَا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ خَافَ إلَخْ) قَالَ: فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقُولُ: كَتَبْتُ فِي لَطَائِفِ الْإِشَارَاتِ أَنَّهُمْ قَالُوا: قَالَ: وَكَّلْتُكَ بِكَذَا عَلَى أَنِّي كُلَّمَا عَزَلْتُكَ فَأَنْتَ وَكِيلِي صَحَّ، وَقِيلَ: لَا فَإِذَا صَحَّ يَبْطُلُ الْعَزْلُ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَجَوَّزَهُ مُحَمَّدٌ فَيَقُولُ: فِي عَزْلِهِ رَجَعْتُ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ وَعَزَلْتُكَ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُنَجَّزَةِ اهـ. رَمْلِيٌّ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يُمْكِنُ الرُّجُوعُ هُنَا عَنْ الْإِحْلَالِ بِأَنْ يَقُولَ: رَجَعْتُ عَنْ الْإِحْلَالِ الْمُعَلَّقِ وَعَنْ الْمُنَجَّزِ فَيَتَعَيَّنَ حِينَئِذٍ الِاحْتِيَالُ بِالْمُعَامَلَةِ عَلَى الْأَشْجَارِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: فِي التَّرْكِ) الْمُنَاسِبُ: فِي الْأَكْلِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَحَلَّ لَهُ مَا يُوجَدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَالتَّرْكُ إنَّمَا يُنَاسِبُ الْمَوْجُودَ إلَّا أَنْ يُدَّعَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا يُوجَدُ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي ذَاتِ الْمَبِيعِ الْمَوْجُودِ. [تَتِمَّةٌ] : اشْتَرَى الثِّمَارَ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْجَارِ، فَرَأَى مِنْ كُلِّ شَجَرَةٍ بَعْضَهَا يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بَحْرٌ ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَ بَيْعِ الْمُغَيَّبِ فِي الْأَرْضِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. (قَوْلُهُ: مَا جَازَ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ إلَخْ) هَذِهِ قَاعِدَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ مُفَرَّعٌ عَلَيْهَا مَسَائِلُ مِنْهَا مَا ذُكِرَ هُنَا مِنَحٌ (قَوْلُهُ: صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَقْدِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي عِبَارَةِ الْفَتْحِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِ الضَّمِيرِ فِي مِنْهُ رَاجِعًا لِلْمَبِيعِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ فَافْهَمْ، وَلَا يَصِحُّ إرْجَاعُهُ إلَى " مَا " لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ عَلَى الْمُسْتَثْنَى، فَيَلْزَمُ اسْتِثْنَاءُ الشَّيْءِ مِنْ نَفْسِهِ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَ فِي الْفَتْحِ وَبَيْعُ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ جَائِزٌ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ بِخِلَافِ اسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ مِنْ الْجَارِيَةِ أَوْ الشَّاةِ وَأَطْرَافِ الْحَيَوَانِ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ بَاعَ هَذِهِ الشَّاةَ إلَّا أَلْيَتَهَا أَوْ هَذَا الْعَبْدَ إلَّا يَدَهُ، فَيَصِيرُ مُشْتَرَكًا مُتَمَيِّزًا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا عَلَى الشُّيُوعِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ. اهـ. أَيْ كَبَيْعِ الْعَبْدِ إلَّا نِصْفَهُ مَثَلًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَيِّزٍ فِي جُزْءٍ بِعَيْنِهِ بَلْ شَائِعٌ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ فَيَجُوزُ. (قَوْلُهُ: يَصِحُّ إفْرَادُهَا) بِأَنْ يُوصِيَ بِهَا وَحْدَهَا بِدُونِ الرَّقَبَةِ اهـ ح. (قَوْلُهُ: دُونَ الِاسْتِثْنَاءِ) بِأَنْ يُوصِيَ لَهُ بِعَبْدٍ دُونَ خِدْمَتِهِ. اهـ. ح وَقَيَّدَ بِالْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ فِي الْوَصِيَّةِ، حَتَّى يَكُونَ الْحَمْلُ مِيرَاثًا وَالْجَارِيَةُ وَصِيَّةً، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَالْمِيرَاثُ يَجْرِي فِيمَا فِي الْبَطْنِ بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ، وَالْغَلَّةُ كَالْخِدْمَةِ بَحْرٌ مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. (قَوْلُهُ: وَشَاةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ قَطِيعٍ) أَمَّا لَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَلَا يَجُوزُ كَثَوْبٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ عِدْلٍ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 558 لِصِحَّةِ إيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا. وَلَوْ الثَّمَرُ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ عَلَى الظَّاهِرِ (كَصِحَّةِ) (بَيْعِ بُرٍّ فِي سُنْبُلِهِ) بِغَيْرِ سُنْبُلِ الْبُرِّ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا، (وَبَاقِلَاءَ وَأُرْزٍ وَسِمْسِمٍ فِي قِشْرِهَا وَجَوْزٍ وَلَوْزٍ وَفُسْتُقٍ فِي قِشْرِهَا الْأَوَّلِ) وَهُوَ الْأَعْلَى وَعَلَى الْبَائِعِ إخْرَاجُهُ إلَّا إذَا بَاعَ بِمَا فِيهِ. وَهَلْ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ؟ الْوَجْهُ نَعَمْ فَتْحٌ، وَإِنَّمَا بَطَلَ بَيْعُ مَا فِي ثَمَرٍ وَقُطْنٍ وَضَرْعٍ   [رد المحتار] قَوْلُهُ: وَأَرْطَالٍ مَعْلُومَةٍ) أَفَادَ أَنَّ مَحَلَّ الِاخْتِلَافِ الْآتِي مَا إذَا اسْتَثْنَى مُعَيَّنًا، فَإِنْ اسْتَثْنَى جُزْءًا كَرُبُعٍ وَثُلُثٍ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ. قُلْتُ: وَجْهُهُ أَنَّ مَا يُقَدَّرُ بِالرِّطْلِ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ، بِخِلَافِ الرُّبُعِ مَثَلًا فَإِنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، بَلْ هُوَ جُزْءٌ شَائِعٌ كَمَا قُلْنَا آنِفًا، وَنَظِيرُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَفَسَدَ بَيْعُ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ دَارٍ لَا أَسْهُمٍ، وَقَيَّدَ بِالْأَرْطَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَثْنَى رِطْلًا وَاحِدًا جَازَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ بِخِلَافِ الْأَرْطَالِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرُ فَيَكُونَ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ بَحْرٌ عَنْ الْبِنَايَةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَبْقَى أَكْثَرُ مِنْ الْمُسْتَثْنَى يَصِحُّ وَلَوْ الْمُسْتَثْنَى أَرْطَالًا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْآتِيَةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْفَتْحِ مِنْ تَعْلِيلِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ إخْرَاجِ الْمُسْتَثْنَى لَيْسَ مُشَارًا إلَيْهِ وَلَا مَعْلُومَ الْكَيْلِ الْمَخْصُوصِ، فَكَانَ مَجْهُولًا وَإِنْ ظَهَرَ آخِرًا أَنَّهُ بَقِيَ مِقْدَارٌ مُعَيَّنٌ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ هُوَ الْجَهَالَةُ الْقَائِمَةُ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ الْفَسَادُ بِاسْتِثْنَاءِ الرِّطْلِ الْوَاحِدِ أَيْضًا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِصِحَّةِ إيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْقَفِيزِ وَالشَّاةِ الْمُعَيَّنَةِ وَالْأَرْطَالِ الْمَعْلُومَةِ، وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فَصَحَّ، أَفَادَ بِهِ دُخُولَ مَا ذُكِرَ تَحْتَ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ الثَّمَرُ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ) فَيَصِحُّ إذَا كَانَ مَجْذُوذًا بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ. (قَوْلُهُ: عَلَى الظَّاهِرِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَصَحَّ وَمُقَابِلُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالْقُدُورِيُّ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مَجْهُولٌ وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهُ أَقْيَسُ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الصُّبْرَةِ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي النَّهْرِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ سُنْبُلِ الْبُرِّ) مُتَعَلِّقٌ بِبَيْعٍ وَالْبَاءُ فِيهِ لِلْبَدَلِ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي فِي الرِّبَا أَنَّ بَيْعَ الْحِنْطَةِ الْخَالِصَةِ بِحِنْطَةٍ فِي سُنْبُلِهَا لَا يَجُوزُ، وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْحِنْطَةُ الْخَالِصَةُ أَكْثَرَ مِنْ الَّتِي فِي سُنْبُلِهَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْخَانِيَّةِ، وَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الَّتِي فِي سُنْبُلِهَا مَعَهُ بِالْأُخْرَى الَّتِي فِي سُنْبُلِهَا مَعَهُ صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى خِلَافِهِ. اهـ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ كَبَيْعِ بُرٍّ فِي سُنْبُلِهِ إنْ أَرَادَ بِهِ بَيْعَ الْحَبِّ فَقَطْ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي وَعَلَى الْبَائِعِ إخْرَاجُهُ، فَتَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ بِغَيْرِ سُنْبُلِ الْبُرِّ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا بَاعَهُ بِسُنْبُلِ الْبُرِّ أَيْ بِالْبُرِّ مَعَ سُنْبُلِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَبُّ الْخَالِصُ أَكْثَرَ. أَمَّا إذَا كَانَ أَكْثَرَ يَكُونُ الزَّائِدُ بِمُقَابَلَةِ التِّبْنِ فَيَجُوزُ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ بَيْعَ الْبُرِّ مَعَ السُّنْبُلِ، فَلَا يَصِحُّ تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ بِغَيْرِ سُنْبُلِهِ لِمَا عَلِمْتَ مِنْ جَوَازِ بَيْعِهِ بِمِثْلِهِ بِأَنْ يُجْعَلَ الْحَبُّ فِي أَحَدِهِمَا بِمُقَابَلَةِ التِّبْنِ فِي الْآخَرِ. (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ الرِّبَا) تَعْلِيلٌ لِلْمَفْهُومِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ بِيعَ بِسُنْبُلِ الْبُرِّ لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْبُرُّ الَّذِي بِيعَ وَحْدَهُ مُسَاوِيًا لِلْبُرِّ الَّذِي بِيعَ مَعَ سُنْبُلِهِ، أَوْ أَقَلَّ فَيَكُونَ الْفَضْلُ رِبًا إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّ مَا بِيعَ وَحْدَهُ أَكْثَرُ كَمَا قُلْنَا آنِفًا. (قَوْلُهُ: وَبَاقِلَاءَ) هُوَ الْقَوْلُ بَحْرٌ: عَلَى وَزْنِ " فَاعِلَاءَ " يُشَدَّدُ فَيُقْصَرُ، وَيُخَفَّفُ فَيُمَدُّ الْوَاحِدَةُ بَاقِلَّاةٌ فِي الْوَجْهَيْنِ مِصْبَاحٌ. (قَوْلُهُ: فِي قِشْرِهَا الْأَوَّلِ) وَكَذَا الثَّانِي بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ. (قَوْلُهُ: فَعَلَى الْبَائِعِ إخْرَاجُهُ) فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ بَاعَ حِنْطَةً فِي سُنْبُلِهَا لَزِمَ الْبَائِعَ الدَّوْسُ وَالتَّذْرِيَةُ بَحْرٌ. وَكَذَا الْبَاقِلَّا وَمَا بَعْدَهَا. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا بَاعَ بِمَا فِيهِ) عِبَارَتُهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى إلَّا إذَا بِيعَتْ بِمَا هِيَ فِيهِ اهـ. وَهِيَ أَوْضَحُ يَعْنِي إذَا بَاعَ الْحِنْطَةَ بِالتِّبْنِ لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ تَخْلِيصُهُ ط. (قَوْلُهُ: الْوَجْهُ نَعَمْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ فَتْحٌ وَأَقَرَّ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا بَطَلَ إلَخْ) قَالَ: فِي الْفَتْحِ وَأَوْرَدَ الْمُطَالَبَةَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا بَاعَ حَبَّ قُطْنٍ فِي قُطْنٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ نَوَى تَمْرٍ فِي تَمْرٍ بِعَيْنِهِ أَيْ بَاعَ مَا فِي هَذَا الْقُطْنِ مِنْ الْحَبِّ، أَوْ مَا فِي هَذَا التَّمْرِ مِنْ النَّوَى فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 559 مِنْ نَوًى وَحَبٍّ وَلَبَنٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ عُرْفًا (وَأُجْرَةُ كَيْلٍ وَوَزْنٍ وَعَدٍّ وَذَرْعٍ عَلَى بَائِعٍ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ (وَأُجْرَةُ وَزْنِ ثَمَنٍ وَنَقْدِهِ) وَقَطْعِ ثَمَرٍ وَإِخْرَاجِ طَعَامٍ مِنْ سَفِينَةٍ (عَلَى مُشْتَرٍ) إلَّا إذَا قَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ ثُمَّ جَاءَ يَرُدُّهُ بِعَيْبِ الزِّيَافَةِ. [فَرْعٌ] ظَهَرَ بَعْدَ نَقْدِ الصَّرَّافِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ زُيُوفٌ رَدَّ الْأُجْرَةَ وَإِنْ وَجَدَ الْبَعْضَ فَبِقَدْرِهِ نَهْرٌ عَنْ إجَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ. وَأَمَّا الدَّلَّالُ فَإِنْ بَاعَ الْعَيْنَ بِنَفْسِهِ بِإِذْنِ رَبِّهَا فَأُجْرَتُهُ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ سَعَى بَيْنَهُمَا وَبَاعَ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ. (وَيُسَلِّمُ الثَّمَنَ أَوَّلًا فِي بَيْعِ سِلْعَةٍ بِدَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ) إنْ أَحْضَرَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ، (وَفِي بَيْعِ سِلْعَةٍ بِمِثْلِهَا)   [رد المحتار] مَعَ أَنَّهُ أَيْضًا فِي غِلَافِهِ، أَشَارَ أَبُو يُوسُفَ إلَى الْفَرْقِ بِأَنَّ النَّوَى هُنَاكَ مُعْتَبَرٌ عَدَمًا هَالِكًا فِي الْعُرْفِ فَإِنَّهُ يُقَالُ هَذَا تَمْرٌ وَقُطْنٌ، وَلَا يُقَالُ هَذَا نَوًى فِي تَمْرِهِ، وَلَا حَبٌّ فِي قُطْنِهِ، وَيُقَالُ: هَذِهِ حِنْطَةٌ فِي سُنْبُلِهَا، وَهَذَا لَوْزٌ وَفُسْتُقٌ فِي قِشْرِهِ، وَلَا يُقَالُ: هَذِهِ قُشُورٌ فِيهَا لَوْزٌ، وَلَا يَذْهَبُ إلَيْهِ وَهْمٌ، وَبِمَا ذَكَرْنَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَنْ امْتِنَاعِ بَيْعِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَاللَّحْمِ وَالشَّحْمِ فِي الشَّاةِ وَالْأَلْيَةِ وَالْأَكَارِعِ وَالْجِلْدِ فِيهَا وَالدَّقِيقِ فِي الْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ فِي الزَّيْتُونِ وَالْعَصِيرِ فِي الْعِنَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُنْعَدِمٌ فِي الْعُرْفِ، لَا يُقَالُ: هَذَا عَصِيرٌ وَزَيْتٌ فِي مَحَلِّهِ وَكَذَا الْبَاقِي. اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ نَوًى إلَخْ) نَشْرٌ مُرَتَّبٌ ط. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ) إذْ لَا يَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ إلَّا بِكَيْلِهِ وَوَزْنِهِ وَنَحْوِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى هَذَا إذَا بَاعَ مُكَايَلَةً أَوْ مُوَازَنَةً، وَنَحْوَهُ إذْ لَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِي الْمُجَازَفَةِ وَكَذَا صَبُّ الْحِنْطَةِ فِي وِعَاءِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَأُجْرَةُ وَزْنِ ثَمَنٍ وَنَقْدِهِ) أَمَّا كَوْنُ أُجْرَةِ وَزْنِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَهُوَ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمِ الْجَيِّدِ، وَتَعَرُّفِهِ بِالنَّقْدِ كَمَا يُعْرَفُ الْمِقْدَارُ بِالْوَزْنِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ دَرَاهِمِي مَنْقُودَةٌ أَوْ لَا هُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِمَنْ فَصَّلَ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَقَطْعُ ثَمَرٍ) فِي الْفَتْحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: وَقَطْعُ الْعِنَبِ الْمَشْرِيِّ جُزَافًا عَلَى الْمُشْتَرِي وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ بَاعَهُ جُزَافًا كَالثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالْجَزَرِ إذَا خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي، وَكَذَا قَطْعُ الثَّمَرِ يَعْنِي إذَا خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا قَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّ أُجْرَةَ النَّقْدِ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ، وَشَرْطٌ لِثُبُوتِ الرَّدِّ إذْ لَا تَثْبُتُ زِيَافَتُهُ إلَّا بِنَقْدِهِ قَالَ: فِي الْبَحْرِ: وَأَمَّا أُجْرَةُ نَقْدِ الدَّيْنِ فَعَلَى الْمَدْيُونِ إلَّا إذَا قَبَضَ رَبُّ الدَّيْنِ الدَّيْنَ، ثُمَّ ادَّعَى عَدَمَ النَّقْدِ فَالْأُجْرَةُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَبْضِ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ. [فَرْعٌ ظَهَرَ بَعْدَ نَقْدِ الصَّرَّافِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ زُيُوفٌ] (قَوْلُهُ: فَبِقَدْرِهِ) أَيْ فَيَرُدُّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا ظَهَرَ زَيْفًا، فَيَرُدُّ نِصْفَ الْأُجْرَةِ إنْ ظَهَرَ نِصْفُ الدَّرَاهِمِ زُيُوفًا، وَمَا عَزَاهُ إلَى الْبَزَّازِيَّةِ رَأَيْتُهُ أَيْضًا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة، وَرَأَيْتُ مَنْقُولًا عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا أَجْرَ لَهُ بِظُهُورِ الْبَعْضِ زُيُوفًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَفِّ عَمَلَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: فَأُجْرَتُهُ عَلَى الْبَائِعِ) وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ حَقِيقَةً شَرْحُ الْوَهْبَانِيَّةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ. (قَوْلُهُ: يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ) فَتَجِبُ الدَّلَالَةُ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ عَلَيْهِمَا بِحَسَبِ الْعُرْفِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: إنْ أَحْضَرَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ) شَرْطٌ لِإِلْزَامِ الْمُشْتَرِي بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ أَوَّلًا وَالشَّرْطُ أَيْضًا كَوْنُ الثَّمَنِ حَالًّا، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ لِلْمُشْتَرِي، فَلَا يُطَالَبُ بِالثَّمَنِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلَا قَبْلَ سُقُوطِ الْخِيَارِ. وَأَفَادَ أَنَّ لِلْبَائِعِ حَبْسَ الْمَبِيعِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ كُلَّ الثَّمَنِ، فَلَوْ شَرَطَ دَفْعَ الْمَبِيعِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَقَالَ: مُحَمَّدٌ لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ، فَلَوْ سَمَّى وَقْتَ الْبَائِعِ أَوْ الْمَبِيعِ جَازَ وَلَهُ الْحَبْسُ وَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ دِرْهَمٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْفَتْحِ وَالدُّرِّ الْمُنْتَقَى: لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ بِفِعْلِ الْبَائِعِ أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ أَوْ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ، بَطَلَ الْبَيْعُ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ لَوْ مَقْبُوضًا وَإِنْ هَلَكَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي، فَعَلَيْهِ ثَمَنُهُ إنْ كَانَ الْبَيْعُ مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا لَزِمَهُ ضَمَانُ مِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا، وَإِنْ هَلَكَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ فَيَضْمَنُ الْجَانِي لِلْبَائِعِ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهُ وَدَفَعَ الثَّمَنَ وَاتَّبَعَ الْجَانِيَ، وَيَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ إنْ كَانَ الضَّمَانُ مِنْ خِلَافِ الثَّمَنِ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 560 أَوْ ثَمَنٍ بِمِثْلِهِ (سَلَّمَا مَعًا) مَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا دَيْنًا كَسَلَمٍ وَثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ثُمَّ التَّسْلِيمُ يَكُونُ بِالتَّخْلِيَةِ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَبْضِ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ لِقَبْضِ الثَّمَنِ وَفِي هَلَاكِهِ وَمَا يَكُونُ قَبْضًا [تَنْبِيهٌ] : لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ إلَى قَبْضِ الثَّمَنِ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْهُ دِرْهَمٌ وَلَوْ الْمَبِيعُ شَيْئَيْنِ بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَسَمَّى لِكُلٍّ ثَمَنًا فَلَهُ حَبْسُهُمَا إلَى اسْتِيفَاءِ الْكُلِّ، وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْحَبْسِ بِالرَّهْنِ وَلَا بِالْكَفِيلِ، وَلَا بِإِبْرَائِهِ عَنْ بَعْضِ الثَّمَنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَاقِيَ، وَيَسْقُطُ بِحَوَالَةِ الْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ اتِّفَاقًا وَكَذَا بِحَوَالَةِ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِهِ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَبِتَأْجِيلِ الثَّمَنِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَبِتَسْلِيمِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَهُ رَدُّهُ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِلَا إذْنِهِ إلَّا إذَا رَآهُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْقَبْضِ فَهُوَ إذْنٌ، وَقَدْ يَكُونُ الْقَبْضُ حُكْمِيًّا قَالَ: مُحَمَّدٌ كُلُّ تَصَرُّفٍ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ إذَا فَعَلَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَكُلُّ مَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ إذَا فَعَلَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَ، وَيَصِيرُ الْمُشْتَرِي قَابِضًا. اهـ. أَيْ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَوْهُوبِ لَهُ يَقُومُ مَقَامَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي وَمِنْ الْقَبْضِ مَا لَوْ أَوْدَعَهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ أَوْ أَعَارَهُ وَأَمَرَ الْبَائِعَ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ لَا لَوْ أَوْدَعَهُ، أَوْ أَعَارَهُ أَوْ آجَرَهُ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ بَعْضَ الثَّمَنِ، وَقَالَ: تَرَكْتُهُ عِنْدَكَ رَهْنًا عَلَى الْبَاقِي وَمِنْهُ مَا لَوْ قَالَ: لِلْغُلَامِ: تَعَالَ مَعِي وَامْشِ فَتَخَطَّى أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ أَتْلَفَ الْمَبِيعَ أَوْ أَحْدَثَ فِيهِ عَيْبًا أَوْ أَمَرَ الْبَائِعَ بِذَلِكَ فَفَعَلَ أَوْ أَمَرَهُ بِطَحْنِ الْحِنْطَةِ فَطَحَنَ، أَوْ وَطِئَ الْأَمَةَ فَحَبِلَتْ، وَمِنْهُ مَا لَوْ اشْتَرَى دُهْنًا وَدَفَعَ قَارُورَةً يَزِنُهُ فِيهَا فَوَزَنَهُ فِيهَا بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي، فَهُوَ قَبْضٌ وَكَذَا بِغَيْبَتِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا كُلُّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ إذَا دَفَعَ لَهُ الْوِعَاءَ فَكَالَهُ أَوْ وَزَنَهُ فِيهِ بِأَمْرِهِ، وَمِنْهُ مَا لَوْ غَصَبَ شَيْئًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ صَارَ قَابِضًا بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ إلَّا إذَا وَصَلَ إلَيْهِ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا أَوْ حِنْطَةً فَقَالَ: لِلْبَائِعِ: بِعْهُ قَالَ: الْإِمَامُ الْفَضْلِيُّ: إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالرُّؤْيَةِ كَانَ فَسْخًا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْبَائِعُ نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَإِنْ قَالَ: بِعْهُ لِي أَيْ كُنْ وَكِيلًا فِي الْفَسْخِ فَمَا لَمْ يَقْبَلْ الْبَائِعُ لَا يَكُونُ فَسْخًا، وَكَذَا لَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ وَالرُّؤْيَةِ لَكِنْ يَكُونُ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ سَوَاءٌ قَالَ: بِعْهُ أَوْ بِعْهُ لِي هَذَا كُلُّهُ مُلَخَّصُ مَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: أَوْ ثَمَنٍ بِمِثْلِهِ) الْمُرَادُ بِالثَّمَنِ النُّقُودُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ أَثْمَانًا وَلَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ. (قَوْلُهُ: سَلَّمَا مَعًا) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّعْيِينِ فِي الْأَوَّلِ وَفِي عَدَمِهِ فِي الثَّانِي، أَمَّا فِي بَيْعِ سِلْعَةٍ بِثَمَنٍ فَإِنَّمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ، فَلِذَا أُمِرَ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ أَيْضًا تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ إلَخْ) الظَّرْفُ الَّذِي نَابَتْ عَنْهُ مَا الْمَصْدَرِيَّةُ الظَّرْفِيَّةُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: وَيُسَلِّمُ الثَّمَنَ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ عَقِبَ قَوْلِهِ إنْ أَحْضَرَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ بِأَنْ يَقُولَ: وَلَمْ يَكُنْ دَيْنًا إلَخْ. (قَوْلُهُ: كَسَلَمٍ وَثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ) تَمْثِيلٌ لِمَا إذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ دَيْنًا فَالْأَوَّلُ مِثَالُ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّلَمِ الْمُسْلَمُ فِيهِ وَالثَّانِي مِثَالُ الثَّمَنِ. . [مَطْلَبٌ فِيمَا يَكُونُ قَبْضًا لِلْمَبِيعِ] (قَوْلُهُ: ثُمَّ التَّسْلِيمُ) أَيْ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا كَمَا فِي الْبَحْرِ ط. مَطْلَبٌ فِيمَا يَكُونُ قَبْضًا لِلْمَبِيعِ (قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَبْضِ) فَلَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً فِي بَيْتٍ وَدَفَعَ الْبَائِعُ الْمِفْتَاحَ إلَيْهِ وَقَالَ: خَلَّيْتُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا، فَهُوَ قَبْضٌ وَإِنْ دَفَعَهُ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا لَا يَكُونُ قَبْضًا، وَإِنْ بَاعَ دَارًا غَائِبَةً فَقَالَ: سَلَّمْتهَا إلَيْكَ فَقَالَ: قَبَضْتهَا، لَمْ يَكُنْ قَبْضًا، وَإِنْ كَانَتْ قَرِيبَةً كَانَ قَبْضًا: وَهِيَ أَنْ تَكُونَ بِحَالٍ يَقْدِرُ عَلَى إغْلَاقِهَا وَإِلَّا فَهِيَ بَعِيدَةٌ، وَفِي جَمْعِ النَّوَازِلِ دَفْعُ الْمِفْتَاحِ فِي بَيْعِ الدَّارِ تَسْلِيمٌ إذَا تَهَيَّأَ لَهُ فَتْحُهُ بِلَا كُلْفَةٍ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بَقَرًا فِي السَّرْحِ فَقَالَ: الْبَائِعُ: اذْهَبْ وَاقْبِضْ إنْ كَانَ يُرَى بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ يَكُونُ قَبْضًا، وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَأَمَرَهُ الْبَائِعُ بِقَبْضِهِ فَلَمْ يَقْبِضْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 561 بِلَا مَانِعٍ وَلَا حَائِلٍ. وَشَرَطَ فِي الْأَجْنَاسِ شَرْطًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: خَلَّيْتُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْمَبِيعِ فَلَوْ لَمْ يَقُلْهُ أَوْ كَانَ بَعِيدًا لَمْ يَصِرْ قَابِضًا وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ، فَإِنَّهُمْ يَشْتَرُونَ قَرْيَةً وَيُقِرُّونَ بِالتَّسْلِيمِ وَالْقَبْضِ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ بِهِ الْقَبْضُ عَلَى الصَّحِيحِ   [رد المحتار] حَتَّى أَخَذَهُ إنْسَانٌ إنْ كَانَ حِينَ أَمَرَهُ بِقَبْضِهِ أَمْكَنَهُ مِنْ غَيْرِ قِيَامٍ صَحَّ التَّسْلِيمُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِقِيَامٍ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ اشْتَرَى طَيْرًا أَوْ فَرَسًا فِي بَيْتٍ، وَأَمَرَهُ الْبَائِعُ بِقَبْضِهِ فَفَتَحَ الْبَابَ فَذَهَبَ إنْ أَمْكَنَهُ أَخْذُهُ بِلَا عَوْنٍ كَانَ قَبْضًا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. مَطْلَبٌ فِي شُرُوطِ التَّخْلِيَةِ وَحَاصِلُهُ: أَنَّ التَّخْلِيَةَ قَبْضٌ حُكْمًا لَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِلَا كُلْفَةٍ لَكِنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ حَالِ الْمَبِيعِ، فَفِي نَحْوِ حِنْطَةٍ فِي بَيْتٍ مَثَلًا فَدَفْعُ الْمِفْتَاحِ إذَا أَمْكَنَهُ الْفَتْحُ بِلَا كُلْفَةٍ قَبْضٌ، وَفِي نَحْوِ دَارٍ فَالْقُدْرَةُ عَلَى إغْلَاقِهَا قَبْضٌ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ فِي الْبَلَدِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَفِي نَحْوِ بَقَرٍ فِي مَرْعًى فَكَوْنُهُ بِحَيْثُ يُرَى وَيُشَارُ إلَيْهِ قَبْضٌ وَفِي نَحْوِ ثَوْبٍ، فَكَوْنُهُ بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَهُ تَصِلُ إلَيْهِ قَبْضٌ، وَفِي نَحْوِ فَرَسٍ أَوْ طَيْرٍ فِي بَيْتٍ إمْكَانُ أَخْذِهِ مِنْهُ بِلَا مُعِينٍ قَبْضٌ. (قَوْلُهُ: بِلَا مَانِعٍ) بِأَنْ يَكُونَ مُفْرَزًا غَيْرَ مَشْغُولٍ بِحَقِّ غَيْرِهِ، فَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شَاغِلًا كَالْحِنْطَةِ فِي جُوَالِقِ الْبَائِعِ لَمْ يَمْنَعْهُ بَحْرٌ. وَفِي الْمُلْتَقَطِ: وَلَوْ بَاعَ دَارًا وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي وَلَهُ فِيهَا مَتَاعٌ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا حَتَّى يُسَلِّمَهَا فَارِغَةً، وَكَذَا لَوْ بَاعَ أَرْضًا وَفِيهَا زَرْعٌ. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: لَوْ بَاعَ حِنْطَةً فِي سُنْبُلِهَا فَسَلَّمَهَا كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ كَقُطْنٍ فِي فِرَاشٍ، وَيَصِحُّ تَسْلِيمُ ثِمَارِ الْأَشْجَارِ وَهِيَ عَلَيْهَا بِالتَّخْلِيَةِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِمِلْكِ الْبَائِعِ، وَعَنْ الْوَبَرِيِّ الْمَتَاعُ لِغَيْرِ الْبَائِعِ لَا يَمْنَعُ، فَلَوْ أَذِنَ لَهُ بِقَبْضِ الْمَتَاعِ وَالْبَيْتِ صَحَّ وَصَارَ الْمَتَاعُ وَدِيعَةً عِنْدَهُ. اهـ. مَطْلَبٌ اشْتَرَى دَارًا مَأْجُورَةً لَا يُطَالَبُ بِالثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهَا قُلْتُ: وَيَدْخُلُ فِي الشَّغْلِ بِحَقِّ الْغَيْرِ مَا لَوْ كَانَتْ الدَّارُ مَأْجُورَةً، فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ لِعَدَمِ الْقَبْضِ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى سُئِلَ عَنْهَا وَرَأَيْتُ نَقْلَهَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: بَاعَ الْمُسْتَأْجِرُ وَرَضِيَ الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَفْسَخَ الشِّرَاءَ إلَى مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ مِنْ الْبَائِعِ، فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ بِالتَّسْلِيمِ قَبْلَ مُضِيِّهَا وَلَا لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ مَا لَمْ يَجْعَلْ الْمَبِيعَ بِمَحَلِّ التَّسْلِيمِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى غَائِبًا لَا يُطَالِبُهُ بِثَمَنِهِ مَا لَمْ يَتَهَيَّأْ الْمَبِيعُ لِلتَّسْلِيمِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا حَائِلَ) بِأَنْ يَكُونَ فِي حَضْرَتِهِ. اهـ. ح وَقَدْ عَلِمْت بَيَانَهُ. (قَوْلُهُ: أَنْ يَقُولَ خَلَّيْتُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِذْنُ بِالْقَبْضِ لَا خُصُوصُ لَفْظِ التَّخْلِيَةِ، لِمَا فِي الْبَحْرِ وَلَوْ قَالَ: الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْعِ: خُذْ لَا يَكُونُ قَبْضًا وَلَوْ قَالَ: خُذْهُ يَكُونُ تَخْلِيَةً إذَا كَانَ يَصِلُ إلَى أَخْذِهِ. اهـ. وَفِي الْفُرُوعِ الْمَارَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ بَعِيدًا) أَيْ وَإِنْ قَالَ: خَلَّيْتُ إلَخْ كَمَا مَرَّ وَالْمُرَادُ بِالْبَعِيدِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى قَبْضِهِ، بِلَا كُلْفَةٍ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَبِيعِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ، أَوْ الْمُرَادُ بِهِ حَقِيقَتُهُ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ مَا شَابَهَهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا يَصِحُّ بِهِ الْقَبْضُ) أَيْ الْإِقْرَارُ الْمَذْكُورُ وَلَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْقَبْضُ وَقَيَّدَ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي ذَاتِهِ صَحِيحٌ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي دَفْعُ الثَّمَنِ لِعَدَمِ الْقَبْضِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَمُقَابِلُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ وَجَامِعِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ بِالتَّخْلِيَةِ يَصِحُّ الْقَبْضُ وَإِنْ كَانَ الْعَقَارُ بَعِيدًا غَائِبًا عَنْهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالصَّحِيحُ مَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قَرِيبًا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْقَبْضُ الْحَقِيقِيُّ فِي الْحَالِ فَتُقَامُ التَّخْلِيَةُ مَقَامَ الْقَبْضِ، أَمَّا إذَا كَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 562 وَكَذَا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ خَانِيَّةٌ. وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْمُلْتَقَى. (وَجَدَهُ) أَيْ الْبَائِعُ الثَّمَنَ (زُيُوفًا لَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُ السِّلْعَةِ وَحَبْسُهَا بِهِ) لِسُقُوطِ حَقِّهِ بِالتَّسْلِيمِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَهُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ وَجَدَهَا رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً أَوْ مُسْتَحَقًّا وَكَالْمُرْتَهِنِ مَنِيَّةٌ.   [رد المحتار] بَعِيدًا لَا يُتَصَوَّرُ الْقَبْضُ فِي الْحَالِ فَلَا تُقَامُ التَّخْلِيَةُ مَقَامَ الْقَبْضِ. اهـ. هَذَا ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا نُقِلَ مِثْلُهُ فِي أَوَاخِرِ الْإِجَارَاتِ عَنْ وَقْفِ الْأَشْبَاهِ. ثُمَّ قَالَ: قُلْتُ: لَكِنْ نَقَلَ مُحَشِّيهَا ابْنُ الْمُصَنِّفِ فِي زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ عَنْ بُيُوعِ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ مَتَى مَضَى مُدَّةٌ يَتَمَكَّنُ مِنْ الذَّهَابِ إلَيْهَا وَالدُّخُولِ فِيهَا كَانَ قَابِضًا وَإِلَّا فَلَا فَتَنَبَّهْ. اهـ. قُلْتُ: لَكِنْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَتَيْنِ، وَلَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا الْقُرْبُ الَّذِي يُتَصَوَّرُ مَعَهُ حَقِيقَةُ الْقَبْضِ كَمَا عَلِمْته مِنْ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ) أَيْ لَا تَكُونُ تَخْلِيَةُ الْبَعِيدِ فِيهِمَا قَبْضًا قَالَ: فِي الْبَحْرِ: وَعَلَى هَذَا تَخْلِيَةُ الْبَعِيدِ فِي الْإِجَارَةِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَكَذَا الْإِقْرَارُ بِتَسْلِيمِهَا. اهـ. قُلْتُ: وَمُفَادُهُ أَنَّ تَخْلِيَةَ الْقَرِيبِ فِي الْهِبَةِ قَبْضٌ، لَكِنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الْفَاسِدَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ التَّخْلِيَةَ فِي الْبَيْعِ الْجَائِزِ تَكُونُ قَبْضًا وَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قَبْضٌ وَفِي الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ - كَالْهِبَةِ فِي الْمُشَاعِ الَّذِي يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ - لَا تَكُونُ قَبْضًا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْهِبَةِ الْجَائِزَةِ ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ قَابِضًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ يَصِيرُ قَابِضًا وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا. اهـ. [تَتِمَّةٌ] : فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَشْرِيَّ قَبْلَ نَقْدِهِ بِلَا إذْنِ الْبَائِعِ، فَطَلَبَهُ مِنْهُ فَخَلَّى بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْبَائِعِ لَا يَكُونُ قَبْضًا حَتَّى يَقْبِضَهُ بِيَدِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا خَلَّى الْبَائِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَى بَقَرَةً مَرِيضَةً وَخَلَّاهَا فِي مَنْزِلِ الْبَائِعِ قَائِلًا إنْ هَلَكَتْ فَمِنِّي وَمَاتَتْ، فَمِنْ الْبَائِعِ لِعَدَمِ الْقَبْضِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: لِلْبَائِعِ: سُقْهَا إلَى مَنْزِلِكَ فَأَذْهَبُ فَأَتَسَلَّمُهَا، فَهَلَكَتْ حَالَ سَوْقِ الْبَائِعِ فَإِنْ ادَّعَى الْبَائِعُ التَّسْلِيمَ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي، قَالَ: الْمُشْتَرِي لِلْعَبْدِ: اعْمَلْ كَذَا أَوْ قَالَ: لِلْبَائِعِ مُرْهُ يَعْمَلُ كَذَا فَعَمِلَ فَعَطِبَ الْعَبْدُ هَلَكَ مِنْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ قَبْضٌ قَالَ: الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ: لَا أَعْتَمِدُكَ عَلَى الْمَبِيعِ، فَسَلِّمْهُ إلَى فُلَانٍ يُمْسِكُهُ حَتَّى أَدْفَعَ لَكَ الثَّمَنَ فَفَعَلَ الْبَائِعُ وَهَلَكَ عِنْدَ فُلَانٍ هَلَكَ مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ كَانَ لِأَجْلِهِ. اشْتَرَى وِعَاءَ لَبَنٍ خَائِرٍ فِي السُّوقِ فَأَمَرَ الْبَائِعُ بِنَقْلِهِ إلَى مَنْزِلِهِ فَسَقَطَ فِي الطَّرِيقِ فَعَلَى الْبَائِعِ إنْ لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُشْتَرِي. اشْتَرَى فِي الْمِصْرِ حَطَبًا فَغَصَبَهُ غَاصِبٌ حَالَ حَمْلِهِ إلَى مَنْزِلِهِ فَمِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ التَّسْلِيمَ فِي مَنْزِلِ الشَّارِي بِالْعُرْفِ. قَالَ: لِلْبَائِعِ زِنْهُ لَهُ وَابْعَثْهُ مَعَ غُلَامِكَ أَوْ غُلَامِي فَفَعَلَ وَانْكَسَرَ الْوِعَاءُ فِي الطَّرِيقِ فَالتَّلَفُ مِنْ الْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَقُولَ ادْفَعْهُ إلَى الْغُلَامِ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ لِلْغُلَامِ وَالدَّفْعُ إلَيْهِ كَالدَّفْعِ إلَى الْمُشْتَرِي. اهـ. (قَوْلُهُ: لِسُقُوطِ حَقِّهِ بِالتَّسْلِيمِ) فِيهِ أَنَّ التَّسْلِيمَ مَوْجُودٌ أَيْضًا فِيهَا لَوْ وَجَدَهُ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً، الْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِمَا فِي الْمِنَحِ بِأَنَّهُ اسْتَوْفَى أَصْلَ حَقِّهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ نَقْضِ التَّسْلِيمِ. اهـ. أَيْ لِأَنَّ الزُّيُوفَ دَرَاهِمُ لَكِنَّهَا مَعِيبَةٌ وَمِثْلُهَا النَّبَهْرَجَةُ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ، بِخِلَافِ الرَّصَاصِ وَالسَّتُّوقَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ دَرَاهِمَ فَلَمْ يُوجَدْ قَبْضُ الثَّمَنِ أَصْلًا فَلَهُ نَقْضُ التَّسْلِيمِ، وَأَفَادَ أَنَّ هَذَا لَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ؛ أَمَّا لَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِلَا إذْنِ الْبَائِعِ فَلَهُ نَقْضُهُ فِي الزُّيُوفِ وَغَيْرِهَا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ وَجَدَهَا) الْأَوْلَى وَجَدَهُ: أَيْ الثَّمَنَ الْمُحَدَّثَ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ مُسْتَحَقًّا) أَيْ بِأَنْ أَثْبَتَ رَجُلٌ أَنَّ الْمَقْبُوضَ حَقُّهُ فَيَثْبُتُ لِلْبَائِعِ اسْتِرْدَادُ السِّلْعَةِ لِانْتِقَاضِ الِاسْتِيفَاءِ. (قَوْلُهُ: وَكَالْمُرْتَهِنِ) عِبَارَةُ مُنْيَةِ الْمُفْتِي: وَالْمُرْتَهِنُ يَسْتَرِدُّ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا. اهـ. أَيْ فِي الزُّيُوفِ وَالرَّصَاصِ وَغَيْرِهَا، أَيْ: لَوْ قَبَضَ دَيْنَهُ وَسَلَّمَ الرَّهْنَ لِرَاهِنِهِ ثُمَّ ظَهَرَ مَا قَبَضَهُ زُيُوفًا أَوْ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً أَوْ مُسْتَحَقًّا فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ الرَّهْنَ. [تَنْبِيهٌ] لَوْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ قَبْضِهِ بَيْعًا أَوْ هِبَةً ثُمَّ وَجَدَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ كَذَلِكَ لَا يُنْقَضُ التَّصَرُّفُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 563 قَبَضَ) بَدَلَ دَرَاهِمِهِ (الْجِيَادِ) الَّتِي كَانَتْ لَهُ عَلَى زَيْدٍ (زُيُوفًا) عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا جِيَادٌ (ثُمَّ عَلِمَ) بِأَنَّهَا زُيُوفٌ (يَرُدُّهَا وَيَسْتَرِدُّ الْجِيَادَ) إنْ كَانَتْ (قَائِمَةً وَإِلَّا فَلَا) يَرُدُّ وَلَا يَسْتَرِدُّ، كَمَا لَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ عِنْدَ الْقَبْضِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَرُدُّ مِثْلَ الزُّيُوفِ وَيَرْجِعُ بِالْجِيَادِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً. (اشْتَرَى شَيْئًا وَقَبَضَهُ وَمَاتَ مُفْلِسًا قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَالْبَائِعُ أُسْوَةٌ لِلْغُرَمَاءِ. وَ) عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ أَحَقُّ بِهِ كَمَا (لَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ) الْمُشْتَرِي (فَإِنَّ الْبَائِعَ أَحَقُّ بِهِ) اتِّفَاقًا. وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا فَوَجَدَ الْبَائِعُ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أُسْوَةٌ لِلْغُرَمَاءِ» شَرْحُ مَجْمَعِ الْعَيْنِيّ.   [رد المحتار] لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ بِإِذْنِ الْبَائِعِ كَتَصَرُّفِهِ، وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ بَعْدَ نَقْدِ الثَّمَنِ بِلَا إذْنِ الْبَائِعِ وَتَصَرَّفَ فِيهِ ثُمَّ وَجَدَ الثَّمَنَ كَذَلِكَ يُنْقَضُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَلَا يُنْقَضُ مَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَزَّازِيَّةٌ وَمَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَمَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَالْعِتْقِ وَفُرُوعِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَائِمَةً سَوَاءٌ كَانَتْ هَالِكَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةً دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ) أَيْ بِأَنَّهَا زُيُوفٌ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ رَاضِيًا بِهَا فَلَا يَكُونُ لَهُ رَدٌّ وَلَا اسْتِرْدَادٌ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ يُرَدُّ مِثْلُ الزُّيُوفِ إلَخْ) لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ بَاطِلٌ لِاسْتِلْزَامِهِ الرِّبَا، وَلَا وَجْهَ لِإِبْطَالِ حَقِّهِ فِي الْجَوْدَةِ لِعَدَمِ رِضَاهُ دُرَرٌ. قَالَ: فِي الْحَقَائِقِ نَقْلًا عَنْ الْعُيُونِ: إنَّ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ حَسَنٌ وَأَدْفَعُ لِلضَّرَرِ وَلِذَا اخْتَرْنَاهُ لِلْفَتْوَى. اهـ. وَكَذَلِكَ صَرَّحَ فِي الْمَجْمَعِ بِأَنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ عَزْمِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ كَانَتْ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً) فَإِنَّهَا تُرَدُّ اتِّفَاقًا دُرَرٌ؛ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهَا تُرَدُّ وَلَوْ عَلِمَ بِهَا وَقْتَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ ط. [مَطْلَبٌ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَمَاتَ مُفْلِسًا قَبْلَ قَبْضِهِ فَالْبَائِعُ أَحَقُّ] ُّ (قَوْلُهُ: وَمَاتَ مُفْلِسًا) أَيْ لَيْسَ لَهُ مَالٌ يَفِي بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدُّيُونِ سَوَاءٌ فَلَّسَهُ الْقَاضِي أَوْ لَا. (قَوْلُهُ: فَالْبَائِعُ أُسْوَةٌ لِلْغُرَمَاءِ) أَيْ يَقْتَسِمُونَهُ وَلَا يَكُونُ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِهِ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْبَائِعَ أَحَقُّ بِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِحَبْسِهِ عِنْدَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ أَوْ يَبِيعَهُ الْقَاضِي وَيَدْفَعَ لَهُ الثَّمَنَ، فَإِنْ وَفَّى بِجَمِيعِ دَيْنِ الْبَائِعِ فَبِهَا، وَإِنْ زَادَ دَفَعَ الزَّائِدَ لِبَاقِي الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ نَقَصَ فَهُوَ أُسْوَةٌ لِلْغُرَمَاءِ فِيمَا بَقِيَ لَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ أَحَقَّ بِهِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ مُطْلَقًا، إذْ لَا وَجْهَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَهُ وَانْتَقَلَ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى وَرَثَتِهِ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ غُرَمَائِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ أَحَقَّ مِنْ بَاقِي الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ إلَى قَبْضِ الثَّمَنِ فِي حَيَاةِ الْمُشْتَرِي فَكَذَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْإِجَارَاتِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ فَالْمُسْتَأْجِرُ أَحَقُّ بِالدَّارِ مِنْ غُرَمَائِهِ: أَيْ إذَا كَانَتْ الدَّارُ بِيَدِهِ وَكَانَ قَدْ دَفَعَ الْأُجْرَةَ وَانْفَسَخَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ بِمَوْتِ الْمُؤَجِّرِ فَلَهُ حَبْسُ الدَّارِ وَهُوَ أَحَقُّ بِثَمَنِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا عَجَّلَ الْأُجْرَةَ وَلَمْ يَقْبِضْ الدَّارَ حَتَّى مَاتَ الْمُؤَجِّرُ فَإِنَّهُ يَكُونُ أُسْوَةً لِسَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَلَا يَكُونُ لَهُ حَبْسُ الدَّارِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَكَذَا مَا سَيَأْتِي فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَوْ مَاتَ بَعْدَ فَسْخِهِ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ فَلَهُ حَبْسُهُ حَتَّى يَأْخُذَ مَالَهُ، هَكَذَا يَنْبَغِي حَلَّ هَذَا الْمَحِلِّ، وَبِهِ ظَهَرَ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى سُئِلْت عَنْهَا. وَهِيَ: مَا لَوْ مَاتَ الْبَائِعُ مُفْلِسًا بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَقَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ يَكُونُ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِهِ فِي حَيَاتِهِ، بَلْ لِلْمُشْتَرِي جَبْرُهُ عَلَى تَسْلِيمِهِ مَا دَامَتْ عَيْنُهُ بَاقِيَةً فَيَكُونُ لَهُ أَخْذُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْبَائِعِ أَيْضًا، إذْ لَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ فِيهِ بِوَجْهٍ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا بِالثَّمَنِ لَوْ هَلَكَ عِنْدَهُ، وَمِثْلُهُ الرَّهْنُ، فَإِنَّ الرَّاهِنَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غُرَمَاءِ الْمُرْتَهِنِ، وَاَللَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 564 فُرُوعٌ] بَاعَ نِصْفَ الزَّرْعِ بِلَا أَرْضٍ، إنْ بَاعَهُ الْأَكَّارُ لِرَبِّ الْأَرْضِ جَازَ، وَبِعَكْسِهِ لَا إلَّا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْأَكَّارِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ خَانِيَّةٌ. بَاعَ شَجَرًا أَوْ كَرْمًا مُثْمِرًا لَا يَدْخُلُ الثَّمَرُ وَحِينَئِذٍ فَيُعَارُ الشَّجَرُ إلَى الْإِدْرَاكِ فَلَوْ أَبَى الْمُشْتَرِي إعَارَتَهُ خُيِّرَ الْبَائِعُ إنْ شَاءَ أَبْطَلَ الْبَيْعَ أَوْ قَطَعَ الثَّمَرَ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَا فَرْقَ يَظْهَرُ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ. بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ وَجْهُ تَقْدِيمِهِ مَعَ بَيَانِ تَقْسِيمِهِ مُبَيَّنٌ فِي الدُّرَرِ. ثُمَّ الْخِيَارَاتُ بَلَغَتْ سَبْعَةَ عَشَرَ: الثَّلَاثَةُ الْمُبَوَّبُ لَهَا، وَخِيَارُ تَعْيِينٍ   [رد المحتار] سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. . [فُرُوعٌ بَاعَ نِصْفَ الزَّرْعِ بِلَا أَرْضٍ] (قَوْلُهُ: بَاعَ نِصْفَ الزَّرْعِ إلَخْ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ: رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ دَفَعَهَا لِأَكَّارٍ: أَيْ فَلَّاحٍ وَدَفَعَ لَهُ الْبَذْرَ أَيْضًا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ الْأَكَّارُ فِيهَا بِبَقَرِهِ بِنِصْفِ الْخَارِجِ فَعَمِلَ وَخَرَجَ الزَّرْعُ فَبَاعَ الْأَكَّارُ نِصْفَهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ جَازَ الْبَيْعُ؛ أَمَّا لَوْ رَبُّ الْأَرْضِ نِصْفَهُ لِلْأَكَّارِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَأْمُرُهُ بِقَلْعِ مَا بَاعَهُ، وَلَا يُمْكِنُ إلَّا بِقَلْعِ الْكُلِّ فَيَتَضَرَّرُ الْمُشْتَرِي بِقَلْعِ نَصِيبِهِ الَّذِي كَانَ لَهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ مُسْتَحِقًّا لِلْبَقَاءِ فِي الْأَرْضِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ، نَعَمْ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْأَكَّارِ وَيَكُونُ مُسْتَأْجِرًا الْأَرْضَ بِنِصْفِ الْخَارِجِ، فَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَمْرُهُ بِقَلْعِ مَا بَاعَهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الْبَيْعُ لِعَدَمِ الضَّرَرِ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ بَيْعِ الْحِصَّةِ الشَّائِعَةِ مِنْ الزَّرْعِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا وَعَلَى نَظَائِرِهَا أَوَّلَ كِتَابِ الشَّرِكَةِ. . (قَوْلُهُ: قَالَ: فِي النَّهْرِ إلَخْ) أَصْلُهُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ. وَحَاصِلُ الْبَحْثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ هَذَا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ ثَمَرَةً بِدُونِ الشَّجَرِ وَلَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِإِعَارَةُ الشَّجَرِ أَنْ يَتَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي أَيْضًا، إنْ شَاءَ أَبْطَلَ الْبَيْعَ أَوْ قَطَعَهَا؛ لِأَنَّ فِي الْقَطْعِ إتْلَافَ الْمَالِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ لَكِنْ تَقَدَّمَ تَصْرِيحُ الْمَتْنِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتُونِ بِقَوْلِهِ وَيَقْطَعُهَا الْمُشْتَرِي فِي الْحَالِ. وَأَيْضًا فَمَا نَقَلَهُ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مُخَالِفٌ أَيْضًا لِتَصْرِيحِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ وَحْدَهُ أَوْ الْأَرْضِ وَحْدَهَا بِقَوْلِهِ وَيُؤْمَرُ الْبَائِعُ بِقَطْعِهِمَا: أَيْ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ صَلَاحُهُ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ هُنَاكَ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ] ِ مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ سَبَبٌ لِلْخِيَارِ بَحْرٌ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَقْدِ اللُّزُومُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَلَا يَثْبُتُ لِأَحَدِهِمَا اخْتِيَارُ الْإِمْضَاءِ أَوْ الْفَسْخِ وَلَوْ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ عِنْدَنَا إلَّا بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: مُبَيَّنٌ فِي الدُّرَرِ) حَيْثُ قَالَ: بَعْدَ مَا تَرْجَمَ بِبَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالتَّعْيِينِ، وَقَدَّمَهُمَا عَلَى بَاقِي الْخِيَارَاتِ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ، ثُمَّ ذَكَرَ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ، وَأَخَّرَ خِيَارَ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ. وَخِيَارُ الشَّرْطِ أَنْوَاعٌ: فَاسِدٌ وِفَاقًا، كَمَا إذَا قَالَ: اشْتَرَيْتُ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَيَّامًا أَوْ أَبَدًا. وَجَائِزٌ وِفَاقًا، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا. وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ، فَإِنَّهُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ، جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ: فَرْعٌ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ خِيَارِ الشَّرْطِ بِالشَّرْطِ، فَلَوْ بَاعَهُ حِمَارًا عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ هَذَا النَّهْرَ فَرَدَّهُ يَقْبَلُهُ وَإِلَّا لَا لَمْ يَصِحَّ، وَكَذَا إذَا قَالَ: مَا لَمْ يُجَاوِزْ بِهِ إلَى الْغَدِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: الثَّلَاثَةُ الْمُبَوَّبُ لَهَا) أَيْ الَّتِي ذُكِرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بَابٌ، وَهِيَ خِيَارُ الشَّرْطِ، وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ، وَخِيَارُ الْعَيْبِ. (قَوْلُهُ: وَخِيَارُ تَعْيِينٍ) هُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةَ عَلَى أَنْ يُعَيِّنَ أَيَّهَا شَاءَ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَاعَ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 565 وَغَبْنٍ وَنَقْدٍ وَكَمِّيَّةٍ وَاسْتِحْقَاقٍ، وَتَغْرِيرٍ فِعْلِيٍّ، وَكَشْفِ حَالٍ، وَخِيَانَةِ مُرَابَحَةٍ وَتَوْلِيَةٍ وَفَوَاتِ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ، وَتَفْرِيقِ صَفْقَةٍ بِهَلَاكِ بَعْضِ مَبِيعٍ، وَإِجَازَةِ عَقْدِ الْفُضُولِيِّ، وَظُهُورِ الْمَبِيعِ مُسْتَأْجَرًا أَوْ مَرْهُونًا.   [رد المحتار] فِي أَحَدِهِمَا إلَخْ (قَوْلُهُ: وَغَبْنٍ) هُوَ مَا يَأْتِي فِي الْمُرَابَحَةِ فِي قَوْلِهِ وَلَا رَدَّ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيُفْتَى بِالرَّدِّ إنْ غَرَّهُ: أَيْ غَرَّ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ، أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ غَرَّهُ الدَّلَّالُ وَإِلَّا فَلَا. (قَوْلُهُ: وَنَقْدٍ) هُوَ مَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ فَإِنْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَكَمِّيَّةٍ) هُوَ مَا مَرَّ أَوَّلَ الْبُيُوعِ فِيمَا لَوْ اشْتَرَى بِمَا فِي هَذِهِ الْخَابِيَةِ إلَخْ وَقَدَّمْنَا بَيَانَهُ. (قَوْلُهُ: وَاسْتِحْقَاقٍ) هُوَ مَا سَيَذْكُرُهُ فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ فِي قَوْلِهِ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَبِيعِ، فَإِنْ كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْكُلِّ خُيِّرَ فِي الْكُلِّ، وَإِنْ بَعْدَهُ خُيِّرَ فِي الْقِيَمِيِّ لَا فِي غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَتَغْرِيرٍ فِعْلِيٍّ) أَمَّا الْقَوْلِيُّ فَهُوَ مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ وَغَبْنٍ. وَالْفِعْلِيُّ كَالتَّصْرِيَةِ، وَهِيَ أَنْ يَشُدَّ الْبَائِعُ ضَرْعَ الشَّاةِ لِيَجْتَمِعَ لَبَنُهَا فَيَظُنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا غَزِيرَةُ اللَّبَنِ. وَالْخِيَارُ الْوَارِدُ فِيهَا أَنَّهُ إذَا حَلَبَهَا، إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ، وَبِهِ أَخَذَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فَقَطْ إنْ شَاءَ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي خِيَارِ الْعَيْبِ عِنْدَ قَوْلِهِ اشْتَرَى جَارِيَةً لَهَا لَبَنٌ. (قَوْلُهُ: وَكَشْفِ حَالٍ) هُوَ مَا مَرَّ أَوَّلَ الْبُيُوعِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى بِوَزْنِ هَذَا الْحَجَرِ ذَهَبًا أَوْ بِإِنَاءٍ أَوْ حَجَرٍ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ، فَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَاكَ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ فِيهِمَا، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَحْرِ هُنَاكَ أَنَّ هَذَا الْخِيَارَ خِيَارُ كَشْفِ الْحَالِ، وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ فِي بَيْعِ صُبْرَةٍ كُلِّ صَاعٍ بِكَذَا، وَمَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَخِيَانَةِ مُرَابَحَةٍ وَتَوْلِيَةٍ) هُوَ مَا سَيَأْتِي فِي الْمُرَابَحَةِ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ ظَهَرَ خِيَانَةٌ فِي مُرَابَحَةٍ بِإِقْرَارٍ أَوْ بُرْهَانٍ عَلَى ذَلِكَ أَوْ نُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي بِكُلِّ ثَمَنِهِ أَوْ رَدَّهُ لِفَوَاتِ الرِّضَا، وَلَهُ الْحَطُّ قَدْرَ الْخِيَانَةِ فِي التَّوْلِيَةِ لِتَتَحَقَّقَ التَّوْلِيَةُ. قَالَ: ح. وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْوَضِيعَةُ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَفَوَاتِ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ) هُوَ مَا يَذْكُرُهُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي قَوْلِهِ اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ خَبْزِهِ أَوْ كَتْبِهِ إلَخْ. مَطْلَبٌ فِي هَلَاكِ بَعْضِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ (قَوْلُهُ: وَتَفْرِيقِ صَفْقَةٍ بِهَلَاكِ بَعْضِ مَبِيعٍ) أَيْ هَلَاكِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَيَّدَ بِالْبَعْضِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الْكُلِّ قَبْلَ قَبْضِهِ فِيهِ تَفْصِيلٌ قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ هَذَا الْبَابِ. وَحَاصِلُهُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْبَائِعِ أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ؛ وَإِنْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ، وَإِنْ شَاءَ أَجَازَ وَضَمَّنَ الْمُسْتَهْلِكَ. اهـ. وَذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا. ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ هَلَكَ الْبَعْضُ قَبْلَ قَبْضِهِ سَقَطَ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرُ النَّقْصِ سَوَاءٌ كَانَ نُقْصَانَ قَدْرٍ أَوْ وَصْفٍ، وَخُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ، وَإِنْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعِ، وَإِنْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، إنْ نُقْصَانَ قَدْرٍ طُرِحَ عَنْ الْمُشْتَرِي حِصَّةُ الْفَائِتِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي، وَإِنْ نُقْصَانَ وَصْفٍ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لَكِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْأَخْذِ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ التَّرْكِ وَالْوَصْفُ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْبَيْعِ بِلَا ذِكْرٍ كَالْأَشْجَارِ وَالْبِنَاءِ فِي الْأَرْضِ وَالْأَطْرَافِ فِي الْحَيَوَانِ وَالْجَوْدَةِ فِي الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ، وَإِنْ بِفِعْلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَالْجَوَابُ كَذَلِكَ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِيهَا فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: وَظُهُورُ الْمَبِيعِ مُسْتَأْجَرًا أَوْ مَرْهُونًا) أَيْ وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا مَثَلًا فَظَهَرَ أَنَّهَا مَرْهُونَةٌ أَوْ مُسْتَأْجَرَةٌ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَعَدَمِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ لَا يُخَيَّرُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَا: يَتَخَيَّرُ وَلَوْ عَالِمًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَفِي حَاشِيَتِهِ لِلرَّمْلِيِّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ اهـ. وَكَذَا يُخَيَّرُ الْمُرْتَهِنُ وَالْمُسْتَأْجِرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَعَدَمِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، لَكِنْ فِي حَاشِيَتِهِ لِلرَّمْلِيِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 566 أَشْبَاهٌ مِنْ أَحْكَامِ الْفُسُوخِ. قَالَ: وَيُفْسَخُ بِإِقَالَةٍ وَتَحَالُفٍ، فَبَلَغَتْ تِسْعَةَ عَشَرَ شَيْئًا، وَأَغْلَبُهَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْرِفُهُ مَنْ مَارَسَ الْكِتَابَ. (صَحَّ شَرْطُهُ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ) مَعًا، (وَلِأَحَدِهِمَا) وَلَوْ وَصِيًّا، (وَلِغَيْرِهِمَا) وَلَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ   [رد المحتار] عَنْ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ. فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَفِي الْعِمَادِيَّةِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَهُ ذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِهِ وَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْفُضُولِيِّ أَنَّ مِنْ الْمَوْقُوفِ بَيْعَ الْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَالْأَرْضِ فِي مُزَارَعَةِ الْغَيْرِ عَلَى إجَازَةِ مُرْتَهِنٍ وَمُسْتَأْجِرٍ وَمُزَارِعٍ اهـ. فَإِنْ أَجَازَ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يُجِزْ فَالْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فِي الِانْتِظَارِ وَالْفَسْخِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي فَصْلِ الْفُضُولِيِّ. (قَوْلُهُ: أَشْبَاهٌ) قَالَ فِيهَا: وَكُلُّهَا يُبَاشِرُهَا الْعَاقِدَانِ إلَّا التَّحَالُفَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَفْسَخُهُ الْقَاضِي، وَكُلُّهَا تَحْتَاجُ إلَى الْفَسْخِ، وَلَا يَنْفَسِخُ شَيْءٌ مِنْهَا بِنَفْسِهِ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: وَيُفْسَخُ بِإِقَالَةٍ وَتَحَالُفٍ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْخِيَارِ لَا فِي مُجَرَّدِ الْفَسْخِ، لَكِنْ قَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَوْ أَقَالَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَالْآخَرُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ، وَكَذَا يُخَيَّرُ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيْنَ الْحَلِفِ وَعَدَمِهِ، فَلَوْ اخْتَارَ عَدَمَ الْحَلِفِ يَلْزَمُهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ. وَصُورَةُ التَّحَالُفِ أَنْ يَخْتَلِفَا فِي قَدْرِ ثَمَنٍ أَوْ مَبِيعٍ أَوْ فِيهِمَا وَيَعْجِزَا عَنْ الْبَيِّنَةِ وَلَمْ يَرْضَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِدَعْوَى الْآخَرِ تَحَالَفَا وَفَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا، وَالْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي بَابِ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى. (قَوْلُهُ: صَحَّ شَرْطُهُ) أَيْ شَرْطُ الْخِيَارِ الْمَذْكُورِ، وَصَرَّحَ بِفَاعِلِ صَحَّ إشَارَةً إلَى أَنَّ ضَمِيرَ صَحَّ الْوَاقِعَ فِي عِبَارَةِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ عَائِدٌ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ فِي التَّرْجَمَةِ. قَالَ: فِي الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إلَى الْخِيَارِ وَفِي الْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ: صَحَّ خِيَارُ الشَّرْطِ فَأَبْرَزَهُ، وَالْأَوْلَى مَا فِي الْإِصْلَاحِ: صَحَّ شَرْطُ الْخِيَارِ لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ بِالصِّحَّةِ شَرْطُ الْخِيَارِ لَا نَفْسُ الْخِيَارِ. اهـ. فَالضَّمِيرُ عَلَى الْأَوَّلِ فِي كَلَامِ الْبَحْرِ عَائِدٌ إلَى الْمُضَافِ، وَعَلَى الْأَخِيرِ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ وَبِهِ جَزَمَ فِي النَّهْرِ فَقَالَ: الضَّمِيرُ فِي صَحَّ يَعُودُ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ بِقَرِينَةِ صَحَّ وَلَقَدْ أَفْصَحَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ فِي الْخُلْعِ حَيْثُ قَالَ: وَصَحَّ شَرْطُ الْخِيَارِ لَهَا فِي الْخُلْعِ لَا لَهُ، وَمَنْ غَفَلَ عَنْ هَذَا قَالَ مَا قَالَ. اهـ. قُلْتُ: فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الشَّرْطَ فِي التَّرْجَمَةِ عَامٌّ بِقَرِينَةِ الْإِضَافَةِ، وَلِقَوْلِهِمْ إنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ: أَيْ الْخِيَارِ الْوَاقِعِ بِسَبَبِ الشَّرْطِ فَلَا يَصِحُّ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ بِالصِّحَّةِ شَرْطٌ خَاصٌّ وَهُوَ شَرْطُ الْخِيَارِ الَّذِي أَفْصَحَ عَنْهُ فِي الْخُلْعِ، وَأَيْنَ الْعَامُّ مِنْ الْخَاصِّ؟ وَمَا فِي الْإِصْلَاحِ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى عَوْدِهِ إلَى الشَّرْطِ، بَلْ هُوَ تَرْكِيبٌ آخَرُ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ. وَالْأَحْسَنُ مَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ عَوْدِهِ إلَى الْخِيَارِ، لَكِنْ بِقَيْدِ وَصْفِهِ بالمشروطية فَإِنَّهُ فِي الْأَصْلِ مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إلَى صِفَتِهِ: أَيْ الْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَ الشَّرْطِ سَبَبًا لِلْحُكْمِ كَمَا أَفَادَهُ الْحَمَوِيُّ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ مُرَكَّبٌ إضَافِيٌّ صَارَ عَلَمًا فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ عَلَى مَا يَثْبُتُ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مِنْ الِاخْتِيَارِ بَيْنَ الْإِمْضَاءِ وَالْفَسْخِ، وَكَذَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ التَّعْيِينِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ، كَمَا صَارَ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ التَّرَاجِمِ عَلَمًا فِي اصْطِلَاحِ النَّحْوِيِّينَ عَلَى شَيْءٍ خَاصٍّ عِنْدَهُمْ، وَعَلَى هَذَا يَعُودُ الضَّمِيرُ فِي صَحَّ إلَى هَذَا الْمُرَكَّبِ الْإِضَافِيِّ، وَهُوَ مَا أَفْصَحَ عَنْهُ فِي الْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ كَمَا مَرَّ، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ مُتَابَعَتُهُمَا لِخُلُوِّهِ مِنْ التَّكْلِيفِ وَالتَّعَسُّفِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَصِيًّا) وَكَذَا لَوْ وَكِيلًا. قَالَ: فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ أَمَرَهُ بِبَيْعٍ مُطْلَقٍ فَعَقَدَ بِخِيَارٍ لَهُ أَوْ لِلْآمِرِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ صَحَّحَاهُ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِبَيْعٍ بِخِيَارٍ لِلْآمِرِ فَشَرَطَهُ لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِشِرَاءٍ بِخِيَارٍ لِلْآمِرِ فَاشْتَرَاهُ بِدُونِ الْخِيَارِ نَفَذَ الشِّرَاءُ عَلَيْهِ دُونَ الْآمِرِ لِلْمُخَالَفَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِبَيْعٍ بِخِيَارٍ فَبَاعَ بَاتًّا حَيْثُ يَبْطُلُ أَصْلًا. اهـ. مُلَخَّصًا ط وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَلِغَيْرِهِمَا) وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لَهُمَا مَعَ ذَلِكَ الْغَيْرِ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ صَحَّ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ) رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ اخْتِصَاصُهُ بِقَوْلِهِ وَلِغَيْرِهِمَا مَعَ أَنَّهُ جَارٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 567 لَا قَبْلَهُ تَتَارْخَانِيَّةٌ (فِي مَبِيعٍ) كُلِّهِ (أَوْ بَعْضِهِ) كَثُلُثِهِ أَوْ رُبْعِهِ وَلَوْ فَاسِدًا. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي اشْتِرَاطِهِ فَالْقَوْلُ لَنَا فِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ (ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلُّ) وَفَسَدَ عِنْدَ إطْلَاقٍ أَوْ تَأْبِيدٍ. (لَا أَكْثَرَ) فَيَفْسُدُ، فَلِكُلٍّ فَسْخُهُ خِلَافًا لَهُمَا   [رد المحتار] فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، فَلَوْ قَدَّمَهُ وَقَالَ: صَحَّ شَرْطُهُ، وَلَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ لَكَانَ أَوْلَى. اهـ. ح. فَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمْ بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَوْ بِأَيَّامٍ جَعَلْتُكَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ صَحَّ إجْمَاعًا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: لَا قَبْلَهُ) فَلَوْ قَالَ: جَعَلْتُكَ بِالْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ الَّذِي نَعْقِدُهُ ثُمَّ اشْتَرَى مُطْلَقًا لَمْ يَثْبُتْ بَحْرٌ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ: أَوْ بَعْضِهِ) لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي وَلَا بَيْنَ أَنْ يَفْصِلَ الثَّمَنَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْوَاحِدِ لَا يَتَفَاوَتُ. ط عَنْ النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: كَثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ) مِثْلُهُ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مُتَعَدِّدًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ فِي مُعَيَّنٍ مِنْهُ مَعَ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ كَمَا يَأْتِي قُبَيْلَ خِيَارِ التَّعْيِينِ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: وَلَوْ فَاسِدًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ الَّذِي شَرَطَ فِيهِ الْخِيَارَ فَاسِدًا، وَكَانَ الْأَقْعَدُ فِي التَّرْكِيبِ أَنْ يَقُولَ: صَحَّ شَرْطُهُ وَلَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَوْ فَاسِدًا كَمَا لَا يَخْفَى ح. وَفَائِدَةُ اشْتِرَاطِهِ فِي الْفَاسِدِ مَعَ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخَ بِدُونِهِ مَا قِيلَ: إنَّهُ يَثْبُتُ لِمَنْ اشْتَرَطَ وَلَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ بِهِ أَوْ الرِّضَا. اهـ. قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ إلَخْ عَائِدًا إلَى الْخِيَارِ فَهُوَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ مُطْلَقًا، أَوْ إلَى فَسْخِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَكَذَلِكَ، نَعَمْ تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي مَعَ أَنَّهُ لَوْلَا الْخِيَارُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لَنَا فِيهِ) لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَهُوَ مُكَرَّرٌ مَعَ مَا يَأْتِي مَتْنًا. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ) وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْقَوْلُ لِمُدَّعِيهِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْآخَرِ. ح عَنْ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لَكِنْ إنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، فَفِي الْقِيَاسِ لَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى شَيْءٍ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُقَالُ لَهُ: إمَّا أَنْ تَفْسَخَ الْبَيْعَ أَوْ تَأْخُذَ الْمَبِيعَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْكَ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى تُجِيزَ الْبَيْعَ أَوْ يَفْسُدَ الْمَبِيعُ عِنْدَكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ. [تَنْبِيهٌ] : اعْلَمْ أَنَّ الْخِيَارَ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا لَا يَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا فِي الْكَفَالَةِ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ. زَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلِلْمُحْتَالِ، وَكَذَا فِي الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ عَلَى قَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ غَيْرُ مُقَيَّدٍ عِنْدَهُ بِالثَّلَاثِ دُرٌّ مُنْتَقًى، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. (وَقَوْلُهُ: وَفَسَدَ عِنْدَ إطْلَاقٍ) أَيْ عِنْدَ الْعَقْدِ. أَمَّا لَوْ بَاعَ بِلَا خِيَارٍ ثُمَّ لَقِيَهُ بَعْدَ مُدَّةٍ فَقَالَ: لَهُ أَنْتِ بِالْخِيَارِ فَلَهُ الْخِيَارُ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: لَكَ الْإِقَالَةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَحُمِلَ عَلَيْهِ قَوْلُ الْفَتْحِ: لَوْ قَالَ: لَهُ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فَلَهُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فَقَطْ، فَقَالَ: فِي النَّهْرِ: وَلَمْ أَرَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْمُفْسِدَ فِي الثَّانِي أَنَّ الْإِطْلَاقَ وَقْتَ الْعَقْدِ مُقَارِنٌ فَقَوِيَ عَمَلُهُ، وَفِي الْأَوَّلِ بَعْدَ التَّمَامِ فَضَعُفَ، وَقَدْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِإِمْكَانِ الْخِيَارِ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] قَدَّمْنَا عَنْ الدُّرَرِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَيَّامًا فَهُوَ فَاسِدٌ. وَاعْتُرِضَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ أَيَّامًا يَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْإِلْغَاءِ، وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ. قُلْتُ: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ أَيَّامًا فِي الْحَلِفِ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ مِنْهُ الثَّلَاثَةُ وَالْعَشَرَةُ مَثَلًا، لَكِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنُ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي صِحَّةَ إرَادَةِ مَا فَوْقَهَا، حَتَّى لَوْ نَوَى الْأَكْثَرَ حَنِثَ، بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّ الثَّلَاثَةَ لَازِمَةٌ بِالنَّصِّ أَلْبَتَّةَ، وَلَفْظُ أَيَّامًا صَالِحٌ لِمَا فَوْقَهَا وَمَا فَوْقَهَا مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ فَلَا يَنْفَعُنَا حَمْلُهُ عَلَى الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْطَعُ الِاحْتِمَالَ. (قَوْلُهُ: فَلِكُلٍّ فَسْخُهُ) شَمِلَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مِنْهُمَا وَالْآخَرَ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِفَسَادِهِ ظَاهِرٌ، وَكَذَا عَلَى الْقَوْلِ الْآتِي بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ. قَالَ: فِي الْفَتْحِ: وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ نَصًّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَيْعَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُشْتَرِي وَأَثْبَتَ لِلْبَائِعِ حَقَّ الْفَسْخِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ حَقَّ الْفَسْخِ فِي الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ. اهـ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إذَا سَمَّى مُدَّةً مَعْلُومَةً فَتْحٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 568 غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ إنْ أَجَازَ) مَنْ لَهُ الْخِيَارُ (فِي الثَّلَاثَةِ) فَيُقْلَبُ صَحِيحًا عَلَى الظَّاهِرِ. (وَصَحَّ) شَرْطُهُ أَيْضًا (فِي) لَازِمٍ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَمُزَارَعَةٍ وَمُعَامَلَةٍ وَ (إجَارَةٍ وَقِسْمَةٍ وَصُلْحٍ عَنْ مَالٍ) وَلَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ (وَكِتَابَةٍ وَخُلْعٍ) وَرَهْنٍ (وَعِتْقٍ عَلَى مَالٍ)   [رد المحتار] قَوْلُهُ: غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ إنْ أَجَازَ فِي الثَّلَاثَةِ) وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ أَوْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ أَحْدَثَ بِهِ مَا يُوجِبُ لُزُومَ الْبَيْعِ يَنْقَلِبُ الْبَيْعُ جَائِزًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: فِي الثَّلَاثَةِ) وَلَوْ فِي لَيْلَةِ الرَّابِعِ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَيَنْقَلِبُ صَحِيحًا إلَخْ) لِأَنَّهُ قَدْ زَالَ الْمُفْسِدُ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُفْسِدَ لَيْسَ هُوَ شَرْطَ الْخِيَارِ بَلْ وَصْلُهُ بِالرَّابِعِ، فَإِذَا أَسْقَطَهُ تَحَقَّقَ زَوَالُ الْمَعْنَى الْمُفْسِدِ قَبْلَ مَجِيئِهِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ هَذَا الْعَقْدِ فِي الِابْتِدَاءِ، فَعِنْدَ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ حُكْمُهُ الْفَسَادُ ظَاهِرًا، إذْ الظَّاهِرُ دَوَامُهُمَا عَلَى الشَّرْطِ فَإِذَا أَسْقَطَهُ تَبَيَّنَ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَيَنْقَلِبُ صَحِيحًا. وَقَالَ: مَشَايِخُ خُرَاسَانَ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ: هُوَ مَوْقُوفٌ، وَبِالْإِسْقَاطِ قَبْلَ الرَّابِعِ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا، وَإِذَا مَضَى جُزْءٌ مِنْ الرَّابِعِ فَسَدَ الْعَقْدُ الْآنَ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ فَتْحٌ مُلَخَّصًا، وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ بَحْرٌ وَمِنَحٌ. وَفِي الْحَدَّادِيِّ: فَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي أَنَّ الْفَاسِدَ يُمْلَكُ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَالْمَوْقُوفَ لَا يُمْلَكُ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْمَالِكُ، وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ الْفَاسِدَ أَيْضًا لَا يُمْلَكُ إلَّا بِإِذْنِ الْبَائِعِ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا تَظْهَرُ فِي حُرْمَةِ الْمُبَاشَرَةِ وَعَدَمِهَا فَتَحْرُمُ عَلَى الْأَوَّلِ لَا عَلَى الثَّانِي نَهْرٌ. قُلْتُ: وَفِي التَّنْظِيرِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي الْفَاسِدِ يَحْصُلُ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ بِإِذْنِ الْبَائِعِ، فَالْمُتَوَقِّفُ فِيهِ عَلَى إذْنِ الْبَائِعِ هُوَ الْقَبْضُ لَا نَفْسُ الْمِلْكِ. وَأَمَّا الْمَوْقُوفُ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّ الْمِلْكَ يَتَوَقَّفُ فِيهِ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ الْبَيْعَ فَتَبْقَى ثَمَرَةُ الْخِلَافِ ظَاهِرَةً، لَكِنَّ مَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ يَنْقَلِبُ جَائِزًا يَشْمَلُ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ يَنْقَلِبُ جَائِزًا إنَّمَا يُنَاسِبُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ فَاسِدٌ لَا مَوْقُوفٌ، فَيُفِيدُ حُصُولَ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ حُكْمَهُ عِنْدَ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ الْفَسَادُ ظَاهِرًا، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَسَادَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلِذَا قَالَ: فِي الْفَتْحِ: إنَّ حَقِيقَةَ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا فَسَادَ قَبْلَ الرَّابِعِ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْفَسَادِ عَلَى وَجْهٍ يَرْتَفِعُ شَرْعًا بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ قَبْلَ مَجِيءِ الرَّابِعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: فِي لَازِمٍ) أَخْرَجَ بِهِ الْوَصِيَّةَ فَلَا مَحَلَّ لِلْخِيَارِ فِيهَا؛ لِأَنَّ لِلْمُوصِي الرُّجُوعَ فِيهَا - مَا دَامَ حَيًّا - وَلِلْمُوصَى لَهُ الْقَبُولَ وَعَدَمَهُ. أَفَادَهُ ط، وَمِثْلُهَا الْعَارِيَّةُ الْوَدِيعَةُ. (قَوْلُهُ: يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ) أَخْرَجَ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَخُلْعٍ وَصُلْحٍ عَنْ قَوَدٍ. وَاسْتَشْكَلَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ النِّكَاحَ بِفَسْخِهِ بِالرِّدَّةِ وَمِلْكِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ فَإِنَّهُ فَسْخٌ بَعْدَ التَّمَامِ، أَمَّا فَسْخُهُ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَالْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ فَهُوَ قَبْلَ التَّمَامِ. قُلْتُ: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ مَا يَحْتَمِلُهُ بِتَرَاضِي الْمُتَعَاقِدَيْنِ قَصْدًا، وَفَسْخُ النِّكَاحِ بِالرِّدَّةِ وَالْمِلْكِ ثَبَتَ تَبَعًا. (قَوْلُهُ: كَمُزَارَعَةٍ وَمُعَامَلَةٍ) أَيْ مُسَاقَاةٍ وَهَذَانِ ذَكَرَهُمَا فِي الْبَحْرِ بَحْثًا فَقَالَ: وَيَنْبَغِي صِحَّتُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ لِأَنَّهُمَا إجَارَةٌ مَعَ أَنَّهُ جَزَمَ بِذَلِكَ فِي الْأَشْبَاهِ. قَالَ: الْحَمَوِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ ظَفِرَ بِالْمَنْقُولِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ تَصْنِيفَ الْبَحْرِ سَابِقٌ. (قَوْلُهُ: وَإِجَارَةٍ) فَلَوْ فَسَخَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ يَوْمَيْنِ أَفْتَى صط أَنَّهُ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَفَعَ يَبْطُلُ خِيَارُهُ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَقِسْمَةٍ) لِأَنَّهَا بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ. (قَوْلُهُ: وَصُلْحٍ عَنْ مَالٍ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ صُلْحٍ عَنْ قَوَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَرَهْنٍ) كَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ عَلَى الْخُلْعِ أَوْ تَأْخِيرُهُ عَنْ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمَتْنِ عَلَى مَالٍ رَاجِعٌ لِلْخُلْعِ أَيْضًا، وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ لِلرَّهْنِ كَمَا لَا يَخْفَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 569 لَوْ شُرِطَ لِزَوْجَةٍ وَرَاهِنٍ وَقِنٍّ (وَنَحْوِهَا) كَكَفَالَةٍ وَحَوَالَةٍ وَإِبْرَاءٍ وَتَسْلِيمِ شُفْعَةٍ بَعْدَ الطَّلَبَيْنِ، وَوَقْفٍ عِنْدَ الثَّانِي أَشْبَاهٌ وَإِقَالَةٍ بَزَّازِيَّةٌ، فَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ، لَا فِي نِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَيَمِينٍ وَنَذْرٍ وَصَرْفٍ وَسَلَمٍ وَإِقْرَارٍ إلَّا الْإِقْرَارَ بِعَقْدٍ يَقْبَلُهُ أَشْبَاهٌ، وَوَكَالَةٍ وَوَصِيَّةٍ نَهْرٌ. فَهِيَ تِسْعَةٌ، وَقَدْ كُنْتُ غَيَّرْتُ مَا نَظَمَهُ فِي النَّهْرِ فَقُلْتُ:   [رد المحتار] وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ كَالْخُلْعِ وَكَمَا أَنَّ الْعِتْقَ عَلَى مَالٍ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ اهـ. ح. (قَوْلُهُ: لِزَوْجَةٍ وَرَاهِنٍ وَقِنٍّ) لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي جَانِبِهِمْ لَازِمٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، بِخِلَافِ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ فَإِنَّ الْعَقْدَ مِنْ جَانِبِهَا وَإِنْ كَانَ لَازِمًا لَكِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ، وَبِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّ الْعَقْدَ مِنْ جَانِبِهِ غَيْرُ لَازِمٍ أَصْلًا، وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ ذِكْرُهُمْ فِي الْمُقَابِلِ. اهـ. ح أَيْ فِيمَا لَا يَصِحُّ فِيهِ الْخِيَارُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْخُلْعَ وَالْعِتْقَ عَلَى مَالٍ دَاخِلَانِ فِي قَوْلِهِ الْآتِي وَيَمِينٍ. تَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ: " لَازِمٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ": أَيْ قَبْلَ تَمَامِهِ بِالْقَبُولِ، أَمَّا بَعْدَ الْقَبُولِ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالرَّاهِنِ وَالْقِنِّ فَلَا يَحْتَمِلُهُ. (قَوْلُهُ: كَكَفَالَةٍ) أَيْ بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ، وَشُرِطَ الْخِيَارُ لِلْمَكْفُولِ لَهُ أَوْ لِلْكَفِيلِ بَحْرٌ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْخِيَارَ فِي الْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ يَصِحُّ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. (قَوْلُهُ: وَحَوَالَةٍ) إذَا شُرِطَ لِلْمُحْتَالِ أَوْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ رِضَاهُ ط. (قَوْلُهُ: وَإِبْرَاءٍ) بِأَنْ قَالَ: أَبْرَأْتُكَ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ، ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مِنْ بَحْثِ الْهَزْلِ بَحْرٌ. قَالَ: ط: لَكِنْ نَقَلَ الشَّرِيفُ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ: لَوْ أَبْرَأهُ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَالْخِيَارُ بَاطِلٌ، وَلَعَلَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا. اهـ. قُلْتُ: وَبِالثَّانِي جَزَمَ الشَّارِحُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْهِبَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ: وَوَقْفٍ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ. تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ الثَّانِي) لِأَنَّهُ عِنْدَهُ لَازِمٌ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، لَكِنَّهُ اشْتَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ وَلَوْ مَعْلُومًا، وَقَدَّمْنَا فِي الْوَقْفِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، فَلَوْ فِيهِ صَحَّ الْوَقْفُ وَبَطَلَ الْخِيَارُ. (قَوْلُهُ: فَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ) أَيْ مَعَ الْبَيْعِ. (قَوْلُهُ: لَا فِي نِكَاحٍ إلَخْ) لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ. (قَوْلُهُ: وَطَلَاقٍ) أَيْ بِلَا مَالٍ لِمَا عَرَفْتَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخُلْعُ بِلَا مَالٍ مِثْلَهُ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: وَإِقْرَارٍ إلَخْ) عِبَارَتُهُ مَعَ الْمَتْنِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ: أَقَرَّ بِشَيْءٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ بِلَا خِيَارٍ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ فَلَا يَقْبَلُ الْخِيَارَ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْخِيَارِ إلَّا إذَا أَقَرَّ بِعَقْدِ بَيْعٍ وَقَعَ بِالْخِيَارِ لَهُ فَيَصِحُّ بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ إذَا صَدَّقَهُ أَوْ بَرْهَنَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَوَكَالَةٍ وَوَصِيَّةٍ) فَلَا خِيَارَ فِيهِمَا لِعَدَمِ اللُّزُومِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَلُزُومُ الْوَكَالَةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ نَادِرٌ، أَفَادَهُ ط، وَهَذَانِ زَادَهُمَا فِي النَّهْرِ بَحْثًا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي قَوْلِهِ فِي لَازِمٍ. (قَوْلُهُ: فَهِيَ تِسْعَةٌ) يُزَادُ عَاشِرٌ وَهُوَ الْهِبَةُ، لِمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِهَا مِنْ أَنَّ مِنْ حُكْمِهَا عَدَمَ صِحَّةِ خِيَارِ الشَّرْطِ فِيهَا إلَخْ. مَطْلَبٌ: الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَصِحُّ فِيهَا خِيَارُ الشَّرْطِ وَاَلَّتِي لَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ كُنْتُ غَيَّرْتُ مَا نَظَمَهُ فِي النَّهْرِ) فَإِنَّ نَظْمَ النَّهْرِ كَانَ هَكَذَا: وَالصُّلْحُ وَالْخُلْعُ مَعَ الْحَوَالَهْ ... وَالْوَقْفُ وَالْقِسْمَةُ وَالْإِقَالَهْ وَلَيْسَ فِي هَذَا التَّغْيِيرِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ مَعَ أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَوْفِيَا الْأَقْسَامَ كَمَا قَالَهُ ح أَيْ؛ لِأَنَّهُمَا أَسْقَطَا مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الْمُزَارَعَةَ وَالْمُعَامَلَةَ وَالْكِتَابَةَ، وَمِنْ الثَّانِي الْوَصِيَّةَ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ إسْقَاطَ الْكِتَابَةِ ذُهُولٌ؛ وَأَمَّا مَا عَدَاهَا فَلِكَوْنِهِ بَحْثًا كَمَا عَلِمْتَهُ مِمَّا مَرَّ. قُلْتُ: وَقَدْ كُنْتُ نَظَمْتُ، جَمِيعَ مَسَائِلِ الْقِسْمَيْنِ مُشِيرًا إلَى الْبَحْثِ مِنْهَا مَعَ زِيَادَةِ الْهِبَةِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فَقُلْتُ: يَصِحُّ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي تَرْكِ شُفْعَةٍ ... وَبَيْعٍ وَإِبْرَاءٍ وَوَقْفِ كَفَالَهْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 570 يَأْتِي خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْإِجَارَهْ ... وَالْبَيْعِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْكَفَالَهْ وَالرَّهْنِ وَالْعِتْقِ وَتَرْكِ الشُّفْعَهْ ... وَالصُّلْحِ وَالْخُلْعِ كَذَا وَالْقِسْمَهْ وَالْوَقْفِ وَالْحَوَالَةِ الْإِقَالَهْ ... لَا الصَّرْفِ وَالْإِقْرَارِ وَالْوَكَالَهْ وَلَا النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالسَّلَمْ ... نَذْرٍ وَأَيْمَانٍ فَهَذَا يُغْتَنَمْ (فَإِنْ اشْتَرَى) شَخْصٌ شَيْئًا (عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (إنْ لَمْ يَنْقُدْ ثَمَنَهُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ صَحَّ) اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزُفَرَ، فَلَوْ لَمْ يَنْقُدْ فِي الثَّلَاثِ فَسَدَ فَنَفَذَ عِتْقُهُ بَعْدَهَا لَوْ فِي يَدِهِ فَلْيُحْفَظْ. (وَ) إنْ اشْتَرَى كَذَلِكَ (إلَى أَرْبَعَةِ) أَيَّامٍ (لَا) يَصِحُّ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. (فَإِنْ نَقَدَ فِي الثَّلَاثَةِ جَازَ) اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ خِيَارَ النَّقْدِ مُلْحَقٌ بِخِيَارِ الشَّرْطِ، فَلَوْ تَرَكَ التَّفْرِيعَ لَكَانَ أَوْلَى   [رد المحتار] وَفِي قِسْمَةٍ خُلْعٍ وَعِتْقٍ إقَالَهْ ... وَصُلْحٍ عَنْ الْأَمْوَالِ ثُمَّ الْحَوَالَهْ مُكَاتَبَةٍ رَهْنٍ كَذَاكَ إجَارَةٌ ... وَزِيدَ مُسَاقَاةٌ مُزَارَعَةٌ لَهْ وَمَا صَحَّ فِي نَذْرِ نِكَاحٍ أَلْيَةٍ ... وَفِي سَلَمٍ صَرْفٍ طَلَاقٍ وَكَالَهْ وَإِقْرَارٍ إيهَابٍ وَزِيدَ وَصِيَّةٌ ... كَمَا مَرَّ بَحْثًا فَاغْتَنِمْ ذِي الْمَقَالَهْ (قَوْلُهُ: وَالْخُلْعُ) بِالرَّفْعِ خَبَرُهُ كَذَا، وَلَا يَصِحُّ جَعْلُ كَذَا خَبَرًا عَنْ الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ مَجْرُورٌ بِالْعَطْفِ عَلَى مَا قَبْلَهُ، نَعَمْ يَصِحُّ جَعْلُهُ مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ حَالًا مِنْ الْخُلْعِ. مَطْلَبٌ خِيَارُ النَّقْدِ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ أَيْ الْمُشْتَرِيَ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ نَقَدَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إنْ رَدَّ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا صَحَّ أَيْضًا، وَالْخِيَارُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ إمْضَاءِ الْبَيْعِ وَعَدَمِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ لِلْبَائِعِ؛ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ صَحَّ وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي لَا يَصِحُّ نَهْرٌ. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هُنَا بَيْعَ الْوَفَاءِ تَبَعًا لِلْخَانِيَّةِ قَائِلًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ مَسْأَلَةِ خِيَارِ النَّقْدِ أَيْضًا، وَذَكَرَ فِيهِ ثَمَانِيَةَ أَقْوَالٍ وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ آخِرَ الْبُيُوعِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْكَفَالَةِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -. (قَوْلُهُ: فَلَوْ لَمْ يَنْقُدْ فِي الثَّلَاثِ فَسَدَ) هَذَا لَوْ بَقِيَ الْمَبِيعُ عَلَى حَالِهِ. قَالَ: فِي النَّهْرِ: ثُمَّ لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ فِي الثَّلَاثِ جَازَ الْبَيْعُ وَكَانَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ، وَكَذَا لَوْ قَتَلَهَا فِي الثَّلَاثِ أَوْ مَاتَ أَوْ قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ خَطَأً وَغَرِمَ الْقِيمَةَ؛ وَلَوْ وَطِئَهَا وَهِيَ بِكْرٌ أَوْ ثَيِّبٌ أَوْ جَنَى عَلَيْهَا أَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ لَا بِفِعْلِ أَحَدٍ ثُمَّ مَضَتْ الْأَيَّامُ وَلَمْ يَنْقُدْ خُيِّرَ الْبَائِعُ، إنْ شَاءَ أَخَذَهَا مَعَ النُّقْصَانِ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَأَخَذَ الثَّمَنَ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَنَفَذَ عِتْقُهُ إلَخْ) أَيْ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ فَسَدَ. قَالَ: فِي النَّهْرِ: وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ فَلَا بَيْعَ يُفِيدُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْفُذْ فِي الثَّلَاثِ يَنْفَسِخُ. قَالَ: فِي الْخَانِيَّةِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَفْسُدُ وَلَا يَنْفَسِخُ، حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الثَّلَاثِ نَفَذَ عِتْقُهُ إنْ كَانَ فِي يَدِهِ. اهـ. وَأَمَّا عِتْقُهُ قَبْلَ مُضِيِّ الثَّلَاثِ فَيَنْفُذُ بِالْأَوْلَى، كَمَا لَوْ بَاعَهُ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى خِيَارِ الشَّرْطِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اشْتَرَى كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ. (قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ) وَالْخِلَافُ السَّابِقُ فِي أَنَّهُ فَاسِدٌ أَوْ مَوْقُوفٌ ثَابِتٌ هُنَا نَهْرٌ عَنْ الذَّخِيرَةِ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ جَوَّزَهُ إلَى مَا سَمَّيَاهُ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ تَرَكَ التَّفْرِيعَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ " فَإِنْ اشْتَرَى " فَإِنَّ الْإِلْحَاقَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ وَالتَّفْرِيعَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ فُرُوعِهِ، قَالَ: فِي الدُّرَرِ: لَمْ يَذْكُرْهُ بِالْفَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْوِقَايَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صُوَرِ خِيَارِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً لِيَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ بَلْ أَوْرَدَهُ عَقِيبَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِهِ مَعْنًى. اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 571 (وَلَا يَخْرُجُ مَبِيعٌ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ مَعَ خِيَارِهِ) فَقَطْ اتِّفَاقًا (فَيَهْلِكُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ) أَيْ بَدَلِهِ لِيَعُمَّ الْمِثْلِيَّ (إذَا قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ) يَوْمَ قَبْضِهِ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ (فَإِنَّهُ بَعْدَ بَيَانِ الثَّمَنِ   [رد المحتار] قَالَ: مُحَشِّيهِ خَادِمِي أَفَنْدِي: أَقُولُ الْوَاقِعُ فِي الزَّيْلَعِيِّ كَوْنُهَا مِنْ صُوَرِهِ، وَقَدْ قَالَ: صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي وَجْهِ إدْخَالِ الْفَاءِ: إنَّهُ فَرَّعَ مَسْأَلَةَ خِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِيَدْفَعَ بِالْفَسْخِ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ الضَّرَرُ تَأْخِيرَ أَدَاءِ الثَّمَنِ أَوْ غَيْرَهُ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: لِأَنَّهُ فِي حُكْمِهِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً مُصَحِّحَةً لِدُخُولِ الْفَاءِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْرُجُ مَبِيعٌ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ مَعَ خِيَارِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْحُكْمَ، وَفِي قَوْلِهِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّ الْبَائِعَ هُوَ الْمَالِكُ، فَلَوْ كَانَ فُضُولِيًّا كَانَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لَهُ مُبْطِلًا لِلْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَهُ بِدُونِ الشَّرْطِ كَمَا فِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ. وَلَا يَرِدُ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَالِكِ حُكْمًا نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: فَقَطْ) قَيَّدَ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ سَيَذْكُرُهُ صَرِيحًا وَإِلَّا لَزِمَ التَّكْرَارُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: فَيَهْلِكُ) بِكَسْرِ اللَّامِ ط. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ) لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْقُوفًا وَلَا نَفَاذَ بِدُونِ بَقَاءِ الْمَحَلِّ فَبَقِيَ مَقْبُوضًا بِيَدِهِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَفِيهِ الْقِيمَةُ. كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَلَا فَرْقَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ بَيْنَ هَلَاكِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ مَعَ بَقَائِهِ أَوْ بَعْدَمَا فَسَخَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَأَمَّا إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ بِلَا فَسْخٍ فِيهَا فَإِنَّهُ يَهْلِكُ بِالثَّمَنِ لِسُقُوطِ الْخِيَارِ وَلَوْ ادَّعَى هَلَاكَهُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي وَوُجُوبَ الْقِيمَةِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي إبَاقَهُ مِنْ يَدِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ حَيَاتُهُ وَيَتِمُّ الْبَيْعُ؛ وَلَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ الْإِبَاقَ وَالْمُشْتَرِي الْمَوْتَ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ بِيَمِينِهِ كَذَا فِي السِّرَاجِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: إذَا قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ) وَكَذَا بِلَا إذْنِهِ بِالْأَوْلَى ط. وَأَمَّا إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا كَمَا فِي الْمُطْلَقِ عَنْهُ، وَإِنْ تَعَيَّبَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ؛ لِأَنَّ مَا انْتَقَصَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَلَكِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَخَيَّرُ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ، وَإِذَا كَانَ الْعَيْبُ بِفِعْلِ الْبَائِعِ يُنْتَقَصُ الْمَبِيعُ فِيهِ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ بِفِعْلِهِ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَيَسْقُطُ بِهِ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ بَحْرٌ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ، وَيَأْتِي حُكْمُ تَعَيُّبِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ: يَوْمَ قَبْضِهِ) ظَرْفٌ لِقِيمَتِهِ ح. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ بَعْدَ بَيَانِ الثَّمَنِ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ بَيَانَ الثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ الْمُسَاوِمِ، وَخَصَّهُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ بِالثَّانِي، وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ خَطَأٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: طَلَبَ مِنْهُ ثَوْبًا لِيَشْتَرِيَهُ فَأَعْطَاهُ ثَلَاثَةَ أَثْوَابٍ وَقَالَ: هَذَا بِعَشَرَةٍ وَهَذَا بِعِشْرِينَ وَهَذَا بِثَلَاثِينَ فَاحْمِلْهَا، فَأَيُّ ثَوْبٍ تَرْضَى بِعْتُهُ مِنْك فَحَمَلَ فَهَلَكَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي. قَالَ: الْإِمَامُ ابْنُ الْفَضْلِ: إنْ هَلَكَتْ جُمْلَةً أَوْ مُتَعَاقِبًا وَلَا يُدْرَى الْأَوَّلُ وَمَا بَعْدَهُ ضَمِنَ ثُلُثَ الْكُلِّ، وَإِنْ عَرَفَ الْأَوَّلَ لَزِمَهُ ذَلِكَ الثَّوْبُ وَالثَّوْبَانِ أَمَانَةٌ، وَإِنْ هَلَكَ اثْنَانِ وَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا الْأَوَّلُ ضَمِنَ نِصْفَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَرَدَّ الثَّالِثَ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ، وَإِنْ نَقَصَ الثَّالِثُ ثُلُثَهُ أَوْ رُبُعَهُ لَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ، وَإِنْ هَلَكَ وَاحِدٌ فَقَطْ لَزِمَهُ ثَمَنُهُ وَيَرُدُّ الثَّوْبَيْنِ. اهـ. مُلَخَّصًا. قَالَ: فِي الْبَحْرِ: فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ بَيَانَ الثَّمَنِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ يَكْفِي لِلضَّمَانِ. اهـ. وَأَجَابَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ مُرَادَ الطَّرَسُوسِيِّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَبِأَنْ يُسَمِّيَ أَحَدُهُمَا وَيَصْدُرَ مِنْ الْآخَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ نَظَرَ عِبَارَةَ الطَّرَسُوسِيِّ وَجَدَهَا تُنَادِي بِمَا ذَكَرْنَاهُ. اهـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 572 مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ) بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ نَهْرٌ،   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ قُلْتُ: وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُسَاوِمَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ لِلضَّمَانِ إذَا رَضِيَ بِأَخْذِهِ بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى عَلَى وَجْهِ الشِّرَاءِ، فَإِذَا سَمَّى الثَّمَنَ الْبَائِعُ وَتَسَلَّمَ الْمُسَاوِمُ الثَّوْبَ عَلَى وَجْهِ الشِّرَاءِ يَكُونُ رَاضِيًا بِذَلِكَ، كَمَا أَنَّهُ إذَا سَمَّى هُوَ الثَّمَنَ وَسَلَّمَ الْبَائِعَ يَكُونُ رَاضِيًا بِذَلِكَ فَكَأَنَّ التَّسْمِيَةَ صَدَرَتْ مِنْهُمَا مَعًا، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَهُ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ رِضًا بِالشِّرَاءِ بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: سم: عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ لَهُ: هَذَا الثَّوْبُ لَكَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَقَالَ: هَاتِهِ حَتَّى أَنْظُرَ فِيهِ أَوْ قَالَ: حَتَّى أُرِيَهُ غَيْرِي فَأَخَذَهُ عَلَى هَذَا وَضَاعَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ وَلَوْ قَالَ: هَاتِهِ، فَإِنْ رَضِيتُهُ أَخَذْتُهُ فَضَاعَ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ الثَّمَنِ. اهـ. قُلْت: فَفِي هَذَا وُجِدَتْ التَّسْمِيَةُ مِنْ الْبَائِعِ فَقَطْ لَكِنْ لَمَّا قَبَضَهُ الْمُسَاوِمُ عَلَى وَجْهِ الشِّرَاءِ فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ صَارَ رَاضِيًا بِتَسْمِيَةِ الْبَائِعِ فَكَأَنَّهَا وُجِدَتْ مِنْهُمَا، أَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الْقَبْضُ عَلَى وَجْهِ الشِّرَاءِ، بَلْ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ فَلَمْ يَضْمَنْهُ. ثُمَّ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ ط: أَخَذَ مِنْهُ ثَوْبًا وَقَالَ: إنْ رَضِيتُهُ اشْتَرَيْتُهُ فَضَاعَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: إنْ رَضِيتُهُ أَخَذْتُهُ بِعَشَرَةٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَلَوْ قَالَ: صَاحِبُ الثَّوْبِ هُوَ بِعَشَرَةٍ فَقَالَ: الْمُسَاوِمُ هَاتِهِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ وَقَبَضَهُ عَلَى ذَلِكَ وَضَاعَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. اهـ. قُلْتُ: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ لَمْ يَذْكُرْ الثَّمَنَ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَلَمْ يَصِحَّ كَوْنُهُ مَقْبُوضًا عَلَى وَجْهِ الشِّرَاءِ وَإِنْ صَرَّحَ الْمُسَاوِمُ بِالشِّرَاءِ، وَفِي الثَّانِي لَمَّا صَرَّحَ بِالثَّمَنِ عَلَى وَجْهِ الشِّرَاءِ صَارَ مَضْمُونًا، وَفِي الثَّالِثِ وَإِنْ صَرَّحَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ لَكِنَّ الْمُسَاوِمَ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَا عَلَى وَجْهِ الشِّرَاءِ فَلَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا، وَبِهَذَا ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ النَّظَرِ فَافْهَمْ، وَاغْتَنِمْ تَحْقِيقَ هَذَا الْمَحَلِّ. (قَوْلُهُ: مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ) أَيْ إذَا هَلَكَ، أَمَّا إذَا اسْتَهْلَكَهُ فَمَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ كَمَا حَقَّقَهُ الطَّرَسُوسِيُّ وَإِنْ رَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: إذَا أَخَذَ ثَوْبًا عَلَى وَجْهِ الْمُسَاوَمَةِ بَعْدَ بَيَانِ الثَّمَنِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَكَذَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ وَارِثُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ مَوْتِ الْمُشْتَرِي. اهـ. قَالَ: وَالْوَارِثُ كَالْمُوَرِّثِ، فَقَدْ أَجَابَ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، إذْ الطَّرَسُوسِيُّ لَمْ يَذْكُرْهُ تَفَقُّهًا بَلْ نَقْلًا عَنْ الْمَشَايِخِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُنْتَقَى، وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ صَارَ رَاضِيًا بِالْمَبِيعِ حَمْلًا لِفِعْلِهِ عَلَى الصَّلَاحِ وَالسَّدَادِ، وَعَزَاهُ فِي الْخِزَانَةِ أَيْضًا إلَى الْمُنْتَقَى غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْقِيَاسِ تَجِبُ الْقِيمَةُ اهـ. كَلَامُ النَّهْرِ. قُلْتُ: وَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ بَلْ فِيهِ مَا يُنَافِيهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَكَذَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ وَارِثُ الْمُشْتَرِي يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي نَفْسُهُ كَانَ الْوَاجِبُ الثَّمَنَ لَا الْقِيمَةَ. وَوَجْهُهُ أَيْضًا ظَاهِرٌ، لِمَا عَلِمْته مِنْ تَعْلِيلِ الْمُحِيطِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْتِهْلَاكِ الْوَارِثِ أَنَّ الْعَاقِدَ هُوَ الْمُشْتَرِي فَإِذَا اسْتَهْلَكَهُ كَانَ رَاضِيًا بِإِمْضَاءِ عَقْدِ الشِّرَاءِ بِالثَّمَنِ الْمَذْكُورِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ وَارِثُهُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ غَيْرُ الْعَاقِدِ بَلْ الْعَقْدُ انْفَسَخَ بِمَوْتِهِ فَبَقِيَ أَمَانَةً فِي يَدِ الْوَارِثِ فَيَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ دُونَ الثَّمَنِ، فَقَوْلُهُ: فِي الْبَحْرِ وَالْوَارِثُ كَالْمُوَرِّثِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ. ثُمَّ رَأَيْتُ الطَّرَسُوسِيَّ نَقَلَ عَنْ الْمُنْتَقَى مَا يُفِيدُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ: الْبَائِعُ رَجَعْتُ عَمَّا قُلْتُ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي رَضِيتُ انْتَقَضَ جِهَةُ الْبَيْعِ، فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَمَا فِي حَقِيقَةِ الْبَيْعِ لَوْ انْتَقَضَ يَبْقَى الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ مَضْمُونًا فَكَذَا هُنَا. اهـ. فَهَذَا صَرِيحٌ بِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ بِمَوْتِهِ فَكَيْفَ يَلْزَمُ الْوَارِثَ الثَّمَنُ بِاسْتِهْلَاكِهِ، فَافْهَمْ وَاغْتَنِمْ. (قَوْلُهُ: بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ) رَدٌّ عَلَى الطَّرَسُوسِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا تَجِبُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: لَا يُزَادُ بِهَا عَلَى الْمُسَمَّى كَمَا فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ. قَالَ: فِي النَّهْرِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَقَدْ صَرَّحُوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 573 وَلَوْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي عَدَمَ ضَمَانِهِ بَزَّازِيَّةٌ، وَلَوْ فِي يَدِ الْوَكِيلِ ضَمِنَهُ مِنْ مَالِهِ بِلَا رُجُوعٍ إلَّا بِأَمْرِهِ بِالسَّوْمِ خَانِيَّةٌ. أَمَّا عَلَى سَوْمِ النَّظَرِ فَغَيْرُ مَضْمُونٍ مُطْلَقًا، وَعَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ، وَعَلَى سَوْمِ الْقَرْضِ بِقَرْضٍ سَاوَمَهُ بِهِ، وَعَلَى سَوْمِ النِّكَاحِ لِأَمَةٍ بِقِيمَتِهَا نَهْرٌ   [رد المحتار] بِذَلِكَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَكَذَا هُنَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي) أَيْ مُرِيدُ الشِّرَاءِ وَهُوَ الْمُسَاوِمُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي يَدِ الْوَكِيلِ إلَخْ) قَالَ: فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا أَخَذَ الثَّوْبَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَأَرَاهُ الْمُوَكِّلَ فَلَمْ يَرْضَ بِهِ وَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَهَلَكَ عِنْدَ الْوَكِيلِ، قَالَ: الْإِمَامُ ابْنُ الْفَضْلِ ضَمِنَ الْوَكِيلُ قِيمَتَهُ وَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُوَكِّلِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْأَخْذِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَحِينَئِذٍ إذَا ضَمِنَ الْوَكِيلُ رَجَعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ. اهـ. مَطْلَبٌ: الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ النَّظَرِ (قَوْلُهُ: أَمَّا عَلَى سَوْمِ النَّظَرِ) بِأَنْ يَقُولَ هَاتِهِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ أَوْ حَتَّى أُرِيَهُ غَيْرِي وَلَا يَقُولَ: فَإِنْ رَضِيتُهُ أَخَذْتُهُ، وَقَوْلُهُ: مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ ذَكَرَ الثَّمَنَ أَوْ لَا. اهـ. ح عَنْ النَّهْرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَدَمَ ضَمَانِهِ إذَا هَلَكَ. أَمَّا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْقَابِضُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ، وَقَدَّمْنَا وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَفِي حُكْمِهِ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ أَوْ مَاتَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ قَبْلَ الرِّضَا أَوْ رَجَعَ عَمَّا قَالَ: كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْمُنْتَقَى، وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ قَبَضَ ثَلَاثَةَ أَثْوَابٍ وَسَمَّى ثَوْبَ كُلِّ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ لِيَشْتَرِيَ أَحَدَهَا فَهَلَكَ وَاحِدٌ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ دُونَ الْآخَرَيْنِ، وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ، وَهَلْ هَذَا خَاصٌّ بِمَا إذَا كَانَتْ ثَلَاثَةً لِتَكُونَ مِمَّا فِيهِ خِيَارُ التَّعْيِينِ الْآتِي بَيَانُهُ أَوْ أَعَمُّ؟ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي لَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ، فَلَا شَكَّ أَنَّ وَاحِدًا مِنْهَا مَقْبُوضٌ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا، وَالْبَاقِي عَلَى سَوْمِ النَّظَرِ فَهُوَ أَمَانَةٌ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ) أَيْ إذَا سَمَّى قَدْرَ الدَّيْنِ، فَلَا يُنَافِي مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ مِنْ قَوْلِهِ الْمَقْبُوضُ عَلَى الرَّهْنِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِقْدَارَ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ مَقْبُوضٌ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ بِالْمَوْعُودِ، بِأَنْ وَعَدَهُ أَنْ يُقْرِضَهُ أَلْفًا فَأَعْطَاهُ رَهْنًا وَهَلَكَ قَبْلَ الْإِقْرَاضِ يُعْطِيهِ الْأَلْفَ الْمَوْعُودَ جَبْرًا، فَإِنْ هَلَكَ هَذَا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْعَدْلِ يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَالدَّيْنِ. وَعَنْ الثَّانِي أَقْرِضْنِي وَخُذْ هَذَا وَلَمْ يُسَمِّ الْقَرْضَ فَأَخَذَ الرَّهْنَ وَلَمْ يُقْرِضْهُ حَتَّى ضَاعَ يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الرَّهْنِ. اهـ. وَمَا عَنْ الثَّانِي مُقَابِلُ الْأَصَحِّ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى سَوْمِ الْقَرْضِ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَمَا قُبِضَ عَلَى سَوْمِ الْقَرْضِ مَضْمُونٌ بِمَا سَاوَمَ كَمَقْبُوضٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِمَنْزِلَةِ مَقْبُوضٍ عَلَى سَوْمِ الْبَيْعِ، إلَّا أَنَّ فِي الْبَيْعِ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَهُنَا يَهْلِكُ الرَّهْنُ بِمَا سَاوَمَهُ مِنْ الْقَرْضِ. اهـ. وَقَوْلُهُ: يَهْلِكُ الرَّهْنُ بِمَا سَاوَمَهُ مِنْ الْقَرْضِ أَيْ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الرَّهْنِ لَا أَقَلَّ، فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالْأَقَلِّ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ " مَا " فِي قَوْلِهِ وَمَا قُبِضَ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ بِمَعْنَى الرَّهْنِ فَتَكُونُ هَذِهِ عَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ فِي تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى سَوْمِ النِّكَاحِ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ قَبَضَ أَمَةَ غَيْرِهِ لِيَتَزَوَّجَهَا بِإِذْنِ مَوْلَاهَا فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 574 (وَيَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ) أَيْ الْبَائِعِ (مَعَ خِيَارِ الْمُشْتَرِي) فَقَطْ (فَيَهْلَكُ بِيَدِهِ بِالثَّمَنِ كَتَعَيُّبِهِ) فِيهَا بِعَيْبٍ لَا يَرْتَفِعُ كَقَطْعِ يَدٍ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَلِلْبَائِعِ فَسْخُ الْمَبِيعِ وَأَخْذُ نُقْصَانِ الْقِيَمِيِّ لَا الْمِثْلِيِّ لِشُبْهَةِ الرِّبَا حَدَّادِيٌّ،   [رد المحتار] قَالَ: مُحَشِّيهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: أَقُولُ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا بَعَثَ مَهْرًا بَعْدَ الْخِطْبَةِ وَهُوَ قَائِمٌ أَوْ هَالِكٌ يُسْتَرَدُّ، فَهُوَ صَرِيحٌ أَيْضًا فِي أَنَّ مَا قُبِضَ عَلَى سَوْمِ النِّكَاحِ مِنْ الْمَهْرِ مَضْمُونٌ وَلَوْ لَمْ يُسَمِّ الْمَهْرَ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] : ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وُجُوبُ قِيمَةِ الْأَمَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ مُسَمًّى، وَيُحْتَاجُ إلَى وَجْهِ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ أَوْ سَوْمِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَا يُضْمَنُ إلَّا بَعْدَ بَيَانِ الثَّمَنِ أَوْ بَيَانِ الْقَرْضِ، وَقَدْ أَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ مِنْ النِّكَاحِ وَلَمْ يَأْتِ بِطَائِلٍ. (قَوْلُهُ: وَيَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ أَيْ الْبَائِعِ) فَلَوْ أَعْتَقَهُ لَمْ يَصِحَّ عِتْقُهُ، وَلَوْ كَانَ حَلَفَ إنْ بِعْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: مَعَ خِيَارِ الْمُشْتَرِي فَقَطْ) شَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا وَأَسْقَطَ الْبَائِعُ خِيَارَهُ بِأَنْ أَجَازَ الْبَيْعَ كَمَا فِي الْبَحْرِ. قَالَ: ح: وَمِثْلُهُ مَا إذَا جَعَلَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ. (قَوْلُهُ: فَيَهْلِكُ بِيَدِهِ بِالثَّمَنِ) لِأَنَّ الْهَلَاكَ لَا يَعْرَى عَنْ مُقَدِّمَةِ عَيْبٍ يَمْنَعُ الرَّدَّ فَيَهْلِكُ وَقَدْ انْبَرَمَ الْبَيْعُ فَيَلْزَمُ الثَّمَنُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ تَعَيُّبَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ فَيَهْلِكُ وَالْعَقْدُ مَوْقُوفٌ فَيَبْطُلُ نَهْرٌ. وَإِذَا بَطَلَ الْعَقْدُ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ. مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْقِيمَةِ وَالثَّمَنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ أَنَّ الثَّمَنَ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ سَوَاءٌ زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ نَقَصَ، وَالْقِيمَةَ مَا قُوِّمَ بِهِ الشَّيْءُ بِمَنْزِلَةِ الْمِعْيَارِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ. (قَوْلُهُ: كَتَعَيُّبِهِ فِيهَا) أَيْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا تَشْبِيهٌ بِالْهَلَاكِ فِي الصُّورَتَيْنِ أَعْنِي فِي صُورَةِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي، فَإِنَّ التَّعَيُّبَ الْمَذْكُورَ كَالْهَلَاكِ يُوجِبُ الْقِيمَةَ فِي الْأُولَى وَالثَّمَنَ فِي الثَّانِيَةِ مِنَحٌ، وَشَمِلَ مَا إذَا عَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ أَجْنَبِيٌّ أَوْ تَعَيَّبَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ، وَكَذَا بِفِعْلِ الْبَائِعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ خِيَارُ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ أَجَازَ الْبَيْعَ ضَمِنَ الْبَائِعُ النُّقْصَانَ. وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ بَحْرٌ: أَيْ وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ عَلَى الْبَائِعِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ. [تَنْبِيهٌ] : ذَكَرَ حُكْمَ الْهَلَاكِ وَالنُّقْصَانِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الزِّيَادَةِ عِنْدَهُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ أَوْ مُنْفَصِلَةٌ وَمُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْأَصْلِ كَالْوَلَدِ وَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ وَالْبُرْءِ مِنْ الْمَرَضِ، أَوْ غَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ كَالصَّبْغِ وَالْعَقْرِ وَالْكَسْبِ وَالْبِنَاءِ فَيَمْتَنِعُ الْفَسْخُ إلَّا فِي الْمُنْفَصِلَةِ الْغَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ بَحْرٌ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ: لَا يَرْتَفِعُ) يَأْتِي مُحْتَرَزُهُ. (قَوْلُهُ: فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ) أَيْ لَوْ هَلَكَ، وَلَوْ قَالَ: فَلِلْبَائِعِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَسْخُ الْبَيْعِ إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ بَيَانُ مَا يَلْزَمُ بِالتَّعَيُّبِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، أَمَّا مَا يَلْزَمُ بِالْهَلَاكِ فِيهِمَا فَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمَتْنِ. (قَوْلُهُ: لِشُبْهَةِ الرِّبَا) لِأَنَّ الْجَوْدَةَ فِي الْمَالِ الرِّبَوِيِّ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، لَكِنْ قَالَ: فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْغَصْبِ: إذَا غَصَبَ قُلْبَ فِضَّةٍ - وَهُوَ بِالضَّمِّ السِّوَارُ -، إنْ شَاءَ الْمَالِكُ أَخَذَهُ مَكْسُورًا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ مِنْ الذَّهَبِ. قَالَ: فِي الْعِنَايَةِ: إذْ لَوْ أَوْجَبْنَا مِثْلَ الْقِيمَةِ مِنْ جِنْسِهِ أَدَّى إلَى الرِّبَا أَوْ مِثْلَ وَزْنِهِ أَبْطَلْنَا حَقَّ الْمَالِكِ فِي الْجَوْدَةِ وَالصَّنْعَةِ. اهـ. وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ هُنَاكَ فِيمَا لَوْ نَقَصَ الْمَغْصُوبُ الرِّبَوِيُّ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ الْعَيْنَ وَلَا يَرْجِعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِشَيْءٍ وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَهَا وَيَضْمَنَ مِثْلَهَا أَوْ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ مُتَعَذَّرٌ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْخِيَارَ لِلْمَالِكِ بَيْنَ إمْسَاكِ الْعَيْنِ بِلَا رُجُوعٍ بِالنُّقْصَانِ وَبَيْنَ دَفْعِهَا وَتَضْمِينِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 575 وَثَمَنُهُ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَوْ يَرْتَفِعُ كَمَرَضٍ، فَإِنْ زَالَ فِي الْمُدَّةِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ وَإِلَّا لَزِمَهُ الْعَقْدُ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ ابْنُ كَمَالٍ. (وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي خِلَافًا لَهُمَا) لِئَلَّا يَصِيرَ سَائِبَةً. قُلْنَا: السَّائِبَةُ هِيَ الَّتِي لَا مِلْكَ فِيهَا لِأَحَدٍ وَلَا تَعَلُّقَ مِلْكٍ، وَالثَّانِي مَوْجُودٌ هُنَا، وَيَلْزَمَكُمْ اجْتِمَاعُ الْبَدَلَيْنِ وَالْعَوْدُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ بِشِرَاءِ قَرِيبِهِ. (وَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهُمَا)   [رد المحتار] مِثْلِهَا أَيْ مِثْلِ وَزْنِهَا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِإِبْطَالِ حَقِّهِ فِي الْجَوْدَةِ وَبَيْنَ تَضْمِينِ قِيمَتِهَا: أَيْ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ. وَفِي مَسْأَلَتِنَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فِي بَيْعِ الرِّبَوِيِّ وَعَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي وَاخْتَارَ الْبَائِعُ الْفَسْخَ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ نُقْصَانِ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ الْخِيَارَاتُ الْمَذْكُورَةُ. تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ مَا كَانَ الْخِيَارُ فِيهَا لِلْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ: وَلَوْ يَرْتَفِعُ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ بِعَيْبٍ لَا يَرْتَفِعُ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ) أَيْ فَلَهُ الْفَسْخُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَرَدُّ الْمَبِيعِ عَلَى بَائِعِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَزُلْ الْمَرَضُ فِي الْمُدَّةِ لَزِمَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ رَدُّهُ فِي الْمُدَّةِ مَعِيبًا لِتَضَرُّرِ الْبَائِعِ، وَلَوْ زَالَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَزِمَ الْعَقْدُ بِمُضِيِّهَا. (قَوْلُهُ: ابْنُ كَمَالٍ) وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَالْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ فَقَطْ، لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ يَصِحُّ إعْتَاقُهُ وَيَكُونُ إمْضَاءً. وَفِي السِّرَاجِ: تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ جَازَ تَصَرُّفُهُ وَيَكُونُ إجَازَةً مِنْهُ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ رَهَنَ الثَّمَنَ رَهْنًا جَازَ الرَّهْنُ بِهِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَهُ الْبَائِعُ عَنْ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ إبْرَاؤُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الرَّهْنُ أَيْضًا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَعْتَمِدُ الدَّيْنَ وَلَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الرَّهْنِ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ بِهِ، لَكِنْ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ عَدَمَ صِحَّةِ الرَّهْنِ بِالثَّمَنِ قِيَاسٌ وَالِاسْتِحْسَانُ صِحَّتُهُ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ الْبَيْعُ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ: وَفِيهِ عَلَى الْخُلَاصَةِ أَنَّ زَوَائِدَ الْمَبِيعِ مَوْقُوفَةٌ، إنْ تَمَّ الْبَيْعُ كَانَتْ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ يُفْسَخْ كَانَتْ لِلْبَائِعِ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لَهُمَا) حَيْثُ قَالَا: إنَّهُ يَمْلِكُهُ. (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَصِيرَ سَائِبَةً) أَيْ شَيْئًا لَا مَالِكَ لَهُ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الْمِلْكِ، وَهَذَا دَلِيلٌ لِقَوْلِهِمَا إنَّهُ يَمْلِكُهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ أَيْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ لَزِمَ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ لَا إلَى مَالِكٍ فَيَكُونَ كَالسَّائِبَةِ وَلَا عَهْدَ لَنَا بِهِ فِي الشَّرْعِ يَعْنِي فِي الْمُعَاوَضَاتِ لِئَلَّا يَرِدَ نَحْوُ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمَيِّتِ وَلَا تَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ وَلَا الْغُرَمَاءِ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ وَالْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: قُلْنَا) أَيْ مِنْ طَرَفِ الْإِمَامِ، وَهُوَ جَوَابٌ يَمْنَعُ كَوْنَهُ كَالسَّائِبَةِ. (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي مَوْجُودٌ هُنَا) وَهُوَ عُلْقَةُ الْمِلْكِ: أَيْ لِلْبَائِعِ، إذْ قَدْ يَرِدُ عَلَيْهِ فَيَعُودُ إلَيْهِ حَقِيقَةُ مِلْكِهِ وَلِلْمُشْتَرِي أَيْضًا إذْ قَدْ يَسْقُطُ خِيَارُهُ فَيَكُونُ لَهُ ط. (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُكُمْ إلَخْ) اسْتِدْلَالٌ لِلْإِمَامِ بِطَرِيقِ النَّقْضِ الْإِجْمَالِيِّ لِدَلِيلِ الْخَصْمِ بِاسْتِلْزَامِهِ الْفَسَادَ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ مَا فِي النَّهْرِ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي مَعَ كَوْنِ الثَّمَنِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ لَزِمَ اجْتِمَاعُ الْبَدَلَيْنِ فِي حُكْمِ مِلْكِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ حُكْمًا لِلْمُعَاوَضَةِ وَلَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ، يَعْنِي فِي بَابِ الْمُعَاوَضَةِ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا فِي تَبَادُلِ مِلْكَيْهِمَا، فَلَا يَرِدُ مَا لَوْ غَصَبَ الْمُدَبَّرَ وَأَبَقَ مِنْ يَدِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمَالِكِ فَيَجْتَمِعُ الْعِوَضَانِ فِي مِلْكٍ لِأَنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا مُعَاوَضَةٍ. وَالثَّانِي مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي شُرِعَ نَظَرًا لَهُ لِيَتَرَوَّى فَيَقِفَ عَلَى الْمَصْلَحَةِ، فَلَوْ أَثْبَتْنَا الْمِلْكَ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ مَعَ خِيَارِهِ أَلْحَقْنَاهُ نَقِيضَ مَقْصُودِهِ، إذْ رُبَّمَا كَانَ الْمَبِيعُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَيَعْتِقُ بِلَا اخْتِيَارِهِ فَيَعُودُ شَرْعُ الْخِيَارِ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ إذْ كَانَ مُفَوِّتًا لِلنَّظَرِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهُمَا إلَخْ) فَإِنْ تَصَرَّفَ الْبَائِعُ جَازَ وَكَانَ فَسْخًا وَكَذَا إنْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ إنْ كَانَ عَيْنًا، وَتَصَرُّفُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا اشْتَرَاهُ بَاطِلٌ، وَأَيُّهُمَا هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بَطَلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 576 أَيْ مِنْ مَبِيعٍ وَثَمَنٍ مِنْ مِلْكِ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ عَنْ مَالِكِهِ اتِّفَاقًا (إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا) ، وَأَيُّهُمَا فَسَخَ فِي الْمُدَّةِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ، وَأَيُّهُمَا أَجَازَ بَطَلَ خِيَارُهُ فَقَطْ. (وَ) هَذَا الْخِلَافُ (تَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِي) عَشَرِ مَسَائِلَ جَمَعَهَا الْعَيْنِيُّ فِي قَوْلِهِ: اسْحَقْ عِزَّكَ فَخُمْ. الْأَلِفُ مِنْ الْأَمَةِ لَوْ اشْتَرَاهَا بِخِيَارٍ وَهِيَ زَوْجَتُهُ بَقِيَ النِّكَاحُ وَالسِّينُ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ فَحَيْضُهَا فِي الْمُدَّةِ لَا يُعْتَبَرُ اسْتِبْرَاءً. وَالْحَاءُ مِنْ الْمَحْرَمِ، فَلَا يَعْتِقُ مَحْرَمُهُ وَالْقَافُ مِنْ الْقُرْبَانِ لِمَنْكُوحَتِهِ الْمُشْتَرَاةِ، فَلَهُ رَدُّهَا إلَّا إذَا نَقَصَهَا بِهِ.   [رد المحتار] الْبَيْعُ، فَإِنْ هَلَكَ بَعْدَهُ بَطَلَ أَيْضًا وَلَزِمَ قِيمَتُهُ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ: عَنْ مَالِكِهِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ط. (قَوْلُهُ: وَأَيُّهُمَا أَجَازَ بَطَلَ خِيَارُهُ فَقَطْ) أَيْ وَصَارَ الْعَقْدُ بَاتًّا مِنْ جَانِبِهِ، وَالْآخَرُ عَلَى خِيَارِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمَا إجَازَةٌ وَلَا فَسْخٌ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ لَزِمَ الْبَيْعُ، وَلَوْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا وَفَسَخَ الْآخَرُ بَطَلَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ سَبَقَ الْفَسْخُ أَوْ الْإِجَازَةُ أَوْ كَانَا مَعًا، وَلَا عِبْرَةَ لِلْإِجَازَةِ بِكُلِّ حَالٍ. اهـ. مِنَحٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَجَازَ أَحَدُهُمَا فَالْآخَرُ عَلَى خِيَارِهِ، فَإِنْ أَجَازَ أَيْضًا تَمَّ الْعَقْدُ، وَإِنْ فَسَخَ بَطَلَ، وَإِنْ سَكَتَا حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ لَزِمَ الْعَقْدُ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا الْخِلَافُ) أَيْ الْمَذْكُورُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ أَنَّ الْمَبِيعَ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُ وَيَدْخُلُ عِنْدَهُمَا وَالتَّفْرِيعُ فِي الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ عَلَى قَوْلِهِ. (قَوْلُهُ: بَقِيَ النِّكَاحُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا عِنْدَهُ، وَإِذَا سَقَطَ الْخِيَارُ بَطَلَ: أَيْ النِّكَاحُ لِلتَّنَافِي أَيْ بَيْنَ ثُبُوتِ الْمُتْعَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَبِالْعَقْدِ. وَعِنْدَهُمَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ لِدُخُولِهَا فِي مِلْكِ الزَّوْجِ فَإِذَا فَسَخَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ رَجَعَتْ إلَى مَوْلَاهَا بِلَا نِكَاحٍ عَلَيْهَا عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَهُ تَسْتَمِرُّ زَوْجَتَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ. قَالَ: فِي الْبَحْرِ: وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ فَاسِدًا وَقَبَضَهَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ، ثُمَّ إذَا فُسِخَ الْبَيْعُ لِلْفَسَادِ لَا يَرْتَفِعُ فَسَادُ النِّكَاحِ. (قَوْلُهُ: لَا يُعْتَبَرُ اسْتِبْرَاءً) أَيْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُعْتَبَرُ؛ وَلَوْ رُدَّتْ بِحُكْمِ الْخِيَارِ إلَى الْبَائِعِ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ إذَا رُدَّتْ بَعْدَ الْقَبْضِ بَحْرٌ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ فِي رَمْزِ الْفَاءِ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَعْتِقُ مَحْرَمُهُ) أَيْ إذَا اشْتَرَى قَرِيبَهُ الْمَحْرَمَ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ عِنْدَهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَفْسَخْ. وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ. (قَوْلُهُ: فَلَهُ رَدُّهَا) ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَمْلِكْهَا عِنْدَهُ كَانَ وَطْؤُهُ لَهَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بِالنِّكَاحِ لَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَلَا يَمْتَنِعُ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ دَلِيلَ الرِّضَا بِالْبَيْعِ، بِخِلَافِ وَطْءِ غَيْرِ مَنْكُوحَتِهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَعِنْدَهُمَا يَمْتَنِعُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَصَلَ فِي الْمِلْكِ وَقَدْ بَطَلَ النِّكَاحُ فَكَانَ دَلِيلَ الرِّضَا. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا نَقَصَهَا) أَيْ الْوَطْءُ وَلَوْ ثَيِّبًا فَيَمْتَنِعُ الرَّدُّ نَهْرٌ وَفَتْحٌ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ دَوَاعِيَ الْوَطْءِ لَيْسَتْ كَالْوَطْءِ لِعَدَمِ التَّنْقِيصِ بِهَا فَلَا يَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ، بِخِلَافِهَا فِي غَيْرِ الْمَنْكُوحَةِ فَإِنَّ دَوَاعِيَهُ مِثْلُهُ فَتَكُونُ دَلِيلَ الرِّضَا بِالْبَيْعِ فَيَمْتَنِعُ الرَّدُّ اتِّفَاقًا كَمَا سَيَأْتِي. وَعَلَى هَذَا فَيُشْكِلُ مَا فِي شَرْحِ مُنْلَا مِسْكِينٍ مِنْ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ عِنْدَ الْإِمَامِ لَوْ قَبَّلَهَا أَوْ مَسَّهَا أَوْ مَسَّتْهُ بِشَهْوَةٍ؛ وَكَذَا لَوْ وَطِئَهَا غَيْرُ الزَّوْجِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 577 وَالْعَيْنُ مِنْ الْوَدِيعَةِ عِنْدَ بَائِعِهِ، فَتَهْلَكُ عَلَى الْبَائِعِ لِارْتِفَاعِ الْقَبْضِ بِالرَّدِّ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالزَّايُ مِنْ الزَّوْجَةِ الْمُشْتَرَاةِ، لَوْ وَلَدَتْ فِي الْمُدَّةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ؛ وَلَوْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَزِمَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ عَيْبٌ دُرَرٌ وَابْنُ كَمَالٍ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ إذَا وَلَدَتْ بَطَلَ خِيَارُهُ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مَيِّتًا وَلَمْ تَنْقُصْهَا الْوِلَادَةُ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ. وَالْكَافُ مِنْ الْكَسْبِ لِلْعَبْدِ فِي الْمُدَّةِ، فَهُوَ لِلْبَائِعِ بَعْدَ الْفَسْخِ. وَالْفَاءُ مِنْ الْفَسْخِ لِبَيْعِ الْأَمَةِ، فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى الْبَائِعِ. وَالْخَاءُ مِنْ الْخَمْرِ، فَلَوْ شَرَاهُ ذِمِّيٌّ مِنْ مِثْلِهِ بِالْخِيَارِ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَهُوَ لِلْبَائِعِ عَيْنِيٌّ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ، لَكِنَّ عِبَارَةَ ابْنِ الْكَمَالِ: وَأَسْلَمَ الْمُشْتَرِي.   [رد المحتار] فِي يَدِهِ. اهـ. وَوَجْهُ الْأَخِيرِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ وَطْءَ غَيْرِهِ مُوجِبٌ لِلْعُقْرِ وَهُوَ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَتَمْنَعُ الرَّدَّ كَمَا مَرَّ، وَيَأْتِي. [تَنْبِيهٌ] قَالَ: فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ حِلِّ وَطْءِ الْمَبِيعَةِ بِخِيَارٍ، أَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَيَنْبَغِي حِلُّهُ لَهُ لَا لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ لَهُمَا، نَقَلَهُ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الشَّافِعِيِّ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ مَنْكُوحَتِهِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُ مُكَرَّرَةٍ مَعَ الْأُولَى الْمَرْمُوزِ لَهَا بِالْأَلِفِ وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعُهُمَا بِشِرَاءِ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأُولَى أَنَّ شِرَاءَهَا لَا يُبْطِلُ نِكَاحَهَا، وَمِنْ هَذِهِ أَنَّ وَطْءَ زَوْجِهَا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ رَدِّهَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ط وَهُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْوَدِيعَةِ عِنْدَ بَائِعِهِ إلَخْ) أَيْ إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ ثُمَّ أَوْدَعَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ عِنْدَهُ لِارْتِفَاعِ الْقَبْضِ بِالرَّدِّ لِعَدَمِ الْمِلْكِ. وَعِنْدَهُمَا مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي لِصِحَّةِ الْإِيدَاعِ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ الْمِلْكِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْمِلْكِ) عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ. (قَوْلُهُ: لَوْ وَلَدَتْ) أَيْ بِالنِّكَاحِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي لِعَدَمِ الْمِلْكِ خِلَافًا لَهُمَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: لَزِمَ الْعَقْدُ إلَخْ) أَيْ اتِّفَاقًا، وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُشْتَرِي إذَا ادَّعَاهُ بَحْرٌ عَنْ ابْنِ كَمَالٍ؛ لِأَنَّ تَعَيُّبَ الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بَعْدَ قَبْضِهِ لَهُ مُبْطِلٌ لِخِيَارِهِ. (قَوْلُهُ: إذَا وَلَدَتْ إلَخْ) أَيْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَيُوَافِقُ مَا قَبْلَهُ ط. (قَوْلُهُ: وَلَمْ تُنْقِصْهَا الْوِلَادَةُ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْوِلَادَةَ قَدْ لَا تَكُونُ نُقْصَانًا وَهُوَ خِلَافُ الْإِطْلَاقِ السَّابِقِ، وَيُؤَيِّدُ السَّابِقَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: اشْتَرَاهَا وَقَبَضَهَا ثُمَّ ظَهَرَ وِلَادَتُهَا عِنْدَ الْبَائِعِ لَا مِنْ الْبَائِعِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ؛ فِي رِوَايَةِ: الْمُضَارَبَةِ عَيْبٌ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ التَّكَسُّرَ الْحَاصِلَ بِالْوِلَادَةِ لَا يَزُولُ أَبَدًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي رِوَايَةٍ إنْ نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ عَيْبٌ، وَفِي الْبَهَائِمِ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ إلَّا أَنْ تُوجِبَ نُقْصَانًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ خِلَافَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهَا وَهُوَ تَحْرِيفٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ هُنَاكَ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ لِلْبَائِعِ بَعْدَ الْفَسْخِ) لِأَنَّهُ عِنْدَهُ لَمْ يَحْدُثْ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَعِنْدَهُمَا لِلْمُشْتَرِي لِحُدُوثِهِ عَلَى مِلْكِهِ بَحْرٌ. قَالَ: ط: وَأَمَّا إذَا لَمْ يَفْسَخْ فَالزَّوَائِدُ تَبَعٌ لِلْمَبِيعِ كَمَا سَلَفَ. (قَوْلُهُ: فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى الْبَائِعِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ بِتَجْدِيدِ الْمِلْكِ وَلَمْ يُوجَدْ حَيْثُ لَمْ تَدْخُلْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ مِلْكُ الْبَائِعِ ابْنُ كَمَالٍ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّ عِبَارَةَ ابْنِ الْكَمَالِ وَأَسْلَمَ الْمُشْتَرِي) وَكَذَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ فَيَكُونُ هُوَ الْمُرَادَ مِنْ لَفْظِ أَحَدِهِمَا. فِي عِبَارَةِ الْعَيْنِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ الْبَائِعُ لَا تَظْهَرُ فِيهِ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ لِبَقَاءِ الْخِيَارِ إجْمَاعًا كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، حَيْثُ قَالَ: لَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا عَلَى أَنَّهُ: - أَيْ الْمُشْتَرِيَ - بِالْخِيَارِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بَطَلَ الْخِيَارُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا فَلَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا بِالرَّدِّ وَهُوَ مُسَلَّمٌ. وَعِنْدَهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا فَلَا يَمْلِكُ تَمَلُّكَهَا بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ وَهُوَ مُسَلَّمٌ. وَلَوْ أَسْلَمَ الْبَائِعُ وَالْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي بَقِيَ عَلَى خِيَارِهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ وَلَوْ رَدَّهَا الْمُشْتَرِي عَادَتْ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ بَاتٌّ، فَإِنْ أَجَازَهُ صَارَ لَهُ، وَإِنْ فَسَخَ صَارَ الْخَمْرُ لِلْبَائِعِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 578 وَالْمِيمُ مِنْ الْمَأْذُونِ، لَوْ أَبْرَأهُ الْبَائِعُ مِنْ الثَّمَنِ صَحَّ اسْتِحْسَانًا وَبَقِيَ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ يَلِي عَدَمَ التَّمَلُّكِ، كُلُّ ذَلِكَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. قُلْتُ: وَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ مِنْهَا: التَّاءُ لِلتَّعْلِيقِ كَإِنْ مَلَكْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَشَرَاهُ بِخِيَارٍ لَمْ يَعْتِقْ وَالتَّاءُ وَاسْتِدَامَةُ السُّكْنَى بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ لَيْسَ بِاخْتِيَارٍ. وَالصَّادُ، وَصَيْدٌ شَرَاهُ بِخِيَارٍ فَأَحْرَمَ بَطَلَ الْبَيْعُ وَالدَّالُ وَالزَّوَائِدُ الْحَادِثَةُ فِي الْمُدَّةِ بَعْدَ الْفَسْخِ لِلْبَائِعِ.   [رد المحتار] وَالْمُسْلِمُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْخَمْرَ حُكْمًا كَمَا فِي الْإِرْثِ، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَأَسْلَمَ هُوَ بَطَلَ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ وَالْمُسْلِمُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَمْلِكَ الْخَمْرَ؛ وَلَوْ أَسْلَمَ الْمُشْتَرِي لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَالْبَائِعُ عَلَى خِيَارِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي بَاتٌّ، فَإِنْ أَجَازَ الْعَقْدَ صَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَمْلِكَ الْخَمْرَ حُكْمًا، وَإِنْ فَسَخَهُ كَانَ لِلْبَائِعِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمْ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَالْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا لَوْ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا أَوْ بِخِيَارٍ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا لِأَنَّ لِلْقَبْضِ شَبَهًا بِالْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ فَلَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: مِنْ الْمَأْذُونِ إلَخْ) أَيْ إذَا اشْتَرَى عَبْدٌ مَأْذُونٌ شَيْئًا بِالْخِيَارِ وَأَبْرَأَهُ بَائِعُهُ عَنْ ثَمَنِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بَقِيَ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْلِكْهُ كَانَ رَدُّهُ فِي الْمُدَّةِ امْتِنَاعًا عَنْ التَّمَلُّكِ وَلِلْمَأْذُونِ وِلَايَةُ ذَلِكَ، فَإِذَا وُهِبَ لَهُ شَيْءٌ فَلَهُ وِلَايَةُ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ دُرَرٌ. وَعِنْدَهُمَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَهُ كَانَ الرَّدُّ مِنْهُ تَمْلِيكًا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْإِبْرَاءِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قِيَاسًا وَيَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اسْتِحْسَانًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: كُلُّ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ أَحْكَامِ الْمَسَائِلِ الْعَشْرِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَعْتِقْ) لِأَنَّهُ عِنْدَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ. وَعِنْدَهُمَا وُجِدَ فَيَعْتِقُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَأَمَّا لَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت بَدَلَ قَوْلِهِ إنْ مَلَكْت فَإِنَّهُ يَعْتِقُ اتِّفَاقًا لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الشِّرَاءُ فَيَكُونُ كَالْمُنْشِئِ لِلْعِتْقِ بَعْدَهُ فَيَسْقُطُ الْخِيَارُ فَتْحٌ وَبَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَاسْتِدَامَةُ السُّكْنَى إلَخْ) صُورَتُهَا: اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَهُوَ سَاكِنُهَا بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ فَاسْتَدَامَ سُكْنَاهَا، قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ: اسْتِدَامَتُهَا اخْتِيَارٌ عِنْدَهُمَا لِمِلْكِ الْعَيْنِ وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِاخْتِيَارٍ فَتْحٌ وَمِثْلُهُ خِيَارُ الْعَيْبِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْقِسْمَةِ وَلَوْ ابْتَدَأَ السُّكْنَى بَطَلَ خِيَارُهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: فَأَحْرَمَ) أَيْ وَهُوَ فِي يَدِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَهُ وَيَرُدُّهُ إلَى الْبَائِعِ، وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ يَنْتَقِضُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَأَحْرَمَ الْمُشْتَرِي لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بَحْرٌ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي: فَأَحْرَمَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ وَهِيَ الصَّوَابُ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْفَسْخِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ قَوْلُهُ لِلْبَائِعِ أَيْ تَثْبُتُ لِلْبَائِعِ بَعْدَ الْفَسْخِ لِأَنَّهَا لَمْ تَحْدُثْ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَعِنْدَهُمَا لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا حَدَثَتْ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الزَّوَائِدَ تَعُمُّ الْمُتَّصِلَةَ وَالْمُنْفَصِلَةَ مُتَوَلَّدَةً أَوْ غَيْرَهَا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ هُنَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ أَنَّ حُدُوثَهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ الْفَسْخَ بِالْخِيَارِ إلَّا إذَا كَانَتْ مُنْفَصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلَّدَةٍ كَالْكَسْبِ فَهَذِهِ يَتَأَتَّى فِيهَا إجْرَاءُ الْخِلَافِ لِإِمْكَانِ الْفَسْخِ فِيهَا أَمَّا فِي بَقِيَّةِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فَلَا بَلْ هِيَ لِلْمُشْتَرِي قَطْعًا لِحُدُوثِهَا عَلَى مِلْكِهِ حَيْثُ امْتَنَعَ بِهَا الْفَسْخُ وَلَزِمَهُ الْبَيْعُ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ذِكْرَ مَسَائِلِ الزِّيَادَةِ كَمَا قَدَّمْنَا مِنْ امْتِنَاعِ الْفَسْخِ فِي الْكُلِّ إلَّا فِي صُورَةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْغَيْرِ الْمُتَوَلَّدَةِ وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا فَقَطْ فَإِطْلَاقُ الزَّوَائِدِ هُنَا لَيْسَ مِمَّا يَنْبَغِي بَلْ الْمُرَادُ بِهَا الصُّورَةُ الْمَذْكُورَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكَسْبِ الَّتِي رَمَزَ لَهَا بِالْكَافِ، فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ إسْقَاطُ هَذِهِ لِتَكْرَارِهَا مَعَ إيهَامِهَا خِلَافَ الْمُرَادِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 579 وَالرَّاءُ وَالْعَصِيرُ فِي بَيْعِ مُسْلِمَيْنِ لَوْ تَخَمَّرَ فِي الْمُدَّةِ فَسَدَ خِلَافًا لَهُمَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْمِزَ لَهَا لَفْظَ تَتَصَدَّرُ وَيَضُمَّ الرَّمْزَ لِلرَّمْزِ، وَلَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ فَلْيُحْفَظْ. (أَجَازَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ) وَلَوْ أَجْنَبِيًّا (صَحَّ وَلَوْ مَعَ جَهْلِ صَاحِبِهِ) إجْمَاعًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لَهُمَا وَفَسَخَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِلْآخَرِ الْإِجَازَةُ؛ لِأَنَّ الْمَفْسُوخَ لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ. (فَإِنْ فَسَخَ) بِالْقَوْلِ (لَا) يَصِحُّ (إلَّا إذَا عَلِمَ) الْآخَرُ فِي الْمُدَّةِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ لَزِمَ الْعَقْدُ، وَالْحِيلَةُ أَنْ يَسْتَوْثِقَ بِكَفِيلٍ مَخَافَةَ الْغَيْبَةِ أَوْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ لِيَنْصِبَ مَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ عَيْنِيٌّ، قَيَّدْنَا بِالْقَوْلِ لِصِحَّتِهِ بِالْفِعْلِ بِلَا عِلْمِهِ اتِّفَاقًا   [رد المحتار] كَمَا ظَنَّهُ مَنْ قَالَ: إنَّ الزَّوَائِدَ تَعُمُّ الْمُتَّصِلَةَ وَالْمُنْفَصِلَةَ فَيُسْتَغْنَى بِهَا عَنْ الْكَافِ الْمُشَارِ بِهَا إلَى الْكَسْبِ اهـ. فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: فَسَدَ) أَيْ الْبَيْعُ عِنْدَهُ لِعَجْزِهِ عَنْ تَمَلُّكِهِ بِإِسْقَاطِ خِيَارِهِ، وَيَتِمُّ عِنْدَهُمَا لِعَجْزِهِ عَنْ رَدِّهِ بِفَسْخِهِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لَهُمَا) رَاجِعٌ لِلْمَسَائِلِ الْخَمْسِ الْمَزِيدَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَيَضُمُّ الرَّمْزَ لِلرَّمْزِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ: أَيْ يَضُمُّ الرَّمْزَ الْمَزِيدَ بِلَفْظٍ تَتَصَدَّرُ لِلرَّمْزِ السَّابِقِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيَضُمُّ لِرَمْزِ الرَّمْزِ بِجَرِّ الْأَوَّلِ بِاللَّامِ وَالثَّانِي بِالْإِضَافَةِ، وَهَذِهِ النُّسْخَةُ أَلْطَفُ وَعَلَيْهَا فَفِي " يَضُمُّ " ضَمِيرٌ يَعُودُ لِلرَّمْزِ الْمَزِيدِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالرَّمْزِ الْمَجْرُورِ بِاللَّامِ الرَّمْزَ السَّابِقَ عَنْ الْعَيْنِيِّ، وَبِالرَّمْزِ الْمَجْرُورِ بِالْإِضَافَةِ شَرْحَ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ فَإِنَّ اسْمَهُ الرَّمْزُ. وَفِي ط: فَيَصِيرُ الْمَعْنَى اسْحَقْ عِزَّكَ: أَيْ امْحَقْهُ بِتَوَاضُعِكَ وَعَظِّمْ اللَّهَ - تَعَالَى - فِي قَلْبِكَ، فَامْتَثِلْ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، وَعَظِّمْ النَّاسَ بِإِنْزَالِهِمْ مَنْزِلَتَهُمْ تَصِيرُ صَدْرًا أَيْ مُقَدَّمًا وَمُقَرَّبًا عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَعِنْدَ النَّاسِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ) أَيْ لَمْ يَرَ الرَّمْزَ بِ تَتَصَدَّرُ وَإِلَّا فَالْمَسَائِلُ فِي الْمِنَحِ الْبَحْرُ ط (قَوْلُهُ: أَجَازَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ) أَيْ أَجَازَ بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ كَالْإِعْتَاقِ وَالْوَطْءِ وَنَحْوِهِمَا كَمَا يَأْتِي. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: إذَا قَالَ: أَجَزْتُ شِرَاءَهُ أَوْ شِئْتُ أَخْذَهُ أَوْ رَضِيتُ أَخْذَهُ بَطَلَ خِيَارُهُ؛ وَلَوْ قَالَ: هَوِيتُ أَخْذَهُ أَوْ أَحْبَبْتُ أَوْ أَرَدْتُ أَوْ أَعْجَبَنِي أَوْ وَافَقَنِي لَا يَبْطُلُ لَوْ اخْتَارَ الرَّدَّ أَوْ الْقَبُولَ بِقَلْبِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ لِتَعَلُّقِ الْأَحْكَامِ بِالظَّاهِرِ لَا بِالْبَاطِنِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَعَ جَهْلِ صَاحِبِهِ) أَيْ الْعَاقِدِ مَعَهُ، أَمَّا لَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِيَيْنِ فَفَسَخَ أَحَدُهُمَا بِعَيْبَةِ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: لَهُمَا) أَيْ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لِلْآخَرِ الْإِجَازَةُ) أَيْ إلَّا إذَا قَبِلَ الْأَوَّلُ إجَازَتَهُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: بَاعَهُ بِخِيَارٍ فَفَسَخَهُ فِي الْمُدَّةِ انْفَسَخَ، فَإِنْ قَالَ: بَعْدَهُ أَجَزْتُ وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَأَجَازَ ثُمَّ فَسَخَ وَقَبِلَ الْبَائِعُ جَازَ وَيَنْفَسِخُ اهـ. فَيَكُونُ الْأَوَّلُ بَيْعًا آخَرَ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ وَالثَّانِي إقَالَةً. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَفْسُوخَ لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ) فِيهِ إشْكَالٌ سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ مَعَ جَوَابِهِ. (قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا عَلِمَ الْآخَرُ) هَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ: يَصِحُّ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. قَالَ: الْكَرْخِيُّ وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الْعَيْبِ لَا يَصِحُّ فَسْخُهُ بِدُونِ عِلْمِهِ إجْمَاعًا. وَلَوْ أَجَازَ الْبَيْعَ بَعْدَ فَسْخِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ الْمُشْتَرِي جَازَ وَبَطَلَ فَسْخُهُ ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، يَعْنِي عِنْدَهُمَا. وَفِيهِ يَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا بَاعَهُ بِشَرْطِ أَنَّهُ إذَا غَابَ فَسَخَ فَسَدَ الْبَيْعُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَرَجَّحَ قَوْلَهُ فِي الْفَتْحِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ) أَيْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، سَوَاءٌ عَلِمَ بَعْدَهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: أَنْ يَسْتَوْثِقَ بِكَفِيلٍ) الَّذِي فِي الْعَيْنِيِّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ وَكِيلًا، يَعْنِي إذَا بَدَا لَهُ الْفَسْخُ رَدَّهُ عَلَيْهِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ ح. (قَوْلُهُ: أَوْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ لِيَنْصِبَ إلَخْ) فِي الْعِمَادِيَّةِ: وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَقِيلَ: لَا يَنْصِبُ لِأَنَّهُ تَرَكَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ بِعَدَمِ الْوَكِيلِ فَلَا يَنْظُرُ الْقَاضِي إلَيْهِ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: لِصِحَّتِهِ بِالْفِعْلِ بِلَا عِلْمِهِ) مِثَالُ الْفَسْخِ بِالْفِعْلِ أَنْ يَتَصَرَّفَ الْبَائِعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ، كَمَا إذَا أَعْتَقَ الْمَبِيعَ أَوْ بَاعَهُ أَوْ كَانَ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ عَيْنًا فَتَصَرَّفَ فِيهِ الْمُشْتَرِي تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، صَرَّحَ بِهِ الْأَكْمَلُ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ مِنَحٌ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ الْبَائِعُ إلَخْ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لَهُ وَتَصَرَّفَ كَذَلِكَ فَيَكُونَ فَسْخًا حُكْمِيًّا لِأَنَّهُ دَلِيلُ اسْتِبْقَاءِ الْمَبِيعِ عَلَى مِلْكِهِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 580 كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ. (وَتَمَّ الْعَقْدُ بِمَوْتِهِ) وَلَا يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ كَخِيَارِ رُؤْيَةٍ وَتَغْرِيرٍ وَنَقْدٍ   [رد المحتار] وَفَعَلَ مَا ذُكِرَ فَإِنَّهُ يَتِمُّ الْبَيْعُ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: كَمَا أَفَادَهُ إلَخْ) أَيْ أَفَادَ الْفِعْلَ الَّذِي يَصِحُّ بِهِ الْفَسْخُ، يَعْنِي أَنَّ أَمْثِلَةَ الْفَسْخِ بِالْفِعْلِ تُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَذْكُورُ مِنْ أَمْثِلَةِ الْفَسْخِ بَلْ مِنْ أَمْثِلَةِ التَّمَامِ وَالْإِجَازَةِ. قَالَ: فِي الْفَتْحِ: وَجَمِيعُ مَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ إجَازَةٌ إذَا صَدَرَ مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْ الْأَفْعَالِ فَهُوَ فَسْخٌ إذَا صَدَرَ مِنْ الْبَائِعِ. اهـ. وَقَدْ أَفَادَ الشَّارِحُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ الْآتِي: وَلَوْ فَعَلَ الْبَائِعُ ذَلِكَ كَانَ فَسْخًا. وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِعْتَاقُ وَمَا بَعْدَهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ غَلَطٌ بَلْ هُوَ مِنْ رُمُوزِهِ الَّتِي تَخْفَى عَلَى الْمُعْتَرِضِينَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَتَمَّ الْعَقْدُ إلَخْ) أَيْ تَحْصُلُ الْإِجَازَةُ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ، وَهُوَ كَلَامٌ مَوْهُومٌ، فَإِنَّ فِي بَعْضِهَا يَكُونُ إجَازَةً سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ الْمَوْتُ وَمُضِيُّ الْمُدَّةِ، وَفِي بَعْضِهَا إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ الْإِعْتَاقُ وَتَوَابِعُهُ، فَلَوْ لِلْبَائِعِ كَانَ فَسْخًا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: بِمَوْتِهِ) أَيْ مَوْتِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَائِعًا كَانَ أَوْ مُشْتَرِيًا؛ لِأَنَّ مَوْتَ غَيْرِهِ لَا يَتِمُّ بِهِ الْعَقْدُ بَلْ الْخِيَارُ بَاقٍ لِمَنْ شُرِطَ لَهُ فَإِنْ أَمْضَى الْعَقْدَ مَضَى وَإِنْ فَسَخَهُ انْفَسَخَ كَمَا فِي الْفَتْحِ نَهْرٌ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ الْخِيَارُ لَهُمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا لَزِمَ الْبَيْعُ مِنْ جِهَتِهِ وَالْآخَرُ عَلَى خِيَارِهِ. وَفِيهِ أَيْضًا: وَكِيلُ الْبَيْعِ أَوْ الْوَصِيُّ بَاعَ بِخِيَارٍ أَوْ الْمَالِكُ بَاعَ بِخِيَارٍ لِغَيْرِهِ فَمَاتَ الْوَكِيلُ أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ الْمُوَكِّلُ أَوْ الصَّبِيُّ أَوْ مَنْ بَاعَ بِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ شُرِطَ لَهُ الْخِيَارُ قَالَ: مُحَمَّدٌ: يَتِمُّ الْبَيْعُ فِي كُلِّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ حَقًّا فِي الْخِيَارِ وَالْجُنُونُ كَالْمَوْتِ. اهـ. وَكَذَا الْإِغْمَاءُ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَّا مَشِيئَةٌ وَإِرَادَةٌ، وَلَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُهُ وَالْإِرْثُ فِيمَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ: هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: كَخِيَارِ رُؤْيَةٍ) نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْغُرَرِ وَالْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَمُخْتَصَرِهَا وَالْمُلْتَقَى وَالْإِصْلَاحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْفَتْحِ مِنْ بَابِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا، وَعَلَيْهِ فَمَا فِي فَرَائِضِ شَرْحِ الْبِيرِيِّ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الضِّيَاءِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يُورَثُ فَهُوَ غَرِيبٌ وَلَعَلَّ أَصْلَ الْعِبَارَةِ لَا يُورَثُ. تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَتَغْرِيرٍ وَنَقْدٍ) لَمْ يَذْكُرْهُمَا فِي الدُّرَرِ، بَلْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا فِي الْمِنَحِ بَحْثًا، وَذَكَرَ الثَّانِيَ فِي النَّهْرِ بَحْثًا أَيْضًا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحُقُوقَ الْمُجَرَّدَةَ لَا تُورَثُ، وَكَأَنَّ الْوَجْهَ لَمَّا قَوِيَ عِنْدَ الشَّارِحِ جَزَمَ بِهِ. وَقَدْ رَأَيْتُ مَسْأَلَةَ النَّقْدِ فِي شَرْحِ الْبِيرِيِّ عَنْ خِزَانَةِ الْإِكْمَالِ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَلَيْسَ لِوَارِثِهِ نَقْدُهُ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ التَّغْرِيرِ فَقَدْ وَقَعَ فِيهَا اضْطِرَابٌ، فَنَقَلَ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ الْمُرَابَحَةِ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ أَفْتَى بِمِثْلِ مَا بَحَثَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، ذَكَرَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ فِي شَرْحِ مَنْظُومَتِهِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ خِيَارَ التَّغْرِيرِ يُورَثُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَأَنَّ ابْنَ الْمُصَنِّفِ أَيَّدَهُ، وَسَيَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - مَا فِيهِ هُنَاكَ، نَعَمْ بَحَثَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَيْضًا فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ أَنَّهُ يُورَثُ قِيَاسًا عَلَى خِيَارِ فَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ كَشِرَاءِ عَبْدٍ عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ وَقَالَ: إنَّهُ بِهِ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْبَائِعِ فَكَانَ شَارِطًا لَهُ اقْتِضَاءً وَصْفًا مَرْغُوبًا فَبَانَ بِخِلَافِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ تَفَقُّهُ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيَّ وَالشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْغَزِّيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَرَيَاهَا مَنْقُولَةً، وَمَالَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ لِمَا قُلْتُهُ فَقَالَ: وَاَلَّذِي أَمِيلُ إلَيْهِ أَنَّهُ مِثْلُ خِيَارِ الْعَيْبِ يَعْنِي فَيُورَثُ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الرَّمْلِيُّ، لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْمُرَابَحَةِ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ لَهُ خِيَانَةٌ فِي الْمُرَابَحَةِ لَهُ رَدُّهُ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ رَدِّهِ أَوْ حَدَثَ بِهِ مَا يَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ لَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَسَقَطَ خِيَارُهُ، وَعَلَّلُوهُ هُنَاكَ بِأَنَّهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ فِيهِ جُزْءٌ فَائِتٌ فَيَسْقُطُ مَا يُقَابِلُهُ. وَأَخَذَ مِنْهُ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ أَنَّ خِيَارَ ظُهُورِ الْخِيَانَةِ لَا يُورَثُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّغْرِيرَ أَشْبَهُ بِظُهُورِ الْخِيَانَةِ فِي الْمُرَابَحَةِ فَكَانَ إلْحَاقُهُ بِهِ أَوْلَى مِنْ إلْحَاقِهِ بِالْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ الْمَرْغُوبَ بِمَنْزِلَةِ جُزْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ فَيُقَابِلُهُ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ حَيْثُ كَانَ الْوَصْفُ مَشْرُوطًا، فَإِذَا فَاتَ يَسْقُطُ مَا يُقَابِلُهُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ، وَلَيْسَ فِي التَّغْرِيرِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَلْ هُوَ مُجَرَّدُ خِيَارٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 581 لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا تُورَثُ، وَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ وَالتَّعْيِينِ وَفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ فَيَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِيهَا لَا أَنَّهُ يَرِثُ خِيَارَهُ دُرَرٌ فَلْيُحْفَظْ (وَمُضِيُّ الْمُدَّةِ) وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لِمَرَضٍ أَوْ إغْمَاءٍ (وَالْإِعْتَاقُ) وَلَوْ لِبَعْضِهِ (وَتَوَابِعُهُ) وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَنْفُذُ أَوْ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ كَإِجَارَةٍ وَلَوْ بِلَا تَسْلِيمٍ فِي الْأَصَحِّ وَنَظَرٌ إلَى فَرْجٍ دَاخِلٍ   [رد المحتار] لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ مِثْلُ خِيَارِ الْخِيَانَةِ فِي الْمُرَابَحَةِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْأَرْجَحَ أَنَّهُ لَا يُورَثُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا تُورَثُ) هَذَا التَّعْلِيلُ إنَّمَا يُنَاسِبُ التَّعْبِيرَ بِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يُورَثُ كَمَا وَقَعَ فِي الدُّرَرِ وَالْوِقَايَةِ وَالشَّارِحُ إنَّمَا عَبَّرَ بِأَنَّهُ لَا يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ؛ لِأَنَّهُ أَضْبَطُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُورَثُ قَدْ يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِيهِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ، فَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْلِيلَ بِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا تَنْتَقِلُ كَمَا مَرَّ عَنْ الْهِدَايَةِ أَيْ فَإِنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ مُجَرَّدُ مَشِيئَةٍ وَإِرَادَةٍ، وَذَلِكَ وَصْفٌ لِصَاحِبِ الْخِيَارِ فَلَا يُمْكِنُ انْتِقَالُهُ إلَى الْوَارِثِ لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ وَلَا بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ، وَمِثْلُهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالتَّغْرِيرِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي خِيَارِ النَّقْدِ؛ لِأَنَّ نَقْدَ الثَّمَنِ فِعْلٌ لَا وَصْفٌ، وَهَذَا يُرَجِّحُ أَنَّهُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ تَأَمَّلْ. [تَتِمَّةٌ] : فِي شَرْحِ الْبِيرِيِّ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الضِّيَاءِ: وَأَجْمَعُوا أَنَّ خِيَارَ الْقَبُولِ لَا يُورَثُ، وَكَذَا خِيَارُ الْإِجَازَةِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ. اهـ. وَالْمُرَادُ بِخِيَارِ الْقَبُولِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ، وَهُوَ أَنْ يَقْبَلَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ بَعْدَ إيجَابِ الْمُوجِبِ. (قَوْلُهُ: وَفَوَاتُ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ) هَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الدُّرَرِ، نَعَمْ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعَيْبِ. (قَوْلُهُ: فَيَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِيهَا إلَخْ) لِأَنَّ الْمُوَرِّثَ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ سَلِيمًا مِنْ الْعَيْبِ فَكَذَا الْوَارِثُ، وَكَذَا خِيَارُ التَّعْيِينِ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً لِاخْتِلَاطِ مِلْكِهِ بِمِلْكِ غَيْرِهِ لَا أَنْ يُورَثَ الْخِيَارَ هِدَايَةٌ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ مَا فِي الدُّرَرِ مِنْ أَنَّ الْوَارِثَ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِيمَا تَعَيَّبَ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُوَرِّثِ. اهـ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْخِيَارَ لِلْوَارِثِ غَيْرُ مَا كَانَ لِلْمُوَرِّثِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَحَدَهُمَا أَوْ يَرُدَّهُمَا، وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يَرُدَّهُمَا، وَخِيَارُ الْمُشْتَرِي كَانَ مُوَقَّتًا وَلِلْوَرَثَةِ يَثْبُتُ غَيْرَ مُوَقَّتٍ. اهـ (قَوْلُهُ: وَمُضِيِّ الْمُدَّةِ) أَيْ مُدَّةِ الْخِيَارِ قَبْلَ الْفَسْخِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ إلَّا فِيهَا فَلَا بَقَاءَ لَهُ بَعْدَهَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) أَيْ بِمُضِيِّهَا. (قَوْلُهُ: لِمَرَضٍ أَوْ إغْمَاءٍ) مَشَى عَلَى مَا هُوَ التَّحْقِيقُ مِنْ أَنَّ الْإِغْمَاءَ وَالْجُنُونَ لَا يُسْقِطَانِ الْخِيَارَ إنَّمَا الْمُسْقِطُ لَهُ مُضِيُّ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ، وَلِذَا لَوْ أَفَاقَ فِيهَا وَفَسَخَ جَازَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَالْإِعْتَاقِ) وَلَوْ بِشَرْطٍ وُجِدَ فِي الْمُدَّةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِبَعْضِهِ) أَيْ لِبَعْضِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ. قَالَ: فِي النَّهْرِ: وَقَدْ أَغْفَلُوهُ هُنَا. (قَوْلُهُ: وَتَوَابِعِهِ) كَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْمِلْكِ) أَيْ مِلْكِ الْمُبَاشِرِ لِلْفِعْلِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ. (قَوْلُهُ: كَإِجَارَةٍ) تَمْثِيلٌ لِقَوْلِهِ لَا يَنْفُذُ إلَّا فِي الْمِلْكِ. قَالَ: فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ بِالْإِعْتَاقِ إلَى كُلِّ تَصَرُّفٍ لَا يُفْعَلُ إلَّا فِي الْمِلْكِ، كَمَا إذَا بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ، أَوْ رَهَنَ أَوْ أَجَّرَ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَى الْأَصَحِّ، أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ اشْتَرَى بِهِ شَيْئًا أَوْ سَاوَمَهُ بِهِ، أَوْ حَجَمَ الْعَبْدَ أَوْ سَقَاهُ دَوَاءً أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ أَوْ سَقَى زَرْعَ الْأَرْضِ أَوْ حَصَدَهُ أَوْ عَرَضَ الْمَبِيعَ لِلْبَيْعِ أَوْ أَسْكَنَ فِي الدَّارِ وَلَوْ بِلَا أَجْرٍ أَوْ رَمَّ مِنْهَا شَيْئًا أَوْ بَنَى بِنَاءً أَوْ طَيَّنَهُ أَوْ هَدَمَهُ أَوْ حَلَبَ الْبَقَرَةَ أَوْ شَقَّ أَوْدَاجَ الدَّابَّةِ أَوْ بَزَّغَهَا لَا لَوْ قَصَّ حَوَافِرَهَا أَوْ أَخَذَ مِنْ عَرْفِهَا أَوْ اسْتَخْدَمَ الْخَادِمَ مَرَّةً أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ مَرَّةً أَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ مَرَّةً أَوْ أَمَرَ الْأَمَةَ بِإِرْضَاعِ وَلَدِهِ لِأَنَّهُ اسْتِخْدَامٌ وَالِاسْتِخْدَامُ ثَانِيًا إجَازَةٌ إلَّا إذَا كَانَ فِي نَوْعٍ آخَرَ. اهـ. مُلَخَّصًا. وَبَقِيَ مَا لَوْ زَادَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَقَدَّمْنَا حُكْمَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ كَتَعَيُّبِهِ. (قَوْلُهُ: وَنَظَرٍ إلَى فَرْجٍ إلَخْ) تَمْثِيلٌ لِقَوْلِهِ أَوْ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ. وَأُورِدَ أَنَّ مُقْتَضَى الضَّابِطِ تَعْمِيمُ النَّظَرِ إلَى كُلِّ مَا لَا يَحِلُّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 582 بِشَهْوَةٍ، وَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الشَّهْوَةِ فَتْحٌ. وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا بِالْخِيَارِ عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَوَطِئَهَا لِيَعْلَمَ أَهِيَ بِكْرٌ أَمْ لَا كَانَ إجَازَةً، وَلَوْ وَجَدَهَا ثَيِّبًا وَلَمْ يَلْبَثْ فَلَهُ الرَّدُّ بِهَذَا الْعَيْبِ نَهْرٌ، وَسَيَجِيءُ فِي بَابِهِ وَلَوْ فَعَلَ الْبَائِعُ ذَلِكَ كَانَ فَسْخًا. (وَطَلَبُ الشُّفْعَةِ) وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا مِعْرَاجٌ (بِهَا) أَيْ بِدَارٍ فِيهَا خِيَارُ الشَّرْطِ، بِخِلَافِ خِيَارِ رُؤْيَةٍ وَعَيْبٍ مِعْرَاجٌ (مِنْ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِجَازَةِ.   [رد المحتار] قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الضَّابِطَ فِي تَصَرُّفٍ لَا يَحِلُّ إلَخْ لَا فِي فِعْلٍ، وَمُطْلَقُ النَّظَرِ وَإِنْ كَانَ فِعْلًا لَكِنَّهُ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ إلَّا إذَا كَانَ إلَى الْفَرْجِ الدَّاخِلِ فَإِنَّهُ تَصَرُّفٌ حُكْمًا بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِهِ فَافْهَمْ. قَالَ: فِي الْبَحْرِ: وَاعْلَمْ أَنَّ دَوَاعِيَ الْوَطْءِ كَالْوَطْءِ، فَإِذَا اشْتَرَى غَيْرَ زَوْجَتِهِ بِالْخِيَارِ فَقَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ لَمَسَهَا بِهَا أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِهَا سَقَطَ خِيَارُهُ، وَحَدُّهَا انْتِشَارُ آلَتِهِ أَوْ زِيَادَتُهُ، وَقِيلَ: بِالْقَلْبِ وَإِنْ لَمْ يَنْتَشِرْ، فَلَوْ بِلَا شَهْوَةٍ لَمْ يَسْقُطْ فِي الْكُلِّ. اهـ. وَقَيَّدَ بِغَيْرِ زَوْجَتِهِ، إذْ لَوْ شَرَى زَوْجَتَهُ وَوَطِئَهَا لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَى الرِّضَا إلَّا إذَا نَقَصَهَا كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: بِشَهْوَةٍ) فَلَوْ بِغَيْرِهَا لَمْ يَسْقُطْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحِلُّ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ الطَّبِيبَ وَالْقَابِلَةَ يَحِلُّ لَهُمَا النَّظَرُ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الشَّهْوَةِ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ: وَلَوْ أَنْكَرَ الشَّهْوَةَ فِي هَذِهِ أَيْ فِي الدَّوَاعِي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ سُقُوطَ خِيَارِهِ، وَكَذَا إذَا فَعَلَتْ الْجَارِيَةُ ذَلِكَ سَقَطَ خِيَارُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ: مُحَمَّدٌ: لَا يَكُونُ فِعْلُهَا أَلْبَتَّةَ إجَازَةً لِلْبَيْعِ وَالْمُبَاضَعَةِ وَلَوْ مُكْرَهًا - اخْتِيَارٌ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ سُقُوطُ الْخِيَارِ فِي غَيْرِ الْمُبَاضَعَةِ إذَا أَقَرَّ بِشَهْوَتِهَا. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ فِي الْمُبَاضَعَةِ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ لَا يُصَدَّقُ فِي عَدَمِ الشَّهْوَةِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَوْ ادَّعَى عَدَمَ الشَّهْوَةِ فِي التَّقْبِيلِ فِي الْفَمِ لَمْ يُقْبَلْ أَيْ لِأَنَّ التَّقْبِيلَ عَلَى الْفَمِ لَا يَخْلُو مِنْ الشَّهْوَةِ عَادَةً فَالْمُبَاضَعَةُ بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ مَا ذُكِرَ مِنْ الضَّابِطِ قَالَ: فِي النَّهْرِ بَعْدَ قَوْلِهِ كَانَ إجَازَةً لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِلِامْتِحَانِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ بِحَالٍ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَجَدَهَا ثَيِّبًا إلَخْ) أَيْ لَوْ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَوَطِئَهَا فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا يَرُدُّهَا بِهَذَا الْعَيْبِ أَيْ الثُّيُوبَةِ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ وَهُوَ الْبَكَارَةُ، أَمَّا لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا فَلَا رَدَّ أَصْلًا كَمَا سَيَأْتِي فِي خِيَارِ الْعَيْبِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّفْصِيلَ بَيْنَ اللُّبْثِ وَعَدَمِهِ خِلَافُ مَا يُفِيدُهُ الضَّابِطُ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ سَوَاءٌ كَانَتْ ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا، فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ اللُّبْثِ وَعَدَمِهِ، وَعِبَارَةُ النَّهْرِ لَا غُبَارَ عَلَيْهَا حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ قَالُوا بِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَهَا ثَيِّبًا إلَخْ، فَإِنَّ قَوْلَهُ وَقَدْ قَالُوا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمُفَادِ أَيْ مَا قَالُوهُ مِنْ التَّفْصِيلِ خِلَافُ هَذَا الْمُفَادِ، وَمَا اُسْتُدْرِكَ بِهِ ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ ثُمَّ رَمَزَ بَعْدَهُ وَقَالَ: وَالْوَطْءُ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مُفَادَ الضَّابِطِ هُوَ الْمَذْهَبُ فَلَا وَجْهَ لِلِاسْتِدْرَاكِ عَلَيْهِ، عَلَى أَنَّ هَذَا الضَّابِطَ إنَّمَا هُوَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَسَائِلِ خِيَارِ الْعَيْبِ. (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ فِي بَابِهِ) أَيْ فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ. وَاَلَّذِي سَيَجِيءُ حِكَايَةُ أَقْوَالٍ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ عَلِمْتُ مَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ فَعَلَ الْبَائِعُ ذَلِكَ) أَيْ التَّصَرُّفَ الَّذِي لَا يَنْفُذُ أَوْ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ وَكَانَ الْخِيَارُ لَهُ ط. (قَوْلُهُ: وَطَلَبِ الشُّفْعَةِ بِهَا) صُورَتُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ دَارًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ ثُمَّ تُبَاعُ دَارٌ بِجِوَارِهَا فَيَطْلُبَ الشُّفْعَةَ بِسَبَبِ الدَّارِ الَّتِي اشْتَرَاهَا سَقَطَ خِيَارُهُ فِيهَا وَتَمَّ الْبَيْعُ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ خِيَارِ رُؤْيَةٍ وَعَيْبٍ) فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَى دَارًا وَلَمْ يَرَهَا فَبِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الدَّارَ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ دُرَرٌ، وَكَذَا بِخِيَارِ الْعَيْبِ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْمُشْتَرِي) مُتَعَلِّقٌ بِطَلَبِ أَوْ بِهِ وَبِالْإِعْتَاقِ. (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْبَائِعِ يَبْقَى خِيَارُهُ بَعْدَ طَلَبِ الشُّفْعَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 583 (وَلَوْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي) أَوْ الْبَائِعُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الدُّرَرِ، وَبِهِ جَزَمَ الْبَهْنَسَيَّ (الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ) عَاقِدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ بَهْنَسِيٌّ (صَحَّ) اسْتِحْسَانًا وَثَبَتَ الْخِيَارُ لَهُمَا. (فَإِنْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا) مِنْ النَّائِبِ وَالْمُسْتَنِيبِ (أَوْ نَقَضَ صَحَّ) إنْ وَافَقَهُ الْآخَرُ. (وَإِنْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا وَعَكَسَ الْآخَرُ فَالْأَسْبَقُ أَوْلَى) لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ. (وَلَوْ كَانَا مَعًا فَالْفَسْخُ أَحَقُّ) فِي الْأَصَحِّ زَيْلَعِيٌّ؛ لِأَنَّ الْمُجَازَ يَفْسَخُ، وَالْمَفْسُوخَ لَا يُجَازُ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يُجَازُ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ (لَوْ) تَفَاسَخَا ثُمَّ (تَرَاضَيَا عَلَى) فَسْخِ الْفَسْخِ وَعَلَى (إعَادَةِ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا جَازَ) إذْ فَسْخُ الْفَسْخِ إجَازَةٌ. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ كَوْنِهِ إجَازَةً بَلْ بَيْعٌ ابْتِدَاءً. (بَاعَ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا، إنْ فَصَلَ ثَمَنَ كُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَعَيَّنَ) الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ   [رد المحتار] لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ بِخِيَارِهِ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ مَعَ خِيَارِهِ فَطَلَبُهُ الشُّفْعَةَ دَلِيلُ التَّمَلُّكِ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَّلُوا الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْمِلْكِ فَكَانَ دَلِيلَ الْإِجَازَةِ فَتَضَمَّنَ سُقُوطَ الْخِيَارِ اهـ. فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَوْ الْبَائِعُ إلَخْ) هُوَ مَذْكُورٌ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَعِبَارَتُهُ: اعْلَمْ أَنَّ أَحَدَ الْعَاقِدَيْنِ إذَا اشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِغَيْرِهِمَا كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا بِهَذَا الشَّرْطِ اهـ. وَصَرَّحَ بِهِ مُنْلَا مِسْكِينٍ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ وَالْكَافِي وَقَالَ: إنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمُشْتَرِي اتِّفَاقِيٌّ، وَنَقَلَهُ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْمِفْتَاحِ وَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: الْخِيَارَ) أَيْ خِيَارَ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ لَا يَثْبُتُ لِغَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ بَحْرٌ عَنْ الْمِعْرَاجِ. (قَوْلُهُ: عَاقِدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ) تَعْمِيمٌ لِلْغَيْرِ، لَكِنْ قَالَ ح: الْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ بِالْغَيْرِ الْأَجْنَبِيُّ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ مَا إذَا جَعَلَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ لَهُمَا بَلْ لِلْبَائِعِ أَوْ الْعَكْسَ قَدْ ذُكِرَتْ أَوَّلَ الْبَابِ فِي قَوْلِهِ وَلِأَحَدِهِمَا أَيْضًا فِيمَا إذَا جَعَلَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ لَا يَكُونُ الْخِيَارُ لَهُمَا بَلْ لِلْبَائِعِ فَقَطْ، وَفِي الْعَكْسِ يَكُونُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَقَطْ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ: فَإِنْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا إلَخْ؟ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَوْ شَرَطَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ صَحَّ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ الشَّارِطُ الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ وَلِيَخْرُجَ اشْتِرَاطُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ لِغَيْرِهِ صَادِقٌ بِالْبَائِعِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، وَلِذَا قَالَ: فِي الْمِعْرَاجِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْغَيْرِ هُنَا غَيْرُ الْعَاقِدَيْنِ لِيَتَأَتَّى فِيهِ خِلَافُ زُفَرَ. اهـ. قُلْتُ: وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَبِهِ زَالَ تَرَدُّدُ صَاحِبِ النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَا لَوْ اشْتَرَطَهُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ هَلْ يَكُونُ نَائِبَهُ عَنْهُ أَيْضًا؟ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: صَحَّ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. (قَوْلُهُ: إنْ وَافَقَهُ الْآخَرُ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الصِّحَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَهُوَ مُفَادُ التَّفْصِيلِ الَّذِي بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ) لِأَنَّ الْأَسْبَقَ ثَبَتَ حُكْمُهُ قَبْلَ الْمُتَأَخِّرِ فَلَمْ يُعَارِضْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَأَخِّرُ أَقْوَى فَالْفَسْخُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَا مَعًا) بِأَنْ خَرَجَ الْكَلَامَانِ مَعًا كَمَا فِي السِّرَاجِ وَهَذَا قَدْ يَتَعَسَّرُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي عَدَمُ الْعِلْمِ بِالسَّابِقِ مِنْهُمَا نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) صَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ مَعْزِيًّا لِلْمَبْسُوطِ وَفِي رِوَايَةٍ تَرْجِيحُ تَصَرُّفِ الْعَاقِدَيْنِ لِقُوَّتِهِ؛ لِأَنَّ النَّائِبَ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْهُ، وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَمَا فِي الْكِتَابِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَالْمَفْسُوخَ لَا يُجَازُ) أَيْ فَصَارَ الْفَسْخُ أَقْوَى لِكَوْنِهِ لَا يُنْقَضُ بِالْإِجَازَةِ فَلِذَا كَانَ أَحَقَّ. (قَوْلُهُ: بَلْ بَيْعٌ ابْتِدَاءً) وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: وَإِعَادَةِ الْعَقْدِ بِمَعْنَى عَقْدِهِ ثَانِيًا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، أَوْ بِالتَّعَاطِي أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: بَاعَ عَبْدَيْنِ إلَخْ) أَرَادَ بِهِمَا الْقِيَمِيَّيْنِ احْتِرَازًا عَنْ قِيَمِيٍّ أَوْ مِثْلِيَّيْنِ، إذْ فِي الْقِيَمِيِّ الْوَاحِدِ إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ فِي نِصْفِهِ يَصِحُّ مُطْلَقًا، وَفِي الْمِثْلِيَّيْنِ كَذَلِكَ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ بَحْرٌ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. وَفِي النَّهْرِ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْقِيَمِيَّيْنِ لَيْسَا بِقَيْدٍ، إذْ لَوْ كَانَا مِثْلِيَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مِثْلِيًّا وَالْآخَرُ قِيَمِيًّا وَفَصَلَ وَعَيَّنَ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فِيمَا يَنْبَغِي. اهـ. قُلْتُ: هَذَا لَا يَرُدُّ مَا قَبْلَهُ مِنْ كَوْنِهِ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا إذْ الْمُرَادُ الِاحْتِرَازُ عَمَّا عَدَا الْقِيَمِيَّيْنِ لِصِحَّتِهِ مَعَ التَّفْصِيلِ وَالتَّعْيِينِ وَبِدُونِهِمَا، وَلِذَا قَالَ: يَصِحُّ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ فِي الْقِيَمِيَّيْنِ لَا يَصِحُّ بِدُونِهِمَا، فَعُلِمَ أَنَّهُ مَعَ التَّفْصِيلِ وَالتَّعْيِينِ يَصِحُّ فِي الْقِيَمِيَّيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَتَدَبَّرْ، نَعَمْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمِثْلِيَّيْنِ بِمَا إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، إذْ لَوْ تَفَاوَتَا كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ صَارَا كَالْقِيَمِيَّيْنِ فِي اشْتِرَاطِ التَّفْصِيلِ وَالتَّعْيِينِ لِيَقَعَ الْعِلْمُ بِالْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ. تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ) أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: إنْ فَصَلَ إلَخْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 584 صَحَّ الْبَيْعُ) لِلْعِلْمِ بِالْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ (وَإِلَّا) يُعَيِّنُ وَلَا يَفْصِلُ أَوْ عَيَّنَ فَقَطْ أَوْ فَصَلَ فَقَطْ (لَا) يَصِحُّ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ أَوْ أَحَدِهِمَا. (وَكَذَا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي) تَتَأَتَّى أَيْضًا الْأَنْوَاعُ الْأَرْبَعُ. [فَرْعٌ] وَكَّلَهُ بِبَيْعٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَبَاعَ بِلَا شَرْطٍ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالشِّرَاءِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ نَفَذَ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الشِّرَاءَ مَتَى لَمْ يَنْفُذْ عَلَى الْآمِرِ يَنْفُذُ عَلَى الْمَأْمُورِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَتْحٌ، وَسَيَجِيءُ فِي الْفُضُولِيِّ وَالْوَكَالَةِ فَلْيُحْفَظْ. (وَصَحَّ خِيَارُ التَّعْيِينِ) فِي الْقِيَمِيَّاتِ لَا فِي الْمِثْلِيَّاتِ بِعَدَمِ تَفَاوُتِهَا وَلَوْ لِلْبَائِعِ فِي الْأَصَحِّ كَافِي   [رد المحتار] كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ كُلَّ وَاحِدٍ بِخَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ فِي هَذَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا يُعَيِّنْ وَلَا يَفْصِلْ) كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ هَذَيْنِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا. (قَوْلُهُ: أَوْ عَيَّنَ فَقَطْ) أَيْ عَيَّنَ مَنْ فِيهِ الْخِيَارُ فَقَطْ أَيْ وَلَمْ يَفْصِلْ الثَّمَنَ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ هَذَيْنِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ فِي هَذَا. (قَوْلُهُ: أَوْ فَصَلَ فَقَطْ) كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ هَذَيْنِ بِأَلْفٍ كُلَّ وَاحِدٍ بِخَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ. (قَوْلُهُ: لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ) أَيْ فِيمَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ وَلَمْ يَفْصِلْ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ فِيهِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَكَأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْبَيْعِ، وَالْبَيْعُ إنَّمَا هُوَ فِي الْآخَرِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ لِجَهَالَةِ مَنْ فِيهِ الْخِيَارُ ثُمَّ ثَمَنُ الْمَبِيعِ مَجْهُولٌ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَنْقَسِمُ فِي مِثْلِهِ عَلَى الْمَبِيعِ بِالْأَجْزَاءِ كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَحَدِهِمَا) أَيْ الثَّمَنِ فِيمَا إذَا عَيَّنَ وَلَمْ يَفْصِلْ أَوْ الْمَبِيعِ فِيمَا إذَا فَصَلَ وَلَمْ يُعَيِّنْ. (قَوْلُهُ: الْأَنْوَاعُ الْأَرْبَعُ) أَيْ الصُّوَرُ ط. [فَرْعٌ وَكَّلَهُ بِبَيْعٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَبَاعَ بِلَا شَرْطٍ] (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعٍ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ بِدُونِ رِضَاهُ وَقَدْ خَالَفَ ط. [مَطْلَبٌ فِي خِيَارِ التَّعْيِينِ] ِ (قَوْلُهُ: وَصَحَّ خِيَارُ التَّعْيِينِ) أَيْ بِأَنْ يَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فَلَيْسَتْ مِنْ خِيَارِ التَّعْيِينِ لِوُقُوعِ الْبَيْعِ فِيهَا عَلَى الْعَبْدَيْنِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْهِدَايَةِ هُنَا مَنْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ فَالْمُرَادُ أَحَدُ ثَوْبَيْنِ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الْفَتْحِ الْمُرَادُ أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدَ ثَوْبَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ غَيْرَ مُعَيَّنٍ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِيمَا يُعَيِّنُهُ بَعْدَ تَعْيِينِهِ الْمَبِيعَ، أَمَّا إذَا قَالَ: بِعْتُكَ عَبْدًا مِنْ هَذَيْنِ بِمِائَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ عَلَى أَنَّكَ بِالْخِيَارِ فِي أَيِّهِمَا شِئْت لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِي، وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدَ أَرْبَعَةٍ لَا يَجُوزُ. اهـ. وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أُمُورٌ الْأَوَّلُ أَنَّ خِيَارَ التَّعْيِينِ إنَّمَا يَكُونُ الْبَيْعُ فِيهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ لَا بِعَيْنِهِ وَهُوَ مَا قُلْنَا. الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ كَمَا يَأْتِي. الثَّالِثُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ بِعْتُكَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّكَ بِالْخِيَارِ فِي أَيِّهِمَا شِئْتَ، أَوْ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ أَيَّهُمَا شِئْت لِيَكُونَ نَصًّا فِي خِيَارِ التَّعْيِينِ. وَقَالَ: فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ يَكُونُ فَاسِدًا لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ، فَإِنْ قَبَضَهُمَا وَمَاتَا عِنْدَهُ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ لَزِمَهُ قِيمَةُ الْآخَرِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. الرَّابِعُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ ذِكْرِ خِيَارِ الشَّرْطِ، بِأَنْ يَقُولَ: عَلَى أَنَّكَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَيْ إذَا عَيَّنَ وَاحِدًا مِنْهَا بِحُكْمِ خِيَارِ التَّعْيِينِ يَكُونُ لَهُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ وَهَذَا الرَّابِعُ فِيهِ خِلَافٌ يَأْتِي. (قَوْلُهُ: لَا فِي الْمِثْلِيَّاتِ) أَيْ الَّتِي مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِلْبَائِعِ) صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ مِنْكَ أَحَدَ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَحَدَهُمَا نَهْرٌ فَلَهُ أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ أَيَّهُمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 585 لِأَنَّهُ قَدْ يَرِثُ قِيَمِيًّا وَيَقْبِضُهُ وَكِيلُهُ وَلَا يَعْرِفُهُ فَيَبِيعُهُ بِهَذَا الشَّرْطِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ نَهْرٌ (فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعَةِ) لِانْدِفَاعِ الْحَاجَةِ بِالثَّلَاثَةِ لِوُجُودِ جَيِّدٍ وَرَدِيءٍ وَوَسَطٍ وَمُدَّتُهُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعَهُ خِيَارُ شَرْطٍ فِي الْأَصَحِّ فَتْحٌ (وَلَوْ اشْتَرَيَا) شَيْئًا عَلَى أَنَّهُمَا   [رد المحتار] شَاءَ إلَّا إذَا تَعَيَّبَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ الْمَعِيبَ إلَّا بِرِضَاهُ، فَإِذَا أَلْزَمَهُ إيَّاهُ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ الْآخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ الْبَاقِيَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَالْمَبِيعُ لَازِمٌ فِي أَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ خِيَارُ شَرْطٍ، وَالْمَبِيعُ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ وَغَيْرُهُ أَمَانَةٌ، فَإِذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ هُوَ مَبِيعًا وَالْآخَرُ أَمَانَةً، وَلَوْ هَلَكَا مَعًا ضَمِنَ نِصْفَ كُلٍّ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْهَالِكِ أَوَّلًا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ وَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى وَلَوْ تَعَيَّبَا مَعَهُ فَالْخِيَارُ بِحَالِهِ، وَلَوْ مُتَعَاقِبًا تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ مَبِيعًا، وَلَوْ بَاعَهُمَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ اخْتَارَ أَحَدَهُمَا صَحَّ بَيْعُهُ فِيهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ يَرِثُ إلَخْ) جَوَابٌ مِنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ عَمَّا أَوْرَدَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ جَوَازَ خِيَارِ التَّعْيِينِ لِلْحَاجَةِ إلَى اخْتِيَارِ مَا هُوَ الْأَوْفَقُ وَالْأَرْفَقُ فَيَخْتَصُّ بِالْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ كَانَ مَعَ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَهُوَ أَدْرَى بِمَا لَاءَمَهُ مِنْهُ. اهـ. وَاعْتَرَضَ الْحَمَوِيُّ الْجَوَابَ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ صُورَةِ الْإِرْثِ صُورَةٌ نَادِرَةٌ وَالْأَحْكَامُ لَا تُنَاطُ بِنَادِرٍ. قُلْتُ: وَقَدْ يُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَا دَامَ الْمَبِيعُ فِي مِلْكِهِ لَا يَتَأَمَّلُ فِيمَا يُلَائِمُهُ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى التَّأَمُّلِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَأَيْضًا كَثِيرًا مَا يَحْتَاجُ إلَى رَأْيِ غَيْرِهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَمُدَّتُهُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ) أَيْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، ظَاهِرُ كَلَامِ الْبَحْرِ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ، فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ صَحَّحَ الِاشْتِرَاطَ وَفَخْرَ الْإِسْلَامِ صَحَّحَ عَدَمَهُ وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ، لَكِنْ ذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّ الِاشْتِرَاطَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ خِيَارَ الشَّرْطِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ بِالثَّلَاثِ عِنْدَهُ وَبِأَيِّ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ كَانَتْ عِنْدَهُمَا، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. اهـ. لَكِنَّ قَوْلَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَيْسَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْهِدَايَةِ أَنَّ اشْتِرَاطَ التَّوْقِيتِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَيَأْتِي عَنْ الْفَتْحِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ التَّوْقِيتِ نَازَعَ فِيهِ الزَّيْلَعِيُّ فَقَالَ: إذَا لَمْ يَذْكُرْ خِيَارَ الشَّرْطِ فَلَا مَعْنَى لِتَوْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّ التَّوْقِيتَ فِيهِ يُفِيدُ لُزُومَ الْعَقْدِ عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَفِي خِيَارِ التَّعْيِينِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ فِي أَحَدِهِمَا قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ، وَلَا يُمْكِنُ تَعَيُّنُهُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ بِدُونِ تَعَيُّنِهِ فَلَا فَائِدَةَ لِشَرْطِ ذَلِكَ. وَاَلَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ التَّوْقِيتَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ. اهـ. وَأَجَابَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّ لَهُ فَائِدَةً هِيَ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى التَّعْيِينِ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ. وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بَلْ لَهُ فَائِدَةٌ هِيَ دَفْعُ ضَرَرِ الْبَائِعِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ مَطْلِ الْمُشْتَرِي التَّعْيِينَ إذَا لَمْ يُشْتَرَطُ فَيَفُوتُ عَلَى الْبَائِعِ نَفْعُهُ وَتَصَرُّفُهُ فِيمَا يَمْلِكُهُ. اهـ. وَأَبْدَى فِي الْبَحْرِ فَائِدَةً أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُ يُمْكِنُ ارْتِفَاعُ الْعَقْدِ فِيهَا أَيْ فِي الثَّوْبَيْنِ مَثَلًا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، بِخِلَافِ مُضِيِّهَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ إجَازَةٌ لِيَكُونَ لِكُلٍّ خِيَارُ مَا يُنَاسِبُهُ. اهـ. قُلْتُ: لَكِنَّهُ يَسْتَنِدُ إلَى نَقْلٍ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا خَفِيَ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ مَعَهُ خِيَارُ شَرْطٍ فِي الْأَصَحِّ) غَيْرَ أَنَّهُمَا إنْ تَرَاضَيَا عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ فِيهِ ثَبَتَ حُكْمُهُ وَهُوَ جَوَازُ رَدِّ كُلٍّ مِنْ الثَّوْبَيْنِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ بَعْدَ تَعَيُّنِ الثَّوْبِ الَّذِي فِيهِ الْبَيْعُ، وَلَوْ رَدَّ أَحَدَهُمَا كَانَ بِحُكْمِ خِيَارِ التَّعْيِينِ، وَيَثْبُتُ فِي الْآخَرِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ، وَلَوْ مَضَتْ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ رَدِّ شَيْءٍ وَتَعْيِينِهِ بَطَلَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَانْبَرَمَ الْبَيْعُ فِي أَحَدِهِمَا وَعَلَيْهِ أَنْ يُعَيِّنَ، وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ بِيعَ أَحَدُهُمَا وَعَلَى الْوَارِثِ التَّعْيِينُ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يُورَثُ، وَالتَّعْيِينَ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ لِيُمَيِّزَ مِلْكَهُ عَنْ مِلْكِ غَيْرِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ مَعَهُ لَا بُدَّ مِنْ تَوْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 586 بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا) بِالْبَيْعِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً (لَا يَرُدُّهُ الْآخَرُ) بَلْ بَطَلَ خِيَارُهُ خِلَافًا لَهُمَا. (وَكَذَا) الْخِلَافُ فِي خِيَارِ (الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ) فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الرَّدُّ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ: أَيْ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْآخَرِ أَوْ رِضَاهُ بِالْعَيْبِ خِلَافًا لَهُمَا لِضَرَرِ الْبَائِعِ بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ (كَمَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ عَبْدًا مِنْ رَجُلَيْنِ صَفْقَةً) وَاحِدَةً (عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لَهُمَا) لِلْبَائِعَيْنِ (فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ) فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ إجَازَةً أَوْ رَدًّا خِلَافًا لَهُمَا مَجْمَعٌ. (اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ خَبْزِهِ أَوْ كَتْبِهِ) أَيْ حِرْفَتِهِ كَذَلِكَ (فَظَهَرَ بِخِلَافِهِ) بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مَعَهُ أَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْكِتَابَةِ أَوْ الْخَبْزِ (أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ) إنْ شَاءَ (أَوْ تَرَكَهُ) لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ وَلَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْقَبْضِ حَتَّى يَعْلَمَ ذَلِكَ وَكَذَا سَائِرُ الْحِرَفِ اخْتِيَارٌ، وَلَوْ امْتَنَعَ الرَّدُّ بِسَبَبِ مَا قَوَّمَ كَاتِبًا وَغَيْرَ كَاتِبٍ   [رد المحتار] بِالثَّلَاثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَتْحٌ وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ إنْ تَرَاضَيَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ تَوْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَعَ خِيَارِ التَّعْيِينِ خِيَارُ الشَّرْطِ لَا عَلَى الْقَوْلِ بِالِاشْتِرَاطِ، خِلَافًا لِمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْبَحْرِ الْمَارُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ مُوَقَّتٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَوْقِيتِ التَّعْيِينِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا) قَالَ: فِي الْبَحْرِ: ذَكَرَ الرِّضَا إذْ لَوْ رَدَّ أَحَدُهُمَا لَا يُجِيزُهُ الْآخَرُ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا، وَلَكِنَّ قَوْلَهُمْ لَوْ رَدَّهُ أَحَدُهُمَا لَرَدَّهُ مَعِيبًا يَدُلُّ عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ دَلَالَةً) كَبَيْعٍ وَإِعْتَاقٍ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ رُؤْيَةِ الْآخَرِ) أَيْ وَرِضَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الرُّؤْيَةِ لَا يُوجِبُ تَمَامَ الْبَيْعِ ط. (قَوْلُهُ: لِضَرَرِ الْبَائِعِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ الرَّدِّ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ. وَوَجْهُ كَوْنِ الشَّرِكَةِ عَيْبًا أَنَّهُ صَارَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ إلَّا بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: صَفْقَةً وَاحِدَةً) قَيَّدَ بِهِ، إذْ لَوْ كَانَ الْعَقْدُ صَفْقَتَيْنِ فَلِكُلٍّ الرَّدُّ وَالْإِجَازَةُ مُخَالِفًا لِلْآخَرِ لِرِضَا الْمُشْتَرِي بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ كَمَا لَا يَخْفَى ط. (قَوْلُهُ: لِلْبَائِعَيْنِ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ لَهُمَا. (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ إجَازَةً) أَيْ بَعْدَ مَا رَدَّ الْآخَرُ، وَقَوْلُهُ: أَوْ رَدًّا أَيْ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ رَدًّا بَعْدَمَا أَجَازَهُ الْآخَرُ اهـ. ح. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ التَّفْرِيعَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلَوْ رَدَّ أَحَدُهُمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا يُجِيزُهُ الْآخَرُ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا إلَخْ، وَهَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ لَوْ بَاعَ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ إجَازَةً أَوْ رَدًّا لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ رَجُلَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً عَلَى أَنَّ الْبَائِعَيْنِ بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا بِالْبَيْعِ وَلَمْ يَرْضَ الْآخَرُ لَزِمَهُمَا الْبَيْعُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ رَدًّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَحْثٌ مِنْهُ كَمَا بَحَثَ مِثْلَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ. (قَوْلُهُ: مَجْمَعٌ) لَمْ أَرَهُ فِيهِ، نَعَمْ قَالَ: فِي شَرْحِهِ لِابْنِ مَلَكٍ قَيَّدَ بِالْمُشْتَرِيَيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَوْ اثْنَيْنِ وَالْمُشْتَرِي وَاحِدًا وَفِي الْبَيْعِ خِيَارُ شَرْطٍ أَوْ عَيْبٍ فَرَدَّ الْمُشْتَرِي نَصِيبَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ جَازَ اتِّفَاقًا كَذَا فِي جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَغُرَرِ الْأَذْكَارِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُ مَا فِي الْمَتْنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ فِي رَدِّ الْمُشْتَرِي وَتِلْكَ فِي رِضَا أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ، وَهَذِهِ وِفَاقِيَّةٌ وَتِلْكَ خِلَافِيَّةٌ كَمَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ خَبْزِهِ) أَيْ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ بَيَانُ الْوَصْفِ الَّذِي يَصِحُّ شَرْطُهُ وَمَا لَا يَصِحُّ. (قَوْلُهُ: أَيْ حِرْفَتُهُ كَذَلِكَ) لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ هَذَا الْفِعْلَ أَحْيَانًا لَا يُسَمَّى خَبَّازًا بَحْرٌ عَنْ الْمِعْرَاجِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ إلَخْ) أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ النِّهَايَةَ فِي الْجَوْدَةِ، بَلْ أَدْنَى الِاسْمِ بِأَنْ يَفْعَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُسَمَّى بِهِ الْفَاعِلُ خَبَّازًا أَوْ كَاتِبًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَعْجَزُ فِي الْعَادَةِ عَنْ أَنْ يَكْتُبَ عَلَى وَجْهٍ تَتَبَيَّنُ حُرُوفُهُ وَأَنْ يَخْبِزَ مِقْدَارَ مَا يَدْفَعُ الْهَلَاكَ عَنْ نَفْسِهِ، وَبِذَلِكَ لَا يُسَمَّى خَبَّازًا وَلَا كَاتِبًا بَحْرٌ عَنْ الذَّخِيرَةِ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْمُنَاسِبَ إبْدَالُ قَوْلِ الشَّارِحِ اسْمَ الْكَاتِبِ وَالْخَبَّازِ، وَلِذَا قَالَ: فِي الْفَتْحِ أَعْنِي الِاسْمَ الْمُشْعِرَ بِالْحِرْفَةِ. (قَوْلُهُ: أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ) لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ مَا لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً دُرٌّ مُنْتَقًى وَقَصَدَ الْوَصْفَ بِإِفْرَادِهِ بِذِكْرِ الثَّمَنِ كَمَا مَرَّ فِيمَا لَوْ بَاعَ الْمَذْرُوعَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِكَذَا. (قَوْلُهُ: لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْقَبْضِ) لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ وَقَعَ فِي وَصْفٍ عَارِضٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْعَدَمُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 587 وَرَجَعَ بِالتَّفَاوُتِ فِي الْأَصَحِّ (بِخِلَافِ شِرَائِهِ شَاةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ أَوْ تَحْلِبُ كَذَا رَطْلًا) أَوْ يَخْبِزُ كَذَا صَاعًا أَوْ يَكْتُبُ كَذَا قَدْرًا فَسَدَ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ لَا وَصْفٌ، حَتَّى لَوْ شَرَطَ أَنَّهَا حَلُوبٌ أَوْ لَبُونٌ جَازَ لِأَنَّهُ وَصْفٌ (الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ) لَوْ اخْتَلَفَا (فِي) شَرْطِ (الْخِيَارِ) عَلَى الظَّاهِرِ (كَمَا فِي دَعْوَى الْأَجَلِ وَالْمُضِيِّ) وَالْإِجَازَةِ وَالزِّيَادَةِ. (اشْتَرَى جَارِيَةً بِالْخِيَارِ فَرَدَّ غَيْرَهَا) بَدَلَهَا   [رد المحتار] الْأَصْلَ، وَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ فِي أَنَّهَا بِكْرٌ؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ أَصْلِيَّةٌ وَالْوُجُودُ فِيهَا أَصْلٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَرَجَعَ بِالتَّفَاوُتِ) فَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ الْعُشْرِ رَجَعَ بِعُشْرِ الثَّمَنِ بَحْرٌ عَنْ الذَّخِيرَةِ. قَالَ ط: أَيْ يُعْتَبَرُ التَّفَاوُتُ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنَّ هَذَا الْبَيْعَ صَحِيحٌ لَا نَظَرَ فِيهِ لِلْقِيمَةِ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا رُجُوعَ بِشَيْءٍ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: شَاةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ) قَيَّدَ بِالشَّاةِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْحَمْلِ فِي الْأَمَةِ فِيهِ تَفْصِيلٌ سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي الْفُرُوعِ الْآتِيَةِ. (قَوْلُهُ: قَدْرًا) بِفَتْحِ الْقَافِ أَيْ يَكْتُبُ مِقْدَارَ كَذَا مِنْ الْوَرَقِ أَوْ مِنْ الْأَسْطُرِ مَثَلًا. (قَوْلُهُ: فَسَدَ) أَيْ الْبَيْعُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ) لِأَنَّهُ شَرْطُ زِيَادَةٍ مَجْهُولَةٍ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهَا فَتْحٌ: أَيْ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ وَالضَّرْعِ لَا تُعْلَمُ حَقِيقَتُهُ. (قَوْلُهُ: جَازَ) أَيْ عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ وَيَفْسُدُ عَلَى رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَجَزَمَ بِالْأَوَّلِ فِي الْفَتْحِ وَالدُّرَرِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ وَصْفٌ) الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ " مَرْغُوبٌ "؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ وَصْفٍ يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الضَّابِطِ آخِرَ الْبَابِ. مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْخِيَارِ أَوْ فِي مُضِيِّهِ أَوْ فِي الْأَجَلِ أَوْ فِي الْإِجَازَةِ أَوْ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ (قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ إلَخْ) لِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْطِ فَكَانَ مِنْ الْعَوَارِضِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِمَنْ يَنْفِيهِ كَمَا فِي دَعْوَى الْأَجَلِ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: وَالْمُضِيِّ) أَيْ إذَا اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِهِ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا السُّقُوطَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: وَالْإِجَازَةِ) أَيْ إجَازَةِ الْبَيْعِ مِمَّنْ لَهُ الْخِيَارُ، كَمَا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ أَنَّهُ أَجَازَ الْبَيْعَ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي سُقُوطَ الْخِيَارِ وَوُجُوبَ الثَّمَنِ وَهُوَ يُنْكِرُ ط. (قَوْلُهُ: وَالزِّيَادَةِ) أَيْ إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِي أَخْصَرَ الْوَقْتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ يَدَّعِي زِيَادَةَ شَرْطٍ عَلَيْهِ وَهُوَ يُنْكِرُ دُرَرٌ، وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبُيُوعِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَصَحَّ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَمُؤَجَّلٍ أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ أَيْ فِي أَصْلِهِ فَالْقَوْلُ لَنَا فِيهِ إلَّا فِي السَّلَمِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ مَا لَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ التَّقَابُضِ فِي عَدَدِ الْمَبِيعِ أَوْ عَدَدِ الْمَقْبُوضِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ لِلْقَابِضِ مُطْلَقًا قَدْرًا أَوْ صِفَةً أَوْ تَعْيِينًا، فَلَوْ جَاءَ لِيَرُدَّهُ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ فَقَالَ: الْبَائِعُ لَيْسَ هُوَ الْمَبِيعَ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي فِي تَعْيِينِهِ، وَلَوْ بِخِيَارِ عَيْبٍ فَلِلْبَائِعِ إلَخْ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ، وَكَذَا فِي آخِرِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ. وَبَقِيَ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ الَّذِي فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ عَنْ إجَازَةِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ الْعَقْدَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ فِي آخِرِ بَابِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ السِّلْعَةَ لَوْ مَقْبُوضَةً فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ أَوْ لِلْبَائِعِ وَإِلَّا فَلَوْ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ، وَعَكْسُهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي. مَطْلَبٌ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ ثُمَّ اخْتَلَفَا [تَنْبِيهٌ] : اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ ثُمَّ اخْتَلَفَا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَقَالَ الْبَائِعُ: بِكْرٌ لِلْحَالِ، وَالْمُشْتَرِي: ثَيِّبٌ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُرِيهَا النِّسَاءَ، فَإِنْ قُلْنَ: بِكْرٌ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ بِلَا يَمِينِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ تَأَيَّدَتْ هُنَا بِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَكَارَةُ، وَإِنْ قُلْنَ: ثَيِّبٌ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ قَوِيٌّ وَشَهَادَتَهُنَّ ضَعِيفَةٌ لَمْ تَتَأَيَّدْ بِمُؤَيِّدٍ، لَكِنْ يَثْبُتُ حَقُّ الْخُصُومَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 588 قَائِلًا بِأَنَّهَا الْمُشْتَرَاةُ فَقَالَ الْبَائِعُ: لَيْسَتْ هِيَ) وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ (فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي) بِيَمِينِهِ (وَجَازَ لِلْبَائِعِ وَطْؤُهَا) دُرَرٌ، وَانْعَقَدَ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي فَتْحٌ. وَكَذَا الرَّدُّ فِي الْوَدِيعَةِ فَلْيُحْفَظْ. [مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْخِيَارِ أَوْ فِي مُضِيِّهِ أَوْ فِي الْأَجَلِ أَوْ فِي الْإِجَازَةِ أَوْ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ] (وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي عِنْد رَدِّهِ: كَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ نَسِيَ عِنْدَكَ، فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخَبْزِ وَالْكِتَابَةِ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ. (وَلَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ كَتْبِهِ وَخَبْزِهِ وَكَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ فَنَسِيَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ رُدَّ إلَيْهِ) لِتَغَيُّرِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ زَيْلَعِيٌّ. قَالَ: وَلَوْ اخْتَارَ أَخْذَهُ أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ [فُرُوعٌ] بَاعَ دَارِهِ بِمَا فِيهَا مِنْ الْجُذُوعِ وَالْأَبْوَابِ وَالْخَشَبِ وَالنَّخْلِ، فَإِذَا لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي.   [رد المحتار] لِتَتَوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ، فَيُحَلَّفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ سَلَّمْتهَا بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَهِيَ بِكْرٌ، فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ وَعَنْهُمَا فِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا تُرَدُّ بِشَهَادَتِهِنَّ قَبْلَ الْقَبْضِ بِلَا يَمِينِ الْبَائِعِ، وَلَوْ قَالَ: سَلَّمْتُهَا إلَيْكَ وَهِيَ بِكْرٌ وَزَالَتْ فِي يَدِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَكَارَةُ، وَلَا يُرِيهَا الْقَاضِي النِّسَاءَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ مُقِرٌّ بِزَوَالِ الْبَكَارَةِ فَتْحٌ مُلَخَّصًا. وَسَنَذْكُرُ لِهَذَا مَزِيدَ تَحْقِيقٍ وَبَيَانٍ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُيُوبَ أَنْوَاعٌ. وَهَذَا إذَا عُلِمَ أَنَّهَا ثَيِّبٌ بِغَيْرِ الْوَطْءِ، فَلَوْ بِهِ فَلَا يَرُدُّهَا بَلْ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ كَمَا سَيَأْتِي هُنَاكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: اشْتَرَى جَارِيَةً إلَخْ. (قَوْلُهُ: قَائِلًا بِأَنَّهَا) ضَمَّنَ قَائِلًا مَعْنَى ادَّعَى فَعَدَّاهُ بِالْبَاءِ. (قَوْلُهُ: وَجَازَ لِلْبَائِعِ وَطْؤُهَا) لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا رَدَّهَا رَضِيَ بِتَمْلِيكِهَا مِنْ الْبَائِعِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ فَكَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا دُرَرٌ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ الْقَصَّارُ إذَا رَدَّ الثَّوْبَ الْآخَرَ عَلَى رَبِّ الثَّوْبِ وَكَذَا الْإِسْكَافِيُّ تَتَارْخَانِيَّةٌ. قُلْتُ: وَهَذَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ الثَّوْبَ الْمَرْدُودَ ثَوْبُ غَيْرِ الْقَصَّارِ. (قَوْلُهُ: وَانْعَقَدَ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي) أَفَادَ ذَلِكَ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْبَائِعِ ط. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ: الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَ رَدِّهِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ مَوْضِعِهَا اهـ. ح. (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ نَسِيَ عِنْدَكَ) أَيْ وَقَدْ يَنْسَى فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ بَحْرٌ وَهَذَا الْقَيْدُ هُوَ مَحَلُّ التَّوَهُّمِ، إذْ لَوْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ فَكَذَلِكَ بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: لِتَغَيُّرِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ) هَذَا التَّعْلِيلُ يُنَاسِبُ مَا لَوْ نَسِيَ بَعْدَ الْعَقْدِ، أَمَّا لَوْ قَبْلَهُ فَالْعِلَّةُ كَوْنُ الْوَصْفِ مَشْرُوطًا وَدَلَالَةً. قَالَ: فِي الْبَحْرِ: وَاعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً، لِمَا فِي الْبَدَائِعِ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ. وَالْجَهْلُ بِالطَّبْخِ وَالْخَبْزِ فِي الْجَارِيَةِ لَيْسَ بِعَيْبٍ لِكَوْنِهِ حِرْفَةً كَالْخِيَاطَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا وَكَانَتْ تُحْسِنُ الطَّبْخَ وَالْخَبْزَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ نَسِيَتْ فِي يَدِهِ فَاشْتَرَاهَا لَهُ رَدُّهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ رُبَّمَا اشْتَرَاهَا رَغْبَةً فِي تِلْكَ الصِّفَةِ فَصَارَتْ مَشْرُوطَةً دَلَالَةً وَهُوَ كَالْمَشْرُوطِ نَصًّا. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِتِلْكَ الصِّفَةِ، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا فِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ: لَوْ قَالَ: أَشْتَرِي مِنْكَ هَذِهِ الْبَقَرَةَ عَلَى أَنَّهَا ذَاتُ لَبَنِ وَقَالَ: الْبَائِعُ أَنَا أَبِيعُهَا كَذَلِكَ ثُمَّ بَاشَرَ الْعَقْدَ مُرْسَلًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ ثُمَّ وَجَدَهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ. اهـ. فَإِنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الشَّرْطِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَلَا تَكْفِي الدَّلَالَةُ وَلَعَلَّهُ قَوْلٌ آخَرُ. (قَوْلُهُ: أَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ) لَا يُنَافِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الرُّجُوعِ بِالتَّفَاوُتِ عِنْدَ التَّقْوِيمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ اهـ. ح أَيْ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ ضَرُورِيٌّ. . [فُرُوعٌ بَاعَ دَارِهِ بِمَا فِيهَا مِنْ الْجُذُوعِ وَالْأَبْوَابِ فَإِذَا لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ] (قَوْلُهُ: لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي) أَيْ خِيَارَ فَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِمَا فِيهَا لَمْ يُذْكَرْ عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ وَهَذَا لَا يُنَافِي ثُبُوتَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَثُبُوتَ خِيَارِ التَّغْرِيرِ. تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْضَ الْمُحَشِّينَ نَقَلَ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ وَجْهَ عَدَمِ الْخِيَارِ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فِي الْبَيْعِ وَلَمْ يَجْعَلْهَا صِفَةً لِلْمَبِيعِ بَلْ أَخْبَرَ عَنْ وُجُودِهَا فِيهِ، وَانْعِدَامُ مَا لَيْسَ بِمَشْرُوطٍ فِي الْبَيْعِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 589 شَرَى دَارًا عَلَى أَنَّ بِنَاءَهَا بِالْآجُرِّ فَإِذَا هُوَ بِلَبِنٍ أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنْ شَجَرَهَا كُلِّهَا مُثْمِرٌ فَإِذَا وَاحِدَةٌ مِنْهَا لَا تُثْمِرُ أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ مَصْبُوغٌ بِعُصْفُرٍ فَإِذَا هُوَ بِزَعْفَرَانٍ فَسَدَ، وَلَوْ عَلَى أَنَّهَا بَغْلَةٌ مَثَلًا فَإِذَا هُوَ بَغْلٌ جَازَ وَخُيِّرَ، وَبِعَكْسِهِ جَازَ بِلَا خِيَارٍ لِكَوْنِهِ عَلَى صِفَةٍ خَيْرٍ مِنْ الْمَشْرُوطِ. فَلْيُحْفَظْ الضَّابِطُ.   [رد المحتار] وَلَا صِفَةٍ لِلْمَبِيعِ لَا يُوجِبُ الْخِيَارَ. أَمَّا قَوْلُهُ: بِأَجْذَاعِهَا وَأَبْوَابِهَا فَلَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا صِفَةً لِلدَّارِ فَالْبَيْعُ يَتَنَاوَلُ الْمَوْصُوفَ بِصِفَتِهِ فَإِذَا لَمْ يَجِدْهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَلَهُ الْخِيَارُ اهـ. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ ذُكِرَ عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ الْآخَرُ أَيْضًا، لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: بَاعَ أَرْضًا عَلَى أَنَّ فِيهِ نَخِيلًا، أَوْ دَارًا عَلَى أَنَّ فِيهِ بُيُوتًا وَلَمْ يَكُنْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْعَقْدُ وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ تَرَكَ. وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ بِلَا شَرْطٍ إذَا شُرِطَ وَعُدِمَ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَجُوزُ، وَمَا لَا يَدْخُلُ بِلَا شَرْطٍ إذَا شُرِطَ وَلَمْ يُوجَدْ لَمْ يَجُزْ. اهـ. فَافْهَمْ. . (قَوْلُهُ: شَرَى دَارًا إلَخْ) قَالَ: فِي الْفَتْحِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ فِي الْمَبِيعِ مَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ وَوَجَدَهُ بِخِلَافِهِ، فَتَارَةً يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا وَتَارَةً يَسْتَمِرُّ عَلَى الصِّحَّةِ وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، وَتَارَةً يَسْتَمِرُّ صَحِيحًا وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي، وَهُوَ مَا إذَا وَجَدَهُ خَيْرًا مِمَّا شَرَطَهُ. وَضَابِطُهُ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَفِيهِ الْخِيَارُ. وَالثِّيَابُ أَجْنَاسٌ أَعْنِي الْهَرَوِيَّ وَالْإِسْكَنْدَرِيّ وَالْكَتَّانَ وَالْقُطْنَ. وَالذَّكَرُ مَعَ الْأُنْثَى فِي بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ. وَفِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ. وَالضَّابِطُ فُحْشُ التَّفَاوُتِ فِي الْأَغْرَاضِ وَعَدَمُهُ اهـ. أَيْ ضَابِطُ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَعَدَمِهِ فُحْشُ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ وَعَدَمُهُ. (قَوْلُهُ: فَسَدَ) أَيْ لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ فَيَكُونُ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ، وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ خَيْرًا مِمَّا شَرَطَهُ كَالْمَصْبُوغِ بِزَعْفَرَانٍ، وَلِذَا ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ مِنْ أَمْثِلَةِ الْفَاسِدِ: لَوْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنْ لَا بِنَاءَ وَلَا نَخْلَ فِيهَا فَإِذَا فِيهَا بِنَاءٌ أَوْ نَخْلٌ أَوْ عَلَى أَنَّهُ عَبْدٌ فَإِذَا هُوَ جَارِيَةٌ فَافْهَمْ، نَعَمْ عَلَّلَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ الْفَسَادَ فِي اشْتِرَاطِ أَنْ لَا بِنَاءَ فِيهَا بِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى النَّقْضِ وَيُشْكِلُ مَسْأَلَةُ الشَّجَرَةِ الَّتِي لَا تُثْمِرُ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ فِيهَا، فَالظَّاهِرُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَاعَ أَرْضًا عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا شَجَرًا مُثْمِرًا بِثَمَرِهَا فَوَجَدَ فِيهَا نَخْلَةً لَا تُثْمِرُ فَسَدَ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ لَهَا قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ بِالذِّكْرِ وَسَقَطَ حِصَّةُ الْمَعْدُومِ وَلَا يُعْلَمُ كَمْ الْبَاقِي مِنْ الثَّمَنِ فَأَشْبَهَ شِرَاءَ شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ فَإِذَا فَخِذُهَا مَقْطُوعَةٌ. اهـ. تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: جَازَ وَخُيِّرَ) أَيْ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ لِكَوْنِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ جِنْسًا وَاحِدًا، وَإِنَّمَا خُيِّرَ لِكَوْنِ الْأُنْثَى فِي الْحَيَوَانَاتِ خَيْرًا مِنْ الذَّكَرِ فَقَدْ فَاتَ الْوَصْفُ الْمَرْغُوبُ فَيُخَيَّرُ. قَالَ: فِي الْفَتْحِ: وَكَذَا عَلَى أَنَّهُ نَاقَةٌ فَكَانَ جَمَلًا، أَوْ لَحْمُ مَعَزٍ فَكَانَ لَحْمَ ضَأْنٍ، أَوْ عَلَى عَكْسِهِ فَلَهُ الْخِيَارُ. اهـ. أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَلِذَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا فِي الزَّكَاةِ. (قَوْلُهُ: وَبِعَكْسِهِ) بِأَنْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ بَغْلٌ فَإِذَا هُوَ بَغْلَةٌ، وَكَذَا عَلَى أَنَّهُ حِمَارٌ أَوْ بَعِيرٌ فَإِذَا هُوَ أَتَانٌ أَوْ نَاقَةٌ أَوْ جَارِيَةٌ عَلَى أَنَّهَا رَتْقَاءُ أَوْ حُبْلَى أَوْ ثَيِّبٌ فَإِذَا هُوَ بِخِلَافِهِ جَازَ وَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ أَفْضَلُ مِنْ الْمَشْرُوطَةِ، وَيَنْبَغِي فِي مَسْأَلَةِ الْبَعِيرِ وَالنَّاقَةِ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَرَبِ وَأَهْلِ الْبَوَادِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَ الدَّرَّ وَالنَّسْلَ، أَمَّا أَهْلُ الْمُدُنِ وَالْمُكَارِيَةُ فَالْبَعِيرُ أَفْضَلُ فَتْحٌ وَذَكَرَ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ فَإِذَا هُوَ كَاتِبٌ خُيِّرَ مَعَ أَنَّ صِنَاعَةَ الْكِتَابَةِ أَشْرَفُ عِنْدَ النَّاسِ، وَكَانَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ كَوْنِ الصِّفَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ أَشْرَفَ أَوْ لَا. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّ الْخِيَارَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَوْجُودُ أَنْقَصَ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ لِفَوَاتِ غَرَضِ الْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِخْدَامَ لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ، بِخِلَافِ تَعْيِينِ الْخُبْزِ أَوْ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ حَاجَتَهُ هَذَا الْوَصْفُ. اهـ. مُلَخَّصًا. وَمُفَادُهُ تَصْحِيحُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَإِنْ ظَهَرَ الْوَصْفُ أَفْضَلَ مِنْ الْمَشْرُوطِ إلَّا إذَا لَمْ يَحْصُلْ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ فِي الْغَرَضِ الْمَقْصُودِ لِلْمُشْتَرِي كَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ. (قَوْلُهُ: فَلْيُحْفَظْ الضَّابِطُ) هُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلًا عَنْ الْفَتْحِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 590 الْبَيْعُ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ فِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ مَوْضِعًا مَذْكُورَةً فِي الْأَشْبَاهِ   [رد المحتار] [مَطْلَبٌ الْبَيْعُ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ فِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ مَوْضِعًا] (قَوْلُهُ: الْبَيْعُ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ فِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ مَوْضِعًا) هِيَ شَرْطُ رَهْنٍ مَعْلُومٍ بِإِشَارَةٍ أَوْ تَسْمِيَةٍ، فَإِنْ أَعْطَاهُ الرَّهْنَ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَشَرْطُ كَفِيلٍ حَاضِرٍ أَوْ غَائِبٍ وَحَضَرَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَكَفَلَ، فَلَوْ غَائِبًا وَكَفَلَ حِينَ عَلِمَ فَسَدَ، وَشَرْطُ إحَالَةِ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ عَلَى غَيْرِهِ بِالثَّمَنِ اسْتِحْسَانًا وَفَسَدَ لَوْ عَلَى أَنْ يُحِيلَ الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَشَرْطُ إشْهَادٍ عَلَى الْبَيْعِ، وَشَرْطُ خِيَارِ الشَّرْطِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَشَرْطُ نَقْدٍ، عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا، وَشَرْطُ تَأْجِيلِ الثَّمَنِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَشَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ وَيَبْرَأُ الْبَائِعُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، وَشَرْطُ قَطْعِ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ أَيْ عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ تَفْرِيغًا لِمِلْكِ الْبَائِعِ عَنْ مِلْكِهِ، وَشَرْطُ تَرْكِهَا عَلَى النَّخِيلِ بَعْدَ إدْرَاكِهَا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَشَرْطُ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ كَمَا مَرَّ، وَشَرْطُ عَدَمِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ حَتَّى يُسَلِّمَ الثَّمَنَ، وَشَرْطُ رَدِّهِ بِعَيْبٍ وُجِدَ فِيهِ، وَشَرْطُ كَوْنِ الطَّرِيقِ لِغَيْرِ الْمُشْتَرِي، وَشَرْطُ عَدَمِ خُرُوجِ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ. أَمَّا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهُ أَوْ لَا يُخْرِجَهُ عَنْ مِلْكِهِ فَسَدَ، وَشَرْطُ إطْعَامِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ إلَّا إذَا عَيَّنَ مَا يُطْعِمُ الْآدَمِيُّ، كَأَنْ شَرَطَ أَنْ يُطْعِمَ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ خَبِيصًا فَيَفْسُدُ، وَشَرْطُ حَمْلِ الْجَارِيَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بَعْدُ، وَشَرْطُ كَوْنِهَا مُغَنِّيَةً؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ شَرْعًا فَيَكُونُ بَرَاءَةً مِنْ الْعَيْبِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا مُغَنِّيَةً فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَهَا سَالِمَةً مِنْ الْعَيْبِ، وَإِنْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الرَّغْبَةِ فَسَدَ الْبَيْعُ لِشَرْطِهِ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ. وَنَظِيرُهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ شَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ فَحْلٌ فَإِذَا هُوَ خَصِيٌّ لَهُ الرَّدُّ؛ وَلَوْ عَكَسَ قَالَ: الْإِمَامُ الْخِصَاءُ فِي الْعَبْدِ عَيْبٌ، فَإِذَا بَانَ فَحْلًا صَارَ كَأَنَّهُ شَرَطَ الْعَيْبَ فَبَانَ سَلِيمًا وَقَالَ: الثَّانِي الْخَصِيُّ أَفْضَلُ لِرَغْبَةِ النَّاسِ فِيهِ فَيُخَيَّرُ. اهـ. وَجَزَمَ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِ الثَّانِي، وَمُقْتَضَاهُ جَرَيَانُ ذَلِكَ فِي الْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ، وَشَرْطُ كَوْنِ الْبَقَرَةِ حَلُوبًا، وَشَرْطُ كَوْنِ الْفَرَسِ هِمْلَاجًا بِكَسْرِ الْهَاءِ: أَيْ سَهْلَ السَّيْرِ بِسُرْعَةٍ، وَشَرْطُ كَوْنِ الْجَارِيَةِ مَا وَلَدَتْ، فَلَوْ ظَهَرَ أَنَّهَا كَانَتْ وَلَدَتْ لَهُ الرَّدُّ. قُلْتُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ بِدُونِ هَذَا الشَّرْطِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ قَبَضَهَا ثُمَّ ظَهَرَ وِلَادَتُهَا عِنْدَ الْبَائِعِ لَا مِنْ الْبَائِعِ وَهُوَ لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ عَيْبٌ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ التَّكَسُّرَ الْحَاصِلَ بِالْوِلَادَةِ لَا يَزُولُ أَبَدًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي رِوَايَةٍ إنْ نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ عَيْبٌ، وَفِي الْبَهَائِمِ لَيْسَ بِعَيْبٍ إلَّا إنْ نَقَصَهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَشَرْطُ إيفَاءِ الثَّمَنِ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَهَذَا لَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرٍ مَثَلًا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مُؤْنَةٌ فَيَتَعَيَّنَ، أَمَّا لَوْ غَيْرَ مُؤَجَّلٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ أَجَلًا مَجْهُولًا وَشَرْطُ الْحَمْلِ إلَى مَنْزِلِ الْمُشْتَرِي فِيمَا لَهُ حَمْلٌ لَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ، أَمَّا فِي الْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ الْإِيفَاءِ وَالْحَمْلِ وَالْعَقْدُ يَقْتَضِي الْأَوَّلَ لَا الثَّانِيَ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ، وَشَرْطُ حَذْوِ النَّعْلِ، وَشَرْطُ خَرْزِ الْخُفِّ، وَشَرْطُ جَعْلِ رُقْعَةٍ عَلَى ثَوْبٍ اشْتَرَاهُ مِنْ خَلَقَانِيٍّ، وَشَرْطُ كَوْنِ الثَّوْبِ سُدَاسِيًّا فَإِذَا وَجَدَهُ خُمَاسِيًّا أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ تَرَكَ؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافُ نَوْعٍ لَا جِنْسٍ فَلَا يَفْسُدُ، وَشَرْطُ كَوْنِ السَّوِيقِ مَلْتُوتًا بِمَنِّ سَمْنٍ، وَشَرْطُ كَوْنِ الصَّابُونِ مُتَّخَذًا مِنْ كَذَا جَرَّةً مِنْ الزَّيْتِ فَفِيهِمَا لَوْ كَانَ يَنْظُرُ إلَى الْمَبِيعِ وَقَبَضَهُ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مُتَّخَذٌ مِنْ أَقَلَّ مِمَّا ذَكَرَ مِنْ السَّمْنِ أَوْ الزَّيْتِ جَازَ الْبَيْعُ بِلَا خِيَارٍ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُعْرَفُ بِالْعِيَانِ فَإِذَا عَايَنَهُ انْتَفَى الْغَرَرُ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ اشْتَرَى قَمِيصًا عَلَى أَنَّهُ مُتَّخَذٌ مِنْ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ فَظَهَرَ مِنْ تِسْعَةٍ جَازَ بِلَا خِيَارٍ. قُلْتُ -: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ السُّدَاسِيِّ، عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ مِمَّا يُعْرَفُ بِالْعِيَانِ غَيْرُ ظَاهِرٍ إلَّا إذَا فَحُشَ التَّفَاوُتُ، وَشَرْطُ بَيْعِ الْعَبْدِ إلَّا إذَا قَالَ: مِنْ فُلَانٍ بِأَنْ قَالَ: بِعْتُكَ الْعَبْدَ عَلَى أَنْ تَبِيعَهُ مِنْ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ؛ لِأَنَّ لَهُ طَالِبًا، وَشَرْطُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 591 شَرَطَ أَنَّهَا مُغَنِّيَةٌ، إنْ لِلتَّبَرِّي لَا يَفْسُدُ، وَإِنْ لِلرَّغْبَةِ فَسَدَ بَدَائِعُ، وَلَوْ شَرَطَ حَبَلَهَا، إنْ الشَّرْطُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَسَدَ، وَإِنْ مِنْ الْبَائِعِ جَازَ؛ لِأَنَّ حَبَلَهَا عَيْبٌ فَذَكَرَهُ لِلْبَرَاءَةِ مِنْهُ، حَتَّى لَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ يَرْغَبُونَ فِي شِرَاءِ الْإِمَاءِ لِلْأَوْلَادِ فَسَدَ خَانِيَّةٌ، وَلَوْ شَرَطَ أَنَّهَا ذَاتُ لَبَنٍ جَازَ عَلَى الْأَكْثَرِ. قُلْتُ: وَالضَّابِطُ لِلْأَوْصَافِ أَنَّ كُلَّ وَصْفٍ لَا غَرَرَ فِيهِ فَاشْتِرَاطُهُ جَائِزٌ لَا مَا فِيهِ غَرَرٌ إلَّا أَنْ لَا يُرْغَبَ فِيهِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ فِي فَصْلِ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ مَتَى عَايَنَ مَا يُعْرَفُ بِالْعِيَانِ انْتَفَى الْغَرَرُ. بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ مِنْ إضَافَةِ الْمُسَبَّبِ إلَى السَّبَبِ وَمَا قِيلَ: مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ ظَاهِرٌ لِمَا سَيَجِيءُ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ. (هُوَ يَثْبُتُ فِي) أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ (الشِّرَاءُ) لِلْأَعْيَانِ   [رد المحتار] جَعْلِهَا بِيعَةً وَالْمُشْتَرِي ذِمِّيٌّ بِأَنْ اشْتَرَى دَارًا مِنْ مُسْلِمٍ عَلَى أَنْ يَتَّخِذَهَا بِيعَةً جَازَ الْبَيْعُ وَبَطَل الشَّرْطُ، وَكَذَا بَيْعُ الْعَصِيرِ عَلَى أَنْ يَتَّخِذَهُ خَمْرًا، وَإِنَّمَا جَازَ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَلَا مُطَالِبَ لَهُ، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ أَنْ يَجْعَلَهَا الْمُسْلِمُ مَسْجِدًا فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى -، وَكَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَجْعَلَهَا سَاقِيَةً أَوْ مَقْبَرَةً لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالطَّعَامِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ، وَشَرْطُ رِضَا الْجِيرَانِ بِأَنْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ إنْ رَضِيَ الْجِيرَانُ أَخَذَهَا، قَالَ: الصَّفَّارُ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ: أَبُو اللَّيْثِ إنْ سَمَّى الْجِيرَانَ وَقَالَ: إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ جَازَ. اهـ. ط مُلَخَّصًا مَعَهُ بَعْضُ زِيَادَةٍ. (قَوْلُهُ: شَرَطَ أَنَّهَا مُغَنِّيَةٌ) هَذِهِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا تَقَدَّمَتَا فِي مَسَائِلِ الْأَشْبَاهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَرَطَ حَبَلَهَا) أَيْ الْأَمَةِ، بِخِلَافِ الشَّاةِ فَإِنَّهُ مُفْسِدٌ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ زِيَادَةٌ مَرْغُوبَةٌ وَإِنَّهَا مَوْهُومَةٌ لَا يُدْرَى وُجُودُهَا فَلَا يَجُوزُ خَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَكْثَرِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ. (قَوْلُهُ: لَا مَا فِيهِ غَرَرٌ) كَبَيْعِ الشَّاةِ عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ لَا يَرْغَبَ فِيهِ) لِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ يَكُونُ بِمَعْنَى الْبَرَاءَةِ مِنْ وُجُودِهِ كَمَا فِي حَبَلِ الْأَمَةِ. (قَوْلُهُ: مَا يُعْرَفُ بِالْعِيَانِ) كَمَسْأَلَةِ السَّوِيقِ وَالصَّابُونِ كَمَا مَرَّ فِي مَسَائِلِ الْأَشْبَاهِ. (قَوْلُهُ: انْتَفَى الْغَرَرُ) فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إذَا ظَهَرَ، بِخِلَافِ مَا اشْتَرَطَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ] ِ قَدَّمَهُ عَلَى خِيَارِ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ وَذَاكَ يَمْنَعُ لُزُومَهُ وَاللُّزُومُ بَعْدَ التَّمَامِ وَالرَّدُّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَسْخٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، لَا يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءٍ وَلَا رِضَا الْبَائِعِ وَيَنْفَسِخُ بِقَوْلِهِ رَدَدْتُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الرَّدُّ إلَّا بِعِلْمِ الْبَائِعِ خِلَافًا لِلثَّانِي وَهُوَ يَثْبُتُ حُكْمًا لَا بِالشَّرْطِ، وَلَا يَتَوَقَّتُ، وَلَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي؛ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ جَازَ تَصَرُّفُهُ وَبَطَلَ خِيَارُهُ وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ، وَكَذَا لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ صَارَ إلَى حَالٍ لَا يَمْلِكُ فَسْخَهُ بَطَلَ خِيَارُهُ كَذَا فِي السِّرَاجِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ إضَافَةِ الْمُسَبَّبِ إلَى السَّبَبِ) الَّذِي ذُكِرَ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ أَنَّ الرُّؤْيَةَ شَرْطُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ، وَعَدَمَ الرُّؤْيَةِ هُوَ السَّبَبُ لِثُبُوتِ الْخِيَارِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ظَاهِرٌ) كَذَا فِي أَغْلَبِ النُّسَخِ، وَلَا يُنَاسِبُهُ التَّعْلِيلُ بَعْدَهُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ، وَفِي بَعْضِهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَبِهِ عَبَّرَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى، وَعَزَاهُ مَعَ التَّعْلِيلِ بَعْدَهُ الْبَهْنَسِيُّ. (قَوْلُهُ: لِمَا سَيَجِيءُ إلَخْ) يَعْنِي وَالشَّيْءُ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ شَرْطِهِ. وَفِيهِ أَنَّ هَذَا يَرِدُ أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ الْمُسَبَّبَ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى سَبَبِهِ، وَسَيَأْتِي جَوَابُهُ قَرِيبًا، وَهُوَ أَنَّهُ بِسَبَبٍ آخَرَ. وَبَيَانُهُ كَمَا قَالَ ح أَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ قَبْلَهَا لَيْسَ فِي نَتَائِجِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ، بَلْ بِحُكْمِ أَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مُنْبَرِمًا فَجَازَ فَسْخُهُ لِضَعْفٍ فِيهِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْعِنَايَةِ، وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ) أَيْ لَا غَيْرِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: الشِّرَاءِ لِلْأَعْيَانِ) أَيْ اللَّازِمِ تَعْيِينُهَا، وَلَا تَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَالْمُرَادُ الشِّرَاءُ الصَّحِيحُ، لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارَ الْعَيْبِ لَا يَثْبُتَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 592 وَالْإِجَارَةُ وَالْقِسْمَةُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مُعَاوَضَةٌ، فَلَيْسَ فِي دُيُونٍ وَنُقُودٍ وَعُقُودٍ لَا تَنْفَسِخُ بِالْفَسْخِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَتْحٌ. (صَحَّ الشِّرَاءُ وَالْبَيْعُ لِمَا لَمْ يَرَيَاهُ، وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ) أَيْ الْمَبِيعِ (أَوْ إلَى مَكَانِهِ شَرْطُ الْجَوَازِ) فَلَوْ لَمْ يُشِرْ إلَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ إجْمَاعًا فَتْحٌ وَبَحْرٌ.   [رد المحتار] فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. اهـ. أَيْ لِوُجُوبِ فَسْخِهِ بِدُونِهِمَا. (قَوْلُهُ: وَالْقِسْمَةِ) فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْعُيُونِ أَنَّ قِسْمَةَ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ يَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارَاتُ الثَّلَاثُ: خِيَارُ الشَّرْطِ وَالْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ، وَقِسْمَةُ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْعَيْبِ فَقَطْ، وَقِسْمَةُ غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ كَالثِّيَابِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ، وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْعَيْبِ؛ وَكَذَا الشَّرْطُ وَالرُّؤْيَةُ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ لَا. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ فِي دُيُونٍ وَنُقُودٍ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي دُيُونِ الْقَوَدِ، وَفِي بَعْضِهَا فِي دَيْنِ الْعُقُودِ، وَالْأُولَى أَوْلَى وَعَطْفُ النُّقُودِ عَلَى الدُّيُونِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. قَالَ: فِي الْفَتْحِ: وَعُرِفَ مِنْ هَذَا: أَيْ قَصْرِهِ عَلَى الْمَوَاضِعِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الدُّيُونِ، فَلَا يَكُونُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَا فِي الْأَثْمَانِ الْخَالِصَةِ: أَيْ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ إنَاءً مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَإِنَّ فِيهِ الْخِيَارَ اهـ. قَالَ: فِي الْبَحْرِ: وَأَمَّا رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ إذَا كَانَ عَيْنًا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِيهِ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَعُقُودٍ لَا تَنْفَسِخُ) قَالَ: فِي الْفَتْحِ: وَمَحَلُّهُ كُلُّ مَا كَانَ فِي عَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِالْفَسْخِ، لَا فِيمَا لَا يَنْفَسِخُ كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَإِنْ كَانَتْ أَعْيَانًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لَمَّا لَمْ يُوجِبْ الِانْفِسَاخَ بَقِيَ الْعَقْدُ قَائِمًا، وَقِيَامُهُ يُوجِبُ الْمُطَالَبَةَ بِالْعَيْنِ لَا بِمَا يُقَابِلُهَا مِنْ الْقِيمَةِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ أَبَدًا. (قَوْلُهُ: لَمَّا لَمْ يَرَيَاهُ) أَيْ الْعَاقِدَانِ. قَالَ: فِي الْبَحْرِ: أَرَادَ بِمَا لَمْ يَرَهُ مَا لَمْ يَرَهُ وَقْتَ الْعَقْدِ وَلَا قَبْلَهُ، وَالْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ بِالْمَقْصُودِ مِنْ بَابِ عُمُومِ الْمَجَازِ فَصَارَتْ الرُّؤْيَةُ مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ، فَيَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُعْرَفُ بِالشَّمِّ كَالْمِسْكِ، وَمَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا، وَمَا اشْتَرَاهُ الْأَعْمَى. وَفِي الْقُنْيَةِ: اشْتَرَى مَا يُذَاقُ فَذَاقَهُ لَيْلًا وَلَمْ يَرَهُ سَقَطَ خِيَارُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْمَبِيعِ) أَيْ الَّذِي لَمْ يَرَيَاهُ بِأَنْ كَانَ مَسْتُورًا. (قَوْلُهُ: فَلَوْ لَمْ يُشِرْ إلَى ذَلِكَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ هَكَذَا: وَفِي الْمَبْسُوطِ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَكَانِهِ شَرْطُ الْجَوَازِ، فَلَوْ لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَلَا إلَى مَكَانِهِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ هـ. لَكِنَّ إطْلَاقَ الْكِتَابِ يَقْتَضِي جَوَازَ الْبَيْعِ، سَوَاءٌ سَمَّى جِنْسَ الْمَبِيعِ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ أَشَارَ إلَى مَكَانِهِ أَوْ إلَيْهِ وَهُوَ حَاضِرٌ مَسْتُورٌ أَوْ لَا، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُ مِنْكَ مَا فِي كُمِّي، بَلْ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ قَالُوا: إطْلَاقُ الْجَوَابِ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ عِنْدَهُ، وَطَائِفَةٌ قَالُوا لَا يَجُوزُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِطْلَاقِ مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرُهُ كَصَاحِبِ الْإِسْرَاءِ وَالذَّخِيرَةِ لِبُعْدِ الْقَوْلِ بِجَوَازِ مَا لَمْ يُعْلَمْ جِنْسُهُ أَصْلًا، كَأَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ شَيْئًا بِعَشَرَةٍ. اهـ. كَلَامُ الْفَتْحِ وَحَاصِلُهُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا قَالَهُ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ بِحَمْلِ إطْلَاقِ الْجَوَابِ عَلَى مَا قَالَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرُهُ مِنْ لُزُومِ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَكَانِهِ إذْ لَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَمْ يُعْلَمْ جِنْسُهُ أَصْلًا: أَيْ لَا بِوَصْفٍ وَلَا بِإِشَارَةٍ، وَلِذَا قَالَ: صَاحِبُ النِّهَايَةِ يَعْنِي شَيْئًا مُسَمًّى مَوْصُوفًا أَوْ مُشَارًا إلَيْهِ أَوْ إلَى مَكَانِهِ وَلَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ بِذَلِكَ الِاسْمِ. اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ لُزُومَ الْإِشَارَةِ عِنْدَ عَدَمِ تَسْمِيَةِ الْجِنْسِ وَالْوَصْفِ، فَالتَّسْمِيَةُ كَافِيَةٌ عَنْ الْإِشَارَةِ؛ حَتَّى لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ كُرَّ حِنْطَةٍ بَلَدِيَّةٍ بِكَذَا وَالْكُرُّ فِي مِلْكِهِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ جَازَ الْبَيْعُ وَكَذَا الْإِضَافَةُ فِي مِثْلِ بِعْتُك عَبْدِي وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ وَذِكْرُ الْحُدُودِ فِي مِثْلِ بِعْتُكَ الْأَرْضَ الْفُلَانِيَّةَ وَالْمَدَارُ عَلَى نَفْيِ الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ لِيَصِحَّ الْبَيْعُ كَمَا حَقَّقْنَا ذَلِكَ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ أَوَّلَ الْبُيُوعِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَشُرِطَ لِصِحَّتِهِ مَعْرِفَةُ قَدْرِ مَبِيعٍ وَثَمَنٍ، فَتَذَكَّرْهُ بِالْمُرَاجَعَةِ فَإِنَّهُ يَنْفَعُكَ هُنَا، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ سَقَطَ مَا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ: أَقُولُ: فِي كَوْنِ الْإِشَارَةِ إلَى الْمَبِيعِ أَوْ إلَى مَكَانِهِ شَرْطَ الْجَوَازِ، سِيَّمَا بِالْإِجْمَاعِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 593 وَفِي حَاشِيَةِ أَخِي زَادَهْ الْأَصَحُّ الْجَوَازُ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي (أَنْ يَرُدَّهُ إذَا رَآهُ) إلَّا إذَا حَمَلَهُ الْبَائِعُ لِبَيْتِ الْمُشْتَرِي، فَلَا يَرُدُّهُ إذَا رَآهُ إلَّا إذَا أَعَادَهُ إلَى الْبَائِعِ أَشْبَاهٌ (وَإِنْ رَضِيَ) بِالْقَوْلِ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ؛ لِأَنَّ خِيَارَهُ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ بِالنَّصِّ، وَلَا وُجُودَ لِلْمُعَلَّقِ قَبْلَ الشَّرْطِ.   [رد المحتار] كَلَامٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. لِمَا عَلِمْتَ مِنْ أَنَّ الْإِشَارَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا دَائِمًا بَلْ عِنْدَ عَدَمِ مُعَرِّفٍ آخَرَ يَرْفَعُ الْجَهَالَةَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَفِي حَاشِيَةِ أَخِي زَادَهْ) أَيْ حَاشِيَتِهِ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ. قَالَ فِي الْمِنَحِ وَفِي حَاشِيَةِ أَخِي زَادَهْ ذَكَرَ هَذَا الْبَحْثَ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا: إطْلَاقُ الْجَوَابِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ وَصُحِّحَ، يُؤَيِّدُهُ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّالِثِ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَبِيعِ حَاضِرًا مَوْجُودًا مُهَيَّأً مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ، وَمَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ الْإِشَارَةَ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَكَانِهِ شَرْطُ الْجَوَازِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَكَانِهِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. وَفِي الْعِنَايَةِ قَالَ الْقُدُورِيُّ: مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ الثَّوْبَ الَّذِي فِي كُمِّي هَذَا أَوْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ الْمُتَنَقِّبَةَ، وَكَذَلِكَ الْعَيْنُ الْغَائِبُ الْمُشَارُ إلَى مَكَانِهِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ بِذَلِكَ الِاسْمِ غَيْرُ مَا سَمَّى، وَالْمَكَانُ مَعْلُومٌ بِاسْمِهِ وَالْعَيْنُ مَعْلُومَةٌ. قَالَ: صَاحِبُ الْإِسْرَارِ: لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي عَيْنٍ هِيَ بِحَالَةٍ لَوْ كَانَتْ الرُّؤْيَةُ حَاصِلَةً لَكَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا. اهـ. مَا فِي الْمِنَحِ مُلَخَّصًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ حَاصِلَهُ تَقْيِيدُ إطْلَاقِ الْجَوَابِ بِمَا قَالَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ كَمَا مَرَّ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهُوَ مَحْمَلُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ كَعِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ الْمَذْكُورَةِ. (قَوْلُهُ: أَيْ لِلْمُشْتَرِي) كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ التَّصْرِيحُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ مَعَ إيهَامِ عَوْدِ الضَّمِيرِ لِلْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ يَرْتَفِعُ بِقَوْلِهِ الْآتِي وَلَا خِيَارَ لِبَائِعٍ. (قَوْلُهُ: إذَا رَآهُ) أَيْ عَلِمَ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا حَمَلَهُ الْبَائِعُ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: شَرَاهُ وَحَمَلَهُ الْبَائِعُ إلَى بَيْتِ الْمُشْتَرِي فَرَآهُ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْحَمْلِ فَيَصِيرُ هَذَا كَعَيْبٍ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَمُؤْنَةُ رَدِّ الْمَبِيعِ بِعَيْبٍ أَوْ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَوْ شَرَى مَتَاعًا وَحَمَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ فَلَهُ رَدُّهُ بِعَيْبٍ وَرُؤْيَةٍ لَوْ رَدَّهُ إلَى مَوْضِعِ الْعَقْدِ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إنَّمَا يَرُدُّهُ لَوْ رَدَّهُ إلَى مَوْضِعِ الْعَقْدِ فِيمَا لَوْ حَمَلَهُ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْبَائِعِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْأَشْبَاهِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ " عَدَمُ الْفَرْقِ وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ إلَخْ غَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُهُ قَوْلُهُ: بَعْدَهُ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُشْتَرِي فَافْهَمْ. ثُمَّ رَأَيْتُ صَاحِبَ نُورِ الْعَيْنِ اعْتَرَضَ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ بِمَا ذَكَرْتُهُ، ثُمَّ إنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ مَا أَنْفَقَهُ الْبَائِعُ عَلَى تَحْمِيلِهِ إلَى مَنْزِلِ الْمُشْتَرِي لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ إذَا رَدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعَ إلَى مَحَلِّ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ مُتَبَرِّعٌ بِمَا أَنْفَقَهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ دُونَ التَّحْمِيلِ، وَبِهِ يَظْهَرُ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى اشْتَرَى حَدِيدًا لَمْ يَرَهُ وَشَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ تَحْمِيلَهُ إلَى بَلْدَةِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَآهُ فَلَمْ يَرْضَ بِهِ وَأَرَادَ فَسْخَ الْبَيْعِ لِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ بِفَسَادِ الْعَقْدِ بِسَبَبِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَحْمِيلُهُ إلَى بَلْدَةِ الْبَائِعِ لِيَرُدَّهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الرَّدُّ بِسَبَبِ الْفَسَادِ، لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَيْضًا مِنْ أَنَّ مُؤْنَةَ رَدِّ الْمَبِيعِ فَاسِدًا بَعْدَ الْفَسْخِ عَلَى الْقَابِضِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ رَضِيَ بِالْقَوْلِ قَبْلَهُ) قَيَّدَ بِالْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَجَازَهُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ تَصَرَّفَ فِيهِ يَزُولُ خِيَارُهُ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ. (قَوْلُهُ: أَيْ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الضَّمِيرَ الْمَذْكُورَ فِي " قَبْلَهُ " عَائِدٌ إلَى الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ لَا إلَى لَفْظِ الرُّؤْيَةِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ إذَا رَآهُ؛ لِأَنَّهُ مُؤَنَّثٌ. تَأَمَّلْ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ ذَكَرَ الضَّمِيرَ لِلْمَعْنَى، أَيْ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ خِيَارَهُ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ بِالنَّصِّ) أَيْ بِحَدِيثِ «مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ» ، قَالَ: فِي الدُّرَرِ: وَفِيهِ أَنَّ هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ. اهـ. قُلْتُ: وَجَوَابُهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَقْدِ اللُّزُومُ فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ إلَّا بِدَلِيلِهِ، وَالنَّصُّ إنَّمَا أَثْبَتَهُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ فَيَبْقَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 594 وَلَوْ فَسَخَهُ قَبْلَهَا) قَبْلَ الرُّؤْيَةِ (صَحَّ) فَسْخُهُ (فِي الْأَصَحِّ) بَحْرٌ؛ لِعَدَمِ لُزُومِ الْبَيْعِ بِسَبَبِ جَهَالَةِ الْمَبِيعِ فَلَمْ يَقَعْ مُبْرَمًا. (وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ) لِلرُّؤْيَةِ (مُطْلَقًا غَيْرَ مُؤَقَّتٍ) بِمُدَّةٍ هُوَ الْأَصَحُّ عِنَايَةٌ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ، مَا لَمْ يُوجَدْ مُبْطِلُهُ وَهُوَ مُبْطِلُ خِيَارِ الشَّرْطِ مُطْلَقًا وَمُفِيدُ الرِّضَا بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لَا قَبْلَهَا دُرَرٌ   [رد المحتار] مَا وَرَاءَهَا عَلَى الْأَصْلِ، فَالْحُكْمُ ثَابِتٌ بِدَلِيلِ الْأَصْلِ لَا بِمَفْهُومِ هَذَا الشَّرْطِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ وَلَا وُجُودَ لِلْمُعَلَّقِ قَبْلَ الشَّرْطِ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عَدَمٌ قَبْلَ وُجُودِهِ وَالْإِسْقَاطُ لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الثُّبُوتِ اهـ. أَيْ إذَا كَانَ الْخِيَارُ مُعَلَّقًا بِالرُّؤْيَةِ كَانَ عَدَمًا قَبْلَهَا فَلَا يَصِحُّ إسْقَاطُهُ بِالرِّضَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ لُزُومِ الْبَيْعِ) بَيَانٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ فَإِنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَهُوَ لَازِمٌ مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ وَذَلِكَ أَنَّ الْفَسْخَ لَهُ سَبَبٌ آخَرُ وَعَدَمُ لُزُومِ هَذَا الْعَقْدِ، وَمَا لَا يَلْزَمُ فَلِلْمُشْتَرِي فَسْخُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ لِلْإِجَازَةِ سَبَبٌ آخَرُ فَبَقِيَتْ عَلَى الْعَدَمِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ، وَإِذَا رَآهُ حَدَثَ لَهُ سَبَبٌ آخَرُ لِعَدَمِ لُزُومِهِ وَهُوَ الرُّؤْيَةُ وَلَا مَانِعَ مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَسْبَابِ عَلَى مُسَبَّبٍ وَاحِدٍ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: غَيْرَ مُؤَقَّتٍ بِمُدَّةٍ) تَفْسِيرٌ لِلْإِطْلَاقِ. (قَوْلُهُ: هُوَ الْأَصَحُّ) وَقِيلَ: بِوَقْتِ إمْكَانِ الْفَسْخِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ، حَتَّى لَوْ تَمَكَّنَ مِنْهُ وَلَمْ يَفْسَخْ سَقَطَ خِيَارُهُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: هُوَ مُبْطِلُ خِيَارِ الشَّرْطِ) كَتَعَيُّبٍ فِي يَدِهِ وَتَعَذُّرِ رَدِّ بَعْضِهِ وَتَصَرُّفٍ لَا يُفْسَخُ كَالْإِعْتَاقِ، وَتَوَابِعِهِ، أَوْ يُوجِبُ حَقَّ الْغَيْرِ كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ: أَيْ عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ، وَالرَّهْنِ، وَالْإِجَارَةِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَبَعْدَهَا، وَمَا لَا يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ بِخِيَارٍ أَيْ لِلْبَائِعِ، وَالْمُسَاوَمَةِ، وَالْهِبَةِ بِلَا تَسْلِيمٍ بَطَلَ بَعْدَهَا لَا قَبْلَهَا مُلْتَقًى. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: بَاعَ بِخِيَارٍ لَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ، وَبِخِيَارِ الْمُشْتَرِي يَبْطُلُ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا وَهَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَطَلَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ رَدُّ بَعْضِهِ بِهَلَاكٍ أَوْ عَيْبٍ بَطَلَ خِيَارُهُ، وَلَوْ عَرَضَ بَعْضَهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ قَالَ: رَضِيتُ بِبَعْضِهِ بَطَلَ خِيَارُهُ وَكَذَا خِيَارُ الْعَيْبِ، وَكَذَا لَوْ رَآهُ فَقَبَضَهُ رَسُولُهُ. اهـ. قَالَ: فِي نُورِ الْعَيْنِ وَمَسْأَلَةُ عَرْضِ بَعْضِهِ عَلَى الْبَيْعِ لَيْسَتْ وِفَاقِيَّةً لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ عَرَضَ بَعْضَهُ عَلَى الْبَيْعِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ بَطَلَ خِيَارُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اهـ. قُلْتُ: صَاحِبُ الْخَانِيَّةِ يُقَدِّمُ الْأَشْهَرَ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ قَبْل الرُّؤْيَةِ وَبَعْدَهَا كَمَا عَلِمْتَ. (قَوْلُهُ: وَمُفِيدُ الرِّضَا) نَقْلٌ لِعِبَارَةِ الدُّرَرِ بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَيُبْطِلُهُ مَا لَا يُوجِبُ حَقَّ الْغَيْرِ كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ وَالْمُسَاوَمَةِ وَالْهِبَةِ بِلَا تَسْلِيمٍ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لَا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا تَزِيدُ عَلَى صَرِيحِ الرِّضَا، وَهُوَ إنَّمَا يُبْطِلُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ وَأَمَّا التَّصَرُّفَاتُ الْأُولَى فَهِيَ أَقْوَى؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ وَبَعْضَهَا أَوْجَبَ حَقَّ الْغَيْرِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ فِي الْكَنْزِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَيَبْطُلُ بِمَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ، فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ: الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ وَالْعَرْضَ عَلَى الْبَيْعِ، وَالْبَيْعَ بِخِيَارٍ لِلْبَائِعِ، وَالْإِجَارَةَ، وَالْإِسْكَانَ بِلَا أَجْرٍ، وَالرِّضَا بِالْمَبِيعِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَإِنَّهَا تُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ دُونَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ اهـ. لَكِنَّ الصَّوَابَ إسْقَاطُ قَوْلِهِ " وَالْإِجَارَةَ " فَإِنَّهَا تُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْعَرْضِ خِلَافِيَّةٌ. ثُمَّ إنَّ مَا أَوْرَدَهُ فِي الْبَحْرِ احْتَرَزَ عَنْهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَمُفِيدُ الرِّضَا بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لَا قَبْلَهَا، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّهَا تُفِيدُ الرِّضَا، وَصَرِيحُ الرِّضَا قَبْلَهَا لَا يُبْطِلُهُ، فَلِذَا قَالَ: بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لَا قَبْلَهَا لَكِنْ يَبْقَى إيرَادُ الْبَحْرِ وَارِدًا عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ مُبْطِلُ خِيَارِ الشَّرْطِ مُطْلَقًا فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ، فَيُتَوَهَّمُ أَنَّهَا تُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا مَعَ أَنَّهَا لَا تُبْطِلُهُ قَبْلَهَا لِمَا عَلِمْتَ، وَلَا يُفِيدُ قَوْلُهُ: وَمُفِيدُ الرِّضَا إلَخْ، لِأَنَّ بَعْضَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 595 فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ رَدُّ الْأَوَّلَ بِالرُّؤْيَةِ دُرَرٌ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ. فَلْيُحْفَظْ. (وَيُشْتَرَطُ لِلْفَسْخِ عِلْمُ الْبَائِعِ) بِالْفَسْخِ خَوْفَ الْغَرَرِ (وَلَا خِيَارَ لِبَائِعٍ مَا لَمْ يَرَهُ) فِي الْأَصَحِّ (وَكَفَى رُؤْيَةُ مَا يُؤْذِنُ بِالْمَقْصُودِ كَوَجْهِ صُبْرَةٍ   [رد المحتار] مَا يُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ يُفِيدُ الرِّضَا، كَالْعِتْقِ وَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، وَيَبْطُلُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا. [تَنْبِيهٌ] عَدَّ فِي الْبَحْرِ مِمَّا يُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ قَبْضَ الْمَبِيعِ وَنَقْدَ الثَّمَنِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ. زَادَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَكَذَا لَوْ رَآهُ فَقَبَضَهُ رَسُولُهُ. اهـ. وَحَمَلَهُ إلَى بَيْتِ الْمُشْتَرِي فَإِذَا رَآهُ لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ مَا لَمْ يَرُدَّهُ إلَى مَوْضِعِ الْعَقْدِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا لَمْ يَرَهَا وَأَعَارَهَا فَزَرَعَهَا الْمُسْتَعِيرُ، وَكَذَا لَوْ شَرَى عِدْلَ ثِيَابٍ فَلَبِسَ وَاحِدًا بَطَلَ خِيَارُهُ فِي الْكُلِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا قَبْلَهَا: أَيْ إذَا كَانَ مُفِيدُ الرِّضَا لَا يُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ، فَلَوْ شَرَى دَارًا وَلَمْ يَرَهَا فَبِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا فَلَهُ أَخْذُ الثَّانِيَةِ بِالشُّفْعَةِ، وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ فِي الْأُولَى حَتَّى إذَا رَآهَا وَلَمْ يَرْضَ بِهَا فَلَهُ رَدُّهَا بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ. (قَوْلُهُ: دُرَرٌ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ) وَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ عَنْ الْمِعْرَاجِ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ خِيَارِ رُؤْيَةٍ وَعَيْبٍ. [تَنْبِيهٌ] : إنَّمَا عَزَا ذَلِكَ إلَى الدُّرَرِ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ مَعَ أَنَّهُ فِي الدُّرَرِ ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْبَابِ مَتْنًا بِقَوْلِهِ كَذَا طَلَبُ الشُّفْعَةِ بِمَا لَمْ يَرَهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مُبْطِلًا لِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ. (قَوْلُهُ: خَوْفَ الْغَرَرِ) أَيْ غَرَرِ الْبَائِعِ بِسَبَبِ اعْتِمَادِهِ عَلَى شِرَائِهِ فَلَا يَطْلُبُ لِسِلْعَتِهِ مُشْتَرِيًا آخَرَ ط. (قَوْلُهُ: وَلَا خِيَارَ لِبَائِعٍ مَا لَمْ يَرَهُ فِي الْأَصَحِّ) بِأَنْ وَرِثَ عَيْنًا فَبَاعَهَا لَا خِيَارَ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ دُرٌّ مُنْتَقًى: أَيْ وَقَعَ الْحُكْمُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلَافُهُ فَكَانَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا كَمَا بَسَطَهُ فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْأَصَحِّ لَا مَحَلَّ لَهُ لِإِيهَامِهِ أَنَّ مُقَابِلَهُ صَحِيحٌ مَعَ أَنَّ مَا رَجَعَ عَنْهُ الْمُجْتَهِدُ لَمْ يَبْقَ قَوْلًا لَهُ فِي حُكْمِ الْمَنْسُوخِ. (قَوْلُهُ: وَكَفَى رُؤْيَةُ مَا يُؤْذِنُ بِالْمَقْصُودِ) لِأَنَّ رُؤْيَةَ جَمِيعِ الْمَبِيعِ غَيْرُ مَشْرُوطٍ لِتَعَذُّرِهِ فَيُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ هِدَايَةٌ وَالْمُرَادُ أَنَّ رُؤْيَةَ ذَلِكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ كَافِيَةٌ فِي سُقُوطِ خِيَارِهِ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ قَدْ اشْتَرَى مَا رَأَى فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ثُمَّ رَأَى ذَلِكَ يَسْقُطُ خِيَارُهُ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ فَاسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ وَأَنَّهُ إذَا رَآهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَكَيْفَ يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ مَا يُؤْذِنُ بِالْمَقْصُودِ أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ الشَّارِحُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَوَهُّمٌ سَاقِطٌ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَثْبُتَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بَعْدَ الشِّرَاءِ إلَّا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بَعْدَهُ وَلَا قَائِلَ بِهِ مَعَ أَنَّ الرُّؤْيَةَ بَعْدَ الشِّرَاءِ شَرْطُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ عَلَى مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: كَوَجْهِ صُبْرَةٍ) الْمُرَادُ بِهَا مَا لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِنْ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ أَشْيَاءُ، فَإِنْ كَانَتْ الْآحَادُ لَا تَتَفَاوَتُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَعَلَامَتُهُ أَنْ يُعْرَضَ بِالنَّمُوذَجِ فَيُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي سُقُوطِ الْخِيَارِ إلَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَرْدَأَ مِمَّا رَأَى فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ: أَيْ خِيَارُ الْعَيْبِ لَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ذَكَرَهُ فِي الْيَنَابِيعِ. وَعَلَّلَ فِي الْكَافِي بِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالصِّفَةِ الَّتِي رَآهَا لَا بِغَيْرِهَا، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى سَوْقِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ خِيَارُ عَيْبٍ إذَا كَانَ اخْتِلَافُ الْبَاقِي يُوصِلُهُ إلَى حَدِّ الْعَيْبِ، وَخِيَارُ رُؤْيَةٍ إذَا كَانَ لَا يُوصِلُهُ إلَى اسْمِ الْمَعِيبِ بَلْ الدُّونِ، وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى ذَكَرَ لَهُ الْبَائِعُ بِهِ عَيْبًا ثُمَّ أَرَاهُ الْمَبِيعَ فِي الْحَالِ. اهـ. وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْبَاقِي أَرْدَأَ مِمَّا رَأَى لَا تَكْفِي رُؤْيَةُ بَعْضِهِ: أَيْ لَا يَسْقُطُ بِهَا الْخِيَارُ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 596 وَرَقِيقٍ وَ) وَجْهِ (دَابَّةٍ) تُرْكَبُ (وَكَفَلُهَا) أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ (وَ) رُؤْيَةُ (ظَاهِرِ ثَوْبٍ مَطْوِيٍّ)   [رد المحتار] بِهَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَقَطْ، وَيَبْقَى خِيَارُ الْعَيْبِ عَلَى مَا فِي الْيَنَابِيعِ أَوْ يَبْقَى مَعَهَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عَلَى مَا فِي الْكَافِي وَالتَّحْقِيقُ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْبَاقِي مَعِيبًا يَبْقَى الْخِيَارَانِ وَإِلَّا فَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَقَطْ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ سَقَطَ مَا فِي النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ مَا فِي الْكَافِي هُوَ التَّحْقِيقُ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَةَ إذَا لَمْ تَكُنْ كَافِيَةً، فَمَا الَّذِي أَسْقَطَ خِيَارَ رُؤْيَتِهِ حَتَّى انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى خِيَارِ الْعَيْبِ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ. وَهَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى مَا فِي الْيَنَابِيعِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهَا قَدْ أَسْقَطَتْ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ كَافِيَةً فِي لُزُومِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى مَعَهَا خِيَارُ الْعَيْبِ كَمَا قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَ الْيَنَابِيعِ وَعَلِمْت مَا هُوَ التَّحْقِيقُ. ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ: ثُمَّ السُّقُوطُ بِرُؤْيَةِ الْبَعْضِ إذَا كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ، فَلَوْ فِي أَكْثَرَ فَقِيلَ: كَذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كُلِّ وِعَاءٍ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ تُعَرِّفُ حَالَ الْبَاقِي، هَذَا إذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الْوِعَاءِ الْآخَرِ مِثْلُهُ أَوْ أَجْوَدُ، فَلَوْ أَرْدَأَ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ اهـ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: لَمْ أَجِدْ الْبَاقِيَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، وَقَالَ الْبَائِعُ هُوَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُشْتَرِي. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إذَا هَلَكَ النَّمُوذَجُ الَّذِي رَآهُ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي مُخَالَفَةَ الْبَاقِي، أَمَّا لَوْ كَانَ مَوْجُودًا فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَى مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِذَلِكَ فَيَتَّضِحُ الْحَالُ، لَكِنْ بَقِيَ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ حَاضِرًا مَسْتُورًا بِكِيسٍ أَوْ نَحْوِهِ، أَمَّا لَوْ كَانَ غَائِبًا وَأَحْضَرَ لَهُ الْبَائِعُ النَّمُوذَجَ وَهَلَكَ ثُمَّ أَحْضَرَ لَهُ الْبَاقِيَ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي رَآهَا فِي النَّمُوذَجِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ ضِمْنًا كَوْنَ ذَلِكَ هُوَ الْمَبِيعَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حَاضِرًا لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ الْمَبِيعُ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الصِّفَةِ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا بَحَثَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ النَّمُوذَجُ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي لِإِنْكَارِهِ كَوْنَ الْبَاقِي هُوَ الْمَبِيعَ ضِمْنًا، مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَوْ كَانَ غَائِبًا كَمَا قُلْنَا وَإِلَّا خَالَفَهُ صَرِيحُ الْمَنْقُولِ كَمَا عَلِمْتَ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ. (قَوْلُهُ: وَرَقِيقٍ) أَيْ وَوَجْهِ رَقِيقٍ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا فِي السِّرَاجِ عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةً؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْأَعْضَاءِ فِي الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ تَبَعٌ لِلْوَجْهِ، وَلِذَا تَفَاوَتَتْ الْقِيمَةُ، إذَا فُرِضَ تَفَاوُتُ الْوَجْهِ مَعَ تَسَاوِي الْأَعْضَاءِ، وَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ نَظَرَ لِسَائِرِ أَعْضَائِهِ غَيْرَ الْوَجْهِ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي السِّرَاجِ نَهْرٌ. وَلَا تُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْكَفَّيْنِ وَاللِّسَانِ وَالْأَسْنَانِ وَالشَّعْرِ عِنْدَنَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: تُرْكَبُ) احْتِرَازٌ عَنْ شَاةِ اللَّحْمِ أَوْ الْقُنْيَةِ وَالْبَقَرَةِ الْحَلُوبِ أَوْ النَّاقَةِ كَمَالٌ النَّهْرُ وَيَأْتِي حُكْمُهَا. (قَوْلُهُ: وَكَفَلِهَا) أَيْ مَعَ كَفَلِهَا بِفَتْحَتَيْنِ بِمَعْنَى الْعَجُزِ، وَأَفَادَ أَنَّ رُؤْيَةَ الْقَوَائِمِ غَيْرُ شَرْطٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَاكْتَفَى مُحَمَّدٌ بِرُؤْيَةِ الْوَجْهِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرِ ثَوْبٍ مَطْوِيٍّ إلَخْ) لِأَنَّ الْبَادِيَ يُعَرِّفُ مَا فِي الطَّيِّ فَلَوْ شُرِطَ فَتْحُهُ لَتَضَرَّرَ الْبَائِعُ بِتَكَسُّرِ ثَوْبِهِ وَنُقْصَانِ بَهْجَتِهِ، وَبِذَلِكَ يَنْقُصُ ثَمَنُهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ وَجْهَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهِمَا، أَوْ يَكُونَ فِي طَيِّهِ مَا يُقْصَدُ بِالرُّؤْيَةِ كَالْعَلَمِ، قِيلَ: هَذَا فِي عُرْفِهِمْ. أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَمَا لَمْ يَرَ بَاطِنَ الثَّوْبِ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ اخْتِلَافُ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ فِي الثِّيَابِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. وَفِي الْمَبْسُوطِ الْجَوَابُ عَلَى مَا قَالَ: زُفَرُ فَتْحٌ وَبَحْرٌ. قُلْتُ: وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الْأَخِيرِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخْتَلِفْ سَقَطَ الْخِيَارُ إلَّا إذَا ظَهَرَ بَاطِنُهُ أَرْدَأَ مِنْ ظَاهِرِهِ فَلَهُ الْخِيَارُ عَلَى مَا مَرَّ. وَبَقِيَ شَيْءٌ لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ أَثْوَابًا مُتَعَدِّدَةً وَهِيَ مِنْ نَمَطٍ وَاحِدٍ لَا تَخْتَلِفُ عَادَةً بِحَيْثُ يُبَاعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِثَمَنٍ مُتَّحِدٍ. وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَكْفِي رُؤْيَةُ ثَوْبٍ مِنْهَا إلَّا إذَا ظَهَرَ الْبَاقِي أَرْدَأَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تُبَاعُ بِالنَّمُوذَجِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ، فَإِذَا كَانَتْ أَلْوَانًا مُخْتَلِفَةً يَنْظُرُونَ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ إلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ، بَلْ قَدْ يَقْطَعُونَ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ قِطْعَةً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 597 وَقَالَ زُفَرُ: لَا بُدَّ مِنْ نَشْرِهِ كُلِّهِ، هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، (وَدَاخِلِ دَارٍ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ دَاخِلِ الْبُيُوتِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى جَوْهَرَةٌ، وَهَذَا اخْتِلَافُ زَمَانٍ لَا بُرْهَانٍ، وَمِثْلُهُ الْكَرْمُ وَالْبُسْتَانُ. (وَ) كَفَى (حَبْسُ شَاةِ لَحْمٍ، وَنَظَرُ) جَمِيعِ جَسَدِ   [رد المحتار] قَدْرَ الْأُصْبُعِ وَيُلْصِقُونَ الْقِطَعَ فِي وَرَقَةٍ، فَيُعْلَمُ حَالُ جَمِيعِ الْأَثْوَابِ بِرُؤْيَةِ هَذِهِ الْوَرَقَةِ وَيَكُونُ طُولُ الثَّوْبِ وَعَرْضُهُ مَعْلُومًا فَإِذَا وُجِدَتْ الْأَثْوَابُ كُلُّهَا عَلَى الْحَالِ الْمَرْئِيِّ وَالْمَعْلُومِ بِلَا تَفَاوُتٍ بَيْنَهَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ تَفَاوُتٌ بَيْنَ جَوْزَةٍ وَجَوْزَةٍ وَلَكِنَّهُ يَسِيرٌ لَا يَنْقُصُ الثَّمَنَ، فَإِذَا كَانَ نَوْعٌ مِنْ الثِّيَابِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَخْتَلِفُ ثَوْبٌ مِنْهَا عَنْ ثَوْبٍ اخْتِلَافًا يَنْقُصُ الثَّمَنَ عَادَةً كَانَ كَذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ الثِّيَابُ مِنْ سُدًى وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا: إنَّهُ يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ. وَفِي الزَّيْلَعِيِّ: لَوْ كَانَ أَشْيَاءُ لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَعَلَامَتُهُ أَنْ يُعْرَضَ بِالنَّمُوذَجِ يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْبَعْضِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَلِوُقُوعِ الْعِلْمِ بِهِ بِالْبَاقِي إلَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَرْدَأَ فَلَهُ الْخِيَارُ فِيهِ وَفِيمَا رَأَى، وَإِنْ كَانَ آحَادُهُ تَتَفَاوَتُ وَهُوَ الَّذِي لَا يُبَاعُ بِالنَّمُوذَجِ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالْعَبِيدِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ؛ لِأَنَّهُ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهَا لَا يَقَعُ الْعِلْمُ بِالْبَاقِي لِلتَّفَاوُتِ. اهـ. أَيْ لِلتَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ بَيْنَ عَبْدٍ وَعَبْدٍ وَثَوْبٍ وَثَوْبٍ، لَكِنَّهُ جَعَلَ الْمَنَاطَ فِي الْفَرْقِ تَفَاوُتَ الْآحَادِ وَعَدَمَهُ وَعَرْضَهُ فِي الْعُرْفِ بِالنَّمُوذَجِ وَعَدَمَهُ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ نَوْعٌ مِنْ الثِّيَابِ لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ، وَيُعْرَضُ بِالنَّمُوذَجِ فِي الْعَادَةِ كَمَا قُلْنَا فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ. وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْمَذْرُوعَاتِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهَا بِذِكْرِ الذَّرْعِ وَالصِّفَةِ وَالصَّنْعَةِ لَا فِي الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا فِي الْمَالِيَّةِ بِاعْتِبَارِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ فَيُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، بِخِلَافِ الثِّيَابِ؛ لِأَنَّهُ مَصْنُوعُ الْعِبَادِ فَقَلَّمَا يَتَفَاوَتُ الثَّوْبَانِ إذَا نُسِجَا عَلَى مِنْوَالٍ وَاحِدٍ. اهـ. وَمُرَادُهُ أَنَّهُمَا يَتَفَاوَتَانِ قَلِيلًا كَمَا فِي الْفَتْحِ أَيْ بِحَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ عَادَةً وَلَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، فَقَدْ اغْتَفَرُوا التَّفَاوُتَ الْيَسِيرَ فِي السَّلَمِ الْوَارِدِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَعْدُومٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هُنَا كَذَلِكَ، وَلِهَذَا اُكْتُفِيَ فِي الْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ بِرُؤْيَةِ الْبَعْضِ فِي الصَّحِيحِ خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي بَحْثًا. (قَوْلُهُ: وَقَالَ: زُفَرُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: قِيلَ: هَذَا قَوْلُ زُفَرَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَاكْتَفَى الثَّلَاثَةُ بِرُؤْيَةِ خَارِجِهَا وَكَذَا بِرُؤْيَةِ صَحْنِهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا بِنَاءٌ عَلَى عَادَتِهِمْ فِي الْكُوفَةِ أَوْ بَغْدَادَ فَإِنَّ دُورَهُمْ لَمْ تَكُنْ مُتَفَاوِتَةً إلَّا فِي الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ وَكَوْنِهَا جَدِيدَةً أَوْ لَا، فَأَمَّا فِي دِيَارِنَا فَهِيَ مُتَفَاوِتَةٌ. قَالَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ: لِأَنَّ بُيُوتَ الشَّتْوِيَّةِ وَالصَّيْفِيَّةِ وَالْعُلْوِيَّةِ وَالسُّفْلِيَّةِ مَرَافِقَهَا وَمَطَابِخَهَا وَسُطُوحَهَا مُخْتَلِفَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْأَظْهَرِ. وَفِي الْفَتْحِ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي دِيَارِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَبِهَذَا عُرِفَ أَنَّ كَوْنَ مَا فِي الْكِتَابِ قَوْلَ زُفَرَ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ غَيْرُ وَاقِعٍ مَوْقِعَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِرُؤْيَةِ الْخَارِجِ فَكَانَ مَذْهَبُهُ عَدَمَ الِاكْتِفَاءِ بِهِ مُطْلَقًا. اهـ. كَلَامُ النَّهْرِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ أَئِمَّتَنَا الثَّلَاثَةَ اكْتَفَوْا بِرُؤْيَةِ خَارِجِ الْبُيُوتِ وَصَحْنِ الدَّارِ لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُتَفَاوِتَةٍ فِي زَمَنِهِمْ وَزُفَرُ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ وَقَدْ خَالَفَهُمْ، فَعُلِمَ أَنَّهُ قَائِلٌ بِاشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ دَاخِلِهَا وَإِنْ لَمْ تَتَفَاوَتْ، وَهَذَا خِلَافُ مَا صَحَّحُوهُ مِنْ اشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ دَاخِلِهَا فِي دِيَارِنَا لِتَفَاوُتِهَا فَيَكُونُ اخْتِلَافَ عَصْرٍ وَزَمَانٍ. أَمَّا خِلَافُ زُفَرَ فَهُوَ اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ لَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ. (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الْكَرْمُ وَالْبُسْتَانُ) فَلَا بُدَّ فِي الْبُسْتَانِ مِنْ رُؤْيَةِ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ، وَفِي الْكَرْمِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الْعِنَبِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ شَيْئًا، وَفِي الرُّمَّانِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الْحُلْوِ وَالْحَامِضِ، وَفِي الثِّمَارِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْجَارِ تُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ جَمِيعِهَا، بِخِلَافِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى الْأَرْضِ بَحْرٌ. وَذَكَرَ فِي فَصْلِ مَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا اشْتَرَى الثِّمَارَ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 598 شَاةِ قُنْيَةٌ) لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ مَعَ ضَرْعِهَا ظَهِيرِيَّةٌ وَضَرْعِ بَقَرَةٍ حَلُوبٍ وَنَاقَةٍ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ جَوْهَرَةٌ (وَ) كَفَى ذَوْقُ مَطْعُومٍ وَشَمُّ مَشْمُومٍ (لَا خَارِجُ دَارٍ وَصَحْنُهَا) عَلَى الْمُفْتَى بِهِ كَمَا مَرَّ (أَوْ رُؤْيَةُ دُهْنٍ فِي زُجَاجٍ) لِوُجُودِ الْحَائِلِ (وَكَفَى رُؤْيَةُ وَكِيلِ قَبْضٍ وَ) وَكِيلِ شِرَاءٍ (لَا رُؤْيَةُ رَسُولِ) الْمُشْتَرِي وَبَيَانُهُ فِي الدُّرَرِ.   [رد المحتار] رُءُوسِ الْأَشْجَارِ فَرَأَى مِنْ كُلِّ شَجَرَةٍ بَعْضَهَا يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ اهـ. وَهَذَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَرْمِ، وَلَعَلَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا إذَا اشْتَرَى الشَّجَرَ بِثَمَرِهِ فَيَكْفِي أَنْ يَرَى مِنْ كُلِّ نَوْعٍ شَيْئًا وَبَيْنَ مَا إذَا اشْتَرَى الثَّمَرَ مَقْصُودًا. فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: شَاةِ قُنْيَةٌ) هِيَ الَّتِي تُحْبَسُ فِي الْبُيُوتِ لِأَجْلِ النِّتَاجِ، مِنْ اقْتَنَيْتُهُ اتَّخَذْتُهُ لِنَفْسِي قُنْيَةٌ أَيْ لِلنَّسْلِ لَا لِلتِّجَارَةِ بَحْرٌ، فَقَوْلُهُ: لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ تَفْسِيرٌ لَهَا. (قَوْلُهُ: مَعَ ضَرْعِهَا) قَالَ: فِي الْبَحْرِ بَعْدَ عَزْوِهِ لِلظَّهِيرِيَّةِ فَلْيُحْفَظْ، فَإِنَّ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ مَا يُوهِمُ الِاقْتِصَارَ عَلَى رُؤْيَةِ ضَرْعِهَا اهـ. لَكِنْ فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ كَفَاهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ: وَشَمُّ مَشْمُومٍ) وَفِي دُفُوفِ الْمَغَازِي لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ صَوْتِهَا لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالشَّيْءِ يَقَعُ بِاسْتِعْمَالِ آلَةِ إدْرَاكِهِ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ الْحَائِلِ) فَهُوَ لَمْ يَرَ الدُّهْنَ حَقِيقَةً. وَفِي التُّحْفَةِ: لَوْ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ فَرَأَى الْمَبِيعَ، قَالُوا لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ مَا رَأَى عَيْنَهُ بَلْ مِثَالَهُ. وَلَوْ اشْتَرَى سَمَكًا فِي مَاءٍ يُمْكِنُ أَخْذُهُ بِلَا اصْطِيَادٍ فَرَآهُ فِيهِ، قِيلَ: يَسْقُطُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ رَأَى عَيْنَ الْمَبِيعِ، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَى فِي الْمَاءِ عَلَى حَالِهِ بَلْ يُرَى أَكْبَرَ مِمَّا كَانَ فَهَذِهِ الرُّؤْيَةُ لَا تُعَرِّفُ الْمَبِيعَ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَكَفَى رُؤْيَةُ وَكِيلِ قَبْضٍ وَشِرَاءٍ) فَلَا خِيَارَ لَهُ وَلَا لِمُوَكِّلِهِ وَهَذَا لَوْ بِشِرَاءِ شَيْءٍ لَا بِعَيْنِهِ. فَفِي الْمُعَيَّنِ: لَيْسَ لِلْوَكِيلِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ، وَإِذَا شَرَى مَا رَآهُ مُوَكِّلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْوَكِيلُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا لَمْ يَرَهُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَاحْتُرِزَ عَمَّا لَوْ وَكَّلَهُ بِالرُّؤْيَةِ مَقْصُودًا وَقَالَ: إنْ رَضِيتَهُ فَخُذْهُ لَا يَصِحُّ وَلَا تَصِيرُ رُؤْيَتُهُ: كَرُؤْيَةِ مُوَكِّلِهِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّهَا مِنْ الْمُبَاحَاتِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى تَوْكِيلٍ إلَّا إذَا فَوَّضَ إلَيْهِ الْفَسْخَ وَالْإِجَازَةَ لِمَا فِي الْمُحِيطِ: وَكَّلَهُ بِالنَّظَرِ إلَى مَا شَرَاهُ وَلَمْ يَرَهُ، إنْ رَضِيَ يَلْزَمُ الْعَقْدُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ يُفْسَخُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الرَّأْيَ وَالنَّظَرَ إلَيْهِ فَيَصِحُّ كَمَا لَوْ فَوَّضَ الْفَسْخَ وَالْإِجَازَةَ إلَيْهِ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ. اهـ. قَالَ: فِي النَّهْرِ: وَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّ رُؤْيَتَهُ قَبْلَ التَّوْكِيلِ بِهِ لَا أَثَرَ لَهَا فَلَا يَسْقُطُ بِهَا الْخِيَارُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: لَا رُؤْيَةُ رَسُولِ الْمُشْتَرِي) سَوَاءٌ كَانَ رَسُولًا بِالْقَبْضِ أَوْ بِالشِّرَاءِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: وَبَيَانُهُ فِي الدُّرَرِ) حَيْثُ قَالَ: اعْلَمْ أَنَّ هَهُنَا وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ وَوَكِيلًا بِالْقَبْضِ وَرَسُولًا. وَصُورَةُ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ أَنْ يَقُولَ كُنْ وَكِيلًا عَنِّي بِشِرَاءِ كَذَا، وَصُورَةُ التَّوْكِيلِ بِالْقَبْضِ أَنْ يَقُولَ كُنْ وَكِيلًا عَنِّي بِقَبْضِ مَا اشْتَرَيْتُهُ وَمَا رَأَيْتُهُ. وَصُورَةُ الرِّسَالَةِ أَنْ يَقُولَ كُنْ رَسُولًا عَنِّي بِقَبْضِهِ فَرُؤْيَةُ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ تُسْقِطُ الْخِيَارَ بِالْإِجْمَاعِ، وَرُؤْيَةُ الثَّانِي تُسْقِطُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا قَبَضَهُ نَاظِرًا إلَيْهِ فَحِينَئِذٍ لَيْسَ لَهُ وَلَا لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَرُدَّ إلَّا بِعَيْبٍ. وَأَمَّا إذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا ثُمَّ رَآهُ فَأَسْقَطَ الْخِيَارَ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَبَضَهُ مَسْتُورًا انْتَهَى التَّوْكِيلُ بِالْقَبْضِ النَّاقِصِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ قَصْدًا لِصَيْرُورَتِهِ أَجْنَبِيًّا، وَإِنْ أَرْسَلَ رَسُولًا بِقَبْضِهِ فَقَبَضَهُ بَعْدَمَا رَآهُ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ. وَقَالَا: الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ وَالرَّسُولُ سَوَاءٌ فِي أَنَّ قَبْضَهُمَا بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لَا يُسْقِطُ خِيَارَ الْمُشْتَرِي اهـ. ح قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَمَا الْخِلَافُ إلَّا فِي نَظَرِ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ حَالَةَ قَبْضِهِ لَا فِي نَظَرِهِ السَّابِقِ عَلَى قَبْضِهِ وَلَا الْمُتَأَخِّرِ عَنْهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. اهـ. ط الجزء: 4 ¦ الصفحة: 599 وَصَحَّ عَقْدُ الْأَعْمَى) وَلَوْ لِغَيْرِهِ وَهُوَ كَالْبَصِيرِ إلَّا فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً مَذْكُورَةً فِي الْأَشْبَاهِ (وَسَقَطَ خِيَارُهُ بِجَسِّ مَبِيعٍ وَشَمِّهِ وَذَوْقِهِ) فِيمَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ (وَوَصْفِ عَقَارٍ) وَشَجَرٍ وَعَبْدٍ، وَكَذَا كُلُّ مَا لَا يُعْرَفُ بِجَسٍّ وَشَمٍّ وَذَوْقٍ حَدَّادِيٌّ أَوْ بِنَظَرِ وَكِيلِهِ، وَلَوْ أَبْصَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا خِيَارَ لَهُ، هَذَا كُلُّهُ (إذَا وُجِدَتْ) الْمَذْكُورَاتُ كَشَمِّ الْأَعْمَى، وَكَذَا رُؤْيَةُ الْبَصِيرِ وَجْهَ الصُّبْرَةِ وَنَحْوَهَا نَهْرٌ (قَبْلَ شِرَائِهِ وَلَوْ بَعْدَهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بِهَا) أَيْ بِالْمَذْكُورَاتِ لَا أَنَّهَا   [رد المحتار] تَنْبِيهٌ] : نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَوَائِدِ أَنَّ صُورَةَ الرِّسَالَةِ أَنْ يَقُولَ كُنْ رَسُولًا عَنِّي فِي قَبْضِهِ أَوْ أَمَرْتُكَ بِقَبْضِهِ أَوْ أَرْسَلْتُكَ لِتَقْبِضَهُ أَوْ قُلْ لِفُلَانٍ أَنْ يَدْفَعَ الْمَبِيعَ إلَيْكَ، وَقِيلَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ فِي فَصْلِ الْأَمْرِ، بِأَنْ قَالَ: اقْبِضْ الْمَبِيعَ فَلَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ اهـ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْإِيجَابَ مِنْ الْمُوَكِّلِ أَنْ يَقُولَ وَكَّلْتُكَ بِكَذَا أَوْ افْعَلْ كَذَا أَوْ أَذِنْتُ لَكَ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا وَنَحْوَهُ. اهـ. فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْأَمْرَ وَالْإِذْنَ تَوْكِيلٌ، لَكِنْ ذَكَرَ هُنَاكَ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ تَوْكِيلٌ إذَا دَلَّ عَلَى إنَابَةِ الْمَأْمُورِ مَنَابَ الْآمِرِ، وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -، وَكَتَبْتُ هُنَا فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ بَعْضَ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: وَلِغَيْرِهِ) كَأَنْ يَكُونَ وَصِيًّا أَوْ وَكِيلًا. مَطْلَبٌ: الْأَعْمَى كَالْبَصِيرِ إلَّا فِي مَسَائِلَ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً) قَالَ: فِي الْأَشْبَاهِ: وَهُوَ كَالْبَصِيرِ إلَّا فِي مَسَائِلَ مِنْهَا لَا جِهَادَ عَلَيْهِ وَلَا جُمُعَةَ وَلَا جَمَاعَةَ وَلَا حَجَّ وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا، وَلَا يَصْلُحُ لِلشَّهَادَةِ - مُطْلَقًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ -، وَالْقَضَاءِ وَالْإِمَامَةِ الْعُظْمَى، وَلَا دِيَةَ فِي عَيْنِهِ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ الْحُكُومَةُ. وَتُكْرَهُ إمَامَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ الْقَوْمِ وَلَا يَصِحُّ عِتْقُهُ مِنْ كَفَّارَةٍ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ ذَبْحِهِ وَصَيْدِهِ وَحَضَانَتِهِ وَرُؤْيَتِهِ لِمَا اشْتَرَاهُ بِالْوَصْفِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ ذَبْحُهُ. أَمَّا حَضَانَتُهُ فَإِنْ أَمْكَنَهُ حِفْظُ الْمَحْضُونِ كَانَ أَهْلًا وَإِلَّا فَلَا، وَيَصْلُحُ نَاظِرًا وَوَصِيًّا. وَالثَّانِيَةُ فِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ وَالْأُولَى فِي أَوْقَافِ هِلَالٍ كَمَا فِي الْإِسْعَافِ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يَصْلُحُ لِلشَّهَادَةِ مُطْلَقًا: أَيْ وَلَوْ فِيمَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ، وَقَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ عِتْقُهُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ أَيْ أَنْ يُعْتِقَهُ سَيِّدُهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ، وَقَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ إلَخْ عِبَارَتُهُ فِي الْبَحْرِ: وَيُكْرَهُ ذَبْحُهُ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ صَيْدِهِ وَرَمْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي الْقِبْلَةِ، وَقَوْلُهُ: رُؤْيَتُهُ لِمَا اشْتَرَاهُ بِالْوَصْفِ رُؤْيَتُهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: بِالْوَصْفِ أَيْ عِلْمُهُ بِالْمَبِيعِ الْمُحْتَاجِ لِلرُّؤْيَةِ بِالْوَصْفِ، وَقَوْلُهُ: وَيَصْلُحُ نَاظِرًا وَوَصِيًّا لَيْسَ مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ؛ لِأَنَّهُ وَافَقَ فِيهِ الْبَصِيرَ (قَوْلُهُ: وَسَقَطَ خِيَارُهُ بِجَسِّ مَبِيعٍ إلَخْ) مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وُجِدَ مِنْهُ الْجَسُّ وَنَحْوُهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ. وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِوُجُودِهِ بَلْ يَثْبُتُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَيَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فِي الصَّحِيحِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا كُلُّ مَا لَا يُعْرَفُ بِجَسٍّ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا يُعْرَفُ بِالْجَسِّ وَنَحْوِهِ لَا يَكْفِي فِيهِ الْوَصْفُ وَكَذَا عَكْسُهُ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُ الْوَصْفِ وَالْجَسِّ، لَكِنْ فِي الْمِعْرَاجِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارُ الْوَصْفِ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ. وَقَالَ: أَئِمَّةُ بَلْخٍ: يَمَسُّ الْحِيطَانَ وَالْأَشْجَارَ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ يُعْتَبَرُ اللَّمْسُ فِي الثِّيَابِ وَالْحِنْطَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ مَا يَقِفُ بِهِ عَلَى صِفَةِ الْمَبِيعِ فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ، فَحِينَئِذٍ لَا تَخْتَلِفُ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ لِلْأَعْمَى لِجَهْلِهِ بِصِفَاتِ الْمَبِيعِ فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ يَسْقُطُ خِيَارُهُ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] : فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ: لَا بُدَّ فِي الْوَصْفِ لِلْأَعْمَى مِنْ كَوْنِ الْمَبِيعِ عَلَى مَا وُصِفَ لَهُ، لِيَكُونَ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الرُّؤْيَةِ فِي حَقِّ الْبَصِيرِ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِنَظَرِ وَكِيلِهِ) أَيْ وَكِيلِ الشِّرَاءِ أَوْ الْقَبْضِ لَا وَكِيلِ النَّظَرِ إلَّا إذَا فَوَّضَ إلَيْهِ الْفَسْخَ وَالْإِجَازَةَ عَلَى مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ الْجَسِّ وَنَحْوِهِ أَوْ الْوَصْفِ أَوْ نَظَرِ الْوَكِيلِ. (قَوْلُهُ: فَلَا خِيَارَ لَهُ) لِأَنَّهُ قَدْ سَقَطَ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، وَلَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرُ ثُمَّ عَمِيَ انْتَقَلَ الْخِيَارُ إلَى الْوَصْفِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: لَا أَنَّهَا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 600 مُسْقِطَةٌ كَمَا غَلِطَ فِيهِ بَعْضُهُمْ (فَيَمْتَدُّ) خِيَارُهُ فِي جَمِيعِ عُمْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ (مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ) ، أَوْ يَتَعَيَّبْ أَوْ يَهْلِكْ بَعْضُهُ عِنْدَهُ وَلَوْ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ، وَلَوْ أَذِنَ لِلْأَكَّارِ أَنْ يَزْرَعَهَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَزَرَعَهَا بَطَلَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ بِأَمْرِهِ كَفِعْلِهِ عَيْنِيٌّ وَلَوْ شَرَى نَافِجَةَ مِسْكٍ فَأَخْرَجَ الْمِسْكَ مِنْهَا لَمْ يَرُدَّ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ وَلَا عَيْبٍ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ يُدْخِلُ عَلَيْهِ عَيْبًا ظَاهِرًا نَهْرٌ. (وَمَنْ رَأَى أَحَدَ ثَوْبَيْنِ فَاشْتَرَاهُمَا ثُمَّ رَأَى الْآخَرَ فَلَهُ رَدُّهُمَا) إنْ شَاءَ (لَا رَدُّ الْآخَرِ وَحْدَهُ) لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. (وَلَوْ اشْتَرَى مَا رَأَى) حَالَ كَوْنِهِ (قَاصِدًا لِشِرَائِهِ) عِنْدَ رُؤْيَتِهِ، فَلَوْ رَآهُ لَا لِقَصْدِ شِرَاءٍ ثُمَّ شَرَاهُ، قِيلَ: لَهُ الْخِيَارُ ظَهِيرِيَّةٌ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَمَّلُ التَّأَمُّلَ الْمُعِيدَ بَحْرٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلِقُوَّةِ مُدْرِكِهِ عَوَّلْنَا عَلَيْهِ (عَالِمًا بِأَنَّهُ مَرْئِيُّهُ) السَّابِقُ (وَقْتَ الشِّرَاءِ) فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ خُيِّرَ لِعَدَمِ الرِّضَا دُرَرٌ (فَلَا خِيَارَ لَهُ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ) فَيُخَيَّرُ. (رَأَى ثِيَابًا فَرَفَعَ الْبَائِعُ بَعْضَهَا ثُمَّ اشْتَرَى الْبَاقِيَ وَلَا يَعْرِفُهُ فَلَهُ الْخِيَارُ) وَكَذَا لَوْ كَانَا مَلْفُوفَيْنِ وَثَمَنُهُمَا مُتَفَاوِتٌ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ الْأَرْدَأُ بِالْأَكْثَرِ ثَمَنًا (وَلَوْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الثِّيَابِ (عَشَرَةً لَا) خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَمَّا لَمْ يَخْتَلِفْ اسْتَوَيَا فِي الْأَوْصَافِ بَحْرٌ   [رد المحتار] أَيْ الرُّؤْيَةَ بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ. (قَوْلُهُ: كَمَا غَلَّطَ فِيهِ بَعْضُهُمْ) أَيْ بَعْضُ الطَّلَبَةِ وَقَدَّمْنَا بَيَانَهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ يَتَعَيَّبْ) بِالْجَزْمِ عَطْفًا عَلَى مَدْخُولِ لَمْ وَهُوَ يُوجَدُ لَا عَلَى " قَوْلٍ "؛ لِأَنَّ التَّعَيُّبَ وَالْهَلَاكَ لَيْسَا مِنْ الْمُشْتَرِي أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الرَّدُّ بِهَلَاكِ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ) مُبَالَغَةٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ يَتَعَيَّبْ أَوْ يَهْلِكْ بَعْضُهُ وَأَمَّا الْفِعْلُ فَمِنْهُ مَا يُسْقِطُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ فَقَطْ وَمِنْهُ مَا يُسْقِطُ مُطْلَقًا وَمَرَّ بَيَانُهُ. (قَوْلُهُ: وَلَا عَيْبٍ) لَمْ يَذْكُرْهُ فِي النَّهْرِ، بَلْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَبِهِ سَقَطَ مَا بَحَثَهُ الْحَمَوِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ بَعْدَ إخْرَاجِهِ مُنْقَطِعَ الرَّائِحَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ رَدَّهُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ بَحْثٌ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ بَلْ وَلِلْمَعْقُولِ، إذْ كَيْفَ يَسُوغُ الرَّدُّ بَعْدَ حُدُوثِ عَيْبٍ جَدِيدٍ. (قَوْلُهُ: يُدْخِلُ عَلَيْهِ عَيْبًا ظَاهِرًا) حَتَّى لَوْ لَمْ يُدْخِلْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ جَمِيعًا بَحْرٌ. . (قَوْلُهُ: لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ) يَأْتِي بَيَانُهُ. وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ رَآهُمَا فَرَضِيَ بِأَحَدِهِمَا أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الْآخَرَ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: قَاصِدًا لِشِرَائِهِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ) فَلَوْ قَصَدَ شِرَاءَهُ ثُمَّ رَآهُ لَكِنَّهُ عِنْدَهَا لَمْ يَقْصِدْ الشِّرَاءَ ثُمَّ شَرَاهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ ط. (قَوْلُهُ: قَالَ: الْمُصَنِّفُ إلَخْ) قَالَ: الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: هُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ الرِّوَايَةِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَيْضًا بِصِيغَةِ، قِيلَ: وَهِيَ صِيغَةُ التَّمْرِيضِ فَكَيْفَ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي مَتْنِهِ وَالْمُتُونُ مَوْضُوعَةٌ لِمَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. تَأَمَّلْ. اهـ. وَكَذَا رَدَّهُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّهُ مُنَافٍ لِإِطْلَاقَاتِهِمْ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ) كَأَنْ رَأَى جَارِيَةً ثُمَّ اشْتَرَى جَارِيَةً مُتَنَقِّبَةً لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا الَّتِي كَانَ رَآهَا ثُمَّ ظَهَرَتْ إيَّاهَا، فَإِنَّ لَهُ الْخِيَارَ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِالرِّضَا، أَوْ رَأَى ثَوْبًا فَلُفَّ فِي ثَوْبٍ وَبِيعَ فَاشْتَرَاهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ ذَلِكَ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَعْرِفُهُ) أَيْ الْبَاقِيَ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ كَانَا مَلْفُوفَيْنِ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ رَأَى ثَوْبَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهُمَا بِثَمَنٍ مُتَفَاوِتٍ مَلْفُوفَيْنِ فَلَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ الْأَرْدَأُ بِأَكْثَرِ الثَّمَنَيْنِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ. اهـ. أَيْ بِأَنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ بِعَشَرَةٍ وَالْآخَرَ بِعَيْنِهِ بِعِشْرِينَ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ وَقْتَ الشِّرَاءِ أَنَّ الَّذِي قَابَلَهُ الْعِشْرُونَ جَيِّدٌ أَوْ رَدِيءٌ، أَمَّا لَوْ شَرَى أَحَدَهُمَا بِعِشْرِينَ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ فَسَدَ الْبَيْعُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ، وَلَوْ اشْتَرَى كُلَّ وَاحِدٍ بِعَشَرَةٍ فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَالِمٌ بِأَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ حَالَةَ الشِّرَاءِ حَيْثُ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ تَسَاوِيهِمَا فِي الْوَصْفِ فَيَكُونُ عَالِمًا بِأَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ حَالَةَ الشِّرَاءِ ذَخِيرَةٌ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ عِلَّةَ الْخِيَارِ فِي الْأُولَى هِيَ جَهْلُ وَصْفِ الْمَبِيعِ وَقْتَ الشِّرَاءِ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ الْأَدْنَى لِلْأَعْلَى، فَافْهَمْ. وَأَيْضًا فِيهِ احْتِمَالُ دُخُولِ الضَّرَرِ عَلَى الْمُشْتَرِي فِيمَا لَوْ ظَهَرَ الْأَحْسَنُ مَعِيبًا وَكَانَ ثَمَنُهُ أَقَلَّ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ الْأَقَلِّ وَيَبْقَى عَلَيْهِ الْأَدْنَى بِالثَّمَنِ الْأَعْلَى. (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَمَّى إلَخْ) هَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 601 (وَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ) بِيَمِينِهِ إذَا (اخْتَلَفَا فِي التَّغْيِيرِ) هَذَا (لَوْ الْمُدَّةُ قَرِيبَةً) وَإِنْ بَعِيدَةً فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي عَمَلًا بِالظَّاهِرِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: الشَّهْرُ فَمَا فَوْقَهُ بَعِيدٌ. وَفِي الْفَتْحِ: الشَّهْرُ فِي مِثْلِ الدَّابَّةِ وَالْمَمْلُوكِ قَلِيلٌ (كَمَا) أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ (لَوْ اخْتَلَفَا فِي) أَصْلِ (الرُّؤْيَةِ) ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الرُّؤْيَةَ، وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَ الْبَائِعُ كَوْنَ الْمَرْدُودِ مَبِيعًا فِي بَيْعٍ بَاتٍّ أَوْ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي، وَلَوْ فِيهِ خِيَارُ عَيْبٍ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ فِي الْأَوَّلِ لَا الْأَخِيرِ. (اشْتَرَى عِدْلًا) مِنْ مَتَاعٍ وَلَمْ يَرَهُ (وَبَاعَ) أَوْ لَبِسَ نَهْرٌ (مِنْهُ ثَوْبًا)   [رد المحتار] تَفْصِيلٌ لِمَسْأَلَةِ الثَّوْبَيْنِ الْمَلْفُوفَيْنِ الْمَذْكُورَةِ فِي الشَّرْحِ كَمَا ظَهَرَ لَكَ مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ، وَقَدْ جَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ تَفْصِيلًا لِقَوْلِهِ: رَأَى ثِيَابًا إلَخْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا كَذَلِكَ. تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ إلَخْ) هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ قَوْلِهِ فَلَا خِيَارَ لَهُ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ عَقِبَهُ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ حَتَّى فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَالْكَنْزِ وَالْغُرَرِ. (قَوْلُهُ: عَمَلًا بِالظَّاهِرِ) فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَبْقَى الشَّيْءُ فِي دَارِ التَّغَيُّرِ وَهِيَ الدُّنْيَا زَمَانًا طَوِيلًا لَمْ يَطْرُقْهُ التَّغَيُّرُ. قَالَ: مُحَمَّدٌ أَرَأَيْت لَوْ رَأَى جَارِيَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ عِشْرِينَ وَقَالَ: تَغَيَّرَتْ أَنْ لَا يَصْدُقَ؟ بَلْ يَصْدُقُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ. قَالَ: شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَبِهِ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْإِمَامُ الْمَرْغِينَانِيُّ فَيَقُولُ: إنْ كَانَ لَا يَتَفَاوَتُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ غَالِبًا فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ غَالِبًا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي. مِثَالُهُ لَوْ رَأَى دَابَّةً أَوْ مَمْلُوكًا فَاشْتَرَاهُ بَعْدَ شَهْرٍ وَقَالَ: تَغَيَّرَ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي مِثْلِهِ قَلِيلٌ فَتْحٌ، وَالْمُرَادُ التَّغَيُّرُ بِنُقْصَانِ بَعْضِ الصِّفَاتِ كَنَقْصِ الْحُسْنِ أَوْ الْقُوَّةِ، لَا بِعُرُوضِ عَيْبٍ؛ لِأَنَّ عُرُوضَهُ قَدْ يَكُونُ فِي أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ، وَبِهِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ. (قَوْلُهُ: لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الرُّؤْيَةِ) بِأَنْ قَالَ لَهُ الْبَائِعُ رَأَيْتَ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي مَا رَأَيْتُهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهُ رَأَيْتَ بَعْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ رَضِيت، فَقَالَ: رَضِيت قَبْلَ الرُّؤْيَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الرُّؤْيَةَ) أَيْ وَهِيَ أَمْرٌ عَارِضٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. وَبَقِيَ مَا لَوْ رَأَى النَّمُوذَجَ وَهَلَكَ ثُمَّ ادَّعَى مُخَالَفَتَهُ لِلْبَاقِي وَقَدَّمْنَا بَيَانَهُ. (قَوْلُهُ: فِي بَيْعٍ بَاتٍّ) كَذَا فِي النَّهْرِ وَالْفَتْحِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ اللَّازِمَ وَهُوَ مَا لَا خِيَارَ فِيهِ بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ، وَلِذَا قَالَ: ح: الظَّاهِرُ أَنَّ الرَّدَّ فِيهِ بِالْإِقَالَةِ. اهـ. فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ) أَيْ بَيْنَ مَا الْقَوْلُ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي وَمَا الْقَوْلُ فِيهِ لِلْبَائِعِ مِنْ الْخِيَارَاتِ الثَّلَاثِ، وَبَيَانُهُ مَا فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي الْخِيَارِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِفَسْخِهِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى رِضَا الْآخَرِ بَلْ عَلَى عِلْمِهِ وَإِذَا انْفَسَخَ يَكُونُ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمَقْبُوضِ وَالْقَوْلُ فِيهِ لِلْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا كَالْغَاصِبِ وَالْمُودَعِ، وَفِي الْعَيْبِ لَا يَنْفَرِدُ لَكِنَّهُ يَدَّعِي ثُبُوتَ حَقِّ الْفَسْخِ فِيمَا أَحْضَرَهُ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْمَرْدُودِ عِنْدَ الْفَسْخِ، أَمَّا لَوْ اخْتَلَفَا فِي تَعْيِينِ مَا فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ مِمَّنْ لَهُ الْخِيَارُ، فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَقَدَّمْنَا حَاصِلَهُ قُبَيْلَ هَذَا الْبَابِ. (قَوْلُهُ: اشْتَرَى عِدْلًا) بِكَسْرِ الْعَيْنِ هُوَ أَحَدُ فَرْدَتَيْ الْحِمْلِ. (قَوْلُهُ: مِنْ مَتَاعٍ) هُوَ مَا يُتَمَتَّعُ بِهِ مِنْ ثِيَابٍ وَنَحْوِهَا، وَهَذَا مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ الْمِثْلِيَّاتِ مِنْ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فِي الْمِثْلِيِّ أَيْضًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبُيُوعِ عِنْدَ قَوْلِهِ كُلُّ الْمَبِيعِ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَسَيَأْتِي حُكْمُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ فِي الْبَابِ الْآتِي عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ طَعَامًا فَأَكَلَهُ أَوْ بَعْضَهُ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَرَهُ) قَيَّدَ بِهِ لِيُمْكِنَ تَأَتِّي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فِيهِ وَلَا يُنَافِيهِ ذِكْرُ خِيَارِ الْعَيْبِ وَالشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَجْتَمِعَانِ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ. فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: أَوْ لَبِسَ) أَيْ حَتَّى تَغَيَّرَ كَافِي الْحَاكِمِ. قَالَ: الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَكَذَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ أَوْ هَلَكَ أَوْ كَانَ عَبْدًا فَمَاتَ أَوْ أَعْتَقَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة. اهـ. وَفِي الْحَاوِي: اشْتَرَى أَرْبَعَةَ بُرُودٍ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهَا سِتَّةَ عَشَرَ ذِرَاعًا فَبَاعَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ ذَرَعَ الْبَقِيَّةَ فَإِذَا هِيَ خَمْسَةَ عَشْرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 602 بَعْدَ الْقَبْضِ (أَوْ وَهَبَ وَسَلَّمَ رَدَّهُ بِخِيَارِ عَيْبٍ لَا) بِخِيَارِ (رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ) . الْأَصْلُ أَنَّ رَدَّ الْبَعْضِ يُوجِبُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ وَهُوَ بَعْدَ التَّمَامِ جَائِزٌ لَا قَبْلَهُ فَخِيَارُ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ يَمْنَعَانِ تَمَامَهَا، وَخِيَارُ الْعَيْبِ يَمْنَعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا بَعْدَهُ، وَهَلْ يَعُودُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بَعْدَ سُقُوطِهِ عَنْ الثَّانِي لَا كَخِيَارِ شَرْطٍ، وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ. [فُرُوعٌ] شَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَتُهُ بِالثَّمَنِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ. وَلَوْ تَبَايَعَا عَيْنًا بِعَيْنٍ فَلَهُمَا الْخِيَارُ مُجْتَبَى. شَرَى جَارِيَةً بِعَبْدٍ وَأَلْفٍ فَتَقَابَضَا ثُمَّ رَدَّ بَائِعِ الْجَارِيَةِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ فِي الْجَارِيَةِ بِحِصَّةِ الْأَلْفِ ظَهِيرِيَّةٌ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ فِي الدَّيْنِ. أَرَادَ بَيْعَ ضَيْعَةٍ وَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ رُؤْيَةٍ، فَالْحِيلَةُ أَنْ يُقِرَّ بِثَوْبٍ لِإِنْسَانٍ   [رد المحتار] فَلَهُ رَدُّ الْبَقِيَّةِ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْقَبْضِ) قَيَّدَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَغْنَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ بَاعَ؛ لِأَنَّ مَا لَمْ يُقْبَضْ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ نَهْرٌ: أَيْ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَوْ مَنْقُولًا، بِخِلَافِ الْعَقَارِ. وَأَفَادَ أَنَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخِيَارَاتِ الثَّلَاثِ فِي أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الْبَاقِيَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: رَدَّهُ) أَيْ الْبَاقِيَ مِنْ الْعِدْلِ. (قَوْلُهُ: الْأَصْلُ أَنَّ رَدَّ الْبَعْضِ) أَيْ بَعْضِ الْمَبِيعِ كَرَدِّ بَاقِي الْعِدْلِ وَرَدِّ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ فِيمَا لَوْ رَأَى أَحَدَهُمَا ثُمَّ رَأَى الْآخَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ الْمَارَّةِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: يُوجِبُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ) أَيْ تَفْرِيقَ الْعَقْدِ، بِأَنْ يُوجِبَ الْمِلْكَ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ دُونَ الْبَعْضِ، وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْبُيُوعِ مَا يُوجِبُ تَفْرِيقَهَا وَعَدَمَهُ، وَسُمِّيَ الْعَقْدُ صَفْقَةً لِلْعَادَةِ فِي أَنَّ أَحَدَ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَصْفِقُ كَفَّهُ فِي كَفِّ الْآخَرِ. (قَوْلُهُ: يَمْنَعَانِ تَمَامَهَا) فَإِنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ مَانِعٌ مِنْ التَّمَامِ، أَمَّا خِيَارُ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ مَانِعٌ ابْتِدَاءً لَكِنْ مَا يَمْنَعُ الِابْتِدَاءَ يَمْنَعُ التَّمَامَ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ الْفَسْخَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا فَيَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الرِّضَا قَبْلَهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِصِفَاتِ الْمَبِيعِ وَلِذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقُضَاةِ أَوْ الرِّضَا كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَخِيَارُ الْعَيْبِ يَمْنَعُهُ) أَيْ يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلِذَا يُفْسَخُ بِقَوْلِهِ رَدَدْتُ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى رِضَا الْبَائِعِ وَلَا إلَى الْقَضَاءِ، وَلَا يَمْنَعُهُ بَعْدَهُ وَلِذَا لَوْ رَدَّهُ بَعْدَهُ لَا يَنْفَسِخُ إلَّا بِرِضَا الْبَائِعِ أَوْ بِحُكْمٍ. (قَوْلُهُ: وَهَلْ يَعُودُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ عَادَ الثَّوْبُ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ الْعِدْلِ أَوْ وَهَبَهُ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ مَحْضٌ كَالرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ الشَّرْطِ أَوْ الْعَيْبِ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ، فَهُوَ أَيْ مُشْتَرِي الْعِدْلِ عَلَى خِيَارِهِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْكُلَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِارْتِفَاعِ الْمَانِعِ مِنْ الْأَصْلِ وَهُوَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، كَمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَعُودُ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ، وَعَلَيْهِ اعْتِمَادُ الْقُدُورِيِّ، وَحَقِيقَةُ الْمَلْحَظِ مُخْتَلِفَةٌ فَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَحَظَ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ مَانِعًا زَالَ فَيَعْمَلُ الْمُقْتَضِي وَهُوَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عَمَلَهُ، وَلَحَظَهُ الثَّانِي مُسْقِطًا فَلَا يَعُودُ بِلَا سَبَبٍ، وَهَذَا أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ التَّصَرُّفِ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَيُبْطِلُ الْخِيَارَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَبَعْدَهَا فَتْحٌ. وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْجَهُ، وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ. [فُرُوعٌ شَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ] (قَوْلُهُ: لَيْسَ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَتُهُ بِالثَّمَنِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ) لِعَدَمِ تَمَامِ الْعَقْدِ قَبْلَهَا. . (قَوْلُهُ: فَلَهُمَا الْخِيَارُ) أَيْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُشْتَرٍ لِلْعَيْنِ الَّتِي بَاعَهَا الْآخَرُ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ فِي الْجَارِيَةِ بِحِصَّةِ الْأَلْفِ) أَيْ بَلْ يَبْطُلُ بِحِصَّةِ الْعَبْدِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ خَمْسَمِائَةٍ مَثَلًا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي ثُلُثِ الْجَارِيَةِ وَبَقِيَ فِي حِصَّةِ الْأَلْفِ وَهِيَ الثُّلُثَانِ مِنْهَا. (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ فِي الدَّيْنِ) أَيْ مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ فِي قَوْلِهِ فَلَيْسَ فِي دُيُونٍ وَنُقُودٍ إلَخْ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ فِي الْأَلْفِ يَبْقَى الْبَيْعُ لَازِمًا مِنْ الْجَارِيَةِ بِقَدْرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 603 ثُمَّ يَبِيعَ الثَّوْبَ مَعَ الضَّيْعَةِ، ثُمَّ الْمُقَرُّ لَهُ يَسْتَحِقُّ الثَّوْبَ الْمُقِرَّ بِهِ فَيَبْطُلُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي لِلُزُومِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الشُّفْعَةِ وَالْوَالِجِيَّةُ. شَرَى شَيْئَيْنِ وَبِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ، إنْ قَبَضَهُمَا لَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ وَإِلَّا لَا لِمَا مَرَّ.   [رد المحتار] الْأَلْفِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَبِيعَ الثَّوْبَ مَعَ الضَّيْعَةِ) أَيْ وَيُسَلِّمَهُمَا لِلْمُشْتَرِي لِتَتِمَّ الصَّفْقَةُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْمُقَرُّ لَهُ يَسْتَحِقُّ الثَّوْبَ) أَيْ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْمَقُولَةِ، أَمَّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ عَدَمِهِ فَلَا يَحِلُّ ذَلِكَ دِيَانَةً فَالْأَظْهَرُ فِي الْحِيلَةِ أَنْ يَبِيعَ الثَّوْبَ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ يَبِيعَهُ مِنْ الضَّيْعَةِ. تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِلُزُومِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ) لِأَنَّهُ لَمَّا قَبَضَ الثَّوْبَ وَالضَّيْعَةَ. تَمَّتْ الصَّفْقَةُ، وَتَفْرِيقُهَا بَعْدَ التَّمَامِ لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبَضَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا لَهُ الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِهَا قَبْلَ التَّمَامِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي الدُّرَرِ مِنْ فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ: وَلَا يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْعَيْبِ هُنَا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الثَّوْبِ لَا يُورِثُ عَيْبًا فِي الضَّيْعَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ شَيْئًا وَاحِدًا مِمَّا فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ كَالدَّارِ وَالْعَبْدِ فَإِنَّهُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ رَضِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ شَيْئَيْنِ، وَفِي الْحُكْمِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَاسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا كَالسَّيْفِ بِالْغِمْدِ وَالْقَوْسِ بِالْوَتَرِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي الشُّفْعَةِ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ لَوْ أَرَادَ أَخْذَ بَعْضِ الْمَبِيعِ وَتَرْكَ الْبَاقِي لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ جَبْرًا عَلَى الْمُشْتَرِي لِضَرَرِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ دَارَيْنِ فِي مِصْرَيْنِ بِيعَتَا صَفْقَةً وَاحِدَةً لَيْسَ لِشَفِيعِهِمَا أَخْذُ إحْدَاهُمَا فَقَطْ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ، قِيلَ: وَبِهِ يُفْتَى. أَمَّا لَوْ كَانَ شَفِيعًا لِإِحْدَاهُمَا لَهُ أَخْذُهَا وَحْدَهَا إحْيَاءً لِحَقِّهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -. فَفِي الْفَرْعِ الْأَخِيرِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ فِي آخِرِ الشُّفْعَةِ: لَوْ كَانَتْ دَارُ الشَّفِيعِ مُلَاصِقَةً لِبَعْضِ الْمَبِيعِ كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ فِيمَا لَاصَقَهُ فَقَطْ وَلَوْ فِيهِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ. اهـ. فَالْمُرَادُ بِبَعْضِ الْمَبِيعِ إحْدَى الدَّارَيْنِ كَمَا قَيَّدَهُ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ وَغَيْرُهُ، بِخِلَافِ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ وَالْعِلَّةُ مَا ذَكَرْنَا، فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: شَرَى شَيْئَيْنِ) أَيْ قِيَمِيَّيْنِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ سَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا فِي الْبَابِ الْآتِي. (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ قَرِيبًا مِنْ أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا بَعْدَهُ. وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 604 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَابٌ خِيَارُ الْعَيْبِ هُوَ لُغَةً مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ.   [رد المحتار] [بَابٌ خِيَارُ الْعَيْبِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ تَقَدَّمَ وَجْهُ تَرْتِيبِ الْخِيَارَاتِ، وَالْإِضَافَةُ فِيهِ مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ، وَالْعَيْبُ وَالْعَيْبَةُ وَالْعَابُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، يُقَالُ عَابَ الْمَتَاعُ: أَيْ صَارَ ذَا عَيْبٍ وَعَابَهُ زَيْدٌ يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى فَهُوَ مَعِيبٌ وَمَعْيُوبٌ أَيْضًا عَلَى الْأَصْلِ ` اهـ فَتْحٌ. ثُمَّ إنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ يَثْبُتُ بِلَا شَرْطٍ، وَلَا يَتَوَقَّتُ، وَلَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي، وَيُورَثُ، وَيَثْبُتُ فِي الشِّرَاءِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَفِي الْإِجَارَةِ وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَفِي الْقِسْمَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ الْمَالِ وَبَسْطُ ذَلِكَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ) زَادَ فِي الْفَتْحِ مِمَّا يُعَدُّ بِهِ نَاقِصًا. اهـ أَيْ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَنْقُصُهُ لَا يُعَدُّ عَيْبًا. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَالْفِطْرَةُ الْخِلْقَةُ الَّتِي هِيَ أَسَاسُ الْأَصْلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْحِنْطَةَ وَأَشَارَ إلَيْهَا فَوَجَدَهَا الْمُشْتَرِي رَدِيئَةً لَمْ يَكُنْ عَلِمَهَا لَيْسَ لَهُ خِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ تُخْلَقُ جَيِّدَةً الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3 وَشَرْعًا مَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ   [رد المحتار] وَرَدِيئَةً وَوَسَطًا، وَالْعَيْبُ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ عَنْ الْآفَاتِ الْعَارِضَةِ لَهَا، فَالْحِنْطَةُ الْمُصَابَةُ بِهَوَاءٍ مَنَعَهَا تَمَامَ بُلُوغِهَا الْإِدْرَاكَ حَتَّى صَارَتْ رَقِيقَةَ الْحَبِّ مَعِيبَةً كَالْعَفَنِ وَالْبَلَلِ وَالسُّوسِ. اهـ قُلْت: وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَا يُرَدُّ الْبُرُّ بِرَدَاءَتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَيْبٍ وَيُرَدُّ الْمُسَوِّسُ وَالْعَفِنُ، وَكَذَا لَا يُرَدُّ إنَاءُ فِضَّةٍ بِرَدَاءَتِهِ بِلَا غِشٍّ، وَكَذَا الْأَمَةُ لَا تُرَدُّ بِقُبْحِ الْوَجْهِ وَسَوَادِهِ، وَلَوْ كَانَتْ مُحْتَرِقَةَ الْوَجْهِ لَا يَسْتَبِينُ لَهَا قُبْحٌ وَلَا جَمَالٌ فَلَهُ رَدُّهَا. اهـ وَفِيهِ وَاقِعَةٌ، شَرَى فَرَسًا فَوَجَدَهُ كَبِيرَ السِّنِّ، قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ الرَّدُّ إلَّا إذَا شَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ صَغِيرُ السِّنِّ، لِمَا مَرَّ مِنْ مَسْأَلَةِ حِمَارٍ وَجَدَهُ بَطِيءَ السَّيْرِ. اهـ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا مَا أَفَادَهُ إلَخْ) أَيْ الْمُرَادُ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ بِالْعَيْبِ الَّذِي يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ مَا يَنْقُصُ الثَّمَنَ أَيْ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، قَالَ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِتَضَرُّرِ الْمُشْتَرِي وَمَا يُوجِبُ نُقْصَانَ الثَّمَنِ يُتَضَرَّرُ بِهِ. اهـ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ: وَمَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ؛ لِأَنَّ التَّضَرُّرَ بِنُقْصَانِ الْمَالِيَّةِ وَذَلِكَ بِانْتِقَاصِ الْقِيمَةِ. اهـ وَمُفَادُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّمَنِ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ قَدْ يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ بِحَيْثُ لَا يُؤَدِّي نُقْصَانُهَا بِالْعَيْبِ إلَى نُقْصَانِ الثَّمَنِ بِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّمَنَ لَمَّا كَانَ فِي الْغَالِبِ مُسَاوِيًا لِلْقِيمَةِ عَبَّرُوا بِهِ تَأَمَّلْ. وَالضَّابِطُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ الْمُنْقِصُ لِلْقِيمَةِ أَوْ مَا يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ فِي أَمْثَالِ الْمَبِيعِ عَدَمَهُ، فَأَخْرَجُوا بِفَوَاتِ الْغَرَضِ الصَّحِيحِ مَا لَوْ بَانَ فَوَاتُ قِطْعَةٍ يَسِيرَةٍ مِنْ فَخِذِهِ أَوْ سَاقِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قُطِعَ مِنْ أُذُنِ الشَّاةِ مَا يَمْنَعُ التَّضْحِيَةَ فَلَهُ رَدُّهَا، وَبِالْغَالِبِ مَا لَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ ثَيِّبًا مَعَ أَنَّ الثِّيَابَةَ تَنْقُصُ الْقِيمَةَ لَكِنَّهُ لَيْسَ الْغَالِبُ عَدَمَ الثِّيَابَةَ. اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ لِلْمُتَأَمِّلِ. اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ: وَجَدَ الشَّاةَ مَقْطُوعَةَ الْأُذُنِ إنْ اشْتَرَاهَا لِلْأُضْحِيَّةِ لَهُ الرَّدُّ، وَكَذَا كُلُّ مَا يَمْنَعُ التَّضْحِيَةَ وَإِنْ لِغَيْرِهَا فَلَا مَا لَمْ يَعُدَّهُ النَّاسُ عَيْبًا، وَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِلْأُضْحِيَّةِ لَوْ فِي زَمَانِهَا وَكَانَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُضَحِّيَ. اهـ. وَكَذَا مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: اشْتَرَى شَجَرَةً لِيَتَّخِذَ مِنْهَا الْبَابَ فَوَجَدَهَا بَعْدَ الْقَطْعِ لَا تَصْلُحُ لِذَلِكَ رَجَعَ بِالنَّقْصِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الْبَائِعُ الشَّجَرَةَ كَمَا هِيَ اهـ فَقَدْ اُعْتُبِرَ عَدَمُ غَرَضِ الْمُشْتَرِي عَيْبًا مُوجِبًا لِلرَّدِّ وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنَّقْصِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ. وَفِيهَا أَيْضًا: اشْتَرَى ثَوْبًا أَوْ خُفًّا أَوْ قَلَنْسُوَةً فَوَجَدَهُ صَغِيرًا لَهُ الرَّدُّ. اهـ أَيْ لَا يَصْلُحُ لِغَرَضِهِ: وَفِيهَا: لَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ بَطِيئَةَ السَّيْرِ لَا يَرُدُّ إلَّا إذَا شَرَطَ أَنَّهَا عَجُولٌ. اهـ أَيْ؛ لِأَنَّ بُطْءَ السَّيْرِ لَيْسَ الْغَالِبُ عَدَمَهُ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْبُطْءِ وَالْعَجَلَةِ يَكُونُ فِي أَصْلِ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ. وَفِيهَا: اشْتَرَى دَابَّةً فَوَجَدَهَا كَبِيرَةَ السِّنِّ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ إلَّا إذَا شَرَطَ صِغَرَهَا وَسَيَأْتِي أَنَّ الثُّيُوبَةَ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ إلَّا إذَا شَرَطَ عَدَمَهَا أَيْ فَلَهُ الرَّدُّ لِفَقْدِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ، وَبِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفُرُوعِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ فِي ضَابِطِ الْعَيْبِ مَا يَنْقُصُ الثَّمَنَ عِنْدَ التُّجَّارِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ جَامِعٍ وَغَيْرُ مَانِعٍ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ مَسْأَلَةَ الشَّجَرَةِ وَالثَّوْبِ وَالْخُفِّ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَشَاةِ الْأُضْحِيَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ لِهَذَا الْمُشْتَرِي يَصْلُحُ لِغَيْرِهِ فَلَا يَنْقُصُ الثَّمَنُ مُطْلَقًا. وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ مَسْأَلَةُ الدَّابَّةِ وَالْأَمَةِ الثَّيِّبِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْقُصُ الثَّمَنَ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4 (مَنْ وَجَدَ بِمَشْرِيِّهِ مَا يَنْقُصُ الثَّمَنَ) وَلَوْ يَسِيرًا جَوْهَرَةٌ (عِنْدَ التُّجَّارِ) الْمُرَادُ أَرْبَابُ الْمَعْرِفَةِ بِكُلِّ تِجَارَةٍ وَصَنْعَةٍ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ رَدَّهُ)   [رد المحتار] عَيْبٍ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الضَّابِطِ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا حَصْرَ الْعَيْبِ فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ، وَمَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ عِنْدَ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ، فَإِنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى عَيْبًا، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ، لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا: رَجُلٌ بَاعَ سُكْنَى لَهُ فِي حَانُوتٍ لِغَيْرِهِ فَأَخْبَرَ الْمُشْتَرِي أَنَّ أُجْرَةَ الْحَانُوتِ كَذَا فَظَهَرَ أَنَّهَا أَكْثَرُ قَالُوا لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ بِهَذَا السَّبَبِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ. اهـ قُلْت: الْمُرَادُ بِالسُّكْنَى مَا يَبْنِيهِ الْمُسْتَأْجِرُ فِي الْحَانُوتِ وَيُسَمَّى فِي زَمَانِنَا بِالْكَدَكِ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبُيُوعِ، لَكِنَّهُ الْيَوْمَ تَخْتَلِفُ قِيمَتُهُ بِكَثْرَةِ أُجْرَةِ الْحَانُوتِ وَقِلَّتِهَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَيْبًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ مَنْ وَجَدَ بِمَشْرِيِّهِ إلَخْ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ بِهِ عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَحْرٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَبْلَهُ وَزَالَ ثُمَّ عَادَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي؛ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ كَانَ بِهِ عَرَجٌ فَبَرِئَ بِمُعَالَجَةِ الْبَائِعِ ثُمَّ عَادَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا يَرُدُّهُ، وَقِيلَ يَرُدُّهُ إنْ عَادَ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ. [تَنْبِيهٌ] لَا بُدَّ فِي الْعَيْبِ أَنْ لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ إزَالَتِهِ بِلَا مَشَقَّةٍ فَخَرَجَ إحْرَامُ الْجَارِيَةِ، وَنَجَاسَةُ ثَوْبٍ لَا يَنْقُصُ بِالْغَسْلِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ تَحْلِيلِهَا وَغَسْلِهِ، وَأَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْهُ خَاصًّا أَوْ عَامًّا وَلَمْ يَزُلْ قَبْلَ الْفَسْخِ كَبَيَاضٍ انْجَلَى وَحُمَّى زَالَتْ نَهْرٌ، فَالْقُيُودُ خَمْسَةٌ، وَجَعَلَهَا فِي الْبَحْرِ سِتَّةً فَقَالَ: الثَّانِي أَنْ لَا يَعْلَمَ بِهِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْبَيْعِ. الثَّالِثُ أَنْ لَا يَعْلَمَ بِهِ عِنْدَ الْقَبْضِ وَهِيَ فِي الْهِدَايَةِ اهـ لَكِنْ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مُجَرَّدَ الرُّؤْيَةِ رِضًا وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ. اهـ وَكَذَا قَوْلُ الْمَجْمَعِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ. اهـ قُلْت: صَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ قَبْضَ الْمَبِيعِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ رِضًا بِالْعَيْبِ، فَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْمَجْمَعِ لَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ عَنْ الْهِدَايَةِ،؛ لِأَنَّ ذَاكَ جَعَلَ نَفْسَ الْقَبْضِ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ رِضًا وَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ صَادِقٌ عَلَيْهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ قَالَ: وَالْمُرَادُ بِهِ عَيْبٌ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ، فَقَوْلُهُ: وَقَبَضَهُ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَبَضَهُ عَالِمًا بِالْعَيْبِ كَانَ قَبْضُهُ رِضًا، فَقَوْلُهُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي إلَخْ أَعَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ، أَوْ أَرَادَ بِهِ مَا لَوْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ. [تَتِمَّةٌ] فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَيْبٌ ثُمَّ عَلِمَ يَنْظُرُ، إنْ كَانَ عَيْبًا بَيِّنًا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاسِ كَالْغُدَّةِ وَنَحْوِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ، وَإِنْ خَفِيَ فَلَهُ الرَّدُّ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ. اهـ وَفِي الْخَانِيَّةِ: إنْ اخْتَلَفَ التُّجَّارُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ عَيْبٌ وَبَعْضُهُمْ لَا لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَيْبًا بَيِّنًا عِنْدَ الْكُلِّ. اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ يَسِيرًا) فِي الْبَزَّازِيَّةِ الْيَسِيرُ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يُقَوَّمَ سَلِيمًا بِأَلْفٍ وَمَعَ الْعَيْبِ بِأَقَلَّ، وَقَوَّمَهُ آخَرُ مَعَ الْعَيْبِ بِأَلْفٍ أَيْضًا. وَالْفَاحِشُ مَا لَوْ قُوِّمَ سَلِيمًا بِأَلْفٍ وَكُلٌّ قَوَّمُوهُ مَعَ الْعَيْبِ بِأَقَلَّ. اهـ (قَوْلُهُ بِكُلِّ تِجَارَةٍ) الْأَوْلَى مِنْ كُلِّ تِجَارَةٍ. قَالَ ح: يَعْنِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ تِجَارَةٍ أَهْلُهَا وَفِي كُلِّ صَنْعَةٍ أَهْلُهَا (قَوْلُهُ أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ رَدَّهُ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا رَدَّهُ فَوْرًا أَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ. وَنَقَلَ ابْنُ الشِّحْنَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ إمْسَاكُهُ كَحَلَالَيْنِ أَحْرَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا. وَفِي الْمُحِيطِ: وَصِيٌّ أَوْ وَكِيلٌ أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ شَرَى شَيْئًا بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُ ثَلَاثُ آلَافٍ لَمْ يَرُدَّهُ بِعَيْبٍ لِلْإِضْرَارِ بِيَتِيمٍ وَمُوَكِّلٍ وَمَوْلًى، بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ أَشْبَاهٌ. وَفِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ كَوَارِثٍ اشْتَرَى مِنْ التَّرِكَةِ كَفَنًا وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا، وَلَوْ تَبَرَّعَ بِالْكَفَنِ أَجْنَبِيٌّ لَا يَرْجِعُ،   [رد المحتار] عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَوْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَالَ أَبْطَلْت الْبَيْعَ بَطَلَ لَوْ بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ وَلَوْ فِي غَيْبَتِهِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا. اهـ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ رَدَّهُ بَعْدَ قَبْضِهِ لَا يَنْفَسِخُ إلَّا بِرِضَا الْبَائِعِ أَوْ بِحُكْمٍ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَقَوْلُهُ إلَّا بِرِضَا الْبَائِعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ الرِّضَا بِالْفِعْلِ كَتَسَلُّمِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي حِينَ طَلَبِهِ الرَّدَّ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمُقَرَّرِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الرِّضَا يَثْبُتُ تَارَةً بِالْقَوْلِ وَتَارَةً بِالْفِعْلِ؛ وَقَدَّمَ فِي بَيْعِ التَّعَاطِي: لَوْ رَدَّهَا بِخِيَارِ عَيْبٍ، وَالْبَائِعُ مُتَيَقِّنٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ فَأَخَذَهَا وَرَضِيَ فَهِيَ بَيْعٌ بِالتَّعَاطِي كَمَا فِي الْفَتْحِ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْمَعْنَى يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ. اهـ. وَأَمَّا مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ أَنَّهُ إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ يَرُدُّ الْمَبِيعَ إلَى مَنْزِلِ الْبَائِعِ وَيَقُولُ دُونَكَ دَابَّتَك لَا أُرِيدُهَا فَلَيْسَ بِرَدٍّ، وَتَهْلِكُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَوْ تَعَهَّدَهَا الْبَائِعُ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ بَيْنَهُمَا فَسْخٌ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ إمْسَاكُهُ) قَيْدٌ لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالرَّدِّ، فَإِذَا وُجِدَ مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ تَعَيَّنَ الْأَخْذُ، لَكِنْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ، وَفِي بَعْضِهَا لَا يَرْجِعُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا، وَكَذَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: حَدَثَ عَيْبٌ آخَرُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ. وَمِمَّا يَمْنَعُ الرَّدَّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ: اشْتَرَى مِنْ آخَرَ عَبْدًا وَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ فَرَأَى عَيْبًا كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ لَمْ يَرُدَّهُ عَلَى الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ، إذْ لَوْ رَدَّهُ يَرُدُّهُ الْآخَرُ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمِلْكَ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْ جِهَتِهِ. اهـ، وَلَوْ وَهَبَهُ الْبَائِعُ الثَّمَنَ ثُمَّ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا، قِيلَ: لَا يَرُدُّ، وَقِيلَ: يَرُدُّ، وَلَوْ قَبْلَ الْقَبْضِ يَرُدُّهُ اتِّفَاقًا خَانِيَّةٌ، ثُمَّ جَزَمَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي، وَجَزَمَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِالْأَوَّلِ. وَمِنْ ذَلِكَ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ اشْتَرَيَا جَارِيَةً فَوَجَدَا بِهَا عَيْبًا فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ رَدُّهَا عِنْدَهُ وَلَهُ رَدُّ حِصَّتِهِ عِنْدَهُمَا. (قَوْلُهُ كَحَلَالَيْنِ أَحْرَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى أَحَدُ الْحَلَّالَيْنِ مِنْ الْآخَرِ صَيْدًا ثُمَّ أَحْرَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا اُمْتُنِعَ رَدُّهُ وَرَجَعَ بِالنُّقْصَانِ. اهـ ح عَنْ الْبَحْرِ، فَالْمُرَادُ بِتَعَيُّنِ إمْسَاكِهِ عَدَمُ رَدِّهِ عَلَى الْبَائِعِ، فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ إرْسَالِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْحَجِّ (قَوْلُهُ وَقِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الزِّيَادَةِ الَّتِي تَرْكُهَا يَكُونُ مُضِرًّا. اهـ ط (قَوْلُهُ الْإِضْرَارُ إلَخْ) قُلْت: قَدْ يَكُونُ الْعَيْبُ مَرَضًا يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ فَيَجِبُ أَنْ يُسْتَثْنَى مَقْدِسِيٌّ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا قِيمَتُهُ زَائِدَةٌ عَلَى ثَمَنِهِ مَعَ وُجُودِ ذَلِكَ الْعَيْبِ فِيهِ، وَمِثْلُهُ لَا يَكُونُ عَيْبُهُ مُفْضِيًا إلَى الْهَلَاكِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ) أَيْ حَيْثُ يَكُونُ لَهُمْ الرَّدُّ لِعَدَمِ تَمَامِ الصَّفْقَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ) عِبَارَةُ النَّهْرِ وَفِي مَهْرِ فَتْحِ الْقَدِيرِ: لَوْ اشْتَرَى الذِّمِّيُّ خَمْرًا وَقَبَضَهَا وَبِهَا عَيْبٌ ثُمَّ أَسْلَمَ سَقَطَ خِيَارُ الرَّدِّ. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ: وَصِيٌّ أَوْ وَكِيلٌ إلَخْ ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. اهـ أَيْ مَسْأَلَةِ مَهْرِ الْفَتْحِ وَمَسْأَلَةِ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ كَوَارِثٍ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ وَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ اشْتَرَى مِنْ التَّرِكَةِ) أَيْ بِثَمَنٍ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ لَا يَرْجِعُ) أَيْ الْأَجْنَبِيُّ عَلَى بَائِعِهِ قَالَ فِي السِّرَاجِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَى الثَّوْبَ مَلَكَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 وَهَذِهِ إحْدَى سِتِّ مَسَائِلَ لَا رُجُوعَ فِيهَا بِالنُّقْصَانِ مَذْكُورَةٌ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَذَكَرْنَا فِي شَرْحِنَا لِلْمُلْتَقَى مَعْزِيًّا لِلْقُنْيَةِ أَنَّهُ قَدْ يُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَلَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ (كَالْإِبَاقِ) إذَا أَبَقَ مِنْ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ فِي الْبَلْدَةِ   [رد المحتار] وَبِالتَّكْفِينِ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ. وَزَوَالُ الْمِلْكِ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ يُسْقِطُ الْأَرْشَ. وَأَمَّا مَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ مِقْدَارَ الْكَفَنِ لَا يَمْلِكُهُ الْوَارِثُ مِنْ التَّرِكَةِ، فَإِذَا اشْتَرَاهُ وَكَفَّنَ بِهِ لَمْ يَنْتَقِلْ بِالتَّكْفِينِ عَنْ الْمِلْكِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ، وَقَدْ تَعَذَّرَ فِيهِ الرَّدُّ فَرَجَعَ بِالْأَرْشِ. اهـ وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ إحْدَى سِتِّ مَسَائِلَ إلَخْ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ صَاحِبَ النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ: لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فِي مَسَائِلَ، ثُمَّ نَقَلَ سِتَّ مَسَائِلَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ لَيْسَ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ لَوْ بَاعَ الْوَارِثُ مِنْ مُوَرِّثِهِ فَمَاتَ الْمُشْتَرِي وَوَرِثَهُ الْبَائِعُ وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا رُدَّ إلَى الْوَارِثِ الْآخَرِ إنْ كَانَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَاهُ لَا يَرُدُّهُ وَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فَافْهَمْ. وَزَادَ فِي الْبَحْرِ مَسْأَلَةً أُخْرَى عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ اشْتَرَى الْمَوْلَى مِنْ مُكَاتَبِهِ فَوَجَدَ عَيْبًا لَا يَرُدُّ وَلَا يَرْجِعُ وَلَا يُخَاصِمُ بَائِعَهُ لِكَوْنِهِ عَبْدَهُ. اهـ وَسَيَأْتِي مَسَائِلُ أُخَرُ فِي الشَّرْحِ وَالْمَتْنِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ حَدَثَ عَيْبٌ آخَرُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ إلَخْ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مَسْأَلَةً أُخْرَى عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ خَرَقَ ثَوْبًا، وَهِيَ مَا لَوْ شَرَى حِيَاصَةَ فِضَّةٍ مُمَوَّهَةً بِالذَّهَبِ بِوَزْنِهَا فِضَّةً فَزَالَ تَمْوِيهُهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَلَا رُجُوعَ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ لِتَعَيُّبِهَا بِزَوَالِ التَّمْوِيهِ وَلَا بِالنُّقْصَانِ لِلُزُومِ الرِّبَا. وَمِنْهَا مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: كُلُّ تَصَرُّفٍ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَالرُّجُوعَ بِالنَّقْصِ (قَوْلُهُ مَعْزِيًّا لِلْقُنْيَةِ) قَالَ فِيهَا: وَفِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: بَاعَ عَبْدًا وَسَلَّمَهُ وَوَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ ثَمَنِهِ فَقَالَ الْوَكِيلُ: قَبَضْته فَضَاعَ أَوْ دَفَعْته إلَى الْآمِرِ وَجَحَدَ الْآمِرُ كُلَّهُ فَالْقَوْلُ لِلْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ وَبَرِئَ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ، فَلَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا وَرَدَّهُ لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْقَبْضِ فِي زَعْمِهِ، لَا عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا عَقْدَ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا هُوَ أَمِينٌ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا يُصَدَّقُ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ، قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَعُرِفَ بِهِ أَنَّهُ إذَا صَدَّقَ الْآمِرُ الْوَكِيلَ فِي الدَّفْعِ إلَيْهِ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِالثَّمَنِ عَلَى الْآمِرِ دُونَ الْقَابِضِ. اهـ ح (قَوْلُهُ كَالْإِبَاقِ) بِالْكَسْرِ اسْمٌ، يُقَالُ أَبِقَ أَبَقًا مِنْ بَابِ تَعِبَ وَقَتَلَ وَضَرَبَ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الثَّعَالِبِيِّ: الْآبِقُ الْهَارِبُ مِنْ غَيْرِ ظُلْمِ السَّيِّدِ، فَلَوْ مِنْ ظُلْمِهِ سُمِّيَ هَارِبًا فَعَلَى هَذَا: الْإِبَاقُ عَيْبٌ لَا الْهَرَبُ، أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا لَوْ كَانَ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ مِنْ مُودَعِهِ أَوْ الْمُسْتَعِيرِ مِنْهُ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ، وَمَا إذَا كَانَ مَسِيرَةَ سَفَرٍ أَوْ لَا، خَرَجَ مِنْ الْبَلْدَةِ أَوْ لَا. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْأَشْبَهُ أَنَّ الْبَلْدَةَ لَوْ كَبِيرَةً كَالْقَاهِرَةِ كَانَ عَيْبًا وَإِلَّا لَا بِأَنْ كَانَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَهْلُهَا أَوْ بُيُوتُهَا فَلَا يَكُونُ عَيْبًا نَهْرٌ، وَيَأْتِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَكَرُّرِهِ بِأَنْ يُوجَدَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَعِنْدَ الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَبِقَ مِنْ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ) وَكَذَا لَوْ أَبِقَ مِنْ الْغَاصِبِ إلَى الْمَوْلَى أَوْ إلَى غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ بَيْتَ الْمَالِكِ، أَوْ لَمْ يَقْوَ عَلَى الرُّجُوعِ. إلَيْهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فِي الْبَلْدَةِ) قَيَّدَ بِهِ لِمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: لَوْ أَبَقَ مِنْ قَرْيَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 وَلَمْ يَخْتَفِ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ. وَاخْتُلِفَ فِي الثَّوْرِ، وَالْأَحْسَنُ أَنَّهُ عَيْبٌ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ قَبْلَ عَوْدِهِ مِنْ الْإِبَاقِ ابْنُ مَلَكٍ قُنْيَةٌ (وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ وَالسَّرِقَةِ) إلَّا إذَا سَرَقَ شَيْئًا لِلْأَكْلِ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ يَسِيرًا كَفَلْسٍ أَوْ فَلْسَيْنِ؛ وَلَوْ سَرَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَيْضًا فَقُطِعَ رَجَعَ بِرُبُعِ الثَّمَنِ لِقَطْعِهِ بِالسَّرِقَتَيْنِ جَمِيعًا؛ وَلَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ رَجَعَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ ثَمَنِهِ عَيْنِيٌّ (وَكُلُّهَا تَخْتَلِفُ صِغَرًا) أَيْ مِنْ التَّمْيِيزِ وَقَدَّرُوهُ بِخَمْسِ سِنِينَ، أَوْ أَنْ يَأْكُلَ وَيَلْبَسَ وَحْدَهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ فَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَلْبَسْ وَحْدَهُ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا ابْنُ مَلَكٍ (وَكِبَرًا) ؛ لِأَنَّهَا فِي الصِّغَرِ   [رد المحتار] الْمُشْتَرِي إلَى قَرْيَةِ الْبَائِعِ يَكُونُ عَيْبًا. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَخْتَفِ) فَلَوْ اخْتَفَى عِنْدَ الْبَائِعِ يَكُونُ عَيْبًا؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ التَّمَرُّدِ (قَوْلُهُ وَالْأَحْسَنُ أَنَّهُ عَيْبٌ) وَقِيلَ لَا مُطْلَقًا، وَقِيلَ إنْ دَامَ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ فَعَيْبٌ لَا لَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ غَيْرَ الثَّوْرِ مِنْ الْبَهَائِمِ كَالثَّوْرِ ط (قَوْلُهُ قَبْلَ عَوْدِهِ مِنْ الْإِبَاقِ) وَمِثْلُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، فَإِنْ مَاتَ آبِقًا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ، وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُشْتَرِي فِيمَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ بَحْرٌ. وَيَرُدُّهُ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ زَادَتْ قِيمَتُهُ أَوْ نَقَصَتْ، أَوْ فِي مَوْضِعِ التَّسْلِيمِ لَوْ اخْتَلَفَ عَنْ مَوْضِعِ الْعَقْدِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ ابْنُ مَلَكٍ قُنْيَةٌ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَقُنْيَةٌ بِزِيَادَةِ وَاوِ الْعَطْفِ وَهِيَ أَحْسَنُ، وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا فِي الْبَحْرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ وَالسَّرِقَةُ) سَوَاءٌ أَوْجَبَتْ قَطْعًا أَوْ لَا كَالنَّبَّاشِ وَالطَّرَّارِ وَأَسْبَابُهَا فِي حُكْمِهَا، كَمَا إذَا نَقَبَ الْبَيْتَ، وَإِطْلَاقُهُمْ يَعُمُّ الْكُبْرَى كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ ح عَنْ النَّهْرِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا سَرَقَ شَيْئًا لِلْأَكْلِ مِنْ الْمَوْلَى) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَيْبًا، بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقَ لِيَمْنَعَهُ أَوْ سَرَقَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَوْلَى لِيَأْكُلَهُ فَإِنَّهُ عَيْبٌ فِيهِمَا بَحْرٌ فَافْهَمْ، وَظَاهِرُهُ قَصْرُ ذَلِكَ عَلَى الْمَأْكُولِ، وَيُفِيدُهُ قَوْلُ الْبَزَّازِيَّةِ: وَسَرِقَةُ النَّقْدِ مُطْلَقًا عَيْبٌ وَسَرِقَةُ الْمَأْكُولَاتِ لِلْأَكْلِ مِنْ الْمَوْلَى لَا يَكُونُ عَيْبًا. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْ الْمَوْلَى زِيَادَةً عَلَى مَا يَأْكُلُهُ عُرْفًا يَكُونُ عَيْبًا (قَوْلُهُ أَوْ يَسِيرًا كَفَلْسٍ أَوْ فَلْسَيْنِ) جَزَمَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهَا قُوَيْلَةٌ وَأَنَّ الْمَذْهَبَ الْإِطْلَاقُ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ فِيهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَرَقَ إلَخْ) سَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَوَاخِرَ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قُتِلَ الْمَقْبُوضُ أَوْ قُطِعَ إلَخْ، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ أَيْضًا) أَيْ بَعْدَمَا سَرَقَ عِنْدَ الْبَائِعِ (قَوْلُهُ رَجَعَ بِرُبُعِ الثَّمَنِ) سَوَاءٌ كَانَتْ السَّرِقَةُ مُتَكَرِّرَةً عِنْدَهُمَا، أَوْ اتَّحَدَتْ عِنْدَ أَحَدِهِمَا وَتَكَرَّرَتْ عِنْدَ الْآخَرِ كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ. وَوَجْهُ الرُّجُوعِ بِالرُّبُعِ أَنَّ دِيَةَ الْيَدِ فِي الْحُرِّ نِصْفُ دِيَةِ النَّفْسِ، وَفِي الرَّقِيقِ نِصْفُ الْقِيمَةِ، وَقَدْ تَلِفَ هَذَا النِّصْفُ بِسَبَبَيْنِ: تَحَقَّقَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْآخَرُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَيَنْتَصِفُ الْمُوجَبُ فَيَرْجِعُ بِنِصْفِ النِّصْفِ وَهُوَ الرُّبُعُ، وَأَطْلَقَ فِيهِ فَشَمَلَ مَا إذَا طَلَبَ رَبُّ الْمَالِ الْمَسْرُوقَ فِي السَّرِقَتَيْنِ أَوْ فِي إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ اعْتِبَارَ الْقِيمَةِ لَا الثَّمَنِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّمَا عَبَّرَ بِهِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الثَّمَنَ قَدْرُ الْقِيمَةِ ط (قَوْلُهُ رَجَعَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ ثَمَنِهِ) أَيْ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ رُبُعَ الثَّمَنِ سَقَطَ عَنْ الْبَائِعِ بِالسَّرِقَةِ الثَّانِيَةِ. (قَوْلُهُ أَوْ أَنْ يَأْكُلَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفَسَّرَهُ أَيْ التَّمْيِيزَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَسْتَنْجِيَ وَحْدَهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ابْنَ سَبْعٍ؛ لِأَنَّهُمْ قَدَّرُوهُ بِذَلِكَ فِي الْحَضَانَةِ، لَكِنْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ بِتَقْدِيرِهِ بِخَمْسِ سِنِينَ فَمَا فَوْقَهَا، وَمَا دُونَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ عَيْبًا. اهـ قُلْت: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى الْإِدْرَاكِ وَهُنَاكَ عَلَى الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ النِّسَاءِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ) لَمْ أَرَ فِيهَا زِيَادَةً عَلَى مَا هُنَا إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ فِيهَا التَّقْدِيرَ الْأَوَّلَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ، وَالثَّانِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَالسَّرِقَةُ، وَظَاهِرُ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا) أَيْ هَذِهِ الْعُيُوبَ الثَّلَاثَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 لِقُصُورِ عَقْلٍ وَضَعْفِ مَثَانَةٍ عَيْبٌ، وَفِي الْكِبَرِ لِسُوءِ اخْتِيَارٍ وَدَاءٍ بَاطِنٍ عَيْبٌ آخَرُ، فَعِنْدَ اتِّحَادِ الْحَالَةِ بِأَنْ ثَبَتَ إبَاقُهُ عِنْدَ بَائِعِهِ ثُمَّ مُشْتَرِيهِ كِلَاهُمَا فِي صِغَرِهِ أَوْ كِبَرِهِ لَهُ الرَّدُّ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ، وَعِنْدَ الِاخْتِلَافِ لَا لِكَوْنِهِ عَيْبًا حَادِثًا كَعَبْدٍ حُمَّ عِنْدَ بَائِعِهِ ثُمَّ حُمَّ عِنْدَ مُشْتَرِيهِ، إنْ مِنْ نَوْعِهِ لَهُ رَدُّهُ وَإِلَّا لَا عَيْنِيٌّ. بَقِيَ لَوْ وَجَدَهُ يَبُولُ ثُمَّ تَعَيَّبَ حَتَّى رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ ثُمَّ بَلَغَ هَلْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ النُّقْصَانَ لِزَوَالِ ذَلِكَ الْعَيْبِ بِالْبُلُوغِ يَنْبَغِي نَعَمْ فَتْحٌ. (وَالْجُنُونِ) هُوَ اخْتِلَافُ الْقُوَّةِ الَّتِي بِهَا إدْرَاكُ الْكُلِّيَّاتِ تَلْوِيحٌ، وَبِهِ عُلِمَ تَعْرِيفُ الْعَقْلِ أَنَّهُ الْقُوَّةُ الْمَذْكُورَةُ، وَمَعْدِنُهُ الْقَلْبُ وَشُعَاعُهُ فِي الدِّمَاغِ دُرَرٌ (وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا) لِاتِّحَادِ سَبَبِهِ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ، وَقِيلَ يَخْتَلِفُ عَيْنِيٌّ   [رد المحتار] قَوْلُهُ لِقُصُورِ عَقْلٍ) يَرْجِعُ إلَى الْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَهُ لِسُوءِ اخْتِيَارٍ يَرْجِعُ إلَيْهِمَا أَيْضًا ط (قَوْلُهُ فَعِنْدَ اتِّحَادِ الْحَالَةِ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى اخْتِلَافِهَا صِغَرًا وَكِبَرًا (قَوْلُهُ بِأَنْ ثَبَتَ إبَاقُهُ) أَيْ أَوْ بَوْلُهُ أَوْ سَرِقَتُهُ (قَوْلُهُ عِنْدَ بَائِعِهِ) أَوْ عِنْدَ بَائِعِ بَائِعِهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ مُشْتَرِيهِ) أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَعُدْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا يُرَدُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ إنْ مِنْ نَوْعِهِ) بِأَنْ حُمَّ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يُحَمُّ فِيهِ عِنْدَ الْبَائِعِ كَمَا فِي النَّهْرِ ح (قَوْلُهُ لَوْ وَجَدَهُ يَبُولُ) أَيْ وَهُوَ صَغِيرٌ وَثَبَتَ بَوْلُهُ عِنْدَ بَائِعِهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ حَتَّى رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ) أَيْ نُقْصَانِ الْبَوْلِ،؛ لِأَنَّهُ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ امْتَنَعَ الرَّدُّ، فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ غَيْرُ قَيْدٍ، بَلْ مِثْلُهُ مَا لَوْ أَرَادَ الرَّدَّ فَصَالَحَهُ الْبَائِعُ عَنْ الْعَيْبِ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ. ثُمَّ رَأَيْت فِي النَّهْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: اشْتَرَى جَارِيَةً وَادَّعَى أَنَّهَا لَا تَحِيضُ وَاسْتَرَدَّ بَعْضَ الثَّمَنِ ثُمَّ حَاضَتْ، قَالُوا: إنْ كَانَ الْبَائِعُ أَعْطَاهُ عَلَى وَجْهِ الصُّلْحِ عَنْ الْعَيْبِ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ ذَلِكَ. اهـ وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ تَقْيِيدُ الشَّارِحِ ذَلِكَ بِمَا إذَا زَالَ الْعَيْبُ بِلَا عِلَاجِهِ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي نَعَمْ) نَقَلَ ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ عَنْ وَالِدِ صَاحِبِ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ، وَأَنَّهُ قَالَ لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَأَنَّهُ اسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِمَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً ذَاتَ زَوْجٍ كَانَ لَهُ رَدُّهَا، وَلَوْ تَعَيَّبَتْ بِعَيْبٍ آخَرَ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ؛ فَلَوْ أَبَانَهَا زَوْجُهَا كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ النُّقْصَانَ لِزَوَالِ ذَلِكَ الْعَيْبِ، فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَالثَّانِيَةُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَهُ مَرِيضًا كَانَ لَهُ الرَّدُّ، وَلَوْ تَعَيَّبَ بِعَيْبٍ آخَرَ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ، فَإِذَا رَجَعَ ثُمَّ بَرِئَ بِالْمُدَاوَاةِ لَا يَسْتَرِدُّ وَإِلَّا اسْتَرَدَّ، وَالْبُلُوغُ هُنَا لَا بِالْمُدَاوَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَرِدَّ. اهـ (قَوْلُهُ تَلْوِيحٌ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي التَّلْوِيحِ: الْجُنُونُ اخْتِلَالُ الْقُوَّةِ الْمُمَيِّزَةِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ الْمُدْرِكَةِ لِلْعَوَاقِبِ انْتَهَى. وَالْأَخْصَرُ اخْتِلَالُ الْقُوَّةِ الَّتِي بِهَا إدْرَاكُ الْكُلِّيَّاتِ. اهـ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَالْأَخْصَرُ إلَى أَنَّ الْمُؤَدَّى وَاحِدٌ، فَمَا عَزَاهُ الشَّارِحُ إلَى التَّلْوِيحِ نُقِلَ بِالْمَعْنَى فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَمَعْدِنُهُ الْقَلْبُ إلَخْ) سُئِلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مَعْدِنِ الْعَقْلِ، فَقَالَ: الْقَلْبُ، وَإِشْرَاقُهُ إلَى الدِّمَاغِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْحُكَمَاءُ، وَقَوْلُهُ عَلِيٌّ أَعْلَى عِنْدَ الْعُلَمَاءِ مِنْ بِشَرْحِ بَدْءِ الْأَمَالِي لِلْقَارِيِّ (قَوْلُهُ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا) فَلَوْ جُنَّ فِي الصِّغَرِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ عَاوَدَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي الصِّغَرِ أَوْ فِي الْكِبَرِ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ سَبَبَ الْجُنُونِ فِي حَالَ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ مُتَّحِدٌ، وَهُوَ فَسَادُ الْبَاطِنِ: أَيْ بَاطِنِ الدِّمَاغِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَالْجُنُونُ عَيْبٌ أَبَدًا، لَا مَا قِيلَ إنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ الْمُعَاوَدَةُ لِلْجُنُونِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَيُرَدُّ بِمُجَرَّدِ وُجُودِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهِ بِإِزَالَةِ سَبَبِهِ، وَإِنْ كَانَ قَلَّمَا يَزُولُ، فَإِذَا لَمْ يُعَاوِدْهُ جَازَ كَوْنُ الْبَيْعِ صَدَرَ بَعْدَ الْإِزَالَةِ، فَلَا يُرَدُّ بِلَا تَحَقُّقِ قِيَامِ الْعَيْبِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَاخْتَارَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَخْتَلِفُ) فَيَكُونُ مِثْلَ مَا مَرَّ مِنْ الْإِبَاقِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 وَمِقْدَارُهُ فَوْقَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ مُعَاوَدَتِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي الْأَصَحِّ، وَإِلَّا فَلَا رَدَّ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: زِنَا الْجَارِيَةِ، وَالتَّوَلُّدُ مِنْ الزِّنَا، وَالْوِلَادَةُ فَتْحٌ. قُلْت: لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ الْوِلَادَةُ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ إلَّا أَنْ تُوجِبَ نُقْصَانًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَاعْتَمَدَهُ فِي النَّهْرِ. وَفِيهِ: الْحَبَلُ عَيْبٌ فِي بَنَاتِ آدَمَ لَا فِي الْبَهَائِمِ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ وَالْعَمَى وَالْعَوَرُ وَالْحَوَلُ وَالصَّمَمُ وَالْخَرَسُ وَالْقُرُوحُ وَالْأَمْرَاضُ عُيُوبٌ، وَكَذَا الْأَدَرُ وَهُوَ انْتِفَاخُ الْأُنْثَيَيْنِ وَالْعِنِّينُ وَالْخَصِيُّ عَيْبٌ، وَإِنْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ خَصِيٌّ فَوَجَدَهُ فَحْلًا   [رد المحتار] وَنَحْوِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَكَرُّرِهِ فِي الصِّغَرِ أَوْ فِي الْكِبَرِ وَهَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ (قَوْلُهُ وَمِقْدَارُهُ فَوْقَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) جَزَمَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَقِيلَ هُوَ عَيْبٌ وَلَوْ سَاعَةً، وَقِيلَ الْمُطْبَقُ نَهْرٌ، وَالْمُطْبَقُ بِفَتْحِ الْبَاءِ بَحْرٌ، وَمَرَّ تَعْرِيفُهُ فِي الصَّوْمِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ مُقَابِلَهُ غَلَطٌ (قَوْلُهُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مُعَاوَدَةِ الْجُنُونِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ مِنْهُ، وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ اشْتِرَاطِ الْمُعَاوَدَةِ مُطْلَقًا. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ: الْأَصْلُ أَنَّ الْمُعَاوَدَةَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْوُجُودِ عِنْدَ الْبَائِعِ شَرْطٌ لِلرَّدِّ إلَّا فِي مَسَائِلَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَالتَّوَلُّدُ مِنْ الزِّنَا) بِأَنْ يَكُونَ الرَّقِيقُ مُتَوَلِّدًا مِنْ الزِّنَا، لَكِنْ هَذَا مِمَّا لَا تُمْكِنُ مُعَاوَدَتُهُ ط (قَوْلُهُ وَالْوِلَادَةُ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْبَائِعِ لَا مِنْ الْبَائِعِ أَوْ عِنْدَ آخَرَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ لَمْ تَلِدْ ثَانِيًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ عَيْبٌ لَازِمٌ؛ لِأَنَّ الضَّعْفَ الَّذِي حَصَلَ بِالْوِلَادَةِ لَا يَزُولُ أَبَدًا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ لَا تُرَدُّ. اهـ وَقَوْلُهُ لَا مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَلِدْ لَيْسَ الْمُرَادُ مَا يُوهِمُ الرَّدَّ بَعْدَ وِلَادَتِهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي لِامْتِنَاعِهِ بِتَعَيُّبِهَا عِنْدَهُ بِالْوِلَادَةِ ثَانِيًا مَعَ الْعَيْبِ السَّابِقِ بِهَا. اهـ. قُلْت: هَذَا مُسَلَّمٌ إنْ حَصَلَ بِالْوِلَادَةِ الثَّانِيَةِ عَيْبٌ زَائِدٌ عَلَى الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَتْحٌ) صَوَابُهُ بَحْرٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْفَتْحِ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا الْأَخِيرَةَ (قَوْلُهُ وَاعْتَمَدَهُ فِي النَّهْرِ) حَيْثُ قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ رِوَايَةَ الْبُيُوعِ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إزَالَةِ الضَّعْفِ الْحَاصِلِ بِالْوِلَادَةِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ النِّهَايَةِ: الْوِلَادَةُ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ إلَّا أَنْ تُوجِبَ نُقْصَانًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ. اهـ كَلَامُ النَّهْرِ. أَقُولُ: الَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْنِ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ، وَكَذَا فِي غَيْرِهَا نَقْلًا عَنْهَا مَا نَصُّهُ: اشْتَرَاهَا وَقَبَضَهَا ثُمَّ ظَهَرَ وِلَادَتُهَا عِنْدَ الْبَائِعِ لَا مِنْ الْبَائِعِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فِي رِوَايَةِ الْمُضَارَبَةِ عَيْبٌ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ التَّكَسُّرَ الْحَاصِلَ بِالْوِلَادَةِ لَا يَزُولُ أَبَدًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي رِوَايَةٍ إنْ نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ عَيْبٌ، وَفِي الْبَهَائِمِ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ إلَّا أَنْ تُوجِبَ نُقْصَانًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ فَقَوْلُهُ. وَفِي الْبَهَائِمِ كَأَنَّهُ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ صَاحِبِ النَّهْرِ، وَفِي النِّهَايَةِ فَظَنَّهُ تَصْحِيحًا لِلرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ مِنْ الْكَاتِبِ بَنَى عَلَيْهِ مَا زَعَمَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ تَصْحِيحٍ، بَلْ التَّصْحِيحُ الثَّانِي لِوِلَادَةِ الْبَهِيمَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ الْحَبَلُ عَيْبٌ إلَخْ) نَصَّ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ فَصَارَ الْحَبَلُ فِي حُكْمِ الْوِلَادَةِ عَلَى مَا عَرَفْته، وَعَلَّلَهُ فِي السِّرَاجِ بِأَنَّ الْجَارِيَةَ تُرَادُ لِلْوَطْءِ وَالتَّزْوِيجِ، وَالْحَبَلُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا فِي الْبَهَائِمِ فَهُوَ زِيَادَةٌ فِيهَا (قَوْلُهُ وَكَذَا الْأَدَرُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالدَّالِ مَعَ الْقَصْرِ، أَمَّا مَمْدُودُ الْهَمْزَةِ فَهُوَ مَنْ بِهِ الْأَدَرُ وَفِعْلُهُ كَفَرِحَ وَالِاسْمُ الْأُدْرَةُ بِالضَّمِّ، وَقَوْلُهُ الْأُنْثَيَيْنِ غَيْرُ شَرْطٍ بَلْ انْتِفَاخُ أَحَدِهِمَا كَافٍ فِيمَا يَظْهَرُ ط (قَوْلُهُ وَالْعِنِّينُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْيَاءَ زَائِدَةٌ مِنْ النُّسَّاخِ وَالْأَصْلُ وَالْعَنَنُ بِنُونَيْنِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَالْخِصِيُّ بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ وَعِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ وَالْعُنَّةُ عَيْبٌ وَكَذَا الْخَصْيُ وَالْأُدْرَةُ (قَوْلُهُ عَيْبٌ) مَصْدَرٌ يَصْدُقُ بِالْمُتَعَدِّدِ وَغَيْرِهِ فَلَا يُنَافِي جَعْلَهُ خَبَرًا عَنْ شَيْئَيْنِ، وَعَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 فَلَا خِيَارَ لَهُ جَوْهَرَةٌ (وَالْبَخَرِ) نَتْنُ الْفَمِ (وَالدَّفَرِ) نَتْنُ الْإِبْطِ، وَكَذَا نَتْنُ الْأَنْفِ بَزَّازِيَّةٌ (وَالزِّنَا وَالتَّوَلُّدِ مِنْهُ) كُلُّهَا عَيْبٌ (فِيهَا) لَا فِيهِ وَلَوْ أَمْرَدَ فِي الْأَصَحِّ خُلَاصَةٌ (إلَّا أَنْ يَفْحُشَ الْأَوَّلَانِ فِيهِ) بِحَيْثُ يَمْنَعُ الْقُرْبَ مِنْ الْمَوْلَى (أَوْ يَكُونُ الزِّنَا عَادَةً لَهُ) بِأَنْ يَتَكَرَّرَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّتَيْنِ، وَاللُّوَاطَةُ بِهَا عَيْبٌ مُطْلَقًا، وَبِهِ إنْ مَجَّانًا؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْأُبْنَةِ، وَإِنْ بِأَجْرٍ لَا قُنْيَةٌ. وَفِيهَا: شَرَى حِمَارًا تَعْلُوهُ الْحُمُرُ إنْ طَاوَعَ فَعَيْبٌ وَإِلَّا لَا، وَأَمَّا التَّخَنُّثُ بِلِينِ صَوْتٍ وَتَكَسُّرِ مَشْيٍ فَإِنْ كَثُرَ رُدَّ، لَا إنْ قَلَّ بَزَّازِيَّةٌ (وَالْكُفْرِ) بِأَقْسَامِهِ وَكَذَا الرَّفْضُ وَالِاعْتِزَالُ بَحْرٌ بَحْثًا   [رد المحتار] كَوْنِ النُّسْخَةِ الْعِنِّينُ وَالْخَصِيُّ بِالتَّشْدِيدِ فِيهِمَا يَكُونُ التَّقْدِيرُ ذَوَا عَيْبٍ (قَوْلُهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الْخِصَاءَ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي الْعَبْدِ عَيْبٌ فَكَأَنَّهُ شَرَطَ الْعَيْبَ فَبَانَ سَلِيمًا. وَقَالَ الثَّانِي: الْخَصِيُّ أَفْضَلُ لِرَغْبَةِ النَّاسِ فِيهِ فَيُخَيَّرُ بَزَّازِيَّةٌ، وَجَزَمَ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِ الثَّانِي، وَمُقْتَضَاهُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ شَرَى الْجَارِيَةَ عَلَى أَنَّهَا مُغَنِّيَةٌ؛ لِأَنَّ الْغِنَاءَ عَيْبٌ شَرْعًا كَالْخِصَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَبِيلَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ (قَوْلُهُ وَالْبَخَرِ) بِالْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ حَدِّ تَعِبَ. أَمَّا بِالْجِيمِ فَانْتِفَاخُ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ، وَهُوَ عَيْبٌ فِي الْغُلَامِ أَيْضًا. وَفِي الْفَتْحِ: الْبَخَرُ الَّذِي هُوَ الْعَيْبُ النَّاشِئُ مِنْ تَغَيُّرِ الْمَعِدَةِ دُونَ مَا يَكُونُ لِقَلَحٍ فِي الْأَسْنَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَزُولُ بِتَنْظِيفِهَا. اهـ نَهْرٌ: وَالْقَلَحُ بِالْقَافِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مُحَرَّكًا: صُفْرَةُ الْأَسْنَانِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا قِيلَ إنَّهُ بِالْفَاءِ وَالْجِيمِ: وَهُوَ تَبَاعُدُ مَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ (قَوْلُهُ وَالدَّفَرُ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ وَسُكُونِهَا أَيْضًا، أَمَّا بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَبِفَتْحِ الْفَاءِ لَا غَيْرُ، وَهُوَ حِدَّةٌ مِنْ طِيبٍ أَوْ نَتْنٍ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: مِنْهُ قَوْلُهُمْ مِسْكٌ أَذْفَرُ وَإِبْطٌ ذَفَرٌ، وَهُوَ مُرَادُ الْفُقَهَاءِ مِنْ قَوْلِهِمْ: الذَّفَرُ عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ. اهـ وَأَصْلُهُ فِي الْمُغْرِبِ إلَّا أَنَّ كَوْنَهُ مُرَادَ الْفُقَهَاءِ لَا غَيْرُ فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي كَوْنِهِ عَيْبًا شِدَّتُهُ، فَالْأَوْلَى كَوْنُهُ بِالْمُهْمَلَةِ فَتَدَبَّرْ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا نَتْنُ الْأَنْفِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقَالُ فِيهِ ذَفَرٌ بِالْمُعْجَمَةِ وَنَتْنُ رِيحِ الْإِبْطِ بِهَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ كُلُّهَا عَيْبٌ فِيهَا لَا فِيهِ) أَيْ فِي الْجَارِيَةِ لَا فِي الْغُلَامِ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ يُرَادُ مِنْهَا الِاسْتِفْرَاشُ، وَهَذِهِ الْمَعَانِي تَمْنَعُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْغُلَامِ؛ لِأَنَّهُ لِلِاسْتِخْدَامِ، وَكَذَا التَّوَلُّدُ مِنْ الزِّنَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُعَيَّرُ بِالْأُمِّ الَّتِي هِيَ وَلَدُ الزِّنَا كَمَا فِي الْعَزْمِيَّةِ عَنْ الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ خُلَاصَةٌ) نَصُّ عِبَارَتِهَا: وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَمْرَدَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ. اهـ، وَبِهِ سَقَطَ مَا فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي وَالْوَانِي أَنَّهُ فِي الْخُلَاصَةِ جَعَلَ الْبَخَرَ فِي الْغُلَامِ الْأَمْرَدِ عَيْبًا فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ بِأَنْ يَتَكَرَّرَ) ؛ لِأَنَّ اتِّبَاعَهُنَّ مُخِلٌّ بِالْخِدْمَةِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَاللُّوَاطَةُ بِهَا) أَيْ بِالْمَرْأَةِ بِأَنْ كَانَتْ تَطْلُبُ مِنْ النَّاسِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ عَيْبٌ مُطْلَقًا) أَيْ مَجَّانًا أَوْ بِأُجْرَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ الْفِرَاشَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَبِهِ إنْ مَجَّانًا) الظَّاهِرُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا تَكَرَّرَ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْأُبْنَةِ) فِي الْقَامُوسِ: الْأُبْنَةُ بِالضَّمِّ الْعُقْدَةُ فِي الْعُودِ، وَالْعَيْبُ. اهـ وَالْمُرَادُ هُنَا عَيْبٌ خَاصٌّ، وَهُوَ دَاءٌ فِي الدُّبُرِ تَنْفَعُهُ اللِّوَاطَةُ (قَوْلُهُ وَالْكُفْرِ) ؛ لِأَنَّ طَبْعَ الْمُسْلِمِ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَتِهِ وَلِأَنَّهُ يَمْنَعُ صَرْفَهُ فِي بَعْضِ الْكَفَّارَاتِ فَتَخْتَلُّ الرَّغْبَةُ، فَلَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ فَوَجَدَهُ مُسْلِمًا لَا يُرَدُّ؛ لِأَنَّهُ زَوَالُ الْعَيْبِ هِدَايَةٌ. زَادَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي كَافِرًا ذَكَرَهُ فِي الْمَنْبَعِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالسِّرَاجِ الْوَهَّاجِ كَذَا بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيَّ. اهـ أَيْ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ خَيْرٌ مَحْضٌ وَإِنْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْكَافِرُ عَدَمَهُ (قَوْلُهُ بَحْرٌ بَحْثًا) حَيْثُ قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَا لَوْ وَجَدَهُ خَارِجًا عَنْ مَذْهَبِ السُّنَّةِ كَالْمُعْتَزِلِيِّ وَالرَّافِضِيِّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْكَافِرِ،؛ لِأَنَّ السُّنِّيَّ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَتِهِ وَرُبَّمَا قَتَلَهُ الرَّافِضِيُّ؛ لِأَنَّ الرَّافِضَةَ يَسْتَحِلُّونَ قَتْلَنَا. اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُبْتَدَعَةِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِمْ وَإِنْ سَبُّوا الصَّحَابَةَ أَوْ اسْتَحَلُّوا قَتْلَنَا بِشُبْهَةِ دَلِيلٍ كَالْخَوَارِجِ الَّذِينَ اسْتَحَلُّوا قَتْلَ الصَّحَابَةِ، بِخِلَافِ الْغُلَاةِ مِنْهُمْ كَالْقَائِلِينَ بِالنُّبُوَّةِ لِعَلِيٍّ وَالْقَاذِفِينَ لِلصِّدِّيقَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ شُبْهَةُ دَلِيلٍ فَهُمْ كُفَّارٌ كَالْفَلَاسِفَةِ كَمَا بَسَطْنَاهُ فِي كِتَابِنَا [تَنْبِيهِ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ عَلَى حُكْمِ شَاتِمِ خَيْرِ الْأَنَامِ] وَقَدَّمْنَا بَعْضَهُ فِي بَابِ الرِّدَّةِ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مُرَادَ الْبَحْرِ غَيْرُ الْكَافِرِ مِنْهُمْ وَلِذَا شَبَّهَهُ بِالْكَافِرِ، وَبِهِ سَقَطَ اعْتِرَاضُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 عَيْبٌ (فِيهِمَا) وَلَوْ الْمُشْتَرِي ذِمِّيًّا سِرَاجٌ (وَعَدَمِ الْحَيْضِ) لِبِنْتِ سَبْعَةَ عَشَرَ وَعِنْدَهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ، وَيُعْرَفُ بِقَوْلِهَا إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ نُكُولُ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ مُلْتَقًى.   [رد المحتار] النَّهْرِ بِأَنَّ الرَّافِضِيَّ السَّابَّ لِلشَّيْخَيْنِ دَاخِلٌ فِي الْكَافِرِ، وَكَذَا مَا أَجَابَ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ مُرَادَ الْبَحْرِ الْمُفَضِّلُ لَا السَّابُّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ عَيْبٌ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ (قَوْلُهُ وَلَوْ الْمُشْتَرِي ذِمِّيًّا سِرَاجٌ) عِبَارَةُ السِّرَاجِ عَلَى مَا فِي الْبَحْرِ الْكُفْرُ عَيْبٌ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ. قَالَ الْبَحْرُ: وَهُوَ غَرِيبٌ فِي الذِّمِّيِّ. اهـ وَكَذَا قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِ غَيْرِ السِّرَاجِ، كَيْفَ وَلَا نَفْعَ لِلذِّمِّيِّ بِالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ. اهـ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ مَشْرِيُّ الذِّمِّيِّ مُسْلِمًا لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ إبْقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ فَإِذَا ظَهَرَ كَافِرًا يَكُونُ عَدَمُ الرَّدِّ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ فَهُوَ أَنْفَعُ لَهُ مِنْ الْمُسْلِمِ فَكَيْفَ يَكُونُ كُفْرُهُ عَيْبًا فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ دُونَ إسْلَامِهِ، وَهَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِهِ فَافْهَمْ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ نَفْعٌ مَحْضٌ شَرْعًا وَعَقْلًا فَلَا يَكُونُ عَيْبًا فِي حَقِّ أَحَدٍ أَصْلًا، بِخِلَافِ الْكُفْرِ فَإِنَّهُ أَقْبَحُ الْعُيُوبِ شَرْعًا وَعَقْلًا فَهُوَ عَيْبٌ مَحْضٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ بَعْدَمَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ: أَقُولُ: لَيْسَ بِغَرِيبٍ، لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْعَيْبَ مَا يَنْقُصُ الثَّمَنَ عِنْدَ التُّجَّارِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْكُفْرَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَنْفِرُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ لَا يَرْغَبُ فِي شِرَائِهِ لِعَدَمِ الرَّغْبَةِ فِيهِ مِنْ الْكُلِّ وَهُوَ أَقْبَحُ الْعُيُوبِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَتِهِ وَلَا يَصْلُحُ لِلْإِعْتَاقِ فِي بَعْضِ الْكَفَّارَاتِ فَتَخْتَلُّ الرَّغْبَةُ. اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهَا لَوْ ظَهَرَتْ مُغَنِّيَةً لَهُ الرَّدُّ مَعَ أَنَّ بَعْضَ الْفَسَقَةِ يَرْغَبُ فِيهَا وَيَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ شَرْعًا، وَكَذَا لَوْ ظَهَرَ الْأَمْرَدُ أَبْخَرَ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ مَعَ أَنَّهُ عَيْبٌ عِنْدَ بَعْضِ الْفَسَقَةِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ شَرْعًا،؛ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالِاسْتِخْدَامِ وَإِنْ أَخَلَّ بِغَرَضِ الْمُشْتَرِي الْفَاسِقِ، نَعَمْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ: يَهُودِيٌّ بَاعَ يَهُودِيًّا زَيْتًا وَقَعَتْ فِيهِ قَطَرَاتُ خَمْرٍ جَازَ الْبَيْعُ، وَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِعَيْبٍ عِنْدَهُمْ. اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَدَمِ الْحَيْضِ) ؛ لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الدَّمِ وَاسْتِمْرَارَهُ عَلَامَةُ الدَّاءِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ مُرَكَّبٌ فِي بَنَاتِ آدَمَ، فَإِذَا لَمْ تَحِضْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِدَاءٍ فِيهَا وَذَلِكَ الدَّاءُ هُوَ الْعَيْبُ، وَكَذَا الِاسْتِحَاضَةُ لِدَاءٍ فِيهَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ) وَبِقَوْلِهِمَا يُفْتَى ط فَانْقِطَاعُ الْحَيْضِ لَا يَكُونُ عَيْبًا إلَّا إذَا كَانَ فِي أَوَانِهِ، أَمَّا انْقِطَاعُهُ فِي سِنِّ الصِّغَرِ أَوْ الْإِيَاسِ فَلَا اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إذَا اشْتَرَاهَا عَالِمًا بِذَلِكَ. وَفِي الْمُحِيطِ: اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا تَحِيضُ فَوَجَدَهَا لَا تَحِيضُ إنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهَا لَا تَحِيضُ بِسَبَبِ الْإِيَاسِ فَلَهُ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِلْحَبَلِ وَالْآيِسَةُ لَا تَحْبَلُ. اهـ. قُلْت: مَا فِي الْمُحِيطِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ اشْتَرَطَ حَيْضَهَا كَانَ فَوَاتَ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ أَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تُرَدُّ؛ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ وَجَدَ الدَّابَّةَ كَبِيرَةَ السِّنِّ لَا تُرَدُّ إلَّا إذَا شَرَطَ صِغَرَهَا فَتَدَبَّرْ. وَفِي الْقُنْيَةِ: وَجَدَهَا تَحِيضُ كُلَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مَرَّةً فَلَهُ الرَّدُّ (قَوْلُهُ وَيُعْرَفُ بِقَوْلِهَا إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْأَمَةِ فَتُرَدُّ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ نُكُولُ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ. اهـ وَمِثْلُهُ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى. وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ تَبَعًا لِلنِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِأَنَّهُ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا إلَّا إذَا ذَكَرَ سَبَبَهُ وَهُوَ الدَّاءُ أَوْ الْحَبَلُ فَمَا لَمْ يَذْكُرْ أَحَدَهُمَا لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهَا وَيَسْتَحْلِفُ الْبَائِعَ مَعَ ذَلِكَ فَتُرَدُّ بِنُكُولِهِ لَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَكَذَا قَبْلَهُ فِي الصَّحِيحِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تُرَدُّ بِلَا يَمِينِ الْبَائِعِ. قَالُوا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْأَمَةِ فِيهِ كَمَا فِي الْكَافِي، وَالْمَرْجِعُ فِي الْحَبَلِ إلَى قَوْلِ النِّسَاءِ، وَفِي الدَّاءِ إلَى قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ، وَاشْتُرِطَ لِثُبُوتِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 وَلَا تُسْمَعُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ الثَّانِي   [رد المحتار] الْعَيْبِ قَوْلُ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ. اهـ مُلَخَّصًا وَاعْتَرَضَهُمْ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ ذِكْرِ السَّبَبِ مُنَافٍ لِتَقْرِيرِ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِقَوْلِ الْأَمَةِ، وَكَذَا قَالَ الْعَتَّابِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ إذْ لَوْ لَزِمَ دَعْوَى الدَّاءِ أَوْ الْحَبَلِ لَمْ يُتَصَوَّرْ أَنْ يَثْبُتَ بِقَوْلِهَا تَوَجُّهُ الْيَمِينِ عَلَى الْبَائِعِ، بَلْ لَا يَرْجِعُ إلَّا إلَى قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ النِّسَاءِ، وَلِذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فَقِيهُ النَّفْسِ قَاضِي خَانْ. فَظَهَرَ أَنَّ اشْتِرَاطَهُ قَوْلُ مَشَايِخَ آخَرِينَ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ خَطَؤُهُمْ اهـ مُلَخَّصًا. وَاعْتِرَاضُهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ قَاضِي خَانْ صَرَّحَ أَوَّلًا بِالِاشْتِرَاطِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ ابْنِ الْفَضْلِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْهُ أَيْضًا بَعْدَ صَفْحَةٍ مَا عَزَاهُ صَاحِبُ الْفَتْحِ إلَى الْخَانِيَّةِ: وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِهِمْ يُعْتَبَرُ قَوْلُ الْأَمَةِ وَقَوْلِهِمْ وَالْمَرْجِعُ إلَى النِّسَاءِ فِي الْحَبَلِ وَإِلَى الْأَطِبَّاءِ فِي الدَّاءِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ انْقِطَاعِ الدَّمِ لِتَتَوَجَّهَ الْخُصُومَةُ إلَى الْبَائِعِ، فَإِذَا تَوَجَّهَتْ إلَيْهِ بِقَوْلِهَا وَعَيَّنَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ عَنْ حَبَلٍ رَجَعْنَا إلَى النِّسَاءِ الْعَالِمَاتِ بِالْحَبَلِ لِتَتَوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ عَيَّنَ أَنَّهُ عَنْ دَاءٍ رَجَعْنَا إلَى قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ كَذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَرَأَيْت فِي الْمُحِيطِ أَنَّ اشْتِرَاطَ ذِكْرِ السَّبَبِ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ تَعْيِينُ الرُّجُوعِ إلَى قَوْلِ الْأَمَةِ لَكِنْ يُنَافِيهِ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ قَالُوا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ لَفْظَ قَالُوا يُشِيرُ إلَى الضَّعْفِ وَنَقَلَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الرَّئِيسِ الشَّيْخِ قَاسِمٍ أَنَّهُ ذَكَرَ عِبَارَتَيْ الْخَانِيَّةِ وَقَالَ إنَّ الثَّانِيَةَ أَيْ الَّتِي اقْتَصَرَ عَلَيْهَا فِي الْفَتْحِ أَوْجَهُ. قُلْت: وَهَذَا تَرْجِيحٌ مِنْهُ لِمَا اخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ النَّهْرِ أَيْضًا. [تَنْبِيهٌ فِي صِفَةِ الْخُصُومَةِ فِي خِيَار الْعَيْب] 1 [تَنْبِيهٌ] فِي صِفَةِ الْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ. أَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ فَهِيَ أَنَّهُ بَعْدَ بَيَانِ السَّبَبِ وَالرُّجُوعِ إلَى النِّسَاءِ أَوْ الْأَطِبَّاءِ وَمُضِيِّ الْمُدَّةِ الْآتِي بَيَانُهَا يَسْأَلُ الْقَاضِي الْبَائِعَ، فَإِنْ صَدَّقَ الْمُشْتَرِيَ رَدَّهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ هِيَ كَذَلِكَ لِلْحَالِ، وَمَا كَانَتْ كَذَلِكَ عِنْدِي تَوَجَّهَتْ الْخُصُومَةُ عَلَى الْبَائِعِ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى قِيَامِهِ لِلْحَالِ فَلِلْمُشْتَرِي تَحْلِيفُهُ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِلَّا رُدَّتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ الِانْقِطَاعَ لِلْحَالِ لَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَيَجِبُ كَوْنُهُ عَلَى الْعِلْمِ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ انْقِطَاعَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَتَعَقَّبَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَارًّا، إذْ مِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَمْ تَحِضْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي. اهـ. وَأَمَّا صِفَتُهَا عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الْفَتْحِ فَقَالَ بِأَنْ يَدَّعِيَ الِانْقِطَاعَ لِلْحَالِ وَوُجُودَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ، فَإِنْ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِهِ رُدَّتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ لِلْحَالِ وَأَنْكَرَ وُجُودَهُ عِنْدَهُ اُسْتُخْبِرَتْ الْجَارِيَةُ، فَإِنْ ذَكَرَتْ أَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ، اُتُّجِهَتْ الْخُصُومَةُ فَيُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا وُجِدَ عِنْدَهُ، فَإِنْ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِهِ رُدَّتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِوُجُودِهِ عِنْدَهُ وَأَنْكَرَ الِانْقِطَاعَ لِلْحَالِ فَاسْتُخْبِرَتْ فَأَنْكَرَتْ الِانْقِطَاعَ لَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ. اهـ (قَوْلُهُ وَلَا تُسْمَعُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِهِ أَشْهُرٍ عِنْدَ الثَّانِي) اعْلَمْ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ ذَكَرَ هُنَا أَيْضًا تَبَعًا لِشُرَّاحِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى انْقِطَاعَهُ فِي مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَفِي الْمَدِيدَةِ تُسْمَعُ، وَأَقَلُّهَا ثَلَاثُهُ أَشْهُرٍ عِنْدَ أَبُو يُوسُفَ، وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ أَنَّهَا سَنَتَانِ. اهـ، وَفِي رِوَايَةٍ تُسْمَعُ دَعْوَى الْحَبَلِ بَعْدَ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ بَزَّازِيَّةٌ وَغَيْرُهَا. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ. وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ تَقْدِيرِهَا بِشَهْرٍ. وَرَدَّ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ خَبْطٌ عَجِيبٌ وَغَلَطٌ فَاحِشٌ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مَعَ صَرِيحِ النَّقْلِ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ، وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ. قُلْت: وَهُوَ مَدْفُوعٌ، فَقَدْ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: أَمَّا إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي انْقِطَاعَ حَيْضِهَا وَأَرَادَ رَدَّهَا بِهَذَا السَّبَبِ لَا يُوجَدُ لِهَذَا رِوَايَةٌ فِي الْمَشَاهِيرِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ: وَيَحْتَاجُ بَعْدَ هَذَا إلَى بَيَانِ الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ وَالْكَثِيرَةِ قَالُوا: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا كَمَسْأَلَةِ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ إذَا انْقَطَعَ الْحَيْضُ، وَالرِّوَايَاتُ فِيهَا مُخْتَلِفَةٌ ثُمَّ ذَكَرَ الرِّوَايَاتِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 (وَالِاسْتِحَاضَةُ وَالسُّعَالِ الْقَدِيمِ) لَا الْمُعْتَادُ (وَالدَّيْنِ) الَّذِي يُطَالَبُ بِهِ فِي الْحَالِ لَا الْمُؤَجَّلُ لِعِتْقِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ كَمَا نَقَلَهُ مِسْكِينٌ عَنْ الذَّخِيرَةِ، لَكِنْ عَمَّمَ الْكَمَالُ وَعَلَّلَهُ بِنُقْصَانِ وَلَائِهِ وَمِيرَاثِهِ (وَالشَّعْرِ وَالْمَاءِ فِي الْعَيْنِ وَكَذَا كُلُّ مَرَضٍ فِيهَا) فَهُوَ عَيْبٌ مِعْرَاجٌ كَسَبَلٍ وَحَوْضٍ وَكَثْرَةِ دَمْعٍ (وَالثُّؤْلُولِ) بِمُثَلَّثَةٍ كَزُنْبُورٍ بُثْرٌ صِغَارٌ صُلْبٌ مُسْتَدِيرٌ عَلَى صُوَرٍ شَتَّى جَمْعُهُ ثَآلِيلُ قَامُوسٌ وَقَيَّدَهُ بِالْكَثْرَةِ بَعْضُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ (وَكَذَا الْكَيُّ) عَيْبٌ (لَوْ عَنْ دَاءٍ وَإِلَّا لَا) وَقَطْعُ الْأُصْبُعِ عَيْبٌ، وَالْأُصْبُعَانِ عَيْبَانِ، وَالْأَصَابِعُ مَعَ الْكَفِّ عَيْبٌ وَاحِدٌ، وَالْعَسَرُ وَهُوَ مَنْ يَعْمَلُ بِيَسَارِهِ فَقَطْ إلَّا أَنْ يَعْمَلَ بِالْيَمِينِ أَيْضًا كَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -،   [رد المحتار] السَّابِقَةَ فَعُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا مِنْ الْمُدَّةِ إنَّمَا ذَكَرُوهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَى مَسْأَلَةِ اسْتِبْرَاءِ مُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْمُحَقِّقُ صَاحِبُ الْفَتْحِ، وَرَدَّ الْقِيَاسَ بِإِبْدَاءِ الْفَارِقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ نَقْلُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ بِشَهْرٍ ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ، وَمَا تَقَدَّمَ هُوَ خِلَافٌ بَيْنَهُمْ فِي اسْتِبْرَاءِ مُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ، وَالرِّوَايَاتُ هُنَاكَ تَسْتَدْعِي ذَلِكَ الِاعْتِبَارَ، فَإِنَّ الْوَطْءَ مَمْنُوعٌ شَرْعًا إلَى الْحَيْضِ لِاحْتِمَالِ الْحَبَلِ فَيَكُونُ مَاؤُهُ سَاقِيًّا زَرْعَ غَيْرِهِ، فَقَدَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ بِسَنَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَهُوَ أَقْيَسْ وَقَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ بِعِدَّةِ الْوَفَاةِ؛ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ فِيهَا الْحَبَلُ غَالِبًا وَأَبُو يُوسُفَ بِثَلَاثِهِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهَا عِدَّةُ مَنْ لَا تَحِيضُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ: شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَالْحُكْمُ هُنَا لَيْسَ إلَّا كَوْنَ الِامْتِدَادِ عَيْبًا فَلَا يُتَّجَهُ إنَاطَتُهُ بِسَنَتَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمُدَدِ، اهـ مُلَخَّصًا فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي مَسْأَلَتِنَا دَعْوَى النَّقْلِ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُمْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِبْرَاءِ الْمَذْكُورَةِ أَمَّا مَسْأَلَةُ الْعَيْبِ فَلَا ذِكْرَ لَهَا فِي الْمَشَاهِيرِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهَا قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْإِمَامُ فَقِيهُ النَّفْسِ قَاضِي خَانْ اخْتَارَ تَقْدِيرَ الْمُدَّةِ بِشَهْرٍ لِتَتَوَجَّهَ الْخُصُومَةُ بِالْعَيْبِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ لِلْقَوَابِلِ أَوْ لِلْأَطِبَّاءِ فِي شَهْرٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَكْثَرِ، وَرَجَّحَهُ خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ خَبْطٌ عَجِيبٌ هُوَ الْعَجِيبُ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْقِيقَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى وَلِيُّ التَّوْفِيقِ. (وَقَوْلُهُ وَالِاسْتِحَاضَةِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْمُضَافِ الَّذِي هُوَ عَدَمِ ط (قَوْلُهُ وَالسُّعَالِ الْقَدِيمِ) أَيْ إذَا كَانَ عَنْ دَاءٍ، فَأَمَّا الْقَدْرُ الْمُعْتَادُ مِنْهُ فَلَا فَتْحٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَادِثَ غَيْرُ عَيْبٍ وَلَوْ وُجِدَ عِنْدَهُمَا لَكِنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ كَوْنُهُ عَنْ دَاءٍ لَا الْقِدَمَ، وَلِذَا قَالَ فِي الْفُصُولَيْنِ: السُّعَالُ عَيْبٌ إنْ فَحُشَ وَإِلَّا فَلَا، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ تَكُونُ مَشْغُولَةً بِهِ وَالْغُرَمَاءُ مُقَدَّمُونَ عَلَى الْمَوْلَى، وَكَذَا لَوْ فِي رَقَبَتِهِ جِنَايَةٌ. قَالَ فِي السِّرَاجِ؛ لِأَنَّهُ يُدْفَعُ فِيهَا فَتُسْتَحَقُّ رَقَبَتُهُ بِذَلِكَ، وَهَذَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا لَوْ حَدَثَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَوْ قَبْلَ الْعَقْدِ فَبِالْبَيْعِ صَارَ الْبَائِعُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَلَوْ قَضَى الْمَوْلَى الدِّينَ قَبْلَ الرَّدِّ سَقَطَ الرَّدُّ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ لَهُ. اهـ وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ الْغَرِيمُ بَزَّازِيَّةٌ وَفِي الْقُنْيَةِ: الدَّيْنُ عَيْبٌ إلَّا إذَا كَانَ يَسِيرًا لَا يُعَدُّ مِثْلُهُ نُقْصَانًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا الْمُؤَجَّلُ لِعِتْقِهِ) اللَّامُ بِمَعْنَى إلَى، وَالْمُرَاد الَّذِي تَتَأَخَّرُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ إلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهِ كَدَيْنٍ لَزِمَهُ بِالْمُبَايَعَةِ بِلَا إذْنِ الْمَوْلَى (قَوْلُهُ لَكِنْ عَمَّمَ الْكَمَالُ) هُوَ بَحْثٌ مِنْهُ مُخَالِفٌ لِلنَّقْلِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَعَلَّلَهُ بِنُقْصَانِ وَلَائِهِ وَمِيرَاثِهِ) لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ نُقْصَانِ الْوَلَاءِ إلَّا أَنْ يُرَادَ نُقْصَانُ الْوَلَاءِ بِنُقْصَانِ ثَمَرَتِهِ وَهِيَ الْمِيرَاثُ تَأَمَّلْ. اهـ ح (قَوْلُهُ كَسَبَلٍ) هُوَ دَاءٌ فِي الْعَيْنِ يُشْبِهُ غِشَاوَةً كَأَنَّهَا نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ بِعُرُوقٍ حُمْرٍ. اهـ ح عَنْ جَامِعِ اللُّغَةِ (قَوْلُهُ وَحَوَصٍ) بِفَتْحَتَيْنِ وَالْحَاءُ وَالصَّادُ مُهْمَلَتَانِ: ضِيقٌ فِي آخِرِ الْعَيْنِ وَبَابُهُ ضَرَبَ ح عَنْ جَامِعِ اللُّغَةِ وَنَحْوُهُ فِي الْقَامُوسِ وَالْمِصْبَاحِ. وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْحَوَلِ (قَوْلُهُ بُثْرٌ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَتَسْكِينِ الْمُثَلَّثَةِ يُفَرَّقُ وَبَيْنَهُ بَيْنَ وَاحِدِهِ بِالتَّاءِ وَيُذَكَّرُ لِكَوْنِهِ اسْمَ جِنْسٍ وَيُؤَنَّثُ نَظَرًا إلَى الْجَمْعِيَّةِ فَإِنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ وَضْعًا جَمْعِيٌّ اسْتِعْمَالًا عَلَى الْمُخْتَارِ ط. (قَوْلُهُ وَالْأُصْبُعَانِ عَيْبَانِ إلَخْ) أَيْ قَطْعُهُمَا فَلَوْ بَاعَهَا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 وَالشَّيْبُ، وَشُرْبُ خَمْرٍ جَهْرًا وَقِمَارٌ إنْ عُدَّ عَيْبًا، وَعَدَمُ خِتَانِهِمَا لَوْ كَبِيرَيْنِ مُوَلَّدَيْنِ وَعَدَمُ نَهْقِ حِمَارٍ، وَقِلَّةُ أَكْلِ دَوَابَّ، وَنِكَاحٌ، وَكَذِبٌ وَنَمِيمَةٌ، وَتَرْكُ صَلَاةٍ، وَلَكِنْ فِي الْقُنْيَةِ تَرْكُهَا فِي الْعَبْدِ لَا يُوجِبُ الرَّدَّ. وَفِيهَا: لَوْ ظَهَرَ أَنَّ الدَّارَ مَشْئُومَةٌ يَنْبَغِي أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَرْغَبُونَ فِيهَا. وَفِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ: وَالْخَالُ عَيْبٌ لَوْ عَلَى الذَّقَنِ أَوْ الشَّفَةِ لَا الْخَدِّ، وَالْعُيُوبُ كَثِيرَةٌ بَرَّأَنَا اللَّهُ مِنْهَا.   [رد المحتار] مِنْ عَيْبٍ وَاحِدٍ فِي يَدِهَا فَإِذَا هِيَ مَقْطُوعَةُ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ بَرِئَ لَا لَوْ أُصْبُعَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا عَيْبَانِ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَقْطُوعَةً مَعَ نِصْفِ الْكَفِّ فَهُوَ عَيْبٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ مَقْطُوعَةَ الْكَفِّ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ عَنْ عَيْبِ الْيَدِ، وَالْعَيْبُ يَكُونُ حَالَ قِيَامِهَا لَا حَالَ عَدَمِهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ فِي يَدِهَا يَبْرَأُ لَوْ مَقْطُوعَةَ الْكَفِّ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّارِحِ، وَكَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا سَيَأْتِي عِنْدَ ذِكْرِ اشْتِرَاطِ الْبَرَاءَةِ (قَوْلُهُ وَالشَّيْبُ) وَمِثْلُهُ الشَّمَطُ: وَهُوَ اخْتِلَاطُ الْبَيَاضِ بِالسَّوَادِ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ فِي أَوَانِهِ لِلْكِبَرِ، وَفِي غَيْرِ أَوَانِهِ لِلدَّاءِ. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَقُولُ: جَعَلَ الْكِبَرَ هُنَا عَيْبًا لَا فِي عَدَمِ الْحَيْضِ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى عَدَمَ الْحَيْضِ لِلْكِبَرِ لَمْ يُسْمَعْ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى عَدَمِ الْحَيْضِ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ بِحَبَلٍ أَوْ دَاءٍ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ. اهـ (قَوْلُهُ وَشُرْبُ خَمْرٍ جَهْرًا) أَيْ مَعَ الْإِدْمَانِ، فَلَوْ عَلَى الْكِتْمَانِ أَحْيَانًا فَلَيْسَ بِعَيْبٍ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ الثَّمَنَ وَإِنْ كَانَ عَيْبًا فِي الدِّينِ (قَوْلُهُ إنْ عُدَّ عَيْبًا) كَقِمَارٍ بِنَرْدٍ وَشِطْرَنْجٍ وَنَحْوِهِمَا لَا إنْ كَانَ لَا يُعَدُّ عَيْبًا عُرْفًا كَقِمَارٍ بِجَوْزٍ وَبِطِّيخٍ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ: فَالْمَدَارُ عَلَى الْعُرْفِ (قَوْلُهُ لَوْ كَبِيرَيْنِ مُوَلَّدَيْنِ) بِخِلَافِهِ فِي الصَّغِيرَيْنِ. وَفِي الْجَلِيبِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَا يَكُونُ عَيْبًا مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَهَذَا عِنْدَهُمْ، يُعْفَى عَدَمُ الْخِتَانِ فِي الْجَارِيَةِ الْمُوَلَّدَةِ، أَمَّا عِنْدَنَا عَدَمُ الْخَفْضِ فِي الْجَارِيَةِ لَا يَكُونُ عَيْبًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَعَدَمُ نَهْقِ حِمَارٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَيْبٍ فِيهِ ط (قَوْلُهُ وَقِلَّةُ أَكْلِ دَوَابَّ) احْتِرَازٌ عَنْ الْإِنْسَانِ فَكَثْرَتُهُ فِيهِ عَيْبٌ، وَقِيلَ فِي الْجَارِيَةِ عَيْبٌ لَا الْغُلَامِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ إذَا أَفْرَطَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَنِكَاحٌ) أَيْ فِي الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ خَانِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ، وَالْجَارِيَةُ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا عَلَى السَّيِّدِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ فِي الْعِدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ لَا عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ وَالْإِحْرَامُ لَيْسَ بِعَيْبٍ فِيهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ بِرَضَاعٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ (قَوْلُهُ وَكَذِبٌ وَنَمِيمَةٌ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُمَا بِالْكَثِيرِ الْمُضِرِّ (قَوْلُهُ وَتَرْكُ صَلَاةٍ) وَكَذَا غَيْرُهَا مِنْ الذُّنُوبِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْقُنْيَةِ إلَخْ) يُؤَيِّدُهُ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ رَامِزًا إلَى الْأَصْلِ، الزِّنَا فِي الْقِنِّ لَيْسَ بِعَيْبٍ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ فِسْقٍ فَلَا يُوجِبُ خَلَلًا كَكَوْنِهِ آكِلَ الْحَرَامِ أَوْ تَارِكَ الصَّلَاةِ. اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ إلَخْ) أَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَالْهُتُوعُ عَيْبٌ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْهَتْعَةِ، وَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْضَاءُ تَكُونُ فِي صَدْرِ الْحَيَوَانِ إلَى جَانِبِ نَحْرِهِ يُتَشَاءَمُ بِهِ فَيُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الثَّمَنِ بِسَبَبِ تَشَاؤُمِ النَّاسِ. اهـ (قَوْلُهُ لَوْ عَلَى الذَّقَنِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ: وَكَذَا الْخَالُ إنْ كَانَ قَبِيحًا مُنَقِّصًا. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَالْخَالُ وَالثُّؤْلُولُ لَوْ فِي مَوْضِعٍ مُخِلٍّ بِالزِّينَةِ، أَمَّا فِي مَوْضِعٍ لَا يُخِلُّ بِهَا كَتَحْتِ الْإِبْطِ وَالرُّكْبَةُ لَا (قَوْلُهُ وَالْعُيُوبُ كَثِيرَةٌ) مِنْهَا الْأُدْرَةُ فِي الْغُلَامِ وَالْعَفْلَةُ وَهِيَ وَرَمٌ فِي فَرْجِ الْجَارِيَةِ، وَالسِّنُّ السَّاقِطَةُ وَالْخَضْرَاءُ وَالسَّوْدَاءُ ضِرْسًا أَوْ لَا. وَاخْتُلِفَ فِي الصُّفْرَةِ وَمِنْهَا الظُّفْرُ الْأَسْوَدُ إنْ نَقَصَ الْقِيمَةَ، وَعَدَمُ اسْتِمْسَاكِ الْبَوْلِ، وَالْحَرْنُ فِي الدَّابَّةِ: وَهُوَ أَنْ تَقِفَ وَلَا تَنْقَادَ، وَالْجُمُوحُ: وَهُوَ أَنْ لَا تَقِفَ عِنْدَ الْإِلْجَامِ، وَخَلْعُ الرَّسَنِ وَاللِّجَامِ؛ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى كَرْمًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 (حَدَثَ عَيْبٌ آخَرُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي) بِغَيْرِ فِعْلِ الْبَائِعِ، فَلَوْ بِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَوَجَبَ الْأَرْشُ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَهُ أَخْذُهُ أَوْ رَدُّهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ مُطْلَقًا، وَلَوْ بَرْهَنَ الْبَائِعُ عَلَى حُدُوثِهِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى قِدَمِهِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُشْتَرِي، وَلَا يَرُدُّ جَبْرًا مَالَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ إلَّا فِي بَلَدِ الْعَقْدِ بَحْرٌ.   [رد المحتار] فَوَجَدَ فِيهِ مَمَرًّا أَوْ مَسِيلًا لِلْغَيْرِ أَوْ كَانَ مُرْتَفِعًا لَا يَصِلُ إلَيْهِ الْمَاءُ إلَّا بِالسِّكْرِ أَوْ لَا شِرْبَ لَهُ بَزَّازِيَّةٌ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ حَدَثَ عَيْبٌ آخَرُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي) مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا اشْتَرَى حَدِيدًا لِيَتَّخِذَ مِنْهُ آلَاتِ النَّجَّارِينَ وَجَعَلَهُ فِي الْكُورِ لِيُجَرِّبَهُ بِالنَّارِ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا وَلَا يَصْلُحُ لِتِلْكَ الْآلَاتِ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَلَا يَرُدُّهُ. وَمِنْهُ أَيْضًا بَلُّ الْجُلُودِ أَوْ الْإِبْرَيْسَمِ فَإِنَّهُ عَيْبٌ آخَرُ يَمْنَعُ الرَّدَّ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ فِعْلِ الْبَائِعِ) وَمِثْلُهُ الْأَجْنَبِيُّ فَبَقِيَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ شَامِلًا لِمَا إذَا كَانَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِفِعْلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، فَفِي هَذِهِ الثَّلَاثِ لَا يَرُدُّهُ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ،؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ رَدُّهُ بِعَيْبَيْنِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ إلَّا إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِهِ نَاقِصًا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (وَقَوْلُهُ فَلَوْ بِهِ) أَيْ بِفِعْلِ الْبَائِعِ وَمِثْلُهُ الْأَجْنَبِيُّ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَكِنَّهُ صَرَّحَ بِهِ لِيُقَابِلَهُ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا قَبْلَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ) أَيْ حِصَّةِ الْعَيْبِ الْأَوَّلِ وَامْتَنَعَ الرَّدُّ بَحْرٌ (وَقَوْلُهُ وَوَجَبَ الْأَرْشُ) أَيْ أَرْشُ الْعَيْبِ الْحَادِثِ بِفِعْلِ الْبَائِعِ، فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْئَيْنِ: الْأَوَّلِ حِصَّةُ الْعَيْبِ الْأَوَّلِ مِنْ الثَّمَنِ وَالثَّانِي أَرْشُ الْعَيْبِ الثَّانِي ط وَلَوْ كَانَ الْعَيْبُ الثَّانِي بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ رَجَعَ بِالْأَرْشِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا قَبْلَهُ إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا إذَا كَانَ حُدُوثُ الْعَيْبِ الثَّانِي بِفِعْلِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي - سَوَاءٌ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا أَوْ لَا - بَيْنَ أَخْذِهِ أَيْ مَعَ طَرْحِ حِصَّةِ النُّقْصَانِ مِنْ الثَّمَنِ وَبَيْنَ رَدِّهِ وَأَخْذِ كُلِّ الثَّمَنِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ يَأْخُذُهُ وَيَطْرَحُ عَنْهُ حِصَّةَ جِنَايَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ. وَلَكِنَّهُ إنْ اخْتَارَ الْأَخْذَ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ عَلَى الْجَانِي وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي لَزِمَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيَطْلُبَ النُّقْصَانَ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ، وَقَوْلُهُ وَيَطْرَحُ عَنْهُ حِصَّةَ جِنَايَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُطْرَحُ عَنْهُ شَيْءٌ لَوْ النُّقْصَانُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ثُمَّ رَأَيْت فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَالَ: وَلَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ قَدْرًا يَطْرَحُ عَنْ الْمُشْتَرِي حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْبَاقِي أَخَذَهُ بِحِصَّتِهِ أَوْ تَرَكَهُ كَكَوْنِ الْمَبِيعِ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا أَوْ عَدَدِيًّا مُتَقَارِبًا وَفَاتَ بَعْضٌ مِنْ الْقَدْرِ وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ وَصْفًا لَا يُطْرَحُ عَنْ الْمُشْتَرِي شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ أَخَذَهُ بِكُلِّ ثَمَنِهِ أَوْ تَرَكَهُ، وَالْوَصْفُ مَا يَدْخُلُ فِي الْمَبِيعِ بِلَا ذِكْرٍ كَشَجَرٍ وَبِنَاءٍ فِي الْأَرْضِ وَأَطْرَافٍ فِي الْحَيَوَانِ وَجَوْدَةٍ فِي الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ، إذْ الْأَوْصَافُ لَا قِسْطَ لَهَا مِنْ الثَّمَنِ إلَّا إذَا وَرَدَ عَلَيْهَا الْجِنَايَةُ أَوْ الْقَبْضُ، يَعْنِي إذَا قَبَضَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ شَيْءٌ مِنْ الْأَوْصَافِ يَرْجِعُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَوْ رَدَّهُ، وَلَا يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا أَوْ لَا ح وَمِثْلُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ وَإِلَّا فَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ حُدُوثَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِفِعْلٍ كَافٍ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالرَّدِّ سَوَاءٌ كَانَ بِهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ أَوْ لَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ) لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ وَلَوْ بَرْهَنَ إلَخْ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: أَوَّلًا وَلَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ حُدُوثَهُ إلَخْ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ إلَّا فِي بَلَدِ الْعَقْدِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ نَقَلَهُ إلَى بَيْتِهِ فِي بَلَدِ الْعَقْدِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ تَحْمِيلَهُ بِمَنْزِلَةِ حُدُوثِ عَيْبٍ لِمَا فِيهِ مِنْ مُؤْنَةِ الرَّدِّ إلَى مَوْضِعِ الْعَقْدِ، لَكِنْ هَذَا الْعَيْبُ غَيْرُ مَانِعٍ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَى الْمُشْتَرِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 (رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ) إلَّا فِيمَا اُسْتُثْنِيَ؛ وَمِنْهُ مَا لَوْ شَرَاهُ تَوْلِيَةً أَوْ خَاطَهُ لِطِفْلِهِ زَيْلَعِيٌّ أَوْ رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ جَوْهَرَةٌ.   [رد المحتار] فَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْبَائِعِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوَّلَ بَابِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ (قَوْلُهُ رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ) بِأَنْ يُقَوَّمَ بِلَا عَيْبٍ ثُمَّ مَعَ الْعَيْبِ؛ وَيُنْظَرَ فِي التَّفَاوُتِ، فَإِنْ كَانَ مِقْدَارَ عُشْرِ الْقِيمَةِ رَجَعَ بِعُشْرِ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ حَتَّى، لَوْ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَقَدْ نَقَصَهُ الْعَيْبُ عَشَرَةً رَجَعَ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَهُوَ دِرْهَمٌ. قَالَ الْبَزَّازِيُّ وَفِي الْمُقَايَضَةِ إنْ كَانَ النُّقْصَانُ عُشْرَ الْقِيمَةِ رَجَعَ بِنُقْصَانِ مَا جُعِلَ ثَمَنًا يَعْنِي مَا دَخَلَ عَلَيْهِ الْبَاءُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُقَوِّمُ اثْنَيْنِ يُخْبِرَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَالْمُقَوِّمُ الْأَهْلُ فِي كُلِّ حِرْفَةٍ، وَلَوْ زَالَ الْحَادِثُ كَانَ لَهُ رَدُّ الْمَبِيعِ مَعَ النُّقْصَانِ، وَقِيلَ لَا، وَقِيلَ لَا إنْ كَانَ بَدَلُ النُّقْصَانِ قَائِمًا رُدَّ وَإِلَّا لَا، وَكَذَا فِي الْقُنْيَةِ، وَالْأَوَّلُ بِالْقَوَاعِدِ أَلْيَقُ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ إلَّا فِيمَا اُسْتُثْنِيَ) أَيْ مِنْ الْمَسَائِلِ السِّتِّ الْمُتَقَدِّمَةِ أَوَّلَ الْبَابِ ط، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهَا وَكَتَبْنَا هُنَاكَ مَسَائِلَ أُخَرَ مِنْهَا مَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْبَعِيرِ وَغَيْرِهَا. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: ثُمَّ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ إذَا لَمْ يَمْتَنِعْ الرَّدُّ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي. أَمَّا إذَا كَانَ بِفِعْلٍ مِنْ جِهَتِهِ كَذَلِكَ كَأَنْ قَتَلَ الْمَبِيعَ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ كَاتَبَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ، وَكَذَا إذَا قُتِلَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي خَطَأً؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ الْبَدَلُ إلَيْهِ صَارَ كَأَنَّهُ مَلَكَهُ مِنْ الْقَاتِلِ بِالْبَدَلِ، فَكَانَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ وَلَوْ امْتَنَعَ الرَّدُّ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ وَلَا يَرُدُّ الْمَبِيعَ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ مَا لَوْ شَرَاهُ تَوْلِيَةً) هَذِهِ إحْدَى مَسْأَلَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ يُسْتَثْنَى مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا بَيْعُ التَّوْلِيَةِ لَوْ بَاعَ شَيْئًا تَوْلِيَةً ثُمَّ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَبِهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ لَا رُجُوعَ وَلَا رَدَّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ صَارَ الثَّمَنُ الثَّانِي أَنْقَصَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَقَضِيَّةُ التَّوْلِيَةِ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْأَوَّلِ. الثَّانِيَةُ لَوْ قَبَضَ الْمُسْلَمَ فِيهِ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا كَانَ عِنْدَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَحَدَثَ بِهِ عَيْبٌ عِنْدَ رَبِّ السَّلَمِ. قَالَ الْإِمَامُ: يُخَيَّرُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ قَبِلَهُ مَعِيبًا بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا مِنْ نُقْصَانِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ غَرِمَ نُقْصَانَ الْعَيْبِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَانَ اعْتِيَاضًا عَنْ الْجُودَةِ فَيَكُونُ رِبًا. اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ أَوْ خَاطَهُ لِطِفْلِهِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَوْ قَطَعَهُ لِطِفْلِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ لِبَاسًا لِطِفْلِهِ وَخَاطَهُ صَارَ مُمَلِّكًا لَهُ بِالْقَطْعِ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ، فَإِذَا وَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ: أَمَّا لَوْ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا يَرْجِعُ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مِلْكًا لَهُ إلَّا بِقَبْضِهِ فَإِذَا خَاطَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ امْتَنَعَ الرَّدُّ بِالْخِيَاطَةِ فَإِذَا حَصَلَ التَّمْلِيكُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالتَّسْلِيمِ لَا يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ بِنَاءً عَلَى مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ لِلْبَائِعِ أَخْذُهُ مَعِيبًا لَا يَرْجِعُ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَإِلَّا رَجَعَ؛ فَفِي الْأَوَّلِ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ امْتِنَاعِ الرَّدِّ وَفِي الثَّانِي بَعْدَهُ، إذْ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَخْذُهُ مَعِيبًا بَعْدَ الْخِيَاطَةِ كَمَا يَأْتِي، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْخِيَاطَةِ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ احْتِرَازِيٌّ فِي الْكَبِيرِ اتِّفَاقِيٌّ فِي الصَّغِيرِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَوْ رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ) يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَرَضِيَ الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ مِنْهُ مَعِيبًا امْتَنَعَ رُجُوعُ الْمُشْتَرِي بِالنُّقْصَانِ، بَلْ إمَّا أَنْ يُمْسِكَهُ بِلَا رُجُوعٍ، وَإِمَّا أَنْ يَرُدَّهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 (وَلَهُ الرَّدُّ بِرِضَا الْبَائِعِ) إلَّا لِمَانِعِ عَيْبٍ أَوْ زِيَادَةٍ   [رد المحتار] لَا يُقَالُ: لَا حَاجَةَ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَهُ الرَّدُّ بِرِضَا الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ لِبَيَانِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ وَالرَّدِّ بِرِضَا الْبَائِعِ، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رِضَا الْبَائِعِ بِالرَّدِّ يُبْطِلُ اخْتِيَارَ الْمُشْتَرِي الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ، فَلِذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي مُبْطِلَاتِ الرُّجُوعِ، فَلِلَّهِ دَرُّهُ بِمَا حَوَاهُ دُرُّهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلَهُ الرَّدُّ بِرِضَا الْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّ فِي الرَّدِّ إضْرَارٌ بِالْبَائِعِ لِكَوْنِهِ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ سَالِمًا عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ، فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِالضَّرَرِ فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ بَيْنَ الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ بِنُقْصَانٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمَتْنِ، فَلَوْ قَالَ وَلَمْ يَرْجِعْ بِنُقْصَانٍ لَكَانَ أَوْلَى نَهْرٌ. قُلْت: وَقَدْ أَفَادَ الشَّارِحُ هَذَا الْمَعْنَى بِذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا، ثُمَّ إنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِالضَّرَرِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ كَامِلًا، وَبِهِ صَرَّحَ الْقُهُسْتَانِيُّ حَيْثُ قَالَ غَيْرُ طَالِبٍ: أَيْ الْبَائِعُ لِحِصَّةِ النُّقْصَانِ. اهـ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ لَيْسَ لَهُ طَلَبُ حِصَّةِ النُّقْصَانِ الْحَادِثِ فَيَرُدُّ كُلَّ الثَّمَنِ. ثُمَّ رَأَيْتُهُ أَيْضًا فِي حَاشِيَةِ نُوحِ أَفَنْدِي حَيْثُ قَالَ لِسُقُوطِ حَقِّهِ بِرِضَاهُ بِالضَّرَرِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ. اهـ وَلْيَنْظُرْ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْعَيْنِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالسَّرِقَةُ. [تَنْبِيهٌ] أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِاشْتِرَاطِ رِضَا الْبَائِعِ إلَى فَرْعٍ فِي الْقُنْيَةِ لَوْ رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ تَقَايَلَا ثُمَّ ظَفِرَ الْبَائِعُ بِعَيْبٍ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلِلْبَائِعِ الرَّدُّ. اهـ يَعْنِي لِعَدَمِ رِضَاهُ بِهِ أَوَّلًا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ وَعَلِمَ الْبَائِعُ بِحُدُوثِ عَيْبٍ آخَرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي رَدَّ عَلَى الْمُشْتَرِي مَعَ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ أَوْ رَضِيَ بِالْمَرْدُودِ وَلَا شَيْءَ بِهِ وَإِنْ حَدَثَ فِيهِ عَيْبٌ آخَرُ عِنْدَ الْبَائِعِ رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِأَرْشِ الْعَيْبِ الثَّانِي إلَّا أَنْ يَرْضَى أَنْ يَقْبَلَهُ بِعَيْبِهِ الثَّالِثِ أَيْضًا. اهـ بَحْرٌ: هَذَا، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَعُودُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ (قَوْلُهُ إلَّا لِمَانِعِ عَيْبٍ) أَيْ إلَّا لِعَيْبٍ مَانِعٍ مِنْ الرَّدِّ؛ كَمَا لَوْ قَتَلَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ قَتَلَ آخَرَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَقَبِلَهُ الْبَائِعُ بِالْجِنَايَتَيْنِ لَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ عَلَى الْجِنَايَةِ الْأُولَى دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ كَانَ مُخْتَارًا لِلدَّاءِ فِيهِمَا، وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ بِعَدَمِ قَبْضِهِ ثُمَّ وَجَدَ فِيهِ عَيْبًا لَا يَرُدُّهُ وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ، وَإِنَّمَا تَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ كَذَا فِي النَّهْرِ ح (قَوْلُهُ أَوْ زِيَادَةٍ) أَيْ أَوْ إلَّا لِزِيَادَةٍ مَانِعَةٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي نَحْوِ الْخِيَاطَةِ ح مَطْلَبٌ فِي أَنْوَاعِ زِيَادَةِ الْبَيْعِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْمَبِيعِ إمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا نَوْعَانِ: مُتَّصِلَةٌ وَمُنْفَصِلَةٌ. وَالْمُتَّصِلَةُ نَوْعَانِ: مُتَوَلِّدَةٌ كَسِمَنٍ وَجَمَالٍ فَلَا تَمْنَعُ الرَّدَّ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَذَا بَعْدَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ قَبُولُهُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ ذَلِكَ، وَغَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ كَغَرْسٍ وَبِنَاءٍ وَصَبْغٍ وَخِيَاطَةٍ فَتَمْنَعُ الرَّدَّ مُطْلَقًا. وَالْمُنْفَصِلَةُ نَوْعَانِ: مُتَوَلِّدَةٌ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَالْأَرْشِ، فَقَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَمْنَعُ، فَإِنْ شَاءَ رَدَّهُمَا أَوْ رَضِيَ بِهِمَا بِجَمِيعِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 (كَأَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِهِ) أَيْ بِنُقْصَانِهِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ بِالْقَطْعِ (فَإِنْ قَبِلَهُ الْبَائِعُ كَذَلِكَ لَهُ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ. (وَلَوْ اشْتَرَى بَعِيرًا فَنَحَرَ فَوَجَدَ أَمْعَاءَهُ فَاسِدًا لَا) يَرْجِعُ لِإِفْسَادِ مَالِيَّتِهِ (كَمَا) لَا يَرْجِعُ (لَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ) كُلَّهُ   [رد المحتار] الثَّمَنِ، وَبَعْدَ الْقَبْضِ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ وَيَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ، وَغَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ كَكَسْبٍ وَغَلَّةٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ، فَقَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ فَإِذَا رَدَّ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي بِلَا ثَمَنٍ عِنْدَهُ وَلَا تَطِيبُ لَهُ: وَعِنْدَهُمَا لِلْبَائِعِ وَلَا تَطِيبُ لَهُ، وَبَعْدَ الْقَبْضِ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ أَيْضًا وَتَطِيبُ لَهُ الزِّيَادَةُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْمُتَّصِلَةِ الْغَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ مُطْلَقًا وَفِي الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ لَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا وَوَقَعَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْمُنْفَصِلَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ تَمْنَعُ الرَّدَّ، لَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ إنَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ يُخَيَّرُ كَمَا مَرَّ، وَبَعْدَ الْقَبْضِ يَرُدُّ الْمَبِيعَ وَحْدَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ سَهْوٌ، وَإِذْ هَذَا التَّفْصِيلُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ تَمْنَعُ الرَّدَّ، وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ الرَّدَّ وَهُوَ خِلَافُ مَا مَرَّ عَنْ الْقُنْيَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا، وَذَكَرَ نَحْوَهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ، وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ قَوْلَ الْفَتْحِ تَمْنَعُ الرَّدَّ مَعْنَاهُ تَمْنَعُ رَدَّ الْأَصْلِ وَحْدَهُ. قُلْت: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّ قَوْلَ الْفَتْحِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ يُرَدُّ الْمَبِيعُ وَحْدَهُ يُنَافِيهِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَصِيرُ رِبًا لِكَوْنِهِ صَارَ لِلْمُشْتَرِي بِلَا عِوَضٍ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ كَالْكَسْبِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَوَلَّدْ مِنْ الْمَبِيعِ بَلْ مِنْ مَنَافِعِهِ، فَلَمْ تَكُنْ مَبِيعَةً فَأَمْكَنَ أَنْ تُسَلَّمَ لِلْمُشْتَرِي مَجَّانًا، أَمَّا الْوَلَدُ فَإِنَّهُ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ الْمَبِيعِ فَلَهُ صِفَتُهُ، فَلَوْ سُلِّمَ لِلْمُشْتَرِي مَجَّانًا كَانَ رِبًا، وَنَحْوُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ كَأَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا) تَمْثِيلٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لَا لِلزِّيَادَةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ تَكْرَارٌ،؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ وَجَوَازَ رَدِّهِ بِرِضَا بَائِعِهِ فِي الثَّوْبِ مِنْ أَفْرَادِ مَا قَدَّمَهُ وَلَمْ تَظْهَرْ فَائِدَةٌ لِإِفْرَادِ الثَّوْبِ إلَّا لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ مَا إذَا خَاطَهُ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ وَلَوْ بِرِضَاهُ. اهـ ط (قَوْلُهُ فَقَطَعَهُ) وَوَطْءُ الْجَارِيَةِ كَالْقَطْعِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا نَهْرٌ، وَسَتَأْتِي مَسْأَلَةُ الْجَارِيَةِ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ) ذِكْرُ الْفَاءِ يُفِيدُ أَنَّ الْقَطْعَ لَوْ كَانَ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ فَلْيُرَاجَعْ. اهـ ح، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَاللُّبْسُ وَالرُّكُوبُ وَالْمُدَاوَاةُ رِضًا بِالْعَيْبِ إلَخْ (قَوْلُهُ فَاسِدًا) الْأَوْلَى فَاسِدَةً (قَوْلُهُ لَا يَرْجِعُ لِإِفْسَادِ مَالِيَّتِهِ) أَشَارَ بِهِ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا قَلْبَهَا، وَهُوَ أَنَّ النَّحْرَ إفْسَادٌ لِلْمَالِيَّةِ لِصَيْرُورَةِ الْمَبِيعِ بِهِ عُرْضَةً لِلنَّتْنِ وَالْفَسَادِ، وَلِذَا لَا يُقْطَعُ السَّارِقُ بِهِ فَاخْتَلَّ مَعْنَى قِيَامِ الْمَبِيعِ كَمَا فِي النَّهْرِ ح وَعَدَمُ الرُّجُوعِ قَوْلُ الْإِمَامِ، فِي الْخَانِيَّةِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ اشْتَرَى بَعِيرًا فَلَمَّا أَدْخَلَهُ دَارِهِ سَقَطَ فَذَبَحَهُ فَظَهَرَ عَيْبُهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ عِنْدَهُمَا وَبِهِ أَخَذَ الْمَشَايِخُ كَمَا لَوْ أَكَلَ طَعَامًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا، وَلَوْ عَلِمَ عَيْبَهُ قَبْلَ الذَّبْحِ فَذَبَحَهُ لَا يَرْجِعُ. اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْوَاقِعَاتِ: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْأَكْلِ فَكَذَا هُنَا. اهـ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَيَجِبُ تَقَيُّدُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا نَحَرَهُ وَحَيَاتُهُ مَرْجُوَّةٌ، أَمَّا إذَا أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ النَّحْرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَيْسَ إفْسَادًا لِلْمَالِيَّةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ كَمَا لَا يَرْجِعُ لَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ إلَخْ) أَيْ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ وَالْبَيْعُ مِثَالٌ، فَعَمّ مَا لَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ أَوْ قَبْلَهُ. كَمَا فِي الْفَتْحِ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ لِخَوْفِ تَلَفِهِ أَوْ لَا، حَتَّى لَوْ وَجَدَ السَّمَكَةَ الْمَبِيعَةَ مَعِيبَةً وَغَابَ الْبَائِعُ لَوْ انْتَظَرَهُ لَفَسَدَتْ فَبَاعَهَا لَمْ يَرْجِعْ أَيْضًا بِشَيْءٍ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ نَهْرٌ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ وَنَحْوَهُ مَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ حُدُوثِ عَيْبٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ قَبْلَهُ، إلَّا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 أَوْ بَعْضَهُ أَوْ وَهَبَهُ (بَعْد الْقَطْع) لِجَوَازِ رَدِّهِ مَقْطُوعًا لَا مَخِيطًا كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ قَطَعَهُ) الْمُشْتَرِي (وَخَاطَهُ أَوْ صَبَغَهُ) بِأَيِّ صَبْغٍ كَانَ عَيْنِيٌّ أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِسَمْنٍ أَوْ خَبَزَ الدَّقِيقَ أَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى (ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ) لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ لِحَقِّ الشَّرْعِ لِحُصُولِ الرِّبَا حَتَّى لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى الرَّدِّ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِهِ دُرَرٌ   [رد المحتار] إذَا كَانَ بَعْدَ زِيَادَةٍ كَخِيَاطَةٍ وَنَحْوِهَا كَمَا يَأْتِي، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ أَخْرَجَ الْمَبِيعَ عَنْ مِلْكِهِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لِمِلْكِهِ أَثَرٌ، بِأَنْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ بَعْضَهُ، وَإِنْ تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا لَا يَخْرُجُهُ عَنْ مِلْكِهِ بِأَنْ آجَرَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ كَانَ طَعَامًا فَطَبَخَهُ أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ أَوْ بَنَى فِي الْعَرْصَةِ أَوْ نَحْوَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا فِي الْكِتَابَةِ بَحْرٌ، لَكِنْ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ شَرَاهُ فَآجَرَهُ فَوَجَدَ عَيْبَهُ فَلَهُ نَقْضُ الْإِجَارَةِ وَرَدُّهُ بِعَيْبِهِ، بِخِلَافِ رَهْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ بَعْدَ فَكِّهِ. اهـ، وَالظَّاهِرُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ عَدَمِ رُجُوعِهِ بِالنُّقْصَانِ بَعْدَ الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ الْمُرَادُ بِهِ إذَا رَضِيَهُ الْبَائِعُ مَعِيبًا، فَحِينَئِذٍ لَا يَرْجِعُ بَلْ يَرُدُّهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ بَعْضَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَدُّ مَا بَقِيَ لِتَعَيُّبِهِ بِالْقَطْعِ أَوْ الشَّرِكَةِ، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِنُقْصَانِ الْبَاقِي كَمَا يُفِيدُهُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْقُهُسْتَانِيِّ: لَوْ بَاعَ بَعْضَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِالنُّقْصَانِ بِحِصَّةِ مَا بَاعَ، وَكَذَا بِحِصَّةِ مَا بَقِيَ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَمْ يَرُدَّهُ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ أَثْوَابًا فَبَاعَ بَعْضَهَا فَإِنَّ لَهُ رَدَّ الْبَاقِي كَمَا مَرَّ مَتْنًا قُبَيْلَ هَذَا الْبَابِ وَسَيَأْتِي أَيْضًا فِي قَوْلِهِ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ إلَخْ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ طَعَامًا وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لِجَوَازِ رَدِّهِ مَقْطُوعًا لَا مَخِيطًا) يَعْنِي أَنَّ الرَّدَّ بَعْدَ الْقَطْعِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ بِرِضَا الْبَائِعِ، فَلَمَّا بَاعَهُ الْمُشْتَرِي صَارَ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ بِالْبَيْعِ فَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لِكَوْنِهِ صَارَ مُفَوِّتًا لِلرَّدِّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ خَاطَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ، ثُمَّ بَاعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ الْخِيَاطَةَ مَانِعَةٌ مِنْ الرَّدِّ كَمَا يَأْتِي، فَبَيْعُهُ بَعْدَ امْتِنَاعِ الرَّدِّ لَا تَأْثِيرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ حَابِسًا لَهُ بِالْبَيْعِ كَمَا أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَالْأَصْلُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَمْكَنَ الْمُشْتَرِي رَدُّ الْمَبِيعِ الْقَائِمِ فِي مِلْكِهِ عَلَى الْبَائِعِ بِرِضَاهُ أَوْ بِدُونِهِ، فَإِذَا أَزَالَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ شُبْهَةٍ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُهُ رَدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ، فَإِذَا أَزَالَهُ عَنْ مِلْكِهِ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَنَحْوُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ بَنَى عَلَيْهِ مَسْأَلَةَ مَا لَوْ خَاطَ الثَّوْبَ لِطِفْلِهِ وَقَدْ مَرَّتْ (قَوْلُهُ وَخَاطَهُ) أَشَارَ بِهِ مَعَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ إلَى الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ الْغَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ وَقَدَّمْنَا بَيَانَهَا (قَوْلُهُ بِأَيِّ صَبْغٍ كَانَ) وَلَوْ أَسْوَدَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ السَّوَادُ نُقْصَانٌ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ أَخْذُهُ وَهُوَ اخْتِلَافُ زَمَانٍ. اهـ ح (قَوْلُهُ أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِسَمْنٍ) أَيْ خَلَطَهُ بِهِ، وَمِثْلُهُ أَوْ اتَّخَذَ الزَّيْتَ الْمَبِيعَ صَابُونًا وَهِيَ وَاقِعَةُ الْحَالِ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى) أَيْ فِي الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ ط (قَوْلُهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ) أَيْ فِي السَّوِيقِ أَوْ الثَّوْبِ بَعْدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنَحٌ، قَالَ ح، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَوْ كَانَتْ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُ مِسْكِينٍ وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا وَقْتَ الصَّبْغِ وَاللَّتِّ. اهـ. (قَوْلُهُ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْفَسْخِ فِي الْأَصْلِ دُونَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ، وَلَا وَجْهَ إلَيْهِ مَعَهَا لِحَقِّ الشَّرْعِ إلَخْ (قَوْلُهُ لِحُصُولِ الرِّبَا) فَإِنَّ الزِّيَادَةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ فَضْلًا مُسْتَحَقًّا فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ بِلَا مُقَابِلٍ وَهُوَ مَعْنَى الرِّبَا أَوْ شَبَهُهُ، وَلِشُبْهَةِ الرِّبَا حُكْمُ الرِّبَا فَتْحٌ. وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الْوَانِي مِنْ قَوْلِهِ، وَفِيهِ أَنَّ حُرْمَةَ الرِّبَا بِالْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَهُمَا مَفْقُودَانِ هَاهُنَا فَتَأَمَّلْ. اهـ، وَيُوَضِّحُ الدَّفْعَ قَوْلُهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ إنَّهُ كَلَامٌ غَيْرُ مُحَرَّرٍ، فَإِنَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 ابْنُ كَمَالٍ (كَمَا) يَرْجِعُ (لَوْ بَاعَهُ) أَيْ الْمُمْتَنِعُ رَدَّهُ (فِي هَذِهِ الصُّوَرِ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ) قَبْلَ الرِّضَا بِهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً (أَوْ مَاتَ الْعَبْدُ) الْمُرَادُ هَلَاكُ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي (أَوْ أَعْتَقَهُ) أَوْ دَبَّرَ أَوْ اسْتَوْلَدَ أَوْ وَقَفَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِعَيْبِهِ   [رد المحتار] الرِّبَا لَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ عِنْدَهُمْ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ، لِقَوْلِهِمْ إنَّ الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ مِنْ الرِّبَا، وَهِيَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ وَحَقِيقَةُ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ هِيَ زِيَادَةُ مَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُلَائِمُهُ، فَفِيهَا فَضْلٌ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ وَهُوَ الرِّبَا كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّرْفِ (قَوْلُهُ أَيْ الْمُمْتَنِعُ رَدُّهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ) أَيْ صُوَرِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ مِنْ خِيَاطَةٍ وَنَحْوِهَا. وَأَفَادَ أَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ سَابِقٌ عَلَى الْبَيْعِ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ فَتَقَرَّرَ بِهَا الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَيَبْقَى لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْبَيْعِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ بِالْفَسْخِ، فَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لَمَّا امْتَنَعَ لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي بِبَيْعِهِ حَابِسًا لَهُ. (قَوْلُهُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ) وَكَذَا قَبْلَهَا بِالْأَوْلَى ح (قَوْلُهُ قَبْلَ الرِّضَا بِهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً) لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ هَذَا الْقَيْدَ هُنَا بَعْدَ مُرَاجَعَةِ كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا رَأَيْته فِي حَوَاشِي الْمِنَحِ لِلْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ ذَكَرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ مَاتَ الْعَبْدُ وَهُوَ فِي مَحَلِّهِ كَمَا تَعْرِفُهُ قَرِيبًا. أَمَّا هُنَا فَلَا مَحَلَّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَرْضَ عَلَى الْبَيْعِ رِضًا بِالْعَيْبِ كَمَا سَيَأْتِي، وَهُنَا وُجِدَ الْبَيْعُ حَقِيقَةً وَلَمْ يَمْتَنِعْ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ لِتَقَرُّرِ الرُّجُوعِ قَبْلَهُ كَمَا عَلِمْته آنِفًا فَكَأَنَّ الشَّارِحَ رَأَى هَذَا الْقَيْدَ فِي حَوَاشِي شَيْخِهِ فَسَبَقَ قَلَمُهُ فَكَتَبَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ مَاتَ الْعَبْدُ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَهِي بِالْمَوْتِ، وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ فَكَانَ بَقَاءُ الْمِلْكِ قَائِمًا وَالرَّدُّ مُتَعَذِّرٌ وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلرُّجُوعِ، وَتَمَامُهُ فِي ح عَنْ الْفَتْحِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا: أَيْ مَوْتِ الْعَبْدِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ أَوْ قَبْلَهَا. اهـ، لَكِنْ إذَا كَانَ الْمَوْتُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الرِّضَا بِهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً كَمَا ذَكَرَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَأَى الْعَيْبَ وَقَالَ رَضِيت بِهِ أَوْ عَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ اسْتَخْدَمَهُ مِرَارًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ دَلَالَةً عَلَى الرِّضَا امْتَنَعَ رَدُّهُ وَالرُّجُوعُ نُقْصَانِهِ، لَوْ بَقِيَ الْعَبْدُ حَيًّا، فَكَذَا أَوْ مَاتَ بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ الْمُرَادُ هَلَاكُ الْمَبِيعِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَوْ قَالَ أَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ لَكَانَ أَفْوَدَ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْفُصُولِ: ذَهَبَ إلَى بَائِعِهِ لِيَرُدَّهُ بِعَيْبِهِ فَهَلَكَ فِي الطَّرِيقِ هَلَكَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَرْجِعُ بِنَقْصِهِ وَفِي الْقُنْيَةِ: اشْتَرَى جِدَارًا مَائِلًا فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى سَقَطَ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ. اهـ. وَفِي الْحَاوِي: اشْتَرَى أَثْوَابًا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا سِتَّةَ عَشَرَ ذِرَاعًا فَبَلَغَ بِهَا إلَى بَغْدَادَ فَإِذَا هِيَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَرَجَعَ بِهَا لِيَرُدَّهَا وَهَلَكَتْ فِي الطَّرِيقِ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْقِيمَةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ أَوْ أَعْتَقَهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَرْجِعَ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْقَتْلِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إنْهَاءُ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَا خُلِقَ فِي الْأَصْلِ مَحَلًّا لِلْمِلْكِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْمِلْكُ فِيهِ مُؤَقَّتًا إلَى الْإِعْتَاقِ إنْهَاءً كَالْمَوْتِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَتَقَرَّرُ بِانْتِهَائِهِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ وَالرَّدَّ مُتَعَذِّرٌ، وَالتَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ بِمَنْزِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ النَّقْلُ مَعَ بَقَاءِ الْمَحَلِّ بِالْأَمْرِ الْحُكْمِيِّ. اهـ ح (قَوْلُهُ أَوْ وَقَفَ) فَإِذَا وَقَفَ الْمُشْتَرِي الْأَرْضَ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ، وَفِي جَعْلِهَا مَسْجِدًا اخْتِلَافٌ، وَالْمُخْتَارُ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَمَا رَجَعَ بِهِ يُسَلَّمُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْوَقْفِ. اهـ نَهْرٌ (قَوْلُهُ قَبْلَ عِلْمِهِ) ظَرْفٌ لِأَعْتَقَهُ وَمَا بَعْدَهُ. اهـ ح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 (أَوْ كَانَ) الْمَبِيعُ (طَعَامًا فَأَكَلَهُ أَوْ بَعْضَهُ) أَوْ أَطْعَمَهُ عَبْدَهُ أَوْ مُدَبَّرَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ حَتَّى تَخَرَّقَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ اسْتِحْسَانًا عِنْدَهُمَا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بَحْرٌ   [رد المحتار] وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَلَاكَ الْمَبِيعِ لَيْسَ كَإِعْتَاقِهِ، فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ أَوْ قَبْلَهُ. وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ فَمَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ بِنُقْصَانِهِ بِخِلَافِهِ قَبْلَهُ، وَلَيْسَ إعْتَاقُهُ كَاسْتِهْلَاكِهِ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَهْلَكَهُ فَلَا رُجُوعَ مُطْلَقًا إلَّا فِي الْأَكْلِ عِنْدَهُمَا بَحْرٌ ط (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ طَعَامًا فَأَكَلَهُ) احْتَرَزَ بِالْأَكْلِ عَنْ اسْتِهْلَاكِهِ بِغَيْرِهِ، فَفِي الذَّخِيرَةِ، قَالَ الْقُدُورِيُّ: وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا أَوْ طَعَامًا وَأَحْرَقَ الثَّوْبَ أَوْ اسْتَهْلَكَ الطَّعَامَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ بِالنُّقْصَانِ بِلَا خِلَافٍ. اهـ وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَرْجِعْ إجْمَاعًا كَمَا فِي السِّرَاجِ لَكِنْ فِي بَيْعِ بَعْضِهِ الْخِلَافُ الْآتِي، وَأَرَادَ بِالطَّعَامِ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ. مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ أَكَلَ بَعْضَ الطَّعَامِ (قَوْلُهُ فَأَكَلَهُ أَوْ بَعْضَهُ) أَيْ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّجُوعَ فِيمَا إذَا أَطْعَمَهُ عَبْدَهُ أَوْ مُدَبَّرَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ حَتَّى تَخَرَّقَ مُقَيَّدٌ بِمَا قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ، فَلَوْ أَخَّرَ الشَّارِحُ قَوْلَهُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِعَيْبِهِ عَنْ قَوْلِهِ أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ حَتَّى تَخَرَّقَ لِيَكُونَ قَيْدًا فِي الْمَسَائِلِ الْعَشَرَةِ لَكَانَ أَوْلَى ح قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ فِي الْفَتْحِ قَالَ بَعْدَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ: وَفِي الْكِفَايَةِ كُلُّ تَصَرُّفٍ يُسْقِطُ خِيَارَ الْعَيْبِ إذَا وَجَدَهُ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ فَلَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ؛ لِأَنَّهُ كَالرِّضَا بِهِ. [تَنْبِيهٌ] وَقَعَ فِي الْمِنَحِ أَوْ أَكَلَهُ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ أَوْ أَطْعَمَهُ عَبْدَهُ أَوْ مُدَبَّرَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ) إنَّمَا يَرْجِعُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ، يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ وَالْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ إنَّمَا أَكَلُوا الطَّعَامَ عَلَى مِلْكِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ، وَإِنْ مَلَكُوا فَكَانَ مِلْكُهُ بَاقِيًا فِي الطَّعَامِ، وَالرَّدُّ مُتَعَذِّرٌ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي الْإِعْتَاقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْعَمَهُ طِفْلَهُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِمَّا سَيَأْتِي حَيْثُ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَبْسَ الْمَبِيعِ بِالتَّمْلِيكِ مِنْ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ. اهـ ح (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ اسْتِحْسَانًا عِنْدَهُمَا) الَّذِي فِي الْهِدَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ عَدَمُ الرُّجُوعِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ فَلْيُحَرَّرْ. اهـ ح. قُلْت: مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ قَوْلُهُمَا ذَكَرَهُ فِي الِاخْتِيَارِ، وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ عَكْسُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ فَلِذَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَتْنِهِ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ، لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَهُ: إنَّ جَعْلَ الْهِدَايَةِ قَوْلَ الْإِمَامِ اسْتِحْسَانًا مَعَ تَأْخِيرِهِ وَجَوَابَهُ عَنْ دَلِيلِهِمَا يُفِيدُ مُخَالَفَتَهُ فِي كَوْنِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِمَا مَشَوْا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ حَتَّى تَخَرَّقَ مِنْ اللُّبْسِ أَوْ أَكَلَ الطَّعَامَ لَا يَرْجِعُ عِنْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لَهُمَا. اهـ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ وَلَكِنْ صَحَّحُوا قَوْلَهُمَا بِأَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَلَفْظُ الْفَتْوَى آكَدُ أَلْفَاظِ التَّصْحِيحِ وَلَا سِيَّمَا هُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ كَمَا يَأْتِي فَلِذَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَتْنِهِ وَهَذَا فِي الْأَكْلِ أَمَّا الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ فَلَا رُجُوعَ فِيهِ إجْمَاعًا كَمَا عَلِمْت، وَيَأْتِي وَجْهُ الْفَرْقِ. [تَنْبِيهٌ] ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ إلَّا فِي أَكْلِ الطَّعَامِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ أَفَادَهُ ح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 وَعَنْهُمَا يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ مَا أَكَلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اخْتِيَارٌ وَقُهُسْتَانِيُّ وَلَوْ كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ فَلَهُ رَدُّ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ اتِّفَاقًا ابْنُ كَمَالٍ وَابْنُ مَلَكٍ   [رد المحتار] قُلْت: الظَّاهِرُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي مَسَائِلِ الْإِطْعَامِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَكَلَ الطَّعَامَ لَا يَرْجِعُ عِنْدَ الْإِمَامِ، فَكَذَا إذَا أَطْعَمَهُ عَبْدَهُ بِالْأَوْلَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَنْهُمَا يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ مَا أَكَلَ) هَذِهِ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ عَنْهُمَا فِي صُورَةِ أَكْلِ الْبَعْضِ، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِي الْكُلِّ، فَلَا يَرُدُّ مَا بَقِيَ، هَكَذَا نَقَلَ عَنْهُمَا الْقُدُورِيُّ فِي التَّقْرِيبِ وَتَبِعَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الْأُولَى قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَالثَّانِيَةَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَلَا يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَلَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ مَا أَكَلَ وَلَا مَا بَقِيَ. فِي الذَّخِيرَةِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الِاخْتِيَارِ وَالْخُلَاصَةِ، وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْمُجْتَبَى، فَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ وَهَذَا كُلُّهُ فِي أَكْلِ الْبَعْضِ. أَمَّا لَوْ بَاعَ بَعْضَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ عِنْدَهُمَا لَا يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَلَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ مَا بَاعَ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ. وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو اللَّيْثِ يُفْتِيَانِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ رِفْقًا بِالنَّاسِ، وَاخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ. اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَرْجِعُ بِنَقْصِ مَا بَاعَ وَيَرُدُّ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْمُجْتَبَى وَالْمَوَاهِبِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْبَعْضَ أَوْ أَكَلَهُ يَرُدُّ الْبَاقِيَ وَيَرْجِعُ بِنَقْصِ مَا أَكَلَ لَا بِنَقْصِ مَا بَاعَ. وَالْفَرْقُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّهُ بِالْأَكْلِ تَقَرَّرَ الْعَقْدُ، فَتَقَرَّرَ أَحْكَامُهُ، وَبِالْبَيْعِ يَنْقَطِعُ الْمِلْكُ فَتَنْقَطِعُ أَحْكَامُهُ، قَالَ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى غُلَامَيْنِ فَقَبَضَهُمَا وَبَاعَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ وَجَدَ بِهِمَا عَيْبًا يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَلَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ مَا بَاعَ بِالْإِجْمَاعِ، فَكَذَا هُنَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُتُونِ لَوْ وَجَدَ بِبَعْضِ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ عَيْبًا لَهُ رَدُّ كُلِّهِ أَوْ أَخْذُهُ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ. إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ كُلُّهُ بَاقِيًا فِي مِلْكِهِ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ لَهُ رَدُّ كُلِّهِ، فَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا إذَا بَقِيَ كُلُّهُ وَبَيْنَ مَا إذَا تَصَرَّفَ بِبَعْضِهِ بِبَيْعٍ أَوْ أَكْلٍ. أَوْ يُقَالُ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ غَيْرِ مُحَمَّدٍ تَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] الطَّعَامُ فِي عُرْفِهِمْ الْبُرُّ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا هُوَ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ مِنْ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْ الذَّخِيرَةِ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: وَلَوْ كَانَ غَزْلًا فَنَسَجَهُ أَوْ فَيْلَقًا فَجَعَلَهُ إبْرَيْسَمًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ رَطْبًا وَانْتَقَصَ وَزْنُهُ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ. اهـ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْأَكْلَ غَيْرُ قَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ مِلْكِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْقِيَمِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ كَمَا لَا يَرْجِعُ لَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ إلَخْ (قَوْلُهُ ابْنُ كَمَالٍ) حَيْثُ قَالَ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الطَّعَامُ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي وِعَاءٍ، فَإِنْ كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ فَلَهُ رَدُّ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فِي قَوْلِهِمْ كَذَا فِي الْحَقَائِقِ وَالْخَانِيَّةِ. اهـ. قُلْت: وَلَفْظُ الْخَانِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ فَأَكَلَ مَا فِي أَحَدِهِمَا أَوْ بَاعَ ثُمَّ عَلِمَ بِعَيْبٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ بِمَنْزِلِهِ أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ، فَكَانَ الْحُكْمُ فِيهِ مَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْعَبْدَيْنِ وَالثَّوْبَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ رَدِّ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ، نَعَمْ نَقَلَ الْعَلَّامَةُ فِي تَصْحِيحِهِ عَنْ الذَّخِيرَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 وَسَيَجِيءُ. قُلْت: فَعَلَى مَا فِي الِاخْتِيَارِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ يَتَرَجَّحُ الْقِيَاسُ قُنْيَةٌ. (وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ) أَوْ كَاتَبَهُ (أَوْ قَتَلَهُ) أَوْ أَبَقَ أَوْ أَطْعَمَهُ طِفْلَهُ أَوْ امْرَأَتَهُ أَوْ مُكَاتَبَهُ أَوْ ضَيْفَهُ مُجْتَبًى بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى عَيْبٍ، كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ   [رد المحتار] إنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوِعَاءِ وَالْأَوْعِيَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَعْضَ بِالْعَيْبِ، وَإِطْلَاقُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ. ثُمَّ قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَأَرْفَقُ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ قُبَيْلَ قَوْلِهِ اشْتَرَى جَارِيَةً، لَكِنَّ الَّذِي سَيَجِيءُ هُوَ تَرْجِيحُ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْوِعَاءِ وَالْأَكْثَرِ (قَوْلُهُ فَعَلَى مَا فِي الِاخْتِيَارِ إلَخْ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَعَنْهُمَا يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ إلَخْ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ قِيَاسٌ لِذِكْرِهِ لَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ اسْتِحْسَانًا عِنْدَهُمَا. مَطْلَبٌ يُرَجَّحُ الْقِيَاسُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا اسْتِحْسَانُ، وَالثَّانِيَةَ قِيَاسٌ، فَيَكُونُ تَرْجِيحُ الثَّانِيَةِ كَمَا وَقَعَ فِي الِاخْتِيَارِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ تَرْجِيحِ الْقِيَاسِ عَنْ الِاسْتِحْسَانِ، هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِ الشَّارِحِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّ الشَّارِحَ وَافَقَ هُنَا مَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ قَوْلُهُمَا فَافْهَمْ، نَعَمْ مَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ خِلَافُ الْمَفْهُومِ مِنْ كَلَامِهِمْ، فَقَدْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَأَمَّا الْأَكْلُ فَعَلَى الْخِلَافِ، عِنْدَهُمَا يَرْجِعُ، وَعِنْدَهُ لَا يَرْجِعُ اسْتِحْسَانًا. وَإِنْ أَكَلَ بَعْضَ الطَّعَامِ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ فَكَذَا الْجَوَابُ عِنْدَهُ وَعَنْهُمَا أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِي الْكُلِّ. وَعَنْهُمَا أَنَّهُ يَرُدُّ مَا بَقِيَ. اهـ. وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: عِنْدَهُمَا يَرْجِعُ اسْتِحْسَانًا، وَعِنْدَهُ لَا يَرْجِعُ إلَخْ فَإِنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ فِي الْهِدَايَةِ جَعَلَ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَهُمَا قِيَاسًا، وَعَدَمَهُ عِنْدَهُ اسْتِحْسَانًا. وَفِي الِاخْتِيَارِ بِالْعَكْسِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَهُمَا قِيلَ إنَّهُ قِيَاسٌ، وَقِيلَ إنَّهُ اسْتِحْسَانٌ، ثُمَّ بَعْدَ قَوْلِهِمَا بِالرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ فَفِي صُورَةِ أَكْلِ الْبَعْضِ، عَنْهُمَا رِوَايَتَانِ: الْأُولَى يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْكُلِّ فَلَا يَرُدُّ الْبَاقِيَ، وَالثَّانِيَةُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ مَا أَكَلَ فَقَطْ وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا مَا يُفِيدُ أَنَّ إحْدَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ قِيَاسٌ وَالْأُخْرَى اسْتِحْسَانٌ كَمَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ، بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا قِيَاسٌ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالِاسْتِحْسَانُ قَوْلُ الْإِمَامِ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ بِشَيْءٍ أَصْلًا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا اسْتِحْسَانٌ عَلَى مَا فِي الِاخْتِيَارِ، وَالْقِيَاسُ قَوْلُ الْإِمَامِ الْمَذْكُورِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ) أَيْ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَ بَدَلَهُ، وَحَبْسُ الْبَدَلِ كَحَبْسِ الْمُبْدَلِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ بِعِوَضٍ ح، عَنْ الْهِدَايَةِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرْجِعُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ (قَوْلُهُ أَوْ كَاتَبَهُ) هِيَ بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ مُغْنٍ عَنْ الْكَلَامِ فِيهَا ح (قَوْلُهُ أَوْ قَتَلَهُ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَتْلَ لَمْ يُعْهَدَ شَرْعًا إلَّا مَضْمُونًا، وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْ الْمَوْلَى بِسَبَبِ الْمِلْكِ فَصَارَ كَالْمُسْتَفِيدِ بِهِ عِوَضًا، وَهُوَ سَلَامَةُ نَفْسِهِ عَنْ الْقَتْلِ إنْ كَانَ عَمْدًا أَوْ الدِّيَةِ إنْ كَانَ خَطَأً فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ طِفْلَهُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ الْوَلَدُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْعِلَّةُ وَهِيَ أَهْلِيَّةُ الْمِلْكِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ تَشْمَلُهُمَا. اهـ ح (قَوْلُهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ) حَيْثُ قَالَ، فَلَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ قَتَلَهُ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى عَيْبٍ، وَقَالَ مُحَشِّيهِ الرَّمْلِيُّ: صَوَابُهُ قَبْلَ اطِّلَاعِهِ إذْ هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذْ بَعْدَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 تَبَعًا لِلْعَيْنِيِّ فِي الرَّمْزِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْمَجْمَعِ فِي الْجَمِيعِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَأَقَرَّهُ شُرَّاحُهُ حَتَّى الْعَيْنِيُّ، فَيُفِيدُ الْبَعْدِيَّةَ بِالْأَوْلَوِيَّةِ فَتَنَبَّهْ (لَا) يَرْجِعُ بِشَيْءٍ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِفِعْلِهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ لِلْبَائِعِ أَخَذَهُ مَعِيبًا لَا يَرْجِعُ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَإِلَّا رَجَعَ اخْتِيَارٌ. وَفِيهِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْأَكْلِ وَأَقَرَّهُ الْقُهُسْتَانِيُّ. (شَرَى نَحْوَ بَيْضٍ وَبِطِّيخٍ) كَجَوْزٍ وَقِثَّاءٍ (فَكَسَرَهُ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا يَنْتَفِعُ بِهِ) وَلَوْ عَلَفًا لِلدَّوَابِّ (فَلَهُ) إنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ عِلْمِهِ بِعَيْبِهِ (نُقْصَانُهُ) إلَّا إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِهِ، وَلَوْ عَلِمَ بِعَيْبِهِ قَبْلَ كَسْرِهِ فَلَهُ رَدُّهُ (وَإِنْ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ أَصْلًا   [رد المحتار] لَا يَرْجِعُ إجْمَاعًا، وَلِهَذَا لَمْ يُقَيِّدْ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَأَكْثَرُ الشُّرَّاحِ، وَكَأَنَّهُ تَبِعَ الْعَيْنِيَّ فِيهِ وَهُوَ سَهْوٌ (قَوْلُهُ فِي الرَّمْزِ) أَيْ شَرْحِ الْكَنْزِ (قَوْلُهُ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْمَجْمَعْ فِي الْجَمِيعِ) أَيْ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ، وَهِيَ: الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ وَالْكِتَابَةُ وَالْإِبَاقُ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ إجْمَاعًا لَوْ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ، لَا لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَبْقَى فَرْقٌ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَالْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ، إذْ الْفَرْقُ وَاضِحٌ وَهُوَ ثُبُوتُ الرُّجُوعِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَعَدَمُهُ فِي هَذِهِ إجْمَاعًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ حَتَّى الْعَيْنِيَّ) أَيْ فِي شَرْحِهِ عَلَى نَظْمِ الْمَجْمَعِ، أَيْ فَنَاقَضَ كَلَامَهُ فِي الرَّمْزِ (قَوْلُهُ بِالْأَوْلَوِيَّةِ) أَيْ لِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ يَمْتَنِعُ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهَا دَلِيلُ الرِّضَا، (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ إلَخْ) قَدَّمْنَا بَيَانَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ لِجَوَازِ رَدِّهِ مَقْطُوعًا لَا مَخِيطًا وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ بِنَاءَهُ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ (قَوْلُهُ وَفِيهِ إلَخْ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا قَدَّمَهُ قَرِيبًا ح (قَوْلُهُ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا إلَخْ) لَوْ قَالَ فَوَجَدَهُ مَعِيبًا لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مِنْ عَيْبِ الْجَوْزِ قِلَّةَ لُبِّهِ وَسَوَادَهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَصَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّهُ عَيْبٌ لَا فَسَادٌ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فَوَجَدَهُ أَيْ الْمَبِيعَ عَمَّا إذَا كَسَرَ الْبَعْضَ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ أَوْ يَرْجِعُ بِنَقْصِهِ فَقَطْ وَلَا يَقِيسُ الْبَاقِيَ عَلَيْهِ، وَلِذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا يَرُدُّ الْبَاقِيَ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ أَنَّ الْبَاقِيَ فَاسِدٌ. اهـ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ، وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ إلَخْ أَيْ يَرُدُّ مَا كَسَرَهُ لَوْ غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهِ أَوْ يَرْجِعُ بِنَقْصِهِ فَقَطْ لَوْ يُنْتَفَعُ بِهِ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهُ شَيْئًا) فَلَوْ كَسَرَهُ فَذَاقَهُ ثُمَّ تَنَاوَلَ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَرْجِعْ بِنُقْصَانِهِ لِرِضَاهُ بِهِ، وَيَنْبَغِي جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ أَكَلَ الطَّعَامَ بَحْرٌ، وَأَصْلُ الْبَحْثِ لِلزَّيْلَعِيِّ. وَاعْتَرَضَهُ ط بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الطَّعَامِ إذَا عَلِمَ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْأَكْلِ لَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ نُقْصَانُهُ) أَيْ لَهُ نُقْصَانُ عَيْبِهِ لَا رَدُّهُ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ عَيْبٌ حَادِثٌ بَحْرٌ وَغَيْرُهُ. قُلْت: الْكَسْرُ فِي الْجَوْزِ يَزِيدُ فِي ثَمَنِهِ، فَهُوَ زِيَادَةٌ لَا عَيْبٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِهِ) أَيْ بِأَخْذِهِ مَعِيبًا بِالْكَسْرِ، فَلَا رُجُوعَ لِلْمُشْتَرِي بِنُقْصَانِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلِمَ) أَيْ الْمُشْتَرِي بِعَيْبِهِ قَبْلَ كَسْرِهِ: أَيْ وَلَمْ يَكْسِرْهُ. قَالَ فِي النَّهْرِ: فَلَوْ كَسَرَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ لَا يَرُدُّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ رَاضِيًا. اهـ وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا فَقَالَ لَا يَرُدُّهُ وَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ،؛ لِأَنَّ كَسْرَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ دَلِيلُ الرِّضَا انْتَهَى، لَكِنَّ الزَّيْلَعِيَّ ذَكَرَ هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ أَصْلًا، وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ مَحَلَّهُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ أَصْلًا يَرُدُّهُ. وَيَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ أَصْلًا) بِأَنْ كَانَ الْبَيْضُ مُنْتِنًا وَالْقِثَّاءُ مُرًّا وَالْجَوْزُ خَاوِيًا، وَمَا فِي الْعَيْنِيِّ أَوْ مُزَنِّخًا فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَأْكُلُهُ الْفُقَرَاءُ نَهْرٌ. قُلْت: وَكَذَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِاسْتِخْرَاجِ دُهْنِهِ، لَكِنْ هَذَا لَوْ كَانَ كَثِيرًا، بَلْ قَدْ يُقَالُ وَلَوْ قَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ يُبَاعُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 فَلَهُ كُلُّ الثَّمَنِ) لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ، وَلَوْ كَانَ أَكْثَرُهُ فَاسِدًا جَازَ بِحِصَّتِهِ عِنْدَهُمَا نَهْرٌ. وَفِي الْمُجْتَبَى: لَوْ كَانَ سَمْنًا ذَائِبًا فَأَكَلَهُ ثُمَّ أَقَرَّ بَائِعُهُ بِوُقُوعِ فَأْرَةٍ فِيهِ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عِنْدَهُمَا، وَبِهِ يُفْتَى. (بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ فَرَدَّ) الْمُشْتَرِي الثَّانِيَ (عَلَيْهِ بِعَيْبٍ رَدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ   [رد المحتار] لِمَنْ يَسْتَخْرِجُ دُهْنَهُ فَيَكُونُ لَهُ قِيمَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوْزَةً أَوْ جَوْزَتَيْنِ مَثَلًا (قَوْلُهُ فَلَهُ كُلُّ الثَّمَنِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالْكَسْرِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، فَكَأَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلًا قَبْلَ هَذَا صَحِيحٌ فِي الْجَوْزِ الَّذِي لَا قِيمَةَ لِقِشْرِهِ. أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ قِيمَةٌ بِأَنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يُبَاعُ فِيهِ قِشْرُهُ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ اللُّبِّ فَقَطْ، وَقِيلَ يَرُدُّهُ وَيَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ بِاعْتِبَارِ اللُّبِّ، وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ يُفِيدُ تَرْجِيحَهُ، وَكَذَا فِي الْبَيْضِ. أَمَّا بَيْضُ النَّعَامَةِ إذَا وُجِدَ فَاسِدًا بَعْدَ الْكَسْرِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَعَلَيْهِ جَرَى فِي الْفَتْحِ أَنَّ هَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ بَيْضِ النَّعَامَةِ قَبْلَ الْكَسْرِ بِاعْتِبَارِ الْقِشْرِ وَمَا فِيهِ جَمِيعًا. قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَصَّلَ، بِأَنْ يُقَالَ هَذَا فِي مَوْضِعٍ يُقْصَدُ فِيهِ الِانْتِفَاعُ بِالْقِشْرِ. أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُقْصَدُ الِانْتِفَاعُ إلَّا بِالْمُحِّ بِأَنْ كَانَ فِي بَرِّيَّةٍ وَالْقِشْرُ لَا يَنْتَقِلُ كَانَ كَغَيْرِهِ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَرِّ: وَلَا يَخْفَى عَلَيْك فَسَادُ هَذَا التَّفْصِيلِ، فَإِنَّ هَذَا الْقِشْرَ مَقْصُودٌ بِالشِّرَاءِ فِي نَفْسِهِ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ، وَمَا ذَكَرَهُ لَا يَنْهَضُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَّفِقُ فِي كَثِيرٍ مِمَّا اتَّفَقُوا عَلَى صِحَّةِ بَيْعِهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُوجِبًا لِفَسَادِ الْبَيْعِ. اهـ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ أَكْثَرُهُ فَاسِدًا جَازَ بِحِصَّتِهِ) أَيْ بِحِصَّةِ الصَّحِيحِ مِنْهُ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَكَذَا فِي النَّهْرِ عَنْ النِّهَايَةِ: أَمَّا عِنْدَهُ فَلَا يَصِحُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ. وَوَجْهُ الْأَصَحِّ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ فَصَلَ ثَمَنَهُ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَسِمُ ثَمَنُهُ عَلَى أَجْزَائِهِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَا عَلَى قِيمَتِهِ. اهـ أَيْ بِخِلَافِ الْحُرِّ مَعَ الْعَبْدِ. [تَنْبِيهٌ] عَبَّرَ بِالْأَكْثَرِ تَبَعًا لَلْعَيْنِيّ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ مُخْتَلٌّ، وَالصَّوَابُ تَعْبِيرُ النَّهْرِ وَغَيْرِهِ بِالْكَثِيرِ. قُلْت: وَهُوَ مَدْفُوعٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ فِيمَا يَكُونُ أَكْثَرُهُ فَاسِدًا يَصِحُّ فِيمَا يَكُونُ الْكَثِيرُ مِنْهُ فَاسِدًا بِالْأَوْلَى فَافْهَمْ، نَعَمْ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْكَثِيرِ لِيُفِيدَ صِحَّةَ الْبَيْعِ فِي الْكُلِّ إذَا كَانَ الْفَاسِدُ مِنْهُ قَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، إذْ لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلٍ فَاسِدٍ فَكَانَ كَقَلِيلِ التُّرَابِ فِي الْحِنْطَةِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ أَصْلًا، وَفِي الْقِيَاسِ يَفْسُدُ كَمَا فِي الْفَتْحِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْقَلِيلُ مَا لَا يَخْلُو عَنْهُ الْجَوْزُ عَادَةً كَالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ فِي الْمِائَةِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْوَاحِدَ فِي الْعَشَرَةِ كَثِيرٌ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْقُنْيَةِ. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: الثَّلَاثَةُ عَفْوٌ يَعْنِي فِي الْمِائَةِ. اهـ وَفِي الْبَحْرِ: الْقَلِيلُ الثَّلَاثَةُ وَمَا دُونَهَا فِي الْمِائَةِ وَالْكَثِيرُ مَا زَادَ. اهـ. وَفِي الْفَتْحِ: وَجَعَلَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الْخَمْسَةَ وَالسِّتَّةَ فِي الْمِائَةِ مِنْ الْجَوْزِ عَفْوًا. اهـ. مَطْلَبٌ وَجَدَ فِي الْحِنْطَةِ تُرَابًا [فَرْعٌ] اشْتَرَى أَقْفِزَةَ حِنْطَةٍ أَوْ سِمْسِمٍ فَوَجَدَ فِيهِ تُرَابًا، إنْ كَانَ يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ عَادَةً لَا يُرَدُّ، وَإِلَّا فَإِنْ أَمْكَنَهُ رَدُّ كُلِّ الْمَبِيعِ يَرُدُّهُ، وَلَوْ أَرَادَ حَبْسَ الْحِنْطَةِ وَرَدَّ التُّرَابِ أَوْ الْمَعِيبِ مُمَيَّزًا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ مَيَّزَ التُّرَابَ وَأَرَادَ أَنْ يَخْلِطَهُ وَيَرُدَّ إنْ أَمْكَنَهُ الرَّدُّ عَلَى ذَلِكَ الْكَيْلِ رَدَّهُ وَإِلَّا بِأَنْ نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ الْكَيْلِ شَيْءٌ لَا وَرَجَعَ بِنُقْصَانِ الْحِنْطَةِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِأَخْذِهَا نَاقِصَةً بَزَّازِيَّةٌ وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ لَمْ يُعَدَّ ذَلِكَ التُّرَابُ عَيْبًا فَلَا رَدَّ، وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَفْحُشْ يُرَدُّ، وَإِنْ فَحُشَ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَخْذِ الْحِنْطَةِ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ أَوْ رَدِّهَا وَأَخْذِ كُلِّ الثَّمَنِ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) هَذِهِ مِنْ أَفْرَادِ مَسْأَلَةِ الْأَكْلِ السَّابِقَةِ ط فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهَا هُنَاكَ (قَوْلُهُ رَدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ) مَعْنَاهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْأَوَّلَ وَيَفْعَلَ مَا يَجِبُ أَنْ يُفْعَلَ عِنْدَ قَصْدِ الرَّدِّ وَلَا يَكُونُ الرَّدُّ عَلَيْهِ رَدًّا عَلَى بَائِعِهِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ حَيْثُ يَكُونُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 لَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِقَضَاءٍ) ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ، مَا لَمْ يَحْدُثْ بِهِ عَيْبٌ آخَرُ عِنْدَهُ فَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ، وَهَذَا (لَوْ بَعْدَ قَبْضِهِ) فَلَهُ قَبْلَهُ رَدُّهُ مُطْلَقًا فِي غَيْرِ الْعَقَارِ كَالرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ الشَّرْطِ دُرَرٌ. وَهَذَا إذَا بَاعَهُ قَبْلَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ، فَلَوْ بَعْدَهُ فَلَا رَدَّ مُطْلَقًا بَحْرٌ،   [رد المحتار] الرَّدُّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ الْقَضَاءُ رَدًّا عَلَى مُوَكِّلِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَاحِدٌ، فَإِذَا ارْتَفَعَ رَجَعَ إلَى الْمُوَكِّلِ بَحْرٌ، وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَبِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّهُ إذَا حَكَمَ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَخِيرِ يَكُونُ حُكْمًا عَلَى كُلِّ الْبَاعَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهَذَا الْإِطْلَاقُ قَيَّدَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِمَا إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ، أَمَّا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَشْهَدَا أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَرُدَّهُ إجْمَاعًا، كَذَا فِي الْفَتْحِ تَبَعًا لِلدِّرَايَةِ. اهـ. وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا، قُلْت: وَهُوَ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يَعْتَرِفْ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الرَّدِّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: لَوْ قَالَ بَعْدَ الرَّدِّ لَيْسَ بِهِ عَيْبٌ لَا يَرُدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ لَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِقَضَاءٍ) شَامِلٌ لِمَا إذَا أَقَرَّ بِالْعَيْبِ وَامْتَنَعَ مِنْ الْقَبُولِ فَرَدَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي جَبْرًا كَمَا إذَا أَنْكَرَ الْعَيْبَ فَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ النُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ مَعَ إنْكَارِهِ الْإِقْرَارَ بِهِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ عَلَى بَائِعِهِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ لِكَوْنِ الْقَضَاءِ فَسْخًا فِيهَا شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. [تَنْبِيهٌ] لِلْبَائِعِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْقَبُولِ مَعَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ حَتَّى يَقْضِيَ عَلَيْهِ لِيَتَعَدَّى إلَى بَائِعِهِ بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ) أَيْ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَجُعِلَ الْبَيْعُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ لَكِنَّهُ صَارَ مُكَذِّبًا شَرْعًا بِالْقَضَاءِ هِدَايَةٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ فَسْخٌ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لَا فِي الْأَحْكَامِ الْمَاضِيَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ زَوَائِدَ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَرُدُّهَا مَعَ الْأَصْلِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ آخِرَ الْبَابِ أَنَّهُ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ إلَخْ، وَيَأْتِي تَمَامُهُ. مَطْلَبٌ لَا يَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ. (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَحْدُثْ بِهِ عَيْبٌ آخَرُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْبَائِعِ الثَّانِي، قَيْدٌ لِقَوْلِهِ رَدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ، وَقَوْلُهُ فَيَرْجِعُ تَفْرِيغٌ عَلَى مَفْهُومِ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ، أَيْ فَإِنْ حَدَثَ عَيْبٌ آخَرُ عِنْدَ الْبَائِعِ الثَّانِي ثُمَّ رَدَّهُ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ فَلَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ بَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ عِنْدَهُ يَمْنَعُهُ مِنْ الرَّدِّ، وَمَا قُلْنَاهُ مِنْ إرْجَاعِ ضَمِيرِ عِنْدَهُ إلَى الْبَائِعِ الثَّانِي أَصْوَبُ مِنْ إرْجَاعِهِ إلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي لِئَلَّا يُخَالِفَ قَوْلَيْ الْإِمَامِ. لِمَا فِي الْبَحْرِ: لَوْ بَاعَهُ فَاطَّلَعَ مُشْتَرِيهِ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ بِهِ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَيَحْدُثُ عِنْدَهُ عَيْبٌ، وَرَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ، فَعِنْدَهُ لَا يَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَمِثْلُهُ فِي الصُّغْرَى. اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ اشْتِرَاطُ الْقَضَاءِ لِلرَّدِّ. اهـ ح (قَوْلُهُ لَوْ بَعْدَ قَبْضِهِ) أَيْ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي الْمَبِيعَ ط (قَوْلُهُ فَلَوْ قَبْلَهُ إلَخْ) أَيْ فَلَوْ كَانَ الرَّدُّ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ رَدُّهُ عَلَيْهِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِرِضَا الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الْبَائِعُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَجُوزُ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَجُعِلَ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ فِي حَقِّ الْكُلِّ، فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ لِلثَّانِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ أَوْ بَيْعًا فِيهِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ فَإِنَّهُ إذَا فَسَخَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِحُكْمِ الْخِيَارِ كَانَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَرُدَّهُ مُطْلَقًا، وَالْفَسْخُ بِالْخِيَارَيْنِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءٍ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَفِي الْعَقَارِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ،؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بَعْدَمَا بَاعَهُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فَسْخٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَيْعٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ. اهـ مِنْ حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي. (قَوْلُهُ وَهَذَا) الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ رَدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ (قَوْلُهُ فَلَا رَدَّ مُطْلَقًا) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 وَهَذَا فِي غَيْرِ النَّقْدَيْنِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِمَا فَلَهُ الرَّدُّ مُطْلَقًا شَرْحُ مَجْمَعٍ: (وَلَوْ) رَدَّهُ (بِرِضَاهُ) بِلَا قَضَاءٍ (لَا) وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ مِثْلُهُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ إقَالَةٌ. (ادَّعَى عَيْبًا) مُوجِبًا لِفَسْخٍ أَوْ حَطِّ ثَمَنٍ   [رد المحتار] أَيْ لَا بِقَضَاءٍ وَلَا رِضًا؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ دَلِيلُ الرِّضَا بِهِ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ اشْتِرَاطُ الْقَضَاءِ لِلرَّدِّ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ النَّقْدَيْنِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَيَّدَ بِالْمَبِيعِ وَهُوَ الْعَيْنُ احْتِرَازًا عَنْ الصَّرْفِ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ فَسْخًا إذَا رُدَّ بِعَيْبٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالرِّضَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنَّهُ يُجْعَلُ بَيْعًا جَدِيدًا؛ لِأَنَّ الدِّينَارَ هُنَا لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ فَإِذَا اشْتَرَى دِينَارًا بِدَرَاهِمَ ثُمَّ بَاعَ الدِّينَارَ مِنْ آخَرَ ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِالدِّينَارِ عَيْبًا وَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ لِمَا ذَكَرْنَا. وَوَجَّهَهُ فِي الْكَافِي بِأَنَّ الْمَعِيبَ لَيْسَ بِمَبِيعٍ بَلْ الْمَبِيعُ السَّلِيمُ فَيَكُونُ الْمَبِيعُ مِلْكَ الْبَائِعِ فَإِذَا رَدَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ أَمَّا هُنَا الْمَبِيعَانِ مَوْجُودَانِ. [مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِيمَنْ قَبَضَ مِنْ غَرِيمِهِ دَرَاهِمَ فَوَجَدَهَا زُيُوفًا] 1 مَطْلَبٌ مُهِمٌّ. قَبَضَ مِنْ غَرِيمِهِ دَرَاهِمَ فَوَجَدَهَا زُيُوفًا فَرَدَّهَا عَلَيْهِ بِلَا قَضَاءٍ وَذَكَرَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَعَلَى هَذَا إذَا قَبَضَ رَجُلٌ دَرَاهِمَ عَلَى رَجُلٍ وَقَضَاهَا مِنْ غَرِيمِهِ فَوَجَدَهَا الْغَرِيمُ زُيُوفًا فَرَدَّهَا عَلَيْهِ بِلَا قَضَاءٍ فَلَهُ رَدُّهَا عَلَى الْأَوَّلِ. اهـ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَفْتَى بِهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ تَبَعًا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَفَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ حَقِّهِ أَوْ الثَّمَنِ أَوْ الدَّيْنِ، فَلَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ ثُمَّ جَاءَ لِيَرُدَّهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ لِتَنَاقُضِهِ كَمَا أَوْضَحَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعْ الْوَسَائِلِ، وَلَخَّصْت ذَلِكَ فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ. وَبَقِيَ مَا إذَا تَصَرَّفَ فِيهِ الْقَابِضُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِعَيْبِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهُ إذَا رُدَّ عَلَيْهِ، لِمَا فِي الْقُنْيَةِ بِرَمْزِ الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ إذَا أَخَذَ مِنْ دَيْنِهِ دِينَارًا فَجَعَلَهُ فِي الرَّوْثِ لِيَرُوجَ أَوْ جَعَلَ الدِّرْهَمَ فِي الْبَصَلِ وَنَحْوِهِ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ كَمَا لَوْ دَاوَى عَيْبَ مَشْرِيِّهِ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ. اهـ فَلْيُحْفَظْ، لَكِنْ سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ مِنْ مَوَانِعِ الرَّدِّ الْعَرْضَ عَلَى الْبَيْعِ إلَّا الدَّرَاهِمَ إذَا وَجَدَهَا زُيُوفًا فَعَرَضَهَا عَلَى الْبَيْعِ فَلَيْسَ بِرِضًا، وَسَيَذْكُرُهُ أَيْضًا فِي آخَرِ مُتَفَرِّقَاتِ الْبُيُوعِ وَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْجِيَادِ فَلَمْ تَدْخُلْ الزُّيُوفُ فِي مِلْكِهِ، لَكِنْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ تَجَوَّزَ بِهَا مَلَكَهَا وَصَارَتْ عَيْنَ حَقِّهِ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ رَضِيَ بِهَا امْتَنَعَ الرَّدُّ وَإِلَّا فَلَهُ رَدُّهَا وَإِنْ عَرَضَهَا عَلَى الْبَيْعِ وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ عَرْضَهَا عَلَى الْبَيْعِ لَا يَكُونُ دَلِيلَ الرِّضَا بِهَا فَيُحْمَلُ مَا مَرَّ عَنْ الْقُنْيَةِ عَلَى مَا إذَا رَضِيَ بِهَا صَرِيحًا فَلْيُتَأَمَّلْ، وَسَيَأْتِي فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْبُيُوعِ مَتْنًا وَشَرْحًا لَوْ قَبَضَ زَيْفًا بَدَلَ جَيِّدٍ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ جَاهِلًا بِهِ، فَلَوْ عَلِمَ وَأَنْفَقَهُ كَانَ قَضَاءً اتِّفَاقًا وَنَفَقَ أَوْ أَنْفَقَهُ فَهُوَ قَضَاءٌ لِحَقِّهِ، فَلَوْ قَائِمًا رَدَّهُ اتِّفَاقًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا لَمْ يَعْلَمْ يَرُدُّ مِثْلَ زَيْفِهِ وَيَرْجِعُ بِجَيِّدِهِ اسْتِحْسَانًا كَمَا لَوْ كَانَتْ سَتُّوقَةً أَوْ نَبَهْرَجَةً وَاخْتَارُوهُ لِلْفَتْوَى. اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ رَدَّهُ بِرِضَاهُ إلَخْ) أَيْ لَوْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِرِضَاهُ لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي الْمُدَّةِ كَالْمَرَضِ أَوْ لَا كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ إقَالَةٌ وَهِيَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ وَفَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَالْبَائِعُ الْأَوَّلُ ثَالِثُهُمَا فَصَارَ فِي حَقِّهِ كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ اشْتَرَاهُ مِنْ الثَّانِي فَلَا خُصُومَةَ لَهُ مَعَ بَائِعِهِ لَا فِي الرَّدِّ وَلَا فِي الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ، بِخِلَافِ الرَّدِّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ لَمْ يَبِعْهُ. اهـ أَفَادَهُ نُوحٌ أَفَنْدِي. [تَنْبِيهٌ] الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فَإِذَا رُدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعُ بِقَضَاءٍ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ وَلَوْ بِدُونِهِ لَزِمَهُ دُونَ الْمُوَكِّلِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِلَا قَضَاءٍ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ حَطِّ ثَمَنٍ) فِيمَا إذَا حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ آخَرُ فَإِنَّهُ يَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ نُقْصَانَ الْعَيْبِ كَمَا مَرَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 (بَعْدَ قَبْضِهِ الْمَبِيعَ لَمْ يُجْبَرْ) الْمُشْتَرِي (عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ) لِلْبَائِعِ (بَلْ يُبَرْهِنُ) الْمُشْتَرِي لِإِثْبَاتِ الْعَيْبِ (أَوْ يَحْلِفُ بَائِعُهُ) عَلَى نَفْيِهِ وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ إنْ لَمْ يَكُنْ شُهُودٌ (وَإِنْ ادَّعَى غَيْبَةَ شُهُودِهِ دَفَعَ) الثَّمَنَ (إنْ حَلَفَ بَائِعُهُ) وَلَوْ قَالَ أَحْضِرْهُمْ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَجَّلَهُ، وَلَوْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي فَحَلَّفَهُ ثُمَّ أَتَى بِهَا تُقْبَلُ خِلَافًا لَهُمَا فَتْحٌ (وَلَزِمَ الْعَيْبُ بِنُكُولِهِ) أَيْ الْبَائِعِ عَنْ الْحَلِفِ. (ادَّعَى) الْمُشْتَرِي (إبَاقًا) وَنَحْوَهُ مِمَّا يُشْتَرَطُ لِرَدِّهِ وُجُودُ الْعَيْبِ عِنْدَهُمَا كَبَوْلٍ وَسَرِقَةٍ وَجُنُونٍ (لَمْ يُحَلَّفْ بَائِعَهُ)   [رد المحتار] قَوْلُهُ بَعْدَ قَبْضِهِ الْمَبِيعَ) قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالثَّمَنِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، فَإِذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي عَيْبًا لَمْ يُجْبَرْ فَصَدَقَ عَدَمُ الْجَبْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَيْضًا بَحْرٌ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ وَإِنْ ثَبَتَتْ الْمُطَالَبَةُ. قُلْت: وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَإِلَّا فَمَا فَائِدَةُ الْمُطَالَبَةِ،. فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَمْ يُجْبَرْ الْمُشْتَرِي) لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ عَيْنِيٌّ، وَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ ذِكْرُ الْمُشْتَرِي عَقِبَ قَوْلِهِ ادَّعَى لِتَنْسَحِبَ الضَّمَائِرُ كُلُّهَا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لِإِثْبَاتِ الْعَيْبِ) أَيْ إثْبَاتِ وُجُودِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْبَائِعِ فَإِذَا أَثْبَتَهُ كَذَلِكَ رَدَّ الْمَبِيعَ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ قَبِلَهُ وَدَفَعَ ثَمَنَهُ (قَوْلُهُ أَوْ يَحْلِفُ بَائِعُهُ عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ نَفْيِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ: أَيْ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَقَوْلُهُ وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ: أَيْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ أَنْ حَلَفَ الْبَائِعُ، وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ شُهُودٌ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَيُحَلِّفُهُ أَوْ بِقَوْلِهِ وَيَدْفَعُ، وَالْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ عَطْفِ أَوْ يَحْلِفُ عَلَى يُبَرْهِنُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ لَهُ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى قِيَامِ الْعَيْبِ لِلْحَالِ وَهَذَا قَوْلُهُمَا وَرِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ الْإِمَامِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُ مَا ذَكَرَهُ عَقِيبَهُ فِي مَسْأَلَةِ دَعْوَى الْإِبَاقِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ بَائِعُهُ حَتَّى يُبَرْهِنَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ أَبِقَ عِنْدَهُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَعَنْ هَذَا أَوَّلَ الزَّيْلَعِيُّ قَوْلَ الْكَنْزِ أَوْ يَحْلِفُ بَائِعُهُ بِقَوْلِهِ أَيْ بَعْدَ إقَامَةِ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ وَجَدَ فِيهِ عِنْدَهُ: أَيْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَأَوَّلَهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا إذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِقِيَامِ الْعَيْبِ بِهِ، وَلَكِنْ أَنْكَرَ قِدَمَهُ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ مِمَّا لَا دَلِيلَ فِي كَلَامِهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ مَوْضُوعَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي عَيْبٍ لَا يُشْتَرَطُ تَكْرَارُهُ كَالْوِلَادَةِ، فَإِذَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَلَا بُرْهَانَ لَهُ حَلَفَ بَائِعُهُ، وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ: وَلَوْ ادَّعَى إبَاقًا بَيَانٌ لِمَا يُشْتَرَطُ تَكْرَارُهُ وَإِلَّا كَانَ الثَّانِي حَشْوًا، فَتَدَبَّرْهُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ عَرَّجَ عَلَيْهِ. اهـ. قُلْت: وَأَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ الْآتِي مِمَّا يُشْرَطُ إلَخْ (قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَى غَيْبَةَ شُهُودِهِ) أَيْ عَدَمَ حُضُورِهِمْ فِي الْمِصْرِ، أَمَّا لَوْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ أَمْهَلَهُ الْقَاضِي إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْبَائِعِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ تُقْبَلُ خِلَافًا لَهُمَا فَتْحٌ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ: تُقْبَلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُقْبَلُ، وَلَا يُحْفَظُ فِي هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ ثُمَّ أَتَى بِهَا تُقْبَلُ بِلَا خِلَافٍ (قَوْلُهُ وَلَزِمَ الْعَيْبُ بِنُكُولِهِ) أَيْ لَزِمَهُ حُكْمُهُ،؛ لِأَنَّ النُّكُولَ حُجَّةٌ فِي الْمَالِ لِأَنَّهُ بَذْلٌ أَوْ إقْرَارٌ (قَوْلُهُ إبَاقًا وَنَحْوَهُ إلَخْ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَا يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُهُ وَهُوَ ثَلَاثٌ، زِنَا الْجَارِيَةِ، وَالتَّوَلُّدُ مِنْ الزِّنَا، وَالْوِلَادَةُ كَمَا قَدَّمَهُ أَوَّلَ الْبَابِ، فَفِيهَا لَا يُشْتَرَطُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى وُجُودِهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَلْ يَحْلِفُ عَلَيْهَا الْبَائِعُ ابْتِدَاءً كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ عِنْدَهُمَا) أَيْ عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ وَجُنُونٍ) قِيلَ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْعَيْنِيِّ فِيمَا تَقَدَّمَ. اهـ. قُلْت: الَّذِي تَقَدَّمَ هُوَ أَنَّ الْجُنُونَ مِمَّا يَخْتَلِفُ صِغَرًا وَكِبَرًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فِي الصِّغَرِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي الْكِبَرِ لَا يَكُونُ عَيْبًا كَالْإِبَاقِ وَأَخَوَيْهِ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي اشْتِرَاطِ الْمُعَاوَدَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَصَحُّ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ، وَهَذَا غَيْرُ ذَاكَ كَمَا لَا يَخْفَى وَنَبَّهَ عَلَيْهِ ط أَيْضًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَمْ يَحْلِفْ بَائِعُهُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: أَيْ إذَا ادَّعَى عَيْبًا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَيُمْكِنُ حُدُوثُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوَّلًا عَلَى قِيَامِهِ بِالْمَبِيعِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 إذَا أَنْكَرَ قِيَامَهُ لِلْحَالِ (حَتَّى يُبَرْهِنَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ) قَدْ أَبَقَ عِنْدَهُ (فَإِنْ بَرْهَنَ حَلَفَ بَائِعُهُ) عِنْدَهُمَا (بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ) وَمَا سَرَقَ وَمَا جُنَّ (قَطُّ) وَفِي الْكَبِيرِ: بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ مُذْ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ لِاخْتِلَافِهِ صِغَرًا وَكِبَرًا. . وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُيُوبَ أَنْوَاعٌ خَفِيٌّ كَإِبَاقٍ وَعُلِمَ حُكْمُهُ وَظَاهِرٌ كَعَوَرٍ وَصَمَمٍ وَأُصْبُعٍ زَائِدَةٍ أَوْ نَاقِصَةٍ. فَيَقْضِي بِالرَّدِّ   [رد المحتار] عَنْ قِدَمِهِ وَحُدُوثِهِ لِيَنْتَصِبَ الْبَائِعُ خَصْمًا، فَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ لَا يَمِينَ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَ الْإِمَامِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَعِنْدَهُمَا يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ إذَا أَنْكَرَ قِيَامَهُ لِلْحَالِ) أَمَّا لَوْ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْأَلُ عَنْ وُجُودِهِ عِنْدَهُ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِالْتِمَاسٍ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ أَنْكَرَ طُولِبَ الْمُشْتَرِي بِالْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّ الْإِبَاقَ وُجِدَ عِنْدَ الْبَائِعِ، فَإِنْ أَقَامَهَا رَدَّهُ وَإِلَّا حَلَفَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَنَّهُ قَدْ أَبِقَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ وَإِنْ كَانَ قَوْلَ الْبَائِعِ لَكِنَّ إنْكَارَهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَمَعْرِفَتُهُ تَكُونُ بِالْبَيِّنَةِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ بَرْهَنَ) أَيْ الْمُشْتَرِي عَلَى قِيَامِهِ لِلْحَالِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ حَلَفَ بَائِعُهُ عِنْدَهُمَا) صَوَابُهُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي تَحْلِيفِ الْبَائِعِ إنَّمَا هُوَ قَبْلَ بُرْهَانِ الْمُشْتَرِي كَمَا عَلِمْت، أَمَّا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ انْتَصَبَ خَصْمًا حِينَ أَثْبَتَ الْمُشْتَرِي قِيَامَ الْعَيْبِ عِنْدَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ فَكَذَا عِنْدَهُمَا بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ بِاَللَّهِ مَا أَبِقَ قَطُّ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ بِاَللَّهِ مَا أَبِقَ عِنْدَك قَطُّ بِزِيَادَةِ الظَّرْفِ، لِمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّ فِيهِ تَرْكَ النَّظَرِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَاعَهُ وَقَدْ كَانَ أَبِقَ عِنْدَ غَيْرِهِ وَبِهِ يُرَدُّ عَلَيْهِ، فَالْأَحْوَطُ أَنْ يَحْلِفَ مَا أَبِقَ قَطُّ أَوْ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْك الرَّدَّ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوْ لَقَدْ سَلَّمَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ. قَالَ فِي النَّهْرِ إلَّا أَنَّ كَوْنَ حَذْفِ الظَّرْفِ أَحْوَطَ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُشْتَرِي مُسَلَّمٌ لَا بِالنَّظَرِ إلَى الْبَائِعِ، إذْ يَجُوزُ أَنَّهُ أَبِقَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَنْزِلَ الْمَوْلَى وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ فَالْأَحْوَطُ بِاَللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْك الرَّدَّ إلَخْ وَمَا بَعْدَهُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْمَرْوِيِّ عَنْ الثَّانِي: بِاَللَّهِ مَا لِهَذَا الْمُشْتَرِي قِبَلَكَ حَقُّ الرَّدِّ بِالْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِيهِ تَحْلِيفًا عَلَى الْحَاصِلِ. اهـ، وَلَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ النَّظَرِ لِلْمُشْتَرِي لِجَوَازِ حُدُوثِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَيَكُونُ بَارًّا مَعَ أَنَّهُ يُوجِبُ الرَّدَّ، قِيلَ كَيْفَ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ مَعَ أَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ، وَالتَّحْلِيفُ فِيهِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ؛ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ فِعْلُ نَفْسِهِ فِي الْمَعْنَى وَهُوَ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ سَلِيمًا كَمَا الْتَزَمَهُ قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمِمَّا تَطَارَحْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْبَقْ عِنْدَ الْبَائِعِ وَأَبِقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَكَانَ أَبِقَ عِنْدَ آخَرَ قَبْلَ هَذَا الْبَائِعِ وَلَا عِلْمَ لِلْبَائِعِ بِذَلِكَ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ وَأَثْبَتَهُ يَرُدُّهُ بِهِ، وَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إثْبَاتِهِ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى الْعِلْمِ، وَكَذَا فِي كُلِّ عَيْبٍ يُرَدُّ فِي تَكَرُّرِهِ. اهـ وَالْمُطَارَحَةُ إلْقَاءُ الْمَسَائِلِ، وَهِيَ هُنَا لَيْسَتْ فِي أَصْلِ الرَّدِّ كَمَا ظَنَّهُ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ: إنَّهُ مَنْقُولٌ فِي الْقُنْيَةِ، بَلْ فِي تَحْلِيفِهِ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ لَا دُعَائِهِ الْعِلْمَ بِهِ، وَالْغَرَضُ هُنَا أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ مَا فِي النَّهْرِ مُلَخَّصًا، وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَمَا جُنَّ) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ كَمَا تَعْرِفُهُ (قَوْلُهُ وَفِي الْكَبِيرِ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ فِي إبَاقِ الصَّغِيرِ وَفِي الْكَبِيرِ إلَخْ ط (قَوْلُهُ لِاخْتِلَافِهِ صِغَرًا وَكِبَرًا) فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَبِقَ عِنْدَهُ فِي الصِّغَرِ فَقَطْ ثُمَّ أَبِقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبُلُوغِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الرَّدَّ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ الْحَلِفَ عَلَى مَا أَبِقَ عِنْدَهُ قَطُّ أَضْرَرْنَا بِهِ وَأَلْزَمْنَاهُ مَا لَا يَلْزَمُهُ، وَلَوْ لَمْ يَحْلِفْ أَصْلًا أَضْرَرْنَا بِالْمُشْتَرِي فَيَحْلِفُ كَمَا ذُكِرَ، وَكَذَا فِي كُلِّ عَيْبٍ يَخْتَلِفُ فِيهِ الْحَالُ فِيمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَبْلَهُ، بِخِلَافِ مَا لَا يَخْتَلِفُ كَالْجُنُونِ فَتْحٌ، فَعَلَى هَذَا كَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَ قَوْلِهِ وَمَا جُنَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ وَفِي الْكَبِيرِ إلَخْ (قَوْلُهُ خَفِيَ كَإِبَاقٍ) أَيْ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّجْرِبَةِ وَالِاخْتِبَارِ كَالسَّرِقَةِ وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ وَالْجُنُونِ وَالزِّنَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَعُلِمَ حُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ رَدِّهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 بِلَا يَمِينٍ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ إذَا لَمْ يَدَّعِ الرِّضَا بِهِ. وَمَا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْأَطِبَّاءُ كَكَبِدٍ، فَيَكْفِي قَوْلُ عَدْلٍ وَلِإِثْبَاتِهِ عِنْدَ بَائِعِهِ عَدْلَيْنِ وَمَا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا النِّسَاءُ كَرَتْقٍ فَيَكْفِي قَوْلُ الْوَاحِدَةِ ثُمَّ يَحْلِفُ الْبَائِعُ عَيْنِيٌّ   [رد المحتار] مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ آنِفًا (قَوْلُهُ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ) أَيْ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَتْحٌ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَدَّعِ الرِّضَا بِهِ) أَيْ رِضَا الْمُشْتَرِي بِهِ، أَوْ الْعِلْمَ بِهِ عِنْدَ الشِّرَاءِ، أَوْ الْإِبْرَاءَ مِنْهُ، فَإِنْ ادَّعَاهُ سَأَلَ الْمُشْتَرِيَ، فَإِنْ اعْتَرَفَ امْتَنَعَ الرَّدُّ، وَإِنْ أَنْكَرَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَجَزَ يَسْتَحْلِفُ مَا عَلِمَ بِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ أَوْ مَا رَضِيَ وَنَحْوُهُ، فَإِنْ حَلَفَ رَدَّهُ، وَإِنْ نَكِلَ امْتَنَعَ الرَّدُّ فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَكَبِدٍ) أَيْ كَوَجَعِ كَبِدٍ وَطِحَالٍ فَتْحٌ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَكَبِدِيٍّ بِيَاءِ النَّسَبِ: أَيْ كَدَاءٍ مَنْسُوبٍ إلَى الْكَبِدِ (قَوْلُهُ فَيَكْفِي قَوْلُ عَدْلٍ) أَيْ لِتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ عِنْدَهُمَا رَدَّهُ، وَكَذَا إذَا أَنْكَرَهُ فَأَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ أَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ فَنَكَلَ، إلَّا إنْ ادَّعَى الرِّضَا فَيَعْمَلُ مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ أَنْكَرَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يُرِيهِ طَبِيبَيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ، وَالْوَاحِدُ يَكْفِي وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ، فَإِذَا قَالَ بِهِ ذَلِكَ يُخَاصِمُهُ فِي أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ. اهـ. وَاشْتِرَاطُ الْعَدْلَيْنِ مِنْهُمْ إنَّمَا هُوَ لِلرَّدِّ وَالْوَاحِدُ لِتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَكِنْ فِي أَدَبِ الْقَاضِي مَا يُخَالِفُهُ بَحْرٌ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَفِي أَدَبِ الْقَاضِي الَّذِي يَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْأَطِبَّاءِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ مَا لَمْ يَتَّفِقْ عَدْلَانِ بِخِلَافِ مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ حَيْثُ يَثْبُتُ بِقَوْلِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِي حَقِّ الْخُصُومَةِ لَا فِي حَقِّ الرَّدِّ. اهـ. قُلْت: الْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَيْنِ يَكْتَفِي بِهِمَا الْإِثْبَاتُ، فَيَكْفِي الْوَاحِدُ لِتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ، وَلِذَا جَزَمَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ، حَيْثُ قَالَ: إنْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ وَاحِدٌ يَثْبُتُ الْعَيْبُ فِي حَقِّ الْخُصُومَةِ وَالدَّعْوَى، وَإِنْ شَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّهُ قَدِيمٌ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ يَرُدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ. مَطْلَبٌ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ (قَوْلُهُ فَيَكْفِي قَوْلُ الْوَاحِدَةِ) أَيْ لِإِثْبَاتِ الْعَيْبِ فِي حَقِّ الْخُصُومَةِ لَا فِي الرَّدِّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خَانِيَّةٌ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ، إذْ لَوْ ثَبَتَ الرَّدُّ بِقَوْلِهَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّحْلِيفِ، وَهَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ، فَلَوْ قَبْلَهُ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ. فَفِي الْخَانِيَّةِ: إنَّ آخِرَ مَا رُوِيَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُرَدُّ بِشَهَادَتِهِنَّ، إلَّا فِي الْحَبَلِ فَلَا تُرَدُّ بِشَهَادَتِهِنَّ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: الْوَاحِدَةُ الْعَدْلَةُ تَكْفِي وَالثِّنْتَانِ أَحْوَطُ، فَإِذَا قَالَتْ وَاحِدَةٌ عَدْلَةٌ أَوْ ثِنْتَانِ إنَّهَا حُبْلَى يَثْبُتُ الْعَيْبُ فِي حَقِّ تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ، ثُمَّ إنْ قَالَتْ أَوْ قَالَتَا كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ الْبَائِعِ، إنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا تُرَدُّ بَلْ يَحْلِفُ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ وَالْعَقْدُ بَعْدَ الْقَبْضِ قَوِيٌّ وَلَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ الْقَوِيُّ بِحُجَّةٍ ضَعِيفَةٍ، وَإِنْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَكَذَلِكَ لَا رَدَّ بِقَوْلِ الْوَاحِدَةِ، أَمَّا الْمُثَنَّى فَقِيلَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ لَا تُرَدُّ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا تُرَدُّ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهَا لَا تُرَدُّ فِي ظَاهِرِ رِوَايَةِ أَصْحَابِنَا. وَفِي الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْعَيْبِ بِشَهَادَتِهِنَّ ضَرُورِيٌّ، وَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِهِ تَوَجُّهُ الْخُصُومَةِ دُونَ الرَّدِّ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ، فَإِنْ نَكِلَ تَأَيَّدَتْ شَهَادَتُهُنَّ بِنُكُولِهِ فَيَثْبُتُ الرَّدُّ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ ثُبُوتَ الرَّدِّ بِشَهَادَتِهِنَّ إلَّا فِي الْحَبَلِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى تَوَلَّى عِلْمَهُ بِنَفْسِهِ. اهـ مَا فِي الذَّخِيرَةِ مُلَخَّصًا ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَاتٍ أُخَرَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدَةِ أَوْ الثِّنْتَيْنِ يَثْبُتُ بِهَا الْعَيْبُ الْمَذْكُورُ فِي حَقِّ تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ لَا فِي حَقِّ الرَّدِّ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ الْمُعْتَمَدَ وَإِنْ اقْتَصَرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 قُلْت: وَبَقِيَ خَامِسٌ مَا لَا يَنْظُرُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، فَفِي شَرْحِ قَاضِي خَانْ: شَرَى جَارِيَةً وَادَّعَى أَنَّهَا خُنْثَى حَلَفَ الْبَائِعُ (اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمَبِيعِ، فَإِنْ) كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ (قَبْلَ الْقَبْضِ) لِلْكُلِّ (خُيِّرَ فِي الْكُلِّ) لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ (وَإِنْ بَعْدَهُ خُيِّرَ فِي الْقِيَمِيِّ لَا فِي غَيْرِهِ) ؛ لِأَنَّ تَبْعِيضَ الْقِيَمِيِّ عَيْبٌ لَا الْمِثْلِيِّ كَمَا سَيَجِيءُ. (وَإِنْ شَرَى شَيْئَيْنِ فَقَبَضَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا قَبْلَ قَبْضِهِمَا) فَلَوْ اُسْتُحِقَّ أَوْ تَعَيَّبَ أَحَدُهُمَا خُيِّرَ (وَهُوَ) أَيْ خِيَارُ الْعَيْبِ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ (عَلَى التَّرَاخِي) عَلَى الْمُعْتَمَدِ،   [رد المحتار] فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ عَلَى خِلَافِهِ، وَقَدَّمْنَا مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ عَنْ الْفَتْحِ فِي آخِرِ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الشَّهَادَةِ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الْبَكَارَةِ وَالْعُيُوبِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إلَّا النِّسَاءُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ الْعَيْبَ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِنَّ لِيَحْلِفَ الْبَائِعُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ هُنَاكَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ هُنَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ، فَاغْتَنِمْ تَحْقِيقَ هَذَا الْمَحَلِّ فَإِنَّك لَا تَجِدُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَلِكِ الْوَهَّابِ (قَوْلُهُ قُلْت وَبَقِيَ خَامِسٌ إلَخْ) هَذَا الْفَرْعُ مَذْكُورٌ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، لَكِنَّهُمْ اقْتَصَرُوا عَلَى عَدِّ الْأَنْوَاعِ أَرْبَعَةً فَلَمَّا رَأَى الشَّارِحُ مُخَالَفَةَ حُكْمِهِ لِهَذِهِ الْأَرْبَعَةِ جَعَلَهُ نَوْعًا خَامِسًا فَكَانَ مِنْ زِيَادَاتِهِ الْحَسَنَةِ فَافْهَمْ. قُلْت: وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ مَا لَوْ ادَّعَى ارْتِفَاعَ حَيْضِ الْجَارِيَةِ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا وَتَتَوَجَّهُ الْخُصُومَةُ بِقَوْلِهَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ، نَعَمْ عَلَى مَا اخْتَارَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ عَنْ دَاءٍ فَيَرْجِعُ فِيهِ إلَى شَهَادَةِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ عَنْ حَبَلٍ فَيَرْجِعُ إلَى شَهَادَةِ النِّسَاءِ لَا يَكُونُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ بَلْ مِنْ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ قَبْلَهُ. مَطْلَبٌ فِيمَا يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مُسْقِطًا لِخِيَارِ الْعَيْبِ [فُرُوعٌ] لَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ وَلَمْ يَدَّعِ الْبَائِعُ عَلَيْهِ مُسْقِطًا لَمْ يَحْلِفْ الْمُشْتَرِي، وَعِنْدَ الثَّانِي يَحْلِفُ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْتَخْلِفُ الْخَصْمَ بِلَا طَلَبِ الْمُدَّعِي إلَّا فِي مَسَائِلَ مِنْهَا خِيَارُ الْعَيْبِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: لَوْ أَخْبَرَتْ امْرَأَةٌ بِالْحَبَلِ وَامْرَأَتَانِ بِعَدَمِهِ صَحَّتْ الْخُصُومَةُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ النَّافِيَةِ. وَفِي التَّهْذِيبِ: بَرْهَنَ الْبَائِعُ أَنَّهُ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَبَرْهَنَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ مَعِيبًا فِي يَدِ الْبَائِعِ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي بَحْرٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْكُلِّ) ذِكْرُ الْكُلِّ غَيْرُ قَيْدٍ، فَإِنَّ قَبْضَ الْبَعْضِ حُكْمُهُ كَحُكْمِ مَا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْكُلَّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَقِبَهُ، وَلَكِنْ لَمَّا أَفْرَدَ الْمُصَنِّفُ الْبَعْضَ بِالذِّكْرِ عُلِمَ أَنَّ كَلَامَهُ هُنَا فِي الْكُلِّ فَلِذَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ، نَعَمْ لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَوْ لِلْبَعْضِ لَاسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ بَعْدَهُ وَإِنْ قَبَضَ أَحَدَهُمَا (قَوْلُهُ خُيِّرَ فِي الْكُلِّ) أَيْ فِي الْقِيَمِيِّ وَغَيْرِهِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وَإِنْ بَعْدَهُ خُيِّرَ فِي الْقِيَمِيِّ لَا فِي غَيْرِهِ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي الْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ بَيْنَ إمْسَاكِهِ وَرَدِّهِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْكُلِّ كُلَّ الْمَبِيعِ حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْبَعْضِ الْمُسْتَحَقِّ بَاطِلٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ) أَيْ تَفَرُّقِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ تَمَامِهَا؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ تَتِمَّ فَلِذَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ (قَوْلُهُ وَإِنْ بَعْدَهُ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ كَانَ اسْتِحْقَاقُ الْبَعْضِ بَعْدَ الْقَبْضِ خُيِّرَ فِي الْقِيَمِيِّ لَا فِي غَيْرِهِ إذْ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) لَمْ أَرَهُ فِي هَذَا الْبَابِ صَرِيحًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَلَوْ اسْتَحَقَّ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا قَبْلَ قَبْضِهِمَا وَقَوْلُهُ أَوْ تَعَيَّبَ زِيَادَةُ بَيَانٍ وَإِلَّا فَالْكَلَامُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ؛ وَأَمَّا تَعَيُّبُ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ فَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ إلَخْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 وَمَا فِي الْحَاوِي غَرِيبٌ بَحْرٌ (فَلَوْ خَاصَمَ ثُمَّ تَرَكَ ثُمَّ عَادَ وَخَاصَمَ فَلَهُ الرَّدُّ) مَا لَمْ يُوجَدْ مُبْطِلُهُ كَدَلِيلِ الرِّضَا فَتْحٌ، وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ لَمْ يَجِدْ الْبَائِعَ حَتَّى هَلَكَ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ (وَاللُّبْسُ وَالرُّكُوبُ وَالْمُدَاوَاةُ) لَهُ أَوْ بِهِ عَيْنِيٌّ (رِضًا بِالْعَيْبِ) الَّذِي يُدَاوِيهِ فَقَطْ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي تَخْيِيرِ الْمُشْتَرِي إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمَبِيعِ [تَنْبِيهٌ] حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ، وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي الْبَاقِي سَوَاءٌ أَوْرَثَ الِاسْتِحْقَاقُ عَيْبًا فِي الْبَاقِي أَوْ لَا لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ؛ وَكَذَا لَوْ اسْتَحَقَّ بَعْدَ قَبْضِ بَعْضِهِ سَوَاءٌ اسْتَحَقَّ الْمَقْبُوضَ أَوْ غَيْرَهُ يُخَيَّرُ لِمَا مَرَّ مِنْ التَّفَرُّقِ وَلَوْ قَبَضَ كُلَّهُ فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهُ بَطَلَ الْبَيْعُ بِقَدْرِهِ، ثُمَّ لَوْ أَوْرَثَ الِاسْتِحْقَاقُ عَيْبًا فِيمَا بَقِيَ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ لَمْ يُورِثْ عَيْبًا فِيهِ كَثَوْبَيْنِ أَوْ قِنَّيْنِ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا أَوْ كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ وَلَا يَضُرُّ تَبْعِيضُهُ، فَالْمُشْتَرِي يَأْخُذُ الْبَاقِيَ بِلَا خِيَارٍ. اهـ. وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْعِنَايَةِ: حُكْمُ الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ سِيَّانِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ، يَعْنِي فِيمَا يُكَالُ وَيُوزَنُ وَغَيْرِهِمَا، وَحُكْمُهُمَا بَعْدَ الْقَبْضِ كَذَلِكَ إلَّا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ (قَوْلُهُ وَمَا فِي الْحَاوِي) أَيْ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَمْسَكَهُ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الرَّدِّ كَانَ رِضًا. اهـ ح (قَوْلُهُ كَدَلِيلِ الرِّضَا) مِمَّا يَأْتِي قَرِيبًا، وَصَرِيحُهُ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: وَجَدَ بِهِ عَيْبًا وَلَمْ يَجِدْ الْبَائِعَ لِيَرُدَّهُ فَأَطْعَمَهُ وَأَمْسَكَهُ وَلَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ تَصَرُّفًا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ لَوْ حَضَرَ، وَلَوْ هَلَكَ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ. اهـ أَيْ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ وَهَذَا إذْ لَمْ يَرْفَعْ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ وَاللُّبْسُ وَالرُّكُوبُ إلَخْ) أَيْ لَوْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ فَلَبِسَهُ أَوْ رَكِبَهُ لِحَاجَتِهِ فَهُوَ رِضًا دَلَالَةً. وَلَوْ كَانَ لِلدَّابَّةِ لِيَنْظُرَ إلَى سَيْرِهَا، وَلُبْسُهُ الثَّوْبَ لِيَنْظُرَ إلَى قَدْرِهِ كَمَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ قُلْت: إنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الشَّرْطِ فَكَذَا خِيَارُ الْعَيْبِ قُلْت: فَرَّقَ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ مَشْرُوعٌ لِلِاخْتِبَارِ، وَاللُّبْسُ وَالرُّكُوبُ مَرَّةً يُرَادُ بِهِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ فَإِنَّهُ شُرِعَ لِلرَّدِّ لِيَصِلَ إلَى رَأْسِ مَالِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْوُصُولِ إلَى الْفَائِتِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَخْتَبِرَ الْمَبِيعَ. [تَنْبِيهٌ] أَشَارَ إلَى أَنَّ الرِّضَا بِالْعَيْبِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِالْقَوْلِ. ثُمَّ إنَّ الرِّضَا بِالْقَوْلِ لَا يَصِحُّ مُعَلَّقًا لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: عَثَرَ عَلَى عَيْبٍ فَقَالَ لِلْبَائِعِ إنْ لَمْ أَرُدَّ إلَيْك الْيَوْمَ رَضِيت بِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ: الْقَوْلُ بَاطِلٌ وَلَهُ الرَّدُّ (قَوْلُهُ وَلِمُدَاوَاةٍ لَهُ أَوْ بِهِ) أَيْ أَنَّهُ يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا مَثَلًا فَدَاوَاهُ مِنْ عَيْبِهِ أَوْ كَانَ دَوَاءً فَدَاوَى بِهِ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى عَيْبٍ فِيهِ. مَطْلَبٌ فِيمَا يَكُونُ رِضًا بِالْعَيْبِ (قَوْلُهُ رِضًا بِالْعَيْبِ الَّذِي يُدَاوِيهِ فَقَطْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: الْمُدَاوَاةُ إنَّمَا تَكُونُ رِضًا بِعَيْبٍ دَاوَاهُ، أَمَّا إذَا دَاوَى الْمَبِيعَ مِنْ عَيْبٍ قَدْ بَرِئَ مِنْهُ الْبَائِعُ وَبِهِ عَيْبٌ آخَرُ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ رَدُّهُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. اهـ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: شَرَى مَعِيبًا فَرَأَى عَيْبًا آخَرَ فَعَالَجَ الْأَوَّلَ مَعَ عِلْمِهِ بِالثَّانِي لَا يَرُدُّهُ، وَلَوْ عَالَجَ الْأَوَّلَ ثُمَّ عَلِمَ عَيْبًا آخَرَ فَلَهُ رَدُّهُ. اهـ قُلْت: بَقِيَ مَا لَوْ اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَلَمْ يَكُنْ قَدْ بَرِئَ الْبَائِعُ مِنْهُ فَدَاوَاهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ آخَرَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ يَرُدُّهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا لَوْ رَضِيَ بِالْأَوَّلِ صَرِيحًا ثُمَّ رَأَى الْآخَرَ، إذْ قَدْ يَرْضَى بِعَيْبٍ دُونَ عَيْبٍ أَوْ بِعَيْبٍ وَاحِدٍ لَا بِعَيْبَيْنِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ: وَجَدَ بِالْجَارِيَةِ عَيْبًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 مَا لَمْ يَنْقُصْهُ بُرْجُنْدِيٌّ وَكَذَا كُلُّ مُفِيدِ رِضًا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَالْأَرْشَ، وَمِنْهُ الْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ إلَّا الدَّرَاهِمَ إذَا وَجَدَهَا زُيُوفًا فَعَرَضَهَا عَلَى الْبَيْعِ فَلَيْسَ بِرِضًا؛   [رد المحتار] فَدَاوَاهَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ دَوَاءً مِنْ ذَلِكَ الْعَيْبِ فَهُوَ رِضًا وَإِلَّا فَلَا إلَّا أَنْ يُنْقِصَهَا. اهـ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُنْقِصْهُ) كَمَا إذَا دَاوَى يَدَهُ الْمَوْجُوعَةَ فَشُلَّتْ أَوْ عَيْنَهُ مِنْ بَيَاضٍ بِهَا فَاعْوَرَّتْ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ رَدُّهُ بِعَيْبٍ آخَرَ لِمَا حَدَثَ فِيهِ مِنْ النَّقْصِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ط مَطْلَبٌ فِيمَا يَكُونُ رِضًا بِالْعَيْبِ وَيَمْنَعُ الرَّدَّ (قَوْلُهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ) أَيْ عِلْمِهِ بِكَوْنِ ذَلِكَ عَيْبًا: فَفِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ رَأَى بِالْأَمَةِ قُرْحَةً وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا عَيْبٌ فَشَرَاهَا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا عَيْبٌ لَهُ رَدُّهَا؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُشْتَبَهُ عَلَى النَّاسِ فَلَا يَثْبُتُ الرِّضَا بِالْعَيْبِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُشْتَبَهُ عَلَى النَّاسِ كَوْنُهُ عَيْبًا لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ. وَفِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ الْمُنْيَةِ قَالَ الْبَائِعُ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ فَاتَّهَمَهُ الْمُشْتَرِي فِي إخْبَارِهِ وَيَقُولُ: إنَّ غَرَضَهُ أَنْ أَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ رِضًا بِالْعَيْبِ وَلَا تَصَرُّفِهِ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ، لَكِنْ الِاحْتِيَاطُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: لَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ وَأَنَا لَا أَرْضَى بِالْعَيْبِ، فَلَوْ ظَهَرَ عِنْدِي أَرُدُّهُ عَلَيْك. اهـ (قَوْلُهُ وَالْأَرْشُ) أَيْ نُقْصَانُ الْعَيْبِ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ الْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ) وَلَوْ بِأَمْرِ الْبَائِعِ، بِأَنْ قَالَ لَهُ: اعْرِضْهُ عَلَى الْبَيْعِ، فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَ مِنْك رُدَّهُ عَلَيَّ، وَلَوْ طَلَبَ مِنْ الْبَائِعِ الْإِقَالَةَ فَأَبَى فَلَيْسَ بِعَرْضٍ فَلَهُ الرَّدُّ وَلَوْ عَرَضَ بَعْضَ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ قَالَ رَضِيت بِبَعْضِهِ بَطَلَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ وَقَدَّمْنَا عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ قَبْضَ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ رِضًا بِالْعَيْبِ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: قَبْضُ بَعْضِهِ رِضًا ثُمَّ نَقَلَ لَيْسَ بِرِضًا حَتَّى يَسْقُطَ خِيَارُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. اهـ قُلْت: وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ عَرَضَ نِصْفَ الطَّعَامِ عَلَى الْبَيْعِ لَزِمَهُ النِّصْفُ وَيُرَدُّ لِلنِّصْفِ كَالْبَيْعِ. اهـ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ الْكَلَامَ فِي الِاسْتِخْدَامِ. [تَتِمَّةٌ] نَقَلَ فِي الْبَحْرِ: مِنْ جُمْلَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ الْإِجَارَةُ وَالْعَرْضُ عَلَيْهَا وَالْمُطَالَبَةُ بِالْغَلَّةِ وَالرَّهْنُ وَالْكِتَابَةُ، أَمَّا لَوْ آجَرَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ فَلَهُ نَقْضُهَا لِلْعُذْرِ وَيَرُدُّهُ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَلَا يَرُدُّهُ إلَّا بَعْدَ الْفِكَاكِ، وَمِنْهُ إرْسَالُ وَلَدِ الْبَقَرَةِ عَلَيْهَا لِيَرْتَضِعَ مِنْهُمَا وَحَلَبَ لَبَنِهَا أَوْ شُرْبُهُ، وَهَلْ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ؟ قَوْلَانِ، وَابْتِدَاءُ سُكْنَى الدَّارِ لَا الدَّوَامُ عَلَيْهَا، وَسَقْيُ الْأَرْضِ وَزِرَاعَتُهَا، وَكَسْحُ الْكَرْمِ، وَالْبَيْعُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، وَالْإِعْتَاقُ، وَالْهِبَةُ لَوْ بِلَا تَسْلِيمٍ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ الْعَرْضِ، وَدَفْعُ بَاقِي الثَّمَنِ، وَجَمْعُ غَلَّاتِ الضَّيْعَةِ، وَكَذَا تَرْكُهَا؛ لِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ، وَلَيْسَ مِنْهُ أَكْلُ ثَمَرِ الشَّجَرِ وَغَلَّةُ الْقِنِّ وَالدَّارِ وَإِرْضَاعُ الْأَمَةِ وَلَدَ الْمُشْتَرِي وَضَرْبُ الْعَبْدِ إنْ لَمْ يُؤَثِّرْ الضَّرْبُ فِيهِ. اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا أَطْلَاهُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ أَوْ حَجَمَهُ أَوْ جَزَّ رَأْسَهُ فَلَيْسَ بِرِضًا ثُمَّ ذَكَرَ تَفْصِيلًا فِي الْحِجَامَةِ بَيْنَ كَوْنِهَا دَوَاءً لِذَلِكَ الْعَيْبِ فَهُوَ رِضًا وَإِلَّا فَلَا. وَفِيهَا: أَمَرَ رَجُلًا يَبِيعُهُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ بِهِ عَيْبًا فَإِنْ بَاعَهُ الْوَكِيلُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَهُوَ رِضًا بِالْعَيْبِ، (قَوْلُهُ إلَّا الدَّرَاهِمَ إلَخْ) ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الذَّخِيرَةِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَسَيَذْكُرُهَا الشَّارِحُ فِي آخِرِ مُتَفَرِّقَاتِ الْبُيُوعِ عَنْ الْمُلْتَقَطِ ثُمَّ إنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ هُنَا أَيْضًا مَا امْتَنَعَ رَدُّهُ قَبْلَ الْبَيْعِ بِزِيَادَةٍ وَنَحْوِهَا؛ كَمَا لَوْ لَتَّ السَّوِيقَ أَوْ خَاطَ الثَّوْبَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ ثُمَّ بَاعَهُ فَإِنَّ بَيْعَهُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ لَا يَكُونُ رِضًا وَلَهُ الرُّجُوعُ بِنُقْصَانِهِ كَمَا مَرَّ، فَكَذَا لَوْ عَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ فَلَيْسَ بِرِضًا) فَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 كَعَرْضِ ثَوْبٍ عَلَى خَيَّاطٍ لِيَنْظُرَ أَيَكْفِيهِ أَمْ لَا، أَوْ عَرْضِهِ عَلَى الْمُقَوِّمِينَ لِيُقَوَّمَ؛ وَلَوْ قَالَ لَهُ الْبَائِعُ أَتَبِيعُهُ قَالَ نَعَمْ لَزِمَ؛ وَلَوْ قَالَ لَا لَا.؛ لِأَنَّ نَعَمْ عَرْضٌ عَلَى الْبَيْعِ وَلَا تَقْرِيرٌ لِمِلْكِهِ بَزَّازِيَّةٌ (لَا) يَكُونُ رِضًا (الرُّكُوبُ لِلرَّدِّ) عَلَى الْبَائِعِ (أَوْ لِشِرَاءِ الْعَلَفِ) لَهَا (أَوْ لِلسَّقْيِ وَ) الْحَالُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ (لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ) أَيْ الرُّكُوبِ لِعَجْزٍ أَوْ صُعُوبَةٍ، وَهَلْ هُوَ قَيْدٌ لِلْأَخِيرَيْنِ أَوْ لِلثَّلَاثَةِ؟ اسْتَظْهَرَ الْبُرْجَنْدِيُّ الثَّانِيَ وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلدُّرَرِ وَالْبَحْرِ وَالشُّمُنِّيِّ وَغَيْرُهُمْ الْأَوَّلَ؛ وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ رَكِبْتَهَا لِحَاجَتِك وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ لِأَرُدَّهَا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي بَحْرٌ. وَفِي الْفَتْحِ: وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فِي السَّفَرِ فَحَمَلَهَا فَهُوَ عُذْرٌ.   [رد المحتار] عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ رَدَّهَا لِكَوْنِهَا خِلَافَ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْجِيَادِ فَلَمْ تَدْخُلْ الزُّيُوفُ فِي مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ مِلْكُهُ فَالْعَرْضُ رِضًا بِعَيْبِهِ بَحْرٌ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ بَاعَهَا ثُمَّ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِلَا قَضَاءٍ فَلَهُ رَدُّهَا عَلَى بَائِعِهِ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِهِ بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ إلَخْ، وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ كَعَرْضِ ثَوْبٍ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ عَلَى الْبَيْعِ، وَالتَّشْبِيهُ فِي عَدَمِ الرِّضَا. (قَوْلُهُ قَالَ نَعَمْ) الْأَوْلَى فَقَالَ: نَعَمْ عَطْفًا عَلَى قَالَ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ لَزِمَ) جَوَابُ لَوْ أَيْ لَزِمَ الْبَيْعُ وَلَا يُمْكِنُهُ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ: قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: وَهَذِهِ تَصْلُحُ حِيلَةً مِنْ الْبَائِعِ لِإِسْقَاطِ خِيَارِ الْعَيْبِ عَنْ مُشْتَرِيهِ (قَوْلُهُ وَلَا تَقْرِيرَ لِمِلْكِهِ) لَفْظُ لَا مُبْتَدَأٌ وَتَقْرِيرَ خَبَرُهُ وَالضَّمِيرُ فِي مِلْكِهِ لِلْبَائِعِ كَأَنَّهُ يَقُولُ لَا أَبِيعُهُ لِكَوْنِهِ مِلْكَك؛ لِأَنِّي أَرُدُّهُ عَلَيْك وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بَدَلَ قَوْلِهِ نَعَمْ إلَخْ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَنْبِيهَ الْمُشْتَرِي عَلَى لَفْظٍ يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الرَّدِّ وَهُوَ لَفْظُ لَا وَيُحَذِّرُهُ مِنْ مَانِعِ الرَّدِّ وَهُوَ نَعَمْ ط. وَبِهِ انْدَفَعَ تَوَقُّفُ الْمُحَشِّي فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ قَوْلَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ إلَخْ: أَيْ يَقُولُ النَّاقِلُ لِحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى، وَلَوْ قَالَ لَهُ الْبَائِعُ أَتَبِيعُهُ فَقَالَ لَا لَزِمَ فَيُنَافِي مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ ضَمِيرُ يَقُولُ لِلْمُشْتَرِي: أَيْ يَنْبَغِي لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقُولَ لَا بَدَلَ قَوْلِهِ نَعَمْ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْبَيْعُ فَيَكُونُ تَحْذِيرًا لِلْمُشْتَرِي فَافْهَمْ. ثُمَّ إنَّ الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَالِبِ نُسَخِ الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْهَا، وَلَا تَقْرِيرَ لِمَكِنَتِهِ: أَيْ تَمَكُّنِهِ مِنْ الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ وَعَلَيْهِ فَالضَّمِيرُ لِلْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ الرُّكُوبُ لِلرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ) وَكَذَا لَوْ رَكِبَهُ لِيَرُدَّهُ فَعَجَزَ عَنْ الْبَيِّنَةِ فَرَكِبَهُ جَاثِيًا فَلَهُ الرَّدُّ بَحْرٌ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَيْ لَهُ رَدُّهُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا وَجَدَ بَيِّنَةً عَلَى كَوْنِ الْعَيْبِ قَدِيمًا؛ لِأَنَّ رُكُوبَهُ بَعْدَ الْعَجْزِ لَيْسَ دَلِيلَ الرِّضَا (قَوْلُهُ أَوْ لِشِرَاءِ الْعَلَفِ لَهَا) فَلَوْ رَكِبَهَا لِعَلَفِ دَابَّةٍ أُخْرَى فَهُوَ رِضًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ لِعَجْزٍ أَوْ صُعُوبَةٍ) أَيْ لِعَجْزِهِ عَنْ الْمَشْيِ أَوْ صُعُوبَةِ الدَّابَّةِ بِكَوْنِهَا لَا تَنْقَادُ مَعَهُ (قَوْلُهُ وَهَلْ هُوَ) أَيْ قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ. (قَوْلُهُ وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) الَّذِي فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ وَالدُّرَرِ وَالشُّمُنِّيِّ وَالْبَحْرِ جَعَلَهُ قَيْدًا لِلْأَخِيرَيْنِ فَقَطْ، وَلَكِنْ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ: وَاعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ بِلَا ضَمِيرٍ وَهِيَ الصَّوَابُ، فَقَوْلُهُ وَغَيْرِهِمْ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَجْرُورِ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ إلَخْ، وَقَوْلُهُ الْأَوَّلَ بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ اعْتَمَدَهُ أَمَّا عَلَى نُسْخَةِ اعْتَمَدَهُ بِالضَّمِيرِ يَكُونُ قَوْلُهُ وَغَيْرُهُمْ مَرْفُوعًا وَالتَّقْدِيرُ وَاعْتَمَدَ غَيْرُهُمْ الْأَوَّلَ، وَمَشَى فِي الْفَتْحِ عَلَى الْأَوَّلِ وَفِي الذَّخِيرَةِ عَلَى الثَّانِي قَالَ: وَيَدُلُّ لَهُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ جُوَالِقَ الْعَلَفِ لَوْ كَانَ وَاحِدًا فَرَكِبَ لَا يَكُونُ رِضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ إلَّا بِالرُّكُوبِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ اثْنَيْنِ. اهـ لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ الْعُذْرَ الْمَذْكُورَ فِي السَّقْيِ يَجْرِي فِيمَا إذَا كَانَ الْعَلَفُ فِي عِدْلِينَ فَلَا يَنْبَغِي إطْلَاقُ امْتِنَاعِ الرَّدِّ فِيهِ. اهـ، وَبَقِيَ قَوْلٌ ثَالِثٌ هُوَ ظَاهِرُ الْكَنْزِ أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ فِي الثَّلَاثَةِ، وَظَاهِرُ الزَّيْلَعِيِّ اعْتِمَادَهُ حَيْثُ عَبَّرَ عَنْ الْقَوْلَيْنِ بِقِيلَ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْمَوَاهِبِ: الرُّكُوبُ لِلرَّدِّ أَوْ لِلسَّقْيِ أَوْ لِشِرَاءِ الْعَلَفِ لَا يَكُونُ رِضًا مُطْلَقًا فِي الْأَظْهَرِ. اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ ط وَكَذَا لَوْ قَالَ رَكِبْتُهَا لِلسَّقْيِ بِلَا حَاجَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَنْقَادُ وَهِيَ ذَلُولٌ يَنْبَغِي أَنْ يُسْمَعَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُسَوِّغَ الرُّكُوبِ بِلَا إبْطَالِ الرَّدِّ هُوَ خَوْفُ الْمُشْتَرِي مِنْ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا لَا حَقِيقَةُ الْجُمُوحِ وَالصُّعُوبَةِ، وَالنَّاسُ يَخْتَلِفُونَ فِي تَخَيُّلِ أَسْبَابِ الْخَوْفِ، فَرُبَّ رَجُلٍ لَا يَخْطُرُ بِخَاطِرِهِ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْأَسْبَابِ وَآخَرُ بِخِلَافِهِ كَذَا فِي الْفَتْح (قَوْلُهُ فَهُوَ عُذْرٌ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 [مَطْلَبٌ فِيمَا يَكُونُ رِضًا بِالْعَيْبِ وَيَمْنَعُ الرَّدَّ] (اخْتَلَفَا بَعْدَ التَّقَابُضِ فِي عَدَدِ الْمَبِيعِ) أَوَاحِدً أَوْ مُتَعَدِّدٍ لِيَتَوَزَّعَ الثَّمَنُ عَلَى تَقْدِيرِ الرَّدِّ (أَوْ فِي) عَدَدِ (الْمَقْبُوضِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّهُ قَابِضٌ وَالْقَوْلُ لِلْقَابِضِ مُطْلَقًا قَدْرًا أَوْ صِفَةً أَوْ تَعَيُّنًا،   [رد المحتار] بَعْدَ نَقْلِهِ: وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ حَمَلَ عَلَيْهِ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِي الطَّرِيقِ، وَلَمْ يَجِدْ مَا يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ لَوْ أَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ يَتْلَفُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ وَقِيلَ يَتَمَكَّنُ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا حَمَلَ عَلَيْهِ عَلَفَهُ. قُلْت: الْفَرْقُ وَاضِحٌ، فَإِنَّ عَلَفَهُ مِمَّا يُقَوِّمُهُ، إذْ لَوْلَاهُ لَا يَبْقَى، وَلَا كَذَلِكَ الْعَدْلُ فَكَانَ مِنْ ضَرُورَةِ الرَّدِّ. اهـ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ ضَعِيفٌ. اهـ ط. قُلْت: وَذَكَرَ الْفَرْقَ أَيْضًا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ السِّيَرِ الْكَبِيرِ اشْتَرَى دَابَّةً فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَغَزَا عَلَيْهَا فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فِي دَارِ الْحَرْبِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَرْكَبَهَا؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ رِضًا مِنْهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهَا فَلْيُحْتَرَزْ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ دَابَّةً غَيْرَهَا؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ الَّذِي لَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْبَائِعِ، وَالرُّكُوبُ لِحَاجَتِهِ دَلِيلُ الرِّضَا. اهـ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الرُّكُوبَ دَلِيلُ الرِّضَا وَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ؛ لِأَنَّ عُذْرَهُ أَلْزَمَهُ الرِّضَا بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ؛ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلْقَوْلِ الثَّالِثِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْعُذْرَ فِي رُكُوبِهَا لِلسَّقْيِ وَالْعَلَفِ وَإِنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْبَائِعِ إذْ فِيهِ حَيَاتُهَا بِخِلَافِ الْعُذْرِ فِي مَسْأَلَةِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا. [مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي اخْتِلَافِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي عَدَدِ الْمَقْبُوضِ أَوْ قَدْرِهِ أَوْ صِفَتِهِ] ِ (قَوْلُهُ اخْتَلَفَا بَعْدَ التَّقَابُضِ إلَخْ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً مَثَلًا فَقَبَضَهَا وَأَقْبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ جَاءَ لِيَرُدَّهَا بِعَيْبٍ وَاعْتَرَفَ بِهِ الْبَائِعُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ وَأُخْرَى مَعَهَا فَلَكَ عَلَيَّ رَدُّ حِصَّةِ هَذِهِ فَقَطْ مِنْ الثَّمَنِ لَا كُلِّهِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتَنِيهَا وَحْدَهَا فَارْدُدْ كُلَّ الثَّمَنِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ قَابِضٌ يُنْكِرُ زِيَادَةً يَدَّعِيهَا الْبَائِعُ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ انْفَسَخَ فِي الْمَرْدُودِ بِالرَّدِّ وَذَلِكَ مُسْقِطٌ لِلثَّمَنِ عَنْهُ وَالْبَائِعُ يَدَّعِي بَعْضَ الثَّمَنِ بَعْدَ ظُهُورِ سَبَبِ السُّقُوطِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ لِيَتَوَزَّعَ الثَّمَنُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِدَعْوِي الْبَائِعِ وَبَيَانٌ لِفَائِدَتِهَا عَلَى تَقْدِيرِ الرَّدِّ: أَيْ رَدِّ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى دَعْوَاهُ يَلْزَمُهُ رَدُّ بَعْضِهِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ (قَوْلُهُ أَوْ فِي عَدَدِ الْمَقْبُوضِ) أَيْ بِأَنْ اتَّفَقَا عَلَى مِقْدَارِ الْمَبِيعِ أَنَّهُ الْجَارِيَتَانِ وَقَبَضَ الْبَائِعُ ثَمَنَهَا ثُمَّ جَاءَ الْمُشْتَرِي لِيَرُدَّ إحْدَاهُمَا فَقَالَ الْبَائِعُ قَبَضْتَهُمَا وَإِنَّمَا تَسْتَحِقُّ حِصَّةَ هَذِهِ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَمْ أَقْبِضْ سِوَاهَا (قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ لِلْقَابِضِ) وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ عَنْهُ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ وَأَقَامَ بَيِّنَةً تُقْبَلُ مَعَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ، وَالْبَيِّنَةُ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ مَقْبُولَةٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، مِنْ بَابِ الصَّرْفِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) فَسَّرَهُ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ قَدْرًا) أَيْ قَدْرَ الْمَبِيعِ أَوْ الْمَقْبُوضِ كَمَا مَرَّ، وَمِنْهُ مَا فِي النَّهْرِ عَنْ صُلْحِ الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَزْنًا: وَجَدْتُهُ نَاقِصًا إلَّا إذَا سَبَقَ مِنْهُ إقْرَارٌ بِقَبْضِ مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ (قَوْلُهُ أَوْ صِفَةً) تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْبَحْرَ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ. وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِ الْمَبِيعِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ عَلَى أَنَّهُ كَاتِبٌ أَوْ خَبَّازٌ وَقَالَ الْبَائِعُ: لَمْ أَشْتَرِطْ شَيْئًا فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ وَلَا يَتَحَالَفَانِ. اهـ وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ والتتارخانية وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ: اخْتَلَفَا فِي وَصْفِ الْمَبِيعِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي ذَكَرْت لِي أَنَّ هَذِهِ السِّلْعَةَ شَامِيَّةٌ فَقَالَ الْبَائِعُ مَا قُلْت إلَّا أَنَّهَا بَلَدِيَّةٌ. أَجَابَ: الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ حَقَّ الْفَسْخِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ. اهـ وَفِي النَّهْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: اشْتَرَى عَبْدَيْنِ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ حَالَّةٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ إلَى سَنَةٍ صَفْقَةً أَوْ صَفْقَتَيْنِ فَرَدَّ أَحَدَهُمَا بِعَيْبٍ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْبَائِعُ رَدَدْت مُؤَجَّلَ الثَّمَنِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ مُعَجَّلٌ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ سَوَاءٌ هَلَكَ مَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا وَلَا تَحَالُفَ. اهـ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 فَلَوْ جَاءَ لِيَرُدَّهُ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ فَقَالَ الْبَائِعُ لَيْسَ هُوَ الْمَبِيعَ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي فِي تَعْيِينِهِ، وَلَوْ جَاءَ لِيَرُدَّهُ بِخِيَارِ عَيْبٍ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي طُولِ الْمَبِيعِ وَعَرْضِهِ فَتْحٌ. (اشْتَرَى عَبْدَيْنِ) أَيْ شَيْئَيْنِ يَنْتَفِعُ بِأَحَدِهِمَا وَحْدَهُ   [رد المحتار] وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ الْآتِي كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي طُولِ الْمَبِيعِ وَعَرْضِهِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي النَّهْرِ كَمَا تَعْرِفُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلَوْ جَاءَ لِيَرُدَّهُ إلَخْ) تَفْرِيغٌ عَلَى قَوْلِهِ تَعْيِينًا؛ وَمِثْلُهُ مَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ: لَوْ اخْتَلَفَا فِي الرِّقِّ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِفَسْخِهِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى رِضَا الْآخَرِ بَلْ عَلَى عِلْمِهِ عَلَى الْخِلَافِ، وَإِذْ انْفَسَخَ يَكُونُ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا فِي الْمَقْبُوضِ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْقَابِضِ، بِخِلَافِ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ لَا يَنْفَرِدُ الْمُشْتَرِي بِفَسْخِهِ وَلَكِنَّهُ يَدَّعِي ثُبُوتَ حَقِّ الْفَسْخِ فِي الَّذِي أَحْضَرَهُ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُهُ. كَذَا فِي الْفَتْحِ مِنْ آخِرِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قُلْت: وَمُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا يَكُونُ الْقَوْلُ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ بِفَسْخِهِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى رِضَا الْآخَرِ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي طُولِ الْمَبِيعِ وَعَرْضِهِ) لَمْ أَرَ هَذَا فِي الْفَتْحِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي قَبْلَهُ مَعَ الْفَرْقِ الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنْهُ، نَعَمْ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مُصَرِّحًا بِأَنَّ الْقَوْلَ لِلْبَائِعِ. قُلْت: وَهُوَ الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمُنْتَخَبِهَا لِلْعَيْنِيِّ وَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ والتتارخانية، فَمَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمُشْتَرِي تَحْرِيفٌ أَوْ سَبْقُ قَلَمٍ فَافْهَمْ، وَنَصُّ الظَّهِيرِيَّةِ: ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: رَجُلٌ بَاعَ مِنْ آخَرَ ثَوْبًا مَرْوِيًّا فَقَبَضَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى اخْتَلَفَا فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُهُ عَلَى أَنَّهُ سِتٌّ فِي سَبْعٍ وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُهُ عَلَى أَنَّهُ سَبْعٌ فِي ثَمَانٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ. اهـ. [تَتِمَّةٌ] قَالَ بِعْتهَا وَبِهَا قُرْحَةٌ فِي مَوْضِعِ كَذَا فَجَاءَ الْمُشْتَرِي لِيَرُدَّهَا بِقُرْحَةٍ فِي ذَلِكَ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنَّهَا هَذِهِ الْقُرْحَةُ بَلْ الْقُرْحَةُ بَرِئَتْ وَهَذِهِ غَيْرُهَا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا نَسَبَ الْعَيْبَ إلَى مَوْضِعٍ وَسَمَّاهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ ذَكَرَهُ مُطْلَقًا فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ، وَتَمَامُهُ فِي الذَّخِيرَةِ [خَاتِمَةٌ] بَاعَ أَلْفَ رِطْلٍ مِنْ الْقُطْنِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ قُطْنٌ وَعِنْدَهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ أَلْفُ رِطْلٍ مِنْ الْقُطْنِ يَقُولُ أَصَبْتُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِيَمِينِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَبِيعَ لَا يَخْلُو مِنْ كَوْنِهِ شَيْئًا وَاحِدًا أَوْ شَيْئَيْنِ كَوَاحِدٍ حُكْمًا مِنْ حَيْثُ لَا يَقُومُ أَحَدُهُمَا بِلَا صَاحِبِهِ كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ وَزَوْجَيْ خُفٍّ أَوْ شَيْئَيْنِ بِلَا اتِّحَادٍ حُكْمًا كَثَوْبَيْنِ وَعَبْدَيْنِ. ثُمَّ الْحَادِثُ فِي الْمَبِيعِ نَوْعَانِ: عَيْبٌ وَاسْتِحْقَاقٌ، وَالْأَحْوَلُ ثَلَاثَةٌ: قَبْلَ الْقَبْضِ، وَبَعْدَهُ، وَبَعْدَ قَبْضِ بَعْضِهِ فَقَطْ. أَمَّا لَوْ وَجَدَ فِي بَعْضِهِ عَيْبًا قَبْلَ قَبْضِ كُلِّهِ وَكَانَ الْعَيْبُ مَوْجُودًا وَقْتَ الْبَيْعِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِ الْكُلِّ بِثَمَنِهِ أَوْ رَدِّ كُلِّهِ لَا الْمَعِيبِ وَحْدَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَا لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقْبَلَ الْمَعِيبَ خَاصَّةً إلَّا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى رَدِّ الْمَعِيبِ فَقَطْ وَأَخْذِ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَلَهُمَا ذَلِكَ، إذْ الصَّفْقَةُ لَا تَتِمُّ قَبْلَ الْقَبْضِ بِدَلِيلِ انْفِسَاخِ الْبَيْعِ بِرَدِّهِ بِلَا رِضًا وَلَا قَضَاءٍ؛ وَلَوْ قَبَضَ بَعْضَهُ فَقَطْ فَوَجَدَ فِيهِ أَوْ فِيمَا بَقِيَ عَيْبًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 صَفْقَةً وَاحِدَةً (وَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَوَجَدَ) بِهِ أَوْ (بِالْآخَرِ عَيْبًا) لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ (أَخَذَهُمَا أَوْ رَدَّهُمَا، وَلَوْ قَبَضَهُمَا رَدَّ الْمَعِيبَ) بِحِصَّتِهِ سَالِمًا (وَحْدَهُ) لِجَوَازِ التَّفْرِيقِ بَعْدَ التَّمَامِ (كَمَا لَوْ قَبَضَ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا) أَوْ زَوْجَيْ خُفٍّ وَنَحْوَهُ كَزَوْجَيْ ثَوْرٍ أَلِفَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِحَيْثُ لَا يَعْمَلُ بِدُونِهِ (وَوَجَدَ بِبَعْضِهِ عَيْبًا فَإِنَّ لَهُ رَدَّ كُلِّهِ أَوْ أَخْذَهُ)   [رد المحتار] فِي كُلِّ مَا مَرَّ، إذْ الصَّفْقَةُ لَا تَتِمُّ بَعْدُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ وَاحِدًا أَوْ أَشْيَاءَ؛ وَلَوْ قَبَضَ كُلَّهُ فَوَجَدَ بِبَعْضِهِ عَيْبًا قَدِيمًا أَوْ حَادِثًا بَيْنَ شِرَائِهِ وَقَبْضِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ وَاحِدًا كَدَارٍ وَكَرْمٍ وَأَرْضٍ وَثَوْبٍ أَوْ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ أَوْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ شَيْئَيْنِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ حُكْمًا يُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِ كُلِّهِ وَرَدِّ كُلِّهِ دُونَ رَدِّ بَعْضِهِ فَقَطْ، إذْ فِيهِ زِيَادَةُ عَيْبٍ هُوَ الِاشْتِرَاكُ فِي الْأَعْيَانِ، وَإِنْ كَانَ شَيْئَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِلَا اتِّحَادٍ حُكْمًا كَثِيَابٍ وَعَبِيدٍ أَوْ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا فِي أَوْعِيَةٍ مُخْتَلِفَةٍ فَلِلْمُشْتَرِي الرِّضَا بِهِ بِكُلِّ ثَمَنِهِ أَوْ رَدُّ الْمَعِيبِ فَقَطْ لَا يَرُدُّ كُلَّهُ إلَّا بِتَرَاضِي، وَلَا يَرُدُّ الْمَعِيبَ إلَّا بِرِضًا أَوْ قَضَاءٍ إذْ الصَّفْقَةُ تَمَّتْ فَيَصِحُّ تَفْرِيقُهَا فَيَرُدُّ الْمَعِيبَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ غَيْرَ مَعِيبٍ، إذْ الْمَبِيعُ الْمَعِيبُ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ سَلِيمًا، وَفِي خِيَارِ شَرْطٍ وَرُؤْيَةٍ لَيْسَ لَهُ رَدُّ بَعْضِهِ فَقَطْ إنْ قَبَضَ الْكُلَّ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ تَمَامَ الصَّفْقَةِ فَهِيَ قَبْلَ تَمَامِهَا لَا تَحْتَمِلُ التَّفْرِيقَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّهُ يَرُدُّ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا لَوْ قَبَضَ الْكُلَّ وَمَتَى عَجَزَ عَنْ رَدِّ الْبَعْضِ لَزِمَهُ الْكُلُّ سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَسَائِلَ الِاسْتِحْقَاقِ وَقَدْ مَرَّتْ وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الْعَيْبَ قَبْلَ قَبْضِ شَيْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ أَوْ بَعْدَ قَبْضِ الْبَعْضِ فَقَطْ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ بِلَا رِضَا الْبَائِعِ، وَكَذَا لَوْ بَعْدَ قَبْضِ الْكُلِّ إلَّا إذَا كَانَ مُتَعَدِّدًا غَيْرَ مُتَّحِدٍ حُكْمًا كَثَوْبَيْنِ وَطَعَامٍ فِي وِعَاءَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ الْوَاحِدِ وَهَذَا ظَاهِرٌ لَوْ كَانَ الطَّعَامُ كُلُّهُ بَاقِيًا، فَلَوْ بَاعَ بَعْضَهُ أَوْ أَكَلَ بَعْضَهُ فَقَدَّمْنَا فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ وَيَرْجِعَ بِنُقْصَانِ مَا أَكَلَ لَا مَا بَاعَ، وَمَرَّ بَيَانُهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً) مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ اشْتَرَى لِتَأَوُّلِهِ بِالْمُشْتَقِّ: أَيْ صَافِقًا بِمَعْنَى عَاقِدًا أَوْ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ: أَيْ بِصَفْقَةٍ أَيْ عَقْدٍ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ فَهُوَ مِنْ قِسْمِ مَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ وَاحِدًا وَقَدْ عَلِمْته (قَوْلُهُ وَقَبَضَ أَحَدَهُمَا) وَكَذَا وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهُمَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ رَدَّ الْمَعِيبَ) احْتِرَازٌ عَمَّا فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ) هَذَا لَا يُنَاسِبُ إلَّا مَا إذَا وَجَدَ الْعَيْبَ فِي الْمَقْبُوضِ كَمَا لَا تَخْفَى. اهـ ح قُلْت: بَلْ هُوَ فِي غَايَةِ الْخَفَاءِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ يَصْدُقُ عَلَى مَا إذَا قَبَضَ السَّلِيمَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِعَيْبِ الْآخَرِ إلَّا بَعْدَ قَبْضِ الْمَقْبُوضِ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: قَيَّدَ بِتَرَاخِي ظُهُورِ الْعَيْبِ عَنْ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ قَبَضَ الْمَعِيبَ مِنْهُمَا لَزِمَاهُ، أَمَّا الْمَعِيبُ فَلِوُجُودِ الرِّضَا بِهِ؛ وَأَمَّا الْآخَرُ فَلِأَنَّهُ لَا عَيْبَ بِهِ، وَلَوْ قَبَضَ السَّلِيمَ مِنْهُمَا أَوْ كَانَا مَعِيبَيْنِ وَقَبَضَ أَحَدُهُمَا لَهُ رَدُّهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلْزَامُ الْبَيْعِ فِي الْمَقْبُوضِ دُونَ الْآمِرِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَا يُمْكِنُ إسْقَاطُ حَقِّهِ فِي غَيْرِ الْمَقْبُوضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَبَضَ إلَخْ) تَشْبِيهٌ بِقَوْلِهِ أَخَذَهُمَا أَوْ رَدَّهُمَا، وَالْأَوْلَى عَدَمُ التَّقْيِيدِ هُنَا بِالْقَبْضِ كَمَا فِي الْكَنْزِ لِيَشْمَلَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ: قَالَ فِي الْبَحْرِ وَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنَّمَا هُوَ لِيَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقِيَمِيَّاتِ وَالْمِثْلِيَّاتِ. اهـ فَإِنَّ الْقِيَمِيَّاتِ كَعَبْدَيْنِ لَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ مِنْهُمَا بَعْدَ قَبْضِهِمَا، بِخِلَافِ الْمِثْلِيَّاتِ كَطَعَامٍ فِي وِعَاءٍ، أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ فِي الْكُلِّ، لَكِنْ هَذَا الِاعْتِذَارُ لَا يَتَأَتَّى فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ أَتَى بِكَافٍ التَّشْبِيهِ (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ) أَيْ مِنْ كُلِّ شَيْئَيْنِ لَا يُنْتَفَعُ بِأَحَدِهِمَا بِدُونِ الْآخَرِ، وَلَهُ أَحْكَامٌ ذَكَرَهَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ فَإِنَّ لَهُ رَدَّ كُلِّهِ أَوْ أَخْذَهُ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 بِعَيْبِهِ؛ لِأَنَّهُ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ وَلَوْ فِي وِعَاءَيْنِ عَلَى الْأَظْهَرِ عِنَايَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ بُرْهَانٌ. (اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَرُدَّهَا مُطْلَقًا) وَلَوْ ثَيِّبًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. وَلَنَا أَنَّهُ اسْتَوْفَى مَاءَهَا وَهُوَ جُزْؤُهَا؛ وَلَوْ الْوَاطِئُ زَوْجَهَا، إنْ ثَيِّبًا رَدَّهَا، وَإِنْ بِكْرًا لَا بَحْرٌ (وَرَجَعَ بِالنُّقْصَانِ) لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ.   [رد المحتار] أَيْ دُونَ أَخْذِ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا تَضَمَّنَهُ التَّشْبِيهُ، وَعَلِمْت أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ كُلُّهُ بَاقِيًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ الْبَعْضَ أَوْ أَكَلَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي وِعَاءَيْنِ) أَيْ إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَتَمْرٍ بِرْنِيٍّ أَوْ صَيْحَانِيٍّ أَوْ لِبَانَةٍ أَوْ حِنْطَةٍ صَعِيدِيَّةٍ أَوْ بَحْرِيَّةٍ فَإِنَّهُمَا جِنْسَانِ يَتَفَاوَتَانِ فِي الثَّمَنِ وَالْعَجِينِ كَذَا حَرَّرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ) وَقِيلَ إذَا كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ عَبْدَيْنِ حَتَّى يَرُدَّ الْوِعَاءَ الَّذِي وَجَدَ فِيهِ الْعَيْبَ وَحْدَهُ زَيْلَعِيٌّ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَرْفَقُ وَأَقْيَسُ. اهـ وَلِذَا مَشَى عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ كَمَا عَلِمْته آنِفًا (قَوْلُهُ أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: قَوْلُ السَّرَخْسِيِّ التَّقْبِيلُ بِشَهْوَةٍ يَمْنَعُ الرَّدَّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. قُلْت: يُخَالِفُ هَذَا الْحَمْلَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ: وَإِذْ وَطِئَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَرُدَّهَا وَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا إلَّا أَنْ يُقَبِّلَهَا الْبَائِعُ كَذَلِكَ، وَكَذَا إذَا كَانَ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ، فَإِنْ وَطِئَهَا أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ فَهُوَ رِضًا بِالْعَيْبِ فَلَا رَدَّ وَلَا رُجُوعَ بِنُقْصَانٍ. اهـ. وَكَذَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَبَضَهَا فَوَطِئَهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَا يَرُدُّهَا بَلْ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ إلَخْ، وَلَا يَرِدُ قَوْلُهُ الْآتِي؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَاءَهَا؛ لِأَنَّ دَوَاعِيَ الْوَطْءِ تَأْخُذُ حُكْمَهُ فِي مَوَاضِعَ كَمَا فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ اسْتَوْفَى مَاءَهَا وَهُوَ جُزْؤُهَا) أَيْ فَإِذَا رَدَّهَا صَارَ كَأَنَّهُ أَمْسَكَ بَعْضَهَا شَرْحُ الْمَجْمَعِ: وَعَلَّلَ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ بِأَنَّ الرَّدَّ بِعَيْبٍ فَسْخُ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ فَيَكُونُ وَطْؤُهُ فِي غَيْرِ مَمْلُوكِهِ لَهُ فَيَكُونُ عَيْبًا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَهَذَا فِي الثَّيِّبِ، فَالْبِكْرُ يَمْتَنِعُ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ اتِّفَاقًا. اهـ. قُلْت: وَهَذَا التَّعْلِيلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ دَوَاعِيَ الْوَطْءِ (قَوْلُهُ لَوْ الْوَاطِئُ زَوْجَهَا) أَيْ الزَّوْجُ الَّذِي كَانَ مِنْ عِنْدِ الْبَائِعِ. أَمَّا لَوْ زَوْجُهَا الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهَا وَطِئَهَا أَوْ لَا وَإِنْ رَضِيَ بِهَا الْبَائِعُ لِحُصُولِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ وَهِيَ الْمَهْرُ وَأَنَّهَا تَمْنَعُ الرَّدَّ كَمَا مَرَّ كَمَا لَوْ وَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لِوُجُوبِ الْعُقْرِ عَلَى الْوَاطِئِ بِخِلَافِ مَا لَوْ زَنَى بِهَا فَلَا يُرَدُّ وَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِهَا الْبَائِعُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّبَتْ بِعَيْبِ الزِّنَا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ إنْ ثَيِّبًا رَدَّهَا) أَيْ إذَا لَمْ يَنْقُصْهَا الْوَطْءُ وَكَانَ الزَّوْجُ وَطِئَهَا عِنْدَ الْبَائِعِ أَيْضًا، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا إلَّا عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَرُدُّهَا ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ وَرَجَعَ بِالنُّقْصَانِ) كَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 وَفِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ: لَوْ شَرَطَ بَكَارَتَهَا فَبَانَتْ ثَيِّبًا لَمْ يَرُدَّهَا بَلْ يَرْجِعُ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا نُقْصَانِ هَذَا الْعَيْبِ. وَفِي الْحَاوِي وَالْمُلْتَقَطِ: الثُّيُوبَةُ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ إلَّا إذَا شَرَطَ الْبَكَارَةَ فَيَرُدُّهَا لِعَدَمِ الْمَشْرُوطِ (إلَّا إذَا قَبِلَهَا الْبَائِعُ) ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّهِ فَإِذَا رَضِيَ زَالَ الِامْتِنَاعُ (وَيَعُودُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ بَعْدَ زَوَالِ) الْعَيْبِ (الْحَادِثِ) لِعَوْدِ الْمَمْنُوعِ بِزَوَالِ الْمَانِعِ دُرَرٌ، فَيَرُدُّ الْمَبِيعَ مَعَ النُّقْصَانِ   [رد المحتار] فِي الدُّرَرِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ: وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ إلَخْ وَعَزَاهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَى الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا، وَمِثْلُهُ أَيْضًا مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَا يَرُدُّهَا بِهِ، وَلَكِنْ تُقَوَّمُ وَبِهَا الْعَيْبُ، وَتُقَوَّمُ وَلَيْسَ بِهَا عَيْبٌ فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ يَنْقُصُهَا الْعُشْرَ يَرْجِعُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ. اهـ مُلَخَّصًا. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَفِي الْأَصْلِ: رَجُلٌ اشْتَرَى جَارِيَةً وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ عُيُوبِهَا فَوَطِئَهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَا يَمْلِكُ رَدَّهَا سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا نَقَصَهَا الْوَطْءُ أَوْ لَا، بِخِلَافِ الِاسْتِخْدَامِ، وَكَذَا لَوْ قَبَّلَهَا أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ وَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ أَنَا أُقَبِّلُهَا. اهـ فَهَذَا نَصُّ الْمَذْهَبِ. مَطْلَبٌ الْأَصْلُ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَكَافِي الْحَاكِمِ جَمَعَ فِيهِ كُتُبَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّ الْأَصْلَ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَكَافِي الْحَاكِمِ جَمَعَ فِيهِ كُتُبَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِلْإِمَامِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ، وَبِهِ سَقَطَ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ جَوَّزَ الرُّجُوعَ بِالنَّقْصِ مَعَ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ وَمَنَعَهُ مَعَ الْوَطْءِ. اهـ. قُلْت: وَسَقَطَ بِهِ أَيْضًا مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا مِنْ أَنَّ وَطْءَ الثَّيِّبِ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَالرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ وَكَذَا التَّقْبِيلُ وَالْمَسُّ بِشَهْوَةٍ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ وَبَعْدَهُ، وَكَذَا مَا يَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْخَانِيَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَبَانَتْ ثَيِّبًا) أَيْ بِوَطْءِ الْمُشْتَرِي وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَوَّلِ فَصْلِ الْعُيُوبِ: وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ، ثُمَّ قَالَ هِيَ ثَيِّبٌ يُرِيهَا الْقَاضِي النِّسَاءَ، إنْ قُلْنَ بِكْرٌ كَانَ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ بِلَا يَمِينٍ، وَإِنْ قُلْنَ ثَيِّبٌ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ، وَإِنْ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي: فَإِنْ زَايَلَهَا كَمَا عُلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِكْرًا بِلَا لُبْثٍ وَإِلَّا لَزِمَتْهُ هَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ اهـ وَمَشَى الشَّارِحُ عَلَى التَّفْصِيلِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتَمَّ الْعَقْدُ بِمَوْتِهِ إلَخْ، لَكِنْ عَلِمْت نَصَّ الْمَذْهَبِ، وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ ثُمَّ رَمَزَ لِكِتَابٍ آخَرَ، الْوَطْءُ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اهـ (قَوْلُ بَلْ يَرْجِعُ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا) فِيهِ أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ قَدْ يَنْقُصُ الْقِيمَةَ أَقَلَّ مِنْ هَذَا الْقَدْرِ، وَقَدْ يَنْقُصُهَا أَكْثَرَ مِنْهُ فَمَا وَجْهُ هَذَا التَّعْيِينِ ط. قُلْت: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ نُقْصَانَ الثُّيُوبَةِ كَانَ كَذَلِكَ فِي زَمَانِهِمْ (قَوْلُهُ الثُّيُوبَةُ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْغَالِبُ عَدَمَهَا فَصَارَتْ كَمَا لَوْ شَرَى دَابَّةً فَوَجَدَهَا كَبِيرَةَ السِّنِّ كَمَا حَقَّقْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ، نَعَمْ لَوْ شَرَطَ الْبَكَارَةَ وَلَمْ تُوجَدْ كَانَ لَهُ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ فَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ، كَمَا لَوْ شَرَى الْعَبْدَ عَلَى أَنَّهُ كَاتِبٌ أَوْ خَبَّازٌ، وَهَذَا لَوْ وَجَدَهَا ثَيِّبًا بِغَيْرِ الْوَطْءِ وَإِلَّا فَالْوَطْءُ يَمْنَعُ الرَّدَّ، لَوْ نَزَعَ بِلَا لُبْثٍ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا عَلِمْت فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا قَبَّلَهَا الْبَائِعُ) أَيْ رِضَى أَنْ يَأْخُذَهَا بَعْدَمَا وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي، وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَرَجَعَ بِالنُّقْصَانِ (قَوْلُهُ وَيَعُودُ الرَّدُّ إلَخْ) مَحَلُّ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا حَدَثَ عَيْبٌ آخَرُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ ط (قَوْلُهُ لِعَوْدِ الْمَمْنُوعِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الرَّدَّ لَمْ يَسْقُطْ وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ إذَا لَوْ كَانَ سَاقِطًا لَمَا عَادَ ط (قَوْلُهُ مَعَ النُّقْصَانِ) أَيْ الَّذِي رَجَعَ بِهِ الْمُشْتَرِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 عَلَى الرَّاجِحِ نَهْرٌ. (ظَهَرَ عَيْبٌ بِمَشْرِيِّ) الْبَائِعُ (الْغَائِبِ) وَأَثْبَتَهُ (عِنْدَ الْقَاضِي فَوَضَعَهُ عِنْدَ عَدْلٍ) فَإِذَا هَلَكَ (هَلَكَ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا إذَا قَضَى) الْقَاضِي (بِالرَّدِّ عَلَى بَائِعِهِ) ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ بِلَا خَصْمٍ يَنْفُذُ عَلَى الْأَظْهَرِ دُرَرٌ. (قُتِلَ) الْعَبْدُ (الْمَقْبُوضُ أَوْ قُطِعَ بِسَبَبٍ) كَانَ (عِنْدَ الْبَائِعِ) كَقَتْلٍ أَوْ رِدَّةٍ (رَدَّ الْمَقْطُوعَ) أَوْ أَمْسَكَهُ وَرَجَعَ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ مَجْمَعٌ (وَأَخَذَ ثَمَنَهُمَا) أَيْ ثَمَنَ الْمَقْطُوعِ وَالْمَقْتُولِ؛ وَلَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي فَقُطِعَ عِنْدَ الْأَخِيرِ أَوْ قُتِلَ رَجَعَ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَإِنْ عَلِمُوا بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ كَالِاسْتِحْقَاقِ لَا كَالْعَيْبِ خِلَافًا لَهُمَا.   [رد المحتار] عَلَى الْبَائِعِ حِينَ كَانَ الرَّدُّ مَمْنُوعًا ط (قَوْلُهُ عَلَى الرَّاجِحِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْ زَوَالِ الْمَانِعِ، وَقِيلَ لَا يَرُدُّ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ يَسْقُطُ وَالسَّاقِطُ لَا يَعُودُ وَقِيلَ إنْ كَانَ بَدَلُ النُّقْصَانِ قَائِمًا ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ وَإِلَّا لَا ط (قَوْلُهُ بِمَشْرِيِّ الْبَائِعِ) الْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى مِنْ: أَيْ بِمَشْرِيٍّ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَأَثْبَتَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ فَوَضَعَهُ) أَيْ الْقَاضِي عِنْدَ عَدْلٍ: أَيْ عِنْدَ أَمِينٍ يَحْفَظُهُ لِبَائِعِهِ. وَفِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ لِلرَّمْلِيِّ: وَقَدْ سُئِلْت عَنْ نَفَقَةِ الدَّابَّةِ وَهِيَ عِنْدَ الْعَدْلِ عَلَى مَنْ تَكُونُ فَأَجَبْت أَخْذًا مِمَّا فِي الذَّخِيرَةِ فِي آخِرِ النَّفَقَاتِ أَنَّهُ لَا يَفْرِضُ الْقَاضِي لَهَا عَلَى أَحَدٍ نَفَقَةً؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْمُشْتَرِي هُوَ الْمَالِكُ وَالْمَالِكُ يُفْتَى عَلَيْهِ دِيَانَةً بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا وَلَا يَجْبُرُهُ الْقَاضِي (قَوْلُهُ يَنْفُذُ عَلَى الْأَظْهَرِ) أَيْ لَوْ كَانَ الْقَاضِي يَرَى ذَلِكَ كَشَافِعِيٍّ وَنَحْوِهِ، بِخِلَافِ الْحَنَفِيِّ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ، وَقَدَّمْنَاهُ فِي كِتَابِ الْمَفْقُودِ: وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَقْبُوضُ أَوْ قُطِعَ) قَيَّدَ بِكَوْنِهِ مَقْبُوضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قُتِلَ بَعْدَ الْبَيْعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِكُلِّ الثَّمَنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَلَوْ قُطِعَ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ بَاعَهُ فَمَاتَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِسَبَبِ الْقَطْعِ قَالَ فِي الْبَحْرِ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ اتِّفَاقًا، وَقَيَّدَ بِالْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ مَرِيضًا فَمَاتَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِسَبَبِ الْقَطْعِ قَالَ فِي الْبَحْرِ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِالْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ مَرِيضًا فَمَاتَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ عَبْدًا زَنَى عِنْدَ الْبَائِعِ فَجُلِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَمَاتَ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ اتِّفَاقًا أَيْضًا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ) أَيْ فَقَطْ، أَمَّا لَوْ سَرَقَ عِنْدَهُمَا فَقُطِعَ بِالسَّرِقَتَيْنِ، فَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ السَّرِقَةِ الْأُولَى وَعِنْدَهُ لَا يَرُدُّهُ بِلَا رِضَا الْبَائِعِ لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ وَهُوَ السَّرِقَةُ الثَّانِيَةُ، فَإِنْ رَضِيَهُ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي وَرَجَعَ بِثَلَاثِهِ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ وَإِلَّا أَمْسَكَهُ وَرَجَعَ بِرُبُعِهِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ وَقَدْ تَلِفَتْ بِالسَّرِقَتَيْنِ فَيَتَوَزَّعُ نِصْفُ الثَّمَنِ بَيْنَهُمَا فَيَسْقُطُ مَا أَصَابَ الْمُشْتَرِيَ وَيَرْجِعُ بِالْبَاقِي، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ، وَقَدَّمَ الشَّارِحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ الْعَيْنِيِّ أَوَّلَ الْبَابِ. (قَوْلُهُ كَقَتْلٍ أَوْ رِدَّةٍ) أَيْ كَمَا لَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلًا عَمْدًا أَوْ ارْتَدَّ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَقَتْلٍ وَسَرِقَةٍ لِيَكُونَ بَيَانًا لِسَبَبِ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ (قَوْلُهُ رَدَّ الْمَقْطُوعَ وَأَخَذَ ثَمَنَهُمَا) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: فَإِنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْقَطْعِ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِنِصْفِ الثَّمَنِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ أَمْسَكَهُ) الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ وَأَخَذَ ثَمَنَهُمَا، بِأَنْ يَقُولَ وَلَهُ أَنْ يُمْسِكَ الْمَقْطُوعَ وَيَرْجِعَ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ ط (قَوْلُهُ مَجْمَعٌ) عِبَارَتُهُ: وَلَوْ وَجَدَ الْعَبْدُ مُبَاحَ الدَّمِ فَقُتِلَ عِنْدَهُ فَلَهُ كُلُّ الثَّمَنِ، وَلَوْ قُطِعَ بِسَرِقَةٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ، إنْ شَاءَ رَدَّ وَاسْتَرَدَّ أَوْ أَمْسَكَ وَاسْتَرَدَّ النِّصْفَ وَقَالَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فِيهِمَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ رَجَعَ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ) أَيْ بِكُلِّ الثَّمَنِ كَمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ أَجْرَاهُ مَجْرَى الِاسْتِحْقَاقِ، وَهَذَا إنْ اخْتَارَ الرَّدَّ، فَإِنْ أَمْسَكَهُ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ فَيَرْجِعُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِنِصْفِ الثَّمَنِ. وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ الْأَخِيرُ بِالنُّقْصَانِ عَلَى بَائِعِهِ، وَلَا يَرْجِعُ بَائِعُهُ عَلَى بَائِعِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ. أَمَّا رُجُوعُهُ فَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَبِعْهُ لَمْ يَصِرْ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ فَلَا مَانِعَ مِنْ الرُّجُوعِ وَأَمَّا بَائِعُهُ فَلَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ صَارَ حَابِسًا لَهُ مَعَ إمْكَانِ الرَّدِّ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ بَيْعَ الْمُشْتَرِي لِلْمَعِيبِ حَبْسٌ لِلْمَبِيعِ سَوَاءٌ عَلِمَ أَوْ لَا فَلَا يُمْكِنُهُ الرَّدُّ بَعْدَ ذَلِكَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ كَالِاسْتِحْقَاقِ) وَالْعِلْمُ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بَحْرٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 (وَصَحَّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ، وَيَصِحُّ عِنْدَنَا لِعَدَمِ إفْضَائِهِ إلَى الْمُنَازَعَةِ (وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَوْجُودُ وَالْحَادِثُ) بَعْدَ الْعَقْدِ (قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يُرَدُّ بِعَيْبٍ) وَخَصَّهُ مَالِكٌ وَمُحَمَّدٌ بِالْمَوْجُودِ كَقَوْلِهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ؛ وَلَوْ قَالَ مِمَّا يَحْدُثُ صَحَّ عِنْدَ الثَّانِي وَفَسَدَ عِنْدَ الثَّالِثِ نَهْرٌ.   [رد المحتار] [مَطْلَبٌ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ] ٍ (قَوْلُهُ وَصَحَّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ) بِأَنْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَوَقَعَ فِي الْعَيْنِيِّ لَفْظُ فِيهِ وَهُوَ سَهْوٌ لِمَا يَأْتِي نَهْرٌ. قُلْت: وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِهَذَا اللَّفْظِ، بَلْ مِثْلُهُ كُلُّ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ. مَطْلَبٌ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ كَوْمُ تُرَابٍ أَوْ حِرَاقٌ عَلَى الزِّنَادِ أَوْ حَاضِرٌ حَلَالٌ وَمِنْهُ مَا تُعُورِفَ فِي زَمَانِنَا فِيمَا إذَا بَاعَ دَارًا مَثَلًا فَيَقُولُ بِعْتُك هَذِهِ الدَّارَ عَلَى أَنَّهَا كَوْمُ تُرَابٍ، وَفِي بَيْعِ الدَّابَّةِ يَقُولُ مُكَسَّرَةٌ مُحَطَّمَةٌ، وَفِي نَحْوِ الثَّوْبِ يَقُولُ حِرَاقٌ عَلَى الزِّنَادِ وَيُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى جَمِيعِ الْعُيُوبِ فَإِذَا رَضِيَهُ الْمُشْتَرِي لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَبِلَهُ بِكُلِّ عَيْبٍ يَظْهَرُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ بِعْته عَلَى أَنَّهُ حَاضِرٌ حَلَالٌ وَيُرَادُ بَيْعُ هَذَا الْحَاضِرِ بِمَا فِيهِ أَيُّ عَيْبٍ كَانَ سِوَى عَيْبِ الِاسْتِحْقَاقِ: أَيْ لَوْ ظَهَرَ غَيْرَ حَلَالٍ أَيْ مَسْرُوقًا أَوْ مَغْصُوبًا يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي فَهَذَا كُلُّهُ بِمَعْنَى الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، وَنَظِيرُهُ مَا فِي الْبَحْرِ: لَوْ قَبِلَ الثَّوْبَ بِعُيُوبِهِ يَبْرَأُ مِنْ الْحُرُوقِ وَتَدْخُلُ الرُّقَعُ وَالرَّفْوُ. اهـ أَيْ لَوْ كَانَ فِيهِ خَرْقٌ لَا يَرُدُّهُ، وَكَذَا لَوْ وَجَدَهُ مَرْقُوعًا أَوْ مَرْفُوًّا، وَهُوَ مِنْ بَابِ رَفَوْت الثَّوْبَ رَفْوًا مِنْ بَابِ قَتَلَ: أَيْ أَصْلَحْتُهُ ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْضَ الْمُحَشِّينَ ذَكَرَ أَنَّ الْعَلَّامَةَ إبْرَاهِيمَ الْبِيرِيَّ سُئِلَ عَمَّنْ بَاعَ أَمَةً وَقَالَ أَبِيعُك الْحَاضِرَ الْمَنْظُورَ يُرِيدُ بِذَلِكَ جَمِيعَ الْعُيُوبِ: فَأَجَابَ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ الْأَمَةِ الَّتِي أَبْرَأَهُ عَنْ عُيُوبِهَا. اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ) أَيْ لَمْ يَذْكُرْ أَسْمَاءَ الْعُيُوبِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) حَيْثُ قَالَ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَعُدَّ الْعُيُوبَ؛ لِأَنَّ فِي الْإِبْرَاءِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ، وَتَمْلِيكُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ إفْضَائِهِ إلَى الْمُنَازَعَةِ) الْأَوْلَى لِعَدَمِ إفْضَائِهَا؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ لِلْبَرَاءَةِ: قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَنَا أَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ حَتَّى يَتِمَّ بِلَا قَبُولٍ، كَمَا لَوْ طَلَّقَ نِسْوَتَهُ أَوْ أَعْتَقَ عَبِيدَهُ وَلَا يَدْرِي كَمْ هُمْ وَلَا أَعْيَانَهُمْ وَالْإِسْقَاطُ؛ لِأَنَّهَا جَهَالَةُ السَّاقِطِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ فَلَا يُرَدُّ بِعَيْبٍ) أَيْ مَوْجُودٍ أَوْ حَادِثٍ (قَوْلُهُ بِالْمَوْجُودِ) ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَتَنَاوَلَ الثَّابِتَ وَهُوَ الْمَوْجُودُ وَقْتَ الْعَقْدِ فَقَطْ. وَلَهُمَا أَنَّ الْمُلَاحَظَ هُوَ الْمَعْنَى وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ إلْزَامُ الْعَقْدِ بِإِسْقَاطِ الْمُشْتَرِي حَقَّهُ عَنْ وَصْفِ السَّلَامَةِ لِيَلْزَمَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَا يُطَالِبُ الْبَائِعُ بِحَالٍ وَذَلِكَ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ يُوجِبُ لِلْمُشْتَرِي الرَّدَّ وَالْحَادِثُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَذَلِكَ فَاقْتَضَى الْغَرَضَ وَالْمَعْلُومَ دُخُولُهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ) فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْحَادِثُ إجْمَاعًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ مِمَّا يَحْدُثُ) أَيْ بَاعَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ وَمَا يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ صَحَّ عِنْدَ الثَّانِي إلَخْ) هَذَا عَلَى رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ، أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَلَا يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ. وَأَوْرَدَ عَلَى الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ يَدْخُلُ الْحَادِثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِلَا تَنْصِيصٍ فَكَيْفَ يُبْطِلُهُ مَعَ التَّنْصِيصِ وَأَجَبْت يَمْنَعُ الْإِجْمَاعَ لِمَا عَلِمْت مِنْ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ، وَلَئِنْ سُلِّمَ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَادِثَ يَدْخُلُ تَبَعًا لِتَقْرِيرِ غَرَضِهِمَا وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ لَا يَثْبُتُ مَقْصُودًا وَيَثْبُتُ الْغَنْم أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ: وَنَقَلَ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ أَنَّ الْأَصَحَّ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ فَاسِدٌ. اهـ، فَهَذَا تَصْحِيحٌ لِرِوَايَةِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، لَكِنِّي لَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 (أَبْرَأَهُ مِنْ كُلِّ دَاءٍ فَهُوَ عَلَى) الْمَرَضِ، وَقِيلَ عَلَى (مَا فِي الْبَاطِنِ) وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلِاخْتِيَارِ وَالْجَوْهَرَةِ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ فِي الْعَادَةِ (وَمَا سِوَاهُ) فِي الْعُرْفِ (مَرَضٌ) وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ كُلِّ غَائِلَةٍ فَهِيَ السَّرِقَةُ وَالْإِبَاقُ وَالزِّنَا. (اشْتَرَى عَبْدًا فَقَالَ لِمَنْ سَاوَمَهُ إيَّاهُ: اشْتَرِهِ فَلَا عَيْبَ بِهِ فَلَمْ يَتَّفِقْ بَيْنَهُمَا الْبَيْعُ فَوَجَدَ) مُشْتَرِيهِ (بِهِ عَيْبًا) فَلَهُ (رَدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ) بِشَرْطِهِ (وَلَأَنْ يَمْنَعَهُ) مِنْ الرَّدِّ عَلَيْهِ (إقْرَارُهُ السَّابِقُ) بِعَدَمِ الْعَيْبِ،؛ لِأَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ التَّرْوِيجِ (وَلَوْ عَيَّنَهُ) أَيْ الْعَيْبَ فَقَالَ لَا عَوَرَ بِهِ أَوْ لَا شَلَلَ (لَا) يَرُدُّهُ لِإِحَاطَةِ الْعِلْمِ بِهِ إلَّا أَنْ لَا يَحْدُثَ مِثْلُهُ كَلَا أُصْبُعَ بِهِ زَائِدَةٌ ثُمَّ وَجَدَهَا فَلَهُ رَدُّهُ لِلتَّيَقُّنِ بِكَذِبِهِ. (قَالَ) لِآخَرَ (عَبْدِي) هَذَا (آبِقٌ فَاشْتَرِهِ مِنِّي فَاشْتَرَاهُ وَبَاعَ) مِنْ آخَرَ (فَوَجَدَهُ) الْمُشْتَرِي (الثَّانِي آبِقًا لَا يَرُدُّهُ بِمَا سَبَقَ مِنْ إقْرَارِ الْبَائِعِ) الْأَوَّلِ (مَا لَمْ يُبَرْهِنْ أَنَّهُ أَبِقَ عِنْدَهُ) ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِي الْمَوْجُودِ مِنْهُ السُّكُوتُ. (اشْتَرَى جَارِيَةً لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ صَبِيًّا لَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا) ؛؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْدَامٌ،   [رد المحتار] شَرْحِ الْمَجْمَعِ الْمَلَكِيِّ فَلَعَلَّهُ فِي شَرْحٍ آخَرَ فَلْيُرَاجَعْ، نَعَمْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْبَيْعَ بِهَذَا الشَّرْطِ فَاسِدٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ، وَإِنْ كَانَ إسْقَاطًا فَفِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَلِهَذَا لَا يَقْبَلُ الرَّدَّ فَلَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ نَصًّا كَالتَّعْلِيقِ فَكَانَ شَرْطًا فَاسِدًا فَأَفْسَدَ الْبَيْعَ. اهـ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ مُوَافِقًا لِمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَقَوْلُ النَّهْرِ إنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ غَيْرُ ظَاهِرٍ (قَوْلُهُ عِنْدَنَا عَلَى مَا فِي الْبَاطِنِ) مِنْ طِحَالٍ أَوْ فَسَادِ حَيْضٍ مِنَحٌ (قَوْلُهُ وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ) حَيْثُ قَالَ وَهَذَا مَا عَوَّلْنَا عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْعَادَةِ وَإِلَّا فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْعَادَةِ؛ لِأَنَّ الدَّاءَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْمَرَضُ سَوَاءٌ كَانَ بِالْجَوْفِ أَوْ بِغَيْرِهِ. اهـ. قُلْت لَكِنَّ عُرْفَنَا الْآنَ مُوَافِقٌ فِي اللُّغَةِ (قَوْلُهُ فَهِيَ السَّرِقَةُ وَالْإِبَاقُ وَالزِّنَا) هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَتْحٌ وَفِي الْمِصْبَاحِ غَائِلَةُ الْعَبْدِ فُجُورُهُ وَإِبَاقُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ بِشَرْطٍ) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ نُكُولِهِ. اهـ ح وَمِنْ شُرُوطِ الرَّدِّ أَنْ لَا يَزِيدَ زِيَادَةً مَانِعَةً مِنْ الرَّدِّ، وَلَا يُوجَدَ مَا هُوَ دَلِيلُ الرِّضَا بِالْعَيْبِ مِمَّا مَرَّ وَلَا بَرِئَ الْبَائِعُ مِنْ عُيُوبِهِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ التَّرْوِيجِ) رَوَاجَ الْمَتَاعِ نَفَاقُهُ أَيْ أَنَّهُ أَرَادَ رَوَاجَهُ وَنَفَاقَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي قَالَ فِي الْمِنَحِ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ عَيْبٍ مَا فَيَتَيَقَّنُ الْقَاضِي بِأَنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُ مُرَادٍ لَهُ. اهـ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ: وَهَذَا كَمَنْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ يَا زَانِيَةُ يَا مَجْنُونَةُ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِالْعَيْبِ وَلَكِنَّهُ لِلشَّتِيمَةِ، حَتَّى قِيلَ لَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي الثَّوْبِ أَيْ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَاهُ فَلَا عَيْبَ بِهِ يَكُونُ إقْرَارًا بِنَفْيِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ عُيُوبَ الثَّوْبِ ظَاهِرَةٌ. اهـ (قَوْلُهُ عَبْدِي هَذَا آبِقٌ) أَفَادَ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ أَنَّ الْعَبْدَ حَاضِرٌ، وَأَنَّ قَوْلَهُ آبِقٌ بِمَعْنَى الْمَاضِي، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِعْتُك عَلَى أَنَّهُ آبِقٌ أَوْ عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ إبَاقِهِ وَقَبِلَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ فَإِنَّ الثَّانِيَ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ بَاعَ عَبْدًا إلَخْ (قَوْلُهُ فَوَجَدَهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي آبِقًا) بِأَنْ أَبِقَ عِنْدَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ لَا يَكُونُ عَيْبًا إلَّا بِتَكَرُّرِهِ (قَوْلُهُ لَا يَرُدُّهُ) أَيْ عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِي (قَوْلُهُ إنَّهُ أَبِقَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ الْمُقِرِّ (قَوْلُهُ الْمَوْجُودُ مِنْهُ السُّكُوتُ) يَعْنِي وَالسُّكُوتُ لَيْسَ تَصْدِيقًا مِنْهُ لِبَائِعِهِ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ فَأَمَّا إذَا قَالَ الْبَائِعُ الثَّانِي وَجَدْته آبِقًا الْآنَ صَارَ مُصَدِّقًا لِلْبَائِعِ فِي إقْرَارِهِ بِكَوْنِهِ آبِقًا شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ اشْتَرَى جَارِيَةً إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: اشْتَرَى مُرْضِعًا ثُمَّ اطَّلَعَ بِهَا عَلَى عَيْبٍ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالْإِرْضَاعِ لَهُ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْدَامٌ وَلَوْ حَلَبَ اللَّبَنَ فَأَكَلَهُ أَوْ بَاعَهُ لَا يَرُدُّ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ جُزْءٌ مِنْهُمَا فَاسْتِيفَاؤُهُ دَلِيلُ الرِّضَا. وَفِي الْفَتْوَى: الْحَلْبُ بِلَا أَكْلٍ أَوْ بَيْعٍ لَا يَكُونُ رِضًا، وَحَلْبُ لَبَنِ الشَّاهِ رِضًا شَرِبَ أَمْ لَا (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْدَامٌ) وَالِاسْتِخْدَامُ لَا يَكُونُ رِضًا خَانِيَّةٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 بِخِلَافِ الشَّاةِ الْمُصَرَّاةِ فَلَا يَرُدُّهَا مَعَ لَبَنِهَا أَوْ صَاعِ تَمْرٍ بَلْ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ عَلَى الْمُخْتَارِ شُرُوحُ مَجْمَعٍ وَحَرَّرْنَاهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْمَنَارِ (كَمَا لَوْ اسْتَخْدَمَهَا) فِي غَيْرِ ذَلِكَ، فَفِي الْمَبْسُوطِ الِاسْتِخْدَامُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ لَيْسَ بِرِضًا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَوَسَّعُونَ فِيهِ فَهُوَ لِلِاخْتِبَارِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ رِضًا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ إلَّا إذَا كَانَ فِي نَوْعٍ آخَرَ وَفِي الصُّغْرَى أَنَّهُ مَرَّةٌ لَيْسَ بِرِضًا إلَّا عَلَى كُرْهٍ مِنْ الْعَبْدِ بَحْرٌ (قَالَ الْمُشْتَرِي لَيْسَ بِهِ) بِالْمَبِيعِ (أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ أَوْ نَحْوُهَا مِمَّا لَا يَحْدُثُ) مِثْلُهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ (ثُمَّ وَجَدَ بِهِ ذَلِكَ كَانَ لَهُ الرَّدُّ) بِلَا يَمِينٍ لِمَا مَرَّ. (بَاعَ عَبْدًا وَقَالَ) لِلْمُشْتَرِي (بَرِئْت إلَيْك مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ إلَّا الْإِبَاقَ فَوَجَدَهُ آبِقًا فَلَهُ الرَّدُّ، وَلَوْ قَالَ إلَّا إبَاقَهُ لَا) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ لَمْ يُضِفْ الْإِبَاقَ لِلْعَبْدِ وَلَا وَصَفَهُ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِإِبَاقِهِ لِلْحَالِ، وَفِي الثَّانِي أَضَافَهُ إلَيْهِ   [رد المحتار] أَيْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَيَكُونُ رِضًا فِي الثَّانِيَةِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهَا بِهِ ثَانِيًا كَانَ رِضًا لَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ مَرَّاتٍ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الشَّاةِ الْمُصَرَّاةِ) رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا، فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ شَرْحُ التَّحْرِيرِ وَتُصَرُّوا بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ مِنْ التَّصْرِيَةِ وَهِيَ رَبْطُ ضَرْعِ النَّاقَةِ أَوْ الشَّاةِ وَتَرْكُ حَلْبِهَا الْيَوْمَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ حَتَّى يَجْتَمِعَ اللَّبَنُ قَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَنَارِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ الثَّابِتِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ مِنْ أَنَّ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ وَالتَّمْرُ لَيْسَ مِنْهُمَا فَكَانَ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ وَمُخَالَفَتُهُ مُخَالَفَةٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَلَمْ يُعْمَلْ بِهِ لِمَا مَرَّ، فَيَرُدُّ قِيمَةَ اللَّبَنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِأَرْشِهَا. اهـ وَفِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِهَا فَذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ أَبُو يُوسُفَ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِسْبِيجَابِيِّ نَقْلًا عَنْ أَصْحَابِ الْأَمَالِي عَنْهُ وَالْمَذْكُورُ عَنْهُ لِلْخَطَّابِيِّ وَابْنِ قَدَامَةَ أَنَّهُ يَرُدُّهَا مَعَ قِيمَةِ اللَّبَنِ وَلَمْ يَأْخُذْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ. اهـ وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْحَقَائِقِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهَا فَحَلَبَهَا فَوَجَدَهَا قَلِيلَةَ اللَّبَنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عِنْدَنَا: وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا مَعَ اللَّبَنِ لَوْ قَائِمًا وَمَعَ صَاعِ تَمْرٍ لَوْ هَالِكًا، وَهَلْ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَنَا: فَعَلَى رِوَايَةِ الْأَسْرَارِ لَا وَعَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ نَعَمْ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِفِعْلِ التَّصْرِيَةِ غَرَّ الْمُشْتَرِيَ فَصَارَ كَمَا إذَا غَرَّهُ بِقَوْلِهِ إنَّهَا لَبُونٌ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ فِي غَيْرِ الْإِرْضَاعِ (قَوْلُهُ فَهُوَ لِلِاخْتِبَارِ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ: أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يَخْتَبِرَهُ وَيَمْتَحِنَهُ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ مَعَ الْعَيْبِ يَصْلُحُ لَهُ أَمْ لَا (قَوْلُهُ إلَّا عَلَى كُرْهٍ مِنْ الْعَبْدِ) مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ مَا مَرَّ أَنَّهُ الِاسْتِحْسَانُ مَعَ أَنَّ وَجْهَهُ خَفِيٌّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ لِلتَّيَقُّنِ بِكَذِبِهِ (قَوْلُهُ فَلَهُ الرَّدُّ إلَخْ) كَذَا فِي الْفَتْحِ وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِمَا فِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ إبَاقِهِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ أَبَقَ وَقَبِلَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ عَلَى ذَلِكَ يَرُدُّهُ الثَّانِي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا وَصْفًا لِلْإِيجَابِ أَوْ شَرْطًا فِيهِ وَالْإِيجَابُ يَفْتَقِرُ إلَى الْجَوَابِ وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي الْخِطَابِ فَإِذَا قَالَ الْمُشْتَرِي قَبِلْت ذَلِكَ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ اشْتَرَيْت عَلَى أَنَّهُ آبِقٌ فَيَكُونُ اعْتِرَافًا بِكَوْنِهِ آبِقًا، بِخِلَافِ قَوْلِهِ عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ الْإِبَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ الْإِبَاقَ إلَى الْعَبْدِ وَلَا وَصَفَهُ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ اعْتِرَافًا بِوُجُودِ الْإِبَاقِ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ كَمَا يَحْتَمِلُ التَّبَرِّي عَنْ الْإِبَاقِ مَوْجُودٌ مِنْ الْعَبْدِ يَحْتَمِلُ التَّبَرِّي عَنْ إبَاقٍ سَيَحْدُثُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَصِيرُ مُقِرًّا بِكَوْنِهِ آبِقًا لِلْحَالِ بِالشَّكِّ فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الرَّدِّ بِالشَّكِّ. اهـ وَكَتَبَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي هَامِشِ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَنَّ حَقَّ الْعِبَارَةِ فِي كَلَامِ الْفَتْحِ لَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ إلَّا إبَاقَهُ لَا يَبْرَأُ مِنْ إبَاقِهِ فَيُرَدُّ بِهِ وَلَوْ قَالَ إلَّا الْإِبَاقَ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ. اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 فَكَانَ إخْبَارًا بِأَنَّهُ آبِقٌ فَيَكُونُ رَاضِيًا بِهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ خَانِيَّةٌ. وَفِيهَا: لَوْ بَرِئَ مِنْ كُلِّ حَقٍّ لَهُ قِبَلَهُ دَخَلَ الْعَيْبُ لَا الدَّرَكُ (مُشْتَرٍ) لِعَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ (قَالَ أَعْتَقَ الْبَائِعُ) الْعَبْدَ (أَوْ دَبَّرَ أَوْ اسْتَوْلَدَ) الْأَمَةَ (أَوْ هُوَ حُرُّ الْأَصْلِ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ حَلَفَ) لِعَجْزِ الْمُشْتَرِي عَنْ الْإِثْبَاتِ (فَإِنْ حَلَفَ قَضَى عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا قَالَهُ) مِنْ الْعِتْقِ وَنَحْوِهِ لِإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ (وَرَجَعَ بِالْعَيْبِ إنْ عَلِمَ بِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لِلرُّجُوعِ إزَالَتُهُ عَنْ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ بِإِنْشَائِهِ أَوْ إقْرَارِهِ وَلَمْ يُوجَدْ (حَتَّى لَوْ قَالَ بَاعَهُ وَهُوَ مِلْكُ فُلَانٍ وَصَدَّقَهُ) فُلَانٌ (وَأَخَذَهُ لَا) يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لِإِزَالَتِهِ بِإِقْرَارِهِ كَأَنَّهُ وَهَبَهُ. (وَجَدَ الْمُشْتَرِي الْغَنِيمَةَ مُحْرَزَةً) بِدَارِنَا أَوْ غَيْرَ مُحْرَزَةٍ لَوْ الْبَيْعُ (مِنْ الْإِمَامِ أَوْ أَمِينِهِ) بَحْرٌ.   [رد المحتار] وَحَاصِلُهُ: أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ وَالْفَتْحِ مَقْلُوبَةٌ لِمُخَالَفَتِهَا لِمَا فِي الْمُحِيطِ. أَقُولُ: لَا مُخَالَفَةَ وَلَا قَلْبَ أَصْلًا، وَذَلِكَ أَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ فِيمَا إذَا اشْتَرَاهُ كَذَلِكَ ثُمَّ بَاعَهُ لِآخَرَ فَلِلْمُشْتَرِي الْآخَرِ رَدُّهُ عَلَى الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ الْبَائِعُ إلَّا إبَاقَهُ بِإِضَافَةِ الْإِبَاقِ إلَيْهِ يَكُونُ إخْبَارًا بِإِبَاقِهِ وَيَكُونُ الْمُشْتَرِي رَاضِيًا بِهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ فَلَا يَرُدُّهُ بِإِبَاقِهِ عِنْدَهُ، بِخِلَافِ إلَّا الْإِبَاقَ بِلَا إضَافَةٍ وَلَا وَصْفٍ، إذْ لَيْسَ فِيهِ إقْرَارٌ بِإِبَاقِهِ لِلْحَالِ فَلَمْ يُوجَدْ رِضَا الْمُشْتَرِي بِهِ فَلَهُ رَدُّهُ، فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ هَذَا الْمُشْتَرِيَ بَاعَهُ لِآخَرَ فَلِلْآخَرِ رَدُّهُ عَلَيْهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَا فِي الثَّانِيَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُحِيطِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لَوْ بَرِئَ مِنْ كُلِّ حَقٍّ لَهُ قِبَلَهُ دَخَلَ الْعَيْبُ لَا الدَّرَكُ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ حَقٌّ لَهُ قِبَلَهُ لِلْحَالِ وَالدَّرَكِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَبَيَانُهُ: لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ أَبْرَأْتُك مِنْ كُلِّ حَقٍّ لِي قِبَلَك ثُمَّ ظَهَرَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ لَيْسَ لَهُ دَعْوَى الرَّدِّ بِهِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ مِنْ جُمْلَةِ الْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ لَهُ وَقَدْ أَبْرَأَهُ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ عَبْدًا مَثَلًا فَضَمِنَ لَهُ آخَرُ الدَّرَكَ أَيْ ضَمِنَ لَهُ الثَّمَنَ إذَا ظَهَرَ الْعَبْدُ مُسْتَحَقًّا ثُمَّ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلضَّامِنِ أَبْرَأْتُك مِنْ كُلِّ حَقٍّ لِي قِبَلَك لَا يَدْخُلُ الدَّرَكُ فَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى الضَّامِنِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَقْتَ الْإِبْرَاءِ حَقُّ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الِاسْتِحْقَاقِ ثُمَّ عَلَى الْقَضَاءِ لِلْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يَنْتَقِضُ الْبَيْعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا لَمْ يَقْضِ لَهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْأَصِيلِ رَدُّ الثَّمَنِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ فَحَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ الْحَقُّ فِي الْحَالِ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْإِبْرَاءِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ لِعَجْزِ الْمُشْتَرِي عَنْ الْإِثْبَاتِ) اللَّام لِلتَّوْقِيتِ أَيْ حَلَفَ الْبَائِعُ وَقْتَ عَجْزِ الْمُشْتَرِي أَمَّا لَوْ بَرْهَنَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ (قَوْلُهُ إنْ عَلِمَ بِهِ) أَيْ عَلِمَ أَنَّ بِهِ عَيْبًا بَعْدَ قَوْلِهِ مَا ذُكِرَ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لِلرُّجُوعِ إزَالَتُهُ عَنْ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ بِإِنْشَائِهِ) أَيْ بِأَنْ بَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ كِتَابَةٍ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حَابِسًا لَهُ بِحَبْسِ بَدَلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَهُ بِلَا مَالٍ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُ ذَلِكَ لَكِنْ قَدْ يَبْطُلُ الرُّجُوعُ بِدُونِ إزَالَةٍ عَنْ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ كَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ فَكَلَامُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَالِبِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ إقْرَارِهِ) مِثَالُهُ مَا فَرَّعَهُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ حَتَّى لَوْ بَاعَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَصَدَّقَهُ فُلَانٌ) فَلَوْ كَذَّبَهُ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ لِبُطْلَانِ إقْرَارِهِ بِتَكْذِيبِهِ عَزْمِيَّةٌ عَنْ الْكَافِي (قَوْلُهُ كَأَنَّهُ وَهَبَهُ) قَالَ فِي الْكَافِي وَلَا نَعْنِي بِهِ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لَكِنَّ التَّمْلِيكَ يَثْبُتُ مُقْتَضًى لِلْإِقْرَارِ ضَرُورَةً فَجُعِلَ كَأَنَّهُ مَلَكَهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ. اهـ عَزْمِيَّةٌ. (قَوْلُهُ الْغَنِيمَةَ) أَيْ لِشَيْءٍ مَغْنُومٍ مِنْ الْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ بَحْرٌ) وَنَصُّهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ يَصِحُّ بَيْعُهُ لِلْغَنَائِمِ وَلَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا فِي التَّلْخِيصِ وَشَرْحِهِ، وَقَوْلُهُمْ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَفِي دَارِ الْحَرْبِ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْإِمَامِ وَأَمِينِهِ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ قَيَّدَ فِي الذَّخِيرَةِ بَيْعَ الْإِمَامِ بِقَوْلِهِ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا أَفَادَ قَيْدًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَبِيعُ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَقَيْدُ مُحْرَزَةٍ غَيْرُ لَازِمٍ (عَيْبًا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا) ؛؛ لِأَنَّ الْأَمِينَ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا (بَلْ) يَنْصِبُ لَهُ الْإِمَامُ خَصْمًا فَيَرُدُّ عَلَى (مَنْصُوبِ الْإِمَامِ وَلَا يُحَلِّفُهُ) ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْحَلِفِ النُّكُولُ وَلَا يَصِحُّ نُكُولُهُ وَإِقْرَارُهُ (فَإِذَا رَدَّ عَلَيْهِ) الْمَعِيبَ (بَعْدَ ثُبُوتِهِ يُبَاعُ وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَيْهِ وَيَرُدُّ النَّقْصَ وَالْفَضْلَ إلَى مَحَلِّهِ) ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ دُرَرٌ. (وَجَدَ) الْمُشْتَرِي (بِمَشْرِيِّهِ عَيْبًا وَأَرَادَ الرَّدَّ بِهِ فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ الْبَائِعُ الدَّرَاهِمَ إلَى الْمُشْتَرِي وَلَا يَرُدَّ عَلَيْهِ جَازَ) وَيُجْعَلُ حَطًّا مِنْ الثَّمَنِ (وَعَلَى الْعَكْسِ) وَهُوَ أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الدَّرَاهِمَ إلَى الْبَائِعِ وَيَرُدَّ عَلَيْهِ (لَا) يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ غَيْرُ الرِّشْوَةِ فَلَا يَجُوزُ. وَفِي الصُّغْرَى: ادَّعَى عَيْبًا فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ ثُمَّ بَرِئَ أَوْ ظَهَرَ أَنْ لَا عَيْبَ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَدَّى، وَلَوْ زَالَ بِمُعَالَجَةِ الْمُشْتَرِي لَا قُنْيَةٌ.   [رد المحتار] قَوْلُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) رَدٌّ عَلَى صَاحِبِ الدُّرَرِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَمِينَ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا) الْمُرَادُ بِالْأَمِينِ مَا يَعُمُّ الْإِمَامَ لِيُوَافِقَ الدَّلِيلَ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ نَفْسَهُ أَمِينُ بَيْتِ الْمَالِ عَزْمِيَّةٌ، وَبَيَّنَ فِي الذَّخِيرَةِ وَجْهَ كَوْنِهِ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا بِأَنَّ بَيْعَ الْإِمَامِ خَرَجَ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ بِالنَّظَرِ لِلْغَانِمِينَ، فَلَوْ صَارَ خَصْمًا خَرَجَ بَيْعُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ قَضَاءً؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَصْلُحُ خَصْمًا. اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يُحَلِّفُهُ) أَيْ لَا يُحَلِّفُ مَنْصُوبَ الْإِمَامِ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالْعَيْبِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ لَوْ أَنْكَرَ، وَإِنَّمَا هُوَ خَصْمٌ لِإِثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ كَالْأَبِ وَوَصِيِّهِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ إذَا أَقَرَّ عَلَى مُوَكِّلِهِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ لَكِنَّهُ يَنْعَزِلُ بِهِ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ: فَلَوْ أَقَرَّ مَنْصُوبُ الْإِمَامِ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ، وَيُخْرِجُهُ الْقَاضِي عَنْ الْخُصُومَةِ وَيَنْصِبُ لِلْمُشْتَرِي خَصْمًا آخَرَ. اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ مِثْلُ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ نُكُولُهُ وَإِقْرَارُهُ) وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَلَا يَصِحُّ نُكُولُهُ؛ لِأَنَّهُ إمَّا بَذْلٌ أَوْ إقْرَارٌ، وَلَا يَصِحُّ بَذْلُهُ وَلَا إقْرَارُهُ. اهـ ح (قَوْلُهُ وَيَرُدُّ النَّقْصَ وَالْفَضْلَ إلَى مَحَلِّهِ) أَيْ إنْ نَقَصَ الْآخَرُ عَنْ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَخْمَاسٍ يُعْطَى مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْخُمُسِ يُعْطَى مِنْهُ، وَكَذَا الزِّيَادَةُ وَتُوضَعُ فِيمَا كَانَ الْمَبِيعُ مِنْهُ ح عَنْ الدُّرَرِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا أَنَّ الْغُرْمَ وَهُوَ رَدُّ النَّقْصِ إلَى الْمُشْتَرِي بِسَبَبِ الْغُنْمِ وَهُوَ رَدُّ الْفَضْلِ إلَى مَحَلِّهِ. (قَوْلُهُ الدَّرَاهِمَ) الْأَوْلَى دَرَاهِمَ بِالتَّنْكِيرِ ط (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ) إلَّا إذَا حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَمَا بَحَثَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ. قُلْت: وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا إذَا لَمْ يُقِرَّ الْبَائِعُ بِالْعَيْبِ، لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ شَرَاهُ بِمِائَةٍ وَقَبَضَهُ فَطَعَنَ بِعَيْبٍ فَتَصَالَحَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُ الْبَائِعُ وَيُرَدَّ مِائَةً إلَّا وَاحِدًا قَالَ إنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَهُ فَعَلَيْهِ رَدُّ بَاقِي الثَّمَنِ وَإِلَّا مَلَكَ الْبَاقِيَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ غَيْرُ الرِّشْوَةِ) فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ؛ لِأَنَّهُ رِبًا وَلِصَاحِبِ الْبَحْرِ رِسَالَةٌ فِي الرِّشْوَةِ ذَكَرَ ط هُنَا حَاصِلَهَا، وَمَحَلُّ الْكَلَامِ عَلَيْهَا فِي الْقَضَاءِ، وَسَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ وَلَوْ زَالَ بِمُعَالَجَةٍ لَا) أَيْ لَا يَرْجِعُ وَعَبَّرَ عَنْهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِقِيلَ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ قَبَضَ بَدَلَ الصُّلْحِ وَزَالَ ذَلِكَ الْعَيْبُ يَرُدُّ بَدَلَ الصُّلْحِ، وَقِيلَ هَذَا لَوْ زَالَ بِلَا عِلَاجِهِ فَإِنْ زَالَ بِعِلَاجِهِ لَا يُرَدُّ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 (رَضِيَ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مَعَ الْعَيْبِ) الَّذِي بِهِ (يُسَاوِي الثَّمَنَ) الْمُسَمَّى (وَإِلَّا) يُسَاوِيهِ (لَا) يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ اهـ. [فُرُوعٌ] لَا يَحِلُّ كِتْمَانُ الْعَيْبِ فِي مَبِيعٍ أَوْ ثَمَنٍ؛ لِأَنَّ الْغِشَّ حَرَامٌ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ. الْأُولَى: الْأَسِيرُ إذَا شَرَى شَيْئًا ثَمَّةَ وَدَفَعَ الثَّمَنَ مَغْشُوشًا جَازَ إنْ كَانَ حُرًّا لَا عَبْدًا. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ إعْطَاءُ الزُّيُوفِ وَالنَّاقِصِ فِي الْجِبَايَاتِ أَشْبَاهٌ.   [رد المحتار] [مَطْلَبٌ فِي الصُّلْحِ عَنْ الْعَيْبِ] ِ [فَرْعٌ] لَوْ شَرَيَاهُ فَوَجَدَ عَيْبًا فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا الْبَائِعُ مِنْ حِصَّتِهِ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يُخَاصِمَ، وَهَذَا فَرْعُ مَسْأَلَةِ أَنَّ رَجُلَيْنِ لَوْ شَرَيَا فَوَجَدَا عَيْبًا لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الرَّدُّ بِدُونِ الْآخَرِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا رَدُّ حِصَّتِهِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ رَضِيَ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ) أَيْ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ (قَوْلُهُ يُسَاوِي الثَّمَنَ الْمُسَمَّى) أَيْ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ الْمُنْتَقَى بَعْدَمَا ذَكَرَ قَوْلًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ لَوْ الْعَيْبُ يَسِيرًا وَإِلَّا فَيَلْزَمُ الْوَكِيلَ، وَإِنَّ الْيَسِيرَ مَا لَا يُفَوِّتُ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ كَقَطْعِ يَدٍ وَاحِدَةٍ وَفَقْءِ عَيْنٍ، بِخِلَافِ قَطْعِ الْيَدَيْنِ وَفَقْءِ الْعَيْنَيْنِ فَهُوَ فَاحِشٌ، وَذَكَرَ أَنَّ السَّرَخْسِيَّ قَالَ: إنَّ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَاحِشٌ، بِأَنْ لَا يُقَوِّمَهُ أَحَدٌ مِنْ الْعَيْبِ بِقِيمَةِ الصَّحِيحِ، وَأَنَّ مَا فِي الْمُنْتَقَى قَرِيبٌ مِنْ هَذَا ثُمَّ قَالَ: وَفِي الزِّيَادَاتِ إنْ رَضِيَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ، وَإِنْ بَعْدَهُ لَزِمَ الْوَكِيلَ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْيَسِيرِ وَالْفَاحِشِ وَالصَّحِيحُ مَا فِي الْمُنْتَقَى سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ، فَإِنْ كَانَ لَا يُسَاوِي ذَلِكَ الثَّمَنَ لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ. اهـ فَافْهَمْ. [مَطْلَبٌ فِي جُمْلَةِ مَا يَسْقُطُ بِهِ الْخِيَارُ] ُ [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْبَحْرِ، وَإِلَى هُنَا ظَهَرَ أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ يَسْقُطُ بِالْعِلْمِ بِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ، أَوْ وَقْتَ الْقَبْضِ أَوْ الرِّضَا بِهِ بَعْدَهُمَا أَوْ اشْتِرَاطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، أَوْ الصُّلْحِ عَلَى شَيْءٍ أَوْ الْإِقْرَارِ بِأَنْ لَا عَيْبَ بِهِ إذَا عَيَّنَهُ كَقَوْلِهِ لَيْسَ بِآبِقٍ فَإِنَّهُ إقْرَارٌ بِانْتِفَاءِ الْإِبَاقِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَيْسَ بِهِ عَيْبٌ كَمَا مَرَّ. اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْغِشَّ حَرَامٌ) ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَوْ الْبَابِ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْفَتَاوَى: إذَا بَاعَ سِلْعَةً مَعِيبَةً، عَلَيْهِ الْبَيَانُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يَفْسُقُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ، قَالَ الصَّدْرُ لَا نَأْخُذُ بِهِ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: أَيْ لَا نَأْخُذُ بِكَوْنِهِ يَفْسُقُ بِمُجَرَّدِ هَذَا؛ لِأَنَّهُ صَغِيرَةٌ. اهـ قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْغِشَّ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ فَكَيْفَ يَكُونُ صَغِيرَةً، بَلْ الظَّاهِرُ فِي تَعْلِيلِ كَلَامِ الصَّدْرِ أَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ مَرَّةً بِلَا إعْلَانٍ لَا يَصِيرُ بِهِ مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرَةً كَمَا فِي شُرْبِ الْمُسْكِرِ (قَوْلُهُ الْأَوْلَى الْأَسِيرُ إذَا شَرَى شَيْئًا إلَخْ) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ: اشْتَرَى الْأَسِيرَ الْمُسْلِمَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَخْ وَالْمُتَبَادِرُ مِنْهُ أَنَّ الْأَسِيرَ فَاعِلُ الشِّرَاءِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مَفْعُولُهُ؛ لِأَنَّ نَصَّ عِبَارَةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ هَكَذَا: رَجُلٌ اشْتَرَى الْأَسِيرَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَعْطَاهُمْ الزُّيُوفَ وَالسَّتُّوقَةَ أَوْ اشْتَرَى بِعُرُوضٍ وَأَعْطَاهُمْ الْعُرُوضَ الْمَغْشُوشَةَ جَازَ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْأَحْرَارِ لَيْسَ بِشِرَاءٍ لِيَجِبَ عَلَيْهِ الْمَالُ الْمُسَمَّى لَكِنَّهُ طَرِيقٌ لِتَخْلِيصِهِمْ فَكَيْفَمَا اسْتَطَاعَ تَخْلِيصَهُمْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ. وَعَلَى هَذَا قَالُوا إذَا اضْطَرَّ الْمَرْءُ إلَى إعْطَاءِ جُعْلِ الْعَوَانِ أَجْزَأَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الزُّيُوفَ وَالسَّتُّوقَةَ وَيَنْقُصَ الْوَزْنَ بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الْأَسِيرِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْأُسَرَاءُ أَحْرَارًا، فَإِنْ كَانُوا عَبِيدًا لَا يَسَعُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إذَا دَخَلَ بِأَمَانٍ. اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ اشْتَرَى الْأُسَرَاءَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ جَازَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ الزُّيُوفَ وَالْمَغْشُوشَ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْأَحْرَارِ لَا يَكُونُ شِرَاءً حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ الْأُسَرَاءُ عَبِيدًا لَا يَسَعُهُ ذَلِكَ. اهـ (قَوْلُهُ فِي الْجِبَايَاتِ) جَمْعِ جِبَايَةٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 وَفِيهَا: رَدُّ الْبَيْعِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ أَحَالَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ ثُمَّ رُدَّ الْمَبِيعُ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ لَمْ تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ، الثَّانِيَةُ: لَوْ بَاعَهُ بَعْدَ الرَّدِّ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي وَكَانَ مَنْقُولًا لَمْ يَجُزْ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَوْ كَانَ فَسْخًا لَجَازَ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: شَرَى عَبْدًا فَضَمِنَ لَهُ رَجُلٌ عُيُوبَهُ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ وَرَدَّهُ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ، وَضَمِنَهُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْعُيُوبِ، وَإِنْ ضَمِنَ السَّرِقَةَ أَوْ الْحُرِّيَّةَ أَوْ الْجُنُونَ أَوْ الْعَمَى فَوَجَدَهُ كَذَلِكَ ضَمِنَ الثَّمَنَ.   [رد المحتار] بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: الْجِبَايَاتُ الْمُوَظَّفَةُ عَلَى النَّاسِ بِبِلَادِ فَارِسَ عَلَى الضِّيَاعِ وَغَيْرِهَا لِلسُّلْطَانِ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهَا ظُلْمٌ بِيرِيٌّ. وَنَقَلَ قَبْلَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ مَسْأَلَةِ جُعْلِ الْعَوَانِ (قَوْلُهُ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ) أَيْ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَلَوْ بَاعَ الْمَبِيعَ فَرُدَّ عَلَيْهِ إلَخْ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلَ مِنْهَا مَسْأَلَةُ الْحَوَالَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَقَارًا فَرُدَّ بِعَيْبٍ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الشَّفِيعِ فِي الشُّفْعَةِ، وَلَوْ كَانَ فَسْخًا لَبَطَلَتْ الْحَوَالَةُ وَالشُّفْعَةُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ أَجَابَ فِي الْمِعْرَاجِ بِأَنَّهُ فَسْخٌ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لَا فِي الْأَحْكَامِ الْمَاضِيَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ زَوَائِدَ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَرُدُّهَا مَعَ الْأَصْلِ قُلْت: وَعَلَيْهِ فَلَا مَحَلَّ لِلِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لَوْ أَحَالَ الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ بَاعَ عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ أَحَالَ غَرِيمًا عَلَى الْمُشْتَرِي حَوَالَةً مُقَدَّرَةً بِالثَّمَنِ فَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ حَتَّى سَقَطَ الثَّمَنُ أَوْ رُدَّ الْعَبْدُ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ خِيَارِ عَيْبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ لَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهَا تُعْتَبَرُ مُتَعَلِّقَةً بِمِثْلِ مَا أُضِيفَتْ الْحَوَالَةُ إلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَلَا تَكُونُ مُتَعَلِّقَةً بِعَيْنِ ذَلِكَ الدِّينِ وَتُعْتَبَرُ مُطْلَقَةً إذَا ظَهَرَ أَنَّ الدَّيْنَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَقْتَ الْحَوَالَةِ، وَقَيَّدَ بِمَا إذَا أَحَالَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ ثُمَّ رُدَّ الْمُشْتَرَى بِالْعَيْبِ بِقَضَاءٍ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُبْطِلُ الْحَوَالَةَ بِيرِيٌّ. قُلْت: وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَحَالَ الْبَائِعَ عَلَى آخَرَ حَوَالَةً مُقَيَّدَةً فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ الْحَوَالَةِ بِأَنَّ الْمُطْلَقَةَ لَا تَبْطُلُ بِحَالٍ وَلَا تَنْقَطِعُ فِيهَا الْمُطَالَبَةُ مَعَ أَنَّ الْمُقَيَّدَةَ هُنَا بَقِيَتْ، وَالْمُطْلَقَةَ بَطَلَتْ، لَكِنَّ بَقَاءَ الْمُقَيَّدَةِ هُنَا اسْتِحْسَانٌ كَمَا عَلِمْت وَالْقِيَاسُ بُطْلَانُهَا إذَا ظَهَرَ بُطْلَانُ الْمَالِ الَّذِي قُيِّدَتْ بِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ هُنَا، وَإِنَّمَا بَطَلَتْ الْمُطْلَقَةُ هُنَا لِبُطْلَانِ الْمَالِ الَّذِي كَانَ لِلْمُحْتَالِ وَهُوَ الْبَائِعُ، وَإِنَّمَا لَا تَبْطُلُ الْمُطْلَقَةُ بِبُطْلَانِ مَا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ثُمَّ رُدَّ الْمَبِيعُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي) أَمَّا لَوْ بَاعَهُ مِنْهُ ثَانِيًا جَازَ ط، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْمَنْقُولَ مِنْ بَائِعِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ بَاقِيًا بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْإِقَالَةِ مِنْ أَنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّهِمَا فَيَجُوزُ لِلْبَائِعِ بَيْعُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِهِ (قَوْلُهُ وَكَانَ مَنْقُولًا) احْتِرَازٌ عَنْ الْعَقَارِ لِجَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ) وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَ الْإِمَامِ لِلِاشْتِبَاهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَفَالَةِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُنَا لَمَّا ضَمِنَ عُيُوبَهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُدَاوِيهِ مِنْهُمَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ النُّقْصَانَ أَوْ أَنَّهُ يَضْمَنُ لَهُ الرَّدَّ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ مُنَازَعَةٍ فَلِذَا كَانَ الضَّمَانُ فَاسِدًا ط (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْعُيُوبِ) أَيْ وَهُوَ عِنْدَهُ ضَمَانُ الدَّرْكِ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ فَهُوَ كَالْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدُ ط (قَوْلُهُ ضَمِنَ الثَّمَنَ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ مَاتَ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ وَقَضَى عَلَى الْبَائِعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الضَّامِنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: شَرَى ثَمَرَةَ كَرْمٍ وَلَا يُمْكِنُ قِطَافُهَا لِغَلَبَةِ الزَّنَابِيرِ، إنْ بَعْدَ الْقَبْضِ لَمْ يَرُدَّهُ، وَإِنْ قَبْلَهُ، فَإِنْ اُنْتُقِصَ الْمَبِيعُ بِتَنَاوُلِ الزَّنَابِيرِ فَلَهُ الْفَسْخُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ:. بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ الْمُرَادُ بِالْفَاسِدِ الْمَمْنُوعُ مَجَازًا عُرْفِيًّا فَيَعُمُّ الْبَاطِلَ وَالْمَكْرُوهَ، وَقَدْ يُذْكَرُ فِيهِ بَعْضُ الصَّحِيحِ تَبَعًا،   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي ضَمَانِ الْعُيُوبِ وَلَوْ ضَمِنَ لَهُ بِحِصَّةِ مَا يَجِدُ مِنْ الْعُيُوبِ فِيهِ مِنْ الثَّمَنِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، فَإِنْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي رَجَعَ عَلَى الضَّامِنِ بِذَلِكَ كَمَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ لَمْ يَرُدَّهُ) ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ط (قَوْلُهُ وَإِنْ قَبِلَهُ) أَيْ وَإِنْ حَصَلَتْ الْغَلَبَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ ط (قَوْلُهُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ) أَيْ بِهَلَاكِ بَعْضِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَقَدَّمْنَا عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّهُ يَطْرَحُ عَنْ الْمُشْتَرِي حِصَّةَ النُّقْصَانِ مِنْ الثَّمَنِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْبَاقِي بَيْنَ أَخْذِهِ بِحِصَّتِهِ أَوْ تَرْكِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ] ِ أَخَّرَهُ عَنْ الصَّحِيحِ لِكَوْنِهِ عَقْدًا مُخَالِفًا لِلدَّيْنِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْفَتْحِ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ يَجِبُ رَفْعُهَا، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الرِّبَا أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَهُوَ رِبًا، يَعْنِي إذَا كَانَ فَسَادُهُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ. وَفِي الْقَامُوسِ: فَسَدَ كَنَصَرَ وَقَعَدَ وَكَرُمَ فَسَادًا وَفُسُودًا ضِدُّ صَلَحَ فَهُوَ فَاسِدٌ فَسَيِّدٌ وَلَمْ يُسْمَعْ انْفَسَدَ اهـ. وَنُقِلَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ يُقَالُ لِلَّحْمِ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لِدُودٍ وَنَحْوِهِ بَطَلَ، وَإِذَا أَنْتَنَ وَهُوَ بِحَيْثُ يُنْتَفَعُ بِهِ فَسَدَ اللَّحْمُ، وَفِيهِ مُنَاسَبَةٌ لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ لَا بِوَصْفِهِ، وَمُرَادُهُمْ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ أَصْلِهِ كَوْنُهُ مَالًا مُتَقَوِّمًا لَا جَوَازُهُ وَصِحَّتُهُ؛ لِأَنَّ فَسَادَهُ يَمْنَعُ صِحَّتَهُ، أَوْ أَطْلَقُوا الْمَشْرُوعِيَّةَ عَلَيْهِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ لَوْ خَلَا عَنْ الْوَصْفِ لَكَانَ مَشْرُوعًا. وَأَمَّا الْبَاطِلُ، فَفِي الْمِصْبَاحِ بَطَلَ الشَّيْءُ يَبْطُلُ بُطْلًا وَبُطُولًا وَبُطْلَانًا بِضَمِّ الْأَوَائِلِ فَسَدَ أَوْ سَقَطَ حُكْمُهُ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَالْجَمْعُ بَوَاطِلٌ أَوْ أَبَاطِيلُ اهـ. وَفِيهِ مُنَاسَبَةٌ لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ مَا لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا لَا بِأَصْلِهِ وَلَا بِوَصْفِهِ. وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ، فَهُوَ لُغَةً خِلَافُ الْمَحْبُوبِ وَاصْطِلَاحًا مَا نُهِيَ عَنْهُ لِمُجَاوِرٍ كَالْبَيْعِ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ. وَعَرَّفَهُ فِي الْبِنَايَةِ بِمَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ لَكِنْ نُهِيَ عَنْهُ لِمُجَاوِرٍ، وَيُمْكِنُ إدْخَالُهُ تَحْتَ الْفَاسِدِ أَيْضًا عَلَى إرَادَةِ الْأَعَمِّ وَهُوَ مَا نُهِيَ عَنْهُ فَيَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ الْمُرَادُ بِالْفَاسِدِ الْمَمْنُوعُ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْفَاسِدَ مُبَايِنٌ لِلْبَاطِلِ؛؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ فَقَطْ يُبَايِنُ مَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ أَصْلًا. وَأَيْضًا حُكْمُ الْفَاسِدِ أَنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ وَالْبَاطِلُ لَا يُفِيدُهُ أَصْلًا، وَتَبَايُنُ الْحُكْمَيْنِ دَلِيلُ تَبَايُنِهِمَا، فَإِطْلَاقُ الْفَاسِدِ فِي قَوْلِهِمْ بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْبَاطِلَ لَا يَصِحُّ عَلَى حَقِيقَتِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْفَاسِدِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ أَوْ يُجْعَلُ مَجَازًا عُرْفِيًّا فِي الْأَعَمِّ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. مَطْلَبٌ فِي أَنْوَاعِ الْبَيْعِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَقَدْ مَرَّ بِأَقْسَامِهِ. وَغَيْرُ جَائِزٍ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ: بَاطِلٌ وَفَاسِدٌ، وَمَوْقُوفٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَأَرَادَ بِالْجَائِزِ النَّافِذَ، وَبِمُقَابِلِهِ غَيْرَهُ لَا الْحَرَامَ، إذْ لَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ لَخَرَجَ الْمَوْقُوفُ لِمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ بَيْعَ مَالِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ بِدُونِ تَسْلِيمٍ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 وَكُلُّ مَا أَوْرَثَ خَلَلًا فِي رُكْنِ الْبَيْعِ فَهُوَ مُبْطِلٌ، وَمَا أَوْرَثَهُ فِي غَيْرِهِ فَمُفْسِدٌ (بَطَلَ بَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ) وَالْمَالُ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ وَيَجْرِي فِيهِ الْبَذْلُ وَالْمَنْعُ دُرَرٌ،   [رد المحتار] مَطْلَبٌ لِبَيْعِ الْمَوْقُوفِ مِنْ قِسْمِ الصَّحِيحِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْمُسْتَصْفَى جَعَلَهُ مِنْ قِسْمِ الصَّحِيحِ، حَيْثُ قَالَ: الْبَيْعُ نَوْعَانِ: صَحِيحٌ وَفَاسِدٌ. وَالصَّحِيحُ نَوْعَانِ لَازِمٌ وَغَيْرُ لَازِمٍ نَهْرٌ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْبَيْعَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ ثَلَاثَةٌ: بَاطِلٌ، وَفَاسِدٌ، وَمَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، وَقَدْ مَرَّتْ. وَمَا لَا نَهْيَ فِيهِ ثَلَاثَةٌ أَيْضًا: نَافِذٌ لَازِمٌ، وَنَافِذٌ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَمَوْقُوفٌ فَالْأَوَّلُ مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ وَلَا خِيَارَ فِيهِ. وَالثَّانِي مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ وَفِيهِ خِيَارٌ. وَالْمَوْقُوفُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، وَحَصَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ. قُلْت: بَلْ أَوْصَلَهُ فِي النَّهْرِ إلَى نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالصَّحِيحُ يَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ وَالْمَوْقُوفُ كَذَلِكَ فَهُوَ قِسْمٌ مِنْهُ، وَهُوَ الْحَقُّ لِصِدْقِ التَّعْرِيفِ وَحُكْمِهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ حُكْمَهُ إفَادَةُ الْمِلْكِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَبْضِ، وَلَا يَضُرُّ تَوَقُّفُهُ عَلَى الْإِجَازَةِ كَتَوَقُّفِ مَا فِيهِ خِيَارٌ عَلَى إسْقَاطِهِ اهـ. قُلْت: يَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ بَيْعِ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَتِهِ مَعَ أَنَّهُ فَاسِدٌ كَمَا حَقَّقْنَاهُ أَوَّلَ الْبُيُوعِ، وَحَرَّرْنَا هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّ بَيْعَ الْهَزْلِ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ لِكَوْنِهِ أَشْبَهَ الْبَيْعَ بِالْخِيَارِ، وَلَيْسَ كُلُّ فَاسِدٍ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ فِي رُكْنِ الْبَيْعِ) هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، بِأَنْ كَانَ مِنْ مَجْنُونٍ أَوْ صَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ أَوْ فِي مَحَلِّهِ أَعْنِي لِمَبِيعٍ، فَإِنَّ الْخَلَلَ فِيهِ مُبْطِلٌ بِأَنْ كَانَ الْمَبِيعُ مَيْتَةً أَوْ دَمًا أَوْ حُرًّا أَوْ خَمْرًا كَمَا فِي ط عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَمَا أَوْرَثَهُ فِي غَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ الرُّكْنِ وَكَذَا فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ، وَذَلِكَ بِأَنْ كَانَ فِي الثَّمَنِ بِأَنْ يَكُونَ خَمْرًا مَثَلًا أَوْ بِأَنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ غَيْرَ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ أَوْ فِيهِ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَيَكُونُ الْبَيْعُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَاسِدًا لَا بَاطِلًا لِسَلَامَةِ رُكْنِهِ وَمَحَلِّهِ عَنْ الْخَلَلِ كَمَا فِي ط عَنْ الْبَدَائِعِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْوَصْفَ مَا كَانَ خَارِجًا عَنْ الرُّكْنِ وَالْمَحَلِّ. [تَنْبِيهٌ] فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ: ثُمَّ الضَّابِطُ فِي تَمْيِيزِ الْفَاسِدِ مِنْ الْبَاطِلِ أَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَالًا فِي دِينٍ سَمَاوِيٍّ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ سَوَاءٌ كَانَ مَبِيعًا أَوْ ثَمَنًا، فَبَيْعُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْحُرِّ بَاطِلٌ، وَكَذَا الْبَيْعُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ الْأَدْيَانِ مَالًا دُونَ الْبَعْضِ إنْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ ثَمَنًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فَبَيْعُ الْعَبْدِ بِالْخَمْرِ أَوْ الْخَمْرِ بِالْعَبْدِ فَاسِدٌ، وَإِنْ تَعَيَّنَ كَوْنُهُ مَبِيعًا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فَبَيْعُ الْخَمْرِ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّرَاهِمِ بِالْخَمْرِ بَاطِلٌ اهـ. قُلْت: وَهَذَا الضَّابِطُ يَرْجِعُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَحَلُّ فَقَطْ، وَمَا مَرَّ مِنْ حَيْثُ الرُّكْنُ وَالْمَحَلُّ فَهُوَ أَعَمُّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ بَطَلَ بَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ) أَيْ مَا لَيْسَ بِمَالٍ فِي سَائِرِ الْأَدْيَانِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَالْبَيْعُ بِهِ فَإِنَّ مَا يَبْطُلُ سَوَاءٌ كَانَ مَبِيعًا أَوْ ثَمَنًا مَا لَيْسَ بِمَالٍ أَصْلًا بِخِلَافِ نَحْوِ الْخَمْرِ فَإِنَّ بَيْعَهُ بَاطِلٌ إذَا تَعَيَّنَ كَوْنُهُ مَبِيعًا، أَمَّا لَوْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ ثَمَنًا فَبَيْعُهُ فَاسِدٌ كَمَا عَلِمْته مِنْ الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ آنِفًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَإِنْ كَانَ مَبْنَاهُ عَلَى الْبَدَلَيْنِ لَكِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْمَبِيعُ دُونَ الثَّمَنِ وَلِذَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ، وَلِأَنَّ الثَّمَنَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بَلْ هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِالْأَعْيَانِ. مَطْلَبٌ فِي تَعْرِيفِ الْمَالِ (قَوْلُهُ وَالْمَالُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا الْمَذْكُورُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ يَدْخُلُ فِيهِ الْخَمْرُ فَهِيَ مَالٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَقَوِّمَةً، وَلِذَا قَالَ بَعْدَهُ: وَبَطَلَ بَيْعُ مَالٍ غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ فَإِنَّ الْمُتَقَوِّمَ هُوَ الْمَالُ الْمُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 فَخَرَجَ التُّرَابُ وَنَحْوُهُ (كَالدَّمِ) الْمَسْفُوحِ فَجَازَ بَيْعُ كَبِدٍ وَطِحَالٍ (وَالْمَيْتَةِ) سِوَى سَمَكٍ وَجَرَادٍ، وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ بَيْنَ الَّتِي مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا أَوْ بِخَنْقٍ وَنَحْوِهِ   [رد المحتار] وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْبُيُوعِ تَعْرِيفَ الْمَالِ بِمَا يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ وَيُمْكِنُ ادِّخَارُهُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ، وَأَنَّهُ خَرَجَ بِالِادِّخَارِ، الْمَنْفَعَةُ فَهِيَ مِلْكٌ لَا مَالٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُتَصَرَّفَ فِيهِ بِوَصْفِ الِاخْتِصَاصِ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ، فَالْأَوْلَى مَا فِي الدُّرَرِ مِنْ قَوْلِهِ الْمَالُ مَوْجُودٌ يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ إلَخْ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِالْمَوْجُودِ الْمَنْفَعَةُ فَافْهَمْ. وَلَا يَرِدَ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ تُمَلَّكُ بِالْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَمْلِيكٌ لَا بَيْعٌ حَقِيقَةً، وَلِذَا قَالُوا: إنَّ الْإِجَارَةَ لَا بَيْعَ الْمَنَافِعِ حُكْمًا: أَيْ إنَّ فِيهَا حُكْمَ الْبَيْعِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ لَا حَقِيقَتُهُ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ (قَوْلُهُ فَخَرَجَ التُّرَابُ) أَيْ الْقَلِيلُ مَا دَامَ فِي مَحَلِّهِ وَإِلَّا فَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ بِالنَّقْلِ مَا يَصِيرُ بِهِ مَالًا مُعْتَبَرًا وَمِثْلُهُ الْمَالُ، وَخَرَجَ أَيْضًا نَحْوُ حَبَّةٍ مِنْ حِنْطَةٍ وَالْعَذِرَةُ الْخَالِصَةُ، بِخِلَافِ الْمَخْلُوطَةِ بِتُرَابٍ، وَلِذَا جَازَ بَيْعُهَا كَسِرْقِينٍ كَمَا يَأْتِي، وَخَرَجَ أَيْضًا الْمَنْفَعَةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا آنِفًا (قَوْلُهُ وَالْمَيْتَةِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْيَاءِ الَّتِي مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا لَا بِسَبَبٍ، وَبِتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ: الَّتِي لَمْ تَمُتْ حَتْفَ أَنْفِهَا بَلْ بِسَبَبٍ غَيْرِ الذَّكَاةِ كَالْمُنْخَنِقَةِ وَالْمَوْقُوذَةِ نُوحٌ أَفَنْدِي، وَلَمْ أَرَ هَذَا الْفَرْقَ فِي الْقَامُوسِ وَلَا فِي الْمِصْبَاحِ وَلَا غَيْرِهِمَا فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ إلَخْ) أَمَّا فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ فَيُرَادُ بِهَا الْأَوَّلُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِيهِ؛ فَفِي التَّجْنِيسِ جَعَلَهُ قِسْمًا مِنْ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُمْ يَدِينُونَهُ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَجَعَلَهُ فِي الْإِيضَاحِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ، وَجَزَمَ فِي الذَّخِيرَةِ بِفَسَادِهِ، وَجَعَلَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ نَهْرٌ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِيمَا لَمْ يَمُتْ حَتْفَ أَنْفِهِ بَلْ بِسَبَبٍ غَيْرِ الذَّكَاةِ رِوَايَتَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَافِرِ فِي رِوَايَةِ الْجَوَازِ، وَفِي رِوَايَةِ الْفَسَادِ، وَأَمَّا الْبُطْلَانُ فَلَا، وَأَمَّا فِي حَقِّنَا فَالْكُلُّ سَوَاءٌ اهـ. وَذَكَرَ ط أَنَّ عَدَمَ الْفَرْقِ فِي حَقِّنَا فِي الْمُنْخَنِقَةِ مَثَلًا إذَا قُوبِلَتْ بِدَرَاهِمَ حَتَّى تَعَيَّنَ كَوْنُهَا مَبِيعًا، أَمَّا إذَا قُوبِلَتْ بِعَيْنٍ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهَا ثَمَنًا فَكَانَ فَاسِدًا بِالنَّظَرِ إلَى الْعِوَضِ الْآخَرِ، بَاطِلًا بِالنَّظَرِ إلَيْهَا، وَهَذَا مَا اقْتَضَاهُ الضَّابِطُ السَّابِقُ اهـ (قَوْلُهُ الَّتِي مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا) الْحَتْفُ الْهَلَاكُ يُقَالُ: مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ إذَا مَاتَ بِغَيْرِ ضَرْبٍ وَلَا قَتْلٍ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَمُوتَ عَلَى فِرَاشِهِ فَيَتَنَفَّسَ حَتَّى يَنْقَضِيَ رَمَقُهُ، وَلِهَذَا خَصَّ الْأَنْفَ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ أَوْ بِخَنِقٍ) مِثْلُ كَتِفٍ وَيُسَكَّنُ تَخْفِيفًا مِصْبَاحٌ. [تَنْبِيهٌ] لَمْ يَذْكُرُوا حُكْمَ دُودَةِ الْقِرْمِزِ: أَمَّا إذَا كَانَتْ حَيَّةً فَيَنْبَغِي جَرَيَانُ الْخِلَافِ الْآتِي فِي دُودِ الْقَزِّ وَبِزْرِهِ وَبَيْضِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَيْتَةً وَهُوَ الْغَالِبُ فَإِنَّهَا عَلَى مَا بَلَغَنَا تُخْنَقُ فِي الْكِلْسِ أَوْ الْخَلِّ فَمُقْتَضَى مَا مَرَّ بُطْلَانُ بَيْعِهَا بِالدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهَا مَيْتَةٌ. وَقَدْ ذَكَرَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ فِي رِسَالَةٍ أَنَّ بَيْعَهَا بَاطِلٌ، وَأَنَّهُ لَا يُضَمَّنُ مُتْلِفُهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَالٍ قُلْت: وَفِيهِ أَنَّهَا مِنْ أَعَزِّ الْأَمْوَالِ الْيَوْمَ، وَيَصْدُقُ عَلَيْهَا تَعْرِيفُ الْمَالِ الْمُتَقَدِّمُ وَيَحْتَاجُ إلَيْهَا النَّاسُ كَثِيرًا فِي الصِّبَاغِ وَغَيْرِهِ، فَيَنْبَغِي جَوَازُ بَيْعِهَا كَبَيْعِ السِّرْقِينِ وَالْعَذِرَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالتُّرَابِ كَمَا يَأْتِي مَعَ أَنَّ هَذِهِ الدُّودَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفْسٌ سَائِلَةٌ تَكُونُ مَيْتَتُهَا طَاهِرَةً كَالذُّبَابِ وَالْبَعُوضِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ أَكْلُهَا، وَسَيَأْتِي أَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ يَدُورُ مَعَ حِلِّ الِانْتِفَاعِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْعَلَقِ لِلْحَاجَةِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ، وَبَيْعُهَا بَاطِلٌ. وَكَذَا بَيْعُ الْحَيَّاتِ لِلتَّدَاوِي: وَفِي الْقُنْيَةِ: وَبَيْعُ غَيْرِ السَّمَكِ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ لَوْ لَهُ ثَمَنٌ كَالسَّقَنْقُورِ وَجُلُودِ الْخَزِّ وَنَحْوِهَا يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا وَجَمَلِ الْمَاءِ قِيلَ يَجُوزُ حَيًّا لَا مَيِّتًا وَالْحَسَنُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 (وَالْحُرِّ وَالْبَيْعِ بِهِ) أَيْ جَعْلِهِ ثَمَنًا بِإِدْخَالِ الْبَاءِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَلَمْ يُوجَدْ. (وَالْمَعْدُومِ كَبَيْعِ حَقِّ التَّعَلِّي) أَيْ عُلْوٍ سَقَطَ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ. ، وَمِنْهُ بَيْعُ مَا أَصْلُهُ غَائِبٌ كَجَزَرٍ وَفُجْلٍ، أَوْ بَعْضُهُ مَعْدُومٌ كَوَرْدٍ وَيَاسَمِينٍ وَوَرَقِ فِرْصَادٍ. وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ لِتَعَامُلِ النَّاسِ، وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُ مَشَايِخِنَا عَمَلًا بِالِاسْتِحْسَانِ، هَذَا إذَا نَبَتَ وَلَمْ يُعْلَمْ وُجُودُهُ، فَإِذَا عُلِمَ جَازَ وَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَتَكْفِي رُؤْيَةُ الْبَعْضِ عِنْدَهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى شَرْحُ مَجْمَعٍ.   [رد المحتار] أَطْلَقَ الْجَوَازَ اهـ فَتَأَمَّلْ، وَيَأْتِي لَهُ مَزِيدُ بَيَانٍ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ دُودِ الْقَزِّ وَالْعَلَقِ (قَوْلُهُ وَالْبَيْعِ بِهِ) أَيْ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ. (قَوْلُهُ وَالْمَعْدُومُ كَبَيْعِ حَقِّ التَّعَلِّي) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِذَا كَانَ السُّفْلُ لِرَجُلٍ وَعُلْوُهُ لِآخَرَ فَسَقَطَا أَوْ سَقَطَ الْعُلْوُ وَحْدَهُ فَبَاعَ صَاحِبُ الْعُلْوِ عُلْوَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ حِينَئِذٍ لَيْسَ إلَّا حَقُّ التَّعَلِّي، وَحَقُّ التَّعَلِّي لَيْسَ بِمَالٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ عَيْنٌ يُمْكِنُ إحْرَازُهَا وَإِمْسَاكُهَا وَلَا هُوَ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِ بَلْ هُوَ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْهَوَاءِ، وَلَيْسَ الْهَوَاءُ مَالًا يُبَاعُ وَالْمَبِيعُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدَهُمَا، بِخِلَافِ الشُّرْبِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ، فَلَوْ بَاعَهُ قَبْلَ سُقُوطِهِ جَازَ، فَإِنْ سَقَطَ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ لِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ بَيْعَ الْعُلْوِ صَحِيحٌ قَبْلَ سُقُوطِهِ لَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ بَعْدَ سُقُوطِهِ بَيْعٌ لِحَقِّ التَّعَلِّي وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلِذَا عَبَّرَ فِي الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ وَعُلْوٌ سَقَطَ، وَعَبَّرَ فِي الدُّرَرِ بِحَقِّ التَّعَلِّي؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ الْكَنْزِ وَعُلْوٌ سَقَطَ كَمَا عَلِمْته مِنْ عِبَارَةِ الْفَتْحِ، فَالْمُرَادُ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدٌ؛ فَلِذَا فَسَّرَ الشَّارِحُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ اخْتِلَافِ الْمُرَادِ مِنْهُمَا فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] لَوْ كَانَ الْعُلْوُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ فَقَالَ بِعْتُك عُلْوَ هَذَا السُّفْلِ بِكَذَا صَحَّ وَيَكُونُ سَطْحُ السُّفْلِ لِصَاحِبِ السُّفْلِ وَلِلْمُشْتَرِي حَقُّ الْقَرَارِ، حَتَّى لَوْ انْهَدَمَ الْعُلْوُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ عُلْوًا آخَرَ مِثْلَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ السُّفْلَ اسْمٌ لِمَبْنِيٍّ مُسَقَّفٍ فَكَانَ سَطْحُ السُّفْلِ سَقْفًا لِلسُّفْلِ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْمَعْدُومُ أَفَادَهُ ط. [مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْمَغِيبِ فِي الْأَرْضِ] (قَوْلُهُ وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ بَيْعِ الْمَعْدُومِ. مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْمَغِيبِ فِي الْأَرْضِ (قَوْلُهُ بَيْعُ مَا أَصْلُهُ غَائِبٌ) أَيْ مَا يَنْبُتُ فِي بَاطِنِ الْأَرْضِ، وَهَذَا إذَا كَانَ لَمْ يَنْبُتْ أَوْ نَبَتَ وَلَمْ يُعْلَمْ وُجُودُهُ وَقْتَ الْبَيْعِ وَإِلَّا جَازَ بَيْعُهُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَفُجْلٌ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَبِضَمَّتَيْنِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ كَوَرْدٍ وَيَاسَمِينٍ) فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِالتَّدْرِيجِ ط (قَوْلُهُ وَوَرَقِ فِرْصَادٍ) قِيلَ هُوَ التُّوتُ الْأَحْمَرُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ التُّوتُ. وَفِي التَّهْذِيبِ: قَالَ اللَّيْثُ: الْفِرْصَادُ الشَّجَرُ مَعْرُوفٌ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُ مَشَايِخِنَا) بِالْيَاءِ فِي مَشَايِخَ لَا بِالْهَمْزَةِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَأَفْتَى الْعُقَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ بِجَوَازِهِ بِتَبَعِيَّةِ الْمَوْجُودِ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْمَعْدُومِ اهـ ط. قُلْت: وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي فَصْلِ مَا يَدْخُلُ تَبَعًا (قَوْلُهُ هَذَا إذَا نَبَتَ إلَخْ) الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ مَا أَصْلُهُ غَائِبٌ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ هَذَا إذَا لَمْ يَنْبُتْ أَوْ نَبَتَ وَلَمْ يُعْلَمْ وُجُودُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِيهِمَا كَمَا فِي ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي الْأَرْضِ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ بَعْدَ الْقَلْعِ كَالثُّومِ وَالْجَزَرِ وَالْبَصَلِ فَقَلَعَ الْمُشْتَرِي شَيْئًا بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ قَلَعَ الْبَائِعُ، إنْ كَانَ الْمَقْلُوعُ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ إذَا رَأَى الْمَقْلُوعَ وَرَضِيَ بِهِ لَزِمَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ وَتَكُونُ رُؤْيَةُ الْبَعْضِ كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ إذَا وَجَدَ الْبَاقِي كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْلُوعُ شَيْئًا يَسِيرًا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَزْنِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ بَعْدَ الْقَلْعِ عَدَدًا كَالْفُجْلِ فَقَلَعَ الْبَائِعُ أَوْ قَلَعَ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ لَا يَلْزَمُ الْكُلُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ بِمَنْزِلَةِ الثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ، وَإِنْ قَلَعَهُ بِلَا إذْنِ الْبَائِعِ لَزِمَهُ الْكُلُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ شَيْئًا يَسِيرًا، وَإِنْ أَبَى كُلَّ الْقَلْعِ تَبَرَّعَ مُتَبَرِّعٌ بِالْقَلْعِ أَوْ فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ اهـ ط. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 52 (وَالْمَضَامِينِ) مَا فِي ظُهُورِ الْآبَاءِ مِنْ الْمَنِيِّ (وَالْمَلَاقِيحِ) جَمْعُ مَلْقُوحَةٍ: مَا فِي الْبَطْنِ مِنْ الْجَنِينِ (وَالنِّتَاجِ) بِكَسْرِ النُّونِ: حَبَلُ الْحَبَلَةِ أَيْ نِتَاجُ النِّتَاجِ لِدَابَّةٍ أَوْ آدَمِيٍّ (وَبَيْعِ أَمَةٍ تَبَيَّنَ أَنَّهُ) ذَكَّرَ الضَّمِيرَ لِتَذْكِيرِ الْخَبَرِ (عَبْدٌ وَعَكْسُهُ) بِخِلَافِ الْبَهَائِمِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ حُكْمًا فَيَبْطُلُ، وَفِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيَصِحُّ وَيَتَخَيَّرُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ. (وَمَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا) وَلَوْ مِنْ كَافِرٍ بَزَّازِيَّةٌ، وَكَذَا مَا ضُمَّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ بِالنَّصِّ (وَبَيْعِ الْكِرَابِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ، بِخِلَافِ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ فَيَصِحُّ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ تَرْكُهَا وَلْوَالِجِيَّةٌ.   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ أَصْلِ الْفِصْفِصَةِ قُلْت: بَقِيَ شَيْءٌ لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا يَكُونُ أَصْلُهُ تَحْتَ الْأَرْضِ وَيَبْقَى سِنِينَ مُتَعَدِّدَةً مِثْلُ الْفِصْفِصَةِ تُزْرَعُ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ وَتَكُونُ كَالْكِرْدَارِ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي زَمَانِنَا فَإِذَا بَاعَ ذَلِكَ الْأَصْلَ وَعُلِمَ وُجُودُهُ فِي الْأَرْضِ صَحَّ بَيْعُهُ لَكِنَّهُ لَا يُرَى وَلَا يُقْصَدُ قَلْعَهُ؛ لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِلْبَقَاءِ فَهَلْ لِلْمُشْتَرِي فَسْخُ الْبَيْعِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يَثْبُتُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ مَا فِي ظُهُورِ الْآبَاءِ مِنْ الْمَنِيِّ) مُوَافِقٌ لِمَا فِي الدُّرَرِ وَالْمِنَحِ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ: الْمَضَامِينُ جَمْعُ مَضْمُونَةٍ مَا فِي أَصْلَابِ الْإِبِلِ وَالْمَلَاقِيحُ: جَمْعُ مَلْقُوحٍ: مَا فِي بُطُونِهَا، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ (قَوْلُهُ وَالْمَلَاقِيحُ إلَخْ) يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ هَهُنَا عَلَى مَا سَيَكُونُ وَإِلَّا كَانَ حَمْلًا، وَسَيَأْتِي أَنَّ بَيْعَ الْحَمْلِ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ دُرَرٌ. قُلْت: وَفِي فَسَادِهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَالنِّتَاجُ بِكَسْرِ النُّونِ) كَذَا ضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الدُّرَرِ، وَضَبَطَهُ الْكَاكِيُّ بِفَتْحِ النُّونِ، وَهُوَ مَصْدَرُ نُتِجَتْ النَّاقَةُ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمَنْتُوجُ، وَفَسَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالرَّازِيِّ وَمِسْكِينٌ بِحَبَلِ الْحَبَلَةِ وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ نُوحٌ (قَوْلُهُ حَبَلُ الْحَبَلَةِ) بِالْفَتْحَتَيْنِ فِيهِمَا قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: مَصْدَرُ حَبِلَتْ الْمَرْأَةُ حَبَلًا فَهِيَ حُبْلَى سُمِّيَ بِهِ الْمَحْمُولُ كَمَا سُمِّيَ بِالْحَمْلِ وَإِنَّمَا أَدْخَلَ عَلَيْهِ التَّاءِ لِلْإِشْعَارِ بِمَعْنَى الْأُنُوثَةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ مَا سَوْفَ يَحْمِلُهُ الْجَنِينُ إنْ كَانَ أُنْثَى، وَمَنْ رَوَى الْحَبَلَةَ بِكَسْرِ الْبَاءِ فَقَدْ أَخْطَأَ اهـ نُوحٌ. (قَوْلُهُ وَبَيْعِ أَمَةٍ إلَخْ) عَلَّلَهُ فِي الدُّرَرِ بِأَنَّهُ بَيْعٌ مَعْدُومٌ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: حَقِّ التَّعَلِّي، أَوْ قَوْلِهِ: وَالنِّتَاجِ، فَكَانَ الْوَاجِبُ إسْقَاطَ لَفْظِ بَيْعٍ نُوحٌ (قَوْلُهُ ذَكَّرَ الضَّمِيرَ) أَيْ أَتَى بِهِ مُذَكَّرًا مَعَ أَنَّ الْأَمَةَ مُؤَنَّثَةٌ مُرَاعَاةً لِتَذْكِيرِ الْخَبَرِ وَهُوَ عَبْدٌ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْوَاقِعِ (قَوْلُهُ وَعَكْسُهُ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ بَيْعُ وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى أَمَةٍ ط (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَهَائِمِ) كَمَا إذَا بَاعَ كَبْشًا فَإِذَا هُوَ نَعْجَةٌ حَيْثُ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَيَتَخَيَّرُ بَحْرٌ. مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا اجْتَمَعَتْ الْإِشَارَةُ مَعَ التَّسْمِيَةِ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْفَرْقُ يُبْتَنَى عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي النِّكَاحِ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ أَنَّ الْإِشَارَةَ مَعَ التَّسْمِيَةِ إذَا اجْتَمَعَتَا فَفِي مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى وَيَبْطُلُ لِانْعِدَامِهِ، وَفِي مُتَّحِدَيْ الْجِنْسِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ وَيَنْعَقِدُ لِوُجُودِهِ وَيَتَخَيَّرُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ، كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ، فَإِذَا هُوَ كَاتِبٌ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْأَغْرَاضِ، وَفِي الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِلتَّقَارُبِ فِيهَا اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالْأَصْلُ الْمَذْكُورُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ هُنَا وَيَجْرِي فِي سَائِرِ الْعُقُودِ مِنْ النِّكَاحِ وَالْإِجَارَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فِي الْآدَمِيِّ جِنْسَانِ فِي الْفِقْهِ وَإِنْ اتَّحَدَا جِنْسًا فِي الْمَنْطِقِ؛ لِأَنَّهُ الذَّاتِيُّ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِمُمَيِّزٍ دَاخِلٍ، وَفِي الْفِقْهِ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ لَا يَتَفَاوَتُ الْغَرَضُ مِنْهَا فَاحِشًا قَالَ فِي الْفَتْحِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 53 (وَمَا فِي حُكْمِهِ) أَيْ حُكْمِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ (كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ) فَإِنَّ بَيْعَ هَؤُلَاءِ بَاطِلٌ: أَيْ بَقَاءً، فَلَمْ يُمْلَكُوا بِالْقَبْضِ لِابْتِدَاءٍ فَصَحَّ بَيْعُهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَبَيْعُ قِنٍّ ضُمَّ إلَيْهِمْ دُرَرٌ،   [رد المحتار] وَمِنْ الْمُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ مَا إذَا بَاعَ فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَلَوْ بَاعَهُ لَيْلًا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ أَحْمَرُ فَظَهَرَ أَصْفَرَ صَحَّ الْبَيْعُ وَيُخَيَّرُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ كَافِرٍ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَأَقَرَّهُ. قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَارُّ فِيمَا مَاتَتْ بِسَبَبٍ غَيْرِ الذَّبْحِ مِمَّا يَدِينُ بِهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ، بَلْ هَذَا بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَدِينُ بِهِ بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ، وَكَوْنُ حُرْمَتِهِ بِالنَّصِّ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ بَيْعِهِ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُنْخَنِقَةِ بِالنَّصِّ أَيْضًا، وَلَمَّا اعْتَقَدُوا حِلَّهَا لَمْ نَحْكُمْ بِبُطْلَانِ بَيْعِهَا بَيْنَهُمْ، نَعَمْ لَوْ بَاعَ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا مُسْلِمٌ يَقُولُ بِحِلِّهِ كَشَافِعِيٍّ نَحْكُمُ بِبُطْلَانِ بَيْعِهِ؛ لِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ لِأَحْكَامِنَا وَمُعْتَقِدٌ لِبُطْلَانِ مَا خَالَفَ النَّصِّ فَنُلْزِمُهُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ بِالنَّصِّ، بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ، فَيَكُونُ بَيْعُهُ بَيْنَهُمْ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا لَا بَاطِلًا كَمَا مَرَّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ مِنْ عَدَمِ صِحَّتِهَا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ لِعَدَمِ التَّسَاوِي فِي التَّصَرُّفِ، وَتَصِحُّ بَيْنَ حَنَفِيٍّ وَشَافِعِيٍّ، وَإِنْ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِلْزَامِ قَائِمَةٌ، وَمَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَا فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَكَذَا مَا ضُمَّ إلَيْهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَمَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا كَاَلَّذِي مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ حَتَّى يَسْرِيَ الْفَسَادُ إلَى مَا ضُمَّ إلَيْهِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْرِيَ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ كَالْمُدَبَّرِ فَيَنْعَقِدُ فِيهِ الْبَيْعُ بِالْقَضَاءِ، وَأَجَابَ فِي الْكَافِي بِأَنَّ حُرْمَتَهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا، فَلَا يُعْتَبَرُ خِلَافُهُ وَلَا يَنْفُذُ بِالْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ وَبَيْعِ الْكِرَابِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ) فِي الْمِصْبَاحِ: كَرَبْتُ الْأَرْضَ مِنْ بَابِ قَتَلَ كِرَابًا بِالْكَسْرِ قَلَّبْتُهَا لِلْحَرْثِ، وَفِيهِ أَيْضًا: كَرَى النَّهْرَ كَرْيًا مِنْ بَابِ رَمَى حَفَرْتُ فِيهِ حُفْرَةً جَدِيدَةً (قَوْلُهُ وَلْوَالِجِيَّةٌ) قَالَ فِيهَا: وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عِمَارَةٌ فِي أَرْضِ رَجُلٍ فَبَاعَهَا، إنْ كَانَ بِنَاءً أَوْ أَشْجَارًا جَازَ بَيْعُهُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ تَرْكَهَا وَإِنْ كِرَابًا أَوْ كَرْيَ الْأَنْهَارِ وَنَحْوَهُ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِمَالٍ وَلَا بِمَعْنَى مَالٍ لَا يَجُوزُ. اهـ يَعْنِي يَبْطُلُ، فَإِنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِنَا بَطَلَ بَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَمَا لَا يَخْفَى وَبِعَدَمِ الْجَوَازِ فِي الْكِرَابِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ مِنَحٌ، وَتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ أَوَّلَ الْبُيُوعِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَى مَشَدِّ الْمُسْكَةِ وَبَيْعِ الْبَرَاءَاتِ وَالْجَامِكِيَّةِ وَالنُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ، وَأَشْبَعْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ. (قَوْلُهُ فَإِنَّ بَيْعَ هَؤُلَاءِ بَاطِلٌ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَأَوْرَدَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَاطِلًا لَسَرَى الْبُطْلَانُ إلَى مَا ضُمَّ إلَيْهِمْ كَالْمَضْمُومِ إلَى الْحُرِّ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَسْرِي. وَقَالَ بَعْضُهُمْ فَاسِدٌ، وَأَوْرَدَ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يُمْلَكُوا بِالْقَبْضِ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يُمْلَكُوا بِهِ اتِّفَاقًا، وَأُجِيبَ عَنْهُمَا بِادِّعَاءِ التَّخْصِيصِ، وَهُوَ أَنَّ مِنْ الْبَاطِلِ مَا لَا يَسْرِي حُكْمُهُ إلَى الْمَضْمُومِ لِضَعْفِهِ وَمِنْ الْفَاسِدِ مَا لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ بَاطِلٌ وَلَا تَخْصِيصَ لِجَوَازِ تَخَلُّفِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ الْخُصُوصِيَّةِ. قُلْت: وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ يَصْلُحُ بَيَانًا لِلْخُصُوصِيَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ بَيْعَ الْحُرِّ بَاطِلٌ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً لِعَدَمِ مَحَلِّيَّتِهِ لِلْبَيْعِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 وَقَوْلُ ابْنِ الْكَمَالِ بَيْعُ هَؤُلَاءِ بَاطِلٌ مَوْقُوفٌ، ضَعَّفَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْمُرَجَّحَ اشْتِرَاطُ رِضَا الْمُكَاتَبِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَعَدَمُ نَفَاذِ الْقَضَاءِ بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ وَصَحَّحَ فِي الْفَتْحِ نَفَاذَهُ. قُلْت: الْأَوْجَهُ تَوَقُّفُهُ عَلَى قَضَاءٍ آخَرَ إمْضَاءً أَوْ رَدًّا عَيْنِيٌّ وَنَهْرٌ، فَلْيَكُنْ التَّوْفِيقُ. وَفِي السِّرَاجِ: وَلَدُ هَؤُلَاءِ كَهُمْ، وَبَيْعُ مُبَعَّضٍ كَحُرٍّ. (وَ) بَطَلَ (بَيْعُ مَالٍ غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ) أَيْ غَيْرِ مُبَاحِ الِانْتِفَاعِ بِهِ ابْنُ كَمَالٍ فَلْيُحْفَظْ (كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَمَيْتَةٍ لَمْ تَمُتْ حَتْفَ أَنْفِهَا)   [رد المحتار] أَصْلًا بِثُبُوتِ حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ، وَبَيْعُ هَؤُلَاءِ بَاطِلٌ بَقَاءً لِحَقِّ الْحُرِّيَّةِ فَلِذَا لَمْ يُمْلَكُوا بِالْقَبْضِ، لَا ابْتِدَاءً لِعَدَمِ حَقِيقَتِهَا فَلِذَا جَازَ بَيْعُهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلَا يَلْزَمُ بُطْلَانُ بَيْعِ قِنٍّ ضُمَّ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الْبَيْعِ ابْتِدَاءً لِكَوْنِهِمْ مَحَلًّا لَهُ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ خَرَجُوا مِنْهُ بِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ، فَيَبْقَى الْقِنُّ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ وَقَوْلُ ابْنِ الْكَمَالِ) عِبَارَتُهُ: الْبَيْعُ فِي هَؤُلَاءِ بَاطِلٌ مَوْقُوفٌ يَنْقَلِبُ جَائِزًا بِالرِّضَا فِي الْمُكَاتَبِ وَبِالْقَضَاءِ فِي الْآخَرِينَ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ قَبْلَ الْبَيْعِ) وَتَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ فِي ضِمْنِهِ؛ لِأَنَّ اللُّزُومَ كَانَ لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِهِ، أَمَّا إذَا بَاعَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَأَجَازَهُ لَمْ يَجُزْ رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ إجَازَتَهُ لَمْ تَتَضَمَّنْ فَسْخَ الْكِتَابَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ كَذَا فِي السِّرَاجِ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ بِيعَ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَأَجَازَ بَيْعَ مَوْلَاهُ لَمْ يَنْفُذْ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ نَهْرٌ. قُلْت: لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ آخَرَ الْبَابِ فِيمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ، وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ أَنَّ الْبَيْعَ فِي هَؤُلَاءِ مَوْقُوفٌ وَقَدْ دَخَلُوا تَحْتَ الْعَقْدِ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ: وَلِهَذَا يَنْفُذُ فِي الْمُكَاتَبِ بِرِضَاهُ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي الْمُدَبَّرِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَكَذَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ اهـ، فَقَوْلُهُ مَوْقُوفٌ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ هُنَا بَاطِلٌ، وَقَوْلُهُ يَنْفُذُ فِي الْمُكَاتَبِ بِرِضَاهُ فِي الْأَصَحِّ مُخَالِفٌ لِلْمَذْكُورِ عَنْ السِّرَاجِ وَالْخَانِيَّةِ، وَبِهَذَا يَتَأَيَّدُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ يَنْفُذُ فِي الْمُكَاتَبِ بِرِضَاهُ فِي الْأَصَحِّ أَيْ رِضَاهُ وَقْتَ الْبَيْعِ فَيَكُونُ مَوْقُوفًا فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى رِضَاهُ فَلَوْ لَمْ يَرْضَ كَانَ بَاطِلًا، وَبِهَذَا تَنْتَفِي الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ كَلَامَيْهِ، لَكِنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَا يَتَأَتَّى فِي عِبَارَةِ ابْنِ الْكَمَالِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ قُلْت الْأَوْجَهُ إلَخْ) أَيْ إذَا قَضَى بِنَفَاذِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ قَاضٍ يَرَاهُ لَا يَنْفُذُ فَإِذَا رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَمْضَاهُ نَفَذَ الْأَوَّلُ وَإِنْ رَدَّهُ ارْتَدَّ وَقَدَّمْنَا تَحْقِيقَ ذَلِكَ فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ (قَوْلُهُ فَلْيَكُنْ التَّوْفِيقُ) بِحَمْلِ مَا فِي الْبَحْرِ عَلَى مَا قَبْلَ الْإِمْضَاءِ، وَمَا فِي الْفَتْحِ عَلَى مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَلَدُ هَؤُلَاءِ كَهُمْ) أَيْ وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا، بِأَنْ زَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ بَعْدَ مَا وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا وَكَذَا وَلَدُ الْمُدَبَّرِ أَوْ الْمُكَاتَبِ الْمَوْلُودُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ، وَقَوْلُهُ كَهُمْ: أَيْ فِي حُكْمِهِمْ، وَفِيهِ إدْخَالُ الْكَافِ عَلَى الضَّمِيرِ وَهُوَ قَلِيلٌ (قَوْلُهُ وَبَيْعُ مُبَعَّضٍ) أَيْ مُعْتَقِ الْبَعْضِ كَبَيْعِ الْحُرِّ. (قَوْلُهُ ابْنُ كَمَالٍ) وَنَصُّهُ التَّقَوُّمُ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي التَّلْوِيحِ ضَرْبَانِ: عُرْفِيٌّ وَهُوَ بِالْإِحْرَازِ، فَغَيْرُ الْمُحْرَزِ كَالصَّيْدِ وَالْحَشِيشِ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ، وَشَرْعِيٌّ وَهُوَ بِإِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ هَهُنَا مَنْفِيًّا. اهـ أَيْ هُوَ الْمُرَادُ بِالتَّقَوُّمِ الْمَنْفِيِّ هُنَا (قَوْلُهُ كَخَمْرٍ) قَيَّدَ بِهَا؛ لِأَنَّ بَيْعَ مَا سِوَاهَا مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ جَائِزٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَمَيْتَةٌ لَمْ تَمُتْ حَتْفَ أَنْفِهَا) هَذَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، أَمَّا الذِّمِّيُّ فَفِي رِوَايَةٍ بَيْعُهَا صَحِيحٌ وَفِي أُخْرَى فَاسِدٌ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 بَلْ بِالْخَنْقِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهَا مَالٌ عِنْدَ الذِّمِّيِّ كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ، وَهَذَا إنْ بِيعَتْ (بِالثَّمَنِ) أَيْ بِالدَّيْنِ كَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ وَمَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ بَطَلَ فِي الْكُلِّ، وَإِنْ بِيعَتْ بِعَيْنٍ كَعَرْضٍ بَطَلَ فِي الْخَمْرِ وَفَسَدَ فِي الْعَرْضِ فَيَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ بِقِيمَتِهِ ابْنُ كَمَالٍ. (وَ) بَطَلَ (بَيْعُ قِنٍّ ضُمَّ إلَى حُرٍّ وَذَكِيَّةٍ ضُمَّتْ إلَى مَيْتَةٍ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا) قَيَّدَ بِهِ لِتَكُونَ كَالْحُرِّ (وَإِنْ سَمَّى ثَمَنَ كُلٍّ) أَيْ فَصَّلَ الثَّمَنَ خِلَافًا لَهُمَا، وَمَبْنَى الْخِلَافِ أَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتَعَدَّدُ بِمُجَرَّدِ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَكْرَارِ لَفْظِ الْعَقْدِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَظَاهِرُ النِّهَايَةِ يُفِيدُ أَنَّهُ فَاسِدٌ (بِخِلَافِ بَيْعِ قِنٍّ ضُمَّ إلَى مُدَبَّرٍ) أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ   [رد المحتار] فِي الْمَيْتَةِ فَقَطْ، أَمَّا الْخَمْرُ فَصَحِيحٌ. (قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ) كَالْجُرْحِ، وَالضَّرْبُ مِنْ أَسْبَابِ الْمَوْتِ سِوَى الذَّكَاةِ الشَّرْعِيَّةِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهَا) أَيْ الْمَيْتَةَ الْمَذْكُورَةَ، أَمَّا الَّتِي مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا فَهِيَ غَيْرُ مَالٍ عِنْدَ الْكُلِّ فَلِذَا بَطَلَ بَيْعُهَا فِي حَقِّ الْكُلِّ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ بِلَا تَفْصِيلٍ (قَوْلُهُ أَيْ بِالدَّيْنِ) أَيْ مَا يَصِحُّ أَنْ يَثْبُتَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ. قَالَ ابْنُ كَمَالٍ: إنَّمَا قَالَ بِالدَّيْنِ دُونَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ أَعَمُّ مِنْهُ، وَالْمُعْتَبَرُ الْمُقَابَلَةُ بِهِ دُونَ الثَّمَنِ (قَوْلُهُ بَطَلَ فِي الْكُلِّ) ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْأَصْلُ وَلَيْسَ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ فَبَطَلَ فِيهِ فَكَذَا فِي الثَّمَنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا فَإِنَّهُ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ مَقْصُودٍ بِالتَّمَلُّكِ وَلَكِنْ فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ فَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ دُونَ الْخَمْرِ الْمُسَمَّى (قَوْلُهُ بَطَلَ فِي الْخَمْرِ) أَيْ وَفِي أَخَوَيْهِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمَتْنِ وَالزَّيْلَعِيِّ سَائِحَانِيٌّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ بَيْعَ الْخَمْرِ بَاطِلٌ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَا قَابَلَهُ فَإِنْ دَيْنًا كَانَ بَاطِلًا أَيْضًا، وَإِنْ عَرْضًا كَانَ فَاسِدًا ثُمَّ قَالَ، وَقَيَّدْنَا بِالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ بَيْعِهَا لِاعْتِقَادِهِمْ الْحِلَّ وَالتَّمَوُّلَ وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ، وَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ اهـ مُلَخَّصًا. وَظَاهِرُهُ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ بَيْعِهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَلَوْ بِيعَتْ بِالثَّمَنِ، وَيَشْهَدُ لَهُ فُرُوعٌ ذَكَرَهَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ بِقِيمَتِهِ) لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ كَمَالٍ الْقِيمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُرَادَةً ط. (قَوْلُهُ ضُمَّ إلَى حُرٍّ) وَلَوْ مُبَعَّضًا كَمُعْتَقِ الْبَعْضِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ عِتْقِ الْبَعْضِ (قَوْلُهُ لِتَكُونَ كَالْحُرِّ) أَيْ فَلَا تَكُونُ مَالًا أَصْلًا، أَمَّا لَوْ مَاتَتْ بِخَنْقٍ أَوْ نَحْوِهِ فَهِيَ مَالٌ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ كَمَا مَرَّ آنِفًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهَا كَبَيْعِ قِنٍّ ضُمَّ إلَى مُدَبَّرٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا إذَا فُصِلَ ثَمَنُ كُلٍّ جَازَ فِي الْقِنِّ وَالذَّكِيَّةِ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَصِيرُ مُتَعَدِّدَةً مَعْنًى فَلَا يَسْرِي الْفَسَادُ مِنْ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ النِّهَايَةِ يُفِيدُ أَنَّهُ فَاسِدٌ) أَيْ مَا ضُمَّ إلَى الْحُرِّ وَالْمَيْتَةِ وَهُوَ الْقِنُّ وَالذَّكِيَّةُ، وَعَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ لِلْمُحِيطِ وَالْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِمَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَاسِدِ الْبَاطِلُ، فَيُوَافِقُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ التَّصْرِيحِ بِالْبُطْلَانِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ) (بَيْعِ قِنٍّ ضُمَّ إلَى مُدَبَّرٍ) كَمُكَاتَبٍ وَأُمِّ وَلَدٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَيْ فَيَصِحُّ فِي الْقِنِّ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ مَحَلٌّ لِلْبَيْعِ عِنْدَ الْبَعْضِ فَيَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَكُونُ الْبَيْعُ بِالْحِصَّةِ فِي الْبَقَاءِ دُونَ الِابْتِدَاءِ، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ تَصْحِيحُ كَلَامِ الْعَاقِلِ مِنْ رِعَايَةِ حَقِّ الْمُدَبَّرِ ابْنُ كَمَالٍ. قُلْت: وَمَعْنَى الْبَيْعِ بِالْحِصَّةِ بَقَاءً أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ الْمُدَبَّرُ صَارَ الْقِنُّ مَبِيعًا بِحِصَّتِهِ مَعَ الثَّمَنِ، بِأَنْ يُقْسَمَ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهِ وَقِيمَةِ الْمُدَبَّرِ فَمَا أَصَابَ الْقِنُّ فَهُوَ ثَمَنُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ ضَمِّ الْقِنِّ إلَى الْحُرِّ فَإِنَّ فِيهِ الْبَيْعَ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ لِعَدَمِ مَالِيَّتِهِ. [تَنْبِيهٌ] تَقَدَّمَ أَنَّ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ وَنَحْوِهِ بَاطِلٌ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي الْعَقْدِ، وَهَهُنَا إنَّمَا دَخَلَ لِتَصْحِيحِ الْعَقْدِ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 (أَوْ) (قِنُّ غَيْرِهِ وَمِلْكٍ ضُمَّ إلَى وَقْفٍ) غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْعَامِرِ فَإِنَّهُ كَالْحُرِّ بِخِلَافِ الْغَامِرِ: بِالْمُعْجَمَةِ الْخَرَابِ فَكَمُدَبَّرٍ أَشْبَاهٌ. مِنْ قَاعِدَةِ: إذَا اجْتَمَعَ الْحَرَامُ وَالْحَلَالُ (وَلَوْ مَحْكُومًا بِهِ) فِي الْأَصَحِّ   [رد المحتار] قَالَ فِي الْهِدَايَةِ هُنَاكَ: فَصَارَ كَمَالِ الْمُشْتَرِي لَا يَدْخُلُ فِي حُكْمِ عَقْدِهِ بِانْفِرَادِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الدُّخُولِ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِ اهـ أَيْ إذَا ضَمَّ الْبَائِعُ إلَيْهِ مَالَ نَفْسِهِ وَبَاعَهُمَا لَهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي الْمَضْمُومِ بِالْحِصَّةِ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ أَصْلًا فِي شَيْءٍ فَتْحٌ. مَطْلَبٌ فِيمَا إذَا اشْتَرَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ جَمِيعَ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ مِنْ شَرِيكِهِ قُلْت: عُلِمَ مِنْ هَذَا مَا يَقَعُ كَثِيرًا، وَهُوَ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ فِي دَارٍ وَنَحْوهَا يَشْتَرِي مِنْ شَرِيكِهِ جَمِيعَ الدَّارِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ بِحِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَهِيَ حَادِثَةُ الْفَتْوَى فَلْتُحْفَظْ وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي فِي الْمُرَابَحَةِ فِي مَسْأَلَةِ شِرَاءِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْمُضَارِبِ مَعَ أَنَّ الْكُلَّ مَالُهُ. (قَوْلُهُ أَوْ قِنِّ غَيْرِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى مُدَبَّرٍ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ) أَيْ (الْمَسْجِدَ الْعَامِرَ) قَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْغَامِرِ بِالْمُعْجَمَةِ الْخَرَابِ) بِجَرِّ الْخَرَابِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الْغَامِرِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَغَيْرَهُ أَيْ مِنْ سَائِرِ الْأَوْقَافِ. مَطْلَبٌ فِي بُطْلَانِ بَيْعِ الْوَقْفِ وَصِحَّةِ بَيْعِ الْمِلْكِ الْمَضْمُومِ إلَيْهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ قَبْلَ خَرَابِهِ كَالْحُرِّ لَيْسَ بِمَالٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِخِلَافِ بَعْدَ خَرَابِهِ لِجَوَازِ بَيْعِهِ إذَا خَرِبَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَصَارَ مُجْتَهَدًا فِيهِ كَالْمُدَبَّرِ فَيَصِحُّ بَيْعُ مَا ضُمَّ إلَيْهِ وَمِثْلُهُ سَائِرُ الْأَوْقَافِ، وَلَوْ عَامِرَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لِيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ فَكَمُدَبَّرٍ) أَيْ فَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ صَرَّحَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِبُطْلَانِ بَيْعِ الْوَقْفِ، وَأَحْسَنَ بِذَلِكَ إذْ جَعَلَهُ فِي قِسْمِ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ، إذْ لَا خِلَافَ فِي بُطْلَانِ بَيْعِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ وَالتَّمَلُّكَ، وَغَلِطَ مَنْ جَعَلَهُ فَاسِدًا، وَأَفْتَى بِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْقَرْنِ الْعَاشِرِ وَرَدَّ كَلَامَهُ بِجُمْلَةِ رَسَائِلَ. وَلَنَا فِيهِ رِسَالَةٌ هِيَ حِسَابُ الْحُكَّامِ مُتَضَمِّنَةٌ لِبَيَانِ فَسَادِ قَوْلِهِ وَبُطْلَانِ فَتْوَاهُ اهـ. وَالْغَالِطُ الْمَذْكُورُ هُوَ قَاضِي الْقُضَاةِ نُورُ الدِّينِ الطَّرَابُلُسِيُّ وَالْعَلَّامَةُ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ الشَّلَبِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَحْكُومًا بِهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: تَكْمِيلٌ، قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْمِلْكِ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُ مَوَالِي الرُّومِ هُوَ مَوْلَانَا أَبُو السُّعُودِ جَامِعُ أَشْتَاتِ الْعُلُومِ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِرِضْوَانِهِ بِمَا إذَا لَمْ يُحْكَمْ بِلُزُومِهِ فَأَفْتَى بِفَسَادِ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَوَافَقَهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ مِنْ الْمِصْرِيِّينَ وَمِنْهُمْ شَيْخُنَا الْأَخُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِهِ هُنَا: يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ مِنْ أَنَّ الْوَقْفَ بَعْدَ الْقَضَاءِ تُسْمَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ فِيهِ وَلَيْسَ هُوَ كَالْحُرِّ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ضُمَّ إلَى مِلْكٍ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ فِي الْمِلْكِ وَهَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ وَهُوَ إطْلَاقُ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَإِنْ صَارَ لَازِمًا بِالْإِجْمَاعِ، لَكِنَّهُ يَقْبَلُ الْبَيْعَ بَعْدَ لُزُومِهِ إمَّا بِشَرْطِ الِاسْتِبْدَالِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوْ بِوُرُودِ غَصْبٍ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ إنْزَاعُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَهُنَا مَسْأَلَتَيْنِ: الْأُولَى أَنَّ بَيْعَ الْوَقْفِ بَاطِلٌ وَلَوْ غَيْرَ مَسْجِدٍ خِلَافًا لِمَنْ أَفْتَى بِفَسَادِهِ، لَكِنَّ الْمَسْجِدَ الْعَامِرَ كَالْحُرِّ، وَغَيْرُهُ كَالْمُدَبَّرِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَالْمُدَبَّرِ يَكُونُ بَيْعُ مَا ضُمَّ إلَيْهِ صَحِيحًا، وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ مَحْكُومًا بِلُزُومِهِ خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الْمُنْلَا أَبُو السُّعُودِ فَيَصِحُّ بِحِصَّتِهِ فِي الْقِنِّ وَعَبْدِهِ وَالْمِلْكِ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ فِي الْجُمْلَةِ. وَلَوْ بَاعَ قَرْيَةً وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْمَسَاجِدَ وَالْمَقَابِرَ لَمْ يَصِحَّ عَيْنِيٌّ. (كَمَا بَطَلَ) (بَيْعُ صَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ وَمَجْنُونٍ) شَيْئًا وَبَوْلٍ (وَرَجِيعِ آدَمِيٍّ لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ التُّرَابُ) فَلَوْ مَغْلُوبًا بِهِ جَازَ كَسِرْقِينٍ وَبَعْرٍ، وَاكْتَفَى فِي الْبَحْرِ بِمُجَرَّدِ خَلْطِهِ بِتُرَابٍ (وَشَعْرِ الْإِنْسَانِ) لِكَرَامَةِ الْآدَمِيِّ وَلَوْ كَافِرًا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي بَحْثِ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ. (وَبَيْعُ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ) لِبُطْلَانِ بَيْعِ الْمَعْدُومِ   [رد المحتار] الْمُفْتِي أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ فَيَصِحُّ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَيَصِحُّ إلَخْ عَلَى وَجْهِ التَّرْتِيبِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا) أَيْ الْمُدَبَّرَ وَقِنَّ الْغَيْرِ وَالْوَقْفَ. (قَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَسْجِدَ الْعَامِرَ كَالْحُرِّ فَيَبْطُلُ بَيْعُ مَا ضُمَّ إلَيْهِ، لَكِنْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْأَصَحَّ الصِّحَّةُ فِي الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ مَا فِيهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ وَالْمَقَابِرِ مُسْتَثْنًى عَادَةً اهـ أَيْ فَلَمْ يُوجَدْ ضَمُّ الْمِلْكِ إلَى الْمَسْجِدِ بَلْ الْبَيْعُ وَاقِعٌ عَلَى الْمِلْكِ وَحْدَهُ. (قَوْلُهُ لَا يَعْقِلُ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ إذَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى انْعَقَدَ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ إنْ كَانَ لِنَفْسِهِ، وَنَافِذًا بِلَا عُهْدَةٍ عَلَيْهِ إنْ كَانَ لِغَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ ط عَنْ الْمِنَحِ، وَهَذَا إذَا بَاعَ الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ مَالَهُ وَاشْتَرَى بِدُونِ غَبْنٍ فَاحِشٍ وَإِلَّا لَمْ يَتَوَقَّفْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ مِنْ وَلِيِّهِ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ شَيْئًا) قَدَّرَهُ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي بَيْعِ صَبِيٍّ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ ط. (قَوْلُهُ جَازَ) أَيْ بَيْعُهُ ط (قَوْلُهُ كَسِرْقِينٍ وَبَعْرٍ) فِي الْقَامُوسِ: السِّرْجِينُ وَالسِّرْقِينُ بِكَسْرِهِمَا مُعَرَّبَا سِرْكِينٍ بِالْفَتْحِ وَفَسَّرَهُ فِي الْمِصْبَاحِ بِالزِّبْلِ، قَالَ ط: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُمَا وَلَوْ خَالِصَيْنِ اهـ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ وَيَجُوزُ بَيْعُ السِّرْقِينِ وَالْبَعْرِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ وَالْوُقُودُ بِهِ (قَوْلُهُ وَاكْتَفَى فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمِنَحِ: وَلَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعُ النَّحْلِ وَدُودِ الْقَزِّ إلَّا تَبَعًا، وَلَا بَيْعُ الْعَذِرَةِ خَالِصَةً بِخِلَافِ بَيْعِ السِّرْقِينِ وَالْمَخْلُوطَةِ بِتُرَابٍ. اهـ (قَوْلُهُ وَشَعْرِ الْإِنْسَانِ) وَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِحَدِيثِ «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ» وَإِنَّمَا يُرَخَّصُ فِيمَا يُتَّخَذُ مِنْ الْوَبَرِ فَيَزِيدُ فِي قُرُونِ النِّسَاءِ وَذَوَائِبِهِنَّ هِدَايَةٌ. [فَرْعٌ] لَوْ أَخَذَ شَعْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ عِنْدَهُ وَأَعْطَاهُ هَدِيَّةً عَظِيمَةً لَا عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ فَلَا بَأْسَ بِهِ سَائِحَانِيٌّ عَنْ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ. مَطْلَبٌ الْآدَمِيُّ مُكَرَّمٌ شَرْعًا وَلَوْ كَافِرًا (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ) حَيْثُ قَالَ: وَالْآدَمِيُّ مُكَرَّمٌ شَرْعًا وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَإِيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَابْتِذَالُهُ بِهِ وَإِلْحَاقُهُ بِالْجَمَادَاتِ إذْلَالٌ لَهُ. اهـ أَيْ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَبَعْضُهُ فِي حُكْمِهِ وَصَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِبُطْلَانِهِ ط. قُلْت وَفِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ الْحَرْبِيِّ وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الِاسْتِرْقَاقِ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَكْرِيمُ صُورَتِهِ وَخِلْقَتِهِ، وَلِذَا لَمْ يَجُزْ كَسْرُ عِظَامِ مَيِّتٍ كَافِرٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَحَلَّ الِاسْتِرْقَاقِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، بَلْ مَحَلُّهُ النَّفْسُ الْحَيَوَانِيَّةُ فَلِذَا لَا يَمْلِكُ بَيْعَ لَبَنِ أَمَتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَبَيْعُ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ) فِيهِ أَنَّهُ يَشْمَلُ بَيْعَ مِلْكِ الْغَيْرِ لِوَكَالَةٍ أَوْ بِدُونِهَا مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ صَحِيحٌ نَافِذٌ وَالثَّانِي صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بَيْعُ مَا سَيَمْلِكُهُ قَبْلَ مِلْكِهِ لَهُ ثُمَّ رَأَيْته كَذَلِكَ فِي الْفَتْحِ فِي أَوَّلِ فَصْلِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ، وَذَكَرَ أَنَّ سَبَبَ النَّهْيِ فِي الْحَدِيثِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ لِبُطْلَانِ بَيْعِ الْمَعْدُومِ) إذْ مِنْ شَرْطِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ: أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا مَالًا مُتَقَوِّمًا مَمْلُوكًا فِي نَفْسِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مِلْكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 وَمَا لَهُ خَطَرُ الْعَدَمِ. (لَا بِطَرِيقِ السَّلَمِ) فَإِنَّهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ، وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ» (وَ) بَطَلَ (بَيْعٌ صُرِّحَ بِنَفْيِ الثَّمَنِ فِيهِ) لِانْعِدَامِ الرُّكْنِ وَهُوَ الْمَالُ. (وَ) الْبَيْعُ الْبَاطِلُ (حُكْمُهُ عَدَمُ مِلْكِ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ) إذَا قَبَضَهُ (فَلَا ضَمَانَ لَوْ هَلَكَ) الْمَبِيعُ (عِنْدَهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَصَحَّحَ فِي الْقُنْيَةِ ضَمَانَهُ، قِيلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِيهَا بَيْعُ الْحَرْبِيِّ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ، قِيلَ بَاطِلٌ، وَقِيلَ فَاسِدٌ. وَفِي وَصَايَاهَا بَيْعُ الْوَصِيِّ مَالَ الْيَتِيمِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بَاطِلٌ وَقِيلَ فَاسِدٌ وَرُجِّحَ. وَفِي النُّتَفِ: بَيْعُ الْمُضْطَرِّ وَشِرَاؤُهُ فَاسِدٌ.   [رد المحتار] الْبَائِعِ فِيمَا بِبَيْعِهِ لِنَفْسِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ وَمَا لَهُ خَطَرُ الْعَدَمِ) كَالْحَمْلِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ فَإِنَّهُ عَلَى احْتِمَالِ عَدَمِ الْوُجُودِ، وَأَمَّا بَيْعُ نِتَاجِ النِّتَاجِ فَهُوَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمَعْدُومِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ لَا بِطَرِيقِ السَّلَمِ) فَلَوْ بِطَرِيقِ السَّلَمِ جَازَ وَكَذَا لَوْ بَاعَ مَا غَصَبَهُ ثُمَّ أَدَّى ضَمَانَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبُيُوعِ. (قَوْلُهُ لِانْعِدَامِ الرُّكْنِ وَهُوَ الْمَالُ) أَيْ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَلَمْ يَكُنْ بَيْعًا، وَقِيلَ يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ نَفْيَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ نَفَى الْعَقْدَ فَصَارَ كَأَنَّهُ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الثَّمَنِ، وَفِيهِ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْقَبْضِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا أَفَادَهُ فِي الدُّرَرِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا بَطَلَ بَقِيَ مُجَرَّدُ الْقَبْضِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ إلَّا بِالتَّعَدِّي دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَ فِي الْقُنْيَةِ ضَمَانَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الدُّرَرِ وَقِيلَ يَكُونُ مَضْمُونًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَهُوَ أَنْ يُسَمِّيَ الثَّمَنَ فَيَقُولَ اذْهَبْ بِهَذَا فَإِنْ رَضِيتَ بِهِ اشْتَرَيْته بِمَا ذُكِرَ أَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّهِ فَذَهَبَ بِهِ فَهَلَكَ عِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ، نَصَّ عَلَيْهِ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، قِيلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْعِنَايَةِ اهـ قَالَ فِي الْعَزْمِيَّةِ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ عَوْدُ الضَّمِيرَيْنِ فِي عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ إلَى أَنَّ حُكْمَ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ ذَلِكَ تَعْوِيلًا عَلَى كَلَامِ الْفَقِيهِ، إلَّا أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ فِي مَسْأَلَتِنَا مُرَجَّحٌ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ اهـ. لَكِنْ فِي النَّهْرِ وَاخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ أَوْ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. وَفِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ لِكَوْنِهِ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ فَشَابَهَ الْغَصْبَ، وَقِيلَ الْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّانِي قَوْلُهُمَا، وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ) الْمَشْهُورُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَ) رَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الْوَقْفِ الْمَشْرُوطِ اسْتِبْدَالُهُ أَوْ الْخَرَابِ الَّذِي جَازَ اسْتِبْدَالُهُ إذَا بِيعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ بِالْقَبْضِ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ فَلَا ضَرَرَ عَلَى الْيَتِيمِ وَالْوَقْفِ اهـ. قُلْت وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ حَيْثُ لَزِمَ الضَّرَرُ بِأَنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا أَوْ مُمَاطِلًا تَأَمَّلْ. [مَطْلَبٌ بَيْعُ الْمُضْطَرِّ وَشِرَاؤُهُ] ُ فَاسِدٌ (قَوْلُهُ بَيْعُ الْمُضْطَرِّ وَشِرَاؤُهُ فَاسِدٌ) هُوَ أَنْ يُضْطَرّ الرَّجُلُ إلَى طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ لِبَاسٍ أَوْ غَيْرِهَا وَلَا يَبِيعُهَا الْبَائِعُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا بِكَثِيرٍ، وَكَذَلِكَ فِي الشِّرَاءِ مِنْهُ كَذَا فِي الْمِنَحِ. اهـ. ح، وَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ غَيْرُ مُرَتَّبٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَكَذَا فِي الشِّرَاءِ مِنْهُ: أَيْ مِنْ الْمُضْطَرِّ مِثَالٌ لِبَيْعِ الْمُضْطَرِّ أَيْ بِأَنْ اُضْطُرَّ إلَى بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يَرْضَ الْمُشْتَرِي إلَّا بِشِرَائِهِ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ. وَمِثَالُهُ مَا لَوْ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي بِبَيْعِ مَالِهِ لِإِيفَاءِ دَيْنِهِ أَوْ أَلْزَمَ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ مُصْحَفٍ أَوْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ وَنَحْو ذَلِكَ لَكِنْ سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي الْإِكْرَاهِ لَوْ صَادَرَهُ السُّلْطَانُ وَلَمْ يُعَيِّنْ بَيْعَ مَالِهِ فَبَاعَ صَحَّ. قَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ: وَالْحِيلَةُ أَنْ يَقُولَ مِنْ أَيْنَ أُعْطِي فَإِذَا قَالَ الظَّالِمُ: بِعْ كَذَا فَقَدْ صَارَ مُكْرَهًا فِيهِ. اهـ فَأَفَادَ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْمُصَادَرَةِ لَا يَكُونُ مُكْرَهًا بَلْ يَصِحُّ بَيْعُهُ إلَّا إذَا أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ مَعَ أَنَّهُ بِدُونِ أَمْرٍ مُضْطَرٌّ إلَى الْبَيْعِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 (وَفَسَدَ) بَيْعُ (مَا سُكِتَ) أَيْ وَقَعَ السُّكُوتُ (فِيهِ عَنْ الثَّمَنِ) كَبَيْعِهِ بِقِيمَتِهِ (وَ) فَسَدَ (بَيْعُ عَرْضٍ) هُوَ الْمَتَاعُ الْقِيَمِيُّ، ابْنُ كَمَالٍ (بِخَمْرٍ وَعَكْسُهُ) فَيَنْعَقِدُ فِي الْعَرْضِ لَا الْخَمْرِ كَمَا مَرَّ (وَ) فَسَدَ (بَيْعُهُ) أَيْ الْعَرْضِ (بِأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ) (حَتَّى لَوْ تَقَابَضَا مَلَكَ الْمُشْتَرِي) لِلْعَرْضِ (الْعَرْضَ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُمْ مَالٌ فِي الْجُمْلَةِ (وَ) فَسَدَ (بَيْعُ سَمَكٍ لَمْ يُصَدْ) لَوْ بِالْعَرْضِ وَإِلَّا فَبَاطِلٌ لِعَدَمِ الْمِلْكِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (أَوْ) (صِيدَ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي مَكَان لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إلَّا بِحِيلَةٍ) لِلْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ (وَإِنْ أُخِذَ بِدُونِهَا صَحَّ) وَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ (إلَّا إذَا دَخَلَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَسُدَّ مَدْخَلَهُ) فَلَوْ سَدَّهُ مَلَكَهُ.   [رد المحتار] حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ غَيْرُهُ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ بَاعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ عَنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ نَعَمْ الْعِبَارَةُ مُطْلَقَةٌ فَيُمْكِنُ تَقْيِيدُهَا بِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ بَاعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ غَبْنٍ يَسِيرٍ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ فَتَأَمَّلْ. [مَطْلَبٌ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ] ِ (قَوْلُهُ وَفَسَدَ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْبَاطِلِ وَحُكْمِهِ (قَوْلُهُ مَا سَكَتَ فِيهِ عَنْ الثَّمَنِ) ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي الْمُعَاوَضَةَ فَإِذَا سَكَتَ كَانَ غَرَضُهُ الْقِيمَةَ فَكَأَنَّهُ بَاعَ بِقِيمَتِهِ فَيَفْسُدُ وَلَا يَبْطُلُ دُرَرٌ: أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا صَرَّحَ بِنَفْيِ الثَّمَنِ كَمَا قَدَّمَهُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ وَعَكْسُهُ) أَيْ بَيْعُ الْخَمْرِ بِالْعَرْضِ، بِأَنْ أَدْخَلَ الْبَاءَ عَلَى الْعَرْضِ فَيَنْعَقِدُ فِي الْعَرْضِ أَيْ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْخَمْرِ ثَمَنًا وَهِيَ مَالٌ فِي الْجُمْلَةِ، بِخِلَافِ بَيْعِ الْعَرْضِ بِدَمٍ أَوْ مَيْتَةٍ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ بِيعَتْ بِعَيْنٍ كَعَرْضٍ بَطَلَ فِي الْخَمْرِ وَفَسَدَ فِي الْعَرْضِ فَيَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ بِقِيمَتِهِ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ مَلَكَ الْمُشْتَرِي لِلْعَرْضِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِأُمِّ الْوَلَدِ وَأَخَوَيْهَا لَا يَمْلِكُهُمْ بِالْقَبْضِ لِبُطْلَانِ بَيْعِهِمْ بَقَاءً كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُمْ مَالٌ فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ فَيَدْخُلُونَ فِي الْعَقْدِ وَلِذَا لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ فَمَا ضُمَّ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَبِيعَ مَعَهُمْ، وَلَوْ كَانُوا كَالْحُرِّ لَبَطَلَ كَمَا فِي الدُّرَرِ. (قَوْلُهُ وَفَسَدَ بَيْعُ سَمَكٍ لَمْ يُصَدْ لَوْ بِالْعَرْضِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَاسِدَ بَيْعُ السَّمَكِ، وَأَنَّهُ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ. وَفِيهِ أَنَّ بَيْعَ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ بَاطِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَالْمَعْدُومُ لَيْسَ بِمَالٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْعُهُ بَاطِلًا، وَأَنْ يَكُونَ الْفَاسِدُ هُوَ بَيْعُ الْعَرْضِ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ وَإِنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْبَاءُ، وَيَكُونُ السَّمَكُ ثَمَنًا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ بَاعَ الْعَرْضَ وَسَكَتَ عَنْ الثَّمَنِ أَوْ بَاعَهُ بِأُمِّ الْوَلَدِ، بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ بَيْعَ الْعَرْضِ أَيْضًا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ السَّمَكَ لَيْسَ بِمَالٍ فَيَكُونُ كَبَيْعِ الْعَرْضِ بِمَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ، لَكِنْ جَعْلُهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ صَادَهُ بَعْدَهُ مَلَكَهُ، نَعَمْ هَذَا يَظْهَرُ لَوْ بَاعَ سَمَكَةً بِعَيْنِهَا قَبْلَ صَيْدِهَا، أَمَّا لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ صَادَ سَمَكَةً لَمْ تَكُنْ عَيْنَ مَا جُعِلَتْ ثَمَنَ الْعَرْضِ حَتَّى يُقَالَ إنَّهَا مُلِكَتْ بِالصَّيْدِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ سَمَكَةً مُطْلَقَةً بِعَرْضٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بَاطِلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَبَيْعِ مَيْتَةٍ بِعَرْضٍ أَوْ عَكْسِهِ وَلَوْ كَانَتْ السَّمَكَةُ مُعَيَّنَةً بَطَلَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ وَفَسَدَ فِي الْعَرْضِ؛ لِأَنَّ السَّمَكَةَ مَالٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَمِثْلُهَا مَا لَوْ كَانَ الْبَيْعُ عَلَى لَحْمِ سَمَكٍ؛ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ، وَلَوْ بَاعَهَا بِدَرَاهِمَ بَطَلَ الْبَيْعُ لِتَعَيُّنِ كَوْنِهَا مَبِيعَةً، وَهِيَ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ) حَيْثُ قَالَ: فَفِي السَّمَكِ الَّذِي لَمْ يُصَدْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بَاطِلًا إذَا كَانَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَيَكُونُ فَاسِدًا إذَا كَانَ بِالْعَرْضِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ؛ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ الْإِحْرَازُ وَالْإِحْرَازُ مُنْتَفٍ (قَوْلُهُ وَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ) وَلَا يُعْتَدُّ بِرُؤْيَتِهِ وَهُوَ فِي الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ فِي الْمَاءِ وَخَارِجَهُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا دَخَلَ بِنَفْسِهِ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ أَخَذَ بِدُونِهَا صَحَّ، يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ صِيدَ فَأُلْقِيَ فِي مَكَان يُؤْخَذُ مِنْهُ بِدُونِ حِيلَةٍ كَانَ صَحِيحًا، وَأَمَّا إذَا دَخَلَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَسُدَّ مَدْخَلَهُ يَكُونُ بَاطِلًا لِعَدَمِ الْمِلْكِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فَلَوْ سَدَّهُ مَلَكَهُ فَافْهَمْ، (قَوْلُهُ فَلَوْ سَدَّهُ مَلَكَهُ) أَيْ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ إنْ أَمْكَنَ أَخْذُهُ بِلَا حِيلَةٍ وَإِلَّا فَلَا لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 وَلَمْ تَجُزْ إجَارَةُ بِرْكَةٍ لِيُصَادُ مِنْهَا السَّمَكُ بَحْرٌ (وَ) بَيْعُ (طَيْرٍ فِي الْهَوَاءِ) (لَا يَرْجِعُ) بَعْدَ إرْسَالِهِ مِنْ يَدِهِ، أَمَّا قَبْلَ صَيْدِهِ فَبَاطِلٌ أَصْلًا لِعَدَمِ الْمِلْكِ (وَإِنْ) كَانَ (يَطِيرُ وَيَرْجِعُ) كَالْحَمَامِ (صَحَّ) وَقِيلَ لَا وَرَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ   [رد المحتار] وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ دَخَلَ السَّمَكُ فِي حَظِيرَةٍ: فَإِمَّا أَنْ يَعُدَّهَا لِذَلِكَ أَوْ لَا فَفِي الْأَوَّلِ يَمْلِكُهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ ثُمَّ إنْ أَمْكَنَ أَخْذُهُ بِلَا حِيلَةٍ جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ. وَفِي الثَّانِي لَا يَمْلِكُهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ إلَّا أَنْ يَسُدَّ الْحَظِيرَةَ إذَا دَخَلَ فَحِينَئِذٍ يَمْلِكُهُ، ثُمَّ إنْ أَمْكَنَ أَخْذُهُ بِلَا حِيلَةٍ جَازَ بَيْعُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ لَمْ يَعُدَّهَا لِذَلِكَ لَكِنَّهُ أَخَذَهُ وَأَرْسَلَهُ فِيهَا مَلَكَهُ، فَإِنْ أَمْكَنَ أَخْذُهُ بِلَا حِيلَةٍ جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ، أَوْ بِحِيلَةٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا فَلَيْسَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ اهـ. [مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ إيجَارِ الْبِرَكِ لِلِاصْطِيَادِ] ِ (قَوْلُهُ وَلَمْ تَجُزْ إجَارَةُ بِرْكَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: اعْلَمْ أَنَّ فِي مِصْرَ بِرَكًا صَغِيرَةً كَبِرْكَةِ الْفَهَادَةَ تَجْتَمِعُ فِيهَا الْأَسْمَاكُ هَلْ تَجُوزُ إجَارَتُهَا لِصَيْدِ السَّمَكِ مِنْهَا؟ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِيضَاحِ عَدَمَ جَوَازِهَا. وَنَقَلَ أَوَّلًا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: كَتَبْت إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي بُحَيْرَةٍ يَجْتَمِعُ فِيهَا السَّمَكُ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ أَنُؤْجِرُهَا؟ فَكَتَبَ إلَيَّ أَنْ افْعَلُوا، وَمَا فِي الْإِيضَاحِ بِالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَلْيَقُ اهـ. وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُهُ عَنْ بَيْعِ صَيْدِ الْآجَامِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ إنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَسَمَّاهُ الْحَبْسَ اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمَكِ فِي الْآجَامِ إلَّا إذَا كَانَ فِي أَرْضِ بَيْتِ الْمَالِ، وَيَلْحَقُ بِهِ أَرْضُ الْوَقْفِ. وَقَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: أَقُولُ: الَّذِي عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ عَدَمُ جَوَازِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي بَحْرٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ أَجَمَةٍ، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي أَرْضِ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ أَرْضِ الْوَقْفِ، وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ كِتَابِ الْخَرَاجِ غَيْرُ بَعِيدٍ أَيْضًا عَنْ الْقَوَاعِدِ، وَمَرْجِعُهُ إلَى إجَارَةِ مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ لِمَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ هِيَ الِاصْطِيَادُ، وَمَا حَدَّثَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ بَيْعُ السَّمَكِ قَبْلَ الصَّيْدِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ فِي آجَامٍ هُيِّئَتْ لِذَلِكَ وَكَانَ السَّمَكُ فِيهَا مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ، فَتَأَمَّلْ وَاعْتَنِ بِهَذَا التَّحْرِيرِ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ وَيَكْثُرُ السُّؤَالُ عَنْهَا اهـ، لَكِنَّ قَوْلَهُ: غَيْرُ بَعِيدٍ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَاقِعَةٌ عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ، وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إجَارَةُ الْمَرَاعِي، وَهَذَا كَذَلِكَ، وَلِذَا جَزَمَ الْمَقْدِسِيَّ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ. وَاعْتَرَضَ الْبَحْرُ بِمَا قُلْنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَبَيْعُ طَيْرٍ) جَمْعُ طَائِرٍ، وَقَدْ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعُ طُيُورٌ وَأَطْيَارٌ بَحْرٌ عَنْ الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ لَا يَرْجِعُ بَعْدَ إرْسَالِهِ مِنْ يَدِهِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ وَلَكِنَّ عِلَّةَ الْفَسَادِ كَوْنُهُ غَيْرَ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ، فَلَوْ سَلَّمَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ لَا يَعُودُ إلَى الْجَوَازِ عِنْدَ مَشَايِخِ بَلْخٍ. وَعَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ يَعُودُ، وَكَذَا عَنْ الطَّحَاوِيِّ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الطَّيْرُ مَبِيعًا أَوْ ثَمَنًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَمَّا قَبْلَ صَيْدِهِ فَبَاطِلٌ أَصْلًا) يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ الْكَلَامُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي السَّمَكِ (قَوْلُهُ صَحَّ) ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخَانِيَّةِ، وَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْمُنْتَقَى بَحْرٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّ الْمَعْلُومَ عَادَةً كَالْوَاقِعِ، وَتَجْوِيزُ كَوْنِهَا لَا تَعُودُ أَوْ عُرُوضُ عَدَمِ عَوْدِهَا لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ كَتَجْوِيزِ هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، ثُمَّ إذَا عَرَضَ الْهَلَاكُ انْفَسَخَ، كَذَا هُنَا إذَا فُرِضَ وُقُوعُ عَدَمِ الْمُعْتَادِ مِنْ عَوْدِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ اهـ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا) فِي الْبَحْرِ والشرنبلالية أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ) حَيْثُ ذَكَرَ مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ ثُمَّ قَالَ: وَأَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ: الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ عَقِبَهُ وَلِذَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْآبِقِ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 (وَ) بَيْعُ (الْحَمْلِ) أَيْ الْجَنِينِ، وَجَزَمَ فِي الْبَحْرِ بِبُطْلَانِهِ كَالنِّتَاجِ (وَأَمَةٍ إلَّا حَمْلَهَا) لِفَسَادِهِ بِالشَّرْطِ، بِخِلَافِ هِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ (وَلَبَنٍ فِي ضَرْعٍ)   [رد المحتار] قَالَ ح: أَقُولُ: فَرْقُ مَا بَيْنَ الْحَمَامِ وَالْآبِقِ، فَإِنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَقْضِ بِعَوْدِهِ غَالِبًا، بِخِلَافِ الْحَمَامِ، وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ عَقِبَهُ، إنْ أَرَادَ بِهِ الْقُدْرَةَ حَقِيقَةً فَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَإِلَّا لَاشْتُرِطَ حُضُورَ الْمَبِيعِ مَجْلِسَ الْعَقْدِ وَأَحَدٌ لَا يَقُولُ بِهِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْقُدْرَةَ حُكْمًا كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ هَذَا، فَمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ لِحُكْمِ الْعَادَةِ بِعَوْدِهِ اهـ. قُلْت: وَهُوَ وَجِيهٌ فَهُوَ نَظِيرُ الْعَبْدِ الْمُرْسَلِ فِي حَاجَةِ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ وَقْتَ الْعَقْدِ حُكْمًا إذْ الظَّاهِرُ عَوْدُهُ، وَلَوْ أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي فِي فَسْخِ الْعَقْدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَهُنَا كَذَلِكَ، لَكِنْ لِيُنْظَرْ مَتَى يُحْكَمُ بِفَسْخِ الْعَقْدِ لِعَدَمِ عَوْدِ ذَلِكَ الطَّائِرِ فَإِنَّهُ مَا دَامَ مُحْتَمَلُ الْحَيَاةِ يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ. [تَنْبِيهٌ] فِي الذَّخِيرَةِ: بَاعَ بُرْجَ حَمَامٍ، فَإِنْ لَيْلًا جَازَ، وَلَوْ نَهَارًا فَلَا؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ يَكُونُ خَارِجَ الْبَيْتِ فَلَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِالِاحْتِيَالِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَأَمَّلْ.، وَفِيهِ أَلْغَزَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: يَا إمَامًا فِي فِقْهِ نُعْمَانَ أَضْحَى ... حَائِزَ السَّبْقِ مُفْرَدًا لَا يُجَارَى أَيُّ بَيْتٍ يَجُوزُ بَيْعُكَ إيَّا ... هـ بِلَيْلٍ وَلَا يَجُوزُ نَهَارَا. (قَوْلُهُ وَبَيْعُ الْحَمْلِ) بِسُكُونِ الْمِيمِ (قَوْلُهُ وَجَزَمَ فِي الْبَحْرِ بِبُطْلَانِهِ) «لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ» ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ بَيْعَ الثَّلَاثَةِ بَاطِلٌ، وَاعْتَرَضَ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ التَّعْلِيلَ بِالْغَرَرِ، وَهُوَ الشَّكُّ فِي وُجُودِهِ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُ الشَّيْءِ الْمَلْفُوفِ الْمَوْصُوفِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُوجَدَ شَيْءٌ أَوْ وَصْفُهُ الْمَذْكُورُ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِجَوَازِهِ. اهـ. قُلْت: فِيهِ أَنَّهُ لَا غَرَرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْهُلُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْحَمْلِ فَتَدَبَّرْ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ: فَلَوْ بَاعَ الْحَمْلَ وَوَلَدَتْ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَسَلَّمَ لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ لِفَسَادِهِ بِالشَّرْطِ) ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ، وَالْحَمْلُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَطْرَافِ فَصَارَ شَرْطًا فَاسِدًا، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْبَائِعِ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ. مَطْلَبٌ اسْتِثْنَاءُ الْحَمْلِ فِي الْعُقُودِ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ ثُمَّ اسْتِثْنَاءُ الْحَمْلِ فِي الْعُقُودِ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: فِي وَجْهٍ: يَفْسُدُ الْعَقْدُ وَالِاسْتِثْنَاءُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ؛ لِأَنَّهَا تُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ، وَفِي وَجْهٍ: الْعَقْدُ جَائِزٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَفِي وَجْهٍ: يَجُوزَانِ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ، كَمَا لَوْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ إلَّا حَمْلَهَا، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِحَمْلِهَا لِآخَرَ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَالْمِيرَاثُ يَجْرِي فِي الْحَمْلِ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ، بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا أَيْ لَوْ أَوْصَى لَهُ بِأَمَةٍ إلَّا خِدْمَتَهَا لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَجْرِي فِيهَا وَالْغَلَّةُ كَالْخِدْمَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ هِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ) أَيْ حَيْثُ يَصِحُّ الْعَقْدُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 وَجَزَمَ الْبُرْجَنْدِيُّ بِبُطْلَانِهِ (وَلُؤْلُؤٍ فِي صَدَفٍ) لِلْغَرَرِ (وَصُوفٍ عَلَى ظَهْرِ غَنَمٍ) وَجَوَّزَهُ الثَّانِيَ وَمَالِكٌ. وَفِي السِّرَاجِ: لَوْ سَلَّمَ الصُّوفَ وَاللَّبَنَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَنْقَلِبْ صَحِيحًا، وَكَذَا كُلُّ مَا اتِّصَالُهُ خِلْقِيٌّ كَجِلْدِ حَيَوَانٍ وَنَوَى تَمْرٍ وَبُنٍّ وَبِطِّيخٍ، لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مَعْدُومٌ عُرْفًا، وَإِنَّمَا صَحَّحُوا بَيْعَ الْكُرَّاثِ   [رد المحتار] فِيهِمَا، لَكِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَاطِلٌ فِي الْهِبَةِ جَائِزٌ فِي الْوَصِيَّةِ كَمَا عَلِمْت فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَجَزَمَ الْبُرْجَنْدِيُّ بِبُطْلَانِهِ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: ذَكَرُوا فِي فَسَادِهِ عِلَّتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَبَنٌ أَوْ دَمٌ أَوْ رِيحٌ، وَهَذِهِ تَقْتَضِي بُطْلَانَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكُ الْوُجُودِ فَلَا يَكُونُ مَالًا، وَالْأُخْرَى أَنَّ اللَّبَنَ يُوجَدُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَخْتَلِطُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي بِمِلْكِ الْبَائِعِ. اهـ أَيْ وَهَذِهِ تَقْتَضِي الْفَسَادَ ط. قُلْت: مُقْتَضَى الْفَسَادِ لَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْبُطْلَانِ بَلْ بِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّ مَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمَشْرُوعِيَّةِ أَصْلًا فَلِذَا جَزَمَ بِبُطْلَانِهِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِلْغَرَرِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، فَهُوَ مِثْلُ اللَّبَنِ رَمْلِيٌّ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي التَّجْنِيسِ: رَجُلٌ اشْتَرَى لُؤْلُؤَةً فِي صَدَفٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ الْبَيْعُ جَائِزٌ، وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ تُرَابَ الذَّهَبِ وَالْحُبُوبَ فِي غِلَافِهَا حَيْثُ يَجُوزُ لِكَوْنِهَا مَعْلُومَةً وَيُمْكِنُ تَجْرِبَتُهَا بِالْبَعْضِ أَيْضًا. اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ ذَلِكَ الْجَوْزُ الْهِنْدِيُّ (قَوْلُهُ وَصُوفٌ عَلَى ظَهْرِ غَنَمٍ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الْجَزِّ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ وَصْفِ الْحَيَوَانِ لِقِيَامِهِ بِهِ كَسَائِرِ أَطْرَافِهِ وَ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ مِنْ أَسْفَلَ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ كَمَا قُلْنَا فِي اللَّبَنِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَجَوَّزَهُ الثَّانِي) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لَمْ يَنْقَلِبْ صَحِيحًا) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا وَإِلَّا لَصَحَّ بِزَوَالِ الْمُفْسِدِ كَمَا سَيَتَّضِحُ فِي بَيْعِ الْآبِقِ وَهُوَ أَيْضًا مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفُ ذَكَرَهُ فِي الْبَاطِلِ (قَوْلُهُ وَكَذَا كُلُّ مَا اتِّصَالُهُ خِلْقِيٌّ) بِخِلَافِ اتِّصَالِ الْجِذْعِ وَالثَّوْبِ فَإِنَّهُ بِصُنْعِ الْعِبَادِ ابْنُ مَلَكٍ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مَعْدُومٌ عُرْفًا) أَيْ مَرَّ فِي فَصْلِ مَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا عِنْدَ قَوْلِهِ كَبَيْعِ بُرٍّ فِي سُنْبُلِهِ، وَبَيَّنَّاهُ هُنَاكَ بِأَنَّهُ يُقَالُ هَذَا تَمْرٌ وَقُطْنٌ، وَلَا يُقَالُ هَذَا نَوًى فِي تَمْرِهِ وَلَا حَبٌّ فِي قُطْنِهِ، وَيُقَالُ هَذِهِ حِنْطَةٌ فِي سُنْبُلِهَا وَهَذَا لَوْزٌ وَفُسْتُقٌ فِي قِشْرَهُ، وَلَا يُقَالُ هَذِهِ قُشُورٌ فِيهِمَا لَوْزٌ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا صَحَّحُوا إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو يُوسُفَ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ كَمَا فِي الْكُرَّاثِ وَقَوَائِمِ الْخِلَافِ - بِالْكَسْرِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ - نَوْعٌ مِنْ الصَّفْصَافِ أَيْ مَعَ أَنَّهَا تَزِيدُ، وَالْجَوَابُ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ أُجِيزَ فِي الْكُرَّاثِ وَالْقَوَائِمِ لِلتَّعَامُلِ، إذْ لَا نَصَّ فِيهِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ اهـ. وَأَيْضًا فَالْقَوَائِمُ تَزِيدُ مِنْ أَعْلَاهَا أَيْ فَلَا يَحْصُلُ اخْتِلَاطُ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ، بِخِلَافِ الصُّوفِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْخِضَابِ كَمَا أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ. وَفِي الْبَحْرِ مِنْ فَصْلِ فِيمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 وَشَجَرِ الصَّفْصَافِ وَأَوْرَاقِ التُّوتِ بِأَغْصَانِهَا لِلتَّعَامُلِ. وَفِي الْقُنْيَةِ: بَاعَ أَوْرَاقَ تُوتٍ لَمْ تُقْطَعْ قَبْلَهُ بِسَنَةٍ جَازَ وَبِسَنَتَيْنِ لَا؛ لِأَنَّهُ يُشْتَبَهُ مَوْضِعُ قَطْعِهِ عُرْفًا (وَجِذْعٍ) مُعَيَّنٍ (فِي سَقْفٍ) أَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَلَا (وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ) فَلَوْ قُطِعَ وَسُلِّمَ قَبْلَ فَسْخِ الْمُشْتَرِي عَادَ صَحِيحًا، وَلَوْ لَمْ يَضُرَّهُ الْقَطْعُ كَكِرْبَاسٍ جَازَ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ (وَضَرْبَةِ الْقَانِصِ) بِقَافٍ وَنُونٍ الصَّائِدُ   [رد المحتار] عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: اشْتَرَى رَطْبَةً مِنْ الْبُقُولِ أَوْ قِثَّاءَ أَوْ شَيْئًا يَنْمُو سَاعَةً فَسَاعَةً لَا يَجُوزُ كَبَيْعِ الصُّوفِ، وَبَيْعُ قَوَائِمِ الْخِلَافِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ يَنْمُو؛ لِأَنَّ نُمُوَّهَا مِنْ الْأَعْلَى، بِخِلَافِ الرَّطْبَاتِ إلَّا الْكُرَّاثِ لِلتَّعَامُلِ وَمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ لَا يَجُوزُ اهـ. قُلْت: وَقَوْلُهُ لِلتَّعَامُلِ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ إلَّا الْكُرَّاثَ فَقَطْ، وَإِلَّا فَكَوْنُ قَوَائِمِ الْخِلَافِ تَنْمُو مِنْ الْأَعْلَى، بِخِلَافِ الرَّطْبَاتِ يُفِيدُ الْجَوَازَ بِلَا حَاجَةٍ إلَى التَّعْلِيلِ بِالتَّعَامُلِ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هُنَا عَنْ الْفَضْلِيِّ تَصْحِيحَ عَدَمِ الْجَوَازِ فِي قَوَائِمِ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَنْمُو مِنْ أَعْلَاهُ فَمَوْضِعُ الْقَطْعِ مَجْهُولٌ، كَمَنْ اشْتَرَى شَجَرَةً لِلْقَطْعِ لَا يَجُوزُ لِجَهَالَةِ مَوْضِعِ الْقَطْعِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ إذْ لَا بُدَّ لِلْقَطْعِ مِنْ حَفْرِ الْأَرْضِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ لِلتَّعَامُلِ. وَفِي الصُّغْرَى الْقِيَاسُ فِي بَيْعِ الْقَوَائِمِ الْمَنْعُ، لَكِنْ جَازَ لِلتَّعَامُلِ، وَبَيْعُ الْكُرَّاثِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ يَنْمُو مِنْ أَسْفَلِهِ لِلتَّعَامُلِ أَيْضًا، وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْفَضْلِيُّ عَلَى الْمَنْعِ فِي الْقَوَائِمِ لِمَنْ تَأَمَّلَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَشَجَرُ الصَّفْصَافِ) أَيْ قَوَائِمُ شَجَرِهِ أَيْ أَغْصَانِهِ (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ بَاعَ أَوْرَاقَ تُوتٍ) أَيْ مَعَ أَغْصَانِهَا. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: اشْتَرَى أَوْرَاقَ التُّوتِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَوْضِعَ الْقَطْعِ لَكِنَّهُ مَعْلُومٌ عُرْفًا صَحَّ، وَلَوْ تَرَكَ الْأَغْصَانَ لَهُ أَنْ يَقْطَعَهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَوْ بَاعَ أَوْرَاقَ تُوتٍ لَمْ يُقْطَعْ قَبْلُ بِسَنَةٍ يَجُوزُ، وَبِسَنَتَيْنِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِسَنَةٍ يُعْلَمُ مَوْضِعُ قَطْعِهَا عُرْفًا. اهـ (قَوْلُهُ وَجِذْعٌ) هُوَ الْقِطْعَةُ مِنْ النَّخْلِ أَوْ غَيْرِهِ تُوضَعُ عَلَيْهَا الْأَخْشَابُ نَهْرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا وَلِلْجَهَالَةِ أَيْضًا هِدَايَةٌ، فَقَوْلُهُ مُعَيَّنٌ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْفَسَادِ بَلْ لِمَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ أَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ إلَخْ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَلَوْ قَطَعَ وَسَلَّمَ ط. (قَوْلُهُ فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَذَكَرَ الزَّاهِدِيُّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَا يَنْقَلِبُ بِالتَّسْلِيمِ صَحِيحًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ مُعَلَّلٌ بِلُزُومِ الضَّرَرِ وَالْجَهَالَةِ فَإِذَا تَحَمَّلَ الْبَائِعُ الضَّرَرَ وَسَلَّمَهُ زَالَ الْمُفْسِدُ وَارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ أَيْضًا، وَمِنْ ثَمَّ جَزَمَ فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ صَحِيحًا اهـ. قُلْت: وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ عَنْ الزَّاهِدِيِّ عَنْ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ عَكْسُ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي النَّهْرِ فَلْيُرَاجَعْ، نَعَمْ عِبَارَةُ ابْنِ كَمَالٍ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ أَنَّ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ لَا يَعُودُ صَحِيحًا، وَعَزَاهُ إلَى الزَّاهِدِيِّ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيُّ (قَوْلُهُ يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ) كَالثَّوْبِ الْمُهَيَّأِ لِلُّبْسِ زَيْلَعِيٌّ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ حِلْيَةٍ مِنْ سَيْفٍ أَوْ نِصْفِ زَرْعٍ لَمْ يُدْرَكْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِقَطْعِ جَمِيعِهِ، وَكَذَا بَيْعُ فَصِّ خَاتَمٍ مُرَكَّبٍ فِيهِ، وَكَذَا نَصِيبُهُ مِنْ ثَوْبٍ مُشْتَرَكٍ مِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ وَذِرَاعٍ مِنْ خَشَبَةٍ لِلضَّرَرِ فِي تَسْلِيمِ ذَلِكَ، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا الْتَزَمَهُ مِنْ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ الْعَقْدَ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ بَحْرٌ وَفَتْحٌ. وَفِي بَيْعِ نِصْفِ الزَّرْعِ وَنَحْوِهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ كِتَابِ الشَّرِكَةِ (قَوْلُهُ جَازَ) كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ) عِلَّةٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ. (قَوْلُهُ وَضَرْبَةُ الْقَانِصِ) مِنْ قَنَصَ قَنْصًا عَلَى حَدِّ ضَرَبَ صَادَ كَمَا فِي الصِّحَاحِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 (وَالْغَائِصِ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ الْغَوَّاصُ، وَالْبَيْعُ فِيهِمَا بَاطِلٌ لِلْغَرَرِ بَحْرٌ وَنَهْرٌ وَالْكَمَالُ وَابْنُ الْكَمَالِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَدْ نَظَمَهُ مُنْلَا خُسْرو فِي سَلْكِ الْمَقَاصِدِ فَتَبِعْتُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَيَجِبُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْبَاطِلُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ كَمَا مَرَّ (وَالْمُزَابَنَةُ) هِيَ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ مَقْطُوعٍ مِثْلُ كَيْلِهِ تَقْدِيرًا شُرُوحُ مَجْمَعٍ، وَمِثْلُهُ الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ عِنَايَةٌ لِلنَّهْيِ وَلِشُبْهَةِ الرِّبَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَلَوْ لَمْ يَكُنْ رَطْبًا جَازَ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ (وَالْمُلَامَسَةُ) لِلسِّلْعَةِ (وَالْمُنَابَذَةُ) أَيْ نَبْذُهَا لِلْمُشْتَرِي (وَإِلْقَاءُ الْحَجَرِ) عَلَيْهَا، وَهِيَ مِنْ بُيُوعِ الْجَاهِلِيَّةِ فَنُهِيَ عَنْهَا كُلُّهَا عَيْنِيٌّ   [رد المحتار] بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُك مَا يَخْرُجُ مِنْ إلْقَاءِ هَذِهِ الشَّبَكَةِ مَرَّةً بِكَذَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَالْغَائِصُ) بِأَنْ يَقُولَ: أَغُوصُ غَوْصَةً فَمَا أَخْرَجْتُهُ مِنْ اللَّآلِئِ فَهُوَ لَكَ بِكَذَا كَمَا فِي تَهْذِيبِ الْأَزْهَرِيّ، وَمُقْتَضَاهُ الْمُبَايَنَةُ بَيْنَ الْقَانِصِ بِالْقَافِ وَالْغَائِصِ بِالْغَيْنِ، وَفَسَّرَ الزَّيْلَعِيُّ ضَرْبَةَ الْقَانِصِ بِالْقَافِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّيْدِ بِضَرْبَةِ الشَّبَكَةِ أَوْ بِغَوْصِ الصَّائِدِ فِي الْمَاءِ. قَالَ النَّهْرِ: وَهَذَا يُوهِمُ شُمُولَ الْقَانِصِ بِالْقَافِ لِلْغَائِصِ، وَالْوَاقِعُ مَا قَدْ عَلِمْتَهُ. وَجَعَلَ فِي السِّرَاجِ الْقَانِصُ صَيَّادُ الْبَرِّ وَالْغَائِصُ صَيَّادُ الْبَحْرِ. وَالْحَقُّ أَنَّ الصَّائِدَ بِالْآلَةِ وَهُوَ الْقَانِصُ بِالْقَافِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ فِي الْبَحْرِ أَوْ الْبَرِّ بِخِلَافِ الْغَائِصِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَانِصَ بِالْقَافِ مَنْ يَصْطَادُ الصَّيْدَ بَرًّا أَوْ بَحْرًا، وَأَمَّا الْغَائِصُ بِالْغَيْنِ فَهُوَ مَنْ يَغُوصُ لِاسْتِخْرَاجِ اللَّآلِئِ مَثَلًا (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفُ وَبَيْعُ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ. (قَوْلُهُ وَالْمُزَابَنَةُ) مِنْ الزَّبْنِ: وَهُوَ الدَّفْعُ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَالْمُدَافَعَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَائِقِ (قَوْلُهُ مِثْلُ كَيْلِهِ تَقْدِيرًا) أَيْ بِأَنْ يُقَدَّرَ الرُّطَبُ الَّذِي عَلَى النَّخْلِ بِمِقْدَارِ مِائَةِ صَاعٍ مَثَلًا بِطَرِيقِ الظَّنِّ وَالْحَزْرِ فَيَبِيعُهُ بِقَدْرِهِ مِنْ التَّمْرِ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ الْعِنَبُ) أَيْ عَلَى الْكَرْمِ (قَوْلُهُ وَلِشُبْهَةِ الرِّبَا) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَكِيلٍ بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ مَعَ احْتِمَالِ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا بِالْكَيْلِ (قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَيْ) مَا بِيعَ بِالتَّمْرِ الْمَقْطُوعِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ تَعْرِيفَ الْمُزَابَنَةِ بِأَنَّهَا بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ: أَيْ بِالْمُثَلَّثَةِ فِي الْأَوَّلِ وَالْمُثَنَّاةِ فِي الثَّانِي خِلَافُ التَّحْقِيقِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بَيْعُ الرُّطَبِ بِتَمْرٍ إلَخْ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ بِالْمُثَلَّثَةِ حَمْلُ الشَّجَرِ رُطَبًا أَوْ غَيْرَهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ رُطَبًا جَازَ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَلَوْ كَانَ الرُّطَبُ عَلَى الْأَرْضِ كَالتَّمْرِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مُتَسَاوِيًا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ لِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الرِّبَا. اهـ (قَوْلُهُ فَنَهَى عَنْهَا كُلِّهَا) فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ» زَادَ مُسْلِمٌ أَمَّا الْمُلَامَسَةُ: فَأَنْ يَلْمِسَ كُلٌّ مِنْهُمَا ثَوْبَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ تَأَمُّلٍ لِيَلْزَمَ اللَّامِسَ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ لَهُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ، وَهَذَا بِأَنْ يَكُونَ مَثَلًا فِي ظُلْمَةٍ أَوْ يَكُونَ الثَّوْبُ مَطْوِيًّا مَرْئِيًّا يَتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمَسَهُ فَقَدْ بَاعَهُ مِنْهُ، وَفَسَادُهُ لِتَعْلِيقِ التَّمْلِيكِ عَلَى أَنَّهُ مَتَى لَمَسَهُ وَجَبَ الْبَيْعُ وَسَقَطَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ: وَالْمُنَابَذَةُ: أَنْ يَنْبِذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَهُ إلَى الْآخَرِ وَلَا يَنْظُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى ثَوْبِ صَاحِبِهِ عَلَى جَعْلِ النَّبْذِ بَيْعًا، وَهَذِهِ كَانَتْ بُيُوعًا يَتَعَارَفُونَهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ وَكَذَا إلْقَاءُ الْحَجَرِ أَنْ يُلْقِيَ حَصَاةً وَثَمَّةَ أَثْوَابٍ فَأَيُّ ثَوْبٍ وَقَعَ عَلَيْهِ كَانَ الْمَبِيعَ بِلَا تَأَمُّلٍ وَرُؤْيَةٍ، وَلَا خِيَارَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْبِقَ تَرَاوُضَهُمَا عَلَى الثَّمَنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَبِيعِ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ. وَمَعْنَى النَّهْيِ مَا فِي كُلٍّ مِنْ الْجَهَالَةِ وَتَعْلِيقِ التَّمْلِيكِ بِالْخَطَرِ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى إذَا وَقَعَ حَجَرِي عَلَى ثَوْبٍ فَقَدْ بِعْتُهُ مِنْكَ أَوْ بِعْتنِيهِ بِكَذَا أَوْ إذَا نَبَذْته أَوْ لَمَسْته كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَذَكَرَ فِي الدُّرَرِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ إلْقَاءِ الْحَجَرِ أُلْحِقَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 لِوُجُودِ الْقِمَارِ، فَكَانَتْ فَاسِدَةً إنْ سَبَقَ ذِكْرُ الثَّمَنِ بَحْرٌ (وَ) بَيْعُ (ثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ) أَوْ عَبْدٍ مِنْ عَبْدَيْنِ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ، فَلَوْ قَبَضَهُمَا وَهَلَكَا مَعًا ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَةِ كُلٍّ. إذْ الْفَاسِدُ مُعْتَبَرٌ بِالصَّحِيحِ وَلَوْ مُرَتَّبَيْنِ، فَقِيمَةُ الْأَوَّلِ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ وَالْقَوْلُ لِلضَّامِنِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ خِيَارُ التَّعْيِينِ، فَلَوْ شَرَطَ أَخْذَ أَيِّهِمَا شَاءَ جَازَ لِمَا مَرَّ (وَالْمَرَاعِي) أَيْ الْكَلَأُ (وَإِجَارَتُهَا) أَمَّا بُطْلَانُ بَيْعِهَا فَلِعَدَمِ الْمِلْكِ لِحَدِيثِ «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ»   [رد المحتار] بِالْأَوَّلَيْنِ دَلَالَةً (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الْقِمَارِ) أَيْ بِسَبَبِ تَعْلِيقِ التَّمْلِيكِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ إنْ سَبَقَ ذِكْرُ الثَّمَنِ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ: وَلَا بُدَّ فِي هَذِهِ الْبُيُوعِ أَنْ يَسْبِقَ الْكَلَامُ مِنْهُمَا عَلَى الثَّمَنِ. اهـ أَيْ لِتَكُونَ عِلَّةُ الْفَسَادِ مَا ذَكَرَ وَإِلَّا كَانَ الْفَسَادُ لِعَدَمِ ذِكْرِ الثَّمَنِ إنْ سَكَتَا عَنْهُ، لِمَا مَرَّ أَنَّ الْبَيْعَ مَعَ نَفْيِ الثَّمَنِ بَاطِلٌ وَمَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ فَاسِدٌ. (قَوْلُهُ وَثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ) قَيَّدَ بِالْقِيَمِيِّ، إذْ بَيْعُ الْمُبْهَمِ فِي الْمِثْلِيِّ جَائِزٌ كَقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ (قَوْلُهُ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَةِ كُلٍّ) ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْآخَرَ أَمَانَةٌ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَشَاعَتْ الْأَمَانَةُ وَالضَّمَانُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ إذْ الْفَاسِدُ مُعْتَبَرٌ بِالصَّحِيحِ) أَيْ مُلْحَقٌ بِهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا بِأَنْ يَقْبِضَ ثَوْبَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا صَحَّ، فَإِذَا هَلَكَا ضَمِنَ نِصْفَ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْقِيمَةُ فِي الْفَاسِدِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ) أَيْ رَدِّ مَا هَلَكَ أَوَّلًا فَتَعَيَّنَ مَضْمُونًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ لِلضَّامِنِ) أَيْ فِي تَعْيِينِ الْهَالِكِ، وَذَلِكَ بِأَنْ اخْتَلَفَ الثَّوْبَانِ أَوْ الْعَبْدَانِ وَادَّعَى الضَّامِنُ أَنَّ الْهَالِكَ هُوَ الْأَقَلُّ قِيمَةً وَعَكْسُ الْآخَرِ، وَلَوْ بَرْهَنَّا فَبُرْهَانُ الْبَائِعِ أَوْلَى فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا قَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهِ فِي خِيَارِ التَّعْيِينِ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ الْفَسَادُ فِيمَا إذَا بَاعَ ثَوْبَيْنِ مَثَلًا (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ خِيَارُ التَّعْيِينِ) أَيْ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعَةِ، وَقَوْلُ الْبَحْرِ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثَةِ فِيهِ قُصُورٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ شَرَطَ أَخْذَ أَيِّهِمَا شَاءَ) بِنَصْبِ أَخْذَ مَصْدَرًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ لِشَرَطَ، بِأَنْ قَالَ بِعْتُك وَاحِدًا مِنْهُمَا عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ تَأْخُذُ أَيَّهُمَا شِئْت فَإِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْمَسْأَلَةِ بِفُرُوعِهَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ فِي بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالتَّعْيِينِ. (قَوْلُهُ وَالْمَرَاعِي) فِي الْمِصْبَاحِ: الرِّعْيُ بِالْكَسْرِ وَالْمَرْعَى بِمَعْنَى وَاحِدٍ، وَهُوَ مَا تَرْعَاهُ الدَّوَابُّ وَالْجَمْعُ الْمَرَاعِي بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَيْ الْكَلَأُ) فَسَّرَهَا بِالْكَلَإِ دَفْعًا لِوَهْمِ أَنْ يُرَادَ مَكَانُ الرَّعْيِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ فَتْحٌ: أَيْ إذَا كَانَ مَمْلُوكًا كَمَا لَا يَخْفَى وَالْكَلَأُ كَجَبَلٍ: الْعُشْبُ رَطْبُهُ وَيَابِسُهُ قَامُوسٌ: قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ مَا تَرْعَاهُ الْمَوَاشِي رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا، بِخِلَافِ الْأَشْجَارِ؛ لِأَنَّ الْكَلَأَ مَا لَا سَاقَ لَهُ وَالشَّجَرُ لَهُ سَاقٌ فَلَا تَدْخُلُ فِيهِ، حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهَا إذَا نَبَتَتْ فِي أَرْضِهِ لِكَوْنِهَا مِلْكَهُ وَالْكَمْأَةُ كَالْكَلَإِ. اهـ (قَوْلُهُ أَمَّا بُطْلَانُهَا) هَذَا مُخَالِفٌ لِسَوْقِ كَلَامِ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي ذِكْرِ الْفَاسِدِ، فَمُرَادُهُ أَنَّ بَيْعَهَا فَاسِدٌ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِهِ، نَعَمْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَصَرَّحَ مُنْلَا خُسْرو بِفَسَادِ هَذَا الْبَيْعِ، وَصَرَّحَ فِي شَرْحِ الْوُقَايَةِ بِبُطْلَانِهِ وَعَلَّلَهُ بِعَدَمِ الْإِحْرَازِ. اهـ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ شَرْحُ كَلَامِهِ عَلَى وَفْقِ مَرَامِهِ مَعَ بَيَانِ الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ لَمَّا رَأَى الْقَوْلَ بِالْفَسَادِ مُعَلَّلًا بِعَدَمِ الْمِلْكِ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْبُطْلَانُ؛ لِأَنَّ بَيْعَ مَا لَا يَمْلِكُ بَاطِلٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ لَكِنَّهُ لَا يُوَافِقُ غَرَضَ الْمُصَنِّفُ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ فَلِعَدَمِ الْمِلْكِ) لِاشْتِرَاكِ النَّاسِ فِيهِ اشْتَرَاكَ إبَاحَةٍ لَا مِلْكٍ، وَلِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُهُ بِدُونِ بَيْعٍ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ: النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ " الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ " إلَخْ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَفِي آخِرِهِ " ثَمَنُهُ حَرَامٌ " أَيْ ثَمَنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ عَدِيٍّ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ نُوحٌ أَفَنْدِي، وَمَعْنَى الشَّرِكَةِ فِي النَّارِ الِاصْطِلَاءُ بِهَا وَتَجْفِيفُ الثِّيَابِ لَا أَخَذُ الْجَمْرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 وَأَمَّا بُطْلَانُ إجَارَتِهَا فَلِأَنَّهَا عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ ابْنُ كَمَالٍ، وَهَذَا إذَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَإِنْ أَنْبَتَهُ بِسَقْيٍ وَتَرْبِيَةٍ مَلَكَهُ وَجَازَ بَيْعُهُ عَيْنِيٌّ، وَقِيلَ لَا قَالَ وَبَيْعُ الْقَصِيلِ وَالرَّطْبَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إنْ لِيَقْطَعَهُ أَوْ لِيُرْسِلَ دَابَّتَهُ فَتَأْكُلَ جَازَ وَإِنْ لِيَتْرُكَهُ لَمْ يَجُزْ، وَحِيلَتُهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَرْضَ لِضَرْبِ فُسْطَاطِهِ أَوْ لِإِيقَافِ دَوَابِّهِ أَوْ لِمَنْفَعَةٍ أُخْرَى كَمَقِيلٍ وَمُرَاحٍ، وَتَمَامُهُ فِي وَقْفِ الْأَشْبَاهِ.   [رد المحتار] إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، وَفِي الْمَاءِ سَقْيُ الدَّوَابِّ وَالِاسْتِقَاءُ مِنْ الْآبَارِ وَالْحِيَاضِ وَالْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ، وَفِي الْكَلَإِ الِاحْتِشَاشُ، وَلَوْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ غَيْرَ أَنَّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ الْمَنْعَ مِنْ دُخُولِهِ، وَلِغَيْرِهِ أَنْ يَقُولَ إنَّ لِي فِي أَرْضِك حَقًّا فَإِمَّا أَنْ تُوصِلَنِي إلَيْهِ أَوْ تَحُشَّهُ أَوْ تَسْتَقِي وَتَدْفَعَهُ لِي، وَصَارَ كَثَوْبِ رَجُلٍ وَقَعَ فِي دَارِ رَجُلٍ إمَّا أَنْ يَأْذَنَ لِلْمَالِكِ فِي دُخُولِهِ لِيَأْخُذَهُ، وَإِمَّا أَنْ يُخْرِجَهُ إلَيْهِ فَتْحٌ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ وَأَمَّا بُطْلَانُ إجَارَتِهَا) مَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ مِنْ بُطْلَانِ إجَارَتِهَا مُخَالِفٌ لِسَوْقِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: وَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَهَلْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ ذَكَرَ فِي الشُّرْبِ أَنَّهَا فَاسِدَةٌ حَتَّى يَمْلِكَ الْآجِرُ الْأُجْرَةَ بِالْقَبْضِ وَيَنْفُذَ عِتْقُهُ فِيهِ. اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ: فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ بُطْلَانُ بَيْعِ الْكَلَإِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا) أَيْ لَا يَمْلِكُهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ ثَابِتَةٌ، وَإِنَّمَا تَنْقَطِعُ بِالْحِيَازَةِ وَسَوْقُ الْمَاءِ لَيْسَ بِحِيَازَةٍ وَعَلَى الْجَوَازِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، وَاخْتَارَهُ الشَّهِيدُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعَلَيْهِ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَنْبَغِي أَنَّ حَافِرَ الْبِئْرِ يَمْلِكُ الْمَاءَ بِتَكَلُّفِهِ الْحَفْرَ وَالطَّيِّ لِتَحْصِيلِ الْمَاءِ كَمَا يَمْلِكُ الْكَلَأَ بِتَكَلُّفِهِ سَوْقَ الْمَاءِ إلَى الْأَرْضِ لِيَنْبُتَ فَلَهُ مَنْعُ الْمُسْتَقِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ اهـ. وَأَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ سَقْيَ الْكَلَأِ كَانَ سَبَبًا فِي إنْبَاتِهِ فَنَبَتَ، بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ قَبْلَ حَفْرِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ بِالْحَفْرِ نَهْرٌ. مَطْلَبٌ صَاحِبُ الْبِئْرِ لَا يَمْلِكُ الْمَاءَ وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: إنَّ صَاحِبَ الْبِئْرِ لَا يَمْلِكُ الْمَاءَ كَمَا قَدَّمَهُ فِي الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَانْتِفَاخُ حَيَوَانٍ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ فَرَاجِعْهُ، وَهَذَا مَا دَامَ فِي الْبِئْرِ، أَمَّا إذَا أَخْرَجَهُ مِنْهَا بِالِاحْتِيَالِ كَمَا فِي السَّوَانِي فَلَا شَكَّ فِي مِلْكِهِ لَهُ لِحِيَازَتِهِ لَهُ فِي الْكِيزَانِ ثُمَّ صَبَّهُ فِي الْبِرَكِ بَعْدَ حِيَازَتِهِ. تَأَمَّلْ، ثُمَّ حَرَّرَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا فِي الْبِئْرِ وَمَا فِي الْجِبَابِ وَالصَّهَارِيجِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الْبُيُوتِ لِجَمْعِ مَاءِ الشِّتَاءِ بِأَنَّهَا أُعِدَّتْ لِإِحْرَازِ الْمَاءِ فَيَمْلِكُ مَا فِيهَا، فَلَوْ آجَرَ الدَّارَ لَا يُبَاحُ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَاؤُهَا إلَّا بِإِبَاحَةِ الْمُؤْجِرِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ الْعَيْنِيُّ (قَوْلُهُ وَبَيْعُ الْقَصِيلِ وَالرَّطْبَةِ) فِي الْمِصْبَاحِ قَصَلْتُهُ قَصْلًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ قَطَعْتَهُ فَهُوَ قَصِيلٌ وَمَقْصُولٌ، مِنْهُ الْقَصِيلُ: وَهُوَ الشَّعِيرُ يُجَزُّ إذَا اخْضَرَّ لِعَلَفِ الدَّوَابِّ، وَالرَّطْبَةُ. الْغَضَّةُ خَاصَّةً قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ وَالْجَمْعُ رِطَابٌ مِثْلُ كَلْبَةٍ وَكِلَابٍ، وَالرُّطْبُ وِزَانُ قُفْلٍ: الْمَرْعَى الْأَخْضَرُ مِنْ بُقُولِ الرَّبِيعِ. وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ الرُّطْبَةُ وِزَانُ غُرْفَةٍ: الْخَلَا، وَهُوَ الْغَضُّ مِنْ الْكَلَإِ (قَوْلُهُ وَحِيلَتُهُ) أَيْ حِيلَةُ جَوَازِ بَيْعِ الْكَلَإِ وَكَذَا إجَارَتُهُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِ إجَارَتِهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا أَرْضًا لِإِيقَافِ الدَّوَابِّ فِيهَا أَوْ لِمَنْفَعَةٍ أُخْرَى بِقَدْرِ مَا يُرِيدُ صَاحِبُهُ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْأُجْرَةِ فَيَحْصُلُ بِهِ غَرَضُهُمَا اهـ. وَفِي الْفَتْحِ: وَالْحِيلَةُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَرْضَ لِيَضْرِبَ فِيهَا فُسْطَاطَهُ أَوْ لِيَجْعَلَهُ حَظِيرَةً لِغَنَمِهِ ثُمَّ يَسْتَبِيحَ الْمَرْعَى فَيَحْصُلُ مَقْصُودُهُمَا (قَوْلُهُ كَمَقِيلٍ وَمُرَاحٍ) الْمَقِيلُ: مَكَانُ الْقَيْلُولَةِ، وَهِيَ النَّوْمُ نِصْفَ النَّهَارِ. وَالْمُرَاحُ: بِالضَّمِّ حَيْثُ تَأْوِي الْمَاشِيَةُ بِاللَّيْلِ وَبِالْفَتْحِ اسْمُ الْمَوْضِعِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 (وَيُبَاعُ دُودُ الْقَزِّ) أَيْ الْإِبْرَيْسَمُ (وَبَيْضُهُ) أَيْ بِزْرُهُ، وَهُوَ بِزْرُ الْفَيْلَقِ الَّذِي فِيهِ الدُّودُ (وَالنَّحْلُ) الْمُحْرَزُ، وَهُوَ دُودُ الْعَسَلِ، وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ، وَبِهِ يُفْتَى عَيْنِيٌّ وَابْنُ مَلَكٍ وَخُلَاصَةٌ وَغَيْرُهَا. وَجَوَّزَ أَبُو اللَّيْثِ بَيْعَ الْعَلَقِ، وَبِهِ يُفْتَى لِلْحَاجَةِ مُجْتَبَى (بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْهَوَامِّ) فَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا كَحَيَّاتٍ وَضَبٍّ وَمَا فِي بَحْرٍ كَسَرَطَانٍ، إلَّا السَّمَكَ وَمَا جَازَ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ أَوْ عَظْمِهِ.   [رد المحتار] [مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ دُودَةِ الْقِرْمِزِ] ِ (قَوْلُهُ أَيْ الْإِبْرَيْسَمُ) فِي الْمِصْبَاحِ: الْقَزُّ مُعَرَّبٌ. قَالَ اللَّيْثُ: هُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْهُ الْإِبْرَيْسَمُ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: الْقَزُّ وَالْإِبْرَيْسَمُ مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ اهـ. وَأَمَّا الْخَزُّ فَاسْمُ دَابَّةٍ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الثَّوْبِ الْمُتَّخَذِ مِنْ وَبَرِهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَيْ بِزْرَهُ) أَيْ الْبِزْرُ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الدُّودُ قُهُسْتَانِيٌّ، وَهُوَ بِالزَّايِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: بَذَرْت الْحَبَّ بَذْرًا أَيْ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ مِنْ بَابِ قَتَلَ: إذَا أَلْقَيْتُهُ فِي الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ. وَالْبُذُورُ: الْمَبْذُورُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: الْبَذْرُ فِي الْحُبُوبِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ. وَالْبِزْرُ: أَيْ بِالزَّايِ فِي الرَّيَاحِينِ وَالْبُقُولِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الِاسْتِعْمَالِ. وَنُقِلَ عَنْ الْخَلِيلِ كُلُّ حَبٍّ يُبْذَرُ فَهُوَ بَذْرٌ وَبِزْرٌ ثُمَّ قَالَ فِي اجْتِمَاعِ الْبَاءِ مَعَ الزَّايِ الْبِزْرُ مِنْ الْبَقْلِ وَنَحْوِهِ بِالْكَسْرِ، وَالْفَتْحُ لُغَةٌ، وَقَوْلُهُمْ لِبَيْضِ الدُّودِ بِزْرُ الْقَزِّ مَجَازٌ عَلَى التَّشْبِيهِ بِبِزْرِ الْبَقْلِ لِصِغَرِهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ بِزْرُ الْفَيْلَقِ) هُوَ الْمُسَمَّى الْآنَ بِالشَّرَانِقِ (قَوْلُهُ الْمُحْرَزُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ مَجْمُوعًا؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ حَقِيقَةً وَشَرْعًا فَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ كَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الثَّلَاثِ. وَأَمَّا اقْتِصَارُ صَاحِبِ الْكَنْزِ عَلَى جَوَازِ الْأَوَّلَيْنِ دُونَ النَّخْلِ فَلَعَلَّ وَجْهَهُ كَمَا أَفَادَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَنَّ إحْرَازَهُ مُتَعَسَّرٌ فَتَرَجَّحَ عِنْدَهُ قَوْلُهُمَا، وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ بَيْعُهُ لَيْلًا لَا نَهَارًا لِتَفَرُّقِهِ حَالَ النَّهَارِ فِي الْمَرَاعِي. وَأَمَّا اعْتِذَارُ الْبَحْرِ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَهُوَ بَعِيدٌ (قَوْلُهُ بَيْعُ الْعَلَقِ) فِي الْمِصْبَاحِ: الْعَلَقُ شَيْءٌ أَسْوَدُ شَبِيهُ الدُّودِ يَكُونُ فِي الْمَاءِ يَعْلَقُ بِأَفْوَاهِ الْإِبِلِ عِنْدَ الشُّرْبِ (قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتَى لِلْحَاجَةِ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ إذَا اشْتَرَى الْعَلَقَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ " مرعل " يَجُوزُ، وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ لِتَمَوُّلِ النَّاسِ لَهُ اهـ. أَقُولُ: الْعَلَقُ فِي زَمَانِنَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلتَّدَاوِي بِمَصِّهِ الدَّمَ، وَحَيْثُ كَانَ مُتَمَوَّلًا لِمُجَرَّدِ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ دُودَةِ الْقِرْمِزِ فَإِنَّ تَمَوُّلُهَا الْآنَ أَعْظَمُ إذْ هِيَ مِنْ أَعَزِّ الْأَمْوَالِ، وَيُبَاعُ مِنْهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ قَنَاطِيرُ بِثَمَنٍ عَظِيمٍ، وَلَعَلَّهَا هِيَ الْمُرَادَةُ بِالْعَلَقِ فِي عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ، فَتَكُونُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ بَيْعِ الْمَيْتَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَيْهِ لِلتَّدَاوِي لَا يَقْتَضِي جَوَازَ بَيْعِهِ كَمَا فِي لَبَنِ الْمَرْأَةِ وَكَالِاحْتِيَاجِ إلَى الْخَرْزِ بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ لَا يُسَوَّغُ بَيْعُهُ كَمَا يَأْتِي، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَلَقٌ خَاصٌّ مُتَمَوَّلٌ عِنْدَ النَّاسِ وَذَلِكَ مُتَحَقَّقٌ فِي دُودِ الْقِرْمِزِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ دُودِ الْقَزِّ وَبَيْضِهِ فَإِنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْحَالِ وَدُودُ الْقَزِّ فِي الْمَآلِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ مِنْ الْهَوَامِّ) جَمْعُ هَامَّةٍ مِثْلُ دَابَّةٍ وَدَوَابَّ: وَهِيَ مَا لَهُ سُمٌّ يَقْتُلُ كَالْحَيَّةِ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ. وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا يُؤْذِي وَلَا يَقْتُلُ كَالْحَشَرَاتِ مِصْبَاحٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يَشْمَلُ الْمُؤْذِيَ وَغَيْرَهُ مِمَّا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ) وَبَيْعُهَا بَاطِلٌ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ ط (قَوْلُهُ كَحَيَّاتٍ) فِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ: يَجُوزُ بَيْعُ الْحَيَّاتِ إذَا كَانَ يُنْتَفَعُ بِهَا لِلْأَدْوِيَةِ، وَمَا جَازَ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ أَوْ عَظْمِهِ أَيْ مِنْ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ أَوْ غَيْرِهَا. قَالَ فِي الْحَاوِي: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْهَوَامِّ كَالْحَيَّةٍ وَالْفَأْرِ وَالْوَزَغَةِ وَالضَّبِّ وَالسُّلَحْفَاةِ وَالْقُنْفُذِ وَكُلِّ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا بِجِلْدِهِ وَبَيْعُ غَيْرِ السَّمَكِ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ، إنْ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ كَالسَّقَنْقُورِ وَجُلُودِ الْخَزِّ وَنَحْوِهَا يَجُوزُ، وَإِلَّا فَلَا كَالضُّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ، وَذَكَرَ قَبْلَهُ وَيَبْطُلُ بَيْعُ الْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَسَائِرِ الْهَوَامِّ وَالْحَشَرَاتِ، وَلَا يَضْمَنُ مُتْلِفُهَا. وَيَجُوزُ بَيْعُ الْبَازِي وَالشَّاهِينَ وَالصَّقْرِ وَأَمْثَالِهَا وَالْهِرَّةِ، وَيَضْمَنُ مُتْلِفُهَا، لَا بَيْعُ الْحِدَأَةِ وَالرَّخَمَةِ وَأَمْثَالِهِمَا. وَيَجُوزُ بَيْعُ رِيشِهَا، اهـ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 68 وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ يَدُورُ مَعَ حِلِّ الِانْتِفَاعِ مُجْتَبًى، وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَيَجِيءُ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ. [فَرْعٌ] إنَّمَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ فِي الْقَزِّ إذَا كَانَ الْبَيْضُ مِنْهُمَا وَالْعَمَلُ مِنْهُمَا وَهُوَ بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا لَا أَثْلَاثًا، فَلَوْ دَفَعَ بِزْرَ الْقَزِّ أَوْ بَقَرَةً أَوْ دَجَاجًا لِآخَرَ بِالْعَلَفِ مُنَاصَفَةً فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِلْمَالِكِ لِحُدُوثِهِ مِنْ مِلْكِهِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَلَفِ وَأَجْرُ مِثْلِ الْعَامِلِ عَيْنِيٌّ مُلَخَّصًا، وَمِثْلُهُ دَفْعُ الْبَيْضِ كَمَا لَا يَخْفَى (وَالْآبِقِ) وَلَوْ لِطِفْلِهِ أَوْ لِيَتِيمٍ فِي حِجْرِهِ، وَلَوْ وَهَبَهُ لَهُمَا صَحَّ عَيْنِيٌّ؛   [رد المحتار] بَيْعُ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ عِنْدَنَا جَائِزٌ، وَكَذَا السِّنَّوْرُ، وَسِبَاعُ الْوَحْشِ وَالطَّيْرُ جَائِزٌ مُعَلَّمًا أَوْ غَيْرَ مُعَلَّمٍ، وَبَيْعُ الْفِيلِ جَائِزٌ. وَفِي الْقِرْدِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ وَنَقَلَ السَّائِحَانِيُّ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ: وَيَجُوزُ بَيْعُ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ سِوَى الْخِنْزِيرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ بَابِ الْمُتَفَرِّقَاتِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ إلَخْ) وَيُرَدُّ عَلَيْهِ شَعْرُ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَمَا يَأْتِي. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ حِلَّ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَالْكَلَامُ عِنْدَ عَدَمِهَا (قَوْلُهُ وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ) حَيْثُ قَالَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَلْيَكُنْ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا) الضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى الْقَزِّ الْخَارِجِ مِنْ الْبَيْضِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ اشْتِرَاطَ كَوْنِهِ بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا إذَا كَانَ الْبَيْضُ مِنْهُمَا كَذَلِكَ فَلَوْ كَانَ ثُلُثُهُ مِنْ وَاحِدٍ وَالثُّلُثَانِ مِنْ آخَرَ يَكُونُ الْقَزُّ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا اعْتِبَارًا بِأَصْلِ الْمِلْكِ، كَمَا لَوْ زَرَعَا أَرْضًا بِبَذْرٍ مِنْهُمَا فَالْخَارِجُ عَلَى قَدْرِ الْبَذْرِ وَإِنْ شَرَطَا خِلَافَهُ (قَوْلُهُ بِالْعَلَفِ مُنَاصَفَةً) مُتَعَلِّقٌ بِدَفَعَ: أَيْ دَفَعَ ذَلِكَ لِيَكُونَ الْخَارِجُ مِنْ الْبِزْرِ وَالْبَقَرَةِ وَالدَّجَاجِ بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً بِشَرْطِ أَنْ يُعْلَفَ ذَلِكَ مِنْ وَرَقِ التُّوتِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِلْمَالِكِ) أَيْ الْخَارِجُ: وَهُوَ الْقَزُّ وَاللَّبَنُ وَالسَّمْنُ وَالْبَيْضُ كُلُّهُ لِلْمَالِكِ، فَإِنَّ اسْتَهْلَكَهُ الْعَامِلُ ضَمِنَهُ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَلَفِ) أَيْ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا (قَوْلُهُ وَأَجْرُ مِثْلِ الْعَامِلِ) الظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ الْأَجْرَ بَالِغًا مَا بَلَغَ لِجَهَالَةِ التَّسْمِيَةِ، وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ فِي إجَارَاتِ تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ دَفْعُ الْبَيْضِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْمُتَعَارَفُ فِي أَرْيَافِ مِصْرَ دَفْعُ الْبَيْضِ لِيَكُونَ الْخَارِجُ مِنْهُ بِالنِّصْفِ مَثَلًا، وَهُوَ عَلَى وِزَانِ دَفْعِ الْقَزِّ بِالنِّصْفِ، فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَيْضِ وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ اهـ. قُلْت: وَيُتَعَارَفُ الْآنَ دَفْعُ الْمُهْرِ أَوْ الْعِجْلِ أَوْ الْجَحْشِ لِيُرَبِّيَهُ بِنِصْفِهِ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِ الدَّافِعِ، وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ وَقِيمَةُ عَلَفِهِ: وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَبِيعَهُ نِصْفَ الْمُهْرِ بِثَمَنٍ يَسِيرٍ فَيَصِيرَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا. وَيُتَعَارَفُ أَيْضًا مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ. وَهُوَ دَفْعُ الْأَرْضِ مُدَّةً مَعْلُومَةً لِيَغْرِسَهَا وَتَكُونَ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَالثَّمَرُ وَالْغَرْسُ لِرَبِّ الْأَرْضِ تَبَعًا لِأَرْضِهِ وَلِلْآخَرِ قِيمَةُ غَرْسِهِ يَوْمَ غَرَسَهُ وَأَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْآبِقِ) أَيْ الْمُطْلَقِ وَهُوَ الَّذِي أَبَقَ مِنْ يَدِ مَالِكِهِ: وَلَمْ يَزْعُمْ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ عِنْدَهُ فَهَذَا بَيْعُهُ فَاسِدٌ أَوْ بَاطِلٌ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ، أَمَّا لَوْ أَبَقَ مِنْ يَدِ غَاصِبِهِ وَبَاعَهُ الْمَالِكُ مِنْهُ أَوْ مِنْ يَدِ مَالِكِهِ وَبَاعَهُ مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ عِنْدَهُ فَبَيْعُهُ صَحِيحٌ كَمَا يَأْتِي. وَأَمَّا لَوْ بَاعَهُ مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ عِنْدَ غَيْرِهِ، فَفِي النَّهْرِ أَنَّ بَيْعَهُ فَاسِدٌ اتِّفَاقًا، وَعَلَّلَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ تَسْلِيمَهُ فِعْلُ غَيْرِهِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ. وَفِي النَّهْرِ أَيْضًا: خَرَجَ بِالْآبِقِ الْمُرْسَلُ فِي حَاجَةِ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ وَقْتَ الْعَقْدِ حُكْمًا، إذْ الظَّاهِرُ عَوْدُهُ (قَوْلُهُ، وَلَوْ وَهَبَهُ لَهُمَا صَحَّ) وَالْفَرْقُ أَنَّ شَرْطَ الْبَيْعِ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ عَقِبَ الْبَيْعِ وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الْيَدِ يَصْلُحُ لِقَبْضِ الْهِبَةِ لَا لِقَبْضِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ بِإِزَاءِ مَالٍ مَقْبُوضٍ مِنْ مَالِ الِابْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69 وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ تَحْرِيفٌ نَهْرٌ (إلَّا مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ) أَيْ الْآبِقَ (عِنْدَهُ) فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ وَهَلْ يَصِيرُ قَابِضًا إنْ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ قَبَضَهُ وَلَمْ يُشْهِدْ؟ نَعَمْ وَإِنْ أَشْهَدَ لَا؛ لِأَنَّهُ قَبْضُ أَمَانَةٍ فَلَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى عِنَايَةٌ،   [رد المحتار] وَهَذَا قَبْضٌ لَيْسَ بِإِزَائِهِ مَالٌ مِنْ الْوَلَدِ فَكَفَتْ تِلْكَ الْيَدُ لَهُ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَادَ عَادَ إلَى مِلْكِ الصَّغِيرِ هَكَذَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ بَحْرٌ. وَفِيهِ عَنْ الذَّخِيرَةِ تَقْيِيدُ صِحَّةِ الْهِبَةِ بِمَا دَامَ الْعَبْدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ تَحْرِيفٌ نَهْرٌ) اُعْتُرِضَ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ مَا فِي الْأَشْبَاهِ مُوَافِقٌ لِمَا هُنَا، وَهَذَا نَصُّهُ: بَيْعُ الْآبِقِ لَا يَجُوزُ إلَّا لِمَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ عِنْدَهُ وَلَوْ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. الثَّانِي: أَنَّهُ فِي النَّهْرِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْأَشْبَاهِ، بَلْ حَكَمَ بِالتَّحْرِيفِ عَلَى مَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْخَانِيَّةِ الْمَنْقُولُ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ جَوَازُ بَيْعِ الْآبِقِ لِطِفْلِهِ لَا هِبَتُهُ لَهُ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ النُّسَخُ الْأُخْرَى. قُلْت: الَّذِي رَأَيْته فِي الْأَشْبَاهِ وَلِوَلَدٍ بِدُونِ لَوْ وَعَلَيْهَا كَتَبَ الْحَمَوِيُّ. وَاعْتَرَضَهَا بِمَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ وَلَمَّا كَانَ مَا فِي الْأَشْبَاهِ مَعْزِيًّا إلَى الْخَانِيَّةِ وَرَدَ عَلَيْهَا مَا وَرَدَ عَلَى الْخَانِيَّةِ فَسَاغَ ذِكْرُهَا بَدَلَ الْخَانِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ تَدَاوُلًا فِي أَيْدِي الطَّلَبَةِ مِنْ الْخَانِيَّةِ فَافْهَمْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْبَحْرِ هُنَا تَنَاقُضًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ نُسْخَةَ الْخَانِيَّةِ الْمُحَرَّفَةَ وَقَالَ: إنَّهُ عَكْسُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ. ثُمَّ قَالَ: إنَّ الْحَقَّ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ، لِمَا فِي الْمِعْرَاجِ: لَوْ بَاعَهُ لِطِفْلِهِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ وَهَبَهُ لَهُ جَازَ إلَخْ. وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: وَالْحَقُّ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ إلَّا مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ عَبْدُهُ) مُفَادُهُ أَنَّ النَّظَرَ لِزَعْمِ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْآبِقَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ التَّسْلِيمَ حَاصِلُ فَانْتَفَى الْمَانِعُ وَهُوَ عَدَمُ قُدْرَةِ الْبَائِعِ عَلَى التَّسْلِيمِ عَقِبَ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ عِنْدَهُ) شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ فِي مَنْزِلِهِ، أَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِمَّنْ هُوَ عِنْدَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَخْذِ إلَّا بِخُصُومَةٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَمَا فِي السِّرَاجِ نَهْرٌ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ النَّهْرِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ عِنْدَ غَيْرِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ اتِّفَاقًا. وَأَجَابَ بِحَمْلِ مَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ إلَّا بِخُصُومَةٍ اهـ. قُلْت: رَاجَعْت عِبَارَةَ السِّرَاجِ فَلَمْ أَرَ فِيهَا قَوْلَهُ مِمَّنْ هُوَ عِنْدَهُ، وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ أَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ أَيْ فِي حَالِ إبَاقِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذْهُ أَحَدٌ، أَمَّا إذَا أَخَذَهُ أَحَدٌ فَلَا يَجُوزُ لِمَا عَلِمْته مِنْ تَعْلِيلِ الْفَتْحِ السَّابِقِ وَقَدْ صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْفَتْحِ بِمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْأَخْذُ لَهُ مُعْتَرَفًا بِأَخْذِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَهَلْ يَصِيرُ قَابِضًا إلَخْ) أَيْ لَوْ اشْتَرَاهُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ عِنْدَهُ هَلْ يَصِيرُ قَابِضًا فِي الْحَالِ، حَتَّى لَوْ رَجَعَ فَوَجَدَهُ هَلَكَ بَعْدَ وَقْتِ الْبَيْعِ يَتِمُّ الْقَبْضُ وَالْبَيْعُ أَمْ لَا (قَوْلُهُ إنْ قَبَضَهُ) أَيْ قَبَضَ الْآبِقَ حِينَ وَجَدَهُ لِنَفْسِهِ لَا لِيَرُدَّهُ عَلَى سَيِّدِهِ، وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ أَوْ قَبَضَهُ وَلَمْ يَشْهَدْ: أَيْ عَلَى أَنَّهُ قَبَضَهُ لِسَيِّدِهِ (قَوْلُهُ نَعَمْ) أَيْ يَصِيرُ قَابِضًا؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ هَذَا قَبْضُ غَصْبٍ وَهُوَ قَبْضُ ضَمَانٍ كَقَبْضِ الْبَيْعِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَشْهَدَ لَا إلَخْ) أَيْ لَا يَصِيرُ قَابِضًا؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ هَذَا قَبْضُ أَمَانَةٍ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى سَيِّدِهِ لَا يَضْمَنُهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَلَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الضَّمَانِ) أَيْ عَنْ قَبْضِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَرَجَعَ بِالثَّمَنِ اهـ. وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ إذَا اشْتَرَى مَا هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ مِنْ وَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ لَا يَكُونُ قَابِضًا إلَّا إذَا ذَهَبَ إلَى الْعَيْنِ إلَى مَكَان يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 وَإِلَّا إذَا أَبَقَ مِنْ الْغَاصِبِ فَبَاعَهُ الْمَالِكُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِعَدَمِ لُزُومِ التَّسْلِيمِ ذَخِيرَةٌ (وَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ عَادَ) وَسَلَّمَهُ (يَتِمُّ الْبَيْعُ) عَلَى الْقَوْلِ بِفَسَادِهِ، وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ (وَقِيلَ لَا) يَتِمُّ (عَلَى) الْقَوْلِ بِبُطْلَانِهِ وَهُوَ (الْأَظْهَرُ) مِنْ الرِّوَايَةِ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْبَلْخِيّ وَغَيْرُهُ بَحْرٌ وَابْنُ كَمَالٍ . (وَلَبَنِ امْرَأَةٍ) وَلَوْ (فِي وِعَاءٍ وَلَوْ أَمَةً) عَلَى الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ آدَمِيٍّ وَالرِّقُّ مُخْتَصٌّ بِالْحَيِّ وَلَا حَيَاةَ فِي اللَّبَنِ فَلَا يُحِلُّهُ الرِّقُّ (وَشَعْرِ الْخِنْزِيرِ) لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ   [رد المحتار] فَيَصِيرُ الْآنَ قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ، فَإِذَا هَلَكَ بَعْدَهُ هَلَكَ مِنْ مَالِهِ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْعَيْنِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ رَاضِيًا بِقَبْضِ الْمُشْتَرِي دَلَالَةً اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَإِلَّا إذَا أَبَقَ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ ذَخِيرَةٌ) قَالَ فِيهَا: وَالْأَصْلُ أَنَّ الْإِبَاقَ إنَّمَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ إذَا كَانَ التَّسْلِيمُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ بِأَنْ أَبَقَ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ ثُمَّ بَاعَهُ الْمَالِكُ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إلَيْهِ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا يَجُوزُ الْبَيْعُ. اهـ (قَوْلُهُ يَتِمُّ الْبَيْعُ) هُوَ رِوَايَةُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِقِيَامِ الْمِلْكِ وَالْمَالِيَّةِ فِي الْآبِقِ، وَلِذَا صَحَّ عِتْقُهُ وَبِهِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ حَتَّى أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَقَدْ وُجِدَتْ قَبْلَ الْفَسْخِ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ بَعْدَ أَنْ فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ أَوْ تَخَاصَمَا فَلَا يَعُودُ صَحِيحًا اتِّفَاقًا فَتْحٌ (قَوْلُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِفَسَادِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْحَقُّ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ بِنَاءٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّهُ بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ وَأَنَّكَ عَلِمْتَ أَنَّ ارْتِفَاعَ الْمُفْسِدِ فِي الْفَاسِدِ يَرُدُّهُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَائِمٌ مَعَ الْفَسَادِ وَمَعَ الْبُطْلَانِ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا بِصِفَةِ الْبُطْلَانِ بَلْ مَعْدُومًا، فَوَجْهُ الْبُطْلَانِ عَدَمُ قُدْرَةِ التَّسْلِيمِ، وَوَجْهُ الْفَسَادِ قِيَامُ الْمَالِيَّةِ وَالْمِلْكِ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ) حَيْثُ قَالَ وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ مُفْسِدٌ لَا مُبْطِلٌ وَأَطَالَ فِي تَحْقِيقِهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ الرِّوَايَةِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَوَّلُوا تِلْكَ الرِّوَايَةَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا انْعِقَادُ الْبَيْعِ بِالتَّعَاطِي الْآنَ اهـ. قُلْت: وَهَذَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبُيُوعِ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ بَعْدَ بَيْعٍ بَاطِلٍ أَوْ فَاسِدٍ إلَّا بَعْدَ مُتَارَكَةِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْبَلْخِيّ) الَّذِي فِي الْفَتْحِ وَهُوَ مُخْتَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ وَالثَّلْجِيُّ بِالثَّاءِ وَالْجِيمِ ط. قُلْت: وَالْأَوَّلُ هُوَ أَبُو مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ تُوُفِّيَ سَنَةَ " 197 " وَالثَّانِي هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثَّلْجِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ تُوُفِّيَ وَهُوَ سَاجِدٌ سَنَةَ " 236 ". (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي وِعَاءٍ) أَتَى بِلَوْ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ، وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْأَوْلَى تَقْيِيدُهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ تَقَدَّمَ دَفْعُهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الضَّرْعَ خَاصٌّ بِذَوَاتِ الْأَرْبَعِ كَالثَّدْيِ لِلْمَرْأَةِ، فَالْأَوْلَى عَدَمُ التَّقْيِيدِ لِيَعُمَّ مَا قَبْلَ الِانْفِصَالِ وَمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ جَوَازُ بَيْعِ لَبَنِ الْأَمَةِ لِجَوَازِ إيرَادِ الْبَيْعِ عَلَى نَفْسِهَا فَكَذَا عَلَى جُزْئِهَا قُلْنَا: الرِّقُّ حِلُّ نَفْسِهَا فَأَمَّا اللَّبَنُ فَلَا رِقَّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَحَلٍّ تَتَحَقَّقُ فِيهِ الْقُوَّةُ الَّتِي هِيَ ضِدُّهُ وَهُوَ الْحَيُّ، وَلَا حَيَاةَ فِي اللَّبَنِ فَلَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ، وَلَا لِلرِّقِّ فَكَذَا الْبَيْعُ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مُتْلِفُهُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِمَالٍ، وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ التَّدَاوِي بِهِ فِي الْعَيْنِ الرَّمْدَاءِ. وَفِيهِ قَوْلَانِ: قِيلَ بِالْمَنْعِ، وَقِيلَ بِالْجَوَازِ إذَا عُلِمَ فِيهِ الشِّفَاءُ كَمَا فِي الْفَتْحِ هُنَا. مَطْلَبٌ فِي التَّدَاوِي بِلَبَنِ الْبِنْتِ لِلرَّمَدِ قَوْلَانِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنَّ أَهْلَ الطِّبِّ يُثْبِتُونَ نَفْعًا لِلَبَنِ الْبِنْتِ لِلْعَيْنِ وَهِيَ مِنْ أَفْرَادِ مَسْأَلَةِ الِانْتِفَاعِ بِالْمُحَرَّمِ لِلتَّدَاوِي كَالْخَمْرِ، وَاخْتَارَ فِي النِّهَايَةِ وَالْخَانِيَّةِ الْجَوَازَ إذَا عُلِمَ فِيهِ الشِّفَاءُ وَلَمْ يَجِدْ دَوَاءً غَيْرَهُ بَحْرٌ، وَسَيَأْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - تَمَامُهُ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْبُيُوعِ، وَكَذَا فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ. (قَوْلُهُ لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ) أَيْ عَيْنِ الْخِنْزِيرِ أَيْ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ. وَأَوْرَدَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 فَيَبْطُلُ بَيْعُهُ ابْنُ كَمَالٍ (وَ) إنْ (جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ) لِضَرُورَةِ الْخَرْزِ؛ حَتَّى لَوْ لَمْ يُوجَدْ بِلَا ثَمَنٍ جَازَ الشِّرَاءُ لِلضَّرُورَةِ وَكُرِهَ الْبَيْعُ فَلَا يَطِيبُ ثَمَنُهُ وَيُفْسِدُ الْمَاءَ عَلَى الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، قِيلَ هَذَا فِي الْمَنْتُوفِ، أَمَّا الْمَجْزُوزُ فَطَاهِرٌ عِنَايَةٌ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُكْرَهُ الْخَرْزُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ، وَلِذَا لَمْ يَلْبَسْ السَّلَفُ مِثْلَ هَذَا الْخُفِّ ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ   [رد المحتار] فِي الْفَتْحِ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ بَيْعَ السِّرْقِينِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ مَعَ أَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: بَلْ الصَّحِيحُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْعَذِرَةِ الْخَالِصَةِ جَائِزٌ كَمَا سَيَأْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْكَرَاهِيَةِ. اهـ أَيْ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا خَالِصَةً كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فَيَبْطُلُ بَيْعُهُ) نَقَلَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَيْضًا عَنْ الْبُرْهَانِ، وَفِيهِ تَوَرُّكٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ حَيْثُ عَدَّهُ فِي الْفَاسِدِ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ مَالٌ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدٌ بِطَهَارَتِهِ لِضَرُورَةِ الْخَرْزِ بِهِ لِلنِّعَالِ وَالْأَخْفَافِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِضَرُورَةِ الْخَرْزِ) فَإِنَّ فِي مَبْدَإِ شَعْرِهِ صَلَابَةً قَدْرَ أُصْبُعٍ وَبَعْدَهُ لِينٌ يَصْلُحُ لِوَصْلِ الْخَيْطِ بِهِ قُهُسْتَانِيٌّ ط (قَوْلُهُ وَكَرِهَ الْبَيْعَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِلْبَائِعِ زَيْلَعِيٌّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ. وَفِيهِ أَنَّ جَوَازَ إقْدَامِ الْمُشْتَرِي عَلَى الشِّرَاءِ لِلضَّرُورَةِ لَا يُفِيدُ صِحَّةَ الْبَيْعِ، كَمَا لَوْ اُضْطُرَّ إلَى دَفْعِ مَرْشُوَّةٍ لِإِحْيَاءِ حَقِّهِ جَازَ لَهُ الدَّفْعُ وَحَرُمَ عَلَى الْقَابِضِ، وَكَذَا لَوْ اُضْطُرَّ إلَى شِرَاءِ مَالِهِ مِنْ غَاصِبٍ مُتَغَلِّبٍ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ صِحَّةَ الْبَيْعِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَلَا يَطِيبُ ثَمَنُهُ) مُقْتَضَى مَا بَحَثْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ (قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الضَّرُورَةِ لَا يَتَعَدَّاهَا وَهِيَ فِي الْخَرْزِ فَتَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَقَطْ كَذَلِكَ، وَمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ جَوَازِ صَلَاةِ الْخَرَّازِينَ مَعَ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ يَنْبَغِي أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ فِي حَقِّهِمْ. أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلَا وَهُوَ الْوَجْهُ فَإِنَّ الضَّرُورَةَ لَمْ تَدْعُهُمْ إلَى أَنْ يَعْلَقَ بِهِمْ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ وَيَجْتَمِعَ فِي ثِيَابِهِمْ هَذَا الْمِقْدَارُ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَيَفْسُدُ الْمَاءُ أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَفْسُدُ عِنْدَهُ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ بِهِ دَلِيلُ طَهَارَتِهِ اهـ وَهَذَا يُفِيدُ عَدَمَ تَقْيِيدِ حِلِّ الِانْتِفَاعِ بِهِ بِالضَّرُورَةِ وَيُفِيدُ جَوَازَ بَيْعِهِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَطِيبَ لِلْبَائِعِ الثَّمَنُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ قِيلَ هَذَا) أَيْ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي نَجَاسَتِهِ وَطَهَارَتِهِ وَأَشَارَ بِقِيلِ إلَى ضَعْفِهِ إذْ الْمَنْتُوفُ يُفْسِدُ الْمَاءَ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْخِنْزِيرِ لِاتِّصَالِ اللَّحْمِ النَّجِسِ بِمَحَلِّ النَّتْفِ مِنْهُ، وَلَوْ قِيلَ إنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَجْزُوزِ، أَمَّا الْمَنْتُوفُ فَغَيْرُ طَاهِرٍ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِ الْمَتْنِ وَجَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تُبِيحُ لَحْمَهُ فَالشَّعْرُ أَوْلَى اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ) فِيهِ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تُنَافِي حِلَّ الِانْتِفَاعِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا عَلِمْت، لَكِنْ عَلَّلَ الزَّيْلَعِيُّ لِلْكَرَاهَةِ بِأَنَّ الْخَرْزَ يَتَأَتَّى بِغَيْرِهِ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ؛ وَحَيْثُ تَأَتَّى بِغَيْرِهِ فَلَا ضَرُورَةَ فَلَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِالنَّجِسِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ فَرْدٌ تَحَمَّلَ مَشَقَّةً فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلْزِمَ الْعُمُومُ حَرَجًا مِثْلَهُ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَأَتِّي الْخَرْزِ بِغَيْرِهِ مِنْ شَخْصٍ حَمَّلَ نَفْسَهُ مَشَقَّةً فِي ذَلِكَ لَا تَزُولُ بِهِ ضَرُورَةَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ مِنْ عَامَّةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 وَلَعَلَّ هَذَا فِي زَمَانِهِمْ، وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى (وَجِلْدِ مَيْتَةٍ قَبْلَ الدَّبْغِ) لَوْ بِالْعَرْضِ، وَلَوْ بِالثَّمَنِ فَبَاطِلٌ، وَلَمْ يُفَصِّلْهُ هَهُنَا اعْتِمَادًا عَلَى مَا سَبَقَ قَالَهُ الْوَانِيُّ فَلْيُحْفَظْ (وَبَعْدَهُ) أَيْ الدَّبْغِ (يُبَاعُ) إلَّا جِلْدَ إنْسَانٍ وَخِنْزِيرٍ وَحَيَّةٍ (وَيُنْتَفَعُ بِهِ) لِطَهَارَتِهِ حِينَئِذٍ (لِغَيْرِ الْأَكْلِ) وَلَوْ جِلْدَ مَأْكُولٍ عَلَى الصَّحِيحِ سِرَاجٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3]- وَهَذَا جُزْؤُهَا. وَفِي الْمَجْمَعِ: وَنُجِيزُ بَيْعَ الدُّهْنِ الْمُتَنَجِّسِ وَالِانْتِفَاعَ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ بِخِلَافِ الْوَدَكِ (كَمَا يُنْتَفَعُ بِمَا لَا تَحُلُّهُ حَيَاةٌ مِنْهَا) كَعَصَبِهَا وَصُوفِهَا كَمَا مَرَّ فِي الطَّهَارَةِ. (وَ) فَسَدَ (شِرَاءُ مَا بَاعَ   [رد المحتار] النَّاسِ (قَوْلُهُ وَلَعَلَّ هَذَا) أَيْ حِلَّ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِضَرُورَةِ الْخَرْزِ (قَوْلُهُ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ) لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالْمَخَارِزِ وَالْإِبَرِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مَنْعُ الِانْتِفَاعِ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ بِأَنْ أَمْكَنَ الْخَرْزُ بِغَيْرِهِ ط. (قَوْلُهُ وَجِلْدِ مَيْتَةٍ) قَيَّدَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَذْبُوحَةً فَبَاعَ لَحْمَهَا أَوْ جِلْدَهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ إلَّا الْخِنْزِيرَ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ لَوْ بِالْعَرْضِ إلَخْ) أَيْ أَنَّ بَيْعَهُ فَاسِدٌ لَوْ بِيعَ بِالْعَرْضِ. وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قَوْلَيْنِ فِي فَسَادِ الْبَيْعِ وَبُطْلَانِهِ. قُلْت: وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ التَّفْصِيلِ يَصْلُحُ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، لَكِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ كَوْنِهِ مَالًا فِي الْجُمْلَةِ كَالْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ لَا بِحَتْفِ أَنْفِهَا، مَعَ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ عَلَّلَ عَدَمَ جَوَازِ بَيْعِهِ بِأَنَّ نَجَاسَتَهُ مِنْ الرُّطُوبَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَصَارَ حُكْمَ الْمَيْتَةِ. زَادَ فِي الْفَتْحِ: فَيَكُونُ نَجِسَ الْعَيْنِ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ أَوْ الدُّهْنِ الْمُتَنَجِّسِ حَيْثُ جَازَ بَيْعُهُ لِعُرُوضِ نَجَاسَتِهِ، وَهَذَا يُفِيدُ بُطْلَانَ بَيْعِهِ مُطْلَقًا، وَلِذَا ذَكَرَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْبُرْهَانِ أَنَّ الْأَظْهَرَ الْبُطْلَانُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا سَبَقَ) أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ وَبَطَلَ بَيْعُ مَالٍ غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَمَيْتَةٍ لَمْ تَمُتْ حَتْفَ أَنْفِهَا بِالثَّمَنِ (قَوْلُهُ إلَّا جِلْدَ إنْسَانٍ إلَخْ) فَلَا يُبَاعُ وَإِنْ دُبِغَ لِكَرَامَتِهِ، وَفِي الْبَاقِي لِإِهَانَتِهِ وَلِعَدَمِ عَمَلِ الدِّبَاغَةِ فِيهِ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ. (قَوْلُهُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ) أَيْ بِالْجِلْدِ بَعْدَ دَبْغِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ جِلْدَ مَأْكُولٍ عَلَى الصَّحِيحِ) وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ كَجِلْدِ الشَّاةِ الْمُذَكَّاةِ، أَمَّا جِلْدُ غَيْرِ الْمَأْكُولِ كَالْحِمَارِ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الدَّبْغَ فِيهِ لَيْسَ بِأَقْوَى مِنْ الذَّكَاةِ وَذَكَاتُهُ لَا تُبِيحُهُ فَكَذَا دَبْغُهُ أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ ط (قَوْلُهُ وَنُجِيزُ بَيْعَ الدُّهْنِ الْمُتَنَجِّسِ) عِبَارَةُ الْمَجْمَعِ: النَّجِسِ، لَكِنَّ مُرَادَهُ الْمُتَنَجِّسُ: أَيْ مَا عَرَضَتْ لَهُ النَّجَاسَةُ، وَأَشَارَ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ الْمُسْنَدِ لِضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُهُ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ) كَالِاسْتِصْبَاحِ وَالدِّبَاغَةِ وَغَيْرِهِمَا ابْنُ مَلَكٍ، وَقَيَّدُوا الِاسْتِصْبَاحَ بِغَيْرِ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَدَكِ) أَيْ دُهْنِ الْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهَا فَلَا يَكُونُ مَالًا ابْنُ مَلَكٍ: أَيْ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا الِانْتِفَاعُ بِهِ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ قَالَ: لَا، هُوَ حَرَامٌ» الْحَدِيثَ (قَوْلُهُ كَعَصَبِهَا وَصُوفِهَا) أَدْخَلَتْ الْكَافُ عَظْمَهَا وَشَعْرَهَا وَرِيشَهَا وَمِنْقَارَهَا وَظِلْفَهَا وَحَافِرَهَا فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ طَاهِرَةٌ لَا تَحُلُّهَا الْحَيَاةُ فَلَا يَحُلُّهَا الْمَوْتُ، وَيَجُوزُ بَيْعُ عَظْمِ الْفِيلِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ وَالْمُقَاتَلَةِ مِنَحٌ مُلَخَّصًا ط. (قَوْلُهُ وَفَسَدَ شِرَاءُ مَا بَاعَ إلَخْ) أَيْ لَوْ بَاعَ شَيْئًا وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ الثَّمَنَ فَاشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ زَيْلَعِيٌّ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا هِدَايَةٌ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَقَبَضَهُ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ مِنْ بَائِعِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ الْفَسَادِ بِالشِّرَاءِ بِالْأَقَلِّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ قَالَ فِي الْبَحْرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ) مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَلَوْ حُكْمًا كَوَارِثِهِ (بِالْأَقَلِّ) مِنْ قَدْرِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ (قَبْلَ نَقْدِ) كُلِّ (الثَّمَنِ) الْأَوَّلِ. صُورَتُهُ: بَاعَ شَيْئًا بِعَشَرَةٍ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ ثُمَّ شَرَاهُ بِخَمْسَةٍ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ رَخُصَ السِّعْرُ لِلرِّبَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَشِرَاءُ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ) كَابْنِهِ وَأَبِيهِ (كَشِرَائِهِ بِنَفْسِهِ) فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا خِلَافًا لَهُمَا فِي غَيْرِ عَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ (وَلَا بُدَّ) لِعَدَمِ الْجَوَازِ (مِنْ اتِّحَادِ جِنْسِ الثَّمَنِ) وَكَوْنِ الْمَبِيعِ بِحَالِهِ (فَإِنْ اخْتَلَفَ) جِنْسُ الثَّمَنِ أَوْ تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ (جَازَ مُطْلَقًا)   [رد المحتار] وَشَمِلَ شِرَاءَ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ (قَوْلُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ) تَنَازَعَ فِيهِ كُلٌّ مِنْ شِرَاءُ وَبَاعَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَطْلَقَ فِيمَا بَاعَ فَشَمِلَ مَا بَاعَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ وَمَا بَاعَهُ أَصَالَةً أَوْ وَكَالَةً كَمَا شَمِلَ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ إذَا كَانَ هُوَ الْبَائِعَ اهـ. فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ شَيْئًا أَصَالَةً بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ وَكَالَةً عَنْ غَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ شِرَاؤُهُ بِالْأَقَلِّ لَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ وَكِيلِهِ بِإِذْنِهِ كَبَيْعِهِ بِنَفْسِهِ. وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ أَصِيلٌ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ، فَلَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ شِرَاءُ الْبَائِعِ مِنْ وَجْهٍ وَلَا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ وَاقِعٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ الْحُقُوقُ فَكَانَ هَذَا شِرَاءَ مَا بَاعَ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ، كَذَا يُفَادُ مِنْ الزَّيْلَعِيِّ أَيْضًا (قَوْلُهُ مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهُ) مُتَعَلِّقٌ بِشِرَاءُ، وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لِرَجُلٍ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ سَبَبِ الْمِلْكِ كَاخْتِلَافِ الْعَيْنِ زَيْلَعِيٌّ، وَلَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ بِحُكْمِ مِلْكٍ جَدِيدٍ كَإِقَالَةٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إرْثٍ فَشِرَاءُ الْبَائِعِ مِنْهُ بِالْأَقَلِّ جَائِزٌ لَا إنْ عَادَ إلَيْهِ بِمَا هُوَ فَسْخٌ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ بَحْرٌ عَنْ السِّرَاجِ (قَوْلُهُ وَلَوْ حُكْمًا) تَعْمِيمٌ لِقَوْلِهِ مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهُ (قَوْلُهُ كَوَارِثِهِ) أَيْ وَارِثِ الْمُشْتَرِي: أَيْ فَلَوْ اشْتَرَى مِنْ وَارِثِ مُشْتَرِيهِ بِأَقَلَّ مِمَّا اشْتَرَى بِهِ الْمُوَرِّثُ لَمْ يَجُزْ لِقِيَامِ الْوَارِثِ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى وَارِثُ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ بِهِ مُوَرِّثُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إنْ كَانَ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ وَارِثَ الْبَائِعِ إنَّمَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِيمَا يُوَرَّثُ. وَهَذَا مِمَّا لَا يُوَرَّثُ، وَوَارِثُ الْمُشْتَرِي قَامَ مَقَامَهُ فِي مِلْكِ الْعَيْنِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قَدْرِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ) وَكَالْقَدْرِ الْوَصْفُ، كَمَا لَوْ بَاعَ بِأَلْفِ سَنَةٍ فَاشْتَرَاهُ بِهِ إلَى سَنَتَيْنِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ قَبْلَ نَقْدِ كُلِّ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ بَعْدَهُ لَا فَسَادَ، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ النَّقْدِ، وَإِنْ بَقِيَ دِرْهَمٌ. وَفِي الْقُنْيَةِ: لَوْ قَبَضَ نِصْفَ الثَّمَنِ ثُمَّ اشْتَرَى النِّصْفَ بِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ بَحْرٌ قُلْت: وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ إدْخَالَ الشَّارِحِ لَفْظَةَ كُلِّ لَا مَحَلَّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ أَنَّ قَبْلَ نَقْدِ الْبَعْضِ لَا يَفْسُدُ وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَقْدَ كُلِّ الثَّمَنِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الشِّرَاءِ لَا لِفَسَادِهِ؛ لِأَنَّهُ يَفْسُدُ قَبْلَ نَقْدِ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ. فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَإِنْ رَخُصَ السِّعْرُ) ؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَ السِّعْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ كَمَا فِي حَقِّ الْغَاصِبِ وَغَيْرِهِ فَعَادَ إلَيْهِ الْمَبِيعُ كَمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَيَظْهَرُ الرِّبْحُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لِلرِّبَا) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ: أَيْ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ عَيْنُ مَالِهِ بِالصِّفَةِ الَّتِي خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَصَارَ بَعْضُ الثَّمَنِ قِصَاصًا بِبَعْضٍ بَقِيَ لَهُ عَلَيْهِ فَضْلًا بِلَا عِوَضٍ فَكَانَ ذَلِكَ رِبْحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَهُوَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ كَابْنِهِ وَأَبِيهِ) وَكَعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ هَؤُلَاءِ كَشِرَاءِ الْبَائِعِ بِنَفْسِهِ لِاتِّصَالِ مَنَافِعِ الْمَالِ بَيْنَهُمْ، وَهُوَ نَظِيرُ الْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ إذَا عَقَدَ مَعَ هَؤُلَاءِ زَيْلَعِيٌّ: أَيْ نَظِيرُ مَا لَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ مِنْ ابْنِهِ وَنَحْوِهِ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ شِرَاءُ هَؤُلَاءِ بِالْأَقَلِّ لِأَنْفُسِهِمْ، أَمَّا لَوْ اشْتَرَوْا بِالْوَكَالَةِ عَنْ الْبَائِعِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ كَانُوا أَجَانِبَ عَنْهُ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ بِوَكِيلِهِ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ عَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ) فَشِرَاؤُهُمَا مُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِهِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، وَلَهُ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ حَقُّ الْمِلْكِ فَكَانَ تَصَرُّفُهُ كَتَصَرُّفِهِ (قَوْلُهُ جَازَ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي أَقَلَّ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَظْهَرُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ. اهـ مِنَحٌ؛ وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ انْتَقَصَ يَكُونُ النُّقْصَانُ مِنْ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ مَا نَقَصَ مِنْ الْعَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ النُّقْصَانُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 كَمَا لَوْ شَرَاهُ بِأَزْيَدَ أَوْ بَعْدَ النَّقْدِ. (وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ جِنْسٌ وَاحِدٌ) فِي ثَمَانِ مَسَائِلَ مِنْهَا (هُنَا) وَفِي قَضَاءِ دَيْنٍ وَشُفْعَةٍ وَإِكْرَاهٍ وَمُضَارَبَةٍ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَبَقَاءً   [رد المحتار] مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْهَا أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ شَرَاهُ إلَخْ) تَشْبِيهٌ فِي الْجَوَازِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قَوْلِهِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ بِأَزْيَدَ أَوْ بَعْدَ النَّقْدِ) وَمِثْلُ الْأَزْيَدِ الْمُسَاوِي كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِالْأَقَلِّ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ. [مَطْلَبٌ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي مَسَائِلَ] َ (قَوْلُهُ وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ جِنْسٌ وَاحِدٌ) حَتَّى لَوْ كَانَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ بِالدَّرَاهِمِ فَاشْتَرَاهُ بِالدَّنَانِيرِ، وَقِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ صُورَةً، وَجِنْسٌ وَاحِدٌ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الثَّمَنِيَّةُ، فَبِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ يَصِحُّ وَبِالنَّظَرِ إلَى الثَّانِي لَا يَصِحُّ فَغَلَّبْنَا الْمُحَرَّمَ عَلَى الْمُبِيحِ زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ فِي ثَمَانِ مَسَائِلَ) الَّذِي فِي الْمِنَحِ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ أَنَّ الْمَسَائِلَ سَبْعٌ غَيْرُ الْأَرْبَعَةِ الْمَزِيدَةِ. اهـ ح وَزَادَ الشَّارِحُ مَسْأَلَةَ الْمُضَارَبَةِ ابْتِدَاءً (قَوْلُهُ مِنْهَا هُنَا) مِنْ اسْمٌ بِمَعْنَى بَعْضٍ مُبْتَدَأٌ مُضَافٌ إلَى الضَّمِيرِ، وَهُنَا اسْمُ مَكَان مَجَازِيٍّ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْإِشَارَةِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِمَحْذُوفٍ خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا خَبَرًا عَنْ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنًى غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ لَا يَصِحُّ الِابْتِدَاءُ بِهِ وَلَوْ قَالَ مِنْهَا مَا هُنَا لَكَانَ أَوْلَى، اهـ ح. قُلْت: مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الِابْتِدَاءِ بِهُنَا صَحِيحٌ، وَلَكِنْ عِلَّتُهُ أَنَّهُ مِنْ الظُّرُوفِ الَّتِي لَا تَتَصَرَّفُ كَمَا فِي الْمُغْنِي لَا مَا ذَكَرَهُ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ الِابْتِدَاءُ بِأَسْمَاءِ الْإِشَارَةِ كُلِّهَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَفِي قَضَاءِ دَيْنٍ) صُورَتُهُ: عَلَيْهِ دَيْنٌ دَرَاهِمُ، وَقَدْ امْتَنَعَ مِنْ الْقَضَاءِ فَوَقَعَ مِنْ مَالِهِ فِي يَدِ الْقَاضِي دَنَانِيرُ كَانَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهَا بِالدَّرَاهِمِ حَتَّى يَقْضِيَ غَرِيمَهُ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الدَّنَانِيرِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا غَيْرُ الدَّنَانِيرِ كَذَلِكَ ط (قَوْلُهُ وَشُفْعَةٍ) صُورَتُهُ أَخْبَرَ الشَّفِيعُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اشْتَرَى الدَّارَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَدْ اشْتَرَاهَا بِدَنَانِيرَ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ لَيْسَ لَهُ طَلَبُهَا وَسَقَطَتْ بِالتَّسْلِيمِ الْأَوَّلِ ط (قَوْلُهُ وَإِكْرَاهٍ) كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعِ عَبْدِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَبَاعَهُ بِخَمْسِينَ دِينَارًا قِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ كَانَ الْبَيْعُ عَلَى حُكْمِ الْإِكْرَاهِ لَا لَوْ بَاعَهُ بِكَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ أَوْ عَرْضٍ، وَالْقِيمَةُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَمُضَارَبَةٍ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَبَقَاءً) لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ التَّقْسِيمَ فِي الْعِمَادِيَّةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ صُورَتَيْنِ فِي الْمُضَارَبَةِ. إحْدَاهُمَا مَا إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ دَرَاهِمَ فَمَاتَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ عُزِلَ الْمُضَارِبُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ وَفِي يَدِهِ دَنَانِيرُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا شَيْئًا، وَلَكِنْ يَصْرِفُ الدَّنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ، وَلَوْ كَانَ مَا فِي يَدِهِ عُرُوضًا أَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا لَهُ أَنْ يُحَوِّلَهُ إلَى رَأْسِ الْمَالِ؛ وَلَوْ بَاعَ الْمَتَاعَ بِالدَّنَانِيرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا إلَّا الدَّرَاهِمَ. ثَانِيَتُهُمَا لَوْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ دَرَاهِمَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ فَاشْتَرَى مَتَاعًا بِكَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ لَزِمَهُ، وَلَوْ اشْتَرَى بِالدَّنَانِيرِ فَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ اسْتِحْسَانًا عِنْدَهُمَا. اهـ مُلَخَّصًا؛ فَالصُّورَةُ الْأُولَى تَصِحُّ مِثَالًا لِلِانْتِهَاءِ، وَالثَّانِيَةُ لِلْبَقَاءِ، لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِيَكُونَ الْأَوْلَى مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، إذْ لَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فِيهَا جِنْسًا وَاحِدًا مَا كَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَصْرِفَ الدَّنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت الشَّارِحَ فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ جَعَلَهُمَا جِنْسَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهَذَا عَيْنُ مَا فَهِمْتُهُ، وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 وَامْتِنَاعِ مُرَابَحَةٍ، وَيُزَادُ زَكَاةٌ وَشَرِكَاتٌ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ وَأُرُوشُ جِنَايَاتٍ كَمَا بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ مَعْزِيًّا لِلْعِمَادِيَّةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ: كُلُّ عِوَضٍ مُلِكَ بِعَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ (وَصَحَّ) الْبَيْعُ (فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِ) كَأَنْ بَاعَ بِعَشَرَةٍ وَلَمْ يَقْبِضْهَا ثُمَّ اشْتَرَاهُ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ بِعَشَرَةٍ فَسَدَ فِي الْأَوَّلِ وَجَازَ فِي الْآخَرِ فَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهِمَا وَلَا يَشِيعُ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّهُ طَارِئٌ. وَلِمَكَانِ الِاجْتِهَادِ (وَ) بَيْعُ (زَيْتٍ عَلَى أَنْ يَزِنَهُ بِظَرْفِهِ وَيَطْرَحَ عَنْهُ بِكُلِّ ظَرْفٍ كَذَا رِطْلًا)   [رد المحتار] وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُضَارَبَةِ ابْتِدَاءً فَقَدْ زَادَهَا الشَّارِحُ. وَقَالَ ط: صُورَتُهُ عَقَدَ مَعَهُ الْمُضَارَبَةَ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ وَبَيَّنَ الرِّبْحَ فَدَفَعَ لَهُ دَرَاهِمَ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ تِلْكَ الدَّنَانِيرُ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ وَالرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا أَوَّلًا، كَذَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ وَامْتِنَاعِ مُرَابَحَةٍ) صُورَتُهُ: اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَبَاعَهُ مُرَابَحَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَيْضًا بِدَنَانِيرَ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَحُطَّ مِنْ الدَّنَانِيرِ رِبْحَهُ، وَهُوَ دِرْهَمَانِ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ، وَلَا يُدْرَكُ ذَلِكَ إلَّا بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْكَيْلِيِّ أَوْ الْوَزْنِيِّ أَوْ الْعُرُوضِ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الثَّانِي اهـ، وَقَوْلُهُ وَلَا يُدْرَكُ. إلَخْ أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَقْوِيمِ الدَّنَانِيرِ بِالدَّرَاهِمِ وَهُوَ مُجَرَّدُ ظَنٍّ، وَمَبْنَى الْمُرَابَحَةِ كَالتَّوْلِيَةِ وَالْوَضِيعَةِ عَلَى الْيَقِينِ بِمَا قَامَ عَلَيْهِ لِتَنْتَفِيَ شُبْهَةُ الْخِيَانَةِ. اهـ ح. (قَوْلُهُ وَيُزَادُ زَكَاةٌ) فَإِنَّهُ يُضَمُّ أَحَدُ الْجِنْسَيْنِ إلَى الْآخَرِ وَيُكْمَلُ بِهِ النِّصَابُ وَيُخْرَجُ زَكَاةُ أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ مِنْ الْآخَرِ ط (قَوْلُهُ وَشَرِكَاتٌ) أَيْ إذَا كَانَ مَالُ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ وَمَالُ الْآخَرِ دَنَانِيرَ فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ شَرِكَةُ الْعِنَانِ بَيْنَهُمَا ط (قَوْلُهُ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُقَوِّمَ، إنْ شَاءَ قَوَّمَ بِدَرَاهِمَ، وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَ بِدَنَانِيرَ وَلَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُ الْجِنْسَيْنِ ط (قَوْلُهُ وَأُرُوشُ جِنَايَاتٍ) كَالْمُوضِحَةِ يَجِبُ فِيهَا نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَفِي الْهَاشِمَةِ الْعُشْرُ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ عُشْرٌ وَنِصْفُ عُشْرٍ وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ. وَالدِّيَةُ إمَّا أَلْفُ دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ مِنْ الْوَرِقِ فَيَجُوزُ التَّقْدِيرُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ أَيِّ الْجِنْسَيْنِ ط. (قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) لَا مَحَلَّ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ هُنَا، وَسَتَأْتِي بِعَيْنِهَا فِي مَحَلِّهَا، وَهُوَ فَصْلُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ عَقِبَ بَابِ الْمُرَابَحَةِ ح (قَوْلُهُ كُلُّ عِوَضٍ إلَخْ) كَالْمَنْقُولِ إذَا اشْتَرَاهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِالْبَيْعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ أَقْرَضَهُ مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَقَوْلُهُ يَنْفَسِخُ: أَيْ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ: أَيْ هَلَاكِ الْعِوَضِ وَالْجُمْلَةُ صِفَةُ عَقْدٍ. قَالَ ط: أَخْرَجَ بِهِ الثَّمَنَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِهِبَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا قَبْلَ قَبْضِهِ، سَوَاءٌ تَعَيَّنَ بِالتَّعْيِينِ كَمَكِيلٍ أَوْ لَا كَنُقُودٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَهُوَ الْمَبِيعُ مَوْجُودٌ، وَيَأْتِي إيضَاحُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَحَلِّهِ. (قَوْلُهُ وَصَحَّ الْبَيْعُ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِ) أَيْ إلَى شِرَاءِ مَا بَاعَهُ بِأَقَلَّ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ بِعَشَرَةٍ) وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُمَا بَخَمْسَةَ عَشَرَ كَمَا فِي النَّهْرِ وَالْفَتْحِ. وَيَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُمَا بِخَمْسَةٍ مَثَلًا أَيْ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَهُوَ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ طَارِئٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ بِانْقِسَامِ الثَّمَنِ أَوْ الْمُقَاصَّةِ فَلَا يَسْرِي زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِمَكَانِ الِاجْتِهَادِ) أَيْ فَكَانَ الْفَسَادُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76 لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ طَرْحُ مِقْدَارِ وَزْنِهِ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ شَرْطِ طَرْحِ وَزْنِ الظَّرْفِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا لَوْ عُرِفَ قَدْرُ وَزْنِهِ (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي نَفْسِ الظَّرْفِ وَقَدْرِهِ) (فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ قَابِضٌ أَوْ مُنْكِرٌ. (وَصَحَّ بَيْعُ الطَّرِيقِ)   [رد المحتار] فِيمَا بِيعَ أَوَّلًا - ضَعِيفًا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ فَلَا يَسْرِي كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا مُدَبَّرٌ لَا يَفْسُدُ فِي الْآخَرِ لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ فِي الْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الرِّبَا، فَلَوْ اُعْتُبِرَتْ فِي الْمَضْمُومِ لَكَانَ اعْتِبَارُ الشُّبْهَةِ الشُّبْهَةَ، وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ إلَخْ) أَيْ وَهَذَا الشَّرْطُ لَيْسَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَيَفْسُدُ بِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِمَّا شَرَطَ أَوْ أَقَلَّ. قَالَ ط: وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِهِ أَنْ لَا يُعْقَدَ الْعَقْدُ إلَّا بَعْدَ وَزْنِهِ تَحَرِّيًا لِلصِّحَّةِ فَيَقُولُ بَعْدَ الْوَزْنِ بِعْتُك مَا فِي هَذَا الظَّرْفِ بِكَذَا وَيَقُولُ الْآخَرُ قَبِلْت فَيَكُونُ هَذَا مِنْ بَيْعِ الْجُزَافِ وَهُوَ صَحِيحٌ حَمَوِيٌّ عَنْ شَرْحِ ابْنِ الشَّلَبِيِّ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ) فَلَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ قَبْلَ أَنْ يَزِنَ الظَّرْفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُشْتَرِي. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ عُرِفَ قَدْرُ وَزْنِهِ) بِبِنَاءِ عُرِفَ لِلْمَجْهُولِ: أَيْ لَوْ عَرَفَاهُ وَشَرَطَا طَرْحَ قَدْرِهِ فَإِنَّهُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَيَجُوزُ (قَوْلُهُ وَقَدْرِهِ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ ط (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ قَابِضٌ أَوْ مُنْكِرٌ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي تَعْيِينِ الزِّقِّ الْمَقْبُوضِ فَالْقَوْلُ لِلْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا، وَإِنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي الزَّيْتِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اخْتِلَافٌ فِي الثَّمَنِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ. وَإِذَا بَرْهَنَ الْبَائِعُ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا لَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ وَمَاتَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَجَاءَ بِالْآخَرِ يَرُدُّهُ بِعَيْبٍ وَاخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمَيِّتِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الثَّمَنِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ لِلْبَائِعِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ أَيْضًا وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ التَّحَالُفَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ قَصْدًا، وَهُنَا الِاخْتِلَافُ فِيهِ تَبَعٌ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الزِّقِّ الْمَقْبُوضِ أَهُوَ هَذَا أَمْ لَا فَلَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَالزِّقُّ: بِالْكَسْرِ الظَّرْفُ. [مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الطَّرِيقِ] ِ (قَوْلُهُ وَصَحَّ بَيْعُ الطَّرِيقِ) ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ بَيْعُ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ وَبَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ، وَفِي الثَّانِي رِوَايَتَانِ اهـ. وَلَمَّا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الثَّانِيَ فِيمَا يَأْتِي عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ هُنَا الْأَوَّلُ. ثُمَّ فِي الدُّرَرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة: الطَّرِيقُ ثَلَاثَةٌ: طَرِيقٌ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ. وَطَرِيقٌ إلَى سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ، وَطَرِيقٌ خَاصٌّ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ فَالْأَخِيرُ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِلَا ذِكْرِهِ أَوْ ذِكْرِ الْحُقُوقِ أَوْ الْمَرَافِقِ، وَالْأَوَّلَانِ يَدْخُلَانِ بِلَا ذِكْرٍ. اهـ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ: لَوْ بَاعَ دَارًا مَثَلًا دَخَلَ فِيهِمَا الْأَوَّلَانِ تَبَعًا بِلَا ذِكْرٍ بِخِلَافِ الثَّالِثِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا هُوَ الثَّالِثُ، وَقَدْ عَلِمْت أَيْضًا أَنَّ الْمُرَادَ بَيْعُ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ لَا حَقِّ الْمُرُورِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَإِذَا كَانَتْ دَارُهُ دَاخِلَ دَارِ رَجُلٍ وَكَانَ لَهُ طَرِيقٌ فِي دَارِ ذَلِكَ الرَّجُلِ إلَى دَارِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْمُرُورِ فَقَطْ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ رَقَبَةُ الطَّرِيقِ فَإِذَا بَاعَ رَقَبَةَ الطَّرِيقِ صَحَّ، فَإِنْ حُدَّ فَظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَلَهُ بِقَدْرِ عَرْضِ بَابِ الدَّارِ الْعُظْمَى كَمَا يَأْتِي. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الطَّرِيقِ وَالطَّرِيقِ الثَّانِي وَهُوَ مَا يَكُونُ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ أَنَّ هَذَا مِلْكٌ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ، وَلِذَا سُمِّيَ خَاصًّا، بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ جَمِيعِ أَهْلِ السِّكَّةِ، وَفِيهِ أَيْضًا حَقٌّ لِلْعَامَّةِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا، وَقَدْ اشْتَبَهَ ذَلِكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَا يَصِحُّ وَمِنْ قِسْمَةِ الْوَهْبَانِيَّةِ: وَلَيْسَ لَهُمْ قَالَ الْإِمَامُ تَقَاسُمٌ ... بِدَرْبٍ وَلَمْ يَنْفُذْ كَذَا الْبَيْعُ يُذْكَرُ وَفِي مُعَايَاتِهَا   [رد المحتار] عَلَى الشُّرُنْبُلَالِيُّ فَرَاجِعْهُ يَظْهَرُ لَك مَا فِيهِ بَعْدَ فَهْمِك مَا قَرَّرْنَاهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ (قَوْلُهُ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ لَا يَصِحُّ) نَقَلَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ الصِّحَّةَ عَنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ فَمَا هُنَا بِنَاءٌ عَلَيْهِ. اهـ ح. قُلْت: عِبَارَةُ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ هَكَذَا: قَوْلُهُ وَصَحَّ بَيْعُ الطَّرِيقِ يُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَسِيلِ الْمَاءِ وَهِبَتُهُ، وَلَا بَيْعُ الطَّرِيقِ بِدُونِ الْأَرْضِ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الشُّرْبِ. وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ جَائِزٌ، وَيُخَالِفُهُ أَيْضًا قَوْلُهُ الْآتِي فِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ. اهـ كَلَامُ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِ الْخَانِيَّةِ: وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ جَائِزٌ أَنَّ خِلَافَهُمْ فِي بَيْعِ الشُّرْبِ أَيْ بِدُونِ أَرْضٍ لَا فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ بِدَلِيلِ فَصْلِهِ بِقَوْلِهِ: وَكَذَلِكَ إلَخْ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الدُّرَرِ خِلَافَهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الشُّرْبِ فَقَطْ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ خِلَافَهُمْ فِي بَيْعِ الْمَسِيلِ وَالطَّرِيقِ فَافْهَمْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ادَّعَاهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَصَحَّ بَيْعُ الطَّرِيقِ مُرَادُهُ بِهِ رَقَبَةُ الطَّرِيقِ بِدَلِيلِ تَعْلِيلِ الدُّرَرِ بِأَنَّهُ عَيْنٌ مَعْلُومٌ وَبِدَلِيلِ ذِكْرِهِ بَيْعَ حَقِّ الْمُرُورِ بَعْدَهُ وَإِلَّا كَانَ تَكْرَارًا وَقَدْ تَابَعَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَمُرَادُ الْخَانِيَّةِ بِبَيْعِ الطَّرِيقِ بَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بِدُونِ الْأَرْضِ، وَقَوْلُهُ وَيُخَالِفُهُ أَيْضًا إلَخْ غَيْرُ مُسَلَّمٍ حَقُّ الْمُرُورِ لَا فِي بَيْعٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ الزِّيَادَاتِ إنَّمَا ذَكَرَهَا فِي الدُّرَرِ فِي بَيْعِ الطَّرِيقِ فَمِنْ أَيْنَ الْمُخَالَفَةُ؟ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الطَّرِيقِ وَهِبَتِهِ مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُلْتَقَى أَيْضًا بِلَا ذِكْرِ خِلَافٍ، وَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِي بَيْعِ حَقِّ الْمُرُورِ كَمَا يَأْتِي. [تَنْبِيهٌ] بَاعَ رَقَبَةَ الطَّرِيقِ عَلَى أَنَّ لَهُ: أَيْ لِلْبَائِعِ حَقَّ الْمُرُورِ، أَوْ السُّفْلَ عَلَى أَنَّ لَهُ إقْرَارَ الْعُلْوِ جَازَ فَتْحٌ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَالْبَيْعُ إلَى النَّيْرُوزِ (قَوْلُهُ وَمِنْ قِسْمَةِ الْوَهْبَانِيَّةِ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَالْبَيْتُ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ: أَيْ هَذَا الْبَيْتُ مَنْقُولٌ مِنْهَا ط (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُمْ إلَخْ) جُمْلَةٌ قَالَ الْإِمَامُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ بَعْضِ الْمَقُولِ، وَهُوَ خَبَرُ لَيْسَ الْمُقَدَّمُ وَاسْمُهَا الْمُؤَخَّرُ، الْوَاوُ فِي وَلَمْ يَنْفُذْ لِلْحَالِ: أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الدَّرْبَ لَيْسَ بِنَافِذٍ. قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ التَّتِمَّةِ عَنْ نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ: لَيْسَ لِأَصْحَابِهَا أَنْ يَبِيعُوهَا وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ وَلَا أَنْ يَقْسِمُوهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ الْأَعْظَمَ إذَا كَثُرَ النَّاسُ فِيهِ كَانَ لَهُمْ أَنْ يُدْخِلُوا هَذِهِ السِّكَّةَ حَتَّى يَخِفَّ هَذَا الزِّحَامُ. قَالَ النَّاطِفِيُّ: وَقَالَ شَدَّادٌ فِي دُورٍ بَيْنَ خَمْسَةٍ: بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الطَّرِيقِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الْمُرُورُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ دَارَ الْبَائِعِ وَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَنْصِبُوا عَلَى رَأْسِ سِكَّتِهِمْ دَرْبًا وَيَسُدُّوا رَأْسَ السِّكَّةِ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مِلْكًا لَهُمْ ظَاهِرًا لَكِنْ لِلْعَامَّةِ فِيهَا نَوْعُ حَقٍّ اهـ مُلَخَّصًا. ثُمَّ أَفَادَ أَنَّ مَا تَوَهَّمَهُ النَّاظِمُ فِي شَرْحِهِ مِنْ اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ مَدْفُوعٌ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُسْتُمَ فِي بَيْعِ الْكُلِّ، وَمَا ذَكَرَهُ شَدَّادٌ فِي بَيْعِ الْبَعْضِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّانِيَ لَا يُفْضِي إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْعَامَّةِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. هَذَا، وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَرَّرْنَا سَابِقًا أَنَّ مَا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ الطَّرِيقُ الْخَاصُّ الْمَمْلُوكُ لِوَاحِدٍ وَهَذَا طَرِيقٌ مُشْتَرَكٌ فِي سِكَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ (قَوْلُهُ وَفِي مُعَايَاتِهَا) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَالْبَيْتُ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَجُمْلَةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 وَارْتَضَاهُ فِي أَلْغَازِ الْأَشْبَاهِ: وَمَالِكُ أَرْضٍ لَيْسَ يَمْلِكُ بَيْعَهَا ... لِغَيْرِ شَرِيكٍ ثُمَّ لَوْ مِنْهُ يُنْظَرُ (حُدَّ) أَيْ بُيِّنَ لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ (أَوَّلًا وَهِبَتُهُ) وَإِنْ لَمْ يُبَيَّنْ يُقَدَّرُ بِعَرْضِ بَابِ الدَّارِ الْعُظْمَى (لَا بَيْعُ مَسِيلِ الْمَاءِ وَهِبَتُهُ) لِجَهَالَتِهِ، إذْ لَا يَدْرِي قَدْرَ مَا يَشْغَلُهُ مِنْ الْمَاءِ.   [رد المحتار] وَارْتَضَاهُ إلَخْ مُعْتَرِضَةٌ وَالضَّمِيرُ لِلْوَهْبَانِيَّةِ وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ، مِنْ عَايَاهُ: إذَا سَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ يَظُنُّ عَجْزَهُ عَنْ جَوَابِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ عَيِيَ عَنْ جَوَابِهِ: إذَا عَجَزَ، وَتَمَامُهُ فِي ط عَنْ ابْنِ الشِّحْنَةِ. قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَالْمُعَايَاةُ عِنْدَ الْفَرْضِيِّينَ كَالْأَلْغَازِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالْأَحَاجِي عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ مَا يُسْتَخْرَجُ بِالْحَزْرِ يُقَوِّي الْحِجَا: أَيْ الْعَقْلَ وَالْأَلْغَازُ: جَمْعُ لُغْزٍ بِضَمِّ اللَّامِ، وَقِيلَ بِفَتْحِهَا وَبِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ (قَوْلُهُ وَارْتَضَاهُ فِي أَلْغَازِ الْأَشْبَاهِ) حَقُّهُ أَنْ يُذْكَرَ عِنْدَ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ الَّذِي فِي أَلْغَازِ الْأَشْبَاهِ هَكَذَا أَيْ شُرَكَاءُ فِيمَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ إذَا طَلَبُوهَا لَمْ يُقْسَمْ، فَقُلْ: السِّكَّةُ الْغَيْرُ النَّافِذَةِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَقْتَسِمُوهَا، وَإِنْ أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ وَمَالِكُ أَرْضٍ إلَخْ) هِيَ الْأَرْضُ الْمَمْلُوكَةُ مِنْ السِّكَّةِ الْغَيْرِ النَّافِذَةِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهَا مِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ. قَالَ وَلَوْ بَاعَهَا لِبَعْضِ الشُّرَكَاءِ هَلْ يَجُوزُ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى الْجَوَابِ فِيهِ اهـ. قُلْت: ظَاهِرُ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الطَّرِيقِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مُطْلَقًا حَالَةَ الِانْفِرَادِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ بِالتَّبَعِيَّةِ فِيمَا إذَا بَاعَ الدَّارَ وَطَرِيقَهَا قَالَهُ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ. قُلْت: الَّذِي تَقَدَّمَ عَنْ شَدَّادٍ جَوَازُ الْبَيْعِ، ثُمَّ عَدَمُ الْجَوَازِ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ بِالْجَوَازِ ط. قُلْت: قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ إلَخْ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا، وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَهِبَتُهُ كَمَا فَعَلَ فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ يُقَدَّرُ بِعَرْضِ بَابِ الدَّارِ الْعُظْمَى) عَزَاهُ فِي الدُّرَرِ إلَى النِّهَايَةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ: وَطُولُهُ إلَى السِّكَّةِ النَّافِذَةِ، ثُمَّ قَالَ فِي الدُّرَرِ: وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَكُونُ عَيْنًا مَعْلُومًا فَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعُظْمَى صِفَةٌ لِبَابٍ وَأَنَّثَهَا لِاكْتِسَابِ الْبَابِ التَّأْنِيثَ بِإِضَافَتِهِ إلَى الدَّارِ الْمُؤَنَّثَةِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ دَارٌ فِي دَاخِلِ دَارِ جَارِهِ مَثَلًا وَطَرِيقٌ فِي دَارِ الْجَارِ فَبَاعَ الطَّرِيقَ وَحْدَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي مِنْ دَارِ الْجَارِ بِعَرْضِ بَابِ دَارِ الْبَائِعِ، فَلَوْ كَانَ لَهَا بَابَانِ الْأَوَّلُ أَعْظَمُ مِنْ الثَّانِي كَانَ لَهُ بِقَدْرِ الْبَابِ الْأَعْظَمِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَطَرِيقُ الدَّارِ عَرْضُهُ عَرْضُ الْبَابِ الَّذِي هُوَ مَدْخَلُهَا وَطُولُهُ مِنْهُ إلَى الشَّارِعِ اهـ. وَفِي الْفَتْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا إلَخْ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُك الدَّارَ الْخَارِجَةَ عَلَى أَنْ تَجْعَلَ لِي طَرِيقًا إلَى دَارِي هَذِهِ الدَّاخِلَةِ فَسَدَ الْبَيْعُ، وَلَوْ قَالَ إلَّا طَرِيقًا إلَى دَارِي الدَّاخِلَةِ جَازَ وَطَرِيقُهُ بِعَرْضِ بَابِ الدَّارِ الْخَارِجَةِ اهـ. [فَرْعٌ] فِي الْخَانِيَّةِ: بَاعَ نَخْلَةً فِي أَرْضٍ صَحْرَاءَ بِطَرِيقِهَا مِنْ الْأَرْضِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَوْضِعَ الطَّرِيقِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ، وَلَهُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى النَّخْلَةِ مِنْ أَيِّ النَّوَاحِي شَاءَ اهـ فَأَفَادَ جَوَازَ بَيْعِ الطَّرِيقِ تَبَعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُقَدَّرُ بِهِ تَأَمَّلْ. [مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْمَسِيلِ أَيْ مَسِيل الْمَاء] مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْمَسِيلِ (قَوْلُهُ لَا بَيْعُ مَسِيلِ الْمَاءِ) هَذَا أَيْضًا يَحْتَمِلُ بَيْعَ رَقَبَةِ الْمَسِيلِ وَبَيْعُ حَقِّ التَّسْيِيلِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلَكِنْ لَمَّا قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَهُ لَا بَيْعُ حَقِّ التَّسْيِيلِ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ هُنَا بَيْعُ رَقَبَةِ الْمَسِيلِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 (وَصَحَّ بَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ تَبَعًا) لِلْأَرْضِ (بِلَا خِلَافٍ وَ) مَقْصُودًا (وَحْدَهُ فِي رِوَايَةٍ) وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ شُمُنِّيٌّ وَفِي أُخْرَى لَا، وَصَحَّحَهُ أَبُو اللَّيْثِ (وَكَذَا) بَيْعُ (الشِّرْبِ) وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَسَادُهُ إلَّا تَبَعًا خَانِيَّةٌ وَشَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ، وَسَنُحَقِّقُهُ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ (لَا) يَصِحُّ (بَيْعُ حَقِّ التَّسْيِيلِ وَهِبَتُهُ) سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ لِجَهَالَةِ مَحَلِّهِ كَمَا مَرَّ أَوْ عَلَى السَّطْحِ   [رد المحتار] وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الطَّرِيقَ مَعْلُومٌ؛ لِأَنَّ لَهُ طُولًا وَعَرْضًا مَعْلُومًا كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا الْمَسِيلُ فَمَجْهُولٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي قَدْرَ مَا يَشْغَلُهُ مِنْ الْمَاءِ اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمِنْ هُنَا عُرِفَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ، أَمَّا لَوْ بَيَّنَ حَدَّ مَا يَسِيلُ فِيهِ الْمَاءُ أَوْ بَاعَ أَرْضَ الْمَسِيلِ مِنْ نَهْرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ حَقِّ التَّسْيِيلِ فَهُوَ جَائِزٌ بَعْدَ أَنْ يُبَيِّنَ حُدُودَهُ اهـ (قَوْلُهُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَبَعًا لِأَرْضِ الطَّرِيقِ، بِأَنْ بَاعَ الطَّرِيقَ وَحَقَّ الْمُرُورِ فِيهِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا إذَا كَانَ لَهُ حَقُّ الْمُرُورِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ إلَى أَرْضِهِ فَبَاعَ أَرْضِهِ مَعَ حَقِّ مُرُورِهَا الَّذِي فِي أَرْضِ الْغَيْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، وَلِقَوْلِهِمْ إنَّهُ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِذِكْرِهِ أَوْ بِذِكْرِ كُلِّ حَقٍّ لَهَا وَهَذَا خَاصٌّ بِالثَّانِي كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ) قَالَ السَّائِحَانِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى مُضْمَرَاتٌ اهـ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّ التَّعَلِّي حَيْثُ لَا يَجُوزُ هُوَ أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْأَرْضِ، وَهِيَ مَالٌ هُوَ عَيْنٌ، فَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ. أَمَّا حَقُّ التَّعَلِّي فَمُتَعَلِّقٌ بِالْهَوَاءِ، وَهُوَ لَيْسَ بِعَيْنِ مَالٍ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَفِي أُخْرَى لَا) قَالَ فِي الدُّرَرِ: وَفِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَا يَجُوزُ وَصَحَّحَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ بِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ وَبَيْعُ الْحُقُوقِ بِانْفِرَادِهِ لَا يَجُوزُ. اهـ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي تَوَهَّمَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مُخَالَفَتَهَا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالدُّرَرِ: وَصَحَّ بَيْعُ الطَّرِيقِ، وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ. [مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الشِّرْبِ] ِ (قَوْلُهُ وَكَذَا بَيْعُ الشِّرْبِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ بِالْإِجْمَاعِ، وَحْدَهُ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَلْخٍ؛ لِأَنَّهُ نَصِيبٌ مِنْ الْمَاءِ دُرَرٌ، وَمَحَلُّ الِاتِّفَاقِ مَا إذَا كَانَ شِرْبَ تِلْكَ الْأَرْضِ، فَلَوْ شِرْبَ غَيْرِهَا فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَسَادُهُ) إلَّا تَبَعًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ بَاطِلٌ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا لَا بَاطِلًا؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ يَجُوزُ فِي رِوَايَةٍ، وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِبَيْعِهِ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْفَاسِدِ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ، فَإِذَا بَاعَهُ بَعْدَهُ أَيْ مَعَ أَرْضٍ لَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْأَصْلِ: لَوْ بَاعَهُ بِعَبْدٍ وَقَبَضَ الْعَبْدَ وَأَعْتَقَهُ جَازَ عِتْقُهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الشِّرْبُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ لَمَا جَازَ عِتْقُهُ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِمَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ فَأَعْتَقَهُ لَا يَجُوزُ اهـ. وَأَمَّا ضَمَانُهُ بِالْإِتْلَافِ بِأَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ بِشِرْبِ غَيْرِهِ فَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْفَتْوَى عَلَى عَدَمِهِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَهُوَ صُحٌّ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَسَنُحَقِّقُهُ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ) حَيْثُ قَالَ هُوَ وَالْمُصَنِّفُ هُنَاكَ: وَلَا يُبَاعُ الشِّرْبُ، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُؤَجَّرُ وَلَا يُتَصَدَّقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ثُمَّ نُقِلَ عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّ بَعْضَهُمْ جَوَّزَ بَيْعَهُ ثُمَّ قَالَ: وَيَنْفُذُ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ. اهـ. ط (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ حَقِّ التَّسْيِيلِ إلَخْ) أَيْ بِاتِّفَاقِ الْمَشَايِخِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّ الْمُرُورِ عَلَى رِوَايَةِ جَوَازِهِ أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ مَعْلُومٌ لِتَعَلُّقِهِ بِمَحَلٍّ مَعْلُومٍ وَهُوَ الطَّرِيقُ، أَمَّا التَّسْيِيلُ، فَإِنْ كَانَ عَلَى السَّطْحِ فَهُوَ نَظِيرُ حَقِّ التَّعَلِّي وَبَيْعُ حَقِّ التَّعَلِّي لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَمَرَّ وَجْهُهُ، وَهُوَ لَيْسَ حَقًّا مُتَعَلِّقًا بِمَا هُوَ مَالٌ بَلْ بِالْهَوَاءِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ، وَهُوَ أَنْ يَسِيلَ الْمَاءُ عَنْ أَرْضِهِ كَيْ لَا يُفْسِدَهَا فَيُمِرَّهُ عَلَى أَرْضٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 لِأَنَّهُ حَقُّ التَّعَلِّي، وَقَدْ مَرَّ بُطْلَانُهُ (وَ) لَا (الْبَيْعُ) بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ (إلَى النَّيْرُوزِ) هُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الرَّبِيعِ تَحُلُّ فِيهِ الشَّمْسُ بُرْجَ الْحَمَلِ وَهَذَا نَيْرُوزُ السُّلْطَانِ، وَنَيْرُوزُ الْمَجُوسِ يَوْمَ تَحُلُّ فِي الْحُوتِ، وَعَدَّهُ الْبُرْجَنْدِيُّ سَبْعَةً فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنَا فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ ابْنُ كَمَالٍ (وَالْمِهْرَجَانِ) هُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الْخَرِيفِ تَحِلُّ فِيهِ الشَّمْسُ بُرْجَ الْمِيزَانِ (وَصَوْمِ النَّصَارَى) فِطْرِهِمْ (وَفِطْرِ الْيَهُودِ) وَصَوْمِهِمْ فَاكْتُفِيَ بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا سِرَاجٌ (إذَا لَمْ يَدْرِهِ الْمُتَعَاقِدَانِ) النَّيْرُوزَ وَمَا بَعْدَهُ، فَلَوْ عَرَفَاهُ جَازَ (بِخِلَافِ فِطْرِ النَّصَارَى بَعْدَ مَا شَرَعُوا فِي صَوْمِهِمْ) لِلْعِلْمِ بِهِ وَهُوَ خَمْسُونَ يَوْمًا   [رد المحتار] لِغَيْرِهِ فَهُوَ مَجْهُولٌ لِجَهَالَةِ مَحَلِّهِ الَّذِي يَأْخُذُهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ التَّعَلِّي) أَيْ نَظِيرُهُ. (قَوْلُهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ) أَيْ ثَمَنِ دَيْنٍ، أَمَّا تَأْجِيلُ الْمَبِيعِ، وَالثَّمَنُ الْعَيْنُ فَمُفْسِدٌ مُطْلَقًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ إلَى النَّيْرُوزِ) أَصْلُهُ نَوْرُوزُ عُرِّبَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَالَ: كُلُّ يَوْمٍ لَنَا نَوْرُوزُ، حِينَ كَانَ الْكُفَّارُ يَبْتَهِجُونَ بِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْحُوتِ) الَّذِي فِي الْحَمَوِيِّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ: الْجَدْيُ ط. قُلْت: وَهَذَا أَوَّلُ فَصْلِ الشِّتَاءِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَذْكُورٌ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنَا إلَخْ) أَيْ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْعَاقِدَانِ وَاحِدًا مِنْ السَّبْعَةِ فَسَدَ. أَمَّا إذَا بَيَّنَّاهُ اُعْتُبِرَ مَعْرِفَةُ وَقْتِهِ فَإِنْ عُرِفَ صَحَّ وَإِلَّا فَسَدَ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ وَالْمِهْرَجَانُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ ط عَنْ الْمِفْتَاحِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّهُ نَوْعَانِ: عَامَّةٌ وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الْخَرِيفِ أَعْنِي الْيَوْمَ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ مهرماه. وَخَاصَّةٌ وَهُوَ الْيَوْمُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ مِنْهُ (قَوْلُهُ فَاكْتَفَى بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا) وَلَكِنْ إنَّمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ كَغَيْرِهِ لِمَا قَالَهُ فِي السِّرَاجِ أَيْضًا: إنَّ صَوْمَ النَّصَارَى غَيْرُ مَعْلُومٍ وَفِطْرَهُمْ مَعْلُومٌ، وَالْيَهُودُ بِعَكْسِهِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ إذَا لَمْ يَدْرِ الْمُتَعَاقِدَانِ (قَوْلُهُ فَلَوْ عَرَفَاهُ جَازَ) أَيْ عَرَفَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا، فَلَوْ عَرَفَهُ أَحَدُهُمَا فَلَا أَفَادَهُ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ لِلْعِلْمِ بِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ صَوْمِهِمْ بِالْأَيَّامِ، فَهِيَ مَعْلُومَةٌ فَلَا جَهَالَةَ فَلَا. اهـ. وَمُفَادُهُ أَنَّ صَوْمَ الْيَهُودِ لَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُفْسِدَ الْجَهَالَةُ، فَإِذَا انْتَفَتْ بِالْعِلْمِ بِخُصُوصِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ (قَوْلُهُ وَهُوَ خَمْسُونَ يَوْمًا) كَذَا فِي الدُّرَرِ التُّمُرْتَاشِيُّ. وَفِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: صَوْمُ النَّصَارَى سَبْعَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا مُدَّةَ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَإِنَّ ابْتِدَاءَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 (وَ) لَا (إلَى قُدُومِ الْحَاجِّ وَالْحَصَادِ) لِلزَّرْعِ (وَالدِّيَاسِ) لِلْحَبِّ (وَالْقِطَافِ) لِلْعِنَبِ؛ لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ. (وَلَوْ) (بَاعَ مُطْلَقًا عَنْهَا) أَيْ عَنْ هَذِهِ الْآجَالِ (ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ) الدَّيْنَ، أَمَّا تَأْجِيلُ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ الْعَيْنِيِّ فَمُفْسِدٌ وَلَوْ إلَى مَعْلُومٍ شُمُنِّيٌّ (إلَيْهَا صَحَّ) التَّأْجِيلُ (كَمَا لَوْ كَفَلَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ) ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مُتَحَمَّلَةٌ فِي الدَّيْنِ وَالْكَفَالَةِ لَا الْفَاحِشَةِ (أَوْ أَسْقَطَ) الْمُشْتَرِي (الْأَجَلَ) فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ (قَبْلَ حُلُولِهِ) وَقَبْلَ فَسْخِهِ (وَ) قَبْلَ (الِافْتِرَاقِ) حَتَّى لَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْإِسْقَاطِ تَأَكَّدَ الْفَسَادُ وَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا اتِّفَاقًا. ابْنُ كَمَالٍ وَابْنُ مَلَكٍ: كَجَهَالَةٍ فَاحِشَةٍ   [رد المحتار] صَوْمِهِمْ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ الَّذِي يَكُونُ قَرِيبًا مِنْ اجْتِمَاعِ النِّيرَيْنِ الْوَاقِعِ ثَانِي شُبَاطَ مِنْ آذَارَ، وَلَا يَصُومُونَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَلَا يَوْمَ السَّبْتِ إلَّا يَوْمَ السَّبْتِ الثَّامِنِ وَالْأَرْبَعِينَ، وَيَكُونُ فِطْرُهُمْ يَعْنِي يَوْمَ عِيدِهِمْ يَوْمَ الْأَحَدِ بَعْدَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَالْحَصَادِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَمِثْلُهُ الْقِطَافُ وَالدِّيَاسُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالدِّيَاسِ) هُوَ دَوْسُ الْحَبِّ بِالْقَدَمِ لِيَنْقَشِرَ، وَأَصْلُهُ الدِّوَاسُ بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدَّوْسِ قُلِبَتْ يَاءً لِلْكَسْرَةِ قَبْلَهَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ قَوْلِهِ إلَى قُدُومِ، وَمَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْفَسَادِ بِهَذِهِ الْآجَالِ إنَّمَا هُوَ إذَا ذُكِرَتْ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا ذُكِرَتْ بَعْدَهُ كَمَا لَوْ أَلْحَقَا بَعْدَ الْعَقْدِ شَرْطًا فَاسِدًا، وَيَأْتِي تَصْحِيحٌ أَنَّهُ لَا يَلْتَحِقُ (قَوْلُهُ شُمُنِّيٌّ) وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ صَحَّ التَّأْجِيلُ) كَذَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ أَوَّلَ الْبُيُوعِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَصَحَّ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَمُؤَجَّلٍ إلَى مَعْلُومٍ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ مُتَحَمَّلَةٌ فِي الدَّيْنِ) رَاجِعْ إلَى قَوْلِهِ وَلَوْ بَاعَ مُطْلَقًا إلَخْ، يَعْنِي أَنَّ التَّأْجِيلَ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ تَأْجِيلُ دَيْنٍ مِنْ الدُّيُونِ فَتُتَحَمَّلُ فِيهِ الْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ بِخِلَافِهِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ قَبُولَ هَذِهِ الْآجَالِ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَالْعَقْدُ يَفْسُدُ بِهِ أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَالْكَفَالَةِ) فَإِنَّهَا تَتَحَمَّلُ جَهَالَةَ الْأَصْلِ كَالْكَفَالَةِ بِمَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ وَالذَّوْبُ غَيْرُ مَعْلُومِ الْوُجُودِ فَتَحِلُّ جَهَالَةُ الْوَصْفِ وَهُوَ الْأَجَلُ بِالْأَوْلَى، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَا الْفَاحِشَةِ) كَإِلَى هُبُوبِ الرِّيحِ وَنَحْوِهِ كَمَا يَأْتِي. قَالَ فِي النَّهْرِ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْيَسِيرَةَ مَا كَانَتْ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ، وَالْفَاحِشَةُ مَا كَانَتْ فِي الْوُجُودِ كَهُبُوبِ الرِّيحِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ اهـ. [تَنْبِيهٌ] فِي الزَّاهِدِيِّ: بَاعَهُ بِثَمَنٍ نِصْفُهُ نَقْدٌ وَنِصْفُهُ إذَا رَجَعَ مِنْ بَلَدِ كَذَا فَهُوَ فَاسِدٌ (قَوْلُهُ أَوْ أَسْقَطَ الْمُشْتَرِي الْأَجَلَ) وَجْهُ الصِّحَّةِ أَنَّ الْفَسَادَ كَانَ لِلتَّنَازُعِ وَقَدْ ارْتَفَعَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ، وَأَفَادَ أَنَّ مَنْ لَهُ الْحَقُّ يَسْتَبِدُّ بِإِسْقَاطِهِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْقُدُورِيِّ تَرَاضَيَا عَلَى إسْقَاطِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَهُ بَعْدَ حُلُولِهِ لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا مِنَحٌ: أَيْ لَوْ قَالَ أَبْطَلْت التَّأْجِيلَ الَّذِي شَرَطْته فِي الْعَقْدِ لَا يَبْطُلُ وَيَبْقَى الْفَسَادُ لِتَقَرُّرِهِ بِمُضِيِّ الْأَجَلِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ إسْقَاطَ الْأَجَلِ الْمَاضِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَقَبْلَ فَسْخِهِ) أَيْ فَسْخِ الْعَقْدِ. أَمَّا لَوْ فَسَخَهُ لِلْفَسَادِ ثُمَّ أَسْقَطَ الْأَجَلَ لَا يَعُودُ الْعَقْدُ صَحِيحًا لِارْتِفَاعِهِ بِالْفَسْخِ (قَوْلُهُ وَقَبْلَ الِافْتِرَاقِ) هَذَا فِي الْأَجَلِ الْمَجْهُولِ جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً كَمَا يَأْتِي فَلَا مَحَلَّ لِذِكْرِهِ هُنَا، وَلِذَا اعْتَرَضَهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ إطْبَاقَ الْمُتُونِ عَلَى عَدَمِ ذِكْرِهِ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ، وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: لَوْ أَسْقَطَ الْمُشْتَرِي الْأَجَلَ قَبْلَ أَخْذِ النَّاسِ فِي الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَقَبْلَ قُدُومِ الْحَاجِّ جَازَ الْبَيْعُ، صَرِيحٌ بِانْقِلَابِهِ جَائِزًا وَلَوْ بَعْدَ أَيَّامٍ، وَلَوْ شَرَطْنَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لَمَا صَحَّ قَوْلُهُ قَبْلَ أَخْذِ النَّاسِ إلَخْ، وَإِذَا تَتَبَّعْتَ كَلَامَهُمْ جَمِيعًا وَجَدْته كَذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ ابْنُ كَمَالٍ وَابْنُ مَلَكٍ) أَقُولُ: عَزَاهُ ابْنُ كَمَالٍ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَعَزَاهُ ابْنُ الْمَلَكِ إلَى الْحَقَائِقِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْحَقَائِقِ وَهُوَ شَرْحُ الْمَنْظُومَةِ النَّسَفِيَّةِ فِي بَابِ مَا اخْتَصَّ بِهِ زُفَرُ هَكَذَا: اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا سَوَاءٌ كَانَتْ الْجَهَالَةُ مُتَقَارِبَةً كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ مَثَلًا أَوْ مُتَفَاوِتَةً كَهُبُوبِ الرِّيحِ وَقُدُومِ وَاحِدٍ مِنْ سَفَرِهِ، فَإِنْ أَبْطَلَ الْمُشْتَرِي الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ الْمُتَقَارِبَ قَبْلَ مَحَلِّهِ وَقَبْلَ فَسْخِ الْعَقْدِ بِالْفَسَادِ انْقَلَبَ الْبَيْعُ جَائِزًا عِنْدَنَا. وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَنْقَلِبُ، وَلَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 كَهُبُوبِ الرِّيحِ وَمَجِيءِ مَطَرٍ فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَإِنْ أَبْطَلَ الْأَجَلَ عَيْنِيٌّ (أَوْ أَمَرَ الْمُسْلِمُ بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ شِرَائِهِمَا) أَيْ وَكَّلَ الْمُسْلِمُ (ذِمِّيًّا أَوْ) أَمَرَ (الْمُحْرِمُ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ الْمُحْرِمِ (بِبَيْعِ صَيْدِهِ) يَعْنِي صَحَّ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ مَعَ أَشَدِّ كَرَاهَةٍ كَمَا صَحَّ مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّتِهِ وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ إلَى الْآمِرِ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ. وَقَالَا: لَا يَصِحُّ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْبُرْهَانِ   [رد المحتار] إبْطَالِ الْأَجَلِ تَأَكَّدَ الْفَسَادُ وَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا إجْمَاعًا، وَإِنْ أَبْطَلَ الْمُشْتَرِي الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ الْمُتَفَاوِتَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَنَقْدِ الثَّمَنِ انْقَلَبَ جَائِزًا عِنْدَنَا. وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا، وَلَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْإِبْطَالِ تَأَكَّدَ الْفَسَادُ وَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا إجْمَاعًا مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي أَوَّلِ السَّلَمِ. قُلْت: ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ مُطْلَقًا، وَقَدْ بَيَّنْت أَنَّ إسْقَاطَ كُلِّ وَاحِدٍ مُؤَقَّتٌ بِوَقْتٍ عَلَى حِدَةٍ. اهـ مَا فِي الْحَقَائِقِ، وَقَدَّمْنَا مِثْلَهُ أَوَّلَ الْبُيُوعِ عَنْ الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ، وَرَأَيْته مَنْقُولًا أَيْضًا عَنْ الْبَدَائِعِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ اعْتِبَارَ إبْطَالِ الْأَجَلِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَجَلِ الْمَجْهُولِ الْمُتَفَاوِتِ، أَيْ الْمَجْهُولِ جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً لَا فِي الْمَجْهُولِ الْمُتَقَارِبِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ فِيهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ كَمَالٍ تَابَعَ ابْنَ مَلَكٍ وَأَنَّ نُسْخَةَ الْحَقَائِقِ الَّتِي نَقَلَ مِنْهَا ابْنُ مَلَكٍ فِيهَا سَقْطٌ وَتَبِعَهُ أَيْضًا الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهَا، وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. [تَنْبِيهٌ] قَوْلُ الْحَقَائِقِ: الثَّمَنُ غَيْرُ شَرْطٍ فِي الْمَجْلِسِ لِمَا فِي التَّاسِعِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَبْطَلَ الْمُشْتَرِي الْأَجَلَ الْفَاسِدَ وَنَقَدَ الثَّمَنَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ جَازَ الْبَيْعُ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَمْ يَجُزْ، وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا، وَإِنْ أَبْطَلَ الْأَجَلَ) هَذَا يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ وَإِنْ أَبْطَلَ الْأَجَلَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِمَا عَلِمْت مِنْ صَرِيحِ النُّقُولِ أَنَّهُ يَنْقَلِبُ جَائِزًا، وَلِأَنَّ الْعَيْنِيَّ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ إنْ أَبْطَلَهُ قَبْلَ حُلُولِهِ. (قَوْلُهُ أَوْ أَمَرَ الْمُسْلِمُ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى كَفَلَ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا لَوْ كَفَلَ ط (قَوْلُهُ بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) أَيْ مَمْلُوكَيْنِ لَهُ بِأَنْ أَسْلَمَ عَلَيْهِمَا وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُزِيلَهُمَا وَلَهُ وَارِثٌ مُسْلِمٌ فَيَرِثُهُمَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ يَعْنِي صَحَّ ذَلِكَ) أَيْ التَّوْكِيلُ وَبَيْعُ الْوَكِيلِ وَشِرَاؤُهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مَعَ أَشَدِّ كَرَاهَةٍ) أَيْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُخَلِّلَ الْخَمْرَ أَوْ يُرِيقَهَا وَيُسَيِّبَ الْخِنْزِيرَ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِهِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِمَا نَهْرٌ وَغَيْرُهُ، وَانْظُرْ لَمْ يَقُولُوا وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ مَعَ أَنَّ تَسْيِيبَ السَّوَائِبِ لَا يَحِلُّ (قَوْلُهُ كَمَا صَحَّ مَا مَرَّ) وَهُوَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مِنَحٌ أَيْ الْكَفَالَةُ وَإِسْقَاطُ الْأَجَلِ. وَأَفَادَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ أَمَرَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَفَلَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَطْفُهُ عَلَى مَا لَا يَصِحُّ وَهُوَ الْبَيْعُ إلَى النَّيْرُوزِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ إلَخْ) أَيْ أَنَّ الْوَكِيلَ فِي الْبَيْعِ يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ، حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى الْمُوَكِّلِ، وَتَرْجِعُ حُقُوقُ الْعَقْدِ إلَيْهِ وَهُوَ أَهْلٌ لِبَيْعِ الْخَمْرِ وَشِرَائِهَا شَرْعًا فَلَا مَانِعَ شَرْعًا مِنْ تَوَكُّلِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ) أَيْ يَحْكُمُ الشَّرْعُ بِانْتِقَالِ مَا ثَبَتَ لِلْوَكِيلِ مِنْ الْمِلْكِ إلَيْهِ فَيَثْبُتُ لَهُ كَثُبُوتِ الْمِلْكِ الْجَبْرِيِّ لَهُ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَا: لَا يَصِحُّ) أَيْ يَبْطُلُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ) لَعَلَّ وَجْهَهُ مَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْوَكَالَةِ فِي الْبَيْعِ أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِالثَّمَنِ، وَفِي الشِّرَاءِ أَنْ يُسَيِّبَ الْخِنْزِيرَ وَيُخَلِّلَ الْخَمْرَ أَوْ يُرِيقَهَا فَبَقِيَ تَصَرُّفًا بِلَا فَائِدَةٍ فَلَا يُشْرَعُ مَعَ كَوْنِهِ مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الصِّحَّةِ؟ وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمَ عَدَمَ الْمَشْرُوعِيَّةِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ طِيبِ الثَّمَنِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الصِّحَّةِ كَمَا فِي شَعْرِ الْخِنْزِيرِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مُبَاحُ الْأَصْلِ جَازَ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَطِبْ ثَمَنُهُ؛ وَأَمَّا فِي الشِّرَاءِ فَلَهُ فَائِدَةٌ فِي الْجُمْلَةِ وَهِيَ تَخْلِيلُ الْخَمْرِ. اهـ وَتَأَمَّلْ ذَلِكَ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَشَعْرُ الْخِنْزِيرِ إلَخْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 (وَ) لَا (بَيْعٌ بِشَرْطٍ) عَطْفٌ عَلَى إلَى النَّيْرُوزِ يَعْنِي الْأَصْلُ الْجَامِعُ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ بِسَبَبِ شَرْطٍ   [رد المحتار] [مَطْلَبٌ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ] ٍ (قَوْلُهُ وَلَا بَيْعٌ بِشَرْطٍ) شُرُوعٌ فِي الْفَسَادِ الْوَاقِعِ فِي الْعَقْدِ بِسَبَبِ الشَّرْطِ «لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» ، لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ شَرْطٍ يُفْسِدُ الْبَيْعَ نَهْرٌ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بِشَرْطٍ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ لَوْ الْتَحَقَ بَعْدَ الْعَقْدِ، قِيلَ يَلْتَحِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ: لَا وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَكِنْ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَلْتَحِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ كَانَ الْإِلْحَاقُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ عَنْ الْمَجْلِسِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. قُلْت: هَذِهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ عَلِمْت تَصْحِيحَ مُقَابِلِهَا، وَهِيَ قَوْلُهُمَا وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، مِنْ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مُطْلَقًا عَنْ هَذِهِ الْآجَالِ ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَيْهَا صَحَّ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ هُنَاكَ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْوَعْدِ لَمْ يَفْسُدْ. وَصُورَتُهُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قَالَ اشْتَرِ حَتَّى أَبْنِيَ الْحَوَائِطَ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ عِبَارَةَ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَبِهَذَا ظَهَرَ خَطَأُ بَعْضِ حَنَفِيَّةِ الْعَصْرِ، إذْ أَفْتَى فِي رَجُلٍ بَاعَ لِآخَرَ قَصَبَ سُكَّرٍ قَدْرًا مُعَيَّنًا، وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ يَسْقِيهِ وَيَقُومُ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ تَرْكَهُ عَلَى الْأَرْضِ، نَعَمْ الشَّرْطُ غَيْرُ لَازِمٍ اهـ. قُلْت: وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَيْضًا: لَوْ ذَكَرَا الْبَيْعَ بِلَا شَرْطٍ ثُمَّ ذَكَرَا الشَّرْطَ عَلَى وَجْهِ الْعَقْدِ جَازَ الْبَيْعُ وَلَزِمَ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ، إذْ الْمَوَاعِيدُ قَدْ تَكُونُ لَازِمَةً فَيُجْعَلُ لَازِمًا لِحَاجَةِ النَّاسِ تَبَايَعَا بِلَا ذِكْرِ شَرَطِ الْوَفَاءِ ثُمَّ شَرَطَاهُ يَكُونُ بَيْعَ الْوَفَاءِ؛ إذْ الشَّرْطُ اللَّاحِقُ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ رَمَزَ أَنَّهُ يَلْتَحِقُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا، وَأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِالْتِحَاقِهِ مَجْلِسَ الْعَقْدِ. اهـ وَبِهِ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ وَقَالَ: فَقَدْ صَرَّحَ عُلَمَاؤُنَا بِأَنَّهُمَا لَوْ ذَكَرَا الْبَيْعَ بِلَا شَرْطٍ ثُمَّ ذَكَرَا الشَّرْطَ عَلَى وَجْهِ الْعِدَةِ جَازَ الْبَيْعُ وَلَزِمَ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ اهـ. قُلْت: فَهَذَا أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ مَا مَرَّ تَصْحِيحُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ. مَطْلَبٌ فِي الشَّرْطِ الْفَاسِدِ إذَا ذُكِرَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ قَبْلَهُ [تَنْبِيهٌ] فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَيْضًا: لَوْ شَرَطَا شَرْطًا فَاسِدًا قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ عَقَدَا لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ. اهـ قُلْت: وَيَنْبَغِي الْفَسَادُ لَوْ اتَّفَقَا عَلَى بِنَاءِ الْعَقْدِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَيْعِ الْهَزْلِ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبُيُوعِ. وَقَدْ سُئِلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ عَنْ رَجُلَيْنِ تَوَاضَعَا عَلَى بَيْعِ الْوَفَاءِ قَبْلَ عَقْدِهِ وَعُقِدَ الْبَيْعُ خَالِيًا عَنْ الشَّرْطِ. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْفَيْضِ وَالتَّتَارْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّهُ يَكُونُ عَلَى مَا تَوَاضَعَا (قَوْلُهُ عَطْفٌ عَلَى إلَى النَّيْرُوزِ) كَذَا فِي الدُّرَرِ، لَكِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ لَوْ كَانَ لَفْظَةُ " بَيْعٍ " لَيْسَتْ مِنْ الْمَتْنِ كَعِبَارَةِ الدُّرَرِ. أَمَّا عَلَى كَوْنِهَا مِنْ الْمَتْنِ فَالْعَطْفُ عَلَى الْبَيْعِ فِي قَوْلِهِ وَالْبَيْعُ إلَى النَّيْرُوزِ (قَوْلُهُ الْأَصْلُ الْجَامِعُ) مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ بِسَبَبِ شَرْطٍ خَبَرُهُ. اهـ. ح وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِيَعْنِي، وَيُحْتَمَلُ نَصْبُ الْأَصْلِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ يَعْنِي: أَيْ يَعْنِي الْمُصَنِّفُ الْأَصْلَ الْجَامِعَ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ إلَخْ ط. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 (لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُلَائِمُهُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِهِمَا أَوْ) فِيهِ نَفْعٌ (لِمَبِيعٍ) هُوَ (مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ) لِلنَّفْعِ بِأَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَرْكَبَ الدَّابَّةَ الْمَبِيعَةَ لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا كَمَا سَيَجِيءُ (وَلَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِهِ وَ) لَمْ (يَرِدْ الشَّرْعُ بِجَوَازِهِ) أَمَّا لَوْ جَرَى الْعُرْفُ بِهِ كَبَيْعِ نَعْلٍ مَعَ شَرْطِ تَشْرِيكِهِ، أَوْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ كَخِيَارِ شَرْطٍ فَلَا فَسَادَ (كَشَرْطِ أَنْ يَقْطَعَهُ) الْبَائِعُ (وَيَخِيطَهُ قَبَاءً) مِثَالٌ لِمَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْمُشْتَرِي (أَوْ يَسْتَخْدِمَهُ) مِثَالٌ لِمَا فِيهِ نَفْعٌ لِلْبَائِعِ، وَإِنَّمَا قَالَ (شَهْرًا)   [رد المحتار] قُلْت: وَفِي كُلٍّ مِنْ التَّوْجِيهَيْنِ خَفَاءٌ وَكَانَ الْأَوْضَحُ أَنْ يَزِيدَ الشَّارِحُ لَفْظَةَ " مَا " قَبْلَ قَوْلِهِ لَا يَقْتَضِيهِ فَتَكُونُ هِيَ الْخَبَرُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَوْلَهُ بِسَبَبٍ مُتَعَلِّقٌ بِفَسَادٍ وَهَذَا يُنَافِي كَوْنَهُ خَبَرًا عَنْ الْأَصْلِ؛ وَلِأَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يَصِيرَ قَوْلُهُ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ إلَخْ أَصْلًا وَضَابِطًا وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِمَا قُلْنَا، نَعَمْ يُحْتَمَلُ كَوْنُ الْخَبَرِ بَيْعٌ بِشَرْطٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ، وَلَا يَصِحُّ كَوْنُ مَا قَبْلَهُ هُوَ الْخَبَرُ لِاقْتِرَانِهِ بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ (قَوْلُهُ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُلَائِمُهُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ. مَعْنَى كَوْنِ الشَّرْطِ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ أَنْ يَجِبَ بِالْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ مُلَائِمًا أَنْ يُؤَكِّدَ مُوجِبَ الْعَقْدِ، وَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ: أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى صِفَةِ الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ كَاشْتِرَاطِ الْخُبْزِ وَالطَّبْخِ وَالْكِتَابَةِ. اهـ مَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِهِمَا) الْأَوْلَى قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، فَإِنَّهُ أَشْمَلُ وَأَخْصَرُ لِشُمُولِهِ مَا فِيهِ نَفْعٌ لِأَجْنَبِيٍّ، فَيُوَافِقُ قَوْلَهُ الْآتِي وَلَا نَفْعَ فِيهِ لِأَحَدٍ وَلِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ قَوْلِهِ أَوْ لِمَبِيعٍ. [تَنْبِيهٌ] الْمُرَادُ بِالنَّفْعِ مَا شُرِطَ مِنْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، فَلَوْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ لَا يَفْسُدُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ، لِمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ: بِعْتُك الدَّارَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُقْرِضَنِي فُلَانٌ الْأَجْنَبِيُّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْأَجْنَبِيَّ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُلْتَقَى قَالَ مُحَمَّدٌ: كُلُّ شَيْءٍ يَشْتَرِطُهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ فَإِذَا شَرَطَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ كَمَا إذَا اشْتَرَى دَابَّةً عَلَى أَنْ يَهَبَهُ فُلَانٌ لِأَجْنَبِيٍّ كَذَا، وَكُلُّ شَيْءٍ يَشْتَرِطُهُ عَلَى الْبَائِعِ لَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ، فَإِذَا شَرَطَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَهُوَ جَائِزٌ وَهُوَ بِالْخِيَارِ، كَمَا إذَا اشْتَرَى عَلَى أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ فُلَانٌ الْأَجْنَبِيُّ كَذَا جَازَ الْبَيْعُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ تَرَكَ. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ) أَيْ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ حَقًّا عَلَى الْغَيْرِ، وَهُوَ الْآدَمِيُّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ) صَرَّحَ بِمُحْتَرَزِ هَذَا الْقَيْدِ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ يَأْتِي لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ كَشَرْطِ أَنْ يَقْطَعَهُ) أَيْ يَقْطَعَ الْمَبِيعَ مِنْ حَيْثُ هُوَ الصَّادِقُ عَلَى الثَّوْبِ أَوْ الْعَبْدِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَبِهَذَا سَاغَ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ أَوْ يُعْتِقَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ مِثَالٌ لِمَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ) أَيْ وَلَا يُلَائِمُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ مِثَالَ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُلَائِمُهُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَخَرَجَ عَنْ الْمُلَائِمِ لِلْعَقْدِ مَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً بِشَرْطِ أَنْ يَطَأَهَا أَوْ لَا يَطَأَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمُلَائِمَ لِلْعَقْدِ الْإِطْلَاقُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: يَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مُلَائِمٌ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ إنْ لَمْ يَقْتَضِهِ الْعَقْدُ لَا نَفْعَ فِيهِ لِأَحَدٍ فَهُوَ شَرْطٌ لَا طَالِبَ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْمُشْتَرِي) وَمِنْهُ مَا لَوْ شَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ طَحْنَ الْحِنْطَةِ أَوْ قَطْعَ الثَّمَرَةِ وَكَذَا مَا اشْتَرَاهُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَهُ الْبَائِعُ إلَيْهِ قَبْلَ دَفْعِ الثَّمَنِ، أَوْ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ فِي بَلَدٍ آخَرَ، أَوْ عَلَى أَنْ يَهَبَ الْبَائِعُ مِنْهُ كَذَا، بِخِلَافِ عَلَى أَنْ يَحُطَّ مِنْ ثَمَنِهِ كَذَا؛ لِأَنَّ الْحَطَّ مُلْحَقٌ بِمَا قَبْلَ الْعَقْدِ وَيَكُونُ الْبَيْعُ بِمَا وَرَاءَ الْمَحْطُوطِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مِثَالٌ لِمَا فِيهِ نَفْعٌ لِلْبَائِعِ) وَمِنْهُ مَا لَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ أَنْ يَهَبَهُ الْمُشْتَرِي شَيْئًا أَوْ يُقْرِضَهُ أَوْ يَسْكُنَ الدَّارَ شَهْرًا أَوْ أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى غَرِيمِ الْبَائِعِ، لِسُقُوطِ مُؤْنَةِ الْقَضَاءِ عَنْهُ وَلِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الِاسْتِيفَاءِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُسَامِحُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 لِمَا مَرَّ أَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ جَازَ أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهِ الِاسْتِخْدَامُ دُرَرٌ. (أَوْ يُعْتِقَهُ) فَإِنْ أَعْتَقَهُ صَحَّ إنْ بَعْدَ قَبْضِهِ وَلَزِمَ الثَّمَنُ عِنْدَهُ وَإِلَّا لَا، شَرْحُ مَجْمَعٍ (أَوْ يُدَبِّرَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ أَوْ يَسْتَوْلِدَهَا أَوْ لَا يُخْرِجَ الْقِنَّ عَنْ مِلْكِهِ) مِثَالٌ لِمَا فِيهِ نَفْعٌ لِمَبِيعٍ يَسْتَحِقُّهُ الثَّمَنُ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ (فَيَصِحُّ) الْبَيْعُ (بِشَرْطٍ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ) (كَشَرْطِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي) وَشَرْطِ حَبْسِ الْمَبِيعِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ (أَوْ لَا يَقْتَضِيهِ وَلَا نَفْعَ فِيهِ لِأَحَدٍ) وَلَوْ أَجْنَبِيًّا ابْنُ مَلَكٍ، فَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَسْكُنَهَا فُلَانٌ أَوْ أَنْ يُقْرِضَهُ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي كَذَا فَالْأَظْهَرُ الْفَسَادُ ذَكَرَهُ أَخِي زَادَهْ   [رد المحتار] وَمِنْهُمْ مَنْ يُمَاكِسُ، أَوْ عَلَى أَنْ يَضْمَنَ الْمُشْتَرِي عَنْهُ أَلْفًا لِغَرِيمِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ إلَخْ) قَالَ فِي الْعَزْمِيَّةِ عَلَى الدُّرَرِ: لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ شَيْءٌ مِثْلُ هَذَا فِي بَابِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا غَيْرُهُ، وَلَوْ سَلَّمَ فَلَا مِسَاسَ لَهُ بِمَسْأَلَتِنَا (قَوْلُهُ أَوْ يُعْتِقُهُ) الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ عَائِدٌ عَلَى الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ فَإِنْ أَعْتَقَهُ صَحَّ) أَيْ انْقَلَبَ جَائِزًا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّمَنُ وَعِنْدَهُمَا الْقِيمَةُ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ بَعْدَ وُجُودِهِ يَصِيرُ مُلَائِمًا لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ لِلْمِلْكِ، وَالْفَاسِدُ لَا تَقَرُّرَ لَهُ فَيَكُونُ صَحِيحًا، وَلَا كَذَلِكَ التَّدْبِيرُ وَنَحْوُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَحْكُمَ قَاضٍ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ فَيَتَقَرَّرُ الْفَسَادُ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَعْتِقُ إلَّا إذَا أَمَرَهُ الْبَائِعُ بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَبْضُ الْمُشْتَرِي سَابِقًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْعِتْقِ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ يَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ نَهْرٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ مِثَالٌ لِمَا فِيهِ نَفْعٌ لِبَيْعٍ يَسْتَحِقُّهُ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ آدَمِيٌّ وَالْآدَمِيُّ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَمِنْهُ اشْتَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَهُ أَوْ لَا يَهَبَهُ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ يَسُرُّهُ أَنْ لَا تَتَدَاوَلَهُ الْأَيْدِي وَكَذَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ جَازَ، وَعَلَى أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ فُلَانٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ لَهُ طَالِبًا. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنْ يُطْعِمَهُ لَمْ يَفْسُدْ، وَعَلَى أَنْ يُطْعِمَهُ خَبِيصًا فَسَدَ. اهـ بَحْرٌ. وَنَقَلَ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا عِبَارَةَ الْخُلَاصَةِ وَأَقَرَّهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَهَا كَوْنُ بَيْعِ الْعَبْدِ لَيْسَ فِيهِ نَفْعٌ لَهُ، فَإِذَا شَرَطَ بَيْعَهُ مِنْ فُلَانٍ صَارَ فِيهِ نَفْعٌ لِفُلَانٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَفْسُدُ. وَوَجْهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ إطْعَامَ الْعَبْدِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ إطْعَامِهِ نَوْعًا خَاصًّا كَالْخَبِيصِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْأَصْلِ) أَيْ ذَكَرَ فُرُوعًا مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ فِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ مَوْضِعًا فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ) أَيْ يَجِبُ بِهِ بِلَا شَرْطٍ (قَوْلُهُ وَلَا نَفْعَ فِيهِ لِأَحَدٍ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ لِلنَّفْعِ، وَإِلَّا فَالدَّابَّةُ تَنْتَفِعُ بِبَعْضِ الشُّرُوطِ، وَشَمَلَ مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ لِأَحَدِهِمَا. قَالَ فِي النَّهْرِ: كَأَنْ كَانَ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَخْرِقَهُ أَوْ جَارِيَةً عَلَى أَنْ لَا يَطَأَهَا أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَهْدِمَهَا؛ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْبَيْعُ فَاسِدٌ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَمَثَّلَ فِي الْبَحْرِ لِمَا فِيهِ مَضَرَّةٌ بِمَا إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهُ وَلَا يَهَبَهُ، وَالْبَيْعُ فِي مِثْلِهِ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ. قُلْت: فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَشَمَلَ أَيْضًا مَا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ وَلَا مَنْفَعَةَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: كَأَنْ اشْتَرَى طَعَامًا بِشَرْطِ أَكْلِهِ أَوْ ثَوْبًا بِشَرْطِ لُبْسِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ. اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا) تَعْمِيمٌ لِقَوْلِهِ لِأَحَدٍ، وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا (قَوْلُهُ فَلَوْ شَرَطَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِ التَّعْمِيمِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِ نَفْعٌ لِأَجْنَبِيٍّ يَفْسُدُ الْبَيْعُ؛ كَمَا لَوْ كَانَ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (قَوْلُهُ أَوْ أَنْ يُقْرِضَهُ) أَيْ أَنْ يُقْرِضَ فُلَانًا أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ كَذَا، بِأَنْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُقْرِضَ زَيْدًا الْأَجْنَبِيَّ كَذَا مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ فَالْأَظْهَرُ الْفَسَادُ) وَبِهِ جَزَمَ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ: وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لِغَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ، وَمِنْهُ إذَا بَاعَ سَاحَةً عَلَى أَنْ يَبْنِيَ بِهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 وَظَاهِرُ الْبَحْرِ تَرْجِيحُ الصِّحَّةِ (كَشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَ) عَبَّرَ ابْنُ الْكَمَالِ بِيَرْكَبَ (الدَّابَّةَ الْمَبِيعَةَ) فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِأَهْلٍ لِلنَّفْعِ (أَوْ لَا يَقْتَضِيهِ لَكِنْ) يُلَائِمُهُ كَشَرْطِ رَهْنٍ مَعْلُومٍ وَكَفِيلٍ حَاضِرٍ ابْنُ مَلَكٍ، أَوْ (جَرَى الْعُرْفُ بِهِ كَبَيْعِ نَعْلٍ) أَيْ صَرْمٍ سَمَّاهُ بِاسْمِ مَا يَئُولُ عَيْنِيٌّ (عَلَى أَنْ يَحْذُوَهُ) الْبَائِعُ (وَيُشَرِّكَهُ) أَيْ يَضَعَ عَلَيْهِ الشِّرَاكَ وَهُوَ السَّيْرُ وَمِثْلُهُ تَسْمِيرُ الْقَبْقَابِ   [رد المحتار] مَسْجِدًا أَوْ طَعَامًا عَلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ. اهـ. وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْأَجْنَبِيُّ مُعَيَّنًا، وَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْخُلَاصَةِ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمَسْجِدَ وَالصَّدَقَةَ يُرَادُ بِهِمَا التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ فِيهِمَا لِعِبَادِهِ، فَصَارَ الْمَشْرُوطُ لَهُ مُعَيَّنًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ الْبَحْرِ تَرْجِيحُ الصِّحَّةِ) حَيْثُ قَالَ: وَخَرَجَ أَيْضًا مَا إذَا شَرَطَ مَنْفَعَةً لِأَجْنَبِيٍّ كَأَنْ يُقْرِضَ الْبَائِعُ أَجْنَبِيًّا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ. وَفِيهَا: وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ يَفْسُدُ كَأَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْتُ مِنْك هَذَا عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي أَوْ تُقْرِضَ فُلَانًا اهـ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الِاخْتِيَارِ جَوَازُ الْبَيْعِ وَبُطْلَانُ الشَّرْطِ. وَفِي الْمِنَحِ: وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْوُقَايَةِ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ عَدَمَ الْفَسَادِ اهـ. وَبِهِ جَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ. قُلْت: لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ ابْنِ مَلَكٍ مِنْ التَّعْمِيمِ لِلْأَجْنَبِيِّ صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْفَتْحِ وَكَذَلِكَ فِي الْخُلَاصَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ عَبَّرَ ابْنُ الْكَمَالِ بِيَرْكَبُ الدَّابَّةَ) وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَلَا نَفْعَ فِيهِ لِأَحَدٍ أَيْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، فَالتَّقْيِيدُ بِأَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا فِيهِ نَفْعٌ لِغَيْرِهِمْ كَالدَّابَّةِ فِي بَيْعِهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرْكَبَهَا فَإِنَّهُ غَيْرُ مُفْسِدٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَهْلٍ لِاسْتِحْقَاقِ النَّفْعِ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ أَنْ لَا يَبِيعَهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَفْعٌ لَهَا عَادَةً وَلَا لِغَيْرِهَا، وَذَلِكَ لَيْسَ مَحَلَّ التَّوَهُّمِ لِيَحْتَرِزَ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا فِيهِ نَفْعُهَا (قَوْلُهُ لَكِنْ يُلَائِمُهُ) عَبَّرَ بَدَلَهُ فِي الْفَتْحِ بِمَا يَتَضَمَّنُ التَّوَثُّقَ بِالثَّمَنِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ مِنْ تَفْسِيرِ الْمُلَائِمِ بِمَا يُؤَكِّدُ مُوجِبَ الْعَقْدِ فَإِنَّ الثَّمَنَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ كَشَرْطِ رَهْنٍ مَعْلُومٍ) أَيْ بِالْإِشَارَةِ أَوْ التَّسْمِيَةِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ إلَّا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى تَعْيِينِهِ فِي الْمَجْلِسِ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يُعَجِّلَ الثَّمَنَ وَيُبْطِلَانِ الرَّهْنَ، وَإِذَا كَانَ مُسَمًّى فَامْتَنَعَ عَنْ تَسْلِيمِهِ لَمْ يُجْبَرْ، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِدَفْعِ الثَّمَنِ، فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهُمَا خُيِّرَ الْبَائِعُ فِي الْفَسْخِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَكَفِيلٍ حَاضِرٍ) أَيْ وَقَبِلَ الْكَفَالَةَ. وَكَذَا لَوْ غَائِبًا فَحَضَرَ وَقَبِلَهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ، فَلَوْ بَعْدَهُ أَوْ كَانَ حَاضِرًا فَلَمْ يَقْبَلْ لَمْ يَجُزْ، وَاشْتِرَاطُ الْحَوَالَةِ كَالْكَفَالَةِ بَحْرٌ. قُلْت: فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ بَاعَ عَلَى أَنْ يُحِيلَ الْبَائِعُ رَجُلًا بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَسَدَ الْبَيْعُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا؛ وَلَوْ بَاعَ عَلَى أَنْ يُحِيلَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى غَيْرِهِ بِالثَّمَنِ فَسَدَ قِيَاسًا وَجَازَ اسْتِحْسَانًا. اهـ (قَوْلُهُ أَيْ صَرْمٍ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ: وَهُوَ الْأَدِيمُ أَيْ الْجِلْدُ (قَوْلُهُ سَمَّاهُ بِاسْمِ مَا يَئُولُ) أَيْ كَتَسْمِيَةِ الْعَصِيرِ خَمْرًا، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَنْ يَحْذُوَهُ: أَيْ يَقْطَعَهُ لَا يُنَاسِبُ النَّعْلَ، وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ الْجِلْدَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ ثُمَّ يَصِيرُ نَعْلًا. وَجَوَّزَ فِي الْفَتْحِ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً: أَيْ اشْتَرَى نَعْلَ رِجْلٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا أَيْ يَجْعَلَ مَعَهَا مِثَالًا آخَرَ لِيَتِمَّ نَعْلَا الرِّجْلَيْنِ، وَمِنْهُ: حَذَوْتُ النَّعْلَ بِالنَّعْلِ قَدَّرْته بِمِثَالٍ قَطَّعْته. قَالَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَوْ يُشَرِّكَهُ فَجَعَلَهُ مُقَابِلًا لِقَوْلِهِ نَعْلًا، وَلَا مَعْنَى لَأَنْ يَشْتَرِيَ أَدِيمًا عَلَى أَنْ يَجْعَلَ لَهُ شِرَاكًا فَلَا بُدَّ أَنْ يُرَادَ حَقِيقَةُ النَّعْلِ اهـ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالنَّعْلِ الصَّرْمُ، وَضَمِيرُ يُشَرِّكَهُ لِلنَّعْلِ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِخْدَامِ اهـ. قُلْت: إرَادَةُ الْحَقِيقَةِ أَظْهَرُ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا أَوْ يُشَرِّكَهَا بِضَمِيرِ التَّأْنِيثِ؛ لِأَنَّ النَّعْلَ مُؤَنَّثَةٌ، أَمَّا عَلَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ كَالْكَنْزِ مِنْ تَذْكِيرِ الضَّمِيرِ فَالْأَظْهَرُ إرَادَةُ الْمَجَازِ وَهُوَ الْجِلْدُ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ تَسْمِيرُ الْقَبْقَابِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 87 (اسْتِحْسَانًا لِلتَّعَامُلِ بِلَا نَكِيرٍ) ، هَذَا إذَا عَلَّقَهُ بِكَلِمَةِ عَلَى، وَإِنْ بِكَلِمَةِ إنْ بَطَلَ الْبَيْعُ إلَّا فِي بِعْت إنْ رَضِيَ فُلَانٌ، وَوَقَّتَهُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ أَشْبَاهٌ مِنْ الشَّرْطِ وَالتَّعْلِيقِ، وَبَحْرٌ مِنْ مَسَائِلَ شَتَّى. (وَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِرِضًا) عَبَّرَ ابْنُ الْكَمَالِ بِإِذْنِ (بَائِعِهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً)   [رد المحتار] أَصْلُهُ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ حَيْثُ قَالَ: وَمِثْلُهُ فِي دِيَارِنَا شِرَاءُ الْقَبْقَابِ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَمِرُّ لَهُ سَيْرًا (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا لِلتَّعَامُلِ) أَيْ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَلْزَمُ لِلشَّرْطِ اسْتِحْسَانًا لِلتَّعَامُلِ. وَالْقِيَاسُ فَسَادُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا لِأَحَدِهِمَا وَصَارَ كَصَبْغِ الثَّوْبِ، مُقْتَضَى الْقِيَاسِ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ عُقِدَتْ عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنِ الصِّبْغِ مَعَ الْمَنْفَعَةِ وَلَكِنْ جُوِّزَ لِلتَّعَامُلِ وَمِثْلُهُ إجَارَةُ الظِّئْرِ، وَلِلتَّعَامُلِ جَوَّزْنَا الِاسْتِصْنَاعَ مَعَ أَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَمِنْ أَنْوَاعِهِ شِرَاءُ الصُّوفِ الْمَنْسُوجِ عَلَى أَنْ يَجْعَلَهُ الْبَائِعُ قَلَنْسُوَةً، أَوْ قَلَنْسُوَةً بِشَرْطِ أَنْ يَجْعَلَ الْبَائِعُ لَهَا بِطَانَةً مِنْ عِنْدِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: اشْتَرَى ثَوْبًا أَوْ خُفًّا خَلَقًا عَلَى أَنْ يُرَقِّعَهُ الْبَائِعُ وَيُسَلِّمَهُ صَحَّ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: بِخِلَافِ خِيَاطَةِ الثَّوْبِ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ اهـ. قَالَ فِي الْمِنَحِ: فَإِنْ قُلْت: «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْعُرْفُ قَاضِيًا عَلَى الْحَدِيثِ. قُلْت: لَيْسَ بِقَاضٍ عَلَيْهِ، بَلْ عَلَى الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ مَعْلُومٌ بِوُقُوعِ النِّزَاعِ الْمُخْرِجِ لِلْعَقْدِ عَنْ الْمَقْصُودِ بِهِ وَهُوَ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ، وَالْعُرْفُ يَنْفِي النِّزَاعَ فَكَانَ مُوَافِقًا لِمَعْنَى الْحَدِيثِ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْمَوَانِعِ إلَّا الْقِيَاسُ. وَالْعُرْفُ قَاضٍ عَلَيْهِ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَتَدُلُّ عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ، وَكَذَا مَسْأَلَةُ الْقَبْقَابِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْحَادِثِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ حَدَثَ عُرْفٌ فِي شَرْطٍ غَيْرِ الشَّرْطِ فِي النَّعْلِ وَالثَّوْبِ وَالْقَبْقَابِ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَانْظُرْ مَا حَرَّرْنَاهُ فِي رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ نَشْرُ الْعَرْفِ فِي بِنَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْعُرْفِ الَّتِي شَرَحْت بِهَا قَوْلِي: وَالْعُرْفُ فِي الشَّرْعِ لَهُ اعْتِبَارُ ... لِذَا عَلَيْهِ الْحُكْمُ قَدْ يُدَارُ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ (قَوْلُهُ إنَّمَا هُوَ إذَا عَلَّقَهُ بِكَلِمَةِ عَلَى) وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ قَوْلَهُ بِشَرْطِ كَذَا بِمَنْزِلَةِ عَلَى نَهْرٌ. قُلْت: يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ قَيَّدَ الشَّرْطَ بِكَوْنِ حَرْفِ الْبَاءِ وَعَلَى دُونَ إنْ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَا بُدَّ أَنْ لَا يَقُولَهَا بِالْوَاوِ، حَتَّى لَوْ قَالَ بِعْتُك بِكَذَا وَعَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي كَذَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَلَا يَكُونُ شَرْطًا، وَأَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ إلَخْ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى الْأَخِيرِ (قَوْلُهُ بَطَلَ الْبَيْعُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مُضِرًّا لَا نَفْعَ فِيهِ لِأَحَدٍ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ وَوَقَّتَهُ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي مِنْ التَّوْقِيتِ ط (قَوْلُهُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ) أَيْ كَتَوْقِيتِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَهَذَا مِنْهُ، فَإِنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يَصِحُّ لِغَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ (قَوْلُهُ وَبَحْرٌ مِنْ مَسَائِلَ شَتَّى) أَيْ مُتَفَرِّقَةٍ جَمْعُ شَتِيتٍ، وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْبَحْرِ فِي هَذَا الْبَابِ أَيْضًا، وَكَذَا فِي النَّهْرِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ. (قَوْلُهُ وَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَشَمَلَ قَبْضَ وَكِيلِهِ وَالْقَبْضَ الْحُكْمِيَّ، لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ أَمْرَ الْبَائِعِ بِالْعِتْقِ قَبْلَهُ صَحِيحٌ لِاسْتِلْزَامِهِ الْقَبْضَ، وَهَلْ التَّخْلِيَةُ قَبْضٌ هُنَا؟ صَحَّحَ فِي الْمُجْتَنَيْ وَالْعِمَادِيَّةِ عَدَمَهُ، وَصَحَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهَا قَبْضٌ، وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَطَحْنُ الْبَائِعِ الْحِنْطَةَ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي كَالْعِتْقِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ وَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ عَبَّرَ ابْنُ الْكَمَالِ بِإِذْنِ) أَيْ لِيَعُمَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ إذْ هُوَ فَاسِدٌ وَلَا رِضَا فِيهِ كَمَا حَرَّرْنَاهُ أَوَّلَ الْبُيُوعِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 بِأَنْ قَبَضَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ بِحَضْرَتِهِ (فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ) وَبِهِ خَرَجَ الْبَاطِلُ وَتَقَدَّمَ مَعَ حُكْمِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الْهِدَايَةِ وَالْعِنَايَةِ: وَكُلٌّ مِنْ عِوَضَيْهِ مَالٌ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ الْكَمَالِ، لَكِنْ أَجَابَ سَعْدِيٌّ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْفَاسِدُ يَعُمُّ الْبَاطِلَ مَجَازًا كَمَا مَرَّ حَقَّقَ إخْرَاجَهُ بِذَلِكَ فَتَنَبَّهْ. (وَلَمْ يَنْهَهُ) الْبَائِعُ عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ (مَلَكَهُ) إلَّا فِي ثَلَاثٍ فِي بَيْعِ الْهَازِلِ وَفِي شِرَاءِ الْأَبِ مِنْ مَالِهِ لِطِفْلِهِ أَوْ بَيْعِهِ لَهُ كَذَلِكَ فَاسِدًا لَا يَمْلِكُهُ حَتَّى يَسْتَعْمِلَهُ   [رد المحتار] قَوْلُهُ بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِالْقَبْضِ) أَيْ وَقَبْضِهِ بِحَضْرَتِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ ط عَنْ الْأَتْقَانِيِّ (قَوْلُهُ بِأَنْ قَبَضَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ بِحَضْرَتِهِ) تَصْوِيرٌ لِلْإِذْنِ دَلَالَةً، أَمَّا بَعْدَ الْمَجْلِسِ فَلَا بُدَّ مِنْ صَرِيحِ الْإِذْنِ إلَّا إذَا قَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ وَهُوَ مِمَّا يُمْلَكُ بِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ إذْنًا بِالْقَبْضِ دَلَالَةً اهـ ح عَنْ النَّهْرِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، فَلَا بُدَّ مِنْ صَرِيحِ الْإِذْنِ كَمَا أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ وَتَقَدَّمَ مَعَ حُكْمِهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ، وَالْبَيْعُ الْبَاطِلُ حُكْمُهُ عَدَمُ مِلْكِ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ إذَا قَبَضَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ خَرَجَ الْبَاطِلُ بِقَيْدِ الْفَاسِدِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فِي قَوْلِهِ وَالْمُرَادُ بِالْفَاسِدِ إلَخْ الْمَمْنُوعُ مَجَازًا عُرْفِيًّا فَيَعُمُّ الْبَاطِلَ وَالْمَكْرُوهَ (قَوْلُهُ حَقَّقَ إخْرَاجَهُ) أَيْ إخْرَاجَ الْبَاطِلِ بِذَلِكَ: أَيْ بِقَوْلِهِ وَكُلٌّ مِنْ عِوَضَيْهِ مَالٌ. وَتَعَقَّبَهُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّ مِنْ أَفْرَادِ الْبَاطِلِ مَا لَا يَخْرُجُ بِهَذَا الْقَيْدِ وَهُوَ بَيْعُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بِالدَّرَاهِمِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْ عِوَضَيْهِ مَالٌ، وَعَلَى هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ حَذْفِ هَذَا الْقَيْدِ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ هَذَا الْفَرْدَ مِنْ الْبَاطِلِ يَكُونُ فَاسِدًا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ط. قُلْت: الْمُرَادُ الْمَالُ الْمُتَقَوِّمُ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي النَّهْرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَمْرَ وَنَحْوَهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ قَالَ وَبَطَلَ بَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَالْبَيْعُ بِهِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ فِي سَائِرِ الْأَدْيَانِ، وَالْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ مَالٌ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلِذَا قَالَ بَعْدَهُ وَبَطَلَ بَيْعُ مَالٍ غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَالِ هُنَا الْمُتَقَوِّمَ وَهُوَ الْمَالُ فِي سَائِرِ الْأَدْيَانِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْخَمْرُ وَنَحْوُهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَنْهَهُ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ أَوْ دَلَالَةً كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَيْ أَنَّ الرِّضَا بِالْقَبْضِ دَلَالَةً كَمَا مَرَّ تَصْوِيرُهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَنْهَهُ عَنْ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ تَلْغُو مَعَ النَّهْيِ الصَّرِيحِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ) يُوَضِّحُهُ قَوْلُ الْخَانِيَّةِ: وَيَثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَمَا يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ الْجَائِزِ حَتَّى لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرِطْلِ خَمْرٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ وَأَعْتَقَهُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ، وَلَوْلَا خِيَارُ الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ نَفَذَ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ. اهـ سَائِحَانِيٌّ. وَمُفَادُهُ صِحَّةُ إعْتَاقِهِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لِزَوَالِ الْخِيَارِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ مَلَكَهُ) أَيْ مِلْكًا خَبِيثًا حَرَامًا فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَلَا لُبْسُهُ إلَخْ قُهُسْتَانِيٌّ. وَأَفَادَهُ أَنَّهُ يَمْلِكُ عَيْنَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ خِلَافًا لِقَوْلِ الْعِرَاقِيِّينَ إنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ دُونَ الْعَيْنِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إلَّا ثَلَاثٌ) قُلْت: يُزَادُ مِثْلُهَا، وَهِيَ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ عَلَى الْقَوْلِ بِفَسَادِهِ كَمَا مَرَّ الْخِلَافُ فِيهِ (قَوْلُهُ فِي بَيْعِ الْهَازِلِ) أَيْ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْبَزْدَوِيُّ وَصَاحِبُ الْمَنَارِ مِنْ أَنَّهُ فَاسِدٌ وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ بَاطِلٌ فَلَا اسْتِثْنَاءَ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ أَوَّلَ الْبُيُوعِ، وَحَقَّقْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِ الْخَانِيَّةِ وَالْقُنْيَةِ إنَّهُ بَاطِلٌ، أَيْ فَاسِدٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ أَجَازَاهُ جَازَ وَالْبَاطِلُ لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ، وَأَنَّهُ مُنْعَقِدٌ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ لَا بِوَصْفِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَفِي شِرَاءِ الْأَبِ مِنْ مَالِهِ لِطِفْلِهِ إلَخْ) وَقَعَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ كَذَلِكَ فِي الْبَحْرِ وَالْأَشْبَاهِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَصَوَابُهَا: وَفِي شِرَاءِ الْأَبِ مِنْ مَالِ طِفْلِهِ لِنَفْسِهِ فَاسِدًا أَوْ بَيْعِهِ مِنْ مَالِهِ لِطِفْلِهِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُحِيطِ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ هَكَذَا بَاعَ عَبْدًا مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَاسِدًا أَوْ اشْتَرَى عَبْدَهُ لِنَفْسِهِ فَاسِدًا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَيَسْتَعْمِلَهُ. اهـ وَبِهِ انْدَفَعَ تَوَقُّفُ الْمُحَشِّيِّ (قَوْلُهُ حَتَّى يَسْتَعْمِلَهُ) ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْأَبِ حَاصِلٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 وَالْمَقْبُوضُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَمَانَةٌ لَا يَمْلِكُهُ بِهِ. وَإِذَا مَلَكَهُ تَثْبُتُ كُلُّ أَحْكَامِ الْمِلْكِ إلَّا خَمْسَةً: لَا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُهُ، وَلَا لُبْسُهُ، وَلَا وَطْؤُهَا، وَلَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مِنْهُ الْبَائِعُ، وَلَا شُفْعَةَ لِجَارِهِ لَوْ عَقَارًا أَشْبَاهٌ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعُ: وَلَا شُفْعَةَ بِهَا فَهِيَ سَادِسَةٌ (بِمِثْلِهِ إنْ مِثْلِيًّا وَإِلَّا فَبِقِيمَتِهِ) يَعْنِي إنْ بَعْدَ هَلَاكِهِ أَوْ تَعَذُّرِ رَدِّهِ (يَوْمَ قَبَضَهُ) ؛ لِأَنَّ بِهِ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ فَلَا تُعْتَبَرُ زِيَادَةُ قِيمَتِهِ كَالْمَغْصُوبِ. (وَالْقَوْلُ فِيهَا لِلْمُشْتَرِي) لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ (وَ) يَجِبُ (عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا   [رد المحتار] الِاسْتِعْمَالِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ قَبْضٌ حَادِثٌ، وَلِذَا جَمَعَ فِي الْمُحِيطِ بَيْنَ الْقَبْضِ وَالِاسْتِعْمَالِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَلْزَمُ فِي صُورَةِ الشِّرَاءِ لِطِفْلِهِ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِعْمَالُ فِي حَاجَةِ طِفْلِهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ لَا يَمْلِكُهُ بِهِ) أَيْ بِالْقَبْضِ. وَفِي الْفَتْحِ عَنْ جَمْعِ التَّفَارِيقِ: لَوْ كَانَ وَدِيعَةً عِنْدَهُ وَهِيَ حَاضِرَةٌ مَلَكَهَا. قَالَ فِي النَّهْرِ: أَقُولُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُخْرَجًا عَلَى أَنَّ التَّخْلِيَةَ قَبْضٌ، وَلِذَا قَيَّدَهُ بِكَوْنِهَا حَاضِرَةً، وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ أَنَّ قَبْضَ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْمَبِيعِ. اهـ أَيْ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَبِيعِ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ أَوْ بِالْقِيمَةِ لَوْ فَاسِدًا وَقَبْضَ الْأَمَانَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَهُوَ أَضْعَفُ مِنْ الْمَضْمُونِ فَلَا يَنُوبُ عَنْهُ، وَقَدَّمْنَا قَرِيبًا اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ فِي كَوْنِ التَّخْلِيَةِ قَبْضًا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ (قَوْلُهُ وَإِذَا مَلَكَهُ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَلَكَهُ ط (قَوْلُهُ تَثْبُتُ كُلُّ أَحْكَامِ الْمِلْكِ) فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي خَصْمًا لِمَنْ يَدَّعِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ بَاعَهُ كَانَ الثَّمَنُ لَهُ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ صَحَّ وَالْوَلَاءُ لَهُ وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ لَمْ يَعْتِقْ، وَلَوْ بِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِهَا فَالشُّفْعَةُ لِلْمُشْتَرِي، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَا وَطْؤُهَا) ذَكَرَ الْعِمَادِيُّ فِي فُصُولِهِ خِلَافًا فِي حُرْمَةِ وَطْئِهَا؛ فَقِيلَ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ، وَقِيلَ يَحْرُمُ بَحْرٌ: أَيْ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعْرَاضًا عَنْ الرَّدِّ الْوَاجِبِ. وَفِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ: قِيلَ، وَهَلْ إذَا زَوَّجَهَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ، وَهَلْ يَطِيبُ الْمَهْرُ لِلْمُشْتَرِي أَمْ لَا؟ مَحَلُّ نَظَرٍ (قَوْلُهُ وَلَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مِنْهُ الْبَائِعُ) الْمُرَادُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا بِصَدَدِ أَنْ تَعُودَ إلَى الْبَائِعِ نَظَرًا إلَى وُجُوبِ الْفَسْخِ فَيَصِيرُ نَاكِحًا أَمَتَهُ حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا شُفْعَةَ لِجَارِهِ لَوْ عَقَارًا) أَيْ لَوْ اشْتَرَى دَارًا شِرَاءً فَاسِدًا وَقَبَضَهَا لَا يَثْبُتُ لِلْجَارِ حَقُّ الشُّفْعَةِ قَالَ ط عَنْ حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلسَّيِّدِ أَبِي السُّعُودِ: وَلَا لِخَلِيطِهِ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ وَشَرِيكِهِ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ لَمْ يَنْقَطِعْ؛ لِأَنَّهُ عَلَى شَرَفِ الْفَسْخِ وَالِاسْتِرْدَادِ نَفْيًا لِلْفَسَادِ، حَتَّى إذَا سَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ بِأَنْ بَنَى الْمُشْتَرِي فِيهَا يَثْبُتُ حَقُّ الشُّفْعَةِ. اهـ (قَوْلُهُ وَلَا شُفْعَةَ بِهَا) هَذَا سَبْقُ نَظَرٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي الْجَوْهَرَةِ هَكَذَا وَإِذَا كَانَ الْمُشْتَرَى دَارًا فَبِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِهَا ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ لِلْمُشْتَرِي. اهـ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْمَارَّةَ فَقَالَ وَلَا تَجِبُ فِيهَا شُفْعَةٌ لِلشَّفِيعِ اهـ. وَفِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْبَحْرِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ اشْتَرَى دَارًا شِرَاءً فَاسِدًا فَبِيعَتْ بِجَنْبِهَا دَارٌ أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي بِالشُّفْعَةِ اهـ. نَعَمْ فِي الشَّرْحِ الْمَجْمَعِ: لَوْ اشْتَرَى دَارًا لَا تَجُوزُ الشُّفْعَةُ بِهَا اهـ. وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ بِمَعْنَى فِي لِيُوَافِقَ كَلَامَ غَيْرِهِ، وَلَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُ كَلَامِ الشَّارِحِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ عَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. (قَوْلُهُ بِمِثْلِهِ إنْ مِثْلِيًّا) وَإِنْ انْقَطَعَ الْمِثْلُ فَبِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الرَّمْلِيُّ وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَبِقِيمَتِهِ) يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّهُ إذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ يَعْنِي إنْ بَعْدَ هَلَاكِهِ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِضَمَانِهِ بِالْمِثْلِ أَوْ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قَائِمًا بِحَالِهِ كَانَ الْوَاجِبُ رَدَّ عَيْنِهِ (قَوْلُهُ أَوْ تَعَذُّرَ رَدِّهِ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ الرَّدِّ يَكُونُ بِالْهَلَاكِ وَبِتَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ أَوْ حِسِّيٍّ مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ يَوْمَ قَبَضَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِقِيمَتِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ قِيمَتُهُ يَوْمَ أَتْلَفَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِتْلَافِ يَتَقَرَّرُ بَحْرٌ عَنْ الْكَافِي (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ بِهِ) أَيْ بِالْقَبْضِ، وَالْأَوْلَى لِأَنَّهُ ط (قَوْلُهُ فَلَا تُعْتَبَرُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى اعْتِبَارِ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ لَا يَوْمَ الْإِتْلَافِ: أَيْ لَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ فِي يَدِهِ فَأَتْلَفَهُ لَمْ تُعْتَبَرْ الزِّيَادَةُ كَالْغَصْبِ (قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ فِيهَا) أَيْ فِي الْقِيمَةِ مِنَحٌ. وَفِي الْبَحْرِ وَالْجَوْهَرَةِ فِيهِمَا بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ: أَيْ فِي الْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ (قَوْلُهُ لِلْمُشْتَرِي) أَيْ مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْبَائِعِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ) أَيْ الزِّيَادَةَ فِي الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْبَائِعُ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ إلَخْ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُ؛ لِأَنَّ اللَّامَ تُفِيدُ التَّخْيِيرَ مَعَ أَنَّ الْفَسْخَ وَاجِبٌ وَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ اللَّامَ مِثْلُهَا فِي - {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 فَسْخُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ) وَيَكُونُ امْتِنَاعًا عَنْهُ ابْنُ الْمَلَكِ (أَوْ بَعْدَهُ مَا دَامَ) الْمَبِيعُ بِحَالِهِ جَوْهَرَةٌ (فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إعْدَامًا لِلْفَسَادِ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ فَيَجِبُ رَفْعُهَا بَحْرٌ (وَ) لِذَا (لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَضَاءُ قَاضٍ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَرْعًا لَا يَحْتَاجُ لِلْقَضَاءِ دُرَرٌ (وَإِذَا أَصَرَّ) أَحَدُهُمَا (عَلَى إمْسَاكِهِ وَعَلِمَ بِهِ الْقَاضِي فَلَهُ فَسْخُهُ) جَبْرًا عَلَيْهِمَا حَقًّا لِلشَّرْعِ بَزَّازِيَّةٌ (وَكُلُّ مَبِيعٍ فَاسِدٍ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ) كَإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ وَغَصْبٍ (وَوَقَعَ فِي يَدِ بَائِعِهِ فَهُوَ مُتَارَكَةٌ) لِلْبَيْعِ (وَبَرِئَ الْمُشْتَرِي مِنْ ضَمَانِهِ) قُنْيَةٌ.   [رد المحتار] أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وِلَايَةُ الْفَسْخِ رَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ بِالْقَبْضِ لَزِمَ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ تَقْتَضِي كَوْنَ اللَّامِ بِمَعْنَى عَلَى بِخِلَافِهَا هُنَا، وَلِأَنَّ كَوْنَ الْمُرَادِ بَيَانُ الْوِلَايَةِ الْمَذْكُورَةِ يَلْزَمُهُ مِنْهُ تَرْكُ بَيَانِ الْوُجُوبِ مَعَ أَنَّهُ مُرَادٌ أَيْضًا، وَالتَّصْرِيحُ بِالْوُجُوبِ يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادَيْنِ فَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ فَسَخَهُ) أَيْ فَسَخَ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ. قُلْت: وَهَذَا فِي غَيْرِ بَيْعِ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ فَاسِدٌ وَبِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ، نَعَمْ يَظْهَرُ الْوُجُوبُ فِي جَانِبِ الْمُكْرِهِ بِالْكَسْرِ (قَوْلُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ) لَكِنْ إنْ كَانَ قَبْلَهُ فَلِكُلٍّ الْفَسْخُ بِعِلْمِ صَاحِبِهِ لَا بِرِضَاهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِأَنْ كَانَ رَاجِعًا إلَى الْبَدَلَيْنِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ، وَكَالْبَيْعِ بِالْخَمْرِ أَوْ الْخِنْزِيرِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بِشَرْطٍ زَائِدٍ كَالْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ أَوْ بِشَرْطٍ فِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِهِمَا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ اللُّزُومِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لِمَنْ مَنْفَعَةُ الشَّرْطِ، وَاقْتَصَرَ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا بَحْرٌ. وَأَفَادَ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الشَّرْطِ يَفْسَخُ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا عَلَى مَا قَالَ مُحَمَّدٌ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَكُونُ امْتِنَاعًا عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْفَسَادِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهَذَا قَبْلَ الْقَبْضِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفِدْ حُكْمَهُ فَيَكُونُ الْفَسْخُ امْتِنَاعًا مِنْهُ. اهـ، فَقَوْلُهُ مِنْهُ يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ عَلَى الْفَسَادِ أَوْ عَلَى حُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمِلْكُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ مَا دَامَ الْمَبِيعُ بِحَالِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهُ، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا إذَا عَرَضَ عَلَيْهِ مَا تَعَذَّرَ بِهِ رَدُّهُ مِمَّا يَمْنَعُ الْفَسْخَ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ لِوُجُوبِ رَفْعِ الْمَعْصِيَةِ، وَالْأَوْلَى عَدَمُ زِيَادَةِ التَّعْلِيلِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لِيَصِحَّ التَّعْلِيلُ بَعْدَهُ، وَإِلَّا كَانَ التَّعْلِيلُ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الثَّانِيَ أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِذَا أَصَرَّ أَحَدُهُمَا) عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ أَيْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي، وَظَاهِرُهُ إنْ أَصَرَّا بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلِمَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا مِنْ أَنَّ لِكُلٍّ الْفَسْخُ بِعِلْمِ الْآخَرِ لَا بِرِضَاهُ فَإِضْرَارُ أَحَدِهِمَا لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى فَسْخِ الْقَاضِي. [مَطْلَبٌ رَدَّ الْمُشْتَرَى فَاسِدًا إلَى بَائِعِهِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ] ُ (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَبِيعٍ فَاسِدٍ) وَصَفَ الْمَبِيعَ بِالْفَسَادِ لِكَوْنِهِ مَحَلَّهُ (قَوْلُهُ كَإِعَارَةٍ) وَكَوَدِيعَةٍ وَرَهْنٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَغَصْبٍ) فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي رَدِّ الْمُشْتَرَى. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّدِّ وُقُوعُهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَمَا أَفَادَهُ مَا بَعْدَهُ ط (قَوْلُهُ وَوَقَعَ فِي يَدِ بَائِعِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ فِي الرَّدِّ الْحُكْمِيِّ كَمَا فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ، أَمَّا لَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ قَصْدًا فَلَا لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: رَدَّهُ الْمُشْتَرِي لِلْفَسَادِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ، فَأَعَادَهُ إلَى مَنْزِلِهِ فَهَلَكَ لَا يَضْمَنُهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا لَوْ الْفَسَادُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، فَلَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ ضَمِنَهُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَبْرَأُ فِيهِمَا إلَّا إذَا وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ فَذَهَبَ بِهِ إلَى مَنْزِلِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ اهـ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّ الْأَشْبَهَ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ. قُلْت: لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ تَصْحِيحَ قَاضِي خَانْ مُقَدَّمٌ؛ لِأَنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّدَّ صَحَّ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي يَدِ الْبَائِعِ لِكَوْنِ الرَّدِّ قَصْدِيًّا لَا ضِمْنِيًّا، وَبِهِ يَخْرُجُ عَنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، لَكِنْ إذَا وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ الْبَائِعِ حَصَلَ الْقَبْضُ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّخْلِيَةَ قَبْضٌ وَهُوَ مَا مَرَّ تَصْحِيحُهُ عَنْ قَاضِي خَانْ أَيْضًا، فَإِذَا ذَهَبَ بِهِ بِلَا إذْنِهِ صَارَ غَاصِبًا فَيَضْمَنُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا ذَهَبَ بِهِ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ الْمَذْكُورَةِ لِعَدَمِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِجِهَةٍ إذَا وَصَلَ إلَى الْمُسْتَحِقِّ بِجِهَةٍ أُخْرَى اُعْتُبِرَ وَاصِلًا بِجِهَةٍ مُسْتَحَقَّةٍ إنْ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (فَإِنْ بَاعَهُ) أَيْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الْمُشْتَرَى فَاسِدًا (بَيْعًا صَحِيحًا بَاتًّا) فَلَوْ فَاسِدًا أَوْ بِخِيَارٍ لَمْ يَمْتَنِعْ الْفَسْخُ (لِغَيْرِ بَائِعِهِ) فَلَوْ مِنْهُ كَانَ نَقْضًا لِلْأَوَّلِ كَمَا عَلِمْت (وَفَسَادُهُ بِغَيْرِ الْإِكْرَاهِ) فَلَوْ بِهِ يَنْقُضُ كُلَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي (أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَ أَوْ أَعْتَقَهُ) أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَهَا وَلَوْ لَمْ تَحْبَلْ رَدَّهَا مَعَ عُقْرِهَا اتِّفَاقًا سِرَاجٌ (بَعْدَ قَبْضِهِ) فَلَوْ قَبْلَهُ لَمْ يَعْتِقْ بِعِتْقِهِ بَلْ بِعِتْقِ الْبَائِعِ بِأَمْرِهِ، وَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ بِطَحْنِ الْحِنْطَةِ أَوْ ذَبْحِ الشَّاةِ فَيَصِيرُ الْمُشْتَرِي قَابِضًا اقْتِضَاءً   [رد المحتار] حُصُولِ الْقَبْضِ مِنْ الْبَائِعِ، فَلَمْ يَصِرْ غَاصِبًا بِالذَّهَابِ وَلَمْ يَضْمَنْهُ لِوُجُودِ الرَّدِّ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ كَمَا قُلْنَا. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِوُقُوعِهِ فِي يَدِهِ وُقُوعُهُ فِيهَا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَالتَّخْلِيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَأَنَّ هَذَا شَرْطٌ فِي الرَّدِّ الْحُكْمِيِّ لَا الْقَصْدِيِّ كَمَا عَلِمْتَهُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَاغْتَنِمْهُ (قَوْلُهُ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِجِهَةٍ) كَالرَّدِّ لِلْفَسَادِ هُنَا فَإِنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَمِثْلُهُ رَدُّ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ (قَوْلُهُ بِجِهَةٍ أُخْرَى) كَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ بَلْ وَصَلَ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ، حَتَّى إنَّ الْمُشْتَرِيَ فَاسِدًا إذَا وُهِبَ الْمُشْتَرَى مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ أَوْ بَاعَهُ لِرَجُلٍ فَوَهَبَهُ الرَّجُلُ مِنْ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَسَلَّمَهُ لَا يَبْرَأُ الْمُشْتَرِي عَنْ قِيمَتِهِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ الْعَيْنُ وَاصِلًا إلَى الْبَائِعِ بِالْجِهَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ لَمَّا وَصَلَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ بَاعَهُ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ مَا دَامَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَقَيَّدَ بِبَيْعِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَوْ بَاعَهُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي وَادَّعَى أَنَّ الثَّانِيَ كَانَ قَبْلَ فَسْخِ الْأَوَّلِ وَقَبَضَهُ وَزَعَمَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ الْفَسْخِ وَالْقَبْضِ مِنْ الْأَوَّلِ فَالْقَوْلُ لَهُ لَا لِلْبَائِعِ وَيَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ بِقَبْضِ الثَّانِي بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَمِثْلُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ انْفِسَاخِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ نَائِبٌ عَنْ الْبَائِعِ فِي الْقَبْضِ لِوُجُوبِ التَّسْلِيمِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ وَقَعَ فِي يَدِ الْبَائِعِ. تَأَمَّلْ، وَأَفَادَ أَنَّ الْبَيْعَ ثَابِتٌ، أَمَّا لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي بَيْعَهُ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَبَرْهَنَ لَا يُقْبَلُ وَلِلْبَائِعِ أَخْذُهُ وَلَوْ صَدَّقَهُ فَلَهُ الْقِيمَةُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ لَمْ يَمْتَنِعْ الْفَسْخُ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهِمَا لَيْسَ بِلَازِمٍ وَلَمْ يَدْخُلْ الْمَبِيعُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فِي صُورَةِ الْخِيَارِ ط. [تَنْبِيهٌ] عَبَّرَ فِي الْوُقَايَةِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ بَاعَهُ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَغْنَى بِهِ عَمَّا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ كَمَا عَلِمْت) مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَكُلُّ مَبِيعٍ فَاسِدٌ ط (قَوْلُهُ وَفَسَادُهُ) أَيْ فَسَادُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ يَنْقُضُ كُلَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي) أَيْ الَّتِي يُمْكِنُ نَقْضُهَا، بِخِلَافِ مَا لَا يُمْكِنُ كَالْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ أَخْذُ الْقِيمَةِ مِنْ الْمُكْرِهِ بِالْكَسْرِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَسَلَّمَ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: شَرَطَ فِي الْهِدَايَةِ التَّسْلِيمَ فِي الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ إلَّا بِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ أَوْ اسْتَوْلَدَهَا) أَفَادَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَعَ الْقِيمَةِ الْعُقْرُ، وَقِيلَ عَلَيْهِ عُقْرُهَا أَيْضًا جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. قَالَ ط: وَظَاهِرُهُ: أَيْ ظَاهِرُ مَا فِي الْمَتْنِ أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِيلَادٌ حَادِثٌ، فَلَوْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَوَّلًا اسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَاسِدًا وَقَبَضَهَا هَلْ يَكُونُ كَذَلِكَ لِمِلْكِهِ إيَّاهَا فَلْيُحَرَّرْ. اهـ. قُلْت: الظَّاهِرُ بَقَاءُ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الشَّرْعِ وَلَمْ يَعْرِضْ عَلَيْهِ تَصَرُّفٌ حَادِثٌ يَمْنَعُهُ. [تَنْبِيهٌ] نُقِلَ فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ أَنَّ التَّدْبِيرَ كَالِاسْتِيلَادِ، وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَلَمْ يَرَهُ فِي الْبَحْرِ مَنْقُولًا فَذَكَرَهُ بَحْثًا (قَوْلُهُ بَعْدَ قَبْضِهِ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ آخِرَ الْمَسَائِلِ ط (قَوْلُهُ فَلَوْ قَبْلَهُ لَمْ يَعْتِقْ بِعِتْقِهِ) تَخْصِيصُهُ التَّفْرِيعَ عَلَى الْعِتْقِ يُوهِمُ أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَوْ أَعْتَقَهُ فَقَطْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَكَانَ الْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ فَلَوْ قَبْلَهُ لَمْ تَنْفُذْ تَصَرُّفَاتُهُ الْمَذْكُورَةُ إلَّا إذَا أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ إلَخْ) وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ بُرًّا فَخَلَطَهُ الْبَائِعُ بِطَعَامِ الْمُشْتَرِي بِأَمْرِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ صَارَ قَابِضًا وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَيَصِيرُ الْمُشْتَرِي قَابِضًا اقْتِضَاءً) مَا يُقَدَّرُ لِتَصْحِيحِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 فَقَدْ مَلَكَ الْمَأْمُورُ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْآمِرُ وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى خِلَافِ هَذَا إمَّا رِوَايَةٌ أَوْ غَلَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ كَمَا بَسَطَهُ الْعِمَادِيُّ (أَوْ وَقَفَهُ) وَقْفًا صَحِيحًا، لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ حِينَ وَقَفَهُ وَأَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ. وَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَلَى خِلَافِ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ (أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَوْصَى) أَوْ تَصَدَّقَ (بِهِ) نَفَذَ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ   [رد المحتار] الْكَلَامُ كَأَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي سَبْقَ الْبَيْعِ لِيَصِحَّ الْعِتْقُ عَنْ الْآمِرِ، وَهُنَا كَذَلِكَ، فَإِنَّ صِحَّةَ تَصَرُّفِ الْبَائِعِ عَنْ الْمُشْتَرِي تَقْتَضِي أَنْ يُقَدَّرَ الْقَبْضُ سَابِقًا عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ الْبَائِعَ بِالْعِتْقِ فَقَطْ طَلَبَ أَنْ يُسَلِّطَهُ عَلَى الْقَبْضِ، وَإِذَا أَعْتَقَ الْبَائِعُ بِأَمْرِهِ صَارَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا قَبْضًا سَابِقًا عَلَيْهِ اهـ فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ يَمْلِكُ الْمَأْمُورُ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْآمِرُ (قَوْلُهُ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْآمِرُ) فَإِنَّ الْآمِرَ وَهُوَ الْمُشْتَرِي لَا يَصِحُّ إعْتَاقُهُ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الطَّحْنُ وَالذَّبْحُ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَأْمُورَ وَهُوَ الْبَائِعُ وَهُوَ الْبَائِعُ فِي مَسْأَلَةِ الطَّحْنِ وَالذَّبْحِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْفَسْخُ رَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ كَمَا مَرَّ، وَفِي فِعْلِهِ ذَلِكَ تَقْرِيرُهَا، فَقَدْ اسْتَوَى الْآمِرُ وَالْمَأْمُورُ فِي ذَلِكَ وَلِذَلِكَ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ مَسْأَلَةَ الْأَمْرِ بِالْعِتْقِ فَقَطْ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ عَجِيبَةٌ حَيْثُ مَلَكَ الْمَأْمُورُ مَا لَمْ يَمْلِكْ الْآمِرُ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَائِعَ يَأْثَمُ بِالْعِتْقِ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا، وَلَكِنْ الَّذِي مَلَكَهُ هُوَ دُونَ الْآمِرِ وَإِنَّمَا هُوَ نَفَاذُ الْعِتْقِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْإِثْمِ وَعَدَمِهِ كَمَا فِي بَاقِي تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ. [تَنْبِيهٌ] لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظِيرٌ يَمْلِكُ الْمَأْمُورُ فِيهِ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْآمِرُ، وَهُوَ مَا مَرَّ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ أَوْ أَمَرَ الْمُسْلِمُ بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ شِرَائِهِمَا - ذِمِّيًّا، أَوْ أَمَرَ الْمُحْرِمُ غَيْرَهُ بِبَيْعِ صَيْدِهِ (قَوْلُهُ وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ جَعَلَ الْعِتْقَ عَنْ الْبَائِعِ وَالدَّقِيقَ وَالشَّاةَ لَهُ أَيْضًا؛ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ كَمَا بَسَطَهُ الْعِمَادِيُّ) وَأَقَرَّهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ وَقْفًا صَحِيحًا) فَلَوْ فَاسِدًا كَأَنْ اشْتَرَطَ فِيهِ بَيْعَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ لَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ ط (قَوْلُهُ وَأَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ) عَطْفٌ لَازِمٌ عَلَى قَوْلِهِ وَقَفَهُ (قَوْلُهُ وَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ) حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ وَقَفَهُ أَوْ جَعَلَهُ مَسْجِدًا لَا يَبْطُلُ حَقُّ الْفَسْخِ مَا لَمْ يُبْنَ. اهـ. ح أَيْ فَالْمَانِعُ مِنْ الْفَسْخِ هُوَ الْبِنَاءُ (قَوْلُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ) حَمَلَهُ فِي النَّهْرِ عَلَى إحْدَى رِوَايَتَيْنِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّغْلِيطِ ح، وَحَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُقْضَ بِهِ، أَمَّا إذَا قَضَى بِهِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ لِلُزُومِهِ. قُلْت: لَكِنَّ الْمَسْجِدَ يَلْزَمُ بِدُونِ الْقَضَاءِ اتِّفَاقًا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ أَوْ رَهَنَهُ) أَيْ وَسَلَّمَهُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَلْزَمُ بِدُونِهِ (قَوْلُهُ أَوْ أَوْصَى بِهِ) أَيْ ثُمَّ مَاتَ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ وَهُوَ مِلْكٌ مُبْتَدَأٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ مِنَحٌ (قَوْلَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ) أَيْ وَسَلَّمَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمُتَصَدِّقِ بِدُونِ تَسْلِيمٍ (قَوْلُهُ نَفَذَ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ) أَيْ لَزِمَ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ أَنَّ النَّافِذَ مَا قَابَلَ الْمَوْقُوفَ وَاللَّازِمَ مَا لَا خِيَارَ فِيهِ، وَهَذَا فِيهِ خِيَارُ الْفَسَادِ، وَبِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَزِمَ تَأَمَّلْ. ثُمَّ إنَّ الشَّارِحَ تَبِعَ الْمُصَنِّفَ حَيْثُ جَعَلَ فَاعِلَ نَفَذَ هُوَ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْفَاعِلَ ضَمِيرٌ يَعُودُ إلَى مَا ذُكِرَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِذَا أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ فَتَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ فِيهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ انْقَطَعَ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِهِ، وَالِاسْتِرْدَادُ حَقُّ الشَّرْعِ وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ لِفَقْرِهِ فَقَدْ فَوَّتَ الْمُكْنَةَ بِتَأْخِيرِ التَّوْبَةِ. اهـ. مُلَخَّصًا: أَيْ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ كَانَ هُوَ التَّوْبَةَ بِالْفَسْخِ وَالِاسْتِرْدَادِ وَبِتَأْخِيرِهِ إلَى وُجُودِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ عَبْدٍ يَكُونُ قَدْ فَوَّتَ مُكْنَتَهُ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ فَتَعَيَّنَ لُزُومِ الْقِيمَةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَقَرَّرَتْ عَلَيْهِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهَا إلَّا بِالتَّوْبَةِ وَإِنَّ الْفَسْخَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 93 وَامْتَنَعَ الْفَسْخُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِهِ إلَّا فِي أَرْبَعٍ مَذْكُورَةٍ فِي الْأَشْبَاهِ، وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ غَيْرَ إجَارَةٍ وَنِكَاحٍ وَهَلْ يَبْطُلُ نِكَاحُ الْأَمَةِ بِالْفَسْخِ، الْمُخْتَارِ نَعَمْ السِّجَاعِيُّ، وَمَتَى زَالَ الْمَانِعُ   [رد المحتار] قَبْلَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ تَوْبَةٌ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ الشَّارِحُ رَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ (قَوْلُهُ إلَّا فِي أَرْبَعِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ: الْعَقْدُ الْفَاسِدُ إذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ عَبْدٍ لَزِمَ وَارْتَفَعَ الْفَسَادُ إلَّا فِي مَسَائِلَ: أَجَرَ فَاسِدًا فَأَجَرَ الْمُسْتَأْجِرُ صَحِيحًا فَلِلْأَوَّلِ نَقْضُهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُكْرَهِ لَوْ بَاعَ صَحِيحًا فَلِلْمُكْرَهِ نَقْضُهُ الْمُشْتَرِي فَاسِدًا إذَا أَجَرَ فَلِلْبَائِعِ نَقْضُهُ، وَكَذَا إذَا زَوَّجَ اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ فِي تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فَاسِدًا فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْأُولَى لِعَدَمِ دُخُولِهَا وَكَذَا الثَّانِيَةُ لِاحْتِرَازِ الْمَتْنِ عَنْهَا، وَالصُّورَةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ ذَكَرَهُمَا الشَّارِحُ حَيْثُ قَالَ غَيْرَ إجَارَةٍ وَنِكَاحٍ اهـ ح. قُلْت: وَالضَّمَائِرُ فِي نَقْضِهِ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلُ بِقَرِينَةِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ وَكَذَا إذَا زَوَّجَ: أَيْ يَكُونُ لِلْبَائِعِ نَقْضُ الْبَيْعِ لَا التَّزْوِيجِ، فَلَا يُنَافِي فِي مَا يَأْتِي تَحْرِيرُهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ وَأَرَادَ بِهِ نَحْوَ التَّدْبِيرِ، وَمَا لَوْ جَعَلَهُ مَهْرًا أَوْ بَدَلَ صُلْحٍ أَوْ إجَارَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُخْرِجُهُ مِنْ مِلْكِهِ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ النُّقَايَةِ الَّتِي نَقَلْنَاهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ بَاعَهُ (قَوْلُهُ غَيْرَ إجَارَةٍ وَنِكَاحٍ) أَيْ فَلَا يَمْنَعَانِ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ وَرَفْعُ الْفَسَادِ مِنْ الْأَعْذَارِ وَالنِّكَاحُ لَيْسَ فِيهِ إخْرَاجٌ عَنْ الْمِلْكِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَهَلْ يَبْطُلُ نِكَاحُ الْأَمَةِ) لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَمْنَعُ الْبَائِعَ مِنْ فَسْخِ الْبَيْعِ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ هَلْ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ الَّذِي عَقَدَهُ الْمُشْتَرِي كَمَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ أَمْ لَا؟ (قَوْلُهُ الْمُخْتَارُ نَعَمْ وَلْوَالِجِيَّةٌ) مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ مِنْ عَدَمِ الِانْفِسَاخِ، وَكَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ التُّحْفَةِ. وَقَالَ فِي الْمُجْتَبَى إلَّا الْإِجَارَةَ وَتَزْوِيجَ الْأَمَةِ، لَكِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِالِاسْتِرْدَادِ دُونَ النِّكَاحِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ: لَوْ فُسِخَ الْبَيْعُ لِلْفَسَادِ وَأَخَذَ الْبَائِعُ الْجَارِيَةَ مَعَ نُقْصَانِ التَّزْوِيجِ ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ رَدَّ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي مَا أَخَذَهُ مِنْ النُّقْصَانِ. وَفِي السِّرَاجِ لَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِالْأَعْذَارِ وَقَدْ عَقَدَهُ الْمُشْتَرِي وَهِيَ عَلَى مِلْكِهِ. وَقَدْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عِبَارَةَ السِّرَاجِ. ثُمَّ قَالَ: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ: لَوْ زَوَّجَ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ ثُمَّ قَبَضَهَا وَانْتَقَضَ الْبَيْعُ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَبْطُلُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَتَى انْتَقَضَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْتَقَضَ مِنْ الْأَصْلِ الْوَلْوَالِجيَّةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَكَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا. اهـ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي السِّرَاجِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَوْ يَظْهَرُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ. اهـ. مَا فِي الْبَحْرِ، وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ وَالْمِنَحِ، وَكَتَبْت فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْبَحْرِ أَنَّ الْفَرْقَ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْوَلْوَالِجِيِّ فِيمَا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَلَامُ السِّرَاجِ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ الْمُفِيدُ لِلْمِلْكِ ثُمَّ رَأَيْت ط نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْفَرْقِ، وَكَذَلِكَ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ حَيْثُ قَالَ الْعَجَبُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ مَا فِي السِّرَاجِ فِيمَا عُقِدَ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كُلٍّ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ فَكَيْفَ يُسْتَشْكَلُ بِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، وَلَئِنْ كَانَ كَلَامُ السِّرَاجِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَكَلَامُ الْوَلْوَالِجِيِّ فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ، فَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ فَاسِدَ الْبَيْعِ كَجَائِزِهِ فِي الْأَحْكَامِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. قُلْت: وَيَكْفِينَا مَا أَسْمَعْنَاك نَقْلَهُ عَنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ، عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ كَلَامَ الْوَلْوَالِجيَّةِ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مُطْلَقِ الْبَيْعِ بَلْ مُرَادُهُ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ صُورَةً إمَّا أَنْ يَنْتَقِضَ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَوْ بِالْخِيَارِ أَوْ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْأَوَّلَيْنِ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَا بَعْدَهُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ أَصْلًا فَتَخْصِيصُهُ الْحُكْمَ بِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ، فَإِذَا زَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ فَسَخَ الْعَقْدَ يَظْهَرُ بُطْلَانُ النِّكَاحِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ الْمِلْكِ، بِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَهَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ زَوَّجَهَا وَهِيَ فِي مِلْكِهِ فَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِفَسْخِ الْبَيْعِ. وَأَمَّا إذَا مَاتَتْ الْجَارِيَةُ قَبْلَ قَبْضِهَا فِي يَدِ الْبَائِعِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي مُتَفَرِّقَاتِ بُيُوعِ الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ بِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَإِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 كَرُجُوعِ هِبَةٍ وَعَجْزِ مُكَاتَبٍ وَفَكِّ رَهْنٍ عَادَ حَقُّ الْفَسْخِ لَوْ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ لَا بَعْدَهُ (وَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْفَسْخِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) فَيُحَلِّفُهُ الْوَارِثُ بِهِ يُفْتَى (وَ) بَعْدَ الْفَسْخِ (لَا يَأْخُذُهُ) بَائِعُهُ (حَتَّى يَرُدَّ ثَمَنَهُ) الْمَنْقُودَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَى مِنْ مَدْيُونِهِ بِدَيْنِهِ شِرَاءَ فَاسِدًا فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ كَإِجَارَةٍ وَرَهْنٍ وَعَقْدٍ صَحِيحٍ، وَالْفَرْقُ فِي الْكَافِي   [رد المحتار] بَطَلَ الْبَيْعُ (قَوْلُهُ كَرُجُوعِ هِبَةٍ) أَيْ رُجُوعِ وَاهِبٍ فِي هِبَتِهِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِدُونِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ عَادَ حَقُّ الْفَسْخِ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَمْ تُوجِبْ الْفَسْخَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي حَقِّ الْكُلِّ فَصُولَيْنِ. وَكَذَا لَوْ فَسَخَ الْبَيْعَ بِعَيْبٍ بَعْدَ قَبْضِهِ بِقَضَاءٍ فَلِلْبَائِعِ حَقُّ الْفَسْخِ لَوْ لَمْ يَقْضِ بِقِيمَتِهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَلَوْ رَدَّ بِعَيْبٍ بِلَا قَضَاءٍ لَا يَعُودُ حَقُّ الْفَسْخِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ ثَانِيًا بَحْرٌ؛ لِأَنَّ رَدَّهُ بِلَا قَضَاءٍ عَقْدٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ (قَوْلُهُ لَا بَعْدَهُ) أَيْ لَوْ زَالَ الْمَانِعُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا يَعُودُ حَقُّ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَبْطَلَ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْعَيْنِ، وَنَقَلَهُ إلَى الْقِيمَةِ بِإِذْنِ الشَّرْعِ فَلَا يَعُودُ حَقُّهُ إلَى الْعَيْنِ، وَإِنْ ارْتَفَعَ السَّبَبُ، كَمَا لَوْ قَضَى عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَةِ الْمَغْصُوبِ بِسَبَبِ الْإِبَاقِ ثُمَّ عَادَ الْعَبْدُ ذَخِيرَةٌ، وَمُرَادُهُ بِالْقِيمَةِ مَا يَعُمُّ الْمِثْلَ (قَوْلُهُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) وَكَذَا بِالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ كَمَا عَلِمْته (قَوْلُهُ حَتَّى يَرُدَّ ثَمَنَهُ) أَيْ مَا قَبَضَهُ الْبَائِعُ مِنْ ثَمَنٍ أَوْ قِيمَةٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ الْمَنْقُودَ) ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُقَابَلٌ بِهِ فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِهِ كَالرَّهْنِ فَتْحٌ، وَالْمُرَادُ بِالْمَنْقُودِ الْمَقْبُوضُ احْتِرَازًا عَنْ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَى) أَيْ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَنْقُودِ كَمَا لَوْ شَرَى إلَخْ (قَوْلُهُ كَإِجَارَةٍ وَرَهْنٍ) أَيْ فَاسِدَيْنِ. اهـ ح. وَقَوْلُهُ وَعَقْدٍ صَحِيحٍ قِيلَ صَوَابُهُ بِخِلَافِ عَقْدٍ صَحِيحٍ لِمَا فِي النَّهْرِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مَنْقُودًا، كَمَا إذَا اشْتَرَى مِنْ مَدِينِهِ عَبْدًا بِدَيْنٍ سَابِقٍ شِرَاءً فَاسِدًا وَقَبَضَهُ بِالْإِذْنِ فَأَرَادَ الْبَائِعُ أَخْذَهُ بِحُكْمِ الْفَسَادِ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ مَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، وَكَذَا الرَّهْنُ الْفَاسِدُ عَلَى هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا فِي الْأَبْوَابِ الثَّلَاثَةِ اهـ. قُلْت هَذَا بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ الْمُعْتَرِضُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ كَإِجَارَةٍ وَرَهْنٍ رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ لَا يَأْخُذُهُ حَتَّى يَرُدَّ الثَّمَنَ الْمَنْقُودَ فَيَكُونُ الْمُرَادُ مَا إذَا كَانَ بَدَلَ الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ مَنْقُودَيْنِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ إجَارَةً فَاسِدَةً وَنَقَدَ الْأُجْرَةَ أَوْ ارْتَهَنَ رَهْنًا فَاسِدًا أَوْ أَقْرَضَ قَرْضًا فَاسِدًا وَأَخَذَ بِهِ رَهْنًا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ مَا اسْتَأْجَرَهُ، وَمَا ارْتَهَنَ حَتَّى يَقْبِضَ مَا نَقَدَ اعْتِبَارًا بِالْعَقْدِ الْجَائِزِ إذَا تَفَاسَخَا. اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْفَتْحِ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ وَعَقْدٍ صَحِيحٍ قَصَدَ بِذِكْرِهِ أَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ مِثْلُهُ إذَا كَانَ الْبَدَلُ فِيهَا مَنْقُودًا فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مَنْقُودًا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ فِي ثُبُوتِ حَقِّ الْحَبْسِ بَعْدَ الْفَسْخِ فِي الْكُلِّ، بَلْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي غَيْرِ الْمَنْقُودِ. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِرَمْزِ الْخَانِيَّةِ: شَرَى مِنْ مَدْيُونِهِ فَاسِدًا فَفَسَخَ لَيْسَ لَهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ لِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ، وَكَذَا لَوْ آجَرَ مِنْ دَائِنِهِ إجَارَةً فَاسِدَةً، وَلَوْ كَانَ عَقْدُ الْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ جَائِزًا فَلَهُ الْحَبْسُ لِدَيْنِهِ. اهـ، فَأَفَادَ أَنَّ لَهُ الْحَبْسَ فِي الْعَقْدِ الْجَائِزِ إذَا كَانَ الْبَدَلُ غَيْرَ دَيْنٍ بِالْأَوْلَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ فِي الْكَافِي) أَيْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالصَّحِيحِ إذَا كَانَ الْبَدَلُ غَيْرَ مَنْقُودٍ حَيْثُ يَمْلِكُ الْجِنْسَ فِي الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي كَافِي النَّسَفِيِّ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ لِلْمَدِينِ عَلَى الْمُشْتَرِي مِثْلُ الدَّيْنِ صَارَ الثَّمَنُ قِصَاصًا لِاسْتِوَائِهِمَا قَدْرًا وَوَصْفًا فَاعْتُبِرَ بِمَا لَوْ اسْتَوْفَيَا حَقِيقَةً فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ، وَفِي الْفَسَادِ لَمْ يَمْلِكْ الثَّمَنَ بَلْ تَجِبُ قِيمَةُ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْقَبْضِ وَهِيَ قَبْلَهُ غَيْرُ مُقَرَّرَةٍ لِاحْتِمَالِهَا السُّقُوطَ بِالْفَسْخِ وَدَيْنُ الْمُشْتَرِي مُقَرَّرٌ، وَالْمُقَاصَّةُ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ وَصْفًا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 (فَإِنْ مَاتَ) أَحَدُهُمَا أَوْ الْمُؤْجِرُ أَوْ الْمُسْتَقْرِضُ أَوْ الرَّاهِنُ فَاسِدًا عَيْنِيٌّ وَزَيْلَعِيٌّ بَعْدَ الْفَسْخِ (فَالْمُشْتَرِي) وَنَحْوُهُ (أَحَقُّ بِهِ) مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ بَلْ قَبْلَ تَجْهِيزِهِ فَلَهُ حَقُّ حَبْسِهِ حَتَّى يَأْخُذَ مَالَهُ (فَيَأْخُذُ) الْمُشْتَرِي (دَرَاهِمَ الثَّمَنِ بِعَيْنِهَا لَوْ قَائِمَةً، وَمِثْلَهَا لَوْ هَالِكَةً) بِنَاءً عَلَى تَعَيُّنِ الدَّرَاهِمِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَهُوَ الْأَصَحُّ (وَ) إنَّمَا (طَابَ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَ) فِي الثَّمَنِ   [رد المحتار] الْحَبْسِ. اهـ (قَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ: فَإِنْ مَاتَ الْبَائِعُ وَهِيَ أَنْسَبُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَقْرِضُ) بِأَنْ اسْتَقْرَضَ قَرْضًا فَاسِدًا وَأَعْطَى بِهِ رَهْنًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَاسِدًا) حَالٌ مِنْ الْكُلِّ، وَفِيهِ وَصْفُ الْعَاقِدِ بِصِفَةِ عَقْدِهِ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّهُ (قَوْلُهُ بَعْدَ الْفَسْخِ) نَصٌّ عَلَى الْمُتَوَهِّمِ فَإِنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ قَبْلَ الْفَسْخِ بِالْأَوْلَى ط (قَوْلُهُ فَالْمُشْتَرِي وَنَحْوُهُ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُقْرِضُ وَالْمُرْتَهِنُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَيَّ الَّذِي بِيَدِهِ عَيْنُ الْمَبِيعِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرَ أَوْ الرَّاهِنَ أَحَقُّ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْعَيْنِ مِنْ غُرَمَاءِ الْآخَرِ الْمَيِّتِ حَتَّى يَقْبِضَ مَا نَقَدَ قَالَ فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ قَالَ فِي حَيَاتِهِ، فَكَذَا عَلَى وَرَثَتِهِ وَغُرَمَائِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، إلَّا أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَالْمُشْتَرِي بِقَدْرِ مَا أَعْطَى، فَمَا فَضَلَ فَلِلْغُرَمَاءِ اهـ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: لَكِنْ سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ أَنَّ الرَّاهِنَ فَاسِدًا أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ؛ وَسَيَأْتِي آخِرَ الرَّهْنِ مِثْلُ مَا هُنَا وَوَفَّقْنَا بِأَنَّ مَا هُنَا وَمَا يَأْتِي فِي الرَّهْنِ إذَا كَانَ الرَّهْنُ سَابِقًا عَلَى الدَّيْنِ، وَمَا فِي الْإِجَارَةِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الرَّهْنِ. اهـ وَسَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ فِي آخِرِ الرَّهْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [تَنْبِيهٌ] لَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي فَاسِدًا: وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ: وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَالْبَائِعُ أَحَقُّ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ بِمَالِيَّتِهِ، فَإِنْ زَادَ شَيْءٌ فَهُوَ لِلْغُرَمَاءِ. اهـ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَاسِدًا وَتَقَابَضَا ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَفَسَخَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ مَعَ الْوَرَثَةِ فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِمَالِيَّةِ الْعَبْدِ وَهِيَ مَا قَبَضَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَسْتَرِدَّ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ، كَمَا لَوْ مَاتَ الْبَائِعُ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَكْثَرَ مِمَّا قَبَضَ فَالزَّائِدُ لِلْغُرَمَاءِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ. (قَوْلُهُ بَلْ قَبْلَ تَجْهِيزِهِ) أَيْ تَجْهِيزِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُؤْجِرِ وَمَا بَعْدَهُ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَكَانَ الْمَبِيعُ ثَوْبًا مَثَلًا اُحْتِيجَ لِتَكْفِينَهُ بِهِ فَلِلْمُشْتَرِي حَبْسُهُ حَتَّى يَأْخُذَ مَالَهُ: قَالَ ط: وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَلْ مِنْ تَجْهِيزِهِ. مَطْلَبٌ فِي تَعْيِينِ الدَّرَاهِمِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى تَعَيُّنِ الدَّرَاهِمِ) الْمُرَادُ بِهَا مَا يَشْمَلُ الدَّنَانِيرَ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: النَّقْدُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ، وَفِي تَعْيِينِهِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ رِوَايَتَانِ، وَرَجَّحَ بَعْضُهُمْ تَفْصِيلًا بِأَنَّ مَا فَسَدَ مِنْ أَصْلِهِ أَيْ كَمَا لَوْ ظَهَرَ الْمَبِيعُ حُرًّا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ يَتَعَيَّنُ فِيهِ لَا فِيمَا انْتَقَضَ بَعْدَ صِحَّتِهِ: أَيْ كَمَا لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَالصَّحِيحُ تَعَيُّنُهُ فِي الصَّرْفِ بَعْدَ فَسَادِهِ وَبَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ، وَفِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ فَيُؤْمَرُ بِرَدِّ نِصْفِ مَا قَبَضَ عَلَى شَرِيكِهِ، وَفِيمَا إذَا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْقَضَاءِ، فَلَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا وَأَخَذَهُ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى خَصْمِهِ حَقٌّ فَعَلَى الْمُدَّعِي رَدُّ عَيْنِ مَا قَبَضَ مَا دَامَ قَائِمًا، وَلَا تَعْيِينَ فِي الْمَهْرِ وَلَوْ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَتُرَدُّ مِثْلُ نِصْفِهِ وَلِذَا لَزِمَهَا زَكَاتُهُ لَوْ نِصَابًا حَوْلِيًّا عِنْدَهَا وَلَا فِي النَّذْرِ وَالْوَكَالَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ؛ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَالْعَامَّةُ كَذَلِكَ وَتَتَعَيَّنُ الْأَمَانَاتُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالْغَصْبُ، وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ اهـ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَطَابَ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَ لَا لِلْمُشْتَرِي) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً بَيْعًا فَاسِدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَتَقَابَضَا وَرَبِحَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيمَا قَبَضَ يَتَصَدَّقُ الَّذِي قَبَضَ الْجَارِيَةَ بِالرِّبْحِ وَيَطِيبُ الرِّبْحُ لِلَّذِي قَبَضَ الدَّرَاهِمَ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 لَا عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْأَصَحِّ، بَلْ عَلَى الْأَصَحِّ أَيْضًا لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي غَيْرُ مُتَعَيِّنٌ، وَلَا يَضُرُّ تَعْيِينُهُ فِي الْأَوَّلِ كَمَا أَفَادَهُ سَعْدِيٌّ (لَا) يَطِيبُ (لِلْمُشْتَرِي) مَا رَبِحَ فِي بَيْعٍ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ بِأَنْ بَاعَهُ بِأَزْيَدَ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِعَيْنِهِ فَتَمَكَّنَ الْخُبْثُ فِي الرِّبْحِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ (كَمَا طَابَ رِبْحُ مَالٍ ادَّعَاهُ) عَلَى آخَرَ فَصَدَّقَهُ عَلَى ذَلِكَ (فَقَضَى لَهُ) أَيْ أَوْفَاهُ إيَّاهُ (ثُمَّ ظَهَرَ عَدَمُهُ بِتَصَادُقِهِمَا) أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّ بَدَلَ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكًا مِلْكًا فَاسِدًا، وَالْخُبْثُ لِفَسَادِ الْمِلْكِ إنَّمَا يَعْمَلُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ لَا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ، وَأَمَّا الْخُبْثُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ كَالْغَصْبِ فَيَعْمَلُ فِيهِمَا كَمَا بَسَطَهُ خُسْرو وَابْنُ الْكَمَالِ.   [رد المحتار] وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَإِنَّمَا طَابَ إلَخْ أَوْرَدَهُ فِي صُورَةِ جَوَابٍ عَمَّا اسْتَشْكَلَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ وَالدُّرَرِ وَالْبَحْرِ وَالْمِنَحِ وَغَيْرُهُمْ، مِنْ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمُتُونِ مِنْ أَنَّ الرِّبْحَ يَطِيبُ لِلْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ النَّقْدِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلرِّوَايَةِ الْمَنْصُوصَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَيُنَاقِضُ قَوْلَهُمْ إنَّ تَعَيُّنَهَا فِيهِ هُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَطِيبُ الرِّبْحُ لِلْبَائِعِ فِيمَا قَبَضَ. وَقَدْ أَجَابَ الْعَلَّامَةُ سَعْدِي جَلَبِي فِي حَاشِيَةِ الْعِنَايَةِ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ وَهُوَ أَنَّهُ يَطِيبُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّعْيِينِ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي الصَّحِيحِ لَا فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ الْفَاسِدِ اهـ. وَبَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ فَاسِدًا وَقَبَضَ دَرَاهِمَ الثَّمَنِ ثُمَّ فَسَخَ الْعَقْدَ يَجِبُ رَدُّ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ بِعَيْنِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ تَعَيُّنُهَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ؛ فَلَوْ اشْتَرَى بِهَا عَبْدًا مَثَلًا شِرَاءً صَحِيحًا طَابَ لَهُ مَا رَبِحَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ فِي هَذَا الْعَقْدِ الثَّانِي لِكَوْنِهِ عَقْدًا صَحِيحًا، حَتَّى لَوْ أَشَارَ إلَيْهَا وَقْتَ الْعَقْدِ لَهُ دَفْعُ غَيْرِهَا فَعَدَمُ تَعَيُّنِهَا فِي هَذَا الْعَقْدِ الصَّحِيحِ لَا يُنَافِي كَوْنَ الْأَصَحِّ تَعَيُّنَهَا فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ. وَقَدْ أَجَابَ الْعَلَّامَةُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِمِثْلِ مَا أَجَابَ الْعَلَّامَةُ سَعْدِي قَبْلَ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ وَقَالَ إنِّي فِي عَجَبٍ عَجِيبٍ مِنْ فَهْمِ هَؤُلَاءِ الْأَجِلَّاءِ التَّنَاقُضَ مِنْ مِثْلِ هَذَا مَعَ ظُهُورِهِ. (قَوْلُهُ لَا عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ) أَيْ الْقَائِلَةِ بِعَدَمِ تَعَيُّنِ الدَّرَاهِمِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ فِي بَيْعٍ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ) أَرَادَ بِالْبَيْعِ الْمَبِيعَ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ كَالْعَبْدِ مَثَلًا إلَى وَجْهِ الْفَرْقِ بَيْنَ طَيِّبِ الرِّبْحِ لِلْبَائِعِ لَا لِلْمُشْتَرِي، وَهُوَ أَنَّ مَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِ فَتَمَكَّنَ الْخَبَثُ فِيهِ، وَالنَّقْدُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْعَقْدُ الثَّانِي بِعَيْنِهِ، فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْخُبْثُ فَلَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ النَّقْدُ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْمَبِيعِ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، بِخِلَافِ نَفْسِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِهِ، وَمُفَادُ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْعَ مُقَابَضَةٍ لَا يَطِيبُ الرِّبْحُ لَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْبَدَلَيْنِ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ وَلَوْ كَانَ عَقْدَ صَرْفٍ يَطِيبُ لَهُمَا، لَكِنْ قَدَّمْنَا آنِفًا عَنْ الْأَشْبَاهِ أَنَّ الصَّحِيحَ تَعَيُّنُهُ فِي الصَّرْفِ بَعْدَ فَسَادِهِ وَفِي شَرْحِ الْبِيرِيِّ عَنْ الْخَلَّاطِيِّ أَنَّهُ الصَّحِيحُ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ اهـ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ بِأَنْ بَاعَهُ بِأَزْيَدَ) تَصْوِيرٌ لِظُهُورِ الرِّبْحِ فَلَا يَطِيبُ لَهُ ذَلِكَ الزَّائِدُ عَمَّا اشْتَرَى بِهِ، وَأَفَادَ أَنَّ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ عَقْدٍ. وَأَمَّا إذَا أَخَذَ الثَّمَنَ وَاتَّجَرَ وَرَبِحَ بَعْدَهُ أَيْضًا يَطِيبُ لَهُ لِعَدَمِ التَّعَيُّنِ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ط، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا مَرَّ (قَوْلُهُ كَمَا طَابَ إلَخْ) صُورَتُهُ مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَيْضًا: لَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَقَضَاهُ ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَدْ رَبِحَ الْمُدَّعِي فِي الدَّرَاهِمِ الَّتِي قَبَضَهَا عَلَى أَنَّهَا دَيْنُهُ يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَجَبَ بِالْإِقْرَارِ عِنْدَ الدَّعْوَى ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بِالتَّصَادُقِ وَكَانَ الْمَقْبُوضُ بَدَلَ الْمُسْتَحَقِّ وَهُوَ الدَّيْنُ، وَبَدَلُ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ مِلْكًا فَاسِدًا بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِجَارِيَةٍ أَوْ ثَوْبٍ ثُمَّ أُعْتِقَ الْعَبْدُ وَاسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ يَصِحُّ عِتْقُ الْعَبْدِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَدَلُ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكًا لَمْ يَصِحَّ الْعِتْقُ إذْ لَا عِتْقَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكًا) كَذَا فِيمَا رَأَيْته فِي عِدَّةِ نُسَخٍ بِنَصْبِ مَمْلُوكًا، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ نُسَخِ النَّهْرِ: وَفِي بَعْضِهَا بِالرَّفْعِ وَهُوَ الصَّوَابُ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي رَفْعِ خَبَرِ إنَّ (قَوْلُهُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ) كَالْعُرُوضِ لَا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ كَالنُّقُودِ، وَمَرَّ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ كَالْغَصْبِ) وَكَالْوَدِيعَةِ، فَإِذَا تَصَرَّفَ الْغَاصِبُ أَوْ الْمُودِعُ فِي الْعَرْضِ أَوْ النَّقْدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 وَقَالَ الْكَمَالُ: لَوْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ فِي دَعْوَاهُ الدَّيْنَ لَا يَمْلِكُهُ أَصْلًا، وَقَوَّاهُ فِي النَّهْرِ. وَفِيهِ: الْحَرَامُ يَنْتَقِلُ، فَلَوْ دَخَلَ بِأَمَانٍ وَأَخَذَ مَالَ حَرْبِيٍّ بِلَا رِضَاهُ وَأَخْرَجَهُ إلَيْنَا مَلَكَهُ وَصَحَّ بَيْعُهُ، لَكِنْ لَا يَطِيبُ لَهُ وَلَا لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ لَا يَطِيبُ لَهُ لِفَسَادِ عَقْدِهِ وَيَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ لِصِحَّةِ عَقْدِهِ. وَفِي حَظْرِ الْأَشْبَاهِ: الْحُرْمَةُ تَتَعَدَّدُ   [رد المحتار] يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِمَالِ غَيْرِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الْكَمَالُ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِمَا فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ لَا يَمْلِكُهُ أَصْلًا) ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ فَتْحٌ: أَيْ فَلَا يَطِيبُ لَهُ مَا رَبِحَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ تَعَيَّنَ أَوْ لَا (قَوْلُهُ وَقَوَّاهُ فِي النَّهْرِ) بِتَصْرِيحِهِمْ فِي الْإِقْرَارِ بِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُقِرَّ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ عَنْ كُرْهٍ مِنْهُ، أَمَّا لَوْ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ حَلَّ لَهُ الْأَخْذُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَحِينَئِذٍ لَا يَطِيبُ لَهُ رِبْحُهُ، وَيُحْمَلُ الْكَلَامُ هَاهُنَا عَلَى مَا إذَا ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا بِالْإِرْثِ مِنْ أَبِيهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ وَكِيلَهُ أَوْفَاهُ لِأَبِيهِ فَتَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ فَحِينَئِذٍ يَطِيبُ لَهُ، وَهَذَا فِقْهٌ حَسَنٌ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الرَّمْلِيُّ وَأَقَرَّهُ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِهِمْ خِلَافُ مَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ الْحَرَامُ يَنْتَقِلُ) أَيْ تَنْتَقِلُ حُرْمَتُهُ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي وَتَبَدَّلَتْ الْأَمْلَاكُ، وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَلَا لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ) فَيَكُونُ بِشِرَائِهِ مِنْهُ مُسِيئًا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِكَسْبٍ خَبِيثٍ، وَفِي شِرَائِهِ تَقْرِيرٌ لِلْخُبْثِ، وَيُؤْمَرُ بِمَا كَانَ يُؤْمَرُ بِهِ الْبَائِعُ مِنْ رَدِّهِ عَلَى الْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ إنَّمَا كَانَ لِمُرَاعَاةِ مِلْكِ الْحَرْبِيِّ وَلِأَجْلِ غَدْرِ الْأَمَانِ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَائِمٌ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي مِلْكِ الْبَائِعِ الَّذِي أَخْرَجَهُ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ بَيْعًا صَحِيحًا فَإِنَّ الثَّانِيَ لَا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مَأْمُورًا بِهِ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلرَّدِّ قَدْ زَالَ بِبَيْعِهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الرَّدِّ بِفَسَادِ الْبَيْعِ حُكْمُهُ مَقْصُودٌ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَقَدْ زَالَ مِلْكُهُ بِالْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ، كَذَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِلسَّرَخْسِيِّ مِنْ الْبَابِ الْخَامِسِ بَعْدَ الْمِائَةِ. مَطْلَبُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا يَطِيبُ لَهُ وَيَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ (قَوْلُهُ وَيَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ لِصِحَّةِ عَقْدِهِ) فِيهِ أَنَّ عَقْدَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى صَحِيحٌ أَيْضًا، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْحُكْمَ فِي الْبَحْرِ مَعْزِيًّا لِلْإِسْبِيجَابِيِّ بِدُونِ هَذَا التَّعْلِيلِ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ إسْقَاطَهُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي الْبَابِ الثَّانِي وَالسِّتِّينَ بَعْدَ الْمِائَةِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَرُدَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِينَ شِرَاؤُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ خَبِيثٌ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي فَاسِدًا إذَا أَرَادَ بَيْعَ الْمُشْتَرَى بَعْدَ الْقَبْضِ يُكْرَهُ شِرَاؤُهُ مِنْهُ وَإِنْ نَفَذَ فِيهِ بَيْعُهُ وَعِتْقُهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ حَصَلَ لَهُ بِسَبَبٍ حَرَامٍ شَرْعًا. اهـ فَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ وَيَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَا أَخْرَجَهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَمَّا وَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّهُ عَلَى الْحَرْبِيِّ لِبَقَاءِ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ عَلَى الْبَائِعِ رَدَّهُ تَمَكَّنَ الْخُبْثُ فِيهِ فَلَمْ يَطِبْ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا كَالْبَائِعِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّ رَدَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ لَا عَلَى الْمُشْتَرِي لِعَدَمِ بَقَاءِ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ كَمَا قَدَّمْنَا فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْخُبْثُ فِيهِ فَلِذَا طَابَ لِلْمُشْتَرِي، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ نَفْسَ الشِّرَاءِ مَكْرُوهٌ لِحُصُولِهِ لِلْبَائِعِ بِسَبَبٍ حَرَامٍ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إعْرَاضًا عَنْ الْفَسْخِ الْوَاجِبِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. مَطْلَبٌ الْحُرْمَةُ تَتَعَدَّدُ (قَوْلُهُ الْحُرْمَةُ تَتَعَدَّدُ إلَخْ) نَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ سَيِّدِي عَبْدِ الْوَهَّابِ الشَّعْرَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمِنَنِ: وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْحَنِيفَةِ مِنْ أَنَّ الْحَرَامَ لَا يَتَعَدَّى ذِمَّتَيْنِ، سَأَلْت عَنْهُ الشِّهَابَ ابْنَ الشَّلَبِيِّ فَقَالَ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ، أَمَّا لَوْ رَأَى الْمَكَّاسَ مَثَلًا يَأْخُذُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا مِنْ الْمَكْسِ ثُمَّ يُعْطِيهِ آخَرَ ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْ ذَلِكَ الْآخَرِ آخَرَ فَهُوَ حَرَامٌ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 مَعَ الْعِلْمِ بِهَا إلَّا فِي حَقِّ الْوَارِثِ، وَقَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنْ لَا يُعْلَمَ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ، وَسَنُحَقِّقُهُ ثَمَّةَ. (بَنَى أَوْ غَرَسَ فِيمَا اشْتَرَاهُ فَاسِدًا) شُرُوعٌ فِيمَا يَقْطَعُ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ مِنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقَوْلِيَّةِ (لَزِمَهُ قِيمَتُهُمَا) وَامْتَنَعَ الْفَسْخُ. وَقَالَا: يَنْقُضُهُمَا وَيُرَدُّ الْمَبِيعُ، وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ، وَتَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ لِحُصُولِهِمَا بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ،   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِيمَنْ وَرِثَ مَالًا حَرَامًا (قَوْلُهُ إلَّا فِي حَقِّ الْوَارِثِ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ كَسْبَ مُوَرِّثِهِ حَرَامٌ يَحِلُّ لَهُ، لَكِنْ إذَا عَلِمَ الْمَالِكَ بِعَيْنِهِ فَلَا شَكَّ فِي حُرْمَتِهِ وَوُجُوبِ رَدِّهِ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَقَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ، وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي: مَاتَ رَجُلٌ وَيَعْلَمُ الْوَارِثُ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَكْسِبُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحِلُّ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُ الطَّلَبَ بِعَيْنِهِ لِيَرُدَّ عَلَيْهِ حَلَّ لَهُ الْإِرْثُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَوَرَّعَ وَيَتَصَدَّقَ بِنِيَّةِ خُصَمَاءِ أَبِيهِ. اهـ وَكَذَا لَا يَحِلُّ إذَا عَلِمَ عَيْنَ الْغَصْبِ مَثَلًا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَالِكَهُ، لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَخَذَهُ مُوَرِّثُهُ رِشْوَةً أَوْ ظُلْمًا، إنْ عَلِمَ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ، وَإِلَّا فَلَهُ أَخْذُهُ حُكْمًا أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ بِنِيَّةِ إرْضَاءِ الْخُصَمَاءِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ وَجَبَ رَدُّهُ عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا فَإِنْ عَلِمَ عَيْنَ الْحَرَامِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ بِنِيَّةِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ مَالًا مُخْتَلِطًا مُجْتَمِعًا مِنْ الْحَرَامِ وَلَا يَعْلَمُ أَرْبَابَهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ بِعَيْنِهِ حَلَّ لَهُ حُكْمًا، وَالْأَحْسَنُ دِيَانَةً التَّنَزُّهُ عَنْهُ فَفِي الذَّخِيرَةِ: سُئِلَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَمَّنْ اكْتَسَبَ مَالَهُ مِنْ أُمَرَاءِ السُّلْطَانِ وَمِنْ الْغَرَامَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ هَلْ يَحِلُّ لِمَنْ عَرَفَ ذَلِكَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ طَعَامِهِ؟ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ فِي دِينِهِ أَنْ لَا يَأْكُلَ وَيَسَعُهُ حُكْمًا إنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الطَّعَامُ غَصْبًا أَوْ رِشْوَةً وَفِي الْخَانِيَّةِ: امْرَأَةٌ زَوْجُهَا فِي أَرْضِ الْجَوْرِ، وَإِنْ أَكَلَتْ مِنْ طَعَامِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَيْنُ ذَلِكَ الطَّعَامِ غَصْبًا فَهِيَ فِي سَعَةٍ مِنْ أَكْلِهِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً مِنْ مَالٍ أَصْلُهُ لَيْسَ بِطَيِّبٍ فَهِيَ فِي سَعَةٍ مِنْ تَنَاوُلِهِ وَالْإِثْمُ عَلَى الزَّوْجِ. اهـ (قَوْلُهُ وَسَنُحَقِّقُهُ ثَمَّةَ) أَيْ فِي كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ. قَالَ هُنَاكَ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا هُنَا لَكِنْ فِي الْمُجْتَبَى: مَاتَ وَكَسْبُهُ حَرَامٌ فَالْمِيرَاثُ حَلَالٌ، ثُمَّ رَمَزَ وَقَالَ: لَا نَأْخُذُ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ حَرَامٌ مُطْلَقًا عَلَى الْوَرَثَةِ فَتَنَبَّهْ. اهـ. ح، وَمُفَادُهُ الْحُرْمَةُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَرْبَابُهُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ عَيْنَ الْحَرَامِ لِيُوَافِقَ مَا نَقَلْنَاهُ، إذْ لَوْ اخْتَلَطَ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ يَمْلِكُهُ مِلْكًا خَبِيثًا، لَكِنْ لَا يَحِلُّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ مَا لَمْ يُؤَدِّ بَدَلَهُ كَمَا حَقَقْنَاهُ قُبَيْلَ بَابِ زَكَاةِ الْمَالِ فَتَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ زِيَادَةِ الْمَبِيعِ فَاسِدًا (قَوْلُهُ بَنَى أَوْ غَرَسَ فِيمَا اشْتَرَاهُ فَاسِدًا) وَكَذَا لَوْ شَرَى فَاسِدًا قَاضِبَانِ نَخْلٍ فَغَرَسَهُ وَأَطْعَمَ وَإِنْ شَرَاهُ مَطْعَمًا فَغَرَسَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ وَعِنْدَ الثَّانِي يَقْلَعُهُ إنْ لَمْ يَضُرَّ الْأَرْضَ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ قِيمَتُهُمَا) أَيْ قِيمَةُ الدَّارِ وَالْأَرْضِ مِنَحٌ وَالْأَوْلَى إفْرَادُ الضَّمِيرِ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ، وَعَلَّلَهُ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِأَنَّ الْبِنَاءَ اسْتِهْلَاكٌ عِنْدَ الْإِمَامِ: أَيْ وَمِثْلُهُ الْغَرْسُ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ يُقْصَدُ بِهِمَا الدَّوَامُ وَقَدْ حَصَلَا بِتَسْلِيطٍ مِنْ الْبَائِعِ فَيَنْقَطِعُ بِهِمَا حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ كَالْبَيْعِ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ) حَيْثُ قَالَ وَقَوْلُهُمَا أَوْجَهُ، وَكَوْنُ الْبِنَاءِ يُقْصَدُ لِلدَّوَامِ يَمْنَعُ الِاتِّفَاقَ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى إيجَابِ الْقَلْعِ، فَظَهَرَ أَنَّهُ قَدْ يُرَادُ لِلْبَقَاءِ وَقَدْ لَا، فَإِنْ قَالَ: إنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُكَلَّفُ الْقَلْعَ فَفَعَلَهُ مَعَ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْبَقَاءَ قُلْنَا الْمُشْتَرِي فَاسِدًا أَيْضًا يُكَلَّفُ الْقَلْعَ عِنْدَنَا. اهـ (قَوْلُهُ وَتَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: أَقُولُ: الْبِنَاءُ الْحَاصِلُ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ إنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ الدَّوَامُ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ، وَبِهَذَا عُرِفَ أَنَّ مَحَطَّ الِاسْتِدْلَالِ إنَّمَا هُوَ التَّسْلِيطُ مِنْ الْبَائِعِ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ اهـ. قُلْت: وَفِيهِ أَنَّ الْمُؤْجِرَ أَيْضًا سَلَّطَ الْمُسْتَأْجِرَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِأَرْضِهِ وَالْمُسْتَأْجِرُ يَمْلِكُ الْبِنَاءَ، فَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِالْفَرْقِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 وَكَذَا كُلُّ زِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ غَيْرِ مُتَوَلِّدَةٍ كَصَبْغٍ وَخِيَاطَةٍ وَطَحْنِ حِنْطَةٍ وَلَتِّ سَوِيقٍ وَغَزْلِ قُطْنٍ وَجَارِيَةٍ عَلِقَتْ مِنْهُ فَلَوْ مُنْفَصِلَةً كَوَلَدٍ أَوْ مُتَوَلِّدَةً كَسَمْنٍ فَلَهُ الْفَسْخُ، وَيَضْمَنُهَا بِاسْتِهْلَاكِهَا سِوَى مُنْفَصِلَةٍ غَيْرِ مُتَوَلِّدَةٍ جَوْهَرَةٌ: [مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ زِيَادَةِ الْمَبِيعِ فَاسِدًا] وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ نَقَصَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمَبِيعِ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَخَذَهُ الْبَائِعُ مَعَ الْأَرْشِ، وَلَوْ بِفِعْلِ الْبَائِعِ صَارَ مُسْتَرِدًّا   [رد المحتار] بَيْنَ التَّسْلِيطَيْنِ بِأَنَّ الْبَائِعَ سَلَّطَهُ عَلَى الْمَبِيعِ عَلَى وَجْهٍ قَدْ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ، بِأَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ أَوْ بِأَنْ يَفْعَلَ فِيهِ مَا يُقْصَدُ بِهِ الدَّوَامُ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَطْلُبَ الْبَائِعُ الْفَسْخَ قَبْلَهُ، بِخِلَافِ الْمُؤْجِرِ فَإِنَّهُ إنَّمَا سَلَّطَهُ وَفِي وَقْتٍ خَاصٍّ وَإِمَّا كَوْنُ الْفَسْخِ حَقًّا لِلشَّرْعِ فَلَا يَبْطُلُ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ فَيُنْقَضُ بِأَنَّهُ قَدْ بَطَلَ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ وَهُوَ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ فَكَذَا هُنَا تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْعَبْدِ لِفَقْرِهِ، وَكَوْنِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَيُقَدَّمُ: وَهُنَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَاقِدِ الْعَاصِي فَلَا يُقَدَّمُ قَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ الْعَاصِيَ لَمْ يُبْطِلْ الشَّرْعُ حَقَّهُ كَمَنْ غَصَبَ حَجَرًا وَجَعَلَهُ أُسَّ حَائِطِهِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ وَلَا يُكَلَّفُ بِنَقْضِ الْحَائِطِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَكَذَا) أَيْ وَمِثْلُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ فِي امْتِنَاعِ الْفَسْخِ كُلُّ زِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالْمَبِيعِ غَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَجَارِيَةٍ عَلِقَتْ مِنْهُ) جَعَلَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ الْغَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ نَظَرًا لِمَاءِ الرَّجُلِ ط (قَوْلُهُ فَلَوْ مُنْفَصِلَةً كَوَلَدٍ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: لَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ كَالصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ انْقَطَعَ حَقُّ الْفَسْخِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَوَلِّدَةً أَيْ كَالسِّمَنِ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ وَكَذَا مُنْفَصِلَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ كَالْوَلَدِ وَالْعُقْرِ وَالْأَرْشِ، وَلَوْ هَلَكَتْ هَذِهِ الزَّوَائِدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا يَضْمَنُهَا، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا ضَمِنَ، وَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فَقَطْ فَلِلْبَائِعِ أَخْذُهَا وَأَخْذُ قِيمَةِ الْمَبِيعِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ كَالْكَسْبِ وَالْهِبَةِ فَلِلْبَائِعِ أَخْذُ الْمَبِيعِ مَعَهَا وَلَا تَطِيبُ لَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا، وَإِنْ هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا يَضْمَنُ، وَكَذَا لَوْ اسْتَهْلَكَهَا عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَ الْمَبِيعَ فَقَطْ ضَمِنَهُ وَالزَّوَائِدُ لَهُ لِتَقَرُّرِ ضَمَانِ الْأَصْلِ. اهـ مُلَخَّصًا. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الزِّيَادَةَ بِأَقْسَامِهَا الْأَرْبَعِ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ إلَّا الْمُتَّصِلَةَ الْغَيْرَ الْمُتَوَلِّدَةِ، أَمَّا الْمُتَّصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ كَالسِّمَنِ وَالْمُنْفَصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ كَالْوَلَدِ وَالْغَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةُ كَالْكَسْبِ فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ، وَأَنَّهُ يَضْمَنُ الْمُنْفَصِلَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ بِالِاسْتِهْلَاكِ لَا بِالْهَلَاكِ، وَكَذَا غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ أَيْضًا مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ سِوَى مُنْفَصِلَةٍ غَيْرِ مُتَوَلِّدَةٍ) أَيْ كَالْكَسْبِ، وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَيَضْمَنُهَا بِاسْتِهْلَاكِهَا فَإِنَّ هَذِهِ لَا تُضْمَنُ بِالِاسْتِهْلَاكِ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا عَلِمْته. مَطْلَبٌ أَحْكَامُ نُقْصَانِ الْمَبِيعِ فَاسِدًا (قَوْلُهُ لَوْ نَقَصَ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي حُكْمِ نُقْصَانِ الْمَبِيعِ فَاسِدًا بَعْدَ بَيَانِ زِيَادَتِهِ (قَوْلُهُ أَخَذَهُ الْبَائِعُ مَعَ الْأَرْشِ) أَيْ أَرْشِ النُّقْصَانِ، وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ لَوْ أَرَادَهُ الْمُشْتَرِي، لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ قَطَعَ ثَوْبًا شَرَاهُ فَاسِدًا وَلَمْ يَخِطْهُ حَتَّى أَوْدَعَهُ عِنْدَ بَائِعِهِ يَضْمَنُ نَقْصَ الْقَطْعِ لَا قِيمَتَهُ لِوُصُولِهِ إلَى رَبِّهِ إلَّا قَدْرَ نَقْصِهِ فَوَقَعَ عَنْ الرَّدِّ الْمُسْتَحَقِّ. قَالَ: هَذَا التَّعْلِيلُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَبِيعَ فَاسِدًا إذَا نَقَصَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الرَّدِّ، إذْ لَوْ بَطَلَ لَمَا كَانَ الرَّدُّ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ. اهـ فَهُوَ كَمَا تَرَى نَاطِقٌ بِمَا قُلْنَا رَمْلِيٌّ. [تَنْبِيهٌ] لَوْ زَالَ الْعَيْبُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالْأَرْشِ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ ابْيَضَّتْ عَيْنُ الْجَارِيَةِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَاسِدًا وَرَدَّهَا مَعَ نِصْفِ الْقِيمَةِ ثُمَّ ذَهَبَ الْبَيَاضُ فَعَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الْأَرْشِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَمِثْلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهَا فِيمَا لَوْ زَوَّجَ الْمُشْتَرِي الْأَمَةَ ثُمَّ فَسَخَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ الْبَائِعُ نُقْصَانَ التَّزْوِيجِ ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِمَا أَخَذَ (قَوْلُهُ صَارَ مُسْتَرَدًّا) حَتَّى لَوْ هَلَكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حَبْسٌ عَنْ الْبَائِعِ هَلَكَ عَلَى الْبَائِعِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 وَلَوْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ خُيِّرَ الْبَائِعُ. [مَطْلَبٌ أَحْكَامُ نُقْصَانِ الْمَبِيعِ فَاسِدًا] (وَكُرِهَ) تَحْرِيمًا مَنَعَ الصِّحَّةَ (الْبَيْعُ عِنْدَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ) إلَّا إذَا تَبَايَعَا يَمْشِيَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِتَعْلِيلِ النَّهْيِ بِالْإِخْلَالِ بِالسَّعْيِ، فَإِذَا انْتَفَى انْتَفَى، وَقَدْ خُصَّ مِنْهُ مَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. (وَ) كُرِهَ (النَّجْشُ) بِفَتْحَتَيْنِ وَيُسَكَّنُ: أَنْ يَزِيدَ وَلَا يُرِيدَ الشِّرَاءَ أَوْ يَمْدَحَهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ لِيُرَوِّجَهُ وَيَجْرِي فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ. ثُمَّ النَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا (إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ بَلَغَتْ قِيمَتَهَا، أَمَّا إذَا لَمْ تَبْلُغْ لَا) يُكْرَهُ لِانْتِفَاءِ الْخِدَاعِ عِنَايَةٌ (وَالسَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ) وَلَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا،   [رد المحتار] قَوْلُهُ خُيِّرَ الْبَائِعُ) إنْ شَاءَ أَخَذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ يَرْجِعُ عَلَى الْجَانِي، وَإِنْ شَاءَ أَتْبَعَ الْجَانِيَ وَهُوَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ تَحْرِيمًا مَعَ الصِّحَّةِ) أَشَارَ إلَى وَجْهِ تَأْخِيرِ الْمَكْرُوهِ عَنْ الْفَاسِدِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي حُكْمِ الْمَنْعِ الشَّرْعِيِّ وَالْإِثْمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ دُونَهُ مِنْ حَيْثُ صِحَّتُهُ وَعَدَمُ فَسَادِهِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى مُجَاوِرٍ لِلْبَيْعِ لَا فِي صُلْبِهِ وَلَا فِي شَرَائِطِ صِحَّتِهِ، وَمِثْلُ هَذَا النَّهْيِ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ بَلْ الْكَرَاهِيَةَ كَمَا فِي الدُّرَرِ. وَفِيهَا أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ فَسْخُهُ وَيَمْلِكُ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَجِبُ الثَّمَنُ لَا الْقِيمَةُ. اهـ لَكِنْ فِي النَّهْرِ عَنْ النِّهَايَةِ أَنَّ فَسْخَهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَيْضًا صَوْنًا لَهُمَا عَنْ الْمَحْظُورِ، وَعَلَيْهِ مَشَى الشَّارِحُ فِي آخِرِ الْبَابِ، وَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ عِنْدَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ السَّعْيُ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا تَبَايَعَا يَمْشِيَانِ إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: هَذَا مُشْكِلٌ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ نَهَى عَنْ الْبَيْعِ مُطْلَقًا، فَمَنْ أَطْلَقَهُ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ يَكُونُ تَخْصِيصًا وَهُوَ نَسْخٌ، فَلَا يَجُوزُ بِالرَّأْيِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. وَالْجَوَابُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ النَّصَّ مُعَلَّلٌ بِالْإِخْلَالِ بِالسَّعْيِ وَمُخَصَّصٌ، لَكِنْ مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ هُنَا مَشَى عَلَى خِلَافِهِ فِي الْجُمُعَةِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَالزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ وَقَدْ خُصَّ مِنْهُ إلَخْ) جَوَابٌ ثَانٍ: أَيْ وَالْعَامُّ إذَا دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ صَارَ ظَنِّيًّا فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهُ ثَانِيًا بِالرَّأْيِ: أَيْ بِالِاجْتِهَادِ، وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ فَلَا يَجُوزُ أَيْ بِالرَّأْيِ، قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ إشْكَالَ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّ قَوْله تَعَالَى {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] مُطْلَقٌ عَنْ التَّقْيِيدِ بِحَالَةٍ دُونَ حَالَةٍ، فَإِنَّ مُفَادَ الْآيَةِ الْأَمْرُ بِتَرْكِ الْبَيْعِ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِحَالَةِ الْمَشْيِ، وَاَلَّذِي خُصَّ مِنْهُ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ هُوَ الْوَاوُ فِي - {فَاسْعَوْا} [الجمعة: 9]- وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَخْصِيصُ مَنْ ذُكِرَ أَيْضًا فِي - {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9]-؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ فِي النَّظْمِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْمُشَارَكَةُ فِي الْحُكْمِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] فَإِنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، لَكِنْ خَصَّ الدَّلِيلُ مِنْ الْأَوَّلِ جَمَاعَةً كَالْمَرِيضِ الْعَاجِزِ، وَمِنْ الثَّانِي جَمَاعَةٌ كَالْفَقِيرِ مَعَ أَنَّ الْمَرِيضَ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ وَالْفَقِيرُ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّلِيلَ خَصَّ مِنْ وُجُوبِ السَّعْيِ جَمَاعَةً كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، وَلَمْ يَرِدْ الدَّلِيلُ بِتَخْصِيصِ هَؤُلَاءِ مِنْ وُجُوبِ تَرْكِ الْبَيْعِ فَيَبْقَى الْأَمْرُ شَامِلًا لَهُمْ، إلَّا أَنْ يُعَلَّلَ بِتَرْكِ الْإِخْلَالِ بِالسَّعْيِ فَيَرْجِعُ إلَى الْجَوَابِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يُفِدْ الثَّانِي شَيْئًا فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ النَّجَشُ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا تُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ لِلْبَيْعِ وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ يَمْدَحَهُ) تَفْسِيرٌ آخَرُ، عَبَّرَ عَنْهُ فِي النَّهْرِ: بِقِيلَ نَقْلًا عَنْ الْقَرْمَانِيِّ فِي شَرْحِ الْمُقَدَّمَةِ قَالَ: وَفِي الْقَامُوسِ مَا يُفِيدُهُ (قَوْلُهُ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ) أَيْ كَالْإِجَارَةِ، وَهَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مِنَحِهِ (قَوْلُهُ لَا يُكْرَهُ) بَلْ ذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَابْنُ الْكَمَالِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَحْمُودٌ (قَوْلُهُ وَالسَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ) وَكَذَا الْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ غَيْرِهِ. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ» إلَى أَنْ قَالَ «وَأَنْ يَسْتَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا «لَا يَبِعْ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 وَذِكْرُ الْأَخِ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ قَيْدًا بَلْ لِزِيَادَةِ التَّنْفِيرِ نَهْرٌ، وَهَذَا (بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى مَبْلَغِ الثَّمَنِ) أَوْ الْمَهْرِ (وَإِلَّا لَا) يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ، «وَقَدْ بَاعَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدَحًا وَحِلْسًا بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ» (وَتَلَقِّي الْجَلَبِ) بِمَعْنَى الْمَجْلُوبِ أَوْ الْجَالِبِ، وَهَذَا (إذَا كَانَ يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ أَوْ يُلَبِّسُ السِّعْرَ) عَلَى الْوَارِدِينَ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِهِ فَيُكْرَهُ لِلضَّرَرِ وَالْغَرَرِ (أَمَّا إذَا انْتَفَيَا فَلَا) يُكْرَهُ. (وَ) كُرِهَ (بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي) وَهَذَا (فِي حَالَةِ قَحْطٍ وَعَوَزٍ وَإِلَّا لَا) لِانْعِدَامِ الضَّرَرِ، قِيلَ الْحَاضِرُ الْمَالِكُ وَالْبَادِي الْمُشْتَرِي وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُمَا السِّمْسَارُ وَالْبَائِعُ لِمُوَافَقَتِهِ آخِرَ الْحَدِيثِ «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا»   [رد المحتار] وَصُورَةُ السَّوْمِ أَنْ يَتَرَاضَيَا بِثَمَنٍ وَيَقَعَ الرُّكُونُ بِهِ فَيَجِيءَ آخَرُ فَيَدْفَعَ لِلْمَالِكِ أَكْثَرَ أَوْ مِثْلَهُ. وَصُورَةُ الْبَيْعِ أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى ثَمَنِ سِلْعَةٍ فَيَقُولَ آخَرُ أَنَا أَبِيعُكَ مِثْلَهَا بِأَنْقَصَ مِنْ هَذَا الثَّمَنِ أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَيَدْخُلُ فِي السَّوْمِ الْإِجَارَةُ، إذْ هِيَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ (قَوْلُهُ بَلْ لِزِيَادَةِ التَّنْفِيرِ) ؛ لِأَنَّ السَّوْمَ عَلَى السَّوْمِ يُوجِبُ إيحَاشًا وَإِضْرَارًا، وَهُوَ فِي حَقِّ الْأَخِ أَشَدُّ مَنْعًا. قَالَ فِي النَّهْرِ كَقَوْلِهِ فِي الْغَيْبَةِ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ» ، إذْ لَا خَفَاءَ فِي مَنْعِ غَيْبَةِ الذِّمِّيِّ (قَوْلُهُ «وَقَدْ بَاعَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدَحًا وَحِلْسًا» إلَخْ) رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ فِي حَدِيثٍ مُطَوَّلٍ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْمِصْبَاحِ: الْحِلْسُ كِسَاءٌ يُجْعَلُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ تَحْتَ رَحْلِهِ جَمْعُهُ أَحْلَاسٌ كَحِمْلٍ وَأَحْمَالٍ، وَالْحِلْسُ بِسَاطٌ يُبْسَطُ فِي الْبَيْتِ (قَوْلُهُ وَتَلَقِّي الْجَلَبِ) بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ تَفْسِيرَهُ بِالْجَلَبِ؛ لِأَنَّ الرُّكْبَانَ جَمْعُ رَاكِبٍ، لَكِنْ الَّذِي فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمُغْرِبِ تَفْسِيرُهُ بِالْمَجْلُوبِ تَأَمَّلْ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلِلتَّلَقِّي صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يَتَلَقَّاهُمْ الْمُشْتَرُونَ لِلطَّعَامِ مِنْهُمْ فِي سَنَةِ حَاجَةٍ لِيَبِيعُوهُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ بِزِيَادَةٍ. وَثَانِيهَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُمْ بِأَرْخَصَ مِنْ سِعْرِ الْبَلَدِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِالسِّعْرِ (قَوْلُهُ لِلضَّرَرِ وَالْغَرَرِ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، فَالضَّرَرُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالْغَرَرُ بِتَلْبِيسِ السِّعْرِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ. (قَوْلُهُ وَبَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ» قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا فَتْحٌ. وَالْحَاضِرُ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ خِلَافِ الْبَدْوِ " فَالْبَادِي مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَيْ الْبَرِّيَّةِ، وَيُقَالُ حَضَرِيٌّ وَبَدْوِيٌّ نِسْبَةٌ إلَى الْحُضُورِ وَالْبَدْوِ (قَوْلُهُ فِي حَالَةِ قَحْطٍ وَعَوَزٍ) الْقَحْطُ: انْقِطَاعُ الْمَطَرِ. وَالْعَوَزُ: بِتَحْرِيكِ الْوَاوِ الْحَاجَةُ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: عَوِزَ الشَّيْءُ عَوَزًا مِنْ بَابِ تَعِبَ عَزَّ فَلَمْ يُوجَدْ، وَعُزْت الشَّيْءَ أَعُوزُهُ مِنْ بَابِ قَالَ احْتَجْت إلَيْهِ فَلَمْ أَجِدْهُ (قَوْلُهُ قِيلَ الْحَاضِرُ الْمَالِكُ إلَخْ) مَشَى عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ طَمَعًا فِي الثَّمَنِ الْغَالِي لِمَا فِيهِ الْإِضْرَارِ بِهِمْ. اهـ، أَيْ بِأَهْلِ الْبَلَدِ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَيَشْهَدُ لِصِحَّةِ هَذَا التَّفْسِيرِ مَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ أَنَّ أَعْرَابًا قَدِمُوا الْكُوفَةَ وَأَرَادُوا أَنْ يَمْتَارُوا مِنْهَا وَيَضُرَّ ذَلِكَ بِأَهْلِ الْكُوفَةِ قَالَ امْنَعْهُمْ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ الْبَلْدَةِ يَمْنَعُونَ عَنْ الشِّرَاءِ لِلْحُكْرَةِ فَهَذَا أَوْلَى. اهـ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا السِّمْسَارُ وَالْبَائِعُ) بِأَنْ يَصِيرَ الْحَاضِرُ سِمْسَارًا لِلْبَادِي الْبَائِعِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ الْحَلْوَانِيُّ: هُوَ أَنْ يَمْنَعَ السِّمْسَارُ الْحَاضِرُ الْقَرَوِيَّ مِنْ الْبَيْعِ وَيَقُولَ لَهُ: لَا تَبِعْ أَنْتَ أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ فَيَتَوَكَّلَ لَهُ وَيَبِيعَ وَيُغَالِيَ، وَلَوْ تَرَكَهُ يَبِيعُ بِنَفْسِهِ لَرَخَّصَهُ عَلَى النَّاسِ (قَوْلُهُ لِمُوَافَقَتِهِ آخِرَ الْحَدِيثِ) وَالْمُوَافَقَةُ لِتَفْسِيرِ رَاوِي الْحَدِيثِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الصَّحِيحَيْنِ (قَوْلُهُ «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» ) كَذَا فِي الْبَحْرِ. وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ «دَعُوا النَّاسَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 102 وَلِذَا عُدِّيَ بِاللَّامِ لَا بِمِنْ. (لَا) يُكْرَهُ (بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ) لِمَا مَرَّ وَيُسَمَّى بَيْعَ الدَّلَالَةِ (وَلَا يُفَرَّقُ) عَبَّرَ بِالنَّفْيِ مُبَالَغَةً فِي الْمَنْعِ «لِلَعْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدٍ وَوَلَدِهِ وَأَخٍ وَأَخِيهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ عَيْنِيٌّ. وَعَنْ الثَّانِي فَسَادُهُ مُطْلَقًا، وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ (بَيْنَ صَغِيرٍ) غَيْرِ بَالِغٍ (وَذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) أَيْ مَحْرَمٍ مِنْ جِهَةِ الرَّحِمِ لَا الرَّضَاعِ كَابْنِ عَمٍّ هُوَ أَخٌ رَضَاعًا فَافْهَمْ. (إلَّا إذَا كَانَ) التَّفْرِيقُ بِإِعْتَاقٍ وَتَوَابِعِهِ وَلَوْ عَلَى مَالٍ، أَوْ بِبَيْعٍ مِمَّنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ، أَوْ كَانَ الْمَالِكُ كَافِرًا لِعَدَمِ مُخَاطَبَتِهِ بِالشَّرَائِعِ،   [رد المحتار] يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» وَنَقَلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ الْهَيْثَمِيِّ أَنَّ بَعْضَهُمْ: زَادَ «دَعُوا النَّاسَ فِي غَفَلَاتِهِمْ» وَنَسَبَهُ لِمُسْلِمٍ، قَالَ: وَهُوَ غَلَطٌ لَا وُجُودَ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي مُسْلِمٍ، بَلْ وَلَا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ كَمَا قَضَى بِهِ سَبْرُ مَا بِأَيْدِي النَّاسِ مِنْهَا. اهـ (قَوْلُهُ وَلِذَا عُدِّيَ بِاللَّامِ لَا بِمِنْ) هَذَا مُرَجِّحٌ آخَرُ لِلتَّفْسِيرِ الثَّانِي، فَإِنَّ اللَّامَ فِي أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ تَكُونُ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَهِيَ التَّعْلِيلُ: أَمَّا عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ تَكُونُ بِمَعْنَى مِنْ أَوْ زَائِدَةً؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ بِعْت الثَّوْبَ مِنْ زَيْدٍ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ، وَرُبَّمَا دَخَلَتْ اللَّامُ مَكَانَ مِنْ؛ يُقَالُ بِعْتُك الشَّيْءَ وَبِعْتُهُ لَكَ فَاللَّامُ زَائِدَةٌ زِيَادَتُهَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} [الحج: 26] وَالْأَصْلُ بَوَّأْنَا إبْرَاهِيمَ. (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ وَقَدْ بَاعَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ (قَوْلُهُ وَيُسَمَّى بَيْعَ الدَّلَالَةِ) أَيْ بَيْعَ الدَّلَّالِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ. وَهُوَ صِفَةُ الْبَيْعِ فِي أَسْوَاقٍ الْمُسَمَّى بِالْبَيْعِ فِي الدَّلَالَةِ. مَطْلَبٌ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَمَحْرَمِهِ (قَوْلُهُ وَلَا يُفَرَّقُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ النَّهْرِ: وَلَا يُفَرِّقُ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّ حَذْفَ الْفَاعِلِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إلَى الْمِلْكِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْمَقَامِ تَأَمَّلْ وَكَمَا يُمْنَعُ الْمَالِكُ عَنْ التَّفْرِيقِ يُمْنَعُ الْمُشْتَرِي كَمَا يَأْتِي، وَالْكَرَاهَةُ فِيهِ تَحْرِيمِيَّةٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ عَبَّرَ بِالنَّفْيِ مُبَالَغَةً فِي الْمَنْعِ) كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ شَأْنَ الْمُسْلِمِ عَدَمُ فِعْلِ الْمُحَرَّمِ شَرْعًا فَكَأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يَقَعُ مِنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى نَهْيِهِ عَنْهُ (قَوْلُهُ عَنْ الثَّانِي إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ فِي حَوَاشِي الدُّرَرِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ: رِوَايَةٌ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ وَيَجُوزُ فِي قَرَابَةٍ غَيْرِهَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَجُوزُ فِي الْكُلِّ: أَيْ قَرَابَةِ الْوِلَادِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالرَّدِّ فِي الْحَدِيثِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْفَاسِدِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ فِي الْأُمِّ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهَا. اهـ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بَعِيدٌ عَنْ هَذَا ط (قَوْلُهُ غَيْرِ بَالِغٍ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مُدَّةَ مَنْعِ التَّفْرِيقِ تَمْتَدُّ إلَى بُلُوغِ الصَّغِيرِ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ بِالْحَيْضِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ إلَى زَمَانِ التَّمْيِيزِ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ بِالتَّقْرِيبِ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إذَا رَاهَقَا وَرَضِيَا بِالتَّفْرِيقِ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ لِأَنْفُسِهِمَا وَرُبَّمَا يَرَيَانِ الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَذِي رَحِمٍ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ صَغِيرًا أَيْضًا أَوْ كَبِيرًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَلِذَا قَالَ بَعْدَهُ بِخِلَافِ الْكَبِيرَيْنِ (قَوْلُهُ أَيْ مَحْرَمٍ مِنْ جِهَةِ الرَّحِمِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي مِنْهُ رَاجِعٌ إلَى الرَّحِمِ لَا إلَى الصَّغِيرِ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَحْرَمِيَّتُهُ فِي جِهَةِ الرَّحِمِ لَا مِنْ الرَّضَاعِ احْتِرَازًا عَنْ ابْنِ عَمٍّ هُوَ أَخٌ رَضَاعَةً فَإِنَّهُ رَحِمٌ مَحْرَمٌ لَكِنَّ مَحْرَمِيَّتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ لَا مِنْ الرَّحِمِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ فَافْهَمْ. وَخَرَجَ أَيْضًا بِالْأَوْلَى الْمَحْرَمُ لَا مِنْ الرَّحِمِ كَالْأَخِ الْأَجْنَبِيِّ رَضَاعًا وَامْرَأَةِ الْأَبِ وَالرَّحِمُ غَيْرُ الْمَحْرَمِ كَابْنِ الْعَمِّ (قَوْلُهُ وَتَوَابِعِهِ) هِيَ التَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ وَالْكِفَايَةُ ح (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَى مَالٍ) مُبَالَغَةٌ عَلَى الْإِعْتَاقِ فَقَطْ كَمَا لَا يَخْفَى، فَلَوْ قَدَّمَهُ لَكَانَ أَوْلَى اهـ ح لَكِنْ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَخْفَى اسْتَوَى فِيهِ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ بِبَيْعٍ مِمَّنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ) أَيْ إذَا حَلَفَ بِقَوْلِهِ إنْ مَلَكْت هَذَا فَهُوَ حُرٌّ فَبَاعَهُ الْمَالِكُ مِنْهُ لِيَعْتِقَ لَمْ يُكْرَهْ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَيْسَ بِتَفْرِيقٍ بَلْ فِيهِ زِيَادَةُ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاجْتِمَاعِ مَعَ مَحْرَمِهِ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ الْمَالِكُ كَافِرًا) ظَاهِرًا وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُسْلِمًا لَكِنْ لَا يُنَاسِبُهُ التَّعْلِيلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 أَوْ مُتَعَدِّدًا وَلَوْ الْآخَرُ لِطِفْلِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، أَوْ تَعَدُّدُ مَحَارِمُهُ فَلَهُ بَيْعُ مَا سِوَى وَاحِدٍ غَيْرِ الْأَقْرَبِ وَالْأَبَوَيْنِ وَالْمُلْحَقِ بِهِمَا فَتْحٌ، أَوْ (بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ)   [رد المحتار] مَعَ أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّفْرِيقُ بِالشِّرَاءِ. وَفِي الْفَتْحِ أَمَّا إذَا كَانَ كَافِرًا فَلَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالشَّرَائِعِ. وَالْوَجْهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ التَّفْرِيقُ فِي مِلَّتِهِمْ حَلَالًا لَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ إلَّا إنْ كَانَ بَيْعُهُمْ مِنْ مُسْلِمٍ فَيَمْتَنِعُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا فِي مِلَّتِهِمْ فَلَا يَجُوزُ. اهـ وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ شِرَاؤُهُ مِنْ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ التَّفْرِيقِ عَارَضَهَا أَعْظَمُ مِنْهَا وَهُوَ ذَهَابُهُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَفِيهِ مَفْسَدَةُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، أَمَّا الدِّينُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الدُّنْيَا فَتَعْرِيضُهُ لِلْقَتْلِ وَالسَّبْيِ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ شِرَاؤُهُ مِنْ كَافِرٍ غَيْرِ حَرْبِيٍّ لِعَدَمِ هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ الْمُعَارِضَةِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا اسْتَوْجَهَهُ فِيمَا مَرَّ؛ وَعَلَى هَذَا فَلَا وَجْهَ لِمَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَرْبِيِّ الْكَافِرُ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ كَمَا فِي الْبَحْرِ: أَوْ كَانَ الْبَائِعُ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا لِمُسْلِمٍ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْمُسْلِمَ مِنْ الشِّرَاءِ دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ (قَوْلُهُ أَوْ مُتَعَدِّدًا إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَ الْمَالِكُ مُتَعَدِّدًا، بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لِزَيْدٍ وَالْآخَرُ لِعَمْرٍو فَلَا بَأْسَ بِالْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ الْآخَرُ لِطِفْلِ الْمَالِكِ الْأَوَّلِ أَوْ لِمُكَاتَبِهِ، إذْ الشَّرْطُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَوْ أَحَدُهُمَا لَهُ وَالْآخَرُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ لِمَمْلُوكِهِ أَوْ لِمُكَاتَبِهِ أَوْ مُضَارَبِهِ لَا يُكْرَهُ التَّفْرِيقُ، وَلَوْ كِلَاهُمَا لَهُ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ يُكْرَهُ اهـ. وَبَقِيَ مَا إذَا كَانَتْ الشَّرِكَةُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَعًا، وَظَاهِرُ الْقُهُسْتَانِيِّ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ أَيْضًا فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ فَلَا بَأْسَ) جَوَابٌ لِقَوْلِهِ وَلَوْ الْآخَرُ لِطِفْلِهِ عَلَى أَنَّ لَوْ شَرْطِيَّةٌ لَا وَصْلِيَّةٌ، وَإِنَّمَا فَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ مُصَرِّحًا بِالْجَوَابِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى طِفْلِهِ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ بَيْعُهُمَا مَعًا بِلَا تَفْرِيقٍ وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي مَالِ مُكَاتَبِهِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ عَوْدُ الْآخَرِ إلَى مِلْكِهِ إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ أَوْ تَعَدَّدَ مَحَارِمُهُ إلَخْ) أَيْ مَحَارِمُ الصَّغِيرِ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ أَخَوَانِ شَقِيقَانِ مَثَلًا أَوْ عَمَّانِ أَوْ خَالَانِ أَوْ أَكْثَرُ فَلَهُ بَيْعُ الزَّائِدِ عَلَى الْوَاحِدِ مِنْهُمْ، وَيَبْقَى الْوَاحِدُ مَعَ الصَّغِيرِ لِيَسْتَأْنِسَ بِهِ. وَلَهُ بَيْعُ الصَّغِيرِ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَا وَحْدَهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَكَذَا لَوْ مَلَك سِتَّةَ إخْوَةٍ ثَلَاثَةً كِبَارًا وَثَلَاثَةً صِغَارًا فَبَاعَ مَعَ كُلِّ صَغِيرٍ كَبِيرًا جَازَا اسْتِحْسَانًا (قَوْلُهُ غَيْرِ الْأَقْرَبِ) حَالٌ مِنْ مَا اهـ ح، فَلَوْ كَانَ مَعَهُ أُخْتٌ شَقِيقَةٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ وَأُخْتٌ لِأُمٍّ بَاعَ غَيْرَ الشَّقِيقَةِ كَمَا فِي الْفَتَخِ (قَوْلُهُ وَالْأَبَوَيْنِ) أَيْ وَغَيْرِ الْأَبَوَيْنِ، فَإِذَا كَانَ مَعَهُ أَبَوَاهُ لَا يَبِيعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ وَالْمُلْحَقِ بِهِمَا) كَأَخٍ لِأَبٍ وَأَخٍ لِأُمٍّ أَوْ خَالٍ وَعَمٍّ، فَالْمُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأُمِّ قَامَ مَقَامَهَا، وَالْمُدْلِي بِالْأَبِ كَالْأَبِ. وَإِذَا كَانَ لِلصَّغِيرِ أَبٌ وَأُمٌّ وَاجْتَمَعُوا فِي مِلْكِ وَاحِدٍ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ أَحَدِهِمْ فَكَذَا هُنَا وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ عَمَّةٌ وَخَالَةٌ أَوْ أُمُّ أَبٍ وَأُمُّ أُمٍّ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِهِمَا جَوْهَرَةٌ. قُلْت: لَكِنَّ الْإِلْحَاقَ بِالْأَبَوَيْنِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ عَدَمِ أَحَدِهِمَا، لِمَا فِي الْفَتْحِ: وَلَوْ كَانَ مَعَهُ أُمٌّ وَأَخٌ أَوْ أُمٌّ وَعَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ أَوْ أَخٌ جَازَ بَيْعُ مَنْ سِوَى الْأُمِّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ شَفَقَةَ الْأُمِّ تُغْنِي عَمَّنْ سِوَاهَا وَلِذَا كَانَتْ أَحَقَّ بِالْحَضَانَةِ مِنْ غَيْرِهَا، وَالْجَدَّةُ كَالْأُمِّ؛ فَلَوْ كَانَ لَهُ جَدَّةٌ وَعَمَّةٌ وَخَالَةٌ جَازَ بَيْعُ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ عَمَّةٌ وَخَالَةٌ لَمْ يُبَاعُوا إلَّا مَعًا لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ مَعَ اتِّحَادِ الدَّرَجَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ ادَّعَاهُ رَجُلَانِ فَصَارَا أَبَوَيْنِ لَهُ ثُمَّ مُلِكُوا جُمْلَةً فَالْقِيَاسُ أَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا لِاتِّحَادِ جِهَتِهِمَا. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ، وَلَا يُبَاعُ؛ لِأَنَّ الْأَبَ فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ فَاحْتَمَلَ كَوْنَهُ الَّذِي بِيعَ فَيَمْتَنِعُ احْتِيَاطًا، فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ عَدَدٌ أَحَدُهُمْ أَبْعَدُ جَازَ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانُوا فِي دَرَجَةٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 كَخُرُوجِهِ مُسْتَحِقًّا، وَ (كَدَفْعِ أَحَدِهِمَا بِالْجِنَايَةِ وَبَيْعِهِ بِالدَّيْنِ) أَوْ بِإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ (وَرَدِّهِ بِعَيْبٍ) ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْغَيْرِ لَا فِي الضَّرَرِ بِالْغَيْرِ (بِخِلَافِ الْكَبِيرِينَ وَالزَّوْجَيْنِ) فَلَا بَأْسَ بِهِ خِلَافًا لِأَحْمَدَ، فَالْمُسْتَثْنَى أَحَدَ عَشَرَ. (وَكَمَا يُكْرَهُ التَّفْرِيقُ بِبَيْعٍ) وَغَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَصَدَقَةٍ وَوَصِيَّةٍ (يُكْرَهُ) بِشِرَاءٍ إلَّا مِنْ حَرْبِيٍّ ابْنُ مَلَكٍ، وَ (بِقِسْمَةٍ فِي الْمِيرَاثِ وَالْغَنَائِمِ) جَوْهَرَةٌ. اعْلَمْ أَنَّ فَسْخَ الْمَكْرُوهِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَيْضًا بَحْرٌ وَغَيْرُهُ لِرَفْعِ الْإِثْمِ مَجْمَعٌ. وَفِيهِ: وَتَصَحَّحَ شِرَاءُ كَافِرٍ مُسْلِمًا وَمُصْحَفًا مَعَ الْإِجْبَارِ عَلَى إخْرَاجِهِمَا عَنْ مِلْكِهِ وَسَيَجِيءُ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ.   [رد المحتار] وَكَانُوا مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَالْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ لَا يُفَرَّقُ وَلَكِنْ يُبَاعُ الْكُلُّ أَوْ يُمْسَكُ الْكُلُّ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْأَخَوَيْنِ وَالْعَمَّيْنِ وَالْخَالَيْنِ جَازَ أَنْ يُمْسِكَ مَعَ الصَّغِيرِ أَحَدَهُمَا وَيَبِيعَ مَا سِوَاهُ، وَمِثْلُ الْخَالِ وَالْعَمِّ أَخٌ لِأَبٍ وَأَخٌ لِأُمٍّ. اهـ. (قَوْلُهُ كَخُرُوجِهِ مُسْتَحَقًّا) بِأَنْ ادَّعَى رَجُلٌ أَحَدَهُمَا أَنَّهُ لَهُ وَأَثْبَتَهُ (قَوْلُهُ بِالْجِنَايَةِ) كَأَنْ قَتَلَ أَحَدُهُمَا رَجُلًا خَطَأً وَدَفَعَهُ سَيِّدُهُ بِهَا (قَوْلُهُ وَبَيْعُهُ بِالدَّيْنِ) بِأَنْ كَانَ مَأْذُونًا وَاسْتَغْرَقَهُ الدَّيْنُ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِي مَنْعِ التَّفْرِيقِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ غَيْرِهِ وَهُوَ الصَّغِيرُ لَا إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِ: أَيْ بِالْمَالِكِ، فَلَوْ مَنَعْنَا التَّفْرِيقَ هُنَا كَانَ إلْزَامًا لِلضَّرَرِ بِالْمِلْكِ كَذَا فِي الْفَتْحِ، أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَتَضَرَّرُ بِإِلْزَامِهِ الْفِدَاءَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَإِلْزَامِهِ الْقِيمَةَ لِلْغُرَمَاءِ وَإِلْزَامِهِ الْمَعِيبَ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَالزَّوْجَيْنِ) أَيْ وَلَوْ صَغِيرَيْنِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فَالْمُسْتَثْنَى أَحَدَ عَشَرَ) كَانَ الْوَاجِبُ تَقْدِيمُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْكَبِيرَيْنِ وَالزَّوْجَيْنِ لِعَدَمِ دُخُولِهِمَا فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ اهـ ح وَالْأَحَدَ عَشَرَ: الْإِعْتَاقُ، تَوَابِعُهُ، بَيْعُهُ مِمَّنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ كَوْنُ الْمَالِكِ كَافِرًا كَوْنُهُ مُتَعَدِّدًا، تَعَدُّدُ الْمَحَارِمِ، ظُهُورُهُ مُسْتَحَقًّا دَفْعُهُ بِجِنَايَةٍ، بَيْعُهُ بِالدَّيْنِ، بَيْعُهُ بِإِتْلَافِ مَالٍ، وَرَدُّهُ بِعَيْبٍ. وَزَادَ فِي الْبَحْرِ مَا إذَا كَانَ الصَّغِيرُ مُرَاهِقًا وَرَضِيَتْ أُمُّهُ بِبَيْعِهِ. اهـ ط. قُلْت فِي الْفَتْحِ: لَوْ كَانَ الْوَلَدُ مُرَاهِقًا فَرَضِيَ بِالْبَيْعِ وَاخْتَارَهُ وَرَضِيَتْهُ أُمُّهُ جَازَ بَيْعُهُ. اهـ. وَيُزَادُ أَيْضًا مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَمِنْ صُوَرِ جَوَازِ التَّفْرِيقِ مَا فِي الْمَبْسُوطِ إذَا كَانَ لِلذِّمِّيِّ عَبْدٌ لَهُ امْرَأَةٌ أَمَةٌ وَلَدَتْ مِنْهُ وَأَسْلَمَ الْعَبْدُ وَوَلَدُهُ صَغِيرٌ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ الذِّمِّيُّ عَلَى بَيْعِ الْعَبْدِ وَابْنِهِ وَإِنْ كَانَ تَفْرِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبِيهِ فَهَذَا تَفْرِيقٌ بِحَقٍّ (قَوْلُهُ إلَّا مِنْ حَرْبِيٍّ) ؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ التَّفْرِيقِ عَارَضَهَا أَعْظَمُ مِنْهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ أَيْضًا) أَيْ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الدُّرَرِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فَسْخُهُ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَزَاهُ فِي الْفَتْحِ أَوَّلَ بَابِ الْإِقَالَةِ إلَى النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ حَقٌّ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ اهـ. قُلْت: وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهِمَا دِيَانَةً. بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، فَإِنَّهُمَا إذَا أَصَرَّا عَلَيْهِ يَفْسَخُهُ الْقَاضِي جَبْرًا عَلَيْهِمَا. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْبَيْعَ هُنَا صَحِيحٌ وَيَمْلِكُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَجِبُ فِيهِ الثَّمَنُ لَا الْقِيمَةُ، فَلَا يَلِي الْقَاضِي فَسْخَهُ لِحُصُولِ الْمِلْكِ الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ مَجْمَعٌ) عِبَارَتُهُ: وَيَجُوزُ الْبَيْعُ وَيَأْثَمُ. اهـ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْفَسْخِ (قَوْلُهُ مُسْلِمًا) أَيْ رَقِيقًا مُسْلِمًا ط (قَوْلُهُ مَعَ الْإِجْبَارِ إلَخْ) أَيْ لِرَفْعِ ذُلِّ الْكَافِرِ عَنْ الْمُسْلِمِ وَلِحِفْظِ الْكِتَابِ عَنْ الْإِهَانَةِ ط، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 فَصْلٌ فِي الْفُضُولِيِّ مُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ، وَذَكَرَهُ فِي الْكَنْزِ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صُوَرِهِ. (هُوَ) مَنْ يَشْتَغِلُ بِمَا لَا يَعْنِيهِ فَالْقَائِلُ لِمَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ: أَنْتَ فُضُولِيٌّ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرَ فَتْحٌ. وَاصْطِلَاحًا (مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ) بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ (بِغَيْرِ إذْنٍ شَرْعِيٍّ) فَصْلٌ خَرَجَ بِهِ نَحْوُ وَكِيلٍ وَوَصِيٍّ (كُلُّ تَصَرُّفٍ صَدَرَ مِنْهُ) تَمْلِيكًا كَانَ كَبَيْعٍ وَتَزْوِيجٍ، وَإِسْقَاطًا كَطَلَاقٍ وَإِعْتَاقٍ (وَلَهُ مُجِيزٌ) أَيْ لِهَذَا التَّصَرُّفِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى إجَازَتِهِ   [رد المحتار] [فَصْلٌ فِي الْفُضُولِيِّ] ِّ، نِسْبَةٌ إلَى الْفُضُولِ جَمْعُ الْفَضْلِ: أَيْ الزِّيَادَةِ وَفَتْحُ الْفَاءِ خَطَأٌ، وَلَمْ يُنْسَبْ إلَى الْوَاحِدِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالْغَلَبَةِ كَالْعَلَمِ لِهَذَا الْمَعْنَى فَصَارَ كَالْأَنْصَارِيِّ وَالْأَعْرَابِيِّ ط عَنْ الْبِنَايَةِ: وَفِي الْمِصْبَاحِ: وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ الْجَمْعُ اسْتِعْمَالَ الْمُفْرَدِ فِيمَا لَا خَيْرَ فِيهِ، وَلِهَذَا نُسِبَ إلَيْهِ عَلَى لَفْظِهِ فَقِيلَ فُضُولِيٌّ لِمَنْ يَشْتَغِلُ بِمَا لَا يَعْنِيهِ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ عَلَمًا عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْكَلَامِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الْمُفْرَدِ. (قَوْلُهُ: مُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ) هِيَ تَوَقُّفُ إفَادَةِ كُلٍّ مِنْ الْفَاسِدِ وَالْمَوْقُوفِ الْمِلْكَ عَلَى شَيْءٍ، وَهُوَ الْقَبْضُ فِي الْأَوَّلِ وَالْإِجَارَةُ فِي الثَّانِي ح. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ صُوَرِهِ) وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَقُولُ: عِنْدَ الدَّعْوَى هَذَا مِلْكِي وَمَنْ بَاعَكَ إنَّمَا بَاعَكَ بِغَيْرِ إذْنِي فَهُوَ عَيْنُ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: هُوَ) أَيْ لُغَةً وَلَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ اكْتِفَاءً بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَاصْطِلَاحًا إلَخْ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ) ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَكَذَا النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ مِمَّا يَعْنِي كُلَّ مُسْلِمٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكْفُرْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنَّ هَذَا فُضُولٌ لَا خَيْرَ فِيهِ بَلْ أَرَادَ أَنَّ أَمْرَك لَا يُؤَثِّرُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ) فَيَدْخُلُ فِيهِ الْوَكِيلُ وَالْوَصِيُّ وَالْوَلِيُّ وَالْفُضُولِيُّ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ: خَرَجَ بِهِ نَحْوُ وَكِيلٍ وَوَصِيٍّ) الْمُرَادُ خُرُوجُ هَذَيْنِ وَمَا شَابَهَهُمَا لَا هُمَا فَقَطْ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِمْ: مِثْلُكَ لَا يَبْخَلُ، فَالْوَكِيلُ وَالْوَصِيُّ يَتَصَرَّفَانِ بِإِذْنٍ شَرْعِيٍّ، وَكَذَا الْوَلِيُّ وَالْقَاضِي وَالسُّلْطَانُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ وَنَحْوِهِ وَأَمِيرُ الْجَيْشِ فِي الْغَنَائِمِ. (قَوْلُهُ: كُلَّ تَصَرُّفٍ إلَخْ) ضَابِطٌ فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ وَمَا لَا يَتَوَقَّفُ. (قَوْلُهُ: صَدَرَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ فُضُولِيٍّ أَوْ مِنْ الْمُتَصَرِّفِ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: كَبَيْعٍ وَتَزْوِيجٍ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّمْلِيكِ مَا يَعُمُّ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ. (قَوْلُهُ: أَوْ إسْقَاطِ إلَخْ) أَيْ إسْقَاطَ الْمِلْكِ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: حَتَّى لَوْ طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَةَ غَيْرِهِ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فَأَجَازَ طَلُقَتْ وَعَتَقَ، وَكَذَا سَائِرُ الْإِسْقَاطَاتِ لِلدُّيُونِ وَغَيْرِهَا اهـ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ فِي فُرُوعِهِمْ أَنَّ كُلَّ مَا صَحَّ التَّوْكِيلُ بِهِ إذَا بَاشَرَهُ الْفُضُولِيُّ يَتَوَقَّفُ إلَّا الشِّرَاءَ بِشَرْطِهِ اهـ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: أَيْ مِنْ الْعُقُودِ وَالْإِسْقَاطَاتِ لِيَخْرُجَ قَبْضُ الدَّيْنِ. فَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: مَنْ قَبَضَ دَيْنَ غَيْرِهِ بِلَا أَمَرَهُ ثُمَّ أَجَازَ الطَّالِبُ لَمْ يَجُزْ قَائِمًا أَوْ هَالِكًا اهـ. قُلْت: هَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ؛ فَإِنَّهُ ذَكَرَ قَبْلَ مَا مَرَّ رَامِزًا إلَى كِتَابٍ آخَرَ مَا نَصُّهُ: قَالَ لِمَدْيُونٍ: ادْفَعْ إلَيَّ أَلْفًا لِفُلَانٍ عَلَيْك فَعَسَى يُجِيزُهُ الطَّالِبُ وَأَنَا لَسْت بِوَكِيلٍ عَنْهُ فَدَفَعَ وَأَجَازَ الطَّالِبُ يَجُوزُ؛ وَلَوْ هَلَكَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ هَلَكَ عَلَى الطَّالِبِ وَلَوْ هَلَكَ ثُمَّ أَجَازَ لَا تُعْتَبَرُ الْإِجَازَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: مَنْ يَقْدِرُ عَلَى إجَازَتِهِ) كَذَا فَسَّرَهُ فِي الْفَتْحِ، فَأَفَادَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْمُجِيزُ بِالْفِعْلِ بَلْ الْمُرَادُ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ إمْضَاءِ ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنْ مَالِكٍ أَوْ وَلِيٍّ كَأَبٍ وَجَدٍّ وَوَصِيٍّ وَقَاضٍ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ قُبَيْلَ بَابِ الْمَهْرِ. وَفِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ لِلْأُسْرُوشَنِيِّ مِنْ مَسَائِلِ النِّكَاحِ عَنْ فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ: صَبِيَّةٌ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ وَهِيَ تَعْقِلُ النِّكَاحَ وَلَا وَلِيَّ لَهَا فَالْعَقْدُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْقَاضِي؛ فَإِنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قَاضٍ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 (حَالَ وُقُوعِهِ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا) وَمَا لَا يُجِيزُ لَهُ حَالَةَ الْعَقْدِ لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا. بَيَانُهُ: صَبِيٌّ بَاعَ مَثَلًا ثُمَّ بَلَغَ قَبْلَ إجَازَةِ وَلِيِّهِ فَأَجَازَهُ بِنَفْسِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ لَهُ وَلِيًّا يُجِيزُهُ حَالَةَ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَ مَثَلًا ثُمَّ بَلَغَ فَأَجَازَهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ الْعَقْدِ لَا مُجِيزَ لَهُ فَيَبْطُلُ مَا لَمْ يَقُلْ أَوْقَعْتُهُ فَيَصِحُّ إنْشَاءً لَا إجَازَةً كَمَا بَسَطَهُ الْعِمَادِيُّ. (وَقْفُ بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ) لَوْ الْغَيْرُ بَالِغًا عَاقِلًا، فَلَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا كَمَا فِي الزَّوَاهِرِ مَعْزِيًّا لِلْحَاوِي وَهَذَا إنْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ (لِمَالِكِهِ) أَمَّا لَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ لِنَفْسِهِ   [رد المحتار] إنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ تَحْتَ وِلَايَةِ قَاضِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ يَنْعَقِدُ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ ذَلِكَ الْقَاضِي وَإِلَّا فَلَا يَنْعَقِدُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يَنْعَقِدُ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ. اهـ. فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ وَلِيٌّ أَوْ وَصِيٌّ خَاصٌّ وَكَانَ تَحْتَ وِلَايَةِ قَاضٍ فَتَصَرُّفُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ ذَلِكَ الْقَاضِي أَوْ إجَازَتِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَ تَصَرُّفًا يَقْبَلُ الْإِجَازَةَ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ كَمَا يَأْتِي، وَقَدْ حَرَّرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قُبَيْلَ كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْ كِتَابِنَا تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ فَارْجِعْ إلَيْهِ فَإِنَّ فِيهِ فَوَائِدَ سَنِيَّةً. (قَوْلُهُ: انْعَقَدَ مَوْقُوفًا) أَيْ عَلَى إجَازَةِ مَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ الْعَقْدَ وَلَوْ كَانَ الْعَاقِدَ نَفْسَهُ. بَيَانُهُ مَا فِي الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: بَاعَهُ أَوْ زَوَّجَهُ بِلَا إذْنٍ ثُمَّ أَجَازَ بَعْدُ وَكَالَتَهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا: بَاعَ مَالَ يَتِيمٍ ثُمَّ جَعَلَهُ الْقَاضِي وَصِيًّا لَهُ فَأَجَازَ ذَلِكَ الْبَيْعَ صَحَّ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ تَزَوَّجَ بِلَا إذْنِ مَوْلَاهُ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِي النِّكَاحِ فَأَجَازَ ذَلِكَ النِّكَاحَ جَازَ، وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلَكِنَّهُ عَتَقَ جَازَ بِلَا إجَازَةٍ بَعْدَ عِتْقِهِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ الصَّبِيُّ أَوْ بَاعَ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ أَوْ بَلَغَ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِجَازَتِهِ، وَتَمَامُ الْفُرُوعِ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: وَمَا لَا مُجِيزَ لَهُ) أَيْ وَكُلُّ تَصَرُّفٍ لَيْسَ لَهُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى إجَازَتِهِ حَالَةَ الْعَقْدِ. (قَوْلُهُ: بَيَانُهُ) أَيْ بَيَانُ هَذَا الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: كُلُّ تَصَرُّفٍ صَدَرَ مِنْهُ رَاجِعٌ لِلْمُتَصَرِّفِ لَا لِلْفُضُولِيِّ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ هُنَا لَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الْفُضُولِيِّ الْمَارُّ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، إلَّا أَنْ يُجَابَ أَنَّ مُبَاشَرَةَ الْعَقْدِ لَيْسَتْ حَقَّهُ بَلْ حَقَّ الْوَلِيِّ وَنَحْوِهِ، فَالْمُرَادُ بِالْحَقِّ فِي التَّعْرِيفِ مَا يَشْمَلُ الْعَقْدَ كَمَا أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: صَبِيٌّ) أَيْ غَيْرُ مَأْذُونٍ. (قَوْلُهُ: بَاعَ مَثَلًا إلَخْ) أَيْ تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا يَجُوزُ عَلَيْهِ لَوْ فَعَلَهُ وَلِيُّهُ فِي صِغَرِهِ كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَتَزَوُّجٍ وَتَزْوِيجِ أَمَتِهِ وَكِتَابَةِ قِنِّهِ وَنَحْوِهِ، فَإِذَا فَعَلَهُ الصَّبِيُّ بِنَفْسِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ مَا دَامَ صَبِيًّا، وَلَوْ بَلَغَ قَبْلَ إجَازَةِ وَلِيِّهِ فَأَجَازَ بِنَفْسِهِ جَازَ وَلَمْ يَجُزْ بِنَفْسِ الْبُلُوغِ بِلَا إجَازَةٍ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَ مَثَلًا) أَيْ أَوْ خَلَعَ أَوْ حَرَّرَ قِنَّهُ مَجَّانًا أَوْ بِعِوَضٍ أَوْ وَهَبَ مَالَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ زَوَّجَ قِنَّهُ امْرَأَةً أَوْ بَاعَ مَالَهُ مُحَابَاةً فَاحِشَةً أَوْ شَرَى شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَاحِشًا أَوْ عَقَدَ عَقْدًا مِمَّا لَوْ فَعَلَهُ وَلِيُّهُ فِي صِبَاهُ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ فَهَذِهِ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ، وَإِنْ أَجَازَهَا الصَّبِيُّ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَمْ تَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا مُجِيزَ لَهَا وَقْتَ الْعَقْدِ فَلَمْ تَتَوَقَّفْ عَلَى الْإِجَازَةِ إلَّا إذَا كَانَ لَفْظُ إجَازَتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ يَصْلُحُ لِابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَيَصِحُّ ابْتِدَاءً لَا إجَازَةً كَقَوْلِهِ أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعِتْقَ فَيَقَعُ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلِابْتِدَاءِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَقْفُ بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ) أَيْ عَلَى الْإِجَازَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. وَفِي حُكْمِ الْغَيْرِ: الصَّبِيُّ لَوْ بَاعَ مَالَ نَفْسِهِ بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ كَمَا عَلِمْت ثُمَّ إذَا أَجَازَ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ وَالثَّمَنُ نَقْدٌ فَهُوَ لِلْمُجِيزِ، أَمَّا لَوْ كَانَ عَرْضًا فَهُوَ لِلْفُضُولِيِّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُشْتَرِيًا لَهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلْمُجِيزِ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: لَوْ الْغَيْرُ بَالِغًا عَاقِلًا إلَخْ) لَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي الْحَاوِي. وَوَجْهُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ إذَا كَانَ لِلصَّغِيرِ أَوْ لِلْمَجْنُونِ وَلِيٌّ أَوْ كَانَ فِي وِلَايَةِ قَاضٍ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ عَقْدًا لَهُ مُجِيزٌ وَقْتَ الْعَقْدِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ، لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَنَّهُ: لَوْ بَاعَ مَالَ يَتِيمٍ ثُمَّ جَعَلَهُ وَصِيًّا لَهُ فَأَجَازَ ذَلِكَ الْبَيْعَ صَحَّ اسْتِحْسَانًا فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا لَمْ يَقْبَلْ الْإِجَازَةَ بَعْدَمَا صَارَ وَصِيًّا، وَلَعَلَّ مَا فِي الْحَاوِي قِيَاسٌ وَالْعَمَلُ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ التَّوَقُّفُ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقْفُ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ لِمَالِكِهِ إلَخْ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ لِأَجْلِ مَالِكِهِ لَا لِأَجْلِ نَفْسِهِ، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ لِمَالِكِهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 أَوْ بَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ فِيهِ لِمَالِكِهِ الْمُكَلَّفِ أَوْ بَاعَ عَرْضًا مِنْ غَاصِبِ عَرْضٍ آخَرَ لِلْمَالِكِ   [رد المحتار] لِنَفْسِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. اهـ. لَكِنَّ صَاحِبَ الْمَتْنِ قَالَ فِي مِنَحِهِ: أَقُولُ يُشْكِلُ عَلَى مَا نَقَلَهُ شَيْخُنَا عَلَى الْبَدَائِعِ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا اُسْتُحِقَّ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِالِاسْتِحْقَاقِ وَلِلْمُسْتَحِقِّ إجَازَتُهُ. وَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَ لِنَفْسِهِ لَا لِلْمَالِكِ الَّذِي هُوَ الْمُسْتَحِقُّ مَعَ أَنَّهُ تَوَقَّفَ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ بَيْعُ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ، فَالظَّاهِرُ ضَعْفُ مَا فِي الْبَدَائِعِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِفُرُوعِ الْمَذْهَبِ اهـ. وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ ثُمَّ اسْتَظْهَرَ أَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ رِوَايَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. أَقُولُ: يَظْهَرُ لِي أَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ لَا إشْكَالَ فِيهِ بَلْ هُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْبَدَائِعِ لَوْ بَاعَهُ لِنَفْسِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا مَعْنَاهُ لَوْ بَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ فَاللَّامُ بِمَعْنَى مِنْ، فَهُوَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ، وَحِينَئِذٍ فَمُرَادُ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْمَوْقُوفَ مَا بَاعَهُ لِغَيْرِهِ، أَمَّا لَوْ بَاعَهُ لِنَفْسِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا، فَالْخَلَلُ إنَّمَا جَاءَ مِمَّا فَهِمَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ اللَّامَ لِلتَّعْلِيلِ، وَأَنَّهُ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا بَاعَهُ لِأَجْلِ مَالِكِهِ، وَلِلَّهِ دَرُّ أَخِيهِ صَاحِبِ النَّهْرِ حَيْثُ وَقَفَ عَلَى حَقِيقَةِ الصَّوَابِ، فَقَالَ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ: وَمَنْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ يَعْنِي لِغَيْرِهِ، أَمَّا إذَا بَاعَ لِنَفْسِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. اهـ. لَكِنَّهُ لَوْ عَبَّرَ بِمِنْ بَدَلَ اللَّامِ لَكَانَ أَبْعَدَ عَنْ الْإِيهَامِ، وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ عَيْنُ مَا ظَهَرَ لِي، وَالْحَمْدُ اللَّه رَبِّ الْعَالَمِينَ. (قَوْلُهُ: أَوْ بَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ فِي الْبَيْعِ أَفَادَهُ فِي الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ: أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِلْمَالِكِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ: لَوْ شَرَطَ الْفُضُولِيُّ الْخِيَارَ لِلْمَالِكِ بَطَلَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ لَهُ بِدُونِ الشَّرْطِ فَيَكُونُ الشَّرْطُ لَهُ مُبْطِلًا. اهـ. وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ لَغْوًا فَقَطْ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ. أَيْ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ فِي أَنْ يُجِيزَ الْعَقْدَ أَوْ يُبْطِلَهُ يَكُونُ اشْتِرَاطُهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَيَلْغُو، وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُنَافِيًا لِلْعَقْدِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْطِلَهُ. وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ خِيَارُ الْإِجَازَةِ، وَمُقْتَضَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ حَيْثُ قَالَ خِيَارُ الشَّرْطِ دَاخِلٌ عَلَى الْحُكْمِ لَا الْبَيْعِ فَلَا يُبْطِلُهُ إلَّا فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ. وَقَالَ الْبِيرِيُّ: وَتَقْيِيدُهُ بِالْمَالِكِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ إذَا شَرَطَ الْفُضُولِيُّ لِلْمُشْتَرَى لَهُ بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْت هَذَا لِفُلَانٍ بِكَذَا عَلَى أَنَّ فُلَانًا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يَتَوَقَّفُ كَمَا فِي قَاضِي خَانَ وَمُنْيَةِ الْمُفْتِي. اهـ. قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْأَصْلَ فَسَادُ الْعَقْدِ بِشَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُلَائِمُهُ إلَّا فِي صُوَرٍ مِنْهَا وُرُودُ النَّصِّ بِهِ كَشَرْطِ الْخِيَارِ، وَفَائِدَتُهُ التَّرَوِّي دَفْعًا لِلْغَبَنِ، وَمَنْ وَقَعَ لَهُ عَقْدُ الْفُضُولِيِّ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بِلَا شَرْطِ غَيْرِهِ مُقَيَّدٌ بِمُدَّةٍ فَكَانَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لَهُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَطْ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ،؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ بَلْ فِيهِ ضَرَرُ الْمُدَّةِ فَلِذَا لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى الْإِجَازَةِ بَلْ بَطَلَ لِضَعْفِ عَقْدِ الْفُضُولِيِّ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ لَا الْبُطْلَانَ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: الْمُكَلَّفِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ إذَا كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْخِيَارَ لَهُ فِيهِ. اهـ. ح وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْحَاوِي وَعَلِمْت مَا فِيهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ بَاعَ عَرْضًا إلَخْ) بَيَانُهُ لِرَجُلٍ عَبْدٌ وَأَمَةٌ فَغَصَبَ زَيْدٌ الْعَبْدَ وَعَمْرٌو الْأَمَةَ ثُمَّ بَاعَ زَيْدٌ الْعَبْدَ مِنْ عَمْرٍو بِالْأَمَةِ فَأَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ لَمْ يَجُزْ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّ فَائِدَةَ الْبَيْعِ ثُبُوتُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَالتَّصَرُّفِ وَهُمَا حَاصِلَانِ لِلْمَالِكِ فِي الْبَدَلَيْنِ بِدُونِ هَذَا الْعَقْدِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ فَلَمْ تَلْحَقْهُ إجَازَةٌ، وَلَوْ غَصَبَا مِنْ رَجُلَيْنِ وَتَبَايَعَا، وَأَجَازَ الْمَالِكَانِ جَازَ، وَلَوْ غَصَبَا النَّقْدَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ وَعَقَدَ الصَّرْفَ وَتَقَابَضَا ثُمَّ أَجَازَ جَازَ؛ لِأَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَاصِبِينَ مِثْلُ مَا غَصَبَ، وَكَذَا فِي الْفَتْحِ مِنْ آخِرِ الْبَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِلْمَالِكِ) أَيْ مَالِكِ الْعَرْضِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ نَعْتِ عَرْضِ الْآخَرِ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْعَرْضَيْنِ لِمَالِكٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 بِهِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ بَيْعَهُ مَوْقُوفٌ إلَّا فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ فَبَاطِلٌ، قَيَّدَ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ نَفَذَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي صَبِيًّا أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَيُوقَفُ، هَذَا إذَا لَمْ يُضِفْهُ الْفُضُولِيُّ إلَى غَيْرِهِ، فَلَوْ أَضَافَهُ بِأَنْ قَالَ بِعْ هَذَا الْعَبْدَ لِفُلَانٍ فَقَالَ لِبَائِعِ بِعْته لِفُلَانٍ تَوَقَّفَ بَزَّازِيَّةٌ وَغَيْرُهَا   [رد المحتار] وَاحِدٍ كَمَا مَشَيْنَا. (قَوْلُهُ: بِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بَاعَ وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْعَرْضِ الْآخَرِ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ) أَيْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا، وَمَسْأَلَةُ الْحَاوِي هِيَ الْخَامِسَةُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْخَامِسَةَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ بَيْعِهِ عَلَى أَنَّهُ لِنَفْسِهِ فَبَقِيَ الْمُسْتَثْنَى ثَلَاثَةً فَقَطْ وَهِيَ الْآتِيَةُ عَنْ الْأَشْبَاهِ. قُلْت: وَيُزَادُ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ فَشَرَاهُ مِنْ مَالِكِهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُزْ، وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لَا فَاسِدٌ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا تَقَدَّمَ سَبَبُ مِلْكِهِ عَلَى بَيْعِهِ، حَتَّى إنَّ الْغَاصِبَ لَوْ بَاعَ الْمَغْصُوبَ ثُمَّ ضَمِنَهُ الْمَالِكُ جَازَ بَيْعُهُ أَمَّا لَوْ شَرَاهُ الْغَاصِبُ مِنْ مَالِكِهِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ وَرِثَهُ مِنْهُ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ قِبَلَهُ، وَلَوْ غَصَبَ شَيْئًا وَبَاعَهُ فَإِنْ ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ جَازَ بَيْعُهُ لَا لَوْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْبَيْعِ. اهـ. فَهَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ فَرَجَعَتْ الْمَسَائِلُ الْمُسْتَثْنَاةُ خَمْسًا لَكِنْ فِي الْأَخِيرَةِ كَلَامٌ سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: نَفَذَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَوْ أَشْهَدَ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِفُلَانٍ وَقَالَ فُلَانٌ رَضِيت فَالْعَقْدُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ وَقَعَ الْمِلْكُ لَهُ فَلَا اعْتِبَارَ بِالْإِجَازَةِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَلْحَقُ الْمَوْقُوفَ لَا النَّافِذَ فَإِنْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ الْعَبْدَ وَأَخَذَ الثَّمَنَ كَانَ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي بَيْنَهُمَا، وَإِنْ ادَّعَى فُلَانٌ أَنَّ الشِّرَاءَ كَانَ بِأَمْرِهِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ لِفُلَانٍ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ بِإِقْرَارِهِ وَقَعَ لَهُ بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ: فَيُوقَفُ) أَيْ عَلَى إجَازَةِ مَنْ شَرَى لَهُ، فَإِنْ أَجَازَ جَازَ وَعُهْدَتُهُ عَلَى الْمُجِيزِ لَا عَلَى الْعَاقِدِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ إنَّمَا لَا يَتَوَقَّفُ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا وَلَا يَنْفُذُ هُنَا عَلَى الْعَاقِدِ أَفَادَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ نَفَاذُ الشِّرَاءِ عَلَى الْفُضُولِيِّ الْغَيْرِ الْمَحْجُورِ. (قَوْلُهُ: فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتَهُ لِفُلَانٍ) أَيْ وَقَالَ الْفُضُولِيُّ اشْتَرَيْت لِفُلَانٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا،؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِعْ أَمْرٌ لَا يَصْلُحُ إيجَابًا. وَفِي الْفَتْحِ قَالَ اشْتَرَيْته لِأَجْلِ فُلَانٍ فَقَالَ بِعْت أَوْ قَالَ الْمَالِكُ ابْتِدَاءً بِعْته مِنْكَ لِأَجْلِ فُلَانٍ فَقَالَ اشْتَرَيْت لَمْ يَتَوَقَّفْ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَيْهِ ظَاهِرًا، وَقَوْلُهُ لِأَجْلِ فُلَانٍ يَحْتَمِلُ لِأَجْلِ شَفَاعَتِهِ أَوْ رِضَاهُ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا أُضِيفَ الْعَقْدُ فِي أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ إلَى فُلَانٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا: لَوْ قَالَ اشْتَرَيْت لِفُلَانٍ وَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت مِنْك الْأَصَحُّ عَدَمُ التَّوَقُّفِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَنْفُذُ عَلَى الْمُشْتَرِي، لَكِنْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ هَذِهِ الْأَخِيرَةَ عَنْ فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ وَقَالَ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ خَاطَبَ الْمُشْتَرِي فَرَدَّهُ لِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ جَوَابًا فَكَانَ شَطْرَ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ بِعْته لِفُلَانٍ فَقَالَ اشْتَرَيْت لَهُ أَوْ قَبِلْت وَلَمْ يَقُلْ لَهُ، وَقَوْلُهُ بِعْت مِنْكَ لِفُلَانٍ فَقَالَ اشْتَرَيْت لِأَجْلِهِ أَوْ قَبِلْت فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ لِإِضَافَتِهِ إلَى فُلَانٍ فِي الْكَلَامَيْنِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَعَلَى هَذَا فَالِاكْتِفَاءُ بِالْإِضَافَةِ فِي أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ بِأَنْ لَا يُضَافَ إلَى الْآخَرِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ تَصْحِيحِ التَّوَقُّفِ بِالْإِضَافَةِ إلَى فُلَانٍ فِي أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُضَفْ الْعَقْدُ فِي أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ إلَى الْمُشْتَرِي فَلَا يُنَافِي مَا صَحَّحَهُ فِي الْفُرُوقِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ أُضِيفَ فِي أَحَدِهِمَا إلَى الْمُشْتَرِي وَفِي الْآخَرِ إلَى فُلَانٍ بَطَلَ الْعَقْدُ كَقَوْلِهِ بِعْت مِنْكَ فَقَالَ اشْتَرَيْت لِفُلَانٍ أَوْ بِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الثَّانِي لَا يَصْلُحُ قَبُولًا لِلْإِيجَابِ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ صَرِيحَ تَصْحِيحِ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ إذَا أُضِيفَ إلَى فُلَانٍ فِي أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ يَتَوَقَّفُ وَالْمَفْهُومُ مِنْ تَصْحِيحِ الْفُرُوقِ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ إلَّا إذَا أُضِيفَ إلَيْهِ فِي الْكَلَامَيْنِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ السَّابِقِ، فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أُضِيفَ إلَى فُلَانٍ فِي الْكَلَامَيْنِ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِ وَإِلَّا نَفَذَ عَلَى الْمُشْتَرِي مَا لَمْ يُضَفْ إلَى الْآخَرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 (وَ) وَقْفُ (بَيْعِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ الْمَحْجُورَيْنِ) عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى وَالْوَلِيِّ وَكَذَا الْمَعْتُوهِ. وَفِي الْعِمَادِيَّةِ وَغَيْرِهَا: لَا تَنْعَقِدُ أَقَارِيرُ الْعَبْدِ وَلَا عُقُودُهُ، وَسَنُحَقِّقُهُ فِي الْحَجْرِ (وَ) وَقْفُ (بَيْعِ مَالِهِ مِنْ فَاسِدِ عَقْلٍ غَيْرِ رَشِيدٍ) عَلَى إجَازَةِ الْقَاضِي. (وَ) وَقْفُ (بَيْعِ الْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَالْأَرْضِ فِي مُزَارَعَةِ الْغَيْرِ) عَلَى إجَازَةِ مُرْتَهِنٍ وَمُسْتَأْجِرٍ   [رد المحتار] صَرِيحًا فَيَبْطُلُ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ هُنَا اضْطِرَابٌ وَعُدُولٌ عَنْ الصَّوَابِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ مُرَاجَعَةِ نُورِ الْعَيْنِ، وَهَذَا مَا تَحَصَّلَ لِي بَعْدَ التَّأَمُّلِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. 1 - (قَوْلُهُ: بَزَّازِيَّةٌ وَغَيْرُهَا) يُوجَدُ هُنَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ زِيَادَةٌ نُقِلَتْ مِنْ نُسْخَةِ الشَّارِحِ وَنَصُّهَا: قَيَّدَ بَيْعَهُ لِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ لِنَفْسِهِ بَاطِلٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْأَشْبَاهِ عَنْ الْبَدَائِعِ كَأَنَّهُ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ، وَكَذَا مِنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْبَيْعِ إلَّا الْأَبَ كَمَا مَرَّ. وَعِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ: وَبَيْعُ الْفُضُولِيِّ مَوْقُوفٌ إلَّا فِي ثَلَاثٍ فَبَاطِلٌ: إذَا بَاعَ لِنَفْسِهِ بَدَائِعُ. وَإِذَا شَرَطَ الْخِيَارَ فِيهِ لِلْمَالِكِ تَنْقِيحٌ. وَإِذَا بَاعَ عَرْضًا مِنْ غَاصِبِ عَرْضِ آخَرَ لِلْمَالِكِ بِهِ فَتْحٌ، لَكِنْ ضَعَّفَ الْمُصَنِّفُ الْأُولَى لِمُخَالَفَتِهَا لِفُرُوعِ الْمَذْهَبِ، لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ بَيْعَ الْغَاصِبِ مَوْقُوفٌ، وَبِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا اُسْتُحِقَّ فَلِلْمُسْتَحِقِّ إجَازَتُهُ عَلَى الظَّاهِرِ مَعَ أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَ لِنَفْسِهِ لَا لِلْمَالِكِ الَّذِي هُوَ الْمُسْتَحِقُّ مَعَ أَنَّهُ تَوَقَّفَ عَلَى الْإِجَازَةِ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَفِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي إلْغَاءُ الشَّرْطِ فَقَطْ. قُلْت: وَحَاصِلُهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا أَنَّ بَيْعَهُ مَوْقُوفٌ وَلَوْ لِنَفْسِهِ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ. لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِابْنِ الْمُصَنِّفِ. وَزِدْت مَسْأَلَتَيْنِ مِنْ الْحَاوِي: وَهُمَا بَيْعُ الْفُضُولِيِّ مَالَ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا، هَذَا آخِرُ مَا وَجَدْته مِنْ الزِّيَادَةِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهَا مِنْ التَّكْرَارِ، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ قَصَدَ أَنْ يَعْدِلَ إلَيْهَا عَمَّا كَتَبَهُ أَوَّلًا مِنْ قَوْلِهِ أَمَّا لَوْ بَاعَهُ إلَى قَوْلِهِ قَيَّدَ بِالْبَيْعِ (قَوْلُهُ: الْمَحْجُورَيْنِ) أَخْرَجَ الْمَأْذُونَيْنِ فَلَا يَتَوَقَّفُ بَيْعُهُمَا ط. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْمَعْتُوهُ) أَيْ حُكْمُهُ فِي الْبَيْعِ كَحُكْمِ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورَيْنِ ط. (قَوْلُهُ: وَسَنُحَقِّقُهُ فِي الْحَجْرِ) حَيْثُ قَالَ: وَصَحَّ طَلَاقُ عَبْدٍ وَإِقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَقَطْ لَا سَيِّدِهِ، فَلَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ آخَرَ إلَى عِتْقِهِ لَوْ لِغَيْرِ مَوْلَاهُ وَلَوْ لَهُ هُدِرَ وَبِحَدٍّ وَقَوَدٍ أُقِيمَ فِي الْحَالِ لِبَقَائِهِ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّهِمَا، وَمَنْ عَقَدَ عَقْدًا يَدُورُ بَيْنَ نَفْعٍ وَضَرَرٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُورِينَ وَهُوَ يَعْقِلُهُ أَجَازَ وَلِيُّهُ أَوْ رَدَّ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْهُ فَبَاطِلٌ، وَإِنْ أَتْلَفُوا شَيْئًا ضَمِنُوا لَكِنَّ ضَمَانَ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ. اهـ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الْعِمَادِيَّةِ لَا تَنْعَقِدُ إلَخْ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَأَنَّ مُرَادَهُ بِلَا تَنْعَقِدُ لَا تَنْفُذُ، فَيَشْمَلُ مَا يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا وَمَا لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا فَلَا يُخَالِفُ مَا فِي الْمَتْنِ. (قَوْلُهُ: وَوَقْفُ بَيْعِ مَا لَهُ مِنْ فَاسِدِ عَقْلٍ إلَخْ) كَذَا فِي الدُّرَرِ. وَفِي أَوَّلِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: وَبَيْعُ غَيْرِ الرَّشِيدِ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْقَاضِي. اهـ. وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي تَوَقُّفِ الْمَبِيعِ. أَمَّا عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ فَالْمَوْقُوفُ شِرَاءُ فَاسِدِ الْعَقْلِ. أَمَّا الْبَيْعُ الصَّادِرُ مِنْ الرَّشِيدِ فَغَيْرُ مَوْقُوفٍ، وَلِذَا قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: هَذَا التَّرْكِيبُ فِيهِ نَظَرٌ: وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ الْخَانِيَّةِ الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ إذَا بَلَغَ سَفِيهًا يَتَوَقَّفُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ عَلَى إجَازَةِ الْوَصِيِّ أَوْ الْقَاضِي. وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا بَاعَ مَا لَهُ وَهُوَ غَيْرُ رَشِيدٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْقَاضِي اهـ. قُلْت: وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا: أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَتَصَرُّفُهُ صَحِيحٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ. [مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ الْمُسْتَأْجَرِ] ِ. (قَوْلُهُ: وَوَقْفُ بَيْعِ الْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ إلَخْ) أَيْ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُرْتَهِنُ وَالْمُسْتَأْجِرُ نَفَذَ وَهَلْ يَمْلِكَانِ الْفَسْخَ؟ قِيلَ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ يَمْلِكُهُ الْمُرْتَهِنُ دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَلِذَا لَوْ هَلَكَتْ الْعَيْنُ لَا يَسْقُطُ دَيْنُهُ وَفِي الرَّهْنِ يَسْقُطُ. وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، وَجَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ بِالثَّانِي، لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الْفُصُولَيْنِ لِلرَّمْلِيِّ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ: لَا يَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ الْفَسْخَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. اهـ. وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ وَالْمُؤْجِرِ الْفَسْخُ. وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَلَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ إنْ لَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110 وَمُزَارِعٍ (وَ) وَقْفُ (بَيْعِ شَيْءٍ بِرَقْمِهِ) أَيْ بِالْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَلِمَهُ الْمُشْتَرِي فِي مَجْلِسِ الْبَيْعِ نَفَذَ وَإِلَّا بَطَلَ. قُلْت: وَفِي مُرَابَحَةِ الْبَحْرِ أَنَّهُ فَاسِدٌ لَهُ عَرْضِيَّةُ الصِّحَّةِ لَا بِالْعَكْسِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ فَتَحْرُمُ مُبَاشَرَتُهُ، وَعَلَى الضَّعِيفِ لَا، وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ الدُّرَرِ وَبَيْعِ الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِ مُشْتَرِيهِ لِدُخُولِهِ فِي بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ. .   [رد المحتار] يَعْلَمُ بِالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَهُمَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ عَلِمَ وَعَزَى كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الْفُصُولَيْنِ لِلرَّمْلِيِّ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّ قَوْلَهُمَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. بَقِيَ لَوْ لَمْ يُجِزْ الْمُسْتَأْجِرُ حَتَّى انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ نَفَذَ الْبَيْعُ السَّابِقُ، وَكَذَا الْمُرْتَهِنُ إذَا قَضَى دَيْنَهُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ الذَّخِيرَةِ: الْبَيْعُ بِلَا إذْنٍ الْمُسْتَأْجِرِ نَفَذَ فِي حَقِّ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لَا فِي حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَوْ سَقَطَ حَقُّ الْمُسْتَأْجِرِ عَمِلَ ذَلِكَ الْبَيْعُ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّجْدِيدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ أَجَازَهُ الْمُسْتَأْجِرُ نَفَذَ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ لِيَصِلَ إلَيْهِ مَالُهُ، إذْ رِضَاهُ بِالْبَيْعِ يُعْتَبَرُ لِفَسْخِ الْإِجَارَةِ لَا لِلِانْتِزَاعِ مِنْ يَدِهِ وَعَنْ بَعْضِنَا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ وَسَلَّمَ أَجَازَهُمَا الْمُسْتَأْجِرُ بَطَلَ حَقُّ حَبْسِهِ، وَلَوْ أَجَازَ الْبَيْعَ لَا التَّسْلِيمَ لَا يَبْطُلُ حَقُّ حَبْسِهِ اهـ. [تَنْبِيهٌ] لَوْ بِيعَ الْمُسْتَأْجَرُ مِنْ مُسْتَأْجِرِهِ لَا يَتَوَقَّفُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِ. وَفِيهِ: بَاعَ الْمُسْتَأْجِرُ وَرَضِيَ الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَفْسَخَ الشِّرَاءَ إلَى مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ ثُمَّ يَقْبِضَهُ مِنْ الْبَائِعِ، فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ بِالتَّسْلِيمِ قَبْلَ مُضِيِّهَا، وَلَا لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ مَا لَمْ يَجْعَلْ الْمَبِيعَ مَحَلَّ التَّسْلِيمِ. (قَوْلُهُ: وَمُزَارِعٍ) صُورَتُهُ كَمَا فِي ح عَنْ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: إذَا دَفَعَ أَرْضَهُ مُزَارَعَةً مُدَّةً مَعْلُومَةً عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَزَرَعَهَا الْعَامِلُ أَوْ لَمْ يَزْرَعْ فَبَاعَ صَاحِبُ الْأَرْضِ الْأَرْضَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُزَارِعِ. اهـ. أَيْ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُسْتَأْجِرِ لِلْأَرْضِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْمَالِكِ فَيَنْفُذُ لَوْ لَمْ يَزْرَعْ؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ أَجِيرٌ لَهُ وَلَوْ زَرَعَ لَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُزَارِعِ، وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: نَفَذَ) حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ تَوَقَّفَ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِهِ وَتَرْكِهِ؛ لِأَنَّ الرِّضَا لَمْ يَتِمَّ قَبْلَهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ فَيَتَخَيَّرُ كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ الْمُرَابَحَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا بَطَلَ) الْمُنَاسِبُ لِمَا بَعْدَهُ وَإِلَّا فَسَدَ. (قَوْلُهُ: قُلْت إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّ مُفَادَ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُتَوَقِّفَ صِحَّتُهُ أَيْ أَنَّهُ صَحِيحٌ لَهُ عَرَضِيَّةُ الْفَسَادِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا بَعْدَ الْعِلْمِ فِي الْمَجْلِسِ. (قَوْلُهُ: وَبَيْعِ الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِ مُشْتَرِيهِ) قَالَ فِي الدُّرَرِ: صُورَتُهُ بَاعَ شَيْئًا مِنْ زَيْدٍ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ بَكْرٍ لَا يَنْعَقِدُ الثَّانِي، حَتَّى لَوْ تَفَاسَخَا الْأَوَّلَ لَا يَنْعَقِدُ الثَّانِي، لَكِنْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فِي الْمَنْقُولِ لَا، وَفِي الْعَقَارِ عَلَى الْخِلَافِ. اهـ. وَقَوْلُهُ أَوَّلًا لَا يَنْعَقِدُ الثَّانِي: مَعْنَاهُ لَا يَنْفُذُ بِقَرِينَةِ الِاسْتِدْرَاكِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ لَكِنْ يَتَوَقَّفُ إلَخْ، وَأَرَادَ بِالْخِلَافِ مَا سَيَأْتِي فِي فَصْلِ التَّصَرُّفِ مِنْ أَنَّ بَيْعَ الْعَقَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ صَحِيحٌ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، فَهُوَ عِنْدَهُ كَبَيْعِ الْمَنْقُولِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْخِلَافَ الْآتِي إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا اشْتَرَى عَقَارًا فَبَاعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي بَيْعِ الْبَائِعِ. قُلْت: لَا يَخْفَى أَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ فَالْبَيْعُ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَلِذَا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: شَرَاهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى بَاعَهُ الْبَائِعُ مِنْ آخَرَ بِأَكْثَرَ فَأَجَازَهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَمْ يَقْبِضْ. اهـ. فَاعْتَبَرَهُ بَيْعًا مِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِهِ فَافْهَمْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالْأَوَّلِ، وَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي فَصْلِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ. (قَوْلُهُ: لِدُخُولِهِ فِي بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ) لَا يَخْفَى أَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَفْصِيلًا وَفَرْقًا بَيْنَ الْإِجَازَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ لِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ، فَالْأَوْلَى ذِكْرُهَا كَمَا فَعَلَ فِي الدُّرَرِ. (قَوْلُهُ: وَبَيْعِ الْمُرْتَدِّ) فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عِنْدَ الْإِمَامِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عِنْدَهُمَا ط. (قَوْلُهُ: إنْ عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ) أَيْ وَلَهُ الْخِيَارُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْبَيْعُ بِمَا بَاعَ فُلَانٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَسَائِلَ بَعْدَهُ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا بَطَلَ) غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 (وَبَيْعِ الْمُرْتَدِّ وَالْبَيْعِ بِمَا بَاعَ فُلَانٌ وَالْبَائِعُ يَعْلَمُ وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ وَالْبَيْعُ بِمِثْلِ مَا يَبِيعُ النَّاسُ بِهِ أَوْ بِمِثْلِ مَا أَخَذَ بِهِ فُلَانٌ) إنْ عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَإِلَّا بَطَلَ. (وَبَيْعِ الشَّيْءِ بِقِيمَتِهِ) فَإِنْ بَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ، وَإِلَّا بَطَلَ (وَبَيْعٍ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ) كَمَا مَرَّ (وَ) وَقْفُ (بَيْعِ الْغَاصِبِ) عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ؛ يَعْنِي إذَا بَاعَهُ لِمَالِكِهِ لَا لِنَفْسِهِ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ. وَوَقْفُ أَيْضًا بَيْعِ الْمَالِكِ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْبَيِّنَةِ، أَوْ إقْرَارِ الْغَاصِبِ، وَبَيْعِ مَا فِي تَسَلُّمِهِ ضَرَرٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ فِي الْمَجْلِسِ، وَبَيْعِ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ عَلَى إجَازَةِ الْبَاقِي، وَبَيْعِ الْوَرَثَةِ التَّرِكَةَ الْمُسْتَغْرَقَةَ عَلَى إجَازَةِ الْغُرَمَاءِ، وَبَيْعِ أَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ أَوْ الْوَصِيَّيْنِ أَوْ النَّاظِرَيْنِ إذَا بَاعَ بِحَضْرَةِ الْآخَرِ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِ أَوْ بِغَيْبَتِهِ فَبَاطِلٌ،   [رد المحتار] فَاسِدٌ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: وَبَيْعٍ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ كَمَا مَرَّ) الَّذِي مَرَّ أَوَّلَ الْبُيُوعِ أَنَّهُ إذَا أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا فَلِلْآخَرِ الْقَبُولُ فِي الْمَجْلِسِ،؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْقَبُولِ مُقَيَّدٌ بِهِ، فَإِذَا قَبِلَ فِيهِ لَزِمَ الْبَيْعُ بِلَا خِيَارٍ إلَّا لِعَيْبٍ أَوْ رُؤْيَةٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ خِيَارَ الْقَبُولِ فَفِيهِ كَمَا قَالَ الْوَانِيُّ أَنَّ الْبَيْعَ الْمَوْقُوفَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ خِيَارَ الشَّرْطِ، فَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَوْقُوفِ، وَالْخِيَارُ الْمَشْرُوطُ الْمُقَدَّرُ بِالْمَجْلِسِ صَحِيحٌ، وَلَهُ الْخِيَارُ مَادَامَ فِيهِ، وَإِذَا شَرَطَ الْخِيَارَ وَلَمْ يُقَدِّرْ لَهُ أَجَلًا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْفَتْحِ اهـ. وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ مُقَابِلٌ لِلنَّافِذِ، وَمَا فِيهِ خِيَارٌ مُقَابِلٌ لِلَّازِمِ، فَمَا فِيهِ خِيَارٌ غَيْرُ لَازِمٍ لَا مَوْقُوفٍ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ لُزُومَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إسْقَاطِ الْخِيَارِ فَيَصِحُّ وَصْفُهُ بِالْمَوْقُوفِ، لَكِنْ عَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ لِلتَّقْيِيدِ بِالْمَجْلِسِ، بَلْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ وَبَيْعٍ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ لِيَشْمَلَ مَا كَانَ مُقَيَّدًا بِالْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ، وَلِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مِنْهُ خِيَارُ الْقَبُولِ. ثُمَّ إنَّ مَا نَقَلَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ الْفَتْحِ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلَّ يَفْسُدُ عِنْدَ إطْلَاقٍ أَوْ تَأْبِيدٍ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ عَنْ التَّقْيِيدِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إنَّمَا يَفْسُدُ إذَا أَطْلَقَ وَقْتَ الْعَقْدِ. أَمَّا لَوْ بَاعَ بِلَا خِيَارٍ ثُمَّ لَقِيَهُ بَعْدَ مُدَّةٍ فَقَالَ لَهُ: أَنْتِ بِالْخِيَارِ فَلَهُ الْخِيَارُ مَادَامَ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَحَمَلَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ كَلَامَ الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ) فَلَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي فَأَجَازَ عَقْدًا مِنْ الْعُقُودِ جَازَ ذَلِكَ الْعَقْدُ خَاصَّةً كَمَا سَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ. فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ بَاعَهُ الْغَاصِبُ ثُمَّ ضَمَّنَهُ مَالِكُهُ جَازَ الْبَيْعُ، وَلَوْ شَرَاهُ غَاصِبُهُ مِنْ مَالِكِهِ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ أَوْ وَرِثَهُ لَمْ يَنْفُذْ بَيْعُهُ قَبْلَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي إذَا بَاعَهُ لِمَالِكِهِ إلَخْ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْمُصَنِّفَ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِفُرُوعِ الْمَذْهَبِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ بَيْعِهِ لِمَالِكِهِ أَوْ لِنَفْسِهِ وَقَدْ عَلِمْت الْكَلَامَ عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْبَيِّنَةِ) أَيْ إنْ أَنْكَرَ الْغَاصِبُ ط. (قَوْلُهُ: وَبَيْعِ مَا فِي تَسْلِيمِهِ ضَرَرٌ) كَبَيْعِ جِذْعٍ مِنْ السَّقْفِ سَوَاءٌ كَانَ مُعَيَّنًا أَوْ لَا عَلَى مَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْفَتْحِ: وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ تَعْدَادُ الْمَوْقُوفِ. وَلَوْ صَدَرَ فَاسِدًا فَإِنَّ الْبَيْعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَاسِدٌ مَوْقُوفٌ ط. (قَوْلُهُ: وَبَيْعِ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ) أَيْ وَلَوْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَهَذَا عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ فَسْخٍ وَإِتْمَامٍ لَوْ فِيهِ بَاتًّا أَوْ مُحَابَاةٌ قُلْت أَوْ كَثُرَتْ، وَكَذَا وَصِيُّ الْمَيِّتِ لَوْ بَاعَهُ مِنْ الْوَارِثِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ كَذَا وَارِثٌ صَحِيحٌ بَاعَ مِنْ مُوَرِّثِهِ الْمَرِيضِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ عِنْدَهُ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ بِقِيمَتِهِ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: عَلَى إجَازَةِ الْبَاقِي) أَوْ عَلَى صِحَّةِ الْمَرِيضِ، فَإِنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ نَفَذَ، وَإِنْ مَاتَ مِنْهُ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ بَطَلَ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: عَلَى إجَازَةِ الْغُرَمَاءِ) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الزَّيْلَعِيِّ، وَمِثْلُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَبَيْعِ أَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى وَكَالَةِ الزَّيْلَعِيِّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَحَدَ الْوَصِيَّيْنِ أَوْ النَّاظِرَيْنِ وَقَالَ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْآخَرِ أَخْذًا مِنْ الْوَكِيلَيْنِ وَلَمْ أَرَهُمَا الْآنَ صَرِيحًا اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 وَأَوْصَلَهُ فِي النَّهْرِ: إلَى نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ (وَحُكْمُهُ) أَيْ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ لَوْ لَهُ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ كَمَا مَرَّ (قَبُولُ الْإِجَازَةِ) مِنْ الْمَالِكِ (إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَالْمَبِيعُ قَائِمًا) بِأَنْ لَا يَتَغَيَّرَ الْمَبِيعُ بِحَيْثُ يُعَدُّ شَيْئًا آخَرَ؛ لِأَنَّ إجَازَتَهُ كَالْبَيْعِ حُكْمًا (وَكَذَا) يُشْتَرَطُ قِيَامُ (الثَّمَنِ) أَيْضًا (لَوْ) كَانَ عَرْضًا (مُعَيَّنًا) لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَكُونُ مِلْكًا لِلْفُضُولِيِّ،   [رد المحتار] مَطْلَبٌ. الْبَيْعُ الْمَوْقُوفُ نَيِّفٌ وَثَلَاثُونَ. (قَوْلُهُ: وَأَوْصَلَهُ) أَيْ الْبَيْعَ الْمَوْقُوفَ. (قَوْلُهُ: إلَى نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ) أَيْ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ مِنْهَا ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ صُورَةً وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ بَيْعَ غَيْرِ الرَّشِيدِ فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْقَاضِي. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا الْبَيْعُ مِنْهُ وَبَيْعُ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْقَبْضِ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُشْتَرِي، وَمَا شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَشِرَاءُ الْوَكِيلِ نِصْفَ عَبْدٍ وَكَّلَ فِي شِرَاءِ كُلِّهِ فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ إنَّ اشْتَرَى الْبَاقِي قَبْلَ الْخُصُومَةِ نَفَذَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَبَيْعُ نَصِيبِهِ مِنْ مُشْتَرَكٍ بِالْخَلْطِ أَوْ الِاخْتِلَاطِ فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ شَرِيكِهِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَوَّلَ كِتَابِ الشَّرِكَةِ، وَبَيْعُ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْغُرَمَاءِ، وَكَذَا بَيْعُهُ أَكْسَابَهُ وَبَيْعُ وَكِيلِ الْوَكِيلِ بِلَا إذْنٍ فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ. وَبَيْعُ الصَّبِيِّ بِشَرْطِ الْخِيَارِ إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ فِي الْمُدَّةِ، وَالْبَيْعُ بِمَا حَلَّ بِهِ أَوْ بِمَا يُرِيدُهُ أَوْ بِمَا يُحِبُّ أَوْ بِرَأْسِ مَالِهِ أَوْ بِمَا اشْتَرَاهُ. اهـ. أَيْ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى بَيَانِهِ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ ط. (قَوْلُهُ: قَبُولُ الْإِجَازَةِ) أَيْ وَلَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا. (قَوْلُهُ: مِنْ الْمَالِكِ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ إجَازَةُ وَارِثِهِ كَمَا يَذْكُرُهُ قَرِيبًا وَيُغْنِي عَنْ هَذَا تَصْرِيحُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْإِجَازَةِ قِيَامُ صَاحِبِ الْمَتَاعِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يَتَغَيَّرَ الْمَبِيعُ) عُلِمَ مِنْهُ حُكْمُ هَلَاكِهِ بِالْأَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ جَازَ الْبَيْعُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ لَا يَصِحُّ حَتَّى يُعْلَمَ قِيَامُهُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ وَقَعَ فِي شَرْطِ الْإِجَازَةِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ فَتْحٌ وَنَهْرٌ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الْهَلَاكِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ أَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ لَا لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ هَلَكَ قَبْلَهَا كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يُعَدُّ شَيْئًا آخَرَ) بَيَانٌ لِلْمَنْفِيِّ وَهُوَ التَّغَيُّرُ، فَلَوْ صَبَغَهُ الْمُشْتَرِي فَأَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ جَازَ، وَلَوْ قَطَّعَهُ وَخَاطَهُ ثُمَّ أَجَازَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ شَيْئًا آخَرَ مِنَحٌ وَدُرَرٌ، وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَحْرِ وَالْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ أَجَازَهُ بَعْدَ الصَّبْغِ لَا يَجُوزُ تَأَمَّلْ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: بَاعَ دَارًا فَانْهَدَمَ بِنَاؤُهَا ثُمَّ أَجَازَ يَصِحُّ لِبَقَاءِ الدَّارِ بِبَقَاءِ الْعَرْصَةِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ إجَازَتَهُ كَالْبَيْعِ حُكْمًا) أَيْ وَلَا بُدَّ فِي الْبَيْعِ مِنْ قِيَامِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ. (قَوْلُهُ: لَوْ كَانَ عَرْضًا مُعَيَّنًا) بِأَنْ كَانَ بَيْعَ مُقَابَضَةٍ فَتْحٌ، وَقَيَّدَهُ بِالتَّعْيِينِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الدَّيْنِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِهِ فَإِنَّ الْعَرْضَ قَدْ يَكُونُ دَيْنًا عَلَى مَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ ابْنُ كَمَالٍ أَيْ كَالسَّلَمِ. (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ مِلْكًا لِلْفُضُولِيِّ) أَيْ فَإِذَا هَلَكَ يَهْلِكُ عَلَيْهِ ط وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ عَلَى الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ إجَازَةَ الْمَالِكِ إجَازَةُ نَقْدٍ لَا إجَازَةُ عَقْدٍ، بِمَعْنَى أَنَّ الْمَالِكَ أَجَازَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَنْقُدَ مَا بَاعَهُ ثَمَنًا لِمَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ لَا إجَازَةُ عَقْدٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ عَلَى الْفُضُولِيِّ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْعِوَضُ مُتَعَيِّنًا كَانَ شِرَاءً مِنْ وَجْهٍ، وَالشِّرَاءُ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْمُبَاشِرِ إنْ وَجَدَ نَفَاذًا فَيَكُونُ مِلْكًا لَهُ وَبِإِجَازَةِ الْمَالِكِ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بَلْ تَأْثِيرُ إجَازَتِهِ فِي النَّقْدِ لَا فِي الْعَقْدِ، ثُمَّ يَجِبُ عَلَى الْفُضُولِيِّ مِثْلُ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ الْبَدَلُ لَهُ صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ بِمَالِ الْغَيْرِ مُسْتَقْرِضًا لَهُ فِي ضِمْنِ الشِّرَاءِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ، كَمَا لَوْ قَضَى دَيْنَهُ بِمَالِ الْغَيْرِ. وَاسْتِقْرَاضُ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ جَائِزٌ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَجُزْ قَصْدًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 وَعَلَيْهِ مِثْلُ الْمَبِيعِ لَوْ مِثْلِيًّا وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ، وَغَيْرُ الْعَرْضِ مِلْكٌ لِلْمُجِيزِ أَمَانَةً فِي يَدِ الْفُضُولِيِّ مُلْتَقَى (وَ) كَذَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ (صَاحِبِ الْمَتَاعِ أَيْضًا) فَلَا تَجُوزُ إجَازَةُ وَارِثِهِ لِبُطْلَانِهِ بِمَوْتِهِ (وَ) حُكْمُهُ أَيْضًا (أَخْذُ) الْمَالِكِ (الثَّمَنَ أَوْ طَلَبُهُ) مِنْ الْمُشْتَرِي وَيَكُونُ إجَازَةً عِمَادِيَّةٌ، وَهَلْ لِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى الْفُضُولِيِّ بِمِثْلِهِ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ الْأَصَحُّ نَعَمْ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ فُضُولِيٌّ وَقْتَ الْأَدَاءِ لَا إنْ عَلِمَ قُنْيَةٌ، وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَجَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ وَابْنُ مَالِكٍ بِأَنَّهُ أَمَانَةٌ مُطْلَقًا   [رد المحتار] لِلْغَيْرِ صَحَّ وَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ. (قَوْلُهُ: أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْفُضُولِيِّ) فَلَوْ هَلَكَ لَا يَضْمَنُهُ كَالْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَارَ بِهَا تَصَرُّفُهُ نَافِذًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْ الْفُضُولِيِّ إذَا أَجَازَ الْمَالِكُ لَا يَنْفُذُ بَلْ يَبْطُلُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ تَحَقُّقِ الْإِجَازَةِ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ. [فَرْعٌ] لَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي اسْتِرْدَادَ الثَّمَنِ مِنْهُ بَعْدَ دَفْعِهِ لَهُ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى آخِرَ الْوَكَالَةِ رَمْلِيٌّ عَلَى الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ أَيْضًا إلَخْ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْمُصَنِّفَ وَهُوَ عُدُولٌ عَنْ ظَاهِرِ الْمَتْنِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ وَأَخَذَ الثَّمَنَ مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ الْآتِي إجَازَةٌ خَبَرُهُ، وَهَذَا أَوْلَى كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ الْآتِي عَنْ الْعِمَادِيَّةِ: وَيَكُونُ إجَازَةً أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: أَخَذَ الْمَالِكُ الثَّمَنَ) الظَّاهِرُ أَنَّ أَلْ لِلْجِنْسِ فَيَكُونُ أَخْذُ بَعْضِهِ إجَازَةً أَيْضًا لِدَلَالَتِهِ عَلَى الرِّضَا وَلِتَصْرِيحِهِمْ فِي نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ بِأَنَّ قَبْضَ بَعْضِ الْمَهْرِ إجَازَةٌ أَفَادَهُ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: وَهَلْ لِلْمُشْتَرِي إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِتَمَامِهَا عَقِبَ مَا قَدَّمَهُ عَنْ الْمُلْتَقَى؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا وُجِدَتْ الْإِجَازَةُ، وَهَذَا فِيمَا إذَا لَمْ تُوجَدْ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ تُوجَدْ الْإِجَازَةُ يَبْقَى الثَّمَنُ غَيْرُ الْعَرْضِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي، فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْفُضُولِيِّ هَلْ يَضْمَنُهُ لِلْمُشْتَرِي: فَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ بَعْدَ أَنْ رَمَزَ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وَالْقَاضِي الْبَدِيعِ: اشْتَرَى مِنْ فُضُولِيٍّ شَيْئًا وَدَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ ثُمَّ هَلَكَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ وَلَمْ يُجِزْ الْمَالِكُ الْبَيْعَ فَالثَّمَنُ مَضْمُونٌ عَلَى الْفُضُولِيِّ ثُمَّ رَمَزَ لِقَاضِي خَانَ وَقَالَ: رَجَعَ عَلَى الْفُضُولِيِّ بِمِثْلِ الثَّمَنِ، ثُمَّ رَمَزَ لِبُرْهَانِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ وَقَالَ: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ رَمَزَ لِظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ وَقَالَ: إنْ عَلِمَ أَنَّهُ فُضُولِيٌّ وَقْتَ أَدَاءِ الثَّمَنِ يَهْلِكُ أَمَانَةً، ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَفَى. قَالَ الْبَدِيعُ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. وَعِلَّةُ تَصْحِيحِ كَوْنِهِ أَمِينًا أَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهِ مَعَ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ فُضُولِيًّا صَيَّرَهُ كَالْوَكِيلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ) كَأَنَّهُ أَخَذَ اعْتِمَادَهُ لَهُ مِنْ ذِكْرِهِ عِلَّةَ التَّصْحِيحِ الْمَذْكُورَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ) . قُلْت: وَبِهِ جَزَمَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَعَزَاهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى إلَى الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَجَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ وَابْنُ مَالِكٍ إلَخْ) حَيْثُ قَالَا: وَإِذَا أَجَازَهُ الْمَالِكُ كَانَ الثَّمَنُ مَمْلُوكًا لَهُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْفُضُولِيِّ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ حَتَّى لَا يَضْمَنُ بِالْهَلَاكِ فِي يَدِهِ سَوَاءٌ هَلَكَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ أَوْ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ مُطْلَقًا مَعْنَاهُ سَوَاءٌ هَلَكَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ أَوْ بَعْدَهَا فَافْهَمْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَابْنِ مَالِكٍ أَنَّ الْمُرَادَ إذَا وُجِدَتْ الْإِجَازَةُ لَا يَضْمَنُ الْفُضُولِيُّ الثَّمَنَ سَوَاءٌ هَلَكَ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ غَيْرَ الْعَرْضِ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُجِيزِ؛ لِأَنَّ الْفُضُولِيَّ بِالْإِجَازَةِ اللَّاحِقَةِ صَارَ كَالْوَكِيلِ فَيَكُونُ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً قَبْلَ الْهَلَاكِ مِنْ حِينِ قَبْضِهِ فَيَهْلِكُ عَلَى الْمُجِيزِ وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَازَةُ بَعْدَ الْهَلَاكِ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْقُنْيَةِ أَنَّ الْإِجَازَةَ لَمْ تُوجَدْ أَصْلًا لَا قَبْلَ الْهَلَاكِ وَلَا بَعْدَهُ فَلِذَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي ضَمَانِهِ وَعَدَمِهِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَابْنُ مَالِكٍ فَلَا وَجْهَ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ النَّقْلَيْنِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ. وَبَقِيَ مَا إذَا هَلَكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 (وَقَوْلُهُ) أَسَأْت نَهْرٌ (بِئْسَمَا صَنَعْت أَوْ أَحْسَنْت أَوْ أَصَبْت) عَلَى الْمُخْتَارِ فَتْحٌ. (وَهِبَةُ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالتَّصَدُّقُ عَلَيْهِ بِهِ إجَازَةٌ) لَوْ الْمَبِيعُ قَائِمًا عِمَادِيَّةٌ (وَقَوْلُهُ لَا أُجِيزُ رَدٌّ لَهُ) أَيْ لِلْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ، فَلَوْ أَجَازَهُ بَعْدَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَفْسُوخَ لَا يُجَازُ، بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجَرِ لَوْ قَالَ لَا أُجِيزُ بَيْعَ الْآجِرِ ثُمَّ أَجَازَ جَازَ، وَأَفَادَ كَلَامُهُ جَوَازَ الْإِجَازَةِ بِالْفِعْلِ وَبِالْقَوْلِ، وَأَنْ لِلْمَالِكِ الْإِجَازَةُ وَالْفَسْخُ وَلِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ لَا الْإِجَازَةُ، وَكَذَا لِلْفُضُولِيِّ قَبْلَهَا فِي الْبَيْعِ   [رد المحتار] الثَّمَنُ الْعَرْضُ فِي يَدِ الْفُضُولِيِّ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَلَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ، وَيَضْمَنُ لِلْمُشْتَرِي مِثْلَ عَرْضِهِ أَوْ قِيمَتَهُ لَوْ قِيَمِيًّا؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ. اهـ. [تَتِمَّةٌ] لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ وَذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي بَطَلَ الْعَقْدُ، وَإِنْ بَعْدَهُ لَمْ يَجُزْ بِالْإِجَازَةِ وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ وَأَيَّهُمَا اخْتَارَ تَضْمِينَهُ مَلَكَهُ، وَيُبَرَّأُ الْآخَرُ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُضَمِّنَهُ، ثُمَّ إنْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي بَطَلَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ كَأَخْذِ الْعَيْنِ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِثَمَنِهِ لَا بِمَا ضَمِنَ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْبَائِعَ، فَإِنْ كَانَ قَبْضُ الْبَائِعِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ أَيْ بِأَنْ قَبَضَهُ بِلَا إذْنِ مَالِكِهِ نَفَذَ بَيْعُهُ بِضَمَانِهِ وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ أَمَانَةً، وَإِنَّمَا صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالتَّسْلِيمِ بَعْدَ الْبَيْعِ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ بِضَمَانِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ مِلْكِهِ تَأَخَّرَ عَنْ عَقْدِهِ. وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْبَيْعَ يَجُوزُ بِتَضْمِينِ الْبَائِعِ، وَقِيلَ تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ سَلَّمَ أَوَّلًا حَتَّى صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ثُمَّ بَاعَهُ فَصَارَ كَمَغْصُوبٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِئْسَمَا صَنَعْت) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: هُوَ إجَازَةٌ فِي نِكَاحٍ وَبَيْعٍ وَطَلَاقٍ وَغَيْرِهَا كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ: وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ رَدٌّ وَبِهِ يُفْتَى. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ أَسَأْت. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُخْتَارِ) أَيْ فِي أَحْسَنْت وَأَصَبْت، وَمُقَابِلُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ إجَازَةً؛ لِأَنَّهُ يُذْكَرُ لِلِاسْتِهْزَاءِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ: وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَحْسَنْت أَوْ وُفِّقْت أَوْ كَفَيْتنِي مُؤْنَةَ الْبَيْعِ أَوْ أَحْسَنْت فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا لَيْسَ إجَازَةً؛ لِأَنَّهُ يُذْكَرُ لِلِاسْتِهْزَاءِ، إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ: إنَّ أَحْسَنْت أَوْ أَصَبْت إجَازَةٌ اسْتِحْسَانًا. أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُفَصَّلَ، فَإِنْ قَالَهُ جِدًّا فَهُوَ إجَازَةٌ، لَا لَوْ قَالَهُ اسْتِهْزَاءً وَيُعْرَفُ بِالْقَرَائِنِ، وَلَوْ لَمْ تُوجَدْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إجَازَةً إذْ الْأَصْلُ هُوَ الْجِدُّ. اهـ. وَفِي حَاشِيَتِهِ لِلرَّمْلِيِّ عَنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُخْتَارَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ الْبَزَّازِيُّ. (قَوْلُهُ: لَوْ الْبَيْعُ قَائِمًا) ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ تَتِمَّةُ عِبَارَةِ الْعِمَادِيَّةِ وَإِلَّا فَالْكَلَامُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: بَيْعِ الْآجِرِ) بِالْجِيمِ الْمَكْسُورَةِ. (قَوْلُهُ: جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ بِعَدَمِ إجَازَتِهِ لَا يَنْفَسِخُ، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ. (قَوْلُهُ: بِالْفِعْلِ وَبِالْقَوْلِ) الْأَوَّلُ مِنْ قَوْلِهِ أَخْذُ الثَّمَنِ وَالثَّانِي مِنْ قَوْلِهِ أَوْ طَلَبُهُ وَمَا بَعْدَهُ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ أَخَذَ الْمَالِكُ بِثَمَنِهِ حَظًّا مِنْ الْمُشْتَرِي فَهُوَ إجَازَةٌ لَا لَوْ سَكَتَ عِنْدَ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ بِحَضْرَتِهِ. اهـ. وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ مَسْأَلَةَ السُّكُوتِ آخِرَ الْفَصْلِ. (قَوْلُهُ: وَأَنَّ لِلْمَالِكِ إلَخْ) اُسْتُفِيدَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَحُكْمُهُ قَبُولُ الْإِجَازَةِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ إجَازَةُ الْمَالِكِ كَمَا مَرَّ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ أَيْضًا، وَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَالْفُضُولِيَّ لَيْسَ لَهُمَا الْإِجَازَةُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ) أَيْ قَبْلَ إجَازَةِ الْمَالِكِ تَحَرُّزًا عَنْ لُزُومِ الْعَقْدِ بَحْرٌ وَهَذَا عِنْدَ التَّوَافُقِ، عَلَى أَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يُجِزْ الْبَيْعَ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَ الْمُصَنِّفِ الْآتِي بَاعَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمَرَهُ إلَخْ. هَذَا وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي نَقْضَ الْبَيْعِ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضَا الْبَائِعِ لَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى النِّتَاجِ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ عَلَى التَّلَقِّي مِنْ الْمُسْتَحِقِّ ثَابِتٌ إلَّا إذَا حَكَمَ الْقَاضِي فَيَلْزَمُ الْعَجْزُ فَيَنْفَسِخُ اهـ وَقَدْ مَرَّ أَوَّلَ الْفَصْلِ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مِنْ صُوَرِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ، فَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ قَوْلِهِ وَلِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ بِالرِّضَا أَوْ الْقَضَاءِ. تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لِلْفُضُولِيِّ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ إجَازَةِ الْمَالِكِ لِيَدْفَعَ الْحُقُوقُ عَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 لَا النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ مُعَبِّرٌ مَحْضٌ بَزَّازِيَّةٌ وَفِي الْمَجْمَعِ: لَوْ أَجَازَ أَحَدُ الْمَالِكَيْنِ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي فِي حِصَّتِهِ وَأَلْزَمَهُ مُحَمَّدٌ بِهَا. (سُمِعَ أَنَّ فُضُولِيًّا بَاعَ مِلْكَهُ فَأَجَازَ، وَلَمْ يَعْلَمْ مِقْدَارَ الثَّمَنِ فَلَمَّا عَلِمَ رَدَّ الْبَيْعَ فَالْمُعْتَبَرُ إجَازَتُهُ) لِصَيْرُورَتِهِ بِالْإِجَازَةِ كَالْوَكِيلِ حَتَّى يَصِحَّ حَطُّهُ مِنْ الثَّمَنِ مُطْلَقًا بَزَّازِيَّةٌ. (اشْتَرَى مِنْ غَاصِبٍ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ) الْمُشْتَرِي (أَوْ بَاعَهُ فَأَجَازَ الْمَالِكُ) بَيْعَ الْغَاصِبِ (أَوْ أَدَّى الْغَاصِبُ) الضَّمَانَ إلَى الْمَالِكِ عَلَى الْأَصَحِّ هِدَايَةٌ (أَوْ) أَدَّى (الْمُشْتَرِي الضَّمَانَ إلَيْهِ) عَلَى الصَّحِيحِ زَيْلَعِيٌّ (نَفَذَ الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْعِتْقُ (لَا الثَّانِي) وَهُوَ الْبَيْعُ   [رد المحتار] نَفْسِهِ فَإِنَّهُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ يَصِيرُ كَالْوَكِيلِ فَتَرْجِعُ حُقُوقُ الْعَقْدِ إلَيْهِ فَيُطَالَبُ بِالتَّسْلِيمِ وَيُخَاصَمُ بِالْعَيْبِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَيْهِ فَلَهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ. (قَوْلُهُ: لَا النِّكَاحِ) أَيْ لَيْسَ لِلْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاحِ الْفَسْخُ بِالْقَوْلِ وَلَا بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ مُعَبِّرٌ مَحْضٌ، فَبِالْإِجَازَةِ تَنْتَقِلُ الْعِبَارَةُ إلَى الْمَالِكِ فَتَصِيرُ الْحُقُوقُ مَنُوطَةً بِهِ لَا بِالْفُضُولِيِّ. وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ بِالْفِعْلِ، بِأَنْ زَوَّجَ رَجُلًا امْرَأَةً ثُمَّ أُخْتَهَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ فَهُوَ فَسْخٌ لِلْأَوَّلِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ خِلَافُهُ بَحْرٌ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: خُيِّرَ الْمُشْتَرِي فِي حِصَّتِهِ) أَيْ حِصَّةِ الْمُجِيزِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي رَغِبَ فِي شِرَائِهِ لِيُسَلِّمَ لَهُ جَمِيعَ الْمَبِيعِ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ يُخَيَّرُ لِكَوْنِهِ مَعِيبًا بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ، وَأَلْزَمَهُ مُحَمَّدٌ بِهَا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ لِعِلْمِهِ أَنَّهُمَا قَدْ لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى الْإِجَازَةِ شَرْحُ الْمَجْمَعِ. (قَوْلُهُ: فَالْمُعْتَبَرُ إجَازَتُهُ) وَلَوْ بَدَأَ بِالرَّدِّ ثُمَّ أَجَازَ فَالْمُعْتَبَرُ مَا بَدَأَ بِهِ رَمْلِيٌّ عَلَى الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ عَلِمَ الْمَالِكُ بِالثَّمَنِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. وَأَجَابَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ بِالْحَطِّ بَعْدَ الْإِجَازَةِ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الرِّضَا وَالْفَسْخِ بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. [فَرْعٌ] فِي الْفُصُولَيْنِ: أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَبَاعَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمَالِكُ قَبْلَ الْعِلْمِ: أَجَزْت جَازَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَكَذَا النِّكَاحُ، لَا لَوْ قَالَ أَجَزْت مَا أَمَرْتُك بِهِ. بَرْهَنَ الْمَالِكُ عَلَى الْإِجَازَةِ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي إلَّا إذَا ادَّعَى أَنَّ الْفُضُولِيَّ وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ، مَاتَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ ادَّعَى الْمَالِكُ الْأَمْرَ أَوْ الْإِجَازَةَ، فَإِنْ قَالَ كُنْت أَمَرْته صُدِّقَ، وَلَوْ قَالَ بَلَغَنِي فَأَجَزْته لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَكَذَا لَوْ زَوَّجَ الْكَبِيرَةَ أَبُوهَا وَمَاتَ زَوْجُهَا فَطَلَبَتْ الْإِرْثَ وَادَّعَتْ الْأَمْرَ أَوْ الْإِجَازَةَ. (قَوْلُهُ: اشْتَرَى مِنْ غَاصِبٍ عَبْدًا) لَوْ قَالَ مِنْ فُضُولِيٍّ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ الْمَبِيعَ لَمْ يَكُنْ غَاصِبًا مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ أَوْ بَاعَهُ فَإِنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَاسِدٌ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ: وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ زَيْدٌ بَاعَ عَبْدَ رَجُلٍ بِلَا إذْنِهِ مِنْ عَمْرٍو فَأَعْتَقَ عَمْرٌو الْعَبْدَ أَوْ بَاعَهُ مِنْ بَكْرٍ فَأَجَازَ الْمَالِكُ بَيْعَ زَيْدٍ أَوْ ضَمَّنَهُ أَوْ ضَمَّنَ عَمْرًا الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْمُعْتِقُ نَفَذَ عِتْقُ عَمْرٍو إنْ كَانَ أَعْتَقَهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ بَاعَهُ فَلَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ. (قَوْلُهُ: فَأَجَازَ الْمَالِكُ بَيْعَ الْغَاصِبِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَجَازَ بَيْعَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَهُوَ بَيْعُ عَمْرٍو لِبَكْرٍ جَازَ. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ رَامِزًا لِلْمَبْسُوطِ: لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَاصِبٍ ثُمَّ وَثُمَّ حَتَّى تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي فَأَجَازَ مَالِكُهُ عَقْدًا مِنْ الْعُقُودِ جَازَ ذَلِكَ الْعَقْدُ خَاصَّةً لِتَوَقُّفِ كُلِّهَا عَلَى الْإِجَازَةِ، فَإِذَا أَجَازَ عَقْدًا مِنْهَا جَازَ ذَلِكَ خَاصَّةً. اهـ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ بَيْعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ مَوْقُوفٌ. وَأَمَّا مَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ عَنْ النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ مِنْ أَنَّهُ بَاطِلٌ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ كَمَا حَرَّرَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَدَّى الْغَاصِبُ الضَّمَانَ إلَى الْمَالِكِ عَلَى الْأَصَحِّ هِدَايَةٌ) وَتَبِعَهُ فِي الْبِنَايَةِ، خِلَافًا لِمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مِنْ الْغَاصِبِ وَيَنْفُذُ بِأَدَائِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: نَفَذَ الْأَوَّلُ) هَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْبَيْعُ) أَيْ بَيْعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ أَمَّا بَيْعُ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْمَالِكِ وَكَذَا بِالتَّضْمِينِ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَوْ تَقَدَّمَ سَبَبُ مِلْكِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 لِأَنَّ الِاعْتِقَاقَ إنَّمَا يَفْتَقِرُ لِلْمِلْكِ وَقْتَ نَفَاذِهِ لَا وَقْتَ ثُبُوتِهِ قَيَّدَ بِعِتْقِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ عِتْقَ الْغَاصِبِ لَا يَنْفُذُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ بِهِ زَيْلَعِيٌّ (وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ) مَثَلًا (عِنْدَ مُشْتَرِيهِ فَأُجِيزَ) الْبَيْعُ (فَأَرْشُهُ) أَيْ الْقَطْعِ (لَهُ) وَكَذَا كُلُّ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَبِيعِ (كَالْكَسْبِ وَالْوَلَدِ وَالْعُقْرِ) وَلَوْ (قَبْلَ الْإِجَازَةِ) يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ تَمَّ لَهُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ،   [رد المحتار] عَلَى بَيْعِهِ، حَتَّى إنَّ غَاصِبَهُ لَوْ بَاعَهُ ثُمَّ ضَمَّنَهُ مَالِكُهُ جَازَ بَيْعُهُ، وَلَوْ شَرَاهُ غَاصِبُهُ مِنْ مَالِكِهِ أَوْ وُهِبَهُ مِنْهُ أَوْ وَرِثَهُ لَمْ يَنْفُذْ بَيْعُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، إذَا الْغَصْبُ سَبَبُ الْمِلْكِ عِنْدَ الضَّمَانِ، وَلَيْسَ بِسَبَبِ الْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ الْإِرْثِ فَبَقِيَ السَّبَبُ وَهُوَ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالْإِرْثُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْبَيْعِ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ لَوْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ لَا يَوْمَ بَيْعِهِ. اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ قِيمَةٍ وَقِيمَةٍ فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِنَفَاذِ الْإِعْتَاقِ، وَأَمَّا عَدَمُ نَفَاذِ الْبَيْعِ فَلِبُطْلَانِهِ بِالْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهَا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي بَاتًّا. مَطْلَبٌ إذَا طَرَأَ مِلْكٌ بَاتٌّ عَلَى مَوْقُوفٍ أَبْطَلَهُ. وَالْمِلْكُ الْبَاتُّ إذَا وَرَدَ عَلَى الْمَوْقُوفِ أَبْطَلَهُ، وَكَذَا لَوْ وَهَبَهُ مَوْلَاهُ لِلْغَاصِبِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ فَوَرِثَهُ فَهَذَا كُلُّهُ يُبْطِلُ الْمِلْكَ الْمَوْقُوفَ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ بَيْعَ الْغَاصِبِ يَنْفُذُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مَعَ أَنَّهُ طَرَأَ مِلْكٌ بَاتٌّ لِلْغَاصِبِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْمَوْقُوفِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مِلْكَ الْغَاصِبِ ضَرُورِيٌّ ضَرُورَةَ أَدَاءِ الضَّمَانِ فَلَمْ يَظْهَرْ فِي إبْطَالِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي بَحْرٌ. وَأَجَابَ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ بِأَنَّ هَذَا غَيْرُ وَارِدٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْقَاعِدِيِّ وَنَصُّهُ: الْأَصْلُ أَنَّ مَنْ بَاشَرَ عَقْدًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ ثُمَّ مَلَكَهُ يَنْفُذُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ كَالْغَاصِبِ بَاعَ الْمَغْصُوبَ ثُمَّ مَلَكَهُ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ مِلْكَ أَبِيهِ ثُمَّ وَرِثَهُ نَفَذَ وَطُرُوُّ الْبَاتِّ إنَّمَا يُبْطِلُ الْمَوْقُوفَ إذَا حَدَثَ لِغَيْرِ مَنْ بَاشَرَ الْمَوْقُوفَ، كَمَا إذَا بَاعَ الْمَالِكُ مَا بَاعَهُ الْفُضُولِيُّ مِنْ غَيْرِ الْفُضُولِيِّ وَلَوْ مِمَّنْ اشْتَرَى مِنْ الْفُضُولِيِّ. وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ مِنْ الْفُضُولِيِّ فَلَا. اهـ. قُلْت: وَعَلَيْهِ فَفِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ لَوْ أَجَازَ بَيْعَ الْغَاصِبِ نَفَذَ وَبَطَلَ بَيْعُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الْبَاتَّ لِلْغَاصِبِ طَرَأَ عَلَى مِلْكٍ مَوْقُوفٍ بَاشَرَهُ هُوَ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُشْتَرِي فَقَدْ طَرَأَ عَلَى مِلْكٍ مَوْقُوفٍ لِغَيْرِ مَنْ بَاشَرَهُ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ لِلْبَيْعِ الثَّانِي الْمَوْقُوفِ هُوَ الْمُشْتَرِي، نَعَمْ لَوْ أَجَازَ عَقْدَ الْمُشْتَرِي يَكُونُ طُرُوُّ الْبَاتِّ لِمَنْ بَاشَرَ الْمَوْقُوفَ. (قَوْلُهُ: لِثُبُوتِ مِلْكِهِ بِهِ) أَيْ بِالضَّمَانِ لَا بِالْغَصْبِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ) أَيْ يَدُ مَا بَاعَهُ الْغَاصِبُ، وَقَوْلُهُ مَثَلًا أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَرْشُ أَيِّ جِرَاحَةٍ كَانَتْ، وَاحْتَرَزَ بِالْقَطْعِ مِنْ الْقَتْلِ أَوْ الْمَوْتِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ بِالْإِجَازَةِ لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَشَرْطُ صِحَّةِ الْإِجَازَةِ قِيَامُهُ كَمَا مَرَّ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ مُشْتَرِيهِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْغَاصِبِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: لَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ: يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي) تَصْرِيحٌ بِمَا أَفَادَهُ التَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ، وَكَذَا إلَخْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمِلْكَ تَمَّ لَهُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ) أَيْ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَطْعَ وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ ط الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 بِخِلَافِ الْغَاصِبِ لِمَا مَرَّ (وَتَصَدَّقَ بِمَا زَادَ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ وُجُوبًا) لِعَدَمِ دَخْلِهِ فِي ضَمَانِهِ فَتْحٌ. (بَاعَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمَرَهُ) قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ (فَبَرْهَنَ الْمُشْتَرِي) مَثَلًا (عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ) الْفُضُولِيِّ (أَوْ) عَلَى إقْرَارِ (رَبِّ الْعَبْدِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْبَيْعِ) لِلْعَبْدِ (وَأَرَادَ) الْمُشْتَرِي (رَدَّ الْمَبِيعِ رُدَّتْ) بَيِّنَتُهُ وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِلتَّنَاقُضِ (كَمَا لَوْ أَقَامَ) الْبَائِعُ (الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بَاعَ بِلَا أَمْرٍ أَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ) وَأَصْلُهُ أَنَّ مَنْ سَعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ لَا تُقْبَلُ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ (وَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ) الْمَذْكُورُ وَلَوْ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي بَحْرٌ (بِأَنَّ رَبَّ الْعَبْدِ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْبَيْعِ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى عَدَمِ الْأَمْرِ (الْمُشْتَرِي انْتَقَضَ) الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فَإِنْ تَوَافَقَا بَطَلَ (فِي حَقِّهِمَا لَا فِي حَقِّ الْمَالِكِ) لِلْعَبْدِ (إنْ كَذَّبَهُمَا) وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ بِأَمْرِهِ فَيُطَالَبُ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ لَا الْمُشْتَرِي خِلَافًا لِلثَّانِي. (بَاعَ دَارَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمَرَهُ) وَأَقْبَضَهَا الْمُشْتَرِي نَهْرٌ.   [رد المحتار] عَنْ الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْغَاصِبِ) أَيْ لَوْ قُطِعَتْ الْيَدُ عِنْدَهُ ثُمَّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لَا يَكُونُ الْأَرْشُ لَهُ لِمَا مَرَّ قَرِيبًا مِنْ أَنَّ ثُبُوتَ مِلْكِهِ بِالضَّمَانِ أَيْ لَا بِالْغَصْبِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِلْمِلْكِ فَلَا يَمْلِكُ الْأَرْشَ وَإِنْ مَلَكَ الْعَبْدَ لِعَدَمِ حُصُولِهِ فِي مِلْكِهِ. (قَوْلُهُ: بِمَا زَادَ) أَيْ مِنْ الْأَرْشِ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ إنْ كَانَ نِصْفُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وُجُوبًا) قَالَ فِي الْبَحْرِ هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي ضَمَانِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ حَقِيقَةً وَقْتَ الْقَطْعِ وَأَرْشُ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ فِي الْحُرِّ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الْعَبْدِ نِصْفُ الْقِيمَةِ، وَاَلَّذِي دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ هُوَ مَا كَانَ بِمُقَابَلَةِ الثَّمَنِ فَفِيمَا زَادَ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ) فَإِنَّهُ وَإِنْ وَقَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَلَيْسَ مِنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ فَتْحٌ: أَيْ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ يُفِيدُ تَوَافُقَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ مَحَلُّ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا. (قَوْلُهُ: مَثَلًا) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فَبَرْهَنَ، لِمَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ كَانَ الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْأَمْرِ، إذْ غَيْرُهُ مُتَنَاقِضٌ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ وَلِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِحْلَافُهُ. اهـ. وَلَيْسَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْبَائِعَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، كَمَا لَوْ أَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: الْفُضُولِيِّ) لَا مَحَلَّ لِذِكْرِهِ بَعْدَ تَصْرِيحِهِ بِأَنَّ قَوْلَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ. (قَوْلُهُ: رُدَّتْ بَيِّنَتُهُ) أَيْ إنْ بَرْهَنَ، وَقَوْلُهُ وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ أَيْ إنْ لَمْ يُبَرْهِنْ. (قَوْلُهُ: لِلتَّنَاقُضِ) إذْ الْإِقْدَامُ عَلَى الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ دَلِيلٌ عَلَى دَعْوَى الصِّحَّةِ وَأَنَّهُ يَمْلِكُ الْبَيْعَ وَدَعْوَى الْإِقْرَارِ بِعَدَمِ الْأَمْرِ تُنَاقِضُهُ، وَقَبُولُ الْبَيِّنَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى نَهْرٌ وَغَيْرُهُ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَعْلَمَ إلَّا بَعْدَ الشِّرَاءِ بِإِخْبَارِ عُدُولٍ لَهُ بِأَنَّا سَمِعْنَا إقْرَارَ الْبَائِعِ بِذَلِكَ قَبْلَ الْبَيْعِ وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ وَإِنْ أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ بِذَلِكَ لَكِنَّهُ سَاعٍ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ فَسَعْيُهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ، فَقَوْلُهُمْ: إمْكَانُ التَّوْفِيقِ يَدْفَعُ التَّنَاقُضَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ) ذَكَرَهُمَا فِي الْبَحْرِ هُنَا، لَكِنَّ الشَّارِحَ قَدَّمَ فِي الْوَقْفِ عِنْدَ قَوْلِهِ بَاعَ دَارًا ثُمَّ ادَّعَى أَنِّي كُنْت وَقَفْتهَا أَنَّ الْمُسْتَثْنَى سَبْعٌ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ قَضَاءِ الْأَشْبَاهِ أَنَّهَا تِسْعٌ، وَمَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي) أَفَادَ أَنَّ قَوْلَ الْكَنْزِ عِنْدَ الْقَاضِي قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّنَاقُضَ) أَيْ مِنْ الْبَائِعِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فِي إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُسَاعِدَهُ عَلَى ذَلِكَ فَيُتَحَقَّقُ الِاتِّفَاقِ بَيْنَهُمَا فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي حَقِّهِمَا. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلثَّانِي) فَعِنْدَهُ لِرَبِّ الْعَبْدِ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي، فَإِذَا أَدَّى رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ نَهْرٌ. وَفِيهِ: وَلَوْ أَنْكَرَ الْمَالِكُ التَّوْكِيلَ وَتَصَادَقَا عَلَيْهِ، فَإِنْ بَرْهَنَ الْوَكِيلُ فِيهَا وَإِلَّا اسْتَحْلَفَ الْمَالِكَ، فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ لَا إنْ حَلَفَ، وَتَمَامُهُ فِيهِ وَفِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ أَمْرِهِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ ط وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكَنْزِ. (قَوْلُهُ: نَهْرٌ) نَقَلَهُ عَنْ الْبِنَايَةِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى مَفْهُومِهِ، وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَوِيٌّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 وَأَمَّا إدْخَالُهَا فِي بِنَاءِ الْمُشْتَرِي فَقَيْدٌ اتِّفَاقًا دُرَرٌ (ثُمَّ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ) الْفُضُولِيُّ (بِالْغَصْبِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَضْمَنْ الْبَائِعُ قِيمَةَ الدَّارِ) لِعَدَمِ سِرَايَةِ إقْرَارِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي (فَإِنْ بَرْهَنَ الْمَالِكُ أَخَذَهَا) لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِهَا. [فُرُوعٌ] بَاعَهُ فُضُولِيٌّ وَآجَرَهُ آخَرُ أَوْ زَوَّجَهُ أَوْ رَهَنَهُ فَأُجِيزَا مَعًا ثَبَتَ الْأَقْوَى فَتَصِيرُ مَمْلُوكَةً لَا زَوْجَةً فَتْحٌ. سُكُوتُ الْمَالِكِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِإِجَازَةٍ خَانِيَّةٌ مِنْ آخِرِ فَصْلِ الْإِقَالَةِ. بَابُ الْإِقَالَةِ هِيَ لُغَةً: الرَّفْعُ مِنْ أَقَالَ أَجْوَفُ يَائِيٌّ، وَشَرْعًا (رَفْعُ الْبَيْعِ)   [رد المحتار] فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَضْمَنْ إذَا قَبَضَهَا لَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَقْبِضْ بِالْأَوْلَى ط. (قَوْلُهُ: فَقَيْدٌ اتِّفَاقًا) أَيْ وَقَعَ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ اتِّفَاقًا مَقْصُودًا لِلِاحْتِرَازِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَدْخُلْهَا يَكُونُ بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ سِرَايَةِ إقْرَارِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي) هَذَا لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِمَا قَبْلَهُ وَإِنَّمَا هُوَ عِلَّةٌ لِعَدَمِ نَزْعِ الدَّارِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا عِلَّةُ عَدَمِ ضَمَانِ الْبَائِعِ قِيمَةَ الدَّارِ مَعَ إقْرَارِهِ بِغَصْبِهَا فَهِيَ عَدَمُ صِحَّةِ غَصْبِ الْعَقَارِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَضْمَنُ قِيمَةَ الدَّارِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا لِصِحَّةِ غَصْبِهِ عِنْدَهُ ط وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهِيَ مَسْأَلَةُ غَصْبِ الْعَقَارِ هَلْ يَتَحَقَّقُ أَوْ لَا؟ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا فَلَا يَضْمَنُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَعَمْ فَيَضْمَنُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ بَرْهَنَ إلَخْ) وَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ كَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى عَجْزِهِ عَنْهُ لَا إلَى عَقْدِ الْبَائِعِ. قَالَ السَّائِحَانِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّمَنَ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْحَالُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِهَا) أَيْ جَعَلَ لَهَا نُورًا بِالْبَيِّنَةِ أَيْ أَوْضَحَهَا وَأَظْهَرَهَا. (قَوْلُهُ: بَاعَهُ) أَيْ الشَّيْءَ. (قَوْلُهُ: فَتَصِيرُ مَمْلُوكَةً لَا زَوْجَةً) إنَّمَا نَصَّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِيرُ زَوْجَةً مَعَ أَنَّ الْبَيْعَ يُقَدَّمُ عَلَى الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ نَفْيِ الزَّوْجِيَّةِ نَفْيُ الْأَدْنَى مِنْهَا بِالْأَوْلَى. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَتَثْبُتُ الْهِبَةُ لَوْ وَهَبَهُ فُضُولِيٌّ وَآجَرَهُ آخَرُ، وَكُلٌّ مِنْ الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ وَالْإِجَارَةُ أَحَقُّ مِنْ الرَّهْنِ لِإِفَادَتِهَا مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ وَالْبَيْعُ أَحَقُّ مِنْ الْهِبَةِ لِبُطْلَانِهَا بِالشُّيُوعِ فَمَا لَا يَبْطُلُ بِالشُّيُوعِ كَهِبَةِ فُضُولِيٍّ عَبْدًا وَبَيْعِ آخَرَ إيَّاهُ يَسْتَوِيَانِ،؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ مَعَ الْقَبْضِ تُسَاوِي الْبَيْعَ فِي إفَادَةِ الْمِلْكِ. وَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يُقَسَّمُ صَحِيحَةٌ، فَيَأْخُذُ كُلٌّ نِصْفَهُ، وَلَوْ زَوَّجَاهَا كُلٌّ مِنْ رَجُلٍ فَأُجِيزَا بَطَلَا، وَلَوْ بَاعَاهَا تَتَنَصَّفُ بَيْنَ الْمُشْتَرِيَيْنِ وَيُخَيَّرُ كُلٌّ مِنْهُمَا اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْإِقَالَةِ] ِ مُنَاسَبَتُهَا لِلْفُضُولِيِّ أَنَّهُ عَقْدٌ يُرْفَعُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ وَالْإِقَالَةُ رَفْعٌ ط، وَذَكَرَهَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ عَقِبَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْمَكْرُوهِ لِوُجُوبِ رَفْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي تَمَامُهُ. (قَوْلُهُ: مِنْ أَقَالَ) وَيَأْتِي ثُلَاثِيًّا يُقَالُ قَالَهُ قَيْلًا مِنْ بَابِ بَاعَ إلَّا أَنَّهُ قَلِيلٌ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: أَجْوَفُ) أَيْ عَيْنُهُ حَرْفُ عِلَّةٍ ثُمَّ بَيَّنَهُ بِأَنَّهُ يَائِيٌّ، وَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ أَجْوَفُ وَيَائِيٌّ خَبَرٌ ثَانٍ. اهـ. ح: وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهُ وَاوِيٌّ مِنْ الْقَوْلِ وَالْهَمْزَةُ لِلسَّلْبِ، فَأَقَالَ بِمَعْنَى أَزَالَ الْقَوْلَ أَيْ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَهُوَ الْبَيْعُ، كَأَشْكَاهُ أَزَالَ شِكَايَتَهُ وَدُفِعَ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ذَكَرَهَا فِي الْفَتْحِ: الْأَوَّلُ قَوْلُهُمْ قُلْتُهُ بِالْكَسْرِ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَيْنَهُ يَاءٌ لَا وَاوٌ فَلَيْسَ مِنْ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ ذَكَرَ الْإِقَالَةَ فِي الصِّحَاحِ مِنْ الْقَافِ مَعَ الْيَاءِ لَا مَعَ الْوَاوِ الثَّالِثُ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي مَجْمَعِ اللُّغَةِ قَالَ الْبَيْعَ قَيْلًا وَإِقَالَةً فَسَخَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: رُفِعَ الْعَقْدُ) وَلَوْ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ لِمَا فِي الْحَاوِي لَوْ بَاعَ مِنْهُ حِنْطَةً مِائَةَ مَنٍّ بِدِينَارٍ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَافْتَرَقَا ثُمَّ قَالَ لِلْمُشْتَرِي ادْفَعْ إلَيَّ الثَّمَنَ أَوْ الْحِنْطَةَ الَّتِي دَفَعْتهَا إلَيْك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 وَعَمَّمَ فِي الْجَوْهَرَةِ فَعَبَّرَ بِالْعَقْدِ (وَيَصِحُّ بِلَفْظَيْنِ مَاضِيَيْنِ وَ) هَذَا رُكْنُهَا (أَوَأَحَدُهُمَا مُسْتَقْبَلٌ) كَأَقِلْنِي فَقَالَ أَقَلْتُك لِعَدَمِ الْمُسَاوَمَةِ فِيهَا فَكَانَتْ كَالنِّكَاحِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ كَالْبَيْعِ قَالَ الْبُرْجَنْدِيُّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ (وَ) تَصِحُّ أَيْضًا (بِفَاسَخْتُكِ وَتَرَكْت وَتَارَكْتُك وَرَفَعْت وَبِالتَّعَاطِي) وَلَوْ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ (كَالْبَيْعِ) هُوَ الصَّحِيحُ بَزَّازِيَّةٌ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالْقَبْضِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ.   [رد المحتار] فَدَفَعَهَا أَوْ بَعْضَهَا فَهُوَ فَسْخٌ فِي الْمَرْدُودِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَعَبَّرَ بِالْعَقْدِ) فَهُوَ تَعْرِيفٌ لِلْأَعَمِّ مِنْ إقَالَةِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهِمَا بَحْرٌ: وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْعَقْدِ عَقْدُ الْبَيْعِ. قُلْت: تَخْصِيصُهُ بِالْبَيْعِ لِكَوْنِ الْكَلَامِ فِيهِ، وَإِلَّا فَهُوَ تَعْرِيفٌ لِلْإِقَالَةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا فِي الْإِجَارَةِ لَا تُخَالِفُ حَقِيقَتَهَا فِي الْبَيْعِ، وَلِذَا لَمْ يُذْكَرْ لَهَا بَابٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَنَظِيرُهُ النِّيَّةُ مَثَلًا تُذْكَرُ فِي بَابِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا وَتُعْرَفُ بِالْقَصْدِ الشَّامِلِ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا. فَافْهَمْ. وَالْمُرَادُ بِالْعَقْدِ الْقَابِلُ لِلْفَسْخِ بِخِيَارٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي بِخِلَافِ النِّكَاحِ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا رُكْنُهَا) الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْتَقْبَلٌ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ ط. (قَوْلُهُ: أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْتَقْبَلٌ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْإِقَالَةَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَيْعٌ، إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ فَفَسْخٌ كَمَا يَأْتِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالْعَكْسِ وَالْعَجَبُ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ كَقَوْلِ الْإِمَامِ فِي أَنَّهَا تَصِحُّ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْتَقْبَلٌ مَعَ أَنَّهَا بَيْعٌ عِنْدَهُ وَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ بِذَلِكَ، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: إنَّهَا فَسْخٌ وَيَقُولُ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِمَاضِيَيْنِ؛ لِأَنَّهَا كَالْبَيْعِ فَأَعْطَاهَا بِسَبَبِ الشَّبَهِ حُكْمَ الْبَيْعِ. وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ لَمْ يُعْطِهَا حُكْمَهُ وَالْجَوَابُ لَهُ أَنَّ الْمُسَاوَمَةَ لَا تَجْرِي فِي الْإِقَالَةِ فَحُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى التَّحْقِيقِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْمُسَاوَمَةِ فِيهَا) إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ: أَيْ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ نَظَرٍ وَتَأَمُّلٍ، فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ أَقِلْنِي مُسَاوَمَةً بَلْ كَانَ تَحْقِيقًا لِلتَّصَرُّفِ كَمَا فِي النِّكَاحِ، وَبِهِ فَارَقَ الْبَيْعَ كَمَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ كَالْبَيْعِ) أَيْ فَلَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِمَاضِيَيْنِ كَمَا مَرَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاَلَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ: قَالَ الْبُرْجَنْدِيُّ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي الْخُلَاصَةِ: اخْتَارُوا قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَيُرَجِّحُ قَوْلَ مُحَمَّدِ كَوْنُ الْإِمَامِ مَعَهُ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ. اهـ. قُلْت: وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ تَبَعًا لِلدُّرَرِ وَالْمُلْتَقَى. (قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ أَيْضًا إلَخْ) فَلَا يَتَعَيَّنُ فِيهَا لَفْظُ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ لَفْظِ الْإِقَالَةِ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ، فَإِنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، وَهَذَا إذَا كَانَتْ بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ. فَلَوْ بِلَفْظِ مُفَاسَخَةٍ أَوْ مُتَارَكَةٍ أَوْ تَرَادٍّ لَمْ تُجْعَلْ بَيْعًا اتِّفَاقًا وَلَوْ بِلَفْظِ بَيْعٍ فَبَيْعٌ إجْمَاعًا كَمَا يَأْتِي فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ طَلَبَ الْإِقَالَةِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي: هَاتِ الثَّمَنَ فَأَقَالَهُ. اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ مَا لَوْ كَانَ الطَّلَبُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَقَالَ الْبَائِعُ خُذْ الثَّمَنَ. وَفِيهَا: اشْتَرَى عَبْدًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى قَالَ لِلْبَائِعِ بِعْهُ لِنَفْسِك فَلَوْ بَاعَ جَازَ وَانْفَسَخَ الْأَوَّلُ، وَلَوْ قَالَ بِعْهُ لِي أَوْ بِعْهُ مِمَّنْ شِئْت أَوْ بِعْهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى يَنْفَسِخُ، وَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ تَأَمَّلْ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إقَالَةٌ اقْتِضَاءً فَإِنْ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ لِنَفْسِهِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِتَقَدُّمِ الْإِقَالَةِ، فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِك أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الصُّوَرِ، فَإِنَّهُ تَوْكِيلٌ لَا إقَالَةٌ. ثُمَّ رَأَيْت ذَلِكَ التَّوْجِيهَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِقَالَةِ بِالشَّرْطِ بِأَنْ بَاعَ ثَوْرًا مِنْ زَيْدٍ فَقَالَ اشْتَرَيْته رَخِيصًا فَقَالَ زَيْدٌ إنْ وَجَدْت مُشْتَرِيًا بِالزِّيَادَةِ فَبِعْهُ مِنْهُ، فَوَجَدَ فَبَاعَ بِأَزْيَدَ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْإِقَالَةِ لَا الْوَكَالَةِ بِالشَّرْطِ. وَفِيهَا: قَالَ الْمُشْتَرِي إنَّهُ يَخْسَرُ فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْهُ فَإِنْ خَسِرَ فَعَلَيَّ فَبَاعَ فَخَسِرَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. (قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ بَزَّازِيَّةٌ) عِبَارَتُهَا قَبَضَ الطَّعَامَ الْمُشْتَرِي وَسَلَّمَ بَعْضَ الثَّمَنِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَيَّامٍ إنَّ الثَّمَنَ غَالٍ فَرَدَّ الْبَائِعُ بَعْضَ الثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ، فَمَنْ قَالَ الْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ جَعَلَهُ إقَالَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمَنْ شَرَطَ الْقَبْضَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَا يَكُونُ إقَالَةً عِنْدَهُ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَفِي السِّرَاجِيَّةِ إلَخْ) مُقَابِلُ الصَّحِيحِ وَالْمُرَادُ بِالتَّسْلِيمِ تَسْلِيمُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 (وَتَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْآخَرِ) فِي الْمَجْلِسِ وَلَوْ كَانَ الْقَبُولُ (فِعْلًا) كَمَا لَوْ قَطَّعَهُ أَوْ قَبَضَهُ فَوْرَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي أَقَلْتُك؛ لِأَنَّ مِنْ شَرَائِطِهَا اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ وَرِضَا الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ الْوَرَثَةِ أَوْ الْوَصِيِّ وَبَقَاءُ الْمَحَلِّ   [رد المحتار] الْمَبِيعِ وَبِالْقَبْضِ قَبْضُ الثَّمَنِ الْمَدْفُوعِ ط. (قَوْلُهُ: وَتَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ) فَلَوْ اشْتَرَى حِمَارًا ثُمَّ جَاءَ بِهِ لِيَرُدَّهُ، فَلَمْ يَقْبَلْهُ الْبَائِعُ صَرِيحًا وَاسْتَعْمَلَ الْحِمَارَ أَيَّامًا ثُمَّ امْتَنَعَ عَنْ رَدِّ الثَّمَنِ وَقَبُولِ الْإِقَالَةِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَدَّ كَلَامَ الْمُشْتَرِي بَطَلَ فَلَا تَتِمُّ الْإِقَالَةُ بِاسْتِعْمَالِهِ خَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَجْلِسِ) فَلَوْ قَبِلَ بَعْدَ زَوَالِ الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَمَا صَدَرَ عَنْهُ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ لَا تَتِمُّ الْإِقَالَةُ ابْنُ مَالِكٍ. وَفِي الْقُنْيَةِ: جَاءَ الدَّلَّالُ بِالثَّمَنِ إلَى الْبَائِعِ بَعْدَمَا بَاعَهُ بِالْأَمْرِ الْمُطْلَقِ، فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ لَا أَدْفَعُهُ بِهَذَا الثَّمَنِ فَأَخْبَرَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَقَالَ: أَنَا لَا أُرِيدُهُ أَيْضًا لَا يَنْفَسِخُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الْفَسْخِ؛ وَلِأَنَّ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ شَرْطٌ فِي الْإِقَالَةِ وَلَمْ يُوجَدْ اشْتَرَى حِمَارًا ثُمَّ جَاءَ لِيَرُدَّهُ فَلَمْ يَجِدْ الْبَائِعُ فَأَدْخَلَهُ فِي إصْطَبْلِهِ فَجَاءَ الْبَائِعُ بِالْبَيْطَارِ فَبَزَّغَهُ فَلَيْسَ بِفَسْخٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ قَبُولًا وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْقَبُولُ فِعْلًا) أَفَادَ أَنَّهُ بَعْدَ الْإِيجَابِ لَا يَكُونُ مِنْ التَّعَاطِي؛ لِأَنَّ التَّعَاطِيَ لَيْسَ فِيهِ إيجَابٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبُيُوعِ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ فَقَبَضَهُ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا كَانَ قَبَضُهُ قَبُولًا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهُ بَيْعٌ بِالتَّعَاطِي؛ لِأَنَّ التَّعَاطِيَ لَيْسَ فِيهِ إيجَابٌ بَلْ قَبْضٌ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ فَقَطْ اهـ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: جَاءَ بِقَبَالَةِ الْعَقَارِ الْمُشْتَرَى، فَأَخَذَهَا الْبَائِعُ وَتَصَرَّفَ فِي الْعَقَارِ فَأَقَالَهُ وَفِي الْخِزَانَةِ دَفْعُ الْقَبَالَةِ إلَى الْبَائِعِ وَقَبْضُهُ لَيْسَ بِإِقَالَةٍ وَكَذَا لَوْ تَصَرَّفَ الْبَائِعُ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ قَبْضِ الْقَبَالَةِ وَسَكَتَ الْمُشْتَرِي لِعَدَمِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ. اهـ. قُلْت: وَالْقَبَالَةُ بِالْفَتْحِ الصَّكُّ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ الدَّيْنُ وَنَحْوُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ إقَالَةً مَبْنِيٌّ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالتَّعَاطِي مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَهُوَ تَصَرُّفُهُ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ قَبْضِ الْقَبَالَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْخِزَانَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لِكَوْنِهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَوْرَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي أَقَلْتُك) مُتَعَلِّقٌ بِالْأَمْرَيْنِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيَجُوزُ قَبُولُ الْإِقَالَةِ دَلَالَةً بِالْفِعْلِ كَمَا إذَا قَطَّعَهُ قَمِيصًا فِي فَوْرِ قَوْلِ الْمُشْتَرِي: أَقَلْتُك اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْفَوْرِيَّةِ: أَنْ يَكُونَ فِي الْمَجْلِسِ بِأَنْ يُقَطِّعَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ كَمَا فِي ح عَنْ الْخَانِيَّةِ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْقَبْضَ فَوْرًا بِلَا قَطْعٍ لَا يَكْفِي وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الشَّارِحِ، أَوْ قَبَضَهُ وَلَعَلَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ بِيَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ قَوْلِهِ: أَقَلْتُك فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الذَّخِيرَةِ وَكَذَا فِي الْحَاوِي صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ بِمَا يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ حَيْثُ قَالَ: وَكَذَا دَلَالَةً بِالْفِعْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ بَاعَ ثَوْبًا وَسَلَّمَهُ ثُمَّ قَالَ لِلْمُشْتَرِي أَقَلْت الْبَيْعَ فَاقْطَعْهُ لِي قَمِيصًا فَإِنْ قَطَعَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَهُوَ إقَالَةٌ وَإِلَّا فَلَا اهـ، فَالْمُتَكَلِّمُ بِقَوْلِهِ: أَقَلْت هُوَ الْبَائِعُ، وَالْقَاطِعُ هُوَ الْمُشْتَرِي لَا الْبَائِعُ عَكْسُ مَا فِي الْفَتْحِ وَالْخَانِيَّةِ فَقَطْعُ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ قَبْلَ قَبْضِ الْبَائِعِ قَبُولٌ دَلَالَةً وَلَا إشْكَالَ فِيهِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مِنْ شَرَائِطِهَا إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَتَتَوَقَّفُ إلَخْ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ الْمَعْطُوفَاتِ لَا تَصْلُحُ تَعْلِيلًا لَهُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ مَجْمُوعُ مَا ذُكِرَ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لِأَنَّ لَهَا شُرُوطًا مِنْهَا اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَرِضَا الْمُتَعَاقِدَيْنِ) لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي رَفْعِ عَقْدٍ لَازِمٍ، وَأَمَّا رَفْعُ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ فَلِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ بِعِلْمِ صَاحِبِهِ لَا بِرِضَاهُ بَحْرٌ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ رَفْعَ الْعَقْدِ غَيْرِ اللَّازِمِ وَهُوَ مَا فِيهِ خِيَارٌ لَا يُسَمَّى إقَالَةً بَلْ هُوَ فَسْخٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ رِضَاهُمَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: أَوْ الْوَرَثَةِ أَوْ الْوَصِيِّ) أَشَارَ إلَى مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا بَقَاءُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَتَصِحُّ إقَالَةُ الْوَارِثِ وَالْوَصِيِّ، وَلَا تَصِحُّ إقَالَةُ الْمُوصَى لَهُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَبَقَاءُ الْمَحَلِّ) أَيْ الْمَبِيعِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا لِمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 الْقَابِلِ لِلْفَسْخِ بِخِيَارٍ فَلَوْ زَادَ زِيَادَةً تَمْنَعُ الْفَسْخَ لَمْ تَصِحَّ خِلَافًا لَهُمَا وَقَبَضَ بَدَلَيْ الصَّرْفِ فِي إقَالَتِهِ وَأَنْ لَا يَهَبَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْبَيْعُ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ فِي بَيْعِ مَأْذُونٍ وَوَصِيٍّ وَمُتَوَلٍّ. (وَتَصِحُّ إقَالَةُ الْمُتَوَلِّي إنْ خُيِّرَا) لِلْوَقْفِ (وَإِلَّا لَا) الْأَصْلُ أَنَّ مَنْ مَلَك الْبَيْعَ مَلَك إقَالَتَهُ إلَّا فِي خَمْسٍ: الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ   [رد المحتار] مِنْ أَنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّتَهَا هَلَاكُ الْمَبِيعِ، وَهَلَاكُ بَعْضِهِ يَمْنَعُ بِقَدْرِهِ. (قَوْلُهُ: الْقَابِلِ لِلْفَسْخِ بِخِيَارٍ) نَعْتٌ لِلْمَحَلِّ وَبِخِيَارٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْفَسْخِ وَوَصْفُ الْمَحَلِّ بِقَبُولِهِ الْفَسْخَ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الْقَابِلَ لِذَلِكَ عَقْدُهُ قَالَ ح أَيْ الْقَابِلِ لِلْفَسْخِ بِخِيَارٍ مِنْ الْخِيَارَاتِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ اهـ، وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَاَلَّذِي يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ يَمْنَعُ الْإِقَالَةَ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ زَادَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ الْقَابِلِ لِلْفَسْخِ بِخِيَارٍ، وَقَدَّمْنَا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ أَنَّ الزِّيَادَةَ إمَّا مُتَّصِلَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ كَسِمَنٍ وَجَمَالٍ أَوْ غَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ كَغَرْسٍ وَبِنَاءٍ وَخِيَاطَةٍ، وَإِمَّا مُنْفَصِلَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ كَوَلَدٍ وَثَمَرَةٍ وَأَرْشٍ أَوْ غَيْرِ مُتَوَلِّدَةٍ كَكَسْبٍ وَهِبَةٍ، وَالْكُلُّ إمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ وَيَمْتَنِعُ الْفَسْخُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْمُتَّصِلَةِ الْغَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ مُطْلَقًا وَفِي الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ لَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ فَقَطْ فَافْهَمْ وَيَأْتِي زِيَادَةُ بَيَانٍ. (قَوْلُهُ: وَقَبَضَ بَدَلَيْ الصَّرْفِ فِي إقَالَتِهِ) أَيْ إقَالَةِ عَقْدِ الصَّرْفِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ، وَأَمَّا عَلَى أَصْلِهَا فَلِأَنَّهَا بَائِعٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَهُوَ حَقُّ الشَّرْعِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَهَبَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي) أَيْ الْمُشْتَرِي الْمَأْذُونِ. فَلَوْ وَهَبَهُ لَمْ تَصِحَّ الْإِقَالَةُ بَعْدَهَا وَقَوْلُهُ: قَبْلَ قَبْضِهِ أَيْ قَبْلَ قَبْضِ الْبَائِعِ الثَّمَنَ مِنْ الْمَأْذُونِ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَوْ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ حِينَئِذٍ لَكَانَ تَبَرُّعًا بِالْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى الْبَائِعِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ. أَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَيَرْجِعُ الْمَأْذُونُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ لِوُصُولِهِ لِيَدِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فَصَحَّتْ الْإِقَالَةُ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بَعْدَهَا بِقَدْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَيَكُونُ الْوَاصِلُ إلَيْهِ قَدْرَ الثَّمَنِ مَرَّتَيْنِ الْمَوْهُوبَ وَقَدْرَهُ وَقَاسَ ح عَلَى الْمَأْذُونِ وَصِيَّ الْيَتِيمِ وَمُتَوَلِّي الْوَقْفَ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ وَالْوَقْفِ، فَيَجْرِي فِيهِمَا حُكْمُهُ ط. (قَوْلُهُ: فِي بَيْعِ مَأْذُونٍ وَوَصِيٍّ وَمُتَوَلٍّ) وَكَذَا إذَا اشْتَرَوْا بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ، فَإِنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَصِحُّ نَهْرٌ وَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: وَأَنْ لَا يَهَبَ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي الْمَأْذُونُ أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ الْمُتَوَلِّي قَبْلَ قَبْضِهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ بَيْعُهُمْ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ وَلَا شِرَاؤُهُمْ بِأَقَلَّ مِنْهَا اهـ. ح وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فِي بَيْعِ مَأْذُونٍ إلَخْ قَيْدًا لِلْمَسْأَلَتَيْنِ لَكِنَّ الْمَأْذُونَ مَعَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مُشْتَرٍ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّانِيَةِ بَائِعٌ فَتَكُونُ إضَافَةَ بَيْعٍ بِالنَّظَرِ إلَى الْأُولَى مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ وَبِالنَّظَرِ إلَى الثَّانِيَةِ إلَى فَاعِلِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: الْأَصْلُ أَنَّ مَنْ مَلَكَ الْبَيْعَ) أَيْ أَوْ الشِّرَاءَ كَمَا يَظْهَرُ مِمَّا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ) أَيْ الْمَأْذُونِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُتَوَلِّي إذَا بَاعُوا بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الْوَصِيُّ وَالْمُتَوَلِّي لَوْ بَاعَ شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ ثُمَّ أَقَالَ لَمْ يَجُزْ اهـ. وَعِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ اشْتَرَى الْوَصِيُّ مِنْ مَدْيُونِ الْمَيِّتِ دَارًا بِعِشْرِينَ وَقِيمَتُهَا خَمْسُونَ لَمْ تَصِحَّ الْإِقَالَةُ اشْتَرَى الْمَأْذُونُ غُلَامًا بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ لَمْ تَصِحَّ، وَالْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَقْفِ لَوْ أَجَّرَ الْوَقْفَ ثُمَّ أَقَالَ وَلَا مَصْلَحَةَ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْوَقْفِ اهـ. فَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي الْبَيْعِ وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ فِي الشِّرَاءِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 122 وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ قِيلَ وَبِالسَّلَمِ أَشْبَاهٌ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ تَحْرِيرٌ مُهِمٌّ فِي إقَالَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ (قَوْلُهُ: وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ) بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ تَصِحُّ، وَيَضْمَنُ بَحْرٌ ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا أَقَالَ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ أَمَّا قَبْلَهُ، فَيَمْلِكُهَا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ اهـ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَوْ أَقَالَ أَوْ احْتَالَ أَوْ أَبْرَأَ أَوْ حَطَّ أَوْ وَهَبَ صَحَّ عِنْدَهُمَا وَضَمِنَ لِمُوَكِّلِهِ لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْوَكِيلُ لَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ إجْمَاعًا اهـ. وَفِي حَاشِيَتِهِ لِلْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عِبَارَةَ الْبَحْرِ أَقُولُ: وَفِيهِ تَوَقُّفٌ مِنْ وُجُوهٍ، الْأَوَّلُ تَقْيِيدُهُ الضَّمَانَ بِمَا إذَا كَانَتْ الْإِقَالَةُ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ، مَعَ أَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ إجْمَاعًا الثَّانِي قَوْلُهُ: فَيَمْلِكُهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أَيْضًا فَمَا وَجْهُ التَّخْصِيصِ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ، الثَّالِثُ تَرَتُّبُ عَدَمِ الضَّمَانِ عَلَى كَوْنِهِ يَمْلِكُهَا، مَعَ قَوْلِهِمْ تَصِحُّ عِنْدَهُمَا وَضَمِنَ لِمُوَكِّلِهِ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الضَّمَانِ مَعَ كَوْنِهَا صَحِيحَةً، وَصَرِيحُ كَلَامِ الظَّهِيرِيَّةِ وَإِطْلَاقُهُ يُفِيدُ صِحَّةَ إقَالَةِ وَكِيلِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَبَعْدَهُ. ثُمَّ رَأَيْت فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَالْبَزَّازِيَّةِ مَا صُورَتُهُ، وَالْوَكِيلُ بِالْمَبِيعِ يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ، يَسْتَوِي أَنْ تَكُونَ الْإِقَالَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ الظَّهِيرِيَّةِ، مَعَ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَيَمْلِكُهَا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ: أَيْ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَيَعُودُ الْمَبِيعُ إلَى مِلْكِهِ مَعْنًى قَوْلُهُ فِي الْفُصُولَيْنِ: الْوَكِيلُ لَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ إجْمَاعًا أَيْ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَلَا يَعُودُ الْمَبِيعُ إلَى مِلْكِهِ وَتَصِحُّ الْإِقَالَةُ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُ وَبِهَذَا يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ، وَيَتَّضِحُ الْأَمْرُ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَوَّلَ الْإِقَالَةِ فَرْعًا لَطِيفًا عَنْ الْقُنْيَةِ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ التَّوْفِيقِ الْمَذْكُورِ فَرَاجِعْهُ. فَتَحَصَّلَ أَنَّ إقَالَتَهُ تَصِحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَيَضْمَنُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَمْلِكُهَا قَبْلَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، فَتَصِحُّ وَلَا يَضْمَنُ وَبَعْدَهُ تَصِحُّ وَيَضْمَنُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا وَلَا يَضْمَنُ اهـ. كَلَامُ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ. قُلْت: وَهُوَ تَوْفِيقٌ لَطِيفٌ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَابِ الْعَاشِرِ مِنْ بُيُوعِ الْبَزَّازِيَّةِ إقَالَةَ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ جَائِزَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْقُنْيَةِ وَزَادَ أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ كَوْنُ إقَالَتِهِ تُسْقِطُ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُمَا، وَيَلْزَمُ الْمَبِيعُ الْوَكِيلَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تُسْقِطُ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي أَصْلًا اهـ. وَلَعَلَّ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي وَكَالَةِ كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ لَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِبَيْعِ خَادِمٍ لَهُ فَبَاعَهَا، ثُمَّ أَقَالَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ فِيهَا لَزِمَهُ الْمَالُ وَالْخَادِمُ لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى أَقَالَهُ مِنْ عَيْبٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ اهـ. فَهَذَا نَصُّ الْمَذْهَبِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْدَهُ، وَهُوَ الْوَجْهُ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ، وَهُوَ الْمُوَكِّلُ هُنَا فَإِذَا أَقَالَ الْبَائِعُ بِلَا إذْنِهِ لَا يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لَهُ إذْ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، بَلْ صَارَ الْبَائِعُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ إذْ الشِّرَاءُ مَتَى وَجَدَ نَفَاذًا لَا يَتَوَقَّفُ، وَبِهِ يَظْهَرُ وَجْهُ الْفَرْعِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ بَاعَتْ ضَيْعَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهَا وَبَيْنَ ابْنِهَا الْبَالِغِ، وَأَجَازَ الِابْنُ الْبَيْعَ ثُمَّ أَقَالَتْ، وَأَجَازَ الِابْنُ الْإِقَالَةَ ثُمَّ بَاعَتْهَا ثَانِيًا بِغَيْرِ إجَازَتِهِ يَجُوزُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ؛ لِأَنَّ بِالْإِقَالَةِ يَعُودُ الْمَبِيعُ إلَى مِلْكِ الْعَاقِدِ لَا إلَى مِلْكِ الْمُوَكِّلِ وَالْمُجِيزِ اهـ. أَيْ لِأَنَّهَا بِإِجَازَةِ ابْنِهَا الْبَيْعَ الْأَوَّلَ صَارَتْ وَكِيلَةً عَنْهُ فِيهِ، ثُمَّ صَارَتْ بِالْإِقَالَةِ مُشْتَرِيَةً لِنَفْسِهَا فَلِذَا نَفَذَ بَيْعُهَا الثَّانِي بِلَا إجَازَةٍ وَيَظْهَرُ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ إقَالَةَ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْوَصِيِّ الْبَيْعَ فِيمَا تَقَدَّمَ تَصِحُّ عَلَيْهِ وَيَضْمَنُ فَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَحَلِّ. (قَوْلُهُ: قِيلَ وَبِالسَّلَمِ) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الْوَكِيلُ بِالسَّلَمِ لَوْ قَبَضَ أَدْوَنَ مِمَّا شَرَطَ صَحَّ، وَضَمِنَ لِمُوَكِّلِهِ مَا شَرَطَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَ عَنْ السَّلَمِ أَوْ وَهَبَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ أَقَالَهُ أَوْ احْتَالَ بِهِ صَحَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 وَلَا إقَالَةَ فِي نِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ جَوْهَرَةٌ وَإِبْرَاءٍ بَحْرٌ مِنْ بَابِ التَّحَالُفِ. (وَهِيَ) مَنْدُوبَةٌ لِلْحَدِيثِ وَتَجِبُ فِي عَقْدٍ مَكْرُوهٍ وَفَاسِدٍ بَحْرٌ. وَفِيمَا إذَا غَرَّهُ الْبَائِعُ يَسِيرًا نَهْرٌ بَحْثًا فَلَوْ فَاحِشًا لَهُ الرَّدُّ كَمَا سَيَجِيءُ وَحُكْمُهَا أَنَّهَا (فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِيمَا هُوَ مِنْ مُوجَبَاتِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ أَحْكَامِ (الْعَقْدِ) أَمَّا لَوْ وَجَبَ بِشَرْطٍ زَائِدٍ كَانَتْ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّهِمَا أَيْضًا كَأَنْ شَرَى بِدَيْنِهِ الْمُؤَجَّلِ عَيْنًا ثُمَّ تَقَايَلَا لَمْ يَعُدْ الْأَجَلُ فَيَصِيرُ دَيْنُهُ حَالًّا كَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ، وَلَوْ رَدَّهُ بِخِيَارٍ بِقَضَاءٍ عَادَ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ وَلَوْ كَانَ بِهِ كَفِيلٌ   [رد المحتار] وَضَمِنَ عِنْدَهُمَا وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. (قَوْلُهُ: وَلَا إقَالَةَ فِي نِكَاحٍ إلَخْ) أَيْ لِعَدَمِ قَبُولِ الْفَسْخِ بِخِيَارٍ. (قَوْلُهُ: لِلْحَدِيثِ) هُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ " يَوْمَ الْقِيَامَةِ " وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيّ «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا» فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَتَجِبُ فِي عَقْدٍ مَكْرُوهٍ وَفَاسِدٍ) لِوُجُوبِ رَفْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ صَوْنًا لَهُمَا عَنْ الْمَحْظُورِ، وَلَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِقَالَةِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ مُصَرِّحٌ بِوُجُوبِ التَّفَاسُخِ فِي الْعُقُودِ الْمَكْرُوهَةِ السَّابِقَةِ وَهُوَ حَقٌّ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ النِّهَايَةِ أَنَّ ذَلِكَ إقَالَةٌ حَقِيقَةً، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْآتِيَةُ وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْفَاسِدَ يَجِبُ فَسْخُهُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِدُونِ رِضَا الْآخَرِ، وَكَذَا لِلْقَاضِي فَسْخُهُ بِلَا رِضَاهُمَا، وَالْإِقَالَةُ يُشْتَرَطُ لَهَا الرِّضَا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْإِقَالَةِ مُطْلَقُ الْفَسْخِ كَمَا أَفَادَهُ مُحَشِّي مِسْكِينٍ قُلْت: وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ الْفَتْحِ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ رَفْعُ الْعَقْدِ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ، وَالْإِقَالَةُ تُحَقِّقُ الْعَقْدَ مِنْ بَعْضِ الْأَوْجُهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَحَقِّ غَيْرِهِمَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَفِيمَا إذَا غَرَّهُ الْبَائِعُ يَسِيرًا إلَخْ) أَصْلُ الْبَحْثِ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ وَضَمَّنَ الشَّارِحُ غَرَّهُ مَعْنَى غَبَنَهُ وَالْمَعْنَى إذَا غَرَّهُ غَابِنًا لَهُ غَبْنًا يَسِيرًا: أَيْ فَإِذَا طَلَبَ مِنْهُ الْمُشْتَرِي الْإِقَالَةَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ رَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي آخِرِ الْبَابِ الْآتِي. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا أَنَّهَا فَسْخٌ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْفَسْخِ الِانْفِسَاخَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ الْأَثَرُ الثَّابِتُ بِهِ كَالْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ، وَأَمَّا الْفَسْخُ بِمَعْنَى الرَّفْعِ فَهُوَ حَقِيقَتُهَا. (قَوْلُهُ: فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) هَذَا إذَا كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ، بِأَنْ وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ فَتَبْطُلُ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ بَيْعٌ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ بِأَنْ وَقَعَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي مَنْقُولٍ، فَتَكُونُ فَسْخًا إلَّا إذَا تَعَذَّرَ أَيْضًا بِأَنْ وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ وَالْإِقَالَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَتَبْطُلُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هِيَ فَسْخٌ إنْ كَانَتْ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِأَقَلَّ، وَلَوْ بِأَكْثَرَ أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ فَبَيْعٌ، وَالْخِلَافُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَتْ بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ كَمَا يَأْتِي نَهْرٌ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْإِمَامِ كَمَا فِي تَصْحِيحِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ. (قَوْلُهُ: فِيمَا هُوَ مِنْ مُوجَبَاتِ الْعَقْدِ) قَيَّدَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَتَبِعَهُ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ وَفِيهِ شَيْءٌ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِيمَا هُوَ مِنْ مُوجَبَاتِ الْعَقْدِ لَا فِيمَا هُوَ ثَابِتٌ بِشَرْطٍ زَائِدٍ؛ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُهُ فَقَوْلُهُمْ فَسْخٌ أَيْ لِمَا أَوْجَبَهُ عَقْدُ الْبَيْعِ، فَهُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ تَدَبَّرْ رَمْلِيٌّ عَلَى الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ: أَيْ أَحْكَامُ الْعَقْدِ) أَيْ مَا ثَبَتَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: بِشَرْطٍ زَائِدٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِأَمْرٍ زَائِدٍ، وَذَلِكَ كَحُلُولِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِالْإِقَالَةِ لِيَعُودَ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّ حُلُولَهُ إنَّمَا كَانَ بِرِضَا مَنْ هُوَ عَلَيْهِ حَيْثُ ارْتَضَاهُ ثَمَنًا فَقَدْ أَسْقَطَهُ فَلَا يَعُودُ بَعْدُ ط. (قَوْلُهُ: كَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ) أَيْ كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ بَاعَ الْعَيْنَ مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ الدَّيْنُ سَقَطَ الْأَجَلُ، وَصَارَتْ الْمُقَالَّةُ بَعْدَ ذَلِكَ كَأَنَّهُ بَاعَ الْمَبِيعَ مِنْ بَائِعِهِ فَيَثِبُ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَدِيدٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ رَدَّهُ بِخِيَارٍ) أَيْ خِيَارِ عَيْبٍ وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ بِعَيْبٍ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ فَسْخٌ) فَإِنَّ الرَّدَّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ إذَا كَانَ بِالْقَضَاءِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 لَمْ تَعُدْ الْكَفَالَةُ فِيهِمَا خَالِيَةً ثُمَّ ذَكَرَ لِكَوْنِهَا فَسْخًا فُرُوعًا (فَ) الْأَوَّلُ أَنَّهَا (تَبْطُلُ بَعْدَ وِلَادَةِ الْمَبِيعَةِ) لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ بِالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ حَقًّا لِلشَّرْعِ لَا قَبْلَهُ مُطْلَقًا ابْنُ مَالِكٍ (وَ) الثَّانِي (تَصِحُّ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَبِالسُّكُوتِ عَنْهُ) وَيَرُدُّ مِثْلَ الْمَشْرُوطِ وَلَوْ الْمَقْبُوضُ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ   [رد المحتار] يَكُونُ فَسْخًا وَلِذَا يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ رَدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِالتَّرَاضِي فَإِنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ. (قَوْلُهُ: لَمْ تَعُدْ الْكَفَالَةُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْإِقَالَةِ وَالرَّدِّ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ اهـ. ح. فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْأَجَلَ وَالْكَفَالَةَ فِي الْبَيْعِ بِمَا عَلَيْهِ لَا يَعُودَانِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ وَفِي الرَّدِّ بِقَضَاءٍ فِي الْعَيْبِ يَعُودُ الْأَجَلُ، وَلَا تَعُودُ الْكَفَالَةُ اهـ. ط. قُلْت: وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الرَّدُّ بِالرِّضَا لَا تَعُودُ الْكَفَالَةُ بِالْأَوْلَى، وَذَكَرَ الرَّمْلِيُّ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ، عَدَمَ عَوْدِهَا سَوَاءٌ كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا وَعَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِالْقَضَاءِ تَعُودُ وَإِلَّا فَلَا. ثُمَّ قَالَ الرَّمْلِيُّ وَالْحَاصِلُ: أَنَّ فِيهَا خِلَافًا بَيْنَهُمْ. (قَوْلُهُ: لَا قَبْلَهُ مُطْلَقًا) أَيْ مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزِّيَادَةَ مُتَّصِلَةً كَانَتْ كَالسِّمَنِ أَوْ مُنْفَصِلَةً كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ إذَا كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ وَالدَّفْعَ، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ مُتَّصِلَةً، فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ مَعَهَا اهـ. وَمِثْلُهُ فِي ابْنِ مَالِكٍ عَلَى الْمَجْمَعِ لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّ مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ يَمْنَعُ، الْإِقَالَةَ، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ يَمْتَنِعُ فِي الْمُتَّصِلَةِ الْغَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ مُطْلَقًا، وَفِي الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ لَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ فَقَطْ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ يَمْتَنِعُ لَوْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً لَمْ تَتَوَلَّدْ اتِّفَاقًا كَصَبْغٍ وَبِنَاءٍ، وَالْمُتَّصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ كَوَلَدٍ وَثَمَرٍ وَأَرْشٍ وَعُقْرٍ تَمْنَعُ الرَّدَّ وَكَذَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ بِسَائِرِ أَسْبَابِ الْفَسْخِ، وَالْمُنْفَصِلَةُ الَّتِي لَمْ تَتَوَلَّدْ كَكَسْبٍ وَغَلَّةٍ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ وَالْفَسْخَ بِسَائِرِ أَسْبَابِهِ اهـ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْحَاوِي: تَقَايَلَا الْبَيْعَ فِي الثَّوْبِ بَعْدَمَا قَطَعَهُ الْمُشْتَرِي وَخَاطَهُ قَمِيصًا أَوْ فِي الْحَدِيدِ، بَعْدَمَا اتَّخَذَهُ سَيْفًا لَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ كَمَنْ اشْتَرَى غَزْلًا فَنَسَجَهُ أَوْ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا، وَهَذَا إذَا تَقَايَلَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ لِلْبَائِعِ، وَالْخِيَاطَةُ لِلْمُشْتَرِي يَعْنِي يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي: افْتَقْ الْخِيَاطَةَ وَسَلِّمْ الثَّوْبَ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي فَلَوْ رَضِيَ بِكَوْنِ الْخِيَاطَةِ لِلْبَائِعِ بِأَنْ يُسْلِمَ الثَّوْبَ إلَيْهِ كَذَلِكَ يَقُولُ تَصِحُّ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ عَلَى الْفُصُولَيْنِ: وَقَدْ سُئِلْت فِي مَبِيعٍ اسْتَغَلَّهُ الْمُشْتَرِي هَلْ تَصِحُّ الْإِقَالَةُ فِيهِ فَأَجَبْت بِقَوْلِي: نَعَمْ وَتَطِيبُ الْغَلَّةُ لَهُ وَالْغَلَّةُ اسْمٌ لِلزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ كَأُجْرَةِ الدَّارِ وَكَسْبِ الْعَبْدِ، فَلَا يُخَالِفُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ قَوْلِهِ رَجُلٌ بَاعَ آخَرَ كَرْمًا فَسَلَّمَهُ إلَيْهِ فَأَكَلَ نُزُلَهُ يَعْنِي ثَمَرَتَهُ سَنَةً ثُمَّ تَقَايَلَا، لَا تَصِحَّ وَكَذَا إذَا هَلَكَتْ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ أَوْ الْمُنْفَصِلَةُ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا الْأَجْنَبِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ) حَتَّى لَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَدَفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ ثُمَّ تَقَايَلَا وَقَدْ رَخُصَتْ الدَّنَانِيرُ رَجَعَ بِالدَّنَانِيرِ لَا بِمَا دَفَعَ، وَكَذَا لَوْ رَدَّ بِعَيْبٍ وَكَذَا فِي الْأُجْرَةِ لَوْ فُسِخَتْ وَلَوْ عَقَدَ بِدَرَاهِمَ فَكَسَدَتْ ثُمَّ تَقَايَلَا رَدَّ الْكَاسِدَ كَذَا فِي الْفَتْحِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَبِالسُّكُوتِ عَنْهُ) الْمُرَادُ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ سَوَاءٌ سَمَّاهُ أَوْ لَا، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْأَصْلُ فِي لُزُومِ الثَّمَنِ، أَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَحَقِيقَةُ الْفَسْخِ لَيْسَ إلَّا رَفْعَ الْأَوَّلِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَيَثْبُتُ الْحَالُ الْأَوَّلُ، وَثُبُوتُهُ بِرُجُوعِ عَيْنِ الثَّمَنِ إلَى مَالِكِهِ كَأَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوُجُودِ غَيْرُهُ وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ تَعَيُّنَ الْأَوَّلِ، وَنَفْيَ غَيْرِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَخِلَافَ الْجِنْسِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَرُدُّ مِثْلَ الْمَشْرُوطِ إلَخْ) ذِكْرُ هَذَا هُنَا غَيْرُ مُنَاسِبٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فُرُوعِ كَوْنِهَا فَسْخًا بَلْ مِنْ فُرُوعِ كَوْنِهَا بَيْعًا؛ وَلِذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 وَلَوْ تَقَايَلَا وَقَدْ كَسَدَتْ رُدَّ الْكَاسِدُ (إلَّا إذَا بَاعَ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْوَصِيُّ لِلْوَقْفِ أَوْ لِلصَّغِيرِ شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ اشْتَرَيَا شَيْئًا بِأَقَلَّ مِنْهَا لِلْوَقْفِ أَوْ لِلصَّغِيرِ) لَمْ تَجُزْ إقَالَتُهُ، وَلَوْ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَكَذَا الْمَأْذُونُ كَمَا مَرَّ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (شَرَطَ غَيْرَ جِنْسِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ) أَجَّلَهُ وَكَذَا فِي (الْأَقَلِّ) إلَّا مَعَ تَعَيُّبِهِ فَتَكُونُ فَسْخًا بِالْأَقَلِّ لَوْ بِقَدْرِ الْعَيْبِ لَا أَزْيَدَ وَلَا أَنْقَصَ قِيلَ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ. (وَ) الثَّالِثُ (لَا تَفْسُدُ بِالشَّرْطِ) الْفَاسِدِ (وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ تَعْلِيقُهَا بِهِ) كَمَا سَيَجِيءُ (وَ) الرَّابِعُ (جَازَ لِلْبَائِعِ بَيْعُ الْمَبِيعِ مِنْهُ) ثَانِيًا بَعْدَهَا (قَبْلَ قَبْضِهِ)   [رد المحتار] مُحْتَرَزَاتِ قَوْلِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ مُوجَبَاتِ الْعَقْدِ فَقَالَ: وَكَذَا لَوْ قَبَضَ أَرْدَأَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَجْوَدَ مِنْهُ يَجِبُ رَدُّ مِثْلِ الْمَشْرُوطِ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ كَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ الْبَائِعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: عَلَيْهِ رَدُّ مِثْلِ الْمَقْبُوضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ مِثْلِ الْمَشْرُوطِ لَلَزِمَهُ زِيَادَةُ ضَرَرٍ بِسَبَبِ تَبَرُّعِهِ، وَلَوْ كَانَ الْفَسْخُ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ يَجِبُ رَدُّ الْمَقْبُوضِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَقَايَلَا إلَخْ) قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: لَمْ تَجُزْ إقَالَتُهُ) مُرَاعَاةً لِلْوَقْفِ وَالصَّغِيرِ مِنَحٌ وَيَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ عَلَى نَفْسِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَرَطَ غَيْرَ جِنْسِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ اهـ. ح (قَوْلُهُ: أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ الْجِنْسِ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَجَّلَهُ) بِأَنْ كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا فَأَجَّلَهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْإِقَالَةِ فَإِنَّ التَّأْجِيلَ يَبْطُلُ وَتَصِحُّ الْإِقَالَةُ، وَإِنْ تَقَايَلَا ثُمَّ أَجَّلَهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْأَجَلُ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ الشَّرْطَ اللَّاحِقَ بَعْدَ الْعَقْدِ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ عِنْدَهُ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ بَحْرٌ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إلَى قُدُومِ الْحَاجِّ، وَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ، وَلَوْ بَاعَ مُطْلَقًا ثُمَّ أَجَّلَ إلَيْهَا صَحَّ التَّأْجِيلُ، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا تَصْحِيحَ عَدَمِ الْتِحَاقِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ. (قَوْلُهُ: إلَّا مَعَ تَعَيُّبِهِ) أَيْ تَعَيُّبِ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِالْأَقَلِّ، وَصَارَ الْمَحْطُوطُ بِإِزَاءِ نُقْصَانِ الْعَيْبِ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَا أَزْيَدَ وَلَا أَنْقَصَ) فَلَوْ كَانَ أَزْيَدَ أَوْ أَنْقَصَ، هَلْ يَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ يَنْقُصُ بِقَدْرِ الْعَيْبِ، وَيَرْجِعُ بِمَا بَقِيَ فَلْيُرَاجَعْ ط. قُلْت: الظَّاهِرُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ عِنْدَ التَّعَيُّبِ جَائِزَةٌ بِالْأَقَلِّ، وَالْمُرَادُ نَفْيُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ عَنْ مِقْدَارِ الْعَيْبِ، فَصَارَ الْبَاقِي بِمَنْزِلَةِ أَصْلِ الثَّمَنِ فَتَلْغُوا الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فَقَطْ وَيَرْجِعُ بِمَا بَقِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ] عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ زَالَ الْعَيْبُ فَأَقَالَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُ إلَّا الْأَوَّلُ بَقِيَ أَوْ زَالَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ هَلْ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ الَّذِي أَسْقَطَهُ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، مُقْتَضَى كَوْنِهَا فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا أَنَّهُ يَرْجِعُ، وَنَظِيرُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَائِلِ بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ لَوْ صَالَحَهُ عَنْ الْعَيْبِ ثُمَّ زَالَ رَجَعَ الْبَائِعُ، تَأَمَّلْ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة تَعَيَّبَتْ الْجَارِيَةُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي بِفِعْلِهِ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَتَقَايَلَا وَلَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ بِالْعَيْبِ وَقْتَ الْإِقَالَةِ إنْ شَاءَ أَمْضَى الْإِقَالَةَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ وَإِنْ عَلِمَ بِهِ لَا خِيَارَ لَهُ اهـ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِي الْمِنَحِ بَعْدَ نَقْلِهِ أَقُولُ: فَلَوْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ هَلْ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ بِمُقْتَضَى جَعْلِهَا بَيْعًا جَدِيدًا أَمْ لَا؛ لِأَنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّهِمَا الظَّاهِرُ الثَّانِي اهـ. وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا. (قَوْلُهُ: قِيلَ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبِنَايَةِ عَنْ تَاجِ الشَّرِيعَةِ، وَلَمْ يُعَبِّرْ عَنْهُ بِقِيلِ، وَلَعَلَّ الشَّارِحَ أَشَارَ إلَى ضَعْفِهِ لِمُخَالَفَتِهِ إطْلَاقَ مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، وَالْفَتْحِ مِنْ نَفْيِ زِيَادَةٍ وَالنُّقْصَانِ، مَعَ أَنَّ وَجْهَ هَذَا الْقَوْلِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا يُتَغَابَنُ فِيهِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ ثَوْبًا حَدَثَ فِيهِ عَيْبٌ، بَعْضُهُمْ يَقُولُ بِنَقْصِهِ عَشَرَةً، وَبَعْضُهُمْ أَحَدَ عَشَرَ فَهَذَا الدِّرْهَمُ يُتَغَابَنُ فِيهِ، نَعَمْ لَوْ اتَّفَقَ الْمُقَوِّمُونَ عَلَى شَيْءٍ خَاصٍّ تَعَيَّنَ نَفْيُ الزِّيَادَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لَا تَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ) كَشَرْطِ غَيْرِ الْجِنْسِ أَوْ الْأَكْثَرِ أَوْ الْأَقَلِّ كَمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ تَعْلِيقُهَا بِهِ) مَثَّلَ لَهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ قَوْلِ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ إنْ وَجَدْتَ مُشْتَرِيًا بِأَزْيَدَ فَبِعْهُ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ قُبَيْلَ بَابِ الصَّرْفِ اهـ. ح (قَوْلُهُ: وَالرَّابِعُ) صُورَتُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 وَلَوْ كَانَ بَيْعًا فِي حَقِّهِمَا لَبَطَلَ كَبَيْعِهِ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي عَيْنِيٌّ. (وَ) الْخَامِسُ (جَازَ قَبْضُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مِنْهُ) بَعْدَهَا (بِلَا إعَادَةِ) كَيْلِهِ وَوَزْنِهِ (وَ) السَّادِسُ (جَازَ هِبَةُ الْبَيْعِ مِنْهُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ) وَلَوْ كَانَ بَيْعًا فِي حَقِّهِمَا لَمَا جَازَ كُلُّ ذَلِكَ (وَ) إنَّمَا (هِيَ بَيْعٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ) أَيْ لَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ فَلَوْ قَبْلَهُ فَهِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ وَلَوْ بِلَفْظِ مُفَاسَخَةٍ أَوْ مُتَارَكَةٍ أَوْ تَرَادٍّ لَمْ تُجْعَلْ بَيْعًا اتِّفَاقًا أَوْ لَوْ بِلَفْظِ الْبَيْعِ فَبَيْعٌ إجْمَاعًا. وَثَمَرَتُهُ فِي مَوَاضِعَ (فَ) الْأَوَّلُ (لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَقَارًا فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ثُمَّ تَقَايَلَا قُضِيَ لَهُ بِهَا) لِكَوْنِهَا بَيْعًا جَدِيدًا فَكَانَ الشَّفِيعُ ثَالِثَهُمَا (وَ) الثَّانِي (لَا يَرُدُّ الْبَائِعُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِعَيْبٍ عَلِمَهُ بَعْدَهَا)   [رد المحتار] بَاعَ زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو شَيْئًا مَنْقُولًا كَثَوْبٍ وَقَبَضَهُ ثُمَّ تَقَايَلَا ثُمَّ بَاعَهُ زَيْدٌ ثَانِيًا مِنْ عَمْرٍو قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْهُ جَازَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ فِي حَقِّهِمَا، فَقَدْ عَادَ إلَى الْبَائِعِ مِلْكُهُ السَّابِقُ فَلَمْ يَكُنْ بَائِعًا مَا شَرَاهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ) أَيْ عَقْدُ الْمُقَايَلَةِ. (قَوْلُهُ: لَبَطَلَ) أَيْ فَسَدَ وَبِهِ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ بَاعَ الْمَنْقُولَ قَبْلَ قَبْضِهِ ط. (قَوْلُهُ: كَبَيْعِهِ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي) أَيْ كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْبَائِعُ الْمَذْكُورُ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ لِكَوْنِ الْإِقَالَةِ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ ثَالِثٍ: فَصَارَ بَائِعًا مَا شَرَاهُ قَبْلَ قَبْضِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي لِمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ: جَازَ قَبْضُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) الْمُرَادُ جَوَازُ التَّصَرُّفِ بِهِ بِبَيْعٍ أَوْ أَكْلٍ بِلَا إعَادَةِ كَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْإِقَالَةُ بَيْعًا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَقَوْلُهُ مِنْهُ: أَيْ مِنْ الْمُشْتَرِي مُتَعَلِّقٌ بِقَبْضُ. (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْقَبْضِ) مُتَعَلِّقٌ بِهِبَةٍ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْإِقَالَةُ بَيْعًا انْفَسَخَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِهِبَةِ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَإِذَا انْفَسَخَ لَمْ تَصِحَّ الْهِبَةُ. (قَوْلُهُ: بَيْعٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ) إنَّمَا كَانَتْ عِنْدَهُ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا؛ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ الْفَسْخِ وَالرَّفْعِ، وَبَيْعًا فِي حَقِّ الثَّالِثِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ مِثْلُ حُكْمِ الْبَيْعِ، وَهُوَ الْمِلْكُ لَا مُقْتَضَى الصِّيغَةِ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِمَا عَلَى غَيْرِهِمَا كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَتَوْضِيحُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ) أَيْ صَرِيحًا أَوْ ضِمْنًا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِالتَّعَاطِي كَمَا مَرَّ، فَالْمُرَادُ الِاحْتِرَازُ عَمَّا لَوْ كَانَتْ بِلَفْظِ فَسْخٍ وَنَحْوِهِ أَوْ بَيْعٍ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ) أَيْ فِي الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، أَمَّا فِي الْعَقَارِ فَهِيَ بَيْعٌ مُطْلَقًا لِجَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ كَوْنِهَا بَيْعًا بَعْدَ الْقَبْضِ فَسْخًا قَبْلَهُ، هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ الْإِطْلَاقِ اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَمِنْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهَا بَيْعٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ، سَوَاءٌ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَحَمْلُهُ عَلَى الْعَقَارِ بَعِيدٌ، فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لَمْ تُجْعَلْ بَيْعًا اتِّفَاقًا) إعْمَالًا لِمَوْضُوعِهِ اللُّغَوِيِّ ط عَنْ الدُّرَرِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِلَفْظِ الْبَيْعِ) كَمَا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لَهُ بِعْنِي مَا اشْتَرَيْت فَقَالَ: بِعْت كَانَ بَيْعًا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: فَبَيْعٌ إجْمَاعًا) أَيْ مِنْ أَبِي يُوسُفَ وَمِنْهُمَا فَيَجْرِي فِيهَا حُكْمُ الْبَيْعِ حَتَّى إذَا دَفَعَ السِّلْعَةَ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الثَّمَنِ، كَانَ بَيْعًا فَاسِدًا ط وَكَذَا يَفْسُدُ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مَنْقُولًا قَبْلَ قَبْضِهِ وَمَا فِي ح مِنْ أَنَّهَا بَيْعٌ لَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِلَّا فَفَسْخٌ لِئَلَّا يَلْزَمَ بَيْعُ الْمَنْقُولِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَفِيهِ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي لَفْظِ الْإِقَالَةِ وَالْكَلَامُ فِي لَفْظِ الْبَيْعِ فَافْهَمْ، وَلَا يَرِدُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ قَالَ لِلْبَائِعِ بِعْهُ لِنَفْسِك، فَلَوْ بَاعَ جَازَ وَانْفَسَخَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيْعِ هُنَا أَنْ يَبِيعَهُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ وَفِيمَا مَرَّ إذْنُهُ بِالْبَيْعِ لِنَفْسِهِ يَقْتَضِي تَقَدُّمَ الْإِقَالَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَثَمَرَتُهُ) أَيْ ثَمَرَةُ كَوْنِهَا بَيْعًا فِي حَقِّ ثَالِثٍ. (قَوْلُهُ: فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ) قَيَّدَ بِهِ لِتَظْهَرَ فَائِدَةُ كَوْنِهَا بَيْعًا، وَإِلَّا لَوْ لَمْ يُسَلِّمْ بِأَنْ أَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ أَيْضًا إنْ شَاءَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَإِنْ شَاءَ بِالْبَيْعِ الْحَاصِلِ بِالْإِقَالَةِ تَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ. (قَوْلُهُ: قَضَى لَهُ بِهَا) أَيْ إذَا طَلَبَهَا عِنْدَ عِلْمِهِ بِالْمُقَابَلَةِ. (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي لَا يَرُدُّ إلَخْ) أَيْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ مِنْ آخَرَ ثُمَّ تَقَايَلَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ، فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّهِ فَالثَّالِثُ هُنَا هُوَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّهِ (وَ) الثَّالِثُ (لَيْسَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ إذَا بَاعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَوْهُوبَ مِنْ آخَرَ ثُمَّ تَقَايَلَا) لِأَنَّهُ كَالْمُشْتَرِي مِنْ الْمُشْتَرَى مِنْهُ (وَ) الرَّابِعُ (الْمُشْتَرِي إذَا بَاعَ الْمَبِيعَ مِنْ آخَرَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ جَازَ) لِلْبَائِعِ شِرَاؤُهُ مِنْهُ بِالْأَقَلِّ (وَ) الْخَامِسُ (إذَا اشْتَرَى بِعُرُوضِ التِّجَارَةِ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ بَعْدَمَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَاسْتَرَدَّ الْعُرُوضَ فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ) فَالْفَقِيرُ ثَالِثُهُمَا إذْ الرَّدُّ بِعَيْبٍ بِلَا قَضَاءٍ إقَالَةٌ وَيُزَادُ التَّقَابُضُ فِي الصَّرْفِ وَوُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَاَللَّهُ ثَالِثُهُمَا صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَالْإِقَالَةُ بَعْضُ الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ فَالْمُرْتَهِنُ ثَالِثُهُمَا نَهْرٌ فَهِيَ تِسْعَةٌ. (وَ) الْإِقَالَةُ (يَمْنَعُ صِحَّتَهَا هَلَاكُ الْمَبِيعِ) وَلَوْ حُكْمًا كَإِبَاقٍ (لَا الثَّمَنِ) وَلَوْ فِي بَدَلِ الصَّرْفِ (وَهَلَاكُ بَعْضِهِ يَمْنَعُ) الْإِقَالَةَ (بِقَدْرِهِ) اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ   [رد المحتار] وَهَذِهِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ حِيلَةٌ لِلشِّرَاءِ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ ثَمَنِهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَمَّا تَقَايَلَ مَعَ الْمُشْتَرَى مِنْهُ صَارَ كَالْمُشْتَرِي مِنْ الْمُشْتَرَى مِنْهُ، فَكَأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ الْمَوْهُوبُ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ رُجُوعِ الْوَاهِبِ فِي هِبَتِهِ، فَالثَّالِثُ هُنَا هُوَ الْوَاهِبُ. (قَوْلُهُ: وَالرَّابِعُ الْمُشْتَرِي إلَخْ) صُورَتُهُ: اشْتَرَى شَيْئًا فَقَبَضَهُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ، فَبَاعَهُ مِنْ آخَرَ ثُمَّ تَقَايَلَا وَعَادَ إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ إنَّ الْبَائِعُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ قَبْلَ النَّقْدِ جَازَ وَيُجْعَلُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ كَأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: إذْ الرَّدُّ بِعَيْبٍ بِلَا قَضَاءٍ إقَالَةٌ) أَيْ وَالْإِقَالَةُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الْفَقِيرِ، فَيَكُونُ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ مُسْتَهْلِكًا لِلْعُرُوضِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ، وَلَوْ كَانَتْ الْإِقَالَةُ فَسْخًا فِي حَقِّ الْفَقِيرِ لَارْتَفَعَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ وَقَدْ هَلَكَتْ الْعُرُوض فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ اهـ. ح وَعَنْ هَذَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِكَوْنِ الْعَبْدِ لِلْخِدْمَةِ إذْ لَوْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ لَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ اسْتِهْلَاكًا فَإِذَا هَلَكَتْ الْعُرُوض بَعْدَ الرَّدِّ لَمْ تَجِبْ زَكَاتُهَا، وَكَذَا قَيَّدَ بِكَوْنِ الرَّدِّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَضَاءِ يَكُونُ فَسْخًا فِي حَقِّ الْكُلِّ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يُصْدَرْ بَيْعٌ، فَلَا تَجِبُ زَكَاتُهَا بِهَلَاكِهَا بَعْدَهُ أَفَادَهُ ط. بَقِيَ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ الْإِقَالَةِ بَيْعًا فِي حَقِّ ثَالِثٍ شَرْطُهُ كَوْنُهَا بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ كَمَا قَدَّمَهُ، وَالرَّدُّ بِلَا قَضَاءٍ لَيْسَ فِيهِ لَفْظُهَا، وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الرَّدَّ إقَالَةٌ حُكْمًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ حُرُوفِ الْإِقَالَةِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِيمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: التَّقَابُضُ فِي الصَّرْفِ) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ قَبْضَ بَدَلَيْهِ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا قَالَ فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الشَّرْعِ، فَكَانَ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الشَّرْعِ. (قَوْلُهُ: وَوُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ) أَيْ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَبَضَهَا ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ نَزَلَ هَذَا التَّقَايُلُ مَنْزِلَةَ الْبَيْعِ فِي حَقِّ ثَالِثٍ، حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَطْؤُهَا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ حَمَوِيٌّ عَنْ ابْنِ مَالِكٍ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى) عِلَّةٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَالْإِقَالَةُ بَعْدَ الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى دَارًا فَأَجَّرَهَا أَوْ رَهَنَهَا، ثُمَّ تَقَايَلَ مَعَ الْبَائِعِ ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّهَا بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ أَنَّهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ قَبْضِهِ دَيْنَهُ وَعَلَى إجَازَةِ الْمُسْتَأْجِرِ. (قَوْلُهُ: فَالْمُرْتَهِنُ ثَالِثُهُمَا) الْأَوْلَى زِيَادَةُ الْمُسْتَأْجِرِ. (قَوْلُهُ: فَهِيَ تِسْعَةٌ) يُزَادُ مَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ: أَمَّا لَوْ وَجَبَ بِشَرْطٍ زَائِدٍ كَانَتْ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّهِمَا أَيْضًا إلَخْ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ مِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَيَرُدُّ مِثْلَ الْمَشْرُوطِ وَلَوْ الْمَقْبُوضُ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ. (قَوْلُهُ: وَيَمْنَعُ صِحَّتَهَا هَلَاكُ الْمَبِيعِ) لِمَا مَرَّ أَنَّ مِنْ شَرْطِهَا بَقَاءَ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهَا رَفْعُ الْعَقْدِ وَالْمَبِيعُ مَحَلُّهُ بَحْرٌ، وَكَذَا هَلَاكُهُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ يُبْطِلُهَا كَمَا يَأْتِي، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّ مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ يَمْنَعُهَا. (قَوْلُهُ: كَإِبَاقٍ) تَمْثِيلٌ لِلْهَلَاكِ حُكْمًا: أَيْ لَوْ أَبَقَ قَبْلَ الْإِقَالَةِ، أَوْ بَعْدَهَا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَسْلِيمِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي بَدَلِ الصَّرْفِ) لِأَنَّهُ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الَّذِي وَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِذِمَّةِ صَاحِبِهِ، وَهَذَا إبَاقٌ نَهْرٌ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ بَدَلَيْ الصَّرْفِ وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى أَنَّ لَفْظَ بَدَلٍ نَكِرَةٌ مُضَافَةٌ فَتَعُمُّ. (قَوْلُهُ: وَهَلَاكُ بَعْضِهِ) أَيْ بَعْضِ الْمَبِيعِ، كَمَا يَأْتِي تَصْوِيرُهُ فِي قَوْلِهِ شَرَى أَرْضًا مَزْرُوعَةً إلَخْ. (قَوْلُهُ: اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ) يَعْنِي هَلَاكَ الْكُلِّ كَمَا مَنَعَ فِي الْكُلِّ، فَهَلَاكُ الْبَعْضِ يَمْنَعُ فِي الْبَعْضِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَايَلَهُ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ، وَقَبِلَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 وَلَيْسَ مِنْهُ مَا لَوْ شَرَى صَابُونًا فَجَفَّ فَتَقَايَلَا لِبَقَاءِ كُلِّ الْمَبِيعِ فَتْحٌ. (وَإِذَا هَلَكَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ فِي الْمُقَايَضَةِ) وَكَذَا فِي السَّلَمِ (صَحَّتْ) الْإِقَالَةُ (فِي الْبَاقِي مِنْهُمَا وَعَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الْهَالِكِ إنْ قِيَمِيًّا وَمِثْلُهُ إنْ مِثْلِيًّا وَلَوْ هَلَكَا بَطَلَتْ) إلَّا فِي الصَّرْفِ. (تَقَايَلَا فَأَبَقَ الْعَبْدُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي وَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ أَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ بَعْدَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَتْ) بَزَّازِيَّةٌ. (وَإِنْ اشْتَرَى) أَرْضًا مُشَجَّرَةً فَقَطَعَهُ أَوْ (عَبْدًا فَقُطِعَتْ يَدُهُ وَأَخَذَ أَرْشَهَا ثُمَّ تَقَايَلَا صَحَّتْ وَلَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَلَا شَيْءَ لِبَائِعِهِ مِنْ أَرْشِ الشَّجَرِ وَالْيَدَانِ عَالِمًا بِهِ) بِقَطْعِ الْيَدِ وَالشَّجَرِ (وَقْتَ الْإِقَالَةِ وَإِنْ غَيْرَ عَالِمٍ خُيِّرَ بَيْنَ الْأَخْذِ بِجَمِيعِ ثَمَنِهِ أَوْ التَّرْكِ) قُنْيَةٌ وَفِيهَا شَرَى أَرْضًا مَزْرُوعَةً ثُمَّ حَصَدَهُ ثُمَّ تَقَايَلَا   [رد المحتار] صَحَّ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْحَاوِي سَائِحَانِيٌّ. وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْبَابِ عِبَارَةَ الْحَاوِي. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ هَلَاكِ الْبَعْضِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْقِصَ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ لِجَفَافِهِ ط. (قَوْلُهُ: فِي الْمُقَايَضَةِ) بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ: وَهِيَ بَيْعُ عَيْنٍ بِعَيْنٍ كَأَنْ تَبَايَعَا عَبْدًا بِجَارِيَةٍ فَهَلَكَ الْعَبْدُ فِي يَدِ بَائِعِ الْجَارِيَةِ ثُمَّ أَقَالَا الْبَيْعَ فِي الْجَارِيَةِ وَجَبَ رَدُّ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَلَا تَبْطُلُ بِهَلَاكِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ وُجُودِهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ، فَكَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي السَّلَمِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَى اشْتِرَاطِ قِيَامِ الْمَبِيعِ لِصِحَّةِ الْإِقَالَةِ إقَالَةُ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ سَوَاءٌ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا، وَسَوَاءٌ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَوْ هَالِكًا؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا حَقِيقَةً فَلَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ، حَتَّى لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَإِذَا صَحَّتْ فَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا رُدَّتْ، وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً رُدَّ الْمِثْلُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَالْقِيمَةُ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا، وَكَذَا إقَالَتُهُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَيَرُدُّ رَبُّ السَّلَمِ عَيْنَ الْمَقْبُوضِ لِكَوْنِهِ مُتَعَيِّنًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ اهـ. ح (قَوْلُهُ: وَلَوْ هَلَكَا) أَيْ الْبَدَلَانِ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي الصَّرْفِ) فَهَلَاكُ بَدَلَيْهِ لَا يُبْطِلُ الْإِقَالَةَ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا فِي ذِمَّةِ كُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. (قَوْلُهُ: تَقَايَلَا فَأَبَقَ الْعَبْدُ) أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْهَلَاكَ كَمَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْإِقَالَةِ يَمْنَعُ بَقَاءَهَا اهـ. ح وَبِهِ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: أَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ) أَيْ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ هَلَاكٌ لَكِنَّهُ حُكْمِيٌّ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَيَمْنَعُ صِحَّتَهَا هَلَاكُ الْمَبِيعِ لَا يَخْتَصُّ بِكَوْنِ الْهَلَاكِ قَبْلَ الْإِقَالَةِ بَلْ مِثْلُهُ مَا إذَا كَانَ الْهَلَاكُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْبَائِعِ، وَنَصُّ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ: هَلَكَ الْمَبِيعُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بَطَلَتْ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت الرَّمْلِيَّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ نَقَلَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ، وَنَقَلَهَا أَيْضًا بِعَيْنِهَا عَنْ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَعَنْ مَجْمَعِ الرِّوَايَةِ شَرْحُ الْقُدُورِيِّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَمِثْلُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ اهـ. وَبِهِ سَقَطَ مَا قِيلَ إنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لَيْسَتْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، بَلْ ذَكَرَهَا فِي الْبَحْرِ بِلَا عَزْوٍ بِدُونِ قَوْلِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ اهـ. فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: بَزَّازِيَّةٌ) عَزْوٌ لِقَوْلِهِ تَقَايَلَا إلَخْ نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَسَائِلِ الْمُتُونِ. (قَوْلُهُ: مَشْجَرَةً) فِي الْقَامُوسِ: أَرْضٌ شَجِرَةٌ وَمُشَجَّرَةٌ وَشَجْرَاءُ كَثِيرَةُ الشَّجَرِ اهـ. فَهِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْجِيمِ وَالرَّاءِ كَمَا يُقَالُ: أَرْضٌ مَسْبَعَةٌ عَلَى وَزْنِ مَرْحَلَةٍ كَثِيرَةُ السِّبَاعِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ أَيْضًا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: فَقَطَعَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي، وَالضَّمِيرُ لِلشَّجَرِ الْمَعْلُومِ مِنْ مَشْجَرَةٍ ط. (قَوْلُهُ: مِنْ أَرْشِ الشَّجَرِ وَالْيَدِ) فِي الْمِصْبَاحِ أَرْشُ الْجِرَاحَةِ دِيَتُهَا، وَأَصْلُهُ الْفَسَادُ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي نُقْصَانِ الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّهُ فَسَادٌ فِيهَا اهـ. فَالْمُرَادُ هُنَا بَدَلُ الْفَسَادِ أَيْ بَدَلُ نُقْصَانِ الْمَبِيعِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: قُنْيَةٌ) عَزْوٌ لِقَوْلِهِ: وَإِنْ اشْتَرَى إلَخْ وَقَدْ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْهَا فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ قَالَ وَرُقِمَ بِرَقْمٍ آخَرَ أَنَّ الْأَشْجَارَ لَا تُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي، وَلِلْبَائِعِ أَخْذُ قِيمَتِهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ وَقْتَ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْأَرْشِ أَيْ أَرْشِ الْيَدِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ أَصْلًا لَا قَصْدًا وَلَا ضِمْنًا اهـ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَعَلَيْهِ فَكُلُّ شَيْءٍ مَوْجُودٌ وَقْتَ الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ أَخْذُ قِيمَتِهِ دَخَلَ ضِمْنًا أَوْ قَصْدًا وَكُلُّ شَيْءٍ لَمْ يَدْخُلْ أَصْلًا لَا قَصْدًا وَلَا ضِمْنًا لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَخْذُهُ، وَيَنْبَغِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 صَحَّتْ فِي الْأَرْضِ بِحِصَّتِهَا وَلَوْ تَقَايَلَا بَعْدَ إدْرَاكِهِ لَمْ يَجُزْ وَفِيهَا تَقَايَلَا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَانَ وَطِئَ الْمَبِيعَةَ رَدَّهَا وَأَخَذَ ثَمَنَهَا وَفِيهَا مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ مُطْلَقًا. (وَيَصِحُّ إقَالَةُ الْإِقَالَةِ فَلَوْ تَقَايَلَا الْبَيْعَ ثُمَّ تَقَايَلَاهَا) أَيْ الْإِقَالَةَ (ارْتَفَعَتْ وَعَادَ) الْبَيْعُ (إلَّا إقَالَةَ السَّلَمِ) فَإِنَّهَا لَا تَقْبَلُ الْإِقَالَةَ لِكَوْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ دَيْنًا سَقَطَ، وَالسَّاقِطُ لَا يَعُودُ أَشْبَاهٌ وَفِيهَا رَأْسُ الْمَالِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ كَهُوَ قَبْلَهَا فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بَعْدَهَا كَقَبْلِهَا إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ لَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ بَعْدَهَا فَلَا تَحَالُفَ، وَلَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِهِ جَازَ إلَّا فِي الصَّرْفِ   [رد المحتار] تَرْجِيحُ هَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعٍ الضَّرَرِ عَنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ: صَحَّتْ فِي الْأَرْضِ بِحِصَّتِهَا) الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّجَرِ أَنَّ الشَّجَرَ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ تَبَعًا بِخِلَافِ الزَّرْعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ اهـ. ح أَيْ أَنَّ الزَّرْعَ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ إلَّا إذَا نَصَّ عَلَيْهِ فَيَكُونُ بَعْضَ الْمَبِيعِ فَلَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الشَّجَرِ وَعَلَى النَّقْلِ الْآخَرِ عَنْ الْقُنْيَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَقَايَلَا بَعْدَ إدْرَاكِهِ) أَيْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى التَّفْصِيلِ دُونَ الْحِنْطَةِ بَحْرٌ عَنْ الْقُنْيَةِ: أَيْ وَالْحِنْطَةُ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ وَهِيَ مَانِعَةٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: رَدَّهَا وَأَخَذَ ثَمَنَهَا) أَيْ لَهُ ذَلِكَ وَقَدَّمْنَا أَنَّ مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ يَمْنَعُ الْإِقَالَةَ، وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَرُدَّهَا مُطْلَقًا أَيْ وَلَوْ ثَيِّبًا. (قَوْلُهُ: وَفِيهَا مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ مُطْلَقًا) لِأَنَّهُ عَادَ إلَى مِلْكِهِ فَمُؤْنَةُ رَدِّهِ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي بَدِيعُ الدِّينِ: سَوَاءٌ تَقَايَلَا بِحَضْرَةِ الْمَبِيعِ أَوْ بِغَيْبَتِهِ اهـ. مِنَحٌ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي عِبَارَةِ الْقُنْيَةِ فَسَقَطَ مَا قِيلَ إنَّ الصَّوَابَ إسْقَاطُهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: إلَّا إقَالَةَ السَّلَمِ) أَيْ قَبْلَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَلَوْ بَعْدَهُ صَحَّتْ كَمَا تَعْرِفُهُ. (قَوْلُهُ: لِكَوْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ دَيْنًا سَقَطَ) أَيْ بِالْإِقَالَةِ فَلَوْ انْفَسَخَتْ الْإِقَالَةُ لَكَانَ حُكْمُ انْفِسَاخِهَا عَوْدَ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَالسَّاقِطُ لَا يَحْتَمِلُ الْعَوْدَ بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ فَأَمْكَنَ عَوْدُهُ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي بَحْرٌ مِنْ بَابِ السَّلَمِ. (قَوْلُهُ: رَأْسُ الْمَالِ) أَيْ مَالِ السَّلَمِ. (قَوْلُهُ: كَهُوَ قَبْلَهَا) أَيْ حُكْمُهُ بَعْدَهَا كَحُكْمِهِ قَبْلَهَا، وَفِيهِ إدْخَالُ الْكَافِ عَلَى ضَمِيرِ الرَّفْعِ الْمُنْفَصِلِ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالضَّرُورَةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ كَقَبْلِهَا فِيهِ أَنَّ الظُّرُوفَ الَّتِي تَقَعُ غَايَاتٍ لَا تُجَرُّ إلَّا بِمِنْ حَمَوِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ) أَيْ بِنَحْوِ بَيْعٍ وَشَرِكَةٍ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلَا يَجُوزُ لِرَبِّ السَّلَمِ شِرَاءُ شَيْءٍ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِرَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَيْ قَبْلَ قَبْضِ رَبِّ السَّلَمِ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَهَذَا فِي السَّلَمِ الصَّحِيحِ، فَلَوْ فَاسِدًا جَازَ الِاسْتِبْدَالُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِهِ وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي هُنَاكَ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ كَهُوَ قَبْلَهَا. (قَوْلُهُ: لَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ) أَيْ فِي رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَهَا أَيْ بَعْدَ الْإِقَالَةِ يَعْنِي وَقَبْلَ تَسْلِيمِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِمَا فِي سَلَمِ الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: لَوْ تَقَايَلَا بَعْدَمَا سَلَّمَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْمُسْلَمَ فِيهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي رَأْسِ الْمَالِ تَحَالَفَا؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ عَيْنٌ قَائِمَةٌ وَلَيْسَ بِدَيْنٍ فَالْإِقَالَةُ هُنَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ قَصْدًا اهـ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ إقَالَةَ الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ جَائِزَةٌ لَوْ بَعْدَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ. (قَوْلُهُ: فَلَا تَحَالُفَ) بَلْ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ذَخِيرَةٌ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ قَالَ ح: لِأَنَّ التَّحَالُفَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي رَأْسِ الْمَالِ اخْتِلَافٌ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَلَا عَقْدَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِهِ) أَيْ قَبْضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ شَرْطٌ حَالَ بَقَاءِ الْعَقْدِ لَا بَعْدَ إقَالَتِهِ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي الصَّرْفِ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ اهـ. ح لِأَنَّ أَصْلَ الْكَلَامِ فِي رَأْسِ الْمَالِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِخِلَافِ الصَّرْفِ. فَإِنَّ الْحَاصِلَ: أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ فِي السَّلَمِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ، وَلَا يَجِبُ قَبْضُهُ فِي مَجْلِسِهَا، وَبَدَلُ الصَّرْفِ بِالْعَكْسِ، فَإِنَّ قَبْضَهُ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا وَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ مِنْ السَّلَمِ: وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْقَبْضَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فِي الْبَدَلَيْنِ مَا شُرِطَ لِعَيْنِهِ بَلْ لِلتَّعْيِينِ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ الْبَدَلُ مُعَيَّنًا بِالْقَبْضِ صِيَانَةً عَنْ الِافْتِرَاقِ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْيِينِ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهُ، فَتَعُودُ إلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 130 وَفِيهَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْبُطْلَانِ وَفِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ. قُلْت: إلَّا فِي مَسْأَلَةِ إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي بَيْعَهُ مِنْ بَائِعِهِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ قَبْلَ النَّقْدِ وَادَّعَى الْبَائِعُ الْإِقَالَةَ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ دَعْوَاهُ الْفَسَادَ وَلَوْ بِعَكْسِهِ تَحَالَفَا   [رد المحتار] عَيْنُهُ، فَلَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى التَّعْيِينِ بِالْقَبْضِ، فَكَانَ الْوَاجِبُ نَفْسَ الْقَبْضِ، فَلَا يُرَاعَى لَهُ الْمَجْلِسُ، بِخِلَافِ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ اسْتِبْدَالَهُ جَائِزٌ فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْقَبْضِ فِي مَجْلِسِ التَّعْيِينِ اهـ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ السَّلَمَ لَمَّا لَمْ يَجُزْ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يَلْزَمْ قَبْضُهُ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ مَوْجُودٌ بِخِلَافِ الصَّرْفِ فَإِنَّهُ لَمَّا جَازَ اسْتِبْدَالُهُ لَزِمَ قَبْضُهُ لِيَحْصُلَ التَّعْيِينُ. مَطْلَبٌ فِي اخْتِلَافِهِمَا فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ. (قَوْلُهُ: اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَلَكِنْ مُنَاسَبَتُهَا هُنَا ذِكْرُ الْمَسْأَلَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ. (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْبُطْلَانِ) لِأَنَّ انْعِقَادَ الْبَيْعِ حَادِثٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ اهـ. ح فَهُوَ مُنْكِرٌ لِأَصْلِ الْعَقْدِ. (قَوْلُهُ: لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ) لِأَنَّهُمَا لَمَّا اتَّفَقَا عَلَى الْعَقْدِ كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ إقْدَامِهِمَا عَلَيْهِ صِحَّتَهُ اهـ. ح وَلِأَنَّ مُدَّعِيَ الْفَسَادِ يَدَّعِي حَقَّ الْفَسْخِ وَخَصْمُهُ يُنْكِرُ ذَلِكَ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ ط وَلَوْ بَرْهَنَا فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْفَسَادِ، وَهَذَا لَوْ ادَّعَى الْفَسَادَ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ أَوْ أَجَلٍ فَاسِدٍ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَإِنْ كَانَ لِمَعْنًى فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَبِرِطْلِ خَمْرٍ، وَالْآخَرُ يَدَّعِي الْبَيْعَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ أَيْضًا وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْآخَرِ كَمَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَفِي رِوَايَةٍ الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْفَسَادِ خَانِيَّةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَاكَ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَنَّهُ لِتَحِيَّةٍ أَوْ جِدٍّ أَوْ اخْتَلَفَا فِي أَنَّهُ بَاتٌّ أَوْ وَفَاءٌ؛ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ ذَلِكَ آخِرَ بَابِ الصَّرْفِ. (قَوْلُهُ: قُلْت إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ) الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ صَاحِبِ الْأَشْبَاهِ وَعَزَا فِيهَا الْمَسْأَلَةَ إلَى الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَادَّعَى الْبَائِعُ الْإِقَالَةَ) أَيْ بِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، الظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي بِهِ عَائِدٌ إلَى الْأَقَلِّ الْمَذْكُورِ لَا إلَى الثَّمَنِ. فَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ: اشْتَرَى زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو ثَوْبًا بِأَلْفٍ ثُمَّ رَدَّ زَيْدٌ الثَّوْبَ إلَيْهِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ قَبْلَ النَّقْدِ بِتِسْعِينَ، وَفَسَدَ الْبَيْعُ بِذَلِكَ، وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ رَدَّهُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْإِقَالَةِ بِالتِّسْعِينَ فَالْقَوْلُ لِزَيْدٍ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ فِي إنْكَارِ الْإِقَالَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَوَجْهُهُ كَمَا قَالَ الْحَمَوِيُّ أَنَّ دَعْوَى الْإِقَالَةِ تَسْتَلْزِمُ دَعْوَى صِحَّةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فِي الصَّحِيحِ اهـ. قُلْت: لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا تَجِبُ فِي عَقْدٍ مَكْرُوهٍ وَفَاسِدٍ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْكَلَامِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ وَجْهَهُ، وَهُوَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا ادَّعَى بَيْعَهُ بِالتِّسْعِينَ لَمْ يَجِبْ لَهُ غَيْرُهَا وَمُدَّعِي الْإِقَالَةِ يَدَّعِي أَنَّ الْوَاجِبَ الْمِائَةُ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ إنْ كَانَتْ بِمِائَةٍ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَتْ بِتِسْعِينَ؛ فَلِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا بِمِثْلِ الْأَوَّلِ وَإِنْ شَرَطَ أَقَلَّ مِنْهُ كَمَا مَرَّ فَقَدْ صَارَ مُقِرًّا لِلْمُشْتَرِي بِالْعَشَرَةِ وَالْمُشْتَرِي يُكَذِّبُهُ فَلَغَا كَلَامُ مُدَّعِي الْإِقَالَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِعَكْسِهِ) بِأَنْ ادَّعَى زَيْدٌ الْمُشْتَرِي الْإِقَالَةَ وَادَّعَى عَمْرٌو الْبَائِعُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِتِسْعِينَ. (قَوْلُهُ: تَحَالَفَا) وَجْهُهُ: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِدَعْوَاهُ الْإِقَالَةَ يَدَّعِي أَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ بِالرَّدِّ مِائَةٌ، وَالْبَائِعُ بِدَعْوَاهُ الشِّرَاءَ بِالتِّسْعِينَ يَدَّعِي أَنَّ الثَّمَنَ الْوَاجِبَ رَدُّهُ لِلْمُشْتَرِي تِسْعُونَ، فَنَزَلَ اخْتِلَافُهُمَا فِيمَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ إلَى الْمُشْتَرِي بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِهِمَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ الْمُوجِبِ لِلتَّحَالُفِ بِالنَّصِّ، وَإِلَّا فَالْمِائَةُ الَّتِي هِيَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ إنَّمَا تُرَدُّ إلَى الْمُشْتَرِي بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَهِيَ غَيْرُ الْخَمْسِينَ الَّتِي هِيَ الثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ الثَّانِي أَفَادَهُ الْحَمَوِيُّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 131 بِشَرْطِ قِيَامِ الْمَبِيعِ إلَّا إذَا اسْتَهْلَكَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي، وَرَأَيْت مَعْزِيًّا لِلْخُلَاصَةِ: بَاعَ كَرْمًا وَسَلَّمَهُ فَأَكَلَ مُشْتَرِيهِ نُزُلَهُ سَنَةً ثُمَّ تَقَايَلَا لَمْ يَصِحَّ. بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ لَمَّا بَيَّنَ الثَّمَنَ شَرَعَ فِي الْمُثَمَّنِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُسَاوَمَةَ وَالْوَضِيعَةَ لِظُهُورِهِمَا. (الْمُرَابَحَةُ) مَصْدَرُ رَابَحَ وَشَرْعًا (بَيْعُ مَا مَلَكَهُ)   [رد المحتار] قُلْت: وَفِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا قَبْلَ نَقْدِ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ، وَأَيْضًا فَمَسْأَلَةُ التَّحَالُفِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ، وَرَدَ بِهَا النَّصُّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا مَعَ عَدَمِ التَّمَاثُلِ؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ لَا فَسْخٌ، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ تَوَافَقَا عَلَى الْبَيْعِ الْحَادِثِ، لَكِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدَّعِيهِ بِوَجْهِ الْإِقَالَةِ وَالْوَاجِبُ فِيهَا مِائَةٌ وَالْبَائِعُ يَدَّعِيهِ بِالْبَيْعِ بِالْأَقَلِّ، وَذَلِكَ اخْتِلَافٌ فِي الثَّمَنِ فِي عَقْدٍ حَادِثٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ قِيَامِ الْمَبِيعِ إلَخْ) هَذَا شَرْطُ التَّحَالُفِ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْبَيْعِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي التَّحَالُفِ إلَّا إذَا اسْتَهْلَكَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ غَيْرُ الْمُشْتَرِي، كَمَا فِي الْهِدَايَةِ اهـ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَهْلَكَهُ غَيْرُ الْمُشْتَرِي تَكُونُ قِيمَةُ الْعَيْنِ قَائِمَةً مَقَامَهَا، وَأَمَّا إذَا اسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي فِي يَدِ الْبَائِعِ نَزَلَ قَابِضًا وَامْتَنَعَتْ الْإِقَالَةُ، وَكَذَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ أَحَدٌ فِي يَدِهِ لَفَقْدِ شَرْطِ الصِّحَّةِ، وَهُوَ بَقَاءُ الْمَبِيعِ، وَمَحَلُّ عَدَمِ التَّحَالُفِ عِنْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ وَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا، أَمَّا إذَا كَانَ عَيْنًا بِأَنْ كَانَ الْعَقْدُ مُقَابَضَةً وَهَلَكَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ قَائِمٌ، وَيُرَدُّ مِثْلُ الْهَالِكِ أَوْ قِيمَتُهُ وَالْمَصِيرُ إلَى التَّحَالُفِ فَرْعُ الْعَجْزِ عَنْ إثْبَاتِ الزِّيَادَةِ بِالْبَيِّنَةِ، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِأَبِي السُّعُودِ ط. (قَوْلُهُ: نُزُلَهُ) بِضَمِّ النُّونِ وَالزَّايِ، وَالْمُرَادُ ثَمَرَتُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ) تَمَامُ عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ وَكَذَا إذَا هَلَكَتْ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ أَوْ الْمُنْفَصِلَةُ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا أَجْنَبِيٌّ اهـ. أَقُولُ: يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا حَدَثَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا تَمْنَعُ الْإِقَالَةَ كَمَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ تَأَمَّلْ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا نَخْلٌ، فَأَكَلَ الثَّمَرَ، ثُمَّ تَقَايَلَا قَالُوا إنَّهُ تَصِحُّ الْإِقَالَةُ، وَمَعْنَاهُ عَلَى قِيمَتِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهَا كَذَلِكَ اهـ. رَمْلِيٌّ عَلَى الْمِنَحِ، وَبِمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّقْيِيدِ يَنْدَفِعُ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ مُنَافَاةِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ هَلَاكَ بَعْضِهِ يَمْنَعُ الْإِقَالَةَ بِقَدْرِهِ، وَلِمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ شَرَى أَرْضًا مَزْرُوعَةً إلَخْ وَمِثْلُهُ مَسْأَلَةُ التَّتَارْخَانِيَّة الْمَذْكُورَةُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ تَمْنَعُ لَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ] ِ وَجْهُ تَقْدِيمِ الْإِقَالَةِ عَلَيْهِمَا: أَنَّ الْإِقَالَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمُفْرَدِ مِنْ الْمُرَكَّبِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ مَعَ الْبَائِعِ، بِخِلَافِ التَّوْلِيَةِ وَالْمُرَابَحَةِ فَإِنَّهُمَا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِمَا مَعَ الْبَائِعِ وَغَيْرِهِ ط. وَأَيْضًا فَالْإِقَالَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَبِيعِ لَا بِالثَّمَنِ؛ وَلِذَا كَانَ مِنْ شُرُوطِهَا قِيَامُ الْمَبِيعِ، وَالتَّوْلِيَةُ وَالْمُرَابَحَةُ مُتَعَلِّقَانِ أَصَالَةً بِالثَّمَنِ، وَالْأَصْلُ هُوَ الْمَبِيعُ. (قَوْلُهُ: لَمَّا بَيَّنَ الثَّمَنَ إلَخْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَنْوَاعِ الْبُيُوعِ اللَّازِمَةِ وَغَيْرِ اللَّازِمَةِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَكَانَتْ هِيَ بِالنَّظَرِ إلَى جَانِبِ الْمَبِيعِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِهَا بِالنَّظَرِ إلَى جَانِبِ الثَّمَنِ كَالْمُرَابَحَةِ، وَالتَّوْلِيَةِ وَالرِّبَا وَالصَّرْفِ، وَتَقْدِيمُ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي لِأَصَالَةِ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ اهـ. ط عَنْ الشَّلَبِيِّ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُسَاوَمَةَ) وَهِيَ الْبَيْعُ بِأَيِّ ثَمَنٍ كَانَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَهِيَ الْمُعْتَادَةُ. (قَوْلُهُ: وَالْوَضِيعَةَ) هِيَ الْبَيْعُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، مَعَ نُقْصَانٍ يَسِيرٍ أَتْقَانِيٌّ. وَفِي الْبَحْرِ: هِيَ الْبَيْعُ بِأَنْقَصَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْبُيُوعِ عَنْ الْبَحْرِ خَامِسًا وَهُوَ الِاشْتِرَاكُ أَيْ أَنْ يُشْرِكَ غَيْرَهُ فِيمَا اشْتَرَاهُ أَيْ بِأَنْ يَبِيعَهُ نِصْفَهُ مَثَلًا لَكِنَّهُ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ الْأَرْبَعَةِ. (قَوْلُهُ: شَرْعًا بَيْعُ مَا مَلَكَهُ بِمَا قَامَ عَلَيْهِ وَيَفْضُلُ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ الْكَنْزِ هُوَ بَيْعٌ بِثَمَنٍ سَابِقٍ لِمَا أَوْرَدَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ وَلَا مُنْعَكِسٍ أَيْ غَيْرُ مَانِعٍ وَلَا جَامِعٍ أَمَّا الْأَوَّلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 مِنْ الْعُرُوضِ وَلَوْ بِهِبَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ غَصْبٍ فَإِنَّهُ إذَا ثَمَّنَهُ (بِمَا قَامَ عَلَيْهِ وَبِفَضْلِ) مُؤْنَةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ كَأَجْرِ قَصَّارٍ   [رد المحتار] فَلِأَنَّ مَنْ شَرَى دَنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا مُرَابَحَةً، وَكَذَا مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنٍ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَيْهِ مَعَ صِدْقِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِمَا، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَغْصُوبَ الْآبِقَ إذَا عَادَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْغَاصِبِ جَازَ بَيْعُ الْغَاصِبِ لَهُ مُرَابَحَةً بِأَنْ يَقُولَ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا، وَلَا يَصْدُقُ التَّعْرِيفُ عَلَيْهِ بِعَدَمِ الثَّمَنِ. وَكَذَا لَوْ رُقِمَ فِي الثَّوْبِ مِقْدَارٌ وَلَوْ أَزْيَدَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَابَحَهُ عَلَيْهِ جَازَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ عِنْدَ ذِكْرِ الشَّارِحِ لَهُ، وَكَذَا لَوْ مَلَكَهُ بِهِبَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَقَوَّمَهُ قِيمَةً، ثُمَّ رَابَحَهُ عَلَى تِلْكَ الْقِيمَةِ، وَلَا يَصْدُقُ التَّعْرِيفُ عَلَيْهِمَا، لَكِنْ أُجِيبَ عَنْ مَسْأَلَةِ الدَّنَانِيرِ بِأَنَّ الثَّمَنَ الْمُطْلَقَ يُفِيدُ أَنَّ مُقَابِلَهُ مَبِيعٌ مُتَعَيِّنٌ؛ وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ مِنْ الْعُرُوضِ، وَيَأْتِي بَيَانُهُ وَعَنْ مَسْأَلَةِ الْأَجَلِ بِأَنَّ الثَّمَنَ مُقَابَلٌ بِشَيْئَيْنِ: أَيْ بِالْمَبِيعِ وَبِالْأَجَلِ، فَلَمْ يَصْدُقْ فِي أَحَدِهِمَا أَنَّهُ بِثَمَنٍ سَابِقٍ وَقَوْلُ الْبَحْرِ: إنَّهُ لَا يُرَدُّ لِجَوَازِهَا إذَا بَيَّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ نَسِيئَةً رَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْجَوَازَ إذَا بَيَّنَ لَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ، بَلْ هُوَ فِي كُلِّ مَا لَا تَجُوزُ فِيهِ الْمُرَابَحَةُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى مِنْ أُصُولِهِ أَوْ فُرُوعِهِ، جَازَ إذَا بَيَّنَ كَمَا سَيَأْتِي، وَعَنْ مَسَائِلِ الْعَكْسِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّمَنِ مَا قَامَ عَلَيْهِ بِلَا خِيَانَةٍ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ فَكَانَ الْأَوْلَى قَوْلَ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ بَيْعُ مَا مَلَكَهُ إلَخْ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إلَى تَحْرِيرِ الْمُرَادِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ مَسْأَلَةُ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْأَجَلَ لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَيْعُ مَا مَلَكَهُ بِمَا قَامَ عَلَيْهِ لِمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ: مِنْ الْعُرُوضِ) احْتِرَازٌ عَمَّا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَرَى دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ، لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا مُرَابَحَةً كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْفَتْحِ. وَعَلَّلَهُ فِي الْفَتْحِ: بِأَنَّ بَدَلَيْ الصَّرْفِ لَا يَتَعَيَّنَانِ، فَلَمْ تَكُنْ عَيْنُ هَذِهِ الدَّنَانِيرِ مُتَعَيِّنَةً لِتَلْزَمَ مَبِيعًا اهـ. لَكِنَّ هَذَا وَارِدٌ عَلَى تَعْرِيفِ الْمُصَنِّفِ إذْ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ تَعْرِيفِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ بِالثَّمَنِ السَّابِقِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا مَلَكَهُ الْمَبِيعُ الْمُتَعَيِّنُ؛ لِأَنَّ كَوْنَ مُقَابِلَهُ ثَمَنًا مُطْلَقًا يُفِيدُ أَنَّ مَا مَلَكَهُ بِالضَّرُورَةِ مَبِيعٌ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَامَ عَلَيْهِ، لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الثَّمَنَ لِمَا مَرَّ فَلِذَا زَادَ الشَّارِحُ قَوْلَهُ مِنْ الْعُرُوضِ تَتْمِيمًا لِلتَّعْرِيفِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِهِبَةٍ إلَخْ) تَعْمِيمٌ لِقَوْلِهِ مَا مَلَكَهُ أَشَارَ بِهِ إلَى دُخُولِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِيهِ كَمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ إذَا ثَمَّنَهُ إلَخْ) جَوَابُ إذَا قَوْلُهُ جَازَ، وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِ غَيْرِهِ وَقَوَّمَهُ قِيمَةً لِيَشْمَلَ الْمِثْلِيَّ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَا وُهِبَ لَهُ وَنَحْوَهُ مِمَّا لَمْ يَمْلِكْهُ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ إذَا قُدِّرَ ثَمَنُهُ وَضُمَّ إلَيْهِ مُؤْنَتُهُ مِمَّا يَأْتِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً، وَكَذَا إذَا رَقْمَ عَلَى ثَوْبٍ رَقْمًا كَمَا مَرَّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ: قِيمَتُهُ كَذَا أَوْ رَقْمُهُ كَذَا فَأُرَابِحُك عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ الرَّقْمِ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ فِي الرَّقْمِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْهِبَةَ وَنَحْوَهَا كَذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ لَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَأَمَّلْ وَيَأْتِي تَمَامُهُ، هَذَا وَقَالَ ح: إنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ فَإِنَّهُ إذَا ثَمَّنَهُ أَخْرَجَ بِهِ بَعْضَ التَّعْرِيفِ عَنْ كَوْنِهِ تَعْرِيفًا، وَفَسَّرَ الْفَضْلَ بِمَا يُضَمُّ فَصَارَ مَجْمُوعُ الْمَتْنِ مَعَ الشَّرْحِ عِبَارَةُ الْمَبْسُوطِ: وَهِيَ عِبَارَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ فِي ذَاتِهَا، لَكِنْ بَقِيَ تَعْرِيفُ الْمُرَابَحَةِ بَيْعُ مَا مَلَكَهُ فَقَطْ وَهُوَ تَعْرِيفٌ فَاسِدٌ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَانِعٍ اهـ. أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِمَا قَامَ عَلَيْهِ جَزْءُ التَّعْرِيفِ. وَكَذَا قَوْلُهُ وَيَفْضُلُ فَإِنَّ مُرَادَهُ بِهِ فَضْلُ الرِّبْحِ لِتَتَحَقَّقَ الْمُرَابَحَةُ، وَإِلَّا كَانَ الْعَقْدُ تَوْلِيَةً، وَأَمَّا فَضْلُ الْمُؤْنَةِ فَإِنَّهُ يُضَمُّ إلَى مَا قَامَ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ عِبَارَةُ الْمَتْنِ فِي نَفْسِهَا تَعْرِيفًا تَامًّا اكْتَفَى بِهَا وَلِقَصْدِ الِاخْتِصَارِ أَخَذَ بَعْضَهَا وَجَعَلَهُ بَيَانًا لِتَصْوِيرِ مَسْأَلَةِ الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمُؤْنَةُ الْمَضْمُومَةُ مِنْ جِنْسِ الْمَبِيعِ ط. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 وَنَحْوِهِ، ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى تِلْكَ الْقِيمَةِ جَازَ مَبْسُوطٌ. (وَالتَّوْلِيَةُ) مَصْدَرُ وَلَّى غَيْرَهُ جَعَلَهُ وَالِيًا وَشَرْعًا (بَيْعُهُ بِثَمَنِهِ الْأَوَّلِ) وَلَوْ حُكْمًا يَعْنِي بِقِيمَتِهِ، وَعَبَّرَ عَنْهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ. (وَشَرْطُ صِحَّتِهِمَا كَوْنُ الْعِوَضِ مِثْلِيًّا أَوْ) قِيَمِيًّا (مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي وَ) كَوْنُ (الرِّبْحِ شَيْئًا مَعْلُومًا) وَلَوْ قِيَمِيًّا مُشَارًا إلَيْهِ كَهَذَا الثَّوْبِ لِانْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ   [رد المحتار] قُلْت: وَالْأَظْهَرُ كَوْنُ الْمُرَادِ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ) أَيْ كَصَبَّاغٍ وَطَرَّازٍ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً) أَيْ بِزِيَادَةِ رِبْحٍ عَلَى تِلْكَ الْقِيمَةِ الَّتِي قَوَّمَ بِهَا الْمَوْهُوبَ وَنَحْوَهُ مَعَ ضَمِّ الْمُؤْنَةِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا كَانَ اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ فَإِنَّهُ يُرَابِحُ عَلَى ثَمَنِهِ لَا عَلَى قِيمَتِهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: جَعَلَهُ وَالِيًا) فَكَأَنَّ الْبَائِعَ جَعَلَ الْمُشْتَرِطَ وَالِيًا فِيمَا اشْتَرَاهُ نَهْرٌ: أَيْ جَعَلَ لَهُ وِلَايَةً عَلَيْهِ وَهَذَا إبْدَاءُ مُنَاسَبَةِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. (قَوْلُهُ: بَيْعُهُ بِثَمَنِهِ الْأَوَّلِ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُصَنِّفَ عَدَلَ فِي تَعْرِيفِ الْمُرَابَحَةِ، عَنْ التَّعْبِيرِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ إلَى قَوْلِهِ بِمَا قَامَ عَلَيْهِ لِدَفْعِ الْإِيرَادِ السَّابِقِ فَمَا فَرَّ مِنْهُ أَوَّلًا وَقَعَ فِيهِ ثَانِيًا، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَالتَّوْلِيَةُ بَيْعُهُ كَذَلِكَ بِلَا فَضْلٍ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ حُكْمًا) أَدْخَلَ بِهِ مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ بِهِبَةٍ إلَخْ فَإِنَّهُ يُوَلِّيهِ بِقِيمَتِهِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ بِثَمَنٍ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي بِقِيمَتِهِ) تَفْسِيرٌ لِلثَّمَنِ الْحُكْمِيِّ لَا لِقَوْلِهِ بِثَمَنِهِ كَمَا لَا يَخْفَى ح. (قَوْلُهُ: وَعَبَّرَ عَنْهَا بِهِ) أَيْ بِالثَّمَنِ حَيْثُ أَرَادَ بِهِ مَا يَعُمُّ الْقِيمَةَ حَتَّى صَارَ عِبَارَةً عَنْهُ وَعَنْهَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْغَالِبُ) أَيْ الْغَالِبُ فِيمَا يَمْلِكُهُ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ يَكُونُ بِثَمَنٍ سَابِقٍ. (قَوْلُهُ: كَوْنُ الْعِوَضِ) أَيْ الْكَائِنِ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ اهـ. ح وَهُوَ مَلَكَ بِهِ الْمَبِيعَ نَهْرٌ [تَنْبِيهٌ] اُسْتُفِيدَ مِنْ التَّعْرِيفِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ دُونَ مَا وَقَعَ عِوَضًا عَنْهُ، فَلَوْ اشْتَرَى بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَدَفَعَ عَنْهَا دِينَارًا أَوْ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ فَرَأْسُ الْمَالِ الْعَشَرَةُ لَا الدِّينَارُ وَالثَّوْبُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ بِعَقْدٍ آخَرَ وَهُوَ الِاسْتِبْدَالُ فَتْحٌ، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مِثْلِيًّا فَرَابَحَ عَلَى بَعْضِهِ كَقَفِيزٍ مِنْ قَفِيزَيْنِ جَازَ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ بِخِلَافِ الْقِيَمِيِّ وَتَمَامُ تَعْرِيفِهِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ كَانَ ثَوْبًا وَنَحْوَهُ لَا يَبِيعُ جُزْءًا مِنْهُ مُعَيَّنًا لِانْقِسَامِهِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَإِنْ بَاعَ جُزْءًا شَائِعًا وَقِيلَ يَفْسُدُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: مِثْلِيًّا) كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ بِأَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَبْدٍ مُقَايَضَةً مَثَلًا فَرَابَحَهُ أَوْ وَلَّاهُ إيَّاهُ كَانَ بَيْعًا بِقِيمَةِ عَبْدٍ صِفَتُهُ كَذَا أَوْ بِقِيمَةِ عَبْدٍ ابْتِدَاءً وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فَتْحٌ وَنَهْرٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ قِيَمِيًّا مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي) صُورَتُهُ: اشْتَرَى زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو عَبْدًا بِثَوْبٍ ثُمَّ بَاعَ الْعَبْدَ مِنْ بَكْرٍ بِذَلِكَ الثَّوْبِ مَعَ رِبْحٍ أَوْ لَا، وَالْحَالُ أَنَّ بَكْرًا كَانَ قَدْ مَلَكَ الثَّوْبَ مِنْ عَمْرٍو قَبْلَ شِرَاءِ الْعَبْدِ أَوْ اشْتَرَى الْعَبْدَ بِالثَّوْبِ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهُ مِنْ عَمْرٍو فَأَجَازَهُ بَعْدَهُ، فَلَا شَكَّ أَنَّ الثَّوْبَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ صَارَ مَمْلُوكًا لِبَكْرٍ الْمُشْتَرِي فَيَتَنَاوَلُهُ قَوْلُ الْمَتْنِ أَوْ مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي اهـ ح فَهَذِهِ الصُّورَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَكَوْنُ الرِّبْحِ شَيْئًا مَعْلُومًا) تَقْرِيرُ لَفْظِ الْكَوْنِ، هُوَ مُقْتَضَى نَصْبِ الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ مَعْلُومًا، وَوَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْمَجْمَعِ مَرْفُوعًا حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ الْعِوَضُ مِثْلِيًّا أَوْ مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي، وَالرِّبْحُ مِثْلِيٌّ مَعْلُومٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْغُرَرِ وَصَرَّحَ فِي شَرْحِهِ الدُّرَرِ بِأَنَّ الْجُمْلَةَ حَالِيَّةٌ، وَكَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّ قَوْلَهُ أَيْ الْمَجْمَعِ وَالرِّبْحُ مِثْلِيٌّ مَعْلُومٌ شَرْطٌ فِي الْقِيَمِيِّ الْمَمْلُوكِ لِلْمُشْتَرِي كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. وَتَبِعَهُ فِي الْمِنَحِ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ شَرْطًا مُسْتَقِلًّا، بَلْ هُوَ شَرْطٌ لِلشَّرْطِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَعْلُومِيَّةَ الرِّبْحِ وَإِنْ كَانَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا، لَكِنَّهُ أَمْرٌ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُ تُفْضِي إلَى جَهَالَةِ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ الَّذِي مَلَكَ بِهِ الْمَبِيعَ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 حَتَّى لَوْ بَاعَهُ بِرِبْحِ ده يازده أَيْ الْعَشَرَةِ بِأَحَدَ عَشَرَ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِالثَّمَنِ فِي الْمَجْلِسِ فَيُخَيَّرُ شَرْحُ مَجْمَعٍ لِلْعَيْنِيِّ. (وَيَضُمُّ) الْبَائِعُ (إلَى رَأْسِ الْمَالِ) (أَجْرَ الْقَصَّارِ وَالصَّبْغِ) بِأَيِّ لَوْنٍ كَانَ (وَالطِّرَازِ) بِالْكَسْرِ عَلَمُ الثَّوْبِ (وَالْفَتْلِ وَحَمْلِ الطَّعَامِ) وَسَوْقِ الْغَنَمِ وَأُجْرَةَ الْغَسْلِ وَالْخِيَاطَةِ (وَكِسْوَتِهِ) وَطَعَامَ الْمَبِيعِ بِلَا سَرَفٍ وَسَقْيَ الزَّرْعِ وَالْكَرْمِ وَكَسْحَهَا وَكَرْيَ الْمُسَنَّاةِ وَالْأَنْهَارِ وَغَرْسَ الْأَشْجَارِ وَتَجْصِيصَ الدَّارِ (وَأُجْرَةَ السِّمْسَارِ)   [رد المحتار] قِيَمِيًّا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ مُرَابَحَةً إلَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْقِيَمِيُّ مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي. وَالْحَالُ أَنَّ الرِّبْحَ مَعْلُومٌ، وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَوَّلًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ كَوْنُ الثَّمَنِ قِيَمِيًّا ثُمَّ قَالَ: أَمَّا لَوْ كَانَ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ وَصَلَ إلَى مَنْ يَبِيعُهُ مِنْهُ فَرَابَحَهُ عَلَيْهِ بِرِبْحٍ مُعَيَّنٍ كَأَنْ يَقُولَ: أَبِيعُك مُرَابَحَةً عَلَى الثَّوْبِ الَّذِي بِيَدِك وَرِبْحِ دِرْهَمٍ أَوْ كُرِّ شَعِيرٍ أَوْ رِبْحِ هَذَا الثَّوْبِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَهُ مِنْ الثَّمَنِ اهـ. وَأَفَادَ أَنَّ الرِّبْحَ الْمَعْلُومَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ مِثْلِيًّا أَوْ قِيَمِيًّا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ قِيَمِيًّا إلَخْ فَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَحَلِّ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ بَاعَهُ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ مَعْلُومًا فِي مَسْأَلَةِ كَوْنِ الْقِيَمِيِّ مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي، يَعْنِي فَلَوْ كَانَ الرِّبْحُ مَجْهُولًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَجُوزُ حَتَّى لَوْ بَاعَهُ إلَخْ فَافْهَمْ، وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ دَهٍ بِفَتْحِ الدَّالِ وَسُكُونِ الْهَاءِ اسْمٌ لِلْعَشَرَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ ويازده بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الزَّايِ اسْمُ أَحَدَ عَشَرَ بِالْفَارِسِيَّةِ كَمَا نَقَلَهُ ح عَنْ الْبِنَايَةِ وَبَيَانُ هَذَا التَّفْرِيعِ مَا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَقَيَّدَ الرِّبْحَ بِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا بَاعَهُ بِرِبْحِ دَهٍ يازده؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَبِبَعْضِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: دَهٍ يازده: أَيْ بِرِبْحِ مِقْدَارِ دِرْهَمٍ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ عِشْرِينَ كَانَ الرِّبْحُ بِزِيَادَةِ دِرْهَمَيْنِ، وَإِنْ كَانَ ثَلَاثِينَ كَانَ الرِّبْحُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الرِّبْحَ مِثْلَ عُشْرِ الثَّمَنِ وَعُشْرُ الشَّيْءِ يَكُونُ مِنْ جِنْسِهِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ اهـ مَا فِي الْبَحْرِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ قِيَمِيًّا كَالْعَبْدِ مَثَلًا وَكَانَ مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي فَبَاعَ الْمَالِكُ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ الْعَبْدِ وَبِرِبْحِ دَهٍ يازده لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ بَاعَهُ الْمَبِيعَ بِالْعَبْدِ وَبِعُشْرِ قِيمَتِهِ فَيَكُونُ الرِّبْحُ مَجْهُولًا لِكَوْنِ الْقِيمَةِ مَجْهُولَةً؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُدْرَكُ بِالْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ، وَالشَّرْطُ كَوْنُ الرِّبْحِ مَعْلُومًا كَمَا مَرَّ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مِثْلِيًّا وَالرِّبْحُ دَهٍ يازده فَإِنَّهُ يَصِحُّ. قَالَ النَّهْرُ: وَلَوْ كَانَ الْبَدَلُ مِثْلِيًّا فَبَاعَهُ بِهِ وَبِعُشْرِهِ أَيْ عُشْرِ ذَلِكَ الْمِثْلِيِّ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَعْلَمُ جُمْلَةَ ذَلِكَ صَحَّ، وَإِلَّا فَإِنْ عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ خُيِّرَ وَإِلَّا فَسَدَ اهـ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ: لَمْ يَجُزْ أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ قِيَمِيًّا كَمَا قَرَّرْنَاهُ أَوَّلًا، وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَعْلَمَ إلَخْ أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ مِثْلِيًّا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُمْكِنُ عِلْمُهُ فِي الْمَجْلِسِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: أَجْرَ الْقَصَّارِ) قَيَّدَ بِالْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَمِلَ هَذِهِ الْأَعْمَالَ بِنَفْسِهِ لَا يَضُمُّ شَيْئًا مِنْهَا وَكَذَا لَوْ تَطَوَّعَ مُتَطَوِّعٌ بِهَا أَوْ بِإِعَارَةٍ نَهْرٌ وَسَيَجِيءُ. (قَوْلُهُ: وَالصَّبْغِ) هُوَ بِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ وَبِالْكَسْرِ مَا يُصْبَغُ بِهِ دُرَرٌ وَالْأَظْهَرُ هُنَا الْفَتْحُ لِقَوْلِ الشَّارِحِ بِأَيِّ لَوْنٍ كَانَ ط. (قَوْلُهُ: وَالْفَتْلِ) هُوَ مَا يَصْنَعُ بِأَطْرَافِ الثِّيَابِ بِحَرِيرٍ أَوْ كَتَّانٍ مِنْ فَتَلْت الْحَبْلَ أَفْتِلُهُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَكِسْوَتَهُ) بِالنَّصْبِ أَيْ كِسْوَةَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يَضُمُّ ثَمَنَ الْجِلَالِ وَنَحْوِهِ وَيَضُمُّ الثِّيَابَ فِي الرَّقِيقِ اهـ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَطَعَامَ الْمَبِيعِ بِلَا سَرَفٍ) فَلَا يَضُمُّ الزِّيَادَةَ ط عَنْ حَاشِيَةِ الشَّلَبِيِّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيَضُمُّ الثِّيَابَ فِي الرَّقِيقِ وَطَعَامَهُمْ إلَّا مَا كَانَ سَرَفًا وَزِيَادَةً، وَيَضُمُّ عَلَفَ الدَّوَابِّ إلَّا أَنْ يَعُودَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مُتَوَلِّدٌ مِنْهَا كَأَلْبَانِهَا وَصُوفِهَا وَسَمْنِهَا، فَيَسْقُطُ قَدْرُ مَا نَالَ وَيَضُمُّ مَا زَادَ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَّرَ الدَّابَّةَ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ الدَّارَ فَأَخَذَ أُجْرَتَهُ فَإِنَّهُ يُرَابِحُ مَعَ ضَمِّ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ لَيْسَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعَيْنِ، وَكَذَا دَجَاجَةً أَصَابَ مِنْ بَيْضِهَا يَحْتَسِبُ بِمَا نَالَهُ وَبِمَا أَنْفَقَ وَيَضُمُّ الْبَاقِيَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَسَقْيَ الزَّرْعِ) أَيْ أُجْرَتَهُ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ ط. (قَوْلُهُ: وَكَسْحَهَا) فِي الْمِصْبَاحِ كَسَحْت الْبَيْتَ كَسْحًا مِنْ بَابِ نَفَعَ كَنَسْته ثُمَّ اُسْتُعِيرَ لِتَنْقِيَةِ الْبِئْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهِ فَقِيلَ كَسَحْته إذَا نَقَّيْته وَكَسَحْت الشَّيْءَ قَطَّعْته وَأَذْهَبْته. (قَوْلُهُ: وَكَرْيَ الْمُسَنَّاةِ) فِي الْمِصْبَاحِ كَرَى النَّهْرَ كَرْيًا مِنْ بَابِ رَمَى حَفَرَ فِيهِ حُفْرَةً جَدِيدَةً، وَالْمُسَنَّاةُ حَائِطٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 هُوَ الدَّالُّ عَلَى مَكَانِ السِّلْعَةِ وَصَاحِبِهَا (الْمَشْرُوطَةَ فِي الْعَقْدِ) عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ فِي الدُّرَرِ وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ الْإِطْلَاقَ وَضَابِطُهُ كُلُّ مَا يَزِيدُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ فِي قِيمَتِهِ يُضَمُّ دُرَرٌ وَاعْتَمَدَ الْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ عَادَةَ التُّجَّارِ بِالضَّمِّ (وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا وَلَا يَقُولُ اشْتَرَيْته) لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَكَذَا إذَا قَوَّمَ الْمَوْرُوثَ وَنَحْوَهُ أَوْ بَاعَ بِرَقْمِهِ لَوْ صَادِقًا فِي الرَّقْمِ فَتْحٌ. (لَا) يَضُمُّ (أَجْرَ الطَّبِيبِ) وَالْمُعَلِّمِ دُرَرٌ وَلَوْ لِلْعِلْمِ وَالشِّعْرِ وَفِيهِ مَا فِيهِ؛ وَلِذَا عَلَّلَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِعَدَمِ الْعُرْفِ (وَالدَّلَالَةِ) وَالرَّاعِي   [رد المحتار] يُبْنَى فِي وَجْهِ الْأَرْضِ وَيُسَمَّى السَّدَّ اهـ. وَفَسَّرَهَا فِي الْمُغْرِبِ بِمَا بُنِيَ لِلسَّيْلِ لِيَرُدَّ الْمَاءَ وَكَأَنَّ الشَّارِحَ ضَمَّنَ الْكَرْيَ مَعْنَى الْإِصْلَاحِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: هُوَ الدَّالُّ عَلَى مَكَانِ السِّلْعَةِ وَصَاحِبِهَا) لَا فَرْقَ لُغَةً بَيْنَ السِّمْسَارِ وَالدَّلَّالِ، وَقَدْ فَسَّرَهُمَا فِي الْقَامُوسِ بِالْمُتَوَسِّطِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْفُقَهَاءُ، فَالسِّمْسَارُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَالدَّلَّالُ هُوَ الْمُصَاحِبُ لِلسِّلْعَةِ غَالِبًا أَفَادَهُ سَرِيُّ الدِّينِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ ط وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ صَاحِبَ النَّهْرِ، فَإِنَّهُ قَالَ وَفِي عُرْفِنَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا هُوَ أَنَّ السِّمْسَارَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ الْإِطْلَاقَ) حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا أُجْرَةُ السِّمْسَارِ وَالدَّلَّالِ فَقَالَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ: إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْعَقْدِ تُضَمُّ، وَإِلَّا فَأَكْثَرُهُمْ عَلَى عَدَمِ الضَّمِّ فِي الْأَوَّلِ، وَلَا تُضَمُّ أُجْرَةُ الدَّلَّالِ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. وَهُوَ تَسَامُحٌ فَإِنَّ أُجْرَةَ الْأَوَّلِ تُضَمُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالتَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ قُوَيْلَةٌ، وَفِي الدَّلَّالِ قِيلَ لَا تُضَمُّ وَالْمَرْجِعُ الْعُرْفُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَضَابِطُهُ إلَخْ) فَإِنَّ الصَّبْغَ وَأَخَوَاتِهِ يَزِيدُ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ، وَالْحَمْلُ وَالسَّوْقُ يَزِيدُ فِي قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ فَتَلْحَقُ أُجْرَتُهَا بِرَأْسِ الْمَالِ دُرَرٌ، لَكِنْ أَوْرَدَ أَنَّ السِّمْسَارَ لَا يَزِيدُ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ وَلَا فِي قِيمَتِهِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ لَهُ دَخْلًا فِي الْأَخْذِ بِالْأَقَلِّ، فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الزِّيَادَةِ فِي الْقِيمَةِ: وَقَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الضَّابِطَ الْمَذْكُورَ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: هَذَا الْمَعْنَى ظَاهِرٌ وَلَكِنْ لَا يَتَمَشَّى فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَالْمَعْنَى الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ عَادَةُ التُّجَّارِ حَتَّى يَعُمَّ الْمَوَاضِعَ كُلَّهَا. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا قُوِّمَ الْمَوْرُوثُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: لَوْ مَلَكَهُ بِهِبَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَقَوَّمَهُ قِيمَتَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى تِلْكَ الْقِيمَةِ يَجُوزُ. وَصُورَتُهُ: أَنْ يَقُولَ قِيمَتُهُ كَذَا أَوْ رَقْمُهُ كَذَا فَأُرَابِحُك عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ رَقْمِهِ، وَمَعْنَى الرَّقْمِ أَنْ يَكْتُبَ عَلَى الثَّوْبِ الْمُشْتَرَى مِقْدَارًا سَوَاءٌ كَانَ قَدْرَ الثَّمَنِ أَوْ أَزْيَدَ ثُمَّ يُرَابِحَهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ إذَا قَالَ رَقْمُهُ كَذَا وَهُوَ صَادِقٌ، لَمْ يَكُنْ خَائِنًا فَإِنْ غُبِنَ الْمُشْتَرِي فِيهِ فَمِنْ قِبَلِ جَهْلِهِ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَقَيَّدَهُ فِي الْمُحِيطِ بِمَا إذَا كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَعْلَمُ أَنَّ الرَّقْمَ غَيْرُ الثَّمَنِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي يَعْلَمُ أَنَّ الرَّقْمَ وَالثَّمَنَ سَوَاءٌ فَإِنَّهُ يَكُونُ خِيَانَةً وَلَهُ الْخِيَارُ اهـ. وَفِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَنْ النِّهَايَةِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّقْمِ وَلَا يَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا وَلَا قِيمَتُهُ كَذَا وَلَا اشْتَرَيْته بِكَذَا تَحَرُّزًا عَنْ الْكَذِبِ اهـ. وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ مِنْ أَنَّهُ يَقُولُ: قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَا يَقُولُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْهِبَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِهَذِهِ الْقِيمَةِ مَعَ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِلَا عِوَضٍ فَفِيهِ شُبْهَةُ الْكَذِبِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْفَتْحِ وَصُورَتُهُ: أَنْ يَقُولَ قِيمَتُهُ كَذَا إلَخْ فَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الرَّقْمِ فِي التَّصْوِيرِ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَ الْفَتْحِ وَهُوَ صَادِقٌ ظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الرَّقْمِ بِمِقْدَارِ الْقِيمَةِ، فَيُخَالِفُ مَا مَرَّ عَنْ النِّهَايَةِ، وَحَمَلَهُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَرْقُمُهُ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ يَبِيعُهُ لِجَاهِلٍ بِالْخَطِّ عَلَى رَقْمِ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيدٌ وَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي يَظُنُّ أَنَّ الرَّقْمَ وَالْقِيمَةَ سَوَاءٌ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ مَا مَرَّ عَنْ الْمُحِيطِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ مَا فِيهِ) فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَضُمُّ وَإِنْ كَانَ مُتَعَارَفًا وَهُوَ خِلَافُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمَبْسُوطِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَكَذَا أَيْ لَا يَضُمُّ أَجْرَ تَعْلِيمِ الْعَبْدِ صِنَاعَةً أَوْ قُرْآنًا أَوْ عِلْمًا أَوْ شِعْرًا لِأَنَّ ثُبُوتَ الزِّيَادَةِ لِمَعْنًى فِيهِ أَيْ الْمُتَعَلِّمِ وَهُوَ حَذَاقَتُهُ فَلَمْ يَكُنْ مَا أَنْفَقَهُ عَلَى التَّعْلِيمِ مُوجِبًا لِلزِّيَادَةِ فِي الْمَالِيَّةِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ لَا شَكَّ فِي حُصُولِ الزِّيَادَةِ بِالتَّعَلُّمِ، وَأَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْ التَّعْلِيمِ عَادَةً، وَكَوْنُهُ بِمُسَاعَدَةِ الْقَابِلِيَّةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 (وَ) لَا (نَفَقَةَ نَفْسِهِ) وَلَا أَجْرَ عَمَلٍ بِنَفْسِهِ أَوْ تَطَوَّعَ بِهِ مُتَطَوِّعٌ (وَجُعْلَ الْآبِقِ وَكِرَاءَ بَيْتِ الْحِفْظِ) بِخِلَافِ أُجْرَةِ الْمَخْزَنِ فَإِنَّهَا تُضَمُّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَكَأَنَّهُ لِلْعُرْفِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ يَظْهَرُ فَتَدَبَّرْ (وَمَا يُؤْخَذُ فِي الطَّرِيقِ مِنْ الظُّلْمِ إلَّا إذَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِضَمِّهِ) هَذَا هُوَ الْأَصْلُ كَمَا عَلِمْت فَلْيَكُنْ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْكَمَالِ. (فَإِنْ) (ظَهَرَ خِيَانَتُهُ فِي مُرَابَحَةٍ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بُرْهَانٍ) عَلَى ذَلِكَ (أَوْ بِنُكُولِهِ) عَنْ الْيَمِينِ (أَخَذَهُ) الْمُشْتَرِي (بِكُلِّ ثَمَنِهِ أَوْ رَدَّهُ) لِفَوَاتِ الرِّضَا (وَلَهُ الْحَطُّ) قَدْرَ الْخِيَانَةِ (فِي التَّوْلِيَةِ) لِتَحْقِيقِ التَّوْلِيَةِ. (وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ) أَوْ اسْتَهْلَكَهُ فِي الْمُرَابَحَةِ (قَبْلَ رَدِّهِ أَوْ حَدَثَ بِهِ مَا يَمْنَعُ مِنْهُ) مِنْ الرَّدِّ (لَزِمَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ) الْمُسَمَّى (وَسَقَطَ خِيَارُهُ)   [رد المحتار] فِي الْمُتَعَلِّمِ كَقَابِلِيَّةِ الثَّوْبِ لِلصَّبْغِ، لَا يَمْنَعُ نِسْبَتَهُ إلَى التَّعْلِيمِ فَهُوَ عِلَّةٌ عَادِيَةٌ وَالْقَابِلِيَّةُ شَرْطٌ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَلَوْ كَانَ فِي ضَمِّ الْمُنْفَقِ فِي التَّعْلِيمِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ يُلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ اهـ. قُلْت: فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْبَحْثَ لَيْسَ فِي الْعِلَّةِ فَقَطْ بَلْ فِيهَا وَفِي الْحُكْمِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلَا نَفَقَةَ نَفْسِهِ) أَيْ فِي سَفَرِهِ لِكِسْوَتِهِ وَطَعَامِهِ وَمَرْكَبِهِ وَدُهْنِهِ وَغَسْلِ ثِيَابِهِ ط عَنْ حَاشِيَةِ الشَّلَبِيِّ. (قَوْلُهُ: وَجُعْلَ الْآبِقِ) لِأَنَّهُ نَادِرٌ، فَلَا يُلْحَقُ بِالسَّائِقِ لِأَنَّهُ لَا عُرْفَ فِي النَّادِرِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَكَأَنَّهُ لِلْعُرْفِ) أَصْلُ هَذَا لِصَاحِبِ النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ مَرَّ أَنَّ أُجْرَةَ الْمَخْزَنِ تُضَمُّ وَكَأَنَّهُ لِلْعُرْفِ وَإِلَّا فَالْمَخْزَنُ وَبَيْتُ الْحِفْظِ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الزِّيَادَةِ فِي الْعَيْنِ اهـ. ط (قَوْلُهُ: هَذَا هُوَ الْأَصْلُ) أَيْ وَلَوْ فِي نَفَقَةِ نَفْسِهِ كَمَا يَقْتَضِيهِ الْعُمُومُ ط. (قَوْلُهُ: كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْكَمَالِ) حَيْثُ ذَكَرَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ أَيْضًا بَعْدَ أَنْ عَدَّ جُمْلَةً مِمَّا لَا يُضَمُّ كُلُّ هَذَا مَا لَمْ تَجْرِ عَادَةُ التِّجَارَةِ اهـ. وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا مَرَّ عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْعُرْفُ الظَّاهِرُ لِإِخْرَاجِ النَّادِرِ كَجُعْلِ الْآبِقِ؛ لِأَنَّهُ لَا عُرْفَ فِي النَّادِرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ ظَهَرَ خِيَانَتُهُ) أَيْ الْبَائِعِ فِي مُرَابَحَةٍ بِأَنْ ضَمَّ إلَى الثَّمَنِ مَا لَا يَجُوزُ ضَمُّهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، أَوْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ وَرَابَحَ عَلَى دِرْهَمٍ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِتِسْعَةٍ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ بُرْهَانٌ إلَخْ) وَقِيلَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي دَعْوَى الْخِيَانَةِ مُتَنَاقِضٌ وَالْحَقُّ سَمَاعُهَا كَدَعْوَى الْعَيْبِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: أَخَذَهُ بِكُلِّ ثَمَنِهِ إلَخْ) أَيْ وَلَا حَطَّ هُنَا، بِخِلَافِ التَّوْلِيَةِ، وَهَذَا عِنْدَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحُطُّ فِيهِمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُخْبِرُ فِيهِمَا، وَالْمُتُونُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ، وَبَيَانُ الْحَطِّ فِي الْمُرَابَحَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ بِرِبْحٍ خَمْسَةٍ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِثَمَانِيَةٍ فَإِنَّهُ يَحُطُّ قَدْرَ الْخِيَانَةِ مِنْ الْأَصْلِ وَهُوَ الْخُمْسُ وَهُوَ دِرْهَمَانِ، وَمَا قَابَلَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ دِرْهَمٌ فَيَأْخُذُ الثَّوْبَ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ الْحَطُّ) أَيْ لَا غَيْرُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: لِتَحْقِيقِ التَّوْلِيَةِ) فِي نُسْخَةٍ بِتَاءَيْنِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِتَاءٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مُضَارِعٍ، وَالتَّوْلِيَةُ فَاعِلُهُ أَوْ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى التَّوْلِيَةِ وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَلَهُ الْحَطُّ قَدْرَ الْخِيَانَةِ فِي التَّوْلِيَةِ ط قَالَ ح: يَعْنِي لَوْ لَمْ يَحُطَّ فِي التَّوْلِيَةِ تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا تَوْلِيَةً؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ الْمُرَابَحَةِ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَحُطَّ فِيهَا بَقِيَتْ مُرَابَحَةً. (قَوْلُهُ: وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ إلَخْ) لَمْ أَرَ مَا لَوْ هَلَكَ بَعْضُهُ، هَلْ يَمْتَنِعُ رَدُّ الْبَاقِي؟ مُقْتَضَى قَوْلِهِ أَوْ حَدَثَ بِهِ مَا يَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ كَمَا لَوْ أَكَلَ بَعْضَ الْمِثْلِيِّ أَوْ بَاعَهُ، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ فِيهِ عَيْبٌ أَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ أَوْ ثَوْبَيْنِ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ رَأَى فِي الْبَاقِي عَيْبًا لَهُ رَدُّ مَا بَقِيَ بِخِلَافِ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ كَمَا مَرَّ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ) فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ، وَفِيهِمَا يَلْزَمُهُ تَمَامُ الثَّمَنِ قَبْلَ الْفَسْخِ، فَكَذَا هُنَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ فِيهِ جَزْءٌ فَائِتٌ يُطَالَبُ بِهِ، فَيَسْقُطُ مَا يُقَابِلُهُ إذَا عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ، وَانْظُرْ مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الْمُوَلَّى بِالْمَبِيعِ عَيْبًا ثُمَّ حَدَثَ آخَرُ لَمْ يَرْجِعْ بِالنُّقْصَانِ (شَرَاهُ ثَانِيًا) بِجِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ (بَعْدَ بَيْعِهِ بِرِبْحٍ فَإِنْ رَابَحَ طَرَحَ مَا رَبِحَ) قَبْلَ ذَلِكَ (وَإِنْ اسْتَغْرَقَ) الرِّبْحُ (ثَمَنَهُ لَمْ يُرَابِحْ) خِلَافًا لَهُمَا وَهُوَ أَرْفَقُ وَقَوْلُهُ أَوْثَقُ بَحْرٌ، وَلَوْ بَيَّنَ ذَلِكَ أَوْ بَاعَ بِغَيْرِ الْجِنْسِ أَوْ تَخَلَّلَ ثَالِثٌ جَازَ اتِّفَاقًا فَتْحٌ. (رَابَحَ) أَيْ جَازَ أَنْ يَبِيعَ مُرَابَحَةً لِغَيْرِهِ   [رد المحتار] مَطْلَبُ خِيَارِ الْخِيَانَةِ فِي الْمُرَابَحَةِ لَا يُورَثُ [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ خِيَارَ ظُهُورِ الْخِيَانَةِ لَا يُورَثُ، فَإِذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي فَاطَّلَعَ الْوَارِثُ عَلَى خِيَانَةٍ بِالطَّرِيقِ السَّابِقِ فَلَا خِيَارَ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَقَدَّمْنَا) أَيْ فِي أَوَائِلِ خِيَارِ الْعَيْبِ. (قَوْلُهُ: لَوْ وَجَدَ الْمُوَلَّى) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ التَّوْلِيَةِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَرْجِعْ بِالنُّقْصَانِ) لِأَنَّهُ بِالرُّجُوعِ يَصِيرُ الثَّانِي أَنْقَصَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَقَضِيَّةُ التَّوْلِيَةِ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْأَوَّلِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: شَرَاهُ ثَانِيًا إلَخْ) صُورَتُهُ: اشْتَرَى بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ مُرَابَحَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِخَمْسَةٍ وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِخَمْسَةٍ. (قَوْلُهُ: بِجِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ) يَأْتِي مُحْتَرَزُهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ رَابَحَ إلَخْ) ظَاهِرُ دَلِيلِ الْإِمَامِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ بَيْعِهِ مُرَابَحَةً أَوْ تَوْلِيَةً، وَالْمُتُونُ كُلُّهَا مُقَيِّدَةٌ بِالْمُرَابَحَةِ، وَظَاهِرُهَا جَوَازُ التَّوْلِيَةِ عَلَى الثَّمَنِ الْأَخِيرِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَمَا لَا يَخْفَى بَحْرٌ وَبِهِ جَزَمَ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَغْرَقَ الرِّبْحُ ثَمَنَهُ) كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ بِعِشْرِينَ مُرَابَحَةً، ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً أَصْلًا وَعِنْدَهُمَا يُرَابِحُ عَلَى عَشَرَةٍ فِي الْفَصْلَيْنِ بَحْرٌ أَيْ فِي الِاسْتِغْرَاقِ وَعَدَمِهِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يُرَابِحْ) لِأَنَّ شُبْهَةَ حُصُولِ الرِّبْحِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي ثَابِتَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَيْ الرِّبْحَ يَتَأَكَّدُ بِهِ بَعْدَمَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِالظُّهُورِ عَلَى عَيْبٍ، فَيَرُدُّهُ فَيَزُولُ الرِّبْحُ عَنْهُ وَالشُّبْهَةُ كَالْحَقِيقَةِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ احْتِيَاطًا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَمْ يُرَابِحْ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُسَاوَمَةً نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: بَحْرٌ) أَيْ عَنْ الْمُحِيطِ، وَمَعْنَى كَوْنِ قَوْلِ الْإِمَامِ أَوْثَقَ أَيْ أَحْوَطَ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الشُّبْهَةَ كَالْحَقِيقَةِ هُنَا لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْخِيَانَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَيَّنَ ذَلِكَ) بِأَنْ يَقُولَ كُنْت بِعْته فَرَبِحْت فِيهِ عَشَرَةً، ثُمَّ اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ، وَأَنَا أَبِيعُهُ بِرِبْحِ كَذَا عَلَى الْعَشَرَةِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ بَاعَ بِغَيْرِ الْجِنْسِ) بِأَنْ بَاعَهُ بِوَصِيفٍ أَيْ غُلَامٍ أَوْ بِدَابَّةٍ أَوْ عَرْضٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَلَا يُمْكِنُ طَرْحُهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَلَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْمُرَابَحَةِ؛ وَلِذَا قُلْنَا: لَوْ اشْتَرَى أَشْيَاءَ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِثَمَنٍ وَاحِدٍ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بَعْضَهَا مُرَابَحَةً عَلَى حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَأَرَادَ بِالْأَشْيَاءِ الْقِيَمِيَّاتِ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ وَقَدْ مَرَّ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَخَلَّلَ ثَالِثٌ) بِأَنْ اشْتَرَى مِنْ مُشْتَرِي مُشْتَرِيهِ؛ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ حَصَلَ بِغَيْرِهِ دُرَرٌ. [تَنْبِيهٌ] عُلِمَ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالشِّرَاءِ أَنَّهُ لَوْ وُهِبَ لَهُ ثَوْبٌ، فَبَاعَهُ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ يُرَابِحُ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَمِنْ التَّقْيِيدِ بِالْبَيْعِ بِرِبْحٍ أَنَّهُ لَوْ أَجَّرَ الْمَبِيعَ وَلَمْ يَدْخُلْهُ نَقْصٌ يُرَابِحُ بِلَا بَيَانٍ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ لَيْسَتْ مِنْ نَفْسِ الْمَبِيعِ، وَلَا مِنْ أَجْزَائِهِ فَلَمْ يَكُنْ حَابِسًا لِشَيْءٍ مِنْهُ أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَالَ مِنْ صُوفِهِ أَوْ سَمْنِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَنَّهُ لَوْ حَطَّ عَنْهُ بَائِعُهُ كُلَّ الثَّمَنِ يُرَابِحُ عَلَى مَا اشْتَرَى بِخِلَافِ مَا لَوْ حَطَّ الْبَعْضَ لِالْتِحَاقِهِ بِالْعَقْدِ دُونَ حَطِّ الْكُلِّ، لِئَلَّا يَكُونَ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ، فَصَارَ تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً كَالْهِبَةِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الزِّيَادَةَ تَلْتَحِقُ فَيُرَابِحُ عَلَى الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ: شَرَاهُ ثُمَّ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ، ثُمَّ عَادَ إنْ عَادَ قَدِيمُ مِلْكِهِ كَرُجُوعٍ فِي هِبَةٍ، أَوْ بِخِيَارِ شَرْطٍ، أَوْ رُؤْيَةٍ أَوْ عَيْبٍ، أَوْ إقَالَةٍ يُرَابِحُ بِمَا اشْتَرَى لِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ، كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لَا إنْ عَادَ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ كَهِبَةٍ وَإِرْثٍ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: أَيْ جَازَ أَنْ يُرَابِحَ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 (سَيِّدٌ شَرَى مِنْ) مُكَاتَبِهِ أَوْ (مَأْذُونِهِ) وَلَوْ (الْمُسْتَغْرِقِ دَيْنُهُ لِرَقَبَتِهِ) فَاعْتِبَارُ هَذَا الْقَيْدِ لِتَحْقِيقِ الشِّرَاءِ فَغَيْرُ الْمَدْيُونِ بِالْأَوْلَى (عَلَى مَا شَرَى الْمَأْذُونُ كَعَكْسِهِ) نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ وَكَذَا كُلُّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ كَأَصْلِهِ وَفَرْعِهِ وَلَوْ بَيَّنَ ذَلِكَ رَابَحَ عَلَى شِرَاءِ نَفْسِهِ ابْنُ كَمَالٍ. (وَلَوْ كَانَ مُضَارِبًا) مَعَهُ عَشَرَةٌ (بِالنِّصْفِ) اشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ (بَاعَ) الثَّوْبَ (مُرَابَحَةً رَبُّ الْمَالِ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ) لِأَنَّ نِصْفَ الرِّبْحِ مِلْكُهُ   [رد المحتار] الْأَقْعَدُ فِي التَّعْبِيرِ: أَيْ إذَا أَرَادَ أَنْ يُرَابِحَ سَيِّدٌ إلَخْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى مَا اشْتَرَى الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ عَلَى ذَلِكَ وَاجِبَةٌ لَا جَائِزَةٌ ط وَكَأَنَّ الشَّارِحَ نَظَرَ إلَى بَيَانِ صِحَّتِهَا فَعَبَّرَ بِالْجَوَازِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: مِنْ مُكَاتَبِهِ) أَوْ مُدَبَّرِهِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: فَاعْتِبَارُ هَذَا الْقَيْدِ) أَيْ بِالنَّظَرِ إلَى مُجَرَّدِ عِبَارَةِ الْمَتْنِ قَالَ فِي النَّهْرِ: ثُمَّ كَوْنُهُ مَدْيُونًا بِمَا يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ صَرَّحَ بِهِ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ الْإِمَامِ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِالْمُحِيطِ كَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ، لَمْ يَذْكُرْ الدَّيْنَ أَصْلًا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَالْحَقُّ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ ذِكْرَهُ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُرَابَحَةِ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَجُزْ مَعَ الدَّيْنِ فَمَعَ عَدَمِهِ أَوْلَى، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ وَعَدَمِهِ فَلَهُ فَائِدَةٌ وَالْبَابُ لَمْ يُعْقَدْ إلَّا لِلْمُرَابَحَةِ فَصَنِيعُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَقْعَدُ اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا شَرَى الْمَأْذُونُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ رَابَحَ وَصُورَتُهُ كَمَا فِي الْكَنْزِ اشْتَرَى الْمَأْذُونُ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ سَيِّدِهِ بِخَمْسَةُ عَشَرَ يَبِيعُهُ عَلَى عَشَرَةٍ. (قَوْلُهُ: كَعَكْسِهِ) وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ الْمَوْلَى لِلْعَبْدِ. (قَوْلُهُ: نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ) لِأَنَّ الْحَاصِلَ لِلْعَبْدِ لَمْ يَخْلُ عَنْ حَقِّ الْمَوْلَى؛ وَلِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَبْقِيَ مَا فِي يَدِهِ، وَيَقْضِيَ دَيْنَهُ، وَكَذَا فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ، وَيَصِيرُ ذَلِكَ الْحَقُّ لَهُ حَقِيقَةً بِعَجْزِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ وَاشْتَرَى مِلْكَ نَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَاعْتُبِرَ عَدَمًا فِي حُكْمِ الْمُرَابَحَةِ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: كَأَصْلِهِ وَفَرْعِهِ) وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ عِنْدَهُ وَخَالَفَاهُ فِيمَا عَدَا الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَيَّنَ ذَلِكَ) أَيْ بَيَّنَ أَنَّ أَحَدَ هَؤُلَاءِ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ هُوَ مِنْهُ بَخَمْسَةَ عَشَرَ. مَطْلَبُ اشْتَرَى مِنْ شَرِيكِهِ سِلْعَةً [تَنْبِيهٌ] فِي الْفَتْحِ: اشْتَرَى مِنْ شَرِيكِهِ سِلْعَةً لَيْسَتْ مِنْ شَرِكَتِهِمَا يُرَابِحُ عَلَى مَا اشْتَرَى وَلَا يُبَيِّنُ، وَلَوْ مِنْ شَرِكَتِهِمَا يَبِيعُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ عَلَى ضَمَانِهِ فِي الشِّرَاءِ الثَّانِي، وَنَصِيبَ نَفْسِهِ عَلَى ضَمَانِهِ فِي الشِّرَاءِ الْأَوَّلِ لِجَوَازِ كَوْنِهَا شُرِيَتْ بِأَلْفٍ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يُرَابِحُ عَلَى أَلْفٍ وَمِائَةٍ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْ الثَّمَنِ سِتُّمِائَةٍ وَنَصِيبَ نَفْسِهِ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ خَمْسُمِائَةٍ فَيَبِيعُهَا عَلَى ذَلِكَ اهـ. . (قَوْلُهُ: بِالنِّصْفِ) أَيْ بِنِصْفِ الرِّبْحِ لَهُ، وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: مُضَارِبًا فَكَانَ الْأَوْضَحُ تَقْدِيمَهُ عَلَى قَوْلِهِ مَعَهُ عَشَرَةٌ كَمَا قَالَهُ ح. (قَوْلُهُ: بَاعَ مُرَابَحَةً رَبُّ الْمَالِ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ) هَذَا فِي خُصُوصِ هَذَا الْمِثَالِ صَحِيحٌ وَالتَّفْصِيلُ مَا ذَكَرَهُ فِي مُضَارَبَةِ الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَمِنْ أَنَّهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ لَا يَكُونَ فِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ وَلَا فِي الثَّمَنِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، بِأَنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفًا فَاشْتَرَى مِنْهَا الْمُضَارِبُ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ، فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ يُرَابِحُ عَلَى مَا اشْتَرَى بِهِ الْمُضَارِبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْفَضْلُ فِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ كَالْأَوَّلِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا، فَإِنَّهُ يُرَابِحُ عَلَى مَا اشْتَرَى بِهِ الْمُضَارِبُ، وَحِصَّةِ الْمُضَارِبِ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْفَضْلُ فِي الثَّمَنِ فَقَطْ وَهُوَ كَالثَّالِثِ اهـ. ح وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِثَالَ الشَّارِحِ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ مِنْ الثَّالِثِ أَوْ الرَّابِعِ لِصِدْقِهِ عَلَى كَوْنِ قِيمَةِ الثَّوْبِ عَشَرَةً الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 وَكَذَا عَكْسُهُ كَمَا سَيَجِيءُ فِي بَابِهِ وَتَحْقِيقُهُ فِي النَّهْرِ يُرَابِحُ مَرِيدُهَا (بِلَا بَيَانٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ (أَنَّهُ اشْتَرَاهُ سَلِيمًا) أَمَّا بَيَانُ نَفْسِ الْعَيْبِ فَوَاجِبٌ (فَتَعَيَّبَ عِنْدَهُ بِالتَّعَيُّبِ) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِصُنْعِ الْمَبِيعِ   [رد المحتار] كَرَأْسِ الْمَالِ أَوْ أَكْثَرَ؛ فَلِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى مَا اشْتَرَى بِهِ الْمُضَارِبُ، وَهُوَ عَشَرَةٌ وَعَلَى حِصَّةِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ دُونَ حِصَّةِ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا سُلِّمَتْ لَهُ، وَلَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ تَمْثِيلُ الْمَسْأَلَةِ بِالشِّرَاءِ بِالْعَشَرَةِ وَالْبَيْعِ بِالْخَمْسَةَ عَشَرَ، حَتَّى يَظْهَرَ قَوْلُهُ: بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ وَهَذَا وَإِنْ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْكَنْزِ كَذَلِكَ، لَكِنَّهُ صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ قَبْلَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَأْذُونِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ وَلِذَا أَوْضَحَ الشَّارِحُ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ فِي أَثْنَاءِ تَقْرِيرِ الْمَتْنِ بِذِكْرِ الْمِثَالِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا عَكْسُهُ) وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ رَبَّ الْمَالِ، وَهَذَا أَيْضًا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ، قِسْمَانِ: لَا يُرَابِحُ فِيهِمَا إلَّا عَلَى مَا اشْتَرَى بِهِ رَبُّ الْمَالِ، وَهُمَا إذَا كَانَ لَا فَضْلَ فِي الثَّمَنِ، وَقِيمَةُ الْمَبِيعِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ عَبْدًا قِيمَته أَلْفٌ وَكَانَ قَدْ اشْتَرَاهُ رَبُّ الْمَالِ بِنِصْفِ أَلْفٍ، أَوَّلًا فَضَلَ فِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ فَقَطْ، بِأَنْ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا بِأَلْفٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ، وَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفَيْنِ، وَقِسْمَانِ يُرَابِحُ عَلَى مَا اشْتَرَى بِهِ رَبُّ الْمَالِ، وَحِصَّةُ الْمُضَارِبِ: هُمَا إذَا كَانَ فِيهِمَا فَضْلٌ بِأَنْ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا بِأَلْفٍ قِيمَتُهُ أَلْفَانِ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفَيْنِ، بَعْدَمَا عَمِلَ الْمُضَارِبُ فِي أَلْفِ الْمُضَارَبَةِ، وَرَبِحَ فِيهَا أَلْفًا فَإِنَّهُ يُرَابِحُ عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ أَوْ كَانَ فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ فَقَطْ، بِأَنْ كَانَ الْعَبْدُ يُسَاوِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ، فَاشْتَرَاهُ رَبُّ الْمَالِ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفٍ يَبِيعُهُ الْمُضَارِبُ عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ اهـ ح وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ، وَكَذَا عَكْسُهُ أَرَادَ بِهِ الْقِسْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ. (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَجِيءُ فِي بَابِهِ) وَهُوَ بَابُ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ ط. (قَوْلُهُ: وَتَحْقِيقُهُ فِي النَّهْرِ) حَاصِلُهُ: أَنَّهُ ذَكَرَ فِي مُضَارَبَةِ الْكَنْزِ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ مِنْ الْمَالِكِ بِأَلْفٍ عَبْدًا اشْتَرَاهُ بِنِصْفِهِ رَابَحَ بِنِصْفِهِ اهـ. فَاعْتُبِرَ أَقَلُّ الثَّمَنَيْنِ، وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ هُنَاكَ، وَلَوْ بِالْعَكْسِ أَيْ بِأَنْ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ بِأَلْفٍ مِنْ الْمُضَارِبِ عَبْدًا مُشْتَرًى بِنِصْفِهِ رَابَحَ بِنِصْفِهِ أَيْضًا، فَصُورَةُ الْعَكْسِ هُنَاكَ مَفْرُوضَةٌ فِي شِرَاءِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْمُضَارِبِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُتُونِ هُنَا فَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ هُنَاكَ مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ نَفْسُهُ هُنَا، مِنْ أَنَّهُ يَضُمُّ حِصَّةَ الْمُضَارِبِ، وَذَكَرَ فِي السِّرَاجِ أَنَّهُ يَضُمُّ حِصَّةَ الْمُضَارِبِ فِي صُورَةِ الْأَصْلِ وَصُورَةِ الْعَكْسِ وَقَدْ وَفَّقَ فِي الْبَحْرِ بَيْنَ كَلَامَيْ الزَّيْلَعِيِّ بِتَوْفِيقٍ رَدَّهُ فِي النَّهْرِ وَقَالَ إنَّ مَا فِي السِّرَاجِ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الرِّوَايَةِ الْمُصَرَّحِ بِهَا فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَا يَضُمُّ حِصَّةَ الْمُضَارِبِ مَحْمُولٌ عَلَى رِوَايَةٍ وَذَكَرَ ح أَنَّ الْجَوَابَ الْحَقَّ مَا فِي مُضَارَبَةِ الْبَحْرِ، مِنْ أَنَّ صُورَةَ الْعَكْسِ الَّتِي ذَكَرَهَا الزَّيْلَعِيُّ هُنَاكَ هِيَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ كَلَامِ الْمُحِيطِ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُرَابَحَةِ أَنَّهُ يَضُمُّ حِصَّةَ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَوْ الرَّابِعُ مِنْ كَلَامِ الْمُحِيطِ اهـ مَا فِي مُضَارَبَةِ الْبَحْرِ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَلَمْ يَتَعَرَّضْ هُنَاكَ لِلْجَوَابِ عَمَّا فِي السِّرَاجِ، وَقَدْ عَلِمْت صِحَّتَهُ مِمَّا كَتَبْنَا عَلَى قَوْلِ الشَّارِحِ وَكَذَا عَكْسُهُ وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا الْمَقَامَ بِأَكْثَرَ مِمَّا هُنَا فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: مَرِيدُهَا) أَيْ مَرِيدُ الْمُرَابَحَةِ. (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ) لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْبَيَانِ لِوُضُوحِهِ ط. (قَوْلُهُ: أَمَّا بَيَانُ نَفْسِ الْعَيْبِ فَوَاجِبٌ) لِأَنَّ الْغِشَّ حَرَامٌ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ كَمَا قَدَّمَهُ آخِرَ خِيَارِ الْعَيْبِ وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: فَتَعَيَّبَ عِنْدَهُ) أَمَّا لَوْ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا فَرَضِيَ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهُ خِيَارٌ فَإِسْقَاطُهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ مُرَابَحَةً، كَمَا لَوْ كَانَ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ مُرَابَحَةً فَاطَّلَعَ عَلَى خِيَانَةٍ فَرَضِيَ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا أَخَذَهُ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الثَّابِتَ لَهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: بِالتَّعَيُّبِ) مَصْدَرُ تَعَيَّبَ صَارَ مَعِيبًا بِلَا صُنْعِ أَحَدٍ، وَيَلْحَقُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 (وَوَطِئَ الثَّيِّبَ وَلَمْ يُنْقِصْهَا الْوَطْءُ) كَقَرْضِ فَأْرٍ وَحَرْقِ نَارٍ لِلثَّوْبِ الْمُشْتَرَى، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ وَالثَّلَاثَةُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: وَبِهِ نَأْخُذُ وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ (وَ) يَرْبَحُ بِبَيَانٍ (بِالتَّعْيِيبِ) وَلَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الْأَرْشَ وَقَيْدُ أَخْذِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا اتِّفَاقِيٌّ فَتْحٌ (وَوَطِئَ الْبِكْرَ كَتَكَسُّرِهِ) بِنَشْرِهِ وَطَيِّهِ لِصَيْرُورَةِ الْأَوْصَافِ مَقْصُودَةً بِالْإِتْلَافِ؛ وَلِذَا قَالَ وَلَمْ يُنْقِصْهَا الْوَطْءُ (اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ نَسِيئَةً وَبَاعَ بِرِبْحِ مِائَةٍ بِلَا بَيَانٍ)   [رد المحتار] بِهِ مَا إذَا كَانَ بِصُنْعِ الْمَبِيعِ، وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ نُقْصَانُ الْعَيْبِ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ نَقَصَ قَدْرًا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِلَا بَيَانٍ وَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ نَقَصَ بِتَغَيُّرِ السِّعْرِ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَلْزَمُهُ الْبَيَانُ بِالْأَوْلَى بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَوَطِئَ الثَّيِّبَ) بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: اشْتَرَاهُ أَوْ بِصِيغَةِ الْمَصْدَرِ عَطْفًا عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ. (قَوْلُهُ: كَقَرْضِ فَأْرٍ وَحَرْقِ نَارٍ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُمَا بَعْدَ قَوْلِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ اهـ. ح وَقَرْضِ بِالْقَافِ وَذَكَرَهُ أَبُو الْيُسْرِ بِالْفَاءِ فَتْحٌ وَاَلَّذِي فِي الْقَامُوسِ وَالْمِصْبَاحِ الْأَوَّلُ. (قَوْلُهُ: الْمُشْتَرَى) بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ نَعْتٌ لِلثَّوْبِ. (قَوْلُهُ: لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ) أَيْ بَيَانِ أَنَّهُ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ بِالتَّعَيُّبِ. (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ) نَعَمْ رَجَّحَهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ وَاخْتِيَارُهُ وَهَذَا حَسَنٌ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْمُرَابَحَةِ عَلَى عَدَمِ الْخِيَانَةِ وَعَدَمُ ذِكْرِهِ أَنَّهَا انْتَقَصَتْ إيهَامًا لِلْمُشْتَرِي، أَنَّ الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ كَانَ لَهَا نَاقِصَةً وَالْغَالِبُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ ثَمَنُهَا صَحِيحَةً لَمْ يَأْخُذْهَا مَعِيبَةً إلَّا بِحَطِيطَةٍ اهـ. لَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ، لَكِنَّ قَوْلَهُمْ هُوَ كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ السِّعْرُ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ فِي حَالِ غَلَائِهِ، وَكَذَا لَوْ اصْفَرَّ الثَّوْبُ لِطُولِ مُكْثِهِ أَوْ تَوَسَّخَ إلْزَامٌ قَوِيٌّ اهـ. نَعَمْ أَجَابَ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْإِبْهَامَ فِيمَا ذُكِرَ ضَعِيفٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اعْوَرَّتْ الْجَارِيَةُ فَرَابَحَهُ عَلَى ثَمَنِهَا فَإِنَّهُ قَوِيٌّ جِدًّا فَلَمْ يُغْتَفَرْ اهـ. قُلْت: وَفِيهِ كَلَامٌ فَقَدْ يَكُونُ تَفَاوُتُ السِّعْرَيْنِ أَفْحَشَ مِنْ التَّفَاوُتِ بِالْعَيْبِ وَالْكَلَامُ حَيْثُ لَا عِلْمَ لِلْمُشْتَرِي بِكُلِّ ذَلِكَ، وَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ مُجَرَّدُ وَصْفٍ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْفَائِتِ بِعَوَرِ الْجَارِيَةِ، وَقَرْضِ الْفَأْرِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ جَزْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ، وَلَا يُرَدُّ مَا اشْتَرَاهُ بِأَجَلٍ، فَإِنَّهُ لَا يُرَابِحُ بِلَا بَيَانٍ كَمَا يَأْتِي لِقَوْلِهِمْ: الْأَجَلُ يُقَابِلُهُ جَزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ عَادَةً، فَيَكُونُ كَالْجُزْءِ فَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ. (قَوْلُهُ: وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ) وَكَذَا شَيْخُهُ فِي بَحْرِهِ وَالْمَقْدِسِيُّ. (قَوْلُهُ: بِالتَّعْيِيبِ) مَصْدَرُ عَيَّبَهُ إذَا أَحْدَثَ بِهِ عَيْبًا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ إلَخْ) دَخَلَ فِيهِ مَا إذَا كَانَ بِفِعْلِهِ بِالْأَوْلَى، وَكَذَا مَا إذَا كَانَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا كَانَ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْمُرَابِحَ لَمْ يَكُنْ حَابِسًا شَيْئًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الْأَرْشَ) لِتَحَقُّقِ وُجُوبِ الضَّمَانِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَوَطِئَ الْبِكْرَ) لِأَنَّ الْعُذْرَةَ جَزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ وَقَدْ حَبَسَهَا فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: كَتَكَسُّرِهِ) أَيْ تَكَسُّرِ الثَّوْبِ. (قَوْلُهُ: لِصَيْرُورَةِ الْأَوْصَافِ مَقْصُودَةً بِالْإِتْلَافِ) أَيْ فَتَخْرُجُ عَنْ التَّبَعَةِ بِالْقَصْدِيَّةِ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا، فَتَتَقَابَلُ بِبَعْضِ الثَّمَنِ فَتْحٌ وَهَذَا عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ بِبَيَانٍ بِالتَّعْيِيبِ. (قَوْلُهُ: وَلِذَا قَالَ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الثَّيِّبَ لَوْ نَقَصَهَا الْوَطْءُ يَلْزَمُهُ الْبَيَانُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ. (قَوْلُهُ: اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ نَسِيئَةً) أَفَادَ أَنَّ الْأَجَلَ مَشْرُوطٌ فِي الْعَقْدِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مُعْتَادَ التَّنْجِيمِ، قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ، وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ الْبَيَانُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ نَهْرٌ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَمَانَةِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا وَلَا مَعْرُوفًا، وَإِنَّمَا أَجَّلَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَلْزَمُهُ بَيَانُهُ بَحْرٌ قَالَ فِي النَّهْرِ لِمَا مَرَّ: مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُمَا لَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 خُيِّرَ الْمُشْتَرِي (فَإِنْ تَلِفَ) الْمَبِيعُ بِتَعَيُّبٍ أَوْ تَعَيَّبَ (فَعَلِمَ) بِالْأَجَلِ (لَزِمَهُ كُلُّ الثَّمَنِ حَالًّا وَكَذَا) حُكْمُ (التَّوْلِيَةِ) فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى الرُّجُوعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ بَحْرٌ وَمُصَنِّفٌ (وَلَّى رَجُلًا شَيْئًا) أَيْ بَاعَهُ تَوْلِيَةً (بِمَا قَامَ عَلَيْهِ أَوْ بِمَا اشْتَرَاهُ) بِهِ (وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِكَمْ قَامَ عَلَيْهِ فَسَدَ) الْبَيْعُ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ (وَكَذَا) حُكْمُ (الْمُرَابَحَةِ وَخُيِّرَ) الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَخْذِهِ وَتَرْكِهِ (لَوْ عَلِمَ فِي مَجْلِسِهِ) وَإِلَّا بَطَلَ. (وَ) اعْلَمْ أَنَّهُ (لَا رَدَّ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ)   [رد المحتار] أَلْحَقَا بِهِ شَرْطًا لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، فَيَكُونُ تَأْجِيلًا مُسْتَأْنَفًا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَلْتَحِقُ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ الْبَيَانُ اهـ. (قَوْلُهُ: خُيِّرَ الْمُشْتَرِي) أَيْ بَيْنَ رَدِّهِ وَأَخْذِهِ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ حَالَّةً؛ لِأَنَّ لِلْأَجَلِ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُزَادُ فِي الثَّمَنِ لِأَجْلِهِ، وَالشُّبْهَةُ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ بِالْأَلْفِ، وَبَاعَ أَحَدَهُمَا بِهَا عَلَى وَجْهِ الْمُرَابَحَةِ، وَهَذَا خِيَانَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ مَبِيعًا حَقِيقَةً، وَإِذَا كَانَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ يُشْبِهُ الْمَبِيعَ يَكُونُ هَذَا شُبْهَةَ الْخِيَانَةِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لَزِمَ كُلُّ الثَّمَنِ حَالًّا) لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ بِمَالٍ، فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ حَقِيقَةً إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ زِيَادَةُ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَتِهِ قَصْدًا، وَيُزَادُ فِي الثَّمَنِ لِأَجْلِهِ إذَا ذَكَرَ الْأَجَلَ بِمُقَابَلَةِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ قَصْدًا، فَاعْتُبِرَ مَالًا فِي الْمُرَابَحَةِ احْتِرَازًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ مَالًا فِي حَقِّ الرُّجُوعِ عَمَلًا بِالْحَقِيقَةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ) أَيْ لَا كَمَا وَقَعَ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ مِنْ إرْجَاعِهِ إلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهُ وَهُوَ بَحْثٌ لِلْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ قَوْلُهُ: وَكَذَا التَّوْلِيَةُ إلَى جَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ لِلْمُرَابَحَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ فِي التَّوْلِيَةِ أَيْضًا فِي التَّعَيُّبِ وَوَطْءِ الْبِكْرِ وَبِدُونِهِ فِي التَّعَيُّبِ، وَوَطْءِ الثَّيِّبِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ إلَخْ) عَبَّرَ عَنْهُ فِي الْفَتْحِ بِقِيلِ حَيْثُ قَالَ: وَقِيلَ تُقَوَّمُ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَمُؤَجَّلٍ، فَيَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى الْبَائِعِ قَالَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ اهـ. قُلْت: وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنْ يَرْجِعَ بِالْأُولَى فِيمَا إذَا ظَهَرَتْ خِيَانَةٌ فِي مُرَابَحَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ حَقِيقَةً تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بَحْرٌ وَمُصَنَّفٌ) وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ مُعَلَّلًا بِالتَّعَارُفِ. (قَوْلُهُ: وَخُيِّرَ إلَخْ) لِأَنَّ الْفَسَادَ لَمْ يَتَقَرَّرْ فَإِذَا حَصَلَ الْعِلْمُ فِي الْمَجْلِسِ جُعِلَ كَابْتِدَاءِ الْعَقْدِ؛ وَصَارَ كَتَأْخِيرِ الْقَبُولِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ، وَنَظِيرُهُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِرَقْمِهِ إذَا عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ، وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الرِّضَا لَمْ يَتِمَّ قَبْلَهُ، لِعَدَمِ الْعِلْمِ كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا بِعَرَضِيَّةِ الصِّحَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِلْمَرْوِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ صَحِيحٌ لَهُ عَرَضِيَّةُ الْفَسَادِ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَظْهَرَ الثَّمَرَةُ فِي حُرْمَةِ مُبَاشَرَتِهِ فَعَلَى الصَّحِيحِ يَحْرُمُ وَعَلَى الضَّعِيفِ لَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا بَطَلَ) أَيْ تَقَرَّرَ فَسَادُهُ ط. [تَتِمَّةٌ] فِي الظَّهِيرِيَّةِ: اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ لَا يُرَابِحُ بِلَا بَيَانٍ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بِالدَّيْنِ مِنْ مَدِينِهِ، وَهُوَ لَا يَشْتَرِي بِمِثْلِ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَوْ يَشْتَرِي بِمِثْلِهِ لَهُ أَنْ يُرَابِحَ، سَوَاءٌ أَخَذَهُ بِلَفْظِ الشِّرَاءِ أَوْ الصُّلْحِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَبْنَى الصُّلْحِ عَلَى الْحَطِّ وَالتَّجَوُّزِ بِدُونِ الْحَقِّ، وَمَبْنَى الشِّرَاءِ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ اهـ مُلَخَّصًا. مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى الرَّدِّ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ. (قَوْلُهُ: لَا رَدَّ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِصْبَاحِ: غَبَنَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ غَبْنًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ، مِثْلُ غَبَنَهُ فَانْغَبَنَ وَغَبَنَهُ أَيْ نَقَصَهُ، وَغُبِنَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَهُوَ مَغْبُونٌ أَيْ مَنْقُوصٌ فِي الثَّمَنِ أَوْ غَيْرِهِ وَالْغَبِينَةُ اسْمٌ مِنْهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 هُوَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمَ الْمُقَوِّمِينَ (فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ ثُمَّ رُقِمَ وَقَالَ (وَيُفْتَى بِالرَّدِّ) رِفْقًا بِالنَّاسِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ رِوَايَاتِ الْمُضَارَبَةِ وَبِهِ يُفْتَى ثُمَّ رُقِمَ وَقَالَ (إنْ غَرَّهُ) أَيْ غَرَّ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ غَرَّهُ الدَّلَّالُ فَلَهُ الرَّدُّ (وَإِلَّا لَا) وَبِهِ أَفْتَى صَدْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ ثُمَّ قَالَ (وَتَصَرُّفُهُ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ) قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْغَبْنِ (غَيْرُ مَانِعٍ مِنْهُ) فَيَرُدُّ مِثْلَ مَا أَتْلَفَهُ وَيَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ عَلَى الصَّوَابِ اهـ مُلَخَّصًا بَقِيَ مَا لَوْ كَانَ قِيَمِيًّا لَمْ أَرَهُ   [رد المحتار] قَوْلُهُ: هُوَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ بِعَشَرَةٍ مَثَلًا، ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْمُقَوِّمِينَ يَقُولُ إنَّهُ يُسَاوِي خَمْسَةً، وَبَعْضُهُمْ سِتَّةً وَبَعْضُهُمْ سَبْعَةً فَهَذَا غَبْنٌ فَاحِشٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ تَقْوِيمِ أَحَدٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: ثَمَانِيَةً وَبَعْضُهُمْ تِسْعَةً وَبَعْضُهُمْ: عَشَرَةً فَهَذَا غَبْنٌ يَسِيرٌ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْغَبْنُ بِسَبَبِ التَّغْرِيرِ أَوْ بِدُونِهِ لَكِنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْقُنْيَةِ، وَإِنَّمَا حَكَى فِي الْقُنْيَةِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالتَّغْرِيرِ أَوْ بِدُونِهِ، وَلَكِنْ نَقَلَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْإِمَامَ عَلَاءَ الدِّينِ السَّمَرْقَنْدِيَّ ذَكَرَ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ: أَنَّ أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ فِي الْمَغْبُونِ: إنَّهُ لَا يَرُدُّ لَكِنَّ هَذَا فِي مَغْبُونٍ لَمْ يُغَرَّ أَمَّا فِي مَغْبُونٍ غُرَّ يَكُونُ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ اسْتِدْلَالًا بِمَسْأَلَةِ الْمُرَابَحَةِ اهـ أَيْ بِمَسْأَلَةِ مَا إذَا خَانَ فِي الْمُرَابَحَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ تَغْرِيرٌ يَثْبُتُ بِهِ الرَّدُّ. (قَوْلُهُ: وَيُفْتَى بِالرَّدِّ) ظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ: أَيْ سَوَاءٌ غَرَّهُ أَوْ لَا بِقَرِينَةِ الْقَوْلِ الثَّالِثِ. (قَوْلُهُ: أَوْ غَرَّهُ الدَّلَّالُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ غَرَّهُ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ الدَّلَّالِ لَا يَثْبُتُ لَهُ الرَّدُّ، بَقِيَ مَا لَوْ غَرَّ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ فِي الْعَقَارِ فَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ هَلْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْهُ يَنْبَغِي عَدَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغُرَّهُ وَإِنَّمَا غَرَّهُ الْمُشْتَرِي، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ أَفْتَى صَدْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا يَأْتِي وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْخِلَافَ حَقِيقِيٌّ، وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ لَفْظِيٌّ وَيُحْمَلُ الْقَوْلَانِ الْمُطْلَقَانِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُفَصَّلِ، لَكَانَ حَسَنًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَمْلُ صَاحِبِ التُّحْفَةِ الْمُتَقَدِّمُ ط. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا عَدَمُ التَّصْرِيحِ بِالْإِطْلَاقِ فِي الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَحَيْثُ كَانَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَحْمُولًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْمُفَصَّلِ، يَكُونُ هُوَ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ إذْ لَمْ يَذْكُرُوا أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَدَمُ الرَّدِّ مُطْلَقًا، حَتَّى يُنَافِيَ التَّفْصِيلَ، فَلِذَا جَزَمَ فِي التُّحْفَةِ بِحَمْلِهِ عَلَى التَّفْصِيلِ، وَحِينَئِذٍ لَمْ يَبْقَ لَنَا إلَّا قَوْلٌ وَاحِدٌ، هُوَ الْمُصَرِّحُ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَبِأَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَبِأَنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ وَبِأَنَّهُ الصَّحِيحُ، فَمَنْ أَفْتَى فِي زَمَانِنَا بِالرَّدِّ مُطْلَقًا فَقَدْ أَخْطَأَ خَطَأً فَاحِشًا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ التَّفْصِيلَ هُوَ الْمُصَحَّحُ الْمُفْتَى بِهِ، وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ التَّوْفِيقِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ أَوْضَحْت ذَلِكَ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فِي رِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا [تَحْبِيرَ التَّحْرِيرِ فِي إبْطَالِ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ بِلَا تَغْرِيرٍ] . (قَوْلُهُ: فَيَرُدُّ مِثْلَ مَا أَتْلَفَهُ) أَيْ مَعَ رَدِّ الْبَاقِي كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَنَصُّهَا قَالَ الْغَزَّالُ: لَا مَعْرِفَةَ لِي بِالْغَزْلِ، فَأْتِنِي بِغَزْلٍ أَشْتَرِيهِ فَأَتَى رَجُلٌ بِغَزْلٍ لِهَذَا الْغَزَّالِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُشْتَرِي، فَجَعَلَ نَفْسَهُ دَلَّالًا بَيْنَهُمَا وَاشْتَرَى ذَلِكَ الْغَزْلَ لَهُ بِأَزْيَدَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَصَرَفَ الْمُشْتَرِي بَعْضَهُ إلَى حَاجَتِهِ، ثُمَّ عَلِمَ بِالْغَبْنِ وَبِمَا صَنَعَ، فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالصَّوَابُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ وَمِثْلَ مَا صَرَفَ فِي حَاجَتِهِ، وَيَسْتَرِدَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ كَمَنْ اشْتَرَى بَيْتًا مَمْلُوءًا مِنْ بُرٍّ فَإِذَا فِيهِ دُكَّانٌ عَظِيمٌ فَلَهُ الرَّدُّ وَأَخْذُ جَمِيعِ الثَّمَنِ قَبْلَ إنْفَاقِ شَيْءٍ مِنْهُ وَبَعْدَهُ يَرُدُّ الْبَاقِيَ وَمِثْلَ مَا أَنْفَقَ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى اهـ. قَوْلُهُ: بَقِيَ مَا لَوْ كَانَ قِيَمِيًّا أَيْ وَتَصَرَّفَ بِبَعْضِهِ فَهَلْ يَرْجِعُ بِقَدْرِ مَا غَبِنَ فِيهِ أَوْ لَا يَرْجِعُ، أَوْ يَرُدُّ الْبَاقِيَ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 قُلْت: وَبِالْأَخِيرِ جَزَمَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ وَصَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِي كَفَالَةِ الْأَشْبَاهِ عَنْ بُيُوعِ الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْغُرُورِ: الْغُرُورُ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ إلَّا فِي ثَلَاثٍ مِنْهَا: هَذِهِ، وَضَابِطُهَا أَنْ يَكُونَ فِي عَقْدٍ يَرْجِعُ نَفْعُهُ إلَى الدَّافِعِ كَوَدِيعَةٍ وَإِجَارَةٍ، فَلَوْ هَلَكَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّا رَجَعَ عَلَى الدَّافِعِ بِمَا ضَمِنَهُ وَلَا رُجُوعَ فِي عَارِيَّةٍ وَهِبَةٍ لِكَوْنِ الْقَبْضِ لِنَفْسِهِ.   [رد المحتار] وَيَضْمَنُ قِيمَةَ مَا تَصَرَّفَ بِهِ، وَوَجْهُ التَّوَقُّفِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ مَفْرُوضٌ فِي الْمِثْلِيِّ؛ لِأَنَّ الْغَزْلَ مِثْلِيٌّ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الْقُنْيَةِ الْمَذْكُورِ آنِفًا وَكَذَا صَرَّحَ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: بِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُنْتَقَى: وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ غَزْلِ قُطْنٍ لَيِّنٍ بِغَزْلِ قُطْنٍ خَشِنٍ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ؛ لِأَنَّ الْقُطْنَ سَوَاءٌ اهـ فَحَيْثُ كَانَ الْمَنْقُولُ هُنَا فِي الْمِثْلِيِّ لَمْ يُعْلَمْ حُكْمُ الْقِيَمِيِّ فَافْهَمْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمِنَحِ عَنْ تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّ الْمَغْبُونَ إذْ غُرَّ لَهُ الرَّدُّ اسْتِدْلَالًا بِمَسْأَلَةِ الْمُرَابَحَةِ، يُفِيدُ أَنَّ خِيَارَ التَّغْرِيرِ فِي حُكْمِ خِيَارِ الْخِيَانَةِ فِي الْمُرَابَحَةِ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ فِي الْمُرَابَحَةِ قَبْلَ رَدِّهِ أَوْ حَدَثَ بِهِ مَا يَمْتَنِعُ مِنْ الرَّدِّ لَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى، وَسَقَطَ خِيَارُهُ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِ: أَوْ حَدَثَ بِهِ إلَخْ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْبَعْضُ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ لَهُ رَدُّ الْبَاقِي إلَّا فِي نَحْوِ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ إلَخْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هُنَا كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: قُلْت وَبِالْأَخِيرِ إلَى قَوْلِهِ وَغَيْرُهُ) الْأَوْلَى ذِكْرُ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ، وَبِهِ أَفْتَى صَدْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ اهـ. ح. مَطْلَبٌ الْغُرُورُ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ (قَوْلُهُ: وَفِي كَفَالَةِ الْأَشْبَاهِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: الْغُرُورُ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ، فَلَوْ قَالَ اُسْلُكْ هَذَا الطَّرِيقَ فَإِنَّهُ آمِنٌ فَسَلَكَهُ فَأَخَذَهُ اللُّصُوصُ، أَوْ قَالَ: كُلْ هَذَا الطَّعَامَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَسْمُومٍ، فَأَكَلَهُ وَمَاتَ لَمْ يَضْمَنْ، وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ رَجُلٌ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ فَلَا رُجُوعَ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْمُخْبِرِ إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ الْأُولَى: إذَا كَانَ الْغُرُورُ بِالشَّرْطِ، كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُخْبِرِ بِمَا غَرِمَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ فِي ضِمْنِ عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ إذَا اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ، لَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ بَعْدَ أَنْ يُسَلِّمَ الْبِنَاءَ، وَإِذَا قَالَ الْأَبُ لِأَهْلِ السُّوقِ: بَايِعُوا ابْنِي فَقَدْ أَذِنْت لَهُ فِي التِّجَارَةِ، فَظَهَرَ أَنَّهُ ابْنُ غَيْرِهِ رَجَعُوا عَلَيْهِ لِلْغُرُورِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ بَايِعُوا عَبْدِي فَقَدْ أَذِنْت لَهُ فَبَايَعُوهُ وَلَحِقَهُ دَيْنٌ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ عَبْدٌ لِغَيْرِهِ رَجَعُوا عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْأَبُ حُرًّا وَإِلَّا فَبَعْدَ الْعِتْقِ، وَكَذَا لَوْ ظَهَرَ حُرًّا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا وَلَا بُدَّ فِي الرُّجُوعِ مِنْ إضَافَتِهِ إلَيْهِ وَالْأَمْرُ بِمُبَايَعَتِهِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ فِي عَقْدٍ يَرْجِعُ نَفْعُهُ إلَى الدَّافِعِ كَوَدِيعَةٍ وَإِجَارَةٍ، فَلَوْ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ وَالْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ وَضَمِنَ الْمُودَعُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فَإِنَّهُمَا يَرْجِعَانِ عَلَى الدَّافِعِ بِمَا ضَمِنَاهُ، وَكَذَا مَنْ كَانَ بِمَعْنَاهُمَا وَفِي عَارِيَّةٍ وَهِبَةٍ لَا رُجُوعَ إذْ الْقَبْضُ كَانَ لِنَفْسِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ فِي فَصْلِ الْغُرُورِ مِنْ الْبُيُوعِ اهـ. قُلْت: وَعَبَّرَ فِي الْخَانِيَّةِ فِي الثَّالِثَةِ بِالْقَبْضِ بَدَلَ الْعَقْدِ، وَهُوَ الصَّوَابُ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي ثَلَاثٍ) زَادَ فِي نُورِ الْعَيْنِ مَسْأَلَةً رَابِعَةً وَهِيَ مَا إذَا ضَمِنَ الْغَارُّ صِفَةَ السَّلَامَةِ، كَمَا إذَا قَالَ اُسْلُكْ هَذَا الطَّرِيقَ فَإِنَّهُ آمِنٌ وَإِنْ أُخِذَ مَالُك فَأَنَا ضَامِنٌ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْكَفَالَةِ عَنْ الدُّرَرِ. (قَوْلُهُ: مِنْهَا هَذِهِ) أَيْ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ وَهِيَ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الثَّانِيَةِ الْآتِيَةِ. (قَوْلُهُ: وَضَابِطُهَا) أَيْ الثَّلَاثِ الْمُسْتَثْنَاةِ. (قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ فِي عَقْدٍ) صَوَابُهُ فِي قَبْضٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْعَقْدِ تَأْتِي بَعْدُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: رَجَعَ) أَيْ الشَّخْصُ الَّذِي هُوَ الْمُودَعُ أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الدَّافِعِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِأَنَّهُ أَوْدَعَهُ أَوْ آجَرَهُ مِلْكَهُ. (قَوْلُهُ: لِكَوْنِ الْقَبْضِ لِنَفْسِهِ) أَيْ نَفْسِ الْمُسْتَعِيرِ أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ، فَكَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ فِي ضِمْنِ عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ كَبَايِعُوا عَبْدِي أَوْ ابْنِي فَقَدْ أَذِنْت لَهُ ثُمَّ ظَهَرَ حُرًّا أَوْ ابْنَ الْغَيْرِ رَجَعُوا عَلَيْهِ لِلْغُرُورِ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ حُرًّا وَإِلَّا فَبَعْدَ الْعِتْقِ وَهَذَا إنْ أَضَافَهُ إلَيْهِ وَأَمَرَ بِمُبَايَعَتِهِ وَمِنْهُ لَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي أَوْ اسْتَوْلَدَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّا رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْوَلَدِ وَمِنْهُ مَا يَأْتِي فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ اشْتَرِنِي فَأَنَا عَبْدٌ بِخِلَافِ ارْتَهِنِّي. الثَّالِثَةُ: إذَا كَانَ الْغُرُورُ بِالشُّرُوطِ كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حَرَّةٌ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ رَجَعَ عَلَى الْمُخْبِرِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ الْمُسْتَحَقِّ وَسَيَجِيءُ آخِرَ الدَّعْوَى. [فَرْعٌ] هَلْ يَنْتَقِلُ الرَّدُّ بِالتَّغْرِيرِ إلَى الْوَارِثِ اسْتَظْهَرَ الْمُصَنِّفُ لَا لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْحُقُوقَ الْمُجَرَّدَةَ لَا تُورَثُ. قُلْت: وَفِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِابْنِ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيَّ مُفْتِي مِصْرَ.   [رد المحتار] هُوَ الْمُنْتَفِعَ بِالْقَبْضِ دُونَ الْمُعِيرِ أَوْ الْوَاهِبِ. (قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ فِي ضِمْنِ عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ) مِنْ بَيْعٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ، وَأَخْرَجَ بِهِ عَقْدَ التَّبَرُّعَاتِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، فَإِنَّ الْغُرُورَ لَا يُثْبِتُ الرُّجُوعَ فِيهَا ط عَنْ الْبِيرِيِّ، وَكَذَا أَخْرَجَ الرَّهْنَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ وَثِيقَةٍ لَا مُعَاوَضَةٍ، كَمَا يَأْتِي وَفِي الْبِيرِيِّ عَنْ الْمَبْسُوطِ: إنَّ الْغُرُورَ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَاتِ يُثْبِتُ الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَسْتَحِقُّ صِفَةَ السَّلَامَةِ مِنْ الْعَيْبِ، وَلَا عَيْبَ فَوْقَ الِاسْتِحْقَاقِ فَأَمَّا بِعَقْدِ التَّبَرُّعِ فَلِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَوْهُوبَ بِصِفَةِ السَّلَامَةِ. (قَوْلُهُ: كَبَايِعُوا عَبْدِي إلَخْ) أَيْ فَيَكُونُ ضَامِنًا لِلدَّرَكِ فِيمَا يَثْبُتُ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ فِي عَقْدِ الْمُبَايَعَةِ لِحُصُولِ التَّغْرِيرِ فِي هَذَا الْعَقْدِ كَمَا يَأْتِي تَقْرِيرُهُ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّ التَّغْرِيرَ لَمْ يُوجَدْ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ ظَهَرَ حُرًّا أَوْ ابْنَ الْغَيْرِ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ الْأَبُ حُرًّا) الْأَوْلَى مَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَشْبَاهِ إنْ كَانَ الْآذِنُ حُرًّا لِشُمُولِهِ لِلْمَوْلَى وَالْأَبِ: أَيْ الْأَبِ صُورَةً لَا حَقِيقَةً، وَهَذَا الْقَيْدُ لِشَيْءٍ مُقَدَّرٍ فِي قَوْلِهِ رَجَعُوا عَلَيْهِ أَيْ فِي الْحَالِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَبَعْدَ الْعِتْقِ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ الرُّجُوعُ شَرْطُهُ شَيْئَانِ أَنْ يُضِيفَ الْعَبْدَ أَوْ الِابْنَ إلَى نَفْسِهِ، وَأَمْرَهُمْ بِمُبَايَعَتِهِ فَيَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ كَمَا فِي الْبِيرِيِّ عَنْ مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْغَرِيرِ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ. (قَوْلُهُ: اشْتَرِنِي فَأَنَا عَبْدٌ ارْتَهِنِّي) صَوَابُهُ: بِخِلَافِ ارْتَهِنِّي أَيْ لَوْ قَالَ الْعَبْدُ: اشْتَرِنِي فَأَنَا عَبْدٌ فَاشْتَرَاهُ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا غَيْبَةً مَعْرُوفَةً أَيْ يَدْرِي مَكَانَهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا قَبَضَهُ الْبَائِعُ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى الْقَابِضِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي أَيْنَ هُوَ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَبْدِ وَرَجَعَ الْعَبْدُ عَلَى بَائِعِهِ بِمَا رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ مَعَ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالضَّمَانِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى دَيْنَهُ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِي أَدَائِهِ بِخِلَافِ مَنْ أَدَّى عَنْ آخَرَ دَيْنًا بِلَا أَمْرِهِ وَالتَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ: اشْتَرِنِي فَأَنَا عَبْدٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا عَبْدٌ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالشِّرَاءِ أَوْ قَالَ: اشْتَرِنِي وَلَمْ يَقُلْ فَأَنَا عَبْدٌ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَلَوْ قَالَ: ارْتَهِنِّي فَأَنَا عَبْدُ الرَّاهِنِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْعَبْدِ، وَلَوْ الرَّاهِنُ غَائِبًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَرْجِعُ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالْمُعَاوَضَةِ وَهِيَ الْمُبَايَعَةُ هُنَا أَوْ بِالْكَفَالَةِ، وَلَمْ يُوجَدَا هُنَا بَلْ وُجِدَ مُجَرَّدُ الْإِخْبَارِ كَاذِبًا فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ لِشَخْصٍ ذَلِكَ وَلَهُمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ شَرَعَ فِي الشِّرَاءِ مُعْتَمِدًا عَلَى أَمْرِهِ وَإِقْرَارِهِ، فَكَانَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ وَالتَّغْرِيرُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي تَقْتَضِي سَلَامَةَ الْعِوَضِ يَحْصُلُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ دَفْعًا لِلْغَرَرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، فَكَانَ بِتَغْرِيرِهِ ضَامِنًا لِدَرَكِ الثَّمَنِ لَهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ رُجُوعِهِ عَلَى الْبَائِعِ كَالْمَوْلَى إذَا قَالَ لِأَهْلِ السُّوقِ بَايِعُوا عَبْدِي فَإِنِّي أَذِنْت لَهُ ثُمَّ ظَهَرَ اسْتِحْقَاقُ الْعَبْدِ فَإِنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَلَى الْمَوْلَى بِقِيمَةِ الْعَبْدِ. وَيُجْعَلُ الْمَوْلَى بِذَلِكَ ضَامِنًا لِدَرَكِ مَا ذَابَ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلْغُرُورِ عَنْ النَّاسِ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ بَلْ عَقْدَ وَثِيقَةٍ لِاسْتِيفَاءِ عَيْنِ حَقِّهِ حَتَّى جَازَ الرَّهْنُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَوْ كَانَ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ كَانَ اسْتِبْدَالًا بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهُوَ حَرَامٌ وَبِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُعْبَأُ بِقَوْلِهِ، فَالرَّجُلُ هُوَ الَّذِي اغْتَرَّ اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ الْفَتْحِ فِي أَوَّلِ بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حَرَّةٌ) أَيْ بِأَنْ كَانَ وَلِيًّا أَوْ وَكِيلًا عَنْهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْبَرَهُ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ فَتَزَوَّجَهَا كَمَا مَرَّ فِي عِبَارَةِ الْأَشْبَاهِ. [فَرْعٌ هَلْ يَنْتَقِلُ الرَّدُّ بِالتَّغْرِيرِ إلَى الْوَارِثِ] (قَوْلُهُ: اسْتَظْهَرَ الْمُصَنِّفُ لَا) حَيْثُ قَالَ: وَلَمْ أَطَّلِعْ فِي كَلَامِهِمْ عَلَى مَا لَوْ مَاتَ مَنْ ثَبَتَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 قُلْت: وَقَدَّمْنَاهُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ مَعْزِيًّا لِلدُّرَرِ لَكِنْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مَنْظُومَتِهِ الْفِقْهِيَّةِ مَا يُخَالِفُهُ وَمَالَ إلَى أَنَّهُ يُورَثُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُهُ فِي كِتَابِهِ مَعُونَةُ الْمُفْتِي فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ وَأَيَّدَهُ بِمَا فِي بَحْثِ الْقَوْلِ فِي الْمِلْكِ مِنْ الْأَشْبَاهِ قُبَيْلَ التَّاسِعَةِ أَنَّ الْوَارِثَ يَرُدُّ بِالْعَيْبِ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِخِلَافِ الْوَصِيِّ فَتَأَمَّلْ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ مَتَى عَايَنَ مَا يُعْرَفُ بِالْعِيَانِ انْتَفَى الْغَرَرُ فَتَدَبَّرْ   [رد المحتار] فِي حَقِّهِ التَّغْرِيرُ، هَلْ يَنْتَقِلُ الْحَقُّ فِيهِ إلَى وَارِثِهِ حَتَّى يَمْلِكَ الرَّدَّ كَمَا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ أَوْ لَا كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ عِنْدِي الثَّانِي وَقَوَاعِدُهُمْ شَاهِدَةٌ بِهِ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْحُقُوقَ الْمُجَرَّدَةَ لَا تُورَثُ، وَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ الرَّدِّ لِلْوَارِثِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوَارِثَ مَلَكَهُ سَلِيمًا فَإِذَا ظَهَرَ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ رَدَّهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ، كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُمْ، وَتَعْلِيلُهُمْ عَدَمُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْوَارِثِ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ بِأَنَّهُ لَيْسَ إلَّا مَشِيئَةً وَإِرَادَةً، فَلَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُهُ إلَى الْوَارِثِ، وَهَكَذَا عَرَضْته عَلَى بَعْضِ الْأَعْيَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا فَارْتَضَاهُ وَأَفْتَى بِمُوجَبِهِ اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ خِيَارَ ظُهُورِ الْخِيَانَةِ لَا يُورَثُ مُسْتَنِدًا لِذَلِكَ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ لَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ إلَخْ مَا قَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ وَفِي مَجْمُوعَةِ السَّائِحَانِيِّ بِخَطِّهِ، وَأَجَادَ الْمُصَنِّفُ بِالِاسْتِشْهَادِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ لِدَفْعِ الْخِدَاعِ، فَإِذَا كَانَ خِيَارُ الشَّرْطِ الْمَلْفُوظِ بِهِ لَا يُورَثُ فَكَيْفَ غَيْرُ الْمَلْفُوظِ مَعَ كَوْنُهُ مُخْتَلَفًا فِيهِ اهـ. (قَوْلُهُ: قُلْت وَقَدَّمْنَاهُ إلَخْ) قَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الدُّرَرِ، بَلْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ أَيْضًا، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا أَنَّ الْخَيْرَ الرَّمْلِيَّ نَقَلَ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ قَالَ: وَاَلَّذِي أَمِيلُ إلَيْهِ أَنَّهُ مِثْلُ خِيَارِ الْعَيْبِ يَعْنِي فَيُورَثُ اهـ. وَهَذَا خِلَافُ مَا عَزَاهُ الشَّارِحُ إلَى حَاشِيَةِ ابْنِ الْمُصَنِّفِ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا أَنَّ الْخَيْرَ الرَّمْلِيَّ وَافَقَ الْمَقْدِسِيَّ فِي أَنَّهُ يُورَثُ قِيَاسًا عَلَى خِيَارِ فَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ كَشِرَاءِ عَبْدٍ عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ، وَقَالَ: إنَّهُ بِهِ أَشْبَهَ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ عَلَى قَوْلِ الْبَائِعِ فَكَانَ شَارِطًا لَهُ اقْتِضَاءً وَصْفًا مَرْغُوبًا فِيهِ فَبَانَ بِخِلَافٍ اهـ. وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ تَرْجِيحَ مَا بَحَثَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُورَثُ كَخِيَارِ ظُهُورِ الْخِيَانَةِ فِي الْمُرَابَحَةِ وَأَنَّهُ بِهِ أَشْبَهَ فَرَاجِعْهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَمَالَ إلَى أَنَّهُ يُورَثُ) الْمُرَادُ بِالْإِرْثِ انْتِقَالُهُ إلَى الْوَارِثِ بِطَرِيقِ الْخَلَفِيَّةِ لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ حَقِيقَةً، كَمَا عُلِمَ مِمَّا نَقَلْنَاهُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ وَحَقَّقْنَاهُ فِي بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَعَلِمْت تَرْجِيحَ مَا بَحَثَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا. (قَوْلُهُ: قُبَيْلَ التَّاسِعَةِ) صَوَابُهُ قُبَيْلَ الْعَاشِرَةِ. (قَوْلُهُ: وَيَصِيرُ مَغْرُورًا) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْ الْمَيِّتِ، فَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ كَأَنَّهُ حَيٌّ فَيَرُدُّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ، وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِالْجَارِيَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا الْمَيِّتُ إلَخْ. قُلْت: وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ اسْتَوْلَدَ الْجَارِيَةَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ، فَالْوَلَدُ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ لِكَوْنِهِ وَطِئَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مِلْكُهُ فَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى بَائِعِ مُوَرِّثِهِ كَمَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا الْمُوَرِّثُ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الرَّدِّ بِالتَّغْرِيرِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى مُوَرِّثُهُ شَيْئًا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بِتَغْرِيرِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ ثُبُوتِ حُرِّيَّةِ وَلَدِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِخِيَارٍ فَهَذَا تَأْيِيدٌ بِمَا لَا يُفِيدُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَقَدَّمْنَا) أَيْ قُبَيْلَ بَابِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ. (قَوْلُهُ: انْتَفَى الْغَرَرُ) كَمَا لَوْ اشْتَرَى سَوِيقًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ لَتَّهُ بِمَنٍّ مِنْ السَّمْنِ، وَتَقَابَضَا وَالْمُشْتَرِي يَنْظُرُ إلَيْهِ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَتَّهُ بِنِصْفِ مَنٍّ جَازَ الْبَيْعُ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ اشْتَرَى صَابُونًا عَلَى أَنَّهُ مُتَّخَذٌ مِنْ كَذَا جَرَّةٍ مِنْ الدُّهْنِ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ اتَّخَذَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَالْمُشْتَرِي كَانَ يَنْظُرُ إلَى الصَّابُونِ وَقْتَ الشِّرَاءِ جَازَ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ ظَهِيرِيَّةٌ قُلْت: وَكَوْنُ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ بِالْعِيَانِ غَيْرَ ظَاهِرٍ فَلْيُتَأَمَّلْ وَقَدَّمْنَا تَمَامَهُ هُنَاكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 فَصْلٌ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ فِيهِمَا وَتَأْجِيلِ الدُّيُونِ (صَحَّ بَيْعُ عَقَارٍ لَا يُخْشَى هَلَاكُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ) مِنْ بَائِعِهِ لِعَدَمِ الْغَرَرِ لِنُدْرَةِ هَلَاكِ الْعَقَارِ، حَتَّى لَوْ كَانَ عُلْوًا أَوْ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ وَنَحْوِهِ كَانَ كَمَنْقُولٍ فَ (لَا) يَصِحُّ اتِّفَاقًا كَكِتَابَةٍ وَإِجَارَةٍ وَ (بَيْعِ مَنْقُولٍ) قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَوْ مِنْ بَائِعِهِ كَمَا سَيَجِيءُ (بِخِلَافِ) عِتْقِهِ وَتَدْبِيرِهِ وَ (هِبَتِهِ وَالتَّصَدُّقِ بِهِ وَإِقْرَاضِهِ) وَرَهْنِهِ وَإِعَارَتِهِ   [رد المحتار] [فَصْلٌ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ فِيهِمَا وَتَأْجِيلِ الدُّيُونِ] فَصْلٌ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ إلَخْ أَوْرَدَهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمُرَابَحَةِ غَيْرَ أَنَّ صِحَّتَهَا لَمَّا تَوَقَّفَتْ عَلَى الْقَبْضِ كَانَ لَهَا ارْتِبَاطٌ بِالتَّصَرُّفِ بِالْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْبَاقِي اسْتِطْرَادٌ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: صَحَّ بَيْعُ عَقَارٍ إلَخْ) أَيْ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ وَعَبَّرَ بِالصِّحَّةِ دُونَ النَّفَاذِ وَاللُّزُومِ؛ لِأَنَّهُمَا مَوْقُوفَانِ عَلَى نَقْدِ الثَّمَنِ أَوْ رِضَا الْبَائِعِ، وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ إبْطَالُهُ أَيْ إبْطَالُ بَيْعِ الْمُشْتَرِي، وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ يَقْبَلُ النَّقْضَ إذَا فَعَلَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ بَعْدَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ فَلِلْبَائِعِ إبْطَالُهُ بِخِلَافِ مَا لَا يَقْبَلُ النَّقْضَ كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ بَحْرٌ، وَقَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ، الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِالضَّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى الْقَبْضِ أَيْ بَعْدَ الْقَبْضِ الْوَاقِعِ، بِلَا إذْنِهِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَبِيعِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ بِلَا إذْنِ الْبَائِعِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؛ لِأَنَّ لَهُ اسْتِرْدَادَهُ وَحَبْسَهُ إلَى قَبْضِ الثَّمَنِ، وَقَيَّدَ بِالْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَقَارًا فَوَهَبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ يَجُوزُ عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: أَيْ لِحُصُولِ الْقَبْضِ بِقَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ كَمَا يَأْتِي وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: مِنْ بَائِعِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَبْضٍ لَا بِبَيْعٍ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ مِنْ بَائِعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَاسِدٌ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ وَيُرَاجَعُ ط. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْغَرَرِ) أَيْ غَرَرِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ عَلَى تَقْدِيرِ الْهَلَاكِ، وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ لِنُدْرَةِ هَلَاكِ الْعَقَارِ ط. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ كَانَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ لَا يُخْشَى هَلَاكُهُ. (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ) بِأَنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُؤْمَنُ أَنْ تَغْلِبَ عَلَيْهِ الرِّمَالُ ح عَنْ النَّهْرِ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: كَانَ كَمَنْقُولٍ) أَيْ بِمَنْزِلَتِهِ مِنْ حَيْثُ لُحُوقُ الْغَرَرِ بِهَلَاكِهِ. (قَوْلُهُ: كَكِتَابَةٍ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَفِي الْكِتَابَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُبَادَلَةٍ كَالْبَيْعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: تَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا أَوْسَعُ مِنْ الْبَيْعِ جَوَازًا اهـ، لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَوْ كَاتَبَ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ تَوَقَّفَتْ كِتَابَتُهُ، وَكَانَ لِلْبَائِعِ حَبْسُهُ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مُحْتَمِلَةٌ لِلْفَسْخِ، فَلَمْ تَنْفُذْ فِي حَقِّ الْبَائِعِ نَظَرًا لَهُ وَإِنْ نَقَدَ الثَّمَنَ نَفَذَتْ لِزَوَالِ الْمَانِعِ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا خُصُوصِيَّهُ لَهَا بَلْ كُلُّ عَقْدٍ يَقْبَلُ النَّقْضَ فَهُوَ مَوْقُوفٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْكِتَابَةَ تَصِحُّ لَكِنَّهَا تَتَوَقَّفُ فَلَا يُنَاسِبُ قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا كَمَا أَفَادَهُ ح فَكَانَ الْمُنَاسِبُ إسْقَاطَهَا. (قَوْلُهُ: وَإِجَارَةٍ) أَيْ إجَارَةِ الْعَقَارِ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ اتِّفَاقًا وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ الْمَنَافِعُ، وَهَلَاكُهَا غَيْرُ نَادِرٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي الْكَافِي فَتْحٌ وَغَيْرُهُ. (قَوْلُهُ: وَبَيْعِ مَنْقُولٍ) مَجْرُورٌ بِالْعَطْفِ عَلَى كِتَابَةٍ وَهُوَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مَرْفُوعٌ وَالْأَوْلَى فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ: حَتَّى لَوْ كَانَ عُلْوًا أَوْ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ آجَرَهُ كَانَ كَمَنْقُولٍ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَنْقُولٍ إلَخْ. وَفِي الْبَحْرِ: وَدَخَلَ فِي الْبَيْعِ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ الْمَنَافِعِ أَيْ وَهِيَ فِي حُكْمِ الْمَنْقُولِ وَالصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ اهـ. أَيْ الصُّلْحُ عَنْ الدَّيْنِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَتَعْبِيرُ النَّهْرِ بِالْخُلْعِ سَبْقُ قَلَمٍ ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَرَادَ بِالْمَنْقُولِ الْمَبِيعَ الْمَنْقُولَ فَجَازَ بَيْعُ غَيْرِهِ كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ بَائِعِهِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَبَيْعِ مَنْقُولٍ ط. (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ قَرِيبًا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ بَاعَهُ مِنْهُ قَبْلَهُ لَمْ يَصِحَّ ط. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ عِتْقِهِ وَتَدْبِيرِهِ) يُوهِمُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 (مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ) فَإِنَّهُ صَحِيحٌ (عَلَى) قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ (الْأَصَحُّ) وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ عِوَضٍ مُلِكَ بِعَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَالتَّصَرُّفُ فِيهِ غَيْرُ جَائِزٍ وَمَا لَا فَجَائِزٌ عَيْنِيٌّ (وَ) الْمَنْقُولُ (لَوْ وَهَبَهُ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَقَبِلَهُ) الْبَائِعُ (انْتَقَضَ الْبَيْعُ وَلَوْ بَاعَهُ مِنْهُ قَبْلَهُ لَمْ يَصِحَّ) هَذَا الْبَيْعُ وَلَمْ يَنْتَقِضْ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ مَجَازٌ عَنْ الْإِقَالَةِ بِخِلَافِ بَيْعِهِ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ مُطْلَقًا جَوْهَرَةٌ. قُلْت: وَفِي الْمَوَاهِبِ وَفَسَدَ بَيْعُ الْمَنْقُولِ قَبْلَ قَبْضِهِ انْتَهَى وَنَفْيُ الصِّحَّةِ يَحْتَمِلُهُمَا فَتَدَبَّرْ   [رد المحتار] أَنَّ فِيهِ خِلَافَ مُحَمَّدٍ الْآتِي، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَفِي الْجَوْهَرَةِ، وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ وَالْعِتْقُ وَالتَّدْبِيرُ وَإِقْرَارُهُ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ يَجُوزُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالِاتِّفَاقِ اهـ. وَفِي الْبَحْرِ: وَأَمَّا تَزْوِيجُ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا فَجَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ لَا يَمْنَعُ جَوَازَهُ بِدَلِيلِ صِحَّةِ تَزْوِيجِ الْآبِقِ وَلَوْ زَوَّجَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ فَسَخَ الْبَيْعَ انْفَسَخَ النِّكَاحُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. (قَوْلُهُ: غَيْرِ بَائِعِهِ) قَيَّدَ بِهِ لِيُفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ بَائِعِهِ فَهُوَ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ) صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْعِوَضِ قَبْلَ الْقَبْضِ، لَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفُ فِي ذَلِكَ الْعِوَضِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ وَالْأُجْرَةِ إذَا كَانَتْ عَيْنًا فِي الْإِجَارَةِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ الدَّيْنِ إذَا كَانَ عَيْنًا لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا أَنْ يُشْرَكَ فِيهِ غَيْرُهُ، وَمَا لَا يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْعِوَضِ فَالتَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ كَالْمَهْرِ إذَا كَانَ عَيْنًا، وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ كُلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ عَيْنًا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَإِجَارَتُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدٌ كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالرَّهْنِ وَالْقَرْضِ، فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ نَائِبًا عَنْهُ ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَطْعِمْ عَنْ كَفَّارَتِي جَازَ وَيَكُونُ الْفَقِيرُ نَائِبًا عَنْهُ فِي الْقَبْضِ، ثُمَّ قَابِضًا اهـ. مُلَخَّصًا. قُلْت: وَحَيْثُ مَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ ذِكْرُ الْأَصْلِ الثَّانِي أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصْلَ الْأَوَّلَ غَيْرُ خَاصٍّ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، إلَّا أَنَّ الشِّقَّ الْأَوَّلَ مِنْهُ وَهُوَ مَا يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْعِوَضِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي عِوَضِهِ الْمُعَيَّنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مُطْلَقًا، وَأَجَازَ مُحَمَّدٌ فِيهِ كُلَّ تَصَرُّفٍ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَمَّا كَانَتْ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ صَارَ الْمَوْهُوبُ لَهُ نَائِبًا عَنْ الْوَاهِبِ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي الَّذِي وَهَبَهُ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِهِ، ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ فَتَتِمُّ الْهِبَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ، بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ الَّذِي يَتِمُّ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْبَيْعِ مَثَلًا، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لَا يَكُونُ قَابِضًا عَنْ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ تَوَقُّف الْبَيْعِ عَلَى الْقَبْضِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ تَمْلِيكُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ الْعِتْقُ وَالتَّدْبِيرُ بِأَنْ أَعْتَقَ أَوْ دَبَّرَ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَقَدْ عَلِمْت جَوَازَهُ اتِّفَاقًا مَعَ أَنَّهُ يَتِمُّ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهُوَ تَصَرُّفٌ فِي عَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْعِوَضِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَقَبِلَهُ) أَيْ قَبِلَ هِبَتَهُ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَطَلَتْ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ عَلَى حَالِهِ جَوْهَرَةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْهِبَةَ مَجَازٌ عَنْ الْإِقَالَةِ) يُقَالُ هَبْ لِي دَيْنِي وَأَقِلْنِي عَثْرَتِي، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْبَائِعِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ بَيْعِهِ) فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْمَجَازَ عَنْ الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهَا ط عَنْ الشَّلَبِيِّ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ بَاعَهُ مِنْ بَائِعِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ح. (قَوْلُهُ: قُلْت إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِ الْجَوْهَرَةِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ. (قَوْلُهُ: وَنَفْيُ الصِّحَّةِ) أَيْ الْوَاقِعُ فِي الْمَتْنِ يَحْتَمِلُهُمَا أَيْ يَحْتَمِلُ الْبُطْلَانَ وَالْفَسَادَ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْفَسَادِ الْغَرَرُ كَمَا مَرَّ مَعَ وُجُودِ رُكْنَيْ الْبَيْعِ وَكَثِيرًا مَا يُطْلَقُ الْبَاطِلُ عَلَى الْفَاسِدِ أَفَادَهُ ط. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 (اشْتَرَى مَكِيلًا بِشَرْطِ الْكَيْلِ حَرُمَ) أَيْ كُرِهَ تَحْرِيمًا (بَيْعُهُ وَأَكْلُهُ حَتَّى يَكِيلَهُ) وَقَدْ صَرَّحُوا بِفَسَادِهِ وَبِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِآكِلِهِ إنَّهُ أَكَلَ حَرَامًا لِعَدَمِ التَّلَازُمِ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي تَصَرُّفِ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ [تَتِمَّةٌ] جَمِيعُ مَا مَرَّ إنَّمَا هُوَ فِي تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَلَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ الْبَائِعُ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَإِمَّا بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا، فَلَوْ بِأَمْرِهِ كَأَنْ أَمَرَهُ أَنْ يَهَبَهُ مِنْ فُلَانٍ أَوْ يُؤَجِّرَهُ فَفَعَلَ وَسَلَّمَ صَحَّ وَصَارَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا، وَكَذَا لَوْ أَعَارَ الْبَائِعُ أَوْ وَهَبَ أَوْ رَهَنَ فَأَجَازَ الْمُشْتَرِي وَلَوْ قَالَ ادْفَعْ الثَّوْبَ إلَى فُلَانٍ يُمْسِكْهُ إلَى أَنْ أَدْفَعَ لَك ثَمَنَهُ فَهَلَكَ عِنْدَ فُلَانٍ لَزِمَ الْبَائِعَ؛ لِأَنَّ إمْسَاكَ فُلَانٍ لِأَجْلِ الْبَائِعِ وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ فَإِنْ قَالَ: بِعْهُ لِنَفْسِك أَوْ بِعْهُ فَفَعَلَ كَانَ فَسْخًا وَإِنْ قَالَ: بِعْهُ لِي لَا يَجُوزُ، وَأَمَّا تَصَرُّفُهُ بِلَا أَمْرِ الْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ رَهَنَ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ آجَرَهُ أَوْ أَوْدَعَهُ فَمَاتَ الْمَبِيعُ انْفَسَخَ بَيْعُهُ وَلَا تَضْمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ضَمَّنَهُمْ رَجَعُوا عَلَى الْبَائِعِ، وَلَوْ أَعَارَهُ أَوْ وَهَبَهُ فَمَاتَ أَوْ أَوْدَعَهُ فَاسْتَعْمَلَهُ الْمُودَعُ فَمَاتَ فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي أَمْضَى الْبَيْعَ، وَضَمَّنَ هَؤُلَاءِ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ضَمَّنَهُمْ لَمْ يَرْجِعُوا عَلَى الْبَائِعِ وَلَوْ بَاعَهُ الْبَائِعُ فَمَاتَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَلِلْأَوَّلِ فَسْخُ الْبَيْعِ وَلَهُ تَضْمِينُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ نَقَدَهُ اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: شَرَاهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى بَاعَهُ الْبَائِعُ مِنْ آخَرَ بِأَكْثَرَ فَأَجَازَهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَا لَمْ يُقْبَضْ اهـ. وَيَظْهَرُ مِنْهُ وَمِمَّا قَبْلَهُ أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فَلَهُ أَخْذُهُ مِنْ الثَّانِي لَوْ قَائِمًا، وَتَضْمِينُهُ لَوْ هَالِكًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ أَخْذَ الْقَائِمِ لَوْ كَانَ نَقَدَ الثَّمَنَ لِبَائِعِهِ وَإِلَّا فَلَا إلَّا بِإِذْنِ بَائِعِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: اشْتَرَى مَكِيلًا إلَخْ) قَيَّدَ بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ بِهِبَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَالْمُطْلَقُ مِنْ الْمَبِيعِ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْهُ حَتَّى لَوْ بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ فَاسِدًا بَعْدَ قَبْضِهِ مُكَايَلَةً لَمْ يَحْتَجْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي إلَى إعَادَةِ الْكَيْلِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ كَالْقَرْضِ. (قَوْلُهُ: أَيْ كُرِهَ تَحْرِيمًا) فَسَّرَ الْحُرْمَةَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ خَبَرُ آحَادٍ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ الْقَطْعِيَّةُ وَهُوَ مَا أَسْنَدَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي» وَبِقَوْلِنَا أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَحِينَ عَلَّلَهُ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ أَلْحَقُوا بِمَنْعِ الْبَيْعِ مَنْعَ الْأَكْلِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَكُلَّ تَصَرُّفٍ يُبْنَى عَلَى الْمِلْكِ كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ النَّصَّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ مُكَايَلَةً فَلَوْ اشْتَرَاهُ مُجَازَفَةً لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَإِذَا بَاعَهُ مُكَايَلَةً يَحْتَاجُ إلَى كَيْلٍ وَاحِدٍ لِلْمُشْتَرِي وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحُوا بِفَسَادِهِ) صَرَّحَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِمَا نَصَّهُ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: إذَا اشْتَرَيْت شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ، فَاشْتَرَيْت مَا يُكَالُ كَيْلًا وَمَا يُوزَنُ وَزْنًا وَمَا يُعَدُّ عَدًّا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَكِيلَهُ وَتَزِنَهُ وَتَعُدَّهُ، فَإِنْ بِعْته قَبْلَ أَنْ تَفْعَلَ وَقَدْ قَبَضْته فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ اهـ. ط. قُلْت: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَاسِدَ هُوَ الْبَيْعُ الثَّانِي وَهُوَ بَيْعُ الْمُشْتَرَى قَبْلَ كَيْلِهِ، وَأَنَّ الْأَوَّلَ وَقَعَ صَحِيحًا لَكِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ مِنْ أَكْلٍ أَوْ بَيْعٍ حَتَّى يَكِيلَهُ، فَإِذَا بَاعَهُ قَبْلَ كَيْلِهِ وَقَعَ الْبَيْعُ الثَّانِي فَاسِدًا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُ الْكَيْلِ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ، فَإِذَا بَاعَهُ قَبْلَ كَيْلِهِ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَصِحُّ فَكَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ فُرُوعِ الَّتِي قَبْلَهَا؛ فَلِذَا أَعْقَبَهَا بِهَا قَبْلَ ذِكْرِ التَّصَرُّفِ فِي الثَّمَنِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ: إذَا مَلَك زَيْدٌ طَعَامًا بِبَيْعِ مُجَازَفَةٍ أَوْ بِإِرْثٍ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ عَمْرٍو مُكَايَلَةً سَقَطَ هُنَا صَاعُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ الْأَوَّلَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْكَيْلِ وَبَقِيَ الِاحْتِيَاجُ إلَى كَيْلِ الْمُشْتَرِي فَقَطْ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مِنْ عَمْرٍو بِلَا كَيْلٍ فَهُنَا فَسَدَ الْبَيْعُ الثَّانِي فَقَطْ، ثُمَّ إذَا بَاعَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 كَمَا بَسَطَهُ الْكَمَالُ لِكَوْنِهِ أَكَلَ مِلْكَهُ (وَمِثْلُهُ الْمَوْزُونُ وَالْمَعْدُودُ) بِشَرْطِ الْوَزْنِ وَالْعَدِّ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ، وَهِيَ لِلْبَائِعِ بِخِلَافِهِ مُجَازَفَةً؛ لِأَنَّ الْكُلَّ لِلْمُشْتَرِي وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ (غَيْرَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ) لِجَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيهِمَا بَعْدَ الْقَبْضِ قَبْلَ الْوَزْنِ كَبَيْعِ التَّعَاطِي فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي الْمَوْزُونَاتِ إلَى وَزْنِ الْمُشْتَرِي ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ بَيْعًا بِالْقَبْضِ بَعْدَ الْوَزْنِ قُنْيَةٌ   [رد المحتار] عَمْرٌو مِنْ بَكْرٍ لَا بُدَّ مِنْ كَيْلٍ آخَرَ لِبَكْرٍ، فَهُنَا فَسَدَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. (قَوْلُهُ: كَمَا بَسَطَهُ الْكَمَالُ) حَيْثُ قَالَ: وَنَصَّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَكَلَهُ، وَقَدْ قَبَضَهُ بِلَا كَيْلٍ لَا يُقَالُ إنَّهُ أَكَلَ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ آثِمٌ لِتَرْكِهِ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الْكَيْلِ، فَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ أَصْلًا فِي سَائِرِ الْمَبِيعَاتِ بَيْعًا فَاسِدًا إذَا قَبَضَهَا فَمَلَكَهَا ثُمَّ أَكَلَهَا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنْ لَيْسَ كُلُّ مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ يُقَالُ فِيهِ أَكَلَ حَرَامًا اهـ مَا فِي الْفَتْحِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا حَرُمَ الْفِعْلُ وَهُوَ الْأَكْلُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَكَلَ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْمَأْكُولُ حَرَامًا كَالْمَيْتَةِ وَمِلْكِ الْغَيْرِ وَقَدْ لَا يَكُونُ حَرَامًا كَمَا هُنَا وَكَالْمُشْتَرَى فَاسِدًا بَعْدَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ وَسَرَقَ مِنْهُمْ شَيْئًا وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِنَا مَلَكَهُ مِلْكًا خَبِيثًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ عَلَيْهِمْ وَكَذَا لَوْ غَصَبَ شَيْئًا وَاسْتَهْلَكَهُ بِخَلْطٍ وَنَحْوِهِ حَتَّى مَلَكَهُ وَلَمْ يُؤَدِّ ضَمَانَهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِأَكْلٍ وَنَحْوِهِ وَإِنْ كَانَ مَلَكَهُ. (قَوْلُهُ: وَالْمَعْدُودُ) أَيْ الَّذِي لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ فَتْحٌ. وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمَعْدُودِ قَبْلَ الْعَدِّ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا كَذَا فِي السِّرَاجِ وَالْأَوَّلُ وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْفَتْحِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ حَرُمَ أَوْ لِقَوْلِهِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِفَسَادِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ بَعْدَ تَعْلِيلِهِ بِالنَّهْيِ الْمَارِّ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْمَشْرُوطِ، وَذَلِكَ لِلْبَائِعِ وَالتَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ حَرَامٌ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ سَبَبَ النَّهْيِ أَمْرٌ يَرْجِعُ إلَى الْمَبِيعِ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا وَنَصَّ عَلَى الْفَاسِدِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مُجَازَفَةٍ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِشَرْطِ الْكَيْلِ، وَقَوْلُهُ: بِشَرْطِ الْوَزْنِ وَالْعَدِّ أَيْ لَوْ اشْتَرَاهُ مُجَازَفَةً لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْمُشَارِ إلَيْهِ لَهُ: أَيْ الْأَصْلُ وَالزِّيَادَةُ أَيْ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا كَانَ يَظُنُّهُ بِأَنْ ابْتَاعَ صُبْرَةً عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا عَشَرَةٌ فَظَهَرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ، وَمِثْلُ الشِّرَاءِ مُجَازَفَةً مَا لَوْ مَلَكَهُ بِهِبَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ كَمَا مَرَّ أَوْ بِزِرَاعَةٍ أَوْ اسْتَقْرَضَ حِنْطَةً عَلَى أَنَّهَا كُرٌّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْرَاضَ، وَإِنْ كَانَ تَمْلِيكًا بِعِوَضٍ كَالشِّرَاءِ، لَكِنَّهُ شِرَاءٌ صُورَةً عَارِيَّةٌ حُكْمًا؛ لِأَنَّ مَا يَرُدُّهُ عَيْنُ الْمَقْبُوضِ حُكْمًا فَكَانَ تَمْلِيكًا بِلَا عِوَضٍ حُكْمًا كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَلَوْ بَاعَ أَحَدَ هَؤُلَاءِ مُكَايَلَةً فَلَا بُدَّ مِنْ كَيْلِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ سَقَطَ كَيْلُ الْبَائِعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي الْفَتْحِ: وَلَوْ اشْتَرَاهَا مُكَايَلَةً ثُمَّ بَاعَهَا مُجَازَفَةً قَبْلَ الْكَيْلِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِاحْتِمَالِ اخْتِلَاطِ مِلْكِ الْبَائِعِ بِمِلْكِ بَائِعِهِ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ يَجُوزُ اهـ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ بِخِلَافِهِ مُجَازَفَةً مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ اشْتَرَى مُكَايَلَةً. (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيهِمَا بَعْدَ الْقَبْضِ قَبْلَ الْوَزْنِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِيضَاحِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ فِي عَقْدِ صَرْفٍ أَوْ سَلَمٍ، وَإِلَّا فَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ ثَمَنٌ وَيَأْتِي أَنَّهُ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ. (قَوْلُهُ: كَبَيْعِ التَّعَاطِي إلَخْ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ بَيْعِ التَّعَاطِي أَمَّا هُوَ فَقَالَ فِي الْقُنْيَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَخْ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَهَذَا كُلُّهُ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَوْزُنَاتِ بَلْ التَّعَاطِي فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ كَذَلِكَ، وَهُوَ مُفَادُ التَّعْلِيلِ أَيْضًا بِأَنَّهُ صَارَ بَيْعًا بَعْدَ الْقَبْضِ، فَإِنَّهُ لَا يَخُصُّ الْمَوْزُونَاتِ لَكِنْ فِيهِ أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَا يَصِيرُ بَيْعًا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْقَبْضِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ دَفَعَ الثَّمَنَ، وَلَمْ يَقْبِضْ صَحَّ، وَقَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ عَنْ الْقُنْيَةِ دَفَعَ إلَى بَائِعِ الْحِنْطَةِ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ لِيَأْخُذَ مِنْهُ حِنْطَةً، وَقَالَ لَهُ بِكَمْ تَبِيعُهَا فَقَالَ مِائَةً بِدِينَارٍ فَسَكَتَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ الْحِنْطَةَ لِيَأْخُذَهَا فَقَالَ الْبَائِعُ غَدًا أَدْفَعُ لَك، وَلَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ وَذَهَبَ الْمُشْتَرِي فَجَاءَ غَدًا لِيَأْخُذَ الْحِنْطَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى خُلَاصَةٌ (وَكَفَى كَيْلُهُ مِنْ الْبَائِعِ بِحَضْرَتِهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي (بَعْدَ الْبَيْعِ) لَا قَبْلَهُ أَصْلًا أَوْ بَعْدَهُ بِغَيْبَتِهِ فَلَوْ كَيَّلَ بِحَضْرَةِ رَجُلٌ فَشَرَاهُ فَبَاعَهُ قَبْلَ كَيْلِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ اكْتَالَهُ الثَّانِي لِعَدَمِ كَيْلِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَكُنْ قَابِضًا فَتْحٌ (وَلَوْ كَانَ) الْمَكِيلُ أَوْ الْمَوْزُونُ (ثَمَنًا جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ كَيْلِهِ وَوَزْنِهِ) لِجَوَازِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَبْلَ الْكَيْلِ أَوْلَى. (لَا) يَحْرُمُ (الْمَذْرُوعُ) قَبْلَ ذَرْعِهِ (وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِهِ إلَّا إذَا أَفْرَدَ لِكُلِّ ذِرَاعٍ ثَمَنًا) (فَهُوَ) فِي حُرْمَةِ مَا ذُكِرَ (كَمَوْزُونٍ) وَالْأَصْلُ مَا مَرَّ مِرَارًا أَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ لَا قَدْرٌ   [رد المحتار] وَقَدْ تَغَيَّرَ السِّعْرُ فَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَدْفَعَهَا بِالسِّعْرِ الْأَوَّلِ اهـ. وَتَمَامُهُ هُنَاكَ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَكَفَى كَيْلُهُ مِنْ الْبَائِعِ بِحَضْرَتِهِ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ اشْتَرَى كَيْلِيًّا مُكَايَلَةً أَوْ مَوْزُونًا مُوَازَنَةً، فَكَالَ الْبَائِعُ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي. قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْفَضْلِ يَكْفِيهِ كَيْلُ الْبَائِعِ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَكِيلَهُ اهـ. قُلْت: وَأَفَادَ أَنَّ الشَّرْطَ مُجَرَّدُ الْحَضْرَةِ لَا الرُّؤْيَةُ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ يَشْتَرِي مِنْ الْخَبَّازِ خُبْزًا كَذَا مَنًّا فَيَزِنُهُ وَكِفَّةُ سَنْجَاتِ مِيزَانِهِ فِي دَرَبَنْدِهِ، فَلَا يَرَاهُ الْمُشْتَرِي أَوْ مِنْ الْبَائِعِ كَذَا مَنًّا فَيَزِنُهُ فِي حَانُوتِهِ، ثُمَّ يُخْرِجُهُ إلَيْهِ مَوْزُونًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْوَزْنِ وَكَذَا إذَا لَمْ يَعْرِفْ عَدَدَ سَنْجَاتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا قَبْلَهُ أَصْلًا إلَخْ) أَيْ لَوْ كَالَهُ الْبَائِعُ قَبْلَ الْمَبِيعِ لَا يَكْفِي أَصْلًا أَيْ وَلَوْ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي، وَكَذَا لَوْ كَالَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ بِغَيْبَةِ الْمُشْتَرِي لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْكَيْلَ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ وَلَا تَسْلِيمَ مِنْ الْغَيْبَةِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ كِيلَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا قَبْلَهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِعَدَمِ كَيْلِ الْأَوَّلِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْكَيْلِ الْوَاقِعِ بِحَضْرَتِهِ قَبْلَ شِرَائِهِ، ثُمَّ إنَّ عِبَارَةَ الْفَتْحِ هَكَذَا وَمِنْ هُنَا يَنْشَأُ فَرْعٌ، وَهُوَ مَا لَوْ كِيلَ طَعَامٌ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ بَاعَهُ مُكَايَلَةً قَبْلَ أَنْ يَكْتَالَهُ بَعْدَ شِرَائِهِ لَا يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ سَوَاءٌ اكْتَالَهُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكْتَلْ بَعْدَ شِرَائِهِ هُوَ لَمْ يَكُنْ قَابِضًا فَبَيْعُهُ بَيْعُ مَا لَمْ يَقْبِضْ فَلَا يَجُوزُ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ فَقَوْلُهُ: سَوَاءٌ اكْتَالَهُ لِلْمُشْتَرَى مِنْهُ أَوْ لَا إلَخْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ فَاعِلَ اكْتَالَهُ هُوَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ الَّذِي كِيلَ الطَّعَامُ بِحَضْرَتِهِ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ بَاعَهُ وَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَإِنْ اكْتَالَهُ الثَّانِي صَرِيحٌ فِي أَنَّ فَاعِلَ اكْتَالَهُ هُوَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ أَحْسَنُ، لِإِفَادَتِهَا أَنَّ هَذَا الْكَيْلَ الْوَاقِعَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي لَا يَكْفِيهِ عَنْ كَيْلِ نَفْسِهِ لِوُقُوعِهِ بَعْدَ بَيْعِهِ لِلثَّانِي، فَكَانَ بَيْعًا قَبْلَ الْقَبْضِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْكَيْلِ الْوَاقِعِ أَوَّلًا بِحَضْرَتِهِ قَبْلَ شِرَائِهِ، وَأَمَّا عَلَى عِبَارَةِ الشَّارِحِ فَلَا شُبْهَةَ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ، ثُمَّ إنَّ مَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ كَيْلَهُ لِلْمُشْتَرَى مِنْهُ لَا يَكْفِي عَنْ كَيْلِ نَفْسِهِ ظَاهِرٌ لِلتَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا شَرَحَ بِهِ كَلَامَ الْهِدَايَةِ أَوَّلًا حَيْثُ قَالَ وَإِنْ كَالَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي مَرَّةً كَفَاهُ ذَلِكَ، حَتَّى يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ كَيْلِهِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا بُدَّ مِنْ الْكَيْلِ مَرَّتَيْنِ اهـ. مُلَخَّصًا فَإِنَّ قَوْلَهُ: كَفَاهُ أَيْ كَفَى الْبَائِعَ وَهُوَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ يُفِيدُ أَنَّهُ يَكْفِيهِ ذَلِكَ عَنْ الْكَيْلِ لِنَفْسِهِ، وَلَعَلَّ الشَّارِحَ لِأَجْلِ ذَلِكَ، جَعَلَ فَاعِلَ اكْتَالَهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لَكِنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ الْكَيْلِ، وَإِنْ وَقَعَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بَعْدَ الْمَبِيعِ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْمَكِيلُ أَوْ الْمَوْزُونُ ثَمَنًا) أَيْ بِأَنْ اشْتَرَى عَبْدًا مَثَلًا بِكُرِّ بُرٍّ أَوْ بِرِطْلِ زَيْتٍ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِهِ الْآتِي: وَجَازَ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ شَيْخَهُ فِي ذِكْرِهَا هُنَا. (قَوْلُهُ: فَقِيلَ الْكَيْلُ أَوْلَى) لِأَنَّ الْكَيْلَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِهِ) أَيْ وَإِنْ اشْتَرَى الْمَذْرُوعَ شَرَطَ الذَّرْعَ. (قَوْلُهُ: فِي حُرْمَةِ مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الْبَيْعِ وَلَا يَصِحُّ إرَادَةُ الْأَكْلِ هُنَا وَفِي حُكْمِ الْبَيْعِ كُلُّ تَصَرُّفٍ يَنْبَنِي عَلَى الْمِلْكِ ط. (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ مَا مَرَّ مِرَارًا إلَخْ) مِنْهَا مَا قَدَّمَهُ أَوَّلَ الْبَيْعِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَإِنْ بَاعَ صُبْرَةً إلَخْ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَ كَوْنِ الذَّرْعِ فِي الْقِيَمِيَّاتِ وَصْفًا وَكَوْنِ الْقَدْرِ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ أَصْلًا وَهُوَ كَوْنُ التَّشْقِيصِ يَضُرُّ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي إلَخْ، وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ الْفَرْقَ بِأَنَّ الذَّرْعَ عِبَارَةٌ عَنْ الزِّيَادَةِ أَوْ النُّقْصَانِ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَذَلِكَ وَصْفٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 فَيَكُونُ كُلُّهُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا إذَا كَانَ مَقْصُودًا وَاسْتَثْنَى ابْنُ الْكَمَالِ مِنْ الْمَوْزُونِ مَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ حِينَئِذٍ فِيهِ وَصْفٌ (وَجَازَ) (التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ) بِهِبَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لَوْ عَيْنًا أَيْ مُشَارًا إلَيْهِ وَلَوْ دَيْنًا فَالتَّصَرُّفُ فِيهِ تَمْلِيكٌ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَلَوْ بِعِوَضٍ وَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِهِ ابْنُ مَالِكٍ (قَبْلَ قَبْضِهِ) سَوَاءٌ (تَعَيَّنَ بِالتَّعْيِينِ)   [رد المحتار] قَوْلُهُ: فَيَكُونُ كُلُّهُ لِلْمُشْتَرِي) قَالَ فِي الْفَتْحِ فَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ جَازَ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ الذَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَادَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ نَقَصَ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فَإِذَا بَاعَهُ بِلَا ذَرْعٍ كَانَ مُسْقِطًا خِيَارَهُ عَلَى تَقْدِيرِ النَّقْصِ وَلَهُ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ مَقْصُودًا) بِأَنْ أَفْرَدَ لِكُلِّ ذِرَاعٍ ثَمَنًا؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ الْتَحَقَ بِالْقَدْرِ فِي حَقِّ ازْدِيَادِ الثَّمَنِ، فَصَارَ الْمَبِيعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ هُوَ الثَّوْبَ الْمُقَدَّرَ، وَذَلِكَ يَظْهَرُ بِالذَّرْعِ، وَالْقَدْرُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ حَتَّى يَجِبُ رَدُّ الزِّيَادَةِ فِيمَا لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ، وَيَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ مِنْ الثَّمَنِ فِيمَا يَضُرُّهُ وَيَنْقُصُ مِنْ ثَمَنِهِ عِنْدَ انْتِقَاضِهِ اهـ. ط عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. (قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى ابْنُ الْكَمَالِ إلَخْ) أَيْ بَحْثًا وَمَا يَضُرُّهُ وَالتَّبْعِيضُ كَمَصُوغٍ فَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ وَزْنِهِ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِهِ وَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ ذِكْرُ هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَمِثْلُهُ الْمَوْزُونُ ط وَعِبَارَةُ ابْنِ الْكَمَالِ هِيَ قَوْلُهُ: بَعْدَ ذِكْرِ الْأَصْلِ الْمَارِّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُوجَبَ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنْ يُسْتَثْنَى مَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ مِنْ جِنْسِ الْمَوْزُونِ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ فِيهِ وَصْفٌ عَلَى مَا مَرَّ اهـ. [مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ وَالدَّيْنِ] (قَوْلُهُ: وَجَازَ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ إلَخْ) الثَّمَنُ: مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ دَيْنًا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ، وَهُوَ النَّقْدَانِ وَالْمِثْلِيَّاتُ إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً وَقُوبِلَتْ بِالْأَعْيَانِ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ وَصَحِبَهَا حَرْفُ الْبَاءِ. وَأَمَّا الْمَبِيعُ: فَهُوَ الْقِيَمِيَّاتُ وَالْمِثْلِيَّاتُ إذَا قُوبِلَتْ بِنَقْدٍ أَوْ بِعَيْنٍ: وَهِيَ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ مِثْلُ اشْتَرَيْت كُرَّ بُرٍّ بِهَذَا الْعَبْدِ هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْفَتْحِ، وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الصَّرْفِ. (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهِمَا) كَإِجَارَةٍ وَوَصِيَّةٍ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ: أَيْ مُشَارًا إلَيْهِ) هَذَا التَّفْسِيرُ لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ مَلَكٍ. بَلْ زَادَهُ الشَّارِحُ، وَالْمُرَادُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ مَا يَقْبَلُ الْإِشَارَةَ فَيُوَافِقُ تَفْسِيرَ بَعْضِهِمْ لَهُ بِالْحَاضِرِ وَذَكَرَ ح أَنَّهُ يَشْمَلُ الْقِيَمِيَّ وَالْمِثْلِيَّ غَيْرَ النَّقْدَيْنِ، وَاعْتَرَضَهُ ط بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْبَاعِثَ لِلشَّارِحِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ إدْخَالُ النَّقْدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ مِنْ الْعَيْنِ الْعَرْضُ لِيُقَابِلَ قَوْلَهُ وَلَوْ دَيْنًا. قُلْت: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ دُخُولَ الْقِيَمِيِّ هُنَا لَا وَجْهَ لَهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الثَّمَنِ وَهُوَ مَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَالْقِيَمِيُّ مَبِيعٌ لَا ثَمَنٌ، وَإِنَّمَا مُرَادُ الشَّارِحِ بَيَانُ أَنَّ الثَّمَنَ قِسْمَانِ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ حَاضِرًا، كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِهَذَا الْكُرِّ مِنْ الْبُرِّ أَوْ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، فَهَذَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ قَبْلَ قَبْضِهِ بِهِبَةٍ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي وَغَيْرِهِ، وَتَارَةً يَكُونُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى الْعَبْدَ بِكُرِّ بُرٍّ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ، فَهَذَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِتَمْلِيكِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ، وَلَا يَصِحُّ إلَّا مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الدَّيْنَ قَدْ لَا يَكُونُ ثَمَنًا فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي الشِّرَاءِ بِدَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ، وَانْفِرَادِ الثَّمَنِ بِالشِّرَاءِ بِعَبْدٍ، وَانْفِرَادِ الدَّيْنِ فِي التَّزْوِيجِ أَوْ الطَّلَاقِ عَلَى دَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ. (قَوْلُهُ: فَالتَّصَرُّفُ فِيهِ تَمْلِيكٌ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: تَمْلِيكُهُ، وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ لِقَوْلِ ابْنِ مَلَكٍ: فَالتَّصَرُّفُ فِيهِ هُوَ تَمْلِيكُهُ إلَخْ أَيْ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهِ الْجَائِزَ هُوَ كَذَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِعِوَضٍ) كَأَنْ اشْتَرَى الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي شَيْئًا بِالثَّمَنِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ أَوْ اسْتَأْجَرَ بِهِ عَبْدًا أَوْ دَارًا لِلْمُشْتَرِي، وَمِثَالُ التَّمْلِيكِ بِغَيْرِ عِوَضٍ هِبَتُهُ وَوَصِيَّتُهُ لَهُ نَهْرٌ، فَإِذَا وُهِبَ مِنْهُ الثَّمَنَ مَلَكَهُ بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إلَى الْقَبْضِ، وَكَذَا الصَّدَقَةُ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، إلَّا إذَا سَلَّطَهُ عَلَيْهِ، وَاسْتَثْنَى فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَ صُوَرٍ. الْأُولَى: إذَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ، فَيَكُونُ وَكِيلًا قَابِضًا لِلْمَوْلَى ثُمَّ لِنَفْسِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 كَمَكِيلٍ (أَوْ لَا) كَنُقُودٍ فَلَوْ بَاعَ إبِلًا بِدَرَاهِمَ أَوْ بِكُرِّ بُرٍّ جَازَ أَخْذُ بَدَلِهِمَا شَيْئًا آخَرَ (وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ دَيْنٍ قَبْلَ قَبْضِهِ كَمَهْرٍ وَأُجْرَةٍ وَضَمَانِ مُتْلَفٍ) وَبَدَلِ خُلْعٍ وَعِتْقٍ بِمَالٍ وَمَوْرُوثٍ وَمُوصًى بِهِ. وَالْحَاصِلُ: جَوَازُ التَّصَرُّفِ فِي الْأَثْمَانِ وَالدُّيُونِ كُلِّهَا قَبْلَ قَبْضِهَا عَيْنِيٌّ (سِوَى صَرْفٍ وَسَلَمٍ) فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ خِلَافِ جِنْسِهِ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ (وَصَحَّ الزِّيَادَةُ فِيهِ) وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ   [رد المحتار] الثَّانِيَةُ: الْحَوَالَةُ. الثَّالِثَةُ: الْوَصِيَّةُ. (قَوْلُهُ: كَمَكِيلٍ) فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَى الْعَبْدَ بِهَذَا الْكُرِّ مِنْ الْبُرِّ تَعَيَّنَ ذَلِكَ الْكُرُّ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ دَفْعُ كُرٍّ غَيْرِهِ. مَطْلَبٌ فِيمَا تَتَعَيَّنُ فِيهِ النُّقُودُ وَمَا لَا تَتَعَيَّنُ (قَوْلُهُ: كَنُقُودٍ) فَإِذَا اشْتَرَى بِهَذَا الدِّرْهَمِ لَهُ دَفْعُ دِرْهَمٍ غَيْرِهِ، وَعَدَمُ تَعَيُّنِ النَّقْدِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ ذَلِكَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ وَفِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْمَهْرِ: وَلَوْ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَفِي النَّذْرِ وَالْأَمَانَاتِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْغَصْبِ وَالْوَكَالَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ بَعْدَهُ، وَيَتَعَيَّنُ فِي الصَّرْفِ بَعْدَ هَلَاكِهِ وَبَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ وَفِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ فَيُؤْمَرُ بِرَدِّ نِصْفِ مَا قَبَضَ عَلَى شَرِيكِهِ وَفِيمَا إذَا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْقَضَاءِ بِأَنْ أَقَرَّ بَعْدَ الْأَخْذِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى خَصْمِهِ شَيْءٌ فَيَرُدُّ عَيْنَ مَا قَبَضَ لَوْ قَائِمًا، وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ فِي أَحْكَامِ النَّقْدِ، وَقَدَّمْنَاهُ فِي أَوَاخِرِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ بَاعَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَجَازَ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ إلَخْ. مَطْلَبٌ فِي تَعْرِيفِ الْكُرِّ (قَوْلُهُ: أَوْ بِكُرِّ بُرٍّ) الْكُرُّ كَيْلٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ سِتُّونَ قَفِيزًا وَالْقَفِيزُ ثَمَانِيَةُ مَكَاكِيكَ وَالْمَكُّوكُ صَاعٌ وَنِصْفٌ مِصْبَاحٌ. (قَوْلُهُ: جَازَ أَخْذُ بَدَلِهِمَا شَيْئًا آخَرَ) لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ افْتِرَاقًا بِدَيْنٍ كَمَا يَأْتِي فِي الْقَرْضِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ دَيْنٍ) أَيْ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ تَمْلِيكًا مِمَّنْ عَلَيْهِ بِعِوَضٍ أَوْ بِدُونِهِ كَمَا عَلِمْت، وَلَمَّا كَانَ الثَّمَنُ أَخَصَّ مِنْ الدَّيْنِ مِنْ وَجْهٍ كَمَا قَرَّرْنَاهُ بَيَّنَ أَنَّ مَا عَدَاهُ مِنْ الدَّيْنِ مِثْلُهُ. (قَوْلُهُ: كَمَهْرٍ إلَخْ) وَكَذَا الْقَرْضُ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَقَدْ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنَّ الْقَرْضَ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَضَمَانِ مُتْلَفٍ) أَيْ ضَمَانِهِ بِالْمِثْلِ لَوْ مِثْلِيًّا وَإِلَّا فَبِالْقِيمَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: بِمَالٍ) قَيْدٌ لِخُلْعٍ وَعِتْقٍ؛ لِأَنَّهُمَا بِدُونِ مَالٍ لَا يَكُونُ لَهُمَا بَدَلٌ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَمَوْرُوثٍ وَمُوصًى بِهِ) قَالَ الْكَمَالُ: وَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَالتَّصَرُّفُ فِيهِ جَائِزٌ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَخْلُفُ الْمُوَرِّثَ فِي الْمِلْكِ وَكَانَ لِلْمَيِّتِ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ، فَكَذَا لِلْوَارِثِ وَكَذَا الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ اهـ. وَمِثْلُهُ لِلْأَتْقَانِيِّ وَهَذَا كَالصَّرِيحِ فِي جَوَازِ تَصَرُّفِ الْوَارِثِ فِي الْمَوْرُوثِ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا ط. (قَوْلُهُ: سِوَى صَرْفٍ وَسَلَمٍ) سَيَأْتِي فِي بَابِ السَّلَمِ قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ فِي رَأْسِ الْمَالِ، وَلَا لِرَبِّ السَّلَمِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِنَحْوِ بَيْعٍ وَشَرِكَةٍ، وَلَوْ مِمَّنْ عَلَيْهِ وَلَا شِرَاءِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِرَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ بِخِلَافِ بَدَلِ الصَّرْفِ حَيْثُ يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ، لَكِنْ بِشَرْطِ قَبْضِهِ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ لِجَوَازِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِخِلَافِ السَّلَمِ اهـ. وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ وَمَرَّتْ مَسْأَلَةُ الْإِقَالَةِ فِي بَابِهَا. (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ خِلَافِ جِنْسِهِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ ط. (قَوْلُهُ: لِفَوَاتِ شَرْطِهِ) وَهُوَ الْقَبْضُ فِي بَدَلَيْ الصَّرْفِ وَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّ الزِّيَادَةُ فِيهِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَوْ عَبَّرَ بِاللُّزُومِ بَدَلَ الصِّحَّةِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ حَتَّى لَوْ نَدِمَ الْمُشْتَرِي بَعْدَمَا زَادَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ وَارِثِهِ خُلَاصَةٌ. وَلَفْظُ ابْنُ مَالِكٍ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ (إنْ) فِي غَيْرِ صَرْفٍ وَ (قَبِلَ الْبَائِعُ) فِي الْمَجْلِسِ فَلَوْ بَعْدَهُ بَطَلَتْ خُلَاصَةٌ وَفِيهَا لَوْ نَدِمَ بَعْدَمَا زَادَ أُجْبِرَ (وَكَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا) فَلَا تَصِحُّ بَعْدَ هَلَاكِهِ وَلَوْ حُكْمًا عَلَى الظَّاهِرِ بِأَنْ بَاعَهُ ثُمَّ شَرَاهُ ثُمَّ زَادَهُ. زَادَ فِي الْخُلَاصَةِ وَكَوْنَهُ مَحَلًّا لِلْمُقَابَلَةِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي حَقِيقَةً فَلَوْ بَاعَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ دَبَّرَ أَوْ كَاتَبَ أَوْ مَاتَتْ الشَّاةُ فَزَادَ لَمْ يَجُزْ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْبَيْعِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجَّرَ أَوْ رَهَنَ أَوْ جَعَلَ الْحَدِيدَ سَيْفًا أَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ لِقِيَامِ الِاسْمِ وَالصُّورَةِ وَبَعْضِ الْمَنَافِعِ. (وَ) صَحَّ (الْحَطُّ مِنْهُ) وَلَوْ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ (وَالزِّيَادَةُ) وَالْحَطُّ (يَلْتَحِقَانِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ) بِالِاسْتِنَادِ   [رد المحتار] يُجْبَرُ إذَا امْتَنَعَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَجْلِسِ) أَيْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ) فَإِنْ زَادَ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي تَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَالصُّلْحِ، وَإِنْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَإِنْ أَجَازَ الْمُشْتَرِي لَزِمَتْهُ وَإِنْ لَمْ يُجِزْ بَطَلَتْ، وَلَوْ كَانَ حِينَ زَادَ ضَمِنَ عَنْ الْمُشْتَرِي أَوْ أَضَافَهَا إلَى مَالِ نَفْسِهِ لَزِمَتْهُ الزِّيَادَةُ، ثُمَّ إنْ كَانَ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ صَرْفٍ) يُوهِمُ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهِ لَا تَصِحُّ مَعَ أَنَّهَا تَصِحُّ وَتُفْسِدُهُ كَمَا يَذْكُرُهُ قَرِيبًا وَكَأَنَّهُ حَمَلَ الصِّحَّةَ عَلَى الْجَوَازِ وَالْحِلِّ أَوْ أَرَادَ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الصَّرْفِ فَسَادَهُ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَجْلِسِ) أَيْ مَجْلِسِ الزِّيَادَةِ. (قَوْلُهُ: لَوْ نَدِمَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ لَازِمَةٌ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّهَا تَصِحُّ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ كَمَا يَصِحُّ الْحَطُّ بَعْدَ هَلَاكِهِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ بَاعَهُ ثُمَّ شَرَاهُ) مِنْ صُوَرِ الْهَلَاكِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ وَلِذَا يَمْتَنِعُ بِذَلِكَ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ وَالرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ وَأَفَادَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْتَرِهِ فَكَذَلِكَ بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَكَوْنُهُ) أَيْ الْمَبِيعِ مَحَلًّا لِلْمُقَابَلَةِ أَيْ لِمُقَابَلَةِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ ط قَالَ ح: وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِ الشَّارِحِ وَلَوْ حُكْمًا كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: حَقِيقَةً) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا خَرَجَ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ بِأَنْ هَلَكَ حَقِيقَةً كَمَوْتِ الشَّاةِ أَوْ حُكْمًا كَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ بَاعَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا تَصِحُّ بَعْدَ هَلَاكِهِ، وَكَذَا لَوْ وَهَبَ وَسَلَّمَ أَوْ طَبَخَ اللَّحْمَ أَوْ طَحَنَ أَوْ نَسَجَ الْغَزْلَ أَوْ تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ أَوْ أَسْلَمَ مُشْتَرِي الْخَمْرِ ذِمِّيًّا لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْعَقْدِ، إذْ الْعَقْدُ لَمْ يَرِدْ عَلَى الْمَطْحُونِ وَالْمَنْسُوجِ، وَلِهَذَا يَصِيرُ الْغَاصِبُ أَحَقَّ بِهِمَا إذَا فَعَلَ بِالْمَغْصُوبِ ذَلِكَ وَكَذَا الزِّيَادَةُ فِي الْمَهْرِ شَرْطُهَا بَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ فَلَوْ زَادَ بَعْدَ مَوْتِهَا لَا يَصِحُّ اهـ. فَتْحٌ وَرَوَى الْحَسَنُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهَا تَصِحُّ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَصِحُّ الزِّيَادَةُ فِي الْمَهْرِ بَعْدَ الْمَوْتِ نَهْرٌ. قُلْت: وَهَذِهِ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْعَجَبُ مِنْ الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَصِحُّ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَنَّهَا تَصِحُّ فِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْهَلَاكَ الْحُكْمِيَّ مُلْحَقٌ بِالْحَقِيقِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَبِيعَ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ أَوْ تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ أَوْ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الزِّيَادَةُ فِي مَهْرِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجَّرَ) وَكَذَا لَوْ خَاطَ الثَّوْبَ أَوْ قُطِعَتْ يَدُ الْعَبْدِ، وَأَخَذَ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لِقِيَامِ الِاسْمِ وَالصُّورَةِ) أَيْ فِي غَيْرِ جَعْلِ الْحَدِيدِ سَيْفًا فَإِنَّ الصُّورَةَ تَبَدَّلَتْ فِيهِ ط. (قَوْلُهُ: وَصَحَّ الْحَطُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الثَّمَنِ وَكَذَا مِنْ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ رَمْلِيٌّ عَلَى الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ: وَقَبْضِ الثَّمَنِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى هَلَاكٍ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْحَطِّ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَيَصِحُّ الْحَطُّ مِنْ الْمَبِيعِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: يَلْتَحِقَانِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ) هَذَا لَوْ الْحَطُّ مِنْ غَيْرِ الْوَكِيلِ فَفِي شُفْعَةِ الْخَانِيَّةِ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ الدَّارَ بِأَلْفٍ ثُمَّ حَطَّ عَنْ الْمُشْتَرِي مِائَةً صَحَّ وَضَمِنَ الْمِائَةَ لِلْآمِرِ، وَبُرِّئَ الْمُشْتَرِي عَنْهَا وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الدَّارَ بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّ حَطَّ الْوَكِيلَ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ. (قَوْلُهُ: بِالِاسْتِنَادِ) وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ أَوَّلًا فِي الْحَالِ، ثُمَّ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ، وَلِهَذَا لَا يُثْبِتُ الزِّيَادَةَ فِي صُورَةِ الْهَلَاكِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ فِي الْحَالِ مُتَعَذِّرٌ لِانْتِفَاءِ الْمَحَلِّ فَتَعَذَّرَ اسْتِنَادُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 فَبَطَلَ حَطُّ الْكُلِّ وَأَثَرُ الِالْتِحَاقِ فِي تَوْلِيَةٍ وَمُرَابَحَةٍ وَشُفْعَةٍ وَاسْتِحْقَاقٍ وَهَلَاكٍ وَحَبْسِ مَبِيعٍ وَفَسَادِ صَرْفٍ لَكِنْ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الشُّفْعَةِ الْحَطُّ فَقَطْ (وَ) صَحَّ (الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ) وَلَزِمَ الْبَائِعَ دَفْعُهَا (إنْ) فِي غَيْرِ سَلَمٍ زَيْلَعِيٌّ وَ (قَبِلَ الْمُشْتَرِي وَتَلْتَحِقُ) أَيْضًا (بِالْعَقْدِ فَلَوْ هَلَكَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ قَبْضٍ سَقَطَ حِصَّتُهَا مِنْ الثَّمَنِ) وَكَذَا لَوْ زَادَ فِي الثَّمَنِ عَرْضًا فَهَلَكَ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ قُنْيَةٌ (وَلَا يُشْتَرَطُ لِلزِّيَادَةِ هُنَا قِيَامُ الْمَبِيعِ)   [رد المحتار] كَالْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ لَا يَنْبَرِمُ بِالْإِجَازَةِ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ وَقْتَهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: فَبَطَلَ حَطُّ الْكُلِّ) أَيْ بَطَلَ الْتِحَاقُهُ مَعَ صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَسُقُوطُ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِ الزَّيْلَعِيِّ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الِالْتِحَاقَ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى تَبْدِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَلِبُ هِبَةً أَوْ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ فَيَفْسُدُ، وَقَدْ كَانَ مِنْ قَصْدِهِمَا التِّجَارَةُ بِعَقْدٍ مَشْرُوعٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَالِالْتِحَاقُ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى تَبْدِيلِهِ فَلَا يَلْتَحِقُ بِهِ اهـ. فَقَوْلُهُ: فَلَا يَلْتَحِقُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْكَلَامَ فِي الِالْتِحَاقِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ فَيَفْسُدُ مُفَرَّعٌ عَلَى الِالْتِحَاقِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: إذَا حَطَّ كُلَّ الثَّمَنِ أَوْ وَهَبَ أَوْ أَبْرَأَ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ قَبْضِهِ صَحَّ الْكُلُّ، وَلَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَفِي الْبَدَائِعِ مِنْ الشُّفْعَةِ وَلَوْ حَطَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ حَطَّ كُلِّ الثَّمَنِ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ الْتَحَقَ لَبَطَلَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ، فَلَمْ يَصِحَّ الْحَطُّ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَصَحَّ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي وَكَانَ إبْرَاءً لَهُ عَنْ الثَّمَنِ اهـ. زَادَ فِي الْمُحِيطِ؛ لِأَنَّهُ لَاقَى دَيْنًا قَائِمًا فِي ذِمَّتِهِ وَتَمَامُهُ فِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ. (قَوْلُهُ: وَأَثَرُ الِالْتِحَاقِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الزِّيَادَةَ تَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَالْمَحْطُوطُ يَسْقُطُ عَنْهُ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْعَقْدِ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ أَثَرَ ذَلِكَ يَظْهَرُ فِي مَوَاضِعَ. (قَوْلُهُ: فِي تَوْلِيَةٍ وَمُرَابَحَةٍ) فَيُوَلِّي وَيُرَابِحُ عَلَى الْكُلِّ فِي الزِّيَادَةِ وَعَلَى الْبَاقِي بَعْدَ الْمَحْطُوطِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَشُفْعَةٍ) فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِمَا بَقِيَ فِي الْحَطِّ دُونَ الزِّيَادَةِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَاسْتِحْقَاقٍ) فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالْكُلِّ، وَلَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيْعَ أَخَذَ الْكُلَّ بَحْرٌ: أَيْ كُلَّ الثَّمَنِ وَالزِّيَادَةَ. (قَوْلُهُ: وَهَلَاكٍ) حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ تَسْقُطُ حِصَّتُهَا مِنْ الثَّمَنِ، بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْمَبِيعِ حَيْثُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِهَلَاكِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ زَيْلَعِيٌّ. قُلْت: وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ هَذَا فِي الزِّيَادَةِ فِي الْمَبِيعِ وَالْكَلَامُ فِي الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ فَلَا يُنَاسِبُ ذِكْرُ هَذَا هُنَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَحَبْسِ مَبِيعٍ) فَلَهُ حَبْسُهُ حَتَّى يَقْبِضَ الزِّيَادَةَ. (قَوْلُهُ: وَفَسَادِ صَرْفٍ) فَلَوْ بَاعَ الدَّرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ مُتَسَاوِيَةٍ ثُمَّ زَادَ أَحَدُهُمَا أَوْ حَطَّ وَقَبِلَ الْآخَرُ وَقَبَضَ الزَّائِدُ فِي الزِّيَادَةِ أَوْ الْمَرْدُودِ فِي الْحَطِّ فَسَدَ الْعَقْدُ كَأَنَّهُمَا عَقَدَاهُ كَذَلِكَ مِنْ الِابْتِدَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ زَيْلَعِيٌّ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ أَوَّلَ بَابِ الرِّبَا وَزَادَ الزَّيْلَعِيُّ مِمَّا يَظْهَرُ فِيهِ أَثَرُ الِالْتِحَاقِ مَا إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهَا، ثُمَّ زَادَ الزَّوْجُ عَلَى مَهْرِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ تَكُونُ الزِّيَادَةُ لِلْمُولِي اهـ. وَفِي النَّهْرِ: وَتَظْهَرُ فِيمَا لَوْ وَجَدَ بِالثِّيَابِ الْمُبَاعَةِ عَيْبًا رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ مَعَ الزِّيَادَةِ وَفِيمَا إذَا زَادَ فِي الثَّمَنِ مَا لَا يَجُوزُ الشِّرَاءُ بِهِ، وَفِي الْمَبِيعِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَقَبِلَ فَسَدَ الْعَقْدُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَكَأَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الثَّمَنِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: الْحَطُّ فَقَطْ) لِأَنَّ فِي الزِّيَادَةِ إبْطَالَ حَقِّ الشَّفِيعِ الثَّابِتِ قَبْلَهَا فَلَا يَمْلِكَانِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِدُونِ الزِّيَادَةِ. (قَوْلُهُ: إنْ فِي غَيْرِ سَلَمٍ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا جُعِلَ مَوْجُودًا فِي الذِّمَّةِ لِحَاجَةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ لَا تَدْفَعُ حَاجَتَهُ بَلْ تَزِيدُ فِي حَاجَتِهِ فَلَا تَجُوزُ اهـ. ح دَلَّ كَلَامُ السِّرَاجِ عَلَى جَوَازِ الْحَطِّ مِنْهُ رَمْلِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي) أَيْ فِي مَجْلِسِ الزِّيَادَةِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا مَرَّ فِي الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ. (قَوْلُهُ: أَيْضًا) أَيْ كَمَا تَلْتَحِقُ فِي الثَّمَنِ ط. (قَوْلُهُ: فَلَوْ هَلَكَتْ الزِّيَادَةُ إلَخْ) هَذَا مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي قَوْلِهِ وَهَلَاكٍ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ زَادَ) أَيْ الْمُشْتَرِي ط. (قَوْلُهُ: انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ) فَلَوْ اشْتَرَى بِمِائَةٍ وَتَقَابَضَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 فَتَصِحُّ بَعْدَ هَلَاكِهِ بِخِلَافِهِ فِي الثَّمَنِ كَمَا مَرَّ. (وَيَصِحُّ الْحَطُّ مِنْ الْمَبِيعِ إنْ) كَانَ الْمَبِيعُ (دَيْنًا وَإِنْ عَيْنًا لَا) يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ وَإِسْقَاطُ الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَيَرْجِعُ بِمَا دَفَعَ فِي بَرَاءَةِ الْإِسْقَاطِ لَا فِي بَرَاءَةِ الِاسْتِيفَاءِ اتِّفَاقًا وَلَوْ أَطْلَقَهَا فَقَوْلَانِ وَأَمَّا الْإِبْرَاءُ الْمُضَافُ إلَى الثَّمَنِ فَصَحِيحٌ وَلَوْ بِهِبَةٍ أَوْ حَطٍّ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِمَا دَفَعَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى بَحْرٌ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْإِطْلَاقِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ بَاعَهُ عَلَى أَنْ يَهَبَهُ مِنْ الثَّمَنِ كَذَا لَا يَصِحُّ وَلَوْ عَلَى أَنْ يَحُطَّ مِنْ ثَمَنِهِ كَذَا جَازَ   [رد المحتار] ثُمَّ زَادَ الْمُشْتَرِي عَرْضًا قِيمَتُهُ خَمْسُونَ وَهَلَكَ الْعَرْضُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي ثُلُثِهِ بَحْرٌ عَنْ الْقُنْيَةِ، وَوَجْهُ الِانْفِسَاخِ أَنَّ الْعَرْضَ مَبِيعٌ وَإِنْ جُعِلَ ثَمَنًا وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ الِانْفِسَاخَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: فَتَصِحُّ بَعْدَ هَلَاكِهِ) لِأَنَّهَا تَثْبُتُ بِمُقَابَلَةِ الثَّمَنِ وَهُوَ قَائِمٌ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ فِي الثَّمَنِ) الْأَوْلَى بِخِلَافِهَا ط. (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَكَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا، أَيْ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بَعْدَ هَلَاكِهِ لَمْ يَبْقَ عَلَى حَالَةٍ يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْحَطِّ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ بِحَالٍ يُمْكِنُ إخْرَاجُ الْبَدَلِ عَمَّا يُقَابِلُهُ، فَيَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ اسْتِنَادًا بَحْرٌ. [مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ بَرَاءَةِ الِاسْتِيفَاءِ وَبَرَاءَةِ الْإِسْقَاطِ] (قَوْلُهُ: فَيَرْجِعُ) أَيْ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ. (قَوْلُهُ: لَا فِي بَرَاءَةِ الِاسْتِيفَاءِ) لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْإِسْقَاطِ تُسْقِطُ الدَّيْنَ عَنْ الذِّمَّةِ بِخِلَافِ بَرَاءَةِ الِاسْتِيفَاءِ، مِثَالُ الْأُولَى: أَسْقَطْت وَحَطَطْت وَأَبْرَأْت بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ، وَمِثَالُ الثَّانِيَةِ: أَبْرَأْتُك بَرَاءَةَ اسْتِيفَاءٍ أَوْ قَبْضٍ أَوْ بَرَّأْتُك عَنْ الِاسْتِيفَاءِ اهـ ح. مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ بَرَاءَةِ الِاسْتِيفَاءِ وَبَرَاءَةِ الْإِسْقَاطِ وَحَاصِلُهُ: أَنَّ بَرَاءَةَ الِاسْتِيفَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِقْرَارِ بِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَقَبَضَهُ. (قَوْلُهُ: اتِّفَاقًا) يَرْجِعُ إلَيْهِمَا ط. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَطْلَقَهَا) كَمَا لَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك وَلَمْ يُقَيِّدْ بِشَيْءٍ اهـ، ح. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْإِبْرَاءُ الْمُضَافُ إلَى الثَّمَنِ إلَخْ) تَابَعَ صَاحِبَ الْبَحْرِ حَيْثُ ذَكَرَ أَوَّلًا صِحَّةَ الْمَبِيعِ لَوْ دَيْنًا لَا عَيْنًا وَعَلَّلَهُ بِمَا مَرَّ، ثُمَّ ذَكَرَ حَطَّ الثَّمَنِ وَهِبَتَهُ وَإِبْرَاءَهُ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: أَنَّهُ لَوْ وَهَبَهُ بَعْضَ الثَّمَنِ أَوْ أَبْرَأَهُ عَنْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهُوَ حَطٌّ، وَإِنْ حَطَّ الْبَعْضَ أَوْ وَهَبَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ صَحَّ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْبَعْضِ بَعْدَهُ لَا يَصِحُّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي عَيْنَ الْوَاجِبِ بَلْ مِثْلَهُ إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُطَالَبُ بِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ مِثْلَهُ عَلَى الْبَائِعِ بِالْقَضَاءِ، فَلَا تُفِيدُ الْمُطَالَبَةُ فَقَدْ صَادَفَتْ الْهِبَةُ وَالْحَطُّ دَيْنًا قَائِمًا فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهُ نَوْعَانِ: بَرَاءَةُ قَبْضٍ وَاسْتِيفَاءٍ، وَبَرَاءَةُ إسْقَاطٍ، فَإِذَا أُطْلِقَتْ تُحْمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَبْرَأْتُك بَرَاءَةَ قَبْضٍ وَاسْتِيفَاءٍ، وَفِيهِ لَا يَرْجِعُ وَلَوْ قَالَ وَبَرَاءَةَ إسْقَاطٍ صَحَّ وَرَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ، أَمَّا الْهِبَةُ وَالْحَطُّ فَإِسْقَاطٌ فَقَطْ، وَإِذَا وَهَبَهُ كُلَّ الدَّيْنِ أَوْ حَطَّ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا هَذَا مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الْإِبْرَاءَ الْمُضَافَ إلَى الثَّمَنِ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ صَحِيحٌ، حَتَّى يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ مَا قَبَضَ، وَسَوَّى بَيْنَ الْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْحَطِّ فَيُتَأَمَّلُ عِنْدَ الْفَتْوَى اهـ، هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي رُجُوعِ الدَّفْعِ بِمَا أَدَّاهُ إذَا أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ، وَفِي عَدَمِ رُجُوعِهِ إذَا أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ اسْتِيفَاءٍ وَأَنَّ الْخِلَافَ مَعَ الْإِطْلَاقِ، وَعَلَى هَذَا تَفَرَّعَ مَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِإِبْرَائِهَا عَنْ الْمَهْرِ ثُمَّ دَفَعَهُ لَهَا لَا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ، فَإِذَا أَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ وَقَعَ عَلَيْهَا كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَبِيعَ الدَّيْنُ مِثْلُ الثَّمَنِ فِيمَا ذُكِرَ، فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَكَذَا الثَّمَنُ لَوْ حَطَّ بَعْضَهُ أَوْ وَهَبَهُ، أَوْ أَبْرَأَ عَنْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَكَذَا بَعْدَهُ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِمَا دَفَعَ، لَكِنْ لَوْ الْبَرَاءَةُ بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ لَا بَرَاءَةَ اسْتِيفَاءٍ اتِّفَاقًا وَلَوْ أَطْلَقَهَا فَقَوْلَانِ فَيُتَأَمَّلُ عِنْدَ الْفَتْوَى إلَخْ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْإِطْلَاقِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 لِلُحُوقِ الْحَطِّ بِأَصْلِ الْعَقْدِ دُونَ الْهِبَةِ (وَالِاسْتِحْقَاقُ) لِبَائِعٍ أَوْ مُشْتَرٍ أَوْ شَفِيعٍ (يَتَعَلَّقُ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَ) يَتَعَلَّقُ (بِالزِّيَادَةِ) أَيْضًا فَلَوْ رُدَّ بِنَحْوِ عَيْبٍ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالْكُلِّ (وَلَزِمَ تَأْجِيلُ كُلِّ دَيْنٍ) إنْ قَبِلَ الْمَدْيُونُ (إلَّا) فِي سَبْعٍ عَلَى مَا فِي مَدِينَاتِ الْأَشْبَاهِ بَدَلَيْ صَرْفٍ وَسَلَمٍ   [رد المحتار] أَيْ الرُّجُوعُ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِإِطْلَاقِ الْبَرَاءَةِ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ مَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مِنْ حَمْلِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى بَرَاءَةِ الْقَبْضِ وَالِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ حَمْلَهَا عَلَى مَعْنَى الْإِسْقَاطِ يُوجِبُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَ وَهَذَا أَكْثَرُ. (قَوْلُهُ: لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ) وَلِأَنَّ وُقُوعَ الْإِبْرَاءِ بَعْدَ الْقَبْضِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَرَاءَةُ الْقَبْضِ، إلَّا أَنْ يَظْهَرَ بِقَرِينَةٍ حَالِيَّةٍ إرَادَةُ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ، وَعَنْ هَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ فَيُتَأَمَّلُ عِنْدَ الْفَتْوَى: أَيْ يَتَأَمَّلُ الْمُفْتِي وَيَنْظُرُ مَا يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ فِي الْحَادِثَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا فَيُفْتِي بِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: لِلُحُوقِ الْحَطِّ بِأَصْلِ الْعَقْدِ) كَأَنَّهُ بَاعَهُ ابْتِدَاءً بِالْقَدْرِ الْبَاقِي بَعْدَ الْحَطِّ ط أَيْ بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَكَانَ شَرْطًا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِهِمَا. (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِحْقَاقُ إلَخْ) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا طَلَبُ الْحَقِّ أَوْ ثُبُوتُ الْحَقِّ، وَقَوْلُهُ: لِبَائِعٍ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَمَعْنَاهُ فِي الْبَائِعِ أَنَّ لَهُ حَقَّ حَبْسِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ وَمَا زِيدَ فِيهِ، وَمَعْنَاهُ فِي الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ مِنْهُ الْمَبِيعُ رَجَعَ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ وَمَا زِيدَ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا لَوْ رَدَّهُ بِعَيْبٍ وَنَحْوِهِ كَمَا يَأْتِي، وَمَعْنَاهُ فِي الشَّفِيعِ أَنَّهُ لَوْ زَادَ الْبَائِعُ فِي الْعَقَارِ الْمَبِيعِ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الْكُلَّ وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِالزِّيَادَةِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِي الثَّمَنِ أَوْ فِي الْمَبِيعِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ رَدَّ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ مُشْتَرٍ أَيْ إذَا رَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِخِيَارِ عَيْبٍ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ خِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ رَجَعَ عَلَى بَائِعِهِ بِالْكُلِّ: أَيْ بِالثَّمَنِ وَمَا زِيدَ فِيهِ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ إذَا اشْتَرَى عَشَرَةَ أَثْوَابٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَزَادَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ الْعَقْدِ ثَوْبًا آخَرَ ثُمَّ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِي أَحَدِ الثِّيَابِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ فِي جَمِيعِهَا وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ، فَلَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ بِحِصَّتِهِ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ هِيَ الْمَعِيبَةُ اهـ. مَطْلَبٌ فِي تَأْجِيلِ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ: وَلَزِمَ تَأْجِيلُ كُلِّ دَيْنٍ) الدَّيْنُ مَا وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدٍ أَوْ اسْتِهْلَاكٍ، وَمَا صَارَ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنًا بِاسْتِقْرَاضِهِ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْقَرْضِ، كَذَا فِي الْكِفَايَةِ وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ تَعْرِيفُ الْقَرْضِ، وَأَطْلَقَ التَّأْجِيلَ فَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا لَكِنْ إنْ كَانَتْ الْجَهَالَةُ مُتَقَارِبَةً كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ يَصِحُّ لَا إنْ كَانَتْ مُتَفَاحِشَةً كَهُبُوبِ الرِّيحِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَمَرَّ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مُتَحَمَّلَةٌ فِي الدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ. (قَوْلُهُ: إنْ قَبِلَ الْمَدْيُونُ) فَلَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ بَطَلَ التَّأْجِيلُ فَيَكُونُ حَالًّا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ التَّأْجِيلِ بِالشَّرْطِ فَلَوْ قَالَ لِمَنْ عَلَيْهِ أَلْفٌ حَالَّةً إنْ دَفَعْت إلَيَّ غَدًا خَمْسَمِائَةٍ فَالْخَمْسُمِائَةِ الْأُخْرَى مُؤَخَّرَةٌ عَنْك إلَى سَنَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ الْمَدْيُونُ: أَبْطَلْت الْأَجَلَ أَوْ تَرَكْته صَارَ حَالًّا، بِخِلَافِ بَرِئْت مِنْ الْأَجَلِ أَوْ لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ، وَإِذَا قَضَاهُ قَبْلَ الْحُلُولِ فَاسْتُحِقَّ الْمَقْبُوضُ مِنْ الْقَابِضِ أَوْ وَجَدَهُ زُيُوفًا فَرَدَّهُ أَوْ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا فَرَدَّهُ بِقَضَاءٍ عَادَ الْأَجَلُ لَا لَوْ اشْتَرَى مِنْ مَدْيُونِهِ شَيْئًا بِالدَّيْنِ وَقَبَضَهُ ثُمَّ تَقَايَلَا بِالْبَيْعِ، وَلَوْ كَانَ بِهَذَا الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ كَفِيلٌ لَا تَعُودُ الْكَفَالَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ اهـ. بَحْرٌ وَقَوْلُهُ: فِي الْوَجْهَيْنِ: أَيْ فِي الْإِقَالَةِ وَفِي الرَّدِّ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ وَقَدَّمْنَا فِي الْإِقَالَةِ أَنَّ عَدَمَ عَوْدِ الْكِفَايَةِ فِي الرَّدِّ بِعَيْبٍ فِيهِ خِلَافٌ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي سَبْعٍ) هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ سِتٌّ فَإِنَّ مَسْأَلَتَيْ الْإِقَالَةِ وَاحِدَةٌ. (قَوْلُهُ بَدَلَيْ صَرْفٍ وَسَلَمٍ) لِاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ لِبَدَلَيْ الصَّرْفِ فِي الْمَجْلِسِ وَاشْتِرَاطِهِ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِبَدَلِهِ هُنَا أَمَّا الْمُسْلَمُ فِيهِ فَشَرْطُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 157 وَثَمَنٍ عِنْدَ إقَالَةٍ وَبَعْدَهَا وَمَا أُخِذَ بِهِ الشَّفِيعُ وَدَيْنِ الْمَيِّتُ، وَالسَّابِعُ (الْقَرْضُ) فَلَا يَلْزَمُ تَأْجِيلُهُ (إلَّا) فِي أَرْبَعٍ   [رد المحتار] التَّأْجِيلُ ط. (قَوْلُهُ: وَثَمَنٍ عِنْدَ إقَالَةٍ وَبَعْدَهَا) فِي الْقُنْيَةِ أَجَّلَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ سَنَةً عِنْدَ الْإِقَالَةِ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ وَبَطَلَ الْأَجَلُ، وَلَوْ تَقَايَلَا ثُمَّ أَجَّلَهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْأَجَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ الشَّرْطَ اللَّاحِقَ بَعْدَ الْعَقْدِ مُلْتَحِقٌ بِأَصْلِ الْعَقْدِ عِنْدَهُ اهـ. بَحْرٌ وَتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْإِقَالَةِ وَكَتَبْنَا هُنَاكَ أَنَّا قَدَّمْنَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ تَصْحِيحَ عَدَمِ الْتِحَاقِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَعَلَيْهِ فَيَصِحُّ التَّأْجِيلُ بَعْدَهَا وَيُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ سَلَمِ الْجَوْهَرَةِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْجِيلُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَا يَجِبُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ الْبِيرِيَّ قَالَ: إنَّ قَوْلَهُ الشَّرْطُ اللَّاحِقُ مُلْتَحِقٌ بِأَصْلِ الْعَقْدِ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ وَقَعَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ، بَلْ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ نَقَلَ جَوَازَ تَأْخِيرِ الثَّمَنِ بَعْدَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَالْعَجَبُ مِنْ الْمُؤَلِّفِ أَيْ صَاحِبِ الْأَشْبَاهِ كَيْفَ أَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ اهـ. كَلَامُ الْبِيرِيِّ مُلَخَّصًا. قُلْت: لَكِنْ وَجْهُ مَا فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ، وَقَدْ وَجَّهَ الْخِلَافَ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فِيمَا لَوْ بَاعَ مُطْلَقًا ثُمَّ أَجَّلَ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، قِيلَ يَصِحُّ الْأَجَلُ، وَقِيلَ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَلْتَحِقُ بِالْعَقْدِ، وَهُنَا إذَا الْتَحَقَ بِعَقْدِ الْإِقَالَةِ يَلْزَمُ أَنْ يَزِيدَ الثَّمَنَ فِيهَا بِوَصْفِ التَّأْجِيلِ مَعَ أَنَّ الْإِقَالَةَ إنَّمَا تَصِحُّ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِمَا قُلْنَا مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ الِالْتِحَاقِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَمَا أَخَذَ بِهِ الشَّفِيعُ) يَعْنِي لَوْ أَجَّلَ الْمُشْتَرِي الشَّفِيعَ فِي الثَّمَنِ لَمْ يَصِحَّ بَحْرٌ. وَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ الشِّرَاءُ بِمُؤَجَّلٍ فَإِنَّ الْأَجَلَ لَا يَثْبُتُ فِي أَخْذِ الشَّفِيعِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي بَابِهَا. (قَوْلُهُ: وَدَيْنِ الْمَيِّتِ) أَيْ لَوْ مَاتَ الْمَدْيُونُ وَحَلَّ الْمَالُ فَأَجَّلَ الدَّائِنَ وَارِثُهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ، وَفَائِدَةُ التَّأْجِيلِ أَنْ يَتَّجِرَ فَيُؤَدِّيَ الدَّيْنَ مِنْ نَمَاءِ الْمَالِ، فَإِذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ تَعَيَّنَ الْمَتْرُوكُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ، فَلَا يُفِيدُ التَّأْجِيلُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي كُلِّ دَيْنٍ وَذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ فِي الْقَرْضِ بَحْرٌ. وَفِي الْفَتْحِ مِثْلُ مَا فِي الْقُنْيَةِ لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ تَأْجِيلُ رَبِّ الدَّيْنِ مَالَهُ عَلَى الْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ صِفَةُ الدَّيْنِ، وَلَا دَيْنَ عَلَى الْوَارِثِ، فَلَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّهِ، لَا وَجْهَ أَيْضًا لِثُبُوتِهِ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ عَنْ ذِمَّتِهِ بِالْمَوْتِ وَلَا لِثُبُوتِهِ فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ وَالْأَعْيَانُ لَا تَقْبَلُ التَّأْجِيلَ. وَفِي الْبُرْجَنْدِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ: الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّ تَأْجِيلَهُ صَحِيحٌ، وَهَكَذَا أَفْتَى الْإِمَامُ قَاضِي خَانَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ هَذَا الدَّيْنُ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ، لَكِنَّهُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَكُونُ عَيْنًا فَيَصِحُّ التَّأْجِيلُ، وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ بِيرِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَلْزَمُ تَأْجِيلُهُ) أَيْ أَنَّهُ يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ لَازِمٍ فَلِلْمُقْرِضِ الرُّجُوعُ عَنْهُ، لَكِنْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: فَإِنَّ تَأْجِيلَهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إعَارَةٌ وَصِلَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ حَتَّى يَصِحُّ بِلَفْظَةِ الْإِعَارَةِ وَلَا يَمْلِكُهُ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالْوَصِيِّ وَالصَّبِيِّ، وَمُعَاوَضَةٌ فِي الِانْتِهَاءِ فَعَلَى اعْتِبَارِ الِابْتِدَاءِ لَا يَلْزَمُ التَّأْجِيلُ فِيهِ كَمَا فِي الْإِعَارَةِ إذْ لَا جَبْرَ فِي التَّبَرُّعِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً وَهُوَ رِبًا اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَصِحُّ عَلَى حَقِيقَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وُجِدَ فِيهِ مُقْتَضَى عَدَمِ اللُّزُومِ وَمُقْتَضَى عَدَمِ الصِّحَّةِ، وَكَانَ الْأَوَّلُ لَا يُنَافِي الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ لَا يَلْزَمُ وَجَبَ اعْتِبَارُ عَدَمِ الصِّحَّةِ، وَلِهَذَا عَلَّلَ فِي الْفَتْحِ لِعَدَمِ الصِّحَّةِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: وَلِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَ كَانَ التَّبَرُّعُ مُلْزَمًا عَلَى الْمُتَبَرِّعِ، ثُمَّ لِلْمِثْلِ الْمَرْدُودِ حُكْمُ الْعَيْنِ كَأَنَّهُ رَدَّ الْعَيْنَ وَإِلَّا كَانَ تَمْلِيكَ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ بِلَا قَبْضٍ فِي الْمَجْلِسِ وَالتَّأْجِيلُ فِي الْأَعْيَانِ لَا يَصِحُّ اهـ مُلَخَّصًا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ التَّأْجِيلُ فِي الْقَرْضِ بَاطِلٌ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي أَرْبَعٍ) أَيْ بَعْدَ مَسْأَلَتَيْ الْحَوَالَةِ وَاحِدَةٌ وَمَسْأَلَتَيْ الْوَصِيَّةِ وَاحِدَةٌ أَيْضًا وَقَدْ نَظَمْت هَذِهِ مَعَ الَّتِي قَبْلَهَا بِقَوْلِي: سِتٌّ مِنْ الدُّيُونِ لَيْسَ يَلْتَزِمْ ... تَأْجِيلُهَا بَدَلُ صَرْفٍ وَسَلَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 (إذَا) كَانَ مَجْحُودًا أَوْ حَكَمَ مَالِكِيٌّ بِلُزُومِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ أَصْلِ الدَّيْنِ عِنْدَهُ أَوْ أَحَالَهُ عَلَى آخَرَ فَأَجَّلَهُ الْمُقْرِضُ أَوْ أَحَالَهُ عَلَى مَدْيُونٍ مُؤَجَّلٍ دَيْنُهُ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مُبْرِئَةٌ وَالرَّابِعُ الْوَصِيَّةُ. (أَوْصَى بِأَنْ يُقْرِضَ مِنْ مَالِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فُلَانًا إلَى سَنَةٍ) فَيَلْزَمُ مِنْ ثُلُثِهِ وَيُسَامِحُ فِيهَا نَظَرًا لِلْمُوصِي. (أَوْ أَوْصَى بِتَأْجِيلِ قَرْضِهِ) الَّذِي لَهُ (عَلَى زَيْدٍ سَنَةً) فَيَصِحُّ وَيَلْزَمُهُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ تَأْجِيلَ الدَّيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ بَاطِلٍ فِي بَدَلَيْ صَرْفٍ وَسَلَمٍ وَصَحِيحٍ غَيْرِ لَازِمٍ فِي قَرْضٍ وَإِقَالَةٍ وَشَفِيعٍ وَدَيْنِ مَيِّتٍ وَلَازِمٍ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ وَتَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمُلْحَقَ بِالْقَرْضِ تَأْجِيلُهُ بَاطِلٌ. قُلْت: وَمِنْ حِيَلِ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ كَفَالَتُهُ مُؤَجَّلًا فَيَتَأَخَّرُ عَنْ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَاحِدٌ بَحْرٌ وَنَهْرٌ فَهِيَ خَامِسَةٌ فَلْتُحْفَظْ،   [رد المحتار] دَيْنٌ عَلَى مَيْتٍ وَمَا لِلْمُشْتَرِي ... عَلَى مُقِيلٍ أَوْ شَفِيعٍ يَا سَرْيِ وَالْقَرْضُ إلَّا أَرْبَعًا فِيهَا مَضَى ... جَحْدٌ وَصِيَّةٌ حَوَالَةٌ قَضَى (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ مَجْحُودًا) فِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةٍ إلَى أَجَلٍ صَحَّ الْحَطُّ وَالْمِائَةُ حَالَّةٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَقْرِضُ جَاحِدًا لِلْقَرْضِ فَالْمِائَةُ إلَى الْأَجَلِ اهـ. بِيرِيٌّ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَ الْمُسْتَقْرِضُ لِلْمُقْرِضِ سِرًّا: لَا أُقِرُّ لَك حَتَّى تُؤَجِّلَهُ عَنِّي فَأَقَرَّ لَهُ عِنْدَ الشُّهُودِ بِالْأَلْفِ مُؤَجَّلَةً. (قَوْلُهُ: أَوْ حَكَمَ مَالِكِيٌّ بِلُزُومِهِ) فَإِنَّهُ عِنْدَهُ لَازِمٌ وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَرْجَحَ أَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ لَا يَنْفُذُ خُصُوصًا فِي قَضَاءِ زَمَنِنَا، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ أَصْلِ الدَّيْنِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لَا يَصِحُّ حُكْمُهُ بِلُزُومِ تَأْجِيلِهِ؛ وَلِأَنَّ الْمَجْحُودَ لَا يَتَوَقَّفُ تَأْجِيلُهُ عَلَى حُكْمِ مَالِكِيٍّ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَحَالَهُ إلَخْ) فِي الْفَتْحِ وَالْحِيلَةُ فِي لُزُومِ تَأْجِيلِهِ: أَنْ يُحِيلَ الْمُسْتَقْرِضُ الْمُقْرِضَ عَلَى آخَرَ بِدَيْنِهِ، فَيُؤَجِّلَ الْمُقْرِضُ ذَلِكَ الرَّجُلَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ فَيَلْزَمَ اهـ. وَإِذَا لَزِمَ فَإِنْ كَانَ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَا إشْكَالَ وَإِلَّا أَقَرَّ الْمُحِيلُ بِقَدْرِ الْمُحَالِ بِهِ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ مُؤَجَّلًا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ وَبَحْرٍ، وَفَائِدَةُ الْإِقْرَارِ تَمَكُّنُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُحِيلِ بِمَا يَدْفَعُهُ لِلْمُقْرِضِ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَحَالَهُ عَلَى مَدْيُونٍ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ تَأْجِيلِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ صَادِرًا مِنْ الْمُقْرِضِ أَوْ مِنْ الْمُحِيلِ وَهُوَ الْمُسْتَقْرِضُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مُبَرِّئَةٌ) أَيْ تُبَرَّأُ بِهَا ذِمَّةُ الْمُحِيلِ وَيَثْبُتُ بِهَا لِلْمُحَالِ أَيْ الْمُقْرِضِ دَيْنٌ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْحَوَالَةِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَأْجِيلُ دَيْنٍ لَا قَرْضٍ. (قَوْلُهُ: فَيَلْزَمُ مِنْ ثُلُثِهِ) فَإِنْ خَرَجَتْ الْأَلْفُ مِنْ الثُّلُثِ فَبِهَا وَإِلَّا فَبِقَدْرِ مَا يَخْرُجُ ط. (قَوْلُهُ: وَيُسَامَحُ فِيهَا نَظَرًا لِلْمُوصِي) لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالتَّبَرُّعِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى فَيَلْزَمُ حَقًّا لِلْمُوصِي هِدَايَةٌ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ لُزُومَ الْوَصِيَّةِ بِالتَّبَرُّعِ وَمِنْهُ مَا نَحْنُ فِيهِ خَارِجٌ عَنْ الْقِيَاسِ رَحْمَةً وَفَضْلًا عَلَى الْمُوصِي، إذْ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصْلُحَ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى حَالِ زَوَالِ مَالِكِيَّتِهِ. [مَطْلَبُ إذَا قَضَى الْمَدْيُونُ الدَّيْنَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ أَوْ مَاتَ] (قَوْلُهُ: وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ أَقَرَّ مَا ذَكَرَ مِنْ الْحَاصِلِ وَهُوَ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ فَكَانَ الْأَوْلَى عَزْوُهُ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَتَعَقَّبَهُ) أَيْ تَعَقَّبَ الْحَاصِلَ الْمَذْكُورَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْمُلْحَقَ بِالْقَرْضِ) هُوَ الْإِقَالَةُ بِقِسْمَيْهَا وَالشَّفِيعُ وَدَيْنُ الْمَيِّتِ ح. (قَوْلُهُ: تَأْجِيلُهُ بَاطِلٌ) لِتَعْبِيرِهِمْ فِيهَا بِلَا يَصِحُّ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَلَا يُقَالُ: إنَّ التَّأْجِيلَ فِيهَا صَحِيحٌ غَيْرُ لَازِمٍ ط، قُلْت: وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْقَرْضَ كَذَلِكَ وَلَعَلَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْبَحْرِ بِالْبَاطِلِ مَا يَحْرُمُ فِعْلُهُ وَيَلْزَمُ مِنْهُ الْفَسَادُ فَإِنَّ تَأْجِيلَ بَدَلَيْ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ كَذَلِكَ بِخِلَافِ الْقَرْضِ وَالْمُلْحَقِ بِهِ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْمُطَالَبَةَ بِهِ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ ذَلِكَ، فَلِذَا قَالَ إنَّهُ صَحِيحٌ غَيْرُ لَازِمٍ لَكِنْ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ فِي الْقَرْضِ مِنْ قَوْلِهِ وَعَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً وَهُوَ رِبًا اهـ. يَقْتَضِي أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْفَسَادُ وَأَنَّهُ حَرَامٌ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الدَّيْنَ وَاحِدٌ) أَيْ فَإِذَا تَأَخَّرَ عَنْ الْكَفِيلِ لَزِمَ تَأْخِيرُهُ عَنْ الْأَصِيلِ أَيْضًا إذْ يَثْبُتُ ضِمْنًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 وَفِي حِيَلِ الْأَشْبَاهِ: حِيلَةُ تَأْجِيلِ دَيْنِ الْمَيِّتِ أَنْ يُقِرَّ الْوَارِثُ بِأَنَّهُ ضَمِنَ مَا عَلَى الْمَيِّتِ فِي حَيَاتِهِ مُؤَجَّلًا إلَى كَذَا وَيُصَدِّقُهُ الطَّالِبُ أَنَّهُ كَانَ مُؤَجَّلًا عَلَيْهِمَا وَيُقِرُّ الطَّالِبُ بِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا وَإِلَّا لَأُمِرَ الْوَارِثُ بِالْبَيْعِ لِلدَّيْنِ وَهَذَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا حَلَّ بِمَوْتِ الْمَدْيُونِ لَا يَحِلُّ عَلَى كَفِيلِهِ. قُلْت: وَسَيَجِيءُ آخِرَ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَوْ حَلَّ لِمَوْتِهِ أَوْ أَدَّاهُ قَبْلَ حُلُولِهِ لَيْسَ لَهُ مِنْ الْمُرَابَحَةِ إلَّا بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْ الْأَيَّامِ وَهُوَ جَوَابُ الْمُتَأَخِّرِينَ.   [رد المحتار] مَا يَمْتَنِعُ قَصْدًا كَبَيْعِ الشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ، لَكِنْ فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا أَقْرَضَ رَجُلٌ رَجُلًا مَالًا فَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ عَنْهُ إلَى وَقْتٍ كَانَ عَلَى الْكَفِيلِ إلَى وَقْتِهِ، وَعَلَى الْمُسْتَقْرِضِ حَالًّا اهـ وَنُقِلَ نَحْوُهُ فِي كَفَالَةِ الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَالْغِيَاثِيَّةِ، وَذَكَرَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ مِثْلَهُ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ، وَذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ لَمْ يَقُلْ بِهَا أَحَدٌ غَيْرُ الْحَصِيرِيِّ فِي التَّحْرِيرِ، وَأَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ كَلَامُهُ وَحْدَهُ مَعَ كَلَامِ كُلِّ الْأَصْحَابِ لَا يُفْتَى بِهِ اهـ وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّهُ يَتَأَجَّلُ عَلَى الْكَفِيلِ دُونَ الْأَصِيلِ، وَبِهِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْكَفَالَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [تَنْبِيهٌ] : لَمْ يَذْكُرْ مَا لَوْ أَجَّلَ الْكَفِيلُ الْأَصِيلَ، وَهُوَ جَائِزٌ فَفِي الْبِيرِيِّ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ اضْمَنْ عَنِّي لِفُلَانٍ الْأَلْفَ الَّتِي عَلَيَّ فَفَعَلَ، وَأَدَّاهَا الضَّامِنُ، ثُمَّ إنَّ الضَّامِنَ أَخَّرَ الْمَضْمُونَ عَنْهُ فَالتَّأْخِيرُ جَائِزٌ وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْقَرْضِ، وَلَوْ قَالَ: اقْضِ عَنِّي هَذَا الرَّجُلَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ ثُمَّ أَخَّرَهَا لَمْ يَجُزْ التَّأْخِيرُ؛ لِأَنَّ هَذَا أَدَّى عَنْهُ فَصَارَ مُقْرِضًا وَالتَّأْخِيرُ فِي الْقَرْضِ بَاطِلٌ وَالْأَوَّلُ أَدَّى عَنْ نَفْسِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَنْ يُقِرَّ الْوَارِثُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَفْرُوضٌ فِي وَارِثٍ لَا مُشَارِكَ لَهُ فِي الْمِيرَاثِ، وَإِلَّا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِلُزُومِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْحِيلَةِ بَيَانُ حُكْمِهَا لَوْ وَقَعَتْ كَذَلِكَ لَا تَعْلِيمُ فِعْلِهَا؛ لِأَنَّ فِيهَا الْإِخْبَارَ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ، (قَوْلُهُ: وَيُصَدِّقُهُ الطَّالِبُ أَنَّهُ إلَخْ) لَوْ قَالَ: وَيُصَدِّقُهُ الطَّالِبُ فِي ذَلِكَ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَظْهَرَ؛ لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ بِتَأْجِيلِهِ عَلَى الْمَيِّتِ غَيْرُ لَازِمٍ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَأُمِرَ الْوَارِثُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ وَإِلَّا فَقَدْ حَلَّ الدَّيْنُ بِمَوْتِهِ فَيُؤْمَرُ الْوَارِثُ إلَخْ. مَطْلَبُ إذَا قَضَى الْمَدْيُونُ الدَّيْنَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ أَوْ مَاتَ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُرَابَحَةِ إلَّا بِقَدْرِ مَا مَضَى. (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ آخِرَ الْكِتَابِ) أَيْ قُبَيْلَ كِتَابِ الْفَرَائِضِ وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْقُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا بِرَمْزِ نَجْمِ الدِّينِ قَضَى الْمَدْيُونُ الدَّيْنَ قَبْلَ الْحُلُولِ أَوْ مَاتَ فَأَخَذَ مِنْ تَرِكَتِهِ، فَجَوَابُ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْمُرَابَحَةِ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَهُمَا إلَّا بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْ الْأَيَّامِ قِيلَ لَهُ أَتُفْتِي بِهِ أَيْضًا؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ: وَلَوْ أَخَذَ الْمُقْرِضُ الْقَرْضَ وَالْمُرَابَحَةَ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ فَلِلْمَدْيُونِ أَنْ يَرْجِعَ بِحِصَّةِ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَيَّامِ اهـ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ آخِرَ الْكِتَابِ: أَنَّهُ أَفْتَى بِهِ الْمَرْحُومُ مُفْتِي الرُّومِ أَبُو السُّعُودِ وَعَلَّلَهُ بِالرِّفْقِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. قُلْت: وَبِهِ أَفْتَى الْحَانُوتِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِي الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ سُئِلَ فِيمَا إذَا كَانَ لِزَيْدٍ بِذِمَّةِ عَمْرٍو مَبْلَغٌ دَيْنٌ مَعْلُومٌ فَرَابَحَهُ عَلَيْهِ إلَى سَنَةٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِعِشْرِينَ يَوْمًا مَاتَ عَمْرٌو الْمَدْيُونُ، فَحَلَّ الدَّيْنُ وَدَفَعَهُ الْوَارِثُ لِزَيْدٍ، فَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُرَابَحَةِ شَيْءٌ أَوْ لَا؟ الْجَوَابُ جَوَابُ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُرَابَحَةِ الَّتِي جَرَتْ الْمُبَايَعَةُ عَلَيْهَا بَيْنَهُمَا إلَّا بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْ الْأَيَّامِ قِيلَ لِلْعَلَّامَةِ نَجْمِ الدِّينِ: أَتُفْتِي بِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ كَذَا فِي الْأَنْقِرْوِيِّ وَالتَّنْوِيرِ، وَأَفْتَى بِهِ عَلَّامَةُ الرُّومِ مَوْلَانَا أَبُو السُّعُودِ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَعْدَ أَدَاءِ الدَّيْنِ دُونَ الْمُرَابَحَةِ إذَا ظَنَّتْ الْوَرَثَةُ أَنَّ الْمُرَابَحَةَ تَلْزَمُهُمْ فَرَابَحُوهُ عَلَيْهَا عِدَّةَ سِنِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَابَحَةَ تَلْزَمُهُمْ حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَالٌ، فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ الْمَالُ أَوْ لَا؟ الْجَوَابُ: لَا يَلْزَمُهُمْ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 فَصْلٌ فِي الْقَرْضِ (هُوَ) لُغَةً: مَا تُعْطِيهِ لِتَتَقَاضَاهُ، وَشَرْعًا: مَا تُعْطِيهِ مِنْ مِثْلِيٍّ لِتَتَقَاضَاهُ وَهُوَ أَخْصَرُ مِنْ قَوْلِهِ (عَقْدٌ مَخْصُوصٌ) أَيْ بِلَفْظِ الْقَرْضِ وَنَحْوِهِ (يَرِدُ عَلَى دَفْعِ مَالٍ) بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ (مِثْلِيٍّ) خَرَجَ الْقِيَمِيُّ (لِآخَرَ لِيَرُدَّ مِثْلَهُ) خَرَجَ نَحْوُ وَدِيعَةٍ وَهِبَةٍ. (وَصَحَّ) الْقَرْضُ (فِي مِثْلِيِّ) هُوَ كُلُّ مَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ عِنْدَ الِاسْتِهْلَاكِ (لَا فِي غَيْرِهِ) مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ كَحَيَوَانٍ وَحَطَبٍ وَعَقَارٍ وَكُلِّ مُتَفَاوِتٍ لِتَعَذُّرِ رَدِّ الْمِثْلِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِقَرْضٍ فَاسِدٍ كَمَقْبُوضٍ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ سَوَاءٌ   [رد المحتار] بِرَمْزِ بَكْرِ خُوَاهَرْ زَادَهْ كَانَ يُطَالِبُ الْكَفِيلَ بِالدَّيْنِ بَعْدَ أَخْذِهِ مِنْ الْأَصِيلِ، وَيَبِيعُهُ بِالْمُرَابَحَةِ، حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ سَبْعُونَ دِينَارًا، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَدْ أَخَذَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُبَايَعَةَ بِنَاءً عَلَى قِيَامِ الدَّيْنِ وَلَمْ يَكُنْ اهـ. هَذَا مَا ظَهَرَ لَنَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ اهـ. [فَصْلٌ فِي الْقَرْضِ] ِ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ مِنَحٌ وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ ذِكْرُ الْقَرْضِ فِي قَوْلِهِ: وَلَزِمَ تَأْجِيلُ كُلِّ دَيْنٍ إلَّا الْقَرْضَ ط (قَوْلُهُ مَا تُعْطِيهِ لِتَتَقَاضَاهُ هـ) أَيْ مِنْ قِيَمِيٍّ أَوْ مِثْلِيٍّ، وَفِي الْمُغْرِبِ تَقَاضَيْته دَيْنِي وَبِدَيْنِي وَاسْتَقْضَيْته طَلَبْت قَضَاءَهُ وَاقْتَضَيْت مِنْهُ حَقِّي أَخَذْته (قَوْلُهُ وَشَرْعًا مَا تُعْطِيهِ مِنْ مِثْلِيٍّ إلَخْ) فَهُوَ عَلَى التَّفْسِيرَيْنِ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ لَكِنْ الثَّانِي غَيْرُ مَانِعٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لِتَتَقَاضَى مِثْلَهُ، وَقَدَّمْنَا قَرِيبًا أَنَّ الدَّيْنَ أَعْلَمُ مِنْ الْقَرْضِ (قَوْلُهُ عَقْدٌ مَخْصُوصٌ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ عَقْدٌ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ، لِأَنَّ الْعَقْدَ لَفْظٌ، وَلِذَا قَالَ أَيْ بِلَفْظِ الْقَرْضِ وَنَحْوِهِ أَيْ كَالدَّيْنِ وَكَقَوْلِهِ: أَعْطِنِي دِرْهَمًا لِأَرُدَّ عَلَيْك مِثْلَهُ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ (قَوْلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ شُمُولُهُ الْقَرْضَ وَغَيْرَهُ، وَلَيْسَ جِنْسًا حَقِيقِيًّا، لِعَدَمِ الْمَاهِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الَّذِي بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ قَوْلُهُ عَقْدٌ مَخْصُوصٌ، وَأَمَّا هَذَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْفَصْلِ خَرَجَ بِهِ مَا لَا يَرِدُ عَلَى دَفْعِ مَالٍ كَالنِّكَاحِ وَفِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَدْخُلْ فِي قَوْلِهِ عَقْدٌ مَخْصُوصٌ أَيْ بِلَفْظِ الْقَرْضِ وَنَحْوِهِ كَمَا عَلِمْت فَصَارَ الَّذِي بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ هُوَ مَجْمُوعُ قَوْلِهِ عَقْدٌ مَخْصُوصٌ يَرِدُ عَلَى دَفْعِ مَالٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِآخَرَ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ دَفْعِ (قَوْلُهُ خَرَجَ نَحْوُ وَدِيعَةٍ وَهِبَةٍ) أَيْ خَرَجَ وَدِيعَةٌ وَهِبَةٌ وَنَحْوُهُمَا كَعَارِيَّةٍ وَصَدَقَةٍ، لِأَنَّهُ يَجِبُ رَدُّ عَيْنِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَلَا يَجِبُ رَدُّ شَيْءٍ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ. (قَوْلُهُ فِي مِثْلِيٍّ) كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ الْمُتَقَارِبِ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمِثْلِيَّ مَا لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ أَيْ تَفَاوُتًا تَخْتَلِفُ بِهِ الْقِيمَةُ فَإِنَّ نَحْوَهُ الْجَوْزُ تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ تَفَاوُتًا يَسِيرًا (قَوْلُهُ لِتَعَذُّرِ رَدِّ الْمِثْلِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا فِي غَيْرِهِ: أَيْ لَا يَصِحُّ الْقَرْضُ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ، لِأَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ ابْتِدَاءً، حَتَّى صَحَّ بِلَفْظِهَا مُعَاوَضَةً انْتِهَاءً، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهِ، فَيَسْتَلْزِمُ إيجَابَ الْمِثْلِيِّ فِي الذِّمَّةِ، وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَيَمْلِكُهُ الْمُسْتَقْرِضُ بِالْقَبْضِ كَالصَّحِيحِ وَالْمَقْبُوضُ بِقَرْضٍ فَاسِدٍ يَتَعَيَّنُ لِلرَّدِّ، وَفِي الْقَرْضِ الْجَائِزِ لَا يَتَعَيَّنُ بَلْ يُرَدُّ الْمِثْلُ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ إعْطَاءُ غَيْرِهِ إلَّا بِرِضَاهُ وَعَارِيَّةُ مَا جَازَ قَرْضُهُ قَرْضٌ وَمَا لَا يَجُوزُ قَرْضُهُ عَارِيَّةٌ اهـ أَيْ قَرْضُ مَا لَا يَجُوزُ قَرْضُهُ عَارِيَّةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَجِبُ رَدُّ عَيْنِهِ لَا مُطْلَقًا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ كَمَقْبُوضٍ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ) أَيْ فَيُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ كَمَا عَلِمْت، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْقَرْضُ الْفَاسِدُ يُفِيدُ الْمِلْكَ، حَتَّى لَوْ اسْتَقْرَضَ بَيْتًا فَقَبَضَهُ مَلَكَهُ، وَكَذَا سَائِرُ الْأَعْيَانِ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ كَمَا لَوْ أَمَرَ بِشِرَاءِ قِنٍّ بِأَمَةِ الْمَأْمُورِ فَفَعَلَ فَالْقِنُّ لِلْآمِرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 فَيَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لَا بَيْعُهُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ (فَيَصِحُّ اسْتِقْرَاضُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَكَذَا) كُلُّ (مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ مُتَقَارِبًا فَصَحَّ اسْتِقْرَاضُ جَوْزٍ وَبَيْضٍ) وَكَاغَدٍ عَدَدًا (وَلَحْمٍ) وَزْنًا وَخُبْزٍ وَزْنًا وَعَدَدًا كَمَا سَيَجِيءُ (اسْتَقْرَضَ مِنْ الْفُلُوسِ الرَّائِجَةِ وَالْعِدَالَيْ فَكَسَدَتْ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا كَاسِدَةً) وَ (لَا) يَغْرَمُ (قِيمَتَهَا) وَكَذَا كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِمِثْلِهِ فَلَا عِبْرَةَ بِغَلَائِهِ وَرُخْصِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَجَعَلَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا قَوْلَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ الثَّانِي عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْقَبْضِ وَعِنْدَ الثَّالِثِ قِيمَتُهَا فِي آخِرِ يَوْمِ رَوَاجِهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.   [رد المحتار] قَوْلُهُ فَيَحْرُمُ إلَخْ) عِبَارَةُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ الْقَرْضُ لَمْ يَجُزْ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِعَدَمِ الْحِلِّ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ كَبَيْعٍ فَاسِدٍ اهـ فَقَوْلُهُ: وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِمَعْنَى يَصِحُّ لَا بِمَعْنَى يَحِلُّ إذَا لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْفَاسِدَ يَجِبُ فَسْخُهُ وَالْبَيْعُ مَانِعٌ مِنْ الْفَسْخِ فَلَا يَحِلُّ كَمَا لَا يَحِلُّ سَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ الْمَانِعَةِ مِنْ الْفَسْخِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَكَاغِدٍ) أَيْ قِرْطَاسٍ، وَقَوْلُهُ: عَدَدًا قَيْدٌ لِلثَّلَاثَةِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَاغِدِ ذَكَرَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، ثُمَّ نَقَلَ بَعْدَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْكَاغِدِ عَدَدًا لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ اهـ وَلَعَلَّ الثَّانِيَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ نَوْعُهُ وَصِفَتُهُ. (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي بَابِ الرِّبَا حَيْثُ قَالَ: وَيُسْتَقْرَضُ الْخُبْزُ وَزْنًا وَعَدَدًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ابْنُ مَالِكٍ وَاسْتَحْسَنَهُ الْكَمَالُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ تَيْسِيرًا اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ قَرْضُهُ وَاسْتِقْرَاضُهُ لَا عَدَدًا وَلَا وَزْنًا وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ وَقَوْلُهُ: الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَعَلَيْهِ أَفْعَالُ النَّاسِ جَارِيَةٌ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ مُلَخَّصًا وَنُقِلَ فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْكَافِي: أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى جَوَازِ اسْتِقْرَاضِهِ وَزْنًا لَا عَدَدًا وَهُوَ قَوْلُ الثَّانِي اهـ وَلَعَلَّهُ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ الْمَعْرُوفِ وَسَيُذْكَرُ اسْتِقْرَاضُ الْعَجِينِ وَالْخَمِيرَةِ. (قَوْلُهُ وَالْعَدَالِيِّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَبِاللَّامِ الْمَكْسُورَةِ: وَهِيَ الدَّرَاهِمُ الْمَنْسُوبَةُ إلَى الْعَدَالِيِّ، وَكَأَنَّهُ اسْمُ مَلِكٍ نُسِبَ إلَيْهِ دِرْهَمٌ فِيهِ غِشٌّ كَذَا فِي صَرْفِ الْبَحْرِ عَنْ الْبِنَايَةِ. قُلْت: وَالْمُرَادُ بِهَا دَرَاهِمُ غَالِيَةُ الْغِشِّ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ بَدَلَ لَفْظِ الْعَدَالِيِّ، لِأَنَّ غَالِبَةَ الْغِشِّ فِي حُكْمِ الْفُلُوسِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا إنَّمَا صَارَتْ ثَمَنًا بِالِاصْطِلَاحِ عَلَى ثَمَنِيَّتِهَا فَتَبْطُلُ ثَمَنِيَّتُهَا بِالْكَسَادِ، وَهُوَ تَرْكُ التَّعَامُلِ بِهَا بِخِلَافِ مَا كَانَتْ فِضَّتُهَا خَالِصَةً أَوْ غَالِبَةً، فَإِنَّهَا أَثْمَانٌ خِلْقَةً فَلَا تَبْطُلُ ثَمَنِيَّتُهَا بِالْكَسَادِ كَمَا حَقَّقْنَاهُ أَوَّلَ الْبُيُوعِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَصَحَّ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَمُؤَجَّلٍ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا كَاسِدَةً) أَيْ إذَا هَلَكَتْ وَإِلَّا فَيَرُدُّ عَيْنَهَا اتِّفَاقًا كَمَا فِي صَرْفِ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي (قَوْلُهُ فَلَا عِبْرَةَ بِغَلَائِهِ وَرُخْصِهِ) فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْكَسَادِ، وَهُوَ تَرْكُ التَّعَامُلِ بِالْفُلُوسِ وَنَحْوِهَا كَمَا قُلْنَا، وَالْغَلَاءُ وَالرُّخْصُ غَيْرُهُ، وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى اتِّحَادِ الْحُكْمِ فَصَحَّ التَّفْرِيعُ تَأَمَّلْ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ لَوْ قَالَ: أَقْرِضْنِي دَانِقَ حِنْطَةٍ فَأَقْرَضَهُ رُبْعَ حِنْطَةٍ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهُ وَإِذَا اسْتَقْرَضَ عَشَرَةَ أَفْلَسَ، ثُمَّ كَسَدَتْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا مِثْلُهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: عَلَيْهِ قِيمَتُهَا مِنْ الْفِضَّةِ يُسْتَحْسَنُ ذَلِكَ وَإِنْ اسْتَقْرَضَ دَانِقَ فُلُوسٍ أَوْ نِصْفَ دِرْهَمِ فُلُوسٍ، ثُمَّ رَخُصَتْ أَوْ غَلَتْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا مِثْلُ عَدَدِ الَّذِي أَخَذَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَقْرِضْنِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ غَلَّةٍ بِدِينَارٍ، فَأَعْطَاهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا، وَلَا يُنْظَرُ إلَى غَلَاءِ الدَّرَاهِمِ، وَلَا إلَى رُخْصِهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ فَالْقَرْضُ فِيهِ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ مَا يُعَدُّ مِنْ الْبَيْضِ وَالْجَوْزِ اهـ وَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: اسْتَقْرَضَ حِنْطَةً فَأَعْطَى مِثْلَهَا بَعْدَمَا تَغَيَّرَ سِعْرُهَا يُجْبَرُ الْمُقْرِضُ عَلَى الْقَبُولِ (قَوْلُهُ وَجَعَلَهُ) أَيْ مَا فِي الْمَتْنِ مِنْ قَوْلِهِ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الثَّانِي إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الصَّاحِبَيْنِ اتَّفَقَا عَلَى وُجُوبِ رَدِّ الْقِيمَةِ دُونَ الْمِثْلِ، لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ وَصْفُ الثَّمَنِيَّةِ بِالْكَسَادِ تَعَذَّرَ رَدُّ عَيْنِهَا كَمَا قَبَضَهَا فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهَا، وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ اخْتِيَارُ قَوْلِهِمَا فَتْحٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 قَالَ وَكَذَا الْخِلَافُ إذَا (اسْتَقْرَضَ طَعَامًا بِالْعِرَاقِ فَآخُذهُ صَاحِبُ الْقَرْضِ بِمَكَّةَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ بِالْعِرَاقِ يَوْمَ اقْتِرَاضِهِ عِنْدَ الثَّانِي وَعِنْدَ الثَّالِثِ يَوْمَ اخْتَصَمَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ) مَعَهُ (إلَى الْعِرَاقِ فَيَأْخُذُ طَعَامَهُ وَلَوْ اسْتَقْرَضَ الطَّعَامَ بِبَلَدٍ الطَّعَامُ فِيهِ رَخِيصٌ فَلَقِيَهُ الْمُقْرِضُ فِي بَلَدٍ الطَّعَامُ فِيهِ غَالٍ فَأَخَذَهُ الطَّالِبُ بِحَقِّهِ فَلَيْسَ لَهُ حَبْسُ الْمَطْلُوبِ وَيُؤْمَرُ الْمَطْلُوبُ بِأَنْ يُوَثِّقَ لَهُ) بِكَفِيلٍ (حَتَّى يُعْطِيَهُ طَعَامَهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ اسْتَقْرَضَ شَيْئًا مِنْ الْفَوَاكِهِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى انْقَطَعَ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ صَاحِبُ الْقَرْضِ عَلَى تَأْخِيرِهِ إلَى مَجِيءِ الْحَدِيثِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى الْقِيمَةِ) لِعَدَمِ وُجُودِهِ بِخِلَافِ الْفُلُوسِ إذَا كَسَدَتْ وَتَمَامُهُ فِي صَرْفِ الْخَانِيَّةِ   [رد المحتار] ثُمَّ إنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الضَّمَانِ قَالَ فِي صَرْفِ الْفَتْحِ: وَأَصْلُهُ اخْتِلَافُهُمَا فِيمَنْ غَصَبَ مِثْلِيًّا فَانْقَطَعَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: يَوْمَ الْقَضَاءِ وَقَوْلُهُمَا: أَنْظِرْ لِلْمُقْرِضِ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ، لِأَنَّ فِي رَدِّ الْمِثْلِ إضْرَارٌ بِهِ ثُمَّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ: أَنْظِرْ لَهُ أَيْضًا، لِأَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمِ الِانْقِطَاعِ وَهُوَ أَيْسَرُ أَيْضًا فَإِنَّ ضَبْطَ وَقْتِ الِانْقِطَاعِ عَسِرٌ اهـ مُلَخَّصًا. وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ، وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْبُيُوعِ أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْقَبْضِ أَيْضًا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ تَرْجِيحَ قَوْلِهِ فِي الْكَسَادِ أَيْضًا وَحُكْمُ الْبَيْعِ كَالْقَرْضِ، إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَبْطُلُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْبَيْعِ فِي الْكَسَادِ وَالرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبُيُوعِ. (قَوْلُهُ فَآخَذَهُ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ أَيْ طَلَبَ أَخْذَهُ مِنْهُ (قَوْلُهُ بِالْعِرَاقِ يَوْمَ اقْتَرَضَهُ) مُتَعَلِّقَانِ بِقَوْلِهِ قِيمَتُهُ، وَالثَّانِي يُغْنِي عَنْ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الثَّالِثِ يَوْمَ اخْتَصَمَا) وَعِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ: قِيمَتُهُ بِالْعِرَاقِ يَوْمَ اخْتَصَمَا فَأَفَادَ أَنَّ الْوَاجِبَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِاخْتِصَامِ الَّتِي فِي بَلَدِ الْقَرْضِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَ قَوْلِهِ بِالْعِرَاقِ هُنَا وَإِسْقَاطَهُ مِنْ الْأَوَّلِ كَمَا فَعَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ فَيَأْخُذُ طَعَامَهُ) أَيْ مِثْلَهُ فِي بَلَدِ الْقَرْضِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَقْرَضَ الطَّعَامَ إلَخْ) هَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَهِيَ مَا لَوْ ذَهَبَ إلَى بَلْدَةٍ غَيْرِ بَلْدَةِ الْقَرْضِ وَقِيمَةُ الْبَلْدَتَيْنِ مُخْتَلِفَةٌ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الطَّعَامَ فِي مَكَّةَ أَغْلَى مِنْهُ فِي الْعِرَاقِ، وَهَذِهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى وَهِيَ قَوْلُ الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا مَا مَرَّ مِنْ حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ. ثُمَّ قَالَ مَا نَصُّهُ: بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ أَقْرَضَ رَجُلًا طَعَامًا أَوْ غَصَبَهُ إيَّاهُ وَلَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَالْتَقَيَا فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى الطَّعَامُ فِيهَا أَغْلَى أَوْ أَرْخَصُ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: يَسْتَوْثِقُ لَهُ مِنْ الْمَطْلُوبِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ طَعَامَهُ حَيْثُ غَصَبَ أَوْ حَيْثُ أَقْرَضَهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ تَرَاضَيَا عَلَى هَذَا فَحَسَنٌ وَأَيُّهُمَا طَلَبَ الْقِيمَةَ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهِ: وَهِيَ الْقِيمَةُ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ أَوْ الِاسْتِقْرَاضِ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ وَلَوْ كَانَ الْغَصْبُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ أُجْبِرَ عَلَى أَخْذِهِ لَا عَلَى الْقِيمَةِ اهـ وَفِيهَا أَيْضًا وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ إذَا اسْتَقْرَضَ دَرَاهِمَ بُخَارِيَّةً وَالْتَقَيَا فِي بَلْدَةٍ لَا يَقْدِرُ فِيهَا عَلَى الْبُخَارِيَّةِ فَإِنْ كَانَ يُنْفَقُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ، فَإِنْ شَاءَ صَاحِبُ الْحَقِّ أَجَّلَهُ قَدْرَ الْمَسَافَةِ ذَاهِبًا وَجَائِيًا وَاسْتَوْثَقَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ لَا يُنْفَقُ فِيهَا وَجَبَ الْقِيمَةُ اهـ. وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْبُيُوعِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ الْبُخَارِيَّةَ فُلُوسٌ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ، فَلِذَا أَوْجَبَ الْقِيمَةَ إذَا كَانَتْ لَا تُنْفَقُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ لِبُطْلَانِ الثَّمَنِيَّةِ بِالْكَسَادِ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ فِضَّتُهَا خَالِصَةٌ أَوْ غَالِبَةٌ كَرِيَالِ الْفِرِنْجِيِّ فِي زَمَانِنَا فَالْوَاجِبُ رَدُّ مِثْلِهَا، وَإِنْ كَانَا فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى، لِأَنَّ ثَمَنِيَّةَ الْفِضَّةِ لَا تَبْطُلُ بِالْكَسَادِ، وَلَا بِالرُّخْصِ أَوْ الْغَلَاءِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ إلَى غَلَاءِ الدَّرَاهِمِ، وَلَا إلَى رُخْصِهَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ أَوَّلَ الْبُيُوعِ (قَوْلُهُ اسْتَقْرَضَ شَيْئًا مِنْ الْفَوَاكِهِ إلَخْ) الْمُرَادُ مَا هُوَ كَيْلِيٌّ أَوْ وَزْنِيٌّ إذَا اسْتَقْرَضَهُ ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ قَبْلَ أَنْ يُقْبِضَهُ إلَى الْمُقْرِضِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُجْبَرُ الْمُقْرِضُ عَلَى التَّأْخِيرِ إلَى إدْرَاكِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 (وَيَمْلِكُ) الْمُسْتَقْرِضُ (الْقَرْضَ بِنَفْسِ الْقَبْضِ عِنْدَهُمَا) أَيْ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِلثَّانِي فَلَهُ رَدُّ الْمِثْلِ وَلَوْ قَائِمًا خِلَافًا لَهُ بِنَاءً عَلَى انْعِقَادِهِ بِلَفْظِ الْقَرْضِ وَفِيهِ تَصْحِيحَانِ وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُ الِانْعِقَادِ لِإِفَادَتِهِ الْمِلْكَ لِلْحَالِ بَحْرٌ. فَجَازَ شِرَاءُ الْمُسْتَقْرِضِ الْقَرْضَ وَلَوْ قَائِمًا مِنْ الْمُقْرِضِ   [رد المحتار] الْجَدِيدِ لِيَصِلَ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ، لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ بِمَنْزِلَةِ الْهَلَاكِ، وَمِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْحَقَّ لَا يَنْقَطِعُ عَنْ الْعَيْنِ بِالْهَلَاكِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هَذَا لَا يُشْبِهُ كَسَادَ الْفُلُوسِ، لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُوجَدُ، فَيُجْبَرُ الْمُقْرِضُ عَلَى التَّأْخِيرِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى الْقِيمَةِ، وَهَذَا فِي الْوَجْهِ كَمَا لَوْ الْتَقَيَا فِي بَلَدٍ الطَّعَامُ فِيهِ غَالِبٌ فَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ وَيُوَثِّقُ لَهُ بِكَفِيلٍ حَتَّى يُعْطِيَهُ إيَّاهُ فِي بَلَدِهِ، ذَخِيرَةٌ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ بِنَفْسِ الْقَبْضِ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَهْلِكَهُ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) حَيْثُ قَالَ لَا يَمْلِكُ الْمُسْتَقْرِضُ الْقَرْضَ مَا دَامَ قَائِمًا كَمَا فِي الْمِنَحِ آخِرَ الْفَصْلِ اهـ ح (قَوْلُهُ فَلَهُ رَدُّ الْمِثْلِ) أَيْ لَوْ اسْتَقْرَضَ كُرَّ بُرٍّ مَثَلًا وَقَبَضَهُ فَلَهُ حَبْسُهُ وَرَدُّ مِثْلِهِ، وَإِنْ طَلَبَ الْمُقْرِضُ رَدَّ الْعَيْنِ، لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمُقْرِضِ، وَثَبَتَ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ مِثْلُهُ لَا عَيْنُهُ وَلَوْ قَائِمًا (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى انْعِقَادِهِ إلَخْ) هَكَذَا نَقَلَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ هُنَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْبَحْرِ، وَنَقَلَ أَيْضًا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ: أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي انْعِقَادِهِ بِلَفْظِ الْقَرْضِ، قِيلَ يَنْعَقِدُ، وَقِيلَ لَا، وَقِيلَ الْأَوَّلُ قِيَاسُ قَوْلِهِمَا وَالثَّانِي قِيَاسُ قَوْلِهِ اهـ. قُلْت: وَالْعِبَارَتَانِ غَيْرُ مَذْكُورَتَيْنِ فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ الْبَحْرِ، وَشَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَيَنْعَقِدُ بِكُلِّ مَا وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ فِي الْحَالِ فَالضَّمِيرُ فِي انْعِقَادِهِ فِي عِبَارَةِ الْبَحْرِ الْمَذْكُورَةِ فِي الشَّرْحِ، وَعِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ الَّتِي نَقَلْنَاهَا عَائِدَةٌ عَلَى النِّكَاحِ لَا عَلَى الْقَرْضِ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ تَبَعًا لِلْمِنَحِ، وَهَذَا أَمْرٌ عَجِيبٌ. نَعَمْ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُنَاسَبَةٌ هُنَا وَذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمَتْنِ تَرْجِيحُ قَوْلِهِمَا، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي اعْتِمَادُ انْعِقَادِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْقَرْضِ، وَهُوَ أَحَدُ التَّصْحِيحَيْنِ لِإِفَادَتِهِ الْمِلْكَ لِلْحَالِ فَافْهَمْ. [مَطْلَبٌ فِي شِرَاءِ الْمُسْتَقْرِضِ الْقَرْضَ مِنْ الْمُقْرِضِ] ِ (قَوْلُهُ فَجَازَ شِرَاءُ الْمُسْتَقْرِضِ الْقَرْضَ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَالْمُرَادُ شِرَاؤُهُ مَا فِي ذِمَّتِهِ لَا عَيْنَ الْقَرْضِ الَّذِي فِي يَدِهِ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: وَلَوْ قَائِمًا فِيهِ اسْتِخْدَامٌ، لِأَنَّهُ عَائِدٌ إلَى عَيْنِ الْقَرْضِ الَّذِي فِي يَدِهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَارَةً يَشْتَرِي مَا فِي ذِمَّتِهِ لِلْمُقْرِضِ وَتَارَةً وَمَا فِي يَدِهِ أَيْ عَيْنِ مَا اسْتَقْرَضَهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَفِي الذَّخِيرَةِ اشْتَرَى مِنْ الْمُقْرِضِ الْكُرَّ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ جَازَ لِأَنَّهُ دَيْنٌ عَلَيْهِ لَا بِعَقْدِ صَرْفٍ وَلَا سَلَمٍ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا وَقْتَ الشِّرَاءِ فَالْجَوَازُ قَوْلُ الْكُلِّ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ فِي ذِمَّتِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ مَا لَمْ يَسْتَهْلِكْهُ، فَلَمْ يَجِبْ مِثْلُهُ فِي ذِمَّتِهِ فَإِذَا أَضَافَ الشِّرَاءَ إلَى الْكُرِّ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ فَقَدْ أَضَافَهُ إلَى مَعْدُومٍ فَلَا يَجُوزُ اهـ وَهَذَا مَا فِي الشَّرْحِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَفِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا: اسْتَقْرَضَ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا وَقَبَضَهُ ثُمَّ اشْتَرَى ذَلِكَ الْكُرَّ بِعَيْنِهِ مِنْ الْمُقْرِضِ لَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِهِمَا، لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِنَفْسِ الْقَبْضِ فَيَصِيرُ مُشْتَرِيًا مِلْكَ نَفْسِهِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَالْكُرُّ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمُقْرِضِ فَيَصِيرُ الْمُسْتَقْرِضُ مُشْتَرِيًا مِلْكَ غَيْرِهِ فَيَصِحُّ وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَ الْمُسْتَقْرِضُ هُوَ الَّذِي بَاعَ الْكُرَّ مِنْ الْمُقْرِضِ، فَيَجُوزُ عَلَى قَوْلِهِمَا، لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ: وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بَعْضُهُمْ قَالُوا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْكُرَّ بِنَفْسِ الْقَرْضِ، إلَّا أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بَيْعًا وَهِبَةً وَاسْتِهْلَاكًا لِيَصِيرَ مُتَمَلِّكًا لَهُ وَبِالْبَيْعِ مِنْ الْمُقْرِضِ صَارَ مُتَصَرِّفًا فِيهِ، وَزَالَ عَنْ مِلْكِ الْمُقْرِضِ فَصَحَّ الْبَيْعُ مِنْهُ اهـ مُلَخَّصًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 بِدَرَاهِمَ مَقْبُوضَةٍ فَلَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِهَا بَطَلَ لِأَنَّهُ افْتِرَاقٌ عَنْ دَيْنٍ بَزَّازِيَّةٌ فَلْيُحْفَظْ. (أَقْرَضَ صَبِيًّا) مَحْجُورًا (فَاسْتَهْلَكَهُ الصَّبِيُّ لَا يَضْمَنُ) خِلَافًا لِلثَّانِي (وَكَذَا) الْخِلَافُ لَوْ بَاعَهُ أَوْ أَوْدَعَهُ وَمِثْلُهُ (الْمَعْتُوهُ وَلَوْ) كَانَ الْمُسْتَقْرِضُ (عَبْدًا مَحْجُورًا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ) خِلَافًا لِلثَّانِي (وَهُوَ كَالْوَدِيعَةِ) سَوَاءٌ خَانِيَّةٌ. وَفِيهَا (اسْتَقْرَضَ مِنْ آخَرَ دَرَاهِمَ فَأَتَاهُ الْمُقْرِضُ بِهَا فَقَالَ الْمُسْتَقْرِضُ أَلْقِهَا فِي الْمَاءِ فَأَلْقَاهَا) قَالَ مُحَمَّدٌ (لَا شَيْءَ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ) وَكَذَا الدَّيْنُ وَالسَّلَمُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ بِالْإِلْقَاءِ يُعَدُّ قَابِضًا وَالْفَرْقُ أَنَّ لَهُ إعْطَاءَ غَيْرِهِ فِي الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي وَعَزَاهُ لِغَرِيبِ الرِّوَايَةِ (وَ) فِيهَا (الْقَرْضُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشُّرُوطِ فَالْفَاسِدُ مِنْهَا لَا يُبْطِلُهُ وَلَكِنَّهُ يَلْغُو شَرْطُ رَدِّ شَيْءٍ آخَرَ فَلَوْ اسْتَقْرَضَ الدَّرَاهِمَ الْمَكْسُورَةَ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ صَحِيحًا كَانَ بَاطِلًا) وَكَذَا لَوْ أَقْرَضَهُ طَعَامًا بِشَرْطِ رَدِّهِ فِي مَكَان آخَرَ (وَكَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا قَبَضَ) فَإِنْ قَضَاهُ أَجْوَدَ بِلَا شَرْطٍ جَازَ وَيُجْبَرُ الدَّائِنُ عَلَى قَبُولِ الْأَجْوَدِ وَقِيلَ لَا بَحْرٌ   [رد المحتار] قَوْلُهُ بِدَرَاهِمَ مَقْبُوضَةٍ إلَخْ) فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ آخِرِ الصَّرْفِ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ طَعَامٌ، أَوْ فُلُوسٌ فَاشْتَرَاهُ مَنْ عَلَيْهِ بِدَرَاهِمَ وَتَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ الدَّرَاهِمِ، بَطَلَ وَهَذَا مِمَّا يُحْفَظُ، فَإِنَّ مُسْتَقْرِضَ الْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ يُتْلِفُهَا، ثُمَّ يُطَالِبُهُ الْمَالِكُ بِهَا وَيَعْجَزُ عَنْ الْأَدَاءِ فَيَبِيعُهَا مُقْرِضُهَا مِنْهُ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ إلَى أَجَلٍ، وَإِنَّهُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ افْتِرَاقٌ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ اهـ وَفِيهَا فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْبُيُوعِ وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَبِيعَ الْحِنْطَةَ وَنَحْوَهَا بِثَوْبٍ، ثُمَّ يَبِيعَ الثَّوْبَ مِنْهُ بِدَرَاهِمَ وَيُسَلِّمَ الثَّوْبَ إلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ أَقْرَضَ صَبِيًّا مَحْجُورًا فَاسْتَهْلَكَهُ) قَيَّدَ بِالْمَحْجُورِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَأْذُونًا فَهُوَ كَالْبَالِغِ وَبِالِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَتْ عَيْنُهُ، فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ، وَلَوْ تَلِفَ بِنَفْسِهِ لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ط (قَوْلُهُ وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ بَاعَهُ) أَيْ بَاعَ مِنْ الصَّبِيِّ أَوْ أَوْدَعَهُ أَيْ وَاسْتَهْلَكَهُمَا وَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ قَوْلِهِ أَوْ أَوْدَعَهُ لِتَصْرِيحِ الْمُصَنِّفِ بِهِ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ كَالْوَدِيعَةِ اهـ ط (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) فَيُؤَاخَذُ بِهِ حَالًا كَالْوَدِيعَةِ عِنْدَهُ هِنْدِيَّةٌ ط (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الْإِقْرَاضُ لِهَؤُلَاءِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا الدَّيْنُ وَالسَّلَمُ) أَيْ لَوْ جَاءَ الْمَدْيُونُ أَوْ رَبُّ السَّلَمِ بِدَرَاهِمَ لِيَدْفَعَهَا إلَى الدَّائِنِ عَنْ دَيْنِهِ، أَوْ إلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ فَقَالَ لَهُ أَلْقِهَا إلَخْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ الْوَدِيعَةِ) الْمُرَادُ بِالشِّرَاءِ الْمَشْرِيِّ: أَيْ لَوْ جَاءَ الْبَائِعُ بِالْمَشْرِيِّ أَوْ الْمُودِعُ الْوَدِيعَةِ فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ: أَلْقِ ذَلِكَ فِي الْمَاءِ فَأَلْقَاهُ صَحَّ الْأَمْرُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى الْآمِرِ، وَيَصِيرُ قَابِضًا لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَيِّنٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ إعْطَاءُ غَيْرِ الْمَبِيعِ، وَلَا لِلْمُودِعِ إعْطَاءُ غَيْرِ الْوَدِيعَةِ، بِخِلَافِ الْمُقْرِضِ وَالْمَدْيُونِ وَرَبِّ السَّلَمِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُبَدِّلَ مَا جَاءَ بِهِ، وَيُعْطِيَ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَقَيَّدَ فِي الْمِنَحِ الشِّرَاءَ بِمَا إذَا كَانَ صَحِيحًا أَيْ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَكُونُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ (قَوْلُهُ وَعَزَاهُ لِغَرِيبِ الرِّوَايَةِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى صَاحِبِ الْخَانِيَّةِ، لِأَنَّهُ نَقَلَ مَا فِي الْمَتْنِ عَنْهَا مَعَ أَنَّ مَا فِي الشَّرْحِ لَمْ أَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَإِنَّمَا عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ إلَى غَرِيبِ الرِّوَايَةِ. (قَوْلُهُ وَفِيهَا) أَيْ فِي الْخَانِيَّةِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَفِيهَا (قَوْلُهُ شَرْطُ رَدِّ شَيْءٍ آخَرَ) الظَّاهِرُ أَنَّ أَصْلَ الْعِبَارَةِ كَشَرْطِ رَدِّ شَيْءٍ آخَرَ اهـ ح (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِيهَا وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا فَقَضَاهُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ اهـ وَذَكَرَ الشَّارِحُ إعْطَاءَ الْأَجْوَدِ وَلَمْ يَذْكُرْ الزِّيَادَةَ وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَإِنْ أَعْطَاهُ الْمَدْيُونُ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَيْهِ وَزْنًا، فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ تَجْرِي بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ أَيْ بِأَنْ كَانَتْ تَظْهَرُ فِي مِيزَانٍ دُونَ مِيزَانٍ جَازَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الدَّانِقَ فِي الْمِائَةِ يَسِيرٌ يَجْرِي بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ وَقَدْرُ الدِّرْهَمِ وَالدِّرْهَمَيْنِ كَثِيرٌ لَا يَجُوزُ وَاخْتَلَفُوا فِي نِصْفِ الدِّرْهَمِ قَالَ الدَّبُوسِيُّ: إنَّهُ فِي الْمِائَةِ كَثِيرٌ يُرَدُّ عَلَى صَاحِبِهِ، فَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً لَا تَجْرِي بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَدْيُونُ بِهَا تُرَدُّ عَلَى صَاحِبِهَا، وَإِنْ عَلِمَ وَأَعْطَاهَا اخْتِيَارًا إنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ الْمَدْفُوعَةُ مَكْسُورَةً أَوْ صِحَاحًا لَا يَضُرُّهَا التَّبْعِيضُ لَا يَجُوزُ إذَا عَلِمَ الدَّافِعُ وَالْقَابِضُ وَتَكُونُ هِبَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ وَعَلِمَا جَازَ وَتَكُونُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 165 وَفِي الْخُلَاصَةِ الْقَرْضُ بِالشَّرْطِ حَرَامٌ وَالشَّرْطُ لَغْوٌ بِأَنْ يُقْرِضَ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ بِهِ إلَى بَلَدِ كَذَا لِيُوَفِّيَ دَيْنَهُ. وَفِي الْأَشْبَاهِ كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا حَرَامٌ فَكُرِهَ لِلْمُرْتَهِنِ سُكْنَى الْمَرْهُونَةِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ. [فُرُوعٌ] اسْتَقْرَضَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَأَرْسَلَ عَبْدَهُ لِأَخْذِهَا فَقَالَ الْمُقْرِضُ دَفَعْته إلَيْهِ وَأَقَرَّ الْعَبْدُ بِهِ وَقَالَ دَفَعْتهَا إلَى مَوْلَايَ فَأَنْكَرَ الْمَوْلَى قَبْضَ الْعَبْدِ الْعَشَرَةَ فَالْقَوْلُ لَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُقْرِضُ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَهَا بِحَقٍّ انْتَهِي. عِشْرُونَ رَجُلًا جَاءُوا وَاسْتَقْرَضُوا مِنْ رَجُلٍ وَأَمَرُوهُ بِالدَّفْعِ لِأَحَدِهِمْ فَدَفَعَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ إلَّا حِصَّتَهُ. قُلْت: وَمَفَادُهُ صِحَّةُ التَّوْكِيلِ بِقَبْضِ الْقَرْضِ لَا بِالِاسْتِقْرَاضِ قُنْيَةٌ   [رد المحتار] هِبَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ اهـ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ بَعْضَهُ أَوَّل َ بَابِ الرِّبَا (قَوْلُهُ بِأَنْ يُقْرِضَ إلَخْ) هَذَا يُسَمَّى الْآنَ بِالْوَصِيَّةِ قَالَ فِي الدُّرَرِ كُرِهَ لِلسُّفْتَجَةِ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ التَّاءِ تَعْرِيبُ سُفْتَهُ: وَهِيَ شَيْءٌ مُحْكَمٌ وَيُسَمَّى هَذَا الْقَرْضُ بِهِ لِإِحْكَامِ أَمْرِهِ وَصُورَتُهُ: أَنَّهُ يَدْفَعُ إلَى تَاجِرٍ مَبْلَغًا قَرْضًا لِيَدْفَعَهُ إلَى صَدِيقِهِ فِي بَلَدٍ آخَرَ لِيَسْتَفِيدَ بِهِ سُقُوطَ خَطَرِ الطَّرِيقِ اهـ. وَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَتُكْرَهُ السَّفْتَجَةُ إلَّا أَنْ يَسْتَقْرِضَ مُطْلَقًا وَيُوَفِّيَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ اهـ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهَا آخِرَ كِتَابِ الْحَوَالَةِ. [مَطْلَبٌ كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا حَرَامٌ] (قَوْلُهُ كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا حَرَامٌ) أَيْ إذَا كَانَ مَشْرُوطًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا نَقَلَهُ عَنْ الْبَحْرِ، وَعَنْ الْخُلَاصَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ النَّفْعُ مَشْرُوطًا فِي الْقَرْضِ، فَعَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ وَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ فَكُرِهَ لِلْمُرْتَهِنِ إلَخْ) الَّذِي فِي رَهْنِ الْأَشْبَاهِ يُكْرَهُ لِلْمُرْتَهِنِ الِانْتِفَاعُ بِالرَّهْنِ إلَّا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ اهـ سَائِحَانِيٌّ. قُلْت: وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الرَّهْنِ وَقَالَ فِي الْمِنَحِ هُنَاكَ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ سَمَرْقَنْدَ إنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الرَّاهِنُ، لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الرِّبَا لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي دَيْنَهُ كَامِلًا فَتَبْقَى لَهُ الْمَنْفَعَةُ فَضْلًا، فَتَكُونُ رِبًا وَهَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ. قُلْت: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ مِنْ أَنَّهُ يَحِلُّ بِالْإِذْنِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الدِّيَانَةِ وَمَا فِي الْمُعْتَبَرَاتِ عَلَى الْحُكْمِ ثُمَّ رَأَيْت فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى إذَا كَانَ مَشْرُوطًا صَارَ قَرْضًا فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَهُوَ رِبًا وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ مَا فِي الْمِنَحِ مُلَخَّصًا وَتَعَقَّبَهُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّ مَا كَانَ رِبًا لَا يَظْهَرُ فِيهِ فَرْقٌ بَيْنَ الدِّيَانَةِ وَالْقَضَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّوْفِيقِ بَعْدَ الْفَتْوَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَيْ مِنْ أَنَّهُ يُبَاحُ. قُلْت: وَمَا فِي الْجَوَاهِرِ يُفِيدُ تَوْفِيقًا آخَرَ بِحَمْلِ مَا فِي الْمُعْتَبَرَاتِ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوطِ، وَمَا مَرَّ عَلَى الْمَشْرُوطِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إبْقَاءِ التَّنَافِي. وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرُوهُ فِيمَا لَوْ أَهْدَى الْمُسْتَقْرِضُ لِلْمُقْرِضِ إنْ كَانَتْ بِشَرْطٍ كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا وَأَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ فِيمَنْ رَهَنَ شَجَرَ الزَّيْتُونِ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ الْمُرْتَهِنُ ثَمَرَتَهُ نَظِيرَ صَبْرِهِ بِالدَّيْنِ بِأَنَّهُ يَضْمَنُ (قَوْلُهُ دَفَعْته) أَيْ الْقَرْضَ وَالْأَوْلَى دَفَعْتهَا أَيْ الْعَشَرَةَ (قَوْلُهُ فَأَنْكَرَ الْمَوْلَى إلَخْ) مَفْهُومَةُ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِقَبْضِ الْعَبْدِ يَلْزَمُهُ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ أَرْسَلَ رَسُولًا إلَى رَجُلٍ وَقَالَ: ابْعَثْ إلَيَّ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ قَرْضًا فَبَعَثَ بِهَا مَعَ رَسُولِهِ كَانَ الْآمِرُ ضَامِنًا لَهَا إذَا أَقَرَّ أَنَّ رَسُولَهُ قَبَضَهَا اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَهَا بِحَقٍّ) وَهُوَ كَوْنُهُ نَائِبًا عَنْ سَيِّدِهِ فِي الْقَبْضِ (قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ) أَيْ لَيْسَ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْقَابِضِ إلَّا حِصَّتَهُ مِنْ الْقَرْضِ، لِأَنَّهُ قَبَضَ الْبَاقِيَ بِالْوَكَالَةِ عَنْ رُفْقَتِهِ (قَوْلُهُ لَا بِالِاسْتِقْرَاضِ) هَذَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَعَثَ رَجُلًا لِيَسْتَقْرِضَهُ فَأَقْرَضَهُ فَضَاعَ فِي يَدِهِ فَلَوْ قَالَ: أَقْرِضْ لِلْمُرْسِلِ ضَمِنَ مُرْسِلُهُ، وَلَوْ قَالَ: أَقْرِضْنِي لِلْمُرْسِلِ ضَمِنَ رَسُولُهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 وَفِيهَا اسْتِقْرَاضُ الْعَجِينِ وَزْنًا يَجُوزُ وَيَنْبَغِي جَوَازُهُ فِي الْخَمِيرَةِ بِلَا وَزْنٍ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ خَمِيرَةٍ يَتَعَاطَاهَا الْجِيرَانُ أَيَكُونُ رِبًا فَقَالَ مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ» وَفِيهَا شِرَاءُ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ بِثَمَنٍ غَالٍ لِحَاجَةِ الْقَرْضِ يَجُوزُ وَيُكْرَهُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ. قُلْت: وَفِي مَعْرُوضَاتِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ لَوْ ادَّانَ زَيْدٌ الْعَشَرَةَ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَوْ بِثَلَاثَةٌ عَشَرَ بِطَرِيقِ الْمُعَامَلَةِ فِي زَمَانِنَا بَعْدَ أَنْ وَرَدَ الْأَمْرُ السُّلْطَانِيُّ وَفَتْوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ بِأَنْ لَا تُعْطَى الْعَشَرَةُ بِأَزْيَدَ مِنْ عَشَرَةٍ وَنِصْفٍ وَنُبِّهَ عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يَمْتَثِلْ مَاذَا يَلْزَمُهُ؟ فَأَجَابَ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ إلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ وَصَلَاحُهُ فَيُتْرَكَ   [رد المحتار] وَالْحَاصِلُ: أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْإِقْرَاضِ جَائِزٌ لَا بِالِاسْتِقْرَاضِ وَالرِّسَالَةُ بِالِاسْتِقْرَاضِ تَجُوزُ، وَلَوْ أَخْرَجَ وَكِيلُ الِاسْتِقْرَاضِ كَلَامَهُ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ يَقَعُ الْقَرْضُ لِلْآمِرِ، وَلَوْ مَخْرَجَ الْوَكَالَةِ بِأَنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ يَقَعُ لِلْوَكِيلِ وَلَهُ مَنْعُهُ عَنْ آمِرِهِ اهـ. قُلْت: وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمُوَكِّلِ بِأَنْ قَالَ إنَّ فُلَانًا يَطْلُبُ مِنْك أَنْ تُقْرِضَهُ كَذَا صَارَ رَسُولًا وَالرَّسُولُ سَفِيرٌ وَمَعْبَرٌ بِخِلَافِ مَا إذَا أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ: أَقْرِضْنِي كَذَا أَوْ قَالَ: أَقْرِضْنِي لِفُلَانٍ كَذَا، فَإِنَّهُ يَقَعُ لِنَفْسِهِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ لِفُلَانٍ بِمَعْنَى لِأَجْلِهِ، وَقَالُوا إنَّمَا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ، لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالتَّكَدِّي وَهُوَ لَا يَصِحُّ. قُلْت: وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَرْضَ صِلَةٌ وَتَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً فَيَقَعُ لِلْمُسْتَقْرِضِ إذَا لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِي ذَلِكَ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ التَّكَدِّي بِمَعْنَى الشِّحَاذَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ اسْتِقْرَاضُ الْعَجِينِ وَزْنًا يَجُوزُ) هُوَ الْمُخْتَارُ مُخْتَارُ الْفَتَاوَى وَاحْتَرَزَ بِالْوَزْنِ عَنْ الْمُجَازَفَةِ، فَلَا يَجُوزُ بَحْرٌ ط (قَوْلُهُ مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ) هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ نَظَرَ إلَى قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاخْتَارَ لَهُ أَصْحَابًا فَجَعَلَهُمْ أَنْصَارَ دِينِهِ وَوُزَرَاءَ نَبِيِّهِ فَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ» إلَخْ " وَهُوَ مَوْقُوفٌ حَسَنٌ وَتَمَامُهُ فِي الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ ط (قَوْلُهُ يَجُوزُ وَيُكْرَهُ) أَيْ يَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَهَذَا لَوْ الشِّرَاءُ بَعْدَ الْقَرْضِ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ النَّفْعُ مَشْرُوطًا فِي الْقَرْضِ، وَلَكِنْ اشْتَرَى الْمُسْتَقْرِضُ مِنْ الْمُقْرِضِ بَعْدَ الْقَرْضِ مَتَاعًا بِثَمَنٍ غَالٍ، فَعَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ الْخَصَّافُ: مَا أُحِبُّ لَهُ ذَلِكَ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ حَرَامٌ، لِأَنَّهُ يَقُولُ لَوْ لَمْ أَكُنْ اشْتَرَيْته مِنْهُ طَالَبَنِي بِالْقَرْضِ فِي الْحَالِ، وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ: مَا نُقِلَ عَنْ السَّلَفِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مَشْرُوطَةً وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ بِلَا خِلَافٍ. وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَشْرُوطَةٍ وَذَلِكَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ بِلَا خِلَافٍ، هَذَا إذَا تَقَدَّمَ الْإِقْرَاضُ عَلَى الْبَيْعِ، فَإِنْ تَقَدَّمَ الْبَيْعُ بِأَنْ بَاعَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ الْمُعَامَلَةَ مِنْ الطَّالِبِ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عِشْرُونَ دِينَارًا بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا ثُمَّ أَقْرَضَهُ سِتِّينَ دِينَارًا أُخْرَى، حَتَّى صَارَ لَهُ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ مِائَةُ دِينَارٍ، وَحَصَلَ لِلْمُسْتَقْرِضِ ثَمَانُونَ دِينَارًا ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ جَائِزٌ وَهَذَا مَذْهَبُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ إمَامِ بَلْخٍ وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ كَانُوا يَكْرَهُونَهُ، وَيَقُولُونَ إنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعَةً إذْ لَوْلَاهُ لَمْ يَتَحَمَّلْ الْمُسْتَقْرِضُ غَلَاءَ الثَّمَنِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: يُكْرَهُ لَوْ كَانَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ الْوَاحِدَ يَجْمَعُ الْكَلِمَاتِ الْمُتَفَرِّقَةِ، فَكَأَنَّهُمَا وُجِدَا مَعًا فَكَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مَشْرُوطَةً فِي الْقَرْضِ وَكَانَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ يُفْتِي بِقَوْلِ الْخَصَّافِ وَابْنِ سَلَمَةَ يَقُولُ: هَذَا لَيْسَ بِقَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً بَلْ هَذَا بَيْعٌ جَرَّ مَنْفَعَةً وَهِيَ الْقَرْضُ اهـ مُلَخَّصًا وَانْظُرْ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي الصَّرْفِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبَيْعُ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ وَدِرْهَمَيْنِ غَلَّةٌ. (قَوْلُهُ بِطَرِيقِ الْمُعَامَلَةِ) هُوَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ شِرَاءِ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ بِثَمَنٍ غَالٍ (قَوْلُهُ بِأَزْيَدَ مِنْ عَشَرَةٍ وَنِصْفٍ) وَهُنَاكَ فَتْوَى أُخْرَى بِأَزْيَدَ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ وَنِصْفٍ وَعَلَيْهَا الْعَمَلُ سَائِحَانِيٌّ وَلَعَلَّهُ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهَا مُتَأَخِّرًا عَنْ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ يُعَزَّرُ) لِأَنَّ طَاعَةَ أَمْرِ السُّلْطَانِ بِمُبَاحٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ هَلْ يَرُدُّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الرِّبْحِ لِصَاحِبِهِ؟ فَأَجَابَ: إنْ حَصَّلَهُ مِنْهُ بِالتَّرَاضِي وَرَدَ الْأَمْرُ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ لَكِنْ يَظْهَرُ أَنَّ الْمُنَاسِبَ الْأَمْرُ بِالرُّجُوعِ وَأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ السَّلَمُ حَتَّى أَنَّ بَعْضَ الْقُرَى قَدْ خَرَجَتْ بِهَذَا الْخُصُومَةَ اهـ. بَابُ الرِّبَا هُوَ لُغَةً: مُطْلَقُ الزِّيَادَةِ وَشَرْعًا (فَضْلٌ) وَلَوْ حُكْمًا فَدَخَلَ رِبَا النَّسِيئَةِ   [رد المحتار] وَاجِبَةٌ (قَوْلُهُ مَا أَخَذَهُ مِنْ الرِّبْحِ) أَيْ زَائِدًا عَمَّا وَرَدَ بِهِ الْأَمْرُ ط (قَوْلُهُ إنْ حَصَّلَهُ مِنْهُ بِالتَّرَاضِي إلَخْ) مَفْهُومَةُ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ بِلَا رِضَاهُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الرُّجُوعُ بِالزَّائِدِ عَمَّا وَرَدَ بِهِ الْأَمْرُ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّهُ إذَا أَقْرَضَهُ مِائَةً وَبَاعَهُ سِلْعَةً بِثَلَاثِينَ مَثَلًا بَيْعًا مُسْتَوْفِيًا شَرَائِطَهُ الشَّرْعِيَّةَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا مُخَالَفَتُهُ الْأَمْرَ السُّلْطَانِيَّ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ بِخَمْسَةٍ فَقَطْ، لِتَكُونَ الْعَشَرَةُ بِعَشَرَةٍ وَنِصْفٍ وَمُقْتَضَى الْأَمْرِ الثَّانِي أَنْ يَبِيعَهَا بَخَمْسَةَ عَشَرَ، لِتَكُونَ الْعَشَرَةُ بِأَحَدَ عَشْرَةَ وَنِصْفٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُخَالَفَةَ الْأَمْرِ لَا تَقْتَضِي فَسَادَ الْبَيْعِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَزِيدُ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالسَّعْيِ وَتَرْكِ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ، فَإِذَا بَاعَ وَتَرَكَ السَّعْيَ يُكْرَهُ الْبَيْعُ، وَلَا يَفْسُدُ فَكَذَا هُنَا بِالْأَوْلَى عَلَى أَنَّهُ إذَا فَسَدَ الْبَيْعُ وَجَبَ الْفَسْخُ وَرُدَّ جَمِيعُ الثَّمَنِ، وَإِذَا صَحَّ وَجَبَ جَمِيعُ الثَّمَنِ فَلَا وَجْهَ لِرَدِّ الزَّائِدِ وَأَخْذِ مَا وَرَدَ بِهِ الْأَمْرُ فَقَطْ، سَوَاءٌ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْبَيْعِ أَوْ فَسَادِهِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ غَيْرُ مُرَادٍ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لَكِنْ يَظْهَرُ إلَخْ) لَا وَجْهَ لِلِاسْتِدْرَاكِ بَعْدَ وُرُودِ الْأَمْرِ الْوَاجِبِ الِاتِّبَاعِ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ ط وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يَرِدَ الْأَمْرُ السُّلْطَانِيُّ بِالرُّجُوعِ: أَيْ وَإِنْ أَخَذَ مَا أَخَذَهُ بِالتَّرَاضِي لَكِنْ عَلِمْت مَا فِيهِ (قَوْلُهُ وَأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ السَّلَمُ إلَخْ) أَيْ أَقْبَحُ مِنْ بَيْعِ الْمُعَامَلَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ دَفْعِ دَرَاهِمَ سَلَمًا عَلَى حِنْطَةٍ أَوْ نَحْوِهَا إلَى أَهْلِ الْقُرَى بِحَيْثُ يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى خَرَابِ الْقَرْيَةِ، لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الثَّمَنَ قَلِيلًا جِدًّا فَيَكُونُ إضْرَارُهُ أَكْثَرَ مِنْ إضْرَارِ الْبَيْعِ بِالْمُعَامَلَةِ الزَّائِدَةِ عَنْ الْأَمْرِ السُّلْطَانِيِّ، فَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُنَاسِبَ أَيْضًا وُرُودُ أَمْرٍ سُلْطَانِيٍّ بِذَلِكَ لِيُعَزَّرَ مَنْ يُخَالِفُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ أَمْرٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَاب الرِّبَا] لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْمُرَابَحَةِ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْقَرْضِ وَغَيْرِهِ ذَكَرَ الرِّبَا، لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا زِيَادَةً إلَّا أَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ حَلَالٌ، وَهَذِهِ حَرَامٌ وَالْحِلُّ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ وَالرِّبَا بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحُهَا خَطَأٌ مَقْصُورٌ عَلَى الْأَشْهَرِ وَيُثَنَّى رِبَوَانِ بِالْوَاوِ عَلَى الْأَصْلِ وَقَدْ يُقَالُ رِبَيَانِ عَلَى التَّخْفِيفِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ رِبَوِيٌّ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحُ خَطَأٌ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ وَلَوْ حُكْمًا إلَخْ) تَبِعَ فِيهِ النَّهْرَ لَكِنَّهُ لَا يُنَاسِبُ تَعْرِيفَ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ قَيَّدَهُ بِكَوْنِهِ بِمِعْيَارٍ شَرْعِيٍّ وَهَذَا لَا يَدْخُلُ فِيهِ رِبَا النَّسِيئَةِ وَلَا الْبَيْعُ الْفَاسِدُ، إلَّا إذَا كَانَ فَسَادُهُ لِعِلَّةِ الرِّبَا فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَعْرِيفُ رِبَا الْفَضْلِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَبَادَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ فَضْلُ أَحَدِ الْمُتَجَانِسَيْنِ. نَعَمْ هَذَا يُنَاسِبُ تَعْرِيفَ الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ فَضْلُ مَالٍ بِلَا عِوَضٍ فِي مُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ اهـ فَإِنَّ الْأَجَلَ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فَضْلٌ حُكْمِيٌّ بِلَا عِوَضٍ، وَلَمَّا كَانَ الْأَجَلُ يُقْصَدُ لَهُ زِيَادَةُ الْعِوَضِ كَمَا مَرَّ فِي الْمُرَابَحَةِ صَحَّ وَصْفُهُ بِكَوْنِهِ فَضْلَ مَالٍ حُكْمًا تَأَمَّلْ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَمِنْ شَرَائِطِ الرِّبَا عِصْمَةُ الْبَدَلَيْنِ، وَكَوْنُهُمَا مَضْمُونَيْنِ بِالْإِتْلَافِ فَعِصْمَةُ أَحَدِهِمَا وَعَدَمُ تَقَوُّمِهِ لَا يَمْنَعُ فَشِرَاءُ الْأَسِيرِ أَوْ التَّاجِرِ مَالَ الْحَرْبِيِّ أَوْ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا جَائِزٌ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْبَدَلَانِ مَمْلُوكَيْنِ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ كَالسَّيِّدِ مَعَ عَبْدِهِ، وَلَا مُشْتَرِكَيْنِ فِيهِمَا بِشَرِكَةِ عَنَانٍ أَوْ مُفَاوَضَةٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 168 وَالْبُيُوعُ الْفَاسِدَةُ فَكُلُّهَا مِنْ الرِّبَا فَيَجِبُ رَدُّ عَيْنِ الرِّبَا لَوْ قَائِمًا لَا رَدُّ ضَمَانِهِ لِأَنَّهُ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ قُنْيَةٌ وَبَحْرٌ (خَالٍ عَنْ عِوَضٍ) . خَرَجَ مَسْأَلَةُ صَرْفِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ جِنْسِهِ (بِمِعْيَارٍ شَرْعِيٍّ) وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ فَلَيْسَ الذَّرْعُ وَالْعَدُّ بِرِبًا   [رد المحتار] وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ وَالْبُيُوعُ الْفَاسِدَة إلَخْ) تَبِعَ فِيهِ الْبَحْرَ عَنْ الْبِنَايَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ لَيْسَ فِيهِ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ عِوَضٍ كَبَيْعِ مَا سَكَتَ فِيهِ عَنْ الثَّمَنِ، وَبَيْعِ عَرْضٍ بِخَمْرٍ أَوْ بِأُمِّ وَلَدٍ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ وَيُمْلَكُ بِالْقَبْضِ، وَكَذَا بَيْعُ جِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ، وَثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ وَالْبَيْعُ إلَى النَّيْرُوزِ وَنَحْوُهُ ذَلِكَ مِمَّا سَبَبُ الْفَسَادِ فِيهِ الْجَهَالَةُ، أَوْ الضَّرَرُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ نَعَمْ يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي الْفَسَادِ بِسَبَبِ شَرْطٍ فِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ مِمَّا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَلَا يُلَائِمُهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ قُبَيْلَ بَابِ الصَّرْفِ فِي بَحْثِ مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ حَيْثُ قَالَ: وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لَا مَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ أَوْ كَانَ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ، لِأَنَّ الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ مِنْ بَابِ الرِّبَا، وَهُوَ يَخْتَصُّ بِالْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ، لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ، وَحَقِيقَةُ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ هِيَ زِيَادَةُ مَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُلَائِمُهُ فَيَكُونُ فِيهِ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ وَهُوَ الرِّبَا بِعَيْنِهِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ فَيَجِبُ رَدُّ عَيْنِ الرِّبَا لَوْ قَائِمًا لَا رَدُّ ضَمَانِهِ إلَخْ) يَعْنِي وَإِنَّمَا يَجِبُ رَدُّ ضَمَانِهِ لَوْ اسْتَهْلَكَهُ، وَفِي التَّفْرِيعِ خَفَاءٌ، لِأَنَّ الْمَذْكُورَ قَبْلَهُ أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ مِنْ جُمْلَةِ الرِّبَا، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ لَوْ ذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّ الرِّبَا مِنْ جُمْلَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، لِأَنَّ حُكْمَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّهُ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ وَيَجِبُ رَدُّهُ لَوْ قَائِمًا وَرَدُّ مِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ لَوْ مُسْتَهْلَكًا. [مَطْلَبٌ فِي الْإِبْرَاءِ عَنْ الرِّبَا] وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّ شَيْخَ صَاحِبِ الْقُنْيَةِ أَفْتَى فِيمَنْ كَانَ يَشْتَرِي الدِّينَارَ الرَّدِيءَ بِخَمْسَةِ دَوَانِقَ ثُمَّ أَبْرَأَهُ غُرَمَاؤُهُ عَنْ الزَّائِدِ بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ بِأَنَّهُ يَبْرَأُ، وَوَافَقَهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ، وَاسْتُدِلَّ لَهُ بِقَوْلِ الْبَزْدَوِيِّ: إنَّ مِنْ جُمْلَةِ صُوَرِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ جُمْلَةُ الْعُقُودِ الرِّبَوِيَّةِ يُمْلَكُ الْعِوَضُ فِيهَا بِالْقَبْضِ وَخَالَفَهُ بَعْضُهُمْ قَائِلًا إنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَعْمَلُ فِي الرِّبَا لِأَنَّ رَدَّهُ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَأَيَّدَ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الزَّائِدَ إذَا مَلَكَهُ الْقَابِضُ بِالْقَبْضِ وَاسْتَهْلَكَهُ وَضَمِنَ مِثْلَهُ فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ وَلَزِمَهُ رَدُّ مِثْلِ مَا اسْتَهْلَكَهُ لَا يَرْتَفِعُ الْعَقْدُ السَّابِقُ بَلْ يَتَقَرَّرُ مُفِيدًا لِلْمِلْكِ فِي الزَّائِدِ، فَلَمْ يَكُنْ فِي رَدِّهِ فَائِدَةَ نَقْضِ عَقْدِ الرِّبَا لِيَجِبَ حَقًّا لِلشَّرْعِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ حَقًّا لِلشَّرْعِ رَدُّ عَيْنِ الرِّبَا لَوْ قَائِمًا لَا رَدُّ ضَمَانِهِ اهـ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي النَّهْرِ. قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِيهِ حَقَّيْنِ حَقَّ الْعَبْدِ وَهُوَ رَدُّ عَيْنِهِ لَوْ قَائِمًا وَمِثْلِهِ لَوْ هَالِكًا وَحَقَّ الشَّرْعِ وَهُوَ رَدُّ عَيْنِهِ لِنَقْضِ الْعَقْدِ الْمَنْهِيِّ شَرْعًا وَبَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ لَا يَتَأَنَّى رَدَّ عَيْنِهِ فَتَعَيَّنَ رَدُّ الْمِثْلِ وَهُوَ مَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ وَيَصِحُّ إبْرَاءُ الْعَبْدِ عَنْ حَقِّهِ فَقَوْلُ ذَلِكَ الْبَعْضِ إنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَعْمَلُ فِي الرِّبَا لِأَنَّ رَدَّهُ لِحَقٍّ الشَّرْعِ إنَّمَا يَصِحُّ قَبْلَ الِاسْتِهْلَاكِ وَالْكَلَامُ فِيمَا بَعْدَهُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ وُجُوبَ رَدِّ عَيْنِهِ لَوْ قَائِمًا فِيمَا لَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الزَّائِدِ أَمَّا لَوْ بَاعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَزَادَهُ دَانِقًا وَهَبَهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ خَرَّجَ مَسْأَلَةَ صَرْفِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ جِنْسِهِ) كَبَيْعِ كُرِّ بُرٍّ وَكُرِّ شَعِيرٍ بِكُرَّيْ بُرٍّ وَكُرَّيْ شَعِيرٍ، فَإِنَّ لِلثَّانِي فَضْلًا عَلَى الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ غَيْرُ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ لِصَرْفِ الْجِنْسِ لِخِلَافِ جِنْسِهِ وَالْمَمْنُوعُ فَضْلُ الْمُتَجَانِسَيْنِ (قَوْلُهُ بِمِعْيَارٍ شَرْعِيٍّ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفِ صِفَةٍ لِفَضْلٍ أَوْ خَالٍ مِنْهُ وَلَوْ أَسْقَطَ هَذَا الْقَيْدَ لَشَمِلَ التَّعْرِيفُ رِبَا النَّسَاءِ، وَيُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الذَّرْعِ وَالْعَدِّ بِالتَّصْرِيحِ بِنَفْيِهِ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ الذَّرْعُ وَالْعَدُّ بِرِبًا) أَيْ بِذِي رِبًا أَوْ بِمِعْيَارِ رِبًا فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَوْ الذَّرْعُ وَالْعَدُّ بِمَعْنَى الْمَذْرُوعِ وَالْمَعْدُودِ: أَيْ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِمَا رِبًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 مَشْرُوطٍ) ذَلِكَ الْفَضْلُ (لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) أَيْ بَائِعٍ أَوْ مُشْتَرٍ فَلَوْ شُرِطَ لِغَيْرِهِمَا فَلَيْسَ بِرِبًا بَلْ بَيْعًا فَاسِدًا (فِي الْمُعَاوَضَةِ) فَلَيْسَ الْفَضْلُ فِي الْهِبَةِ بِرِبًا فَلَوْ شَرَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِضَّةٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَزَادَ دَانَقًا إنْ وُهِبَهُ مِنْهُ انْعَدَمَ الرِّبَا وَلَمْ يَفْسُدْ الشِّرَاءُ وَهَذَا إنْ ضَرَّهَا الْكَسْرُ لِأَنَّهَا هِبَةُ مَشَاعٍ لَا يُقَسَّمُ كَمَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الذَّخِيرَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَفِي صَرْفِ الْمَجْمَعِ أَنَّ صِحَّةَ الزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ قَوْلُ الْإِمَامِ وَأَنَّ مُحَمَّدًا أَجَازَ الْحَطَّ وَجَعَلَهُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً كَحَطِّ كُلِّ الثَّمَنِ وَأَبْطَلَ الزِّيَادَةَ قَالَ ابْنُ مَلَكٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا خَفِيٌّ عِنْدِي   [رد المحتار] وَالْمُرَادُ رِبَا الْفَضْلِ لِتَحَقُّقِ رِبَا النَّسِيئَةِ، فَلَوْ بَاعَ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ مِنْ الْهَرَوِيِّ بِسِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنْهُ أَوْ بَيْضَةً بِبَيْضَتَيْنِ جَازَ لَوْ يَدًا بِيَدٍ لَا لَوْ نَسِيئَةً لِأَنَّ وُجُودَ الْجِنْسِ فَقَطْ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ لَا الْفَضْلَ كَوُجُودِ الْقَدْرِ فَقَطْ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ مَشْرُوطٍ) تَرْكُهُ أَوْلَى فَإِنَّهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ تَحَقُّقَ الرِّبَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَالْحَدُّ لَا يَتِمُّ بِالْعِنَايَةِ قُهُسْتَانِيٌّ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ بِلَا شَرْطٍ رِبًا أَيْضًا لَا أَنْ يَهَبَهَا عَلَى مَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ أَيْ بَائِعٍ أَوْ مُشْتَرٍ) أَيْ مِثْلًا فَمِثْلُهُمَا الْمُقْرَضَانِ وَالرَّاهِنَانِ قُهُسْتَانِيٌّ قَالَ: وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا إذَا شَرَطَ الِانْتِفَاعَ بِالرَّهْنِ كَالِاسْتِخْدَامِ وَالرُّكُوبِ وَالزِّرَاعَةِ وَاللُّبْسِ وَشُرْبِ اللَّبَنِ وَأَكْلُ الثَّمَرِ فَإِنَّ الْكُلَّ رِبًا حَرَامٌ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ وَالنُّتَفِ اهـ ط (قَوْلُهُ فَلَوْ شُرِطَ لِغَيْرِهِمَا فَلَيْسَ بِرِبًا) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْبُيُوعَ الْفَاسِدَةَ لَيْسَتْ كُلُّهَا مِنْ الرِّبَا بَلْ مَا فِيهِ شَرْطٌ فَاسِدٌ فِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ بَلْ بَيْعًا فَاسِدًا) عَطْفٌ عَلَى مَحَلِّ خَبَرِ لَيْسَ ط، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ أَنَّ الْأَظْهَرَ الْفَسَادُ بِشَرْطِ النَّفْعِ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ الْفَضْلُ فِي الْهِبَةِ بِرِبًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ مَشْرُوطًا ط عَنْ الدُّرِّ الْمُنْتَقَى أَيْ كَمَا لَوْ قَالَ وَهَبْتُك كَذَا بِشَرْطِ أَنْ تَخْدُمَنِي شَهْرًا فَإِنَّ هَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ لَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ الصَّرْفِ، وَظَاهِرُ مَا هُنَا أَنَّهُ لَوْ خَدَمَهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ بَأْسٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ شَرَى إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ مَشْرُوطٍ (قَوْلُهُ وَزَادَهُ دَانِقًا) أَيْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الشِّرَاءِ كَمَا هُوَ فِي عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ الْمَنْقُولِ عَنْهَا، فَلَوْ مَشْرُوطًا وَجَبَ رَدُّهُ لَوْ قَائِمًا كَمَا مَرَّ عَنْ الْقُنْيَةِ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ وَزَادَهُ بِضَمِيرِ الْمَذْكُورِ يُفِيدُ أَنَّ الزِّيَادَةَ مَقْصُودَةٌ وَذَكَرَ ح أَنَّ الَّذِي فِي الْمِنَحِ زَادَتْ بِالتَّاءِ أَيْ زَادَتْ الدَّرَاهِمُ وَمَفَادُهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لَكِنْ الَّذِي رَأَيْته فِي الْمِنَحِ عَنْ الذَّخِيرَةِ بِدُونِ تَاءٍ وَكَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْهَا وَكَذَا رَأَيْته فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ انْعِدَامُ الرِّبَا بِسَبَبِ الْهِبَةِ إنْ ضَرَّهَا أَيْ الدَّرَاهِمَ الْكَسْرُ فَلَوْ لَمْ يَضُرَّهَا الْكَسْرُ لَمْ تَصِحَّ الْهِبَةُ إلَّا بِقِسْمَةِ الدَّانِقِ وَتَسْلِيمِهِ لِإِمْكَانِ الْقِسْمَةِ (قَوْلُهُ وَفِي صَرْفِ الْمَجْمَعِ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْفَصْلِ الرَّابِعِ فِي الْحَطِّ عَنْ بَدَلِ الصَّرْفِ وَالزِّيَادَةِ فِيهِ سَوَّى أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الْحَطِّ وَالزِّيَادَةِ فَحَكَمَ بِصِحَّتِهَا وَالْتِحَاقِهِمَا بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَبِفَسَادِ الْعَقْدِ بِتَسْمِيَتِهَا، وَكَذَا أَبُو يُوسُفَ سَوَّى بَيْنَهُمَا أَيْ فَأَبْطَلَهُمَا وَلَمْ يَجْعَلْ شَيْئًا مِنْهُمَا هِبَةً مُبْتَدَأَةً، وَمُحَمَّدٌ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَصَحَّحَ الْحَطَّ هِبَةً مُبْتَدَأَةً دُونَ الزِّيَادَةِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْحَطِّ مَعْنَى الْهِبَةِ لِأَنَّ الْمَحْطُوطَ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْمَحْطُوطِ عَنْهُ بِلَا عِوَضٍ، بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ إذْ لَوْ صَحَّتْ تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَبِأَخْذِ حِصَّةٍ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ، وَالتَّمْلِيكُ بِلَا عِوَضٍ لَا يَصِحُّ كِنَايَةً عَنْ التَّمْلِيكِ بِعِوَضٍ فَلِذَا افْتَرَقَا اهـ. قُلْت: وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الْحَطَّ إسْقَاطٌ بِلَا عِوَضٍ فَيُجْعَلُ كِنَايَةً عَنْ الْهِبَةِ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ أَيْضًا، بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ مَعَ بَاقِي الثَّمَنِ عِوَضًا عَنْ الْمَبِيعِ، فَكَانَتْ تَمْلِيكًا بِعِوَضٍ فَلَا يَصِحُّ جَعْلُهَا كِنَايَةً عَنْ الْهِبَةِ فَلِذَا أَبْطَلَهَا (قَوْلُهُ كَحَطِّ كُلِّ الثَّمَنِ) وَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّ حَطَّ كُلِّ الثَّمَنِ لَوْ لَمْ يَجْعَلْ هِبَةً مُبْتَدَأَةً الْتَحَقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَأَفْسَدَهُ لِبَقَائِهِ بِلَا ثَمَنٍ وَكَذَا الْحَطُّ هُنَا فَإِنَّهُ لَوْ الْتَحَقَ يَفُوتُ التَّمَاثُلُ وَيَفْسُدُ الْعَقْدُ فَلِذَا جَعَلَ هِبَةً مُبْتَدَأً (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا خَفِيٌّ عِنْدِي) قَدْ أَسْمَعْنَاك الْفَرْقَ وَقَالَ ح: قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ: وَلَكِنَّهُ ظَاهِرٌ عِنْدِي، لِأَنَّ مِنْ الْحَطِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ لَا يَلْحَقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 قَالَ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ وَأَحَدُهُمَا أَكْثَرُ وَزْنًا فَحَلَّلَهُ زِيَادَتَهُ جَازَ لِأَنَّهُ هِبَةُ مَشَاعٍ لَا يُقَسَّمُ وَلَوْ بَاعَ قِطْعَةَ لَحْمٍ بِلَحْمٍ أَكْثَرَ وَزْنًا فَوَهَبَهُ الْفَضْلَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ هِبَةُ مَشَاعٍ يُقَسَّمُ قُلْت: وَمَا قَدَّمْنَا عَنْ الذَّخِيرَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَعَلَيْهِ فَالْكُلُّ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ وَالْعَقْدِ صَحِيحٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَكَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ سِوَى الْعَقْدِ فَيَفْسُدُ لِعَدَمِ التَّسَاوِي فَلْيُحْفَظْ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا. (وَعِلَّتُهُ) أَيْ عِلَّةُ تَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ (الْقَدْرُ)   [رد المحتار] وَيَجْعَلُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ حَطُّ جَمِيعِ الثَّمَنِ فَكَانَ الْبَعْضُ كَالْكُلِّ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا مُلْحَقَةً بِالْعَقْدِ وَبِذَلِكَ يَفُوتُ التَّسَاوِي اهـ (قَوْلُهُ قَالَ وَفِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) أَيْ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ نَاقِلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ مَا يُفِيدُ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَطِّ وَالزِّيَادَةِ فَإِنَّ قَوْلَ الْخُلَاصَةِ فَحَلَّلَهُ أَيْ وَهَبَهُ زِيَادَتَهُ جَازَ يُفِيدُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْمَجْمَعِ وَتَأْيِيدٌ لِكَلَامِ شَارِحِهِ ابْنِ مَالِكٍ (قَوْلُهُ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ فَإِنَّ مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ إنْ وُهِبَهُ مِنْهُ انْعَدَمَ الرِّبَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ زِيَادَةَ الدَّانِقِ صَحِيحَةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيُنَافِي قَوْلَ الْمَجْمَعِ إنَّهُ أَجَازَ الْحَطَّ وَأَبْطَلَ الزِّيَادَةَ. أَقُولُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ عَنْ الذَّخِيرَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَا فِي عَدَمِهِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ وُهِبَهُ مِنْهُ انْعَدَمَ الرِّبَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الزِّيَادَةَ بِدُونِ الْهِبَةِ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْحَطَّ وَالزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ أَوْ فِي الْمَبِيعِ غَيْرُ الْهِبَةِ وَلِذَا يَلْتَحِقَانِ بِالْعَقْدِ كَمَا تَقَدَّمَ قَبْلَ فَصْلِ الْقَرْضِ، فَإِذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدَفَعَ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَإِنْ جَعَلَ الْخَمْسَةَ زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ وَقَبِلَ الْبَائِعُ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَالْتَحَقَتْ بِأَصْلِ الْعَقْدِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا، وَإِنْ جَعَلَ الْخَمْسَةَ هِبَةً لَمْ تَصِرْ زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ. بَلْ تَكُونُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً فَيُرَاعَى لَهَا شُرُوطُ الْهِبَةِ. مِنْ الْإِفْرَازِ وَالتَّسْلِيمِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا أَوْ لَا إذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا قَدَّمَهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ أَوْ فِي الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً حَتَّى اشْتَرَطَ لَهَا شَرْطَ الْهِبَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَهَذَا إنْ ضَرَّهَا الْكَسْرُ إلَخْ وَمِثْلُهُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ مَالِكٍ عَنْ الْخُلَاصَةِ، فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ زِيَادَةً، وَإِنَّمَا يَصِحُّ هِبَةً بِشُرُوطِهَا وَلَا مُخَالَفَةَ فِيهِ لِقَوْلِ الْمَجْمَعِ إنَّ مُحَمَّدًا أَبْطَلَ الزِّيَادَةَ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مُحَمَّدًا أَجَازَ هُنَا الْحَطَّ دُونَ الزِّيَادَةِ لَكِنَّهُ يَجْعَلُ الْحَطَّ هِبَةً مُبْتَدَأَةً لَا حَطًّا حَقِيقَةً لِئَلَّا يَفْسُدَ الْعَقْدُ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَقَدْ أَبْطَلَهَا لِأَنَّهَا لَوْ الْتَحَقَتْ بِالْعَقْدِ أَفْسَدَتْهُ، وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهَا كِنَايَةً عَنْ الْهِبَةِ لِمَا مَرَّ فَلِذَا بَطَلَتْ إلَّا إذَا وَهَبَهُ الزِّيَادَةَ صَرِيحًا، وَلِذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا الصَّرْفُ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ إنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِمَكَانِ الرِّبَا فَإِذَا وُهِبَ الدَّانِقَ مِنْهُ فَقَدْ انْعَدَمَ الرِّبَا اهـ هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُفْهَمَ هَذَا الْمَحِلُّ فَافْهَمْ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ الزِّيَادَةُ مَشْرُوطَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ، فَلَوْ مَشْرُوطَةً وَوَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الْكُلِّ وَجَبَ نَقْضُ الْعَقْدِ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَلَا تُؤَثِّرُ الْهِبَةُ وَالْإِبْرَاءُ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ كَمَا مَرَّ تَحْرِيرُهُ عَنْ الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ التَّنَافِي بَيْنَ الْعِبَارَاتِ الْمَذْكُورَةِ، وَعَلِمْت عَدَمَهُ وَأَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا تَصِحُّ إذَا صَرَّحَ بِكَوْنِهَا هِبَةً فَتَكُونُ هِبَةً بِشُرُوطِهَا وَمَعَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ وَهُوَ الَّذِي فِي الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ فَيَفْسُدُ) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ وَالْحَطَّ يَصِحَّانِ عِنْدَهُ عَلَى حَقِيقَتِهِمَا لَا بِمَعْنَى الْهِبَةِ وَإِذَا صَحَّا الْتَحَقَا بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَيَفْسُدُ لِعَدَمِ التَّسَاوِي. (قَوْلُهُ وَعِلَّتُهُ) الْعِلَّةُ لُغَةً الْمَرَضُ الشَّاغِلُ. وَاصْطِلَاحًا مَا يُضَافُ إلَيْهِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَيْ عِلَّةُ تَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ) كَذَا فُسِّرَ الضَّمِيرُ فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: أَيْ عِلَّةُ الرِّبَا لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَذْكُورَ سَابِقًا لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ وَهُوَ لَفْظُ تَحْرِيمِ فَافْهَمْ، وَأَرَادَ بِالزِّيَادَةِ الْحَقِيقِيَّةَ كَمَا فِي قَوْلِهِ بَعْدَهُ أَيْ الزِّيَادَةِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمُرَادِ بِهَا هُنَا مَا يَشْمَلُ الْحُكْمِيَّةَ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 الْمَعْهُودُ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ (مَعَ الْجِنْسِ فَإِنْ وُجِدَا حَرُمَ الْفَضْلُ) أَيْ الزِّيَادَةُ (وَالنَّسَاءُ) بِالْمَدِّ التَّأْخِيرُ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ قَفِيزِ بُرٍّ بِقَفِيزٍ مِنْهُ مُتَسَاوِيًا وَأَحَدُهُمَا نَسَاءٌ (وَإِنْ عَدِمَا) بِكَسْرِ الدَّالِ مِنْ بَابِ عَلِمَ ابْنُ مَالِكٍ (حَلَّا) كَهَرَوِيٍّ بِمَرْوِيَّيْنِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ (وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الْقَدْرُ وَحْدَهُ أَوْ الْجِنْسُ (حَلَّ الْفَضْلُ وَحَرُمَ النِّسَاءُ) وَلَوْ مَعَ التَّسَاوِي، حَتَّى لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِعَبْدٍ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَجُزْ لِوُجُودِ الْجِنْسِيَّةِ   [رد المحتار] وَهِيَ الْأَجَلُ فَفِيهِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُدْخِلْهَا فِي التَّعْرِيفِ كَمَا بَيَّنَّاهُ، فَالْمُتَبَادِرُ إرَادَةُ الزِّيَادَةِ الْمُعَرِّفَةِ وَهِيَ الْحَقِيقِيَّةُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُ الْقَدْرُ مَعَ الْجِنْسِ يَخْتَصُّ بِالْحَقِيقِيَّةِ، لِأَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِيَّةِ أَحَدُهُمَا كَمَا بَيَّنَهُ بَعْدَهُ فَقَدْ عَرَّفَ الْحَقِيقِيَّةَ، وَبَيَّنَ عِلَّتَهَا لِكَوْنِهَا هِيَ الْمُتَبَادِرَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ثُمَّ ذَكَرَ عِلَّةَ الْحُكْمِيَّةِ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ الْمَعْهُودُ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ) أَشَارَ إلَى مَا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ مِنْ أَنَّ أَلْ فِي الْقَدْرُ لِلْعَهْدِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ اعْتِرَاضِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ بِشُمُولِهِ الذَّرْعَ وَالْعَدَّ، لَكِنْ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَعِلَّتُهُ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ لِكَوْنِهِ أَوْضَحَ وَلِئَلَّا يَرِدَ مَا نَذْكُرُهُ عَنْ ابْنِ كَمَالٍ. [تَنْبِيهٌ] : مَا يُنْسَبُ إلَى الرِّطْلِ فَهُوَ وَزْنِيٌّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: مَعْنَاهُ مَا يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ لِأَنَّهَا قُدِّرَتْ بِطَرِيقِ الْوَزْنِ حَتَّى يُحْتَسَبَ مَا يُبَاعُ بِهَا وَزْنًا بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَكَايِيلِ اهـ. قُلْت: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالرِّطْلِ وَالْأَوَاقِي مَعْنَاهُمَا الْمُتَعَارَفُ بَلْ الْمُرَادُ بِالرِّطْلِ كُلُّ مَا يُوزَنُ بِهِ، وَبِالْأَوَاقِيِ الْأَوْعِيَةُ الَّتِي يُوضَعُ فِيهَا الدُّهْنُ وَنَحْوُهُ، وَتُقَدَّرُ بِوَزْنٍ خَاصٍّ مِثْلَ كُوزِ الزَّيْتِ فِي زَمَنِنَا فَإِنَّهُ يُبَاعُ الزَّيْتُ بِهِ وَيُحْسَبُ بِالْوَزْنِ هَكَذَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَعَلَيْهِ فَالْأَوَاقِي جَمْعُ وَاقِيَةٌ مِنْ الْوِقَايَةِ وَهِيَ الْحِفْظُ، لِأَنَّهَا يُحْفَظُ بِهَا الْمَائِعُ وَنَحْوُهُ لِتَعَسُّرِ وَضْعِهِ فِي الْمِيزَانِ بِدُونِهَا، وَلِذَا قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فَعَلَى هَذَا الزَّيْتُ وَالسَّمْنُ وَالْعَسَلُ وَنَحْوُهَا مَوْزُونَاتٍ وَإِنْ كِيلَتْ بِالْمَوَاعِينِ لِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ فِيهَا اهـ (قَوْلُهُ بِالْمَدِّ) أَيْ مَعَ فَتْحِ النُّونِ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَجُزْ إلَخْ) تَرَكَ التَّفْرِيعَ عَلَى الْفَضْلِ لِظُهُورِهِ ط أَيْ كَبَيْعِ قَفِيزِ بُرٍّ بِقَفِيزَيْنِ مِنْهُ حَالًا (قَوْلُهُ مُتَسَاوِيًا) أَمَّا إذَا وُجِدَ التَّفَاضُلُ مَعَ النَّسَاءِ فَالْحُرْمَةُ لِلْفَضْلِ أَفَادَهُ ابْنُ كَمَالٍ ط (قَوْلُهُ وَأَحَدُهُمَا نَسَاءٌ) أَيْ ذُو نَسَاءٍ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ قَالَ ط: فَلَوْ كَانَ كُلٌّ نَسِيئَةً يَحْرُمُ أَيْضًا لِأَنَّهُ بَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ ابْنُ كَمَالٍ أَيْ النَّسِيئَةِ بِالنَّسِيئَةِ كَمَالٌ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ النَّسَاءِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ التَّأْجِيلِ، لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا فِي الصَّرْفِ وَهُوَ بَيْعُ الْأَثْمَانِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ أَمَّا مَا عَدَاهُ فَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعْيِينُ دُونَ التَّقَابُضِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ كَهَرَوِيٍّ بِمَرْوِيَّيْنِ) الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ نَسِيئَةً كَمَا عَبَّرَ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ لِيَكُونَ مِثَالًا لِحِلِّ الْفَضْلِ وَالنَّسَاءِ بِسَبَبِ فَقْدِ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ، فَإِنَّ الثَّوْبَ الْهَرَوِيَّ وَالثَّوْبَ الْمَرْوِيَّ بِسُكُونِ الرَّاءِ جِنْسَانِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَلَيْسَا بِمِثْلٍ وَلَا مَوْزُونٍ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ إلَخْ) لِأَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ لَكِنْ إذَا اتَّحَدَتْ الْعِلَّةُ لَزِمَ مِنْ عَدَمِهَا الْعَدَمُ لَا بِمَعْنَى أَنَّهَا تُؤَثِّرُ الْعَدَمَ بَلْ لَا يَثْبُتُ الْوُجُودُ لِعَدَمِ عِلَّتِهِ فَيَبْقَى عَدَمُ الْحُكْمِ وَهُوَ عَدَمُ الْحُرْمَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى عَدَمِهِ الْأَصْلِيِّ وَإِذَا عُدِمَ سَبَبُ الْحُرْمَةِ وَالْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ مُطْلَقًا الْإِبَاحَةُ إلَّا مَا أَخْرَجَهُ الدَّلِيلُ كَانَ الثَّابِتُ الْحِلَّ فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَيْ الْقَدْرُ وَحْدَهُ) كَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ (قَوْلُهُ أَوْ الْجِنْسُ) أَيْ وَحْدَهُ كَالْهَرَوِيِّ بِهَرَوِيٍّ مِثْلِهِ (قَوْلُهُ حَلَّ الْفَضْلُ إلَخْ) فَيَحِلُّ كُرُّ بُرٍّ بِكُرَّيْ شَعِيرٍ حَالًا وَهَرَوِيٌّ بِهَرَوِيَّيْنِ حَالًا، وَلَوْ مُؤَجَّلًا لَمْ يَحِلَّ. وَالْحَاصِلُ: كَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ حُرْمَةَ رِبَا الْفَضْلِ بِالْوَصْفَيْنِ وَحُرْمَةَ النَّسَاءِ بِأَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ وَلَوْ مَعَ التَّسَاوِي) مُبَالَغَةٌ عَلَى قَوْلِهِ حَرُمَ النَّسَاءُ فَقَطْ ح (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الْجِنْسِيَّةِ) فِيهِ أَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ هُنَا عَدَمُ قَبُولِ الْعَبْدِ التَّأْجِيلَ لَا وُجُودُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 وَاسْتَثْنَى فِي الْمَجْمَعِ وَالدُّرَرِ إسْلَامَ مَنْقُودٍ فِي مَوْزُونٍ كَيْ لَا يَنْسَدَّ أَكْثَرُ أَبْوَابِ السَّلَمِ، وَنَقَلَ ابْنُ الْكَمَالِ عَنْ الْغَايَةِ جَوَازَ إسْلَامِ الْحِنْطَةِ فِي الزَّيْتِ. قُلْت: وَمُفَادُهُ أَنَّ الْقَدْرَ بِانْفِرَادِهِ لَا يُحَرِّمُ النِّسَاءَ بِخِلَافِ الْجِنْسِ فَلْيُحَرَّرْ وَقَدْ مَرَّ فِي السَّلَمِ أَنَّ حُرْمَةَ النِّسَاءِ تَتَحَقَّقُ بِالْجِنْسِ وَبِالْقَدْرِ الْمُتَّفَقِ قُنْيَةٌ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْأَصْلِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ   [رد المحتار] الْجِنْسِيَّةِ فَلَوْ مَثَّلَ بِبَيْعِ هَرَوِيٌّ بِمِثْلِهِ لَكَانَ أَوْلَى ح (قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى فِي الْمَجْمَعِ إلَخْ) وَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ: إلَّا أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ النُّقُودَ فِي الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ: أَيْ كَالْقُطْنِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ يَجُوزُ إلَخْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِنَّ الْوَزْنَ فِيهَا مُخْتَلِفٌ فَإِنَّهُ فِي النُّقُودِ بِالْمَثَاقِيلِ وَالدَّرَاهِمِ بِالصَّنَجَاتِ، وَفِي الزَّعْفَرَانِ بِالْأَمْنَاءِ وَالْقَبَّانِ، وَهَذَا اخْتِلَافٌ فِي الصُّورَةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ آخَرُ مَعْنَوِيٌّ، وَهُوَ أَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ وَالزَّعْفَرَانُ وَغَيْرُهُ يَتَعَيَّنُ. وَآخَرُ حُكْمِيٌّ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ النُّقُودَ مُوَازَنَةً وَقَبَضَهَا كَانَ لَهُ بَيْعُهَا قَبْلَ الْوَزْنِ وَفِي الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ يُشْتَرَطُ إعَادَةُ الْوَزْنِ، فَإِذَا اخْتَلَفَا أَيْ النُّقُودُ وَنَحْوُهُ الزَّعْفَرَانُ فِي الْوَزْنِ صُورَةً وَمَعْنًى وَحُكْمًا لَمْ يَجْمَعْهُمَا الْقَدْرُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ثُمَّ ضَعَّفَ فِي الْفَتْحِ هَذِهِ الْفُرُوقَ، وَقَالَ: إنَّ الْوَجْهَ أَنْ يُسْتَثْنَى إسْلَامُ النُّقُودِ فِي الْمَوْزُونَاتِ بِإِجْمَاعٍ كَيْ لَا يَنْسَدَّ أَكْثَرُ أَبْوَابِ السَّلَمِ، وَسَائِرُ الْمَوْزُونَاتِ غَيْرُ النَّقْدِ لَا يَجُوزُ أَنْ تُسَلَّمَ فِي الْمَوْزُونَاتِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا كَإِسْلَامِ حَدِيدٍ فِي قُطْنٍ وَزَيْتٍ فِي جُبْنٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا إذَا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَزْنِيًّا بِالصَّنْعَةِ إلَّا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَلَوْ أَسْلَمَ سَيْفًا فِيمَا يُوزَنُ جَازَ إلَّا فِي الْحَدِيدِ، لِأَنَّ السَّيْفَ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْزُونًا وَمَنَعَهُ فِي الْحَدِيدِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُ إنَاءٍ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ يَدًا بِيَدٍ نُحَاسًا كَانَ أَوْ حَدِيدًا، أَوْ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَثْقَلَ مِنْ الْآخَرِ، بِخِلَافِهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنَّهُ يَجْرِي بِالْفَضْلِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُبَاعُ وَزْنًا لِأَنَّ الْوَزْنَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِيهِمَا فَلَا يَتَغَيَّرُ بِالصَّنْعَةِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَزْنِ بِالْعَادَةِ (قَوْلُهُ وَنَقَلَ ابْنُ الْكَمَالِ) عِبَارَةُ ابْنِ الْكَمَالِ وَعِلَّتُهُ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ مَعَ الْجِنْسِ لَمْ يَقُلْ الْقَدْرُ مَعَ الْجِنْسِ، لِأَنَّ الْقَدْرَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، فَعَلَى تَقْدِيرِ مَا ذَكَرَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَجُوزَ إسْلَامُ الْمَوْزُونِ فِي الْمَكِيلِ، لِأَنَّ أَحَدَ الْوَصْفَيْنِ مُحَرَّمٌ لِلنَّسَاءِ وَقَدْ نَصَّ عَلَى جَوَازِ إسْلَامِ الْحِنْطَةِ فِي الزَّيْتِ اهـ وَكَتَبَ فِي الْهَامِشِ إنَّ الْمَسْأَلَةَ مَذْكُورَةٌ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ اهـ. قُلْت: وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ لَوْ عَبَّرَ بِالْقَدْرِ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا إلَخْ، لَأَفَادَ تَحْرِيمَ إسْلَامِ الْمَوْزُونِ فِي الْمَكِيلِ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ الْقَدْرُ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا بِخِلَافِ مَا لَوْ عَبَّرَ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ: أَيْ بِأَوْ الَّتِي لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْقَدْرَ الْمُخْتَلِفَ لَكِنْ فِيهِ أَنَّ لَفْظَ الْقَدْرِ مُشْتَرَكٌ كَمَا قَالَ: وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي كَلَامِ مَعْنَيَيْهِ عِنْدَنَا فَإِذَا ذُكِرَ لَا بُدَّ أَنْ يُرَادَ مِنْهُ إمَّا الْكَيْلُ وَحْدَهُ أَوْ الْوَزْنُ وَحْدَهُ، فَيُسَاوِي التَّعْبِيرَ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ الْقَدْرَ مُشْتَرَكٌ مَعْنَوِيٌّ لَا لَفْظِيٌّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ مَا ذُكِرَ مِنْ جَوَازِ إسْلَامِ مَنْقُودٍ فِي مَوْزُونٍ وَإِسْلَامِ الْحِنْطَةِ فِي الزَّيْتِ فَإِنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِي الْأَوَّلِ الْقَدْرُ الْمُتَّفِقُ وَفِي الثَّانِي الْقَدْرُ الْمُخْتَلِفُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلْيُحَرَّرْ) تَحْرِيرُهُ مَا أَفَادَهُ عَقِبَهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ وَعِلَّتُهُ الْقَدْرُ هُوَ الْقَدْرُ الْمُتَّفِقُ كَبَيْعِ مَوْزُونٍ بِمَوْزُونٍ أَوْ مَكِيلٍ بِمَكِيلٍ، بِخِلَافِ الْمُخْتَلِفِ كَبَيْعِ مَكِيلٍ بِمَوْزُونٍ نَسِيئَةً فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْأَوَّلِ إسْلَامُ مَنْقُودٍ فِي مَوْزُونٍ لِلْإِجْمَاعِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَقَدْ مَرَّ فِي السَّلَمِ إلَخْ) بَيَانٌ لِتَحْرِيرِ الْمُرَادِ لَكِنْ اعْتَرَضَ بِأَنَّ السَّلَمَ سَيَأْتِي بَعْدُ، هَذَا عَلَى نُسْخَةٍ فَتَنَبَّهْ بِالْفَاءِ، وَالْأَمْرُ بِالتَّنْبِيهِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قُنْيَةٌ بِالْقَافِ اسْمُ الْكِتَابِ الْمَشْهُورِ، وَصَاحِبُ الْقُنْيَةِ قَدَّمَ السَّلَمَ أَوَّلَ الْبَيْعِ فَصَحَّ قَوْلُهُ وَقَدْ مَرَّ فِي السَّلَمِ. [تَنْبِيهٌ] : مَا أَفَادَهُ مِنْ أَنَّ حُرْمَةَ النَّسَاءِ بِالْقَدْرِ الْمُتَّفِقِ مُؤَيِّدٌ لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ كَمَالٍ مِنْ جَوَازِ إسْلَامِ الْحِنْطَةِ فِي الزَّيْتِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 173 فَحَرُمَ بَيْعُ كَيْلِيٍّ وَوَزْنِيٍّ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا وَلَوْ غَيْرَ مَطْعُومٍ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (كَجِصٍّ) كَيْلِيٍّ (وَحَدِيدٍ) وَزْنِيٍّ ثُمَّ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ يُعْرَفُ بِاخْتِلَافِ الِاسْمِ الْخَاصِّ وَاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ كَمَا بَسَطَهُ الْكَمَالُ (وَحَلَّ) بَيْعُ ذَلِكَ (مُتَمَاثِلًا) لَا مُتَفَاضِلًا (وَبِلَا مِعْيَارٍ شَرْعِيٍّ) فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُقَدِّرْ الْمِعْيَارَ بِالذَّرَّةِ وَبِمَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ (كَحَفْنَةٍ بِحَفْنَتَيْنِ) وَثَلَاثٍ وَخَمْسٍ   [رد المحتار] لِاخْتِلَافِ الْقَدْرِ لِكَوْنِ الْحِنْطَةِ مَكِيلًا وَالزَّيْتِ مَوْزُونًا. وَبَقِيَ مَا لَوْ أَسْلَمَ الْحِنْطَةَ فِي شَعِيرٍ وَزَيْتٍ أَيْ فِي مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ، وَقَدْ نَصَّ فِي كَافِي الْحَاكِمِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَيَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي حِصَّةِ الزَّيْتِ. (قَوْلُهُ مُتَفَاضِلًا) أَيْ وَنَسِيئَةً وَتَرَكَهُ لِفَهْمِهِ لُزُومًا فَإِنَّهُ كُلَّمَا حَرُمَ الْفَضْلُ حَرُمَ النَّسَاءُ وَلَا عَكْسَ وَكُلَّمَا حَلَّ النَّسَاءُ حَلَّ الْفَضْلُ وَلَا عَكْسَ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) فَإِنَّهُ جَعَلَ الْعِلَّةَ الطَّعْمَ وَالثَّمَنِيَّةَ فَمَا لَيْسَ بِمَطْعُومٍ وَلَا ثَمَنٍ فَلَيْسَ بِرِبَوِيٍّ (قَوْلُهُ كَيْلِيٍّ) قَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا اصْطَلَحَ النَّاسُ عَلَى بَيْعِهِ جُزَافًا فَإِنَّ التَّفَاضُلَ فِيهِ جَائِزٌ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ وَزْنِيٍّ فَإِنَّهُ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَارَفُوا وَزْنَهُ أَوْ عَنْ بَعْضِ أَنْوَاعِهِ كَالسَّيْفِ اهـ ح أَيْ فَإِنَّ السَّيْفَ خَرَجَ بِالصَّنْعَةِ عَنْ كَوْنِهِ وَزْنِيًّا فَيَحِلُّ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا بِشَرْطِ الْحَوْلِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ ثُمَّ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ إلَخْ) الْأَوْلَى ذِكْرُ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ قَبْلَهُ وَإِنْ عُدِمَا إلَخْ لِأَنَّهُ لَا ذِكْرَ هُنَا لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ قَوْلَهُ بِجِنْسِهِ يَسْتَدْعِي مَعْرِفَةَ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ الْجِنْسُ لِيُعْلَمَ مَا يَتَّحِدُ بِهِ. (قَوْلُهُ كَمَا بَسَطَهُ الْكَمَالُ) حَيْثُ قَالَ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ فَالْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ جِنْسَانِ، خِلَافًا لِمَالِكٍ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ اسْمًا وَمَعْنًى وَإِفْرَادُ كُلٍّ عَنْ الْآخَرِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ» ) يَدُلُّ عَلَيْهِ وَإِلَّا قَالَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ وَالثَّوْبُ الْهَرَوِيُّ وَالْمَرْوِيُّ جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ صَنْعَةِ الثَّوْبِ بِهَا وَكَذَا الْمَرْوِيُّ الْمَنْسُوجُ بِبَغْدَادَ وَخُرَاسَانَ وَاللَّبَدُ الْأَرْمَنِيُّ وَالطَّالَقَانِيُّ جِنْسَانِ وَالتَّمْرُ كُلُّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَالْحَدِيدُ وَالرَّصَاصُ وَالشَّبَّةُ أَجْنَاسٌ، وَكَذَا غَزْلُ الصُّوفِ وَالشَّعْرِ وَلَحْمُ الْبَقَرِ وَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَالْأَلْيَةُ وَاللَّحْمُ وَشَحْمُ الْبَطْنِ أَجْنَاسٌ وَدُهْنُ الْبَنَفْسَجِ وَالْجِيرِيُّ جِنْسَانِ وَالْأَدْهَانُ الْمُخْتَلِفَةُ أُصُولُهَا أَجْنَاسٌ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ رِطْلِ زَيْتٍ غَيْرِ مَطْبُوخٍ بِرِطْلٍ مَطْبُوخٍ مُطَيَّبٍ لِأَنَّ الطِّيبَ زِيَادَةٌ أهـ مُلَخَّصًا، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بِاخْتِلَافِ الْأَصْلِ أَوْ الْمَقْصُودِ أَوْ بِتَبَدُّلِ الصِّفَّةِ وَيَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ مُتَمَاثِلًا) الشَّرْطُ تَحَقُّقُ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَقْدِ فَفِي الْفَتْحِ لَوْ تَبَايَعَا مُجَازَفَةً ثُمَّ كَيْلًا بَعْدَ ذَلِكَ، فَظَهَرَا مُتَسَاوِيَيْنِ لَمْ يَجُزْ خِلَافًا لِزُفَرَ، لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْمُسَاوَاةِ عِنْدَ الْعَقْدِ شَرْطُ الْجَوَازِ اهـ. لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَوَّلَ كِتَابِ الصَّرْفِ عَنْ السِّرَاجِ: لَوْ تَبَايَعَا ذَهَبًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةً بِفِضَّةٍ مُجَازَفَةً لَمْ يَجُزْ فَإِنْ عُلِمَ التَّسَاوِي فِي الْمَجْلِسِ وَتَفَرَّقَا عَنْ قَبْضٍ صَحَّ اهـ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا عُلِمَ التَّسَاوِي بَعْدَ الْمَجْلِسِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا مُتَفَاضِلًا) صَرَّحَ بِهِ وَإِنْ عُلِمَ بِالْمُقَابَلَةِ بِمَا قَبْلَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّمَاثُلُ فِي الْقَدْرِ فَقَطْ لِمَا قَدَّمَهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ اسْتَوَيَا وَزْنًا وَصِفَةً لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُفِيدٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَبِلَا مِعْيَارٍ شَرْعِيٍّ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: لَمَّا حَصَرُوا الْمُعَرَّفَ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ أَجَازُوا مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ مُجَازَفَةً كَتُفَّاحَةٍ بِتُفَّاحَتَيْنِ وَحَفْنَةٍ بِحَفْنَتَيْنِ لِعَدَمِ وُجُودِ الْمِعْيَارِ الْمَعْرُوفِ لِلْمُسَاوَاةِ، فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْفَضْلُ، وَلِهَذَا كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ لَا بِالْمِثْلِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَدَلَيْنِ نِصْفَ صَاعٍ، فَلَوْ بَلَغَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ نِصْفِ صَاعٍ فَصَاعِدًا بِحَفْنَةٍ اهـ. ثُمَّ رَجَّحَ الْحُرْمَةَ مُطْلَقًا وَيَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ لَمْ يُقَدِّرْ الْمِعْيَارَ بِالذَّرَّةِ) وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: لَوْ بَاعَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَزْنِ، كَالذَّرَّةِ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ بِمَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ جَازَ لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ شَرْعًا إذْ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَزْنِ اهـ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ كَالذَّرَّةِ أَنَّهَا غَيْرُ قَيْدٍ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَذَرَّةٌ مِنْ ذَهَبٍ إلَخْ، فَيَشْمَلُ الذَّرَّتَيْنِ وَالْأَكْثَرَ مِمَّا لَا يُوزَنُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَبَّةَ مِعْيَارٌ شَرْعًا نِصْفُ دِرْهَمٍ بِنِصْفٍ إلَّا حَبَّةً كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الصَّرْفِ، فَقَدْ اعْتَبَرُوا الْحَبَّةَ مِقْدَارًا شَرْعِيًّا. وَفِي الْفَتْحِ عَنْ الْأَسْرَارِ: مَا دُونَ الْحَبَّةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا قِيمَةَ لَهُ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَا دُونَ الْحَبَّةِ حُكْمُ الذَّرَّةِ، فَالْمُرَادُ بِالذَّرَّةِ هُنَا مَا لَا يَبْلُغُ حَبَّةً فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَحَفْنَةٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 مَا لَمْ يَبْلُغْ نِصْفَ صَاعٍ (وَتُفَّاحَةٍ بِتُفَّاحَتَيْنِ وَفَلْسٍ بِفَلْسَيْنِ) أَوْ أَكْثَرَ (بِأَعْيَانِهِمَا) لَوْ أَخَّرَهُ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا فِي النَّهْرِ أَنَّهُ قَيَّدَ فِي الْكُلِّ، فَلَوْ كَانَا غَيْرَ مُعَيَّنَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا (وَتَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ) وَبَيْضَةٍ بِبَيْضَتَيْنِ وَجَوْزَةٍ بِجَوْزَتَيْنِ وَسَيْفٍ بِسَيْفَيْنِ وَدَوَاةٍ بِدَوَاتَيْنِ وَإِنَاءٍ بِأَثْقَلَ مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَيَمْتَنِعُ التَّفَاضُلُ، فَتْحٌ، وَإِبْرَةٍ بِإِبْرَتَيْنِ (وَذَرَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَزْنِ بِمِثْلَيْهَا) فَجَازَ الْفَضْلُ لِفَقْدِ الْقَدْرِ، وَحَرُمَ النِّسَاءُ لِوُجُودِ الْجِنْسِ حَتَّى لَوْ انْتَفَى كَحَفْنَةِ بُنٍّ بِحَفْنَتَيْ شَعِيرٍ فَيَحِلُّ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الْعِلَّةِ وَحَرَّمَ الْكُلَّ مُحَمَّدٌ   [رد المحتار] وَسُكُونِ الْفَاءِ مِلْءَ الْكَفَّيْنِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمَقَايِيسِ، لَكِنْ فِي الْمُغْرِبِ وَالْقَامُوسِ وَالطُّلْبَةِ وَالنِّهَايَةِ مِلْءَ الْكَفِّ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَبْلُغْ نِصْفَ صَاعٍ) أَيْ فَإِذَا بَلَغَ نِصْفَ صَاعٍ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ بِحَفْنَةٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَفَلْسٍ بِفَلْسَيْنِ) هَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ، وَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الْفُلُوسَ الرَّائِجَةَ أَثْمَانٌ، وَالْأَثْمَانُ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، فَصَارَ عِنْدَهُ كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ. وَعِنْدَهُمَا لَمَّا كَانَتْ غَيْرَ أَثْمَانٍ خِلْقَةً بَطَلَتْ ثَمَنِيَّتُهَا بِاصْطِلَاحِ الْعَاقِدَيْنِ، وَإِذَا بَطَلَتْ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالْعُرُوضِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ بِأَعْيَانِهِمَا) أَيْ بِسَبَبِ تَعَيُّنِ ذَاتِ الْبَدَلَيْنِ وَنَقْدِيَّتِهِمَا فَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ لَا بِمَعْنَى مَعَ كَمَا ظُنَّ، فَإِنَّهُ حَالٌ وَلَمْ يَجُزْ تَنْكِيرُ صَاحِبِهَا كَمَا تَقَرَّرَ قُهُسْتَانِيٌّ. قُلْت: كَوْنُ الْبَاءِ لِلسَّبَبِيَّةِ بَعِيدٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ بِأَعْيَانِهِمَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ لَا سَبَبٌ، وَكَوْنُهَا بِمَعْنَى مَعَ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ حَالًا بَلْ يَجُوزُ كَوْنُهُ صِفَةً تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إنَّهُ قَيْدٌ فِي الْكُلِّ) الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَفَلْسٍ بِفَلْسَيْنِ. وَقَدْ يُقَالُ يُعْلَمُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِلْكُلِّ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ إذَا اُشْتُرِطَ التَّعْيِينُ فِي مَسْأَلَةِ الْفُلُوسِ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي بَقَائِهَا أَثْمَانًا أَوَّلًا فَفِي غَيْرِهَا بِالْأَوْلَى، إذْ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ غَيْرَهَا لَيْسَ أَثْمَانًا بَلْ فِي حُكْمِ الْعُرُوضِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعَيُّنِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَا) أَيْ الْبَدَلَانِ وَهَذَا بَيَانُ الْمُحْتَرَزِ قَوْلُهُ بِأَعْيَانِهِمَا (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَهُ غَيْرَ أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ عِنْدَ انْتِفَاءِ تَعَيُّنِهِمَا بَاقٍ وَإِنْ تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ وَقَبَضَ الدَّيْنَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعٌ مَا لَوْ كَانَا مُعَيَّنَيْنِ، وَهُوَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ الْخِلَافِيَّةُ وَمَا إذَا كَانَا غَيْرَ مُعَيَّنَيْنِ، فَلَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا مُطْلَقًا وَمَا لَوْ عُيِّنَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ دُونَ الْآخَرِ وَفِيهِ صُورَتَانِ، فَإِنْ قُبِضَ الْمُعَيَّنُ مِنْهُمَا صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فِي قَوْلِهِ بَاعَ فُلُوسًا بِمِثْلِهَا وَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ وَبَيْضَةٍ بِبَيْضَتَيْنِ) فِيهِ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَمْ يَدْخُلْهُ الْقَدْرُ الشَّرْعِيُّ كَالسَّيْفِ وَالسَّيْفَيْنِ وَالْإِبْرَةِ وَالْإِبْرَتَيْنِ، فَجَوَازُ التَّفَاضُلِ لِعَدَمِ دُخُولِ الْقَدْرِ الشَّرْعِيِّ فِيهِمَا، وَيَحْرُمُ النَّسَاءُ لِوُجُودِ الْجِنْسِ ط وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ. وَبِلَا مِعْيَارٍ شَرْعِيٍّ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ بِالْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ أَوَّلًا فَالْعِلَّةُ فِي الْكُلِّ عَدَمُ الْقَدْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ، وَأَفَادَهُ الشَّارِحُ بَعْدُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَسَيْفٍ بِسَيْفَيْنِ إلَخْ) لِأَنَّهُ بِالصَّنْعَةِ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ وَزْنِيًّا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَإِنَاءٍ بِأَثْقَلَ مِنْهُ) أَيْ إذَا كَانَ لَا يُبَاعُ وَزْنًا لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ بَاعَ إنَاءً مِنْ حَدِيدٍ بِحَدِيدٍ إنْ كَانَ الْإِنَاءُ يُبَاعُ وَزْنًا تُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْوَزْنِ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْإِنَاءُ مِنْ نُحَاسٍ أَوْ صُفْرٍ بَاعَهُ بِصُفْرٍ اهـ. (قَوْلُهُ فَيَمْتَنِعُ التَّفَاضُلُ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُبَاعُ وَزْنًا لِأَنَّ صُورَةَ الْوَزْنِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي النَّقْدَيْنِ، فَلَا تَتَغَيَّرُ بِالصَّنْعَةِ فَلَا تَخْرُجُ عَنْ الْوَزْنِ بِالْعَادَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَزْنِ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ وَذَرَّةٍ أَشَارَ بِهِ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الذَّرَّةَ غَيْرُ قَيْدٍ (قَوْلُهُ بِمِثْلَيْهَا) أَيْ بِمِثْلَيْ الذَّرَّةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِصِيغَةِ الْمُفْرَدِ، وَالْأُولَى أَوْلَى لِمُوَافَقَتِهِ لِقَوْلِهِ حَفْنَةٍ بِحَفْنَتَيْنِ إلَخْ (قَوْلُهُ فَجَازَ الْفَصْلُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى جَمِيعِ مَا مَرَّ بِبَيَانِ أَنَّ وَجْهَ جَوَازِ الْفَضْلِ فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ كَوْنُهَا مُقَدَّرَةً شَرْعًا وَإِنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ فَفُقِدَتْ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ، فَلِذَا حَلَّ الْفَضْلُ وَحَرُمَ النَّسَاءُ، وَلَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِاشْتِرَاطِ الْحُلُولِ لِعِلْمِهِ مِمَّا سَبَقَ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ انْتَفَى) أَيْ الْجِنْسُ (قَوْلُهُ فَيَحِلُّ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ الْفَاءِ لِأَنَّهُ جَوَابُ لَوْ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ حَالًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 وَصَحَّحَ كَمَا نَقَلَهُ الْكَمَالُ. (وَمَا نَصَّ) الشَّارِعُ (عَلَى كَوْنِهِ كَيْلِيًّا) كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ وَتَمْرٍ وَمِلْحٍ (أَوْ وَزْنِيًّا) كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ (فَهُوَ كَذَلِكَ) لَا يَتَغَيَّرُ (أَبَدًا فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُ حِنْطَةٍ بِحِنْطَةٍ وَزْنًا كَمَا لَوْ بَاعَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةً بِفِضَّةٍ كَيْلًا) وَلَوْ (مَعَ التَّسَاوِي) لِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ فَلَا يُتْرَكُ الْأَقْوَى بِالْأَدْنَى (وَمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ حُمِلَ عَلَى الْعُرْفِ) وَعَنْ الثَّانِي اعْتِبَارُ الْعُرْفِ مُطْلَقًا وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ.   [رد المحتار] وَنَسِيئَةً (قَوْلُهُ وَصَحَّحَ كَمَا نَقَلَهُ الْكَمَالُ) مُفَادُهُ أَنَّ الْكَمَالَ نَقَلَ تَصْحِيحَهُ عَنْ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَحَثَ مَا يُفِيدُ تَصْحِيحَهُ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ التَّقْدِيرِ شَرْعًا بِمَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَسْكُنُ الْخَاطِرُ إلَى هَذَا بَلْ يَجِبُ بَعْدَ التَّعْلِيلِ بِالْقَصْدِ إلَى صِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ تَحْرِيمُ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ وَالْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ، أَمَّا إنْ كَانَ مَكَايِيلُ أَصْغَرَ مِنْهَا كَمَا فِي دِيَارِنَا مِنْ وَضْعِ رُبْعِ الْقَدَحِ وَثُمُنِ الْقَدَحِ الْمِصْرِيِّ فَلَا شَكَّ، وَكَوْنُ الشَّرْعِ لَمْ يُقَدِّرْ بَعْضَ الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ كَالْكَفَّارَاتِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ بِأَقَلَّ مِنْهُ لَا يَسْتَلْزِمُ إهْدَارَ التَّفَاوُتِ الْمُتَيَقَّنِ، بَلْ لَا يَحِلُّ بَعْدَ تَيَقُّنِ التَّفَاضُلِ مَعَ تَيَقُّنِ تَحْرِيمِ إهْدَارِهِ. وَلَقَدْ أُعْجِبَ غَايَةَ الْعَجَبِ مِنْ كَلَامِهِمْ هَذَا، وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ التَّمْرَةَ بِالتَّمْرَتَيْنِ وَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ حَرُمَ فِي الْكَثِيرِ فَالْقَلِيلُ مِنْهُ حَرَامٌ اهـ فَهَذَا كَمَا تَرَى تَصْحِيحٌ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَدْ نُقِلَ مِنْ بَعْدِهِ كَلَامُهُ هَذَا وَأَقَرُّوهُ عَلَيْهِ كَصَاحِبِ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ والشُّرُنبُلالِيَّة وَالْمَقْدِسِيِّ. [مَطْلَبٌ فِي أَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ] (قَوْلُهُ كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ إلَخْ) أَيْ كَهَذِهِ الْأَرْبَعَةِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَالْكَافُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ اسْتِقْصَائِيَّةٌ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى (قَوْلُهُ وَلَا يَتَغَيَّرُ أَبَدًا) أَيْ سَوَاءٌ وَافَقَهُ الْعُرْفُ أَوْ صَارَ الْعُرْفُ بِخِلَافِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَعَ التَّسَاوِي) أَيْ التَّسَاوِي وَزْنًا فِي الْحِنْطَةِ وَكَيْلًا فِي الذَّهَبِ لِاحْتِمَالِ التَّفَاضُلِ بِالْعِيَارِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَمَّا لَوْ عُلِمَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ مَعًا جَازَ وَيَكُونُ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ. مَطْلَبٌ فِي أَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّصَّ إلَخْ) يَعْنِي لَا يَصِحُّ هَذَا الْبَيْعُ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ فَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ تَعْلِيلٌ لِوُجُوبِ اتِّبَاعِ الْمَنْصُوصِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: لِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ لِأَنَّ الْعُرْفَ جَازَ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَاطِلٍ كَتَعَارُفِ أَهْلِ زَمَانِنَا فِي إخْرَاجِ الشُّمُوعِ وَالسُّرُجِ إلَى الْمَقَابِرِ لَيَالِي الْعِيدِ وَالنَّصُّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَاطِلٍ، وَلِأَنَّ حُجِّيَّةَ الْعُرْفِ عَلَى الَّذِينَ تَعَارَفُوهُ وَالْتَزَمُوهُ فَقَطْ وَالنَّصُّ حُجَّةٌ عَلَى الْكُلِّ، فَهُوَ أَقْوَى وَلِأَنَّ الْعُرْفَ إنَّمَا صَارَ حُجَّةً بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» اهـ (قَوْلُهُ وَمَا لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهِ) كَغَيْرِ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ (قَوْلُهُ حُمِلَ عَلَى الْعُرْفِ) أَيْ عَلَى عَادَاتِ النَّاسِ فِي الْأَسْوَاقِ لِأَنَّهَا أَيْ الْعَادَةَ دَالَّةٌ عَلَى الْجَوَازِ فِيمَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ لِلْحَدِيثِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ الثَّانِي) أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَأَفَادَ أَنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ خِلَافُ الْمَشْهُورِ عَنْهُ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ النَّصِّ، لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى ذَلِكَ الْكَيْلِ فِي الشَّيْءِ أَوْ الْوَزْنِ فِيهِ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَّا لِأَنَّ الْعَادَةَ إذْ ذَاكَ كَذَلِكَ وَقَدْ تَبَدَّلَتْ فَتَبَدَّلَ الْحُكْمُ، وَأَجَبْت بِأَنَّ تَقْرِيرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُمْ عَلَى مَا تَعَارَفُوا مِنْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ مِنْهُ عَلَيْهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِالْعُرْفِ، لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يُعَارِضُ النَّصَّ كَذَا وَجْهٌ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ) حَيْثُ قَالَ عَقِبَ مَا ذَكَرْنَا: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَلْزَمُ أَبَا يُوسُفَ لِأَنَّ قُصَارَاهُ أَنَّهُ كَنَصِّهِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ يَقُولُ: يُصَارُ إلَى الْعُرْفِ الطَّارِئِ بَعْدَ النَّصِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَغَيُّرَ الْعَادَةِ يَسْتَلْزِمُ تَغَيُّرَ النَّصِّ، حَتَّى لَوْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيًّا نَصَّ عَلَيْهِ. اهـ. وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَحَاصِلُهُ تَوْجِيهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْعُرْفُ الطَّارِئُ بِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُ النَّصَّ بَلْ يُوَافِقُهُ، لِأَنَّ النَّصَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 176 وَخَرَّجَ عَلَيْهِ سَعْدِيٌّ أَفَنْدِي اسْتِقْرَاضَ الدَّرَاهِمِ عَدَدًا وَبَيْعَ الدَّقِيقِ وَزْنًا فِي زَمَانِنَا يَعْنِي بِمِثْلِهِ   [رد المحتار] عَلَى كَيْلِيَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَوَزْنِيَّةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ كَوْنِ الْعُرْفِ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَ الْعُرْفُ إذْ ذَاكَ بِالْعَكْسِ لِوُرُودِ النَّصِّ مُوَافِقًا لَهُ وَلَوْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ فِي حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَنَصَّ عَلَى تَغَيُّرِ الْحُكْمِ، وَمُلَخَّصُهُ: أَنَّ النَّصَّ مَعْلُولٌ بِالْعُرْفِ فَيَكُونُ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْعُرْفُ فِي أَيِّ زَمَنٍ كَانَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِيهِ تَقْوِيَةً لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَافْهَمْ. [مَطْلَبٌ فِي اسْتِقْرَاضِ الدَّرَاهِمِ عَدَدًا] (قَوْلُهُ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ سَعْدِي أَفَنْدِي) أَيْ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْعِنَايَةِ وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالِاسْتِقْرَاضِ بَلْ مِثْلُهُ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مِقْدَارِ الثَّمَنِ، أَوْ الْأُجْرَةِ الْغَيْرِ الْمُشَارِ إلَيْهِمَا وَمِقْدَارُ الْوَزْنِ لَا يُعْلَمُ بِالْعَدِّ كَالْعَكْسِ، وَكَذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْكَوِيُّ فِي أَوَاخِرِ الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ: أَنَّهُ لَا حِيلَةَ فِيهَا إلَّا التَّمَسُّكَ بِالرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. لَكِنْ ذَكَرَ شَارِحُهَا سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الْعَمَلَ بِالضَّعِيفِ مَعَ وُجُودِ الصَّحِيحِ لَا يَجُوزُ، وَلَكِنْ نَحْنُ نَقُولُ إذَا كَانَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ مَضْرُوبَيْنِ، فَذِكْرُ الْعَدِّ كِنَايَةٌ عَنْ الْوَزْنِ اصْطِلَاحًا لِأَنَّ لَهُمَا وَزْنًا مَخْصُوصًا وَلِذَا نُقِشَ وَضُبِطَ وَالنُّقْصَانُ الْحَاصِلُ بِالْقَطْعِ أَمْرٌ جُزْئِيٌّ لَا يَبْلُغُ الْمِعْيَارَ الشَّرْعِيَّ، وَأَيْضًا فَالدِّرْهَمُ الْمَقْطُوعُ عَرَفَ النَّاسُ مِقْدَارَهُ، فَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْوَزْنِ إذَا كَانَ الْعَدُّ دَالًّا عَلَيْهِ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ ذِكْرُ الْعَدِّ بَدَلَ الْوَزْنِ حَيْثُ عَبَّرَ فِي زَكَاةِ دُرَرِ الْبِحَارِ بِعِشْرِينَ ذَهَبًا وَفِي الْكَنْزِ بِعِشْرِينَ دِينَارًا بَدَلَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا اهـ مُلَخَّصًا. وَهُوَ كَلَامٌ وَجِيهٌ، وَلَكِنْ هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَزْنُ مَضْبُوطًا بِأَنْ لَا يَزِيدَ دِينَارٌ عَلَى دِينَارٍ، وَلَا دِرْهَمٌ عَلَى دِرْهَمٍ، وَالْوَاقِعُ فِي زَمَانِنَا خِلَافُهُ فَإِنَّ النَّوْعَ الْوَاحِدَ مِنْ أَنْوَاعِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ الْمَضْرُوبَيْنِ قَدْ يَخْتَلِفُ فِي الْوَزْنِ كَالْجِهَادِيِّ وَالْعَدْلِيِّ وَالْغَازِيِّ مِنْ ضَرْبِ سُلْطَانِ زَمَانِنَا أَيَّدَهُ اللَّهُ، فَإِذَا اسْتَقْرَضَ مِائَةَ دِينَارٍ مِنْ نَوْعٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يُوَفِّيَ بَدَلَهَا مِائَةً مِنْ نَوْعِهَا الْمُوَافِقِ لَهَا فِي الْوَزْنِ أَوْ يُوَفِّيَ بَدَلَهَا وَزْنًا لَا عَدَدًا، وَأَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَهُوَ رِبًا لِأَنَّهُ مُجَازَفَةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا، لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الطَّارِئِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَوْ تُعُورِفَ تَقْدِيرُ الْمَكِيلِ بِالْوَزْنِ، أَوْ بِالْعَكْسِ اُعْتُبِرَ، أَمَّا لَوْ تُعُورِفَ إلْغَاءُ الْوَزْنِ أَصْلًا كَمَا فِي زَمَانِنَا مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْعَدَدِ بِلَا نَظَرٍ إلَى الْوَزْنِ، فَلَا يَجُوزُ لَا عَلَى الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ، وَلَا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ إبْطَالِ نُصُوصِ التَّسَاوِي بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ الْمُتَّفَقِ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ. نَعَمْ إذَا غَلَبَ الْغِشُّ عَلَى النُّقُودِ فَلَا كَلَامَ فِي جَوَازِ اسْتِقْرَاضِهَا عَدَدًا بِدُونِ وَزْنٍ اتِّبَاعًا لِلْعُرْفِ، بِخِلَافِ بَيْعِهَا بِالنُّقُودِ الْخَالِصَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا وَزْنًا كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الصَّرْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْسُوطٌ فِي رِسَالَتِنَا: " نَشْرُ الْعَرْفِ فِي بِنَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْعُرْفِ " فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ وَبَيْعَ الدَّقِيقِ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَى اسْتِخْرَاجِهِ، فَقَدْ وُجِدَ فِي الْغِيَاثِيَّةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ وَزْنًا إذَا تَعَارَفَ النَّاسُ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ ط وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ وَاسْتِقْرَاضُهُ وَزْنًا إذَا تَعَارَفَ النَّاسُ ذَلِكَ اُسْتُحْسِنَ فِيهِ اهـ وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ تَلْقِيحِ الْمَحْبُوبِيِّ أَنَّ بَيْعَهُ وَزْنًا جَائِزٌ، لِأَنَّ النَّصَّ عَيَّنَ الْكَيْلَ فِي الْحِنْطَةِ دُونَ الدَّقِيقِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ لِأَنَّ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعُرْفُ اتِّفَاقًا لَكِنْ سَنَذْكُرُ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ وَأَنَّهُ فِي الْخُلَاصَةِ جَزَمَ بِرِوَايَةِ عَدَمِ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ يَعْنِي بِمِثْلِهِ) الْمُرَادُ مِنْ التَّخْرِيجِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْعُ الدَّقِيقِ وَزْنًا بِمِثْلِهِ احْتِرَازًا عَنْ بَيْعِهِ وَزْنًا بِالدَّرَاهِمِ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَنَصُّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 177 وَفِي الْكَافِي الْفَتْوَى عَلَى عَادَةِ النَّاسِ بَحْرٌ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ (وَالْمُعْتَبَرُ تَعْيِينُ الرِّبَوِيِّ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ) وَمَصُوغِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ (بِلَا شَرْطِ تَقَابُضٍ) حَتَّى لَوْ بَاعَ بُرًّا بِبُرٍّ بِعَيْنِهَا وَتَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ وَلَوْ أَحَدُهُمَا دَيْنًا فَإِنْ هُوَ الثَّمَنُ وَقَبَضَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ وَإِلَّا لَا كَبَيْعِهِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ سِرَاجٌ.   [رد المحتار] قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَا يَثْبُتُ كَيْلُهُ بِالنَّصِّ إذَا بِيعَ وَزْنًا بِالدَّرَاهِمِ يَجُوزُ وَكَذَلِكَ مَا يَثْبُتُ وَزْنُهُ بِالنَّصِّ (قَوْلُهُ وَفِي الْكَافِي لِلْفَتْوَى عَلَى عَادَةِ النَّاسِ) ظَاهِرُ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا فِي السَّلَمِ فَفِي الْمِنَحِ عَنْ الْبَحْرِ، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فِي الْحِنْطَةِ وَزْنًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ لِأَنَّ الشَّرْطَ كَوْنُهُ مَعْلُومًا، وَفِي الْكَافِي الْفَتْوَى عَلَى عَادَةِ النَّاسِ اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَقَوْلُ الْكَافِي: الْفَتْوَى عَلَى عَادَةِ النَّاسِ يَقْضِي أَنَّهُمْ لَوْ اعْتَادُوا أَنْ يُسْلِمُوا فِيهَا كَيْلًا وَأَسْلَمَ وَزْنًا لَا يَجُوزُ وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ بَلْ إذَا اتَّفَقَا عَلَى مَعْرِفَةِ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِوُجُودِ الْمُصَحِّحِ، وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ كَذَا فِي الْفَتْحِ اهـ وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ الْوَزْنِ فِي الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَى أَنَّهَا مَكِيلَةٌ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا بِيعَتْ بِمِثْلِهَا بِخِلَافِ بَيْعِهَا بِالدَّرَاهِمِ كَمَا إذَا أَسْلَمَ دَرَاهِمَ فِي حِنْطَةٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيرُهَا بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ، وَظَاهِرُ الْكَافِي وُجُوبُ اتِّبَاعِ الْعَادَةِ فِي ذَلِكَ، وَمَا بَحَثَهُ فِي الْفَتْحِ ظَاهِرٌ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ بَحْرٌ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ) الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِهَذَا تَقْوِيَةُ كَلَامِ الْكَافِي وَأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِمَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْفَتْحِ لَكِنْ عَلِمْت مَا يُؤَيِّدُهُ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ تَعْيِينُ الرِّبَوِيِّ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ) لِأَنَّ غَيْرَ الصَّرْفِ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ، وَيُتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ كَالثِّيَابِ أَيْ إذَا بِيعَ ثَوْبٌ بِخِلَافِ الصَّرْفِ، لِأَنَّ الْقَبْضَ شُرِطَ فِيهِ لِلتَّعْيِينِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِدُونِ الْقَبْضِ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الصَّرْفَ وَهُوَ مَا وَقَعَ عَلَى جِنْسِ الْأَثْمَانِ ذَهَبًا وَفِضَّةً بِجِنْسِهِ أَوْ بِخِلَافِهِ لَا يَحْصُلُ فِيهِ التَّعْيِينُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَإِنَّ الْأَثْمَانَ لَا تَتَعَيَّنُ مَمْلُوكَةً إلَّا بِهِ وَلِذَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ تَبْدِيلُهَا أَمَّا غَيْرُ الصَّرْفِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِمُجَرَّدِ التَّعْيِينِ قَبْلَ الْقَبْضِ (قَوْلُهُ وَمَصُوغِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ) عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ، فَإِنَّ الْمَصُوغَ مِنْ الصَّرْفِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الشَّارِحُ فِي بَابِهِ وَكَأَنَّهُ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِدَفْعِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ خُرُوجِهِ عَنْ حُكْمِ الصَّرْفِ بِسَبَبِ الصَّنْعَةِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ بَاعَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ بَيَانُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ بِقَوْلِهِ: وَإِذَا تَبَايَعَا كَيْلِيًّا بِكَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيًّا بِوَزْنِيٍّ كِلَاهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ كِلَاهُمَا عَيْنًا أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَقْدُ، وَهُوَ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِي مِلْكِهِ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِالْأَبْدَانِ، لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِهِ إلَّا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَيْنًا أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَقْدُ، وَالْآخَرُ دَيْنًا مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ جَعَلَ الدَّيْنَ مِنْهُمَا ثَمَنًا، وَالْعَيْنَ مَبِيعًا جَازَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ أَنْ يَتَعَيَّنَ الدَّيْنُ مِنْهُمَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ وَإِنْ جَعَلَ الدَّيْنَ مِنْهُمَا مَبِيعًا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَحْضَرَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَاَلَّذِي ذَكَرَ فِيهِ الْبَاءَ ثَمَنٌ وَمَا لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْبَاءُ مَبِيعٌ. وَبَيَانُهُ: إذَا قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْحِنْطَةَ عَلَى أَنَّهَا قَفِيزٌ بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ أَوْ قَالَ: بِعْت مِنْك هَذِهِ الْحِنْطَةَ عَلَى أَنَّهَا قَفِيزٌ بِقَفِيزٍ مِنْ شَعِيرٍ جَيِّدٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْعَيْنَ مِنْهُمَا مَبِيعًا وَالدَّيْنَ الْمَوْصُوفَ ثَمَنًا، وَلَكِنْ قَبْضُ الدَّيْنِ مِنْهُمَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ شَرْطٌ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ جَوَازِ هَذَا الْبَيْعِ أَنْ يُجْعَلَ الِافْتِرَاقُ عَنْ عَيْنٍ بِعَيْنٍ، وَمَا كَانَ دَيْنًا لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَلَوْ قَبَضَ الدَّيْنَ مِنْهُمَا ثُمَّ تَفَرَّقَا جَازَ الْبَيْعُ قَبَضَ الْعَيْنَ مِنْهُمَا أَوْ لَمْ يَقْبِضْ وَلَوْ اشْتَرَيْت مِنْك قَفِيزَ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ بِهَذَا الْقَفِيزِ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت مِنْك قَفِيزَيْ شَعِيرٍ جَيِّدٍ بِهَذَا الْقَفِيزِ مِنْ الْحِنْطَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَحْضَرَ الدَّيْنَ فِي الْمَجْلِسِ، لِأَنَّهُ جَعَلَ الدَّيْنَ مَبِيعًا فَصَارَ بَائِعًا مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَهُوَ لَا يَجُوزُ اهـ ح (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ) أَيْ كُلِّ مَطْعُومٍ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ لَحْمٍ أَوْ فَاكِهَةٍ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 178 (وَجَيِّدُ مَالٍ الرِّبَا) لَا حُقُوقِ الْعَبْدِ (وَرَدِيئُهُ سَوَاءٌ) إلَّا فِي أَرْبَعٍ مَالِ وَقْفِ وَيَتِيمٍ وَمَرِيضٍ وَفِي الْقُلْبِ الرَّهْنُ إذَا انْكَسَرَ أَشْبَاهٌ (بَاعَ فُلُوسًا بِمِثْلِهَا أَوْ بِدَرَاهِمَ أَوْ بِدَنَانِيرَ فَإِنْ نَقَدَ أَحَدُهُمَا جَازَ) وَإِنْ تَفَرَّقَا بِلَا قَبْضِ أَحَدِهِمَا لَمْ يَجُزْ لِمَا مَرَّ (كَمَا جَازَ بَيْعُ لَحْمٍ بِحَيَوَانٍ وَلَوْ مِنْ جِنْسِهِ) لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَوْزُونِ بِمَا لَيْسَ بِمَوْزُونٍ   [رد المحتار] وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ وَجَيِّدُ مَالٍ الرِّبَا وَرَدِيئُهُ سَوَاءٌ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ مِمَّا فِيهِ الرِّبَا إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ لِإِهْدَارِ التَّفَاوُتِ فِي الْوَصْفِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لَا حُقُوقِ الْعِبَادِ) عَطْفٌ عَلَى مَالِ الرِّبَا قَالَ فِي الْمِنَحِ: قَيَّدَ بِمَالِ الرِّبَا، لِأَنَّ الْجَوْدَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، فَإِذَا أَتْلَفَ جَيِّدًا لَزِمَهُ مِثْلُهُ قَدْرًا وَجَوْدَةً إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا، وَلَكِنْ لَا تُسْتَحَقُّ أَيْ الْجَوْدَةُ بِإِطْلَاقِ عَقْدِ الْبَيْعِ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً أَوْ شَيْئًا فَوَجَدَهُ رَدِيئًا بِلَا عَيْبٍ لَا يَرُدُّهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ مَعْزِيًّا إلَى صَرْفِ الْمُحِيطِ اهـ ح: أَيْ لِأَنَّ الْعَيْبَ هُوَ الْعَارِضُ عَلَى أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَالْجَوْدَةُ أَوْ الرَّدَاءَةُ فِي الشَّيْءِ أَصْلٌ فِي خِلْقَتِهِ بِخِلَافِ الْعَيْبِ الْعَارِضِ كَالسُّوسِ فِي الْحِنْطَةِ أَوْ عَفَنِهَا فَلَهُ الرَّدُّ بِهِ لَا بِالرَّدَاءَةِ إلَّا بِاشْتِرَاطِ الْجَوْدَةِ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ. [تَنْبِيهٌ] أَرَادَ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ مَا لَيْسَ مِنْ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ: أَيْ مَا لَا يَجْمَعُهَا قَدْرٌ وَجِنْسٌ وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالْإِتْلَافِ وَلِذَا قَالَ الْبِيرِيُّ قَيَّدَ بِالْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ فِي غَيْرِهَا لَهَا قِيمَةٌ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا كَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا جَيِّدًا بِثَوْبٍ رَدِيءٍ وَزِيَادَةِ دِرْهَمٍ بِإِزَاءِ الْجَوْدَةِ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ اهـ (قَوْلُهُ إلَّا فِي أَرْبَعٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ خُصُوصَ الضَّمَانِ عِنْدَ التَّعَدِّي فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَهُ مَعَ الْأَرْبَعِ وَيَقُولَ: إلَّا فِي خَمْسٍ ثُمَّ إنَّ الْأُولَى ذَكَرَهَا فِي الْبَحْرِ بَحْثًا فَإِنَّهُ قَالَ: وَتُعْتَبَرُ أَيْ الْجَوْدَةُ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ فَلَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ قَفِيزِ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ بِقَفِيزٍ رَدِيءٍ وَيَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ فِي مَالِ الْوَقْفِ، لِأَنَّهُ كَالْيَتِيمِ ثُمَّ قَالَ: وَفِي حَقِّ الْمَرِيضِ حَتَّى تَنْفُذَ مِنْ الثُّلُثِ، وَفِي الرَّهْنِ الْقُلْبُ إذَا انْكَسَرَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، وَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ ذَهَبًا وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ اهـ. قُلْت: وَالْقُلْبُ بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ اللَّامِ مَا يُلْبَسُ فِي الذِّرَاعِ مِنْ فِضَّةٍ جَمْعُهُ قِلَبَةٌ كَقُرْطٍ وَقِرَطَةٍ: وَهِيَ الْحَلَقُ فِي الْأُذُنِ فَإِنْ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ فَهُوَ السِّوَارُ كَمَا فِي الْبِيرِيِّ عَنْ شَرْحِ التَّلْخِيصِ لِلْخَلَّاطِيِّ وَقَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ ذَهَبًا أَفَادَ بِهِ أَنَّ ضَمَانَ الْقِيمَةِ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ إذْ لَوْ ضُمِنَ فِضَّةً: وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ وَزْنِهِ بِسَبَبِ الصِّيَاغَةِ يَلْزَمُ الرِّبَا وَلَوْ ضُمِنَ مِثْلُ وَزْنِهِ يَلْزَمُ إبْطَالُ حَقِّ الْمَالِكِ، فَفِي تَضْمِينِهِ الْقِيمَةَ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ إعْمَالٌ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَحَقِّ الْعَبْدِ وَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِقُلْبِ الرَّهْنِ، بَلْ مِثْلُهُ كُلُّ مِثْلِيٍّ تَعَيَّبَ بِغَصْبٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَإِنَّهُ يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ فِيمَا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، وَهَلَكَ فِي يَدِهِ، وَلَا يَلْزَمُ قَبْضُ الْقِيمَةِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، لِأَنَّهُ صَرْفٌ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الصَّرْفِ. وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ إهْدَارِ الْجَوْدَةِ بِإِثْبَاتِ اعْتِبَارِهَا إنَّمَا هُوَ لِمُرَاعَاةِ حَقِّ الْعَبْدِ، لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّ الشَّرْعِ، فَمَا قِيلَ إنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ اسْتِثْنَائِهَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ قَفِيزٍ جَيِّدٍ بِقَفِيزَيْنِ رَدِيئَيْنِ نَظَرًا لِلْجَوْدَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَنَحْوِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَسَائِلِ، وَهُوَ خَطَأٌ لِلُزُومِ الرِّبَا غَيْرُ وَارِدٍ، لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إهْدَارُ الْجَوْدَةِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَنَحْوِهِ، حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ قَفِيزِهِ الْجَيِّدِ بِقَفِيزٍ رَدِيءٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ أَحَدِ الْحَقَّيْنِ إهْدَارُ الْحَقِّ الْآخَرِ فَاغْتَنِمْ تَحْقِيقَ هَذَا الْمَحِلِّ (قَوْلُهُ فَإِنْ نَقَدَ أَحَدُهُمَا جَازَ إلَخْ) نَقَلَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ لَكِنَّهُ وَقَعَ فِيهِ تَحْرِيفٌ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ تَفَرَّقَا بِلَا قَبْضِ أَحَدِهِمَا جَازَ وَصَوَابُهُ لَمْ يَجُزْ كَمَا عَبَّرَ الشَّارِحُ، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّمْلِيُّ ثُمَّ إنَّهُ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ قَبْلَهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 179 فَيَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ بِشَرْطِ التَّعْيِينِ أَمَّا نَسِيئَةٌ فَلَا وَشَرَطَ مُحَمَّدٌ زِيَادَةَ الْمُجَانِسِ وَلَوْ بَاعَ مَذْبُوحَةً بِحَيَّةٍ أَوْ بِمَذْبُوحَةٍ جَازَ اتِّفَاقًا وَكَذَا الْمَسْلُوخَتَيْنِ إنْ تَسَاوَيَا وَزْنًا ابْنُ مَالِكٍ وَأَرَادَ بِالْمَسْلُوخَةِ الْمَفْصُولَةَ عَنْ السَّقَطِ كَكِرْشٍ وَأَمْعَاءٍ بَحْرٌ. (وَ) كَمَا جَازَ بَيْعُ (كِرْبَاسٍ بِقُطْنٍ وَغَزْلٍ مُطْلَقًا) كَيْفَمَا كَانَ لِاخْتِلَافِهِمَا جِنْسًا (كَبَيْعِ قُطْنٍ بِغَزْلِ) الْقُطْنِ (فِي) قَوْلِ مُحَمَّدٍ   [رد المحتار] فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ فَلْسٍ بِفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا أَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَهَا فِي صَرْفِ الْأَصْلِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ التَّقَابُضَ، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُصَحِّحْ الثَّانِيَ، لِأَنَّ التَّقَابُضَ مَعَ التَّعْيِينِ شَرْطٌ فِي الصَّرْفِ، وَلَيْسَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَهُ، لِأَنَّ الْفُلُوسَ لَهَا حُكْمُ الْعُرُوضِ مِنْ وَجْهٍ، وَحُكْمُ الثَّمَنِ مِنْ وَجْهٍ فَجَازَ التَّفَاضُلُ لِلْأَوَّلِ وَاشْتُرِطَ التَّقَابُضُ لِلثَّانِي اهـ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ لَفْظَ التَّقَابُضِ يُفِيدُ اشْتِرَاطَهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَقَوْلُهُ: فَإِنْ نَقَدَ أَحَدُهُمَا جَازَ قَوْلٌ ثَالِثٌ لَكِنْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ مَا فِي الْأَصْلِ عَلَى هَذَا فَلَا يَكُونُ قَوْلًا آخَرَ، لِأَنَّ مَا فِي الْأَصْلِ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ، عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ، وَلَوْ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، لِأَنَّهُ يَكُونُ افْتِرَاقًا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ. فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مِنْهُمَا جَمِيعًا بَلْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَطْ. فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ مَا فِي الْأَصْلِ يُفِيدُ اشْتِرَاطَهُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَمَا فِي الْجَامِعِ اشْتِرَاطُهُ مِنْهُمَا، ثُمَّ إنَّ الَّذِي مَرَّ اشْتِرَاطُ التَّعْيِينِ فِي الْبَدَلَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مَعَ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ فَلَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَيْنِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ قَبَضَا فِي الْمَجْلِسِ فَقَوْلُهُ لِمَا مَرَّ فِيهِ نَظَرٌ. [تَنْبِيهٌ] سُئِلَ الْحَانُوتِيُّ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفُلُوسِ نَسِيئَةً. فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ يَجُوزُ إذَا قُبِضَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ اشْتَرَى مِائَةَ فَلْسٍ بِدِرْهَمٍ يَكْفِي التَّقَابُضُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ قَالَ: وَمِثْلُهُ مَا لَوْ بَاعَ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا بِفُلُوسٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ قَالَ: فَلَا يُغْتَرُّ بِمَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْفُلُوسِ إلَى أَجَلٍ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِقَوْلِهِمْ لَا يَجُوزُ إسْلَامُ مَوْزُونٍ فِي مَوْزُونٍ وَإِلَّا إذَا كَانَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ مَبِيعًا كَزَعْفَرَانٍ وَالْفُلُوسُ غَيْرُ مَبِيعَةٍ بَلْ صَارَتْ أَثْمَانًا اهـ. قُلْت: وَالْجَوَابُ حَمْلُ مَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ، عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْجَامِعِ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ الْمَحْمُولِ عَلَى مَا فِي الْأَصْلِ، وَهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا أَجَابَ بِهِ فِي صَرْفِ النَّهْرِ مِنْ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْبَيْعِ السَّلَمُ وَالْفُلُوسُ لَهَا شَبَهٌ بِالثَّمَنِ، وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْأَثْمَانِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا عُرُوضٌ فِي الْأَصْلِ اُكْتُفِيَ بِالْقَبْضِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَيَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ اللَّحْمُ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ أَوْ لَا مُسَاوِيًا لِمَا فِي الْحَيَوَانِ أَوْ لَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَمَّا نَسِيئَةٌ فَلَا) لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي الْحَيَوَانِ أَوْ فِي اللَّحْمِ كَانَ سَلَمًا، وَهُوَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَشَرَطَ مُحَمَّدٌ زِيَادَةَ الْمُجَانِسِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَلَحْمِ الْبَقَرِ بِالشَّاةِ الْحَيَّةِ جَازَ كَيْفَمَا كَانَ، وَإِنْ كَانَ بِجِنْسِهِ كَلَحْمِ شَاةٍ بِشَاةٍ حَيَّةٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ اللَّحْمُ الْمُفْرَزُ أَكْثَرَ مِنْ الَّذِي فِي الشَّاةِ لِتَكُونَ الشَّاةُ بِمُقَابَلَةِ مِثْلِهِ مِنْ اللَّحْمِ وَبَاقِي اللَّحْمِ بِمُقَابَلَةِ السَّقْطِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَ مَذْبُوحَةً بِحَيَّةٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّهُ لَحْمٌ بِلَحْمٍ وَزِيَادَةُ اللَّحْمِ فِي أَحَدِهِمَا مَعَ سَقَطِهَا بِإِزَاءِ السَّقَطِ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقَالُ ذَلِكَ فِي الْمَذْبُوحَةِ بِالْمَذْبُوحَةِ ط (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمَسْلُوخَتَيْنِ) أَيْ وَكَذَا بَيْعُ الْمَسْلُوخَتَيْنِ فَفِيهِ حَذْفُ الْمُضَافِ وَإِبْقَاءُ الْمُضَافِ إلَيْهِ عَلَى إعْرَابِهِ (قَوْلُهُ عَنْ السَّقَطِ) بِفَتْحَتَيْنِ قَالَ فِي الْفَتْحِ الْمُرَادُ بِهِ مَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّحْمِ كَالْكِرْشِ وَالْمِعْلَاقِ وَالْجِلْدِ وَالْأَكَارِعِ اهـ. (قَوْلُهُ كِرْبَاسٍ) بِكَسْرِ الْكَافِ ثَوْبٌ مِنْ الْقُطْنِ الْأَبْيَضِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ كَيْفَمَا كَانَ) مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاضِلًا اهـ ح (قَوْلُهُ لِاخْتِلَافِهِمَا جِنْسًا) لِأَنَّهُ وَإِنْ اتَّحَدَ الْأَصْلُ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الصِّفَةُ كَالْحِنْطَةِ وَالْخُبْزِ، وَذَلِكَ اخْتِلَافُ جِنْسٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَعَلَّلَهُ فِي الِاخْتِيَارِ بِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ وَالْمِعْيَارِ (قَوْلُهُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا مُتَسَاوِيًا بَحْرٌ وَأَفَادَ أَنَّ بَيْعَ الْكِرْبَاسِ بِالْقُطْنِ لَا خِلَافَ فِيهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الِاخْتِيَارِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 180 وَهُوَ (الْأَصَحُّ) حَاوِيٌّ. وَفِي الْقُنْيَةِ لَا بَأْسَ بِغَزْلِ قُطْنٍ بِثِيَابٍ قُطْنٍ يَدًا بِيَدٍ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَوْزُونَيْنِ وَلَا جِنْسَيْنِ (وَكَذَلِكَ غَزْلُ كُلِّ جِنْسٍ بِثِيَابِهِ إذَا لَمْ تُوزَنْ وَ) كَبَيْعِ (رُطَبٍ بِرُطَبٍ أَوْ بِتَمْرٍ مُتَمَاثِلًا) كَيْلًا لَا وَزْنًا خِلَافًا لِلْعَيْنِيِّ فِي الْحَالِ لَا الْمَآلِ خِلَافًا لَهُمْ فَلَوْ بَاعَ مُجَازَفَةً أَوْ مُوَازَنَةً لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا ابْنُ مَالِكٍ (وَعِنَبٍ) بِعِنَبٍ (أَوْ بِزَبِيبٍ) مُتَمَاثِلًا (كَذَلِكَ) وَكَذَا كُلُّ ثَمَرَةٍ تَجِفُّ كَتِينٍ وَرُمَّانٍ يُبَاعُ رَطْبُهَا بِرَطْبِهَا وَبِيَابِسِهَا كَبَيْعِ بُرٍّ رَطْبًا أَوْ مَبْلُولًا بِمِثْلِهِ وَبِالْيَابِسِ وَكَذَا بَيْعُ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ مَنْقُوعٍ بِمِثْلِهِ أَوْ بِالْيَابِسِ مِنْهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ زَيْلَعِيٌّ وَفِي الْعِنَايَةِ كُلُّ تَفَاوُتٍ خِلْقِيٍّ كَالرُّطَبِ وَالتَّمْرِ وَالْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ   [رد المحتار] قُلْت: لِأَنَّ الْقُطْنَ يَصِيرُ غَزْلًا ثُمَّ يَصِيرُ كِرْبَاسًا فَالْغَزْلُ أَقْرَبُ إلَى الْقُطْنِ مِنْ الْكِرْبَاسِ، فَلِذَا ادَّعَى أَبُو يُوسُفَ الْمُجَانَسَةَ بَيْنَ الْغَزْلِ وَالْقُطْنِ لَا بَيْنَ الْكِرْبَاسِ وَالْقُطْنِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ) وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ) أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَوْزُونَيْنِ) أَيْ بَلْ أَحَدُهُمَا مَوْزُونٌ فَقَطْ، وَهُوَ الْغَزْلُ فَلَمْ يَجْمَعْهُمَا الْقَدْرُ، فَجَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا وَقَوْلُهُ: وَلَا جِنْسَيْنِ أَيْ بَلْ هُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، لِأَنَّهُمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْقُطْنِ فَلِذَا، قَيَّدَ بِقَوْلِهِ يَدًا بِيَدٍ، فَيَحْرُمُ النَّسَاءُ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ مَحْمُولٌ عَلَى ثِيَابٍ يُمْكِنُ نَقْضُهَا لَكِنْ لَا تُبَاعُ وَزْنًا كَمَا قَيَّدَهُ آخِرًا، فَيَظْهَرُ اتِّحَادُ الْجِنْسِ نَظَرًا لِمَا بَعْدَ النَّقْضِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُخَالِفُ قَوْلَ الشَّارِحِ فِي بَيْعِ الْكِرْبَاسِ بِالْقُطْنِ، لِاخْتِلَافِهِمَا جِنْسًا، لِأَنَّ الْكِرْبَاسَ بِالنَّقْضِ يَعُودُ غَزْلًا لَا قُطْنًا فَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ بَعْدَ النَّقْضِ فِي صُورَةِ بَيْعِ الْكِرْبَاسِ بِالْقُطْنِ مَوْجُودٌ، لِأَنَّ الْقُطْنَ مَعَ الْغَزْلِ جِنْسَانِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ بِخِلَافِهِ فِي صُورَةِ بَيْعِهِ بِالْغَزْلِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْحَمْلِ قَوْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْغِيَاثِيَّةِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الثَّوْبِ بِالْغَزْلِ كَيْفَمَا كَانَ إلَّا ثَوْبًا يُوزَنُ وَيَنْقُصُ اهـ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلْعَيْنِيِّ) حَيْثُ قَالَ وَزْنًا وَكَأَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ ح (قَوْلُهُ فِي الْحَالِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِ مُتَمَاثِلًا (قَوْلُهُ لَا الْمَآلِ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ أَيْ لَا يُعْتَبَرُ التَّمَاثُلُ بَعْدَ الْجَفَافِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ بِتَمْرٍ وَبِقَوْلِهِمَا قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ أَمَّا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ، فَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا) لِأَنَّ الْمُجَازَفَةَ وَالْوَزْنَ لَا يُعْلَمُ بِهِمَا الْمُسَاوَاةُ كَيْلًا، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ يَكُونُ أَثْقَلَ مِنْ الْآخَرِ وَزْنًا وَهُوَ أَنْقَصُ كَيْلًا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ أَوْ بِزَبِيبٍ) فِيهِ الِاخْتِلَافُ السَّابِقُ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا بَحْرٌ وَحَكَى فِي الْفَتْحِ فِيهِ قَوْلَيْنِ آخَرَيْنِ الْجَوَازُ اتِّفَاقًا، وَالْجَوَازُ عِنْدَهُمَا بِالِاعْتِبَارِ كَالزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ (قَوْلُهُ كَذَلِكَ) أَيْ فِي الْحَالِ لَا الْمَآلِ اهـ ح وَهَذَا بِالنَّظَرِ إلَى عِبَارَةِ الشَّرْحِ أَمَّا عَلَى عِبَارَةِ الْمَتْنِ فَالْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ مُتَمَاثِلًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَتِينٍ وَرُمَّانٍ) وَكَمِشْمِشٍ وَجَوْزٍ وَكُمَّثْرَى وَإِجَّاصٍ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ يُبَاعُ رَطْبُهَا بِرَطْبِهَا إلَخْ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الطَّاءِ خِلَافُ الْيَابِسِ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِوَجْهِ الشَّبَهِ الْمُفَادِ مِنْ قَوْلِهِ وَكَذَا، هَذَا عَلَى الْخِلَافِ الْمَارِّ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ (قَوْلُهُ بِمِثْلِهِ) أَيْ رَطْبًا بِرَطْبٍ أَوْ مَبْلُولًا بِمَبْلُولٍ وَقَوْلُهُ: بِالْيَابِسِ أَيْ رَطْبًا بِيَابِسٍ أَوْ مَبْلُولًا بِيَابِسٍ، فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ مَنْقُوعٍ) الَّذِي فِي الْهِدَايَةِ وَالدُّرَرِ وَغَيْرِهِمَا مُنْقَعٍ وَفِي الْعَزْمِيَّةِ عَنْ الْمُغْرِبِ الْمُنْقَعُ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ مِنْ أَنْقَع الزَّبِيبَ فِي الْخَانِيَّةِ إذَا أَلْقَاهُ يَبْتَلُّ وَتَخْرُجُ مِنْهُ الْحَلَاوَةُ اهـ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) رَاجِعٌ لِمَا ذَكَرَ فِي قَوْلِهِ كَبَيْعِ بُرٍّ إلَى هُنَا كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مُحَمَّدًا اعْتَبَرَ الْمُمَاثَلَةَ فِي أَعْدَلِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ الْمَآلُ عِنْدَ الْجَفَافِ وَهُمَا اعْتَبَرَاهَا فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ تَرَكَ هَذَا الْأَصْلَ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، لِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْهُ، وَلَا يَلْحَقُ بِهِ إلَّا مَا فِي مَعْنَاهُ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ الرِّوَايَةُ مَحْفُوظَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ بَيْعَ الْحِنْطَةِ الْمَبْلُولَةِ بِالْيَابِسَةِ إنَّمَا لَا يَجُوزُ إذَا انْتَفَخَتْ، أَمَّا إذَا بُلَّتْ مِنْ سَاعَتِهَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِالْيَابِسَةِ إذَا تَسَاوَيَا كَيْلًا. (قَوْلُهُ وَفِي الْعِنَايَةِ إلَخْ) بَيَانٌ لِضَابِطٍ فِيمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ الْمُتَجَانِسَيْنِ الْمُتَفَاوِتَيْنِ وَمَا لَا يَجُوزُ. وَأُورِدَ عَلَى الْأَصْلِ لِلْأَوَّلِ جَوَازُ بَيْعِ الْبُرِّ الْمَبْلُولِ بِمِثْلِهِ، وَبِالْيَابِسِ مَعَ أَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 فَهُوَ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ وَكُلُّ تَفَاوُتٍ بِصُنْعِ الْعِبَادِ كَالْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ وَالْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِهَا يَفْسُدُ كَمَا سَيَجِيءُ. (وَ) كَبَيْعِ (لُحُومٍ مُخْتَلِفَةٍ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا) يَدًا بِيَدٍ (وَلَبَنِ بَقَرٍ وَغَنَمٍ وَخَلِّ دَقَلٍ) بِفَتْحَتَيْنِ رَدِيءِ التَّمْرِ وَخَصَّهُ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ (بِخَلِّ عِنَبٍ وَشَحْمِ بَطْنٍ بِأَلْيَةٍ) بِالْفَتْحِ مَا يُسَمِّيهِ الْعَوَامُّ لِيَّةً (أَوْ لَحْمٍ وَخُبْزٍ) وَلَوْ مِنْ بُرٍّ (بِبُرٍّ أَوْ دَقِيقٍ) وَلَوْ مِنْهُ وَزَيْتٍ مَطْبُوخٍ بِغَيْرِ الْمَطْبُوخِ وَدُهْنٍ مُرَبَّى بِالْبَنَفْسَجِ بِغَيْرِ الْمُرَبَّى مِنْهُ (مُتَفَاضِلًا) أَوْ وَزْنًا كَيْفَ كَانَ لِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا فَلَوْ اتَّحَدَ لَمْ يَجُزْ مُتَفَاضِلًا إلَّا فِي لَحْمِ الطَّيْرِ لِأَنَّهُ لَا يُوزَنُ عَادَةً حَتَّى لَوْ وُزِنَ لَمْ يَجُزْ زَيْلَعِيٌّ وَفِي الْفَتْحِ لَحْمُ الدَّجَاجِ وَالْإِوَزِّ وَزْنِيٌّ فِي عَامَّةِ مِصْرَ وَفِي النَّهْرِ لِعِلَّةٍ فِي زَمَنِهِ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا   [رد المحتار] بِصُنْعِ الْعَبْدِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْحِنْطَةَ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ رَطْبَةً وَهِيَ مَالُ الرِّبَا إذْ ذَاكَ وَالْبَلُّ بِالْمَاءِ يُعِيدُهَا إلَى مَا هُوَ أَصْلُ الْخِلْقَةِ فِيهَا فَلَمْ يُعْتَبَرْ بِخِلَافِ الْقَلْيِ (قَوْلُهُ فَهُوَ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ) فَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ التَّسَاوِي (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ لَا بَيْعُ الْبُرِّ بِدَقِيقٍ إلَخْ. (قَوْلُهُ لُحُومٍ مُخْتَلِفَةٍ) أَيْ مُخْتَلِفَةِ الْجِنْسِ كَلَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بِخِلَافِ الْبَقَرِ وَالْجَامُوسِ وَالْمَعْزِ وَالضَّأْنِ (قَوْلُهُ يَدًا بِيَدٍ) فَلَا يَحِلُّ النَّسَاءُ لِوُجُودِ الْقَدْرِ (قَوْلُهُ وَلَبَنِ بَقَرٍ وَغَنَمٍ) الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَفِي نُسْخَةٍ وَلَبَنِ بَقَرٍ بِغَنَمٍ أَيْ بِلَبَنِ غَنَمٍ وَهَذِهِ النُّسْخَةُ أَوْلَى (قَوْلُهُ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ) أَيْ بِاِتِّخَاذِ الْخَلِّ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَشَحْمٍ بَطْنٍ بِأَلْيَةٍ أَوْ لَحْمٍ) لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا مِنْ الضَّأْنِ إلَّا أَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ لِاخْتِلَافِ الْأَسْمَاءِ وَالْمَقَاصِدِ نَهْرٌ قَالَ ط فَقَوْلُهُ بَعْدُ لِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا يَرْجِعُ إلَى هَذَا أَيْضًا (قَوْلُهُ بِالْفَتْحِ) أَيْ فَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ (قَوْلُهُ بِبُرٍّ أَوْ دَقِيقٍ) لِأَنَّ الْخُبْزَ بِالصَّنْعَةِ صَارَ جِنْسًا آخَرَ، حَتَّى خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَكِيلًا وَالْبُرُّ وَالدَّقِيقُ مَكِيلَانِ، فَلَمْ يَجْمَعْهَا الْقَدْرُ وَلَا الْجِنْسُ حَتَّى جَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ نَسِيئَةً بَحْرٌ وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْهُ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الدَّقِيقُ مِنْ الْبُرِّ (قَوْلُهُ وَزَيْتٍ مَطْبُوخٍ بِغَيْرِ الْمَطْبُوخِ إلَخْ) كَذَا فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُجَانَسَةَ تَكُونُ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ فَتَمْنَعُ النَّسِيئَةَ كَمَا فِي الْمُجَانَسَةِ الْعَيْنِيَّةِ، وَذَلِكَ كَالزَّيْتِ مَعَ الزَّيْتُونِ وَالشَّيْرَجِ مَعَ السِّمْسِمِ، وَتَنْتَفِي بِاعْتِبَارِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ، فَيَخْتَلِفُ الْجِنْسُ مَعَ اتِّحَادِ الْأَصْلِ، حَتَّى يَجُوزَ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا كَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ مَعَ دُهْنِ الْوَرْدِ أَصْلُهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ الزَّيْتُ أَوْ الشَّيْرَجُ فَصَارَ جِنْسَيْنِ بِاخْتِلَافِ مَا أُضِيفَا إلَيْهِ مِنْ الْوَرْدِ أَوْ الْبَنَفْسَجِ نَظَرًا إلَى اخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ وَالْغَرَضِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ ضُمَّ إلَى الْأَصْلِ مَا طِيبُهُ دُونَ الْآخَرِ جَازَ مُتَفَاضِلًا، حَتَّى أَجَازُوا بَيْعَ قَفِيزِ سِمْسِمٍ مُطَيَّبٍ بِقَفِيزَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمُرَبَّى، وَكَذَا رِطْلُ زَيْتٍ مُطَيَّبٍ بِرِطْلَيْنِ مِنْ زَيْتٍ لَمْ يُطَيَّبْ فَجَعَلُوا الرَّائِحَةَ الَّتِي فِيهَا بِإِزَاءِ الزِّيَادَةِ عَلَى الرِّطْلِ اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِيهِ فَرَاجِعْهُ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَزَيْتٍ مَطْبُوخٍ إنْ أَرَادَ بِهِ الْمَغْلِيَّ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِيهِ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ أَوْ الْمَطْبُوخِ بِغَيْرِهِ فَلَا يُسَمَّى زَيْتًا فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُطَيَّبُ، وَأَنَّ صِحَّةَ بَيْعِهِ مُتَفَاضِلًا مَشْرُوطَةٌ بِمَا إذْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي غَيْرِ الْمُطَيَّبِ لِتَكُونَ الزِّيَادَةُ فِيهِ بِإِزَاءِ الرَّائِحَةِ الَّتِي فِي الْمُطَيَّبِ. (قَوْلُهُ أَوْ وَزْنًا) الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُهُ لِأَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ كَيْفَ كَانَ وَلِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مُتَفَاضِلًا قَيْدٌ لِجَمِيعِ مَا مَرَّ وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ لِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا فَافْهَمْ نَعَمْ وَقَعَ فِي النَّهْرِ لَفْظُ أَوْ وَزْنًا فِي مَحِلِّهِ حَيْثُ قَالَ: وَصَحَّ أَيْضًا بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْبُرِّ وَبِالدَّقِيقِ مُتَفَاضِلًا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ قِيلَ: هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى عَدَدًا أَوْ وَزْنًا كَيْفَمَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِالصَّنْعَةِ صَارَ جِنْسًا آخَرَ وَالْبُرُّ وَالدَّقِيقُ مَكِيلَانِ فَانْتَفَتْ الْعِلَّتَانِ اهـ. (قَوْلُهُ لَوْ اتَّحَدَ) كَلَحْمِ الْبَقَرِ وَالْجَامُوسِ وَالْمَعْزِ وَالضَّأْنِ، وَكَذَا أَلْبَانُهَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ إلَّا فِي لَحْمِ الطَّيْرِ) فَيَجُوزُ بَيْعُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ كَالسِّمَانِ وَالْعَصَافِيرِ مُتَفَاضِلًا فَتْحٌ: وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَلَا بَأْسَ بِلُحُومِ الطَّيْرِ وَاحِدٌ بِاثْنَيْنِ يَدًا بِيَدٍ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ وُزِنَ) أَيْ وَاتَّحَدَ جِنْسُهُ لَمْ يَجُزْ: أَيْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بِاخْتِلَافِ الْأَصْلِ أَوْ الْمَقْصُودِ أَوْ بِتَبَدُّلِ الصِّفَةِ فَلْيُحْفَظْ وَجَازَ الْأَخِيرُ لَوْ الْخُبْزُ نَسِيئَةً بِهِ يُفْتَى دُرَرٌ إذَا أَتَى بِشَرَائِطِ السَّلَمِ لِحَاجَةِ النَّاسِ، وَالْأَحْوَطُ الْمَنْعُ إذْ قَلَّمَا يَقْبِضُ مِنْ جِنْسِ مَا سَمَّى وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَعْزِيًّا لِلْخِزَانَةِ الْأَحْسَنُ أَنْ يَبِيعَ خَاتَمًا مَثَلًا مِنْ الْخَبَّازِ بِقَدْرِ مَا يَزِيدُ مِنْ الْخُبْزِ وَيَجْعَلُ الْخُبْزَ الْمَوْصُوفَ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ ثَمَنًا حَتَّى يَصِيرَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْخَبَّازِ وَيُسَلِّمَ الْخَاتَمَ ثُمَّ يَشْتَرِيَ الْخَاتَمَ بِالْبُرِّ وَفِيهِ مَعْزِيًّا لِلْمُضْمَرَاتِ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْخُبْزِ وَزْنًا وَكَذَا عَدَدًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى   [رد المحتار] مُتَفَاضِلًا (قَوْلُهُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ) أَيْ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ (قَوْلُهُ بِاخْتِلَافِ الْأَصْلِ) كَخَلِّ الدَّقَلِ مَعَ خَلِّ الْعِنَبِ وَلَحْمِ الْبَقَرِ مَعَ لَحْمِ الضَّأْنِ (قَوْلُهُ أَوْ الْمَقْصُودِ) كَشَعْرِ الْمَعْزِ وَصُوفِ الْغَنَمِ، فَإِنَّ مَا يُقْصَدُ بِالشَّعْرِ مِنْ الْآلَاتِ غَيْرُ مَا يُقْصَدُ بِالصُّوفِ بِخِلَافِ لَحْمِهِمَا وَلَبَنِهِمَا، فَإِنَّهُ جُعِلَ جِنْسًا وَاحِدًا كَمَا مَرَّ لِعَدَمِ الِاخْتِلَافِ أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ بِتَبَدُّلِ الصِّفَةِ) كَالْخُبْزِ مَعَ الْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ الْمُطَيَّبِ بِغَيْرِ الْمُطَيَّبِ، وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ وَزِيَادَةِ الصَّنْعَةِ بِالنُّونِ وَالْعَيْنِ (قَوْلُهُ وَجَازَ الْأَخِيرُ) وَهُوَ بَيْعُ خُبْزٍ بِبُرٍّ أَوْ دَقِيقٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ الْخُبْزُ نَسِيئَةً) عِبَارَةُ الدُّرَرِ وَبِالنَّسَاءِ فِي الْأَخِيرِ فَقَطْ وَالشَّارِحُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ بِهِ يُفْتَى لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُتَأَخِّرُ هُوَ الْبُرُّ جَازَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ أَسْلَمَ وَزْنِيًّا فِي كَيْلِيٍّ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الْخُبْزُ هُوَ النَّسِيئَةُ فَمَعْنَاهُ وَأَجَازَهُ أَبُو يُوسُفَ ط. (قَوْلُهُ وَالْأَحْوَطُ الْمَنْعُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يُحْتَاطَ وَقْتَ الْقَبْضِ بِقَبْضِ الْجِنْسِ الْمُسَمَّى، حَتَّى لَا يَصِيرَ اسْتِبْدَالًا بِالسَّلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ إذَا قُبِضَ دُونَ الْمُسَمَّى صِفَةً، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالِاحْتِيَاطُ فِي مَنْعِهِ، لِأَنَّهُ قَلَّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ النَّوْعِ الْمُسَمَّى خُصُوصًا فِيمَنْ يَقْبِضُ فِي كُلِّ يَوْمٍ كَذَا كَذَا رَغِيفًا (قَوْلُهُ الْأَحْسَنُ إلَخْ) أَيْ فِي بَيْعِ الْخُبْزِ بِالْبُرِّ نَسِيئَةً، وَوَجْهُ كَوْنِهِ أَحْسَنَ كَوْنُ الْخُبْزِ فِيهِ ثَمَنًا لَا مَبِيعًا، فَلَا يَلْزَمُ فِيهِ شُرُوطُ السَّلَمِ تَأَمَّلْ. وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ فِي السَّلَمِ: وَإِذَا دَفَعَ الْحِنْطَةَ إلَى خَبَّازٍ جُمْلَةً، وَأَخَذَ الْخُبْزَ مُفَرَّقًا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيعَ صَاحِبُ الْحِنْطَةِ خَاتَمًا أَوْ سِكِّينًا مِنْ الْخَبَّازِ بِأَلْفٍ مِنْ الْخُبْزِ مِثْلًا، وَيَجْعَلُ الْخُبْزَ ثَمَنًا وَيَصِفُهُ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ حَتَّى يَصِيرَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْخَبَّازِ، وَيُسَلِّمُ الْخَاتَمَ إلَيْهِ، ثُمَّ يَبِيعُ الْخَبَّازُ الْخَاتَمَ مِنْ صَاحِبِ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ مِقْدَارَ مَا يُرِيدُ الدَّفْعَ وَيَدْفَعُ الْحِنْطَةَ، فَيَبْقَى لَهُ عَلَى الْخَبَّازِ الْخُبْزُ الَّذِي هُوَ بِمَنٍّ هَكَذَا قِيلَ، وَهُوَ مُشْكِلٌ عِنْدِي قَالُوا إذَا دَفَعَ دَرَاهِمَ إلَى خَبَّازٍ فَأَخَذَ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ شَيْئًا مِنْ الْخُبْزِ فَكُلَّمَا أَخَذَ يَقُولُ هُوَ عَلَى مَا قَاطَعْتُك عَلَيْهِ اهـ مَا فِي الذَّخِيرَةِ. قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَ الْإِشْكَالِ أَنَّ اشْتِرَاطَهُمْ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي كُلَّمَا أَخَذَ شَيْئًا هُوَ عَلَى مَا قَاطَعْتُك عَلَيْهِ لِيَكُونَ بَيْعًا مُسْتَأْنَفًا عَلَى شَيْءٍ مُتَعَيِّنٍ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْخُبْزَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَإِلَّا لَمْ يُحْتَجْ إلَى أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ، وَرَأَيْت مَعْزِيًّا إلَى خَطِّ الْمَقْدِسِيَّ مَا نَصُّهُ أَقُولُ: يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّ الْخُبْزَ هُنَا ثَمَنٌ بِخِلَافِ الَّتِي قِسْت عَلَيْهَا فَتَأَمَّلْ اهـ أَقُولُ: بَيَانُهُ أَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْبَيْعِ، وَلِذَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْمَعْدُومِ إلَّا بِشُرُوطِ السَّلَمِ، بِخِلَافِ الثَّمَنِ، فَإِنَّهُ وَصْفٌ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَلِذَا صَحَّ الْبَيْعُ مَعَ عَدَمِ وُجُودِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي الذِّمَّةِ وَصْفٌ يُطَابِقُهُ الثَّمَنُ لَا عَيْنُ الثَّمَنِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ السَّلَمِ عَلَى أَنَّ الْمَقِيسَ عَلَيْهَا لَا يَلْزَمُ فِيهَا قَوْلُ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ شَيْئًا وَسَكَتَ يَنْعَقِدُ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي. نَعَمْ لَوْ قَالَ حِينَ دَفَعَ الدَّرَاهِمَ اشْتَرَيْت مِنْك كَذَا مِنْ الْخُبْزِ وَصَارَ يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ الْخُبْزِ يَكُونُ فَاسِدًا وَالْأَكْلُ مَكْرُوهٌ، لِأَنَّهُ اشْتَرَى خُبْزًا غَيْرَ مُشَارٍ إلَيْهِ، فَكَانَ الْمَبِيعُ مَجْهُولًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَوَّلَ الْبُيُوعِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الِاسْتِجْرَارِ (قَوْلُهُ وَكَذَا عَدَدًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) هَذَا مَوْجُودٌ فِي عِبَارَةِ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ بِهَذَا اللَّفْظِ، فَمَنْ نَفَى وُجُودَهُ فِيهَا فَكَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةٍ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْإِفْتَاءِ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِفْتَاءِ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ الْآتِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 183 وَسَيَجِيءُ جَوَازُ اسْتِقْرَاضِهِ أَيْضًا. (وَ) جَازَ بَيْعُ (اللَّبَنِ بِالْجُبْنِ) لِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ وَالِاسْمِ حَاوِيٌّ (لَا) يَجُوزُ (بَيْعُ الْبُرِّ بِدَقِيقٍ أَوْ سَوِيقٍ) هُوَ الْمَجْرُوشُ وَلَا بَيْعُ دَقِيقٍ بِسَوِيقٍ (مُطْلَقًا) وَلَوْ مُتَسَاوِيًا لِعَدَمِ الْمُسَوَّى فَيَحْرُمُ لِشُبْهَةِ الرِّبَا خِلَافًا لَهُمَا وَأَمَّا بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ مُتَسَاوِيًا كَيْلًا إذَا كَانَا مَكْبُوسَيْنِ فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا ابْنُ مَالِكٍ كَبَيْعِ سَوِيقٍ بِسَوِيقٍ وَحِنْطَةٍ مَقْلِيَّةٍ بِمَقْلِيَّةٍ وَأَمَّا الْمَقْلِيَّةُ بِغَيْرِهَا فَفَاسِدٌ كَمَا مَرَّ (وَ) لَا (الزَّيْتُونِ بِزَيْتٍ وَالسِّمْسِمِ بِخَلٍّ) بِمُهْمَلَةٍ الشَّيْرَجُ (حَتَّى يَكُونَ الزَّيْتُ وَالْخَلُّ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ) لِيَكُونَ قَدْرُهُ بِمِثْلِهِ وَالزَّائِدُ بِالثُّفْلِ، وَكَذَا كُلُّ مَا لِثُفْلِهِ قِيمَةٌ كَجَوْزٍ بِدُهْنِهِ وَلَبَنٍ بِسَمْنِهِ وَعِنَبٍ بِعَصِيرِهِ فَإِنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ كَبَيْعِ تُرَابٍ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ فَسَدَ بِالزِّيَادَةِ لِرِبَا الْفَضْلِ.   [رد المحتار] فِي اسْتِقْرَاضِهِ عَدَدًا (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ قَرِيبًا مَتْنًا. (قَوْلُهُ بِدَقِيقٍ أَوْ سَوِيقٍ) أَيْ دَقِيقِ الْبُرِّ أَوْ سَوِيقِهِ بِخِلَافِ دَقِيقِ الشَّعِيرِ أَوْ سَوِيقِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ هُوَ الْمَجْرُوشُ) أَيْ الْخَشِنُ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ السَّوِيقُ دَقِيقُ الْبُرِّ الْمَقْلِيُّ وَلَعَلَّهُ يُجْرَشُ فَلَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ وَلَا بَيْعِ دَقِيقٍ بِسَوِيقٍ) أَيْ كِلَاهُمَا مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ كَمَا فِي الْفَتْحِ فَلَوْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ جَازَ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُتَسَاوِيًا) تَفْسِيرٌ لِلْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْمُسَوَّى) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَالْأَصْلُ فِيهِ: أَنَّ شُبْهَةَ الرِّبَا وَشُبْهَةَ الْجِنْسِيَّةِ مُلْتَحِقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي بَابِ الرِّبَا احْتِيَاطًا لِلْحُرْمَةِ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ جِنْسٌ وَاحِدٌ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ، وَالْمُخَلِّصُ أَيْ عَنْ الرِّبَا هُوَ التَّسَاوِي فِي الْكَيْلِ، وَأَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ لِانْكِبَاسِ الدَّقِيقِ فِي الْمِكْيَالِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ وَإِذَا عُدِمَ الْمُخَلِّصُ حَرُمَ الْبَيْعُ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) هَذَا الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الزَّيْلَعِيِّ، فَأَجَازَاهُ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ، لِاخْتِلَافِ الِاسْمِ وَالْمَقْصُودِ وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً لِأَنَّ الْقَدْرَ يَجْمَعُهُمَا ط وَكَذَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَمَنَعَ اتِّفَاقًا أَنْ يُبَاعَ الْبُرُّ بِأَجْزَائِهِ كَدَقِيقٍ وَسَوِيقٍ وَنُخَالَةٍ وَالدَّقِيقُ بِالسَّوِيقِ مَمْنُوعٌ عِنْدَهُ مُطْلَقًا وَجَوَّزَاهُ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ مُتَسَاوِيًا كَيْلًا) نَصَبَ مُتَسَاوِيًا عَلَى الْحَالِ، وَكَيْلًا عَلَى التَّمْيِيزِ، وَهُوَ تَمْيِيزُ نِسْبَةٍ مِثْلُ تَصَبَّبَ عَرَقًا وَالْأَصْلُ مُتَسَاوِيًا كَيْلُهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ إذَا كَانَا مَكْبُوسَيْنِ) لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بَلْ عَزَاهُ فِي الذَّخِيرَةِ إلَى ابْنِ الْفَضْلِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ حَسَنٌ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي بَيْعِهِ وَزْنًا رِوَايَتَانِ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْخُلَاصَةِ إلَّا رِوَايَةُ الْمَنْعِ، وَفِيهَا أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ أَحَدُ الدَّقِيقَيْنِ أَخْشَنَ أَوْ أَدَقَّ وَكَذَا بَيْعُ النُّخَالَةِ بِالنُّخَالَةِ وَبَيْعُ الدَّقِيقِ الْمَنْخُولِ بِغَيْرِ الْمَنْخُولِ لَا يَجُوزُ إلَّا مُمَاثِلًا وَبَيْعُ النُّخَالَةِ بِالدَّقِيقِ يَجُوزُ بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِأَنْ تَكُونَ النُّخَالَةُ الْخَالِصَةُ أَكْثَرَ مِنْ الَّتِي فِي الدَّقِيقِ. (قَوْلُهُ وَحِنْطَةٍ مَقْلِيَّةٍ بِمَقْلِيَّةٍ) الْمَقْلِيُّ الَّذِي يُقْلَى عَلَى النَّارِ، وَهُوَ الْمُحَمَّصُ عُرْفًا قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاخْتَلَفُوا فِيهِ قِيلَ يَجُوزُ إذَا تَسَاوَيَا كَيْلًا، وَقِيلَ: لَا وَعَلَيْهِ عَوَّلَ فِي الْمَبْسُوطِ وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّارَ قَدْ تَأْخُذُ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى اهـ (قَوْلُ فَفَاسِدٌ) أَيْ اتِّفَاقًا فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالسِّمْسِمِ) بِكَسْرِ السِّينَيْنِ وَحُكِيَ فَتْحُهُمَا (قَوْلُهُ الشَّيْرَجُ) بِوَزْنِ جَعْفَرٍ (قَوْلُهُ حَتَّى يَكُونَ الزَّيْتُ إلَخْ) أَيْ بِطَرِيقِ الْعِلْمِ فَلَوْ جُهِلَ أَوْ عُلِمَ أَنَّهُ أَقَلُّ أَوْ مُسَاوٍ لَا يَجُوزُ فَالِاحْتِمَالَاتُ أَرْبَعٌ، وَالْجَوَازُ فِي أَحَدِهِمَا فَتْحٌ وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ هُنَا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ نَظَائِرِهِ فِي بَابِ الصَّرْفِ اشْتِرَاطُ الْقَبْضِ لِكُلٍّ مِنْ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ فِي الْمَجْلِسِ بَعْدَ هَذَا الِاعْتِبَارِ خُصُوصًا مِنْ تَعْلِيلِ الزَّيْلَعِيِّ بِقَوْلِهِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ بَيْنَهُمَا مَعْنًى بِاعْتِبَارِ مَا فِي ضِمْنِهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا صُورَةً فَثَبَتَ بِذَلِكَ شُبْهَةُ الْمُجَانَسَةِ وَالرِّبَا يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ اهـ. قُلْت: وَفِيهِ غَفْلَةٌ عَمَّا تَقَدَّمَ مَتْنًا مِنْ أَنَّ التَّقَابُضَ مُعْتَبَرٌ فِي الصَّرْفِ أَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ التَّعْيِينُ وَتَعْلِيلُ الزَّيْلَعِيِّ بِالْجِنْسِيَّةِ لِوُجُوبِ الِاعْتِبَارِ وَحُرْمَةِ التَّفَاضُلِ بِدُونِهِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ بِالثُّفْلِ) بِضَمِّ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ مَا اسْتَقَرَّ تَحْتَ الشَّيْءِ مِنْ كُدْرَةٍ قَامُوسٌ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ كَجَوْزٍ بِدُهْنِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَأَظُنُّ أَنْ لَا قِيمَةَ لِثُفْلِ الْجَوْزِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِيعَ " بِقِشْرِهِ فَيُوقَدُ وَكَذَا الْعِنَبُ لَا قِيمَةَ لِثُفْلِهِ فَلَا تُشْتَرَطُ زِيَادَةُ الْعَصِيرِ عَلَى مَا يَخْرُجُ اهـ (قَوْلُهُ فَسَدَ بِالزِّيَادَةِ) وَلَا بُدَّ مِنْ الْمُسَاوَاةِ لِأَنَّ التُّرَابَ لَا قِيمَةَ لَهُ فَلَا يُجْعَلُ بِإِزَائِهِ شَيْءٌ مِنَحٌ ط. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 وَيُسْتَقْرَضُ الْخُبْزُ وَزْنًا وَعَدَدًا) عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ابْنُ مَالِكٍ وَاسْتَحْسَنَهُ الْكَمَالُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ تَيْسِيرًا. وَفِي الْمُجْتَبَى: بَاعَ رَغِيفًا نَقْدًا بِرَغِيفَيْنِ نَسِيئَةً جَازَ وَبِعَكْسِهِ لَا وَجَازَ بَيْعُ كَسِيرَاتِهِ كَيْفَ كَانَ. (وَلَا رِبَا بَيْنَ سَيِّدٍ وَعَبْدِهِ) وَلَوْ مُدَبَّرًا لَا مُكَاتَبًا (إذَا لَمْ يَكُنْ دَيْنُهُ مُسْتَغْرِقًا لِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ) فَلَوْ مُسْتَغْرِقًا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا اتِّفَاقًا ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ التَّحْقِيقُ الْإِطْلَاقُ وَإِنَّمَا يُرَدُّ الزَّائِدُ لَا لِلرِّبَا بَلْ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ (وَلَا) رِبَا (بَيْنَ مُتَفَاوِضَيْنِ وَشَرِيكَيْ عَنَانٍ إذَا تَبَايَعَا مِنْ مَالِهَا) أَيْ مَالِ الشَّرِكَةِ زَيْلَعِيٌّ   [رد المحتار] [تَنْبِيهٌ] مِثْلُ مَا ذُكِرَ فِي الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ بَيْعُ شَاةٍ ذَاتِ لَبَنٍ أَوْ صُوفٍ بِلَبَنٍ أَوْ صُوفٍ وَالرُّطَبِ بِالدِّبْسِ وَالْقُطْنِ بِحَبِّهِ وَالتَّمْرِ بِنَوَاهُ وَتَمَامُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (قَوْلُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ وَزْنًا لَا عَدَدًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ وَزْنًا لَا عَدَدًا وَبِهِ جَزَمَ فِي الْكَنْزِ فِي الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِتَعَامُلِ النَّاسِ وَحَاجَاتِهِمْ إلَيْهِ ط عَنْ الِاخْتِيَارِ وَمَا عَزَاهُ الشَّارِحُ إلَى ابْنِ مَالِكٍ ذَكَرَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَيْضًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ الْقَرْضِ (قَوْلُهُ وَاسْتَحْسَنَهُ الْكَمَالُ) حَيْثُ قَالَ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: قَدْ أَهْدَرَ الْجُبْرَانُ تَفَاوُتَهُ وَبَيْنَهُمْ يَكُونُ اقْتِرَاضُهُ غَالِبًا وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ، وَجَعَلَ الْمُتَأَخِّرُونَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَأَنَا أَرَى أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ (قَوْلُهُ وَبِعَكْسِهِ لَا) أَيْ وَإِذَا كَانَ الرَّغِيفَانِ نَقْدًا وَالرَّغِيفُ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ بَحْرٌ وَنَهْرٌ عَنْ الْمُجْتَبَى. وَهَكَذَا رَأَيْته فِي الْمُجْتَبَى فَافْهَمْ. وَانْظُرْ مَا وَجْهُ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَقَالَ ط فِي تَوْجِيهِ الْأُولَى. لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ، فَيُجْعَلُ الرَّغِيفُ بِمُقَابَلَةِ أَحَدِ الرَّغِيفَيْنِ، وَالْأَجَلُ يُجْعَلُ رَغِيفًا حُكْمًا بِمُقَابَلَةِ الرَّغِيفِ الثَّانِي مُجْتَبَى اهـ وَلَمْ أَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى. وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ الْجِنْسُ حَرُمَ النَّسَاءُ كَمَا مَرَّ فِي بَيْعِ تَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ، وَأَيْضًا التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ ط مُتَفَاوِتٌ يَقْتَضِي عَدَمَ الْجَوَازِ، وَلِذَا لَمَّا أَجَازَ مُحَمَّدٌ اسْتِقْرَاضَهُ عَلَّلَهُ بِإِهْدَارِ التَّفَاوُتِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ التَّفَاوُتُ عِلَّةَ الْجَوَازِ، وَعَلَّلَهُ شَيْخُنَا بِأَنَّ تَأْجِيلَ الثَّمَنِ جَائِزٌ دُونَ الْبَيْعِ، وَفِيهِ أَنْ لَا يَظْهَرَ هَذَا فِي الْكَسِيرَاتِ، وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ مُشْكِلٌ وَلِذَا قَالَ السَّائِحَانِيُّ: إنَّ هَذَا الْفَرْعَ خَارِجٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ مُحَرِّمُ النَّسَاءِ فَلَا يُعْمَلُ بِهِ حَتَّى يُنَصَّ عَلَى تَصْحِيحِهِ كَيْفَ وَهُوَ مِنْ صَاحِبِ الْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ كَيْفَ كَانَ) أَيْ نَقْدًا وَنَسِيئَةً مُجْتَبَى. (قَوْلُهُ وَلَا رِبَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ) لِأَنَّهُ وَمَا فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْبَيْعِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُدَبَّرًا) دَخَلَ أُمُّ الْوَلَدِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَا مُكَاتَبًا) لِأَنَّهُ صَارَ كَالْحُرِّ يَدًا وَتَصَرُّفًا فِي كَسْبِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ دَيْنُهُ مُسْتَغْرِقًا) وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَصْلًا بِالْأَوْلَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ يَتَحَقَّقُ الرِّبَا اتِّفَاقًا) أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَلِعَدَمِ مِلْكِهِ لِمَا فِي يَدِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُزَلْ مِلْكُهُ عَمَّا فِي يَدِهِ، لَكِنْ تَعَلَّقَ بِمَا فِي يَدِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فَصَارَ الْمَوْلَى كَالْأَجْنَبِيِّ، فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا بَيْنَهُمَا كَمَا يَتَحَقَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُكَاتَبِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ التَّحْقِيقُ الْإِطْلَاقُ) أَيْ عَنْ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ كَمَا فَعَلَ فِي الْكَنْزِ تَبَعًا لِلْمَبْسُوطِ، وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ الْهِدَايَةَ (قَوْلُهُ لَا لِلرِّبَا بَلْ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ) لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَوْ أَعْطَاهُ الْعَبْدُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ أَيْ عَلَى الْمَوْلَى كَمَا فِي صَرْفِ الْمُحِيطِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ إذَا تَبَايَعَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْبَدَلَيْنِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا دِرْهَمَيْنِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ بِدِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ مَثَلًا فَقَدْ حَصَلَ لِلْمُشْتَرِي زِيَادَةٌ وَهِيَ حِصَّةُ شَرِيكِهِ مِنْ الدِّرْهَمِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 185 وَلَا بَيْنَ حَرْبِيٍّ وَمُسْلِمٍ) مُسْتَأْمَنٍ وَلَوْ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ أَوْ قِمَارٍ (ثَمَّةَ) لِأَنَّ مَالَهُ ثَمَّةَ مُبَاحٌ فَيَحِلُّ بِرِضَاهُ مُطْلَقًا بِلَا غَدْرٍ خِلَافًا لِلثَّانِي وَالثَّلَاثَةِ. (وَ) حُكْمِ (مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ كَحَرْبِيٍّ) فَلِلْمُسْلِمِ الرِّبَا مَعَهُ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ مَالَهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ فَلَوْ هَاجَرَ إلَيْنَا ثُمَّ عَادَ إلَيْهِمْ فَلَا رِبَا جَوْهَرَةٌ. قُلْت: وَمِنْهُ يُعْلَمُ حُكْمُ مَنْ أَسْلَمَا ثَمَّةَ وَلَمْ يُهَاجِرَا.   [رد المحتار] الزَّائِدِ بِلَا عِوَضٍ وَهُوَ عَيْنُ الرِّبَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا بَيْنَ حَرْبِيٍّ وَمُسْلِمٍ مُسْتَأْمَنٍ) اُحْتُرِزَ بِالْحَرْبِيِّ عَنْ الْمُسْلِمِ الْأَصْلِيِّ وَالذِّمِّيِّ، وَكَذَا عَنْ الْمُسْلِمِ الْحَرْبِيِّ إذَا هَاجَرَ إلَيْنَا ثُمَّ عَادَ إلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُرَابِيَ مَعَهُ اتِّفَاقًا كَمَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ، وَوَقَعَ فِي الْبَحْرِ هُنَا غَلَطٌ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْمُجْتَبَى مُسْتَأْمَنٌ مِنَّا بَاشَرَ مَعَ رَجُلٍ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا فِي دَرَاهِمَ أَوْ مَنْ أَسْلَمَ هُنَاكَ شَيْئًا مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي لَا تَجُوزُ فِيمَا بَيْنَنَا كَالرِّبَوِيَّاتِ وَبَيْعِ الْمَيْتَةِ جَازَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ فَإِنَّ مَدْلُولَهُ جَوَازُ الرِّبَا بَيْنَ مُسْلِمٍ أَصْلِيٍّ مَعَ مِثْلِهِ أَوْ مَعَ ذِمِّيٍّ هُنَا، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا عَلِمْته مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُسْلِمِ الْحَرْبِيِّ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْمُجْتَبَى هَكَذَا مُسْتَأْمَنٌ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا فِي دَارِهِمْ أَوْ مَنْ أَسْلَمَ هُنَاكَ بَاشَرَ مَعَهُمْ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي لَا تَجُوزُ إلَخْ وَهِيَ عِبَارَةٌ صَحِيحَةٌ فَمَا فِي الْبَحْرِ تَحْرِيفٌ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ وَمُسْلِمٍ مُسْتَأْمَنٍ) مِثْلُهُ الْأَسِيرُ لَكِنْ لَهُ أَخْذُ مَالِهِمْ وَلَوْ بِلَا رِضَاهُمْ كَمَا مَرَّ فِي الْجِهَادِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الرِّبَا بِسَبَبِ عَقْدٍ فَاسِدٍ مِنْ غَيْرِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ كَبَيْعٍ بِشَرْطٍ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِيمَا مَرَّ، وَأَعَمُّ مِنْهُ عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى الْمَذْكُورَةُ وَكَذَا قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ، وَكَذَا إذَا تَبَايَعَا فِيهَا بَيْعًا فَاسِدًا (قَوْلُهُ ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَبَاعَ مِنْهُ مُسْلِمٌ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا ط عَنْ مِسْكِينٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَالَهُ ثَمَّةَ مُبَاحٌ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ إنَّمَا يَقْتَضِي حِلَّ مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ يَنَالُهَا الْمُسْلِمُ، وَالرِّبَا أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ إذْ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الدِّرْهَمَانِ أَيْ فِي بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْمُسْلِمِ وَمِنْ جِهَةِ الْكَافِرِ. وَجَوَابُ الْمَسْأَلَةِ بِالْحِلِّ عَامٌّ فِي الْوَجْهَيْنِ وَكَذَا الْقِمَارُ قَدْ يُفْضِي إلَى أَنْ يَكُونَ مَالُ الْخَطَرِ لِلْكَافِرِ بِأَنْ يَكُونَ الْغَلَبُ لَهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِبَاحَةَ بِقَيْدِ نَيْلِ الْمُسْلِمِ الزِّيَادَةَ، وَقَدْ أَلْزَمَ الْأَصْحَابُ فِي الدَّرْسِ أَنَّ مُرَادَهُمْ فِي حِلِّ الرِّبَا وَالْقِمَارِ مَا إذَا حَصَلَتْ الزِّيَادَةُ لِلْمُسْلِمِ نَظَرًا إلَى الْعِلَّةِ وَإِنْ كَانَ إطْلَاقُ الْجَوَابِ خِلَافَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ اهـ. قُلْت: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَشَرْحِهِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ أَمْوَالَهُمْ بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ الْمُبَاحَ عَلَى وَجْهٍ عَرَى عَنْ الْغَدْرِ فَيَكُونُ ذَلِكَ طَيِّبًا لَهُ وَالْأَسِيرُ وَالْمُسْتَأْمَنُ سَوَاءٌ حَتَّى لَوْ بَاعَهُمْ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ بَاعَهُمْ مَيْتَةً بِدَرَاهِمَ أَوْ أَخَذَ مَالًا مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْقِمَارِ فَذَلِكَ كُلُّهُ طَيِّبٌ لَهُ أهـ مُلَخَّصًا. فَانْظُرْ كَيْفَ جُعِلَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ الْأَخْذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ بِرِضَاهُمْ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الرِّبَا وَالْقِمَارِ فِي كَلَامِهِمْ مَا كَانَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ عَامًّا لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ غَالِبًا (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ط (قَوْلُهُ بِلَا غَدْرٍ) لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ دَارَهُمْ بِأَمَانٍ، فَقَدْ الْتَزَمَ أَنْ لَا يَغْدِرَهُمْ وَهَذَا الْقَيْدُ لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ، لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ بِرِضَاهُمْ لَا غَدْرَ فِيهِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَخِلَافُهُ فِي الْمُسْتَأْمَنِ دُونَ الْأَسِيرِ (قَوْلُهُ وَالثَّلَاثَةِ) أَيْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَالَهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ) الْعِصْمَةُ الْحِفْظُ وَالْمَنْعُ، وَقَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: لَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْعِصْمَةِ التَّقَوُّمَ أَيْ لَا تَقَوُّمَ لَهُ، فَلَا يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ لِمَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ مُعَلِّلًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّ الْعِصْمَةَ وَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً فَالتَّقَوُّمُ لَيْسَ بِثَابِتٍ عِنْدَهُ حَتَّى لَا يَضْمَنَ بِالْإِتْلَافِ وَعِنْدَهُمَا نَفْسُهُ وَمَالُهُ مَعْصُومَانِ مُتَقَوِّمَانِ اهـ (قَوْلُهُ فَلَا رِبَا اتِّفَاقًا) أَيْ لَا يَجُوزُ الرِّبَا مَعَهُ فَهُوَ نَفْيٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} [البقرة: 197] فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ يُعْلَمُ إلَخْ) أَيْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرِّبَا حَرَامٌ إلَّا فِي هَذِهِ السِّتِّ مَسَائِلَ. بَابُ الْحُقُوقِ فِي الْبَيْعِ أَخَّرَهَا لِتَبَعِيَّتِهَا وَلِتَبَعِيَّتِهِ تَرْتِيبَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (اشْتَرَى بَيْتًا فَوْقَهُ آخَرُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْعُلْوُ) مُثَلَّثُ الْعَيْنِ (وَلَوْ قَالَ بِكُلِّ حَقٍّ) هُوَ لَهُ أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ (مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ (وَكَذَا لَا يَدْخُلُ) الْعُلْوُ (بِشِرَاءِ مَنْزِلٍ) هُوَ مَا لَا إصْطَبْلَ فِيهِ (إلَّا بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ بِمَرَافِقِهِ) أَيْ حُقُوقِهِ كَطَرِيقٍ وَنَحْوِهِ وَعِنْدَ الثَّانِي الْمَرَافِقُ الْمَنَافِعُ أَشْبَاهٌ (أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ هُوَ فِيهِ أَوْ مِنْهُ   [رد المحتار] يُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ تَعْلِيلِهِ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَا ثَمَّةَ وَلَمْ يُهَاجِرَا لَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا بَيْنَهُمَا أَيْضًا كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ وَهَذَا يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ إلَّا فِي هَذِهِ السِّتِّ مَسَائِلَ) أَوَّلُهَا السَّيِّدُ مَعَ عَبْدِهِ وَآخِرُهَا مَنْ أَسْلَمَا وَلَمْ يُهَاجِرَا وَحَقُّهُ أَنْ يَقُولَ الْمَسَائِلُ بِالتَّعْرِيفِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْحُقُوقِ فِي الْبَيْعِ] بَابُ الْحُقُوقِ جَمْعُ حَقٍّ وَالْحَقُّ خِلَافُ الْبَاطِلِ: وَهُوَ مَصْدَرُ حَقَّ الشَّيْءُ مِنْ بَابَيْ ضَرَبَ وَقَتَلَ إذَا وَجَبَ وَثَبَتَ، وَلِهَذَا يُقَالُ لِمَرَافِقِ الدَّارِ حُقُوقُهَا اهـ. وَفِي الْبِنَايَةِ: الْحَقُّ مَا يَسْتَحِقُّهُ الرَّجُلُ وَلَهُ مَعَانٍ أُخَرُ مِنْهَا ضِدُّ الْبَاطِلِ اهـ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. وَفِي النَّهْرِ اعْلَمْ أَنَّ الْحَقَّ فِي الْعَادَةِ يُذْكَرُ فِيمَا هُوَ تَبَعٌ لِلْمَبِيعِ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَلَا يُقْصَدُ إلَّا لِأَجْلِهِ كَالطَّرِيقِ وَالشِّرْبِ لِلْأَرْضِ وَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ لِتَبَعِيَّتِهَا) أَيْ لِأَنَّ الْحُقُوقَ تَوَابِعُ فَيَلِيقُ ذِكْرُهَا بَعْدَ مَسَائِلِ الْبُيُوعِ بَحْرٌ عَنْ الْمِعْرَاجِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلِهَذَا الْبَابِ مُنَاسَبَةٌ خَاصَّةٌ بِالرِّبَا لِأَنَّ فِيهِ بَيَانَ فَضْلٍ هُوَ حَرَامٌ، وَهُنَا بَيَانُ فَضْلٍ عَلَى الْمَبِيعِ هُوَ حَلَالٌ (قَوْلُهُ لِتَبَعِيَّتِهِ) أَيْ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا صَاحِبُ الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ مُثَلَّثُ الْعَيْنِ) وَاللَّامُ سَاكِنَةٌ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّيْءَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْعُلْوُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِمُسَقَّفٍ وَاحِدٍ جُعِلَ لِيُبَاتَ فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزِيدُ لَهُ دِهْلِيزًا فَإِذَا بَاعَ الْبَيْتَ لَا يَدْخُلُ الْعُلْوُ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ الْعُلْوِ صَرِيحًا، لِأَنَّ الْعُلْوَ مِثْلُهُ فِي أَنَّهُ مُسَقَّفٌ يُبَاتُ فِيهِ وَالشَّيْءُ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ، بَلْ مَا هُوَ أَدْنَى مِنْهُ فَتْحٌ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِذِكْرِ الْحَقِّ لِأَنَّ حَقَّ الشَّيْءِ تَبَعٌ لَهُ فَهُوَ دُونَهُ وَالْعُلْوُ مِثْلُ الْبَيْتِ لَا دُونَهُ (قَوْلُهُ هُوَ مَا لَا إصْطَبْلَ فِيهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: الْمَنْزِلُ فَوْقَ الْبَيْتِ وَدُونَ الدَّارِ، وَهُوَ اسْمٌ لِمَكَانٍ يَشْتَمِلُ عَلَى بَيْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ يُنْزَلُ فِيهَا لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَهُ مَطْبَخٌ وَمَوْضِعُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، فَيَتَأَتَّى السُّكْنَى بِالْعِيَالِ مَعَ ضَرْبِ قُصُورٍ إذْ لَيْسَ لَهُ صَحْنٌ غَيْرُ مُسَقَّفٍ وَلَا إصْطَبْلُ الدَّوَابِّ، فَيَكُونُ الْبَيْتُ دُونَهُ، وَيَصْلُحُ أَنْ يَسْتَتْبِعَهُ فَلِشَبَهِهِ بِالدَّارِ يَدْخُلُ الْعُلْوُ فِيهِ تَبَعًا عِنْدَ ذِكْرِ التَّوَابِعِ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَى التَّنْصِيصِ عَلَى اسْمِهِ الْخَاصِّ، وَلِشَبَهِهِ بِالْبَيْتِ لَا يَدْخُلُ بِلَا ذِكْرِ زِيَادَةٍ اهـ أَيْ زِيَادَةِ ذِكْرِ التَّوَابِعِ أَيْ قَوْلُهُ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ إلَخْ. (قَوْلُهُ أَيْ حُقُوقِهِ) فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ السَّابِعِ أَنَّ الْحُقُوقَ عِبَارَةٌ عَنْ مَسِيلٍ وَطَرِيقٍ وَغَيْرِهِ وِفَاقًا، وَالْمَرَافِقُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عِبَارَةٌ عَنْ مَنَافِعِ الدَّارِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْمَرَافِقُ هِيَ الْحُقُوقُ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُهُ أَيْ بِمَرَافِقِهِ نَهْرٌ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمَرَافِقُ أَعَمُّ لِأَنَّهَا تَوَابِعُ الدَّارِ مِمَّا يَرْتَفِقُ بِهِ كَالْمُتَوَضَّأِ وَالْمَطْبَخِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَقَدَّمَ قَبْلَهُ أَنَّ حَقَّ الشَّيْءِ تَابِعٌ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَالطَّرِيقِ وَالشِّرْبِ اهـ فَهُوَ أَخَصُّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَطَرِيقٍ) أَيْ طَرِيقٍ خَاصٍّ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ وَيَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ هُوَ فِيهِ أَوْ مِنْهُ) أَيْ هُوَ دَاخِلٌ فِيهِ أَوْ خَارِجٌ بِأَوْ دُونَ الْوَاوِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا كَمَا ذَكَرَهُ الصَّيْرَفِيُّ، وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِحَقٍّ مُقَدَّرٍ لَا لِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَإِنَّ الصِّفَةَ لَا تُوصَفُ وَلَا لِكُلٍّ عَلَى رَأْيٍ كَمَا تَقَرَّرَ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ طَعْنُ أَبِي يُوسُفَ عَلَى مُحَمَّدٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 187 وَيَدْخُلُ) الْعُلْوُ (بِشِرَاءِ دَارٍ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا) وَلَوْ الْأَبْنِيَةُ بِتُرَابٍ أَوْ بِخِيَامٍ أَوْ قِبَابٍ وَهَذَا التَّفْصِيلُ عُرْفُ الْكُوفَةِ وَفِي عُرْفِنَا يَدْخُلُ الْعُلْوُ بِلَا ذِكْرٍ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا فَتْحٌ وَكَافِي سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ بَيْتًا فَوْقَهُ عُلْوٌ أَوْ غَيْرُهُ إلَّا دَارَ الْمَلِكِ فَتُسَمَّى سَرَاي نَهْرٌ (كَ) مَا يَدْخُلُ فِي شِرَاءِ الدَّارِ (الْكَنِيفُ وَبِئْرُ الْمَاءِ وَالْأَشْجَارُ الَّتِي فِي صَحْنِهَا وَ) كَذَا (الْبُسْتَانُ الدَّاخِلُ) وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ (لَا) الْبُسْتَانُ (الْخَارِجُ إلَّا إذَا كَانَ أَصْغَرَ مِنْهَا) فَيَدْخُلُ تَبَعًا وَلَوْ مِثْلَهَا أَوْ أَكْبَرَ فَلَا إلَّا بِالشَّرْطِ زَيْلَعِيٌّ وَعَيْنِيٌّ. (وَالظُّلَّةُ لَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ) لِبِنَائِهَا عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَذَتْ حُكْمَهُ (إلَّا بِكُلِّ حَقٍّ وَنَحْوِهِ) مِمَّا مَرَّ وَقَالَا إنَّ مَفْتَحَهَا فِي الدَّارِ تَدْخُلُ كَالْعُلْوِ (وَيَدْخُلُ الْبَابُ الْأَعْظَمُ فِي بَيْعِ بَيْتٍ أَوْ دَارٍ مَعَ ذِكْرِ الْمَرَافِقِ) لِأَنَّهُ مِنْ مَرَافِقِهَا خَانِيَّةٌ (لَا) يَدْخُلُ (الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ   [رد المحتار] بِدُخُولِ الْأَمْتِعَةِ فِيهَا وَطَعَنَ زُفَرُ عَلَيْهِ بِدُخُولِ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ وَالْحَشَرَاتِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِشِرَاءِ دَارٍ) هِيَ اسْمٌ لِسَاحَةٍ أُدِيرَ عَلَيْهَا الْحُدُودُ تَشْتَمِلُ عَلَى بُيُوتٍ وَإِصْطَبْلٍ وَصَحْنٍ غَيْرِ مُسَقَّفٍ وَعُلْوٍ، فَيُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ الصَّحْنِ لِلِاسْتِرْوَاحِ وَمَنَافِعِ الْأَبْنِيَةِ لِلْإِسْكَانِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ بَيْتًا إلَخْ) عِبَارَةُ النَّهْرِ قَالُوا هَذَا فِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَيَدْخُلُ الْعُلْوُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ بَيْتًا فَوْقَهُ عُلْوٌ وَمَنْزِلًا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَسْكَنٍ يُسَمَّى خَانَهُ فِي الْعَجَمِ، وَلَوْ عُلْوًا سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا كَالْبَيْتِ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا دَارَ الْمَلِكِ فَتُسَمَّى سَرَاي اهـ. وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ لَكِنْ قَوْلُهُ وَلَوْ عُلْوًا صَوَابُهُ وَلَهُ عُلْوٌ كَمَا فِي عِبَارَةِ الْفَتْحِ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَلَا يَخْلُو عَنْ عُلْوٍ. مَطْلَبٌ الْأَحْكَامُ تُبْتَنَى عَلَى الْعُرْفِ قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مَسْكَنٍ فِي عُرْفِ الْعَجَمِ يُسَمَّى خَانَهُ إلَّا دَارَ الْمَلِكِ تُسَمَّى سَرَاي، وَالْخَانَهْ لَا يَخْلُو عَنْ عُلْوٍ فَلِذَا دَخَلَ الْعُلْوُ فِي الْكُلِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَيْعَ يَقَعُ عِنْدَهُمْ بِلَفْظِ خَانَهُ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْكَافِي وَفِي عُرْفِنَا يَدْخُلُ الْعُلْوُ فِي الْكُلِّ سَوَاءٌ بَاعَ بِاسْمِ الْبَيْتِ أَوْ الْمَنْزِلِ أَوْ الدَّارِ وَالْأَحْكَامُ تُبْتَنَى عَلَى الْعُرْفِ، فَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ إقْلِيمٍ وَفِي كُلِّ عَصْرٍ عُرْفُ أَهْلِهِ اهـ. قُلْت: وَحَيْثُ كَانَ الْمُعْتَبَرُ الْعُرْفُ فَلَا كَلَامَ سَوَاءٌ كَانَ بِاسْمِ خَانَهُ أَوْ غَيْرِهِ، وَفِي عُرْفِنَا لَوْ بَاعَ بَيْتًا مِنْ دَارٍ، أَوْ بَاعَ دُكَّانًا أَوْ إصْطَبْلًا أَوْ نَحْوَهُ لَا يَدْخُلُ عُلْوُ الْمَبْنَى فَوْقَهُ مَا لَمْ يَكُنْ بَابُ الْعُلْوِ مِنْ دَاخِلِ الْمَبِيعِ (قَوْلُهُ إلَّا دَارَ الْمَلِكِ) الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي كَلَامِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ (قَوْلُهُ الْكَنِيفُ) أَيْ وَلَوْ خَارِجًا مَبْنِيًّا عَلَى الظُّلَّةِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مِنْ الدَّارِ بَحْرٌ وَهُوَ الْمُسْتَرَاحُ، وَبَعْضُهُمْ يُعَبِّرُ عَنْهُ بِبَيْتِ الْمَاءِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَالْأَشْجَارُ) أَيْ دُونَ أَثْمَارِهَا إلَّا بِالشَّرْطِ كَمَا مَرَّ فِي فَصْلِ مَا يَدْخُلُ فِي الْمَبِيعِ تَبَعًا، وَفِيهِ بَيَانُ مَسَائِلَ يُحْتَاجُ إلَى مُرَاجَعَتِهَا هُنَا (قَوْلُهُ فَيَدْخُلُ تَبَعًا) قَيَّدَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ بِمَا إذَا كَانَ مَفْتَحُهُ فِيهَا (قَوْلُهُ وَالظُّلَّةُ لَا تَدْخُلُ) فِي الْمُغْرِبِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ ظُلَّةُ الدَّارِ يُرِيدُونَ السُّدَّةَ الَّتِي فَوْقَ الْبَابِ، وَادَّعَى فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ أَنَّ هَذَا وَهْمٌ بَلْ هِيَ السَّابَاطُ الَّذِي أَحَدُ طَرَفَيْهِ عَلَى الدَّارِ وَالْآخَرُ عَلَى دَارٍ أُخْرَى أَوْ عَلَى الْأُسْطُوَانَاتِ الَّتِي فِي السِّكَّةِ، وَعَلَيْهِ جَرَى فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ الْبَابُ الْأَعْظَمُ) أَيْ إذَا كَانَ لَهُ بَابٌ أَعْظَمُ وَدَاخِلُهُ بَابٌ آخَرُ دُونَهُ، وَقَوْلُهُ مَعَ ذِكْرِ الْمَرَافِقِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ بِدُونِهِ وَهُوَ خَفِيٌّ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مِثْلُ الطَّرِيقِ إلَى سِكَّةٍ كَمَا يَأْتِي فَتَأَمَّلْ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ بَاعَ بَيْتًا مِنْ دَارٍ فَيَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بَابُ الْبَيْتِ فَقَطْ دُونَ بَابِ الدَّارِ الْأَعْظَمِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ دَارًا دَاخِلَ دَارٍ أُخْرَى لَا يَدْخُلُ بَابُ الدَّارِ الْأُخْرَى أَيْضًا بِدُونِ ذِكْرِ الْمَرَافِقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَابَانِ لِلْمَبِيعِ وَحْدَهُ، وَكَانَ يُتَوَصَّلُ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا يَدْخُلُ الطَّرِيقُ إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مَعَ ذِكْرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 188 وَالشِّرْبُ إلَّا بِنَحْوِ كُلِّ حَقٍّ)   [رد المحتار] الْمَرَافِقِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ وَكَذَا الطَّرِيقُ إلَخْ وَبِهِ يُسْتَغْنَى عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَمَنْ اشْتَرَى بَيْتًا فِي دَارٍ أَوْ مَنْزِلًا أَوْ مَسْكَنًا لَمْ يَكُنْ لَهُ الطَّرِيقُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ بِمَرَافِقِهِ أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ وَكَذَا الشِّرْبُ وَالْمَسِيلُ، لِأَنَّهُ خَارِجَ الْحُدُودِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ التَّوَابِعِ فَيَدْخُلُ بِذِكْرِ التَّوَابِعِ اهـ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَفِي الْمُحِيطِ: الْمُرَادُ الطَّرِيقُ الْخَاصُّ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ فَأَمَّا طَرِيقُهَا إلَى سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ أَوْ إلَى الطَّرِيقِ الْعَامِّ، فَيَدْخُلُ وَكَذَا مَا كَانَ لَهُ مِنْ حَقِّ تَسْيِيلِ الْمَاءِ وَإِلْقَاءِ الثَّلْجِ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ خَاصَّةً اهـ فَلَا يَدْخُلُ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: إذَا كَانَ طَرِيقُ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ أَوْ مَسِيلِ مَائِهَا فِي دَارٍ أُخْرَى لَا يَدْخُلُ بِلَا ذِكْرِ الْحُقُوقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ اهـ. وَصُورَتُهُ: إذَا كَانَتْ دَارٌ دَاخِلَ دَارٍ أُخْرَى لِلْبَائِعِ أَوْ غَيْرِهِ فَبَاعَ الدَّاخِلَةَ فَطَرِيقُهَا فِي الدَّارِ الْخَارِجَةِ لَيْسَ مِنْ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ بَلْ مِنْ حُقُوقِهَا فَلَا يَدْخُلُ فِيهَا بِلَا ذِكْرِ الْحُقُوقِ وَنَحْوِهَا، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ بَيْتٍ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ دَارٍ فَإِنَّ طَرِيقَهُ فِي الدَّارِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ بَلْ خَارِجٌ عَنْ حُدُودِهِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْهِدَايَةِ فَمَا أَوْرَدَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ تَعْلِيلَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ يَقْتَضِي أَنَّ الطَّرِيقَ الَّذِي فِي هَذِهِ الدَّارِ يَدْخُلُ، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْهِدَايَةِ فَفِيهِ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَفِي الذَّخِيرَةِ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ إنَّمَا يَدْخُلُ الطَّرِيقُ الَّذِي يَكُونُ وَقْتَ الْبَيْعِ لَا الطَّرِيقُ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ، حَتَّى إنَّ مَنْ سَدَّ طَرِيقَ مَنْزِلِهِ وَجَعَلَ لَهُ طَرِيقًا آخَرَ وَبَاعَ الْمَنْزِلَ بِحُقُوقِهِ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ الطَّرِيقُ الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ اهـ وَفِي الْفَتْحِ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: لَيْسَ لِلدَّارِ الْمَبِيعَةِ طَرِيقٌ فِي دَارٍ أُخْرَى فَالْمُشْتَرِي لَا يَسْتَحِقُّ الطَّرِيقَ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا جُذُوعٌ لِدَارٍ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَتْ لِلْبَائِعِ أُمِرَ بِرَفْعِهَا، وَإِنْ لِغَيْرِهِ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ وَلَوْ ظَهَرَ فِيهَا طَرِيقٌ أَوْ مَسِيلُ مَاءٍ لِدَارٍ أُخْرَى لِلْبَائِعِ فَلَا طَرِيقَ لَهُ فِي الْمَبِيعَةِ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَنْ النَّوَازِلِ: لَهُ دَارَيْنِ مَسِيلُ الْأُولَى عَلَى سَطْحِ الثَّانِيَةِ فَبَاعَ الثَّانِيَةَ بِكُلِّ حَقٍّ لَهَا ثُمَّ بَاعَ الْأُولَى مِنْ آخَرَ فَلِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ مَنْعُ الثَّانِي مِنْ التَّسْيِيلِ عَلَى سَطْحِهِ إلَّا إذَا اسْتَثْنَى الْبَائِعُ الْمَسِيلَ وَقْتَ الْبَيْعِ اهـ مُلَخَّصًا قَالَ: وَمَا وَقَعَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ عَنْ النَّوَازِلِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَوَّلِ مَنْعُ الثَّانِي سَبْقُ قَلَمٍ لِأَنَّ الَّذِي فِي النَّوَازِلِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَمِثْلُهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَبِهِ عُلِمَ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى لَهُ كَرْمَانِ طَرِيقُ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي فَبَاعَ لِبِنْتِهِ الثَّانِيَ عَلَى أَنَّ لَهُ الْمُرُورَ فِيهِ كَمَا كَانَ فَبَاعَتْهُ لِأَجْنَبِيٍّ لَيْسَ لِلْأَجْنَبِيِّ مَنْعُ الْأَبِ. [تَتِمَّةٌ] جَرَى الْعُرْفُ فِي بِلَادِ الشَّامِ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الدَّارِ مَيَازِيبُ مُرَكَّبَةٌ عَلَى سَطْحِهَا أَوْ بِرْكَةُ مَاءٍ فِي صَحْنِهَا أَوْ نَهْرُ كَنِيفٍ تَحْتَ أَرْضِهَا وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمَالِحِ دُخُولُ حَقِّ التَّسْيِيلِ فِي الْمَيَازِيبِ، وَفِي النَّهْرِ الْمَذْكُورِ، وَدُخُولُ شِرْبِ الْبِرْكَةِ الْجَارِي إلَيْهَا وَقْتَ الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى ذَلِكَ، وَلَا سِيَّمَا مَاءُ الْبِرْكَةِ فَإِنَّهُ مَقْصُودٌ بِالشِّرَاءِ حَتَّى إنَّ الدَّارَ بِدُونِهِ يَنْقُصُ ثَمَنُهَا نَقْصًا كَثِيرًا وَقَدْ مَرَّ آنِفًا عَنْ الْكَافِي أَنَّ الْأَحْكَامَ تُبْنَى عَلَى الْعُرْفِ وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ إقْلِيمٍ وَعَصْرٍ عُرْفُ أَهْلِهِ، وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي فَصْلِ مَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ، وَأَيَّدْنَاهُ بِمَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الدَّارِ مُتَّصِلًا بِهَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا تَبَعًا بِلَا ذِكْرٍ، وَمَا لَا فَلَا يَدْخُلُ بِلَا ذِكْرٍ إلَى مَا جَرَى الْعُرْفُ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَمْنَعُهُ عَنْ الْمُشْتَرِي، فَيَدْخُلُ الْمِفْتَاحُ اسْتِحْسَانًا لِلْعُرْفِ بِعَدَمِ مَنْعِهِ، بِخِلَافِ الْقُفْلِ وَمِفْتَاحِهِ وَالسُّلَّمِ مِنْ خَشَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا بِالْبِنَاءِ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ السُّلَّمَ الْغَيْرَ الْمُتَّصِلِ يَدْخُلُ فِي عُرْفِ مِصْرَ الْقَاهِرَةِ لِأَنَّ بُيُوتَهُمْ طَبَقَاتٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا بِدُونِهِ، وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي رِسَالَتِنَا " نَشْرُ الْعَرْفِ " وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَالشِّرْبُ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ الْحَظُّ مِنْ الْمَاءِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 189 وَنَحْوُهُ مِمَّا مَرَّ (بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ) لِدَارٍ وَأَرْضٍ فَتَدْخُلُ بِلَا ذِكْرٍ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ لَا غَيْرُ (وَالرَّهْنِ وَالْوَقْفِ) خُلَاصَةٌ. (وَلَوْ أَقَرَّ بِدَارٍ أَوْ صَالَحَ عَلَيْهَا أَوْ أَوْصَى بِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ حُقُوقَهَا وَمَرَافِقَهَا لَا يَدْخُلُ الطَّرِيقُ) كَالْبَيْعِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ وَإِنْ ذَكَرَ الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ إلَّا بِرِضًا صَرِيحٍ نَهْرٌ عَنْ الْفَتْحِ وَفِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ كَالْبَيْعِ إذْ لَا يُقْصَدُ بِهِ الِانْتِفَاعُ. قُلْت: هُوَ جَيِّدٌ لَوْلَا مُخَالَفَتُهُ لِلْمَنْقُولِ كَمَا مَرَّ، وَلَفْظُ الْخُلَاصَةِ وَيَدْخُلُ الطَّرِيقُ فِي الرَّهْنِ وَالصَّدَقَةِ الْمَوْقُوفَةِ كَالْإِجَارَةِ وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ. نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ كَالْبَيْعِ وَالْوَجْهُ فِيهَا لَا يَخْفَى اهـ. بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ طَلَبُ الْحَقِّ (الِاسْتِحْقَاقُ نَوْعَانِ) أَحَدُهُمَا (مُبْطِلٌ لِلْمِلْكِ)   [رد المحتار] وَفِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ بَاعَ أَرْضًا بِشِرْبِهَا فَلِلْمُشْتَرِي قَدْرُ مَا يَكْفِيهَا وَلَيْسَ لَهُ جَمِيعُ مَا كَانَ لِلْبَائِعِ اهـ عَزْمِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ مِمَّا مَرَّ) أَيْ مِنْ ذِكْرِ الْمَرَافِقِ أَوْ كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ مِنْهُ ط (قَوْلُهُ فَتَدْخُلُ بِلَا ذِكْرٍ) أَيْ يَدْخُلُ الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ وَالشِّرْبُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ بِعَيْنِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَالْبَيْعُ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ فِي الْأَصْلِ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لَا خُصُوصُ الِانْتِفَاعِ بَلْ هُوَ أَوْ لِيَتَّجِرَ فِيهَا أَوْ يَأْخُذَ نَقْضَهَا نَهْرٌ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ الطَّرِيقَ مِنْ صَاحِبِ الْعَيْنِ لَا يَجُوزُ يَعْنِي لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ بِدُونِ الْعَيْنِ فَتَعَيَّنَ الدُّخُولُ فِيهَا، وَلَا يَدْخُلُ مَسِيلُ مَاءِ الْمِيزَابِ إذَا كَانَ فِي مِلْكٍ خَاصٍّ وَلَا مَسْقَطُ الثَّلْجِ فِيهِ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْعَيْنِيِّ وَفِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ أَنَّ هَذَا تَقْيِيدٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَأَفَادَ أَنَّ دُخُولَ الْمَسِيلِ فِي الْإِجَارَةِ بِلَا ذِكْرِ الْحُقُوقِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكٍ خَاصٍّ. (قَوْلُهُ كَالْبَيْعِ) أَفَادَ بِهِ أَنَّ الشِّرْبَ وَالْمَسِيلَ فِي حُكْمِ الطَّرِيقِ ط (قَوْلُهُ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا فِي الْفَتْحِ: أَنَّهُمَا إذَا اقْتَسَمَا وَلِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخِرِ مَسِيلُ أَوْ طَرِيقٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْحُقُوقَ لَا تَدْخُلُ، لَكِنْ إنْ أَمْكَنَ لَهُ إحْدَاثُهَا فِي نَصِيبِهِ فَالْقِسْمَةُ صَحِيحَةٌ وَإِلَّا فَلَا، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ، لِأَنَّ الْآجِرَ إنَّمَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ إذَا تَمَكَّنَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ، فَفِي إدْخَالِ الشِّرْبِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهَا، وَإِنْ ذَكَرَ الْحُقُوقَ فِي الْقِسْمَةِ دَخَلَتْ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إحْدَاثُهَا لَا إنْ أَمْكَنَ إلَّا بِرِضًا صَرِيحٍ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِسْمَةِ تَمْيِيزُ الْمِلْكِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا لِيَنْتَفِعَ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْحُقُوقَ تَدْخُلُ بِذِكْرِهَا وَإِنْ أَمْكَنَ إحْدَاثُهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إيجَادُ الْمِلْكِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْوَهْبَانِيَّةِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ فَتْحُ بَابٍ، وَقَدْ عَلِمَ ذَلِكَ وَقْتَ الْقِسْمَةِ صَحَّتْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَسَدَتْ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ عَيْبٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِذَلِكَ قَوْلُ الْفَتْحِ، وَإِلَّا فَلَا أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إحْدَاثُهَا فَلَا تَصِحُّ الْقِسْمَةُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ وَقْتَهَا لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ يَكُونُ رَاضِيًا بِالْعَيْبِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ نَهْرٌ عَنْ الْفَتْحِ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعَزْوَ إلَى النَّهْرِ آخِرَ الْعِبَارَةِ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا يَأْتِي مَذْكُورٌ فِيهِ اهـ ح (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْمَتْنِ وَعَزَاهُ الشَّارِحُ إلَى الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ) أَيْ هِبَةُ الدَّارِ (قَوْلُهُ عَلَى مَالٍ) عِبَارَةُ النَّهْرِ عَلَى دَارٍ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ فِيهَا لَا يَخْفَى) لِأَنَّهَا لِاسْتِحْدَاثِ مِلْكٍ لَمْ يَكُنْ لَا لِخُصُوصِ الِانْتِفَاعِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ] ِ ذَكَرَهُ بَعْدَ الْحُقُوقِ لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا لَفْظًا وَمَعْنًى وَلَوْلَا هَذَا لَكَانَ ذِكْرُهُ عَقِبَ الصَّرْفِ أَوْلَى نَهْرٌ (قَوْلُهُ هُوَ طَلَبُ الْحَقِّ) أَفَادَ أَنَّ السِّينَ وَالتَّاءَ لِلطَّلَبِ، لَكِنْ فِي الْمِصْبَاحِ: اسْتَحَقَّ فُلَانٌ الْأَمْرَ اسْتَوْجَبَهُ قَالَ الْفَارَابِيُّ وَجَمَاعَةٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 بِالْكُلِّيَّةِ (كَالْعِتْقِ) وَالْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ (وَنَحْوِهِ) كَتَدْبِيرٍ وَكِتَابَةٍ (وَ) ثَانِيهِمَا (نَاقِلٌ لَهُ) مِنْ شَخْصٍ إلَى آخَرَ (كَالِاسْتِحْقَاقِ بِهِ) أَيْ بِالْمِلْكِ بِأَنْ ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى بَكْرٍ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْعَبْدِ مِلْكٌ لَهُ وَبَرْهَنَ (وَالنَّاقِلُ لَا يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ) عَلَى الظَّاهِرِ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْمِلْكِ (وَالْحُكْمُ بِهِ حُكْمٌ عَلَى ذِي الْيَدِ وَعَلَى مَنْ تَلَقَّى) ذُو الْيَدِ (الْمِلْكَ مِنْهُ)   [رد المحتار] فَالْأَمْرُ مُسْتَحَقٌّ بِالْفَتْحِ اسْمُ مَفْعُولٍ، وَمِنْهُ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا اهـ فَأَشَارَ إلَى أَنَّ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيَّ مُوَافِقٌ لِلُّغَوِيِّ، وَهُوَ كَوْنُ الْمُرَادِ بِالِاسْتِحْقَاقِ ظُهُورُ كَوْنِ الشَّيْءِ حَقًّا وَاجِبًا لِلْغَيْرِ (قَوْلُهُ بِالْكُلِّيَّةِ) أَيْ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حَقُّ التَّمْلِيكِ مِنَحٌ وَدُرَرٌ، وَالْمُرَادُ بِالْأَحَدِ أَحَدُ الْبَاعَةِ مَثَلًا لَا الْمُدَّعِي فَإِنَّ لَهُ حَقَّ التَّمَلُّكِ فِي الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَالِاسْتِحْقَاقُ فِيهِمَا مِنْ الْمُبْطِلِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ ط (قَوْلُهُ وَالنَّاقِلُ لَا يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ) بَلْ يُوجِبُ تَوَقُّفَهُ عَلَى إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَتَبِعَهُ الْجَمَاعَةُ. وَاعْتَرَضَهُ شَارِحٌ بِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ فُضُولِيٍّ، وَفِيهِ إذَا وُجِدَ عَدَمُ الرِّضَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، وَإِثْبَاتُ الِاسْتِحْقَاقِ دَلِيلُ عَدَمِ الرِّضَا، وَالْمَفْسُوخُ لَا تَلْحَقُهُ إجَازَةٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَا فِي النِّهَايَةِ هُوَ الْمَنْصُورُ وَقَوْلُهُ إثْبَاتُ الِاسْتِحْقَاقِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الرِّضَا أَيْ بِالْبَيْعِ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ دَلِيلُ عَدَمِ الرِّضَا بِأَنْ يَذْهَبَ مِنْ يَدِهِ مَجَّانًا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِحْقَاقَ وَيُثْبِتْهُ اسْتَمَرَّ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ عَيْنُهُ وَلَا بُدَّ لَهُ فَإِثْبَاتُهُ لِيَحْصُلَ أَحَدُهُمَا إمَّا الْعَيْنُ أَوْ الْبَدَلُ بِأَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ الْبَيْعَ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الْبَيْعِ مَتَى يَنْفَسِخُ؟ فَقِيلَ إذَا قَبَضَ الْمُسْتَحِقُّ وَقِيلَ بِنَفْسِ الْقَضَاءِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ مَا لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، حَتَّى لَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ بَعْدَ مَا قُضِيَ لَهُ أَوْ بَعْدَمَا قَبَضَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ يَصِحُّ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْقَضَاءَ لِلْمُسْتَحِقِّ لَا يَكُونُ فَسْخًا لَلْبَيَّاعَات مَا لَمْ يَرْجِعْ كُلٌّ عَلَى بَائِعِهِ بِالْقَضَاءِ، وَفِي الزِّيَادَاتِ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ مَا لَمْ يَأْخُذْ الْعَيْنَ، بِحُكْمِ الْقَضَاءِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَنْفَسِخُ مَا لَمْ يُفْسَخْ وَهُوَ الْأَصْلُ اهـ وَمَعْنَى هَذَا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى الْفَسْخِ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهَا أَيْضًا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ بِلَا قَضَاءٍ أَوْ رِضَا الْبَائِعِ لِأَنَّ احْتِمَالَ إقَامَةِ الْبَائِعِ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ ثَابِتٌ إلَّا إذَا قَضَى الْقَاضِي فَيَلْزَمُ فَيُفْسَخُ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِيمَا يَنْفَسِخُ بِهِ الْعُقُودُ، وَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا لَمْ يُقْضَ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ بِالِاسْتِحْقَاقِ، بَلْ يَبْقَى الْعَقْدُ مَوْقُوفًا بَعْدَهُ عَلَى إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ، أَوْ فَسْخِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِذَا فَسَخَهُ صَرِيحًا فَلَا شَكَّ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ، لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْفَسْخِ، وَكَذَا لَوْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْبَائِعِ بِدَفْعِ الثَّمَنِ، فَحَكَمَ لَهُ بِذَلِكَ أَوْ تَرَاضَيَا عَلَى الْفَسْخِ، فَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ حَصْرَ الْفَسْخِ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ، بَلْ أَيُّهَا وُجِدَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِالِاسْتِحْقَاقِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَقَامِ. بَقِيَ شَيْءٌ: وَهُوَ أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْمُشْتَرِي بِلَا إلْزَامِ الْقَاضِي إيَّاهُ وَهَذَا مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْحَامِدِيَّةِ وَنُورِ الْعَيْنِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْمِلْكِ) أَيْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ أَظْهَرَ تَوَقُّفَ الْعَقْدِ عَلَى إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ فَسْخِهِ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ حُكْمٌ عَلَى ذِي الْيَدِ) حَتَّى يُؤْخَذَ الْمُدَّعَى مِنْ يَدِهِ دُرَرٌ، وَهَذَا إذَا كَانَ خَصْمًا فَلَا يُحْكَمُ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ وَعَلَى مَنْ تَلَقَّى ذُو الْيَدِ الْمِلْكَ مِنْهُ) هَذَا مَشْرُوطٌ بِمَا إذَا ادَّعَى ذُو الْيَدِ الشِّرَاءَ مِنْهُ. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي فِي جَوَابِ دَعْوَى الْمِلْكِ هَذَا مِلْكِي لِأَنِّي شَرَيْته مِنْ فُلَانٍ صَارَ الْبَائِعُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ: أَمَّا إنْ قَالَ فِي الْجَوَابِ مِلْكِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ لَا يَصِيرُ الْبَائِعُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ وَالْإِرْثُ كَالشِّرَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 191 وَلَوْ مُوَرِّثَهُ فَيَتَعَدَّى إلَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ أَشْبَاهٌ (فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ مِنْهُمْ) لِلْحُكْمِ عَلَيْهِمْ (بَلْ دَعْوَى النِّتَاجِ وَلَا يَرْجِعُ) أَحَدٌ مِنْ الْمُشْتَرِينَ (عَلَى بَائِعِهِ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ   [رد المحتار] وَصُورَتُهُ: دَارٌ بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي أَنَّهَا لَهُ فَجَاءَ آخَرُ وَادَّعَى أَنَّهَا لَهُ وَقُضِيَ لَهُ بِهَا فَجَاءَ أَخُو الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ، وَادَّعَى أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ تَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ وَلِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ يُقْضَى لِلْأَخِ الْمُدَّعِي بِنِصْفِهَا لِأَنَّ ذَاكَ لَمْ يَقُلْ مِلْكِي لِأَنِّي وَرِثْتهَا مِنْ أَبِي لِيَصِيرَ الْأَخُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْأَخُ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ بَعْدَ إنْكَارِهِ وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَوْ أَقَرَّ بِالْإِرْثِ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْأَخِ اهـ قَالَ: وَذَكَرَ قَبْلَهُ إذَا صَارَ الْمُوَرِّثُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فِي مَحْدُودٍ فَمَاتَ فَادَّعَى وَارِثُهُ ذَلِكَ الْمَحْدُودَ إنْ ادَّعَى الْإِرْثَ مِنْ هَذَا الْمُوَرِّثِ لَا تُسْمَعُ، وَإِنْ ادَّعَى مُطْلَقًا تُسْمَعُ وَإِنْ كَانَ الْمُوَرِّثُ مُدَّعِيًا وَقُضِيَ لَهُ ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِهِ ادَّعَى وَارِثُ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ عَلَى وَارِثِ الْمَقْضِيِّ لَهُ هَذَا الْمَحْدُودَ مُطْلَقًا لَا تُسْمَعُ اهـ. [فَرْعٌ] فِي الْبَزَّازِيَّةِ: مُسْلِمٌ بَاعَ عَبْدًا مِنْ نَصْرَانِيٍّ فَاسْتَحَقَّهُ نَصْرَانِيٌّ بِشَهَادَةِ نَصْرَانِيَّيْنِ لَا يُقْضَى لَهُ، لِأَنَّهُ لَوْ قُضِيَ لَهُ لَرَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُسْلِمِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُوَرِّثَهُ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى مَنْ فِي قَوْلِهِ وَعَلَى مَنْ تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْهُ: أَيْ لَوْ اشْتَرَاهُ ذُو الْيَدِ مِنْ مُوَرِّثِهِ، فَالْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ حُكْمٌ عَلَى الْمُوَرِّثِ، فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ بِالْإِرْثِ (قَوْلُهُ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ مِنْهُمْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالْحُكْمُ بِهِ حُكْمٌ عَلَى ذِي الْيَدِ إلَخْ دُرَرٌ. وَأَتَى بِضَمِيرِ الْجَمْعِ إشَارَةً إلَى شُمُولِ مَا لَوْ تَعَدَّدَ الْبَيْعُ مِنْ وَاحِدٍ إلَى آخَرَ وَهَكَذَا، وَلِذَا قَالَ فِي الدُّرَرِ بِلَا وَاسِطَةٍ أَوْ وَسَائِطَ وَفَرَّعَ فِي الْغُرَرِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا تُعَادُ الْبَيِّنَةُ لِلرُّجُوعِ قَالَ فِي شَرْحِهِ يَعْنِي إذَا كَانَ الْحُكْمُ لِلْمُسْتَحِقِّ حُكْمًا عَلَى الْبَاعَةِ فَإِذَا أَرَادَ وَاحِدٌ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ (قَوْلُهُ بَلْ دَعْوَى النِّتَاجِ) عِبَارَةُ الْغُرَرِ: بَلْ دَعْوَى النِّتَاجِ أَوْ تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ. قَالَ فِي شَرْحِهِ الدُّرَرَ: بِأَنْ يَقُولَ بَائِعٌ مِنْ الْبَاعَةِ حِينَ رُجِعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ أَنَا لَا أُعْطِي الثَّمَنَ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ كَاذِبٌ لِأَنَّ الْمَبِيعَ نَتَجَ فِي مِلْكِي أَوْ مِلْكِ بَائِعِي بِلَا وَاسِطَةٍ، أَوْ بِهَا فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَيَبْطُلُ الْحُكْمُ إنْ أَثْبَتَ، أَوْ يَقُولَ: أَنَا لَا أُعْطِي الثَّمَنَ لِأَنِّي اشْتَرَيْته مِنْ الْمُسْتَحِقِّ فَتُسْمَعُ أَيْضًا اهـ. وَأَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِإِثْبَاتِ النِّتَاجِ حُضُورُ الْمُسْتَحِقِّ، كَمَا أَجَابَ بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ وَقَالَ: إنَّهُ مُقْتَضَى مَا أَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ فِي بَابِ الْإِقَالَةِ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ، مِنْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَظْهَرُ وَأَشْبَهُ، لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إنَّ الِاشْتِرَاطَ هُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْبَهُ. قُلْت: وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْإِسْلَامِ يُقْبَلُ بِلَا حَضْرَتِهِ، لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ أَمْرٌ يَخُصُّ الْمُشْتَرِيَ فَاكْتُفِيَ بِحُضُورِهِ، وَاخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمَنْظُومَةِ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَالْأَشْبَهُ عَدَمُ الْقَبُولِ بِلَا حُضُورِ الْمُسْتَحِقِّ اهـ لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ قِيلَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ يُشْتَرَطُ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ لَا يُشْتَرَطُ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ وَأَظْهَرُ اهـ. وَهَكَذَا عَزَاهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ إلَى الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ وَمِثْلُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَنُورِ الْعَيْنِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْعَكْسِ سَبْقُ قَلَمٍ، حَرَّرْنَاهُ فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ. وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِرَاطِ حَضْرَةِ الْمَبِيعِ وَأَفْتَى ظَهِيرُ الدِّينِ بَعْدَهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ) فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوْسَطِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي الْأَخِيرُ دُرَرٌ. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إلْزَامُ الْقَاضِي الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ، بَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ بِدُونِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا عَلِمْت، ثُمَّ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ الرُّجُوعُ إذَا لَمْ يُبْرِئْهُ الْبَائِعُ عَنْ الثَّمَنِ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ، فَلَوْ أَبْرَأَهُ الْبَائِعُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ مِنْ يَدِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، لِأَنَّهُ لَا ثَمَنَ لَهُ عَلَى بَائِعِهِ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْبَاعَةِ لَا يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، ذَخِيرَةٌ، أَيْ لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ عَلَى الَّذِي أَبْرَأَ مُشْتَرِيَهُ، جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 192 وَلَا عَلَى الْكَفِيلِ مَا لَمْ يُقْضَ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ) لِئَلَّا يَجْتَمِعَ ثَمَنَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ بَدَلَ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ، وَلَوْ صَالَحَ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ أَوْ أَبْرَأَ عَنْ ثَمَنِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ لَهُ بِرُجُوعٍ عَلَيْهِ فَلِبَائِعِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ أَيْضًا لِزَوَالِ الْبَدَلِ عَنْ مِلْكِهِ وَلَوْ حُكِمَ لِلْمُسْتَحِقِّ فَصَالَحَ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَرْجِعْ لِأَنَّهُ بِالصُّلْحِ أَبْطَلَ حَقَّ الرُّجُوعِ وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. (وَالْمُبْطِلُ يُوجِبُهُ) أَيْ   [رد المحتار] ثُمَّ نُقِلَ فِيهِ أَنَّ فِي رُجُوعِ بَقِيَّةِ الْبَاعَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ خِلَافًا، بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَمَّا لَوْ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بَعْدَ الْحُكْمِ لَهُ بِالرُّجُوعِ فَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ (قَوْلُهُ وَلَا عَلَى الْكَفِيلِ) أَيْ الضَّامِنِ بِالدَّرَكِ دُرَرٌ أَيْ ضَامِنِ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُقْضَ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمَكْفُولَ عَنْهُ، وَهُوَ الْبَائِعُ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَخِيرِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ بِالِاسْتِحْقَاقِ حُكْمٌ عَلَى ذِي الْيَدِ وَعَلَى مَنْ تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْهُ، وَقِيلَ الْقَضَاءُ لَا مُطَالَبَةَ لِأَحَدٍ. قُلْت: هَذَا اشْتِبَاهٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ هُنَا الْقَضَاءُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ بِالثَّمَنِ وَالْقَضَاءُ السَّابِقُ قَضَاءٌ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَالْمَسْأَلَةُ سَتَأْتِي مَتْنًا فِي الْكَفَالَةِ قُبَيْلَ بَابِ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ وَنَصُّهَا: وَلَا يُؤْخَذُ ضَامِنُ الدَّرَكِ إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ اهـ وَهِيَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَغَيْرِهِمَا، وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ هُنَاكَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، مَا لَمْ يُقْضَ لَهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْأَصْلِ رَدُّ الثَّمَنِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ اهـ فَافْهَمْ: لَكِنْ عَلِمْت مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ الْعَقْدَ يُنْتَقَضُ بِفَسْخِ الْعَاقِدَيْنِ، وَبِالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ بِدُونِ قَضَاءٍ، وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ قَصْرَ الْفَسْخِ عَلَى وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ وَإِذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِوَاحِدٍ مِنْهَا وَجَبَ عَلَى الْأَصِيلِ، وَهُوَ الْبَائِعُ رَدُّ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ أَيْضًا وَلَوْ بِدُونِ قَضَاءٍ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ الْمَارِّ آنِفًا (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ ثَمَنَانِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَلَا يَرْجِعُ إلَخْ كَمَا أَفَادَهُ فِي الدُّرَرِ قَالَ ط: وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَظْهَرُ فِي غَيْرِ الْمُشْتَرِي الْأَخِيرِ وَالْبَائِعِ الْأَوَّلِ فَيَظْهَرُ فِي الْبَاعَةِ الْمُتَوَسِّطِينَ، فَإِنَّ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمْ ثَمَنًا فَلَوْ رَجَعَ بِالثَّمَنِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ اجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ ثَمَنَانِ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّ بَدَلَ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ) أَيْ ثَمَنُهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْبَدَلِ، لِيَشْمَلَ مَا لَوْ كَانَ قِيَمِيًّا وَهَذَا بَيَانٌ لِوَجْهِ اجْتِمَاعِ الثَّمَنَيْنِ فِي رُجُوعِ أَحَدِهِمْ قَبْلَ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ صَالَحَ بِشَيْءٍ إلَخْ) عِبَارَةُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الْمُشْتَرِي لَوْ رَجَعَ عَلَى بَائِعِهِ وَصَالَحَ الْبَائِعَ عَلَى شَيْءٍ قَلِيلٍ، فَلِبَائِعِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ بِثَمَنِهِ، وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ الْمُشْتَرِي عَنْ ثَمَنِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ لَهُ بِرُجُوعٍ عَلَيْهِ، فَلِبَائِعِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ أَيْضًا إذْ الْمَانِعُ اجْتِمَاعُ الْبَدَلِ، وَالْمُبْدَلِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يُوجَدْ لِزَوَالِ الْمُبْدَلِ عَنْ مِلْكِهِ وَلَوْ حُكِمَ لَلْمُسْتَحِقِّ، وَصَالَحَ الْمُشْتَرِيَ لِيَأْخُذَ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ، وَيَدْفَعَ الْمَبِيعَ إلَى الْمُسْتَحِقِّ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ بِثَمَنِهِ لِأَنَّهُ بِالصُّلْحِ أَبْطَلَ حَقَّ الرُّجُوعِ اهـ. قُلْت: وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْإِبْرَاءِ إنَّمَا هُوَ فِي إبْرَاءِ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ، وَأَمَّا لَوْ أَبْرَأَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ عَنْ الثَّمَنِ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ، فَقَدَّمْنَا آنِفًا أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ ثُمَّ قَالَ فِي الْفُصُولَيْنِ: فَلَوْ أَثْبَتَهُ أَيْ الِاسْتِحْقَاقَ وَحُكِمَ لَهُ فَدَفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا وَأَمْسَكَ الْمَبِيعَ يَصِيرُ هَذَا شِرَاءً لِلْمَبِيعِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ اهـ. (قَوْلُهُ فَصَالَحَ الْمُشْتَرِيَ) أَيْ دَفَعَ الْمُسْتَحِقُّ إلَى الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ صُلْحًا عَنْ دَعْوَى الْمُشْتَرِي نِتَاجًا عِنْدَ بَائِعِهِ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَبْطُلُ الِاسْتِحْقَاقُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، لِأَنَّ صُلْحَهُ مَعَ الْمُسْتَحِقِّ عَلَى بَعْضِ الثَّمَنِ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا دَفَعَ الْمُشْتَرِي إلَى الْمُسْتَحِقِّ شَيْئًا وَأَمْسَكَ الْمَبِيعَ، لِأَنَّهُ صَارَ مُشْتَرِيًا وَمِنْ الْمُسْتَحِقِّ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ رُجُوعِهِ، كَمَا عَلِمْت وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الْآتِيَةُ عَنْ نَظْمِ الْمُحِبِّيَّةِ وَلَا يَخْفَى ظُهُورُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأُولَى كَمَا أَفَادَهُ ط فَافْهَمْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 193 يُوجِبُ فَسْخَ الْعُقُودِ (اتِّفَاقًا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَاعَةِ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ وَإِنْ لَمْ يُرْجَعْ عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ) هُوَ أَيْضًا كَذَلِكَ (عَلَى الْكَفِيلِ وَلَوْ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ) لِعَدَمِ اجْتِمَاعِ الثَّمَنَيْنِ إذْ بَدَلُ الْحُرِّ لَا يُمْلَكُ (وَالْحُكْمُ بِالْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ حُكْمٌ عَلَى الْكَافَّةِ) مِنْ النَّاسِ سَوَاءٌ كَانَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِقَوْلِهِ أَنَا حُرٌّ إذَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ إقْرَارٌ بِالرِّقِّ أَشْبَاهٌ (فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ مِنْ أَحَدٍ وَكَذَا الْعِتْقُ وَفُرُوعُهُ) بِمَنْزِلَةِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ (وَأَمَّا) الْحُكْمُ بِالْعِتْقِ (فِي الْمِلْكِ الْمُؤَرَّخِ فَ) عَلَى الْكَافَّةِ (مِنْ) وَقْتِ (التَّارِيخِ) وَ (لَا) يَكُونُ قَضَاءً (قَبْلَهُ) كَمَا بَسَطَهُ مُنْلَا خُسْرو وَيَعْقُوبُ بَاشَا فَاحْفَظْهُ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْكُتُبِ عَنْهُ خَالِيَةٌ. (وَ) اخْتَلَفُوا فِي (الْقَضَاءِ بِالْوَقْفِ قِيلَ كَالْحُرِّيَّةِ وَقِيلَ لَا) فَتُسْمَعُ فِيهِ دَعْوَى مِلْكٍ آخَرَ أَوْ وَقْفٍ آخَرَ (وَهُوَ الْمُخْتَارُ) وَصَحَّحَهُ الْعِمَادِيُّ وَفِي الْأَشْبَاهِ الْقَضَاءُ يَتَعَدَّى فِي أَرْبَعٍ: حُرِّيَّةٍ. وَنَسَبٍ وَنِكَاحٍ، وَوَلَاءٍ. وَفِي الْوَقْفِ يُقْتَصَرُ عَلَى الْأَصَحِّ.   [رد المحتار] قَوْلُهُ يُوجِبُ فَسْخَ الْعُقُودِ) أَيْ الْجَارِيَةِ بَيْنَ الْبَاعَةِ بِلَا حَاجَةٍ فِي انْفِسَاخِ كُلٍّ مِنْهَا إلَى حُكْمِ الْقَاضِي دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ إلَخْ) فَلَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا لِفُلَانٍ فَأَعْتَقَهُ، أَوْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ دَبَّرَهُ، فَقُضِيَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ قَبْلَ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ هِنْدِيَّةٌ عَنْ الْحَاوِي (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُرْجَعْ عَلَيْهِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ هُوَ أَيْضًا) أَيْ يَرْجِعُ مَنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْكَفِيلِ بِالدَّرَكِ أَيْضًا: أَيْ كَمَا لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ، وَقَوْلُهُ: كَذَلِكَ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ أَيْ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ بِالثَّمَنِ. (قَوْلُهُ وَالْحُكْمُ بِالْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ إلَخْ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي مَوْقِعِ التَّعْلِيلِ لِمَا قَبْلَهَا، وَاحْتُرِزَ بِالْأَصْلِيَّةِ عَنْ الْعَارِضَةِ بِعِتْقٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهَا تَأْتِي (قَوْلُهُ أَوْ بِقَوْلِهِ أَنَا حُرٌّ) صُورَتُهُ ادَّعَى أَنَّهُ عَبْدُهُ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَنَا حُرُّ الْأَصْلِ وَلَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ إقْرَارٌ بِالرِّقِّ، وَعَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ الْبَيِّنَةِ حَكَمَ الْقَاضِي بِالْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَكَانَ حُكْمُهُ بِهَا حُكْمًا عَلَى الْعَامَّةِ اهـ ح (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ إقْرَارٌ بِالرِّقِّ) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا كَسُكُوتِهِ عِنْدَ الْبَيْعِ مَعَ انْقِيَادِهِ، كَمَا سَيَأْتِي وَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ الْحُرِّيَّةَ بَعْدَ اعْتِرَافِهِ بِالرِّقِّ إذَا بَرْهَنَ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَكَذَا الْعِتْقُ وَفُرُوعُهُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَالْحُكْمُ بِالْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ: أَيْ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ عَبْدَ فُلَانٍ فَأَعْتَقَهُ، أَوْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ عَبْدُهُ دَبَّرَهُ أَوْ أَنَّهَا أَمَتُهُ اسْتَوْلَدَهَا، وَحُكِمَ بِذَلِكَ فَهُوَ حُكْمٌ عَلَى الْكَافَّةِ، فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى أَحَدٍ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَنَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ هَذَا بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِ الْمُعْتِقِ وَإِلَّا فَقَدْ يُعْتِقُ الْإِنْسَانُ مَا لَا يَمْلِكُهُ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْحُكْمُ بِالْعِتْقِ فِي الْمِلْكِ الْمُؤَرَّخِ إلَخْ) يَعْنِي إذَا قَالَ زَيْدٌ لِبَكْرٍ: إنَّك عَبْدِي مَلَكْتُك مُنْذُ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ، فَقَالَ بَكْرٌ: إنِّي كُنْت عَبْدَ بِشْرٍ مَلَكَنِي مُنْذُ سِتَّةِ أَعْوَامٍ، فَأَعْتَقَنِي وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ انْدَفَعَ دَعْوَى زَيْدٍ، ثُمَّ إذَا قَالَ عَمْرٌو لِبَكْرٍ: إنَّك عَبْدٌ مَلَكْتُك مُنْذُ سَبْعَةِ أَعْوَامٍ وَأَنْتَ مِلْكِي الْآنَ فَبَرْهَنَ عَلَيْهِ تُقْبَلُ، وَيُفْسَخُ الْحُكْمُ بِحُرِّيَّتِهِ، وَيُجْعَلُ مِلْكًا لِعَمْرٍو دُرَرٌ وَكَذَا الْحُكْمُ بِالْمِلْكِ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ حُكْمٌ عَلَى الْبَاعَةِ مِنْ وَقْتِ التَّارِيخِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْمَقْدِسِيَّ شَرَاهَا مُنْذُ شَهْرَيْنِ فَأَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ شَهْرٍ يُقْضَى بِهَا لَهُ، وَلَا يُقْضَى عَلَى بَائِعِهِ بَرْهَنَتْ أَمَةٌ فِي يَدِ مُشْتَرٍ أَخِيرٍ عَلَى أَنَّهَا مُعْتَقَةُ فُلَانٍ أَوْ مُدَبَّرَتُهُ أَوْ أُمُّ وَلَدِهِ رَجَعَ الْكُلُّ إلَّا مَنْ كَانَ قَبْلَ فُلَانٍ سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ قِيلَ كَالْحُرِّيَّةِ) أَفْتَى بِهِ الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحِبِّيَّةِ وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ) فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ لِابْنِ الْغَرْسِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْخَانِيَّةِ فِي بَابِ مَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَاسْتَدَلَّ لَهُ فَكَانَ مُخْتَارَهُ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ الْعِمَادِيُّ) نَقَلَ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْمُصَنِّفِ عِبَارَةَ الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ، وَلَيْسَ فِيهَا تَصْحِيحٌ أَصْلًا بَلْ مُجَرَّدُ حِكَايَةِ الْأَوَّلِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ وَالسَّعْدِيِّ، وَالثَّانِي عَنْ أَبِي اللَّيْثِ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ اهـ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْقَضَاءُ بِالْوَقْفِيَّةِ يَكُونُ عَلَى النَّاسِ كَافَّةً وَقِيلَ لَا (وَقَوْلُهُ الْقَضَاءُ يَتَعَدَّى إلَخْ) فَإِذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 194 وَيَثْبُتُ رُجُوعُ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ إذَا كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْبَيِّنَةِ) لِمَا سَيَجِيءُ أَنَّهَا حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ (أَمَّا إذَا كَانَ) الِاسْتِحْقَاقُ   [رد المحتار] قُضِيَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا لَا تُسْمَعُ دَعْوَى آخَرَ، وَأَرَادَ بِالْحُرِّيَّةِ مَا يَشْمَلُ الْعَارِضَةَ كَالْعِتْقِ، وَيَجْرِي فِي النِّكَاحِ مَا جَرَى فِي الْمِلْكِ الْمُؤَرَّخِ فَتُسْمَعُ دَعْوَى غَيْرِهِ عَلَى نِكَاحِهَا قَبْلَ التَّارِيخِ لَا بَعْدَهُ، كَمَا اسْتَنْبَطَهُ وَالِدُ مُحَشِّي مِسْكِينٍ مِنْ كَلَامِ الدُّرَرِ الْمَارِّ قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَيُزَادُ عَلَى الْأَرْبَعِ مَا فِي مَعِينِ الْحَاكِمِ لَوْ أَحْضَرَ رَجُلًا، وَادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا لِمُوَكِّلِهِ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي اسْتِيفَاءِ حُقُوقِهِ، وَالْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ قُبِلَتْ، وَيُقْضَى بِالْوَكَالَةِ وَيَكُونُ قَضَاءً عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا بِسَبَبِ الْوَكَالَةِ فَكَانَ إثْبَاتُ السَّبَبِ عَلَيْهِ إثْبَاتًا عَلَى الْكَافَّةِ، حَتَّى لَوْ أَحْضَرَ آخَرَ وَادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا لَا يُكَلَّفُ إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ اهـ. [رُجُوع الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِع] (قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ رُجُوعُ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَا بُدَّ أَنْ يَرِدَ عَلَى مَا كَانَ مِلْكَ الْبَائِعِ لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ، فَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ وَخَاطَهُ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بِالْبَيِّنَةِ لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مَا وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِلْكَهُ فِي الْأَصْلِ انْقَطَعَ بِالْقَطْعِ وَالْخِيَاطَةِ كَمَنْ غَصَبَهُ فَقَطَعَهُ وَخَاطَهُ مَلَكَهُ، فَالْأَصْلُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إذَا وَرَدَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ الْكَائِنِ مِنْ الْأَصْلِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَرَدَ عَلَيْهِ بَعْدَمَا صَارَ إلَى حَالٍ لَوْ كَانَ غَصْبًا مَلَكَهُ بِهِ لَا يَرْجِعُ، لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنُ الْكَذِبِ وَعَرَفَ أَنَّ الْمَعْنَى أَنْ يَسْتَحِقَّهُ بِاسْمِ الْقَمِيصِ، فَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ قَبْلَ هَذِهِ الصِّفَةِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً، وَطَحَنَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الدَّقِيقُ، وَلَوْ قَالَ: كَانَتْ لِي قَبْلَ الطَّحْنِ يَرْجِعُ، وَكَذَا لَوْ شَرَى لَحْمًا فَشَوَاهُ اهـ فَتْحٌ مُلَخَّصًا. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الرُّجُوعَ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الشِّرَاءُ فَاسِدًا كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَمَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِكَوْنِهِ مِلْكَ الْمُسْتَحِقِّ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، وَمَا لَوْ أَبْرَأَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ عَنْ ثَمَنِهِ، فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ لَوْ الْإِبْرَاءُ بَعْدَ الْحُكْمِ لَا قَبْلَهُ، كَمَا مَرَّ وَمَا لَوْ مَاتَ بَائِعُهُ، وَلَا وَارِثَ لَهُ فَالْقَاضِي يُنَصِّبُ عَنْهُ وَصِيًّا لِيَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ، وَمَا إذَا زَعَمَ بَائِعُهُ أَنَّهُ نَتَجَ فِي مِلْكِهِ، وَعَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهِ وَأَخَذَ مِنْهُ الثَّمَنَ، فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا حُكِمَ عَلَيْهِ الْتَحَقَ دَعْوَاهُ بِالْعَدَمِ وَكَذَا لَوْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ لِإِنْكَارِهِ الْبَيْعَ، لِأَنَّهُ لَمَّا حُكِمَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ الْتَحَقَ زَعْمُهُ بِالْعَدَمِ، وَمَا لَوْ أَلْزَمَ الْقَاضِي الْبَائِعَ بِدَفْعِ الثَّمَنِ أَوَّلًا كَمَا مَرَّ، وَمَا لَوْ أَحَالَ الْبَائِعُ رَجُلًا بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَأَدَّى إلَيْهِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ لَا عَلَى الْمُحَالِ، وَإِنْ لَمْ يَظْفَرْ بِالْبَائِعِ، وَمَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَكِيلًا، فَلِلْمُشْتَرِي مُطَالَبَتُهُ بِالثَّمَنِ مِنْ مَالِهِ، وَلَا يُنْتَظَرُ إنْ كَانَ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَهُ لِلْمُوَكِّلِ يُنْتَظَرُ أَخْذُهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ، وَمَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي قَدْ عَلِمْت أَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا بِزُورٍ وَأَنَّ الْمَبِيعَ لِي فَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ لَهُ الْمَبِيعَ، فَلَا يَحِلُّ لِلْبَائِعِ أَخْذُ الثَّمَنِ وَقَدْ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ اهـ مُلَخَّصًا كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الذَّخِيرَةِ. [تَنْبِيهٌ] إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي اسْتِحْقَاقَ الْمَبِيعِ عَلَى بَائِعِهِ لِيَرْجِعَ بِثَمَنِهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُفَسِّرَ الِاسْتِحْقَاقَ، وَيُبَيِّنَ سَبَبَهُ فَلَوْ بَيَّنَهُ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ، فَأَثْبَتَهُ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِثَمَنِهِ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْمَبِيعِ لِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ، وَقِيلَ لَا وَبِهِ أَفْتَى ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ. فَلَوْ ذَكَرَ شِيَةَ الْعَبْدِ وَصِفَتَهُ وَقَدْرَ ثَمَنِهِ كَفَى جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ، وَفِيهِ أَنَّ لِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ تَحْلِيفَ الْمُسْتَحِقِّ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ، وَلَا وَهَبَهُ وَلَا تَصَدَّقَ بِهِ وَلَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَتَمَامُهُ فِيهِ. [فَرْعٌ] اسْتَأْجَرَ حِمَارًا فَادَّعَاهُ رَجُلٌ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ أَنَّهُ مُسْتَأْجِرٌ وَاسْتَحَقَّهُ عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ الْآخَرُ عَلَى بَائِعِهِ لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِحْقَاقَ ظُلْمٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَى خَصْمٍ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْبَيِّنَةِ) فَلَوْ أَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ الْعَيْنَ مِنْ الْمُشْتَرِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 195 بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِنُكُولِهِ أَوْ بِإِقْرَارِ وَكِيلِ الْمُشْتَرِي بِالْخُصُومَةِ أَوْ بِنُكُولِهِ فَلَا) رُجُوعَ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ (وَ) الْأَصْلُ أَنَّ (الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ) تَظْهَرُ فِي حَقِّ كَافَّةِ النَّاسِ لَكِنْ لَا فِي كُلِّ شَيْءٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَالْعَيْنِيِّ بَلْ فِي عِتْقٍ وَنَحْوِهِ كَمَا مَرَّ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (لَا الْإِقْرَارَ) بَلْ هُوَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُقِرِّ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ بَقِيَ لَوْ اجْتَمَعَا فَإِنْ ثَبَتَ الْحَقُّ بِهِمَا قُضِيَ بِالْإِقْرَارِ   [رد المحتار] بِلَا حُكْمٍ فَهَلَكَ فَالْوَجْهُ فِي رُجُوعِ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ أَنَّك قَبَضْته مِنِّي بِلَا حُكْمٍ، وَكَانَ مِلْكِي وَقَدْ هَلَكَ فِي يَدِك فَأَدِّ إلَيَّ قِيمَتَهُ، فَيُبَرْهِنُ أَنَّهُ لَهُ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِثَمَنِهِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَهْلِكْ فَلِلْمُشْتَرَى مِنْهُ اسْتِرْدَادُهُ، حَتَّى يُبَرْهِنَ فَيَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ إنْ لَمْ يُقِرَّ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا بِأَنَّهُ لِلْمُسْتَحِقِّ وَفِي الْفُصُولَيْنِ أَيْضًا أَخَذَهُ بِلَا حُكْمٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي لِبَائِعِهِ أَخَذَهُ الْمُسْتَحِقُّ مِنِّي بِلَا حُكْمٍ فَأَدِّ ثَمَنَهُ إلَيَّ فَأَدَّاهُ، ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ أَنَّهُ لَهُ فِي غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي صَحَّ لِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي بِتَرَاضِيهِمَا، فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِحْقَاقُ اهـ. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِلَا حُكْمٍ عَمَّا إذَا كَانَ بِحُكْمٍ، وَلَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعَ غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي، لِعَدَمِ انْفِسَاخِ الْبَيْعِ بِالِاسْتِحْقَاقِ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي) وَلَوْ عَدَّلَ الْمُشْتَرِي شُهُودَ الْمُسْتَحِقِّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ أَسْأَلُ عَنْهُمَا فَإِنْ عُدِّلَا رَجَعَ بِالثَّمَنِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ كَإِقْرَارٍ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ بِنُكُولِهِ) كَأَنْ طَلَبَ الْمُسْتَحِقُّ تَحْلِيفَهُ عَلَى أَنَّك لَا تَعْلَمُ أَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكِي (قَوْلُهُ فَلَا رُجُوعَ) فَلَوْ بَرْهَنَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الدَّارَ مِلْكُ الْمُسْتَحِقِّ لِيَرْجِعَ بِثَمَنِهِ عَلَى بَائِعِهِ لَا يُقْبَلُ لِلتَّنَاقُضِ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَى الشِّرَاءِ، فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ مِلْكُ الْبَائِعِ، فَإِذَا ادَّعَى لِغَيْرِهِ كَانَ تَنَاقُضًا يَمْنَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ وَلِأَنَّهُ إثْبَاتُ مَا هُوَ ثَابِتٌ بِإِقْرَارِهِ فَلَغَا، أَمَّا لَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَنَّهُ لِلْمُسْتَحِقِّ يُقْبَلُ لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ، وَأَنَّهُ إثْبَاتُ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَلَهُ تَحْلِيفُ الْبَائِعِ بِاَللَّهِ مَا هُوَ لِلْمُدَّعِي، لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَزِمَهُ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. نَعَمْ: لَوْ أَقَرَّ بِهِ لِلْمُسْتَحِقِّ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّ الْأَمَةَ حُرَّةُ الْأَصْلِ وَهِيَ تَدَّعِي ذَلِكَ أَوْ أَنَّهَا مِلْكُ فُلَانٍ وَهُوَ أَعْتَقَهَا أَوْ دَبَّرَهَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ تُقْبَلُ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ، لِأَنَّ التَّنَاقُصَ فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ وَفُرُوعِهَا لَا يَضُرُّ فَتْحٌ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَظَاهِرٌ أَنَّ قَوْلَهُ وَهِيَ تَدَّعِي اتِّفَاقِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ) حَيْثُ قَالَ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تَصِيرُ حُجَّةً إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ بِنَفْسِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ، وَلِلْمُقِرِّ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ، فَيَصِيرُ عَلَيْهِ اهـ قَالَ ط: وَحَمَلَهُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمَنْهَجِ عَلَى بَعْضِ الْقَضَايَا أَوْ يُرَادُ بِالْكَافَّةِ كُلُّ مَنْ يَتَعَدَّى إلَيْهِ حُكْمُ الْقَاضِي فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ لَا كَافَّةُ النَّاسِ اهـ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ لِلِاسْتِدْرَاكِ اهـ. (قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ) مِنْ فُرُوعِهِ وَكَوَلَاءٍ وَنِكَاحٍ وَنَسَبٍ ط (قَوْلُهُ فَإِنْ ثَبَتَ الْحَقُّ بِهِمَا) الظَّاهِرُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ سَبَقَ الْحُكْمُ بِالْبَيِّنَةِ عَقِبَ الْإِنْكَارِ، ثُمَّ أَقَرَّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، لِأَنَّهُ بَعْدَ الْحُكْمِ لِلْمُسْتَحِقِّ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي، لَا يَصِحُّ الْحُكْمُ بَعْدَهُ بِالْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا بِأَنْ بَرْهَنَ ثُمَّ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي أَوْ بِالْعَكْسِ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ الْحُكْمُ قَضَاءً بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الرُّجُوعِ كَمَا هُنَا. وَإِنْ أَمْكَنَ جَعْلُهُ قَضَاءً بِالْإِقْرَارِ فَافْهَمْ، وَعَلَى هَذَا حَمَلَ فِي الْفَتْحِ مَا فِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ وَمَعَ ذَلِكَ بَرْهَنَ الْمُسْتَحِقُّ، وَأَثْبَتَ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ رَجَعَ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِالْبَيِّنَةِ لَا بِالِاسْتِحْقَاقِ، ثُمَّ ذَكَرَ رَشِيدُ الدِّينِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى لَوْ ادَّعَى عَيْنًا وَبَرْهَنَ، وَقَبْلَ أَنْ يُقْضَى لَهُ أَقَرَّ لَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اخْتَلَفُوا، فَقِيلَ: يُقْضَى بِالْإِقْرَارِ، وَقِيلَ: بِالْبَيِّنَةِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَقْرَبُ لِلصَّوَابِ اهـ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا قَبْلَهُ إلَّا أَنْ يُخَصَّ ذَلِكَ بِعَارِضِ الْحَاجَةِ إلَى الرُّجُوعِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ فَبِالْبَيِّنَةِ أَوْلَى فَتْحٌ وَنَهْرٌ (فَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ مَبِيعَةٌ وَلَدَتْ) عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا بِاسْتِيلَادِهِ (بِبَيِّنَةٍ يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا بِشَرْطِ الْقَضَاءِ بِهِ) أَيْ بِالْوَلَدِ فِي الْأَصَحِّ زَيْلَعِيٌّ وَكَلَامُ الْبَزَّازِيِّ يُفِيدُ تَقْيِيدَهُ بِمَا إذَا سَكَتَ الشُّهُودُ فَلَوْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لِذِي الْيَدِ أَوْ قَالُوا لَا نَدْرِي لَا نَقْضِي بِهِ نَهْرٌ، ثُمَّ اسْتِيلَادُهُ لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْوَلَدِ بِالْبَيِّنَةِ فَيَكُونُ وَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرًّا   [رد المحتار] فَيَتَحَصَّلُ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ بِهِمَا يُقْضَى بِالْإِقْرَارِ عَلَى مَا جَعَلَهُ الْأَظْهَرَ وَإِنْ سَبَقَتْهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، مَعَ تَمَكُّنِ الْقَاضِي مِنْ اعْتِبَارِهِ قَضَاءً بِالْبَيِّنَةِ وَعِنْدَ تَحَقُّقِ حَاجَةِ الْخَصْمِ إلَيْهِ يَنْبَغِي اعْتِبَارُهُ قَضَاءً بِهَا لِيَنْدَفِعَ الضَّرَرُ عَنْهُ بِالرُّجُوعِ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّوْفِيقَ أَنَّهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ نَقَلَ عِبَارَةَ رَشِيدِ الدِّينِ الْأُولَى مُعَلَّلَةً بِالْحَاجَةِ وَذَكَرَ فِي نُورِ الْعَيْنِ أَنَّ هَذَا أَظْهَرُ وَحَقَّقَ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ مَا هُنَا مَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا كَانَ اشْتَرَاهُ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ، وَأَقَرَّ بِهِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي وَقُضِيَ بِذَلِكَ يُجْعَلُ قَضَاءً بِالْبَيِّنَةِ لِحَاجَتِهِ إلَى الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِهِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ (قَوْلُهُ فَبِالْبَيِّنَةِ أَوْلَى) أَيْ فَاعْتِبَارُ الْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْلَى (قَوْلُهُ فَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ مَبِيعَةٌ وَلَدَتْ) يَشْمَلُ الدَّابَّةَ إذَا وَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْلَادًا كَمَا فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى (قَوْلُهُ: لَا بِاسْتِيلَادِهِ) قَيَّدَ بِهِ لِمَكَانِ قَوْلِهِ يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا، وَإِلَّا فَاسْتِيلَادُ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْوَلَدِ بِالْبَيِّنَةِ، لَكِنَّهُ لَا يَتْبَعُهَا بَلْ يَكُونُ وَلَدُ الْمُشْتَرِي حُرًّا بِالْقِيمَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا) وَكَذَا أَرْشُهَا فَتْحٌ قَالَ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْوَلَدِ بَلْ زَوَائِدُ الْمَبِيعِ كُلُّهَا عَلَى التَّفْصِيلِ اهـ أَيْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ كَوْنِ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ، وَبَيْنَ دَعْوَى الْمُقَرِّ لَهُ الزَّوَائِدُ وَعَدَمُهَا وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ الزَّوَائِدَ آخِرًا (قَوْلُهُ بِشَرْطِ الْقَضَاءِ بِهِ) لِأَنَّهُ أَصْلُ يَوْمِ الْقَضَاءِ لِانْفِصَالِهِ وَاسْتِقْلَالِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ بِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ فَتْحٌ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَإِلَيْهِ تُشِيرُ الْمَسَائِلُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالزَّوَائِدِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَدْخُلُ الزَّوَائِدُ فِي الْحُكْمِ، وَكَذَا الْوَلَدُ إذَا كَانَ فِي يَدِ غَيْرِهِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ بِالْأُمِّ تَبَعًا اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَرْشَ لَا يَدْخُلُ تَبَعًا (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) مُقَابَلَةُ مَا قِيلَ: إنَّهُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْأُمِّ يَصِيرُ مَقْضِيًّا بِهِ أَيْضًا تَبَعًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَكَلَامُ الْبَزَّازِيِّ يُفِيدُ تَقْيِيدَهُ) أَيْ تَقْيِيدَ الْقَضَاءِ بِالْوَلَدِ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَأَخَذَ ذَلِكَ فِي النَّهْرِ مِنْ قَوْلِ الْبَزَّازِيِّ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ فِي يَدِهِ جَارِيَةٌ أَنَّهَا لِهَذَا الْمُدَّعِي، ثُمَّ غَابَا أَوْ مَاتَا وَلَهَا وَلَدٌ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدَّعِي أَنَّهُ لَهُ وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ لَا يَلْتَفِتُ الْحَاكِمُ إلَى بُرْهَانِهِ، وَيَقْضِي بِالْوَلَدِ لِلْمُدَّعِي فَإِنْ حَضَرَ الشُّهُودُ وَقَالُوا الْوَلَدُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ ضَمِنَ الشُّهُودُ قِيمَةَ الْوَلَدِ كَأَنَّهُمْ رَجَعُوا فَإِنْ كَانُوا حُضُورًا وَسَأَلَهُمْ عَنْ الْوَلَدِ، فَإِنْ قَالُوا إنَّهُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ لَا نَدْرِي لِمَنْ الْوَلَدُ يَقْضِي بِالْأُمِّ لِلْمُدَّعِي دُونَ الْوَلَدِ اهـ. (قَوْلُهُ بِمَا إذَا سَكَتَ الشُّهُودُ) أَيْ عَنْ كَوْنِهِ لِذِي الْيَدِ، وَكَذَا بِالْأَوْلَى إذَا قَالُوا إنَّهُ لِلْمُسْتَحِقِّ (قَوْلُهُ ثُمَّ اسْتِيلَادُهُ) أَيْ اسْتِيلَادُ الْمُشْتَرِي. مَطْلَبٌ فِي الْوَلَدِ الْمَغْرُورِ. (قَوْلُهُ فَيَكُونُ وَلَدُ الْمَغْرُورِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَكِنْ يَكُونُ إلَخْ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَا يَمْنَعُ إلَخْ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَتْبَعُهَا كَمَا إذَا كَانَ لَا بِاسْتِيلَادِهِ، فَيُنَاسِبُهُ الِاسْتِدْرَاكُ بِأَنَّهُ يَكُونُ وَلَدَ الْمَغْرُورِ: أَيْ يَكُونُ لِذِي الْيَدِ حُرًّا لِأَنَّ وَطْأَهُ كَانَ فِي الْمِلْكِ ظَاهِرًا، وَعَلَيْهِ لِلْمُسْتَحِقِّ الْقِيمَةُ أَيْ يَوْمَ الْخُصُومَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي بَابِ دَعْوَى النَّسَبِ، قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ أَوْلَدَهَا عَلَى هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ الْأَمَةَ وَقِيمَةَ الْوَلَدِ إذَا الْمُوجِبُ لِلْغُرُورِ مِلْكَ مُطْلَقِ الِاسْتِبَاحَةِ فِي الظَّاهِرِ، وَقَدْ وُجِدَ وَيَرْجِعُ الْأَبُ عَلَى الْبَائِعِ بِثَمَنِهَا، وَبِقِيمَةِ وَلَدِهَا لَا بِالْعُقْرِ عِنْدَنَا وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَاهِبِ وَالْمُتَصَدِّقِ، وَالْمُوصِي بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عِنْدَنَا وَلَوْ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ فَأَوْلَدَهَا الثَّانِي فَاسْتُحِقَّتْ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 197 بِالْقِيمَةِ لِمُسْتَحِقِّهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ دَعْوَى النَّسَبِ. (وَإِنْ أَقَرَّ) ذُو الْيَدِ (بِهَا) لِرَجُلٍ (لَا) يَتْبَعُهَا فَيَأْخُذُهَا وَحْدَهَا وَالْفَرْقُ مَا مَرَّ مِنْ الْأَصْلِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَدَّعِهِ الْمُقَرُّ لَهُ فَلَوْ ادَّعَاهُ يَتْبَعُهَا وَكَذَا سَائِرُ الزَّوَائِدِ نَعَمْ لَا ضَمَانَ بِهَلَاكِهَا كَزَوَائِدِ الْمَغْصُوبِ وَلَمْ يُذْكَرْ النُّكُولُ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْإِقْرَارِ قُهُسْتَانِيٌّ مَعْزِيًّا لِلْعِمَادِيَّةِ (وَمَنَعَ التَّنَاقُضُ) أَيْ التَّدَافُعُ فِي الْكَلَامِ (دَعْوَى الْمِلْكِ) لِعَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ   [رد المحتار] عَلَى الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ وَبِقِيمَةِ الْوَلَدِ وَلَا يَرْجِعُ الْأَوَّلُ عَلَى بَائِعِهِ إلَّا بِالثَّمَنِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ أَيْضًا، وَنَظِيرُهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ لَوْ وَجَدَ عَيْبًا وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ لِعَيْبٍ حَدَثَ فَيَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِنَقْصِ الْعَيْبِ وَبَائِعُهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى بَائِعِهِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. مَطْلَبٌ: لَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِالْعُقْرِ وَلَا بِأَجْرِ الدَّارِ الَّتِي ظَهَرَتْ وَقْفًا [تَنْبِيهٌ] : إنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي بِالْعُقْرِ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَنْفَعَةٍ اسْتَوْفَاهَا لِنَفْسِهِ، وَجَزَاءٌ عَلَى فِعْلِهِ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ نَقَصَتْ الْأَرْضُ الْمُسْتَحَقَّةُ بِالزِّرَاعَةِ، وَضَمِنَ نُقْصَانَهَا لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى بَائِعِهِ وَبِهِ ظَهَرَ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى: فِيمَنْ اشْتَرَى دَارًا فَظَهَرَتْ وَقْفًا وَضَمَّنَهُ نَاظِرُ الْوَقْفِ أُجْرَتَهَا فَأَجَبْت: بِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِالْأُجْرَةِ عَلَى الْبَائِعِ خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ عُلَمَاءِ مِصْرَ الْقَاهِرَةِ فِي زَمَانِنَا مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِمْ: الْغُرُورُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ يُوجِبُ الرُّجُوعَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ وَبِمَا لَيْسَ جَزَاءً لِفِعْلِهِ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ بِالْقِيمَةِ لِمُسْتَحِقِّهِ) أَيْ مَضْمُونًا بِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ وَالْمُرَادُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ دَعْوَى النَّسَبِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) صَوَابُهُ كَمَا يَأْتِي. [مَطْلَبٌ فِي مَسَائِلِ التَّنَاقُضِ] (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ مَا مَرَّ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ فَإِنَّهَا كَاسْمِهَا مُبَيِّنَةٍ فَيَظْهَرُ بِهَا مِلْكُهُ مِنْ الْأَصْلِ وَالْوَلَدُ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا، فَيَكُونُ لَهُ أَمَّا الْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي الْمُخْبَرِ بِهِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْإِخْبَارِ، وَقَدْ حَصَلَتْ بِإِثْبَاتِهِ بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ لَهُ (قَوْلُهُ يَتْبَعُهَا) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَهُ زَيْلَعِيٌّ عَنْ النِّهَايَةِ، وَمُقْتَضَى الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَكَذَا) أَيْ كَالْوَلَدِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ نَعَمْ لَا ضَمَانَ بِهَلَاكِهَا) أَيْ هَلَاكِ الزَّوَائِدِ وَمِنْهُ مَوْتُ الْوَلَدِ وَاحْتُرِزَ عَنْ اسْتِهْلَاكِهَا فَتُضْمَنُ بِهِ (قَوْلُهُ وَمَنَعَ التَّنَاقُضُ دَعْوَى الْمِلْكِ) هَذَا إذَا كَانَ الْكَلَامُ الْأَوَّلُ قَدْ أَثْبَتَ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ حَقًّا، وَإِلَّا لَمْ يَمْنَعْ كَقَوْلِهِ: لَا حَقَّ لِي عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ ثُمَّ ادَّعَى شَيْئًا عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ تَصِحُّ دَعْوَاهُ كَمَا فِي الْمُؤَيِّدِيَّةِ عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ اهـ وَكَذَا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْكَلَامَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي. وَاكْتَفَى بَعْضُهُمْ فِي تَحَقُّقِهِ كَوْنَ الثَّانِي: عِنْدَ الْقَاضِي وَاخْتَارَ فِي النَّهْرِ الْأَوَّلَ، لِأَنَّ مِنْ شَرَائِطِ الدَّعْوَى كَوْنُهَا لَدَيْهِ وَاخْتَارَ فِي الْبَحْرِ مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ الثَّانِي قَالَ فِي الْمِنَحِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِهِ التَّنَاقُضُ اهـ وَقَالَ الْمَقْدِسِيَّ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا، لِأَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْقَاضِي، لِيَتَرَتَّبَ عَلَى مَا عِنْدَهُ حُصُولُ التَّنَاقُضِ وَالثَّابِتُ بِالْبَيَانِ كَالثَّابِتِ بِالْعِيَانِ، فَكَأَنَّهُمَا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَاَلَّذِي شُرِطَ كَوْنُهُمَا فِي مَجْلِسِهِ يَعُمُّ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ فِي السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ اهـ. قُلْت: وَيَشْهَدُ لَهُ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ فِي دَعْوَى الدَّفْعِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَطْلَبٌ فِي مَسَائِلِ التَّنَاقُضِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّنَاقُضَ يَرْتَفِعُ بِتَصْدِيقِ الْخَصْمِ وَبِتَكْذِيبِ الْحَاكِمِ أَيْضًا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْمُقِرُّ إذَا صَارَ مُكَذَّبًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 لِمَا فِي الصُّغْرَى طَلَبُ نِكَاحِ الْأَمَةِ يَمْنَعُ دَعْوَى تَمَلُّكِهَا وَكَمَا يَمْنَعُهَا لِنَفْسِهِ يَمْنَعُهَا لِغَيْرِهِ إلَّا إذَا وُفِّقَ، وَهَلْ يَكْفِي إمْكَانُ التَّوْفِيقِ؟ خِلَافٌ سَنُحَقِّقُهُ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ. وَفُرُوعُ هَذَا الْأَصْلِ كَثِيرَةٌ سَتَجِيءُ فِي الدَّعْوَى وَمِنْهَا: ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ أَخُوهُ وَادَّعَى عَلَيْهِ النَّفَقَةَ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ هُوَ بِأَخِي ثُمَّ مَاتَ الْمُدَّعِي عَنْ تَرِكَةٍ فَجَاءَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَطْلُبُ مِيرَاثَهُ إنْ قَالَ هُوَ أَخِي لَمْ يُقْبَلْ لِلتَّنَاقُضِ وَإِنْ قَالَ أَبِي أَوْ ابْنِي   [رد المحتار] شَرْعًا بَطَلَ إقْرَارُهُ بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَقَدَّمْنَا قَبْلَ نَحْوِ وَرَقَةٍ مَسَائِلَ فِي ارْتِفَاعِهِ بِتَكْذِيبِ الْحَاكِمِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ وَرَقَتَيْنِ ارْتِفَاعَهُ بِثَالِثٍ حَيْثُ قَالَ: إذَا قَالَ تَرَكْت أَحَدَ الْكَلَامَيْنِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ ادَّعَاهُ مُطْلَقًا، فَدَفَعَهُ بِأَنَّك كُنْت ادَّعَيْته قَبْلَ هَذَا مُقَيَّدًا وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُدَّعِي أَدَّعِيهِ الْآنَ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَتَرَكْت الْمُطْلَقَ يُقْبَلُ اهـ أَيْ لِكَوْنِ الْمُطْلَقِ أَزْيَدَ مِنْ الْمُقَيَّدِ وَهُوَ مَانِعٌ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى، وَلِذَا لَوْ ادَّعَى الْمُطْلَقَ أَوَّلًا لَا تُسْمَعُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لِكَوْنِهِ بِدَعْوَى الْمُقَيَّدِ ثَانِيًا يَدَّعِي أَقَلَّ لَكِنْ مَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ قَاعِدَةً فِي إبْطَالِ التَّنَاقُضِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَضُرَّ تَنَاقُضٌ أَصْلًا لِتَمَكُّنِ الْمُتَنَاقِضِ مِنْ قَوْلِهِ: تَرَكْت الْكَلَامَ الْأَوَّلَ فَإِذَا أَقَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ثُمَّ قَالَ: هُوَ لِي وَتَرَكْت الْأَوَّلَ تُسْمَعُ وَلَا قَائِلَ بِهِ أَصْلًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَجْهُهُ كَوْنُهُ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِأَنَّ مُرَادَ الْمُدَّعِي الْأَقَلُّ الَّذِي ادَّعَاهُ أَوَّلًا بِدَلِيلِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا ادَّعَى عَلَيْهِ مِلْكًا مُطْلَقًا، ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ الْحَاكِمِ بِسَبَبٍ يُقْبَلُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْعَاكِسُ أَرَدْت بِالْمُطْلَقِ الثَّانِي الْمُقَيَّدَ الْأَوَّلَ لِكَوْنِ الْمُطْلَقِ أَزْيَدَ مِنْ الْمُقَيَّدِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ طَلَبُ نِكَاحِ الْأَمَةِ يَمْنَعُ دَعْوَى تَمَلُّكِهَا) تَتِمَّةٌ عِبَارَةُ الصُّغْرَى وَطَلَبُ نِكَاحِ الْحُرَّةِ مَانِعٌ مِنْ دَعْوَى نِكَاحِهَا اهـ وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ لِأَنَّهُ مِثَالُ مَنْعِ دَعْوَى الْمِلْكِ فِي الْمَنْفَعَةِ (قَوْلُهُ وَكَمَا يَمْنَعُهَا لِنَفْسِهَا أَيَمْنَعُهَا لِغَيْرِهِ إلَخْ) كَمَا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ لِفُلَانٍ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لِفُلَانٍ آخَرَ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا وُفِّقَ وَقَالَ: كَانَ لِفُلَانٍ الْأَوَّلِ، وَقَدْ وَكَّلَنِي بِالْخُصُومَةِ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ الثَّانِي، وَوَكَّلَنِي أَيْضًا وَالتَّدَارُكُ مُمْكِنٌ بِأَنْ غَابَ عَنْ الْمَجْلِسِ وَجَاءَ بَعْدَ فَوْتِ مُدَّةٍ وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَصِيرِيُّ فِي الْجَامِعِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِمْكَانَ لَا يَكْفِي نَهْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ سَنُحَقِّقُهُ إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ حِكَايَةُ الْخِلَافِ. قُلْت: وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ أَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ هُوَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّ التَّوْفِيقَ بِالْفِعْلِ شَرْطٌ وَذَكَرَ مُحَشِّيهِ الرَّمْلِيُّ عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي أَنَّ جَوَابَ الِاسْتِحْسَانِ هُوَ الْأَصَحُّ اهـ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ وَالْأَصْوَبُ عِنْدِي أَنَّ التَّنَاقُصَ إذَا كَانَ ظَاهِرَ السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ وَالتَّوْفِيقُ خَفِيًّا لَا يَكْفِي إمْكَانُ التَّوْفِيقِ وَإِلَّا يَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ الْإِمْكَانُ يُؤَيِّدُهُ مَا فِي ح أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَهُ أَنَّهُ لَهُ فَمَكَثَ قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ الشِّرَاءُ مِنْهُ، ثُمَّ بَرْهَنَ عَنْ الشِّرَاءِ مِنْهُ بِلَا تَارِيخٍ قُبِلَ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَقْدِ الْمُبْهَمِ تُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْحَالِ وَلِذَا لَا تُعْتَبَرُ الزَّوَائِدُ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ. (قَوْلُهُ وَفُرُوعُ هَذَا الْأَصْلِ كَثِيرَةٌ) مِنْهَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا دَيْنًا، فَأَنْكَرَ ثُمَّ ادَّعَاهَا مِنْ جِهَةِ الشَّرِكَةِ وَلَا تُسْمَعُ وَبِالْعَكْسِ تُسْمَعُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ، لِأَنَّ مَالَ الشَّرِكَةِ يَجُوزُ كَوْنُهُ دَيْنًا بِالْجُحُودِ. ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ أَبِيهِ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ وَرِثَهَا مِنْهُ يُقْبَلُ لِإِمْكَانِ أَنَّهُ جَحَدَهُ الشِّرَاءَ، ثُمَّ وَرِثَهُ مِنْهُ بِالْعَكْسِ لَا ادَّعَى أَوَّلًا الْوَقْفَ، ثُمَّ لِنَفْسِهِ لَا تُسْمَعُ كَمَا لَوْ ادَّعَاهَا لِغَيْرِهِ ثُمَّ لِنَفْسِهِ وَبِالْعَكْسِ تُسْمَعُ لِصِحَّةِ الْإِضَافَةِ بِالْأَخَصِّيَّةِ انْتِفَاعًا. ادَّعَاهُ بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ مُطْلَقًا لَا تُسْمَعُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ كَمَا مَرَّ بَحْرٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ أَبِي أَوْ ابْنِي) مُفَادُهُ أَنَّ قَوْلَ ذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِ الْمُدَّعِي الْأَوَّلِ: هُوَ أَخِي وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ مُدَّعِيَ النَّفَقَةِ لَوْ قَالَ هُوَ أَبِي أَوْ ابْنِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 199 قُبِلَ وَالْأَصْلُ أَنَّ التَّنَاقُضَ (لَا) يَمْنَعُ دَعْوَى مَا يَخْفَى سَبَبُهُ كَ (النَّسَبِ وَالطَّلَاقِ وَ) كَذَا (الْحُرِّيَّةُ فَلَوْ قَالَ عَبْدٌ لِمُشْتَرٍ   [رد المحتار] وَكَذَّبَهُ ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِهِ صَدَّقَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَادَّعَى الْإِرْثَ يُقْبَلُ وَالْفَرْقُ أَنَّ ادِّعَاءَ الْوِلَادِ مُجَرَّدًا يُقْبَلُ لِعَدَمِ حَمْلِ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ بِخِلَافِ دَعْوَى الْأُخُوَّةِ أَفَادَهُ ح وَيُمْكِنُ إرْجَاعُ ضَمِيرِ قَالَ هُنَا وَفِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ إلَى مُدَّعِي النَّفَقَةِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّ مُدَّعِيَ الْإِرْثِ وَافَقَهُ عَلَى دَعْوَاهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ إلَخْ) أَشَارَ بِهَذَا وَبِالْكَافِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرَ مَا يُعْفَى فِيهِ التَّنَاقُضُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَلْ كُلُّ مَا فِي سَبَبِهِ خَفَاءٌ فَمِنْهُ اشْتَرَى أَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ أَبَاهُ كَانَ اشْتَرَاهَا لَهُ فِي صِغَرِهِ أَوْ أَنَّهُ وَرِثَهَا مِنْهُ وَبَرْهَنَ قُبِلَ ادَّعَى شِرَاءً مِنْ أَبِيهِ، ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ وَرِثَهَا مِنْهُ يُقْبَلُ وَبِالْعَكْسِ لَا، ادَّعَى عَيْنًا لَهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ وَعَلَيْهِ إحْضَارُهَا أَوْ بِالْعَكْسِ يُقْبَلُ، اشْتَرَى ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ لَهُ وَأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُ يُقْبَلُ، اقْتَسَمَا التَّرِكَةَ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبَاهُ كَانَ جَعَلَ لَهُ مِنْهَا الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ إنْ قَالَ كَانَ فِي صِغَرِي يُقْبَلُ وَإِنْ مُطْلَقًا لَا وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ كَالنَّسَبِ) كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا وُلِدَ عِنْدَهُ وَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ، ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ ابْنُهُ يُقْبَلُ وَيَبْطُلُ الشِّرَاءُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي، لِأَنَّ النَّسَبَ يُبْتَنَى عَلَى الْعُلُوقِ، فَيَخْفَى عَلَيْهِ فَيُعْذَرُ فِي التَّنَاقُصِ عَيْنِيٌّ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: قَالَ أَنَا لَسْت وَارِثَ فُلَانٍ، ثُمَّ ادَّعَى إرْثَهُ وَبَيَّنَ الْجِهَةَ يَصِحُّ إذْ التَّنَاقُصُ فِي النَّسَبِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ دَعْوَاهُ وَلَوْ قَالَ: لَيْسَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي، ثُمَّ قَالَ: هُوَ مِنِّي يَصِحُّ وَبِالْعَكْسِ لَا لِكَوْنِ النَّسَبِ لَا يَنْتَفِي بِنَفْيِهِ، وَهَذَا إذَا صَدَّقَهُ الِابْنُ وَإِلَّا فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ، لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ بِأَنَّهُ جُزْئِيٌّ لَكِنْ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الِابْنُ ثُمَّ صَدَّقَهُ تَثْبُتُ الْبُنُوَّةُ، لِأَنَّ إقْرَارَ الْأَبِ لَمْ يَبْطُلْ بِعَدَمِ التَّصْدِيقِ، وَلَوْ أَنْكَرَ الْأَبُ إقْرَارَهُ فَبَرْهَنَ الِابْنُ عَلَيْهِ يُقْبَلُ وَالْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ ابْنِي يُقْبَلُ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ جُزْؤُهُ، أَمَّا الْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ أَخُوهُ فَلَا لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ. وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ أَبِي فُلَانٌ وَصَدَّقَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ، فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ آخَرَ لَا يُسْمَعُ، لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْأَوَّلِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ حَقَّ التَّصْدِيقِ فَلَوْ صَحَّحْنَا إقْرَارَهُ الثَّانِيَ يُفْضِي إلَى إبْطَالِ حَقِّ التَّصْدِيقِ لِلْأَوَّلِ وَصَارَ كَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ مَوْلَى فُلَانٍ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ مَوْلَى فُلَانٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ وَالطَّلَاقِ) حَتَّى لَوْ بَرْهَنَتْ عَلَى الثَّلَاثِ بَعْدَ مَا اخْتَلَعَتْ قَبْلَ بُرْهَانِهَا وَاسْتَرَدَّتْ بَدَلَ الْخُلْعِ لِاسْتِقْلَالِ الزَّوْجِ بِذَلِكَ بِدُونِ عِلْمِهَا، وَكَذَا لَوْ قَاسَمَتْ الْمَرْأَةُ وَرَثَةَ زَوْجِهَا، وَقَدْ أَقَرُّوا بِالزَّوْجِيَّةِ كِبَارًا ثُمَّ بَرْهَنُوا عَلَى أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ ثَلَاثًا رَجَعُوا عَلَيْهَا بِمَا أَخَذَتْ نَهْرٌ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: ادَّعَتْ الطَّلَاقَ فَأَنْكَرَ ثُمَّ مَاتَ لَا تَمْلِكُ مُطَالَبَةَ الْمِيرَاثِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحُرِّيَّةُ) أَيْ وَلَوْ عَارَضَهُ وَفَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ بِكَذَا إشَارَةً إلَى أَنَّ التَّفْرِيعَ بَعْدَهُ عَلَيْهِ فَقَطْ وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ: لَوْ بَرْهَنَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَائِعَ حَرَّرَهُ قَبْلَ بَيْعِهِ يُقْبَلُ إذْ التَّنَاقُضُ مُتَحَمَّلٌ فِي الْعِتْقِ. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَعْدَ نَقْلِهِ أَقُولُ: التَّنَاقُضُ إنَّمَا يُتَحَمَّلُ بِنَاءً عَلَى الْخَفَاءِ وَذَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُشْتَرِي لَا الْبَائِعِ لِأَنَّهُ يَسْتَبِدُّ بِالْعِتْقِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا إذْ الدَّعْوَى غَيْرُ شَرْطٍ عِنْدَهُمَا فِي عِتْقِ الْعَبْدِ فَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ حِسْبَةً وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى لِلتَّنَاقُضِ اهـ. وَمِنْهَا: لَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ ثُمَّ ادَّعَى تَقَدُّمَ إعْتَاقِهِ قَبْلَهَا يُقْبَلُ بَزَّازِيَّةٌ وَفِي الْمَبْسُوطِ: أَقَرَّتْ لَهُ بِالرِّقِّ فَبَاعَهَا ثُمَّ بَرْهَنَتْ عَلَى عِتْقٍ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ يُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَذَهَبَ بِهِ إلَى مَنْزِلِهِ وَالْعَبْدُ سَاكِتٌ وَهُوَ مِمَّنْ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالرِّقِّ، فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ بَعْدَهُ لِسَعْيِهِ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ فَيُقْبَلَ وَكَذَا لَوْ رَهَنَهُ، أَوْ دَفَعَهُ بِجِنَايَةٍ كَانَ إقْرَارًا بِالرِّقِّ لَا لَوْ آجَرَهُ ثُمَّ قَالَ: أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُصْرَفُ فِي مَنَافِعِهِ لَا فِي عَيْنِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ عَبْدٌ) أَيْ إنْسَانٌ وَسَمَّاهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 اشْتَرِنِي فَأَنَا عَبْدٌ) لِزَيْدٍ (فَاشْتَرَاهُ) مُعْتَمِدًا عَلَى مَقَالَتِهِ (فَإِذَا هُوَ حُرٌّ) أَيْ ظَهَرَ حُرًّا (فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا غَيْبَةً مَعْرُوفَةً) يُعْرَفُ مَكَانُهُ (فَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ) لِوُجُودِ الْقَابِضِ (وَإِلَّا رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَبْدِ) بِالثَّمَنِ خِلَافًا لِلثَّانِي وَلَوْ قَالَ اشْتَرِنِي فَقَطْ أَوْ أَنَا عَبْدٌ فَقَطْ لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا دُرَرٌ (وَ) رَجَعَ (الْعَبْدُ عَلَى الْبَائِعِ) إذَا ظَفِرَ بِهِ (بِخِلَافِ الرَّهْنِ) بِأَنْ قَالَ ارْتَهِنِّي فَإِنِّي عَبْدٌ لَمْ يَضْمَنْ أَصْلًا، وَالْأَصْلُ أَنَّ التَّغْرِيرَ يُوجِبُ الضَّمَانَ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لَا الْوَثِيقَةِ.   [رد المحتار] عَبْدًا بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِ الْحَالِ الْآنَ وَإِلَّا فَالْفَرْضُ أَنَّهُ حُرٌّ وَقَوْلُهُ لِمُشْتَرٍ أَيْ لِمُرِيدِ الشِّرَاءِ. (قَوْلُهُ اشْتَرِنِي فَأَنَا عَبْدٌ) لَا بُدَّ فِي كَوْنِ الْمُشْتَرِي مَغْرُورًا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ مِنْ هَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ أَعْنِي الْأَمْرَ بِالشِّرَاءِ وَالْإِقْرَارَ بِكَوْنِهِ عَبْدًا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ، وَمَا فِي الْعَتَّابِيَّةِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِسُكُوتِ الْعَبْدِ عِنْدَ الْبَيْعِ فِي رُجُوعِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي سَائِرِ الْكُتُبِ وَإِنْ غَلِطَ فِيهِ بَعْضُ مَنْ تَصَدَّرَ لِلْإِفْتَاءِ بِدَارِ السَّلْطَنَةِ الْعَلِيَّةِ وَأَفْتَى بِخِلَافِهِ كَمَا أَفَادَهُ الْأَنْقِرَوِيُّ فِي مُنْهَوَاتِ فَتَاوِيهِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ: اشْتَرِنِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ أَجْنَبِيٌّ اشْتَرِهِ فَإِنَّهُ عَبْدٌ فَلَا رُجُوعَ بِحَالٍ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ لِزَيْدٍ) كَذَا فِي النَّهْرِ قَالَ السَّائِحَانِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، لِأَنَّ الْغُرُورَ فِي ضِمْنِ الْمُعَاوَضَةِ لَيْسَ كَفَالَةً صَرِيحَةً حَتَّى يُشْتَرَطَ مَعْرِفَةُ الْمَكْفُولِ لَهُ وَعَنْهُ وَمِمَّا اغْتَفَرُوا أَيْضًا هُنَا رُجُوعُ الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ بِمَا أَدَّى مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهَذَا الضَّمَانِ الْوَاقِعِ مِنْهُ ضِمْنَ قَوْلِهِ اشْتَرِنِي فَأَنَا عَبْدٌ اهـ (قَوْلُهُ مُتَعَمِّدًا عَلَى مَقَالَتِهِ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا بِكَوْنِهِ حُرًّا لِأَنَّهُ لَا تَغْرِيرَ مَعَ الْعِلْمِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلِذَا اسْتَوْلَدَهَا عَالِمًا بِأَنَّ الْبَائِعَ غَصَبَهَا فَاسْتُحِقَّتْ لَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ وَهُوَ رَقِيقٌ كَمَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ أَيْ ظَهَرَ حُرًّا) بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ دَعْوَى الْعَبْدِ شَرْطًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَكَذَا فِي الْعَارِضَةِ بِعِتْقٍ وَنَحْوِهِ فِي الصَّحِيحِ لَكِنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا كَمَا أَفَادَهُ تَفْرِيعُ الْمَسْأَلَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ يُعْرَفُ مَكَانُهُ) ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ وَلَوْ بَعُدَ بِحَيْثُ لَا يُوصَلُ إلَيْهِ عَادَةً كَأَقْصَى الْهِنْدِ نَهْرٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الْقَابِضِ) أَيْ الْبَائِعِ وَالْأَوْلَى قَوْلُ الْفَتْحِ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى الْقَابِضِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ مَكَانُهُ وَمِثْلُهُ مَا إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَلَوْ كَانَ لَهُ تَرِكَةٌ يُعْلَمُ مَكَانُهَا يُرْجَعُ فِيهَا فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّ ذَلِكَ دَيْنٌ عَلَيْهِ، كَمَا يَأْتِي وَالدَّيْنُ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَبْدِ بِالثَّمَنِ) لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْعَبْدَ بِالْأَمْرِ بِالشِّرَاءِ ضَامِنًا الثَّمَنَ لَهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ رُجُوعِهِ عَلَى الْبَائِعِ دَفْعًا لِلْغُرُورِ وَالضَّرَرِ وَلَا تَعَذُّرَ إلَّا فِيمَا لَا يُعْرَفُ مَكَانُهُ وَالْبَيْعُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ الْأَمْرُ بِهِ ضَمَانًا لِلسَّلَامَةِ كَمَا هُوَ مُوجَبُهُ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) أَيْ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ. (قَوْلُهُ لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا) لِأَنَّ الْحُرَّ يُشْتَرَى تَخْلِيصًا كَالْأَسِيرِ وَقَدْ لَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْعَبْدِ كَالْمُكَاتَبِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَرَجَعَ الْعَبْدُ عَلَى الْبَائِعِ) إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالضَّمَانِ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَدَّى دَيْنَهُ، وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِي أَدَائِهِ فَتْحٌ فَهُوَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ إذَا قَضَى الدَّيْنَ لِتَخْلِيصِ الرَّهْنِ يَرْجِعُ عَلَى الْمَدْيُونِ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي أَدَائِهِ (قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْ أَصْلًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: لِأَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ بَلْ هُوَ وَثِيقَةٌ لِاسْتِيفَاءِ عَيْنِ حَقِّهِ يَجُوزُ الرَّهْنُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَالْمُسَلَّمِ فِيهِ مَعَ حُرْمَةِ الِاسْتِبْدَالِ، فَلَا يُجْعَلُ الْأَمْرُ بِهِ ضَمَانًا لِلسَّلَامَةِ، وَبِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ أَيْ لَوْ قَالَ اشْتَرِهِ فَإِنَّهُ عَبْدٌ لِأَنَّهُ لَا يُعْبَأُ بِقَوْلِهِ فِيهِ، فَلَا يَتَحَقَّقُ الْغُرُورُ وَنَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا قَوْلُ الْمَوْلَى بَايِعُوا عَبْدِي هَذَا فَإِنِّي قَدْ أَذِنْت لَهُ ثُمَّ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ إلَخْ) مَرَّ هَذَا الْأَصْلُ مَبْسُوطًا آخِرَ بَابِ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 بَاعَ عَقَارًا ثُمَّ بَرْهَنَ أَنَّهُ وَقْفٌ مَحْكُومٌ بِلُزُومِهِ قُبِلَ وَإِلَّا لَا) لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْوَقْفِ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ فَتْحٌ وَاعْتَقَدَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ عَلَى خِلَافِ مَا صَوَّبَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَتَقَدَّمَ فِي الْوَقْفِ وَسَيَجِيءُ آخِرَ الْكِتَابِ. (اشْتَرَى شَيْئًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى ادَّعَاهُ آخَرُ) أَنَّهُ لَهُ (لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِدُونِ حُضُورِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي) لِلْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا وَلَوْ قُضِيَ لَهُ بِحَضْرَتِهِمَا ثُمَّ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بَاعَهُ مِنْ الْبَائِعِ ثُمَّ هُوَ بَاعَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي قُبِلَ وَلَزِمَ الْبَيْعُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (لَا عِبْرَةَ بِتَارِيخِ الْغَيْبَةِ) بَلْ الْعِبْرَةُ لِتَارِيخِ الْمِلْكِ (فَلَوْ قَالَ الْمُسْتَحِقُّ) عِنْدَ الدَّعْوَى (غَابَتْ) عَنِّي (هَذِهِ) الدَّابَّةُ (مُنْذُ سُنَّةٍ) فَقَبْلَ الْقَضَاءِ بِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ أَخْبَرَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ الْبَائِعَ عَنْ الْقِصَّةِ (فَقَالَ الْبَائِعُ لِي بَيِّنَةٌ أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكًا لِي مُنْذُ سَنَتَيْنِ) مَثَلًا وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ (لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ) بَلْ يُقْضَى بِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ لِبَقَاءِ دَعْوَاهُ فِي مِلْكٍ مُطْلَقٍ خَالٍ عَنْ تَارِيخٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ (لِلْعِلْمِ بِكَوْنِهِ مِلْكَ الْغَيْرِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ) عَلَى الْبَائِعِ (عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ) فَلَوْ اسْتَوْلَدَ مُشْتَرَاةً يَعْلَمُ غَصْبَ   [رد المحتار] [مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ بَاعَ عَقَارًا وَبَرْهَنَ أَنَّهُ وَقْفٌ] (قَوْلُهُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْوَقْفِ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ) أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْفَتْوَى عَلَى لُزُومِهِ بِدُونِ الْحُكْمِ بِلُزُومِهِ (قَوْلُهُ عَلَى خِلَافِ مَا صَوَّبَهُ الزَّيْلَعِيُّ) حَيْثُ قَالَ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ قِيلَ تُقْبَلُ، وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ وَهُوَ أَصْوَبُ وَأَحْوَطُ اهـ (قَوْلُهُ وَتَقَدَّمَ فِي الْوَقْفِ) قَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْأَصَحَّ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ دُونَ الدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةِ بِلَا تَفْصِيلٍ لِأَنَّ الْوَقْفَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، فَتُسْمَعُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ وَتَمَامُ تَحْقِيقِ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ لِلْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي وَالْيَدَ لِلْبَائِعِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِيهِمَا فَشَرْطُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا حُضُورُهُمَا فَتْحٌ بَقِيَ لَوْ قَالَ الْمُسْتَحِقُّ لَا بَيِّنَةَ لِي وَاسْتَحْلَفَهُمَا فَحَلَفَ الْبَائِعُ وَنَكَلَ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِالثَّمَنِ فَإِذَا أَدَّاهُ أَخَذَ الْعَبْدَ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُدَّعِي وَإِنْ حَلَفَ الْمُشْتَرِي، وَنَكَلَ الْبَائِعُ لَزِمَ الْبَائِعَ كُلُّ قِيمَةِ الْعَبْدِ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيْعَ وَيَرْضَى بِالثَّمَنِ بَزَّازِيَّةٌ وَجَامِعُ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ ثُمَّ هُوَ) أَيْ الْبَائِعُ (قَوْلُهُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ) لِأَنَّهُ يُقِرُّ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ وَلَا يَنْقُضُهُ فَتْحٌ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بَاعَهُ يُقَرِّرُ الْقَضَاءَ بِأَنَّهُ مِلْكُ الْمُسْتَحِقِّ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ) حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بِطَلَبِ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ بَرْهَنَ الْبَائِعُ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بَاعَهَا مِنْهُ يَأْخُذُهَا وَتَبْقَى لَهُ وَلَا يَعُودُ الْبَيْعُ الْمُنْتَقَضُ اهـ فَأَفَادَ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَفْسَخْ الْقَاضِي الْبَيْعَ. [مَطْلَبٌ لَا عِبْرَةَ بِتَارِيخِ الْغَيْبَةِ] ِ (قَوْلُهُ لَا عِبْرَةَ بِتَارِيخِ الْغَيْبَةِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْخَارِجَ مَعَ ذِي الْيَدِ لَوْ ادَّعَيَا مِلْكًا مُطْلَقًا فَالْخَارِجُ أَوْلَى إلَّا إذَا بَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى النِّتَاجِ أَوْ أَرَّخَا الْمِلْكَ وَتَارِيخُ ذِي الْيَد أَسْبَقُ فَهُوَ أَوْلَى، لَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ يُقْضَى لِلْخَارِجِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ يُحْكَمُ لِلْمُؤَرَّخِ خَارِجًا أَوْ ذَا يَدٍ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّامِنِ، وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ تَارِيخَ الْغَيْبَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، لِأَنَّ قَوْلَ الْخَارِجِ إنَّ هَذَا الْحِمَارَ غَابَ عَنِّي مُنْذُ سَنَةٍ لَيْسَ فِيهِ تَارِيخُ مِلْكٍ فَإِذَا قَالَ ذُو الْيَدِ: إنَّهُ مِلْكِي مُنْذُ سَنَتَيْنِ مَثَلًا، وَبَرْهَنَ لَا يُحْكَمُ لَهُ لِأَنَّهُ وُجِدَ تَارِيخُ الْمِلْكِ مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَطْ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَيُقْضَى بِهِ لِلْخَارِجِ عِنْدَهُمَا كَمَا عَلِمْت وَمِثْلُهُ لَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجُ أَنَّهُ لَهُ مُنْذُ سَنَتَيْنِ وَذُو الْيَدِ أَنَّهُ بِيَدِهِ مُنْذُ ثَلَاثِ سِنِينَ، فَهُوَ لِلْخَارِجِ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ لَمْ يُبَرْهِنْ عَلَى الْمِلْكِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ بَلْ الْعِبْرَةُ لِتَارِيخِ الْمِلْكِ) أَيْ التَّارِيخِ الْمَوْجُودِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَمَا عَلِمْت، وَإِلَّا فَتَارِيخُ الْمِلْكِ هُنَا وُجِدَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَكِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُدَّعِي بَلْ وُجِدَ مِنْهُ تَارِيخُ الْغَيْبَةِ فَقَطْ (قَوْلُهُ فَقَبْلَ) ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِأَخْبَرَ. (قَوْلُهُ أَخْبَرَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ) أَيْ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ أَخْبَرَ وَالْبَائِعُ مَفْعُولُهُ (قَوْلُهُ بَلْ يُقْضَى بِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ) لِأَنَّهُ مَا ذَكَرَ تَارِيخَ الْمِلْكِ بَلْ تَارِيخَ الْغَيْبَةِ، فَبَقِيَ دَعْوَاهُ الْمِلْكَ بِلَا تَارِيخٍ وَالْبَائِعُ ذَكَرَ تَارِيخَ الْمِلْكِ وَدَعْوَاهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 202 الْبَائِعٍ إيَّاهَا كَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا لِانْعِدَامِ الْغُرُورِ، وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَإِنْ أَقَرَّ بِمِلْكِيَّةِ الْمَبِيعِ لِلْمُسْتَحِقِّ دُرَرٌ. وَفِي الْقُنْيَةِ: لَوْ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ وَرَجَعَ لَمْ يَبْطُلْ إقْرَارُهُ فَلَوْ وَصَلَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ مَا، أُمِرَ بِتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُقِرَّ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ بِخِلَافِ النَّصِّ (لَا يَحْكُمُ) الْقَاضِي (بِسِجِلِّ الِاسْتِحْقَاقِ بِشَهَادَةِ أَنَّهُ كِتَابُ) قَاضِي (كَذَا) لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَمْ يَجُزْ الِاعْتِمَادُ عَلَى نَفْسِ السِّجِلِّ (بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ عَنْ مَضْمُونِهِ) لِيَقْضِيَ لِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ بِالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ (كَذَا) الْحُكْمُ فِي (مَا سِوَى نَقْلِ الشَّهَادَةِ وَالْوَكَالَةِ) مِنْ مَحَاضِرَ وَسِجِلَّاتٍ وَصُكُوكٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِكُلٍّ مِنْهَا إلْزَامُ الْخَصْمِ بِخِلَافِ نَقْلِ وَكَالَةٍ وَشَهَادَةٍ لِأَنَّهُمَا لِتَحْصِيلِ الْعِلْمِ لِلْقَاضِي وَلِذَا لَزِمَ إسْلَامُهُمْ وَلَوْ الْخَصْمُ كَافِرًا.   [رد المحتار] دَعْوَى الْمُشْتَرِي، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْهُ، فَصَارَ كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ ادَّعَى مِلْكَ بَائِعِهِ بِتَارِيخِ سَنَتَيْنِ إلَّا أَنَّ التَّارِيخَ لَا يُعْتَبَرُ حَالَةَ الِانْفِرَادِ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُ ذِكْرِهِ وَبَقِيَتْ الدَّعْوَى فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، فَيُقْضَى بِالدَّابَّةِ دُرَرٌ: أَيْ يُقْضَى بِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ السَّادِسَ عَشَرَ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا مَرَّ: قَوْلُهُ: وَيُقْضَى بِهَا لِلْمُؤَرَّخِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّهُ يُرَجَّحُ الْمُؤَرَّخُ حَالَةَ الِانْفِرَادِ وَيَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِهِ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ وَأَظْهَرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ لِانْعِدَامِ الْغُرُورِ) لِعِلْمِهِ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ دُرَرٌ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ تَزَوَّجَ مَنْ أَخْبَرَتْهُ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ عَالِمًا بِكَذِبِهَا فَأَوْلَدَهَا فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ) أَيْ عَلَى بَائِعِهِ وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ أَوَّلًا، لِكَوْنِهِ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّفْرِيعِ عَلَى كَلَامِ الْمَتْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: وَلَكِنْ يَكُونُ الْوَلَدُ رَقِيقًا أَفَادَهُ السَّائِحَانِيُّ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَرَّ بِمِلْكِيَّةِ الْمَبِيعِ لِلْمُسْتَحِقِّ) أَيْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِحْقَاقُ ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ لَا بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي الْمَذْكُورِ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَ الْمُصَنِّفِ السَّابِقَ أَمَّا إذَا كَانَ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِنُكُولِهِ فَلَا عَلَى أَنَّهُ قَدَّمَ الشَّارِحُ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْإِقْرَارُ وَالْبَيِّنَةُ يُقْضَى بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الرُّجُوعِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ - مِنْ تَوَهُّمِ الْمُنَافَاةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَرَجَعَ) أَيْ بِالثَّمَنِ (قَوْلُهُ بِسَبَبٍ مَا) أَيْ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُقِرَّ) أَيْ الْمُشْتَرِي أَيْ لَمْ يُقِرَّ نَصًّا بِأَنَّهُ مِلْكُ الْبَائِعِ، فَإِنَّ الشِّرَاءَ وَإِنْ كَانَ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ، لَكِنَّهُ مُحْتَمَلٌ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، لِأَنَّهُ وَإِنْ جُعِلَ مُقِرًّا بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ لَكِنَّهُ مُقْتَضَى الشِّرَاءِ، وَقَدْ انْفَسَخَ الشِّرَاءُ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَيَنْفَسِخُ الْإِقْرَارُ (قَوْلُهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى مَضْمُونِهِ) بِأَنْ يَشْهَدَا أَنَّ قَاضِيَ بَلْدَةِ كَذَا قَضَى عَلَى الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ بِالدَّابَّةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا مِنْ هَذَا الْبَائِعِ، وَأَخْرَجَهَا مِنْ يَدِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ مِنْ مَحَاضِرَ) بَيَانٌ لِمَا وَالْمُرَادُ مَضْمُونُ مَا فِي الْمَذْكُورَاتِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى مَضْمُونِ الْمَكْتُوبِ لِمَا فِي الْمِنَحِ وَالْمَحْضَرُ مَا يَكْتُبُهُ الْقَاضِي مِنْ حُضُورِ الْخَصْمَيْنِ وَالتَّدَاعِي وَالشَّهَادَةِ وَالسِّجِلُّ مَا يُكْتَبُ فِيهِ نَحْوُ ذَلِكَ وَهُوَ عِنْدَهُ وَالصَّكُّ مَا يَكْتُبُهُ لِمُشْتَرٍ أَوْ شَفِيعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ نَقْلِ وَكَالَةٍ) كَمَا إذَا وَكَّلَ الْمُدَّعِي إنْسَانًا بِحَضْرَةِ الْقَاضِي لِيَدَّعِيَ عَلَى شَخْصٍ فِي وِلَايَةِ قَاضٍ آخَرَ وَكَتَبَ الْقَاضِي كِتَابًا يُخْبِرُهُ بِالْوَكَالَةِ ط (قَوْلُهُ وَشَهَادَةٍ) كَمَا إذَا شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ غَائِبٍ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ بَلْ يَكْتُبُ الشَّهَادَةَ لِيَحْكُمَ بِهَا الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ، وَيُسَلِّمُ الْمَكْتُوبَ لِشُهُودِ الطَّرِيقِ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي ح (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا لِتَحْصِيلِ الْعِلْمِ لِلْقَاضِي) أَيْ لِمُجَرَّدِ الْإِعْلَامِ لَا لِنَقْلِ الْحُكْمِ، فَلَا تُشْتَرَطُ الشَّهَادَةُ عَلَى مَضْمُونِهِمَا، بَلْ تَكْفِي الشَّهَادَةُ بِأَنَّهُمَا مِنْ قَاضِي بَلْدَةِ كَذَا هَذَا مَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُ تَبَعًا لِلدُّرَرِ، لَكِنْ سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي اشْتِرَاطُ قِرَاءَتِهِ عَلَى الشُّهُودِ أَوْ إعْلَامِهِمْ بِهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَتِهِمْ بِمَضْمُونِهِ وَإِلَّا فَمَا الْفَائِدَةُ فِي قِرَاءَتِهِ عَلَيْهِمْ وَلَعَلَّ مَا هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ سِوَى شَهَادَتِهِمْ بِأَنَّهُ كِتَابَةٌ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا سَيَأْتِي هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَلِذَا لَزِمَ إلَخْ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ نَقْلِ الشَّهَادَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ إسْلَامِ شُهُودِهِ وَلَوْ كَانَ لِذِمِّيٍّ عَلَى ذِمِّيٍّ وَعَلَّلَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ لِشَهَادَتِهِمْ عَلَى فِعْلِ الْمُسْلِمِ اهـ ط. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 (وَلَا رُجُوعَ فِي دَعْوَى حَقٍّ مَجْهُولٍ مِنْ دَارٍ صُولِحَ عَلَى شَيْءٍ) مُعَيَّنٍ (وَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا) لِجَوَازِ دَعْوَاهُ فِيمَا بَقِيَ (وَلَوْ اسْتَحَقَّ كُلَّهَا رَدَّ كُلَّ الْعِوَضِ) لِدُخُولِ الْمُدَّعِي فِي الْمُسْتَحَقِّ (وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا (صِحَّةُ الصُّلْحِ عَنْ مَجْهُولٍ) عَلَى مَعْلُومٍ لِأَنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ (وَ) الثَّانِي (عَدَمُ اشْتِرَاطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لِصِحَّتِهِ) لِجَهَالَةِ الْمُدَّعَى بِهِ حَتَّى لَوْ بَرْهَنَ لَمْ يُقْبَلْ مَا لَمْ يَدَّعِ إقْرَارَهُ بِهِ (وَرَجَعَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِحِصَّتِهِ) فِي دَعْوَى كُلِّهَا إنْ اُسْتُحِقَّ شَيْءٌ مِنْهَا لِفَوَاتِ سَلَامَةِ الْمُبْدَلِ قَيَّدَ بِالْمَجْهُولِ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى قَدْرًا مَعْلُومًا كَرُبْعِهَا لَمْ يَرْجِعْ مَا دَامَ فِي يَدِهِ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ رَجَعَ بِحِسَابِ مَا اُسْتُحِقَّ مِنْهُ. [فَرْعٌ] : لَوْ صَالَحَ مِنْ الدَّنَانِيرِ عَلَى دَرَاهِمَ وَقَبَضَ الدَّرَاهِمَ فَاسْتُحِقَّتْ بَعْدَ التَّفَرُّقِ رَجَعَ بِالدِّينَارِ لِأَنَّ هَذَا الصُّلْحَ فِي مَعْنَى الصَّرْفِ فَإِذَا اُسْتُحِقَّ الْبَدَلُ بَطَلَ الصُّلْحُ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ دُرَرٌ وَفِيهَا فُرُوعٌ أُخَرُ فَلْتُنْظَرْ، وَفِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ مُهِمَّةٌ مِنْهَا: لَوْ مُسْتَحَقًّا ظَهَرَ الْمَبِيعُ ... لَهُ عَلَى بَائِعِهِ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي لَهُ قَدْ دَفَعَا ... إلَّا إذَا الْبَائِعُ هَاهُنَا ادَّعَى بِأَنَّهُ كَانَ قَدِيمًا اشْتَرَى ... ذَلِكَ مِنْ ذَا الْمُشْتَرِي بِلَا مِرَا   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَلَا رُجُوعَ إلَخْ) أَيْ لَوْ ادَّعَى حَقًّا مَجْهُولًا فِي دَارٍ فَصُولِحَ عَلَى شَيْءٍ كَمِائَةِ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَاسْتُحِقَّ بَعْضُ الدَّارِ لَمْ يَرْجِعْ صَاحِبُ الدَّارِ بِشَيْءٍ مِنْ الْبَدَلِ عَلَى الْمُدَّعِي لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ دَعْوَاهُ فِيمَا بَقِيَ، وَإِنْ قَلَّ دُرَرٌ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ فَاسْتُحِقَّتْ الدَّارُ إلَّا ذِرَاعًا مِنْهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى سَهْمٍ شَائِعٍ كَرُبْعٍ أَوْ نِصْفٍ فَهُوَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمْ يَدَّعِ سَهْمًا مِنْهَا لِأَنَّ دَعْوَى حَقٍّ مَجْهُولٍ تَشْمَلُ السَّهْمَ وَالْجُزْءَ. نَعَمْ: لَوْ ادَّعَى سَهْمًا شَائِعًا يَكُونُ اسْتِحْقَاقُ الرُّبْعِ مَثَلًا وَارِدًا عَلَى رُبْعِ ذَلِكَ السَّهْمِ أَيْضًا فَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الرُّجُوعُ بِرُبْعِ بَدَلِ الصُّلْحِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ لِدُخُولِ الْمُدَّعَى فِي الْمُسْتَحَقِّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ فِيهِمَا قَالَ فِي الدُّرَرِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ أَخَذَ عِوَضَ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ (قَوْلُهُ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ إلَخْ) كَذَا ذَكَرَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ) لِأَنَّ الْمُصَالَحَ عَنْهُ سَاقِطٌ، فَهُوَ مِثْلُ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْمَجْهُولِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا لِمَا ذُكِرَ بِخِلَافِ عِوَضِ الصُّلْحِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَطْلُوبَ التَّسْلِيمِ اُشْتُرِطَ كَوْنُهُ مَعْلُومًا لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى الْمُنَازَعَةِ (قَوْلُهُ لِصِحَّتِهِ) أَيْ صِحَّةِ الصُّلْحِ (قَوْلُهُ لِجَهَالَةِ الْمُدَّعَى بِهِ) بَيَانٌ لِوَجْهِ عَدَمِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لِأَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ إذَا كَانَ مَجْهُولًا لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى حَتَّى لَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَدَّعِ إقْرَارَهُ بِهِ) أَيْ فَإِذَا ادَّعَى إقْرَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْحَقِّ الْمَجْهُولِ وَبَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ يُقْبَلُ أَيْ وَيُجْبَرُ الْمُقِرُّ عَلَى الْبَيَانِ كَمَا نَقَلَهُ ط عَنْ نُوحٍ (قَوْلُهُ بِحِصَّتِهِ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ شَيْءٌ مِنْهَا لِأَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَيْهِ ط (قَوْلُهُ لِفَوَاتِ سَلَامَةِ الْمُبْدَلِ) أَيْ الشَّيْءِ الَّذِي اُسْتُحِقَّ فَإِنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ لِلْمُصَالَحِ قَالَ فِي الدُّرَرِ: لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى مِائَةٍ وَقَعَ عَنْ كُلِّ الدَّارِ فَإِذَا اُسْتُحِقَّ مِنْهَا شَيْءٌ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ الْقَدْرَ فَيُرَدُّ بِحِسَابِهِ مِنْ الْعِوَضِ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَخْ) هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا وَرَدَ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى سَهْمٍ شَائِعٍ أَيْضًا كَرُبْعِهَا أَوْ نِصْفِهَا أَمَّا إذَا اُسْتُحِقَّ جَزْءٌ مُعَيَّنٌ مِنْهَا كَذِرَاعٍ مَثَلًا مِنْ مَوْضِعِ كَذَا فَالصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى رُبْعِهَا يَدْخُلُ فِيهِ رُبْعُ ذَلِكَ الْجُزْءِ الْمُسْتَحَقِّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ) بِأَنْ ادَّعَى الرُّبْعَ وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا الثُّمُنَ فَيَرْجِعُ بِحِصَّةِ الثُّمُنِ الْمُسْتَحَقِّ ط. (قَوْلُهُ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ) أَيْ بِأَصْلِ الْمُدَّعِي وَهُوَ الدَّنَانِيرُ ط (قَوْلُهُ وَفِيهَا فُرُوعٌ أُخَرُ فَلْتَنْظُرْ) مِنْهَا اسْتِحْقَاقُ بَعْضِ الْمَبِيعِ وَسَيَأْتِي وَمِنْهَا مَسَائِلُ أُخَرُ تَقَدَّمَتْ فِي فَصْلِ الْفُضُولِيِّ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا الْبَائِعُ هَاهُنَا ادَّعَى إلَخْ) أَيْ فَلَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَلَى بَائِعِهِ فَهُوَ أَيْضًا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بَزَّازِيَّةٌ. لَكِنْ هَذَا ظَاهِرٌ إذَا اتَّحَدَ الثَّمَنُ فَلَوْ زَادَ فَلَهُ الرُّجُوعُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 204 لَوْ اشْتَرَى خَرَابَةً وَأَنْفَقَا ... شَيْئًا عَلَى تَعْمِيرِهَا وَطَفِقَا ذَاكَ يُسَوِّي بَعْدَهَا آكَامَهَا ... ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَجُلٌ تَمَامَهَا فَالْمُشْتَرِي فِي ذَاكَ لَيْسَ رَاجِعًا ... عَلَى الَّذِي غَدَا لِتِلْكَ بَائِعًا وَلَا عَلَى ذَا الْمُسْتَحِقِّ مُطْلَقَا ... بِذَا الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا أَنْفَقَا وَإِنْ مَبِيعٌ مُسْتَحَقًّا ظَهَرَا ... ثُمَّ قَضَى الْقَاضِي عَلَى مَنْ اشْتَرَى بِهِ فَصَالَحَ الَّذِي ادَّعَاهُ ... صُلْحًا عَلَى شَيْءٍ لَهُ أَدَّاهُ يَرْجِعُ فِي ذَاكَ بِكُلِّ الثَّمَنِ ... عَلَى الَّذِي قَدْ بَاعَهُ فَاسْتَبِنِ وَفِي الْمُنْيَةِ شَرَى دَارًا وَبَنَى فِيهَا فَاسْتُحِقَّتْ رَجَعَ بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ مَبْنِيًّا عَلَى الْبَائِعِ إذَا سَلَّمَ النَّقْضَ إلَيْهِ   [رد المحتار] عَلَيْهِ بِالزِّيَادَةِ كَمَا قَالَهُ ط وَكَذَا لَوْ ادَّعَى إقْرَارَهُ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنِّي وَهِيَ حِيلَةٌ لَا مِنْ الْبَائِعِ غَائِلَةُ الرَّدِّ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَبَيَانُهَا أَنْ يُقِرَّ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ بَائِعِي قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنِّي اشْتَرَاهُ مِنِّي فَحِينَئِذٍ لَا يَرْجِعُ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ لِمَا قُلْنَا أَمَّا لَوْ قَالَ لَا أَرْجِعُ بِالثَّمَنِ إنْ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ فَظَهَرَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ، وَلَا يَعْمَلُ مَا قَالَهُ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَطَفِقَا ذَاكَ) أَيْ شَرَعَ وَاسْمُ الْإِشَارَةِ لِلْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ آكَامِهَا) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ جَمْعُ أَكَمَةٍ مُحَرَّكَةٌ التَّلُّ (قَوْلُهُ تَمَامَهَا) أَيْ الْخَرَابَةِ وَمَا بَنَاهُ فِيهَا (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) لَمْ يَظْهَرْ لِي الْمُرَادُ بِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِذَا الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا أَنْفَقَا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ رَاجِعًا الْمُقَدَّرُ فِي الْمَعْطُوفِ أَوْ الْمَذْكُورِ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَلَوْ قَدَّمَ هَذَا الشَّرْطَ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ لَكَانَ أَظْهَرَ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مُطْلَقًا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ بِمَا أَنْفَقَ، وَلَا بِالثَّمَنِ أَمَّا عَلَى الْبَائِعِ فَلَا رُجُوعَ بِمَا أَنْفَقَ فَقَطْ، وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِمَا أَنْفَقَ قِيمَةُ الْبِنَاءِ إنْ كَانَ بَنَى فِيهَا أَوْ أُجْرَةُ التَّسْوِيَةِ وَنَحْوُهَا كَمَا يَظْهَرُ مِمَّا يَأْتِي. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ إذَا صَارَ الْمَبِيعُ بِحَالٍ لَوْ كَانَ غَصْبًا لَمَلَكَهُ كَمَا لَوْ قَطَعَ الثَّوْبَ وَخَاطَهُ قَمِيصًا فَاسْتُحِقَّ الْقَمِيصُ أَوْ طَحَنَ الْبُرَّ فَاسْتُحِقَّ الدَّقِيقُ. وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ غَصَبَ أَرْضًا وَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ مَا قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْأَرْضِ هَلْ يَمْلِكُ الْأَرْضَ بِقِيمَتِهَا أَمْ يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ؟ وَالرَّدُّ إلَى الْمَالِكِ: أَفْتَى الْمُفْتِي أَبُو السُّعُودِ بِالثَّانِي، وَعَلَيْهِ يَظْهَرُ إطْلَاقُهُمْ هُنَا إمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَتُقَيَّدُ الْمَسْأَلَةُ بِمَا إذَا كَانَ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَقَلَّ وَإِلَّا كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ وَارِدًا عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ بِلَا رُجُوعٍ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ أَصْلًا فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ بِهِ) أَيْ بِالْمَبِيعِ أَوْ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ قُضِيَ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فَصَالَحَ عَائِدٌ عَلَى مَنْ اشْتَرَى وَاَلَّذِي ادَّعَاهُ وَهُوَ الْمُسْتَحَقُّ مَفْعُولُ صَالَحَ وَصُلْحًا مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ وَضَمِيرٌ لَهُ عَائِدٌ عَلَى الَّذِي (قَوْلُهُ يَرْجِعُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ صَارَ شَارِيًا لِلْمَبِيعِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ وَمَرَّ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ شَرَى دَارًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الشِّرَاءُ فَاسِدًا كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مُعَلَّلًا بِتَحَقُّقِ الْغُرُورِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَبَنَى فِيهَا) أَيْ مِنْ مَالِهِ فَلَوْ بَنَى بِنَقْضِهَا لَمْ يَرْجِعْ بِقِيمَتِهِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا بِمَا أَنْفَقَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ فَاسْتُحِقَّتْ) أَيْ الدَّارُ وَحْدَهَا دُونَ مَا بَنَاهُ فِيهَا (قَوْلُهُ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ مَبْنِيًّا) أَيْ يُقَوَّمُ مَبْنِيًّا فَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ لَا مَقْلُوعًا وَالْمُرَادُ بِالْبِنَاءِ مَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ وَتَسْلِيمُهُ كَمَا يَأْتِي فَلَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ مِنْ طِينٍ وَنَحْوِهِ وَلَا بِأُجْرَةِ الْبَانِي وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ عَلَى الْبَائِعِ) ثُمَّ هَذَا الْبَائِعُ يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ فَقَطْ لَا بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَعِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ إذَا سَلَّمَ النَّقْضَ إلَيْهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بَعْدَ مَا كَلَّفَهُ الْمُسْتَحِقُّ الْهَدْمَ فَهَدَمَهُ وَالْبَائِعُ غَائِبٌ، ثُمَّ سُلِّمَ نَقْضُهُ إلَى الْبَائِعِ وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا سَلَّمَهُ الْبِنَاءَ قَائِمًا فَهَدَمَهُ الْبَائِعُ ثُمَّ قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى النَّظَرِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 205 يَوْمَ تَسْلِيمِهِ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ فَبِالثَّمَنِ لَا غَيْرُ كَمَا لَوْ اُسْتُحِقَّتْ بِجَمِيعِ بِنَائِهَا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مَتَى وَرَدَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ مَثَلًا حَفَرَ بِئْرًا أَوْ نَقَّى الْبَلُّوعَةَ أَوْ رَمَّ مِنْ الدَّارِ شَيْئًا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِالْقِيمَةِ لَا بِالنَّفَقَةِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْخَرَابَةِ حَتَّى لَوْ كُتِبَ فِي الصَّكِّ فَمَا أَنْفَقَ الْمُشْتَرِي فِيهَا مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ رَمَّ فِيهَا مِنْ مَرَمَّةٍ فَعَلَى الْبَائِعِ يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا وَطَوَاهَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الطَّيِّ لَا بِقِيمَةِ الْحَفْرِ فَلَوْ شَرَطَاهُ فَسَدَ وَكَذَا لَوْ حَفَرَ سَاقِيَةً إنْ قَنْطَرَ عَلَيْهَا رَجَعَ بِقِيمَةِ بِنَاءِ الْقَنْطَرَةِ لَا بِنَفَقَةِ حَفْرِ السَّاقِيَةِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ إذَا بَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ بِقِيمَةِ مَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ وَتَسْلِيمُهُ إلَى الْبَائِعِ فَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ جِصٍّ وَطِينٍ   [رد المحتار] قُلْت: وَعَزَاهُ فِي الذَّخِيرَةِ إلَى عَامَّةِ الْكُتُبِ (قَوْلُهُ يَوْمَ تَسْلِيمِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقِيمَةٍ فَلَوْ سَكَنَ فِيهِ وَانْهَدَمَ بَعْضُهُ أَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ يَوْمَ التَّسْلِيمِ كَمَا بَسَطَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَنَقَلْنَاهُ فِي آخِرِ الْمُرَابَحَةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ فَبِالثَّمَنِ لَا غَيْرُ) وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَهُ إمْسَاكُ النَّقْضِ وَالرُّجُوعُ بِنُقْصَانِهِ أَيْضًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اُسْتُحِقَّتْ بِجَمِيعِ بِنَائِهَا) أَيْ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ لَا غَيْرُ وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْخَرَابَةِ السَّابِقَةِ (قَوْلُهُ لِمَا تَقَرَّرَ إلَخْ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إذَا وَرَدَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ عَلَى الْبَائِعِ وَالْبِنَاءُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي فَلَا يَرْجِعُ بِهِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا اُسْتُحِقَّ الْكُلُّ لَا يَقْدِرُ الْمُشْتَرِي أَنْ يُسَلِّمَ الْبِنَاءَ إلَى الْبَائِعِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ بِنَائِهِ مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الْبَائِعِ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ إلَخْ) أَيْ حُكْمَ الْقَاضِي بِالِاسْتِحْقَاقِ يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِالْقِيمَةِ: أَيْ بِقِيمَةِ مَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ وَتَسْلِيمُهُ كَمَا يَأْتِي لَا بِالنَّفَقَةِ أَيْ لَا بِمَا أَنْفَقَهُ وَهُوَ هُنَا أُجْرَةُ الْحَفْرِ وَالتَّرْمِيمِ بِطِينٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ وَتَسْلِيمُهُ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُسْتَحَقَّ لِجِهَةِ وَقْفٍ أَوْ مِلْكٍ وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ آخِرَ كِتَابِ الْوَقْفِ تُوهِمُ خِلَافَهُ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا هُنَاكَ (قَوْلُهُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْخَرَابَةِ) أَيْ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي النَّظْمِ وَهَذَا تَشْبِيهٌ، لِقَوْلِهِ لَا بِالنَّفَقَةِ إنْ كَانَ لَمْ يَبْنِ فِي الْخَرَابَةِ، وَإِنْ كَانَ بَنَى فِيهَا فَهُوَ تَمْثِيلٌ لِقَوْلِهِ كَمَا لَوْ اُسْتُحِقَّتْ إلَخْ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كُتِبَ فِي الصَّكِّ) أَيْ صَكِّ عَقْدِ الْبَيْعِ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا بِالنَّفَقَةِ (قَوْلُهُ فَعَلَى الْبَائِعِ) أَيْ إذَا ظَهَرَتْ مُسْتَحِقَّةً ط (قَوْلُهُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُلَائِمُهُ ط (وَقَوْلُهُ وَطَوَاهَا) أَيْ بَنَاهَا بِحَجَرٍ أَوْ آجُرٍّ (قَوْلُهُ لَا بِقِيمَةِ الْحَفْرِ) كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَالْأَظْهَرُ التَّعْبِيرُ بِنَفَقَةِ الْحَفْرِ لِأَنَّ الْحَفْرَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ (قَوْلُهُ فَلَوْ شَرَطَاهُ) أَيْ الرُّجُوعَ بِنَفَقَةِ الْحَفْرِ (قَوْلُهُ بِالْجُمْلَةِ) أَيْ وَأَقُولُ قَوْلًا مُلْتَبِسًا بِالْجُمْلَةِ أَيْ مُشْتَمِلًا عَلَى جُمْلَةِ مَا تَقَرَّرَ (قَوْلُهُ بِقِيمَةِ مَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ وَتَسْلِيمُهُ) أَيْ بَعْدَ أَنْ يُسَلِّمَهُ لِلْبَائِعِ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِأَنَّ الْبَائِعَ غَاصِبٌ فَلَوْ عَلِمَ لَمْ يَرْجِعْ لِأَنَّهُ مُغْتَرٌّ لَا مَغْرُورٌ بَزَّازِيَّةٌ وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتهَا مَبْنِيَّةً وَقَالَ الْمُشْتَرِي أَنَا بَنَيْتهَا فَأَرْجِعُ عَلَيْك فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ، لِأَنَّهُ مُنْكِرُ حَقِّ الرُّجُوعِ، وَلَوْ أَخَذَ دَارًا بِشُفْعَةٍ فَبَنَى ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مِنْهُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ لَا بِقِيمَةِ بِنَائِهِ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِرَأْيِهِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ، وَفِيهِ لَوْ أَضَرَّ الزَّرْعَ بِالْأَرْضِ فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَهُ لِلنُّقْصَانِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ إلَّا بِالثَّمَنِ. [تَنْبِيهٌ] نَظَمَ فِي الْمُحِبِّيَّةِ مَسْأَلَةً أُخْرَى وَعَزَاهَا شَارِحُهَا سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيُّ إلَى جَامِعِ الْفَتَاوَى وَهِيَ رَجُلٌ اشْتَرَى كَرْمًا فَقَبَضَهُ، وَتَصَرَّفَ فِيهِ ثَلَاثَ سِنِينَ، ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ وَبَرْهَنَ وَأَخَذَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، ثُمَّ طَلَبَ الْغَلَّةَ الَّتِي أَتْلَفَهَا الْمُشْتَرِي هَلْ يَجُوزُ رَدُّهُ أَمْ لَا؟ الْجَوَابُ فِيهِ يُوضَعُ مِنْ الْغَلَّةِ مِقْدَارُ مَا أَنْفَقَ فِي عِمَارَةِ الْكَرْمِ مِنْ قَطْعِ الْكَرْمِ وَإِصْلَاحِ السَّوَّاقِي وَبُنْيَانِ الْحِيطَانِ وَمَرَمَّتِهِ وَمَا فَضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَأْخُذُهُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ الْمُشْتَرِي اهـ وَبِهِ أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ أَيْضًا وَعَزَاهُ إلَى جَامِعِ الْفَتَاوَى، وَقَالَ بِمِثْلِهِ أَفْتَى الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ فِي فَتَاوَاهُ وَأَيْضًا أَبُو السُّعُودِ أَفَنْدِي مُفْتِي السَّلْطَنَةِ نَقْلًا عَنْ التَّوْفِيقِ كَمَا فِي صُورَةِ الْمَسَائِلِ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ وَنَقَلَهُ الْأَنْقِرَوِيُّ فِي فَتَاوَاهُ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 206 وَتَمَامُهُ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الْفُصُولَيْنِ: وَفِيهِ شَرَى كَرْمًا فَاسْتُحِقَّ نِصْفُهُ لَهُ رَدُّ الْبَاقِي إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ ثَمَرِهِ وَلَوْ شَرَى أَرْضَيْنِ فَاسْتُحِقَّتْ إحْدَاهُمَا إنْ قَبْلَ الْقَبْضِ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي وَإِنْ بَعْدَهُ لَزِمَهُ غَيْرُ الْمُسْتَحَقِّ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِلَا خِيَارٍ. وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ أَوْ الْبَقَرَةُ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا أَنْفَقَ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ ثِيَابُ الْقِنِّ أَوْ بَرْذعَةَ الْحِمَارِ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ وَكُلُّ شَيْءٍ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَكِنْ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِيهِ، قُنْيَةٌ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي الْأَخِيرِ كَانَ قَضَاءً عَلَى جَمِيعِ الْبَاعَةِ وَلِكُلٍّ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ   [رد المحتار] قُلْت: وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ مِثْلُ قِيمَةِ الْجِصِّ وَالطِّينِ، فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّ لِأَنَّ زَوَائِدَ الْمَغْصُوبِ مُتَّصِلَةٌ أَوْ مُنْفَصِلَةٌ تُضْمَنُ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَالْغَلَّةُ مِنْهُمَا، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ إذَا اقْتَطَعَ مِنْ الْغَلَّةِ مَا أَنْفَقَهُ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ الْغَلَّةَ إنَّمَا نَمَتْ وَصَلُحَتْ بِإِنْفَاقِهِ كَمَا فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى الدَّابَّةِ كَمَا يَأْتِي لَكِنْ كَانَ الْأَوْفَقُ الرُّجُوعَ عَلَى الْبَائِعِ، لِأَنَّهُ غَرَّ الْمُشْتَرِي فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَلَا صُنْعَ لِلْمُسْتَحِقِّ فِي ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسَ عَشَرَ) صَوَابُهُ السَّادِسَ عَشَرَ (قَوْلُهُ لَهُ رَدُّ الْبَاقِي) لِعَيْبِ الشَّرِكَةِ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ إلَخْ) لِأَنَّ ذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَرَى أَرَضِينَ إلَخْ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَبِيعِ فَلَوْ لَمْ يُمَيَّزْ إلَّا بِضَرَرٍ كَدَارٍ وَكَرْمٍ وَأَرْضٍ وَزَوْجَيْ خُفٍّ وَمِصْرَاعَيْ بَابٍ وَقِنٍّ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، وَإِلَّا فَلَا كَثَوْبَيْنِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الدَّارِ يَتَعَلَّقُ بَعْضُهَا بِبَعْضِ وَمَنْفَعَةُ الثَّوْبِ لَا تَتَعَلَّقُ بِمَنْفَعَةِ ثَوْبٍ آخَرَ اهـ. وَهَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلِذَا قَالَ بَعْدَهُ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ، وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي الْبَاقِي كَمَا مَرَّ سَوَاءٌ أَوْرَثَ الِاسْتِحْقَاقُ عَيْبًا فِي الْبَاقِي أَوْ لَا لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ وَكَذَا لَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْدَ قَبْضِهِ، سَوَاءٌ اُسْتُحِقَّ الْمَقْبُوضُ أَوْ غَيْرُهُ يُخَيَّرُ كَمَا مَرَّ لِمَا مَرَّ مِنْ التَّفَرُّقِ، وَلَوْ قُبِضَ كُلُّهُ فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهُ بَطَلَ الْبَيْعُ بِقَدْرِهِ ثُمَّ لَوْ وَرَّثَ الِاسْتِحْقَاقُ عَيْبًا فِيمَا بَقِيَ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي كَمَا مَرَّ وَلَوْ يُوَرِّثُ عَيْبًا فِيهِ كَثَوْبَيْنِ أَوْ قِنَّيْنِ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا أَوْ كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ أَوْ لَا يَضُرُّ تَبْعِيضُهُ فَالْمُشْتَرِي يَأْخُذُ الْبَاقِيَ بِلَا خِيَارٍ اهـ وَتَقَدَّمَ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ. (قَوْلُهُ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا أَنْفَقَ) أَيْ لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ قُنْيَةٌ وَفِيهَا أَيْضًا: اشْتَرَى إبِلًا مَهَازِيلَ فَعَلَفَهَا حَتَّى سَمِنَتْ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا أَنْفَقَهُ وَبِالْعَلَفِ اهـ وَنُقِلَ فِي الْحَامِدِيَّةِ بَعْدَهُ عَنْ الْقَاعِدِيَّةِ: اشْتَرَى بَقَرَةً وَسَمَّنَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِمَا زَادَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا وَبَنَى فِيهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ اهـ هَذَا يُنَاسِبُ مَسْأَلَةَ الْكَرْمِ الْمَارَّةَ آنِفًا لَكِنْ يُفِيدُ أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ كَمَا قُلْنَا وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ مِنْ عَدَمِ الرُّجُوعِ هُنَا أَظْهَرُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّسْمِينِ وَالْبِنَاءِ ظَاهِرٌ مِمَّا مَرَّ فَلِذَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ ثِيَابُ الْقِنِّ إلَخْ) فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ شَرَى أَرْضًا فِيهَا أَشْجَارٌ حَتَّى دَخَلَتْ بِلَا ذِكْرٍ فَاسْتُحِقَّتْ الْأَشْجَارُ قِيلَ: لَا حِصَّةَ لَهَا مِنْ الثَّمَنِ كَثَوْبِ قِنٍّ وَبَرْذَعَةِ حِمَارٍ، فَإِنَّ مَا يَدْخُلُ تَبَعًا لَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَقِيلَ الرِّوَايَةُ إنَّهُ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْأَشْجَارِ وَالْفَرْقُ أَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ فِي الْأَرْضِ، فَكَأَنَّهُ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْأَرْضِ، بِخِلَافِ الثِّيَابِ فَالتَّبَعِيَّةُ هُنَا أَقَلُّ وَلِذَا كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهَا لَوْ كَانَتْ ثِيَابَ مِثْلِهِ. ثُمَّ قَالَ أَقُولُ فِي الشَّجَرِ: وَكُلُّ مَا يَدْخُلُ تَبَعًا إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْدَ الْقَبْضِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ اهـ. قُلْت: وَيَدُلُّ لَهُ مَا نُقِلَ عَنْ شَرْحِ الْإِسْبِيجَابِيِّ الْأَوْصَافُ لَا قِسْطَ لَهَا مِنْ الثَّمَنِ إلَّا إذَا وَرَدَ عَلَيْهَا الْقَبْضُ وَالْأَوْصَافُ مَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِلَا ذِكْرٍ كَبِنَاءٍ وَشَجَرٍ فِي أَرْضٍ وَأَطْرَافٍ فِي حَيَوَانٍ وَجَوْدَةٍ فِي الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ وَعَنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ الْبِنَاءُ وَإِنْ كَانَ تَبَعًا إذَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الشِّرَاءِ، لَكِنْ إذَا قُبِضَ يَصِيرُ مَقْصُودًا وَيَصِيرُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ اهـ وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَضَعَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَصْلًا كُلُّ شَيْءٍ إذَا بِعْته وَحْدَهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِذَا بِعْته مَعَ غَيْرِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 207 بِلَا إعَادَةِ بَيِّنَةٍ لَكِنْ لَا يَرْجِعُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهُ أَنْ يَرْجِعَ قَالَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ لَوْ أَبْرَأَ الْأَوَّلَ مِنْ الثَّمَنِ كَانَ لِلْأَوَّلِ الرُّجُوعُ كَمَا لَوْ وُجِدَ الْعَبْدُ حُرًّا فَلِكُلٍّ الرُّجُوعُ قَبْلَهُ خَانِيَّةٌ لَكِنْ فِي الْفُصُولَيْنِ مَا يُخَالِفُهُ فَتَنَبَّهْ. وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ بِمَالٍ أَخَذَهُ مِنْهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ لَمْ يَرْجِعْ الْمُسْتَحِقُّ بِالْمَالِ عَلَى الْمُعْتِقِ وَلَوْ شَرَى دَارًا بِعَبْدٍ وَأُخِذَتْ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ وَيَأْخُذُ الْبَائِعُ الدَّارَ مِنْ الشَّفِيعِ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [رد المحتار] جَازَ فَإِذَا اُسْتُحِقَّ ذَلِكَ الشَّيْءُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَكُلُّ شَيْءٍ إذَا بِعْته وَحْدَهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ فَإِذَا بِعْته مَعَ غَيْرِهِ فَاسْتُحِقَّ كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ اهـ. قُلْت: فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ مَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْدَ الْقَبْضِ كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ، فَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِحِصَّتِهِ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَحْدَهُ كَالشِّرْبِ، فَلَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْأَخْذِ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَالتَّرْكِ، وَإِنْ جَازَ بَيْعُهُ وَحْدَهُ كَالشَّجَرِ وَثَوْبِ الْقِنِّ كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ، فَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْبَائِعِ وَهَذَا إذَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْبَيْعِ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ إذَا ذُكِرَ الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ كَانَا مَبِيعَيْنِ قَصْدًا لَا تَبَعًا، حَتَّى لَوْ فَاتَا قَبْلَ الْقَبْضِ يَأْخُذُ الْأَرْضَ بِحِصَّتِهَا، وَلَا خِيَارَ لَهُ وَلَوْ احْتَرَقَا أَوْ قَلَعَهُمَا ظَالِمٌ قَبْلَ الْقَبْضِ يَأْخُذُهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ تَرَكَ وَلَا يَأْخُذُ بِالْحِصَّةِ، بِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْهَلَاكِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَهُوَ عَلَى الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ بِلَا إعَادَةِ بَيِّنَةٍ) أَيْ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ وَهَذَا إذَا كَانَ الرُّجُوعُ عِنْدَ الْقَاضِي الَّذِي حَكَمَ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِذَلِكَ فَلَوْ نَسِيَ أَوْ كَانَ عِنْدَ غَيْرِهِ لَا بُدَّ مِنْ الْإِعَادَةِ كَمَا أَفَادَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ لَوْ أَبْرَأَ الْأَوَّلَ مِنْ الثَّمَنِ) أَيْ بِأَنْ حَكَمَ الْقَاضِي بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَحَكَمَ لِلْمُشْتَرِي الْأَخِيرِ بِالرُّجُوعِ عَلَى الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ، ثُمَّ أَبْرَأَهُ فَلِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ أَوَائِلَ الْبَابِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَنَقَلْنَا قَبْلَهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَهُ الْبَائِعُ عَنْ الثَّمَنِ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ، لِأَنَّهُ لَا ثَمَنَ لَهُ عَلَى بَائِعِهِ وَكَذَا لَا رُجُوعَ لِبَقِيَّةِ الْبَاعَةِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْفُصُولَيْنِ مَا يُخَالِفُهُ) الَّذِي فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الِاسْتِحْقَاقِ الْمُبْطِلِ وَالنَّاقِلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَتْنِ أَوَّلَ الْبَابِ. وَهَذَا لَا يُخَالِفُ الْمَنْقُولَ هُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الْمُخَالَفَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِبْرَاءِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ مُخَالَفَةً لِمَا هُنَا أَيْضًا بَلْ فِيهِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ إبْرَاءِ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ وَبَيْنَ إبْرَاءِ الْبَائِعِ الْمُشْتَرِيَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا وَقَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ. (قَوْلُهُ لَمْ يَرْجِعْ الْمُسْتَحِقُّ بِالْمَالِ عَلَى الْمُعْتِقِ) كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَالِ مَا كَانَ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ، لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ ظَهَرَ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ الْمُعْتِقَ غَاصِبٌ لِلْعَبْدِ وَالْغَاصِبُ يَمْلِكُ كَسْبَ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ أَمَّا لَوْ كَانَ الْمَالُ لِلْمَوْلَى مَعَ الْعَبْدِ فَأَعْتَقَهُ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ لِلْمُسْتَحِقِّ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى الْمُعْتِقِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأُخِذَتْ بِالشُّفْعَةِ) أَيْ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ أَوْ بِعَيْنِهِ إنْ وَصَلَ إلَى الشَّفِيعِ بِجِهَةٍ ط (قَوْلُهُ وَيَأْخُذُ الْبَائِعُ الدَّارَ مِنْ الشَّفِيعِ) أَيْ وَيَرْجِعُ الشَّفِيعُ بِمَا دَفَعَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْبَائِعِ (قَوْلُهُ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ ط وَالتَّعْلِيلُ بِذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْقُنْيَةِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ يُبْطِلُ الْبَيْعَ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ اسْتِحْقَاقُ بَدَلِ الْمَبِيعِ يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ قَائِمًا وَبِقِيمَتِهِ هَالِكًا وَفِيهِ أَيْضًا إذَا اُسْتُحِقَّ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ فِي الْمُقَايَضَةِ وَهَلَكَ الْبَدَلُ الْآخَرُ تَجِبُ قِيمَةُ الْهَالِكِ لَا قِيمَةُ الْمُسْتَحَقِّ لِانْتِقَاضِ الْبَيْعِ اهـ وَفِي حَاشِيَةِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ هَذَا يَدُلُّ بِإِطْلَاقِهِ عَلَى مَا لَوْ بَاعَهُ الْمُقَايِضُ لِغَيْرِهِ وَسَلَّمَهُ لَهُ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بَدَلُهُ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِ الْمُقَايِضِ لِلثَّانِي أَنْ يَرْجِعَ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْهُ لِانْتِقَاضِ الْبَيْعِ، وَمِنْ لَوَازِمِهِ رُجُوعُهُ إلَى مِلْكِهِ فَإِذَا رَجَعَ عَلَيْهِ وَأَخَذَ مِنْهُ يَرْجِعُ هُوَ بِمَا دَفَعَ لِبَائِعِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَتُسْمَعُ دَعْوَى مَالِكِ الْمَبِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِغَيْبَةِ بَائِعِهِ لِدَعْوَاهُ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ، فَيَنْتَصِبُ خَصْمًا لِلْمُدَّعِي وَهُوَ وَاقِعَةِ الْحَالِ فِي مُقَابَضَةِ بَهِيمٍ بِبَهِيمٍ وَتَقَابَضَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 208 بَابُ السَّلَمِ (هُوَ) لُغَةً كَالسَّلَفِ وَزْنًا وَمَعْنًى وَشَرْعًا (بَيْعُ آجِلٍ) وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ (بِعَاجِلٍ) وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ (وَرُكْنُهُ رُكْنُ الْبَيْعِ) حَتَّى يَنْعَقِدَ بِلَفْظِ بَيْعٍ فِي الْأَصَحِّ (وَيُسَمَّى صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ رَبُّ السَّلَمِ وَالْمُسْلِمُ) بِكَسْرِ اللَّامِ (وَ) يُسَمَّى (الْآخَرُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَالْحِنْطَةُ مَثَلًا الْمُسْلَمُ فِيهِ) وَالثَّمَنُ رَأْسُ الْمَالِ (وَحُكْمُهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَلِرَبِّ السَّلَمِ فِي الثَّمَنِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ) فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ (وَيَصِحُّ فِيمَا أَمْكَنَ ضَبْطُ صِفَتِهِ) كَجَوْدَتِهِ وَرَدَاءَتِهِ (وَمَعْرِفَةُ قَدْرِهِ كَمَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ وَ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ (مُثَمَّنٍ) الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ فَلَمْ يَجُزْ فِيهَا السَّلَمُ خِلَافًا لِمَالِكٍ   [رد المحتار] وَبَاعَ أَحَدُهُمَا مَا فِي يَدِهِ وَسَلَّمَ فَاسْتُحِقَّ مِنْ مُشْتَرِيهِ وَلَمْ أَرَ فِيهَا صَرِيحَ النَّقْلِ غَيْرَ مَا هُنَا لَكِنْ مُجَرَّدُ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يُوجِبُ نَقْضَ الْبَيْعِ وَفَسْخَهُ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِيهَا. [خَاتِمَةٌ] لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ مَا إذَا وَرَدَ الِاسْتِحْقَاقُ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ كَمَوْتِ الدَّابَّةِ مَثَلًا وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى وَقَدْ أَجَبْت بِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى قِيمَتِهَا يَوْمَ الشِّرَاءِ فَيَضْمَنُ الْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ وَيَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ لَا بِمَا ضَمِنَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ غَاصِبُ الْغَاصِبِ وَقَدْ صَرَّحُوا فِي الْغَصْبِ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا ضَمِنَ الْقِيمَةَ يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ لِأَنَّ رَدَّ الْقِيمَةِ كَرَدِّ الْعَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ السَّلَمِ] ِ شُرُوعٌ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ أَوْ قَبْضُهُمَا كَالصَّرْفِ، وَقَدَّمَ السَّلَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُفْرَدِ مِنْ الْمُرَكَّبِ رَخَّصَ بِاسْمِ السَّلَمِ لِتَحْقِيقِ إيجَابِ التَّسْلِيمِ شَرْعًا فِيمَا صَدَقَ عَلَيْهِ أَعْنِي تَسْلِيمَ رَأْسِ الْمَالِ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لُغَةً (قَوْلُهُ بَيْعُ آجِلٍ بِعَاجِلٍ) كَذَا عَرَّفَهُ فِي الْفَتْحِ، وَاعْتَرَضَ عَلَى مَا فِي السِّرَاجِ وَالْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّهُ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ تَحْرِيفٌ مِنْ النُّسَّاخِ وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ: بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ، وَالْأَصْلُ أَخْذُ آجِلٍ بِعَاجِلٍ. قُلْت: وَفِيهِ أَنَّ الْقَلْبَ لَا يَسُوغُ لِغَيْرِ الْبُلَغَاءِ لِأَجْلِ نُكْتَةٍ بَيَانِيَّةٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلَا سِيَّمَا فِي التَّعَارِيفِ، وَيَظْهَرُ لِي الْجَوَابُ بِأَنَّهُ نَاظِرٌ إلَى ابْتِدَائِهِ مِنْ جَانِبِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَيْ أَخْذُ ثَمَنٍ عَاجِلٍ، وَيُؤَيِّدُهُ كَوْنُ السَّلَمِ كَالسَّلَفِ مُشْعِرًا بِالتَّقَدُّمِ أَوْ لَا، فَالْمُنَاسِبُ الِابْتِدَاءُ بِالْعَاجِلِ وَهُوَ الثَّمَنُ ثُمَّ رَأَيْت فِي النَّهْرِ عَنْ الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ مَا يُوَافِقُ مَا قُلْنَا حَيْثُ قَالَ: يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَخْذُ ثَمَنٍ عَاجِلٍ بِآجِلٍ بِقَرِينَةِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ إذَا الْأَصْلُ هُوَ عَدَمُ التَّغْيِيرِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ بِدَلِيلٍ اهـ. وَيَظْهَرُ لِي أَيْضًا أَنَّ الْأَوْلَى فِي تَعْرِيفِهِ أَنْ يُقَالَ شِرَاءُ آجِلٍ بِعَاجِلٍ لِأَنَّ السَّلَمَ اسْمٌ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِسْلَامَ صِفَةٌ، فَهُوَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ أَصَالَةً وَلِذَا سَمَّوْهُ رَبَّ السَّلَمِ أَيْ صَاحِبَهُ، فَالْمُنَاسِبُ بِنَاءُ التَّعْرِيفِ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى، وَهُوَ الشِّرَاءُ الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ بِالْإِسْلَامِ الصَّادِرِ مِنْ رَبِّ السَّلَمِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الصَّادِرِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، وَمِثْلُهُ الْأَخْذُ لِعَدَمِ إشْعَارِ اشْتِقَاقِ اللَّفْظِ بِهِمَا (قَوْلُهُ وَرُكْنُهُ رُكْنُ الْبَيْعِ) مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ (قَوْلُهُ حَتَّى يَنْعَقِدَ إلَخْ) وَكَذَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ بِلَفْظِ السَّلَمِ وَلَمْ يَحْكِ فِي الْقُنْيَةِ فِيهِ خِلَافًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَيَصِحُّ فِيمَا أَمْكَنَ ضَبْطُ صِفَتِهِ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَهُوَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْوَصْفِ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ ضَبْطُهُ بِهِ يَكُونُ مَجْهُولًا جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، فَلَا يَجُوزُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ كَمَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ) فَلَوْ أَسْلَمَ فِي الْمَكِيلِ وَزْنًا كَمَا إذَا أَسْلَمَ فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ بِالْمِيزَانِ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْمُعْتَمَدُ الْجَوَازُ لِوُجُودِ الضَّبْطِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ أَسْلَمَ فِي الْمَوْزُونِ كَيْلًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَجُزْ فِيهَا السَّلَمُ) لَكِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 (وَعَدَدِيٍّ مُتَقَارِبٍ كَجَوْزٍ وَبَيْضٍ وَفَلْسٍ) وَكُمَّثْرَى وَمِشْمِشٍ وَتِينٍ (وَلَبِنٍ) بِكَسْرِ الْبَاءِ (وَآجُرٍّ بِمِلْبَنٍ مُعَيَّنٍ) بُيِّنَ صِفَتُهُ وَمَكَانُ ضَرْبِهِ خُلَاصَةٌ وَذَرْعِيٍّ كَثَوْبٍ بُيِّنَ قَدْرُهُ طُولًا وَعَرْضًا (وَصَنْعَتُهُ) كَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ وَمُرَكَّبٍ مِنْهُمَا (وَصِفَتُهُ) كَعَمَلِ الشَّامِ أَوْ مِصْرَ أَوْ زَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو (وَرِقَّتُهُ) أَوْ غِلَظُهُ (وَوَزْنُهُ إنْ بِيعَ بِهِ) فَإِنَّ الدِّيبَاجَ كُلَّمَا ثَقُلَ وَزْنُهُ زَادَتْ قِيمَتُهُ   [رد المحتار] إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَيْضًا كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلًا اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهَا كَثَوْبٍ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لَا يَصِحُّ سَلَمًا اتِّفَاقًا، وَهَلْ يَنْعَقِدُ بَيْعًا فِي الثَّوْبِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ: يَنْعَقِدُ وَعِيسَى بْنُ أَبَانَ لَا وَهُوَ الْأَصَحُّ نَهْرٌ وَهَذَا صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ الْأَوَّلَ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِمَا هُوَ سَاقِطٌ جِدًّا كَمَا أَوْضَحْته فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَعَدَدِيٍّ مُتَقَارِبٍ) الْفَاصِلُ بَيْنَ الْمُتَفَاوِتِ وَالْمُتَقَارِبِ أَنَّ مَا ضُمِنَ مُسْتَهْلَكُهُ بِالْمِثْلِ، فَهُوَ مُتَقَارِبٌ وَبِالْقِيمَةِ يَكُونُ مُتَفَاوِتًا بَحْرٌ عَنْ الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ كَجَوْزٍ) أَيْ جَوْزِ الشَّامِ بِخِلَافِ جَوْزِ الْهِنْدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَبَيْضٍ) ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ بَيْضَ النَّعَامِ مِنْ الْمُتَقَارِبِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ، وَالْوَجْهُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى الْغَرَضِ فِي الْعُرْفِ، فَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ مِنْهُ الْأَكْلَ فَقَطْ كَعُرْفِ أَهْلِ الْبَوَادِي وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْأَوَّلِ أَوْ الْقَشْرُ لِيُتَّخَذَ فِي سَلَاسِلِ الْقَنَادِيلِ كَمَا فِي مِصْرَ وَغَيْرِهَا وَجَبَ الْعَمَلُ بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَوَجَبَ مَعَ ذِكْرِ الْعَدَدِ تَعْيِينُ الْمِقْدَارِ وَاللَّوْنِ مَعَ لِقَاءِ الْبَيَاضِ وَإِهْدَارِهِ فِي الْفَتْحِ، وَأَجَازُوهُ فِي الْبَاذِنْجَانِ وَالْكَاغَدِ عَدَدًا وَحَمَلَهُ فِي الْفَتْحِ عَلَى بَاذِنْجَانِ دِيَارِهِمْ وَفِي دِيَارِنَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَعَلَى كَاغَدٍ بِقَالِبٍ خَاصٍّ وَإِلَّا لَا يَجُوزُ اهـ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْوَرَقِ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطُ مِنْهُ ضَرْبٌ مَعْلُومُ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالْجَوْدَةِ (قَوْلُهُ وَفَلْسٍ) الْأَوْلَى وَفُلُوسٍ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ لَا اسْمُ جِنْسٍ قِيلَ وَفِيهِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ لِمَنْعِهِ بَيْعَ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ كَقَوْلِهِمَا وَبَيَانُ الْفَرْقِ فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ بِكَسْرِ الْبَاءِ) أَيْ الْمُوَحَّدَةِ وَقَدْ تُخَفَّفُ فَيَصِيرُ كَحِمْلٍ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَهُوَ الطُّوبُ النِّيءُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَآجُرٍّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَعَ الْمَدِّ أَشْهَرُ مِنْ التَّخْفِيفِ وَهُوَ اللَّبَنُ إذَا طُبِخَ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ بِمِلْبَنٍ) كَمِنْبَرٍ قَالِبُ الطِّينِ قَامُوسٌ فَهُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ. وَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الصِّحَاحِ مِنْ أَنَّهُ بِكَسْرِ الْبَاءِ فَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي الصِّحَاحِ بَلْ الَّذِي فِيهِ الْمِلْبَنُ قَالِبُ اللَّبِنِ وَالْمِلْبَنُ الْمَحْلَبُ (قَوْلُهُ بُيِّنَ صِفَتُهُ وَمَكَانُ ضَرْبِهِ خُلَاصَةٌ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ عِبَارَةَ الْخُلَاصَةِ وَلَا بَأْسَ فِي السَّلَمِ فِي اللَّبِنِ وَالْآجُرِّ إذَا بَيَّنَ الْمِلْبَنَ وَالْمَكَانَ وَذَكَرَ عَدَدًا مَعْلُومًا. وَالْمَكَانُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: مَكَانُ الْإِيفَاءِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَكَانُ الَّذِي يُضْرَبُ فِيهِ اللَّبِنُ اهـ أَيْ لِاخْتِلَافِ الْأَرْضِ رَخَاوَةً وَصَلَابَةً وَقُرْبًا وَبُعْدًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمِلْبَنَ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ صِفَتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مَعْلُومًا، وَيُعْلَمُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ بِذِكْرِ طُولِهِ وَعَرْضِهِ وَسُمْكِهِ (قَوْلُهُ وَذَرْعِيٍّ كَثَوْبٍ إلَخْ) وَكَالْبُسُطِ وَالْحُصْرِ وَالْبَوَارِي كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَأَرَادَ بِالثَّوْبِ غَيْرَ الْمِخْيَطِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا فِي الْجُلُودِ عَدَدًا وَكَذَا الْأَخْشَابُ وَالْجُوَالِقَاتُ وَالْفِرَاءُ وَالثِّيَابُ الْمَخِيطَةُ وَالْخِفَافُ وَالْقَلَانِسُ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ الْعَدَدَ لِقَصْدِ التَّعَدُّدِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ ضَبْطًا لِلْكَمْيَّةِ، ثُمَّ يَذْكُرَ مَا يَقَعُ بِهِ الضَّبْطُ كَأَنْ يَذْكُرَ فِي الْجُلُودِ مِقْدَارًا مِنْ الطُّولِ وَالْعَرْضِ بَعْدَ النَّوْعِ كَجُلُودِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ إلَخْ (قَوْلُهُ بُيِّنَ قَدْرُهُ) أَيْ كَوْنُهُ كَذَا ذِرَاعًا فَتْحٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلثَّوْبِ لَا لِلذِّرَاعِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ أَطْلَقَ الذِّرَاعَ فَلَهُ الْوَسَطُ وَفِي الذَّخِيرَةِ اخْتَلَفُوا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَهُ ذِرَاعُ وَسَطٍ فَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَصْدَرُ أَيْ فِعْلُ الذَّرْعِ فَلَا يَمُدُّ كُلَّ الْمَدِّ وَلَا يُرْخِي كُلَّ الْإِرْخَاءِ وَقِيلَ الْآلَةُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ كَقُطْنٍ) فِيهِ أَنَّ هَذَا جِنْسٌ وَالصِّفَةُ كَأَصْغَرَ وَمُرَكَّبٍ مِنْهُمَا كَالْمُلْحَمِ ط عَنْ الْمِنَحِ وَفَسَّرَ الصِّفَةَ فِي الدُّرَرِ بِالرِّقَّةِ وَالْغِلَظِ لَكِنَّهُ لَا يُنَاسِبُ الْمَتْنَ (قَوْلُهُ فَإِنَّ الدِّيبَاجَ) هُوَ ثَوْبٌ سُدَاهُ وَلُحْمَتُهُ إبْرَيْسَمٌ بِكَسْرِ الدَّالِ أَصْوَبُ مِنْ فَتْحِهَا مِصْبَاحٌ، وَهُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 وَالْحَرِيرَ كُلَّمَا خَفَّ وَزْنُهُ زَادَتْ قِيمَتُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ مَعَ الذَّرْعِ (لَا) يَصِحُّ (فِي) عَدَدِيٍّ (مُتَفَاوِتٍ) هُوَ مَا تَتَفَاوَتُ مَالِيَّتُهُ (كَبِطِّيخٍ وَقَرْعٍ) وَدُرٍّ وَرُمَّانٍ فَلَمْ يَجُزْ عَدَدًا بِلَا مُمَيِّزٍ وَمَا جَازَ عَدًّا جَازَ كَيْلًا وَوَزْنًا نَهْرٌ (وَيَصِحُّ فِي سَمَكٍ مَلِيحٍ) وَمَالِحٌ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ (وَ) فِي طَرِيٍّ (حِينَ يُوجَدُ وَزْنًا وَضَرْبًا) أَيْ نَوْعَا قَيْدٍ لَهُمَا (لَا عَدَدًا) لِلتَّفَاوُتِ (وَلَوْ صِغَارًا جَازَ وَزْنًا وَكَيْلًا) وَفِي الْكِبَارِ رِوَايَتَانِ مُجْتَبَى (لَا فِي حَيَوَانٍ مَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَأَطْرَافِهِ) كَرُءُوسٍ وَأَكَارِعَ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَجَازَ وَزْنًا فِي رِوَايَةٍ (وَ) لَا فِي (حَطَبٍ)   [رد المحتار] نَوْعٌ مِنْ الْحَرِيرِ (قَوْلُهُ وَالْحَرِيرُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: هَذَا عُرْفُهُمْ وَعُرْفُنَا ثِيَابُ الْحَرِيرِ أَيْضًا وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْكَمْخَاءِ كُلَّمَا ثَقُلَتْ زَادَتْ الْقِيمَةُ. فَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْوَزْنِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْقِيمَةُ تَزِيدُ بِالثِّقَلِ أَوْ بِالْخِفَّةِ اهـ (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ مَعَ الذَّرْعِ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ ذَكَرَ الْوَزْنَ بِدُونِ الذَّرْعِ لَا يَجُوزُ وَقَيَّدَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ بِمَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ لِكُلِّ ذِرَاعٍ ثَمَنًا فَإِنْ بَيَّنَهُ جَازَ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَهْرٌ (قَوْلُهُ مَا تَتَفَاوَتُ مَالِيَّتُهُ) أَيْ مَالِيَّةُ أَفْرَادِهِ (قَوْلُهُ بِلَا مُمَيِّزٍ) أَيْ بِلَا ضَابِطٍ غَيْرِ مُجَرَّدِ الْعَدَدِ كَطُولٍ وَغِلَظٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَمَا جَازَ عَدًّا جَازَ كَيْلًا وَوَزْنًا) وَمَا يَقَعُ مِنْ التَّخَلْخُلِ فِي الْكَيْلِ بَيْنَ كُلٍّ نَحْوَ بَيْضَتَيْنِ مُغْتَفَرٌ لِرِضَا رَبِّ السَّلَمِ بِذَلِكَ، حَيْثُ أَوْقَعَ الْعَقْدَ عَلَى مِقْدَارِ مَا يَمْلَأُ هَذَا الْكَيْلَ مَعَ تَخَلْخُلِهِ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ ذَلِكَ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا إذَا قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا، وَالْمَعْدُودُ لَيْسَ مِنْهَا وَإِنَّمَا كَانَ بِاصْطِلَاحِهِمَا، فَلَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مَكِيلًا مُطْلَقًا لِيَكُونَ رِبَوِيًّا وَإِذَا أَجَزْنَاهُ كَيْلًا فَوَزْنًا أَوْلَى فَتْحٌ. وَكَذَا مَا جَازَ كَيْلًا جَازَ وَزْنًا وَبِالْعَكْسِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِوُجُودِ الضَّبْطِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ فِيهِ عُرْفٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الرِّبَا قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَالْمُعْتَبَرُ تَعْيِينُ الرِّبَوِيِّ (قَوْلُهُ وَيَصِحُّ فِي سَمَكٍ مَلِيحٍ) فِي الْمُغْرِبِ سَمَكٌ مَلِيحٌ وَمَمْلُوحٌ وَهُوَ الْقَدِيدُ الَّذِي فِيهِ الْمِلْحُ (قَوْلُهُ وَمَالِحٌ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ) كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَذَكَرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ مَاءٌ مَالِحٌ لُغَةٌ حِجَازِيَّةٌ وَاسْتَشْهَدَ لَهَا وَأَطَالَ. (قَوْلُهُ وَفِي طَرِيٍّ حِينَ يُوجَدُ) فَإِنْ كَانَ يَنْقَطِعُ فِي بَعْضِ السَّنَةِ كَمَا قِيلَ إنَّهُ يَنْقَطِعُ فِي الشِّتَاءِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ: أَيْ لِانْجِمَادِ الْمَاءِ فَلَا يَنْعَقِدُ فِي الشِّتَاءِ وَلَوْ أَسْلَمَ فِي الصَّيْفِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ لَا يَبْلُغُ الشِّتَاءَ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا خَيْرَ فِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ إلَّا فِي حِينِهِ يَعْنِي أَنْ يَكُونَ السَّلَمُ مَعَ شُرُوطِهِ مَعَ حِينِهِ كَيْ لَا يَنْقَطِعَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَالْحُلُولِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يَنْقَطِعُ جَازَ مُطْلَقًا وَزْنًا لَا عَدَدًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفَاوُتِ فِي آحَادِهِ فَتْحٌ أَمَّا الْمَلِيحُ فَإِنَّهُ يُدَّخَرُ وَيُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ فَلَا يَنْقَطِعُ، حَتَّى لَوْ كَانَ يَنْقَطِعُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لَا يَجُوزُ فِيهِ كَمَا أَفَادَهُ ط وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِي بِلَادٍ يُوجَدُ فِيهَا، أَمَّا فِي مِثْلِ بِلَادِنَا فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ إلَّا نَادِرًا (قَوْلُهُ جَازَ وَزْنًا وَكَيْلًا) أَيْ بَعْدَ بَيَانِ النَّوْعِ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ ط. (قَوْلُهُ وَفِي الْكِبَارِ) أَيْ وَزْنًا وَلَا يَجُوزُ كَيْلًا رِوَايَةً وَاحِدَةً أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ ط (قَوْلُهُ رِوَايَتَانِ) وَالْمُخْتَارُ الْجَوَازُ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ السِّمَنَ وَالْهُزَالَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيهِ عَادَةً، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي لَحْمِ الْكِبَارِ مِنْهُ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ وَفِي الْفَتْحِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْكِبَارِ الَّتِي تُقْطَعُ كَمَا يُقْطَعُ اللَّحْمُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي لَحْمِهَا اعْتِبَارًا بِالسَّلَمِ فِي اللَّحْمِ اهـ (قَوْلُهُ لَا فِي حَيَوَانٍ مَا) أَيْ دَابَّةً كَانَ أَوْ رَقِيقًا وَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَجْنَاسِهِ، حَتَّى الْحَمَامُ وَالْقُمْرِيُّ وَالْعَصَافِيرُ هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ مُحَمَّدٍ، إلَّا أَنَّهُ يَخُصُّ مِنْ عُمُومِهِ السَّمَكَ نَهْرٌ قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَكِنْ فِي الْفَتْحِ إنْ شُرِطَتْ حَيَاتُهُ أَيْ السَّمَكِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ صِحَّتَهُ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ وَالْمِنَحِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) وَمَعَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَطَالَ فِي الْفَتْحِ فِي تَرْجِيحِ أَدِلَّةِ الْمَذْهَبِ الْمَنْقُولَةِ وَالْمَعْقُولَةِ ثُمَّ ضَعَّفَ الْمَعْقُولَةَ وَحَطَّ كَلَامَهُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ النَّهْيُ الْوَارِدُ فِي السُّنَّةِ كَمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ أَيْ فَهُوَ تَعَبُّدِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَكَارِعَ) جَمْعُ كُرَاعٍ وَهُوَ مَا دُونَ الرُّكْبَةِ فِي الدَّوَابِّ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَجَازَ وَزْنًا فِي رِوَايَةٍ) فِي السِّرَاجِ لَوْ أَسْلَمَ فِيهِ وَزْنًا اخْتَلَفُوا فِيهِ نَهْرٌ. وَاخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَعِنْدِي لَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ وَزْنًا بَعْدَ ذِكْرِ النَّوْعِ، وَبَاقِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 211 بِالْحُزَمِ وَرَطْبَةٍ بِالْجُرَزِ إلَّا إذَا ضُبِطَ بِمَا لَا يُؤَدِّي إلَى نِزَاعٍ وَجَازَ وَزْنًا فَتْحٌ (وَجَوْهَرٍ وَخَرَزٍ إلَّا صِغَارَ لُؤْلُؤٍ تُبَاعُ وَزْنًا) لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْلَمُ بِهِ (وَمُنْقَطِعٍ) لَا يُوجَدُ فِي الْأَسْوَاقِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إلَى وَقْتِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَوْ انْقَطَعَ فِي إقْلِيمٍ دُونَ آخَرَ لَمْ يَجُزْ فِي الْمُنْقَطِعِ وَلَوْ انْقَطَعَ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ خُيِّرَ رَبُّ السَّلَمِ بَيْنَ انْتِظَارِ وُجُودِهِ وَالْفَسْخِ وَأَخْذِ رَأْسِ مَالِهِ (وَلَحْمٍ وَلَوْ مَنْزُوعَ عَظْمٍ) وَجَوَّزَاهُ إذَا بُيِّنَ وَصْفُهُ وَمَوْضِعُهُ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مَعْلُومٌ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بَحْرٌ وَشَرْحُ مَجْمَعٍ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمَنْزُوعِ بِلَا خِلَافٍ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْمَنْزُوعِ فَتَنَبَّهْ لَكِنْ صَرَّحَ غَيْرُهُ بِالرِّوَايَتَيْنِ فَتَدَبَّرْ وَلَوْ حَكَمَ بِجَوَازِهِ صَحَّ اتِّفَاقًا بَزَّازِيَّةٌ   [رد المحتار] الشُّرُوطِ فَإِنَّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَحِينَئِذٍ لَا تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ بِالْحُزَمِ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الزَّايِ جَمْعُ حُزْمَةٍ فِي الْقَامُوسِ حَزَمَهُ يَحْزِمُهُ شَدَّهُ، وَالْحُزْمَةُ بِالضَّمِّ مَا حُزِمَ (قَوْلُهُ وَرَطْبَةٍ) هِيَ الْقَضْبَةُ خَاصَّةً قَبْلَ أَنْ تَجِفَّ وَالْجَمْعُ رِطَابٍ مِثْلُ كَلْبَةٍ وَكِلَابٍ وَالرُّطْبُ وِزَانُ قُفْلٍ الْمَرْعَى الْأَخْضَرُ مِنْ بُقُولِ الرَّبِيعِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ الرُّطْبَةُ وِزَانُ غُرْفَةٍ الْخَلَا وَهُوَ الْغَضُّ مِنْ الْكَلَأِ مِصْبَاحٌ. (قَوْلُهُ بِالْجُرَزِ) جَمْعُ جُرْزَةٍ مِثْلَ غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ، وَهِيَ الْقَبْضَةُ مِنْ الْقَتِّ وَنَحْوِهِ أَوْ الْحُزْمَةُ مِصْبَاحٌ وَفِيهِ وَالْقَتُّ الْقَضْبَةُ إذَا يَبِسَتْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا ضُبِطَ إلَخْ) بِأَنْ بَيَّنَ الْحَبْلَ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْحَطَبُ وَالرَّطْبَةُ وَبَيَّنَ طُولَهُ وَضَبَطَ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَجَازَ وَزْنًا) أَيْ فِي الْكُلِّ فَتْحٌ قَالَ وَفِي دِيَارِنَا تَعَارَفُوا فِي نَوْعٍ مِنْ الْحَطَبِ الْوَزْنَ، فَيَجُوزُ الْإِسْلَامُ فِيهِ وَزْنًا وَهُوَ أَضْبَطُ وَأَطْيَبُ (قَوْلُهُ وَجَوْهَرٍ) كَالْيَاقُوتِ وَالْبَلْخَشِ وَالْفَيْرُوزَجِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَخَرَزٍ) بِالتَّحْرِيكِ الَّذِي يُنْظَمُ وَخَرَازَاتُ الْمَلِكِ جَوَاهِرُ تَاجِهِ، وَكَانَ إذَا مَلَكَ عَامًا زِيدَتْ فِي تَاجِهِ خَرَزَةٌ لِيُعْلَمَ عَدَدُ سِنِي مُلْكِهِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَذَلِكَ كَالْعَقِيقِ وَالْبَلُّورِ لِتَفَاوُتِ آحَادِهَا تَفَاوُتًا فَاحِشًا، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي اللَّآلِئِ الْكِبَارِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إلَى وَقْتِ الِاسْتِحْقَاقِ) دَوَامُ الِانْقِطَاعِ لَيْسَ شَرْطًا، حَتَّى لَوْ كَانَ مُنْقَطِعًا مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحِلِّ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ مُنْقَطِعًا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي الْأَسْوَاقِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبُيُوتِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ حَتَّى يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَوْجُودًا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فَمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُهُ هُنَا كَالدُّرَرِ غَيْرُ مُرَادٍ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ فِي الْمُنْقَطِعِ) أَيْ الْمُنْقَطِعِ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إحْضَارُهُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ فَيَعْجِزُ عَنْ التَّسْلِيمِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يُوَفِّيَ الْمُسْلَمَ فِيهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَحْمٍ) فِي الْهِدَايَةِ وَلَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي اللَّحْمِ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تَأْكِيدٌ فِي نَفْيِ الْجَوَازِ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَنْزُوعَ عَظْمٍ) هُوَ الْأَصَحُّ هِدَايَةٌ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ شُجَاعٍ عَنْ الْإِمَامِ وَفِي وَرَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ جَوَازُ مَنْزُوعِ الْعَظْمِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَجَوَّزَاهُ إذَا بَيَّنَ وَصْفَهُ وَمَوْضِعَهُ) فِي الْبَحْرِ وَقَالَا يَجُوزُ إذَا بَيَّنَ جِنْسَهُ وَنَوْعَهُ وَسِنَّهُ وَصِفَتَهُ وَمَوْضِعَهُ وَقَدْرَهُ كَشَاةِ خَصِيٍّ ثَنِيٍّ سَمِينٍ مِنْ الْجَنْبِ أَوْ الْفَخِذِ مِائَةُ رِطْلٍ اهـ وَلَعَلَّ الشَّارِحَ أَرَادَ بِالْوَصْفِ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بَحْرٌ) نُقِلَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ عَنْ الْحَقَائِقِ وَالْعُيُونِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْمَتْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِالرِّوَايَتَيْنِ) أَيْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَرِوَايَةِ ابْنِ شُجَاعٍ وَهِيَ الْأَصَحُّ، فَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْأَصَحِّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 212 وَفِي الْعَيْنِيِّ أَنَّهُ قِيَمِيٌّ عِنْدَهُ مِثْلِيٌّ عِنْدَهُمَا (وَ) لَا (بِمِكْيَالٍ وَذِرَاعٍ وَمَجْهُولٍ) قَيْدٌ فِيهِمَا وَجَوَّزَهُ الثَّانِي فِي الْمَاءِ قُرْبًا لِلتَّعَامُلِ فَتْحٌ (وَبُرِّ قَرْيَةٍ) بِعَيْنِهَا (وَثَمَرِ نَخْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ إلَّا إذَا كَانَتْ النِّسْبَةُ لِثَمَرَةٍ) أَوْ نَخْلَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ (لِبَيَانِ الصِّفَةِ) لَا لِتَعْيِينِ الْخَارِجِ كَقَمْحِ مَرْجِيٍّ أَوْ بَلَدِيٍّ بِدِيَارِنَا   [رد المحتار] مَطْلَبٌ هَلْ اللَّحْمُ قِيَمِيٌّ أَوْ مِثْلِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي الْعَيْنِيِّ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَإِقْرَاضُ اللَّحْمِ عِنْدَهُمَا يَجُوزُ كَالسَّلَمِ، وَعَنْهُ رِوَايَتَانِ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ فِي ضَمَانِ الْعَدِّ وَإِنْ لَوْ مَطْبُوخًا إجْمَاعًا وَلَوْ نِيئًا فَكَذَلِكَ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَالْمُنْتَقَى أَنَّ اللَّحْمَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ وَاخْتَارَ الْإِسْبِيجَابِيُّ ضَمَانَهُ بِالْمِثْلِ وَهُوَ الْوَجْهُ، لِأَنَّ جَرَيَانَ رِبَا الْفَضْلِ فِيهِ قَاطِعٌ بِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الضَّمَانِ وَالسَّلَمِ بِأَنَّ الْمُعَادَلَةَ فِي الضَّمَانِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا وَتَمَامُهَا بِالْمِثْلِ، لِأَنَّهُ مِثْلٌ صُورَةً وَمَعْنًى وَالْقِيمَةُ مِثْلٌ مَعْنًى فَقَطْ وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَا بِمِكْيَالٍ وَذِرَاعٍ مَجْهُولٍ) أَيْ لَمْ يَدْرِ قَدْرَهُ كَمَا فِي الْكَنْزِ وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ بِمِكْيَالٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بِذِرَاعٍ مُعَيَّنٍ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَضِيعَ فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِهِ حَالًا حَيْثُ يَجُوزُ، لِأَنَّ التَّسْلِيمَ بِهِ يَجِبُ فِي الْحَالِ، فَلَا يُتَوَهَّمُ فَوْتُهُ وَفِي السَّلَمِ يَتَأَخَّرُ التَّسْلِيمُ فَيُخَافُ فَوْتُهُ زَيْلَعِيٌّ زَادَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ مِمَّا لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ كَالْقِصَاعِ مَثَلًا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْكَبِسُ بِالْكَبْسِ كَالزِّنْبِيلِ وَالْجِرَابِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي قِرَبِ الْمَاءِ لِلتَّعَامُلِ فِيهِ كَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ وَاعْتَرَضَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي الْبَيْعِ حَالًا حَيْثُ يَجُوزُ بِإِنَاءٍ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْكَبِسَ وَلَا يَنْبَسِطَ، وَيُفِيدُ فِيهِ اسْتِثْنَاءُ قِرَبِ الْمَاءِ، وَلَا يَسْتَقِيمُ فِي السَّلَمِ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ بِهِ مُطْلَقًا، وَإِنْ عُرِفَ قَدْرُهُ فَالسَّلَمُ بِهِ لِبَيَانِ الْقَدْرِ لَا لِتَعْيِينِهِ، فَكَيْفَ يَتَأَتَّى فِيهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُنْكَبِسِ وَغَيْرِهِ اهـ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ: بِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ بِمِقْدَارِ هَذَا الْوِعَاءِ بُرًّا وَقَدْ عَرَفَ أَنَّهُ وَيْبَةٌ مَثَلًا جَازَ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَقْتَ التَّسْلِيمِ فِي الْكَبْسِ وَعَدَمِهِ، لِأَنَّهُ عِنْدَ بَقَاءِ عَيْنِهِ يَتَعَيَّنُ وَقَوْلُهُ لِلزَّيْلَعِيِّ: لَا لِتَعْيِينِهِ مَمْنُوعٌ، نَعَمْ هَلَاكُهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمِقْدَارِهِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ اهـ. قُلْت: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِأَنَّ الْوِعَاءَ إذَا تَحَقَّقَ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ لَا يَتَعَيَّنُ قَطْعًا، وَإِلَّا فَسَدَ الْعَقْدُ بَعْدَ هَلَاكِهِ وَلَا نِزَاعَ بَعْدَ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ لِإِمْكَانِ الْعُدُولِ إلَى مَا عُرِفَ مِنْ مِقْدَارِهِ فَيُسْلِمُهُ بِلَا مُنَازَعَةٍ، كَمَا إذَا هَلَكَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا عُرِفَ قَدْرُهُ وَيَظْهَرُ لِي الْجَوَابُ عَنْ الْهِدَايَةِ بِأَنَّ قَوْلَهُ: وَلَا بُدَّ إلَخْ بَيَانٌ لِمَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ لَا شَرْطٌ زَائِدٌ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مِمَّا يَنْقَبِضُ وَيَنْكَبِسُ بِالْكَبْسِ لَا يَتَقَدَّرُ بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ، لِتَفَاوُتِ الِانْقِبَاضِ وَالْكَبْسِ فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ، وَلِذَا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ فِيهِ حَالًا، فَكَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ وَارِدٌ عَلَى مَا يَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ شَرْطٌ زَائِدٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْقَدْرِ وَعَلَى مَا قُلْنَا فَلَا فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَتْ النِّسْبَةُ لِثَمَرَةٍ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَ قَوْلِهِ لِثَمَرَةٍ أَوْ أَنَّهُ يَقُولُ لِثَمَرَةٍ أَوْ بُرٍّ إلَى نَخْلَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ تَأَمَّلْ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَلَوْ كَانَتْ نِسْبَةُ الثَّمَرَةِ إلَى قَرْيَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِبَيَانِ الصِّفَةِ لَا لِتَعْيِينِ الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِهَا بِعَيْنِهِ كَالْخُشْرَانِيِّ بِبُخَارَى وَالسِّبَاخِيِّ: وَهِيَ قَرْيَةٌ حِنْطَتُهَا جَيِّدَةٌ بِفَرْغَانَةَ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ خُصُوصُ النَّابِتِ هُنَاكَ، بَلْ الْإِقْلِيمُ وَلَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُ طَعَامِ إقْلِيمٍ بِكَمَالِهِ فَالسَّلَمُ فِيهِ وَفِي طَعَامِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ سَوَاءٌ، وَكَذَا فِي دِيَارِ مِصْرَ فِي قَمْحِ الصَّعِيدِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ: لَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةِ بُخَارَى أَوْ سَمَرْقَنْدَ أَوْ إسْبِيجَابِ لَا يَجُوزُ لِتَوَهُّمِ انْقِطَاعِهِ وَلَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةِ هَرَاةَ لَا يَجُوزُ أَوْ فِي ثَوْبِ هَرَاةَ وَذَكَرَ شُرُوطَ السَّلَمِ يَجُوزُ لِأَنَّ حِنْطَتَهَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهَا إذْ الْإِضَافَةُ لِتَخْصِيصِ الْبُقْعَةِ، بِخِلَافِ إضَافَةِ الثَّوْبِ لِأَنَّهَا لِبَيَانِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 213 فَالْمَانِعُ وَالْمُقْتَضَى الْعُرْفُ فَتْحٌ (وَ) لَا (فِي حِنْطَةٍ حَدِيثَةٍ قَبْلَ حُدُوثِهَا) لِأَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ فِي الْحَالِ وَكَوْنُهَا مَوْجُودَةً وَقْتَ الْعَقْدِ إلَى وَقْتِ الْمَحَلِّ شَرْطٌ فَتْحٌ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ جَدِيدَةٍ أَوْ فِي ذُرَةٍ حَدِيثَةٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ شَيْءٌ أَمْ لَا. قُلْت: وَعَلَيْهِ فَمَا يُكْتَبُ فِي وَثِيقَةِ السَّلَمِ مِنْ قَوْلِهِ جَدِيدُ عَامِهِ مُفْسِدٌ لَهُ أَيْ قَبْلَ وُجُودِ الْجَدِيدِ أَمَّا بَعْدَهُ فَيَصِحُّ كَمَا لَا يَخْفَى (وَشَرْطُهُ) أَيْ شُرُوطُ صِحَّتِهِ الَّتِي تُذْكَرُ فِي الْعَقْدِ سَبْعَةٌ (بَيَانُ جِنْسٍ) كَبُرٍّ أَوْ تَمْرٍ (وَ) بَيَانُ (نَوْعٍ) كَمَسْقِيٍّ أَوْ بَعْلِيٍّ (وَصِفَةٍ) كَجَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ (وَقَدْرٍ) كَكَذَا كَيْلًا لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ (وَأَجَلٍ وَأَقَلُّهُ) فِي السَّلَمِ (شَهْرٌ) بِهِ يُفْتَى وَفِي الْحَاوِي لَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي نَوْعٍ وَاحِدٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ حُلُولُ بَعْضِهِ فِي وَقْتٍ وَبَعْضِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ   [رد المحتار] الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ لَا لِتَخْصِيصِ الْمَكَانِ، فَلَوْ أَتَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِثَوْبٍ نُسِجَ فِي غَيْرِ وِلَايَةِ هَرَاةَ مِنْ جِنْسِ الْهَرَوِيِّ يَعْنِي مِنْ صِفَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ أُجْبِرَ رَبُّ السَّلَمِ عَلَى قَبُولِهِ، فَظَهَرَ أَنَّ الْمَانِعَ وَالْمُقْتَضَى الْعُرْفُ، فَإِنْ تُعُورِفَ كَوْنُ النِّسْبَةِ لِبَيَانِ الصِّفَةِ فَقَطْ جَازَ وَإِلَّا فَلَا اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ النِّسْبَةَ إلَى بَلْدَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَبُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ مِثْلُ النِّسْبَةِ إلَى قَرْيَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَلَا يَصِحُّ إلَّا إذَا أُرِيدَ بِهَا الْإِقْلِيمُ كَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ مَثَلًا، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ قَالَ دِمَشْقِيَّةٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِدِمَشْقَ الْإِقْلِيمُ، وَلَكِنْ هَلْ الْمُرَادُ بِبُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ وَدِمَشْقَ خُصُوصُ الْبَلْدَةِ أَوْ هِيَ وَمَا يَشْمَلُ قُرَاهَا الْمَنْسُوبَةَ إلَيْهَا فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْأَوَّلَ فَعَدَمُ الْجَوَازِ ظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَلَهُ وَجْهٌ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ إقْلِيمًا وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ قَوْلُ الشَّارِحِ كَقَمْحٍ مَرْجِيٍّ أَوْ بَلَدِيٍّ، فَإِنَّ الْقَمْحَ الْمَرْجِيَّ نِسْبَةٌ إلَى الْمَرْجِ وَهُوَ كُورَةٌ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ تَشْتَمِلُ عَلَى قُرًى عَدِيدَةٍ مِثْلِ حَوْرَانَ: وَهِيَ كُورَةٌ قِبْلِيَّ دِمَشْقَ وَقُرَاهَا أَكْثَرُ وَقَمْحُهَا أَجْوَدُ مِنْ بَاقِي كُوَرِ دِمَشْقَ وَالْبَلَدِيُّ فِي عُرْفِنَا غَيْرُ الْحَوْرَانِيِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَيْسَ بِإِقْلِيمٍ فَإِنَّ الْإِقْلِيمَ وَاحِدُ أَقَالِيمِ الدُّنْيَا السَّبْعَةِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. وَفِي الْمِصْبَاحِ: يُقَالُ الدُّنْيَا سَبْعَةُ أَقَالِيمَ، وَقَدْ يُقَالُ لَيْسَ مُرَادُهُمْ خُصُوصَ الْإِقْلِيمِ الْمُصْطَلَحَ، بَلْ مَا يَشْمَلُ الْقُطْرَ وَالْكُورَةَ فَإِنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُ طَعَامِ ذَلِكَ بِكَمَالِهِ فَيَصِحُّ إذَا قَالَ حَوْرَانِيَّةً أَوْ مَرْجِيَّةً وَبِهِ يَصِحُّ كَلَامُ الشَّارِحِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَالْمَانِعُ إلَخْ) تَقَدَّمَ آنِفًا بَيَانُهُ فِيمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةِ هَرَاةَ أَوْ ثَوْبِ هَرَاةَ (قَوْلُهُ إلَى وَقْتِ الْمَحَلِّ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى الْحُلُولِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ مُخَالِفٌ لِلتَّعْلِيلِ الْمَارِّ عَنْ الْفَتْحِ، وَعَزَاهُ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ جَدِيدَ إقْلِيمٍ كَجَدِيدَةٍ مِنْ الصَّعِيدِ مَثَلًا أَنْ يَصِحَّ إذْ لَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ طُلُوعِ شَيْءٍ فِيهِ أَصْلًا اهـ يَعْنِي وَهَذَا الْمُقْتَضَى غَيْرُ مُرَادٍ لِمُنَافَاتِهِ لِلشَّرْطِ الْمَارِّ (قَوْلُهُ وَقُلْت إلَخْ) الْقَوْلُ وَالتَّقْيِيدُ الَّذِي بَعْدَهُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ أَيْ شُرُوطُ صِحَّتِهِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي شَرْطِهِ لِلْجِنْسِ فَيَصْدُقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْأَكْثَرِ (قَوْلُهُ الَّتِي تُذْكَرُ فِي الْعَدِّ) أَفَادَ أَنَّ لَهُ شُرُوطًا أُخَرَ سَكَتَ عَنْهَا الْمُصَنِّفُ، لِأَنَّهَا لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهَا فِيهِ بَلْ وُجُودُهَا نَهْرٌ. وَذَلِكَ كَقَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ وَنَقْدِهِ وَعَدَمِ الْخِيَارِ عِلَّتَيْ الرِّبَا لَكِنْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الشُّرُوطِ قَبْضَ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ فِي الْعَقْدِ (قَوْلُهُ سَبْعَةٌ) أَيْ إجْمَالًا وَإِلَّا فَالْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ مِنْهَا تُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ فَهِيَ ثَمَانِيَةٌ بِالتَّفْصِيلِ بَحْرٌ. وَسَيَأْتِي وَفِيهِ عَنْ الْمِعْرَاجِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ النَّوْعِ فِي رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ وَإِلَّا فَلَا، وَفِيهِ عَنْ الْخُلَاصَةِ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ النَّوْعِ فِيمَا لَا نَوْعَ لَهُ (قَوْلُهُ كَبُرٍّ أَوْ تَمْرٍ) وَمَنْ قَالَ كَصَعِيدِيَّةٍ أَوْ بَحْرِيَّةٍ فَقَدْ وَهِمَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَيَانِ النَّوْعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ كَمَسْقِيٍّ) هُوَ مَا يُسْقَى سَيْحًا أَيْ بِالْمَاءِ الْجَارِي (قَوْلُهُ أَوْ بَعْلِيٍّ) هُوَ مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ) كَالصَّاعِ مَثَلًا بِخِلَافِ الْجِرَابِ وَالزِّنْبِيلِ (قَوْلُهُ وَأَجَلٍ) فَإِنْ أَسْلَمَا حَالًا، ثُمَّ أَدْخَلَ الْأَجَلَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَقَبْلَ اسْتِهْلَاكِ رَأْسِ الْمَالِ جَازَ اهـ ط عَنْ الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ فِي السَّلَمِ) احْتِرَازٌ عَنْ خِيَارِ الشَّرْطِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 214 (وَيَبْطُلُ) الْأَجَلُ (بِمَوْتِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لَا بِمَوْتِ رَبِّ السَّلَمِ فَيُؤْخَذُ) الْمُسْلَمُ فِيهِ (مِنْ تَرِكَتِهِ حَالًّا) لِبُطْلَانِ الْأَجَلِ بِمَوْتِ الْمَدْيُونِ لَا الدَّائِنِ وَلِذَا شُرِطَ دَوَامُ وُجُودِهِ لِتَدُومَ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِمَوْتِهِ (وَ) بَيَانُ (قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ) إنْ تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِمِقْدَارِهِ كَمَا (فِي مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ وَعَدَدِيٍّ غَيْرِ مُتَفَاوِتٍ) وَاكْتَفَيَا بِالْإِشَارَةِ كَمَا فِي مَذْرُوعٍ وَحَيَوَانٍ قُلْنَا رُبَّمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَحْتَاجُ إلَى رَدِّ رَأْسِ الْمَالِ ابْنُ كَمَالٍ: وَقَدْ يُنْفِقُ بَعْضَهُ ثُمَّ يَجِدُ بَاقِيَهُ مَعِيبًا فَيَرُدُّهُ وَلَا يَسْتَبْدِلُهُ رَبُّ السَّلَمِ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الْمَرْدُودِ وَيَبْقَى فِي غَيْرِهِ فَتَلْزَمُ جَهَالَةُ الْمُسْلَمِ فِيهِ فِيمَا بَقِيَ ابْنُ مَالِكٍ فَوَجَبَ بَيَانُهُ (وَ) السَّابِعُ بَيَانُ (مَكَانِ الْإِيفَاءِ) لِلْمُسْلَمِ فِيهِ (فِيمَا لَهُ حَمْلٌ) أَوْ مُؤْنَةٌ وَمِثْلُهُ الثَّمَنُ وَالْأُجْرَةُ وَالْقِسْمَةُ وَعَيَّنَا مَكَانَ الْعَقْدِ   [رد المحتار] وَقِيلَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ، وَقِيلَ يُنْظَرُ إلَى الْعُرْفِ فِي تَأْجِيلِ مِثْلِهِ وَالْأَوَّلُ أَيْ مَا فِي الْمَتْنِ أَصَحُّ وَبِهِ يُفْتَى زَيْلَعِيٌّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ بَحْرٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلِذَا شُرِطَ إلَخْ) أَيْ لِكَوْنِهِ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ حَالًّا اُشْتُرِطَ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ بَيَانُ فَائِدَةِ اشْتِرَاطِهِمْ عَدَمَ انْقِطَاعِهِ فِيمَا بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْمَحَلِّ وَذَلِكَ فِيمَا لَوْ مَاتَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ لِتَدُومَ إلَخْ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ اُشْتُرِطَ وَقَوْلُهُ بِمَوْتِهِ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِتَسْلِيمِهِ وَالْمَوْتُ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ سَبَبًا لِلتَّسْلِيمِ بَلْ لِلْحُلُولِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ التَّسْلِيمِ فَهُوَ سَبَبُ السَّبَبِ (قَوْلُهُ إنْ تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِمِقْدَارِهِ) بِأَنْ تَنْقَسِمَ أَجْزَاءُ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَلَى أَجْزَائِهِ فَتْحٌ أَيْ بِأَنْ يُقَابَلَ النِّصْفُ بِالنِّصْفِ وَالرُّبُعُ بِالرُّبُعِ، وَهَكَذَا وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الثَّمَنِ الْمِثْلِيِّ (قَوْلُهُ وَاكْتَفَيَا بِالْإِشَارَةِ إلَخْ) فَلَوْ قَالَ أَسْلَمْت إلَيْك هَذِهِ الدَّرَاهِمَ فِي كُرِّ بُرٍّ وَلَمْ يَدْرِ وَزْنَ الدَّرَاهِمِ أَوْ قَالَ أَسْلَمْت إلَيْك هَذَا الْبُرَّ فِي كَذَا مَنًّا مِنْ الزَّعْفَرَانِ وَلَمْ يَدْرِ قَدْرَ الْبُرِّ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ إذَا كَانَ ثَوْبًا أَوْ حَيَوَانًا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِالْإِشَارَةِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ كَمَا فِي مَذْرُوعٍ وَحَيَوَانٍ) لِأَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ فِي الْمَذْرُوعِ وَالْمَبِيعُ لَا يُقَابِلُ الْأَوْصَافَ، فَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ عَلَى قَدْرِهِ وَلِهَذَا لَوْ نَقَصَ ذِرَاعًا أَوْ تَلِفَ بَعْضُ أَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ لَا يَنْقُصُ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ شَيْءٌ، بَلْ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ بِكُلِّ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ قُلْنَا إلَخْ) هُوَ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بَيَانُ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَوْ فِي مَكِيلٍ وَنَحْوِهِ بَلْ تَكْفِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ التَّسْلِيمِ بِلَا مُنَازَعَةٍ (قَوْلُهُ فَيَحْتَاجُ إلَى رَدِّ رَأْسِ الْمَالِ) أَيْ فَإِذَا كَانَ غَيْرَ مَعْلُومِ الْقَدْرِ أَدَّى إلَى الْمُنَازَعَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يَسْتَبْدِلُهُ إلَخْ) أَيْ لَا يَتَيَسَّرُ لَهُ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ وَرُبَّمَا يَكُونُ الزُّيُوفُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ فَإِذَا رَدَّهُ وَاسْتَبْدَلَ بِهَا فِي الْمَجْلِسِ يَفْسُدُ السَّلَمُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ فِي أَكْثَرِ مِنْ النِّصْفِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ) كَذَا فِي الْفَتْحِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ. [تَنْبِيهٌ] مِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ أَسْلَمَ فِي جِنْسَيْنِ كَمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَكُرِّ شَعِيرٍ بِلَا بَيَانِ حِصَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَصِحَّ فِيهِمَا لِانْقِسَامِهِ عَلَيْهِمَا بِالْقِيمَةِ وَهِيَ تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ، وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ جِنْسَيْنِ كَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَبَيَّنَ قَدْرَ أَحَدِهِمَا فَقَطْ، لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ فِي حِصَّةِ مَا لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ فَيَبْطُلُ فِي الْآخَرِ أَيْضًا لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ بَحْرٌ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ لِلْمُسْلَمِ فِيهِ) اُحْتُرِزَ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ لِإِيفَائِهِ اتِّفَاقًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ فِيمَا لَهُ حَمْلٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ ثِقَلٌ يَحْتَاجُ فِي حَمْلِهِ إلَى ظَهْرٍ وَأُجْرَةِ حَمَّالٍ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ فِي الثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ وَالْقِسْمَةِ) بِأَنْ اشْتَرَى أَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ أَوْ اقْتَسَمَاهَا وَأَخَذَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ وَالْتَزَمَا بِمُقَابَلَةِ الزَّائِدِ بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ كَذَلِكَ إلَى أَجَلٍ، فَعِنْدَهُ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَعَيَّنَا مَكَانَ الْعَقْدِ) أَيْ إنْ أَمْكَنَ التَّسْلِيمُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي مَرْكَبٍ أَوْ جَبَلٍ فَيَجِبُ فِي أَقْرَبِ الْأَمَاكِنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 215 وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ كَبَيْعٍ وَقَرْضٍ وَإِتْلَافٍ وَغَصْبٍ قُلْنَا هَذِهِ وَاجِبَةُ التَّسْلِيمِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (شَرَطَ الْإِيفَاءَ فِي مَدِينَةٍ فَكُلُّ مَحَلَّاتِهَا سَوَاءٌ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِيفَاءِ (حَتَّى لَوْ أَوْفَاهُ فِي مَحَلَّةٍ مِنْهَا بَرِئَ) وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى بَزَّازِيَّةٌ وَفِيهَا قَبْلَهُ شَرَطَ حَمْلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ بَعْدَ الْإِيفَاءِ فِي الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ لَمْ يَصِحَّ لِاجْتِمَاعِ الصَّفْقَتَيْنِ الْإِجَارَةِ وَالتِّجَارَةِ (وَمَا لَا حَمْلَ لَهُ كَمِسْكٍ وَكَافُورٍ وَصِغَارِ لُؤْلُؤٍ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ) اتِّفَاقًا (وَيُوَفِّيهِ حَيْثُ شَاءَ) فِي الْأَصَحِّ وَصَحَّحَ ابْنُ كَمَالٍ مَكَانَ الْعَقْدِ (وَلَوْ عَيَّنَ فِيمَا ذُكِرَ) مَكَانًا (تَعَيَّنَ فِي الْأَصَحِّ) فَتْحٌ لِأَنَّهُ يُفِيدُ سُقُوطَ خَطَرِ الطَّرِيقِ (وَ) بَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ (قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ) وَلَوْ عَيْنًا (قَبْلَ الِافْتِرَاقِ) بِأَبْدَانِهِمَا وَإِنْ نَامَا أَوْ سَارَا فَرْسَخًا أَوْ أَكْثَرَ وَلَوْ دَخَلَ لِيُخْرِجَ الدَّرَاهِمَ إنْ تَوَارَى عَنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَطَلَ وَإِنْ بِحَيْثُ يَرَاهُ لَا   [رد المحتار] الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا بَحْرٌ وَفَتْحٌ، وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ الْإِمَامِ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ كَبَيْعٍ إلَخْ) أَيْ لَوْ بَاعَ حِنْطَةً أَوْ اسْتَقْرَضَهَا أَوْ أَتْلَفَهَا أَوْ غَصَبَهَا فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ مَكَانُهَا لِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالْقَرْضِ، وَبَدَلِ الْمُتْلَفِ وَعَيْنِ الْمَغْصُوبِ (قَوْلُهُ وَاجِبَةُ التَّسْلِيمِ فِي الْحَالِ) فَإِنَّ تَسْلِيمَهَا يُسْتَحَقُّ بِنَفْسِ الِالْتِزَامِ فَيَتَعَيَّنُ مَوْضِعُهُ بَحْرٌ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ أَيْ السَّلَمِ فَإِنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْحَالِ فَلَا يَتَعَيَّنُ مَكَانُهُ فَيُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّ قِيَمَ الْأَشْيَاءِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فَكُلُّ مَحَلَّاتِهَا سَوَاءٌ فِيهِ) قِيلَ هَذَا إذَا لَمْ تَبْلُغْ نَوَاحِيهِ فَرْسَخًا فَإِنْ بَلَغَتْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ نَاحِيَةٍ مِنْهُ فَتْحٌ وَبَحْرٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ وَفِيهَا قَبْلَهُ) أَيْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَبْلَ مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ بَعْدَ الْإِيفَاءِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْإِيفَاءَ فَقَطْ أَوْ الْحَمْلَ فَقَطْ أَوْ الْإِيفَاءَ بَعْدَ الْحَمْلِ جَازَ وَلَوْ شَرَطَ الْإِيفَاءَ بَعْدَ الْإِيفَاءِ كَشَرْطِ أَنْ يُوَفِّيَهُ فِي مَحَلَّةِ كَذَا ثُمَّ يُوَفِّيَهُ فِي مَنْزِلِهِ لَمْ يَجُزْ عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ الْإِجَارَةِ) أَيْ الَّتِي تَضَمَّنَهَا شَرْطُ الْحَمْلِ بَعْدَ الْإِيفَاءِ وَالتِّجَارَةِ أَيْ الشِّرَاءِ الْمَقْصُودِ بِالْعَقْدِ وَهَذَا بَدَلٌ مِنْ الصَّفْقَتَيْنِ بَدَلُ مُفَصَّلٍ مِنْ مُجْمَلٍ (قَوْلُهُ وَمَا لَا حَمْلَ لَهُ إلَخْ) هُوَ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ فِي حَمْلِهِ إلَى ظَهْرٍ وَأُجْرَةِ حَمَّالٍ، وَقِيلَ هُوَ الَّذِي لَوْ أَمَرَ إنْسَانًا بِحَمْلِهِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ حَمَلَهُ مَجَّانًا، وَقِيلَ مَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ اهـ ح عَنْ النَّهْرِ (قَوْلُهُ كَمِسْكٍ وَكَافُورٍ) يَعْنِي الْقَلِيلَ مِنْهُ وَإِلَّا فَقَدْ يُسْلِمُ فِي أَمْنَانٍ مِنْ الزَّعْفَرَانِ كَثِيرَةٍ تَبْلُغُ أَحْمَالًا فَتْحٌ، وَأَرَادَ بِالْقَلِيلِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى ظَهْرٍ وَأُجْرَةِ حَمَّالٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَ ابْنُ كَمَالٍ مَكَانَ الْعَقْدِ) نَقَلَ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْمُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ، وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَتْحِ، لَكِنْ الْمُتُونُ عَلَى الْأَوَّلِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ فِيمَا لَا حَمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُفِيدُ سُقُوطَ خَطَرِ الطَّرِيقِ) هَذَا التَّعْلِيلُ مَذْكُورٌ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ إذَا تَعَيَّنَ الْمَكَانُ وَأَوْفَاهُ فِي مَكَان آخَرَ يَلْزَمُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ نَقْلُهُ إلَى الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ، فَإِذَا هَلَكَ فِي الطَّرِيقِ يَهْلِكُ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ رَبُّ السَّلَمِ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ خَطَرُ الطَّرِيقِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ فَإِنَّهُ إذَا نُقِلَ بَعْدَ الْإِيفَاءِ إلَى الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ يَكُونُ هَلَاكُهُ عَلَى رَبِّ السَّلَمِ (قَوْلُهُ وَبَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ) إنَّمَا غَايَرَ التَّعْبِيرَ، لِأَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ الْآتِيَةَ لَيْسَتْ مِمَّا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهَا فِي الْعَقْدِ بَلْ وُجُودُهَا ط (قَوْلُهُ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ) فَلَوْ انْتَقَضَ الْقَبْضُ بَطَلَ السَّلَمُ كَمَا لَوْ كَانَ عَيْنًا فَوَجَدَهُ مَعِيبًا أَوْ مُسْتَحَقًّا وَلَمْ يَرْضَ بِالْعَيْبِ أَوْ لَمْ يُجِزْ الْمُسْتَحِقُّ أَوْ دَيْنًا فَاسْتُحِقَّ وَلَمْ يُجِزْهُ وَاسْتَبْدَلَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ، فَلَوْ قَبِلَهُ صَحَّ أَوْ وَجَدَهُ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً وَرَدَّهَا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ، سَوَاءٌ اسْتَبْدَلَهَا فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ أَوْ لَا، فَلَوْ قَبِلَهُ وَاسْتَبْدَلَهَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ رَضِيَ بِهَا وَلَوْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ وَالْكَثِيرُ كَالْكُلِّ وَفِي تَجْدِيدِهِ رِوَايَتَانِ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ، وَإِنْ وَجَدَهُ سَتُّوقَةً أَوْ رَصَاصًا فَإِنْ اسْتَبْدَلَهَا فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَإِنْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ بَطَلَ وَإِنْ رَضِيَ بِهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ جِنْسِ حَقِّهِ بَحْرٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَلَوْ عَيْنًا) هُوَ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ وَفِي الْوَاقِعَاتِ بَاعَ عَبْدًا بِثَوْبٍ مَوْصُوفٍ إلَى أَجَلٍ جَازَ لِوُجُودِ شَرْطِ السَّلَمِ فَلَوْ افْتَرَقَا قَبْلَ قَبْضِ الْعَبْدِ لَا يَبْطُلُ، لِأَنَّهُ صُيِّرَ سَلَمًا فِي حَقِّ الثَّوْبِ بَيْعًا فِي حَقِّ الْعَبْدِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ حُكْمُ عَقْدَيْنِ كَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَكَمَا فِي قَوْلِ الْمُولِي إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ اهـ نَهْرٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 216 وَصَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ وَالِارْتِهَانُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بَزَّازِيَّةٌ (وَهُوَ شَرْطُ بَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ لَا شَرْطُ انْعِقَادِهِ بِوَصْفِهَا) فَيَنْعَقِدُ صَحِيحًا ثُمَّ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ بِلَا قَبْضٍ (وَلَوْ أَبَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ قَبْضَ رَأْسِ الْمَالِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ) خُلَاصَةٌ. وَبَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ مَنْقُودًا وَعَدَمُ الْخِيَارِ وَأَنْ لَا يَشْمَلَ الْبَدَلَيْنِ إحْدَى عِلَّتَيْ الرِّبَا وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُتَّفِقُ أَوْ الْجِنْسُ لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّسَاءِ تَتَحَقَّقُ بِهِ وَعَدَّهَا الْعَيْنِيُّ تَبَعًا لِلْغَايَةِ.   [رد المحتار] قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى جَوَابِ الْقِيَاسِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَصَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ إلَخْ) أَيْ فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْكَفِيلِ وَالْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَإِنْ قَبَضَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ أَوْ الْكَفِيلِ أَوْ رَبِّ السَّلَمِ فِي مَجْلِسِ الْعَاقِدَيْنِ صَحَّ وَبَعْدَهُ بَطَلَ السَّلَمُ وَالْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ، وَفِي الرَّهْنِ إنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي الْمَجْلِسِ فَلَوْ قِيمَتُهُ مِثْلَ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ أَكْثَرَ صَحَّ وَلَوْ أَقَلَّ صَحَّ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ، وَبَطَلَ فِي الْبَاقِي وَإِنْ لَمْ يُهْلَكْ حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ السَّلَمُ وَعَلَيْهِ رَدُّ الرَّهْنِ لِصَاحِبِهِ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ) وَكَذَا الْكَفَالَةُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ صَرَّحَ بِهِ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَفَالَةِ مِنْ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ فِي الْمَبِيعِ، لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ فَذَاكَ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ، وَهَذَا بَيْعُ الدَّيْنِ أَفَادَهُ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ: أَيْ فَإِنَّ عَقْدَ السَّلَمِ لَا يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ قَدْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ، بِخِلَافِ هَلَاكِ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ فَيَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي وَسُمِّيَ الثَّمَنُ غَيْرًا لِأَنَّ الْمَضْمُونَ بِالْقِيمَةِ مَضْمُونٌ بِعَيْنِهِ حُكْمًا وَفِي الْبَحْرِ عَنْ إيضَاحِ الْكَرْمَانِيِّ لَوْ أَخَذَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنًا سَلَّطَهُ عَلَى بَيْعِهِ فَبَاعَهُ وَلَوْ بِغَيْرِ جِنْسِ الْمُسْلَمِ فِيهِ جَازَ (قَوْلُهُ وَهُوَ شَرْطُ بَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ) هُوَ الصَّحِيحُ وَسَتَأْتِي فَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ فِي الصَّرْفِ بَحْرٌ وَعِبَارَتُهُ فِي الصَّرْفِ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْفَسَادُ فِيمَا هُوَ صَرْفٌ فَهَلْ يَفْسُدُ فِيمَا لَيْسَ بِصَرْفٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَعَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ يَتَعَدَّى الْفَسَادُ وَعَلَى الْأَصَحِّ لَا كَذَا فِي الْفَتْحِ اهـ (قَوْلُهُ بِوَصْفِهَا) أَيْ وَصْفِ الصِّحَّةِ وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ مَنْقُودًا) أَيْ نَقَدَهُ الصَّيْرَفِيُّ لِيَعْرِفَ جَيِّدَهُ مِنْ الرَّدِيءِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّقْدِ الْقَبْضَ فَإِنَّهُ شَرْطٌ آخَرُ قَدْ مَرَّ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَفَائِدَةُ اشْتِرَاطِهِ كَمَا فِي الْغَايَةِ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ إذَا رَدَّ بَعْضَهُ بِعَيْبِ الزِّيَافَةِ، وَلَمْ يَتَّفِقْ الِاسْتِبْدَالُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِقَدْرِ الْمَرْدُودِ. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْبَحْرِ: بِأَنَّ هَذِهِ الْفَائِدَةَ ذُكِرَتْ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ الْإِمَامِ إنَّ بَيَانَ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ شَرْطٌ، وَلَا تَكْفِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ وَمُفَادُهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الِانْتِقَادِ أَوَّلًا وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الِانْتِقَادِ يُغْنِي عَنْ اشْتِرَاطِ بَيَانِ الْقَدْرِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ أَحَدَهُمَا يَكْفِي عَنْ الْآخَرِ وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ بَيَانَ الْقَدْرِ لَا يَدْفَعُ تَوَهُّمَ الْفَسَادِ الْمَذْكُورِ: أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الِانْتِقَادِ. قَالَ: وَيَرِدُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ أَيْضًا أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهَا زُيُوفًا فَرَضِيَ بِهَا صَحَّ مُطْلَقًا، وَلَوْ سَتُّوقَةً لَا إلَى آخِرِ مَا مَرَّ وَمُفَادُهُ أَنَّ الضَّرَرَ جَاءَ مِنْ عَدَمِ التَّبْدِيلِ فِي الْمَجْلِسِ لَا مِنْ عَدَمِ الِانْتِقَادِ عَلَى أَنَّ النَّاقِدَ قَدْ يُخْطِئُ وَأَيْضًا فَإِنَّ رَأْسَ الْمَالِ قَدْ يَكُونُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، وَيَظْهَرُ بَعْضُهُ مَعِيبًا فَيَرُدُّهُ بَعْدَ هَلَاكِ الْبَعْضِ وَيَلْزَمُ الْجَهَالَةُ كَمَا مَرَّ فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ ذِكْرِ الشَّرْطَيْنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَدَمُ الْخِيَارِ) أَيْ خِيَارِ الشَّرْطِ، فَإِنْ أَسْقَطَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَرَأْسُ الْمَالِ قَائِمٌ فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ صَحَّ، وَإِنْ هَالِكًا لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. [تَنْبِيهٌ] لَا يَثْبُتُ فِي السَّلَمِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيمَا مَلَكَهُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَمَرَّ أَوَّلَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُتَّفِقُ) ذَكَرَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ الْخَيْرِ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُتَّفِقِ عَنْ الْقَدْرِ الْمُخْتَلِفِ كَإِسْلَامِ نُقُودٍ فِي حِنْطَةٍ وَكَذَا فِي زَعْفَرَانٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ الْوَزْنَ وَإِنْ تَحَقَّقَ فِيهِ إلَّا أَنَّ الْكَيْفِيَّةَ مُخْتَلِفَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الرِّبَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 217 سَبْعَةَ عَشَرَ وَزَادَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ الْقُدْرَةَ عَلَى تَحْصِيلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الشَّرْطِ الثَّامِنِ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ أَسْلَمَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ) بِضَمٍّ فَتَشْدِيدٍ سِتُّونَ قَفِيزًا وَالْقَفِيزُ ثَمَانِيَةُ مَكَاكِيكَ وَالْمَكُّوكُ صَاعٌ وَنِصْفٌ عَيْنِيٌّ (بُرٍّ) حَالَ كَوْنِ الْمِائَتَيْنِ مَقْسُومَةً (مِائَةً دَيْنًا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ (وَمِائَةً نَقْدًا) نَقَدَهَا رَبُّ السَّلَمِ (وَافْتَرَقَا) عَلَى ذَلِكَ (فَالسَّلَمُ فِي) حِصَّةِ (الدَّيْنِ بَاطِلٌ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ وَصَحَّ فِي حِصَّةِ النَّقْدِ وَلَمْ يَشِعْ الْفَسَادُ لِأَنَّهُ طَارَ حَتَّى لَوْ نَقَدَ الدَّيْنَ فِي مَجْلِسِهِ صَحَّ فِي الْكُلِّ وَلَوْ إحْدَاهُمَا دَنَانِيرَ أَوْ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ فَسَدَ فِي الْكُلِّ (وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ) لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ (فِي رَأْسِ الْمَالِ وَ) لَا لِرَبِّ السَّلَمِ فِي (الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِنَحْوِ بَيْعٍ وَشَرِكَةٍ) وَمُرَابَحَةٍ (وَتَوْلِيَةٍ)   [رد المحتار] أَفَادَهُ ط وَكَذَا إسْلَامُ الْحِنْطَةِ فِي الزَّيْتِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا مَرَّ هُنَاكَ عَنْ ابْنِ كَمَالٍ (قَوْلُهُ سَبْعَةَ عَشَرَ) سِتَّةً فِي رَأْسِ الْمَالِ وَهِيَ بَيَانُ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ وَصِفَتِهِ وَقَدْرِهِ وَنَقْدِهِ وَقَبْضِهِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَأَحَدَ عَشَرَ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ: وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ، وَبَيَانُ مَكَانِ إيفَائِهِ وَأَجَلِهِ وَعَدَمُ انْقِطَاعِهِ، وَكَوْنُهُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَكَوْنُهُ مَضْبُوطًا بِالْوَصْفِ كَالْأَجْنَاسِ الْأَرْبَعَةِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَذْرُوعِ وَالْمَعْدُودِ الْمُتَقَارِبِ، وَوَاحِدٌ يَرْجِعُ إلَى الْعَقْدِ وَهُوَ كَوْنُهُ بَاتًّا لَيْسَ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ، وَوَاحِدٌ بِالنَّظَرِ لِلْبَدَلَيْنِ وَهُوَ عَدَمُ شُمُولِ إحْدَى عِلَّتَيْ الرِّبَا الْبَدَلَيْنِ مِنَحٌ بِتَصَرُّفٍ ط (قَوْلُهُ الْقُدْرَةَ عَلَى تَحْصِيلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ اشْتِرَاطِ عَدَمِ الِانْقِطَاعِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُنْقَطِعًا اهـ ح. وَأَمَّا الْقُدْرَةُ بِالْفِعْلِ فِي الْحَالِ فَلَيْسَتْ شَرْطًا عِنْدَنَا وَمَعْلُومًا أَنَّهُ لَوْ اتَّفَقَ عَجْزُهُ عِنْدَ الْحُلُولِ وَإِفْلَاسُهُ لَا يَبْطُلُ السَّلَمُ قَالَهُ الْكَمَالُ ط (قَوْلُهُ وَالْمَكُّوكُ صَاعٌ وَنِصْفٌ) وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْبَغْدَادِيِّ كُلُّ رَطْلٍ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا ط. قُلْت: فَيَكُونُ الْقَفِيزُ اثْنَيْ عَشَرَ صَاعًا وَالْكُرُّ سَبْعُمِائَةٍ وَعِشْرِينَ صَاعًا وَالصَّاعُ نِصْفَ مُدٍّ شَامِيٍّ تَقْرِيبًا فَالْكُرُّ أَرْبَعُ غَرَائِرَ وَنِصْفُ غِرَارَةٍ كُلُّ غِرَارَةٍ ثَمَانُونَ مُدًّا شَامِيًّا. (قَوْلُهُ حَالَ كَوْنِ الْمِائَتَيْنِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مِائَةً فِي الْمَوْضِعَيْنِ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ بِتَأْوِيلِ مَقْسُومَةً هَذِهِ الْقِسْمَةَ وَتَجُوزُ الْبَدَلِيَّةُ اهـ ح (قَوْلُهُ دَيْنًا عَلَيْهِ) صِفَةُ الْمِائَةِ نَهْرٌ أَوْ بَدَلٌ عَيْنِيٌّ، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا كَانَتْ دَيْنًا عَلَى أَجْنَبِيٍّ كَمَا يَأْتِي قَالَ فِي النَّهْرِ وَالتَّقْيِيدُ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهِمَا أَيْ إلَى الْمِائَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا لِأَنَّهُ لَوْ أَضَافَهُ إلَى مِائَتَيْنِ مُطْلَقًا ثُمَّ جَعَلَ الْمِائَةَ قِصَاصًا بِمَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ طَارَ) أَيْ عَرَضَ بِالِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ عَلَى الصِّحَّةِ لَا شَرْطُ انْعِقَادٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ إحْدَاهُمَا دَنَانِيرَ) مُحْتَرَزُ قَوْلِ الْمُنَصِّفِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ إلَخْ، حَيْثُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ بِكَوْنِ مِائَتَيْ الدَّيْنِ وَالنَّقْدِ مُتَّحِدَيْ الْجِنْسِ، لِأَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَا بِأَنْ أَسْلَمَ مِائَةَ دِرْهَمٍ نَقْدًا وَعَشَرَةَ دَنَانِيرَ دَيْنًا أَوْ بِالْعَكْسِ لَا يَجُوزُ فِي الْكُلِّ، أَمَّا حِصَّةُ الدَّيْنِ فَلِمَا مَرَّ، وَأَمَّا حِصَّةُ الْعَيْنِ فَلِجَهَالَةِ مَا يَخُصُّهُ وَهَذَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي حِصَّةِ النَّقْدِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى إعْلَامِ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ مِائَةَ دِينَارٍ عَلَيْهِ، فَلَوْ قَالَ: أَسْلَمْت إلَيْك هَذِهِ الْمِائَةَ، وَالْمِائَةَ الَّتِي لِي عَلَى فُلَانٍ بَطَلَ فِي الْكُلِّ وَإِنْ نَقَدَ الْكُلَّ لِاشْتِرَاطِ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِدِ، وَهُوَ مُفْسِدٌ مُقَارِنٌ فَتَعَدَّى بَحْرٌ (قَوْلُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ) أَيْ قَبْضِ مَا ذُكِرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ حَقِّ الشَّرْعِ، وَهُوَ الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ شَرْعًا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ بَيْعٌ مَنْقُولٌ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ بِنَحْوِ بَيْعٍ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّصَرُّفِ وَذِكْرُهُ الْبَيْعَ مُسْتَدْرَكٌ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَمُرَابَحَةٍ وَتَوْلِيَةٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَشَرِكَةٍ) صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ رَبُّ السَّلَمِ لِآخَرَ: أَعْطِنِي نِصْفَ رَأْسِ الْمَالِ لِيَكُونَ نِصْفُ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَك بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَمُرَابَحَةٍ وَتَوْلِيَةٍ) صُورَةُ التَّوْلِيَةِ أَنْ يَقُولَ لِآخَرَ أَعْطِنِي مِثْلَ مَا أَعْطَيْت الْمُسْلَمَ إلَيْهِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 218 وَلَوْ مِمَّنْ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ كَانَ إقَالَةً إذَا قِيلَ وَفِي الصُّغْرَى إقَالَةُ بَعْضِ السَّلَمِ جَائِزَةٌ (وَلَا) يَجُوزُ لِرَبِّ السَّلَمِ (شِرَاءُ شَيْءٍ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِرَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ) فِي عَقْدِ السَّلَمِ الصَّحِيحِ فَلَوْ كَانَ فَاسِدًا جَازَ الِاسْتِبْدَالُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ (قَبْلَ قَبْضِهِ) بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَك أَوْ رَأْسَ مَالِكِ» ) أَيْ إلَّا سَلَمَك حَالَ قِيَامِ الْعَقْدِ أَوْ رَأْسَ مَالِكِ حَالَ انْفِسَاخِهِ فَامْتَنَعَ الِاسْتِبْدَالُ   [رد المحتار] حَتَّى يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ لَك بَحْرٌ عَنْ الْإِيضَاحِ، وَالْمُرَابَحَةُ أَنْ يَأْخُذَ زِيَادَةً عَلَى مَا أَعْطَى، وَقِيلَ يَجُوزُ كُلٌّ مِنْ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْحَاوِي. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ مَنْعُهُمَا (قَوْلُهُ وَلَوْ مِمَّنْ عَلَيْهِ) فَلَوْ بَاعَ رَبُّ السَّلَمِ الْمُسْلَمَ فِيهِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَا يَصِحُّ، وَلَا يَكُونُ إقَالَةً بَحْرٌ عَنْ الْقُنْيَةِ، وَانْظُرْ مَا فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالْأَكْثَرِ وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ فَصْلِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ أَنَّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ مِنْ بَائِعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَصِحُّ، وَلَا يَنْتَقِضُ بِهِ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ بِخِلَافِ هِبَتِهِ مِنْهُ لِأَنَّهَا مَجَازٌ عَنْ إقَالَةٍ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ إلَخْ) فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ أَبْرَأَ رَبُّ السَّلَمِ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ عَنْ طَعَامِ السَّلَمِ صَحَّ إبْرَاؤُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، مَا لَمْ يَقْبَلْ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ، فَإِنْ قَبِلَهُ كَانَ فَسْخًا لِعَقْدِ السَّلَمِ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَبَّ السَّلَمِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَقَبِلَ الْإِبْرَاءِ يَبْطُلُ السَّلَمُ، فَإِنْ رَدَّهُ لَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَا يُسْتَحَقُّ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ رَأْسِ الْمَالِ نَهْرٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّصَرُّفَ الْمَنْفِيَّ فِي الْمَتْنِ شَامِلٌ لِلْبَيْعِ وَالِاسْتِبْدَالِ، وَالْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ إلَّا أَنَّ فِي الْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ يَكُونُ مَجَازًا عَنْ الْإِقَالَةِ فَيَرُدُّ رَأْسَ الْمَالِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَلَا يَشْمَلُ الْإِقَالَةَ لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ، وَلَا التَّصَرُّفَ فِي الْوَصْفِ مِنْ دَفْعِ الْجَيِّدِ مَكَانَ الرَّدِيءِ وَالْعَكْسُ اهـ (قَوْلُهُ إقَالَةُ بَعْضِ السَّلَمِ جَائِزَةٌ) أَيْ لَوْ أَقَالَهُ عَنْ نِصْفِ الْمُسْلَمِ فِيهِ أَوْ رُبُعِهِ مَثَلًا جَازَ، وَيَبْقَى الْعَقْدُ فِي الْبَاقِي. قَالَ فِي الْبَحْرِ، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَلَى الْإِقَالَةِ عَلَى مُجَرَّدِ الْوَصْفِ بِأَنْ كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ جَيِّدًا فَتَقَايَلَا عَلَى الرَّدِيءِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ دِرْهَمًا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ، فَيَجُوزُ عِنْدَهُ لَا بِطَرِيقِ الْإِقَالَةِ بَلْ بِطَرِيقِ الْحَطِّ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ اهـ قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَفِيهِ صَرَاحَةٌ بِجَوَازِ الْحَطِّ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِ وَالظَّاهِرُ فِيهَا اشْتِرَاطُ قَبْضِهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ، بِخِلَافِ الْحَطِّ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَيَجُوزُ الْحَطُّ اهـ (قَوْلُهُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ) أَفَادَ أَنَّ الْإِقَالَةَ جَائِزَةٌ فِي السَّلَمِ، مَعَ أَنَّ شَرْطَ الْإِقَالَةِ قِيَامُ الْمَبِيعِ، لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ دِينَارًا حَقِيقَةً فَلَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ، وَلِذَا لَمْ يَجُزْ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَإِذَا صَحَّتْ فَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا رُدَّتْ وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً رُدَّ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ لَوْ قِيَمِيَّةً وَتَقَدَّمَ تَمَامُهُ فِي بَابِهَا (قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ فَاسِدًا جَازَ الِاسْتِبْدَالُ) لِأَنَّ رَأْسَ مَالِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَمَغْصُوبٍ مِنَحٌ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ جَوَازَ الِاسْتِبْدَالِ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّصَرُّفِ بِالشِّرَاءِ كَمَا هُوَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا يَظْهَرُ لَك قَرِيبًا (قَوْلُهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ) أَيْ كَدَيْنِ مَهْرٍ وَأُجْرَةٍ وَضَمَانِ مُتْلَفٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ سِوَى صَرْفٍ وَسَلَمٍ، لَكِنْ التَّصَرُّفُ فِي الدَّيْنِ لَا يَجُوزُ إلَّا تَمْلِيكُهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ لَا مِنْ غَيْرِهِ إلَّا إذَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ، وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي فَصْلِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ (قَوْلُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ) أَيْ قَبْضِ رَبِّ السَّلَمِ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ) أَيْ قَبْضًا كَائِنًا بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ لَا بِحُكْمِ عَقْدِ السَّلَمِ، لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ مَقْبُوضٌ فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ الْإِقَالَةُ لِعَدَمِ صِحَّةِ السَّلَمِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) رَوَاهُ بِمَعْنَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ فَامْتَنَعَ الِاسْتِبْدَالُ) فَصَارَ رَأْسُ الْمَالِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَهَا فَيَأْخُذُ حُكْمَهُ مِنْ حُرْمَةِ الِاسْتِبْدَالِ بِغَيْرِهِ فَحُكْمُ رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَهَا كَحُكْمِهِ قَبْلَهَا، وَإِلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 219 (بِخِلَافِ) بَدَلِ (الصَّرْفِ حَيْثُ يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ) لَكِنْ (بِشَرْطِ قَبْضِهِ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ) لِجَوَازِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِخِلَافِ السَّلَمِ (وَلَوْ شَرَى) الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي كُرٍّ (كُرًّا وَأَمَرَ) الْمُشْتَرِي (رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ قَضَاءً) عَمَّا عَلَيْهِ (لَمْ يَصِحَّ) لِلُزُومِ الْكَيْلِ مَرَّتَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ (وَصَحَّ لَوْ) كَانَ الْكُرُّ قَرْضًا وَ (أَمَرَ مُقْرِضَهُ بِهِ) لِأَنَّهُ إعَارَةٌ لَا اسْتِبْدَالٌ (كَمَا) صَحَّ (لَوْ أَمَرَ) الْمُسْلَمُ إلَيْهِ (رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ مِنْهُ لَهُ ثُمَّ لِنَفْسِهِ فَفَعَلَ) كَ اكْتَالَهُ مَرَّتَيْنِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ (أَمَرَهُ)   [رد المحتار] قَبْضُهُ فِي مَجْلِسِهَا، كَمَا كَانَ يَجِبُ قَبْلَهَا لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ بَيْعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلِهَذَا جَازَ إبْرَاؤُهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ قَبْلَهَا بَحْرٌ. وَقَدَّمَ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْإِقَالَةِ عَنْ الْأَشْبَاهِ أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ بَعْدَهَا كَهُوَ قَبْلَهَا إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ إلَخْ (قَوْلُهُ حَيْثُ يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ) لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَلَوْ تَبَايَعَا دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ جَازَ اسْتِبْدَالُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ بِأَنْ يُمْسِكَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْعَقْدِ، وَيُؤَدِّيَا بَدَلَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الصَّرْفِ، وَاحْتُرِزَ بِالِاسْتِبْدَالِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ لِمَا سَيَأْتِي هُنَاكَ أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَلَوْ بَاعَ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ، وَاشْتَرَى بِهَا قَبْلَ قَبْضِهَا ثَوْبًا فَسَدَ بَيْعُ الثَّوْبِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِ الصَّرْفِ غَيْرُ مُنْتَظِمٍ، لِأَنَّ الْكَلَامَ قَبْلَهُ فِي الشِّرَاءِ بِرَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَالصَّرْفُ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ كَمَا عَلِمْت. وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ لِجَوَازِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ الْجَائِزَ هُوَ الِاسْتِبْدَالُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ دُونَ التَّصَرُّفِ فِيهِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمُتُونِ، فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ، وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ بِخِلَافِ الصَّرْفِ. وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ قَيَّدَ بِالسَّلَمِ، لِأَنَّ الصَّرْفَ إذَا تَقَايَلَاهُ جَازَ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ وَيَجِبُ قَبْضُهُ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ، بِخِلَافِ السَّلَمِ وَقَالَ قَبْلَهُ وَفِي الْبَدَائِعِ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ شَرْطٌ حَالَ بَقَاءِ الْعَقْدِ لَا بَعْدَ ارْتِفَاعِهِ بِإِقَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَقَبْضُ بَدَلِ الصَّرْفِ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا كَقَبْضِهِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْقَبْضَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فِي الْبَدَلَيْنِ مَا شُرِطَ لِعَيْنِهِ، بَلْ لِلتَّعْيِينِ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ الْبَدَلُ مُعَيَّنًا بِالْقَبْضِ صِيَانَةً عَنْ الِافْتِرَاقِ عَنْ دَيْنِ بِدَيْنٍ، وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْيِينِ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهُ فَتَعُودُ إلَيْهِ عَيْنُهُ فَلَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى التَّعْيِينِ بِالْقَبْضِ فَكَانَ الْوَاجِبُ نَفْسَ الْقَبْضِ فَلَا يُرَاعَى لَهُ الْمَجْلِسُ بِخِلَافِ الصَّرْفِ، لِأَنَّ التَّعْيِينَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقَبْضِ لِأَنَّ اسْتِبْدَالَهُ جَائِزٌ فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ لِلتَّعْيِينِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي كُرٍّ إلَخْ) صُورَتُهُ أَسْلَمَ رَجُلًا مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَاشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ لَمْ يَصِحَّ، حَتَّى يَكْتَالَهُ رَبُّ السَّلَمِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً عَنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، وَمَرَّةً عَنْ نَفْسِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: قَيَّدَ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ لَوْ مَلَكَ كُرًّا بِإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ فَأَوْفَاهُ رَبُّ السَّلَمِ وَاكْتَالَهُ مَرَّةً جَازَ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إلَّا عَقْدٌ وَاحِدٌ بِشَرْطِ الْكَيْلِ وَقَيَّدَ بِالْكُرِّ، لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً مُجَازَفَةً، فَاكْتَالَهَا مَرَّةً جَازَ لِمَا قُلْنَا وَأَشَارَ بِالْكُرِّ الْمَكِيلِ إلَى أَنَّ الْمَوْزُونَ كَذَلِكَ، وَكَذَا الْمَعْدُودُ إذَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعَدِّ وَفِي الْبِنَايَةِ إنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ (قَوْلُهُ قَضَاءً) مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ (قَوْلُهُ لِلُزُومِ الْكَيْلِ مَرَّتَيْنِ) لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ صَفْقَتَانِ صَفْقَةٌ بَيْنَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَصَفْقَةٌ بَيْنَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَبَيْنَ رَبِّ السَّلَمِ بِشَرْطِ الْكَيْلِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ بَحْرٌ حَتَّى لَوْ هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ يَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَلِلْمُسْلِمِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِحَقِّهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَصَحَّ لَوْ كَانَ الْكُرُّ قَرْضًا) صُورَتُهُ اسْتَقْرَضَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ مِنْ الْمُقْرِضِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَقْرَضَ رَجُلٌ كُرًّا ثُمَّ اشْتَرَى كُرًّا وَأَمَرَ الْمُقْرِضَ بِقَبْضِهِ قَضَاءً لِحَقِّهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ الْقَرْضَ إعَارَةٌ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِلَفْظِهَا فَكَانَ الْمَقْبُوضُ عَيْنَ حَقِّهِ تَقْدِيرًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ لِنَفْسِهِ) الشَّرْطُ أَنْ يَكِيلَهُ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّدْ الْأَمْرُ، حَتَّى لَوْ قَالَ: اقْبِضْ الْكُرَّ الَّذِي اشْتَرَيْته مِنْ فُلَانٍ عَنْ حَقِّك، فَذَهَبَ فَاكْتَالَهُ ثُمَّ أَعَادَ كَيْلَهُ صَارَ قَابِضًا وَلَفْظُ الْجَامِعِ يُفِيدُهُ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ) عِلَّةٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 أَيْ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ (رَبُّ السَّلَمِ أَنْ يَكِيلَ الْمُسْلَمَ فِيهِ) فِي ظَرْفِهِ (فَكَالَهُ فِي ظَرْفِهِ) أَيْ وِعَاءِ رَبِّ السَّلَمِ (بِغَيْبَتِهِ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا) أَمَّا بِحَضْرَتِهِ فَيَصِيرُ قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ (أَوْ أَمَرَ) الْمُشْتَرِي (الْبَائِعَ بِذَلِكَ فَكَالَهُ فِي ظَرْفِهِ) ظَرْفِ الْبَائِعِ (لَمْ يَكُنْ قَبْضًا) لِحَقِّهِ (بِخِلَافِ كَيْلِهِ فِي ظَرْفِ الْمُشْتَرِي بِأَمْرِهِ) فَإِنَّهُ قَبْضٌ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْعَيْنِ وَالْأَوَّلُ فِي الذِّمَّةِ (كَيْلُ الْعَيْنِ) الْمُشْتَرَاةِ (ثُمَّ) كَيْلُ (الدَّيْنِ) الْمُسْلَمِ فِيهِ وَجَعْلُهُمَا (فِي ظَرْفِ الْمُشْتَرِي قَبْضٌ بِأَمْرِهِ) لِتَبَعِيَّةِ الدَّيْنِ لِلْعَيْنِ (وَعَكْسُهُ) وَهُوَ كَيْلُ الدَّيْنِ أَوَّلًا (لَا) يَكُونُ قَبْضًا وَخَيَّرَاهُ بَيْنَ نَقْضِ الْبَيْعِ وَالشَّرِكَةِ. (أَسْلَمَ أَمَةً فِي كُرِّ) بُرٍّ (وَقَبَضَتْ فَتَقَايَلَا) السَّلَمَ (فَمَاتَتْ) قَبْلَ قَبْضِهَا بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ (بَقِيَ) عَقْدُ الْإِقَالَةِ (أَوْ مَاتَتْ فَتَقَايَلَا صَحَّ) لِبَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ   [رد المحتار] لِصَحَّ (قَوْلُهُ أَيْ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ) تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ الْمَنْصُوبِ (قَوْلُهُ فِي ظَرْفِهِ) أَيْ ظَرْفِ رَبِّ السَّلَمِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ حُكْمُ مَا إذَا أَمَرَهُ بِكَيْلِهِ فِي ظَرْفِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِالْأَوْلَى بَحْرٌ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الظَّرْفِ طَعَامٌ لِرَبِّ السَّلَمِ فَلَوْ فِيهِ طَعَامُهُ، فَفِي الْمَبْسُوطِ: الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ يَصِيرُ قَابِضًا لِأَنَّ أَمْرَهُ بِخَلْطِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ مُعْتَبَرٌ، فَيَصِيرُ بِهِ قَابِضًا فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَيَصِيرُ قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الظَّرْفُ لَهُ أَوْ لِلْبَائِعِ أَوْ مُسْتَأْجَرًا وَبِهِ صَرَّحَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ بَحْرٌ عَنْ الْبِنَايَةِ (قَوْلُهُ بِذَلِكَ) أَيْ بِكَيْلِهِ فِي ظَرْفِهِ (قَوْلُهُ ظَرْفِ الْبَائِعِ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ ظَرْفِهِ (قَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا لِحَقِّهِ) لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ حَقُّهُ فِي الذِّمَّةِ وَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَلَمْ يُصَادِفْ أَمْرُهُ مِلْكَهُ، فَلَا يَصِحُّ فَيَكُونُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مُسْتَعِيرًا لِلظَّرْفِ جَاعِلًا فِيهِ مِلْكَ نَفْسِهِ كَالدَّائِنِ إذَا دَفَعَ كِيسًا إلَى الْمَدِينِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَزِنَ دَيْنَهُ، وَيَجْعَلَهُ فِيهِ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا وَفِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ يَكُونُ الْمُشْتَرِي اسْتَعَارَ ظَرْفَ الْبَائِعِ، وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَلَا يَصِيرُ بِيَدِهِ فَكَذَا مَا يَقَعُ فِيهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَكِيلَهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ بَيْتِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْبَيْتَ بِنَوَاحِيهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْعَيْنِ) لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ، فَيَصِحُّ أَمْرُهُ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ، فَيَكُونُ قَابِضًا بِجَعْلِهِ فِي الظَّرْفِ وَيَكُونُ الْبَائِعُ وَكِيلًا فِي إمْسَاكِ الظَّرْفِ فَيَكُونُ الظَّرْفُ وَالْوَاقِعُ فِيهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي حُكْمًا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِالطَّحْنِ كَانَ الطَّحِينُ فِي السَّلَمِ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَفِي الشِّرَاءِ لِلْمُشْتَرِي لِصِحَّةِ الْأَمْرِ، وَكَذَا إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَصُبَّهُ فِي الْبَحْرِ فِي السَّلَمِ يَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَفِي الشِّرَاءِ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَوْرَدَ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ الْبَائِعَ بِالْقَبْضِ صَرِيحًا لَمْ يَصِحَّ فَعَدَمُ الصِّحَّةِ هُنَا أَوْلَى، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ أَمْرُهُ لِكَوْنِهِ مَالِكًا صَارَ وَكِيلًا لَهُ ضَرُورَةً وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا لَا قَصْدًا (قَوْلُهُ كَيْلُ الْعَيْنِ) مُبْتَدَأٌ وَجَعْلُهُمَا مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ قَبْضٌ خَبَرُهُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ رَجُلٌ أَسْلَمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ اشْتَرَى رَبُّ السَّلَمِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ كُرَّ حِنْطَةٍ بِعَيْنِهَا وَدَفَعَ رَبُّ السَّلَمِ ظَرْفًا إلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِيَجْعَلَ الْكُرَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ وَالْكُرَّ الْمُشْتَرَى فِي ذَلِكَ الظَّرْفِ، فَإِنْ بَدَأَ بِكَيْلِ الْعَيْنِ الْمُشْتَرَى فِي الظَّرْفِ صَارَ قَابِضًا لِلْعَيْنِ، لِصِحَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ وَلِلدَّيْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ كَمَنْ اسْتَقْرَضَ حِنْطَةً، وَأَمَرَ الْمُقْرِضَ أَنْ يَزْرَعَهَا فِي أَرْضِهِ وَإِنْ بَدَأَ بِالدَّيْنِ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا لِشَيْءٍ مِنْهُمَا، أَمَّا الدَّيْنُ فَلِعَدَمِ صِحَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلِأَنَّهُ خَلَطَهُ بِمِلْكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَصَارَ مُسْتَهْلَكًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْتَقِضُ الْبَيْعُ، وَهَذَا الْخَلْطُ غَيْرُ مَرَضِيٍّ بِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْبُدَاءَةَ بِالْعَيْنِ وَعِنْدَهُمَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ، وَإِنْ شَاءَ شَارَكَهُ فِي الْمَخْلُوطِ لِأَنَّ الْخَلْطَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ عِنْدَهُمَا دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَقَبَضْت) أَيْ قَبَضَهَا الْمُسْلَمُ إلَيْهِ قَالَ فِي النَّهْرِ: قَيَّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمَا لَوْ تَفَرَّقَا لَا عَنْ قَبْضِهَا لَمْ تَصِحَّ الْإِقَالَةُ لِعَدَمِ صِحَّةِ السِّلْمِ (قَوْلُهُ قَبْلَ قَبْضِهَا) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا رَبُّ السَّلَمِ بِسَبَبِ الْإِقَالَةِ (قَوْلُهُ أَوْ مَاتَتْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ السَّابِقِ فَتَقَايَلَا فَيَكُونُ الْمَوْتُ بَعْدَ الْقَبْضِ (قَوْلُهُ صَحَّ) أَيْ عَقْدُ الْإِقَالَةِ (قَوْلُهُ لِبَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْجَارِيَةَ رَأْسُ الْمَالِ، وَهُوَ فِي حُكْمِ الثَّمَنِ فِي الْعَقْدِ وَالْمَبِيعُ هُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ وَصِحَّةُ الْإِقَالَةِ تَعْتَمِدُ قِيَامَ الْمَبِيعِ لَا الثَّمَنِ كَمَا مَرَّ فَهَلَاكُ الْأَمَةِ لَا يُغَيِّرُ حَالَ الْإِقَالَةِ مِنْ الْبَقَاءِ فِي الْأُولَى وَالصِّحَّةِ فِي الثَّانِيَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 221 (وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْقَبْضِ فِيهِمَا) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الضَّمَانِ (كَذَا) الْحُكْمُ فِي (الْمُقَايَضَةِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ بِالثَّمَنِ فِيهِمَا) لِأَنَّ الْأَمَةَ أَصْلٌ فِي الْبَيْعِ. وَالْحَاصِلُ جَوَازُ الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ قَبْلَ هَلَاكِ الْجَارِيَةِ وَبَعْدَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. (تَقَايَلَا الْبَيْعَ فِي عَبْدٍ فَأَبَقَ) بَعْدَ الْإِقَالَةِ (مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَسْلِيمِهِ) لِلْبَائِعِ (بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ وَالْبَيْعُ بِحَالِهِ) قُنْيَةٌ (وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الرَّدَاءَةَ وَالتَّأْجِيلَ لَا لَنَا فِي الْوَصْفِ) وَهُوَ الرَّدَاءَةُ (وَالْأَجَلِ) وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ خَرَجَ كَلَامُهُ تَعَنُّتًا فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِهِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ خَرَجَ خُصُومَةً وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لِلْمُنْكِرِ   [رد المحتار] دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا) لِأَنَّهُ إذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ انْفَسَخَ فِي الْجَارِيَةِ تَبَعًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهَا وَقَدْ عَجَزَ عَنْهُ فَوَجَبَ رَدُّ قِيمَتِهَا دُرَرٌ (قَوْلُهُ كَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُقَايَضَةِ) هِيَ بَيْعُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ فَتَبْقَى الْإِقَالَةُ وَتَصِحُّ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ وَثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ فَفِي الْبَاقِي يُعْتَبَرُ الْمَبِيعَةُ وَفِي الْهَالِكِ الثَّمَنِيَّةُ دُرَرٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ بِالثَّمَنِ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِذَا اشْتَرَى أَمَةً بِأَلْفٍ فَتَقَايَلَا فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ، وَلَوْ تَقَايَلَا بَعْدَ مَوْتِهَا فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْأَمَةَ هِيَ الْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ، فَلَا تَبْقَى بَعْدَ هَلَاكِهَا فَلَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ ابْتِدَاءً وَلَا تَبْقَى انْتِهَاءً لِعَدَمِ مَحَلِّهَا دُرَرٌ (قَوْلُهُ فِي السَّلَمِ) أَيْ وَفِي الْمُقَايَضَةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ) أَيْ بِالثَّمَنِ (قَوْلُهُ تَقَايَلَا الْبَيْعَ إلَخْ) تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْإِقَالَةِ مَتْنًا (قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الرَّدَاءَةِ) هَذَا صَادِقٌ بِمَا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا شَرَطْنَا رَدِيئًا فَقَالَ الْآخَرُ لَمْ نَشْرِطْ شَيْئًا وَبِمَا إذَا ادَّعَى الْآخَرُ اشْتِرَاطَ الْجَوْدَةِ، وَقَالَ الْآخَرُ: إنَّا شَرَطْنَا رَدِيئًا وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ وَلِذَا أَرْدَفَهُ بِقَوْلِهِ لَا لَنَا فِي الْوَصْفِ وَالْأَجَلِ، وَلِإِفَادَةِ أَنَّ الرَّدَاءَةَ مِثَالٌ حَتَّى لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا شَرَطْنَا جَيِّدًا وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ نَشْرِطْ شَيْئًا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ نَهْرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ إنَّمَا يُقْبَلُ مَعَ الْيَمِينِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَجَلِ الْآتِيَةِ وَلَا فَرْقَ يَظْهَرُ (قَوْلُهُ وَهُوَ الرَّدَاءَةُ) أَيْ مَثَلًا (قَوْلُهُ وَالْأَجَلِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْوَصْفِ وَالْأَجَلُ مُدَّةُ الشَّيْءِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا التَّأْجِيلُ، وَهُوَ تَحْدِيدُ الْأَجَلِ بِقَرِينَةِ التَّعْبِيرِ بِهِ قَبْلَهُ وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ كَوْنُ التَّأْجِيلِ بِمَعْنَى الْأَجَلِ مَجَازًا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُتَعَيِّنَ الْعَكْسُ كَمَا قُلْنَا، لِأَنَّ الْمُرَادَ الِاخْتِلَافُ فِي أَصْلِ التَّأْجِيلِ لَا فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِهِ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ خَرَجَ كَلَامُهُ تَعَنُّتًا) بِأَنْ يُنْكِرَ مَا يَنْفَعُهُ كَأَنْ قَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ: شَرَطْت لَك رَدِيئَةً وَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ: لَمْ نَشْتَرِطْ شَيْئًا فَالْقَوْلُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ مُتَعَنِّتٌ فِي إنْكَارِ الصِّحَّةِ، لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ يَرْبُو عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فِي الْعَادَةِ وَكَذَا لَوْ قَالَ رَبُّ السَّلَمِ كَانَ لَهُ أَجَلٌ وَأَنْكَرَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فَهُوَ مُتَعَنِّتٌ فِي إنْكَارِهِ حَقًّا لَهُ وَهُوَ الْأَجَلُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ خَرَجَ خُصُومَةً) بِأَنْ أَنْكَرَ مَا يَضُرُّهُ كَعَكْسِ التَّصْوِيرِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ عِنْدَهُ وَهُوَ رَبُّ السَّلَمِ فِي الْأُولَى، وَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي الثَّانِيَةِ وَعِنْدَهُمَا الْحُكْمُ كَالْأَوَّلِ كَمَا قَرَّرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ شَرَطْت لَك نِصْفَ الرِّبْحِ إلَّا عَشَرَةً وَقَالَ الْمُضَارِبُ بَلْ شَرَطْت لِي نِصْفَ الرِّبْحِ فَإِنَّ الْقَوْلَ لِرَبِّ الْمَالِ، لِأَنَّهُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ زِيَادَةِ الرِّبْحِ، وَإِنْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ إنْكَارَ الصِّحَّةِ هَذَا عِنْدَهُمَا وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ إذَا صَحَّ كَانَ شَرِكَةً، وَإِذَا فَسَدَ صَارَ إجَارَةً فَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ مُدَّعِيَ الْفَسَادِ يَدَّعِي إجَارَةً وَمُدَّعِيَ الصِّحَّةِ يَدَّعِي الشَّرِكَةَ، فَكَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي نَوْعِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ السَّلَمِ، فَإِنَّ السَّلَمَ الْحَالَّ وَهُوَ مَا يَدَّعِيهِ مُنْكِرُ الْأَجَلِ سَلَمٌ فَاسِدٌ لَا عَقْدٌ آخَرُ وَلِهَذَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يُسْلِمُ فِي شَيْءٍ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ وَاخْتَلَفَا فِي صِحَّتِهِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ عِنْدَ هُمَا وَعِنْدَهُ لِلْمُنْكِرِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 222 (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِهِ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ مَعَ يَمِينِهِ) لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ (وَأَيٌّ بَرْهَنَ قُبِلَ وَإِنْ بَرْهَنَا قَضَى بِبَيِّنَةِ الْمَطْلُوبِ) لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ (وَإِنْ) اخْتَلَفَا (فِي مُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ لِلْمَطْلُوبِ) أَيْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِيَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ الْآخَرُ وَإِنْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَةُ الْمَطْلُوبِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي السَّلَمِ تَحَالَفَا اسْتِحْسَانًا فَتْحٌ (وَالِاسْتِصْنَاعُ) هُوَ طَلَبُ عَمَلِ الصَّنْعَةِ (بِأَجَلٍ) ذُكِرَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِمْهَالِ لَا الِاسْتِعْجَالِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ سَلَمًا (سَلَمٌ) فَتُعْتَبَرُ شَرَائِطُهُ   [رد المحتار] وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لِلْمُنْكِرِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ) أَيْ رَبِّ السَّلَمِ، فَإِنَّهُ يُطَالِبُ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَأَيٌّ بَرْهَنَ قُبِلَ) لَكِنْ بُرْهَانُ رَبِّ السَّلَمِ وَحْدَهُ مُؤَكِّدٌ لِقَوْلِهِ: لَا مُثْبِتٌ لِأَنَّ الْقَوْلَ لَهُ بِدُونِهِ بِخِلَافِ بُرْهَانِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَحْدَهُ وَلِذَا قَضَى بِبَيِّنَتِهِ إذَا بَرْهَنَا مَعًا (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِلْمَطْلُوبِ) لِإِنْكَارِهِ تَوَجُّهَ الْمُطَالَبَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَةُ الْمَطْلُوبِ) لِإِثْبَاتِهَا زِيَادَةَ الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي السَّلَمِ تَحَالَفَا اسْتِحْسَانًا) أَيْ وَيَبْدَأُ بِيَمِينِ الطَّالِبِ وَأَيٌّ بَرْهَنَ قُبِلَ، وَإِنْ بَرْهَنَا فَبُرْهَانُ الطَّالِبِ وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى أَوْجُهٍ، لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ إمَّا عَيْنٌ أَوْ دَيْنٌ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَيْهِ وَيَخْتَلِفَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ يَخْتَلِفَا فِيهِمَا فَإِنْ كَانَ عَيْنًا وَاخْتَلَفَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ فَقَطْ كَقَوْلِهِ: هَذَا الثَّوْبُ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَقَالَ الْآخَرُ: فِي نِصْفِ كُرٍّ أَوْ فِي شَعِيرٍ أَوْ حِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ وَبَرْهَنَا قُدِّمَ الطَّالِبُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي رَأْسِ الْمَالِ فَقَطْ، هَلْ هُوَ ثَوْبٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ فِيهِمَا وَبَرْهَنَا قَضَى بِالسَّلَمَيْنِ، وَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ وَاتَّفَقَا فِيهِ فَقَطْ يَقْضِي لِلطَّالِبِ بِسَلَمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ الثَّانِي، خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَكَذَا لَوْ الِاخْتِلَافُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ فَقَطْ وَلَوْ فِيهِمَا كَقَوْلِهِ: عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي كُرَّيْ حِنْطَةٍ وَقَالَ الْآخَرُ: خَمْسَةَ عَشَرَ فِي كُرٍّ وَبَرْهَنَا فَعِنْدَ الثَّانِي ثَبَتَ الزِّيَادَةُ فَيَجِبُ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي كُرَّيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقْضِي بِالْعَقْدَيْنِ اهـ فَتْحٌ مُلَخَّصًا. [مَطْلَبٌ فِي الِاسْتِصْنَاعِ] ِ (قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً طَلَبُ الصَّنْعَةِ) أَيْ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الصَّانِعِ الْعَمَلَ فَفِي الْقَامُوسِ: الصِّنَاعَةُ: كَكِتَابَةِ حِرْفَةُ الصَّانِعِ وَعَمَلُهُ الصَّنْعَةُ اهـ فَالصَّنْعَةُ عَمَلُ الصَّانِعِ فِي صِنَاعَتِهِ أَيْ حِرْفَتِهِ، وَأَمَّا شَرْعًا: فَهُوَ طَلَبُ الْعَمَلِ مِنْهُ فِي شَيْءٍ خَاصٍّ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَفِي الْبَدَائِعِ مِنْ شُرُوطِهِ: بَيَانُ جِنْسِ الْمَصْنُوعِ، وَنَوْعِهِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا فِيهِ تَعَامُلٌ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مُؤَجَّلًا وَإِلَّا كَانَ سَلَمًا وَعِنْدَهُمَا الْمُؤَجَّلُ اسْتِصْنَاعٌ إلَّا إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِيهِ الِاسْتِصْنَاعُ، فَيَنْقَلِبُ سَلَمًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا (قَوْلُهُ بِأَجَلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ الِاسْتِصْنَاعِ، لَكِنْ فِيهِ مَجِيءُ الْحَالِ مِنْ الْمُبْتَدَأِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ خَبَرًا، لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ بَلْ الْخَبَرُ هُوَ قَوْلُهُ: سَلَمٌ وَالْمُرَادُ بِالْأَجَلِ مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ شَهْرٌ فَمَا فَوْقَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: قَيَّدْنَا الْأَجَلَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ كَانَ اسْتِصْنَاعًا وَإِنْ جَرَى فِيهِ تَعَامُلٌ، وَإِلَّا فَفَاسِدٌ إنْ ذَكَرَهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِمْهَالِ وَإِنْ كَانَ لِلِاسْتِعْجَالِ بِأَنْ قَالَ عَلَى أَنْ تَفْرُغَ مِنْهُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ كَانَ صَحِيحًا اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ ذُكِرَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِمْهَالِ إلَخْ) كَانَ الْوَاجِبُ عَدَمَ ذِكْرِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْمُؤَجَّلَ بِشَهْرٍ فَأَكْثَرَ سَلَمٌ، وَالْمُؤَجَّلَ بِدُونِهِ إنْ لَمْ يَجْرِ فِيهِ تَعَامُلٌ، فَهُوَ اسْتِصْنَاعٌ فَاسِدٌ إلَّا إذَا ذُكِرَ الْأَجَلُ لِلِاسْتِعْجَالِ فَصَحِيحٌ كَمَا أَفَادَهُ ط وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ ابْنَ كَمَالٍ (قَوْلُهُ سَلَمٌ) أَيْ فَلَا يَبْقَى اسْتِصْنَاعًا كَمَا فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 223 (جَرَى فِيهِ تَعَامُلٌ أَمْ لَا) وَقَالَا الْأَوَّلُ اسْتِصْنَاعٌ (وَبِدُونِهِ) أَيْ الْأَجَلِ (فِيمَا فِيهِ تَعَامَلَ) النَّاسُ (كَخُفٍّ وَقُمْقُمَةٍ وَطَسْتٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَذَكَرَهُ فِي الْمُغْرِبِ فِي الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَقَدْ يُقَالُ طُسُوتٌ (صَحَّ) الِاسْتِصْنَاعُ (بَيْعًا لَا عِدَّةً) عَلَى الصَّحِيحِ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَيُجْبَرُ الصَّانِعُ عَلَى عَمَلِهِ وَلَا يَرْجِعُ الْآمِرُ عَنْهُ) وَلَوْ كَانَ عِدَّةً لَمَا لَزِمَ   [رد المحتار] التَّتَارْخَانِيَّة، فَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ فَتُعْتَبَرُ شَرَائِطُهُ أَيْ شَرَائِطُ السَّلَمِ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارٌ مَعَ أَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ فِيهِ خِيَارٌ لِكَوْنِهِ عَقْدًا غَيْرَ لَازِمٍ كَمَا يَأْتِي تَحْرِيرُهُ (قَوْلُهُ جَرَى فِيهِ تَعَامُلٌ) كَخُفٍّ وَطَسْتٍ وَقُمْقُمَةٍ وَنَحْوِهَا دُرَرٌ (قَوْلُهُ أَمْ لَا) كَالثِّيَابِ وَنَحْوِهَا دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَقَالَا الْأَوَّلُ) أَيْ مَا فِيهِ تَعَامُلُ اسْتِصْنَاعٍ لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلِاسْتِصْنَاعِ فَيُحَافَظُ عَلَى قَضِيَّتِهِ، وَيُحْمَلُ الْأَجَلُ عَلَى التَّعْجِيلِ، بِخِلَافِ مَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ، لِأَنَّهُ اسْتِصْنَاعٌ فَاسِدٌ: فَيُحْمَلُ عَلَى السَّلَمِ الصَّحِيحِ وَلَهُ أَنَّهُ دَيْنٌ يَحْتَمِلُ السَّلَمَ وَجَوَازَ السَّلَمِ بِإِجْمَاعٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَفِي تَعَامُلِهِمْ الِاسْتِصْنَاعُ نَوْعُ شُبْهَةٍ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَى السَّلَمِ أَوْلَى هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَبِدُونِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ صَحَّ الْآتِي، وَمُقَابِلُ هَذَا قَوْلُهُ بَعْدُ وَلَمْ يَصِحَّ فِيمَا لَمْ يَتَعَامَلْ بِهِ (قَوْلُهُ وَذَكَرَهُ فِي الْمُغْرِبِ فِي الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ) هُوَ خِلَافُ مَا فِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَالْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ وَقَدْ يُقَالُ) أَيْ فِي جَمْعِهِ وَبَيَانُهُ مَا فِي الْمِصْبَاحِ الطَّسْتُ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أَصْلُهَا طَسٌّ، فَأُبْدِلَتْ مِنْ أَحَدِ الْمُضَعَّفَيْنِ تَاءً، لِأَنَّهُ يُقَالُ فِي جَمْعِهَا طِسَاسٌ كَسَهْمٍ وَسِهَامٍ، وَجُمِعَتْ أَيْضًا عَلَى طُسُوسٍ لِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ وَعَلَى طُسُوتٍ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ (قَوْلُهُ بَيْعًا لَا عِدَّةً) أَيْ صَحَّ عَلَى أَنَّهُ بَيْعٌ لَا عَلَى أَنَّهُ مُوَاعَدَةٌ، ثُمَّ يَنْعَقِدُ عِنْدَ الْفَرَاغِ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي، إذَا لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْتَصَّ بِمَا فِيهِ تَعَامُلٌ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَوْرَدَ أَنَّ بُطْلَانَهُ بِمَوْتِ الصَّانِعِ يُنَافِي كَوْنَهُ بَيْعًا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا بَطَلَ بِمَوْتِهِ لِشَبَهِهِ بِالْإِجَارَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ: هُوَ إجَارَةٌ ابْتِدَاءً بَيْعٌ انْتِهَاءً، لَكِنْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا عِنْدَ التَّسْلِيمِ، وَأَوْرَدَ أَنَّهُ لَوْ انْعَقَدَ إجَارَةً لَأُجْبِرَ الصَّانِعُ عَلَى الْعَمَلِ وَالْمُسْتَصْنِعُ عَلَى إعْطَاءِ الْمُسَمَّى، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يُجْبَرُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِإِتْلَافِ عَيْنٍ لَهُ مِنْ قَطْعِ الْأَدِيمِ وَنَحْوِهِ وَالْإِجَارَةُ تُفْسَخُ بِهَذَا الْعُذْرِ أَلَا تَرَى أَنَّ الذِّرَاعَ لَهُ أَنْ لَا يَعْمَلَ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَتِهِ، وَكَذَا رَبُّ الْأَرْضِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ وَالزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ فَيُجْبَرُ الصَّانِعُ عَلَى عَمَلِهِ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ الدُّرَرَ وَمُخْتَصَرَ الْوِقَايَةِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ مِنْ أَنَّهُ لَا جَبْرَ فِيهِ وَلِقَوْلِ الْبَحْرِ، وَحُكْمُهُ الْجَوَازُ دُونَ اللُّزُومِ وَلِذَا قُلْنَا لِلصَّانِعِ أَنْ يَبِيعَ الْمَصْنُوعَ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ الْمُسْتَصْنِعُ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ اهـ وَلِمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَأَمَّا صِفَتُهُ: فَهِيَ أَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ قَبْلَ الْعَمَلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِلَا خِلَافٍ حَتَّى كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خِيَارُ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْعَمَلِ كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ، فَإِنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخَ، وَأَمَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ الْمُسْتَصْنِعُ فَكَذَلِكَ حَتَّى كَانَ لِلصَّانِعِ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ شَاءَ، وَأَمَّا إذَا أَحْضَرَهُ الصَّانِعُ عَلَى الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ سَقَطَ خِيَارُهُ وَلِلْمُسْتَصْنِعِ الْخِيَارُ هَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْهُ ثُبُوتُهُ لَهُمَا وَعَنْ الثَّانِي عَدَمُهُ لَهُمَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ اهـ. وَقَالَ أَيْضًا: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الِامْتِنَاعُ مِنْ الْعَمَلِ قَبْلَ الْعَمَلِ بِالِاتِّفَاقِ، ثُمَّ إذَا صَارَ سَلَمًا يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ السَّلَمِ فَإِنْ وُجِدَتْ صَحَّ وَإِلَّا لَا اهـ وَقَالَ أَيْضًا: فَإِنْ ضَرَبَ لَهُ أَجَلًا صَارَ سَلَمًا حَتَّى يُعْتَبَرَ فِيهِ شَرَائِطُ السَّلَمِ، وَلَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا سَلَّمَ الصَّانِعُ الْمَصْنُوعَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عَلَيْهِ فِي السَّلَمِ اهـ. وَذَكَرَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ أَنَّ لِلصَّانِعِ بَيْعَهُ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ الْمُسْتَصْنِعُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ لَا يَصِحُّ فِي الثَّوْبِ، وَأَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ لَهُ أَجَلًا وَعَجَّلَ الثَّمَنَ جَازَ وَكَانَ سَلَمًا، وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَا يُجْبَرُ الْمُسْتَصْنِعُ عَلَى إعْطَاءِ الدَّرَاهِمِ وَإِنْ شَرَطَ تَعْجِيلَهُ هَذَا إذَا لَمْ يَضْرِبْ لَهُ أَجَلًا فَإِنْ ضَرَبَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِيرُ سَلَمًا، وَلَا يَبْقَى اسْتِصْنَاعًا حَتَّى يُشْتَرَطَ فِيهِ شَرَائِطُ السَّلَمِ اهـ. فَقَدْ ظَهَرَ لَك بِهَذِهِ النُّقُولِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 224 (وَالْمَبِيعُ هُوَ الْعَيْنُ لَا عَمَلُهُ) خِلَافًا لِلْبَرْدَعِيِّ (فَإِنْ جَاءَ) الصَّانِعُ بِمَصْنُوعِ غَيْرِهِ أَوْ بِمَصْنُوعِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَأَخَذَهُ (صَحَّ) وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَمَلَهُ لَمَا صَحَّ (وَلَا يَتَعَيَّنُ) الْمَبِيعُ (لَهُ) أَيْ لِلْآمِرِ (بِلَا رِضَاهُ فَصَحَّ بَيْعُ الصَّانِعِ) لِمَصْنُوعِهِ (قَبْلَ رُؤْيَةِ آمِرِهِ) وَلَوْ تَعَيَّنَ لَهُ لَمَا صَحَّ بَيْعُهُ (وَلَهُ) أَيْ لِلْآمِرِ (أَخْذُهُ وَتَرْكُهُ) بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلصَّانِعِ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَصْنُوعِ لَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ نَهْرٌ (وَلَمْ يَصِحَّ فِيمَا لَمْ يُتَأَمَّلْ فِيهِ كَالثَّوْبِ إلَّا بِأَجَلٍ كَمَا مَرَّ) فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَسَدَ إنْ ذَكَرَ الْأَجَلَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِمْهَالِ وَإِنْ لِلِاسْتِعْجَالِ كَ عَلَى أَنْ تُفْرِغَهُ غَدًا كَانَ صَحِيحًا.   [رد المحتار] أَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ لَا جَبْرَ فِيهِ إلَّا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا بِشَهْرٍ فَأَكْثَرَ، فَيَصِيرُ سَلَمًا وَهُوَ عَقْدٌ لَازِمٍ يُجْبَرُ عَلَيْهِ، وَلَا خِيَارَ فِيهِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَيُجْبَرُ الصَّانِعُ عَلَى عَمَلِهِ لَا يَرْجِعُ الْآمِرُ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا صَارَ سَلَمًا فَكَانَ عَلَيْهِ ذِكْرُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ، وَبِدُونِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مُنَاقِضٌ لِمَا ذَكَرَ بَعْدَهُ مِنْ إثْبَاتِ الْخِيَارِ لِلْآمِرِ، وَمِنْ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْعَيْنُ لَا الْعَمَلُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَمَلُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ كَيْفَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا مَا فِي الْهِدَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ، مِنْ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلصَّانِعِ فِي الْأَصَحِّ فَذَاكَ بَعْدَمَا صَنَعَهُ وَرَآهُ الْآمِرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ مَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَنْشَأُ تَوَهُّمِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي وَبَعْدَ تَحْرِيرِي لِهَذَا الْمَقَامِ رَأَيْت مُوَافَقَتَهُ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ نُورُ الْعَيْنِ إصْلَاحُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، حَيْثُ قَالَ بَعْدَ أَنْ أَكْثَرَ مِنْ النَّقْلِ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ فِي الِاسْتِصْنَاعِ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الدُّرَرِ تَبَعًا لِخِزَانَةِ الْمُفْتِي أَنَّ الصَّانِعَ يُجْبَرُ عَلَى عَمَلِهِ وَالْآمِرَ لَا يَرْجِعُ عَنْهُ سَهْوٌ ظَاهِرٌ اهـ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. (قَوْلُهُ وَالْمَبِيعُ هُوَ الْعَيْنُ لَا عَمَلُهُ) أَيْ أَنَّهُ بَيْعُ عَيْنٍ مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ لَا بَيْعُ عَمَلٍ أَيْ لَا إجَارَةٌ عَلَى الْعَمَلِ لَكِنْ قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ إجَارَةٌ ابْتِدَاءً بَيْعٌ انْتِهَاءً تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ تَرْجَمَةُ الْبَرْدَعِيِّ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلْبَرْدَعِيِّ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفِي آخِرِهِ عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ، نِسْبَةٌ إلَى بَرْدَعَةَ بَلْدَةٍ مِنْ أَقْصَى بِلَادِ أَذْرَبِيجَانَ، وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ أَبُو سَعِيدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْكِبَارِ قُتِلَ فِي وَقْعَةِ الْقَرَامِطَةِ مَعَ الْحَاجِّ سَنَةَ سَبْعَ عَشَرَةَ وَثَلَاثَمِائَةٍ وَتَمَامُ تَرْجَمَتِهِ فِي طَبَقَاتِ عَبْدِ الْقَادِرِ (قَوْلُهُ بِمَصْنُوعِ غَيْرِهِ) أَيْ بِمَا صَنَعَهُ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ فَأَخَذَهُ) أَيْ الْآمِرُ (قَوْلُهُ بِلَا رِضَاهُ) أَيْ رِضَا الْآمِرِ أَوْ رِضَا الصَّانِعِ (قَوْلُهُ قَبْلَ رُؤْيَةِ آمِرِهِ) الْأَوْلَى قَبْلَ اخْتِيَارِهِ لِأَنَّ مَدَارَ تَعَيُّنِهِ لَهُ عَلَى اخْتِيَارِهِ، وَهُوَ يَتَحَقَّقُ بِقَبْضِهِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ إلَخْ) قَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهَذَا الْمُفَادِ عَنْ الْبَدَائِعِ. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الصَّانِعَ بَائِعٌ مَا لَمْ يَرَهُ، وَلَا خِيَارَ لَهُ وَلِأَنَّهُ بِإِحْضَارِهِ أَسْقَطَ خِيَارَ نَفْسِهِ الَّذِي كَانَ لَهُ قَبْلَهُ فَبَقِيَ خِيَارُ صَاحِبِهِ عَلَى حَالِهِ اهـ. وَفِي الْفَتْحِ وَأَمَّا بَعْدَمَا رَآهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلصَّانِعِ بَلْ إذَا قَبِلَهُ الْمُسْتَصْنِعُ أُجْبِرَ عَلَى دَفْعِهِ لَهُ لِأَنَّهُ بِالْآخِرَةِ بَائِعٌ اهـ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ نَفْيِ الْخِيَارِ فِي الْمَبْسُوطِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ: وَلَا خِيَارَ لِلصَّانِعِ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، فَيُجْبَرُ عَلَى الْعَمَلِ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ إلَخْ صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ: فَيُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ لِأَنَّ الْكَلَامَ بَعْدَ الْعَمَلِ، وَأَيْضًا فَالتَّعْلِيلُ لَا يُوَافِقُ الْمُعَلَّلَ عَلَى مَا فَهِمَهُ، وَهَذَا هُوَ مَنْشَأُ مَا ذَكَرَهُ فِي مَتْنِهِ أَوَّلًا وَقَدْ عَلِمْت تَصْرِيحَ كُتُبِ الْمَذْهَبِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ الَّذِي هُوَ مَتْنُ الْمَبْسُوطِ مَا نَصُّهُ وَالْمُسْتَصْنِعُ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ مَفْرُوغًا مِنْهُ وَإِذَا رَآهُ فَلَيْسَ لِلصَّانِعِ مَنْعُهُ وَلَا بَيْعُهُ، وَإِنْ بَاعَهُ الصَّانِعُ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ جَازَ بَيْعُهُ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْهُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهُمَا وَعَنْ الثَّانِي عَدَمُهُ لَهُمَا كَمَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ إلَّا بِأَجَلٍ كَمَا مَرَّ) أَيْ بِأَجَلٍ مُمَاثِلٍ لِمَا مَرَّ فِي السَّلَمِ مِنْ أَنَّ أَقَلَّهُ شَهْرٌ فَيَكُونُ سَلَمًا بِشُرُوطِهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ) أَيْ الْأَجَلُ لِعَقْدِ السَّلَمِ بِأَنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ لِلِاسْتِعْجَالِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّأْجِيلَ وَالِاسْتِمْهَالَ بَلْ قَصَدَ بِهِ الِاسْتِعْجَالَ بِلَا إمْهَالٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ أَجَلًا فِيمَا لَمْ يَجْرِ فِيهِ تَعَامُلٌ صَحَّ لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ الْمَتْنِ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 225 فَرْعٌ] السَّلَمُ فِي الدِّبْسِ لَا يَجُوزُ لِمَا فِي إجَارِهِ جَوَاهِرُ الْفَتَاوَى لَوْ جَعَلَ الدِّبْسَ أُجْرَةً لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِيٍّ، لِأَنَّ النَّارَ عَمِلَتْ فِيهِ وَلِذَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ فَلَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَيْنًا جَازَ. قُلْت: وَسَيَجِيءُ فِي الْغَصْبِ أَنَّ الرَّبَّ وَالْقَطْرَ وَاللَّحْمَ وَالْفَحْمَ وَالْآجُرَّ وَالصَّابُونَ وَالْعُصْفُرَ وَالسِّرْقِينَ وَالْجُلُودَ وَالصِّرْمَ وَبُرًّا مَخْلُوطًا بِشَعِيرٍ قِيَمِيٌّ فَلْيُحْفَظْ. بَابُ الْمُتَفَرِّقَاتِ مِنْ أَبْوَابِهَا وَعَبَّرَ فِي الْكَنْزِ بِمَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ وَفِي الدُّرَرِ بِمَسَائِلَ شَتَّى وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ (اشْتَرَى ثَوْرًا أَوْ فَرَسًا مِنْ خَزَفٍ) لِأَجْلِ (اسْتِئْنَاسِ الصَّبِيِّ لَا يَصِحُّ وَ) لَا قِيمَةَ لَهُ فَ (لَا يَضْمَنُ مُتْلِفُهُ وَقِيلَ بِخِلَافِهِ) يَصِحُّ وَيَضْمَنُ قُنْيَةٌ وَفِي آخِرِ حَظْرِ الْمُجْتَبَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ بَيْعُ اللُّعْبَةِ وَأَنْ يَلْعَبَ بِهَا الصِّبْيَانُ (وَصَحَّ بَيْعُ الْكَلْبِ) وَلَوْ عَقُورًا (وَالْفَهْدُ) وَالْفِيلُ وَالْقِرْدُ (وَالسِّبَاعُ) بِسَائِرِ أَنْوَاعِهَا   [رد المحتار] فَتَأَمَّلْ [فَرْعٌ السَّلَمُ فِي الدِّبْسِ] (قَوْلُهُ فِي الدِّبْسِ) بِكَسْرٍ وَبِكِسْرَتَيْنِ عَسَلُ التَّمْرِ وَعَسَلُ النَّحْلِ قَامُوسٌ وَالْمَشْهُورُ الْآنَ أَنَّهُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْعِنَبِ (قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِ النَّارِ عَمِلَتْ فِيهِ، فَصَارَ غَيْرَ مِثْلِيٍّ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ السَّلَمَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْمِثْلِيِّ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الثِّيَابِ وَالْبُسُطِ وَالْحُصْرِ وَنَحْوِهَا كَمَا مَرَّ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ عَيْنًا) أَيْ لَوْ جَعَلَ الْأُجْرَةَ بَسًّا مُعَيَّنًا (قَوْلُهُ الرَّبَّ) دِبْسُ الرُّطَبِ إذَا طُبِخَ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَالْقَطْرُ) نَوْعٌ مِنْ عَسَلِ الْقَصَبِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْغَصْبِ: إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَفَاوَتُ بِالصَّنْعَةِ وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِمَا وَلَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ط (قَوْلُهُ وَاللَّحْمَ) وَلَوْ نِيئًا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْغَصْبِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَالْآجُرَّ وَالصَّابُونَ) لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الطَّبْخِ (قَوْلُهُ وَالصَّرْمَ) بِالْفَتْحِ الْجِلْدَةُ مِصْبَاحٌ وَقَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ عَنْ الْفَتْحِ: أَنَّهُ يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْجُلُودِ إذَا بَيَّنَ مَا يَقَعُ بِهِ فِي الضَّبْطِ (قَوْلُهُ وَبُرٌّ مَخْلُوطٌ) الْأَصْوَبُ وَبُرًّا مَخْلُوطًا عَطْفًا عَلَى الرَّبِّ الْمَنْصُوبِ. نَعَمْ الرَّفْعُ جَائِزٌ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْعِطْفِ بِالرَّفْعِ عَلَى مَحَلِّ اسْمِ أَنَّ لِيَسْهُلَ اسْتِكْمَالُ الْعَمَلِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْمُتَفَرِّقَاتِ مِنْ أَبْوَابِهَا] اشْتَرَى ثَوْرًا أَوْ فَرَسًا مِنْ خَزَفٍ لِأَجْلِ اسْتِئْنَاسِ الصَّبِيِّ بَابُ الْمُتَفَرِّقَاتِ جَرَتْ عَادَتُهُمْ أَنَّ الْمَسَائِلَ الَّتِي تَشِذُّ عَنْ الْأَبْوَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَمْ تُذْكَرْ فِيهَا يَجْمَعُونَهَا بَعْدُ، وَيُسَمُّونَهَا بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ ط (قَوْلُهُ بِمَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ) شُبِّهَتْ بِالْمَنْثُورِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ لِنَفَاسَتِهَا، وَهُوَ بِالرَّفْعِ عَلَى الْحِكَايَةِ ط وَيَجُوزُ الْجَرُّ (قَوْلُهُ مِنْ خَزَفٍ) أَيْ طِينٍ قَالَ ط: قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ خَشَبٍ أَوْ صُفْرٍ جَازَ اتِّفَاقًا فِيمَا يَظْهَرُ لِإِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَحَرِّرْهُ اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ مُتْلِفُهُ) كَأَنَّهُ لِأَنَّهُ آلَةُ لَهْوٍ وَلَا يُقَالُ فِيهَا نَحْوَ مَا قِيلَ فِي عُودِ اللَّهْوِ مِنْ أَنَّهُ يَضْمَنُ خَشَبًا لَا مُهَيَّأً عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذَا قُطِعَ النَّظَرُ عَنْ التَّلَهِّي بِهَا ط (قَوْلُهُ وَقِيلَ بِخِلَافِهِ) يُشْعِرُ بِضَعْفِهِ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ نَقَلَهُ عَنْ الْقُنْيَةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ لَمْ يُعَبِّرْ عَنْهُ بِقِيلِ بَلْ رَمَزَ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ لِلثَّانِي (قَوْلُهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ نَاقِلًا عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَوْلُهُ لَا رِوَايَةٌ عَنْهُ حَتَّى يُقَالَ: إنَّ هَذَا يُشْعِرُ بِضَعْفِهِ وَنِسْبَتُهُ إلَى أَبِي يُوسُفَ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يُخَالِفُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ فَافْهَمْ [مَطْلَبٌ فِي التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ] (قَوْلُهُ وَلَوْ عَقُورًا) فِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي (قَوْلُهُ وَالْفِيلُ) هَذَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ حَقِيقَةً مُبَاحُ الِانْتِفَاعِ بِهِ شَرْعًا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَكَانَ مَالًا بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ أَيْ يَنْتَفِعُ بِهِ لِلْقِتَالِ وَالْحَمْلِ وَيَنْتَفِعُ بِعَظْمِهِ (قَوْلُهُ وَالْقِرْدُ) فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَالسِّبَاعُ) وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِهَا بَعْدَ التَّذْكِيَةِ لِإِطْعَامِ كَلْبٍ أَوْ سِنَّوْرٍ، بِخِلَافِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إطْعَامُهُ مُحِيطٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 226 حَتَّى الْهِرَّةُ وَكَذَا الطُّيُورُ (عُلِّمَتْ أَوْ لَا) سِوَى الْخِنْزِيرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا وَبِجِلْدِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالتَّمَسْخُرُ بِالْقِرْدِ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا لَا يَمْنَعُ بَيْعَهُ بَلْ يَكْرَهُهُ كَبَيْعِ الْعَصِيرِ شَرْحٌ وَهْبَانِيَّةٌ. [فَرْعٌ] لَا يَنْبَغِي اتِّخَاذُ كَلْبٍ إلَّا لِخَوْفِ لِصٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَمِثْلُهُ سَائِرُ السِّبَاعِ عَيْنِيٌّ وَجَازَ اقْتِنَاؤُهُ لِصَيْدٍ وَحِرَاسَةِ مَاشِيَةٍ وَزَرْعٍ إجْمَاعًا (كَمَا صَحَّ بَيْعُ خُرْءِ حَمَامٍ كَثِيرٍ وَ) صَحَّ (هِبَتُهُ) قُنْيَةٌ (وَ) أَدْنَى (الْقِيمَةِ الَّتِي تُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْبَيْعِ فَلْسٌ وَلَوْ كَانَتْ كَسْرَةَ خُبْزٍ لَا يَجُوزُ) قُنْيَةٌ (كَمَا لَا يَجُوزُ) بَيْعُ هَوَامِّ الْأَرْضِ كَالْخَنَافِسِ وَالْقَنَافِذِ وَالْعَقَارِبِ وَالْوَزَغِ وَالضَّبِّ (وَ) لَا هَوَامِّ (الْبَحْرِ كَالسَّرَطَانِ) وَكُلُّ مَا فِيهِ سِوَى سَمَكٍ وَجَوَّزَ فِي الْقُنْيَةِ بَيْعَ مَالِهِ ثَمَنٌ كَسَقَنْقُورٍ وَجُلُودِ خَزٍّ وَجَمَلِ الْمَاءِ لَوْ حَيًّا وَأَطْلَقَ الْحَسَنُ الْجَوَازَ وَجَوَّزَ أَبُو اللَّيْثِ بَيْعَ الْحَيَّاتِ إنْ اُنْتُفِعَ بِهَا فِي الْأَدْوِيَةِ وَإِلَّا لَا   [رد المحتار] لَكِنْ عَلَى أَصَحِّ التَّصْحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّ الذَّكَاةَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تُطَهِّرُ إلَّا الْجَلْدَ دُونَ اللَّحْمِ لَا يَصِحُّ بَيْعُ اللَّحْمِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ حَتَّى الْهِرَّةُ) لِأَنَّهَا تَصْطَادُ الْفَأْرَ وَالْهَوَامَّ الْمُؤْذِيَةَ فَهِيَ مُنْتَفَعٌ بِهَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا الطُّيُورُ) أَيْ الْجَوَارِحُ دُرَرٌ (قَوْلُهُ عُلِّمَتْ أَوْ لَا) تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ مِنْ عِبَارَةِ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ أَيْضًا لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الْأَسَدِ إنْ كَانَ يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ، وَيُصْطَادُ بِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِلَّا فَلَا وَالْفَهْدُ وَالْبَازِي يَقْبَلَانِ التَّعْلِيمَ، فَيَجُوزُ بَيْعُهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ النَّمِرِ بِحَالٍ لِأَنَّهُ لِشَرَاسَتِهِ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ، وَفِي بَيْعِ الْقِرْدِ رِوَايَتَانِ اهـ وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَوَازِ وَهُوَ الْأَصَحُّ زَيْلَعِيٌّ أَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ، وَهُوَ وَجْهُ مَا فِي الْمَتْنِ أَيْضًا وَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ عَدَمَ الْجَوَازِ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَى لِلِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ عَادَةً بَلْ لِلتَّلَهِّي بِهِ وَهُوَ حَرَامٌ اهـ بَحْرٌ. قُلْت: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْلَا قَصَدَ التَّلَهِّيَ بِهِ لَجَازَ بَيْعُهُ، ثُمَّ إنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ الْبَيْعِ بَلْ كَرَاهَتَهُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمُتُونَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ مَا سِوَى الْخِنْزِيرِ مُطْلَقًا وَصَحَّحَ السَّرَخْسِيُّ التَّقْيِيدَ بِالْمُعَلَّمِ مِنْهَا (قَوْلُهُ لَا يَنْبَغِي اتِّخَاذُ كَلْبٍ إلَخْ) الْأَحْسَنُ عِبَارَةُ الْفَتْحِ، وَأَمَّا اقْتِنَاؤُهُ لِلصَّيْدِ وَحِرَاسَةِ الْمَاشِيَةِ وَالْبُيُوتِ وَالزَّرْعِ، فَيَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذَهُ فِي دَارِهِ إلَّا إنْ خَافَ لُصُوصًا أَوْ أَعْدَاءً لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ» " (قَوْلُهُ خُرْءِ حَمَامٍ كَثِيرٍ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ فَلْسًا فَإِنَّهُ أَقَلُّ قِيمَةِ الْمَبِيعِ ط، وَمِثْلُ الْحَمَامِ بَقِيَّةُ الطُّيُورِ الْمَأْكُولَةِ لِطَهَارَةِ خُرْئِهَا، وَتَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ جَوَازُ بَيْعِ سِرْقِينِ وَبَعْرٍ، وَلَوْ خَالِصَيْنِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ وَالْوُقُودُ بِهِ وَبَيْعُ رَجِيعِ الْآدَمِيِّ لَوْ مَخْلُوطًا بِتُرَابٍ (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ) أَيْ إذَا لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهَا فَلْسًا (قَوْلُهُ وَالْقَنَافِذِ) جَمْعُ قُنْفُذٍ بِضَمِّ الْفَاءِ وَتُفْتَحُ مِصْبَاحٌ، وَذَكَرَهُ فِي الْقَامُوسِ فِي الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (قَوْلُهُ وَالْوَزَغِ) هُوَ سَامٌّ أَبْرَصُ (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَا فِيهِ) أَيْ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ سِوَى سَمَكٍ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ إلَّا السَّمَكَ وَمَا جَازَ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ أَوْ عَظْمِهِ اهـ (قَوْلُهُ بَيْعُ مَا لَهُ ثَمَنٌ) فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ يَجُوزُ بَيْعُ الْعَلَقِ فِي الصَّحِيحِ لِتَمَوُّلِ النَّاسِ، وَاحْتِيَاجِهِمْ إلَيْهِ لِمُعَالَجَةِ مَصِّ الدَّمِ مِنْ الْجَسَدِ اهـ. قُلْت: وَعَلَيْهِ فَيَجُوزُ بَيْعُ دُودَةِ الْقِرْمِزِ، لِأَنَّهَا مِنْ أَعَزِّ الْأَمْوَالِ وَأَنْفَسِهَا فِي زَمَانِنَا وَيُنْتَفَعُ بِهَا خِلَافًا لِمَنْ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا يَضْمَنُ مُتْلِفُهَا كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ (قَوْلُهُ كَسَقَنْقُورٍ) حَيَوَانٌ مُسْتَقِلٌّ وَقِيلَ بَيْضُ التَّمَاسِيحِ إذَا فَسَدَ وَيَكْبَرُ طُولَ ذِرَاعَيْنِ عَلَى أَنْحَاءِ السَّمَكَةِ وَتَمَامُهُ فِي تَذْكِرَةِ الشَّيْخِ دَاوُد (قَوْلُهُ وَجُلُودِ خَزٍّ) الْخَزُّ اسْمُ دَابَّةٍ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الثَّوْبِ الْمُتَّخَذِ مِنْ وَبَرِهَا مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ لَوْ حَيًّا) عِبَارَةُ الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ قِيلَ يَجُوزُ حَيًّا لَا مَيِّتًا إلَخْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 227 وَرَدَّهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ شَرْعًا لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلتَّدَاوِي كَالْخَمْرِ فَلَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى شَرْعِ الْبَيْعِ (وَيَجُوزُ بَيْعُ دُهْنٍ نَجِسٍ) أَيْ مُتَنَجِّسٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ (وَيُنْتَفَعُ بِهِ لِلِاسْتِصْبَاحِ) فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ كَمَا مَرَّ (وَالذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ فِي بَيْعٍ) كَصَرْفٍ وَسَلَمٍ وَرِبًا وَغَيْرِهَا (غَيْرِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَمَيْتَةٍ لَمْ تَمُتْ حَتْفَ أَنْفِهَا) بَلْ بِنَحْوِ خَنْقٍ أَوْ ذَبْحِ مَجُوسِيٍّ فَإِنَّهَا كَخِنْزِيرٍ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ (قَوْلُهُ وَرَدَّهُ فِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) قَدَّمْنَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَبَنُ امْرَأَةٍ أَنَّ صَاحِبَ الْخَانِيَّةِ وَالنِّهَايَةِ اخْتَارَا جَوَازَهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً وَلَمْ يَجِدْ دَوَاءً غَيْرَهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَفِي التَّهْذِيبِ يَجُوزُ لِلْعَلِيلِ شُرْبُ الْبَوْلِ وَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ لِلتَّدَاوِي إذَا أَخْبَرَهُ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ أَنَّ فِيهِ شِفَاءَهُ وَلَمْ يَجِدْ مِنْ الْمُبَاحِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَإِنْ قَالَ الطَّبِيبُ يَتَعَجَّلُ شِفَاؤُك بِهِ فِيهِ وَجْهَانِ، وَهَلْ يَجُوزُ شُرْبُ الْعَلِيلِ مِنْ الْخَمْرِ لِلتَّدَاوِي فِيهِ وَجْهَانِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَمَا قِيلَ إنَّ الِاسْتِشْفَاءَ بِالْحَرَامِ حَرَامٌ غَيْرُ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ وَأَنَّ الِاسْتِشْفَاءَ بِالْحَرَامِ إنَّمَا لَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً أَمَّا إنْ عُلِمَ وَلَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ غَيْرَهُ يَجُوزُ وَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُجْعَلْ شِفَاؤُكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ فِي دَاءٍ عَرَفَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ الْمُحَرَّمِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَسْتَغْنِي بِالْحَلَالِ عَنْ الْحَرَامِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ تَنْكَشِفُ الْحُرْمَةُ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَلَا يَكُونُ الشِّفَاءُ بِالْحَرَامِ وَإِنَّمَا يَكُونُ بِالْحَلَالِ اهـ نُورُ الْعَيْنِ مِنْ آخِرِ الْفَصْلِ التَّاسِعِ وَالْأَرْبَعِينَ (قَوْلُهُ أَيْ مُتَنَجِّسٍ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ دُهْنِ الْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ اهـ ح (قَوْلُهُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ لِلِاسْتِصْبَاحِ) عَطْفُ عِلَّةٍ عَلَى مَعْلُولٍ ط، لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ عِلَّةُ جَوَازِ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ لَكِنْ عِبَارَتُهُ هُنَاكَ، وَلَا يَضُرُّ أَثَرُ دُهْنٍ إلَّا دُهْنُ وَدَكِ مَيْتَةٍ لِأَنَّهُ عَيْنُ النَّجَاسَةِ، حَتَّى لَا يُدْبَغَ بِهِ جِلْدٌ بَلْ يُسْتَصْبَحُ بِهِ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ اهـ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ تَأْيِيدَ مَا هُنَا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَقَدَّمْنَا ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ (قَوْلُهُ غَيْرِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ إلَخْ) فَإِنَّا نُجِيزُ بَيْعَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا لِخُصُوصٍ فِيهِ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَخْرَجَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ حَضَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَاجْتَمَعَ إلَيْهِ عُمَّالُهُ فَقَالَ يَا هَؤُلَاءِ إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَأْخُذُونَ فِي الْجِزْيَةِ الْمَيْتَةَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْخَمْرَ فَقَالَ بِلَالٌ: أَجَلْ إنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فَقَالَ فَلَا تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ وَلُّوا أَرْبَابَهَا بَيْعَهَا ثُمَّ خُذُوا الثَّمَنَ مِنْهُمْ وَلَا نُجِيزُ فِيمَا بَيْنَهُمْ بَيْعَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَمَيْتَةٍ إلَخْ) هَذَا زَادَهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَصَاحِبُ الدُّرَرِ اسْتِدْرَاكًا عَلَى الْهِدَايَةِ بِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى غَيْرُ مَحْصُورٍ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَاسْتُدْرِكَ أَيْضًا فِي النَّهْرِ شِرَاؤُهُ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ مُصْحَفًا. قُلْت: هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ أَنْ لَوْ كَانَ التَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِمْ: وَالذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ إلَخْ مِنْ جِهَةِ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِشَرَائِعَ، وَهِيَ مُحَرَّمَاتٌ، فَكَانَتْ ثَابِتَةً فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا، فَلَوْ كَانَ التَّشْبِيهُ مِنْ جِهَةِ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ لَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاءُ شَيْءٍ، فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَا وَحِينَئِذٍ فَلَا يَدْخُلُ الْجَبْرُ عَلَى الْبَيْعِ فِي التَّشْبِيهِ حَتَّى يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ وَلِذَا غَايَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّعْبِيرِ فَقَالَ: وَصَحَّ شِرَاؤُهُ عَبْدًا إلَخْ، ثُمَّ هَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 228 وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ (وَصَحَّ) (شِرَاؤُهُ) أَيْ الْكَافِرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ (عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ مُصْحَفًا) أَوْ شِقْصًا مِنْهُمَا (وَيُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ) وَلَوْ اشْتَرَى صَغِيرًا أُجْبِرَ وَلِيُّهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَقَامَ الْقَاضِي لَهُ وَلِيًّا وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ عَبْدُهُ وَيَتْبَعُهُ طِفْلُهُ وَلَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ جَازَ فَإِنْ عَجَزَ أُجْبِرَ أَيْضًا وَلَوْ رَدَّهُ أَوْ اسْتَوْلَدَهَا سَعْيًا فِي قِيمَتِهَا وَيُوجَعُ ضَرْبًا لِوَطْئِهِ مُسْلِمَةً وَذَلِكَ حَرَامٌ. [فَرْعٌ] مَنْ عَادَتُهُ شِرَاءُ الْمُرْدَانِ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ دَفْعًا لِلْفَسَادِ نَهْرٌ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا مُحْرِمٌ أَخَذَ صَيْدًا يُؤْمَرُ بِإِرْسَالِهِ وَلَوْ أَسْلَمَ مُقْرِضُ الْخَمْرِ سَقَطَتْ وَلَوْ الْمُسْتَقْرِضَ فَرِوَايَتَانِ (وَطْءُ زَوْجِ) الْأَمَةِ (الْمُشْتَرَاةِ) الَّتِي أَنْكَحَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِهَا (قَبْضٌ) لِمُشْتَرِيهَا لِحُصُولِهِ بِتَسْلِيمِهِ   [رد المحتار] عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ بَيْعَ مَا لَمْ يَمُتْ حَتْفَ أَنْفِهِ صَحِيحٌ بَيْنَهُمْ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ فَاسِدٌ بِخِلَافِ مَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ فَإِنَّ بَيْعَهُ بَاطِلٌ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. مَطْلَبٌ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ (قَوْلُهُ وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ عُمَرَ: وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا الْعُشْرَ مِنْ أَثْمَانِهَا اهـ وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ إعْرَاضَنَا عَنْهُمْ، لَيْسَ لِكَوْنِهَا مُبَاحَةً شَرْعًا فِي حَقِّهِمْ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْبَعْضِ، بَلْ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةٌ فِي حَقِّهِمْ فِي الصَّحِيحِ، لِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِهَا كَمَا قُلْنَا لَكِنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ بَيْعِهَا، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ حُرْمَتَهَا ويتمولونها وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ، لَكِنْ الْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِأَنَّ هَذَا مَخْصُوصٌ بِالْأَثَرِ الْمَنْقُولِ عَنْ عُمَرَ كَمَا مَرَّ، وَإِلَّا وَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ اعْتَقَدُوا حِلَّ مَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَنْ يَصِحَّ بَيْعُهُ، مَعَ أَنَّهُمْ لَوْ ارْتَفَعُوا إلَيْنَا نَحْكُمُ بِبُطْلَانِهِ وَأَيْضًا لَوْ اعْتَقَدُوا حِلَّ السَّلَمِ أَوْ الصَّرْفِ أَوْ نَحْوِهِمَا، بِدُونِ شُرُوطِهِ الْمُعْتَبَرَةِ عِنْدَنَا نَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِشَرْعِنَا إلَّا فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَعَقْدُهُمْ عَلَيْهِمَا كَعَقْدِنَا عَلَى الشَّاةِ وَالْعَصِيرِ، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ حُدُودِ الْقُنْيَةِ وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ عَمَّا يُمْنَعُ الْمُسْلِمُ إلَّا شُرْبَ الْخَمْرِ فَإِنْ غَنَّوْا وَضَرَبُوا الْعِيدَانِ مُنِعُوا كَالْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَثْنَ عَنْهُمْ اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ اهـ (قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ) وَلَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ كَافِرٍ مِثْلِهِ شِرَاءً فَاسِدًا أُجْبِرَ عَلَى رَدِّهِ لِأَنَّ دَفْعَ الْفَسَادِ وَاجِبٌ حَقًّا لِلشَّرْعِ ثُمَّ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى بَيْعِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أُجْبِرَ وَلِيُّهُ) وَيَنْبَغِي أَنَّ عَقْدَ الصَّغِيرِ فِي هَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَارَةِ نَهْرٌ: أَيْ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ لِأَنَّهُ إذَا أَجَازَهُ وَلِيُّهُ أُجْبِرَ أَيْضًا عَلَى بَيْعِهِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ قَدْ يُسْلِمُ قَبْلَ إجْبَارِ وَلِيِّهِ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ فَكَانَ لِلْإِجَازَةِ فَائِدَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ عِنْدَهُ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَبْدُهُ بِالْبَاءِ بَدَلُ النُّونِ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْعَبْدِ مُسْلِمًا وَقْتَ الشِّرَاءِ أَوْ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَيَتْبَعُهُ طِفْلُهُ) أَيْ لَوْ أَسْلَمَ وَلَهُ وَلَدٌ غَيْرُ بَالِغٍ يَتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ وَالْإِجْبَارِ عَلَى بَيْعِهِ مَعَهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ عَجَزَ) أَيْ الْمُكَاتَبُ (قَوْلُهُ أُجْبِرَ) أَيْ الْكَافِرُ عَلَى بَيْعِهِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ مَا دَامَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ (قَوْلُهُ مَنْ عَادَتُهُ شِرَاءُ الْمُرْدَانِ) عِبَارَةُ النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ الْفَاسِقُ الْمُسْلِمُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا أَمْرَدَ وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِ اتِّبَاعُ الْمُرْدِ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ دَفْعًا لِلْفَسَادِ اهـ. وَعَنْ هَذَا أَفْتَى الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ بِأَنَّهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَى أَمْرَدَ، وَبِهِ أَفْتَى الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَالْمُصَنِّفُ أَيْضًا (قَوْلُهُ يُؤْمَرُ بِإِرْسَالِهِ) وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَمَرَّ بَيَانُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْحَجِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَسْلَمَ مُقْرِضٌ الْخَمْرَ سَقَطَتْ) لِتَعَذُّرِ قَبْضِهَا فَصَارَ هَلَاكُهَا مُسْتَنِدًا إلَى مَعْنًى فِيهَا، وَفِي الْبَيْعِ لَوْ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ أَيْ ثَبَتَ حَقُّ الْفَسْخِ لِتَعَذُّرِ الْقَبْضِ بِالْإِسْلَامِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَبِقَ الْمَبِيعُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَرَاوِيَتَانِ) أَيْ عَنْ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ تَسْقُطُ، وَفِي رِوَايَةٍ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِتَعَذُّرِهِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ الَّتِي أَنْكَحَهَا الْمُشْتَرِي إلَخْ) أَيْ إذَا اشْتَرَى أَمَةً وَزَوَّجَهَا لِرَجُلٍ قَبْلَ قَبْضِهَا مِنْ الْبَائِعِ فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ صَارَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 229 فَصَارَ فِعْلُهُ كَفِعْلِهِ (لَا) مُجَرَّدُ (نِكَاحِهَا) اسْتِحْسَانًا (فَلَوْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ) قَبْلَ الْقَبْضِ (بَطَلَ النِّكَاحُ) فِي قَوْلِ الثَّانِي، وَهُوَ (الْمُخْتَارُ) وَقَيَّدَهُ الْكَمَالُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بُطْلَانُهُ بِمَوْتِهَا، فَلَوْ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَبْطُلْ النِّكَاحُ، وَإِنْ بَطَلَ الْبَيْعُ فَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ لِلْمُشْتَرِي فَتْحٌ (اشْتَرَى شَيْئًا) مَنْقُولًا، إذْ الْعَقَارُ لَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي (وَغَابَ) الْمُشْتَرِي (قَبْلَ الْقَبْضِ وَنَقْدِ الثَّمَنِ غَيْبَةً مَعْرُوفَةً فَأَقَامَ بَائِعُهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ لَمْ يُبَعْ فِي دَيْنِهِ) لِإِمْكَانِ ذَهَابِهِ إلَيْهِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ فَصَارَ فِعْلُهُ) أَيْ الزَّوْجِ كَفِعْلِهِ أَيْ الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ قَبْضًا لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ حُكْمِيٌّ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرَاةَ مُزَوَّجَةً يَرُدُّهَا بِالْعَيْبِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا فِعْلٌ حِسِّيٌّ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالتَّزْوِيجُ فِعْلُ تَعْيِيبٍ حُكْمِيٍّ بِمَعْنَى تَقْلِيلِ الرَّغَبَاتِ فِيهَا كَنُقْصَانِ السِّعْرِ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ فَلَوْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ) أَيْ بِنَحْوِ خِيَارِ عَيْبٍ أَوْ فَسَادٍ (قَوْلُهُ بَطَلَ النِّكَاحُ) لِأَنَّ الْبَيْعَ مَتَى انْتَقَضَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْتَقَضَ مِنْ الْأَصْلِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَكَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ الْكَمَالُ) لَمْ يُقَيِّدْهُ الْكَمَالُ مِنْ عِنْدِهِ بَلْ قَالَ وَقَيَّدَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ بُطْلَانَ النِّكَاحِ إلَخْ فَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ وَقَيَّدَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ لَكَانَ أَصْوَبَ وَلَسَلِمَ عَزْوُهُ فِي آخِرِ الْعِبَارَةِ إلَى الْفَتْحِ مِنْ الِاسْتِدْرَاكِ (قَوْلُهُ بُطْلَانُهُ) أَيْ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ فَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ لِلْمُشْتَرِي فَتْحٌ) لَمْ أَجِدْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي الْفَتْحِ بَلْ ذَكَرَهَا فِي النَّهْرِ، وَنَقَلَ مُحَشِّي مِسْكِينٍ عَنْ شَيْخِهِ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْهَا فِي النِّهَايَةِ وَلَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْبَحْرِ. وَنَقَلَ عَنْ الشَّيْخِ شَاهِينَ أَنَّهُ وَجَدَهَا فِي الْمِعْرَاجِ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهَا بِأَنَّهُ كَيْفَ تَكُونُ هَالِكَةً مِنْ مَالِ الْبَائِعِ وَيَكُونُ الْمَهْرُ لِلْمُشْتَرِي فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ: الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ اهـ. قُلْت: عَدَمُ بُطْلَانِ النِّكَاحِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بُطْلَانَ الْبَيْعِ مُقْتَصِرٌ عَلَى وَقْتِ الْمَوْتِ فَلَمْ يَصِرْ الْعَقْدُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، فَيَظْهَرُ أَنَّ النِّكَاحَ كَانَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَيَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ تَأَمَّلْ، وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْفَسْخِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا [مَطْلَبٌ لِلْقَاضِي إيدَاعُ مَالِ غَائِبٍ وَإِقْرَاضُهُ وَبَيْعُ مَنْقُولِهِ] (قَوْلُهُ إذَا الْعَقَارُ لَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي) فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا يَبِيعُهُ إلَّا الْقَاضِي بِزِيَادَةِ إلَّا، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي النَّهْرِ وَكَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ النِّهَايَةِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَعِبَارَةُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: جَازَ لِلْقَاضِي بَيْعُ الْمَبِيعِ وَإِبْقَاءُ الثَّمَنِ لَوْ كَانَ مَنْقُولًا لَا لَوْ عَقَارًا اهـ (قَوْلُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ) فَلَوْ غَابَ بَعْدَهُ لَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي لِأَنَّ حَقَّهُ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِمَالِيَّتِهِ بَلْ بِذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، وَقَيَّدَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِمَا إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ التَّلَفَ فَإِنْ خِيفَ جَازَ لَهُ الْبَيْعُ حَيْثُ قَالَ لِلْقَاضِي إيدَاعُ مَالِ غَائِبٍ وَمَفْقُودٍ، وَلَهُ إقْرَاضُهُ وَبَيْعُ مَنْقُولِهِ إذَا خِيفَ تَلَفُهُ وَلَمْ يُعْلَمْ مَكَانُ الْغَائِبِ لَا لَوْ عُلِمَ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنَّ خَوْفَ التَّلَفِ مُجَوِّزٌ لِلْبَيْعِ عُلِمَ مَكَانُهُ أَوْ لَا، وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فَارْجِعْ إلَيْهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ غَيْبَةً مَعْرُوفَةً) بِأَنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ الَّتِي خَرَجَ إلَيْهَا مَعْرِفَةً وَإِنْ بَعُدَتْ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَأَقَامَ بَائِعُهُ بَيِّنَةً إلَخْ) لَيْسَتْ الْبَيِّنَةُ هُنَا لِلْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، بَلْ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ وَانْكِشَافِ الْحَالِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِهِ وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ لِلْغَائِبِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ مَشْغُولًا بِحَقِّهِ بَحْرٌ. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الْخَصْمُ شَرْطٌ لِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ لَوْ أَرَادَ الْمُدَّعِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ يَدِ الْخَصْمِ الْغَائِبِ شَيْئًا، أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ مِنْ مَالٍ كَانَ لِلْغَائِبِ فِي يَدِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ وَلَا يَحْتَاجُ لِوَكِيلٍ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ إبِلًا إلَى مَكَّةَ ذَاهِبًا أَوْ جَائِيًا وَدَفَعَ الْكِرَاءَ وَمَاتَ رَبُّ الدَّابَّةِ فِي الذَّهَابِ فَانْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فَلَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا وَلَا يَضْمَنُ، وَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا إلَى مَكَّةَ فَإِذَا أَتَاهَا وَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَرَأَى بَيْعَهَا وَدَفْعَ بَعْضَ الْأَجْرِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ جَازَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ رَهَنَ الْمَدْيُونُ وَغَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فَرَفَعَ الْمُرْتَهِنُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَبِيعَ الرَّهْنَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ كَمَا فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ) وَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُدْ إلَيْهِ الثَّمَنَ نَهْرٌ وَفَتْحٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 230 (وَإِنْ جُهِلَ مَكَانُهُ بِيعَ) الْمَبِيعُ: أَيْ بَاعَهُ الْقَاضِي أَوْ مَأْمُورُهُ نَظَرًا لِلْغَائِبِ وَأَدَّى الثَّمَنَ وَمَا فَضَلَ يُمْسِكُهُ لِلْغَائِبِ، وَإِنْ نَقَصَ تَبِعَهُ الْبَائِعُ إذَا طَفَرَ بِهِ (وَإِنْ اشْتَرَى اثْنَانِ) شَيْئًا (وَغَابَ وَاحِدٌ) مِنْهُمَا (فَلِلْحَاضِرِ دَفْعُ) كُلِّ (ثَمَنِهِ) وَيُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِ الْكُلِّ وَدَفْعِ الْكُلِّ لِلْحَاضِرِ (وَ) لَهُ (قَبْضُهُ وَحَبْسُهُ) عَنْ شَرِيكِهِ إذَا حَضَرَ (حَتَّى يَنْقُدَ شَرِيكَهُ) الثَّمَنَ، بِخِلَافِ أَحَدِ الْمُسْتَأْجَرِينَ. وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَكَانَ مُضْطَرًّا بِخِلَافِ الْمُؤَجِّرِ؛ اللَّهُمَّ إلَّا إذَا شَرَطَ تَعْجِيلَ الْأُجْرَةِ.   [رد المحتار] مَطْلَبٌ لِلْقَاضِي إيدَاعُ مَالِ غَائِبٍ وَإِقْرَاضُهُ وَبَيْعُ مَنْقُولِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ بَاعَهُ الْقَاضِي أَوْ مَأْمُورُهُ) وَلَوْ أَذِنَ لَهُ بِأَنْ يُؤَجِّرَ الدَّابَّةَ وَيَعْلِفَهَا مِنْ أَجْرِهَا جَازَ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِلَا إذْنِ الْقَاضِي، فَإِنْ بَاعَ كَانَ فُضُولِيًّا، وَإِنْ سَلَمَ كَانَ مُعْتَدِيًا وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ غَاصِبٌ بَحْرٌ، قُلْت: وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: اشْتَرَى لَحْمًا فَذَهَبَ لِيَجِيءَ بِالثَّمَنِ فَأَبْطَأَ فَخَافَ الْبَائِعُ أَنْ يَفْسُدَ يَسَعُ الْبَائِعَ بَيْعُهُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَكُونُ رَاضِيًا بِالِانْفِسَاخِ، فَإِنْ بَاعَ بِزِيَادَةٍ تَصَدَّقَ بِهَا أَوْ بِنُقْصَانٍ وُضِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَهَذَا نَوْعُ اسْتِحْسَانٍ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَاضِي لِرِضَاهُ بِالِانْفِسَاخِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُهُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَلِذَا كَانَ الْفَضْلُ لَهُ وَالنَّقْصُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ نَظَرًا لِلْغَائِبِ) أَيْ وَلِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَصِلُ بِهِ إلَى حَقِّهِ وَيَبْرَأُ عَنْ ضَمَانِهِ وَالْمُشْتَرِي أَيْضًا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ دَيْنِهِ وَمِنْ تَرَاكُمِ نَفَقَتِهِ بَحْرٌ. [فَرْعٌ] فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: سُئِلَ نَجْمُ الدِّينِ عَمَّنْ وَهَبَهُ أَمِيرٌ أَمَةً فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا لِتَاجِرٍ قُتِلَ فَأُخِذَتْ وَتَدَاوَلَتْهَا الْأَيْدِي حَتَّى وَصَلَّتْ إلَيْهِ وَلَا يَجِدُ وَارِثَ الْقَتِيلِ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ خَلَّاهَا ضَاعَتْ لَوْ أَمْسَكَهَا يَخَافُ الْفِتْنَةَ: فَأَجَابَ لِلْقَاضِي بَيْعُهَا مِنْ ذِي الْيَدِ، فَلَوْ ظَهَرَ الْمَالِكُ كَانَ لَهُ عَلَى ذِي الْيَدِ ثَمَنُهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَى اثْنَانِ شَيْئًا) أَيْ اشْتَرَيَا عَبْدًا صَفْقَةً وَاحِدَةً كَمَا عَبَّرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ وَغَابَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا) أَيْ بِحَيْثُ لَمْ يَدْرِ مَكَانَهُ نَهْرٌ، وَقَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُضْطَرًّا فِي إيفَاءِ الْكُلِّ، إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى الْقَاضِي فِي أَنْ يَنْقُدَ حِصَّتَهُ لِيَقْبِضَ نَصِيبَهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَوْ الْمَبِيعُ غَيْرَ مِثْلِيٍّ، أَمَّا الْمِثْلِيُّ كَالْبُرِّ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ فَلَا جَبْرَ عَلَى دَفْعِ الْكُلِّ وَلِذَا صَوَّرُوا الْمَسْأَلَةَ بِالْعِيدِ كَمَا ذَكَرْنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَهُ) أَيْ لِلْحَاضِرِ قَبْضُهُ أَيْ قَبْضُ كُلِّ الْمَبِيعِ (قَوْلُهُ حَتَّى يَنْقُدَ شَرِيكُهُ الثَّمَنَ) أَيْ ثَمَنَ حِصَّتِهِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًا. وَفِي ط عَنْ الْوَانِيِّ: النَّقْدُ فِي الْأَصْلِ تَمْيِيزُ الْجَيِّدِ مِنْ الرَّدِيءِ مِنْ نَحْوِ الدَّرَاهِمِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَى الْأَدَاءِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ أَحَدِ الْمُسْتَأْجَرِينَ) لَوْ غَابَ قَبْلَ نَقْدِ الْأُجْرَةِ فَنَقَدَ الْحَاضِرُ جَمِيعَهَا كَانَ مُتَبَرِّعًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ، إذْ لَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ حَبْسُ الدَّارِ لِاسْتِيفَاءِ الْأُجْرَةِ ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ نَهْرٌ، وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ دَفْعِ الثَّمَنِ وَجَبْرِ الْبَائِعِ وَدَفْعِ الْكُلِّ وَالْقَبْضِ وَالْحَبْسِ مَذْهَبُهُمَا. وَخَالَفَ أَبُو يُوسُفَ فِي جَمِيعِهَا ط. مَطْلَبٌ فِي الْعُلْوِ إذَا سَقَطَ (قَوْلُهُ فَكَانَ مُضْطَرًّا) فَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ إذَا أَفْلَسَ الرَّاهِنُ وَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ غَابَ فَإِنَّ الْمُعِيرَ؛ إذَا افْتَكَّهُ بِدَفْعِ الدَّيْنِ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِيهِ وَكَصَاحِبِ الْعُلْوِ إذَا سَقَطَ السُّفْلُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ السُّفْلَ إذَا لَمْ يَبْنِهِ مَالِكُهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لِيَتَوَصَّلَ بِهِ إلَى بِنَاءِ عُلْوِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَلَا يُمَكِّنُهُ مِنْ دُخُولِهِ مَا لَمْ يُعْطِهِ مَا صَرَفَهُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ اللَّهُمَّ إلَخْ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 231 (بَاعَ) شَيْئًا (بِالْأَلْفِ مِثْقَالَ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ تَنَصَّفَا بِهِ) أَيْ بِالْمِثْقَالِ فَيَجِبُ خَمْسُمِائَةِ مِثْقَالٍ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ (وَفِي) بَيْعِهِ شَيْئًا (بِأَلْفٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ تَنَصَّفَا وَانْصَرَفَ لِلْوَزْنِ الْمَعْهُودِ فَ) النِّصْفُ (مِنْ الذَّهَبِ مَثَاقِيلُ وَ) النِّصْفُ (مِنْ الْفِضَّةِ دَرَاهِمُ) وَمِثْلُهُ لَهُ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَسِمْسِمٍ لَزِمَهُ مِنْ كُلٍّ ثُلُثُ كُرٍّ، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ فِي وَبَدَلِ خُلْعٍ وَغَيْرِهِ فِي مَوْزُونٍ وَمَكِيلٍ وَمَعْدُودٍ وَمَذْرُوعٍ عَيْنِيٌّ، وَقَوْلُهُ (وَزْنُ سَبْعَةٍ) تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ، وَأَفَادَ الْكَمَالُ أَنَّ اسْمَ الدِّرْهَمِ يَنْصَرِفُ لِلْمُتَعَارَفِ فِي بَلَدِ الْعَقْدِ؛ فَفِي مِصْرَ يَنْصَرِفُ لِلْفُلُوسِ. وَأَفَادَ فِي النَّهْرِ أَنَّ قِيمَتَهُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ، فَأَفْتَى اللَّقَانِيُّ بِأَنَّهُ يُسَاوِي نِصْفًا وَثَلَاثَةَ فُلُوسٍ، فَلَوْ أَطْلَقَ الْوَاقِفُ الدِّرْهَمَ اُعْتُبِرَ زَمَنُهُ إنْ عُرِفَ وَإِلَّا صُرِفَ لِلْفِضَّةِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ كَمَا لَوْ قَيَّدَهُ بِالنَّقْرَةِ كَوَاقِفِ الشَّيْخُونِيَّةِ والصرعتمشية وَنَحْوِهِمَا   [رد المحتار] بَحْثٌ لِصَاحِبِ النَّهْرِ [مَطْلَبٌ فِيمَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ اسْمُ الدَّرَاهِمِ] (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ) لِأَنَّهُ أَضَافَ الْمِثْقَالَ إلَيْهَا عَلَى السَّوَاءِ فَيَجِبُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ الصِّفَةِ مِنْ الْجَوْدَةِ وَغَيْرِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِأَلْفٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الصِّفَةِ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْجِيَادِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَانْصَرَفَ لِلْوَزْنِ الْمَعْهُودِ إلَخْ) فَإِنَّ الْمَعْهُودَ وَزْنُ الذَّهَبِ بِالْمَثَاقِيلِ وَوَزْنُ الْفِضَّةِ بِالدَّرَاهِمِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ بِأَلْفٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ إلَخْ) الْإِشَارَةُ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: أَيْ أَنَّ قَوْلَهُ بَاعَ بِأَلْفِ مِثْقَالٍ إلَخْ لَيْسَ الْبَيْعُ قَيْدًا فِي ذَلِكَ وَكَذَا الْمَوْزُونُ، بَلْ مِثْلُهُ الْمَكِيلُ وَنَحْوُهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِرَطْلٍ مِنْ سَمْنٍ وَعَسَلٍ وَزَيْتٍ أَوْ بِمِائَةٍ مِنْ بَيْضٍ وَجَوْزٍ وَتُفَّاحٍ أَوْ بِمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ كَتَّانٍ وَإِبْرَيْسَمٍ وَخَزٍّ يَلْزَمُهُ مِنْ كُلٍّ ثُلُثٌ (قَوْلُهُ وَزْنُ سَبْعَةٍ) أَيْ الْعَشَرَةُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ كُلُّ دِرْهَمٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا اهـ ط. مَطْلَبٌ فِيمَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ اسْمُ الدَّرَاهِمِ (قَوْلُهُ وَأَفَادَ الْكَمَالُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ اشْتِبَاهٌ فِي مَوْضِعَيْنِ بِالنَّظَرِ إلَى الْعُرْفِ الْحَادِثِ الْأَوَّلِ فِيمَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ اسْمُ الدِّرْهَمِ وَالثَّانِي فِي قِيمَتِهِ، فَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ انْصِرَافَ الدَّرَاهِمِ إلَى وَزْنِ سَبْعَةٍ إذَا كَانَ مُتَعَارَفًا فِي بَلَدِ الْعَقْدِ. وَأَمَّا فِي عُرْفِ مِصْرَ فَلَفْظُ الدِّرْهَمِ يَنْصَرِفُ الْآنَ إلَى زِنَةِ أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ بِوَزْنِ سَبْعَةٍ مِنْ الْفُلُوسِ إلَّا أَنْ يَعْقِدَ بِالْفِضَّةِ فَيَنْصَرِفَ إلَى دِرْهَمٍ بِوَزْنِ سَبْعَةٍ. وَأَخَذَ مِنْهُ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْوَاقِفَ بِمِصْرَ أَوْ شَرَطَ دَرَاهِمَ لِلْمُسْتَحِقِّ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا يَنْصَرِفُ إلَى الْفُلُوسِ النُّحَاسِ وَإِنْ قَيَّدَهَا بِالنُّقْرَةِ يَنْصَرِفُ إلَى الْفِضَّةِ وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ حِكَايَةٌ عَمَّا فِي زَمَنِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ كُلِّ زَمَنٍ كَذَلِكَ، فَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْهُ اعْتِبَارُ زَمَنِ الْوَاقِفِ إنْ عُرِفَ وَإِلَّا صُرِفَ إلَى الْفِضَّةِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ اهـ. الْمَوْضِعُ الثَّانِي قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَمَّا قِيمَةُ كُلِّ دِرْهَمٍ مِنْهَا فَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَمَا أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ فِي الصَّرْفِ قَدْ وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ فِي أَنَّهَا خَالِصَةٌ أَوْ مَغْشُوشَةٌ وَكُنْت قَدْ اسْتَفْتَيْت بَعْضَ الْمَالِكِيَّةِ عَنْهَا، يَعْنِي بِهِ عَلَّامَةَ عَصْرِهِ نَاصِرَ الدَّيْنِ اللَّقَانِيَّ، فَأَفْتَى أَنَّهُ سَمِعَ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ أَنَّ الدِّرْهَمَ مِنْهَا يُسَاوِي نِصْفًا وَثَلَاثَةً مِنْ الْفُلُوسِ، قَالَ فَلْيُعَوَّلْ عَلَى ذَلِكَ مَا لَمْ يُوجَدْ خِلَافُهُ اهـ وَقَدْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا لِأَنَّ الْأَدْنَى مُتَيَقِّنٌ بِهِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَلَكِنْ الْأَوْفَقُ بِفُرُوعِ مَذْهَبِنَا وُجُوبُ دِرْهَمٍ وَسَطٍ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ دَعْوَى النُّقْرَةِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ نُقْرَةٍ وَلَمْ يَصِفْهَا صَحَّ الْعَقْدُ، وَلَوْ ادَّعَتْ مِائَةَ دِرْهَمٍ مَهْرًا وَجَبَ لَهَا مِائَةٌ وَسَطٌ اهـ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ اهـ. وَرَأَيْت فِي فَتَاوَى بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ قِيمَتَهُ بِاعْتِبَارِ الْمُعَامَلَةِ نِصْفٌ وَثُلُثٌ وَأَنْتَ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْقِيمَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 232 فَقِيمَةُ دِرْهَمِهَا نِصْفَانِ، وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ النُّقْرَةَ تُطْلَقُ عَلَى الْفِضَّةِ وَعَلَى الذَّهَبِ وَعَلَى الْفُلُوسِ النُّحَاسِ بِعُرْفِ مِصْرَ الْآنَ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَجِّحٍ؛ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَالْعَمَلُ عَلَى الِاسْتِيمَارَاتِ الْقَدِيمَةِ لِلْوَقْفِ كَمَا عَوَّلُوا عَلَيْهَا فِي نَظَائِرِهِ كَمَعْرِفَةِ خَرَاجٍ وَنَحْوِهِ. قَالَ: وَبِهِ أَفْتَى الْمُنْلَا أَبُو السُّعُودْ أَفَنَدِي. (وَلَوْ قَبَضَ زَيْفًا بَدَلَ جَيِّدٍ) كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ (جَاهِلًا بِهِ) فَلَوْ عَلِمَ وَأَنْفَقَهُ كَانَ قَضَاءً اتِّفَاقًا (وَنَفَقَ أَوْ أَنْفَقَهُ) فَلَوْ قَائِمًا رَدَّهُ اتِّفَاقًا (فَهُوَ قَضَاءٌ) لِحَقِّهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا لَمْ يَعْلَمْ يَرُدُّ مِثْلَ زَيْفِهِ وَيَرْجِعُ بِجَيِّدِهِ اسْتِحْسَانًا كَمَا لَوْ كَانَتْ سَتُّوقَةً أَوْ نَبَهْرَجَةً، وَاخْتَارَهُ لِلْفَتْوَى ابْنُ كَمَالٍ. قُلْت: وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ والشُّرُنبُلالِيَّة فِيهِ يُفْتَى. [مَطْلَبٌ فِي النَّبَهْرَجَةِ وَالزُّيُوفِ وَالسَّتُّوقَةِ] (وَلَوْ فَرَّخَ طَيْرٌ أَوْ بَاضَ فِي أَرْضٍ لِرَجُلٍ   [رد المحتار] تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ، وَلَا شَكَّ فِي اخْتِلَافِ أَزْمِنَةِ الْوَاقِفِينَ فَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ زَمَنِ الْوَاقِفِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ اهـ. قُلْت: وَفِي زَمَانِنَا وَقَبْلَهُ بِمُدَّةٍ مَدِيدَةٍ تَرَكَ النَّاسُ التَّعَامُلَ بِلَفْظِ الدِّرْهَمِ، وَإِنَّمَا يَذْكُرُونَ لَفْظَ الْقِرْشِ وَهُوَ اسْمٌ لِأَرْبَعِينَ نِصْفٍ فِضَّةً، وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ، فَيُنْظَرُ إلَى قِرْشِ زَمَنِ الْوَاقِفِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ فَقِيمَةُ دِرْهَمِهَا نِصْفَانِ) هَذَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَعْدَمَا حَرَّرَ الْمَقَامَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ فَلَا يُنَافِي مَا حَرَّرَهُ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ أَنَّ النُّقْرَةَ تُطْلَقُ إلَخْ) إطْلَاقُهَا عَلَى الْفُلُوسِ عُرْفٌ حَادِثٌ. فَفِي الْمُغْرِبِ: النُّقْرَةُ الْقِطْعَةُ الْمُذَابَةُ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَجِّحٍ) وَذَلِكَ كَأَنْ يَعْلَمَ مَا كَانَتْ تُطْلَقُ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ أَوْ يَكُونَ قَيَّدَهَا بِشَيْءٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ الِاسْتِيمَارَاتِ الْقَدِيمَةِ) أَيْ التَّصَرُّفَاتِ أَوْ الْعَطَايَا أَوْ الدَّفَاتِرِ أَوْ نَحْوِهَا، مَأْخُوذَةٌ مِنْ اسْتَمَرَّ الشَّيْءُ إذَا دَامَ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ التَّعَامُلُ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ فَيُتَّبَعُ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَبَضَ زَيْفًا) أَيْ رَدِيئًا وَهُوَ مِنْ الْوَصْفِ بِالْمَصْدَرِ، لِأَنَّهُ يُقَالُ زَافَتْ الدَّرَاهِمُ تَزِيفُ زَيْفًا مِنْ بَابِ سَارَ أَيْ رَدَأَتْ ثُمَّ وُصِفَ بِهِ فَقِيلَ دِرْهَمٌ زَيْفٌ وَدِرْهَمٌ زُيُوفٌ كَفَلْسٍ وَفُلُوسٍ، وَرُبَّمَا قِيلَ زَائِفٌ عَلَى الْأَصْلِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. مَطْلَبٌ فِي النَّبَهْرَجَةِ وَالزُّيُوفِ وَالسَّتُّوقَةِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة الدَّرَاهِمُ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ: جِيَادٌ، وَنَبَهْرَجَةٌ، وَزُيُوفُ، وَسَتُّوقَةٌ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ النَّبَهْرَجَةِ، قِيلَ هِيَ الَّتِي تُضْرَبُ فِي غَيْرِ دَارِ السُّلْطَانِ وَالزُّيُوفُ: هِيَ الْمَغْشُوشَةُ. وَالسَّتُّوقَةُ: صُفْرٌ مُمَوَّهٌ بِالْفِضَّةِ. وَقَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ: الْجِيَادُ فِضَّةٌ خَالِصَةٌ تُرَوَّجُ فِي التِّجَارَاتِ وَتُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَالزُّيُوفُ مَا زَيَّفَهُ بَيْتُ الْمَالِ: أَيْ يَرُدُّهُ، وَلَكِنْ تَأْخُذُهُ التُّجَّارُ فِي التِّجَارَاتِ لَا بَأْسَ بِالشِّرَاءِ بِهَا، وَلَكِنْ يُبَيِّنُ لِلْبَائِعِ أَنَّهَا زُيُوفٌ. وَالنَّبَهْرَجَةُ: مَا يَرُدُّهُ التُّجَّارُ. وَالسَّتُّوقَةُ: أَنْ يَكُونَ الطَّاقُ الْأَعْلَى فِضَّةً وَالْأَسْفَلُ كَذَلِكَ وَبَيْنَهُمَا صُفْرٌ وَلَيْسَ لَهَا حُكْمُ الدَّرَاهِمِ اهـ. وَقَالَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ: وَحَاصِلُ مَا قَالُوهُ إنَّ الزُّيُوفَ أَجْوَدُ وَبَعْدَهُ النَّبَهْرَجَةُ وَبَعْدَهُمَا السَّتُّوقَةُ: وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الزَّغَلِ الَّتِي نُحَاسُهَا أَكْثَرُ مِنْ فِضَّتِهَا (قَوْلُهُ كَانَ قَضَاءً اتِّفَاقًا) لِأَنَّهُ صَارَ رَاضِيًا بِتَرْكِ حَقِّهِ فِي الْجَوْدَةِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَأَنْفَقَهُ لِأَنَّهُ لَوْ عَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ وَلَمْ يُنْفِقْهُ لَهُ رَدُّهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ آخِرَ الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ وَنَفَقَ) أَيْ هَلَكَ، يُقَالُ: نَفَقَتْ الدَّابَّةُ نُفُوقًا مِنْ بَابِ قَعَدَ هَلَكَتْ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَقَوْلُهُمَا قِيَاسٌ كَمَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ فَرَّخَ طَيْرٌ) يُقَالُ فَرَّخَ بِالتَّشْدِيدِ وَأَفْرَخَ صَارَ ذَا أَفْرَاخٍ، وَأَفْرَخَتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 233 أَوْ تَكَسَّرَ فِيهَا ظَبْيٌ) أَيْ انْكَسَرَ رِجْلُهُ بِنَفْسِهِ، فَلَوْ كَسَرَهَا رَجُلٌ كَانَ لِلْكَاسِرِ لَا لِلْآخِذِ (فَهُوَ لِلْآخِذِ) لِسَبْقِ يَدِهِ لِمُبَاحٍ (إلَّا إذَا هَيَّأَ أَرْضَهُ لِذَلِكَ) فَهُوَ لَهُ (أَوْ كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ قَرِيبًا مِنْ الصَّيْدِ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ لَوْ مَدَّ يَدَهُ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ) لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ، فَلَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَمْلِكْهُ نَهْرٌ (كَذَا) مِثْلُ مَا مَرَّ (صَيْدٌ تَعَلَّقَ بِشَبَكَةٍ نُصِبَتْ لِلْجَفَافِ) أَوْ دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ (وَدِرْهَمٌ أَوْ سُكَّرٌ نُثِرَ فَوَقَعَ عَلَى ثَوْبٍ لَمْ يُعَدَّ لَهُ) سَابِقًا (وَلَمْ يَكْفِ) لَاحِقًا، فَلَوْ أَعَدَّهُ أَوْ كَفَّهُ مَلَكَهُ بِهَذَا الْفِعْلِ. [فُرُوعٌ] عَسَلُ النَّحْلِ فِي أَرْضِهِ مِلْكُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَنْزَالِهَا. شَرَى دَارًا فَطَلَبَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَكْتُبَ لَهُ الْبَائِعُ صَكًّا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ   [رد المحتار] الْبَيْضَةُ: انْفَلَقَتْ عَنْ الْفَرْخِ فَخَرَجَ مِنْهَا مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ أَوْ تَكَسَّرَ) وَقَعَ فِي الْكَنْزِ تَكَنَّسَ. وَفِي الْمُغْرِبِ: كَنَسَ الظَّبْيُ دَخَلَ فِي الْكَنَّاسِ كُنُوسًا مِنْ بَابِ طَلَبَ وَتَكَنَّسَ مِثْلُهُ، وَمِنْهُ الصَّيْدُ: إذَا تَكَنَّسَ فِي أَرْضِ رَجُلٍ أَيْ اسْتَتَرَ وَيُرْوَى تَكَسَّرَ وَانْكَسَرَ اهـ. وَفِي الْفَتْحِ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَكَسَّرَ أَيْ وَقَعَ فِيهَا فَتَكَسَّرَ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ كَسَرَهُ رَجُلٌ فِيهَا بَحْرٌ، وَقَوْلُهُ وَمِنْ بَابِ طَلَبَ صَوَابُهُ مِنْ بَابِ جَلَسَ رَمْلِيٌّ، وَقَوْلُهُ احْتِرَازٌ إلَخْ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا لَمْ يَكُنْ تَكَسَّرَ لِلْمُطَاوَعَةِ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ، يُقَالُ كَسَّرَهُ بِالتَّشْدِيدِ فَتَكَسَّرَ وَكَسَرَهُ بِالتَّخْفِيفِ فَانْكَسَرَ: أَيْ قَبِلَ ذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا هَيَّأَ أَرْضَهُ لِذَلِكَ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا لِيَسْقُطَ فِيهَا أَوْ أَعَدَّ مَكَانًا لِلْفِرَاخِ لِيَأْخُذَهَا فَتْحٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يُضَافُ إلَى السَّبَبِ الصَّالِحِ إلَّا بِالْقَصْدِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ قَرِيبًا إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ: إمَّا التَّهْيِئَةُ أَوْ الْقُرْبُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ الصَّيْدُ مِنْ أَرْضِهِ الْمُهَيَّأَةِ قَبْلَ قُرْبِهِ مِنْهُ يَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْمُنْتَقَى حَيْثُ قَالَ: نَصَبَ حِبَالَةً فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ فَاضْطَرَبَ وَانْفَلَتَ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ فَهُوَ لَهُ، فَلَوْ جَاءَ صَاحِبُ الْحِبَالَةِ لِيَأْخُذَهُ فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ انْفَلَتَ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْحِبَالَةِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ صَاحِبَ الْحِبَالَةِ فِيهِمَا وَإِنْ صَارَ آخِذًا لَهُ إلَّا أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ بَطَلَ الْأَخْذُ قَبْلَ تَأَكُّدِهِ، وَفِي الثَّانِي بَعْدَ تَأَكُّدِهِ، وَكَذَا صَيْدُ الْبَازِي، وَالْكَلْبِ إذَا انْفَلَتَ فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ اهـ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ فَلَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَمْلِكْهُ) اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ بِعِبَارَةِ الْمُنْتَقَى الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ مِثْلُ مَا مَرَّ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ وَكَذَا أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ أَفَادَ بِهِ أَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى مَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَنَّهُ لِآخِذِهِ (قَوْلُهُ أَوْ دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ) وَكَذَا لَوْ دَخَلَ بَيْتَهُ وَأُغْلِقَ عَلَيْهِ الْبَابُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَمْ يَصِرْ آخِذًا مَالِكًا لَهُ، حَتَّى لَوْ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ مَلَكَهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ اصْطَادَهُ فِي دَارِ رَجُلٍ مِنْ الْهَوَاءِ أَوْ عَلَى الشَّجَرِ مَلَكَهُ لِأَنَّ حُصُولَهُ عَلَى حَائِطِ رَجُلٍ أَوْ شَجَرَتِهِ لَيْسَ بِإِحْرَازٍ فَإِنْ قَالَ رَبُّ الدَّارِ كُنْت اصْطَدْته قَبْلَك، فَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ مِنْ الْهَوَاءِ فَهُوَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِرَبِّ الدَّارِ عَلَى الْهَوَاءِ، وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ حَائِطِهِ أَوْ شَجَرِهِ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الدَّارِ لِأَخْذِهِ مِنْ مَحَلٍّ هُوَ فِي يَدِهِ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي أَخْذِهِ مِنْ الْهَوَاءِ أَوْ الشَّجَرَةِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا فِي دَارِهِ يَكُونُ لَهُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ مَلَكَهُ بِهَذَا الْفِعْلِ) أَيْ بِالْإِعْدَادِ أَوْ الْكَفِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِدُونِ ذَلِكَ لَا يَمْلِكُهُ، وَإِنْ وَقَعَ قَرِيبًا مِنْهُ بِحَيْثُ تَنَالُهُ يَدُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّيْدِ أَنَّ الصَّيْدَ يَمْلِكُهُ بِالْقُرْبِ مِنْهُ إذَا وَقَعَ فِي أَرْضِهِ وَنَحْوِهَا لَا مُطْلَقًا وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّهُ لَوْ قَرُبَ مِنْ صَيْدٍ فِي بَرِّيَّةٍ مَلَكَهُ وَالنِّثَارُ يَكُونُ فِي بَيْتِ أَهْلِ الْعُرْسِ عَادَةً فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ مُجَرَّدُ الْقُرْبِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إعْدَادِ الثَّوْبِ أَوْ كَفِّهِ. وَأَيْضًا لَوْ اُعْتُبِرَ مُجَرَّدُ الْقُرْبِ يُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ بَيْنَ الْحَاضِرِينَ الَّذِينَ وَقَعَ بَيْنَهُمْ إذْ كُلُّهُمْ يَدَّعِيهِ [فُرُوعٌ عَسَلُ النَّحْلِ فِي أَرْضِهِ مِلْكُهُ مُطْلَقًا] (قَوْلُهُ مَلَكَهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعِدَّهَا لِذَلِكَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَنْزَالِهَا) أَيْ رِيعِهَا فَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ نَزِلٍ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: نَزِلَ الطَّعَامُ نَزَلًا مِنْ بَابِ تَعِبَ كَثُرَ رِيعُهُ وَنَمَاؤُهُ فَهُوَ نَزَلٌ وَطَعَامٌ كَثِيرُ النَّزَلِ بِوَزْنِ سَبَبٍ: أَيْ الْبَرَكَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ كَثِيرَ النُّزُلِ بِوَزْنِ قُفُلٍ (قَوْلُهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ) وَكَذَا لَا يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الصَّكِّ الْقَدِيمِ كَمَا فِي الْخَيْرِيَّةِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى. قَالَ: نَعَمْ لَوْ تَوَقَّفَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 234 وَلَا عَلَى الْإِشْهَادِ وَالْخُرُوجِ إلَيْهِ إلَّا إذَا جَاءَهُ بِعُدُولٍ وَصَكٍّ فَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْإِقْرَارِ. شَرَى قُطْنًا فَغَزَلَتْهُ امْرَأَتُهُ فَكُلُّهُ لَهُ. الْمَرْأَةُ إذَا كَفَّنَتْ بِلَا إذْنِ الْوَرَثَةِ كَفَنَ مِثْلِهِ رَجَعَتْ فِي التَّرِكَةِ، وَلَوْ أَكْثَرَ لَا تَرْجِعُ بِشَيْءٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَلَوْ قِيلَ تَرْجِعُ بِقِيمَةِ كَفَنِ الْمِثْلِ لَا يَبْعُدُ. اكْتَسَبَ حَرَامًا وَاشْتَرَى بِهِ أَوْ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ شَيْئًا. قَالَ الْكَرْخِيُّ: إنْ نَقَدَ قَبْلَ الْبَيْعِ تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ وَإِلَّا لَا وَهَذَا قِيَاسٌ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ كِلَاهُمَا سَوَاءٌ وَلَا يَطِيبُ لَهُ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى وَلَمْ يَقُلْ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ وَأَعْطَى مِنْ الدَّرَاهِمِ دَفَعَ مَالَهُ مُضَارَبَةً لِرَجُلٍ جَاهِلٍ جَازَ أَخْذُ رِبْحِهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ اكْتَسَبَ الْحَرَامَ   [رد المحتار] إحْيَاءُ الْحَقِّ عَلَى عَرْضِهِ، كَمَا لَوْ غُصِبَ الْمَبِيعُ وَامْتَنَعَتْ الشُّهُودُ مِنْ الشَّهَادَةِ حَتَّى يَرَوْا خُطُوطَهُمْ يُجْبَرُ عَلَى عَرْضِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ صِيَانَةً لِحَقِّ الْمُشْتَرِي اهـ (قَوْلُهُ وَلَا عَلَى الْإِشْهَادِ وَالْخُرُوجِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْإِشْهَادِ، وَهُوَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى الْإِشْهَادِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْإِشْهَادِ الْمُجَرَّدِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْإِقْرَارِ) فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ يَرْفَعُهُ إلَى الْحَاكِمِ فَإِنْ أَقَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ كَتَبَ سِجِلًّا وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ مُلْتَقَطٌ (قَوْلُهُ فَغَزَلَتْهُ امْرَأَتُهُ) أَيْ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ مُلْتَقَطٌ (قَوْلُهُ الْمَرْأَةُ إذَا كَفَّنَتْ) أَيْ إذَا كَفَّنَتْ زَوْجَهَا. وَعِبَارَةُ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَغَيْرِهَا: أَحَدُ الْوَرَثَةِ إذَا كَفَّنَ الْمَيِّتَ بِمَالِهِ إلَخْ فَالْمَرْأَةُ غَيْرُ قَيْدٍ، نَعَمْ خَرَجَ الْأَجْنَبِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَيْ إلَّا إذَا كَانَ وَصِيًّا (قَوْلُهُ وَلَوْ أَكْثَرَ لَا تَرْجِعُ بِشَيْءٍ) عَلَّلَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِأَنَّ اخْتِيَارَ ذَلِكَ دَلِيلُ التَّبَرُّعِ وَهَذَا إذَا أَنْفَقَ الْوَارِثُ مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَصِيِّ أَنَّهُ إذَا زَادَ فِي عَدَدِ الْكَفَنِ ضَمِنَ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ زَادَ فِي قِيمَتِهِ ضَمِنَ الْكُلَّ أَيْ لِأَنَّهُ صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ فَيَضْمَنُ مَالَ الْمَيِّتِ، وَقَدْ حَرَّرْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ مِنْ الْوَصَايَا (قَوْلُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) الضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى صَاحِبِ الْمُلْتَقَطِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْفُرُوعَ كُلَّهَا مِنْ الْمُلْتَقَطِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ آخِرَهَا، وَالْعِبَارَةُ كَذَلِكَ مَذْكُورَةٌ فِيهِ عَلَى عَادَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي كُتُبِهِمْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَا يَبْعُدُ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّكْفِينِ بِأَكْثَرَ مِنْ كَفَنِ الْمِثْلِ اخْتِيَارُ التَّبَرُّعِ بِالْكُلِّ بَلْ بِالزَّائِدِ. [مَطْلَبٌ إذَا اكْتَسَبَ حَرَامًا ثُمَّ اشْتَرَى فَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ] (قَوْلُهُ اكْتَسَبَ حَرَامًا إلَخْ) تَوْضِيحُ الْمَسْأَلَةِ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة حَيْثُ قَالَ: رَجُلٌ اكْتَسَبَ مَالًا مِنْ حَرَامٍ ثُمَّ اشْتَرَى فَهَذَا عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: أَمَّا إنْ دَفَعَ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ إلَى الْبَائِعِ أَوَّلًا ثُمَّ اشْتَرَى مِنْهُ بِهَا أَوْ اشْتَرَى قَبْلَ الدَّفْعِ بِهَا وَدَفَعَهَا، أَوْ اشْتَرَى قَبْلَ الدَّفْعِ بِهَا وَدَفَعَ غَيْرَهَا، أَوْ اشْتَرَى مُطْلَقًا وَدَفَعَ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ، أَوْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ أُخَرَ وَدَفَعَ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ. قَالَ أَبُو نَصْرٍ: يَطِيبُ لَهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ إلَّا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، لَكِنْ هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ نَصَّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إذَا غَصَبَ أَلْفًا فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً وَبَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَا يَطِيبُ، وَفِي الثَّلَاثِ الْأَخِيرَةِ يَطِيبُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَطِيبُ فِي الْكُلِّ، لَكِنْ الْفَتْوَى الْآنَ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ دَفْعًا لِلْحَرَجِ عَنْ النَّاسِ اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَطِيبُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَلَكِنْ الْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ دَفْعًا لِلْحَرَجِ لِكَثْرَةِ الْحَرَامِ اهـ وَعَلَى هَذَا مَشَى الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ) صَوَابُهُ: قَالَ أَبُو نَصْرٍ كَمَا رَأَيْته فِي الْمُلْتَقَطِ: وَلَمْ أَرَ فِيهِ ذِكْرَ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ أَصْلًا (قَوْلُهُ جَازَ أَخْذُ رِبْحِهِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ اُكْتُسِبَ مِنْ الْحَلَالِ وَلْوَالِجِيَّةٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَتَقَدَّمَ فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ أَنَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 235 مَنْ رَمَى ثَوْبَهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ مَا لَمْ يَقُلْ حِينَ رَمَى لِيَأْخُذْهُ مَنْ أَرَادَ. بَاعَ الْأَبُ ضَيْعَةَ طِفْلِهِ وَالْأَبُ مُفْسِدٌ فَاسِقٌ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ اسْتِحْسَانًا. شَرَتْ لِطِفْلِهَا عَلَى أَنْ لَا تَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ جَازَ، وَهُوَ كَالْهِبَةِ اسْتِحْسَانًا. قَالَ الْأَسِيرُ اشْتَرِنِي أَوْ فُكَّنِي فَشَرَاهُ رَجَعَ بِمَا أَدَّى كَأَنَّهُ أَقْرَضَهُ؛ وَلَوْ قَالَ بِأَلْفٍ فَشَرَاهُ بِأَكْثَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْفَضْلُ لِأَنَّهُ تَخْلِيصٌ لَا شِرَاءٌ   [رد المحتار] أَبَا يُوسُفَ أَجَازَهَا مَعَ اخْتِلَافِ الْمِلَّةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَعَلَّلَهُ الزَّيْلَعِيُّ هُنَاكَ بِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَهْتَدِي إلَى الْجَائِزِ مِنْ الْعُقُودِ (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْأَخْذِ مَا لَمْ يُسْمَعْ الْمَالِكُ قَالَ لِيَأْخُذَهُ مَنْ أَرَادَهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالْأَخْذِ إذَا قَالَ الْمَالِكُ ذَلِكَ وَإِلَّا لَا، وَتَقَدَّمَ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ وَالْأَبُ مُفْسِدٌ فَاسِقٌ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا كَانَ مَحْمُودًا عِنْدَ النَّاسِ أَوْ مَسْتُورَ الْحَالِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِحُّ بَيْعُهُ عَقَارَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْوَصِيِّ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ) نَقْضُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ هُوَ الْمُخْتَارُ إلَّا إذَا كَانَ خَيْرًا بِأَنْ بَاعَ بِضَعْفِ الْقِيمَةِ وَبَيْعُ مَنْقُولِهِ يَجُوزُ فِي رِوَايَةٍ وَيُوضَعُ ثَمَنُهُ فِي يَدِ عَدْلٍ لَا فِي رِوَايَةِ لَوْلَا خَيْرٌ بِضَعْفِ قِيمَتِهِ، وَبِهِ يُفْتَى جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ عَلَى أَنْ لَا تَرْجِعَ عَلَيْهِ) قَيَّدَ بِذَلِكَ لِمَا فِي الْأَشْبَاهِ شِرَاءُ الْأُمِّ لِابْنِهَا الصَّغِيرِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ غَيْرُ نَافِذٍ عَلَيْهِ إلَّا إذَا اشْتَرَتْ مِنْ أَبِيهِ أَوْ مِنْهُ وَمِنْ أَجْنَبِيٍّ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ جَازَ وَهُوَ كَالْهِبَةِ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: تَكُونُ الْأُمُّ مُشْتَرِيَةً لِنَفْسِهَا ثُمَّ يَصِيرُ مِنْهَا هِبَةً لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ وَصِلَةً، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ الضَّيْعَةَ عَنْ وَلَدِهَا الصَّغِيرِ اهـ ط (قَوْلُهُ رَجَعَ بِمَا أَدَّى) مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّحَهُ فِي النَّفَقَاتِ حَيْثُ قَالَ نَقْلًا عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الْأَسِيرُ وَمَنْ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ لِيُصَادِرَهُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ خَلِّصْنِي فَدَفَعَ الْمَأْمُورُ مَالًا فَخَلَّصَهُ، قِيلَ يَرْجِعُ وَقِيلَ لَا فِي الصَّحِيحِ بِهِ يُفْتَى اهـ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْكَفَالَةِ قُبَيْلَ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ تَصْحِيحُ الْأَوَّلِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ، وَقَدَّمْنَا فِي النَّفَقَاتِ تَأْيِيدَهُ، فَهُمَا قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ. ثُمَّ رَأَيْت الْجَزْمَ بِالْأَوَّلِ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ، وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ قَالَ بِأَلْفٍ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُلْتَقَطِ وَقَالَ شَدَّادٌ: إذَا قَالَ الْأَسِيرُ الْحُرُّ اشْتَرِنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ جَازَ وَعَلَيْهِ قَدْرُ الْأَلْفِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْفَضْلُ لِأَنَّهُ تَخْلِيصٌ لَا شِرَاءٌ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ اهـ. قُلْت بَيَانُهُ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ لَوْ شَرَى بِأَكْثَرَ مِمَّا عَيَّنَهُ الْمُوَكِّلُ وَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مَتَى وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْمُشْتَرِي لَزِمَ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَلَا يَلْزَمُ الْآمِرَ شَيْءٌ، وَهُنَا لَزِمَ الْآمِرَ قَدْرُ مَا عَيَّنَهُ لِأَنَّهُ هُنَا تَخْلِيصٌ لَا شِرَاءٌ حَقِيقَةً، وَوَقَعَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ خِلَافُ هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ أَسِيرٌ أَمَرَهُ أَنْ يَفْدِيَهُ بِأَلْفٍ فَفَدَاهُ بِأَلْفَيْنِ يَرْجِعُ بِأَلْفَيْنِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَوَكِيلٍ بِشِرَاءٍ إذْ لَا عَقْدَ هُنَا، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يُخَلِّصَهُ فَصَارَ كَمَنْ أَمَرَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ أَلْفًا فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ أَلْفَيْنِ اهـ. أَقُولُ: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ قَوْلَهُ يَرْجِعُ بِأَلْفَيْنِ سَبْقُ قَلَمٍ، وَصَوَابُهُ بِأَلْفٍ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ وَالتَّنْظِيرِ، فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِإِنْفَاقِ أَلْفٍ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ، ثُمَّ رَاجَعْت السِّيَرَ الْكَبِيرَ لِلسَّرَخْسِيِّ فَرَأَيْت فِيهِ مِثْلَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُلْتَقَطِ وَقَالَ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ خَاصَّةً لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِحُكْمِ الِاسْتِقْرَاضِ وَذَلِكَ فِي الْأَلْفِ خَاصَّةً، وَهَذَا بِخِلَافِ الشِّرَاءِ إلَخْ فَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَافْهَمْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 236 شَرَى دَارًا وَدَبَغَ وَتَأَذَّى جِيرَانُهُ، إنْ عَلَى الدَّوَامِ يُمْنَعُ، وَعَلَى النُّدْرَةِ يُتَحَمَّلُ مِنْهُ. شَرَى لَحْمًا عَلَى أَنَّهُ لَحْمُ غَنْمٍ فَوَجَدَهُ لَحْمَ مَعْزٍ لَهُ الرَّدُّ. قَالَ زِنْ لِي مِنْ هَذَا اللَّحْمِ ثَلَاثَةَ أَرْطَالٍ فَوَزَنَ لَهُ أُخَيِّرُهُ وَمِنْ الْخُبْزِ فَوَزَنَ لَمْ يُخَيَّرْ. شَرَى بَذْرًا خَرِيفِيًّا فَإِذَا هُوَ رَبِيعِيٌّ، أَوْ شَرَى بَذْرَ الْبِطِّيخِ فَإِذَا هُوَ بَذْرُ الْقِثَّاءِ، إنْ قَائِمًا رَدَّهُ، وَإِنْ مُسْتَهْلَكًا فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ.   [رد المحتار] [مَطْلَبٌ دَبَغَ فِي دَارِهِ وَتَأَذَّى الْجِيرَانُ] ُ (قَوْلُهُ وَتَأَذَّى جِيرَانُهُ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الْقِيَاسُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَنْ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ لَا يُمْنَعُ وَلَوْ أَضَرَّ بِغَيْرِهِ، لَكِنْ تُرِكَ الْقِيَاسُ فِي مَحَلٍّ يَضُرُّ بِغَيْرِهِ ضَرَرًا بَيِّنًا، وَقِيلَ وَبِهِ أَخَذَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ وَفِيهِ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ فِي دَارِهِ تَنُّورًا لِلْخَبْزِ دَائِمًا أَوْ رَحًى لِلطَّحْنِ أَوْ مِدَقَّةً لِلْقَصَّارِينَ يُمْنَعُ عَنْهُ لِتَضَرُّرِ جِيرَانِهِ ضَرَرًا فَاحِشًا. وَفِيهِ: لَوْ اتَّخَذَ دَارِهِ حَمَّامًا وَيَتَأَذَّى الْجِيرَانُ مِنْ دُخَانِهَا فَلَهُمْ مَنْعُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ دُخَانُ الْحَمَّامِ مِثْلَ دُخَانِ الْجِيرَانِ اهـ. وَانْظُرْ مَا لَوْ كَانَتْ دَارًا قَدِيمَةً بِهَذَا الْوَصْفِ هَلْ لِلْجِيرَانِ الْحَادِثِينَ أَنْ يُغَيِّرُوا الْقَدِيمَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ؟ ط. مَطْلَبٌ الضَّرَرُ الْبَيِّنُ يُزَالُ وَلَوْ قَدِيمًا قُلْت: الضَّرَرُ الْبَيِّنُ يُزَالُ وَلَوْ قَدِيمًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ المهمنداري، وَمِثْلُهُ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ لِلْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ كَمَا فِي كِتَابِ الْحِيطَانِ مِنْ الْحَامِدِيَّةِ (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَحْمُ غَنْمٍ) الْغَنَمُ اسْمُ جِنْسٍ يُطْلَقُ عَلَى الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ مِصْبَاحٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا الضَّأْنُ بِحُكْمِ الْعُرْفِ (قَوْلُهُ لَهُ الرَّدُّ) أَيْ لِاخْتِلَافِ الرَّغْبَةِ وَإِنْ كَانَا فِي بَابِ الرِّبَا جِنْسًا وَاحِدًا تَأَمَّلْ. قَالَ فِي الْمُلْتَقَطِ: وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ لَحْمُ مَوْجُوءَةٍ فَوَجَدَهُ لَحْمَ فَحْلٍ (قَوْلُهُ قَالَ زِنْ لِي إلَخْ) فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: لِلَحَّامٍ كَيْفَ تَبِيعُ اللَّحْمَ؟ فَقَالَ كُلَّ ثَلَاثَةِ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ فَقَالَ أَخَذْت مِنْك زِنْ لِي فَلَهُ أَنْ لَا يَزِنَ، وَإِنْ وَزَنَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ، فَإِنْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي أَوْ جَعَلَ الْبَائِعُ فِي وِعَاءِ الْمُشْتَرِي بِأَمْرِهِ فَقَدْ تَمَّ الْبَيْعُ وَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ: قَالَ لِقَصَّابٍ زِنْ لِي مِنْ هَذَا اللَّحْمِ كَذَا بِكَذَا فَوَزَنَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ وَلَوْ قَالَ زِنْ لِي مِنْ هَذَا الْجَنْبِ كَذَا بِكَذَا أَوْ قَالَ زِنْ لِي مَا عِنْدَك مِنْ اللَّحْمِ بِحِسَابِ كَذَا فَوَزَنَهُ جَازَ وَلَا خِيَارَ لَهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ حَاوِي الزَّاهِدِيِّ. قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَ قَوْلِ الْإِمَامِ إنَّ هَذَا بَيْعٌ بِالتَّعَاطِي فَلَا يَتِمُّ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَتِمُّ بِالْوَزْنِ إنْ عَيَّنَ الْمَوْضِعَ أَوْ كَانَ الْعَقْدُ عَلَى الْكُلِّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَمْ يُخَيَّرْ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْخُبْزَ الْمُشْتَرَى مِنْهُ لَا يَخْتَلِفُ، بِخِلَافِ اللَّحْمِ فَإِنَّ لَحْمَ الرَّقَبَةِ أَوْ الْفَخِذِ أَحْسَنُ مِنْ لَحْمِ الْخَاصِرَةِ مَثَلًا فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بَعْدَ الْوَزْنِ، إلَّا إذَا شَرَى الْكُلَّ أَوْ عَيَّنَ الْمَوْضِعَ كَهَذَا الْجَنْبِ فَيَتِمُّ الْبَيْعُ بِالْوَزْنِ كَمَا عَلِمْت تَأَمَّلْ. [مَطْلَبٌ شَرَى بَذْرَ بِطِّيخٍ فَوَجَدَهُ بَذْرَ قِثَّاءٍ] (قَوْلُهُ إنْ قَائِمًا رَدَّهُ إلَخْ) أَيْ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَبَطَلَ الْبَيْعُ، وَلَوْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ لَا يَرْجِعُ بِثَمَنِهِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ وَفِيهِ: شَرَى عَلَى أَنَّهُ بَذْرُ بِطِّيخٍ شَتْوِيٍّ فَزَرَعَهُ فَوَجَدَهُ صَيْفِيًّا بَطَلَ الْبَيْعُ فَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي ثَمَنَهُ وَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ الْبَذْرِ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 237 سَاوَمَ صَاحِبَ الزُّجَاجِ فَدَفَعَ لَهُ قَدَحًا يَنْظُرُهُ فَوَقَعَ مِنْهُ عَلَى أَقْدَاحٍ فَانْكَسَرُوا ضَمِنَ الْأَقْدَاحَ لَا الْقَدَحَ. شَرَى شَجَرَةً بِأَصْلِهَا وَفِي قَلْعِهَا مِنْ الْأَصْلِ ضَرَرٌ بِالْبَائِعِ يَقْطَعُهُ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ حَيْثُ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْبَائِعُ، وَلَوْ انْهَدَمَ مِنْ سُقُوطِهِ حَائِطٌ ضَمِنَ الْقَالِعُ مَا تَوَلَّدَ مِنْ قَلْعِهِ. دَفَعَ دَرَاهِمَ زُيُوفًا فَكَسَرَهَا الْمُشْتَرِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَنِعْمَ مَا صَنَعَ حَيْثُ غَشَّهُ وَخَانَهُ، وَكَذَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ فَكَسَرَهُ. وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْمَغْشُوشِ إذَا بَيَّنَ غِشَّهُ أَوْ كَانَ ظَاهِرًا يُرَى، وَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي حِنْطَةٍ خُلِطَ بِهَا الشَّعِيرُ وَالشَّعِيرُ يُرَى لَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ، وَإِنْ طَحَنَهُ لَا يَبِيعُ. وَقَالَ الثَّانِي فِي رَجُلٍ مَعَهُ فِضَّةُ نُحَاسٍ: لَا يَبِيعُهَا حَتَّى يُبَيِّنَ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ وَيُعَاقَبَ صَاحِبُهُ إذَا أَنْفَقَهُ وَهُوَ يَعْرِفُهُ.   [رد المحتار] قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ مِنْ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، كَمَا لَوْ وَجَدَهُ بَذْرَ قِثَّاءٍ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ اخْتِلَافِ النَّوْعِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ فِيهِ أَيْضًا: لَوْ شَرَى بَذْرًا عَلَى أَنَّهُ بَذْرُ بِطِّيخِ كَذَا فَظَهَرَ عَلَى صِفَةٍ أُخْرَى جَازَ الْبَيْعُ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بِطِّيخٌ، وَاخْتِلَافُ الصِّفَةِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَلَا يَرْجِعُ بِنَقْصِ الْعَيْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ ظَهَرَ عَيْبُهُ بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ. وَذَكَرَ فِيهِ قَوْلَهُ: شَرَى بُرًّا عَلَى أَنَّهُ رَبِيعِيٌّ فَزَرَعَهُ فَظَهَرَ أَنَّهُ خَرِيفِيٌّ اخْتَارَ الْمَشَايِخُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنَقْصِ الْعَيْبِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا بِنَاءً عَلَى مَا إذَا شَرَى طَعَامًا فَأَكَلَهُ فَظَهَرَ عَيْبُهُ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ خِلَافُ الْجِنْسِ كَبَذْرِ الْبِطِّيخِ وَبَذْرِ الْقِثَّاءِ بَطَلَ الْبَيْعُ فَيَرُدُّهُ لَوْ قَائِمًا وَيَرُدُّ مِثْلَهُ لَوْ هَالِكًا وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَلَوْ ظَهَرَ خِلَافُ الْوَصْفِ كَالرَّبِيعِيِّ وَالْخَرِيفِيِّ صَحَّ الْبَيْعُ فَيَرُدُّهُ لَوْ قَائِمًا، وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ لَوْ هَالِكًا عِنْدَ الْإِمَامِ. وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ، وَبِهِ يُفْتَى، وَبَقِيَ مَا لَوْ زَرَعَهُ فَلَمْ يَنْبُتْ فَفِي الْخَيْرِيَّةِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ وَلَا بِالنَّقْصِ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَهْلَكَ الْمَبِيعَ، وَلَا رُجُوعَ بَعْدَ الْإِتْلَافِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ظَهِيرُ الدِّينِ فِي حَبِّ الْقُطْنِ، وَقِيلَ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ إنْ ثَبَتَ عَدَمُ نَبَاتِهِ لِعَيْبٍ بِهِ، وَإِلَّا لَا بِالِاتِّفَاقِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ عَدَمَ نَبَاتِهِ لِرَدَاءَةِ حَرْثِهِ أَوْ لِجَفَافِ أَرْضِهِ لِأَمْرٍ آخَرَ اهـ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ ظَهِيرِ الدِّينِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، وَقَوْلُهُ وَقِيلَ يَرْجِعُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ فَانْكَسَرُوا) فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَانْكَسَرَتْ وَهِيَ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْوَاوَ لِجَمَاعَةِ الْعُقَلَاءِ (قَوْلُهُ ضَمِنَ الْأَقْدَاحَ لَا الْقَدَحَ) لِأَنَّ الْقَدَحَ قَبَضَهُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ بِلَا بَيَانِ الثَّمَنِ وَالْأَقْدَاحُ انْكَسَرَتْ بِفِعْلِهِ فَيَضْمَنُهَا بَيَّنَ الثَّمَنَ أَوْ لَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ [مَطْلَبٌ شَرَى شَجَرَةً وَفِي قَلْعِهَا ضَرَرٌ] (قَوْلُهُ بِأَصْلِهَا) وَهُوَ الْمَدْفُونُ فِي الْأَرْضِ الْمُسَمَّى شَرْشًا. مَطْلَبٌ شَرَى شَجَرَةً وَفِي قَلْعِهَا ضَرَرٌ (قَوْلُهُ يَقْطَعُهُ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ) عِبَارَةُ الْمُلْتَقَطِ يَقْطَعُهَا. وَفِيهِ أَيْضًا إذَا اشْتَرَى أَشْجَارًا مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ وَفِي قَطْعِهَا بِالصَّيْفِ ضَرَرٌ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَتَهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى تَرْكِهَا إلَى وَقْتٍ لَا ضَرَرَ فِي قَطْعِهَا. وَفِيهِ أَيْضًا: لَوْ بَاعَ شَجَرَةً، إنْ بَيَّنَ مَوْضِعَ قَطْعِهَا مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ فَعَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ بَيَّنَ بِأَصْلِهَا فَعَلَى قَرَارِهَا مِنْ الْأَرْضِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ أَصْلِهَا إلَّا أَنْ تَقُومَ دَلَالَةٌ اهـ (قَوْلُهُ فَكَسَرَهَا الْمُشْتَرِي) كَذَا رَأَيْته فِي الْمُلْتَقَطِ وَكَأَنَّهُ مُصَوَّرٌ فِي الصَّرْفِ وَإِلَّا فَالْمُنَاسِبُ فَكَسَرَهَا الْبَائِعُ. وَرَأَيْت فِيهِ تَقْيِيدَ الزُّيُوفِ بِالنَّبَهْرَجَةِ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا نَقَلَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ دَفَعَ إلَى الْبَائِعِ دَرَاهِمَ صِحَاحًا فَكَسَرَهَا الْبَائِعُ فَوَجَدَهَا نَبَهْرَجَةً كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَا يَضْمَنُ بِالْكَسْرِ لِأَنَّ الصِّحَاحَ وَالْمُكَسَّرَةَ فِيهِ سَوَاءٌ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ طَحَنَهُ لَا يَبِيعُ) أَيْ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ لِأَنَّهُ لَا يُرَى (قَوْلُهُ وَقَالَ الثَّانِي إلَخْ) وَقَالَ أَيْضًا لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِسَتُّوقَةٍ إذَا بَيَّنَ وَأَرَى لِلسُّلْطَانِ أَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 238 شَرَى فُلُوسًا بِدِرْهَمٍ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ وَقَالَ هِيَ بِدِرْهَمِك لَا يُنْفِقُهَا حَتَّى يَعُدَّهَا. شَرَى بِالدَّرَاهِمِ الزَّيْفِ وَرَضِيَ بِأَقَلَّ مِمَّا يَشْتَرِي بِالْجَيِّدِ حَلَّ لَهُ. شَرَى ثِيَابًا بِبَغْدَادَ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَ ثَمَنَهُ بِسَمَرْقَنْدَ لَمْ يَجُزْ لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ. بَاعَ نِصْفَ أَرْضِهِ بِشَرْطِ خَرَاجِ كُلِّهَا عَلَى الْمُشْتَرِي فَهُوَ فَاسِدٌ. أَخَذَ الْخَرَاجَ مِنْ الْأَكَّارِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الدِّهْقَانِ اسْتِحْسَانًا. شَرَى الْكَرْمَ مَعَ الْغَلَّةِ وَقَبَضَهُ، وَإِنْ رَضِيَ الْأَكَّارُ جَازَ الْبَيْعُ وَلَهُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ. قَضَاهُ دِرْهَمًا وَقَالَ أَنْفِقْهُ فَإِنْ جَازَ وَإِلَّا فَرُدَّهُ عَلَيَّ، فَقَبِلَهُ وَلَمْ يُنْفِقْهُ لَهُ رَدُّهُ اسْتِحْسَانًا، بِخِلَافِ جَارِيَةٍ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَقَالَ اعْرِضْهَا أَوْ بِعْهَا، فَإِنْ نَفَقَتْ وَإِلَّا رُدَّهَا فَعَرَضَهَا عَلَى الْبَيْعِ سَقَطَ الرَّدُّ. أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا وَطِئَ رَجُلٌ أَمَتَهُ ثُمَّ زَوَّجَهَا مَكَانَهُ فَلِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ اُسْتُقْبِحَ، وَلَا يَقْرَبُهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْحَظْرِ، وَالْكُلُّ مِنْ الْمُلْتَقَطِ.   [رد المحتار] يَكْسِرَهَا لَعَلَّهَا تَقَعُ فِي أَيْدِي مَنْ لَا يُبَيِّنُ. وَرَوَى بِشْرٌ فِي الْإِمْلَاءِ عَنْهُ: أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْطِيَ الزُّيُوفَ وَالنَّبَهْرَجَةَ وَالسَّتُّوقَةَ وَإِنْ بَيَّنَ ذَلِكَ، وَتَجُوزُ بِهَا عِنْدَ الْأَخْذِ مِنْ قِبَلَ أَنَّ إنْفَاقَهَا ضَرَرٌ عَلَى الْعَوَامّ، وَمَا كَانَ ضَرَرًا عَامًّا فَهُوَ مَكْرُوهٌ خَوْفًا مِنْ الْوُقُوعِ فِي أَيْدِي الْمُدَلِّسَةِ عَلَى الْجَاهِلِ بِهِ وَمِنْ التَّاجِرِ الَّذِي لَا يَتَحَرَّجُ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ لَا يُنْفِقُهَا حَتَّى يَعُدَّهَا) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَظْهَرَ الدِّرْهَمُ مَعِيبًا وَقَدْ أَنْفَقَ الْفُلُوسَ أَوْ بَعْضَهَا فَيَلْزَمُ الْجَهَالَةُ فِي الْمُنْفَقِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا أَخَذَهَا عَدَدًا لَا وَزْنًا، وَهَلْ ذَلِكَ يَجْرِي فِي صَرْفِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ يُحَرَّرْ ط تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ثَمَنَهُ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمُشْتَرِي: أَيْ الثَّمَنَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَوْ لِلثِّيَابِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا مَبِيعًا (قَوْلُهُ لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ وَقْتَ الدَّفْعِ، نَعَمْ لَوْ قَالَ إلَى شَهْرٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ بِسَمَرْقَنْدَ جَازَ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبُيُوعِ (قَوْلُهُ فَهُوَ فَاسِدٌ) لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا لِلْبَائِعِ وَلَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ (قَوْلُهُ مِنْ الْأَكَّارِ) أَيْ الْمُزَارِعِ (قَوْلُهُ يَرْجِعُ عَلَى الدِّهْقَانِ) أَيْ صَاحِبِ الْأَرْضِ. وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَلَامٌ سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قُبَيْلَ بَابِ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ (قَوْلُهُ إنْ رَضِيَ الْأَكَّارُ جَازَ) أَيْ إذَا دَفَعَ صَاحِبُ الْكَرْمِ كَرْمَهُ إلَى أَكَّارٍ مُسَاقَاةً بِالرُّبُعِ مَثَلًا وَعَمِلَ الْأَكَّارُ حَتَّى صَارَ لَهُ حِصَّةٌ فِي الثَّمَرِ يَتَوَقَّفُ بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى رِضَا الْأَكَّارِ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حِصَّةً، فَإِنْ أَجَازَ الْبَيْعَ يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ وَقِيمَةِ الثَّمَرِ فَيَأْخُذُ الْأَكَّارُ قَدْرَ حِصَّتِهِ مِنْ ثَمَنِ الثَّمَرِ وَأَمَّا لَوْ دَفَعَ أَرْضَهُ مُزَارَعَةً عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ فَبَاعَ الْأَرْضَ تَوَقَّفَ بَيْعُ الْأَرْضِ عَلَى إجَازَةِ الْمُزَارِعِ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ مُسْتَأْجِرِ الْأَرْضِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْفُضُولِيِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَقَبِلَهُ وَلَمْ يُنْفِقْهُ) الْأَوْضَحُ فَعَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ وَلَمْ يُنْفِقْهُ ط (قَوْلُهُ بِخِلَافِ جَارِيَةٍ إلَخْ) الْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْبُوضَ مِنْ الدَّرَاهِمِ لَيْسَ عَيْنَ حَقِّ الْقَابِضِ بَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ جَازَ وَصَارَ عَيْنَ حَقِّهِ، فَإِذَا لَمْ يَتَجَوَّزْ بَقِيَ عَلَى مِلْكِ الدَّافِعِ فَصَحَّ أَمْرُ الدَّافِعِ بِالتَّصَرُّفِ، فَهُوَ فِي الِابْتِدَاءِ تَصَرُّفٌ لِلدَّافِعِ وَفِي الِانْتِهَاءِ لِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ فِي الْعَيْنِ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ فَتُصْرَفُ لِنَفْسِهِ فَبَطَلَ خِيَارُهُ ط عَنْ الْبَحْرِ، وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ إلَخْ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ) لَا مُنَاسَبَةَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَا، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا مُسْتَوْفًى فِي فَصْلِ مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 239 مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِهِ هَاهُنَا أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَالْبَيْعِ   [رد المحتار] [مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِهِ] لَمْ يُتَرْجِمْ لَهُ بِفَصْلٍ وَلَا بَابٍ لِدُخُولِهِ فِي بَابِ الْمُتَفَرِّقَاتِ، وَ " مَا " اسْمُ مَوْصُولٍ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْبَيْعُ إلَخْ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بَيَانُ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ. وَالتَّعْلِيقُ: رَبْطُ حُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ بِحُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ أُخْرَى، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَمِثَالُ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِعْتُك بِشَرْطِ كَذَا، وَمِثَالُ التَّعْلِيقِ بِعْتُك إنْ رَضِيَ فُلَانٌ. وَفِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلْحَمَوِيِّ عَنْ قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ: الْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَالشَّرْطِ أَنَّ التَّعْلِيقَ دَاخِلٌ فِي أَصْلِ الْفِعْلِ بِإِنْ وَنَحْوِهَا، وَالشَّرْطَ مَا جُزِمَ فِيهِ بِأَصْلِ الْفِعْلِ: أَوْ يُقَالُ التَّعْلِيقُ تَرْتِيبُ أَمْرٍ لَمْ يُوجَدْ عَلَى أَمْرٍ لَمْ يُوجَدْ بِإِنْ أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا، وَالشَّرْطُ الْتِزَامٌ لَمْ يُوجَدْ فِي أَمْرٍ لَمْ يُوجَدْ بِصِيغَةٍ مَخْصُوصَةٍ اهـ (قَوْلُهُ هَاهُنَا أَصْلَانِ إلَخْ) الَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ أَنَّ مَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَيَبْطُلُ تَعْلِيقُهُ أَيْضًا لِدُخُولِهِ فِي التَّمْلِيكَاتِ لِأَنَّهَا أَعَمُّ، وَمَا لَيْسَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ إنْ كَانَ مِنْ التَّمْلِيكَاتِ أَوْ التَّقْيِيدَاتِ يَبْطُلُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَ مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ وَالِالْتِزَامَاتِ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالْمُلَائِمِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْإِطْلَاقَاتِ وَالْوِلَايَاتِ وَالتَّحْرِيرَاتِ يَصِحُّ بِالْمُلَائِمِ فَقَطْ، وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا يَبْطُلُ عَطْفَ تَفْسِيرٍ، فَالْمُرَادُ بِالشَّرْطِ التَّعْلِيقُ بِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَاعِدَةً ثَانِيَةً مَعْطُوفَةً عَلَى الْأُولَى عَلَى تَقْرِيرِ مَا أُخْرَى: أَيْ وَمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136]- {وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} [آل عمران: 199]- أَيْ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ فَيَكُونُ مَا فِي الْمَتْنِ قَاعِدَتَيْنِ الْأُولَى مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ وَالثَّانِيَةَ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِهِ وَبِدُونِ هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ قَاعِدَةً وَاحِدَةً أُرِيدَ بِهَا مَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْأَمْرَانِ. وَذَلِكَ خَاصٌّ بِالتَّمْلِيكَاتِ الَّتِي هِيَ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُرَادٍ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ عَدَّ مِنْ ذَلِكَ الرَّجْعَةَ وَالْإِبْرَاءَ وَعَزْلَ الْوَكِيلِ وَالِاعْتِكَافَ وَالْإِقْرَارَ وَالْوَقْفَ وَالتَّحْكِيمَ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَمْلِيكُ مَالٍ بِمَالٍ مَعَ أَنَّ السَّبْعَةَ الْمَذْكُورَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَاعِدَةً وَاحِدَةً هِيَ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَالْعَطْفُ لِلتَّفْسِيرِ كَمَا قُلْنَا، فَإِنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يَبْطُلُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، أَوْ قَاعِدَتَيْنِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ ذِكْرُ الْأَصْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ. وَعَلَيْهِ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْهُ مَا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَهُمَا مَعًا، وَمِنْهُ مَا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ الثَّانِيَةِ فَقَطْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ مَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ: ثُمَّ الشَّيْخُ ذَكَرَ هُنَا مَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَمَا لَا يَبْطُلُ بِهَا وَمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ إلَخْ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ هَاهُنَا أَرْبَعَةَ قَوَاعِدَ الْأُولَى مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ. الثَّانِيَةَ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَهَاتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ هُنَا. وَالثَّالِثَةَ عَكْسُ الْأُولَى وَهِيَ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ إلَخْ. وَالرَّابِعَةَ عَكْسُ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ وَبَقِيَ مَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ إلَخْ. وَالْأُولَى دَاخِلَةٌ تَحْتَ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ كُلَّ مَا بَطَلَ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِهِ وَلَا عَكْسَ؛ فَالْفُرُوعُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ كُلُّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ الثَّانِيَةِ وَبَعْضُهَا تَحْتَ الْأُولَى لِخُرُوجِ الرَّجْعَةِ وَالْإِبْرَاءِ وَنَحْوِهِمَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَمَا خَرَجَ عَنْهَا دَخَلَ تَحْتَ الثَّالِثَةِ؛ وَالرَّابِعَةُ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الثَّالِثَةِ لِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ تَعْلِيقَةُ لَا يُبْطِلُهُ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ وَلَا عَكْسَ كَمَا سَتَعْرِفُهُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ بُطْلَانَ نَفْسِ التَّعْلِيقِ مَعَ صِحَّةِ الْمُعَلَّقِ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ التَّمْلِيكَاتِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 240 وَمَا لَا فَلَا كَالْقَرْضِ، ثَانِيهِمَا أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ التَّمْلِيكَاتِ أَوْ التَّقْيِيدَاتِ كَرَجْعَةٍ يَبْطُلُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَإِلَّا صَحَّ، لَكِنْ فِي إسْقَاطَاتٍ وَالْتِزَامَاتٍ يَحْلِفُ بِهِمَا كَحَجٍّ وَطَلَاقٍ يَصِحُّ مُطْلَقًا وَفِي إطْلَاقَاتٍ وَوِلَايَاتٍ وَتَحْرِيضَاتٍ بِالْمُلَائِمِ بَزَّازِيَّةٌ، فَالْأَوَّلُ   [رد المحتار] يَفْسُدُ بِالتَّعْلِيقِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَفْسُدُ بِهِ، فَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَقَامِ فَإِنَّ بِهِ يَنْدَفِعُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَوْهَامِ كَمَا يَظْهَرُ لَك فِي تَقْدِيرِ الْكَلَامِ (قَوْلُهُ وَمَا لَا فَلَا) أَيْ وَمَا لَا يَكُونُ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ بِأَنْ كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ عَلَى مَالٍ وَنَحْوِهَا أَوْ كَانَ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ لَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَقَوْلُهُ كَالْقَرْضِ هُوَ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً مُبَادَلَةٌ انْتِهَاءً فَيَصْلُحُ مِثَالًا لِلشَّيْئَيْنِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَفْسُدْ ذَلِكَ لِأَنَّ الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ مِنْ بَابِ الرِّبَا وَهُوَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ لَا غَيْرُ، لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ وَحَقِيقَةُ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَمَا مَرَّ هِيَ زِيَادَةُ مَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُلَائِمُهُ فَيَكُونُ فِيهَا فَضْلٌ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ وَهُوَ الرِّبَا، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْغَيْرِ الْمَالِيَّةِ وَلَا فِي التَّبَرُّعَاتِ بَلْ يَفْسُدُ الشَّرْطُ وَيَصِحُّ التَّصَرُّفُ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. (قَوْلُهُ مِنْ التَّمْلِيكَاتِ) كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَاسْتِئْجَارٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَنِكَاحٍ وَإِقْرَارٍ وَإِبْرَاءٍ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ أَوْ التَّقْيِيدَاتِ) كَرَجْعَةٍ وَكَعَزْلِ الْوَكِيلِ وَحَجْرِ الْعَبْدِ كَمَا فِي الْفُصُولَيْنِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ فِي الْوَكَالَةِ وَالْإِذْنِ لِلْعَبْدِ إطْلَاقًا عَمَّا كَانَا مَمْنُوعَيْنِ عَنْهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمُوَكِّلِ وَالْمُولِي، وَفِي الْعَزْلِ وَالْحَجْرِ تَقْيِيدٌ لِذَلِكَ الْإِطْلَاقِ، وَكَذَا فِي الرَّجْعَةِ تَقْيِيدٌ لِلْمَرْأَةِ عَمَّا أَطْلَقَ لَهَا بِالطَّلَاقِ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ (قَوْلُهُ يَبْطُلُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ) أَيْ الْمَحْضِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ التَّعْلِيقِ بِشَرْطٍ كَائِنٍ فَإِنَّهُ تَنْجِيزٌ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَ السَّمَاءُ فَوْقَنَا وَالْأَرْضُ تَحْتَنَا تَطْلُقُ لِلْحَالِ، وَلَوْ عَلَّقَ الْبَرَاءَةَ بِشَرْطٍ كَائِنٍ يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ لِلْخَاطِبِ زَوَّجْت بِنْتِي مِنْ فُلَانٍ فَكَذَّبَهُ فَقَالَ إنْ لَمْ أَكُنْ زَوَّجْتهَا مِنْهُ فَقَدْ زَوَّجْتهَا مِنْك فَقَبِلَ الْخَاطِبُ وَظَهَرَ كَذِبُ الْأَبِ انْعَقَدَ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ) أَيْ أَنْ لَا يَكُنْ مِنْ التَّمْلِيكَاتِ وَالتَّقْيِيدَاتِ بِأَنْ كَانَ مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ أَوْ الِالْتِزَامَاتِ أَوْ الْإِطْلَاقَاتِ أَوْ الْوِلَايَاتِ أَوْ التَّحْرِيضَاتِ صَحَّ التَّعْلِيقُ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي إسْقَاطَاتٍ) أَيْ مَحْضَةٍ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بَحْرٌ، احْتِرَازًا عَنْ الْإِبْرَاءِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ إسْقَاطًا لَكِنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ كَمَا يَأْتِي فَهُوَ مِنْ التَّمْلِيكَاتِ (قَوْلُهُ يَحْلِفُ بِهِمَا) الضَّمِيرُ الْمُثَنَّى عَائِدٌ إلَى إسْقَاطَاتٍ وَالْتِزَامَاتٍ، وَقَوْلُهُ كَحَجٍّ وَطَلَاقٍ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ، وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا: أَيْ بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ، أَوْ غَيْرِ مُلَائِمٍ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ كَلَامِهِ حُكْمُ مَا لَا يَحْلِفُ بِهِ مِنْ النَّوْعَيْنِ وَلَا أَمْثِلَتُهُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ. وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ كَالتَّمْلِيكَاتِ يَبْطُلُ تَعْلِيقُهُ وَأَنَّ مِنْ الْأَوْلَى تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ إذَا عُلِّقَ بِشَرْطٍ غَيْرِ كَائِنٍ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ. وَيَبْقَى عَلَى شُفْعَتِهِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ؛ وَمِنْ الثَّانِي مَا إذَا الْتَزَمَ مَا لَا يَلْزَمُهُ شَرْعًا، وَكَمَا لَوْ اسْتَأْذَنَ جَارَهُ لِهَدْمِ جِدَارٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا فَأَذِنَ بِشَرْطِ مَنْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ بِنَصْبِ خَشَبَاتٍ وَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى انْهَدَمَ مَنْزِلُ الْجَارِ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ حِفْظُ دَارِ شَرِيكِهِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ فَفِيهِ الْتِزَامُ الْحِفْظِ كَأَنَّهُ قَالَ اهْدِمْ الْجِدَارَ بِشَرْطِ نَصْبِ الْخَشَبَاتِ فَلَا يَصِحُّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي إطْلَاقَاتٍ) كَالْإِذْنِ بِالتِّجَارَةِ وَوِلَايَاتٍ كَالْقَضَاءِ وَالْإِمَارَةِ وَتَحْرِيضَاتٍ نَحْوَ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» اهـ ح (قَوْلُهُ بِالْمُلَائِمِ) أَيْ يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ الْمُلَائِمِ، وَفَسَّرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِمَا يُؤَكِّدُ مُوجِبَ الْعَقْدِ اهـ مِثْلُ إنْ وَصَلْت إلَى بَلْدَةِ كَذَا فَقَدْ وَلَّيْتُك قَضَاءَهَا أَوْ إمَارَتَهَا أَوْ إنْ قَتَلْت قَتِيلًا فَلَكَ سَلَبُهُ، بِخِلَافِ نَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ (قَوْلُهُ فَالْأَوَّلُ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ حَاصِلَ الْأَصْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الشَّرْحِ أَنَّ مِنْ الْمَسَائِلِ مَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَمَا يَصِحُّ بِالشَّرْطِ وَمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِهِ، فَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْفَاسِدُ مِنْهَا قِسْمَانِ وَالصَّحِيحُ قِسْمَانِ، فَقَوْلُهُ فَالْأَوَّلُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَرَادَ بِهِ الْفَاسِدَ مِنْهَا بِقِسْمَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ. وَأَمَّا مَا يَصِحُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 241 أَرْبَعَةَ عَشَرَ عَلَى مَا فِي الدُّرَرِ وَالْكَنْزِ وَإِجَارَةِ الْوِقَايَةِ (الْبَيْعُ) إنْ عَلَّقَهُ بِكَلِمَةِ إنْ لَا بِعَلَى عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ (وَالْقِسْمَةُ) لِلْمُثْلَى، أَمَّا قِسْمَةُ الْقِيَمِيِّ فَتَصِحُّ بِخِيَارِ شَرْطٍ وَرُؤْيَةٍ   [رد المحتار] فَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ مِنْهُ بِقَوْلِهِ وَمَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ بَعْدَهُ الْقِسْمَ الْآخَرَ بِقَوْلِهِ وَبَقِيَ مَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ أَوَّلًا، وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُرَادَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَصْلُ الْأَوَّلُ مِنْ الْأَصْلَيْنِ حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الصُّوَرَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ لَيْسَتْ كُلُّهَا مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ بَلْ بَعْضُهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَلَى مَا فِي الدُّرَرِ إلَخْ) أَيْ كَوْنُهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ بَعْدُ وَيَأْتِي تَمَامُهُ. ثُمَّ إنَّ الْمَذْكُورَ فِي إجَارَةِ الْوِقَايَةِ مَا يَصِحُّ مُضَافًا وَهُوَ مَا سَيَأْتِي آخِرًا وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ الْبَيْعُ) صُورَةُ الْبَيْعِ بِالشَّرْطِ قَوْلُهُ بِعْته بِشَرْطِ اسْتِخْدَامِهِ شَهْرًا وَتَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ كَقَوْلِهِ بِعْته إنْ كَانَ زَيْدٌ حَاضِرًا، وَفِي إطْلَاقِ الْبُطْلَانِ عَلَى الْبَيْعِ بِشَرْطٍ تَسَامُحٌ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْفَاسِدِ لَا الْبَاطِلِ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُهُ وَقَدْ مَرَّ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ إنْ عَلَّقَهُ بِكَلِمَةِ إنْ) إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَنْ يَقُولَ بِعْت مِنْك هَذَا إنْ رَضِيَ فُلَانٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إنْ وَقَّتَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ إلَى أَجْنَبِيٍّ وَهُوَ جَائِزٌ بَحْرٌ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَهَذَا شَرْطٌ صَحِيحٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ أَوْ يُلَائِمُهُ أَوْ فِيهِ أَثَرٌ أَوْ جَرَى التَّعَامُلُ بِهِ كَشَرْطِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ أَوْ التَّأْجِيلِ أَوْ الْخِيَارِ أَوْ حِذَاءِ النَّعْلِ لَا يَفْسُدُ وَيَصِحُّ الشَّرْطُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ فَسَدَ وَإِلَّا فَلَا اهـ وَقَوْلُ الْعَاقِدِ بِشَرْطِ كَذَا بِمَنْزِلَةِ عَلَى، وَلَا بُدَّ بِأَنْ لَا يَقْرُنَ الشَّرْطَ بِالْوَاوِ وَإِلَّا جَازَ وَيُجْعَلُ مُشَاوَرَةً وَأَنْ يَكُونَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ؛ حَتَّى لَوْ أَلْحَقَاهُ بِهِ لَمْ يَلْتَحِقْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ مَكِّيٌّ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: اشْتَرَى حَطَبًا فِي قَرْيَةٍ شِرَاءً صَحِيحًا وَقَالَ مَوْصُولًا بِالشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي الشِّرَاءِ احْمِلْهُ إلَى مَنْزِلِي لَا يَفْسُدُ، أَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ تَمَامِهَا إنَّ الْجُرْفَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ اهـ ط وَتَقَدَّمَ آخِرَ بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ فِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ مَوْضِعًا ذَكَرَهَا فِي الْأَشْبَاهِ وَأَوْضَحْنَاهَا هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَالْقِسْمَةُ) مِنْ صُوَرِ فَسَادِهَا بِالشَّرْطِ مَا إذَا اقْتَسَمَ الشَّرِيكَانِ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الصَّامِتَ وَلِلْآخَرِ الْعُرُوضَ، أَوْ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرَ دَارِهِ بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى شَرْطِ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَمَّا لَوْ اقْتَسَمَا عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ شَيْئًا مَعْلُومًا فَهُوَ جَائِزٌ كَالْبَيْعِ، وَكَذَا عَلَى أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً بَحْرٌ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ. وَقَالَ أَيْضًا: وَصُورَةُ تَعْلِيقِهَا أَنْ يَقْتَسِمُوا دَارًا وَشَرَطُوا رِضَا فُلَانٍ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فَهِيَ كَالْبَيْعِ عَيْنِيٌّ، وَمَرَّ جَوَازُ تَعْلِيقِ الْبَيْعِ بِرِضَا فُلَانٍ عَلَى أَنَّهُ شَرْطُ خِيَارٍ إذَا وَقَّتَهُ، وَلَكِنْ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: خِيَارُ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ يَثْبُتُ فِي قِسْمَةٍ لَا يُجْبَرُ الْآبِي عَلَيْهَا وَهِيَ قِسْمَةُ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ، لَا فِيمَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا كَالْمِثْلِيِّ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ بَحْرٌ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَعْلِيقَ الْقِسْمَةِ عَلَى رِضَا فُلَانٍ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا وَمُؤَقَّتًا يَصِحُّ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ عَلَى أَنَّهُ خِيَارُ شَرْطٍ لِأَجْنَبِيٍّ كَمَا يَصِحُّ فِي الْبَيْعِ، فَكَلَامُ الْعَيْنِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمُؤَقَّتِ أَوْ عَلَى الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقِسْمَةَ الَّتِي يُجْبَرُ الْآبِي عَلَيْهَا لَا تَخْتَصُّ بِالْمِثْلِيِّ لِأَنَّهَا تَكُونُ فِي الْعُرُوضِ الْمُتَّحَدِ جِنْسُهَا إلَّا الرَّقِيقَ وَالْجَوَاهِرَ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا كَقِسْمَةِ الْأَجْنَاسِ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ وَكَدُورٍ مُشْتَرَكَةٍ أَوْ دَارٍ وَضَيْعَةٍ فَيُقْسَمُ كُلٌّ مِنْهَا وَحْدَهُ لَا بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ إلَّا بِالتَّرَاضِي كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا (قَوْلُهُ أَمَّا قِسْمَةُ الْقِيَمِيِّ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ قِسْمَةَ الْمِثْلِيِّ لَا تَصِحُّ بِالشَّرْطِ مُطْلَقًا، أَمَّا قِسْمَةُ الْقِيَمِيِّ فَتَصِحُّ إنْ عُلِّقَتْ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ وَإِلَّا فَلَا، لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ الِافْتِرَاقَ بَيْنَ الْجَبْرِ وَعَدَمِهِ لَا بَيْنَ الْمِثْلِيِّ وَالْقِيَمِيِّ فَافْهَمْ. وَأَيْضًا فَالْكَلَامُ فِي الشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَمَا مَرَّ، وَشَرْطُ الْخِيَارِ لَيْسَ شَرْطًا فَاسِدًا فَلَا حَاجَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 242 (وَالْإِجَارَةُ) إلَّا فِي قَوْلِهِ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ آجَرْتُك دَارِي بِكَذَا فَيَصِحُّ بِهِ يُفْتَى عِمَادِيَّةٌ، وَقَوْلُهُ لِغَاصِبِ دَارِهِ فَرِّغْهَا وَإِلَّا فَأُجْرَتُهَا كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا جَازَ كَمَا سَيَجِيءُ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْإِجَارَةِ مَعَ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِعَدَمِ التَّفْرِيغِ (وَالْإِجَازَةُ) بِالزَّايِ، فَقَوْلُ الْبِكْرِ أَجَزْت النِّكَاحَ إنْ رَضِيَتْ أُمِّي مُبْطِلٌ لِلْإِجَازَةِ بَزَّازِيَّةٌ، وَكَذَا كُلُّ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ إذَا انْعَقَدَ مَوْقُوفًا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ إجَازَتِهِ بِالشَّرْطِ بَحْرٌ، فَقَصْرُهَا عَلَى الْبَيْعِ قُصُورٌ كَمَا وَقَعَ فِي الْمِنَحِ (وَالرَّجْعَةُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ: إنَّمَا ذَكَرْتهَا تَبَعًا لِلْكَنْزِ وَغَيْرِهِ. قَالَ شَيْخُنَا فِي بَحْرِهِ وَهُوَ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ اعْتِبَارًا لَهَا بِأَصْلِهَا وَهُوَ النِّكَاحُ وَأَطَالَ الْكَلَامَ،   [رد المحتار] إلَى التَّنْبِيهِ عَلَى صِحَّتِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْإِجَارَةُ) أَيْ كَأَنْ آجَرَ دَارِهِ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ يُهْدِيَ إلَيْهِ أَوْ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ عَيْنِيٌّ، وَمِنْ ذَلِكَ اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا بِكَذَا عَلَى أَنْ يَعْمُرَهُ وَيَحْسِبَ مَا أَنْفَقَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ وَلَهُ مَا أَنْفَقَ وَأَجْرُ مِثْلِ قِيَامِهِ عَلَيْهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ؛ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهَا تَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَبِالتَّعْلِيقِ لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ وَالْأُجْرَةِ (قَوْلُهُ فَيَصِحُّ بِهِ يُفْتَى) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ وَقْتٌ يَجِيءُ لَا مَحَالَةَ فَلَمْ يَكُنْ تَعْلِيقًا بِخَطَرٍ، أَوْ هُوَ إضَافَةٌ لَا تَعْلِيقٌ وَالْإِجَارَةُ تَقْبَلُ الْإِضَافَةَ كَمَا سَيَأْتِي، وَعَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِعَدَمِ التَّفْرِيغِ) وَلَعَلَّ وَجْهَ صِحَّتِهِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ التَّفْرِيغُ وَاجِبًا عَلَى الْغَاصِبِ فِي الْحَالِ فَإِذَا لَمْ يَفْرُغْ صَارَ رَاضِيًا بِالْإِجَارَةِ فِي الْحَالِ كَأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى الْقَبُولِ فَقَبِلَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَقَوْلُ الْبِكْرِ إلَخْ) الْأَوْلَى إبْدَالُ الْبِكْرِ بِالْبَالِغَةِ كَمَا هُوَ فِي عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ وَكَذَا كُلُّ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ) وَهُوَ التَّمْلِيكَاتُ وَالتَّقْيِيدَاتُ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا التَّعْمِيمُ أَخَذَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ إطْلَاقِ عِبَارَةِ الْكَنْزِ لَفْظَ الْإِجَازَةِ، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِمَا مَرَّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ، وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ، وَاعْتَرَضَهُ الْحَمَوِيُّ بِمَا فِي الْقُنْيَةِ قَالَ بَاعَنِي فُلَانٌ عَبْدَك بِكَذَا فَقَالَ إنْ كَانَ كَذَا فَقَدْ أَجَزْته أَوْ فَهُوَ جَائِزٌ جَازَ إنْ كَانَ بِكَذَا أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ؛ وَلَوْ أَجَازَ بِثَمَنٍ آخَرَ يَبْطُلُ اهـ: قُلْت: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ بِكَائِنٍ فَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا مَحْضًا، كَمَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَكُنْ زَوَّجْتهَا مِنْ فُلَانٍ فَقَدْ زَوَّجْتهَا مِنْك كَمَا قَدَّمْنَاهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَقَصْرُهَا عَلَى الْبَيْعِ قُصُورٌ) تَعْرِيضٌ بِمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْعَيْنِيِّ حَيْثُ صَوَّرَ الْإِجَازَةَ بِقَوْلِهِ بِأَنْ بَاعَ فُضُولِيٌّ عَبْدَهُ فَقَالَ أَجَزْته بِشَرْطِ أَنْ تُقْرِضَنِي أَوْ تَهْدِيَ إلَيَّ أَوْ عَلَّقَ إجَازَتَهُ بِشَرْطٍ لِأَنَّهَا بَيْعٌ مَعْنًى اهـ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الدُّرَرِ وَالْبَيْعُ وَإِجَازَتُهُ. وَقَالَ ح: يَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالْإِجَازَةِ إجَازَةُ عَقْدٍ هُوَ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِيمَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَذَلِكَ خَاصٌّ بِالْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ إجَازَةِ النِّكَاحِ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ، لَكِنَّهُ لَا يُلَائِمُ الْمَتْنَ لِأَنَّ إجَازَةَ النِّكَاحِ مِثْلُهُ فَلَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ تَعْلِيقُهَا بِهِ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: قَدْ عَلِمْت مِمَّا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَاعِدَتَانِ لَا وَاحِدَةٌ، وَالْفُرُوعُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بَعْضُهَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَاعِدَتَيْنِ وَبَعْضُهَا عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَمِثْلُ إجَازَةِ النِّكَاحِ مُفَرَّعَةٌ عَلَى الثَّانِيَةِ فَقَطْ، وَمِثْلُ إجَازَةِ الْبَيْعِ مُفَرَّعَةٌ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، وَكَأَنَّ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى تَصْوِيرِ الْإِجَازَةِ بِالْبَيْعِ قَصَدَ بَيَانَ مَا تَفَرَّعَ عَلَى الْقَاعِدَتَيْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ قَالَ شَيْخُنَا فِي بَحْرِهِ) مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ وَأَطَالَ الْكَلَامَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَنْزِ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ بَلْ قَالَهُ جَمَاعَةٌ غَيْرُهُ، وَيَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهِ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ أَنَّ تَعْلِيقَ الرَّجْعَةِ بِالشَّرْطِ بَاطِلٌ وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَكَيْفَ تَبْطُلُ بِهِ مَعَ أَنَّ أَصْلَهَا وَهُوَ النِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِهِ؟ وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهَا تَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالْهَزْلِ وَاللَّعِبِ وَالْخَطَأِ كَالنِّكَاحِ. وَفِي كُتُبِ الْأُصُولِ مِنْ بَحْثِ الْهَزْلِ أَنَّ مَا يَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ لَا تُبْطِلُهُ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ، وَمَا لَا يَصِحُّ مَعَهُ تُبْطِلُهُ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 243 لَكِنْ تَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ وَفَرَّقَ بِأَنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ لِشُهُودٍ وَمَهْرٍ، وَلَهُ رَجْعَةُ أَمَةٍ عَلَى حُرَّةٍ نَكَحَهَا بَعْدَ طَلَاقِهَا وَتَبْطُلُ بِالشَّرْطِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ (وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ) بِمَالٍ دُرَرٌ وَغَيْرُهَا. وَفِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ، حَتَّى لَوْ كَانَ عَنْ سُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ كَانَ فِدَاءً فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ (وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ) لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ   [رد المحتار] قُلْت: وَقَدْ مَرَّ أَيْضًا فِي الْأَصْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا لَيْسَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ لَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الرَّجْعَةَ كَذَلِكَ. وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِهِ قَاعِدَةً وَاحِدَةً وَالْفُرُوعُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَهَا مُفَرَّعَةٌ عَلَيْهَا وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ هُمَا قَاعِدَتَانِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ، وَالرَّجْعَةُ مُفَرَّعَةٌ عَلَى الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا فَقَطْ فَلَا بُطْلَانَ فِي كَلَامِهِمْ بَعْدَ فَهْمِ مَرَامِهِمْ، فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَكِنْ تَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ) حَيْثُ قَالَ: وَحَيْثُ ذَكَرَ الثِّقَاتُ بُطْلَانَهَا بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ لَمْ يَبْقَ الشَّأْنُ إلَّا فِي السَّبَبِ الدَّاعِي لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النِّكَاحِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْفَرْقَ الْمَذْكُورَ فِي الشَّرْحِ. وَاعْتَرَضَهُ ح بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُخَالَفَتِهَا النِّكَاحَ فِي أَحْكَامٍ أَنْ تُخَالِفَهُ فِي هَذَا الْحُكْمِ اهـ. قُلْت: وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ وَتَبْطُلُ بِالشَّرْطِ هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، فَالصَّوَابُ ذِكْرُهُ بِالْفَاءِ لَا بِالْوَاوِ عَلَى أَنَّك قَدْ سَمِعْت الْجَوَابَ الْحَاسِمَ لِمَادَّةِ الْإِشْكَالِ. [تَنْبِيهٌ] عَلَّلَ فِي الْخُلَاصَةِ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَعْلِيقِ الرَّجْعَةِ بِالشَّرْطِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ مَا يَجُوزُ أَنْ يُحْلَفَ بِهِ وَلَا يُحْلَفُ بِالرَّجْعَةِ اهـ. وَاعْتَرَضَهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ بِأَنَّ عَدَمَ التَّحْلِيفِ فِي الرَّجْعَةِ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَالْمُفْتَى بِهِ قَوْلُهُمَا أَنَّهُ يَحْلِفُ وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ اهـ. قُلْت: اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، فَإِنَّ قَوْلَ الْخُلَاصَةِ لَا يُحْلَفُ بِالرَّجْعَةِ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ أَنْ أُرَاجِعَ زَوْجَتِي كَمَا يُقَالُ فَعَلَيَّ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا مِمَّا يُحْلَفُ بِهِ وَكَأَنَّهُ ظَنَّهُ يُحَلَّفُ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَجَعَلَ الْبَاءَ لِلسَّبَبِيَّةِ: أَيْ إذَا أَنْكَرَ الرَّجْعَةَ لَا يُحَلِّفُهُ الْقَاضِي عَلَيْهَا كَبَقِيَّةِ الْمَسَائِلِ السِّتَّةِ الَّتِي لَا يُحَلَّفُ عَلَيْهَا الْمُنْكِرُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُحَلَّفُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مِنْ بَعْضِ الظَّنِّ فَاجْتَنِبْهُ (قَوْلُهُ وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ) كَ صَالَحْتُك عَلَى أَنْ تُسْكِنَنِي فِي الدَّارِ سَنَةً أَوْ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ، لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ فَيَكُونُ بَيْعًا عَيْنِيٌّ. وَفِي صُلْحِ الزَّيْلَعِيِّ إنَّمَا يَكُونُ بَيْعًا إذَا كَانَ الْبَدَلُ خِلَافَ جِنْسِ الْمُدَّعَى بِهِ، فَلَوْ عَلَى جِنْسِهِ، فَإِنْ بِأَقَلَّ مِنْهُ فَهُوَ حَطٌّ وَإِبْرَاءٌ، وَإِنْ بِمِثْلِهِ فَقَبْضٌ وَاسْتِيفَاءٌ، وَإِنْ بِأَكْثَرَ فَهُوَ فَضْلٌ وَرِبًا (قَوْلُهُ وَفِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ) أَيْ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ بَيْعًا فَيَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ عَلَى جِنْسِ الْمُدَّعَى بِصُوَرِهِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا، لَكِنْ الْأُولَى مِنْهَا دَاخِلَةٌ فِي الْإِبْرَاءِ الْآتِي، وَالثَّالِثَةُ فَاسِدَةٌ بِدُونِ الشَّرْطِ وَالتَّعْلِيقِ لِكَوْنِهَا رِبًا، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَيَظْهَرُ عَدَمُ فَسَادِهَا مُطْلَقًا تَأَمَّلْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالْإِطْلَاقِ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ عَنْ إقْرَارٍ بِقَرِينَةِ التَّفْرِيغِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْحَقَّ التَّقْيِيدُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَهُوَ الْمُعَاوَضَاتُ الْمَالِيَّةُ وَالصُّلْحُ عَنْ سُكُوتٍ وَإِنْكَارٍ لَيْسَ مِنْهَا، فَجَوَابُهُ مَا عَلِمْته مِنْ أَنَّ الْمُفَرَّعَ عَلَيْهِ قَاعِدَتَانِ لَا وَاحِدَةٌ فَمَا لَمْ يَصْلُحْ فَرْعًا لِلْأُولَى يَكُونُ فَرْعًا لِلثَّانِيَةِ وَلِذَا اقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ فَافْهَمْ [مَطْلَبٌ قَالَ لِمَدْيُونِهِ إذَا مِتّ فَأَنْتَ بَرِيءٌ] (قَوْلُهُ وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ) بِأَنْ قَالَ أَبْرَأْتُك عَنْ دَيْنِي عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي شَهْرًا أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ عَيْنِيٌّ. وَفِي الْعَزْمِيَّةِ عَنْ إيضَاحِ الْكَرْمَانِيِّ بِأَنْ قَالَ أَبْرَأْت ذِمَّتَك بِشَرْطِ أَنَّ لِي الْخِيَارَ فِي رَدِّ الْإِبْرَاءِ وَتَصْحِيحِهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت، أَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ أَبْرَأْتُك أَوْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ أَوْ كَفِيلِهِ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ كَذَا أَوْ مَتَى أَدَّيْت أَوْ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ فَأَنْتَ بَرِيءٌ عَنْ الْبَاقِي فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَا إبْرَاءَ اهـ وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ صِحَّةَ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْكَفَالَةِ إذَا عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ كَإِنْ وَافَيْت بِهِ غَدًا فَأَنْتَ بَرِيءٌ فَوَافَاهُ بِهِ بَرِئَ مِنْ الْمَالِ، وَهُوَ قَوْلُ الْبَعْضِ. وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لَا تَمْلِيكٌ بَحْرٌ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي بَابِهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ) حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 إلَّا إذَا كَانَ الشَّرْطُ مُتَعَارَفًا أَوْ عَلَّقَهُ بِأَمْرٍ كَائِنٍ كَإِنْ أَعْطَيْته شَرِيكِي فَقَدْ أَبْرَأْتُك وَقَدْ أَعْطَاهُ صَحَّ وَكَذَا بِمَوْتِهِ وَيَكُونُ وَصِيَّةً وَلَوْ لِوَارِثِهِ   [رد المحتار] بِالتَّمْلِيكَاتِ فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ بَحْرٌ عَنْ الْعَيْنِيِّ. وَفِيهِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الدَّيْنِ لَيْسَ مِنْ مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَكَوْنُهُ مُعْتَبَرًا بِالتَّمْلِيكَاتِ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى بُطْلَانِ تَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ وَلِذَلِكَ فَرَّعَهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ فِي الْقِسْمِ الْآتِي، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ ح وَهَكَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّ الْإِبْرَاءَ يَصِحُّ تَقْيِيدُهُ بِالشَّرْطِ، وَعَلَيْهِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي آخِرِ كِتَابِ الصُّلْحِ، وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ. هُنَاكَ أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَصِحُّ تَقْيِيدُهُ لَا تَعْلِيقُهُ اهـ وَأَوْضَحْنَاهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ، لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ مُتَعَارَفًا كَمَا يَأْتِي، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِبْرَاءَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ فَقَطْ فَلِذَا ذَكَرَهُ هُنَا فَافْهَمْ. وَمِنْ فُرُوعِهِ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: لَوْ قَالَ لِلْخَصْمِ إنْ حَلَفْت فَأَنْتَ بَرِيءٌ فَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ بِخَطَرٍ وَهِيَ لَا تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ اهـ وَيَصِحُّ تَفْرِيعُ الْإِبْرَاءِ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُولَى أَيْضًا إذَا كَانَ الشَّرْطُ غَيْرَ مُتَعَارَفٍ، وَمِنْهُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْعَزْمِيَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ الشَّرْطُ مُتَعَارَفًا) كَمَا لَوْ أَبْرَأَتْهُ مُطَلَّقَتُهُ بِشَرْطِ الْإِمْهَارِ فَيَصِحُّ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُتَعَارَفٌ، وَتَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ جَائِزٌ، فَإِنْ قَبِلَ الْإِمْهَارَ وَهَمَّ، بِأَنْ يُمْهِرَهَا فَأَبَتْ وَلَمْ تُزَوِّجْ نَفْسَهَا مِنْهُ لَا يَبْرَأُ لِفَوَاتِ الْإِمْهَارِ الصَّحِيحِ؛ وَلَوْ أَبْرَأَتْهُ الْمَبْتُوتَةُ بِشَرْطِ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ بِمَهْرٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا مِائَةٌ، فَلَوْ جَدَّدَ لَهَا نِكَاحًا بِدِينَارٍ فَأَبَتْ لَا يَبْرَأُ بِدُونِ الشَّرْطِ. قَالَتْ الْمُسَرَّحَةُ لِزَوْجِهَا: تَزَوَّجْنِي فَقَالَ هَبِي لِي الْمَهْرَ الَّذِي لَك عَلَيَّ فَأَتَزَوَّجُك، فَأَبْرَأَتْهُ مُطْلَقًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِشَرْطِ التَّزَوُّجِ يَبْرَأُ إذَا تَزَوَّجَهَا وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مُعَلَّقٌ دَلَالَةً، وَقِيلَ لَا يَبْرَأُ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ بَحْرٌ عَنْ الْقُنْيَةِ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَكُونُ بِالدَّلَالَةِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ فَلْيُحْفَظْ ذَلِكَ رَمْلِيٌّ، وَالْمُرَادُ بِالتَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ التَّقْيِيدُ بِالشَّرْطِ بِقَرِينَةِ الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ. (قَوْلُهُ أَوْ عَلَّقَهُ بِأَمْرٍ كَائِنٍ إلَخْ) مِنْهُ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ إنْ كَانَ لِي عَلَيْك دَيْنٌ فَقَدْ أَبْرَأْتُك وَلَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ بَرِئَ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ كَائِنٍ فَتَنَجَّزَ اهـ (قَوْلُهُ كَإِنْ أَعْطَيْته شَرِيكِي إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ فِي الدُّرَرِ بِأَلْفَاظٍ فَارِسِيَّةٍ وَفَسَّرَهُ الْوَانِيُّ بِذَلِكَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَرَاءَةِ هُنَا بَرَاءَةُ الْإِسْقَاطِ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا قَبَضَهُ شَرِيكُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْإِبْرَاءَ عَنْ بَاقِي الدَّيْنِ. مَطْلَبٌ قَالَ لِمَدْيُونِهِ إذَا مِتّ فَأَنْتَ بَرِيءٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا بِمَوْتِهِ إلَخْ) فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ إذَا مِتّ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الدَّيْنِ جَازَ وَيَكُونُ وَصِيَّةً، وَلَوْ قَالَ: إنْ مِتَّ أَيْ بِفَتْحِ التَّاءِ لَا يَبْرَأُ وَهُوَ مُخَاطَرَةٌ كَإِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ بَرِيءٌ لَا يَبْرَأُ اهـ. وَفِيهَا: لَوْ قَالَتْ الْمَرِيضَةُ لِزَوْجِهَا إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَمَهْرِي عَلَيْك صَدَقَةٌ أَوْ أَنْتِ فِي حِلٍّ مِنْهُ فَمَاتَتْ فِيهِ فَمَهْرُهَا عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ مُخَاطَرَةٌ فَلَا تَصِحُّ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 245 عَلَى مَا بَحَثَهُ فِي النَّهْرِ (وَعَزْلُ الْوَكِيلِ وَالِاعْتِكَافُ)   [رد المحتار] قُلْت: وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمَوْتَ فِي الْأُولَيَيْنِ مُحَقَّقُ الْوُجُودِ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمُخَاطَرَةِ هُوَ الْمَوْتَ مَعَ بَقَاءِ الدَّيْنِ فَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ تَعْلِيقَهُ بِمَوْتِ نَفْسِهِ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ عَلَى أَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَتَعْلِيقُ الْوَصِيَّةِ صَحِيحٌ كَمَا سَيَأْتِي حَتَّى تَصِحَّ مِنْ الْعَبْدِ بِقَوْلِهِ إذَا عَتَقْت فَثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةٌ كَمَا فِي وَصَايَا الزَّيْلَعِيِّ، بِخِلَافِ تَعْلِيقِهِ بِمَوْتِ الْمَدْيُونِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ وَصِيَّةً فَبَقِيَ مَحْضَ إبْرَاءٍ وَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ هَلْ يَبْقَى الدَّيْنُ إلَى مَوْتِهِ فَكَانَ مُخَاطَرَةً فَلَمْ يَصِحَّ، وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْمَهْرِ فِيهَا مُخَاطَرَةٌ مِنْ حَيْثُ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ عَلَى مَوْتِهَا مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ هَلْ يَكُونُ أَوْ لَا، لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ الْوَصِيَّةَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ، فَإِنْ قَيَّدَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ مُخَاطَرَةٌ يَلْزَمُ أَنْ لَا تَصِحَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ لَوْ كَانَتْ لِأَجْنَبِيٍّ مَعَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْوَصِيَّةِ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالْعِتْقِ كَمَا عَلِمَتْ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُخَاطَرَةُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَعْلَمُ هَلْ تُجِيزُ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ أَوْ لَا أَوْ هَلْ يَكُونُ أَجْنَبِيًّا عَنْهَا وَقْتَ الْمَوْتِ حَتَّى تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ أَوْ لَا لَمْ يَبْقَ فَائِدَةٌ لِقَوْلِهَا مِنْ مَرَضِي هَذَا، وَيَلْزَمُ مِنْهُ صِحَّةُ التَّعْلِيقِ إذَا قَالَتْ إنْ مِتّ بِدُونِ قَوْلِهَا مِنْ مَرَضِي هَذَا وَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا بَحَثَهُ فِي النَّهْرِ) حَيْثُ قَالَ بَعْدَ مَسْأَلَةِ الْمَهْرِ السَّابِقَةِ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ أَجَازَتْهُ الْوَرَثَةُ يَصِحُّ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ كَوْنُهُ وَارِثًا اهـ. وَفِيهِ أَنَّ الْمَانِعَ كَوْنُهُ مُخَاطَرَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ ط (قَوْلُهُ وَعَزْلُ الْوَكِيلِ) بِأَنْ قَالَ لَهُ عَزَلْتُك عَلَى أَنْ تُهْدِيَ إلَيَّ شَيْئًا، أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُحْلَفُ بِهِ فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ عَيْنِيٌّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ، تَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ تَعْلِيقِهِ لَا كَوْنَهُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ. وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا خَطَأٌ أَيْضًا وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ لَا مِمَّا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ اهـ مُلَخَّصًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ مَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ مَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهَا بَلْ هُوَ مِنْ التَّقْيِيدَاتِ كَمَا مَرَّ فَيَبْطُلُ تَعْلِيقُهُ فَيَكُونُ مُفَرَّعًا عَلَى الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ فَقَطْ فَلَمْ يَكُنْ ذِكْرُهُ هُنَا خَطَأً فَافْهَمْ، وَقَيَّدَ بِعَزْلِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تُخَالِفُهُ حَيْثُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَالِاعْتِكَافُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: عِنْدِي أَنَّ ذِكْرَهُ هُنَا خَطَأٌ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ شَهْرٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ثُمَّ دَخَلَ لَزِمَهُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا فَإِذَا صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لَمْ يَبْطُلْ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: مَا جَازَ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لَمْ يَبْطُلْ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَكَيْفَ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّةِ تَعْلِيقِ الْمَنْذُورِ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَيِّ عِبَادَةٍ كَانَتْ، حَتَّى أَنَّ الْوَقْفَ كَمَا يَأْتِي لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، وَلَوْ عَلَّقَ النَّذْرَ بِهِ بِشَرْطٍ صَحَّ التَّعْلِيقُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: الِاعْتِكَافُ سُنَّةٌ مَشْرُوعَةٌ يَجِبُ بِالنَّذْرِ وَالتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ وَالشُّرُوعِ فِيهِ. ثُمَّ قَالَ: وَأَجْمَعُوا أَنَّ النَّذْرَ لَوْ كَانَ مُعَلَّقًا قَالَ إنْ قَدِمَ غَائِبِي أَوْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فُلَانًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرًا فَعَجَّلَ شَهْرًا قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ دَالَّةٌ عَلَى صِحَّةِ تَعْلِيقِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَهَذَا الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ مِمَّا أَخْطَئُوا فِيهِ وَالْخَطَأُ هُنَا أَقْبَحُ لِكَثْرَةِ الصَّرَائِحِ بِصِحَّةِ تَعْلِيقِهِ، وَأَنَا مُتَعَجِّبٌ لِكَوْنِهِمْ تَدَاوَلُوا هَذِهِ الْعِبَارَاتِ مُتُونًا وَشُرُوحًا وَفَتَاوَى، وَقَدْ يَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ مُؤَلِّفًا يَذْكُرُ شَيْئًا خَطَأً فَيَنْقُلُونَهُ بِلَا تَنْبِيهٍ فَيَكْثُرُ النَّاقِلُونَ وَأَصْلُهُ لِوَاحِدٍ مُخْطِئٍ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَأَجَابَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ نَفْسَ الِاعْتِكَافِ لَا يُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُحْلَفُ بِهِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا فِي هِبَةِ النِّهَايَةِ جُمْلَةُ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَعَدَّ مِنْهَا تَعْلِيقَ إيجَابِ الِاعْتِكَافِ بِالشَّرْطِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ مَا إذَا قَالَ أَوْجَبْت عَلَيَّ الِاعْتِكَافَ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَتَدَبَّرْهُ اهـ. ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّ كَلَامَهُمْ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى رِوَايَةٍ فِي الِاعْتِكَافِ وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى هِيَ الَّتِي عَلَيْهَا الْأَكْثَرُ اهـ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ مَا هُنَا مَذْكُورٌ فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى، بَلْ الصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَلَامُهُمْ فِيمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الِاعْتِكَافِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ لَا بِمُطْلَقِ شَرْطٍ، وَإِذَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الِاعْتِكَافِ بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي صَحِيحٌ كَيْفَ يَصِحُّ حَمْلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 246 فَإِنَّهُمَا لَيْسَا مِمَّا يَحْلِفُ بِهِ فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُهُمَا بِالشَّرْطِ، وَهَذَا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا بَسَطَهُ فِي النَّهْرِ، وَالصَّحِيحُ إلْحَاقُ الِاعْتِكَافِ بِالنَّذْرِ (وَالْمُزَارَعَةُ وَالْمُعَامَلَةُ) أَيْ الْمُسَاقَاةُ لِأَنَّهُمَا إجَارَةٌ (وَالْإِقْرَارُ)   [رد المحتار] كَلَامِهِمْ هُنَا عَلَى مَا يُنَاقِضُهُ ثُمَّ يَعْتَرِضُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ أَخْطَئُوا وَتَدَاوَلُوا الْخَطَأَ حَتَّى لَا يَبْقَى لِأَحَدٍ ثِقَةٌ بِكَلَامِهِمْ الَّذِي يَتَوَافَقُونَ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّا نَرُدُّ عَلَى مَنْ خَرَجَ عَنْ كَلَامِهِمْ بِمَا يَتَدَاوَلُونَهُ فَإِنَّهُمْ قُدْوَتُنَا وَعُمْدَتُنَا شَكَرَ اللَّه سَعْيَهُمْ، بَلْ الْوَاجِبُ حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى وَفْقِ مَرَامِهِمْ، وَذَلِكَ كَمَا مَثَّلَ بِهِ فِي الْحَوَاشِي الْعَزْمِيَّةِ بِقَوْلِهِ فَسَادُ الِاعْتِكَافِ بِالشَّرْطِ، بِأَنْ قَالَ مَنْ عَلَيْهِ اعْتِكَافُ أَيَّامٍ نَوَيْت أَنْ أَعْتَكِفَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لِأَجْلِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا أَصُومَ أَوْ أُبَاشِرَ امْرَأَتِي فِي الِاعْتِكَافِ أَوْ أَنْ أَخْرُجَ عَنْهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت بِحَاجَةٍ أَوْ بِغَيْرِ حَاجَةٍ يَكُونُ الِاعْتِكَافُ فَاسِدًا وَتَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ بِأَنْ يَقُولَ نَوَيْت أَنْ أَعْتَكِفَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى اهـ لَكِنْ هَذَا تَصْوِيرٌ لِنَفْسِ الِاعْتِكَافِ لَا لِإِيجَابِهِ فَيُصَوَّرُ إيجَابُهُ بِأَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرًا بِشَرْطِ أَنْ لَا أَصُومَ إلَخْ أَوْ إنْ رَضِيَ زَيْدٌ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الشُّرُوعَ فِيهِ مُوجِبٌ أَيْضًا، فَإِذَا شَرَعَ فِيهِ بِالنِّيَّةِ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ الْفَاسِدِ لَمْ يَصِحَّ إيجَابُهُ فَافْهَمْ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَلْهَمَ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُمَا لَيْسَا مِمَّا يُحْلَفُ بِهِ) هَذَا صَحِيحٌ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ، أَمَّا الِاعْتِكَافُ فَيُحْلَفُ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا عَلِمْت أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ إلْحَاقُ الِاعْتِكَافِ بِالنَّذْرِ) أَيْ فِي صِحَّةِ تَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ، وَهَذَا التَّصْحِيحُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ النَّهْرِ وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى هِيَ الَّتِي عَلَيْهَا الْأَكْثَرُ فَهُوَ ضَعِيفٌ لِلرِّوَايَةِ الَّتِي مَشَى عَلَيْهَا أَصْحَابُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ، وَقَدْ عَلِمْت الْجَوَابَ الصَّوَابَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا إجَارَةٌ) فَيَكُونَانِ مُعَاوَضَةَ مَالٍ بِمَالٍ فَيَفْسُدَانِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا بِالشَّرْطِ، كَمَا لَوْ قَالَ زَارَعْتُكَ أَرْضِي أَوْ سَاقَيْتُك كَرْمِي عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي أَلْفًا أَوْ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَبِهِ يُعْلَمُ فَسَادُ مَا يَقَعُ فِي بِلَادِنَا مِنْ الْمُزَارَعَةِ بِشَرْطِ مُؤْنَةِ الْعَامِلِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ مِنْ الطَّعَامِ (قَوْلُهُ وَالْإِقْرَارُ) بِأَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا إنْ أَقْرَضْتنِي كَذَا أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُحْلَفُ بِهِ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ عَيْنِيٌّ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا فَقَالَ إنْ لَمْ آتِك بِهِ غَدًا فَهُوَ عَلَيَّ لَمْ يَلْزَمْهُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ غَدًا لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْإِقْرَارِ بِالْخَطَرِ. وَفِيهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ حَلَفَ أَوْ عَلَى أَنْ يَحْلِفَ فَحَلَفَ فُلَانٌ وَجَحَدَ الْمُقِرُّ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْإِقْرَارَ بِشَرْطٍ فِيهِ خَطَرٌ، وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ إقْرَارًا اهـ بَحْرٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَنْ يَحْلِفَ تَعْلِيقٌ لَا شَرْطٌ، لَكِنْ قَدْ يُطْلَقُ التَّعْلِيقُ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالشَّرْطِ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ ظَاهِرَ الْإِطْلَاقِ دُخُولُ الْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ مِثْلَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنَا مُقِرٌّ بِطَلَاقِهَا أَوْ بِعِتْقِهِ فَلَا يَقَعُ، بِخِلَافِ تَعْلِيقِ الْإِنْشَاءِ، وَيَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِنْشَاءِ بِهِ وَقَعَ أَوْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ لَمْ يَقَعْ. هَذَا. وَقَدْ حَكَى الزَّيْلَعِيُّ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ خِلَافًا فِي أَنَّ الْإِقْرَارَ الْمُعَلَّقَ بَاطِلٌ أَوْ لَا. وَنَقَلَ عَنْ الْمَبْسُوطِ مَا يَشْهَدُ لِصِحَّتِهِ فَظَاهِرُهُ تَصْحِيحُهُ وَالْحَقُّ تَضْعِيفُهُ لِتَصْرِيحِهِمْ هُنَا بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ اهـ مُلَخَّصًا. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ حَيْثُ اعْتَمَدَ عَلَى كَلَامِهِمْ هُنَا كَانَ عَلَيْهِ الْتِزَامُهُ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ وَالِاعْتِكَافِ. قُلْت: إنَّمَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ فِيهِمَا بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ مُخَالَفَتِهِ لِكَلَامِهِمْ، وَلَا يَلْزَمُ إطْرَادُهُ فِي بَاقِي الْمَسَائِلِ، نَعَمْ فِي كَوْنِ الْإِقْرَارِ مِمَّا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِبُطْلَانِهِ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِهِ هُنَا بُطْلَانُهُ لِمَا عَلِمْته مِمَّا مَرَّ مِرَارًا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْفُرُوعِ بَعْضُهُ مِمَّا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ وَبَعْضُهُ مِمَّا لَا يَبْطُلُ، فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْلٍ صَرِيحٍ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ اقْتَصَرَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى ذِكْرِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ فَلْيُرَاجَعْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 247 إلَّا إذَا عَلَّقَهُ بِمَجِيءِ الْغَدِ أَوْ بِمَوْتِهِ فَيَجُوزُ وَيَلْزَمُهُ لِلْحَالِ عَيْنِيٌّ (وَالْوَقْفُ وَ) وَالرَّابِعَ عَشَرَ (التَّحْكِيمُ) كَقَوْلِ الْمُحَكِّمَيْنِ إذَا أَهَلَّ الشَّهْرُ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا لِأَنَّهُ صُلْحٌ مَعْنًى، فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَلَا إضَافَتُهُ عِنْدَ الثَّانِي، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي قَضَاءِ الْخَانِيَّةِ وَبَقِيَ إبْطَالُ الْأَجَلِ. فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ   [رد المحتار] (قَوْلُهُ إلَّا إذَا عَلَّقَهُ بِمَجِيءِ الْغَدِ) كَقَوْلِهِ عَلَيَّ أَلْفٌ إذَا جَاءَ غَدٌ أَوْ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ أَفْطَرَ النَّاسُ، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَعْلِيقٍ بَلْ هُوَ دَعْوَى الْأَجَلِ إلَى الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ وَدَعْوَاهُ الْأَجَلَ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِحُجَّةٍ زَيْلَعِيٌّ مِنْ كِتَابِ الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ أَوْ بِمَوْتِهِ) مَثَّلَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ مِتّ فَهُوَ عَلَيْهِ مَاتَ أَوْ عَاشَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَعْلِيقٍ لِأَنَّ مَوْتَهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ بَلْ مُرَادُهُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ لِيَشْهَدُوا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ إذَا جَحَدَتْ الْوَرَثَةُ فَهُوَ تَأْكِيدٌ لِلْإِقْرَارِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْوَقْفُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُحْلَفُ بِهِ، فَلَوْ قَالَ إنْ قَدِمَ وَلَدِي فَدَارِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَجَاءَ وَلَدُهُ لَا تَصِيرُ وَقْفًا لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَكُونَ مُنَجَّزًا جَزَمَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْإِسْعَافِ حَيْثُ قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ أَوْ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ إذَا كَلَّمْت فُلَانًا أَوْ إذَا تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَأَرْضِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ يَكُونُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ وَالْوَقْفُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالْخَطَرِ. وَفِيهِ أَيْضًا: وَقَفَ أَرْضَهُ عَلَى أَنَّ لَهُ أَصْلَهَا أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَزُولَ مِلْكُهُ عَنْهَا أَوْ عَلَى أَنْ يَبِيعَ أَصْلَهَا وَيَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا كَانَ الْوَقْفُ بَاطِلًا، وَحُكِيَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ عَدَمَ صِحَّةِ تَعْلِيقِهِ رِوَايَةٌ، وَالظَّاهِرُ ضَعْفُهَا لِجَزْمِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ بِهَا نَهْرٌ، وَصَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ وَالظَّاهِرُ اعْتِمَادُهَا أَوْ ضَعْفُ مُقَابَلَتِهَا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ لِلْحِكَايَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَحُكِيَ تَأَمَّلْ، وَمُقْتَضَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الْإِسْعَافِ ثَانِيًا أَنَّ الْوَقْفَ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ وَأَنَّ الْمُفْتَى بِهِ جَوَازُ شَرْطِ اسْتِبْدَالِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ لَهُ هُنَا أَنَّهُ مِمَّا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، بَلْ ذُكِرَ فِي الْعَزْمِيَّةِ أَنَّ قَاضِيَ خَانْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الْإِسْعَافِ بِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ لَا يُبْطِلُ عَقْدَ التَّبَرُّعِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبُهُ نَقْضَ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ، فَإِنَّ اشْتِرَاطَ أَنْ تَبْقَى رَقَبَةُ الْأَرْضِ لَهُ أَوْ أَنْ لَا يَزُولَ مِلْكُهُ عَنْهَا أَوْ أَنْ يَبِيعَهَا بِلَا اسْتِبْدَالٍ نَقْضٌ لِلتَّبَرُّعِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ صُلْحٌ مَعْنًى) قَالَ فِي الدُّرَرِ فَإِنَّهُ تَوْلِيَةٌ صُورَةً وَصُلْحٌ مَعْنًى، إذْ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ بَيْنَهُمَا فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ صُلْحٌ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَلَا إضَافَتُهُ، وَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَوْلِيَةٌ يَصِحُّ فَلَا يَصِحُّ بِالشَّكِّ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ (قَوْلُهُ عِنْدَ الثَّانِي) وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ كَالْوَكَالَةِ وَالْإِمَارَةِ وَالْقَضَاءِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَمَا فِي قَضَاءِ الْخَانِيَّةِ) وَمِثْلُهُ فِي بُيُوعِ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ وَبَقِيَ إبْطَالُ الْأَجَلِ) بَقِيَ أَيْضًا تَعَلُّقُ الْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ غَيْرِ مُلَائِمٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْإِقَالَةُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا، وَيَأْتِي مِثَالُهُ، وَالْكِتَابَةُ بِشَرْطٍ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا، وَالْعَفْوُ عَنْ الْقَوَدِ وَالْإِعَارَةِ فَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَالَ لِلْقَاتِلِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ عَفَوْتُك عَنْ الْقَوَدِ لَا يَصِحُّ لِمَعْنَى التَّمْلِيكِ. قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ أَعَرْتُك تَبْطُلُ لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ، وَقِيلَ تَجُوزُ كَالْإِجَارَةِ، وَقِيلَ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ؛ وَلَوْ قَالَ أَعَرْتُك غَدًا تَصِحُّ الْعَارِيَّةُ اهـ. وَبَقِيَ أَيْضًا عَزْلُ الْقَاضِي فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ كَمَا يَأْتِي، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ أَنَّ مَا لَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ لَا يُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ (قَوْلُهُ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ) بِأَنْ قَالَ كُلَّمَا حَلَّ نَجْمٌ وَلَمْ تُؤَدِّ فَالْمَالُ حَالٌّ صَحَّ وَصَارَ حَالًّا هَكَذَا عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ. وَاعْتَرَضَهَا فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهَا سَهْوٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَبَقِيَ الْأَجَلُ فَكَيْفَ يَقُولُ صَحَّ. وَعِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ: وَإِبْطَالُ الْأَجَلِ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ؛ وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا حَلَّ نَجْمٌ إلَخْ فَجَعَلَهَا مَسْأَلَةً أُخْرَى وَهُوَ الصَّوَابُ اهـ. وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّ الْعِبَارَتَيْنِ مُشْكِلَتَانِ، وَأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْأَجَلَ يَبْطُلُ، وَأَنَّهُ إذَا عَلَّقَ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ كَعَدَمِ أَدَاءِ نَجْمٍ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ يَبْطُلُ بِهِ الْأَجَلُ فَيَصِيرُ الْمَالُ حَالًّا اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 وَكَذَا الْحَجْرُ عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ. (وَمَا) يَصِحُّ وَ (لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ) لِعَدَمِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ مَا عَدَّهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْعَيْنِيِّ وَزِدْت ثَمَانِيَةً (الْقَرْضَ وَالْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَالنِّكَاحَ   [رد المحتار] وَحَاصِلُهُ أَنَّ لَفْظَ إبْطَالٍ فِي عِبَارَتَيْ الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ زَائِدٌ وَأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِذِكْرِهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ أَصْلًا (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحَجْرُ) يُوهِمُ أَنَّهُ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي، نَعَمْ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَلَوْ قَالَ لِقِنِّهِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَةِ صَحَّ الْإِذْنُ؛ وَلَوْ قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ حَجَرْت عَلَيْك لَا يَصِحُّ، وَالْقَاضِي لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ قَدْ حَجَرْت عَلَيْك إذَا سَفِهْت لَمْ يَكُنْ حُكْمًا بِحَجْرِهِ، وَلَوْ قَالَ لِسَفِيهٍ قَدْ أَذِنْت لَك إذَا صَلَحْت جَازَ اهـ (قَوْلُهُ وَمَا يَصِحُّ وَلَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ) شُرُوعٌ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْأُولَى وَالْأَصْلُ فِيهَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأُصُولِيِّينَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ فِي بَحْثِ الْهَزْلِ مِنْ قِسْمِ الْعَوَارِضِ أَنَّ مَا يَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ لَا تُبْطِلُهُ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ، وَمَا لَا يَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ تُبْطِلُهُ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ اهـ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ الشَّارِحِ مَا يَصِحُّ أَيْ فِي نَفْسِهِ وَيَلْغُو الشَّرْطُ، وَإِنَّمَا زَادَهُ لِكَوْنِ نَفْيِ الْبُطْلَانِ لَا يَسْتَلْزِمُ الصِّحَّةَ لِصِدْقِهِ عَلَى الْفَسَادِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ) أَشَارَ إلَى مَا قَدَّمَهُ فِي الْأَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّ مَا لَيْسَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ لَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ أَيْ مَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُلَائِمُهُ، وَذَلِكَ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ فَيَكُونُ رِبًا وَالرِّبَا لَا يَكُونُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْغَيْرِ الْمَالِيَّةِ وَلَا فِي التَّبَرُّعَاتِ (قَوْلُهُ وَزِدْت ثَمَانِيَةً) هِيَ الْإِبْرَاءُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَالصُّلْحُ عَنْ جِنَايَةِ غَصْبٍ، الْوَدِيعَةٍ، وَعَارِيَّةٍ إذَا ضَمِنَهَا إلَخْ وَالنَّسَبُ وَالْحَجْرُ عَلَى الْمَأْذُونِ وَالْغَصْبُ وَأَمَانُ الْقِنِّ ط. قُلْت: وَقَدَّمْنَا أَنَّ كُلَّ مَا جَازَ تَعْلِيقُهُ لَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَسَيَأْتِي أَيْضًا (قَوْلُهُ الْقَرْضَ) كَ أَقْرَضْتُك هَذِهِ الْمِائَةَ بِشَرْطِ أَنْ تَخْدُمَنِي سَنَةً، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَتَعْلِيقُ الْقَرْضِ حَرَامٌ وَالشَّرْطُ لَا يَلْزَمُ. وَاَلَّذِي فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ كَفَالَةِ الْأَصْلِ وَالْقَرْضُ بِالشَّرْطِ حَرَامٌ اهـ نَهْرٌ أَيْ فَالْمُرَادُ بِالتَّعْلِيقِ الشَّرْطُ. وَفِي صَرْفِ الْبَزَّازِيَّةِ: أَقْرَضَهُ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ بِالْعِرَاقِ فَسَدَ اهـ أَيْ فَسَدَ الشَّرْطُ وَإِلَّا خَالَفَ مَا هُنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ) كَوَهَبْتُكَ هَذِهِ الْمِائَةَ أَوْ تَصَدَّقْت عَلَيْك بِهَا عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي سَنَةً نَهْرٌ، فَتَصِحُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ لِأَنَّهُ فَاسِدٌ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْهِبَةِ بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ كَوَهَبْتُكَ عَلَى أَنْ تُعَوِّضَنِي كَذَا، وَلَوْ مُخَالِفًا تَصِحُّ الْهِبَةُ لَا الشَّرْطُ اهـ. وَفِي حَاشِيَتِهِ لِلْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ. أَقُولُ يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَابُ وَاقِعَةِ الْفَتْوَى: وَهَبَ لِزَوْجَتِهِ بَقَرَةً عَلَى أَنَّهُ إنْ جَاءَهُ أَوْلَادٌ مِنْهَا تَهَبُ الْبَقَرَةَ لَهُمْ وَهُوَ صِحَّةُ الْهِبَةِ وَبُطْلَانُ الشَّرْطِ اهـ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ أَنَّ الْهِبَةَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَالنِّكَاحَ) كَتَزَوَّجْتُكِ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَك مَهْرٌ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ يَجُوزُ النِّكَاحُ وَلَا يَصِحُّ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ مَا عَلَّقَ النِّكَاحَ بِالشَّرْطِ بَلْ بَاشَرَ النِّكَاحَ وَشَرَطَ الْخِيَارَ اهـ وَلَيْسَ مِنْهُ إنْ أَجَازَ أَبِي أَوْ رَضِيَ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ وَالنِّكَاحُ لَا يَحْتَمِلُهُ فَلَا يَصِحُّ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَكَلَامُ النَّهْرِ هُنَا غَيْرُ مُحَرَّرٍ فَتَدَبَّرْ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ كَانَ الْأَبُ حَاضِرًا فَقَبِلَ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ. قَالَ فِي النَّهْرِ وَهُوَ مُشْكِلٌ. وَالْحَقُّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 249 وَالطَّلَاقَ وَالْخُلْعَ وَالْعِتْقَ وَالرَّهْنَ وَالْإِيصَاءَ) كَ جَعَلْتُك وَصِيًّا عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ بِنْتِي (وَالْوَصِيَّةُ وَالشَّرِكَةُ وَ) كَذَا (الْمُضَارَبَةُ وَالْقَضَاءُ وَالْإِمَارَةُ) كَوَلَّيْتُك بَلَدَ كَذَا مُؤَبَّدًا صَحَّ وَبَطَلَ الشَّرْطُ فَلَهُ عَزْلُهُ بِلَا جُنْحَةٍ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ عَزْلِهِ كَمُدَرِّسٍ أَبَّدَهُ السُّلْطَانُ أَنْ يَقُولَ رَجَعْت عَنْ التَّأْبِيدِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ   [رد المحتار] قُلْت: مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا عَنْ أَمَالِي أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ إنَّهُ اسْتِحْسَانٌ (قَوْلُهُ وَالطَّلَاقَ) كَطَلَّقْتُكِ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجِي غَيْرِي بَحْرٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا قَالَ إنْ لَمْ تَتَزَوَّجِي غَيْرِي فَكَذَلِكَ، وَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَالْخُلْعَ) كَخَالَعْتُكِ عَلَى أَنَّ لِي الْخِيَارَ مُدَّةً يَرَاهَا بَطَلَ الشَّرْطُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَوَجَبَ الْمَالُ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لَهَا فَصَحِيحٌ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا مَضَى بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَالْعِتْقَ) بِأَنْ قَالَ أَعْتَقْتُك عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ بَحْرٌ، وَقَدَّمْنَا آنِفًا لَوْ أَعْتَقَ أَمَةً عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ عَتَقَتْ تَزَوَّجَتْ أَوْ لَا (قَوْلُهُ وَالرَّهْنَ) بِأَنْ قَالَ رَهَنْتُك عَبْدِي بِشَرْطِ أَنْ أَسْتَخْدِمَهُ أَوْ عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ إنْ ضَاعَ ضَاعَ بِلَا شَيْءٍ أَوْ إنْ لَمْ أُوَفِّ مَتَاعَك لَك إلَى كَذَا فَالرَّهْنُ لَك بِمَالِك بَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّ الرَّهْنُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَجَعَلْتُكَ وَصِيًّا إلَخْ) هَذَا الْمِثَالُ أَحْسَنُ مِمَّا فِي الْبَحْرِ جَعَلْتُك وَصِيًّا عَلَى أَنْ يَكُونَ لَك مِائَةٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الشَّرْطِ الْفَاسِدِ الَّذِي لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَمَا هُنَا صَحِيحٌ نَهْرٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَهُوَ وَصِيٌّ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالْمِائَةُ لَهُ وَصِيَّةً اهـ. وَمَعْنَى بُطْلَانِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يَبْطُلُ جَعْلُهَا شَرْطًا لِلْإِيصَاءِ وَتَبْقَى وَصِيَّةً، إنْ قَبِلَهَا كَانَتْ لَهُ وَإِلَّا فَلَا اهـ أَيْ فَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ لَمْ يُفْسِدْ عَقْدَ الْإِيصَاءِ (قَوْلُهُ وَالْوَصِيَّةَ) كَأَوْصَيْتُ لَك بِثُلُثِ مَالِي إنْ أَجَازَ فُلَانٌ عَيْنِيٌّ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مِثَالُ تَعْلِيقِهَا بِالشَّرْطِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَتَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ جَائِزٌ لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ إثْبَاتُ الْخِلَافَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ اهـ وَمَعْنَى صِحَّةِ التَّعْلِيقِ أَنَّ الشَّرْطَ إنْ وُجِدَ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ الْمَالُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ بَحْرٌ ثُمَّ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِأُمِّ وَلَدِهِ إنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ فَقَبِلَتْ ذَلِكَ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِزَمَانٍ فَلَهَا الثُّلُثُ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ اهـ مَعَ أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يُوجَدْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالشَّرْطِ عَدَمَ تَزَوُّجِهَا عَقِبَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا عَدَمَهُ إلَى الْمَوْتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِزَمَانٍ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ تَزَوُّجِهَا عَقِبَ الِانْقِضَاءِ اهـ. قُلْت: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ بَعْدَ الْعِدَّةِ وَلَمْ تَتَزَوَّجْ فِيهَا تَحَقَّقَ الشَّرْطُ فَلَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِتَزَوُّجِهَا بَعْدَهُ، إذْ لَوْ كَانَ الشَّرْطُ عَدَمَ تَزَوُّجِهَا أَبَدًا لَزِمَ أَنْ لَا يُوجَدَ شَرْطُ الِاسْتِحْقَاقِ إلَّا بِمَوْتِهَا، وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا قَالَ طَلَّقْتُك إنْ لَمْ تَتَزَوَّجِي أَنَّهُ إذَا مَضَى بَعْدَ الْعِدَّةِ زَمَانٌ وَلَمْ تَتَزَوَّجْ يَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ بَعْدَهُ لَا قَبْلَهُ، فَالظَّاهِرُ بُطْلَانُ هَذَا الشَّرْطِ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ مُنَجَّزًا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ قَرِيبًا، وَمَرَّ تَحْقِيقُهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي أَوَّلِ بَابِ التَّعْلِيقِ (قَوْلُهُ وَالشَّرِكَةَ) فِيهِ أَنَّهَا تَفْسُدُ بِاشْتِرَاطِ مَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الِاشْتِرَاكِ فِي الرِّبْحِ كَاشْتِرَاطِ عَشَرَةٍ لِأَحَدِهِمَا. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: الشَّرِكَةُ تَبْطُلُ بِبَعْضِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ دُونَ بَعْضٍ، حَتَّى لَوْ شَرَطَ التَّفَاضُلَ فِي الْوَضِيعَةِ لَا تَبْطُلُ وَتَبْطُلُ بِاشْتِرَاطِ عَشَرَةٍ لِأَحَدِهِمَا. وَفِيهَا: لَوْ شَرَطَ صَاحِبُ الْأَلْفِ الْعَمَلَ عَلَى صَاحِبِ الْأَلْفَيْنِ وَالرِّبْحَ نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ الشَّرْطُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا اهـ. أَمَّا لَوْ لَمْ يَشْرِطْ الْعَمَلَ عَلَى أَفْضَلِهِمَا مَالًا بَلْ تَبَرَّعَ بِهِ. فَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ شَرْطَ الرِّبْحِ صَحِيحٌ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِ بِدَلِيلِ مَا فِي بُيُوعِ الذَّخِيرَةِ: اشْتَرَى حَطَبًا فِي قَرْيَةٍ وَقَالَ مَوْصُولًا بِالشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي الشِّرَاءِ: احْمِلْهُ إلَى مَنْزِلِي لَا يَفْسُدُ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمُضَارَبَةُ) كَمَا لَوْ شَرَطَ نَفَقَةَ السَّفَرِ عَلَى الْمُضَارِبِ بَطَلَ الشَّرْطُ وَجَازَتْ بَزَّازِيَّةٌ. وَفِيهَا: وَلَوْ شَرَطَ مِنْ الرِّبْحِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَسَدَتْ لَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ بَلْ لِقَطْعِ الشَّرِكَةِ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ أَرْضًا يَزْرَعُهَا سَنَةً أَوْ دَارًا لِلسُّكْنَى بَطَلَ الشَّرْطُ وَجَازَتْ، وَلَوْ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَى الْمُضَارِبِ لِرَبِّ الْمَالِ فَسَدَتْ لِأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ الرِّبْحِ عِوَضًا عَنْ عَمَلِهِ وَأَجَرَهُ الدَّارَ اهـ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهَا تَفْسُدُ بِبَعْضِ الشُّرُوطِ كَالشَّرِكَةِ (قَوْلُهُ كَ وَلَّيْتُك بَلْدَةَ كَذَا مُؤَبَّدًا) فَقَوْلُهُ مُؤَبَّدًا شَرْطٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ لَا تَقْتَضِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَنْعَزِلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250 وَاخْتَارَ فِي النَّهْرِ إطْلَاقَ الصِّحَّةِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرْتَشِيَ وَلَا يَشْرَبَ الْخَمْرَ وَلَا يَمْتَثِلَ قَوْلَ أَحَدٍ وَلَا يَسْمَعَ خُصُومَةَ زَيْدٍ صَحَّ التَّقْلِيدُ وَالشَّرْطُ (وَالْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ) إلَّا إذَا شُرِطَ فِي الْحَوَالَةِ الْإِعْطَاءُ مِنْ ثَمَنِ دَارِ الْمُحِيلِ فَتَفْسُدُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْوَفَاءِ بِالْمُلْتَزَمِ كَمَا عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ لِلْبَزَّازِيَّةِ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمُحْتَالِ وَعْدٌ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ فَلْيُحَرَّرْ (وَالْوَكَالَةُ   [رد المحتار] بِعَارِضِ جُنُونٍ أَوْ عَزْلٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَمِثْلُهُ وَلَّيْتُك عَلَى أَنْ لَا تُعْزَلَ أَبَدًا أَوْ عَلَى أَنْ لَا تَرْكَبَ كَمَا مَثَّلَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ فَهَذَا الشَّرْطُ فَاسِدٌ وَلَا تَبْطُلُ إمْرَتُهُ بِهَذَا (قَوْلُهُ وَاخْتَارَ فِي النَّهْرِ إطْلَاقَ الصِّحَّةِ) حَيْثُ قَالَ رَادًّا عَلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ. وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا سَلَفَ لَهُ فِيهِ وَلَا دَلِيلَ يَقْتَضِيهِ لِأَنَّهُ حَيْثُ صَحَّ الْعَزْلُ كَانَ إلْغَاءً لِلتَّأْبِيدِ سَوَاءٌ نَصَّ عَلَى الْغَايَةِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ صَحَّ التَّقْيِيدُ وَالشَّرْطُ) فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ انْعَزَلَ، وَلَا يَبْطُلُ قَضَاؤُهُ فِيمَا مَضَى: وَلَا يَنْفُذُ قَضَاءُ الْقَاضِي فِي خُصُومَةِ زَيْدٍ، وَيَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يَفْصِلَ قَضِيَّتَهُ إنْ اعْتَرَاهُ قَضِيَّةٌ بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِيهِ عَنْهَا أَيْضًا: لَوْ شَرَطَ فِي التَّقْلِيدِ أَنَّهُ مَتَى فَسَقَ يَنْعَزِلُ انْعَزَلَ اهـ. قُلْت: وَإِنَّمَا صَحَّ الشَّرْطُ لِكَوْنِهِ شَرْطًا صَحِيحًا، وَالْقَاضِي وَكِيلٌ عَنْ السُّلْطَانِ فَيَتَقَيَّدُ قَضَاؤُهُ بِمَا قَيَّدَهُ بِهِ حَتَّى يَتَقَيَّدَ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالشَّخْصِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا إذَا نَهَاهُ عَنْ سَمَاعِ دَعْوَى مَضَى عَلَيْهَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً كَمَا سَيَأْتِي فِي الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَالْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ) بِأَنْ قَالَ كَفَلْت غَرِيمَك عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي كَذَا وَأَحَلْتُك عَلَى فُلَانٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَرْجِعَ عَلَيَّ عِنْدَ التَّوَى نَهْرٌ، يَعْنِي فَتَصِحُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ قَالَ كَفَلْت بِهِ عَلَى أَنِّي مَتَى أَوْ كُلَّمَا طُولِبْت بِهِ فَلِي أَجَلُ شَهْرٍ فَإِذَا طَالَبَهُ بِهِ فَلَهُ أَجَلُ شَهْرٍ مِنْ وَقْتِ الْمُطَالَبَةِ الْأُولَى فَإِذَا تَمَّ الشَّهْرُ مِنْ وَقْتِ الْمُطَالَبَةِ الْأُولَى لَزِمَ التَّسْلِيمُ وَلَا يَكُونُ لِلْمُطَالَبَةِ الثَّانِيَةِ تَأْجِيلٌ اهـ. وَفِيهِ أَنَّ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ مَقْدِسِيٌّ، وَلَعَلَّهُ أَلْغَى التَّكْرَارَ هُنَا لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ إبْطَالِ مُوجِبِ الْكَفَالَةِ، وَحَيْثُ أَمْكَنَ الْإِعْمَالُ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْإِبْطَالِ تَأَمَّلْ، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَوَائِلَ الْكَفَالَةِ، وَيَأْتِي تَوْضِيحُهَا هُنَاكَ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا: كَفَلَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ يَصِحُّ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّوَسُّعِ اهـ فَفِي هَذَا وَفِيمَا قَبْلَهُ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَالشَّرْطُ لِأَنَّهُ شَرْطُ تَأْجِيلٍ أَوْ خِيَارٍ وَكِلَاهُمَا شَرْطٌ صَحِيحٌ، وَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِهَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ غَيْرِ مُلَائِمٍ وَيَأْتِي هُنَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَيْضًا (قَوْلُهُ إلَّا إذَا شَرَطَ إلَخْ) أَيْ شَرَطَ الْمُحَالُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ الْمَالَ الْمُحَالَ بِهِ مِنْ ثَمَنِ دَارِ الْمُحِيلِ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: بِخِلَافِ مَا إذَا الْتَزَمَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْإِعْطَاءَ مِنْ ثَمَنِ دَارِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى بَيْعِ دَارِ نَفْسِهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ دَارِهِ، كَمَا إذَا كَانَ قَبُولُهَا بِشَرْطِ الْإِعْطَاءِ عِنْدَ الْحَصَادِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْأَدَاءِ قَبْلَ الْأَجَلِ اهـ وَظَاهِرُهُ صِحَّةُ التَّأْجِيلِ إلَى الْحَصَادِ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ جَهَالَةً يَسِيرَةً، بِخِلَافِ هُبُوبِ الرِّيحِ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهَا (قَوْلُهُ مِنْ الْمُحْتَالِ) صَوَابُهُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَلْيُحَرَّرْ) أَشَارَ إلَى مَا فِي هَذَا الْجَوَابِ، فَإِنَّ كَوْنَهُ وَعْدًا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ شَرْطًا مَعَ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ، إذْ لَوْ كَانَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاطِ لَمْ يَفْسُدْ الْعَقْدُ كَمَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالشَّرِكَةُ، وَأَيْضًا لَا يَظْهَرُ بِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَيَظْهَرُ لِي الْجَوَابُ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ قَدْ تَكُونُ مُقَيَّدَةً كَمَا لَوْ أَحَالَ غَرِيمُهُ بِأَلْفٍ الْوَدِيعَةَ عَلَى الْمُودَعِ تَقَيَّدَتْ بِهَا حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ الْأَلْفُ بَرِئَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِهَا، وَهُنَا لَمَّا شَرَطَ الدَّفْعَ مِنْ ثَمَنِ دَارِ الْمُحِيلِ صَارَتْ مُقَيَّدَةً بِهِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْوَفَاءِ بِذَلِكَ فَسَدَتْ الْحَوَالَةُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ الْمُحَالُ بِهَا، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْبَيْعُ مَشْرُوطًا فِي الْحَوَالَةِ صَحَّتْ وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ كَمَا فِي آخِرِ حَوَالَةِ الْبَزَّازِيَّةِ. أَمَّا لَوْ شَرَطَ الدَّفْعَ مِنْ ثَمَنِ دَارِهِ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى بَيْعِ دَارِهِ وَلَكِنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ، وَلَوْ بَاعَ يُجْبَرُ عَلَى الْأَدَاءِ لِتَحَقُّقِ الْوُجُوبِ كَمَا فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ وَالْوَكَالَةُ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 251 وَالْإِقَالَةُ وَالْكِتَابَةُ) إلَّا إذَا كَانَ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ أَيْ نَفْسِ الْبَدَلِ كَكِتَابَتِهِ عَلَى خَمْرٍ فَتَفْسُدُ بِهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُهُمْ كَمَا حَرَّرَهُ خُسْرو (وَإِذْنُ الْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ، وَدَعْوَةُ الْوَلَدِ) كَهَذَا الْوَلَدُ مِنِّي إنْ رَضِيَتْ امْرَأَتِي (وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ) وَكَذَا الْإِبْرَاءُ عَنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ اكْتِفَاءً بِالصُّلْحِ دُرَرٌ (وَ) عَنْ (الْجِرَاحَةِ) الَّتِي فِيهَا الْقَوَدُ وَإِلَّا كَانَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَعَنْ جِنَايَةِ غَصْبٍ الْوَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ إذْ ضَمِنَهَا رَجُلٌ وَشَرَطَ فِيهَا حَوَالَةً أَوْ كَفَالَةً دُرَرٌ،   [رد المحتار] كَوَكَّلْتُكَ عَلَى أَنْ تُبْرِئَنِي مِمَّا لَك عَلَيَّ نَهْرٌ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: الْوَكَالَةُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ أَيِّ شَرْطٍ كَانَ، وَفِيهَا تَعْلِيقُ الْوَكَالَةِ بِالشَّرْطِ جَائِزٌ وَتَعْلِيقُ الْعَزْلِ بِهِ بَاطِلٌ، وَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْتِ وَكِيلِي صَحَّ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ التَّوْكِيلِ بِالْعَزْلِ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا وَكَّلْتُك فَأَنْتِ مَعْزُولٌ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْعَزْلِ بِالشَّرْطِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَالْإِقَالَةُ) حَتَّى لَوْ تَقَايَلَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ صَحَّتْ وَلَغَا الشَّرْطُ، وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِهَا نَهْرٌ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِهَا أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ بِالشَّرْطِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ تَعْلِيقُهَا بِهِ. وَصُورَةُ التَّعْلِيقِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مَا لَوْ بَاعَ ثَوْرًا مِنْ زَيْدٍ فَقَالَ اشْتَرَيْته رَخِيصًا فَقَالَ زَيْدٌ إنْ وَجَدْت مُشْتَرِيًا بِالزِّيَادَةِ فَبِعْهُ مِنْهُ فَوَجَدَ فَبَاعَ بِأَزْيَدَ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ الثَّانِي لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْإِقَالَةِ لَا الْوَكَالَةِ بِالشَّرْطِ (قَوْلُهُ وَالْكِتَابَةُ) بِأَنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُعَامِلَ فُلَانًا أَوْ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ فَتَصِحُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ لِأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ) صُلْبُ الشَّيْءِ: مَا يَقُومُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَقِيَامُ الْبَيْعِ بِأَحَدِ الْعِوَضَيْنِ، فَكُلُّ فَسَادٍ يَكُونُ فِي أَحَدِهِمَا يَكُونُ فَسَادًا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى كَوْنِ الْفَسَادِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ ط (قَوْلُهُ يُحْمَلُ إطْلَاقُهُمْ) أَيْ إطْلَاقُ مَنْ قَالَ إنَّهَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَالْعِمَادِيِّ والأسروشني فَإِنَّهُمَا قَالَا: وَتَعْلِيقُ الْكِتَابَةِ بِالشَّرْطِ لَا يَجُوزُ وَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُمَا ثَانِيًا الْكِتَابَةُ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ وَغَيْرِ مُتَعَارَفٍ تَصِحُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ عَلَى كَوْنِ الشَّرْطِ زَائِدًا لَيْسَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ صَاحِبِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَلَيْهِمَا، هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الدُّرَرِ. وَأَمَّا مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: كَاتَبَهَا وَهِيَ حَامِلٌ عَلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ وَلَدُهَا فِي الْكِتَابَةِ فَسَدَتْ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ اهـ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا كَانَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ حَمْلِهَا وَهُوَ جَزْءٌ مِنْهَا شَرْطٌ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، كَمَا لَوْ بَاعَ أَمَةً إلَّا حَمْلَهَا لِأَنَّهَا أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِذْنُ الْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ) كَأَذِنْتُ لَك فِي التِّجَارَةِ عَلَى أَنْ تَتَّجِرَ إلَى شَهْرٍ أَوْ عَلَى أَنْ تَتَّجِرَ فِي كَذَا فَيَكُونُ عَامًّا فِي التِّجَارَةِ وَالْأَوْقَاتِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَهَذَا الْوَلَدِ مِنِّي إنْ رَضِيَتْ امْرَأَتِي) تَابَعَ الْبَحْرَ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ فِي الْبَحْرِ اعْتَرَضَ عَلَى الْعَيْنِيِّ مِرَارًا بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الشَّرْطِ الْفَاسِدِ لَا فِي التَّعْلِيقِ، فَالْأَوْلَى قَوْلُ النَّهْرِ بِشَرْطِ رِضَا زَوْجَتِي. وَقَالَ فِي الْعَزْمِيَّةِ: وَصَوَّرَ ذَلِكَ فِي إيضَاحِ الْكَرْمَانِيِّ بِأَنْ ادَّعَى نَسَبَ التَّوْأَمَيْنِ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَكُونَ نِسْبَةُ الْآخَرِ مِنْهُ، أَوْ ادَّعَى نَسَبَ وَلَدٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرِثَ مِنْهُ يَثْبُتُ نَسَبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ التَّوْأَمَيْنِ وَيَرِثُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ لِأَنَّهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ، فَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدِهِمَا ثُبُوتُ الْآخِرِ لِمَا عُرِفَ، وَشَرْطُ أَنْ لَا يَرِثَ شَرْطٌ فَاسِدٌ لِمُخَالَفَةِ الشَّرْعِ وَالنَّسَبِ وَلَا يَفْسُدُ بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ) بِأَنْ صَالَحَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ عَمْدًا الْقَاتِلَ عَلَى شَيْءٍ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ أَوْ يَهْدِيَ إلَيْهِ شَيْئًا فَالصُّلْحُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ فَاسِدٌ، وَيَسْقُطُ الدَّمُ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ فَلَا يَحْتَمِلُ الشَّرْطَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ اكْتِفَاءً بِالصُّلْحِ) إذَا لَيْسَ بَيْنَهُمَا كَثِيرُ فَرْقٍ، فَإِنَّ الْوَلِيَّ إذَا قَالَ لِلْقَاتِلِ عَمْدًا أَبْرَأْت ذِمَّتَك عَلَى أَنْ لَا تُقِيمَ فِي هَذَا الْبَلَدِ مَثَلًا أَوْ صَالَحَ مَعَهُ عَلَيْهِ صَحَّ الْإِبْرَاءُ وَالصُّلْحُ، وَلَا يُعْتَبَرُ الشَّرْطُ دُرَرٌ (قَوْلُهُ الَّتِي فِيهَا الْقَوَدُ) فِي الْمِصْبَاحِ: الْقَوَدُ الْقِصَاصُ وَبِهِ عَبَّرَ فِي الدُّرَرِ، فَلَا فَرْقَ فِي التَّعْبِيرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ الْقَتْلِ الْخَطَأِ أَوْ الْجِرَاحَةِ الَّتِي فِيهَا الْأَرْشُ كَانَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ دُرَرٌ: أَيْ لِأَنَّ مُوجِبَ ذَلِكَ الْمَالُ فَكَانَ مُبَادَلَةً لَا إسْقَاطًا (قَوْلُهُ وَعَنْ جِنَايَةِ غَصْبٍ) أَيْ مَغْصُوبٍ، وَقَوْلُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 252 وَالنَّسَبُ، وَالْحَجْرُ عَلَى الْمَأْذُونِ نَهْرٌ، وَالْغَصْبُ وَأَمَانُ مُقَنٍّ أَشْبَاهٌ (وَعَقْدُ الذِّمَّةِ وَتَعْلِيقُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَ) تَعْلِيقُهُ (بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَعَزْلُ الْقَاضِي)   [رد المحتار] إذَا ضَمِنَهَا: أَيْ مُوجِبَاتِ الصُّلْحِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ دُرَرٌ، وَلَعَلَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ لَوْ أَتْلَفَ مَا غَصَبَهُ أَوْ أَتْلَفَ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً عِنْدَهُ وَأَرَادَ الْمَالِكُ أَنْ يُضَمِّنَهُ ذَلِكَ فَصَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ وَضَمِنَ رَجُلٌ مُوجِبَ الصُّلْحِ بِشَرْطِ أَنْ يُحِيلَهُ بِهِ عَلَى آخَرَ أَوْ يَكْفُلَ بِهِ آخَرَ صَحَّ الضَّمَانُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الضَّمَانَ كَفَالَةٌ، وَقَدْ مَرَّتْ مَسْأَلَةُ الْكَفَالَةِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ أَوْضَحَ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَالنَّسَبُ) تَقَدَّمَ تَصْوِيرُهُ فِي مَسْأَلَةِ دَعْوَى الْوَلَدِ (قَوْلُهُ وَالْحَجْرُ عَلَى الْمَأْذُونِ) فَلَا يَبْطُلُ بِهِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ، وَمِثْلُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَلَا يُنَافِي مَا قَدَّمَهُ عَنْ الْأَشْبَاهِ لِأَنَّ ذَاكَ فِي بُطْلَانِ تَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَالْغَصْبُ) كَذَا ذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِ مَعَ ذِكْرِهِمْ مَسْأَلَةَ جِنَايَةِ الْغَصْبِ الْمَارَّةِ، وَفِيهِ أَنَّ الْغَصْبَ فِعْلٌ لَا يُقَيَّدُ بِشَرْطٍ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ ضَمَانَ الْغَصْبِ بِشَرْطٍ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْكَفَالَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَأَمَانُ الْقِنِّ) أَقُولُ: فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ تَعْلِيقُ الْأَمَانِ: بِالشَّرْطِ جَائِزٌ بِدَلِيلِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَمَّنَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَّقَ أَمَانَهُمْ بِكِتْمَانِهِمْ شَيْئًا وَأَبْطَلَ أَمَانَ آلِ أَبِي الْجَعْدِ بِكِتْمَانِهِمْ الْحُلِيِّ» اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْقِنَّ لَيْسَ قَيْدًا حَمَوِيٌّ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ إضَافَةُ الْأَمَانِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ أَوْ إلَى مَفْعُولِهِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَأَمَانُ النَّفْسِ (قَوْلُهُ وَعَقْدُ الذِّمَّةِ) فَإِنَّ الْإِمَامَ إذَا فَتَحَ بَلْدَةً وَأَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَى أَمْلَاكِهِمْ وَشَرَطُوا مَعَهُ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ أَنْ لَا يُعْطُوا الْجِزْيَةَ بِطَرِيقِ الْإِهَانَةِ كَمَا هُوَ الْمَشْرُوعُ، فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَالشَّرْطُ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَتَعْلِيقُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَبِخِيَارِ الشَّرْطِ) هَكَذَا عَبَّرَ فِي الْكَنْزِ، وَعَبَّرَ فِي النِّهَايَةِ بِقَوْلِهِ وَتَعْلِيقُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِالشَّرْطِ وَتَعْلِيقُ الرَّدِّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ بِالشَّرْطِ، وَمِثْلُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِ، فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ بِالْعَيْبِ مُتَعَلِّقٌ بِالرَّدِّ لَا يَتَعَلَّقُ، وَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الرَّدَّ بِخِيَارِ عَيْبٍ أَوْ شَرْطٍ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَصِحُّ وَلَا يَفْسُدُ تَقْيِيدُهُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ لَا فِيمَا صَحَّ تَعْلِيقُهُ. فَكَانَ الْمُنَاسِبُ حَذْفَ لَفْظَةِ تَعْلِيقٍ كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ الدُّرَرِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْلِيقِ التَّقْيِيدُ أَوْ أَنَّ كُلَّ مَا صَحَّ تَعْلِيقُهُ صَحَّ تَقْيِيدُهُ كَمَا مَرَّ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ تَعْلِيقَ الرَّدِّ بِأَحَدِ الْخِيَارَيْنِ بِالشَّرْطِ يَصِحُّ تَقْيِيدُهُ بِالشَّرْطِ إذَا لَا يَظْهَرُ تَصْوِيرُ تَقْيِيدِ التَّعْلِيقِ. ثُمَّ إنَّهُ مَثَّلَ لِلْأَوَّلِ فِي الْبَحْرِ بِمَا إذَا قَالَ إنْ وَجَدْت بِالْمَبِيعِ عَيْبًا أَرُدُّهُ عَلَيْك إنْ شَاءَ فُلَانٌ وَلِلثَّانِي بِمَا إذَا قَالَ مَنْ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ رَدَدْت الْبَيْعَ أَوْ أَسْقَطْت خِيَارِي إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ اهـ تَأَمَّلْ وَفِي الْبَحْرِ مِنْ بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ مَا نَصُّهُ: فَإِنْ قُلْت: هَلْ يَصِحُّ تَعْلِيقُ إبْطَالِهِ وَإِضَافَتِهِ؟ قُلْت: قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا الْيَوْمَ فَقَدْ أَبْطَلْت خِيَارِي كَانَ بَاطِلًا وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ إنْ لَمْ أَرُدَّهُ الْيَوْمَ فَقَدْ أَبْطَلْت خِيَارِي وَلَمْ يَرُدَّهُ الْيَوْمَ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَلَكِنَّهُ قَالَ أَبْطَلْت غَدًا أَوْ قَالَ أَبْطَلْت خِيَارِي إذَا جَاءَ غَدٌ فَجَاءَ غَدٌ ذَكَرَ فِي الْمُلْتَقَى أَنَّهُ يَبْطُلُ خِيَارُهُ. قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا كَالْأَوَّلِ لِأَنَّ هَذَا وَقْتٌ يَجِيءُ لَا مَحَالَةَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ: فَقَدْ سَوَّوْا بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَالْإِضَافَةِ فِي الْمُحَقَّقِ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يُسَوُّوا بَيْنَهُمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَقَالَ إنْ لَمْ أَفْسَخْ الْيَوْمَ فَقَدْ رَضِيت أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَقَدْ رَضِيت لَا يَصِحُّ اهـ أَيْ بَلْ يَبْقَى خِيَارُهُ (قَوْلُهُ وَعَزْلُ الْقَاضِي) فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ قَالَ الْأَمِيرُ لِرَجُلٍ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ قَاضِي بَلْدَةِ كَذَا أَوْ أَمِيرُهَا يَجُوزُ، وَلَوْ قَالَ إذَا أَتَاك كِتَابِي هَذَا فَأَنْتَ مَعْزُولٌ يَنْعَزِلُ بِوُصُولِهِ وَقِيلَ لَا اهـ. وَذَكَرَ فِي الدُّرَرِ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ وَالْأُسْرُوشَنِيَّةِ أَنَّ الثَّانِيَ بِهِ يُفْتَى. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ عِبَارَةَ الْعِمَادِيَّةِ وَالْأُسْرُوشَنِيَّةِ قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ وَنَحْنُ لَا نُفْتِي بِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ وَهُوَ فَتْوَى الْأُوزَجَنْدِيِّ اهـ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 253 كَ عَزَلْتُك إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَيَنْعَزِلُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ، لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا كُلَّهَا لَيْسَتْ بِمُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ، فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ. وَبَقِيَ مَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا كَطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ، وَبِالِالْتِزَامَاتِ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا كَحَجٍّ وَصَلَاةٍ وَالتَّوْلِيَاتِ كَقَضَاءٍ وَإِمَارَةٍ عَيْنِيٌّ وَزَيْلَعِيٌّ. زَادَ فِي النَّهْرِ: الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ وَتَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ وَالْإِسْلَامَ، وَحَرَّرَ الْمُصَنِّفُ دُخُولَ الْإِسْلَامِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِقْرَارِ،   [رد المحتار] وَظَاهِرُ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ وَلِذَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ كَعَزَلْتُكَ إنْ شَاءَ فُلَانٌ) كَذَا مَثَّلَ فِي الْبَحْرِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ. قُلْت: وَالْعَجَبُ أَنَّهُ فِي الْبَحْرِ اعْتَرَضَ عَلَى الْعَيْنِيِّ مِرَارًا بِمِثْلِ هَذَا. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْطُلْ بِالتَّعْلِيقِ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ بِالْأَوْلَى كَعَزَلْتُكَ عَلَى أَنْ أُوَلِّيَك فِي بَلْدَةِ كَذَا (قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ فِي قَوْلِهِ لِعَدَمِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ (قَوْلُهُ وَبَقِيَ مَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ) هَذِهِ الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ الثَّالِثَةِ، لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ مَا جَازَ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لَا تُبْطِلُهُ الشُّرُوطُ كَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَحَوَالَةٍ وَكَفَالَةٍ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا) لَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا لَدَخَلَ الْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ وَتَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ لِكَوْنِهَا إسْقَاطًا، وَلَكِنْ لَا يُحْلَفُ بِهِمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا الْإِبْرَاءُ عَنْ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِمُلَائِمٍ كَمَا مَرَّ فِي الْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ وَالتَّوَلِّيَاتِ) فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالْمُلَائِمِ فَقَطْ، وَكَذَا فِي إطْلَاقَاتٍ وَتَحْرِيضَاتٍ كَمَا مَرَّ فِي الْأَصْلِ الثَّانِي (قَوْلُهُ وَتَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ) أَيْ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَمَا عَلِمْت فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ. هَذَا وَفِي شُفْعَةِ الْهِدَايَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِذَا صَالَحَ مَنْ شُفْعَتُهُ عَلَى عِوَضٍ بَطَلَتْ وَرُدَّ الْعِوَضُ، لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ لَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ فَبِالْفَاسِدِ أَوْلَى. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْعِنَايَةِ بِمَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَوْ قَالَ سَلَّمْت الشُّفْعَةَ فِي هَذِهِ الدَّارِ إنْ كُنْت اشْتَرَيْتهَا لِنَفْسِك وَقَدْ اشْتَرَاهَا لِغَيْرِهِ فَهَذَا لَيْسَ بِتَسْلِيمٍ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ وَصَحَّ، لِأَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَالطَّلَاقِ فَصَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ اهـ. قَالَ الطُّورِيُّ فِي تَكْمِلَةِ الْبَحْرِ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بِحَمْلِ مَا فِي الْهِدَايَةِ عَلَى الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَالرِّضَا بِالْمُجَاوَرَةِ مُطْلَقًا وَالثَّانِي عَلَى خِلَافِهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ شَرْطٍ وَشَرْطٍ اهـ. [تَنْبِيهٌ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي التَّسْلِيمِ بَعْدَ وُجُوبِهَا. وَبَقِيَ مَا لَوْ قَالَ الشَّفِيعُ قَبْلَ الْبَيْعِ إنْ اشْتَرَيْت فَقَدْ سَلَّمْتهَا هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟ بَحَثَ فِيهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِقَوْلِهِ لَا شُبْهَةَ فِي أَنَّهُ تَعْلِيقُ الْإِسْقَاطِ قَبْلَ الْوُجُوبِ بِوُجُودِ سَبَبِهِ، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ الْمَحْضِ يَجُوزُ فِيمَا كَانَ مِنْ بَابِ الْإِسْقَاطِ الْمَحْضِ، وَقَوْلِهِمْ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِهِ وَقَوْلِهِمْ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّنْجِيزَ لَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ إلَّا إذَا عَلَّقَهُ بِالْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ صَحَّ التَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ، وَقَدْ عَلَّقَهُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ فَكَأَنَّهُ نَجَّزَهُ عِنْدَ وُجُودِهِ، لَكِنْ أَوْرَدَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ إشْكَالًا عَلَى كَوْنِ تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ إسْقَاطًا مَحْضًا، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي بَابِ الصُّلْحِ عَنْ الْجِنَايَاتِ مِنْ أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ إسْقَاطِهِ بِالشَّرْطِ، وَلَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ إلَى الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ إسْقَاطًا مَحْضًا، وَهَذَا لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ قَالَ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ لَيْسَ بِإِسْقَاطٍ مَحْضٍ وَإِلَّا لَصَحَّ مَعَ الْإِكْرَاهِ كَسَائِرِ الْإِسْقَاطَاتِ اهـ، قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَعَلَيْهِ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ قَبْلَ الشِّرَاءِ كَالتَّنْجِيزِ قَبْلَهُ وَالْمَسْأَلَةُ تَقَعُ كَثِيرًا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ اهـ. (قَوْلُهُ وَحَرَّرَ الْمُصَنِّفُ دُخُولَ الْإِسْلَامِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ) أَيْ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَذَلِكَ حَيْثُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ الْإِسْلَامَ لَا بُدَّ فِيهِ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ مِنْ التَّبَرِّي كَمَا عَلِمْت تَفَاصِيلَهُ فِي الْكُتُبِ الْمَبْسُوطَةِ. وَيُؤْخَذُ عَدَمُ صِحَّةِ تَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ مِنْ قَوْلِهِمْ بَعْدَ صِحَّةِ تَعْلِيقِ الْإِقْرَارِ بِالشَّرْطِ. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْإِسْلَامَ تَصْدِيقٌ بِالْجِنَانِ وَإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْكَافِرَ الَّذِي يُعَلِّقُ إسْلَامَهُ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ غَالِبًا يَكُونُ شَيْئًا لَا يُرِيدُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 254 وَدُخُولَ الْكُفْرِ هُنَا لِأَنَّهُ تَرْكٌ. وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ هِبَةٍ وَحَوَالَةٍ وَكَفَالَةٍ وَإِبْرَاءٍ عَنْهَا بِمُلَائِمٍ (وَمَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى) الزَّمَانِ (الْمُسْتَقْبَلِ   [رد المحتار] كَوْنَهُ فَلَا يَقْصِدُ تَحْصِيلَ مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ. وَقَدْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْإِسْلَامَ عَمَلٌ، بِخِلَافِ الْكُفْرِ فَإِنَّهُ تَرْكٌ، وَنَظِيرُهُ الْإِقَامَةُ وَالصِّيَامُ، فَلَا يَصِيرُ الْمُقِيمُ مُسَافِرًا، وَلَا الصَّائِمُ مُفْطِرًا، وَلَا الْكَافِرُ مُسْلِمًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ، وَيَصِيرُ مُقِيمًا وَصَائِمًا وَكَافِرًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ تَرْكٌ، فَإِذَا عَلَّقَهُ الْمُسْلِمُ عَلَى فِعْلٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي فِعْلِهِ فَيَكُونُ قَاصِدًا لِلْكُفْرِ فَيَكْفُرُ بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ اهـ (قَوْلُهُ وَدُخُولُ الْكُفْرِ هُنَا) أَيْ فِيمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ. وَفِيهِ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ كَمَا سَمِعْته آنِفًا لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِدُخُولِ الْكُفْرِ فِي هَذَا الْقِسْمِ بَلْ فِيهِ مَا يُنَافِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ يَصِيرُ كَافِرًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ تَرْكٌ: أَيْ تَرَكَ الْعَمَلَ وَالتَّصْدِيقَ فَيَتَحَقَّقُ فِي الْحَالِ قَبْلَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَلَوْ صَحَّ تَعْلِيقُهُ لَمَا وُجِدَ فِي الْحَالِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ هِبَةً) فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْبُيُوعِ تَعْلِيقُ الْهِبَةِ بِ " أَنْ " بَاطِلٌ، وَبِ " عَلَى ": إنْ مُلَائِمًا كَهِبَتِهِ عَلَى أَنْ يُعَوِّضَهُ يَجُوزُ؛ وَإِنْ مُخَالِفًا بَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّتْ الْهِبَةُ اهـ بَحْرٌ. وَهَذَا مُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي صِحَّةِ التَّعْلِيقِ بِأَدَاةِ الشَّرْطِ لَا فِي التَّقْيِيدِ بِالشَّرْطِ، لِأَنَّ هَذَا تَقَدَّمَ فِي الْمَتْنِ حَيْثُ ذَكَرَ الْهِبَةَ فِيمَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ فَافْهَمْ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَنْ الْمَنَاقِبِ عَنْ النَّاصِحِيِّ: لَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت جَارِيَةً فَقَدْ مَلَكْتهَا مِنْك يَصِحُّ، وَمَعْنَاهُ إذَا قَبَضَهُ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ اهـ أَيْ إذَا قَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَوْهُوبَ بِنَاءً عَلَى التَّمْلِيكِ يَصِحُّ مَعَ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِإِنْ، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعَ إطْلَاقِ بُطْلَانِهِ، وَلَعَلَّهُ قَوْلٌ آخَرُ يَجْعَلُ التَّعْلِيقَ بِالْمُلَائِمِ صَحِيحًا كَالتَّقْيِيدِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَحَوَالَةٍ وَكَفَالَةٍ) فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْبُيُوعِ، وَتَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ إنْ مُتَعَارَفًا كَقُدُومِ الْمَطْلُوبِ يَصِحُّ، وَإِنْ شَرْطًا مَحْضًا كَإِنْ دَخَلَ الدَّارَ أَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ لَا وَالْكَفَالَةُ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَنَصَّ النَّسَفِيُّ أَنَّ الشَّرْطَ إنْ لَمْ يَتَعَارَفْ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَالْحَوَالَةُ كَهِيَ اهـ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَإِبْرَاءٍ عَنْهَا) كَإِنْ وَافَيْت بِهِ غَدًا فَأَنْتَ بَرِيءٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ بِمُلَائِمِ) قَيْدٌ لِلْأَرْبَعَةِ. [تَتِمَّةٌ] بَقِيَ مِمَّا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ دَعْوَةُ الْوَلَدِ كَإِنْ كَانَتْ جَارِيَتِي حَامِلًا فَمِنِّي وَكَذَا الْوَصِيَّةُ وَالْإِيصَاءُ وَالْوَكَالَةُ وَالْعَزْلُ عَنْ الْقَضَاءِ فَهَذِهِ نَصَّ فِي الْبَحْرِ عَلَيْهَا فِي أَثْنَاءِ شَرْحِهَا وَنَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ إذَا عُلِّقَ بِكَائِنٍ أَوْ بِمُتَعَارَفٍ كَمَا مَرَّ وَذَكَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِمَّا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ إذْنَ الْقِنِّ وَكَذَا النِّكَاحُ بِشَرْطِ عِلْمٍ لِلْحَالِ وَكَذَا تَعْلِيقُ الْإِمْهَالِ أَيْ تَأْجِيلُ الدَّيْنِ غَيْرِ الْقَرْضِ إنْ عُلِّقَ بِكَائِنٍ وَلَوْ قَالَ بِعْته بِكَذَا إنْ رَضِيَ فُلَانٌ جَازَ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ جَمِيعًا وَلَوْ قَالَ بِعْته مِنْك إنْ شِئْت فَقَالَ قَبِلْت تَمَّ الْبَيْعُ وَقَدَّمْنَا تَقْيِيدَ مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ بِمَا إذَا وَقَّتَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَذَكَرَ خِلَافًا فِي صِحَّةِ تَعْلِيقِ الْقَبُولِ. [مَطْلَبٌ مَا يَصِحُّ إضَافَتُهُ وَمَا لَا تَصِحُّ] (قَوْلُهُ وَمَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَخْ) شُرُوعٌ فِيمَا يُضَافُ وَمَا لَا يُضَافُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى التَّعْلِيقِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ لِذَلِكَ ضَابِطًا، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَالْإِضَافَةِ: هُوَ التَّعْلِيقُ يَمْنَعُ الْمُعَلَّقَ عَنْ السَّبَبِيَّةِ لِلْحُكْمِ فَإِنَّ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ سَبَبٌ لِلطَّلَاقِ. فِي الْحَالِ، فَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ مُنِعَ انْعِقَادُهُ سَبَبًا لِلْحَالِ وَجَعَلَهُ مُتَأَخِّرًا إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ، فَعِنْدَ وُجُودِهِ يَنْعَقِدُ سَبَبًا مُفْضِيًا إلَى حُكْمِهِ وَهُوَ الطَّلَاقُ. وَأَمَّا الْإِيجَابُ الْمُضَافُ مِثْلُ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحَالِ لِانْتِفَاءِ التَّعْلِيقِ الْمَانِعِ مِنْ انْعِقَادِ السَّبَبِيَّةِ، لَكِنْ يَتَأَخَّرُ حُكْمُهُ إلَى الْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَالْإِضَاقَةُ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ السَّبَبِيَّةِ بَلْ تُؤَخِّرُ حُكْمَهُ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ، فَإِذَا قَالَ إنْ جَاءَ غَدٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَدُّقُ قَبْلَ الْغَدِ لِأَنَّهُ لَا تَعْجِيلَ قَبْلَ السَّبَبِ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا غَدًا لَهُ التَّعْجِيلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 255 الْإِجَارَةُ وَفَسْخُهَا وَالْمُزَارَعَةُ وَالْمُعَامَلَةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالْوَكَالَةُ وَالْكَفَالَةُ وَالْإِيصَاءُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْقَضَاءُ وَالْإِمَارَةُ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالْوَقْفُ) فَهِيَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَبَقِيَ الْعَارِيَّةُ وَالْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ فَيَصِحَّانِ مُضَافَيْنِ أَيْضًا عِمَادِيَّةٌ. (وَمَا لَا تَصِحُّ) إضَافَتُهُ (إلَى الْمُسْتَقْبَلِ) عَشَرَةٌ (الْبَيْعُ، وَإِجَازَتُهُ، وَفَسْخُهُ، وَالْقِسْمَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْهِبَةُ وَالنِّكَاحُ وَالرَّجْعَةُ وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ) لِأَنَّهَا تَمْلِيكَاتٌ لِلْحَالِ فَلَا تُضَافُ لِلِاسْتِقْبَالِ كَمَا لَا تُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ   [رد المحتار] قَبْلَهُ لِأَنَّهُ بَعْدَ السَّبَبِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ دَخَلَتْ عَلَى الْحُكْمِ لَا السَّبَبِ، فَهُوَ تَعْجِيلٌ لِلْمُؤَجَّلِ وَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فَأَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى الْغَدِ حَنِثَ وَإِنْ عَلَّقَهُ لَمْ يَحْنَثْ، هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرُوهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ. وَلِلْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ أَبْحَاثٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا ذَكَرَهَا ابْنُ نُجَيْمٍ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ فِي فَصْلِ الْأَدِلَّةِ الْفَاسِدَةِ. وَقَالَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ أَشْكَلِ الْمَسَائِلِ. (قَوْلُهُ الْإِجَارَةُ) فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ قَالَ آجَرْتُك غَدًا فِيهِ اخْتِلَافٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا تَجُوزُ ثُمَّ فِي الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ إذَا بَاعَ أَوْ وَهَبَ قَبْلَ الْوَقْتِ يُفْتَى بِجَوَازِ مَا صَنَعَ وَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ، فَلَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ أَوْ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ قَبْلَ الْوَقْتِ عَادَتْ الْإِجَارَةُ، وَلَوْ عَادَ إلَيْهِ بِمِلْكٍ مُسْتَقْبَلٍ لَا تَعُودُ الْإِجَارَةُ. وَفِي فَتَاوَى ظَهِيرِ الدِّينِ لَوْ قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ رَأْسَ كُلِّ شَهْرٍ بِكَذَا يَجُوزُ فِي قَوْلِهِمْ (قَوْلُهُ وَفَسْخُهَا) فِي الْعَزْمِيَّةِ عَلَى الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: الْمُعْتَمَدُ اخْتِيَارُ عَدَمِ الصِّحَّةِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكَافِي، وَاخْتِيَارُ ظَهِيرِ الدِّينِ اهـ فَفِيهِ اخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ (قَوْلُهُ وَالْمُزَارَعَةُ وَالْمُعَامَلَةُ) فَإِنَّهُمَا إجَارَةٌ، حَتَّى إنَّ مَنْ يُجِيزُهُمَا لَا يُجِيزُهُمَا إلَّا بِطَرِيقِهَا وَيُرَاعَى فِيهِمَا شَرَائِطُهَا دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالْوَكَالَةُ) فَإِنَّهُمَا مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقَاتِ وَالْإِسْقَاطَاتِ فَإِنْ تَصَرَّفَ الْمُضَارِبُ وَالْوَكِيلُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَالتَّوْكِيلِ فِي مَالِ الْمَالِكِ وَالْمُوَكِّلِ كَانَ مَوْقُوفًا حَقًّا لِلْمَالِكِ فَهُوَ بِالْعَقْدِ وَالتَّوْكِيلِ أَسْقَطَهُ فَيَكُونُ إسْقَاطًا فَيَقْبَلُ التَّعْلِيقَ دُرَرٌ أَيْ وَإِذَا قَبِلَ التَّعْلِيقَ يَقْبَلُ الْإِضَافَةَ بِالْأَوْلَى، لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَمْنَعُ السَّبَبِيَّةَ، بِخِلَافِ الْإِضَافَةِ كَمَا عَلِمْت. وَبِهِ انْدَفَعَ اعْتِرَاضُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِضَافَةِ لَا فِي التَّعْلِيقِ، لَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ فِي الْمُضَارَبَةِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالتَّعْلِيقِ التَّقْيِيدَ بِالشَّرْطِ فَإِنَّهُمْ يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ لَفْظَ التَّعْلِيقِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَالْكَفَالَةُ) لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الِالْتِزَامَاتِ فَتَجُوزُ إضَافَتُهَا إلَى الزَّمَانِ وَتَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ الْمُلَائِمِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَالْإِيصَاءُ) أَيْ جَعْلُ الشَّخْصِ وَصِيًّا وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ فَإِنَّهُمَا لَا يُفِيدَانِ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا وَإِضَافَتُهُمَا دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَالْقَضَاءُ وَالْإِمَارَةُ) فَإِنَّهُمَا تَوْلِيَةٌ وَتَفْوِيضٌ مَحْضٌ فَجَازَ إضَافَتُهُمَا دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ) فَإِنَّهُمَا مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقَاتِ وَالْإِسْقَاطَاتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَالْوَقْفُ) فَإِنَّ تَعْلِيقَهُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ جَائِزٌ دُرَرٌ، وَالْكَلَامُ فِيهِ كَمَا مَرَّ فِي الْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ (قَوْلُهُ وَبَقِيَ الْعَارِيَّةُ وَالْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الَّذِي جَمَعَ فِيهِ الْفُصُولَ الْعِمَادِيَّةَ وَالْفُصُولَ الأسروشنية: تَبْطُلُ إضَافَةُ الْإِعَارَةِ، بِأَنْ قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ أَعَرْتُك لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ، وَقِيلَ تَجُوزُ، وَلَوْ قَالَ أَعَرْتُك غَدًا تَصِحُّ وَقَالَ قَبْلَهُ وَلَوْ قَالَ لِقِنِّهِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَةِ صَحَّ الْإِذْنُ، وَلَوْ قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ حَجَرْت عَلَيْك لَا يَصِحُّ اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِضَافَةِ وَلَفْظَ إذَا جَاءَ غَدٌ تَعْلِيقٌ وَيُسَمَّى إضَافَةً بِاعْتِبَارِ ذِكْرِ الْوَقْفِ فِيهِ لَا حَقِيقَةً، وَلِذَا فَرَّقَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِعَارَةِ بَيْنَ ذِكْرِ إذَا وَعَدَمِهِ، فَعَدُّ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ هُنَا تَبَعًا لِلْقُهُسْتَانِيِّ غَيْرُ ظَاهِرٍ تَأَمَّلْ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ إذَا قَالَ أَبْطَلْت خِيَارِي غَدًا بَطَلَ خِيَارُهُ وَقَدَّمْنَا فِيمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ أَنَّ إسْقَاطَ الْقِصَاصِ لَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ إلَى الْوَقْتِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَمْلِيكَاتٌ إلَخْ) كَذَا فِي الدُّرَرِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ آخِرَ كِتَابِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ وَقَدْ أَمْكَنَ تَنْجِيزُهَا لِلْحَالِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِضَافَةِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَمَا شَاكَلَهَا لَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ لِلْحَالِ وَكَذَا الْوَصِيَّةُ، وَأَمَّا الْإِمَارَةُ وَالْقَضَاءُ فَمِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَالْكَفَالَةُ مِنْ بَابِ الِالْتِزَامِ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 256 لِمَا فِيهِ مِنْ الْقِمَارِ، وَبَقِيَ الْوَكَالَةُ عَلَى قَوْلِ الثَّانِي الْمُفْتَى بِهِ بَابُ الصَّرْفِ عَنْوَنَهُ بِالْبَابِ لَا بِالْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ (هُوَ) لُغَةً الزِّيَادَةُ. وَشَرْعًا (بَيْعُ الثَّمَنِ بِالثَّمَنِ) أَيْ مَا خُلِقَ لِلثَّمَنِيَّةِ وَمِنْهُ الْمَصُوغُ (جِنْسًا بِجِنْسٍ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسٍ) كَذَهَبٍ بِفِضَّةٍ (وَيُشْتَرَطُ) عَدَمُ التَّأْجِيلِ وَالْخِيَارِ وَ (التَّمَاثُلُ) -   [رد المحتار] قُلْت: وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا وَمِمَّا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ الدُّرَرِ أَنَّ الْإِضَافَةَ تَصِحُّ فِيمَا لَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ لِلْحَالِ وَفِيمَا كَانَ مِنْ الْإِطْلَاقَاتِ وَالْإِسْقَاطَاتِ وَالِالْتِزَامَاتِ وَالْوِلَايَاتِ، وَلَا تَصِحُّ فِي كُلِّ مَا أَمْكَنَ تَمْلِيكُهُ لِلْحَالِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْقِمَارِ) هُوَ الْمُرَاهَنَةُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَفِيهِ الْمُرَاهَنَةُ، وَالرِّهَانُ الْمُخَاطَرَةُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُخَاطَرَةِ. وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ تَمْلِيكَاتٌ لِلْحَالِ لَمْ يَصِحَّ تَعْلِيقُهَا بِالْخَطَرِ لِوُجُودِ مَعْنَى الْقِمَارِ (قَوْلُهُ وَبَقِيَ الْوَكَالَةُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ وَصَوَابُهُ التَّحْكِيمُ فَإِنَّهُ الَّذِي فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَتَعْلِيقُ كَوْنِهِ حُكْمًا بِالْخَطَرِ أَوْ الْإِضَافَةِ إلَى مُسْتَقْبَلٍ صَحِيحٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِلثَّانِي وَالْفَتْوَى عَلَى الثَّانِي اهـ وَهَكَذَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ قُبَيْلَ مَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَكَيْفَ يَصِحُّ عَدُّ الْوَكَالَةِ هُنَا وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْكَنْزِ وَالْوِقَايَةِ فِيمَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ وَكَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا مِمَّا لَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ بَلْ قَدَّمْنَا جَوَازَ تَعْلِيقِهَا بِالشَّرْطِ فَكَيْفَ لَا تَصِحُّ إضَافَتُهَا، نَعَمْ بَقِيَ فَسْخُ الْإِجَارَةِ عَلَى أَحَدِ التَّصْحِيحَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الصَّرْف] لَمَّا كَانَ عَقْدًا عَلَى الْأَثْمَانِ وَالثَّمَنُ فِي الْجُمْلَةِ تَبَعٌ لِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْبَيْعِ أَخَّرَهُ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: عَنْوَنَهُ بِالْبَابِ) قَالَ فِي الدُّرَرِ عَنْوَنَهُ الْأَكْثَرُونَ بِالْكِتَابِ وَهُوَ لَا يُنَاسِبُ لِكَوْنِ الصَّرْفِ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ كَالرِّبَا وَالسَّلَمِ فَالْأَحْسَنُ مَا اُخْتِيرَ هَهُنَا. (قَوْلُهُ: هُوَ لُغَةً الزِّيَادَةُ) هَذَا أَحَدُ مَعَانِيهِ فَفِي الْمِصْبَاحِ صَرَفْته عَنْ وَجْهِهِ صَرْفًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ، وَصَرَفْت الْأَجِيرَ وَالصَّبِيَّ خَلَّيْت سَبِيلَهُ وَصَرَفْت الْمَالَ أَنْفَقْته وَصَرَفْت الذَّهَبَ بِالدَّرَاهِمِ بِعْته، وَاسْمُ الْفَاعِلِ مِنْ هَذَا صَيْرَفِيٌّ وَصَيْرَفٌ وَصَرَّافٌ لِلْمُبَالَغَةِ، قَالَ ابْنُ فَارِسٍ الصَّرْفُ فَضْلُ الدَّرَاهِمِ فِي الْجَوْدَةِ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَصَرْفُ الْكَلَامِ زِينَتُهُ، وَصَرَّفْته بِالتَّثْقِيلِ وَاسْمُ الْفَاعِلِ، مُصَرِّفٌ وَالصَّرْفُ التَّوْبَةُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» وَالْعَدْلُ الْفِدْيَةُ اهـ، زَادَ فِي الْقَامُوسِ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ قَوْلَهُ أَوْ هُوَ النَّافِلَةُ. وَالْعَدْلُ: الْفَرِيضَةُ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ الْوَزْنُ. وَالْعَدْلُ الْكَيْلُ، أَوْ هُوَ الِاكْتِسَابُ. وَالْعَدْلُ: الْفِدْيَةُ أَوْ الْحِيلَةُ اهـ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ يُطْلَقُ لُغَةً عَلَى بَيْعِ الثَّمَنِ بِالثَّمَنِ لَكِنَّهُ فِي الشَّرْعِ أَخَصُّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَيْ مَا خُلِقَ لِلثَّمَنِيَّةِ) ذَكَرَ نَحْوَهُ فِي الْبَحْرِ. ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا فَسَّرْنَاهُ بِهِ لِيَدْخُلَ فِيهِ بَيْعُ الْمَصُوغِ بِالْمَصُوغِ أَوْ بِالنَّقْدِ، فَإِنَّ الْمَصُوغَ بِسَبَبِ مَا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ الصَّنْعَةِ لَمْ يَبْقَ ثَمَنًا صَرِيحًا، وَلِهَذَا يَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ وَمَعَ ذَلِكَ بَيْعُهُ صَرْفٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ التَّأْجِيلِ وَالْخِيَارِ) أَيْ وَعَدَمُ الْخِيَارِ: أَيْ خِيَارِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ خِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ عَيْبٍ كَمَا يَأْتِي. وَلَا يُقَالُ هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي وَيَفْسُدُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَالْأَجَلِ؛ لِأَنَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 257 أَيْ التَّسَاوِي وَزْنًا (وَالتَّقَابُضُ) بِالْبَرَاجِمِ لَا بِالتَّخْلِيَةِ (قَبْلَ الِافْتِرَاقِ) وَهُوَ شَرْطُ بَقَائِهِ صَحِيحًا عَلَى الصَّحِيحِ (إنْ اتَّحَدَ جِنْسًا وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (اخْتَلَفَا جَوْدَةً وَصِيَاغَةً) لِمَا مَرَّ فِي الرِّبَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتَجَانَسَا   [رد المحتار] ذَاكَ تَفْرِيعٌ عَلَى هَذَا كَمَا هُوَ الْعَادَةُ مِنْ ذِكْرِ الشُّرُوطِ ثُمَّ التَّفْرِيعُ عَلَيْهَا فَافْهَمْ، نَعَمْ ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهِمَا شَرْطَيْنِ عَلَى حِدَةٍ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلنِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّقَابُضِ يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ أَوْ تَمَامَهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَذَلِكَ يُخِلُّ بِتَمَامِ الْقَبْضِ وَهُوَ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّعْيِينُ اهـ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ التَّسَاوِي وَزْنًا) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ عَدَدًا بَحْرٌ عَنْ الذَّخِيرَةِ، وَالشَّرْطُ التَّسَاوِي فِي الْعِلْمِ لَا بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ فَقَطْ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمَا التَّسَاوِيَ وَكَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَمْ يَجُزْ إلَّا إذَا ظَهَرَ التَّسَاوِي فِي الْمَجْلِسِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْفَتْحِ، وَنَذْكُرُ قَرِيبًا حُكْمَ الزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ. (قَوْلُهُ: بِالْبَرَاجِمِ) جَمْعُ بُرْجُمَةٍ بِالضَّمِّ: وَهِيَ مَفَاصِلُ الْأَصَابِعِ ح عَنْ جَامِعِ اللُّغَةِ. (قَوْلُهُ: لَا بِالتَّخْلِيَةِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْبَرَاجِمِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ التَّخْلِيَةِ، وَاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ بِالْفِعْلِ لَا خُصُوصِ الْبَرَاجِمِ، حَتَّى لَوْ وَضَعَهُ لَهُ فِي كَفِّهِ أَوْ فِي جَيْبِهِ صَارَ قَابِضًا. (قَوْلُهُ: قَبْلَ الِافْتِرَاقِ) أَيْ افْتِرَاقِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِأَبْدَانِهِمَا، وَالتَّقْيِيدُ بِالْعَاقِدَيْنِ يَعُمُّ الْمَالِكَيْنِ وَالنَّائِبَيْنِ، وَتَقْيِيدُ الْفُرْقَةِ بِالْأَبْدَانِ يُفِيدُ عُمُومَ اعْتِبَارِ الْمَجْلِسِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا إنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ، وَلَوْ سَارَا فَرْسَخًا وَلَمْ يَتَفَرَّقَا، وَقَدْ اعْتَبَرُوا الْمَجْلِسَ فِي مَسْأَلَةٍ هِيَ مَا لَوْ قَالَ الْأَبُ اشْهَدُوا أَنِّي اشْتَرَيْت الدِّينَارَ مِنْ ابْنِي الصَّغِيرِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ قَامَ قَبْلَ أَنْ يَزِنَ الْعَشَرَةَ فَهُوَ بَاطِلٌ كَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ نَهْرٌ. وَفِي الْبَحْرِ: لَوْ نَادَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ أَوْ مِنْ بَعِيدٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُمَا مُفْتَرِقَانِ بِأَبْدَانِهِمَا، وَتَفَرَّعَ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِبْرَاءُ عَنْ بَدَلِ الصَّرْفِ وَلَا هِبَتُهُ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ، فَلَوْ فَعَلَ لَمْ يَصِحَّ بِدُونِ قَبُولِ الْآخَرِ، فَإِنْ قَبِلَ انْتَقَضَ الصَّرْفُ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يُنْتَقَضْ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، [تَنْبِيهٌ] قَبْضُ بَدَلِ الصَّرْفِ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا كَقَبْضِهِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ إقَالَةِ السَّلَمِ، وَقَدَّمْنَا الْفَرْقَ فِي بَابِهِ. وَفِي الْبَحْرِ: لَوْ وَجَبَ دَيْنٌ بِعَقْدٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ عَقْدِ الصَّرْفِ لَا يَصِيرُ قِصَاصًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَإِنْ تَرَاضَيَا، وَلَوْ قَبَضَ بَدَلَ الصَّرْفِ ثُمَّ انْتَقَضَ الْقَبْضُ فِيهِ لِمَعْنًى أَوْجَبَ انْتِقَاضَهُ يَبْطُلُ الصَّرْفُ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ أَحَدَ بَدَلَيْهِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَإِنْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ وَالْبَدَلُ قَائِمٌ أَوْ ضَمِنَ النَّاقِدُ وَهُوَ هَالِكٌ جَازَ الصَّرْفُ، وَإِنْ اسْتَرَدَّهُ وَهُوَ قَائِمٌ أَوْ ضَمِنَ الْقَابِضُ قِيمَتَهُ وَهُوَ هَالِكٌ بَطَلَ الصَّرْفُ. (قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ) وَقِيلَ شَرْطٌ لِانْعِقَادِهِ صَحِيحًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ قَوْلُ الْهِدَايَةِ: فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ، فَلَوْلَا أَنَّهُ مُنْعَقِدٌ لَمَا بَطَلَ بِالِافْتِرَاقِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ. وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْفَسَادُ فِيمَا هُوَ صَرْفٌ يَفْسُدُ فِيمَا لَيْسَ صَرْفًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يَفْسُدُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَا جَوْدَةً وَصِيَاغَةً) قَيَّدَ إسْقَاطَ الصَّفْقَةِ بِالْأَثْمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ إنَاءَ نُحَاسٍ بِمِثْلِهِ وَأَحَدُهُمَا أَثْقَلُ مِنْ الْآخَرِ جَازَ مَعَ أَنَّ النُّحَاسَ وَغَيْرَهُ مِمَّا يُوزَنُ مِنْ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْوَزْنِ فِي النَّقْدَيْنِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فَلَا تَتَغَيَّرُ بِالصَّنْعَةِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَوْزُونًا بِتَعَارُفٍ جَعَلَهُ عَدَدِيًّا لَوْ تُعُورِفَ ذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا، فَإِنَّ الْوَزْنَ فِيهِ بِالْعُرْفِ فَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَوْزُونًا بِتَعَارُفِ عَدَدِيَّتِهِ إذَا صِيغَ وَصُنِعَ كَذَا فِي الْفَتْحِ، حَتَّى لَوْ تَعَارَفُوا بَيْعَ هَذِهِ الْأَوَانِي بِالْوَزْنِ لَا بِالْعَدَدِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِجِنْسِهَا إلَّا مُتَسَاوِيًا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ فِي الرِّبَا) أَيْ مِنْ أَنَّ جَيِّدَ مَالِ الرِّبَا وَرَدِيئَهُ سَوَاءٌ، وَتَقَدَّمَ اسْتِثْنَاءُ حُقُوقِ الْعِبَادِ: وَمَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ فَرَاجِعْهُ، وَمِنْهُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: غَصَبَ قَلْبَ فِضَّةٍ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مَصُوغًا مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ الْقِيمَةِ جَازَ خِلَافًا لِزُفَرِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ حُكْمًا لِلضَّمَانِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 258 (شُرِطَ التَّقَابُضُ) لِحُرْمَةِ النَّسَاءِ (فَلَوْ بَاعَ) النَّقْدَيْنِ (أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ جُزَافًا أَوْ بِفَضْلٍ وَتَقَابَضَا فِيهِ) أَيْ الْمَجْلِسِ (صَحَّ، وَ) الْعِوَضَانِ (لَا يَتَعَيَّنَانِ) حَتَّى لَوْ اسْتَقْرَضَا فَأَدَّيَا قَبْلَ افْتِرَاقِهِمَا أَوْ أَمْسَكَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْعَقْدِ وَأَدَّيَا مِثْلَهُمَا جَازَ. (وَيَفْسُدُ) الصَّرْفُ (بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَالْأَجَلِ) لِإِخْلَالِهِمَا بِالْقَبْضِ (وَيَصِحُّ مَعَ إسْقَاطِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَصَحَّ خِيَارُ رُؤْيَةٍ وَعَيْبٍ فِي مَصُوغٍ لَا نَقْدٍ.   [رد المحتار] الْوَاجِبِ بِالْغَصْبِ لَا مَقْصُودًا فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْقَبْضُ اهـ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الضَّمَانُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الرِّبَا؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ مَصُوغًا أَزْيَدُ مِنْ وَزْنِهِ. (قَوْلُهُ: شُرِطَ التَّقَابُضُ) أَيْ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ كَمَا قَيَّدَ بِهِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ لَوْ اشْتَرَى الْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ الدَّرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ وَافْتَرَقَا قَبْلَ أَنْ يُجَدِّدَ الْمُودِعُ قَبْضًا فِي الْوَدِيعَةِ بَطَلَ الصَّرْفُ، بِخِلَافِ الْمَغْصُوبَةِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْغَصْبِ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِحُرْمَةِ النَّسَاءِ) بِالْفَتْحِ أَيْ التَّأْخِيرِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بِإِحْدَى عِلَّتَيْ الرِّبَا: أَيْ الْقَدْرِ أَوْ الْجِنْسِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ بَاعَ النَّقْدَيْنِ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَإِلَّا شُرِطَ التَّقَابُضُ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّمَاثُلُ، وَقَيَّدَ بِالنَّقْدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ فِضَّةً بِفُلُوسٍ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ قَبْضُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لَا قَبْضُهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ. وَنُقِلَ فِي النَّهْرِ عَنْ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُ أَحَدِهِمَا ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ، وَقَدَّمْنَا ذَلِكَ فِي بَابِ الرِّبَا، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ أَحَدُ قَوْلَيْنِ فَرَاجِعْهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَاعَ فُلُوسًا بِمِثْلِهَا أَوْ بِدَرَاهِمَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ بَاعَ الْجِنْسَ بِالْجِنْسِ جُزَافًا حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ مَا لَمْ يَعْلَمْ التَّسَاوِيَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: جُزَافًا) أَيْ بِدُونِ مَعْرِفَةِ قَدْرٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ بِفَضْلٍ: أَيْ بِتَحَقُّقِ زِيَادَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَسَكَتَ عَنْ التَّسَاوِي لِلْعِلْمِ بِصِحَّتِهِ بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَالْعِوَضَانِ لَا يَتَعَيَّنَانِ) أَيْ فِي الصَّرْفِ مَا دَامَ صَحِيحًا أَمَّا بَعْدَ فَسَادِهِ فَالصَّحِيحُ التَّعْيِينُ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ، وَقَدَّمْنَاهُ عَنْهَا فِي أَوَاخِرِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مَا تَتَعَيَّنُ فِيهِ النُّقُودُ وَمَا لَا تَتَعَيَّنُ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ اسْتَقْرَضَا إلَخْ) صُورَتُهُ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ بِعْتُك دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ وَقَبِلَ الْآخَرُ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمَا شَيْءٌ ثُمَّ اسْتَقْرَضَ كُلٌّ مِنْهُمَا دِرْهَمًا مِنْ ثَالِثٍ وَتَقَابَضَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الدِّرْهَمَ بِهَذَا الدِّرْهَمِ وَأَمْسَكَ كُلٌّ مِنْهُمَا دِرْهَمَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَدَفَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا دِرْهَمًا آخَرَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، وَمِثْلُهُ كَمَا فِي الدُّرَرِ مَا لَوْ اُسْتُحِقَّ كُلٌّ مِنْ الْعِوَضَيْنِ فَأَعْطَى كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بَدَلَ مَا اسْتَحَقَّ مِنْ جِنْسِهِ. (قَوْلُهُ: وَأَدَّيَا مِثْلَهُمَا) ضَمِيرُ مِثْلِهِمَا عَائِدٌ عَلَى مَا، وَثَنَّاهُ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: وَيَفْسُدُ الصَّرْفُ) أَيْ فَسَادًا مِنْ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ فَسَادٌ مُقْتَرِنٌ بِالْعَقْدِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: لِإِخْلَالِهِمَا بِالْقَبْضِ) لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يَمْتَنِعُ بِهِ اسْتِحْقَاقُ الْقَبْضِ مَا بَقِيَ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمِلْكِ وَالْخِيَارُ يَمْنَعُهُ وَالْأَجَلُ يَمْنَعُ الْقَبْضَ الْوَاجِبَ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ مَعَ إسْقَاطِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ) هَكَذَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ إسْقَاطُهُمَا بِنَقْدِ الْبَدَلَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ لَا بِقَوْلِهِمَا أَسْقَطْنَا الْخِيَارَ وَالْأَجَلَ، إذْ بِدُونِ نَقْدٍ لَا يَكْفِي وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْقُهُسْتَانِيِّ قَالَ: فَلَوْ تَفَرَّقَا مِنْ غَيْرِ تَقَابُضٍ أَوْ مِنْ أَجَلٍ أَوْ شَرْطِ خِيَارٍ فَسَدَ الْبَيْعُ، وَلَوْ تَقَابَضَا فِي الصُّوَرِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ انْقَلَبَ صَحِيحًا اهـ. وَنَحْوُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: لِزَوَالِ الْمَانِعِ) أَيْ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: فِي مَصُوغٍ لَا نَقْدٍ) فِيهِ أَنَّ النَّقْدَ يَدْخُلُهُ خِيَارُ الْعَيْبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ عَقِبَهُ ظَهَرَ بَعْضُ الثَّمَنِ زُيُوفًا إلَخْ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَثَابِتٌ فِيهِ، وَأَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَثَابِتٌ فِي الْعَيْنِ دُونَ الدَّيْنِ إلَخْ. وَفِي الْفَتْحِ: وَلَيْسَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِرَدِّهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى مِثْلِهَا، بِخِلَافِ التِّبْرِ وَالْحُلِيِّ وَالْأَوَانِي مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ لِتَعَيُّنِهِ فِيهِ إلَخْ فَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ فِي مَصُوغٍ لَا خِيَارِ رُؤْيَةٍ فِي نَقْدٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 259 فَرْعٌ] الشَّرْطُ الْفَاسِدُ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا نَهْرٌ. (ظَهَرَ بَعْضُ الثَّمَنِ زُيُوفًا فَرَدَّهُ يُنْتَقَضُ فِيهِ فَقَطْ لَا يَتَصَرَّفُ فِي بَدَلِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ) لِوُجُوبِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى (فَلَوْ بَاعَ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ وَاشْتَرَى بِهَا) قَبْلَ قَبْضِهَا (ثَوْبًا) مَثَلًا (فَسَدَ بَيْعُ الثَّوْبِ) وَالصَّرْفُ بِحَالِهِ. (بَاعَ أَمَةً تَعْدِلُ أَلْفَ دِرْهَمٍ مَعَ طَوْقِ) فِضَّةٍ فِي عُنُقِهَا (قِيمَتُهُ أَلْفٌ) إنَّمَا بَيَّنَ قِيمَتَهُمَا لِيُفِيدَ انْقِسَامَ الثَّمَنِ عَلَى الْمُثَمَّنِ أَوْ أَنَّهُ غَيْرُ جِنْسِ الطَّوْقِ، وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ لِوَزْنِ الطَّوْقِ لَا لِقِيمَتِهِ فَقَدْرُهُ مُقَابَلٌ بِهِ وَالْبَاقِي بِالْجَارِيَةِ (بِأَلْفَيْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِبَاعَ -   [رد المحتار] [فَرْعٌ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ] (قَوْلُهُ: الشَّرْطُ الْفَاسِدُ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ لَوْ تَصَارَفَا جِنْسًا بِجِنْسٍ مُتَسَاوِيًا وَتَقَابَضَا وَتَفَرَّقَا ثُمَّ زَادَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ شَيْئًا أَوْ حَطَّ عَنْهُ وَقَبِلَهُ الْآخَرُ فَسَدَ الْبَيْعُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَطَلَا وَصَحَّ الصَّرْفُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَطَلَتْ الزِّيَادَةُ وَجَازَ الْحَطُّ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَهَذَا فَرْعُ اخْتِلَافِهِمْ فِي أَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ الْمُتَأَخِّرَ عَنْ الْعَقْدِ إذَا أُلْحِقَ بِهِ هَلْ يَلْتَحِقُ، لَكِنْ مُحَمَّدٌ فَرَّقَ بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ، وَلَوْ زَادَ أَوْ حَطَّ فِي صَرْفٍ بِخِلَافِ الْجِنْسِ جَازَ إجْمَاعًا بِشَرْطِ قَبْضِ الزِّيَادَةِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ اهـ، وَانْظُرْ مَا حَرَّرْنَاهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الرِّبَا. (قَوْلُهُ: يُنْتَقَضُ فِيهِ فَقَطْ) أَيْ يَنْفَسِخُ الصَّرْفُ فِي الْمَرْدُودِ وَيَبْقَى فِي غَيْرِهِ لِارْتِفَاعِ الْقَبْضِ فِيهِ فَقَطْ دُرَرٌ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: اشْتَرَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ وَتَقَابَضَا ثُمَّ وَجَدَ فِيهَا دِرْهَمًا سُتُّوقًا أَوْ رَصَاصًا، فَإِنْ كَانَا لَمْ يَتَفَرَّقَا اسْتَبْدَلَهُ وَإِنْ كَانَا قَدْ تَفَرَّقَا رَدَّهُ عَلَيْهِ وَكَانَ شَرِيكًا فِي الدِّينَارِ بِحِصَّتِهِ: وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ نَقَدَهُ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ فَارَقَهُ اهـ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ لَا يَتَأَتَّى الِاسْتِبْدَالُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: لَا يَتَصَرَّفُ فِي بَدَلِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ) أَيْ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَيْعٍ، حَتَّى لَوْ وَهَبَهُ الْبَدَلَ أَوْ تَصَدَّقَ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ، فَإِنْ قَبِلَ بَطَلَ الصَّرْفُ وَإِلَّا لَا، فَإِنَّ الْبَرَاءَةَ وَنَحْوَهَا سَبَبُ الْفَسْخِ فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ فَتْحٌ، وَقَيَّدَ بِالتَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبْدَالَ بِهِ صَحِيحٌ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: فَسَدَ بَيْعُ الثَّوْبِ) لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ سَقَطَ حَقُّ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَتْحٌ. وَعِنْدَ زُفَرَ يَصِحُّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي بَيْعِهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ كَوْنُهُ بَدَلَ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ لَا يَتَعَيَّنُ، وَقَوَّاهُ فِي الْفَتْحِ. وَنَازَعَهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا اعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ. وَأَجَابَ عَمَّا فِي الْفَتْحِ بِجَوَابٍ آخَرَ فَرَاجِعْهُ، وَأَطْلَقَ فَسَادَ الْبَيْعِ فَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ الشِّرَاءُ مِنْ صَاحِبِهِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ كَمَا فِي الْكَافِي. (قَوْلُهُ: وَالصَّرْفُ بِحَالِهِ) أَيْ فَيَقْبِضُ بَدَلَهُ مِمَّنْ عَاقَدَهُ مَعَهُ فَتْحٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْرَأَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَقَبِلَ فَإِنَّ الصَّرْفَ يَبْطُلُ كَمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ: بَاعَ أَمَةً إلَخْ) حَاصِلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ النُّقُودِ وَغَيْرِهَا فِي الْبَيْعِ لَا يُخْرِجُ النُّقُودَ عَنْ كَوْنِهَا صَرْفًا بِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: قِيمَتُهُ أَلْفٌ) كَوْنُ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ مَعَ الطَّوْقِ مُتَسَاوِيَيْنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ إذَا بِيعَ نَقْدٌ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ جِنْسِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَزِيدَ الثَّمَنُ عَلَى النَّقْدِ الْمَضْمُومِ إلَيْهِ، فَلَوْ قَالَ مَعَ طَوْقٍ زِنَتُهُ أَلْفٌ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ لَكَانَ أَوْلَى نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: إنَّمَا بَيَّنَ قِيمَتَهُمَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى مَا اعْتَرَضَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَسَامُحًا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْقِيمَةَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي الطَّوْقِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْقَدْرُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ، وَكَذَا لَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الطَّوْقِ مُقَابَلٌ بِهِ وَالْبَاقِي بِالْجَارِيَةِ قُلْت قِيمَتُهَا أَوْ كَثُرَتْ، فَلَا فَائِدَةَ فِي بَيَانِ قِيمَتِهَا إلَّا إذَا قَدَّرَ أَنَّ الثَّمَنَ بِخِلَافِ جِنْسِ الطَّوْقِ فَحِينَئِذٍ يُفِيدُ بَيَانُ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ الْمُثَمَّنَ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهَا اهـ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ تَقْيِيدَ الشَّارِحِ أَوَّلًا الطَّوْقَ بِكَوْنِهِ فِضَّةً لَا يُنَاسِبُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الِانْقِسَامِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْأَلْفُ فِي قَوْلِهِ: قِيمَتُهُ أَلْفٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الذَّهَبِ: أَيْ أَلْفُ مِثْقَالٍ، لَكِنْ قَوْلُهُ أَوْ أَنَّهُ غَيْرُ جِنْسِ الطَّوْقِ يُنَافِي ذَلِكَ وَقَدْ تَبِعَ فِيهِ الْعَيْنِيَّ، وَصَوَابُهُ إذَا كَانَ غَيْرَ جِنْسِ الطَّوْقِ فَيُوَافِقُ مَا أَجَابَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ؛ لِأَنَّ الِانْقِسَامَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَبَعْدَ هَذَا يُرَدُّ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ ط إنَّهُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ بَلْ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْأَصْلِ الْآتِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 260 (وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفًا أَوْ بَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ أَلْفٍ نَقْدٍ وَأَلْفٍ نَسِيئَةٍ أَوْ بَاعَ سَيْفًا حِلْيَتُهُ خَمْسُونَ وَيَخْلُصُ بِلَا ضَرَرٍ) فَبَاعَهُ (بِمِائَةٍ وَنَقَدَ خَمْسِينَ فَمَا نَقَدَ) فَهُوَ (ثَمَنُ الْفِضَّةِ سَوَاءٌ سَكَتَ أَوْ قَالَ خُذْ هَذَا مِنْ ثَمَنِهِمَا) تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ هَذَا الْمُعَجَّلُ حِصَّةُ السَّيْفِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْحِلْيَةِ أَيْضًا لِدُخُولِهَا فِي بَيْعِهِ تَبَعًا، وَلَوْ زَادَ خَاصَّةً فَسَدَ الْبَيْعُ لِإِزَالَتِهِ الِاحْتِمَالَ   [رد المحتار] وَفِي الْمِنَحِ: وَلَوْ بِيعَ الْمَصُوغُ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْمُزَرْكَشِ مِنْهُ بِالدَّرَاهِمِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ، وَهَلْ هُوَ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ؟ بَلْ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ، فَلَوْ بِيعَ بِالذَّهَبِ يَحْتَاجُ إلَخْ. قُلْت: وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ بَيَانَ الْقِيمَةِ لَهُ فَائِدَةٌ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ وَذَلِكَ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الطَّوْقِ أَوْ الْجَارِيَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَلْفٍ نَقْدٍ وَأَلْفٍ نَسِيئَةٍ) قَيَّدَ بِتَأْجِيلِ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَجَّلَ الْكُلَّ فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ عِنْدَهُ، وَقَالَا فِي الطَّوْقِ فَقَطْ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، وَذَكَرَ فِي الدُّرَرِ أَنَّهُ لَوْ نَقَدَ أَلْفًا فِي تَأْجِيلِ الْكُلِّ فَهُوَ حِصَّةُ الطَّوْقِ. وَاعْتِرَاضُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِأَنَّهُ فَاسِدٌ مِنْ الْأَصْلِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَلَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ بِنَقْدِ الْأَلْفِ بَعْدَهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا نَقَدَ حِصَّةَ الصَّرْفِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ يَعُودُ إلَى الْجَوَازِ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ كَمَا مَرَّ فِي اشْتِرَاطِ الْأَجَلِ. (قَوْلُهُ: وَيَخْلُصُ بِلَا ضَرَرٍ) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ كَمَا فَعَلَ فِي الْكَنْزِ، وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي ذِكْرِهِ الْوِقَايَةَ وَالدُّرَرَ. وَاعْتَرَضَهُمْ فِي الْعَزْمِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَأَيْضًا فَلَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ شَرْطًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ صَحَّ فِي الْكُلِّ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُفْهَمُ مَا إذَا تَخَلَّصَ بِضَرَرٍ بِالْأَوْلَى، نَعَمْ ذَكَرَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ الْآتِي فَإِنْ افْتَرَقَا فِي مَحَلِّهِ. (قَوْلُهُ: وَنَقَدَ خَمْسِينَ) أَيْ وَالْخَمْسُونَ الْبَاقِيَةُ دَيْنٌ أَوْ نَسِيئَةٌ ط مَطْلَبُ يُسْتَعْمَلُ الْمُثَنَّى فِي الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ: تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ) إذْ الظَّاهِرُ قَصْدُهُمَا الْوَجْهَ الْمُصَحَّحَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يُفِيدُ تَمَامَ مَقْصُودِهِمَا إلَّا بِالصِّحَّةِ فَكَانَ هَذَا الِاعْتِبَارُ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ. وَالظَّاهِرُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ إلَّا إذَا صَرَّحَ بِخِلَافِهِ كَمَا يَأْتِي، وَقَوْلُهُ خُذْ هَذَا مِنْ ثَمَنِهِمَا لَا يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّ الْمُثَنَّى اُسْتُعْمِلَ فِي الْوَاحِدِ أَيْضًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] وقَوْله تَعَالَى {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام: 130] وَالرُّسُلُ مِنْ الْإِنْسِ وقَوْله تَعَالَى {نَسِيَا حُوتَهُمَا} [الكهف: 61] ، وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا» وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَنَظِيرُهُ فِي الْفِقْهِ إذَا حِضْتُمَا حَيْضَةً أَوْ وَلَدْتُمَا وَلَدًا عَلَّقَ بِإِحْدَاهُمَا لِلِاسْتِحَالَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمَفْعُولَ بِهِ لِلْإِمْكَانِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْحِلْيَةِ أَيْضًا إلَخْ) عِبَارَاتُ الزَّيْلَعِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ اهـ، وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ الْمُطَوَّقَةِ لَوْ قَالَ خُذْ هَذَا مِنْ ثَمَنِ الْجَارِيَةِ يَفْسُدُ الْبَيْعُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَادَ خَاصَّةً فَسَدَ الْبَيْعُ) أَيْ بِأَنْ قَالَ هَذَا الْمُعَجَّلُ حِصَّةُ السَّيْفِ خَاصَّةً. وَعِبَارَةُ الْمَبْسُوطِ: انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِي الْحِلْيَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي السَّيْفِ دُونَ الْحِلْيَةِ، وَعَلَيْهِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ فَسَدَ الصَّرْفُ، لَكِنْ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْحِلْيَةُ تَتَمَيَّزُ بِلَا ضَرَرٍ لِإِمْكَانِ التَّسْلِيمِ، وَبِهَذَا الْحَمْلِ وَفَّقَ الزَّيْلَعِيُّ بَيْنَ مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَبَيْنَ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذَا مِنْ ثَمَنِ النَّصْلِ خَاصَّةً، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ التَّمْيِيزُ إلَّا بِضَرَرٍ يَكُونُ الْمَنْقُودُ ثَمَنَ الصَّرْفِ وَيَصِحَّانِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِصَرْفِ الْمَنْقُودِ إلَى الصَّرْفِ فَحَكَمْنَا بِجَوَازِهِ تَصْحِيحًا لِلْبَيْعِ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَمْيِيزُهَا بِلَا ضَرَرٍ بَطَلَ الصَّرْفُ اهـ، وَلَا يَخْفَى حُسْنُ هَذَا التَّوْفِيقِ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ مَعَ ذِكْرِ النَّصْلِ يُجْعَلُ الْمَنْقُودُ ثَمَنًا لِلْحِلْيَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهَا إلَّا بِضَرَرٍ يَلْزَمُ أَنْ يَصِحَّ مَعَ ذِكْرِ السَّيْفِ بِالْأَوْلَى، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ لَفْظَ النَّصْلِ أَخَصُّ مِنْ لَفْظِ السَّيْفِ؛ لِأَنَّ السَّيْفَ يُطْلَقُ عَلَى النَّصْلِ وَالْحِلْيَةِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ، نَعَمْ فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ نَظَرٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بَيَّنَّاهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 261 (فَإِنْ افْتَرَقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ بَطَلَ فِي الْحِلْيَةِ فَقَطْ) وَصَحَّ فِي السَّيْفِ (أَنْ يَخْلُصَ بِلَا ضَرَرٍ) كَطَوْقِ الْجَارِيَةِ (وَإِنْ لَمْ يَخْلُصْ) إلَّا بِضَرَرٍ (بَطَلَ أَصْلًا) وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى بِيعَ نَقْدٌ مَعَ غَيْرِهِ كَمُفَضَّضٍ وَمُزَرْكَشٍ بِنَقْدٍ مِنْ جِنْسِهِ شُرِطَ زِيَادَةُ الثَّمَنِ، فَلَوْ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ أَوْ جُهِلَ بَطَلَ وَلَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ -   [رد المحتار] تَنْبِيهٌ] بَقِيَ مَا لَوْ قَالَ نِصْفُهُ مِنْ ثَمَنِ الْحِلْيَةِ وَنِصْفُهُ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ فَالْمَقْبُوضُ مِنْ ثَمَنِ الْحِلْيَةِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ. وَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَمْيِيزُهُ بِلَا ضَرَرٍ، فَلَوْ أَمْكَنَ فَسَدَ الصَّرْفُ فِي نِصْفِ الْحِلْيَةِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَلَوْ بَاعَ قَلْبَ فِضَّةٍ فِيهِ عَشَرَةٌ وَثَوْبًا بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَنَقَدَهُ عَشَرَةً وَقَالَ نِصْفُهَا مِنْ ثَمَنِ الْقَلْبِ وَنِصْفُهَا مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ ثُمَّ تَفَرَّقَا وَقَدْ قَبَضَ الْقَلْبَ وَالثَّوْبَ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِي نِصْفِ الْقَلْبِ. وَأَمَّا فِي السَّيْفِ إذَا سَمَّى فَقَالَ نِصْفُهَا مِنْ ثَمَنِ الْحِلْيَةِ وَنِصْفُهَا مِنْ ثَمَنِ نَصْلِ السَّيْفِ ثُمَّ تَفَرَّقَا لَمْ يَفْسُدْ الْبَيْعُ اهـ، تَأَمَّلْ وَانْظُرْ مَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّ فِي السَّيْفِ) لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ قَبْضِ ثَمَنِهِ فِي الْمَجْلِسِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: كَطَوْقِ الْجَارِيَةِ) الْأَوْلَى كَالْجَارِيَةِ الْمُطَوَّقَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَخَلَّصَ السَّيْفُ عَنْ حِلْيَتِهِ بِلَا ضَرَرٍ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَيَصِيرُ كَبَيْعِ الْجَارِيَةِ مَعَ طَوْقِهَا. (قَوْلُهُ: بَطَلَ أَصْلًا) أَيْ بَطَلَ بَيْعُ الْحِلْيَةِ وَالسَّيْفِ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ السَّيْفِ بِلَا ضَرَرٍ كَبَيْعِ جِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ نَهْرٌ. مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْمُمَوَّهِ [تَتِمَّةٌ] قَالَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِذَا اشْتَرَى لِجَامًا مُمَوَّهًا بِفِضَّةٍ بِدَرَاهِمَ أَقَلَّ مِمَّا فِيهِ أَوْ أَكْثَرَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ التَّمْوِيهَ لَا يَخْلُصُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الدَّارَ الْمُمَوَّهَةَ بِالذَّهَبِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ يَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَا فِي سُقُوفِهَا مِنْ التَّمْوِيهِ بِالذَّهَبِ أَكْثَرَ مِنْ الذَّهَبِ فِي الثَّمَنِ اهـ. وَالتَّمْوِيهُ: الطَّلْيُ. وَنَقَلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ نَحْوَهُ عَنْ الْمُحِيطِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَقُولُ يَجِبُ تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا لَمْ تَكْثُرْ الْفِضَّةُ أَوْ الذَّهَبُ الْمُمَوَّهُ. أَمَّا إذَا كَثُرَ بِحَيْثُ يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ يَدْخُلُ فِي الْمِيزَانِ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ يَجِبُ حِينَئِذٍ اعْتِبَارُهُ وَلَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا: لَكِنْ رَأَيْته لِلشَّافِعِيَّةِ وَقَوَاعِدُنَا شَاهِدَةٌ بِهِ فَتَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى فَائِدَةِ قَوْلِهِ فَبَاعَهُ بِمِائَةٍ أَيْ بِثَمَنٍ زَائِدٍ عَلَى قَدْرِ الْحِلْيَةِ الَّتِي مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ لِيَكُونَ قَدْرُ الْحِلْيَةِ ثَمَنًا لَهَا وَالزَّائِدُ ثَمَنًا لِلسَّيْفِ، إذْ لَوْ لَمْ تَتَحَقَّقْ الزِّيَادَةُ بَطَلَ الْبَيْعُ. أَمَّا لَوْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهَا جَازَ الْبَيْعُ كَيْفَمَا كَانَ لِجَوَازِ التَّفَاضُلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُؤَدَّى مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ وَإِنْ قَلَّ يَقَعُ عَنْ ثَمَنِ الْحِلْيَةِ وَغَيْرُ الْمُؤَدَّى يَكُونُ ثَمَنَ النَّصْلِ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ. مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْمُفَضَّضِ وَالْمُزَرْكَشِ وَحُكْمِ عَلَمِ الثَّوْبِ. (قَوْلُهُ: كَمُفَضَّضٍ وَمُزَرْكَشٍ) الْأَوَّلُ مَا رُصِّعَ بِفِضَّةٍ أَوْ أُلْبِسَ فِضَّةً كَسَرْجٍ مِنْ خَشَبٍ أُلْبِسَ فِضَّةً، وَالثَّانِي فِي الْعُرْفِ هُوَ الْمُطَرَّزُ بِخُيُوطِ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، وَبِهِ عَبَّرَ فِي الْبَحْرِ. وَأَمَّا حِلْيَةُ السَّيْفِ فَتَشْمَلُ مَا إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ غَيْرَ ذَلِكَ كَقَبِيعَةِ السَّيْفِ تَأَمَّلْ، وَخُرُوجُ الْمُمَوَّهِ كَمَا عَلِمْت آنِفًا. [تَنْبِيهٌ] لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَإِذَا بَاعَ ثَوْبًا مَنْسُوجًا بِذَهَبٍ بِالذَّهَبِ الْخَالِصِ لَا بُدَّ لِجَوَازِهِ مِنْ الِاعْتِبَارِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الذَّهَبُ الْمُنْفَصِلُ أَكْثَرَ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّ الذَّهَبَ الَّذِي نُسِجَ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ وَزْنِيًّا؛ وَلِذَا لَا يُبَاعُ وَزْنًا، لَكِنَّهُ وَزْنِيٌّ بِالنَّصِّ فَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مَالَ رِبًا. ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْمُنْتَقَى إنَّ فِي اعْتِبَارِ الذَّهَبِ فِي السَّقْفِ رِوَايَتَيْنِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْعَلَمُ فِي الثَّوْبِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُف أَنَّهُ يُعْتَبَرُ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْغِيَاثِيَّةِ: وَلَوْ بَاعَ دَارًا فِي سُقُوفِهَا ذَهَبٌ بِذَهَبٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَجُوزُ بِدُونِ الِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّ الذَّهَبَ لَا يَكُونُ تَبَعًا، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 262 شُرِطَ الْقَابِضُ فَقَطْ. (وَمَنْ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ أَوْ بِذَهَبٍ وَنَقَدَ بَعْضَ ثَمَنِهِ) فِي الْمَجْلِسِ (ثُمَّ افْتَرَقَا صَحَّ فِيمَا قُبِضَ وَاشْتَرَكَا فِي الْإِنَاءِ) لِأَنَّهُ صَرْفٌ (وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي) لِتَعَيُّبِهِ مِنْ قِبَلِهِ بِعَدَمِ نَقْدِهِ (بِخِلَافِ هَلَاكِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ) فَيُخَيَّرُ لِعَدَمِ صُنْعِهِ (وَإِذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ) أَيْ الْإِنَاءَ (أَخَذَ الْمُشْتَرِي مَا بَقِيَ بِقِسْطِهِ أَوْ رَدَّ) لِتَعَيُّبِهِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ. قُلْت: وَمُفَادُهُ تَخْصِيصُ اسْتِحْقَاقِهِ بِالْبَيِّنَةِ لَا بِإِقْرَارِهِ، فَلْيُحَرَّرْ (فَإِنْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ قَبْلَ فَسْخِ الْحَاكِمِ الْعَقْدَ جَازَ الْعَقْدُ) اخْتَلَفُوا مَتَى يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ إذَا ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ، وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ مَا لَمْ يُفْسَخْ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَتْحٌ -   [رد المحتار] بِخِلَافِ عَلَمِ الثَّوْبِ وَالْإِبْرَيْسَمِ فِي الذَّهَبِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ مَحْضٌ اهـ. وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ أَنَّ ذَهَبَ السُّقُوفِ عَيْنٌ قَائِمَةٌ لَا مُجَرَّدُ تَمْوِيهٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْكَافِي مِنْ أَنَّ الْمُمَوَّهَ لَا يُعْتَبَرُ لِكَوْنِهِ لَا يَخْلُصُ. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ وَالدَّارُ فِيهَا صَفَائِحُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بَيْعُهَا بِجِنْسِهَا كَالسَّيْفِ الْمُحَلَّى اهـ. وَحَاصِلُ هَذَا كُلِّهِ اعْتِبَارُ الْمَنْسُوجِ قَوْلًا وَاحِدًا وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي ذَهَبِ السَّقْفِ وَالْعَلَمِ وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ فِي الْمَنْسُوجِ، وَقَدْ عُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الذَّهَبَ إنْ كَانَ عَيْنًا قَائِمَةً فِي الْبَيْعِ كَمَسَامِيرِ الذَّهَبِ وَنَحْوِهَا فِي السَّقْفِ مَثَلًا يُعْتَبَرُ كَطَوْقِ الْأَمَةِ وَحِلْيَةِ السَّيْفِ، وَمِثْلُهُ الْمَنْسُوجُ بِالذَّهَبِ فَإِنَّهُ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ غَيْرُ تَابِعٍ، بَلْ هُوَ مَقْصُودٌ بِالْبَيْعِ كَالْحِلْيَةِ وَالطَّوْقِ، وَبِهِ صَارَ الثَّوْبُ ثَوْبًا وَلِذَا يُسَمَّى ثَوْبَ ذَهَبٍ، بِخِلَافِ الْمُمَوَّهِ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ لَوْنٍ لَا عَيْنٌ قَائِمَةٌ، وَبِخِلَافِ الْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ فَإِنَّهُ تَبَعٌ مَحْضٌ فَإِنَّ الثَّوْبَ لَا يُسَمَّى بِهِ ثَوْبَ ذَهَبٍ. وَلَا يَرِدُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ الْحِلْيَةَ تَبَعٌ لِلسَّيْفِ أَيْضًا، فَإِنَّ تَبَعِيَّتَهَا لَهُ حَيْثُ دُخُولُهَا فِي مُسَمَّاهُ عُرْفًا، سَوَاءٌ كَانَتْ فِيهِ أَوْ فِي قِرَابِهِ لَكِنَّهَا أَصْلٌ مِنْ حَيْثُ قِيَامُهَا بِذَاتِهَا وَقَصْدُهَا بِالشِّرَاءِ كَطَوْقِ الْجَارِيَةِ، وَلَا كَذَلِكَ عَلَمُ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَهْدَرَ اعْتِبَارَهُ حَتَّى حَلَّ اسْتِعْمَالُهُ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ زَادَ لَوْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ أَنْ يُعْتَبَرَ هُنَا أَيْضًا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَحْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: شُرِطَ التَّقَابُضُ فَقَطْ) أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ تَحَقُّقُ زِيَادَةِ الثَّمَنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: صَحَّ فِيمَا قَبَضَ) لِوُجُودِ شَرْطِ الصَّرْفِ فِيهِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ صَرْفٌ) هَذَا عِلَّةُ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الِاشْتِرَاكِ بُطْلَانُ الْبَيْعِ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ أَوْ هُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ صَحَّ فِيمَا قُبِضَ وَمَا بَعْدَهُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ صَرْفٌ كُلُّهُ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: فَصَحَّ فِيمَا وُجِدَ شَرْطُهُ وَبَطَلَ فِيمَا لَمْ يُوجَدْ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتَيْ الْجَارِيَةِ مَعَ الطَّوْقِ وَالسَّيْفِ مَعَ الْحِلْيَةِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَرْفٌ وَبَيْعٌ فَإِذَا نَقَدَ بَدَلَ الصَّرْفِ صَحَّ فِي الْكُلِّ. (قَوْلُهُ: لِتَعَيُّبِهِ مِنْ قِبَلِهِ) أَيْ لِتَعَيُّبِ الْإِنَاءِ بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي بِصُنْعِهِ بِسَبَبِ عَدَمِ نَقْدِهِ كُلَّ الثَّمَنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ. (قَوْلُهُ: فَيُخَيَّرُ) أَيْ فِي أَخْذِ الْبَاقِي. (قَوْلُهُ: وَإِذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ) أَيْ وَقَدْ كَانَ نَقَدَ كُلَّ الثَّمَنِ. (قَوْلُهُ: لِتَعَيُّبِهِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ) لِأَنَّ عَيْبَ الِاشْتِرَاكِ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْبَائِعِ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ. (قَوْلُهُ: وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ لَا بِإِقْرَارِهِ) أَيْ لَوْ ادَّعَى الْمُسْتَحِقُّ بَعْضَ الْإِنَاءِ فَأَقَرَّ لَهُ بِهِ الْمُشْتَرِي لَا يُخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ ثَبَتَتْ بِصُنْعِهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ النُّكُولَ عَنْ الْيَمِينِ إنْ كَانَ مِنْ الْبَائِعِ فَهُوَ كَالْبَيِّنَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَهُوَ فِي حُكْمِ الْإِقْرَارِ مِنْهُ؛ وَلِذَا لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهِ إذَا نَكَلَ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ. (قَوْلُهُ: اخْتَلَفُوا إلَخْ) فَإِنَّهُ قِيلَ إنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لِلْمُسْتَحِقِّ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْخَصَّافِ، وَقِيلَ لَا مَا لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ، وَقِيلَ مَا لَمْ يَأْخُذْ الْمُسْتَحِقُّ الْعَيْنَ، وَقِيلَ مَا لَمْ يُقْضَ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ. وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَقَدَّمْنَا تَحْرِيرَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ وَالتَّوْفِيقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْفَتْحِ فَرَاجِعْهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَحْسَنُ مِمَّا فِي الْبَحْرِ عَنْ السَّرَّاجِ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ، فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْإِجَازَةُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِالِاسْتِحْقَاقِ لِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 263 (وَكَانَ الثَّمَنُ لَهُ يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَيُسْلِمُهُ لَهُ إذَا لَمْ يَفْتَرِقَا بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَيَصِيرُ الْعَاقِدُ وَكِيلًا لِلْمُجِيزِ فَيُعَلِّقُ أَحْكَامَ الْعَقْدِ بِهِ دُونَ الْمُجِيزِ) حَتَّى يَبْطُلَ الْعَقْدُ بِمُفَارَقَةِ الْعَاقِدِ دُونَ الْمُسْتَحِقِّ جَوْهَرَةٌ. (وَلَوْ بَاعَ قِطْعَةَ نُقْرَةٍ فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا أَخَذَ) الْمُشْتَرِي (مَا بَقِيَ بِقِسْطِهِ بِلَا خِيَارٍ) لِأَنَّ التَّبْعِيضَ لَا يَضُرُّهَا (وَ) هَذَا (لَوْ) كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ (بَعْدَ قَبْضِهَا وَإِنْ قَبْلَ قَبْضِهَا لَهُ الْخِيَارُ) لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ، وَكَذَا الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ جَوْهَرَةٌ (وَصَحَّ بَيْعُ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارٍ بِدِرْهَمٍ وَدِينَارَيْنِ) بِصَرْفِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ جِنْسِهِ (وَ) مِثْلُهُ (بَيْعُ كُرِّ بُرٍّ وَكُرِّ شَعِيرٍ بِكُرَّيْ بُرٍّ وَكُرَّيْ شَعِيرٍ وَ) كَذَا (بَيْعُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدِينَارٍ) . (وَصَحَّ بَيْعُ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ وَدِرْهَمَيْنِ غَلَّةٍ) بِفَتْحٍ وَتَشْدِيدٍ: مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَيَقْبَلُهُ التُّجَّارُ (بِدِرْهَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَدِرْهَمِ غَلَّةٍ) لِلْمُسَاوَاةِ وَزْنًا   [رد المحتار] بِالْحُكْمِ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْخَصَّافِ كَمَا عَلِمْت، وَهِيَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَكَانَ الثَّمَنُ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ كَانَ فُضُولِيًّا فِي بَيْعِ مَا اسْتَحَقَّهُ الْمُسْتَحِقُّ وَتَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِ قَبْلَ الْفَسْخِ، فَإِذَا أَجَازَ نَفَذَ الْعَقْدُ وَكَانَ الثَّمَنُ لَهُ. (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَفْتَرِقَا) أَيْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي، وَهَذَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ جَازَ الْعَقْدُ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْإِجَازَةِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ مَعَ أَنَّ الَّذِي فِي الْجَوْهَرَةِ وَهِيَ لِلْحَدَّادِيِّ صَاحِبِ السِّرَاجِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي السِّرَاجِ وَالْجَوْهَرَةِ حَتَّى لَوْ افْتَرَقَ الْعَاقِدَانِ قَبْلَ إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ بَطَلَ الْعَقْدُ، وَإِنْ فَارَقَهُ الْمُسْتَحِقُّ قَبْلَ الْإِجَازَةِ وَالْمُتَعَاقِدَانِ بَاقِيَانِ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ الْعَقْدُ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ فَيَصِيرُ هَذَا الْفُضُولِيُّ بَعْدَ الْإِجَازَةِ كَأَنَّهُ كَانَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ قَبْلَهَا فَإِنْ حَصَلَ التَّقَابُضُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الِافْتِرَاقِ نَفَذَ الْعَقْدُ بِالْإِجَازَةِ اللَّاحِقَةِ، وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ لَا يَنْفُذُ الْعَقْدُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَكِيلًا حَقِيقَةً قَبْلَ الْعَقْدِ يَفْسُدُ بِالِافْتِرَاقِ بِلَا قَبْضٍ فَكَيْفَ إذَا صَارَ وَكِيلًا بِالْإِجَازَةِ اللَّاحِقَةِ؟ ثُمَّ إذَا حَصَلَ التَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَالْإِجَازَةِ ثُمَّ أَجَازَ نَفَذَ الْعَقْدُ وَإِنْ افْتَرَقَا بَعْدُ، أَمَّا إذَا أَجَازَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَالتَّقَابُضِ، فَلَا بُدَّ مِنْ التَّقَابُضِ بَعْدَهَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ بِالِافْتِرَاقِ بِدُونِ تَقَابُضٍ وَإِنْ أَجَازَ قَبْلَهُ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَ قِطْعَةَ نُقْرَةٍ) بِضَمِّ النُّونِ، وَهِيَ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَالْقَامُوسِ: الْقِطْعَةُ الْمُذَابَةُ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ، وَقَبْلَ الْإِذَابَةِ تُسَمَّى تِبْرًا كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَيُقَالُ نُقْرَةُ فِضَّةٍ عَلَى الْإِضَافَةِ لِلْبَيَانِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّبْعِيضَ لَا يَضُرُّهَا) فَلَمْ يَلْزَمْ عَيْبُ الشَّرِكَةِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَقْطَعَ حِصَّتَهُ مَثَلًا نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ) أَيْ قَبْلَ تَمَامِهَا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ لِتَمَامِهَا بَحْرٌ، وَيُقَالُ فِيمَا إذَا أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ قَبْلَ فَسْخِ الْحَاكِمِ الْعَقْدَ مَا قِيلَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنَاءِ السَّابِقَةِ أَفَادَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ) أَيْ نَظِيرُ النُّقْرَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي ذَلِكَ لَا تُعَدُّ عَيْبًا كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ مِنَحٌ عَنْ الْجَوْهَرَةِ: أَيْ لَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ لَا يُخَيَّرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْبًا، قَالَ ط لِإِمْكَانِ صَرْفِهِ وَاسْتِيفَاءِ كُلِّ حَقِّهِ مِنْ بَدَلِهِ. (قَوْلُهُ: بِصَرْفِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ جِنْسِهِ) أَيْ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ: كَمَا لَوْ بَاعَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِهِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: بَاعَ عَشَرَةً وَثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَثَوْبٍ وَافْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الدَّرَاهِمِ، وَلَوْ صَرَفَ الْجِنْسَ إلَى خِلَافِ جِنْسِهِ لَمْ يَبْطُلْ، وَلَكِنْ قُبِلَ فِي الْعُقُودِ لِلتَّصْحِيحِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَا يُحْتَاجُ لِلْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ اهـ بَحْرٌ: أَيْ لِأَنَّ الْفَسَادَ هُنَا عَرَضَ بِالِافْتِرَاقِ قَبْلَ قَبْضٍ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا بَيْعُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا إلَخْ) فَتَكُونُ الْعَشَرَةُ بِالْعَشَرَةِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّينَارِ، وَأَرْدَفَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَإِنْ عُلِمَتْ مِمَّا قَبْلَهَا لِبَيَانِ أَنَّ صَرْفَ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ جِنْسِهِ، لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يُوجَدَ الْجِنْسَانِ فِي كُلٍّ مِنْ الْبَدَلَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: بِفَتْحٍ وَتَشْدِيدٍ) أَيْ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ. (قَوْلُهُ: وَمَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ) أَيْ لَا لِزِيَافَتِهَا بَلْ لِكَوْنِهَا قَطْعًا عَزْمِيٌّ عَنْ النِّهَايَةِ، وَفِيهِ تَوْفِيقٌ بَيْنَ تَفْسِيرِهَا بِمَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَتَفْسِيرِهَا بِالدَّرَاهِمِ الْمُقَطَّعَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 264 وَعَدَمِ اعْتِبَارِ الْجَوْدَةِ. (وَ) صَحَّ (بَيْعُ مَنْ عَلَيْهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) دَيْنٌ (مِمَّنْ هِيَ لَهُ) أَيْ مِنْ دَائِنِهِ فَصَحَّ بَيْعُهُ مِنْهُ (دِينَارًا بِهَا) اتِّفَاقًا، وَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ إذْ لَا رِبَا فِي دَيْنٍ سَقَطَ (أَوْ) بَيْعُهُ (بِعَشَرَةٍ مُطْلَقَةٍ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ (إنْ دَفَعَ) الْبَائِعُ (الدِّينَارَ) لِلْمُشْتَرِي (وَتَقَاصَّا الْعَشَرَةَ) الثَّمَنَ (بِالْعَشَرَةِ) الدَّيْنِ أَيْضًا اسْتِحْسَانًا. (وَمَا غَلَبَ فِضَّتُهُ وَذَهَبُهُ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ) -   [رد المحتار] [مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ بَيْعِ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ قَلِيلَةٍ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ لِإِسْقَاطِ الرِّبَا] [تَنْبِيهٌ] فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ تَبَايَعَا فِضَّةً بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ وَمَعَ أَقَلِّهِمَا شَيْءٌ آخَرُ تَبْلُغُ قِيمَتَهُ بَاقِي الْفِضَّةِ جَازَ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ فَمَعَ الْكَرَاهَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ لِتَحَقُّقِ الرِّبَا إذْ الزِّيَادَةُ لَا يُقَابِلُهَا عِوَضٌ فَتَكُونُ رِبًا اهـ، وَصَرَّحَ فِي الْإِيضَاحِ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ لَا بَأْسَ، وَفِي الْمُحِيطِ: إنَّمَا كَرِهَهُ مُحَمَّدٌ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَأْلَفَهُ النَّاسُ وَيَسْتَعْمِلُوهُ فِيمَا لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ لِأَنَّهُمَا بَاشَرَا الْحِيلَةَ لِإِسْقَاطِ الرِّبَا كَبَيْعِ الْعِينَةِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ اهـ بَحْرٌ. وَأَوْرَدَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَزِمَ أَنْ يُكْرَهَ فِي مَسْأَلَةِ الدِّرْهَمَيْنِ وَالدِّينَارِ بِدِرْهَمٍ وَدِينَارَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِجَوَابٍ اعْتَرَضَهُ فِي الْفَتْحِ ثُمَّ قَالَ: وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ هُنَاكَ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِيهِ ثُمَّ ذَكَرَ أَصْلًا كُلِّيًّا يُفِيدُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا عَلَى الْكَرَاهَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ بِلَا ذِكْرِ خِلَافٍ اهـ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَيْعِ الْعِينَةِ آخِرَ الْبَابِ وَفِي الْكَفَالَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ الرِّبَا. (قَوْلُهُ: مِمَّنْ هِيَ لَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِبَيْعِ. (قَوْلُهُ: فَصَحَّ بَيْعُهُ مِنْهُ) هَذَا وَإِنْ عَلِمَ لَكِنْ كَرَّرَهُ لِيُبَيِّنَ أَنَّ قَوْلَهُ دِينَارًا مَفْعُولُ بَيْعِ، وَكَانَ الْأَوْضَحُ وَالْأَخْصَرُ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَصَحَّ بَيْعُ دِينَارٍ بِعَشَرَةٍ عَلَيْهِ أَوْ مُطْلَقَةٍ مِمَّنْ هِيَ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ) أَيْ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى إرَادَتِهِمَا لَهَا، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ، وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهُ جَعَلَ ثَمَنَهُ دَرَاهِمَ لَا يَجِبُ قَبْضُهَا وَلَا تَعْيِينُهَا بِالْقَبْضِ وَذَلِكَ جَائِزٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الرِّبَا أَيْ رِبَا النَّسِيئَةِ وَلَا رِبَا فِي دَيْنٍ سَقَطَ إنَّمَا الرِّبَا فِي دَيْنٍ يَقَعُ الْخَطَرُ فِي عَاقِبَتِهِ؛ وَلِذَا لَوْ تَصَارَفَانِ دَرَاهِمَ دَيْنًا بِدَنَانِيرَ دَيْنًا صَحَّ لِفَوَاتِ الْخَطَرِ. (قَوْلُهُ: إنْ دَفَعَ الْبَائِعُ الدِّينَارَ) قَيَّدَ فِي الصُّورَتَيْنِ ط عَنْ مَكِّيٍّ. (قَوْلُهُ: وَتَقَاصَّا الْعَشَرَةَ) قَيْدٌ فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: بِالْعَشَرَةِ الدَّيْنِ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِكَوْنِهِ اسْتِبْدَالًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ بِالتَّقَابُضِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ وَانْعَقَدَ صَرْفٌ آخَرُ مُضَافٌ إلَى الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا غَيَّرَا مُوجِبَ الْعَقْدِ فَقَدْ فَسَخَاهُ إلَى آخِرِ مَا اقْتَضَاهُ، كَمَا لَوْ جُدِّدَ الْبَيْعُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، كَذَا قَالُوا وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ، وَأَطْلَقَ فِي الْعَشَرَةِ الدَّيْنِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ عَقْدِ الصَّرْفِ أَوْ حَدَثَتْ بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ، فَإِذَا اسْتَقْرَضَ بَائِعُ الدِّينَارِ عَشَرَةً مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ غَصَبَ مِنْهُ فَقَدْ صَارَ قِصَاصًا وَلَا يُحْتَاجُ إلَى التَّرَاضِي؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ الْقَبْصُ بَحْرٌ مُلَخَّصًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، إذْ فِي الْمُقَيَّدَةِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ حَادِثًا؛ لِأَنَّ فَرْضَهَا أَنْ يَبِيعَ الدِّينَارَ بِعَشَرَةٍ عَلَيْهِ، فَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ ذِكْرِ ذَلِكَ فِي الْأَوْلَى سَبْقُ قَلَمٍ فَتَنَبَّهْ. ثُمَّ قَالَ الْبَحْرُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا حَدَثَ بَعْدَ الصَّرْفِ، فَإِنْ كَانَ بِقَرْضٍ أَوْ غَصْبٍ وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ وَإِنْ لَمْ يَتَقَاصَّا وَإِنْ حَدَثَ بِالشِّرَاءِ بِأَنْ بَاعَ مُشْتَرِي الدِّينَارِ مِنْ بَائِعِ الدِّينَارِ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ إنْ لَمْ يَجْعَلَاهُ قِصَاصًا لَا يَصِيرُ قِصَاصًا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَإِنْ جَعَلَاهُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ذَخِيرَةٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 265 حُكْمًا (فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْخَالِصِ بِهِ، وَلَا بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إلَّا مُتَسَاوِيًا وَزْنًا وَ) كَذَا (لَا يَصِحُّ الِاسْتِقْرَاضُ بِهَا إلَّا وَزْنًا) كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (وَالْغَالِبُ) عَلَيْهِ (الْغِشُّ مِنْهُمَا فِي حُكْمِ عُرُوضٍ) اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ (فَصَحَّ بَيْعُهُ بِالْخَالِصِ إنْ كَانَ الْخَالِصُ أَكْثَرَ) مِنْ الْمَغْشُوشِ لِيَكُونَ قَدْرُهُ بِمِثْلِهِ وَالزَّائِدُ بِالْغِشِّ كَمَا مَرَّ (وَبِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا) وَزْنًا وَعَدَدًا بِصَرْفِ الْجِنْسِ لِخِلَافِهِ (بِشَرْطِ التَّقَابُضِ) قَبْلَ الِافْتِرَاقِ (فِي الْمَجْلِسِ) فِي الصُّورَتَيْنِ   [رد المحتار] [مَطْلَبُ مَسَائِلَ فِي الْمُقَاصَّةِ] وَمِنْ مَسَائِلِ الْمُقَاصَّةِ مَا لَوْ كَانَ لِلْمُودَعِ عَلَى صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ دَيْنٌ مِنْ جِنْسِهَا لَمْ تَصِرْ قِصَاصًا بِهِ إلَّا إذَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَكَانَتْ فِي يَدِهِ أَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَأَخَذَهَا وَالْمَغْصُوبُ كَالْوَدِيعَةِ، وَكَذَلِكَ لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ مَا لَمْ يَتَقَاصَّا لَوْ كَانَ الدَّيْنَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ أَوْ مُتَفَاوِتَيْنِ فِي الْوَصْفِ، أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا حَالًّا وَالْآخَرُ مُؤَجَّلًا أَوْ أَحَدُهَا غَلَّةٌ وَالْآخَرُ صَحِيحًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَإِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ وَتَقَاصَّا كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَلِلْمَدْيُونِ مِائَةُ دِينَارٍ عَلَيْهِ فَإِذَا تَقَاصَّا تَصِيرُ الدَّرَاهِمُ قِصَاصًا بِمِائَةٍ مِنْ قِيمَةِ الدَّنَانِيرِ وَيَبْقَى لِصَاحِبِ الدَّنَانِيرِ عَلَى صَاحِبِ الدَّرَاهِمِ مَا بَقِيَ مِنْهَا ظَهِيرِيَّةٌ وَدَيْنُ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ لَا يَقَعُ قِصَاصًا بِدَيْنٍ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا إلَّا بِالتَّرَاضِي، بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّ دَيْنَ النَّفَقَةِ أَدْنَى، فُرُوقُ الْكَرَابِيسِيِّ اهـ مُلَخَّصًا، قَالَ: وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ مَسَائِلِ الْمُقَاصَّةِ فِي بَابِ أُمِّ الْوَلَدِ. (قَوْلُهُ: حُكْمًا) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْمُبْتَدَإِ: أَيْ حُكْمُ مَا غَلَبَ فِضَّتُهُ وَذَهَبُهُ حُكْمُ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ الْخَالِصَيْنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النُّقُودَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ غِشٍّ لِلِانْطِبَاعِ وَقَدْ يَكُونُ خِلْقِيًّا كَمَا فِي الرَّدِيءِ فَيُعْتَبَرُ الْقَلِيلُ بِالرَّدِيءِ فَيَكُونُ كَالْمُسْتَهْلَكِ ط. (قَوْلُهُ: الِاسْتِقْرَاضُ بِهَا) الْأَوْضَحُ اسْتِقْرَاضُهُ ط وَبِهِ عَبَّرَ فِي الْمُلْتَقَى. (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ) لَمْ أَرَهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَابِ الْقَرْضِ. (قَوْلُهُ: فِي حُكْمِ عُرُوضٍ) الْأَوْلَى تَعْبِيرُ الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ لَيْسَ فِي حُكْمِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِيهَا الِاعْتِبَارُ وَالتَّقَابُضُ، وَلَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ إنْ رَاجَتْ. (قَوْلُهُ: اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ الْخَالِصُ أَكْثَرَ مِنْ الْمَغْشُوشِ) أَيْ أَكْثَرَ مِنْ الْخَالِصِ الَّذِي خَالَطَهُ الْغِشُّ. وَالْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الْمَغْشُوشِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي كُلِّ دَرَاهِمَ غَالِبَةِ الْغِشِّ، بَلْ إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ الْمَغْلُوبَةُ بِحَيْثُ لَا تَتَخَلَّصُ مِنْ النُّحَاسِ إذَا أُرِيدَ ذَلِكَ. أَمَّا إذَا كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تَتَخَلَّصُ لِقِلَّتِهَا بَلْ تَحْتَرِقُ لَا عِبْرَةَ بِهَا أَصْلًا بَلْ تَكُونُ كَالْمُمَوَّهَةِ لَا تُعْتَبَرُ وَلَا تُرَاعَى فِيهَا شَرَائِطُ الصَّرْفِ، وَإِنَّمَا هُوَ كَاللَّوْنِ، وَقَدْ كَانَ فِي أَوَائِلِ سَبْعِمِائَةٍ فِي فِضَّةِ دِمَشْقَ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَمَشَايِخُنَا يَعْنِي مَشَايِخَ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ مِنْ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ لَمْ يُفْتُوا بِجَوَازِ ذَلِكَ أَيْ بَيْعِهَا بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا فِي الْعَدَالَى وَالْغَطَارِفَةِ مَعَ أَنَّ الْغِشَّ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ الْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَعَزُّ الْأَمْوَالِ فِي دِيَارِنَا، فَلَوْ أُبِيحَ التَّفَاضُلُ فِيهَا يَنْفَتِحُ بَابُ الرِّبَا الصَّرِيحِ فَإِنَّ النَّاسَ حِينَئِذٍ يَعْتَادُونَ فِي الْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ فَيَتَدَرَّجُونَ ذَلِكَ فِي النُّقُودِ الْخَالِصَةِ فَمُنِعَ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِالْجَوَازِ فِي الْغَطَارِفَةِ؛ لِأَنَّهَا أَعَزُّ الْأَمْوَالِ وَعَلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْفَضْلِيُّ. (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ، بَحْرٌ، وَهَذِهِ مَرَّتْ فِي بَابِ الرِّبَا، وَيُحْتَمَلُ كَوْنُ التَّشْبِيهِ رَاجِعًا إلَى مَا فِي الْمَتْنِ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْخَالِصِ أَكْثَرَ، وَمُرَادُهُ بِمَا مَرَّ مَسْأَلَةُ حِلْيَةِ السَّيْفِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَزْنًا وَعَدَدًا) أَيْ عَلَى حَسَبِ حَالِهَا فِي الزَّوَاجِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: ثُمَّ إنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِالْوَزْنِ فَالتَّتَابُعُ وَالِاسْتِقْرَاضُ فِيهَا بِالْوَزْنِ، وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِالْعَدِّ فَبِالْعَدِّ، وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِهِمَا فَبِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمُعْتَادُ فِيهَا إذَا لَمْ يَكُنْ نَصٌّ اهـ، وَيَأْتِي قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: بِصَرْفِ الْجِنْسِ لِخِلَافِهِ) أَيْ بِأَنْ يَصْرِفَ فِضَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى غِشِّ الْآخَرِ. (قَوْلُهُ: فِي الصُّورَتَيْنِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 266 لِضَرَرِ التَّمْيِيزِ (وَإِنْ كَانَ الْخَالِصُ مِثْلَهُ) أَيْ مِثْلَ الْمَغْشُوشِ (أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ لَا يُدْرَى فَلَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ لِلرِّبَا فِي الْأَوَّلَيْنِ وَلِاحْتِمَالِهِ فِي الثَّالِثِ (وَهُوَ) أَيْ الْغَالِبُ الْغِشِّ (لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ إنْ رَاجَ) لِثَمَنِيَّتِهِ حِينَئِذٍ (وَإِلَّا) يَرُجْ (تَعَيَّنَ بِهِ) كَسِلْعَةٍ وَإِنْ قَبِلَهُ الْبَعْضُ فَكَزُيُوفٍ فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِجِنْسِهِ زَيْفًا إنْ عَلِمَ الْبَائِعُ بِحَالِهِ وَإِلَّا فَبِجِنْسِهِ جَيِّدٌ. (وَ) صَحَّ (الْمُبَايَعَةُ وَالِاسْتِقْرَاضُ بِمَا يَرُوجُ مِنْهُ) عَمَلًا بِالْعُرْفِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ، فَإِنْ رَاجَ (وَزْنًا) فِيهِ (أَوْ عَدَدًا) فِيهِ (أَوْ بِهِمَا) فَبِكُلٍّ مِنْهُمَا (وَالْمُتَسَاوِي) غِشُّهُ وَفِضَّتُهُ وَذَهَبُهُ (كَالْغَالِبِ الْفِضَّةِ) وَالذَّهَبِ (فِي تَبَايُعٍ وَاسْتِقْرَاضٍ) فَلَمْ يَجُزْ إلَّا بِالْوَزْنِ إلَّا إذَا أَشَارَ إلَيْهِمَا -   [رد المحتار] أَيْ صُورَةِ بَيْعِهِ بِالْخَالِصِ وَصُورَةِ بَيْعِهِ بِجِنْسِهِ. (قَوْلُهُ: لِضَرَرِ التَّمْيِيزِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِي الْبَعْضِ لِوُجُودِ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْغِشِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ إلَّا بِضَرَرٍ اهـ. فَالْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ لِاشْتِرَاطِ قَبْضِ الْغِشِّ، فَاشْتِرَاطُ قَبْضِهِ لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ عَنْ الْخَالِصِ الَّذِي فِيهِ الْمَشْرُوطُ قَبْضُهُ لِذَاتِهِ، لَا يُقَالُ: إنَّ النُّحَاسَ الَّذِي هُوَ الْغِشُّ مَوْزُونٌ أَيْضًا فَقَدْ وُجِدَ فِيهِ الْقَدْرُ فَيُشْتَرَطُ قَبْضُهُ لِذَاتِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ وَزْنُ الدَّرَاهِمِ غَيْرُ وَزْنِ النُّحَاسِ وَنَحْوِهِ فَلَمْ يَجْمَعْهُمَا قَدْرٌ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُ الْقُطْنِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُوزَنُ إلَّا إذَا كَانَ ثَمَنُهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ مَقْبُوضًا فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْغِشَّ لَوْ كَانَ فِضَّةً فِي ذَهَبٍ فَالشَّرْطُ قَبْضُ الْكُلِّ لِذَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِي الْكُلِّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْخَالِصُ مِثْلَهُ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ إنْ كَانَ الْخَالِصُ أَكْثَرَ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعَةٌ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْخَالِصُ أَكْثَرَ أَوْ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ أَوْ لَا يُدْرَى، فَيَصِحُّ فِي الْأُولَى فَقَطْ دُونَ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ كَمَا مَرَّ فِي بَيْعِ السَّيْفِ مَعَ حِلْيَتِهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ مِثْلَ الْمَغْشُوشِ) أَيْ الَّذِي اخْتَلَطَ بِالْغِشِّ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ) أَيْ لَا فِي الْفِضَّةِ وَلَا فِي النُّحَاسِ أَيْضًا إذَا كَانَ لَا تَتَخَلَّصُ الْفِضَّةُ إلَّا بِضَرَرٍ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لِلرِّبَا فِي الْأَوَّلَيْنِ) بِزِيَادَةِ الْغِشِّ فِي الْأَوَّلِ وَزِيَادَتِهِ مَعَ بَعْضِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ فِي الثَّانِي ط. (قَوْلُهُ: وَلِاحْتِمَالِهِ فِي الثَّالِثِ) وَلِلشُّبْهَةِ فِي الرِّبَا حُكْمُ الْحَقِيقَةِ ط. (قَوْلُهُ: لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ) فَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْت بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَلَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا وَيَدْفَعَ غَيْرَهَا مِثْلَهُ. (قَوْلُهُ: لِثَمَنِيَّتِهِ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذَا كَانَ رَائِجًا؛ لِأَنَّهُ بِالِاصْطِلَاحِ صَارَ أَثْمَانًا، فَمَا دَامَ ذَلِكَ الِاصْطِلَاحُ مَوْجُودًا لَا تَبْطُلُ الثَّمَنِيَّةُ لِقِيَامِ الْمُقْتَضِي بَحْرٌ، فَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: تَعَيَّنَ بِهِ) أَيْ بِالتَّعْيِينِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ فِي الْأَصْلِ سِلْعَةٌ وَإِنَّمَا صَارَتْ أَثْمَانًا بِالِاصْطِلَاحِ، فَإِذَا تَرَكُوا الْمُعَامَلَةَ بِهَا رَجَعَتْ إلَى أَصْلِهَا بَحْرٌ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ، هَذَا إذَا كَانَا يَعْلَمَانِ بِحَالِهَا وَيَعْلَمُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ الْآخَرَ يَعْلَمُ، فَإِنْ كَانَا لَا يَعْلَمَانِ أَوْ لَا يَعْلَمُ أَحَدُهُمَا أَوْ يَعْلَمَانِ وَلَا يَعْلَمُ كُلٌّ أَنَّ الْآخَرَ يَعْلَمُ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَتَعَلَّقُ بِالدَّرَاهِمِ الرَّائِجَةِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ لَا بِالْمُشَارِ إلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي لَا تَرُوجُ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ الْبَائِعُ بِحَالِهِ) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ وَأَدْرَجَ نَفْسَهُ فِي الْبَعْضِ الَّذِينَ يَقْلِبُونَهَا فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ بِحَالِ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ أَوْ بَاعَهُ بِهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا جِيَادٌ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِالْجِيَادِ لِعَدَمِ الرِّضَا بِهَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: بِمَا يَرُوجُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الَّذِي غَلَبَ غِشُّهُ. (قَوْلُهُ: عَمَلًا بِالْعُرْفِ إلَخْ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَبِكُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ اعْتِبَارَ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدَدِ أَوْ كُلٍّ مِنْهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ فَالْبَيْعُ وَالِاسْتِقْرَاضُ بِالْوَزْنِ. (قَوْلُهُ: وَذَهَبُهُ) الْأَوْلَى عَطْفُهُ بِأَوْ. (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَجُزْ إلَّا بِالْوَزْنِ) بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ الرَّدِيئَةِ؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ فِيهَا مَوْجُودَةٌ حَقِيقَةً وَلَمْ تَصِرْ مَغْلُوبَةً فَيَجِبُ الِاعْتِبَارُ بِالْوَزْنِ شَرْعًا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أَشَارَ إلَيْهِمَا) أَيْ إلَى الْمُتَسَاوِي وَغَالِبِ الْفِضَّةِ أَيْ فِي الْمُبَايَعَةِ فَيَكُونُ بَيَانًا لِقَدْرِهِمَا وَوَصْفِهَا وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَيُعْطِهِ مِثْلَهَا لِكَوْنِهَا ثَمَنًا لَمْ تَتَعَيَّنْ بَحْرٌ، وَأَفَادَ أَنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 267 كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ (وَ) أَمَّا (فِي الصَّرْفِ) فَ (كَغَالِبِ غِشٍّ) فَيَصِحُّ بِالِاعْتِبَارِ الْمَارِّ (اشْتَرَى شَيْئًا بِهِ) بِغَالِبِ الْغِشِّ وَهُوَ نَافِقٌ (أَوْ بِفُلُوسٍ نَافِقَةٍ فَكَسَدَ) ذَلِكَ (قَبْلَ التَّسْلِيمِ) لِلْبَائِعِ (بَطَلَ الْبَيْعُ، كَمَا لَوْ انْقَطَعَتْ) عَنْ أَيْدِي النَّاسِ فَإِنَّهُ كَالْكَسَادِ، وَكَذَا حُكْمُ الدَّرَاهِمِ لَوْ كَسَدَتْ أَوْ انْقَطَعَتْ بَطَلَ وَصَحَّحَاهُ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ، وَبِهِ يُفْتَى رِفْقًا بِالنَّاسِ بَحْرٌ وَحَقَائِقُ. (وَحَدُّ الْكَسَادِ) (أَنْ تُتْرَكَ الْمُعَامَلَةُ بِهَا فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ) فَلَوْ رَاجَتْ فِي بَعْضِهَا لَمْ يَبْطُلْ -   [رد المحتار] فِي الِاسْتِقْرَاضِ لَا يَجُوزُ إلَّا وَزْنًا وَإِنْ أَشَارَ إلَيْهَا. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ) أَيْ كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَى الدَّرَاهِمِ الْخَالِصَةِ مِنْ الْغِشِّ، وَعِبَارَةُ النَّهْرِ كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَى الْجِيَادِ اهـ أَيْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْهَا بِلَا وَزْنٍ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ بِالِاعْتِبَارِ الْمَارِّ) أَيْ إذَا بِيعَتْ بِجِنْسِهَا بِصَرْفِ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ جِنْسِهِ: أَيْ بِأَنْ يَصْرِفَ مَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْغِشِّ إلَى مَا فِي الْآخَرِ مِنْ الْفِضَّةِ كَمَا مَرَّ فِي الْغَالِبِ غِشُّهُ، وَظَاهِرُهُ جَوَازُ التَّفَاضُلِ هُنَا أَيْضًا، لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَفِي الْخَانِيَّةِ إنْ كَانَ نِصْفُهَا صُفْرًا وَنِصْفُهَا فِضَّةً لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ فِيمَا إذَا بِيعَتْ بِجِنْسِهَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ هُنَا، وَوَجْهُهُ أَنَّ فِضَّتَهَا لَمَّا لَمْ تَصِرْ مَغْلُوبَةً جُعِلَتْ كَأَنَّ كُلَّهَا فِضَّةً فِي حَقِّ الصَّرْفِ احْتِيَاطًا اهـ، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ. وَظَاهِرُهُ اعْتِمَادُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ تَأَمَّلْ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَوْ بَاعَهَا بِالْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ لَا يَجُوزُ حَتَّى تَكُونَ الْخَالِصَةُ أَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ مِنْ الْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا غَلَبَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُمَا، فَصَارَ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ فِضَّةٍ وَقِطْعَةِ نُحَاسٍ فَبَاعَهُمَا بِمِثْلِهِمَا أَوْ بِفِضَّةٍ فَقَطْ اهـ وَقَوْلُهُ لَا غَلَبَةَ لِأَحَدِهِمَا أَيْ لِوَاحِدٍ مِنْ الْغِشِّ وَالْفِضَّةِ وَاَلَّتِي فِيهِ الْمُسَاوِيَةِ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ نَافِقٌ) أَيْ رَائِجٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ. (قَوْلُهُ: فَكَسَدَ) مِنْ بَابِ قَتَلَ أَيْ لَمْ يُنْفَقْ لِقِلَّةِ الرَّغَبَاتِ فِيهِ مِصْبَاحٌ. (قَوْلُهُ: ذَلِكَ) أَفَادَ بِهِ أَنَّ إفْرَادَ الضَّمِيرِ فِي كَسَدَ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ، وَفِيهِ أَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ وَالْأَوْلَى فِيهِ الْإِفْرَادُ ط. (قَوْلُهُ: قَبْلَ التَّسْلِيمِ لِلْبَائِعِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَهَا وَلَوْ فُضُولِيًّا فِيهِ فَكَسَدَتْ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ لَهُ نَهْرٌ، وَسَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ. وَفِي النَّهْرِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ نَقَدَ بَعْضَ الثَّمَنِ دُونَ بَعْضٍ فَسَدَ فِي الْبَاقِي. (قَوْلُهُ: بَطَلَ الْبَيْعُ) أَيْ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي فَسْخُهُ كَمَا يَأْتِي مَعَ مَا فِيهِ، وَوَجْهُ بُطْلَانِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الثَّمَنَ يَهْلَكُ بِالْكَسَادِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ بِالِاصْطِلَاحِ وَلَمْ يَبْقَ فَبَقِيَ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ فَيَبْطُلُ، فَإِذَا بَطَلَ يَجِبُ رَدُّ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ هَالِكًا كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ كَالْكَسَادِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ: لَوْ انْقَطَعَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قِيمَتُهُ فِي آخِرِ يَوْمٍ انْقَطَعَ هُوَ الْمُخْتَارُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: الِانْقِطَاعُ كَالْكَسَادِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ رَمْلِيٌّ عَنْ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا حُكْمُ الدَّرَاهِمِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَقَالَ مُحَشِّيهِ الرَّمْلِيُّ: أَيْ الدَّرَاهِمُ الَّتِي لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهَا الْغِشُّ، فَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى غَالِبِ الْغِشِّ وَالْفُلُوسِ لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ فِيهِمَا دُونَ الْجَيِّدَةِ تَأَمَّلْ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ بُطْلَانَ الْبَيْعِ فِي كَسَادِ غَالِبِ الْغِشِّ وَالْفُلُوسِ مُعَلَّلٌ عِنْدَ الْإِمَامِ بِبُطْلَانِ الثَّمَنِيَّةِ فَبَقِيَ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجِيَادَ لَا تَبْطُلُ ثَمَنِيَّتُهَا بِالْكَسَادِ؛ لِأَنَّ ثَمَنِيَّتَهَا بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ لَا بِالْإِصْلَاحِ، فَلَا وَجْهَ لِبُطْلَانِهِ عِنْدَهُ بِكَسَادِ الْجِيَادِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْبَحْرِ بِالدَّرَاهِمِ غَالِبَةُ الْغِشِّ، لَكِنَّهُ مُكَرَّرٌ بِمَا فِي الْمَتْنِ تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتْحِ قَالَ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الثَّمَنَ يَهْلَكُ بِالْكَسَادِ؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْفُلُوسِ وَالدَّرَاهِمِ الْغَالِبَةِ الْغِشُّ بِالِاصْطِلَاحِ لَا بِالْخِلْقَةِ، بِخِلَافِ النَّقْدَيْنِ فَإِنَّ مَالِيَّتَهَا بِالْخِلْقَةِ لَا بِالِاصْطِلَاحِ اهـ، نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ هَذَا فِي النَّقْدِ الْخَالِصِ وَالْمَغْشُوشَةُ الَّتِي غَلَبَتْ فِضَّتُهَا تُخَالِفُهُ، لَكِنْ قَدْ مَرَّ أَنَّهَا كَالْخَالِصَةِ؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ قَلَّمَا تَنْطَبِعُ إلَّا بِقَلِيلِ غِشٍّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا قُلْنَا أَوَّلًا فَتَأَمَّلْ، وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبُيُوعِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبِثَمَنٍ حَالٍّ مُؤَجَّلٍ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَاهُ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ) صَوَابُهُ بِقِيمَةِ الثَّمَنِ سَائِحَانِيٌّ أَوْ بِقِيمَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 268 بَلْ يَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ لِتَعَيُّبِهَا (وَ) حَدُّ (الِانْقِطَاعِ عَدَمُ وُجُودِهِ فِي السُّوقِ وَإِنْ وُجِدَ فِي أَيْدِي الصَّيَارِفَةِ) وَ (فِي الْبُيُوتِ) كَذَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَابْنُ الْمَلَكِ بِالْعَطْفِ خِلَافًا لِمَا فِي نُسَخِ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ عَزَاهُ لِلْهِدَايَةِ، وَلَمْ أَرَهُ فِيهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ رَاجَتْ قَبْلَ فَسْخِ الْبَائِعِ الْبَيْعَ عَادَ جَائِزٌ لِعَدَمِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ بِلَا فَسْخٍ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَطَلَ الْبَيْعُ: أَيْ ثَبَتَ لِلْبَائِعِ وِلَايَةُ فَسْخِهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (وَ) قَيَّدَ بِالْكَسَادِ؛ لِأَنَّهُ (لَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ) إجْمَاعًا وَلَا يَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ (وَ) عَكْسُهُ (وَلَوْ غَلَتْ قِيمَتُهَا وَازْدَادَتْ فَكَذَلِكَ الْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ، وَلَا يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي وَيُطَالَبُ بِنَقْدِ ذَلِكَ الْعِيَارِ الَّذِي كَانَ) وَقَعَ (وَقْتَ الْبَيْعِ) فَتْحٌ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ (لَوْ بَاعَ دَلَّالٌ) وَكَذَا فُضُولِيٌّ (مَتَاعَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ وَاسْتَوْفَاهَا فَكَسَدَتْ قَبْلَ دَفْعِهَا إلَى رَبِّ الْمَتَاعِ لَا يَفْسُدُ   [رد المحتار] الْهَالِكِ ط: قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا يَبْطُلُ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْبَيْعِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْبَيْعِ كَقَوْلِهِ فِي الْمَغْصُوبِ إذَا هَلَكَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ يَوْمَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ قِيمَتُهَا آخِرَ مَا تَعَامَلَ النَّاسُ بِهَا وَهُوَ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ؛ لِأَنَّهُ أَوَانُ الِانْتِقَالِ إلَى الْقِيمَةِ. وَفِي الْمُحِيطِ وَالتَّتِمَّةِ وَالْحَقَائِقِ بِهِ يُفْتَى رِفْقًا بِالنَّاسِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْبَحْرِ. وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: بَلْ يَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ لِتَعَيُّبِهَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ لَا يَبْطُلُ لَكِنَّهُ تَعَيُّبٌ إذَا لَمْ تُرْجَ فِي بَلَدِهِمْ فَيَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ اهـ. وَمُفَادُهُ أَنَّ التَّخْيِيرَ خَاصٌّ بِمَا إذَا كَانَ الْكَسَادُ فِي بَلَدِ الْعَقْدِ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَا فِي نُسَخِ الْمُصَنِّفِ) حَيْثُ قَالَ فِي الْبُيُوتِ بِدُونِ عَطْفٍ. (قَوْلُهُ: لَوْ رَاجَتْ) أَيْ بَعْدَ الْكَسَادِ. (قَوْلُهُ: عَادَ جَائِزًا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَقِيَ عَلَى الصِّحَّةِ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: أَيْ ثَبَتَ لِلْبَائِعِ وِلَايَةُ فَسْخِهِ) هَذَا تَفْسِيرُ الْمَحْذُوفِ وَهُوَ مُؤَوَّلٌ وَذَلِكَ الْمَحْذُوفُ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ وَهُوَ قَوْلُ ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْبَحْرِ اسْتِدْلَالًا بِعِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِيهَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ، فَفِي الْفَتْحِ: لَوْ اشْتَرَى مِائَةَ فَلْسٍ بِدِرْهَمٍ فَكَسَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ كَسَادَهَا كَهَلَاكِهَا، وَهَلَاكُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إنَّمَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ إذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي إبْطَالَهُ فَسْخًا؛ لِأَنَّ فَسَادَهَا كَعَيْبٍ فِيهَا وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ إذَا حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ قَبْلَ الْقَبْضِ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ الْخِيَارُ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ: لَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا) أَيْ قِيمَةُ غَالِبَةِ الْغِشِّ وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ فِي غَالِبَةِ الْفِضَّةِ بِالْأَوْلَى أَفَادَهُ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ. (قَوْلُهُ: وَعَكْسُهُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَيُطَالَبُ بِنَقْدِ ذَلِكَ الْعِيَارِ) أَيْ بِدَفْعِ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَلَا يَنْظُرُ إلَى مَا عَرَضَ بَعْدَهُ مِنْ الْغَلَاءِ أَوْ الرُّخْصِ، وَهَذَا عَزَاهُ الشَّارِحُ إلَى الْفَتْحِ وَمِثْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمُرَادُ مِمَّا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ والإسبيجابي مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمِثْلُ وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْقِيمَةِ، فَمُرَادُهُ بِالْمِثْلِ الْمِقْدَارُ تَأَمَّلْ وَفِيهِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ عَنْ الْمُنْتَقَى: غَلَبَ الْفُلُوسُ الْقَرْضَ أَوْ رَخُصَتْ فَعِنْدَ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَوَّلًا لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا وَقَالَ الثَّانِي ثَانِيًا عَلَيْهِ قِيمَتُهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ يَوْمَ الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى: أَيْ يَوْمَ الْبَيْعِ فِي الْبَيْعِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ فِي الْقَرْضِ، وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ، فَهَذَا تَرْجِيحٌ لِخِلَافِ مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ، وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ الْقَرْضِ وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَسَادِ وَالرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ فِي لُزُومِ الْقِيمَةِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا فُضُولِيٌّ) يَعْنِي غَيْرَ دَلَّالٍ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّلَّالَ إذَا بَاعَ بِغَيْرِ إذْنٍ كَانَ فُضُولِيًّا وَلَعَلَّهُ زَادَهُ؛ لِأَنَّ الدَّلَّالَ فِي الْعَادَةِ يَبِيعُ بِالْإِذْنِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى اشْتِقَاقِهِ مِنْ الدَّلَالَةِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ الْبَائِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ بِالْعَكْسِ لِيَتَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ فَزَادَ قَوْلَهُ أَوْ فُضُولِيٌّ لِيُنَاسِبَ قَوْلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 269 الْبَيْعُ) لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ لَهُ عَيْنِيٌّ وَغَيْرُهُ. (وَصَحَّ الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ) وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ كَالدَّرَاهِمِ (وَبِالْكَاسِدَةِ لَا حَتَّى بِعَيْنِهَا) كَسِلَعٍ (وَيَجِبُ) عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ (رَدُّ) مِثْلِ (أَفْلُسِ الْقَرْضِ وَإِذَا كَسَدَتْ) وَأَوْجَبَ مُحَمَّدٌ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْكَسَادِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بَزَّازِيَّةٌ -   [رد المحتار] الْمُصَنِّفِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَيُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ بِالْإِذْنِ أَوْ لَا؛ وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ قَيَّدْنَا بِعَدَمِ قَبْضِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَهَا وَلَوْ فُضُولِيًّا فَكَسَدَتْ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ. (قَوْلُهُ: عَيْنِيٌّ وَغَيْرُهُ) اعْتِرَاضٌ بِأَنَّ عِبَارَةَ الْفَتْحِ وَالْعَيْنِيِّ وَالْخُلَاصَةِ دَلَّالٌ بَاعَ مَتَاعَ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ. قُلْت: لَكِنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي الْفَتْحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ. وَلَفْظُهُ: وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْمُحِيطِ: دَلَّالٌ بَاعَ مَتَاعَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَخْ نَعَمْ الَّذِي فِي الْعَيْنِيِّ وَالْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَكَذَا فِي مَتْنِ الْمُصَنِّفِ مُصْلِحًا بِإِذْنِهِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ، وَلِقَوْلِهِ: لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ لَهُ وَعَلَى مَا فِي الْفَتْحِ يَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَالِكَ أَجَازَ الْبَيْعَ لِيُنَاسِبَ مَا ذَكَرَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ) لِأَنَّهَا صَارَتْ أَثْمَانًا بِالِاصْطِلَاحِ فَجَازَ بِهَا الْبَيْعُ وَوَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ كَالنَّقْدَيْنِ، وَلَا تَتَعَيَّنُ وَإِنْ عَيَّنَهَا كَالنَّقْدِ إلَّا إذَا قَالَا أَرَدْنَا تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِعَيْنِهَا فَحِينَئِذٍ يَتَعَلَّقُ بِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ فَلْسًا بِفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا حَيْثُ يَتَعَيَّنُ بِلَا تَصْرِيحٍ لِئَلَّا يَفْسُدَ الْبَيْعُ بَحْرٌ، وَهُوَ مُلَخَّصٌ مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُعَيِّنَهَا) لِأَنَّهَا مَبِيعَةٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْمَبِيعُ لَا بُدَّ أَنْ يُعَيَّنَ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: كَسِلَعٍ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ؛ لِأَنَّهَا سِلَعٌ، وَفِي الْمِصْبَاحِ: السِّلْعَةُ الْبِضَاعَةُ جَمْعُهَا سِلَعٌ كَسِدْرَةٍ وَسِدَرٍ. (قَوْلُهُ: رَدُّ مِثْلِ أَفْلُسِ الْقَرْضِ إذَا كَسَدَتْ) أَيْ رَدُّ مِثْلِهَا عَدَدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَحْرٌ، وَأَمَّا إذَا اسْتَقْرَضَ دَرَاهِمَ غَالِبَةَ الْغِشِّ، فَكَذَلِكَ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَلَسْت أَرْوِي ذَلِكَ عَنْهُ، وَلَكِنْ لِرِوَايَتِهِ فِي الْفُلُوسِ فَتْحٌ، قَالَ مُحَشِّي مِسْكَيْنِ: وَانْظُرْ حُكْمَ مَا إذَا اقْتَرَضَ مِنْ فِضَّةٍ خَالِصَةٍ أَوْ غَالِبَةٍ أَوْ مُسَاوِيَةٍ لِلْغِشِّ ثُمَّ كَسَدَتْ هَلْ هُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ: أَيْ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ أَوْ يَجِبُ رَدُّ الْمِثْلِ بِالِاتِّفَاقِ اهـ. قُلْت: وَيَظْهَرُ لِي الثَّانِي لِمَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا، وَلِمَا يَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْهِدَايَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الِانْقِطَاعَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ كَمَا مَرَّ فِي غَالِبِ الْغِشِّ تَأَمَّلْ، وَفِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ أَنَّ تَقْيِيدَ الِاخْتِلَافِ فِي رَدِّ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ بِالْكَسَادِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا إذَا غَلَتْ أَوْ رَخُصَتْ وَجَبَ رَدُّ الْمِثْلِ بِالِاتِّفَاقِ، وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى بِغَالِبِ الْغِشِّ أَوْ بِفُلُوسٍ نَافِقَةٍ اهـ. قُلْت: لَكِنْ قَدَّمْنَا قَرِيبًا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ثَانِيًا أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَسَادِ وَالرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ عِنْدَهُ. (قَوْلُهُ: وَأَوْجَبَ مُحَمَّدٌ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْكَسَادِ) وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَوْمَ الْقَبْضِ وَوَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ، وَمُوجِبُهُ رَدُّ الْعَيْنِ مَعْنًى وَالثَّمَنِيَّةُ فَضْلٌ فِيهِ. وَلَهُمَا فِي وُجُوبِ الْقِيمَةِ أَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ وَصْفُ الثَّمَنِيَّةِ تَعَذَّرَ رَدُّهَا كَمَا قَبَضَ فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهَا، كَمَا إذَا اسْتَقْرَضَ مِثْلِيًّا فَانْقَطَعَ اهـ، وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا هَلَكَتْ ثُمَّ كَسَدَتْ أَمَّا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَرُدُّ عَيْنَهَا اتِّفَاقًا اهـ، وَمِثْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ. قُلْت: وَمُفَادُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ يُخَالِفُهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بَزَّازِيَّةٌ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى رِفْقًا بِالنَّاسِ بَحْرٌ. وَفِي الْفَتْحِ: وَقَوْلُهُمَا اُنْظُرْ لِلْمُقْرِضِ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ فِي رَدِّ الْمِثْلِ إضْرَارًا بِهِ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اُنْظُرْ لَهُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَرْضِ أَكْثَرُ مِنْهَا يَوْمَ الِانْقِطَاعِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ اُنْظُرْ لِلْمُسْتَقْرِضِ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 270 وَفِي النَّهْرِ وَتَأْخِيرُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ دَلِيلُهُمَا ظَاهِرٌ فِي اخْتِيَارِ قَوْلِهِمَا. (اشْتَرَى) شَيْئًا (بِنِصْفِ دِرْهَمِ) مِثْلًا (فُلُوسٍ صَحَّ) بِلَا بَيَانِ عَدَدِهَا لِلْعِلْمِ بِهِ (وَعَلَيْهِ فُلُوسٌ تُبَاعُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ، وَكَذَا بِثُلُثِ دِرْهَمٍ أَوْ رُبُعِهِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بِدِرْهَمِ فُلُوسٍ أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ فُلُوسٍ جَازَ) عِنْدَ الثَّانِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِلْعُرْفِ كَافِي. (وَمَنْ أَعْطَى صَيْرَفِيًّا دِرْهَمًا) كَبِيرًا (فَقَالَ أَعْطِنِي بِهِ نِصْفَ دِرْهَمٍ فُلُوسًا) بِالنَّصْبِ صِفَةُ نِصْفٍ (وَنِصْفًا) مِنْ الْفِضَّةِ صَغِيرًا (إلَّا حَبَّةً صَحَّ) وَيَكُونُ النِّصْفُ إلَّا حَبَّةً بِمِثْلِهِ وَمَا بَقِيَ بِالْفُلُوسِ، وَلَوْ كَرَّرَ لَفْظَ نِصْفٍ بَطَلَ فِي الْكُلِّ لِلُزُومِ الرِّبَا.   [رد المحتار] أَيْسَرُ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْقَبْضِ مَعْلُومَةٌ لَا يُخْتَلَفُ فِيهَا وَيَوْمَ الِانْقِطَاعِ يَعْسُرُ ضَبْطُهُ فَكَانَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَيْسَرَ فِي ذَلِكَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْكَفَالَةِ. (قَوْلُهُ: وَفِي النَّهْرِ إلَخْ) أَصْلُهُ لِصَاحِبِ الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: فِي اخْتِيَارِ قَوْلِهِمَا) أَيْ بِوُجُوبِ الْقِيمَةِ. (قَوْلُهُ: اشْتَرَى بِنِصْفِ دِرْهَمِ فُلُوسٍ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي دِرْهَمٍ عَدَمُ التَّنْوِينِ مُضَافًا إلَى فُلُوسٍ عَلَى مَعْنَى مِنْ كَإِضَافَةِ خَاتِمِ حَدِيدٍ، وَالتَّنْوِينُ مَعَ رَفْعِ فُلُوسٍ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ هُوَ فُلُوسٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ فُلُوسٌ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُضَافًا وَجَبَ حَذْفُ نُونِ التَّثْنِيَةِ أَوْ جَرِّ فُلُوسٍ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى التَّمْيِيزِ. (قَوْلُهُ: مَثْلًا) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ وَكَذَا بِثُلُثِ دِرْهَمٍ أَوْ رُبُعِهِ وَإِنْ كَانَ رَاجِعًا إلَى قَوْلِهِ دِرْهَمٍ فَهُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بِدِرْهَمِ فُلُوسٍ إلَخْ ط. قُلْت: وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ لَفْظَ دِينَارٍ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لِلْعِلْمِ بِهِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ زُفَرَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِالْفُلُوسِ وَهِيَ تُقَدَّرُ بِالْعَدَدِ لَا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّانَقِ؛ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ فَذِكْرُهُ لَا يُغْنِي عَنْ الْعَدِّ فَبَقِيَ الثَّمَنُ مَجْهُولًا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الدَّرَاهِمَ ثُمَّ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ فُلُوسٌ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا يُبَاعُ بِهِ مِنْ الْفُلُوسِ وَهُوَ مَعْلُومٌ فَأَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الْعَدَدِ فَلَمْ تَلْزَمْ جَهَالَةُ الثَّمَنِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: جَازَ عِنْدَ الثَّانِي إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: قَيَّدَ بِمَا دُونَ الدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِدِرْهَمِ فُلُوسٍ أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ فُلُوسٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِعَدَمِ الْعُرْفِ. وَجَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي الْكُلِّ لِلْعُرْفِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْكَافِي وَالْمُجْتَبَى اهـ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: بِالنَّصْبِ صِفَةُ نِصْفٍ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ النَّهْرَ، وَفِيهِ أَنَّ فُلُوسًا اسْمٌ جَامِدٌ غَيْرُ مُؤَوَّلٍ فَالْمُنَاسِبُ أَنَّهُ تَمْيِيزٌ لِلْعَدَدِ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْفِضَّةِ صَغِيرًا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا دِرْهَمًا صَغِيرًا يُسَاوِي نِصْفًا إلَّا حَبَّةً وَبِهِ تَظْهَرُ الْمُقَابَلَةُ لِقَوْلِهِ كَبِيرًا وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ أَيْ مَا ضُرِبَ مِنْ الْفِضَّةِ عَلَى وَزْنِ نِصْفِ دِرْهَمٍ اهـ. قُلْت: وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَى وَزْنِ نِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ مَا يُضْرَبُ مِنْ أَنْصَافِ الدِّرْهَمِ أَوْ أَرْبَاعِهِ نَقْصُ مَجْمُوعِهَا عَنْ الدِّرْهَمِ الْكَامِلِ. (قَوْلُهُ: بِمِثْلِهِ) أَيْ مَبِيعًا بِمِثْلِهِ مِنْ الدِّرْهَمِ الْكَبِيرِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَرَّرَ لَفْظَ نِصْفَ) بِأَنْ قَالَ اعْطِنِي بِنِصْفٍ فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً، فَعِنْدَهُمَا جَازَ الْبَيْعُ فِي الْفُلُوسِ وَبَطَلَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ النِّصْفِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ رِبًا: وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ بَطَلَ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ مُتَّحِدَةٌ وَالْفَسَادُ قَوِيٌّ مُقَارِنٌ لِلْعَقْدِ، وَلَوْ كَرَّرَ لَفْظَ الْإِعْطَاءِ بِأَنْ قَالَ وَاعْطِنِي بِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً اخْتَصَّ الْفَسَادُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُمَا بَيْعَانِ لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ. وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي صُورَةِ الْمَتْنِ صَحَّ الْبَيْعُ اتِّفَاقًا، وَفِي صُورَةِ الشَّرْحِ فَسَدَ فِي الْكُلِّ عِنْدَهُ، وَفِي الْفِضَّةِ فَقَطْ عِنْدَهُمَا، وَفِي الْأَخِيرَةِ جَازَ فِي الْفُلُوسِ فَقَطْ كَمَا فِي الْبَحْرِ: قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْقَبْضَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لِلْعِلْمِ مِمَّا قَدَّمَهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 271 (وَ) بِمَا تَقَرَّرَ ظَهَرَ أَنَّ (الْأَمْوَالَ ثَلَاثَةٌ) الْأَوَّلُ (ثَمَنٌ بِكُلِّ حَالٍ وَهُوَ النَّقْدَانِ) صَحِبَتْهُ الْبَاءُ أَوْ لَا، قُوبِلَ بِجِنْسِهِ أَوْ لَا (وَ) الثَّانِي (مَبِيعٌ بِكُلِّ حَالٍّ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَ) الثَّالِثُ (ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ كَالْمِثْلِيَّاتِ) فَإِنْ اتَّصَلَ بِهَا الْبَاءُ فَثَمَنٌ وَإِلَّا فَمَبِيعٌ. وَأَمَّا الْفُلُوسُ فَإِنْ رَائِجَةً فَكَثَمَنٍ وَإِلَّا فَكَسِلَعٍ وَالثَّمَنُ (مِنْ حُكْمِهِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ وُجُودِهِ فِي مِلْكِ الْعَاقِدِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَعَدَمُ بُطْلَانِهِ) أَيْ الْعَقْدِ (بِهَلَاكِهِ) أَيْ الثَّمَنِ (وَيَصِحُّ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ) لَا فِيهِمَا (وَحُكْمُ الْمَبِيعِ خِلَافُهُ) أَيْ الثَّمَنِ (فِي الْكُلِّ) -   [رد المحتار] وَحَاصِلُهُ إنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَدَ فِي النِّصْفِ إلَّا حَبَّةً لِكَوْنِهِ صَرْفًا لَا فِي الْفُلُوسِ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ، فَيَكْفِي قَبْضُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ، وَلَوْ لَمْ يُعْطِهِ الدَّرَاهِمَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْفُلُوسَ حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ فِي الْكُلِّ لِلِافْتِرَاقِ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِمَا تَقَرَّرَ) أَيْ مِنْ أَوَّلِ الْبُيُوعِ إلَى هُنَا ط. (قَوْلُهُ: مَبِيعٌ بِكُلِّ حَالٍّ) أَيْ قُوبِلَ بِجِنْسِهِ أَوْ لَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْهَاءُ أَوْ لَا. مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ مَا يَكُونُ مَبِيعًا وَمَا يَكُونُ ثَمَنًا وَقَدْ يُقَالُ فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ كُلٌّ مِنْ السِّلْعَتَيْنِ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ وَثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ ط. قُلْت: الْمُرَادُ بِالثَّمَنِ هُنَا مَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: كَالْمِثْلِيَّاتِ) أَيْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَهِيَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ اتَّصَلَ بِهَا الْبَاءُ فَثَمَنٌ) هَذَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُتَعَيِّنَةٍ وَلَمْ تُقَابَلْ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ كَبِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِكُرِّ حِنْطَةٍ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ مُتَعَيِّنَةً وَقُوبِلَتْ بِنَقْدٍ فَهِيَ مَبِيعَةٌ كَمَا فِي دُرَرِ الْبِحَارِ أَوَّلَ الْبُيُوعِ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فِي فَصْلِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ مَعْزِيًّا لِلْفَتْحِ: لَوْ قُوبِلَتْ بِالْأَعْيَانِ وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ فَثَمَنٌ اهـ، أَيْ كَبِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِهَذَا الْكُرِّ أَوْ هَذَا الْكُرَّ بِهَذَا الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِدُخُولِ الْبَاءِ عَلَيْهَا. وَفِي الْفَتْحِ هَذَا وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ: أَيْ الْمِثْلِيَّاتُ، فَإِنْ صَحِبَهَا حَرْفُ الْبَاءِ وَقَابَلَهَا مَبِيعٌ فَهِيَ ثَمَنٌ، أَيْ وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهَا حَرْفُ الْبَاءِ وَلَمْ يُقَابِلْهَا ثَمَنٌ فَهِيَ مَبِيعَةٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الثَّمَنَ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ دَيْنًا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ اهـ، فَالْأَوَّلُ كَمَا مَثَّلْنَا وَالثَّانِي كَقَوْلِك اشْتَرَيْت مِنْك كُرَّ حِنْطَةٍ بِهَذَا الْعَبْدِ فَيَكُونُ الْكُرُّ مَبِيعًا وَيُشْتَرَطُ لَهُ شَرَائِطُ السَّلَمِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَمَبِيعٌ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهَا الْبَاءُ فَهِيَ مَبِيعٌ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُقَابِلْهَا ثَمَنٌ وَهِيَ غَيْرُ مُتَعَيِّنَةٍ كَمَا عَلِمْته مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ وَتَكُونُ سَلَمًا كَمَا قُلْنَا، وَكَذَا لَوْ قَابَلَهَا ثَمَنٌ بِالْأَوْلَى كَاشْتَرَيْتُ مِنْك كُرَّ حِنْطَةٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُتَعَيِّنَةً وَقُوبِلَتْ بِثَمَنٍ كَمَا عَلِمْت مِنْ عِبَارَةِ دُرَرِ الْبِحَارِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمِثْلِيَّاتِ تَكُونُ ثَمَنًا إذَا دَخَلَتْهَا الْبَاءُ وَلَمْ تُقَابَلْ بِثَمَنٍ: أَيْ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ سَوَاءٌ تَعَيَّنَتْ أَوْ لَا، وَكَذَا إذَا لَمْ تَدْخُلْهَا الْبَاءُ وَلَمْ تُقَابَلْ بِثَمَنٍ وَتَعَيَّنَتْ، وَتَكُونُ مَبِيعًا إذَا قُوبِلَتْ بِثَمَنٍ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ دَخَلْتهَا الْبَاءُ أَوْ لَا تَعَيَّنَتْ أَوْ لَا، وَكَذَا إذَا لَمْ تُقَابَلْ بِثَمَنٍ وَلَمْ يَصْحَبْهَا الْبَاءُ وَلَمْ تُعَيَّنْ كَبِعْتُكَ كُرَّ حِنْطَةٍ بِهَذَا الْعَبْدِ كَمَا عُلِمَ مِنْ عِبَارَةِ الْفَتْحِ الثَّانِيَةِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْفُلُوسُ الرَّائِجَةُ) يُسْتَفَادُ مِنْ الْبَحْرِ أَنَّهَا قِسْمٌ رَابِعٌ حَيْثُ قَالَ: وَثَمَنٌ بِالِاصْطِلَاحِ، وَهُوَ سِلْعَةٌ فِي الْأَصْلِ كَالْفُلُوسِ، فَإِنْ كَانَتْ رَائِجَةً فَهِيَ ثَمَنٌ وَإِلَّا فَسِلْعَةٌ اهـ ط. (قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَيَصِحُّ التَّصَرُّفُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبْدَالَ يَصِحُّ فِي بَدَلِ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَلَوْ تَبَايَعَا دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ جَازَ أَنْ يُمْسِكَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْعَقْدِ يُؤَدِّيَا بَدَلَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 272 فَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِهِ وَهَكَذَا. وَمِنْ حُكْمِهِمَا وُجُوبُ التَّسَاوِي عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ كَمَا تَقَرَّرَ. [تَذْنِيبٌ فِي بَيْعِ الْعِينَةِ] وَيَأْتِي مَتْنًا فِي الْكَفَالَةِ، وَبَيْعِ التَّلْجِئَةِ وَيَأْتِي مَتْنًا فِي الْإِقْرَارِ، وَهُوَ أَنْ يُظْهِرَا عَقْدًا وَهُمَا لَا يُرِيدَانِهِ يُلْجَأُ إلَيْهِ لِخَوْفِ عَدُوٍّ وَهُوَ لَيْسَ بِبَيْعٍ فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ كَالْهَزْلِ كَمَا بَسَطْته فِي آخِرِ شَرْحِي عَلَى الْمَنَارِ   [رد المحتار] بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ بِهِ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ وَأَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي بَابِ السَّلَمِ فَرَاجِعْهُ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فِي بَابِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ، قَوْلُهُ جَازَ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ، يُسْتَثْنَى مِنْهُ بَدَلُ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ؛ لِأَنَّ لِلْمَقْبُوضِ مِنْ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ حُكْمُ عَيْنِ الْمَبِيعِ وَالِاسْتِبْدَالُ بِالْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا فِي الصَّرْفِ، وَيَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي الْقَرْضِ قَبْلَ قَبْضِهِ عَلَى الصَّحِيحِ: وَالْمُرَادُ بِالتَّصَرُّفِ نَحْوُ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ كَالثَّمَنِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَكَذَا) أَيْ وَتَقُولُ هَكَذَا فِي عَكْسِ بَاقِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي الثَّمَنِ بِأَنْ تَقُولَ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهِ وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ حُكْمِهِمَا) أَيْ حُكْمِ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ. (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَرَّرَ) أَيْ فِي بَابِ الرِّبَا. (قَوْلُهُ: تَذْنِيبٌ) شَبَّهَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي آخِرِ كِتَابِ الْبُيُوعِ بِذَنَبِ الْحَيَوَانِ الْمُتَّصِلِ بِعَجُزِهِ وَجَعَلَ ذِكْرَهَا فِي آخِرِهِ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الذَّنَبِ فِي عَجُزِ الْحَيَوَانِ وَفِيهِ اسْتِعَارَةٌ لَا تَخْفَى. مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْعِينَةِ (قَوْلُهُ: فِي بَيْعِ الْعِينَةِ) اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي تَفْسِيرِ الْعِينَةِ الَّتِي وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهَا. قَالَ بَعْضُهُمْ: تَفْسِيرُهَا أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ الْمُحْتَاجُ إلَى آخَرَ وَيَسْتَقْرِضَهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَلَا يَرْغَبُ الْمُقْرِضُ فِي الْإِقْرَاضِ طَمَعًا فِي فَضْلٍ لَا يَنَالُهُ بِالْقَرْضِ فَيَقُولُ لَا أُقْرِضُك، وَلَكِنْ أَبِيعُك هَذَا الثَّوْبَ إنْ شِئْت بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَقِيمَتُهُ فِي السُّوقِ عَشَرَةٌ لِيَبِيعَهُ فِي السُّوقِ بِعَشَرَةٍ فَيَرْضَى بِهِ الْمُسْتَقْرِضُ فَيَبِيعُهُ كَذَلِكَ، فَيَحْصُلُ لِرَبِّ الثَّوْبِ دِرْهَمًا وَلِلْمُشْتَرِي قَرْضُ عَشَرَةٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ أَنْ يُدْخِلَا بَيْنَهُمَا ثَالِثًا فَيَبِيعُ الْمُقْرِضُ ثَوْبَهُ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَيُسْلِمُهُ إلَيْهِ ثُمَّ يَبِيعُهُ الْمُسْتَقْرِضُ مِنْ الثَّالِثِ بِعَشَرَةٍ وَيُسْلِمُهُ إلَيْهِ ثُمَّ يَبِيعُهُ الثَّالِثُ مِنْ صَاحِبِهِ وَهُوَ الْمُقْرِضُ بِعَشَرَةٍ وَيُسْلِمُهُ إلَيْهِ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ الْعَشَرَةَ وَيَدْفَعُهَا لِلْمُسْتَقْرِضِ فَيَحْصُلَ لِلْمُسْتَقْرِضِ عَشَرَةٌ وَلِصَاحِبِ الثَّوْبِ عَلَيْهِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: الْعِينَةُ جَائِزَةٌ مَأْجُورٌ مَنْ عَمِلَ بِهَا، كَذَا فِي مُخْتَارِ الْفَتَاوَى هِنْدِيَّةٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هَذَا الْبَيْعُ فِي قَلْبِي كَأَمْثَالِ الْجِبَالِ ذَمِيمٌ اخْتَرَعَهُ أَكَلَةُ الرِّبَا. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَاتَّبَعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ذَلَلْتُمْ وَظَهَرَ عَلَيْكُمْ عَدُوُّكُمْ» قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ إلَّا خِلَافُ الْأَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ مَبَرَّةِ الْقَرْضِ اهـ ط مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: وَيَأْتِي مَتْنًا فِي الْكَفَالَةِ) وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَى ذِكْرِهِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَقْسَامِ الْبُيُوعَاتِ، وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ بَيَانَهُ سَيَأْتِي فِي الْكَفَالَةِ. مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ التَّلْجِئَةِ (قَوْلُهُ: وَبَيْعُ التَّلْجِئَةِ) هِيَ مَا أُلْجِئَ إلَيْهِ الْإِنْسَانُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَذَلِكَ أَنْ يَخَافَ الرَّجُلُ السُّلْطَانَ فَيَقُولَ لِآخَرَ إنِّي أُظْهِرُ أَنِّي بِعْت دَارِي مِنْك، وَلَيْسَ بِبَيْعٍ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا هُوَ تَلْجِئَةٌ وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ مُغْرِبٌ. (قَوْلُهُ: بَلْ كَالْهَزْلِ) أَيْ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ وَالْهَزْلُ كَمَا فِي الْمَنَارِ هُوَ أَنْ يُرَادَ بِالشَّيْءِ مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ وَلَا مَا يَصْلُحُ اللَّفْظُ لَهُ اسْتِعَارَةً، وَهُوَ ضِدُّ الْجِدِّ: وَهُوَ أَنْ يُرَادَ مَا وُضِعَ لَهُ أَوْ مَا صَلُحَ أَنَّهُ يُنَافِي اخْتِيَارَ الْحُكْمِ وَالرِّضَا بِهِ، وَلَا يُنَافِي الرِّضَا بِالْمُبَاشَرَةِ وَاخْتِيَارَ الْمُبَاشَرَةِ فَصَارَ بِمَعْنَى خِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا مَشْرُوطًا بِاللِّسَانِ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 273 وَنَقَلْت عَنْ التَّلْوِيحِ أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ، وَعَقَدَ لَهُ قَاضِي خَانْ فَصْلًا آخِرَ الْإِكْرَاهِ، مُلَخَّصُهُ أَنَّهُ بَيْعٌ مُنْعَقِدٌ غَيْرُ لَازِمٍ كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ، وَجَعَلَهُ الْبَاقَانِيُّ فَاسِدًا -   [رد المحتار] أَيْ بِأَنْ يَقُولَ إنِّي أَبِيعُ هَازِلًا إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ فِي الْعَقْدِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ اهـ، فَالْهَزْلُ أَعَمُّ مِنْ التَّلْجِئَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ مُضْطَرًّا إلَيْهِ وَأَنْ يَكُونَ سَابِقًا وَمُقَارِنًا، وَالتَّلْجِئَةُ إنَّمَا تَكُونُ عَنْ اضْطِرَارٍ وَلَا تَكُونُ مُقَارِنَةً كَذَا قِيلَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الِاصْطِلَاحِ كَمَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: التَّلْجِئَةُ هِيَ الْهَزْلُ، وَكَذَا فِي جَامِعِ الْأَسْرَارِ عَلَى الْمَنَارِ لِلْكَاكِيِّ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّلْجِئَةَ تَكُونُ فِي الْإِنْشَاءِ وَفِي الْإِخْبَارِ كَالْإِقْرَارِ، وَفِي الِاعْتِقَادِ كَالرِّدَّةِ وَالْأَوَّلُ قِسْمَانِ: مَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَمَا لَا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَقَدْ بَسَطَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الْمَنَارِ، وَالْغَرَضُ الْآنَ بَيَانُ الْإِنْشَاءِ الْمُحْتَمِلِ لِلْفَسْخِ كَالْبَيْعِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْهَزْلُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، أَوْ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، أَوْ جِنْسِهِ. قَالَ فِي الْمَنَارِ فَإِنْ تَوَاضَعَا عَلَى الْهَزْلِ بِأَصْلِ الْبَيْعِ وَاتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ: أَيْ بِنَاءِ الْعَقْدِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ يَفْسُدُ الْبَيْعُ لِعَدَمِ الرِّضَا بِالْحُكْمِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ الْمُؤَبَّدِ أَيْ فَلَا يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِعْرَاضِ: أَيْ بِأَنْ قَالَا بَعْدَ الْبَيْعِ قَدْ أَعْرَضْنَا وَقْتَ الْبَيْعِ عَنْ الْهَزْلِ إلَى الْجِدِّ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالْهَزْلُ بَاطِلٌ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ عِنْدَ الْبَيْعِ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْإِعْرَاضِ أَوْ اخْتَلَفَا فِي الْبِنَاءِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهَا فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ عِنْدَهُ فِي الْحَالَيْنِ خِلَافًا لَهُمَا، فَجَعْلُ صِحَّةِ الْإِيجَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، وَهُمَا اعْتَبَرَا الْمُوَاضَعَةَ إلَّا أَنْ يُوجَدَ مَا يُنَاقِضُهَا: أَيْ كَمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَيْ الْمُوَاضَعَةُ فِي الْقَدْرِ: أَيْ بِأَنْ اتَّفَقَا عَلَى الْجِدِّ فِي الْعَقْدِ بِأَلْفٍ لَكِنَّهُمَا تَوَاضَعَا عَلَى الْبَيْعِ بِأَلْفَيْنِ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا هَزْلٌ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ الْمُوَاضَعَةِ كَانَ الثَّمَنُ أَلْفَيْنِ لِبُطْلَانِ الْهَزْلِ بِإِعْرَاضِهِمَا، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْمُوَاضَعَةِ أَوْ اخْتَلَفَا فَالْهَزْلُ بَاطِلٌ وَالتَّسْمِيَةُ لِلْأَلْفَيْنِ صَحِيحَةٌ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا الْعَمَلُ بِالْمُوَاضَعَةِ وَاجِبٌ وَالْأَلْفُ الَّذِي هَزَلَا بِهِ بَاطِلٌ، لِمَا مَرَّ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ الْجِدُّ، وَعِنْدَهُمَا الْمُوَاضَعَةُ؛ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ فَالثَّمَنُ أَلْفَانِ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْهَزْلُ فِي الْجِنْسِ: أَيْ جِنْسِ الثَّمَنِ بِأَنْ تَوَاضَعَا عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ وَإِنَّمَا الثَّمَنُ مِائَةُ دِرْهَمٍ أَوْ بِالْعَكْسِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ بِالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِالِاتِّفَاقِ: أَيْ سَوَاءٌ اتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ أَوْ عَلَى الْإِعْرَاضِ، أَوْ عَلَى عَدَمِ حُضُورِ شَيْءٍ مِنْهُمَا، أَوْ اخْتَلَفَا فِيهِمَا اهـ، مُوَضَّحًا مِنْ شَرْحِ الشَّارِحِ عَلَيْهِ. وَمِنْ حَوَاشِينَا عَلَى شَرْحِهِ الْمُسَمَّاةِ بِنَسَمَاتِ الْأَسْحَارِ عَلَى إفَاضَةِ الْأَنْوَارِ، وَتَمَامُ بَيَانِ ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِيهَا. (قَوْلُهُ: أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ) قَالَ فِي التَّلْوِيحِ: لِأَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إمَّا أَنْ يَتَّفِقَا أَوْ يَخْتَلِفَا، فَإِنْ اتَّفَقَا فَالِاتِّفَاقُ إمَّا عَلَى إعْرَاضِهَا، وَإِمَّا عَلَى بِنَائِهِمَا، وَإِمَّا عَلَى ذُهُولِهِمَا، وَإِمَّا عَلَى بِنَاءِ أَحَدِهِمَا وَإِعْرَاضِ الْآخَرِ أَوْ ذُهُولِهِ، وَإِمَّا عَلَى إعْرَاضِ أَحَدِهِمَا وَذُهُولِ الْآخَرِ، فَصُوَرُ الِاتِّفَاقِ سِتَّةٌ؛ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَدَعْوَى أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ تَكُونُ، إمَّا إعْرَاضُهُمَا، وَإِمَّا بِنَاؤُهُمَا، وَإِمَّا ذُهُولُهُمَا، وَإِمَّا بِنَاؤُهُ مَعَ إعْرَاضِ الْآخَرِ أَوْ ذُهُولِهِ، وَإِمَّا إعْرَاضُهُ مَعَ بِنَاءِ الْآخَرِ أَوْ ذُهُولِهِ، وَإِمَّا ذُهُولُهُ مَعَ بِنَاءِ الْآخَرِ أَوْ إعْرَاضُهُ تَصِيرُ تِسْعَةً، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مِنْ التَّقَادِيرِ التِّسْعَةِ يَكُونُ اخْتِلَافُ الْخَصْمِ بِأَنْ يَدَّعِيَ إحْدَى الصُّوَرِ الثَّمَانِيَةِ الْبَاقِيَةِ فَتَصِيرُ أَقْسَامُ الِاخْتِلَافِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ مِنْ ضَرْبِ التِّسْعَةِ فِي الثَّمَانِيَةِ اهـ. وَهِيَ مَعَ السِّتِّ صُوَرِ الِاتِّفَاقِ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ. قُلْت: وَقَدْ أَوْصَلْتهَا فِي حَاشِيَتِي عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ لِلشَّارِحِ إلَى سَبْعِمِائَةٍ وَثَمَانِينَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ أَوْصَلَهَا إلَى ذَلِكَ فَرَاجِعْهَا هُنَاكَ وَامْنَحْنِي بِدُعَاكَ. (قَوْلُهُ: مُلَخَّصُهُ أَنَّهُ بَيْعٌ مُنْعَقِدٌ غَيْرُ لَازِمٍ) لَمْ يُصَرِّحْ فِي الْخَانِيَّةِ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنَّ التَّلْجِئَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. ثُمَّ قَالَ فِي الْأَوَّلِ: وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ لَوْ تَصَادَقَا عَلَى الْمُوَاضَعَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 274 وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا بَيْعَ التَّلْجِئَةِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْجِدِّ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا قُبِلَ، وَلَوْ بَرْهَنَا فَالتَّلْجِئَةُ، وَلَوْ تَبَايَعَا فِي الْعَلَانِيَةِ، إنْ اعْتَرَفَا بِبِنَائِهِ عَلَى التَّلْجِئَةِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِاتِّفَاقِهِمَا أَنَّهُمَا هَزَلَا بِهِ وَإِلَّا فَلَازِمٌ، وَلَوْ لَمْ تَحْضُرْهُمَا نِيَّةٌ فَبَاطِلٌ عَلَى الظَّاهِرِ مُنْيَةٌ. قُلْت: وَمُفَادُهُ أَنَّهُمَا لَوْ تَوَاضَعَا عَلَى الْوَفَاءِ قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ عَقَدَا خَالِيًا عَنْ شَرْطِ الْوَفَاءِ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ وَلَا عِبْرَةَ لِلْمُوَاضَعَةِ   [رد المحتار] فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ. وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ جَائِزٌ. وَلَوْ تَصَادَقَا أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ تَلْجِئَةً ثُمَّ أَجَازَاهُ صَحَّتْ الْإِجَازَةُ، كَمَا لَوْ تَبَايَعَا هَزْلًا ثُمَّ جَعَلَاهُ جِدًّا يَصِيرُ جِدًّا، وَإِنْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ؛ وَفِي بَيْعِ التَّلْجِئَةِ إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى وَأَعْتَقَهُ لَا يَجُوزُ إعْتَاقُهُ، وَلَيْسَ هَذَا كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ التَّلْجِئَةِ هَزْلٌ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ بَيْعَ الْهَازِلِ بَاطِلٌ، أَمَّا بَيْعُ الْمُكْرَهِ فَفَاسِدٌ اهـ مُلَخَّصًا، وَلَعَلَّ الشَّارِحَ فَهِمَ أَنَّهُ مُنْعَقِدٌ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ أَجَازَاهُ صَحَّتْ الْإِجَازَةُ، لَكِنْ يُنَافِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ بَاطِلٌ، فَإِنْ أُرِيدَ بِالْبَاطِلِ الْفَاسِدُ نَافَاهُ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ إذَا قَبَضَ الْعَبْدَ لَا يَصِحُّ إعْتَاقُهُ: أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ كَمَا مَرَّ مَعَ أَنَّ الْفَاسِدَ يُمْلَكُ بِهِ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ صِحَّةَ الْإِجَازَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهَا تَكُونُ بَيْعًا جَدِيدًا فَلَا تُنَافِي كَوْنَهُ بَاطِلًا، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ إنَّهُ بَيْعٌ مُنْعَقِدٌ غَيْرُ لَازِمٍ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ بَاطِلٌ: بِمَعْنَى أَنَّهُ قَابِلٌ لِلْبُطْلَانِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ، وَالْأَحْسَنُ مَا أَجَبْنَا بِهِ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ مِنْ أَنَّهُ فَاسِدٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأُصُولِيُّونَ؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ مَا لَيْسَ مُنْعَقِدًا أَصْلًا وَهَذَا مُنْعَقِدٌ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ دُونَ وَصْفِهِ لِعَدَمِ الرِّضَا بِحُكْمِهِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَبَدًا وَلِذَا لَمْ يُمْلَكْ بِالْقَبْضِ، وَلَيْسَ كُلُّ فَاسِدٍ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى الْأَبُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لِطِفْلِهِ أَوْ بَاعَهُ لَهُ كَذَلِكَ فَاسِدًا لَا يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ حَتَّى يَسْتَعْمِلَهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا إلَخْ) هَذَا أَيْضًا مَذْكُورٌ فِي الْخَانِيَّةِ سِوَى قَوْلِهِ وَلَوْ لَمْ تَحْضُرْهُمَا نِيَّةٌ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْجِدِّ) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا قَبْلُ) الْأَظْهَرُ قَوْلُ الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ بَرْهَنَ مُدَّعِي التَّلْجِئَةِ قَبْلُ؛ لِأَنَّ مُدَّعِي الْجِدِّ لَا يَحْتَاجُ إلَى بُرْهَانٍ كَمَا عَلِمْت؛ لِأَنَّ الْبُرْهَانَ يُثْبِتُ خِلَافَ الظَّاهِرِ. (قَوْلُهُ: فَالتَّلْجِئَةُ) أَيْ لِأَنَّهَا خِلَافُ الظَّاهِرِ. (قَوْلُهُ: فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ) أَيْ فَاسِدٌ كَمَا عَلِمْت، فَإِنْ نَقَضَهُ أَحَدُهُمَا انْتَقَضَ لَا إنْ أَجَازَهُ: أَيْ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ لَهُمَا وَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ بِقَيْدِ كَوْنِهَا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عِنْدَهُ وَمُطْلَقًا عِنْدَهُمَا، كَذَا فِي التَّحْرِيرِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) بِأَنْ اتَّفَقَا بَعْدَ الْبَيْعِ عَلَى أَنَّهُمَا أَعْرَضَا وَقْتَهُ عَنْ الْمُوَاضَعَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ تَحْضُرْهُمَا نِيَّةٌ فَبَاطِلٌ إلَخْ) مِثْلُهُ فِي الْمُؤَيِّدِيَّةِ عَنْ الْغُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ تَحْضُرْهُمَا نِيَّةٌ عِنْدَ الْعَقْدِ فَفِي ظَاهِرِ الْجَوَابِ الْبَيْعُ بَاطِلٌ. وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ اهـ. وَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمَا كَمَا مَرَّ عَنْ الْمَنَارِ، وَرَجَّحَهُ أَيْضًا الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ، وَأَقَرَّهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِهِ وَجَعَلَ الْمُحَقِّقُ مِثْلَهُ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْإِعْرَاضِ وَالْبِنَاءِ: أَيْ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا بَنَيْنَا الْعَقْدَ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ، وَقَالَ الْآخَرُ عَلَى الْجِدِّ فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا عِنْدَهُمَا. ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا أَعْرَضْت وَالْآخَرُ لَمْ يَحْضُرْنِي شَيْءٌ أَوْ بَنَى أَحَدُهُمَا وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ يَحْضُرْنِي شَيْءٌ فَعَلَى أَصْلِهِ عَدَمُ الْحُضُورِ كَالْإِعْرَاضِ: أَيْ فَيَصِحُّ، وَعَلَى أَصْلِهِمَا كَالْبِنَاءِ أَيْ فَلَا يَصِحُّ. (قَوْلُهُ: وَمُفَادُهُ إلَخْ) أَيْ مُفَادُهُ قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَازِمٌ، لَكِنْ إنَّمَا يَتِمُّ هَذَا الْمُفَادُ إذَا قَصَدَا إخْلَاءَ الْعَقْدِ عَنْ شَرْطِ الْوَفَاءِ. أَمَّا لَوْ لَمْ تَحْضُرْهُمَا نِيَّةٌ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَهَذَا الْمُفَادُ صَرَّحَ بِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ شَرَطَا التَّلْجِئَةَ فِي الْبَيْعِ فَسَدَ الْبَيْعُ، وَلَوْ تَوَاضَعَا قَبْلَ الْبَيْعِ ثُمَّ تَبَايَعَا بِلَا ذِكْرِ شَرْطٍ فِيهِ جَازَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا إذَا تَصَادَقَا أَنَّهُمَا تَبَايَعَا عَلَى تِلْكَ الْمُوَاضَعَةِ، وَكَذَا لَوْ تَوَاضَعَا الْوَفَاءَ قَبْلَ الْبَيْعِ ثُمَّ عَقَدَا بِلَا شَرْطِ الْوَفَاءِ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 275 وَبَيْعُ الْوَفَاءِ ذَكَرْته هُنَا تَبَعًا لِلدُّرَرِ: صُورَتُهُ أَنْ يَبِيعَهُ الْعَيْنَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ إذَا رَدَّ عَلَيْهِ الثَّمَنَ رَدَّ عَلَيْهِ الْعَيْنَ، وَسَمَّاهُ الشَّافِعِيَّةُ بِالرَّهْنِ الْمُعَادِ، وَيُسَمَّى بِمِصْرَ بَيْعَ الْأَمَانَةِ، وَبِالشَّامِّ بَيْعَ الْإِطَاعَةِ، قِيلَ هُوَ رَهْنٌ فَتُضْمَنُ زَوَائِدُهُ، وَقِيلَ بَيْعٌ يُفِيدُ الِانْتِفَاعَ بِهِ، وَفِي إقَالَةِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ النِّهَايَةِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى،   [رد المحتار] وَلَا عِبْرَةَ لِلْمُوَاضَعَةِ السَّابِقَةِ اِ هـ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ شَرَطَا الْوَفَاءَ ثُمَّ عَقَدَا مُطْلَقًا إنْ لَمْ يُقِرَّا بِالْبِنَاءِ عَلَى الْأَوَّلِ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِالسَّابِقِ كَمَا فِي التَّلْجِئَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَوْلُهُ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ أَيْ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَذْكُورِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الشَّارِحَ مَشَى عَلَى خِلَافِهِ، وَعَلَيْهِ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ فَالْعَقْدُ غَيْرُ جَائِزٍ. (قَوْلُهُ: ذَكَرْته هُنَا تَبَعًا لِلدُّرَرِ) وَذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَذَكَرَ فِيهِ ثَمَانِيَةَ أَقْوَالٍ، وَعَقَدَ لَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَصْلًا مُسْتَقِلًّا هُوَ الْفَصْلُ الثَّامِنَ عَشَرَ، وَذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَذَكَرَ فِيهِ تِسْعَةَ أَقْوَالٍ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ كُرَّاسَةٍ. مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ الْوَفَاءِ وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهِ بَيْعَ الْوَفَاءِ أَنَّ فِيهِ عَهْدًا بِالْوَفَاءِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ عَلَى الْبَائِعِ حِينَ رَدِّ الثَّمَنِ، وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ يُسَمِّيهِ الْبَيْعَ الْجَائِزَ، وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ لِحَاجَةِ التَّخَلُّصِ مِنْ الرِّبَا حَتَّى يُسَوِّغَ الْمُشْتَرِي أَكْلَ رِيعِهِ، وَبَعْضُهُمْ يُسَمِّيهِ بَيْعَ الْمُعَامَلَةِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُعَامَلَةَ رِبْحُ الدَّيْنِ وَهَذَا يَشْتَرِيهِ الدَّائِنُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ بِمُقَابَلَةِ دَيْنِهِ. (قَوْلُهُ: وَصُورَتُهُ إلَخْ) كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمُحِيطِ: هُوَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِعْت مِنْك هَذَا الْعَيْنَ بِمَا لَك عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى أَنِّي مَتَى قَضَيْته فَهُوَ لِي اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: هُوَ أَنْ يَقُولَ بِعْت مِنْك عَلَى أَنْ تَبِيعَهُ مِنِّي مَتَى جِئْت بِالثَّمَنِ فَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَهُوَ رَهْنٌ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الرَّهْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ عَلَى أَنْ تَرُدَّهُ عَلَيَّ أَوْ عَلَى أَنْ تَبِيعَهُ مِنِّي. (قَوْلُهُ: بَيْعُ الْأَمَانَةِ) وَجْهُهُ أَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رَهْنٌ أَيْ كَالْأَمَانَةِ. (قَوْلُهُ: بَيْعُ الْإِطَاعَةِ) كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا بَيْعُ الطَّاعَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْآنَ فِي بِلَادِنَا، وَفِي الْمِصْبَاحِ: أَطَاعَهُ إطَاعَةً: أَيْ انْقَادَ لَهُ، وَأَطَاعَهُ طَوْعًا مِنْ بَابِ قَالَ لُغَةٌ، وَانْطَاعَ لَهُ انْقَادَ. قَالُوا: وَلَا تَكُونُ الطَّاعَةُ إلَّا عَنْ أَمْرٍ كَمَا أَنَّ الْجَوَابَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ قَوْلٍ، يُقَالُ أَمَرَهُ فَأَطَاعَ اهـ، وَوَجْهُهُ حِينَئِذٍ أَنَّ الدَّائِنَ يَأْمُرُ الْمَدِينَ بَيْعَ دَارِهِ مَثَلًا بِالدَّيْنِ فَيُطِيعَهُ فَصَارَ مَعْنَاهُ بَيْعُ الِانْقِيَادِ. (قَوْلُهُ: قِيلَ هُوَ رَهْنٌ) قَدَّمْنَا آنِفًا عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ: وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَنَّهُ رَهْنٌ لَا يَفْتَرِقُ عَنْ الرَّهْنِ فِي حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ. وَقَالَ السَّيِّدُ الْإِمَامُ: قُلْت: لِلْإِمَامِ الْحَسَنِ الْمَاتُرِيدِيِّ: قَدْ فَشَا هَذَا الْبَيْعُ بَيْنَ النَّاسِ، وَفِيهِ مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ، وَفَتْوَاك أَنَّهُ رَهْنٌ وَأَنَا أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ فَالصَّوَابُ أَنْ نَجْمَعَ الْأَئِمَّةَ وَنَتَّفِقَ عَلَى هَذَا وَنُظْهِرَهُ بَيْنَ النَّاسِ، فَقَالَ الْمُعْتَبَرُ الْيَوْمَ فَتْوَانَا، وَقَدْ ظَهَرَ ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ فَمَنْ خَالَفَنَا فَلْيُبْرِزْ نَفْسَهُ وَلْيُقِمْ دَلِيلَهُ اهـ. قُلْت: وَبِهِ صَدَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَقَالَ رَامِزًا لِفَتَاوَى النَّسَفِيِّ: الْبَيْعُ الَّذِي تَعَارَفَهُ أَهْلُ زَمَانِنَا احْتِيَالًا لِلرِّبَا وَسَمَّوْهُ بَيْعَ الْوَفَاءِ هُوَ رَهْنٌ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ، وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَكَلَ مِنْ ثَمَرِهِ وَأَتْلَفَ مِنْ شَجَرِهِ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ لَوْ بَقِيَ وَلَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ وَلِلْبَائِعِ اسْتِرْدَادُهُ إذَا قَضَى دَيْنَهُ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّهْنِ فِي حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ اهـ، ثُمَّ نَقَلَ مَا مَرَّ عَنْ السَّيِّدِ الْإِمَامِ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ بِيعَ كَرْمٌ بِجَنْبِ هَذَا الْكَرْمِ فَالشُّفْعَةُ لِلْبَائِعِ لَا لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُعَامَلَةِ وَبَيْعَ التَّلْجِئَةِ حُكْمُهُمَا حُكْمُ الرَّهْنِ وَلِلرَّهْنِ حَقُّ الشُّفْعَةِ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ بَيْعٌ يُفِيدُ الِانْتِفَاعَ بِهِ) هَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 276 وَقِيلَ إنْ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا، ثُمَّ إنْ ذَكَرَا الْفَسْخَ فِيهِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ زَعَمَاهُ غَيْرَ لَازِمٍ كَانَ بَيْعًا فَاسِدًا، وَلَوْ بَعْدَهُ عَلَى وَجْهِ الْمِيعَادِ جَازَ لَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوَاعِيدَ قَدْ تَكُونُ لَازِمَةً لِحَاجَةِ النَّاسِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْكَافِي وَالْخَانِيَّةِ وَأَقَرَّهُ خُسْرو هُنَا وَالْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ وَابْنُ الْمَلَكِ فِي بَابِ الْإِقَالَةِ بِزِيَادَةٍ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ ذُكِرَ الشَّرْطُ بَعْدَ   [رد المحتار] مُحْتَمِلٌ لِأَحَدِ قَوْلَيْنِ، الْأَوَّلُ أَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ مُفِيدٌ لِبَعْضِ أَحْكَامِهِ مِنْ حِلِّ الِانْتِفَاعِ بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ: قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْإِكْرَاهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. الثَّانِي الْقَوْلُ الْجَامِعُ لِبَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ فَاسِدٌ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ، حَتَّى مِلْكُ كُلٍّ مِنْهَا الْفَسْخَ صَحِيحٌ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ: كَحِلِّ الْإِنْزَالِ وَمَنَافِعِ الْمَبِيعِ، وَرَهْنٌ فِي حَقِّ الْبَعْضِ حَتَّى لَمْ يَمْلِكْ الْمُشْتَرِي بَيْعَهُ مِنْ آخَرَ وَلَا رَهْنَهُ وَسَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ فَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ الْعُقُودِ الثَّلَاثَةِ كَالزَّرَافَةِ فِيهَا صِفَةُ الْبَعِيرِ وَالْبَقَرُ وَالنَّمِرُ جُوِّزَ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْبَدَلَيْنِ لِصَاحِبِهِمَا: قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْدِلَ فِي الْإِفْتَاءِ عَنْ الْقَوْلِ الْجَامِعِ وَفِي النَّهْرِ وَالْعَمَلُ فِي دِيَارِنَا عَلَى مَا رَجَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ رَهْنًا) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا عَقْدٌ مُسْتَقِلٌّ شَرْعًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَحْكَامٌ مُسْتَقِلَّةٌ اهـ، دُرَرٌ ط. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ ذَكَرَا الْفَسْخَ فِيهِ) أَيْ شَرَطَاهُ فِيهِ وَبِهِ عَبَّرَ فِي الدُّرَرِ ط وَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ قَبْلَهُ) الَّذِي فِي الدُّرَرِ بَدَلُ هَذَا أَوْ تَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْوَفَاءِ اهـ ط وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ: جَازَ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ بِقَرِينَةِ مُقَابَلَتِهِ لِقَوْلِهِ كَانَ بَيْعًا فَاسِدًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِمَا بِأَنَّ ذِكْرَ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ فَلَا يُنَافِي مَا بَعْدَهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الشَّلَبِيِّ مُعَلِّلًا بِانْقِطَاعِ حُكْمِ الشَّرْطِ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِيهِ إقَالَةٌ وَشَرْطُهَا بَقَاءُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَهُوَ لَا يُورَثُ اهـ. قُلْت: وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ لَا يُفْسِدُهُ الشَّرْطُ اللَّاحِقُ فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. هَذَا وَفِي الْخَيْرِيَّةِ فِيمَا لَوْ أَطْلَقَ الْبَيْعَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَفَاءَ إلَّا أَنَّهُ عَهِدَ إلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ إنْ أَوْفَى مِثْلَ الثَّمَنِ يُفْسَخُ الْبَيْعُ مَعَهُ أَجَابَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ اخْتَلَفَ فِيهَا مَشَايِخُنَا عَلَى أَقْوَالٍ. وَنَصَّ فِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيُّ أَنَّ الْفَتْوَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا أُطْلِقَ وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْوَفَاءُ إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ عَهِدَ إلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ إنْ أَوْفَى مِثْلَ ثَمَنِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ مَعَهُ الْبَيْعُ يَكُونُ بَاتًّا حَيْثُ كَانَ الثَّمَنُ ثَمَنَ الْمِثْلِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ اهـ وَبِهِ أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ أَيْضًا، فَلَوْ كَانَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ مَعَ عِلْمِ الْبَائِعِ بِهِ فَهُوَ رَهْنٌ، وَكَذَا لَوْ وَضَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى أَصْلِ الْمَالِ رِبْحًا، أَمَّا لَوْ كَانَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ بِلَا وَضْعِ رِبْحٍ فَبَاتَ؛ لِأَنَّا إنَّمَا نَجْعَلُهُ رَهْنًا بِظَاهِرِ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ الْبَاتَّ عَالِمًا بِالْغَبْنِ أَوْ مَعَ وَضْعِ الرِّبْحِ أَفَادَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ مُخْتَارُ أَئِمَّةِ خَوَارِزْمَ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَوْ آجَرَهُ مِنْ الْبَائِعِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: الْإِقْدَامُ عَلَى الْإِجَارَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا قَصَدَا بِالْبَيْعِ الرَّهْنَ لَا الْبَيْعَ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي الِانْتِفَاعُ بِهِ اهـ، وَاعْتَرَضَهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ بِأَنَّ دَلَالَةَ ذَلِكَ عَلَى قَصْدِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ أَظْهَرُ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْعَادَةَ الْفَاشِيَةَ قَاضِيَةٌ بِقَصْدِ الْوَفَاءِ كَمَا فِي وَضْعِ الرِّبْحِ عَلَى الثَّمَنِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ مِنْ الْبَائِعِ مَعَ الرِّبْحِ أَوْ نَقَصَ الثَّمَنُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَوَاعِيدَ قَدْ تَكُونُ لَازِمَةً) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْكَفَالَةِ إذْ كَفَلَ مُعَلَّقًا بِأَنْ قَالَ: إنْ لَمْ يُؤَدِّ فُلَانٌ فَأَنَا أَدْفَعُهُ إلَيْك وَنَحْوَهُ يَكُونُ كَفَالَةً لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْمَوَاعِيدَ بِاكْتِسَاءِ صُوَرِ التَّعْلِيقِ تَكُونُ لَازِمَةً فَإِنَّ قَوْلَهُ أَنَا أَحُجُّ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ وَلَوْ عَلَّقَ وَقَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنَا أَحُجُّ يَلْزَمُ الْحَجُّ. (قَوْلُهُ: بِزِيَادَةٍ وَفِي الظَّهِيرَةِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ ابْنَ مَلَكٍ أَقَرَّهُ أَيْضًا وَزَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ أَيْ مُقْتَرِنًا بِهَذِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 277 الْعَقْدِ يَلْتَحِقُ بِالْعَقْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَوْ بَاعَهُ لِآخَرَ بَاتًّا تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ مُشْتَرِيهِ وَفَاءً وَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي فَلِلْبَائِعِ أَوْ وَرَثَتِهِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ، وَأَفَادَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَنَّ وَرَثَةَ كُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي تَقُومُ مَقَامَ مُوَرِّثِهَا نَظَرًا لِجَانِبِ الرَّهْنِ فَلْيُحْفَظْ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ بَائِعُهُ لَا يَلْزَمُهُ أَجْرٌ؛ لِأَنَّهُ رَهْنٌ حُكْمًا حَتَّى لَا يَحِلَّ الِانْتِفَاعُ بِهِ. قُلْت: وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الْجَلَبِيِّ: إنْ صَدَرَتْ الْإِجَارَةُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَفَاءً وَلَوْ لِلْبِنَاءِ وَحْدَهُ فَهِيَ صَحِيحَةٌ -   [رد المحتار] الزِّيَادَةِ فَلَفْظُ زِيَادَةٍ مَصْدَرٌ وَمَا بَعْدَهُ جُمْلَةٌ أُرِيدَ بِهَا لَفْظُهَا فِي مَحَلِّ نَصْبِ مَفْعُولِ الْمَصْدَرِ. (قَوْلُهُ: يَلْتَحِقُ بِالْعَقْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) فَيَصِيرُ بَيْعُ الْوَفَاءِ كَأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْعَقْدِ فَيَأْتِي فِيهِ خِلَافٌ أَنَّهُ رَهْنٌ أَوْ بَيْعٌ فَاسِدٌ أَوْ بَيْعٌ صَحِيحٌ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ، وَقَدَّمْنَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ تَرْجِيحَ قَوْلِهِمَا بِعَدَمِ الْتِحَاقِ الشَّرْطِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْعَقْدِ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ فَيُفْهَمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْمَجْلِسُ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اهـ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَهُ) أَيْ الْبَائِعُ، وَقَوْلُهُ تَوَقَّفَ إلَخْ أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ رَهْنٌ، وَهَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَقْوَالِ الْمَارَّةِ، مَحَلُّ تَرَدُّدٍ. (قَوْلُهُ: فَلِلْبَائِعِ أَوْ وَرَثَتِهِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ رَهْنٌ، وَكَذَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْقَائِلَيْنِ بِأَنَّهُ بَيْعٌ يُفِيدُ الِانْتِفَاعَ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَأَفَادَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَخْ) ذَكَرَهُ بَحْثًا وَقَوْلُهُ نَظَرًا لِجَانِبِ الرَّهْنِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ ابْنِ الشَّلَبِيِّ فَافْهَمْ، وَهَذَا الْبَحْثُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إنَّهُ رَهْنٌ حَقِيقَةً، بَاعَ كَرْمَهُ وَفَاءً مِنْ آخَرَ وَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِهِ مِنْ آخَرَ بَاتًّا وَسَلَّمَهُ وَغَابَ فَلِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ اسْتِرْدَادُهُ مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ وَإِنْ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ، لَكِنَّ يَدَ الثَّانِي مُبْطِلَةٌ فَلِلْمَالِكِ أَخْذُ مِلْكِهِ مِنْ الْمُبْطِلِ فَإِذَا حَضَرَ الْمُرْتَهِنُ أَعَادَ يَدَهُ فِيهِ حَتَّى يَأْخُذَ دَيْنَهُ، وَكَذَا إذَا مَاتَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فَلِوَرَثَةِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ الْأَخْذُ مِنْ وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَلِوَرَثَةِ الْمُرْتَهِنِ إعَادَةُ يَدِهِمْ إلَى قَبْضِ دَيْنِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَلْزَمُ الْأَجْرُ إلَخْ) أَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ تَبَعًا لِلْخَيْرِيَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ: وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ الْمَذْكُورَةُ وَلَا تَجِبُ فِيهَا الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الدَّارَ أَمْ قَبْلَهُ. مَطْلَبُ بَاعَ دَارِهِ وَفَاءً ثُمَّ اسْتَأْجَرَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: سُئِلَ الْقَاضِي الْإِمَامُ الْحَسَنُ الْمَاتُرِيدِيُّ عَمَّنْ بَاعَ دَارِهِ مِنْ آخَرَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ بَيْعَ الْوَفَاءِ وَتَقَابَضَا ثُمَّ اسْتَأْجَرَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي مَعَ شَرَائِطِ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ وَقَبَضَهَا وَمَضَتْ الْمُدَّةُ هَلْ يَلْزَمُهُ الْأَجْرُ فَقَالَ لَا؛ لِأَنَّهُ عِنْدَنَا رَهْنٌ وَالرَّاهِنُ إذَا اسْتَأْجَرَ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: فَإِنَّ أَجْرَ الْمَبِيعِ وَفَاءٌ مِنْ الْبَائِعِ، فَمَنْ جَعَلَهُ فَاسِدًا قَالَ لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَمَنْ جَعَلَهُ رَهْنًا كَذَلِكَ، وَمَنْ أَجَازَهُ جَوَّزَ الْإِجَارَةَ مِنْ الْبَائِعِ وَغَيْرِهِ وَأَوْجَبَ الْأُجْرَةَ، وَإِنْ آجَرَهُ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ. أَجَابَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَاسْتَدَلَّ بِمَا لَوْ آجَرَ عَبْدًا اشْتَرَاهُ قَبْلَ قَبْضِهِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ، وَهَذَا فِي الْبَاتِّ فَمَا ظَنُّك بِالْجَائِزِ اهـ، فَعُلِمَ بِهِ أَنَّ الْإِجَارَةَ قَبْلَ التَّقَابُضِ لَا تَصِحُّ عَلَى قَوْلٍ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ اهـ مَا فِي الْخَيْرِيَّةِ. وَفِيهَا أَيْضًا: وَأَمَّا إذَا آجَرَهُ الْمُشْتَرِي وَفَاءً بِإِذْنِ الْبَائِعِ فَهُوَ كَإِذْنِ الرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ بِذَلِكَ، وَحُكْمُهُ أَنَّ الْأُجْرَةَ لِلرَّاهِنِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ يَتَصَدَّقُ بِهَا أَوْ يَرُدُّهَا عَلَى الرَّاهِنِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَوْلَى صَرَّحَ بِهِ عُلَمَاؤُنَا اهـ. قُلْت: وَإِذَا آجَرَهُ بِإِذْنِهِ يَبْطُلُ الرَّهْنُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِلْبِنَاءِ وَحْدَهُ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ وَفَاءً لِلْبِنَاءِ وَحْدَهُ كَالْقَائِمِ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ. (قَوْلُهُ: فَهِيَ صَحِيحَةٌ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْبَيْعِ كَمَا عَلِمْت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 278 وَالْأُجْرَةُ لَازِمَةٌ لِلْبَائِعِ طُولَ مُدَّةِ التَّآجُرِ انْتَهَى فَتَنَبَّهْ. قُلْت: وَعَلَيْهِ فَلَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَبَقِيَ فِي يَدِهِ فَأَفْتَى عُلَمَاءُ الرُّومِ بِلُزُومِ أَجْرِ الْمِثْلِ وَيُسَمُّونَهُ بَيْعَ الِاسْتِغْلَالِ وَفِي الدُّرَرِ صَحَّ بَيْعُ الْوَفَاءِ فِي الْعَقَارِ اسْتِحْسَانًا. وَاخْتُلِفَ فِي الْمَنْقُولِ. وَفِي الْمُلْتَقَطِ وَالْمُنْيَةِ اخْتَلَفَا أَنَّ الْبَيْعَ بَاتًّا أَوْ وَفَاءً جِدٌّ أَوْ هَزْلٌ الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْجِدِّ وَالْبَتَاتِ إلَّا بِقَرِينَةِ الْهَزْلِ وَالْوَفَاءِ: قُلْت: لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الْوَفَاءِ اسْتِحْسَانًا كَمَا سَيَجِيءُ فَلْيُحْفَظْ. وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك بَيْعًا بَاتًّا فَالْقَوْلُ لَهُ   [رد المحتار] فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِهِ، وَقَدْ عَلِمْت تَرْجِيحَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ رَهْنٌ وَأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ مِنْ الْبَائِعِ. (قَوْلُهُ: لَازِمَةٌ لِلْبَائِعِ) اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى: أَيْ عَلَى الْبَائِعِ، أَوْ لِلتَّقْوِيَةِ لَكِنَّ الْعَامِلَ اسْمُ فَاعِلٍ فَهِيَ زَائِدَةٌ. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ. (قَوْلُهُ: بِلُزُومِ أَجْرِ الْمِثْلِ) هَذَا مُشْكِلٌ، فَإِنَّ مَنْ آجَرَ مِلْكَهُ مُدَّةً ثُمَّ انْقَضَتْ وَبَقِيَ الْمُسْتَأْجِرُ سَاكِنًا لَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ إلَّا إذَا طَالَبَهُ الْمَالِكُ بِالْأُجْرَةِ فَإِذَا سَكَنَ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ يَكُونُ قَبُولًا لِلِاسْتِئْجَارِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي مَحَلِّهِ، وَهَذَا فِي الْمِلْكِ الْحَقِيقِيِّ فَمَا ظَنُّك فِي الْمَبِيعِ وَفَاءً مَعَ كَوْنِ الْمُسْتَأْجِرِ هُوَ الْبَائِعُ، نَعَمْ قَالُوا بِلُزُومِ الْأُجْرَةِ فِي الْوَقْفِ وَمَالِ الْيَتِيمِ وَالْمُعَدِّ لِلِاسْتِغْلَالِ وَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ صَارَ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ بِذَلِكَ الْإِيجَارِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَيُسَمُّونَهُ بَيْعَ الِاسْتِغْلَالِ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَعَلَى كُلٍّ فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الرَّاجِحِ كَمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي الْمَنْقُولِ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَعْدَ كَلَامٍ: وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ الْوَفَاءِ فِي الْمَنْقُولِ وَصَحَّ فِي الْعَقَارِ بِاسْتِحْسَانِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَفِي النَّوَازِلِ جَوَّزَ الْوَفَاءَ فِي الْمَنْقُولِ أَيْضًا اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْبَيْعِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ وَصَحَّ فِي الْعَقَارِ إلَخْ، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ رَهْنٌ فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْخِلَافِ فِي صِحَّتِهِ. (قَوْلُهُ: الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْجِدِّ وَالْبَتَاتِ) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ. (قَوْلُهُ: إلَّا بِقَرِينَةٍ) هِيَ مَا يَأْتِي مِنْ نُقْصَانِ الثَّمَنِ كَثِيرًا. (قَوْلُهُ: أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الْوَفَاءِ) فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِرَمْزِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ بُرْهَانِ الدِّينِ: ادَّعَى الْبَائِعُ وَفَاءً وَالْمُشْتَرِي بَاتًّا أَوْ عَكَسَا، فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْبَاتِّ، وَكُنْت أُفْتِي فِي الِابْتِدَاءِ أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الْوَفَاءِ، وَلَهُ وَجْهٌ حَسَنٌ إلَّا أَنَّ أَئِمَّةَ بُخَارَى هَكَذَا أَجَابُوا فَوَافَقْتهمْ اهـ. وَفِي حَاشِيَتِهِ لِلرَّمْلِيِّ بَعْدَ كَلَامٍ نَقَلَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، قَالَ فَظَهَرَ بِهِ وَبِقَوْلِهِ كُنْت أُفْتِي إلَخْ أَنَّ الْمُتَعَمَّدَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الْبَاتِّ مِنْهُمَا وَأَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْوَفَاءِ مِنْهُمَا. مَطْلَبُ قَاضِي خَانْ مِنْ أَهْلِ التَّصْحِيحِ وَالتَّرْجِيحِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى وَذَكَرَ فِيهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَاخْتِلَافَ تَصْحِيحٍ، وَلَكِنْ عَلَيْك بِمَا فِي الْخَانِيَّةِ فَإِنَّ قَاضِي خَانْ مِنْ أَهْلِ التَّصْحِيحِ وَالتَّرْجِيحِ اهـ، وَبِهَذَا أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ أَيْضًا. قُلْت: لَكِنَّ قَوْلَهُ هُنَا اسْتِحْسَانًا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ مُدَّعِي الْوَفَاءِ فَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِقِيَامِ الْقَرِينَةِ ثُمَّ رَاجَعْت عِبَارَةَ الْمُلْتَقَطِ فَرَأَيْته ذَكَرَ الِاسْتِحْسَانَ فِي مَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْبَيِّنَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الشَّهَادَاتِ: وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا بَيْعًا بَاتًّا وَالْآخَرُ بَيْعَ الْوَفَاءِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانُوا يُفْتُونَ أَنَّ الْبَاتَّ أَوْلَى ثُمَّ أَفْتَوْا أَنَّ بَيْعَ الْوَفَاءِ أَوْلَى وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ اهـ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْقَوْلِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْمُلْتَقَطِ قَالَ فِي الْبُيُوعِ: لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته بَاتًّا وَقَالَ الْبَائِعُ بِعْته بَيْعَ الْوَفَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْبَتَاتَ، وَكَانَ يُفْتِي فِيمَا مَضَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْآخَرِ وَهُوَ الْقِيَاسُ اهـ، فَتَحَصَّلَ مِنْ عِبَارَتَيْ الْمُلْتَقَطِ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْبَيِّنَةِ تَرْجِيحُ بَيِّنَةِ الْوَفَاءِ وَفِي الِاخْتِلَافِ فِي الْقَوْلِ تَرْجِيحُ قَوْلِ مُدَّعِي الْبَتَاتِ، وَهَذَا الَّذِي حَرَّرَهُ الرَّمْلِيُّ فِيمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ سَبْقُ قَلَمٍ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ بِعَيْنِهَا ذَكَرَهَا فِي الْمُلْتَقَطِ عَقِبَ عِبَارَتِهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ فِي الْبُيُوعِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 279 إلَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْوَفَاءِ بِنُقْصَانِ الثَّمَنِ كَثِيرًا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ صَاحِبُهُ تَغَيُّرَ السِّعْرِ. وَفِي الْأَشْبَاهِ فِي أَوَاخِرِ قَاعِدَةِ: الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ عَنْ الْمُنْيَةِ: لَوْ دَفَعَ غَزْلًا إلَى حَائِكٍ لِيَنْسِجَهُ بِالنِّصْفِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بُخَارَى لِلْعُرْفِ، ثُمَّ نُقِلَ فِي آخِرِهَا عَنْ إجَازَةِ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ بِهِ أَفْتَى مَشَايِخُ بَلْخٍ وَخُوَارِزْمَ وَأَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ أَيْضًا. قَالَ: وَالْفَتْوَى عَلَى جَوَابِ الْكِتَاب لِلطَّحَّانِ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُ إبْطَالُ النَّصِّ. وَفِيهَا مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ: الْقَوْلُ السَّادِسُ فِي بَيْعِ الْوَفَاءِ أَنَّهُ صَحِيحٌ لِحَاجَةِ النَّاسِ فِرَارًا مِنْ الرِّبَا. وَقَالُوا: مَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ أَمْرٌ إلَّا اتَّسَعَ حُكْمُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْخَاصِّ، وَلَكِنْ أَفْتَى كَثِيرٌ بِاعْتِبَارِهِ، فَأَقُولُ عَلَى اعْتِبَارِهِ: يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِأَنَّ مَا يَقَعُ فِي بَعْضِ الْأَسْوَاقِ مِنْ خُلُوِّ الْحَوَانِيتِ لَازِمٌ وَيَصِيرُ الْخُلُوُّ فِي الْحَانُوتِ حَقًّا لَهُ فَلَا يُهْلِكُ صَاحِبُ الْحَانُوتِ إخْرَاجَهُ مِنْهَا وَلَا إجَارَتَهَا لِغَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَتْ وَقْفًا، وَكَذَا أَقُولُ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْخَاصِّ قَدْ تَعَارَفَ الْفُقَهَاءُ النُّزُولَ عَنْ الْوَظَائِفِ بِمَالٍ يُعْطَى لِصَاحِبِهَا فَيَنْبَغِي الْجَوَازُ، وَأَنَّهُ لَوْ نَزَلَ لَهُ وَقَبَضَ مِنْهُ الْمَبْلَغَ ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.   [رد المحتار] وَهِيَ تُفِيدُ تَقْيِيدَ الِاسْتِحْسَانِ، وَهُوَ كَوْنُ الْقَوْلِ لِمُدَّعِي الْبَتَاتِ بِمَا إذَا لَمْ تَقُمْ الْقَرِينَةُ عَلَى خِلَافِهِ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا بَحَثْنَاهُ آنِفًا وَلَكِنْ فِي التَّعْبِيرِ مُسَاهَلَةٌ، فَإِنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت بَاتًّا إلَخْ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي الْبَتَاتَ عِنْدَ نُقْصَانِ الثَّمَنِ كَثِيرًا بِخِلَافِ الْبَائِعِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْوَفَاءِ بِنُقْصَانِ الثَّمَنِ كَثِيرًا) وَهُوَ مَا لَا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ هُنَا مَا مَرَّ فِي الْوَعْدِ بِالْوَفَاءِ بَعْدَ الْبَيْعِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ عَلَى الْمَالِ رِبْحًا يَكُونُ ظَاهِرًا فِي أَنَّهُ رَهْنٌ، وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْإِجَارَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا قَصَدَا بِالْبَيْعِ الرَّهْنَ لَا الْبَيْعَ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ) أَيْ مَعَ الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْأَشْبَاهِ إلَخْ) الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ بَيَانُ حُكْمِ الْعُرْفِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ، وَأَنَّ الْعَامَّ مُعْتَبَرٌ مَا لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا، وَبِهِ يُعْلَمُ حُكْمُ بَيْعِ الْوَفَاءِ وَبَيْعِ الْخُلُوِّ لِابْتِنَائِهِمَا عَلَى الْعُرْفِ. (قَوْلُهُ: بِالنِّصْفِ) أَيْ نِصْفِ مَا يَنْسِجُهُ أُجْرَةً عَلَى النَّسْجِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ نَقَلَ) أَيْ صَاحِبُ الْأَشْبَاهِ. (قَوْلُهُ: وَالْفَتْوَى عَلَى جَوَابِ الْكِتَابِ) أَيْ الْمَبْسُوطِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي صَدْرِ عِبَارَةِ الْأَشْبَاهِ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: لِلطَّحَّانِ) أَيْ لِمَسْأَلَةِ قَفِيزِ الطَّحَّانِ، وَهِيَ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَجُلًا لِيَحْمِلَ لَهُ طَعَامًا أَوْ يَطْحَنَهُ بِقَفِيزٍ مِنْهُ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ، وَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ) أَيْ عَدَمُ الْجَوَازِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِالنَّهْيِ عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَدَفْعُ الْغَزْلِ إلَى حَائِكٍ فِي مَعْنَاهُ. قَالَ الْبِيرِيُّ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَشَايِخَ أَرْبَابُ الِاخْتِيَارِ اخْتَلَفُوا فِي الْإِفْتَاءِ فِي ذَلِكَ. قَالَ فِي الْعَتَّابِيَّةِ: قَالَ أَبُو اللَّيْثِ النَّسِيجُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا، لَكِنَّ مَشَايِخَ بَلْخٍ اسْتَحْسَنُوهُ وَأَجَازُوهُ لِتَعَامُلِ النَّاسِ، قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ. قَالَ السَّيِّدُ الْإِمَامُ الشَّهِيدُ: لَا نَأْخُذُ: بِاسْتِحْسَانِ مَشَايِخِ بَلْخٍ وَإِنَّمَا نَأْخُذُ بِقَوْلِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ فِي بَلَدٍ لَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ مِنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى تَقْرِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ شَرْعًا مِنْهُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ فِعْلُهُمْ حُجَّةً إلَّا إذَا كَانَ كَذَلِكَ مِنْ النَّاسِ كَافَّةً فِي الْبُلْدَانِ كُلِّهَا فَيَكُونُ إجْمَاعًا وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ تَعَامَلُوا عَلَى بَيْعِ الْخَمْرِ وَالرِّبَا لَا يُفْتَى بِالْحِلِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِيهَا) أَيْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْأَشْبَاهِ. (قَوْلُهُ: فِرَارًا مِنْ الرِّبَا) لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ لَا يُقْرِضُ إلَّا بِنَفْعٍ وَالْمُسْتَقْرِضُ مُحْتَاجٌ فَأَجَازُوا ذَلِكَ لِيَنْتَفِعَ الْمُقْرِضُ بِالْمَبِيعِ وَتَعَارَفَهُ النَّاسُ، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، فَلِذَا رَجَّحُوا كَوْنَهُ رَهْنًا. (قَوْلُهُ: فَأَقُولُ عَلَى اعْتِبَارِهِ إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْخُلُوِّ أَوَّلَ الْبُيُوعِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا أَقُولُ إلَخْ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 280 قُلْت: وَأَيَّدَهُ فِي زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ بِمَا فِي وَاقِعَاتِ الضَّرِيرِيِّ: رَجُلٌ فِي يَدِهِ دُكَّانٌ فَغَابَ فَرَفَعَ الْمُتَوَلِّي أَمَرَهُ لِلْقَاضِي فَأَمَرَهُ الْقَاضِي بِفَتْحِهِ وَإِجَارَتِهِ فَفَعَلَ الْمُتَوَلِّي ذَلِكَ وَحَضَرَ الْغَائِبُ فَهُوَ أَوْلَى بِدُكَّانِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ خُلُوٌّ فَهُوَ أَوْلَى بِخُلُوِّهِ أَيْضًا، وَلَهُ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْإِجَارَةَ وَسَكَنَ فِي دُكَّانِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَجَازَهَا وَرَجَعَ بِخُلُوِّهِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَيُؤْمَرُ الْمُسْتَأْجِرُ بِأَدَاءِ ذَلِكَ إنْ رَضِيَ بِهِ وَإِلَّا يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الدُّكَّانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ بِلَفْظِهِ. كِتَابُ الْكَفَالَةِ مُنَاسَبَتُهَا لِلْبَيْعِ لِكَوْنِهَا فِيهِ غَالِبًا وَلِكَوْنِهَا بِالْأَمْرِ مُعَاوَضَةَ انْتِهَاءٍ (هِيَ) لُغَةً الضَّمُّ، وَحَكَى ابْنُ الْقَطَّاعِ كَفَلْته وَكَفَلْت بِهِ وَعَنْهُ وَتَثْلِيثُ الْفَاءِ. وَشَرْعًا (ضَمُّ ذِمَّةِ) الْكَفِيلِ (إلَى ذِمَّةِ) الْأَصِيلِ (فِي الْمُطَالَبَةِ مُطْلَقًا) بِنَفْسٍ أَوْ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ كَمَغْصُوبٍ وَنَحْوِهِ كَمَا سَيَجِيءُ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ تَعُمُّ ذَلِكَ وَمَنْ عَرَّفَهَا بِالضَّمِّ فِي الدَّيْنِ إنَّمَا أَرَادَ تَعْرِيفَ نَوْعٍ مِنْهَا   [رد المحتار] قَدَّمْنَا أَيْضًا هُنَاكَ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَذَكَرْنَا أَيْضًا عَنْ الْحَمَوِيِّ أَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ وَاقِعَاتِ الضَّرِيرِيِّ لَيْسَ فِيهِ لَفْظُ الْخُلُوِّ، وَبَسَطْنَا الْكَلَامَ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ فَإِنَّهُ تَكَفَّلَ بِالْمَقْصُودِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْفَضْلِ وَالْجُودِ. [كِتَابُ الْكَفَالَةِ] ِ (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهَا فِيهِ غَالِبًا) الْأَوْلَى حَذْفُ اللَّامِ، وَالْأَوْلَى أَيْضًا كَوْنُهَا عَقِبَهُ غَالِبًا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: أَوْرَدَهَا عَقِبَ الْبُيُوعِ؛ لِأَنَّهَا غَالِبًا يَكُونُ تَحَقُّقُهَا فِي الْوُجُودِ عَقِبَ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَطْمَئِنُّ الْبَائِعُ إلَى الْمُشْتَرِي فَيَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَكْفُلُهُ بِالثَّمَنِ، أَوْ لَا يَطْمَئِنُّ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ فَيَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فِي الْمَبِيعِ وَذَلِكَ فِي السَّلَمِ، فَلَمَّا كَانَ تَحَقُّقُهَا فِي الْوُجُودِ غَالِبًا بَعْدَهَا أَوْرَدَهَا فِي التَّعْلِيمِ بَعْدَهَا. (قَوْلُهُ: وَلِكَوْنِهَا إلَخْ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ: وَلَهَا مُنَاسَبَةٌ خَاصَّةٌ بِالصَّرْفِ، وَهِيَ أَنَّهَا تَصِيرُ بِالْآخِرَةِ مُعَاوَضَةً عَمَّا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ مِنْ الْأَثْمَانِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ، ثُمَّ لَزِمَ تَقْدِيمُ الصَّرْفِ لِكَوْنِهِ مِنْ أَبْوَابِ الْبَيْعِ السَّابِقِ عَلَى الْكَفَالَةِ. (قَوْلُهُ: هِيَ لُغَةً الضَّمُّ) قَالَ تَعَالَى - {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37]- أَيْ ضَمَّهَا إلَى نَفْسِهِ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ» أَيْ ضَامَّ الْيَتِيمَ إلَى نَفْسِهِ. وَفِي الْمُغْرِبِ: وَتَرْكِيبُهُ يَدُلُّ عَلَى الضَّمِّ وَالتَّضْمِينِ. (قَوْلُهُ: كَفَلْته وَكَفَلْت بِهِ وَعَنْهُ) أَيْ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَبِالْبَاءِ وَبِعَنْ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: يَتَعَدَّى إلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي فِي الْأَصْلِ بِالْبَاءِ، فَالْمَكْفُولُ بِهِ الدَّيْنُ ثُمَّ يَتَعَدَّى بِعَنْ لِلْمَدْيُونِ وَبِاللَّامِ لِلدَّائِنِ. (قَوْلُهُ: وَتَثْلِيثُ الْفَاءِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ ابْنَ الْقَطَّاعِ حَكَاهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ: قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: كَفَلْت بِالْمَالِ وَبِالنَّفْسِ كَفْلًا مِنْ بَابِ قَتَلَ وَكُفُولًا أَيْضًا، وَالِاسْمُ الْكَفَالَةُ، وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ سَمَاعًا مِنْ الْعَرَبِ مِنْ بَابَيْ تَعِبَ وَقَرُبَ، وَحَكَى ابْنُ الْقَطَّاعِ كَفَلْته وَكَفَلْت بِهِ وَعَنْهُ إذَا تَحَمَّلْت بِهِ اهـ ح. (قَوْلُهُ: ضَمُّ ذِمَّةِ الْكَفِيلِ) الذِّمَّةُ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ بِهِ الْأَهْلِيَّةُ لِوُجُوبِ مَالِهِ وَعَلَيْهِ، وَفَسَّرَهَا فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِالنَّفْسِ وَالرَّقَبَةِ الَّتِي لَهَا عَهْدٌ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْعَهْدُ، فَقَوْلُهُمْ فِي ذِمَّتِهِ أَيْ فِي نَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ عَهْدِهَا مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْحَالِ وَإِرَادَةِ الْمَحَلِّ، كَذَا فِي التَّحْرِيرِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: بِنَفْسٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمُطَالَبَةِ ح. (قَوْلُهُ: أَوْ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ) زَادَ بَعْضُهُمْ رَابِعًا وَهُوَ الْكَفَالَةُ بِتَسْلِيمِ الْمَالِ، وَيُمْكِنُ دُخُولُهُ فِي الدَّيْنِ. قُلْت: وَكَذَا بِتَسْلِيمِ عَيْنٍ غَيْرِ مَضْمُونَةٍ كَالْأَمَانَةِ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ ذَلِكَ كُلِّهِ. (قَوْلُهُ: كَمَغْصُوبٍ وَنَحْوِهِ) أَيْ مِنْ كُلِّ مَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ بِعَيْنِهِ، وَإِذَا هَلَكَ ضَمِنَ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ، كَالْمَبِيعِ فَاسِدًا وَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ عَمْدٍ احْتِرَازًا عَنْ الْمَضْمُونِ بِغَيْرِهِ كَالْمَرْهُونِ وَغَيْرِ الْمَضْمُونِ أَصْلًا كَالْأَمَانَةِ، فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِأَعْيَانِهَا. (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي كَفَالَةِ الْمَالِ ح. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ تَعُمُّ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورَ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِتَفْسِيرِ الْإِطْلَاقِ بِهَا وَتَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ وَبِهِ يُسْتَغْنَى إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ عَرَّفَهَا بِالضَّمِّ فِي الدَّيْنِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي تَعْرِيفِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 281 وَهُوَ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ   [رد المحتار] الْكَفَالَةِ فَقِيلَ إنَّهَا الضَّمُّ فِي الْمُطَالَبَةِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْمُتُونِ، وَقِيلَ الضَّمُّ فِي الدَّيْنِ فَيَثْبُتُ بِهَا دَيْنٌ آخَرُ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ وَيُكْتَفَى بِاسْتِيفَاءِ أَحَدِهِمَا، وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي الْمَبْسُوطِ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ، لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا الْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَوَجْهُهُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ أَنَّهَا كَمَا تَصِحُّ بِالْمَالِ تَصِحُّ بِالنَّفْسِ وَلَا دَيْنَ، وَكَمَا تَصِحُّ بِالدَّيْنِ تَصِحُّ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ وَيَلْزَمُ أَنْ يَصِيرَ الدَّيْنُ الْوَاحِدُ دَيْنَيْنِ اهـ، وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ مَنْ عَرَّفَهَا بِالضَّمِّ فِي الدَّيْنِ إنَّمَا أَرَادَ تَعْرِيفَ نَوْعٍ مِنْهَا وَهُوَ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ. وَأَمَّا الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ وَبِالْأَعْيَانِ فَهِيَ فِي الْمُطَالَبَةِ اتِّفَاقًا، وَهُمَا مَاهِيَّتَانِ لَا يُمْكِنُ جَمْعُهُمَا فِي تَعْرِيفٍ وَاحِدٍ، وَأَفْرَدَ تَعْرِيفَ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ نَهْرٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ كَوْنَ تَعْرِيفِهَا بِالضَّمِّ فِي الْمُطَالَبَةِ أَعَمَّ لِشُمُولِهِ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ لَا يَصْلُحُ تَوْجِيهًا لِكَوْنِهِ أَصَحَّ مِنْ تَعْرِيفِهَا بِالضَّمِّ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَعْرِيفُ نَوْعٍ مِنْهَا وَهُوَ كَفَالَةُ الدَّيْنِ. أَمَّا النَّوْعَانِ الْآخَرَانِ فَمُتَّفَقٌ عَلَى كَوْنِ الْكَفَالَةِ بِهِمَا كَفَالَةً بِالْمُطَالَبَةِ، وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْكَفَالَةِ بِالْأَوَّلِ وَالْكَفَالَةِ بِالْآخَرَيْنِ فِي تَعْرِيفٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الضَّمَّ فِي الدَّيْنِ غَيْرُ الضَّمِّ فِي الْمُطَالَبَةِ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ تَعْرِيفَهَا بِالضَّمِّ فِي الدَّيْنِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَوَّلًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ لِلْكَفِيلِ صَحَّ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ مَعَ أَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا تَصِحُّ وَمَا أَوْرَدَ عَلَيْهِ مِنْ لُزُومِ صَيْرُورَةِ الدَّيْنِ الْوَاحِدِ دَيْنَيْنِ دَفَعَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا مِنْ أَحَدِهِمَا كَالْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ فَإِنَّ كُلًّا ضَامِنٌ لِلْقِيمَةِ، وَلَيْسَ حَقُّ الْمَالِكِ إلَّا فِي قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا مِنْ أَحَدِهِمَا، وَاخْتِيَارُهُ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْآخَرِ فَكَذَا هُنَا، لَكِنْ هُنَا بِالْقَبْضِ لَا بِمُجَرَّدِ اخْتِيَارِهِ، لَكِنْ الْمُخْتَارَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنَّ الضَّمَّ فِي مُجَرَّدِ الْمُطَالَبَةِ لَا الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ فِي ذِمَّتَيْنِ، وَإِنْ أَمْكَنَ شَرْعًا لَا يَجِبُ الْحُكْمُ بِوُقُوعِ كُلِّ مُمْكِنٍ إلَّا بِمُوجِبٍ وَلَا مُوجِبَ هُنَا؛ لِأَنَّ التَّوَثُّقَ يَحْصُلُ بِالْمُطَالَبَةِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ اعْتِبَارِ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ يُطَالَبُ بِالثَّمَنِ وَهُوَ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَكَذَا الْوَصِيُّ وَالْوَلِيُّ وَالنَّاظِرُ يُطَالَبُونَ بِمَا لَزِمَ دَفْعُهُ وَلَا شَيْءَ فِي ذِمَّتِهِمْ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَذَكَرَ أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا لِهَذَا الِاخْتِلَافِ ثَمَرَةً، فَإِنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا مِنْ أَحَدِهِمَا وَأَنَّ الْكَفِيلَ مُطَالَبٌ وَأَنْ هِبَةَ الدَّيْنِ لَهُ صَحِيحَةٌ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ، وَلَوْ اشْتَرَى الطَّالِبُ بِالدَّيْنِ شَيْئًا مِنْ الْكَفِيلِ صَحَّ مَعَ أَنَّ الشِّرَاءَ بِالدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ. وَيُمْكِنُ أَنْ تَظْهَرَ فِيمَا إذَا حَلَفَ الْكَفِيلُ أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَيَحْنَثُ عَلَى الضَّعِيفِ لَا عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. قُلْت: يَظْهَرُ لِي الِاتِّفَاقُ عَلَى ثُبُوتِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ أَيْضًا بِدَلِيلِ الِاتِّفَاقِ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ؛ وَلِأَنَّ اعْتِبَارَهُ فِي ذِمَّتَيْنِ مُمْكِنٌ كَمَا عَلِمْت، وَمَا ذُكِرَ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مُوجِبٌ لِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ، وَلَوْ كَانَتْ ضَمًّا فِي الْمُطَالَبَةِ فَقَطْ بِدُونِ دَيْنٍ لَزِمَ أَنْ لَا يُؤْخَذَ الْمَالُ مِنْ تَرِكَةِ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ تَسْقُطُ عَنْهُ بِمَوْتِهِ كَالْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ لَمَّا كَانَ كَفِيلًا بِالْمُطَالَبَةِ فَقَطْ بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ بِمَوْتِهِ مَعَ أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ أَنَّ الْمَالَ يَحِلُّ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ وَأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ؛ وَلِأَنَّ الْكَفِيلَ يَصِحُّ أَنْ يَكْفُلَهُ عِنْدَ الطَّالِبِ كَفِيلٌ آخَرُ بِالْمَالِ الْمَكْفُولِ بِهِ، فَإِذَا أَدَّى الْآخَرُ الْمَالَ إلَى الطَّالِبِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ بَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ رَجَعَ الْأَوَّلُ عَلَى الْأَصِيلِ لَوْ الْكَفَالَةُ بِالْأَمْرِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ فُرُوعٌ أُخَرُ سَتَظْهَرُ فِي مَحَالِّهَا. وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى كَوْنِ التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ أَصَحَّ شُمُولُهُ أَنْوَاعَ الْكَفَالَةِ الثَّلَاثَةَ، بِخِلَافِ التَّعْرِيفِ الثَّانِي كَمَا مَرَّ عَنْ الْعِنَايَةِ. وَالْجَوَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ تَعْرِيفَ نَوْعٍ مِنْهَا لَا يَدْفَعُ الْإِيرَادَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَرِّفْ النَّوْعَيْنِ الْآخَرَيْنِ فَكَانَ مُوهِمًا اخْتِصَاصَهَا بِذَلِكَ النَّوْعِ فَقَطْ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ) أَرَادَ بِالْمَالِ الدَّيْنَ وَإِلَّا فَهُوَ يَشْمَلُ الْعَيْنَ مُقَابِلَ الدَّيْنِ اهـ ح. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ) بَيَانٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 282 وَبِهِ يُسْتَغْنَى عَمَّا ذَكَرَهُ مُنْلَا خُسْرو (وَرُكْنُهَا إيجَابٌ وَقَبُولٌ) بِالْأَلْفَاظِ الْآتِيَةِ وَلَمْ يَجْعَلْ الثَّانِيَ رُكْنًا (وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْمَكْفُولِ بِهِ) نَفْسًا أَوْ مَالًا (مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ) مِنْ الْكَفِيلِ فَلَمْ تَصِحَّ بِحَدٍّ وَقَوَدٍ (وَفِي الدَّيْنِ كَوْنُهُ صَحِيحًا قَائِمًا) لَا سَاقِطًا بِمَوْتِهِ مُفْلِسًا، وَلَا ضَعِيفًا كَبَدَلِ كِتَابَةٍ وَنَفَقَةِ زَوْجَةٍ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا، فَمَا لَيْسَ دَيْنًا بِالْأَوْلَى نَهْرٌ   [رد المحتار] لِوَجْهِ اقْتِصَارِهِ عَلَى تَعْرِيفِ كَفَالَةِ الدَّيْنِ فَقَطْ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْرِيفَ يُذْكَرُ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّفْهِيمِ فِي ابْتِدَاءِ الْأَبْوَابِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى مَا يُوقِعُ فِي الِاشْتِبَاهِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ تَعْرِيفَ النَّوْعَيْنِ الْآخَرَيْنِ كَمَا قُلْنَا آنِفًا. (قَوْلُهُ: وَبِهِ) أَيْ بِمَا ذَكَرَ مِنْ تَعْمِيمِ الْمُطَالَبَةِ. (قَوْلُهُ: يُسْتَغْنَى عَمَّا ذَكَرَهُ مُنْلَا خُسْرو) أَيْ صَاحِبُ الدُّرَرِ: قَالَ فِي النَّهْرِ: وَبِهِ اسْتَغْنَى عَمَّا فِي نِكَاحِ الدُّرَرِ مِنْ تَعْرِيفِهَا بِضَمِّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي مُطَالَبَةِ النَّفْسِ أَوْ الْمَالِ أَوْ التَّسْلِيمِ مُدَّعِيًا أَنَّ قَوْلَهُمْ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لَا صِحَّةَ لَهُ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ أَصَحَّ؛ لِأَنَّهُمْ قَسَمُوهَا إلَى كَفَالَةٍ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ. ثُمَّ إنَّ تَقْسِيمَهُمْ يُشْعِرُ بِانْحِصَارِهَا مَعَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ قِسْمٍ ثَالِثٍ وَهُوَ الْكَفَالَةُ بِالتَّسْلِيمِ اهـ، وَأَنْتَ قَدْ عَلِمْت مَا هُوَ الْوَاقِعُ اهـ، أَيْ مِنْ أَنَّ مَا عَرَّفَ بِهِ هُوَ مُرَادُهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ تَشْمَلُ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ، فَلَيْسَ فِيمَا قَالَهُ زِيَادَةٌ عَلَى مَا أَرَادُوهُ غَيْرَ التَّصْرِيحِ بِهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَرُكْنُهَا إيجَابٌ وَقَبُولٌ) فَلَا تَتِمُّ بِالْكَفِيلِ وَحْدَهُ مَا لَمْ يَقْبَلْ الْمَكْفُولُ لَهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ فِي الْمَجْلِسِ رَمْلِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَجْعَلْ الثَّانِيَ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ، وَقَوْلُهُ الثَّانِيَ: أَيْ الْقَبُولُ وَهُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ يَجْعَلُ، وَقَوْلُهُ: رُكْنًا مَفْعُولُهُ الْآخَرُ أَيْ فَجَعَلَهَا تَتِمُّ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ. وَاخْتُلِفَ عَلَى قَوْلِهِ، فَقِيلَ تَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الطَّالِبِ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَهَا لَا يُؤَاخَذُ الْكَفِيلُ، وَقِيلَ تَنْفُذُ وَلِلطَّالِبِ الرَّدُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ أَيْ الْأَصَحُّ مِنْ قَوْلَيْهِ نَهْرٌ. وَفِي الدُّرَرِ وَالْبَزَّازِيَّةِ: وَبِقَوْلِ الثَّانِي يُفْتَى. وَفِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَغَيْرِهِ: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا تَصِحُّ بِلَا قَبُولِ الطَّالِبِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ. [مَطْلَبٌ فِي كَفَالَةِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ] (قَوْلُهُ: نَفْسًا أَوْ مَالًا) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِيَأْتِيَ لَهُ التَّفْرِيعُ بِقَوْلِهِ فَلَمْ تَصِحَّ بِحَدٍّ وَقَوَدٍ فَإِنَّهُمَا لَيْسَا بِنَفْسٍ وَلَا مَالٍ إنْ أُرِيدَ الضَّمَانُ بِهِمَا. أَمَّا إذَا أُرِيدَ الضَّمَانُ بِنَفْسِ مَنْ هُمَا عَلَيْهِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ جَائِزَةً كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، نَعَمْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ النَّفْسِ مَقْدُورَةَ التَّسْلِيمِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ كَفَالَةَ الْمَيِّتِ بِالنَّفْسِ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ بَطَلَتْ كَفَالَةُ النَّفْسِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ غَائِبًا لَا يُدْرَى مَكَانُهُ فَلَا تَصِحُّ كَفَالَتُهُ بِالنَّفْسِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَأَمَّا شَرَائِطُ الْمَكْفُولِ بِهِ: فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَى الْأَصِيلِ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا أَوْ نَفْسًا أَوْ فِعْلًا، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الْعَيْنِ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً بِنَفْسِهَا. الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ مِنْ الْكَفِيلِ، فَلَا تَجُوزُ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ. الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ لَازِمًا وَهُوَ خَاصٌّ بِالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ، فَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الدَّيْنِ كَوْنُهُ صَحِيحًا) هُوَ مَا لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ هُنَاكَ اسْتِثْنَاءَ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ وَالنَّفَقَةِ وَبَدَلِ السِّعَايَةِ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْقَدْرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي أَيْضًا مَعَ بَيَانِهِ. (قَوْلُهُ: لَا سَاقِطًا إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ قَائِمًا فَلَا تَصِحُّ كَفَالَةُ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ. (قَوْلُهُ: وَلَا ضَعِيفًا) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ صَحِيحًا. (قَوْلُهُ: كَبَدَلِ كِتَابَةٍ) لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِالتَّعْجِيزِ مَطْلَبٌ فِي كَفَالَةِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ (قَوْلُهُ: وَنَفَقَةُ زَوْجَةٍ إلَخْ) عِبَارَةُ النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ ذَلِكَ الْكَفَالَةُ بِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهَا أَوْ الرِّضَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِهِمَا، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ دَيْنٌ إلَّا أَنَّهُ ضَعِيفٌ، وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ، فَمَا لَيْسَ دَيْنًا أَوْلَى اهـ. وَبِهِ يَظْهَرُ مَا فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ مِنْ الْخَفَاءِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ وَلَا ضَعِيفًا كَبَدَلِ كِتَابَةٍ فَمَا لَيْسَ دَيْنًا كَنَفَقَةِ زَوْجَةٍ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا بِالْأَوْلَى وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا حَيْثُ لَمْ تَصِرْ دَيْنًا لَا تَكُونُ مِنْ أَمْثِلَةِ الدَّيْنِ السَّاقِطِ فَافْهَمْ. ثُمَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 283 (وَحُكْمُهَا لُزُومُ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْكَفِيلِ) بِمَا هُوَ عَلَى الْأَصِيلِ نَفْسًا أَوْ مَالًا (وَأَهْلُهَا مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّبَرُّعِ) فَلَا تَنْفُذُ مِنْ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ إلَّا إذَا اسْتَدَانَ لَهُ وَلِيُّهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْفُلَ الْمَالَ عَنْهُ فَتَصِحُّ وَيَكُونُ إذْنًا فِي الْأَدَاءِ مُحِيطٌ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الصَّبِيَّ يُطَالَبُ بِهَذَا الْمَالِ بِمُوجِبِ الْكَفَالَةِ وَلَوْلَاهَا لَطُولِبَ الْوَلِيُّ نَهْرٌ، وَلَا مِنْ مَرِيضٍ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ، وَلَا مِنْ عَبْدٍ وَلَوْ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ، وَيُطَالَبُ بَعْدَ الْعِتْقِ   [رد المحتار] ظَاهِرُ كَلَامِ النَّهْرِ أَنَّهَا لَوْ صَارَتْ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ بِهَا أَوْ بِالرِّضَاءِ تَصِيرُ دَيْنًا صَحِيحًا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِسُقُوطِهَا بِالْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ إلَّا إذَا كَانَتْ مُسْتَدَانَةً بِأَمْرِ الْقَاضِي، لَكِنَّ غَيْرَ الْمُسْتَدَانَةِ مَعَ كَوْنِهَا دَيْنًا غَيْرَ صَحِيحٍ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا اسْتِحْسَانًا: فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إذَا كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا، بَلْ ذَكَرَ بَعْدَهُ بِأَسْطُرٍ عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَوْ كَفَلَ لَهَا رَجُلٌ بِالنَّفَقَةِ أَبَدًا مَا دَامَتْ الزَّوْجِيَّةُ جَازَ، وَكَذَا ذَكَرَ قُبَيْلَ الْبَابِ الْآتِي جَوَازَ الْكَفَالَةِ بِهَا إذَا أَرَادَ زَوْجُهَا السَّفَرَ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَصِرْ دَيْنًا أَصْلًا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَمْ تَجِبْ بَعْدُ، فَيُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا تَبَعًا لِلنَّهْرِ عَلَى النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالْمُضِيِّ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَاضِيَةِ وَالْمُسْتَقْبِلَةِ أَنَّ الزَّوْجَةَ مُقَصِّرَةٌ بِتَرْكِهَا بِدُونِ قَضَاءٍ أَوْ رِضًا إلَى أَنْ سَقَطَتْ بِالْمُضِيِّ، بِخِلَافِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا لُزُومُ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْكَفِيلِ) أَيْ ثُبُوتُ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ مَتَى شَاءَ الطَّالِبُ، سَوَاءٌ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ مُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ أَوْ لَا فَتْحٌ. وَذَكَرَ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّ اخْتِيَارَ الطَّالِبِ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْآخَرِ مَا لَمْ تُوجَدْ حَقِيقَةُ الِاسْتِيفَاءِ فَلِذَا يَمْلِكُ مُطَالَبَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ اهـ وَقَدَّمْنَاهُ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: بِمَا هُوَ عَلَى الْأَصِيلِ) الْأَوْلَى بِمَا وَقَعَتْ الْكَفَالَةُ بِهِ عَنْ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ الْأَصِيلَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ أَوْ تَسْلِيمُ الْمَالِ، وَالْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ لَيْسَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْمَالِ؛ وَلِأَنَّ الْكَفِيلَ لَوْ تَعَدَّدَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَخُصُّهُ كَنِصْفِ الدَّيْنِ وَلَوْ كَانَا اثْنَيْنِ أَوْ ثُلُثِهِ لَوْ ثَلَاثَةً مَا لَمْ يَكْفُلُوا عَلَى التَّعَاقُبِ فَيُطَالِبُ كُلُّ وَاحِدٍ بِكُلِّ الْمَالِ كَمَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ. (قَوْلُهُ: نَفْسًا أَوْ مَالًا) شَمِلَ الْمَالُ الدَّيْنَ وَالْعَيْنَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ أَوْ فِعْلًا؛ كَمَا لَوْ كَفَلَ تَسْلِيمَ الْأَمَانَةِ أَوْ تَسْلِيمَ الدَّيْنِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَالْمُرَادُ بِالْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا كَالْمَغْصُوبِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: فَلَا تَنْفُذُ مِنْ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ تَاجِرًا، وَكَذَا لَا تَجُوزُ لَهُ إلَّا إذَا كَانَ تَاجِرًا، وَأَمَّا الْكَفَالَةُ عَنْهُ فَهِيَ لَازِمَةٌ لِلْكَفِيلِ يُؤْخَذُ بِهَا، وَلَا يُجْبَرُ الصَّبِيُّ عَلَى الْحُضُورِ مَعَهُ إلَّا إذَا كَانَتْ بِطَلَبِهِ وَهُوَ تَاجِرٌ أَوْ بِطَلَبِ أَبِيهِ مُطْلَقًا، فَإِنْ تَغَيَّبَ فَلَهُ أَخْذُ الْأَبِ بِإِحْضَارِهِ أَوْ تَخْلِيصِهِ، وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ الصَّبِيِّ، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوَافِ بِهِ فَعَلَيْهِ مَا ذَابَ عَلَيْهِ جَازَتْ كَفَالَةُ النَّفْسِ، وَمَا قَضَى بِهِ عَلَى أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ لَزِمَ الْكَفِيلَ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الصَّبِيِّ إلَّا إذَا أَمَرَهُ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ بِالضَّمَانِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ كَافِي الْحَاكِمِ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا اسْتَدَانَ لَهُ وَلِيُّهُ) أَيْ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ لِنَفَقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْفُلَ الْمَالَ عَنْهُ) قَيَّدَ بِالْمَالِ احْتِرَازًا عَنْ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الدَّيْنِ قَدْ لَزِمَهُ أَيْ لَزِمَ الصَّبِيَّ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَالشَّرْطُ لَا يَزِيدُهُ إلَّا تَأْكِيدًا فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فَأَمَّا ضَمَانُ النَّفْسِ وَهُوَ تَسْلِيمُ نَفْسِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا بِهِ فَلَمْ يَجُزْ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ إذْنًا فِي الْأَدَاءِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَنُوبُ عَنْهُ فِي الْأَدَاءِ فَإِذَا أَمَرَهُ بِالضَّمَانِ فَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِي الْأَدَاءِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ نَهْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْلَاهَا لَطُولِبَ الْوَلِيُّ) أَيْ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: وَلَا مِنْ مَرِيضٍ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ) لَكِنْ إذَا كَفَلَ لِوَارِثٍ أَوْ عَنْ وَارِثٍ لَا تَصِحُّ أَصْلًا، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ بَطَلَتْ، وَلَوْ كَفَلَ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُحِيطٍ لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ مَاتَ فَالْمُقَرُّ لَهُ أَوْلَى بِتَرِكَتِهِ مِنْ الْمَكْفُولِ، وَإِنْ لَمْ يُحِطْ، فَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ صَحَّتْ كُلُّهَا وَإِلَّا فَبِقَدْرِ الثُّلُثِ وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ أَنَّ الْكَفَالَةَ كَانَتْ فِي صِحَّتِهِ لَزِمَهُ الْكُلُّ فِي مَالِهِ إنْ لَمْ تَكُنْ لِوَارِثٍ أَوْ عَنْ وَارِثٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ: وَلَا مِنْ عَبْدٍ) أَيْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 284 إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى، وَلَا مِنْ مُكَاتَبٍ وَلَوْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى. (وَالْمُدَّعَى) وَهُوَ الدَّائِنُ (مَكْفُولٌ لَهُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ) وَهُوَ الْمَدْيُونُ (مَكْفُولٌ عَنْهُ) وَيُسَمَّى الْأَصِيلَ أَيْضًا (وَالنَّفْسُ أَوْ الْمَالُ الْمَكْفُولُ مَكْفُولٌ بِهِ وَمَنْ لَزِمَتْهُ الْمُطَالَبَةُ كَفِيلٌ) وَدَلِيلُهَا الْإِجْمَاعُ وَسَنَدُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» وَتَرْكُهَا أَحْوَطُ. مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ: الزَّعَامَةُ أَوَّلُهَا مَلَامَةٌ، وَأَوْسَطُهَا نَدَامَةٌ، وَآخِرُهَا غَرَامَةٌ مُجْتَبَى.   [رد المحتار] لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ مِنْهُ بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ كَمَا فِي الْكَافِي، وَسَوَاءٌ كَفَلَ عَنْ مَوْلَاهُ أَوْ أَجْنَبِيٍّ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ: إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى) أَيْ بِالْكَفَالَةِ عَنْ مَوْلَاهُ أَوْ عَنْ أَجْنَبِيٍّ فَتَصِحُّ كَفَالَتُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَدْيُونًا، وَكَذَا الْأَمَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مَا لَمْ يَعْتِقْ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ قُبَيْلَ الْحَوَالَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا مِنْ مُكَاتَبٍ إلَخْ) أَيْ وَيُطَالَبُ بِهَا بَعْدَ عِتْقِهِ، وَهَذَا لَوْ كَانَتْ عَنْ أَجْنَبِيٍّ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ أَيْضًا: وَتَصِحُّ كَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ عَنْ مَوْلَاهُمَا. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَتْ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ رَأَيْته كَذَلِكَ فِي عِقْدِ الْفَرَائِدِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ. قُلْت: وَسَيَأْتِي أَيْضًا مَتْنًا قُبَيْلَ الْحَوَالَةِ فِي الْعَبْدِ مَعَ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَدْيُونٍ مُسْتَغْرَقٍ (قَوْلُهُ: وَالْمُدَّعَى) أَيْ مَنْ يَكُونُ لَهُ حَقُّ الدَّعْوَى عَلَى غَرِيمِهِ إذْ لَا يَلْزَمُ فِي عَطَاءِ الْكَفِيلِ الدَّعْوَى بِالْفِعْلِ. (قَوْلُهُ: مَكْفُولٌ لَهُ) وَيُسَمَّى الطَّالِبَ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: مَكْفُولٌ عَنْهُ) هَذَا فِي كَفَالَةِ الْمَالِ دُونَ كَفَالَةِ النَّفْسِ. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة، وَيُقَالُ لِلْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ مَكْفُولٌ بِهِ وَلَا يُقَالُ مَكْفُولٌ عَنْهُ اهـ، لَكِنْ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَجَدْنَا بَعْضَهُمْ يَقُولُهُ، وَوُجِدَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الذَّخِيرَةِ. (قَوْلُهُ: كَفِيلٌ) وَيُسَمَّى ضَامِنًا وَضَمِينًا وَحَمِيلًا وَزَعِيمًا وَصَبِيرًا وَقَبِيلًا، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ لِلرَّمْلِيِّ (قَوْلُهُ: وَسَنَدُهُ) أَيْ سَنَدُ الْإِجْمَاعِ، إذْ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ عَلِمْنَا بِهِ. (قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» ) أَيْ يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ بِهِ، فَهُوَ بَيَانٌ لِحُكْمِ الْكَفَالَةِ، وَالْحَدِيثُ كَمَا فِي الْفَتْحِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ فِي الْفَتْحِ لِشَرْعِيَّتِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72]- وَعَادَتُهُمْ تَقْدِيمُ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ عَلَى مَا فِي السُّنَّةِ وَالشَّارِحُ يَذْكُرُهُ أَصْلًا، وَلَعَلَّهُ لِشُهْرَتِهِ أَوْ لِمَا قِيلَ إنَّهُ لَا كَفَالَةَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَأْجِرٌ لِمَنْ جَاءَ بِالصُّوَاعِ بِحِمْلِ بَعِيرٍ، وَالْمُسْتَأْجِرُ يَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْأُجْرَةِ وَلَكِنْ جَوَابُهُ أَنَّ الْكَفِيلَ كَانَ رَسُولًا مِنْ الْمَلِكِ لَا وَكِيلًا بِالِاسْتِئْجَارِ وَالرَّسُولُ سَفِيرٌ، فَكَأَنَّهُ قَالَ إنَّ الْمَلِكَ يَقُولُ لِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ ثُمَّ قَالَ الرَّسُولُ وَأَنَا بِذَلِكَ الْحِمْلِ زَعِيمٌ: أَيْ كَفِيلٌ، وَبَحَثَ فِيهِ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَتَرْكُهَا أَحْوَطُ) أَيْ إذَا كَانَ يَخَافُ أَنْ لَا يَمْلِكَ نَفْسَهُ مِنْ النَّدَمِ عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْ هَذَا الْمَعْرُوفِ، أَوْ الْمُرَادُ أَحْوَطُ فِي سَلَامَةِ الْمَالِ لَا فِي الدِّيَانَةِ إذْ هِيَ بِالنِّيَّةِ تَكُونُ طَاعَةً يُثَابُ عَلَيْهَا فَقَدْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَحَاسِنُ الْكَفَالَةِ جَلِيلَةٌ: وَهِيَ تَفْرِيجُ كُرَبِ الطَّالِبِ الْخَائِفِ عَلَى مَالِهِ وَالْمَطْلُوبِ الْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ، حَيْثُ كُفِيَا مُؤْنَةَ مَا أَهَمَّهُمَا، وَذَلِكَ نِعْمَةٌ كَبِيرَةٌ عَلَيْهِمَا؛ وَلِذَا كَانَتْ مِنْ الْأَفْعَالِ الْعَالِيَةِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ إلَخْ) رَأَيْت فِي الْمُلْتَقَطِ: قِيلَ مَكْتُوبٌ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الرُّومِ وَفِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا هُنَا، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْ فَلْيُجَرِّبْ حَتَّى يَعْرِفَ الْبَلَاءَ مِنْ السَّلَامَةِ. (قَوْلُهُ: أَوَّلُهَا مَلَامَةٌ) سَقَطَ أَوَّلُهَا مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى، وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْقُبُهَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ الْمَلَامَةُ لِنَفْسِهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ النَّاسِ، ثُمَّ عِنْدَ الْمُطَالَبَةُ بِالْمَالِ يَنْدَمُ عَلَى إتْلَافِهِ لِمَالِهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَغْرَمُ الْمَالَ أَوْ يُتْعِبُ نَفْسَهُ بِإِحْضَارِ الْمَكْفُولِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ لُزُومُ الضَّرَرِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 285 (وَكَفَالَةُ النَّفْسِ تَنْعَقِدُ بِكَفَلْت بِنَفْسِهِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ بَدَنِهِ) كَالطَّلَاقِ، وَقَدَّمْنَا ثَمَّةَ أَنَّهُمْ لَوْ تَعَارَفُوا إطْلَاقَ الْيَدِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ فَكَذَا فِي الْكَفَالَةِ فَتْحٌ (وَ) بِجُزْءٍ شَائِعٍ كَكَفَلْت (بِنِصْفِهِ أَوْ رُبْعِهِ) (وَ) تَنْعَقِدُ (بِضَمِنَتِهِ أَوْ عَلَيَّ أَوْ إلَيَّ)   [رد المحتار] [مَطْلَبُ يَصِحُّ كَفَالَةُ الْكَفِيلِ] (قَوْلُهُ: وَكَفَالَةُ النَّفْسِ تَنْعَقِدُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْكَنْزِ: وَتَصِحُّ بِالنَّفْسِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ. قَالَ فِي النَّهْرِ أَيْ بِأَنْ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا ثُمَّ كَفِيلًا أَوْ كَانَ لِلْكَفِيلِ كَفِيلٌ وَيَجُوزُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى النَّفْسِ بِأَنْ يَكْفُلَ وَاحِدٌ نُفُوسًا وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ اهـ، وَقَدَّمْنَا عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ صِحَّةَ كَفَالَةِ الْكَفِيلِ بِالْمَالِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: تَكَفَّلْت بِنَفْسِهِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا وَيَكُونُ بِمَعْنَى عَالٍ فَيَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَمِنْهُ - {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37]- وَبِمَعْنَى ضَمِنَ وَالْتَزَمَ فَيَتَعَدَّى بِالْحَرْفِ وَاسْتِعْمَالُ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَهُ مُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ مُؤَوَّلٌ رَمْلِيٌّ عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ: مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ بَدَنِهِ) أَيْ مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ مِنْ أَعْضَائِهِ عَنْ جُمْلَةِ الْبَدَنِ كَرَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَرَقَبَتِهِ وَعُنُقِهِ وَبَدَنِهِ وَرُوحِهِ، وَذَكَرُوا فِي الطَّلَاقِ الْفَرْجَ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ هُنَا قَالُوا: وَيَنْبَغِي صِحَّةُ الْكَفَالَةِ إذَا كَانَتْ امْرَأَةً، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَهْرٌ، وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَبِجُزْءٍ شَائِعٍ إلَخْ) لِأَنَّ النَّفْسَ الْوَاحِدَةَ فِي حَقِّ الْكَفَالَةِ لَا تَتَجَزَّأُ فَذِكْرُ بَعْضِهَا شَائِعًا كَذِكْرِ كُلِّهَا، وَلَوْ أَضَافَ الْكَفِيلُ الْجُزْءَ إلَى نَفْسِهِ تَكَفَّلْ لَكَ نِصْفِي أَوْ ثُلُثِي فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ، لَكِنْ لَوْ قِيلَ إنْ ذَكَرَ بَعْضَ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ لَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَتَنْعَقِدُ بِضَمِنْته إلَخْ) أَمَّا ضَمِنْتُهُ فَلِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا لِلتَّسْلِيمِ، وَالْعَقْدُ يَنْعَقِدُ بِالتَّصْرِيحِ بِمُوجِبِهِ كَالْبَيْعِ يَنْعَقِدُ بِالتَّمْلِيكِ، وَأَمَّا عَلَيَّ فَلِأَنَّهُ صِيغَةُ الْتِزَامٍ، وَمَنْ هُنَا أَفْتَى قَارِئُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ الْتَزَمْت بِمَا عَلَى فُلَانٍ كَانَ كَفَالَةً وَإِلَى بِمَعْنَاهُ هُنَا وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَلْفَاظَ الْكَفَالَةِ كُلُّ مَا يُنْبِئُ عَنْ الْعُهْدَةِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى: هَذَا إلَيَّ أَوْ وَأَنَا كَفِيلٌ بِهِ أَوْ قَبِيلٌ أَوْ زَعِيمٌ كَانَ كُلُّهُ كَفَالَةً بِالنَّفْسِ لَا كَفَالَةً بِالْمَالِ اهـ تَتَارْخَانِيَّةٌ. وَفِي الْحَاكِمِ: وَقَوْلُهُ ضَمِنْت وَكَفَلْت وَهُوَ إلَيَّ وَهُوَ عَلَيَّ سَوَاءٌ كُلُّهُ وَهُوَ كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ اهـ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي بَابِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ إذَا قَالَ إنْ مَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ أَنْ يُوفِيَك مَالَك فَهُوَ عَلَيَّ فَهُوَ جَائِزٌ اهـ، فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا هُوَ إلَيَّ هُوَ عَلَيَّ كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ كَانَ الضَّمِيرُ لِلرَّجُلِ الْمَكْفُولِ بِهِ، أَمَّا لَوْ كَانَ الضَّمِيرُ لِلْمَالِ فَهُوَ كَفَالَةُ مَالٍ وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَلْفَاظِ. فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَيْضًا عَنْ الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنَا ضَامِنٌ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ فَهَذَا ضَمَانٌ صَحِيحٌ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ غَصَبَهُ عَبْدًا وَمَاتَ فِي يَدِهِ فَقَالَ خَلِّهِ فَأَنَا ضَامِنٌ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ فَهُوَ ضَامِنٌ يَأْخُذُ مِنْهُ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتٍ بِالْبَيِّنَةِ اهـ. فَقَدْ ظَهَرَ لَكَ أَنَّ مَا مَرَّ أَوَّلًا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ كَفَالَةُ نَفْسٍ لَا كَفَالَةُ مَالٍ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ كَفَالَةَ مَالٍ أَصْلًا، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنَا بِهِ كَفِيلٌ أَوْ زَعِيمٌ إلَخْ أَيْ بِالرَّجُلِ كَانَ كَفَالَةَ نَفْسٍ؛ لِأَنَّهَا أَدْنَى مِنْ كَفَالَةِ الْمَالِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالْمَالِ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا تَوَجَّهَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ عَلَى الْمَالِ فَإِنَّهَا تَكُونُ كَفَالَةَ مَالٍ؛ لِأَنَّهَا صَرِيحَةٌ بِهِ فَلَا يُرَادُ بِهَا الْأَدْنَى وَهُوَ كَفَالَةُ النَّفْسِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالْمَالِ أَوْ بِضَمِيرِهِ، وَهَذَا مَعْنَى مَا نَقَلَهُ الشَّلَبِيُّ عَنْ شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِلشَّيْخِ أَبِي نَصْرٍ الْأَقْطَعِ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ يَصِحُّ الضَّمَانُ بِهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ ضَمَانِ النَّفْسِ وَضَمَانِ الْمَالِ اهـ أَيْ إذَا قَالَ ضَمِنْت زَيْدًا أَوْ أَنَا كَفِيلٌ بِهِ أَوْ هُوَ عَلَيَّ أَوْ إلَيَّ يَكُونُ كَفَالَةَ نَفْسٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ. وَإِذَا قَالَ: ضَمِنْت لَكَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ أَوْ أَنَا كَفِيلٌ بِهِ إلَخْ فَهُوَ كَفَالَةُ مَالٍ قَطْعًا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَكْفُولُ بِهِ أَنَّهُ كَفَالَةُ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ أَصْلًا كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 286 أَوْ عِنْدِي (أَوْ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ) أَيْ كَفِيلٌ (أَوْ قَبِيلٌ بِهِ) أَيْ بِفُلَانٍ، أَوْ غَرِيمٌ، أَوْ حَمِيلٌ بِمَعْنَى مَحْمُولٍ بَدَائِعُ (وَ) تَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ (أَنَا ضَامِنٌ حَتَّى تَجْتَمِعَا أَوْ) حَتَّى (تَلْتَقِيَا) وَيَكُونُ كَفِيلًا إلَى الْغَايَةِ   [رد المحتار] لَا تَحْرِيرَ فِيمَا قَالَهُ الشَّلَبِيُّ بَعْدَمَا مَرَّ عَنْ شَرْحِ الْأَقْطَعِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ إذَا أُطْلِقَتْ تُحْمَلُ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ، وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ تَتَمَحَّضُ حِينَئِذٍ لِلْكَفَالَةِ بِهِ اهـ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَكْفُولُ بِهِ بِأَنْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِنَفْسٍ وَلَا مَالٍ لَا تَصِحُّ أَصْلًا كَمَا يَأْتِي، فَقَوْلُهُ: تُحْمَلُ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ كَمَا تَعْرِفُهُ، نَعَمْ لَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَحَدِهِمَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يُعْمَلُ بِهَا كَمَا إذَا قَالَ قَائِلٌ اضْمَنْ لِي هَذَا الرَّجُلَ فَقَالَ الْآخَرُ أَنَا ضَامِنٌ فَهُوَ قَرِينَةٌ عَلَى كَفَالَةِ النَّفْسِ، وَإِنْ قَالَ اضْمَنْ لِي مَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ فَقَالَ أَنَا ضَامِنٌ فَهُوَ قَرِينَةٌ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ مُعَادٌ فِي السُّؤَالِ فَافْهَمْ، وَاغْنَمْ تَحْرِيرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّك لَا تَجِدُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. مَطْلَبُ لَفْظِ عِنْدِي يَكُونُ كَفَالَةً بِالنَّفْسِ، وَيَكُونُ كَفَالَةً بِالْمَالِ (قَوْلُهُ: أَوْ عِنْدِي) فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة: لَك عِنْدِي هَذَا الرَّجُلُ أَوْ قَالَ دَعْهُ إلَيَّ كَانَتْ كَفَالَةً اهـ يَعْنِي بِالنَّفْسِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا إلَخْ عَنْ الْخَانِيَّةِ إنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ فَعِنْدِي لَك هَذَا الْمَالُ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّ عِنْدِي إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي الدَّيْنِ يُرَادُ بِهِ الْوُجُوبُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إلَيَّ هَذَا الْمَالُ اهـ. فَهَذَا صَرِيحٌ أَيْضًا بِأَنَّ عِنْدِي يَكُونُ كَفَالَةَ نَفْسٍ وَكَفَالَةَ مَالٍ بِحَسَبِ مَا تَوَجَّهَ إلَيْهِ اللَّفْظُ، وَبِهِ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ وَالْحَامِدِيَّةِ. وَأَمَّا مَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ: وَبِمَا لَك عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ عِنْدِي كَعَلَيَّ فِي التَّعْلِيقِ فَقَطْ وَلَا تُفِيدُ كَفَالَةٌ بِالْمَالِ بَلْ بِالنَّفْسِ، وَمَا أَفْتَى بِهِ مِنْ أَنَّهُ: لَوْ قَالَ لَا تُطَالِبْ فُلَانًا مَالَك عِنْدِي لَا يَكُونُ كَفِيلًا، فَقَدْ رَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالتَّعْلِيقِ، وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا، وَكَذَا الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِقَوْلِهِمْ: إنَّ مُطْلَقَ لَفْظِ عِنْدِي لِلْوَدِيعَةِ لَكِنَّهُ بِقَرِينَةِ الدَّيْنِ يَكُونُ كَفَالَةً. وَفِي الزَّيْلَعِيِّ مِنْ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ الْعُرْفُ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ جَوَابِ الدَّعْوَى فَقَالَ عِنْدِي كَانَ إقْرَارًا اهـ. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى مَحْمُولٍ) كَذَا عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ إلَى الْبَدَائِعِ أَيْضًا. قَالَ ط: الْأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ؛ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِكَفَالَتِهِ (قَوْلُهُ: وَتَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ أَنَا ضَامِنٌ حَتَّى تَجْتَمِعَا إلَخْ) أَقُولُ: اشْتَبَهَ هُنَا عَلَى الْمُصَنِّفِ مَسْأَلَةٌ بِمَسْأَلَةٍ بِسَبَبِ سَقْطٍ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الْخَانِيَّةِ الَّتِي نَقَلَ عَنْهَا فِي شَرْحِهِ فَإِنْ قَالَ فِيهِ: فِي الْخَانِيَّةِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ قَالَ هُوَ عَلَيَّ حَتَّى تَجْتَمِعَا أَوْ حَتَّى تَلْتَقِيَا لَا يَكُونُ كَفَالَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ الْمَضْمُونَ أَنَّهُ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ اهـ مَعَ أَنَّ عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ هَكَذَا: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ قَالَ هُوَ عَلَيَّ حَتَّى تَجْتَمِعَا أَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أُوَافِيَك بِهِ أَوْ أَلْقَاك بِهِ كَانَتْ كَفَالَةً بِالنَّفْسِ، وَلَوْ قَالَ: أَنَا ضَامِنٌ حَتَّى تَجْتَمِعَا أَوْ حَتَّى تَلْتَقِيَا لَا يَكُونُ كَفَالَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ الْمَضْمُونَ أَنَّهُ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ اهـ كَلَامُ الْخَانِيَّةِ. وَفِي السِّرَاجِ: لَوْ قَالَ هُوَ عَلَيَّ حَتَّى تَجْتَمِعَا أَوْ تَلْتَقِيَا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هُوَ عَلَيَّ ضَمَانٌ مُضَافٌ إلَى الْعَيْنِ وَجَعَلَ الِالْتِقَاءَ غَايَةً لَهُ اهـ يَعْنِي أَنَّ الضَّمِيرَ فِي هُوَ عَلَيَّ عَائِدٍ إلَى عَيْنِ الشَّخْصِ الْمَكْفُولِ بِهِ فَيَكُونُ كَفَالَةَ نَفْسٍ إلَى الْتِقَائِهِ مَعَ غَرِيمِهِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنَا ضَامِنٌ حَتَّى تَجْتَمِعَا أَوْ حَتَّى تَلْتَقِيَا فَلَا يَصِحُّ أَصْلًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنَا ضَامِنٌ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْمَضْمُونُ بِهِ هَلْ هُوَ النَّفْسُ أَوْ الْمَالُ، فَقَدْ ظَهَرَ وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَكَانَ الصَّوَابُ فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ وَتَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ هُوَ عَلَيَّ حَتَّى تَجْتَمِعَا أَوْ تَلْتَقِيَا لَا بِأَنَا ضَامِنٌ حَتَّى تَجْتَمِعَا أَوْ تَلْتَقِيَا لِعَدَمِ بَيَانِ الْمَضْمُونِ بِهِ، فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ. ثُمَّ إنَّ الْمَسْأَلَةَ مَذْكُورَةٌ فِي كَافِي الْحَاكِمِ الَّذِي جَمَعَ فِيهِ كُتُبَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الْعُمْدَةُ فِي نَقْلِ نَصِّ الْمَذْهَبِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: وَلَوْ قَالَ أَنَا بِهِ قَبِيلٌ أَوْ زَعِيمٌ أَوْ قَالَ ضَمِينٌ فَهُوَ كَفِيلٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أُوَافِيَك بِهِ أَوْ عَلَيَّ أَنْ أَلْقَاك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 287 تَتَارْخَانِيَّةٌ. (وَقِيلَ لَا) تَنْعَقِدُ (لِعَدَمِ بَيَانِ الْمَضْمُونِ بِهِ) أَهُوَ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ، كَمَا نَقَلَهُ فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ الثَّانِي. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمَذْهَبَ، لَكِنَّهُ اسْتَنْبَطَ مِنْهُ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الطَّالِبُ ضَمِنْت بِالْمَالِ، وَقَالَ الضَّامِنُ إنَّمَا ضَمِنْت بِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ. ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا اعْتَرَفَ أَنَّهُ ضَمِنَ بِالنَّفْسِ أَنْ يُؤَاخَذَ بِإِقْرَارِهِ فَرَاجِعْهُ (كَمَا) لَا تَنْعَقِدُ (فِي) قَوْلِهِ (أَنَا ضَامِنٌ) أَوْ كَفِيلٌ (لِمَعْرِفَتِهِ) عَلَى الْمَذْهَبِ، خِلَافًا لِلثَّانِي بِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْمُطَالَبَةَ بَلْ الْمَعْرِفَةَ. وَاخْتُلِفَ فِي أَنَا ضَامِنٌ لِتَعْرِيفِهِ أَوْ عَلَى تَعْرِيفِهِ وَالْوَجْهُ اللُّزُومُ فَتْحٌ، كَأَنَا ضَامِنٌ لِوَجْهِهِ؛ لِأَنَّهُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ سِرَاجٌ، وَفِي مَعْرِفَةِ فُلَانٍ عَلَيَّ يَلْزَمُهُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ خَانِيَّةٌ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كَفِيلًا نَهْرٌ.   [رد المحتار] بِهِ أَوْ قَالَ هُوَ عَلَيَّ حَتَّى تَجْتَمِعَا أَوْ حَتَّى تُوَافِيَا أَوْ حَتَّى تَلْتَقِيَا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هُوَ عَلَيَّ، وَقَالَ أَنَا ضَامِنٌ لَكَ حَتَّى تَجْتَمِعَا أَوْ تَلْتَقِيَا فَهُوَ بَاطِلٌ اهـ وَلَمْ يَذْكُرُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُ فِيهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَإِنَّمَا الْمَسْأَلَةُ مَنْقُولَةٌ عَنْ الصَّاحِبِينَ فَقَطْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْخَانِيَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ وَلَا لِلتَّمْرِيضِ، بَلْ هُوَ بَيَانٌ لِكَوْنِ ذَلِكَ مَنْقُولًا عَنْهُ، وَكَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ كَمَا عَلِمْت، وَحَيْثُ لَمْ يُوجَدْ نَصٌّ لِلْإِمَامِ فَالْعَمَلُ عَلَى مَا نَقَلَهُ الثِّقَاتُ عَنْ أَصْحَابِهِ كَمَا عُلِمَ فِي مَحَلِّهِ. (قَوْلُهُ: تَتَارْخَانِيَّةٌ) عِبَارَتُهَا هُوَ عَلَيَّ حَتَّى تَجْتَمِعَا فَهُوَ كَفِيلٌ إلَى الْغَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اهـ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي مَتْنِهِ، فَإِنَّ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي مَتْنِهِ لَا تَنْعَقِدُ فِيهَا الْكَفَالَةُ أَصْلًا كَمَا عَلِمْته آنِفًا. (قَوْلُهُ: كَمَا نَقَلَهُ فِي الْخَانِيَّةِ) قَدْ أَسْمَعْنَاك عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمَذْهَبُ) الضَّمِيرُ فِي أَنَّهُ عَائِدٌ إلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الثَّانِي، وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ لَا، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلٌ آخَرُ بَلْ هُمَا مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا تَصِحُّ فِيهَا الْكَفَالَةُ، وَالْأُخْرَى لَا تَصِحُّ بِلَا ذِكْرِ خِلَافٍ فِيهِمَا كَمَا حَرَّرْنَاهُ آنِفًا. (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ اسْتَنْبَطَ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ فِي شَرْحِهِ إنَّهُ لَيْسَ الْمَذْهَبُ مَعَ أَنَّهُ فِي فَتَاوِيهِ اسْتَنْبَطَ مِنْهُ مَا ذَكَرَ. وَوَجْهُ الِاسْتِنْبَاطِ أَنَّ الطَّالِبَ وَالضَّامِنَ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يُعْلَمْ الْمَضْمُونُ بِهِ هَلْ هُوَ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ، فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا مُسَلَّمٌ إذَا كَانَ الطَّالِبُ يَدَّعِي كَفَالَةَ النَّفْسِ أَيْضًا، أَمَّا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ كَفَالَةَ الْمَالِ فَقَطْ فَلَا إذْ الْإِقْرَارُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَلَا يُؤَاخَذُ الْمُقِرُّ بِلَا دَعْوَى، أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُمْ قَالُوا إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ زَادَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ: وَبِهِ يُفْتَى. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. مَطْلَبُ لَوْ قَالَ أَنَا أَعْرِفُهُ لَا يَكُونُ كَفِيلًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْمُطَالَبَةَ بَلْ الْمَعْرِفَةَ) فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنَا ضَامِنٌ لَكَ عَلَى أَنْ أُوقِفَك عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَنْ أَدُلَّك عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَنْزِلِهِ فَتْحٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا أَعْرِفُهُ لَا يَكُونُ كَفِيلًا كَمَا فِي السِّرَاجِ. (قَوْلُهُ: وَالْوَجْهُ اللُّزُومُ) لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ مُتَعَدٍّ إلَى اثْنَيْنِ، فَقَدْ الْتَزَمَ أَنْ يَعْرِفَهُ الْغَرِيمُ، بِخِلَافِ مَعْرِفَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي إلَّا مَعْرِفَةَ الْكَفِيلِ لِلْمَطْلُوبِ فَتْحٌ، فَصَارَ مَعْنَى الْأَوَّلِ أَنَا ضَامِنٌ لَأَنْ أُعَرِّفَك غَرِيمَك وَتَعْرِيفُهُ بِإِحْضَارِهِ لِلطَّالِبِ وَإِلَّا فَهُوَ مَعْرُوفٌ لَهُ، وَمَعْنَى الثَّانِي أَنَا ضَامِنٌ لَأَنْ أُعَرِّفَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ إحْضَارُهُ لَهُ لَكِنْ مَا يَأْتِي عَنْ الْخَانِيَّةِ يُفِيدُ لُزُومَ دَلَالَتِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَصِرْ كَفِيلًا. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ صَارَ كَالْتِزَامِهِ الدَّلَالَةَ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ إلَخْ أَيْ لَا يَلْزَمُ مِنْ لُزُومِ دَلَالَتِهِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَحْكَامُهَا نَهْرٌ: أَيْ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ هُوَ فِي الْمَحَلِّ الْفُلَانِيِّ فَاذْهَبْ إلَيْهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ إحْضَارُهُ أَوْ السَّفَرُ إلَيْهِ إذَا غَابَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ كَفَالَةِ النَّفْسِ. [تَتِمَّةٌ] قَدَّمْنَا أَنَّ أَلْفَاظَ الْكَفَالَةِ كُلُّ مَا يُنْبِئُ عَنْ الْعُهْدَةِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَلَيَّ أَنْ أُوَافِيَك بِهِ أَوْ عَلَيَّ أَنْ أَلْقَاك بِهِ أَوْ دَعْهُ إلَيَّ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ: لَوْ قَالَ الدَّيْنُ الَّذِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288 (وَإِذَا كَفَلَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) مَثَلًا (كَانَ كَفِيلًا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ) أَيْضًا أَبَدًا حَتَّى يُسْلِمَهُ   [رد المحتار] لَك عَلَى فُلَانٍ أَنَا أَدْفَعُهُ إلَيْك أَوْ أُسَلِّمُهُ إلَيْك أَوْ أَقْبِضُهُ لَا يَكُونُ كَفَالَةً مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِمَا إذَا قَالَهُ مُنَجَّزًا فَلَوْ مُعَلَّقًا يَكُونُ كَفَالَةً نَحْوُ أَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ يُؤَدِّ فَأَنَا أُؤَدِّي، نَظِيرُهُ فِي النَّذْرِ لَوْ قَالَ أَنَا أَحُجُّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنَا أَحُجُّ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ اهـ. قُلْت: لَكِنْ لَوْ قَالَ ضَمِنْت لَكَ مَا عَلَيْهِ أَنَا أَقْبِضُهُ وَأَدْفَعُهُ إلَيْك يَصِيرُ كَفَالَةً بِالْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي بَحْثِ كَفَالَةِ الْمَالِ. [مَطْلَبٌ فِي الْكَفَالَةِ الْمُؤَقَّتَةِ] (قَوْلُهُ: وَإِذَا كَفَلَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ كَفَلْت لَك زَيْدًا أَوْ مَا عَلَى زَيْدٍ مِنْ الدَّيْنِ إلَى شَهْرٍ مَثَلًا صَارَ كَفِيلًا فِي الْحَالِ أَبَدًا أَيْ فِي الشَّهْرِ وَبَعْدَهُ، وَيَكُونُ ذِكْرُ الْمُدَّةِ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ إلَى شَهْرٍ لَا لِتَأْخِيرِ الْكَفَالَةِ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفٍ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَصِيرُ مُطَالَبًا بِالثَّمَنِ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ، وَقِيلَ لَا يَصِيرُ كَفِيلًا فِي الْحَالِ بَلْ بَعْدَ الْمُدَّةِ فَقَطْ وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْأَصْلِ، وَعَلَى كُلٍّ فَلَا يُطَالَبُ فِي الْحَالِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَفِي الصُّغْرَى وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ وَالْحَسَنُ أَنَّهُ يُطَالَبُ بِهِ فِي الْمُدَّةِ فَقَطْ وَبَعْدَهَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ، كَمَا لَوْ ظَاهَرَ أَوْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ مُدَّةً فَإِنَّهُمَا يَقَعَانِ فِيهَا وَيَبْطُلَانِ بِمُضِيِّهَا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا. وَفِيهَا أَيْضًا: وَلَوْ قَالَ كَفَلْت فُلَانًا مِنْ هَذِهِ السَّاعَةِ إلَى شَهْرٍ تَنْتَهِي الْكَفَالَةُ بِمُضِيِّ الشَّهْرِ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ قَالَ شَهْرًا لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ هُوَ كَفِيلٌ أَبَدًا، كَمَا لَوْ قَالَ إلَى شَهْرٍ، وَقِيلَ فِي الْمُدَّةِ فَقَطْ: أَيْ كَمَا لَوْ قَالَ مِنْ هَذِهِ السَّاعَةِ إلَى شَهْرٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَذْكُرَ إلَى بِدُونِ مِنْ فَيَقُولُ كَفَلْته إلَى شَهْرٍ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ فَيَكُونُ كَفِيلًا بَعْدَ الشَّهْرِ وَلَا يُطَالَبُ فِي الْحَالِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ هُوَ كَفِيلٌ فِي الْمُدَّةِ فَقَطْ، وَإِمَّا أَنْ يَذْكُرَ مِنْ وَإِلَى فَيَقُولُ كَفَلْته مِنْ الْيَوْمِ إلَى شَهْرٍ فَهُوَ كَفِيلٌ فِي الْمُدَّةِ فَقَطْ بِلَا خِلَافٍ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَذْكُرَ مِنْ وَلَا إلَى فَيَقُولُ كَفَلْته شَهْرًا أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَقِيلَ كَالْأَوَّلِ، وَقِيلَ كَالثَّانِي. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ جَمْعِ التَّفَارِيقِ قَالَ: وَاعْتِمَادُ أَهْلِ زَمَانِنَا عَلَى أَنَّهُ كَالثَّانِي. قُلْت: وَيَنْبَغِي عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فِي زَمَانِنَا كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ الْيَوْمَ لَا يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ إلَّا تَوْقِيتَ الْكَفَالَةِ بِالْمُدَّةِ وَأَنَّهُ لَا كَفَالَةَ بَعْدَهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَبْنَى أَلْفَاظِ الْكَفَالَةِ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، وَأَنَّ لَفْظَ عِنْدِي لِلْأَمَانَةِ وَصَارَ فِي الْعُرْفِ لِلْكَفَالَةِ بِقَرِينَةِ الدَّيْنِ. وَقَالُوا إنَّ كَلَامَ كُلِّ عَاقِدٍ وَنَاذِرٍ وَحَالِفٍ وَوَاقِفٍ يُحْمَلُ عَلَى عُرْفِهِ سَوَاءٌ وَافَقَ عُرْفَ اللُّغَةِ أَوْ لَا. ثُمَّ رَأَيْت فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ: وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ الْأَجَلُّ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ يَقُولُ: قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَشْبَهُ بِعُرْفِ النَّاسِ إذَا كَفَلُوا إلَى مُدَّةٍ يَفْهَمُونَ بِضَرْبِ الْمُدَّةِ أَنَّهُمْ يُطَالَبُونَ فِي الْمُدَّةِ لَا بَعْدَهَا إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَكْتُبَ فِي الْفَتْوَى أَنَّهُ إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ فَالْقَاضِي يُخْرِجُهُ عَنْ الْكَفَالَةِ احْتِرَازًا عَنْ خِلَافِ جَوَابِ الْكِتَابِ، وَإِنْ وَجَدَ هُنَاكَ قَرِينَةً تَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِ جَوَابَ الْكِتَابِ فَهُوَ عَلَيْهِ اهـ، لَكِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ الْمُقَلِّدَ لَا يَحْكُمُ إلَّا بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا بِالرِّوَايَةِ الشَّاذَّةِ، إلَّا أَنْ يَنُصُّوا عَلَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهَا اهـ. قُلْت: مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ لَا عُرْفَ، إذْ لَا وَجْهَ لِلْحُكْمِ عَلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِمَا لَمْ يَقْصِدَاهُ فَلَيْسَ قَضَاءً، بِخِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ إخْرَاجِ الْقَاضِي لَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ زِيَادَةُ احْتِيَاطٍ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْعَاقِدَيْنِ عَالِمَيْنِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى قَاصِدَيْنِ لَهُ، وَلِذَا قَالَ إنْ وَجَدَ قَرِينَةً عَلَى خِلَافِ الْعُرْفِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289 لِمَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ سَلَّمَهُ لِلْحَالِ بَرِئَ وَإِنَّمَا الْمُدَّةُ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ، وَلَوْ زَادَ وَأَنَا بَرِيءٌ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَصِرْ كَفِيلًا أَصْلًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهِيَ الْحِيلَةُ فِي كَفَالَةٍ لَا تَلْزَمُ دُرَرٌ وَأَشْبَاهٌ. قُلْت: وَنَقَلَهُ فِي لِسَانِ الْحُكَّامِ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ وَأَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْوَاقِعَاتِ أَنَّ الْفَتْوَى أَنَّهُ يَصِيرُ كَفِيلًا اهـ. لَكِنْ تَقَوَّى الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فَتَنَبَّهْ (وَلَا يُطَالَبُ) بِالْمَكْفُولِ بِهِ (فِي الْحَالِ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (وَبِهِ يُفْتَى) وَصَحَّحَهُ فِي السِّرَاجِيَّةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: كَفَلَ عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَوْ كُلَّمَا طَلَبَ فَلَهُ أَجْرُ شَهْرٍ صَحَّتْ، وَلَهُ أَجَلُ شَهْرٍ مُنْذُ طَلَبَهُ فَإِذَا تَمَّ الشَّهْرُ فَطَالَبَهُ لَزِمَ التَّسْلِيمُ وَلَا أَجَلَ لَهُ ثَانِيًا ثُمَّ قَالَ كَفَلَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ عَشْرَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ صَحَّ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّوَسُّعِ (وَإِنْ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ أَحْضَرَهُ فِيهِ إنْ طَلَبَهُ) كَدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ حَلَّ (فَإِنْ أَحْضَرَهُ) فِيهَا (وَإِلَّا حَبَسَهُ الْحَاكِمُ) حِينَ يَظْهَرُ مَطْلُهُ، وَلَوْ ظَهَرَ عَجْزُهُ ابْتِدَاءً   [رد المحتار] يَحْكُمُ بِجَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: لِمَا فِي الْمُلْتَقَطِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ كَفِيلًا قَبْلَ الثَّلَاثَةِ اهـ ح. (قَوْلُهُ: لَوْ سَلَّمَهُ لِلْحَالِ بَرِئَ) وَيُجْبَرُ الطَّالِبُ عَلَى الْقَبُولِ، كَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ إذَا عَجَّلَهُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ يُجْبَرُ الطَّالِبُ عَلَى الْقَبُولِ خَانِيَّةٌ، فَلَوْ لَمْ يَصِرْ كَفِيلًا قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَمْ يَصِحَّ تَسْلِيمُهُ فِيهَا وَلَمْ يُجْبَرْ الْآخَرُ عَلَى الْقَبُولِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِرْ كَفِيلًا أَصْلًا) لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ كَفِيلًا بَعْدَ الْمُدَّةِ لِنَفْيِهِمَا الْكَفَالَةَ فِيهِ صَرِيحًا وَلَا فِي الْحَالِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ظَهِيرِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: وَنَقَلَهُ إلَخْ) نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَصِيرُ كَفِيلًا) أَيْ فِي الْمُدَّةِ فَقَطْ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ كَفَلَ بِنَفْسِهِ إلَى شَهْرٍ عَلَى أَنَّهُ بَرِيءٌ بَعْدَ الشَّهْرِ فَهُوَ كَمَا قَالَ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ تَقَوَّى الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ) قُلْت: وَتَقَوَّى الثَّانِي بِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ بِحَيْثُ لَا يَقْصِدُونَ غَيْرَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْكَفِيلُ عَالِمًا بِحُكْمِ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَاصِدًا لَهُ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يُطَالَبُ إلَخْ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ. (قَوْلُهُ: لَزِمَ التَّسْلِيمُ) أَيْ بِالطَّلَبِ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ: وَلَا أَجَلَ لَهُ ثَانِيًا أَيْ بِالطَّلَبِ الثَّانِي وَهَذَا مَا لَمْ يَدْفَعْهُ، فَإِذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ بَرِئْت إلَيْكَ مِنْهُ يَبْرَأُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ ثَانِيًا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ بَرَاءَةً؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْكَفَالَةِ كُلَّمَا طَلَبْته مِنِّي فَلِي أَجَلُ شَهْرٍ، فَكَأَنَّهُ قَالَ كُلَّمَا طَلَبْته مِنِّي وَافَيْتُك بِهِ إلَّا أَنَّ لِي أَجَلَ شَهْرٍ حَتَّى أَطْلُبَهُ، وَكَلِمَةُ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَتَقْتَضِي تَكْرَارَ الْمُوَافَاةِ كُلَّمَا تَكَرَّرَ الطَّلَبُ، فَبِالدَّفْعِ إلَيْهِ يَبْرَأُ عَنْ مُوَافَاةٍ لَزِمَتْهُ بِالْمُطَالَبَةِ السَّابِقَةِ لَا عَنْ مُوَافَاةٍ تَلْزَمُهُ بِمُطَالَبَةٍ تُوجَدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِنَّمَا يَبْرَأُ عَنْ ذَلِكَ لِصَرِيحِ الْإِبْرَاءِ، فَإِذَا بَرِئَ إلَيْهِ حِينَ دَفَعَهُ مَرَّةً وَجَدَ صَرِيحَ الْإِبْرَاءِ وَمَا لَا فَلَا، فَإِذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ وَلَمْ يَبْرَأْ فَطَالَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلِلْكَفِيلِ أَجَلُ شَهْرٍ آخَرَ مِنْ يَوْمِ طَلَبِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الطَّلَبِ الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَدْفَعْهُ مَرَّةً، ذَخِيرَةٌ وَبَزَّازِيَّةٌ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا طَالَبَهُ بِتَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ فَلَهُ أَجَلُ شَهْرٍ فَإِذَا تَمَّ الشَّهْرُ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالتَّسْلِيمِ وَلَا أَجَلَ لَهُ فِي هَذِهِ الْمُطَالَبَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِذَا سَلَّمَهُ وَتَبَرَّأَ إلَيْهِ مِنْ عُهْدَتِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ سَلَّمَهُ وَلَمْ يَتَبَرَّأْ ثُمَّ طَالَبَهُ بِهِ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ ثَانِيًا، لَكِنْ يَثْبُتُ لَهُ أَجَلُ شَهْرٍ آخَرَ بَعْدَ هَذَا الطَّلَبِ، فَإِذَا تَمَّ الشَّهْرُ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ فَطَالَبَهُ بِهِ فَلَا أَجَلَ لَهُ مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الطَّالِبِ وَهَكَذَا، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِي كَفَالَةِ النَّفْسِ، أَمَّا فِي كَفَالَةِ الْمَالِ فَإِنَّهُ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ لَا يُطَالَبُ بِهِ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَنْتَهِي بِهِ، وَلِذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ كَفَلَهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ مَتَى طَالَبَهُ بِهِ فَلَهُ أَجَلُ شَهْرٍ فَمَتَى طَلَبَهُ فَلَهُ الْأَجَلُ، فَإِذَا مَضَى فَلَهُ أَخْذُهُ مِنْهُ مَتَى شَاءَ بِالطَّلَبِ الْأَوَّلِ وَلَا يَكُونُ لِلْكَفِيلِ أَجَلُ شَهْرٍ آخَرَ اهـ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ مَحْمُولٌ عَلَى كَفَالَةِ الْمَالِ، وَلَعَلَّهُ جُرِّدَتْ مَتَى وَكُلَّمَا عَنْ الْعُمُومِ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ هُنَا لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ كَفَالَةِ النَّفْسِ كَمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْبَيْعِ) فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْخِيَارُ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَرَطَ) يَنْبَغِي كَوْنُهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ فِي لَفْظِ الْكَفِيلِ أَوْ الطَّالِبِ ط. (قَوْلُهُ: أَحْضَرَهُ) أَيْ لَزِمَهُ إحْضَارُهُ بِالشَّرْطِ. (قَوْلُهُ: فِيهَا) أَيْ فَبِالْقَضِيَّةِ الْمَشْرُوطَةِ قَدْ وَفَّى. . (قَوْلُهُ: حِينَ يَظْهَرُ مَطْلُهُ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ حَتَّى، وَالصَّوَابُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290 لَا يَحْسِبُهُ عَيْنِيٌّ (فَإِنْ غَابَ) أَمْهَلَهُ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ وَلَوْ لِدَارِ الْحَرْبِ عَيْنِيٌّ وَابْنُ مَلَكٍ (وَ) لَوْ (لَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ) لِأَنَّهُ عَاجِزٌ (إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِتَصْدِيقِ الطَّالِبِ) زَيْلَعِيٌّ. زَادَ فِي الْبَحْرِ (أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا الْكَفِيلُ) مُسْتَدِلًّا بِمَا فِي الْقُنْيَةِ: غَابَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَلِلدَّائِنِ مُلَازَمَةُ الْكَفِيلِ حَتَّى يُحْضِرَهُ؛ وَحِيلَةُ دَفْعِهِ أَنْ يَدَّعِيَ الْكَفِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ خَصْمَك غَائِبٌ غَيْبَةً لَا تُدْرَى فَبَيِّنْ لِي مَوْضِعَهُ، فَإِنْ بَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ، وَلَوْ اخْتَلَفَا، فَإِنَّ لَهُ خُرْجَةً لِلتُّجَّارِ مَعْرُوفَةً أَمَرَ الْكَفِيلُ بِالذَّهَابِ إلَيْهِ وَإِلَّا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَدْرِي مَوْضِعَهُ، ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ قُلْنَا بِذَهَابِهِ إلَيْهِ لِلطَّالِبِ أَنْ يَسْتَوْثِقَ بِكَفِيلٍ مِنْ الْكَفِيلِ لِئَلَّا يَغِيبَ الْآخَرُ   [رد المحتار] الْأَوَّلُ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ أَنْكَرَ الْكَفَالَةَ حَتَّى أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهَا فَإِنَّهُ لَا يَحْبِسُهُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: أَيْ لِظُهُورِ مَطْلِهِ بِإِنْكَارِهِ فَصَارَ كَمَسْأَلَةِ الْمَدْيُونِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ، وَكَأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ فَذَكَرَهُ بَحْثًا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: لَا يَحْبِسُهُ) لَكِنْ لَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَفِيلِ فَيُلَازِمُهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ أَشْغَالِهِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَوْ أَضَرَّتْهُ مُلَازَمَتُهُ لَهُ اسْتَوْثَقَ مِنْهُ بِكَفِيلٍ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ غَابَ) أَيْ الْمَكْفُولُ عَنْهُ وَطَلَبَ الْغَرِيمُ مِنْهُ إحْضَارَهُ نَهْرٌ، وَهَذَا إذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي غَيْبَتُهُ بِبَلَدٍ آخَرَ بِعِلْمِ الْقَاضِي أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا الْكَفِيلُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَافِي الْحَاكِمِ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَسَافَةَ الْقَرِيبَةَ وَالْبَعِيدَةَ كَمَا فِي الْفَتْحِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: أَمْهَلَهُ) أَيْ إذَا أَرَادَ الْكَفِيلُ السَّفَرَ إلَيْهِ، فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ لِلْحَالِ بِلَا إمْهَالٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِنْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ عُذْرٌ لَا يُؤَاخَذُ الْكَفِيلُ بِهِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَإِيَابِهِ) بِالْكَسْرِ: أَيْ رُجُوعِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِدَارِ الْحَرْبِ) وَلَا تَبْطُلُ بِاللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَوْتًا حُكْمًا لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَالِهِ وَإِلَّا فَهُوَ حَيٌّ مُطَالَبٌ بِالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ، هَكَذَا أَطْلَقَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَقَيَّدَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِمَا إذَا كَانَ الْكَفِيلُ قَادِرًا عَلَى رَدِّهِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مُوَادَعَةٌ أَنَّهُمْ يَرُدُّونَ إلَيْنَا الْمُرْتَدَّ وَإِلَّا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ اهـ، وَهُوَ تَقْيِيدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: لَا يُطَالَبُ بِهِ) مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُبَرْهِنْ الطَّالِبُ عَلَى أَنَّهُ بِمَوْضِعِ كَذَا، فَإِنْ بَرْهَنَ أُمِرَ الْكَفِيلُ بِالذَّهَابِ إلَيْهِ وَإِحْضَارِهِ؛ لِأَنَّهُ عُلِمَ مَكَانُهُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِتَصْدِيقِ الطَّالِبِ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ وَقَدْ صَدَّقَهُ الطَّالِبُ عَلَيْهِ اهـ، فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ شَرْطًا لِنَفْيِ الْمُطَالَبَةِ بَلْ بَيَّنَ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا صَدَّقَهُ الطَّالِبُ ثُمَّ أَعْقَبَ الزَّيْلَعِيُّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ اخْتَلَفَا إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي فَبَيَّنَ حُكْمَ مَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ خِرْجَةٌ مَعْرُوفَةٌ فَالْقَوْلُ لِلْكَفِيلِ أَيْ فَلَا يُطَالَبُ بِهِ، فَعُلِمَ أَنَّ تَصْدِيقَ الطَّالِبِ غَيْرُ شَرْطٍ فِي نَفْيِ الْمُطَالَبَةِ تَأَمَّلْ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، فَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ هُنَا غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ. (قَوْلُهُ: بِمَا فِي الْقُنْيَةِ) أَيْ عَنْ الْإِمَامِ عَلِيٍّ السَّعْدِيِّ. (قَوْلُهُ: وَحِيلَةُ دَفْعِهِ) أَيْ دَفْعِ الطَّالِبِ عَلَى مُلَازَمَتِهِ لِلْكَفِيلِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ بَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ بَرْهَنَ الْكَفِيلُ عَلَى أَنَّ غَيْبَتَهُ لَا تُدْرَى لَكِنْ هَذِهِ بَيِّنَةٌ فِيهَا نَفْيٌ وَلَعَلَّهُ يُقْبَلُ لِكَوْنِهِ تَبَعًا وَالْقَصْدُ إثْبَاتُ سُقُوطِ الْمُطَالَبَةِ مَقْدِسِيٌّ، وَمَا قَالَهُ الرَّحْمَتِيُّ مِنْ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي بَرْهَنَ لِلطَّالِبِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ وَحِيلَةُ دَفْعِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ اخْتَلَفَا) أَيْ بِأَنْ قَالَ الْكَفِيلُ لَا أَعْرِفُ مَكَانَهُ، وَقَالَ الطَّالِبُ تَعْرِفُهُ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا حَلَفَ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ وَالْبَحْرِ: وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِلْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ، وَهُوَ الْجَهْلُ وَمُنْكِرٌ لُزُومَ الْمُطَالَبَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْكَفِيلِ وَيَحْبِسُهُ الْقَاضِي إلَى أَنْ يَظْهَرَ عَجْزُهُ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ كَانَتْ مُتَوَجِّهَةً عَلَيْهِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي إسْقَاطِهَا عَنْ نَفْسِهِ بِمَا يَدَّعِي اهـ، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ صَرَّحَ بِالتَّحْلِيفِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ يَحْلِفُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ ثُمَّ قَدْ عَلِمْت أَنَّ كَوْنَ الْقَوْلِ لِلْكَفِيلِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمَتْنِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِقَوْلِ الْكَفِيلِ لَا أَعْرِفُ مَكَانَهُ مَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الطَّالِبُ أَوْ يُبَرْهِنْ عَلَيْهِ الْكَفِيلُ، نَعَمْ مَا فِي الْمَتْنِ يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ فِي الْفَتْحِ بِقِيلِ وَذَلِكَ يُفِيدُ ضَعْفَهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 291 (وَيَبْرَأُ) الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ (بِمَوْتِ الْمَكْفُولِ بِهِ وَلَوْ عَبْدًا) أَرَادَ بِهِ دَفْعَ تَوَهُّمِ أَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ، فَإِذَا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ، وَسَيَجِيءُ مَا لَوْ كَفَلَ بِرَقَبَتِهِ (وَبِمَوْتِ الْكَفِيلِ) وَقِيلَ يُطَالَبُ وَارِثُهُ بِإِحْضَارِهِ سِرَاجٌ (لَا) بِمَوْتِ (الطَّالِبِ) بَلْ وَارِثِهِ أَوْ وَصِيِّهِ يُطَالِبُ الْكَفِيلَ، وَقِيلَ يَبْرَأُ وَهْبَانِيَّةٌ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ (وَ) يَبْرَأُ (بِدَفْعِهِ إلَى مَنْ كَفَلَ لَهُ حَيْثُ)   [رد المحتار] تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَمْ أَرَ مَا لَوْ بَرْهَنَا، وَيَنْبَغِي أَنْ تُقَدَّمَ بَيِّنَةُ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ (قَوْلُهُ: وَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ بِمَوْتِ الْمَكْفُولِ بِهِ) أَيْ يَبْرَأُ أَصْلًا بِمَوْتِ الشَّخْصِ الْمَطْلُوبِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ، لِتَحَقُّقِ عَجْزِ الْكَفِيلِ عَنْ إحْضَارِهِ كَمَا فِي النَّهْرِ: أَيْ عَجْزًا مُسْتَمِرًّا بِخِلَافِ الْجَهْلِ بِمَكَانِهِ لِاحْتِمَالِ الْعِلْمِ بِهِ بَعْدُ، فَلِذَا قَالُوا هُنَاكَ لَا يُطَالَبُ بِهِ وَقَالُوا هُنَا تَبْطُلُ: وَأَمَّا مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَكْفُولُ بِهِ غَائِبًا لَا يُعْلَمُ مَكَانُهُ وَلَا يُوقَفُ عَلَى أَثَرِهِ يُجْعَلُ كَالْمَوْتِ وَلَا يَحْبِسُهُ، فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ كَالْمَوْتِ فِي عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِ؛ وَلِذَا قَالَ وَلَا يَحْبِسُهُ لَا فِي بُطْلَانِ الْكَفَالَةِ وَسُقُوطِ الْمُطَالَبَةِ أَصْلًا وَإِلَّا خَالَفَ كَلَامُهُمْ مُتُونًا وَشُرُوحًا، وَنَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ تَمْهِيدًا لِمَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا مِنْ حَادِثَةِ الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ: بِمَوْتِ الْمَكْفُولِ بِهِ) هَذَا شَامِلٌ لِبَرَاءَةِ كَفِيلِ الْكَفِيلِ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ وَلِبَرَاءَتِهِمَا بِمَوْتِ الْأَصِيلِ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ إذَا أَعْطَى الطَّالِبَ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ فَمَاتَ الْأَصِيلُ بَرِئَ الْكَفِيلَانِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ بَرِئَ الْكَفِيلُ الثَّانِي اهـ. مَطْلَبُ كَفَالَةِ النَّفْسِ لَا تَبْطُلُ بِإِبْرَاءِ الْأَصِيلِ بِخِلَافِ كَفَالَةِ الْمَالِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ بِاقْتِصَارِهِ فِي بُطْلَانِهَا عَلَى مَوْتِ الْمَطْلُوبِ وَالْكَفِيلِ إلَى أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِإِبْرَاءِ الْأَصِيلِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ قُبَيْلَ كَفَالَةِ الْمَالِ. (قَوْلُهُ: أَرَادَ بِهِ إلَخْ) كَذَا فِي الْمِنَحِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّوَهُّمَ بَاقٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ عَبْدٍ فَمَاتَ الْعَبْدُ بَرِئَ الْكَفِيلُ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ الْمَالَ عَلَى الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ نَفْسَ الْعَبْدِ لَا يَبْرَأُ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ اهـ. فَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمَكْفُولُ بِهِ نَفْسُ الْعَبْدِ، لَكِنَّ الْمُدَّعَى بِهِ فِي الْأُولَى الْمَالُ عَلَى الْعَبْدِ وَفِي الثَّانِيَةِ رَقَبَةُ الْعَبْدِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ عَبْدًا يُوهِمُ أَنَّهُ شَامِلٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ بِالْمَوْتِ بَلْ تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ، فَلَا بُدَّ فِي دَفْعِ التَّوَهُّمِ مِنْ أَنْ يَقُولَ وَلَوْ عَبْدًا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ مَالٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي الْبَابِ الْآتِي مَا لَوْ كَفَلَ بِرَقَبَتِهِ أَيْ بِأَنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ رَقَبَةَ الْعَبْدِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، وَسَتَجِيءُ الْمَسْأَلَتَانِ جَمِيعًا قُبَيْلَ الْحَوَالَةِ. (قَوْلُهُ: وَبِمَوْتِ الْكَفِيلِ) أَيْ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ. أَمَّا الْكَفِيلُ بِالْمَالِ فَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ مُمْكِنٌ فَيُوَفَّى مِنْ مَالِهِ ثُمَّ تَرْجِعُ الْوَرَثَةُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إنْ كَانَتْ بِأَمْرِهِ وَكَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، فَلَوْ مُؤَجَّلًا فَلَا رُجُوعَ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ بَحْرٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: بَلْ وَارِثُهُ أَوْ وَصِيُّهُ يُطَالِبُ الْكَفِيلَ) فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ أَوْ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ خَاصَّةً فَلِلْبَاقِي الْمُطَالَبَةُ بِإِحْضَارِهِ، بَحْرٌ عَنْ الْيَنَابِيعِ. وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ أَحَدُ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا لِلْمَيِّتِ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ نَهْرٌ. قُلْت: فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَحَدُ الْوَرَثَةِ يَصْلُحُ خَصْمًا عَنْ الْمُوَرِّثِ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْكُلِّ إلَّا أَنَّ لَهُ قَبْضَ حِصَّتِهِ فَقَطْ إذَا ثَبَتَ حَقُّ الْكُلِّ اهـ وَبِهِ يَظْهَرُ الْجَوَابُ، وَذَلِكَ أَنَّ حَقَّ الْمُطَالَبَةِ ثَابِتٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ فَإِذَا اسْتَوْفَى أَحَدُهُمْ حَقَّهُ لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْبَاقِينَ؛ لِأَنَّ لَهُ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا قَامَ مَقَامَ الْبَاقِينَ فِي إثْبَاتِ حَقِّهِمْ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَبْرَأُ) أَيْ الْكَفِيلُ بِمَوْتِ الطَّالِبِ (قَوْلُهُ: وَيَبْرَأُ بِدَفْعِهِ إلَى مَنْ كَفَلَ لَهُ) أَيْ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَصْمِ وَذَلِكَ بِرَفْعِ الْمَوَانِعِ فَيَقُولُ هَذَا خَصْمُك فَخُذْهُ إنْ شِئْت، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ لِلتَّسْلِيمِ وَقْتٌ فَسَلَّمَهُ قَبْلَهُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْكَفِيلِ فَلَهُ إسْقَاطُهُ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إذَا قَضَاهُ قَبْلَ الْحُلُولِ بَحْرٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 292 أَيْ فِي مَوْضِعٍ (يُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ) سَوَاءٌ قَبِلَهُ الطَّالِبُ أَوْ لَا (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ) وَقْتَ التَّكْفِيلِ (إذَا دَفَعْته إلَيْك فَأَنَا بَرِيءٌ) وَيَبْرَأُ بِتَسْلِيمِهِ مَرَّةً قَالَ سَلَّمْته إلَيْك بِجِهَةِ الْكَفَالَةِ أَوْ لَا، إنْ طَلَبَهُ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ (وَلَوْ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي سَلَّمَهُ فِيهِ وَلَمْ يَجُزْ) تَسْلِيمُهُ (فِي غَيْرِهِ) بِهِ يُفْتَى فِي زَمَانِنَا لِتَهَاوُنِ النَّاسِ فِي إعَانَةِ الْحَقِّ، وَلَوْ سَلَّمَهُ عِنْدَ الْأَمِيرِ أَوْ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ عِنْدَ هَذَا الْقَاضِي فَسَلَّمَهُ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ جَازَ بَحْرٌ، وَلَوْ سَلَّمَهُ فِي السِّجْنِ لَوْ سَجَنَ هَذَا الْقَاضِي أَوْ سَجَنَ أَمِيرُ الْبَلَدِ فِي هَذَا الْمِصْرِ جَازَ ابْنُ مَلَكٍ (وَكَذَا يَبْرَأُ) الْكَفِيلُ (بِتَسْلِيمِ الْمَطْلُوبِ نَفْسَهُ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ   [رد المحتار] (قَوْلُهُ: أَيْ فِي مَوْضِعٍ يُمْكِنُ إلَخْ) وَيُشْتَرَطُ عِنْدَهُمَا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمِصْرَ الَّذِي كَفَلَ فِيهِ لَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَوْلُهُمَا أَوْجَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَقِيلَ إنَّهُ اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ، وَبَيَانُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ سَلَّمَهُ فِي بَرِّيَّةٍ أَوْ سَوَادٍ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ قَبِلَهُ الطَّالِبُ أَوْ لَا) فَيُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَنْزِلُ قَابِضًا كَالْغَاصِبِ إذَا رَدَّ الْعَيْنَ وَالْمَدْيُونِ إذَا دَفَعَ الدَّيْنَ مِنَحٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَهُ أَجْنَبِيٌّ فَلَا يُجْبَرُ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَيَبْرَأُ بِتَسْلِيمِهِ مَرَّةً) إلَّا إذَا كَانَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ كَمَا إذَا كَفَلَهُ عَلَى أَنَّهُ كُلَّمَا طَلَبَهُ فَلَهُ أَجَلُ شَهْرٍ كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ. (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَهَذَا إحْدَى الْمَسَائِلِ الَّتِي يُفْتَى فِيهَا بِقَوْلِ زُفَرَ بَحْرٌ، وَعَدَّهَا سَبْعًا وَقَالَ لَيْسَ الْمُرَادُ الْحَصْرَ. قُلْت: وَقَدْ زِدْت عَلَيْهَا مَسَائِلَ وَذَكَرْتهَا مَنْظُومَةً فِي النَّفَقَاتِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيِّةِ: جَعَلَ هَذَا رَأْيًا لِلْمُتَأَخِّرِينَ لَا قَوْلًا لِزُفَرَ: وَلَفْظُهُ: وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا يَقُولُونَ جَوَابُ الْكِتَابِ أَنَّهُ يَبْرَأُ إذَا سَلَّمَهُ فِي السُّوقِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي الْمِصْرِ بِنَاءً عَلَى عَادَتِهِمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُعَيِّنُونَ الْمَطْلُوبَ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْ الْحُضُورِ لِغَلَبَةِ الْفِسْقِ فَكَانَ الشَّرْطُ مُقَيَّدًا فَيَصِحُّ وَبِهِ يُفْتَى اهـ وَهُوَ الظَّاهِرُ إذْ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا اخْتِلَافَ عَصْرٍ وَزَمَانٍ مَعَ أَنَّ زُفَرَ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ اهـ. قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، فَكَمْ مِنْ مَسْأَلَةٍ اخْتَلَفَ فِيهَا الْإِمَامُ وَأَصْحَابُهُ وَجَعَلُوا الْخِلَافَ فِيهَا بِسَبَبِ اخْتِلَافِ الزَّمَانِ كَمَسْأَلَةِ الِاكْتِفَاءِ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا وَكَالْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ آنِفًا، وَبَعْدَ نَقْلِ الثِّقَاتِ ذَلِكَ عَنْ زُفَرَ كَيْفَ يُنْفَى بِكَلَامٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ، وَالْمُشَاهَدُ اخْتِلَافُ الزَّمَانِ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَلَّمَهُ عِنْدَ الْأَمِيرِ) أَيْ وَقَدْ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ عِنْدَ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ: عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ) أَيْ غَيْرِ قَاضِي الرَّسَاتِيقِ كَمَا أَجَابَ بَعْضُهُمْ، وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْقُنْيَةِ؛ لِأَنَّ أَغْلَبَهُمْ ظَلَمَةٌ قَالَ ط. قُلْت: وَلَا خُصُوصَ لِلرَّسَاتِيقِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. (قَوْلُهُ: ابْنُ مَلِكٍ) وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَجْمَعِ، وَلَوْ سَلَّمَهُ فِي السِّجْنِ وَقَدْ حَبَسَهُ غَيْرُ الطَّالِبِ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إحْضَارِهِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ. وَفِي الْمُحِيطِ: هَذَا إذَا كَانَ السِّجْنُ سِجْنَ قَاضٍ آخَرَ فِي بَلَدٍ آخَرَ. أَمَّا لَوْ كَانَ سِجْنَ هَذَا الْقَاضِي أَوْ سِجْنَ أَمِيرِ الْبَلَدِ فِي هَذَا الْمِصْرِ يَبْرَأُ وَإِنْ كَانَ قَدْ حَبَسَهُ غَيْرُ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّ سِجْنَهُ فِي يَدِهِ فَيُخَلِّي سَبِيلَهُ حَتَّى يُجِيبَ خَصْمَهُ ثُمَّ يُعِيدَهُ إلَى السِّجْنِ اهـ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَوْ ضَمِنَ وَهُوَ مَحْبُوسٌ فَسَلَّمَهُ فِيهِ يَبْرَأُ، وَلَوْ أُطْلِقَ ثُمَّ حُبِسَ ثَانِيًا فَدَفَعَهُ إلَيْهِ فِيهِ، إنْ الْحَبْسُ الثَّانِي فِي أُمُورِ التِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا صَحَّ الدَّفْعُ، وَإِنْ فِي أُمُورِ السُّلْطَانِ وَنَحْوِهَا لَا اهـ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِذَا حُبِسَ الْمَكْفُولُ بِهِ بِدَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ أَخَذْت الْكَفِيلَ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَفُكَّهُ مِمَّا حُبِسَ بِهِ بِأَدَاءِ حَقِّ الَّذِي حَبَسَهُ اهـ أَيْ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ تَسْلِيمُهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُحِيطِ الْمَارِّ (قَوْلُهُ: وَكَذَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِتَسْلِيمِ الْمَطْلُوبِ نَفْسَهُ) هَذَا إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِالْأَمْرِ: أَيْ أَمْرِ الْمَطْلُوبِ وَإِلَّا فَلَا يَبْرَأُ كَمَا فِي السِّرَاجِ عَنْ الْفَوَائِدِ، وَالْوَجْهُ فِيهِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 293 (وَبِتَسْلِيمِ وَكِيلِ الْكَفِيلِ) لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ (وَرَسُولِهِ إلَيْهِ) لِأَنَّ رَسُولَهُ إلَى غَيْرِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ. وَفِيهِ: يُشْتَرَطُ قَبُولُ الطَّالِبِ، وَيَشْتَرِطُ أَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ سَلَّمْت إلَيْك عَنْ الْكَفِيلِ دُرَرٌ (مِنْ كَفَالَتِهِ) أَيْ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ عَيْنِيٌّ، وَإِلَّا لَا يَبْرَأُ ابْنُ كَمَالٍ فَلْيُحْفَظْ (فَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ أُوَافِ) أَيْ آتِي (بِهِ غَدًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ) مِنْ الْمَالِ   [رد المحتار] كَانَتْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ الْحُضُورُ فَلَيْسَ مُطَالَبًا بِالتَّسْلِيمِ، فَإِذَا سَلَّمَ نَفْسَهُ لَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ نَهْرٌ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ بِلَا أَمَرَهُ فَلَا مُطَالَبَةَ لِلْكَفِيلِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ فَيُسَلِّمَهُ فَيَبْرَأُ اهـ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَأْثَمُ بِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْهُ فَلَهُ الْهَرَبُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِأَمْرِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُمْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ السَّفَرِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ بِأَمْرِهِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَبِتَسْلِيمِ وَكِيلِ الْكَفِيلِ) لَوْ قَالَ وَبِتَسْلِيمِ نَائِبِهِ لَكَانَ أَجْوَدَ وَأَفْوَدَ؛ لِأَنَّ كَفِيلَ الْكَفِيلِ لَوْ سَلَّمَهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ أَيْضًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَرَسُولُهُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الطَّالِبِ، بِأَنْ دَفَعَ الْمَطْلُوبَ إلَى رَجُلٍ يُسَلِّمُهُ إلَى الطَّالِبِ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ فَيَقُولُ الرَّجُلُ إنَّ الْكَفِيلَ أَرْسَلَ مَعِي هَذَا لِأُسَلِّمَهُ إلَيْكَ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ رَسُولَهُ إلَى غَيْرِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ) تَعْلِيلٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ إلَيْهِ، فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ لَوْ كَانَ رَسُولًا إلَى غَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ؛ وَمِثَالُهُ كَمَا فِي ط: لَوْ قَالَ الْكَفِيلُ لِشَخْصٍ خُذْ هَذَا وَسَلِّمْهُ لِفُلَانٍ لِيُسَلِّمَهُ لِلطَّالِبِ فَأَخَذَهُ الرَّسُولُ وَسَلَّمَهُ إلَى الطَّالِبِ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَتَسْلِيمِ الْأَجْنَبِيِّ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ) أَيْ فِي تَسْلِيمِ الْأَجْنَبِيِّ يُشْتَرَطُ أَيْ زِيَادَةً عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي بَعْدَهُ قَبُولُ الطَّالِبِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقُيِّدَ بِالْوَكِيلِ وَالرَّسُولِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَهُ أَجْنَبِيٌّ بِغَيْرِ أَمْرِ الْكَفِيلِ وَقَالَ سَلَّمْت إلَيْكَ عَنْ الْكَفِيلِ وُقِفَ عَلَى قَبُولِهِ، فَإِنْ قَبِلَهُ الطَّالِبُ بَرِئَ الْكَفِيلُ، وَإِنْ سَكَتَ لَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ) أَيْ الثَّلَاثَةِ وَهُمْ الْمَطْلُوبُ وَالْوَكِيلُ وَالرَّسُولُ، وَهَذَا دُخُولٌ عَلَى الْمَتْنِ، أَرَادَ بِهِ التَّنْبِيهَ عَلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مِنْ كَفَالَتِهِ قَيْدٌ فِي الْكُلِّ لَا فِي الْوَكِيلِ وَالرَّسُولِ فَقَطْ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ كَرَّرَ لَفْظَ بِتَسْلِيمٍ، وَلَا فِي الْمَطْلُوبِ فَقَطْ كَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ عِبَارَةِ الْكَنْزِ حَيْثُ قَدَّمَ قَوْلَهُ مِنْ كَفَالَتِهِ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَكِيلِ. ثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَا يَكْفِي قَصْدُ كَوْنِ التَّسْلِيمِ عَنْ الْكَفَالَةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهِ، بِأَنْ يَقُولَ سَلَّمْت إلَيْكَ عَنْ الْكَفِيلِ مِنْ كَفَالَتِهِ فَافْهَمْ، لَكِنْ اقْتَصَرَ فِي الدُّرَرِ عَلَى قَوْلِهِ عَنْ الْكَفِيلِ، وَعَزَاهُ إلَى الْخَانِيَّةِ، وَاقْتَصَرَ فِي الْبَحْرِ عَلَى قَوْلِهِ عَنْ الْكَفَالَةِ، وَعَبَّرَ فِي الْفَتْحِ مَرَّةً بِالْأَوَّلِ وَمَرَّةً بِالثَّانِي، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَلَوْ زَادَ الشَّارِحُ كَلِمَةَ أَوْ بِأَنْ قَالَ أَوْ مِنْ كَفَالَتِهِ لَكَانَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا يَبْرَأُ) أَيْ إنْ لَمْ يَقُلْ أَحَدُ هَؤُلَاءِ ذَلِكَ لَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ. (قَوْلُهُ: ابْنُ كَمَالٍ) وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالْمِنَحِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ أُوَافِ إلَخْ) قَيْدٌ بِعَدَمِ الْمُوَافَاةِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ مَتَى طَالَبَهُ سَلَّمَهُ، فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ فَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِ وَمَاتَ الْمَطْلُوبُ وَطَالَبَهُ بِالتَّسْلِيمِ وَعَجَزَ لَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالتَّسْلِيمِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا تَصِحُّ فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الْمُطَالَبَةُ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْعَجْزُ الْمُوجِبُ لِلُزُومِ الْمَالِ فَلَمْ يَجِبْ اهـ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: أَيْ آتِ) وَمِثْلُهُ إنْ لَمْ أَدْفَعْهُ إلَيْكَ أَوْ إنْ غَابَ عَنْك نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ) أَيْ الْقَائِلُ وَهُوَ مِنْ تَتِمَّةِ الْمَقُولِ بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقُولُ فَأَنَا ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ أَوْ عِنْدِي كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَدْ مَرَّ. (قَوْلُهُ: لِمَا عَلَيْهِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ قَدْرِ الْمَالِ كَمَا يَأْتِي، وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ لِمَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ فَالْمَالُ الَّذِي لَكَ عَلَى فُلَانٍ رَجُلٌ آخَرُ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَهُوَ عَلَيَّ، جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ جَائِزَةٌ، وَالْكَفَالَةُ بِالْمَالِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَرَةٌ إذَا كَانَ الْمَالُ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الْمَالُ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ لِلطَّالِبِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 294 (فَلَمْ يُوَافِ بِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ) فَلَوْ عَجَزَ لِحَبْسٍ أَوْ مَرَضٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَالُ إلَّا إذَا عَجَزَ بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ أَوْ جُنُونِهِ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ مَاتَ الْمَطْلُوبُ) فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ (ضَمِنَ الْمَالَ   [رد المحتار] عَلَيْهِ مَالٌ فَلَزِمَ الطَّالِبَ الْكَفِيلُ وَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ فَالْمَالُ الَّذِي عَلَى الْمَكْفُولِ بِهِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ جَازَ، وَلَيْسَ هَذَا كَاَلَّذِي عَلَيْهِ مَالٌ وَلَمْ يَكْفُلْ بِهِ أَحَدٌ، كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ. (قَوْلُهُ: مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ) صَرَّحَ بِهَذَا الْقَيْدِ الزَّيْلَعِيُّ وَالشُّمُنِّيُّ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ، وَكَذَا فِي الْبَحْرِ: وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ إنَّهُ قَيْدٌ لَازِمٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَجَزَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا إذَا عَجَزَ بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ أَوْ جُنُونِهِ اهـ. (وَقَوْلُهُ: فَلَوْ عَجَزَ لِحَبْسٍ أَوْ مَرَضٍ) أَيْ مَثَلًا فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا إذَا غَابَ الْمَكْفُولُ بِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ، فَقَدْ مَرَّ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ ذَلِكَ عَجْزٌ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ شَرْطَ ضَمَانِ الْمَالِ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَحَيْثُ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْغَيْبَةَ الْمَذْكُورَةَ عَجْزٌ عَنْ الْمُوَافَاةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْقُدْرَةُ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْ الْعَجْزِ إلَّا الْعَجْزَ بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ أَوْ جُنُونِهِ، فَدَخَلَتْ الْغَيْبَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْعَجْزِ. وَأَمَّا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْغَيْبَةَ الْمَذْكُورَةَ كَالْمَوْتِ فَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا مِثْلُهُ فِي سُقُوطِ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي كَفَالَةِ النَّفْسِ، وَالْمَوْتُ هُنَاكَ مُبْطِلٌ لِلْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَمُسْقِطٌ لِلْمُطَالَبَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَيْسَ هُنَاكَ كَفَالَةٌ بِالْمَالِ، وَهُنَا الْمُرَادُ ثُبُوتُ كَفَالَةِ الْمَالِ الْمُعَلَّقَةِ عَلَى عَدَمِ الْمُوَافَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَالْمَوْتُ هُنَا مُحَقَّقٌ لِكَفَالَةِ الْمَالِ وَمُثْبِتٌ لِلضَّمَانِ، فَإِذَا جَعَلْت الْغَيْبَةَ الْمَذْكُورَةَ كَالْمَوْتِ بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ فِيمَا مَرَّ وَهُوَ سُقُوطُ الْمُطَالَبَةِ بِالنَّفْسِ لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ ثُبُوتُ ضَمَانِ الْمَالِ الْمُعَلَّقِ عَلَى عَدَمِ الْمُوَافَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ بَلْ يَلْزَمُ عَدَمُ ثُبُوتِهِ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ وَإِنْ جُعِلَتْ كَالْمَوْتِ بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ هُنَا وَهُوَ ثُبُوتُ الضَّمَانِ نَافَى قَوْلَهُمْ مَعَ الْقُدْرَةِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْغَيْبَةَ الْمَذْكُورَةَ عَجْزٌ مُنَافٍ لِلضَّمَانِ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْ الْعَجْزِ إلَّا الْمَوْتَ وَالْجُنُونَ، عَلَى أَنَّ جَعْلَهَا كَالْمَوْتِ فِي ثُبُوتِ الضَّمَانِ خِلَافُ مَا أَرَادَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا ذَكَرَا ذَلِكَ فِي كَفَالَةِ النَّفْسِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ كَفَالَةِ الْمَالِ، وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُ الْمُتُونِ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّ الْغَيْبَةَ الْمَذْكُورَةَ مُسْقِطَةٌ لِلْمُطَالَبَةِ بِالتَّسْلِيمِ، وَذَلِكَ مُنَافٍ لِثُبُوتِ الضَّمَانِ أَيْ ضَمَانِ النَّفْسِ، فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِتِلْكَ الْعِبَارَةِ عَلَى كَوْنِ الْغَيْبَةِ الْمَذْكُورَةِ مُسْقِطَةً لِلْمُطَالَبَةِ بِالْمَالِ فِي مَسْأَلَتِنَا، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ الْمُطَالَبَةُ بِالنَّفْسِ فَقَطْ. وَأَمَّا الْمُطَالَبَةُ بِالْمَالِ فَهِيَ حُكْمُ الْكَفَالَةِ الْأُخْرَى الْمُعَلَّقَةِ عَلَى عَدَمِ الْمُوَافَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ، فَإِذَا وُجِدَ مَا عُلِّقَتْ عَلَيْهِ ثَبَتَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَمَعَ الْغَيْبَةِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ تُوجَدْ الْقُدْرَةُ فَلَا تَثْبُتُ الْمُطَالَبَةُ بِالْمَالِ كَمَا لَا يَخْفَى. مَطْلَبُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَكَ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى قَرِيبًا مِنْ كِتَابَتِي لِهَذَا الْمَحَلِّ، وَهِيَ: رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا دُيُونٌ فَكَفَلَهُمَا زَيْدٌ كَفَالَةَ مَالٍ وَكَفَلَهُمَا عِنْدَ زَيْدٍ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ عَلَى أَنَّهُمْ إنْ لَمْ يُوَافُوهُ بِالْمَطْلُوبَيْنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَالْمَالُ الْمَذْكُورُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ وَأَدَّى زَيْدٌ إلَى أَصْحَابِ الدُّيُونِ وَطَالَبَ الْأَرْبَعَةَ بِالْمَطْلُوبَيْنِ فَأَحْضَرُوا لَهُ أَحَدَهُمَا وَعَجَزُوا عَنْ إحْضَارِ الْآخَرِ لِكَوْنِهِ سَافَرَ إلَى بِلَادِ الْحَرْبِ وَلَا يُدْرَى مَكَانَهُ. فَأَجَبْت: بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ الْمَالُ لِلْعَجْزِ عَنْ الْمُوَافَاةِ بِالْغَيْبَةِ الْمَذْكُورَةِ فَعَارَضَنِي الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ بِعِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ الْمَارَّةِ فَأَجَبْته بِمَا حَرَّرْته، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ إلَخْ) أَيْ أَفَادَ بَعْضَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْجُنُونَ، لَكِنْ يُفْهَمُ حُكْمُهُ مِنْ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمٌ يَكُونُ ذَرِيعَةً إلَى الْخِصَامِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مَعَ الْجُنُونِ كَالْمَوْتِ. (قَوْلُهُ: أَوْ مَاتَ الْمَطْلُوبُ) يَعْنِي بَعْدَ الْغَدِ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَبِهَذَا يَزُولُ إشْكَالُ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ أَنَّ شَرْطَ الضَّمَانِ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا قُدْرَةَ عَلَى الْمُوَافَاةِ بِالْمَطْلُوبِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِذَا قَيَّدَ الْمَوْتَ بِمَا بَعْدَ الْغَدِ يَكُونُ قَدْ وَجَدَ شَرْطَ الضَّمَانِ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ بِهِ غَدًا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ: أَيْ الْمُقَيَّدَةِ بِالْغَدِ، لَكِنْ مُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَيَّدْ بِالْغَدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 295 فِي الصُّورَتَيْنِ) لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ فَصَحَّ وَلَا يَبْرَأُ عَنْ كَفَالَةِ النَّفْسِ لِعَدَمِ التَّنَافِي، فَلَوْ أَبْرَأهُ عَنْهَا فَلَمْ يُوَافِ بِهِ لَمْ يَجِبْ الْمَالُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ، قَيَّدَ بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ الطَّالِبُ طَلَبَ وَارِثُهُ، وَلَوْ مَاتَ الْكَفِيلُ طُولِبَ وَارِثُهُ دُرَرٌ، فَإِنْ دَفَعَهُ الْوَارِثُ إلَى الطَّالِبِ بَرِئَ، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهُ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ كَانَ الْمَالُ عَلَى الْوَارِثِ يَعْنِي مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ عَيْنِيٌّ. (وَلَوْ) (اخْتَلَفَا فِي الْمُوَافَاةِ) وَعَدَمِهَا (فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرُهَا (وَ) حِينَئِذٍ فَ (الْمَالُ لَازِمٌ عَلَى الْكَفِيلِ) خَانِيَّةٌ. وَفِيهَا: وَلَوْ اخْتَفَى الطَّالِبُ فَلَمْ يَجِدْهُ الْكَفِيلُ نَصَّبَ الْقَاضِي عَنْهُ وَكِيلًا، وَلَا يُصَدَّقُ الْكَفِيلُ عَلَى الْمُوَافَاةِ إلَّا بِحُجَّةٍ. (ادَّعَى عَلَى آخَرَ) حَقًّا عَيْنِيٌّ أَوْ (مِائَةَ دِينَارٍ وَلَمْ يُبَيِّنْهَا) أَجَيِّدَةٌ أَمْ رَدِيئَةٌ أَوْ أَشْرَافِيَّةٌ   [رد المحتار] لَا يَثْبُتُ الضَّمَانُ بِالْمَوْتِ مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُقَيَّدِ وَالْمُطْلَقِ فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي كَافِي الْحَاكِمِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَمَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ فَالْمَالُ عَلَى الْكَفِيلِ، فَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْفَتْحِ يَعْنِي بَعْدَ الْغَدِ. (قَوْلُهُ: فِي الصُّورَتَيْنِ) أَيْ صُورَةِ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَصُورَةِ مَوْتِ الْمَطْلُوبِ، وَمَوْتُ الْمَطْلُوبِ وَإِنْ أَبْطَلَ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ فَإِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ تَسْلِيمِهِ إلَى الطَّالِبِ لَا فِي حَقِّ الْمَالِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ) فَلَوْ قَالَ إنْ وَافَيْتُك بِهِ غَدًا فَعَلَيَّ مَا عَلَيْهِ ثُمَّ وَافَى بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ لُزُومَهُ إنْ أَحْسَنَ إلَيْهِ كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي، يَعْنِي أَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ غَيْرِ مُتَعَارَفٍ نَهْرٌ، لَكِنْ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ قَالَ إنْ وَافَيْتُك بِهِ غَدًا وَإِلَّا فَعَلَيَّ الْمَالُ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ، بِخِلَافِ إنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا اهـ. وَاسْتَشْكَلَ فِي نُورِ الْعَيْنِ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِلَّا فَعَلَيَّ الْمَالُ بِمَعْنَى إنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَإِلَّا زَائِدٌ، وَالصَّوَابُ إسْقَاطُهُ بِدَلِيلِ كَلَامِ الْمُنْيَةِ، وَبِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ التَّنَافِي) إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلتَّوَثُّقِ، وَلَعَلَّهُ يُطَالِبُهُ بِحَقٍّ آخَرَ يَدَّعِي بِهِ غَيْرَ الْمَالِ الَّذِي كَفَلَ بِهِ مُعَلَّقًا كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: لِفَقْدِ شَرْطٍ) وَهُوَ بَقَاءُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لِزَوَالِهَا بِالْإِبْرَاءِ وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْتِ الْمَطْلُوبِ، فَإِنَّهَا بِالْمَوْتِ زَالَتْ أَيْضًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِبْرَاءَ وَضْعٌ لِفَسْخِ الْكَفَالَةِ فَتُفْسَخُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالِانْفِسَاخُ بِالْمَوْتِ إنَّمَا هُوَ لِضَرُورَةِ الْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ الْمُقَيَّدِ فَيَقْتَصِرُ، إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَعَدِّيهِ إلَى الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: طَلَبَ وَارِثُهُ) أَيْ طَلَبَ وَارِثُهُ مِنْ الْكَفِيلِ إحْضَارَ الْمَكْفُولِ بِهِ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ مَضَى الْوَقْتُ طَلَبَ مِنْهُ الْمَالَ. (قَوْلُهُ: طُولِبَ وَارِثُهُ) أَيْ بِإِحْضَارِ الْمَكْفُولِ بِهِ فِي الْوَقْتِ وَبِالْمَاءِ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ دَفَعَهُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَوْ مَاتَ الْكَفِيلُ إلَخْ [مَطْلَبٌ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُنَصِّبُ فِيهَا الْقَاضِي وَكِيلًا بِالْقَبْضِ عَنْ الْغَائِبِ الْمُتَوَارَى] (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ) وَيَكُونُ الْأَمْرُ عَلَى مَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا يَمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُدَّعٍ: الْكَفِيلُ الْبَرَاءَةَ، وَالطَّالِبُ الْوُجُوبَ، وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي عِنْدَنَا بَحْرٌ عَنْ نَظْمِ الْفِقْهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ اخْتَفَى الطَّالِبُ) أَيْ عِنْدَ مَجِيءِ الْوَقْتِ. مَطْلَبٌ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُنَصِّبُ فِيهَا الْقَاضِي وَكِيلًا بِالْقَبْضِ عَنْ الْغَائِبِ الْمُتَوَارَى (قَوْلُهُ: نَصَّبَ الْقَاضِي عَنْهُ وَكِيلًا) أَيْ فَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بِالْخِيَارِ فَتَوَارَى الْبَائِعُ أَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ الْيَوْمَ فَتَغَيَّبَ الدَّائِنُ، أَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا إنْ لَمْ تَصِلْ نَفَقَتُهَا فَتَغَيَّبَتْ، فَالْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يُنَصِّبُ وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبِ فِي الْكُلِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا خِلَافُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَإِنَّمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ فَعَلَهُ الْقَاضِي فَهُوَ حَسَنٌ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُصَدَّقُ الْكَفِيلُ إلَخْ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرُهَا. (قَوْلُهُ: ادَّعَى عَلَى آخَرَ حَقًّا) أَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ لَا يُبَيِّنَ مِقْدَارًا أَصْلًا أَوْ يُبَيَّنَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 296 لِتَصِحَّ الدَّعْوَى (فَقَالَ) رَجُلٌ لِلْمُدَّعِي دَعْهُ فَأَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ وَ (إنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ) أَيْ فَعَلَيَّ (الْمِائَةُ فَلَمْ يُوَافِ) الرَّجُلُ (بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ) الَّتِي بَيَّنَهَا الْمُدَّعِي، إمَّا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَتَصِحُّ الْكَفَالَتَانِ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَيَّنَ الْتَحَقَ الْبَيَانُ بِأَصْلِ الدَّعْوَى فَتَبَيَّنَ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ (وَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلْكَفِيلِ (فِي الْبَيَانِ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي صِحَّةَ الْكَفَالَةِ، وَكَلَامُ السِّرَاجِ يُفِيدُ اشْتِرَاطَ إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمَالِ فَلْيُحَرَّرْ. (لَا يُجْبَرُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ   [رد المحتار] الْمِقْدَارَ وَلَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهُ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَاقْتَصَرَ فِي الْكَنْزِ عَلَى الثَّانِيَةِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَوْ تَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ لَكَانَ أَوْلَى، وَالْخِلَافُ الْآتِي جَارٍ فِيهِمَا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: لِتَصِحَّ الدَّعْوَى) عِلَّةٌ لِلْمَنْفِيِّ بِلَمْ، أَفَادَ أَنَّ صِحَّةَ الدَّعْوَى وَقْتَ الْكَفَالَةِ غَيْرُ شَرْطٍ. (قَوْلُهُ: أَيْ فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ) أَيْ الْمِائَةُ الدِّينَارِ الْمَذْكُورَةُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ مِائَةَ دِينَارٍ مُنْكَرَةٍ لِأَجْلِ قَوْلِهِ حَقًّا، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ كَفَلَ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ، لِمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ مَا لِلطَّالِبِ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ فِي الْغَدِ، وَقَالَ الْكَفِيلُ لَا شَيْءَ لَكَ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عِلْمِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ الْكَفِيلُ بِمِائَةٍ، وَالْمَطْلُوبُ بِمِائَتَيْنِ صُدِّقَ الْمَطْلُوبُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يُصَدَّقْ عَلَى الْكَفِيلِ، وَلَوْ قَالَ فَعَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمَطْلُوبُ فَأَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِأَلْفٍ، فَالْكَفِيلُ ضَامِنٌ لَهَا وَلَوْ قَالَ فَعَلَيْهِ مَا ادَّعَى الطَّالِبُ وَادَّعَى أَلْفًا وَأَقَرَّ لَهُ بِهَا الْمَطْلُوبُ، فَالْقَوْلُ لِلْكَفِيلِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عِلْمِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ) هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَالثَّانِي آخِرًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ لَمْ يُبَيِّنْهَا، ثُمَّ ادَّعَى وَبَيَّنَهَا لَا تَلْزَمُهُ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: أَمَّا بِالْبَيِّنَةِ إلَخْ) تَابَعَ فِيهِ صَاحِبَ النَّهْرِ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِمَّا يَأْتِي عَنْ السِّرَاجِ مِنْ اشْتِرَاطِ إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمَالِ، وَالْبَيِّنَةُ مِثْلُ الْإِقْرَارِ لَكِنْ هَذَا مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمُدَّعِي كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ لَهُ أَيْ الْكَفِيلِ) عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ: أَيْ لِلْمَكْفُولِ لَهُ وَهِيَ الصَّوَابُ، وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ الدُّرَرَ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ بِقَوْلِهِ هَذَا سَهْوٌ ظَاهِرٌ وَالصَّوَابُ لِلْمُدَّعِي. أَمَّا دِرَايَةً فَلِأَنَّ قَوْلَهُمْ: لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ يَشْهَدُ بِذَلِكَ، فَإِنَّ ادِّعَاءَ الصِّحَّةِ لَا يُوَافِقُ مُدَّعَاهُ. وَأَمَّا رِوَايَةً فَلِقَوْلِهِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ فِي هَذَا الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ، وَالْكَفِيلُ يَدَّعِي الْفَسَادَ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ اهـ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ عِنْدَ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ اهـ مَا فِي الْعَزْمِيَّةِ. وَفِي النِّهَايَةِ: فَإِذَا بَيَّنَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي يَنْصَرِفُ بَيَانُهُ إلَى ابْتِدَاءِ الدَّعْوَى وَالْمُلَازَمَةِ، فَتَظْهَرُ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي هَذَا الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي صِحَّةَ الْكَفَالَةِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانَ، فَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ صَرِيحَةٌ فِي الْمُرَادِ، وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَاتِ الْمُتُونِ وَالْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَكَلَامُ السِّرَاجِ يُفِيدُ إلَخْ) وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفًا فَأَنْكَرَهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ إنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا فَهِيَ عَلَيَّ فَلَمْ يُوَافِهِ بِهِ غَدًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ عَنْهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِوُجُودِ الْمَالِ وَلَا اعْتَرَفَ الْكَفِيلُ بِهَا أَيْضًا، فَصَارَ هَذَا مَالًا مُعَلَّقًا بِخَطَرٍ فَلَا يَجُوزُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلْيُحَرَّرْ) لَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي السِّرَاجِ لَا يُعَارِضُ مَا فِي مَشَاهِيرِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. وَقَالَ السَّائِحَانِيُّ: الَّذِي تَحَرَّرَ لِي أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي السِّرَاجِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ثَانِيًا اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَلَا يُقَالُ إنْ قَالَ السِّرَاجُ فَأَنْكَرَهُ يُفِيدُ التَّوْفِيقَ بِحَمْلِ كَلَامِهِمْ عَلَى الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا فَرَضَ بِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كَافِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 297 فِي) دَعْوَى (حَدٍّ وَقَوَدٍ) مُطْلَقًا. وَقَالَا: يُجْبَرُ فِي قَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ وَسَرِقَةٍ كَتَعْزِيرٍ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَالْمُرَادُ بِالْجَبْرِ الْمُلَازَمَةُ لَا الْحَبْسُ (وَلَوْ أَعْطَى) بِرِضَاهُ كَفِيلًا فِي قَوَدٍ وَقَذْفٍ وَسَرِقَةٍ (جَازَ) اتِّفَاقًا ابْنُ كَمَالٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا فِي حُقُوقِهِ تَعَالَى لَا تَجُوزُ نَهْرٌ. قُلْت: وَسَيَجِيءُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِنَفْسِ حَدٍّ وَقَوَدٍ فَلْيَكُنْ التَّوْفِيقُ   [رد المحتار] الْحَاكِمِ مِنْ كَوْنِ الْكَفِيلِ وَالْمَطْلُوبِ مُنْكِرَيْنِ لِلْمَالِ (قَوْلُهُ: فِي دَعْوَى حَدٍّ وَقَوَدٍ) قَيَّدَ بِالدَّعْوَى؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِنَفْسِ الْحَدِّ وَالْقَوَدِ لَا تَجُوزُ إجْمَاعًا كَمَا يَأْتِي إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُمَا مِنْ الْكَفِيلِ، وَقَيَّدَ بِالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْقَتْلِ وَالْجِرَاحَةِ خَطَأٌ يُجْبَرُ عَلَيْهِ الْكَفِيلُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ الْمَالُ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ فِي حَقِّهِ تَعَالَى أَوْ حَقِّ عَبْدٍ، وَهَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ حَدٌّ، وَالْأَوْلَى ذِكْرُهُ عَقِبَهُ. (قَوْلُهُ: وَسَرِقَةٍ) هَذَا أَلْحَقَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَجَعَلَهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لِكَوْنِ الدَّعْوَى فِيهِ شَرْطًا، بِخِلَافِ غَيْرِهِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهَا بَحْرٌ. قُلْت: قَدْ صَرَّحَ بِهِ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ قِبَلَ رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مِنْهُ وَقَالَ بَيِّنَتِي حَاضِرَةٌ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ لَهُ كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَوْ قَالَ قَدْ قَبَضْت مِنْهُ السَّرِقَةَ وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُقِيمَ الْحَدَّ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ كَفِيلٌ ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا أَقَامَ شَاهِدَيْنِ عَلَى السَّارِقِ وَعَلَى السَّرِقَةِ، وَهِيَ بِعَيْنِهَا فِي يَدَيْهِ، لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ كَفِيلٌ وَلَكِنْ يُحْبَسُ وَتُوضَعُ السَّرِقَةُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ حَتَّى يُزَكَّى الشُّهُودُ اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحْبَسُ وَلَا يُكْفَلُ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ، وَالْمُتَّهَمُ يُحْبَسُ كَمَا يَأْتِي، وَفِي الْأُولَى لَمْ يُحْبَسْ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ عُقُوبَةٌ فَلَا يَفْعَلُهَا قَبْلَ الشَّهَادَةِ. (قَوْلُهُ: كَتَعْزِيرٍ) قَالَ فِي الْكَافِي: لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ قِبَلَ رَجُلٍ شَتِيمَةً فِيهَا تَعْزِيرٌ وَقَالَ بَيِّنَتِي حَاضِرَةٌ أَخَذَ لَهُ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَدٍّ وَهُوَ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَفَا عَنْهُ وَتَرَكَهُ جَازَ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ أَقَامَ عَلَيْهِ شَاهِدَيْنِ بِالشَّتِيمَةِ لَمْ يُحْبَسْ، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ، فَإِنْ زُكُّوا عَزَّرَهُ الْقَاضِي أَسْوَاطًا، وَإِنْ رَأَى أَنْ لَا يَضْرِبَهُ وَأَنْ يَحْبِسَهُ أَيَّامًا عُقُوبَةً فَعَلَ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ رَجُلًا لَهُ مُرُوءَةٌ وَخَطَرٌ اسْتَحْسَنْت أَنْ لَا أَحْبِسَهُ وَلَا أُعَزِّرَهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا فَعَلَ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ) ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا كَانَ أَيْ مِنْ التَّعْزِيرِ مِنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ بِهِ التَّكْفِيلُ كَالْحَدِّ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْجَبْرِ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: الْمُلَازَمَةِ) أَيْ بِأَنْ يَدُورَ مَعَهُ الطَّالِبُ حَيْثُ دَارَ كَيْ لَا يَتَغَيَّبَ عَنْهُ. وَإِذَا أَرَادَ دُخُولَ دَارِهِ، فَإِنْ شَاءَ الْمَطْلُوبُ أَدْخَلَهُ مَعَهُ وَإِلَّا مَنَعَهُ الطَّالِبُ عَنْهُ، نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: جَازَ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَرْتِيبُ مُوجَبِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ فِيهَا وَاجِبٌ فَيُطَالَبُ بِهِ الْكَفِيلُ فَيَتَحَقَّقُ الضَّمُّ هِدَايَةٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ إذَا سَمَحَ بِهَا فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ وَاجِبٌ فِيهَا لَكِنْ نَصَّ فِي الْفَوَائِدِ الْخَبَّازِيَّةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي الْحُدُودِ الَّتِي لِلْعِبَادِ فِيهَا حَقٌّ كَحَدِّ الْقَذْفِ لَا غَيْرُ اهـ نَهْرٌ. وَفِي الْبَحْرِ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ بِنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ) أَيْ حَيْثُ اقْتَصَرُوا عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَقَدْ أَسْمَعْنَاك التَّصْرِيحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْخَبَّازِيَّةِ، وَذَكَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: بِخِلَافِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ وَإِنْ طَابَتْ نَفْسُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِعْطَاءِ الْكَفِيلِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ أَوْ قَبْلَهَا ثُمَّ ذَكَرَ وَجْهَهُ. (قَوْلُهُ: فَلْيَكُنْ التَّوْفِيقُ) أَيْ فَلْيَكُنْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْمَذْكُورِ تَوْفِيقًا بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَعْطَى كَفِيلًا بِرِضَاهُ جَازَ وَبَيَّنَ مَا سَيَجِيءُ بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ وَمَا سَيَجِيءُ عَلَى حُقُوقِهِ تَعَالَى، لَكِنْ فِيهِ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِنَفْسِ الْحَدِّ لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ حَدَّ السَّرِقَةِ وَإِنْ كَانَ مُلْحَقًا بِحُقُوقِ الْعِبَادِ كَمَا مَرَّ، لَكِنْ إذَا قَالَ قَبَضْت السَّرِقَةَ وَقَالَ أُرِيدُ إقَامَةَ الْحَدِّ لَمْ يُؤْخَذْ لَهُ كَفِيلٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، فَالْأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّ مَا سَيَجِيءُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 298 (وَلَا حَبْسَ فِيهَا حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ مَسْتُورَانِ أَوْ) وَاحِدٌ (وَعَدْلٌ) يَعْرِفُهُ الْقَاضِي بِالْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ لِلتُّهْمَةِ مَشْرُوعٌ وَكَذَا تَعْزِيرُ الْمُتَّهَمِ بَحْرٌ [فَوَائِدُ] لَا يَلْزَمُ أَحَدًا إحْضَارُ أَحَدٍ فَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ إحْضَارُ زَوْجَتِهِ لِسَمَاعِ دَعْوَى عَلَيْهَا إلَّا فِي أَرْبَعٍ: كَفِيلُ نَفْسٍ، وَسَجَّانُ قَاضٍ، وَالْأَبُ فِي صُورَتَيْنِ فِي الْأَشْبَاهِ وَفِي حَاشِيَتِهَا لِابْنِ الْمُصَنِّفِ مَعْزِيًّا لِإِحْكَامَاتِ الْعِمَادِيَّةِ   [رد المحتار] مِنْ قَوْلِهِمْ لَا تَصِحُّ بِنَفْسِ حَدٍّ وَقَوَدٍ هُوَ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا هُنَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَعْطَى كَفِيلًا بِرِضَاهُ جَازَ، فَإِنَّ ذَاكَ فِي أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِنَفْسِ الْحَدِّ وَالْقَوَدِ، وَمَا هُنَا مِنْ الْجَوَازِ فِي دَعْوَى الْحَدِّ وَالْقَوَدِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ أَوْ لَا حَيْثُ قَالَ فِي دَعْوَى حَدٍّ وَقَوَدٍ (قَوْلُهُ: وَلَا حَبْسَ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ. (قَوْلُهُ: يَعْرِفُهُ الْقَاضِي بِالْعَدَالَةِ) أَيْ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْدِيلِهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَبْسَ لِلتُّهْمَةِ مَشْرُوعٌ) أَيْ وَالتُّهْمَةُ تَثْبُتُ بِأَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ، فَتْحٌ. وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا قَدْ يُقَالُ الْحَبْسُ أَقْوَى مِنْ الْكَفَالَةِ فَإِذَا لَمْ يُؤَاخَذْ بِالْأَدْنَى كَيْفَ يُؤَاخَذُ بِالْأَقْوَى فَأَجَابَ بِأَنَّ الْحَبْسَ لِلتُّهْمَةِ لَا لِلْحَدِّ أَفَادَهُ السَّائِحَانِيُّ. مَطْلَبٌ فِي تَعْزِيرِ الْمُتَّهَمِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا تَعْزِيرُ الْمُتَّهَمِ) أَيْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِلَّا فَهِيَ أَيْضًا مِنْ تَعْزِيرِ الْمُتَّهَمِ فَإِنَّ الْحَبْسَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّعْزِيرِ: وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ: وَكَلَامُهُمْ هُنَا يَدُلُّ ظَاهِرًا عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يُعَزِّرُ الْمُتَّهَمَ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ. وَقَدْ كَتَبْت فِيهَا رِسَالَةً. وَحَاصِلُهَا أَنَّ مَا كَانَ مِنْ التَّعْزِيرِ مِنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى لَا يُتَوَقَّفُ عَلَى الدَّعْوَى وَلَا عَلَى الثُّبُوتِ، بَلْ إذَا أَخْبَرَ الْقَاضِيَ عَدْلٌ بِذَلِكَ عَزَّرَهُ لِتَصْرِيحِهِمْ هُنَا بِحَبْسِ الْمُتَّهَمِ بِشَهَادَةِ مَسْتُورَيْنِ أَوْ عَدْلٍ وَالْحَبْسُ تَعْزِيرٌ اهـ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ جَوَازُ تَعْزِيرِ الْمُتَّهَمِ فِيمَا هُوَ مِنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْكَافِي مِنْ جَوَازِ حَبْسِهِ إذَا أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى السَّرِقَةِ حَتَّى تُزَكَّى الشُّهُودُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُقِيمَتْ عَلَى شَتْمِهِ فَإِنَّهُ يَكْفُلُ وَلَا يُحْبَسُ إلَّا بَعْدَ تَزْكِيَتِهِمْ فَحِينَئِذٍ يُضْرَبُ أَوْ يُحْبَسُ. [تَنْبِيهٌ] أَوْرَدَ فِي النَّهْرِ أَنَّ تَعْزِيرَ الْقَاضِي الْمُتَّهَمَ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِعِلْمِهِ. ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، أَمَّا فِي حُقُوقِهِ تَعَالَى فَيُقْضَى فِيهَا بِعِلْمِهِ اتِّفَاقًا. ثُمَّ قَالَ: فَمَا يَكْتُبُ مِنْ الْمَحَاضِرِ فِي حَقِّ إنْسَانٍ فَإِنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَعْتَمِدَهُ مِنْ الْعُدُولِ وَيَعْمَلَ بِمُوجِبِهِ فِي حُقُوقِهِ تَعَالَى، اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَهَذَا خَاصٌّ بِالتَّعْزِيرِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ بِعِلْمِهِ فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ قُبَيْلَ بَابِ التَّحْكِيمِ، وَكَذَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ، فَمَا أَجَابَ بِهِ فِي النَّهْرِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي. [فَوَائِدُ لَا يَلْزَمُ أَحَدًا إحْضَارُ أَحَدٍ] مَطْلَبُ لَا يَلْزَمُ أَحَدًا إحْضَارُ أَحَدٍ إلَّا فِي أَرْبَعٍ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي أَرْبَعٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَلْزَمُ أَحَدًا. (قَوْلُهُ: كَفِيلُ نَفْسٍ) أَيْ عِنْدَ الْقُدْرَةِ أَشْبَاهٌ. (قَوْلُهُ: وَسَجَّانُ قَاضٍ) أَيْ إذَا خَلَّى رَجُلًا مِنْ الْمَسْجُونِينَ حَبَسَهُ الْقَاضِي بِدَيْنٍ عَلَيْهِ فَلِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يَطْلُبَ السَّجَّانَ بِإِحْضَارِهِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ أَشْبَاهٌ، وَقَيَّدَ بِإِحْضَارِهِ إذْ لَا يَلْزَمُهُ الدَّيْنُ لِعَدَمِ مُوجِبِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَبُ فِي صُورَتَيْنِ) الْأُولَى الْأَبُ إذَا أَمَرَ أَجْنَبِيًّا بِضَمَانِ ابْنِهِ فَطَلَبَهُ الضَّامِنُ مِنْهُ، الثَّانِيَةُ ادَّعَى الْأَبُ مَهْرَ ابْنَتِهِ مِنْ الزَّوْجِ فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا وَطَلَبَ مِنْ الْأَبِ إحْضَارَهَا فَإِنْ كَانَتْ تَخْرُجُ فِي حَوَائِجِهَا أَمَرَ الْقَاضِي الْأَبَ بِإِحْضَارِهَا، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ عَلَيْهَا شَيْئًا آخَرَ وَإِلَّا أَرْسَلَ إِلَيْهَا أَمِينًا مِنْ أُمَنَائِهِ ذَكَرَهُ الْوَلْوَالَجِيُّ أَشْبَاهٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 299 الْأَبُ يُطَالَبُ بِإِحْضَارِهِ طِفْلَهُ إذَا تَغَيَّبَ وَفِيهَا الْقَاضِي يَأْخُذُ كَفِيلًا بِإِحْضَارِ الْمُدَّعِي، وَكَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا فِي أَرْبَعٍ: مُكَاتَبُهُ، وَمَأْذُونُهُ، وَوَصِيٌّ، وَوَكِيلٌ إذَا لَمْ يُثْبِتْ الْمُدَّعِي الْوِصَايَةَ وَالْوَكَالَةَ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْرُوفًا لَا يُجْبَرُ عَلَى الْكَفِيلِ وَلَوْ كَانَ غَرِيبًا لَا يُجْبَرُ اتِّفَاقًا بَلْ حَقُّهُ فِي الْيَمِينِ فَقَطْ اهـ بِإِبْرَاءِ الْأَصِيلِ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ إلَّا كَفِيلَ النَّفْسِ إلَّا إذَا قَالَ لَا حَقَّ لِي قِبَلَهُ وَلَا لِمُوَكِّلِي وَلَا لِيَتِيمٍ أَنَا وَصِيُّهُ وَلَا لِوَقْفٍ أَنَا مُتَوَلِّيهِ فَحِينَئِذٍ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ أَشْبَاهٌ (وَ) أَمَّا (كَفَالَةُ الْمَالِ)   [رد المحتار] قُلْت: وَالْمَقْصُودُ مِنْ طَلَبِ إحْضَارِهَا أَنْ يَسْأَلَهَا الْقَاضِي عَنْ دَعْوَى الزَّوْجِ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا، فَإِنْ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ أَجْبَرَهَا الْقَاضِي عَلَى الْمَصِيرِ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ، وَإِنْ أَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَهَكَذَا فَهِمْته قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ، وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ فَافْهَمْ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا بِرِضَاهَا لَيْسَ لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا لِقَبْضِ الْمَهْرِ. (قَوْلُهُ: الْأَبُ يُطَالِبُ بِإِحْضَارِ طِفْلِهِ إذَا تَغَيَّبَ) أَيْ إذَا كَانَ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ وَطَلَبَ مِنْ رَجُلٍ أَنْ يَضْمَنَهُ فَافْهَمْ، وَهَذِهِ غَيْرُ الْأُولَى مِنْ الصُّورَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ، وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَافِي، وَكَذَا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْإِحْكَامَاتِ: لَوْ تَغَيَّبَ الْغُلَامُ وَأَخَذَ الْكَفِيلُ أَبَا الْغُلَامِ وَقَالَ: أَنْتِ أَمَرْتنِي أَنْ أَضْمَنَهُ فَخَلِّصْنِي فَإِنَّ الْأَبَ يُؤَاخَذُ بِهِ حَتَّى يَحْضُرَ ابْنُهُ إذْ الصَّبِيُّ فِي يَدِهِ وَتَدْبِيرِهِ، وَكَذَا قَالُوا إنَّ الصَّبِيَّ الْمَأْذُونَ لَوْ أَعْطَى كَفِيلًا بِنَفْسِهِ ثُمَّ تَغَيَّبَ الصَّبِيُّ فَإِنَّ الْأَبَ يُطَالِبُ بِإِحْضَارِهِ بِخِلَافِ أَجْنَبِيٍّ قَالَ أَكْفُلُ بِنَفْسِ زَيْدٍ وَكَفَلَ فَغَابَ زَيْدٌ، فَالْآمِرُ بِالْكَفَالَةِ لَا يُطَالَبُ بِإِحْضَارِ زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ وَتَدْبِيرِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِيهَا) أَيْ فِي الْأَشْبَاهِ. (قَوْلُهُ: بِإِحْضَارِ الْمُدَّعَى) بِالْفَتْحِ: أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ إذَا كَانَ مَنْقُولًا. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ يَأْخُذُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ إذَا بَرْهَنَ الْمُدَّعِي وَلَمْ تُزَكَّ شُهُودُهُ، أَوْ أَقَامَ وَاحِدًا أَوْ ادَّعَى وَقَالَ شُهُودِي حُضُورٌ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ كَفِيلٍ بِالْمَالِ أَشْبَاهٌ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي أَرْبَعٍ إلَخْ) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ طَلَبِ كَفِيلٍ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَصِيًّا أَوْ وَكِيلًا وَلَمْ يُثْبِتْ الْمُدَّعِي الْوِصَايَةَ وَالْوَكَالَةَ وَهُمَا فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ، وَمَا إذَا ادَّعَى بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَلَى مُكَاتَبِهِ أَوْ دَيْنًا غَيْرَهَا، وَمَا إذَا ادَّعَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ الْغَيْرُ الْمَدْيُونِ عَلَى مَوْلَاهُ دَيْنًا، بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْمُكَاتَبُ عَلَى مَوْلَاهُ أَوْ الْمَأْذُونُ الْمَدْيُونُ فَإِنَّهُ يَكْفُلُ، كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يُثْبِتْ الْمُدَّعِي الْوِصَايَةَ وَالْوَكَالَةَ) لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا أَنْكَرَ كَوْنَهُ وَصِيًّا أَوْ وَكِيلًا لَمْ يَكُنْ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ أَوْ الْغَائِبِ بَلْ هُوَ أَجْنَبِيٌّ، فَإِذَا قَالَ الْمُدَّعِي عِنْدِي بَيِّنَةٌ عَلَى كَوْنِهِ وَصِيًّا أَوْ وَكِيلًا لَمْ يُؤْخَذْ لَهُ كَفِيلٌ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ أَوْ الْوَكَالَةَ لَيْسَتْ حَقًّا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَمَّا لَوْ أَثْبَتَ ذَلِكَ وَأَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ دَيْنًا لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ الْمُوَكِّلِ فَقَدْ صَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَصْمًا، فَإِذَا قَالَ لِلْقَاضِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ فَخُذْ لِي كَفِيلًا بِنَفْسِهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يُجِيبُهُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ. (قَوْلُهُ: لَا يُجْبَرُ عَلَى الْكَفِيلِ) وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُجْبَرُ، كَمَا أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ حَقِيرًا ط عَنْ حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ. (قَوْلُهُ: إلَّا كَفِيلَ النَّفْسِ) فَإِنَّ الطَّالِبَ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ قِبَلَ الْمَكْفُولِ بِهِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلُ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَكُونُ وَصِيًّا يَثْبُتُ عَلَيْهِ أَوْ وَكِيلًا فِي خُصُومَةٍ كَافِي. [مَطْلَبُ كَفَالَةِ الْمَالِ] ِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا كَفَالَةُ الْمَالِ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَكَفَالَةُ النَّفْسِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: وَزَادَ بَعْضُهُمْ الْكَفَالَةَ بِتَسْلِيمِ الْمَالِ. وَيُمْكِنُ دُخُولُهُ فِي الْمَالِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى جَعْلِهِ قِسْمًا ثَالِثًا فَتَأَمَّلْ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة لَهُ مَالٌ عَلَى رَجُلٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِلطَّالِبِ ضَمِنْت لَكَ مَا عَلَى فُلَانٍ أَنْ أَقْبِضَهُ وَأَدْفَعَهُ إلَيْكَ، قَالَ لَيْسَ هَذَا عَلَى ضَمَانِ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَهُ مِنْ عِنْدَهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى أَنْ يَتَقَاضَاهُ وَيَدْفَعَهُ إلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا مَعَانِي كَلَامِ النَّاسِ، وَلَوْ غَصَبَ مِنْ مَالِ رَجُلٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 300 فَ (تَصِحُّ وَلَوْ) الْمَالُ (مَجْهُولًا بِهِ إذَا كَانَ) ذَلِكَ الْمَالُ (دَيْنًا صَحِيحًا) إلَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُشْتَرَكًا كَمَا سَيَجِيءُ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا تَجُوزُ ظَهِيرِيَّةٌ   [رد المحتار] أَلْفًا فَقَتَلَهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ وَأَرَادَ أَخْذَهَا مِنْهُ فَقَالَ رَجُلٌ لَا تُقَاتِلْهُ فَأَنَا ضَامِنٌ لَهَا آخُذُهَا وَأَدْفَعُهَا إلَيْكَ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ اسْتَهْلَكَ الْأَلْفَ وَصَارَتْ دَيْنًا كَانَ هَذَا الضَّمَانُ بَاطِلًا وَكَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُ التَّقَاضِي اهـ. فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ لَا تَكُونُ كَفَالَةً بِنَفْسِ الْمَالِ بَلْ بِتَقَاضِيهِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْهُ مُعَلَّقًا. فَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: قَالَ دَيْنُك الَّذِي عَلَى فُلَانٍ أَنَا أَدْفَعُهُ إلَيْكَ أَنَا أُسَلِّمُهُ أَنَا أَقْبِضُهُ لَا يَكُونُ كَفِيلًا مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِلَفْظَةٍ تَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ. ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَتَى بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ مُنَجِّزًا لَا يَصِيرُ كَفِيلًا، وَلَوْ مُعَلِّقًا كَقَوْلِهِ لَوْ لَمْ يُؤَدِّ فَأَنَا أُؤَدِّي فَأَنَا أَدْفَعُ يَصِيرُ كَفِيلًا اهـ. مَطْلَبُ كَفَالَةِ الْمَالِ قِسْمَانِ: كَفَالَةٌ بِنَفْسِ الْمَالِ وَكَفَالَةٌ بِتَقَاضِيهِ، وَقَدْ عُلِمَ بِمَا مَرَّ أَنَّ كَفَالَةَ الْمَالِ قِسْمَانِ، كَفَالَةٌ بِنَفْسِ الْمَالِ وَكَفَالَةٌ بِتَقَاضِيهِ، وَمِنْ الثَّانِي الْكَفَالَةُ بِتَسْلِيمِ عَيْنٍ كَأَمَانَةٍ وَنَحْوِهَا كَمَا يَأْتِي، وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْلُهُ: وَلَوْ غَصَبَ مِنْ مَالِ رَجُلٍ إلَخْ؛ لِأَنَّ دَرَاهِمَ الْغَصْبِ تَتَعَيَّنُ فَيَجِبُ رَدُّ عَيْنِهَا لَوْ قَائِمَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَتْ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِدَفْعِهَا بَلْ يَصِيرُ كَفِيلًا بِالتَّقَاضِي، وَبِهِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: فَتَصِحُّ بِهِ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْأَصِيلُ مُطَالَبًا بِهِ الْآنَ أَوْ لَا، فَتَصِحُّ عَنْ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ بِمَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِاسْتِهْلَاكٍ أَوْ قَرْضٍ وَيُطَالَبُ الْكَفِيلُ الْآنَ، كَمَا لَوْ فَلَّسَ الْقَاضِي الْمَدْيُونَ وَلَهُ كَفِيلٌ فَإِنَّ الْمُطَالَبَةَ تَتَأَخَّرُ عَنْ الْأَصِيلِ دُونَ الْكَفِيلِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَهْرٌ، وَشَمِلَ كَفَالَةَ الْمَالِ عَنْ الْأَصِيلِ وَعَنْ الْكَفِيلِ بِأَنْ كَفَلَ عَنْ الْكَفِيلِ كَفِيلٌ آخَرُ بِمَا عَلَى الْأَصِيلِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ عَنْ الْكَافِي. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ أَطْلَقَ صِحَّتَهَا فَشَمِلَ كُلَّ مَنْ عَلَيْهِ الْمَالُ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا أَوْ مَحْجُورًا صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا وَكُلَّ مَنْ لَهُ الْمَالُ، لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: الْكَفَالَةُ لِلصَّبِيِّ التَّاجِرِ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ عَلَيْهِ، وَلِلصَّبِيِّ الْعَاقِلِ غَيْرِ التَّاجِرِ رِوَايَتَانِ اهـ. وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ أَنَّ الْجَوَازَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: إذَا كَفَلَ رَجُلٌ لِصَبِيٍّ، إنْ كَانَ الصَّبِيُّ تَاجِرًا صَحَّ بِخِطَابِهِ وَقَبُولِهِ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا فَإِنْ قَبِلَ عَنْهُ وَلِيُّهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ وَأَجَازَ وَلِيُّهُ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُخَاطَبْ وَلِيٌّ وَلَا أَجْنَبِيٌّ بَلْ الصَّبِيُّ فَقَطْ فَعَنْ الْخِلَافِ اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْكَفَالَةِ الْقَبُولُ فِي الْمَجْلِسِ وَلَوْ مِنْ فُضُولِيٍّ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ، وَسَيَأْتِي اخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْوَلِيِّ مَهْرَ الصَّغِيرَةِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ الْمَالُ مَجْهُولًا) لِابْتِنَائِهَا عَلَى التَّوَسُّعِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّتِهَا بِالدَّرَكِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَمْ يَسْتَحِقُّ مِنْ الْمَبِيعِ، نَهْرٌ، وَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ أَرْبَعَةُ أَمْثِلَةٍ لِلْمَجْهُولِ وَفِي الْفَتْحِ وَمَا نُوقِضَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كَفَلْت لَك بَعْضَ مَالِكٍ عَلَى فُلَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مَمْنُوعٌ، بَلْ يَصِحُّ عِنْدَنَا وَالْخِيَارُ لِلضَّامِنِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُبَيِّنَ أَيَّ مِقْدَارٍ شَاءَ اهـ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ: لَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ أَوْ بِمَا عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفٌ جَازَ وَعَلَيْهِ أَحَدُهُمَا أَيَّهُمَا شَاءَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي. (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ دَيْنًا صَحِيحًا) يَأْتِي تَفْسِيرُهُ وَدَخَلَ فِيهِ الْمُسْلَمُ فِيهِ، فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ كَمَا عَزَاهُ الْحَانُوتِيُّ إلَى شَرْحِ التَّكْمِلَةِ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ قَائِمًا كَمَا قَدَّمَهُ أَوَّلَ الْبَابِ. (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَجِيءُ) فِي قَوْلِهِ وَلَا لِشَرِيكٍ بِدَيْنٍ مُشْتَرَكٍ فَهَذَا دَيْنٌ صَحِيحٌ لَا تَصِحُّ بِهِ الْكَفَالَةُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا تَجُوزُ) لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكْفُلَ نِصْفًا مُقَدَّرًا فَيَكُونُ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ نِصْفًا شَائِعًا فَيَصِيرُ كَفِيلًا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَقْبُوضِ نِصْفَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301 وَإِلَّا فِي مَسْأَلَةِ النَّفَقَةِ الْمُقَرَّرَةِ فَتَصِحُّ مَعَ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتٍ وَطَلَاقٍ أَشْبَاهٌ، وَكَأَنَّهُمْ أَخَذُوا فِيهَا بِالِاسْتِحْسَانِ لِلْحَاجَةِ لَا بِالْقِيَاسِ وَإِلَّا فِي بَدَلِ السِّعَايَةِ عِنْدَهُ بَزَّازِيَّةٌ، وَكَأَنَّهُ أُلْحِقَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَإِلَّا فَهُوَ لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّعْجِيزَ، فَيَلْغُزُ: أَيُّ دَيْنٍ صَحِيحٌ وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ، وَأَيُّ دَيْنٍ ضَعِيفٌ وَتَصِحُّ بِهِ. (وَ) الدَّيْنُ الصَّحِيحُ (هُوَ مَا لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ) وَلَوْ حُكْمًا بِفِعْلٍ يَلْزَمُهُ سُقُوطُ الدَّيْنِ فَيَسْقُطُ دَيْنُ الْمَهْرِ بِمُطَاوَعَتِهَا لِابْنِ الزَّوْجِ لِلْإِبْرَاءِ الْحُكْمِيِّ ابْنُ كَمَالٍ   [رد المحتار] كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فِي مَسْأَلَةِ النَّفَقَةِ الْمُقَرَّرَةِ) مَا قَبْلَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا بَعْدَهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ صَرِيحِ قَوْلِهِ إذَا كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا، وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مَفْهُومِهِ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ صَحِيحٍ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ، فَقَالَ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ النَّفَقَةِ الْمُقَرَّرَةِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا مَعَ أَنَّهَا دَيْنٌ غَيْرُ صَحِيحٍ لِسُقُوطِهَا بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُسْتَدَانَةٍ بِأَمْرِ الْقَاضِي، وَإِلَّا فَهِيَ دَيْنٌ صَحِيحٌ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُقَرَّرَةِ مَا قُرِّرَ مِنْهَا بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي. وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ أَيْضًا بِالنَّفَقَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ كَمَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ بَعْدَ أَسْطُرٍ مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَصِرْ دَيْنًا أَصْلًا. وَأَمَّا مَا قَدَّمَهُ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِالنَّفَقَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْمَاضِيَةِ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالْمُضِيِّ إلَّا إذَا كَانَتْ مُقَرَّرَةً بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي كَمَا حَرَّرْنَاهُ هُنَاكَ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فِي بَدَلِ السِّعَايَةِ) أَيْ كَمَا إذَا أَعْتَقَ بَعْضَهُ وَسَعَى فِي بَاقِيهِ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَالْمُسْتَسْعَى فِي بَعْضِ قِيمَتِهِ بَعْدَ مَا عَتَقَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَجُوزُ كَفَالَةُ أَحَدٍ عَنْهُ بِالسِّعَايَةِ لِمَوْلَاهُ وَلَا بِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ الْمُعْتَقُ عِنْدَ الْمَوْتِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ فَتَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ، وَأَمَّا الْمُعْتَقُ عَلَى جُعْلٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ وَالْكَفَالَةُ لِلْمَوْلَى بِالْجُعْلِ عَنْهُ وَغَيْرِهِ جَائِزَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَلْغُزُ أَيُّ دَيْنٍ صَحِيحٍ إلَخْ) فَيُقَالُ هُوَ بَدَلُ السِّعَايَةِ وَكَذَا الدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ كَمَا عَلِمْته. قَالَ فِي النَّهْرِ: فَإِنْ قُلْت: دَيْنُ الزَّكَاةِ كَذَلِكَ وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ. قُلْت: إنَّمَا لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ دَيْنًا حَقِيقَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ. قُلْت: وَفِي قَوْلِهِ كَذَلِكَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الصَّحِيحَ مَا لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ، وَدَيْنُ الزَّكَاةِ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ وَبِهَلَاكِ الْمَالِ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ مِنْ أَصْلِهِ. (قَوْلُهُ: وَأَيُّ دَيْنٍ ضَعِيفٌ) هُوَ دَيْنُ النَّفَقَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ حُكْمًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْإِبْرَاءُ حُكْمًا ط. (قَوْلُهُ: بِفِعْلِ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ ط. (قَوْلُهُ: فَيَسْقُطُ دَيْنُ الْمَهْرِ) الْأَوْلَى فَدَخَلَ دَيْنُ الْمَهْرِ السَّاقِطُ بِمُطَاوَعَتِهَا ط. (قَوْلُهُ: لِلْإِبْرَاءِ الْحُكْمِيِّ) لِأَنَّ تَعَمُّدَهَا ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ مُسْقِطٌ لِمَهْرِهَا فَكَأَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ، لَكِنْ بَقِيَ أَنَّ الْمَهْرَ يَسْقُطُ مِنْهُ نِصْفُهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الزَّوْجِ إبْرَاءٌ أَصْلًا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا إذْ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إبْرَاءَ نِصْفِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ بِطَلَاقِهِ سَقَطَ عَنْهُ لَا عَنْهَا. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَهْرَ وَجَبَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، لَكِنْ مَعَ احْتِمَالِ سُقُوطِهِ بِرِدَّتِهَا أَوْ تَقْبِيلِهَا ابْنَهُ أَوْ تُنْصِفُهُ بِطَلَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَيَتَأَكَّدُ لُزُومُ تَمَامِهِ بِالْوَطْءِ وَنَحْوِهِ حَتَّى إنَّهُ بَعْدَ تَأَكُّدِهِ بِالدُّخُولِ لَا يَسْقُطُ وَإِنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ كَالثَّمَنِ إذَا تَأَكَّدَ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْمَهْرِ، وَقَدْ صَرَّحُوا هُنَاكَ بِصِحَّةِ كَفَالَةِ وَلِيِّ الصَّغِيرَةِ بِالْمَهْرِ، وَكَذَا كَفَالَةُ وَكِيلِ الْكَبِيرَةِ، وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِكَوْنِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ احْتِمَالَ سُقُوطِهِ أَوْ سُقُوطِ نِصْفِهِ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ السُّقُوطِ تَظْهَرُ بَرَاءَةُ الْكَفِيلِ كَمَا لَا يَضُرُّ احْتِمَالُ سُقُوطِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ أَوْ بِرَدِّهِ بِخِيَارِ عَيْبٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ، فَإِنَّ الْكَفِيلَ بِهِ يَبْرَأُ مِنْ الْكَفَالَةِ مَعَ أَنَّ الثَّمَنَ عِنْدَ الْعَقْدِ كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ: أَيْ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِذَلِكَ مَا لَمْ يَعْرِضْ لَهُ مُسْقِطٌ نَاسِخٌ لِحُكْمِ الْعَقْدِ وَهُوَ لُزُومُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ظَهَرَ أَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ مُلْزِمٍ لِلثَّمَنِ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ فَكَذَا عَقْدُ النِّكَاحِ يَلْزَمُ بِهِ تَمَامُ الْمَهْرِ بِحَيْثُ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302 (فَلَا تَصِحُّ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ) لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِدُونِهَا بِالتَّعْجِيزِ، وَلَوْ كَفَلَ وَأَدَّى رَجَعَ بِمَا أَدَّى بَحْرٌ، يَعْنِي لَوْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ، وَسَيَجِيءُ قَيْدٌ آخَرُ (بِكَفَلْت) مُتَعَلِّقٌ بِتَصِحُّ (عَنْهُ بِأَلْفٍ) مِثَالُ الْمَعْلُومِ (وَ) مَثَّلَ الْمَجْهُولَ بِأَرْبَعَةِ أَمْثِلَةٍ (بِمَا لَكَ عَلَيْهِ، وَبِمَا يُدْرِكُك فِي هَذَا الْبَيْعِ) وَهَذَا يُسَمَّى ضَمَانَ الدَّرَكِ (وَبِمَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَيَّ) وَكَذَا قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَةِ الْغَيْرِ كَفَلْت لَكَ النَّفَقَةَ أَبَدًا مَا دَامَتْ الزَّوْجِيَّةُ خَانِيَّةٌ فَلْيُحْفَظْ.   [رد المحتار] أَوْ الْإِبْرَاءِ مَا لَمْ يَعْرِضْ لَهُ مُسْقِطٌ لِكُلِّهِ أَوْ نِصْفِهِ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ مِنْ أَصْلِهِ مُحْتَمِلًا لِسُقُوطِهِ بِذَلِكَ الْمُسْقِطِ فَإِذَا عَرَضَ ذَلِكَ الْمُسْقِطُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ مِنْ أَصْلِهِ بِخِلَافِ سُقُوطِهِ بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ فَإِنَّهُ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْحَالِ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ كَمَالٍ، فَاغْتَنِمْ ذَلِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (قَوْلُهُ: فَلَا تَصِحُّ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ) وَكَذَا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالدِّيَةِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالدِّيَةِ لَا تَصِحُّ اهـ، وَنَقَلَهَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَلَمْ يَنْقُلْ فِيهِ خِلَافًا، وَنَقَلَهَا صَاحِبُ النُّقُولِ عَنْ الْخُلَاصَةِ رَمْلِيٌّ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الدِّيَةَ لَيْسَتْ دَيْنًا حَقِيقَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ أَوَّلًا عَلَى الْقَاتِلِ ثُمَّ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ وَالْمُعَاوَنَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ فِي مَالِ الْقَاتِلِ كَمَا لَوْ كَانَتْ بِاعْتِرَافِهِ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا فَتَأَمَّلْ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ قَالَ: إنْ قَتَلَك فُلَانٌ خَطَأً فَأَنَا ضَامِنٌ لِدِيَتِك فَقَتَلَهُ فُلَانٌ خَطَأً فَهُوَ ضَامِنٌ لِدِيَتِهِ. (قَوْلُهُ: بِالتَّعْجِيزِ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ بِدُونِهِمَا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِإِسْقَاطِ هَذَا الدَّيْنِ بِأَنْ يُعْجِزَ نَفْسَهُ مَتَى أَرَادَ فَلَمْ يَكُنْ دَيْنًا صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ مُلْزِمًا لِبَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لِلسَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ السَّيِّدُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا، وَلِذَا لَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ بِهِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَهْرِ وَالثَّمَنِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَفَلَ) أَيْ ضَمِنَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبِالْعُهْدَةِ وَبِالْخَلَاصِ. (قَوْلُهُ: قَيْدٌ آخَرُ) هُوَ إذَا حَسِبَ أَنَّهُ مُجْبَرٌ عَلَى ذَلِكَ لِضَمَانِهِ السَّابِقِ. قُلْت: وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ لَهُ مَالًا عَلَى ظَنِّ لُزُومِهِ لَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمُهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا فَائِدَةَ لِلْقَيْدِ الْأَوَّلِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُرَادُ الرُّجُوعَ عَلَى الْمُكَاتَبِ تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْمُحَشِّينَ ذَكَرَ نَحْوَ مَا قُلْته. (قَوْلُهُ: بِكَفَلْت إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ لَا تَكُونُ بِهِ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَإِلَّا كَانَتْ كَفَالَةَ نَفْسٍ وَإِلَى أَنَّ سَائِرَ أَلْفَاظِ الْكَفَالَةِ الْمَارَّةِ فِي كَفَالَةِ النَّفْسِ تَكُونُ كَفَالَةَ مَالٍ أَيْضًا كَمَا حَرَّرْنَاهُ هُنَاكَ، وَإِلَى مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ دَيْنُك الَّذِي عَلَى فُلَانٍ أَنَا أَدْفَعُهُ إلَيْكَ أَنَا أُسَلِّمُهُ أَنَا أَقْبِضُهُ لَا يَصِيرُ كَفِيلًا مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِلَفْظَةٍ تَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ كَقَوْلِهِ كَفَلْت ضَمِنْت عَلَيَّ إلَيَّ وَقَدَّمْنَا عَنْهُ قَرِيبًا فِي أَنَا أَدْفَعُهُ إلَخْ لَوْ أَتَى بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ مُنَجِّزًا لَا يَصِيرُ كَفِيلًا، وَلَوْ مُعَلِّقًا كَقَوْلِهِ لَوْ لَمْ يُؤَدِّ فَأَنَا أُؤَدِّي فَأَنَا أَدْفَعُ يَصِيرُ كَفِيلًا. (قَوْلُهُ: بِمَا لَكَ عَلَيْهِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْبُرْهَانِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا أَوْ إقْرَارِ الْكَفِيلِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ اهـ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْفَتْحِ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ بِكَفَلْت بَعْضَ مَا لَكَ عَلَيْهِ وَيُجْبَرُ الْكَفِيلُ عَلَى الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا يُسَمَّى ضَمَانَ الدَّرَكِ) بِفَتْحَتَيْنِ وَبِسُكُونِ الرَّاءِ: وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ: وَشَرْطُهُ ثُبُوتُ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ بِالْقَضَاءِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْبَابِ وَيَأْتِي بَيَانُهُ. (قَوْلُهُ: وَبِمَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَى) مَعْطُوفٍ عَلَى قَوْلِهِ بِكَفَلْت فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ أَيْضًا بِتَصِحُّ لَا عَلَى قَوْلِهِ بِأَلْفٍ إذْ لَا يُنَاسِبُهُ جَعْلُ مَا شَرْطِيَّةً جَوَابُهَا قَوْلُهُ: فَعَلَى (قَوْلِهِ وَكَذَا قَوْلُ الرَّجُلِ إلَخْ) فِي الْخَانِيَّةِ: قَالَ لِغَيْرِهِ ادْفَعْ إلَى فُلَانٍ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَيَّ فَدَفَعَ حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مَالٌ كَثِيرٌ فَقَالَ الْآمِرُ لَمْ أُرِدْ جَمِيعَ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ الْجَمِيعُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ مَا بَايَعْت فُلَانًا فَهُوَ عَلَيَّ، يَلْزَمُهُ جَمِيعُ مَا بَايَعَهُ وَهُوَ كَقَوْلِهِ لِامْرَأَةِ الْغَيْرِ كَفَلْت لَكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 303 (وَمَا غَصَبَك فُلَانٌ فَعَلَيَّ) مَا هُنَا شَرْطِيَّةٌ أَيْ إنْ بَايَعْته فَعَلَيَّ لَا مَا اشْتَرَيْته لِمَا سَيَجِيءُ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَبِيعِ لَا تَجُوزُ، وَشَرَطَ فِي الْكُلِّ الْقَبُولَ: أَيْ وَلَوْ دَلَالَةً، بِأَنْ بَايَعَهُ أَوْ غَصَبَ مِنْهُ لِلْحَالِّ نَهْرٌ، وَلَوْ بَاعَ ثَانِيًا لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ إلَّا فِي كُلَّمَا، وَقِيلَ يَلْزَمُ إلَّا فِي إذَا وَعَلَيْهِ الْقُهُسْتَانِيِّ وَالشُّرُنْبُلالي فَلْيُحْفَظْ. وَلَوْ رَجَعَ عَنْهُ الْكَفِيلُ قَبْلَ الْمُبَايَعَةِ صَحَّ، بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِالذَّوْبِ   [رد المحتار] بِالنَّفَقَةِ أَبَدًا يَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ أَبَدًا مَا دَامَتْ فِي نِكَاحِهِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: مَا دُمْت فِي نِكَاحِهِ فَنَفَقَتُك عَلَيَّ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ زَالَ النِّكَاحُ لَا تَبْقَى النَّفَقَةُ اهـ. وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ النَّفَقَاتِ لُزُومَ الْكَفِيلِ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَمَا غَصَبَك فُلَانٌ) وَكَذَا مَا أَتْلَفَ لَكَ الْمُودِعُ فَعَلَيَّ، وَكَذَا كُلُّ الْأَمَانَاتِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: مَا هُنَا شَرْطِيَّةٌ) أَيْ فِي قَوْلِهِ مَا بَايَعْت وَمَا غَصَبَك. (قَوْلُهُ: أَيْ إنْ بَايَعْته فَعَلَيَّ لَا مَا اشْتَرَيْته) أَرَادَ بَيَانَ أَمْرَيْنِ: كَوْنُ مَا لِمُجَرَّدِ الشَّرْطِ مِثْلُ إنْ، وَكَوْنُ الْمَكْفُولِ بِهِ الثَّمَنَ لَا الْمَبِيعَ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ. وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ أَظْهَرُ فِي الْمَقْصُودِ حَيْثُ قَالَ أَيْ مَا بَايَعْت مِنْهُ فَإِنِّي ضَامِنٌ لِثَمَنِهِ لَا مَا اشْتَرَيْته فَإِنِّي ضَامِنٌ لِلْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَبِيعِ لَا تَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي. ثُمَّ قَالَ: وَمَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ شَرْطِيَّةٌ مَعْنَاهُ إنْ بَايَعْت فُلَانًا فَيَكُونُ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ اهـ، وَمَا كَتَبَهُ ح هُنَا لَا يَخْفَى مَا فِيهِ عَلَى مَنْ تَأَمَّلَهُ فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] قَيَّدَ بِضَمَانِ الثَّمَنِ؛ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ قَالَ بَايِعْ فُلَانًا عَلَى أَنَّ مَا أَصَابَك مِنْ خُسْرَانٍ فَعَلَيَّ لَمْ يَصِحَّ اهـ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَهُوَ صَرِيحٌ بِأَنَّ مَنْ قَالَ اسْتَأْجِرْ طَاحُونَةَ فُلَانٍ وَمَا أَصَابَك مِنْ خُسْرَانٍ فَعَلَيَّ لَمْ يَصِحَّ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى اهـ. (قَوْلُهُ: لِمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَلَا بِمَبِيعٍ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهَذَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ بَايَعَهُ إلَخْ) تَصْوِيرٌ لِلْقَبُولِ دَلَالَةً. وَعِبَارَةُ النَّهْرِ هَكَذَا، وَفِي الْكُلِّ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ إلَّا أَنَّهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ طَلَبَ مِنْ غَيْرِهِ قَرْضًا فَلَمْ يُقْرِضْهُ فَقَالَ رَجُلٌ أَقْرِضْهُ، فَمَا أَقْرَضْته فَأَنَا ضَامِنٌ فَأَقْرَضَهُ فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْبَلَ ضَمَانَهُ صَرِيحًا يَصِحُّ وَيَكْفِي هَذَا الْقَدْرُ اهـ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا بَايَعْت فُلَانًا أَوْ مَا غَصَبَك فَعَلَيَّ، كَذَلِكَ إذَا بَايَعَهُ أَوْ غُصِبَ مِنْهُ لِلْحَالِ، اهـ مَا فِي النَّهْرِ. قُلْت: مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُبَايَعَةِ صَحِيحٌ، بِخِلَافِ الْغَصْبِ فَإِنَّ الطَّالِبَ مَغْصُوبٌ مِنْهُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ كَوْنُ الْغَصْبِ قَبُولًا مِنْهُ لِلْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ فِعْلُ غَيْرِهِ. أَمَّا الْمُبَايَعَةُ فَهِيَ فِعْلُهُ، فَإِقْدَامُهُ عَلَيْهَا فِي الْحَالِ يَصِحُّ كَوْنُهُ قَبُولًا مِنْهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي كُلَّمَا) هَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ الْعَيْنِيُّ وَابْنُ الْهُمَامِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى إنْ بَايَعْته فَعَلَى دَرَكِ الْبَيْعِ، وَإِنْ ذَابَ لَكَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَعَلَيَّ، وَكَذَا مَا غَصَبَك فَعَلَيَّ وَإِذَا صَحَّتْ فَعَلَيْهِ مَا يَجِبُ بِالْمُبَايَعَةِ الْأُولَى، فَلَوْ بَايَعَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ لَا يَلْزَمُهُ ثَمَنٌ فِي الْمُبَايَعَةِ الثَّانِيَةِ، ذَكَرَهُ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَصًّا وَفِي نَوَادِرِ أَبِي يُوسُفَ بِرِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَلْزَمُ) أَيْ فِي مَا مِثْلُ كُلَّمَا وَكَذَا الَّذِي. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي إذَا) أَيْ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُفِيدُ التَّكْرَارَ مِثْلُ مَتَى، وَإِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ قَالَ: مَتَى أَوْ إذَا أَوْ إنْ بَايَعْت لَزِمَهُ الْأَوَّلُ فَقَطْ بِخِلَافِ كُلَّمَا وَمَا اهـ، وَزَادَ فِي الْمُحِيطِ الَّذِي اهـ، وَمُقْتَضَى مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ مَا فِي الْمَبْسُوطِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَأَنَّ الْأَوَّلَ قَوْلُ الْإِمَامِ: وَنَقَلَ ط التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ عَنْ حَاشِيَةِ سَرِيِّ الدِّينِ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَلَكِنْ مَا فِي الْمَبْسُوطِ هُوَ الَّذِي فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ. وَالْحَاصِلُ الِاتِّفَاقُ عَلَى إفَادَةِ التَّكْرَارِ فِي كُلَّمَا وَعَلَى عَدَمِهَا فِي إذَا وَمَتَى وَإِنْ، وَالْخِلَافُ فِي مَا. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْقُهُسْتَانِيُّ وَالشُّرُنْبُلالي) وَمَشَى عَلَيْهِ أَيْضًا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ رَجَعَ عَنْهُ الْكَفِيلُ إلَخْ) فِي الْبَزَّازِيَّةِ تَبَعًا لِلْمَبْسُوطِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 304 وَبِخِلَافِ: مَا غَصَبَك النَّاسُ أَوْ مَنْ غَصَبَك مِنْ النَّاسِ أَوْ بَايَعَك أَوْ قَتَلَك أَوْ مَنْ غَصَبْته أَوْ قَتَلْته فَأَنَا كَفِيلُهُ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ، كَقَوْلِهِ مَا غَصَبَك أَهْلُ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنَا ضَامِنُهُ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ حَتَّى يُسَمِّيَ إنْسَانًا بِعَيْنِهِ (أَوْ عُلِّقَتْ بِشَرْطٍ صَرِيحٍ مُلَائِمٍ) أَيْ مُوَافِقٍ لِلْكَفَالَةِ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: بِكَوْنِهِ شَرْطًا لِلُزُومِ الْحَقِّ (نَحْوُ) قَوْلِهِ (إنْ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ) أَوْ جَحَدَك الْمُودِعُ أَوْ غَصَبَك كَذَا أَوْ قَتَلَك أَوْ قَتَلَ ابْنَك أَوْ صَيْدَك فَعَلَيَّ الدِّيَةُ وَرَضِيَ بِهِ الْمَكْفُولُ جَازَ، بِخِلَافِ إنْ أَكَلَك سَبُعٌ   [رد المحتار] لَوْ رَجَعَ عَنْ هَذَا الضَّمَانِ قَبْلَ أَنْ يُبَايِعَهُ وَنَهَاهُ عَنْ مُبَايَعَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْوَلْوَالَجِيُّ نَهْيَهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ حَيْثُ قَالَ لَوْ قَالَ رَجَعْت عَنْ الْكَفَالَةِ قَبْلَ الْمُبَايَعَةِ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ شَيْءٌ، وَفِي الْكَفَالَةِ بِالذَّوْبِ لَا يَصِحُّ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأُولَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَمْرِ دَلَالَةً وَهَذَا الْأَمْرُ غَيْرُ لَازِمٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا هُوَ لَازِمٌ. اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ نَهْرٌ أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ كَفَلْت لَكَ مِمَّا ذَابَ لَكَ عَلَى فُلَانٍ: أَيْ بِمَا ثَبَتَ لَكَ عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ كَفَالَةً بِمُحَقَّقٍ لَازِمٍ، بِخِلَافٍ بِمَا بَايَعْته فَإِنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ بَعْدَ بَيَانِهِ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّ لُزُومَ الْكَفَالَةِ بَعْدَ وُجُودِ الْمُبَايَعَةِ وَتُوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ عَلَى الْكَفِيلِ، فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ هُوَ غَيْرُ مَطْلُوبٍ بِشَيْءٍ وَلَا مُلْتَزِمٌ فِي ذِمَّتِهِ شَيْئًا فَيَصِحُّ رُجُوعُهُ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ بَعْدَ الْمُبَايَعَةِ إنَّمَا أَوْجَبْنَا الْمَالَ عَلَى الْكَفِيلِ دَفْعًا لِلْغُرُورِ عَنْ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ إنَّمَا اعْتَمَدْت فِي الْمُبَايَعَةِ مَعَهُ كَفَالَةَ هَذَا الرَّجُلِ، وَقَدْ انْدَفَعَ هَذَا الْغُرُورُ حِينَ نَهَاهُ عَنْ الْمُبَايَعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ مَا غَصَبَك النَّاسُ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِالْمَتْنِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فُلَانًا لِيَصِيرَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ مَعْلُومًا فَإِنَّ جَهَالَتَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ اهـ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ سِتَّ مَسَائِلَ، فَفِي الْأُولَى جَهَالَةُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ جَهَالَةُ الْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ، وَفِي الْخَامِسَةِ وَالسَّادِسَةِ جَهَالَةُ الْمَكْفُولِ لَهُ، وَهَذَا دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ الْآتِي وَلَا تَصِحُّ بِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: كَقَوْلِهِ مَا غَصَبَك أَهْلُ هَذِهِ الدَّارِ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ فِيهِ جَهَالَةَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِجَمَاعَةٍ حَاضِرِينَ مَا بَايَعْتُمُوهُ فَعَلَيَّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، فَأَيُّهُمْ بَايَعَهُ فَعَلَى الْكَفِيلِ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْأُولَى لَيْسُوا مُعَيَّنِينَ مَعْلُومِينَ عِنْدَ الْمُخَاطَبِ وَفِي الثَّانِيَةِ مُعَيَّنُونَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَهَالَةَ الْمَكْفُولِ لَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ، وَفِي التَّخْيِيرِ لَا تَمْنَعُ نَحْوُ كَفَلْت مَا لَكَ عَلَى فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ نَهْرٌ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ يَجِبُ كَوْنُ أَهْلِ الدَّارِ لَيْسُوا مُعَيَّنِينَ مَعْلُومِينَ عِنْدَ الْمُخَاطَبِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ (قَوْلُهُ: أَوْ عُلِّقَتْ بِشَرْطٍ صَرِيحٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِكَفَلْت مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ مُنَجَّزٌ، فَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِك إذَا نُجِّزَتْ أَوْ عُلِّقَتْ إلَخْ، وَالْمُرَادُ بِالصَّرِيحِ مَا صَرَّحَ بِهِ بِأَدَاةِ التَّعْلِيقِ وَهِيَ إنْ أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا، فَدَخَلَ فِيهِ بِالْأَوْلَى مَا كَانَ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ مِثْلُ عَلَى فَإِنَّهُ يُسَمَّى تَقْيِيدًا بِالشَّرْطِ لَا تَعْلِيقًا مَحْضًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ فِي بَحْثِ مَا يُبْطِلُ تَعْلِيقَهُ، أَوْ الْمُرَادُ بِالصَّرِيحِ مَا قَابَلَ الضِّمْنِيَّ فِي قَوْلِهِ مَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَيَّ فَإِنَّ الْمَعْنَى إنْ بَايَعْت كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَقَدْ عَدَّهُ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: مُلَائِمٌ) أَيْ مُوَافِقٌ مِنْ الْمُلَاءَمَةِ بِالْهَمْزِ وَقَدْ تُقْلَبُ يَاءً. (قَوْلُهُ: بِأَحَدِ أُمُورٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمُوَافِقٍ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ ط. (قَوْلُهُ: بِكَوْنِهِ شَرْطًا إلَخْ) بَدَلٌ مِنْ أَحَدِ أُمُورٍ بَدَلُ مُفَصَّلٍ مِنْ مُجْمَلٍ ط. وَعَبَّرَ فِي الْفَتْحِ بَدَلَ الشَّرْطِ بِالسَّبَبِ وَقَالَ فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمَبِيعِ سَبَبٌ لِوُجُودِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ: أَوْ جَحَدَك الْمُودِعُ) وَمِثْلُهُ إنْ أَتْلَفَ لَكَ الْمُودِعُ، وَكَذَا كُلُّ الْأَمَانَاتِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: أَوْ قَتَلَك) أَيْ خَطَأً كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَافِي، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالدِّيَةِ لَا تَصِحُّ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَعَلَى الدِّيَةِ) أَرَادَ بِهَا الْبَدَلَ فَيَشْمَلُ بَاقِيَ الْأَمْثِلَةِ. (قَوْلُهُ: وَرَضِيَ بِهِ الْمَكْفُولُ) أَيْ الْمَكْفُولُ لَهُ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ إنْ أَكَلَك السَّبُعُ) لِأَنَّ فِعْلَهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ لِحَدِيثِ «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» الجزء: 5 ¦ الصفحة: 305 (أَوْ) شَرْطًا (لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ نَحْوُ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ) فَعَلَيَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ (وَهُوَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ زَيْدًا (مَكْفُولٌ عَنْهُ) أَوْ مُضَارِبُهُ أَوْ مُودِعُهُ أَوْ غَاصِبُهُ جَازَتْ الْكَفَالَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِقُدُومِهِ لِتَوَسُّلِهِ لِلْأَدَاءِ (أَوْ) شَرْطًا (لِتَعَذُّرِهِ) أَيْ الِاسْتِيفَاءِ (نَحْوُ إنْ غَابَ زَيْدٌ عَنْ الْمِصْرِ) فَعَلَيَّ وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ، فَهَذِهِ جُمْلَةُ الشُّرُوطِ الَّتِي يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِهَا (وَلَا تَصِحُّ) إنْ عُلِّقَتْ بِ (غَيْرِ) مُلَائِمٍ (نَحْوُ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ) لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِالْخَطَرِ فَتَبْطُلُ وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ   [رد المحتار] (قَوْلُهُ: أَوْ شَرْطًا لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ إلَخْ) أَيْ لِسُهُولَةِ تَمَكُّنِ الْكَفِيلِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَالِ مِنْ الْأَصِيلِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِنَّ قُدُومَهُ سَبَبٌ مُوصِلٌ لِلِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ كَوْنِ التَّقْدِيرِ فَعَلَى مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَهُوَ مَكْفُولٌ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ مُضَارِبُهُ) الضَّمِيرُ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ يَرْجِعُ إلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ اهـ ح. وَقَدْ أَفَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قُدُومُ زَيْدٍ وَسِيلَةً لِلْأَدَاءِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصِيلًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهَذَا مَا حَقَّقَهُ فِي النَّهْرِ وَالرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ رَدًّا عَلَى مَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي كَلَامِ الْبَحْرِ لَمْ يَجِدْهُ مُخَالِفًا لِذَلِكَ بَلْ مُرَادُهُ مَا ذَكَرَ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ كَلَامَ الْقُنْيَةِ شَامِلٌ لِكَوْنِ زَيْدٍ أَجْنَبِيًّا. ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَكْفُولًا عَنْهُ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّ قُدُومَهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْأَدَاءِ فِي الْجُمْلَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَكْفُولًا عَنْهُ أَوْ مُضَارِبِهِ اهـ. ثُمَّ قَالَ: وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ أَزَالَتْ اللَّبْسَ وَأَوْضَحَتْ كُلَّ تَخْمِينٍ وَحَدْسٍ اهـ، فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْأَجْنَبِيَّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ) مِنْهَا مَا فِي الدِّرَايَةِ ضَمِنْت كُلَّ مَا لَكَ عَلَى فُلَانٍ إنْ تَوَى، وَكَذَا إنْ مَاتَ وَلَمْ يَدَّعِ شَيْئًا فَأَنَا ضَامِنٌ، وَكَذَا إنْ حَلَّ مَا لَكَ عَلَى فُلَانٍ وَلَمْ يُوَافِك بِهِ فَهُوَ عَلَيَّ وَإِنْ حَلَّ مَا لَكَ عَلَى فُلَانٍ أَوْ إنْ مَاتَ فَهُوَ عَلَيَّ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ إنْ غَابَ وَلَمْ أُوَافِك بِهِ فَأَنَا ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ، فَهَذَا عَلَى أَنْ يُوَافِيَ بِهِ بَعْدَ الْغَيْبَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: إنْ لَمْ يَدْفَعْ مَدْيُونُك أَوْ إنْ لَمْ يَقْضِهِ فَهُوَ عَلَيَّ، ثُمَّ إنَّ الطَّالِبَ تَقَاضَى الْمَطْلُوبَ فَقَالَ الْمَدْيُونُ لَا أَدْفَعُهُ وَلَا أَقْضِيهِ وَجَبَ عَلَى الْكَفِيلِ السَّاعَةَ. وَعَنْهُ أَيْضًا إنْ لَمْ يُعْطِك فَأَنَا ضَامِنٌ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَقَاضَاهُ وَيُعْطِيَهُ بَطَلَ الضَّمَانُ، وَلَوْ بَعْدَ التَّقَاضِي قَالَ أَنَا أُعْطِيك، فَإِنْ أَعْطَاهُ مَكَانَهُ أَوْ ذَهَبَ بِهِ إلَى السُّوقِ أَوْ مَنْزِلِهِ وَأَعْطَاهُ جَازَ، وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ وَلَمْ يُعْطِهِ لَزِمَ الْكَفِيلَ. وَفِي الْقُنْيَةِ: إنْ لَمْ يُؤَدِّ فُلَانٌ مَا لَكَ عَلَيْهِ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ يَصِحُّ التَّعْلِيقُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُتَعَارَفٌ نَهْرٌ. قُلْت: وَيَقَعُ كَثِيرًا فِي زَمَانِنَا إنْ رَاحَ لَكَ شَيْءٌ عِنْدَهُ فَأَنَا ضَامِنٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ الْمَارِّ إنْ تَوَى: أَيْ هَلَكَ، وَسَيَأْتِي فِي الْحَوَالَةِ أَنَّ التَّوَى عِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِمَوْتِهِ مُفْلِسًا. [مَطْلَبٌ فِي تَعْلِيقِ الْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ غَيْرِ مُلَائِمٍ] ٍ وَفِي تَأْجِيلِهَا (قَوْلُهُ: وَلَا تَصِحُّ إنْ عُلِّقَتْ بِغَيْرِ مُلَائِمٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ هَهُنَا مَسْأَلَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا تَأْجِيلُ الْكَفَالَةِ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً كَقَوْلِهِ كَفَلْت لَكَ بِزَيْدٍ أَوْ كَفَلْت بِمَا لَكَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَهُبَّ الرِّيحُ أَوْ إلَى أَنْ يَجِيءَ الْمَطَرُ لَا يَصِحُّ، وَلَكِنْ تَثْبُتُ الْكَفَالَةُ وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ، وَمِثْلُهُ إلَى قُدُومِ زَيْدٍ وَهُوَ غَيْرُ مَكْفُولٍ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا جَهَالَةً غَيْرَ مُتَفَاحِشَةٍ مِثْلُ إلَى الْحَصَادِ أَوْ الدِّيَاسِ أَوْ الْمِهْرَجَانِ أَوْ الْعَطَاءِ أَوْ صَوْمِ النَّصَارَى جَازَتْ الْكَفَالَةُ وَالتَّأْجِيلُ، وَكَذَلِكَ الْحَوَالَةُ، وَمِثْلُهُ إلَى أَنْ يَقْدَمَ الْمَكْفُولُ بِهِ مِنْ سَفَرِهِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ كُلِّهِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَكَذَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ، وَهَذَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ شَرْطًا مُلَائِمًا أَوْ لَا، فَفِي الْأَوَّلِ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَالتَّعْلِيقُ وَقَدْ مَرَّ، وَفِي الثَّانِي وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِشَرْطٍ غَيْرِ مُلَائِمٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ إذَا جَاءَ الْمَطَرُ أَوْ إذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 306 وَمَا فِي الْهِدَايَةِ سَهْوٌ كَمَا حَرَّرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ، نَعَمْ لَوْ جَعَلَهُ أَجَلًا صَحَّتْ وَلَزِمَ الْمَالُ لِلْحَالِ فَلْيُحْفَظْ (وَلَا) تَصِحُّ أَيْضًا (بِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ) فِي تَعْلِيقٍ وَإِضَافَةٍ لَا تَخْيِيرٍ كَكَفَلْت بِمَا لَكَ عَلَى فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ فَتَصِحُّ،   [رد المحتار] قَدِمَ فُلَانٌ الْأَجْنَبِيُّ فَأَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِ فُلَانٍ، أَوْ بِمَا لَكَ عَلَيْهِ فَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَالْخَانِيَّةِ، وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا فِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ وَالْعِنَايَةِ وَشَرْحِ الْوُقَايَةِ، وَمِثْلُهُ فِي أَجْنَاسِ النَّاطِفِيِّ حَيْثُ قَالَ: كُلُّ مَوْضِعٍ أَضَافَ الضَّمَانَ إلَى مَا هُوَ سَبَبٌ لِلُزُومِ الْمَالِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ أَضَافَ الضَّمَانَ إلَى مَا لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلُّزُومِ فَذَلِكَ بَاطِلٌ، كَقَوْلِهِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ فَمَا لَكَ عَلَى فُلَانٍ فَعَلَيَّ اهـ وَجَزَمَ بِذَلِكَ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ، وَلَكِنْ وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّهُ يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَلْزَمُ الْمَالُ حَالًّا مِنْهَا حَاشِيَةُ الْهِدَايَةِ لِلْخَبَّازِيِّ وَغَايَةِ الْبَيَانِ، وَكَذَا الْكِفَايَةُ لِلْبَيْهَقِيِّ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قَالَ إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ دَخَلَ زَيْدٌ الدَّارَ فَالْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالْمَالُ حَالٌّ، وَكَذَا فِي شَرْحِ الْعُيُونِ لِأَبِي اللَّيْثِ وَالْمُخْتَارِ، وَوَقَعَ اخْتِلَافٌ فِي نُسَخِ الْهِدَايَةِ وَنُسَخِ الْكَنْزِ، فَفِي بَعْضِهَا كَالْأَوَّلِ وَفِي بَعْضِهَا كَالثَّانِي، وَقَدْ مَالَ إلَى الثَّانِي الْعَلَّامَةُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَأَرْجَعَ مَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا إلَيْهِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ خَاصَّةٍ، وَادَّعَى أَنَّ مَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ مُؤَوَّلٌ وَأَرْجَعَهُ إلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَرَدَّ أَيْضًا عَلَى الْقَوْلِ الدُّرَرُ: إنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ. أَقُولُ: وَالْإِنْصَافُ مَا فِي الدُّرَرِ؛ لِأَنَّ ارْتِكَابَ تَأْوِيلِ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ وَإِرْجَاعَ بَعْضِهَا إلَى الْبَعْضِ يَحْتَاجُ إلَى نِهَايَةِ التَّكَلُّفِ وَالتَّعَسُّفِ، وَالْأَوْلَى اتِّبَاعُ مَا مَشَى عَلَيْهِ جُمْهُورُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَشُرَّاحِ الْكَنْزِ وَغَيْرُهُمْ تَبَعًا لِلْمَبْسُوطِ وَالْخَانِيَّةِ مِنْ بُطْلَانِ الْكَفَالَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَا فِي الْهِدَايَةِ) حَيْثُ قَالَ: لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِمُجَرَّدِ الشَّرْطِ، كَقَوْلِهِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ إلَّا أَنَّهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَمَّا صَحَّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْكَافِي، لَكِنْ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ، وَكَذَا إذَا جَعَلَ وَاحِدًا مِنْهَا أَجَلًا، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ إلَخْ رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ الْأَجَلِ فَقَطْ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَمَّا صَحَّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الشَّرْطُ الْمُلَائِمُ، وَقَدْ أَطَالَ الْكَلَامَ عَلَى تَأْوِيلِ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهِمَا. (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ جَعَلَهُ أَجَلًا) أَيْ بِأَنْ قَالَ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ أَوْ مَجِيءِ الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا هُوَ مَجْهُولٌ جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً فَيَبْطُلُ التَّأْجِيلُ وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ، بِخِلَافِ مَا كَانَتْ جَهَالَتُهُ غَيْرَ مُتَفَاحِشَةٍ كَالْحَصَادِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ إلَى الْأَجَلِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ: فِي تَعْلِيقٍ) نَحْوُ إنْ غَصَبَك إنْسَانٌ شَيْئًا فَأَنَا كَفِيلٌ اهـ ح، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا سَيَأْتِي مَتْنًا آخِرَ الْبَابِ، وَهُوَ مَا لَوْ قَالَ لَهُ اُسْلُكْ هَذَا الطَّرِيقَ إلَخْ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ. (قَوْلُهُ: وَإِضَافَةٍ) نَحْوُ مَا ذَابَ لَكَ عَلَى النَّاسِ فَعَلَيَّ اهـ. ح وَقَدْ صَرَّحَ أَيْضًا فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ مِنْ جَهَالَةِ الْمَضْمُونِ فِي الْإِضَافَةِ. قُلْت: وَوَجْهُهُ أَنَّ مَا ذَابَ مَاضٍ أُرِيدَ بِهِ الْمُسْتَقْبَلُ كَمَا يَأْتِي فَكَانَ مُضَافًا إلَى الْمُسْتَقْبَلِ مَعْنًى، وَعَنْ هَذَا جُعِلَ فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ الْمُعَلَّقُ مِنْ الْمُضَافِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ وَاقِعٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ فِي الْهِدَايَةِ جَعَلَ مَا بَايَعْت فُلَانًا مِنْ الْمُعَلَّقِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِهِ مِنْ حَيْثُ وُقُوعِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُطْلَقُ عَلَى الْآخَرِ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى اللَّفْظِ فَمَا صَرَّحَ فِيهِ بِأَدَاةِ الشَّرْطِ فَهُوَ مُعَلَّقٌ وَغَيْرُهُ مُضَافٌ وَهُوَ الْأَوْضَحُ فَلِذَا غَايَرَ بَيْنَهُمَا تَبَعًا لِلْفَتْحِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: لَا تَخْيِيرٍ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَسَمَّاهُ تَخْيِيرًا لِكَوْنِ الْمَكْفُولِ لَهُ مُخَيَّرًا كَمَا ذَكَرَهُ، لَكِنَّ الْوَاقِعَ فِي عِبَارَةِ الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ تَنْجِيزٌ بِالْجِيمِ وَالزَّايِ وَهُوَ الْأَصْوَبُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَالُ الْمُقَابِلُ لِلتَّعْلِيقِ وَالْإِضَافَةُ الْمُرَادُ بِهِمَا الْمُسْتَقْبَلُ، وَوَجْهُ جَوَازِ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فِي التَّنْجِيزِ دُونَ التَّعْلِيقِ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَ إضَافَةِ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي حَقِّ الطَّالِبِ، وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ اسْتِحْسَانًا لِلتَّعَامُلِ، وَالتَّعَامُلُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 307 وَالتَّعْيِينُ لِلْمَكْفُولِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْحَقِّ (وَلَا بِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ) وَبِهِ مُطْلَقًا، نَعَمْ لَوْ قَالَ: كَفَلْت رَجُلًا أَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ لَا بِاسْمِهِ جَازَ، وَأَيُّ رَجُلٍ أَتَى بِهِ وَحَلَفَ أَنَّهُ هُوَ بَرَّ بَزَّازِيَّةٌ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ قَالَ لِضَيْفِهِ وَهُوَ يَخَافُ عَلَى دَابَّتِهِ مِنْ الذِّئْبِ إنْ أَكَلَ الذِّئْبُ حِمَارَك فَأَنَا ضَامِنٌ فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ لَمْ يَضْمَنْ (نَحْوُ مَا ذَابَ) أَيْ مَا ثَبَتَ (لَكَ عَلَى النَّاسِ أَوْ) عَلَى (أَحَدٍ مِنْهُمْ فَعَلَيَّ) مِثَالٌ لِلْأَوَّلِ، وَنَحْوُهُ مَا بَايَعْت بِهِ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ مُعِينُ الْفَتْوَى (أَوْ مَا ذَابَ) عَلَيْك (لِلنَّاسِ أَوْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ عَلَيْك فَعَلَيَّ) مِثَالٌ لِلثَّانِي (وَلَا) يَصِحُّ (بِنَفْسِ حَدٍّ وَقِصَاصٍ) لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَجْرِي فِي الْعُقُوبَاتِ (وَلَا بِحَمْلِ دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مُسْتَأْجَرَةٍ لَهُ وَخِدْمَةِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ مُسْتَأْجَرٍ لَهَا) أَيْ لِلْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ تَغْيِيرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لِوُجُوبِ مُطْلَقِ الْفِعْلِ   [رد المحتار] مَعْلُومًا مَا فَبَقِيَ الْمَجْهُولُ عَلَى الْقِيَاسِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّعْيِينُ لِلْمَكْفُولِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْحَقِّ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبِالْمَالِ وَلَوْ مَجْهُولًا وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ، لَكِنْ جَعَلَ فِي الْفَتْحِ الْخِيَارَ لِلْكَفِيلِ. وَنَصُّهُ: وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ كَفَلْت بِمَا لَكَ عَلَى فُلَانٍ أَوْ مَا لَكَ عَلَى فُلَانٍ رَجُلٍ آخَرَ جَازَ؛ لِأَنَّهَا جَهَالَةُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فِي غَيْرِ تَعْلِيقٍ. وَيَكُونُ الْخِيَارُ لِلْكَفِيلِ اهـ، وَمِثْلُهُ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَلَوْ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِفُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ كَانَ جَائِزًا يَدْفَعُ أَيَّهُمَا شَاءَ الْكَفِيلُ فَيَبْرَأُ عَنْ الْكَفَالَةِ ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ أَوْ بِمَا عَلَيْهِ وَهُوَ مِائَةٌ دِرْهَمٍ كَانَ جَائِزًا وَكَانَ عَلَيْهِ أَيُّ ذَلِكَ شَاءَ الْكَفِيلُ، وَأَيَّهُمَا دَفَعَ فَهُوَ بَرِيءٌ اهـ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا هُنَا قَوْلٌ آخَرُ أَوْ سَبْقُ قَلَمٍ (قَوْلُهُ: وَلَا بِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْكَفَالَةُ فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ لِثُبُوتِهَا ضِمْنًا لَا صَرِيحًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ) أَيْ وَلَا تَصِحُّ بِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ بِهِ وَالْمُرَادُ هُنَا النَّفْسُ لَا الْمَالُ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ جَهَالَةَ الْمَالِ غَيْرُ مَانِعَةٍ مِنْ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ، وَالْقَرِينَةُ عَلَى ذَلِكَ الِاسْتِدْرَاكُ اهـ ح. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَانِعَ هُنَا جَهَالَةٌ مُتَفَاحِشَةٌ، لِمَا عَلِمْت آنِفًا مِنْ قَوْلِ الْكَافِي: لَوْ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِفُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ جَازَ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي تَعْلِيقٍ أَوْ إضَافَةٍ أَوْ تَنْجِيزٍ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَهَالَةَ الْمَكْفُولِ لَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ مُطْلَقًا، وَجَهَالَةُ الْمَكْفُولِ بِهِ لَا تَمْنَعُهَا مُطْلَقًا، وَجَهَالَةُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فِي التَّعْلِيقِ، وَالْإِضَافَةُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ، وَفِي التَّنْجِيزِ لَا تَمْنَعُ اهـ، وَمُرَادُهُ بِالْمَكْفُولِ بِهِ الْمَالُ عَكْسُ مَا فِي الشَّرْحِ. (قَوْلُهُ: جَازَ) لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْإِقْرَارِ لَا تَمْنَعُ صِحَّتَهُ بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ، وَذَكَرَ عَنْهَا أَيْضًا: لَوْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ نَعْرِفُهُ بِوَجْهٍ إنْ جَاءَ بِهِ لَكِنْ لَا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ جَازَ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّ فِعْلَهُ جُبَارٌ كَمَا مَرَّ فِي إنْ أَكَلَك سَبُعٌ. (قَوْلُهُ: أَيْ مَا ثَبَتَ) قَالَ فِي الْمَنْصُورِيَّةِ: الذَّوْبُ وَاللُّزُومُ يُرَادُ بِهِمَا الْقَضَاءُ، فَمَا لَمْ يَقْضِ بِالْمَكْفُولِ بِهِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ، وَهَذَا فِي غَيْرِ عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَمَّا عُرْفُنَا فَالذَّوْبُ وَاللُّزُومُ عِبَارَةٌ عَلَى الْوُجُوبِ فَيَجِبُ الْمَالُ، وَإِنْ لَمْ يَقْضِ بِهِ اهـ. ط وَهَذَا أَيْ مَا ذَابَ مَاضٍ أُرِيدَ بِهِ الْمُسْتَقْبَلُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ أَيْضًا، أَيْ لِأَنَّهُ مَعْنَى الشَّرْطِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَلَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ مَا لَمْ يَقْضِ بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ، لَكِنَّهُ هُنَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: مِثَالٌ لِلْأَوَّلِ) وَهُوَ جَهَالَةُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ مَا بَايَعْت إلَخْ) أَيْ هُوَ مِثَالٌ لِلْأَوَّلِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: مِثَالٌ لِلثَّانِي) أَيْ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ (قَوْلُهُ: وَلَا تَصِحُّ بِنَفْسِ حَدٍّ وَقِصَاصٍ) أَمَّا لَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ تَصِحُّ، لَكِنْ هَذَا فِي الْحُدُودِ الَّتِي فِيهَا لِلْعِبَادِ حَقٌّ كَحَدِّ الْقَذْفِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. (قَوْلُهُ: مُسْتَأْجَرَةٌ لَهُ) أَيْ لِلْحَمْلِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَلْزَمُ إلَخْ) قَالَ فِي الدُّرَرِ: لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْحَمْلَ عَلَى دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَالْكَفِيلُ لَوْ أَعْطَى دَابَّةً مِنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُؤَجِّرَ لَوْ حَمَلَهُ عَلَى دَابَّةٍ أُخْرَى لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ فَصَارَ عَاجِزًا ضَرُورَةً، وَكَذَا الْعَبْدُ لِلْخِدْمَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ الْحَمْلُ مُطْلَقًا وَالْكَفِيلُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَحْمِلَ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 308 لَا التَّسْلِيمِ (وَلَا بِمَبِيعٍ) قَبْلَ قَبْضِهِ (وَمَرْهُونٍ وَأَمَانَةٍ) بِأَعْيَانِهَا، فَلَوْ بِتَسْلِيمِهَا صَحَّ فِي الْكُلِّ دُرَرٌ، وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ فَلَوْ هَلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ مَثَلًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَكَفِيلِ النَّفْسِ (وَصَحَّ) أَيْضًا (لَوْ) الْمَكْفُولُ بِهِ (ثَمَنًا) لِكَوْنِهِ دَيْنًا صَحِيحًا عَلَى الْمُشْتَرِي   [رد المحتار] دَابَّةِ نَفْسِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا التَّسْلِيمُ) لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ التَّسْلِيمَ لَزِمَ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ فِي الْمُعَيَّنَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِتَسْلِيمِهَا صَحِيحَةٌ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَلَا بِمَبِيعٍ قَبْلَ قَبْضِهِ) بِأَنْ يَقُولَ لِلْمُشْتَرِي إنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فَعَلَيَّ دُرَرٌ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْأَصِيلِ، فَإِنَّهُ لَوْ هَلَكَ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيَجِبُ رَدُّ الثَّمَنِ كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَرْهُونٍ وَأَمَانَةٍ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْيَانَ إمَّا مَضْمُونَةٌ عَلَى الْأَصِيلِ أَوْ أَمَانَةٌ. فَالثَّانِي كَالْوَدِيعَةِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْمُسْتَأْجَرِ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَالْمَضْمُونَةُ إمَّا بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالرَّهْنِ فَإِنَّهُمَا مَضْمُونَانِ بِالثَّمَنِ وَالدَّيْنِ، وَإِمَّا بِنَفْسِهَا كَالْمَبِيعِ فَاسِدًا وَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَالْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَجِبُ قِيمَتُهُ عِنْدَ الْهَلَاكِ، وَهَذَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ لِفَقْدِ شَرْطِهَا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ مَضْمُونًا عَلَى الْأَصِيلِ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِدَفْعِ عَيْنِهِ أَوْ بَدَلِهِ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ بِتَسْلِيمِهَا صَحَّ فِي الْكُلِّ) أَيْ فِي الْأَمَانَاتِ وَالْمَبِيعِ وَالْمَرْهُونِ فَإِذَا كَانَتْ قَائِمَةً وَجَبَ تَسْلِيمُهَا، وَإِنْ هَلَكَتْ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْءٌ كَالْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ، وَقِيلَ إنْ وَجَبَ تَسْلِيمُهَا عَلَى الْأَصِيلِ كَالْعَارِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ جَازَتْ الْكَفَالَةُ بِتَسْلِيمِهَا وَإِلَّا فَلَا دُرَرٌ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهَا عَلَى الْأَصِيلِ كَالْوَدِيعَةِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ فَلَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ عَدَمُ الْمَنْعِ عِنْدَ الطَّلَبِ لَا الرَّدِّ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ جَزَمَ بِهِ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ) أَيْ رَجَّحَ مَا فِي الدُّرَرِ مِنْ صِحَّتِهَا فِي تَسْلِيمِ الْأَمَانَاتِ كَغَيْرِهَا. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْوَجْهُ عِنْدِي صِحَّةُ الْكَفَالَةِ بِتَسْلِيمِ الْأَمَانَةِ، إذْ لَا شَكَّ فِي وُجُوبِ رَدِّهَا عِنْدَ الطَّلَبِ، غَيْرَ أَنَّهُ فِي الْوَدِيعَةِ وَأَخَوَيْهَا يَكُونُ بِالتَّخْلِيَةِ وَفِي غَيْرِهَا بِحَمْلِ الْمَرْدُودِ إلَى رَبِّهِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْكَفَالَةُ بِتَمْكِينِ الْمُودِعِ مِنْ الْأَخْذِ صَحِيحَةٌ اهـ، وَمَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ مِنْ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِتَسْلِيمِ الْعَارِيَّةِ بَاطِلَةٌ فَهُوَ بَاطِلٌ. لِمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمَبْسُوطِ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ. وَنَصَّ الْقُدُورِيُّ أَنَّهَا بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ جَائِزَةٌ، وَأَقَرَّهُ فِي الْفَتْحِ وَانْتَصَرَ لَهُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ اطَّلَعَ عَلَى رِوَايَةٍ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ فَاخْتَارَهَا. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ أَمْرٌ مَوْهُومٌ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَرَدُّهُ عَلَى السَّرَخْسِيِّ مَأْخُوذٌ مِنْ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَيُسَاعِدُهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: وَيَجُوزُ فِي الْكُلِّ أَنْ يَتَكَفَّلَ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ مَضْمُونَةً أَوْ أَمَانَةً، وَقِيلَ إنْ كَانَ تَسْلِيمُهُ وَاجِبًا عَلَى الْأَصِيلِ كَالْعَارِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، فَأَفَادَ أَنَّ التَّفْصِيلَ بَيْنَ أَمَانَةٍ وَأَمَانَةٍ ضَعِيفٌ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ هَلَكَ الْمُسْتَأْجَرُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَوْ عَجَزَ أَيْ عَنْ التَّسْلِيمِ بِأَنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ أَوْ الْمُسْتَأْجَرُ أَوْ الرَّهْنُ انْفَسَخَتْ الْكَفَالَةُ عَلَى وِزَانِ كَفَالَةِ النَّفْسِ (قَوْلُهُ: وَصَحَّ لَوْ ثَمَنًا) أَيْ صَحَّ تَكَفُّلُهُ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ تَكَفُّلِ الْمَبِيعِ عَنْ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَوْ ثَمَنًا أَيْ ثَمَنَ مَبِيعٍ بَيْعًا صَحِيحًا، لِمَا فِي النَّهْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ ظَهَرَ فَسَادُ الْبَيْعِ رَجَعَ الْكَفِيلُ بِمَا أَدَّاهُ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ شَاءَ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ وَلَوْ فَسَدَ بَعْدَ صِحَّتِهِ بِأَنْ أَلْحَقَا بِهِ شَرْطًا فَاسِدًا فَالرُّجُوعُ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ يَعْنِي وَالْكَفِيلُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّاهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَكَأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ بِظُهُورِ الْفَسَادِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْبَائِعَ أَخَذَ شَيْئًا لَا يَسْتَحِقُّهُ فَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَلْحَقَا بِهِ شَرْطًا فَاسِدًا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ الْبَائِعَ حِينَ قَبَضَهُ قَبَضَ شَيْئًا لَا يَسْتَحِقُّهُ اهـ، وَفِيهِ أَيْضًا وَقَالُوا لَوْ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ بَرِئَ الْكَفِيلُ بِالثَّمَنِ، وَلَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ لِغَرِيمِ الْبَائِعِ، وَلَوْ رَدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ بَرِئَ الْكَفِيلُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْكَفَالَةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 309 إلَّا أَنْ يَكُونَ صَبِيًّا مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ تَبَعًا لِلْأَصِيلِ خَانِيَّةٌ (وَ) كَذَا لَوْ (مَغْصُوبًا أَوْ مَقْبُوضًا عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ) إنْ سَمَّى الثَّمَنَ وَإِلَّا فَهُوَ أَمَانَةٌ كَمَا مَرَّ (وَمَبِيعًا فَاسِدًا) وَبَدَلَ صُلْحٍ عَنْ دَمٍ وَخُلْعٍ وَمَهْرٍ خَانِيَّةٌ، وَالْأَصْلُ أَنَّهَا تَصِحُّ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا لَا بِغَيْرِهَا وَلَا بِالْأَمَانَاتِ (وَ) لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِنَوْعَيْهَا (بِلَا قَبُولٍ لِطَالِبٍ) أَوْ نَائِبِهِ وَلَوْ فُضُولِيًّا (فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ) وَجَوَّزَهَا الثَّانِي بِلَا قَبُولٍ وَبِهِ يُفْتَى دُرَرٌ وَبَزَّازِيَّةٌ، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، لَكِنْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الطَّرَسُوسِيِّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا   [رد المحتار] لِغَرِيمٍ فَلَا يَبْرَأُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ أَنَّهُ مَعَ الِاسْتِحْقَاقِ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ وَجَبَ الْمُسْقَطُ بَعْدَ مَا تَعَلَّقَ حَقُّ الْغَرِيمِ بِهِ فَلَا يَسْرِي عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ عَنْ صَبِيٍّ ثَمَنَ مَتَاعٍ اشْتَرَاهُ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ شَيْءٌ، وَلَوْ كَفَلَ بِالدَّرَكِ بَعْدَ قَبْضِ الصَّبِيِّ الثَّمَنَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ قَبِلَهُ جَازَ اهـ، وَمَسْأَلَةُ الدَّرَكِ فِيمَا لَوْ كَانَ الصَّبِيُّ بَائِعًا وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي النَّهْرِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ إذَا كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ مَغْصُوبًا إلَخْ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ مَضْمُونَةٌ بِنَفْسِهَا عَلَى الْأَصِيلِ فَيَلْزَمُ الضَّامِنَ إحْضَارُهَا وَتَسْلِيمُهَا، وَعِنْدَ الْهَلَاكِ تَجِبُ قِيمَتُهَا، وَإِنْ مُسْتَهْلَكَةً فَالضَّمَانُ لِقِيمَتِهَا نَهْرٌ، بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ وَالرَّهْنِ، وَبِخِلَافِ الْأَمَانَاتِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَهُوَ أَمَانَةٌ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْبُيُوعِ، وَإِذَا كَانَ أَمَانَةً لَا يَكُونُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ بَلْ مِنْ نَوْعِ الْأَمَانَاتِ وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهَا (قَوْلُهُ: وَبَدَلَ صُلْحٍ عَنْ دَمٍ) أَيْ لَوْ كَانَ الْبَدَلُ عَبْدًا مَثَلًا فَكَفَلَ بِهِ إنْسَانٌ صَحَّتْ، فَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ بَحْرٌ، وَتَقْيِيدُهُ بِالدَّمِ يُفِيدُ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِبَدَلِ الصُّلْحِ فِي الْمَالِ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا هَلَكَ انْفَسَخَ لِكَوْنِهِ كَالْبَيْعِ ط. (قَوْلُهُ: وَخُلْعٍ) عَطْفٌ عَلَى صُلْحٍ: أَيْ وَبَدَلَ خُلْعٍ. (قَوْلُهُ: وَمَهْرٍ) أَيْ وَبَدَلِ مَهْرٍ، فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بِالْعَيْنِ كَعَبْدٍ مَثَلًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَبْطُلُ بِهَلَاكِ الْعَيْنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: بِنَوْعَيْهَا) أَيْ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ فُضُولِيًّا) أَيْ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الطَّالِبِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ شَرْطَ الصِّحَّةِ مُطْلَقُ الْقَبُولِ. وَأَمَّا قَبُولُ الطَّالِبِ بِخُصُوصِهِ فَهُوَ شَرْطُ النَّفَاذِ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ الْكَمَالِ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ كَفَلَ بِكَذَا عَنْ فُلَانٍ لِفُلَانٍ، فَقَالَ قَدْ فَعَلْت وَالطَّالِبُ غَائِبٌ ثُمَّ قَدِمَ، فَرَضِيَ بِذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ خَاطَبَ بِهِ مُخَاطَبًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا، وَلِلْكَفِيلِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْكَفَالَةِ قَبْلَ قُدُومِ الطَّالِبِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ: لَوْ قَالَ ضَمِنْت مَا لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ وَهُمَا غَائِبَانِ فَقَبِلَ فُضُولِيٌّ ثُمَّ بَلَغَهُمَا وَأَجَازَا فَإِنْ أَجَابَ الْمَطْلُوبَ أَوَّلًا ثُمَّ الطَّالِبَ جَازَتْ وَكَانَتْ كَفَالَةً بِالْأَمْرِ، وَإِنْ بِالْعَكْسِ كَانَتْ بِلَا أَمْرٍ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ فُضُولِيٌّ لَمْ تَجُزْ مُطْلَقًا: وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ حَاضِرًا وَقَبِلَ وَرَضِيَ الْمَطْلُوبُ، فَإِنْ رَضِيَ قَبْلَ قَبُولِ الطَّالِبِ رَجَعَ عَلَيْهِ وَإِنْ بَعْدَهُ فَلَا اهـ، وَعَلَّلَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَمَّتْ أَيْ بِقَبُولِ الطَّالِبِ أَوَّلًا وَنَفَذَتْ وَلَزِمَ الْمَالُ الْكَفِيلَ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِإِجَازَةِ الْمَطْلُوبِ اهـ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ إجَازَةَ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ قَبُولِ الطَّالِبِ بِمَنْزِلَةِ الْأَمْرِ بِالْكَفَالَةِ فَلِلْكَفِيلِ الرُّجُوعُ بِمَا ضَمِنَ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ. مَطْلَبٌ فِي ضَمَانِ الْمَهْرِ [تَنْبِيهٌ] قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ رَجُلٌ لِصَبِيٍّ صَحَّ بِقَبُولِهِ لَوْ مَأْذُونًا وَإِلَّا فَبِقَبُولِ وَلِيِّهِ أَوْ قَبُولِ أَجْنَبِيٍّ وَإِجَازَةِ وَلِيِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ عَنْهُ أَحَدٌ فَعَلَى الْخِلَافِ أَيْ فَعِنْدَهُمَا لَا يَصِحُّ، وَعَلَيْهِ، فَلَوْ ضَمِنَ لِلصَّغِيرَةِ مَهْرَهَا لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِقَبُولٍ كَمَا ذَكَرَ، وَهَذَا لَوْ أَجْنَبِيًّا. فَفِي بَابِ الْأَوْلِيَاءِ مِنْ الْخَانِيَّةِ زَوَّجَ صَغِيرَتَهُ وَضَمِنَ لَهَا مَهْرَهَا عَنْ الزَّوْجِ صَحَّ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَإِذَا بَلَغَتْ وَضَمِنَتْ الْأَبَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الزَّوْجِ إلَّا إذَا كَانَ بِأَمْرِهِ، وَإِنْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ وَضَمِنَ عَنْهُ الْمَهْرَ فِي صِحَّتِهِ جَازَ وَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ قِيَاسًا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَرْجِعُ وَتَمَامُهُ هُنَاكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 310 وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ، هَذَا حُكْمُ الْإِنْشَاءِ (وَلَوْ أَخْبَرَ عَنْهَا) بِأَنْ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِمَالِ فُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ (حَالَ غَيْبَةِ الطَّالِبِ أَوْ كَفَلَ وَارِثُ الْمَرِيضِ) الْمَلِيُّ (عَنْهُ) بِأَمْرِهِ بِأَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ تَكَفَّلْ عَنِّي بِمَا عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ فَكَفَلَ بِهِ مَعَ غَيْبَةِ الْغُرَمَاءِ (صَحَّ) فِي الصُّورَتَيْنِ بِلَا قَبُولٍ اتِّفَاقًا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ، فَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ لَمْ يَصِحَّ، وَقِيلَ يَصِحُّ شَرْحُ مَجْمَعٍ. وَفِي الْفَتْحِ الصِّحَّةُ أَوْجَهُ، وَحَقَّقَ أَنَّهَا كَفَالَةٌ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ تَوَقُّفُهَا عَلَى الْمَالِ، وَلَوْ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ هَلْ يُؤْمَرُ الْغَرِيمُ بِانْتِظَارِهِ أَوْ يُطَالَبُ الْكَفِيلُ لَمْ أَرَهُ وَيَنْبَغِي عَلَى أَنَّهُ وَصِيَّةٌ أَنْ يَنْتَظِرَ لَا عَلَى أَنَّهَا كَفَالَةٌ، وَقَيَّدْنَا بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّ تَبَرُّعَ الْوَارِثِ بِضَمَانِهِ فِي غَيْبَتِهِمْ لَا يَصِحُّ وَرَوَى الْحَسَنُ الصِّحَّةَ،   [رد المحتار] (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ) حَيْثُ نُقِلَ اخْتِيَارُ ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ كَالْمَحْبُوبِيِّ وَالنَّسَفِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَأَقَرَّهُ الرَّمْلِيُّ، وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ تَرْجِيحُهُ لِتَأْخِيرِهِ دَلِيلَهُمَا وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَخْبَرَ عَنْهَا إلَخْ) بَيَانٌ لِاسْتِثْنَاءِ مَسْأَلَتَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا تَصِحُّ بِلَا قَوْلِ الطَّالِبِ وَفِي اسْتِثْنَاءِ الْأُولَى نَظَرٌ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ التَّعْلِيلِ. (قَوْلُهُ: بِمَالِ فُلَانٍ) الْأَوْلَى جَعْلُ مَا مَوْصُولَةً وَجَعْلُ اللَّامِ مُتَّصِلَةً بِفُلَانٍ عَلَى أَنَّهَا جَارَّةٌ كَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ. (قَوْلُهُ: وَارِثُ الْمَرِيضِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذَا فِي الصِّحَّةِ لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ شَيْءٌ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: الْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ كَافِي وَجَزَمَ بِالْأَوَّلِ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ. (قَوْلُهُ: الْمَلِيُّ) أَيْ الَّذِي عِنْدَهُ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ) تَعْلِيلٌ لِلثَّانِيَةِ، وَتَرْكُ تَعْلِيلِ الْأُولَى لِظُهُورِهِ فَإِنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ الْعَقْدِ إخْبَارٌ عَنْ رُكْنَيْهِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ اهـ. ح فَلَيْسَتْ فِي الْحَقِيقَةِ كَفَالَةٌ بِلَا قَبُولٍ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ مِنْ أَنَّهَا وَصِيَّةٌ هُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ وَلِهَذَا تَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْمَكْفُولَ لَهُمْ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ إذَا كَانَ لَهُ مَالُ الْوَجْهِ الثَّانِي أَنَّ الْمَرِيضَ قَائِمٌ مَقَامَ الطَّالِبِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ تَفْرِيغًا لِذِمَّتِهِ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلطَّالِبِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَضَرَ بِنَفْسِهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ هِيَ وَصِيَّةٌ لَا كَفَالَةٌ، وَعَلَى الثَّانِي بِالْعَكْسِ، وَاعْتَرَضَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ حَالِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ وَفِيهِ بُعْدٌ. وَاعْتَرَضَ الثَّانِي فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْكَفَالَةِ لِأَنَّا حَيْثُ اشْتَرَطْنَا وُجُودَ الْمَالِ فَالْوَارِثُ يُطَالَبُ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَجَابَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ تَظْهَرُ فِي تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ تَأَمَّلْ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْأَوَّلِ مُنْقَطِعٌ وَعَلَى الثَّانِي مُتَّصِلٌ؛ وَلِذَا كَانَ أَرْجَحَ، إلَّا أَنَّ مُقْتَضَاهُ مُطَالَبَةُ الْوَارِثِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَالٌ اهـ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا وَصِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ وَكَفَالَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَيُرَاعَى الشَّبَهُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا لِلِاسْتِحْسَانِ وَجْهَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مُرَاعَاتُهُمَا بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَإِلَّا لَزِمَ إلْغَاؤُهُمَا. (قَوْلُهُ: الصِّحَّةُ أَوْجَهُ) أَيَّدَهُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّ الْوَارِثَ حَيْثُ كَانَ مُطَالَبًا بِالدَّيْنِ فِي الْجُمْلَةِ كَانَ فِيهِ شُبْهَةُ الْكَفَالَةِ عَنْ نَفْسِهِ فِي الْجُمْلَةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ كَفَالَتُهُ، فَإِذَا جَازَتْ لِمَا مَرَّ فِي الْوَجْهَيْنِ فَكَفَالَةُ الْأَجْنَبِيِّ وَهِيَ سَالِمَةٌ عَنْ هَذَا الْمَانِعِ أَوْلَى أَنْ تَصِحَّ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَحَقَّقَ أَنَّهَا كَفَالَةٌ) أَيْ وَبَنَى عَلَيْهِ صِحَّتَهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ إلْغَاءُ أَحَدِ وَجْهَيْ الِاسْتِحْسَانِ، وَإِذَا مَشَيْنَا عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ إعْمَالِ الْوَجْهَيْنِ وَتَوْفِيرِ الشَّبَهَيْنِ بِالْوَصِيَّةِ وَالْكَفَالَةِ لَمْ يَضُرَّنَا؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ يَصِحُّ كَوْنُهُ وَصِيًّا وَكَوْنُهُ كَفِيلًا. (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ تَوَقُّفُهَا عَلَى الْمَالِ) حَيْثُ قَيَّدَ بِكَوْنِ الْمَرِيضِ مَلِيًّا، وَالْكَفَالَةُ عَنْ الْمَرِيضِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَالِ. قُلْت: وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى كَوْنَهَا كَفَالَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ لَهَا شَبَهَيْنِ، وَاشْتِرَاطُ الْمَالِ مَبْنِيٌّ عَلَى شَبَهِ الْوَصِيَّةِ، كَمَا أَنَّ اشْتِرَاطَ الْمَرَضِ مَبْنِيٌّ عَلَى شَبَهِ الْكَفَالَةِ دُونَ الْوَصِيَّةِ. (قَوْلُهُ: لَمْ أَرَهُ) أَصْلُ التَّوَقُّفِ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 311 وَلَوْ ضَمِنَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ صَحَّ سِرَاجٌ وَلَعَلَّهُ قَوْلُ الثَّانِي لِمَا مَرَّ نَهْرٌ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: اخْتَلَفَا فِي الْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ فَالْقَوْلُ لِلْمُخْبِرِ (وَ) لَا تَصِحُّ (بِدَيْنٍ) سَاقِطٍ وَلَوْ مِنْ وَارِثٍ (عَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ) إلَّا إذَا كَانَ بِهِ كَفِيلٌ أَوْ رَهْنٌ مِعْرَاجٌ، أَوْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ فَتَصِحُّ بِقَدْرِهِ ابْنُ مَلَكٍ، أَوْ لَحِقَهُ دَيْنٌ بَعْدَ مَوْتِهِ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ، بِأَنْ حَفَرَ بِئْرًا عَلَى الطَّرِيقِ فَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ بَعْدَ مَوْتِهِ لَزِمَهُ ضَمَانُ الْمَالِ فِي مَالِهِ وَضَمَانُ النَّفْسِ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِثُبُوتِ الدَّيْنِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ السَّبَبِ وَهُوَ الْحَفْرُ الثَّابِتُ حَالَ قِيَامِ الذِّمَّةِ بَحْرٌ، وَهَذَا عِنْدَهُ وَصَحَّحَاهَا مُطْلَقًا وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ، وَلَوْ تَبَرَّعَ بِهِ أَحَدٌ صَحَّ إجْمَاعًا (وَ) لَا تَصِحُّ كَفَالَةُ الْوَكِيلِ (بِالثَّمَنِ لِلْمُوَكِّلِ)   [رد المحتار] وَالْجَوَابُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ وَلَا يَخْفَى عَدَمُ إفَادَتِهِ رَفْعَ التَّوَقُّفِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى التَّوَقُّفِ وُجُودُ الشَّبَهَيْنِ، نَعَمْ عَلَى مَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهَا كَفَالَةٌ حَقِيقَةً لَا يَنْتَظِرُ لَكِنْ عَلِمْت مَا فِيهِ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ اشْتِرَاطَ الْمَالِ مَبْنِيٌّ عَلَى شَبَهِ الْوَصِيَّةِ دُونَ الْكَفَالَةِ كَمَا عَلِمْت، وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ دَفْعَ الْوَرَثَةِ مِنْ مَالِهِمْ بَلْ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ، وَذَلِكَ يُفِيدُ الِانْتِظَارَ وَيُفِيدُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ ضَمِنَهُ) أَيْ لَوْ ضَمِنَ وَارِثُ الْمَرِيضِ الْمَلِيُّ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي غَيْبَةِ الطَّالِبِ. (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّهُ قَوْلُ الثَّانِي لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ تَجْوِيزِهِ الْكَفَالَةَ بِلَا قَبُولِ، وَهَذَا الْحَمْلُ مُتَعَيِّنٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَصِحَّ عِنْدَهُمَا فِي حَالِ الصِّحَّةِ لَا تَصِحُّ بَعْدَ الْمَوْتِ بِالْأَوْلَى، وَلِأَنَّ وَجْهَ كَوْنِهَا كَفَالَةً فِي الْمَرَضِ قِيَامُ الْمَرِيضِ مَقَامَ الطَّالِبِ فِي الْقَبُولِ. (قَوْلُهُ: اخْتَلَفَا فِي الْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ) رَاجِعٌ لِمَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ الْأُولَى: أَيْ إذَا قَالَ أَنَا كَفِيلُ زَيْدٍ فَقَالَ الطَّالِبُ كُنْت مُخْبِرًا بِذَلِكَ فَلَا يَحْتَاجُ لِقَبُولِي، وَقَالَ الْكَفِيلُ كُنْت مُنْشِئًا لِلْكَفَالَةِ فَالْقَوْلُ لِلْمُخْبِرِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَالْآخَرُ الْفَسَادَ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ (قَوْلِهِ: بِدَيْنٍ سَاقِطٍ) أَيْ بِسَبَبِ مَوْتِهِ مُفْلِسًا. (قَوْلُهُ: عَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ) هُوَ مَنْ مَاتَ وَلَا تَرِكَةَ لَهُ وَلَا كَفِيلَ عَنْهُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ بِهِ كَفِيلٌ أَوْ رَهْنٌ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ سَاقِطٍ، وَلَوْ حَذَفَ " سَاقِطٍ " أَوَّلًا ثُمَّ عَلَّلَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ لَكَانَ أَوْضَحَ يَعْنِي أَنَّ الدَّيْنَ يَسْقُطُ عَنْ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ إلَّا إذَا كَانَ بِهِ كَفِيلٌ حَالَ حَيَاتِهِ أَوْ رَهْنٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: قَيَّدَ بِالْكَفَالَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَفَلَ فِي حَيَاتِهِ ثُمَّ مَاتَ مُفْلِسًا لَمْ تَبْطُلْ الْكَفَالَةُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بِهِ رَهْنٌ ثُمَّ مَاتَ مُفْلِسًا لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الدَّيْنِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا فِي حَقِّهِ لِلضَّرُورَةِ فَتَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَأَبْقَيْنَاهُ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ وَالرَّهْنِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَلَا يَلْزَمُ مِمَّا ذَكَرَ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ بِهِ حِينَئِذٍ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِالْكَفِيلِ وَبِبَيْعِ الرَّهْنِ ط. (قَوْلُهُ: أَوْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ) فِي كَافِي الْحَاكِمِ لَوْ تَرَكَ الْمَيِّتُ شَيْئًا لَا يَفِي لَزِمَ الْكَفِيلَ بِقَدْرِهِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الطَّرِيقِ) الْمُرَادُ بِهِ الْحَفْرُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ. (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ ضَمَانُ الْمَالِ فِي مَالِهِ وَضَمَانُ النَّفْسِ عَلَى عَاقِلَتِهِ) هَذَا زِيَادَةٌ مِنْ الشَّارِحِ عَلَى مَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْحَفْرُ الثَّابِتُ حَالَ قِيَامِ الذِّمَّةِ) وَالْمُسْتَنَدُ يَثْبُتُ أَوَّلًا فِي الْحَالِ وَيَلْزَمُهُ اعْتِبَارُ قُوَّتِهَا حِينَئِذٍ بِهِ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الِاسْتِيفَاءِ بَحْرٌ عَنْ التَّحْرِيرِ: أَيْ وَيَلْزَمُ ثُبُوتُهُ فِي الْحَالِ اعْتِبَارُ قُوَّةِ الذِّمَّةِ حِينَ ثُبُوتِهِ بِهِ أَيْ بِالدَّيْنِ، وَقَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الِاسْتِيفَاءِ زِيَادَةٌ مِنْ الْبَحْرِ عَلَى مَا فِي التَّحْرِيرِ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا) الْإِشَارَةُ إلَى مَا فِي الْمَتْنِ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَبَرَّعَ بِهِ) أَيْ بِالدَّيْنِ أَيْ بِإِيفَائِهِ. (قَوْلُهُ: صَحَّ إجْمَاعًا) لِأَنَّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنْ سَقَطَ، لَكِنَّ سُقُوطَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ هُوَ لَهُ فَإِذَا كَانَ بَاقِيًا فِي حَقِّهِ حَلَّ لَهُ أَخْذُهُ (قَوْلُهُ: وَلَا تَصِحُّ كَفَالَةُ الْوَكِيلِ بِالثَّمَنِ) وَكَذَا عَكْسُهُ، وَهُوَ تَوْكِيلُ الْكَفِيلِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَفَالَةِ بَحْرٌ، قَيَّدَ بِالْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ بِالْبَيْعِ يَصِحُّ ضَمَانُهُ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَمِثْلُهُ الْوَكِيلُ بِبَيْعِ الْغَنَائِمِ عَنْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ كَالرَّسُولِ، وَقَيَّدَ بِالثَّمَنِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِتَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ لَوْ ضَمِنَ لَهَا الْمَهْرَ صَحَّ لِكَوْنِهِ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا بَحْرٌ، وَقَيَّدَ بِالْكَفَالَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 312 فِيمَا لَوْ وَكَّلَ بِبَيْعِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ لَهُ بِالْأَصَالَةِ فَيَصِيرُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ وَمُفَادُهُ أَنَّ الْوَصِيَّ وَالنَّاظِرَ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهُمَا الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي فِيمَا بَاعَاهُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَهُمَا وَلِذَا لَوْ أَبْرَآهُ عَنْ الثَّمَنِ صَحَّ وَضَمِنَا (وَ) لَا تَصِحُّ كَفَالَةُ (الْمُضَارِبِ لِرَبِّ الْمَالِ بِهِ) أَيْ بِالثَّمَنِ لِمَا مَرَّ؛ وَلِأَنَّ الثَّمَنَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُمَا فَالضَّمَانُ تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ (وَ) لَا تَصِحُّ (لِلشَّرِيكِ بِدَيْنٍ مُشْتَرَكٍ) مُطْلَقًا وَلَوْ بِإِرْثٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ الضَّمَانُ مَعَ الشَّرِكَةِ يَصِيرُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ وَلَوْ صَحَّ فِي حِصَّةِ صَاحِبِهِ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَذَا لَا يَجُوزُ، نَعَمْ لَوْ تَبَرَّعَ جَازَ كَمَا لَوْ كَانَ صَفْقَتَيْنِ. (وَ) لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ (بِالْعُهْدَةِ) لِاشْتِبَاهِ الْمُرَادِ بِهَا (وَ) لَا (بِالْخَلَاصِ) أَيْ تَخْلِيصِ مَبِيعٍ يَسْتَحِقُّ لِعَجْزِهِ عَنْهُ، نَعَمْ لَوْ ضَمِنَ تَخْلِيصَهُ وَلَوْ بِشِرَاءٍ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا فَيُرَدُّ الثَّمَنُ كَانَ كَالدَّرَكِ عَيْنِيٌّ.   [رد المحتار] لِأَنَّهُ لَوْ تَبَرَّعَ بِأَدَاءِ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي صَحَّ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: فِيمَا لَوْ وَكَّلَ بِبَيْعِهِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَيْ ثَمَنُ مَا وَكَّلَ بِبَيْعِهِ، قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الثَّمَنِ لَوْ كَفَلَ بِهِ يَصِحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ لَهُ بِالْأَصَالَةِ) وَلِذَا لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَبِعَزْلِهِ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ وَكِيلًا عَنْهُ فِي الْقَبْضِ، وَلِلْوَكِيلِ عَزْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَمُفَادُهُ إلَخْ) هُوَ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: لَوْ أَبْرَآهُ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْوَكِيلِ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ لَهُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الثَّمَنَ إلَخْ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَقَوْلُهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُمَا: أَيْ عِنْدَ الْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ وَهَذَا بَعْدَ الْقَبْضِ، أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْدَهُ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ مَا مَرَّ، وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الثَّمَنَ بَعْدَ قَبْضِهِ أَمَانَةٌ عِنْدَهُمَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ وَالْكَفَالَةُ غَرَامَةٌ وَفِي ذَلِكَ تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ بَعْدَ ضَمَانِهِ بِلَا تَعَدٍّ، وَأَيْضًا كَفَالَتُهُمَا لِمَا قَبَضَاهُ كَفَالَةُ الْكَفِيلِ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَمَّا مَا مَرَّ مِنْ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِتَسْلِيمِ الْأَمَانَةِ فَذَاكَ فِي كَفَالَةِ مَنْ لَيْسَتْ الْأَمَانَةُ عِنْدَهُ. (قَوْلُهُ: وَلَا تَصِحُّ لِلشَّرِيكِ إلَخْ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ أَجْنَبِيٌّ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِحِصَّتِهِ تَصِحُّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَصِحُّ مَعَ بَقَاءِ الشَّرِكَةِ فَمَا يُؤَدِّيهِ الْكَفِيلُ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ أَدَّى الْأَصِيلُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِإِرْثٍ) تَفْسِيرٌ لِلْإِطْلَاقِ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مِنْ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ غَيْرُ قَيْدٍ. (قَوْلُهُ: مَعَ الشَّرِكَةِ) بِأَنْ ضَمِنَ نِصْفًا شَائِعًا. (قَوْلُهُ: يَصِيرُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ) لِأَنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ يُؤَدِّيهِ الْمُشْتَرِي أَوْ الْكَفِيلُ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا لِشَرِيكِهِ فِيهِ نَصِيبٌ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَحَّ فِي حِصَّةِ صَاحِبِهِ) بِأَنْ كَفَلَ نِصْفًا مُقَدَّرًا. (قَوْلُهُ: وَذَا لَا يَجُوزُ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِفْرَازِ وَالْحِيَازَةِ، وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُفْرَزًا فِي حَيِّزٍ عَلَى جِهَةٍ وَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْحِسِّيَّ يَسْتَدْعِي مَحَلًّا حِسِّيًّا وَالدَّيْنُ حُكْمِيٌّ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ تَبَرَّعَ جَازَ) أَيْ لَوْ أَدَّى نَصِيبَ شَرِيكِهِ بِلَا سَبْقِ ضَمَانٍ جَازَ وَلَا يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى، بِخِلَافِ صُورَةِ الضَّمَانِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا دَفَعَ إذْ قَضَاهُ عَلَى فَسَادٍ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ كَانَ صَفْقَتَيْنِ) بِأَنْ سَمَّى كُلٌّ مِنْهُمَا لِنَصِيبِهِ ثَمَنًا صَحَّ ضَمَانُ أَحَدِهِمَا نَصِيبَ الْآخَرِ لِامْتِيَازِ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا شَرِكَةَ بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ: أَيْ الْمُشْتَرِي قَبُولَ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ، وَلَوْ قَبِلَ الْكُلَّ وَنَقَدَ حِصَّةَ أَحَدِهِمَا كَانَ لِلنَّاقِدِ قَبْضُ نَصِيبِهِ، وَقَدْ اعْتَبَرُوا هُنَا لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ تَفْصِيلَ الثَّمَنِ، وَذَكَرُوا فِي الْبُيُوعِ أَنَّ هَذَا قَوْلَهُمَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ تَكْرَارِ لَفْظِ بِعْت بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالْعُهْدَةِ) بِأَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا فَيَضْمَنُ رَجُلٌ الْعُهْدَةَ لِلْمُشْتَرِي نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: لِاشْتِبَاهِ الْمُرَادِ بِهَا) لِانْطِلَاقِهَا عَلَى الصَّكِّ الْقَدِيمِ أَيْ الْوَثِيقَةِ الَّتِي تَشْهَدُ لِلْبَائِعِ بِالْمِلْكِ وَهِيَ مِلْكُهُ، فَإِذَا ضَمِنَ بِتَسْلِيمِهَا لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ مَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ وَعَلَى الْعَقْدِ وَحُقُوقِهِ وَعَلَى الدَّرَكِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ فَلَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ لِلْجَهَالَةِ نَهْرٌ. قُلْت: فَلَوْ فَسَّرَهَا بِالدَّرَكِ صَحَّ، كَمَا لَوْ اُشْتُهِرَ إطْلَاقُهَا عَلَيْهِ فِي الْعُرْفِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَا بِالْخَلَاصِ) أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ: وَقَالَا تَصِحُّ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِهِ، فَهُمَا فَسَّرَاهُ بِتَخْلِيصِ الْمَبِيعِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَرَدِّ الثَّمَنِ إنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 313 [فَائِدَةٌ] مَتَى أَدَّى بِكَفَالَةٍ فَاسِدَةٍ رَجَعَ كَصَحِيحِهِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: وَنَظِيرُهُ لَوْ كَفَلَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَصِحَّ فَيَرْجِعُ بِمَا أَدَّى إذَا حَسِبَ أَنَّهُ مُجْبَرٌ عَلَى ذَلِكَ لِضَمَانِهِ السَّابِقِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فَلْيُحْفَظْ. (وَلَوْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ) أَيْ بِأَمْرِ الْمَطْلُوبِ بِشَرْطِ قَوْلِهِ عَنِّي أَوْ عَلَيَّ أَنَّهُ عَلَيَّ وَهُوَ غَيْرُ صَبِيٍّ وَعَبْدٍ مَحْجُورَيْنِ ابْنُ مَلَكٍ رَجَعَ عَلَيْهِ (بِمَا أَدَّى)   [رد المحتار] لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، وَهَذَا ضَمَانُ الدَّرَكِ فِي الْمَعْنَى، وَفَسَّرَهُ الْإِمَامُ بِتَخْلِيصِ الْمَبِيعِ فَقَطْ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ نَهْرٌ [فَائِدَةٌ مَتَى أَدَّى بِكَفَالَةٍ فَاسِدَةٍ رَجَعَ كَصَحِيحِهِ] (قَوْلُهُ: مَتَى أَدَّى بِكَفَالَةٍ فَاسِدَةٍ رَجَعَ كَصَحِيحِهِ) لَمْ أَرَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي صُورَةِ الضَّمَانِ: أَيْ ضَمَانِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ يَرْجِعُ بِمَا دَفَعَ إذْ قَضَاهُ عَلَى فَسَادٍ فَيَرْجِعُ، كَمَا لَوْ أَدَّى بِكَفَالَةٍ فَاسِدَةٍ. وَنَظِيرُهُ لَوْ كَفَلَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَصِحَّ فَيَرْجِعُ بِمَا أَدَّى إذْ حَسِبَ أَنَّهُ مُجْبَرٌ عَلَى ذَلِكَ لِضَمَانِهِ السَّابِقِ، وَبِمِثْلِهِ لَوْ أَدَّى مِنْ غَيْرِ سَبْقِ ضَمَانٍ لَا يَرْجِعُ لِتَبَرُّعِهِ، وَكَذَا وَكِيلُ الْبَيْعِ إذَا ضَمِنَ الثَّمَنَ لِمُوَكِّلِهِ لَمْ يَجُزْ فَيَرْجِعُ لَوْ أَدَّى بِغَيْرِ ضَمَانٍ جَازَ وَلَا يَرْجِعُ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ) شَمِلَ الْآمِرَ حُكْمًا، كَمَا إذَا كَفَلَ الْأَبُ عَنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ مَهْرَ امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَأَخَذَ مِنْ تَرِكَتِهِ كَانَ لِلْوَرَثَةِ الرُّجُوعُ فِي نَصِيبِ الِابْنِ؛ لِأَنَّهُ كَفَالَةٌ بِأَمْرِ الصَّبِيِّ حُكْمًا لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ، فَإِنْ أَدَّى بِنَفْسِهِ، فَإِنْ أَشْهَدَ رَجَعَ وَإِلَّا لَا كَذَا فِي نِكَاحِ الْمَجْمَعِ، وَكَمَا لَوْ جَحَدَ الْكَفَالَةَ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَيْهَا بِالْأَمْرِ وَقَضَى عَلَى الْكَفِيلِ فَأَدَّى فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وَإِنْ كَانَ مُتَنَاقِضًا لِكَوْنِهِ صَارَ مُكَذِّبًا شَرْعًا بِالْقَضَاءِ عَلَيْهِ، كَذَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ نَهْرٌ، وَقَدَّمْنَا قَرِيبًا عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ وَلَوْ فُضُولِيًّا أَنَّ إجَازَةَ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ قَبُولِ الطَّالِبِ بِمَنْزِلَةِ الْأَمْرِ بِالْكَفَالَةِ، وَنَقَلَهُ أَيْضًا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: أَيْ بِأَمْرِ الْمَطْلُوبِ) فَلَوْ بِأَمْرِ أَجْنَبِيٍّ فَلَا رُجُوعَ أَصْلًا فَفِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَكْفُلَ عَنْ فُلَانٍ لِفُلَانٍ فَكَفَلَ وَأَدَّى لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآمِرِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى أَنَّهُ عَلَيَّ) أَيْ عَلَى أَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ يَكُونُ عَلَيَّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَلَوْ قَالَ اضْمَنْ الْأَلْفَ الَّتِي لِفُلَانٍ عَلَيَّ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ لِيَرْجِعَ أَوْ لِطَلَبِ التَّبَرُّعِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ اهـ لَكِنْ فِي النَّهْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ عَلَيَّ كَعَنِّي، فَلَوْ قَالَ اُكْفُلْ لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيَّ أَوْ اُنْقُدْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَيَّ أَوْ اضْمَنْ لَهُ الْأَلْفَ الَّتِي عَلَيَّ أَوْ اقْضِهِ مَالَهُ عَلَيَّ وَنَحْوَ ذَلِكَ رَجَعَ بِمَا دَفَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ إذَا قَالَ لِآخَرَ اضْمَنْ لِفُلَانٍ الْأَلْفَ الَّتِي لَهُ عَلَيَّ فَضَمِنَهَا وَأَدَّى إلَيْهِ لَا يَرْجِعُ اهـ فَعُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ عَلَى رِوَايَةِ الْمُجَرَّدِ، وَقَدْ جَزَمَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ بِالرُّجُوعِ، وَإِنَّمَا حَكَى الْخِلَافَ فِي نَحْوِ اضْمَنْ لَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ إذَا لَمْ يَقُلْ عَنِّي أَوْ هِيَ لَهُ عَلَيَّ وَنَحْوُهُ فَعِنْدَهُمَا لَا يَرْجِعُ إلَّا إذَا كَانَ خَلِيطًا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرْجِعُ مُطْلَقًا، وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَكَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ لَوْ كَانَ خَلِيطًا رَجَعَ وَهُوَ الَّذِي فِي عِيَالِهِ مِنْ وَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ أَجِيرٍ وَالشَّرِيكِ شَرِكَةَ عَنَانٍ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. وَقَالَ فِي الْأَصْلِ: وَالْخَلِيطُ أَيْضًا الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ وَيُدَايِنُهُ وَيَضَعُ عِنْدَهُ الْمَالَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكُلَّ يُعْطِي لَهُمْ حُكْمَ الْخَلِيطِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ. قُلْت: وَمَا اسْتَظْهَرَهُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ غَيْرُ صَبِيٍّ إلَخْ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الْكَفَالَةُ بِأَمْرٍ إنَّمَا تُوجِبُ الرُّجُوعَ لَوْ كَانَ الْآمِرُ مِمَّنْ يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَى صَبِيٍّ مَحْجُورٍ وَلَوْ أَمَرَهُ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْقِنِّ بَعْدَ عِتْقِهِ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ فِيهِمَا لِصِحَّةِ أَمْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهَا: أَيْ لِلْكَفَالَةِ. (قَوْلُهُ: رَجَعَ بِمَا أَدَّى) شَمِلَ مَا إذَا صَالَحَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ عَنْ الْأَلْفِ بِخَمْسِمِائَةٍ فَيَرْجِعُ بِهَا لَا بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ، أَوْ إبْرَاءٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ: وَقَالَ أَيْضًا: إنَّ قَوْلَهُ رَجَعَ بِمَا أَدَّى مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا دَفَعَ مَا وَجَبَ دَفْعُهُ عَلَى الْأَصِيلِ، فَلَوْ كَفَلَ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ بِالْأُجْرَةِ فَدَفَعَ الْكَفِيلُ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَا رُجُوعَ لَهُ كَمَا فِي إجَارَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 314 إنْ أَدَّى بِمَا ضَمِنَ وَإِلَّا فِيمَا ضَمِنَ، وَإِنْ أَدَّى أَرْدَأَ لِمِلْكِهِ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ فَكَانَ كَالطَّالِبِ، وَكَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِهِبَةٍ أَوْ إرْثٍ عَيْنِيٌّ (وَإِنْ بِغَيْرِهِ لَا يَرْجِعُ) لِتَبَرُّعِهِ إلَّا إذَا أَجَازَ فِي الْمَجْلِسِ فَيَرْجِعُ عِمَادِيَّةٌ، وَحِيلَةُ الرُّجُوعِ بِلَا أَمْرٍ يَهَبُهُ الطَّالِبُ الدَّيْنَ وَيُوَكِّلُهُ بِقَبْضِهِ وَلْوَالِجِيَّةٌ. (وَلَا يُطَالِبُ كَفِيلٌ) أَصِيلًا (بِمَالٍ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ) الْكَفِيلُ (عَنْهُ) لِأَنَّ تَمَلُّكَهُ بِالْأَدَاءِ، نَعَمْ لِلْكَفِيلِ أَخْذُ رَهْنٍ مِنْ الْأَصِيلِ قَبْلَ أَدَائِهِ خَانِيَّةٌ (فَإِنْ لُوزِمَ) الْكَفِيلُ (لَازَمَهُ) أَيْ بِلَازَمَ هُوَ الْأَصِيلُ أَيْضًا حَتَّى يُخَلِّصَهُ   [رد المحتار] قُلْت: وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ أَدَّى الْأَصِيلُ قَبْلَهُ، فَفِي حَاوِي الزَّاهِدِيِّ: الْكَفِيلُ بِأَمْرِ الْأَصِيلِ أَدَّى الْمَالَ إلَى الدَّائِنِ بَعْدَ مَا أَدَّى الْأَصِيلُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَا يَرْجِعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ حُكْمِيٌّ، فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ اهـ أَيْ بَلْ يَرْجِعُ عَلَى الدَّائِنِ. (قَوْلُهُ: إنْ أَدَّى بِمَا ضَمِنَ) الْأَوْلَى حَذْفُ الْبَاءِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَدَّى أَرْدَأَ) إنْ وَصْلِيَّةٌ: أَيْ إنْ لَمْ يُؤَدِّ مَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى بِمَا ضَمِنَ كَمَا إذَا ضَمِنَ بِالْجَيِّدِ فَأَدَّى الْأَرْدَأَ أَوْ بِالْعَكْسِ. (قَوْلُهُ: لِمِلْكِهِ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ إلَخْ) أَيْ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ لَا بِمَا أَدَّى؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ، وَحُكْمُهَا أَنَّهُ يَمْلِكُ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ فَيَصِيرُ كَالطَّالِبِ نَفْسِهِ فَيَرْجِعُ بِنَفْسِ الدَّيْنِ فَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَ الْكَفِيلُ الدَّيْنَ بِالْإِرْثِ بِأَنْ مَاتَ الطَّالِبُ وَالْكَفِيلُ وَارِثُهُ فَإِنَّمَا لَهُ عَيْنُهُ، وَكَذَا إذَا وَهَبَ الطَّالِبُ الدَّيْنَ لِلْكَفِيلِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ وَيُطَالِبُ بِهِ الْمَكْفُولَ بِعَيْنِهِ، وَصَحَّتْ الْهِبَةُ مَعَ أَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ لَا تَصِحُّ إلَّا مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَلَيْسَ الدَّيْنُ عَلَى الْكَفِيلِ عَلَى الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ إذَا أَذِنَ لِلْمَوْهُوبِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَهُنَا بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بِغَيْرِهِ) أَيْ وَإِنْ كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَرْجِعُ. . (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أَجَازَ فِي الْمَجْلِسِ) أَيْ قَبْلَ قَبُولِ الطَّالِبِ، فَلَوْ كَفَلَ بِحَضْرَتِهِمَا بِلَا أَمْرِهِ فَرَضِيَ الْمَطْلُوبُ أَوَّلًا رَجَعَ، وَلَوْ رَضِيَ الطَّالِبُ أَوَّلًا لِإِتْمَامِ الْعَقْدِ بِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَقَدَّمْنَاهُ أَيْضًا عَنْ السِّرَاجِ. (قَوْلُهُ: وَحِيلَةُ الرُّجُوعِ بِلَا أَمْرٍ إلَخْ) عِبَارَةُ الْوَلْوَالِجيَّةِ: رَجُلٌ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَقَالَ لَهُ الطَّالِبُ ادْفَعْ إلَيَّ مَا لِي عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ حَتَّى تَبْرَأَ مِنْ الْكَفَالَةِ فَأَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَطْلُوبِ، فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَدْفَعَ الدَّيْنَ إلَى الطَّالِبِ وَيَهَبَهُ الطَّالِبُ مَالَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَيُوَكِّلَهُ بِقَبْضِهِ، فَيَكُونُ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ فَإِذَا قَبَضَهُ يَكُونُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ بِغَيْرِ هَذِهِ الْحِيلَةِ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا، وَلَوْ أَدَّى بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرْجِعَ لَا يَجُوزُ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ كَفَالَةُ مَالٍ بَلْ كَفَالَةُ نَفْسٍ فَقَطْ، لَكِنْ إذَا سَاغَ لَهُ الرُّجُوعُ بِدُونِ كَفَالَةٍ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ فَمَعَ الْكَفَالَةِ أَوْلَى، لَكِنْ عَلِمْت آنِفًا أَنَّ هِبَةَ الطَّالِبِ الدَّيْنَ لِلْكَفِيلِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْإِذْنُ بِقَبْضِهِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكَفَالَةِ يَتَضَمَّنُ إذْنَهُ بِالْقَبْضِ عِنْدَ الْأَدَاءِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِهَا بِإِذْنِ الْمَطْلُوبِ أَوْ بِدُونِهِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَيُوَكِّلُهُ بِقَبْضِهِ غَيْرُ لَازِمٍ هُنَا، بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا عَقْدُ كَفَالَةٍ بِالْمَالِ فَلِذَلِكَ ذَكَرَ فِيهَا التَّوْكِيلَ بِالْقَبْضِ إذْ لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ بِدُونِهِ. وَأَوْرَدَ أَنَّهُ إذَا دَفَعَ دَيْنَ الْأَصِيلِ بَرِئَ الْأَصِيلُ مِنْ دَيْنِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا دَفَعَ قَدْرَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِكَوْنِهِ دَيْنَ الْأَصِيلِ أَيْ بِأَنْ يَدْفَعَهُ لِلطَّالِبِ عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ. قُلْت: هَذَا وَارِدٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ، أَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْكَفِيلِ بِلَا أَمْرٍ فَلَا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْكَفِيلَ يَمْلِكُ الدَّيْنَ بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ وَيَرْجِعُ بِعَيْنِهِ عَلَى الْأَصِيلِ فَافْهَمْ، نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ سَابِقَةً عَلَى أَدَاءِ الْكَفِيلِ وَإِلَّا كَانَتْ هِبَةَ دَيْنٍ سَقَطَ بِالْأَدَاءِ فَلَا تَصِحُّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَمَلُّكَهُ بِالْأَدَاءِ) أَيْ تَمَلُّكَ الْكَفِيلِ الدَّيْنَ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ بِالْأَدَاءِ لَا قَبْلَهُ فَإِذَا أَدَّاهُ يَصِيرُ كَالطَّالِبِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ لَهُ حَبْسُ الْمَطْلُوبِ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ لِلْكَفِيلِ أَخْذُ رَهْنٍ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ دَفَعَ الْأَصِيلُ إلَى الْكَفِيلِ رَهْنًا بِالدَّيْنِ فَلَهُ أَخْذُهُ، وَالْأَوْلَى فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 315 (وَإِذَا حَبَسَهُ لَهُ حَبْسُهُ) هَذَا إذَا كَفَلَ بِأَمْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْكَفِيلِ لِلْمَطْلُوبِ دَيْنٌ مِثْلُهُ وَإِلَّا فَلَا مُلَازَمَةَ وَلَا حَبْسَ سِرَاجٌ. وَفِي الْأَشْبَاهِ أَدَاءُ الْكَفِيلِ يُوجِبُ بَرَاءَتَهُمَا لِلطَّالِبِ   [رد المحتار] نَعَمْ لِلْأَصِيلِ دَفْعُ رَهْنٍ لِلْكَفِيلِ لِئَلَّا يُوهِمَ لُزُومَ الدَّفْعِ عَلَى الْأَصِيلِ بِطَلَبِ الْكَفِيلِ، وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ صَاحِبَ الْبَحْرِ أَخْذًا مِنْ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ مَعَ أَنَّهَا إنَّمَا تُفِيدُ مَا قُلْنَا فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِمَالٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى الْأَصِيلِ فَأَعْطَاهُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ رَهْنًا بِذَلِكَ جَازَ، وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ إلَى سَنَةٍ فَعَلَيْهِ الْمَالُ الَّذِي عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَعْطَاهُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ بِالْمَالِ رَهْنًا إلَى سَنَةٍ كَانَ الرَّهْنُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ الْمَالُ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ بَعْدُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ مَاتَ فُلَانٌ وَلَمْ يُؤَدِّك فَهُوَ عَلَيَّ ثُمَّ أَعْطَاهُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ رَهْنًا لَمْ يَجُزْ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ يَجُوزُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا حَبَسَهُ لَهُ حَبْسُهُ) فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ لِلرَّمْلِيِّ. أَقُولُ: سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ مِنْ بَحْثِ الْحَبْسِ أَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ حَبْسِ الْكَفِيلِ وَالْأَصِيلِ وَكَفِيلِ الْكَفِيلِ وَإِنْ كَثُرُوا اهـ. مَطْلَبٌ فِيمَا يَبْرَأُ بِهِ الْكَفِيلُ عَنْ الْمَالِ (قَوْلُهُ: هَذَا إذَا كَفَلَ بِأَمْرِهِ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ لُوزِمَ لَازَمَهُ إلَخْ، وَقَيَّدَهُ أَيْضًا فِي الْبَحْرِ بَحْثًا بِمَا إذَا كَانَ الْمَالُ حَالًّا عَلَى الْأَصِيلِ كَالْكَفِيلِ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ مُلَازَمَتُهُ اهـ، وَقَيَّدَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَطْلُوبُ مِنْ أُصُولِ الطَّالِبِ، فَلَوْ كَانَ أَبَاهُ مَثَلًا لَيْسَ لَهُ حَبْسُ الْكَفِيلِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ بِالْمَطْلُوبِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُحْبَسُ الْأَصْلُ بِدَيْنِ فَرْعِهِ، وَإِذَا امْتَنَعَ اللَّازِمُ امْتَنَعَ الْمَلْزُومُ. وَاعْتَرَضَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ وَبِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَإِنْ تَبِعَهُ بَعْضُهُمْ اهـ. قُلْت: وَعِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ: وَإِنْ حُبِسَ حَبَسَ هُوَ الْمَكْفُولَ عَنْهُ إلَّا إذَا كَانَ كَفِيلًا عَنْ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ الْجَدَّيْنِ فَإِنَّهُ إنْ حُبِسَ لَمْ يَحْبِسْهُ بِهِ يُشْعِرُ قَضَاءَ الْخُلَاصَةِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ مَا إذَا كَانَ الطَّالِبُ أَجْنَبِيًّا وَالْمَطْلُوبُ: أَيْ الْمَدِينُ أَصْلًا لِلْكَفِيلِ لَا لِلطَّالِبِ، وَهَذَا غَيْرُ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ أَصْلًا لِلطَّالِبِ لَا لِلْكَفِيلِ، فَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ لِلطَّالِبِ حَبْسَ الْكَفِيلِ، وَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِمْ لِلْكَفِيلِ حَبْسُ الْمَكْفُولِ إذَا حُبِسَ: أَيْ إذَا كَانَ الْمَكْفُولُ أَصْلًا لِلْكَفِيلِ فَلِلطَّالِبِ الْأَجْنَبِيِّ حَبْسُ الْكَفِيلِ وَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ إذَا حُبِسَ أَنْ يَحْبِسَ الْمَكْفُولَ لِكَوْنِهِ أَصْلَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَكْفُولُ أَصْلًا لِلطَّالِبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلطَّالِبِ حَبْسُ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ حَبْسِهِ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ هُوَ الْمَكْفُولَ فَيَلْزَمُ حَبْسُ الْأَصْلِ بِدَيْنِ فَرْعِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ خَاصَّةٍ، وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَجِدْ فِيهَا نَقْلًا، وَحَقَّقَ فِيهَا مَا ذَكَرْنَاهُ، لَكِنْ ذَكَرَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ فِي بَابِ الْحَبْسِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ وَقَعَ الِاسْتِفْتَاءُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. ثُمَّ قَالَ: لِلْكَفِيلِ حَبْسُ الْمَكْفُولِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الدَّائِنِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حُبِسَ لِحَقِّ الْكَفِيلِ، وَلِذَلِكَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى فَهُوَ مَحْبُوسٌ بِدَيْنِهِ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي قَوْلِهِمْ لَا يُحْبَسُ أَصْلٌ فِي دَيْنِ فَرْعِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَبَسَهُ أَجْنَبِيٌّ فِيمَا ثَبَتَ لَهُ عَلَيْهِ اهـ مُلَخَّصًا، وَمُفَادُهُ أَنَّ لِلطَّالِبِ الَّذِي هُوَ فَرْعُ الْمَكْفُولِ حَبْسَ الْكَفِيلِ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَا يَحْبِسُ الْمَكْفُولَ مَا لَمْ يَحْبِسْهُ الطَّالِبُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَكْفُولَ إنَّمَا يُحْبَسُ بِدَيْنِ الطَّالِبِ حَقِيقَةً فَيَلْزَمُ حَبْسُ الْأَصْلِ بِدَيْنِ فَرْعِهِ وَإِنْ كَانَ الْحَابِسُ لَهُ مُبَاشَرَةً غَيْرَ الْفَرْعِ، نَعَمْ يَظْهَرُ مَا ذَكَرَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الدَّيْنِ، لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ الْكَفِيلَ لَا يَمْلِكُ الدَّيْنَ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَبَقِيَ الدَّيْنُ لِلطَّالِبِ وَلَزِمَ الْمَحْذُورُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: يُوجِبُ بَرَاءَتَهُمَا) أَيْ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ وَالْأَصِيلِ وَقَوْلُهُ لِلطَّالِبِ قِيلَ مُتَعَلِّقٌ بِأَدَاءٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 316 إلَّا إذَا أَحَالَهُ الْكَفِيلُ عَلَى مَدْيُونِهِ وَشَرَطَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ فَقَطْ (وَبَرِئَ) الْكَفِيلُ (بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ) إجْمَاعًا إلَّا إذَا بَرْهَنَ عَلَى أَدَائِهِ قَبْلَ الْكَفَالَةِ فَيَبْرَأُ فَقَطْ كَمَا لَوْ حَلَفَ بَحْرٌ. (وَلَوْ أَبْرَأَ) الطَّالِبُ (الْأَصِيلَ أَوْ أَخَّرَ عَنْهُ) أَيْ أَجَّلَهُ (بَرِئَ الْكَفِيلُ) تَبَعًا لِلْأَصِيلِ إلَّا كَفِيلَ النَّفْسِ   [رد المحتار] قُلْت: وَفِيهِ بُعْدٌ، وَالْأَظْهَرُ تَعَلُّقُهُ بِمَحْذُوفٍ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنْ بَرَاءَةٍ: أَيْ مُنْتَهِيَةٌ إلَى الطَّالِبِ عَلَى أَنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى إلَى، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي بَرِئْت إلَى فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أَحَالَهُ) فَإِنَّ الْحَوَالَةَ كَمَا يَأْتِي نَقْلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، فَهُوَ فِي حُكْمِ الْأَدَاءِ فَصَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَشَرَطَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ فَقَطْ) فَحِينَئِذٍ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ دُونَ الْأَصِيلِ وَلِلطَّالِبِ أَخْذُ الْأَصِيلِ أَوْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ مَا لَمْ يَنْوِ الْمَالَ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَبِدُونِ هَذَا الشَّرْطِ يَبْرَأُ الْأَصِيلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَيْهِ وَالْحَوَالَةُ حَصَلَتْ بِأَصْلِ الدَّيْنِ فَتَضَمَّنَتْ بَرَاءَتَهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ. (قَوْلُهُ: وَبَرِئَ الْكَفِيلُ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ) وَكَذَا يَبْرَأُ لَوْ شَرَطَ الدَّفْعَ مِنْ وَدِيعَةٍ فَهَلَكَتْ. فَفِي الْكَافِي: لَوْ كَفَلَ بِأَلْفٍ عَنْ فُلَانٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا إيَّاهُ مِنْ وَدِيعَةٍ لِفُلَانٍ عِنْدَهُ جَازَ، فَإِنْ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْكَفِيلِ اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا فِي بَابِ بُطْلَانِ الْمَالِ عَنْ الْكَفِيلِ بِغَيْرِ أَدَاءً وَلَا إبْرَاءٍ لَوْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِالثَّمَنِ فَاسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ مِنْ يَدِهِ أَوْ رَدَّهُ بِعَيْبٍ وَلَوْ بِلَا قَضَاءٍ أَوْ بِإِقَالَةٍ أَوْ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ بِفَسَادِ الْبَيْعِ بَرِئَ الْكَفِيلُ، وَكَذَا لَوْ بَطَلَ الْمَهْرُ أَوْ بَعْضُهُ عَنْ الزَّوْجِ بِوَجْهٍ بَرِئَ مِمَّا بَطَلَ عَنْ الزَّوْجِ أَوْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ لِغَرِيمِ الْبَائِعِ فَاسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ أَيْضًا وَكَذَلِكَ الْحَوَالَةُ أَمَّا لَوْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ وَلَوْ بِلَا قَضَاءٍ لَمْ يَبْرَأْ الْكَفِيلُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ، وَكَذَا لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ ضَمِنَ الزَّوْجُ مَهْرَ الْمَرْأَةِ لِغَرِيمِهَا ثُمَّ وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا فُرْقَةٌ مِنْ قِبَلِهِ أَوْ مِنْ قِبَلِهَا لَمْ يَبْطُلْ الضَّمَانُ وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا بَرْهَنَ) أَيْ الْأَصِيلُ عَلَى أَدَائِهِ قَبْلَ الْكَفَالَةِ فَيَبْرَأُ: أَيْ الْأَصِيلُ فَقَطْ أَيْ دُونَ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهَذِهِ الْكَفَالَةِ أَنَّ الْأَلْفَ عَلَى الْأَصِيلِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ، لِمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْبَرَاءَةِ، وَإِنَّمَا تَبَيَّنَ أَنْ لَا دَيْنَ عَلَى الْأَصِيلِ، وَالْكَفِيلُ عُومِلَ بِإِقْرَارِهِ، أَيْ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَمَّا قَامَتْ عَلَى الْأَدَاءِ قَبْلَ الْكَفَالَةِ عُلِمَ أَنَّ مَا كَفَلَ بِهِ الْكَفِيلُ غَيْرُ هَذَا الدَّيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَرْهَنَ أَنَّهُ قَضَاهُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ، فَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُمَا يَبْرَآنِ. (قَوْلُهُ: بَحْرٌ) صَوَابُهُ نَهْرٌ. فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ الْقُنْيَةِ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ إنَّمَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ إذَا كَانَتْ بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ بِالْحَلِفِ فَلَا؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ يُفِيدُ بَرَاءَةَ الْحَالِفِ فَحَسْبُ اهـ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُصَوَّرٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَإِلَّا فَقَوْلُهُ: اُكْفُلْ عَنِّي لِفُلَانٍ بِكَذَا إقْرَارٌ بِالْمَالِ لِفُلَانٍ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ الْمَالَ فَأَنْكَرَ وَحَلَّفَهُ بَرِئَ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْأَصِيلُ الْأَدَاءَ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لَا الْيَمِينُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْأَصِيلَ إلَخْ) مَحَلُّ بَرَاءَةِ الْكَفِيلِ بِإِبْرَاءِ الطَّالِبِ الْأَصِيلَ إذَا لَمْ يَكْفُلْ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ فَإِنْ كَفَلَ كَذَلِكَ بَرِئَ الْأَصِيلُ دُونَ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهَا حَوَالَةٌ ط، وَلَوْ قَالَ وَلَوْ بَرِئَ الْأَصِيلُ لَشَمِلَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ مَاتَ الطَّالِبُ وَالْأَصِيلُ وَارِثُهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ أَيْضًا اهـ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: بَرِئَ الْكَفِيلُ) بِشَرْطِ قَبُولِ الْأَصِيلِ، وَمَوْتُهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ، وَلَوْ رَدَّهُ ارْتَدَّ وَهَلْ يَعُودُ الدَّيْنُ عَلَى الْكَفِيلِ أَمْ لَا؟ خِلَافٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ نَهْرٌ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ: لَا ذِكْرَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ أَيْ بِرَدِّ الْأَصِيلِ الْإِبْرَاءَ كَمَا فِي رَدِّ الْهِبَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا بِخِلَافِ الْكَفِيلِ فَإِنَّهُ إذَا أَبْرَأهُ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَوْ كَانَ إبْرَاءُ الْأَصِيلِ أَوْ هِبَتُهُ أَوْ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَبُولُ وَالرَّدُّ لِلْوَرَثَةِ، فَإِنْ قَبِلُوا صَحَّ، وَإِنْ رَدُّوا ارْتَدَّ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِمْ كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 317 كَمَا مَرَّ (وَتَأَخَّرَ) الدَّيْنُ (عَنْهُ) تَبَعًا لِلْأَصِيلِ إلَّا إذَا صَالَحَ الْمُكَاتَبَ عَنْ قَتْلِ الْعَمْدِ بِمَالٍ ثُمَّ كَفَلَهُ إنْسَانٌ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ تَأَخَّرَتْ مُطَالَبَةُ الْمُصَالِحِ إلَى عِتْقِ الْأَصِيلِ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ الْكَفِيلِ الْآنَ أَشْبَاهٌ (وَلَا يَنْعَكِسُ) لِعَدَمِ تَبَعِيَّةِ الْأَصْلِ لِلْفَرْعِ نَعَمْ لَوْ تَكَفَّلَ بِالْحَالِ مُؤَجَّلًا تَأَجَّلَ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ تَأْجِيلَهُ عَلَى الْكَفِيلِ تَأْجِيلٌ عَلَيْهِمَا، وَفِيهِ يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْأَصِيلِ الْإِبْرَاءَ   [رد المحتار] فِي حَالِ حَيَاتِهِ ثُمَّ مَاتَ وَهَذَا يَخْتَصُّ بِالْإِبْرَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ قُبَيْلَ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ. (قَوْلُهُ: وَتَأَخَّرَ الدَّيْنُ عَنْهُ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ أَوْ أَخَّرَ عَنْهُ، وَشَمِلَ كَفِيلَ الْكَفِيلِ، فَإِذَا أَخَّرَ الطَّالِبُ عَنْ الْأَصِيلِ تَأَخَّرَ عَنْ الْكَفِيلِ وَكَفِيلِهِ، وَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ الْكَفِيلِ الْأَوَّلِ تَأَخَّرَ عَنْ الثَّانِي أَيْضًا لَا عَنْ الْأَصِيلِ كَمَا فِي الْكَافِي، وَشَرْطُهُ أَيْضًا قَبُولُ الْأَصِيلِ، فَلَوْ رَدَّهُ ارْتَدَّ كَمَا أَفَادَهُ الْفَتْحُ. (قَوْلُهُ: تَأَخَّرَتْ مُطَالَبَةُ الْمَصَالِحِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى مَفْعُولِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُكَاتَبُ وَالْفَاعِلُ وَلِيُّ الْقَتِيلِ أَوْ إلَى فَاعِلِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَلِيُّ وَالْمَفْعُولُ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّ الْمُصَالَحَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَهَذَا أَوْلَى لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِظْهَارُ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ فَافْهَمْ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ كَفَلَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ بِمَا لَزِمَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ فَإِنَّ الْمُطَالَبَةَ تَتَأَخَّرُ عَنْ الْأَصِيلِ إلَى عِتْقِهِ وَيُطَالِبُ كَفِيلَهُ لِلْحَالِ، لَكِنْ فِي هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ تَأَخَّرَ لَا بِتَأْخِيرِ الطَّالِبِ فَلَمْ يَدْخُلَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَنْعَكِسُ) أَيْ لَوْ أَبْرَأَ الْكَفِيلُ أَوْ أَخَّرَ عَنْهُ أَيْ أَجَّلَهُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ حَالًّا لَا يَبْرَأُ الْأَصِيلُ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَإِذَا لَمْ يَبْرَأْ الْأَصِيلُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ الْكَفِيلُ بِشَيْءٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَهُ الدَّيْنَ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهِ حَيْثُ يَرْجِعُ اهـ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ تَكَفَّلَ بِالْحَالِّ مُؤَجَّلًا إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا عَلَى الْأَصِيلِ فَكَفَلَ بِهِ تَأَخَّرَ عَنْهُمَا بِالْأَوْلَى وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْأَجَلَ فِي الْكَفَالَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَأْجِيلَهُ عَلَى الْكَفِيلِ تَأْجِيلٌ عَلَيْهِمَا) هَذَا التَّعْلِيلُ غَيْرُ تَامٍّ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ كَمَا فِي الْفَتْحِ هِيَ أَنَّ الطَّالِبَ لَيْسَ لَهُ حَالُ الْكَفَالَةِ حَقٌّ يَقْبَلُ التَّأْجِيلَ إلَّا الدَّيْنَ فَبِالضَّرُورَةِ يَتَأَجَّلُ عَنْ الْأَصِيلِ بِتَأْجِيلِ الْكَفِيلِ، أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ ثَابِتَةً قَبْلَ التَّأْجِيلِ، فَقَدْ تَقَرَّرَ حُكْمُهَا وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ ثُمَّ طَرَأَ التَّأْجِيلُ عَنْ الْكَفِيلِ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا تَقَرَّرَ عَلَيْهِ بِهَا وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ. [تَنْبِيهٌ] مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ يَتَأَجَّلُ عَلَيْهِمَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا أَضَافَ الْكَفِيلُ الْأَجَلَ إلَى نَفْسِهِ، بِأَنْ قَالَ أَجِّلْنِي أَوْ شَرَطَ الطَّالِبُ وَقْتَ الْكَفَالَةِ الْأَجَلَ لِلْكَفِيلِ خَاصَّةً فَلَا يَتَأَخَّرُ الدَّيْنُ حِينَئِذٍ عَنْ الْأَصِيلِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ. وَنَقَلَ ط عِبَارَتَهَا. مَطْلَبُ لَوْ كَفَلَ بِالْقَرْضِ مُؤَجَّلًا تَأَجَّلَ عَنْ الْكَفِيلِ دُونَ الْأَصِيلِ وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا لَوْ كَفَلَ بِالْقَرْضِ مُؤَجَّلًا إلَى سَنَةٍ مَثَلًا فَهُوَ عَلَى الْكَفِيلِ إلَى الْأَجَلِ وَعَلَى الْأَصِيلِ حَالٌّ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ وَالْغِيَاثِيَّةِ. ثُمَّ نُقِلَ خِلَافُهُ عَنْ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ شُمُولِهِ لِلْقَرْضِ وَأَنَّ هَذَا هُوَ الْحِيلَةُ فِي تَأْجِيلِ الْقَرْضِ، وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ آخِرَ الْبَابِ. قُلْت: لَكِنْ رَدَّهُ الْعَلَّامَةُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا قَالَهُ الْحَصِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ، وَكُلُّ الْكُتُبِ تُخَالِفُهُ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ، وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ قُبَيْلَ فَصْلِ الْقَرْضِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ فِي الْكَافِي صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ الْأَصِيلِ وَكَفَى بِهِ حُجَّةً. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُشْتَرَطُ وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ عَائِدٌ إلَى قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَوْ أَبْرَأَ الْأَصِيلُ إلَخْ، وَلَوْ أَسْقَطَ لَفْظَةَ فِيهِ لَكَانَ أَوْضَحَ. وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ هَكَذَا أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْأَصِيلَ إنْ قَبِلَ بَرِئَا أَيْ الْأَصِيلُ وَالْكَفِيلُ مَعًا أَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُ تَأَخَّرَ عَنْهُمَا بِلَا عَكْسٍ فِيهِمَا، وَلَوْ أَبْرَأَ الْكَفِيلَ فَقَطْ بَرِئَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ إذْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ لِيَحْتَاجَ إلَى الْقَبُولِ بَلْ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ وَهِيَ تَسْقُطُ بِالْإِبْرَاءِ، وَلَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ لَهُ: أَيْ لِلْكَفِيلِ إنْ كَانَ غَنِيًّا، أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فَقِيرًا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ كَمَا هُوَ حُكْمُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَهِبَةِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 318 وَالتَّأْجِيلَ لَا الْكَفِيلِ إلَّا إذَا وَهَبَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ دُرَرٌ. قُلْت: وَفِي فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ: أَجَّلَهُ عَلَى الْكَفِيلِ يَتَأَجَّلُ عَلَيْهِمَا، وَعَزَاهُ لِلْحَاوِي الْقُدْسِيِّ فَلْيُحْفَظْ وَفِي الْقُنْيَةِ: طَالَبَ الدَّائِنُ الْكَفِيلَ فَقَالَ لَهُ اصْبِرْ حَتَّى يَجِيءَ الْأَصِيلُ فَقَالَ لَا تَعَلُّقَ لِي عَلَيْهِ إنَّمَا تَعَلُّقِي عَلَيْك هَلْ يَبْرَأُ؟ أَجَابَ نَعَمْ، وَقِيلَ لَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ. (وَإِذَا حَلَّ) الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ (عَلَى الْكَفِيلِ بِمَوْتِهِ لَا يَحِلُّ عَلَى الْأَصِيلِ) فَلَوْ أَدَّاهُ وَارِثُهُ لَمْ يَرْجِعْ لَوْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ إلَّا إلَى أَجَلِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ (كَمَا لَا يَحِلُّ) الْمُؤَجَّلُ (عَلَى الْكَفِيلِ) اتِّفَاقًا (إذَا حَلَّ عَلَى الْأَصِيلِ بِهِ) أَيْ بِمَوْتِهِ، وَلَوْ مَاتَا   [رد المحتار] تَصِحُّ إذَا سَلَّطَ عَلَيْهِ وَالْكَفِيلُ مُسَلَّطٌ عَلَى الدَّيْنِ فِي الْجُمْلَةِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَبَعْدَهُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْأَصِيلِ اهـ، وَضَمِيرُ بَعْدَهُ لِلْقَبُولِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ حُكْمَ الْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ فِي الْكَفِيلِ مُخْتَلِفٌ، فَفِي الْإِبْرَاءِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ يَحْتَاجُ وَفِي الْأَصِيلِ مُتَّفِقٌ، فَيَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فِي الْكُلِّ، وَمَوْتُهُ قَبْلَ الْقَبُولِ، وَالرَّدُّ كَالْقَبُولِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الرَّدِّ وَأَفَادَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ وَالتَّأْجِيلَ يَرْتَدَّانِ بِرَدِّ الْأَصِيلِ. وَأَمَّا الْكَفِيلُ فَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ الْإِبْرَاءَ بَلْ التَّأْجِيلُ: وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ مَحْضٌ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ لَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكُ مَالٍ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ مُجَرَّدُ الْمُطَالَبَةِ، وَالْإِسْقَاطُ الْمَحْضُ لَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ لِتَلَاشِي السَّاقِطِ، بِخِلَافِ التَّأْخِيرِ لِعَوْدِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ، فَإِذَا عُرِفَ هَذَا، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْكَفِيلُ التَّأْخِيرَ أَوْ الْأَصِيلُ فَالْمَالُ حَالٌّ يُطَالَبَانِ بِهِ لِلْحَالِّ اهـ وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. [تَنْبِيهٌ] نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبَطَلَ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْهِدَايَةِ مِثْلُ مَا هُنَا مِنْ أَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، بِخِلَافِ إبْرَاءِ الْأَصِيلِ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ لِلْكَفِيلِ أَخْرَجْتُك عَنْ الْكَفَالَةِ فَقَالَ الْكَفِيلُ لَا أَخْرُجُ لَمْ يَصِرْ خَارِجًا. ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَثَبَتَ أَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ أَيْضًا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ. وَأَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ فِي مَعْنَى الْإِقَالَةِ لِعَقْدِ الْكَفَالَةِ، فَحَيْثُ لَمْ يَقْبَلْهَا الْكَفِيلُ بَطَلَتْ فَتَبْقَى الْكَفَالَةُ، بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ إسْقَاطٍ فَيَتِمُّ بِالْمُسْقِطِ اهـ، عَلَى أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّأْجِيلُ) هَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي عِبَارَةِ الدُّرَرِ كَمَا عَرَفْته، نَعَمْ هُوَ فِي الْفَتْحِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. (قَوْلُهُ: لَا الْكَفِيلِ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْكَفِيلِ الْإِبْرَاءَ وَالتَّأْجِيلَ، لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي الدُّرَرِ عَدَمَ اشْتِرَاطِهِ فِي التَّأْجِيلِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ هُوَ شَرْطٌ كَمَا سَمِعْته مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَفِي فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ إلَخْ) وَنَصُّهَا: سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ ضَمِنَ آخَرَ فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ ثَمَنُ مَبِيعٍ أَوْ أُجْرَةٌ لَازِمَةٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ إنَّ رَبَّ الْمَالِ أَجَّلَهُ عَلَى الْكَفِيلِ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ هَلْ يَصِيرُ مُؤَجَّلًا عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَعَلَى الْأَصِيلِ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا عَلَيْهِمَا؟ أَجَابَ يَصِيرُ مُؤَجَّلًا عَلَيْهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ اهـ. أَقُولُ: هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِمُخَالَفَتِهِ لِعِبَارَاتِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ، عَلَى أَنِّي رَاجَعْت الْحَاوِيَ الْقُدْسِيَّ فَرَأَيْت خِلَافَ مَا عَزَاهُ إلَيْهِ. وَنَصُّ عِبَارَةِ الْحَاوِي: وَإِنْ أَخَّرَ الطَّالِبُ الدَّيْنَ عَنْ الْأَصِيلِ كَانَ تَأْخِيرًا عَنْ الْكَفِيلِ، وَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ الْكَفِيلِ لَمْ يَكُنْ تَأْخِيرًا عَنْ الْأَصِيلِ اهـ بِالْحَرْفِ، وَكَأَنَّ ابْنَ نُجَيْمٍ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِمَا لَوْ تَكَفَّلَ بِالْحَالِّ مُؤَجَّلًا مَعَ أَنَّ صَرِيحَ السُّؤَالِ خِلَافُهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: فَلْيُحْفَظْ) بَلْ الْوَاجِبُ حِفْظُ مَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ هَذَا سَبْقُ نَظَرٍ فَلَا يُحْفَظُ وَلَا يُلْحَظُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ) لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُرِيدُونَ نَفْيَ التَّعَلُّقِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ نَفْيَ التَّعَلُّقِ الْحِسِّيِّ، وَإِنِّي لَا أَتَعَلَّقُ بِهِ تَعَلُّقَ الْمُطَالَبَةِ اهـ ح عَلَى أَنَّ إبْرَاءَ الْأَصِيلِ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ وَلَمْ يُوجَدْ (قَوْلُهُ: وَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الدَّيْنَ يَحِلُّ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْغُرَرِ وَشَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَعَلَّلَهُ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ بِأَنَّ الْأَجَلَ يَسْقُطُ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ. (قَوْلُهُ: لَا يَحِلُّ عَلَى الْأَصِيلِ) وَكَذَا إذَا عَجَّلَ الْكَفِيلُ الدَّيْنَ حَالَ حَيَاتِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَطْلُوبِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 319 خُيِّرَ الطَّالِبُ دُرَرٌ (صَالَحَ أَحَدُهُمَا رَبَّ الْمَالِ عَنْ أَلْفٍ) الدَّيْنِ (عَلَى نِصْفِهِ) مَثَلًا (بَرِئَا إلَّا) أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُرَبَّعَةٌ، فَإِذَا شَرَطَ بَرَاءَتَهُمَا أَوْ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ أَوْ سَكَتَ بَرِئَا، وَ (إذَا شَرَطَ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ وَحْدَهُ) كَانَتْ فَسْخًا لِلْكَفَالَةِ لَا إسْقَاطًا لِأَصْلِ الدَّيْنِ فَيَبْرَأُ هُوَ وَحْدَهُ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ (دُونَ الْأَصِيلِ) فَتَبْقَى عَلَيْهِ الْأَلْفُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الطَّالِبُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَالْكَفِيلُ بِخَمْسِمِائَةٍ لَوْ بِأَمْرِهِ، وَلَوْ صَالَحَ عَلَى جِنْسٍ آخَرَ رَجَعَ بِالْأَلْفِ كَمَا مَرَّ. (صَالَحَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ عَلَى شَيْءٍ لِيُبْرِئَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ لَمْ يَصِحَّ) الصُّلْحُ (وَلَا يَجِبُ الْمَالُ عَلَى الْكَفِيلِ) خَانِيَّةٌ،   [رد المحتار] إلَّا عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ كَفَلَ بِالزُّيُوفِ وَأَدَّى الْجِيَادَ تَتَارْخَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: خُيِّرَ الطَّالِبُ) أَيْ فِي أَخْذِهِ مِنْ أَيِّ التَّرِكَتَيْنِ شَاءَ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ ثَابِتٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ: مَثَلًا) فَالنِّصْفُ غَيْرُ قَيْدٍ. (قَوْلُهُ: بَرِئَا) أَيْ الْأَصِيلُ وَالْكَفِيلُ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الصُّلْحَ إلَى الْأَلْفِ الدَّيْنِ وَهُوَ عَلَى الْأَصِيلِ فَيَبْرَأُ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ الْكَفِيلَ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا شَرَطَ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ وَحْدَهُ إلَخْ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الطَّالِبَ يَأْخُذُ الْبَدَلَ فِي مُقَابَلَةِ إبْرَاءِ الْكَفِيلِ عَنْهَا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْكَفِيلِ مَحْسُوبٌ مِنْ أَصْلِ دَيْنِهِ وَيَرْجِعُ بِالْبَاقِي عَلَى الْأَصِيلِ بَحْرٌ، وَنُبِّهَ بِذَلِكَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي عَقِبَهَا كَمَا يَأْتِي، وَيُوَضِّحُهُ مَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَبْرَأَ الْكَفِيلَ خَاصَّةً مِنْ الْبَاقِي رَجَعَ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ بِمِائَةٍ وَرَجَعَ الطَّالِبُ عَلَى الْأَصِيلِ بِتِسْعِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ يَكُونُ فَسْخًا لِلْكَفَالَةِ وَلَا يَكُونُ إسْقَاطًا لِأَصْلِ الدَّيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَانَتْ فَسْخًا لِلْكَفَالَةِ) هَذِهِ عِبَارَةُ الْمَبْسُوطِ كَمَا عَلِمْت: أَيْ أَنَّ الْبَرَاءَةَ عَنْ بَاقِي الدَّيْنِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا عَقْدُ الصُّلْحِ تَتَضَمَّنُ فَسْخَ الْكَفَالَةِ لِسُقُوطِ الْمُطَالَبَةِ عَنْ الْكَفِيلِ بِهَذَا الشَّرْطِ وَلَا يَسْقُطُ بِهَا أَصْلُ الدَّيْنِ، إذْ لَوْ سَقَطَ لَمْ يَبْقَ لِلطَّالِبِ عَلَى الْمَطْلُوبِ شَيْءٌ مَعَ أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِالنِّصْفِ الْبَاقِي بِخِلَافِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فَإِنَّ مُطَالَبَتَهُ سَقَطَتْ عَنْهُمَا جَمْعِيًّا. (قَوْلُهُ: فَيَبْرَأُ هُوَ) أَيْ الْكَفِيلُ وَحْدَهُ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ، وَهِيَ الَّتِي سَقَطَتْ بِعَقْدِ الصُّلْحِ، وَكَذَا عَنْ الَّتِي دَفَعَهَا بَدَلًا عَنْ الصُّلْحِ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ أَخْذٌ لِبَعْضِ حَقِّهِ وَإِبْرَاءٌ عَنْ الْبَاقِي، فَحَيْثُ أَخَذَ الطَّالِبُ مِنْ الْكَفِيلِ بَعْضَ حَقِّهِ وَأَبْرَأهُ عَنْ بَاقِيهِ فَقَدْ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ عَنْهُ أَصْلًا، وَبَرَاءَةُ الْكَفِيلِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَلِذَا قَالَ دُونَ الْأَصِيلِ. (قَوْلُهُ: وَالْكَفِيلُ بِخَمْسِمِائَةٍ) أَيْ وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَهِيَ الَّتِي أَدَّاهَا لِلطَّالِبِ بَدَلَ الصُّلْحِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ. (قَوْلُهُ: لَوْ بِأَمْرِهِ) أَيْ يَرْجِعُ بِهَا لَوْ كَفَلَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ لَهُ. (قَوْلُهُ: عَلَى جِنْسٍ آخَرَ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ عَلَى نِصْفِهِ اهـ ح. (قَوْلُهُ: رَجَعَ بِالْأَلْفِ) لِأَنَّ الصُّلْحَ بِجِنْسٍ آخَرَ مُبَادَلَةً فَيَمْلِكُ الدَّيْنَ فَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ فَتْحٌ، وَكَذَا يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنْ يَهَبَ لَهُ الْبَاقِيَ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَيْضًا، وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي. (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِمَا مَرَّ: أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَمْلِكُ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ (قَوْلَهُ: صَالَحَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ إلَخْ) فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ كَانَ صَالَحَهُ عَمَّا اسْتَوْجَبَ بِالْكَفَالَةِ لَا يَبْرَأُ الْأَصِيلُ؛ لِأَنَّ هَذَا إبْرَاءُ الْكَفِيلِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ اهـ. وَمُقْتَضَاهُ صِحَّةُ الصُّلْحِ وَلُزُومُ الْمَالِ وَسُقُوطُ الْمُطَالَبَةِ عَنْ الْكَفِيلِ دُونَ الْأَصِيلِ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْخَانِيَّةِ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ؛ لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة: الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ إذَا صَالَحَ الطَّالِبَ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى أَنْ أَبْرَأَهُ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لَا يَجُوزُ وَلَا يَبْرَأُ عَنْهَا، فَلَوْ كَانَ كَفِيلًا بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ عَلَى إنْسَانٍ وَاحِدٍ بَرِئَ اهـ. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: صَالَحَ عَلَى مَالٍ لِإِسْقَاطِ الْكَفَالَةِ لَا يَصِحُّ أَخْذُ الْمَالِ، وَهَلْ تَسْقُطُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، فِي رِوَايَةٍ تَسْقُطُ وَبِهِ يُفْتَى اهـ، وَحِينَئِذٍ فَيُحْمَلُ مَا فِي الْهِدَايَةِ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا فِي الْمَتْنِ. هِيَ الرَّابِعَةُ هُوَ أَنَّ هَذِهِ فِي الصُّلْحِ عَنْ الْكَفَالَةِ وَاَلَّتِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 320 وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَعُمُّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ بَحْرٌ. (قَالَ الطَّالِبُ لِلْكَفِيلِ بَرِئْت إلَيَّ مِنْ الْمَالِ) الَّذِي كَفَلْت بِهِ (رَجَعَ) الْكَفِيلُ بِالْمَالِ (عَلَى الْمَطْلُوبِ إذَا كَانَتْ) الْكَفَالَةُ (بِأَمْرِهِ) لِإِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ، وَمُفَادُهُ بَرَاءَةُ الْمَطْلُوبِ لِلطَّالِبِ لِإِقْرَارِهِ كَالْكَفِيلِ (وَفِي) قَوْلِهِ لِلْكَفِيلِ (بَرِئْت) بِلَا إلَيَّ (أَوْ أَبْرَأْتُك لَا) رُجُوعَ كَقَوْلِهِ أَنْتَ فِي حِلٍّ؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ لَا إقْرَارٌ بِالْقَبْضِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ بَرِئْت فَإِنَّهُ جَعَلَهُ كَالْأَوَّلِ أَيْ إلَى قِيلَ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ أَقْرَبُ الِاحْتِمَالَيْنِ فَكَانَ أَوْلَى نَهْرٌ مَعْزِيًّا لِلْعِنَايَةِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَتَبَهُ فِي الصَّكِّ كَانَ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ (وَهَذَا) كُلُّهُ (مَعَ غَيْبَةِ الطَّالِبِ وَمَعَ حَضْرَتِهِ يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي الْبَيَانِ)   [رد المحتار] قَبْلَهَا فِي الصُّلْحِ عَنْ الْمَالِ الْمَكْفُولِ بِهِ فَالْمَالُ هُنَا فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْكَفَالَةِ وَهُنَاكَ فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْمَالِ الْبَاقِي كَمَا مَرَّ فِي عِبَارَةِ الْمَبْسُوطِ. وَمِنْ الْعَجَبِ مَا فِي النِّهَايَةِ حَيْثُ جَعَلَ عِبَارَةَ الْمَبْسُوطِ الْمَارَّةِ تَصْوِيرًا لِمَا ذَكَرَهُ هُنَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنَّهُ عَكَسَ الْمَوْضِعَ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمَبْسُوطِ مَفْرُوضٌ فِي الصُّلْحِ عَنْ إبْرَاءِ الْكَفِيلِ فَقَطْ عَنْ الْمَالِ وَهُوَ الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامُ الْهِدَايَةِ فِي الصُّلْحِ عَلَى إبْرَاءِ الْكَفِيلِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَأَقَرُّوهُ عَلَيْهِ، نَعَمْ رُبَّمَا يُشْعِرُ كَلَامُ الْفَتْحِ بِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَعُمُّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ) قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: بَرِئْت إلَيَّ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٍ: أَيْ حَالَ كَوْنِك مُؤَدِّيًا إلَيَّ كَمَا فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ أَيْ فَهُوَ بَرَاءَةُ اسْتِيفَاءٍ لَا بَرَاءَةُ إسْقَاطٍ. (قَوْلُهُ: لِإِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ) لِأَنَّ مُفَادَ هَذَا التَّرْكِيبِ بَرَاءَةٌ مِنْ الْمَالِ مَبْدَؤُهَا مِنْ الْكَفِيلِ وَمُنْتَهَاهَا صَاحِبُ الدَّيْنِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِقْرَارِ بِالْقَبْضِ مِنْ الْكَفِيلِ فَكَأَنَّهُ قَالَ دَفَعْت إلَيَّ. (قَوْلُهُ: وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَهَذَا الْكَلَامُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: بَرَاءَةُ الْمَطْلُوبِ) أَيْ الْمَدْيُونِ لِلطَّالِبِ: أَيْ الدَّائِنِ، يَعْنِي أَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ يَبْرَأُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ الَّتِي كَانَتْ لِلطَّالِبِ عَلَيْهِ، وَكَذَا يَبْرَأُ مِنْهَا الْكَفِيلُ فَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِإِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ؛ إذْ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَبْضَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ. (قَوْلُهُ: لَا رُجُوعَ) أَيْ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمَطْلُوبِ، نَعَمْ لِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَطْلُوبَ بِالْمَالِ كَمَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ) تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ الرُّجُوعِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ؛ إذْ لَيْسَ فِيهَا مَا يُفِيدُ الْقَبْضَ لِيَكُونَ إقْرَارًا بِهِ بَلْ هُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْإِبْرَاءِ بِسَبَبِ الْقَبْضِ وَلِلْإِسْقَاطِ فَلَا يَثْبُتُ الْقَبْضُ بِالشَّكِّ. (قَوْلُهُ: أَيْ إلَيَّ) الْمُرَادُ بَرِئْت إلَيَّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَقْرَبُ الِاحْتِمَالَيْنِ) أَيْ احْتِمَالِ أَنَّهُ بَرَاءَةُ قَبْضٍ وَاحْتِمَالُ أَنَّهُ بَرَاءَةُ إسْقَاطٍ. وَوَجْهُ الْأَقْرَبِيَّةِ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِبَرَاءَةٍ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْكَفِيلِ الْمُخَاطَبِ. وَحَاصِلُهُ إثْبَاتُ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ عَلَى الْخُصُوصِ مِثْلُ قُمْت وَقَعَدْت وَالْبَرَاءَةُ الْكَائِنَةُ مِنْهُ خَاصَّةٌ بِالْإِيفَاءِ بِخِلَافِ الْبَرَاءَةِ بِالْإِبْرَاءِ فَإِنَّهَا لَا تَتَحَقَّقُ بِفِعْلِ الْكَفِيلِ بَلْ بِفِعْلِ الطَّالِبِ فَلَا تَكُونُ حِينَئِذٍ مُضَافَةً إلَى الْكَفِيلِ، وَمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ: أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْقَبْضُ بِالشَّكِّ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ الِاحْتِمَالَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ اهـ، وَهَذَا أَيْضًا تَرْجِيحٌ مِنْهُ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. (قَوْلُهُ: لَوْ كَتَبَهُ فِي الصَّكِّ) بِأَنْ كَتَبَ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي كَفَلَ بِهَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: عَمَلًا بِالْعُرْفِ) فَإِنَّ الْعُرْفَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ الصَّكَّ يُكْتَبُ عَلَى الطَّالِبِ بِالْبَرَاءَةِ إذَا حَصَلَتْ بِالْإِيفَاءِ، وَإِنْ حَصَلَتْ بِالْإِبْرَاءِ لَا يَكْتُبُ الصَّكَّ عَلَيْهِ فَجُعِلَتْ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ عُرْفًا وَلَا عُرْفَ عِنْدَ الْإِبْرَاءِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا كُلُّهُ إلَخْ) عَزَاهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَى شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَى وَالدُّرَرِ وَأَقَرَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَكَذَا الزَّيْلَعِيُّ وَابْنُ كَمَالٍ، فَتَعْبِيرُ الْبَحْرِ عَنْهُ بِقِيلَ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَافْهَمْ، وَالْإِشَارَةُ إلَى جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْمَارَّةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ النِّهَايَةِ: حَتَّى فِي بَرِئْت إلَيَّ لِاحْتِمَالِ لِأَنِّي أَبْرَأْتُك مَجَازًا، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فِي الِاسْتِعْمَالِ اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي لَفْظِ الْحِلِّ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ لِظُهُورِ أَنَّهُ مُسَامَحَةٌ لَا أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 321 لِمُرَادِهِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ الْمُجْمَلُ وَمِثْلُ الْكَفَالَةِ الْحَوَالَةُ. (وَبَطَلَ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ) الْغَيْرِ الْمُلَائِمِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْمِعْرَاجِ   [رد المحتار] قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ بِأَدْنَى نَظَرٍ. (قَوْلُهُ: لِمُرَادِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْبَيَانِ: أَيْ يُسْأَلُ هَلْ أَرَدْت الْقَبْضَ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْمُجْمِلُ) بِكَسْرِ ثَالِثِهِ اسْمُ فَاعِلٍ: أَيْ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِجْمَالِ أَنْ يُرْجَعَ فِيهِ إلَى الْمُجْمِلِ وَالْمُرَادُ بِالْمُجْمِلِ هُنَا مَا يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ، وَيَحْتَمِلُ الْمَجَازَ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا لَا حَقِيقَةُ الْمُجْمِلِ، يَعْنِي يَرْجِعُ إلَيْهِ إذَا كَانَ حَاضِرًا لِإِزَالَةِ الِاحْتِمَالَاتِ خُصُوصًا إنْ كَانَ الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ اللَّفْظِ مُشْتَرَكًا، مِنْهُمْ مَنْ يَقْصِدُ الْقَبْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْصِدُ الْإِبْرَاءَ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ الْكَفَالَةِ الْحَوَالَةُ) فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَالْمُحْتَالُ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَالْكَفِيلِ اهـ. قَالَ ط: فَإِنْ قَالَ الْمُحَالُ لِلْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بَرِئْت إلَيَّ رَجَعَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُحِيلِ، وَإِنْ قَالَ أَبْرَأْتُك لَا وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا قَالَ بَرِئْت فَقَطْ اهـ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ دَيْنٌ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ. [مَطْلَبٌ فِي بُطْلَانِ تَعْلِيقِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ] ِ (قَوْلُهُ: وَبَطَلَ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ) أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ، وَيُرْوَى أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةَ دُونَ الدَّيْنِ فِي الصَّحِيحِ فَكَانَ إسْقَاطًا مَحْضًا كَالطَّلَاقِ هِدَايَةٌ، وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ عَدَمِ بُطْلَانِهِ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ بَحْرٌ قُلْت: وَلِذَا قَالَ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى وَالْمُخْتَارِ الصِّحَّةُ. وَاعْلَمْ أَنَّ إضَافَتَهُ تَعْلِيقٌ إلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى مَوْصُوفِهَا وَالْمَعْنَى، وَبَطَلَتْ الْبَرَاءَةُ الْمُعَلَّقَةُ بِالشَّرْطِ، وَإِذَا بَطَلَتْ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْكَفَالَةِ تَبْقَى الْكَفَالَةُ عَلَى أَصْلِهَا فَلِلطَّالِبِ مُطَالَبَةُ الْكَفِيلِ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بُطْلَانَ تَعْلِيقِ الْبَرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ بَقَاءُ الْبَرَاءَةِ صَحِيحَةً مُنَجَّزَةً وَتَبْطُلُ الْكَفَالَةُ بِهَا وَلَا يُنَاسِبُهُ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ التَّعْلِيقِ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ بَلْ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ هُوَ الْبَرَاءَةُ الْمُعَلَّقَةُ فَتَبْطُلُ ثُمَّ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ عَلَى نُسْخَةٍ قَدِيمَةٍ مِنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ مَا نَصُّهُ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْكَفَالَةَ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ اهـ. وَهَذَا عَيْنُ مَا قُلْته. (قَوْلُهُ: بِالشَّرْطِ الْغَيْرِ الْمُلَائِمِ) نَحْوُ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ. وَمِثَالُ الْمُلَائِمِ مَا لَوْ كَفَلَ بِالْمَالِ أَوْ بِالنَّفْسِ وَقَالَ إنْ وَافَيْت بِهِ غَدًا فَأَنْتِ بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ فَوَافَاهُ مِنْ الْغَدِ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ اهـ ح. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ الْغَيْرُ الْمُلَائِمِ هُوَ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِلطَّالِبِ أَصْلًا كَدُخُولِ الدَّارِ وَمَجِيءِ الْغَدِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ اهـ. قُلْت: وَسُئِلْت عَمَّنْ قَالَ كَفَلْته عَلَى أَنَّك إنْ طَالَبْتنِي بِهِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَلَا كَفَالَةَ لِي، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ الْمُلَائِمِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْمِعْرَاجِ) أَقُولُ: الَّذِي فِي الْفَتْحِ هَكَذَا: قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ: أَيْ بِالشَّرْطِ الْمُتَعَارَفِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ عَجَّلْت لِي الْبَعْضَ أَوْ دَفَعْت الْبَعْضَ فَقَدْ أَبْرَأْتُك مِنْ الْكَفَالَةِ، أَمَّا غَيْرُ الْمُتَعَارَفِ فَلَا يَجُوزُ ثُمَّ قَالَ: وَيُرْوَى أَنَّهُ يَجُوزُ وَهُوَ أَوْجَهُ إلَخْ فَهَذَا شَرْحٌ لِعِبَارَةِ الْهِدَايَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا آنِفًا، وَقَدَّمْنَا أَنَّ ظَاهِرَ مَا فِي الْهِدَايَةِ تَرْجِيحُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَأَنَّهُ اخْتَارَهَا فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى، وَكَذَا اخْتَارَهَا فِي الْفَتْحِ كَمَا تَرَى، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ جَوَازُ الشَّرْطِ الْمُتَعَارَفِ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ رِوَايَةَ عَدَمِ الْجَوَازِ بِالشَّرْطِ الْمُتَعَارَفِ، وَذَكَرَ أَنَّ غَيْرَ الْمُتَعَارَفِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى. ثُمَّ ذَكَرَ مُقَابِلَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَهِيَ رِوَايَةُ الْجَوَازِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الشَّرْطُ الْمُتَعَارَفُ أَيْضًا وَأَنَّ غَيْرَ الْمُتَعَارَفِ لَا يَجُوزُ أَصْلًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَيُرْوَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَيْ إذَا كَانَ الشَّرْطُ غَيْرَ مُتَعَارَفٍ وَيَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ الْمُتَعَارَفِ بِالْأَوْلَى، فَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ يَكُونُ قَدْ اخْتَارَ فِي الْفَتْحِ جَوَازَ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ الْمُتَعَارَفِ، وَعَلَى الثَّانِي اخْتَارَ جَوَازَهُ مُطْلَقًا، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 322 وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَالْمُتَفَرِّقَاتُ: لَكِنْ فِي النَّهْرِ ظَاهِرُ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ تَرْجِيحُ الْإِطْلَاقِ قَيَّدَ بِكَفَالَةِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ فِي كَفَالَةِ النَّفْسِ تَفْصِيلًا مَبْسُوطًا فِي الْخَانِيَّةِ. (لَا يَسْتَرِدُّ أَصِيلٌ مَا أَدَّى إلَى الْكَفِيلِ) بِأَمْرِهِ لِيَدْفَعَهُ لِلطَّالِبِ   [رد المحتار] أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ قَيَّدَ رِوَايَةَ عَدَمِ الْجَوَازِ بِالْمُتَعَارَفِ عُلِمَ أَنَّ غَيْرَ الْمُتَعَارَفِ لَا يَجُوزُ بِالْأَوْلَى، ثُمَّ اخْتَارَ مُقَابِلَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَوَازِ أَيْ مُطْلَقًا، فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ وَبَطَلَ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ وَلَوْ مُلَائِمًا، وَرُوِيَ جَوَازُهُ مُطْلَقًا، وَاخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ، نَعَمْ ذَكَرَ فِي الدُّرَرِ عَنْ الْعِنَايَةِ قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ لَوْ غَيْرَ مُتَعَارَفٍ وَالْجَوَازُ لَوْ مُتَعَارَفًا. وَذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ هَذَا الْقَوْلَ وَجَعَلَهُ مَحْمَلَ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ إنَّ قَوْلَ الْكَنْزِ وَبَطَلَ التَّعْلِيقُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمُتَعَارَفِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ الْفَتْحِ مُخَالِفٌ لِهَذَا التَّوْفِيقِ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَ بُطْلَانَ التَّعْلِيقِ عَلَى الشَّرْطِ الْمُتَعَارَفِ كَمَا عَلِمْت فَكَيْفَ يُنْسَبُ إلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي شَرْحِهِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ: أَيْ أَقَرَّ مَا فِي الْمِعْرَاجِ مِنْ التَّفْصِيلِ وَالتَّوْفِيقِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُتَفَرِّقَاتُ) أَيْ مُتَفَرِّقَاتُ الْبُيُوعِ فِي بَحْثِ مَا يَبْطُلُ تَعْلِيقُهُ. (قَوْلُهُ: تَرْجِيحُ الْإِطْلَاقِ) أَيْ رِوَايَةُ بُطْلَانِ التَّعْلِيقِ الْمُتَبَادَرُ مِنْهَا الْإِطْلَاقُ عَمَّا فَصَّلَهُ فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِي كَوْنِ الزَّيْلَعِيِّ رَجَّحَ ذَلِكَ نَظَرٌ، بَلْ كَلَامُهُ قَرِيبٌ مِنْ كَلَامِ الْهِدَايَةِ الْمَارِّ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: قُيِّدَ بِكَفَالَةِ النَّفْسِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا وَإِلَّا فَلَمْ يَذْكُرْ الْقَيْدَ فِي الْمَتْنِ كَالْكَنْزِ اهـ ح. (قَوْلُهُ: مَبْسُوطًا فِي الْخَانِيَّةِ) حَاصِلُهُ أَنَّ تَعْلِيقَ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ عَلَى وُجُوهٍ فِي وَجْهٍ تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ كَمَا إذَا أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْكَفِيلَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الْكَفِيلُ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، وَفِي وَجْهٍ يَصِحَّانِ كَمَا إذَا كَانَ كَفِيلًا بِالْمَالِ أَيْضًا وَشَرَطَ الطَّالِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ وَيُبْرِئَهُ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَفِي وَجْهٍ يَبْطُلَانِ كَمَا إذَا شَرَطَ الطَّالِبُ عَلَى الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ وَيَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَسْتَرِدُّ أَصِيلٌ إلَخْ) أَيْ إذَا دَفَعَ الْأَصِيلُ وَهُوَ الْمَدْيُونُ إلَى الْكَفِيلِ الْمَالَ الْمَكْفُولَ بِهِ لَيْسَ لِلْأَصِيلِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْ الْكَفِيلِ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ الْكَفِيلُ إلَى الطَّالِبِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: لِأَنَّهُ أَيْ الْكَفِيلَ مَلَكَهُ بِالِاقْتِضَاءِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْكَفَالَةَ تُوجِبُ دَيْنًا لِلطَّالِبِ عَلَى الْكَفِيلِ وَدَيْنًا لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ، لَكِنْ دَيْنُ الطَّالِبِ حَالٌّ وَدَيْنُ الْكَفِيلِ مُؤَجَّلٌ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ؛ وَلِذَا لَوْ أَخَذَ الْكَفِيلُ مِنْ الْأَصِيلِ رَهْنًا أَوْ أَبْرَأَهُ أَوْ وُهِبَ مِنْهُ الدَّيْنَ صَحَّ فَلَا يَرْجِعُ بِأَدَائِهِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ؛ لِأَنَّ الضَّمَّ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الطَّالِبِ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ لِلْكَفِيلِ دَيْنٌ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَعَلَى هَذَا فَالْكَفَالَةُ بِالْأَمْرِ تُوجِبُ ثُبُوتَ دَيْنَيْنِ وَثَلَاثَ مُطَالَبَاتٍ تُعْرَفُ بِالتَّدَبُّرِ اهـ مَا فِي النَّهْرِ أَيْ دَيْنٌ وَمُطَالَبَةٌ حَالَّيْنِ لِلطَّالِبِ عَلَى الْأَصِيلِ وَدَيْنٌ وَمُطَالَبَةٌ مُؤَخَّرَيْنِ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ أَيْضًا وَمُطَالَبَةٌ فَقَطْ لِلطَّالِبِ عَلَى الْكَفِيلِ بِنَاءً عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ أَنَّهَا الضَّمُّ فِي الْمُطَالَبَةِ. [تَنْبِيهٌ] نَقَلَ مُحَشِّي مِسْكِينٍ عَنْ الْحَمَوِيِّ عَنْ الْمِفْتَاحِ أَنَّ عَدَمَ الِاسْتِرْدَادِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُؤَخِّرْهُ الطَّالِبُ عَنْ الْأَصِيلِ أَوْ الْكَفِيلِ، فَإِنْ أَخَّرَهُ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ اهـ. قُلْت: لَكِنْ قَوْلُهُ أَوْ الْكَفِيلُ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بِأَمْرِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْكَفِيلِ احْتِرَازًا عَنْ الْكَفِيلِ بِلَا أَمْرٍ كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ فِي النَّهْرِ: قَيَّدَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: لِيَدْفَعَهُ لِلطَّالِبِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَدَّى. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْكَفِيلَ مَلَكَ الْمُؤَدَّى فَذَلِكَ فِيمَا إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ الْأَصِيلُ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ، بِأَنْ قَالَ لَهُ إنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْك الطَّالِبُ حَقَّهُ فَأَنَا أَقْضِيك الْمَالَ قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الدَّفْعُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 323 (وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ طَالِبُهُ) وَلَا يَعْمَلُ نَهْيُهُ عَنْ الْأَدَاءِ لَوْ كَفِيلًا بِأَمْرِهِ وَإِلَّا عَمِلَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَمْلِكُ الِاسْتِرْدَادَ بَحْرٌ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ لَكِنَّهُ قَدَّمَ قَبْلَهُ مَا يُخَالِفُهُ فَلْيُحَرَّرْ (وَإِنْ رَبِحَ) الْكَفِيلُ (بِهِ طَابَ لَهُ) لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ حَيْثُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ، فَلَوْ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ فَلَا لِتَمَحُّضِهِ أَمَانَةً   [رد المحتار] بِأَنْ قَالَ الْمَطْلُوبُ لِلْكَفِيلِ خُذْ هَذَا الْمَالَ وَادْفَعْهُ إلَى الطَّالِبِ حَيْثُ لَا يَصِيرُ الْمُؤَدَّى مِلْكًا لِلْكَفِيلِ بَلْ هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، لَكِنْ لَا يَكُونُ لِلْمَطْلُوبِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الطَّالِبِ كَذَا فِي الْكَافِي، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْكُبْرَى أَنَّ لَهُ الِاسْتِرْدَادَ وَأَنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْأَصْلِ، كَذَا فِي الْكِفَايَةِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ، وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْكَافِي نَقَلَ ط مِثْلَهُ عَنْ الْعِنَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَالْمُرَادُ بِالْكَافِي كَافِي النَّسَفِيِّ، أَمَّا كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ الَّذِي جَمَعَ كُتُبَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ أَشَارَ فِيهِ أَيْضًا إلَى أَنَّ لَهُ الِاسْتِرْدَادَ لَوْ دَفَعَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ فَلَهُ التَّصَرُّفُ وَلَهُ رِبْحُهُ؛ لِأَنَّهُ لَهُ. وَلَوْ هَلَكَ مِنْهُ ضَمِنَهُ، وَلَوْ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ فَهَلَكَ كَانَ مُؤْتَمَنًا وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ، وَلَوْ لَمْ يَهْلِكْ فَعَمِلَ بِهِ وَرَبِحَ تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ، وَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّهُ إذَا قَضَاهُ لَا يُسْتَرَدُّ. ثُمَّ قَالَ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الدَّفْعُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ؛ لِأَنَّهُ تَمَحَّضَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، فَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الِاسْتِرْدَادِ فِي الْأَدَاءِ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ لَا الرِّسَالَةِ حَيْثُ جَعَلَهُ فِي الرِّسَالَةِ مَحْضَ أَمَانَةٍ وَالْأَمَانَةُ مُسْتَرَدَّةٌ. وَنَقَلَ ط عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ لَهُ اسْتِرْدَادٌ. قَالَ: وَمِثْلُهُ فِي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ. وَقَالَ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ: إنَّهُ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ مَحْضَةٌ وَيَدُ الرَّسُولِ يَدُ الْمُرْسَلِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ فَلَا يُعْتَبَرُ حَقُّ الطَّالِبِ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْهِدَايَةِ اهـ. قُلْت: وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ أَيْضًا مِمَّا فِي الْمُتُونِ مِنْ أَنَّ الرِّبْحَ يَطِيبُ لَهُ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَدَاءُ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ لِيَدْفَعَهُ لِلطَّالِبِ ظَاهِرُهُ الدَّفْعُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي كَافِي النَّسَفِيِّ وَغَيْرِهِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ فِي الدَّفْعِ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ لَهُ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى. وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ لَهُ بِأَنَّهُ يَدْفَعُهُ لِلطَّالِبِ بَلْ أَضْمَرَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ وَقْتَ الْأَدَاءِ. فَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْقُنْيَةِ: لَوْ أَطْلَقَ عِنْدَ الدَّفْعِ فَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّسَالَةِ يَقَعُ عَنْ الْقَضَاءِ فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] لَوْ قَضَى الْمَطْلُوبُ الدَّيْنَ إلَى الطَّالِبِ فَلِلْمَطْلُوبِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْكَفِيلِ بِمَا أَعْطَاهُ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ طَالِبُهُ) إنْ وَصْلِيَّةٌ وَطَالِبُهُ بِكَسْرِ اللَّامِ بِزِنَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ مُضَافٌ لِلضَّمِيرِ وَهُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِيُعْطِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَعْمَلُ نَهْيُهُ إلَخْ) هَذَا مَا أَجَابَ بِهِ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ سُئِلْت عَمَّا إذَا دَفَعَ الْمَدْيُونُ الدَّيْنَ لِلْكَفِيلِ لِيُؤَدِّيَهُ إلَى الطَّالِبِ ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ الْأَدَاءِ هَلْ يَعْمَلُ نَهْيُهُ؟ فَأَجَبْت إنْ كَانَ كَفِيلًا بِالْأَمْرِ لَمْ يَعْمَلْ نَهْيُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِرْدَادَ وَإِلَّا عَمِلَ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ اهـ. قُلْت: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ لِيُؤَدِّيَهُ أَنَّ الدَّفْعَ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فِي كَافِي النَّسَفِيِّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ كَانَ كَفِيلًا بِلَا أَمْرٍ يَمْلِكُ الْأَصِيلُ الِاسْتِرْدَادَ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَمْلِكْ الْمُؤَدَّى بَلْ هُوَ فِي يَدِهِ مَحْضُ أَمَانَةٍ كَمَا إذَا أَدَّاهُ الْأَصِيلُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ وَكَانَتْ الْكَفَالَةُ بِالْأَمْرِ عَلَى مَا مَرَّ، بَلْ هَذَا بِالْأَوْلَى لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ هُنَا لَا دَيْنَ لَهُ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ قَدَّمَ قَبْلَهُ مَا يُخَالِفُهُ) لَعَلَّ مُرَادَهُ بِالْمُخَالَفَةِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُقَيِّدْ مَتْنَهُ بِكَوْنِ الْكَفِيلِ كَفِيلًا بِالْأَمْرِ، وَفَرَّقَ هُنَا بَيْنَ كَوْنِهِ بِالْأَمْرِ فَلَا يَعْمَلُ نَهْيُهُ وَإِلَّا عَمِلَ، لَكِنْ فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُرَادَهُ فِي الْمَتْنِ الْكَفِيلُ بِالْأَمْرِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ لَا بُدَّ مِنْهُ فَلَا مُخَالَفَةَ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ) تَقْيِيدٌ لِلْمَتْنِ وَلِتَعْلِيلِهِ بِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَصَرَّحَ بَعْدَهُ بِمَفْهُومِهِ. وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ: فَإِنْ رَبِحَ الْكَفِيلُ فِيهِ فَهُوَ لَهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ حِينَ قَبَضَهُ وَهَذَا إذَا قَضَى الدَّيْنَ ظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا قَضَاهُ الْمَطْلُوبُ بِنَفْسِهِ وَثَبَتَ لَهُ اسْتِرْدَادُ مَا دَفَعَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 324 خِلَافًا لِلثَّانِي (وَنُدِبَ رَدُّهُ) عَلَى الْأَصِيلِ إنْ قَضَى الدَّيْنَ بِنَفْسِهِ دُرَرٌ (فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ) كَحِنْطَةٍ لَا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ كَنُقُودٍ فَلَا يُنْدَبُ، وَلَوْ رَدَّهُ هَلْ يَطِيبُ لِلْأَصِيلِ؟ الْأَشْبَهُ نَعَمْ وَلَوْ غَنِيًّا عِنَايَةٌ. (أَمَرَ) الْأَصِيلُ (كَفِيلَهُ بِبَيْعِ الْعِينَةِ) أَيْ بَيْعِ الْعَيْنِ بِالرِّبْحِ نَسِيئَةً لِيَبِيعَهَا الْمُسْتَقْرِضُ بِأَقَلَّ لِيَقْضِيَ دَيْنَهُ، اخْتَرَعَهُ أَكْلَةُ الرِّبَا، وَهُوَ مَكْرُوهٌ مَذْمُومٌ شَرْعًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ مَبَرَّةِ الْإِقْرَاضِ (فَفَعَلَ) الْكَفِيلُ ذَلِكَ (فَالْمَبِيعُ لِلْكَفِيلِ وَ) زِيَادَةُ (الرِّبْحِ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ وَ (لَا) شَيْءَ عَلَى (الْآمِرِ)   [رد المحتار] لِلْكَفِيلِ، وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِثُبُوتِ مِلْكِهِ إذَا قَضَاهُ الْمَطْلُوبُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ وَجَبَ لَهُ بِمُجَرَّدِ الْكَفَالَةِ عَلَى الْأَصِيلِ مِثْلُ مَا وَجَبَ لِلطَّالِبِ عَلَى الْكَفِيلِ وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ اهـ مُوَضَّحًا مِنْ الْفَتْحِ وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلثَّانِي) أَيْ أَبِي يُوسُفَ فَعِنْدَهُ يَطِيبُ لَهُ كَمَنْ غَصَبَ مِنْ إنْسَانٍ وَرَبِحَ فِيهِ يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَهُ مِنْ أَصْلٍ خَبِيثٍ وَيَطِيبُ لَهُ عِنْدَهُ مُسْتَدِلًّا بِحَدِيثِ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَنُدِبَ رَدُّهُ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ: أَيْ أَنَّ قَوْلَهُ طَابَ لَهُ: أَيْ الرِّبْحُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَوْ كَانَ الْمُؤَدَّى لِلْكَفِيلِ شَيْئًا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَإِنَّ الْخُبْثَ لَا يَظْهَرُ فِيهَا، بِخِلَافِ مَا يَتَعَيَّنُ كَالْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا بِأَنْ كَفَلَ عَنْهُ حِنْطَةً وَأَدَّاهَا الْأَصِيلُ إلَى الْكَفِيلِ وَرَبِحَ الْكَفِيلُ فِيهَا فَإِنَّهُ يُنْدَبُ رَدُّ الرِّبْحِ إلَى الْأَصِيلِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهَذَا هُوَ أَحَدُ الرِّوَايَاتِ عَنْ الْإِمَامِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ بَلْ يَطِيبُ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: إنْ قَضَى الدَّيْنَ بِنَفْسِهِ) أَيْ إنْ قَضَاهُ الْأَصِيلُ لِلطَّالِبِ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تَابَعَ فِيهَا صَاحِبَ الدُّرَرِ الزَّيْلَعِيُّ، وَأَقَرَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، لَكِنْ اعْتَرَضَهُ الْوَانِيُّ بِأَنَّ هَذَا الْقَيْدَ غَيْرُ لَازِمٍ وَمُوهِمٌ خِلَافَ الْمَقْصُودِ. قُلْت: وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ فِي تَوْجِيهِ الْأَصَحِّ: وَلَهُ أَيْ لِلْإِمَامِ أَنَّهُ تَمَكُّنِ الْخُبْثِ مَعَ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ بِأَنْ يَقْضِيَهُ بِنَفْسِهِ إلَخْ، فَجَعْلُ إمْكَانِ الِاسْتِرْدَادِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ بِنَفْسِهِ دَلِيلُ ثُبُوتِ الْخُبْثِ فِي الرِّبْحِ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ، فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ قَيْدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ. (قَوْلُهُ: الْأَشْبَهُ نَعَمْ وَلَوْ غَنِيًّا) الَّذِي فِي الْعِنَايَةِ وَكَذَا الْبَحْرُ وَالنَّهْرُ إنْ كَانَ فَقِيرًا طَابَ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَطِيبَ لَهُ أَيْضًا فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يُؤَخِّرَ قَوْلَهُ الْأَشْبَهُ نَعَمْ عَنْ قَوْلِهِ وَلَوْ غَنِيًّا؛ لِأَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِ لَا فِي الْفَقِيرِ [مَطْلَبُ بَيْعِ الْعِينَةِ] (قَوْلُهُ: أَمَرَ كَفِيلَهُ بِبَيْعِ الْعِينَةِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ السَّلَفُ، يُقَالُ بَاعَهُ بِعِينَةٍ: أَيْ نَسِيئَةً مُغْرِبٌ.: وَفِي الْمِصْبَاحِ وَقِيلَ لِهَذَا الْبَيْعِ عِينَةٌ؛ لِأَنَّ مُشْتَرِيَ السِّلْعَةِ إلَى أَجَلٍ يَأْخُذُ بَدَلَهَا عَيْنًا أَيْ نَقْدًا حَاضِرًا اهـ، أَيْ قَالَ الْأَصِيلُ لِلْكَفِيلِ اشْتَرِ مِنْ النَّاسِ نَوْعًا مِنْ الْأَقْمِشَةِ ثُمَّ بِعْهُ فَمَا رَبِحَهُ الْبَائِعُ مِنْك وَخَسِرْته أَنْتَ فَعَلَيَّ فَيَأْتِي إلَى تَاجِرٍ فَيَطْلُبُ مِنْهُ الْقَرْضَ وَيَطْلُبُ التَّاجِرُ مِنْهُ الرِّبْحَ وَيَخَافُ مِنْ الرِّبَا فَيَبِيعُهُ التَّاجِرُ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةً مَثَلًا بَخَمْسَةَ عَشَرَ نَسِيئَةً فَيَبِيعُهُ هُوَ فِي السُّوقِ بِعَشَرَةٍ فَيَحْصُلُ لَهُ الْعَشَرَةُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ لِلْبَائِعِ خَمْسَةَ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ أَوْ يُقْرِضُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا ثُمَّ يَبِيعُهُ الْمُقْرِضُ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةً بَخَمْسَةَ عَشْرَةَ، فَيَأْخُذُ الدَّرَاهِمَ الَّتِي أَقْرَضَهُ عَلَى أَنَّهَا ثَمَنُ الثَّوْبِ فَيَبْقَى عَلَيْهِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ قَرْضًا دُرَرٌ.: وَمِنْ صُوَرِهَا أَنْ يَعُودَ الثَّوْبُ إلَيْهِ كَمَا إذَا اشْتَرَاهُ التَّاجِرُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ لِيَدْفَعَهُ إلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَشْتَرِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ تَحَرُّزًا عَنْ شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ. (قَوْلُهُ: أَيْ بَيْعُ الْعَيْنِ بِالرِّبْحِ) أَيْ بِثَمَنٍ زَائِدٍ نَسِيئَةً: أَيْ إلَى أَجَلٍ وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِلْمُرَادِ مِنْ بَيْعِ الْعِينَةِ فِي الْعُرْفِ بِالنَّظَرِ إلَى جَانِبِ الْبَائِعِ، فَالْمَعْنَى أَمَرَ كَفِيلَهُ بِأَنْ يُبَاشِرَ عَقْدَ هَذَا الْبَيْعِ مَعَ الْبَائِعِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ الْعَيْنَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ مَأْمُورٌ بِشِرَاءِ الْعِينَةِ لَا بِبَيْعِهَا، وَأَمَّا بَيْعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَا اشْتَرَاهُ فَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْعِينَةِ؛ لِأَنَّهُ يَبِيعُهَا حَالَّةً بِدُونِ رِبْحٍ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَكْرُوهٌ) أَيْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُكْرَهُ هَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 325 لِأَنَّهُ إمَّا ضَمَانُ الْخُسْرَانِ أَوْ تَوْكِيلٌ بِمَجْهُولٍ وَذَلِكَ بَاطِلٌ. (كَفَلَ) عَنْ رَجُلٍ (بِمَا ذَابَ لَهُ أَوْ بِمَا قَضَى لَهُ عَلَيْهِ أَوْ بِمَا لَزِمَهُ لَهُ) عِبَارَةُ الدُّرَرِ: لَزِمَ بِلَا ضَمِيرٍ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا مَاضٍ أُرِيدَ بِهِ الْمُسْتَقْبَلُ كَقَوْلِهِ: أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك (فَغَابَ الْأَصِيلُ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى الْكَفِيلِ أَنَّ لَهُ عَلَى الْأَصِيلِ كَذَا لَمْ يُقْبَلْ) بُرْهَانُهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ فَيَقْضِيَ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُهُ تَبَعًا لِلْأَصِيلِ.   [رد المحتار] الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَحُمِدُوا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَعُدُّوهُ مِنْ الرِّبَا حَتَّى لَوْ بَاعَ كَاغِدَةً بِأَلْفٍ يَجُوزُ وَلَا يُكْرَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هَذَا الْبَيْعُ فِي قَلْبِي كَأَمْثَالِ الْجِبَالِ ذَمِيمٌ اخْتَرَعَهُ أَكَلَةُ الرِّبَا، وَقَدْ ذَمَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَاتَّبَعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ذَلَلْتُمْ وَظَهَرَ عَلَيْكُمْ عَدُوُّكُمْ» أَيْ اشْتَغَلْتُمْ بِالْحَرْثِ عَنْ الْجِهَادِ. وَفِي رِوَايَةٍ «سُلِّطَ عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ فَيَدْعُوا خِيَارُكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ» وَقِيلَ إيَّاكَ وَالْعِينَةَ فَإِنَّهَا اللَّعِينَةُ. ثَمَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ مَا حَاصِلُهُ: إنَّ الَّذِي يَقَعُ فِي قَلْبِي أَنَّهُ إنْ فُعِلَتْ صُورَةٌ يَعُودُ فِيهَا إلَى الْبَائِعِ جَمِيعُ مَا أَخْرَجَهُ أَوْ بَعْضُهُ كَعَوْدِ الثَّوْبِ إلَيْهِ فِي الصُّورَةِ الْمَارَّةِ وَكَعَوْدِ الْخَمْسَةِ فِي صُورَةِ إقْرَاضِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَيُكْرَهُ يَعْنِي تَحْرِيمًا، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ كَمَا إذَا بَاعَهُ الْمَدْيُونُ فِي السُّوقِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ بَلْ خِلَافُ الْأَوْلَى، فَإِنَّ الْأَجَلَ قَابَلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْقَرْضُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ دَائِمًا بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ وَمَا لَمْ تَرْجِعْ إلَيْهِ الْعَيْنُ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْهُ لَا يُسَمَّى بَيْعَ الْعِينَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَيْنِ الْمُسْتَرْجَعَةِ لَا الْعَيْنِ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَكُلُّ بَيْعٍ بَيْعُ الْعِينَةِ اهـ، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ والشرنبلالية وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَجَعَلَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ مَحْمَلَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَحَمَلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَالْحَدِيثَ عَلَى صُورَةِ الْعَوْدِ. هَذَا وَفِي الْفَتْحِ أَيْضًا: ثُمَّ ذَمُّوا الْبِيَاعَاتِ الْكَائِنَةَ الْآنَ أَشَدَّ مِنْ بَيْعِ الْعِينَةِ حَتَّى قَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ لِلتُّجَّارِ إنَّ الْعِينَةَ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْحَدِيثِ خَيْرٌ مِنْ بِيَاعَاتِكُمْ وَهُوَ صَحِيحٌ، فَكَثِيرٌ مِنْ الْبِيَاعَاتِ كَالزَّيْتِ وَالْعَسَلِ وَالشَّيْرَجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اسْتَقَرَّ الْحَالُ فِيهَا عَلَى وَزْنِهَا مَظْرُوفَةً ثُمَّ إسْقَاطُ مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ عَلَى الظَّرْفِ وَبِهِ يَصِيرُ الْبَيْعُ فَاسِدًا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ بِحُكْمِ الْغَصْبِ الْمُحَرَّمِ فَأَيْنَ هُوَ مِنْ بَيْعِ الْعِينَةِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَلَفِ فِي كَرَاهَتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إمَّا ضَمَانُ الْخُسْرَانِ) أَيْ نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ فَإِنَّهَا لِلْوُجُوبِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ بَايِعْ فِي السُّوقِ فَمَا خَسِرْت فَعَلَيَّ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَوْكِيلٌ بِمَجْهُولٍ) أَيْ نَظَرًا إلَى الْأَمْرِ بِهِ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا لِجَهَالَةِ نَوْعِ الثَّوْبِ وَثَمَنِهِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ: كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ لِرَجُلٍ لِيَكُونَ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ فِي لَهُ مَذْكُورًا وَهُوَ الرَّجُلُ الثَّانِي الْمَكْفُولُ لَهُ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا مِنْ الْمَقَامِ. (قَوْلُهُ: بِمَا ذَابَ لَهُ) أَيْ بِمَا ثَبَتَ وَوَجَبَ بِالْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ: عِبَارَةُ الدُّرَرِ لَزِمَ بِلَا ضَمِيرَ) الَّذِي رَأَيْنَاهُ فِي الدُّرَرِ لَزِمَهُ بِالضَّمِيرِ وَكَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ الشَّارِحِ وَهِيَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ضَمِيرَ لَهُ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ لِلْمَكْفُولِ لَهُ وَضَمِيرُ لَزِمَهُ لِلْمَكْفُولِ، فَفِيهِ تَشْتِيتُ الضَّمَائِرِ مَعَ إيهَامِ عَوْدِهِ لِلْمَكْفُولِ أَيْضًا كَبَقِيَّةِ الضَّمَائِرِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِهِ وَلَا إلَى التَّصْرِيحِ بِهِ؛ لِأَنَّ لَزِمَ بِمَعْنَى ثَبَتَ فَهُوَ قَاصِرٌ فِي الْمَعْنَى لَا يَحْتَاجُ إلَى مَفْعُولٍ وَالْمَعْنَى بِمَا ثَبَتَ لَهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَهُ نَبَّهَ الشَّارِحُ عَلَيْهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: أُرِيدَ بِهِ الْمُسْتَقْبَلُ) لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْمَعْنَى إنْ وَجَبَ لَكَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَأَنَا كَفِيلٌ بِهِ، حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مَالٌ ثَابِتٌ قَبْلَ الْكَفَالَةِ لَمْ يَكُنْ مَكْفُولًا بِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: لَمْ يُقْبَلْ بُرْهَانُهُ) لِأَنَّهُ إنَّمَا كَفَلَ عَنْهُ بِمَالٍ مَقْضِيٍّ بَعْدَ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الذَّوْبَ شَرْطًا وَالشَّرْطُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مُسْتَقْبَلًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ، فَمَا لَمْ يُوجَدْ الذَّوْبُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ لَا يَكُونُ كَفِيلًا وَالْبَيِّنَةُ لَمْ تَشْهَدْ بِقَضَاءِ دَيْنٍ وَجَبَ بَعْدَ الْكَفَالَةِ فَلَمْ تَقُمْ عَلَى مَنْ اتَّصَفَ بِكَوْنِهِ كَفِيلًا عَنْ الْغَائِبِ بَلْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، وَهَذَا فِي لَفْظِ الْقَضَاءِ ظَاهِرٌ وَكَذَا فِي ذَابَ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ تَقَرَّرَ وَوَجَبَ وَهُوَ بِالْقَضَاءِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى أَنِّي قَدَّمْت الْغَائِبَ إلَى قَاضِي كَذَا وَأَقَمْت عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِكَذَا بَعْدَ الْكَفَالَةِ وَقَضَى لِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ صَارَ كَفِيلًا وَصَحَّتْ الدَّعْوَى وَقَضَى عَلَى الْكَفِيلِ بِالْمَالِ لِصَيْرُورَتِهِ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ أَوْ لَا إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ أَمْرٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 326 (وَإِنْ بَرْهَنَ أَنَّ لَهُ عَلَى زَيْدٍ الْغَائِبِ كَذَا) مِنْ الْمَالِ (وَهُوَ) أَيْ الْحَاضِرُ (كَفِيلٌ قَضَى) بِالْمَالِ (عَلَى الْكَفِيلِ) فَقَطْ (وَلَوْ زَادَ بِأَمْرِهِ قَضَى عَلَيْهِمَا) فَلِلْكَفِيلِ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ هُنَا مَالٌ مُطْلَقٌ فَأَمْكَنَ إثْبَاتُهُ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ وَهَذِهِ حِيلَةُ إثْبَاتِ الدَّيْنِ عَلَى الْغَائِبِ، وَلَوْ خَافَ الطَّالِبُ مَوْتَ الشَّاهِدِ يَتَوَاضَعُ مَعَ رَجُلٍ وَيَدَّعِي عَلَيْهِ مِثْلَ هَذِهِ الْكَفَالَةِ فَيُقِرُّ الرَّجُلُ بِالْكَفَالَةِ وَيُنْكِرُ الدَّيْنَ فَيُبَرْهِنُ الْمُدَّعِي عَلَى الدَّيْنِ فَيَقْضِي بِهِ عَلَى الْكَفِيلِ وَالْأَصِيلِ ثُمَّ يُبْرِئُ الْكَفِيلَ فَيَبْقَى الْمَالُ عَلَى الْغَائِبِ   [رد المحتار] يَكُونُ الْقَضَاءُ عَلَى الْكَفِيلِ خَاصَّةً كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَقَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ ادَّعَى إلَخْ هُوَ مَعْنَى مَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ: ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْ فُلَانٍ بِمَا يَذُوبُ لَهُ عَلَيْهِ فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ وَأَنْكَرَ الْحَقَّ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّهُ ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ، كَذَا فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ الْحَاضِرِ وَفِي حَقِّ الْغَائِبِ جَمِيعًا، حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ اهـ، فَإِنَّ قَوْلَهُ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّهُ ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ وَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ: أَيْ أَنَّ الْقَاضِيَ قَضَى لَهُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، فَحَيْثُ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّ الْأَصِيلَ الْغَائِبَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ثَبَتَ شَرْطُ الْكَفَالَةِ فَصَارَ الْكَفِيلُ خَصْمًا فَيَثْبُتُ عَلَيْهِ الْمَالُ قَصْدًا أَوْ عَلَى الْغَائِبِ ضِمْنًا، بِخِلَافِ مَا فِي الْمَتْنِ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّ لَهُ عَلَى الْأَصِيلِ كَذَا لَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ حَكَمَ لَهُ عَلَى الْأَصِيلِ بِكَذَا فَلَوْ قُبِلَتْ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ قَصْدًا؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَمْ يَصِرْ خَصْمًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ شَرْطُ كَفَالَتِهِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ جَلِيٌّ وَاضِحٌ وَإِنْ خَفِيَ عَلَى صَاحِبِ النَّهْرِ وَغَيْرِهِ. وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْبَحْرِ إنَّ جَزْمَهُمْ هُنَا بِعَدَمِ الْقَبُولِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ، أَمَّا عَلَى أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ نَفَاذِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فَيَنْبَغِي النَّفَاذُ اهـ، فَإِنَّ الْمُفْتَى بِهِ نَفَاذُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ حَاكِمٍ يَرَاهُ كَشَافِعِيٍّ، حَتَّى لَوْ رَفَعَ حُكْمَهُ إلَى الْحَنَفِيِّ نَفَّذَهُ كَمَا حَرَّرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ نَفْسُهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ وَكَلَامُهُمْ هُنَا فِي الْحَاكِمِ الْحَنَفِيِّ، فَإِنَّ حُكْمَهُ لَا يَنْفُذُ لِمَا عَلِمْته مِنْ عَدَمِ الْخَصْمِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَرْهَنَ إلَخْ) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ غَيْرُ دَاخِلَةٍ تَحْتَ قَوْلِهِ كَفَلَ بِمَا ذَابَ إلَخْ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ الْكَمَالِ وَغَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ هُنَا بِمَالٍ مُطْلَقٍ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَفِيلٌ) أَيْ بِذَلِكَ الْمَالِ. (قَوْلُهُ: فَلِلْكَفِيلِ الرُّجُوعُ) أَيْ فَإِذَا قَضَى عَلَيْهِمَا: أَيْ عَلَى الْكَفِيلِ الْحَاضِرِ وَعَلَى الْأَصِيلِ الْغَائِبِ ثَبَتَ لِلْكَفِيلِ بِالْأَمْرِ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَائِبِ بِلَا إعَادَةِ بَيِّنَةٍ عَلَيْهِ إذَا حَضَرَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ ضِمْنًا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ هُنَا) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ بَرْهَنَ إلَخْ مَالٌ مُطْلَقٌ: أَيْ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِكَوْنِهِ ثَابِتًا بَعْدَ الْكَفَالَةِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ كَفَلَ بِمَا ذَابَ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ فِيهِ بِمَالٍ مَوْصُوفٍ بِكَوْنِهِ مَقْضِيًّا بِهِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ، فَمَا لَمْ تَثْبُتْ تِلْكَ الصِّفَةُ لَا يَكُونُ كَفِيلًا فَلَا يَكُونُ خَصْمًا كَمَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانَ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِأَصْلِ الْقَضَاءِ عَلَى الْكَفِيلِ. وَأَمَّا كَوْنُ الْقَضَاءِ يَتَعَدَّى إلَى الْأَصِيلِ لَوْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ وَلَا يَتَعَدَّى لَوْ بِدُونِ أَمْرِهِ فَوَجْهُهُ كَمَا فِي النَّهْرِ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِلَا أَمْرٍ إنَّمَا تُفِيدُ قِيَامَ الدَّيْنِ فِي زَعْمِ الْكَفِيلِ فَلَا يَتَعَدَّى زَعْمُهُ إلَى غَيْرِهِ، أَمَّا بِالْأَمْرِ الثَّابِتِ فَيَتَضَمَّنُ إقْرَارَ الْمَطْلُوبِ بِالْمَالِ إذْ لَا يَأْمُرُ غَيْرَهُ بِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ إلَّا وَهُوَ مُعْتَرِفٌ بِهِ؛ فَلِذَا صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ مُرَبَّعَةً إذْ الْكَفَالَةُ إمَّا مُطْلَقَةٌ كَكَفَلْت بِمَا لَك عَلَى فُلَانٍ أَوْ مُقَيَّدَةٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَكُلٌّ مَا بِالْأَمْرِ أَوْ بِدُونِهِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُقَيَّدَةَ إذَا كَانَتْ بِالْأَمْرِ كَانَ الْقَضَاءُ بِهَا عَلَيْهِمَا وَإِلَّا فَعَلَى الْكَفِيلِ فَقَطْ. وَأَمَّا الْمُطْلَقَةُ فَإِنَّ الْقَضَاءَ بِهَا عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ كَانَتْ بِالْأَمْرِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ لَا يَتَوَصَّلُ لِإِثْبَاتِ حَقِّهِ عَلَى الْكَفِيلِ إلَّا بَعْدَ إثْبَاتِهِ عَلَى الْأَصِيلِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ اهـ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ حِيلَةٌ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ الْأَوْجُهَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ آنِفًا عَنْ الْجَامِعِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْمُطْلَقَةَ هِيَ الْحِيلَةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 327 وَكَذَا الْحَوَالَةُ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ. (كَفَالَتُهُ بِالدَّرَكِ) (تَسْلِيمٌ) مِنْهُ (لِمَبِيعٍ) كَشُفْعَةٍ فَلَا دَعْوَى لَهُ (كَكَتَبَ شَهَادَتَهُ فِي صَكٍّ كَتَبَ فِيهِ بَاعَ مِلْكَهُ أَوْ بَاعَ بَيْعًا نَافِذًا بَاتًّا) فَإِنَّهُ تَسْلِيمٌ أَيْضًا، كَمَا لَوْ شَهِدَ بِالْبَيْعِ عِنْدَ الْحَاكِمِ قَضَى بِهَا أَوَّلًا (لَا) يَكُونُ تَسْلِيمًا (كَتَبَ شَهَادَتَهُ فِي صَكِّ بَيْعٍ مُطْلَقٍ) عَمَّا ذَكَرَ (أَوْ كَتَبَ شَهَادَتَهُ عَلَى إقْرَارِ الْعَاقِدَيْنِ) لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ إخْبَارٍ فَلَا تَنَاقُضَ   [رد المحتار] فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَأَنَّ الْمُقَيَّدَةَ لَا تَصْلُحُ لِلْحِيلَةِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّعَدِّي عَلَى الْغَائِبِ كَوْنُهَا بِأَمْرِهِ اهـ. قُلْت: وَطَرِيقُ جَعْلِهَا حِيلَةً هُوَ الْمُوَاضَعَةُ الْآتِيَةُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى الْغَائِبِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمُطْلَقَةِ عَنْ التَّقْيِيدِ بِمِقْدَارٍ مِنْ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِالْأَمْرِ أَوْ لَا فَيَتَعَدَّى فِيهَا الْحُكْمُ إلَى الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ إذَا أَقَرَّ بِالْكَفَالَةِ وَأَنْكَرَ الدَّيْنَ عَلَى الْأَصِيلِ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى الدَّيْنِ وَقَدَّرَهُ لِإِلْزَامِ الْكَفِيلِ بِهِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلَّا بَعْدَ إثْبَاتِهِ عَلَى الْأَصِيلِ فَيَثْبُتُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَنَا كَمَا فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا ادَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ حَقًّا لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِإِثْبَاتِهِ عَلَى الْغَائِبِ، فَإِذَا ثَبَتَ عَلَيْهِمَا ثُمَّ أَبْرَأَ الْمُدَّعِي الْكَفِيلَ يَبْقَى الْمَالُ ثَابِتًا عَلَى الْغَائِبِ. وَأَمَّا الْكَفَالَةُ الْمُقَيَّدَةُ بِأَلْفٍ مَثَلًا فَلَا يَتَعَدَّى الْحُكْمُ فِيهَا إلَّا إذَا كَانَتْ بِأَمْرِهِ كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ تَصْلُحْ لِلْحِيلَةِ مَعَ تَعَدِّي الْحُكْمِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ كَوْنِ الْكَفَالَةِ بِالْأَمْرِ وَلَيْسَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا تَجُوزُ الْحِيلَةُ بِإِقَامَةِ شُهُودِ الزُّورِ، وَإِقْرَارُ الْكَفِيلِ بِالدَّيْنِ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْغَائِبِ، فَضْلًا عَنْ إقْرَارِهِ بِكَوْنِ الْكَفَالَةِ بِأَمْرِ الْغَائِبِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ لَكَ أَنَّ الْإِشَارَةَ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ وَهَذِهِ لَا مُرَجِّحَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي كَلَامِهِ الْكَفَالَةُ الْمُقَيَّدَةُ وَهِيَ بِقِسْمَيْهَا لَا تَصْلُحُ لِلْحِيلَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْحَوَالَةُ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ: وَكَذَا الْحَوَالَةُ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ اهـ أَيْ إنَّهَا تَكُونُ مُطْلَقَةً وَمُقَيَّدَةً وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِالْأَمْرِ وَبِدُونِهِ فَهِيَ مُرَبَّعَةٌ أَيْضًا. وَبَيَانُهُ مَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ التَّحْرِيرِ شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى الْحَوَالَةِ الْمُطْلَقَةِ يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ ادَّعَى الْأَمْرَ أَوْ لَمْ يَدَّعِ فَإِنْ شَهِدُوا بِالْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ إنْ ادَّعَى الْأَمْرَ يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ فَيَرْجِعُ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْأَمْرَ يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْحَاضِرِ خَاصَّةً وَلَا يَرْجِعُ، وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْإِشَارَةَ بِقَوْلِهِ وَكَذَا الْحَوَالَةُ رَاجِعَةٌ إلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لَا إلَى بَيَانِ جَعْلِهَا حِيلَةً؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْحَوَالَةِ كَوْنُ الْمَالِ مَعْلُومًا كَمَا سَيَأْتِي. فَلَوْ قَالَ لَهُ إنَّ فُلَانًا أَحَالَنِي عَلَيْك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ لَهُ بِالْحَوَالَةِ بِهَا كَانَ مُقِرًّا بِالْمَالِ فَيَلْزَمُهُ وَلَا يُمْكِنُ الْمُدَّعِيَ إثْبَاتُهُ عَلَى الْغَائِبِ بِالْبَيِّنَةِ، وَهَذِهِ حَوَالَةٌ مُطْلَقَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُقَيَّدْ بِنَوْعٍ مَخْصُوصٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ: كَفَالَتُهُ بِالدَّرْكِ) هُوَ ضَمَانُ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ كَمَا مَرَّ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ) أَيْ تَصْدِيقٌ مِنْهُ بِأَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْبَيْعِ فَتَمَامُهُ بِقَبُولِ الْكَفِيلِ فَكَأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ لَهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً فَالْمُرَادُ بِهَا أَحْكَامُ الْبَيْعِ وَتَرْغِيبُ الْمُشْتَرِي فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْإِقْرَارِ بِالْمِلْكِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ اشْتَرِهَا فَإِنَّهَا مِلْكُ الْبَائِعِ، فَإِنْ اسْتَحَقَّتْ فَأَنَا ضَامِنٌ ثَمَنَهَا نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: كَشُفْعَةٍ) أَيْ لَوْ كَانَ الْكَفِيلُ شَفِيعَهَا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ بَحْرٌ لِرِضَاهُ بِشِرَاءِ الْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ: فَلَا دَعْوَى لَهُ) أَيْ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِالْمِلْكِ فِيهَا بِالشُّفْعَةِ وَبِالْإِجَارَةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: كُتِبَ فِيهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَقَوْلُهُ بَاعَ مِلْكَهُ إلَخْ جُمْلَةٌ قُصِدَ بِهَا لَفْظُهَا نَائِبُ الْفَاعِلِ وَجُمْلَةُ كُتِبَ إلَخْ صِفَةٌ لِصَكٍّ. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ شَهِدَ بِالْبَيْعِ إلَخْ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِهِ عَلَى إنْسَانٍ إقْرَارٌ مِنْهُ بِنَفَاذِ الْبَيْعِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ نَهْرٌ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقٌ عَمَّا ذَكَرَ) أَيْ عَنْ قَيْدِ الْمِلْكِيَّةِ، وَكَوْنُهُ نَافِذًا بَاتًّا فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ الْمِلْكَ بَعْدَهُ إذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ يَصْدُرُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ وَلَعَلَّهُ كَتَبَ شَهَادَتَهُ لِيَحْفَظَ الْوَاقِعَةَ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا ذَكَرَ دُرَرٌ أَيْ لِيَسْعَى بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَثْبِيتِ الْبَيِّنَةِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ إخْبَارٍ) وَلَوْ أَخْبَرَ بِأَنَّ فُلَانًا بَاعَ شَيْئًا كَانَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ دُرَرٌ وَقَوْلُهُمْ هُنَا إنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَكُونُ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ يَدُلُّ بِالْأَوْلَى عَلَى أَنَّ السُّكُوتَ زَمَانًا لَا يَمْنَعُ الدَّعْوَى بَحْرٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 328 وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَتْمَ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ اتِّفَاقًا بِاعْتِبَارِ عَادَتِهِمْ. (قَالَ) الْكَفِيلُ (ضَمِنْته لَك إلَى شَهْرٍ وَقَالَ الطَّالِبُ) هُوَ (حَالٌّ) (فَالْقَوْلُ لِلضَّامِنِ) لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْمُطَالَبَةَ (وَعَكْسُهُ) أَيْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (فِي) قَوْلِهِ (لَك عَلَيَّ مِائَةٌ إلَى شَهْرٍ) مَثَلًا (إذَا قَالَ الْآخَرُ) وَهُوَ الْمُقَرُّ لَهُ (حَالَّةً) لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يُنْكِرُ الْأَجَلَ، وَالْحِيلَةُ لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ وَخَافَ الْكَذِبَ أَوْ حُلُولَهُ بِإِقْرَارٍ أَنْ يَقُولَ أَهُوَ حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ؟ فَإِنْ قَالَ حَالٌّ أَنْكَرَهُ وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ زَيْلَعِيٌّ. (وَلَا يُؤْخَذُ ضَامِنُ الدَّرَكِ إذَا اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ) إذْ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِحْقَاقِ   [رد المحتار] وَفِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ أَبِي السُّعُودِ: لَكِنْ نَقَلَ شَيْخُنَا عَنْ فَتَاوَى الشَّيْخِ الشَّلَبِيِّ إنَّ حُضُورَهُ مَجْلِسَ الْبَيْعِ وَسُكُوتَهُ بِلَا عُذْرٍ مَانِعٍ لَهُ مِنْ الدَّعْوَى بَعْدَ ذَلِكَ حَسْمًا لِبَابِ التَّزْوِيرِ اهـ. قُلْت: سَيَأْتِي آخِرَ الْكِتَابِ قُبَيْلَ الْوَصَايَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ فِي الْقَرِيبِ وَالزَّوْجَةِ: وَكَذَا فِي الْجَارِي إذَا سَكَتَ بَعْدَ ذَلِكَ زَمَانًا. وَفِي دَعْوَى الْخَيْرِيَّةِ أَنَّ عُلَمَاءَنَا نَصُّوا فِي مُتُونِهِمْ وَشُرُوحِهِمْ وَفَتَاوِيهِمْ أَنَّ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ مَعَ إطْلَاعِ الْخَصْمِ وَلَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا بِنَحْوِ الْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ أَوْ الزَّرْعِ يَمْنَعُهُ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَتْمَ إلَخْ) أَيْ كَمَا قَالَ فِي الْكَنْزِ وَشَهَادَتُهُ وَخَتْمُهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: الْخَتْمُ أَمْرٌ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ إذَا كَتَبَ اسْمَهُ فِي الصَّكِّ جَعَلَ اسْمَهُ تَحْتَ رَصَاصٍ مَكْتُوبًا وَوَضَعَ نَقْشَ خَاتَمِهِ كَيْ لَا يَطْرُقَهُ التَّبْدِيلُ وَلَيْسَ هَذَا فِي زَمَانِنَا اهـ. فَالْحُكْمُ لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خَتْمٌ أَوْ لَا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَمْ أَرَ مَا لَوْ تَعَارَفُوا رَسْمَ الشَّهَادَةِ بِالْخَتْمِ فَقَطْ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا لِمَكْتُوبٍ فِي الصَّكِّ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يُفِيدُ الِاعْتِرَافَ بِالْمِلْكِ ثُمَّ خُتِمَ كَانَ اعْتِرَافًا بِهِ وَإِلَّا لَا اهـ. (قَوْلُهُ: إلَى شَهْرٍ) أَيْ بَعْدَ شَهْرٍ فَلَا مُطَالَبَةَ لَكَ عَلَيَّ الْآنَ. (قَوْلُهُ: هُوَ) أَيْ الضَّمَانُ. (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لِلضَّامِنِ) أَيْ مَعَ يَمِينِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ط عَنْ الشَّلَبِيِّ. وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا رُوِيَ عَنْ الثَّانِي أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْمُطَالَبَةَ) أَيْ فِي الْحَالِّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يُنْكِرُ الْأَجَلَ) فَإِنَّ الْمُقِرَّ بِالدَّيْنِ أَقَرَّ بِمَا هُوَ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِّ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الدَّيْنَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بَدَلًا عَنْ قَرْضٍ أَوْ إتْلَافٍ أَوْ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَرْضَى بِخُرُوجِ مُسْتَحَقِّهِ فِي الْحَالِّ إلَّا لِبَدَلٍ فِي الْحَالِّ، فَكَانَ الْحُلُولُ الْأَصْلَ وَالْأَجَلُ عَارِضٌ، فَكَانَ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ مَعْرُوضًا لِعَارِضٍ لَا نَوْعًا ثُمَّ ادَّعَى لِنَفْسِهِ حَقًّا وَهُوَ تَأْخِيرُهَا، وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ، وَفِي الْكَفَالَةِ مَا أَقَرَّ بِالدِّينِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ بَلْ بِحَقِّ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ شَهْرٍ وَالْمَكْفُولُ لَهُ يَدَّعِيهَا فِي الْحَالِّ وَالْكَفِيلُ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْتِزَامَ الْمُطَالَبَةِ يَتَنَوَّعُ إلَى الْتِزَامِهَا فِي الْحَالِّ أَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْكَفَالَةِ بِمَا ذَابَ أَوْ بِالدَّرَكِ فَإِنَّمَا أَقَرَّ بِنَوْعٍ مِنْهَا فَلَا يَلْزَمُ بِالنَّوْعِ الْآخَرِ اهـ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَخَافَ الْكَذِبَ) أَيْ إنْ أَنْكَرَ الدَّيْنَ. (قَوْلُهُ: أَوْ حُلُولُهُ) أَيْ دَعْوَى الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّهُ حَالٌّ بِسَبَبِ إقْرَارِ الْمُقِرِّ بِالدَّيْنِ. (قَوْلُهُ: أَنْ يَقُولَ إلَخْ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي، وَقِيلَ إذَا قَالَ لَيْسَ لَكَ عَلَيَّ حَقٌّ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يُرِدْ اسْتِوَاءَ حَقِّهِ زَيْلَعِيٌّ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَمْرَ حَلِفِهِ لَوْ اسْتَحْلَفَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ إذْ مُجَرَّدُ إنْكَارِهِ مِمَّا لَا أَثَرَ لَهُ نَهْرٌ: أَيْ أَنَّ قَوْلَهُ لَا بَأْسَ بِهِ: أَيْ بِإِنْكَارِهِ الْمَذْكُورِ لَا أَثَرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ يَطْلُبُ تَحْلِيفَهُ وَيُكَذِّبُهُ فِي الْإِنْكَارِ فَالْإِذْنُ لَهُ بِالْإِنْكَارِ إذْنٌ بِالْحَلِفِ، وَلَا يَخْفَى أَنْ لَيْسَ لِلنَّفْيِ فِي الْحَالِّ إلَّا لِقَرِينَةٍ عَلَى خِلَافِهِ فَإِذَا حَلَفَ وَقَالَ لَيْسَ لَكَ عَلَيَّ حَقٌّ: أَيْ فِي الْحَالِّ فَهُوَ صَادِقٌ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: إذَا اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَى الْبَائِعِ) الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلَا يُؤْخَذُ وَأَرَادَ بِالِاسْتِحْقَاقِ النَّاقِلَ، أَمَّا الْمُبْطِلُ كَدَعْوَى النَّسَبِ وَدَعْوَى الْوَقْفِ فِي الْأَرْضِ الْمُشْتَرَاةِ، وَأَنَّهَا كَانَتْ مَسْجِدًا يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ وَإِنْ لَمْ يَقْضِ بِالثَّمَنِ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 329 لَا يَنْتَقِضُ الْبَيْعُ عَلَى الظَّاهِرِ كَمَا مَرَّ. (وَصَحَّ ضَمَانُ الْخَرَاجِ) أَيْ الْمُوَظَّفِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَهُوَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الذِّمَّةِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ (وَالرَّهْنُ بِهِ) إذْ الرَّهْنُ بِخَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ بَاطِلٌ نَهْرٌ عَلَى خِلَافِ مَا أَطْلَقَهُ فِي الْبَحْرِ، وَتَجْوِيزُ الزَّيْلَعِيِّ الرَّهْنَ فِي كُلِّ مَا تَجُوزُ بِهِ الْكَفَالَةُ بِجَامِعِ التَّوَثُّقِ مَنْقُوضٌ بِالدَّرَكِ لِجَوَازِ الْكَفَالَةِ بِهِ دُونَ الرَّهْنِ (وَكَذَا النَّوَائِبُ) وَلَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ كَجِبَايَاتِ زَمَانِنَا فَإِنَّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ كَالدُّيُونِ بَلْ فَوْقَهَا، حَتَّى لَوْ أُخِذَتْ مِنْ الْأَكَّارِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى مَالِكِ الْأَرْضِ   [رد المحتار] الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَلِكُلٍّ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِخِلَافِ النَّاقِلِ، وَمَرَّ تَمَامُ أَحْكَامِهِ فِي بَابِهِ، قَيَّدَ بِالِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْفَسَخَ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ عَيْبٍ لَمْ يُؤَاخَذْ الْكَفِيلُ بِهِ وَبِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَنَى فِي الْأَرْضِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ أَمَةً اسْتَوْلَدَهَا الْمُشْتَرِي وَأَخَذَ مِنْ الْمُشْتَرِي مَعَ الثَّمَنِ قِيمَةَ الْوَلَدِ، وَالْعُقْرُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْكَفِيلِ إلَّا بِالثَّمَنِ كَذَا فِي السِّرَاجِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: لَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ) وَلِهَذَا لَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيْعَ قَبْلَ الْفَسْخِ جَازَ وَلَوْ بَعْدَ قَبْضِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَمَا لَمْ يَقْضِ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ لَا يَجِبُ رَدُّ الثَّمَنِ عَلَى الْأَصِيلِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ، وَقَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ أَيْ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُوَظَّفِ فِي كُلِّ سَنَةٍ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَهُ مَطَالِبُ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَصَارَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ اعْتَمَدُوهُ جَمِيعًا فَيَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الْخَرَاجِ الْمَضْمُونِ بِالْمُوَظَّفِ. أَمَّا خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ فَجُزْءٌ مِنْ الْخَارِجِ وَهُوَ عَيْنُ غَيْرِهِ مَضْمُونٌ حَتَّى لَوْ هَلَكَ لَا يُؤْخَذُ بِشَيْءٍ وَالْكَفَالَةُ بِأَعْيَانٍ لَا تَجُوزُ ط. (قَوْلُهُ: عَلَى خِلَافِ مَا أَطْلَقَهُ فِي الْبَحْرِ) فَإِنَّهُ قَالَ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْخَرَاجَ الْمُوَظَّفَ وَخَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ وَخَصَّصَهُ بَعْضُهُمْ بِالْمُوَظَّفِ إلَخْ. وَوَجْهُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْبَحْرِ حَيْثُ حَمَلَ كَلَامَ الْكَنْزِ عَلَى الْإِطْلَاقِ مَعَ وُجُودِ الْقَرِينَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالْمُوَظَّفِ فَكَانَ الْأَوْلَى التَّقْيِيدَ فَافْهَمْ، وَكَذَا التَّعْلِيلُ الْمَارُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ قُيِّدَتْ الْكَفَالَةُ بِمَا إذَا كَانَ خَرَاجًا مُوَظَّفًا لَا خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ فَإِنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ. (قَوْلُهُ: مَنْقُوضٌ) النَّقْضُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا النَّوَائِبُ) جَمْعُ نَائِبَةٍ وَفِي الصِّحَاحِ النَّائِبَةُ الْمُصِيبَةُ وَاحِدَةُ نَوَائِبِ الدَّهْرِ اهـ، وَفِي اصْطِلَاحِهِمْ مَا يَأْتِي. قَالَ فِي الْفَتْحِ قِيلَ أَرَادَ بِهَا مَا يَكُونُ بِحَقٍّ كَأُجْرَةِ الْحُرَّاسِ وَكَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ وَالْمَالِ الْمُوَظَّفِ لِتَجْهِيزِ الْجَيْشِ وَفِدَاءِ الْأَسْرَى إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ وَغَيْرُهُمَا مِمَّا هُوَ بِحَقٍّ ، فَالْكَفَالَةُ بِهِ جَائِزَةٌ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُوسِرٍ بِإِيجَابِ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِيمَا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَلْزَمْ بَيْتَ الْمَالِ أَوْ لَزِمَهُ وَلَا شَيْءَ فِيهِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا مَا لَيْسَ بِحَقٍّ كَالْجِبَايَاتِ الْمُوَظَّفَةِ عَلَى النَّاسِ فِي زَمَانِنَا بِبِلَادِ فَارِسَ عَلَى الْخَيَّاطِ وَالصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِمْ لِلسُّلْطَانِ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ فَإِنَّهَا ظُلْمٌ. فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِهَا فَقِيلَ تَصِحُّ إذْ الْعِبْرَةُ فِي صِحَّةِ الْكَفَالَةِ وُجُودُ الْمُطَالَبَةِ إمَّا بِحَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا مَنْ تَوَلَّى قِسْمَتَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَعَدَلَ فَهُوَ مَأْجُورٌ وَيَنْبَغِي أَنَّ مَنْ قَالَ الْكَفَالَةُ ضَمٌّ فِي الدَّيْنِ يَمْنَعُهَا هُنَا، وَمَنْ قَالَ فِي الْمُطَالَبَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ بِصِحَّتِهَا أَوْ يَمْنَعُهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ أَوْ مُطْلَقًا اهـ، فَإِنْ قَالَ بِالدَّيْنِ مَنَعَهَا وَإِنْ قَالَ مُطْلَقًا أَيْ بِالدَّيْنِ وَغَيْرِهِ أَجَازَهَا. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ أُخِذَتْ إلَخْ) تَأْيِيدٌ لِلْقَوْلِ بِجَوَازِ الْكَفَالَةِ بِهَا فَإِنَّهَا إذَا أُخِذَتْ مِنْ الْأَكَّارِ وَجَازَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهَا بِلَا كَفَالَةٍ فَمَعَ الْكَفَالَةِ بِالْأَوْلَى، لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَا يَرْجِعُ الْأَكَّارُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ يَرْجِعُ وَإِنْ أَخَذَ مِنْ الْجَارِ لَا يَرْجِعُ وَزَادَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ لَوْ أَدَّى الْخَرَاجَ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا نَعَمْ فِي آخِرِ إجَارَاتِ الْقُنْيَةِ بِرَمْزِ ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ وَغَيْرِهِ الْمُسْتَأْجِرُ إذَا أُخِذَ مِنْهُ الْجِبَايَةُ الرَّاتِبَةُ عَلَى الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ يَرْجِعُ عَلَى الْآجِرِ، وَكَذَا الْأَكَّارُ فِي الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 330 وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ الْكَمَالِ، وَقَيَّدَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِمَا إذَا أَمَرَهُ بِهِ طَائِعًا، فَلَوْ مُكْرَهًا فِي الْأَمْرِ لَمْ يُعْتَبَرْ لِمَا أَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ ذَكَرَهُ الْأَكْمَلُ. وَقَالُوا: مَنْ قَامَ بِتَوْزِيعِهَا بِالْعَدْلِ أُجِرَ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَفْسُقُ حَيْثُ عَدَلَ وَهُوَ نَادِرٌ. وَفِي وَكَالَةِ الْبَزَّازِيَّةِ: قَالَ لِرَجُلٍ خَلِّصْنِي مِنْ مُصَادَرَةِ الْوَالِي أَوْ قَالَ الْأَسِيرُ ذَلِكَ فَخَلَّصَهُ رَجَعَ بِلَا شَرْطٍ عَلَى الصَّحِيحِ. قُلْت: وَهَذَا يَقَعُ فِي دِيَارِنَا كَثِيرًا، وَهُوَ أَنَّ الصُّوبَاشِيَّ يُمْسِكُ رَجُلًا وَيَحْبِسُهُ فَيَقُولُ لِآخَرَ خَلِّصْنِي فَيُخَلِّصَهُ بِمَبْلَغٍ: فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ بِغَيْرِ شَرْطِ الرُّجُوعِ بَلْ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ فَتَدَبَّرْ، كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ   [رد المحتار] الْفَتْوَى اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَكَذَا الْمَسْأَلَةُ الْأَكَّارُ كَمَا عَلِمْت. وَفِي الْبَحْرِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُ الصِّحَّةِ: أَيْ فِي كَفَالَةِ النَّوَائِبِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ وَلِذَا قَالَ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ، وَالْفَتْوَى عَلَى الصِّحَّةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ: الصَّحِيحُ الصِّحَّةُ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ اهـ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الِاخْتِيَارِ وَالْمُخْتَارِ وَالْمُلْتَقَى نَعَمْ صَحَّحَ صَاحِبُ الْخَانِيَّةِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَدَمَ الصِّحَّةِ، وَكَذَلِكَ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ مُسْتَنِدًا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَلِمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْأَسِيرَ لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ خَلِّصْنِي فَدَفَعَ الْمَأْمُورُ مَالًا وَخَلَّصَهُ. قَالَ السَّرَخْسِيُّ يَرْجِعُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ لَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَ: فَهَذَا يَدْفَعُ مَا فِي الْإِصْلَاحِ وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْعِلَّةُ فِيهِ أَنَّ الظُّلْمَ يَجِبُ إعْدَامُهُ وَيَحْرُمُ تَقْرِيرُهُ وَفِي الْقَوْلِ بِصِحَّةِ تَقْرِيرِهِ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ وَمَشَى عَلَى الصِّحَّةِ بَعْضُ الْمُتُونِ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ لَفْظَ النَّوَائِبِ فَكَانَ أَرْجَحَ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْأَسِيرِ فَلَيْسَ فِيهَا كَفَالَةٌ وَلَا أَمْرُ الرُّجُوعِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ صَحَّحَ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْأَسِيرِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْبُيُوعِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالْعِلَّةُ فِيهِ إلَخْ فَهُوَ مَدْفُوعٌ بِمَا رَأَيْته فِي هَامِشِ نُسْخَتَيْ الْمِنَحِ بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَأَظُنُّهُ السَّيِّدَ الْحَمَوِيَّ مِمَّا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِالنَّوَائِبِ رُجُوعُ الْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ لَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِالْأَمْرِ لَا أَنَّهُ يَضْمَنُ لِطَالِبِهَا الظَّالِمِ؛ لِأَنَّ الظُّلْمَ يَجِبُ إعْدَامُهُ وَلَا يَجُوزُ تَقْرِيرُهُ فَلَا تَغْتَرَّ بِظَاهِرِ الْكَلَامِ اهـ، وَهُوَ تَنْبِيهٌ حَسَنٌ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرُوا الرُّجُوعَ عَلَى الْكَفِيلِ بَلْ اقْتَصَرُوا عَلَى بَيَانِ الرُّجُوعِ عَلَى الْأَصِيلِ لَوْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا تَقْرِيرُ الظُّلْمِ بَلْ فِيهِ تَحْقِيقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الْكَفَالَةُ يَحْبِسُ الظَّالِمُ الْمَكْفُولَ وَيَضْرِبُهُ وَيُكَلِّفُهُ بِبَيْعِ عَقَارِهِ وَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ بِثَمَنٍ بَخْسٍ أَوْ بِالِاسْتِدَانَةِ بِالْمُرَابَحَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُشَاهَدٌ، وَلَعَلَّهُمْ لِهَذَا أَجَازُوا هَذِهِ الْكَفَالَةَ وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهَا بِثَمَنِ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ) لَا مَرْجِعَ فِي كَلَامِهِ لِهَذَا الضَّمِيرِ، وَالْمُنَاسِبُ قَوْلُ النَّهْرِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: قَضَى نَائِبُهُ غَيْرَهُ بِأَمْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَيَّدَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ إلَخْ أَيْ قَيَّدَ قَوْلَهُ بِأَمْرِهِ وَهَذَا التَّقْيِيدُ ظَاهِرٌ إذْ لَا خَفَاءَ أَنَّ أَمْرَ الْمُكْرَهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ. [فَرْعٌ] فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: جَمَاعَةٌ طَمِعَ الْوَالِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقٍّ فَاخْتَفَى بَعْضُهُمْ وَظَفِرَ الْوَالِي بِبَعْضِهِمْ فَقَالَ الْمُخْتَفُونَ لَهُمْ لَا تُطْلِعُوهُ عَلَيْنَا وَمَا أَصَابَكُمْ فَهُوَ عَلَيْنَا بِالْحِصَصِ، فَلَوْ أَخَذَ مِنْهُمْ شَيْئًا فَلَهُمْ الرُّجُوعُ قَالَ هَذَا مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَوَّزَ ضَمَانَ الْجِبَايَةِ وَعَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لَا يَصِحُّ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لَمْ يُعْتَبَرْ لِمَا أَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ) الْأَصْوَبُ فِي الرُّجُوعِ كَمَا هُوَ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ عَنْ الْعِنَايَةِ لِلْأَكْمَلِ، فَالْبَاءُ بِمَعْنَى فِي مُتَعَلِّقَةٌ بِيُعْتَبَرُ لَا بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ عَلَيْهِ بَلْ أَمَرَهُ بِقَضَاءِ النَّائِبَةِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ، وَحِينَئِذٍ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مُكْرَهًا بِالْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ لَمْ يُعْتَبَرْ أَمْرُهُ فِي حَقِّ الرُّجُوعِ لِفَسَادِ الْأَمْرِ بِالْإِكْرَاهِ فَلَا رُجُوعَ لِلْمَأْمُورِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: بِلَا شَرْطٍ) أَيْ بِلَا شَرْطِ الرُّجُوعِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ) مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي النَّفَقَاتِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ الرُّجُوعِ وَبِهِ يُفْتَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 331 عَلَى هَامِشِهَا فَلْيُحْفَظْ (وَالْقِسْمَةُ) أَيْ النَّصِيبُ مِنْ النَّائِبَةِ، وَقِيلَ هِيَ النَّائِبَةُ الْمُوَظَّفَةُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَالْكَفَالَةُ بِهَا صَحِيحَةٌ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ. (قَالَ) رَجُلٌ (لِآخَرَ اُسْلُكْ هَذَا الطَّرِيقَ فَإِنَّهُ أَمْنٌ فَسَلَكَ وَأُخِذَ مَالُهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ مَخُوفًا وَأُخِذَ مَالُك فَأَنَا ضَامِنٌ) وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا (ضَمِنَ) هَذَا وَارِدٌ عَلَى مَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ وَلَا تَصِحُّ بِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَغْرُورَ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ إذَا حَصَلَ الْغُرُورُ   [رد المحتار] فَفِيهِ اخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. (قَوْلُهُ: عَلَى هَامِشِهَا) أَيْ هَامِشِ الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْهَامِشُ حَاشِيَةُ الْكِتَابِ مُوَلَّدٌ. [تَتِمَّةٌ] مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ الْأَفْضَلُ أَنْ يُسَاوِيَ أَهْلَ مَحَلَّتِهِ فِي إعْطَاءِ النَّائِبَةِ قَالَ الْقَاضِي: هَذَا كَانَ فِي زَمَانِهِمْ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْحَاجَةِ وَالْجِهَادِ، أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَأَكْثَرُ النَّوَائِبِ تُؤْخَذُ ظُلْمًا، وَمَنْ تَمَكَّنَ. مِنْ دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ نَهْرٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. وَنَقَلَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ الْأَوْلَى الِامْتِنَاعُ إنْ لَمْ يَحْمِلْ حِصَّتَهُ عَلَى الْبَاقِينَ وَإِلَّا فَالْأَوْلَى عَدَمُهُ. ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ إعَانَةٌ لِلظَّالِمِ عَلَى ظُلْمِهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ النَّصِيبُ مِنْ النَّائِبَةِ) أَيْ حِصَّةُ الشَّخْصِ مِنْهَا إذَا قَسَمَهَا الْإِمَامُ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ هِيَ النَّائِبَةُ الْمُوَظَّفَةُ) وَالْمُرَادُ بِالنَّوَائِبِ مَا هُوَ مِنْهَا غَيْرُ رَاتِبٍ فَتَغَايَرَا فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَقْسِمَ ثُمَّ يَمْنَعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قَسْمَ صَاحِبِهِ. وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ: هِيَ أَنْ يَمْتَنِعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ الْقِسْمَةِ فَيَضْمَنَهُ إنْسَانٌ لِيَقُومَ مَقَامَهُ فِيهَا. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ أَمْنٌ) بِقَصْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ ذُو أَمْنٍ أَوْ بِمَدِّهَا عَلَى صُورَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ كَسَاحِلٍ بِمَعْنَى مَسْحُولٍ أَوْ بِمَعْنَى: آمِنٌ سَالِكُهُ مِثْلُ نَهَارِهِ صَائِمٌ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ عِيشَةٌ رَاضِيَةٌ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَضْمَنْ) مِثْلُهُ كُلْ هَذَا الطَّعَامِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَسْمُومٍ فَأَكَلَهُ فَمَاتَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ رَجُلٌ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ ظَهَرَتْ مَمْلُوكَةً فَلَا رُجُوعَ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْمُخْبِرِ أَشْبَاهٌ ط. (قَوْلُهُ: وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا) أَيْ فَسَلَكَهُ وَأَخَذَ مَالَهُ ط. (قَوْلُهُ: ضَمِنَ) أَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ إنْ أَكَلَ ابْنَك سَبُعٌ أَوْ أَتْلَفَ مَالَكَ سَبُعٌ فَأَنَا ضَامِنٌ لَا يَصِحُّ هِنْدِيَّةٌ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ السَّبُعَ لَا يَكْفُلُ وَإِنْ فَعَلَهُ جُبَارٌ ط. (قَوْلُهُ: هَذَا وَارِدٌ إلَخْ) أَقُولُ: صِحَّةُ الضَّمَانِ لَا مِنْ حَيْثُ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ حَتَّى يَرِدَ مَا ذُكِرَ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ غَرَّهُ؛ لِأَنَّ الْغُرُورَ يُوجِبُ الرُّجُوعَ إذَا كَانَ بِالشَّرْطِ أَبُو السُّعُودِ ط وَلِذَا أَعْقَبَهُ الشَّارِحُ بِذِكْرِ الْأَصْلِ لَكِنْ يَأْتِي أَنَّ ضَمَانَ الْغَرَرِ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ ضَمَانُ الْكَفَالَةِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَابَعَ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَاحِبَ الدُّرَرِ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ، وَعَزَاهَا الْبِيرِيُّ إلَى الذَّخِيرَةِ بِزِيَادَةِ أَنَّ الْمَكْفُولَ عَنْهُ مَجْهُولٌ وَمَعَ هَذَا جَوَّزُوا الضَّمَانَ اهـ لَكِنْ قَالَ فِي الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِرَمْزِ الْمُحِيطِ: مَا ذَكَرَ مِنْ الْجَوَابِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْقُدُورِيِّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ مَنْ غَصَبَك مِنْ النَّاسِ أَوْ مَنْ بَايَعْت مِنْ النَّاسِ فَأَنَا ضَامِنٌ لِذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ اهـ. وَأَجَابَ فِي نُورِ الْعَيْنِ بِأَنَّ عَدَمَ الضَّمَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ لِعَدَمِ التَّغْرِيرِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ. قُلْت: لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَرَ الْقَاضِي بَايَعَ فُلَانًا عَلَى أَنَّ مَا أَصَابَك مِنْ خُسْرَانٍ فَعَلَيَّ، أَوْ قَالَ لِرَجُلٍ إنْ هَلَكَ عَيْنُك هَذَا فَأَنَا ضَامِنٌ لَمْ يَصِحَّ اهـ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ بَايَعَ فُلَانًا لَا تَغْرِيرَ فِيهِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِحُصُولِ الْخُسْرَانِ فِي الْمُبَايَعَةِ مَعَهُ؛ وَلِأَنَّ الْخُسْرَانَ يَحْصُلُ بِسَبَبِ جَهْلِ الْمَأْمُورِ بِأَمْرِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ اُسْلُكْ هَذَا الطَّرِيقَ وَالْحَالُ أَنَّهُ مَخُوفٌ فَإِنَّ الطَّرِيقَ الْمَخُوفَ يُؤْخَذُ فِيهِ الْمَالُ غَالِبًا وَلَا صُنْعَ فِيهِ لِلْمَأْمُورِ، فَقَدْ تَحَقَّقَ فِيهِ التَّغْرِيرُ فَإِذَا ضَمِنَهُ الْآمِرُ نَصًّا رَجَعَ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّهُمْ أَجَازُوا الضَّمَانَ فِيهِ مَعَ جَهْلِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ زَجْرًا عَنْ هَذَا الْفِعْلِ كَمَا فِي تَضْمِينِ السَّاعِي، وَاَللَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 332 فِي ضِمْنِ الْمُعَاوَضَةِ، أَوْ ضَمِنَ الْغَارُّ صِفَةَ السَّلَامَةِ لِلْمَغْرُورِ نَصًّا دُرَرٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَمَرَّ فِي الْمُرَابَحَةِ. [فُرُوعٌ] ضَمَانُ الْغُرُورِ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ ضَمَانُ الْكَفَالَةِ. لِلْكَفِيلِ مَنْعُ الْأَصِيلِ مِنْ السَّفَرِ لَوْ كَفَالَتُهُ حَالَّةً لِيُخَلِّصَهُ مِنْهَا بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ، وَفِي الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ يَرُدُّهُ إلَيْهِ كَمَا فِي الصُّغْرَى: أَيْ لَوْ بِأَمْرِهِ. مَنْ قَامَ عَنْ غَيْرِهِ بِوَاجِبٍ بِأَمْرِهِ رَجَعَ بِمَا دَفَعَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ كَالْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَبِقَضَاءِ دَيْنِهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ أَمَرَهُ بِتَعْوِيضٍ عَنْ هِبَتِهِ وَبِإِطْعَامٍ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَبِأَدَاءٍ عَنْ زَكَاةِ مَالِهِ وَبِأَنْ يَهَبَ فُلَانًا عَنِّي أَلْفًا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَمْلِكُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ الْمَالَ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ مُقَابَلًا بِمِلْكِ مَالٍ، فَإِنَّ الْمَأْمُورَ يَرْجِعُ بِلَا شَرْطٍ وَإِلَّا فَلَا، وَتَمَامُهُ فِي وَكَالَةِ السِّرَاجِ، وَالْكُلُّ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَفِي الْمُلْتَقَطِ.   [رد المحتار] سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: فِي ضِمْنِ الْمُعَاوَضَةِ) فَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ الْوَالِدِ إذَا اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ، وَبِقِيمَةِ الْبِنَاءِ بَعْدَ أَنْ يُسَلَّمَ الْبِنَاءُ إلَيْهِ، وَاحْتُرِزَ عَمَّا إذَا كَانَ فِي ضِمْنِ عَقْدِ التَّبَرُّعِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ ضَمِنَ لِلْغَارِ صِفَةَ السَّلَامَةِ لِلْمَغْرُورِ نَصًّا) أَيْ كَمَسْأَلَةِ الْمَتْنِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ نَصَّ فِيهَا عَلَى الضَّمَانِ بِخِلَافِ الْأُولَى، وَتَمَامُ عِبَارَةِ الدُّرَرِ: حَتَّى لَوْ قَالَ الطَّحَّانُ لِصَاحِبِ الْحِنْطَةِ اجْعَلْ الْحِنْطَةَ فِي الدَّلْوِ فَذَهَبَ مِنْ ثُقْبِهِ مَا كَانَ فِيهِ إلَى الْمَاءِ وَالطَّحَّانُ كَانَ عَالِمًا بِهِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَارًا فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ ثَمَّةَ مَا ضَمِنَ السَّلَامَةَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَهُنَا الْعَقْدُ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ، كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ اهـ وَأَرَادَ بِالْأُولَى قَوْلَهُ اُسْلُكْ هَذَا الطَّرِيقَ فَإِنَّهُ أَمْنٌ، وَيَظْهَرُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ قَوْلَهُ حَتَّى لَوْ قَالَ إلَخْ تَفْرِيعٌ عَلَى الْأَصْلِ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ: إنْ كَانَ عَالِمًا بِهِ أَيْ بِثُقْبِ الْوَلَدِ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الِاسْتِحْقَاقِ. (قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ) ذَكَرْنَاهُ فِي آخِرِ بَابِ الْمُرَابَحَةِ وَتَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: هُوَ ضَمَانُ الْكَفَالَةِ) أَمَّا فِي الْأَصْلِ الثَّانِي فَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَذْكُرَ الضَّمَانَ نَصًّا، وَأَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ عَقْدَ الْمُعَاوَضَةِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ فَكَأَنَّهُ بِسَبَبِ أَخْذِ الْعِوَضِ ضَمِنَ لَهُ سَلَامَةَ الْمُعَوَّضِ (قَوْلُهُ: لَوْ كَفَالَتُهُ حَالَّةٌ) يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ آخِرَ الْبَابِ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: لِيُخَلِّصَهُ بِأَدَاءٍ وَإِبْرَاءٍ) أَيْ بِأَنْ يُؤَدِّيَ الْمَالَ إلَيْهِ أَوْ إلَى الطَّالِبِ أَوْ بِأَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَ الطَّالِبِ لِيُبْرِئَ الْكَفِيلَ. (قَوْلُهُ: يَرُدُّهُ إلَيْهِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِرَدِّهِ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ أَحْسَنُ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِيُخَلِّصُهُ أَيْ بِرَدِّ نَفْسِهِ وَتَسْلِيمِهَا إلَى الطَّالِبِ. (قَوْلُهُ: أَيْ لَوْ بِأَمْرِهِ) لِأَنَّ الْكَفِيلَ بِلَا أَمْرٍ مُتَبَرِّعٌ لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ بِمَالٍ وَلَا نَفْسٍ، حَتَّى إنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهِ مَعَهُ كَمَا مَرَّ سَابِقًا (قَوْلُهُ: مَنْ قَامَ عَنْ غَيْرِهِ بِوَاجِبٍ بِأَمْرِهِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاجِبِ اللَّازِمُ شَرْعًا أَوْ عَادَةً لِيَصِحَّ اسْتِثْنَاءُ التَّعْوِيضِ عَنْ الْهِبَةِ وَنَفْسُ الْهِبَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَفْظُ إلَّا بِمَعْنَى لَكِنْ، وَقَوْلُهُ بِأَمْرِهِ مُتَعَلِّقٌ بِقَامَ. (قَوْلُهُ: أَمَرَهُ بِتَعْوِيضٍ عَنْ هِبَتِهِ) أَيْ أَمَرَ الْمَوْهُوبُ لَهُ رَجُلًا أَنْ يُعَوِّضَ الْوَاهِبَ عَنْ هِبَتِهِ. (قَوْلُهُ: وَبِإِطْعَامٍ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ قَالَ اُحْجُجْ عَنِّي رَجُلًا أَوْ أَعْتِقْ عَنِّي عَبْدًا عَنْ ظِهَارِي خَانِيَّةٌ فَالْمُرَادُ الْوَاجِبُ الْأُخْرَوِيُّ. (قَوْلُهُ: وَبِأَنْ يَهَبَ فُلَانًا) فَلَوْ قَالَ هَبْ لِفُلَانٍ عَنِّي أَلْفًا تَكُونُ مِنْ الْآمِرِ وَلَا رُجُوعَ لِلْمَأْمُورِ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْقَابِضِ وَلِلْآمِرِ الرُّجُوعُ فِيهَا وَالدَّافِعُ مُتَطَوِّعٌ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ ضَمِنَ لِلْمَأْمُورِ وَلِلْآمِرِ الرُّجُوعُ فِيهَا دُونَ الدَّافِعِ خَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: فِي كُلِّ مَوْضِعٍ إلَخْ) فَالْمُشْتَرِي أَوْ الْغَاصِبُ إذَا أَمَرَ رَجُلًا بِأَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ أَوْ بَدَلَ الْغَصْبِ إلَى الْبَائِعِ أَوْ الْمَالِكِ كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ مَالِكًا لِلْمَدْفُوعِ بِمُقَابَلَةِ مَالٍ هُوَ الْمَبِيعُ أَوْ الْمَغْصُوبُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْهِبَةَ لَوْ كَانَتْ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَأَمَرَهُ بِالتَّعْوِيضِ عَنْهَا يَرْجِعُ بِلَا شَرْطٍ لِوُجُودِ الْمِلْكِ بِمُقَابَلَةِ مَالٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمَرَهُ بِالْإِطْعَامِ عَنْ كَفَّارَتِهِ أَوْ بِالْإِحْجَاجِ عَنْهُ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُقَابَلَةِ مَالٍ فَلَا رُجُوعَ لِلْمَأْمُورِ عَلَى الْآمِرِ إلَّا بِشَرْطِ الرُّجُوعِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَدَّمَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِلَا شَرْطٍ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُقَابَلَةِ مِلْكِ مَالٍ، وَكَذَا الْأَمْرُ بِأَدَاءِ النَّوَائِبِ وَبِتَلْخِيصِ الْأَسِيرِ عَلَى مَا مَرَّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 333 الْكَفِيلُ لِلْمُخْتَلِعَةِ بِمَالِهَا عَلَى الزَّوْجِ مِنْ الدَّيْنِ لَا يَبْرَأُ بِتَجَدُّدِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا. ثَوْبٌ غَابَ عَنْ دَلَّالٍ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ غَابَ عَنْ صَاحِبِ الْحَانُوتِ وَقَدْ سَاوَمَ وَاتَّفَقَا عَلَى الثَّمَنِ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الثَّوْبِ، وَلَوْ طَافَ بِهِ الدَّلَّالُ ثُمَّ وَضَعَهُ فِي حَانُوتٍ فَهَلَكَ ضَمِنَ الدَّلَّالُ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْحَانُوتِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ مُودِعُ الْمُودِعِ. دَلَّالٌ مَعْرُوفٌ فِي يَدِهِ ثَوْبٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَسْرُوقٌ فَقَالَ رَدَدْت عَلَى الَّذِي أَخَذْت مِنْهُ بَرِئَ، وَلَوْ قَالَ طَالِبٌ غَرِيمِي فِي مِصْرَ كَذَا فَإِذَا أَخَذْت مَالِي فَلَكَ عَشَرَةٌ مِنْهُ، يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى عَشَرَةٍ مُلْتَقَطٌ. وَأَفْتَيْت بِأَنَّ ضَمَانَ الدَّلَّالِ وَالسِّمْسَارِ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِالْأَجْرِ. وَذَكَرُوا أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فَلْيُحَرَّرْ اهـ. [فَائِدَةٌ] ذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ فِي مُؤَلَّفٍ لَهُ أَنَّ مُصَادَرَةَ السُّلْطَانِ لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ لَا تَجُوزُ إلَّا لِعُمَّالِ بَيْتِ الْمَالِ، مُسْتَدِلًّا بِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَادَرَ أَبَا هُرَيْرَةَ اهـ وَذَلِكَ حِينَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْبَحْرَيْنِ ثُمَّ عَزَلَهُ وَأَخَذَ مِنْهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا ثُمَّ دَعَاهُ لِلْعَمَلِ فَأَبَى رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ. وَأَرَادَ بِعُمَّالِ بَيْتِ الْمَالِ خَدَمَتَهُ الَّذِينَ يَجْبُونَ أَمْوَالَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ كَتَبَتُهُ إذَا تَوَسَّعُوا فِي الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى خِيَانَتِهِمْ   [رد المحتار] هَذَا وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ أَصْلًا آخَرَ، وَهُوَ كُلُّ مَا يُطَالَبُ بِهِ بِالْحَبْسِ وَالْمُلَازَمَةِ فَالْأَمْرُ بِأَدَائِهِ يُثْبِتُ الرُّجُوعَ وَإِلَّا فَلَا إلَّا بِشَرْطِ الضَّمَانِ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا الْأَمْرُ بِالْإِنْفَاقِ، وَانْظُرْ مَا حَرَّرْنَاهُ فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ (قَوْلُهُ: الْكَفِيلُ لِلْمُخْتَلِعَةِ إلَخْ) صُورَتُهُ خَالَعَتْ زَوْجَهَا عَلَى مَهْرِهَا مَثَلًا وَلَهَا عَلَيْهِ دَيْنٌ فَكَفَلَهُ بِهِ لَهَا رَجُلٌ ثُمَّ جَدَّدَا عَقْدَ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا لَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُ مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: ثَوْبٌ إلَخْ) تَابَعَ صَاحِبُ الْمُلْتَقَطِ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْفُرُوعِ فِي الْكَفَالَةِ لِمُنَاسَبَةِ الضَّمَانِ وَإِلَّا فَمَحَلُّهَا الْوَدِيعَةُ أَوْ الْإِجَارَاتُ. (قَوْلُهُ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) هَذَا لَوْ ضَاعَ مِنْهُ، أَمَّا لَوْ قَالَ لَا أَدْرِي فِي أَيِّ حَانُوتٍ وَضَعْته ضَمِنَ، نَقَلَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ نَحْوَهُ آخِرَ الْوَدِيعَةِ. (قَوْلُهُ: وَاتَّفَقَا عَلَى الثَّمَنِ) أَيْ قَبْلَ الْعَقْدِ فَيَكُونُ مَقْبُوضًا عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ. (قَوْلُهُ: ضَمِنَ الدَّلَّالُ بِالِاتِّفَاقِ) أَقُولُ: هَذَا إذَا وَضَعَهُ أَمَانَةً عِنْدَ صَاحِبِ الدُّكَّانِ، أَمَّا لَوْ وَضَعَهُ عِنْدَهُ لِيَشْتَرِيَهُ فَفِيهِ خِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، فَقِيلَ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُودِعٌ وَلَيْسَ لِلْمُودِعِ أَنْ يُودِعَ، وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْبَيْعِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْهَا آخِرَ الْإِجَارَاتِ. (قَوْلُهُ: بَرِئَ) لِأَنَّهُ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ إذَا رَدَّ عَلَى الْغَاصِبِ يَبْرَأُ وَإِنَّمَا يَبْرَأُ لَوْ ثَبَتَ رَدُّهُ بِحُجَّةِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَصِيرُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ) إذْ وِلَايَةُ الْقَبْضِ لَهُ وَالضَّامِنُ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ ط: فَلَوْ أَنَّ وَكِيلَ الْبَيْعِ ضَمِنَ الثَّمَنَ لِمُوَكِّلِهِ وَأَدَّى يَرْجِعُ، وَلَوْ أَدَّى بِلَا ضَمَانٍ لَا يَرْجِعُ كَمَا فِي الْفُصُولَيْنِ وَقَدْ مَرَّ [فَائِدَةٌ مُصَادَرَةَ السُّلْطَانِ لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ] (قَوْلُهُ: إلَّا لِعُمَّالِ بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ إذَا كَانَ يَرُدُّهُ لِبَيْتِ الْمَالِ أَوْ عَلَى أَرْبَابِهِ إنْ عَلِمُوا كَمَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْعِبَارَةِ. (قَوْلُهُ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ) أَخْرَجَ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ فِي سُورَةِ يُوسُفَ فِي قَوْله تَعَالَى {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ} [يوسف: 55] ، قَالَ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ عَلَى الْبَحْرَيْنِ ثُمَّ نَزَعَنِي وَغَرَّمَنِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا ثُمَّ دَعَانِي بَعْدُ إلَى الْعَمَلِ فَأَبَيْت، فَقَالَ لِمَ، وَقَدْ سَأَلَ يُوسُفُ الْعَمَلَ وَكَانَ خَيْرًا مِنْك، فَقُلْت: إنَّ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ ابْنُ نَبِيٍّ ابْنُ نَبِيٍّ وَأَنَا ابْنُ أُمَيَّةَ وَأَخَافُ أَنْ أَقُولَ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَأُفْتِيَ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَنْ يُضْرَبَ ظَهْرِي وَيُشْتَمَ عِرْضِي وَيُؤْخَذَ مَالِي اهـ بَحْرٌ. قُلْت: وَلَعَلَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ هَدِيَّةَ الْعُمَّالِ جَائِزَةٌ، بِخِلَافِ مَذْهَبِ عُمَرَ، فَلِذَا غَرَّمَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 334 وَيُلْحَقُ بِهِمْ كَتَبَةُ الْأَوْقَافِ وَنُظَّارُهَا إذَا تَوَسَّعُوا وَتَعَاطَوْا أَنْوَاعَ اللَّهْوِ وَبِنَاءَ الْأَمَاكِنِ فَلِلْحَاكِمِ أَخْذُ الْأَمْوَالِ مِنْهُمْ وَعَزْلُهُمْ، فَإِنْ عَرَفَ خِيَانَتَهُمْ فِي وَقْفٍ مُعَيَّنٍ رَدَّ الْمَالَ إلَيْهِ وَإِلَّا وَضَعَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ نَهْرٌ وَبَحْرٌ. وَفِي التَّلْخِيصِ: لَوْ كَفَلَ الْحَالَّ مُؤَجَّلًا تَأَخَّرَ عَنْ الْأَصِيلِ وَلَوْ قَرْضًا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَاحِدٌ. قُلْت: وَقَدَّمْنَا أَنَّهَا حِيلَةُ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ وَسَيَجِيءُ أَنَّ لِلْمَدْيُونِ السَّفَرَ قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ، وَلَيْسَ لِلدَّائِنِ مَنْعُهُ وَلَكِنْ يُسَافِرُ مَعَهُ فَإِذَا حَلَّ مَنَعَهُ لِيُوفِيَهُ. وَاسْتَحْسَنَ أَبُو يُوسُفَ أَخْذَ كَفِيلٍ شَهْرًا لِامْرَأَةٍ طَلَبَتْ كَفِيلًا بِالنَّفَقَةِ لِسَفَرِ الزَّوْجِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقَاسَ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ بَقِيَّةَ الدُّيُونِ لَكِنَّهُ مَعَ الْفَارِقِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ، لَكِنْ فِي الْمَنْظُومَةِ الْمُحْبِيَةِ:   [رد المحتار] (قَوْلُهُ: وَيُلْحَقُ بِهِمْ إلَخْ) قَالَ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ: هَذَا مِمَّا يُعْلَمُ وَيُكْتَمُ، وَلَا تَجُوزُ الْفَتْوَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ ذَرِيعَةً إلَى مَا لَا يَجُوزُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ حُكَّامَ زَمَانِنَا لَوْ أَفْتَوْا بِهَذَا وَصَادَرُوا مَنْ ذُكِرَ لَا يَرُدُّونَ الْأَمْوَالَ إلَى الْأَوْقَافِ وَإِنْ عُلِمَتْ أَعْيَانُهَا وَلَا لِبَيْتِ الْمَالِ بَلْ يَصْرِفُونَهَا فِيمَا لَا يَلِيقُ ذِكْرُهُ فَلْيَكُنْ هَذَا عَلَى ذِكْرٍ مِنْك اهـ. قُلْت: وَالْفَاعِلُ لِهَذَا عُمَرُ وَأَيْنَ عُمَرُ ط. (قَوْلُهُ: وَفِي التَّلْخِيصِ إلَخْ) قَدَّمْنَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ أَبْرَأَ الْأَصِيلَ أَوْ أَخَّرَ عَنْهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ، وَلَا يَنْعَكِسُ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي كُلِّ الْكُتُبِ، وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ بَلْ يَتَأَخَّرُ عَنْ الْكَفِيلِ فَقَطْ دُونَ الْأَصِيلِ. (قَوْلُهُ: وَقَدَّمْنَا) أَيْ قُبَيْلَ فَصْلِ الْقَرْضِ، وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَيْضًا مَا فِيهِ كِفَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي فَصْلِ الْحَبْسِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلدَّائِنِ مَنْعُهُ إلَخْ) وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِإِعْطَاءِ الْكَفِيلِ وَإِنْ قَرُبَ حُلُولُ الْأَجَلِ كَمَا فِي الْأَقْضِيَةِ. وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى يُطَالِبُهُ بِإِعْطَاءِ الْكَفِيلِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا، وَتَمَامُهُ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ نُورِ الْعَيْنِ وَفَصَّلَ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنَّهُ إنْ عُرِفَ الْمَدْيُونُ بِالْمَطْلِ وَالتَّسْوِيفِ يَأْخُذُ الْكَفِيلُ وَإِلَّا فَلَا اهـ فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ. (قَوْلُهُ: وَاسْتَحْسَنَ إلَخْ) وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: قَالَتْ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَغِيبَ فَخُذْ بِالنَّفَقَةِ كَفِيلًا لَا يُجِيبُهَا الْحَاكِمُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بَعْدُ وَاسْتَحْسَنَ الْإِمَامُ الثَّانِي أَخْذَ الْكَفِيلِ رِفْقًا بِهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ كَفَلَ بِمَا ذَابَ لَهَا عَلَيْهِ اهـ عِنْدَ قَوْلِهِ وَتَصِحُّ بِالنَّفْسِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَظَاهِرُهُ يُفِيدُ أَنَّهُ يَكُونُ كَفِيلًا بِنَفَقَتِهَا عِنْدَ الثَّانِي مَا دَامَ غَائِبًا، وَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْعِبَارَاتِ أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ أَخْذَ الْكَفِيلِ بِنَفَقَةِ شَهْرٍ. وَقَدْ قَالُوا كَمَا فِي الْمَجْمَعِ: لَوْ كَفَلَ لَهَا بِنَفَقَةِ كُلِّ شَهْرٍ لَزِمَتْهُ مَا دَامَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ شَهْرٍ اهـ، وَقَدَّمَ الشَّارِحُ نَحْوَ هَذَا عَنْ الْخَانِيَّةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبِمَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَيَّ، لَكِنَّ هَذَا فِيمَا لَوْ كَفَلَ بِلَا إجْبَارٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْعِبَارَاتِ فِيمَا إذَا أَرَادَ الْقَاضِي إجْبَارَهُ عَلَى إعْطَاءِ كَفِيلٍ، نَعَمْ فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ الزَّوْجَ يَمْكُثُ فِي السَّفَرِ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ يَأْخُذُ الْكَفِيلُ بِأَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَاسَ عَلَيْهِ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ بَعْدَ مَا مَرَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَفْتَى بِقَوْلِ الثَّانِي فِي سَائِرِ الدُّيُونِ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ كَانَ حَسَنًا رِفْقًا بِالنَّاسِ اهـ. قَالَ: وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ هَذَا تَرْجِيحٌ مِنْ صَاحِبِ الْمُحِيطِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ مَعَ الْفَارِقِ) عِبَارَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ: لَكِنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ بَيْنَ نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي يُؤَدِّي تَرْكُهَا إلَى هَلَاكِهَا وَبَيْنَ دَيْنِ الْغَرِيمِ الَّذِي لَيْسَ كَذَلِكَ اهـ. قُلْت: وَرَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا التُّرْكُمَانِيِّ، وَتَعْلِيلُ الرِّفْقِ مِنْ صَاحِبِ الْمُحِيطِ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ دَيْنِ الْغَرِيمِ، وَأَيُّ رِفْقٍ فِي أَنْ يُقَالَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ سَافِرْ مَعَهُ إلَى أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ إذْ رُبَّمَا يَصْرِفُ فِي السَّفَرِ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ، فَلَوْ أَفْتَى بِقَوْلِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ وَحُسَامِ الدِّينِ الشَّهِيدِ وَالْمُنْتَقَى وَالْمُحِبِّيَّةِ كَانَ حَسَنًا، وَفِيهِ حِفْظٌ لِحُقُوقِ الْعِبَادِ مِنْ الضَّيَاعِ وَالتَّلَفِ خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي مَجْمُوعَةِ السَّائِحَانِيِّ، وَإِلَيْهِ يَمِيلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 335 لَوْ قَالَ مَدْيُونِي مُرَادُهُ السَّفَرْ ... وَأَجَلُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ مَا اسْتَقَرْ وَطَلَبُ التَّكْفِيلِ قَالُوا يَلْزَمُ ... عَلَيْهِ إعْطَاءُ كَفِيلٍ يُعْلَمُ لَوْ حُبِسَ الْكَفِيلُ قَالُوا جَازَ لَهْ ... إذَا أَرَادَ حَبْسَ مَنْ قَدْ كَفَلَهْ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ ذَا لِأَجَلِهِ ... حُبِسَ فَلْيُجَازِهِ بِفِعْلِهِ ثُمَّ الْكَفِيلُ إنْ يَمُتْ قَبْلَ الْأَجَلْ ... لَا شَكَّ أَنَّ الدَّيْنَ فِي ذَا الْحَالِ حَلْ عَلَيْهِ فَالْوَارِثُ إنْ أَدَّاهُ لَمْ ... يَرْجِعْ بِهِ مِنْ قَبْلِ مَا التَّأْجِيلُ تَمْ بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ (دَيْنٌ عَلَيْهِمَا لِآخَرَ) بِأَنْ اشْتَرَيَا مِنْهُ عَبْدًا بِمِائَةٍ (وَكَفَلَ كُلٌّ عَنْ صَاحِبِهِ) بِأَمْرِهِ (جَازَ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى شَرِيكِهِ إلَّا بِمَا أَدَّاهُ زَائِدًا عَلَى النِّصْفِ لِرُجْحَانِ) جِهَةِ الْأَصَالَةِ عَلَى النِّيَابَةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ بِنِصْفِهِ لَأَدَّى إلَى الدَّوْرِ دُرَرٌ (وَإِنْ كَفَلَا عَنْ رَجُلٍ بِشَيْءٍ بِالتَّعَاقُبِ) بِأَنْ كَانَ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَكَفَلَ عَنْهُ رَجُلَانِ   [رد المحتار] كَلَامُ الشَّارِحِ بِقَرِينَةِ الِاسْتِدْرَاكِ عَلَيْهِ وَفِي الْبِيرِيِّ عَنْ خِزَانَةِ الْفَتَاوَى: يَأْخُذُ كَفِيلًا أَوْ رَهْنًا بِحَقِّهِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَدَمَهُ لَكِنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي هَذَا لِمَا ظَهَرَ مِنْ التَّعَنُّتِ وَالْجَوْرِ فِي النَّاسِ اهـ، ثُمَّ رَأَيْت الْمُفْتِيَ أَبَا السُّعُودِ أَفْتَى بِهِ فِي مَعْرُوضَاتِهِ. (قَوْلُهُ: لَوْ حُبِسَ الْمَدْيُونُ إلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا فِي قَوْلِ الْمَتْنِ وَإِذَا حَبَسَهُ لَهُ حَبْسُهُ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُ شُرُوطِهِ، وَقَوْلُهُ حَبْسَ بِالنَّصْبِ؛ لِأَنَّهُ تَنَازَعَ فِيهِ جَازَ وَأَرَادَ وَأُعْمِلَ الثَّانِي وَأُضْمِرَ لِلْأَوَّلِ مَرْفُوعُهُ، وَلَوْ أُعْمِلَ الْأَوَّلُ لَوَجَبَ أَنْ يُقَالَ وَأَرَادَهُ بِإِبْرَازِ الضَّمِيرِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْكَفِيلُ إلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِذَا حَلَّ عَلَى الْكَفِيلِ بِمَوْتِهِ لَا يَحِلُّ عَلَى الْأَصِيلِ. (قَوْلُهُ: مِنْ قَبْلِ مَا التَّأْجِيلُ تَمَّ) مَا مَصْدَرِيَّةٌ. وَالتَّأْجِيلُ فَاعِلٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ وَهُوَ تَمَّ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ] ِ شُرُوعٌ فِيمَا هُوَ كَالْمُرَكَّبِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْمُفْرَدِ ط. (قَوْلُهُ: بِأَنْ اشْتَرَيَا مِنْهُ عَبْدًا بِمِائَةٍ) أَشَارَ إلَى اسْتِوَاءِ الدَّيْنَيْنِ صِفَةً وَسَبَبًا، فَلَوْ اخْتَلَفَا صِفَةً بِأَنْ كَانَ مَا عَلَيْهِ: أَيْ مَا عَلَى الْمُؤَدَّى مُؤَجَّلًا وَمَا عَلَى صَاحِبِهِ حَالًّا فَإِذَا أَدَّى صَحَّ تَعْيِينُهُ عَنْ شَرِيكِهِ، وَرَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى عَكْسِهِ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ إذَا عَجَّلَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْأَصِيلِ قَبْلَ الْحُلُولِ، وَلَوْ اخْتَلَفَ سَبَبُهُمَا نَحْوُ أَنْ يَكُونَ مَا عَلَى أَحَدِهِمَا قَرْضًا وَمَا عَلَى الْآخَرِ ثَمَنَ مَبِيعٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَعْيِينُ الْمُؤَدَّى؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِي الْجِنْسَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ مُعْتَبَرَةً، وَفِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَكَفَلَ كُلٌّ عَنْ صَاحِبِهِ) فَلَوْ كَفَلَ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ دُونَ الْآخَرِ وَأَدَّى الْكَفِيلُ فَجَعَلَهُ عَنْ صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: بِأَمْرِهِ) وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ بِشَيْءٍ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: زَائِدًا عَلَى النِّصْفِ) الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا عَلَى مَا عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ دُونَ النِّصْفِ أَوْ أَكْثَرَ ط. (قَوْلُهُ: لِرُجْحَانِ جِهَةِ الْأَصَالَةِ عَلَى النِّيَابَةِ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ دَيْنٌ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي مُطَالَبَةٌ بِلَا دَيْنٍ ثُمَّ هُوَ تَابِعٌ فَوَجَبَ صَرْفُ الْمُؤَدَّى إلَى الْأَقْوَى حَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِجَعْلِ الدَّيْنِ عَلَى الْكَفِيلِ مَعَ الْمُطَالَبَةِ فَإِنَّ مَا عَلَيْهِ بِالْأَصَالَةِ أَقْوَى، فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ شَيْئًا كَانَ مِنْ كُلِّ الْمَالِ وَلَوْ مَدْيُونًا، وَلَوْ كَفَلَ كَانَ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا إذَا كَانَ مَدْيُونًا فَلَا يَجُوزُ أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: لَأَدَّى إلَى الدَّوْرِ) لِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ شَيْءٌ مِنْ الْمُؤَدَّى عَنْ صَاحِبِهِ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَقُولَ أَدَاؤُك كَأَدَائِي، فَإِنْ جَعَلْت شَيْئًا مِنْ الْمُؤَدَّى عَنِّي وَرَجَعْت عَلَيَّ بِذَلِكَ فَلِي أَنْ أَجْعَلَ الْمُؤَدَّى عَنْك كَمَا لَوْ أَدَّيْت بِنَفْسِي فَيُفْضَى إلَى الدَّوْرِ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الدَّوْرِ فَإِنَّهُ تَوَقُّفُ الشَّيْءِ عَلَى مَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ، بَلْ اللَّازِمُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 336 (كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِهِ مُنْفَرِدٌ ثُمَّ كَفَلَ كُلٌّ) مِنْ الْكَفِيلَيْنِ (عَنْ صَاحِبٍ) بِأَمْرِهِ بِالْجَمِيعِ، وَبِهَذِهِ الْقُيُودِ خَالَفْت الْأَوْلَى (فَمَا أَدَّى) أَحَدُهُمَا (رَجَعَ بِنِصْفِهِ عَلَى شَرِيكِهِ) لِكَوْنِ الْكُلِّ كَفَالَةً هُنَا (أَوْ) يَرْجِعُ إنْ شَاءَ (بِالْكُلِّ عَنْ الْأَصِيلِ) لِكَوْنِهِ كَفَلَ بِالْكُلِّ بِأَمْرِهِ (وَإِنْ أَبْرَأَ الطَّالِبُ أَحَدَهُمَا أَخَذَ) الطَّالِبُ الْكَفِيلَ (الْآخَرَ بِكُلِّهِ) بِحُكْمِ كَفَالَتِهِ. (وَلَوْ افْتَرَقَ الْمُفَاوِضَانِ) وَعَلَيْهِمَا دَيْنٌ (أَخَذَ الْغَرِيمُ أَيًّا) شَاءَ (مِنْهُمَا بِكُلِّ الدَّيْنِ) لِتَضَمُّنِهَا الْكَفَالَةَ كَمَا مَرَّ (وَلَا رُجُوعَ) عَلَى صَاحِبِهِ (حَتَّى يُؤَدِّيَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ) لِمَا مَرَّ. (كَاتَبَ عَبْدَيْهِ كِتَابَةً وَاحِدَةً وَكَفَلَ كُلٌّ) مِنْ الْعَبْدَيْنِ (عَنْ صَاحِبِهِ   [رد المحتار] فِي الْحَقِيقَةِ التَّسَلْسُلُ فِي الرُّجُوعَاتِ بَيْنَهُمَا فَيَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ الْمُؤَدِّي إلَيْهِ. وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِهِ مُنْفَرِدًا) قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِجَمِيعِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ تَكَفَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ ثُمَّ تَكَفَّلَ كُلٌّ عَنْ صَاحِبِهِ فَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي الصَّحِيحِ فَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يَزِيدَ عَلَى النِّصْفِ، وَبِقَوْلِهِ مُنْفَرِدًا وَهُوَ حَالٌ مِنْ كُلٍّ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ تَكَفَّلَا عَنْ الْأَصِيلِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ مَعًا ثُمَّ تَكَفَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ فَلَا يَكُونُ كَفِيلًا عَنْ الْأَصِيلِ بِالْجَمِيعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ النِّهَايَةِ عَنْ الشَّافِي: ثَلَاثَةٌ كَفَلُوا بِأَلْفٍ يُطَالِبُ كُلُّ وَاحِدٍ بِثُلُثِ الْأَلْفِ، وَإِنْ كَفَلُوا عَلَى التَّعَاقُبِ يُطَالَبُ كُلُّ وَاحِدٍ بِالْأَلْفِ كَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ والمرغيناني والتمرتاشي اهـ. (قَوْلُهُ: ثَمَّ كَفَلَ كُلٌّ مِنْ الْكَفِيلَيْنِ عَنْ صَاحِبِهِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِدُونِ ذَلِكَ لَا رُجُوعَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ: كَفَلَ ثَلَاثَةٌ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ فَأَدَّى أَحَدُهُمْ بَرِءُوا جَمِيعًا وَلَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِيهِ بِشَيْءٍ وَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ رَجَعَ الْمُؤَدِّي عَلَيْهِمَا بِالثُّلُثَيْنِ، وَلِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُطَالِبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْأَلْفِ هَذَا إذَا ظَفِرَ: أَيْ الْمُؤَدِّي بِالْكَفِيلَيْنِ، فَإِنْ ظَفِرَ بِأَحَدِهِمَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ ثُمَّ رَجَعَا عَلَى الثَّالِثِ بِالثُّلُثِ ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا عَلَى الْأَصِيلِ بِالْأَلْفِ، وَإِنْ ظَفِرَ بِالْأَصِيلِ قَبْلَ أَنْ يَظْفَرَ بِصَاحِبِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِالْجَمِيعِ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ تَكَفَّلَ كُلٌّ عَنْ الْأَصِيلِ بِالْجَمِيعِ مُتَعَاقِبًا ثُمَّ كَفَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ بِالنِّصْفِ فَإِنَّهُ كَالْأُولَى كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَبِهَذِهِ الْقُيُودِ) أَيْ كَوْنِ كَفَالَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْأَصِيلِ بِالْجَمِيعِ وَكَوْنِهَا عَلَى التَّعَاقُبِ وَكَوْنِ كَفَالَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ بِالْجَمِيعِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: خَالَفْت الْأُولَى) أَيْ فِي الْحُكْمِ وَإِلَّا فَالْمَوْضُوعُ مُخْتَلِفٌ. فَإِنَّ أَصْلَ الدَّيْنِ فِي الْأُولَى عَلَيْهِمَا لِآخَرَ، وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى غَيْرِهِمَا وَقَدْ كَفَلَا بِهِ. (قَوْلُهُ: رَجَعَ بِنِصْفِهِ عَلَى شَرِيكِهِ) أَيْ ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّهُمَا أَدَّيَا عَنْهُ أَحَدُهُمَا بِنَفْسِهِ وَالْآخَرُ بِنَائِبِهِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: لِكَوْنِ الْكُلِّ كَفَالَةً هُنَا) أَيْ مَا عَنْ نَفْسِهِ وَمَا عَنْ الْكَفِيلِ الْآخَرِ، فَلَا تَرْجِيحَ لِلْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ لِيَقَعَ النِّصْفُ الْأَوَّلُ عَنْ نَفْسِهِ خَاصَّةً، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ. وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ أَخَذَ الْآخَرُ) ضَبَطَهُ فِي النَّهْرِ بِالْمَدِّ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ. فَفِي الْمِصْبَاحِ: أَخَذَهُ اللَّهُ أَهْلَكَهُ وَأَخَذَهُ بِذَنْبِهِ عَاقَبَهُ عَلَيْهِ وَآخَذَهُ بِالْمَدِّ مُؤَاخَذَةً كَذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: بِكُلِّهِ) لِأَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ لَا يُوجِبُ إبْرَاءَ الْأَصِيلِ وَالثَّانِي كَفِيلٌ عَنْهُ بِكُلِّهِ فَيَأْخُذُهُ بِكُلِّهِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ افْتَرَقَ الْمُفَاوِضَانِ) قَيَّدَ بِالْمُفَاوِضِينَ؛ لِأَنَّ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ لَوْ افْتَرَقَا وَثَمَّةَ دَيْنٌ لَمْ يَأْخُذْ الْغَرِيمُ أَحَدَهُمَا إلَّا بِمَا يَخُصُّهُ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: أَخَذَ الْغَرِيمُ) يُطْلَقُ الْغَرِيمُ عَلَى مَنْ لَهُ الدَّيْنُ وَمَنْ عَلَيْهِ كَمَا فِي ط عَنْ الدُّسْتُورِ. (قَوْلُهُ: لِتَضَمُّنِهَا الْكَفَالَةَ) وَلَا تَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ ط عَنْ الأتقاني. (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ. (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ أَنَّهُ أَصِيلٌ فِي النِّصْفِ وَكَفِيلٌ فِي الْآخَرِ، فَمَا أَدَّى يُصْرَفُ إلَى مَا عَلَيْهِ بِحَقِّ الْأَصَالَةِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى النِّصْفِ كَانَ الزَّائِدُ عَنْ الْكَفَالَةِ فَيَرْجِعُ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: كِتَابَةً وَاحِدَةً) بِأَنْ قَالَ كَاتَبْتُكُمَا عَلَى أَلْفٍ إلَى سَنَةٍ، قَيَّدَ بِالْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَاتَبَ كُلًّا عَلَى حِدَةٍ فَكَفَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ لِلْمَوْلَى لَا يَصِحُّ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا اهـ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 337 صَحَّ) اسْتِحْسَانًا (وَ) حِينَئِذٍ (فَمَا أَدَّى أَحَدُهُمَا رَجَعَ) عَلَى صَاحِبِهِ (بِنِصْفِهِ) لِاسْتِوَائِهِمَا. (وَلَوْ أَعْتَقَ) الْمَوْلَى (أَحَدَهُمَا) وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا (صَحَّ وَأَخَذَ أَيًّا شَاءَ مِنْهُمَا بِحِصَّةِ مَنْ لَمْ يَعْتِقْهُ) الْمُعْتِقُ بِالْكَفَالَةِ وَالْآخَرُ بِالْأَصَالَةِ (فَإِنْ أَخَذَ الْمُعْتَقَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ) لِكَفَالَتِهِ (وَإِنْ أَخَذَ الْآخَرَ لَا) لِأَصَالَتِهِ. (وَإِذَا كَفَلَ) شَخْصٌ (عَنْ عَبْدٍ مَالًا) مَوْصُوفًا بِكَوْنِهِ (لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ مَوْلَاهُ) بَلْ فِي حَقِّهِ بَعْدَ عِتْقِهِ (كَمَا لَزِمَهُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ اسْتِقْرَاضٍ أَوْ اسْتِهْلَاكِ وَدِيعَةٍ فَهُوَ) أَيْ الْمَالُ الْمَذْكُورُ (حَالٌّ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ) أَيْ الْحُلُولَ لِحُلُولِهِ عَلَى الْعَبْدِ وَعَدَمِ مُطَالَبَتِهِ لِعُسْرَتِهِ، وَالْكَفِيلُ غَيْرُ مُعْسِرٍ وَيَرْجِعُ بَعْدَ عِتْقِهِ لَوْ بِأَمْرِهِ، وَلَوْ كَفَلَ مُؤَجَّلًا تَأَجَّلَ كَمَا مَرَّ. (ادَّعَى) شَخْصٌ (رَقَبَةَ عَبْدٍ فَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ فَمَاتَ) الْعَبْدُ (الْمَكْفُولُ) قَبْلَ تَسْلِيمِهِ   [رد المحتار] كِفَايَةٌ. (قَوْلُهُ: صَحَّ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِيهِ كَفَالَةَ الْمُكَاتَبِ وَالْكَفَالَةَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ فَيَكُونُ شَرْطُهَا فِي الْكِتَابَةِ مُفْسِدًا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا عَقْدٌ يَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ بِأَنْ يَجْعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ فِي حَقِّ الْمَوْلَى كَأَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ عَلَيْهِ وَعِتْقَ الْآخَرِ مُعَلَّقًا بِأَدَائِهِ، فَيُطَالِبُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْمَالِ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ لَا بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ وَفِي الْحَقِيقَةِ الْمَالُ مُقَابَلٌ بِهِمَا حَتَّى يَكُونَ مُنْقَسِمًا عَلَيْهِمَا، وَلَكِنَّا قَدَّرْنَا الْمَالَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَصْحِيحًا لِلْكِتَابَةِ وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ الْعِبْرَةُ لِلْحَقِيقَةِ كِفَايَةٌ. (قَوْلُهُ: الْمُعْتَقُ) مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ وَالْآخَرُ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ مَنْصُوبَانِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنْ أَيًّا شَاءَ أَوْ مَرْفُوعَانِ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ أَوْ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ مُؤَاخَذٌ. (قَوْلُهُ: لِكَفَالَتِهِ) أَيْ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّاهُ عَنْهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِكَفَالَتِهِ بِأَمْرِهِ، وَجَازَتْ الْكَفَالَةُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ هُنَا؛ لِأَنَّهَا فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَفِي الِابْتِدَاءِ كَانَ كُلُّ الْمَالِ عَلَيْهِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ مَوْلَاهُ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ حُكْمَ مَا يَظْهَرُ وَهُوَ مَا يُؤَاخَذُ بِهِ لِلْحَالِّ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى كَدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ عِيَانًا وَمَا لَزِمَهُ بِالتِّجَارَةِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَجَعَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا وَهُوَ سَهْوٌ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ بِإِقْرَارِهِ) أَيْ وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ اسْتِقْرَاضٍ) أَيْ أَوْ بَيْعٍ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: لِحُلُولِهِ عَلَى الْعَبْدِ) لِوُجُودِ السَّبَبِ وَقَبُولِ الذِّمَّةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ مُطَالَبَتِهِ لِعُسْرَتِهِ) إذْ جَمِيعُ مَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى وَلَمْ يَرْضَ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِهِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَالْكَفِيلُ غَيْرُ مُعْسِرٍ) فَالْمَانِعُ الَّذِي تَحَقَّقَ فِي الْأَصِيلِ مُنْتَفٍ عَنْ الْكَفِيلِ مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ الْكَفَالَةُ الْمُطْلَقَةُ بِمَالٍ غَيْرِ مُؤَجَّلٍ فَيُطَالَبُ بِهِ فِي الْحَالِ، كَمَا لَوْ كَفَلَ عَنْ مُفْلِسٍ أَوْ غَائِبٍ يَلْزَمُهُ فِي الْحَالِ مَعَ أَنَّ الْأَصِيلَ لَا يَلْزَمُهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَيَرْجِعُ بَعْدَ عِتْقِهِ) لِأَنَّ الطَّالِبَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ فَكَذَا الْكَفِيلُ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ بَحْرٌ، وَقَوْلُهُ: لَوْ بِأَمْرِهِ: أَيْ لَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ الْعَبْدِ. وَبَقِيَ مَا لَوْ كَفَلَ بِدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ الْمُعَايَنِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ الْعِتْقِ إذَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ غَيْرُ مُؤَجَّرٍ إلَى الْعِتْقِ فَيُطَالِبُ السَّيِّدَ بِتَسْلِيمِهِ رَقَبَتَهُ أَوْ الْقَضَاءِ عَنْهُ، وَبَحَثَ أَهْلُ الدَّرْسِ هَلْ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا الرُّجُوعِ الْأَمْرُ بِالْكَفَالَةِ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ السَّيِّدِ، وَقَوِيَ عِنْدِي الثَّانِي؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى السَّيِّدِ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَرَأَيْت مُقَيَّدًا عِنْدِي أَنَّ مَا قَوِيَ عِنْدَهُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْبَدَائِعِ. قَالَ ط: فَلَوْ كَانَتْ بِأَمْرِ الْعَبْدِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ ضَمَانَ الْعَبْدِ فِيمَا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ حَالًّا صَحِيحٌ، وَالرُّجُوعُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ، إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ وَضَمَانِهِ فِيمَا يُؤَاخَذُ بِهِ حَالًّا إنْ كَانَ بِأَمْرِ السَّيِّدِ صَحَّ وَرَجَعَ بِهِ حَالًّا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْعَبْدِ صَحَّ وَرَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَا يَنْعَكِسُ مِنْ قَوْلِهِ نَعَمْ لَوْ تَكَفَّلَ بِالْحَالِّ مُؤَجَّلًا تَأَجَّلَ عَنْهُمَا إلَخْ. . (قَوْلُهُ: فَمَاتَ الْعَبْدُ) بِأَنْ ثَبَتَ مَوْتُهُ بِبُرْهَانِ ذِي الْيَدِ أَوْ بِتَصْدِيقِ الْمُدَّعِي، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ بُرْهَانٌ وَلَا تَصْدِيقٌ لَمْ يَقْبَلْ قَوْلَ ذِي الْيَدِ أَنَّهُ مَاتَ بَلْ يُحْبَسُ هُوَ وَالْكَفِيلُ فَإِنْ طَالَ الْحَبْسُ ضَمِنَ الْقِيمَةَ، وَكَذَا الْوَدِيعَةُ الْمَجْحُودَةُ نَهْرٌ عَنْ النِّهَايَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 338 (فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ) كَانَ (لَهُ ضَمِنَ) الْكَفِيلُ (قِيمَتَهُ) لِجَوَازِهَا بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ كَمَا مَرَّ. (وَلَوْ ادَّعَى عَلَى عَبْدٍ مَالًا فَكَفَلَ بِنَفْسِهِ) أَيْ بِنَفْسِ الْعَبْدِ (رَجُلٌ فَمَاتَ الْعَبْدُ بَرِئَ الْكَفِيلُ) كَمَا فِي الْحُرِّ. (وَلَوْ كَفَلَ عَبْدٌ) غَيْرُ مَدْيُونٍ مُسْتَغْرِقٍ (عَنْ سَيِّدِهِ بِأَمْرِهِ) جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَ (إذَا) (عَتَقَ فَأَدَّاهُ أَوْ كَفَلَ سَيِّدُهُ عَنْهُ) بِأَمْرِهِ (فَأَدَّاهُ) وَلَوْ (بَعْدَ عِتْقِهِ لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ) لِانْعِقَادِهَا غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَسْتَوْجِبُ دَيْنًا عَلَى الْآخَرِ فَلَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ (كَمَا لَوْ كَفَلَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ) الْكَفَالَةَ (لَمْ تَكُنْ الْكَفَالَةُ مُوجِبَةً لِلرُّجُوعِ) لِمَا قُلْنَاهُ (وَ) قَالُوا (فَائِدَةُ كَفَالَةِ الْمَوْلَى عَنْ عَبْدِهِ وُجُوبُ مُطَالَبَتِهِ، بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ، وَفَائِدَةُ كَفَالَةِ الْعَبْدِ عَنْ مَوْلَاهُ تَعَلُّقُهُ) أَيْ الدَّيْنِ (بِرَقَبَتِهِ) وَهَذَا لَمْ يُثْبِتْهُ الْمُصَنِّفُ مَتْنًا فِي شَرْحِهِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.   [رد المحتار] (قَوْلُهُ: فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي) قَيَّدَ بِالْبُرْهَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ مِلْكُهُ بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ أَوْ بِنُكُولِهِ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: لِجَوَازِهَا بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ) أَيْ بِنَفْسِهَا. وَفِيهَا: يَجِبُ عَلَى ذِي الْيَدِ رَدُّ الْعَيْنِ، فَإِنْ هَلَكَتْ وَجَبَ رَدُّ الْقِيمَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ ادَّعَى عَلَى عَبْدٍ مَالًا) أَيْ مَعْلُومَ الْقَدْرِ، بِأَنْ قَالَ أَخَذَ مِنِّي كَذَا بِالْغَصْبِ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ ط. (قَوْلُهُ: بَرِئَ الْكَفِيلُ) أَيْ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَكْفُولُ بِنَفْسِهِ حُرًّا. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَاعْلَمْ أَنَّ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ مُكَرَّرَتَانِ، أَمَّا الْأُولَى فَلَاسْتَفَادَتْهَا مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَمَغْصُوبٌ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَكِنْ ذَكَرَ الثَّانِيَةَ هُنَا لِيُبَيِّنَ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُولَى، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ فِي الْأُولَى رَقَبَةُ الْعَبْدِ وَهِيَ مَالٌ وَهِيَ لَا تَبْطُلُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَفَلَ عَبْدٌ غَيْرُ مَدْيُونٍ مُسْتَغْرِقٍ إلَخْ) بَحْرٌ مُسْتَغْرِقٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَدْيُونٍ، وَنِسْبَةُ الِاسْتِغْرَاقِ إلَيْهِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ اسْتَغْرَقَهُ: أَيْ اسْتَغْرَقَ رَقَبَتَهُ وَمَا فِي يَدِهِ أَوْ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَالَةُ فِي رِقِّهِ فَإِذَا عَتَقَ لَزِمَتْهُ، كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ، أَيْ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مُقَدَّمٌ وَحَقُّهُمْ فِي قِيمَةِ رَقَبَتِهِ يَبِيعُونَهُ بِدَيْنِهِمْ إنْ لَمْ يُفْدِهِ سَيِّدُهُ وَبَعْدَ الْعِتْقِ صَارَ الْحَقُّ فِي ذِمَّتِهِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ دَيْنُهُ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ دَيْنُ الْغُرَمَاءِ وَالْبَاقِي لِلْكَفَالَةِ، كَمَا لَوْ كَفَلَ عَنْ غَيْرِ سَيِّدِهِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَكَفَالَةُ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ عَنْ غَيْرِ السَّيِّدِ بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ بِلَا إذْنِ السَّيِّدِ بَاطِلَةٌ حَتَّى يَعْتِقَ، فَإِذَا عَتَقَ تَلْزَمُهُ، وَإِنْ أَذِنَ سَيِّدُهُ جَازَتْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَيُبَاعُ فِي دَيْنِ الْكَفَالَةِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بُدِئَ بِدَيْنِهِ قَبْلَ دَيْنِ الْكَفَالَةِ وَيَسْعَى الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي الدَّيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ يَكُونُ الْحَقُّ فِي مَالِيَّتِهِ لِمَوْلَاهُ فَصَحَّ إذْنُهُ لَهُ فِي كَفَالَتِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا عَتَقَ فَأَدَّاهُ) نَصٌّ عَلَى الْمُتَوَهِّمِ، فَإِنَّهُ إذَا أَدَّاهُ حَالَ رِقِّهِ لَا يَرْجِعُ بِالْأَوْلَى ط. (قَوْلُهُ: بِأَمْرِهِ) أَيْ بِأَمْرِ الْعَبْدِ، وَهَذَا زَادَهُ فِي النَّهْرِ وَقَالَ هَذَا الْقَيْدُ لَا بُدَّ مِنْهُ اهـ. ثُمَّ رَأَيْته مَذْكُورًا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْجِعْ مَعَ الْأَمْرِ فَعَدَمُ الرُّجُوعِ بِدُونِهِ بِالْأَوْلَى، وَلَعَلَّ فَائِدَتَهُ أَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ الْآتِي. (قَوْلُهُ: لِانْعِقَادِهَا غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرُّجُوعِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ زُفَرَ بِالرُّجُوعِ لِتَحَقُّقِ الْمُوجِبِ لَهُ وَهُوَ الْكَفَالَةُ بِالْأَمْرِ، وَالْمَانِعُ هُوَ الرِّقُّ وَقَدْ زَالَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ انْعِقَادِهَا غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرُّجُوعِ. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ كَفَلَ إلَخْ) مِنْ تَتِمَّةِ الْجَوَابِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْكَفَالَةِ وَلَوْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى إلَخْ. (قَوْلُهُ: لِمَا قُلْنَاهُ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِانْعِقَادِهَا غَيْرَ مُوجِبَةٍ إلَخْ. (قَوْلُهُ: مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكْفُلْ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ عَيْنًا إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ لِيُبَاعَ، وَقَدْ لَا يَفِي ثَمَنُهُ بِالدَّيْنِ فَلَا يَصِلُ الْغُرَمَاءُ إلَى تَمَامِ الدَّيْنِ وَبِالْكَفَالَةِ يَصِلُونَ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: بِرَقَبَتِهِ) أَيْ فَيَثْبُتُ لَهُمْ بَيْعُهُ إنْ لَمْ يُفْدِهِ الْمَوْلَى؛ وَلِذَا اُشْتُرِطَ أَنْ لَا يَكُونَ مَدْيُونًا كَمَا مَرَّ وَبِدُونِ الْكَفَالَةِ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ قَوْلُهُ: فَائِدَةُ كَفَالَةِ الْمَوْلَى إلَخْ. (قَوْلُهُ: فِي شَرْحِهِ) وَأَثْبَتَهُ شَرْحًا وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيمَا رَأَيْته مِنْ نُسَخِ الْمَتْنِ الْمُجَرَّدَةِ ط، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 339 كِتَابُ الْحَوَالَةِ (هِيَ) لُغَةً النَّقْلُ، وَشَرْعًا: (نَقْلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ) وَهَلْ تُوجِبُ الْبَرَاءَةَ مِنْ الدَّيْنِ الْمُصَحَّحِ نَعَمْ فَتْحٌ. (الْمَدْيُونُ مُحِيلٌ وَالدَّائِنُ مُحْتَالٌ وَمُحْتَالٌ لَهُ وَمُحَالٌ وَمُحَالٌ لَهُ)   [رد المحتار] [كِتَابُ الْحَوَالَةِ] ِ كُلٌّ مِنْ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ عَقْدُ الْتِزَامِ مَا عَلَى الْأَصِيلِ لِلتَّوَثُّقِ، إلَّا أَنَّ الْحَوَالَةَ تَتَضَمَّنُ إبْرَاءَ الْأَصِيلِ إبْرَاءً مُقَيَّدًا كَمَا سَيَجِيءُ، فَكَانَتْ كَالْمُرَكَّبِ مَعَ الْمُفْرَدِ، وَالثَّانِي مُقَدَّمٌ فَلَزِمَ تَأْخِيرُ الْحَوَالَةِ. نَهْرٌ (قَوْلُهُ هِيَ لُغَةً النَّقْلُ) أَيْ مُطْلَقًا لِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ، وَهِيَ اسْمٌ مِنْ الْإِحَالَةِ، وَمِنْهُ يُقَالُ: أَحَلْت زَيْدًا عَلَى عَمْرٍو، فَاحْتَالَ: أَيْ قَبِلَ. وَفِي الْمُغْرِبِ تَرْكِيبُ الْحَوَالَةِ يَدُلُّ عَلَى الزَّوَالِ وَالنَّقْلِ وَمِنْهُ التَّحْوِيلُ، وَهُوَ نَقْلُ الشَّيْءِ مِنْ مَحِلٍّ إلَى مَحِلٍّ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا: نَقْلُ الدَّيْنِ إلَخْ) أَيْ مَعَ الْمُطَالَبَةِ، وَقِيلَ: نَقْلُ الْمُطَالَبَةِ فَقَطْ، وَنَسَبَ الزَّيْلَعِيُّ الْأَوَّلَ إلَى أَبِي يُوسُفَ وَالثَّانِيَ إلَى مُحَمَّدٍ. وَجْهُ الْأَوَّلِ دَلَالَةُ الْإِجْمَاعِ، عَلَى أَنَّ الْمُحْتَالَ لَوْ أَبْرَأَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ صَحَّ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُحِيلَ أَوْ وَهَبَهُ لَمْ يَصِحَّ، وَحَكَى فِي الْمَجْمَعِ خِلَافَ مُحَمَّدٍ فِي الثَّانِيَةِ، وَوَجْهُ الثَّانِي دَلَالَةُ الْإِجْمَاعِ أَيْضًا، عَلَى أَنَّ الْمُحِيلَ إذَا قَضَى دَيْنَ الطَّالِبِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا، وَيُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ، وَكَذَا الْمُحْتَالُ لَوْ أَبْرَأَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ عَنْ دَيْنِ الْحَوَالَةِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَلَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ ارْتَدَّ، كَمَا لَوْ أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْكَفِيلَ أَوْ وَهَبَهُ وَلَوْ انْتَقَلَ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّتِهِ لَمَا اخْتَلَفَ حُكْمُ الْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ، وَكَذَا الْمُحَالُ لَوْ أَبْرَأَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُحِيلِ، وَإِنْ كَانَتْ بِأَمْرِهِ كَالْكَفَالَةِ، وَلَوْ وَهَبَهُ رَجَعَ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. وَظَاهِرُهُ اتِّفَاقُ الْقَوْلَيْنِ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا يُفِيدُ اتِّفَاقَ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا عَلَى عَوْدِ الدَّيْنِ بِالتَّوَى، وَعَلَى جَبْرِ الْمُحَالِ عَلَى قَبُولِ الدَّيْنِ مِنْ الْمُحِيلِ وَعَلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ بَيْنَ غُرَمَاءِ الْمُحِيلِ بَعْدَ مَوْتِهِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُحْتَالِ، وَعَلَى أَنَّ إبْرَاءَ الْمُحَالِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَعَلَى أَنَّ تَوْكِيلَ الْمُحَالِ الْمُحِيلَ بِالْقَبْضِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَعَلَى أَنَّ الْمُحْتَالَ لَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ كَانَ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ، وَعَلَى أَنَّهَا تُفْسَخُ بِالْفَسْخِ وَعَلَى عَدَمِ سُقُوطِ حَقِّ حَبْسِ الْمَبِيعِ فِيمَا إذَا أَحَالَهُ الْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عِنْدَ الْمُحْتَالِ رَهْنٌ لِلْمُحِيلِ لَا يَسْقُطُ حَقُّ حَبْسِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُحِيلُ هُوَ الْبَائِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ الْمُرْتَهِنَ عَلَى الرَّاهِنِ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ حَبْسُ الْمَبِيعِ وَالرَّهْنِ لِسُقُوطِ الْمُطَالَبَةِ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ تُبَايِنُ كَوْنَهَا نَقْلًا لِلدَّيْنِ، وَلَكِنْ اُعْتُبِرَتْ الْحَوَالَةُ تَأْجِيلًا إلَى التَّوَى فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَجُعِلَ النَّقْلُ لِلْمُطَالَبَةِ، وَفِي بَعْضِهَا اُعْتُبِرَتْ إبْرَاءً وَجُعِلَ النَّقْلُ لِلدَّيْنِ أَيْضًا، وَتَمَامُ التَّوْجِيهِ فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ إذَا أَحَالَ الطَّالِبُ إنْسَانًا عَلَى مَدْيُونِهِ وَبِالدَّيْنِ كَفِيلٌ بَرِئَ الْمَدْيُونُ مِنْ دَيْنِ الْمُحِيلِ وَبَرِئَ كَفِيلُهُ، وَيُطَالِبُ الْمُحْتَالُ الْأَصِيلَ لَا الْكَفِيلَ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ لَهُ شَيْئًا لَكِنَّهَا بَرَاءَةٌ مَوْقُوفَةٌ وَكَذَا إذَا أَحَالَ الْمُرْتَهِنُ بِدَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ بَطَلَ حَقُّهُ فِي حَبْسِ الرَّهْنِ وَلَا يَكُونُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُحْتَالِ اهـ. وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمُرْتَهِنُ هُوَ الْمُحِيلُ وَفِيمَا مَرَّ هُوَ الْمُحْتَالُ، وَعَلِمْت وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَيَأْتِي أَيْضًا وَمَسْأَلَةُ الْكَفَالَةِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهَا: لَوْ أَحَالَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ بِالْمَالِ عَلَى رَجُلٍ بَرِئَ الْأَصِيلُ وَالْكَفِيلُ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الطَّالِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ فَقَطْ فَلَا يَبْرَأُ الْأَصِيلُ. (قَوْلُهُ: وَالدَّائِنُ مُحْتَالٌ وَمُحْتَالٌ لَهُ إلَخْ) يَعْنِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الْأَرْبَعَةُ فِي الِاصْطِلَاحِ دُرَرٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّ اللُّغَةَ بِخِلَافِهِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ قَوْلُهُمْ لِلْمُحْتَالِ الْمُحْتَالُ لَهُ لَغْوٌ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذِهِ الصِّلَةِ زَادَ فِي الْفَتْحِ بَلْ الصِّلَةُ مَعَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَفْظَةُ عَلَيْهِ فَهُمَا مُحْتَالٌ وَمُحْتَالٌ عَلَيْهِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِعَدَمِ الصِّلَةِ وَبِصِلَةِ عَلَيْهِ اهـ. قُلْت: وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ كَلَامِهِمْ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَوَالَةَ لُغَةً بِمَعْنَى النَّقْلِ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ فَالْمَدْيُونُ يَدْفَعُ الطَّالِبَ عَنْ نَفْسِهِ وَيُسَلِّطُهُ عَلَى غَرِيمِهِ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ نَقْلُ الدَّيْنِ وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَيْضًا، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُقَالُ: مُحْتَالٌ لَا غَيْرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 340 وَيُزَادُ خَامِسٌ وَهُوَ حَوِيلٌ فَتْحٌ. (وَمَنْ يَقْبَلُهَا مُحْتَالٌ عَلَيْهِ وَمُحَالٌ عَلَيْهِ) فَالْفَرْقُ بِالصِّلَةِ وَقَدْ تُحْذَفُ مِنْ الْأَوَّلِ (وَالْمَالُ مُحَالٌ بِهِ وَ) الْحَوَالَةُ (شُرِطَ لِصِحَّتِهَا رِضَا الْكُلِّ بِلَا خِلَافٍ إلَّا فِي الْأَوَّلِ) وَهُوَ الْمُحِيلُ فَلَا يُشْتَرَطُ عَلَى الْمُخْتَارِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْمَوَاهِبِ. بَلْ قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: إنَّمَا شَرَطَهُ الْقُدُورِيُّ لِلرُّجُوعِ عَلَيْهِ فَلَا اخْتِلَافَ فِي الرِّوَايَةِ، لَكِنْ اسْتَظْهَرَ الْأَكْمَلُ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا إنْ مِنْ الْمُحِيلِ شَرْطُ ضَرُورَةٍ، وَإِلَّا لَا   [رد المحتار] وَعَلَى الثَّانِي مُحْتَالٌ لَهُ لَا غَيْرَ الْمُحِيلَ بِمَعْنَى النَّاقِلِ، وَالْمُحَالَ عَلَيْهِ بِمَعْنَى الْمَنْقُولِ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَالدَّيْنُ مَنْقُولٌ وَالطَّالِبُ مُحَالٌ لَهُ: أَيْ مَنْقُولٌ لِأَجَلِهِ، وَلَوْ قِيلَ مُحَالٌ بِمَعْنَى مَنْقُولٍ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ هُوَ الدَّيْنُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْمَنْقُولَ هُوَ ذَاتُ الطَّالِبِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ مُحْتَالٌ وَمُحْتَالٌ لَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمُرَادِ فِي الْمَنْقُولِ هَلْ هُوَ ذَاتُ الطَّالِبِ أَوْ دَيْنُهُ فَافْهَمْ، نَعَمْ يَصِحُّ عَلَى الثَّانِي أَنْ يُقَالَ فِيهِ مُحْتَالٌ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ: أَيْ مُحْتَالُ دَيْنِهِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا لَغْوَ فِي كَلَامِهِمْ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّقْرِيرَ. (قَوْلُهُ وَيُزَادُ خَامِسٌ وَهُوَ حَوِيلٌ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ وَيُقَالُ لِلْمُحْتَالِ حَوِيلٌ أَيْضًا، فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ نَقْلٌ لِعِبَارَةِ الْفَتْحِ بِالْمَعْنَى، فَافْهَمْ. وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عِبَارَةً عَنْ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ فِيهَا إطْلَاقُ الْحَوِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: فَلَعَلَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا. (قَوْلُهُ فَالْفَرْقُ بِالصِّلَةِ) أَيْ بِاخْتِلَافِهَا وَهِيَ اللَّامُ فِي الْأَوَّلِ، وَعَلَى الثَّانِي وَهَذَا عَلَى وُجُودِهَا فِي الْأَوَّلِ وَقَدْ عَلِمْت وَجْهَ صِحَّتِهِ، وَأَمَّا عَلَى حَذْفِهَا الْمُفَادِ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ تُحْذَفُ فَالْمُرَادُ أَنَّ الْفَرْقَ بِالصِّلَةِ وُجُودًا وَعَدَمًا كَمَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْحَوَالَةُ شُرِطَ لِصِحَّتِهَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَشَرْطُ صِحَّتِهَا فِي الْمُحِيلِ الْعَقْلُ، فَلَا تَصِحُّ حَوَالَةُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ وَالرِّضَا، فَلَا تَصِحُّ حَوَالَةُ الْمُكْرَهِ وَأَمَّا الْبُلُوغُ فَشَرْطٌ لِلنَّفَاذِ فَصِحَّةُ حَوَالَةِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ وَلَيْسَ مِنْهَا الْحُرِّيَّةُ فَتَصِحُّ حَوَالَةُ الْعَبْدِ مُطْلَقًا، غَيْرَ أَنَّ الْمَأْذُونَ يُطَالَبُ لِلْحَالِ وَالْمَحْجُورَ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَلَا الصِّحَّةُ فَتَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ. وَفِي الْمُحْتَالِ الْعَقْلُ وَالرِّضَا وَأَمَّا الْبُلُوغُ فَشَرْطُ النَّفَاذِ أَيْضًا فَانْعَقَدَ احْتِيَالُ الصَّبِيِّ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ إنْ كَانَ الثَّانِي أَمْلَأَ مِنْ الْأَوَّلِ كَاحْتِيَالِ الْوَصِيِّ بِمَالِ الْيَتِيمِ وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا الْمَجْلِسُ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَالشَّرْطُ حَضْرَةُ الْمُحْتَالِ فَقَطْ حَتَّى لَا تَصِحَّ فِي غَيْبَتِهِ إلَّا أَنْ يَقْبَلَ عَنْهُ آخَرُ، وَأَمَّا غَيْبَةُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَلَا تَمْنَعُ، حَتَّى لَوْ أَحَالَ عَلَيْهِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ صَحَّ، وَهَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَا بُدَّ فِي قَبُولِهَا مِنْ الرِّضَا، فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَبُولِهَا لَمْ تَصِحَّ وَفِي الْمُحَالِ بِهِ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا لَازِمًا فَلَا تَصِحُّ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ كَالْكَفَالَةِ اهـ (قَوْلُهُ رِضَا الْكُلِّ) أَمَّا رِضَا الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ ذَوِي الْمُرُوءَاتِ قَدْ يَأْنَفُونَ تَحَمُّلَ غَيْرِهِمْ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الدَّيْنِ، فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ، وَأَمَّا رِضَا الْمُحْتَالِ فَلِأَنَّ فِيهَا انْتِقَالَ حَقِّهِ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى وَالذِّمَمُ مُتَفَاوِتَةٌ وَأَمَّا رِضَا الثَّالِثِ وَهُوَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ فَلِأَنَّهَا إلْزَامُ الدَّيْنِ وَلَا لُزُومَ بِلَا الْتِزَامٍ دُرَرٌ قُلْت: نَقَلَ السَّائِحَانِيُّ عَنْ لُقَطَةِ الْبَحْرِ إذَا اسْتَدَانَتْ الزَّوْجَةُ النَّفَقَةَ بِأَمْرِ الْقَاضِي لَهَا أَنْ تُحِيلَ عَلَى الزَّوْجِ بِلَا رِضَاهُ (قَوْلُهُ فَلَا يُشْتَرَطُ عَلَى الْمُخْتَارِ) هُوَ رِوَايَةُ الزِّيَادَاتِ قَالَ فِيهَا: لِأَنَّ الْتِزَامَ الدَّيْنِ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَالْمُحِيلُ لَا يَتَضَرَّرُ، بَلْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ لِلرُّجُوعِ عَلَيْهِ) أَيْ رُجُوعِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ عَلَى الْمُحِيلِ، أَوْ لِيُسْقِطَ الدَّيْنَ الَّذِي لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، أَمَّا بِدُونِ الرِّضَا فَلَا رُجُوعَ وَلَا سُقُوطَ وَهُوَ مَحْمَلُ رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ (قَوْلُهُ لَكِنْ اسْتَظْهَرَ الْأَكْمَلُ إلَخْ) أَيْ فِي الْعِنَايَةِ وَهُوَ تَوْفِيقٌ آخَرُ بَيْنَ رِوَايَتَيْ الزِّيَادَاتِ وَالْقُدُورِيِّ، لَكِنْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ضَمِيمَةِ التَّوْفِيقِ الْأَوَّلِ كَمَا تَعْرِفُهُ. (قَوْلُهُ شَرْطُ ضَرُورَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا إحَالَةٌ وَهِيَ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ وَلَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْإِرَادَةِ وَالرِّضَا وَهُوَ مَحْمَلُ رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ وَقَوْلُهُ: " إلَّا لَا " أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمُحِيلِ بَلْ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ تَكُونُ احْتِيَالًا يَتِمُّ بِدُونِ إرَادَةِ الْمُحِيلِ بِإِرَادَةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَرِضَاهُ، وَهُوَ وَجْهُ رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ عِنَايَةٌ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى الثَّانِي لَا يَثْبُتُ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ بِمَا أَدَّى، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ لِلْمُحِيلِ دَيْنٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 341 وَأَرَادَ بِالرِّضَا الْقَبُولَ، فَإِنَّ قَبُولَهَا فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ شَرْطُ الِانْعِقَادِ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. لَكِنْ فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا: الشَّرْطُ قَبُولُ الْمُحْتَالِ أَوْ نَائِبِهِ وَرِضَا الْبَاقِينَ لَا حُضُورُهُمَا، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ. (وَتَصِحُّ فِي الدَّيْنِ) الْمَعْلُومِ (لَا فِي الْعَيْنِ   [رد المحتار] لَا يَسْقُطُ إلَّا بِرِضَا الْمُحِيلِ فَرَجَعَ إلَى التَّوْفِيقِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَأَرَادَ بِالرِّضَا الْقَبُولَ) أَيْ الَّذِي هُوَ أَحَدُ رُكْنَيْ الْعَقْدِ فَيُشْتَرَطُ لَهُ الْمَجْلِسُ شَطْرَ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ غَائِبٍ بَلْ يَلْغُو، بِخِلَافِ الرِّضَا الَّذِي لَيْسَ رُكْنَ عَقْدٍ (قَوْلُهُ فَإِنَّ قَبُولَهَا إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَوَّلًا أَنَّ مِنْ الشُّرُوطِ مَجْلِسُ الْحَوَالَةِ وَقَالَ: وَهُوَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ فِي قَوْلِهِمَا، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ شَرْطُ النَّفَاذِ عِنْدَهُ، فَلَوْ كَانَ الْمُحْتَالُ غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ فَبَلَغَهُ الْخَبَرُ فَأَجَازَ لَمْ يَنْعَقِدْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا اهـ. ثُمَّ قَالَ هُنَا: وَأَرَادَ مِنْ الرِّضَا الْقَبُولَ فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ قَبُولَهُمَا فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ شَرْطُ الِانْعِقَادِ، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ أَوَّلًا هُوَ عِبَارَةُ الْبَدَائِعِ فَقَوْلُهُ: " لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ قَبُولَهُمَا " الظَّاهِرُ أَنَّ الْمِيمَ فِيهِ زَائِدَةٌ، وَأَنَّ الضَّمِيرَ فِيهِ مُفْرَدٌ عَائِدٌ لِلْحَوَالَةِ الْمُتَبَادِرَ مِنْ كَلَامِ الْبَدَائِعِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْمَجْلِسِ عِنْدَهُمَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمُحْتَالِ فَقَطْ بِقَرِينَةِ التَّفْرِيعِ وَيَأْتِي قَرِيبًا مَا يُؤَيِّدُهُ اهـ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا) أَيْ كَالْخَانِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَعِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ الْحَوَالَةُ تَعْتَمِدُ قَبُولَ الْمُحْتَالِ لَهُ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَلَا تَصِحُّ فِي غَيْبَةِ الْمُحْتَالِ لَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، كَمَا قُلْنَا فِي الْكَفَالَةِ إلَّا أَنْ يَقْبَلَ رَجُلٌ الْحَوَالَةَ لِلْغَائِبِ، وَلَا تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لِصِحَّةِ الْحَوَالَةِ حَتَّى لَوْ أَحَالَهُ عَلَى رَجُلٍ غَائِبٍ ثُمَّ عَلِمَ الْغَائِبُ فَقَبِلَ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ اهـ. وَمُرَادُهُ بِالْقَبُولِ فِي قَوْلِهِ تَعْتَمِدُ قَبُولَ. . . إلَخْ الرِّضَا الْأَعَمَّ مِنْ الْقَبُولِ الْمَشْرُوطِ لَهُ الْمَجْلِسُ بِقَرِينَةِ آخِرِ الْعِبَارَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ رِضَا الْمُحِيلِ بِنَاءً عَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ غَيْرُ شَرْطٍ. فَتَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِهِ: أَنَّ الشَّرْطَ قَبُولُ الْمُحْتَالِ فِي الْمَجْلِسِ وَرِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَلَوْ غَائِبًا، وَهُوَ مَا لَخَصَّهُ فِي النَّهْرِ كَمَا مَرَّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُحْتَالِ فَقَطْ فَعِنْدَهُ لَا تُشْتَرَطُ حَضْرَتُهُ بَلْ يَكْفِي رِضَاهُ كَالْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمُحَالِ عَلَيْهِ فِي أَنَّ حَضْرَتَهُ غَيْرُ شَرْطٍ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ مَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الصَّحِيحِ، بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُصَحَّحِ فَافْهَمْ. وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ الرِّضَا الْأَعَمِّ، وَأَنَّ الْخِلَافَ فِي قَبُولِ الْمُحْتَالِ فِي الْمَجْلِسِ لَا فِي رِضَاهُ، فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ شَرْطُ رِضَا الْكُلِّ بِلَا خِلَافٍ إلَخْ خِلَافًا لِمَا ظَنَّهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ نَائِبِهِ) أَيْ وَلَوْ فُضُولِيًّا، وَبِهِ عَبَّرَ فِي الدُّرَرِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَيَتَوَقَّفُ أَيْ قَبُولُ الْفُضُولِيِّ عَلَى إجَازَةِ الْمُحْتَالِ إذَا بَلَغَهُ (قَوْلُهُ وَرِضَا الْبَاقِينَ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِيَاءَيْنِ ثَانِيَتُهُمَا يَاءُ التَّثْنِيَةِ وَفِي عَامَّةِ النُّسَخِ بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنَّهُ جَمْعٌ أُرِيدَ بِهِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ اشْتِرَاطَ رِضَا الْمُحِيلِ مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ: وَهِيَ خِلَافُ الْمُخْتَارِ كَمَا قَدَّمَهُ فَالْأَحْسَنُ عِبَارَةُ الْغُرَرِ مَتْنِ الدُّرَرِ وَهِيَ: وَشُرِطَ حُضُورُ الثَّانِي إلَّا أَنْ يَقْبَلَ فُضُولِيٌّ لَهُ لَا حُضُورُ الْبَاقِينَ اهـ. فَلَمْ يَذْكُرْ اشْتِرَاطَ رِضَاهُمَا فَيُصَدَّقُ بِكُلٍّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَالَ فِي الدُّرَرِ: أَمَّا عَدَمُ اشْتِرَاطِ حُضُورِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْمُحِيلُ فَبِأَنْ يَقُولَ رَجُلٌ لِلدَّائِنِ لَك عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَاحْتَلْ بِهَا عَلَيَّ فَرَضِيَ الدَّائِنُ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ تَصِحُّ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ، وَأَمَّا عَدَمُ اشْتِرَاطِ حُضُورِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ فَبِأَنْ يُحِيلَ الدَّائِنُ عَلَى رَجُلٍ غَائِبٍ ثُمَّ عَلِمَ الْغَائِبُ فَقَبِلَ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ اهـ. قُلْت: فَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا التَّصْوِيرِ رِضَا الْمُحِيلِ الْغَائِبِ، وَذَكَرَ فِي الثَّانِي رِضَا الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ الْغَائِبِ، وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ الْمُخْتَارَةِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ فِي الدَّيْنِ) الشَّرْطُ كَوْنُ الدَّيْنِ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحِيلِ، وَإِلَّا فَهِيَ وَكَالَةٌ لَا حَوَالَةٌ، وَأَمَّا الدَّيْنُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. وَفِيهِ عَنْ الْمُحِيطِ وَلَوْ أَحَالَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْمُحْتَالَ عَلَى آخَرَ جَازَ وَبَرِئَ الْأَوَّلُ وَالْمَالُ عَلَى الْآخَرِ كَالْكَفَالَةِ مِنْ الْكَفِيلِ اهـ. فَدَخَلَ فِي الدَّيْنِ دَيْنُ الْحَوَالَةِ كَمَا دَخَلَ دَيْنُ الْكَفَالَةِ، فَإِنَّ الْكَفِيلَ لَوْ أَحَالَ الطَّالِبَ جَازَ كَمَا يَأْتِي وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ كُلُّ دَيْنٍ جَازَتْ بِهِ الْكَفَالَةُ جَازَتْ بِهِ الْحَوَالَةُ وَفِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 342 زَادَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَلَا فِي الْحُقُوقِ انْتَهَى. وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ حَوَالَةَ الْغَازِي بِحَقِّهِ مِنْ غَنِيمَةٍ مُحْرَزَةٍ   [رد المحتار] الْهِنْدِيَّةِ مَا لَا تَجُوزُ بِهِ الْكَفَالَةُ لَا تَجُوزُ بِهِ الْحَوَالَةُ (قَوْلُهُ: الْمَعْلُومِ) فَلَوْ احْتَالَ بِمَالٍ مَجْهُولٍ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ: احْتَلْت بِمَا يَذُوبُ لَك عَلَى فُلَانٍ لَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ مَعَ جَهَالَةِ الْمَالِ وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ أَيْضًا بِهَذَا اللَّفْظِ بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ: لَا فِي الْعَيْنِ) لِأَنَّ النَّقْلَ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ نَقْلٌ شَرْعِيٌّ، وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأَعْيَانِ بَلْ الْمُتَصَوَّرُ فِيهَا النَّقْلُ الْحِسِّيُّ فَكَانَتْ نَقْلًا لِلْوَصْفِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الدَّيْنُ فَتْحٌ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّهَا تَصِحُّ بِالدَّرَاهِمِ الْوَدِيعَةِ إذْ لَيْسَ فِيهَا نَقْلُ الدَّيْنِ، وَكَذَا الْغَصْبُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ رَدُّ الْعَيْنِ وَالْقِيمَةِ مُلَخَّصٌ، وَدَفْعُ الْإِيرَادِ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ الْوَدِيعَةِ وَكَالَةٌ حَقِيقَةً اهـ. قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِوَدِيعَةٍ وَنَحْوِهَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمُحِيلُ مُطَالَبَةَ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ، وَلَا الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ دَفْعَهَا لِلْمُحِيلِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْوَكَالَةَ حَقِيقَةً تُنَافِي ذَلِكَ، فَالصَّوَابُ فِي دَفْعِ الْإِيرَادِ أَنَّ النَّقْلَ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّ الْمَدْيُونَ إذَا أَحَالَ الدَّائِنَ عَلَى الْمُودِعِ فَقَدْ انْتَقَلَ الدَّيْنُ عَنْ الْمَدْيُونِ إلَى الْمُودِعِ وَصَارَ الْمُودِعُ مُطَالَبًا بِالدَّيْنِ كَأَنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ فَكَانَتْ حَوَالَةً بِالدَّيْنِ لَا بِالْعَيْنِ. نَعَمْ لَوْ أَحَالَ الْمُودِعُ رَبَّ الْوَدِيعَةِ بِهَا عَلَى آخَرَ كَانَتْ حَوَالَةً بِالْعَيْنِ فَلَا تَصِحُّ. مَطْلَبٌ فِي حَوَالَةِ الْغَازِي وَحَوَالَةِ الْمُسْتَحِقِّ مِنْ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ حَوَالَةَ الْغَازِي) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ أَيْ إحَالَتَهُ غَيْرَهُ عَلَى الْإِمَامِ. وَعِبَارَةُ النَّهْرِ وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ الْحَوَالَةَ عَلَى الْإِمَامِ مِنْ الْغَازِي إلَخْ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ مَا نَحْنُ فِيهِ إذْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي بَيَانِ الْمَكْفُولِ بِهِ فَذَكَرَ أَنَّهُ الْمَالُ لَا الْعَيْنُ وَلَا الْحُقُوقُ، فَإِذَا اسْتَدَانَ الْغَازِي دَيْنًا مِنْ زَيْدٍ ثُمَّ أَحَالَهُ بِهِ عَلَى الْإِمَامِ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ سَوَاءٌ قَيَّدَهَا بِأَنْ يُعْطِيَهُ الْإِمَامُ مِنْ حَقِّهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ الْمُحْرَزَةِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ لِلْمُحِيلِ دَيْنٌ أَوْ عَيْنٌ مِنْ وَدِيعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَلِأَنَّ الْمُحَالَ بِهِ دَيْنٌ صَحِيحٌ مَعْلُومٌ، فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ صِحَّتِهَا لَيْسَ لَهُ وَجْهُ صِحَّةٍ أَصْلًا، وَهَكَذَا يُقَالُ فِي الْمُسْتَحِقِّ إذَا اسْتَدَانَ ثُمَّ أَحَالَ الدَّائِنَ عَلَى النَّاظِرِ، سَوَاءٌ قَيَّدَ الْحَوَالَةَ بِمَعْلُومِهِ الَّذِي فِي يَدِ النَّاظِرِ أَوْ لَا، فَهِيَ أَيْضًا مِنْ الْحَوَالَةِ بِالدَّيْنِ لَا بِالْحُقُوقِ. نَعَمْ لَوْ أَحَالَ الْإِمَامُ الْغَازِيَ أَوْ أَحَالَ النَّاظِرُ الْمُسْتَحِقَّ عَلَى آخَرَ كَانَ مَظِنَّةَ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مِنْ الْحَوَالَةِ بِالْحُقُوقِ؛ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ إذَا أُحْرِزَتْ بِدَارِنَا يَتَأَكَّدُ فِيهَا حَقُّ الْغَانِمِينَ وَلَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْوَارِثَ إذَا مَاتَ بَعْدَ الْإِحْرَازِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ يُورَثُ نَصِيبُهُ فَيَقْتَضِي الْمِلْكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ الْحَقَّ الْمُتَأَكِّدَ يُورَثُ كَحَقِّ حَبْسِ الرَّهْنِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، بِخِلَافِ الضَّعِيفِ كَالشُّفْعَةِ، وَخِيَارِ الشَّرْطِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ فِي بَابِ الْمَغْنَمِ وَقِسْمَتِهِ وَكَذَا يُقَالُ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ فَإِنَّ نَصِيبَ الْمُسْتَحِقِّ يُورَثُ عَنْهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ ظُهُورِ غَلَّةِ الْوَقْفِ فِي وَقْفِ الذُّرِّيَّةِ أَوْ بَعْدَ عَمَلِ صَاحِبِ الْوَظِيفَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا تَصِحَّ هَذِهِ الْحَوَالَةُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْغَازِي وَالْمُسْتَحِقِّ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الْإِمَامِ وَالنَّاظِرِ. نَعَمْ تَكُونُ وَكَالَةً بِالْقَبْضِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ قَالَ الْمُحِيلُ لِلْمُحْتَالِ وَهَذَا يَقَعُ كَثِيرًا، فَإِنَّ النَّاظِرَ يُحِيلُ الْمُسْتَحِقَّ عَلَى مُسْتَأْجِرِ عَقَارِ الْوَقْفِ. وَقَدْ أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ بِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ النَّاظِرُ قَبْلَ أَخْذِ الْمُحْتَالِ، فَلِلنَّاظِرِ الثَّانِي أَخْذُهُ، لَكِنْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْمَغْنَمِ، أَنَّ غَلَّةَ الْوَقْفِ بَعْدَ ظُهُورِهَا يَتَأَكَّدُ فِيهَا حَقُّ الْمُسْتَحِقِّينَ، فَتُورَثُ عَنْهُمْ، وَأَمَّا بَعْدَ قَبْضِ النَّاظِرِ لَهَا فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِيرَ مِلْكًا لَهُمْ لِلشَّرِكَةِ الْخَاصَّةِ، بِخِلَافِ الْمَغْنَمِ فَإِنَّهُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ، حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ الْغَانِمِينَ حِصَّتَهُ مِنْ أَمَةٍ لَا تَعْتِقُ لِلشَّرِكَةِ الْعَامَّةِ إلَّا إذَا قُسِّمَتْ الْغَنِيمَةُ عَلَى الرَّايَاتِ فَيَصِحُّ لِلشَّرِكَةِ الْخَاصَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَإِذَا صَارَتْ الْغَلَّةُ فِي يَدِ النَّاظِرِ صَارَتْ أَمَانَةً عِنْدَهُ مِلْكًا لِلْمُسْتَحِقِّينَ لَهُمْ مُطَالَبَتُهُ بِهَا، وَيُحْبَسُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا، وَيَضْمَنُهَا إذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 343 لَا تَصِحُّ، وَكَذَا حَوَالَةُ الْمُسْتَحِقِّ بِمَعْلُومِهِ فِي الْوَقْفِ عَلَى النَّاظِرِ نَهْرٌ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ وَرَقَتَيْنِ: وَهَذَا فِي الْحَوَالَةِ الْمُطْلَقَةِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْمُقَيَّدَةُ، فَفِي الْبَحْرِ أَنَّ مَالَ الْوَقْفِ فِي يَدِ النَّاظِرِ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ كَالْإِحَالَةِ عَلَى الْمُودِعِ، وَإِلَّا لَا لِأَنَّهَا مُطَالَبَةٌ انْتَهَى. وَمُقْتَضَاهُ صِحَّتُهَا بِحَقِّ الْغَنِيمَةِ، وَعِنْدِي فِيهِ تَرَدُّدٌ. وَبَرِئَ الْمُحِيلُ مِنْ الدَّيْنِ وَالْمُطَالَبَةِ جَمِيعًا (بِالْقَبُولِ) مِنْ الْمُحْتَالِ لِلْحَوَالَةِ. (وَلَا يَرْجِعُ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحِيلِ   [رد المحتار] اسْتَهْلَكَهَا أَوْ هَلَكَتْ بَعْدَ الطَّلَبِ، فَإِذَا أَحَالَ النَّاظِرُ بَعْضَ الْمُسْتَحِقِّينَ عَلَى آخَرَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا حَوَالَةٌ بِالْعَيْنِ لَا بِالدَّيْنِ إلَّا إذَا كَانَ النَّاظِرُ اسْتَهْلَكَهَا أَوْ خَلَطَهَا بِمَالِهِ فَتَصِيرُ دَيْنًا بِذِمَّتِهِ فَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ؛ لِأَنَّهَا حَوَالَةٌ بِالدَّيْنِ لَا بِالْعَيْنِ وَلَا بِالْحُقُوقِ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ الْحَوَالَةَ لَا تَكُونُ مِنْ الْحَوَالَةِ بِالْحُقُوقِ أَصْلًا، سَوَاءٌ كَانَ الْغَازِي أَوْ النَّاظِرُ مُحِيلًا أَوْ مُحْتَالًا، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْحَوَالَةُ مُطْلَقَةً أَوْ مُقَيَّدَةً، وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ النَّهْرِ غَيْرُ مُحَرَّرٍ، فَافْهَمْ وَتَدَبَّرْ وَاغْنَمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَقَامِ فَإِنَّهُ مِنْ فَيْضِ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (قَوْلُهُ: لَا تَصِحُّ) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا فِي الْحَوَالَةِ الْمُطْلَقَةِ ظَاهِرٌ) لِتَصْرِيحِهِمْ بِاخْتِصَاصِهَا بِالدُّيُونِ لِابْتِنَائِهَا عَلَى النَّقْلِ نَهْرٌ. قُلْت: وَهَذِهِ حَوَالَةٌ بِالدَّيْنِ وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً، بَلْ الصِّحَّةُ فِيهَا أَظْهَرُ مِنْ عَدَمِهَا لِأَنَّ الْحَوَالَةَ الْمُطْلَقَةَ عَلَى مَا يَأْتِي أَنْ لَا يُقَيَّدَ الْمُحِيلُ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَلَا بِعَيْنٍ لَهُ فِي يَدِهِ فَإِذَا أَحَالَ الْمُسْتَحِقُّ غَرِيمَهُ بِدَيْنِهِ عَلَى النَّاظِرِ حَوَالَةً مُطْلَقَةً فَلَا شَكَّ فِي صِحَّتِهَا (قَوْلُهُ: يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ) لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ مَالَ الْوَقْفِ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ، وَلَكِنْ إذَا صَحَّتْ لَا تَكُونُ مِنْ الْحَوَالَةِ بِالْحُقُوقِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ إنَّمَا أَحَالَ دَائِنَهُ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ، بَلْ هِيَ حَوَالَةٌ بِالدَّيْنِ مُقَيَّدَةٌ بِمَا عِنْدَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَهُوَ النَّاظِرُ (قَوْلُهُ: كَالْإِحَالَةِ عَلَى الْمُودِعِ) بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَمِينٌ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا مُطَالَبَةٌ) أَيْ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ تُثْبِتُ الْمُطَالَبَةَ وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَى النَّاظِرِ فِيمَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ الَّذِي قُيِّدَتْ الْحَوَالَةُ بِهِ (قَوْلُهُ: انْتَهَى) أَيْ كَلَامُ الْبَحْرِ، وَقَوْلُهُ: وَمُقْتَضَاهُ إلَخْ مِنْ كَلَامِ النَّهْرِ أَيْضًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَعِنْدِي فِيهِ تَرَدُّدٌ) نَقَلَهُ الْحَمَوِيُّ وَأَقَرَّهُ، وَيُؤَيِّدُ الصِّحَّةَ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْمَغْنَمِ أَنَّهُ يُورَثُ عَنْهُ لِتَأَكُّدِ مِلْكِهِ فِيهِ، وَقَدْ وُجِدَ الْجَامِعُ لِلْقِيَاسِ فِيهَا وَفِي الْوَدِيعَةِ ط. (قَوْلُهُ: وَبَرِئَ الْمُحِيلُ مِنْ الدَّيْنِ إلَخْ) أَيْ بَرَاءَةً مُؤَقَّتَةً بِعَدَمِ التَّوَى، وَفَائِدَةُ بَرَاءَتِهِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ لَا يَأْخُذُ الْمُحْتَالُ الدَّيْنَ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَلَكِنَّهُ يَأْخُذُ كَفِيلًا مِنْ وَرَثَتِهِ أَوْ مِنْ الْغُرَمَاءِ مَخَافَةَ أَنْ يُتْوَى حَقُّهُ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ ط وَمُقْتَضَى الْبَرَاءَةِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ أَحَالَ الْبَائِعُ عَلَى آخَرَ بِالثَّمَنِ لَا يُحْبَسُ الْمَبِيعُ، وَكَذَا لَوْ أَحَالَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ بِالدَّيْنِ لَا يُحْبَسُ الرَّهْنُ وَلَوْ أَحَالَهَا بِصَدَاقِهَا لَمْ تَحْبِسْ نَفْسَهَا، بِخِلَافِ الْعَكْسِ: أَيْ أَحَالَةِ الْبَائِعِ غَرِيمَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ غَرِيمَهُ عَلَى الرَّاهِنِ أَوْ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الزِّيَادَاتِ عَكْسُ هَذَا، وَهُوَ أَنَّ الْبَائِعَ وَالْمُرْتَهِنَ إذَا أَحَالَا سَقَطَ حَقُّهُمَا فِي الْحَبْسِ، وَلَوْ أُحِيلَا لَمْ يَسْقُطْ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ قُلْت: وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ الْبَائِعَ وَالْمُرْتَهِنَ إذَا أَحَالَا غَرِيمًا لَهُمَا عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ الرَّاهِنِ سَقَطَتْ مُطَالَبَتُهُمَا فَيَسْقُطُ حَقُّهُمَا فِي الْحَبْسِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أُحِيلَا فَإِنَّ مُطَالَبَتَهُمَا بَاقِيَةٌ كَمَا أَوْضَحَهُ الزَّيْلَعِيُّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي قَوْلِهِ بَرِئَ الْمُحِيلُ إشَارَةٌ إلَى بَرَاءَةِ كَفِيلِهِ، فَإِذَا أَحَالَ الْأَصِيلُ الطَّالِبَ بَرِئَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ وَقَوْلُهُ: وَالْمُطَالَبَةُ جَمِيعًا دَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ أَحَالَ الْمَكْفُولَ لَهُ وَنَصَّ عَلَى بَرَاءَتِهِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ الْمُطَالَبَةِ، وَإِنْ أَطْلَقَ الْحَوَالَةَ بَرِئَ الْأَصِيلُ أَيْضًا نَهْرٌ وَفِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ لِلرَّمْلِيِّ يُؤْخَذُ مِنْ بَرَاءَةِ الْمُحِيلِ أَنَّ الْكَفِيلَ لَوْ أَحَالَ الْمَكْفُولَ لَهُ عَلَى الْمَدْيُونِ بِالدَّيْنِ الْمَكْفُولِ بِهِ وَقَبِلَهُ بَرِئَ، وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى اهـ. وَأَطَالَ فِي الِاسْتِشْهَادِ لَهُ (قَوْلُهُ بِالْقَبُولِ مِنْ الْمُحْتَالِ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَزَادَ فِي النَّهْرِ وَالْمُحْتَالِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ قَبُولُ الْمُحْتَالِ أَوْ نَائِبِهِ وَرِضَا الْبَاقِينَ. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ قَبْضُ الْمُحْتَالِ فِي الْمَجْلِسِ إلَّا إذَا كَانَ صَرْفًا بِأَنْ كَانَ دَيْنُهُ ذَهَبًا فَأَحَالَ عَنْهُ بِفِضَّةٍ جَازَ إنْ قَبِلَ الْغَرِيمُ نَاقِدًا فِي مَجْلِسِ الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَرْجِعُ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحِيلِ. . . إلَخْ) هَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 344 إلَّا بِالتَّوَى) بِالْقَصْرِ وَيُمَدُّ: هَلَاكُ الْمَالِ لِأَنَّ بَرَاءَتَهُ مُقَيَّدَةٌ بِسَلَامَةِ حَقِّهِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنْ لَا يَكُونَ الْمُحِيلُ هُوَ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ ثَانِيًا (وَهُوَ) بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ (أَنْ يَجْحَدَ) الْمُحَالُ عَلَيْهِ (الْحَوَالَةَ وَيَحْلِفَ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ) أَيْ لِمُحْتَالٍ وَمُحِيلٍ (أَوْ يَمُوتَ) الْمُحَالُ عَلَيْهِ (مُفْلِسًا) بِغَيْرِ عَيْنٍ وَدَيْنٍ وَكَفِيلٍ   [رد المحتار] إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ الْخِيَارُ لِلْمُحَالِ أَوْ لَمْ يَفْسَخْهَا الْمُحِيلُ وَالْمُحْتَالُ، أَمَّا إذَا جَعَلَ لِلْمُحَالِ الْخِيَارَ أَوْ أَحَالَهُ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ صَحَّ بَزَّازِيَّةٌ، وَكَذَا إذَا فُسِخَتْ رَجَعَ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحِيلِ بِدَيْنِهِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إنَّ حُكْمَهَا يَنْتَهِي بِفَسْخِهَا وَبِالتَّوَى. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْمُحِيلُ وَالْمُحْتَالُ يَمْلِكَانِ النَّقْضَ فَيَبْرَأُ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا أَحَالَ الْمَدْيُونُ الطَّالِبَ عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفٍ أَوْ بِجَمِيعِ حَقِّهِ وَقَبِلَ مِنْهُ ثُمَّ أَحَالَهُ أَيْضًا بِجَمِيعِ حَقِّهِ عَلَى آخَرَ وَقَبِلَ مِنْهُ صَارَ الثَّانِي نَقْضًا لِلْأَوَّلِ وَبَرِئَ الْأَوَّلُ اهـ بَحْرٌ. قُلْت: وَكَذَا تَبْطُلُ لَوْ أَحَالَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ أَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ حُرٌّ لَا لَوْ رَدَّ بِعَيْبٍ وَلَوْ بِقَضَاءٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِذَا مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مَدْيُونًا قُسِّمَ مَالُهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَبَيْنَ الْمُحَالِ بِالْحِصَصِ وَمَا بَقِيَ لَهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُحِيلِ وَإِنْ مَاتَ الْمُحِيلُ مَدْيُونًا فَمَا قَبَضَ الْمُحْتَالُ فِي حَيَاتِهِ فَهُوَ لَهُ، وَمَا لَمْ يَقْبِضْهُ فَهُوَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ كَافِي الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ: إلَّا بِالتَّوَى) وِزَانُ حَصًى وَقَدْ يُمَدُّ مِصْبَاحٌ يُقَالُ تَوِيَ الْمَالُ بِالْكَسْرِ يُتْوَى تَوًى وَأَتْوَاهُ: غَيْرُهُ بَحْرٌ عَنْ الصِّحَاحِ (قَوْلُهُ: هَلَاكُ الْمَالِ) هَذَا مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ وَمَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ بَرَاءَتَهُ) أَيْ بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ مِنْ الدَّيْنِ مُقَيَّدَةٌ بِسَلَامَةِ حَقِّهِ: أَيْ حَقِّ الْمُحْتَالِ، وَاخْتَلَفَتْ الْمَشَايِخُ فِي كَيْفِيَّةِ عَوْدِ الدَّيْنِ فَقِيلَ بِفَسْخِ الْحَوَالَةِ: أَيْ يَفْسَخُهَا الْمُحْتَالُ كَالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا، وَقِيلَ تَنْفَسِخُ كَالْمَبِيعِ إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقِيلَ فِي الْمَوْتِ تَنْفَسِخُ وَفِي الْجُحُودِ لَا تَنْفَسِخُ، وَلَمْ أَرَ أَنَّ فَسْخَ الْمُحْتَالِ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى التَّرَافُعِ عِنْدَ الْقَاضِي؟ وَظَاهِرُ التَّشْبِيهِ بِالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ عَيْبًا أَنَّهُ يَحْتَاجُ، نَعَمْ عَلَى أَنَّهَا تَنْفَسِخُ لَا يَحْتَاجُ فَتَدَبَّرْهُ نَهْرٌ. قُلْت: الْمُشْتَرِي يَسْتَقِلُّ بِالْفَسْخِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ بِدُونِ التَّرَافُعِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَإِنَّمَا التَّرَافُعُ شَرْطٌ لِرَدِّ الْبَائِعِ عَلَى بَائِعِهِ بِذَلِكَ الْعَيْبِ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ إلَخْ) وَقَالَ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ: رَجُلٌ أَحَالَ رَجُلًا لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ إنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ أَحَالَهُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ بَرِئَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ، فَإِنْ تَوِيَ الْمَالُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ لَا يَعُودُ إلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ الْأَوَّلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِأَحَدِ أَمْرَيْنِ. . . إلَخْ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلتَّوَى، وَهَذَا فِي الْحَوَالَةِ الْمُطْلَقَةِ، أَمَّا الْمُقَيَّدَةُ بِوَدِيعَةٍ فَيَثْبُتُ لَهُ الرُّجُوعُ بِهَلَاكِهَا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: أَيْ لِمُحْتَالٍ وَمُحِيلٍ) فَقَوْلُهُ: لَهُ أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: مُفْلِسًا) بِالتَّخْفِيفِ يُقَالُ أَفْلَسَ الرَّجُلُ: إذَا صَارَ ذَا فَلَسٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ ذَا دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، فَاسْتُعْمِلَ مَكَانَ افْتَقَرَ. اهـ. كِفَايَةٌ وَنَهْرٌ عَنْ طِلْبَةِ الطَّلَبَةِ لِلْعَلَّامَةِ عُمَرَ النَّسَفِيِّ (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ عَيْنٍ) الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ: بِأَنْ لَمْ يَتْرُكْ عَيْنًا. . . إلَخْ أَيْ عَيْنًا تَفِي بِالْمُحَالِ بِهِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الدَّيْنِ، وَلَا بُدَّ فِي الْكَفِيلِ أَنْ يَكُونَ كَفِيلًا بِجَمِيعِهِ فَلَوْ كَفَلَ الْبَعْضَ فَقَدْ تَوِيَ الْبَاقِي كَمَا لَا يَخْفَى ط. وَكَذَا لَوْ تَرَكَ مَا يَفِي بِالْبَعْضِ فَقَدْ تَوِيَ الْبَاقِي، وَكَذَا لَوْ مَاتَ مَدْيُونًا وَقُسِّمَ مَالُهُ بِالْحِصَصِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ وَدَيْنٍ) الْمُرَادُ بِهِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ بِقَرِينَةِ مُقَابَلَتِهِ بِالْعَيْنِ، فَيَشْمَلُ النُّقُودَ وَالْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ كَانَ الْقَاضِي يَعْلَمُ أَنَّ لِلْمَيِّتِ دَيْنًا عَلَى مُفْلِسٍ، فَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لَا يَقْضِي بِبُطْلَانِ الْحَوَالَةِ. اهـ. أَيْ لِأَنَّ الْإِفْلَاسَ لَيْسَ بِتَوًى عِنْدَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَحْدُثَ لَهُ مَالٌ، فَيَكُونُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ قَدْ تَرَكَ مَالًا حُكْمًا وَهُوَ مَا عَلَى مَدْيُونِهِ الْمُفْلِسِ (قَوْلُهُ: وَكَفِيلٍ) فَوُجُودُ الْكَيْلِ يَمْنَعُ مَوْتَهُ مُفْلِسًا عَلَى مَا فِي الزِّيَادَاتِ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَا يُمْنَعُ بَحْرٌ وَتَبِعَهُ فِي الْمِنَحِ لَكِنِّي لَمْ أَرَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا عَزَاهُ إلَيْهَا، بَلْ اقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى نَقْلِ عِبَارَةِ الزِّيَادَاتِ نَعَمْ قَالَ فِيهَا: وَلَوْ مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا وَقَدْ أَعْطَى كَفِيلًا بِالْمَالِ ثُمَّ أَبْرَأَ صَاحِبُ الْمَالِ الْكَفِيلَ مِنْهُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَصِيلِ. اهـ. وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 345 وَقَالَا بِهِمَا وَبِأَنْ فَلَّسَهُ الْحَاكِمُ. (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ) أَيْ فِي مَوْتِهِ مُفْلِسًا، وَكَذَا فِي مَوْتِهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ أَوْ بَعْدَهُ (فَالْقَوْلُ لِلْمُحْتَالِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْعِلْمِ) لِيُمْسِكَهُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْعُسْرَةُ زَيْلَعِيٌّ وَقِيلَ الْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ بِيَمِينِهِ فَتْحٌ. (طَالَبَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْمُحِيلَ بِمَا) أَيْ بِمِثْلِ مَا (أَحَالَ) بِهِ مُدَّعِيًا قَضَاءَ دَيْنِهِ بِأَمْرِهِ (فَقَالَ الْمُحِيلُ) إنَّمَا (أَحَلْت بِدَيْنٍ) ثَابِتٍ (لِي عَلَيْك) لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ بَلْ (ضَمِنَ) الْمُحِيلُ (مِثْلَ الدَّيْنِ) لِلْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لِإِنْكَارِهِ وَقَبُولُ الْحَوَالَةِ لَيْسَ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ لِصِحَّتِهَا بِدُونِهِ. (وَإِنْ قَالَ الْمُحِيلُ لِلْمُحْتَالِ أَحَلْتُك) عَلَى فُلَانٍ بِمَعْنَى وَكَّلْتُك (لِتَقْبِضَهُ لِي فَقَالَ الْمُحْتَالُ) بَلْ (أَحَلْتنِي بِدَيْنٍ لِي عَلَيْك فَالْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَلَفْظُ الْحَوَالَةِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَكَالَةِ.   [رد المحتار] وَقَدْ جَزَمَ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ بِمَا فِي الزِّيَادَاتِ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ كَفِيلٌ، وَلَكِنْ تَبَرَّعَ رَجُلٌ وَرَهَنَ بِهِ رَهْنًا ثُمَّ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا عَادَ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ، وَلَوْ كَانَ مُسَلَّطًا عَلَى الْبَيْعِ فَبَاعَهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ حَتَّى مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ وَالثَّمَنُ لِصَاحِبِ الرَّهْنِ اهـ. وَفِي حُكْمِ التَّبَرُّعِ بِالرَّهْنِ مَا لَوْ اسْتَعَارَ الْمَطْلُوبُ شَيْئًا وَرَهَنَهُ عِنْدَ الطَّالِبِ ثُمَّ مَاتَ مُفْلِسًا شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَقَالَا بِهِمَا) أَيْ بِالْجَحْدِ وَالْمَوْتِ مُفْلِسًا (قَوْلُهُ: وَبِأَنْ فَلَّسَهُ الْحَاكِمُ) أَيْ فِي حَيَاتِهِ، يُقَالُ فَلَّسَهُ الْقَاضِي: إذَا قَضَى بِإِفْلَاسِهِ حِينَ ظَهَرَ لَهُ حَالُهُ كِفَايَةٌ عَنْ الطِّلْبَةِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَفْلِيسَ الْقَاضِي يَصِحُّ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ ارْتِفَاعُهُ بِحُدُوثِ مَالٍ لَهُ فَلَا يَعُودُ بِتَفْلِيسِ الْقَاضِي عَلَى الْمُحِيلِ فَتْحٌ وَتَعَذُّرُ الِاسْتِيفَاءِ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ بِغَيْبَةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ، بِخِلَافِ مَوْتِهِ مُفْلِسًا لِخَرَابِ الذِّمَّةِ، فَيَثْبُتُ الْفَتْوَى وَتَمَامُهُ فِي الْكِفَايَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مُتُونًا وَشُرُوحًا تَصْحِيحُ قَوْلِ الْإِمَامِ، وَنُقِلَ تَصْحِيحُ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَ قَوْلَهُمَا نَعَمْ صَحَّحُوهُ فِي صِحَّةِ الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ صِيَانَةً لِمَالِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ) بِأَنْ قَالَ الْمُحْتَالُ مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ بِلَا تَرِكَةٍ وَقَالَ الْمُحِيلُ عَنْ تَرِكَةٍ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي مَوْتِهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ أَوْ بَعْدَهُ) الْأَوْلَى وَبَعْدَهُ بِالْوَاوِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِمَا لَا فِي أَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ: عَلَى الْعِلْمِ) أَيْ نَفْيِ الْعِلْمِ بِأَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ يَسَارَهُ ط، وَهَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ أَمَّا فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْمَوْتِ قَبْلَ الْأَدَاءِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ لِكَوْنِهِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْقَبْضُ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْعُسْرَةُ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَعَدَمُ الْأَدَاءِ فِي الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ بِيَمِينِهِ) لِإِنْكَارِهِ عَوْدَ الدَّيْنِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ طَالَبَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْمُحِيلَ. . . إلَخْ) أَيْ بَعْدَمَا دَفَعَ الْمُحَالَ بِهِ إلَى الْمُحْتَالِ وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ وَهَبَهُ الْمُحْتَالُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ قَبْلَ الدَّفْعِ إلَيْهِ لَا يُطَالِبُهُ إلَّا إذَا طُولِبَ، وَلَا يُلَازِمُهُ إلَّا إذَا لُوزِمَ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بِأَمْرِهِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ قَضَاهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ الْمُحِيلُ مَا ذُكِرَ ط (قَوْلُهُ مِثْلُ الدَّيْنِ) إنَّمَا لَمْ يَقُلْ بِمَا أَدَّاهُ لَوْ كَانَ الْمُحَالُ بِهِ دَرَاهِمَ فَأَدَّى دَنَانِيرَ أَوْ عَكْسَهُ صَرْفًا رَجَعَ بِالْمُحَالِ بِهِ، وَكَذَا إذَا أَعْطَاهُ عَرَضًا، وَإِنْ أَعْطَاهُ زُيُوفًا بَدَلَ الْجِيَادِ رَجَعَ بِالْجِيَادِ، وَكَذَا لَوْ صَالَحَهُ بِشَيْءٍ رَجَعَ بِالْمُحَالِ بِهِ إلَّا إذَا صَالَحَهُ عَنْ جِنْسِ الدَّيْنِ بِأَقَلَّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقَدْرِ الْمُؤَدَّى، بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى، إلَّا إذَا أَدَّى أَجْوَدَ أَوْ جِنْسًا آخَرَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِإِنْكَارِهِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ لِأَنَّ سَبَبَ الرُّجُوعِ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ قَضَاءُ دَيْنِهِ بِأَمْرِهِ، إلَّا أَنَّ الْمُحِيلَ يَدَّعِي عَلَيْهِ دَيْنًا وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكَرِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَقَالَ الْمُحْتَالُ) فِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ حَاضِرٌ، فَلَوْ كَانَ غَائِبًا وَأَرَادَ الْمُحِيلُ قَبْضَ مَا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ قَائِلًا إنَّمَا وَكَّلْته بِقَبْضِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا أُصَدِّقُهُ، وَلَا أَقْبَلُ بَيِّنَتَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُقْبَلُ قَوْلُهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ ادَّعَى الْمُحَالُ أَنَّ الْمُحَالَ بِهِ ثَمَنُ مَتَاعٍ كَانَ الْمُحِيلُ وَكِيلًا فِي بَيْعِهِ وَأَنْكَرَ الْمُحِيلُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ لَهُ أَيْضًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ) فَيُؤْمَرُ الْمُحْتَالُ بِرَدِّ مَا أَخَذَهُ إلَى الْمُحِيلِ لِأَنَّ الْمُحِيلَ يُنْكِرُ أَنَّ عَلَيْهِ شَيْئًا وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكَرِ، وَلَا تَكُونُ الْحَوَالَةُ إقْرَارًا مِنْ الْمُحِيلِ بِالدَّيْنِ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحِيلِ لِأَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ لِلْوَكَالَةِ أَيْضًا ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَكَالَةِ) أَيْ مَجَازًا، وَمِنْهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ: إذَا امْتَنَعَ الْمُضَارِبُ عَنْ تَقَاضِي الدَّيْنِ لِعَدَمِ الرِّبْحِ يُقَالُ لَهُ أَحِلْ رَبَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 346 أَحَالَهُ بِمَا لَهُ عِنْدَ زَيْدٍ) حَالَ كَوْنِهِ (وَدِيعَةً) بِأَنْ أَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفًا ثُمَّ أَحَالَ بِهَا غَرِيمَهُ (صَحَّتْ فَإِنْ هَلَكَتْ) الْوَدِيعَةُ (بَرِئَ) الْمُودِعُ وَعَادَ الدَّيْنُ عَلَى الْمُحِيلِ الْحَوَالَةَ مُقَيَّدَةٌ بِهَا بِخِلَافِ الْمُقَيَّدَةِ بِالْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ يَخْلُفُهُ. وَتَصِحُّ أَيْضًا بِدَيْنٍ خَاصٍّ فَصَارَتْ الْحَوَالَةُ الْمُقَيَّدَةُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ، وَحُكْمُهَا أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُحِيلُ مُطَالَبَةَ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَلَا الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ دَفْعَهَا لِلْمُحِيلِ، مَعَ أَنَّ الْمُحْتَالَ أُسْوَةٌ لِغُرَمَاءِ الْمُحِيلِ بَعْدَ مَوْتِهِ،   [رد المحتار] الدَّيْنِ أَيْ وَكِّلْهُ نَهْرٌ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ فِيهِ نَوْعَ مُخَالَفَةٍ لِلظَّاهِرِ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ كَمَا فِي الْمِنَحِ. وَأَفَادَ فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ أَنَّ الْمُحِيلَ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ هَذِهِ الْحَوَالَةِ لِأَنَّهَا صَحَّتْ مُحْتَمِلَةً أَنْ تَكُونَ بِمَالٍ هُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ وَأَنْ تَكُونَ تَوْكِيلًا فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهَا بِالِاحْتِمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِمَا لَهُ) الْأَظْهَرُ أَنَّ مَا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ وَاللَّامَ جَارَّةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مَجْرُورَةٌ بِكَسْرَةِ اللَّامِ (قَوْلُهُ: وَدِيعَةً) الْمُرَادُ بِهَا الْأَمَانَةُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ قَالَ ط: فَيَعُمُّ الْعَارِيَّةَ وَالْمَوْهُوبَ إذَا تَرَاضَيَا عَلَى رَدِّهِ أَوْ قَضَى الْقَاضِي بِهِ وَالْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ صَحَّتْ) لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى الْقَضَاءِ لِتَيَسُّرِ مَا يَقْضِي بِهِ وَحُضُورِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ) قَيَّدَ بِهَلَاكِ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ لَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِدَيْنٍ ثُمَّ ارْتَفَعَ ذَلِكَ الدَّيْنُ لَمْ تَبْطُلْ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ بَحْرٌ وَيَأْتِي بَعْضُهُ (قَوْلُهُ: بَرِئَ الْمُودِعُ) وَيَثْبُتُ الْهَلَاكُ بِقَوْلِهِ نَهْرٌ وَاسْتِحْقَاقُ الْوَدِيعَةِ مُبْطِلٌ لِلْحَوَالَةِ كَهَلَاكِهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ لَمْ يُعْطِ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْوَدِيعَةَ وَإِنَّمَا قَضَى مِنْ مَالِهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ وَهَبَ الْمُحْتَالُ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ صَحَّ التَّمْلِيكُ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ حَقٌّ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا كَانَ لَهُ حَقٌّ أَنْ يُمَلِّكَهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَعَادَ الدَّيْنُ عَلَى الْمُحِيلِ) لِأَنَّهُ تَوِيَ حَقُّهُ، وَأَمَّا مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ التَّوَى بِوَجْهَيْنِ عِنْدَهُ وَثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ عِنْدَهُمَا فَفِي الْحَوَالَةِ الْمُطْلَقَةِ فَلَا يَرِدُ شَيْءٌ بِهَذَا الْوَجْهِ الرَّابِعِ يَعْقُوبِيَّةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مِثْلَهُ يَخْلُفُهُ) أَرَادَ بِالْمِثْلِ الْبَدَلَ لِيَشْمَلَ الْقِيَمِيَّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِذَا هَلَكَ الْمَغْصُوبُ الْمُحَالُ بِهِ لَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ وَلَا يَبْرَأُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْغَاصِبِ رَدُّ الْعَيْنِ فَإِنْ عَجَزَ رَدَّ الْمِثْلَ أَوْ الْقِيمَةَ، فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَا يَبْرَأُ لَهُ خَلَفًا وَالْفَوَاتُ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَوَاتٍ، فَبَقِيَتْ مُتَعَلِّقَةً بِخَلَفِهِ فَيُرَدُّ خَلَفُهُ عَلَى الْمُحْتَالِ. اهـ. فَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْمَغْصُوبُ بَطَلَتْ لِعَدَمِ مَا يَخْلُفُهُ كَمَا فِي الدُّرَرِ. (قَوْلُهُ وَتَصِحُّ أَيْضًا بِدَيْنٍ خَاصٍّ) بِأَنْ يُحِيلَهُ بِدَيْنِهِ الَّذِي لَهُ عَلَى فُلَانٍ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَتْحٌ وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ التَّجْرِيدِ لَوْ كَانَ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَأَحَالَ بِهِ مُطْلَقًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْحَوَالَةِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِمَّا عَلَيْهِ فَالْحَوَالَةُ جَائِزَةٌ وَدَيْنُ الْمُحِيلِ بِحَالِهِ وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ مُقَيَّدَةً مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الدَّيْنِ (قَوْلُهُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ) أَيْ مُقَيَّدَةً بِعَيْنٍ أَمَانَةٍ أَوْ مَغْصُوبَةٍ أَوْ بِدَيْنٍ خَاصٍّ (قَوْلُهُ وَحُكْمُهَا. . . إلَخْ) أَيْ حُكْمُ الْمُقَيَّدَةِ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُحِيلُ مُطَالَبَةَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْعَيْنِ وَلَا بِذَلِكَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ لَمَّا قُيِّدَتْ بِهَا تَعَلَّقَ حَقُّ الطَّالِبِ بِهِ، وَهُوَ اسْتِيفَاءُ دَيْنِهِ مِنْهُ عَلَى مِثَالِ الرَّهْنِ، وَأَخْذُ الْمُحِيلِ يُبْطِلُ هَذَا الْحَقَّ فَلَا يَجُوزُ، فَلَوْ دَفَعَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْعَيْنَ أَوْ الدَّيْنَ إلَى الْمُحِيلِ ضَمِنَهُ لِلطَّالِبِ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُحْتَالِ، كَمَا إذَا اسْتَهْلَكَ الرَّهْنَ أَحَدٌ يَضْمَنُهُ لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ الْمُحْتَالَ. . . إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْأَمْوَالَ إذَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْمُحْتَالِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الْمُحْتَالُ أُسْوَةً لِغُرَمَاءِ الْمُحِيلِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا فِي الرَّهْنِ مَعَ أَنَّهُ أُسْوَةٌ لَهُمْ الْعَيْنَ الَّتِي بِيَدِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لِلْمُحِيلِ وَالدَّيْنَ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَصِرْ مَمْلُوكًا لِلْمُحَالِ بِعَقْدِ الْحَوَالَةِ لَا يَدًا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا رَقَبَةً لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مَا وُضِعَتْ لِلتَّمْلِيكِ بَلْ لِلنَّقْلِ فَيَكُونُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، وَأَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَمَلَكَ الْمَرْهُونَ يَدًا وَحَبْسًا، فَيَثْبُتُ لَهُ نَوْعُ اخْتِصَاصٍ بِالْمَرْهُونِ شَرْعًا لَمْ يَثْبُتْ لِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ اهـ دُرَرٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِذَا قُسِّمَ الدَّيْنُ بَيْنَ غُرَمَاءِ الْمُحِيلِ لَا يَرْجِعُ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِحِصَّةِ الْغُرَمَاءِ لِاسْتِحْقَاقِ الدَّيْنِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ مَاتَ الْمُحِيلُ وَلَهُ وَرَثَةٌ لَا غُرَمَاءُ اسْتَظْهَرَ فِي الْبَحْرِ، وَأَقَرَّهُ مَنْ بَعْدَهُ أَنَّ الدَّيْنَ الْمُحَالَ بِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 347 بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ الْمُطْلَقَةِ كَمَا بَسَطَهُ خُسْرو وَغَيْرُهُ. (بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يُحِيلَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ غَرِيمًا لَهُ) أَيْ لِلْبَائِعِ (بَطَلَ وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يَحْتَالَ بِالثَّمَنِ صَحَّ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُلَائِمٌ كَشَرْطِ الْجَوْدَةِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ.   [رد المحتار] قَبْلَ قَبْضِ الْمُحْتَالِ يُقَسَّمُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ بِمَعْنَى أَنَّ لَهُمْ الْمُطَالَبَةَ بِهِ دُونَ الْمُحْتَالِ فَيُضَمُّ إلَى تَرِكَتِهِ اهـ. وَحِينَئِذٍ فَيَتْبَعُ الْمُحْتَالُ التَّرِكَةَ ط. [تَنْبِيهٌ] مَا ذُكِرَ مِنْ الْقِسْمَةِ وَكَوْنِ الْمُحْتَالِ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِي الْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ يُعْلَمُ مِنْهُ بِالْأَوْلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ الْمُطْلَقَةَ كَذَلِكَ، لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ، وَصَرَّحَ فِي الْحَاوِي بِبُطْلَانِ الْحَوَالَةِ بِمَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْكَافِي أَنَّ مَا بَقِيَ لِلْمُحْتَالِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُحِيلِ، وَأَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمُحِيلُ مَدْيُونًا فَمَا قَبَضَهُ الْمُحْتَالُ فَهُوَ لَهُ وَمَا بَقِيَ يُقَسَّمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ الْمُطْلَقَةِ) أَيْ فَيَمْلِكُ الْمُحِيلُ الْمُطَالَبَةَ قَالَ فِي الْفَتْحِ: هَذَا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ لَا يَمْلِكُ الْمُحِيلُ مُطَالَبَةَ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِالْعَيْنِ الْمُحَالِ بِهِ وَالدَّيْنِ، وَالْمُطْلَقَةُ هِيَ أَنْ يَقُولَ الْمُحِيلُ لِلطَّالِبِ أَحَلْتُك بِالْأَلْفِ الَّتِي لَك عَلَى هَذَا الرَّجُلِ وَلَمْ يَقُلْ لِيُؤَدِّيَهَا مِنْ الْمَالِ الَّذِي عَلَيْهِ، فَلَوْ لَهُ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ أَوْ مَغْصُوبَةٌ أَوْ دَيْنٌ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِلْمُحْتَالِ بِذَلِكَ الدَّيْنِ أَوْ الْعَيْنِ لِوَقْعِهَا مُطْلَقَةً عَنْهُ، بَلْ بِذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَفِي الذِّمَّةِ سَعَةٌ فَيَأْخُذُ دَيْنَهُ أَوْ عَيْنَهُ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ، وَمِنْ الْمُطْلَقَةِ أَنْ يُحِيلَ عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ وَلَا عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُطْلَقَةِ وَالْمُقَيَّدَةِ أَنَّهُ فِي الْمُقَيَّدَةِ انْقَطَعَتْ مُطَالَبَةُ الْمُحِيلِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، فَإِنْ بَطَلَ الدَّيْنُ فِي الْمُقَيَّدَةِ وَتَبَيَّنَ بَرَاءَةُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي قُيِّدَتْ بِهِ الْحَوَالَةُ بَطَلَتْ، مِثْلُ أَنْ يُحِيلَ الْبَائِعُ رَجُلًا عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ أَوْ ظَهَرَ حُرًّا، فَتَبْطُلُ وَلِلْمُحَالِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ بِدَيْنِهِ، وَكَذَا لَوْ قُيِّدَ بِوَدِيعَةٍ، فَهَلَكَتْ عِنْدَ الْمُودِعِ، وَأَمَّا إذَا سَقَطَ الدَّيْنُ الَّذِي قُيِّدَتْ بِهِ الْحَوَالَةُ بِأَمْرٍ عَارِضٍ وَلَمْ تَتَبَيَّنْ بَرَاءَةُ الْأَصِيلِ مِنْهُ فَلَا تَبْطُلُ، مِثْلُ أَنْ يَحْتَالَ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَهَلَكَ الْمَبِيعُ عِنْدَهُ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ لِلْمُشْتَرِي سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَلَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ وَلَكِنَّهُ إذَا أَدَّى رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ بِمَا أَدَّى لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ، وَلَا تَنْقَطِعُ فِيهَا مُطَالَبَةُ الْمُحِيلِ عَنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ، فَإِذَا أَدَّى سَقَطَ مَا عَلَيْهِ قِصَاصًا، وَلَوْ تَبَيَّنَ بَرَاءَةُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِ الْمُحِيلِ وَلَا تَبْطُلُ أَيْضًا، وَلَوْ أَنَّ الْمُحَالَ أَبْرَأَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمُحَالُ عَلَيْهِ، وَلَا يَرْجِعُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُحِيلِ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ إسْقَاطٌ لَا تَمْلِيكٌ، وَإِنْ وَهَبَهُ لَهُ احْتَاجَ إلَى الْقَبُولِ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ لِأَنَّهُ مَلَكَ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِالْهِبَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِالْأَدَاءِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمُحِيلُ فَوَرِثَهُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِرْثِ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِيهَا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةُ الْفَتْوَى فِي الْمَدْيُونِ إذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ دَائِنِهِ بِمِثْلِ الدَّيْنِ، ثُمَّ أَحَالَ عَلَيْهِ بِنَظِيرِ الثَّمَنِ أَوْ بِالثَّمَنِ فَهَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا: فَأَجَبْت: إذَا وَقَعَ بِنَظِيرِهِ صَحَّتْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُقَيَّدْ بِالثَّمَنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا دَيْنٌ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَقَعَتْ بِالثَّمَنِ فَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِالدَّيْنِ، وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ لِوُقُوعِ الْمُقَاصَّةِ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الدَّيْنَ إذَا اُسْتُحِقَّ لِلْغَيْرِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ اهـ: أَيْ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَمْ يَسْقُطْ بِأَمْرٍ عَارِضٍ بَعْدَ الْحَوَالَةِ بَلْ تَبَيَّنَ بَرَاءَةُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْهُ بِأَمْرٍ سَابِقٍ. (قَوْلُهُ بَطَلَ) أَيْ الْبَيْعُ: أَيْ فَسَدَ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْبَائِعِ دُرَرٌ، أَيْ وَبَطَلَتْ الْحَوَالَةُ الَّتِي فِي ضِمْنِهِ ط. قُلْت وَوَجْهُ النَّفْعِ أَنَّ فِيهِ دَفْعَ مُطَالَبَةِ غَرِيمِهِ لَهُ وَتَسْلِيطِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُلَائِمٌ) لِأَنَّهُ يُؤَكِّدُ مُوجِبَ الْعَقْدِ، إذْ الْحَوَالَةُ فِي الْعَادَةِ تَكُونُ عَلَى الْمَلِيءِ وَالْأَحْسَنُ قَضَاءً فَصَارَ كَشَرْطِ الْجَوْدَةِ دُرَرٌ. قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِي هَذَا الشَّرْطِ تَعْجِيلُ اقْتِضَائِهِ الثَّمَنَ فِي زَعْمِ الْبَائِعِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 348 أَدَّى الْمَالَ فِي الْحَوَالَةِ الْفَاسِدَةِ فَهُوَ الْخِيَارُ: إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى) الْمُحْتَالِ (الْقَابِضِ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ) وَكَذَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَرَدَ الِاسْتِحْقَاقُ بَزَّازِيَّةٌ وَفِيهَا: وَمِنْ صُوَرِ فَسَادِ الْحَوَالَةِ مَا لَوْ شُرِطَ فِيهَا الْإِعْطَاءُ مِنْ ثَمَنِ دَارِ الْمُحِيلِ مَثَلًا لِعَجْزِهِ عَنْ الْوَفَاءِ بِالْمُلْتَزَمِ. نَعَمْ لَوْ أَجَازَ جَازَ كَمَا لَوْ قَبِلَهَا الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ بِشَرْطِ الْإِعْطَاءِ مِنْ ثَمَنِ دَارِهِ، وَلَكِنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ، وَلَوْ بَاعَ يُجْبَرُ عَلَى الْأَدَاءِ. (وَلَا يَصِحُّ تَأْجِيلُ عَقْدِهَا) فَلَوْ قَالَ ضَمِنْت بِمَا لَك عَلَى فُلَانٍ عَلَى أَنْ أُحِيلَك بِهِ عَلَى فُلَانٍ إلَى شَهْرٍ انْصَرَفَ التَّأْجِيلُ إلَى الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُ عَقْدِ الْحَوَالَةِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ.   [رد المحتار] بِالثَّمَنِ قَبْلَ الْحَوَالَةِ وَبَعْدَهَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ فِي الْحَوَالَةِ الْفَاسِدَةِ) كَالصُّوَرِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ) أَيْ الْمُؤَدِّي وَهُوَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَرَدَ الِاسْتِحْقَاقُ) أَيْ اسْتِحْقَاقُ الْمَبِيعِ الَّذِي أُحِيلَ بِثَمَنِهِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ: وَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ الْآجِرُ الْمُسْتَأْجَرَ وَأَحَالَ الْمُسْتَأْجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ قَدْ أَدَّى الثَّمَنَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ: إنْ شَاءَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ الْمُحِيلِ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْقَابِضِ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَا لَوْ شُرِطَ فِيهَا الْإِعْطَاءُ. . . إلَخْ) صَادِقٌ بِمَا إذَا وَقَعَ الشَّرْطُ بَيْنَ الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ أَوْ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ عَلَيْهِ، فَافْهَمْ وَهِيَ مِنْ قِسْمِ الْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ (قَوْلُهُ: مَثَلًا) أَدْخَلَ بِهِ الْأَجْنَبِيَّ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ ط (قَوْلُهُ: لِعَجْزِهِ عَنْ الْوَفَاءِ) عِلَّةٌ لِلْفَسَادِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ غَيْرُ مُلَائِمٍ (قَوْله: نَعَمْ لَوْ أَجَازَ) أَيْ الْمُحِيلُ بَيْعَ دَارِهِ بِأَنْ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ لِوُجُودِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَيْعِ وَالْأَدَاءِ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ الْمَسْأَلَةَ بِدُونِ هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ نَحْوِ صَفْحَةٍ مَا نَصُّهُ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ احْتَالَ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ مِنْ ثَمَنِ دَارِ الْمُحِيلِ، وَقَدْ كَانَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ حَتَّى جَازَتْ الْحَوَالَةُ لَا يُجْبَرُ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ عَلَى الْأَدَاءِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ إنْ كَانَ الْبَيْعُ مَشْرُوطًا فِي الْحَوَالَةِ كَمَا فِي الرَّهْنِ، وَإِنَّمَا أَعَدْنَا الْمَسْأَلَةَ لِأَنَّهُ تَوْفِيقٌ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ. اهـ. وَمُفَادُهُ أَنَّهُ يُجْبَرُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَفِي بَعْضِهَا لَا يُجْبَرُ، وَالتَّوْفِيقُ أَنَّهُ إنْ قَبِلَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْحَوَالَةَ مِنْ الْمُحِيلِ بِشَرْطِ بَيْعِ دَارِ الْمُحِيلِ لِيُؤَدِّيَ الْمَالَ مِنْ ثَمَنِهَا صَحَّتْ الْحَوَالَةُ وَالشَّرْطُ، كَمَا لَوْ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَ الرَّهْنِ إذَا لَمْ يُؤَدِّ الرَّاهِنُ الْمَالَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَبِلَهَا. . . إلَخْ) وَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ قَادِرٌ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ (قَوْلُهُ وَلَكِنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ) لِعَدَمِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْبَيْعِ دُرَرٌ. وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ أَوَّلًا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ دَارِهِ، كَمَا إذَا كَانَ قَبُولُهَا بِشَرْطِ الْإِعْطَاءِ عِنْدَ الْحَصَادِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِعْطَاءِ قَبْلَ الْأَجَلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَ يُجْبَرُ عَلَى الْأَدَاءِ) لِتَحَقُّقِ الْوُجُوبِ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ عَلَى أَنْ أُحِيلَك بِهِ عَلَى فُلَانٍ) فَإِنْ أَحَالَهُ وَقَبِلَ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ بَرِئَ الْكَفِيلُ عَنْ الضَّمَانِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ فُلَانٌ فَالْكَفِيلُ عَلَى ضَمَانِهِ، وَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ لَمْ يُطَالَبْ بِالْمَالِ حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَوَجْهُ قَوْلِهِ: لَمْ يُطَالَبْ. . . إلَخْ أَنَّهُ بِمَوْتِ فُلَانٍ لَمْ تَبْقَ الْحَوَالَةُ مُمْكِنَةً، وَقَدْ رَضِيَ الطَّالِبُ بِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ إلَى شَهْرٍ فَبَقِيَ الْأَجَلُ لِلْكَفِيلِ فَلَا يُطَالَبُ قَبْلَهُ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْبَلْ فُلَانٌ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. مَطْلَبٌ فِي تَأْجِيلِ الْحَوَالَةِ (قَوْلُهُ: انْصَرَفَ التَّأْجِيلُ إلَى الدَّيْنِ. . . إلَخْ) أَيْ فَلَا يُطَالَبُ فُلَانٌ إلَّا بَعْدَ الشَّهْرِ، وَلَوْ انْصَرَفَ التَّأْجِيلُ إلَى الْعَقْدِ يَصِيرُ الْمَعْنَى عَلَى أَنْ أُحِيلَك حَوَالَةً مُقَيَّدَةً بِشَهْرٍ، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يُنَافِي انْتِقَالَ الدَّيْنِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْفَتْحِ تَنْقَسِمُ الْحَوَالَةُ الْمُطْلَقَةُ إلَى حَالَّةٍ وَمُؤَجَّلَةٍ فَالْحَالَّةُ أَنْ يُحِيلَ الطَّالِبُ بِأَلْفٍ هِيَ عَلَى الْمُحِيلِ حَالَّةٌ فَتَكُونُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ حَالَّةً لِأَنَّ الْحَوَالَةَ لِتَحْوِيلِ الدَّيْنِ، فَيَتَحَوَّلُ بِصِفَتِهِ الَّتِي عَلَى الْأَصِيلِ وَالْمُؤَجَّلَةُ أَنْ تَكُونَ الْأَلْفُ إلَى سَنَةٍ فَأَحَالَ بِهَا إلَى سَنَةٍ، وَلَوْ أَبْهَمَهَا لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ وَقَالُوا يَنْبَغِي أَنْ تَثْبُتَ مُؤَجَّلَةً كَمَا فِي الْكَفَالَةِ، فَلَوْ مَاتَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 349 وَكَرِهْت السَّفْتَجَةُ) بِضَمِّ السِّينِ وَتُفْتَحُ وَفَتْحِ التَّاءِ، وَهِيَ إقْرَاضٌ لِسُقُوطِ خَطَرِ الطَّرِيقِ، فَكَأَنَّهُ أَحَالَ الْخَطَرَ الْمُتَوَقَّعَ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الْحَوَالَةِ وَقَالُوا: إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَنْفَعَةُ مَشْرُوطَةً وَلَا مُتَعَارَفَةً فَلَا بَأْسَ. [فَرْعٌ] فِي النَّهْرِ وَالْبَحْرِ عَنْ صَرْفِ الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ أَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ وَهَبَ مِنْهُ الزَّائِدُ لَمْ يَجُزْهُ مَشَاعٌ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ. (وَلَوْ تَوَكَّلَ الْمُحِيلُ عَلَى الْمُحْتَالِ بِقَبْضِ دَيْنِ الْحَوَالَةِ   [رد المحتار] الْمُحِيلُ بَقِيَ الْأَجَلُ لَا لَوْ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ؛ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْأَجَلِ بِمَوْتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتْرُك وَفَاءً رَجَعَ الطَّالِبُ عَلَى الْمُحِيلِ إلَى أَجَلِهِ لِأَنَّ الْأَجَلَ سَقَطَ حُكْمًا لِلْحَوَالَةِ، وَقَدْ انْتَقَضَتْ بِالتَّوَى فَيَنْتَقِضُ مَا فِي ضِمْنِهَا، كَمَا لَوْ بَاعَ الْمَدْيُونُ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ عَبْدًا مِنْ الطَّالِبِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ عَادَ الْأَجَلُ. اهـ. مُلَخَّصًا وَقَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَبِلَهَا إلَى الْحَصَادِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِعْطَاءِ قَبْلَهُ، فَأَفَادَ صِحَّةَ التَّأْجِيلِ مَعَ الْجَهَالَةِ الْقَرِيبَةِ، وَقَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهِ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ وَشَمَلَ التَّأْجِيلُ الْقَرْضَ فَيَصِحُّ هُنَا فَفِي كَافِي الْحَاكِمِ مَا حَاصِلُهُ: لَوْ كَانَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو أَلْفٌ قَرْضٌ لِعَمْرٍو وَعَلَى بَكْرٍ أَلْفٌ قَرْضٌ فَأَحَالَ عَمْرٌو زَيْدًا بِالْأَلْفِ عَلَى بَكْرٍ إلَى سَنَةٍ جَازَ، وَلَيْسَ لِعَمْرٍو أَنْ يَأْخُذَ بِكْرًا بِهَا وَإِنْ أَبْرَأَهُ مِنْهَا أَوْ وَهَبَهَا لَهُ لَمْ يَجُزْ اهـ. [مطلب فِي السَّفْتَجَة] ِ وَهِيَ الْبُولِيصَةُ (قَوْلُهُ وَكَرِهْت السَّفْتَجَةَ) وَاحِدَةُ السَّفَاتِجِ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، أَصْلُهُ سُفْتَةٌ: وَهُوَ الشَّيْءُ الْمُحْكَمُ، سُمِّيَ هَذَا الْقَرْضُ بِهِ لِإِحْكَامِ أَمْرِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: بِضَمِّ السِّينِ) أَيْ وَسُكُونِ الْفَاءِ كَمَا فِي ط عَنْ الْوَالِي (قَوْلُهُ وَهِيَ إقْرَاضٌ إلَخْ) وَصُورَتُهَا أَنْ يَدْفَعَ إلَى تَاجِرٍ مَالًا قَرْضًا لِيَدْفَعَهُ إلَى صَدِيقِهِ، وَإِنَّمَا يَدْفَعُهُ قَرْضًا لَا أَمَانَةً لِيَسْتَفِيدَ بِهِ سُقُوطَ خَطَرِ الطَّرِيقِ وَقِيلَ هِيَ أَنْ يُقْرِضَ إنْسَانًا لِيَقْضِيَهُ الْمُسْتَقْرِضُ فِي بَلَدٍ يُرِيدُهُ الْمُقْرِضُ لِيَسْتَفِيدَ بِهِ سُقُوطَ خَطَرِ الطَّرِيقِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ أَحَالَ. . . إلَخْ) بَيَانٌ لِمُنَاسَبَةِ الْمَسْأَلَةِ بِكِتَابِ الْحَوَالَةِ اهـ ح. وَفِي نَظْمِ الْكَنْزِ لِابْنِ الْفَصِيحِ: وَكَرِهْت سَفَاتِجَ الطَّرِيقِ وَهِيَ إحَالَةٌ عَلَى التَّحْقِيقِ قَالَ شَارِحُهُ الْمَقْدِسِيَّ لِأَنَّهُ يُحِيلُ صَدِيقَهُ عَلَيْهِ أَوْ مَنْ يَكْتُبُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَقَالُوا. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يُفِيدُ إنَاطَةَ الْكَرَاهَةِ بِجَرِّ النَّفْعِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مَشْرُوطًا أَوْ لَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَقِيلَ إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَنْفَعَةُ مَشْرُوطَةً فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ وَجَزَمَ بِهَذَا الْقِيلِ فِي الصُّغْرَى وَالْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ وَالْكِفَايَةِ لِلْبَيْهَقِيِّ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى فِي صَرْفِ الْبَزَّازِيَّةِ اهـ وَظَاهِرُ الْفَتْحِ اعْتِمَادُهُ أَيْضًا، حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَغَيْرِهَا: إنْ كَانَ السُّفْتَجُ مَشْرُوطًا فِي الْقَرْضِ فَهُوَ حَرَامٌ، وَالْقَرْضُ بِهَذَا الشَّرْطِ فَاسِدٌ وَإِلَّا جَازَ. وَصُورَةُ الشَّرْطِ كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ: رَجُلٌ أَقْرَضَ رَجُلًا مَالًا عَلَى أَنْ يَكْتُبَ لَهُ بِهَا إلَى بَلَدِ كَذَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَقْرَضَهُ بِلَا شَرْطٍ وَكَتَبَ جَازَ. وَكَذَا لَوْ قَالَ اُكْتُبْ لِي سَفْتَجَةً إلَى مَوْضِعِ كَذَا عَلَى أَنْ أُعْطِيَك هُنَا فَلَا خَيْرَ فِيهِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَضَاهُ أَحْسَنَ مِمَّا عَلَيْهِ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا، قَالُوا: إنَّمَا يَحِلُّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ فَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ أَنَّ ذَلِكَ يُفْعَلُ كَذَلِكَ فَلَا. اهـ. [فَرْعٌ لَوْ أَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ وَهَبَ مِنْهُ الزَّائِدَ] (قَوْلُهُ فَرْعٌ. . . إلَخْ) ذَكَرَهُ اسْتِطْرَادًا نَعَمْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مَا لَهُ مُنَاسَبَةٌ هُنَا. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ لَوْ قَضَى أَجْوَدَ مِمَّا اسْتَقْرَضَ يَحِلُّ بِلَا شَرْطٍ، وَلَوْ قَضَى أَزْيَدَ فِيهِ تَفْصِيلٌ. . . إلَخْ، وَقَدَّمْنَا فِي فَصْلِ الْقَرْضِ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ الزِّيَادَةَ إذَا كَانَتْ تَجْرِي بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ، أَيْ بِأَنْ كَانَتْ تَظْهَرُ فِي مِيزَانٍ دُونَ مِيزَانٍ جَازَ كَالدَّانَقِ فِي الْمِائَةِ، بِخِلَافِ قَدْرِ دِرْهَمٍ، وَإِنْ لَمْ تَجْرِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ صَاحِبُهَا بِهَا تُرَدُّ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَلِمَ وَأَعْطَاهَا اخْتِيَارًا، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 350 لَمْ يَصِحَّ) . وَلَوْ شَرَطَ الْمُحْتَالُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُحِيلِ صَحَّ وَيُطَالِبُ أَيًّا شَاءَ الْحَوَالَةَ بِشَرْطِ عَدَمِ بَرَاءَةِ الْمُحِيلِ كَفَالَةٌ خَانِيَّةٌ وَفِيهَا عَنْ الثَّانِي: لَوْ غَابَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ ثُمَّ جَاءَ الْمُحَالُ وَادَّعَى جُحُودَهُ الْمَالَ لَمْ يُصَدَّقْ وَإِنْ بَرْهَنَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ غَائِبٌ، فَلَوْ حَاضِرًا وَجَحَدَ الْحَوَالَةَ وَلَا بَيِّنَةَ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَجُعِلَ جُحُودُهُ فَسْخًا. [فَرْعٌ] الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ إذَا احْتَالَ بِمَالِ الْيَتِيمِ فَإِنْ كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ بِأَنْ كَانَ الثَّانِي أَمْلَأَ صَحَّ سِرَاجِيَّةٌ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي مُضَارَبَةِ الْجَوْهَرَةِ. قُلْت: وَمُفَادُهُمَا عَدَمُ الْجَوَازِ لَوْ تَسَاوَيَا أَوْ تَقَارَبَا، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْوَجْهُ لَهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ، وَالْعُقُودُ إنَّمَا شُرِعَتْ لِلْفَائِدَةِ. كِتَابُ الْقَضَاءِ لَمَّا كَانَ أَكْثَرُ الْمُنَازَعَاتِ يَقَعُ فِي الدُّيُونِ وَالْبِيَاعَاتِ أَعْقَبَهَا بِمَا يَقْطَعُهَا (هُوَ) بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ لُغَةً الْحُكْمُ   [رد المحتار] فَلَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ لَا يَضُرُّهَا التَّبْعِيضُ لَا تَجُوزُ لِأَنَّهَا هِبَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَلَوْ يَضُرُّهَا جَازَ وَتَكُونُ هِبَةَ الْمَشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ. اهـ. وَعَلَيْهِ فَلَوْ قَضَاهُ مِثْلَ قَرْضِهِ ثُمَّ زَادَهُ دِرْهَمًا مَفْرُوزًا أَوْ أَكْثَرَ جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِي الْقَرْضِ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَشْرُوطَةٍ تَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ. (قَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ) لِكَوْنِ الْمُحِيلِ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ لِيَسْتَفِيدَ الْإِبْرَاءَ الْمُؤَبَّدَ بَحْرٌ عِنْدَ قَوْلِهِ هِيَ نَقْلُ الدَّيْنِ ط وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ لَا يُجْبَرُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَلَى الدَّفْعِ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَوَالَةَ. . . إلَخْ) كَمَا أَنَّ الْكَفَالَةَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ وَلَا بَيِّنَةَ) أَيْ وَحَلَفَ الْجَاحِدُ ط (قَوْلُهُ وَجُعِلَ جُحُودُهُ فَسْخًا) هِيَ مَسْأَلَةُ تَوَى الدَّيْنِ السَّابِقَةُ فِي الْمَتْنِ، وَمَرَّ أَنَّ الرُّجُوعَ إنَّمَا هُوَ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ مَشْرُوطَةٌ بِسَلَامَةِ حَقِّ الْمُحَالِ ط (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمَا مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ. قَالَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَمِنْهُ مَا لَوْ احْتَالَ إلَى أَجَلٍ، وَكَذَا الْوَكِيلُ إذَا لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ الْمُوَكِّلُ ذَلِكَ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ لِكَوْنِهِ إبْرَاءً مُؤَقَّتًا فَيُعْتَبَرُ بِالْإِبْرَاءِ الْمُؤَبَّدِ، وَهَذَا إذَا كَانَ دَيْنًا وَرِثَهُ الصَّغِيرُ وَإِنْ وَجَبَ بِعَقْدِهِمَا جَازَ التَّأْجِيلُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ. (قَوْلُهُ قُلْت وَمُفَادُهُمَا) أَيْ مُفَادُ مَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ عَنْ الذَّخِيرَةِ ثُمَّ رَجَّحَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْقَضَاءِ] ِ تَرْجَمَ لَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَدَبِ الْقَاضِي، وَالْأَدَبُ الْخِصَالُ الْحَمِيدَةُ فَذَكَرَ مَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَهُ وَيَكُونَ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مِنْ الْأَدْبِ بِسُكُونِ الدَّالِ وَهُوَ الْجَمْعُ وَالدُّعَاءُ، وَهُوَ أَنْ تَجْمَعَ النَّاسَ، وَتَدْعُوَهُمْ إلَى طَعَامِك، يُقَالُ أَدَبَ يَأْدِبُ كَضَرَبَ يَضْرِبُ إذَا دَعَا إلَى طَعَامِهِ، سُمِّيَتْ بِهِ الْخِصَالُ الْحَمِيدَةُ؛ لِأَنَّهَا تَدْعُو إلَى الْخَيْرِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: لَمَّا كَانَ إلَخْ) كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ الْحُكْمُ، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ يَنْبَغِي إيرَادُهُ عَقِبَ الدَّعْوَى وَأَيْضًا كَانَ يَنْبَغِي بَيَانُ وَجْهِ التَّأْخِيرِ عَمَّا قَبْلَهُ، كَذَا قِيلَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: أَرَادُوا بَيَانَ مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ أَيْ الْحُكْمِ لِتَصِحَّ الدَّعْوَى عِنْدَهُ، فَلَا جَرَمَ أَنْ ذُكِرَ قَبْلَهَا وَلَا خَفَاءَ أَنَّ وَجْهَ التَّأْخِيرِ عَمَّا قَبْلَهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُنَازَعَاتِ فِي الدُّيُونِ وَالْحَوَالَةِ الْمُطْلَقَةِ مُخْتَصَّةٌ بِهَا فَذُكِرَ بَعْدَهَا نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: لُغَةً الْحُكْمُ) وَأَصْلُهُ قَضَايَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَضَيْت إلَّا أَنَّ الْيَاءَ لَمَّا جَاءَتْ بَعْدَ الْأَلِفِ هُمِزَتْ، وَالْجَمْعُ الْأَقْضِيَةُ {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] أَيْ حَكَمَ وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْفَرَاغِ تَقُولُ: قَضَيْت حَاجَتِي وَضَرَبَهُ فَقَضَى عَلَيْهِ أَيْ قَتَلَهُ وَقَضَى نَحْبَهُ مَاتَ وَبِمَعْنَى الْأَدَاءِ وَالْإِنْهَاءِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 351 وَشَرْعًا (فَصْلُ الْخُصُومَاتِ وَقَطْعُ الْمُنَازَعَاتِ) وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا بُسِطَ فِي الْمُطَوَّلَاتِ. وَأَرْكَانُهُ سِتَّةٌ عَلَى مَا نَظَّمَهُ ابْنُ الْغَرْسِ بِقَوْلِهِ: أَطْرَافُ كُلِّ قَضِيَّةٍ حُكْمِيَّةٍ ... سِتٌّ يَلُوحُ بِعَدِّهَا التَّحْقِيقُ حُكْمُ   [رد المحتار] {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ} [الحجر: 66]- وَبِمَعْنَى الصُّنْعِ وَالتَّقْدِيرِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى - {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12]- وَمِنْهُ الْقَضَاءُ وَالْقَدْرُ بَحْرٌ مُلَخَّصًا عَنْ الصِّحَاحِ. (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا فَصْلُ الْخُصُومَاتِ إلَخْ) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْمُحِيطِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُزَادَ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ، وَإِلَّا دَخَلَ فِيهِ نَحْوُ الصُّلْحِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ) مِنْهُ قَوْلُ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٌ إنَّهُ إنْشَاءُ إلْزَامٍ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ الْمُتَقَارِبَةِ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ النِّزَاعُ لِمَصَالِحِ الدُّنْيَا، فَخَرَجَ الْقَضَاءُ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ وَمَا لَيْسَ بِحَادِثَةٍ، وَمَا كَانَ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَلَّامَةِ ابْنِ الْغَرْسِ إنَّهُ الْإِلْزَامُ فِي الظَّاهِرِ عَلَى صِيغَةٍ مُخْتَصَّةٍ بِأَمْرٍ ظُنَّ لُزُومُهُ فِي الْوَاقِعِ شَرْعًا قَالَ: فَالْمُرَادُ بِإِلْزَامٍ التَّقْرِيرُ التَّامُّ، وَفِي الظَّاهِرِ، فَصْلٌ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْإِلْزَامِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى صِيغَةٍ مُخْتَصَّةٍ أَيْ الشَّرْعِيَّةِ كَأَلْزَمْتُ وَقَضَيْت وَحَكَمْت وَأَنْفَذْتُ عَلَيْك الْقَضَاءَ وَبِأَمْرٍ ظُنَّ لُزُومُهُ إلَخْ فَصْلٌ عَنْ الْجَوْرِ، وَالتَّشَهِّي، وَمَعْنًى فِي الظَّاهِرِ أَيْ الصُّورَةُ الظَّاهِرَةُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقَضَاءَ مُظْهِرٌ فِي التَّحْقِيقِ لِلْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ، لَا مُثْبِتٌ خِلَافًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّهُ مُثْبِتٌ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ بِنُفُوذِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الشَّرْعِيَّ فِي مِثْلِهِ ثَابِتٌ تَقْدِيرًا وَالْقَضَاءُ يُقَرِّرُهُ فِي الظَّاهِرِ وَلَمْ يُثْبِتْ أَمْرًا لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ يَعْتَبِرُ الْمَعْدُومَ مَوْجُودًا أَوْ الْمَوْجُودَ مَعْدُومًا كَوُجُودِ الدُّخُولِ حُكْمًا فِي إلْحَاقِ نَسَبِ وَلَدِ الْمَشْرِقِيَّةِ بِالْمَغْرِبِيِّ فَأَجْرَى الْمُمْكِنَ مَجْرَى الْوَاقِعِ لِئَلَّا يَهْلِكَ الْوَلَدُ بِانْتِفَاءِ نَسَبِهِ مَعَ وُجُودِ الْعَقْدِ الْمُفْضِي إلَى ثُبُوتِهِ اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِي رِسَالَتِهِ (قَوْلُهُ: وَأَرْكَانُهُ سِتَّةٌ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ الْحُكْمُ كَمَا مَرَّ، وَالْحَكَمُ أَحَدُ السِّتَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ رُكْنًا لِنَفْسِهِ فَالْمُنَاسِبُ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ رُكْنَهُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَيَأْتِي بَيَانُهُ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا نَظَمَهُ) أَيْ مِنْ بَحْرِ الْكَامِلِ وَنِصْفُ الْبَيْتِ الثَّانِي الْحَاءُ مِنْ مَحْكُومٍ ط. (قَوْلُهُ: ابْنُ الْغَرْسِ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ الْعَلَّامَةُ أَبُو الْيُسْرِ بَدْرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ الشَّهِيرُ بِابْنِ الْغَرْسِ لَهُ شَرْحٌ عَلَى الْبَيْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَهُوَ الرِّسَالَةُ الْمَشْهُورَةُ الْمُسَمَّاةُ الْفَوَاكِهُ الْبَدْرِيَّةُ فِي الْبَحْثِ عَنْ أَطْرَافِ الْقَضَايَا الْحُكْمِيَّةِ وَلَهُ الشَّرْحُ الْمَشْهُورُ عَلَى شَرْحِ الْعَقَائِدِ النَّسَفِيَّةِ لِلتَّفْتَازَانِيِ. (قَوْلُهُ: أَطْرَافُ كُلِّ قَضِيَّةٍ حُكْمِيَّةٍ) الْأَطْرَافُ جَمْعُ طَرَفٍ بِالتَّحْرِيكِ وَطَرَفُ الشَّيْءِ مُنْتَهَاهُ، وَقَضِيَّةُ أَصْلِهِ قَضَوِيَّةٌ بِيَاءِ النِّسْبَةِ إلَى الْقَضَاءِ حُذِفَتْ مِنْهُ الْوَاوُ بَعْدَ قَلْبِهَا أَلِفًا وَحُكْمِيَّةٌ صِفَةٌ مُخَصَّصَةٌ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ مِنْهَا الْحُكْمُ كَمَا مَرَّ وَالْمُرَادُ بِالْقَضِيَّةِ الْحَادِثَةِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا التَّخَاصُمُ كَدَعْوَى بَيْعٍ مَثَلًا فَرُكْنُهَا اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهَا، وَلَا تَكُونُ قَضَوِيَّةً أَيْ مَنْسُوبَةً إلَى الْقَضَاءِ وَالْحُكْمِ أَيْ لَا تَكُونُ مَحَلًّا لِثُبُوتِ حَقِّ الْمُدَّعِي فِيهَا وَعَدَمِهِ إلَّا بِاسْتِجْمَاعِ هَذِهِ الشُّرُوطِ السِّتَّةِ الَّتِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ أَطْرَافِ الشَّيْءِ الْمُحِيطَةِ بِهِ أَوْ أَطْرَافِ الْإِنْسَانِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: بِعَدِّهَا) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ مَصْدَرُ عَدَّ الشَّيْءَ يَعُدُّهُ أَحْصَى عِدَّةَ أَفْرَادِهِ، وَيَلُوحُ بِمَعْنَى يَظْهَرُ وَالتَّحْقِيقُ فَاعِلُهُ. (قَوْلُهُ: حُكْمُ) تَقَدَّمَ تَعْرِيفُهُ، وَعَلِمْت أَنَّهُ قَوْلِيٌّ وَفِعْلِيٌّ فَالْقَوْلِيُّ مِثْلُ أَلْزَمْت وَقَضَيْت مَثَلًا، وَكَذَا قَوْلُهُ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِمُعْتَمَدِهِ أَقِمْهُ وَاطْلُبْ الذَّهَبَ مِنْهُ وَقَوْلُهُ ثَبَتَ عِنْدِي يَكْفِي، وَكَذَا ظَهَرَ عِنْدِي أَوْ عَلِمْت فَهَذَا كُلُّهُ حُكْمٌ فِي الْمُخْتَارِ زَادَ فِي الْخِزَانَةِ أَوْ أَشْهِدْ عَلَيْهِ، وَحَكَى فِي التَّتِمَّةِ الْخِلَافَ فِي الثُّبُوتِ، وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ حُكْمٌ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَذَكَرَ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَلَكِنَّ عُرْفَ الْمُشَرِّعِينَ وَالْمُوَثِّقِينَ الْآنَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ، وَلِذَا يُقَالُ: وَلَمَّا ثَبَتَ عِنْدَهُ حُكْمٌ وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إنْ وَقَعَ الثُّبُوتُ عَلَى مُقَدِّمَاتِ الْحُكْمِ كَقَوْلِ الْمُسَجِّلِ ثَبَتَ عِنْدَهُ جَرَيَانُ الْعَيْنِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ إلَى حِينِ الْبَيْعِ، فَلَيْسَ بِحُكْمٍ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الدَّعْوَى الْحُكْمَ عَلَى الْبَائِعِ بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي لِلْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ وَإِلَّا فَهُوَ حُكْمٌ وَتَمَامُهُ فِيهَا وَفِيهَا أَيْضًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 352 وَمَحْكُومٌ بِهِ وَلَهُ وَمَحْكُومٌ عَلَيْهِ وَحَاكِمٌ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي التَّنْفِيذِ وَأَمَّا التَّنْفِيذُ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا إذْ مِنْ صِيَغِ الْقَضَاءِ قَوْلُهُ: أَنْفَذْت عَلَيْك الْقَضَاءَ قَالُوا وَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ قَضَاءُ قَاضٍ أَمْضَاهُ بِشُرُوطِهِ، وَهَذَا هُوَ التَّنْفِيذُ الشَّرْعِيُّ وَمَعْنَى رَفْعِ الْيَدِ حَصَلَتْ عِنْدَهُ فِيهِ خُصُومَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَأَمَّا التَّنْفِيذُ الْمُتَعَارَفُ فِي زَمَانِنَا غَالِبًا فَمَعْنَاهُ إحَاطَةُ الْقَاضِي الثَّانِي عِلْمًا بِحُكْمِ الْأَوَّلِ عَلَى وَجْهِ التَّسْلِيمِ لَهُ وَيُسَمَّى اتِّصَالًا اهـ مُلَخَّصًا وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي آخِرِ فَصْلِ الْحَبْسِ. مَطْلَبُ أَمْرُ الْقَاضِي هَلْ هُوَ حُكْمٌ أَوْ لَا؟ وَأَمَّا أَمْرُ الْقَاضِي فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ بِحَبْسِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَضَاءً بِالْحَقِّ كَأَمْرِهِ بِالْأَخْذِ مِنْهُ، وَعَلَى أَنَّ أَمْرَهُ بِصَرْفِ كَذَا مِنْ وَقْفِ الْفُقَرَاءِ إلَى فَقِيرٍ مِنْ قَرَابَةِ الْوَاقِفِ لَيْسَ بِحُكْمٍ، حَتَّى لَوْ صَرَفَهُ إلَى فَقِيرٍ آخَرَ صَحَّ وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ سَلَّمَ الدَّارَ وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَأَطْلَقَ الشَّارِحُ فِي الْفُرُوعِ آخِرَ الْفَصْلِ الْآتِي تَبَعًا لِلْبَزَّازِيِّ أَنَّهُ حُكْمٌ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْوَقْفِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ. مَطْلَبُ الْحُكْمِ الْفِعْلِيُّ وَأَمَّا الْحُكْمُ الْفِعْلِيُّ فَسَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ هُنَاكَ أَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي حُكْمٌ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ، وَحَقَّقَ ابْنُ الْغَرْسِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ وَأَطَالَ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَسَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: وَمَحْكُومٌ بِهِ) وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى الْمَحْضُ كَحَدِّ الزِّنَا أَوْ الْخَمْرِ، وَحَقُّ الْعَبْدِ الْمَحْضُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمَا فِيهِ الْحَقَّانِ وَغَلَبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الْقَذْفِ أَوْ السَّرِقَةِ أَوْ غَلَبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ كَالْقِصَاصِ وَالتَّعْزِيرِ ابْنُ الْغَرْسِ وَشَرْطُهُ كَوْنُهُ مَعْلُومًا، بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَعَنْ هَذَا فَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ بِفَتْحِ الْجِيمِ لَا يَكْفِي مَا لَمْ يَكُنْ الْمُوجِبُ أَمْرًا وَاحِدًا كَالْحُكْمِ بِمُوجِبِ الْبَيْعِ أَوْ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ وَالْحُرِّيَّةِ، وَزَوَالُ الْعِصْمَةِ فَلَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ اسْتَلْزَمَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ صَحَّ، كَالْحُكْمِ عَلَى الْكَفِيلِ بِالدَّيْنِ فَإِنَّ مُوجَبَهُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِهِ، وَعَلَى الْأَصِيلِ الْغَائِبِ وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّنَازُعُ فِي بَيْعِ الْعَقَارِ فَحَكَمَ شَافِعِيٌّ بِمُوجِبِهِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ مَنْعُ الْجَارِ عَنْ الشُّفْعَةِ فَلِلْحَنَفِيِّ الْحُكْمُ بِهَا وَأَطَالَ فِي بَيَانِهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْغَرْسِ وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ آخِرَ الْفَصْلِ الْآتِي لَكِنْ هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ رَاجِعٌ إلَى اشْتِرَاطِ الدَّعْوَى فِي الْحُكْمِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي الطَّرِيقِ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ) أَيْ وَمَحْكُومٌ لَهُ وَهُوَ الشَّرْعُ كَمَا فِي حُقُوقِهِ الْمَحْضَةِ أَوْ الَّتِي غَلَبَ فِيهَا حَقُّهُ وَلَا حَاجَةَ فِي ذَلِكَ إلَى الدَّعْوَى بِخِلَافِ مَا تَمَحَّضَ فِيهَا حَقُّ الْعَبْدِ أَوْ غَلَبَ وَالْعَبْدُ هُوَ الْمُدَّعِي، وَعَرَّفُوهُ بِمَنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَالشَّرْطُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ حَضْرَتُهُ أَوْ حَضْرَةُ نَائِبٍ عَنْهُ كَوَكِيلٍ أَوْ وَلِيٍّ أَوْ وَصِيٍّ فَالْمَحْكُومُ لَهُ الْمَحْجُورُ كَالْغَائِبِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَمَحْكُومٌ عَلَيْهِ) وَهُوَ الْعَبْدُ دَائِمًا لَكِنَّهُ إمَّا مُتَعَيِّنٌ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ كَجَمَاعَةٍ اشْتَرَكُوا فِي قَتْلٍ فَقُضِيَ عَلَيْهِمْ بِالْقِصَاصِ أَوْ لَا، كَمَا فِي الْقَضَاءِ بِالْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ، فَإِنَّهُ حُكْمٌ عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ، بِخِلَافِ الْعَارِضَةِ بِالْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ جُزْئِيٌّ وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَقْفِ وَالصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَى الْكَافَّةِ فَتُسْمَعُ فِيهِ دَعْوَى الْمِلْكِ، أَوْ وَقْفٍ آخَرَ وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فِي حُقُوقِ الشَّرْعِ مَنْ يَسْتَوْفِي مِنْهُ حَقَّهُ، سَوَاءٌ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ أَوْ لَا، كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْفَوَاكِهِ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْفَصْلِ الْآتِي حِكَايَةَ الْخِلَافِ فِي نَفَاذِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ، وَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: وَحَاكِمٌ) هُوَ إمَّا الْإِمَامُ أَوْ الْقَاضِي أَوْ الْمُحَكَّمُ أَمَّا الْإِمَامُ فَقَالَ عُلَمَاؤُنَا حُكْمُ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ يَنْفُذُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَرْأَةِ فِيمَا سِوَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَإِطْلَاقُهُمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 353 وَطَرِيقٌ (وَأَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ) أَيْ أَدَائِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَذَا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ   [رد المحتار] يَتَنَاوَلُ أَهْلِيَّةَ الْفَاسِقِ الْجَاهِلِ، وَفِيهِ بَحْثٌ وَأَمَّا الْمُحَكَّمُ فَشَرْطُهُ أَهْلِيَّةُ الْقَضَاءِ وَيَقْضِي فِيمَا سِوَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ ثُمَّ الْقَاضِي تَتَقَيَّدُ وِلَايَتُهُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْحَوَادِثِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْفَوَاكِهِ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ سَيَأْتِي مُفَرَّقًا فِي مَوَاضِعِهِ مَعَ بَيَانِ بَقِيَّةِ صِفَةِ الْحَاكِمِ وَشُرُوطِهِ. (قَوْلُهُ: وَطَرِيقٌ) طَرِيقُ الْقَاضِي إلَى الْحُكْمِ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَحْكُومِ بِهِ وَالطَّرِيقُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ الْمَحْضَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الدَّعْوَى وَالْحُجَّةِ: وَهِيَ إمَّا الْبَيِّنَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ أَوْ الْيَمِينُ أَوْ النُّكُولُ عَنْهُ أَوْ الْقَسَامَةُ أَوْ عِلْمُ الْقَاضِي بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ أَوْ الْقَرَائِنُ الْوَاضِحَةُ الَّتِي تُصَيِّرُ الْأَمْرَ فِي حَيِّزِ الْمَقْطُوعِ بِهِ فَقَدْ قَالُوا لَوْ ظَهَرَ إنْسَانٌ مِنْ دَارٍ بِيَدِهِ سِكِّينٌ وَهُوَ مُتَلَوِّثٌ بِالدَّمِ سَرِيعَ الْحَرَكَةِ عَلَيْهِ أَثَرُ الْخَوْفِ فَدَخَلُوا الدَّارَ عَلَى الْفَوْرِ فَوَجَدُوا فِيهَا إنْسَانًا مَذْبُوحًا بِذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ غَيْرَ ذَلِكَ الْخَارِجِ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَا يَمْتَرِي أَحَدٌ فِي أَنَّهُ قَاتِلُهُ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ ذَبَحَهُ آخَرُ ثُمَّ تَسَوَّرَ الْحَائِطَ أَوْ أَنَّهُ ذَبَحَ نَفْسَهُ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ إذْ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ دَلِيلٍ، اهـ مِنْ الْفَوَاكِهِ لِابْنِ الْغَرْسِ ثُمَّ أَطَالَ هُنَا فِي بَيَانِ الدَّعْوَى، وَتَعْرِيفِهَا وَشُرُوطِهَا إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ فِي الطَّرِيقِ إلَى الْحُكْمِ أَنْ تَكُونَ بِتَمَامِهَا عِنْدَ الْقَاضِي الْوَاحِدِ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى عِنْدَ نَائِبِ الْقَاضِي، وَبَرْهَنَ ثُمَّ وَقَعَتْ الْحَادِثَةُ إلَى الْقَاضِي أَوْ بِالْعَكْسِ صَحَّ وَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى مَا وَقَعَ أَوَّلًا وَيَقْضِيَ اهـ، وَسَتَأْتِي هَذِهِ مَتْنًا ثُمَّ قَالَ فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ وَقَدْ اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْحُكْمِ وَاعْتِبَارِهِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةُ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ الْخُصُومَةِ لِلشَّرْعِيَّةِ وَإِذَا كَانَ الْقَاضِي يَعْلَمُ أَنَّ بَاطِنَ الْأَمْرِ لَيْسَ كَظَاهِرِهِ وَأَنَّهُ لَا تَخَاصُمَ وَلَا تَنَازُعَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ لَيْسَ لَهُ سَمَاعُ هَذِهِ الدَّعْوَى وَلَا يُعْتَبَرُ الْقَضَاءُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهَا وَلَا يَصِحُّ الِاحْتِيَالُ لِحُصُولِ الْقَضَاءِ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ عُذِرَ وَنَفَذَ قَضَاؤُهُ وَلَعَمْرِي هَذَا شَيْءٌ عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى وَبَلَغَتْ شُهْرَةُ اعْتِبَارِهِ الْغَايَةَ الْقُصْوَى اهـ مُلَخَّصًا، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ بِتَمَامِهِ وَأَقَرَّهُ فَرَاجِعْهُ، وَكَذَا جَزَمَ بِهِ فِي فَتَاوَاهُ. [تَنْبِيهٌ] بَقِيَ طَرِيقُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ أَيْ بَعْدَ وُقُوعِهِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ لَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: اعْتِرَافُهُ حَيْثُ كَانَ مَوْلَى فَلَوْ مَعْزُولًا فَكَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا فِيمَا فِي يَدِهِ. الثَّانِي: الشَّهَادَةُ عَلَى حُكْمِهِ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ مُنْكِرًا أَمَّا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَضَى بِكَذَا، وَقَالَ لَمْ أَقْضِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَرَجَّحَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ لِفَسَادِ قُضَاةِ الزَّمَانِ، اهـ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِقَوْلِ مَعْزُولٍ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ فُرُوعًا كَثِيرَةً فِي أَحْكَامِ الْقَضَاءِ يَلْزَمُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: وَأَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ) أَهْلُ الْأَوَّلِ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَالثَّانِي مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْخَبَرِيَّةَ يُحْكَمُ فِيهَا بِمَجْهُولٍ عَلَى مَعْلُومٍ فَإِذَا عُلِمَ زَيْدٌ وَجُهِلَ قِيَامُهُ تَقُولُ زَيْدٌ الْقَائِمُ، وَإِذَا عُلِمَ وَجُهِلَ أَنَّهُ زَيْدٌ تَقُولُ الْقَائِمُ زَيْدٌ؛ وَلِذَا قَالُوا لَمَّا كَانَ أَوْصَافُ الشَّهَادَةِ أَشْهَرَ عِنْدَ النَّاسِ عَرَّفَ أَوْصَافَهُ بِأَوْصَافِهَا ثُمَّ الضَّمِيرُ فِي أَهْلِهِ رَاجِعٌ إلَى الْقَضَاءِ بِمَعْنَى مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ أَوْ بِمَعْنَى مَنْ يَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ شُرُوطَ الشَّهَادَةِ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ وَعَدَمِ الْعَمَى وَالْحَدِّ فِي قَذْفٍ شُرُوطٌ لِصِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ، وَلِصِحَّةِ حُكْمِهِ بَعْدَهَا وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ تَقْلِيدَ الْكَافِرِ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ أَسْلَمَ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالرِّدَّةِ فَإِنَّ الْكُفْرَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْقَضَاءِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، حَتَّى لَوْ قُلِّدَ الْكَافِرُ، ثُمَّ أَسْلَمَ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَقْلِيدٍ آخَرَ فِيهِ رِوَايَتَانِ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ تَقْلِيدَ الْكَافِرِ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ قَضَاؤُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ حَالَ كُفْرِهِ اهـ، وَهَذَا تَرْجِيحٌ لِرِوَايَةِ صِحَّةِ التَّوْلِيَةِ أَخْذًا مِنْ كَوْنِ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالرِّدَّةِ خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ التَّحْكِيمِ مِنْ رِوَايَةِ عَدَمِ الصِّحَّةِ وَفِي الْفَتْحِ قُلِّدَ عَبْدٌ فَعَتَقَ جَازَ قَضَاؤُهُ بِتِلْكَ الْوِلَايَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 354 وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْكَافِرَ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ الْقَضَاءَ لِيَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّحْكِيمِ. (وَشَرْطُ أَهْلِيَّتِهَا شَرْطُ أَهْلِيَّتِهِ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهَا مُلْزِمَةٌ عَلَى الْقَاضِي وَالْقَضَاءُ مُلْزِمٌ عَلَى الْخَصْمِ فَلِذَا قِيلَ: حُكْمُ الْقَضَاءِ يُسْتَقَى مِنْ حُكْمِ الشَّهَادَةِ ابْنُ كَمَالٍ (وَالْفَاسِقُ أَهْلُهَا فَيَكُونُ أَهْلَهُ   [رد المحتار] بِلَا حَاجَةٍ إلَى تَجْدِيدٍ بِخِلَافِ تَوْلِيَةِ صَبِيٍّ فَأَدْرَكَ، وَلَوْ قُلِّدَ كَافِرٌ فَأَسْلَمَ قَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ عَلَى قَضَائِهِ فَصَارَ الْكَافِرُ كَالْعَبْدِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ وِلَايَةٌ وَبِهِ مَانِعٌ وَبِالْعِتْقِ وَالْإِسْلَامِ يَرْتَفِعُ، أَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ أَصْلًا وَمَا فِي الْفُصُولِ لَوْ قَالَ لِصَبِيٍّ أَوْ كَافِرٍ: إذَا أَدْرَكْت فَصَلِّ بِالنَّاسِ أَوْ اقْضِ بَيْنَهُمْ جَازَ لَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَ فِي الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ الْوِلَايَةِ وَالْمُعَلَّقُ مَعْدُومٌ قَبْلَ الشَّرْطِ وَمَا تَقَدَّمَ تَنْجِيزٌ اهـ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْأَوْلَى كَوْنُ الْمُرَادِ فِي مَرْجِعِ الضَّمِيرِ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْقَضَاءُ لَا مَنْ تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا الْكَامِلَةُ وَهِيَ النَّافِذَةُ الْحُكْمِ وَأَمَّا تَوْلِيَةُ الْأَطْرَشِ فَسَيَذْكُرُهَا الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: وَيَرِدُ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ عَلَى مَا فِي الْحَوَاشِي مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ عَلَيْهِ إسْقَاطُهُ لِيَكُونَ الْمُرَادُ أَدَاءَهَا عَلَى مَنْ يَقْضِي عَلَيْهِ فَيَدْخُلُ الْكَافِرُ، لَكِنَّ التَّفْسِيرَ بِالْأَدَاءِ احْتِرَازٌ عَنْ التَّحَمُّلِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَحَمُّلُهَا حَالَةَ الْكُفْرِ وَالرِّقِّ لَا أَدَاؤُهَا فَيُنَافِي ذَلِكَ، وَالتَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِمَرْجِعِ الضَّمِيرِ مَنْ تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالشَّهَادَةِ تَحَمُّلَهَا فَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ وَالْكَافِرُ. نَعَمْ يَخْرُجُ عَنْهُ الصَّبِيُّ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ أَصْلًا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْقَضَاءُ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالشَّهَادَةِ أَدَاءَهَا فَقَطْ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْكَافِرُ الْمُوَلَّى عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِمْ حَالًا وَكَوْنُهُ قَاضِيًا خَاصًّا لَا يَضُرُّ كَمَا لَا يَضُرُّ تَخْصِيصُ قَاضِي الْمُسْلِمِينَ بِجَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَنْ يَصِحُّ قَضَاؤُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَعَلَى كُلٍّ فَالْوَاجِبُ إسْقَاطُ ذَلِكَ الْقَيْدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ تَعْرِيفَ الْقَاضِي الْكَامِلِ. (قَوْلُهُ: لِيَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ) أَيْ حَالَ كُفْرِهِ وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْكَافِرَ يَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ مُطْلَقًا لَكِنْ لَا يَحْكُمُ إلَّا إذَا أَسْلَمَ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْقَاضِي الدُّرْزِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ [تَنْبِيهٌ] ظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِمْ حُكْمُ الْقَاضِي الْمَنْصُوبِ فِي بِلَادِ الدُّرُوزِ فِي الْقُطْرِ الشَّامِيِّ، وَيَكُونُ دُرْزِيًّا وَيَكُونُ نَصْرَانِيًّا فَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَصِحُّ حُكْمُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ الدُّرْزِيَّ لَا مِلَّةَ لَهُ كَالْمُنَافِقِ وَالزِّنْدِيقِ وَإِنْ سَمَّى نَفْسَهُ مُسْلِمًا وَقَدْ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ بِأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَصِحُّ حُكْمُ الدُّرْزِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ وَبِالْعَكْسِ تَأَمَّلْ، وَهَذَا كُلُّهُ يُعَدُّ كَوْنُهُ مَنْصُوبًا مِنْ طَرَفِ السُّلْطَانِ أَوْ مَأْمُورِهِ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَالْوَاقِعُ أَنَّهُ يُنَصِّبُهُ أَمِيرُ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَلَا أَدْرِي أَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، لَكِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ أَمِيرَ صَيْدَا يُوَلَّى الْقَضَاءَ فِي تِلْكَ الثُّغُورِ وَالْبِلَادِ بِخِلَافِ دِمَشْقَ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّ أَمِيرَهَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِيهَا بِدَلِيلِ أَنَّ لَهَا قَاضِيًا فِي كُلِّ سَنَةٍ يَأْتِي مِنْ طَرَفِ السُّلْطَانِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتْحِ قَالَ: وَاَلَّذِي لَهُ وِلَايَةُ التَّقْلِيدِ الْخَلِيفَةُ وَالسُّلْطَانُ الَّذِي نَصَّبَهُ الْخَلِيفَةُ، وَأَطْلَقَ لَهُ التَّصَرُّفَ وَكَذَا الَّذِي وَلَّاهُ السُّلْطَانُ نَاحِيَةً، وَجَعَلَ لَهُ خَرَاجَهَا وَأَطْلَقَ لَهُ التَّصَرُّفَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ وَيَعْزِلَ كَذَا قَالُوا: وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ لَا يُصَرِّحَ لَهُ بِالْمَنْعِ أَوْ يَعْلَمَ ذَلِكَ بِعُرْفِهِمْ فَإِنَّ نَائِبَ الشَّامِ وَحَلَبَ فِي دِيَارِنَا يُطْلَقُ لَهُمْ التَّصَرُّفُ فِي الرَّعِيَّةِ وَالْخَرَاجِ وَلَا يُوَلُّونَ الْقَضَاءَ وَلَا يَعْزِلُونَ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَشَرْطُ أَهْلِيَّتِهَا إلَخْ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ وَأَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ اهـ ح، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ الْجُمْلَةَ الْأُولَى تَبَعًا لِلْكَنْزِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ ذَكَرَ الثَّانِيَةَ تَبَعًا لِلْغُرَرِ تَوْضِيحًا وَشَرْحًا لِلْأُولَى وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّهُ ذَكَرَهَا لِيُرَتِّبَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ: وَالْفَاسِقُ أَهْلُهَا فَغَيْرُ مُفِيدٍ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: فَلِذَا قِيلَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ. (قَوْلُهُ: وَالْفَاسِقُ أَهْلُهَا) سَيَأْتِي بَيَانُ الْفِسْقِ وَالْعَدَالَةِ فِي الشَّهَادَاتِ، وَأَفْصَحَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ مَنْ قَالَ إنَّ الْفَاسِقَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْقَضَاءِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 355 لَكِنَّهُ لَا يُقَلَّدُ) وُجُوبًا وَيَأْثَمُ مُقَلِّدُهُ كَقَابِلِ شَهَادَتِهِ، بِهِ يُفْتَى، وَقَيَّدَهُ فِي الْقَاعِدِيَّةِ بِمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ فَلْيُحْفَظْ دُرَرٌ. وَاسْتَثْنَى الثَّانِيَ الْفَاسِقَ ذَا الْجَاهِ وَالْمُرُوءَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ بَزَّازِيَّةٌ قَالَ فِي النَّهْرِ وَعَلَيْهِ فَلَا يَأْثَمُ أَيْضًا بِتَوْلِيَتِهِ الْقَضَاءَ حَيْثُ كَانَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا انْتَهَى. قُلْت: سَيَجِيءُ تَضْعِيفُهُ فَرَاجِعِهِ وَفِي مَعْرُوضَاتِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ لَمَّا وَقَعَ التَّسَاوِي فِي قُضَاةِ زَمَانِنَا فِي وُجُودِ الْعَدَالَةِ ظَاهِرًا وَرَدَ الْأَمْرُ بِتَقْدِيمِ الْأَفْضَلِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّيَانَةِ وَالْعَدَالَةِ. (وَالْعَدُوُّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى عَدُوِّهِ إذَا كَانَتْ دُنْيَوِيَّةً)   [رد المحتار] فَلَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ لِفِسْقِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّلَاثَةِ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهِ خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ اهـ، أَقُولُ: لَوْ اُعْتُبِرَ هَذَا لَانْسَدَّ بَابُ الْقَضَاءِ خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا فَلِذَا كَانَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ نَهْرٌ وَفِي الْفَتْحِ وَالْوَجْهُ تَنْفِيذُ قَضَاءِ كُلِّ مَنْ وَلَّاهُ سُلْطَانٌ ذُو شَوْكَةٍ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَاسِقًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا وَحِينَئِذٍ فَيَحْكُمُ بِفَتْوَى غَيْرِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ لَا يُقَلِّدُ وُجُوبًا إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ذَكَرَ الْأَوْلَوِيَّةَ يَعْنِي الْأَوْلَى أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ وَإِنْ قَبِلَ جَازَ وَفِي الْفَتْحِ وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنْ لَا يَحِلَّ أَنْ يُقْضَى بِهَا فَإِنْ قَضَى جَازَ وَنَفَذَ اهـ، وَمُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ وَظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَبُولُهَا قَبْلَ تَعَرُّفِ حَالِهِ، وَقَوْلُهُمْ بِوُجُوبِ السُّؤَالِ عَنْ الشَّاهِدِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً طَعَنَ الْخَصْمُ أَوْ لَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ يَقْتَضِي الْإِثْمَ بِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ لِلتَّعَرُّفِ عَنْ حَالِهِ حَتَّى لَا يُقْبَلَ الْفَاسِقُ، وَصَرَّحَ ابْنُ الْكَمَالِ بِأَنَّ مَنْ قَلَّدَ فَاسِقًا يَأْثَمُ وَإِذَا قَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ يَأْثَمُ اهـ. (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) رَاجِعٌ لِمَا فِي الْمَتْنِ فَقَدْ عَلِمْت التَّصْرِيحَ بِتَصْحِيحِهِ وَبِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَأَمَّا كَوْنُ عَدَمِ تَقْلِيدِهِ وَاجِبًا فَفِيهِ كَلَامٌ كَمَا عَلِمْت فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ) أَيْ قَيَّدَ قَبُولَ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَابِلٍ اهـ ح وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ حَتَّى لَوْ قِبَلهَا الْقَاضِي، وَحَكَمَ بِهَا كَانَ آثِمًا لَكِنَّهُ يَنْفُذُ وَفِي الْفَتَاوَى الْقَاعِدِيَّةِ هَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ وَهُوَ مِمَّا يُحْفَظُ اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ أَيْضًا لِحُصُولِ التَّبَيُّنِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي النَّصِّ تَأَمَّلْ قَالَ ط: فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّ الْقَاضِي صِدْقُهُ بِأَنْ غَلَبَ كَذِبُهُ عِنْدَهُ أَوْ تَسَاوَيَا فَلَا يَقْبَلُهَا أَيْ لَا يَصِحُّ قَبُولُهَا أَصْلًا، هَذَا مَا يُعْطِيهِ الْمَقَامُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى الثَّانِيَ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ مِنْ الْفَاسِقِ الَّذِي يَأْثَمُ الْقَاضِي بِقَبُولِ شَهَادَتِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْقَاضِي صِدْقُهُ، فَيَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ كَلَامِ الْقَاعِدِيَّةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ عَلَى مَا اسْتَظْهَرْنَاهُ آنِفًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: سَيَجِيءُ تَضْعِيفُهُ) أَيْ فِي الشَّهَادَاتِ حَيْثُ قَالَ وَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَالْمُجْتَبَى مِنْ قَبُولِ ذِي الْمُرُوءَةِ الصَّادِقِ فَقَوْلُ الثَّانِي، وَضَعَّفَهُ الْكَمَالُ بِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَلَا يُقْبَلُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ اهـ. قُلْت: قَدَّمْنَا آنِفًا عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَبُولُ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ قَبْلَ تَعَرُّفِ حَالِهِ فَإِذَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي مِنْ حَالِهِ الصِّدْقُ، وَقَبِلَهُ يَكُونُ مُوَافِقًا لِلنَّصِّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالنَّصِّ قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]- لَكِنْ فِيهِ أَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ الْعَدْلِ. إنَّمَا هِيَ بِالْمَفْهُومِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا وَلَا سِيَّمَا هُوَ مَفْهُومُ لَقَبٍ مَعَ أَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى تَدُلُّ عَلَى قَبُولِ قَوْلِهِ عِنْدَ التَّبَيُّنِ عَنْ حَالِهِ كَمَا قُلْنَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَفِي مَعْرُوضَاتِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ) أَيْ الْمَسَائِلُ الَّتِي عَرَضَهَا عَلَى سُلْطَانِ زَمَانِهِ، فَأَمَرَ بِالْعَمَلِ بِهَا. (قَوْلُهُ: فِي وُجُودِ الْعَدَالَةِ) هَذَا كَانَ فِي زَمَنِهِ وَقَدْ وُجِدَ التَّسَاوِي فِي عَدَمِهَا الْآنَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ يُقَدِّمُ ط (قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ دُنْيَوِيَّةً) سَيُذْكَرُ تَفْسِيرُهَا عَنْ شَرْحِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَاحْتَرَزَ بِالدُّنْيَوِيَّةِ عَنْ الدِّينِيَّةِ فَإِنَّ مَنْ عَادَى غَيْرَهُ لِارْتِكَابِهِ بِهِ مَا لَا يَحِلُّ لَا يُتَّهَمُ، بِأَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِزُورٍ بِخِلَافِ الْمُعَادَاةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَعَنْ هَذَا قُبِلَتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 356 وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِهَا لَا يَنْفُذُ، ذَكَرَهُ يَعْقُوبُ بَاشَّا (فَلَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ أَهْلَهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ قَالَ وَبِهِ أَفْتَى مُفْتِي مِصْرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَمِينُ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ الْعَالِ قَالَ وَكَذَا سِجِلُّ الْعَدُوِّ لَا يُقْبَلُ عَلَى عَدُوِّهِ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ نَقْلَهَا عِنْدَنَا وَيَنْبَغِي النَّفَاذُ لَوْ الْقَاضِي عَدْلًا وَقَالَ ابْنُ وَهْبَانَ بَحْثًا إنْ بِعِلْمِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ بِمَحْضَرٍ مِنْ النَّاسِ جَازَ اهـ. قُلْت: وَاعْتَمَدَهُ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ فِي مَنْظُومَتِهِ فَقَالَ: وَلَوْ عَلَى عَدُوِّهِ قَاضٍ حَكَمْ ... إنْ كَانَ عَدْلًا صَحَّ ذَاكَ وَانْبَرَمْ وَاخْتَارَ بَعْضُ الْعُلَمَا وَفَصَّلَا ... وَإِنْ كَانَ بِالْعِلْمِ قَضَى لَنْ يُقْبَلَا وَإِنْ يَكُنْ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمَلَا ... وَبِشَهَادَةِ الْعُدُولِ قُبِلَا قُلْت: لَكِنْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ وَالْعَيْنِيِّ وَالزَّيْلَعِيِّ وَالْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِمْ عِنْدَ مَسْأَلَةِ التَّقْلِيدِ مِنْ الْجَائِرِ عَنْ النَّاصِحِيِّ فِي تَهْذِيبِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ أَنَّ مَنْ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ وَمَنْ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ   [رد المحتار] شَهَادَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ، وَإِنْ كَانَ عَدُوَّهُ مِنْ حَيْثُ الدِّيَانَةُ وَكَذَا شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِهَا لَا يَنْفُذُ) دَفَعَ بِهِ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهَا مِثْلُ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَصِحُّ قَبُولُهَا، وَإِنْ أَثِمَ الْقَاضِي فَشَهَادَةُ الْعَدُوِّ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ كَمَا لَوْ قَبِلَ شَهَادَةَ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ. (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ يَعْقُوبُ بَاشَا) أَيْ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَقَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ وَالْمَسْأَلَةُ دَوَّارَةٌ فِي الْكُتُبِ. مَطْلَبٌ فِي قَضَاءِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ) أَيْ إذَا كَانَتْ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ قَضَى بِهَا الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى عَلَى عَدُوِّهِ لَا يَصِحُّ لِمَا تَقَرَّرَ إلَخْ وَبِهِ سَقَطَ مَا قِيلَ إنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْيَعْقُوبِيَّةِ مُكَرَّرٌ مَعَ هَذَا فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] إذَا لَمْ يَصِحُّ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ فَالْمُخَلِّصُ إنَابَةُ غَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ مَأْذُونًا بِالِاسْتِنَابَةِ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَسْتَنِيبُ إذَا وَقَعَتْ لَهُ أَوْ لِوَلَدِهِ حَادِثَةٌ. (قَوْلُهُ: قَالَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ وَنَصُّهُ وَرَأَيْت بِمَوْضِعِ ثِقَةٍ مَعْزُوًّا إلَى بَعْضِ الْفَتَاوَى، وَأَظُنُّ أَنَّهَا الْفَتَاوَى الْكُبْرَى لِلْخَاصِّيِّ أَنَّ سِجِلَّ الْعَدُوِّ لَا يُقْبَلُ عَلَى عَدُوِّهِ كَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ اهـ فَافْهَمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسِّجِلِّ كَمَا قَالَ ط كِتَابُ الْقَاضِي إلَى قَاضٍ فِي حَادِثَةٍ عَلَى عَدُوٍّ لِلْقَاضِي، وَهُوَ مَا يَأْتِي عَنْ النَّاصِحِيِّ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ نَقَلَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَمْ يَرَ نَقْلَهَا) أَيْ نَقْلَ مَسْأَلَةِ قَضَاءِ الْقَاضِي عَلَى عَدُوِّهِ وَهَذَا الْكَلَامُ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ ابْنِ وَهْبَانَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ لَمْ يَرَ نَقْلَهَا مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي النَّفَاذُ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بِعِلْمِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ وَهَذَا الْبَحْثُ لِشَارِحِ الْوَهْبَانِيَّةِ خَالَفَ فِيهِ بَحْثَ ابْنِ وَهْبَانَ الْآتِي وَذَكَرَهُ عَقِبَهُ بِقَوْلِهِ: قُلْت: بَلْ يَنْبَغِي النَّفَاذُ مُطْلَقًا لَوْ الْقَاضِي عَدْلًا. (قَوْلُهُ: إنْ بِعِلْمِهِ لَمْ يَجُزْ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ وَعَلَيْهِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ كَلَامَيْ ابْنِ الشِّحْنَةِ وَابْنِ وَهْبَانَ فَإِنَّ مُؤَدَّى كَلَامَيْهَا نُفُوذُ حُكْمِهِ لَوْ عَدْلًا بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ. (قَوْلُهُ: وَاعْتَمَدَهُ إلَخْ) الْمُتَبَادَرُ مِنْ النَّظْمِ اعْتِمَادُ الْأَوَّلِ وَهُوَ بَحْثُ ابْنِ الشِّحْنَةِ فَيَتَعَيَّنُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ) هُوَ ابْنُ وَهْبَانَ. (قَوْلُهُ: قُلْت لَكِنْ إلَخْ) أَصْلُهُ لِلْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ غَفَلَ الشَّيْخَانِ أَيْ ابْنُ وَهْبَانَ وَشَارِحُهُ عَبْدُ الْبَرِّ عَمَّا اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَيْهِ فِي كُتُبِهِمْ الْمُعْتَمَدَةِ مِنْ أَنَّ أَهْلَهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ فَمَنْ صَلُحَ لَهَا صَلُحَ لَهُ وَمَنْ لَا فَلَا وَالْعَدُوُّ لَا يَصْلُحُ لِلشَّهَادَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَلَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ اهـ ط. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 357 لَا يُعْتَمَدُ عَلَى كِتَابِهِ اهـ، وَهُوَ صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِيمَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُعْتَمَدْ، وَبِهِ أَفْتَى مُحَقِّقُ الشَّافِعِيَّةِ الرَّمْلِيُّ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت أَنَّهُ قَضَى عَلَيْهِ ثُمَّ أَثْبَتَ أَهُوَ بَطَلَ قَضَاؤُهُ فَلْيُحْفَظْ. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ ثُمَّ إنَّمَا تَثْبُتُ الْعَدَاوَةُ بِنَحْوِ قَذْفٍ وَجَرْحٍ وَقَتْلِ وَلِيٍّ لَا بِمُخَاصَمَةٍ، نَعَمْ هِيَ تَمْنَعُ الشَّهَادَةَ فِيمَا وَقَعَتْ فِيهِ الْمُخَاصَمَةُ كَشَهَادَةِ وَكِيلٍ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ   [رد المحتار] قُلْت: وَلَمْ أَرَ هَذَا الْكَلَامَ فِي نُسْخَتِي فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ الِاسْتِدْرَاكُ عَلَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَتَأْيِيدُ كَلَامِ الْمَتْنِ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ فَرَّعَ عَدَمَ صِحَّةِ الْقَضَاءِ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ مَفْهُومُ الْكُلِّيَّةِ الْوَاقِعَةِ فِي عِبَارَاتِ الْمُتُونِ وَهِيَ قَوْلُهُمْ: وَأَهْلُهُ أَهْلُهَا فَإِنَّ مَفْهُومَهَا عَكْسُهَا اللُّغَوِيُّ وَهُوَ أَنَّ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لَهَا، لَا يَكُونُ أَهْلًا لَهُ، فَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَتْنِهِ وَالْعَدُوُّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى عَدُوِّهِ، فَلَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ وَلَمَّا كَانَ هَذَا إثْبَاتًا لِلْحُكْمِ بِالْمَفْهُومِ، وَفِيهِ احْتِمَالُ نَقْلِ الشَّارِحِ أَنَّ مَفْهُومَ الْكُلِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي عِبَارَةِ النَّاصِحِيِّ، فَسَقَطَ الِاحْتِمَالُ وَانْدَفَعَ بَحْثُ الشَّيْخَيْنِ وَتَأَيَّدَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ؛ وَلِذَا قَالَ وَهُوَ صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِيمَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَكِنْ بَقِيَ هَا هُنَا تَحْقِيقُ تَوْفِيقٍ وَهُوَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ الْعَدَاوَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ لَا تَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ مَا لَمْ يَفْسُقْ بِهَا، وَأَنَّهُ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَأَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ وَالْوَاقِعَاتِ، مِنْ أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لَا تُقْبَلُ اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالرِّوَايَةُ الْمَنْصُوصَةُ تُخَالِفُهَا وَأَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُقْبَلُ إذَا كَانَ عَدْلًا وَفِي الْمَبْسُوطِ إنْ كَانَتْ دُنْيَوِيَّةً فَهَذَا يُوجِبُ فِسْقَهُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اهـ مُلَخَّصًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ مُعْتَمَدَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَدَمُ قَبُولِهَا عَلَى الْعَدُوِّ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَعَلَيْهِ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْعِلَّةَ الْعَدَاوَةُ لَا الْفِسْقُ، وَإِلَّا لَمْ تُقْبَلْ عَلَى غَيْرِ الْعَدُوِّ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ قَضَاءُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ أَيْضًا. ثَانِيهِمَا أَنَّهَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا فَسَقَ بِهَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ وَهْبَانَ وَابْنُ الشِّحْنَةِ، وَإِذَا قُبِلَتْ فَبِالضَّرُورَةِ يَصِحُّ قَضَاءُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ إذَا كَانَ عَدْلًا فَلِذَا اخْتَارَ الشَّيْخَانِ صِحَّتَهُ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَنْ يَقُولُ بِقَبُولِ شَهَادَةِ الْعَدُوِّ الْعَدْلِ يَقُولُ بِصِحَّةِ قَضَائِهِ وَمَنْ لَا فَلَا وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ النَّاصِحِيُّ لَا يُعَارِضُ كَلَامَ الشَّيْخَيْنِ لِاخْتِلَافِ الْمَنَاطِ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْقِيقَ وَدَعْ التَّلْفِيقَ. (قَوْلُهُ: لَا يُعْتَمَدُ عَلَى كِتَابِهِ) هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِيمَا سَبَقَ بِالسِّجِلِّ ط. (قَوْلُهُ: فِيمَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي مَتْنِهِ وَمِنْ إطْلَاقِ عَدَمِ الْقَبُولِ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ أَفْتَى مُحَقِّقُ الشَّافِعِيَّةِ الرَّمْلِيُّ) هَذَا غَيْرُ مَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الرَّافِعِيِّ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ مِنْ جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْعَدُوِّ، لَا الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ لِظُهُورِ أَسْبَابِ الْحُكْمِ وَخَفَاءِ أَسْبَابِ الشَّهَادَةِ اهـ، وَهُوَ وَجِيهٌ وَلِذَا قَيَّدَ ابْنُ وَهْبَانَ صِحَّةَ الْقَضَاءِ بِمَا إذَا كَانَ بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ بِمَحْضَرٍ مِنْ النَّاسِ كَمَا مَرَّ لِتَنْتَفِيَ التُّهْمَةُ بِمُعَايَنَةِ أَسْبَابِ الْحُكْمِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ الْحُكْمُ عِنْدَنَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْعَدُوِّ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت) الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ نَقَلْت، وَقَوْلُهُ إنَّهُ لَوْ قَضَى إلَخْ مَفْعُولُ نَقَلْت أَوْ بَدَلٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ وَبِهِ أَفْتَى، وَجُمْلَةُ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت مُعْتَرِضَةٌ أَوْ هِيَ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَجُمْلَةُ أَنَّهُ لَوْ قَضَى إلَخْ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَاقْتَصَرَ ط عَلَى الْأَخِيرِ. (قَوْلُهُ: وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ إلَخْ) أَصْلُهُ لِنَاظِمِهَا وَنَقَلَهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ عَنْهُ وَنَصُّهُ قَالَ، أَيْ ابْنُ وَهْبَانَ وَقَدْ يَتَوَهَّمُ بَعْضُ الْمُتَفَقِّهَةِ مِنْ الشُّهُودِ أَنَّ مَنْ خَاصَمَ شَخْصًا فِي حَقٍّ أَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ يَصِيرُ عَدُوَّهُ، فَيَشْهَدُونَ بَيْنَهُمَا بِالْعَدَاوَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِنَحْوِ إلَخْ اهـ. قُلْت: لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ مُخْتَارَ ابْنِ وَهْبَانَ أَنَّ الْعَدَاوَةَ لَا تَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ إلَّا إذَا فَسَقَ بِهَا فَعُلِمَ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مُفَسِّقَةً وَقَدْ لَا تَكُونُ فَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا تَثْبُتُ إلَخْ يُرِيدُ بِهِ الْعَدَاوَةَ الْمَانِعَةَ وَهِيَ الْمُفَسِّقَةُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ تَمْنَعُ الْقَبُولَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 358 وَوَصِيٍّ وَشَرِيكٍ. (وَالْفَاسِقُ لَا يَصْلُحُ مُفْتِيًا) لِأَنَّ الْفَتْوَى مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، وَالْفَاسِقُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الدِّيَانَاتِ ابْنُ مَلَكٍ زَادَ الْعَيْنِيُّ وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي مَتْنِهِ وَلَهُ فِي شَرْحِهِ عِبَارَاتٌ بَلِيغَةٌ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَيْضًا وَظَاهِرُ مَا فِي التَّحْرِيرِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ اسْتِفْتَاؤُهُ اتِّفَاقًا كَمَا بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ (وَقِيلَ نَعَمْ يَصْلُحُ) وَبِهِ جَزَمَ فِي الْكَنْزِ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَهِدُ حَذَارِ نِسْبَةِ الْخَطَأِ وَلَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ إسْلَامِهِ وَعَقْلِهِ، وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ تَيَقُّظَهُ لَا حُرِّيَّتَهُ وَذُكُورَتَهُ وَنُطْقَهُ فَيَصِحُّ إفْتَاءُ الْأَخْرَسِ لَا قَضَاؤُهُ (وَيُكْتَفَى بِالْإِشَارَةِ مِنْهُ لَا مِنْ الْقَاضِي) لِلُزُومِ صِيغَةٍ مَخْصُوصَةٍ كَحَكَمْتُ وَأَلْزَمْت بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَأَمَّا الْأَطْرَشُ وَهُوَ مَنْ يَسْمَعُ   [رد المحتار] عَلَى الْعَدُوِّ وَعَلَى غَيْرِهِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: وَوَصِيٍّ) أَيْ فِيمَا أَوْصَى عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَشَرِيكٍ أَيْ فِيمَا هُوَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ ط. (قَوْلُهُ: وَالْفَاسِقُ لَا يَصْلُحُ مُفْتِيًا) أَيْ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى فَتْوَاهُ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمَجْمَعِ لَا يُسْتَفْتَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ اسْتِفْتَاؤُهُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ الِاتِّفَاقُ عَلَى حِلِّ اسْتِفْتَاءِ مَنْ عُرِفَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالِاجْتِهَادِ وَالْعَدَالَةِ أَوْ رَآهُ مُنْتَصِبًا وَالنَّاسُ يَسْتَفْتُونَهُ مُعَظِّمِينَ لَهُ، وَعَلَى امْتِنَاعِهِ إنْ ظَنَّ عَدَمَ أَحَدِهِمَا أَيْ عَدَمَ الِاجْتِهَادِ أَوْ الْعَدَالَةِ كَمَا فِي شَرْحِهِ، وَلَكِنْ اشْتِرَاطُ الِاجْتِهَادِ مَبْنِيٌّ عَلَى اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْمُفْتِيَ الْمُجْتَهِدَ أَيْ الَّذِي يُفْتِي بِمَذْهَبِهِ، وَأَنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ بِمُفْتٍ بَلْ هُوَ نَاقِلٌ كَمَا سَيَأْتِي، وَالثَّانِي هُوَ الْمُرَادُ هُنَا بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ اجْتِهَادَهُ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ مَفْقُودٌ الْيَوْمَ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى فَتْوَى الْمُفْتِي الْفَاسِقِ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: وَلَهُ فِي شَرْحِهِ عِبَارَاتٌ بَلِيغَةٌ) حَيْثُ قَالَ إنَّ أَوْلَى مَا يَسْتَنْزِلُ بِهِ فَيْضَ الرَّحْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ فِي تَحْقِيقِ الْوَاقِعَاتِ الشَّرْعِيَّةِ طَاعَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالتَّمَسُّكُ بِحَبْلِ التَّقْوَى قَالَ تَعَالَى {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282] وَمَنْ اعْتَمَدَ عَلَى رَأْيِهِ وَذِهْنِهِ فِي اسْتِخْرَاجِ دَقَائِقِ الْفِقْهِ وَكُنُوزِهِ وَهُوَ فِي الْمَعَاصِي حَقِيقٌ بِإِنْزَالِ الْخِذْلَانِ فَقَدْ اعْتَمَدَ عَلَى مَا لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40] اهـ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ مَا فِي التَّحْرِيرِ) بَلْ هُوَ صَرِيحُهُ كَمَا سَمِعْت. (قَوْلُهُ: وَبِهِ جَزَمَ فِي الْكَنْزِ) حَيْثُ قَالَ وَالْفَاسِقُ يَصْلُحُ مُفْتِيًا وَقِيلَ لَا فَجَزَمَ بِالْأَوَّلِ وَنَسَبَ الثَّانِيَ إلَى قَائِلِهِ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: لَا يَجْتَهِدُ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَظْهَرُ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُعْرِضُ عَنْ النَّصِّ الضَّرُورِيِّ قَصْدًا لِغَرَضٍ فَاسِدٍ وَرُبَّمَا عُورِضَ بِالنَّصِّ فَيَدَّعِي فَسَادَ النَّصِّ ط. (قَوْلُهُ: حَذَارِ نِسْبَةِ الْخَطَأِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ حَذَرٌ لِمَا فِي الْقَامُوسِ وَحَذَارِ حَذَارِ وَقَدْ يُنَوَّنُ الثَّانِي أَيْ احْذَرْ ط. (قَوْلُهُ: وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ تَيَقُّظَهُ) احْتِرَازًا عَمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْغَفْلَةُ وَالسَّهْوُ، قُلْت: وَهَذَا شَرْطٌ لَازِمٌ فِي زَمَانِنَا، فَإِنَّ الْعَادَةَ الْيَوْمَ أَنَّ مَنْ صَارَ بِيَدِهِ فَتْوَى الْمُفْتِي اسْتَطَالَ عَلَى خَصْمِهِ وَقَهَرَهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ أَفْتَانِي الْمُفْتِي، بِأَنَّ الْحَقَّ مَعِي وَالْخَصْمُ جَاهِلٌ لَا يَدْرِي مَا فِي الْفَتْوَى، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُفْتِي مُتَيَقِّظًا يَعْلَمُ حِيَلَ النَّاسِ وَدَسَائِسَهُمْ، فَإِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ يُقَرِّرُهُ مِنْ لِسَانِهِ وَلَا يَقُولُ لَهُ إنْ كَانَ كَذَا فَالْحَقُّ مَعَك، وَإِنْ كَانَ كَذَا فَالْحَقُّ مَعَ خَصْمِك؛ لِأَنَّهُ يَخْتَارُ لِنَفْسِهِ مَا يَنْفَعُهُ، وَلَا يَعْجِزُ عَلَى إثْبَاتِهِ بِشَاهِدَيْ زُورٍ، بَلْ الْأَحْسَنُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ مَعَ أَحَدِهِمَا كَتَبَ الْفَتْوَى لِصَاحِبِ الْحَقِّ وَلْيَحْتَرِزْ مِنْ الْوُكَلَاءِ فِي الْخُصُومَاتِ فَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَا يَرْضَى إلَّا بِإِثْبَاتِ دَعْوَاهُ لِمُوَكِّلِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ وَلَهُمْ مَهَارَةٌ فِي الْحِيَلِ وَالتَّزْوِيرِ، وَقَلْبِ الْكَلَامِ وَتَصْوِيرِ الْبَاطِلِ بِصُورَةِ الْحَقِّ فَإِذَا أَخَذَ الْفَتْوَى قَهَرَ خَصْمَهُ وَوَصَلَ إلَى غَرَضِهِ الْفَاسِدِ، فَلَا يَحِلُّ لِلْمُفْتِي أَنْ يُعِينَهُ عَلَى ضَلَالِهِ وَقَدْ قَالُوا مَنْ جَهِلَ بِأَهْلِ زَمَانِهِ فَهُوَ جَاهِلٌ، وَقَدْ يُسْأَلُ عَنْ أَمْرٍ شَرْعِيٍّ، وَتَدُلُّ الْقَرَائِنُ لِلْمُفْتِي الْمُتَيَقِّظِ أَنَّ مُرَادَهُ التَّوَصُّلُ بِهِ إلَى غَرَضٍ فَاسِدٍ كَمَا شَهِدْنَاهُ كَثِيرًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ غَفْلَةَ الْمُفْتِي يَلْزَمُ مِنْهَا ضَرَرٌ عَظِيمٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُسْتَعَانُ. (قَوْلُهُ: لَا حُرِّيَّتَهُ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ كَالرَّاوِي لَا كَالشَّاهِدِ وَالْقَاضِي وَلِذَا تَصِحُّ فَتْوَاهُ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ. (قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ إفْتَاءُ الْأَخْرَسِ) أَيْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 359 الصَّوْتَ الْقَوِيَّ فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ بِخِلَافِ الْأَصَمِّ. (وَيُفْتِي الْقَاضِي) وَلَوْ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ (مَنْ لَمْ يُخَاصِمْ إلَيْهِ) ظَهِيرِيَّةٌ وَسَيَتَّضِحُ (وَيَأْخُذُ) الْقَاضِي كَالْمُفْتِي (بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ ثُمَّ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ بِقَوْلِ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ) وَهُوَ الْأَصَحُّ مُنْيَةٌ وَسِرَاجِيَّةٌ وَعِبَارَةُ النَّهْرِ ثُمَّ بِقَوْلِ الْحَسَنِ فَتَنَبَّهْ وَصَحَّحَ فِي الْحَاوِي اعْتِبَارَ قُوَّةِ الْمُدْرِكِ وَالْأَوَّلُ أَضْبَطُ نَهْرٌ (وَلَا يُخَيَّرُ إلَّا إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا) بَلْ الْمُقَلِّدُ مَتَى خَالَفَ   [رد المحتار] حَيْثُ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ بِإِشَارَةِ النَّاطِقِ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ وَأَفَادَهُ عُمُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُكْتَفَى بِالْإِشَارَةِ مِنْهُ ط. (قَوْلُهُ: فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ) لِأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْمَعُ الْإِقْرَارُ فَيُضِيعُ حُقُوقَ النَّاسِ، بِخِلَافِ الْأَصَمِّ وَهَكَذَا فَصَّلَ شَارِحُ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فِي الْمُفْتِي. فَإِنْ قُلْت: قَدْ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، بِأَنَّ الْمُفْتِيَ يَقْرَأُ صُورَةَ الِاسْتِفْتَاءِ، وَيَكْتُبُ جَوَابَهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى السَّمَاعِ. قُلْت: الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِهَذَا فِي الْقَاضِي مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ جَوَابَ الْخَصْمَيْنِ، فَكَذَا فِي الْمُفْتِي وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ صِيغَةٍ مَخْصُوصَةٍ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ. فَيُحْتَاطُ فِيهِ بِخِلَافِ الْإِفْتَاءِ فَإِنَّهُ إفَادَةُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَلَوْ بِالْإِشَارَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ السَّمَاعُ اهـ مِنَحٌ مُلَخَّصًا. قُلْت: لَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا كَتَبَ لَهُ وَأَجَابَ عَنْهُ جَازَ الْعَمَلُ بِفَتْوَاهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ مَنْصُوبًا لِلْفَتْوَى يَأْتِيهِ عَامَّةُ النَّاسِ وَيَسْأَلُونَهُ مِنْ نِسَاءٍ وَأَعْرَابٍ وَغَيْرِهِمْ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ صَحِيحَ السَّمْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ كُلَّ سَائِلٍ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ سُؤَالَهُ، وَقَدْ يَحْضُرُ إلَيْهِ الْخَصْمَانِ وَيَتَكَلَّمُ أَحَدُهُمَا بِمَا يَكُونُ فِيهِ الْحَقُّ عَلَيْهِ لَا لَهُ وَالْمُفْتِي لَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْهُ فَيُفْتِيهِ عَلَى مَا سَمِعَ مِنْ بَعْضِ كَلَامِهِ فَيُضِيعُ حَقَّ خَصْمِهِ، وَهَذَا قَدْ شَاهَدْته كَثِيرًا فَلَا يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُفْتِيًا عَامًّا يَنْتَظِرُ الْقَاضِي جَوَابَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ فَإِنَّ ضَرَرَ مِثْلِ هَذَا أَعْظَمُ مِنْ نَفْعِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [مَطْلَبُ يُفْتَى بِقَوْلِ الْإِمَامِ عَلَى الْإِطْلَاقِ] (قَوْلُهُ: وَيُفْتِي الْقَاضِي إلَخْ) فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَا بَأْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَ مَنْ لَمْ يُخَاصِمْ إلَيْهِ وَلَا يُفْتِي أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ فِيمَا خُوصِمَ إلَيْهِ اهـ بَحْرٌ وَفِي الْخُلَاصَةِ: الْقَاضِي هَلْ يُفْتِي فِيهِ أَقَاوِيلُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ فِي الدِّيَانَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ اهـ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ لَمْ يُخَاصِمْ إلَيْهِ فَيُوَافِقُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمِنْ ثَمَّ عَوَّلْنَا عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ مِنَحٌ، وَقَدْ جَمَعَ الشَّارِحُ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ بِهَذَا الْحَمْلِ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ وَأَكْرَهُ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَ فِي الْقَضَاءِ لِلْخُصُومِ كَرَاهَةَ أَنْ يَعْلَمَ خَصْمُهُ قَوْلَهُ فَيَتَحَرَّزَ مِنْهُ بِالْبَاطِلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَسَيَتَّضِحُ) لَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ مَسْأَلَةَ التَّسْوِيَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْإِطْلَاقِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ أَحَدُ أَصْحَابِهِ أَوْ انْفَرَدَ لَكِنْ سَيَأْتِي قُبَيْلَ الْفَصْلِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ لِزِيَادَةِ تَجْرِبَتِهِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ) مُقَابِلُهُ مَا يَأْتِي عَنْ الْحَاوِي وَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ مَعَهُ أَحَدُ صَاحِبِيهِ أَخَذَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ خَالَفَاهُ قِيلَ كَذَلِكَ وَقِيلَ يُخَيَّرُ إلَّا فِيمَا كَانَ الِاخْتِلَافُ بِحَسَبِ تَغَيُّرِ الزَّمَانِ كَالْحُكْمِ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ وَفِيمَا أَجْمَعَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَيْهِ كَالْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ فَيَخْتَارُ قَوْلَهُمَا. (قَوْلُهُ: وَعِبَارَةُ النَّهْرِ إلَخْ) أَيْ لِإِفَادَةِ أَنَّ رُتْبَةَ الْحَسَنِ بَعْدَ زُفَرَ، بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّ عَطْفَهُ بِالْوَاوِ يُفِيدُ أَنَّهُمَا فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ هِيَ الْمَشْهُورَةُ فِي الْكُتُبِ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ فِي الْحَاوِي) أَيْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَهَذَا فِيمَا إذَا خَالَفَ الصَّاحِبَانِ الْإِمَامَ وَالْمُرَادُ بِقُوَّةِ الْمُدْرِكِ قُوَّةُ الدَّلِيلِ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْمُدْرِكَ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ إدْرَاكِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُؤْخَذُ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَضْبَطُ) لِأَنَّ مَا فِي الْحَاوِي خَاصٌّ فِيمَنْ لَهُ اطِّلَاعٌ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَصَارَ لَهُ مَلَكَةُ النَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ وَاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ مِنْهَا، وَذَلِكَ هُوَ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ، أَوْ الْمُقَيَّدُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ لِمَنْ هُوَ دُونَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُخَيَّرُ إلَّا إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ مُخَالَفَةُ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ مَلَكَةٌ يَقْتَدِرُ بِهَا عَلَى الِاطِّلَاعِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 360 مُعْتَمَدَ مَذْهَبِهِ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ وَيُنْقَضُ هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى كَمَا بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَسَيَجِيءُ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ: اعْلَمْ أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ قَالُوا الرَّأْيُ فِيهِ لِلْقَاضِي فَالْمُرَادُ قَاضٍ لَهُ مَلَكَةُ الِاجْتِهَادِ انْتَهَى وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِنَّمَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ وَفِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا. (وَإِذَا اخْتَلَفَ مُفْتِيَانِ) فِي جَوَابِ حَادِثَةٍ (أُخِذَ بِقَوْلِ أَفْقَهِهِمَا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ أَوْرَعَهُمَا) سِرَاجِيَّةٌ وَفِي الْمُلْتَقَطِ وَإِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ أَمْرٌ وَلَا رَأْيَ لَهُ فِيهِ شَاوَرَ الْعُلَمَاءَ وَنَظَرَ أَحْسَنَ أَقَاوِيلِهِمْ وَقَضَى بِمَا رَآهُ صَوَابًا لَا بِغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ أَقْوَى فِي الْفِقْهِ وَوُجُوهِ الِاجْتِهَادِ فَيَجُوزُ تَرْكُ رَأْيِهِ بِرَأْيِهِ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا فَعَلَيْهِ تَقْلِيدُهُمْ   [رد المحتار] عَلَى قُوَّةِ الْمُدْرِكِ، وَبِهَذَا رَجَعَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ إلَى مَا فِي الْحَاوِي مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْمُفْتِي الْمُجْتَهِدِ لِقُوَّةِ الْمُدْرِكِ نَعَمْ فِيهِ زِيَادَةُ تَفْصِيلٍ سَكَتَ عَنْهُ الْحَاوِي، فَقَدْ اتَّفَقَ الْقَوْلَانِ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ هُوَ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ هُمْ أَصْحَابُ التَّرْجِيحِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ عَلَيْهِ النَّظَرُ فِي الدَّلِيلِ وَتَرْجِيحُ مَا رَجَحَ عِنْدَهُ دَلِيلُهُ، وَنَحْنُ نَتْبَعُ مَا رَجَّحُوهُ وَاعْتَمَدُوهُ كَمَا لَوْ أَفْتَوْا فِي حَيَاتِهِمْ كَمَا حَقَّقَهُ الشَّارِحُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ نَقْلًا عَنْ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ، وَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْمُلْتَقَطِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا فَعَلَيْهِ تَقْلِيدُهُمْ وَاتِّبَاعُ رَأْيِهِمْ، فَإِذَا قَضَى بِخِلَافِهِ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الشَّلَبِيِّ لَا يَعْدِلُ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ إلَّا إذَا صَرَّحَ أَحَدٌ مِنْ الْمَشَايِخِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ وَبِهَذَا سَقَطَ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ عَلَيْنَا الْإِفْتَاءَ بِقَوْلِ الْإِمَامِ وَإِنْ أَفْتَى الْمَشَايِخُ بِخِلَافِهِ، وَقَدْ اعْتَرَضَهُ مُحَشِّيهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِمَا مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُفْتِيَ حَقِيقَةً هُوَ الْمُجْتَهِدُ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَنَاقِلٌ لِقَوْلِ الْمُجْتَهِدِ، فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْنَا الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ وَإِنْ أَفْتَى الْمَشَايِخُ بِخِلَافِهِ وَنَحْنُ إنَّمَا نَحْكِي فَتْوَاهُمْ لَا غَيْرُ اهـ، وَتَمَامُ أَبْحَاثِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَرَّرْنَاهُ فِي مَنْظُومَتِنَا فِي رَسْمِ الْمُفْتِي وَفِي شَرْحِهَا وَقَدَّمْنَا بَعْضَهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى الصَّوَابِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: مُعْتَمَدُ مَذْهَبِهِ) أَيْ الَّذِي اعْتَمَدَهُ مَشَايِخُ الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ وَافَقَ قَوْلَ الْإِمَامِ أَوْ خَالَفَهُ كَمَا قَرَرْنَاهُ آنِفًا. (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ) أَيْ بَعْدَ أَسْطُرٍ عَنْ الْمُلْتَقَطِ وَكَذَا فِي الْفَصْلِ الْآتِي عِنْدَ قَوْلِهِ قُضِيَ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ. (قَوْلُهُ: اعْلَمْ أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ قَالُوا الرَّأْيُ فِيهِ لِلْقَاضِي إلَخْ) أَقُولُ: قَدْ عَدَّ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي فُوِّضَتْ لِرَأْيِ الْقَاضِي إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً زَادَ مُحَشِّيهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً أُخْرَى ذَكَرَهَا الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ، وَلِحَفِيدِ الْمُصَنِّفِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ الشَّيْخِ صَالِحِ بْنِ الْمُصَنِّفِ رِسَالَةٌ فِي ذَلِكَ سَمَّاهَا فَيْضَ الْمُسْتَفِيضِ فِي مَسَائِلِ التَّفْوِيضِ، فَارْجِعْ إلَيْهَا وَلَكِنْ بَعْضُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَا يُظْهِرُ تَوَقُّفَ الرَّأْيِ فِيهَا عَلَى الِاجْتِهَادِ الْمُصْطَلَحِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَانْظُرْ مَا نَذْكُرُهُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي عِنْدَ قَوْلِهِ فَيَحْبِسُهُ بِمَا رَأَى. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ إلَخْ) هَذَا فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ أَمَّا الْمُقَلِّدِ فَعَلَيْهِ الْعَمَلُ بِمُعْتَمَدِ مَذْهَبِهِ عَلِمَ فِيهِ خِلَافًا أَوْ لَا اهـ ط وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ آخَرَ نَفَّذَهُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا أَشْكَلَ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ اجْتِهَادٌ عَلَى شَيْءٍ، وَبَقِيَتْ الْحَادِثَةُ مُخْتَلِفَةً وَمُشْكِلَةً كَتَبَ إلَى فُقَهَاءِ غَيْرِ مِصْرِهِ فَالْمُشَاوَرَةُ بِالْكِتَابِ سُنَّةٌ قَدِيمَةٌ فِي الْحَوَادِثِ الشَّرْعِيَّةِ، فَإِنْ اتَّفَقَ رَأْيُهُمْ عَلَى شَيْءٍ وَرَأْيُهُ يُوَافِقُهُمْ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ أَمْضَى ذَلِكَ بِرَأْيِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا نَظَرَ إلَى أَقْرَبِ الْأَقْوَالِ عِنْدَهُ مِنْ الْحَقِّ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَإِلَّا أَخَذَ بِقَوْلِ مَنْ هُوَ أَفْقَهُ وَأَوْرَعُ عِنْدَهُ اهـ ط. (قَوْلُهُ: وَقَضَى بِمَا رَآهُ صَوَابًا) أَيْ بِمَا حَدَثَ لَهُ مِنْ الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ بَعْدَ مُشَاوَرَتِهِمْ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ وَلَا رَأْيَ لَهُ فِيهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ) أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ الَّذِي أَفْتَاهُ أَقْوَى مِنْهُ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ رَأْيِ نَفْسِهِ إلَى رَأْيِ ذَلِكَ الْمُفْتِي لَكِنْ هَذَا إذَا اتَّهَمَ رَأْيَ نَفْسِهِ فَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ وَإِنْ شَاوَرَ الْقَاضِي رَجُلًا وَاحِدًا كَفَى، فَإِنْ رَأَى بِخِلَافِ رَأْيِهِ وَذَلِكَ الرَّجُلُ أَفْضَلُ وَأَفْقَهُ عِنْدَهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَا وَقَالَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ لَوْ قَضَى بِرَأْيِ ذَلِكَ الرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ فِي سَعَةٍ وَإِنْ لَمْ يَتَّهِمُ الْقَاضِي رَأْيَهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 361 وَاتِّبَاعُ رَأْيِهِمْ فَإِذَا قَضَى بِخِلَافِهِ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ. (الْمِصْرُ شَرْطٌ لِنَفَاذِ الْقَضَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ لَا) فَيَنْفُذُ فِي الْقُرَى وَفِي عَقَارٍ لَا فِي وِلَايَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ خُلَاصَةٌ (وَبِهِ يُفْتَى) بَزَّازِيَّةٌ. (أَخَذَ الْقَضَاءَ بِرِشْوَةٍ) لِلسُّلْطَانِ أَوْ لِقَوْمِهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِهَا أَوْ بِشَفَاعَةٍ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ وَفَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ   [رد المحتار] رَأْيَ نَفْسِهِ وَيَقْضِيَ بِرَأْيِ غَيْرِهِ اهـ، أَيْ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ. (قَوْلُهُ: وَاتِّبَاعُ رَأْيِهِمْ) أَيْ إنْ اتَّفَقُوا عَلَى شَيْءٍ وَإِلَّا أَخَذَ بِقَوْلِ الْأَفْقَهِ وَالْأَوْرَعِ عِنْدَهُ كَمَا مَرَّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعِنْدِي أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ بِقَوْلِ الَّذِي لَا يَمِيلُ إلَيْهِ قَلْبُهُ جَازَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَيْلَ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ وَقَدْ فَعَلَ أَصَابَ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدُ أَوْ أَخْطَأَ اهـ. قُلْت: وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُفْتِيَانِ مُجْتَهِدَيْنِ وَاخْتَلَفَا فِي الْحُكْمِ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي الْمُقَلِّدِينَ فِيمَا لَمْ يُصَرِّحُوا فِي الْكُتُبِ بِتَرْجِيحِهِ وَاعْتِمَادِهِ أَوْ اخْتَلَفُوا فِي تَرْجِيحِهِ، وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ الْآنَ اتِّبَاعُ مَا اتَّفَقُوا عَلَى تَرْجِيحِهِ أَوْ كَانَ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَوْ قَوْلَ الْإِمَامِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ التَّرْجِيحِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَفِي مَنْظُومَتِنَا وَشَرْحِهَا. (قَوْلُهُ: فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) فِي الْبَحْرِ: وَلَا يُشْتَرَطُ الْمِصْرُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَالْقَضَاءُ بِالسَّوَادِ صَحِيحٌ، وَبِهِ يُفْتَى كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ اهـ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ مَعْزُوٌّ إلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ رَمْلِيٌّ عَلَى الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ: وَفِي عَقَارٍ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَدَاعِيَانِ مِنْ بَلَدِ الْقَاضِي إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْمَنْقُولِ وَالدَّيْنِ وَأَمَّا فِي عَقَارٍ لَا فِي وِلَايَتِهِ، فَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْهَمَ خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ غَلَطٌ اهـ. [مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى الرِّشْوَةِ وَالْهَدِيَّةِ] (قَوْلُهُ: أَخَذَ الْقَضَاءَ بِرِشْوَةٍ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ قَامُوسٌ وَفِي الْمِصْبَاحِ الرِّشْوَةُ بِالْكَسْرِ مَا يُعْطِيهِ الشَّخْصُ الْحَاكِمَ وَغَيْرَهُ لِيَحْكُمَ لَهُ أَوْ يَحْمِلَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ، جَمْعُهَا رِشًا مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ، وَالضَّمُّ لُغَةٌ وَجَمْعُهَا رُشًا بِالضَّمِّ اهـ وَفِيهِ الْبِرْطِيلُ بِكَسْرِ الْبَاءِ الرِّشْوَةُ وَفَتْحُ الْبَاءِ عَامِّيٌّ. وَفِي الْفَتْحِ: ثُمَّ الرِّشْوَةُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: مِنْهَا مَا هُوَ حَرَامٌ عَلَى الْآخِذِ وَالْمُعْطِي وَهُوَ الرِّشْوَةُ عَلَى تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ وَالْإِمَارَةِ. الثَّانِي: ارْتِشَاءُ الْقَاضِي لِيَحْكُمَ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَوْ الْقَضَاءُ بِحَقٍّ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. الثَّالِثُ: أَخْذُ الْمَالِ لِيُسَوِّيَ أَمْرَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ أَوْ جَلْبًا لِلنَّفْعِ وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الْآخِذِ فَقَطْ وَحِيلَةُ حِلُّهَا أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ أَوْ يَوْمَيْنِ فَتَصِيرَ مَنَافِعُهُ مَمْلُوكَةً ثُمَّ يَسْتَعْمِلَهُ فِي الذَّهَابِ إلَى السُّلْطَانِ لِلْأَمْرِ الْفُلَانِيِّ، وَفِي الْأَقْضِيَةِ قَسَّمَ الْهَدِيَّةَ وَجَعَلَ هَذَا مِنْ أَقْسَامِهَا فَقَالَ: حَلَالٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَالْإِهْدَاءِ لِلتَّوَدُّدِ وَحَرَامٌ مِنْهُمَا كَالْإِهْدَاءِ لِيُعِينَهُ عَلَى الظُّلْمِ وَحَرَامٌ عَلَى الْآخِذِ فَقَطْ، وَهُوَ أَنْ يُهْدَى لِيَكُفَّ عَنْهُ الظُّلْمَ وَالْحِيلَةُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ إلَخْ قَالَ: أَيْ فِي الْأَقْضِيَةِ هَذَا إذَا كَانَ فِيهِ شَرْطٌ أَمَّا إذَا كَانَ بِلَا شَرْطٍ لَكِنْ يَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ إنَّمَا يُهْدِي لِيُعِينَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ فَمَشَايِخُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَوْ قَضَى حَاجَتَهُ بِلَا شَرْطٍ وَلَا طَمَعٍ فَأَهْدَى إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ حَلَالٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ كَرَاهَتِهِ فَوَرَعٌ الرَّابِعُ: مَا يَدْفَعُ لِدَفْعِ الْخَوْفِ مِنْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ حَلَالٌ لِلدَّافِعِ حَرَامٌ عَلَى الْآخِذِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْمَالِ لِيَفْعَلَ الْوَاجِبَ، اهـ مَا فِي الْفَتْحِ مُلَخَّصًا. وَفِي الْقُنْيَةِ الرِّشْوَةُ يَجِبُ رَدُّهَا وَلَا تُمْلَكُ وَفِيهَا دَفَعَ لِلْقَاضِي أَوْ لِغَيْرِهِ سُحْتًا لِإِصْلَاحِ الْمُهِمِّ فَأَصْلَحَ ثُمَّ نَدِمَ يَرُدُّ مَا دُفِعَ إلَيْهِ اهـ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهَا فِي الْبَحْرِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْهَدِيَّةِ لِلْقَاضِي وَالْمُفْتِي وَالْعُمَّالِ. (قَوْلُهُ: لِلسُّلْطَانِ) صِفَةٌ لِرِشْوَةٍ أَيْ دَفَعَهَا الْقَاضِي لَهُ وَكَذَا لَوْ دَفَعَهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 362 (أَوْ ارْتَشَى) هُوَ أَوْ أَعْوَانُهُ بِعِلْمِهِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (وَحَكَمَ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ) وَمِنْهُ مَا لَوْ جَعَلَ لِمُوَلِّيهِ مَبْلَغًا فِي كُلِّ شَهْرٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ وَيُفَوِّضُ إلَيْهِ قَضَاءَ نَاحِيَةٍ فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ وَمَنْ قُلِّدَ بِوَاسِطَةِ الشُّفَعَاءِ كَمَنْ قُلِّدَ احْتِسَابًا وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِزِيَادَةٍ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ الطَّلَبُ بِالشُّفَعَاءِ (وَلَوْ) كَانَ (عَدْلًا فَفَسَقَ بِأَخْذِهَا) أَوْ بِغَيْرِهِ وَخَصَّهَا؛ لِأَنَّهَا الْمُعْظَمُ (اسْتَحَقَّ الْعَزْلَ) وُجُوبًا   [رد المحتار] غَيْرُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ ارْتَشَى) الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُهُ؛ لِأَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِبْهَامِ كَمَا تَعْرِفُهُ. (قَوْلُهُ: لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ) فِيهِ إيهَامُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَمَعَ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا، كَمَا فِي الْكَنْزِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ قَضَى لَمْ يَنْفُذْ وَبِهِ يُفْتَى اهـ، وَمِثْلُهُ فِي الدُّرَرِ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ وَأَمَّا إذَا ارْتَشَى أَيْ بَعْدَ صِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ سَوَاءٌ ارْتَشَى ثُمَّ قَضَى أَوْ قَضَى ثُمَّ ارْتَشَى كَمَا فِي الْفَتْحِ. فَحَكَى فِي الْعِمَادِيَّةِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قِيلَ: إنَّ قَضَاءَهُ نَافِذٌ فِيمَا ارْتَشَى فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ وَقِيلَ: لَا يَنْفُذُ فِيهِ وَيَنْفُذُ فِيمَا سِوَاهُ، وَاخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ وَقِيلَ لَا يَنْفُذُ فِيهِمَا وَالْأَوَّلُ اخْتَارَهُ الْبَزْدَوِيُّ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ أَمْرِ الرِّشْوَةِ فِيمَا إذَا قَضَى بِحَقٍّ إيجَابُ فِسْقِهِ، وَقَدْ فَرَضَ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْعَزْلَ فَوِلَايَتُهُ قَائِمَةٌ وَقَضَاؤُهُ بِحَقٍّ فَلِمَ لَا يَنْفُذُ وَخُصُوصُ هَذَا الْفِسْقِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ، وَغَايَةُ مَا وُجِّهَ أَنَّهُ إذَا ارْتَشَى عَامِلٌ لِنَفْسِهِ مَعْنًى وَالْقَضَاءُ عَمَلٌ لِلَّهِ تَعَالَى اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَوْنَ خُصُوصِ هَذَا الْفِسْقِ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ مَمْنُوعٌ، وَبَلْ يُؤَثِّرُ بِمُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ عَمَلًا لِنَفْسِهِ، وَبِهَذَا يَتَرَجَّحُ وَمَا اخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا ارْتَشَى لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارْتَشَى فِيهِ اهـ. قُلْت حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ مَنْقُوضَةٌ بِمَا اخْتَارَهُ الْبَزْدَوِيُّ، وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْفَتْحِ وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ لِلضَّرُورَةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَإِلَّا بَطَلَتْ جَمِيعُ الْقَضَايَا الْوَاقِعَةِ الْآنَ؛ لِأَنَّهُ لَا تَخْلُو قَضِيَّةٌ عَنْ أَخْذِ الْقَاضِي الرِّشْوَةَ الْمُسَمَّاةَ بِالْمَحْصُولِ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ فَيَلْزَمُ تَعْطِيلُ الْأَحْكَامِ، وَقَدْ مَرَّ عَنْ صَاحِبِ النَّهْرِ فِي تَرْجِيحِ أَنَّ الْفَاسِقَ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ أَنَّهُ لَوْ اعْتَبَرَ الْعَدَالَةَ لَانْسَدَّ بَابُ الْقَضَاءِ فَكَذَا يُقَالُ هُنَا وَانْظُرْ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي أَوَّلِ بَابِ التَّحْكِيمِ وَفِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى قَالَ شَيْخُنَا وَإِمَامُنَا جَمَالُ الدِّينِ الْبَزْدَوِيُّ أَنَا مُتَحَيِّرٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا أَقْدِرُ أَنْ أَقُولَ تَنْفِيذُ أَحْكَامِهِمْ لِمَا أَرَى مِنْ التَّخْلِيطِ وَالْجَهْلِ وَالْجَرَاءَةِ فِيهِمْ، وَلَا أَقْدِرُ أَنْ أَقُولَ لَا تَنْفِيذَ؛ لِأَنَّ أَهْلَ زَمَانِنَا كَذَلِكَ فَلَوْ كَذَلِكَ فَلَوْ أَفْتَيْت بِالْبُطْلَانِ أَدَّى إلَى إبْطَالِ الْأَحْكَامِ جَمِيعًا يَحْكُمُ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قُضَاةِ زَمَانِنَا أَفْسَدُوا عَلَيْنَا دِينَنَا، وَشَرِيعَةَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلَّا الِاسْمُ وَالرَّسْمُ اهـ، هَذَا فِي قُضَاةِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، فَمَا بَالُك فِي قُضَاةِ زَمَانِنَا فَإِنَّهُمْ زَادُوا عَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ بِاعْتِقَادِهِمْ حِلَّ مَا يَأْخُذُونَهُ مِنْ الْمَحْصُولِ بِزَعْمِهِمْ الْفَاسِدِ أَنَّ السُّلْطَانَ يَأْذَنُ لَهُمْ بِذَلِكَ، وَسَمِعْت مِنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمَوْلَى أَبَا السُّعُودِ أَفْتَى بِذَلِكَ، وَأَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ افْتِرَاءٌ عَلَيْهِ وَانْظُرْ مَا سَنَذْكُرُهُ قُبَيْلَ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ إلَخْ) أَيْ مِنْ قِسْمِ أَخْذِ الْقَضَاءِ بِالرِّشْوَةِ وَهَذَا يُسَمَّى الْآنَ مُقَاطَعَةً وَالْتِزَامًا بِأَنْ يَكُونَ عَلَى رَجُلٍ قَضَاءُ نَاحِيَةٍ فَيَدْفَعُ لَهُ آخَرُ شَيْئًا مَعْلُومًا مَا لِيَقْضِيَ فِيهَا وَيَسْتَقِلَّ بِجَمِيعِ مَا يُحَصِّلُهُ وَمِنْ الْمَحْصُولِ لِنَفْسِهِ وَذَكَرَ فِي الْخَيْرِيَّةِ فِي شَأْنِهِمْ نَظْمًا يُصَرِّحُ بِكُفْرِهِمْ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْفَتْحِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ شَفَاعَةٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِغَيْرِهِ) كَزِنًا أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا الْمُعْظَمُ) أَيْ مُعْظَمُ مَا يَفْسُقُ بِهِ الْقَاضِي نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: اسْتَحَقَّ الْعَزْلَ) هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا الْبُخَارِيُّونَ وَالسَّمَرْقَنْدِيُّونَ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ عَزْلُهُ ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ، وَقِيلَ: إذَا وَلَّى عَدْلًا ثُمَّ فَسَقَ انْعَزَلَ؛ لِأَنَّ عَدَالَتَهُ مَشْرُوطَةٌ مَعْنًى؛ لِأَنَّ مُوَلِّيَهُ اعْتَمَدَهَا فَيَزُولُ بِزَوَالِهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 363 وَقِيلَ يَنْعَزِلُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ابْنُ الْكَمَالِ وَابْنُ مَلَكٍ. وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ النَّوَادِرِ لَوْ فَسَقَ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ عَمِيَ ثُمَّ صَلُحَ أَوْ أَبْصَرَ فَهُوَ عَلَى قَضَائِهِ وَأَمَّا إنْ قَضَى فِي فِسْقِهِ وَنَحْوِهِ فَبَاطِلٌ وَاعْتَمَدَهُ فِي الْبَحْرِ وَفِي الْفَتْحِ اتَّفَقُوا فِي الْإِمَارَةِ وَالسَّلْطَنَةِ عَلَى عَدَمِ الِانْعِزَالِ بِالْفِسْقِ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ لَكِنْ فِي أَوَّلِ دَعْوَى الْخَانِيَّةِ الْوَالِي كَالْقَاضِي فَلْيُحْفَظْ (وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْثُوقًا بِهِ فِي عَفَافِهِ وَعَقْلِهِ وَصَلَاحِهِ وَفَهْمِهِ وَعِلْمِهِ بِالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ وَوُجُوهِ الْفِقْهِ)   [رد المحتار] وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ وِلَايَتِهِ لِصَلَاحِيَّتِهِ تَقْيِيدُهَا بِهِ عَلَى وَجْهٍ تَزُولُ بِزَوَالِهِ فَتْحٌ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَنْعَزِلُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ وَهُوَ غَرِيبٌ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ صَلُحَ) أَيْ بِالطَّاعَةِ أَوْ الْإِسْلَامِ ط. (قَوْلُهُ: فَهُوَ عَلَى قَضَائِهِ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَرْبَعُ خِصَالٍ: إذَا حَلَّتْ بِالْقَاضِي يُعْزَلُ فَوَاتُ السَّمْعِ أَوْ الْبَصَرِ أَوْ الْعَقْلِ أَوْ الدِّينِ اهـ لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالرِّدَّةِ فَإِنَّ الْمُكَفِّرَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْقَضَاءِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ وَبِهِ عَلِمْت أَنَّ مَا مَرَّ عَلَى خِلَافِ الْمُفْتَى بِهِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إذَا ارْتَدَّ أَوْ فَسَقَ ثُمَّ صَلُحَ فَهُوَ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ الِارْتِدَادَ فِسْقٌ، وَبِنَفْسِ الْفِسْقِ لَا يَنْعَزِلُ إلَّا أَنَّ مَا قَضَى فِي حَالِ الرِّدَّةِ بَاطِلٌ اهـ. قُلْت: وَظَاهِرُ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّ مَا قَضَاهُ فِي حَالِ الْفِسْقِ نَافِذٌ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْفِسْقِ فِي عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ الْفِسْقُ بِالرِّشْوَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَاعْتَمَدَهُ فِي الْبَحْرِ) فِيهِ أَنَّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ فِي الْبَحْرِ هُوَ قَوْلُهُ فَصَارَ الْحَاصِلُ: أَنَّهُ إذَا فَسَقَ لَا يَنْعَزِلُ وَتَنْفُذُ قَضَايَاهُ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ هِيَ مَا إذَا فَسَقَ بِالرِّشْوَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ فِي الْحَادِثَةِ الَّتِي أَخَذَ بِسَبَبِهَا قَالَ وَذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ أَنَّ مَنْ قَالَ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْعَزْلَ قَالَ بِصِحَّةِ أَحْكَامِهِ وَمَنْ قَالَ بِعَزْلِهِ قَالَ بِبُطْلَانِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي أَوَّلِ دَعْوَى الْخَانِيَّةِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ كَمَا فِي الْبَحْرِ: وَالْوَالِي إذَا فَسَقَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ وَلَا يَنْعَزِلُ اهـ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا لَا يُخَالِفُ مَا فِي الْفَتْحِ فَافْهَمْ. مَطْلَبُ السُّلْطَانِ يَصِيرُ سُلْطَانًا بِأَمْرَيْنِ نَعَمْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَيْضًا مِنْ الرِّدَّةِ أَنَّ السُّلْطَانَ يَصِيرُ سُلْطَانًا بِأَمْرَيْنِ: بِالْمُبَايَعَةِ مَعَهُ مِنْ الْأَشْرَافِ وَالْأَعْيَانِ وَبِأَنْ يَنْفُذَ حُكْمُهُ عَلَى رَعِيَّتِهِ خَوْفًا مِنْ قَهْرِهِ، فَإِنْ بُويِعَ وَلَمْ يَنْفُذْ فِيهِمْ حُكْمُهُ لِعَجْزِهِ عَنْ قَهْرِهِمْ لَا يَصِيرُ سُلْطَانًا فَإِذَا صَارَ سُلْطَانًا بِالْمُبَايَعَةِ فَجَازَ إنْ كَانَ لَهُ قَهْرٌ وَغَلَبَةٌ لَا يَنْعَزِلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْعَزَلَ يَصِيرُ سُلْطَانًا بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ فَلَا يُفِيدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَهْرٌ وَغَلَبَةٌ يَنْعَزِلُ اهـ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ الِاسْتِدْرَاكَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ الثَّانِيَةِ لِيُفِيدَ حَمْلَ مَا فِي الْفَتْحِ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهُ قَهْرٌ وَغَلَبَةٌ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إلَخْ) وَيَكُونُ شَدِيدًا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مِنْ أَهَمِّ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَعْرَفَ وَأَقْدَرَ وَأَوْجَهَ وَأَهْيَبَ، وَأَصْبَرَ عَلَى مَا يُصِيبُهُ مِنْ النَّاسِ كَانَ أَوْلَى وَيَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَتَفَحَّصَ فِي ذَلِكَ وَيُوَلِّيَ مَنْ هُوَ أَوْلَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَلَّدَ إنْسَانًا عَمَلًا وَفِي رَعِيَّتِهِ مَنْ هُوَ أَوْلَى فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ» بَحْرٌ وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ فَقَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي بِمَعْنَى يُطْلَبُ أَيْ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ صِفَتُهُ هَكَذَا وَقَوْلُهُ: كَانَ أَوْلَى أَيْ أَحَقَّ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى إثْمِ السُّلْطَانِ بِتَوْلِيَتِهِ غَيْرَ الْأَوْلَى فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ فِي تَفْسِيرِ الصَّلَاحِ وَالصَّالِحِ. (قَوْلُهُ: مَوْثُوقًا بِهِ) أَيْ مُؤْتَمَنًا مِنْ وَثِقْت بِهِ أَثِقُ بِكَسْرِهِمَا ثِقَةً وَوُثُوقًا ائْتَمَنْته وَالْعَفَافُ وَالْكَفُّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَخَوَارِمِ الْمُرُوءَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْوُثُوقِ بِعَقْلِهِ كَوْنُهُ كَامِلَةً، فَلَا يُوَلِّي الْأَخَفَّ وَهُوَ نَاقِصُ الْعَقْلِ وَالصَّلَاحِ خِلَافَ الْفَسَادِ وَفَسَّرَ الْخَصَّافُ الصَّالِحَ بِمَنْ كَانَ مَسْتُورًا غَيْرَ مَهْتُوكٍ، وَلَا صَاحِبَ رِيبَةٍ مُسْتَقِيمَ الطَّرِيقَةِ سَلِيمَ النَّاحِيَةِ كَامِنَ الْأَذَى قَلِيلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 364 (وَالِاجْتِهَادُ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ) لِتَعَذُّرِهِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ خُلُوُّ الزَّمَنِ عَنْهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ نَهْرٌ فَصَحَّ تَوْلِيَتُهُ الْعَامِّيِّ ابْنُ كَمَالٍ وَيَحْكُمُ بِفَتْوَى غَيْرِهِ لَكِنْ فِي إيمَانِ الْبَزَّازِيَّةِ الْمُفْتِي يُفْتِي بِالدِّيَانَةِ وَالْقَاضِي يَقْضِي بِالظَّاهِرِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْجَاهِلَ لَا يُمْكِنُهُ الْقَضَاءُ بِالْفَتْوَى أَيْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْحَاكِمِ فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ عَالِمًا دِينًا   [رد المحتار] السُّوءِ، لَيْسَ بِمُعَاقِرٍ لِلنَّبِيذِ وَلَا يُنَادِمُ عَلَيْهِ الرِّجَالَ وَلَيْسَ بِقَذَّافٍ لِلْمُحْصَنَاتِ، وَلَا مَعْرُوفًا بِالْكَذِبِ فَهَذَا عِنْدَنَا مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ اهـ وَالْمُرَادُ بِعِلْمِ السُّنَّةِ مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا وَفِعْلًا وَتَقْرِيرًا عِنْدَ أَمْرٍ يُعَانِيهِ وَبِوُجُوهِ الْفِقْهِ طُرُقُهُ بَحْرٌ مُلَخَّصًا وَالْأَثَرُ كَمَا قَالَ السَّخَاوِيُّ لُغَةً: الْبَقِيَّةُ، وَاصْطِلَاحًا: الْأَحَادِيثُ مَرْفُوعَةً أَوْ مَوْقُوفَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَإِنْ قَصَرَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى الثَّانِي. [مَطْلَبٌ فِي الِاجْتِهَادِ وَشُرُوطِهِ] ِ (قَوْلُهُ: وَالِاجْتِهَادُ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ) هُوَ لُغَةً بَذْلُ الْمَجْهُولِ فِي تَحْصِيلِ ذِي كُلْفَةٍ وَعُرْفًا ذَلِكَ مِنْ الْفَقِيهِ فِي تَحْصِيلِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ وَمَعْنَى بَذْلِ الطَّاقَةِ أَنْ يُحِسَّ مِنْ نَفْسِهِ الْعَجْزَ عَنْ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَشُرُوطُهُ الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَكَوْنُهُ فَقِيهَ النَّفْسِ أَيْ شَدِيدَ الْفَهْمِ بِالطَّبْعِ وَعِلْمُهُ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَكَوْنُهُ حَاوِيًا لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ وَعَالِمًا بِالْحَدِيثِ مَتْنًا وَسَنَدًا وَنَاسِخًا وَمَنْسُوخًا وَبِالْقِيَاسِ وَهَذِهِ الشَّرَائِطُ فِي الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ الَّذِي يُفْتِي فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَأَمَّا الْمُجْتَهِدُ فِي حُكْمٍ دُونَ حُكْمٍ فَعَلَيْهِ مَعْرِفَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ الْحُكْمِ مَثَلًا كَالِاجْتِهَادِ فِي حُكْمٍ مُتَعَلِّقٍ بِالصَّلَاةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ جَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ اهـ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا الِاجْتِهَادُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: لِتَعَذُّرِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ مُتَعَذِّرُ الْوُجُودِ فِي كُلِّ زَمَنٍ، وَفِي كُلِّ بَلَدٍ فَكَانَ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إنْ وُجِدَ فَهُوَ الْأَوْلَى بِالتَّوْلِيَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ قُلْنَا بِالتَّعَذُّرِ فِي كُلِّ زَمَنٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْأَكْثَرِ) خِلَافًا لِمَا قِيلَ إنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْهُ زَمَنٌ وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ. (قَوْلُهُ: فَصَحَّ تَوْلِيَتُهُ الْعَامِّيَّ) الْأَوْلَى فِي التَّفْرِيعِ أَنْ يُقَالَ: فَصَحَّ تَوْلِيَةُ الْمُقَلِّدِ؛ لِأَنَّهُ مُقَابِلُ الْمُجْتَهِدِ ثُمَّ إنَّ الْمُقَلِّدَ يَشْمَلُ الْعَامِّيَّ، وَمَنْ لَهُ تَأَهُّلٌ فِي الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ، وَعَيَّنَ ابْنُ الْغَرْسِ الثَّانِيَ قَالَ وَأَقَلُّهُ أَنْ يُحْسِنَ بَعْضَ الْحَوَادِثِ، وَالْمَسَائِلِ الدَّقِيقَةِ وَأَنْ يَعْرِفَ طَرِيقَ تَحْصِيلِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ، وَصُدُورِ الْمَشَايِخِ وَكَيْفِيَّةَ الْإِيرَادِ، وَالْإِصْدَارِ فِي الْوَقَائِعِ وَالدَّعَاوَى وَالْحُجَجِ، وَنَازَعَهُ فِي النَّهْرِ وَرَجَّحَ أَنَّ الْمُرَادَ الْجَاعِلُ لِتَعْلِيلِهِمْ بِقَوْلِهِمْ لِأَنَّ إيصَالَ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ يَحْصُلُ بِالْعَمَلِ بِفَتْوَى غَيْرِهِ قَالَ فِي الْحَوَاشِي وَالْيَعْقُوبِيَّةِ: إذْ الْمُحْتَاجُ إلَى فَتْوَى غَيْرِهِ هُوَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ الْمَسَائِلِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَضَبْطِ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ اهـ، وَنَحْوُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِنَايَةِ وَكَذَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْكَمَالِ. قُلْت: وَفِيهِ لِلْبَحْثِ مَجَالٌ فَإِنَّ الْمُفْتِيَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ هُوَ الْمُجْتَهِدُ كَمَا يَأْتِي فَيَصِيرُ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا؛ لِأَنَّهُ يَكْفِيهِ الْعَمَلُ بِاجْتِهَادِ غَيْرِهِ: وَلَا يَلْزَمُ وَمِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ عَامِّيًّا لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ الِاجْتِهَادَ كَمَا تَعَذَّرَ فِي الْقَاضِي تَعَذَّرَ فِي الْمُفْتِي الْآنَ فَإِذَا احْتَاجَ إلَى السُّؤَالِ عَمَّنْ يَنْقُلُ الْحُكْمَ، وَمِنْ الْكُتُبِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى ذَلِكَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: الْمُفْتِي يُفْتِي بِالدِّيَانَةِ) مَثَلًا إذَا قَالَ رَجُلٌ: قُلْت لِزَوْجَتِي أَنْتِ طَالِقٌ قَاصِدًا بِذَلِكَ الْإِخْبَارَ كَاذِبًا فَإِنَّ الْمُفْتِيَ يُفْتِيهِ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ وَالْقَاضِي يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْوُقُوعِ؛ لِأَنَّهُ يَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ، فَإِذَا كَانَ الْقَاضِي يَحْكُمُ بِالْفَتْوَى يَلْزَمُ بُطْلَانُ حُكْمِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقَضَاءُ بِالْفَتْوَى فِي كُلِّ حَادِثَةٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ إذَا سَأَلَ الْمُفْتِيَ عَنْ هَذِهِ الْحَادِثَةِ لَا يُفْتِيهِ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَأَلَهُ عَمَّا يَحْكُمُ بِهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ حُكْمَ الْقَضَاءِ فَعُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ يَحْكُمُ بِفَتْوَى غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ) أَيْ وَفِي الْأَمْوَالِ لَكِنْ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِمَا الِاسْتِبَاحَةُ بِوَجْهٍ بِخِلَافِ الْمَالِ وَلِقَصْدِ التَّمْوِيلِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ الَّذِي مَجْرَى أَحْكَامِهِ فِي ذَلِكَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا دِينًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 365 كَالْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ وَأَيْنَ الْكِبْرِيتُ الْأَحْمَرُ وَأَيْنَ الْعِلْمُ (وَمِثْلُهُ) فِيمَا ذَكَرَ (الْمُفْتِي) وَهُوَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ الْمُجْتَهِدُ أَمَّا مَنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ الْمُجْتَهِدِ فَلَيْسَ بِمُفْتٍ وَفَتْوَاهُ لَيْسَ بِفَتْوَى بَلْ هُوَ نَقْلُ كَلَامٍ كَمَا بَسَطَهُ ابْنُ الْهُمَامِ (وَلَا يَطْلُبُ الْقَضَاءَ) بِقَلْبِهِ (وَلَا يَسْأَلُهُ بِلِسَانِهِ) فِي الْخُلَاصَةِ طَالِبُ الْوِلَايَةِ لَا يُوَلَّى إلَّا إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ   [رد المحتار] قَوْلُهُ: كَالْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ) مَعْدِنٌ عَزِيزُ الْوُجُودِ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ أَوْ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. (قَوْلُهُ: وَأَيْنَ الْعِلْمُ) عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ وَأَيْنَ الدِّينُ وَالْعِلْمُ. مَطْلَبُ طَرِيقِ التَّنَقُّلِ عَنْ الْمُجْتَهِدِ. (قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ نَقْلُ كَلَامٍ) وَطَرِيقُ نَقْلِهِ لِذَلِكَ عَنْ الْمُجْتَهِدِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ سَنَدٌ فِيهِ، أَوْ يَأْخُذَ مِنْ كِتَابٍ مَعْرُوفٍ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي نَحْوُ كُتُبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَنَحْوِهَا مِنْ التَّصَانِيفِ الْمَشْهُورَةِ لِلْمُجْتَهِدِينَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ الْمَشْهُورِ هَكَذَا ذَكَرَ الرَّازِيّ، فَعَلَى هَذَا لَوْ وُجِدَ بَعْضُ نُسَخِ النَّوَادِرِ فِي زَمَانِنَا لَا يَحِلُّ عَزْوُ مَا فِيهَا إلَى مُحَمَّدٍ وَلَا إلَى أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْتَهَرْ فِي عَصْرِنَا فِي دِيَارِنَا وَلَمْ تُتَدَاوَلْ. نَعَمْ إذَا وُجِدَ النَّقْلُ عَنْ النَّوَادِرِ مَثَلًا فِي كِتَابٍ مَشْهُورٍ مَعْرُوفٍ كَالْهِدَايَةِ وَالْمَبْسُوطِ كَانَ ذَلِكَ تَعْوِيلًا عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابِ فَتْحٌ. وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ. قُلْت: يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَجُوزَ الْآنَ النَّقْلُ مِنْ أَكْثَرِ الْكُتُبِ الْمُطَوَّلَةِ وَمِنْ الشُّرُوحِ، أَوْ الْفَتَاوَى الْمَشْهُورَةِ أَسْمَاؤُهَا لَكِنَّهَا لَمْ تَتَدَاوَلْهَا الْأَيْدِي حَتَّى صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ الْمَشْهُورَةِ لِكَوْنِهَا لَا تُوجَدُ إلَّا فِي بَعْضِ الْمَدَارِسِ أَوْ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ كَالْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ، وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ التَّوَاتُرُ بَلْ يَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ بِكَوْنِ ذَلِكَ الْكِتَابِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِذَلِكَ الِاسْمِ بِأَنْ وَجَدَ الْعُلَمَاءَ يَنْقُلُونَ عَنْهُ، وَرَأَى مَا نَقَلُوهُ عَنْهُ مَوْجُودًا فِيهِ أَوْ وُجِدَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ نُسْخَةٍ، فَإِنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ هُوَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ سَنَدٌ فِيهِ أَيْ فِيمَا يَنْقُلُهُ وَالسَّنَدُ لَا يَلْزَمُ تَوَاتُرُهُ وَلَا شُهْرَتُهُ، وَأَيْضًا قَدَّمْنَا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ أَمْرٌ يَكْتُبُ فِيهِ إلَى فُقَهَاءِ مِصْرٍ آخَرَ وَأَنَّ الْمُشَاوَرَةَ بِالْكِتَابِ سُنَّةٌ قَدِيمَةٌ فِي الْحَوَادِثِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ احْتِمَالَ التَّزْوِيرِ فِي هَذَا الْكِتَابِ الْيَسِيرِ أَكْثَرُ مِنْ احْتِمَالِهِ فِي شَرْحٍ كَبِيرٍ بِخَطٍّ قَدِيمٍ، وَلَا سِيَّمَا إذَا رَأَى عَلَيْهِ خَطَّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، فَيَتَعَيَّنُ الِاكْتِفَاءُ بِغَلَبِهِ الظَّنِّ، لِئَلَّا يَلْزَمَ هَجْرُ مُعْظَمِ كُتُبِ الشَّرِيعَةِ مِنْ فِقْهٍ وَغَيْرِهِ وَلَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ زَمَانِنَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَطْلُبُ الْقَضَاءَ) لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَأَلَ الْقَضَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ يَنْزِلُ إلَيْهِ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ» وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ فَإِنَّك إنْ أُوتِيتهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْت إلَيْهَا وَإِنْ أُوتِيتهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْت عَلَيْهَا» وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ لَا يَحِلَّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ وُقُوعُ الْفَسَادِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَخْذُولٌ فَتْحٌ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: بِقَلْبِهِ) أَرَادَ بِهَذَا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الطَّلَبِ وَالسُّؤَالِ فَالْأَوَّلُ لِلْقَلْبِ وَالثَّانِي لِلِّسَانِ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: فِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ كَمَا لَا يَحِلُّ الطَّلَبُ لَا تَحِلُّ التَّوْلِيَةُ كَمَا فِي النَّهْرِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْقَضَاءِ بَلْ كُلُّ وِلَايَةٍ وَلَوْ خَاصَّةً كَوِلَايَةٍ عَلَى وَقْفٍ أَوْ يَتِيمٍ فَهِيَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِمَّا فِي الْمَتْنِ وَمِمَّا فِي الْخُلَاصَةِ، أَمَّا إذَا تَعَيَّنَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ غَيْرُهُ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَبُ صِيَانَةً لِحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ، وَدَفْعًا لِظُلْمِ الظَّالِمِينَ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا تَعَيَّنَ، وَلَمْ يُوَلَّ إلَّا بِمَالٍ هَلْ يَحِلُّ بَذْلُهُ وَكَذَا لَمْ أَرَ جَوَازَ عَزْلِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ بَذْلُهُ لِلْمَالِ كَمَا حَلَّ طَلَبُهُ وَأَنْ يَحْرُمَ عَزْلُهُ حَيْثُ تَعَيَّنَ، وَأَنْ لَا يَصِحَّ بَحْرٌ قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا ظَاهِرٌ فِي صِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي قَوْلَهُ: وَلَوْ أَخَذَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا بِرَدِّهِ وَأَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ عَزْلِهِ فَمَمْنُوعٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَعْزِلَ الْقَاضِيَ بِرِيبَةٍ، وَبِلَا رِيبَةٍ وَلَا يَنْعَزِلُ حَتَّى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 366 أَوْ كَانَتْ التَّوْلِيَةُ مَشْرُوطَةً لَهُ أَوْ ادَّعَى أَنَّ الْعَزْلَ مِنْ الْقَاضِي الْأَوَّلِ بِغَيْرِ جُنْحَةٍ نَهْرٌ قَالَ: وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ طَلَبَ الْقَضَاءِ لِخَامِلِ الذِّكْرِ لِنَشْرِ الْعِلْمِ (وَيَخْتَارُ) الْمُقَلِّدُ (الْأَقْدَرَ وَالْأَوْلَى بِهِ وَلَا يَكُونُ فَظًّا غَلِيظًا جَبَّارًا عَنِيدًا) لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي إطْلَاقِ اسْمِ خَلِيفَةِ اللَّهِ خِلَافٌ تَتَارْخَانِيَّةٌ. (وَكُرِهَ) تَحْرِيمًا (التَّقَلُّدُ) أَيْ أَخْذُ الْقَضَاءِ (لِمَنْ خَافَ الْحَيْفَ) أَيْ الظُّلْمَ (أَوْ الْعَجْزَ) يَكْفِي أَحَدُهُمَا فِي الْكَرَاهَةِ ابْنُ كَمَالٍ (وَإِنْ تَعَيَّنَ لَهُ أَوْ أَمِنَهُ لَا) يُكْرَهُ فَتْحٌ ثُمَّ إنْ انْحَصَرَ فُرِضَ عَيْنًا وَإِلَّا كِفَايَةً بَحْرٌ   [رد المحتار] يَبْلُغَهُ الْعَزْلُ اهـ، نَعَمْ لَوْ قِيلَ لَا يَحِلُّ عَزْلُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَبْعُدْ كَالْوَصِيِّ الْعَدْلِ اهـ. قُلْت: وَأَيْضًا حَيْثُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ بِالسُّؤَالِ فَإِذَا مَنَعَهُ السُّلْطَانُ أَثِمَ بِالْمَنْعِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا مَنَعَ الْأَوْلَى وَوَلَّى غَيْرَهُ يَكُونُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ، وَإِذَا مَنَعَهُ لَمْ يَبْقَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَبِأَيِّ وَجْهٍ يَحِلُّ لَهُ دَفْعُ الرِّشْوَةِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: إنَّ فَرْضِيَّةَ الْحَجِّ تَسْقُطُ بِدَفْعِ الرِّشْوَةِ إلَى الْأَعْرَابِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِهِ فَهَذَا أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا صِحَّةُ عَزْلِهِ فَظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْ السُّلْطَانِ وَإِثْمُهُ بِعَزْلِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ صِحَّةِ الْعَزْلِ كَالْوَصِيِّ الْعَدْلِ الْمَنْصُوبِ وَمِنْ جِهَةِ الْقَاضِي، وَأَمَّا الْمَنْصُوصُ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ، فَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ صِحَّةِ عَزْلِهِ لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ أَنَّ الْوَصِيَّ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي عَزْلُهُ وَأَمَّا الْقَاضِي فَهُوَ خَلِيفَةٌ عَنْ السُّلْطَانِ وَوِلَايَتُهُ مُسْتَمَدَّةٌ مِنْهُ فَلَهُ عَزْلُهُ كَوَصِيِّ الْقَاضِي هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ التَّوْلِيَةُ مَشْرُوطَةً لَهُ) ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَطْلُبُ تَنْفِيذَ شَرْطِ الْوَاقِفِ اهـ. قُلْت: وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ طَالِبًا مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُوَلِّيَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلٍّ بِالشَّرْطِ، بَلْ يُرِيدُ إثْبَاتَ ذَلِكَ فِي وَجْهِ مَنْ يُعَارِضُهُ وَمِثْلُهُ وَصِيُّ الْمَيِّتِ إذَا أَرَادَ إثْبَاتَ وِصَايَتِهِ وَبِهَذَا سَقَطَ قَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا تُطْلَبُ التَّوْلِيَةُ عَلَى الْوَقْفِ وَلَوْ كَانَتْ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ لَهُ لِإِطْلَاقِهِمْ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ ادَّعَى إلَخْ) أَيْ فَإِنَّ لَهُ طَلَبَ الْعَوْدِ مِنْ الْقَاضِي الْجَدِيدِ وَحِينَ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي: أَثْبِتْ أَنَّك أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ ثُمَّ يُوَلِّيهِ نَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: لِخَامِلِ الذِّكْرِ) وَهُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ غَيْرُ الْمَشْهُورِ. (قَوْلُهُ: وَيَخْتَارُ الْمُقَلِّدُ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَقَدَّمْنَا قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَشَرْطُ أَهْلِيَّتِهَا عَنْ الْفَتْحِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّقْلِيدِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الِاخْتِيَارَ وَاجِبٌ لِئَلَّا يَكُونَ خَائِنًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَعَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ فَظًّا إلَخْ) الْفَظُّ هُوَ الْجَافِي سَيِّئُ الْخُلُقِ وَالْغَلِيظُ قَاسِي الْقَلْبِ وَالْجَبَّارُ مَنْ جَبَرَهُ عَلَى الْأَمْرِ بِمَعْنَى أَجْبَرَهُ أَيْ لَا يُجْبِرُ غَيْرَهُ عَلَى مَا لَا يُرِيدُ وَالْعَنِيدُ الْمُعَانِدُ الْمُجَانِبُ لِلْحَقِّ الْمُعَادِي لِأَهْلِهِ بَحْرٌ عَنْ مِسْكِينٍ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ فِي إمْضَاءِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ. (قَوْلُهُ: أَيْ أَخْذُ الْقَضَاءِ) هَذَا يُنَاسِبُ كَوْنَ الْعِبَارَةِ التَّقَلُّدَ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهُمَا نُسْخَتَانِ أَيْ فِي الْكَنْزِ التَّقْلِيدُ أَيْ النَّصْبُ مِنْ السُّلْطَانِ وَالتَّقَلُّدُ أَيْ قَبُولُ تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ وَهِيَ الْأَوْلَى اهـ، وَهِيَ الَّتِي شَرَحَ عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ وَقَالَ أَيْضًا إنَّهَا أَوْلَى قُلْت: وَيُمْكِنُ إرْجَاعُ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ قَبُولُ التَّقْلِيدِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ أَيْ أَخْذُ الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ: لِمَنْ خَافَ الْحَيْفَ) فَلَوْ كَانَ غَالِبُ ظَنِّهِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْحُكْمِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَرَامًا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ الْعَجْزَ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْعَجْزَ عَنْ سَمَاعِ دَعَاوَى كُلِّ الْخُصُومِ بِأَنْ قَدَرَ عَلَى الْبَعْضِ فَقَطْ وَأَنْ يُرَادَ الْعَجْزُ عَنْ الْقِيَامِ بِوَاجِبَاتِهِ وَمِنْ إظْهَارِ الْحَقِّ وَعَدَمِ أَخْذِهِ الرِّشْوَةَ فَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ مُبَايِنٌ وَعَلَى الثَّانِي أَعَمُّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: ابْنُ كَمَالٍ) أَيْ نَقْلًا عَنْ الْقُدُورِيِّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَعَيَّنَ لَهُ) أَيْ مَعَ خَوْفِ الْحَيْفِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مَا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ فَإِنْ انْحَصَرَ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ ضَبْطُ نَفْسِهِ إلَّا إذَا كَانَ السُّلْطَانُ يُمْكِنُ أَنْ يَفْصِلَ الْخُصُومَاتِ وَيَتَفَرَّغَ لِذَلِكَ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 367 (وَالتَّقَلُّدُ رُخْصَةٌ) أَيْ مُبَاحٌ (وَالتَّرْكُ عَزِيمَةٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ) بَزَّازِيَّةٌ فَالْأَوْلَى عَدَمُهُ (وَيَحْرُمُ عَلَى غَيْرِ الْأَهْلِ الدُّخُولُ فِيهِ قَطْعًا) مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ فِي الْحُرْمَةِ فَفِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ (وَيَجُوزُ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ وَالْجَائِرِ) وَلَوْ كَافِرًا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ وَغَيْرُهُ إلَّا إذَا كَانَ يَمْنَعُهُ عَنْ الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ فَيَحْرُمُ وَلَوْ فَقَدَ وَالٍ لِغَلَبَةِ كُفَّارٍ وَجَبَ عَلَى   [رد المحتار] مَطْلَبُ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، وَقَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهِ عَنْ ابْنِ الْغَرْسِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَحَاكِمٌ قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَفِي النَّوَازِلِ: أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ وَفِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ يَنْفُذُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ يَنْفُذُ وَهَذَا أَصَحُّ وَبِهِ يُفْتَى اهـ. [تَنْبِيهٌ] لَوْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ هَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ لَوْ امْتَنَعَ قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَمْ أَرَهُ وَالظَّاهِرُ نَعَمْ وَكَذَا جَوَازُ جَبْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَهِّلِينَ اهـ لَكِنْ صَرَّحَ فِي الِاخْتِيَارِ بِأَنَّ مَنْ تَعَيَّنَ لَهُ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ وَلَوْ امْتَنَعَ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّقَلُّدُ) أَيْ الدُّخُولُ فِيهِ عِنْدَ الْأَمْنِ وَعَدَمِ التَّعَيُّنِ. مَطْلَبُ مَا كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ يَكُونُ أَدْنَى فِعْلِهِ النَّدْبَ. (قَوْلُهُ: وَالتَّرْكُ عَزِيمَةٌ إلَخْ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ النِّهَايَةِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْفَتْحِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْغَالِبَ خَطَأٌ ظَنَّ مَنْ ظَنَّ مِنْ نَفْسِهِ الِاعْتِدَالَ، فَيَظْهَرُ مِنْهُ خِلَافُهُ، وَقِيلَ: وَإِنَّ الدُّخُولَ فِيهِ عَزِيمَةٌ وَالِامْتِنَاعُ رُخْصَةٌ، فَالْأَوْلَى الدُّخُولُ فِيهِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ كَانَ الدُّخُولُ فِيهِ مَنْدُوبًا لِمَا أَنَّ أَدْنَيْ دَرَجَاتِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ النَّدْبُ كَمَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَنَحْوِهَا قُلْنَا نَعَمْ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ فِيهِ خَطَرًا عَظِيمًا، وَأَمْرًا مَخُوفًا لَا يَسْلَمُ فِي بَحْرِهِ كُلُّ سَابِحٍ، وَلَا يَنْجُو مِنْهُ كُلُّ طَامِحٍ إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ عَزِيزٌ وُجُودُهُ. مَطْلَبُ أَبُو حَنِيفَةَ دُعِيَ إلَى الْقَضَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَبَى أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ دُعِيَ إلَى الْقَضَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَبَى حَتَّى ضُرِبَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ثَلَاثِينَ سَوْطًا، فَلَمَّا كَانَ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ قَالَ حَتَّى أَسْتَشِيرَ أَصْحَابِي، فَاسْتَشَارَ أَبَا يُوسُفَ فَقَالَ لَوْ تَقَلَّدْت لَنَفَعْتَ النَّاسَ فَنَظَرَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَظَرَ الْمُغْضَبِ، وَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أُمِرْت أَنْ أَعْبُرَ الْبَحْرَ سِبَاحَةً أَكُنْت أَقْدِرُ عَلَيْهِ وَكَأَنِّي بِك قَاضِيًا، وَكَذَا دُعِيَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى الْقَضَاءِ فَأَبَى حَتَّى قُيِّدَ وَحُبِسَ وَاضْطُرَّ فَتَقَلَّدَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ عَلَى غَيْرِ الْأَهْلِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَهْلِ هُنَا مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ: وَأَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ وَلَوْ فَاسِقًا أَوْ جَائِرًا أَوْ جَاهِلًا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ حِلِّهِ أَوْ حُرْمَتِهِ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْثُوقًا بِهِ فِي عَفَافِهِ وَعَقْلِهِ إلَخْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْجَاهِلُ تَأَمَّلْ. وَفِي الْفَتْحِ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: اثْنَانِ فِي النَّارِ وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ رَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَلَمْ يَقْضِ وَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ لَمْ يَعْرِفْ الْحَقَّ فَقَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ» . (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ وَالْجَائِرِ) أَيْ الظَّالِمِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي اخْتِصَاصِ تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ بِالسُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ كَالْخَلِيفَةِ، حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلْدَةٍ عَلَى تَوْلِيَةِ وَاحِدٍ الْقَضَاءَ لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَلَّوْا سُلْطَانًا بَعْدَ مَوْتِ سُلْطَانِهِمْ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ نَهْرٌ وَتَمَامُهُ فِيهِ. قُلْت: وَهَذَا حَيْثُ لَا ضَرُورَةَ وَإِلَّا فَلَهُمْ تَوْلِيَةُ الْقَاضِي أَيْضًا كَمَا يَأْتِي بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَافِرًا) فِي التَّتَارْخَانِيَّة الْإِسْلَامُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ أَيْ فِي السُّلْطَانِ الَّذِي يُقَلَّدُ، وَبِلَادُ الْإِسْلَامِ الَّتِي فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ لَا شَكَّ أَنَّهَا بِلَادُ الْإِسْلَامِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 368 الْمُسْلِمِينَ تَعْيِينُ وَالٍ وَإِمَامٍ لِلْجُمُعَةِ فَتْحٌ (وَمِنْ) سُلْطَانِ الْخَوَارِجِ وَ (أَهْلِ الْبَغْيِ) وَإِذَا صَحَّتْ التَّوْلِيَةُ صَحَّ الْعَزْمُ وَإِذَا رُفِعَ قَضَاءُ الْبَاغِي إلَى قَاضِي الْعَدْلِ نَفَّذَهُ، وَقِيلَ لَا وَبِهِ جَزَمَ النَّاصِحِيُّ (فَإِذَا تَقَلَّدَ طَلَبَ دِيوَانَ قَاضٍ قَبْلَهُ) يَعْنِي السِّجِلَّاتِ   [رد المحتار] لَا بِلَادُ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُظْهِرُوا فِيهَا حُكْمَ الْكُفْرِ، وَالْقُضَاةُ مُسْلِمُونَ وَالْمُلُوكُ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُمْ عَنْ ضَرُورَةٍ مُسْلِمُونَ وَلَوْ كَانَتْ عَنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ مِنْهُمْ فَفُسَّاقٌ وَكُلُّ مِصْرٍ فِيهِ وَالٍ مِنْ جِهَتِهِمْ تَجُوزُ فِيهِ إقَامَةُ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَأَخْذُ الْخَرَاجِ وَتَقْلِيدُ الْقُضَاةِ، وَتَزْوِيجُ الْأَيَامَى لِاسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ وَأَمَّا إطَاعَةُ الْكُفْرِ فَذَاكَ مُخَادَعَةٌ، وَأَمَّا بِلَادٌ عَلَيْهَا وُلَاةٌ كُفَّارٌ فَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ إقَامَةُ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَيَصِيرُ الْقَاضِي قَاضِيًا بِتَرَاضِي الْمُسْلِمِينَ، فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَلْتَمِسُوا وَالِيًا مُسْلِمًا مِنْهُمْ اهـ وَعَزَاهُ مِسْكِينٌ فِي شَرْحِهِ إلَى الْأَصْلِ وَنَحْوُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ فِي بِلَادٍ تَغَلَّبَ عَلَيْهَا الْكُفَّارُ وَفِي الْفَتْحِ: وَإِذَا لَمْ يَكُنْ سُلْطَانٌ، وَلَا مَنْ يَجُوزُ التَّقَلُّدُ مِنْهُ كَمَا هُوَ فِي بَعْضِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ غَلَبَ عَلَيْهِمْ الْكُفَّارُ كَقُرْطُبَةَ الْآنَ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَيَجْعَلُونَهُ وَالِيًا فَيُوَلَّى قَاضِيًا وَيَكُونُ هُوَ الَّذِي يَقْضِي بَيْنَهُمْ وَكَذَا يُنَصِّبُوا إمَامًا يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ اهـ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَطْمَئِنُّ النَّفْسُ إلَيْهِ فَلْيُعْتَمَدْ نَهْرٌ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: وَهَذَا إلَى مَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْفَتْحِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ تَقَلُّدِ الْقَضَاءِ مِنْ كَافِرٍ عَلَى خِلَافِ مَا مَرَّ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة، وَلَكِنْ إذَا وَلَّى الْكَافِرُ عَلَيْهِمْ قَاضِيًا وَرَضِيَهُ الْمُسْلِمُونَ صَحَّتْ تَوْلِيَتُهُ بِلَا شُبْهَةٍ تَأَمَّلْ، ثُمَّ إنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبِلَادَ الَّتِي لَيْسَتْ تَحْتَ حُكْمِ سُلْطَانٍ بَلْ لَهُمْ أَمِيرٌ مِنْهُمْ مُسْتَقِلٌّ بِالْحُكْمِ عَلَيْهِمْ بِالتَّغَلُّبِ أَوْ بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَيْهِ يَكُونُ ذَلِكَ الْأَمِيرُ فِي حُكْمِ السُّلْطَانِ فَيَصِحُّ مِنْهُ تَوْلِيَةُ الْقَاضِي عَلَيْهِمْ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ سُلْطَانِ الْخَوَارِجِ وَأَهْلِ الْبَغْيِ) تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي بَابِ الْبُغَاةِ. (قَوْلُهُ: صَحَّ الْعَزْلُ) فَإِذَا وَلَّى سُلْطَانُ الْبُغَاةِ بَاغِيًا وَعَزَلَ الْعَدْلَ، ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ احْتَاجَ قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ إلَى تَجْدِيدِ التَّوْلِيَةِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: نَفَّذَهُ) أَيْ حَيْثُ كَانَ مُوَافِقًا أَوْ مُخْتَلِفًا فِيهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْقُضَاةِ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ، وَيَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ كَانَ مِنْ الْبُغَاةِ فَإِنَّ قَضَايَاهُ تَنْفُذُ كَسَائِرِ فُسَّاقِ أَهْلِ الْعَدْلِ؛ وَلِأَنَّ الْفَاسِقَ يَصْلُحُ قَاضِيًا فِي الْأَصَحِّ، وَذَكَرَ فِي الْفُصُولِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فِيهِ: الْأَوَّلُ مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. الثَّانِي عَدَمُ النَّفَاذِ، فَإِذَا رُفِعَ إلَى الْعَادِلِ لَا يُمْضِيهِ. الثَّالِثُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُحْكَمِ بِمُضِيِّهِ لَوْ وَافَقَ رَأْيَهُ وَإِلَّا أَبْطَلَهُ اهـ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ جَزَمَ النَّاصِحِيُّ) لَكِنْ قَدْ عَلِمْت مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. مَطْلَبٌ فِي الْعَمَلِ بِالسِّجِلَّاتِ وَكُتُبِ الْأَوْقَافِ الْقَدِيمَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا تَقَلَّدَ طَلَبَ دِيوَانَ قَاضٍ قَبْلَهُ) فِي الْقَامُوسِ الدِّيوَانُ وَيُفْتَحُ مُجْتَمَعُ الصُّحُفِ وَالْكِتَابُ يُكْتَبُ فِيهِ أَهْلُ الْجَيْشِ، وَأَهْلُ الْعَطِيَّةِ وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جَمْعُهُ دَوَاوِينُ وَدَيَاوِينُ اهـ فَقَوْلُهُ: مُجْتَمَعُ الصُّحُفِ بِمَعْنَى قَوْلِ الْكَنْزِ، وَهُوَ الْحَوَائِطُ الَّتِي فِيهَا السِّجِلَّاتُ وَالْمُحَاضَرَاتُ وَغَيْرُهَا، وَالْخَرَائِطُ جَمْعُ خَرِيطَةٍ شِبْهُ الْكِيسِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ: يَعْنِي السِّجِلَّاتِ تَفْسِيرٌ بِالْمَعْنَى الثَّانِي، وَقَوْلُ الْبَحْرِ تَبَعًا لِمِسْكِينٍ أَنَّ مَا فِي الْكَنْزِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الدِّيوَانَ نَفْسُ السِّجِلَّاتِ وَالْمَحَاضِرُ لَا الْكِيسُ فِيهِ نَظَرٌ فَافْهَمْ وَالسِّجِلُّ لُغَةً: كِتَابُ الْقَاضِي وَالْمَحَاضِرُ جَمْعُ مَحْضَرٍ وَفِي الدُّرَرِ أَنَّ الْمَحْضَرَ مَا كُتِبَ فِيهِ مَا جَرَى بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ، وَالْحُكْمُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ عَلَى وَجْهٍ يَرْفَعُ الِاشْتِبَاهَ، وَكَذَا السِّجِلُّ وَالصَّكُّ مَا كُتِبَ فِيهِ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ وَالْإِقْرَارُ وَغَيْرُهَا وَالْحُجَّةُ وَالْوَثِيقَةُ؛ يَتَنَاوَلَانِ الثَّلَاثَةَ اهـ، وَالْعُرْفُ الْآنَ مَا كُتِبَ فِي الْوَاقِعَةِ وَبَقِيَ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَيْسَ عَلَيْهِ خَطُّهُ وَالْحُجَّةُ مَا عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْقَاضِي أَعْلَاهُ وَخَطُّ الشَّاهِدِينَ أَسْفَلَهُ وَأُعْطِيَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 369 (وَنَظَرَ فِي حَالِ الْمَحْبُوسِينَ) فِي سِجْنِ الْقَاضِي وَأَمَّا الْمَحْبُوسُونَ فِي سِجْنِ الْوَالِي فَعَلَى الْإِمَامِ النَّظَرُ فِي أَحْوَالِهِمْ فَمَنْ لَزِمَهُ أَدَبٌ أَدَّبَهُ وَإِلَّا أَطْلَقَهُ وَلَا يُبَيِّتُ أَحَدًا فِي قَيْدٍ إلَّا رَجُلًا مَطْلُوبًا بِدَمٍ وَنَفَقَةٍ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ مَالٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ بَحْرٌ (فَمَنْ أَقَرَّ) مِنْهُمْ (بِحَقٍّ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَلْزَمَهُ) الْحَبْسَ ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ وَقِيلَ الْحَقُّ (وَإِلَّا نَادَى عَلَيْهِ) بِقَدْرِ مَا يَرَى ثُمَّ أَطْلَقَهُ بِكَفِيلٍ بِنَفْسِهِ فَإِنْ أَبَى نَادَى عَلَيْهِ شَهْرًا ثُمَّ أَطْلَقَهُ (وَعَمِلَ فِي الْوَدَائِعِ وَغَلَّاتِ الْوَقْفِ بَيِّنَةٌ أَوْ إقْرَارٌ)   [رد المحتار] لِلْخَصْمِ. بَحْرٌ مُلَخَّصًا وَإِنَّمَا يَطْلُبُهُ؛ لِأَنَّ الدِّيوَانَ وُضِعَ لِيَكُونَ حُجَّةً عِنْدَ الْحَاجَةِ فَيُجْعَلَ فِي يَدِهِ وَمَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ، وَمَا فِي يَدِ الْخَصْمِ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ التَّغْيِيرُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْأَوْرَاقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ تَسْلِيمِهَا إلَى الْجَدِيدِ، وَكَذَا لَوْ مِنْ مَالِ الْخُصُومِ أَوْ مِنْ مَالِ الْقَاضِي فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُمْ وَضَعُوهَا فِي يَدِ الْقَاضِي لِعَمَلِهِ وَكَذَا الْقَاضِي يَحْمِلُ عَلَى أَنَّهُ عَمِلَ ذَلِكَ تَدَيُّنًا لَا تَمَوُّلًا وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ، [تَنْبِيهٌ] مُفَادُ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ لِيَكُونَ حُجَّةً عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْجَدِيدِ الِاعْتِمَادُ عَلَى سِجِلِّ الْمَعْزُولِ مَعَ أَنَّهُ يَأْتِي أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِقَوْلِ الْمَعْزُولِ وَفِي الْأَشْبَاهِ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى الْخَطِّ وَلَا يَعْمَلُ بِمَكْتُوبِ الْوَقْفِ الَّذِي عَلَيْهِ خُطُوطُ الْقُضَاةِ الْمَاضِينَ، لَكِنْ قَالَ الْبِيرِيُّ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَعْتَمِدُ أَيْ لَا يَقْضِي بِذَلِكَ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ الْخَطَّ مِمَّا يُزَوَّرُ وَيُفْتَعَلُ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ. وَلَيْسَ مِنْهُ مَا فِي الْأَجْنَاسِ بِنَصٍّ وَمَا وَجَدَهُ الْقَاضِي بِأَيْدِي الْقُضَاةِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ لَهَا رُسُومٌ فِي دَوَاوِينِ الْقُضَاةِ أُجْرِيَتْ عَلَى الرُّسُومِ الْمَوْجُودَةِ فِي دَوَاوِينِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَيْهَا قَدْ مَاتُوا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْحُكْمِ إلَى دَوَاوِينِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ وَمِنْ الْأُمَنَاءِ اهـ، أَيْ لِأَنَّ سِجِلَّ الْقَاضِي لَا يُزَوَّرُ عَادَةً، وَحَيْثُ كَانَ مَحْفُوظًا عِنْدَ الْأُمَنَاءِ، بِخِلَافِ مَا كَانَ بِيَدِ الْخَصْمِ وَقَدَّمْنَا فِي الْوَقْفِ عَنْ الْخَيْرِيَّةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ لِلْوَقْفِ كِتَابٌ فِي سِجِلِّ الْقُضَاةِ وَهُوَ فِي أَيْدِيهِمْ اتَّبَعَ مَا فِيهِ اسْتِحْسَانًا إذَا تَنَازَعَ أَهْلُهُ فِيهِ، وَصَرَّحَ أَيْضًا فِي الْإِسْعَافِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِمَا فِي دَوَاوِينِ الْقُضَاةِ اسْتِحْسَانٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ ضَرُورَةً إحْيَاءُ الْأَوْقَافِ وَنَحْوِهَا عِنْدَ تَقَادُمِ الزَّمَانِ بِخِلَافِ السِّجِلِّ الْجَدِيدِ، لِإِمْكَانِ الْوَقْفِ عَلَى حَقِيقَةِ مَا فِيهِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ أَوْ الْبَيِّنَةِ، فَلِذَا لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ، وَلِيَكُونَ حُجَّةً عِنْدَ الْحَاجَةِ مَعْنَاهُ عِنْدَ تَقَادُمِ الزَّمَانِ، وَبِهَذَا يَتَأَيَّدُ مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُ هِبَةُ اللَّهِ الْبَعْلِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ بَعْدَ مَا مَرَّ عَنْ الْبِيرِيِّ مِنْ أَنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْحُجَّةِ، وَإِنْ مَاتَ شُهُودُهَا حَيْثُ كَانَ مَضْمُونُهَا ثَابِتًا فِي السِّجِلِّ الْمَحْفُوظِ اهـ. لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِتَقَادُمِ الْعَهْدِ كَمَا قُلْنَا تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ، وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى الْخَطِّ فِي بَابِ كِتَابِ الْقَاضِي وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ فِي دَعْوَى تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَنَظَرَ فِي حَالِ الْمَحْبُوسِينَ إلَخْ) بِأَنْ يَبْعَثَ إلَى السِّجِلِّ مَنْ يَعُدُّهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْ سَبَبِ حَبْسِهِمْ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ سَبَبُ وُجُوبِ حَبْسِهِمْ وَثُبُوتُهُ عِنْدَ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ يَعْتَمِدُهَا الثَّانِي فِي حَبْسِهِمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَبْقَ حُجَّةٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَطْلَقَهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَضِيَّةٌ، وَعِبَارَةُ النَّهْرِ عَنْ كِتَابِ الْخَرَاجِ لِأَبِي يُوسُفَ، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الدَّعَارَةِ وَالتَّلَصُّصِ وَالْجِنَايَاتِ، وَلَزِمَهُ أَدَبٌ أَدَّبَهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَضِيَّةٌ خَلَّى سَبِيلَهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ) أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَشْهَدَ بِأَصْلِ الْحَقِّ أَوْ بِحُكْمِ الْقَاضِي عَلَيْهِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: أَلْزَمَهُ الْحَبْسَ) أَيْ أَدَامَ حَبْسَهُ، بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْحَقُّ) قَائِلُهُ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: مَنْ اعْتَرَفَ بِحَقٍّ أَلْزَمَهُ إيَّاهُ وَرَدَّهُ إلَى السِّجْنِ، وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَوْ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَ الْمَعْزُولِ بِالزِّنَا لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ بَطَلَ، بَلْ يَسْتَقْبِلُ الْأَمْرَ فَإِنْ أَقَرَّ أَرْبَعًا فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ حَدَّهُ اهـ وَفِيهِ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ الْحَقِّ حَقُّ الْعَبْدِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بَلْ ادَّعَى أَنَّهُ حُبِسَ ظُلْمًا نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: نَادَى عَلَيْهِ) وَيَقُولُ الْمُنَادِي: مَنْ كَانَ يُطَالِبُ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّ بِحَقٍّ فَلْيَحْضُرْ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَبَى) عَنْ إعْطَاءِ الْكَفِيلِ وَقَالَ: لَا كَفِيلَ لِي بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: نَادَى عَلَيْهِ شَهْرًا) أَيْ يَسْتَأْنِفُهُ بَعْدَ مُدَّةِ الْمُنَادَاةِ الْأُولَى. (قَوْلُهُ: فِي الْوَدَائِعِ) أَيْ وَدَائِعِ الْيَتَامَى نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: بِبَيِّنَةٍ) أَيْ يُقِيمُهَا الْوَصِيُّ مَثَلًا عَلَى مَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 370 ذِي الْيَدِ (وَلَمْ يَعْمَلْ) الْمُوَلَّى (بِقَوْلِ الْمَعْزُولِ) لِالْتِحَاقِهِ بِالرَّعَايَا وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ لَا تُقْبَلُ خُصُوصًا بِفِعْلِ نَفْسِهِ دُرَرٌ وَمُفَادُهُ رَدُّهَا وَلَوْ مَعَ آخَرَ نَهْرٌ. قُلْت: لَكِنْ أَفْتَى قَارِئُ الْهِدَايَةِ بِقَبُولِهَا وَتَبِعَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ فَتَنَبَّهْ (إلَّا أَنْ يُقِرَّ ذُو الْيَدِ أَنَّهُ) أَيْ الْمَعْزُولَ (سَلَّمَهَا) أَيْ الْوَدَائِعَ وَالْغَلَّاتِ (إلَيْهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمَا) أَنَّهَا لِزَيْدٍ إلَّا إذَا بَدَأَ ذُو الْيَدِ بِالْإِقْرَارِ لِلْغَيْرِ ثُمَّ أَقَرَّ بِتَسْلِيمِ الْقَاضِي إلَيْهِ فَأَقَرَّ الْقَاضِي بِأَنَّهَا لِآخَرَ فَيُسَلِّمُ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ وَيَضْمَنُ الْمُقِرُّ قِيمَتَهُ أَوْ مِثْلَهُ لِلْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي يُسَلِّمُهُ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ   [رد المحتار] أَنَّهَا لِيَتِيمِ فُلَانٍ أَوْ نَاظِرِ الْوَقْفِ أَنَّ هَذِهِ الْغَلَّةَ لِوَقْفِ فُلَانٍ، وَكَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى عُرْفِهِمْ وَمِنْ أَنَّ الْكُلَّ تَحْتَ يَدِ أَمِينِ الْقَاضِي، وَفِي زَمَانِنَا أَمْوَالُ الْأَوْقَافِ تَحْتَ يَدِ نُظَّارِهَا وَوَدَائِعُ الْيَتَامَى تَحْتَ يَدِ الْأَوْصِيَاءِ، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْمَعْزُولَ وَضَعَ ذَلِكَ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ عَمِلَ الْقَاضِي بِمَا ذَكَرَ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: الْمُوَلَّى) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ الْقَاضِي الْجَدِيدُ. (قَوْلُهُ: دُرَرٌ) وَمِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ قَوْلِهِ خُصُوصًا بِفِعْلِ نَفْسِهِ، وَأَصْلُ الْبَحْثِ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ، وَقَدْ رَأَيْته صَرِيحًا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَنَصُّهُ وَإِذَا عُزِلَ عَنْ الْقَضَاءِ، ثُمَّ قَالَ: كُنْت قَضَيْت لِهَذَا عَلَى هَذَا بِكَذَا وَكَذَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِيهِ وَإِنْ شَهِدَ مَعَ آخَرَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ سِوَاهُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمَبْسُوطِ. (قَوْلُهُ: وَتَبِعَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ) أَيْ فِي فَتَاوَاهُ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي بَحْرِهِ، فَقَدْ عَلِمْت مُوَافَقَتَهُ لِمَا فِي النَّهْرِ وَعِبَارَةُ فَتَاوَاهُ الَّتِي رَتَّبَهَا لَهُ تِلْمِيذُهُ الْمُصَنِّفُ هَكَذَا سُئِلَ عَنْ الْحَاكِمِ إذَا أَخْبَرَ حَاكِمَا آخَرَ بِقَضِيَّةٍ هَلْ يَكْتَفِي بِإِخْبَارِهِ وَيَسُوغُ لَهُ الْحُكْمُ بِذَلِكَ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدٍ آخَرَ مَعَهُ؟ أَجَابَ: لَا يَكْتَفِي بِإِخْبَارِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدٍ آخَرَ مَعَهُ قَالَ الْمُرَتِّبُ لِهَذِهِ الْفَتَاوَى، وَقَدْ تَبِعَ شَيْخُنَا فِي ذَلِكَ مَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَأَنَّ الشَّيْخَيْنِ قَالَا بِقَبُولِ إخْبَارِهِ عَنْ إقْرَارِهِ بِشَيْءٍ مُطْلَقًا إذَا كَانَ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ، وَوَافَقَهُمَا مُحَمَّدٌ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ: لَا يُقْبَلُ إلَّا بِضَمِّ رَجُلٍ آخَرَ عَدْلٍ إلَيْهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ مَنْ رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا، ثُمَّ صَحَّ رُجُوعُهُ قَوْلَهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا إذَا أَخْبَرَ الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ عَنْ شَيْءٍ يَصِحُّ رُجُوعُهُ كَالْحَدِّ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ أَخْبَرَ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ فَقَالَ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ، وَعَدَلُوا أَوْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ يُقْبَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا انْتَهَى كَلَامُهُ، انْتَهَى مَا فِي الْفَتَاوَى. أَقُولُ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ أَخْبَرَ عَنْ إقْرَارِ رَجُلٍ بِمَا لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ كَبَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ مَثَلًا يُقْبَلُ عِنْدَهُمَا مُطْلَقًا وَوَافَقَهُمَا مُحَمَّدٌ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يُقْبَلُ مَا لَمْ يَشْهَدْ مَعَهُ آخَرُ ثُمَّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا بِالْقَبُولِ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ أَخْبَرَ عَنْ حُكْمِهِ بِثُبُوتِ حَقٍّ بِالْبَيِّنَةِ، فَعَلَى هَذَا لَمْ يَبْقَ خِلَافٌ فِي قَبُولِ قَوْلِ الْقَاضِي، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَنَا فِي الْمَعْزُولِ وَهَذَا فِي الْمُوَلَّى كَمَا يُعْلَمُ مِنْ شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ وَكَذَا مِمَّا سَيَأْتِي قُبَيْلَ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ قَاضٍ عَدْلٌ قَضَيْت عَلَى هَذَا بِالرَّجْمِ إلَخْ وَبِهِ يُشْعِرُ أَصْلُ السُّؤَالِ حَيْثُ عَبَّرَ بِالْحَاكِمِ وَعِبَارَةُ قَارِئِ الْهِدَايَةِ كَذَلِكَ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الِاسْتِدْرَاكَ عَلَى مَا فِي النَّهْرِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ. (قَوْلُهُ: فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ الْمَعْزُولِ وَشَمِلَ ثَلَاثَ صُوَرٍ مَا إذَا قَالَ ذُو الْيَدِ بَعْدَ إقْرَارٍ بِتَسْلِيمِ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ إلَيْهِ أَنَّهَا لِزَيْدٍ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْمَعْزُولُ أَوْ قَالَ: إنَّهَا لِغَيْرِهِ أَوْ قَالَ لَا أَدْرِي؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ مُودِعُ الْمَعْزُولِ، وَيَدُ الْمُودِعِ كَيَدِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي يَدِ الْمَعْزُولِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَنْكَرَ ذُو الْيَدِ التَّسْلِيمَ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَعْزُولِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: فَيُسَلِّمُ لِمُقِرٍّ لَهُ الْأَوَّلُ) لِأَنَّهُ لَمَّا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ صَحَّ إقْرَارُهُ وَلَزِمَ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا هُوَ فِي يَدِهِ فَلَمَّا قَالَ دَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لِلْقَاضِي، وَالْقَاضِي يُقِرُّ بِهِ لِآخَرَ فَيَصِيرُ هُوَ بِإِقْرَارِهِ مُتْلِفًا لِذَلِكَ عَلَى مَنْ أَقَرَّ لَهُ الْقَاضِي فَتْحٌ ثُمَّ قَالَ فَرْعٌ يُنَاسِبُ هَذَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْقَاضِيَ قَضَى لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا، وَقَالَ الْقَاضِي: لَمْ أَقْضِ بِشَيْءٍ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا عِنْدَهُمَا وَيُعْتَبَرُ قَوْلُ الْقَاضِي، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُقْبَلُ وَيَنْفُذُ ذَلِكَ اهـ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَحْرِ أَنَّهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ رَجَّحَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 371 الْقَاضِي (وَيَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ) وَيَخْتَارُ مَسْجِدًا فِي وَسَطِ الْبَلَدِ تَيْسِيرًا لِلنَّاسِ وَيَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ كَخَطِيبٍ وَمُدَرِّسٍ خَانِيَّةٌ وَأُجْرَةُ الْمُحْضِرِ عَلَى الْمُدَّعِي هُوَ الْأَصَحُّ بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ عَلَى الْمُتَمَرِّدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَكَذَا السُّلْطَانُ وَالْمُفْتِي وَالْفَقِيهُ (أَوْ) فِي (دَارِهِ) وَيَأْذَنُ عُمُومًا. (وَيَرُدُّ هَدِيَّةً) التَّنْكِيرُ لِلتَّقْلِيلِ ابْنُ كَمَالٍ: وَهِيَ مَا يُعْطَى بِلَا شَرْطٍ إعَانَةً بِخِلَافِ الرِّشْوَةِ ابْنُ مَلَكٍ وَلَوْ تَأَذَّى الْمُهْدِي بِالرَّدِّ يُعْطِيهِ مِثْلَ قِيمَتِهَا خُلَاصَةٌ وَلَوْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ أَوْ بُعْدِ مَكَانِهِ وَضَعَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَمِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ هَدَايَاهُ لَهُ تَتَارْخَانِيَّةٌ مُفَادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ خُصُوصِيَّةً وَفِيهَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَالْمُفْتِي وَالْوَاعِظِ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُهْدَى إلَى الْعَالِمِ لِعِلْمِهِ بِخِلَافِ   [رد المحتار] قَوْلَ مُحَمَّدٍ لِفَسَادِ الزَّمَانِ. (قَوْلُهُ: وَيَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَهُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِحَضْرَةِ الْمُشْرِكِ وَهُوَ نَجَسٌ بِالنَّصِّ وَقَدْ طَالَ فِي الْفَتْحِ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِلْمَذْهَبِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا نَجَاسَةُ الْمُشْرِكِ فَفِي الِاعْتِقَادِ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ، وَالْحَائِضُ يَخْرُجُ إلَيْهَا أَوْ يُرْسِلُ نَائِبَهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي دَابَّةٍ، وَتَمَامُ الْفُرُوعِ فِيهِ وَفِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَيَسْتَدْبِرُ) أَيْ نَدْبًا كَمَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ ط. مَطْلَبٌ فِي أُجْرَةِ الْمُحْضِرِ. (قَوْلُهُ: وَأُجْرَةُ الْمُحْضِرِ إلَخْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ هُوَ مَنْ يُحْضِرُ الْخَصْمَ، وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ هَكَذَا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَيَسْتَعِينُ بِأَعْوَانِ الْوَالِي عَلَى الْإِحْضَارِ، وَأُجْرَةُ الْأَشْخَاصِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَقِيلَ عَلَى الْمُتَرَدِّدِ فِي الْمِصْرِ وَمِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ إلَى دِرْهَمٍ وَفِي خَارِجِهِ لِكُلِّ فَرْسَخٍ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةٌ، وَأُجْرَةُ الْمُوَكِّلِ عَلَى الْمُدَّعِي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ الْمُشَخِّصُ وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِمُلَازَمَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ، وَالْإِشْخَاصُ بِالْكَسْرِ بِمَعْنَى الْإِحْضَارِ فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُحْضِرِ وَبَيْنَ الْمُلَازِمِ، وَهَذَا غَيْرُ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ فَتَأَمَّلْ. وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي مُؤْنَةُ الْمُشَخِّصِ قِيلَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَفِي الْأَصَحِّ عَلَى الْمُتَمَرِّدِ اهـ، وَهَذَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ أُجْرَةَ الْمُشَخِّصِ بِمَعْنَى الْمُلَازِمِ عَلَى الْمُدَّعِي وَبِمَعْنَى الرَّسُولِ الْمُحْضِرِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ تَمَرَّدَ بِمَعْنَى امْتَنَعَ عَنْ الْحُضُورِ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُدَّعِي، هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ فِي دَارِهِ) لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَتَقَيَّدُ بِمَكَانٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الدَّارُ وَفِي وَسَطِ الْبَلَدِ كَالْمَسْجِدِ نَهْرٌ. [مَطْلَبٌ فِي هَدِيَّةِ الْقَاضِي] (قَوْلُهُ: وَيَرُدُّ هَدِيَّةً) الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ «قَالَ اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا لِي قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرَ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا» قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: كَانَتْ الْهَدِيَّةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدِيَّةٌ وَالْيَوْمَ رِشْوَةٌ. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، وَاسْتَعْمَلَ عُمَرُ أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَدِمَ بِمَالٍ فَقَالَ لَهُ مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا؟ قَالَ: تَلَاحَقَتْ الْهَدَايَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ هَلَّا قَعَدَتْ فِي بَيْتِك، فَتَنْظُرَ أَيُهْدَى لَك أَمْ لَا فَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَجَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَتَعْلِيلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْهَدِيَّةِ الَّتِي سَبَبُهَا الْوِلَايَةُ فَتْحٌ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَذِكْرُ الْهَدِيَّةِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا إذْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الِاسْتِقْرَاضُ وَالِاسْتِعَارَةُ مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبُولُ هَدِيَّتِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ اهـ. قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ سَائِرُ التَّبَرُّعَاتِ، فَتَحْرُمُ الْمُحَابَاةُ أَيْضًا، وَلِذَا قَالُوا لَهُ أَخْذُ أُجْرَةِ كِتَابَةِ الصَّكِّ بِقَدْرِ أَجْرِ الْمِثْلِ. فَإِنَّ مُفَادَهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا مُحَابَاةٌ وَعَلَى هَذَا فَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ شِرَاءِ الْهِدَايَةِ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ أَوْ بَيْعِ الصَّكِّ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ لَا يَحِلُّ وَكَذَا مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ حِينَ أَخْذِ الْمَحْصُولِ مِنْ أَنَّهُ يَبِيعُ بِهِ الدَّافِعُ دَوَاةً أَوْ سِكِّينًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَرُمَ الِاسْتِقْرَاضُ وَالِاسْتِعَارَةُ فَهَذَا أَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَهِيَ إلَخْ) عَزَاهُ فِي الْفَتْحِ إلَى شَرْحِ الْأَقْطَعِ. (قَوْلُهُ: وَضَعَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ إلَى أَنْ يَحْضُرَ صُلْبُهَا فَتُدْفَعَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَفِيهَا إلَخْ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 372 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] أَيْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا فِيهَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ تَعْلِيلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْهَدِيَّةِ الَّتِي سَبَبُهَا الْوِلَايَةُ وَكَذَا قَوْلُهُ وَكُلُّ مَنْ عَمِلَ لِلْمُسْلِمِينَ عَمَلًا حُكْمُهُ فِي الْهَدِيَّةِ حُكْمُ الْقَاضِي اهـ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْهَدِيَّةِ لِلْمُفْتِي وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَبِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَالْمُفْتِي قَبُولُ الْهَدِيَّةِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ الْخَاصَّةِ ثُمَّ قَالَ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْإِمَامِ إمَامُ الْجَامِعِ: أَيْ وَأَمَّا الْإِمَامُ بِمَعْنَى الْوَلِيِّ فَلَا تَحِلُّ الْهَدِيَّةُ فَلَا مُنَافَاةَ وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْأَدِلَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ رَأْسُ الْعُمَّالِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمَلِ وِلَايَةٌ نَاشِئَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ كَالسَّاعِي وَالْعَاشِرِ اهـ. قُلْت: وَمِثْلُهُمْ مَشَايِخُ الْقُرَى وَالْحِرَفِ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَهُمْ قَهْرٌ وَتَسَلُّطٌ عَلَى مَنْ دُونِهِمْ فَإِنَّهُ يُهْدِي إلَيْهِمْ خَوْفًا مِنْ شَرِّهِمْ أَوْ لِيُرَوِّجَ عِنْدَهُمْ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ نَاشِئَةٌ عَنْ الْإِمَامِ إلَخْ دُخُولُ الْمُفْتِي إذَا كَانَ مَنْصُوبًا مِنْ طَرَفِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِاطِّلَاقِهِمْ جَوَازَ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ لَهُ وَإِلَّا لَزِمَ كَوْنُ إمَامِ الْجَامِعِ وَالْمُدَرِّسِ الْمَنْصُوبَيْنِ مِنْ طَرَفِ الْإِمَامِ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْمُفْتِيَ يَطْلُبُ مِنْهُ الْمُهْدِي الْمُسَاعَدَةَ عَلَى دَعْوَاهُ وَنَصْرَهُ عَلَى خَصْمِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّ الْمُفْتِيَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَنْصُوبًا مِنْ الْإِمَامِ يَكُونُ كَذَلِكَ فَيُخَالِفُ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ جَوَازِهَا لِلْمُفْتِي فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَاضِي وَاضِحٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ مُلْزَمٌ وَخَلِيفَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ فَأَخْذُهُ الْهَدِيَّةَ يَكُونُ رِشْوَةً عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي يُؤَمِّلُهُ الْمُهْدِي وَيَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ حُكْمِهِ وَالْمُفْتِي لَيْسَ كَذَلِكَ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ مُرَادَهُمْ بِجَوَازِهَا لِلْمُفْتِي إذَا كَانَتْ لِعِلْمِهِ لَا لِإِعَانَتِهِ لِلْمُهْدِي بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ الَّذِي نَقَلَهُ الشَّارِحُ فَإِذَا كَانَتْ لِإِعَانَتِهِ صَدَقَ عَلَيْهَا حَدُّ الرِّشْوَةِ لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي حَدِّهَا شَرْطُ الْإِعَانَةِ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْفَتْحِ عَنْ الْأَقْضِيَةِ أَنَّهُ لَوْ أَهْدَاهُ لِيُعِينَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ بِلَا شَرْطٍ لَكِنْ يَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ إنَّمَا يُهْدِي لِيُعِينَهُ فَمَشَايِخُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إلَخْ وَهَذَا يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ مِنْ الْعُمَّالِ أَوْ غَيْرِهِمْ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْقَاضِي لَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ مِنْ رَجُلٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَاضِيًا لَا يُهْدِي إلَيْهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ ثُمَّ قَالَ أَقُولُ: يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَ فِي الْأَقْضِيَةِ إلَخْ، قُلْت: وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ مَنْصُوصٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي فَمَا فِي الْأَقْضِيَةِ مَفْرُوضٌ فِي غَيْرِهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُفْتِي مِثْلَهُ فِي ذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ هُوَ الْمَقْبُولُ وَرَأَيْت فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ لِلْعَلَّامَةِ مُحَمَّدِ الدَّاوُدِيِّ الشَّافِعِيِّ مَا نَصُّهُ قَالَ ع ش: وَمِنْ الْعُمَّالِ مَشَايِخُ الْأَسْوَاقِ وَالْبُلْدَانِ، وَمُبَاشِرُو الْأَوْقَافِ وَكُلُّ مَنْ يَتَعَاطَى أَمْرًا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْلِمِينَ انْتَهَى قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَلَا يَلْحَقُ بِالْقَاضِي فِيمَا ذَكَرَ الْمُفْتِي وَالْوَاعِظُ، وَمُعَلِّمُ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ أَهْلِيَّةُ الْإِلْزَامِ، وَالْأَوْلَى فِي حَقِّهِمْ إنْ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ، لِأَجْلِ مَا يَحْصُلُ مِنْهُمْ مِنْ الْإِفْتَاءِ وَالْوَعْظِ وَالتَّعْلِيمِ عَدَمُ الْقَبُولِ لِيَكُونَ عِلْمُهُمْ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ أُهْدِيَ إلَيْهِمْ تَحَبُّبًا وَتَوَدُّدًا لِعِلْمِهِمْ وَصَلَاحِهِمْ فَالْأَوْلَى الْقَبُولُ وَأَمَّا إذَا أَخَذَ الْمُفْتِي الْهَدِيَّةَ لِيُرَخِّصَ فِي الْفَتْوَى فَإِنْ كَانَ بِوَجْهٍ بَاطِلٍ فَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ يُبَدِّلُ أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَشْتَرِي بِهَا ثَمَنًا قَلِيلًا، وَإِنْ كَانَ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً شَدِيدَةً انْتَهَى، هَذَا كَلَامُهُ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَأَمَّا إذَا أَخَذَ لَا لِيُرَخِّصَ لَهُ بَلْ لِبَيَانِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، فَهَذَا مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الْأُجْرَةِ بَلْ مُجَرَّدُ هَدِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 373 الْقَاضِي (إلَّا مِنْ) أَرْبَعٍ السُّلْطَانِ وَالْبَاشَا أَشْبَاهٌ وَبَحْرٌ وَ (قَرِيبِهِ) الْمَحْرَمِ (أَوْ مِمَّنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِذَلِكَ) بِقَدْرِ عَادَتِهِ وَلَا خُصُومَةَ لَهُمَا دُرَرٌ (وَ) يَرُدُّ إجَابَةَ (دَعْوَةٍ خَاصَّةٍ وَهِيَ الَّتِي لَا يَتَّخِذُهَا صَاحِبُهَا لَوْلَا حُضُورُ الْقَاضِي) وَلَوْ مِنْ مَحْرَمٍ وَمُعْتَادٍ وَقِيلَ: هِيَ كَالْهَدِيَّةِ وَفِي السِّرَاجِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلَا يُجِيبُ دَعْوَةَ خَصْمٍ   [رد المحتار] أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى بَيَانِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لَا يَحِلُّ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا يَحِلُّ عَلَى الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: السُّلْطَانُ وَالْبَاشَا) عَزَاهُ فِي الْأَشْبَاهِ إلَى تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَفِيهِ فُصُولٌ إذْ لَا يَشْمَلُ الْقَاضِيَ الَّذِي يَتَوَلَّى مِنْهُ، وَهُوَ قَاضِي الْعَسْكَرِ لِقُضَاةِ الْأَقْطَارِ وَعِبَارَةُ الْقَلَانِسِيِّ، وَلَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ إلَّا مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَوْ وَالٍ يَتَوَلَّى الْأَمْرَ مِنْهُ أَوْ وَالٍ مُقَدَّمِ الْوِلَايَةِ عَلَى الْقُضَاةِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ مِنْ الْوَالِي الَّذِي تَوَلَّى الْقَضَاءَ مِنْهُ وَكَذَا مِنْ وَالٍ مُقَدَّمٍ عَلَيْهِ فِي الرُّتْبَةِ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ الْقَاضِيَ الَّذِي تَوَلَّى مِنْهُ وَالْبَاشَا وَوَجْهُهُ أَنَّ مَنْعَ قَبُولِهَا إنَّمَا هُوَ لِلْخَوْفِ مِنْ مُرَاعَاتِهِ لِأَجْلِهَا وَهُوَ إنْ رَاعَى الْمَلِكَ وَنَائِبَهُ لَمْ يُرَاعِهِ لِأَجْلِهَا. (قَوْلُهُ: الْمَحْرَمُ) هَذَا الْقَيْدُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِيَخْرُجَ ابْنُ الْعَمِّ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ مِمَّنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِذَلِكَ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَلَمْ أَرَ بِمَاذَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ وَنَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ، ثُمَّ إنَّ ظَاهِرَ الْعَطْفِ أَنَّ قَبُولَهَا مِنْ الْقَرِيبِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِجَرْيِ الْعَادَةِ مِنْهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْقُدُورِيِّ وَالْهِدَايَةِ وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ قَيَّدَ فِيهِ أَيْضًا وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ عَادَتِهِ) فَلَوْ زَادَ لَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَالُ الْمُهْدِي قَدْ زَادَ، فَبِقَدْرِ مَا زَادَ مَالُهُ إذَا زَادَ فِي الْهَدِيَّةِ لَا بَأْسَ بِقَبُولِهَا فَتْحٌ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ زَادَ فِي الْقَدْرِ، فَلَوْ فِي الْمَعْنَى كَأَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ إهْدَاءَ ثَوْبِ كَتَّانٍ فَأَهْدَى ثَوْبًا حَرِيرًا لَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا، وَيَنْبَغِي وُجُوبُ رَدِّ الْكُلِّ لَا بِقَدْرِ مَا زَادَ فِي قِيمَتِهِ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهَا، وَنَظَرَ فِيهِ فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْفَتْحِ: وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ هَدِيَّةُ الْمُسْتَقْرِضِ لِلْمُقْرِضِ كَالْهَدِيَّةِ لِلْقَاضِي إنْ كَانَ الْمُسْتَقْرِضُ لَهُ عَادَةٌ قَبْلَ اسْتِقْرَاضِهِ فَلِلْمُقْرِضِ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ قَدْرَ مَا كَانَ يُهْدِيهِ بِلَا زِيَادَةٍ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ سَهْوٌ وَالْمَنْقُولُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آخِرَ الْحَوَالَةِ أَنَّهُ يَحِلُّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا مُطْلَقًا اهـ، وَأَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ كَلَامَ الْمُحَقِّقِ فِي الْفَتْحِ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ. (قَوْلُهُ: وَلَا خُصُومَةَ لَهُمَا) فَإِنْ قَبِلَهَا بَعْدَ انْقِطَاعِ الْخُصُومَةِ جَازَ ابْنُ مَلَكٍ وَذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا وَفِي ط عَنْ الْحَمَوِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا تَتَنَاهَى خُصُومَاتُهُ كَنُظَّارِ الْأَوْقَافِ وَمُبَاشِرِيهَا اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ لَا يَقْبَلُهَا مُطْلَقًا وَمَنْ لَا خُصُومَةَ لَهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ عَادَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ قَبِلَ الْمُعْتَادَ وَإِلَّا فَلَا اهـ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَحْرَمًا أَوْ غَيْرَهُ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: دَعْوَةٍ خَاصَّةٍ) الدَّعْوَةُ إلَى الطَّعَامِ بِفَتْحِ الدَّالِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعَرَبِ وَبَعْضُهُمْ يَكْسِرُهَا كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، فَلَوْ عَامَّةً لَهُ حُضُورُهَا لَوْلَا خُصُومَةٌ لِصَاحِبِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمُصَحَّحُ فِي تَفْسِيرِهَا وَقِيلَ الْعَامَّةُ دَعْوَةُ الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ وَمَا سِوَاهُمَا خَاصَّةٌ، وَقِيلَ إنْ كَانَتْ لِخَمْسَةٍ إلَى عَشَرَةٍ فَخَاصَّةٌ وَإِنْ لِأَكْثَرَ فَعَامَّةٌ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ هِيَ كَالْهَدِيَّةِ) ظَاهِرُ الْفَتْحِ اعْتِمَادُهُ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ فَقَدْ آلَ الْحَالُ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْغَرِيبِ وَفِي الْهَدِيَّةِ وَالضِّيَافَةِ وَكَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: الْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ وَلَا يَقْبَلُ هَدِيَّةً وَدَعْوَةً خَاصَّةً إلَّا مِنْ مَحْرَمٍ أَوْ مِمَّنْ لَهُ عَادَةٌ فَإِنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُجِيبَ الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لَهُ عَادَةٌ بِاِتِّخَاذِهَا كَالْهَدِيَّةِ، فَلَوْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ الدَّعْوَةُ لَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً فَدَعَاهُ كُلَّ أُسْبُوعٍ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يُجِيبُهُ وَلَوْ اتَّخَذَ لَهُ طَعَامًا أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ لَا يُجِيبُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَالُهُ قَدْ زَادَ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُجِيبُ دَعْوَةَ خَصْمٍ) هُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَلَكٍ، وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ، وَقَوْلُهُ: وَغَيْرِ مُعْتَادٍ هُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ كَمَا عَزَاهُ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ وَهَذَا لَا يُنَاسِبُ الْقِيلَ الْمَذْكُورَ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْعَامَّةُ كَالْخَاصَّةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 374 وَغَيْرِ مُعْتَادٍ وَلَوْ عَامَّةً لِلتُّهْمَةِ (وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ وَيَعُودُ الْمَرِيضَ) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَلَا عَلَيْهِمَا دَعْوَى شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْبُرْهَانِ (وَيُسَوِّي) وُجُوبًا (بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ جُلُوسًا وَإِقْبَالًا وَإِشَارَةً وَنَظَرًا وَيَمْتَنِعُ مِنْ مُسَارَّةِ أَحَدِهِمَا وَالْإِشَارَةِ إلَيْهِ) وَرَفْعِ صَوْتِهِ عَلَيْهِ (وَالضَّحِكِ فِي وَجْهِهِ) وَكَذَا الْقِيَامُ لَهُ بِالْأَوْلَى (وَضِيَافَتِهِ) نَعَمْ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَهُمَا مَعًا جَازَ نَهْرٌ (وَلَا يَمْزَحُ) فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ (مُطْلَقًا) وَلَوْ لِغَيْرِهِمَا لِذَهَابِهِ بِمَهَابَتِهِ (وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّتَهُ) وَعَنْ الثَّانِي لَا بَأْسَ بِهِ عَيْنِيُّ (وَلَا) يُلَقِّنُ (الشَّاهِدَ شَهَادَتَهُ) وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو يُوسُفَ فِيمَا لَا يَسْتَفِيدُ بِهِ زِيَادَةَ عِلْمٍ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ لِزِيَادَةِ تَجْرِبَتِهِ، بَزَّازِيَّةٌ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، حُكِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَقْتَ مَوْتِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ إنَّك تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَمِلْ إلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ   [رد المحتار] وَهُوَ خِلَافُ تَقْيِيدِهِمْ الْمَنْعَ بِالْخَاصَّةِ فَقَطْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَيَعُودُ الْمَرِيضَ) إلَّا أَنَّهُ لَا يُطِيلُ الْمُكْثَ عِنْدَهُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَلَا عَلَيْهِمَا دَعْوَى) الَّذِي فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى ذِكْرِ الْمَرِيضِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَيُسَوِّي وُجُوبًا بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ إلَخْ) إطْلَاقُهُ يَعُمُّ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالْخَلِيفَةَ وَالرَّعِيَّةَ وَالدَّنِيءَ وَالشَّرِيفَ وَالْأَبَ وَالِابْنَ وَالْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ إلَّا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْخَلِيفَةُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُومَ مِنْ مَقَامِهِ، وَأَنْ يُجْلِسَهُ مَعَ خَصْمِهِ، وَيَقْعُدَ هُوَ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَقْضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْلِسَ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ؛ لِأَنَّ لِلْيَمِينِ فَضْلًا وَلِذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخُصُّ بِهِ الشَّيْخَيْنِ بَلْ الْمُسْتَحَبُّ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُجْلِسَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ كَالْمُتَعَلِّمِ بَيْنَ يَدَيْ مُعَلِّمِهِ، وَيَكُونُ بُعْدُهُمَا عَنْهُ قَدْرَ ذِرَاعَيْنِ أَوْ نَحْوَهُمَا وَلَا يُمَكِّنُهُمَا مِنْ التَّرَبُّعِ وَنَحْوِهِ، وَيَكُونُ أَعْوَانُهُ قَائِمَةً بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَمَّا قِيَامُ الْأَخْصَامِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَيْسَ مَعْرُوفًا، وَإِنَّمَا حَدَثَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُو الْأَحْوَالِ وَالْأَدَبِ وَقَدْ حَدَثَ فِي هَذَا الزَّمَانِ أُمُورٌ وَسُفَهَاءُ، فَيَعْمَلُ الْقَاضِي بِمُقْتَضَى الْحَالِ كَذَا فِي الْفَتْحِ يَعْنِي فَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْجُلُوسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِقُّ فَيُعْطِي كُلَّ إنْسَانٍ مَا يَسْتَحِقُّهُ بَقِيَ مَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَسْتَحِقُّهُ دُونَ الْآخَرِ وَأَبَى الْآخَرُ إلَّا الْقِيَامَ لَمْ أَرَ الْمَسْأَلَةَ وَقِيَاسُ مَا فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَإِقْبَالًا) أَيْ نَظَرًا قُهُسْتَانِيٌّ وَالْأَوْلَى تَفْسِيرُهُ بِالتَّوْجِيهِ إلَيْهِ صُورَةً أَوْ مَعْنًى لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ بِمَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: وَيَمْتَنِعُ مِنْ مُسَاوَاةِ أَحَدِهِمَا) أَيْ يَجْتَنِبُ التَّكَلُّمَ مَعَهُ خُفْيَةً، وَكَذَا الْقَائِمُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَهُوَ الْجِلْوَازُ الَّذِي يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ بَلْ يُقِيمُهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الْبُعْدِ وَمَعَهُ سَوْطٌ وَالشُّهُودُ يُقَرَّبُونَ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ) مُسْتَدْرَكٌ بِمَا قَبْلَهُ ط. (قَوْلُهُ: وَرَفْعِ صَوْتِهِ عَلَيْهِ) يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَثْنِيَ مَا لَوْ كَانَ بِسَبَبٍ كَإِسَاءَةِ أَدَبٍ وَنَحْوِهِ. (قَوْلُهُ: لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ الضِّيَافَةَ. وَقَالَ فِي النَّهْرِ أَيْضًا وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ سَارَّهُمَا أَوْ أَشَارَ إلَيْهِمَا مَعًا جَازَ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَمْزَحُ) أَيْ يُدَاعِبُ فِي الْكَلَامِ مِنْ بَابِ نَفَعَ. (قَوْلُهُ: فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ) أَمَّا فِي غَيْرِهِ فَلَا يُكْثِرُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ بِالْمَهَابَةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: عَيْنِيٌّ) عِبَارَتُهُ وَعَنْ الثَّانِي فِي رِوَايَةٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي وَجْهٍ لَا بَأْسَ بِتَلْقِينِ الْحُجَّةِ اهـ وَظَاهِرُهُ ضَعْفُهَا، بَلْ ظَاهِرُ الْفَتْحِ أَنَّ هَذَا فِي تَلْقِينِ الشَّاهِدِ لَا الْخَصْمِ كَمَا يَأْتِي نَعَمْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ أَمَرَ الْقَاضِي رَجُلَيْنِ لِيُعَلِّمَاهُ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةَ فَلَا بَأْسَ بِهِ خُصُوصًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. (قَوْلُهُ: وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو يُوسُفَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ لِمَنْ اسْتَوْلَتْهُ الْحِيرَةُ أَوْ الْهَيْبَةُ فَتَرَكَ شَيْئًا مِنْ شَرَائِطِ الشَّهَادَةِ فَيُعِينُهُ بِقَوْلِهِ أَتَشْهَدُ بِكَذَا وَكَذَا بِشَرْطِ كَوْنِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ، وَأَمَّا فِيهَا بِأَنْ ادَّعَى الْمُدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُنْكِرُ الْخَمْسَمِائَةِ وَشَهِدَ الشَّاهِدُ بِأَلْفٍ فَيَقُولُ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَبْرَأَ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ وَاسْتَفَادَ الشَّاهِدُ بِذَلِكَ عِلْمًا فَوَفَّقَ بِهِ فِي شَهَادَتِهِ كَمَا وَفَّقَ الْقَاضِي، فَهَذَا لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي تَلْقِينِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ اهـ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ ظَاهِرَ الْهِدَايَةِ تَرْجِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اهـ. وَحِكَايَةُ الرِّوَايَةِ فِي تَلْقِينِ الشَّاهِدِ وَالِاتِّفَاقُ فِي تَلْقِينِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ يَنْفِي مَا مَرَّ عَنْ الْعَيْنِيِّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِزِيَادَةِ تَجْرِبَتِهِ) قَدَّمْنَا عَنْ الْكِفَايَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا تَوَلَّى الْقَضَاءَ أَيْضًا وَذَكَرَ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي طَبَقَاتِهِ أَنَّ الرَّشِيدَ وَلَّاهُ قَضَاءَ الرَّقَّةِ ثُمَّ عَزَلَهُ وَوَلَّاهُ قَضَاءَ الرَّيِّ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُدَّتَهُ لَمْ تَطُلْ؛ وَلِذَا لَمْ يَشْتَهِرْ بِالْقَضَاءِ كَمَا اشْتَهَرَ أَبُو يُوسُفَ، فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْ التَّجْرِبَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 375 حَتَّى بِالْقَلْبِ إلَّا فِي خُصُومَةِ نَصْرَانِيٍّ مَعَ الرَّشِيدِ لَمْ أُسَوِّ بَيْنَهُمَا وَقَضَيْت عَلَى الرَّشِيدِ ثُمَّ بَكَى اهـ، قُلْت: وَمُفَادُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي عَلَى مَنْ وَلَّاهُ وَفِي الْمُلْتَقَى وَيَصِحُّ لِمَنْ وَلَّاهُ وَعَلَيْهِ وَسَيَجِيءُ [فُرُوعٌ] فِي الْبَدَائِعِ مِنْ جُمْلَةِ أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ بِلِسَانٍ لَا يَعْرِفُهُ الْآخَرُ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَقُولَ لِلْخَصْمَيْنِ أَحْكُمُ بَيْنَكُمَا حَتَّى إذَا كَانَ فِي التَّقْلِيدِ خَلَلٌ يَصِيرُ حُكْمًا بِتَحْكِيمِهِمَا. قَضَى بِحَقٍّ ثُمَّ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِالِاسْتِئْنَافِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ بَزَّازِيَّةٌ. طَلَبَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ نُسْخَةَ السِّجِلِّ وَمِنْ الْمُقْضَى لَهُ لِيَعْرِضَهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَهُوَ صَحِيحٌ أَمْ لَا، فَامْتَنَعَ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ، جَوَاهِرُ الْفَتَاوَى وَفِي الْفَتْحِ مَتَى أَمْكَنَ إقَامَةُ الْحَقِّ بِلَا إيغَارِ صُدُورٍ كَانَ أَوْلَى. وَهَلْ يَقْبَلُ قَصَصُ الْخُصُومِ إنْ جَلَسَ لِلْقَضَاءِ لَا، وَإِلَّا أَخَذَهَا وَلَا يَأْخُذُ بِمَا فِيهَا إلَّا إذَا أَقَرَّ بِلَفْظِهِ صَرِيحًا. فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ هُوَ مَشْرُوعٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] «وَحَبَسَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ فِي الْمَسْجِدِ»   [رد المحتار] مَا حَصَلَ لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَاضِيَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَزِيَادَةُ التَّجْرِبَةِ تُفِيدُ زِيَادَةَ عِلْمٍ قَالَ الْحَمَوِيُّ قَالَ مَجْدُ الْأَئِمَّةِ التَّرْجُمَانِيُّ وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُهُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ الصَّدَقَةُ أَفْضَلُ مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ، فَلَمَّا حَجَّ وَعَرَفَ مَشَاقَّهُ رَجَعَ وَقَالَ الْحَجُّ أَفْضَلُ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى بِالْقَلْبِ) أَيْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مَيْلُ قَلْبِهِ إلَى عَدَمِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ بِقَرِينَةِ الِاسْتِثْنَاءِ. (قَوْلُهُ: قُلْت وَمُفَادُهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَضِيَّةُ شُرَيْحٍ مَعَ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ قَامَ وَأَجْلَسَ عَلِيًّا مَجْلِسَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي آخِرِ بَابِ كِتَابِ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ: بِلِسَانٍ لَا يَعْرِفُهُ الْآخَرُ) لِأَنَّهُ كَالْمُسَارَّةِ. (قَوْلُهُ: أَحْكُمُ بَيْنَكُمَا) أَيْ وَيَقُولَانِ نَعَمْ اُحْكُمْ بَيْنَنَا. (قَوْلُهُ: لَمْ يَلْزَمُهُ) أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْنَفَ بَرَاءَةً لِعُرْضَةٍ لَا بَأْسَ بِهِ. (قَوْلُهُ: نُسْخَةَ السِّجِلِّ) أَيْ كِتَابَ الْقَاضِي الَّذِي فِيهِ حُكْمُهُ الْمُسَمَّى الْآنَ بِالْحُجَّةِ. (قَوْلُهُ: أَلْزَمَهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِشَارَةَ لِلْعَرْضِ عَلَى الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ السِّجِلَّ أَيْ الْحُجَّةَ لَوْ كَانَ مِلْكَهُ لَا يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْفَتْحِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ وَفِي الْمَبْسُوطِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَعْتَذِرَ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَيُبَيِّنَ لَهُ وَجْهَ قَضَائِهِ وَيُبَيِّنَ لَهُ أَنَّهُ فَهِمَ حُجَّتَهُ، وَلَكِنَّ الْحُكْمَ فِي الشَّرْعِ كَذَا يَقْتَضِي الْقَضَاءَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُمْكِنْ غَيْرُهُ، لِيَكُونَ ذَلِكَ أَدْفَعَ لِشِكَايَتِهِ لِلنَّاسِ، وَنِسْبَتِهِ إلَى أَنَّهُ جَارَ عَلَيْهِ وَمَنْ يَسْمَعْ يُخِلَّ فَرُبَّمَا تُفْسِدُ الْعَامَّةُ عِرْضَهُ وَهُوَ بَرِيءٌ، وَإِذَا أَمْكَنَ إقَامَةُ الْحَقِّ مَعَ عَدَمِ إيغَارِ الصُّدُورِ كَانَ أَوْلَى اهـ، وَفِي الصِّحَاحِ: الْوَغْرُ شِدَّةُ تَوَقُّدِ الْحَرِّ وَمِنْهُ: قِيلَ فِي صَدْرِهِ عَلَى وَغْرٍ بِالتَّسْكِينِ أَيْ ضَغَنٍ وَعَدَاوَةٍ وَتَوَقُّدٍ وَمِنْ الْغَيْظِ. (قَوْلُهُ: قَصَصَ الْخُصُومِ) جَمْعُ قَصَّةٍ وَهِيَ بِالْفَتْحِ الْحِصَّةُ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا وَرَقَةٌ يَكْتُبُ فِيهَا قَضِيَّتَهُ مَعَ خَصْمِهِ وَيُسَمَّى الْآنَ عَرْضَ حَالٍ. (قَوْلُهُ: لَا) أَيْ لِأَنَّ كَلَامَهُ بِلِسَانِهِ أَحْسَنُ مِنْ كِتَابَتِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَأْخُذُ بِمَا فِيهَا) عِبَارَةُ غَيْرِهِ وَلَا يُؤَاخَذُ أَيْ لَا يُؤَاخَذُ صَاحِبُهَا بِمَا كَتَبَهُ فِيهَا مِنْ إقْرَارٍ وَنَحْوِهِ مَا لَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ صَرِيحًا؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِمُجَرَّدِ الْخَطِّ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ] ِ هُوَ مِنْ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا اخْتَصَّ بِأَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ أَفْرَدَهُ بِفَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ نَهْرٌ، وَهُوَ لُغَةً الْمَنْعُ مَصْدَرُ حَبَسَ كَضَرَبَ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْمَوْضِعِ، وَتَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ لَهُ وَزَادَ فِيهِ مَسَائِلَ أُخَرَ مِنْ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ ذَكَرَهَا فِي الْهِدَايَةِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي الْحَبْسِ وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَ فِي بَابِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: هُوَ مَشْرُوعٌ إلَخْ) أَرَادَ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ زَادَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَجْمَعُوا عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ الْحَبْسُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ اهـ ح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 376 وَأَحْدَثَ السِّجْنَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بَنَاهُ مِنْ قَصَبٍ وَسَمَّاهُ نَافِعًا فَنَقَبَهُ اللُّصُوصُ فَبَنَى غَيْرَهُ مِنْ مَدَرٍ وَسَمَّاهُ مُخَيَّسًا بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتُكْسَرُ مَوْضِعُ التَّخْسِيسِ وَهُوَ التَّذْلِيلُ وَفِيهِ يَقُولُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَلَا تَرَانِي كَيِّسًا مُكَيَّسَا ... بَنَيْت بَعْدَ نَافِعٍ مُخَيِّسَا حِصْنًا حَصِينًا وَأَمِينًا كَيِّسَا (صِفَتُهُ أَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ لَيْسَ بِهِ فِرَاشٌ وَلَا وِطَاءٌ) لِيُضْجِرَ فَيُوقَى وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ جِيءَ لَهُ بِهِ مُنِعَ مِنْهُ (وَلَا يُمَكَّنُ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ لِلِاسْتِئْنَاسِ إلَّا أَقَارِبُهُ وَجِيرَانُهُ) لِاحْتِيَاجِهِ لِلْمُشَاوَرَةِ (وَلَا يَمْكُثُونَ عِنْدَهُ طَوِيلًا) وَمُفَادُهُ أَنَّ زَوْجَتَهُ لَا تُحْبَسُ مَعَهُ لَوْ هِيَ الْحَابِسَةَ لَهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَفِي الْمُلْتَقَى يُمَكَّنُ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَأَحْدَثَ السِّجْنَ عَلِيٌّ) أَيْ أَحْدَثَ بِنَاءَ سِجْنٍ خَاصٍّ فَلَا يُنَافِي مَا قَالُوا أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ سِجْنٌ، إنَّمَا كَانَ يَحْبِسُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الدِّهْلِيزِ حَتَّى اشْتَرَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - دَارًا بِمَكَّةَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَاِتَّخَذَهُ مَحْبِسًا. (قَوْلُهُ: مِنْ مَدَرٍ) بِالتَّحْرِيكِ قِطَعُ الطِّينِ الْيَابِسِ وَالْحِجَارَةِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. (قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْيَاءِ) أَيْ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ مُشَدَّدَةً وَالْعَجَبُ مِمَّا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ مِنْ ضَبْطِهِ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْقَامُوسِ فِي الْأَجْوَفِ الْيَائِيِّ فَقَالَ: الْمُحَيَّسُ كَمُعَظَّمٍ السِّجْنُ وَسِجْنٌ بَنَاهُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. (قَوْلُهُ: كَيِّسًا) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْكَيْسُ وِزَانُ فَلْسٍ الظُّرْفُ وَالْفِطْنَةُ وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ الْعَقْلُ وَيُقَالُ إنَّهُ مُخَفَّفٌ مِنْ كَيَسَ مِثْلَ هَيَنَ وَهَيَّنَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ مِنْ كَاسَ كَيْسًا مِنْ بَابِ بَاعَ وَأَمَّا الْمُثْقَلُ فَاسْمُ فَاعِلٍ وَالْجَمْعُ أَكْيَاسٌ مِثْلُ جِيدٍ وَأَجْيَادٍ اهـ. وَفِي الْفَتْحِ: الْكَيْسُ أَيْ مُخَفَّفًا حُسْنُ التَّأَنِّي فِي الْأُمُورِ وَالْكَيِّسُ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ الْكَيْسُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَمِينًا) أَرَادَ بِهِ السَّجَّانَ الَّذِي نَصَّبَهُ فِيهِ، فَتْحٌ وَعَلَيْهِ فَعَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ نَظِيرُهُ عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا فَيُرَادُ بِقَوْلِهِ: بَنَيْت اتَّخَذْت وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ كَوْنُهُ وَصْفًا لِمُخَيِّسًا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ لَا يُنَاسِبُهُ قَوْلُ كَيِّسًا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: صِفَتُهُ) الضَّمِيرُ لِلْحَبْسِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ، فَلِذَا قَالَ أَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ أَيْ فِي مَوْضِعٍ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلَا وِطَاءٌ) عَلَى وَزْنِ كِتَابٍ الْمِهَادُ الْوَطِيءِ مِصْبَاحٌ، وَفِيهِ وَالْمَهْدُ وَالْمِهَادُ الْفِرَاشُ وَفِي الْقَامُوسِ عَنْ الْكِسَائِيّ أَنَّ الْوِطَاءَ خِلَافُ الْغِطَاءِ. قُلْت: فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمِهَادُ الْوَطِيءُ أَيْ اللَّيِّنُ السَّهْلُ فَهُوَ أَخَصُّ مِمَّا قَبْلَهُ وَكَذَا إنْ أُرِيدَ بِهِ مَا يَنَامُ عَلَيْهِ وَهُوَ خِلَافُ الْغِطَاءِ. (قَوْلُهُ: وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ قَوْلِهِ لِيَضْجَرَ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُمَكَّنُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ مَعَ التَّشْدِيدِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَمْكُثُونَ عِنْدَهُ طَوِيلًا) أَيْ بِحَيْثُ يَحْصُلُ لَهُ الِاسْتِئْنَاسُ بِهِمْ بَلْ بِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ الْمُشَاوَرَةِ مَطْلَبُ لَا تُحْبَسُ زَوْجَتُهُ مَعَهُ لَوْ حَبَسْته. (قَوْلُهُ: وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ قَوْلِهِ لِلِاسْتِئْنَاسِ وَفِي النَّهْرِ وَإِذَا احْتَاجَ لِلْجِمَاعِ دَخَلَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ إنْ كَانَ فِيهِ مَوْضِعُ سُتْرَةٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ زَوْجَتَهُ لَا تُحْبَسُ مَعَهُ لَوْ كَانَتْ هِيَ الْحَابِسَةُ لَهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ اهـ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ بِمَا قَالَهُ الشَّارِحُ أَوْلَى مِمَّا فِي النَّهْرِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ دُخُولِ أَحَدٍ عَلَيْهِ لِلِاسْتِئْنَاسِ أَصْرَحُ بِعَدَمِ حَبْسِهَا مَعَهُ إذْ فِي حَبْسِهَا مَعَهُ غَايَةُ الِاسْتِئْنَاسِ لَهُ مَعَ كَوْنِ الْمَقْصُودِ مِنْ ذَلِكَ الضَّجَرَ لِيُوَفِّيَ دَيْنَهُ، وَإِذَا كَانَتْ هِيَ الْحَابِسَةُ لَهُ وَقُلْنَا بِجَوَازِ حَبْسِهَا مَعَهُ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بَلْ يَحْصُلُ ضِدُّهُ وَهُوَ ضَجَرُهَا لِتُخْرِجَهُ مِنْ الْحَبْسِ حَتَّى تَخْرُجَ مَعَهُ، فَفِي ذَلِكَ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تُحْبَسُ مَعَهُ لَوْ هِيَ الْحَابِسُ، وَلَيْسَ فِيمَا قَالَهُ فِي النَّهْرِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فَلِذَا عَدَلَ الشَّارِحُ عَنْ كَلَامِ النَّهْرِ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي عُدُولِهِ عَنْهُ خَلَلٌ بَلْ خَلَلٌ فِي مُتَابَعَتِهِ لَهُ فَافْهَمْ ثُمَّ إنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذَا الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهَا تُحْبَسُ مَعَهُ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: فَإِذَا حَبَسَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا، لَا تُحْبَسُ مَعَهُ وَفِيهِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ، وَغَيْرِهَا إذَا خِيفَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ اسْتَحْسَنَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنْ تُحْبَسَ مَعَهُ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 377 مِنْ وَطْءِ جَارِيَتِهِ لَوْ فِيهِ خَلْوَةٌ (وَلَا يَخْرُجُ لِجُمُعَةٍ وَلَا جَمَاعَةٍ وَلَا لِحَجِّ فَرْضٍ) فَغَيْرُهُ أَوْلَى (وَلَا لِحُضُورِ جِنَازَةٍ وَلَوْ) كَانَ (بِكَفِيلٍ) زَيْلَعِيٌّ وَفِي الْخُلَاصَةِ يَخْرُجُ بِكَفِيلِ الْجِنَازَةِ أُصُولُهُ وَفُرُوعُهُ وَلَا غَيْرُهُمْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (وَلَوْ مَرِضَ مَرَضًا أَضْنَاهُ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَخْدُمُهُ يَخْرُجُ بِكَفِيلٍ وَإِلَّا لَا) بِهِ يُفْتَى وَلَا يُخْرَجَ لِمُعَالَجَةٍ وَكَسْبٍ قِيلَ وَلَا يَتَكَسَّبُ فِيهِ، وَلَوْ لَهُ دُيُونٌ خَرَجَ لِيُخَاصِمَ ثُمَّ يُحْبَسُ خَانِيَّةٌ. (وَلَا يُضْرَبُ) الْمَحْبُوسُ إلَّا فِي ثَلَاثَةٍ: إذَا امْتَنَعَ عَنْ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ   [رد المحتار] وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا إذَا حَبَسَتْهُ وَكَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ وَيُخْشَى عَلَيْهَا فِعْلُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُرَاقِبًا لَهَا يَكُونُ مَظِنَّةَ أَنَّ حَبْسَهَا لَهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ لَا لِمُجَرَّدِ اسْتِيفَاءِ حَقِّهَا مِنْهُ، فَلَهُ حَبْسُهَا مَعَهُ، أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِحَبْسِهَا مَعَهُ وَهَذَا مَحْمِلُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ: مِنْ وَطْءِ جَارِيَتِهِ) وَكَذَا زَوْجَتُهُ كَمَا مَرَّ وَقِيلَ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَيْسَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْخُلَاصَةِ يَخْرُجُ بِكَفِيلٍ) هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي نَقْلِ عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ وَنَقَلَ عَنْهَا فِي الْبَحْرِ يَخْرُجُ الْكَفِيلُ فَكَأَنَّهُ سَقَطَتْ الْبَاءُ مِنْ نُسْخَتِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ، وَكَذَا الرَّمْلِيُّ وَقَالَ أَيْضًا: وَالْعَجَبُ أَنَّ الْبَزَّازِيَّ وَقَعَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْكَفِيلَ يَخْرُجُ لِجِنَازَةِ الْوَالِدَيْنِ إلَخْ الَّذِي فِي فَتَاوَى الْقَاضِي يَعْنِي قَاضِي خَانْ يَخْرُجُ بِالْكَفِيلِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إبْطَالُ حَقِّ آدَمِيٍّ بِلَا مُوجِبٍ نَعَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَنْ يَقُومُ بِحُقُوقِ دَفْنِهِ فَعَلَ ذَلِكَ وَسُئِلَ مُحَمَّدٌ عَمَّا إذَا مَاتَ وَالِدَاهُ أَيَخْرُجُ؟ فَقَالَ لَا اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مُخَالِفٌ لِنَصِّ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ نَصَّ مُحَمَّدٍ فِي الْمَدْيُونِ أَصَالَةٌ وَالْكَلَامُ فِي الْكَفِيلِ اهـ. وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ فِي نُسْخَةِ الْخُلَاصَةِ مِنْ التَّحْرِيفِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَدْيُونِ وَكَفِيلِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ: يَخْرُجُ بِكَفِيلٍ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ يَخْرُجُ إنْ كَانَ يَمُوتُ بِسَبَبِ عَدَمِ الْمُمَرِّضِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مُفْضِيًا لِلتَّسَبُّبِ فِي هَلَاكِهِ اهـ وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِدْ كَفِيلًا يَخْرُجُ لَكِنْ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ كَفِيلًا لَا يُطْلِقُهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَخْدُمُهُ لَا يُخْرَجُ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ هَذَا إذَا كَانَ الْغَالِبُ هُوَ الْهَلَاكُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُخْرِجُهُ، وَالْهَلَاكُ فِي السِّجْنِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ، وَالْفَتْوَى عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ مِنَحٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ: لِمُعَالَجَةٍ) أَيْ لِمُدَاوَاةِ مَرَضِهِ لِإِمْكَانِ ذَلِكَ فِي السِّجْنِ. (قَوْلُهُ: قِيلَ وَلَا يَتَكَسَّبُ فِيهِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي أَكْثَرِهَا بَلْ وَلَا يَتَكَسَّبُ فِيهِ وَهِيَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِقِيلِ يُفِيدُ الضَّعْفَ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ الْأَصَحَّ الْمَنْعُ، وَفِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ عَنْ السَّرَخْسِيِّ أَنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ مَشْرُوعٌ لِيَضْجَرَ، وَمَتَى تَمَكَّنَ مِنْ الِاكْتِسَابِ لَا يَضْجَرُ، فَيَكُونُ السِّجْنُ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَانُوتِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَهُ دُيُونٌ خَرَجَ لِيُخَاصِمَ ثُمَّ يُحْبَسُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ آخَرُ بِدَيْنٍ يَخْرُجُ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى فَإِنْ أَثْبَتَهُ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ أُعِيدَ فِي الْحَبْسِ لِأَجَلِهِمَا سَائِحَانِيٌّ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. (قَوْله: إذَا امْتَنَعَ عَنْ كَفَّارَةِ) لِأَنَّ حَقَّ الْمَرْأَةِ فِي الْجِمَاعِ يَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ أَشْبَاهٌ، وَاعْتَرَضَهُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّ حَقَّهَا فِيهِ قَضَاءٌ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً اهـ. قُلْت: هَذِهِ الْمَرَّةُ لِأَجْلِ انْتِفَاءِ الْعُنَّةِ وَالتَّفْرِيقِ بِهَا وَإِلَّا فَلَهَا حَقٌّ فِي الْوَطْءِ بَعْدَهَا؛ وَلِذَا حَرُمَ الْإِيلَاءُ مِنْهَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِمُضِيِّ مُدَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ، وَكَذَا فِي الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ فَلِذَا ظَهَرَ فِيهِ الْمُطَالَبَةُ بِالْعَوْدِ إلَيْهَا وَيُضْرَبُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ وَإِنْ كَانَ لَا يُضْرَبُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ عَنْهَا بِغَيْرِ سَبَبٍ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالْإِنْفَاقُ عَلَى قَرِيبِهِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى كَفَّارَةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَالْقَسْمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَافْهَمْ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي النَّفَقَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْقَرِيبِ يُضْرَبُ وَلَا يُحْبَسُ، وَمِثْلُهُ فِي الْقَسْمِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي آخِرِ النَّفَقَةِ أَنَّهُ تَابَعَ الْبَحْرَ فِي نَقْلِ ذَلِكَ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَأَنَّ الَّذِي فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ يُحْبَسُ سَوَاءٌ كَانَ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ، بِخِلَافِ الْمُمْتَنِعِ مِنْ الْقَسْمِ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ وَلَا يُحْبَسُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ مَتْنًا وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ التَّكْفِيرِ مَعَ قُدْرَتِهِ يُضْرَبُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 378 وَالْإِنْفَاقِ عَلَى قَرِيبِهِ وَالْقَسْمِ بَيْنَ نِسَائِهِ بَعْدَ وَعْظِهِ وَالضَّابِطُ مَا يَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ لَا إلَى خُلْفٍ أَشْبَاهٌ، قُلْت: وَيُزَادُ مَا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ: وَإِنْ فَرَّ يُضْرَبُ دُونَ قَيْدٍ تَأَدُّبًا ... وَتَطْيِينُ بَابِ الْحَبْسِ فِي الْعَنَتِ يُذْكَرُ (وَلَا يُغَلُّ) إلَّا إذَا خَافَ فِرَارَهُ فَيُقَيَّدُ أَوْ يُحَوَّلُ لِسِجْنِ اللُّصُوصِ وَهَلْ يُطَيَّنُ الْبَابُ؟ الرَّأْيُ فِيهِ لِلْقَاضِي بَزَّازِيَّةٌ (وَلَا يُجَرَّدُ وَلَا يُؤَاجَرُ) وَعَنْ الثَّانِي يُؤْجَرُهُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ (وَلَا يُقَامُ بَيْنَ يَدَيْ صَاحِبِ الْحَقِّ إهَانَةً) لَهُ وَلَوْ كَانَ بِبَلَدٍ لَا قَاضِيَ فِيهَا لَازَمَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا حَتَّى يَأْخُذَ حَقَّهُ جَوَاهِرُ الْفَتَاوَى. (وَتَعْيِينُ مَكَانِهِ) أَيْ مَكَانَ الْحَبْسِ عِنْدَ عَدَمِ إرَادَةِ صَاحِبِ الْحَقِّ (لِلْقَاضِي إلَّا إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي مَكَانًا آخَرَ) فَيُجِيبُهُ لِذَلِكَ قُنْيَةٌ وَأَفْتَى الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِقَارِئِ الْهِدَايَةِ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ لَا لِلْقَاضِي اهـ، وَفِي النَّهْرِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُجَابَ لَوْ طَلَبَ حَبْسَهُ فِي مَكَانِ اللُّصُوصِ وَنَحْوِهِ. [فَرْعٌ] فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَيُجْعَلُ لِلنِّسَاءِ سِجْنٌ عَلَى حِدَةٍ نَفْيًا لِلْفِتْنَةِ. (وَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ لِلْمُدَّعِي) وَلَوْ دَانِقًا وَهُوَ سُدُسُ دِرْهَمٍ (بِبَيِّنَةٍ عَجَّلَ حَبْسَهُ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي) لِظُهُورِ الْمَطْلِ بِإِنْكَارِهِ (وَإِلَّا) بِبَيِّنَةٍ بَلْ بِإِقْرَارٍ (لَمْ يُعَجِّلْ) حَبْسَهُ بَلْ يَأْمُرُهُ بِالْأَدَاءِ   [رد المحتار] وَكَذَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى قَرِيبِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالضَّابِطُ) أَيْ لِمَا يُضْرَبُ فِيهِ الْمَحْبُوسُ فَإِنَّهُ بِالِامْتِنَاعِ عَمَّا ذُكِرَ يَفُوتُ الْوَاجِبُ لَا إلَى خَلَفٍ فَإِنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ تَسْقُطُ بِالْمُضِيِّ وَلَوْ مَقْضِيًّا بِهَا أَوْ مُتَرَاضِيًا عَلَيْهَا وَكَذَا الْوَطْءُ وَالْقَسْمُ يَفُوتَانِ بِالْمُضِيِّ. (قَوْلُهُ: مَا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ) الشَّرْطُ الثَّانِي لِشَارِحِهَا غَيَّرَ فِيهِ نَظْمَ الْأَصْلِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ فَرَّ) أَيْ مِنْ الْحَبْسِ. (قَوْلُهُ: فِي الْعَنَتِ يُذْكَرُ) أَيْ إذَا كَانَ مُتَعَنِّتًا لَا يُؤَدِّي الْمَالَ، وَقِيلَ يُطَيِّنُ عَلَيْهِ الْبَابَ وَيَتْرُكُ لَهُ ثَقْبَهُ يُلْقِي لَهُ الْخُبْزَ وَالْمَاءَ وَقِيلَ: الرَّأْيُ فِيهِ لِلْقَاضِي وَهُوَ مَا يَذْكُرُهُ قَرِيبًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُغَلُّ) أَيْ لَا يُوضَعُ لَهُ الْغُلُّ بِالضَّمِّ وَهُوَ طَوْقٌ مِنْ حَدِيدٍ يُوضَعُ فِي الْعُنُقِ جَمْعُهُ أَغْلَالٌ كَقُفْلٍ وَأَقْفَالٍ مِصْبَاحٌ، وَأَمَّا الْقَيْدُ فَمَا يُوضَعُ فِي الرِّجْلِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُجَرَّدُ) أَيْ مِنْ ثِيَابِهِ فِي الْحَبْسِ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ الثَّانِي) عِبَارَةُ النَّهْرِ وَلَا يُؤْجَرُ خِلَافًا لِمَا عَنْ الثَّانِي. (قَوْلُهُ: لَا قَاضِيَ فِيهَا) بِأَنْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ مِنَحٌ عَنْ الْجَوَاهِرِ. (قَوْلُهُ: لَازَمَهُ) وَلَا يَمْنَعُهُ عَنْ الِاكْتِسَابِ وَالدُّخُولِ إلَى بَيْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ لَهُ الْمَنْعَ وَالْحَبْسَ وَغَيْرَهُ مِنَحٌ عَنْ الْجَوَاهِرِ. (قَوْلُهُ: قُنْيَةٌ) عِبَارَتُهَا ادَّعَى عَلَى بِنْتِهِ مَالًا وَأَمَرَ الْقَاضِي بِحَبْسِهَا فَطَلَبَ الْأَبُ مِنْهُ أَنْ يَحْبِسَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ غَيْرِ السِّجْنِ حَتَّى لَا يُضَيِّعَ عِرْضَهُ يُجِيبُهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ وَكَذَا فِي كُلِّ مُدَّعٍ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَفْتَى الْمُصَنِّفُ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْمِنَحِ عِبَارَةَ قَارِئِ الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ: وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يُعَيِّنُ مَكَانَ الْحَبْسِ عِنْدَ عَدَمِ إرَادَةِ صَاحِبِ الْحَقِّ أَمَّا لَوْ طَلَبَ صَاحِبُ الْحَقِّ مَكَانًا فَالْعِبْرَةُ فِي ذَلِكَ لَهُ اهـ (قَوْلُهُ: وَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ لِلْمُدَّعِي) أَيْ عِنْدَ الْقَاضِي كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُحَكَّمَ لَا يَحْبِسُ، قَالَ فِي الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَهُ نَهْرٌ، لَكِنْ نَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ لَهُ الْحَبْسَ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ دَانِقًا) فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَيُحْبَسُ فِي دِرْهَمٍ وَفِي أَقَلَّ مِنْهُ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ ظُلْمَهُ يَتَحَقَّقُ بِمَنْعِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: بِبَيِّنَةٍ) أَوْ بِنُكُولٍ بَحْرٌ عَنْ الْقَلَانِسِيِّ. (قَوْلُهُ: عَجَّلَ حَبْسَهُ) إلَّا إذَا ادَّعَى الْفَقْرَ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ دَعْوَاهُ ط. (قَوْلُهُ: بِطَلَبِ الْمُدَّعِي) ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَهُوَ قَيْدٌ لَازِمٌ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ: لَمْ يُعَجِّلْ حَبْسَهُ) ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ جَزَاءُ الْمُمَاطَلَةِ وَلَمْ يُعْرَفْ كَوْنُهُ مُمَاطِلًا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ فَلَعَلَّهُ طَمِعَ فِي الْإِمْهَالِ فَلَمْ يَسْتَصْحِبْ الْمَالَ فَإِذَا امْتَنَعَ بَعْدَ ذَلِكَ حَبَسَهُ لِظُهُورِ مَطْلِهِ هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: بَلْ يَأْمُرُهُ بِالْأَدَاءِ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ هَذَا بِمَا لَمْ يَتَمَكَّنْ الْقَاضِي مِنْ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ كَمَا إذَا ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِ أَوْ وَدِيعَةً لَهُ عِنْدَهُ، وَبَرْهَنَ أَنَّهَا هِيَ الَّتِي فِي يَدِهِ أَوْ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ، وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ فَوَجَدَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 379 فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ، وَعَكَسَهُ السَّرَخْسِيُّ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْكَنْزِ وَالدُّرَرِ وَاسْتَحْسَنَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَالْأَوَّلُ مُخْتَارُ الْهِدَايَةِ وَالْوِقَايَةِ وَالْمَجْمَعِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا اهـ. قُلْت: وَفِي مُنْيَةٍ لَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ يُحْبَسُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ وَبِالْإِقْرَارِ يُحْبَسُ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ دُونَ الْأُولَى فَلْيَكُنْ التَّوْفِيقُ (وَيُحْبَسُ) الْمَدْيُونُ   [رد المحتار] مَعَهُ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ الْعَيْنَ مِنْهُ وَمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، وَيَدْفَعُهُ إلَى الْمَالِكِ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَى أَمْرِهِ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالُوا: إنَّ رَبَّ الدَّيْنِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمَدْيُونُ فَالْقَاضِي أَوْلَى نَهْرٌ وَتَبِعَهُ الْحَمَوِيُّ وَغَيْرُهُ ط. قُلْت: لَكِنْ كَوْنُهُ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى أَمْرِهِ بِالدَّفْعِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَتَحَقَّقُ لَهُ وِلَايَةُ أَخْذِ مَالِ الْمَدْيُونِ، وَقَضَاءُ دِينِهِ بِهِ إلَّا بَعْدَ الِامْتِنَاعِ عَنْ فِعْلِ الْمَدْيُونِ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ، فَيُقَالُ إنَّمَا يَحْبِسُهُ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ الْقَاضِي إلَخْ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ) فَلَوْ قَالَ أَمْهِلْنِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِأَدْفَعَهُ إلَيْك فَإِنَّهُ يُمْهَلُ وَلَمْ يَكُنْ بِهَذَا الْقَوْلِ مُمْتَنِعًا مِنْ الْأَدَاءِ وَلَا يُحْبَسُ شَرْحُ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ شَرْحِ الْهِدَايَةِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي، وَلَوْ قَالَ أَبِيعُ عَرْضِي وَأَقْضِي دَيْنِي إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَعَكَسَهُ السَّرَخْسِيُّ) وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ لَا يَحْبِسُهُ لِأَوَّلِ وَهْلَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَذِرُ بِأَنِّي مَا كُنْت أَعْلَمُ أَنَّ عَلَيَّ دَيْنًا لَهُ بِخِلَافِهِ بِالْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِالدَّيْنِ وَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى أَحْوَجَهُ إلَى شَكْوَاهُ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْكَنْزِ) حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ لِلْمُدَّعِي أَمَرَهُ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ، فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ وَعِبَارَةُ مَتْنِ الدُّرَرِ أَصْرَحُ: وَهِيَ وَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ عَلَى الْخَصْمِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَتِهِ أَمَرَهُ بِدَفْعِهِ إلَخْ، وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ وَلَا يُحْبَسُ الْغَرِيمُ فِي أَوَّلِ مَا يُقَدِّمُهُ إلَى الْقَاضِي، وَلَكِنْ يَقُولُ لَهُ قُمْ فَارْضِهِ فَإِنْ عَادَ بِهِ إلَيْهِ حَبَسَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَاسْتَحْسَنَهُ الزَّيْلَعِيُّ) حَيْثُ قَالَ وَالْأَحْسَنُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا أَيْ فِي الْكَنْزِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِيفَاءِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُوَفِّيَ فَلَا يُعَجِّلُ بِحَبْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ حَالُهُ بِالْأَمْرِ وَالْمُطَالَبَةِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا) صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ، وَقَالَ إنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا رِوَايَةٌ. قُلْت: لَكِنْ سَمِعْت عِبَارَةَ كَافِي الْحَاكِمِ، وَهُوَ الْجَامِعُ لِكُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَّا أَنَّ عِبَارَتَهُ ظَاهِرُهَا التَّسْوِيَةُ، فَيُمْكِنُ إرْجَاعُهَا إلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَلْيَكُنْ التَّوْفِيقُ) لَمْ يَظْهَرْ لَنَا وَجْهُهُ عَلَى أَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي لَمْ أَجِدْهُ فِيهَا، بَلْ عِبَارَتُهَا هَكَذَا وَلَا يَحْبِسُهُ فِي أَوَّلِ مَا يَتَقَدَّمُ إلَيْهِ وَيَقُولُ لَهُ قُمْ فَارْضِهِ فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ حَبَسَهُ اهـ. وَهِيَ عِبَارَةُ الْكَافِي الْمَارَّةِ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضُهُمْ نَبَّهَ عَلَى مَا ذَكَرْته (قَوْلُهُ: وَيُحْبَسُ الْمَدْيُونُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا ادَّعَى دَيْنًا وَأَثْبَتَهُ يُؤْمَرُ الْمَدْيُونُ بِدَفْعِهِ، فَإِنْ أَبَى وَطَلَبَ الْمُدَّعِي حَبْسَهُ وَهُوَ غَنِيٌّ يُحْبَسُ، ثُمَّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ ثَمَنًا وَنَحْوَهُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ، فِي الْمَتْنِ وَادَّعَى الْمَدْيُونُ الْفَقْرَ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ مِمَّا ذَكَرَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ فَقْرِهِ، فَيُحْبَسُ إلَّا إذَا كَانَ فَقْرُهُ ظَاهِرًا كَمَا سَيَأْتِي وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ وَادَّعَى الْفَقْرَ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَلَا يُحْبَسُ إلَى آخِرِ مَا سَيَجِيءُ. [تَنْبِيهٌ] أَطْلَقَ الْمَدْيُونَ فَشَمِلَ الْمُكَاتَبَ وَالْعَبْدَ الْمَأْذُونَ وَالصَّبِيَّ الْمَحْجُورَ فَإِنَّهُمْ يُحْبَسُونَ، لَكِنَّ الصَّبِيَّ لَا يُحْبَسُ بِدَيْنِ اسْتِهْلَاكٍ بَلْ يُحْبَسُ وَالِدُهُ أَوْ وَصِيُّهُ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا أَمَرَ الْقَاضِي رَجُلًا بِبَيْعِ مَالِهِ فِي دَيْنِهِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَحْرٌ. قُلْت: وَحُبِسَ وَالِدُهُ أَوْ وَصِيُّهُ بِدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ كَانَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ وَامْتَنَعَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ مِنْ بَيْعِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَلَا حَبْسَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ آخِرِ الْعِبَارَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْقَوْلُ لَهُ إنَّهُ فَقِيرٌ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الِاسْتِهْلَاكِ مِمَّا لَا يُحْبَسُ بِهِ إذَا ادَّعَى الْفَقْرَ كَمَا يَأْتِي وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ آخِرَ الْبَابِ نَظْمًا مَنْ لَا يُحْبَسُ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ لِلثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورِينَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 380 (فِي) كُلِّ دَيْنٍ هُوَ بَدَلُ مَالٍ أَوْ مُلْتَزَمٌ بِعَقْدٍ، دُرَرٌ وَمَجْمَعٌ وَمُلْتَقَى مِثْلُ (الثَّمَنِ) وَلَوْ لِمَنْفَعَةٍ كَالْأُجْرَةِ (وَالْقَرْضِ) وَلَوْ الذِّمِّيَّ (وَالْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ وَمَا لَزِمَهُ بِكَفَالَةٍ) وَلَوْ بِالدَّرَكِ أَوْ كَفِيلِ الْكَفِيلِ وَإِنْ كَثُرُوا، بَزَّازِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ هَذَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ   [رد المحتار] (قَوْلُهُ: فِي كُلِّ دَيْنٍ هُوَ بَدَلُ مَالٍ) كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَبَدَلِ الْقَرْضِ وَقَوْلُهُ: أَوْ مُلْتَزَمٍ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ، وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ كَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ لَا غِنَاءَ عَمَّا قَبْلَهُ، زَادَ فِي الْبَحْرِ مِنْ الْقَلَانِسِيِّ، وَفِي كُلِّ عَيْنٍ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ الَّتِي عَزَاهَا الشَّارِحُ إلَى الدُّرَرِ، وَالْمَجْمَعِ وَالْمُلْتَقَى أَصْلُهَا لِلْقُدُورِيِّ عَدَلَ عَنْهَا صَاحِبُ الْكَنْزِ إلَى قَوْلٍ فِي الثَّمَنِ وَالْقَرْضِ وَالْمَهْرِ وَالْمُعَجَّلِ، وَمَا الْتَزَمَهُ بِالْكَفَالَةِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ لِوَجْهَيْنِ. نَبَّهَ عَلَيْهِمَا فِي النَّهْرِ: الْأَوَّلُ أَنَّ قَوْلَهُ بَدَلُ مَالٍ يَدْخُلُ فِيهِ بَدَلُ الْمَغْصُوبِ وَضَمَانُ الْمُتْلَفَاتِ، وَالثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ مُلْتَزَمٍ بِعَقْدٍ يَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا مَا الْتَزَمَهُ بِعَقْدِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْخُلْعِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إذَا ادَّعَى الْفَقْرَ اهـ وَصَرَّحَ الشَّارِحُ بَعْدُ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يُحْبَسُ فِيهَا فَكَانَ عَلَيْهِ عَدَمُ ذِكْرِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَلَكِنْ مَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُرَادَ بَدَلُ مَالٍ حَصَلَ فِي يَدِ الْمَدْيُونِ، كَمَا سَيَأْتِي فَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى الْوَفَاءِ بِخِلَافِ مَا اسْتَهْلَكَهُ مِنْ الْغَصْبِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ يُحْبَسُ فِي الصُّلْحِ وَالْخُلْعِ كَمَا تَعْرِفُهُ، فَالْأَحْسَنُ مَا فَعَلَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ لِيُفِيدَ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الَّتِي فِي الْمَتْنِ غَيْرُ قَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ فَافْهَمْ، لَكِنَّ الشَّارِحَ نَقَضَ هَذَا فِيمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ كَمَا تَعْرِفُهُ. (قَوْلُهُ: مِثْلُ الثَّمَنِ) شَمِلَ الثَّمَنُ مَا عَلَى الْمُشْتَرِي وَمَا عَلَى الْبَائِعِ بَعْدَ فَسْخِ الْبَيْعِ بَيْنَهُمَا بِإِقَالَةٍ أَوْ خِيَارٍ، وَشَمِلَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ وَمَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ أَوْ لَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: كَالْأُجْرَةِ) لِأَنَّهَا ثَمَنُ الْمَنَافِعِ بَحْرٌ فَإِنَّ الْمَنْفَعَةَ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَالٍ لَكِنَّهَا تَتَقَوَّمُ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ لِلضَّرُورَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِذِمِّيٍّ) يَرْجِعُ إلَى الثَّمَنِ وَالْقَرْضِ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ عَقِبَ قَوْلِهِ وَيُحْبَسُ الْمَدْيُونُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّ الْمُسْلِمَ يُحْبَسُ بِدَيْنِ الذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ وَعَكْسُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمَهْرُ الْمُعَجَّلُ) أَيْ مَا شُرِطَ تَعْجِيلُهُ أَوَتُعُورِفَ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَمَا لَزِمَهُ بِكَفَالَةٍ) اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ كَفِيلٌ أَصْلُهُ كَمَا لَوْ كَفَلَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُحْبَسُ مُطْلَقًا لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ حَبْسِ الْأَبِ مَعَهُ وَفِيهِ كَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ فِي الْكَفَالَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِالدَّرَكِ) وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ بِالثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ، وَهَذَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ أَخْذًا مِنْ إطْلَاقِ الْكَفَالَةِ ثُمَّ قَالَ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا. (قَوْلُهُ: أَوْ كَفِيلَ الْكَفِيلِ) بِالنَّصْبِ خَبَرٌ لِكَانَ الْمُقَدَّرَةِ بَعْدَ لَوْ فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْمُبَالَغَةِ: أَيْ وَلَوْ كَانَ كَفِيلَ الْكَفِيلِ فَدَخَلَ تَحْتَ الْمُبَالَغَةِ الْأَصِيلُ وَكَفِيلُهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ، وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى حَبْسِ الْكَفِيلِ وَالْأَصِيلِ مَعًا الْكَفِيلُ بِمَا الْتَزَمَهُ، وَالْأَصِيلُ بِمَا لَزِمَهُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ، وَلِلْكَفِيلِ بِالْأَمْرِ حَبْسُ الْأَصِيلِ إذَا حُبِسَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ يَتَمَكَّنُ الْمَكْفُولُ لَهُ مِنْ حَبْسِ الْكَفِيلِ، وَالْأَصِيلِ وَكَفِيلِ الْكَفِيلِ وَإِنْ كَثُرُوا اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ) أَيْ لِأَنَّ الْكَفِيلَ الْتَزَمَ الْمَالَ بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ وَكَذَا كَفِيلُهُ، وَقَوْلُهُ كَالْمَهْرِ أَيْ فَإِنَّ الزَّوْجَ الْتَزَمَهُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ لَكِنَّهُ مُلْتَزَمٌ بِعَقْدٍ، وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ لِثُبُوتِ حَبْسِهِ بِمَا ذَكَرَ، وَإِنْ ادَّعَى الْفَقْرَ فَإِنَّ الْتِزَامَهُ ذَلِكَ بِالْعَقْدِ دَلِيلُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَلْتَزِمُ مَا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَيُحْبَسُ وَإِنْ ادَّعَى الْفَقْرَ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُتَنَاقِضِ لِوُجُودِ دَلَالَةِ الْيَسَارِ وَظَهَرَ بِهِ وَجْهُ حَبْسِهِ أَيْضًا بِالثَّمَنِ وَالْقَرْضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْمَالُ بِيَدِهِ ثَبَتَ غِنَاهُ بِهِ أَفَادَ ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَالْأَخِيرُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْأَصْلِ فَإِنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ فِي يَدِهِ. (قَوْلُهُ: هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ) الْإِشَارَةُ إلَى مَا فِي الْمَتْنِ مِنْ أَنَّهُ يُحْبَسُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ ادَّعَى الْفَقْرَ وَهَذَا أَحَدُ خَمْسَةِ أَقْوَالٍ ثَانِيهَا: مَا فِي الْخَانِيَّةِ ثَالِثُهَا: الْقَوْلُ لِلْمَدْيُونِ فِي الْكُلِّ: أَيْ فِي الْأَرْبَعَةِ وَفِي غَيْرِهَا مِمَّا يَأْتِي رَابِعُهَا لِلدَّائِنِ فِي الْكُلِّ خَامِسُهَا أَنَّهُ يُحَكِّمُ الزِّيَّ أَيْ الْهَيْئَةَ إلَّا الْفُقَهَاءَ وَالْعَلَوِيَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَزَيَّوْنَ بِزِيِّ الْأَغْنِيَاءِ وَإِنْ كَانُوا فُقَرَاءَ صِيَانَةً لِمَاءِ وَجْهِهِمْ كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 381 خِلَافًا لِفَتْوَى قَاضِي خَانْ لِتَقْدِيمِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ عَلَى الْفَتَاوَى بَحْرٌ فَلْيُحْفَظْ. نَعَمْ عَدُّهُ فِي الِاخْتِيَارِ لِبَدَلِ الْخُلْعِ هُنَا خَطَأٌ، فَتَنَبَّهْ وَزَادَ الْقَلَانِسِيُّ أَنَّهُ يُحْبَسُ أَيْضًا فِي كُلِّ عَيْنٍ تَسْلِيمُهَا كَالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ إذَا تَعَارَضَ مَا فِي الْمُتُونِ وَالْفَتَاوَى فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمُتُونِ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِفَتْوَى قَاضِي خَانْ) حَيْثُ قَالَ: إنْ كَانَ الدَّيْنُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ كَالْقَرْضِ، وَثَمَنِ الْمَبِيعِ فَالْقَوْلُ لِلْمُدَّعِي، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَدَلُ مَالٍ فَالْقَوْلُ لِلْمَدْيُونِ اهـ، وَعَلَيْهِ فَلَا يُحْبَسُ فِي الْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ خِلَافُ مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ أَنَّهُ أَيْ مَا فِي الْهِدَايَةِ الْمَذْهَبُ الْمُفْتَى بِهِ. فَقَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ فِيمَا الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ وَلَمْ يَكُنْ بَدَلٌ وَالْعَمَلُ عَلَى مَا فِي الْمُتُونِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ مَا فِي الْمُتُونِ وَالْفَتَاوَى، فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمُتُونِ كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ، وَكَذَا يُقَدَّمُ مَا فِي الشُّرُوحِ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى اهـ، قُلْت: وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ نَقَلَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ عَدُّهُ فِي الِاخْتِيَارِ لِبَدَلِ الْخُلْعِ هُنَا خَطَأٌ) عَدُّهُ بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ وَاللَّامُ فِي لِبَدَلِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَخَطَأٌ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَبَدَلِ بِالْكَافِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَقَوْلُهُ: هُنَا: أَيْ فِيمَا يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ لِلْمُدَّعِي كَالْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ، وَعِبَارَةُ الِاخْتِيَارِ هَكَذَا، وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي هُوَ مُوسِرٌ وَهُوَ يَقُولُ أَنَا مُعْسِرٌ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَعْرِفُ يَسَارَهُ أَوْ كَانَ الدَّيْنُ بَدَلَ مَالٍ كَالثَّمَنِ وَالْقَرْضِ، أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ، وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَنَحْوِهِ حَبَسَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاءُ مَا حَصَلَ فِي يَدِهِ وَالْتِزَامُهُ يَدُلُّ عَلَى الْقُدْرَةِ إلَخْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَمِنْ التَّخْطِئَةِ أَصْلُهَا لِلطَّرَسُوسِيِّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهِمَا وَأَقَرُّوهُ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ غَيْرُ وَارِدٍ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الطَّرَسُوسِيَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ اخْتِلَافِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْفَقْرِ وَعَدَمِهِ وَنَقَلَ عِبَارَاتِ الْكُتُبِ مِنْهَا كِتَابُ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ لِلطَّحَاوِيِّ أَنَّ كُلَّ دَيْنٍ أَصْلُهُ مِنْ مَالٍ وَقَعَ فِي يَدِ الْمَدْيُونِ كَأَثْمَانِ الْبِيَاعَاتِ وَالْقُرُوضِ وَنَحْوِهَا حَبَسَهُ وَمَا لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ كَذَلِكَ كَالْمَهْرِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَحْبِسْهُ حَتَّى يُثْبِتَ مَلَاءَتَهُ اهـ، وَنُقِلَ نَحْوُهُ عَنْ مَتْنِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ عَنْ السِّغْنَاقِيِّ وَغَيْرِهِ حِكَايَةَ قَوْلٍ آخَرَ أَيْضًا، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ دَيْنٍ لَزِمَهُ بِعَقْدٍ فَالْقَوْلُ فِيهِ لِلْمُدَّعِي وَكُلُّ دَيْنٍ لَزِمَهُ حُكْمًا لَا بِمُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ فَالْقَوْلُ فِيهِ لِلْمَدْيُونِ قَالُوا: وَهَذَا الْقَوْلُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَا ثَبَتَ بَدَلًا عَنْ مَالٍ أَوْ لَا. ثُمَّ إنَّ الطَّرَسُوسِيَّ قَالَ: إنَّ صَاحِبَ الِاخْتِيَارِ أَخْطَأَ، حَيْثُ جَعَلَ بَدَلَ الْخُلْعِ كَالثَّمَنِ وَالْقَرْضِ فِي أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ لِلْمُدَّعِي، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ لِلطَّحَاوِيِّ وَمَتْنِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ بَدَلًا عَنْ مَالٍ، هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِ وَإِذَا أَمْعَنْت النَّظَرَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَلَامٌ سَاقِطٌ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ وَمَتْنِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي مَرَّ عَنْ قَاضِي خَانْ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ السِّغْنَاقِيِّ وَغَيْرِهِ هُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْقُدُورِيُّ، وَنَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الدُّرَرِ وَالْمَجْمَعِ وَالْمُلْتَقَى، فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ اُعْتُبِرَ فِي كَوْنِ الْقَوْلِ لِلْمُدَّعِي كَوْنَ الدَّيْنِ بَدَلًا عَنْ مَالٍ حَصَلَ فِي يَدِ الْمَدْيُونِ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ كَوْنَهُ بِعَقْدٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَهْرَ وَبَدَلَ الْخُلْعِ وَالصُّلْحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَإِنْ كَانَ بِعَقْدٍ لَكِنَّهُ لَيْسَ بَدَلَ مَالٍ، فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ لِلْمُدَّعِي بَلْ لِلْمَدْيُونِ فَلَا يُحْبَسُ فِيهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: اعْتَبَرَ كَوْنَ الدَّيْنِ مُلْتَزَمًا بِعَقْدٍ سَوَاءٌ كَانَ بَدَلَ مَالِ أَوْ غَيْرَهُ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخُلْعَ مُلْتَزَمٌ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ لِلْمُدَّعِيَّ، وَاَلَّذِينَ صَرَّحُوا بِأَنَّ بَدَّلَ الْخُلْعِ لَا يُحْبَسُ فِيهِ الْمَدْيُونُ هُمْ أَهْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَجَعَلُوهُ كَالْمَهْرِ لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَيْسَ بَدَلَ مَالٍ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ صَاحِبَ الِاخْتِيَارِ مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ الثَّانِي فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ الْعَقْدَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ، فَلِذَا جُعِلَ الْقَوْلُ لِلْمُدَّعِيَّ فِي الْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ وَالْخُلْعِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ عَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 382 (لَا) يُحْبَسُ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَا ذَكَرَ وَهُوَ تِسْعُ صُوَرٍ: بَدَلُ خُلْعٍ وَمَغْصُوبٍ وَمُتْلَفٍ وَدَمِ عَمْدٍ وَعِتْقِ حَظِّ شَرِيكٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَنَفَقَةِ قَرِيبٍ وَزَوْجَةٍ   [رد المحتار] دَمِ الْعَمْدِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِعَقْدٍ وَحِينَئِذٍ فَاعْتِرَاضُ الطَّرَسُوسِيِّ عَلَى صَاحِبِ الِاخْتِيَارِ بِمَا حَكَاهُ أَهْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ سَاقِطٌ، فَإِنَّ صَاحِبَ الِاخْتِيَارِ لَمْ يَقُلْ بِقَوْلِهِمْ، حَتَّى يُعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَلْ قَالَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي كَبَقِيَّةِ أَصْحَابِ الْمُتُونِ، غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ عَلَى الْمُتُونِ التَّصْرِيحَ بِالْخُلْعِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْعَقْدِ وَتَبِعَهُ فِي الدُّرَرِ، كَيْفَ وَصَاحِبُ الِاخْتِيَارِ إمَامٌ كَبِيرٌ مِنْ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ، وَمِنْ أَصْحَابِ الْمُتُونِ الْمُعْتَبَرَةِ وَأَمَّا الطَّرَسُوسِيُّ، فَلَقَدْ صَدَقَ فِيهِ قَوْلُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ فَافْهَمْ وَاغْنَمْ تَحْقِيقَ هَذَا الْجَوَابِ، فَإِنَّك لَا تَجِدُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مُلْهِمِ الصَّوَابِ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ رَأَيْت فِي مُخْتَصَرِ أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ لِلزُّهَيْرِيِّ رَدًّا عَلَى الطَّرَسُوسِيِّ بِنَحْوِ مَا قُلْنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. (قَوْلُهُ: لَا يُحْبَسُ فِي غَيْرِهِ) أَيْ إنْ ادَّعَى الْفَقْرَ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: بَدَلُ خُلْعٍ) الصَّوَابُ إسْقَاطُهُ كَمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: وَمَغْصُوبٍ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى خُلْعٍ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ أَيْ وَبَدَلُ مَغْصُوبٍ: أَيْ إذَا ثَبَتَ اسْتِهْلَاكُهُ لِلْمَغْصُوبِ، وَلَزِمَهُ بَدَلُهُ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ الْمِثْلِ وَادَّعَى الْفَقْرَ لَا يُحْبَسُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَالٌ دَخَلَ فِي يَدِهِ، لَكِنَّهُ بِاسْتِهْلَاكِهِ لَمْ يَبْقَ فِي يَدِهِ حَتَّى يَدُلَّ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِيفَاءِ بِخِلَافِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ، فَإِنَّ الْمَبِيعَ دَخَلَ فِي يَدِهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ كَمَا مَرَّ فَلِذَا يُحْبَسُ فِيهِ وَبِخِلَافِ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ الْقَادِرِ عَلَى تَسْلِيمِهَا، فَإِنَّهُ يُحْبَسُ أَيْضًا عَلَى تَسْلِيمِهَا كَمَا قَدَّمَهُ آنِفًا عَنْ تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا هُنَا قَالَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَقَوْلُهُمْ: أَوْ ضَمَانُ الْمَغْصُوبِ مَعْنَاهُ: إذَا اعْتَرَفَ بِالْغَصْبِ وَقَالَ: إنَّهُ فَقِيرٌ وَتَصَادَقَا عَلَى الْهَلَاكِ أَوْ حُبِسَ لِأَجْلِ الْعِلْمِ بِالْهَلَاكِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلْغَاصِبِ فِي الْعُسْرَةِ هَكَذَا ذَكَرَهُ السِّغْنَاقِيُّ وَتَاجُ الشَّرِيعَةِ وَحُمَيْدَ الدِّينِ الضَّرِيرِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَمُتْلَفٍ) أَيْ وَبَدَلُ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ أَمَانَةٍ وَنَحْوِهَا. (قَوْلُهُ: وَدَمِ عَمْدٍ) أَيْ بَدَلُ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ عَمْدٍ قَالَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ عَمْدًا فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ فَادَّعَى أَنَّهُ فَقِيرٌ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْقَاتِلِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَدَلًا عَنْ مَالٍ، وَمَا صَرَّحَ بِهَذِهِ أَحَدٌ سِوَى الطَّحَاوِيِّ فِي اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ صَحِيحٌ مُوَافِقٌ لِلْقَوَاعِدِ، وَدَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِمْ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيُشْكِلُ جَعْلُهُمْ الْقَوْلَ فِيهِ لِلْمَدْيُونِ مَعَ أَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ اهـ. أَقُولُ: لَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْعَقْدِ، وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ كَوْنُ الدَّيْنِ بَدَلًا عَنْ مَالٍ وَقَعَ فِي يَدِ الْمَدْيُونِ كَمَا عَلِمْته مِمَّا نَقَلْنَاهُ سَابِقًا مِنْ عِبَارَةِ الطَّحَاوِيِّ، وَهَذَا الْقَوْلُ وَهُوَ الَّذِي مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْقُدُورِيُّ وَصَاحِبُ الِاخْتِيَارِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِ الْمُتُونِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا كَانَ بَدَلًا عَنْ مَالٍ أَوْ مُلْتَزَمًا بِعَقْدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَدَلًا عَنْ مَالٍ، فَلَا شَكَّ فِي دُخُولِ هَذِهِ الصُّورَةِ فِي الْعَقْدِ، فَتَكُونُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الَّذِي يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهَا كَالْمَهْرِ وَإِنَّمَا يُشْكِلُ الْأَمْرُ لَوْ صَرَّحَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ بَدَلَ دَمِ الْعَمْدِ يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ لِلْمَدْيُونِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ أَحَدٌ إلَّا الطَّحَاوِيُّ الْقَائِلُ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ، فَعَلِمْنَا أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْعَقْدُ أَصْلًا فَمُعَارَضَةُ أَهْلِ الْقَوْلِ الثَّانِي بِهَذَا الْقَوْلِ غَيْرُ وَارِدَةٍ وَالْإِشْكَالُ سَاقِطٌ كَمَا قَرَّرْنَا نَظِيرَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الصَّوَابَ إسْقَاطُ هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا وَذِكْرُهَا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: وَعِتْقِ حَظِّ شَرِيكٍ) أَيْ لَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ شَرِيكَيْ عَبْدٍ حِصَّتَهُ مِنْهُ بِلَا إذْنِ الْآخَرِ وَاخْتَارَ الْآخَرُ تَضْمِينَهُ فَادَّعَى الْمُعْتِقُ الْفَقْرَ فَالْقَوْلُ لَهُ؛ لِأَنَّ تَضْمِينَهُ لَمْ يَجِبْ بَدَلًا عَنْ مَالٍ وَقَعَ فِي يَدِهِ، وَلَا مُلْتَزَمًا بِعَقْدٍ حَتَّى يَكُونَ دَلِيلَ قُدْرَتِهِ بَلْ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ ضَمَانُ إتْلَافٍ. (قَوْلُهُ: وَأَرْشُ جِنَايَةٍ) هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مَرْفُوعٌ عَطْفًا عَلَى: بَدَلُ لَا عَلَى خُلْعٍ الْمَجْرُورِ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ هُوَ بَدَلُ الْجِنَايَةِ وَالْمُرَادُ أَرْشُ جِنَايَةٍ مُوجِبُهَا الْمَالُ دُونَ الْقِصَاصِ. (قَوْلُهُ: وَنَفَقَةُ قَرِيبٍ وَزَوْجَةٍ) أَيْ نَفَقَةُ مُدَّةٍ مَاضِيَةٍ مَقْضِيٌّ بِهَا أَوْ مُتَرَاضًى عَلَيْهَا، لَكِنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ تَسْقُطُ بِالْمُضِيِّ إلَّا إذَا كَانَتْ مُسْتَدَانَةً بِالْأَمْرِ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 383 وَمُؤَجَّلِ مَهْرٍ، قُلْت: ظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعْدَ طَلَاقٍ وَفِي نَفَقَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ يَثْبُتُ الْيَسَارُ بِالْإِخْبَارِ هُنَا بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ، لَكِنْ أَفْتَى ابْنُ نُجَيْمٍ بِأَنَّ الْقَوْلَ لَهُ بِيَمِينِهِ مَا لَمْ يَثْبُتْ غِنَاهُ فَرَاجِعْهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمَدْيُونُ: لَيْسَ بَدَلَ مَالِ وَقَالَ الدَّائِنُ: إنَّهُ ثَمَنُ مَتَاعٍ فَالْقَوْلُ لِلْمَدْيُونِ مَا لَمْ يُبَرْهِنْ رَبُّ الدَّيْنِ طَرْسُوسِيٌّ بَحْثًا وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ. [فَرْعٌ] لَا يُحْبَسُ فِي دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ، وَكَذَا لَا يُمْنَعُ مِنْ السَّفَرِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَإِنْ بِعُذْرٍ لَهُ السَّفَرُ مَعَهُ، فَإِذَا حَلَّ مَنَعَهُ حَتَّى يُوفِيَهُ بَدَائِعُ، وَقَدَّمْنَاهُ فِي الْكَفَالَةِ (إنْ ادَّعَى) الْمَدْيُونُ (الْفَقْرَ) إذْ الْأَصْلُ الْعُسْرَةُ (إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ غَرِيمُهُ عَلَى غِنَاهُ) أَيْ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى الْوَفَاءِ وَلَوْ بِاقْتِرَاضٍ أَوْ بِتَقَاضِي غَرِيمِهِ (فَيَحْبِسُهُ) حِينَئِذٍ (بِمَا رَأَى) وَلَوْ يَوْمًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ   [رد المحتار] مَسْأَلَةَ النَّفَقَةِ. (قَوْلُهُ: وَمُؤَجَّلُ مَهْرٍ) اسْتَشْكَلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ أَيْ فَيَكُونُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، لَكِنْ جَوَابُهُ أَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ عَدَمَ مُطَالَبَتِهِ بِهِ فِي الْحَالِ لَمْ يَدُلَّ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُعَجَّلِ شَرْطًا أَوْ عُرْفًا. (قَوْلُهُ: قُلْت ظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعْدَ طَلَاقٍ) هَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ لَا يُطَالَبُ بِهِ فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ حَبْسُهُ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَفِي نَفَقَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) الْأَنْسَبُ ذِكْرُ هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ الْآتِي إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ غَرِيمُهُ عَلَى غِنَاهُ، وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ عَلَى يَسَارِهِ، وَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ مِنْ جِيرَانِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ. وَإِنْ سَأَلَ كَانَ حَسَنًا، فَإِنْ سَأَلَ فَأَخْبَرَهُ عَدْلَانِ بِيَسَارِهِ ثَبَتَ الْيَسَارُ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ الْيَسَارُ بِالْإِخْبَارِ، وَإِنْ قَالَا سَمِعْنَا أَنَّهُ مُوسِرٌ أَوْ بَلَغَنَا ذَلِكَ لَا يَقْبَلُهُ الْقَاضِي اهـ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ إلَخْ) فَإِنَّ قَوْلَهُ مَا لَمْ يَثْبُتْ غِنَاهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ كَوْنُهُ بِالشَّهَادَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الثُّبُوتُ فِي دَيْنِ النَّفَقَةِ بِالْإِخْبَارِ فِي غَيْرِهِ بِالْإِشْهَادِ فَعِبَارَتُهُ غَيْرُ مُعَيِّنَةٍ ط. قُلْت: لَكِنْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِيَ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ نَعَمْ عِبَارَةُ الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ لَكِنْ قَيَّدَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِالْبَيِّنَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لِلْمَدْيُونِ) أَيْ فَلَا يُحْبَسُ إنْ ادَّعَى الْفَقْرَ. (قَوْلُهُ: وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ) وَكَذَا فِي الْبَحْرِ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ لِإِنْكَارِهِ مَا يُوجِبُ حَبْسَهُ. (قَوْلُهُ: لَا يُحْبَسُ فِي دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ) لِأَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَعُدَ) أَيْ السَّفَرُ بِحَيْثُ يَحِلُّ الْأَجَلُ قَبْلَ قُدُومِهِ. (قَوْلُهُ: وَقَدَّمْنَاهُ فِي الْكَفَالَةِ) أَيْ فِي آخِرِهَا وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ تَرْجِيحَ إلْزَامِهِ بِإِعْطَاءِ كَفِيلٍ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: إنْ ادَّعَى الْفَقْرَ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ لَا يُحْبَسُ فِي غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: إذْ الْأَصْلُ الْعُسْرَةُ) لِأَنَّ الْآدَمِيَّ يُولَدُ فَقِيرًا لَا مَالَ لَهُ، وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَمْرًا عَارِضًا فَكَانَ الْقَوْلُ لِصَاحِبِهِ مَعَ يَمِينِهِ مَا لَمْ يُكَذِّبْهُ الظَّاهِرُ، إلَّا أَنْ يُثْبِتَ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ لَهُ مَالًا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَيْ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى الْوَفَاءِ) أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْغِنَى مِلْكَ النِّصَابِ؛ لِأَنَّهُ يُحْبَسُ فِيمَا دُونَهُ أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِاقْتِرَاضٍ) فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ وَجَدَ الْمَدْيُونُ مَنْ يُقْرِضُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ ظَالِمٌ، وَفِي كَرَاهِيَةِ الْقُنْيَةِ لَوْ كَانَ لِلْمَدْيُونِ حِرْفَةٌ تُفْضِي إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ فَامْتَنَعَ مِنْهَا لَا يُعْذَرُ اهـ، وَكُلٌّ مِنْ الْفَرْعَيْنِ يَنْبَغِي تَخْرِيجُهُ عَلَى مَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُهُ فَإِذَا ادَّعَى فِي الْمَهْرِ الْمُؤَجَّلِ مَثَلًا أَنَّهُ مُعْسِرٌ وَوَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ، أَوْ كَانَ لَهُ حِرْفَةٌ تُوفِيهِ فَلَمْ يَفْعَلْ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ جَزَاءُ الظُّلْمِ، وَأَمَّا مَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُهُ: فَظُلْمُهُ فِيهِ ثَابِتٌ قَبْلَ وُجُودِ مَنْ يُقْرِضُهُ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِتَقَاضِي غَرِيمِهِ) بِأَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ عَلَى غَرِيمٍ مُوسِرٍ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: فَإِنْ حُبِسَ غَرِيمُهُ الْمُوسِرُ لَا يُحْبَسُ، وَفِيهَا وَلَوْ كَانَ لِلْمَحْبُوسِ مَالٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ يُطْلِقُهُ بِكَفِيلٍ اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَحْبِسُهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ قَامَ الْبُرْهَانُ عَلَى غِنَاهُ فِي هَذَا الْقِسْمِ، وَبِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْمُدَّعِي غِنَاهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ يَوْمًا) أَخَذَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ. (قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ) صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحَبْسِ الضَّجَرُ وَالتَّسَارُعُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَأَحْوَالُ النَّاسِ فِيهِ مُتَفَاوِتَةٌ وَمُقَابِلُهُ رِوَايَةُ تَقْدِيرِهِ بِشَهْرَيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 384 بَلْ فِي شَهَادَاتِ الْمُلْتَقَطِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا كَانَ الْمُعْسِرُ مَعْرُوفًا بِالْعُسْرَةِ لَمْ أَحْبِسْهُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ فَقْرُهُ ظَاهِرًا سَأَلَ عَنْهُ عَاجِلًا وَقِيلَ بَيِّنَتُهُ عَلَى إفْلَاسِهِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ نَهْرٌ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الْمَدْيُونُ حَلَّفَهُ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنِّي مُعْسِرٌ أَجَابَهُ الْقَاضِي، فَإِنْ حَلَفَ حَبَسَهُ بِطَلَبِهِ وَإِنْ نَكَلَ خَلَّاهُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. قُلْت: قَدَّمْنَا أَنَّ الرَّأْيَ لِمَنْ لَهُ مَلَكَةُ الِاجْتِهَادِ فَتَنَبَّهْ (ثُمَّ) بَعْدَ حَبْسِهِ بِمَا يَرَاهُ لَوْ حَالُهُ مُشْكِلًا عِنْدَ الْقَاضِي وَإِلَّا عَمِلَ بِمَا ظَهَرَ بَحْرٌ، وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ (سَأَلَ عَنْهُ) احْتِيَاطًا لَا وُجُوبًا وَمِنْ جِيرَانِهِ وَيَكْفِي عَدْلٌ بِغَيْبَةِ دَائِنٍ، وَأَمَّا الْمَسْتُورُ فَإِنْ وَافَقَ قَوْلُهُ رَأْيَ الْقَاضِي عَمِلَ بِهِ وَإِلَّا لَا، أَنْفَعُ الْوَسَائِلِ بَحْثًا وَلَا يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْخَصْمِ وَلَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ إلَّا إذَا تَنَازَعَا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ قُهُسْتَانِيٌّ.   [رد المحتار] أَوْ ثَلَاثَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ بِأَرْبَعَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ بِنِصْفِ حَوْلٍ. (قَوْلُهُ: لَمْ أَحْبِسْهُ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ ثَمَنًا أَوْ قَرْضًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ، وَهُوَ أَيْضًا مُقْتَضَى عِبَارَةِ شَرْحِ الِاخْتِيَارِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ فَقْرُهُ ظَاهِرًا إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ قَوْلَهُ فَيَحْبِسُهُ بِمَا يَرَى إنَّمَا هُوَ حَيْثُ كَانَ حَالُهُ مُشْكِلًا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ بَعْدَهُ وَفِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ قَالَ مُحَمَّدٌ بَعْدَ ذِكْرِ التَّقْدِيرِ هَذَا إذَا أَشْكَلَ عَلَى أَمْرِهِ أَفَقِيرٌ أَمْ غَنِيٌّ وَإِلَّا سَأَلْت عَنْهُ عَاجِلًا، وَيَعْنِي إذَا كَانَ ظَاهِرَ الْفَقْرِ أَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِفْلَاسِ وَأُخَلِّي سَبِيلَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ الْمَدْيُونُ) أَيْ بِمَا أَصْلُهُ ثَمَنٌ وَنَحْوُهُ؛ إذْ الْقِسْمُ الثَّانِي الْقَوْلُ فِيهِ لِلْمَدْيُونِ أَنَّهُ مُعْسِرٌ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَحْلِيفِ الدَّائِنِ نَعَمْ يَتَأَتَّى فِيهِ أَيْضًا إذَا أَثْبَتَ يَسَارَهُ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ إذْ لَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي بَعْدَ الْبَيِّنَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: قُلْت قَدَّمْنَا إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَيَحْبِسُهُ بِمَا رَأَى وَقَدَّمَ الشَّارِحُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ، وَلَا يُخَيَّرُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ فِي هَذَا الْقُهُسْتَانِيَّ قَالَ ح أَقُولُ مِثْلُ هَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا كَمَا لَا يَخْفَى اهـ أَيْ فَإِنَّ مَا يَقْتَضِيهِ حَالُ ذَلِكَ الْمَدْيُونِ مِنْ قَدْرِ مُدَّةِ حَبْسِهِ الَّتِي يَظْهَرُ فِيهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَأَظْهَرُهُ يَسْتَوِي فِي عِلْمِ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ وَغَيْرِهِ بِدُونِ تَوَقُّفٍ عَلَى الْعِلْمِ بِاللُّغَةِ وَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَتْنًا وَسَنَدًا كَمَا لَا يَخْفَى، فَالظَّاهِرُ حَمْلُ مَا قَالُوهُ فِيمَا يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي مِنْ الْأَحْكَامِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ بَعْدَ حَبْسِهِ إلَخْ) الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي سَأَلَ عَنْهُ وَقَوْلُهُ: لَوْ حَالُهُ مُشْكِلًا قَيْدٌ لِقَوْلِهِ حَبَسَهُ بِمَا يَرَاهُ وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا بِأَنْ كَانَ فَقْرُهُ ظَاهِرًا وَهَذَا كُلُّهُ يُغْنِي عَنْهُ مَا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: احْتِيَاطًا لَا وُجُوبًا) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْإِعْسَارِ شَهَادَةٌ بِالنَّفْيِ فَكَانَ لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَسْأَلَ وَيَعْمَلَ بِرَأْيِهِ، وَلَكِنْ لَوْ سَأَلَ مَعَ هَذَا كَانَ أَحْوَطَ زَيْلَعِيٌّ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِلَّا فَبَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الَّتِي يَغْلِبُ ظَنُّ الْقَاضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ دَفَعَهُ وَجَبَ إطْلَاقُهُ إنْ لَمْ يُقِمْ الْمُدَّعِي بَيِّنَةَ يَسَارِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى سُؤَالٍ. (قَوْلُهُ: وَيَكْفِي عَدْلٌ) وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُخْبِرُ إنَّ حَالُ الْمُعْسِرِينَ فِي نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وَحَالُهُ ضَيِّقَةٌ وَقَدْ اخْتَبَرْنَا فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَقَيَّدَ سَمَاعَ هَذِهِ الشَّهَادَةِ بِمَا بَعْدَ الْحَبْسِ وَمُضِيِّ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ الْحَبْسِ لَا تُقْبَلُ فِي الْأَصَحِّ كَمَا يَأْتِي، وَكَذَا قَبْلَ الْمُدَّةِ الَّتِي يَرَاهَا الْقَاضِي كَمَا سَنَذْكُرُهُ. (قَوْلُهُ: بِغَيْبَةِ دَائِنٍ) أَيْ يَكْفِي ذَلِكَ فِي غَيْبَةِ الدَّائِنِ، فَلَا يُشْتَرَطُ لِسَمَاعِهَا حَضْرَتُهُ لَكِنْ إذَا كَانَ غَائِبًا سَمِعَهَا وَأَطْلَقَهُ بِكَفِيلٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَسَيَأْتِي مَعَ زِيَادَةِ مَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِوَقْفٍ أَوْ يَتِيمٍ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَسْتُورُ إلَخْ) فِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْخَصْمِ) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ بِغَيْبَةِ دَائِنٍ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا تَنَازَعَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَقَيَّدَ فِي النِّهَايَةِ الِاكْتِفَاءَ بِالْوَاحِدَةِ بِمَا إذَا لَمْ تَقَعْ خُصُومَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ كَأَنْ ادَّعَى الْمَحْبُوسُ الْإِعْسَارَ وَرَبُّ الدَّيْنِ يَسَارَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْإِعْسَارِ اهـ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ، قُلْت: وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ مَا مَرَّ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِعَدْلٍ لَا شَكَّ أَنَّهُ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ إذْ لَوْ اعْتَرَفَ الْمُدَّعِي بِفَقْرِ الْمَحْبُوسِ أَوْ اعْتَرَفَ الْمَحْبُوسُ بِغِنَاهُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى سُؤَالٍ وَلَا إلَى إخْبَارٍ، ثُمَّ رَأَيْت فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ نَقْلَ عِبَارَةِ النِّهَايَةِ الْمَارَّةِ بِزِيَادَةٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 385 قُلْت: لَكِنَّهَا بِالْإِعْسَارِ لِلنَّفْيِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ؛ وَلِذَا لَمْ يَجِبْ السُّؤَالُ، أَنْفَعُ الْوَسَائِلِ فَتَنَبَّهْ (فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ خَلَّاهُ) بِلَا كَفِيلٍ إلَّا فِي ثَلَاثٍ مَالُ يَتِيمٍ وَوَقْفٌ وَإِذَا كَانَ الدَّائِنُ غَائِبًا ثُمَّ لَا يَحْبِسُهُ ثَانِيًا لَا لِلْأَوَّلِ وَلَا لِغَيْرِهِ حَتَّى يُثْبِتَ غَرِيمُهُ غِنَاهُ بَزَّازِيَّةٌ وَفِي الْقُنْيَةِ بَرْهَنَ الْمَحْبُوسُ عَلَى إفْلَاسِهِ فَأَرَادَ الدَّائِنُ إطْلَاقَهُ قَبْلَ تَفْلِيسِهِ فَعَلَى الْقَاضِي الْقَضَاءُ بِهِ حَتَّى لَا يُعِيدَهُ الدَّائِنُ ثَانِيًا.   [رد المحتار] وَهِيَ فَإِنْ شَهِدَا بِأَنَّهُ مُعْسِرٌ خَلَّى سَبِيلَهُ وَلَا تَكُونُ هَذِهِ شَهَادَةً عَلَى النَّفْيِ فَإِنَّ الْإِعْسَارَ بَعْدَ الْيَسَارِ أَمْرٌ حَادِثٌ فَتَكُونُ شَهَادَةً بِأَمْرٍ حَادِثٍ لَا بِالنَّفْيِ اهـ، فَأَفَادَ أَنَّ هَذِهِ الْخُصُومَةَ بِإِعْسَارٍ حَادِثٍ يَعْنِي إذَا أَرَادَ حَبْسَهُ فِيمَا يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ لِلْمُدَّعَى بِيَسَارِهِ أَوْ فِي الْقِسْمِ الْآخَرِ وَبَرْهَنَ عَلَى يَسَارِهِ بِإِرْثٍ مِنْ أَبِيهِ مُنْذُ شَهْرٍ مَثَلًا، وَهُوَ ادَّعَى إعْسَارًا حَادِثًا فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِصَابِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ صَحِيحَةٌ لِوُقُوعِهَا عَلَى أَمْرٍ حَادِثٍ لَا عَلَى النَّفْيِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى أَنَّهُ مُعْسِرٌ، فَإِنَّهَا قَامَتْ عَلَى نَفْيِ الْيَسَارِ الَّذِي يُحْبَسُ بِسَبَبِهِ لَا عَلَى إعْسَارٍ حَادِثٍ بَعْدَهُ أَوْ الْمُرَادُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى إعْسَارِهِ بَعْدَ حَبْسِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ الَّتِي يَظْهَرُ فِيهَا لِلْقَاضِي عُسْرَتُهُ، لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّ سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ الْمُدَّةِ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: قُلْت لَكِنَّهَا إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالْعَدْلِ فِي قَوْلِهِ: وَيَكْفِي عَدْلٌ فَقَدْ نَقَلَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ يَسْأَلُ عَنْهُ الثِّقَاتِ وَالْوَاحِدُ يَكْفِي، وَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ ثُمَّ نَقَلَ عِبَارَةَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْمَارَّةِ ثُمَّ قَالَ فَقَوْلُهُ: أَيْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ هَذَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَهَذَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَأَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَسْأَلَ يُؤَيِّدُ قَوْلَنَا إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي هَذَا الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهَا تُشْتَرَطُ فِي أَمْرٍ وَاجِبٍ أَوْ فِي إثْبَاتِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي اشْتِرَاطِهَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ إخْرَاجُهُ بِلَا سُؤَالِ أَحَدٍ عَنْهُ إلَخْ وَأَرَادَ بِذَلِكَ الرَّدَّ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ قَيَّدَ بِالْعَدْلِ فِي قَوْلِهِ: وَالْعَدْلُ الْوَاحِدُ يَكْفِي وَإِثْبَاتُ أَنَّ الْمَسْتُورَ الْوَاحِدَ يَكْفِي دُونَ الْفَاسِقِ، ثُمَّ قَالَ وَالْأَحْسَنُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ رَأْيُ الْقَاضِي مُوَافِقًا لِقَوْلِ هَذَا الْمَسْتُورِ فِي الْعُسْرَةِ يُقْبَلُ وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي رَأْيٌ فِي عُسْرَةِ الْمَحْبُوسِ أَوْ يُسْرٍ بِهِ فَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُخْبِرِ عَدْلًا اهـ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ. قُلْت: قَدْ رَجَعَ إلَى مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلْقَاضِي رَأْيٌ فِي عُسْرَتِهِ بِأَنْ ظَهَرَ لَهُ حَالُهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَاهِدٍ أَصْلًا، بَلْ لَهُ إخْرَاجُهُ بِلَا سُؤَالٍ، وَالْأَحْوَطُ السُّؤَالُ مِنْ عَدْلٍ لِيَتَحَقَّقَ بِهِ مَا رَآهُ الْقَاضِي وَلَا يَكُونُ بِمُجَرَّدِ رَأْيِهِ، وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْمَارِّ وَكَذَا مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بَعْدَهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِقَوْلِ ذَلِكَ الْعَدْلِ إذَا خَالَفَ رَأْيَهُ، وَإِذَا وَافَقَ قَوْلُ الْمُخْبِرِ رَأْيَ الْقَاضِي لَا شَكَّ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ مَسْتُورًا فَعُلِمَ أَنَّ كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي رَأْيٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ وَإِذَا مَضَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ وَاحْتَاجَ الْقَاضِي إلَى مَعْرِفَةِ حَالِهِ سَأَلَ الثِّقَاتِ مِنْ جِيرَانِهِ وَأَصْدِقَائِهِ إلَخْ، فَقَوْلُهُ وَاحْتَاجَ دَلِيلُ أَنَّهُ لَا رَأْيَ لَهُ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ الطَّرَسُوسِيُّ وَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَا تُشْتَرَطُ عَدَالَةٌ وَلَا غَيْرُهَا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي الْعَمَلُ بِرَأْيِهِ وَإِخْرَاجُ الْمَحْبُوسِ بِلَا سُؤَالٍ، وَبِهِ ظَهَرَ سُقُوطُ هَذَا الْبَحْثِ مِنْ أَصْلِهِ فَافْهَمْ وَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ. (قَوْلُهُ: وَلِذَا لَمْ يَجِبْ السُّؤَالُ) أَيْ سُؤَالُ الْقَاضِي عَنْ حَالَ الْمَحْبُوسِ وَإِنَّمَا يَسْأَلُ احْتِيَاطًا كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ خَلَّاهُ) أَيْ أَطْلَقَهُ مِنْ الْحَبْسِ جَبْرًا عَلَى الدَّائِنِ نَهْرٌ إنَّ إطْلَاقَهُ بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ لَا يَكُونُ ثُبُوتًا، حَتَّى لَا يَجُوزَ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْقَاضِي ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّهُ مُعْسِرٌ، وَلَا يَنْقُلُ ثُبُوتَهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ بَلْ هَذَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الْقَاضِي، أَنْفَعُ الْوَسَائِلِ، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَوَقَفَ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا إلْحَاقًا بِالْيَتِيمِ. (قَوْلُهُ: فَعَلَى الْقَاضِي الْقَضَاءُ بِهِ) أَيْ إذَا أَبَى الْمَحْبُوسُ أَنْ يَخْرُجَ حَتَّى يَقْضِيَ بِإِفْلَاسِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يُعِيدَهُ الدَّائِنُ ثَانِيًا) أَيْ قَبْلَ ظُهُورِ غِنَاهُ بَحْرٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ لَا يُعِيدَهُ قَاضٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ ظَهَرَ لَهُ حَالُهُ فَكَيْفَ يُعِيدُهُ إلَى الْحُبْسِ بَلْ لَا يُعِيدُهُ لَا لِهَذَا الدَّائِنِ وَلَا لِغَيْرِهِ حَتَّى يَثْبُتَ غِنَاهُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 386 فَرْعٌ] أَحْضَرَ الْمَحْبُوسُ الدَّيْنَ وَغَابَ رَبُّهُ يُرِيدُ تَطْوِيلَ حَبْسِهِ إنْ عَلِمَهُ وَقَدْرَهُ أَخَذَهُ أَوْ كَفِيلًا وَخَلَّاهُ، خَانِيَّةٌ وَفِي الْأَشْبَاهِ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُ الْمَحْبُوسِ إلَّا بِرِضَا خَصْمِهِ إلَّا إذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ أَوْ أَحْضَرَ الدَّيْنَ لِلْقَاضِي فِي غَيْبَةِ خَصْمِهِ. (وَلَوْ قَالَ) مَنْ يُرَادُ حَبْسُهُ (أَبِيعُ عَرْضِي وَأَقْضِي دَيْنِي أَجَّلَهُ الْقَاضِي) يَوْمَيْنِ أَوْ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا يَحْبِسُهُ) لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ (وَلَوْ لَهُ عَقَارٌ يَحْبِسُهُ) أَيْ (لِيَبِيعَهُ وَيَقْضِي الدَّيْنَ) الَّذِي عَلَيْهِ (وَلَوْ بِثَمَنٍ قَلِيلٍ) بَزَّازِيَّةٌ وَسَيَجِيءُ تَمَامُهُ فِي الْحَجْرِ (وَلَمْ يَمْنَعْ غُرَمَاءَهُ عَنْهُ) عَلَى الظَّاهِرِ فَيُلَازِمُونَهُ نَهَارًا لَا لَيْلًا إلَّا أَنْ يَكْتَسِبَ فِيهِ وَيَسْتَأْجِرَ لِلْمَرْأَةِ مَرْأَةً تُلَازِمُهَا مُنْيَةٌ.   [رد المحتار] الْمَذْكُورَةِ وَأَيْضًا إذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ الْحَادِثُ بِشَهَادَةٍ تَامَّةٍ بَعْدَ خُصُومَةٍ كَمَا مَرَّ فَلَيْسَ لِقَاضٍ آخَرَ حَبْسُهُ ثَانِيًا فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ ثُبُوتًا فَيَتَعَدَّى بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَهُ بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ تَأَمَّلْ وَقَدَّمَ الشَّارِحُ فِي الْوَقْفِ فِي صُوَرِ مَنْ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ غَيْرِهِ عُدَّ مِنْهَا الْمَدْيُونُ إذَا أَثْبَتَ إعْسَارَهُ فِي وَجْهِ أَحَدِ الْغُرَمَاءِ. (قَوْلُهُ: يُرِيدُ تَطْوِيلَ حَبْسِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ، وَإِلَّا فَفِي غَيْبَتِهِ تَطْوِيلُ حَبْسِهِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ؛ وَلِذَا لَمْ يُقَيِّدُ بِذَلِكَ فِي عِبَارَةِ الْأَشْبَاهِ الْآتِيَةِ أَفَادَ ط. (قَوْلُهُ: وَقَدْرَهُ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي عَلِمَهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ كَفِيلًا) أَيْ بِالْمَالِ أَوْ النَّفْسِ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ) الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ إلَّا وَعَطْفُهُ بِأَوْ وَالْمُرَادُ بِالثُّبُوتِ الظُّهُورُ وَلَوْ بِرَأْيِ الْقَاضِي أَوْ إخْبَارِ عَدْلٍ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: أَبِيعُ عَرْضِي) اُنْظُرْ مَا فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالْعَرْضِ، فَإِنَّ الْعَقَارَ كَذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَمْهِلْنِي ثَلَاثًا لِأَدْفَعهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَدْفَعَهُ بِبَيْعِ عَرْضٍ أَوْ عَقَارٍ أَوْ بِاسْتِقْرَاضٍ أَوْ اسْتِيهَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَا دَاعِيَ إلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْمُقَيَّدِ هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ) أَيْ لِاخْتِبَارِ مُدَّعِيهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْهَمْزَةَ لِلسَّلْبِ وَالْإِبْلَاءُ بِمَعْنَى الْإِفْنَاءِ أَيْ لِإِزَالَةِ الْأَعْذَارِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ بَعْدَهَا فَالثَّلَاثَةُ تُبْلِي الْأَعْذَارَ وَتُفْنِيهَا ط. (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ تَمَامُهُ فِي الْحَجْرِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هُنَاكَ وَالْقَاضِي يَحْبِسُ الْحُرَّ الْمَدْيُونَ لِيَبِيعَ مَالَهُ لِدَيْنِهِ وَقَضَى دَرَاهِمَ دَيْنِهِ مِنْ دَرَاهِمِهِ يَعْنِي بِلَا أَمْرِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ دَنَانِيرَ وَبَاعَ دَنَانِيرَهُ بِدَرَاهِمِ دَيْنِهِ وَبِالْعَكْسِ اسْتِحْسَانًا لِاتِّحَادِهِمَا فِي الثَّمَنِيَّةِ لَا يَبِيعُ الْقَاضِي عَرْضَهُ وَلَا عَقَارَهُ لِلدَّيْنِ خِلَافًا لَهُمَا، وَبِهِ أَيْ بِقَوْلِهِمَا يَبِيعُهُمَا لِلدَّيْنِ يُفْتَى، اخْتِيَارٌ وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ وَيَبِيعُ كُلَّ مَا لَا يَحْتَاجُهُ لِلْحَالِ اهـ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْبَيْعِ يَبِيعُ عَلَيْهِ الْقَاضِي عَرْضَهُ وَعَقَارَهُ وَغَيْرَهُمَا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفَرَّعَ عَلَى صِحَّةِ الْحَجْرِ أَنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ دَسْتُ مِنْ الثِّيَابِ وَيُبَاعُ الْبَاقِي وَتُبَاعُ الْحَسَنَةُ وَيُشْتَرَى لَهُ الْكِفَايَةُ وَيُبَاعُ كَانُونُ الْحَدِيدِ وَيُشْتَرَى لَهُ مِنْ طِينٍ وَيُبَاعُ فِي الصَّيْفِ مَا يَحْتَاجُهُ لِلشِّتَاءِ وَعَكْسُهُ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَمْنَعْ غُرَمَاءَهُ عَنْهُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ خَلَّاهُ وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ عَقِبَهُ. (قَوْلُهُ: عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ بَحْرٌ. مَطْلَبٌ فِي مُلَازَمَةِ الْمَدْيُونِ. (قَوْلُهُ: فَيُلَازِمُونَهُ إلَخْ) قَالَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ: وَبَعْدَمَا خَلَّى الْقَاضِي سَبِيلَهُ فَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يُلَازِمَهُ فِي الصَّحِيحِ، وَأَحْسَنُ الْأَقَاوِيلِ فِي الْمُلَازَمَةِ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: يُلَازِمُهُ فِي قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَى أَهْلِهِ وَلَا مِنْ الْغَدَاءِ وَالْعِشَاءِ وَالْوُضُوءِ وَالْخَلَاءِ وَلَهُ أَنْ يُلَازِمَهُ بِنَفْسِهِ وَإِخْوَانِهِ وَوَلَدِهِ مِمَّنْ أَحَبَّ اهـ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: لَا لَيْلًا) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتِ الْكَسْبِ فَلَا يُتَوَهَّمُ وُقُوعُ الْمَالِ فِي يَدِهِ فَالْمُلَازَمَةُ لَا تُفِيدُ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ وَيَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْمُلَازَمَةُ فِي وَقْتٍ لَا يُتَوَهَّمُ وُقُوعُ الْمَالِ فِي يَدِهِ فِيهِ كَمَا لَوْ كَانَ مَرِيضًا مَثَلًا تَأَمَّلْ وَأَنَّهُ لَيْسَ مُلَازَمَتُهُ لَيْلًا عَلَى قَصْدِ الْإِضْجَارِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا بَعْدَ ظُهُورِ عُسْرَتِهِ وَتَخْلِيَتِهِ مِنْ الْحَبْسِ وَالْعِلَّةُ فِي الْمُلَازَمَةِ إمْكَانُ قُدْرَتِهِ عَلَى الْوَفَاءِ بَعْدَ تَخْلِيَتِهِ فَيُلَازِمُهُ كَيْ لَا يُخْفِيَهُ. (قَوْلُهُ: وَيَسْتَأْجِرُ لِلْمَرْأَةِ مَرْأَةً تَلَازُمُهَا مُنْيَةٌ) عِبَارَةُ مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 387 فَرْعٌ] لَوْ اخْتَارَ الْمَطْلُوبُ الْحَبْسَ وَالطَّالِبُ الْمُلَازَمَةَ فَفِي حَجْرِ الْهِدَايَةِ يُخَيَّرُ الطَّالِبُ إلَّا لِضَرَرٍ، وَكَلَّفَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ وَلِلطَّالِبِ مُلَازَمَتُهُ بِلَا أَمْرِ قَاضٍ لَوْ مُقِرًّا بِحَقِّهِ. (وَلَا يُقْبَلُ بُرْهَانُهُ عَلَى إفْلَاسِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ) لِقِيَامِهَا عَلَى النَّفْيِ وَصَحَّحَهُ عَزْمِي زَادَهْ وَصَحَّحَ غَيْرُهُ قَبُولَهَا وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ رَأْيُهُ كَمَا مَرَّ فَإِنْ عُلِمَ إعْسَارُهُ قَبْلَهَا وَإِلَّا لَا نَهْرٌ فَلْيُحْفَظْ   [رد المحتار] امْرَأَةً قِيلَ يَسْتَأْجِرُ امْرَأَةً تَلَازُمُهَا وَقِيلَ لَهُ أَنْ يُلَازِمَهَا وَيَجْلِسَ مَعَهَا وَيَقْبِضَ عَلَى ثِيَابِهَا بِالنَّهَارِ، أَمَّا بِاللَّيْلِ فَتُلَازِمُهَا النِّسَاءُ فَإِنْ هَرَبَتْ وَدَخَلَتْ خَرِبَةً لَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ الرَّجُلُ إذَا كَانَ يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ وَيَكُونُ بَعِيدًا مِنْهَا وَيَحْفَظُهَا بِعَيْنِهِ اهـ، وَنَقَلَ الثَّانِيَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ لَهُ ضَرُورَةً فِي هَذِهِ الْخَلْوَةِ، أَيْ الْخَلْوَةِ بِالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ. (قَوْلُهُ: إلَّا لِضَرَرٍ) عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ إلَّا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ بِالْمُلَازَمَةِ يَدْخُلُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ، بِأَنْ لَا يُمَكِّنَهُ مِنْ دُخُولِ دَارِهِ فَحِينَئِذٍ يَحْبِسُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِيمَنْ لَمْ يَظْهَرْ لِلْقَاضِي عُسْرَتُهُ بَعْدَ حَبْسِهِ وَإِلَّا فَكَيْفَ يُحْبَسُ ثَانِيًا بِلَا ظُهُورِ غِنَاهُ أَوْ هُوَ مَفْرُوضٌ فِيمَا قَبْلَ الْحَبْسِ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: وَكَلَّفَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ) الْأَوْلَى بِكَفِيلٍ بِالْبَاءِ وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ، وَإِنَّ فِي مُلَازَمَتِهِ ذَهَابَ قُوَّتِهِ وَعِيَالِهِ أَكْلَفَهُ أَنْ يُقِيمَ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ ثُمَّ يُخَلِّي سَبِيلَهُ (قَوْلُهُ: وَلَا يُقْبَلُ بُرْهَانُهُ عَلَى إفْلَاسِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ إلَخْ) هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ ثُمَّ بَعْدَ حَبْسِهِ سَأَلَ عَنْهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَفِي الْخَانِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْفَضْلِ أَنَّ الصَّحِيحَ الْقَبُولُ وَفِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُهُ، وَأَنَّ عَلَيْهِ عَامَّةَ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، فَإِنْ رَأَى أَنَّهُ لَيِّنٌ يُقْبَلُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ وَقِحٌ لَا قَالَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَيِّنٌ أَنْ يَعْتَذِرَ إلَيْهِ وَيَتَلَطَّفَ مَعَهُ وَبِقَوْلِهِ وَقِحٌ أَنْ يَقُولَ لَوْ قَعَدْت فِي الْحَبْسِ كَذَا وَكَذَا، وَلَا يَحْصُلُ لَك مِنِّي شَيْءٌ وَآخِرَتِي أَخْرُجُ عَلَى رَغْمِك وَنَحْوَ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ وَالِدِي يَقُولُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا عَلِمَ أَنَّ بَيِّنَتَهُ عُدُولٌ مُمَهَّدُونَ فِي الْعَدَالَةِ يَقْبَلُ، قَالَ وَهَذَا حَسَنٌ أَيْضًا وَعَمَلِي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ الْمُتَحَرِّيَ لَا يَشْهَدُ مَا لَمْ يُقْطَعْ بِفَقْرِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَحْتَاجُ إلَى تَرِكَتِهِ وَلَا يَعْرِفُ الْقَاضِي تَحَرِّيَهُ وَلَا دِيَانَتَهُ اهـ مُلَخَّصًا وَبَقِيَ مَا إذَا بَرْهَنَ عَلَى إفْلَاسِهِ بَعْدَ حَبْسِهِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا يَقْبَلُ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ اهـ، وَمَشَى الْإِمَامُ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ عَلَى قَبُولِهَا قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَهُ عَزْمِي زَادَهْ) لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ التَّصْحِيحِ، وَلَكِنَّهُ نَقَلَ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ عَلَيْهِ عَامَّةَ الْمَشَايِخِ، قُلْت: وَعَلَيْهِ الْكَنْزُ وَغَيْرُهُ وَعَلِمْت التَّصْرِيحَ بِتَصْحِيحِهِ وَعَلَّلَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهَا بَيِّنَتُهُ عَلَى النَّفْيِ فَلَا تُقْبَلُ مَا لَمْ تَتَأَيَّدْ بِمُؤَيِّدٍ وَهُوَ الْحَبْسُ وَبَعْدَهُ تُقْبَلُ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ كَمَا بَيَّنَّا اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ رَأْيُهُ) أَيْ رَأْيُ الْقَاضِي، وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ النَّهْرِ هُنَا غَيْرُ مُحَرَّرٍ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ تَعْلِيلِ الزَّيْلَعِيِّ الْمَذْكُورِ آنِفًا وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ رَأْيُهُ كَمَا مَرَّ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْعَامَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ ابْنُ الْفَضْلِ الصَّحِيحُ أَنَّهَا تُقْبَلُ وَقَالَ قَاضِي خَانْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُفَوَّضًا إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، إنْ عَلِمَ يَسَارَهُ لَا يَقْبَلُهَا وَإِنْ عَلِمَ إعْسَارَهُ قَبِلَهَا اهـ، وَبَقِيَ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْ حَالِهِ شَيْئًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُهَا اهـ مَا فِي النَّهْرِ وَفِيهِ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ هُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ فِي سُؤَالٍ عَنْ حَالَةِ الْمَحْبُوسِ بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ وَأَنَّهُ يَجِبُ بَلْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا يَرَاهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَنَا هُنَا فِيمَا قَبْلَ الْحَبْسِ، وَمَا نَقَلَهُ عَنْ قَاضِي خَانْ غَيْرُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ آنِفًا، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّهُ إذَا عَلِمَ إعْسَارَهُ وَكَانَ ظَاهِرًا يَسْأَلُ عَنْهُ عَاجِلًا وَيَقْبَلُ بَيِّنَتَهُ، وَيُخَلِّي سَبِيلَهُ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِيمَا إذَا كَانَ أَمْرُهُ مُشْكِلًا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ أَمْرُهُ مُشْكِلًا هَلْ يَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ الْحَبْسِ فِيهِ رِوَايَتَانِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 388 (وَبَيِّنَةُ يَسَارِهِ أَحَقُّ) مِنْ بَيِّنَةِ إعْسَارِهِ بِالْقَبُولِ لِأَنَّ الْيَسَارَ عَارِضٌ وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ. نَعَمْ لَوْ بَيَّنَ سَبَبَ إعْسَارِهِ وَشَهِدُوا بِهِ فَتَقَدَّمَ لِإِثْبَاتِهَا أَمْرًا عَارِضًا فَتْحٌ بَحْثًا وَاعْتَمَدَهُ فِي النَّهْرِ وَفِي الْقُنْيَةِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنُوا مِقْدَارَ مَا يَمْلِكُ قُبِلَتْ وَإِلَّا لَمْ يُمْكِنْ قَبُولُهَا؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ لِلْمَحْبُوسِ وَهُوَ مُنْكِرٌ وَالْبَيِّنَةُ مَتَى قَامَتْ لِلْمُنْكِرِ لَا تُقْبَلُ (وَأَبَّدَ حَبْسَ الْمُوسِرِ) لِأَنَّهُ جَزَاءُ الظُّلْمِ   [رد المحتار] مَطْلَبُ بَيِّنَةِ الْيَسَارِ أَحَقُّ مِنْ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ عِنْدَ التَّعَارُضِ (قَوْلُهُ: وَبَيِّنَةُ يَسَارِهِ أَحَقُّ إلَخْ) هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا يَكُونُ فِيهِ الْقَوْلُ لِلْمَدْيُونِ إنَّهُ فَقِيرٌ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لِإِثْبَاتِ خِلَافِ الظَّاهِرِ وَذَلِكَ فِي بَيِّنَةِ الْيَسَارِ. أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ لِلْمُدَّعِي بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ مُلْتَزَمًا بِمُقَابَلَةِ مَالٍ أَوْ بِعَقْدٍ فَلَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْيَسَارُ بَلْ الظَّاهِرُ تَقَدُّمُ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ لِإِثْبَاتِهَا خِلَافَ الظَّاهِرِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ فَصَّلَ، بَلْ كَلَامُهُمْ هُنَا مُجْمَلٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْيَسَارَ عَارِضٌ) فَإِنَّ الْآدَمِيَّ يُولَدُ وَلَا مَالَ لَهُ كَمَا مَرَّ، لَكِنْ إذَا تَحَقَّقَ دُخُولُ الْمَبِيعِ فِي يَدِهِ صَارَ الْيَسَارُ هُوَ الْأَصْلُ فَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ كَمَا قُلْنَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ بَيَّنَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ هَكَذَا وَكُلَّمَا تَعَارَضَتْ بَيِّنَةُ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْيَسَارِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ مُوسِرٌ وَهُوَ يَقُولُ أَعْسَرْت مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ؛ لِأَنَّ مَعَهَا عِلْمًا بِأَمْرٍ حَادِثٍ وَهُوَ حُدُوثُ ذَهَابِ الْمَالِ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَحْثٌ مِنْهُ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِجَوَازِ حُدُوثِ الْيَسَارِ بَعْدَ إعْسَارِهِ الَّذِي ادَّعَاهُ اهـ، وَرَدَّهُ الْمَقْدِسِيَّ بِقَوْلِهِ وَهَذَا تَجَرٍّ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ اهـ. قُلْت: وَوَجْهُهُ أَوَّلًا مَنْعُ كَوْنِهِ بَحْثًا بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْفَتْحِ أَنَّهُ مَنْقُولٌ كَيْفَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَنْ النِّهَايَةِ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ إلَّا إذَا تَنَازَعَا وَثَانِيًا مَا قَالَهُ فِي النَّهْرِ: مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ بَيَّنَ سَبَبَ الْإِعْسَارِ وَشَهِدُوا بِهِ، وَمَا فِي الْبَحْرِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا بِيَسَارٍ حَادِثٍ بَلْ بِمَا هُوَ سَابِقٌ عَلَى الْإِعْسَارِ الْحَادِثِ، وَبَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ تُحْدِثُ أَمْرًا عَارِضًا اهـ، لَكِنْ يَظْهَرُ لِي أَنَّ بَيَانَ سَبَبِ الْإِعْسَارِ غَيْرُ لَازِمٍ بَلْ يَكْفِي قَوْلُهُمْ إنَّهُ أَعْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ تَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ الْبِيرِيُّ وَفِي أَوْضَحِ رَمْزٍ نَاقِلًا عَنْ الْمُسْتَصْفَى: وَاعْلَمْ أَنَّ بَيِّنَةَ الْإِعْسَارِ إنَّمَا تُقْبَلُ إذَا قَالُوا إنَّهُ كَثِيرُ الْعِيَالِ وَضَيِّقُ الْحَالِ، أَمَّا إذَا قَالُوا لَا مَالَ لَهُ لَا تُقْبَلُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَتُقَدَّمُ) الْأَوْلَى حَذْفُ الْفَاءِ ط. (قَوْلُهُ: قُبِلَتْ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا دَوَامُ الْحَبْسِ عَلَيْهِ بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا إلَخْ) أَيْ بِأَنْ بَيَّنُوا مِقْدَارَ مَا يَمْلِكُ لَمْ يُمْكِنْ قَبُولُهَا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا قَامَتْ لِلْمَحْبُوسِ إلَخْ) أَيْ عَلَى إثْبَاتِ مِلْكِهِ لِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: وَقَوْلُهُمْ أَيْ الشُّهُودِ إنَّهُ مُوسِرٌ لَيْسَ كَذَلِكَ فَيُقْبَلُ اهـ، قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ قَالُوا إِنَّهُ يَمْلِكُ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ مَثَلًا لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَا أَمْلِكُ شَيْئًا وَهُمْ يَشْهَدُونَ لَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ مِلْكُهُ وَالْبَيِّنَةُ لَا تُقْبَلُ لِلْمُنْكِرِ بَلْ تُقْبَلُ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ شَهَادَةٌ لَهُ صَرِيحًا وَتَتَضَمَّنُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِيَسَارِهِ إدَامَةَ حَبْسِهِ، وَإِذَا بَطَلَ الصَّرِيحُ بَطَلَ مَا فِي ضِمْنِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ إنَّهُ مُوسِرٌ فَإِنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَيْهِ صَرِيحًا، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُمْ إنَّهُ مُوسِرٌ يَتَضَمَّنُ الشَّهَادَةَ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ قَدْرَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ لَهُ إذْ لَيْسَ فِيهَا إثْبَاتُ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مِقْدَارُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 389 قُلْت: وَسَيَجِيءُ فِي الْحَجْرِ أَنَّهُ يُبَاعُ مَالُهُ لِدَيْنِهِ عِنْدَهُمَا وَبِهِ يُفْتَى وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتَأَبَّدُ حَبْسُهُ فَتَنَبَّهْ. (وَلَا يُحْبَسُ لِمَا مَضَى مِنْ نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ) إذَا ادَّعَى الْفَرْقَ وَإِنْ قَضَى بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بَدَلَ مَالٍ وَلَا لَزِمَتْهُ بِعَقْدٍ عَلَى مَا مَرَّ حَتَّى لَوْ بَرْهَنَتْ عَلَى يَسَارِهِ حُبِسَ بِطَلَبِهَا (بَلْ يُحْبَسُ إذَا) بَرْهَنَتْ عَلَى يَسَارِهِ بِطَلَبِهَا كَمَا لَوْ (أَبَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمَا) أَوْ عَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ فَيُحْبَسُ إحْيَاءً لَهُمْ بَحْرٌ. قُلْت: وَهَلْ يُحْبَسُ لِمَحْرَمِهِ لَوْ أَبَى؟ لَمْ أَرَهُ وَظَاهِرُ تَقْيِيدِهِمْ لَا   [رد المحتار] قَدْرِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْيَسَارَ أَعَمُّ، وَأَيْضًا فَإِنَّهَا ضِمْنِيَّةٌ لَا صَرِيحَةٌ بَلْ الصَّرِيحُ مِنْهَا قَصْدُ إدَامَةِ حَبْسِهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ فِي الْحَجْرِ) قَدَّمْنَا عِبَارَتَهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتَأَبَّدُ حَبْسُهُ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِمَا وَكَذَا عَلَى قَوْلِهِ إنْ كَانَ مَالُهُ غَيْرَ عَقَارٍ وَلَا عَرْضٍ بَلْ كَانَ مِنْ الْأَثْمَانِ، وَلَوْ خِلَافَ جِنْسِ الدَّيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَلَا يُحْبَسُ لِمَا مَضَى إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا عَلَى الزَّوْجِ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا، فَإِذَا مَضَتْ مُدَّةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا سَقَطَتْ عَنْهُ وَالْمُرَادُ بِالْمُدَّةِ شَهْرٌ فَأَكْثَرُ، وَكَذَا نَفَقَةُ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ، وَأَمَّا نَفَقَةُ سَائِرِ الْأَقَارِبِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِالْمُضِيِّ، وَلَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا إلَّا إذَا كَانَتْ مُسْتَدَانَةً بِأَمْرِ قَاضٍ، فَلَا تَسْقُطُ بِالْمُضِيِّ هَذَا حَاصِلُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي النَّفَقَاتِ. لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِ الصَّغِيرِ كَالزَّوْجَةِ نَقَلَهُ هُنَاكَ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَلِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالذَّخِيرَةِ وَشَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ وَالْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ وَالْأَرْحَامِ إذَا قُضِيَ بِهَا وَمَضَتْ مُدَّةٌ سَقَطَتْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قُضِيَ بِهَا) أَفَادَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُقْضَ بِهَا لَا يُحْبَسُ بِهَا بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَصِرْ دَيْنًا أَصْلًا، وَأَمَّا إذَا قُضِيَ بِهَا وَمِثْلُهُ الرِّضَا فَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بَدَلَ مَالٍ وَلَا مُلْتَزِمًا بِعَقْدٍ عَلَى مَا مَرَّ أَيْ فِي قَوْلِهِ: لَا يُحْبَسُ فِي غَيْرِهِ إنْ ادَّعَى الْفَقْرَ كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ بَرْهَنَتْ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ حَذْفُهُ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى مَا بَعْدَهُ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ. (قَوْلُهُ: حُبِسَ بِطَلَبِهَا) أَيْ بِطَلَبِهَا حَبْسَهُ إنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ مَقْضِيًّا بِهَا أَوْ مُتَرَاضِيًا عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ أَبَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمَا) أَيْ كَمَا يُحْبَسُ الْمُوسِرُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ الْفَقِيرِ الصَّغِيرِ كَمَا فِي السِّرَاجِ، وَفَهِمَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ قَيْدٌ احْتِرَازِيٌّ عَنْ الْبَالِغِ الزَّمِنِ الْفَقِيرِ وَقَالَ: وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لَا يَخْفَى قَالَ فِي الْمِنَحِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّغِيرِ كَمَا لَا يَخْفَى فَيُحْبَسُ أَبُوهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ اهـ. وَفِي الْفَتْحِ: وَيَتَحَقَّقُ الِامْتِنَاعُ بِأَنْ تُقَدِّمَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، مِنْ يَوْمِ فَرْضِ النَّفَقَةِ، وَإِنْ كَانَ مِقْدَارُ النَّفَقَةِ قَلِيلًا كَالدَّانِقِ إذَا رَأَى الْقَاضِي فَأَمَّا بِمُجَرَّدِ فَرْضِهَا لَوْ طَلَبَتْ حَبْسَهُ لَمْ يَحْبِسْهُ؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ تُسْتَحَقُّ بِالظُّلْمِ، وَهُوَ بِالْمَنْعِ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَفْرِضْ لَهَا وَلَمْ يُنْفِقْ الزَّوْجُ عَلَيْهَا فِي يَوْمٍ يَنْبَغِي إذَا قَدَّمَتْهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْإِنْفَاقِ، فَإِنْ رَجَعَ فَلَمْ يُنْفِقْ أَوْجَعَهُ عُقُوبَةً، وَإِنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ سَقَطَتْ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَهُوَ ظَالِمٌ لَهَا وَهُوَ قِيَاسُ مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي بَابِ الْقَسْمِ مِنْ قَوْلِهِمْ إذَا لَمْ يَقْسِمْ لَهَا فَرَافَعَتْهُ يَأْمُرُهُ بِالْقَسْمِ وَعَدَمِ الْجَوْرِ، فَإِنْ ذَهَبَ وَلَمْ يَقْسِمْ فَرَافَعَتْهُ أَوْجَعَهُ عُقُوبَةً، وَإِنْ كَانَ مَا ذَهَبَ لَهَا مِنْ الْحَقِّ لَا يُقْضَى وَيَحْصُلُ بِهِ ضَرَرٌ كَبِيرٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفُرُوعِهِ) أَيْ وَبَقِيَّةِ فُرُوعِهِ كَالْإِنَاثِ وَالْوَلَدِ الْبَالِغِ الزَّمِنِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الصَّغِيرَ غَيْرُ قَيْدٍ. (قَوْلُهُ: وَهَلْ يُحْبَسُ لِمَحْرَمِهِ لَوْ أَبَى لَمْ أَرَهُ) أَصْلُ التَّوَقُّفِ لِصَاحِبِ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قُلْت: إذَا حُبِسَ الْأَبُ فَغَيْرُهُ بِالْأَوْلَى مَعَ أَنَّا قَدَّمْنَا فِي آخِرِ النَّفَقَاتِ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ عَنْ الْبَدَائِعِ فَإِنَّهُ قَالَ وَيُحْبَسُ فِي نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ كَالزَّوْجَاتِ. أَمَّا غَيْرُ الْأَبِ فَلَا شَكَّ فِيهِ وَأَمَّا الْأَبُ فَلِأَنَّ فِي النَّفَقَةِ ضَرُورَةَ دَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْ الْوَلَدِ؛ وَلِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، فَلَوْ لَمْ يُحْبَسْ سَقَطَ حَقُّ الْوَلَدِ رَأْسًا فَكَانَ فِي حَبْسِهِ دَفْعُ الْهَلَاكِ، وَاسْتِدْرَاكُ الْحَقِّ عَنْ الْفَوَاتِ؛ لِأَنَّ حَبْسَهُ يَحْمِلُهُ عَلَى الْأَدَاءِ اهـ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ هَذَا خِلَافُ مَا عَزَاهُ الشَّارِحُ إلَى الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ تَقْيِيدِهِمْ) أَيْ بِالْوَلَدِ فَإِنَّ عِبَارَةَ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ وَيُحْبَسُ الرَّجُلُ بِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ لَا فِي دَيْنِ وَلَدِهِ إلَّا إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 390 لَكِنْ مَا مَرَّ عَنْ الْأَشْبَاهِ لَا يُضْرَبُ الْمَحْبُوسُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ يُفِيدُهُ فَتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى وَسَيَجِيءُ حَبْسُ الْوَلِيِّ بِدَيْنِ الصَّغِيرِ (لَا) يُحْبَسُ (أَصْلٌ) وَإِنْ عَلَا (فِي دَيْنِ فَرْعِهِ) بَلْ يَقْضِي الْقَاضِي دَيْنَهُ مِنْ عَيْنِ مَالِهِ أَوْ قِيمَتِهِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمَا بَيْعُ عَقَارِهِ كَمَنْقُولِهِ بَحْرٌ فَلْيُحْفَظْ. (وَلَا يَسْتَحْلِفُ قَاضٍ) نَائِبًا (إلَّا إذَا فُوِّضَ إلَيْهِ) صَرِيحًا كُولِ مَنْ شِئْت أَوْ دَلَالَةً كَجَعَلْتُكَ قَاضِيَ الْقُضَاةِ، وَالدَّلَالَةُ هُنَا أَقْوَى؛ لِأَنَّ فِي التَّصْرِيحِ الْمَذْكُورِ يَمْلِكُ الِاسْتِخْلَافَ لَا الْعَزْلَ وَفِي الدَّلَالَةِ يَمْلِكُهُمَا   [رد المحتار] عَلَيْهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا لَا تُفِيدُ عَدَمَ الْحَبْسِ فِي نَفَقَةِ غَيْرِ الْوَلَدِ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ مَا مَرَّ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. (قَوْلُهُ: يُفِيدُهُ) أَيْ يُفِيدُ حَبْسُهُ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ الْمَحْرَمِ حَيْثُ عَبَّرَ بِالْمَحْبُوسِ. (قَوْلُهُ: فَتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى) أَيْ حَيْثُ حَصَلَ الِاضْطِرَابُ فِي فَهْمِ هَذَا الْحُكْمِ مِنْ كَلَامِهِمْ فَلَا تَعْجَلْ فِي الْفَتْوَى. قُلْت: وَبِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ زَالَ الِاضْطِرَابُ وَاتَّضَحَ الْجَوَابُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي آخِرِ الْبَابِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لَا يُحْبَسُ أَصْلٌ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ جَدَّ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ بِقَتْلِ وَلَدِ بِنْتِهِ، فَكَذَا لَا يُحْبَسُ بِدَيْنِهِ، وَقَيَّدَ بِالْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُحْبَسُ بِدَيْنِ أَصْلِهِ، وَكَذَا الْقَرِيبُ بِدَيْنِ قَرِيبِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ بَحْرٌ، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ آخِرَ الْبَابِ نَظْمًا جَمَاعَةً مِمَّنْ لَا يُحْبَسُ وَسَيَأْتِي عِدَّتُهُمْ عَشَرَةً. (قَوْلُهُ: بَلْ يَقْضِي الْقَاضِي إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الْحَبْسِ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ لَكِنْ يَبِيعُ الْقَاضِي مَالَ الْأَبِ لِقَضَاءِ دَيْنِ ابْنِهِ إذَا امْتَنَعَ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَّا الْبَيْعُ وَإِلَّا ضَاعَ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَذَكَرَ فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى لَا يُحْبَسُ الْأَبُ إلَّا إذَا تَمَرَّدَ عَلَى الْحَاكِمِ اهـ، لَكِنْ مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي دَيْنَهُ يُغْنِي عَنْ حَبْسِهِ ذَكَرَهُ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: مِنْ عَيْنِ مَالِهِ) أَيْ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ وَقَوْلُهُ: أَوْ قِيمَتِهِ أَيْ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ دَرَاهِمَ وَالْمَالُ دَنَانِيرَ فَتُبَاعُ الدَّنَانِيرُ بِالدَّرَاهِمِ وَيَقْضِي بِهَا الدَّيْنَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَاحِبِيهِ. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ إلَخْ) مُقَابِلُهُ أَنَّهُ يَبِيعُ عِنْدَهُمَا الْمَنْقُولَ دُونَ الْعَقَارِ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلَا يَبِيعُ الْمَنْقُولَ وَلَا الْعَقَارَ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُهُمَا. [مَطْلَبٌ فِي اسْتِخْلَافِ الْقَاضِي نَائِبًا عَنْهُ] (قَوْلُهُ: وَلَا يَسْتَخْلِفُ قَاضٍ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ بِعُذْرٍ بَحْرٌ عَنْ الْعِنَايَةِ فَدَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ وَقَعَتْ لَهُ حَادِثَةٌ فَلَا يَسْتَخْلِفُ بِلَا تَفْوِيضٍ. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ الْقَاضِي إذَا وَقَعَتْ لَهُ حَادِثَةٌ أَوْ لِوَلَدِهِ فَأَنَابَ غَيْرَهُ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِنَابَةِ وَتَخَاصَمَا عِنْدَهُ وَقُضِيَ لَهُ أَوْ لِوَلَدِهِ جَازَ ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ سُئِلْت عَنْ صِحَّةِ تَوْلِيَةِ الْقَاضِي ابْنَهُ قَاضِيًا حَيْثُ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ بِالِاسْتِخْلَافِ فَأَجَبْت بِنَعَمْ، وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ الِاسْتِخْلَافَ مَا إذَا كَانَ مَذْهَبُ الْخَلِيفَةِ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِهِ أَوْ مُخَالِفًا ثُمَّ قَالَ: وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ بِالِاسْتِخْلَافِ يَمْلِكُهُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى مَحَلِّ قَضَائِهِ، وَقَدْ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِذَلِكَ، وَسُئِلْت عَنْهُ فَأَجَبْت بِذَلِكَ اهـ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ أَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَصِيرُ قَاضِيًا إذَا بَلَغَ إلَى الْمَوْضِعِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَنْعَزِلُ مَا لَمْ يَبْلُغْ هُوَ الْبَلَدَ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ نَائِبَهُ قَبْلَ وُصُولِهِ لِيَتَعَرَّفَ عَنْ أَحْوَالِ النَّاسِ اهـ، فَالْأَوَّلُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ قَاضِيَ الْقُضَاةِ مَأْذُونٌ بِذَلِكَ مِنْ السُّلْطَانِ، وَهُوَ الْوَاقِعُ الْآنَ، اهـ مُلَخَّصًا قُلْت: وَمَا نَقَلَهُ ثَانِيًا صَرِيحٌ فِي أَنَّ لَهُ الْإِنَابَةَ قَبْلَ وُصُولِهِ، وَالتَّعْلِيلُ بِالتَّعَرُّفِ عَنْ أَحْوَالِ النَّاسِ لَا يُنَافِي أَنَّ لِلنَّائِبِ الْقَضَاءَ قَبْلَ وُصُولِ الْمُنِيبِ؛ لِأَنَّ التَّعَرُّفَ يَكُونُ بِالْقَضَاءِ فَحِينَئِذٍ إذَا وَصَلَ نَائِبُهُ، فَالظَّاهِرُ انْعِزَالُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ النَّائِبَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُنِيبِ، وَقَدْ عَلَّلُوا لِعَدَمِ انْعِزَالِ الْأَوَّلِ قَبْلَ وُصُولِ الثَّانِي بِصِيَانَةِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ تَعْطِيلِ قَضَايَاهُمْ وَبِوُصُولِ نَائِبِ الثَّانِي لَا تَتَعَطَّلُ قَضَايَاهُمْ وَحَيْثُ كَانَ الْوَاقِعُ الْآنَ هُوَ الْإِذْنُ مِنْ السُّلْطَانِ فَلَا كَلَامَ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّهُ لَا يُعَوَّلُ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا فَوَّضَ إلَيْهِ) وَمِثْلُهُ نَائِبُ الْقَاضِي قَالَ فِي الْبَحْرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْخَلِيفَةُ إذَا أَذِنَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 391 كَقَوْلِهِ وَلِّ مَنْ شِئْت وَاسْتَبْدِلْ أَوْ اسْتَخْلِفْ مَنْ شِئْت فَإِنَّ قَاضِيَ الْقُضَاةِ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِيهِمْ مُطْلَقًا تَقْلِيدًا وَعَزْلًا (بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ) فَإِنَّهُ يُسْتَخْلَفُ بِلَا تَفْوِيضٍ لِلْإِذْنِ دَلَالَةً، ابْنُ مَلَكٍ وَغَيْرُهُ وَمَا ذَكَرَهُ مُنْلَا خُسْرو قَالَ فِي الْبَحْرِ لَا أَصْلَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ فَهْمٌ فَهِمَهُ مِنْ بَعْضِ الْعِبَارَاتِ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْجُمُعَةِ. (نَائِبُ الْقَاضِي الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ الِاسْتِنَابَةَ) فَقَطْ لَا الْعَزْلَ (نَائِبٌ عَنْ الْأَصْلِ) وَهُوَ السُّلْطَانُ وَحِينَئِذٍ (فَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَعْزِلَهُ الْقَاضِي بِغَيْرِ تَفْوِيضٍ مِنْهُ) لِلْعَزْلِ أَيْضًا كَوَكِيلٍ وَكَّلَ   [رد المحتار] لِلْقَاضِي فِي الِاسْتِخْلَافِ فَاسْتَخْلَفَ رَجُلًا وَأَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ جَازَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ ثُمَّ وَثُمَّ اهـ. (قَوْلُهُ: كَقَوْلِهِ وَلِّ مَنْ شِئْت وَاسْتَبْدِلْ) هَذَا تَنْظِيرٌ لَا تَمْثِيلٌ أَيْ فَإِنَّهُ فِي الدَّلَالَةِ يَمْلِكُ الِاسْتِخْلَافَ وَالْعَزْلَ نَظِيرَ مَا لَوْ صَرَّحَ بِهِمَا. (قَوْلُهُ: أَوْ اسْتَخْلِفْ مَنْ شِئْت) لَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ وَاسْتَبْدِلْ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَلِّ مَنْ شِئْت وَاسْتَخْلِفْ مَنْ شِئْت يَمْلِكُ الْعَزْلَ أَيْضًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اسْتَخْلِفْ بِمَعْنَى وَلِّ، بَلْ نَصَّ فِي الْبَحْرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْعَزْلَ فَتَعَيَّنَ عَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ وَلِّ وَعَلَيْهِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ كَمَقُولِهِ وَلِّ أَوْ اسْتَخْلِفْ مَنْ شِئْت وَاسْتَبْدِلْ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ قَاضِيَ الْقَضَاءِ إلَخْ) فِي مَوْضِعِ التَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ وَفِي الدَّلَالَةِ يَمْلِكُهَا. (قَوْلُهُ: فِيهِمْ) أَيْ فِي الْقُضَاةِ. (قَوْلُهُ: تَقْلِيدًا وَعَزْلًا) تَفْسِيرٌ لِلْإِطْلَاقِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ بِلَا تَفْوِيضٍ) فَإِنْ كَانَ قَبْلَ شُرُوعِهِ لِحَدَثٍ أَصَابَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَخْلِفَ إلَّا مَنْ كَانَ شَهِدَ الْخُطْبَةَ، وَإِنْ بَعْدَ الشُّرُوعِ فَاسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا جَازَ نَهْرٌ: أَيْ لِأَنَّهُ بَانَ وَلَيْسَ بِمُفْتَتِحٍ وَالْخُطْبَةُ شَرْطُ الِافْتِتَاحِ، وَقَدْ وُجِدَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ فَتْحٌ وَاعْتَرَضَ بِمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ شَخْصًا لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ ثُمَّ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ ثُمَّ افْتَتَحَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ شُرُوعُهُ فِيهَا وَصَارَ خَلِيفَةً لِلْأَوَّلِ الْتَحَقَ بِمَنْ شَهِدَهَا وَاسْتَظْهَرَ فِي الْعِنَايَةِ الْجَوَابَ بِإِلْحَاقِهِ بِالْبَانِي لِتَقَدُّمِ شُرُوعِهِ فِيهَا. (قَوْلُهُ: لِلْإِذْنِ دَلَالَةً) لِأَنَّ الْمُوَلَّى عَالِمٌ بِتَوَقُّتِهَا وَأَنَّهُ إذَا عَرَضَ عَارِضٌ فَاتَتْ لَا إلَى خَلَفٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِنْسَانَ غَرَضٌ لِلْأَعْرَاضِ فَتْحٌ قَالَ فِي النَّهْرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ لِلْمَرَضِ وَنَحْوِهِ، وَتَقْيِيدُ الزَّيْلَعِيِّ بِالْحَدَثِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَقَدَّمْنَا فِي الْجُمُعَةِ مَسْأَلَةَ الِاسْتِنَابَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَارْجِعْ إلَيْهِ اهـ. وَحَاصِلُ مَا مَرَّ فِي الْجُمُعَةِ أَنَّهُ قِيلَ لَا يَصِحُّ الِاسْتِخْلَافُ بِلَا إذْنِ السُّلْطَانِ إلَّا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِيهَا، وَقِيلَ إنْ لِضَرُورَةٍ جَازَ أَيْ لِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ مَشَى فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَكَذَا الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ مُنْلَا خُسْرو) أَيْ فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ مِنْ بَابِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَسْتَخْلِفُ لِلصَّلَاةِ ابْتِدَاءً، بَلْ بَعْدَمَا أَحْدَثَ إلَّا إذَا كَانَ مَأْذُونًا مِنْ السُّلْطَانِ بِالِاسْتِخْلَافِ اهـ وَهُوَ مَا مَرَّ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ مَرَّ فِي الْجُمُعَةِ) وَمَرَّ أَيْضًا هُنَاكَ عَنْ الْعَلَّامَةِ مُحِبِّ الدِّينِ بْنِ جِرْبَاشٍ فِي النُّجْعَةِ فِي تَعْدَادِ الْجُمُعَةِ أَنَّ إذْنَ السُّلْطَانِ بِإِقَامَةِ الْخُطْبَةِ شَرْطُ أَوَّلِ مَرَّةٍ لِلْبَانِي، فَيَكُونُ الْإِذْنُ مُنْسَحِبًا لِتَوَلِّيَةِ النُّظَّارِ الْخُطَبَاءَ، وَإِقَامَةِ الْخَطِيبِ نَائِبًا وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ لِكُلِّ خَطِيبٍ اهـ بَحْرٌ، وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ عَنْ فَتَاوَى ابْنِ الْجَلَبِيِّ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ إذْنَ السُّلْطَانِ شَرْطٌ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، فَإِذَا أَذِنَ لِشَخْصٍ بِإِقَامَتِهَا كَانَ لَهُ الْإِذْنُ لِآخَرَ وَلِلْآخَرِ الْإِذْنُ لِآخَرَ وَهَكَذَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ إذْنَ السُّلْطَانِ بِإِقَامَتِهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ يَكُونُ إذْنًا لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ إقَامَتَهَا فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ بِدُونِ إذْنٍ مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ مِنْ مَأْذُونِهِ كَمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ وَتَقَدَّمَ تَمَامُهُ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ) بِالْجَرِّ نَعْتٌ لِلْقَاضِي. (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ تَفْوِيضٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ السُّلْطَانِ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: كَوَكِيلٍ وُكِّلَ) أَيْ بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ، وَيَنْعَزِلَانِ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ حَيْثُ يَمْلِكُ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ، وَيَمْلِكُ التَّوْكِيلَ وَالْعَزْلَ فِي حَيَاتِهِ لِرِضَا الْمُوصِي بِذَلِكَ دَلَالَةً لِعَجْزِهِ بَحْرٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 392 (وَ) وَكَذَا (لَا يَنْعَزِلُ) أَيْضًا بِعَزْلِهِ وَلَا بِمَوْتِهِ وَلَا بِمَوْتِ السُّلْطَانِ بَلْ بِعَزْلِهِ زَيْلَعِيٌّ وَعَيْنِيٌّ وَابْنُ مَلَكٍ وَغَيْرُهُمْ فِي الْوَكَالَةِ، وَاعْتَمَدَهُ فِي الدُّرَرِ وَالْمُلْتَقَى وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَفِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ لَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْغَرْسِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمَذْهَبِ (وَنَائِبُ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ (إنْ قَضَى عِنْدَهُ أَوْ) فِي غَيْبَتِهِ وَ (أَجَازَهُ) الْقَاضِي (صَحَّ) قَضَاؤُهُ لَوْ أَهْلًا بَلْ لَوْ قَضَى فُضُولِيٌّ أَوْ هُوَ فِي غَيْرِ نَوْبَتِهِ وَأَجَازَهُ جَازَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ رَأْيِهِ بَحْرٌ قَالَ وَبِهِ عُلِمَ دُخُولُ الْفُضُولِيِّ فِي الْقَضَاءِ. [فَرْعٌ] فِي الْأَشْبَاهِ وَالْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ لَوْ فُوِّضَ لِعَبْدٍ فَفَوَّضَ لِغَيْرِهِ صَحَّ لَوْ حَكَمَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ عَتَقَ فَقَضَى صَحَّ بِخِلَافِ صَبِيٍّ بَلَغَ. (وَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ) خَرَجَ الْمُحَكَّمُ وَدَخَلَ الْمَيِّتُ وَالْمَعْزُولُ وَالْمُخَالِفُ لِرَأْيِهِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَنْعَزِلُ أَيْضًا بِعَزْلِهِ) أَيْ لَا يَنْعَزِلُ النَّائِبُ بِعَزْلِ الْقَاضِي أَيْ بِعَزْلِ السُّلْطَانِ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَلَا بِمَوْتِهِ) أَيْ مَوْتِ الْقَاضِي الْمُسْتَنِيبِ. (قَوْلُهُ: وَلَا بِمَوْتِ السُّلْطَانِ) أَيْ لَا يَنْعَزِلُ النَّائِبُ بِهِ كَمَا لَا يَنْعَزِلُ الْمُسْتَنِيبُ، بِخِلَافِ مَوْتِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ بِهِ الْوَكِيلُ وَالْفَرْقُ كَمَا فِي وَكَالَةِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ السُّلْطَانَ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ الْقَاضِي الَّذِي وَلَّاهُ هُوَ أَوْ وَلَّاهُ الْقَاضِي بِإِذْنِهِ، وَالْمُوَكِّلُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَيَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ بِمَوْتِهِ لِبُطْلَانِ حَقِّهِ. (قَوْلُهُ: بَلْ بِعَزْلِهِ) أَيْ بِعَزْلِ السُّلْطَانِ لِلنَّائِبِ. (قَوْلُهُ: وَاعْتَمَدَهُ فِي الدُّرَرِ) أَيْ فِي مَتْنِهَا حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَنْعَزِلُ أَيْ نَائِبُ الْقَاضِي بِخُرُوجِهِ أَيْ الْقَاضِي عَنْ الْقَضَاءِ، وَقَالَ فِي الْمُلْتَقَى فَنَائِبُهُ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ وَلَا بِمَوْتِهِ بَلْ هُوَ نَائِبُ السُّلْطَانِ الْأَصِيلِ اهـ فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى عَدَمِ عَزْلِ النَّائِبِ بِمَوْتِ الْقَاضِي أَوْ بِعَزْلِهِ ط. (قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ) قَالَ فِيهَا فَتَحَرَّرَ مِنْ ذَلِكَ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فِي انْعِزَالِ النَّائِبِ بِعَزْلِ الْقَاضِي، وَمَوْتِهِ وَقَوْلُ الْبَزَّازِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْقَاضِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ بِالْأَوْلَى، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة الْقَاضِي رَسُولٌ عَنْ السُّلْطَانِ فِي نَصْبِ النُّوَّابِ اهـ ط. (قَوْلُهُ: وَفِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ إلَخْ) حَيْثُ سُئِلَ عَمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ الْغَرْسِ مِنْ أَنَّ نَائِبَ الْقَاضِي فِي زَمَانِنَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ أَوْ بِمَوْتِهِ فَإِنَّهُ نَائِبُهُ أَجَابَ: لَا يُعْتَمَدُ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ الْغَرْسِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمَذْهَبِ فَقَدْ نَقَلَ الثِّقَاتُ أَنَّ النَّائِبَ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْأَصِيلِ وَلَا بِمَوْتِهِ، قَالَ قَوْمٌ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لَا يَمْلِكُ الْقَاضِي الِاسْتِخْلَافَ إلَّا بِإِذْنِ الْخَلِيفَةِ، ثُمَّ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ وَلَا بِمَوْتِهِ وَيَنْعَزِلَانِ بِعَزْلِ الْخَلِيفَةِ لَهُمَا وَلَا يَنْعَزِلَانِ بِمَوْتِهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ وَلَمْ نَرَ خِلَافًا فِي الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ اهـ، لَكِنَّ الْخِلَافَ مَوْجُودٌ كَمَا مَرَّ عَنْ الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ: صَحَّ قَضَاؤُهُ لَوْ أَهْلًا) فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ وَلَوْ أَنَّ السُّلْطَانَ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ، فَأَمَرَ رَجُلًا فَحَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ، ثُمَّ إنَّ الْقَاضِيَ لَوْ أَجَازَ ذَلِكَ الْحُكْمَ يَنْظُرُ إنْ كَانَ بِحَالٍ يَجُوزُ حُكْمُهُ لَوْ كَانَ قَاضِيًا جَازَ إمْضَاءُ الْقَاضِي حُكْمَهُ، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ لَوْ كَانَ قَاضِيًا يَنْظُرُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْتَلِفُ فِيهِ الْفُقَهَاءُ كَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ جَازَ إمْضَاؤُهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا لَمْ يَجُزْ. (قَوْلُهُ: بَلْ لَوْ قَضَى فُضُولِيٌّ) أَيْ مِنْ غَيْرِ اسْتِخْلَافٍ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: أَوْ هُوَ) أَيْ الْقَاضِي كَمَا لَوْ كَانَ مُوَلًّى فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ يَوْمَيْنِ، فَقَضَى فِي غَيْرِ الْيَوْمَيْنِ تَوَقَّفَ قَضَاؤُهُ، فَإِنْ أَجَازَ فِي نَوْبَتِهِ جَازَ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: فِي الْقَضَاءِ) أَيْ لَيْسَ خَاصًّا بِعَقْدٍ نَحْوُ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ. (قَوْلُهُ: فَفَوَّضَ لِغَيْرِهِ صَحَّ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ بِدُونِ الْإِذْنِ الصَّرِيحِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ دَلَالَةً لِلْعِلْمِ بِأَنَّ قَضَاءَهُ بِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَتَقَ إلَخْ) وَمِثْلُهُ لَوْ فَوَّضَ لِكَافِرٍ فَأَسْلَمَ فَهُوَ عَلَى قَضَائِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: أَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّبِيِّ، حَيْثُ يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ التَّفْوِيضِ (قَوْلُهُ: خَرَجَ الْمُحَكَّمُ) فَإِنَّهُ إذَا رُفِعَ حُكْمُهُ إلَى قَاضٍ أَمْضَاهُ إنْ وَافَقَ مَذْهَبَهُ، وَإِلَّا أَبْطَلَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يَرْفَعُ خِلَافًا كَمَا يَأْتِي فِي التَّحْكِيمِ ح. (قَوْلُهُ: وَدَخَلَ الْمَيِّتُ إلَخْ) وَكَذَا قَاضِي الْبُغَاةِ فَإِذَا رُفِعَ إلَى قَاضِي الْعَدْلِ نَفَّذَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَرَّ وَيَجُوزُ تَقْلِيدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ وَالْجَائِرِ وَأَهْلِ الْبَغْيِ. وَقَدَّمْنَا فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ يُنْفِذُهُ إنْ وَافَقَ رَأْيَهُ أَوْ لَا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَالْمُخَالِفُ لِرَأْيِهِ) أَيْ رَأْيِ الْقَاضِي الْمَرْفُوعِ إلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 393 لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ فَافْهَمْ (آخَرَ) قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ إذْ حُكْمُ نَفْسِهِ قَبْلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ابْنُ كَمَالٍ (نَفَّذَهُ) أَيْ أَلْزَمَ الْحُكْمَ وَالْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ لَوْ مُجْتَهَدًا فِيهِ   [رد المحتار] الْحُكْمُ، لَكِنْ فِيهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي قَرِيبًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْقَاضِي الْأَوَّلُ حَكَمَ بِخِلَافِ رَأْيِهِ، فَسَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قَضَى فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ إلَخْ، مَطْلَبٌ فِي عُمُومِ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَدَخَلَ إلَخْ قَصَدَ بِهِ الرَّدَّ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ اخْتِصَاصَهُ بِمَا إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ فِي هَذَا التَّعْلِيلِ صَاحِبَ الْبَحْرِ. وَفِيهِ نَظَرٌ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ بَدَلَهُ: لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ عَنْ التَّقْيِيدِ. أَمَّا الْعُمُومُ فَمَمْنُوعٌ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ كَالتَّحْرِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ النَّكِرَةَ إنَّمَا تَعُمُّ نَصًّا إذَا وَقَعَتْ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، وَمِنْهُ وُقُوعُهَا فِي الشَّرْطِ الْمُثْبَتِ إذَا كَانَ يَمِينًا؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ عَلَى النَّفْيِ كَقَوْلِهِ إنْ كَلَّمْت رَجُلًا فَعَبْدِي حُرٌّ، فَإِنَّ الْحَلِفَ عَلَى نَفْيِهِ فَالْمَعْنَى لَا أُكَلِّمُ رَجُلًا فَهِيَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ. وَلِهَذَا لَا تَعُمُّ فِي الشَّرْطِ الْمُثْبَتِ مِثْلُ إنْ لَمْ أُكَلِّمْ رَجُلًا؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْإِثْبَاتِ كَأَنَّهُ قَالَ لَأُكَلِّمَنَّ رَجُلًا فَلَا تَعُمُّ وَأَمَّا الشَّرْطُ فِي غَيْرِ الْيَمِينِ مِثْلُ إنْ جَاءَك رَجُلٌ فَأَطْعِمْهُ فَلَيْسَ نَصًّا فِي الْعُمُومِ، وَمِثْلُهُ مَا نَحْنُ فِيهِ فَافْهَمْ. مَطْلَبُ مَا يَنْفُذُ مِنْ الْقَضَاءِ وَمَا لَا يَنْفُذُ. (قَوْلُهُ: إذْ حُكْمُ نَفْسِهِ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ الرَّفْعِ إلَيْهِ كَذَلِكَ أَيْ كَحُكْمِ قَاضٍ آخَرَ فِي أَنَّهُ يُنْفِذُهُ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ وَيَكُونُ هَذَا رَافِعًا لِلْخِلَافِ فِيهِ، وَلَا يَحْتَاجُ فِي نُفُوذِهِ عَلَى الْمُخَالِفِ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَكِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْغَرْسِ سُؤَالًا وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ شَرْعًا، إذْ الْقَاضِي لَا يَقْضِي لِنَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْحُكْمُ بِهِ حُكْمٌ بِصِحَّةِ فِعْلِ نَفْسِهِ فَيَلْغُو اهـ. قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى رَفْعِ الْخِلَافِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْعِ الْخَصْمِ وَإِلْزَامِهِ بِهِ فَلَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: نَفَّذَهُ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَنْفِيذُهُ. (قَوْلُهُ: لَوْ مُجْتَهَدًا فِيهِ) بِنَصْبِ مُجْتَهَدًا خَبَرًا لِكَانَ الْمُقَدَّرَةِ بَعْدَ لَوْ وَاسْمُهَا ضَمِيرٌ عَائِدٌ إلَى حُكْمِ الْعَائِدِ إلَيْهِ ضَمِيرُ نَفَّذَهُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ قَسَّمُوا الْحُكْمَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ، قِسْمٌ يُرَدُّ بِكُلِّ حَالٍ وَهُوَ مَا خَالَفَ النَّصَّ أَوْ الْإِجْمَاعَ كَمَا يَأْتِي، وَقِسْمٌ يَمْضِي بِكُلِّ حَالٍ، وَهُوَ الْحُكْمُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، بِأَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَسَبَبِ الْقَضَاءِ وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودَيْنِ بِالْقَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَكَانَ يَرَاهُ كَشَافِعِيٍّ، فَإِذَا رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَرَاهُ كَحَنَفِيٍّ يُمْضِيهِ وَلَا يُبْطِلُهُ، وَكَذَا لَوْ قَضَى لِامْرَأَةٍ بِشَهَادَةِ زَوْجِهَا وَآخَرُ أَجْنَبِيٌّ، فَرُفِعَ لِمَنْ لَا يُجِيزُ هَذِهِ الشَّهَادَةَ أَمْضَاهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَضَى بِمُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ سَبَبُ الْقَضَاءِ، وَهُوَ أَنَّ شَهَادَةَ هَؤُلَاءِ هَلْ تَصِيرُ حُجَّةً لِلْحُكْمِ أَمْ لَا فَالْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَسَبَبِ الْحُكْمِ لَا فِي نَفْسِ الْحُكْمِ، وَكَذَا لَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْغَائِبِ بِلَا وَكِيلٍ عَنْهُ، وَقَضَى بِهَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ سَبَبُ الْقَضَاءِ، وَهُوَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ هَلْ تَكُونُ حُجَّةً بِلَا خَصْمٍ حَاضِرٍ، فَإِذَا رَآهُ صَحَّ، وَسَيَأْتِي اخْتِلَافُ التَّرْجِيحِ فِي الْأَخِيرَةِ. وَقِسْمٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ: وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ وَهُوَ مَا يَقَعُ الْخِلَافُ فِيهِ بَعْدَ وُجُودِ الْحُكْمِ فَقِيلَ يَنْفُذُ، وَقِيلَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ وَحَكَى ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي رِسَالَتِهِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ عَنْ جَدِّهِ تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ، فَإِذَا رُفِعَ إلَى الثَّانِي فَأَمْضَاهُ يَصِيرُ كَأَنَّ الْقَاضِيَ الثَّانِيَ حَكَمَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَلَيْسَ لِلثَّالِثِ نَقْضُهُ وَلَوْ أَبْطَلَهُ الثَّانِي وَبَطَلَ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُجِيزَهُ كَمَا لَوْ قَضَى لِوَلَدِهِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 394 عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِيهِ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ وَلَا يُمْضِيهِ الثَّانِي فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ زَيْلَعِيٌّ وَعَيْنِيٌّ وَابْنُ كَمَالٍ، لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ وَيُفْتَى بِخِلَافِهِ وَكَأَنَّهُ تَيْسِيرٌ فَلْيُحْفَظْ   [رد المحتار] أَوْ لِامْرَأَتِهِ أَوْ كَانَ الْقَاضِي مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَسَيُشِيرُ الشَّارِحُ إلَى الْقِسْمِ الْأَخِيرِ وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي رِسَالَةِ ابْنِ الشِّحْنَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيدُ تَحْقِيقٍ. (قَوْلُهُ: عَالِمًا) حَالٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قَاضٍ آخَرَ، وَسَاغَ مَجِيءُ الْحَالِ مِنْهُ وَهُوَ نَكِرَةٌ لِتَخَصُّصِهَا بِالْوَصْفِ، وَهُوَ آخَرَ وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ خَبْرًا بَعْدَ خَبَرٍ لِكَانَ الْمُقَدَّرَةِ بَعْدَ لَوْ فِي قَوْلِهِ لَوْ مُجْتَهَدًا فِيهِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ الْمُسْتَتِرَ فِيهَا عَائِدٌ إلَى الْحُكْمِ كَمَا عَلِمْت، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي عَالِمًا عَائِدًا إلَى الْحُكْمِ أَيْضًا وَلَا يَصِحُّ مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي قَوْلِهِمْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْقَاضِي عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ. (قَوْلُهُ: عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِيهِ إلَخْ) أَقُولُ: ذَكَرَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْبَحْرِ فَذَكَرَ أَنَّ هَذَا شَرْطُ نَفَاذِ الْقَضَاءِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ثُمَّ ذَكَرَ عِبَارَةَ الْخُلَاصَةِ ثُمَّ قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ عِلْمَهُ بِكَوْنِ مَا حَكَمَ بِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ شَرْطٌ، وَأَمَّا عِلْمُهُ بِكَوْنِ الْمَسْأَلَةِ اجْتِهَادِيَّةً، فَلَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى اهـ ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ قَضَاءِ الْقَاضِي مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ عَلَيْهَا. وَسَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِ قَضَى فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ، بِخِلَافِ رَأْيِهِ إلَخْ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا، وَهَذِهِ غَيْرُ مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا وَلَمْ يُوَفِّهَا صَاحِبُ الْبَحْرِ حَقَّهَا، حَتَّى اشْتَبَهَتْ عَلَى بَعْضِ الْمُحَشِّينَ فَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا بِمَا قَالُوهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ الْآتِيَةِ، مَعَ أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ فَافْهَمْ، وَمَسْأَلَةُ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ وَقَعَ فِيهَا نِزَاعٌ، وَقَدْ أَلَّفَ فِيهَا الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ رِسَالَةً: حَاصِلُهَا: أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ فِي حَادِثَةٍ لَهُ فِيهَا رَأْيٌ مُقَرَّرٌ قَبْلَ قَضَائِهِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ الَّتِي قَصَدَ فِيهَا الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ، فَحَصَلَ حُكْمُهُ فِي الْمَحَلِّ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ثُمَّ بَانَ أَنَّ قَضَاءَهُ هَذَا عَلَى خِلَافِ رَأْيِهِ الْمُقَرَّرِ قَبْلَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ. وَأَمَّا إذَا وَافَقَ قَضَاؤُهُ رَأْيَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ حَالَ قَضَائِهِ أَنَّ فِيهَا خِلَافًا، فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ، وَبَيَانُ ذَلِكَ بِالنُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ مِنْهَا قَوْلُ الْإِمَامِ حُسَامِ الدِّينِ الشَّهِيدِ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا قَضَى فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ لَا يَنْفُذُ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ:: رَجُلٌ مَاتَ وَلَهُ مُدَبَّرُونَ حَتَّى عَتَقُوا، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ وَأَثْبَتَ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ، فَبَاعَهُمْ الْقَاضِي عَلَى ظَنِّ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ وَقَضَى بِجَوَازِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُمْ مُدَبَّرُونَ كَانَ قَضَاؤُهُ بِذَلِكَ بَاطِلًا، وَإِنْ مَضَى فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ، وَهُوَ جَوَازُ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ كَانَ بَاطِلًا اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ الضَّابِطَ أُخِذَ مِنْ فَرْعٍ وَقَعَ فِيهِ الْقَضَاءُ عَلَى خِلَافِ رَأْيِهِ السَّابِقِ وَهُوَ أَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يُبَاعُ؛ فَلِذَا كَانَ قَضَاؤُهُ بَاطِلًا وَعَدَمُ الْعِلْمِ دَلِيلُ بَقَاءِ رَأْيِهِ السَّابِقِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ عَالِمًا وَقَضَى عَلَى خِلَافِ رَأْيِهِ السَّابِقِ حُمِلَ عَلَى تَبَدُّلِ اجْتِهَادِهِ بِدَلِيلِ مَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي بَابِ الْفِدَاءِ الَّذِي يَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ حَيْثُ قَالَ: مَاتَ وَلَهُ رَقِيقٌ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ كَثِيرٌ فَبَاعَ الْقَاضِي رَقِيقَهُ، وَقَضَى دَيْنَهُ ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ لِبَعْضِهِمْ أَنَّ مَوْلَاهُ كَانَ دَبَّرَهُ، فَإِنَّ بَيْعَ الْقَاضِي فِيهِ يَكُونُ بَاطِلًا، وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا بِتَدْبِيرِهِ وَاجْتَهَدَ وَأَبْطَلَ تَدْبِيرَهُ لِكَوْنِهِ وَصِيَّةً وَبَاعَهُ فِي الدَّيْنِ ثُمَّ وُلِّيَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى ذَلِكَ خَطَأً، فَإِنَّهُ يَنْفُذُ قَضَاءُ الْأَوَّلِ إلَخْ، فَعُلِمَ أَنَّ عَدَمَ الْأَخْذِ لَيْسَ هُوَ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بَلْ لِكَوْنِهِ بَيْعَ الْحُرِّ. وَقَالَ الْحُسَامُ أَيْضًا قَالَ فِي كِتَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ: إذَا قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَةِ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ ثُمَّ ظَهَرَ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَحْدُودَيْنِ شَهِدَا بَعْدَ التَّوْبَةِ كَمَا فِي قَضَاءِ شَرْحِ الْجَامِعِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ قَضَاءَ هَذَا عَلَى خِلَافِ رَأْيِهِ الْمُقَرَّرِ قَبْلَ ذَلِكَ فَلِذَا لَمْ يَنْفُذْ، فَعَدَمُ النَّفَاذِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ لَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ، فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 395 بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ وَإِلَّا كَانَ إفْتَاءً فَيَحْكُمُ بِمَذْهَبِهِ لَا غَيْرُ، بَحْرٌ. وَسَيَجِيءُ آخِرَ الْكِتَابِ وَأَنَّهُ إذَا ارْتَابَ فِي حُكْمِ الْأَوَّلِ لَهُ طَلَبُ شُهُودِ الْأَصْلِ قَالَ وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ تَنَافِيذَ زَمَانِنَا لَا تُعْتَبَرُ   [رد المحتار] هَذَا فِي قَضَاءِ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ، وَأَنَّ اعْتِبَارَ الْعِلْمِ وَعَدَمَهُ إنَّمَا هُوَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْبَقَاءِ عَلَى الِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ أَوْ تَبَدُّلِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى وَفْقِ رَأْيِهِ نَفَذَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْخِلَافِ ظَهَرَ لَك أَنَّ اعْتِبَارَ هَذَا فِي الْقَاضِي الْمُقَلَّدِ جَهَالَةٌ فَاحِشَةٌ، وَخَرْقٌ لِمَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ فِي أَنَّ الْمُقَلِّدَ إذَا قَضَى بِقَوْلِ إمَامِهِ مُسْتَوْفِيًا لِلشُّرُوطِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ، سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا أَوْ لَا، وَصَارَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ بَقَاؤُهُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ نُصُوصُ الْمُخْتَصَرَاتِ وَالْمُطَوَّلَاتِ وَامْتَنَعَ نَقْضُهُ بِالْإِجْمَاعِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ كَوْنِ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ عَالِمًا بِالْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ أَنَّ الْمَوْضِعَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ الَّذِي لَمْ يُقْصَدْ الْحُكْمُ بِهِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهِ كَصِحَّةِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ، وَقَبُولِ شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ لَا يَصِيرُ مَحْكُومًا بِهِ فِي ضِمْنِ الْحُكْمِ الَّذِي قَصَدَهُ وَهُوَ بَيْعُ عَبْدِ الْمَدْيُونِ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَقَبُولُ شَهَادَةِ الْعَدْلِ فِي الصُّورَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ وَنَحْوُهُمَا، إذْ لَا وَجْهَ لِصَيْرُورَتِهِ مَحْكُومًا بِهِ مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ بِهِ وَقَصْدٍ لَهُ وَمَعَ كَوْنِهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِهِ، وَقَصَدَ الْحُكْمَ بِهِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ خَالَفَ رَأْيَهُ يَصِحُّ حُكْمُهُ بِهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ رُجُوعًا عَنْ رَأْيِهِ السَّابِقِ لِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ فَيَنْفُذُ وَإِذَا رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ أَمْضَاهُ، وَهَذَا كَلَامٌ فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ، وَحَيْثُ كَانَ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْخُلَاصَةِ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ اشْتِرَاطُ عِلْمِهِ بِالْخِلَافِ فِيمَا قَصَدَ الْحُكْمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ فَلِذَا قَالَ: وَيُفْتَى بِخِلَافِهِ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ فَهِمَ أَيْضًا أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْمُجْتَهِدِ وَغَيْرِهِ إذْ لَا شَكَّ فِي عُسْرِ ذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا عَلَى قُضَاةِ زَمَانِنَا فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ إلَخْ) الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِحُكْمٍ فِي قَوْلِهِ: حُكْمُ قَاضٍ أَوْ بِمَحْذُوفٍ خَبَرٍ أَيْضًا لِكَانَ الْمُقَدَّرَةِ بَعْدَ لَوْ فِي قَوْلِهِ لَوْ مُجْتَهَدًا فِيهِ قَالَ فِي الْبَحْرِ أَوَّلَ كِتَابِ الْقَضَاءِ، فَإِنْ فُقِدَ هَذَا الشَّرْطُ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا وَإِنَّمَا هُوَ إفْتَاءٌ صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ، وَبِأَنَّهُ شَرْطٌ لِنَفَادِ الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ. وَنَقَلَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوَاهُ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ هُنَا فِي الْبَحْرِ فَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْحُكْمَ الْمَرْفُوعَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي حَادِثَةٍ وَخُصُومَةٍ صَحِيحَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِمَادِيُّ وَالْبَزَّازِيُّ وَقَالَا حَتَّى لَوْ فَاتَ هَذَا الشَّرْطُ لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ فَتْوَى فَلَوْ رُفِعَ إلَى حَنَفِيٍّ قَضَاءُ مَالِكِيٍّ بِلَا دَعْوَى، لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ وَيَحْكُمُ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ، وَلَا بُدَّ فِي إمْضَاءِ الثَّانِي لِحُكْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الدَّعْوَى أَيْضًا كَمَا سَمِعْت اهـ أَيْ لَا بُدَّ فِي حُكْمِ الثَّانِي إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ الْأَوَّلِ، مِنْ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ كَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَهَذِهِ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةُ تُسَمَّى الْحَادِثَةَ لِحُدُوثِهَا عِنْدَ الْقَاضِي لِيَحْكُمَ بِهَا، بِخِلَافِ مَا كَانَ مِنْ لَوَازِمِ تِلْكَ الْحَادِثَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ بِدُونِ الْخُصُومَةِ فِيهِ، فَلِذَا لَمْ يَصِحَّ حُكْمُهُ بِهِ قَبْلَهَا كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْمُوجِبِ قَرِيبًا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ تَقَدُّمِ الدَّعْوَى إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ الْقَصْدِيِّ الْقَوْلِيِّ دُونَ الضِّمْنِيِّ وَالْفِعْلِيِّ كَمَا سَنُحَقِّقُهُ فِي الْفُرُوعِ وَكَذَا مَا تُسْمَعُ فِيهِ الدَّعْوَى حِسْبَةً وَمِنْهُ الْوَقْفُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُكْمُ الْأَوَّلِ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً صَحِيحًا، بَلْ كَانَ إفْتَاءً أَيْ بَيَانًا لِحُكْمِ الْحَادِثَةِ وَإِذَا كَانَ إفْتَاءً لَمْ يَلْزَمْ الْقَاضِيَ الثَّانِيَ تَنْفِيذُهُ بَلْ يَحْكُمُ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ وَافَقَ حُكْمَ الْأَوَّلِ أَوْ خَالَفَهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ آخِرَ الْكِتَابِ) أَيْ فِي مَسَائِلَ شَتَّى قُبَيْلَ الْفَرَائِضِ وَحَاصِلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ إذَا ارْتَابَ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي سَيَجِيءُ فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَذْكُورٌ هُنَاكَ أَيْضًا اهـ ح لَكِنَّ هَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَمْ أَجِدْهُ لِغَيْرِهِ وَتَبِعَهُ الْحَمَوِيُّ ط. (قَوْلُهُ: قَالَ) أَيْ صَاحِبُ الْبَحْرِ، وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْغَرْسِ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ عُرِفَ) أَيْ بِمَا ذَكَرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 396 لِتَرْكِ مَا ذَكَرَهُ وَقَدْ تَعَارَفُوا فِي زَمَانِنَا الْقَضَاءَ بِالْمُوجَبِ   [رد المحتار] فَإِنَّهُ أَفَادَ أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْحُكْمِ كَوْنُهُ بَعْدَ دَعْوَى صِحَّةٍ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لِتَرْكِ مَا ذَكَرَ) فَمُؤَدَّاهَا إحَاطَةُ الْقَاضِي الثَّانِي عِلْمًا بِحُكْمِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ عَلَى وَجْهِ التَّسْلِيمِ لَهُ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَرِضٍ عِنْدَهُ وَيُسَمَّى اتِّصَالًا وَيَتَجَوَّزُ بِذِكْرِ الثُّبُوتِ وَالتَّنْفِيذِ فِيهِ اهـ ابْنُ الْغَرْسِ. قُلْت: وَلِلْعَلَّامَةِ ابْنِ نُجَيْمٍ صَاحِبِ الْبَحْرِ رِسَالَةٌ فِي الْحُكْمِ بِلَا تَقَدُّمِ الدَّعْوَى وَقَالَ فِي آخِرِهَا: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا فِيمَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى، وَأَمَّا الْوَقْفُ فَالصَّحِيحُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهَا لِكَوْنِهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى، فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِلَا دَعْوَى وَيَحْكُمُ بِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْعِمَادِيَّةِ وَغَيْرِهَا، فَعَلَى هَذَا لَا إنْكَارَ عَلَى التَّنَافِيذِ الْوَاقِعَةِ فِي زَمَانِنَا لِكُتُبِ الْأَوْقَافِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهَا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى حُكْمِ قَاضٍ بِالْوَقْفِ فَقَوْلُهُمْ إنَّ التَّنَافِيذَ فِي زَمَانِنَا لَيْسَتْ أَحْكَامًا إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ إلَخْ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: لَكِنْ هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَفِي إثْبَاتِ مُجَرَّدِ كَوْنِهِ وَقْفًا، أَمَّا كَوْنُهُ مَوْقُوفًا عَلَى فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ وَأَنَّ الْوَاقِفَ شَرَطَ كَذَا أَوْ كَذَا فَهَذَا حَقُّ عَبْدٍ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ دَعْوَاهُ لِإِثْبَاتِ حَقِّهِ، وَكَذَا فِي إثْبَاتِ شُرُوطِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ فَتَأَمَّلْ مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ تَعَارَفُوا إلَخْ) هَذَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ اشْتِرَاطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ لِصِحَّةِ الْقَضَاءِ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ تَنَازُعٌ فِي مُوجَبٍ خَاصٍّ، مِنْ مَوَاجِبِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الثَّابِتِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَوَقَعَتْ الدَّعْوَى بِشُرُوطِهَا كَانَ حُكْمًا بِذَلِكَ الْمُوجِبِ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِ، فَلَوْ أَقَرَّ بِوَقْفِ عَقَارٍ عِنْدَ الْقَاضِي، وَشَرَطَ فِيهِ شُرُوطًا وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي ثُمَّ تَنَازَعَا عِنْدَ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ فِي صِحَّتِهِ وَلَزِمَهُ، فَحَكَمَ بِهِمَا وَبِمُوجَبِهِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِالشُّرُوطِ فَلِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَحْكُمَ فِيهَا بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ وَلَا يَمْنَعُهُ حُكْمُ الْحَنَفِيِّ السَّابِقُ وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ: أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِشَيْءٍ فِي حَادِثَةٍ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ لَا يَكُونُ قَضَاءً فِيمَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ إلَى أَنْ قَالَ فَقَدْ عَلِمْت مِنْ ذَلِكَ كَثِيرًا مِنْ الْمَسَائِلِ، فَإِذَا قَضَى شَافِعِيٌّ بِصِحَّةِ بَيْعِ عَقَارٍ، وَمُوجِبُهُ لَا يَكُونُ حُكْمًا مِنْهُ بِأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ لِعَدَمِ حَادِثَتِهَا، وَكَذَا إذَا قَضَى حَنَفِيٌّ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِأَنَّ الشُّفْعَةَ لِلْجَارِ، وَإِنْ كَانَتْ الشُّفْعَةُ مِنْ مَوَاجِبِهِ؛ لِأَنَّ حَادِثَتَهَا لَمْ تُوجَدْ وَقْتَ الْحُكْمِ وَلَا شُعُورَ لِلْقَاضِي بِهَا، وَكَذَا إذَا قَضَى مَالِكِيٌّ بِحِصَّةِ التَّعْلِيقِ فِي الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْفُضُولِيِّ الْمُجَازِ بِالْفِعْلِ لِعَدَمِهِ وَقْتَهُ فَافْهَمْ فَإِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ زَمَانِنَا عَنْهُ غَافِلُونَ اهـ، وَكَذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ أَمَّا كَوْنُ الْحُكْمِ حَادِثَةً فَاحْتِرَازٌ عَمَّا لَمْ يَحْدُثْ بَعْدُ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِمُوجِبِ إجَارَةِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِالْفَسْخِ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَآجِرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ خُصُومَةٌ اهـ، قُلْت: وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُوجَبِ هُنَا الَّذِي لَا يَصِحُّ بِهِ الْحُكْمُ هُوَ مَا لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، فَالْبَيْعُ الصَّحِيحُ مُقْتَضَاهُ خُرُوجُ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَدُخُولُهُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَاسْتِحْقَاقُ التَّسْلِيمِ، وَالتَّسَلُّمُ فِي كُلٍّ مِنْ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ مُوجِبَاتِهِ لَكِنَّهَا مُقْتَضَيَاتٌ لَازِمَةٌ لَهُ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ بِهِ حُكْمًا بِهَا بِخِلَافِ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِيهِ لِلْخَلِيطِ أَوْ لِلْجَارِ مَثَلًا، فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ أَيْ لَا يَسْتَلْزِمُهُ فَكَمْ مِنْ بَيْعٍ لَا تُطْلَبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ، فَهَذَا يُسَمَّى مُوجَبَ الْبَيْعِ، وَلَا يُسَمَّى مُقْتَضَى وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ إنَّ الْمُوجَبَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَثَرِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَهُوَ وَالْمُقْتَضَى مُخْتَلِفَانِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ اتِّحَادَهُمَا؛ إذْ الْمُقْتَضَى لَا يَنْفَكُّ، وَالْمُوجَبُ قَدْ يَنْفَكُّ فَالْأَوَّلُ كَانْتِقَالِ الْمَالِ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ. وَالثَّانِي كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْمُوجَبُ أَعَمُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 397 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] لِأَنَّهُ الْأَثَرُ اللَّازِمُ سَوَاءٌ كَانَ يَنْفَكُّ أَوْ لَا اهـ وَهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْغَرْسِ مِنْ أَنَّ مُوجِبَ الشَّيْءِ مَا أَوْجَبَهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَاقْتَضَاهُ، فَالْمُوجَبُ وَالْمُقْتَضَى فِي الْأَصْلِ وَاحِدٌ، وَلَكِنْ يَلْزَمُ مِنْ بَعْضِ الصُّوَرِ أَنَّ الْمُوجِبَ فِي بَابِ الْحُكْمِ أَعَمُّ، وَهُوَ التَّحْقِيقُ إذْ لَوْ بَاعَ مُدَبَّرَهُ ثُمَّ تَنَازَعَا عِنْدَ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ، فَحَكَمَ بِمُوجَبِ ذَلِكَ الْبَيْعِ صَحَّ الْحُكْمُ وَمَعْنَاهُ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ الْبَيْعِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ نَفْسِهِ فَظَهَرَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِالْمُقْتَضَى، وَإِلَّا كَانَ بَاطِلًا، وَكَانَ لِلشَّافِعِيِّ نَقْضُهُ وَالْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ إذْ لَا مُقْتَضَى لِلْبَيْعِ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ وَيَصِحُّ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ أَنْ يُقَالَ مُوجَبُ هَذَا الْبَيْعِ الْبُطْلَانُ اهـ مُلَخَّصًا. وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ مَا مَرَّ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْغَرْسِ أَنَّهُ كَمَا يُقَالُ إنَّ الشَّيْءَ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ نَفْسِهِ، فَكَذَلِكَ يُقَالُ إنَّهُ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ نَفْسِهِ، فَدَعْوَاهُ أَنَّهُمَا فِي الْأَصْلِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَأَنَّ هَذَا السَّبَبَ هُوَ الدَّاعِي إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا هُنَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا هُوَ اشْتِرَاطُ عَدَمِ الِانْفِكَاكِ فِي الْمُقْتَضَى لَا فِي الْمُوجَبِ أَعَمُّ فَالْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ عِنْدَنَا لَا يَصِحُّ، مَا لَمْ يَكُنْ حَادِثَةً بِأَنْ وَقَعَ فِيهِ التَّرَافُعُ، وَالتَّنَازُعُ عِنْدَ الْحَاكِمِ كَمَا مَرَّ، فَإِذَا وَقَعَ التَّنَازُعُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَلُزُومِهِ فَحَكَمَ بِمُوجِبِ ذَلِكَ الْبَيْعِ كَانَ حُكْمًا بِصِحَّتِهِ وَبِبَاقِي مُقْتَضَيَاتِهِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ كَمِلْكِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ، وَلُزُومِ دَفْعِهِ الثَّمَنَ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مُوجَبِهِ الْمُنْفَكِّ عَنْهُ كَاسْتِحْقَاقِ الْجَارِ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ لِعَدَمِ الْحَادِثَةِ كَمَا قُلْنَا. 1 - مَطْلَبُ الْمُوجَبِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ابْنَ الْغَرْسِ ذَكَرَ أَنَّ الْمُوجَبَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا وَاحِدًا أَوْ أُمُورًا يَسْتَلْزِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا أَوْ لَا، فَالْأَوَّلُ: كَالْقَضَاءِ بِالْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إذْ لَا مُوجِبَ لِهَذَا سِوَى ثُبُوتِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ لِلْعَيْنِ وَالْحُرِّيَّةِ وَانْحِلَالِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ، وَالثَّانِي: كَمَا إذَا ادَّعَى رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى الْكَفِيلِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَطَالَبَهُ بِهِ فَأَنْكَرَ الدَّيْنَ فَأَثْبَتَهُ وَحَكَمَ بِمُوجِبِ ذَلِكَ فَالْمُوجَبُ هُنَا أَمْرَانِ لُزُومُ الدَّيْنِ لِلْغَائِبِ وَلُزُومُ أَدَائِهِ عَلَى الْكَفِيلِ. وَالثَّانِي: يَسْتَلْزِمُ الْأَوَّلَ فِي الثُّبُوتِ. وَالثَّالِثُ: كَمَا إذَا حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِمُوجِبِ بَيْعِ عَقَارٍ اقْتَصَرَ الْحُكْمُ عَلَى مَا وَقَعَتْ بِهِ الدَّعْوَى فَلَا يَكُونُ حُكْمًا بِأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ، وَهَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ هَذَا حَاصِلُ مَا قَرَّرَهُ ابْنُ الْغَرْسِ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ وَزَادَ عَلَيْهِ قِسْمًا رَابِعًا لَكِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى كَوْنِهِ شَرْطًا لِلْقِسْمِ الثَّانِي كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ لِمَنْ رَاجَعَهُ. [تَنْبِيهٌ] قَدَّمْنَا آنِفًا عَنْ الْبَحْرِ عَنْ فَتَاوَى الشَّيْخِ قَاسِمٍ أَنَّهُ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ تَقَدُّمَ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ شَرْطٌ لِنَفَاذِ الْحُكْمِ، وَأَيَّدَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي رِسَالَةٍ أَلَّفَهَا فِي ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ فَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِمَّا فِي هَذِهِ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْقَاضِي حَنَفِيًّا أَوْ غَيْرَهُ إلَى أَنْ قَالَ: وَمِمَّا فَرَّعْته عَلَى أَنَّ قَضَاءَ الْمُخَالِفِ إذَا رُفِعَ إلَيْنَا فَإِنَّا نُمْضِيَهُ فِيمَا وَقَعَ حُكْمُهُ بِهِ لَا فِي غَيْرِهِ، مَا لَوْ قَضَى شَافِعِيٌّ بِبَيَّنَةِ ذِي الْيَدِ عَلَى خَارِجٍ نَازَعَهُ ثُمَّ تَنَازَعَ ذُو الْيَدِ وَخَارِجٌ آخَرُ عِنْدَ حَنَفِيٍّ فَإِنَّهُ يَسْمَعُ الدَّعْوَى وَلَا يَمْنَعُهُ قَضَاءُ الشَّافِعِيِّ مِنْ سَمَاعِهَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْمِلْكِ لَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْكَافَّةِ، بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمُقَضَّى عَلَيْهِ، وَهُوَ الْخَارِجُ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ مَذْهَبُ الْحَاكِمِ تَعَدِّيَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ قَضَاءَ الْمَالِكِيِّ بِغَيْرِ دَعْوَى غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَنَا وَإِنْ صَحَّ عِنْدَهُ، فَإِذَا رُفِعَ إلَيْنَا لَا نُنْفِذُهُ، وَكَذَلِكَ هُنَا لَا نَتَعَرَّضُ لِحُكْمِهِ عَلَى الْخَارِجِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلَمْ يَقَعْ حُكْمُهُ عَلَيْهِ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا، وَمِمَّا فَرَّعْته لَوْ حَجَرَ شَافِعِيٌّ عَلَى سَفِيهٍ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ، ثُمَّ رُفِعَتْ إلَيْنَا حَادِثَةٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ فَإِنَّا نَحْكُمُ بِمَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِلْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ فَإِنَّهُمَا وَإِنْ وَافَقَا الشَّافِعِيَّ فِي أَصْلِ الْحَجْرِ، لَمْ يُوَافِقَاهُ فِي أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ عِنْدَهُمَا فِيمَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ،. فَإِذَا تَزَوَّجَتْ السَّفِيهَةُ الَّتِي حَجَرَ عَلَيْهَا شَافِعِيٌّ، وَلَمْ يُرْفَعُ نِكَاحُهَا إلَيْهِ وَلَمْ يُبْطِلْهُ بَلْ رُفِعَ إلَى حَنَفِيٍّ، فَلَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 398 وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى الْمُتَعَلِّقِ بِمَا أُضِيفَ إلَيْهِ فِي ظَنِّ الْقَاضِي شَرْعًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَقْضِي بِهِ فَإِذَا حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِمُوجَبِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ كَانَ مَعْنَاهُ الْحُكْمَ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ   [رد المحتار] أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّتِهِ لَوْ الزَّوْجُ كُفُؤًا عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ، وَلَا يَمْنَعُهُ مَذْهَبُ الْحَاجِرِ، لِعَدَمِ وُجُودِ حَادِثَةِ التَّزَوُّجِ وَقْتَ الْحَجْرِ، وَلَمْ تَكُنْ لَازِمَةً لِلْحَجْرِ حَتَّى تَدْخُلَ ضِمْنًا لِقَبُولِ الِانْفِكَاكِ لِجَوَازِ أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ الْمَحْجُورَةُ أَصْلًا، وَقَدْ تَوَقَّفَ فِيهِ بَعْضُ مَنْ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَى كَلَامِهِمْ اهـ. قُلْت: وَيُعْلَمُ مِنْهُ مَا يَقَعُ الْآنَ مِنْ وُقُوعِ التَّنَازُعِ فِي صِحَّةِ الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ عِنْدَ قَاضٍ شَافِعِيٍّ فَيَحْكُمُ بِصِحَّتِهَا، وَبِعَدَمِ انْفِسَاخِهَا بِمَوْتٍ وَلَا غَيْرِهِ فَإِنَّ عَدَمَ الِانْفِسَاخِ بِالْمَوْتِ لَمْ يَصِرْ حَادِثَةً وَقْتَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَمْ يُوجَدْ وَقْتَهُ، فَلِلْحَنَفِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِالْفَسْخِ بِالْمَوْتِ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْغَرْسِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا لَوْ وَهَبَ ابْنَهُ وَسَلَّمَهُ الْعَيْنَ الْمَوْهُوبَةَ، وَقَضَى شَافِعِيٌّ بِالْمُوجِبِ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ وَتَرَافَعَا عِنْدَ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ فَحَكَمَ بِبُطْلَانِ الرُّجُوعِ قَالَ: وَقَدْ حَصَلَ التَّنَازُعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْمَذْهَبَيْنِ فَقَالَ الْقَاضِي الشَّافِعِيُّ حُكْمُ الْحَنَفِيِّ بَاطِلٌ؛ لِأَنِّي حَكَمْت قَبْلَهُ بِمُوجِبِ الْهِبَةِ وَمِنْ مُوجَبِهَا عِنْدِي أَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ، وَالْحُكْمُ فِي الْخِلَافِيَّةِ يَجْعَلُهَا وِفَاقِيَّةً، وَقَالَ الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ الرُّجُوعُ حَادِثَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وُجِدَتْ بَعْدَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، فَكَيْفَ تَدْخُلُ تَحْتَ حُكْمِهِ. وَأُجِيبَ فِيهَا بِأَنَّ الْمُوجِبَ هُنَا أُمُورٌ هِيَ خُرُوجُ الْعَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ، وَدُخُولُهَا فِي مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَمَلَكَ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ إذَا كَانَ أَبًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَعَدَمَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ، فَإِنْ كَانَ التَّدَاعِي عِنْدَ الْقَاضِي لَيْسَ إلَّا فِي انْتِقَالِ الْعَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ إلَى مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ اقْتَصَرَ الْقَضَاءُ بِالْمُوجَبِ عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ الْقَاضِي الْأَوَّلُ شَافِعِيًّا لَا يَصِيرُ كَوْنُ الْأَبِ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ مَحْكُومًا بِهِ، وَإِذَا كَانَ حَنَفِيًّا لَا يَصِيرُ عَدَمُ مِلْكِهِ ذَلِكَ مَحْكُومًا بِهِ، فَلِلْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبِهِ: أَيْ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ الثَّانِيَ فِي الثُّبُوتِ قَالَ: فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَضَاءَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ يُشْتَرَطُ لَهُ الدَّعْوَى الْمُوصِلَةُ لَهُ شَرْعًا عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلُ بِهِ الْمُطَابَقَةُ إلَّا مَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِلْزَامِ الشَّرْعِيِّ أَيْ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكَفَالَةِ الْمَارَّةِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالْقَضَاءِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِيمَا لَمْ يَتَخَاصَمَا إلَيْهِ فِيهِ اهـ مُلَخَّصًا فَاغْتُفِرَ التَّطْوِيلُ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِمَا حَوَاهُ مِنْ الْفَوَائِدِ الْعِظَامِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى) أَيْ كَخُرُوجِ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَدُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَوُجُوبِ التَّسَلُّمِ وَالتَّسْلِيمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْبَيْعِ، وَلَوَازِمِهِ فَذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَحْكُومُ بِهِ الْمُضَافُ إلَى الْمَبِيعِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ فِي ظَنِّ الْقَاضِي شَرْعًا هُوَ الْمُوجَبُ هَا هُنَا، وَهُوَ الَّذِي اقْتَضَاهُ عَقْدُ الْبَيْعِ وَأَمَّا الْحُكْمُ بِمُوجِبِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ، فَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي أُضِيفَ إلَى ذَلِكَ الْبَيْعِ فِي ظَنِّ الْقَاضِي شَرْعًا، وَهُوَ كَوْنُ ذَلِكَ الْبَيْعِ بَاطِلًا وَلَكِنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ هُوَ مُقْتَضَى ذَلِكَ الْبَيْعِ إذْ الْبَيْعُ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ نَفْسِهِ اهـ ابْنُ الْغَرْسِ وَظَهَرَ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا فِي قَوْلِهِ بِمَا أُضِيفَ لَهُ هُوَ الْبَيْعُ مَثَلًا، فَإِنَّ دُخُولَ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي مُتَعَلِّقٌ بِذَلِكَ الْبَيْعِ وَمُضَافٌ إلَيْهِ شَرْعًا فِي ظَنِّ الْقَاضِي: أَيْ فِي قَصْدِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَقْضِي بِهِ: أَيْ يَقْصِدُ الْقَضَاءَ بِهِ وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْبَيْعِ اللَّازِمَةِ لَهُ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَا يُقْصَدُ الْقَضَاءُ بِهِ لِعَدَمِ التَّنَازُعِ فِيهِ كَثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ، وَأَفَادَ أَنَّ الْمُوجَبَ قَدْ يَكُونُ مُقْتَضًى كَمَا مَثَّلْنَا، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ مُقْتَضًى كَبُطْلَانِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ فَإِنَّهُ مُوجَبٌ لَا مُقْتَضًى عَلَى مَا قَرَّرَهُ سَابِقًا فَافْهَمْ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّعْقِيدِ خَاصٌّ بِالْمُوجَبِ الَّذِي وَقَعَ الْحُكْمُ بِهِ صَحِيحًا مَعَ أَنَّ الْمُوجِبَ أَعَمُّ مِنْهُ فَإِنَّ الْمَعْنَى الْمُتَعَلِّقَ بِذَلِكَ الْبَيْعِ الْمُضَافِ إلَيْهِ يَصْدُقُ عَلَى ثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ فِيهِ وَثُبُوتِ رَدِّهِ بِخِيَارِ عَيْبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ اللَّازِمَةِ لَهُ بِدَلِيلِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُوجَبَ قَدْ يَكُونُ أُمُورًا يَسْتَلْزِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا أَوْ لَا يَسْتَلْزِمُ، فَالْأَظْهَرُ وَالْأَخْصَرُ تَعْرِيفُهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ الْأَثَرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَإِنْ أَرَادَ تَخْصِيصَهُ بِمَا يَقَعُ بِهِ الْحُكْمُ صَحِيحًا عِنْدَنَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُنَا إذَا صَارَ حَادِثَةً، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 399 وَلَوْ قَالَ الْمُوَثِّقُ وَحَكَمَ بِمُقْتَضَاهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ نَفْسِهِ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ أَعَمُّ نَهْرٌ (إلَّا مَا) عَرِيَ عَنْ دَلِيلٍ مُجْمَعٍ أَوْ (خَالَفَ كِتَابًا) لَمْ يَخْتَلِفْ فِي تَأْوِيلِهِ السَّلَفُ كَمَتْرُوكِ تَسْمِيَةٍ (أَوْ سُنَّةً مَشْهُورَةً)   [رد المحتار] فَيَخْرُجُ مَا لَا حَادِثَةَ فِيهِ كَمَا لَوْ حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِمُوجِبِ بَيْعٍ بَعْدَ إنْكَارِهِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ مَثَلًا، مِمَّا لَيْسَ مِنْ لِوَازِمِهِ وَمِثْلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْهِبَةِ وَغَيْرِهَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا قَالَ الْمُوَثِّقُ) هُوَ كَاتِبُ الْقَاضِي الَّذِي يَكْتُبُ الْوَثِيقَةَ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ حُجَّةً فِي زَمَانِنَا. (قَوْلُهُ: وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ أَعَمُّ) أَيْ مِنْ الْمُقْتَضَى، فَإِنَّ بُطْلَانَ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ مُوجَبٌ لَا مُقْتَضَى لِمَا ذَكَرَهُ فَكُلُّ مُقْتَضًى مُوجَبٌ، وَلَا عَكْسَ وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ عَائِدٌ إلَى قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ الْمُوَثِّقُ إلَخْ، فَإِنَّ الشَّارِحَ اقْتَصَرَ عَلَى التَّمْثِيلِ بِبَيْعِ الْمُدَبَّرِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْمُوجَبِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ الْمُوجِبَ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ مُقْتَضًى، فَلَا يُرَدُّ مَا قِيلَ إنَّ الَّذِي ظَهَرَ مِنْ عِبَارَتِهِ أَنَّ بَيْنَهُمَا التَّبَايُنَ لَا الْعُمُومَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: مَجْمَعٌ) لَمْ يُمَثِّلْ لَهُ فِي شَرْحِهِ قَالَ ط: وَالْمُرَادُ بِهِ كَمَا رَأَيْته بِهَامِشِهِ نَحْوُ الْقَضَاءِ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ عِنْدَ تَرْكِ الْمُطَالَبَةِ بِهِ سِنِينَ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَخْتَلِفْ فِي تَأْوِيلِهِ السَّلَفُ) الْجُمْلَةُ صِفَةُ كِتَابًا وَالْمُرَادُ بِالسَّلَفِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، لِقَوْلِ الْهِدَايَةِ الْمُعْتَبَرُ الِاخْتِلَافُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ اهـ، وَعَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ مَنْ بَعْدَهُمْ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ خِلَافُ الْأَصَحِّ. (قَوْلُهُ: كَمَتْرُوكِ تَسْمِيَةٍ) أَيْ عَمْدًا فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]- بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ لِلْعَطْفِ، وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى مَصْدَرِ الْفِعْلِ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ حَرْفُ النَّهْيِ، أَوْ إلَى الْمَوْصُولِ، وَاحْتِمَالُ كَوْنِهَا حَالِيَّةً فَتَكُونُ قَيْدًا لِلنَّهْيِ رُدَّ بِأَنَّ التَّأْكِيدَ بِإِنَّ وَاللَّامَ يَنْفِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَالَ فِي النَّهْيِ مَبْنَاهُ عَلَى التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ قِيلَ لَا تَأْكُلُوا مِنْهُ إنْ كَانَ فِسْقًا فَلَا يَصْلُحُ {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] ، بَلْ وَهُوَ فِسْقٌ، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِلنَّهْيِ بَلْ هُوَ إشَارَةٌ إلَى الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لَهُ كَلَا تُهِنْ زَيْدًا وَهُوَ أَخُوك، وَلَا تَشْرَبْ الْخَمْرَ وَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْك، نَهْرٌ مُوَضَّحًا وَتَمَامُهُ فِي رِسَالَةِ ابْنِ نُجَيْمٍ الْمُؤَلَّفَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. مَطْلَبٌ فِي الْحُكْمِ بِمَا خَالَفَ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ. (قَوْلُهُ: أَوْ سُنَّةً مَشْهُورَةً) قَيَّدَ بِالْمَشْهُورَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْغَرِيبِ زَيْلَعِيٌّ، وَلَا بُدَّ هَا هُنَا مِنْ تَقْيِيدِ الْكِتَابِ بِأَنْ لَا يَكُونَ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ وَتَقْيِيدِ السُّنَّةِ، بِأَنْ تَكُونَ مَشْهُورَةً أَوْ مُتَوَاتِرَةً غَيْرَ قَطْعِيَّةِ الدَّلَالَةِ، وَإِلَّا فَمُخَالَفَةُ الْمُتَوَاتِرِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ إذَا كَانَ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ كُفْرٌ، كَذَا فِي التَّلْوِيحِ، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ مُؤَوَّلٌ أَوْ غَيْرُ مُؤَوَّلٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَرَجَّحَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ بِثُبُوتِ دَلِيلِ التَّأْوِيلِ، فَيَقَعُ الِاجْتِهَادُ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ هَذَا الْقِسْمِ أَنَّهُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ أَمْ لَا كَذَا فِي الْفَتْحِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُعْطِي أَنَّ آيَةَ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ لَا تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ بَلْ هِيَ نَصٌّ فِي الْمُدَّعَى وَفِيهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ مِمَّا مَرَّ، نَهْرٌ، أَيْ مَا مَرَّ مِنْ احْتِمَالِ أَوْجُهِ الْإِعْرَابِ، عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ النَّصِّ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ كَمَا مَرَّ، فَفِي عَدَمِ نَفَاذِ الْحُكْمِ بِمُعَارَضَةٍ نَظَرٌ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ. ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا وَبِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ يَنْفُذُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ، عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ وَبَيْعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لَا يَنْفُذُ مَا لَمْ يُمْضِهِ قَاضٍ آخَرُ اهـ. قُلْت: لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ عَدَمَ النَّفَاذِ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ السَّلَفُ، وَأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِوُجُودِ الْخِلَافِ بَعْدَهُمْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُفِيدُ احْتِمَالُ الْآيَةِ أَوْجُهًا مِنْ الْإِعْرَابِ نَعَمْ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ تَصْحِيحِ اعْتِبَارِ اخْتِلَافِ مَنْ بَعْدَهُمْ يُقَوِّي هَذَا الْبَحْثَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْقَضَاءِ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا جَائِزٌ عِنْدَهُمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 400 كَتَحْلِيلٍ بِلَا وَطْءٍ لِمُخَالَفَتِهِ حَدِيثَ الْعُسَيْلَةِ الْمَشْهُورِ (أَوْ إجْمَاعًا) كَحِلِّ الْمُتْعَةِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى فَسَادِهِ وَكَبَيْعِ أُمِّ وَلَدٍ عَلَى الْأَظْهَرِ وَقِيلَ يَنْفُذُ عَلَى الْأَصَحِّ. (وَ) مِنْ ذَلِكَ مَا (لَوْ قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ) الْمُدَّعِي لِمُخَالَفَتِهِ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (أَوْ بِقِصَاصٍ بِتَعْيِينِ الْوَلِيِّ وَاحِدًا مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ أَوْ الْمُؤَقَّتِ أَوْ بِصِحَّةِ بَيْعِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ   [رد المحتار] لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَكَذَا مَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمُنْتَقَى مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي كَوْنِ الْمَحَلِّ مُجْتَهَدًا فِيهِ اشْتِبَاهُ الدَّلِيلِ لَا حَقِيقَةُ الْخِلَافِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلَّ خِلَافٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ أَوْ غَيْرِهِ مَحَلُّ اشْتِبَاهِ الدَّلِيلِ، فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى كَوْنِهِ بَيْنَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ. وَاَلَّذِي حَقَّقَهُ فِي الْبَحْرِ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ أَشَارَ إلَى الْقَوْلَيْنِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا عِبَارَةَ الْقُدُورِيِّ، وَهِيَ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ حَاكِمٍ أَمْضَاهُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ، وَذَكَرَ ثَانِيًا عِبَارَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَهِيَ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ جَاءَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ أَمْضَاهُ فَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى مِنْ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ الَّتِي لَا يَنْفُذُ فِيهَا قَضَاءُ الْقَاضِي مَبْنِيٌّ عَلَى عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ، لَا عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ، وَمَنْ قَالَ: لَا اعْتِبَارَ بِخِلَافِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ اعْتَمَدَ قَوْلَ الْقُدُورِيِّ. وَمَنْ قَالَ بِاعْتِبَارِهِ اعْتَمَدَ مَا فِي الْجَامِعِ وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَبِهِ أَيْ بِمَا فِي الْجَامِعِ نَأْخُذُ، لَكِنْ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى مَا فِي الْقُدُورِيِّ اهـ مُلَخَّصًا. فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ وَالْمُتُونُ عَلَى مَا فِي الْقُدُورِيِّ، وَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْجَامِعِ وَلِذَا رَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ كَمَا يَأْتِي أَيْضًا. (قَوْلُهُ: كَتَحْلِيلٍ بِلَا وَطْءٍ) أَيْ تَحْلِيلِ الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْمُحَلِّلِ بِلَا دُخُولٍ عَمَلًا بِقَوْلِ سَعِيدٍ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ إجْمَاعًا) الْمُرَادُ مِنْهُ مَا لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ يَسْتَنِدُ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: كَحِلِّ الْمُتْعَةِ) أَيْ كَالْقَضَاءِ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، كَقَوْلِهِ: مَتِّعِينِي بِنَفْسِك عَشْرَةَ أَيَّامٍ فَلَا يَنْفُذُ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ بِأَيَّامٍ أَيْ بِدُونِ لَفْظِ الْمُتْعَةِ، فَإِنَّهُ يَنْفُذُ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَقَدَّمْنَا عَنْهُ فِي النِّكَاحِ تَرْجِيحَ قَوْلِ زُفَرَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ بِإِلْغَاءِ التَّوْقِيتِ فَيَنْعَقِدُ مُؤَبَّدًا. (قَوْلُهُ: وَكَبَيْعِ أُمِّ وَلَدٍ إلَخْ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُبْتَنَى عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرَ يَرْفَعُ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا لَا يَرْفَعُ يَعْنِي اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي جَوَازِ بَيْعِهَا، ثُمَّ أَجْمَعَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى عَدَمِهِ، فَكَانَ الْقَضَاءُ بِهِ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيُبْطِلُهُ الْقَاضِي الثَّانِي، وَعِنْدَهُمَا لَمَّا لَمْ يُرْفَعْ خِلَافُ الصَّحَابَةِ وَقَعَ فِي مَحَلِّ اجْتِهَادٍ فَلَا يَنْقُضُهُ الثَّانِي لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ فِي التَّقْوِيمِ إنَّ مُحَمَّدًا رَوَى عَنْهُمْ جَمِيعًا أَنَّ الْقَضَاءَ بِبَيْعِهَا لَا يَجُوزُ فَتْحٌ، وَذَكَرَ فِي التَّحْرِيرِ أَنَّ الْأَظْهَرَ مِنْ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا لَكِنْ أَيْضًا عَنْ الْجَامِعِ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ قَاضٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمَسْبُوقَ بِخِلَافٍ مُخْتَلَفٍ فِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا فَفِيهِ شُبْهَةٌ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ فَكَذَا فِي مُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ ذَلِكَ الْحُكْمُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ، وَإِذَا رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ أَبْطَلَهُ مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْفَتْحِ فَلَوْ قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ لَا يَنْفُذُ: وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ ذَكَرَهُ فِي أَقْضِيَةِ الْجَامِعِ، وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ يَنْفُذُ مُطْلَقًا اهـ وَفِي ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يَنْفُذُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لَا عَلَى قَوْلِ الثَّانِي اهـ. (قَوْلُهُ: لِمُخَالَفَتِهِ إلَخْ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ عَقِبَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لِيَكُونَ عِلَّةَ الْمَسْأَلَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى» ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَفِي الْفَتْحِ عَلَى الْمُدَّعِي. (قَوْلُهُ: أَوْ بِقِصَاصٍ إلَخْ) أَيْ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْقِصَاصِ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ، وَهُنَاكَ لَوْثٌ مِنْ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ كَمَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ لَا يَنْفُذُ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ) وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ أَوْ الْمُؤَقَّتِ) لَعَلَّ الصَّوَابَ لَا الْمُؤَقَّتِ بِلَا النَّافِيَةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا عَنْ الْفَتْحِ مِنْ نَفَاذِ الْقَضَاءِ بِصِحَّةِ الْمُؤَقَّتِ وَنَقَلَ ط مِثْلَهُ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ عَدَمَ نَفَاذِهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِصِحَّةِ بَيْعِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 401 أَوْ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ بِمُضِيِّ سِنِينَ أَوْ بِصِحَّةِ) طَلَاقِ (الدَّوْرِ وَبَقَاءِ النِّكَاحِ) كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (وَقَضَاءِ عَبْدٍ وَصَبِيٍّ مُطْلَقًا وَ) قَضَاءِ (كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ أَبَدًا وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِشَهَادَةِ الْمُرْضِعَةِ (لَا يَنْفُذُ) فِي الْكُلِّ وَعَدَّ مِنْهَا فِي الْأَشْبَاهِ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ، وَذَكَرَ فِي الدُّرَرِ لِمَا يَنْفُذُ سَبْعَ صُوَرٍ مِنْهَا لَوْ قَضَتْ الْمَرْأَةُ بِحَدٍّ وَقَوَدٍ   [رد المحتار] فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: رَجُلٌ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ أَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ مُعْسِرٌ وَقَضَى الْقَاضِي لِلْآخَرِ فِي بَيْعِ نَصِيبِهِ فَبَاعَ ثُمَّ اخْتَصَمَا إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَرَى ذَلِكَ ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْقَاضِيَ يُبْطِلُ الْبَيْعَ وَالْقَضَاءَ وَحَكَى شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ الْمَشَايِخِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ عَنْ أَصْحَابِنَا وَلَوْلَا قَوْلُ الْخَصَّافِ لَقُلْنَا إنَّهُ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ اهـ ط. (قَوْلُهُ: أَوْ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ إلَخْ) أَيْ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا لَمْ يُخَاصِمْ ثَلَاثَ سِنِينَ وَهُوَ فِي الْمِصْرِ بَطَلَ حَقُّهُ فَلَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مَهْجُورٌ، فَإِذَا رُفِعَ إلَى آخَرَ أَبْطَلَهُ وَجَعَلَ الْمُدَّعِيَ عَلَى حَقِّهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِصِحَّةِ طَلَاقِ الدَّوْرِ وَبَقَاءِ النِّكَاحِ) أَيْ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ فِي طَلَاقِ الدَّوْرِ لَا صِحَّةِ نَفْسِ الطَّلَاقِ، فَإِذَا قَالَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، فَإِنَّ الْقَبْلِيَّةَ تَلْغُو وَتَطْلُقُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ صِحَّةَ تَعْلِيقِ الثَّلَاثِ تُؤَدِّي إلَى إبْطَالِهِ فَلَوْ قَضَى قَاضٍ بِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ وَبُطْلَانِ الطَّلَاقِ وَإِبْقَاءِ النِّكَاحِ لَا يَنْفُذُ. (قَوْلُهُ: فِي بَابِهِ) أَيْ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَأَوْضَحْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ هُنَاكَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَقَضَاءُ عَبْدٍ) اسْتَشْكَلَ بِأَنَّ الْعَبْدَ يَصْلُحُ شَاهِدًا عِنْدَ مَالِكٍ وَشُرَيْحٍ فَيَصْلُحُ قَاضِيًا فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ إمْضَاءُ قَاضٍ آخَرَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ كَمَا فِي الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ قَضَيَا عَلَى حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ بَالِغٍ أَوْ صَبِيٍّ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ اهـ ح. (قَوْلُهُ: أَبَدًا) مَحَلُّ ذِكْرِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا يَنْفُذُ كَمَا فِي عِبَارَةِ الْغُرَرِ. (قَوْلُهُ: وَعَدَّ مِنْهَا فِي الْأَشْبَاهِ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا آخِرَ كِتَابِ الْوَقْفِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي الدُّرَرِ لِمَا يَنْفُذُ سَبْعَ صُوَرٍ) حَيْثُ قَالَ فَإِنْ أَمْضَى قَضَاءَ مَنْ حُدَّ فِي قَذْفٍ وَتَابَ أَوْ قَضَاءَ الْأَعْمَى أَوْ قَضَاءَ امْرَأَةٍ بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ أَوْ قَضَاءَ قَاضٍ لِامْرَأَتِهِ أَوْ قَاضٍ بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ التَّائِبِ وَبِشَهَادَةِ الْأَعْمَى وَقَاضٍ لِامْرَأَةٍ بِشَهَادَةِ زَوْجِهَا وَقَاضٍ بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ بِشَهَادَتِهَا نَفَذَ حَتَّى لَوْ أَبْطَلَهُ ثَانٍ نَفَّذَهُ ثَالِثٌ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ الْأَوَّلَ كَالثَّانِي، وَالْأَوَّلُ تَأَبَّدَ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ فَلَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ لَمْ يَتَأَبَّدْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ اهـ. قُلْت: وَفِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ مِنْ الْخُلَفَاءِ مَا لَا يَخْفَى؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فِي هَذِهِ السَّبْعِ لَا يَنْفُذُ مَا لَمْ يُمْضِهِ قَاضٍ آخَرُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ نَفْسُ الْقَضَاءِ لَا الْمَقْضِيُّ بِهِ فَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ لَوْ مُجْتَهَدًا فِيهِ فَقَوْلُ الدُّرَرِ نَفَذَ أَيْ إمْضَاءُ الْقَاضِي الْأَوَّلِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ إلَخْ، وَقَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ أَبْطَلَهُ ثَانٍ إلَخْ صَوَابُهُ: حَتَّى لَوْ أَبْطَلَهُ ثَالِثٌ لَمْ يَبْطُلْ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ، لَكِنْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ قَضَاءُ الْأَوَّلِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُوَلِ دُونَ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ، بَلْ هُوَ نَافِذٌ فِيهَا فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهَا حَتَّى لَوْ أَبْطَلَهُ ثَانٍ نَفَّذَهُ ثَالِثٌ أَيْ نَفَّذَ الثَّالِثُ قَضَاءَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ نَافِذًا، فَلَمْ يَصِحَّ إبْطَالُ الثَّانِي لَهُ وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَيَانِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، وَيُوَضِّحُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا إذَا كَانَ نَفْسُ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفًا فِيهِ وَرُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَرَاهُ لَهُ إبْطَالُهُ، وَإِذَا رُفِعَ إلَى مَنْ يَرَاهُ وَنَفَّذَهُ ثُمَّ رُفِعَ إلَى ثَالِثٍ لَا يَرَى ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ إبْطَالُهُ، فَلَوْ كَانَ الْقَاضِي هُوَ الْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ فَرُفِعَ حُكْمُهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَرَى جَوَازَهُ أَبْطَلَهُ الثَّانِي، وَكَذَا لَوْ قَضَى لِامْرَأَتِهِ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ لَا يَجُوزُ، فَلَوْ رُفِعَ إلَى آخَرَ لَا يَرَاهُ جَازَ لَهُ إبْطَالُهُ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَصْلُحُ شَاهِدًا لِامْرَأَتِهِ لَا يَصْلُحُ قَاضِيًا لَهَا، فَإِنْ رُفِعَ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ إلَى مَنْ يَرَى جَوَازَهُ فَأَمْضَاهُ، ثُمَّ رُفِعَ إمْضَاءُ الثَّانِي إلَى الثَّالِثِ لَا يَرَى جَوَازَهُ أَمْضَى الثَّالِثُ إمْضَاءَ الثَّانِي، وَلَا يُبْطِلُهُ. وَكَذَا قَضَاءُ الْأَعْمَى، وَكَذَا قَضَاءُ الْمَرْأَةِ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ، وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ مَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ، وَهُوَ يَرَاهُ فَرُفِعَ إلَى مَنْ لَا يَرَاهُ لَا يُبْطِلُهُ، وَكَذَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ اهـ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 402 وَسَيَجِيءُ مَتْنًا خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ شَرْحًا وَالْأَصْلُ أَنَّ الْقَضَاءَ يَصِحُّ فِي مَوْضِعِ الِاخْتِلَافِ لَا الْخِلَافِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلْأَوَّلِ دَلِيلًا لَا الثَّانِي وَهَلْ اخْتِلَافُ الشَّافِعِيِّ مُعْتَبَرٌ؟ الْأَصَحُّ نَعَمْ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ. (يَوْمُ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ يَوْمِ الْقَتْلِ) فَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى مَوْتِ أَبِيهِ فِي يَوْمِ كَذَا ثُمَّ بَرْهَنَتْ امْرَأَةٌ أَنَّ الْمَيِّتَ نَكَحَهَا بَعْدَ ذَلِكَ قَضَى بِالنِّكَاحِ وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى قَتْلِهِ فِيهِ فَبَرْهَنَتْ أَنَّ الْمَقْتُولَ نَكَحَهَا بَعْدَهُ   [رد المحتار] وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْخِلَافَ إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِأَنْ كَانَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ نَفْسَ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ لَا يَنْفُذُ مَا لَمْ يُنْفِذْهُ قَاضٍ ثَانٍ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ الثَّانِي هُوَ النَّافِذُ، فَإِذَا رُفِعَ إلَى ثَالِثٍ وَجَبَ عَلَيْهِ تَنْفِيذُهُ وَلَا يَصِحُّ إبْطَالُهُ إيَّاهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ نَفْسَ الْمَقْضِيِّ بِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، فَإِنَّ الْقَضَاءَ بِهِ نَافِذٌ بِدُونِ تَنْفِيذٍ، وَإِذَا رُفِعَ إلَى آخَرَ نَفَّذَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْهَبَهُ وَهَذَا مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ: وَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ آخَرَ نَفَّذَهُ، وَبِخِلَافِ مَا خَالَفَ الدَّلِيلَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ وَإِنْ نَفَّذَ أَلْفُ قَاضٍ كَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذَا مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ إلَّا مَا خَالَفَ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً مَشْهُورَةً أَوْ إجْمَاعًا وَبِهِ تَمَّتْ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ فَافْهَمْ وَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَقَامِ. (وَقَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ مَتْنًا) أَيْ فِي بَابِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي ح. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ شَرْحًا) حَيْثُ عَدَّ هَذِهِ الصُّورَةَ مِنْ جُمْلَةِ مَا لَا يَنْفُذُ لِمُخَالَفَتِهِ الدَّلِيلَ لَكِنْ نَقَلَ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ حِكَايَةَ قَوْلَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ إلَخْ) هَذِهِ تَفْرِقَةٌ عُرْفِيَّةٌ، وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ} [البقرة: 213] {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 4] وَلَا دَلِيلَ لَهُمْ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ خِلَافٌ لَا دَلِيلَ لَهُ بِالنَّظَرِ لِلْمُخَالِفِ، وَإِلَّا فَالْقَائِلُ اعْتَمَدَ دَلِيلًا ثُمَّ مَسَائِلُ الْخِلَافِ الَّتِي لَا يُنْفِذُهَا هِيَ مَا تَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ إلَّا مَا خَالَفَ كِتَابًا إلَخْ ط. (قَوْلُهُ: الْأَصَحُّ نَعَمْ) وَقِيلَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْخِلَافُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، فَإِنْ صَحَّ أَنَّ مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيَّ مُجْتَهِدُونَ فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِ الْمَحَلِّ اجْتِهَادِيًّا وَإِلَّا فَلَا وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ أَهْلُ اجْتِهَادٍ وَرِفْعَةٍ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ خَالَعَ الْأَبُ الصَّغِيرَةَ عَلَى صَدَاقِهَا وَرَآهُ خَيْرًا لَهَا صَحَّ عِنْدَ مَالِكٍ وَبَرِئَ الزَّوْجُ عَنْهُ، فَلَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ نَفَذَ وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَطَاءُ بْنُ حَمْزَةَ عَنْ أَبِي الصَّغِيرَةِ زَوَّجَهَا مِنْ صَغِيرٍ، وَقَبِلَ أَبُوهُ وَكَبِرَ الصَّغِيرَانِ وَبَيْنَهُمَا غَيْبَةٌ مُنْقَطِعَةٌ، وَقَدْ كَانَ التَّزَوُّجُ بِشَهَادَةِ الْفَسَقَةِ هَلْ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَبْعَثَ إلَى شَافِعِيِّ الْمَذْهَبِ لِيُبْطِلَ هَذَا النِّكَاحَ بِسَبَبِ أَنَّهُ كَانَ بِشَهَادَةِ الْفَسَقَةِ قَالَ نَعَمْ اهـ ط. قُلْت: وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ لَمْ أَرَهَا فِي الْفَتْحِ بَلْ ذَكَرَ مَسْأَلَةً غَيْرَهَا وَذَكَرَ عِبَارَتَهُ فِي الْبَحْرِ. [مَطْلَبُ يَوْمِ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ] (قَوْلُهُ: يَوْمُ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ) أَيْ لَا يُقْضَى بِهِ قَصْدًا بِأَنْ تَنَازَعَ الْخَصْمَانِ فِي يَوْمِ مَوْتِ آخَرَ أَنَّهُ كَانَ فِي يَوْمِ كَذَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ غَيْرَهُ كَتَقْدِيمِ مِلْكِ أَحَدِهِمَا؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَإِنْ ادَّعَيَا الْمِيرَاثَ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَقُولُ: هَذَا لِي وَرِثْتُهُ مِنْ أَبِي إنْ فِي يَدِ ثَالِثٍ وَلَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا تَارِيخًا وَاحِدًا فَأَنْصَافًا، وَإِنْ أَحَدُهُمَا أَسْبَقَ فَهُوَ لَهُ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ وَلَيْسَ فِيهِ الْقَوْلُ بِدُخُولِ يَوْمِ الْمَوْتِ تَحْتَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ النِّزَاعَ وَقَعَ فِي تَقْدِيمِ الْمِلْكِ قَصْدًا اهـ، وَفِيهَا ادَّعَى عَلَى آخَرَ ضَيْعَةً بِأَنَّهَا كَانَتْ لِفُلَانٍ وَوَرِثَتْهَا مِنْهُ أُخْتُهُ فُلَانَةُ فَمَاتَتْ وَأَنَا وَارِثُهَا وَبَرْهَنَ تُسْمَعُ، وَلَوْ بَرْهَنَ الْمَطْلُوبُ أَنَّ فُلَانَةَ مَاتَتْ قَبْلَ فُلَانٍ يَعْنِي مُوَرِّثَهَا صَحَّ الدَّفْعُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ زَمَانَ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ، قِيلَ النِّزَاعُ لَمْ يَقَعْ فِي الْمَوْتِ الْمُجَرَّدِ فَصَارَ كَالْوَرَثَةِ تَنَازَعُوا فِي تَقْدِيمِ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ مِنْ الْمُوَرِّثِ الْآخَرِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ كَابْنِ الِابْنِ مَعَ الِابْنِ إذَا تَنَازَعَا فِي تَقْدِيمِ مَوْتِ أَبِيهِ قَبْلَ الْجَدِّ أَوْ بَعْدَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى مَوْتِ أَبِيهِ) أَيْ بِأَنْ ادَّعَى شَيْئًا لِأَبِيهِ وَبَرْهَنَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهُ مِيرَاثًا وَأَنَّهُ مَاتَ يَوْمَ كَذَا بِيرِيٌّ عَنْ شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ: قَضَى بِالنِّكَاحِ) أَيْ فَيَجْعَلُ لَهَا الصَّدَاقَ وَالْمِيرَاثَ مَعَ الِابْنِ؛ لِأَنَّ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 403 لَا تُقْبَلُ وَكَذَا جَمِيعُ الْعُقُودِ وَالْمُدَايَنَاتِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ الَّتِي مَعَهَا وَلَدٌ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا بِتَارِيخٍ مُنَاقِضٍ لِمَا قَضَى الْقَاضِي بِهِ مِنْ يَوْمِ الْقَتْلِ أَشْبَاهٌ   [رد المحتار] بِهِ حُكْمٌ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَسْتَحِقُّ بِالْمَوْتِ بَلْ بِسَبَبٍ سَابِقٍ عَلَى الْمَوْتِ، وَالنِّكَاحُ سَبَبٌ سَابِقٌ وَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ يَوْمُ الْمَوْتِ تَحْتَ الْقَضَاءِ جَعَلَ وُجُودَ ذَلِكَ التَّارِيخِ وَعَدَمَهُ سَوَاءً، وَلَوْ عَدِمَ تُقْبَلُ الْبَيِّنَتَانِ جَمِيعًا وَيَقْضِي بِحَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِمَا مُمْكِنٌ فَكَذَا هُنَا اهـ بِيرِيٌّ عَنْ شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ، وَفِيهِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: وَيَقْضِي لَهَا الْقَاضِي بِالْمَهْرِ وَالْمِيرَاثِ سَوَاءٌ قَضَى الْقَاضِي بِبَيِّنَةِ الِابْنِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِبَيِّنَةِ الِابْنِ بِمَوْتِ الْأَبِ لَا بِوَقْتِ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَوْتِ لَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْتِ الْمَوْتِ بَلْ فِي أَيِّ وَقْتٍ يَمُوتُ يَكُونُ مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ فَصَارَ كَأَنَّ الِابْنَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَوْتِ الْأَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَقْتَ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ بَيِّنَةِ الْمَرْأَةِ اهـ. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ مِنْ بَابِ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ إذَا كَانَ الْمَوْتُ مُسْتَفِيضًا عَلِمَ بِهِ كُلُّ كَبِيرٍ وَصَغِيرٍ وَعَالِمٍ وَجَاهِلٍ لَا يَقْضِي لِلْخَصْمِ، وَلَا يَكُونُ بِطَرِيقِ أَنَّ الْقَاضِيَ قَبِلَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْتِ بَلْ بِطَرِيقِ التَّيَقُّنِ بِكَذِبِ الْمُدَّعِي، وَارْجِعْ إلَى الْخَانِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَةِ فِي الْفَصْلِ الثَّامِنَ عَشَرَ يَظْهَرُ لَك صِحَّةُ مَا قُلْته اهـ وَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ. (قَوْلُهُ: لَا تُقْبَلُ) قَالَ فِي الْأَجْنَاسِ: وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْقَتْلَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ وَالْمَوْتُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ لَازِمٌ. وَبَيَانُهُ أَنَّ الْقَتْلَ ظُلْمًا لَمْ يَخْلُ عَنْ قِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ وَفِي قَبُولِ بَيِّنَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّكَاحِ فِي زَمَانٍ مُتَأَخِّرٍ إسْقَاطُ أَصْلِ الْقَتْلِ لِامْتِنَاعِ أَنْ يَكُونَ مَقْتُولًا فِي زَمَانٍ ثُمَّ يَبْقَى حَيًّا فَيَتَزَوَّجُ فَكَانَ ثُبُوتُ الْقَتْلِ يَتَضَمَّنُ حَقًّا لَازِمًا فَلَمَّا تَضَمَّنَتْ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ إسْقَاطَ هَذَا الْحَقِّ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا، وَلَا كَذَلِكَ بَيِّنَةُ الِابْنِ عَلَى الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ بَيِّنَتُهَا لَا تَتَضَمَّنُ إسْقَاطَ حَقِّ الِابْنِ؛ لِأَنَّ الِابْنَ يَرِثُ مَعَ الْمَرْأَةِ كَمَا يَرِثُ إذَا انْفَرَدَ فَلَمْ تَتَعَارَضْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْإِرْثِ بَيْنَ إسْقَاطِهِ وَإِثْبَاتِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَمْتَنِعْ قَبُولُ بَيِّنَتِهَا اهـ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَكَذَا لَوْ بَرْهَنَ الْوَارِثُ أَنَّهُ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ فُلَانٌ قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ بِزَمَانٍ يَكُونُ دَفْعًا لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْقَضَاءِ اهـ بِيرِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا جَمِيعُ الْعُقُودِ) كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالنِّكَاحِ، فَإِنَّهَا كَالْقَتْلِ تَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ فَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُ بَاعَهُ كَذَا يَوْمَ كَذَا وَبَرْهَنَ آخَرُ أَنَّهُ بَاعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ، وَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُ بَاعَهُ قَبْلَهُ يَكُونُ دَفْعًا. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَلَوْ أَقَامَتْ امْرَأَةٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ فَقَضَى بِشُهُودِهَا ثُمَّ أَقَامَتْ أُخْرَى بَيِّنَةً أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا يَوْمَ النَّحْرِ بِخُرَاسَانَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ فَاعْتُبِرَ ذَلِكَ التَّارِيخُ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّ يَوْمَ الْقَتْلِ لَا يَدْخُلُ فِيهَا تَحْتَ الْقَضَاءِ. وَصُورَتُهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ عَمْدًا بِالسَّيْفِ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً وَأَنَّهُ وَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا وَلَدٌ وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّ وَالِدَ هَذَا تَزَوَّجَهَا مُنْذُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَنَّ هَذَا وَلَدُهُ مِنْهَا وَوَارِثُهُ مَعَ ابْنِهِ هَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَسْتَحْسِنُ فِي هَذَا أَنْ أُجِيزَ بَيِّنَةَ الْمَرْأَةِ وَأُثْبِتَ نَسَبَ الْوَلَدِ وَلَا أُبْطِلُ بَيِّنَةَ الِابْنِ عَلَى الْقَتْلِ، وَكَانَ هَذَا الِاسْتِحْسَانُ لِلِاحْتِيَاطِ فِي أَمْرِ النَّسَبِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى النِّكَاحِ، وَلَمْ تَأْتِ بِالْوَلَدِ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الِابْنِ وَلَهُ الْمِيرَاثُ دُونَ الْمَرْأَةِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ اهـ، لَكِنَّ قَوْلَهُ: وَلَا أَبْطَلَ بَيِّنَةَ الِابْنِ عَلَى الْقَتْلِ يُنَافِي دَعْوَى الِاسْتِثْنَاءِ وَعَنْ هَذَا قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيِّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ فِي أَوَّلِ بَابِ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ الظَّاهِرُ أَنَّ حَرْفَ النَّفْيِ زَائِدٌ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة حَيْثُ قَالَ: وَإِبْطَالُ بَيِّنَةِ الِابْنِ عَلَى الْقَتْلِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقْضِيَ بِبَيِّنَةِ الْقَتْلِ اهـ. قُلْت: وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مَسْأَلَةٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا فِي دَعْوَى الْبَحْرِ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ بَرْهَنَ أَنَّهُ قَتَلَ أَبِي مُنْذُ سَنَةٍ، وَبَرْهَنَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَّ أَبَاهُ صَلَّى بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ الْمَاضِيَةَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْأَخْذُ بِالْأَحْدَثِ أَوْلَى إذَا كَانَ شَيْئًا مَشْهُورًا اهـ قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَهَذَا يُقَيِّدُهُ بِهِ وَمَا مَضَى أَيْضًا وَهُوَ قَيْدٌ لَازِمٌ لَا بُدَّ مِنْهُ حِينَ لَوْ اُشْتُهِرَ مَوْتُ رَجُلٍ عِنْدَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 404 وَاسْتَثْنَى مُحَشُّوهَا مِنْ الْأَوَّلِ مَسَائِلَ مِنْهَا ادَّعَيَاهُ مِيرَاثًا فَلِأَسْبَقِهِمَا تَارِيخًا. بَرْهَنَ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ وَحَكَمَ بِهَا فَادَّعَى الْمَطْلُوبُ مَوْتَ الطَّالِبِ صَحَّ الدَّفْعُ. بَرْهَنَ أَنَّهُ شَرَاهُ مِنْ أَبِيهِ مُنْذُ سَنَةٍ وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى مَوْتِهِ مُنْذُ سَنَتَيْنِ لَمْ تُسْمَعْ وَقِيلَ تُسْمَعْ وَسِرُّهُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْبَيِّنَةِ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ النِّزَاعِ، وَالْمَوْتُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْتٌ لَيْسَ مَحَلًّا لِلنِّزَاعِ لِيَرْتَفِعَ بِإِثْبَاتِهِ بِخِلَافِ الْقَتْلِ فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ كَمَا لَا يَخْفَى. (وَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا) حَيْثُ كَانَ الْمَحَلُّ قَابِلًا وَالْقَاضِي غَيْرُ عَالِمٍ بِزُورِهِمْ (فِي الْعُقُودِ) كَبَيْعٍ وَنِكَاحٍ (وَالْفُسُوخِ) كَإِقَالَةٍ وَطَلَاقٍ   [رد المحتار] النَّاسِ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ دَارِهِ مُنْذُ سَنَةٍ لَا يُقْبَلُ، ثُمَّ رَأَيْت مَا يَشْهَدُ بِهِ صَرِيحًا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي الْفَصْلِ الثَّامِنِ فِي التَّهَاتُرِ لَوْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَّ الشُّهُودَ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ مِنْ قَاضِي بَلَدِ كَذَا فَأَقَامَ الشُّهُودُ أَنَّ الْقَاضِيَ مَاتَ فِي سَنَةِ كَذَا لَا يَقْضِي بِهِ إذَا كَانَ مَوْتُ الْقَاضِي قَبْلَ تَارِيخِ شُهُودِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُسْتَفِيضًا اهـ مُخْتَصَرًا فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْأَوَّلِ) وَهُوَ أَنَّ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ: ادَّعَيَاهُ مِيرَاثًا إلَخْ) قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ: بَرْهَنَ الْوَكِيلُ) أَيْ بِقَبْضِ الْمَالِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: صَحَّ الدَّفْعُ) أَيْ إذَا بَرْهَنَ الْمَطْلُوبُ عَلَى الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِهِ الْوَكِيلُ فَالْحُكْمُ بِالْمَوْتِ هُنَا لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِأَجْلِ الْعَزْلِ. (قَوْلُهُ: مِنْ أَبِيهِ) أَيْ مِنْ أَبِي ذِي الْيَدِ. (قَوْلُهُ: لَمْ تُسْمَعْ) هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ اهـ قُنْيَةٌ مِنْ بَابِ دَفْعِ الدَّعَاوَى. قُلْت: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ قَضَاءٌ بِيَوْمِ الْمَوْتِ قَصْدًا؛ لِأَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ وَهُوَ عَدَمُ الشِّرَاءِ لَا تَصِحُّ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَفْيٌ فَتَمَحَّضَ قَضَاءً بِالْمَوْتِ فَلَا يَصِحُّ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ تُسْمَعُ) وَعَلَيْهِ فَهِيَ مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَسِرُّهُ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِالْمَتْنِ وَالْمُرَادُ بَيَانُ وَجْهِ الْفَرْقِ، وَلَمَّا كَانَ خَفِيًّا عَبَّرَ عَنْهُ بِالسِّرِّ. (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْتٌ) أَمَّا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِهِ غَيْرَهُ مِمَّا تُقَامُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَيَكُونُ هُوَ مَحَلَّ النِّزَاعِ فَيَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ كَمَسْأَلَةِ دَعْوَى الْمِيرَاثِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تَارِيخِ الْمَوْتِ تَقَدُّمُ الْمِلْكِ وَكَمَسْأَلَةِ دَعْوَى الْوَكَالَةِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ انْعِزَالُ الْوَكِيلِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ) مَحَلٌّ لِلنِّزَاعِ قَدَّمْنَا وَجْهَهُ فِي عِبَارَةِ الْأَجْنَاسِ. [مَطْلَبٌ فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ] (قَوْلُهُ: وَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ) قَيَّدَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ الشُّهُودُ عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ لَمْ يَنْفُذْ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ أَصْلًا بِخِلَافِ الْفُسَّاقِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَلِإِمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِمْ فَلَمْ تَكُنْ شَهَادَتُهُمْ حُجَّةً بَحْرٌ ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْقُنْيَةِ ادَّعَى عَلَيْهِ جَارِيَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِكَذَا فَأَنْكَرَ فَحُلِّفَ فَنَكَلَ فَقَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، تَحِلُّ الْجَارِيَةُ لِلْمُدَّعِي دِيَانَةً وَقَضَاءً كَمَا فِي شَهَادَةِ الزُّورِ اهـ، فَعَلَى هَذَا الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ كَالْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ اهـ. (قَوْلُهُ: ظَاهِرًا وَبَاطِنًا) الْمُرَادُ بِالنَّفَاذِ ظَاهِرًا أَنْ يُسَلِّمَ الْقَاضِي الْمَرْأَةَ إلَى الرَّجُلِ، وَيَقُولُ سَلِّمِي نَفْسَك إلَيْهِ فَإِنَّهُ زَوْجُك وَيَقْضِي بِالنَّفَقَةِ وَالْقَسْمِ وَبِالنَّفَاذِ بَاطِنًا أَنْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَيَحِلَّ لَهَا التَّمْكِينُ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ط. (قَوْلُهُ: حَيْثُ كَانَ الْمَحَلُّ قَابِلًا إلَخْ) شَرْطَانِ لِلنَّفَاذِ، وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مُحْتَرِزُهُمَا. (قَوْلُهُ: فِي الْعُقُودِ) أَطْلَقَهَا فَشَمِلَ عُقُودَ التَّبَرُّعَاتِ، قَالُوا: وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا فِي الْبَيْعِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ التَّبَرُّعَاتِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَالْبَيْعُ بِأَقَلَّ تَبَرُّعٌ مِنْ وَجْهٍ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: كَبَيْعٍ وَنِكَاحٍ) فَلَوْ قَضَى بِبَيْعِ أَمَةٍ بِشَهَادَةِ زُورٍ حَلَّ لِلْمُنْكِرِ وَطْؤُهَا، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحَهَا وَهِيَ جَاحِدَةٌ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَقَضَى بِالنِّكَاحِ كَذَلِكَ حَلَّ لِلْمُدَّعِي الْوَطْءَ وَلَهَا التَّمْكِينُ عِنْدَهُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَالْفُسُوخِ) أَرَادَ بِهَا مَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْعَقْدِ فَيَشْمَلُ الطَّلَاقَ وَمِنْ فُرُوعِهَا: ادَّعَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَهُوَ يُنْكِرُ وَأَقَامَتْ بَيِّنَةَ زُورٍ فَقَضَى بِالْفُرْقَةِ فَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ بَعْدَ الْعِدَّةِ حَلَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 405 لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ شَاهِدَاكِ زَوَّجَاكِ وَقَالَا وَزُفَرُ وَالثَّلَاثَةُ ظَاهِرًا فَقَطْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْبُرْهَانِ (بِخِلَافِ الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ) أَيْ الْمُطْلَقَةِ عَنْ ذِكْرِ سَبَبِ الْمِلْكِ فَظَاهِرًا فَقَطْ إجْمَاعًا لِتَزَاحُمِ الْأَسْبَابِ حَتَّى لَوْ ذَكَرَا سَبَبًا مُعَيَّنًا فَعَلَى الْخِلَافِ إنْ كَانَ سَبَبًا يُمْكِنُ إنْشَاؤُهُ وَإِلَّا لَا يَنْفُذُ اتِّفَاقًا كَالْإِرْثِ، وَكَمَا لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُحَرَّمَةً بِنَحْوِ عِدَّةٍ أَوْ رِدَّةٍ وَكَمَا لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِكَذِبِ الشُّهُودِ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ أَصْلًا   [رد المحتار] لَهُ وَطْؤُهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ عَلِمَ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ، وَحَلَّ لِأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَيَطَأَهَا وَلَا يَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَطْؤُهَا وَلَا يَحِلُّ لَهَا تَمْكِينُهُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِ عَلِيٍّ إلَخْ) قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَصْلِ: بَلَغَنَا عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ عِنْدَهُ بَيِّنَةً عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فَأَنْكَرَتْ فَقَضَى لَهُ بِالْمَرْأَةِ فَقَالَتْ إنَّهُ يَتَزَوَّجُنِي فَأَمَّا إذَا قَضَيْت عَلَيَّ فَجَدِّدْ نِكَاحِي فَقَالَ: لَا أُجَدِّدُ نِكَاحَك الشَّاهِدَانِ زَوَّجَاكِ قَالَ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا بَاطِنًا بِالْقَضَاءِ لِمَا امْتَنَعَ مِنْ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ عِنْدَ طَلَبِهَا وَرَغْبَةِ الزَّوْجِ فِيهَا وَقَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ تَحْصِينُهَا مِنْ الزِّنَا وَصِيَانَةُ مَائِهِ اهـ مِنْ رِسَالَةِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ الْمُؤَلَّفَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَوْلُهُ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ دَلِيلًا لِمَا حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. (قَوْلُهُ: ظَاهِرًا فَقَطْ) أَيْ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ حُجَّةٌ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا فَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَنْفُذُ بِقَدْرِ الْحُجَّةِ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) نَقَلَهُ أَيْضًا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْحَقَائِقِ، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ لَكِنْ قَالَ: وَفِي الْفَتْحِ مِنْ النِّكَاحِ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الْوَجْهُ اهـ. قُلْت: وَقَدْ حَقَّقَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي رِسَالَتِهِ قَوْلَ الْإِمَامِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَيْهِ إشْكَالًا، وَأَجَابَ عَنْهُ وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ) وَهِيَ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ لَهَا سَبَبٌ مُعَيَّنٌ فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ يَنْفُذُ فِيهَا ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ، وَلَيْسَ بَعْضُ الْأَسْبَابِ بِأَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ لِتَزَاحُمِهَا فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ السَّبَبِ سَابِقًا عَلَى الْقَضَاءِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ، وَفِي النِّكَاحِ وَالشِّرَاءِ يَتَقَدَّمُ النِّكَاحُ وَالشِّرَاءُ تَصْحِيحًا لِلْقَضَاءِ، دُرَرٌ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ حَذَفَ الْأَمْلَاكَ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا إذَا شَهِدُوا بِزُورٍ بِدَيْنٍ لَمْ يُبَيِّنُوا سَبَبَهُ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ، وَفِي حُكْمِ الْمُرْسَلَةِ الْإِرْثُ كَمَا يَأْتِي، وَظَاهِرُ اقْتِصَارِهِ عَلَيْهَا أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا فِي النَّسَبِ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْمُحِيطِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَنَصَّ الْخَصَّافُ عَلَى أَنَّهُ يَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْهُ، وَالشَّهَادَةُ بِعِتْقِ الْأَمَةِ كَالشَّهَادَةِ بِطَلَاقِ الْمَرْأَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِالْوَقْفِ كَالْعِتْقِ وَلَمْ أَرَ نَقْلًا فِي الشَّهَادَةِ بِأَنَّ الْوَقْفَ مِلْكٌ أَوْ بِتَزْوِيرِ شَرَائِطِ الْوَقْفِ أَوْ أَنَّ الْوَاقِفَ أَخْرَجَ فُلَانًا وَأَدْخَلَ فُلَانًا زُورًا إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَضَاءُ، وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّ مَا عَدَا الْأَمْلَاكَ الْمُرْسَلَةَ يَنْفُذُ بَاطِنًا وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْوَقْفَ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْقَاطِ فَهُوَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: فَظَاهِرًا فَقَطْ إجْمَاعًا) فَلَا يَحِلُّ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ الْوَطْءُ وَالْأَكْلُ وَاللُّبْسُ وَحَلَّ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لَكِنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ سِرًّا وَإِلَّا فَسَّقَهُ النَّاسُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ سَبَبًا يُمْكِنُ إنْشَاؤُهُ) كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْإِجَارَةِ. (قَوْلُهُ: كَالْإِرْثِ) فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِلْكًا بِسَبَبٍ لَكِنَّهُ لَا يُمْكِنُ إنْشَاؤُهُ فَلَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِالشُّهُودِ زُورًا فِيهِ بَاطِنًا اتِّفَاقًا بَحْرٌ. قَالَ: وَسَيَأْتِي الِاخْتِلَافُ فِي بَابِ اخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ فِي أَنَّهُ مُطْلَقٌ أَوْ بِسَبَبٍ وَالْمَشْهُودُ الْأَوَّلُ وَاخْتَارَ فِي الْكَنْزِ الثَّانِيَ. (قَوْلُهُ: وَكَمَا لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُحَرَّمَةً إلَخْ) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: حَيْثُ كَانَ الْمَحَلُّ قَابِلًا اهـ ح فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، وَأَثْبَتَ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِكَوْنِهَا مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ أَوْ مُعْتَدَّتَهُ أَوْ بِكَوْنِهَا مُرْتَدَّةً، فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ بِسَبَبٍ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ إنْشَاؤُهُ، وَأَمَّا ظَاهِرًا فَلَا شَكَّ فِي نَفَاذِهِ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي غَيْرِ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِنَفَاذِهِ ظَاهِرًا حِلَّ الْوَطْءِ لَهُ وَحِلَّ تَمْكِينِهَا مِنْهُ بَلْ أَمْرُ الْقَاضِي لَهَا بِهِ، أَمَّا الْحِلُّ فَهُوَ فَرْعُ نَفَاذِهِ بَاطِنًا وَبِمَا قَرَرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّهُ كَالْإِرْثِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَكَمَا لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَالْقَاضِي غَيْرُ عَالِمٍ بِزُورِهِمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هُنَا لَا يَنْفُذُ ظَاهِرًا كَمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 406 كَالْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ زَيْلَعِيٌّ وَنِكَاحٍ الْفَتْحُ. (قَضَى فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ بِخِلَافِ رَأْيِهِ) أَيْ مَذْهَبِهِ مَجْمَعٌ   [رد المحتار] لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا لِعَدَمِ شَرْطِ الْقَضَاءِ، وَهُوَ الشَّهَادَةُ الصَّادِقَةُ فِي زَعْمِ الْقَاضِي تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَالْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِ الْمَتْنِ: بِشَهَادَةٍ قَالُوا لَوْ ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا أَبَانَهَا بِثَلَاثٍ فَأَنْكَرَ فَحَلَّفَهُ الْقَاضِي فَحَلَفَ، وَالْمَرْأَةُ تَعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَتْ لَا يَسَعُهَا الْمُقَامُ مَعَهُ، وَلَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مِيرَاثِهِ شَيْئًا وَهَذَا لَا يُشْكِلُ إذَا كَانَ ثَلَاثًا لِبُطْلَانِ الْمُحِيلَةِ لِلْإِنْشَاءِ قَبْلَ زَوْجٍ آخَرَ وَفِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ الْإِنْشَاءَ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ إذْ قَضَى الْقَاضِي بِالنِّكَاحِ وَهُنَا لَمْ يَقْضِ بِهِ لِاعْتِرَافِهِمَا بِهِ، وَإِنَّمَا ادَّعَتْ الْفُرْقَةَ زَيْلَعِيٌّ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا إجْمَاعًا بَحْرٌ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ النَّفَاذِ هُنَا فِي الْبَاطِنِ فَقَطْ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ الْمَقْضِيُّ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ يَتْبَعُ رَأْيَ الْقَاضِي وَإِنْ خَالَفَ رَأْيَهُ [تَنْبِيهٌ] أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يُحِلُّ مَا كَانَ حَرَامًا فِي مُعْتَقَدِ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَلِذَا قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ فَخَاصَمَهَا إلَى قَاضٍ يَرَاهَا رَجْعِيَّةً بَعْدَ الدُّخُولِ، فَقَضَى بِكَوْنِهَا رَجْعِيَّةً وَالزَّوْجُ يَرَى أَنَّهَا بَائِنَةٌ أَوْ ثَلَاثٌ، فَإِنَّهُ يَتْبَعُ رَأْيَ الْقَاضِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ، فَيَحِلُّ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا وَقِيلَ إنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحِلُّ وَإِنْ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَنْقُضُهُ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ رَأْيِهِ، وَهَذَا إذَا قَضَى لَهُ فَإِنْ قَضَى عَلَيْهِ بِالْبَيْنُونَةِ أَوْ الثَّلَاثِ وَالزَّوْجُ لَا يَرَاهُ، يَتْبَعُ رَأْيَ الْقَاضِي إجْمَاعًا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ لَهُ رَأْيٌ وَاجْتِهَادٌ فَلَوْ عَامِّيًّا اتَّبَعَ رَأْيَ الْقَاضِي سَوَاءٌ قَضَى لَهُ أَوْ عَلَيْهِ هَذَا إذَا قَضَى أَمَّا إذَا أَفْتَى لَهُ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُفْتِي فِي حَقِّ الْجَاهِلِ بِمَنْزِلَةِ رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ اهـ بَحْرٌ. قُلْت: وَقَوْلُهُ: فَلَوْ عَامِّيًّا الْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ بِدَلِيلِ الْمُقَابَلَةِ فَيَشْمَلُ الْعَالِمَ وَالْجَاهِلَ تَأَمَّلْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْوَجْهُ عِنْدِي قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ اتِّصَالَ الْقَضَاءِ بِالِاجْتِهَادِ الْكَائِنِ لِلْقَاضِي يُرَجِّحُهُ عَلَى اجْتِهَادِ الزَّوْجِ، وَالْأَخْذُ بِالرَّاجِحِ مُتَعَيِّنٌ وَكَوْنُهُ لَا يَرَاهُ حَلَالًا إنَّمَا يَمْنَعُ مِنْ الْقُرْبَانِ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَمَّا بَعْدَهُ وَبَعْدَ نَفَاذِهِ بَاطِنًا فَلَا اهـ. [مَطْلَبٌ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي بِغَيْرِ مَذْهَبِهِ] (قَوْلُهُ: قَضَى فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ) أَيْ فِي أَمْرٍ يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِدَلِيلٍ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ، وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ رَأْيِهِ مُتَعَلِّقٌ بِقَضَى، وَحَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقَضَاءِ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ أَيْ لِمَذْهَبِهِ مُجْتَهِدًا كَانَ أَوْ مُقَلِّدًا، فَلَوْ قَضَى بِخِلَافِهِ لَا يَنْفُذُ، لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ، وَيُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ اجْتَهَدَ فَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى مَذْهَبِ الْغَيْرِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ رِسَالَةِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ مُسْتَدِلًّا بِمَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فَرَاجِعْهُ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ تَعَجُّبُ صَاحِبِ الْبَحْرِ مِنْ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُ مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْقَاضِي عَالِمًا بِالْخِلَافِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ سَابِقًا. مَطْلَبُ حُكْمِ الْحَنَفِيِّ بِمَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ أَوْ مُحَمَّدٍ حُكْمٌ بِمَذْهَبِهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ مَذْهَبِهِ) أَيْ أَصْلِ الْمَذْهَبِ كَالْحَنَفِيِّ إذَا حَكَمَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَأَمَّا إذَا حَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِمَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ أَوْ مُحَمَّدٍ أَوْ نَحْوِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ فَلَيْسَ حُكْمًا بِخِلَافِ رَأْيِهِ، دُرَرٌ أَيْ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْإِمَامِ مَا قَالُوا بِقَوْلٍ إلَّا قَدْ قَالَ بِهِ الْإِمَامُ كَمَا أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ مَنْظُومِي فِي رَسْمِ الْمُفْتِي عِنْدَ قَوْلِي فِيهَا: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 407 وَابْنُ كَمَالٍ (لَا يَنْفُذُ مُطْلَقًا) نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا عِنْدَهُمَا وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ (وَبِهِ يُفْتِي) مَجْمَعٌ وَوِقَايَةٌ وَمُلْتَقَى وَقِيلَ بِالنَّفَاذِ يُفْتَى. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ قَضَى مَنْ لَيْسَ مُجْتَهِدًا كَحَنِيفَةِ زَمَانِنَا بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ عَامِدًا لَا يَنْفُذُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا نَاسِيًا عِنْدَهُمَا وَلَوْ قَيَّدَهُ السُّلْطَانُ بِصَحِيحِ مَذْهَبِهِ كَزَمَانِنَا تَقَيَّدَ بِلَا خِلَافٍ لِكَوْنِهِ مَعْزُولًا عَنْهُ انْتَهَى، وَقَدْ غَيَّرْت بَيْتَ الْوَهْبَانِيَّةِ فَقُلْت:   [رد المحتار] وَاعْلَمْ بِأَنَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ... جَاءَتْ رِوَايَاتٌ غَدَتْ مُنِيفَهْ اخْتَارَ مِنْهَا بَعْضَهَا وَالْبَاقِي ... يَخْتَارُ مِنْهُ سَائِرُ الرِّفَاقِ فَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ جَوَابُ ... كَمَا عَلَيْهِ أَقْسَمَ الْأَصْحَابُ (قَوْلُهُ: وَابْنُ كَمَالٍ) قَالَ فِي شَرْحِهِ لَمْ يَقُلْ بِخِلَافِ رَأْيِهِ لِإِيهَامِهِ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِي الْمُجْتَهِدِ خَاصَّةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لَا يَنْفُذُ مُطْلَقًا إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: لَوْ قَضَى فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ نَاسِيًا لِمَذْهَبِهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفَدُ فِي الْوَجْهَيْنِ أَيْ وَجْهَيْ النِّسْيَانِ وَالْعَمْدِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهَا، وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ فِي الْفَتْوَى وَالْوَجْهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّارِكَ لِمَذْهَبِهِ عَمْدًا لَا يَفْعَلُهُ، إلَّا لِهَوًى بَاطِلٍ لَا لِقَصْدٍ جَمِيلٍ، وَأَمَّا النَّاسِي فَلِأَنَّ الْمُقَلِّدَ مَا قَلَّدَهُ إلَّا لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِهِ لَا بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ، فَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَإِنَّمَا وَلَّاهُ لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَمْلِكُ الْمُخَالَفَةَ فَيَكُونُ مَعْزُولًا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ اهـ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ: وَهَذَا صَرِيحُ الْحَقِّ الَّذِي يُعَضُّ عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ اهـ. وَقَالَ فِي النَّهْرِ: وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْمُقَلِّدَ إذَا قَضَى بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ أَوْ بِرِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ أَوْ بِقَوْلٍ ضَعِيفٍ نَفَذَ. وَأَقْوَى مَا تَمَسَّكَ بِهِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا وَقَضَى بِالْفَتْوَى عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِهِ نَفَذَ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ وَلَهُ نَقْضُهُ، كَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَقَالَ الثَّانِي لَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ اهـ. وَمَا فِي الْفَتْحِ يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْهُمَا إذْ قُصَارَى الْأَمْرِ أَنَّ هَذَا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ النَّاسِي لِمَذْهَبِهِ، وَقَدْ مَرَّ عَنْهُمَا فِي الْمُجْتَهِدِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ فَالْمُقَلِّدُ أَوْلَى اهـ مَا فِي النَّهْرِ، وَيَأْتِي قَرِيبًا مَا يُؤَيِّدُهُ. (قَوْلُهُ: مَنْ لَيْسَ مُجْتَهِدًا) وَكَذَا الْمُجْتَهِدُ كَمَا مَرَّ فِي كَلَامِ الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: لَا يَنْفُذُ اتِّفَاقًا) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْعَامِدِ أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ النَّفَاذِ فَلَا تَصِحُّ حِكَايَةُ الِاتِّفَاقِ. (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ مَعْزُولًا عَنْهُ) أَيْ عَنْ غَيْرِ مَا قُيِّدَ بِهِ، قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا لَمْ يُقَيِّدْ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ الْقَضَاءَ بِصَحِيحِ مَذْهَبِهِ، وَإِلَّا فَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ صِحَّةِ حُكْمِهِ بِخِلَافٍ لِكَوْنِهِ مَعْزُولًا عَنْهُ اهـ ح. مَطْلَبُ الْحُكْمِ وَالْفَتْوَى بِمَا هُوَ مَرْجُوحٌ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ قُلْت: وَتَقْيِيدُ السُّلْطَانِ لَهُ بِذَلِكَ غَيْرُ قَيْدٍ لِمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ وَالْفَتْوَى بِمَا هُوَ مَرْجُوحٌ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ اهـ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوَاهُ: وَلَيْسَ لِلْقَاضِي الْمُقَلِّدِ أَنْ يَحْكُمَ بِالضَّعِيفِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ الصَّحِيحِ إلَّا لِقَصْدٍ غَيْرِ جَمِيلٍ وَلَوْ حَكَمَ لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ قَضَاءً بِغَيْرِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ هُوَ الصَّحِيحُ وَمَا وَقَعَ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ الضَّعِيفَ يَتَقَوَّى بِالْقَضَاءِ الْمُرَادُ بِهِ قَضَاءُ الْمُجْتَهِدِ كَمَا بُيِّنَ فِي مَوْضِعِهِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ الْغَرْسِ وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ الْمَحْضُ فَلَا يَقْضِي إلَّا بِمَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَالْفَتْوَى اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ: أَمَّا الْقَاضِي الْمُقَلِّدُ فَلَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ إلَّا بِالصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ فِي مَذْهَبِهِ وَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ اهـ. وَمِثْلُهُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ كِتَابِ الْقَضَاءِ وَقَالَ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى كَمَا بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا مَا نَقَلَهُ بَعْدَ أَسْطُرٍ عَنْ الْمُلْتَقَطِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ غَيَّرْت بَيْتَ الْوَهْبَانِيَّةِ) وَهُوَ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 408 وَلَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِحُكْمٍ مُخَالِفٍ ... لِمَذْهَبِهِ مَا صَحَّ أَصْلًا يُسْطَرُ قُلْت: وَأَمَّا الْأَمِيرُ فَمَتَى صَادَفَ فَصْلًا مُجْتَهَدًا فِيهِ نَفَذَ أَمْرُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ سِيَرِ التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا فَلْيُحْفَظْ. (وَلَا يَقْضِي عَلَى غَائِبٍ وَلَا لَهُ) أَيْ لَا يَصِحُّ بَلْ وَلَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ بَحْرٌ (إلَّا بِحُضُورِ نَائِبِهِ) أَيْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْغَائِبِ (حَقِيقَةً كَوَكِيلِهِ   [رد المحتار] وَلَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِحُكْمٍ مُخَالِفٍ ... مُقَلِّدَهُ مَا صَحَّ إنْ كَانَ يُذْكَرُ وَبَعْضُهُمْ إنْ كَانَ سَهْوًا أَجَازَهُ ... عَنْ الصَّدْرِ لَا عَنْ صَاحِبَيْهِ يَصْدُرُ وَقَدْ أَفَادَ كَلَامُ الْوَهْبَانِيَّةِ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا قَضَى بِهِ سَاهِيًا: أَيْ نَاسِيًا مَذْهَبَهُ وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيمَا إذَا كَانَ ذَاكِرًا وَهَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ كَمَا عَلِمْت، وَلَمَّا كَانَ الْمُعْتَمَدُ الْمُفْتَى بِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَتْنِ مِنْ عَدَمِ النَّفَاذِ أَصْلًا أَيْ ذَاكِرًا أَوْ نَاسِيًا غَيَّرَ الشَّارِحُ عِبَارَةَ النَّظْمِ جَازَ مَا بِمَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَافْهَمْ. لَكِنَّ الْأَوْلَى كَمَا قَالَ السَّائِحَانِيُّ تَغْيِيرُ الشَّطْرِ الثَّانِي هَكَذَا لِمُعْتَمَدٍ فِي رَأْيِهِ فَهُوَ مُهْدَرُ مَطْلَبٌ فِي أَمْرِ الْأَمِيرِ وَقَضَائِهِ. (قَوْلُهُ: قُلْت وَأَمَّا الْأَمِيرُ إلَخْ) الَّذِي رَأَيْته فِي سِيَرِ التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ مُحَمَّدٌ: وَإِذَا أَمَرَ الْأَمِيرُ الْعَسْكَرَ بِشَيْءٍ كَانَ عَلَى الْعَسْكَرِ أَنْ يُطِيعُوهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ بِهِ مَعْصِيَةً اهـ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: نَفَذَ أَمْرُهُ بِمَعْنَى وَجَبَ امْتِثَالُهُ تَأَمَّلْ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ السُّلْطَانَ لَوْ حَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَالصَّحِيحُ نَفَاذُهُ وَفِي الْبَحْرِ إذَا كَانَ الْقَضَاءُ مِنْ الْأَصْلِ وَمَاتَ الْقَاضِي لَيْسَ لِلْأَمِيرِ أَنْ يُنَصِّبَ قَاضِيًا وَإِنْ وَلِيَ عُشْرَهَا وَخَرَاجَهَا، وَإِنْ حَكَمَ الْأَمِيرُ لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ إلَخْ، وَفِي الْأَشْبَاهِ قَضَاءُ الْأَمِيرِ جَائِزٌ مَعَ وُجُودِ قَاضِي الْبَلَدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُوَلًّى مِنْ الْخَلِيفَةِ كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا نَصَّبَ فِي الْبَلْدَةِ أَمِيرًا وَفَوَّضَ إلَيْهِ أَمْرَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا صَحَّ قَضَاؤُهُ وَأَمَّا إذَا نَصَّبَ مَعَهُ قَاضِيًا فَلَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لِلْقَاضِي لَا لِلْأَمِيرِ، وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي زَمَانِنَا؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ أَوَّلَ كِتَابِ الْقَضَاءِ سُئِلْت عَنْ تَوْلِيَةِ الْبَاشَا بِالْقَاهِرَةِ قَاضِيًا لِيَحْكُمَ فِي حَادِثَةٍ خَاصَّةٍ مَعَ وُجُودِ قَاضِيهَا الْمُوَلَّى مِنْ السُّلْطَانِ، فَأَجَبْت بِعَدَمِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوَّضْ إلَيْهِ تَقْلِيدُ الْقَضَاءِ؛ وَلِذَا لَوْ حَكَمَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا قَدَّمْنَاهُ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي بَحْثِ رَسْمِ الْمُفْتِي (قَوْلُهُ: وَلَا يَقْضِي عَلَى غَائِبٍ) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ، سَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا وَقْتَ الشَّهَادَةِ أَوْ بَعْدَهَا، وَبَعْدَ التَّزْكِيَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ أَوْ عَنْ الْبَلَدِ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي، فَيَقْضِي عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَطْعَنَ فِي الْبَيِّنَةِ، دُونَ الْإِقْرَارِ؛ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْإِقْرَارِ قَضَاءُ إعَانَةٍ: وَإِذَا أَنْفَذَ الْقَاضِي إقْرَارَهُ سَلَّمَ إلَى الْمُدَّعِي حَقَّهُ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا أَوْ عَقَارًا، إلَّا أَنَّهُ فِي الدَّيْنِ يُسَلِّمُ إلَيْهِ جِنْسَ حَقِّهِ إذَا وُجِدَ فِي يَدِ مَنْ يَكُونُ مُقِرًّا بِأَنَّهُ مَالُ الْغَائِبِ الْمُقِرِّ، وَلَا يَبِيعُ فِي ذَلِكَ الْعَرْضِ وَالْعَقَارِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ فَلَا يَجُوزُ، بَحْرٌ عَنْ شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِلْعَتَّابِيِّ. لَكِنْ فِي الْخَامِسِ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ الْخَانِيَّةِ غَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَمَا بَرْهَنَ عَلَيْهِ أَوْ غَابَ الْوَكِيلُ بَعْدَ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ أَوْ مَاتَ الْوَكِيلُ ثُمَّ عُدِّلَتْ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ لَا يَحْكُمُ بِهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَيَحْكُمُ وَهَذَا أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَغَابَ ثُمَّ حَضَرَ وَكِيلُهُ أَوْ عَلَى الْوَكِيلِ ثُمَّ حَضَرَ مُوَكِّلُهُ يَقْضِي بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ، وَكَذَا يَقْضِي عَلَى الْوَارِثِ بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ عَلَى مُوَرِّثِهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَصِحُّ) لِمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ حَضْرَةَ الْخَصْمِ، لِيَتَحَقَّقَ إنْكَارُهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْحُكْمِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: بَلْ وَلَا يَنْفُذُ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الصِّحَّةِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ النَّفَاذِ، وَأَيْضًا فَالْحُكْمُ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي نَفَاذِهِ بِدُونِ تَنْفِيذِ قَاضٍ آخَرَ كَمَا أَفَادَهُ ح. وَلِذَا فَسَّرَ فِي الْبَحْرِ كَلَامَ الْكَنْزِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ بِعَدَمِ النَّفَاذِ لِقَوْلِهِ إذَا نَفَّذَهُ قَاضٍ آخَرُ يَرَاهُ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ ثُمَّ ذَكَرَ اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: كَوَكِيلِهِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 409 وَوَصِيِّهِ وَمُتَوَلِّي الْوَقْفِ) أَفَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ وَالْمَيِّتِ لَا عَلَى الْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ فَيَكْتُبُ فِي السِّجِلِّ أَنَّهُ حَكَمَ عَلَى الْمَيِّتِ وَعَلَى الْغَائِبِ بِحَضْرَةِ وَكِيلِهِ وَبِحَضْرَةِ وَصِيِّهِ، جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ، وَأَفَادَ بِالْكَافِ عَدَمَ الْحَصْرِ فَإِنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ كَذَلِكَ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ، وَكَذَا أَحَدُ شَرِيكَيْ الدَّيْنِ وَأَجْنَبِيٌّ بِيَدِهِ مَالُ الْيَتِيمِ وَبَعْضُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَيْ لَوْ الْوَقْفُ ثَابِتًا كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (أَوْ) نَائِبُهُ (شَرْعًا كَوَصِيٍّ) نَصَّبَهُ (الْقَاضِي)   [رد المحتار] أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ وَكِيلًا فِي الْخُصُومَةِ وَالدَّعْوَى أَوْ وَكِيلًا لِلْقَضَاءِ كَمَا إذَا أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ فَوَكَّلَ لِيُقْضَى عَلَيْهِ ثُمَّ غَابَ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَوَصِيِّهِ) أَيْ وَصِيِّ الْمَيِّتِ فَإِنَّ الْمَيِّتَ غَائِبٌ وَوَصِيَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ حَقِيقَةً، وَيَجُوزُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى الصَّغِيرِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْغَائِبِ وَشَمِلَ وَصِيَّ الْوَصِيِّ وَلَوْ قَالَ كَوَلِيِّهِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْأَبَ وَالْجَدَّ. مَطْلَبٌ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ. (قَوْلُهُ: إنَّمَا يَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ وَالْمَيِّتِ) تَرَكَ الْوَقْفَ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَى الْوَاقِفِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَعَلَى الْوَقْفِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ) أَيْ فِيمَا لِلْمَيِّتِ وَعَلَيْهِ، لَكِنْ إذَا كَانَ فِي عَيْنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا فِي يَدِهِ فَلَوْ ادَّعَى عَيْنًا مِنْ التَّرِكَةِ عَلَى وَارِثٍ لَيْسَتْ فِي يَدِهِ لَمْ تُسْمَعْ، وَفِي دَعْوَى الدَّيْنِ يَنْتَصِبُ أَحَدُهُمْ خَصْمًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ بَحْرٌ. وَفِيهِ مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ يَنْتَصِبُ أَحَدُهُمْ عَنْ الْبَاقِي بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: كَوْنُ الْعَيْنِ كُلِّهَا فِي يَدِهِ، وَأَنْ لَا تَكُونَ مَقْسُومَةً، وَأَنْ يُصَدِّقَ الْغَائِبُ أَنَّهَا إرْثٌ عَنْ الْمَيِّتِ اهـ وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ، وَأَفَادَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ اشْتِرَاطَهُمْ كَوْنَ الْعَيْنِ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي بَعْضَ الْوَرَثَةِ عَلَى بَعْضٍ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِشِرَاءِ الدَّارِ مِنْ الْمُوَرِّثِ، وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا أَحَدُ شَرِيكَيْ الدَّيْنِ) أَيْ هُوَ خَصْمٌ عَنْ الْآخَرِ فِي الْإِرْثِ وِفَاقًا، وَكَذَا فِي غَيْرِهِ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَوْلُهُ: قِيَاسٌ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ. ثُمَّ عَلَى قَوْلِهِمَا الْغَائِبُ لَوْ صَدَّقَ الْحَاضِرَ إنْ شَاءَ شَارَكَهُ فِيمَا قَبَضَ أَوْ اتَّبَعَ الْمَطْلُوبَ بِنَصِيبِهِ، جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الدَّيْنَ لِلْمُدَّعِي وَشَرِيكِهِ، وَأَمَّا الدَّعْوَى بِدَيْنٍ لِوَاحِدٍ عَلَى اثْنَيْنِ، فَذَكَرَ قَبْلَهُ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ يَقْضِي بِهِ عَلَيْهِمَا عِنْدَهُ فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ وَهِيَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ: يَقْضِي بِنِصْفِهِ عَلَى الْحَاضِرِ، ثُمَّ قَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِي جَوَازِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ. (قَوْلُهُ: وَأَجْنَبِيٌّ) أَيْ مَنْ لَيْسَ وَارِثًا وَلَا وَصِيًّا، وَقَوْلُهُ بِيَدِهِ مَالُ الْيَتِيمِ. الَّذِي فِي الْبَحْرِ: مَالُ الْمَيِّتِ وَصُورَتُهَا مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَهَبَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ جَمِيعَ مَالِهِ أَوْ أَوْصَى بِهِ فَمَاتَ ثُمَّ ادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ قِيلَ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ عَلَى مَنْ بِيَدِهِ الْمَالُ، وَقِيلَ: يَجْعَلُ الْقَاضِي خَصْمًا عَنْهُ أَيْ عَنْ الْمَيِّتِ وَيَسْمَعُ عَلَيْهِ بَيِّنَتَهُ فَظَهَرَ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ. مَطْلَبٌ فِيمَنْ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَبَعْضُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ) لِمَا فِي الْقُنْيَةِ وَقْفٌ بَيْنَ أَخَوَيْنِ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَبَقِيَ الْوَقْفُ فِي يَدِ الْحَيِّ وَأَوْلَادِ الْمَيِّتِ، فَأَقَامَ الْحَيُّ بَيِّنَةً عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَوْلَادِ الْأَخِ أَنَّ الْوَقْفَ بَطْنٌ بَعْدَ بَطْنٍ، وَالْبَاقِي غُيَّبٌ وَالْوَاقِفُ وَاحِدٌ تُقْبَلُ وَيَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِي ثُمَّ قَالَ وَقْفٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ تَصِحُّ الدَّعْوَى مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ وَكِيلِهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، أَوْ وَكِيلِهِ إذَا كَانَ الْوَقْفُ وَاحِدًا وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: أَيْ لَوْ الْوَقْفُ ثَابِتًا) أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا وَأَرَادَ إثْبَاتَ أَنَّهُ وَقْفٌ فَلَا، وَقَدَّمْنَا فِي الْوَقْفِ تَقْرِيرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَتَمِّ وَجْهٍ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ مَسَائِلَ أُخَرَ يَنْتَصِبُ فِيهَا الْبَعْضُ خَصْمًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 410 خَرَجَ الْمُسَخَّرُ كَمَا سَيَجِيءُ (أَوْ حُكْمًا بِأَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا) لَا مَحَالَةَ، فَلَوْ شَرَى أَمَةً ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ مَوْلَاهَا زَوَّجَهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَأَرَادَ رَدَّهَا بِعَيْبِ الزَّوَاجِ لَمْ يُقْبَلْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَزَالَ الْعَيْبُ، ابْنُ كَمَالٍ (لِمَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ) مِثَالُهُ (كَمَا إذَا) ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ (وَبَرْهَنَ) الْمُدَّعِي (عَلَى ذِي الْيَدِ أَنَّهُ الْمُشْتَرِي) الدَّارَ (مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَحَكَمَ) الْحَاكِمُ (عَلَى) ذِي الْيَدِ (الْحَاضِرِ كَانَ) ذَلِكَ (حُكْمًا عَلَى الْغَائِبِ) أَيْضًا حَتَّى لَوْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ لَمْ يُعْتَبَرْ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ الْمَالِكِ سَبَبُ الْمِلْكِيَّةِ لَا مَحَالَةَ وَلَهُ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ ذَكَرَ مِنْهَا فِي الْمُجْتَبَى تِسْعًا وَعِشْرِينَ. (وَلَوْ كَانَ مَا يَدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ شَرْطًا) لِمَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْحَاضِرِ كَمَا إذَا ادَّعَى مَوْلَاهُ أَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِتَطْلِيقِ زَوْجَةِ زَيْدٍ وَبَرْهَنَ عَلَى التَّطْلِيقِ بِغَيْبَةِ زَيْدٍ   [رد المحتار] عَنْ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: خَرَجَ الْمُسَخَّرُ) هُوَ مَنْ يُنَصِّبُهُ الْقَاضِي لِسَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ. (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ قَرِيبًا أَيْ مُمَاثِلًا لِمَا يَأْتِي مِنْ تَقْيِيدِهِ بِغَيْرِ الضَّرُورَةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ حُكْمًا) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ قِيَامُهُ عَنْهُ حُكْمًا لِأَمْرٍ لَازِمٍ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: سَبَبًا لَا مَحَالَةَ) أَيْ لَا تَحَوُّلَ لَهُ عَنْ السَّبَبِيَّةِ فَاحْتُرِزَ بِكَوْنِهِ سَبَبًا عَمَّا يَكُونُ شَرْطًا، وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَبِقَوْلِهِ لَا مَحَالَةَ عَمَّا يَكُونُ سَبَبًا فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ وَعَمَّا لَا يَكُونُ سَبَبًا إلَّا بِالْبَقَاءِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَى، فَمَا يَكُونُ سَبَبًا فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ دُونَ الْغَائِبِ، وَبَيَانُهُ فِي مَسْأَلَتَيْنِ الْوَكِيلُ بِنَقْلِ الْعَبْدِ إلَى مَوْلَاهُ أَوْ بِنَقْلِ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا فَإِذَا بَرْهَنَ الْعَبْدُ أَنَّهُ حَرَّرَهُ أَوْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا يُقْبَلُ فِي حَقِّ قَصْرِ يَدِ الْحَاضِرِ لَا فِي ثُبُوتِ الْعِتْقِ أَوْ الطَّلَاقِ، فَإِنَّ الْمُدَّعَى هُنَا عَلَى الْغَائِبِ، وَهُوَ الْعِتْقُ أَوْ الطَّلَاقُ لَيْسَ سَبَبًا لَا مَحَالَةَ لِمَا يُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ، وَهُوَ قَصْرُ يَدِهِ بِانْعِزَالِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَحَقَّقُ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ بِدُونِ انْعِزَالِ وَكِيلٍ بِأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ وَكَالَةٌ أَصْلًا وَقَدْ يَتَحَقَّقُ مُوجِبًا لِانْعِزَالٍ بِأَنْ كَانَ بَعْدَ الْوَكَالَةِ فَلَيْسَ انْعِزَالُ الْوَكِيلِ حُكْمًا أَصْلِيًّا لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ سَبَبًا لِحَقِّ الْحَاضِرِ فِي الْجُمْلَةِ لَا يَكُونُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا قَبِلْنَا الْبَيِّنَةَ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ بِقَصْرِ يَدِهِ وَانْعِزَالِهِ، وَأَمَّا مَا لَا يَكُونُ سَبَبًا إلَّا بِالْبَقَاءِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَى، فَلَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا، وَبَيَانُهُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا مَا لَوْ بَرْهَنَ الْمُشْتَرِي فَاسِدًا عَلَى الْبَيْعِ مِنْ غَائِبٍ حِينَ أَرَادَ الْبَائِعُ فَسْخَ الْبَيْعِ لِلْفَسَادِ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ فِي الْفَسْخِ وَلَا فِي حَقِّ الْغَائِبِ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْبَيْعِ لَيْسَ سَبَبًا لِبُطْلَانِ حَقِّ الْفَسْخِ لِجَوَازِ أَنَّهُ بَاعَ مِنْ الْغَائِبِ، ثُمَّ فُسِخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ شَهِدُوا بِبَقَاءِ وَقْتِ الدَّعْوَى لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ نَفْسِ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ الْبَقَاءِ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ تَبَعٌ لِلِابْتِدَاءِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ شَرَى أَمَةً) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا مَحَالَةَ فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ كَانَ مَا يُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ شَرْطًا بِأَنْ يَقُولَ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَى أَمَةً إلَخْ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مَا يُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ شَرْطًا إلَخْ لِيَكُونَ ذِكْرُ مُحْتَرِزِ الْقُيُودِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ: لَمْ يُقْبَلْ) أَيْ بُرْهَانُهُ لَا فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَلَا فِي حَقِّ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى شَيْئَانِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْحَاضِرِ وَالنِّكَاحُ عَلَى الْغَائِبِ، وَالثَّانِي لَيْسَ سَبَبًا لِلْأَوَّلِ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْبَقَاءِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَإِنْ بَرْهَنَ عَلَى الْبَقَاءِ أَيْ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ لِلْحَالِ لَا يُقْبَلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ تَبَعُ الِابْتِدَاءِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: مِثَالُهُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِإِغْنَاءِ الْكَافِ عَنْهُ اهـ ح. (قَوْلُهُ: مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ) زَادَ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ يَمْلِكُهَا أَيْ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الشِّرَاءِ لَا يُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا لِغَيْرِ الْبَائِعِ وَهُوَ فُضُولِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ الْمِلْكِ) هَذَا هُوَ الْمُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ. (قَوْلُهُ: سَبَبُ الْمِلْكِيَّةِ) أَيْ وَالْمِلْكِيَّةُ هُنَا هِيَ الْمُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرَةِ مَطْلَبٌ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَكُونُ الْقَضَاءُ فِيهَا عَلَى الْحَاضِرِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ. (قَوْلُهُ: تِسْعًا وَعِشْرِينَ) قَالَ فِي الْمِنَحِ وَفِي الْمُجْتَبَى بَعْدَ أَنْ عَلَّمَ بِعَلَامَةِ شَطْبٍ كُلُّ مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ حَقٌّ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فَالْقَضَاءُ عَلَى الْحَاضِرِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 411 (لَا) يُقْبَلُ   [رد المحتار] وَتَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِي مَسَائِلَ: مِنْهَا أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ كَذَا، وَأَنَّ هَذَا كَفِيلٌ عَنْهُ بِأَمْرِهِ يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ؛ لِأَنَّهَا كَالْمُعَاوَضَةِ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ بِأَمْرِهِ لَا يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ، وَمِنْهَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَفِيلٌ بِكُلِّ مَالِهِ عَلَى فُلَانٍ وَأَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ أَلْفًا كَانَتْ قَبْلَ الْكَفَالَةِ يَقْضِي عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى دَعْوَى الْكَفَالَةِ بِأَمْرِهِ بِخِلَافِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ الْمُطْلَقَةَ لَا تُوجِبُ الْمَالَ عَلَى الْكَفِيلِ مَا لَمْ تُوجِبْهُ عَلَى الْأَصِيلِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ عَلَّقَ الْكَفَالَةَ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَى الْأَصِيلِ فَانْتَصَبَ عَنْ الْغَائِبِ خَصْمًا، وَمِنْهَا: أَنَّ الْقَاذِفَ إذَا قَالَ: أَنَا عَبْدُ فُلَانٍ فَلَا حَدَّ عَلَيَّ فَأَقَامَ الْمَقْذُوفُ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَهُ حُدَّ، وَكَانَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بِالْعِتْقِ، وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ فَقَالَ الْقَاذِفُ أُمُّهُ أَمَةُ فُلَانٍ فَأَقَامَ الْمَقْذُوفُ بَيِّنَةً أَنَّهَا بِنْتُ فُلَانٍ الْقُرَشِيَّةُ يُحْكَمُ بِالنَّسَبِ وَيُحَدُّ، وَمِنْهَا: لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُ عَمٍّ الْمَيِّتِ فُلَانٌ، وَأَنَّ الْمَيِّتَ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ يَجْتَمِعَانِ إلَى أَبٍ وَاحِدٍ، وَأَنَّهُ وَارِثُهُ فَحَسْبُ قَضَى بِالْمِيرَاثِ وَالنَّسَبِ عَلَى الْغَائِبِ، وَمِنْهَا: لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ أَبَوَيْ الْمَيِّتِ كَانَا مَمْلُوكَيْنِ أَعْتَقَهُمَا، ثُمَّ وُلِدَ لَهُمَا هَذَا الْوَلَدُ وَمَاتَ وَأَنَّهُ مَوْلَاهُ وَوَارِثُهُ قَضَى بِالْوَلَاءِ وَكَانَ قَضَاءً بِالْوَلَاءِ عَلَى الْأَبَوَيْنِ وَحُرِّيَّةِ الْمُولَدَيْنِ بَعْدَ عِتْقِهِمَا. وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ لِدَائِنِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ ضَمِنْت لِدَيْنِك عَلَيْهِ إنْ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ فَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَيْهِ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الضَّمَانِ وَالْعَبْدُ وَالْمَوْلَى غَائِبَانِ يَقْضِي بِالضَّمَانِ، وَكَانَ قَضَاءً بِالْعِتْقِ لِلْغَائِبِ، وَعَلَى الْغَائِبِ. وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الشَّاهِدُ عَبْدٌ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي أَوْ الشَّاهِدُ بَيِّنَةً أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الشَّهَادَةِ، وَمِنْهَا: لَوْ ادَّعَى شَيْئًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ فُلَانٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً يَقْضِي لَهُ بِالْمِلْكِ وَالشِّرَاءِ مِنْ فُلَانٍ، وَمِنْهَا: مَا لَوْ قَذَفَ عَبْدًا فَأَقَامَ الْمَقْذُوفُ بَيِّنَةً أَنَّ مَوْلَاهُ كَانَ أَعْتَقَهُ وَادَّعَى كَمَالَ الْحَدِّ، وَمِنْهَا: مَا لَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ الْمُشْتَرَى بَيِّنَةً أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ أَعْتَقَهُ أَوْ رَجُلٌ آخَرُ أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ، وَمِنْهَا: مَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ مَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَيَّ، فَأَقَامَ الرَّجُلُ بَيِّنَةً عَلَى الضَّامِنِ أَنَّهُ بَاعَ فُلَانًا عَبْدَهُ بِأَلْفٍ، وَمِنْهَا: مَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى رَجُلٍ أَنَّك اشْتَرَيْت هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ وَأَنَا شَفِيعُهَا، وَمِنْهَا: مَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ عَلَيَّ أَلْفٌ فَاقْضِهَا، فَأَقَامَ الْمَأْمُورُ بَيِّنَةً أَنَّهُ قَضَاهَا يَقْضِي بِقَبْضِ الْغَائِبِ وَالرُّجُوعِ عَلَى الْآخَرِ، وَمِنْهَا: مَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ الَّذِي فِي يَدِي لِفُلَانٍ فَاشْتَرِهِ لِي وَانْقُدْ الثَّمَنَ، فَأَقَامَ الْمَأْمُورُ بَيِّنَةً أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ، وَمِنْهَا: مَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ اضْمَنْ لِهَذَا مَا دَايَنَنِي فَضَمِنَ فَأَقَامَ الضَّمِينُ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا دَايَنَك كَذَا وَإِنِّي قَضَيْت عَنْك، وَمِنْهَا: الْكَفِيلُ بِأَمْرٍ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الْأَصِيلِ أَنَّهُ أَوْفَى الطَّالِبَ. وَمِنْهَا: مَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ أَلْفًا وَأَنَّهُ أَحَالَ بِمَا عَلَيْهِ، وَمِنْهَا: مَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيْك أَلْفٌ أَحَلْتَهُ بِهِ عَلَيَّ وَأَدَّيْتُهَا إلَيْهِ، وَمِنْهَا: مَا لَوْ طَالَبَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ فَأَقَامَ هُوَ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَحَالَهُ بِالثَّمَنِ عَلَى فُلَانٍ وَمِنْهَا: مَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ إنْ جَنَى عَلَيْك فُلَانٌ فَأَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ، فَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ جَنَى عَلَيْهِ فُلَانٌ، وَمِنْهَا: مَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى رَجُلٍ فِي يَدِهِ دَارٌ أَنَّهَا لَهُ فَأَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا وَهَبَهَا لَهُ وَسَلَّمَ أَوْ أَوْدَعَ أَوْ بَاعَ، وَمِنْهَا: مَا لَوْ أَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعِيَ بَاعَهَا مِنْ فُلَانٍ وَقَبَضَهَا تَبْطُلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي وَيَلْزَمُ الشِّرَاءُ الْغَائِبَ، وَمِنْهَا: مَا لَوْ قَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ فَطَلَبَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَهُ بِهِ فَنَكَلَ فَقَضَى عَلَيْهِ نَفَذَ عَلَى فُلَانٍ وَمِنْهَا: مَا لَوْ قَالَ وَصَلَ إلَيَّ مِنْ زَيْدٍ وَكِيلِ فُلَانٍ بِأَمْرِهِ أَوْ مِنْ غَاصِبٍ مِنْهُ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي مَا يَعْلَمُ دَفْعَ زَيْدٍ فَقَضَى عَلَيْهِ نَفَذَ عَلَى فُلَانٍ، وَمِنْهَا: مَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى عَبْدٍ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ وَأَنَّهُ قَطَعَ يَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ اسْتَدَانَ مِنْهُ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ أَوْ بَاعَ مِنْهُ، وَمِنْهَا: مَا قِيلَ إنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ طَلَّقَ فُلَانٌ امْرَأَتَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى الْحَاضِرِ أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَمِنْهَا: مَا لَوْ أَقَامَ الْحَاضِرُ عَلَى الْقَاتِلِ بَيِّنَةً أَنَّ الْوَلِيَّ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَيَتَضَمَّنُ الْقَضَاءُ عَلَى الْحَاضِرِ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ فِيهَا اهـ ح (قَوْلُهُ: لَا يُقْبَلُ) ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَيْسَ بِأَصْلٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَشْرُوطِ بِخِلَافِ السَّبَبِ، فَإِنْ قَضَى فَقَدْ قَضَى عَلَى الْغَائِبِ ابْتِدَاءً قُهُسْتَانِيٌّ ط. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 412 فِي الْأَصَحِّ (إذَا كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغَائِبِ) فَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ بِدُخُولِ زَيْدٍ الدَّارَ يُقْبَلُ لِعَدَمِ ضَرَرِ الْغَائِبِ. وَمِنْ حِيَلِ إثْبَاتِ الْعِتْقِ عَلَى الْغَائِبِ أَنْ يَدَّعِيَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّاهِدَ عَبْدُ فُلَانٍ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي أَنَّ مَالِكَهُ الْغَائِبَ أَعْتَقَهُ تُقْبَلُ وَمِنْ حِيَلِ الطَّلَاقِ حِيلَةُ الْكَفَالَةِ بِمَهْرِهَا مُعَلَّقَةً بِطَلَاقِهَا وَدَعْوَى كَفَالَتِهِ بِنَفَقَةِ الْعِدَّةِ مُعَلَّقَةً بِالطَّلَاقِ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَزْنِيَ فَحِيلَتُهُ مَا فِي دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ. ادَّعَى عَلَيْهَا أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَهَا فَأَقَرَّتْ بِزَوْجِيَّةِ الْغَائِبِ وَأَنْكَرَتْ طَلَاقَهُ   [رد المحتار] قُلْت: وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَلَا فِي حَقِّ الْغَائِبِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِتَزَوُّجٍ عَلَيْهَا فَبَرْهَنَتْ أَنَّهُ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فُلَانَةَ الْغَائِبَةَ عَنْ الْمَجْلِسِ هَلْ تُسْمَعُ حَال الْغَيْبَةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْحَاضِرَةِ وَالْغَائِبَةِ، فَلَا طَلَاقَ وَلَا نِكَاحَ اهـ لَكِنْ نَقَلَ عَنْهُ عَقِبَهُ فَرْعًا آخَرَ وَهُوَ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ كُفِّلَ بِمَهْرِهَا عَنْ زَوْجِهَا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَأَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ، وَأَنْكَرَ الْعِلْمَ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ فَبَرْهَنَتْ بِهِ، يُحْكَمُ لَهَا بِالْمَهْرِ عَلَى الْحَاضِرِ لَا بِالْفُرْقَةِ عَلَى الْغَائِبِ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَصَحِّ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ مَا حَكَاهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ والأوزجندي أَنَّهُمْ أَفْتَوْا فِيهِ بِانْتِصَابِ الْحَاضِرِ خَصْمًا أَيْ فَالشَّرْطُ عِنْدَهُمْ كَالسَّبَبِ، وَيُقَابِلُهُ أَيْضًا مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ قَبُولِهَا فِي حَقِّ الْحَاضِرِ لَا الْغَائِبِ. (قَوْلُهُ: يُقْبَلُ لِعَدَمِ ضَرَرِ الْغَائِبِ) وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ بِشَيْءٍ إذْ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقٍّ لَهُ اهـ: أَيْ لِأَنَّ دُخُولَ الْغَائِبِ الدَّارَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ لَكِنْ قَالَ ط: لَوْ كَانَ الْغَائِبُ عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ بِدُخُولِهِ الدَّارَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْأَوَّلِ لِلُزُومِ الضَّرَرِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ حِيَلِ إثْبَاتِ الْعِتْقِ إلَخْ) هِيَ مِنْ جُمْلَةِ الصُّوَرِ التِّسْعِ وَالْعِشْرِينَ الْمَارَّةِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ حِيَلِ الطَّلَاقِ إلَخْ) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِقَوْلِ الْبَحْرِ، وَأَمَّا حِيَلُ إثْبَاتِ طَلَاقِ الْغَائِبِ فَكُلُّهَا عَلَى الضَّعِيفِ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ كَالسَّبَبِ، قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَمَعَ هَذَا لَوْ حَكَمَ بِالْحُرْمَةِ نَفَذَ لِاخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ اهـ. قُلْت: يَعْنِي إذَا كَانَ الْحَاكِمُ مُجْتَهِدًا، أَمَّا الْمُقَلِّدُ فَلَا يَصِحُّ حُكْمُهُ بِالضَّعِيفِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ سَابِقًا، نَعَمْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ هَذَا عَنْ الْخُلَاصَةِ الطَّرِيقَ فِي إثْبَاتِ الرَّمَضَانِيَّةِ أَنْ يُعَلِّقَ وَكَالَةً بِدُخُولِهِ فَيَتَنَازَعَانِ فِي دُخُولِهِ فَيَشْهَدُ الشُّهُودُ فَيَقْضِي بِالْوَكَالَةِ وَبِدُخُولِهِ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَعَلَيْهِ فَإِثْبَاتُ طَلَاقٍ مُعَلَّقٍ بِدُخُولِ شَهْرٍ حِيلَةٌ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِعْلَ الْغَائِبِ، وَكَذَا إثْبَاتُ مِلْكٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ نِكَاحٍ، فَيُعَلَّقُ وَكَالَةً بِمِلْكِ فُلَانٍ ذَلِكَ الشَّيْءُ، أَوْ بِوَقْفِيَّةِ كَذَا أَوْ بِكَوْنِ فُلَانَةَ زَوْجَةَ فُلَانٍ، وَيَدَّعِي الْوَكِيلُ فَيَقُولُ الْخَصْمُ وَكَالَتُك مُعَلَّقَةٌ بِمَا لَمْ يُوجَدْ، فَيَقُولُ الْوَكِيلُ بَلْ هِيَ مُنَجَّزَةٌ لِتَعَلُّقِهَا بِكَائِنٍ، وَبَرْهَنَ عَلَى الْمِلْكِ وَنَحْوِهِ وَلَا يُعَلَّقُ بِفِعْلِ الْغَائِبِ كَأَنْ نَكَحَ إنْ وَقَفَ إنْ طَلَّقَ إنْ مَلَكَ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ إثْبَاتُ الضَّرَرِ بِالْغَائِبِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: الْأَصْلُ أَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا لِثُبُوتِ الْحَقِّ لِلْحَاضِرِ مِنْ غَيْرِ إبْطَالِ حَقٍّ لِلْغَائِبِ قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ فِيهِ؛ إذْ لَيْسَ فِيهِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَمَا تَضَمَّنَ إبْطَالًا عَلَيْهِ لَا تُقْبَلُ اهـ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَنَاطَ إبْطَالُ حَقِّ الْغَائِبِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّرْطُ فِعْلَهُ أَوْ لَا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الشَّرْطِ إنْ نَكَحَ أَوْ إنْ كَانَتْ مَنْكُوحَتَهُ فَتَفْرِيعُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ إذْ مَا فِيهَا لَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ عَلَى غَائِبٍ أَصْلًا بِخِلَافِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، فَإِنَّ فِيهَا الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ ابْتِدَاءً بِمَا يَتَضَرَّرُ بِهِ وَلَوْ مِلْكًا، فَإِنَّهُ قَدْ يَلْزَمُهُ مِنْهُ ضَرَرُ وَاضِعِ الْيَدِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ مَلَكَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَزْنِيَ إلَخْ) إنْ كَانَتْ هَذِهِ الْحِيلَةُ صِدْقًا فَلَا وَجْهَ لِتَسْمِيَتِهَا حِيلَةً، وَلَا لِقَوْلِهِ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَزْنِيَ وَصَنِيعُهُ يُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ سَائِغٌ كَذِبًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مِثْلُهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ط فَالصَّوَابُ إسْقَاطُ هَذِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 413 فَبَرْهَنَ عَلَيْهَا بِالطَّلَاقِ يَقْضِي عَلَيْهَا أَنَّهَا زَوْجَةُ الْحَاضِرِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ. (وَلَوْ قَضَى عَلَى الْغَائِبِ بِلَا نَائِبٍ يَنْفُذُ) فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَصْحَابِنَا ذَكَرَهُ مُنْلَا خُسْرو فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ   [رد المحتار] الْعِبَارَةِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ عَلَى أَنَّ فِي صِحَّةِ هَذَا الْفَرْعِ كَلَامًا نَذْكُرُهُ عَقِبَهُ. (قَوْلُهُ: فَبَرْهَنَ عَلَيْهَا بِالطَّلَاقِ) أَيْ وَبِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: يَقْضِي عَلَيْهَا أَنَّهَا زَوْجَةُ الْحَاضِرِ) أَيْ وَيَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ بِالطَّلَاقِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ. قُلْت: لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ سَبَبًا لِمَا يُقْضَى عَلَى الْحَاضِرِ لَا مَحَالَةَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ طَلَاقَ الْغَائِبِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ قَدْ يَكُونُ بِدُونِ طَلَاقٍ كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةَ أَحَدٍ، وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ سَبَبًا لَا مَحَالَةَ يَظْهَرُ لَك حَقِيقَةُ الْأَمْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَحْتَاجُ إلَخْ) قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَضَى عَلَى غَائِبٍ إلَخْ) أَيْ قَضَى مَنْ يَرَى جَوَازَهُ كَشَافِعِيٍّ لِإِجْمَاعِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ كَمَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ، كَذَا حَقَّقَهُ فِي الْبَحْرِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي عَدَمِ جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِهِ مَنْ يَرَى جَوَازَهُ هَلْ يَنْفُذُ بِدُونِ تَنْفِيذٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ وَرَأَيْت نَحْوَ هَذَا مَنْقُولًا عَنْ إجَابَةِ السَّائِلِ عَنْ بَعْضِ رَسَائِلِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَرَّ، وَلَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ بَيَانٌ لِحُكْمِ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا وَقَوْلُهُ: هُنَا وَلَوْ قَضَى إلَخْ، حِكَايَةٌ لِلْخِلَافِ فِي النَّفَاذِ وَعَدَمِهِ. قُلْت: بَقِيَ مَا لَوْ قَضَى الْحَنَفِيُّ بِذَلِكَ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ الْكَلَامُ الْمَارُّ فِيمَا لَوْ قَضَى فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ، بِخِلَافِ رَأْيِهِ وَمَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ وَاخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ رَجَّحَ الْجَوَازَ لَا يَبْقَى فَرْقٌ بَيْنَ الْحَنَفِيِّ وَغَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْقُنْيَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي نَفَاذِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ أَنْ يَكُونَ مِنْ شَافِعِيٍّ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ الرَّمْلِيُّ وَالْمَقْدِسِيُّ عَلَى صَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ خَصَّهُ بِمَنْ يَرَى جَوَازَهُ كَمَا ذَكَرْنَا. وَانْدَفَعَ أَيْضًا مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَمَا فِي الْقُنْيَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ، لَكِنْ اسْتَظْهَرَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ ذَلِكَ تَخْصِيصَ الْخِلَافِ فِي النَّفَاذِ وَعَدَمِهِ بِالْحُكْمِ لِلْمَفْقُودِ لَا مُطْلَقِ الْغَائِبِ وَاسْتَدَلَّ بِعِبَارَةٍ فِي الْخَانِيَّةِ، وَنَازَعَهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى مُدَّعَاهُ، بَلْ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ التَّعْمِيمُ اهـ، وَقَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: قَدْ اضْطَرَبَتْ آرَاؤُهُمْ وَبَيَانُهُمْ فِي مَسَائِلِ الْحُكْمِ لِلْغَائِبِ، وَعَلَيْهِ وَلَمْ يُصَفْ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ أَصْلٌ قَوِيٌّ ظَاهِرٌ يُبْنَى عَلَيْهِ الْفُرُوعُ بِلَا اضْطِرَابٍ وَلَا إشْكَالٍ فَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنْ يَتَأَمَّلَ فِي الْوَقَائِعِ، وَيَحْتَاطَ وَيُلَاحِظَ الْحَرَجَ وَالضَّرُورَاتِ فَيُفْتِيَ بِحَسَبِهَا جَوَازًا أَوْ فَسَادًا، مَثَلًا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ الْعَدْلِ فَغَابَ عَنْ الْبَلَدِ، وَلَا يُعْرَفُ مَكَانَهُ أَوْ يُعْرَفُ، وَلَكِنْ يَعْجِزُ عَنْ إحْضَارِهِ أَوْ عَنْ أَنْ تُسَافِرَ إلَيْهِ هِيَ أَوْ وَكِيلُهَا لِبُعْدِهِ أَوْ لِمَانِعٍ آخَرَ، وَكَذَا الْمَدْيُونُ لَوْ غَابَ وَلَهُ نَقْدٌ فِي الْبَلَدِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَفِي مِثْلِ هَذَا لَوْ بَرْهَنَ عَلَى الْغَائِبِ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْقَاضِي أَنَّهُ حَقٌّ لَا تَزْوِيرٌ، وَلَا حِيلَةَ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ وَلَهُ، وَكَذَا لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِجَوَازِهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالضَّرُورَاتِ وَصِيَانَةً لِلْحُقُوقِ عَنْ الضَّيَاعِ مَعَ أَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُنَصَّبَ عَنْ الْغَائِبِ وَكِيلٌ يَعْرِفُ أَنَّهُ يُرَاعِي جَانِبَ الْغَائِبِ وَلَا يُفَرِّطُ فِي حَقِّهِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي الْمُسَخَّرِ، وَكَذَا مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ بَابِ الْمَفْقُودِ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ إلَّا إذَا رَأَى الْقَاضِي مَصْلَحَةً فِي الْحُكْمِ لَهُ وَعَلَيْهِ فَحَكَمَ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ اهـ. قُلْت: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي حَنَفِيًّا وَلَوْ فِي زَمَانِنَا وَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ تَجْوِيزَ هَذَا لِلْمَصْلَحَةِ وَالضَّرُورَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 414 (وَقِيلَ لَا) يَنْفُذُ وَرَجَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَفِي الْمُنْيَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَمَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ تَوَقُّفَهُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ وَفِي الْبَحْرِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُسَخَّرِ لَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَهِيَ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ اشْتَرَى بِالْخِيَارِ فَتَوَارَى اخْتَفَى الْمَكْفُولُ لَهُ. حَلَفَ لَيُوفِيَنَّهُ الْيَوْمَ فَتَغَيَّبَ الدَّائِنُ. جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا إنْ لَمْ تَصِلْ نَفَقَتُهَا فَتَغَيَّبَ. الْخَامِسَةُ إذَا تَوَارَى الْخَصْمُ فَالْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّ الْقَاضِيَ يُنَصِّبُ وَكِيلًا فِي الْكُلِّ وَهُوَ قَوْلُ الثَّانِي خَانِيَّةٌ. قُلْت: وَنَقَلَ شُرَّاحُ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي   [رد المحتار] (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَنْفُذُ) أَيْ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ إلَخْ) لَيْسَ قَوْلًا ثَالِثًا، بَلْ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي كَمَا عَلِمْت، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ كَقَضَاءِ مَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ بَعْدَ تَوْبَتِهِ وَالْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ سَبَبُ الْقَضَاءِ وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ هَلْ تَكُونُ حُجَّةً لِلْقَضَاءِ بِلَا خَصْمٍ حَاضِرٍ أَمْ لَا فَإِذَا قَضَى بِهَا نَفَذَ كَمَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ بَعْدَ تَوْبَتِهِ. مَطْلَبٌ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْمُسَخَّرِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ إلَخْ) مُقَابِلُهُ قَوْلُ جَوَاهِرِ زَادَهْ بِجَوَازِهِ؛ لِأَنَّهُ أَفْتَى بِجَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، وَهُوَ عَيْنُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ بَحْرٌ وَفِيهِ أَيْضًا وَتَفْسِيرُ الْمُسَخَّرِ أَنْ يُنَصِّبَ الْقَاضِي وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبِ لِيَسْمَعَ الْخُصُومَةَ عَلَيْهِ وَشَرْطُهُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ أَنْ يَكُونَ الْغَائِبُ فِي وِلَايَةِ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ: وَهِيَ فِي خَمْسٍ) لَمْ يَذْكُرْ الرَّابِعَةَ فِي الْبَحْرِ بَلْ زَادَهَا الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: اشْتَرَى بِالْخِيَارِ) أَيْ وَأَرَادَ الرَّدَّ فِي الْمُدَّةِ فَاخْتَفَى الْبَائِعُ فَطَلَبَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُنَصِّبَ خَصْمًا عَنْ الْبَائِعِ لِيَرُدَّهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ عَزَاهُمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ إلَى الْخَانِيَّةِ لَكِنَّهُ قَدَّمَ هَذَا، وَعَادَةُ قَاضِي خَانْ تَقْدِيمُ الْأَشْهَرِ. (قَوْلُهُ: اخْتَفَى الْمَكْفُولُ لَهُ) صُورَتُهُ: كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَدَيْنُهُ عَلَى الْكَفِيلِ، فَغَابَ الطَّالِبُ فِي الْغَدِ فَلَمْ يَجِدْهُ الْكَفِيلُ، فَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي، فَنَصَّبَ وَكِيلًا عَنْ الطَّالِبِ وَسَلَّمَ إلَيْهِ الْمَكْفُولَ عَنْهُ، يَبْرَأُ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إنَّمَا هُوَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: لَوْ فَعَلَ بِهِ قَاضٍ عَلِمَ أَنَّ الْخَصْمَ تَغَيَّبَ لِذَلِكَ فَهُوَ حَسَنٌ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ قُلْت: مَا قَالَهُ أَبُو اللَّيْثِ تَوْفِيقٌ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ لَكِنْ مَا نَذْكُرُهُ مِنْ التَّصْحِيحِ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّالِيَةِ لِهَذِهِ يَنْبَغِي إجْرَاؤُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: حَلَفَ لَيُوفِيَنَّهُ الْيَوْمَ إلَخْ) بِأَنْ عَلَّقَ الْمَدْيُونُ الْعِتْقَ أَوْ الطَّلَاقَ عَلَى عَدَمِ قَضَائِهِ الْيَوْمَ ثُمَّ غَابَ الطَّالِبُ وَخَافَ الْحَالِفُ الْحِنْثَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُنَصِّبُ وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبِ وَيَدْفَعُ الدَّيْنَ إلَيْهِ وَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ. وَفِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ عَنْ الشَّيْخِ شَرَفِ الدِّينِ الْغَزِّيِّ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى نَصْبِ الْوَكِيلِ لِقَبْضِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ إذَا دَفَعَ إلَى الْقَاضِي بَرَّ فِي يَمِينِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ الْمُعْتَمَدَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ قَاضٍ حَنِثَ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَتَغَيَّبَتْ) أَيْ لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُنَصِّبُ مَنْ يَقْبِضُ لَهَا ط. (قَوْلُهُ: خَانِيَّةٌ) لَمْ أَرَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي الْخَانِيَّةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ. مَطْلَبٌ فِي الْخَصْمِ إذَا اخْتَفَى فِي بَيْتِهِ. (قَوْلُهُ: الْخَامِسَةُ إلَخْ) ذَكَرَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِلْقَاضِي لِي عَلَى فُلَانٍ حَقٌّ وَقَدْ تَوَارَى عَنِّي فِي مَنْزِلِهِ فَالْقَاضِي يَكْتُبُ إلَى الْوَالِي فِي إحْضَارِهِ فَإِنْ لَمْ يَظْفَرْ بِهِ وَسَأَلَ الطَّالِبُ الْخَتْمَ عَلَى بَابِهِ فَإِنْ أَتَى بِشَاهِدَيْنِ أَنَّهُ فِي مَنْزِلِهِ وَقَالَا رَأَيْنَاهُ مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلَّ خَتَمَ عَلَيْهِ لَا إنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ فَإِذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 415 أَنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ وَأَنَّ الْقَاضِيَ يَخْتِمُ بَيْتَهُ مُدَّةً يَرَاهَا ثُمَّ يُنَصِّبُ الْوَكِيلَ. (وِلَايَةُ بَيْعِ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ لِلْقَاضِي لَا لِلْوَرَثَةِ) لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ   [رد المحتار] خَتَمَ وَطَلَبَ الْمُدَّعِي أَنْ يُنَصِّبَ لَهُ وَكِيلًا بَعَثَ الْقَاضِي إلَى دَارِهِ رَسُولًا مَعَ شَاهِدَيْنِ يُنَادِي بِحَضْرَتِهِمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ إنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ لَك اُحْضُرْ مَعَ خَصْمِك فُلَانٍ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَإِلَّا نَصَّبْت لَك وَكِيلًا وَقَبِلْت بَيِّنَتَهُ عَلَيْك، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ نَصَّبَ لَهُ وَكِيلًا وَسَمِعَ شُهُودَ الْمُدَّعِي وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِمَحْضَرِ وَكِيلِهِ اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ) أَيْ النَّصْبُ عَلَى الْخَصْمِ الْمُتَوَارِي، وَهُوَ الَّذِي تُعْطِيهِ عِبَارَةُ الْكَمَالِ. (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْقَاضِيَ إلَخْ) الَّذِي فِي شَرْحِ الْأَدَبِ هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَفْوِيضِ الْمُدَّةِ إلَى الْقَاضِي فِي رُؤْيَةِ الشَّاهِدَيْنِ لِلْمُخْتَفِي لَا فِي مُدَّةِ الْخَتْمِ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَيْضًا. [مَطْلَبٌ فِي بَيْعِ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ] (قَوْلُهُ: وِلَايَةُ بَيْعِ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ لِلْقَاضِي لَا لِلْوَرَثَةِ) هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَتَّفِقْ الْوَرَثَةُ عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ كُلِّهِ مِنْ مَالِهِمْ لِمَا فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ أَرَادَتْ الْوَرَثَةُ أَدَاءَ دَيْنِهِ لِتَبْقَى تَرِكَتُهُ لَهُمْ فَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَتَحَمَّلُوا قَضَاءَ دَيْنِهِ وَإِنْفَاذَ وَصَايَاهُ مِنْ مَالِهِمْ، فَلَهُمْ ذَلِكَ وَلَوْ اخْتَلَفُوا فَلِلْوَصِيِّ بَيْعُهَا لِدَيْنِهِ وَوَصَايَاهُ. وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِهِمْ ثُمَّ قَالَ وَجَازَ لِأَحَدِ الْوَرَثَةِ اسْتِخْلَاصُ الْعَيْنِ مِنْ التَّرِكَةِ بِأَدَاءِ قِيمَتِهِ إلَى الْغُرَمَاءِ لَا إلَى الْوَارِثِ الْآخَرِ اهـ وَقَوْلُهُ: بِأَدَاءِ قِيمَتِهِ إلَخْ قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ: عَلَيْهِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ زَائِدًا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ زَائِدًا عَلَى التَّرِكَةِ فَلَهُمْ اسْتِخْلَاصُهَا بِأَدَاءِ دَيْنِهِ كُلِّهِ لَا بِقَدْرِ تَرِكَتِهِ كَقِنٍّ جَنَى يُفْدِيهِ مَوْلَاهُ بِأَرْشِهِ. (قَوْلُهُ: لَا لِلْوَرَثَةِ) أَيْ إلَّا بِرِضَا الْغُرَمَاءِ. حَتَّى لَوْ بَاعَ الْوَارِثُ أَيْ بِدُونِ رِضَا الْغُرَمَاءِ لَا يَنْفُذُ، وَكَذَلِكَ الْمَوْلَى إذَا حَجَرَ عَلَى الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ، وَإِنَّمَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي كَذَا هَذَا مِنَحٌ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْقُنْيَةِ قَوْلَيْنِ ثَانِيهِمَا: أَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَبِيعُ التَّرِكَةَ الْمُسْتَغْرَقَةَ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ إذَا امْتَنَعَ الْوَرَثَةُ عَنْ بَيْعِهَا، وَلَمْ يَحْكِ تَرْجِيحًا، لَكِنَّ اقْتِصَارَهُ فِي الْمَتْنِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ يُفِيدُ تَرْجِيحَهُ، وَحَكَى الْقَوْلَيْنِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَالْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا. وَرَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا مُنْلَا عَلِيٍّ التُّرْكُمَانِيِّ مَا نَصُّهُ أَقُولُ فَلِذَا الْقُضَاةُ الْآنَ يَأْذَنُونَ لِبَعْضِ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ الْمُسْتَغْرَقَةِ تَرِكَتُهُ بِالدَّيْنِ بِبَيْعِهَا لِوَفَاءِ دَيْنِهِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَعَمَلًا بِهِمَا. [تَنْبِيهٌ] لَمْ يَذْكُرْ بَيْعَ الْوَصِيِّ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ يَصِحُّ بَيْعُ الْوَصِيِّ تَرِكَةً مُسْتَغْرَقَةً لَوْ بِقِيمَتِهَا وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ إبْطَالُهُ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ اسْتَغْرَقَهَا دَيْنٌ لَا يَمْلِكُهَا بِإِرْثٍ إلَّا إذَا أَبْرَأَ الْمَيِّتَ غَرِيمُهُ أَوْ أَدَّاهُ وَارِثُهُ بِشَرْطِ التَّبَرُّعِ وَقْتَ الْأَدَاءِ أَمَّا لَوْ أَدَّاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ مُطْلَقًا بِلَا شَرْطِ تَبَرُّعٍ أَوْ رُجُوعٍ يَجِبُ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْمَيِّتِ، فَتَصِيرُ التَّرِكَةُ مَشْغُولَةً بِدَيْنِهِ فَلَا يَمْلِكُهَا حَتَّى لَوْ تَرَكَ ابْنًا وَقِنًّا، وَدَيْنُهُ مُسْتَغْرِقٌ فَأَدَّاهُ وَارِثُهُ ثُمَّ أَذِنَ لِلْقِنِّ فِي التِّجَارَةِ أَوْ كَاتَبَهُ لَمْ يَصِحَّ إذَا لَمْ يَمْلِكْهُ اهـ. وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمِنَحِ. مَطْلَبٌ دَفْعُ الْوَرَثَةِ كَرْمًا مِنْ التَّرِكَةِ إلَى أَحَدِهِمْ لِيَقْضِيَ دَيْنَ مُوَرِّثِهِمْ فَقَضَاهُ يَصِحُّ (تَنْبِيهٌ) قَيَّدَ بِالتَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهَا مِلْكٌ لِلْوَرَثَةِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: عَلَيْهِ دَيْنٌ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ فَلِلْحَاضِرِ مِنْ وَرَثَتِهِ بَيْعُ حِصَّتِهِ لِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ لَا بَيْعُ حِصَّةِ غَيْرِهِ لِلدَّيْنِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُ الْوَارِثِ الْآخَرِ؛ إذْ الدَّيْنُ لَمْ يَسْتَغْرِقْ فَلَوْ دَفَعَتْ الْوَرَثَةُ إلَى أَحَدِهِمْ كَرْمًا مِنْ التَّرِكَةِ لِيَقْضِيَ دَيْنَ مُوَرِّثِهِمْ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ فَقَضَاهُ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مِنْهُمْ لِحِصَّتِهِمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 416 حَيْثُ كَانَ الدَّيْنُ لِغَيْرِهِمْ (يُقْرِضُ الْقَاضِي مَالَ الْوَقْفِ وَالْغَائِبِ) وَاللُّقَطَةِ (وَالْيَتِيمِ) مِنْ مَلِيءٍ مُؤْتَمَنٍ حَيْثُ لَا وَصِيَّ وَلَا مَنْ يَقْبَلُهُ مُضَارَبَةً   [رد المحتار] مِنْهُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ دَفَعُوهُ إلَى أَجْنَبِيٍّ لِأَدَاءِ الدَّيْنِ يَكُونُ بَيْعًا كَذَا هَذَا. (قَوْلُهُ: حَيْثُ كَانَ الدَّيْنُ لِغَيْرِهِمْ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: اسْتِغْرَاقُ التَّرِكَةِ بِدَيْنِ الْوَارِثِ لَا يَمْنَعُ إرْثَهُ إذَا كَانَ هُوَ وَارِثُهُ لَا غَيْرُ اهـ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ فَهُوَ كَدَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَاقِي الْوَرَثَةِ. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ قَوْلَهُ هُنَا لَا يَمْنَعُ إرْثَهُ لَا يُنَافِي مَا مَرَّ آنِفًا مِنْ أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ أَدَّى دَيْنَ الْغَرِيمِ بِلَا شَرْطِ تَبَرُّعٍ لَا يَمْلِكُهَا؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الرُّجُوعُ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكٌ فَلَا يَمْلِكُ الْقِنَّ إلَّا بِتَمْلِيكِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الِاسْتِغْرَاقِ بِدَيْنِهِ ابْتِدَاءً؛ إذْ لَا مَانِعَ يَمْنَعُهُ مِنْ الْمِلْكِ اهـ. [مَطْلَبٌ لِلْقَاضِي إقْرَاضُ مَالِ الْيَتِيمِ وَنَحْوِهِ] (قَوْلُهُ: يُقْرِضُ الْقَاضِي إلَخْ) أَيْ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لِكَثْرَةِ أَشْغَالِهِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُبَاشِرَ الْحِفْظَ بِنَفْسِهِ وَالدَّفْعَ بِالْقَرْضِ، اُنْظُرْ لِلْيَتِيمِ لِكَوْنِهِ مَضْمُونًا الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَفَقَّدَ أَحْوَالَ الْمُسْتَقْرِضِينَ حَتَّى لَوْ اخْتَلَّ أَحَدُهُمْ أَخَذَ مِنْهُ الْمَالَ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَقْرِضَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. (قَوْلُهُ: مَالَ الْوَقْفِ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَكِنْ فِيهِ أَيْضًا عَنْ الْعُدَّةِ يَسَعُ لِلْمُتَوَلِّي إقْرَاضُ مَا فَضَلَ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ لَوْ أَحْرَزَ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْقَاضِي مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخِزَانَةِ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْإِقْرَاضُ أَحْرَزَ. (قَوْلُهُ: وَالْغَائِبِ) زَادَ فِي الْبَحْرِ وَلَهُ بَيْعُ مَنْقُولِهِ إذَا خَافَ التَّلَفَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَكَانِ الْغَائِبِ أَمَّا إذَا عَلِمَ فَلَا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ بَعْثُهُ إلَيْهِ إذَا خَافَ التَّلَفَ اهـ، وَانْظُرْ هَلْ يُقَيَّدُ إقْرَاضُهُ مَالَهُ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ. (قَوْلُهُ: وَاللُّقَطَةَ) الظَّاهِرُ قِرَاءَتُهُ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى مَالِ، وَيَجُوزُ جَرُّهُ عَطْفًا عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَهُوَ أَوْلَى لِئَلَّا يَقَعَ مَنْصُوبًا بَيْنَ مَجْرُورَيْنِ لَكِنْ الْإِضَافَةَ فِيهِ بَيَانِيَّةٌ وَفِيمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ لَامِيَّةٌ تَأَمَّلْ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِإِقْرَاضِ الْقَاضِي اللُّقَطَةَ هُنَا مَا إذَا دَفَعَهَا الْمُلْتَقِطُ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَالتَّصَرُّفُ فِيهَا مِنْ تَصَدُّقٍ أَوْ إمْسَاكٍ لِلْمُلْتَقِطِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: مِنْ مَلِيءٍ) بِالْهَمْزِ فِي الْمِصْبَاحِ رَجُلٌ مَلِيءٌ عَلَى فَعِيلٍ غَنِيٌّ مُقْتَدِرٌ، وَيَجُوزُ الْإِبْدَالُ وَالْإِدْغَامُ اهـ: أَيْ إبْدَالُ الْهَمْزَةِ يَاءً وَإِدْغَامُهَا فِي الْيَاءِ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا وَصِيَّ) هَذَا الشَّرْطُ زَادَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا بِقَوْلِهِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ لِجَوَازِ إقْرَاضِ الْقَاضِي عَدَمُ وَصِيٍّ لِلْيَتِيمِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ وَصِيٌّ وَلَوْ مَنْصُوبَ الْقَاضِي لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ مَعَ وُجُودِ وَصِيِّهِ كَمَا فِي بُيُوعِ الْقُنْيَةِ اهـ وَرَدَّهُ مُحَشِّيهِ الرَّمْلِيُّ: بِأَنَّ إطْلَاقَ الْمُتُونِ عَلَى خِلَافِهِ، وَبِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ مِنْهُ، وَالْوَصِيُّ مَمْنُوعٌ مِنْ الْإِقْرَاضِ امْتَنَعَ النَّظَرُ لِلْيَتِيمِ وَلَا قَائِلَ بِهِ تَأَمَّلْ اهـ، لَكِنَّهُ أَفْتَى فِي وَصَايَا الْخَيْرِيَّةِ بِأَنَّ لِلْوَصِيِّ إقْرَاضَ مَالِ الْيَتِيمِ بِأَمْرِ الْقَاضِي أَخْذًا مِمَّا فِي وَقْفِ الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ، مِنْ أَنَّ لِلْمُتَوَلِّي إقْرَاضَ مَالِ الْمَسْجِدِ بِأَمْرِ الْقَاضِي قَالَ: وَالْوَصِيُّ مِثْلُ الْقَيِّمِ لِقَوْلِهِمْ الْوَصِيَّةُ وَالْوَقْفُ أَخَوَانِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ النَّظَرُ لِلْيَتِيمِ بِهَذِهِ الْجِهَةِ نَعَمْ يَرِدُ عَلَى الْبَحْرِ أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا كَانَ لَا يَمْلِكُ الْإِقْرَاضَ بِدُونِ إذْنِ الْقَاضِي عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ وِصَايَتِهِ، بَلْ بَقِيَ لِلْقَاضِي فَلَمْ يَكُنْ مَمْنُوعًا مِنْهُ مَعَ وُجُودِ الْوَصِيِّ، كَمَا لَوْ نَصَّبَ وَصِيًّا عَلَى يَتِيمَةٍ لَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُزَوِّجَهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ يَأْذَنَ لِلْوَصِيِّ بِتَزْوِيجِهَا وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ ذَلِكَ بِدُونِ إذْنٍ، إذْ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ وِصَايَتِهِ بِخِلَافِ بَيْعِ مَالِ الْيَتِيمِ وَنَحْوِهِ، فَلَيْسَ لِلْقَاضِي فِعْلُهُ مَعَ وُجُودِ الْوَصِيِّ فَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْقَيْدَ فِي الْمُتُونِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلَا مَنْ يَقْبَلُهُ مُضَارَبَةً إلَخْ) فِي الْبَحْرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ إنَّمَا يَمْلِكُ الْقَاضِي إقْرَاضَهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَشْتَرِيهِ لَهُ يَكُونُ غَلَّةً لِلْيَتِيمِ لَا لَوْ وَجَدَهُ، أَوْ وَجَدَ مَنْ يُضَارِبُ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ اهـ أَيْ أَنْفَعُ مِنْ الْإِقْرَاضِ وَمَا قِيلَ إنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ أَمَانَةٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَيَكُونُ الْإِقْرَاضُ أَوْلَى فَهُوَ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ فِيهَا رِبْحٌ بِخِلَافِ الْقَرْضِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 417 وَلَا مُسْتَغِلًّا يَشْتَرِيهِ، وَلَهُ أَخْذُ الْمَالِ مِنْ أَبٍ مُبَذِّرٍ وَوَضْعُهُ عِنْدَ عَدْلٍ، قُنْيَةٌ (وَيَكْتُبُ الصَّكَّ) نَدْبًا لِيَحْفَظَهُ (لَا) يُقْرِضُ (الْأَبُ) وَلَوْ قَاضِيًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي لِوَلَدِهِ (وَ) لَا (الْوَصِيُّ) وَلَا الْمُلْتَقِطُ فَإِنْ أَقْرَضُوا لِعَجْزِهِمْ عَنْ التَّحْصِيلِ بِخِلَافِ الْقَاضِي وَيُسْتَثْنَى إقْرَاضُهُمْ لِلضَّرُورَةِ كَحَرْقٍ وَنَهْبٍ فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا بَحْرٌ وَمَتَى جَازَ لِلْمُلْتَقِطِ التَّصَدُّقُ فَالْإِقْرَاضُ أَوْلَى (وَلَوْ قَضَى بِالْجَوْرِ فَالْغُرْمُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إنْ مُتَعَمِّدًا وَأَقَرَّ بِهِ) أَيْ بِالْعَمْدِ (وَلَوْ خَطَأً فَ) الْغُرْمُ (عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ) دُرَرٌ وَفِي الْمِنَحِ مَعْزِيًّا لِلسِّرَاجِ قَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ قَالَ تَعَمَّدْت الْجَوْرَ   [رد المحتار] قَوْلُهُ: وَلَوْ مُسْتَغِلًّا يَشْتَرِيهِ) أَيْ مَا يَكُونُ فِيهِ لِلْيَتِيمِ غَلَّةً كَمَا عَلِمْت وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِالْعَطْفِ عَلَى مَحَلِّ اسْمِ لَا الْأُولَى وَإِلَّا كَانَ حَقُّهُ الرَّفْعَ أَوْ الْبِنَاءَ عَلَى الْفَتْحِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: لِيَحْفَظَهُ) أَيْ بِالِاسْتِذْكَارِ لِلْمَالِ وَأَسْمَاءِ الشُّهُودِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَا يُقْرِضُ الْأَبُ) أَيْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ فَتْحٌ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى الصَّحِيحُ أَنَّ الْأَبَ كَالْقَاضِي فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمُتُونِ وَشَمِلَ مَا إذَا أَخَذَ مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ قَرْضًا لِنَفْسِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ، وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْجَدِّ فِي جَوَازِ إقْرَاضِهِ عَلَى رِوَايَةِ جَوَازِهِ لِلْأَبِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْأَبِ لِقَوْلِهِمْ الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ كَالْأَبِ إلَّا فِي مَسَائِلَ وَاخْتَلَفُوا فِي إعَارَةِ الْأَبِ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَفِي الصَّحِيحِ لَا اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي لِوَلَدِهِ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُنْكِرُ الْمُسْتَقْرِضُ فَيَحْتَاجُ لِلْبَيِّنَةِ وَالْقَضَاءِ بِهَا ط. (قَوْلُهُ: وَلَا الْوَصِيُّ) فَلَوْ فَعَلَ لَا يُعَدُّ خِيَانَةً فَلَا يُعْزَلُ بِهِ، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ لِنَفْسِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَلَوْ فَعَلَ ثُمَّ أَنْفَقَ عَلَى الْيَتِيمِ مُدَّةً يَكُونُ مُتَبَرِّعًا إذَا صَارَ ضَامِنًا، فَلَا يَتَخَلَّصُ مَا لَمْ يَرْفَعْ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ وَيَمْلِكْ الْإِيدَاعَ وَالْبَيْعَ نَسِيئَةً وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَفِيهِ عَنْ الْخِزَانَةِ: إذَا آجَرَ الْوَصِيُّ أَوْ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ أَوْ الْقَاضِي الصَّغِيرَ فِي عَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ فَالصَّحِيحُ جَوَازُهَا وَإِنْ كَانَتْ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ اهـ: أَيْ لِأَنَّ لِلْوَصِيِّ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ اسْتِعْمَالَهُ بِلَا عِوَضٍ بِطَرِيقِ التَّهْذِيبِ وَالرِّيَاضَةِ فَبِالْعِوَضِ أَوْلَى كَمَا فِي السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَتَمَامُ أَبْحَاثِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَمَتَى جَازَ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ وَلَا الْمُلْتَقِطُ بِمَا إذَا كَانَ قَبْلَ جَوَازِ التَّصَدُّقِ بِهَا وَهَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ، إلَّا أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إذَا نَشَدَ اللُّقَطَةَ وَمَضَى مُدَّةُ النَّشَدَاتِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُ الْإِقْرَاضُ مِنْ فَقِيرٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جَازَ فَالْقَرْضُ أَوْلَى اهـ فَافْهَمْ. [مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِالْجَوْرِ] (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَضَى بِالْجَوْرِ إلَخْ) الْقَضَاءُ بِخِلَافِ الْحَقِّ إمَّا عَنْ خَطَأٍ أَوْ عَمْدٍ وَكُلٌّ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا فِي حَقِّهِ تَعَالَى أَوْ حَقِّ الْعَبْدِ فَالْخَطَأُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ إمَّا أَنْ يُمْكِنَ فِيهِ التَّدَارُكُ وَالرَّدُّ أَوْ لَا فَإِنْ أَمْكَنَ بِأَنْ قَضَى بِمَالٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ إعْتَاقٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الشُّهُودَ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ يَبْطُلُ الْقَضَاءُ وَيُرَدُّ الْعَبْدُ رَقِيقًا، وَالْمَرْأَةُ إلَى زَوْجِهَا وَالْمَالُ إلَى مَنْ أُخِذَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الرَّدُّ بِأَنْ قَضَى بِالْقِصَاصِ وَاقْتَصَّ لَا يُقْتَلُ الْمَقْضِيُّ لَهُ، وَيَصِيرُ صُورَةُ الْقَضَاءِ شُبْهَةً مَانِعَةً بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْمَقْضِيِّ لَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا ظَهَرَ خَطَأُ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْمَقْضِيِّ لَهُ، فَلَوْ بِإِقْرَارِ الْقَاضِي لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَقْضِيِّ لَهُ، حَتَّى لَا يَبْطُلَ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِ، وَأَمَّا الْخَطَأُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى بِأَنْ قَضَى بِحَدِّ زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ شُرْبٍ وَاسْتُوْفِيَ الْحَدُّ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الشُّهُودَ كَمَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِالْجَوْرِ عَنْ عَمْدٍ وَأَقَرَّ بِهِ فَالضَّمَانُ فِي مَالِهِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا بِالْجِنَايَةِ وَالْإِتْلَافِ، وَيُعَزَّرُ الْقَاضِي وَيُعْزَلُ عَنْ الْقَضَاءِ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ مُلَخَّصًا. مَطْلَبُ إذَا قَاسَ الْقَاضِي وَأَخْطَأَ فَالْخُصُومَةُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ الْقَاضِي وَالْمُدَّعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ [تَنْبِيهٌ] الْقَاضِي إذَا قَاسَ مَسْأَلَةً عَلَى مَسْأَلَةٍ وَحَكَمَ ثُمَّ ظَهَرَ رِوَايَةٌ بِخِلَافِهِ فَالْخُصُومَةُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 418 انْعَزَلَ عَنْ الْقَضَاءِ وَفِيهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا غَلَبَ جَوْرُهُ وَرِشْوَتُهُ رُدَّتْ قَضَايَاهُ وَشَهَادَتُهُ [فُرُوعٌ] الْقَضَاءُ مُظْهِرٌ لَا مُثْبِتٌ وَيَتَخَصَّصُ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ وَخُصُومَةٍ حَتَّى لَوْ أَمَرَ السُّلْطَانُ بَعْدَ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ سَنَةً فَسَمِعَهَا لَمْ يَنْفُذْ. قُلْت: فَلَا تُسْمَعُ الْآنَ بَعْدَهَا إلَّا بِأَمْرٍ   [رد المحتار] الْقَاضِي وَالْمُدَّعِي، أَمَّا مَعَ الْمُدَّعِي فَلِأَنَّهُ أَثِمَ بِأَخْذِ الْمَالِ وَأَمَّا مَعَ الْقَاضِي فَلِأَنَّهُ أَثِمَ بِالِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَانِنَا، وَبَعْضُ أَذْكِيَاءِ خُوَارِزْمَ قَاسَ الْمُفْتِيَ عَلَى الْقَاضِي فَأَوْرَدَتْ أَنَّ الْقَاضِيَ صَاحِبٌ مُبَاشِرٌ لِلْحُكْمِ فَكَيْفَ يُؤَاخَذُ السَّبَبُ مَعَ الْمُبَاشِرِ فَانْقَطَعَ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْقَاضِيَ فِي زَمَانِنَا مُلْجَأٌ إلَى الْحُكْمِ بَعْدَ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ يُلَامُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ عَالِمٍ حَتَّى يَقْضِيَ بِعِلْمِهِ بَزَّازِيَّةٌ قُبَيْلَ الشَّهَادَاتِ قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى إلْجَاءً حَقِيقَةً وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَنْقَطِعَ النِّسْبَةُ عَنْ الْمُبَاشِرِ إلَى الْمُتَسَبِّبِ كَمَا لَوْ أَكْرَهَ رَجُلٌ آخَرَ بِإِتْلَافِ عُضْوٍ عَلَى أَخْذِ مَالِ إنْسَانٍ فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ بِالْكَسْرِ لِصَيْرُورَةِ الْمُكْرَهِ بِالْفَتْحِ كَالْآلَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَمْ تَنْقَطِعْ النِّسْبَةُ عَنْ الْمُبَاشِرِ وَهُوَ الْقَاضِي، وَإِنْ أَثِمَ الْمُتَسَبِّبُ وَهُوَ الْمُفْتِي، وَلَا يُقَاسُ هَذَا عَلَى مَسْأَلَةِ تَضْمِينِ السَّاعِي إلَى ظَالِمٍ مَعَ أَنَّ السَّاعِيَ مُتَسَبِّبٌ لَا مُبَاشِرٌ فَإِنَّ تِلْكَ مَسْأَلَةٌ اسْتِحْسَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ عَنْ الْقِيَاسِ زَجْرًا عَنْ السِّعَايَةِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا حُكْمُ الضَّمَانِ فِي الدُّنْيَا وَالْكَلَامُ فِي الْخُصُومَةِ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُبَاشِرِ وَالْمُتَسَبِّبِ ظَالِمٌ آثِمٌ وَلِلْمَظْلُومِ الْخُصُومَةُ مَعَهُمَا وَإِنْ اخْتَلَفَ ظُلْمُهُمَا فَإِنَّ الْمُبَاشَرَةَ ظُلْمُهُ أَشَدُّ كَمَنْ أَمْسَكَ رَجُلًا حَتَّى قَتَلَهُ آخَرُ. (قَوْلُهُ: انْعَزَلَ عَنْ الْقَضَاءِ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مَبْنِيَّانِ عَلَى رِوَايَةِ انْعِزَالِهِ بِالْفِسْقِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بَلْ يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ) لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي الْمِنَحِ، فَيَعُودُ الضَّمِيرُ إلَى السِّرَاجِ. (قَوْلُهُ: وَشَهَادَتُهُ) أَيْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ شَهَادَةً عِنْدَ الْقَاضِي الْمُوَلَّى لَا يَقْبَلُهَا لِفِسْقِهِ بِغَلَبَةِ الْجَوْرِ وَالرِّشْوَةِ فَافْهَمْ [فُرُوعٌ الْقَضَاءُ مُظْهِرٌ لَا مُثْبِتٌ وَيَتَخَصَّصُ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ وَخُصُومَةٍ] (قَوْلُهُ: الْقَضَاءُ مُظْهِرٌ لَا مُثْبِتٌ) لِأَنَّ الْحَقَّ الْمَحْكُومَ بِهِ كَانَ ثَابِتًا وَالْقَضَاءُ أَظْهَرَهُ وَالْمُرَادُ مَا كَانَ ثَابِتًا وَلَوْ تَقْدِيرًا كَالْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي تَعْرِيفِ الْقَضَاءِ عَنْ ابْنِ الْغَرْسِ. مَطْلَبٌ الْقَضَاءُ يَقْبَلُ التَّقْيِيدَ وَالتَّعْلِيقَ (قَوْلُهُ: وَيُتَخَصَّصُ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ وَخُصُومَةٍ) عَزَاهُ فِي الْأَشْبَاهِ إلَى الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ مِنْ أَوَّلِ كِتَابِ الْقَضَاءِ: الْوِلَايَةُ تَقْبَلُ التَّقْيِيدَ وَالتَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ كَقَوْلِهِ: إذَا وَصَلْت إلَى بَلْدَةِ كَذَا فَأَنْتَ قَاضِيهَا وَإِذَا وَصَلْت إلَى مَكَّةَ فَأَنْتَ أَمِيرُ الْمَوْسِمِ، وَالْإِضَافَةَ: كَجَعَلْتُكَ قَاضِيًا فِي رَأْسِ الشَّهْرِ، وَالِاسْتِثْنَاءَ مِنْهَا كَجَعَلْتُكَ قَاضِيًا إلَّا فِي قَضِيَّةِ فُلَانٍ وَلَا تَنْظُرْ فِي قَضِيَّةِ كَذَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيقِ الْإِمَارَةِ وَإِضَافَتِهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ بَعَثَ الْبَعْثَ إلَى مُؤْتَةَ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ «إنْ قُتِلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَجَعْفَرٌ أَمِيرُكُمْ وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» ) وَهَذِهِ الْقِصَّةُ مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهَا جَمِيعُ أَهْلِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي اهـ. مَطْلَبٌ فِي عَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. (قَوْلُهُ: بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً) الْمُنَاسِبُ خَمْسَ عَشْرَةَ بِتَذْكِيرِ الْأَوَّلِ وَتَأْنِيثِ الثَّانِي لِكَوْنِ الْمَعْدُودِ مُؤَنَّثًا وَهُوَ سَنَةٌ وَأَجَابَ ط بِأَنَّهُ عَلَى تَأْوِيلِ السَّنَةِ بِالْعَامِ أَوْ الْحَوْلِ. (قَوْلُهُ: فَلَا تُسْمَعُ الْآنَ بَعْدَهَا) أَيْ لِنَهْيِ السُّلْطَانِ عَنْ سَمَاعِهَا بَعْدَهَا فَقَدْ قَالَ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ: أَخْبَرَنِي أُسْتَاذِي شَيْخُ الْإِسْلَامِ يَحْيَى أَفَنْدِي الشَّهِيرُ بِالْمِنْقِارِيِّ أَنَّ السَّلَاطِينَ الْآنَ يَأْمُرُونَ قُضَاتَهُمْ فِي جَمِيعِ وُلَاتِهِمْ أَنْ لَا يَسْمَعُوا دَعْوَى بَعْدَ مُضِيِّ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً سِوَى الْوَقْفِ وَالْإِرْثِ اهـ. وَنَقَلَ فِي الْحَامِدِيَّةِ فَتَاوَى مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ بِعَدَمِ سَمَاعِهَا بَعْدَ النَّهْيِ الْمَذْكُورِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 419 إلَّا فِي الْوَقْفِ وَالْإِرْثِ وَوُجُودِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ وَبِهِ أَفْتَى الْمُفْتِي أَبُو السُّعُودِ فَلْيُحْفَظْ   [رد المحتار] مَطْلَبُ هَلْ يَبْقَى النَّهْيُ بَعْدَ مَوْتِ السُّلْطَانِ لَكِنْ هَلْ يَبْقَى النَّهْيُ بَعْدَ مَوْتِ السُّلْطَانِ الَّذِي نَهَى، بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُ مَنْ بَعْدَهُ إلَى نَهْيٍ جَدِيدٍ؟ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ النَّهْيِ، وَلَا يَسْتَمِرُّ النَّهْيُ بَعْدَهُ، وَبِأَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْخَصْمَانِ فِي أَنَّهُ مَنْهِيٌّ أَوْ غَيْرُ مَنْهِيٍّ فَالْقَوْلُ لِلْقَاضِي مَا لَمْ يُثْبِتْ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ النَّهْيَ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ وَأَطَابَ فَرَاجِعْهُ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِمْ يَعْنِي سَلَاطِينَ آلِ عُثْمَانَ نَصَرَهُمْ الرَّحْمَنُ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَوَلَّى سُلْطَانٌ عُرِضَ عَلَيْهِ قَانُونُ مَنْ قَبْلَهُ وَأَخَذَ أَمْرَهُ بِاتِّبَاعِهِ فَلَا يُفِيدُ هُنَا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَلْتَزِمَ قَانُونَ أَسْلَافِهِ بِأَنْ يَأْمُرَ بِمَا أَمَرُوا بِهِ وَيَنْهَى عَمَّا نَهَوْا عَنْهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا وَلَّى قَاضِيًا وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْ سَمَاعِ هَذِهِ الدَّعْوَى أَنْ يَصِيرَ قَاضِيهِ مَنْهِيًّا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا وَلَّاهُ يَنْهَاهُ صَرِيحًا لِيَكُونَ عَامِلًا بِمَا الْتَزَمَهُ مِنْ الْقَانُونِ كَمَا اُشْتُهِرَ أَنَّهُ حِينَ يُوَلِّيهِ الْآنَ يَأْمُرُهُ فِي مَنْشُورِهِ بِالْحُكْمِ بِأَصَحِّ أَقْوَالِ الْمَذْهَبِ كَعَادَةِ مَنْ قَبْلَهُ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ فَرَاجِعْهُ وَأَطَلْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي كِتَابِنَا تَنْبِيهِ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْوَقْفِ وَالْإِرْثِ وَوُجُودِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ) اسْتِثْنَاءُ الْإِرْثِ مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الْحَمَوِيِّ وَلِمَا فِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ فَتَاوَى أَحْمَدَ أَفَنْدِي المهمنداري مُفْتِي دِمَشْقَ أَنَّهُ كَتَبَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْئِلَةٍ أَنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَى الْإِرْثِ وَلَا يَمْنَعُهَا طُولُ الْمُدَّةِ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْخَيْرِيَّةِ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى ثَلَاثَةٌ: مَالُ الْيَتِيمِ وَالْوَقْفُ وَالْغَائِبُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْإِرْثَ غَيْرُ مُسْتَثْنًى فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَقَدْ نَقَلَ فِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ الْمِهْمِنْدارِيِّ أَيْضًا أَنَّهُ كَتَبَ عَلَى سُؤَالٍ آخَرَ فِيمَنْ تَرَكَتْ دَعْوَاهَا الْإِرْثَ بَعْدَ بُلُوغِهَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، بِلَا عُذْرٍ أَنَّ الدَّعْوَى لَا تُسْمَعُ إلَّا بِأَمْرٍ سُلْطَانِيٍّ وَنَقَلَ أَيْضًا مِثْلَهُ فَتْوَى تُرْكِيَّةً عَنْ الْمَوْلَى أَبِي السُّعُودِ، وَتَعْرِيبُهَا إذَا تَرَكَتْ دَعْوَى الْإِرْثِ بِلَا عُذْرٍ شَرْعِيٍّ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَهَلْ لَا تُسْمَعُ؟ الْجَوَابُ: لَا تُسْمَعُ اهـ اعْتَرَفَ الْخَصْمُ بِالْحَقِّ، وَنَقَلَ مِثْلَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا التُّرْكُمَانِيُّ عَنْ فَتَاوَى عَلِيٍّ أَفَنْدِي مُفْتِي الرُّومِ وَنَقَلَ مِثْلَهُ أَيْضًا شَيْخُ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيُّ عَنْ فَتَاوَى عَبْدِ اللَّهِ أَفَنْدِي مُفْتِي الرُّومِ، وَهَذَا الَّذِي رَأَيْنَا عَلَيْهِ عَمَلَ مَنْ قَبْلَنَا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَرَدَ نَهْيٌ جَدِيدٌ بِعَدَمِ سَمَاعِ دَعْوَى الْإِرْثِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهَاتٌ] الْأَوَّلُ: قَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ عَدَمَ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ إنَّمَا هُوَ لِلنَّهْيِ عَنْهُ مِنْ السُّلْطَانِ فَيَكُونُ الْقَاضِي مَعْزُولًا عَنْ سَمَاعِهَا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْقَضَاءَ يَتَخَصَّصُ؛ فَلِذَا قَالَ إلَّا بِأَمْرٍ أَيْ فَإِذَا أَمَرَ بِسَمَاعِهَا بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ تُسْمَعُ، وَسَبَبُ النَّهْيِ قَطْعُ الْحِيَلِ وَالتَّزْوِيرِ، فَلَا يُنَافِي مَا فِي الْأَشْبَاهِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ الْحَقَّ لَا يَسْقُطُ بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ اهـ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ أَيْضًا: وَيَجِبُ عَلَيْهِ سَمَاعُهَا اهـ: أَيْ يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ الَّذِي نَهَى قُضَاتَهُ عَنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ أَنْ يَسْمَعَهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ يَأْمُرَ بِسَمَاعِهَا، كَيْ لَا يَضِيعَ حَقُّ الْمُدَّعِي، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ الْمُدَّعِي أَمَارَةُ التَّزْوِيرِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَشْبَاهِ: وَيَجِبُ عَلَيْهِ عَدَمُ سَمَاعِهَا وَعَلَيْهِ فَالضَّمِيرُ يَعُودُ لِلْقَاضِي الْمَنْهِيِّ عَنْ سَمَاعِهَا، لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي مُعِينِ الْمُفْتِي. الثَّانِي: أَنَّ النَّهْيَ حَيْثُ كَانَ لِلْقَاضِي لَا يُنَافِي سَمَاعَهَا مِنْ الْمُحَكَّمِ، بَلْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مُعِينِ الْمُفْتِي: إنَّ الْقَاضِيَ: لَا يَسْمَعُهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ قَاضِيًا فَلَوْ حَكَّمَهُ الْخَصْمَانِ فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ الَّتِي مَضَى عَلَيْهَا الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ، فَلَهُ أَنْ يَسْمَعَهَا. الثَّالِثُ: عَدَمُ سَمَاعِ الْقَاضِي لَهَا إنَّمَا هُوَ عِنْدَ إنْكَارِ الْخَصْمِ فَلَوْ اعْتَرَفَ تُسْمَعُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ مِنْ فَتْوَى الْمَوْلَى أَبِي السُّعُودِ أَفَنْدِي؛ إذْ لَا تَزْوِيرَ مَعَ الْإِقْرَارِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 420 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] الرَّابِعُ: عَدَمُ سَمَاعِهَا حَيْثُ تَحَقَّقَ تَرْكُهَا هَذِهِ الْمُدَّةَ فَلَوْ ادَّعَى فِي أَثْنَائِهَا لَا يَمْنَعُ بَلْ يَسْمَعُ دَعْوَاهُ ثَانِيًا مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الدَّعْوَى الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ هَذِهِ الْمُدَّةُ، وَرَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا التُّرْكُمَانِيِّ فِي مَجْمُوعَتِهِ أَنَّ شَرْطَهَا أَيْ شَرْطَ الدَّعْوَى مَجْلِسُ الْقَاضِي، فَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى فِي مَجْلِسِ غَيْرِهِ كَالشَّهَادَةِ، تَنْوِيرٌ وَبَحْرٌ وَدُرَرٌ قَالَ: وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى وَهِيَ أَنَّ زَيْدًا تَرَكَ دَعْوَاهُ عَلَى عَمْرٍو مُدَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَلَمْ يَدَّعِ عِنْدَ الْقَاضِي بَلْ طَالَبَهُ بِحَقِّهِ مِرَارًا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَمُقْتَضَى مَا مَرَّ لَا تُسْمَعُ لِعَدَمِ شَرْطِ الدَّعْوَى، فَلْيَكُنْ عَلَى ذِكْرٍ مِنْك، فَإِنَّهُ تَكَرَّرَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَصَرِيحُ فَتْوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَيْ أَفَنْدِي: أَنَّهُ إذَا ادَّعَى عِنْدَ الْقَاضِي مِرَارًا، وَلَمْ يَفْصِلْ الْقَاضِي الدَّعْوَى وَمَضَتْ الْمُدَّةُ الْمَزْبُورَةُ تُسْمَعُ؛ لِأَنَّهُ صُدِّقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهَا عِنْدَ الْقَاضِي اهـ مَا فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَبِهِ أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ تَرْكَ الدَّعْوَى إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ ثُبُوتِ حَقِّ طَلَبِهَا، فَلَوْ مَاتَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ أَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً مَثَلًا مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ، فَلَهَا طَلَبُ مُؤَخَّرِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ حَقَّ طَلَبِهِ إنَّمَا ثَبَتَ لَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ لَا مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ، وَمِثْلُهُ مَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ أَخَّرَ الدَّعْوَى هَذِهِ الْمُدَّةَ لِإِعْسَارِ الْمَدْيُونِ، ثُمَّ ثَبَتَ يَسَارُهُ بَعْدَهَا، وَبِهِ يُعْلَمُ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى سُئِلْت عَنْهَا حِينَ كِتَابَتِي لِهَذَا الْمَحَلِّ فِي رَجُلٍ لَهُ كَدَكُ دُكَّانٍ وَقْفٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَنْجُورٍ وَغَيْرِهِ وَضَعَهُ مِنْ مَالِهِ فِي الدُّكَّانِ بِإِذْنِ نَاظِرِ الْوَقْفِ وَمِنْ نَحْوِ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَتَصَرَّفَ فِيهِ هُوَ وَوَرَثَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ. ثُمَّ أَنْكَرَهُ النَّاظِرُ الْآنَ وَأَنْكَرَ وَضْعَهُ بِالْإِذْنِ، وَأَرَادَ الْوَرَثَةُ إثْبَاتَهُ وَإِثْبَاتَ الْإِذْنِ بِوَضْعِهِ، وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي فِي الْجَوَابِ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ فِي يَدِهِمْ وَيَدِ مُوَرِّثِهِمْ هَذِهِ الْمُدَّةَ بِدُونِ مُعَارِضٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَرْكًا لِلدَّعْوَى. وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا لَوْ ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍو بِدَارٍ فِي يَدِهِ فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: كُنْت اشْتَرَيْتهَا مِنْك مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً، وَهِيَ فِي مِلْكِي إلَى الْآنَ وَكَذَّبَهُ زَيْدٌ فِي الشِّرَاءِ فَتُسْمَعُ بَيِّنَةُ عَمْرٍو عَلَى الشِّرَاءِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْآنَ وَقَبْلَهَا كَانَ وَاضِعُ الْيَدِ بِلَا مُعَارِضٍ، فَلَمْ يَكُنْ مُطَالَبًا بِإِثْبَاتِ مِلْكِيَّتِهَا فَلَمْ يَكُنْ تَارِكًا لِلدَّعْوَى وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَنَّ مُسْتَأْجِرَ دَارِ الْوَقْفِ يَعْمُرُهَا بِإِذْنِ النَّاظِرِ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا مَبْلَغًا مِنْ الدَّرَاهِمِ يَصِيرُ دَيْنًا لَهُ عَلَى الْوَقْفِ، وَيُسَمَّى فِي زَمَانِنَا مَرْصَدًا، وَلَا يُطَالِبُ بِهِ مَا دَامَ فِي الدَّارِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا فَلَهُ الدَّعْوَى عَلَى النَّاظِرِ بِمَرْصَدِهِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ طَالَتْ مُدَّتُهُ حَيْثُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ، وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَقْتَطِعُ بَعْضَهُ مِنْ أُجْرَةِ الدَّارِ فَلْيُتَأَمَّلْ. الْخَامِسُ: اسْتِثْنَاءُ الشَّارِحِ الْعُذْرَ الشَّرْعِيَّ أَعَمُّ مِمَّا فِي الْخَيْرِيَّةِ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْوَقْفِ وَمَالِ الْيَتِيمِ وَالْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي حَاكِمًا ظَالِمًا كَمَا يَأْتِي وَمَا لَوْ كَانَ ثَابِتَ الْإِعْسَارِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ ثُمَّ أَيْسَرَ بَعْدَهَا فَتُسْمَعُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَامِدِيَّةِ. السَّادِسُ: اسْتِثْنَاءُ مَالِ الْيَتِيمِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَتْرُكْهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ هَذِهِ الْمُدَّةَ وَبِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ يَأْتِي، وَفِي الْحَامِدِيَّةِ لَوْ كَانَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ قَاصِرًا وَالْبَاقِي بَالِغِينَ تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالنَّظَرِ إلَى الْقَاصِرِ بِقَدْرِ مَا يَخُصُّهُ دُونَ الْبَالِغِينَ. مَطْلَبُ إذَا تَرَكَ الدَّعْوَى ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً لَا تُسْمَعُ. السَّابِعُ: اسْتَثْنَوْا الْغَائِبَ وَالْوَقْفَ وَلَمْ يُبَيِّنُوا لَهُ مُدَّةً فَتُسْمَعُ مِنْ الْغَائِبِ وَلَوْ بَعْدَ خَمْسِينَ سَنَةً وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: فِي الْخَيْرِيَّةِ مِنْ الْمُقَرَّرِ أَنَّ التَّرْكَ لَا يَتَأَتَّى مِنْ الْغَائِبِ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَأَتِّي الْجَوَابِ مِنْهُ بِالْغَيْبَةِ، وَالْعِلَّةُ خَشْيَةُ التَّزْوِيرِ وَلَا يَتَأَتَّى بِالْغَيْبَةِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ، فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ غَيْبَةِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ. وَكَذَا الظَّاهِرُ فِي بَاقِي الْأَعْذَارِ أَنَّهُ لَا مُدَّةَ لَهَا؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْعُذْرِ وَإِنْ طَالَتْ مُدَّتُهُ يُؤَكِّدُ عَدَمَ التَّزْوِيرِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ، فَإِنَّهُ لَوْ طَالَتْ مُدَّةُ دَعْوَاهُ بِلَا عُذْرٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً الجزء: 5 ¦ الصفحة: 421 أَمْرُ السُّلْطَانِ إنَّمَا يَنْفُذُ إذَا وَافَقَ الشَّرْعَ وَإِلَّا فَلَا أَشْبَاهٌ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَفَوَائِدَ شَتَّى، فَلَوْ أَمَرَ قُضَاتَهُ بِتَحْلِيفِ الشُّهُودِ وَجَبَ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَنْ يَنْصَحُوهُ وَيَقُولُوا لَهُ لَا تُكَلِّفْ قُضَاتَك إلَى أَمْرٍ يَلْزَمُ مِنْهُ سُخْطُك أَوْ سُخْطُ الْخَالِقِ تَعَالَى. قَضَاءُ الْبَاشَا وَكِتَابُهُ إلَى الْقَاضِي جَائِزٌ إنْ لَمْ يَكُنْ قَاضٍ مُوَلًّى مِنْ السُّلْطَانِ. الْحَاكِمُ كَالْقَاضِي إلَّا فِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً   [رد المحتار] لَا تُسْمَعُ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى عَنْ ابْنِ الْغَرْسِ عَنْ الْمَبْسُوطِ إذَا تَرَكَ الدَّعْوَى ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَلَمْ يَكُنْ مَانِعٌ مِنْ الدَّعْوَى ثُمَّ ادَّعَى لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الدَّعْوَى مِنْ التَّمَكُّنِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحَقِّ ظَاهِرًا اهـ وَفِي جَامِعِ الْفَتْوَى عَنْ فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى: لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ سَنَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي غَائِبًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا وَلَيْسَ لَهُمَا وَلِيٌّ أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَمِيرًا جَائِرًا اهـ. وَنَقَلَ ط عَنْ الْخُلَاصَةِ لَا تُسْمَعُ بَعْدَ ثَلَاثِينَ سَنَةً اهـ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى الْمَنْعِ السُّلْطَانِيِّ بَلْ هُوَ مَنْعٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَهُ وَإِنْ أَمَرَ السُّلْطَانُ بِسَمَاعِهَا. مَطْلَبُ بَاعَ عَقَارًا وَأَحَدُ أَقَارِبِهِ حَاضِرٌ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ. الثَّامِنُ: سَمَاعُ الدَّعْوَى قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الْمَحْدُودَةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ آخَرُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحَقِّ ظَاهِرًا، لِمَا سَيَأْتِي فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ وَامْرَأَتُهُ أَوْ أَحَدُ أَقَارِبِهِ حَاضِرٌ يَعْلَمُ بِهِ، ثُمَّ ادَّعَى ابْنُهُ مَثَلًا أَنَّهُ مِلْكُهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَجُعِلَ سُكُوتُهُ كَالْإِفْصَاحِ قَطْعًا لِلتَّزْوِيرِ وَالْحِيَلِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّ سُكُوتَهُ وَلَوْ جَارًا لَا يَكُونُ رِضًا إلَّا إذَا سَكَتَ الْجَارُ وَقْتَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَتَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فِيهِ زَرْعًا وَبِنَاءً فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى قَطْعًا لِلْأَطْمَاعِ الْفَاسِدَةِ اهـ. وَأَطَالَ فِي تَحْقِيقِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى، فَقَدْ جَعَلُوا مُجَرَّدَ سُكُوتِ الْقَرِيبِ أَوْ الزَّوْجَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ مَانِعًا مِنْ دَعْوَاهُ بِلَا تَقْيِيدٍ بِاطِّلَاعِهِ عَلَى تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي كَمَا أَطْلَقَهُ فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى، وَأَمَّا دَعْوَى الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ جَارًا فَلَا بُدَّ فِي مَنْعِهَا مِنْ السُّكُوتِ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِمُدَّةٍ، وَقَدْ أَجَابَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوَاهُ فِيمَنْ لَهُ بَيْتٌ يَسْكُنُهُ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ، وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ هَدْمًا وَعِمَارَةً مَعَ اطِّلَاعِ جَارِهِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْجَارِ عَلَيْهِ الْبَيْتَ أَوْ بَعْضَهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ آخِرَ الْكِتَابِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى قُبَيْلَ الْفَرَائِضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَانْظُرْهُ هُنَاكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. [مَطْلَبُ طَاعَةِ الْإِمَامِ وَاجِبَةٌ] (قَوْلُهُ: أَمْرُ السُّلْطَانِ إنَّمَا يَنْفُذُ) أَيْ يُتَّبَعُ وَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ الشَّهَادَاتِ عِنْدَ قَوْلِهِ أَمَرَك قَاضٍ بِقَطْعٍ أَوْ رَجْمٍ إلَخْ التَّعْلِيلُ بِوُجُوبِ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ وَفِي ط عَنْ الْحَمَوِيِّ أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ ذَكَرَ نَاقِلًا عَنْ أَئِمَّتِنَا أَنَّ طَاعَةَ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَاجِبَةٌ فَلَوْ أَمَرَ بِصَوْمٍ وَجَبَ اهـ وَقَدَّمْنَا أَنَّ السُّلْطَانَ لَوْ حَكَمَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ يَنْفُذُ فِي الْأَصَحِّ وَبِهِ يُفْتَى. (قَوْلُهُ: يَلْزَمُ مِنْهُ سُخْطُك) أَيْ إنْ عَصَوْك وَسُخْطُ الْخَالِقِ أَيْ إنْ أَطَاعُوك اهـ ح عَنْ الْأَشْبَاهِ، وَفِي سُخْطٍ ضَمُّ الْمُهْمَلَةِ مَعَ سُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِهِمَا، وَنُقِلَ عَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ جَوَازُ التَّحْلِيفِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا رَآهُ الْقَاضِي جَائِزًا أَيْ بِأَنْ كَانَ ذَا رَأْيٍ. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ فَلَا ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ، وَالْمُرَادُ بِالرَّأْيِ الِاجْتِهَادُ. (وَقَوْلُهُ: قَضَاءُ الْبَاشَا إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ وَلَا لَهُ. (قَوْلُهُ: الْحَاكِمُ كَالْقَاضِي) فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُحَكَّمُ وَهُوَ الَّذِي فِي الْبَحْرِ وَالْأَشْبَاهِ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً) سَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ التَّحْكِيمِ أَنَّهُ فِي الْبَحْرِ عَدَّهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 422 ذَكَرْنَاهَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ يَعْنِي فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْقَاضِي بِتَأْخِيرِ الْحُكْمِ يَأْثَمُ وَيُعَزَّرُ وَيُعْزَلُ وَفِي الْأَشْبَاهِ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَأْخِيرُ الْحُكْمِ بَعْدَ وُجُودِ شَرَائِطِهِ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: لِرِيبَةٍ، وَلِرَجَاءِ صُلْحِ أَقَارِبَ وَإِذَا اسْتَمْهَلَ الْمُدَّعِيَ. لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْ قَضَائِهِ إلَّا فِي ثَلَاثٍ لَوْ بِعِلْمِهِ أَوْ ظَهَرَ خَطَؤُهُ أَوْ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ. فِعْلُ الْقَاضِي حُكْمٌ، فَلَوْ زَوَّجَ الْيَتِيمَةَ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ ابْنِهِ لَمْ يَجُزْ.   [رد المحتار] سَبْعَةَ عَشَرَ، وَيَأْتِي بَيَانُهُ هُنَاكَ مَعَ زِيَادَةٍ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: ذَكَرْنَاهَا) مِنْ كَلَامِ الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ: وَيُعْزَلُ) أَيْ يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ. (قَوْلُهُ: لِرِيبَةٍ) أَيْ إذَا كَانَ لَهُ رِيبَةٌ فِي الشُّهُودِ وَمِنْهَا ثَلَاثَةٌ شَهِدُوا عِنْدَهُ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الْقَضَاءِ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ كَذَبْت فِي شَهَادَتِي فَسَمِعَهُ الْقَاضِي بِلَا تَعْيِينِ شَخْصِهِ، فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا كُلُّنَا عَلَى شَهَادَتِنَا فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمْ، وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ بِيرِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلِرَجَاءِ صُلْحِ أَقَارِبَ) وَكَذَا الْأَجَانِبُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يُورِثُ الضَّغِينَةَ فَيُحْتَرَزُ عَنْهُ مَهْمَا أَمْكَنَ ط عَنْ الشَّيْخِ صَالِحٍ وَفِي الْبِيرِيِّ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ إذَا طَمَعَ الْقَاضِي فِي إرْضَاءِ الْخَصْمَيْنِ لَا بَأْسَ بِرَدِّهِمْ، وَلَا يُنْفِذُ الْقَضَاءَ بَيْنَهُمَا لَعَلَّهُمَا يَصْطَلِحَانِ وَلَا يَرُدُّهُمَا أَكْثَرَ مِنْ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ أَنْفَذَ الْقَضَاءَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا اسْتَمْهَلَ الْمُدَّعِي) أَرَادَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا اسْتَمْهَلَ مِنْ الْقَاضِي حَتَّى يُحْضِرَ بَيِّنَةً فَإِنَّهُ يُمْهِلُهُ، وَكَذَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ ثُمَّ إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اسْتَمْهَلَ مِنْ الْقَاضِي، حَتَّى يَأْتِيَ بِالدَّفْعِ فَإِنَّهُ يُجِيبُهُ، وَلَا يَعْجَلُ بِالْحُكْمِ اهـ وَهَذَا بَعْدَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ الدَّفْعِ وَكَانَ صَحِيحًا فَلَوْ فَاسِدًا لَا يُمْهِلُهُ، وَلَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ بِيرِيٌّ. قُلْت: وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ بَابِ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِي دَفْعٌ يُمْهَلُ إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي، وَزَادَ الْبِيرِيُّ عَنْ الْخُلَاصَةِ مَسْأَلَةً أُخْرَى يُؤَخَّرُ فِيهَا إذَا لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى فَتْوَى أَهْلِ مِصْرِهِ فَبَعَثَ الْفَتْوَى إلَى مِصْرٍ آخَرَ لَا يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِ الْقَضَاءِ مَطْلَبٌ لَا يَصِحُّ رُجُوعُ الْقَاضِي عَنْ قَضَائِهِ إلَّا فِي ثَلَاثٍ. (قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْ قَضَائِهِ) فَلَوْ قَالَ رَجَعْت عَنْ قَضَائِي أَوْ وَقَعْت فِي تَلْبِيسِ الشُّهُودِ أَوْ أَبْطَلْت حُكْمِي لَمْ يَصِحَّ وَالْقَضَاءُ مَاضٍ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَشْبَاهٌ قَيَّدَ بِالرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الْقَضَاءَ وَقَالَ الشُّهُودُ قَضَى فَالْقَوْلُ لَهُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْغَرْسِ وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْقَضَاءِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ اعْتِمَادُ خِلَافِهِ فِي زَمَانِنَا مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِعِلْمِهِ) كَمَا إذَا اعْتَرَفَ عِنْدَهُ شَخْصٌ لِآخَرَ بِمَبْلَغٍ وَغَابَا عَنْهُ، ثُمَّ تَدَاعَى عِنْدَهُ اثْنَانِ فَحَكَمَ عَلَى أَحَدِهِمَا ظَانًّا أَنَّهُ ذَلِكَ الْمُعْتَرِفُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ غَيْرُهُ لَهُ نَقْضُهُ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي الْعَمَلَ بِعِلْمِهِ وَالْفَتْوَى عَلَى عَدَمِهِ فِي زَمَانِنَا كَمَا نَقَلَهُ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَقَيَّدَ بِزَمَانِنَا لِفَسَادِ الْقُضَاةِ فِيهِ، وَأَصْلُ الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي بَابِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي. (قَوْلُهُ: أَوْ ظَهَرَ خَطَؤُهُ) تَقَدَّمَ بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ قَضَى بِالْجَوْرِ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ) تَقَدَّمَ بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ قَضَى فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ بِخِلَافِ رَأْيِهِ. [مَطْلَبُ فِعْلِ الْقَاضِي حُكْمٌ] (قَوْلُهُ: فِعْلُ الْقَاضِي حُكْمٌ إلَخْ) كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ تَفْرِيعًا وَاسْتِثْنَاءً وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَوَّلَ كِتَابِ الْقَضَاءِ، فِعْلُ الْقَاضِي عَلَى وَجْهَيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 423 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] الْأَوَّلُ: مَا لَا يَكُونُ مَوْضِعًا لِلْحُكْمِ كَمَا لَوْ أَذِنَتْهُ مُكَلَّفَةٌ بِتَزْوِيجِهَا فَزَوَّجَهَا فَإِنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهَا فَفِعْلُهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ كَمَا فِي الْقَاسِمِيَّةِ الثَّانِي: مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْحُكْمِ كَتَزْوِيجِ صَغِيرَةٍ لَا وَلِيَّ لَهَا وَشِرَائِهِ وَبَيْعِهِ مَالَ الْيَتِيمِ وَقِسْمَتِهِ الْعَقَارَ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَجَزَمَ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّهُ حُكْمٌ وَكَذَا تَزْوِيجُهُ الْيَتِيمَةَ مِنْ ابْنِهِ. وَرَدَّهُ فِي نِكَاحٍ الْفَتْحُ بِأَنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ أَيْ مِنْ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ، وَبِأَنَّ إلْحَاقَهُ بِالْوَكِيلِ يَكْفِي لِلْمَنْعِ، يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ بِالنِّكَاحِ لَا يَمْلِكُ التَّزْوِيجَ مِنْ ابْنِهِ فَالْقَاضِي بِمَنْزِلَتِهِ، فَيُغْنِي ذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ حُكْمًا. وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُمْ شِرَاءُ الْقَاضِي مَالَ الْيَتِيمِ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ لِنَفْسِهِ خِلَافَ الْأَوْجَهِ؛ لِأَنَّ إلْحَاقَهُ بِالْوَكِيلِ مُغْنٍ عَنْ كَوْنِهِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْوَكِيلِ لِنَفْسِهِ بَاطِلٌ لَكِنْ لَمَّا كَثُرَ فِي كَلَامِهِمْ كَوْنُ فِعْلِهِ حُكْمًا. مَطْلَبٌ الْقَضَاءُ الْقَوْلِيُّ يَحْتَاجُ لِلدَّعْوَى بِخِلَافِ الْفِعْلِيِّ وَالضِّمْنِيِّ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِمْ إنَّ الْحُكْمَ الْقَوْلِيَّ يَحْتَاجُ إلَى الدَّعْوَى وَالْفِعْلِيَّ لَا كَالْقَضَاءِ الضِّمْنِيِّ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا وَإِنَّمَا يَحْتَاجُهَا الْقَصْدِيُّ، وَيَدْخُلُ الضِّمْنِيُّ تَبَعًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ لَوْ طَلَبَ الْوَرَثَةُ الْقِسْمَةَ لِلْعَقَارِ وَفِيهِمْ غَائِبٌ أَوْ صَغِيرٌ قَالَ الْإِمَامُ لَا أَقْسِمُ مَا لَمْ يُبَرْهِنُوا عَلَى الْمَوْتِ وَالْمَوَارِيثِ، وَلَا أَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ بِقَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْقَاضِي قَضَاءٌ مِنْهُ وَقَالَا يَقْسِمُ اهـ، وَهَذَا قَاطِعٌ لِلشُّبْهَةِ فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ اهـ مَا فِي الْبَحْرِ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا فِي الْأَصْلِ لَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالْوَكِيلِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْقِسْمَةِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْعِلَّةَ مَا نَصَّ عَلَيْهَا مِنْ كَوْنِ فِعْلِهِ حُكْمًا، وَتَعَيَّنَ التَّوْفِيقُ بِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْقَضَاءَ الْفِعْلِيَّ لَا يَحْتَاجُ إلَى الدَّعْوَى كَالضِّمْنِيِّ بِخِلَافِ الْقَوْلِيِّ الْقَصْدِيِّ. وَبِهِ انْدَفَعَ مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ قَوْلِهِ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ وَانْدَفَعَ أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ الْغَرْسِ: إنَّ الصَّوَابَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَكُونُ حُكْمًا نَعَمْ قَالَ فِي النَّهْرِ: مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ إثْبَاتُهُمْ خِيَارَ الْبُلُوغِ لِلصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ بِتَزْوِيجِ الْقَاضِي عَلَى الْأَصَحِّ إذْ لَوْ كَانَ تَزْوِيجُهُ حُكْمًا لَزِمَ نَقْضُهُ اهـ. قُلْت: وَقَدْ يُقَالُ إنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ حُكْمًا أَنَّهُ إذَا زَوَّجَ الْيَتِيمَةَ لَيْسَ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ نُجَيْمٍ أَيْ لَوْ رُفِعَ إلَى حَاكِمٍ آخَرَ لَا يَرَاهُ لَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ بَلْ عَلَيْهِ تَنْفِيذُهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَرْفَعُ الْخِلَافَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا خِيَارُ الْبُلُوغِ كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا عَصَبَةٌ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَحَكَمَ بِهِ الْقَاضِي، فَإِنَّ حُكْمَهُ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ خِيَارِ الْبُلُوغِ كَمَا لَا يَخْفَى فَكَذَا هُنَا بِالْأَوْلَى مَطْلَبٌ فِي الْقَضَاءِ الضِّمْنِيِّ [تَتِمَّةٌ] قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: الْقَضَاءُ الضِّمْنِيُّ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ الدَّعْوَى، وَالْخُصُومَةُ فَإِذَا شَهِدَ عَلَى خَصْمٍ بِحَقٍّ وَذَكَرَا اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ، وَقَضَى بِذَلِكَ الْحَقِّ كَانَ قَضَاءً بِنَسَبِهِ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَادِثَةِ النَّسَبِ اهـ أَيْ إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ غَيْرَ مُشَارٍ إلَيْهِ، فَلَوْ مُشَارًا إلَيْهِ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ كَمَا أَوْضَحَهُ الْحَمَوِيُّ ثُمَّ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَعَلَى هَذَا لَوْ شَهِدَا بِأَنَّ فُلَانَةَ زَوْجَةُ فُلَانٍ، وَكَّلَتْ زَوْجَهَا فُلَانًا فِي كَذَا عَلَى خَصْمٍ مُنْكِرٍ، وَقَضَى بِتَوْكِيلِهَا كَانَ قَضَاءً بِالزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا: وَهِيَ حَادِثَةُ الْفَتْوَى، وَنَظِيرُهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ بِثُبُوتِ الرَّمَضَانِيَّةِ أَنْ يُعَلِّقَ رَجُلٌ وَكَالَةَ فُلَانٍ بِدُخُولِ رَمَضَانَ، وَيَدَّعِيَ بِحَقٍّ عَلَى آخَرَ وَيَتَنَازَعَا فِي دُخُولِهِ فَتُقَامُ الْبَيِّنَةُ عَلَى رُؤْيَاهُ، فَيَثْبُتُ رَمَضَانُ ضِمْنَ ثُبُوتِ التَّوْكِيلِ وَأَصْلُ الْقَضَاءِ الضِّمْنِيِّ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى كَفَالَةً عَلَى رَجُلٍ بِمَالٍ بِإِذْنِهِ فَأَقَرَّ بِهَا، وَأَنْكَرَ الدَّيْنَ فَبَرْهَنَ عَلَى الْكَفِيلِ بِالدَّيْنِ وَقَضَى عَلَيْهِ بِهَا كَانَ قَضَاءً عَلَيْهِ قَصْدًا وَعَلَى الْأَصِيلِ الْغَائِبِ ضِمْنًا وَلَهُ فُرُوعٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 424 إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إذَا أَذِنَ الْوَلِيُّ لِلْقَاضِي بِتَزْوِيجِهَا كَانَ وَكِيلًا، وَإِذَا أَعْطَى فَقِيرًا مِنْ وَقْفِ الْفُقَرَاءِ كَانَ لَهُ إعْطَاءُ غَيْرِهِ أَمْرُ الْقَاضِي حُكْمٌ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورَةِ فَأَمْرُهُ فَتْوَى فَلَوْ صَرَفَ بِغَيْرِهِ صَحَّ الْقَاضِي يُحَلِّفُ غَرِيمَ الْمَيِّتِ وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ الْمَرِيضُ   [رد المحتار] وَتَفَاصِيلُ ذَكَرْنَاهَا فِي الشَّرْحِ اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فِعْلُ الْقَاضِي حُكْمٌ، وَوَجْهُ الْأُولَى أَنَّ فِعْلَهُ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ، وَوَجْهُ الثَّانِيَةِ أَنَّ فِعْلَهُ كَفِعْلِ الْوَاقِفِ فَلِقَاضٍ آخَرَ نَقْضُهُ كَمَا فِي مُنْتَخَبِ الْمُحِيطِ الرَّضَوِيِّ، وَقَيَّدَ ذَلِكَ فِيهِ بِقَيْدَيْنِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ أَعْطَى الْقَاضِي بَعْضَ الْقَرَابَةِ أَيْ فَقِيرًا مِنْ قَرَابَةِ الْوَاقِفِ، وَلَمْ يَقْضِ لَهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَجْعَلْهُ رَاتِبَةً فِي الْوَقْفِ كَانَ لِقَاضٍ آخَرَ نَقْضُهُ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ أَنَّ تَقْرِيرَ الْقَاضِي الْمَرْتَبَاتِ غَيْرُ لَازِمٍ إلَّا إذَا حَكَمَ بِعَدَمِ تَقْرِيرِ غَيْرِهِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ وَهِيَ فِي الْخَصَّافِ أَفَادَهُ الْبِيرِيُّ [مَطْلَبُ أَمْرِ الْقَاضِي حُكْمٌ] (قَوْلُهُ: أَمْرُ الْقَاضِي حُكْمٌ) قَدَّمْنَا أَوَّلَ الْقَضَاءِ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ بِحَبْسِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْحَقِّ كَأَمْرِهِ بِالْأَخْذِ مِنْهُ وَعَلَى أَنَّ أَمْرَهُ بِصَرْفِ كَذَا مِنْ وَقْفِ الْفُقَرَاءِ إلَى فَقِيرٍ مِنْ قَرَابَةِ الْوَاقِفِ لَيْسَ بِحُكْمٍ حَتَّى لَوْ صَرَفَهُ إلَى فَقِيرٍ آخَرَ صَحَّ وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِمْ: سَلِّمْ الدَّارَ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ هُنَاكَ مَطْلَبُ يُحَلِّفُ الْقَاضِي غَرِيمَ الْمَيِّتِ. (قَوْلُهُ: الْقَاضِي يُحَلِّفُ غَرِيمَ الْمَيِّتِ) لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ هَذَا التَّحْلِيفَ وَاجِبٌ أَمْ لَا، وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْمَقْدِسِيَّ، لَكِنْ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ يُحَلِّفُ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ الْوَصِيِّ وَالْوَارِثِ بِاَللَّهِ مَا اسْتَوْفَيْتَ دَيْنَك مِنْ الْمَدْيُونِ، وَلَا مِنْ أَحَدٍ أَدَّاهُ إلَيْك عَنْهُ وَلَا قَبَضَهُ قَابِضٌ وَلَا أَبْرَأْته وَلَا شَيْئًا مِنْهُ وَلَا أَحَلْت بِذَلِكَ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ عَلَى أَحَدٍ وَلَا عِنْدَك بِهِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ رَهْنٌ اهـ. وَعَلَّلَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ بِأَنَّ الْيَمِينَ لَيْسَتْ لِلْوَارِثِ هَا هُنَا، وَإِنَّمَا هِيَ لِلتَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرِيمٌ آخَرُ أَوْ مُوصًى لَهُ فَالْحَقُّ فِي هَذَا فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ فَعَلَى الْقَاضِي الِاحْتِيَاطُ فِي ذَلِكَ وَقَالَ قَبْلَهُ. وَلَا يَدْفَعُ لَهُ شَيْئًا حَتَّى يَسْتَحْلِفَهُ اهـ فَحَيْثُ أَجْمَعُوا عَلَى تَحْلِيفِهِ وَذَكَرُوا أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِ الْمَالَ، حَتَّى يَسْتَحْلِفَ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَوْفِ الدَّعْوَى شَرْطَهَا فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ بِالدَّفْعِ وَالْقَبْضِ وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ، بِالْحُكْمِ بِأَصَحِّ أَقْوَالِ الْإِمَامِ، فَإِذَا حَكَمَ بِغَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ فَكَيْفَ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى التَّحْلِيفِ، وَتَمَامُهُ فِي الْحَامِدِيَّةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ مِنْ الدَّعْوَى: وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلدَّيْنِ بَلْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَدَّعِي حَقًّا فِي التَّرِكَةِ، وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْوَلْوَالِجيَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ لِلْمَيِّتِ دَيْنَهُ وَبَرْهَنَ هَلْ يَحْلِفُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ احْتِيَاطًا اهـ قَالَ مُحَشِّيهِ الرَّمْلِيُّ: قَدْ يُقَالُ إنَّمَا يَحْلِفُ فِي مَسْأَلَةِ مُدَّعِي الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَقَدْ اسْتَوْفَاهُ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ دَفْعِ الدَّيْنِ فَقَدْ شَهِدُوا عَلَى حَقِيقَةِ الدَّفْعِ فَانْتَفَى الِاحْتِمَالُ الْمَذْكُورُ اهـ. وَهَذَا وَجِيهٌ كَمَا لَا يَخْفَى. [تَنْبِيهٌ] قَيَّدَ بِالْقَاضِي؛ لِأَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَدْفَعَ ذَلِكَ لِلْمُقَرِّ لَهُ إذَا أَقَرَّ بِهِ الْمَيِّتُ عِنْدَهُ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ وَتَمَامُهُ فِي الْبِيرِيِّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ الْمَرِيضُ) أَيْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ: عَرَفْنَا أَنَّ الدَّيْنَ إذَا تَقَادَمَ وُجُوبُهُ حَتَّى يُتَوَهَّمَ سُقُوطُهُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ فَغَرِيمُ الْمَيِّتِ يُسْتَحْلَفُ، وَكُنَّا نَظُنُّ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا ثَبَتَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 425 لَا يُقْبَلُ قَوْلُ أَمِينِ الْقَاضِي أَنَّهُ حَلَّفَ الْمُخَدَّرَةَ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ. مَنْ اعْتَمَدَ عَلَى أَمْرِ الْقَاضِي الَّذِي لَيْسَ بِشَرْعِيٍّ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْعُهْدَةِ اهـ وَقَدَّمْنَا فِي الْوَقْفِ عَنْ الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ مَعْزِيًّا لِلْمَبْسُوطِ أَنَّ لِلسُّلْطَانِ مُخَالَفَةَ شَرْطِ الْوَاقِفِ لَوْ غَالِبُهُ قُرًى وَمَزَارِعَ، وَأَنَّهُ يَعْمَلُ بِأَمْرِهِ وَإِنْ غَايَرَ الشَّرْطَ فَلْيُحْفَظْ. قُلْت: وَأَجَابَ صُنْعِي أَفَنْدِي بِأَنَّهُ مَتَى كَانَ فِي الْوَقْفِ سَعَةٌ وَلَمْ يُقَصِّرْ فِي أَدَاءِ خِدْمَتِهِ لَا يُمْنَعُ فَتَنَبَّهْ وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ يُحْبَسُ الْوَلِيُّ بِدَيْنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يُوفِيَهُ أَوْ يَظْهَرَ فَقْرُ الصَّغِيرِ قُلْت: لَكِنْ قَدَّمَ شَارِحُهَا عَنْ قَاضِي خَانْ أَنَّ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ وَالْبَالِغَ وَالصَّبَى فِي الْحَبْسِ سَوَاءٌ فَيُتَأَمَّلْ نَفْيُهُ هُنَا قَالَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، قَالَ: وَلَيْسَ لِلْقَاضِي الْبَيْعُ مَعَ وُجُودِ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ وَهِيَ فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ. قُلْت: وَفِي الْقُنْيَةِ وَمَتَى بَاعَا فَلِلْقَاضِي نَقْضُهُ لَوْ أَصْلَحَ كَمَا نَظَمَهُ الشَّارِحُ فَضَمَمْته لِلْمَتْنِ مُغَيِّرًا لِبَعْضِهِ فَقُلْت: وَيُنْقَضُ بَيْعٌ مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيِّهِ ... وَلَوْ مُصْلِحًا وَالْأَصْلَحُ النَّقْضُ يُسْطَرُ   [رد المحتار] بِإِقْرَارِ الْمَرِيضِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَنَّ الْغَرِيمَ لَا يُسْتَحْلَفُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَوَاضِعَ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِالدُّيُونِ لِلْغُرَمَاءِ، فَإِنَّهُمْ يُعْطُونَ ذَلِكَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْيَمِينَ وَالْخَصَّافُ ذَكَرَ الْيَمِينَ هُنَا وَهَذَا الشَّيْءُ اُسْتُفِيدَ مِنْ جِهَتِهِ اهـ، بِيرِيٌّ. (قَوْلُهُ: إنَّهُ حَلَّفَ الْمُخَدَّرَةَ) هِيَ الَّتِي لَا تُخَالِطُ الرِّجَالَ وَإِنْ خَرَجَتْ لِحَاجَةٍ وَحَمَّامٍ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. (قَوْلُهُ: إلَّا بِشَاهِدَيْنِ) هَذِهِ عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ، وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ غَيْرِ الْأَمِينِ، وَقَدَّمَ عَنْ الصُّغْرَى أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ شَاهِدٍ مَعَهُ قَالَ شَيْخُ صَالِحٌ: وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ ط. (قَوْلُهُ: وَقَدَّمْنَا فِي الْوَقْفِ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ أَمْرُ السُّلْطَانِ إنَّمَا يَنْفُذُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: أَنَّ لِلسُّلْطَانِ مُخَالَفَةَ شَرْطِ الْوَاقِفِ) فَيَجُوزُ لَهُ إحْدَاثُ وَظِيفَةٍ أَوْ مُرَتَّبٍ إذَا كَانَ الْمُقَرَّرُ فِي ذَلِكَ مِنْ مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ ط. (قَوْلُهُ: لَوْ غَالِبُهُ قُرًى وَمَزَارِعَ) بِأَنْ كَانَ الْوَاقِفُ لَهُ سُلْطَانًا أَوْ وَاحِدًا مِنْ الْأُمَرَاءِ، وَلَمْ يُعْلَمْ تَمَلُّكُهُ لَهَا بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ؛ وَلِذَا عَلَّلَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهَا لِبَيْتِ الْمَالِ، وَأَفْتَى الْمُفْتِي أَبُو السُّعُودِ أَفَنْدِي بِأَنَّ أَوْقَافَ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ لَا يُرَاعَى شُرُوطُهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ تَرْجِعُ إلَيْهِ اهـ. وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي الْوَقْفِ. (قَوْلُهُ: وَأَجَابَ صُنْعِي أَفَنْدِي) أَيْ عَنْ سُؤَالٍ سُئِلَ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: مَتَى كَانَ فِي الْوَقْفِ سَعَةٌ) بِفَتْحِ السِّينِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ بِأَنْ كَانَتْ غَلَّتُهُ وَافِرَةً. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُقَصِّرْ) أَيْ ذُو الْوَظِيفَةِ الَّتِي أَحْدَثَهَا السُّلْطَانُ. (قَوْلُهُ: لَا يُمْنَعُ) أَيْ مِنْ تَنَاوُلِ مَا قَرَّرَهُ لَهُ [مَطْلَبٌ فِي حَبْسِ الصَّبِيِّ] (قَوْلُهُ: يُحْبَسُ الْوَلِيُّ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ لَا يُحْبَسُ صَبِيٌّ عَلَى دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ وَلَوْ لَهُ مَالٌ مِنْ عُرُوضٍ وَعَقَارٍ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ، وَالرَّأْيُ فِيهِ لِلْقَاضِي، فَيَأْذَنُ فِي بَيْعِ بَعْضِ مَالِهِ لِلْإِيفَاءِ، وَلَوْ لَهُ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ يُحْبَسُ إنْ امْتَنَعَ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْ مَالِهِ أَيْ مَالِ الصَّبِيِّ، وَلَا يُحْبَسُ الصَّبِيُّ إلَّا بِطَرِيقِ التَّأْدِيبِ؛ لِئَلَّا يَتَجَاسَرَ إلَى مِثْلِهِ إذَا بَاشَرَ شَيْئًا مِنْ أَسْبَابِ التَّعَدِّي قَصْدًا فَلَوْ خَطَأً فَلَا كَذَا فِي كَفَالَةِ الْمَبْسُوطِ وَفِي الْمُحِيطِ لِلْقَاضِي حَبْسُ الصَّبِيِّ التَّاجِرِ تَأْدِيبًا لَا عُقُوبَةً؛ لِئَلَّا يُمَاطِلَ حُقُوقَ الْعِبَادِ فَإِنَّ الصَّبِيَّ يُؤَدَّبُ لِيَنْزَجِرَ عَنْ الْأَفْعَالِ الذَّمِيمَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَيُتَأَمَّلُ نَفْيُهُ هُنَا) قَدْ عَلِمْت مِنْ عِبَارَتَيْ الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ أَنَّ نَفْيَهُ عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ وَإِثْبَاتَهُ عَلَى وَجْهِ التَّأْدِيبِ وَهُوَ شَامِلٌ أَيْضًا لِلْمَأْذُونِ وَالْمَحْجُورِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: قَالَ) أَيْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَقَدْ عَزَاهُ فِي النَّهْرِ لِلطَّرَسُوسِيِّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْمَبْسُوطِ وَلَوْ لَهُ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فَلِلْقَاضِي نَقْضُهُ) أَيْ نَقْضُ بَيْعِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ لَوْ النَّقْضُ أَصْلَحَ لِلصَّغِيرِ. (قَوْلُهُ: كَمَا نَظَمَهُ الشَّارِحُ) أَيْ شَارِحُ الْوَهْبَانِيَّةِ الْقَاضِي عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُصْلِحًا) إنَّمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ شَرْطَ بَيْعِ الْأَبِ عَقَارَ الصَّغِيرِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ كَوْنُهُ مَحْمُودًا أَوْ مَسْتُورًا، فَلَوْ كَانَ مُفْسِدًا لَا يَجُوزُ إلَّا بِضِعْفِ الْقِيمَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلَحُ النَّقْضُ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 426 وَيُحْبَسُ فِي دَيْنٍ عَلَى الطِّفْلِ وَالِدٌ ... وَصِيٌّ وَلِلتَّأْدِيبِ بَعْضٌ يُصَوَّرُ وَفِي الدَّيْنِ لَمْ يُحْبَسْ أَبٌ وَمُكَاتَبٌ ... وَعَبْدٌ لِمَوْلَاهُ كَعَكْسٍ وَمُعْسِرُ نَعَمْ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ مَدْيُونًا يُحْبَسُ الْمَوْلَى بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لِلْغُرَمَاءِ، وَكَذَا يُحْبَسُ بِدَيْنٍ مُكَاتَبُهُ إلَّا فِيمَا كَانَ مِنْ حَبْسِ الْكِتَابَةِ فَفِي عَتَاقِ الْوَهْبَانِيَّةِ: وَفِي غَيْرِ جِنْسِ الْحَقِّ يَحْبِسُ سَيِّدًا ... مُكَاتَبُهُ وَالْعَبْدُ فِيهَا مُخَيَّرُ وَفِي حَجْرِهَا يُحْبَسُ ذُو الْكُتُبِ الصِّحَاحِ الْمُحَرِّرِ ... عَلَى الدَّيْنِ إذْ بِالْكُتُبِ مَا هُوَ مُعْسِرُ بَابُ التَّحْكِيمِ   [رد المحتار] الْوَاوُ لِلْحَالِ وَقَوْلُهُ: يُسْطَرُ بِسُكُونِ السِّينِ جُمْلَةٌ اسْتِئْنَافِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: وَيُحْبَسُ إلَخْ) أَيْ يُحْبَسُ الْوَالِدُ وَالْوَصِيُّ فِي دَيْنٍ عَلَى الطِّفْلِ لِأَجْنَبِيٍّ إذَا كَانَ لِلطِّفْلِ مَالٌ وَامْتَنَعَا مِنْ أَدَائِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَصِيٌّ) عَلَى تَقْدِيرِ الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ. (قَوْلُهُ: وَلِلتَّأْدِيبِ إلَخْ) أَيْ وَحَبَسَ الصَّبِيَّ لِلتَّأْدِيبِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ تَصَوَّرُوا. (قَوْلُهُ: وَفِي الدَّيْنِ لَمْ يُحْبَسْ أَبٌ) تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي قَوْلِهِ لَا يُحْبَسُ أَصْلٌ وَإِنْ عَلَا فِي دَيْنِ فَرْعِهِ بَلْ يَقْضِي الْقَاضِي دَيْنَهُ مِنْ عَيْنِ مَالِهِ أَوْ قِيمَتِهِ إلَخْ، وَاحْتُرِزَ بِالدَّيْنِ عَنْ النَّفَقَةِ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ بِهَا كَمَا مَرَّ هُنَاكَ. (قَوْلُهُ: وَمُكَاتَبٌ) بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ لَا يُحْبَسُ الْمُكَاتَبُ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ كَانَ دَيْنًا آخَرَ يُحْبَسُ بِهِ لِلْمَوْلَى وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهِ بِالتَّعْجِيزِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بَحْرٌ عَنْ أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ. (قَوْلُهُ: وَعَبْدٌ لِمَوْلَاهُ) أَيْ لِدَيْنِ مَوْلَاهُ أَطْلَقَهُ الزَّيْلَعِيُّ فَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مَدْيُونًا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: كَعَكْسٍ) أَيْ عَكْسِ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ فَلَا يُحْبَسُ الْمَوْلَى بِدَيْنِ مُكَاتَبِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِوُقُوعِ الْمُقَاصَّةِ، وَإِلَّا يُحْبَسُ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى الرِّضَا، وَلَا يُحْبَسُ الْمَوْلَى بِدَيْنِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ غَيْرِ الْمَدْيُونِ، وَإِنْ مَدْيُونًا يُحْبَسُ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ بَحْرٌ، وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ بَعْدُ. مَطْلَبٌ جُمْلَةٌ مَنْ لَا يُحْبَسُ عَشَرَةٌ. (قَوْلُهُ: وَمُعْسِرٌ) أَيْ مَنْ ظَهَرَ إعْسَارُهُ بَعْدَ حَبْسِهِ الْمُدَّةَ الَّتِي يَرَاهَا الْقَاضِي فَلَا يُحْبَسُ بَعْدَهَا وَبِهَذَا بَلَغَ عَدَدُ مَنْ لَا يُحْبَسُ سَبْعَةً أَوَّلُهَا الصَّبِيُّ أَوْ كُلُّهَا فِي النَّظْمِ قَدْ عَدَّهَا فِي الْبَحْرِ كَذَلِكَ، لَكِنَّهُ أَسْقَطَ الْمُعْسِرَ وَذَكَرَ بَدَلَهُ الْعَاقِلَةَ إنْ كَانَ لَهُمْ عَطَاءٌ فَلَا يُحْبَسُونَ فِي دِيَةٍ وَأَرْشٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعَطَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَطَاءٌ يُحْبَسُونَ، ثُمَّ قَالَ: وَيُزَادُ مَسْأَلَتَانِ لَا يُحْبَسُ الْمَدْيُونُ إذَا عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ لَهُ مَالًا غَائِبًا أَوْ مَحْبُوسًا مُوسِرًا فَصَارَتْ تِسْعًا اهـ. قُلْت: وَبِالْمُعْسِرِ صَارَتْ عَشْرًا. (قَوْلُهُ: نَعَمْ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ كَعَكْسٍ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِيمَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْكِتَابَةِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ تَقْيِيدٌ أَيْضًا لِقَوْلِهِ كَعَكْسٍ كَمَا عُلِمَ مِنْ عِبَارَةِ الْبَحْرِ الْمَارَّةِ آنِفًا. (قَوْلُهُ: سَيِّدًا) مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ عَلَى فَاعِلِهِ وَهُوَ مُكَاتَبُهُ. (قَوْلُهُ: الْعَبْدُ فِيهَا) أَيْ فِي الْكِتَابَةِ مُخَيَّرٌ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ فِي جَانِبِهِ فَلَهُ فَسْخُهَا. (قَوْلُهُ: الْمُحَرِّرِ) اسْمُ فَاعِلٍ أَيْ الَّذِي حَرَّرَ الْكُتُبَ وَصَحَّحَهَا وَاحْتَاجَ إلَيْهَا لِاعْتِمَادِهِ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: إذْ بِالْكُتُبِ مَا هُوَ مُعْسِرُ) إذْ قَضَاءُ الدَّيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَاجَتِهِ إلَيْهَا وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فِي حَقِّ أَخْذِ الصَّدَقَةِ وَعَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ قُوتُ شَهْرٍ فَإِنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُوسِرٌ وَلَا يُبَاعُ عَلَيْهِ قُوتُ يَوْمِهِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ [بَابُ التَّحْكِيمِ] لَمَّا كَانَ مِنْ فُرُوعِ الْقَضَاءِ وَكَانَ أَحَطَّ رُتْبَةً مِنْ الْقَضَاءِ أَخَّرَهُ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 427 (هُوَ) لُغَةً: جَعْلُ الْحُكْمِ فِيمَا لَكَ لِغَيْرِكَ. وَعُرْفًا: (تَوْلِيَةُ الْخَصْمَيْنِ حَاكِمًا يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا، وَرُكْنُهُ لَفْظُهُ الدَّالُّ عَلَيْهِ مَعَ قَبُولِ الْآخَرِ) ذَلِكَ (وَشَرْطُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُحَكِّمِ) بِالْكَسْرِ (الْعَقْلُ لَا الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ) فَصَحَّ تَحْكِيمُ ذِمِّيٍّ ذِمِّيًّا (وَ) شَرْطُهُ (مِنْ جِهَةِ الْحَكَمِ) بِالْفَتْحِ (صَلَاحِيَّتُهُ لِلْقَضَاءِ) كَمَا مَرَّ (وَيُشْتَرَطُ الْأَهْلِيَّةُ) الْمَذْكُورَةُ (وَقْتَهُ) أَيْ التَّحْكِيمِ (وَوَقْتَ الْحُكْمِ جَمِيعًا، فَلَوْ حَكَّمَا عَبْدًا فَعَتَقَ أَوْ صَبِيًّا فَبَلَغَ أَوْ ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ ثُمَّ حَكَمَ لَا يَنْفُذُ كَمَا) هُوَ الْحُكْمُ (فِي مُقَلَّدٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ مُشَدَّدَةً بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ اُسْتُقْضِيَ الْعَبْدُ ثُمَّ عَتَقَ فَقَضَى صَحَّ وَعَزَاهُ سَعْدِيٌّ أَفَنْدِي لِلْمُبْتَغَى. (حَكَّمَا رَجُلًا) مَعْلُومًا إذْ لَوْ حَكَّمَا أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ لَمْ يَجُزْ إجْمَاعًا لِلْجَهَالَةِ (فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ نُكُولٍ)   [رد المحتار] وَإِضَافَتُهُ إلَى وَقْتٍ، بِخِلَافِ الْقَضَاءِ لِكَوْنِهِ صُلْحًا مِنْ وَجْهٍ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً إلَخْ) فِي الصِّحَاحِ وَيُقَالُ: حَكَّمْتُهُ فِي مَالِي إذَا جَعَلْتُ إلَيْهِ الْحُكْمَ فِيهِ اهـ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّحْكِيمَ لُغَةً خَاصٌّ بِالْمَالِ خِلَافًا لِمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الشَّارِحِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: حَكَّمْتُ الرَّجُلَ بِالتَّشْدِيدِ فَوَّضْتُ الْحُكْمَ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَعُرْفًا تَوْلِيَةُ الْخَصْمَيْنِ) أَيْ الْفَرِيقَيْنِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ، فَيَشْمَلُ مَا لَوْ تَعَدَّدَ الْفَرِيقَانِ وَلِذَا أُعِيدَ عَلَيْهَا ضَمِيرُ الْجَمَاعَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا} [الحج: 19] وَفِي الْمِصْبَاحِ: الْخَصْمُ يَقَعُ عَلَى الْمُفْرَدِ وَغَيْرِهِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَفِي لُغَةٍ يُطَابِقُ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ فَيُجْمَعُ عَلَى خُصُومٍ وَخِصَامٍ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ حَاكِمًا) الْمُرَادُ بِهِ مَا يَعُمُّ الْوَاحِدَ وَالْمُتَعَدِّدَ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: أَكْثَرُ قُضَاةِ عَهْدِنَا فِي بِلَادِنَا مُصَالِحُونَ؛ لِأَنَّهُمْ تَقَلَّدُوا الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ حَاكِمًا بِتَرَافُعِ الْقَضِيَّةِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الرَّفْعَ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ التَّحْكِيمِ بَلْ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهُ مَاضِي الْحُكْمِ وَحُضُورَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ يَكُونُ بِالْأَشْخَاصِ وَالْجَبْرِ فَلَا يَكُونُ حُكْمًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ قَدْ يَنْعَقِدُ ابْتِدَاءً بِالتَّعَاطِي، لَكِنْ إذَا تَقَدَّمَهُ بَيْعٌ بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ التَّعَاطِي لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ لِكَوْنِهِ تَرَتَّبَ عَلَى سَبَبٍ آخَرَ فَكَذَا هُنَا وَلِهَذَا قَالَ السَّلَفُ: الْقَاضِي النَّافِذُ حُكْمُهُ أَعَزُّ مِنْ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ اهـ قَالَ ط: وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ يُعَبِّرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَاضِي ضَرُورَةٍ إذْ لَا يُوجَدُ قَاضٍ فِيمَا عَلِمْنَاهُ مِنْ الْبِلَادِ إلَّا وَهُوَ رَاشٍ وَمُرْتَشٍ اهـ وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ وَرُكْنُهُ لَفْظُهُ إلَخْ) أَيْ رُكْنُ التَّحْكِيمِ لَفْظُهُ الدَّالُّ عَلَيْهِ أَيْ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى التَّحْكِيمِ كَاحْكُمْ بَيْنَنَا أَوْ جَعَلْنَاك حَكَمًا أَوْ حَكَّمْنَاكَ فِي كَذَا، فَلَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ لَفْظِ التَّحْكِيمِ. (قَوْلُهُ مَعَ قَبُولِ الْآخَرِ) أَيْ الْمُحَكَّمِ بِالْفَتْحِ فَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ إلَّا بِتَجْدِيدِ التَّحْكِيمِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُحَكِّمِ) أَيْ جِنْسِهِ الصَّادِقِ بِالْفَرِيقَيْنِ وَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَاضِيًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (قَوْلُهُ لَا الْحُرِّيَّةُ) فَتَحْكِيمُ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ صَحِيحٌ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ فَصَحَّ تَحْكِيمُ ذِمِّيٍّ ذِمِّيًّا) لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَكُونُ تَرَاضِيهِمَا عَلَيْهِ فِي حَقِّهِمَا كَتَقْلِيدِ السُّلْطَانِ إيَّاهُ وَتَقْلِيدُ الذِّمِّيِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ صَحِيحٌ لَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ التَّحْكِيمُ هِنْدِيَّةٌ عَنْ النِّهَايَةِ ط وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: فَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ قَبْلَ الْحُكْمِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَيَنْفُذُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَيْضًا وَتَحْكِيمُ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ عِنْدَهُ، فَإِنْ حَكَمَ ثُمَّ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بَطَلَ وَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَ وَعِنْدَهُمَا جَائِزٌ بِكُلِّ حَالٍ. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْبَابِ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ: وَالْمُحَكَّمُ كَالْقَاضِي، وَأَفَادَ جَوَازَ تَحْكِيمِ الْمَرْأَةِ وَالْفَاسِقِ لِصَلَاحِيَّتِهِمَا لِلْقَضَاءِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُحَكِّمَا فَاسِقًا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَقْتَهُ وَوَقْتَ الْحُكْمِ جَمِيعًا) وَكَذَا فِيمَا بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْقَاضِي كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَسَائِلِ الْمُخَالِفَةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ فَلَوْ حَكَّمَا عَبْدًا إلَخْ) وَلَوْ حَكَّمَا حُرًّا وَعَبْدًا فَحَكَمَ الْحُرُّ وَحْدَهُ لَمْ يَجُزْ وَكَذَا إذَا حَكَمَا بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ فِي مُقَلَّدٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ أَيْ فِيمَنْ قَلَّدَهُ الْإِمَامُ الْقَضَاءَ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ) فَإِنَّ اشْتِرَاطَ الْأَهْلِيَّةِ فِيهَا عِنْدَ الْأَدَاءِ فَقَطْ وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى فَائِدَةِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ صَلَاحِيَّتُهُ لِلْقَضَاءِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ لِلشَّهَادَةِ. (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا) أَيْ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ قَوْلَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 428 وَرَضِيَا بِحُكْمِهِ (صَحَّ لَوْ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ وَدِيَةٍ عَلَى عَاقِلَةٍ) الْأَصْلُ أَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ وَهَذِهِ لَا تَجُوزُ بِالصُّلْحِ فَلَا تَجُوزُ بِالتَّحْكِيمِ (وَيَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِنَقْضِهِ) أَيْ التَّحْكِيمِ بَعْدَ وُقُوعِهِ (كَمَا) يَنْفَرِدُ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ (فِي مُضَارَبَةٍ وَشَرِكَةٍ وَوَكَالَةٍ) بِلَا الْتِمَاسِ طَالِبٍ (فَإِنْ حَكَمَ لَزِمَهُمَا) وَلَا يَبْطُلُ حُكْمُهُ بِعَزْلِهِمَا لِصُدُورِهِ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَ (لَا) يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَى (غَيْرِهِمَا) إلَّا فِي مَسْأَلَةِ مَا لَوْ حَكَّمَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَغَرِيمٌ لَهُ رَجُلًا فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا وَأَلْزَمَ الشَّرِيكَ تَعَدَّى لِلشَّرِيكِ الْغَائِبِ لِأَنَّ حُكْمَهُ كَالصُّلْحِ بَحْرٌ (فَلَوْ حَكَّمَاهُ فِي عَيْبِ مَبِيعٍ فَقَضَى بِرَدِّهِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ رَدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ إلَّا بِرِضَا الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالْمُشْتَرِي) -   [رد المحتار] كَمَا فِي مُقَلَّدٍ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْقَضَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَأَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ وَأَنَّهُ فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ قَالَ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْقَضَاءِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَأَنَّ هَذَا يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ صِحَّةِ تَوْلِيَةِ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ وَصِحَّةِ حُكْمِهِمَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَالْعِتْقِ بِلَا تَجْدِيدِ تَوْلِيَةٍ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْبَحْرِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَأَنَّ هَذَا بِخِلَافِ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ تَوْلِيَتِهِ وَقَدَّمْنَا وَجْهَ الْفَرْقِ هُنَاكَ فَافْهَمْ وَهَلْ تَجْرِي هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي الْحُكْمِ؟ لَمْ أَرَهُ وَالظَّاهِرُ لَا [مَطْلَبٌ حَكَمَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ تَحْكِيمِهِ ثُمَّ أَجَازَاهُ] ُ جَازَ (قَوْلُهُ وَرَضِيَا بِحُكْمِهِ) أَيْ إلَى أَنْ حَكَمَ كَذَا فِي الْفَتْحِ فَأَفَادَ أَنَّهُ احْتَرَزَ عَمَّا لَوْ رَجَعَا عَنْ تَحْكِيمِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ عَمَّا لَوْ رَضِيَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ، لَكِنْ كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ: فَحَكَمَ لِئَلَّا يُوهِمُ اشْتِرَاطَ الرِّضَا بَعْدَ الْحُكْمِ مَعَ أَنَّهُ إذَا حَكَمَ لَزِمَهُمَا حُكْمُهُ كَمَا فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ وَيَأْتِي مَتْنًا أَوْ يَذْكُرُهُ هُنَاكَ بِأَوْ لِيُدْخِلَ مَا لَوْ حَكَمَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ تَحْكِيمِهِ ثُمَّ قَالَا رَضِينَا بِحُكْمِهِ وَأَجَزْنَاهُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا نَقَلَهُ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. (قَوْلُهُ صَحَّ لَوْ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ إلَخْ) شَمِلَ سَائِرَ الْمُجْتَهَدَاتِ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ مَنْعِهِ فِي الْقِصَاصِ تَبَعًا لِلْكَنْزِ وَغَيْرِهِ هُوَ قَوْلُ الْخَصَّافِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ جَوَازِهِ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ ضَعِيفٌ رِوَايَةً وَدِرَايَةً؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الْغَالِبَ حَقُّ الْعَبْدِ وَكَذَا مَا اخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ مِنْ جَوَازِهِ فِي حَقِّ الْقَذْفِ ضَعِيفٌ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْأَصَحِّ بَحْرٌ. (وَقَوْلُهُ وَدِيَةٍ عَلَى عَاقِلَةٍ) خَرَجَ مَا لَوْ كَانَتْ عَلَى الْقَاتِلِ بِأَنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ بِإِقْرَارِهِ، أَوْ ثَبَتَتْ جِرَاحَةٌ بِبَيِّنَةٍ وَأَرْشُهَا أَقَلُّ مِمَّا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ خَطَأً كَانَتْ الْجِرَاحَةُ أَوْ عَمْدًا، أَوْ كَانَتْ قَدْرَ مَا تَتَحَمَّلُهُ وَلَكِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ عَمْدًا لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ فَيَنْفُذُ حُكْمُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ) لِأَنَّهُمَا تَوَافَقَا عَلَى الرِّضَا بِمَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِمَا. (قَوْلُهُ وَهَذِهِ لَا تَجُوزُ بِالصُّلْحِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي الصُّلْحِ جَوَازُهُ فِي كُلِّ حَقٍّ يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَمِنْهُ الْقِصَاصُ لَا فِيمَا لَا يَجُوزُ، وَمِنْهُ الْحُدُودُ. أَقُولُ: مَنْشَأُ الِاعْتِرَاضِ عَدَمُ فَهْمِ الْمُرَادِ فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ لَا تَثْبُتُ بِالصُّلْحِ أَيْ بِأَنْ اصْطَلَحَا عَلَى لُزُومِ الْحَدِّ أَوْ لُزُومِ الْقِصَاصِ إلَخْ وَمَا سَيَأْتِي فِي الصُّلْحِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ الْقِصَاصِ بِمَالٍ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْحَدِّ، فَالْقِصَاصُ هُنَا مُصَالَحٌ عَنْهُ، وَفِي الْأَوَّلِ مُصَالَحٌ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ) الْأَوْلَى أَنْ يُبَدِّلَهُ بِقَوْلِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ. (قَوْلُهُ كَمَا يَنْفَرِدُ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ إلَخْ) أَيْ بِنَقْضِ الْعَقْدِ وَفَسْخِهِ إذَا عَلِمَ الْآخَرُ وَلَوْ بِكِتَابَةٍ أَوْ رَسُولٍ عَلَى تَفْصِيلٍ مَرَّ فِي الشَّرِكَةِ، وَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ بِلَا الْتِمَاسِ طَالِبٍ) يَعْنِي أَنَّ الْمُوَكِّلَ يَنْفَرِدُ بِعَزْلِ الْوَكِيلِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالتَّوْكِيلِ حَقُّ الْمُدَّعِي كَمَا لَوْ أَرَادَ خَصْمُهُ السَّفَرَ فَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ فَلَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ. (قَوْلُهُ وَغَرِيمًا لَهُ) مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ حُكْمَهُ كَالصُّلْحِ) وَالصُّلْحَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ رَاضِيًا بِالصُّلْحِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ بَحْرٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 429 بِتَحْكِيمِهِ فَتْحٌ ثُمَّ اسْتِثْنَاءُ الثَّلَاثَةِ يُفِيدُ صِحَّةَ التَّحْكِيمِ فِي كُلِّ الْمُجْتَهَدَاتِ كَحُكْمِهِ بِكَوْنِ الْكِنَايَاتِ رَوَاجِعَ وَفَسْخِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَكِنْ هَذَا مِمَّا يُعْلَمُ وَيُكْتَمُ وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يُجِيبُ بِلَا يَحِلُّ فَتَأَمَّلْ. (وَصَحَّ إخْبَارُهُ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَبِعَدَالَةِ الشَّاهِدِ حَالَ وِلَايَتِهِ) أَيْ بَقَاءِ تَحْكِيمِهِمَا   [رد المحتار] قَوْلُهُ بِتَحْكِيمِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِرِضَا. (قَوْلُهُ ثُمَّ اسْتِثْنَاءُ الثَّلَاثَةِ) أَيْ الْحَدِّ وَالْقَوَدِ وَالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُ هَذَا عَقِبَهَا. (قَوْلُهُ فِي كُلِّ الْمُجْتَهَدَاتِ) أَيْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْكِتَابَةِ وَالْكَفَالَةِ وَالشُّفْعَةِ وَالنَّفَقَةِ وَالدُّيُونِ وَالْبُيُوعِ بِخِلَافِ مَا خَالَفَ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إجْمَاعًا. (قَوْلُهُ كَحُكْمِهِ بِكَوْنِ الْكِنَايَاتُ رَوَاجِعَ إلَخْ) قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ، لَكِنَّ مَشَايِخَنَا امْتَنَعُوا عَنْ هَذِهِ الْفَتْوَى وَقَالُوا يَحْتَاجُ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ كَمَا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ كَيْ لَا يَتَجَاسَرَ الْعَوَامُّ فِيهِ اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِي الطَّلَاقِ الْمُضَافِ يَنْفُذُ لَكِنْ لَا يُفْتَى بِهِ فِيهَا رُوِيَ عَنْ أَصْحَابِنَا مَا هُوَ أَوْسَعُ مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنَّ صَاحِبَ الْحَادِثَةِ لَوْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا عَدْلًا فَأَفْتَى بِبُطْلَانِ الْيَمِينِ وَسِعَهُ اتِّبَاعُ فَتْوَاهُ وَإِمْسَاكُ الْمَرْأَةِ الْمَحْلُوفِ بِطَلَاقِهَا وَرُوِيَ عَنْهُمْ مَا هُوَ أَوْسَعُ وَهُوَ إنْ تَزَوَّجَ أُخْرَى وَكَانَ حَلَفَ بِطَلَاقِ كُلِّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَاسْتَفْتَى فَقِيهًا آخَرَ فَأَفْتَاهُ بِصِحَّةِ الْيَمِينِ فَإِنَّهُ يُفَارِقُ الْأُخْرَى وَيُمْسِكُ الْأُولَى عَمَلًا بِفَتْوَاهُمَا اهـ. (قَوْلُهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ) كَمَا إذَا مَسَّ صِهْوَتَهُ بِشَهْوَةٍ وَانْتَشَرَ لَهَا فَحَكَّمَ الزَّوْجَانِ حَكَمًا لِيَحْكُمَ لَهُمَا بِالْحِلِّ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَالْأَصَحُّ هُوَ النَّفَاذُ إنْ كَانَ الْمُحَكَّمُ يَرَاهُ وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ عَدَمُهُ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ. (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ قَالُوا: وَتَخْصِيصُ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّحْكِيمِ فِي سَائِرِ الْمُجْتَهَدَاتِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِهِ وَيُقَالُ يَحْتَاجُ إلَى حُكْمِ الْمُوَلَّى دَفْعًا لِتَجَاسُرِ الْعَوَامّ اهـ أَيْ تَجَاسُرِهِمْ عَلَى هَدْمِ الْمَذْهَبِ فَتْحٌ: وَمِثْلُ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ عِبَارَةُ شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ الْمَارَّةُ آنِفًا، وَتَقَدَّمَ فِيهَا أَنَّ الصَّحِيحَ صِحَّةُ التَّحْكِيمِ، وَأَنَّهُ الظَّاهِرُ عَنْ أَصْحَابِنَا وَكَانَ مَا هُنَا تَرْجِيحٌ لِلْقَوْلِ الْآخَرِ الْمُقَابِلِ لِلصَّحِيحِ، وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ: أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِجَوَازِهِ فِي سَائِرِ الْمُجْتَهَدَاتِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَالْقُنْيَةِ مَا هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ ذَلِكَ فِي الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ وَنَحْوِهَا، وَنَحْوُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: يَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْمُخَالَفَاتِ، وَلَكِنْ يُتَأَمَّلْ فِي وَجْهِ الْمَنْعِ مِنْ عَدَمِ الْإِفْتَاءِ بِهِ، وَالتَّعْلِيلُ بِأَنْ لَا يَتَجَاسَرَ الْعَوَامُّ عَلَى هَدْمِ الْمَذْهَبِ لَا يَظْهَرُ فِي خُصُوصِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ وَنَحْوِهَا. ثُمَّ رَأَيْتُ الْمَقْدِسِيَّ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُمْ مَنَعُوا مِنْ تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ لِغَيْرِ الْأَهْلِ لِئَلَّا يَحْكُمَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَكَذَلِكَ مَنَعُوا مِنْ التَّحْكِيمِ هُنَا لِئَلَّا يَتَجَاسَرَ الْعَوَامُّ عَلَى الْحُكْمِ بِغَيْرِ عِلْمٍ. قُلْتُ: هَذَا يُفِيدُ مَنْعَ التَّحْكِيمِ مُطْلَقًا إلَّا لِعَالَمٍ. وَالْأَحْسَنُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْحَالِفَ فِي الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ صِحَّتَهَا يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِمَا يَعْتَقِدُهُ، فَإِذَا حَكَمَ بِعَدَمِ صِحَّتِهَا حَاكِمٌ مُوَلًّى مِنْ السُّلْطَانِ لَزِمَهُ اتِّبَاعُ رَأْيِ الْحَاكِمِ وَارْتَفَعَ بِحُكْمِهِ الْخِلَافُ، وَأَمَّا إذَا حَكَّمَ رَجُلًا فَلَا يُفِيدُهُ شَيْئًا سِوَى هَدْمِ مَذْهَبِهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ لَا يَرْفَعُ خِلَافًا وَلَا يُبْطِلُ الْعَمَلَ بِمَا كَانَ الْحَالِفُ يَعْتَقِدُهُ فَلِذَا قَالُوا لَا يُفْتَى بِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمِ الْمَوْلَى هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ] سَيَأْتِي فِي الْمُخَالَفَاتِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ حُكْمُهُ بِمَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الصَّغِيرِ بِخِلَافِ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ وَصَحَّ إخْبَارُهُ إلَخْ) أَيْ إذَا قَالَ لِأَحَدِهِمَا أَقْرَرْتَ عِنْدِي، أَوْ قَامَتْ عِنْدِي بَيِّنَةٌ عَلَيْكَ لِهَذَا فَعُدِّلُوا عِنْدِي، وَقَدْ أَلْزَمْتُكَ بِذَلِكَ وَحَكَمْتُ لِهَذَا فَأَنْكَرَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ وَمَضَى الْقَضَاءُ عَلَيْهِ مَا دَامَ الْمَجْلِسُ بَاقِيًا، لِأَنَّ الْمُحَكَّمَ مَا دَامَ تَحْكِيمُهُمَا قَائِمًا كَالْقَاضِي الْمُقَلَّدِ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهُ الْمُخَاطَبُ عَنْ الْحُكْمِ، وَيَعْزِلَهُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ حَكَمْتُ عَلَيْكَ أَوْ قَالَهُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 430 (لَا) يَصِحُّ (إخْبَارُهُ بِحُكْمِهِ) لِانْقِضَاءِ وِلَايَتِهِ. (وَلَا يَصِحُّ حُكْمُهُ لِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ) كَحُكْمِ الْقَاضِي (بِخِلَافِ حُكْمِهِمَا) أَيْ الْقَاضِي وَالْمُحَكَّمِ (عَلَيْهِمْ) حَيْثُ يَصِحُّ كَالشَّهَادَةِ (حَكَّمَا رَجُلَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا) عَلَى الْمَحْكُومِ بِهِ. (وَيُمْضِي) الْقَاضِي (حُكْمَهُ إنْ وَافَقَ مَذْهَبَهُ وَإِلَّا أَبْطَلَهُ) لِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يَرْفَعُ خِلَافًا (وَلَيْسَ لَهُ) لِلْمُحَكَّمِ (تَفْوِيضُ التَّحْكِيمِ إلَى غَيْرِهِ وَحُكْمُهُ بِالْوَقْفِ لَا يَرْفَعُ خِلَافًا) عَلَى الصَّحِيحِ خَانِيَّةٌ (فَلَوْ رَفَعَ إلَى مُوَافِقٍ) لِمَذْهَبِهِ (حَكَمَ) ابْتِدَاءً (بِلُزُومِهِ) بِشَرْطِهِ (وَلَا يُمْضِيهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مُعْتَبَرًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَالْقَاضِي إلَّا فِي مَسَائِلَ عُدَّ مِنْهَا فِي الْبَحْرِ سَبْعَةَ عَشْرَ مِنْهَا لَوْ ارْتَدَّ انْعَزَلَ فَإِذَا أَسْلَمَ احْتَاجَ لِتَحْكِيمٍ جَدِيدٍ   [رد المحتار] لِأَنَّهُ بِالْقِيَامِ مِنْهُ يَنْعَزِلُ كَمَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الْحُكْمِ فَصَارَ كَالْقَاضِي إذَا قَالَ بَعْدَ الْعَزْلِ قَضَيْتُ بِكَذَا لَا يُصَدَّقُ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ إخْبَارُهُ بِحُكْمِهِ) أَيْ بَعْدَ مَا قَامَ (قَوْلُهُ كَحُكْمِ الْقَاضِي) فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ. (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا) فَلَوْ حَكَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَا لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَفِيهِ عَنْ الْخَصَّافِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَنَوَى الطَّلَاقَ دُونَ الثَّلَاثِ فَحَكَّمَا رَجُلَيْنِ، فَحَكَمَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهَا بَائِنٌ وَحَكَمَ الْآخَرُ بِأَنَّهَا بَائِنٌ بِالثَّلَاثِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَجْتَمِعَا عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ اهـ (قَوْلُهُ وَيُمْضِي حُكْمَهُ) أَيْ إذَا رُفِعَ حُكْمُهُ إلَى الْقَاضِي إنْ وَافَقَ مَذْهَبَهُ أَمْضَاهُ وَإِلَّا أَبْطَلَهُ، وَفَائِدَةُ إمْضَائِهِ هَاهُنَا أَنَّهُ لَوْ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ لَيْسَ لِذَلِكَ الْقَاضِي وِلَايَةُ النَّقْضِ فِيمَا أَمْضَاهُ هَذَا الْقَاضِي جَوْهَرَةٌ وَفِي الْبَحْرِ وَلَوْ رُفِعَ حُكْمُهُ إلَى حَكَمٍ آخَرَ حَكَّمَاهُ بَعْدُ فَالثَّانِي كَالْقَاضِي يُمْضِيهِ إنْ وَافَقَ رَأْيَهُ وَإِلَّا أَبْطَلَهُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يَرْفَعُ خِلَافًا) لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْقَاضِي الْعَامِّ. (قَوْلُهُ لِلْمُحَكَّمِ) بَدَلٌ مَنْ لَهُ. (قَوْلُهُ تَفْوِيضُ التَّحْكِيمِ إلَى غَيْرِهِ) فَلَوْ فَوَّضَ وَحَكَّمَ الثَّانِيَ بِلَا رِضَاهُمَا فَأَجَازَهُ الْقَاضِي لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُجِيزَاهُ بَعْدَ الْحُكْمِ، قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْوَكِيلِ الْأَوَّلِ إذَا أَجَازَ فِعْلَ الْوَكِيلِ الثَّانِي فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ بِالْوَقْفِ) أَيْ بِلُزُومِهِ لَا يَرْفَعُ خِلَافًا أَيْ خِلَافَ الْإِمَامِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ لُزُومِهِ، بَلْ يَبْقَى عِنْدَهُ غَيْرَ لَازِمٍ يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ. (قَوْلُهُ بِشَرْطِهِ) أَيْ مِنْ كَوْنِهِ مُفْرَزًا عَقَارًا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ فِي بَابِهِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُمْضِيهِ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ لَا أَنَّهُ يُمْضِيهِ. (قَوْلُهُ عَدَّ مِنْهَا فِي الْبَحْرِ سَبْعَةَ عَشْرَ) أَشَارَ إلَى أَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ وَتَقَدَّمَ كَثِيرٌ مِنْهَا فِي الشَّرْحِ وَالْمَتْنِ؛ وَمِنْهَا وَأَنَّهُ لَوْ اُسْتُقْضِيَ الْعَبْدُ ثُمَّ عَتَقَ فَقَضَى صَحَّ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بِخِلَافِ الْمُحَكَّمِ كَمَا مَرَّ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَرَاضِيهِمَا عَلَيْهِ وَأَنَّ التَّحْكِيمَ لَا يَصِحُّ فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ وَدِيَةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَزْلَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ، وَأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ إلَى بَائِعِ الْبَائِعِ، وَأَنَّهُ لَا يُفْتَى بِحُكْمِهِ فِي فَسْخِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ وَنَحْوِهَا وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إخْبَارُهُ بِحُكْمِهِ بِخِلَافِ الْقَاضِي عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْمُتَفَرِّقَاتِ، وَأَنَّهُ لَوْ خَالَفَ حُكْمُهُ رَأْيَ الْقَاضِي أَبْطَلَهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّفْوِيضُ إلَى غَيْرِهِ وَأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَلْزَمُ بِحُكْمِهِ فَهَذِهِ عَشْرَةُ مَسَائِلَ مَذْكُورَةٌ فِي الْبَحْرِ. وَبَقِيَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ وَلَا إضَافَتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَى الْغَائِبِ لَوْ كَانَ مَا يُدَّعَى عَلَيْهِ سَبَبًا لِمَا يُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ كِتَابُهُ إلَى الْقَاضِي كَعَكْسِهِ وَأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِكِتَابِ قَاضٍ إلَّا إذَا رَضِيَ الْخَصْمَانِ وَأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ مِنْ وَارِثٍ إلَى الْبَاقِي وَالْمَيِّتِ وَأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ عَلَى وَكِيلٍ بِعَيْبِ الْمَبِيعِ إلَى مُوَكِّلِهِ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ حُكْمُهُ عَلَى وَصِيٍّ بِمَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الصَّغِيرِ وَأَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِبَلَدِ التَّحْكِيمِ بَلْ لَهُ الْحُكْمُ فِي الْبِلَادِ كُلِّهَا، وَأَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَ زَيْدًا بِالْخُصُومَةِ إلَى قَاضِي الْكُوفَةِ وَالْآخَرَ إلَى قَاضِي الْبَصْرَةِ تُقْبَلُ لَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِذَلِكَ إلَى الْفَقِيهِ فُلَانٍ وَالْآخَرُ إلَى الْفَقِيهِ فُلَانٍ آخَرَ، لِأَنَّ الْحُكْمَ مُتَوَسِّطٌ، وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُ الْمُحَكَّمَيْنِ أَحْذَقَ مِنْ الْآخَرِ فَلَا يَرْضَى الْمُوَكِّلُ بِالْآخَرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمَطْلُوبُ نَفْسَ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ كَمَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ فَهَذِهِ تِسْعٌ مَذْكُورَةٌ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا وَذَكَرَ فِيهِ أَرْبَعَ مَسَائِلَ أُخَرَ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ بَعْدُ، فَهَذِهِ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً وَزَادَ فِي الْبَحْرِ أُخْرَى حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ الْقَضَاءَ يَتَعَدَّى إلَى الْكَافَّةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 431 بِخِلَافِ الْقَاضِي وَمِنْهَا لَوْ رَدَّ الشَّهَادَةَ لِتُهْمَةٍ فَلِغَيْرِهِ قَبُولُهَا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلِيَ الْحَبْسَ وَلَمْ أَرَهُ وَكَذَا لَمْ أَرَ حُكْمَ قَبُولِهِ الْهَدِيَّةَ وَيَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ إنْ أَهْدَى إلَيْهِ وَقْتَ التَّحْكِيمِ. بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَغَيْرِهِ أَرَادَ بِغَيْرِهِ قَوْلَهُ وَالْمَرْأَةُ تَقْضِي إلَخْ (الْقَاضِي يَكْتُبُ إلَى الْقَاضِي فِي) كُلِّ حَقٍّ بِهِ يُفْتِي اسْتِحْسَانًا (غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ) لِلشُّبْهَةِ   [رد المحتار] فِي أَرْبَعٍ الْحُرِّيَّةِ وَالنَّسَبِ وَالنِّكَاحِ وَالْوَلَاءِ وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِحُكْمِهَا مِنْ الْمُحَكَّمِ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَتَعَدَّى، فَتُسْمَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ فِي الْمَحْكُومِ بِعِتْقِهِ مِنْ الْمُحَكَّمِ بِخِلَافِ الْقَاضِي اهـ. قُلْتُ: وَيُزَادُ أَيْضًا أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِقِيَامِهِ مِنْ الْمَجْلِسِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْقَاضِي) فَإِنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالرِّدَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَإِذَا أَسْلَمَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَوْلِيَةٍ جَدِيدَةٍ. (قَوْلُهُ فَلِغَيْرِهِ قَبُولُهَا) بِخِلَافِ مَا لَوْ رَدَّ قَاضٍ شَهَادَةً لِلتُّهْمَةِ لَا يَقْبَلُهَا قَاضٍ آخَرُ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالرَّدِّ نَفَذَ عَلَى الْكَافَّةِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلِيَ الْحَبْسَ وَلَمْ أَرَهُ) كَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْبَحْرِ، وَفِي بَعْضِهَا قَبْلَ قَوْلِهِ وَلَمْ أَرَهُ مَا نَصُّهُ وَفِي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ بَابِ التَّحْكِيمِ قَالَ: وَفَائِدَةُ إلْزَامِ الْخَصْمِ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إنْ حَكَّمَا حَكَمًا فَالْحَكَمُ يُجْبِرُ الْمُشْتَرِيَ عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَالْبَائِعَ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَمَنْ امْتَنَعَ يَحْبِسُهُ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَكَمَ يَحْبِسُ اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا إلَخْ) هَذَا مِنْ الْبَحْرِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: وَكَذَا لَمْ أَرَ حُكْمَ قَبُولِ الْهِدَايَةِ وَإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَا لَهُ لِانْتِهَاءِ التَّحْكِيمِ بِالْفَرَاغِ إلَّا أَنْ يُهْدَى إلَيْهِ وَقْتَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ اهـ وَذَكَرَ الرَّحْمَتِيُّ أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي الْجَوَازُ لِأَنَّ مَنْ ارْتَابَ فِيهِ لَهُ عَزَلَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِخِلَافِ الْقَاضِي اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي] وَغَيْرِهِ هَذَا أَيْضًا مِنْ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْوُجُودِ إلَّا بِقَاضِيَيْنِ، فَهُوَ كَالْمُرَكَّبِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلَهُ فَتْحٌ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ إمَّا نَقْلُ شَهَادَةٍ أَوْ نَقْلُ حُكْمٍ: نَعَمْ هُوَ مِنْ عَمَلِ الْقُضَاةِ فَكَانَ ذِكْرُهُ فِيهِ أَنْسَبَ اهـ وَحَيْثُ كَانَ مِنْ عَمَلِهِمْ فَكَيْفَ يَنْفِيهِ بَحْرٌ وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمَنْفِيَّ كَوْنُهُ قَضَاءً وَالْمُثْبَتَ كَوْنُهُ مِنْ أَحْكَامِهِ. (قَوْلُهُ وَغَيْرِهِ) عَطْفٌ عَلَى كِتَابٍ ط. (قَوْلُهُ إلَى الْقَاضِي) أَيْ الْبَعِيدِ بِمَسَافَةٍ يَأْتِي بَيَانُهَا وَأَفَادَ أَنَّ قَاضِيَ مِصْرٍ يَكْتُبُ إلَى مِثْلِهِ وَإِلَى قَاضِي الرُّسْتَاقِ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَفِيهِ خِلَافٌ يَأْتِي قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَوْ كَتَبَ الْقَاضِي إلَى الْأَمِيرِ الَّذِي وَلَّاهُ أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ ثُمَّ قَصَّ الْقِصَّةَ وَهُوَ مَعَهُ فِي الْمِصْرِ فَجَاءَ بِهِ ثِقَةٌ يَعْرِفُهُ الْأَمِيرُ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَمَلِ بِالْبَيِّنَةِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُقْبَلُ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ وَلَا يَلِيقُ بِالْقَاضِي أَنْ يَأْتِيَ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ إلَى الْأَمِيرِ لِيُخْبِرَهُ، وَلَوْ أَرْسَلَ رَسُولًا ثِقَةً كَانَ كَالْمُرْسَلِ فِي جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ، فَكَذَا إذَا أَرْسَلَ كِتَابَهُ وَلَمْ يَجْرِ الرَّسْمُ فِي مِثْلِهِ مِنْ مِصْرٍ إلَى مِصْرٍ فَشَرَطْنَا هُنَاكَ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي اهـ أَيْ شَرَطْنَا ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَمِيرُ فِي مِصْرٍ آخَرَ وَقَدْ أُسْقِطَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ مِنْ عِبَارَةِ الْفَتْحِ قَوْلُهُ وَلَمْ يَجْرِ الرَّسْمُ فِي مِثْلِهِ مِنْ مِصْرٍ إلَى مِصْرٍ فَاخْتَلَّ نِظَامُ الْكَلَامِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ كُلِّ حَقٍّ) مِنْ نِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَقَتْلٍ مُوجَبُهُ مَالٌ وَأَعْيَانٌ وَلَوْ مَنْقُولَةً وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَبِهِ يُفْتَى لِلضَّرُورَةِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَجُوزُ فِي الْمَنْقُولِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ إلَيْهِ عِنْدَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ، وَعَنْ الثَّانِي تَجْوِيزُهُ فِي الْعَبْدِ لِغَلَبَةِ الْإِبَاقِ فِيهِ لَا فِي الْأَمَةِ وَعَنْهُ تَجْوِيزُهُ فِي الْكُلِّ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بَحْرٌ. (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ كِتَابَتَهُ لَا تَكُونُ أَقْوَى مِنْ عِبَارَتِهِ وَهُوَ لَوْ أَخْبَرَ الْقَاضِي فِي مَحَلِّهِ لَمْ يُعْمَلْ بِإِخْبَارِهِ فَكِتَابُهُ أَوْلَى وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهُ لِأَثَرِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِلْحَاجَةِ بَحْرٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 432 (فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ حَكَمَ بِالشَّهَادَةِ وَكَتَبَ بِحُكْمِهِ) لِيَحْفَظَ (وَ) كِتَابُ الْحُكْمِ (وَهُوَ السِّجِلُّ الْحُكْمِيُّ) أَيْ الْحُجَّةُ الَّتِي فِيهَا حُكْمُ الْقَاضِي هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَفِي عُرْفِنَا كِتَابٌ كَبِيرٌ تُضْبَطُ فِيهِ وَقَائِعُ النَّاسِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْخَصْمُ حَاضِرًا لَمْ يَحْكُمْ) لِأَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى الْغَائِبِ (وَكَتَبَ الشَّهَادَةَ) إلَى قَاضٍ يَكُونُ الْخَصْمُ فِي وِلَايَتِهِ (لِيَحْكُمَ) الْقَاضِي (الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِهَا عَلَى رَأْيِهِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِرَأْيِ الْكَاتِبِ) لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ حُكْمٍ (وَهُوَ) نَقْلُ الشَّهَادَةِ حَقِيقَةً وَيُسَمَّى (الْكِتَابَ الْحُكْمِيَّ) وَلَيْسَ بِسِجِلٍّ (وَقَرَأَ) الْكِتَابَ (عَلَيْهِمْ) أَوْ أَعْلَمَهُمْ بِمَا فِيهِ (وَخَتَمَ عِنْدَهُمْ) أَيْ عِنْدَ شُهُودِ الطَّرِيقِ   [رد المحتار] (قَوْلُهُ فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ إلَخْ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُرَادُ بِالْخَصْمِ هُوَ الْوَكِيلُ عَنْ الْغَائِبِ أَوْ الْمُسَخَّرُ الَّذِي جَعَلَهُ أَيْ الْقَاضِي وَكِيلًا لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْخَصْمِ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لِأَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي قَدْ تَمَّ عَلَى الْأَوَّلِ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّكَلُّفِ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ بِالذَّاتِ فِي هَذَا الْبَابِ بَلْ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ: وَإِنْ شَهِدُوا بِغَيْرِ خَصْمٍ لَمْ يَحْكُمْ فِيهِ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ كَذَا فِي الدُّرَرِ. قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ كِتَابِ الْقَاضِي حُكْمَهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ حَتَّى يُرَادَ بِالْخَصْمِ فِيهَا الْوَكِيلُ أَوْ الْمُسَخَّرُ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عِنْدَ الْقَاضِي تَارَةً تَكُونُ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ، فَيَحْكُمُ بِهَا عَلَيْهِ وَيَكْتُبُ بِحُكْمِهِ كِتَابًا لِيَحْفَظَ الْوَاقِعَةَ لَا لِيَبْعَثَهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ، لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ تَمَّ وَتَارَةً تَكُونُ عَلَى خَصْمٍ غَائِبٍ، وَهِيَ الْآتِيَةُ فَهَذِهِ ذُكِرَتْ تَوْطِئَةً لِتِلْكَ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ لِيَحْفَظَ: أَيْ لِيَحْفَظَ الْوَاقِعَةَ وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ إذَا قُدِّرَ أَنَّ الْخَصْمَ غَابَ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَجَحَدَ الْحُكْمَ فَحِينَئِذٍ يَكْتُبُ لَهُ لِيُسَلِّمَ إلَيْهِ حَقَّهُ أَوْ لِيُنَفِّذَ حُكْمَهُ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إلَى أَنْ يَبْعَثَ بِكِتَابِ حُكْمِهِ عَلَى الْخَصْمِ الْحَاضِرِ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَيَكُونُ ذِكْرُهَا مَقْصُودًا فِي هَذَا الْبَابِ وَأَفَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّ الْكِتَابَ يَكُونُ إلَى الْقَاضِي، وَلَوْ كَانَ الْخَصْمُ حَاضِرًا وَذَلِكَ لِإِمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَلْفًا وَبَرْهَنَ وَحَكَمَ بِهِ، ثُمَّ اصْطَلَحَا أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَخَافَ أَنْ يُنْكِرَ فَكَتَبَ بِهِ لِإِمْضَاءِ قَاضِي الْبَلَدِ. (قَوْلُهُ هُوَ السِّجِلُّ) بِكَسْرِ السِّينِ وَالْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَالضَّمَّتَانِ مَعَ التَّشْدِيدِ وَالْفَتْحُ مَعَ سُكُونِ الْجِيمِ وَالْكَسْرُ لُغَاتٌ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْكَشَّافِ. (قَوْلُهُ الَّتِي فِيهَا حُكْمُ الْقَاضِي) بَيَانٌ لِلنِّسْبَةِ فِي قَوْلِهِ الْحُكْمِيِّ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ إلَى قَاضٍ آخَرَ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ وَكَتَبَ الشَّهَادَةَ) أَيْ بَعْدَ مَا سَمِعَهَا وَعُدِّلَتْ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِرَأْيِ الْكَاتِبِ إلَخْ) أَيْ بِخِلَافِ السِّجِلِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَالِفَهُ وَيَنْقُضَ حُكْمَهُ لِأَنَّ السِّجِلَّ مَحْكُومٌ بِهِ دُونَ الْكِتَابِ وَلِهَذَا لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ الْكِتَابَ دُونَ السِّجِلِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَقَوْلُهُ فِي النَّهْرِ وَلَمْ أَجِدْهُ فِيهَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فِي نُسْخَتِهِ وَإِلَّا فَقَدْ وَجَدْتُهُ فِي نُسْخَتِي وَفِي الْفَتْحِ: وَالْكِتَابُ الْحُكْمِيُّ لَا يَلْزَمُ الْعَمَلُ إذَا كَانَ يُخَالِفُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ حُكْمٌ فِي مَحَلِّ اجْتِهَادٍ فَلَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ وَلَا يَعْمَلَ لَهُ. (قَوْلُهُ وَيُسَمَّى الْكِتَابَ الْحُكْمِيَّ) هَذَا فِي عُرْفِهِمْ نَسَبُوهُ إلَى الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولَ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ بِسِجِلٍّ) لِأَنَّ السِّجِلَّ مَحْكُومٌ بِهِ بِخِلَافِ الْكِتَابِ الْحُكْمِيِّ. (قَوْلُهُ وَقَرَأَ الْكِتَابَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى شُهُودِ الطَّرِيقِ وَلَوْ فَسَّرَ الضَّمِيرَ هُنَا وَتَرَكَهُ فِي قَوْلِهِ وَخَتَمَ عِنْدَهُمْ لِيَعُودَ عَلَى مَعْلُومٍ لَكَانَ أَوْلَى ط. (قَوْلُهُ أَوْ أَعْلَمَهُمْ بِمَا فِيهِ) أَيْ بِأَخْبَارِهِ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ بِلَا عِلْمِ الْمَشْهُودِ بِهِ، كَمَا لَوْ شَهِدُوا بِأَنَّ هَذَا الصَّكَّ مَكْتُوبٌ عَلَى فُلَانٍ لَا يُفِيدُ مَا لَمْ يَشْهَدُوا بِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الدَّيْنِ فَتْحٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ حِفْظِ مَا فِيهِ وَلِهَذَا قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ نُسْخَةٌ أُخْرَى مَفْتُوحَةٌ، فَيَسْتَعِينُوا مِنْهَا عَلَى الْحِفْظِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّذَكُّرِ مِنْ وَقْتَ الشَّهَادَةِ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ عِنْدَهُمَا. (قَوْلُهُ وَخَتَمَ عِنْدَهُمْ) أَيْ عَلَى الْكِتَابِ بَعْدَ طَيِّهِ وَلَا اعْتِبَارَ لِلْخَتْمِ فِي أَسْفَلِهِ فَلَوْ انْكَسَرَ خَاتَمُ الْقَاضِي أَوْ كَانَ الْكِتَابُ مَنْشُورًا لَمْ يُقْبَلْ، وَإِنْ خَتَمَ فِي أَسْفَلِهِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدُوا عِنْدَهُ أَنَّ الْخَتْمَ بِحَضْرَتِهِمْ كَمَا فِي الْمُغْنِي، وَاشْتِرَاطُ الْخَتْمِ لَيْسَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 433 (وَسَلَّمَ الْكِتَابَ إلَيْهِمْ بَعْدَ كِتَابَةِ عُنْوَانِهِ فِي بَاطِنِهِ) وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ اسْمَهُ وَاسْمَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَشُهْرَتَهُمَا (فَلَوْ كَانَ) الْعُنْوَانُ (عَلَى ظَاهِرِهِ لَمْ يُقْبَلْ) قِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَفِي عُرْفِنَا يَكُونُ عَلَى الظَّاهِرِ فَيَعْمَلُ بِهِ وَاكْتَفَى الثَّانِي بِأَنْ يُشْهِدَهُمْ أَنَّهُ كِتَابُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْعَزْمِيَّةِ عَنْ الْكِفَايَةِ وَفِي الْمُلْتَقَى وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْعِيَانِ (فَإِذَا وَصَلَ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ نَظَرَ إلَى خَتْمِهِ) أَوَّلًا (وَلَا يَقْبَلُهُ) أَيْ لَا يَقْرَؤُهُ (إلَّا بِحُضُورِ الْخَصْمِ وَشُهُودِهِ) ، وَلَا بُدَّ مِنْ إسْلَامِ شُهُودِهِ وَلَوْ كَانَ لِذِمِّيٍّ عَلَى ذِمِّيٍّ لِشَهَادَتِهِمْ عَلَى فِعْلِ الْمُسْلِمِ (إلَّا إذَا أَقَرَّ الْخَصْمُ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِمْ) أَيْ الشُّهُودِ -   [رد المحتار] بِشَرْطٍ إلَّا إذَا كَانَ الْكِتَابُ فِي يَدِ الْمُدَّعِي وَبِهِ يُفْتِي كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَسَلَّمَ الْكِتَابَ إلَيْهِمْ) أَيْ فِي مَجْلِسٍ يَصِحُّ حُكْمُهُ فِيهِ فَلَوْ سَلَّمَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ قُهُسْتَانِيٌّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَعَمَلُ الْقُضَاةِ الْيَوْمَ أَنَّهُمْ يُسَلِّمُونَ الْمَكْتُوبَ إلَى الْمُدَّعِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يُسَلِّمُ الْمَكْتُوبَ إلَى الشُّهُودِ كَذَا وَجَدْتُ بِخَطِّ شَيْخِي اهـ ثُمَّ قَالَ وَأَجْمَعُوا فِي الصَّكِّ أَنَّ الْإِشْهَادَ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَعْلَمْ الشَّاهِدُ مَا فِي الْكِتَابِ فَاحْفَظْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّ النَّاسَ اعْتَادُوا خِلَافَ ذَلِكَ اهـ سَعِيدِيَّةٌ لَكِنْ يُنَافِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ مَا سَيَأْتِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يُحْكَمُ بِسِجِلِّ الِاسْتِحْقَاقِ بِشَهَادَةٍ أَنَّهُ كِتَابُ كَذَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى مَضْمُونِهِ وَكَذَا مَا سِوَى نَقْلِ الشَّهَادَةِ وَالْوَكَالَةِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْغُرَرِ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ كِتَابَ نَقْلِ الشَّهَادَةِ وَالْوَكَالَةِ لَا يَحْتَاجُ لِلشَّهَادَةِ عَلَى مَضْمُونِهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِقِرَاءَتِهِ عَلَى الشُّهُودِ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآتِي تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَشُهْرَتَهُمَا) أَفَادَ أَنَّ الِاسْمَ وَحْدَهُ لَا يَكْفِي بِلَا شُهْرَةٍ بِكُنْيَةٍ وَنَحْوِهَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَوْ كَانَ الْعُنْوَانُ مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ أَوْ مِنْ أَبِي فُلَانٍ إلَى أَبِي فُلَانٍ لَا يُقْبَلُ، لِأَنَّ مُجَرَّدَ الِاسْمِ أَوْ الْكُنْيَةِ لَا يُتَعَرَّفُ بِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْكُنْيَةُ مَشْهُورَةً مِثْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَكَذَلِكَ النِّسْبَةُ إلَى أَبِيهِ فَقَطْ كَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقِيلَ هَذَا رِوَايَةٌ وَفِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ لَا تُقْبَلُ الْكُنْيَةُ الْمَشْهُورَةُ لِأَنَّ النَّاسَ يَشْتَرِكُونَ فِيهَا وَيَشْتَهِرُ بِهَا بَعْضُهُمْ فَلَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ هُوَ الْمَشْهُورُ بِهَا أَوْ غَيْرُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَتَبَ إلَى قَاضِي بَلْدَةِ كَذَا فَإِنَّهُ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ وَاحِدًا فَيَحْصُلُ التَّعْرِيفُ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ اهـ مُلَخَّصًا. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَكْتُبُ فِيهِ اسْمَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَجَدَّهُمَا، وَيَذْكُرُ الْحَقَّ وَالشُّهُودَ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ اكْتَفَى بِذِكْرِ شَهَادَتِهِمْ وَمِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ التَّارِيخَ فَلَوْ لَمْ يَكْتُبْهُ لَا يُقْبَلُ اهـ أَيْ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ كَانَ قَاضِيًا حَالَ الْكِتَابَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ وَاكْتَفَى الثَّانِي إلَخْ) الَّذِي فِي الْعَزْمِيَّةِ عَنْ الْكِفَايَةِ هُوَ عِبَارَةُ النِّهَايَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا وَعِبَارَةُ الْمُلْتَقَى هَكَذَا وَأَبُو يُوسُفَ لَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ سِوَى شَهَادَتِهِمْ أَنَّهُ كِتَابُهُ لَمَّا اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ، وَاخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ قَوْلَهُ وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْعِيَانِ اهـ أَيْ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ بَاشَرَ الْقَضَاءَ مُدَّةً مَدِيدَةً فَاخْتَارَ ذَلِكَ لَمَّا عَايَنَ الْمَشَقَّةَ فِي الشُّرُوطِ الْمَارَّةِ، فَلِذَا اخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ قَوْلَهُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْخَتْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ وَظَاهِرُ الْفَتْحِ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ قَالَ: وَلَا شَكَّ عِنْدِي فِي صِحَّتِهِ فَإِنَّ الْفَرْضَ عَدَالَةُ حَمَلَةِ الْكِتَابِ فَلَا يَضُرُّ عَدَمُ خَتْمِهِ مَعَ شَهَادَتِهِمْ أَنَّهُ كِتَابُهُ نَعَمْ إذَا كَانَ الْكِتَابُ مَعَ الْمُدَّعِي يَنْبَغِي اشْتِرَاطُ الْخَتْمِ لِاحْتِمَالِ التَّغْيِيرِ إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا بِمَا فِيهِ حِفْظًا. (قَوْلُهُ أَيْ لَا يَقْرَؤُهُ) أَشَارَ إلَى مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ عَدَمِ قَبُولِهِ بِلَا خَصْمٍ عَدَمُ قِرَاءَتِهِ لَا مُجَرَّدُ قَبُولِهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا بِحُضُورِ الْخَصْمِ وَشُهُودِهِ) أَيْ شُهُودٌ أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ الْقَاضِي وَأَنَّهُ خَتْمُهُ نَهْرٌ وَزَادَ بَعْدَ هَذَا فِي الْكَنْزِ فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ الْقَاضِي سَلَّمَهُ إلَيْنَا فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا وَخَتَمَهُ فَتَحَهُ الْقَاضِي وَقَرَأَهُ عَلَى الْخَصْمِ وَأَلْزَمَهُ بِمَا فِيهِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: يَعْنِي إذَا ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمْ بِأَنْ كَانَ يَعْرِفُهُمْ بِهَا أَوْ وَجَدَ فِي الْكِتَابِ عَدَالَتَهُمْ أَوْ سَأَلَ مَنْ يَعْرِفُهُمْ مِنْ الثِّقَاتِ فَزَكَّوْا وَأَمَّا قَبْلَ ظُهُورِ عَدَالَتِهِمْ فَلَا يَحْكُمُ بِهِ وَلَا يُلْزِمُ الْخَصْمَ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ الْمَارَّ. (قَوْلُهُ لِشَهَادَتِهِمْ عَلَى فِعْلِ الْمُسْلِمِ) وَهُوَ أَنَّهُ كَتَبَ الْكِتَابَ وَخَتَمَهُ وَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِمْ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَقَرَّ الْخَصْمُ) أَيْ بِأَنَّهُ كِتَابُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 434 (بِخِلَافِ كِتَابِ الْأَمَانِ) فِي دَارِ الْحَرْبِ (حَيْثُ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ وَفِي الْأَشْبَاهِ: لَا يَعْمَلُ بِالْخَطِّ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْأَمَانِ وَيُلْحِقُ بِهِ الْبَرَاءَاتِ   [رد المحتار] فُلَانٍ الْقَاضِي (قَوْلُهُ بِخِلَافِ كِتَابِ الْأَمَانِ) مَعْنَاهُ إذْ جَاءَ الْكِتَابُ مِنْ مَلِكِهِمْ بِطَلَبِ الْأَمَانِ بَحْرٌ عَنْ الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْزِمٍ) لِأَنَّ لَهُ أَنْ لَا يُعْطِيَهُمْ الْأَمَانَ بِخِلَافِ كِتَابِ الْقَاضِي، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ وَيَعْمَلَ بِهِ وَلَا بُدَّ لِلْمُلْزِمِ مِنْ الْحُجَّةِ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ فَتْحٌ. [فَرْعٌ] لَوْ مَرِضَ شُهُودُ الْكِتَابِ فِي الطَّرِيقِ أَوْ الرُّجُوعِ إلَى بَلَدِهِمْ أَوْ السَّفَرِ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى فَأَشْهَدُوا قَوْمًا عَلَى شَهَادَتِهِمْ جَازَ وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ. مَطْلَبٌ لَا يَعْمَلُ بِالْخَطِّ (قَوْلُهُ لَا يَعْمَلُ بِالْخَطِّ) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى الْخَطِّ، وَلَا يَعْمَلُ بِمَكْتُوبِ الْوَقْفِ الَّذِي عَلَيْهِ خُطُوطُ الْقُضَاةِ الْمَاضِينَ إلَخْ قَالَ الْبِيرِيُّ: الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَعْتَمِدُ: أَيْ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِذَلِكَ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ، لِأَنَّ الْخَطَّ مِمَّا يُزَوَّرُ وَيُفْتَعَلُ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَلَيْسَ مِنْهُ مَا فِي دَوَاوِينِ الْقَضَاءِ إلَى آخِرِ مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْقَضَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ فَإِذَا تَقَلَّدَ طَلَبَ دِيوَانَ قَاضٍ قَبْلَهُ فَرَاجَعَهُ. (قَوْلُهُ وَيُلْحِقُ بِهِ الْبَرَاءَاتِ) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ وَيُمْكِنُ إلْحَاقُ الْبَرَاءَاتِ السُّلْطَانِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْوَظَائِفِ إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ أَنَّهُ يَعْنِي كِتَابَ الْأَمَانِ لَا يُزَوَّرُ وَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ الِاحْتِيَاطَ فِي الْأَمَانِ لِحَقْنِ الدَّمِ فَلَا. أَقُولُ: يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى الْأَخِيرِ سَائِحَانِيٌّ أَيْ لِإِمْكَانِ التَّزْوِيرِ بَلْ قَدْ وَقَعَ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَمَوِيُّ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ الْإِلْحَاقُ وَلَكِنْ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي كِتَابِ الْأَمَانِ أَنَّهُ غَيْرُ مُلْزِمٍ وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْقَضَاءِ اسْتِظْهَارَ كَوْنِ عِلَّةِ الْعَمَلِ بِمَا لَهُ رُسُومٌ فِي دَوَاوِينِ الْقُضَاةِ الْمَاضِينَ هِيَ الضَّرُورَةَ وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا يَكْتُبُهُ السُّلْطَانُ مِنْ الْبَرَاءَاتِ لِأَصْحَابِ الْوَظَائِفِ وَنَحْوِهِمْ وَكَذَا مَنْشُورُ الْقَاضِي وَالْوَالِي وَعَامَّةِ الْأَوَامِرِ السُّلْطَانِيَّةِ مَعَ جَرَيَانِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ بِقَبُولِ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ كِتَابَتِهِ، وَإِمْكَانُ تَزْوِيرِهَا عَلَى السُّلْطَانِ لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ وَإِنْ وَقَعَ فَهُوَ أَمْرٌ نَادِرٌ فَلَمَّا يَقَعُ وَهُوَ أَنْدَرُ مِنْ إمْكَانِ تَزْوِيرِ الشُّهُودِ وَهُوَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ دَفْتَرِ الصَّرَّافِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُمْ عَمِلُوا بِهِ لِلْعُرْفِ كَمَا يَأْتِي. مَطْلَبٌ فِي الْعَمَلِ بِمَا فِي الدَّفَاتِرِ السُّلْطَانِيَّةِ وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْبَعْلِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ أَنَّ لِلشَّارِحِ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ عَلَاءِ الدِّينِ رِسَالَةً حَاصِلُهَا بَعْدَ نَقْلِهِ مَا فِي الْأَشْبَاهِ: وَأَنَّ ابْنَ الشِّحْنَةِ وَابْنَ وَهْبَانَ جَزَمَا بِالْعَمَلِ بِدَفْتَرِ الصَّرَّافِ وَنَحْوِهِ لِعِلَّةِ أَمْنِ التَّزْوِيرِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَزَّازِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَقَاضِي خَانْ قَالَ إنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ فِي الدَّفَاتِرِ السُّلْطَانِيَّةِ أَوْلَى: كَمَا يَعْرِفُهُ مَنْ شَاهَدَ أَحْوَالَ أَهَالِيِهَا حِينَ نَقْلِهَا إذْ لَا تَحَرُّرَ أَوَّلًا إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ ثُمَّ بَعْدَ اتِّفَاقِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ عَلَى نَقْلِ مَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ تَسَاهُلٍ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ تُعْرَضُ عَلَى الْمُعَيَّنِ لِذَلِكَ فَيَضَعُ خَطَّهُ عَلَيْهَا ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَى الْمُتَوَلِّي لِحِفْظِهَا الْمُسَمَّى بِدَفْتَرٍ أَمِينِيٍّ فَيَكْتُبُ عَلَيْهَا ثُمَّ تُعَادُ أُصُولُهَا إلَى أَمْكِنَتِهَا الْمَحْفُوظَةِ بِالْخَتْمِ فَالْأَمْنُ مِنْ التَّزْوِيرِ مَقْطُوعٌ بِهِ وَبِذَلِكَ كُلِّهِ يُعْلِمُ جَمِيعَ أَهْلِ الدَّوْلَةِ وَالْكَتَبَةِ فَلَوْ وَجَدَ فِي الدَّفَاتِرِ أَنَّ الْمَكَانَ الْفُلَانِيَّ وَقْفٌ عَلَى الْمَدْرَسَةِ الْفُلَانِيَّةِ مَثَلًا يَعْمَلُ بِهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَبِذَلِكَ يُفْتِي مَشَايِخُ الْإِسْلَامِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي بَهْجَةِ عَبْدِ اللَّهِ أَفَنْدِي وَغَيْرِهَا فَلْيُحْفَظْ اهـ. قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ الْعَمَلُ بِمَا فِي دَوَاوِينِ الْقُضَاةِ الْمَاضِينَ وَكَأَنَّ مَشَايِخَ الْإِسْلَامِ الْمُوَلَّيْنَ فِي الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ أَفْتَوْا بِمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 435 وَدَفْتَرَ بَيَّاعٍ وَصَرَّافٍ وَسِمْسَارٍ وَجَوَّزَهُ مُحَمَّدٌ لِرَاوٍ وَقَاضٍ وَشَاهِدٍ   [رد المحتار] ذُكِرَ إلْحَاقًا لِلدَّفَاتِرِ السُّلْطَانِيَّةِ بِدَوَاوِينِ الْقُضَاةِ الْمَذْكُورَةِ لِاتِّحَادِ الْعِلَّةِ فِيهِمَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي الْوَقْفِ عَنْ الْخَيْرِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْوَقْفُ بِمُجَرَّدِ وُجُودِهِ فِي الدَّفْتَرِ السُّلْطَانِيِّ. مَطْلَبٌ فِي دَفْتَرِ الْبَيَّاعِ وَالصَّرَّافِ وَالسِّمْسَارِ. (قَوْلُهُ وَدَفْتَرَ بَيَّاعٍ وَصَرَّافٍ وَسِمْسَارٍ) عَطْفٌ عَلَى كِتَابِ الْأَمَانِ فَإِنَّ هَذَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ لَا مُلْحَقٌ بِهِ فَقَدْ قَالَ فِي الْفَتْحِ مِنْ الشَّهَادَاتِ: أَنَّ خَطَّ السِّمْسَارِ وَالصَّرَّافِ حُجَّةٌ لِلْعُرْفِ الْجَارِي بِهِ اهـ قَالَ الْبِيرِيُّ: هَذَا الَّذِي فِي غَالِبِ الْكُتُبِ حَتَّى الْمُجْتَبَى فَقَالَ فِي الْإِقْرَارِ: وَأَمَّا خَطُّ الْبَيَّاعِ وَالصَّرَّافِ وَالسِّمْسَارِ فَهُوَ حُجَّةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصَدَّرًا مُعَنْوَنًا يُعْرَفُ ظَاهِرًا بَيْنَ النَّاسِ وَكَذَا مَا يَكْتُبُ النَّاسُ فِيمَا بَيْنَهُمْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لِلْعُرْفِ اهـ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ صَرَّافٌ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَالٍ مَعْلُومٍ وَخَطُّهُ مَعْلُومٌ بَيْنَ التُّجَّارِ وَأَهْلِ الْبَلَدِ ثُمَّ مَاتَ فَجَاءَ غَرِيمٌ يَطْلُبُ الْمَالَ مِنْ الْوَرَثَةِ وَعَرَضَ خَطَّ الْمَيِّتِ بِحَيْثُ عَرَفَ النَّاسُ خَطَّهُ يُحْكَمُ بِذَلِكَ فِي تَرِكَتِهِ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ خَطُّهُ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بَيْنَ النَّاسِ بِمِثْلِهِ حُجَّةً اهـ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَيْنِيُّ: وَالْبِنَاءُ عَلَى الْعَادَةِ الظَّاهِرَةِ وَاجِبٌ فَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ الْبَيَّاعُ وَجَدْتُ فِي يَادَكَارِي بِخَطِّي أَوْ كَتَبْتُ فِي يَادَكَارِي بِيَدِي أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ كَانَ هَذَا إقْرَارًا مُلْزِمًا إيَّاهُ. أَقُولُ: وَيُزَادُ أَنَّ الْعَمَلَ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ لِمُوجِبِ الْعُرْفِ لَا بِمُجَرَّدِ الْخَطِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهَذَا عُرِفَ أَنَّ قَوْلَهُمْ فِيمَا إذَا ادَّعَى رَجُلٌ مَالًا وَأَخْرَجَ بِالْمَالِ خَطًّا وَادَّعَى أَنَّهُ خَطُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ كَوْنَ الْخَطِّ خَطَّهُ فَاسْتُكْتِبَ فَكَتَبَ وَكَانَ بَيْنَ الْخَطَّيْنِ مُشَابَهَةٌ ظَاهِرَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا خَطُّ كَاتِبٍ وَاحِدٍ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ هَذَا خَطِّي وَلَيْسَ عَلَيَّ هَذَا الْمَالُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا كَانَ الْكَاتِبُ سِمْسَارًا أَوْ صَرَّافًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّنْ يُؤْخَذُ بِخَطِّهِ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ اهـ كَلَامُ الْبِيرِيِّ. قُلْتُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْضًا مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ كِتَابَةِ الْقَاضِي إلَى الْأَمِيرِ الَّذِي وَلَّاهُ وَكَذَا مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَالْمُلْتَقَطِ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ مُصَدَّرًا مُعَنْوَنًا اهـ وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ فِي صَدْرِهِ مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، فَهَذَا كَالنُّطْقِ فَلَزِمَ حُجَّةً كَمَا فِي الْمُلْتَقَى وَالزَّيْلَعِيِّ مِنْ مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ، وَمِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخَانِيَّةِ، وَهَذَا إذَا اعْتَرَفَ أَنَّ الْخَطَّ خَطُّهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا فِيهِ وَإِنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ فِي ذِمَّتِهِ ذَلِكَ الْمَالُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُصَدَّرًا مُعَنْوَنًا كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْخَانِيَّةِ وَهَذَا ذَكَرُوهُ فِي الْأَخْرَسِ وَذَكَرَ فِي الْكِفَايَةِ آخِرَ الْكِتَابِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الصَّحِيحَ مِثْلُ الْأَخْرَسِ فَإِذَا كَانَ مُسْتَبِينًا مَرْسُومًا وَثَبَتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ فَهُوَ كَالْخِطَابِ اهـ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ إلَى الْغَائِبِ وَهُوَ أَيْضًا مُفَادُ كَلَامِ الْفَتْحِ فِي الشَّهَادَاتِ فَرَاجِعْهُ لَكِنْ فِي شَهَادَاتِ الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمُعَنْوَنِ بَيْنَ كَوْنِهِ لِغَائِبٍ أَوْ لِحَاضِرٍ وَمِثْلُهُ مَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ إذَا كُتِبَ عَلَى وَجْهِ الصُّكُوكِ يَلْزَمُهُ الْمَالُ وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ يَقُولُ فُلَانٌ الْفُلَانِيُّ إنَّ فِي ذِمَّتِي لِفُلَانٍ الْفُلَانِيِّ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ إقْرَارٌ يَلْزَمُ وَإِنْ لَمْ يُكْتَبْ عَلَى هَذَا الرَّسْمِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ اهـ. قُلْتُ: وَالْعَادَةُ الْيَوْمَ فِي تَصْدِيرِهَا بِالْعُنْوَانِ أَنَّهُ يُقَالُ فِيهَا سَبَبُ تَحْرِيرِهِ هُوَ أَنَّهُ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّةِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ إلَخْ وَكَذَا الْوُصُولُ الَّذِي يُقَالُ فِيهِ وَصَلَ إلَيْنَا مِنْ يَدِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ كَذَا وَمِثْلُهُ مَا يَكْتُبُهُ الرَّجُلُ فِي دَفْتَرِهِ مِثْلُ قَوْلِهِ: عِلْمُ بَيَانِ الَّذِي فِي ذِمَّتِنَا لِفُلَانٍ الْفُلَانِيِّ، فَهَذَا كُلُّهُ مُصَدَّرٌ مُعَنْوَنٌ جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَصْدِيرِهِ بِذَلِكَ، وَهُوَ مُفَادُ كَلَامِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ الْمَذْكُورِ، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ إذَا اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ خَطُّهُ يَلْزَمُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصَدَّرًا مُعَنْوَنًا لَا يَلْزَمُهُ إذَا أَنْكَرَ الْمَالَ، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِكَوْنِهِ كَتَبَهُ بِخَطِّهِ إلَّا إذَا كَانَ بَيَّاعًا أَوْ صَرَّافًا أَوْ سِمْسَارًا لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: وَصَكُّ الصَّرَّافِ وَالسِّمْسَارِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 436 إنْ تَيَقَّنَ بِهِ قِيلَ وَبِهِ يُفْتَى. (وَلَا بُدَّ مِنْ مَسَافَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَيْنَ الْقَاضِيَيْنِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ) عَلَى الظَّاهِرِ وَجَوَّزَهُمَا الثَّانِي إنْ بِحَيْثُ لَا يَعُودُ فِي يَوْمِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَسِرَاجِيَّةٌ. (وَيَبْطُلُ) الْكِتَابُ (بِمَوْتِ الْكَاتِبِ وَعَزْلِهِ   [رد المحتار] حُجَّةٌ عُرْفًا اهـ فَشَمِلَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُصَدَّرًا مُعَنْوَنًا وَهُوَ صَرِيحُ مَا مَرَّ عَنْ الْمُجْتَبَى وَمَا إذَا لَمْ يَعْتَرِفْ بِأَنَّهُ خَطُّهُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ مَا مَرَّ عَنْ الْخِزَانَةِ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَ الْمُجْتَبَى، وَكَذَا مَا يَكْتُبُ النَّاسُ فِيمَا بَيْنَهُمْ إلَخْ يُفِيدُ عَدَمَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الصَّرَّافِ وَالسِّمْسَارِ وَالْبَيَّاعِ، بَلْ مِثْلُهُ كُلُّ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا يَكْتُبُهُ الْأُمَرَاءُ وَالْأَكَابِرُ وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ يَتَعَذَّرُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا كَتَبَ وُصُولًا أَوْ صَكًّا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ، وَخَتَمَهُ بِخَاتَمِهِ الْمَعْرُوفِ، فَإِنَّهُ فِي الْعَادَةِ يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ إنْكَارُهُ، وَلَوْ أَنْكَرَهُ بَعْدُ بَيْنَ النَّاسِ مُكَابِرًا فَإِذَا اعْتَرَفَ بِكَوْنِهِ خَطَّهُ وَخَتْمَهُ، وَكَانَ مُصَدَّرًا مُعَنْوَنًا فَيَنْبَغِي الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ، أَوْ وُجِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَمُقْتَضَى مَا فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَيْضًا عَمَلًا بِالْعُرْفِ كَدَفْتَرِ الصَّرَّافِ وَنَحْوِهِ وَمِثْلُهُ مَا إذَا وَجَدَ فِي صُنْدُوقِهِ مَثَلًا صُرَّةَ دَرَاهِمَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا هَذِهِ أَمَانَةُ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ فَإِنَّ الْعَادَةَ تَشْهَدُ بِأَنَّهُ لَا يَكْتُبُ بِخَطِّهِ ذَلِكَ عَلَى دَرَاهِمِهِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِيمَا يَكْتُبُهُ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا قَيَّدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ مَا يَكْتُبُهُ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ بِلِسَانِهِ صَرِيحًا لَا يُؤْخَذُ خَصْمُهُ بِهِ فَكَيْفَ إذَا كَتَبَهُ وَلِذَا قَيَّدَهُ فِي الْخِزَانَةِ بِقَوْلِهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا مَرَّ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَئِمَّةُ بَلْخٍ قَالُوا يَادَكَارُ الْبَيَّاعِ حُجَّةٌ لَازِمَةٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ الْبَيَّاعُ وَجَدْتُ بِخَطِّي أَنَّ عَلَيَّ لِفُلَانٍ كَذَا لَزِمَ قَالَ السَّرَخْسِيُّ، وَكَذَا خَطُّ السِّمْسَارِ وَالصَّرَّافِ اهـ فَقَوْلُهُ إنَّ عَلَيَّ لِفُلَانٍ إلَخْ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ وَهْبَانَ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُ لَا يَكْتُبُ إلَّا مَا لَهُ وَعَلَيْهِ، فَمُرَادُهُ أَنَّ الْبَيَّاعَ وَنَحْوَهُ لَا يَكْتُبُ فِي دَفْتَرٍ شَيْئًا عَلَى سَبِيلِ التَّجْرِبَةِ لِلْخَطِّ أَوْ اللَّغْوِ وَاللَّعِبِ بَلْ لَا يَكْتُبُ إلَّا مَا لَهُ أَوْ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَعْمَلَ بِكِتَابَتِهِ فِي الَّذِي لَهُ كَمَا لَا يَخْفَى، خِلَافًا لِمَنْ فَهِمَ مِنْهُ ذَلِكَ وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ أَيْضًا بِمَا إذَا كَانَ دَفْتَرُهُ مَحْفُوظًا عِنْدَهُ. فَلَوْ كَانَتْ كِتَابَتُهُ فِيمَا عَلَيْهِ فِي دَفْتَرِ خَصْمِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِهِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ ط لِأَنَّ الْخَطَّ مِمَّا يُزَوَّرُ وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ كَاتِبٌ وَالدَّفْتَرُ عِنْدَ الْكَاتِبِ، لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْكَاتِبِ كَتَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِلَا عِلْمِهِ، فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ إذَا أَنْكَرَهُ أَوْ ظَهَرَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَأَنْكَرَتْهُ الْوَرَثَةُ خِلَافًا لِمَنْ حَكَمَ فِي عَصْرِنَا بِذَلِكَ لِذِمِّيٍّ ادَّعَى عَلَى وَرَثَةِ تَاجِرٍ لَهُ كَاتِبٌ ذِمِّيٌّ وَدَفْتَرُ التَّاجِرِ عِنْدَ كَاتِبِهِ الذِّمِّيِّ فَقَدْ كُنْتُ أَفْتَيْتُ بِأَنَّهُ حُكْمٌ بَاطِلٌ وَكَوْنَ الْمُدَّعِي وَالْكَاتِبِ ذِمِّيَّيْنِ يُقَوِّي شُبْهَةَ التَّزْوِيرِ وَأَنَّ الْكِتَابَةَ حَصَلَتْ بَعْدَ مَوْتِ التَّاجِرِ وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي كِتَابِنَا تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ. (قَوْلُهُ إنْ تَيَقَّنَ بِهِ) أَيْ بِأَنَّهُ خَطُّ مَنْ يُرْوَى عَنْهُ فِي الْأَوَّلِ وَبِأَنَّهُ خَطُّ نَفْسِهِ فِي الْأَخِيرِينَ اهـ ح. (قَوْلُهُ قِيلَ وَبِهِ يُفْتَى) قَالَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: أَجَازَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْعَمَلَ بِالْخَطِّ فِي الشَّاهِدِ وَالْقَاضِي وَالرَّاوِي إذَا رَأَى خَطَّهُ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ الْحَادِثَةَ قَالَ فِي الْعُيُونِ: وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ خَطُّهُ سَوَاءً كَانَ فِي الْقَضَاءِ أَوْ الرِّوَايَةِ أَوْ الشَّهَادَةِ عَلَى الصَّكِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الصَّكُّ فِي يَدِ الشَّاهِدِ، لِأَنَّ الْغَلَطَ نَادِرٌ وَأَثَرَ التَّغْيِيرِ يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ، وَقَلَّمَا يَشْتَبِهُ الْخَطُّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِذَا تَيَقَّنَ جَازَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ تَوْسِعَةً عَلَى النَّاسِ اهـ حَمَوِيٌّ لَكِنْ سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي الشَّهَادَاتِ قُبَيْلَ بَابِ الْقَبُولِ مَا نَصُّهُ: وَجَوَّزَاهُ لَوْ فِي حَوْزِهِ وَبِهِ نَأْخُذُ بَحْرٌ عَنْ الْمُبْتَغَى اهـ وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ هُنَاكَ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ مَسَافَةِ إلَخْ) فَلَوْ أَقَلَّ لَا يُقْبَلُ وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ: إذَا كَانَ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ قَاضِيَانِ جَازَ كِتَابَةُ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فِي الْأَحْكَامِ جَوْهَرَةٌ عَنْ الْيَنَابِيعِ وَكَذَا كِتَابَةُ الْقَاضِي إلَى الْأَمِيرِ الَّذِي وَلَّاهُ وَهُوَ مَعَهُ فِي الْمِصْرِ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ. (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَجَوَّزَهَا مُحَمَّدٌ وَإِنْ كَانَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ غَدَا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبِيتَ فِي أَهْلِهِ صَحَّ الْإِشْهَادُ وَالْكِتَابَةُ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. (قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ الْكِتَابُ إلَخْ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 437 قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَى الثَّانِي أَوْ بَعْدَ وُصُولِهِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ) وَأَجَازَهُ الثَّانِي (وَأَمَّا بَعْدَهُمَا فَلَا) يَبْطُلُ (وَ) يَبْطُلُ (بِجُنُونِ الْكَاتِبِ وَرِدَّتِهِ وَحَدِّهِ لِقَذْفٍ وَعَمَائِهِ وَفِسْقِهِ بَعْدَ عَدَالَتِهِ) لِخُرُوجِهِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ وَأَجَازَهُ الثَّانِي (وَ) كَذَا (بِمَوْتِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ) وَخُرُوجِهِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ (إلَّا إذَا عَمَّمَ بَعْدَ تَخْصِيصِ) اسْمِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ عَمَّمَ ابْتِدَاءً) وَجَوَّزَهُ الثَّانِي (وَ) عَلَيْهِ الْعَمَلُ خُلَاصَةٌ. (لَا) يَبْطُلُ (بِمَوْتِ الْخَصْمِ) أَيًّا كَانَ لِقِيَامِ وَارِثِهِ أَوْ وَصِيِّهِ مَقَامَهُ. قُلْتُ: وَكَذَا لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ شَاهِدِ الْأَصْلِ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا فِي بَابِهِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي الْخَانِيَّةِ هُنَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ بِنَفْسِهِ ثَمَّةَ فَتَنَبَّهْ. (وَ) اعْلَمْ أَنَّ (الْكِتَابَةَ بِعِلْمِهِ كَالْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ) فِي الْأَصَحِّ بَحْرٌ فَمَنْ جَوَّزَهُ جَوَّزَهَا   [رد المحتار] هَذَا شَرْطٌ آخَرُ لِقَبُولِ الْكِتَابِ وَالْعَمَلِ بِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ عَلَى قَضَائِهِ نَهْرٌ: أَيْ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ فَبِمَوْتِ الْأَصْلِ قَبْلَ أَدَاءِ الْفُرُوعِ الشَّهَادَةَ تَبْطُلُ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ فَكَذَا هَذَا ط عَنْ الْعَيْنِيِّ. (قَوْلُهُ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَخْ) لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ لَأَغْنَاهُ، وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ الْعِبَارَةُ الْجَيِّدَةُ أَنْ يُقَالَ: لَوْ مَاتَ قَبْلَ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ لَا قَبْلَ وُصُولِهِ، لِأَنَّ وُصُولَهُ قَبْلَ ثُبُوتِهِ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَقِرَاءَتِهِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَبْطُلُ) أَيْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ بِجُنُونِ الْكَاتِبِ إلَخْ) فِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ عُزِلَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ أَوْ مَاتَ بَعْدَ مَا وَصَلَ الْكِتَابُ إلَى الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِهِ لِأَنَّ الْمَوْتَ وَالْعَزْلَ لَيْسَ بِمُخْرِجٍ بِخِلَافِ مَا إذَا فَسَقَ الْكَاتِبُ أَوْ عَمِيَ أَوْ صَارَ بِحَالٍ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ وَشَهَادَتُهُ، فَإِنَّ الْآخَرَ لَا يَقْبَلُ كِتَابَهُ لِأَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ، فَمَا يُمْنَعُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ يُمْنَعُ الْقَضَاءُ بِكِتَابِهِ اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِذَلِكَ وَلَوْ بَعْدَ وُصُولِهِ مَعَ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ صَرَّحَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَعَزْلِهِ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْبَحْرِ ذَكَرَ أَنَّ بَيْنَ كَلَامَيْهِمَا مُخَالَفَةً، وَلَمْ يُجِبْ عَنْهَا تَأَمَّلْ وَرَأَيْتُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِثْلَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي الدُّرَرِ مِثْلَ مَا هُنَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ. (قَوْلُهُ وَعَمَائِهِ) الْأَنْسَبُ وَعَمَاهُ بِدُونِ هَمْزٍ لِأَنَّ الْعَمَى مَقْصُورٌ. (قَوْلُهُ وَفِسْقِهِ) عَبَّرَ عَنْهُ فِي النَّهْرِ بِقِيلَ وَقَالَ إنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى عَزْلِهِ بِالْفِسْقِ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا بِمَوْتِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ) لِأَنَّ الْكَاتِبَ لَمَّا خَصَّهُ فَقَدْ اعْتَمَدَ عَدَالَتَهُ وَأَمَانَتَهُ وَالْقُضَاةُ مُتَفَاوِتُونَ فِي ذَلِكَ فَصَحَّ التَّعْيِينُ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا عَمَّمَ إلَخْ) بِأَنْ قَالَ إلَى فُلَانٍ قَاضِي بَلَدِ كَذَا وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ غَيْرَهُ صَارَ تَبَعًا لَهُ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَمَّمَ ابْتِدَاءً) بِأَنْ قَالَ إلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ كِتَابِي هَذَا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ. (قَوْلُهُ وَجَوَّزَهُ الثَّانِي) وَكَذَا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَاسْتَحْسَنَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِأَنَّ إعْلَامَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا فَبِالْعُمُومِ يَعْلَمُ كَمَا يَعْلَمُ بِالْخُصُوصِ، وَلَيْسَ الْعُمُومُ مِنْ قَبِيلِ الْإِجْمَالِ وَالتَّجْهِيلِ فَصَارَ قَصْدِيَّتُهُ وَتَبَعِيَّتُهُ سَوَاءً نَهْرٌ. (قَوْلُهُ أَيًّا كَانَ) أَيْ مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ فِي بَابِهِ) أَيْ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ح. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي الْخَانِيَّةِ هُنَا) أَيْ فِي هَذَا الْبَابِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ مَاتَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ بَطَلَ كِتَابُهُ كَشَاهِدِ الْأَصْلِ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَشْهَدَ الْفَرْعُ عَلَى شَهَادَةِ الْأَصْلِ اهـ. (قَوْلُهُ ثَمَّةَ) أَيْ هُنَاكَ أَيْ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ حَيْثُ قَالَ: الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ عَلَى شَهَادَتِهِ مَرِيضًا فِي الْمِصْرِ أَوْ يَكُونَ مَيِّتًا إلَخْ وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْمُتُونِ. [مَطْلَبٌ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ] (قَوْلُهُ فَمَنْ جَوَّزَهُ جَوَّزَهَا) وَشَرْطُ جَوَازِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَنْ يَعْلَمَ فِي حَالِ قَضَائِهِ فِي الْمِصْرِ الَّذِي هُوَ قَاضِيهِ بِحَقٍّ غَيْرِ حَدٍّ خَالِصٍ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ غَصْبٍ، أَوْ تَطْلِيقٍ أَوْ قَتْلِ عَمْدٍ أَوْ حَدِّ قَذْفٍ، فَلَوْ عَلِمَ قَبْلَ الْقَضَاءِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ: ثُمَّ وُلِّيَ فَرُفِعَتْ إلَيْهِ تِلْكَ الْحَادِثَةُ أَوْ عَلِمَهَا فِي حَالِ قَضَائِهِ فِي غَيْرِ مِصْرِهِ ثُمَّ دَخَلَهُ فَرُفِعَتْ لَا يَقْضِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 438 وَمَنْ لَا فَلَا إلَّا أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ حُكْمِهِ بِعِلْمِهِ فِي زَمَانِنَا أَشْبَاهٌ وَفِيهَا الْإِمَامُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي حَدِّ قَذْفٍ وَقَوَدٍ وَتَعْزِيرٍ. قُلْتُ: فَهَلْ الْإِمَامُ قَيْدٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحُدُودِ؟ لَمْ أَرَهُ لَكِنْ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ وَالْمُخْتَارِ الْآنَ عَدَمُ حُكْمِهِ بِعِلْمِهِ مُطْلَقًا كَمَا لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى كَزِنًا وَخَمْرٍ مُطْلَقًا غَيْرَ أَنَّهُ يُعَزِّرُ مَنْ بِهِ أَثَرُ السُّكْرِ لِلتُّهْمَةِ وَعَنْ الْإِمَامِ إنَّ عِلْمَ الْقَاضِي فِي طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَغَصْبٍ يُثْبِتُ الْحَيْلُولَةَ عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ لَا الْقَضَاءِ. (وَلَا يُقْبَلُ) كِتَابُ الْقَاضِي (مِنْ مُحَكَّمٍ بَلْ مِنْ قَاضٍ مُوَلًّى مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ يَمْلِكُ) إقَامَةَ (الْجُمُعَةِ)   [رد المحتار] عِنْدَهُ، وَقَالَا: يَقْضِي وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ عَلِمَ بِهَا وَهُوَ قَاضٍ فِي مِصْرِهِ، ثُمَّ عُزِلَ ثُمَّ أُعِيدَ وَأَمَّا فِي حَدِّ الشُّرْبِ وَالزِّنَا فَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بِعِلْمِهِ اتِّفَاقًا مِنَحٌ مُلَخَّصًا، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَنْفُذُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ مُعَلَّلًا، بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُسَاوِي الْقَاضِيَ فِيهِ، وَغَيْرُ الْقَاضِي إذَا عَلِمَ لَا يُمْكِنُهُ إقَامَةُ الْحَدِّ فَكَذَا هُوَ ثُمَّ قَالَ إلَّا فِي السَّكْرَانِ أَوْ مَنْ بِهِ أَمَارَةُ السُّكْرِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَزِّرَهُ لِلتُّهْمَةِ وَلَا يَكُونَ حَدًّا اهـ. (قَوْلُهُ وَمَنْ لَا فَلَا) قَالَ فِي الْفَتْحِ إلَّا أَنَّ التَّفَاوُتَ هُنَا هُوَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ بِالْعِلْمِ الْحَاصِلِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْإِجْمَاعِ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الْمُعْتَمَدَ) أَيْ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ لِفَسَادِ قُضَاةِ الزَّمَانِ، وَعِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ: الْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى عَدَمِ الْعَمَلِ بِعِلْمِ الْقَاضِي فِي زَمَانِنَا كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ وَفِيهَا) أَيْ فِي الْأَشْبَاهِ نَقْلًا عَنْ السِّرَاجِيَّةِ، لَكِنْ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي الْمُلَخَّصَةِ مِنْ السِّرَاجِيَّةِ التَّعْبِيرُ بِالْقَاضِي لَا بِالْإِمَامِ حَيْثُ قَالَ الْقَاضِي يَقْضِي بِعِلْمِهِ بِحَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ وَالتَّعْزِيرِ، ثُمَّ قَالَ قَضَى بِعِلْمِهِ فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ اهـ أَفَادَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَدِّ الْخَالِصِ لِلَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَفِي الْأَوَّلِ لَا يَقْضِي اتِّفَاقًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ الْقَضَاءُ فِيهِ بِعِلْمِهِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا عَلِمْتَ. [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي النَّهْرِ فِي الْكَفَالَةِ بَحْثًا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، أَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ الْمَحْضَةُ فَيَقْضِي فِيهَا بِعِلْمِهِ اتِّفَاقًا ثُمَّ اسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ لَهُ التَّعْزِيرَ بِعِلْمِهِ. قُلْت: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ خَطَأٌ صَرِيحٌ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ كَلَامِهِمْ كَمَا عَلِمْتَ. وَأَمَّا التَّعْزِيرُ فَلَيْسَ بِحَدٍّ كَمَا أَسْمَعْنَاكَ مِنْ عِبَارَةِ شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ وَأَيْضًا فَهُوَ لَيْسَ بِقَضَاءٍ. (قَوْلُهُ فَهَلْ الْإِمَامُ قَيْدٌ) أَقُولُ عَلَى فَرْضِ ثُبُوتِهِ فِي عِبَارَةِ السِّرَاجِيَّةِ لَيْسَ بِقَيْدٍ لِمَا عَلِمْتَ مِنْ عِبَارَةِ الْفَتْحِ الْمُصَرِّحَةِ بِجَوَازِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ فِي قَتْلِ عَمْدٍ أَوْ حَدِّ قَذْفٍ لِكَوْنِهِ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ. (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) اسْتَدْرَكَ عَلَى مَا نَقَلَهُ ثَانِيًا عَنْ الْأَشْبَاهِ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْمُخْتَارِ، أَوْ عَلَى قَوْلِهِ فَهَلْ الْإِمَامُ قَيْدٌ فَإِنَّ قَوْلَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى يَعْنِي اتِّفَاقًا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي غَيْرِهَا كَحَدِّ قَذْفٍ وَقَوَدٍ وَتَعْزِيرٍ عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُخْتَارِ فَيَكُونُ ذِكْرُ الْإِمَامِ غَيْرَ قَيْدٍ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عِلْمُهُ بَعْدَ تَوْلِيَتِهِ أَوْ قَبْلَهَا ح أَوْ سَوَاءٌ كَانَ حَدًّا غَيْرَ خَالِصٍ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ قَوَدًا أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ. (قَوْلُهُ وَخَمْرٍ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ سَكِرَ مِنْهُ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ لِلتُّهْمَةِ) أَيْ إذَا عَلِمَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ سَكْرَانُ لَهُ تَعْزِيرُهُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ تَعْزِيرُ الْمُتَّهَمِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ تَحْرِيرُهُ فِي الْكَفَالَةِ. (قَوْلُهُ يُثْبِتُ الْحَيْلُولَةَ) أَيْ بِأَنْ يَأْمُرَ بِأَنْ يُحَالَ بَيْنَ الْمُطَلَّقِ وَزَوْجَتِهِ وَالْمُعْتِقِ وَأَمَتِهِ أَوْ عَبْدِهِ وَالْغَاصِبِ وَمَا غَصَبَهُ بِأَنْ يَجْعَلَهُ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ إلَى أَنْ يَثْبُتَ مَا عَلِمَهُ الْقَاضِي بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ. (قَوْلُهُ عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ) أَيْ الِاحْتِسَابِ وَطَلَبِ الثَّوَابِ لِئَلَّا يَطَأَهَا الزَّوْجُ أَوْ السَّيِّدُ أَوْ الْغَاصِبُ. (قَوْلُهُ لَا الْقَضَاءِ) أَيْ لَا عَلَى طَرِيقِ الْحُكْمِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ أَوْ الْغَصْبِ (قَوْلُهُ وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي) الْأَوْلَى حَذْفُ الْقَاضِي، لِأَنَّ الْمُحَكَّمَ لَيْسَ قَاضِيًا إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْمُوَلَّى مِنْ السُّلْطَانِ وَغَيْرَهُ. (قَوْلُهُ بَلْ مِنْ قَاضٍ مُوَلًّى إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ فِي الْكَاتِبِ فَقَطْ قَالَ فِي الْمِنَحِ: فَلَا تُقْبَلُ مِنْ قَاضِي رُسْتَاقٍ إلَى قَاضِي مِصْرٍ، وَإِنَّمَا تُقْبَلُ مِنْ قَاضِي مِصْرٍ إلَى قَاضِي مِصْرٍ آخَرَ أَوْ إلَى قَاضِي رُسْتَاقٍ. (قَوْلُهُ يَمْلِكُ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ قَيْدٍ، وَلَا سِيَّمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 439 وَقِيلَ يُقْبَلُ مِنْ قَاضِي رُسْتَاقٍ إلَى قَاضِي مِصْرٍ أَوْ رُسْتَاقٍ وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْكَمَالُ. (كَتَبَ كِتَابًا إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ فَوَصَلَ إلَى قَاضٍ وُلِّيَ بَعْدَ كِتَابَةِ هَذَا الْمَكْتُوبِ لَا يُقْبَلُ) لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ وَقْتَ الْخِطَابِ جَوَاهِرُ الْفَتَاوَى وَفِيهَا لَوْ جُعِلَ الْخِطَابُ لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ لَيْسَ لِنَائِبِهِ أَنْ يَقْبَلَهُ. (وَالْمَرْأَةُ تَقْضِي فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ وَإِنْ أَثِمَ الْمُوَلِّي لَهَا) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» (وَتَصْلُحُ نَاظِرَةً) لِوَقْفٍ (وَوَصِيَّةً) لِيَتِيمٍ (وَشَاهِدَةً) فَتْحٌ فَيَصِحُّ تَقْرِيرُهَا فِي النَّظَرِ وَالشَّهَادَةِ فِي الْأَوْقَافِ وَلَوْ بِلَا شَرْطِ وَاقِفٍ بَحْرٌ قَالَ: وَقَدْ أَفْتَيْتُ فِيمَنْ شَرَطَ الشَّهَادَةَ فِي وَقْفِهِ لِفُلَانٍ ثُمَّ لِوَلَدِهِ فَمَاتَ وَتَرَكَ بِنْتًا أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ وَظِيفَةَ الشَّهَادَةِ وَفِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَحْكَامِ الْأُنْثَى   [رد المحتار] فِي زَمَانِنَا لِأَنَّ السُّلْطَانَ لَا يَأْذَنُ لِلْقَاضِي بِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ قَاضِي الْمِصْرِ الَّتِي فِيهَا الْجُمُعَةُ تَأَمَّلْ وَفِي الْمِنَحِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ، وَإِنَّمَا تُقْبَلُ كُتُبُ قُضَاةِ الْأَمْصَارِ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا الْحُدُودُ وَيَنْفُذُ فِيهَا حُكْمُ الْحُكَّامِ إلَّا فِيمَا لَا خَطَرَ لَهُ شَرْعًا لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا فِي مَحَلٍّ قَابِلٍ لِلْوِلَايَةِ لِمَنْ هُوَ أَهْلٌ لَهُ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُقْبَلُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْمِصْرَ هَلْ هُوَ شَرْطٌ لِنَفَاذِ الْقَضَاءِ أَمْ لَا، فَحَكَوْا عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ شَرْطٌ وَعَنْ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَعَلَى هَذَا يُفْتَى بِقَبُولِهِ مِنْ قَاضِي رُسْتَاقٍ إلَى قَاضِي مِصْرٍ أَوْ رُسْتَاقٍ مِنَحٌ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ، وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ ابْتِنَاءِ الْخِلَافِ عَلَى الْخِلَافِ الْآخَرِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْكَمَالُ) قَدْ عَلِمْتُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا الْكَمَالُ فَقَدْ قَالَ: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّهُ بَعْدَ عَدَالَةِ شُهُودِ الْأَصْلِ وَالْكِتَابِ لَا فَرْقَ أَيْ بَيْنَ كَوْنِهِ مِنْ قَاضِي مِصْرٍ أَوْ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ إلَخْ) أَيْ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الثَّانِي بِجَوَازِ التَّعْمِيمِ ابْتِدَاءً كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ وَقْتَ الْخِطَابِ) أَيْ لِأَنَّهُ خِطَابٌ وَالْخِطَابَ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ لَهُ وِلَايَةٌ وَقْتَهُ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ لَيْسَ لِنَائِبِهِ أَنْ يَقْبَلَهُ) لِأَنَّهُ قَدْ كُتِبَ إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ جَعَلَ الْخِطَابَ إلَى النَّائِبِ وَسَمَّاهُ بِاسْمِهِ لَيْسَ لِلْمُنِيبِ أَنْ يَقْبَلَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْكِتَابَ إلَّا الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ. [مَطْلَبٌ فِي جَعْلِ الْمَرْأَةِ شَاهِدَةً فِي الْوَقْفِ] ِ (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ) لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ شَهَادَةً فِيهِمَا فَلَا تَصْلُحُ حَاكِمَةً. (قَوْلُهُ وَلَوْ بِلَا شَرْطِ وَاقِفٍ) أَمَّا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ فَلَا شَكَّ فِيهِ لِأَنَّهَا أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ وَأَمَّا بِدُونِ شَرْطِهِ النَّاصِّ عَلَيْهَا كَمَا فِي صُورَةِ الْحَادِثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَفِيهِ نِزَاعٌ فَقَدْ رَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ لِوَلَدِهِ لَا يَشْمَلُ الْأُنْثَى لِأَنَّ عُرْفَ الْوَاقِفِينَ مُرَاعًى، وَلَمْ يَتَّفِقْ تَقْرِيرُ أُنْثَى شَاهِدَةٍ وَفِي وَقْفٍ فِي زَمَنٍ مَا فِيمَا عَلِمْنَا فَوَجَبَ صَرْفُ أَلْفَاظِهِ إلَى مَا تَعَارَفُوهُ وَهُوَ الشَّاهِدُ الْكَامِلُ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ، وَنَقَلَ الْحَمَوِيُّ مِثْلَهُ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ كَوْنَهَا أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ وَقَوْلَ الْأَصْحَابِ بِجَوَازِ شَهَادَتِهَا وَقَضَائِهَا فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ تَقْرِيرِهَا فِي الْأَوْقَافِ اهـ. قُلْتُ: لَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِي أَهْلِيَّتِهَا بَلْ فِي دُخُولِهَا فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْمُتَعَارَفِ. مَطْلَبٌ لَا يَصِحُّ تَقْرِيرُ الْمَرْأَةِ فِي وَظِيفَةِ الْإِمَامَةِ. [تَنْبِيهٌ] وَأَمَّا تَقْرِيرُهَا فِي نَحْوِ وَظِيفَةِ الْإِمَامِ فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ صِحَّتِهِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ بَعْضُ الْجَهَلَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ وَتَسْتَنِيبُ، لِأَنَّ صِحَّةَ التَّقْرِيرِ يَعْتَمِدُ وُجُودَ الْأَهْلِيَّةِ، وَجَوَازَ الِاسْتِنَابَةِ فَرْعُ صِحَّةِ التَّقْرِيرِ اهـ أَبُو السُّعُودِ. مَطْلَبٌ لَا يَصِحُّ تَوْلِيَةُ السُّلْطَانِ مُدَرِّسًا لَيْسَ بِأَهْلٍ وَفِي الْأَشْبَاهِ: وَإِذَا وَلَّى السُّلْطَانُ مُدَرِّسًا لَيْسَ بِأَهْلٍ لَمْ تَصِحَّ تَوْلِيَتُهُ لِأَنَّ فِعْلَهُ مُقَيَّدٌ بِالْمَصْلَحَةِ وَلَا مَصْلَحَةَ فِي تَوْلِيَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 440 اخْتَارَ فِي الْمُسَايَرَةِ جَوَازَ كَوْنِهَا نَبِيَّةً لَا رَسُولَةً لِبِنَاءِ حَالِهِنَّ عَلَى السَّتْرِ. (وَلَوْ قَضَتْ فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ فَرُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ) يَرَى جَوَازَهُ (فَأَمْضَاهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِ إبْطَالُهُ) لِخِلَافِ شُرَيْحٍ عَيْنِيٌّ وَالْخُنْثَى كَالْأُنْثَى بَحْرٌ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ لِلْقَاضِي حَادِثَةٌ أَوْ لِوَلَدِهِ فَأَنَابَ غَيْرَهُ وَ (قَضَى نَائِبُ الْقَاضِي لَهُ أَوْ لِوَلَدِهِ جَازَ) قَضَاؤُهُ (كَمَا لَوْ قَضَى لِلْإِمَامِ الَّذِي قَلَّدَهُ الْقَضَاءَ أَوْ لِوَلَدِ الْإِمَامِ) سِرَاجِيَّةٌ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ كُلُّ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَعَلَيْهِ يَصِحُّ قَضَاؤُهُ لَهُ وَعَلَيْهِ اهـ خِلَافًا لِلْجَوَاهِرِ وَالْمُلْتَقَطِ فَلْيُحْفَظْ (وَيَقْضِي النَّائِبُ بِمَا شَهِدُوا بِهِ عِنْدَ الْأَصْلِ وَعَكْسِهِ) وَهُوَ قَضَاءُ الْأَصْلِ بِمَا شَهِدُوا بِهِ عِنْدَ النَّائِبِ فَيَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ بِإِخْبَارِ النَّائِبِ وَعَكْسِهِ خُلَاصَةٌ.   [رد المحتار] غَيْرِ الْأَهْلِ، وَإِذَا عَزَلَ الْأَهْلَ لَمْ يَنْعَزِلْ وَفِي [مُعِيدِ النِّعَمِ، وَمُبِيدِ النِّقَمِ] الْمُدَرِّسُ إذَا لَمْ يَكُنْ صَالِحًا لِلتَّدْرِيسِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ تَنَاوُلُ الْمَعْلُومِ اهـ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي تَعْرِيفِ أَهْلِيَّةِ التَّدْرِيسِ أَنَّهَا بِمَعْرِفَةِ مَنْطُوقِ الْكَلَامِ، وَمَفْهُومِهِ وَبِمَعْرِفَةِ الْمَفَاهِيمِ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُ سَابِقَةُ اشْتِغَالٍ عَلَى الْمَشَايِخِ، بِحَيْثُ صَارَ يَعْرِفُ الِاصْطِلَاحَاتِ، وَيَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ الْمَسَائِلِ مِنْ الْكُتُبِ وَأَنْ يَكُونَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى أَنْ يَسْأَلَ وَيُجِيبَ إذَا سُئِلَ وَيَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى سَابِقَةِ اشْتِغَالٍ فِي النَّحْوِ وَالصَّرْفِ بِحَيْثُ صَارَ يَعْرِفُ الْفَاعِلَ مِنْ الْمَفْعُولِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَإِذَا قَرَأَ لَا يَلْحَنُ وَإِذَا قَرَأَ لَاحِنٌ بِحَضْرَتِهِ رَدَّ عَلَيْهِ اهـ، مُخْتَصَرًا ط. مَطْلَبٌ فِي تَوْجِيهِ الْوَظَائِفِ لِلِابْنِ وَلَوْ صَغِيرًا قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْإِمَامُ أَوْ الْمُدَرِّسُ لَا يَصِحُّ تَوْجِيهْ وَظِيفَتِهِ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَقَدَّمْنَا فِي الْجِهَادِ فِي آخِرِ فَصْلِ الْجِزْيَةِ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْبِيرِيِّ بَعْدَ كَلَامٍ نَقَلَهُ إلَى أَنْ قَالَ أَقُولُ هَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا هُوَ عُرْفُ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَمِصْرَ وَالرُّومِ وَمِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ إبْقَاءِ أَبْنَاءِ الْمَيِّتِ وَلَوْ كَانُوا صِغَارًا عَلَى وَظَائِفِ آبَائِهِمْ مِنْ إمَامَةٍ وَخَطَابَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ عُرْفًا مَرْضِيًّا لِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءَ خَلَفِ الْعُلَمَاءِ وَمُسَاعَدَتَهُمْ عَلَى بَذْلِ الْجَهْدِ فِي الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ وَقَدْ أَفْتَى بِجَوَازِ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَكَابِرِ الْفُضَلَاءِ الَّذِينَ يُعَوَّلُ عَلَى إفْتَائِهِمْ اهـ وَقَيَّدْنَا ذَلِكَ هُنَاكَ بِمَا إذَا اشْتَغَلَ الِابْنُ بِالْعِلْمِ أَمَّا لَوْ تَرَكَهُ وَكَبِرَ وَهُوَ جَاهِلٌ، فَإِنَّهُ يُعْزَلُ وَتُعْطَى الْوَظِيفَةُ الْأَهْلَ لِفَوَاتِ الْعِلَّةِ، وَقَدَّمْنَا فِي الْوَقْفِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ جَعْلُ الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ نَاظِرًا عَلَى وَقْفٍ فَرَاجِعْ مَا حَرَّرْنَاهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. (قَوْلُهُ اخْتَارَ) أَيْ الْكَمَالُ فِي الْمُسَايَرَةِ هِيَ رِسَالَةٌ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ سَايَرَ بِهَا عَقِيدَةَ الْغَزَالِيِّ ط. (قَوْلُهُ لِبِنَاءِ حَالِهِنَّ عَلَى السَّتْرِ) أَيْ وَالرَّسُولُ يَحْتَاجُ إلَى مُخَالَطَةِ الذُّكُورِ بِالتَّعْلِيمِ وَإِقَامَةِ الْحُجَجِ عَلَيْهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الذُّكُورِ وَالْجَوَازُ لَا يَقْتَضِي الْوُقُوعَ قَالَ فِي بَدْءِ الْأَمَالِي. وَمَا كَانَتْ نَبِيًّا قَطُّ أُنْثَى ط. (قَوْلُهُ يَرَى جَوَازَهُ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ إذَا كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ لَا يَنْفُذُ مَا لَمْ يُنْفِذْهُ قَاضٍ آخَرُ يَرَى جَوَازَهُ، فَحِينَئِذٍ إذَا رُفِعَ إلَى مَنْ لَا يَرَاهُ نَفَّذَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِلَافُ فِي طَرِيقِ الْقَضَاءِ لَا فِي نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ يَنْفُذُ عَلَى الْمُخَالِفِ بِدُونِ تَنْفِيذِ آخَرَ كَمَا حَرَّرْنَاهُ سَابِقًا وَلِذَا قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَلَوْ قَضَتْ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَأَمْضَاهُ قَاضٍ آخَرُ يَرَى جَوَازَهُ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَإِنَّ شُرَيْحًا كَانَ يُجَوِّزُ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ رَجُلٍ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي فِي الْحُدُودِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ إبْطَالُهُ لِأَنَّهُ قَضَى فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَلَيْسَ نَفْسُ الْقَضَاءِ هُنَا مُخْتَلَفًا فِيهِ اهـ أَيْ بِخِلَافِ قَضَاءِ الْمَرْأَةِ فِي الْحُدُودِ فَإِنَّ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ نَفْسُ الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ وَالْخُنْثَى كَالْأُنْثَى) أَيْ فَيَصِحُّ قَضَاؤُهُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ بِالْأَوْلَى وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِشُبْهَةِ الْأُنُوثَةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ أَوْ لِوَلَدِهِ) أَيْ وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي. (قَوْلُهُ فَأَنَابَ غَيْرَهُ) أَيْ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِنَابَةِ بَحْرٌ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ أَيْ بِأَنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ بِالْإِنَابَةِ. (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَضَى) أَيْ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلْجَوَاهِرِ) حَيْثُ قَالَ فِيهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 441 فُرُوعٌ] لَا يَقْضِي الْقَاضِي لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ إلَّا إذَا وَرَدَ عَلَيْهِ كِتَابُ قَاضٍ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ فَيَجُوزُ قَضَاؤُهُ بِهِ أَشْبَاهٌ وَفِيهَا لَا يَقْضِي لِنَفْسِهِ وَلَا لِوَلَدِهِ إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ وَحَرَّرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْوَهْبَانِيَّةِ صِحَّةَ قَضَاءِ الْقَاضِي لِأُمِّ امْرَأَتِهِ وَلِامْرَأَةِ أَبِيهِ وَلَوْ فِي حَيَاةِ امْرَأَتِهِ وَأَبِيهِ وَأَنَّهُ يَقْضِي فِيمَا هُوَ تَحْتَ نَظَرِهِ مِنْ الْأَوْقَافِ وَزَادَ بَيْتَيْنِ قَالَ: وَيَقْضِي لِأُمِّ الْعِرْسِ حَالَ حَيَاتِهَا ... وَعِرْسِ أَبِيهِ وَهُوَ حَيٌّ مُحَرَّرُ وَبَعْدَ وَفَاةٍ إنْ خَلَا عَنْ نَصِيبِهِ ... بِمِيرَاثِ مَقْضِيٌّ بِهِ فَتَبَصَّرُوا وَيَقْضِي بِوَقْفٍ مُسْتَحِقٌّ لِرَيْعِهِ ... لِوَصْفِ الْقَضَا وَالْعِلْمِ أَوْ كَانَ يَنْظُرُ   [رد المحتار] الْقَاضِي إذَا كَانَتْ لَهُ خُصُومَةٌ عَلَى إنْسَانٍ فَاسْتَخْلَفَ خَلِيفَةً فَقَضَى لَهُ عَلَى خَصْمِهِ لَا يَنْفُذُ، لِأَنَّ قَضَاءَ نَائِبِهِ كَقَضَائِهِ بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّ مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِشَيْءٍ ثُمَّ صَارَ الْوَكِيلُ قَاضِيًا فَقَضَى لِمُوَكِّلِهِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ قَضَى لِمَنْ وَلَّاهُ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ نَائِبُ هَذَا الْقَاضِي قَالَ وَالْوَجْهُ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِمِثْلِ هَذَا أَنْ يَطْلُبَ مِنْ السُّلْطَانِ الَّذِي وَلَّاهُ أَنْ يُوَلِّيَ قَاضِيًا آخَرَ حَتَّى يَخْتَصِمَا إلَيْهِ، فَيَقْضِيَ أَوْ يَتَحَاكَمَا إلَى حَاكِمٍ مُحَكَّمٍ وَيَتَرَاضَيَا بِقَضَائِهِ فَيَقْضِي بَيْنَهُمَا فَيَجُوزُ اهـ. قُلْتُ: وَلَعَلَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي مَأْذُونًا لَهُ بِالْإِنَابَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ إلَخْ وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ مَأْذُونًا كَانَ نَائِبُهُ نَائِبًا عَنْ السُّلْطَانِ كَمَا مَرَّ فِي فَصْلِ الْحَبْسِ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَطْلُبَ مِنْ السُّلْطَانِ تَوْلِيَةَ قَاضٍ آخَرَ فَلِذَا مَشَى الْمُصَنِّفُ هُنَا عَلَى الْجَوَازِ وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ فِي شَرْحِهِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَيَرُدُّ هَدِيَّةً. [فُرُوعٌ لَا يَقْضِي الْقَاضِي لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ] (قَوْلُهُ لَا يَقْضِي الْقَاضِي إلَخْ) فِي الْهِنْدِيَّةِ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ لِوَكِيلِهِ وَلَا لِوَكِيلِ وَكِيلِهِ وَلَا لِوَكِيلِ أَبِيهِ وَإِنْ عَلَا أَوْ ابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَا لِعَبْدِهِ وَلَا لِمُكَاتَبِهِ وَلَا لِعَبِيدِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لَهُ وَلَا لِمُكَاتَبِهِمْ، وَلَا لِشَرِيكِهِ مُفَاوَضَةً أَوْ عَنَانًا فِي مَالِ هَذِهِ الشَّرِكَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَكُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ كَالْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ وَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اهـ مُلَخَّصًا وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ مِمَّا يَجْرِي مَجْرَى الْقَضَاءِ الْإِفْتَاءُ فَيَنْبَغِي لِلْمُفْتِي الْهُرُوبُ مِنْ هَذَا مَتَى قَدَرَ اهـ أَيْ وَكَانَ هُنَاكَ مُفْتٍ غَيْرُهُ حَمَوِيٌّ ط. قُلْتُ: وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ التُّهْمَةُ (قَوْلُهُ إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ) صُورَتُهَا مَا فِي الْأَشْبَاهِ لَوْ كَانَ الْقَاضِي غَرِيمَ مَيِّتٍ، فَأَثْبَتَ أَنَّ فُلَانًا وَصِيُّهُ صَحَّ وَبَرِئَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ لَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ امْتَنَعَ الْقَضَاءُ وَبِخِلَافِ الْوَكَالَةِ عَنْ غَائِبٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهَا إذَا كَانَ الْقَاضِي مَدْيُونَ الْغَائِبِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدَّفْعِ أَوْ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي حَيَاةِ امْرَأَتِهِ وَأَبِيهِ) لَكِنْ بَعْدَ مَوْتِهَا يَقْضِي فِيمَا لَمْ يَرِثُ مِنْهُ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ وَزَادَ بَيْتَيْنِ) أَيْ زَادَ عَلَى نَظْمِ الْوَهْبَانِيَّةِ بَيْتَيْنِ وَهُمَا الْأَوَّلَانِ أَمَّا الثَّالِثُ فَهُوَ مِنْ زِيَادَاتِ شَارِحِهَا ابْنِ الشِّحْنَةِ نَقَلَهُ عَنْهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ. (قَوْلُهُ لِأُمِّ الْعِرْسِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ لِأُمِّ زَوْجَتِهِ. (قَوْلُهُ مُحَرَّرٌ) خَبَرٌ لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هَذَا الْحُكْمُ مُحَرَّرُ ط. (قَوْلُهُ بِمِيرَاثِ) بِدُونِ تَنْوِينٍ لِلضَّرُورَةِ وَلَوْ قَالَ مِنْ الْإِرْثِ لَكَانَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ مَقْضِيٌّ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ خَلَا قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ فَأُمُّ زَوْجَتِهِ يَصِحُّ لَهَا الْقَضَاءُ بِالْمَالِ وَغَيْرِهِ حَالَ حَيَاةِ زَوْجَتِهِ، وَبَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجَةِ يَصِحُّ فِيمَا لَمْ يَكُنْ مِيرَاثًا لَهُ عَنْ زَوْجَتِهِ، وَلَا يَصِحُّ فِي الْمَوْرُوثِ لِاسْتِحْقَاقِ الْقَاضِي حِصَّةً مِنْهُ بِالْمِيرَاثِ مِنْ زَوْجَتِهِ وَقَضَاؤُهُ لِزَوْجَةِ أَبِيهِ كَذَلِكَ فِي حَالِ حَيَاةِ الْأَبِ يَصِحُّ مُطْلَقًا وَبَعْدَ مَوْتِهِ يُخَصُّ بِمَا لَا يَرِثُ مِنْهُ الْقَاضِي كَمَا إذَا ادَّعَتْ اسْتِحْقَاقًا فِي وَقْفٍ يَخُصُّهَا اهـ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا أَيْضًا مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا كَانَتْ أُمُّ زَوْجَتِهِ الْمَقْضِيُّ لَهَا حَيَّةً وَإِلَّا كَانَ قَضَاءً لِزَوْجَتِهِ فِيمَا تَرِثُ مِنْهُ. (قَوْلُهُ وَيَقْضِي إلَخْ) فَاعِلُهُ قَوْلُهُ مُسْتَحِقٌّ قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ صُورَتُهَا: وَقَفَ عَلَى عُلَمَاءِ كَذَا وَسَلَّمَ لِلْمُتَوَلِّي فَادُّعِيَ فَسَادُ الْوَقْفِ بِسَبَبِ الشُّيُوعِ عِنْدَ قَاضٍ وَمِنْ أُولَئِكَ الْعُلَمَاءِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ، وَكَذَا يَقْضِي فِيمَا هُوَ تَحْتَ نَظَرِهِ مِنْ الْأَوْقَافِ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَقَوْلِي لِوَصْفِ الْقَضَاءِ وَالْعِلْمِ لِيُخْرِجَ مَا لَوْ كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ لِذَاتِهِ لَا لِوَصْفٍ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى وَقْفٍ لِمَدْرَسَةٍ وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ وَسَتَأْتِي فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 442 هَذِهِ مَسَائِلُ شَتَّى أَيْ مُتَفَرِّقَةٌ وَجَاءُوا شَتَّى أَيْ مُتَفَرِّقِينَ (يَمْنَعُ صَاحِبَ سُفْلٍ عَلَيْهِ عُلْوٌ) أَيْ طَبَقَةٌ (لِآخَرَ مِنْ أَنْ يَتِدَ) أَيْ يَدُقَّ الْوَتَدَ (فِي سُفْلِهِ) وَهُوَ الْبَيْتُ التَّحْتَانِيُّ (أَوْ يَنْقُبُ كَوَّةً) بِفَتْحٍ أَوْ ضَمٍّ الطَّاقَةُ وَكَذَا بِالْعَكْسِ دَعْوَى الْمَجْمَعِ (بِلَا رِضَا الْآخَرِ) وَهَذَا عِنْدَهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ بَحْرٌ وَقَالَا لِكُلٍّ فِعْلُ مَا لَا يَضُرُّ وَلَوْ انْهَدَمَ السُّفْلُ بِلَا صُنْعِ رَبِّهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْبِنَاءِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي وَلِذِي الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ ثُمَّ يَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَ إنْ بَنَى بِإِذْنِهِ أَوْ إذْنِ قَاضٍ وَإِلَّا فَبِقِيمَةِ الْبِنَاءِ يَوْمَ بَنَى وَتَمَامُهُ فِي الْعَيْنِيِّ.   [رد المحتار] [مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ] هَذِهِ مَسَائِلُ شَتَّى قَدَّرَ الشَّارِحُ لَفْظَ هَذِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَسَائِلَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَشَتَّى صِفَةٌ لِمَسَائِلَ. (قَوْلُهُ أَيْ مُتَفَرِّقَةٌ) وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 4] أَيْ لَمُخْتَلِفٌ فِي الْجَزَاءِ تَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ سُفْلٍ) بِكَسْرِ السِّينِ وَضَمِّهَا ضِدُّ الْعُلْوِ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا مَعَ سُكُونِ اللَّامِ فِيهِمَا ط عَنْ الْحَمَوِيِّ. (قَوْلُهُ مِنْ أَنْ يَتِدَ) أَصْلُهُ يُوتِدُ حُذِفَتْ الْوَاوُ لِوُقُوعِهَا بَيْنَ الْيَاءِ وَالْكَسْرَةِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَالْوَتَدُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبِنَايَةِ كَالْخَازُوقِ الْقِطْعَةُ مِنْ الْخَشَبِ أَوْ الْحَدِيدِ يُدَقُّ فِي الْحَائِطِ لِيُعَلَّقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَوْ يُرْبَطَ بِهِ. وَفِي الْبَحْرِ أَيْضًا: وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى مَنْعِهِ مِنْ فَتْحِ الْبَابِ وَوَضْعِ الْجُذُوعِ وَهَدْمِ سُفْلِهِ وَقَيَّدَ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْجِدَارِ احْتِرَازًا عَنْ تَصَرُّفِهِ فِي سَاحَةِ السُّفْلِ فَذَكَرَ قَاضِي خَانُ لَوْ حَفَرَ صَاحِبُ السُّفْلِ فِي سَاحَتِهِ بِئْرًا وَمَا أَشْبَهَهُ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَإِنْ تَضَرَّرَ صَاحِبُ الْعُلْوِ وَعِنْدَهُمَا الْحُكْمُ مَعْلُولٌ بِعِلَّةِ الضَّرَرِ اهـ. (قَوْلُهُ بِفَتْحٍ أَوْ ضَمٍّ) أَيْ مَعَ تَشْدِيدِ الْوَاوِ وَيُجْمَعُ الْأَوَّلُ عَلَى كَوَّاتٍ كَحَبَّةٍ وَحَبَّاتٍ وَالثَّانِي عَلَى كُوَاءٍ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ كَمُدْيَةٍ وَمُدًى ط وَالْكَوَّةُ ثُقْبُ الْبَيْتِ وَتُسْتَعَارُ لِمَفَاتِيحِ الْمَاءِ إلَى الْمَزَارِعِ وَالْجَدَاوِلِ بَحْرٌ عَنْ الْمُغْرِبِ، وَالْمُرَادُ بِهَا مَا يُفْتَحُ فِي حَائِطِ الْبَيْتِ لِأَجْلِ الضَّوْءِ أَوْ مَا يُخْرَقُ فِيهِ بِلَا نَفَاذٍ لِأَجْلِ وَضْعِ مَتَاعٍ وَنَحْوِهِ. (قَوْلُهُ الطَّاقَةُ) تَفْسِيرٌ لِلْكَوَّةِ لَكِنْ فِي الْقَامُوسِ الطَّاقُ مَا عُطِفَ مِنْ الْأَبْنِيَةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ فِي اللُّغَةِ بِالتَّاءِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَكَذَا بِالْعَكْسِ إلَخْ) أَيْ كَمَا يُمْنَعُ ذُو السُّفْلِ يُمْنَعُ ذُو الْعُلْوِ وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ وَكُلٌّ مِنْ صَاحِبِ عُلْوٍ وَسُفْلٍ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ وَأَجَازَهُ إنْ لَمْ يُضِرَّ بِهِ وَفِي الْعَيْنِيِّ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَرَادَ صَاحِبُ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْعُلْوِ شَيْئًا أَوْ بَيْتًا أَوْ يَضَعَ عَلَيْهِ جُذُوعًا أَوْ يُحْدِثَ كَنِيفًا اهـ، وَكَذَا جَعَلَهُ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى الْخِلَافِ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ قِسْمَةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِهِ فَقِيلَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ مَا بَدَا لَهُ مَا لَمْ يُضِرَّ بِالسُّفْلِ وَقِيلَ وَإِنْ أَضَرَّ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنَّهُ إذَا أَشْكَلَ أَنَّهُ يَضُرُّ أَوْ لَا لَا يَمْلِكُ وَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ يَمْلِكُ. (قَوْلُهُ وَقَالَا إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ قِيلَ مَا حَكَى عَنْهُمَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْنَعُ مَا فِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ لَا مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ وَقِيلَ بَيْنَهُمَا خِلَافٌ وَهُوَ مَا فِيهِ شَكٌّ فَمَا لَا شَكَّ فِي عَدَمِ ضَرَرِهِ كَوَضْعِ مِسْمَارٍ صَغِيرٍ أَوْ وَسَطٍ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَمَا فِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ كَفَتْحِ الْبَابِ يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ اتِّفَاقًا وَمَا يُشَكُّ فِي التَّضَرُّرِ بِهِ كَدَقِّ الْوَتَدِ فِي الْجِدَارِ أَوْ السَّقْفِ فَعِنْدَهُمَا لَا يُمْنَعُ وَعِنْدَهُ يُمْنَعُ اهـ وَفِي قِسْمَةِ الْمُنْيَةِ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا أَشْكَلَ فَعِنْدَهُ يُمْنَعُ وَعِنْدَهُمَا لَا اهـ وَكَذَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ قَرِيبًا أَنَّهُ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى. مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ انْهَدَمَ الْمُشْتَرَكُ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الْبِنَاءَ وَأَبَى الْآخَرُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ انْهَدَمَ السُّفْلُ إلَخْ) أَيْ بِنَفْسِهِ وَأَمَّا لَوْ هَدَمَهُ فَقَدْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ هَدْمُهُ فَلَوْ هَدَمَهُ يُجْبَرُ عَلَى بِنَائِهِ، لِأَنَّهُ تَعَدَّى عَلَى حَقِّ صَاحِبِ الْعُلْوِ وَهُوَ قَرَارُ الْعُلْوِ. (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْعَيْنِيِّ) حَيْثُ قَالَ بِخِلَافِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ إذَا انْهَدَمَتْ فَبَنَاهَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ، لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ إذَا هُوَ لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْسِمَ عَرْصَتَهَا، وَيَبْنِيَ فِي نَصِيبِهِ وَصَاحِبُ الْعُلْوِ لَيْسَ كَذَلِكَ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ الدَّارُ صَغِيرَةً بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ، وَعَلَى هَذَا إذَا انْهَدَمَ بَعْضُ الدَّارِ أَوْ بَعْضُ الْحَمَّامِ فَأَصْلَحَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إذْ لَا يُمْكِنُهُ قِسْمَةُ بَعْضِهِ، وَلَوْ انْهَدَمَ كُلُّهُ فَعَلَى التَّفْصِيلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 443 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] الَّذِي ذَكَرْنَاهُ اهـ أَيْ إنْ أَمْكَنَهُ قِسْمَةُ الْعَرْصَةِ لِيَبْنِيَ فِي نَصِيبِهِ لَا يَكُونُ مُضْطَرًّا وَإِلَّا كَانَ مُضْطَرًّا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا انْهَدَمَ كُلُّ الدَّارِ وَالْحَمَّامِ فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُهُ قِسْمَةُ الْعَرْصَةِ فَيَبْنِي فِي نَصِيبِهِ لَا يَكُونُ مُضْطَرًّا فَلَوْ عَمَّرَ بِدُونِ إذْنِ شَرِيكِهِ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا إذَا أَمْكَنَهُ إعَادَةُ الْعَرْصَةِ دَارًا أَوْ حَمَّامًا كَمَا كَانَتْ لَا مُطْلَقُ الْبِنَاءِ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ الْعَرْصَةِ فَهُوَ مُضْطَرٌّ وَإِنْ انْهَدَمَ بَعْضُ الْحَمَّامِ أَوْ بَعْضُ الدَّارِ فَهُوَ مُضْطَرٌّ أَيْضًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ صَغِيرَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا، فَإِنَّهُ يَقْسِمُهَا فَإِنْ خَرَجَ الْمُنْهَدِمُ فِي نَصِيبِهِ بَنَاهُ أَوْ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ يَفْعَلُ بِهِ شَرِيكُهُ مَا أَرَادَ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ ضَابِطًا فَقَالَ كُلُّ مَنْ أُجْبِرَ أَنْ يَفْعَلَ مَعَ شَرِيكِهِ، فَإِذَا فَعَلَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْآخَرِ لَمْ يَرْجِعْ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُجْبِرَ مِثْلُ كَرْيِ الْأَنْهَارِ وَإِصْلَاحِ السَّفِينَةِ الْمَعِيبَةِ وَفِدَاءِ الْعَبْدِ الْجَانِي وَإِنْ لَمْ يُجْبِرْ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا كَمَسْأَلَةِ انْهِدَامِ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ اهـ وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ أَنْفَقَ عَلَى الدَّابَّةِ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ لَمْ يَرْجِعْ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ رَفْعِهِ إلَى الْقَاضِي لِيُجْبِرَ بِخِلَافِ الزَّرْعِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ لَا يُجْبِرُ شَرِيكَهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ فَكَانَ مُضْطَرًّا اهـ وَتَمَامُ ذَلِكَ فِيهِ وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّ صَاحِبَ الْعُلْوِ إنْ بَنَى السُّفْلَ بِأَمْرِ الْقَاضِي رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ وَإِلَّا فَبِقِيمَةِ الْبِنَاءِ بِهِ يُفْتَى، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الرُّجُوعِ قِيمَةُ الْبِنَاءِ يَوْمَ الْبِنَاءِ لَا يَوْمَ الرُّجُوعِ. قُلْتُ: وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ وَمِمَّا قَبْلَهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُضْطَرَّ بِأَنْ أَمْكَنَهُ الْقِسْمَةُ فَعَمَّرَ بِلَا أَمْرٍ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ شَرِيكُهُ يُجْبَرُ عَلَى الْعَمَلِ مَعَهُ كَكَرْيِ النَّهْرِ وَنَحْوِهِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ شَرِيكُهُ لَا يُجْبَرُ كَمَسْأَلَةِ السُّفْلِ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بَلْ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ إنْ بَنَى بِأَمْرِ الْقَاضِي، وَإِلَّا فَبِقِيمَةِ الْبِنَاءِ يَوْمَ الْبِنَاءِ وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اضْطِرَابٌ كَثِيرٌ وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا آخِرَ الشَّرِكَةِ وَكُنْتُ نَظَمْتُ ذَلِكَ بِقَوْلِي. وَإِنْ يُعَمِّرْ الشَّرِيكُ الْمُشْتَرَكْ ... بِدُونِ إذْنٍ لِلرُّجُوعِ مَا مَلَكْ إنْ لَمْ يَكُنْ لِذَاكَ مُضْطَرًّا بِأَنْ ... أَمْكَنَهُ قِسْمَةُ ذَلِكَ السَّكَنْ أَمَّا إذَا اُضْطُرَّ لِذَا وَكَانَ مَنْ ... أَبَى عَلَى التَّعْمِيرِ يُجْبَرُ فَإِنْ بِإِذْنِهِ أَوْ إذْنِ قَاضٍ يَرْجِعُ ... وَفِعْلُهُ بِدُونِ ذَا تَبَرُّعُ ثُمَّ إذَا اُضْطُرَّ وَلَا جَبْرَ كَمَا ... فِي السُّفْلِ وَالْجِدَارِ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ إنْ كَانَ بِالْإِذْنِ بَنَى ... لِذَا وَإِلَّا فَبِقِيمَةِ الْبِنَا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْعُلْوِ إذَا بَنَى السُّفْلَ، فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ صَاحِبَ السُّفْلِ مِنْ السُّكْنَى حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُضْطَرًّا وَكَذَا حَائِطٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ لَهُمَا عَلَيْهِ خَشَبٌ فَبَنَى أَحَدُهُمَا فَلَهُ مَنْعُ الْآخَرِ مِنْ وَضْعِ الْخَشَبِ حَتَّى يُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ مَبْنِيًّا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَفِيهِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لِكُلٍّ مِنْ صَاحِبِ السُّفْلِ وَالْعُلْوِ حَقٌّ فِي مِلْكِ الْآخَرِ لِذِي الْعُلْوِ حَقُّ قَرَارِهِ وَلِذِي السُّفْلِ حَقُّ دَفْعِ الْمَطَرِ وَالشَّمْسِ عَنْ السُّفْلِ اهـ ثُمَّ نَقَلَ عَنْهُ أَيْضًا لَوْ هَدَمَ ذُو السُّفْلِ سُفْلَهُ وَذُو الْعُلْوِ عُلْوَهُ أُخِذَ ذُو السُّفْلِ بِبِنَاءِ سُفْلِهِ إذْ فَوَّتَ عَلَيْهِ حَقًّا أُلْحِقَ بِالْمِلْكِ فَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ فَوَّتَ عَلَيْهِ مِلْكًا اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا جَبْرَ عَلَى ذِي الْعُلْوِ وَظَاهِرُ الْفَتْحِ خِلَافُهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا بَنَى ذُو السُّفْلِ سُفْلَهُ وَطَلَبَ مِنْ ذِي الْعُلْوِ بِنَاءَ عُلْوِهِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ اهـ أَيْ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ هَدَمَ عُلْوَهُ فَيُجْبَرُ عَلَى بِنَائِهِ بَعْدَمَا بَنَى ذُو السُّفْلِ سُفْلَهُ لَا قَبْلَهُ وَإِنَّمَا أُجْبِرَ لِأَنَّ لِذِي السُّفْلِ حَقًّا فِي الْعُلْوِ كَمَا عَلِمْتَ وَأَمَّا لَوْ انْهَدَمَ الْعُلْوُ بِلَا صُنْعِهِ فَلَا يُجْبَرُ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِيمَا لَوْ انْهَدَمَ السُّفْلُ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ سَقْفُ السُّفْلِ وَجُذُوعُهُ وَهَرَادِيهِ وَبِوَارِيهِ وَطِينُهُ لِذِي السُّفْلِ قَالَ: ذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ أَنَّ الْهَرَادِيَّ مَا يُوضَعُ فَوْقَ السَّقْفِ مِنْ قَصَبٍ أَوْ عَرِيشٍ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 444 (زَائِغَةٌ مُسْتَطِيلَةٌ) أَيْ سِكَّةٌ طَوِيلَةٌ (يَتَشَعَّبُ عَنْهَا) سِكَّةٌ (مِثْلُهَا) لَكِنْ (غَيْرُ نَافِذَةٍ) إلَى مَحَلٍّ آخَرَ (يُمْنَعُ أَهْلُ الْأُولَى عَنْ فَتْحِ بَابٍ) لِلْمُرُورِ لَا لِلِاسْتِضَاءَةِ وَالرِّيحِ عَيْنِيٌّ -   [رد المحتار] قُلْت: لَكِنْ فِي الْمُغْرِبِ عَنْ اللَّيْثِ الْهُرْدِيَّةُ قُضْبَانٌ تُضَمُّ مَلْوِيَّةً بِطَاقَاتٍ مِنْ الْكَرْمِ يُرْسَلُ عَلَيْهَا قُضْبَانُ الْكَرْمِ اهـ فَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى فِي عُرْفِنَا سَقَّالَةً هَذَا وَذَكَرَ فِي الْخَيْرِيَّةِ أَنَّ تَطْيِينَ سَقْفِ السُّفْلِ لَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَمَّا ذُو الْعُلْوِ فَلِعَدَمِ وُجُوبِ إصْلَاحِ مِلْكِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ وَإِنْ تَلِفَ الطِّينُ بِالسَّكَنِ الْمَأْذُونِ فِيهِ شَرْعًا إلَّا إذَا تَعَدَّى بِإِزَالَتِهِ فَيَضْمَنُهُ، وَأَمَّا ذُو السُّفْلِ فَلِعَدَمِ إجْبَارِهِ عَلَى إصْلَاحِ مِلْكِهِ فَإِنْ شَاءَ طَيَّنَهُ وَرَفَعَ ضَرَرَهُ وَكَفَّ الْمَاءَ عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ تَحَمَّلَ ضَرَرَهُ. [تَتِمَّةٌ] فِي الْبَحْرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ جِدَارٌ بَيْنَهُمَا، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حُمُولَةٌ فَوَهَى الْحَائِطُ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا رَفْعَهُ لِيُصْلِحَهُ وَأَبَى الْآخَرُ، يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مُرِيدُ الْإِصْلَاحِ لِلْآخَرِ ارْفَعْ حُمُولَتَكَ بِأُسْطُوَانَاتٍ وَعُمُدٍ وَيُعْلِمَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ رَفْعَهُ فِي وَقْتِ كَذَا وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ، فَلَوْ فَعَلَهُ وَإِلَّا فَلَهُ رَفْعُ الْجِدَارِ فَلَوْ سَقَطَتْ حُمُولَتُهُ لَمْ يَضْمَنْ اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ مَا إذَا احْتَاجَ السُّفْلُ إلَى الْعِمَارَةِ فَتَعْلِيقُ الْعُلْوِ عَلَى صَاحِبِهِ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ لَمْ أَجِدْ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ زَائِغَةٌ مُسْتَطِيلَةٌ) وَفِي التَّهْذِيبِ: الزَّائِغَةُ الطَّرِيقُ الَّذِي حَادَ عَنْ الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ اهـ مِنْ زَاغَتْ الشَّمْسُ إذَا مَالَتْ وَالْمُسْتَطِيلَةُ الطَّوِيلَةُ مِنْ اسْتَطَالَ بِمَعْنَى طَالَ أَفَادَ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ مِثْلُهَا) أَيْ طَوِيلَةٌ احْتِرَازًا عَنْ الْمُسْتَدِيرَةِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ لَكِنْ غَيْرُ نَافِذَةٍ) أَفَادَ أَنَّ الْأُولَى نَافِذَةٌ وَقَدْ قَالَ فِي الْبَحْرِ أَطْلَقَهَا أَيْ الْأُولَى تَبَعًا لِأَكْثَرِ الْكُتُبِ، وَقَيَّدَهَا فِي النِّهَايَةِ تَبَعًا لِلْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ والتمرتاشي بِغَيْرِ النَّافِذَةِ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ مِثْلُهَا غَيْرُ نَافِذَةٍ اهـ أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ غَيْرَ نَافِذَةٍ بَيَانٌ لِوَجْهِ الْمُمَاثَلَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْمُتَبَادِرُ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي الطُّولِ وَغَيْرَ نَافِذَةٍ حَالٌ لِبَيَانِ قَيْدٍ زَائِدٍ فِيهَا عَلَى الْأُولَى، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا تَكُونَ الثَّانِيَةُ مُقَيَّدَةً بِكَوْنِهَا طَوِيلَةً، فَيَشْمَلُ الْمُسْتَدِيرَةَ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَاسْتَظْهَرَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ إطْلَاقَ الْأُولَى إذْ لَا عِبْرَةَ بِكَوْنِهَا نَافِذَةً أَوْ غَيْرَ نَافِذَةٍ لِامْتِنَاعِ مُرُورِ أَهْلِهَا فِي الثَّانِيَةِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْمُتَشَعِّبَةِ كَمَا يَأْتِي. قُلْتُ: لَكِنْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ فِي الْأُولَى بَيْنَ النَّافِذَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا تَعْرِفُهُ. (قَوْلُهُ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ) مُتَعَلِّقٌ بِنَافِذَةٍ وَالْمُرَادُ بِهِ الطَّرِيقُ الْعَامُّ أَوْ مَا يُتَوَصَّلُ مِنْهُ إلَيْهِ احْتِرَازًا عَنْ النَّافِذَةِ إلَى سِكَّةٍ أُخْرَى غَيْرِ نَافِذَةٍ. مَطْلَبٌ فِي فَتْحِ بَابٍ آخَرَ لِلدَّارِ (قَوْلُهُ عَنْ فَتْحِ بَابٍ لِلْمُرُورِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَا يُمْنَعُ مِنْ فَتْحِ الْبَابِ بَلْ مِنْ الْمُرُورِ لِأَنَّ لَهُ رَفْعَ كُلِّ جِدَارِهِ فَكَذَا لَهُ رَفْعُ بَعْضِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الْفَتْحِ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ بِنَصِّ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ وَلِأَنَّ الْمَنْعَ بَعْدَ الْفَتْحِ لَا يُمْكِنُ إذْ تَمَكُّنُ مُرَاقَبَتِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا فِي الْخُرُوجِ لِيَخْرُجَ وَلِأَنَّهُ عَسَاهُ يَدَّعِي بَعْدَ تَرْكِيبِ الْبَابِ وَطُولِ الزَّمَانِ حَقًّا فِي الْمُرُورِ وَيَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ بِتَرْكِيبِ الْبَابِ اهـ. (قَوْلُهُ لَا لِلِاسْتِضَاءَةِ وَالرِّيحِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَلَكِنْ هَذَا فِيمَا إذَا أَرَادَ بِفَتْحِ الْبَابِ الْمُرُورَ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ اسْتِحْسَانًا وَإِذَا أَرَادَ بِهِ الِاسْتِضَاءَةَ وَالرِّيحَ دُونَ الْمُرُورِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ كَذَا نَقَلَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ اهـ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 445 (فِي الْقُصْوَى) الْغَيْرِ النَّافِذَةِ عَلَى الصَّحِيحِ إذْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْمُرُورِ بِخِلَافِ النَّافِذَةِ (وَفِي زَائِغَةٍ مُسْتَدِيرَةٍ لُزِقَ) أَيْ اتَّصَلَ (طَرَفَاهَا) أَيْ نِهَايَةُ سَعَةِ اعْوِجَاجِهَا بِالْمُسْتَطِيلَةِ (لَا) يُمْنَعُ لِأَنَّهَا كَسَاحَةٍ مُشْتَرَكَةٍ فِي دَارٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ مُرَبَّعَةً فَإِنَّهَا كَسِكَّةٍ فِي سِكَّةٍ وَلِذَا يُمْكِنُهُمْ نَصْبُ الْبَوَّابَةِ ابْنُ كَمَالٍ بِهَذِهِ الصُّورَةِ.   [رد المحتار] قُلْت: هَذَا إذَا كَانَ الْبَابُ عَالِيًا لَا يَصْلُحُ لِلْمُرُورِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ الْمَارُّ وَإِلَّا كَانَ قَوْلَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ بِعَيْنِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصَحِّ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُهُ وَهُوَ مَسْأَلَةُ الطَّاقَةِ الْآتِيَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ فِي الْقُصْوَى) أَيْ الْبُعْدَى وَهِيَ الْمُتَشَعِّبَةُ مِنْ الْأُولَى الْغَيْرِ النَّافِذَةِ أَمَّا النَّافِذَةُ فَلَا مَنْعَ مِنْ الْفَتْحِ فِيهَا لِأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ حَقَّ الْمُرُورِ فِيهَا. (قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) مُقَابِلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْفَتْحِ بَلْ مِنْ الْمُرُورِ. (قَوْلُهُ إذْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْمُرُورِ) أَيْ لَا حَقَّ لِأَهْلِ الزَّائِغَةِ الْأُولَى فِي الْمُرُورِ فِي الزَّائِغَةِ الْقُصْوَى، بَلْ هُوَ لِأَهْلِهَا عَلَى الْخُصُوصِ، وَلِذَا لَوْ بِيعَتْ دَارٌ فِي الْقُصْوَى لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْأُولَى شُفْعَةٌ فِيهَا كَذَا فِي الْفَتْحِ: أَيْ لَا شُفْعَةَ لَهُمْ بِحَقِّ الشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ إذْ لَوْ كَانَ جَارًا مُلَاصِقًا كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ بِخِلَافِ أَهْلِ الْقُصْوَى، فَإِنَّ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا فِي الْأُولَى لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْمُرُورِ فِيهَا اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ: هَذَا إذَا فَتَحَ فِي جَانِبٍ يَدْخُلُ مِنْهُ إلَيْهَا، أَمَّا فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ غَيْرِ النَّافِذِ فَلَا اهـ وَفِيهِ فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ يُفِيدُهَا التَّعْلِيلُ أَيْضًا، وَهِيَ أَنَّ الزَّائِغَةَ الْأُولَى إذَا كَانَتْ غَيْرَ نَافِذَةٍ وَأَرَادَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْقُصْوَى فَتْحَ بَابٍ فِي الْأُولَى لَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ دَارُهُ مُتَّصِلَةً بِرُكْنِ الْأُولَى، وَكَانَتْ مِنْ جَانِبِ الدُّخُولِ إلَى الْقُصْوَى أَمَّا لَوْ كَانَتْ مِنْ الْجَانِبِ الثَّانِي فَلَا، إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمُرُورِ فِي الْجَانِبِ الثَّانِي، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْأُولَى نَافِذَةً فَإِنَّ لَهُ الْمُرُورَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَيَكُونُ لَهُ فَتْحُ الْبَابِ مِنْ الْجَانِبِ الثَّانِي أَيْضًا، وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ كَوْنِ الْأُولَى نَافِذَةً أَوْ لَا خِلَافًا لِمَا مَرَّ عَنْ الرَّمْلِيِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ الْفَتْحِ مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِ الْأُولَى نَافِذَةً وَإِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ نَافِذَةٍ يُدَّعَى تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ. [تَنْبِيهٌ] يُعْلَمُ مِمَّا هُنَا أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ فَتْحَ بَابٍ أَسْفَلَ مِنْ بَابِهِ وَالسِّكَّةُ غَيْرُ نَافِذَةٍ يُمْنَعُ مِنْهُ وَقِيلَ لَا وَفِي كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ اخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ وَالْفَتْوَى قَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ وَالْمُتُونُ عَلَى الْمَنْعِ فَلْيَكُنْ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَفِي زَائِغَةٍ مُسْتَدِيرَةٍ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ يَتَشَعَّبُ عَنْهَا مِثْلُهَا، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا الطَّوِيلَةُ وَيُقَابِلُهَا الْمُسْتَدِيرَةُ وَفِي حَاشِيَةِ الْوَانِيِّ عَلَى الدُّرَرِ هَذَا إذَا كَانَتْ أَيْ الْمُسْتَدِيرَةُ مِثْلَ نِصْفِ دَائِرَةٍ أَوْ أَقَلَّ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَا يُفْتَحُ فِيهَا الْبَابُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأُولَى تَصِيرُ سَاحَةً مُشْتَرَكَةً بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ دَاخِلُهَا أَوْسَعَ مِنْ مَدْخَلِهَا يَصِيرُ مَوْضِعًا آخَرَ غَيْرَ تَابِعٍ لِلْأَوَّلِ كَذَا قِيلَ اهـ وَقَائِلُهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَمُنْلَا مِسْكِينٌ وَرَدَّهُ ابْنُ كَمَالٍ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا كَسَاحَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: لِأَنَّ لِكُلٍّ حَقَّ الْمُرُورِ إذْ هِيَ سَاحَةٌ مُشْتَرَكَةٌ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ فِيهَا اعْوِجَاجًا وَلِهَذَا يَشْتَرِكُونَ فِي الشُّفْعَةِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ مِنْهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَلِذَا يُمْكِنُهُمْ نَصْبُ الْبَوَّابَةِ) لَمْ أَرَ فِيمَا عِنْدِي مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ لَفْظَ الْبَوَّابَةِ وَهِيَ فِي عُرْفِ النَّاسِ الْيَوْمُ اسْمُ الْبَابِ الْكَبِيرِ الَّذِي يُنْصَبُ فِي رَأْسِ السِّكَّةِ أَوْ الْمَحَلَّةِ مَثَلًا وَعِبَارَةُ ابْنِ كَمَالٍ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ وَلِذَا يُمْكِنُهُمْ نَصْبُ الدَّرْبِ، وَفِي الْقَامُوسِ، الدَّرْبُ بَابُ السِّكَّةِ الْوَاسِعُ وَالْبَابُ الْأَكْبَرُ جَمْعُهُ دِرَابٌ. (قَوْلُهُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ) اخْتَلَفَتْ النُّسَخُ فِي كَيْفِيَّةِ رَقْمِهَا وَلْنُصَوِّرْهَا بِصُورَةٍ جَامِعَةٍ لِلْمُسْتَطِيلَةِ الْمُتَشَعِّبِ عَنْهَا مُسْتَطِيلَةٌ مِثْلُهَا نَافِذَةً وَغَيْرَ نَافِذَةٍ وَمُسْتَدِيرَةٌ وَمُرَبَّعَةٌ هَكَذَا: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 446 (وَلَا يُمْنَعُ الشَّخْصُ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِهِ إلَّا إذَا كَانَ الضَّرَرُ) بِجَارِهِ ضَرَرًا -   [رد المحتار] فَالدَّارُ الثَّالِثَةُ الَّتِي فِي رُكْنِ الْمُتَشَعِّبَةِ الْغَيْرِ النَّافِذَةِ لَوْ كَانَ بَابُهَا فِي الطَّوِيلَةِ يُمْنَعُ صَاحِبُهَا عَنْ فَتْحِ الْبَابِ فِي الْمُتَشَعِّبَةِ الْغَيْرِ النَّافِذَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْمُرُورِ فِيهَا وَلَوْ كَانَ بَابُهَا فِي الْمُتَشَعِّبَةِ لَا يُمْنَعُ مِنْ فَتْحِ بَابٍ فِي الْأُولَى الطَّوِيلَةِ وَأَمَّا الدَّارُ الرَّابِعَةُ الَّتِي فِي الرُّكْنِ الثَّانِي لَوْ كَانَ بَابُهَا فِي الطَّوِيلَةِ يُمْنَعُ مِنْ فَتْحِهِ فِي الْمُتَشَعِّبَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي الْمُتَشَعِّبَةِ يُمْنَعُ مِنْ فَتْحِهِ فِي الطَّوِيلَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْمُرُورِ فِي ذَلِكَ الْجَانِبِ لَكِنْ هَذَا إذَا كَانَتْ الطَّوِيلَةُ غَيْرَ نَافِذَةٍ بِخِلَافِ النَّافِذَةِ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْمُرُورِ حِينَئِذٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا قُلْنَا فِيمَا مَرَّ. وَأَمَّا الدَّارُ الْخَامِسَةُ الَّتِي فِي الرُّكْنِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُتَشَعِّبَةِ الثَّانِيَةِ النَّافِذَةِ فَلِصَاحِبِهَا فَتْحُ بَابٍ فِيهَا وَفِي الطَّوِيلَةِ بِخِلَافِ الدَّارِ السَّادِسَةِ الَّتِي فِي الرُّكْنِ الثَّانِي مِنْ الْمُتَشَعِّبَةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ بَابُهُ فِيهَا يُمْنَعُ مِنْ الْفَتْحِ فِي الطَّوِيلَةِ لَوْ غَيْرَ نَافِذَةٍ لَا لَوْ نَافِذَةً لِمَا عَلِمْتَ. مَطْلَبٌ اقْتَسَمُوا دَارًا وَأَرَادَ كُلٌّ مِنْهُمْ فَتْحَ بَابٍ لَهُمْ ذَلِكَ. [تَتِمَّةٌ] فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي مِنْ كِتَابِ الْقِسْمَةِ دَارٌ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ بَيْنَ جَمَاعَةٍ اقْتَسَمُوهَا وَأَرَادَ كُلٌّ مِنْهُمْ فَتْحَ بَابٍ وَحْدَهُ لَيْسَ لِأَهْلِ السِّكَّةِ مَنْعُهُمْ. قُلْتُ: يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا أَرَادُوا فَتْحَ الْأَبْوَابِ فِيمَا قَبْلَ الْبَابِ الْقَدِيمِ لَا فِيمَا بَعْدَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْخَيْرِيَّةِ مِنْ التَّعْوِيلِ عَلَى مَا فِي الْمُتُونِ نَعَمْ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الْمُصَحَّحِ أَيْضًا لَا تَفْصِيلَ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُنْيَةِ دَارٌ لِرَجُلٍ بَابُهَا فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ فَاشْتَرَى بِجَنْبِهَا دَارًا بَابُهَا فِي سِكَّةٍ أُخْرَى لَهُ فَتْحُ بَابٍ لَهَا فِي دَارِهِ الْأُولَى لَا فِي السِّكَّةِ الْأُولَى وَبِهِ أَفْتَى أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو اللَّيْثِ وَقَالَ أَبُو نُصَيْرٍ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَ السِّكَّةِ شُرَكَاءُ فِيهَا بِدَلِيلِ ثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ لِلْكُلِّ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَلَا يُمْنَعُ الشَّخْصُ إلَخْ) هَذِهِ الْقَاعِدَةُ تُخَالِفُ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي قَبْلَهَا فَإِنَّ الْمَنْعَ فِيهَا مِنْ تَصَرُّفِ ذِي السُّفْلِ مُطْلَقٌ عَنْ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ مُضِرًّا ضَرَرًا بَيِّنًا أَوْلَى وَهُنَا الْمَنْعُ مُقَيَّدٌ بِالضَّرَرِ الْبَيِّنِ وَلَا سِيَّمَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْآتِي مِنْ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مُطْلَقًا نَعَمْ عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْمُخْتَارَ الْمَنْعُ فِي الضَّرَرِ الْبَيِّنِ وَالْمُشْكِلِ تَنْدَفِعُ الْمُخَالَفَةُ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ لَيْسَتْ مِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَإِنَّ مَا هُنَا فِي تَصَرُّفِ الشَّخْصِ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ الَّذِي لَا حَقَّ لِلْجَارِ فِيهِ وَمَا مَرَّ فِي تَصَرُّفِهِ فِيمَا فِيهِ حَقٌّ لِلْجَارِ، فَإِنَّ السُّفْلَ وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِصَاحِبِهِ إلَّا أَنَّ لِذِي الْعُلْوِ حَقًّا فِيهِ فَلِذَا أَطْلَقَ الْمَنْعَ فِيهِ وَلِذَا لَوْ هَدَمَ ذُو السُّفْلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 447 (بَيِّنًا) فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بَزَّازِيَّةٌ، وَاخْتَارَهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ وَأَفْتَى بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ، حَتَّى يَمْنَعُ الْجَارَ مِنْ فَتْحِ الطَّاقَةِ، وَهَذَا جَوَابُ الْمَشَايِخِ اسْتِحْسَانًا، وَجَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَدَمُ الْمَنْعِ مُطْلَقًا وَبِهِ أَفْتَى طَائِفَةٌ، كَالْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ وَابْنِ الشِّحْنَةِ وَوَالِدِهِ وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ وَفِي قِسْمَةِ الْمُجْتَبَى وَبِهِ يُفْتَى، وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ ثَمَّةَ فَقَالَ: وَقَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ قُلْتُ: وَحَيْثُ تَعَارَضَ مَتْنُهُ وَشَرْحُهُ فَالْعَمَلُ عَلَى الْمُتُونِ كَمَا تَقَرَّرَ مِرَارًا فَتَدَبَّرْ. قُلْتُ: وَبَقِيَ مَا لَوْ أَشْكَلَ هَلْ يَضُرُّ أَمْ لَا، وَقَدْ حَرَّرَ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ الْمَنْعَ -   [رد المحتار] سُفْلَهُ يُؤْمَرُ بِإِعَادَتِهِ بِخِلَافِ مَا هُنَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَاغْتَنِمْهُ. (قَوْلُهُ بَيِّنًا) أَيْ ظَاهِرًا وَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ وَاخْتَارَهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ) حَيْثُ قَالَ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَنْ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ وَلَوْ أَضَرَّ بِغَيْرِهِ لَكِنْ تُرِكَ الْقِيَاسُ فِي مَحَلٍّ يُضِرُّ بِغَيْرِهِ ضَرَرًا بَيِّنًا وَقِيلَ بِالْمَنْعِ وَبِهِ أَخَذَ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. قُلْتُ: قَوْلُهُ وَقِيلَ بِالْمَنْعِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى قَوْلِهِ تُرِكَ الْقِيَاسُ فَلَيْسَ قَوْلًا ثَالِثًا، نَعَمْ وَقَعَ فِي الْخَيْرِيَّةِ: وَقِيلَ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا إلَخْ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ قَوْلٌ ثَالِثٌ بِالْمَنْعِ سَوَاءٌ كَانَ الضَّرَرُ بَيِّنًا أَوْ لَا لَكِنْ عَزَا فِي الْخَيْرِيَّةِ ذَلِكَ إلَى التَّتَارْخَانِيَّة وَالْعِمَادِيَّةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْعِمَادِيَّةِ كَمَا رَأَيْتَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَ مُطْلَقًا سَبْقُ قَلَمٍ؛ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْفَتْحِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنْ يَفْعَلَ الْمَالِكُ مَا بَدَا لَهُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ لَكِنْ تُرِكَ الْقِيَاسُ فِي مَوْضِعٍ يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ إلَى غَيْرِهِ ضَرَرًا فَاحِشًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْبَيِّنِ وَهُوَ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْهَدْمِ، أَوْ يَخْرُجُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ مَا يَمْنَعُ الْحَوَائِجَ الْأَصْلِيَّةَ كَسَدِّ الضَّوْءِ بِالْكُلِّيَّةِ وَاخْتَارُوا الْفَتْوَى عَلَيْهِ فَأَمَّا التَّوَسُّعُ إلَى مَنْعِ كُلِّ ضَرَرٍ مَا فَيَسُدُّ بَابَ انْتِفَاعِ الْإِنْسَانِ بِمِلْكِهِ كَمَا ذَكَرْنَا قَرِيبًا اهـ مُلَخَّصًا فَانْظُرْ كَيْفَ جَعَلَ الْمُفْتَى بِهِ الْقِيَاسَ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الضَّرَرُ بَيِّنًا لَا مُطْلَقًا، وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ لَهُ شَجَرَةٌ مَمْلُوكَةٌ يَسْتَظِلُّ بِهَا جَارُهُ وَأَرَادَ قَطْعَهَا أَنْ يُمْنَعَ لِتَضَرُّرِ الْجَارِ بِهِ كَمَا قَرَّرَهُ فِي الْفَتْحِ قَبْلَهُ. قُلْتُ: وَأَفْتَى الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ أَنَّ سَدَّ الضَّوْءِ بِالْكُلِّيَّةِ مَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ الْكِتَابَةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لِلْمَكَانِ كَوَّتَانِ مَثَلًا فَسَدَّ الْجَارُ ضَوْءَ إحْدَاهُمَا بِالْكُلِّيَّةِ لَا يُمْنَعُ إذَا كَانَ يُمْكِنُ الْكِتَابَةُ بِضَوْءِ الْأُخْرَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ضَوْءَ الْبَابِ لَا يُعْتَبَرُ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ لِغَلْقِهِ لِبَرْدٍ وَنَحْوِهِ كَمَا حَرَّرْتُهُ فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ. وَفِي الْبَحْرِ: وَذَكَرَ الرَّازِيّ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ فِي دَارِهِ تَنُّورًا لِلْخَبْزِ الدَّائِمِ كَمَا يَكُونُ فِي الدَّكَاكِينِ أَوْ رَحَى لِلطَّحْنِ أَوْ مِدَقَّاتٍ لِلْقَصَّارِينَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يُضِرُّ بِجِيرَانِهِ ضَرَرًا فَاحِشًا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَأْتِي مِنْهُ الدُّخَانُ الْكَثِيرُ، وَالرَّحَى وَالدَّقُّ يُوهِنُ الْبِنَاءَ، بِخِلَافِ الْحَمَّامِ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَّا بِالنَّدَاوَةِ وَيُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ بِأَنْ يَبْنِيَ حَائِطًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَارِهِ، بِخِلَافِ التَّنُّورِ الْمُعْتَادِ فِي الْبُيُوتِ اهـ وَصَحَّحَ النَّسَفِيُّ فِي حَمَّامٍ أَنَّ الضَّرَرَ لَوْ فَاحِشًا يُمْنَعُ وَإِلَّا فَلَا وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ حَتَّى يَمْنَعُ الْجَارَ مِنْ فَتْحِ الطَّاقَةِ) أَيْ يَكُونُ فِيهَا ضَرَرٌ بَيِّنٌ بِقَرِينَةِ مَا قَبْلَهُ وَهُوَ مَا أَفْتَى بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ لَمَّا سُئِلَ هَلْ يُمْنَعُ الْجَارُ أَنْ يَفْتَحَ كَوَّةً يُشْرِفُ مِنْهَا عَلَى جَارِهِ وَعِيَالِهِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ اهـ، وَفِي الْمِنَحِ عَنْ الْمُضْمِرَاتِ شَرْحُ الْقُدُورِيِّ: إذَا كَانَتْ الْكَوَّةُ لِلنَّظَرِ وَكَانَتْ السَّاحَةُ مَحَلَّ الْجُلُوسِ لِلنِّسَاءِ يُمْنَعُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَأَقُولُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ حَيْثُ كَانَتْ الْعِلَّةُ الضَّرَرَ الْبَيِّنَ لِوُجُودِهَا فِيهِمَا. (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ) حَيْثُ قَالَ وَالْوَجْهُ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. (قَوْلُهُ ثَمَّةَ) أَيْ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ فِي الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ فَالْعَمَلُ عَلَى الْمُتُونِ) قَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا لَا يُقَالُ فِي كُلِّ مَتْنٍ مَعَ شَرْحٍ بَلْ هَذَا فِي نَحْوِ الْمُتُونِ الْقَدِيمَةِ ط أَيْ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مِنْ مَسَائِلِهَا وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 448 قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ السُّفْلِ وَالْعُلُوِّ أَنَّهُ لَا يَتِدُ إذَا أَضَرَّ وَكَذَا إنْ أَشْكَلَ عَلَى الْمُخْتَارِ لِلْفَتْوَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، قَالَ الْمُحَشِّي فَكَذَا تَصَرُّفُهُ فِي مِلْكِهِ إنْ أَضَرَّ أَوْ أَشْكَلَ (يُمْنَعُ وَإِنْ لَمْ يُضِرَّ لَمْ يُمْنَعْ) قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ، فَلْيُغْتَنَمْ فَإِنَّهُ مِنْ خَوَاصِّ كِتَابِي انْتَهَى. (ادَّعَى) عَلَى آخَرَ (هِبَةً) مَعَ قَبْضٍ (فِي وَقْتٍ فَسُئِلَ) الْمُدَّعِي (بَيِّنَةً فَقَالَ) قَدْ (جَحَدَنِيهَا) أَيْ الْهِبَةَ (فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْهُ أَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ) أَيْ جَحَدَنِيهَا.   [رد المحتار] الشَّارِحِ الْمَيْلُ إلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَتْنِهِ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِدَفْعِ الضَّرَرِ الْبَيِّنِ عَنْ الْجَارِ الْمَأْمُورِ بِإِكْرَامِهِ، وَلِذَا كَانَ هُوَ الِاسْتِحْسَانَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ مَشَايِخُ الْمَذْهَبِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُعْتَمَدَانِ يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا بِمَا ذَكَرْنَا وَالْآخَرُ بِكَوْنِهِ أَصْلَ الْمَذْهَبِ. (قَوْلُهُ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ السُّفْلِ إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ مَعَ أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ وَذَلِكَ أَنَّكَ عَلِمْتَ أَنَّ أَصْلَ الْمَذْهَبِ فِي مَسْأَلَتِنَا عَدَمُ الْمَنْعِ مُطْلَقًا لِكَوْنِهِ تَصَرُّفًا فِي خَالِصِ مِلْكِهِ، وَخَالَفَ الْمَشَايِخُ أَصْلَ الْمَذْهَبِ فِيمَا إذَا كَانَ الضَّرَرُ بَيِّنًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْبَيِّنِ مُخْرِجٌ لِلْمُشْكِلِ فَالْقَوْلُ بِمَنْعِ الْمُشْكِلِ مُخَالِفٌ لِلْقَوْلَيْنِ وَقِيَاسُهُ عَلَى الْمُشْكِلِ فِي مَسْأَلَةِ السُّفْلِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْمُتُونَ الْمَوْضُوعَةَ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ مَاشِيَةٌ عَلَى مَنْعِ التَّصَرُّفِ فِيهَا عَكْسَ مَسْأَلَتِنَا. وَذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّ الْمُخْتَارَ تَقْيِيدُ الْمَنْعِ بِالْمُضِرِّ أَوْ الْمُشْكِلِ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِكَوْنِهِ تَصَرُّفًا فِيمَا لِلْجَارِ فِيهِ حَقٌّ وَهُوَ صَاحِبُ الْعُلْوِ فَالْأَصْلُ فِيهِ عَدَمُ جَوَازِ التَّصَرُّفِ إلَّا بِإِذْنِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْجَوَازُ لِكَوْنِهِ تَصَرُّفًا فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَإِلْحَاقُ الْمُشْكِلِ فِيهَا بِالْمُشْكِلِ فِي الْأُولَى غَيْرُ صَحِيحٍ فَافْهَمْ وَهَذَا آخِرُ مَا حَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ بِخَطِّهِ مِنْ هَذَا الْجُزْءِ، وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْأَجْزَاءِ فَتَمَّمَهَا بِنَفْسِهِ قَبْلَ حُلُولِ رَمْسِهِ، فَبَادَرَ نَجْلُهُ السَّعِيدُ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ عَلَاءُ الدِّينِ إلَى تَكْمِلَةِ الْجُزْءِ الْمَذْكُورِ بِتَجْرِيدِ الْهَوَامِشِ الَّتِي بِخَطِّ وَالِدِهِ وَغَيْرِهَا عَلَى الشَّرْحِ فَقَالَ: (بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم) بِالْمَيْلِ لِبَابِكَ يُجْبَرُ ثَلْمُ الْقُلُوبِ، وَبِالتَّرَقُّبِ لِهُبُوبِ نَسَمَاتِ مِنَحِكَ يُضْرَبُ عَلَى صَفَحَاتِ ثُقَبِ الْغُيُوبِ، يَا مَنْ بَصُرَ بِعَظِيمِ قُدْرَتِهِ الْعِبَادَ وَقَهَرَهُمْ بِهَا فَلَا يَكُونُ إلَّا مَا أَرَادَ، فَنَحْمَدُهُ بِالْحَمْدِ اللَّائِقِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى آلَائِهِ بِالشُّكْرِ الْفَائِقِ وَنُصَلِّي وَنُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ الْمُكَمِّلِ لِأُمَّتِهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ لَهِجَ بِدَعْوَتِهِ. وَبَعْدُ فَإِنَّ الْعَالِمَ الْعَامِلَ وَالْعَلَّامَةَ الْكَامِلَ، وَحِيدَ الدَّهْرِ، وَفَرِيدَ الْعَصْرِ، سَيِّدَ الزَّمَانِ، وَسَعْدَ الْأَقْرَانِ، يَعْسُوبَ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ، وَمَرْجِعَ الْجَهَابِذَةِ الْفَاضِلِينَ، وَمُؤَلِّفَ هَذِهِ الْحَاشِيَةِ الْمَرْحُومَ سَيِّدِي وَأُسْتَاذِي وَوَالِدِي السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ أَفَنْدِي عَابِدِينَ، سَقَى اللَّهُ ثَرَاهُ صَوْبَ الْغُفْرَانِ، وَجَمَعَنَا وَإِيَّاهُ فِي مُسْتَقَرِّ رَحْمَتِهِ، وَأَسْكَنَنَا بُحْبُوحَةَ جَنَّتِهِ لَمَّا وَصَلَ إلَى هَذَا الْمَحَلِّ مِنْ الْكِتَابِ اشْتَاقَ إلَى مُشَاهَدَةِ رَبِّ الْأَرْبَابِ، فَنَزَلَ حِيَاضَ الْمَنُونِ، وَآثَرَ الْجَدَثَ الَّذِي لَيْسَ بِمَسْكُونٍ. وَكَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَدَأَ أَوَّلًا فِي التَّأْلِيفِ مِنْ الْإِجَارَةِ إلَى الْآخِرِ، ثُمَّ مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابِ إلَى انْتِهَاءِ هَذَا التَّحْرِيرِ الْفَاخِرِ وَتَرَكَ عَلَى نُسْخَتِهِ الدُّرَّ بَعْضَ تَعْلِيقَاتٍ وَتَحْرِيرَاتٍ وَاعْتِرَاضَاتٍ قَدْ كَادَ تَدَاوُلُ الْأَيْدِي أَنْ يُذْهِبَهَا لِعَدَمِ مَنْ يُذْهِبُهَا مَذْهَبَهَا، فَأَرَدْت أَنْ أُجَرِّدَ مَا كَتَبَهُ وَالِدِي عَلَى نُسْخَتِهِ، وَأُلْحِقَهُ بِمُسْوَدَّتِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ خَوْفَ الْغَلَطِ وَنَسَبْتِهِ إلَيْهِ، وَإِنْ رَأَيْتُ حَاشِيَةً لَيْسَتْ مِنْ خَطِّهِ أُنَبِّهُ عَلَيْهَا بِقَوْلِي كَذَا أَوْ ذَكَرَ أَوْ فِي أَوْ قَالَهُ فِي الْهَامِشِ لِعِلْمِي بِأَنَّهُ أَقَرَّهَا وَإِلَّا شَطَبْتُ عَلَيْهَا، وَمَعَ هَذَا يَلْزَمُ التَّنْبِيهُ كَمَا تَرَى، وَاَللَّهُ يَعْلَمُ وَيَرَى، وَمِنْهُ أَطْلُبُ الْإِعَانَةَ وَالتَّوْفِيقَ لِأَقْوَمِ طَرِيقٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَفَعَنَا بِهِ وَرَضِيَ عَنْهُ آمِينَ. (قَوْلُهُ ادَّعَى عَلَى آخَرَ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانُ: ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 449 وَمُفَادُهُ الِاكْتِفَاءُ بِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ وَهُوَ مُخْتَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَقْوَالٍ أَرْبَعَةٍ، وَاخْتَارَ الْخُجَنْدِيُّ أَنَّهُ يَكْفِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا مِنْ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ وَذَاكَ دَافِعٌ، وَالظَّاهِرُ يَكْفِي لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ بَزَّازِيَّةٌ (فَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الشِّرَاءِ بَعْدَ وَقْتِهَا) أَيْ وَقْتَ الْهِبَةِ (تُقْبَلُ فِي الصُّورَتَيْنِ وَقَبْلَهُ لَا) لِوُضُوحِ التَّوْفِيقِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَظُهُورِ التَّنَاقُضِ فِي الثَّانِي، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ لَهُمَا تَارِيخًا أَوْ ذَكَرَ لِأَحَدِهِمَا تُقْبَلُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بِتَأْخِيرِ الشِّرَاءِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْكَلَامَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ الثَّانِي فَقَطْ خِلَافٌ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي بَحْرٌ لِأَنَّ بِهِ التَّنَاقُضَ وَالتَّنَاقُضُ يَرْتَفِعُ بِتَصْدِيقِ الْخَصْمِ وَبِقَوْلِ الْمُتَنَاقِضِ تَرَكْتُ الْأَوَّلَ وَادَّعَى بِكَذَا أَوْ بِتَكْذِيبِ الْحَاكِمِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ (كَمَا لَوْ ادَّعَى أَوَّلًا أَنَّهَا) أَيْ الدَّارَ مَثَلًا (وَقْفٌ عَلَيْهِ ثُمَّ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ) أَوْ ادَّعَاهَا لِغَيْرِهِ ثُمَّ ادَّعَاهَا (لِنَفْسِهِ) لَمْ تُقْبَلْ لِلتَّنَاقُضِ، وَقِيلَ تُقْبَلُ إنْ وَفَّقَ بِأَنْ قَالَ كَانَ لِفُلَانٍ ثُمَّ اشْتَرَيْتُهُ دُرَرٌ فِي أَوَاخِرِ الدَّعْوَى. قَالَ (وَلَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ) لِنَفْسِهِ (أَوَّلًا ثُمَّ) ادَّعَى (الْوَقْفَ)   [رد المحتار] أَخَذَ مِنْهُ مَالًا وَبَيَّنَ الْمَالَ وَوَصْفَهُ وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ أَخَذَ فُلَانٌ آخَرُ هَذَا الْمَالَ الْمُسَمَّى فَأَنْكَرَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إبْطَالًا لِدَعْوَى الْأَوَّلِ. لِأَنَّ مِنْ حُجَّةِ الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ أَخَذَهُ مِنِّي فُلَانٌ آخَرُ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَيَّ وَأَخَذَهُ مِنِّي هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ قَوْلِهِ أَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ ح. (قَوْلُهُ بِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ) نَقَلَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ، وَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّ التَّوْفِيقَ بِالْفِعْلِ شَرْطٌ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَجَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي. (قَوْلُهُ وَهُوَ مُخْتَارُ إلَخْ) قَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ فِي فَصْلِ الْفُضُولِيِّ بِأَنْ لَا يَكُونَ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ مِنْ أَقْوَالٍ أَرْبَعَةٍ) وَهِيَ كِفَايَةُ إمْكَانِ التَّوْفِيقِ مُطْلَقًا، وَعَدَمُ كِفَايَتِهِ مُطْلَقًا، وَكِفَايَتُهُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا مِنْ الْمُدَّعِي، وَكِفَايَتُهُ إنْ اتَّحَدَ وَجْهُ التَّوْفِيقِ لَا إنْ تَعَدَّدَتْ وُجُوهُهُ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ بَعْدَ وَقْتِهَا) ظَرْفٌ لِلشِّرَاءِ كَقَبْلَهُ ح. (قَوْلُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ) يَعْنِي مَا إذَا قَالَ جَحَدَنِيهَا أَوْ لَمْ يَقُلْ ح. (قَوْلُهُ فِي الثَّانِي) لِأَنَّهُ يَدَّعِي الشِّرَاءَ بَعْدَ الْهِبَةِ وَشُهُودَهُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِهِ قَبْلَهَا وَهُوَ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ لَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا، وَمُرَادُهُمْ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ وَإِلَّا فَالْمُدَّعِي لَا تَنَاقُضَ مِنْهُ لِأَنَّهُ مَا ادَّعَى الشِّرَاءَ سَابِقًا عَلَى الْهِبَةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الثَّانِي إلَخْ) وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِهِ التَّنَاقُضُ مِنَحٌ. وَفِي النَّهْرِ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ: وَالْأَوْجَهُ عِنْدِي اشْتِرَاطُهُمَا عِنْدَ الْحَاكِمِ إذْ مِنْ شَرَائِطِ الدَّعْوَى كَوْنُهَا لَدَيْهِ اهـ وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي بَلْ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا، لِأَنَّ الَّذِي حَصَلَ سَابِقًا عَلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ لِيَتَرَتَّبَ عَلَى مَا عِنْدَهُ حُصُولُ التَّنَاقُضِ، وَالثَّابِتُ بِالْبَيَانِ كَالثَّابِتِ بِالْعِيَانِ فَكَأَنَّهُمَا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَاَلَّذِي شَرَطَ كَوْنَهُمَا فِي مَجْلِسِهِ يَعُمُّ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ فِي السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ انْتَهَى وَهُوَ حَسَنٌ. (قَوْلُهُ أَوْ بِتَكْذِيبِ الْحَاكِمِ) كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ كَفَلَ لَهُ عَنْ مَدْيُونِهِ بِأَلْفٍ فَأَنْكَرَ الْكَفَالَةَ وَبَرْهَنَ الدَّائِنُ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْ مَدْيُونِهِ وَحَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ وَأَخَذَ الْمَكْفُولُ مِنْهُ الْمَالَ ثُمَّ إنَّ الْكَفِيلَ ادَّعَى عَلَى الْمَدْيُونِ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ يُقْبَلُ عِنْدَنَا وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَدْيُونِ بِمَا كَفَلَ، لِأَنَّهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِالْقَضَاءِ كَذَا فِي الْمِنَحِ ح. (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ أَوْلَى، وَهِيَ إذَا قَالَ تَرَكْتُ أَحَدَ الْكَلَامَيْنِ يُقْبَلُ مِنْهُ لِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: ادَّعَاهُ مُطْلَقًا فَدَفَعَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّكَ كُنْتَ ادَّعَيْتَهُ قَبْلَ هَذَا مُقَيَّدًا وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُدَّعِي أَدَّعِيهِ الْآنَ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَتَرَكْتُ الْمُطْلَقَ يُقْبَلُ وَيَبْطُلُ الدَّفْعُ اهـ فَإِنَّ الْمَتْرُوكَ الثَّانِيَةُ لَا الْأُولَى وَمَعَ هَذَا نَظَرَ فِيهِ صَاحِبُ النَّهْرِ هُنَاكَ. وَقَدْ يُقَالُ ذَلِكَ الْقَوْلُ تَوْفِيقٌ بَيْنَ الدَّعْوَتَيْنِ تَأَمَّلْ. وَذَكَرَ سَيِّدِي الْوَالِدُ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ تَأْيِيدَ مَا فِي النَّهْرِ. وَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ ادَّعَى مِلْكًا بِسَبَبٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدَ شُهُودُهُ بِذَلِكَ ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ. قَالَ مَوْلَانَا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: قَالَ جَدِّي شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تُقْبَلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 450 عَلَيْهِ (تُقْبَلُ كَمَا لَوْ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ ثُمَّ لِغَيْرِهِ) فَإِنَّهُ يُقْبَلُ. (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْتَ مِنِّي هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَأَنْكَرَ) الْآخَرُ الشِّرَاءَ جَازَ (لِلْبَائِعِ أَنْ يَطَأَهَا إنْ تَرَكَ) الْبَائِعُ (الْخُصُومَةَ) وَاقْتَرَنَ تَرْكُهُ بِفِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْفَسْخِ كَإِمْسَاكِهَا وَنَقْلِهَا لِمَنْزِلِهِ، لَمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ (جُحُودَ) جَمِيعِ الْعُقُودِ (مَا عَدَا النِّكَاحَ فَسْخٌ) فَلِلْبَائِعِ رَدُّهَا بِعَيْبٍ قَدِيمٍ لِتَمَامِ الْفَسْخِ بِالتَّرَاضِي عَيْنِيٌّ، أَمَّا النِّكَاحُ فَلَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ أَصْلًا (فَ) لِذَا (لَوْ جَحَدَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ ادَّعَاهُ وَبَرْهَنَ) عَلَى النِّكَاحِ (يُقْبَلُ) بُرْهَانُهُ (بِخِلَافِ الْبَيْعِ) فَإِنَّهُ إذَا أَنْكَرَهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ لَا يُقْبَلُ لِانْفِسَاخِهِ بِالْإِنْكَارِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ. (أَقَرَّ بِقَبْضِ عَشَرَةِ) دَرَاهِمَ (ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ) أَوْ نَبَهْرَجَةٌ (صُدِّقَ) بِيَمِينِهِ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَعُمُّهَا، بِخِلَافِ السَّتُّوقَةِ لِغَلَبَةِ غِشِّهَا (وَ) لِذَا (لَوْ ادَّعَى أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ لَا) يُصَدَّقُ (إنْ) كَانَ الْبَيَانُ (مَفْصُولًا وَصُدِّقَ لَوْ) بَيَّنَ (مَوْصُولًا) نِهَايَةٌ فَالتَّفْصِيلُ فِي الْمَفْصُولِ لَا فِي الْمَوْصُولِ (وَلَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الْجِيَادِ لَمْ يُصَدَّقْ مُطْلَقًا) وَلَوْ مَوْصُولًا لِلتَّنَاقُضِ (وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ حَقَّهُ أَوْ) قَبَضَ (الثَّمَنَ أَوْ اسْتَوْفَى) حَقَّهُ (صُدِّقَ فِي دَعْوَاهُ الزِّيَافَةَ لَوْ) بَيَّنَ (مَوْصُولًا وَإِلَّا لَا) لِأَنَّ قَوْلَهُ جِيَادٌ مُفَسِّرٌ فَلَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ أَوْ نَصٌّ فَيَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ ابْنُ كَمَالٍ. ، (أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ بَعْضَهُ قَرْضٌ وَبَعْضَهُ رِبًا) وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ (قُبِلَ) بُرْهَانُهُ قُنْيَةٌ عَنْ عَلَاءِ الدِّينِ وَسَيَجِيءُ فِي الْإِقْرَارِ. (قَالَ لِآخَرَ: لَكَ عَلَيَّ أَلْفُ) دِرْهَمٍ (فَرَدَّهُ) الْمُقَرُّ لَهُ (ثُمَّ صَدَّقَهُ) -   [رد المحتار] بَيِّنَتُهُ وَلَا تَبْطُلُ دَعْوَاهُ حَتَّى لَوْ قَالَ أَرَدْتُ بِهَذَا الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ الْمِلْكَ بِذَلِكَ السَّبَبِ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ. (قَوْلُهُ عَلَيْهِ) كَذَا فِي الْمِنَحِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبَحْرِ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَاعِدَةِ إعَادَةِ النَّكِرَةِ مَعْرِفَةً فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الْوَقْفَ الْمَارَّ قِيلَ وَعَلَيْهِ فَلَا يَظْهَرُ التَّوْفِيقُ لِأَنَّهُ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ وَيُمْكِنُ جَرَيَانُهُ عَلَى مَذْهَبِ الثَّانِي الْقَائِلِ بِصِحَّةِ وَقْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ انْتَهَى وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ مَا فِيهِ. وَفِي الْبَحْرِ مِنْ فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ: وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا لَهُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَيْهِ تُسْمَعُ لِصِحَّةِ الْإِضَافَةِ بِالْأَخَصِّيَّةِ انْتِفَاعًا. (قَوْلُهُ أَنْ يَطَأَهَا) أَيْ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ إنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ عَنْ الْجَلَبِيِّ بَحْثًا. (قَوْلُهُ فَلِلْبَائِعِ رَدُّهَا) قَيَّدَهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ تَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي، إذْ لَوْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ عَلَى بَائِعِهِ لِاحْتِمَالِ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَاعْتُبِرَ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ ثَالِثٍ، وَقَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمَّا قَبْلَهُ فَيَنْبَغِي أَنَّ لَهُ الرَّدَّ مُطْلَقًا بِكَوْنِهِ فَسْخًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ إلَّا بَعْدَ حَلِفِهِ فَيَجِبُ تَقْيِيدُ الْكِتَابِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ أَقَرَّ إلَخْ) لِلْإِمَامِ الطَّرَسُوسِيِّ تَحْقِيقٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرَاجِعْهُ فِي أَنْفَعْ الْوَسَائِلِ. (قَوْلُهُ زُيُوفٌ) مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ. (قَوْلُهُ نَبَهْرَجَةٌ) مَا يَرُدُّهُ التُّجَّارُ: قَالَ فِي الْقَامُوسِ فِي فَصْلِ النُّونِ: النَّبَهْرَجُ الزَّيْفُ الرَّدِيءُ اهـ وَفِي الْمُغْرِبِ: النَّبَهْرَجُ الدِّرْهَمُ الَّذِي فِضَّتُهُ رَدِيئَةٌ، وَقِيلَ الَّذِي الْغَلَبَةُ فِيهِ لِلْفِضَّةِ، وَقَدْ اُسْتُعِيرَ لِكُلِّ رَدِيءٍ بَاطِلٍ، وَمِنْهُ بُهْرِجَ دَمُهُ: إذَا أُهْدِرَ وَأُبْطِلَ وَعَنْ اللِّحْيَانِيِّ دِرْهَمٌ نَبَهْرَجٌ وَلَمْ أَجِدْهُ بِالنُّونِ إلَّا لَهُ اهـ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْقَامُوسِ مَعَ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ. (قَوْلُهُ أَوْ اسْتَوْفَى) الِاسْتِيفَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ قَبْضِ الْحَقِّ بِالتَّمَامِ سَعْدِيَّةٌ وَابْنُ كَمَالٍ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ) رَاجِعٌ لِلْأُولَى وَهِيَ قَبْضُ الْحَقِّ أَوْ الثَّمَنِ، وَالظَّاهِرُ مَا احْتَمَلَ غَيْرَ الْمُرَادِ احْتِمَالًا بَعِيدًا، وَالنَّصُّ يَحْتَمِلُهُ احْتِمَالًا أَبْعَدَ دُونَ الْمُفَسَّرِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْمُرَادِ أَصْلًا. (قَوْلُهُ أَوْ نَصٌّ) رَاجِعٌ لِلثَّانِيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَوْ اسْتَوْفَى. . (قَوْلُهُ قُبِلَ بُرْهَانُهُ) لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ وَإِنْ تَنَاقَضَ قُنْيَةٌ. (قَوْلُهُ فَرَدَّهُ إلَخْ) حَاصِلُ مَسَائِلِ رَدِّ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَرُدَّهُ مُطْلَقًا أَوْ يَرُدَّ الْجِهَةَ الَّتِي عَيَّنَهَا الْمُقِرُّ وَيُحَوِّلَهَا إلَى أُخْرَى أَوْ يَرُدَّهُ لِنَفْسِهِ وَيُحَوِّلَهُ إلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ بَطَلَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ وَجَبَ الْمَالُ كَقَوْلِهِ لَهُ أَلْفٌ بَدَلُ قَرْضٍ فَقَالَ بَدَلُ غَصْبٍ وَإِلَّا بَطَلَ كَقَوْلِهِ ثَمَنُ عَبْدٍ لَمْ أَقْبِضْهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 451 فِي مَجْلِسِهِ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِلْمُقَرِّ لَهُ إلَّا بِحُجَّةٍ أَوْ إقْرَارٍ ثَانِيًا، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا فِيهِ الْحَقُّ لِوَاحِدٍ. . (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَقَالَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (مَا كَانَ لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى) أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ (أَلْفٍ وَبَرْهَنَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (عَلَى الْقَضَاءِ) أَيْ الْإِيفَاءِ (أَوْ الْإِبْرَاءِ وَلَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ) أَيْ الْحُكْمِ بِالْمَالِ إذْ الدَّفْعُ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي صَحِيحٌ إلَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُخَمَّسَةِ -   [رد المحتار] وَقَالَ قَرْضٌ أَوْ غَصْبٌ وَلَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ فَيَلْزَمُهُ الْأَلْفُ صَدَّقَهُ فِي الْجِهَةِ أَوْ كَذَّبَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ فِي يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّالِثَ، نَحْوَ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ لَكِنَّهَا لِفُلَانٍ فَإِنْ صَدَّقَهُ فُلَانٌ تَحَوَّلَ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ وَلَاءٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ رِقٍّ لَمْ يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ فَيُقَالُ الْإِقْرَارُ يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ إلَّا فِي هَذِهِ ذَكَرَ مَجْمُوعَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ، وَفِيهِ اخْتِصَارٌ أَوْضَحْتُهُ فِي حَاشِيَتِهِ. (قَوْلُهُ فِي مَجْلِسِهِ) وَفِي غَيْرِهِ بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ) كَيْفَ تُقْبَلُ حُجَّتُهُ وَهُوَ مُتَنَاقِضٌ فِي دَعْوَاهُ تَأَمَّلْ فِي جَوَابِهِ سَعْدِيَّةٌ وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا، وَنَقَلَ خِلَافَهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: فِي يَدِهِ عَبْدٌ فَقَالَ لِرَجُلٍ هُوَ عَبْدُكَ فَرَدَّهُ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ قَالَ بَلْ هُوَ عَبْدِي وَقَالَ الْمُقِرُّ هُوَ عَبْدِي فَهُوَ لِذِي الْيَدِ الْمُقِرِّ، وَلَوْ قَالَ ذُو الْيَدِ لِآخَرَ هُوَ عَبْدُكَ فَقَالَ بَلْ هُوَ عَبْدُكَ ثُمَّ قَالَ الْآخَرُ بَلْ هُوَ عَبْدِي وَبَرْهَنَ وَلَا يُقْبَلُ لِلتَّنَاقُضِ اهـ وَهَذَا يُخَالِفُ مَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْحُجَّةِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي سَمَاعَ الدَّعْوَى اهـ. (قَوْلُهُ لِوَاحِدٍ) بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ اشْتَرَيْتَ وَأَنْكَرَ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ لِأَنَّ أَحَدَ الْعَاقِدَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ فَلَا يَنْفَرِدُ بِالْعَقْدِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ حَقُّهُمَا فَبَقِيَ الْعَقْدُ فَعُمِلَ التَّصْدِيقُ، أَمَّا الْمُقَرُّ لَهُ فَيَنْفَرِدُ بِرَدِّ الْإِقْرَارِ فَافْتَرَقَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَكُونُ الْحَقُّ لَهُمَا جَمِيعًا إذَا رَجَعَ الْمُنْكِرُ إلَى التَّصْدِيقِ قَبْلَ أَنْ يُصَدِّقَهُ الْآخَرُ عَلَى إنْكَارِهِ فَهُوَ جَائِزٌ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ فِيهِ الْحَقُّ لِوَاحِدٍ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِقْرَارِ لَا يَنْفَعُهُ إقْرَارُهُ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ بَحْرٌ س. (قَوْلُهُ مَا كَانَ لَكَ) اُنْظُرْ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ كَانَ وَانْظُرْ مَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا عِنْدَ وَاقِعَةِ سَمَرْقَنْدَ فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَاضِي وَالْحَالِ. (قَوْلُهُ قَطُّ) لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُؤَكِّدَ النَّفْيَ بِكَلِمَةِ قَطُّ أَوْ لَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ عَلَيَّ إلَخْ) الْأَصْوَبُ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَلْفٍ لَهُ عَلَيْهِ فَافْهَمْ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى أَنَّهُ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفٌ. (قَوْلُهُ عَلَى الْقَضَاءِ) أَيْ الْإِيفَاءِ قَيَّدَ بِدَعْوَى الْإِيفَاءِ بَعْدَ الْإِنْكَارِ: إذْ لَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ كِلَا الْقَوْلَيْنِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَمْ يُقْبَلْ لِلتَّنَاقُضِ، وَإِنْ تَفَرَّقَا عَنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ ادَّعَاهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِيفَاءِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ تُقْبَلُ لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ، وَإِنْ ادَّعَى الْإِيفَاءَ قَبْلَ الْإِقْرَارِ لَا يُقْبَلْ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ إلَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُخَمَّسَةِ) كَأَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ أَوْ آجَرَنِيهِ أَوْ ارْتَهَنْته أَوْ غَصَبْتُهُ مِنْهُ أَوْ قَالَ أَخَذْتُ هَذِهِ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً مِنْ فُلَانٍ أَوْ هَذَا الْكَرْمَ مُعَامَلَةً مِنْهُ سُمِّيَتْ مُخَمَّسَةً لِأَنَّ فِيهَا خَمْسَةَ أَقْوَالٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَذِهِ مُخَمَّسَةُ كِتَابِ الدَّعْوَى لِأَنَّ صُوَرَهَا خَمْسَةٌ: وَدِيعَةٌ وَإِجَارَةٌ وَإِعَارَةٌ وَرَهْنٌ وَغَصْبٌ، أَوْ لِأَنَّ فِيهَا خَمْسَةَ أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ: الْأَوَّلُ مَا فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ أَنَّهُ تَنْدَفِعُ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَثْبَتَتْ أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدِ خُصُومَةٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. الثَّانِي قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُخْتَارَاتِ، الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ صَالِحًا فَكَمَا قَالَ الْإِمَامُ، وَإِنْ مَعْرُوفًا بِالْجَبْرِ لَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَدْفَعُ مَالَهُ إلَى مُسَافِرٍ يَرُدُّهُ إيَّاهُ وَيُشْهِدُ فَيَحْتَالُ لِإِبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِ فَإِذَا اتَّهَمَهُ بِهِ الْقَاضِي لَا يَقْبَلُهُ. الثَّالِثُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنَّ الشُّهُودَ إذَا قَالُوا نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ فَقَطْ لَا تَنْدَفِعُ، فَعِنْدَهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِالْوَجْهِ وَالِاسْمِ وَالنَّسَبِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ تَعْوِيلُ الْأَئِمَّةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَفِي الْعِمَادِيَّةِ: لَوْ قَالُوا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ لَا بِوَجْهِهِ لَمْ يُذْكَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ وَفِيهِ قَوْلَانِ، وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 452 كَمَا سَيَجِيءُ (قَبْلَ) بُرْهَانِهِ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ. لِأَنَّ غَيْرَ الْحَقِّ قَدْ يُقْضَى وَيُبْرَأُ مِنْهُ دَفْعًا لِلْخُصُومَةِ، وَسَيَجِيءُ فِي الْإِقْرَارِ أَنَّهُ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى قَوْلِ الْمُدَّعِي أَنَا مُبْطِلٌ فِي الدَّعْوَى أَوْ شُهُودِي كَذَبَةٌ أَوْ لَيْسَ لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ صَحَّ الدَّفْعُ إلَى آخِرِهِ، وَذَكَرَهُ فِي الدُّرَرِ قُبَيْلَ الْإِقْرَارِ فِي فَصْلِ الِاسْتِشْرَاءِ. (كَمَا) يُقْبَلُ (لَوْ ادَّعَى الْقِصَاصَ عَلَى آخَرَ فَأَنْكَرَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي) عَلَى الْقِصَاصِ (ثُمَّ بَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْعَفْوِ أَوْ) عَلَى (الصُّلْحِ عَنْهُ عَلَى مَالٍ وَكَذَا فِي دَعْوَى الرِّقِّ) بِأَنْ ادَّعَى عُبُودِيَّةَ شَخْصٍ فَأَنْكَرَ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي ثُمَّ بَرْهَنَ الْعَبْدُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَعْتَقَهُ يُقْبَلُ إنْ لَمْ يُصَالِحْهُ؛ وَلَوْ ادَّعَى الْإِيفَاءَ ثُمَّ صَالَحَهُ قَبْلَ بُرْهَانِهِ عَلَى الْإِيفَاءِ بَحْرٌ. وَفِيهِ: بَرْهَنَ أَنَّ لَهُ أَرْبَعَمِائَةٍ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّ عَلَيْهِ لِلْمُنْكِرِ ثَلَثَمِائَةٍ سَقَطَ عَنْ الْمُنْكِرِ ثَلَاثُمِائَةٍ، وَقِيلَ لَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى مُلْتَقَطٌ، وَكَأَنَّهُ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَاحِدًا فَذِمَّتُهُ غَيْرُ مَشْغُولَةٍ فِي زَعْمِهِ فَأَيْنَ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ؟ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَإِنْ زَادَ) كَلِمَةَ (وَلَا أَعْرِفُكَ وَنَحْوَهُ) كَمَا رَأَيْتُكَ (لَا) يُقْبَلُ لِتَعَذُّرِ التَّوْفِيقِ، وَقِيلَ يُقْبَلُ لِأَنَّ الْمُحْتَجِبَ أَوْ الْمُخَدَّرَةَ قَدْ يَتَأَذَّى بِالشَّغَبِ عَلَى بَابِهِ فَيَأْمُرُ بِإِرْضَاءِ الْخَصْمِ وَلَا يَعْرِفُهُ ثُمَّ يَعْرِفُهُ، حَتَّى لَوْ كَانَ مِمَّنْ يَعْمَلُ بِنَفْسِهِ لَا يُقْبَلُ، نَعَمْ لَوْ ادَّعَى إقْرَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْوُصُولِ أَوْ الْإِيصَالِ صَحَّ دُرَرٌ فِي آخِرِ الدَّعْوَى لِأَنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ. (أَقَرَّ بِبَيْعِ عَبْدِهِ) مِنْ فُلَانٍ (ثُمَّ جَحَدَهُ صَحَّ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْبَيْعِ بِلَا ثَمَنٍ بَاطِلٌ إقْرَارُ بَزَّازِيَّةٍ. (ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ بَاعَهُ   [رد المحتار] وَنَسَبِهِ وَتَكْفِي مَعْرِفَةُ الْوَجْهِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا أَوْدَعَهُ رَجُلٌ لَا نَعْرِفُهُ لَا تَنْدَفِعُ. الرَّابِعُ قَوْلُ ابْن شُبْرُمَةَ إنَّهَا لَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِعَدَمِ الْخَصْمِ عَنْهُ وَدَفَعَ الْخُصُومَةَ بِنَاءً عَلَيْهِ. قُلْنَا مُقْتَضَى الْبَيِّنَةِ شَيْئَانِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ وَلَا خَصْمَ فِيهِ فَلَمْ يَثْبُتْ وَدَفْعُ خُصُومَةِ الْمُدَّعِي وَهُوَ خَصْمٌ فِيهِ فَثَبَتَ وَهُوَ كَالْوَكِيلِ بِنَقْلِ الْمَرْأَةِ وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الطَّلَاقِ. الْخَامِسُ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى تَنْدَفِعُ بِدُونِ بَيِّنَةٍ لِإِقْرَارِهِ بِالْمِلْكِ لِلْغَائِبِ وَقُلْنَا إنَّهُ صَارَ خَصْمًا بِظَاهِرِ يَدِهِ، فَهُوَ بِإِقْرَارِهِ يُرِيدُ أَنْ يُحَوِّلَ حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ، كَمَا لَوْ ادَّعَى تَحَوُّلَ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّتِهِ إلَى ذِمَّةِ غَيْرِهِ اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) فِي فَصْلِ رَفْعِ الدَّعَاوَى مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى ح. (قَوْلُهُ قُبِلَ بُرْهَانُهُ) اُنْظُرْ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى إيفَاءِ الْبَعْضِ فَقَدْ صَارَتْ حَادِثَةَ الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ فِي فَصْلِ الِاسْتِشْرَاءِ) وَفِيهِ فَوَائِدُ جَمَّةٌ فَرَاجِعْهُ. وَالِاسْتِشْرَاءُ: طَلَبُ شِرَاءِ شَيْءٍ. (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُصَالِحْهُ) مَحَلُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يُصَالِحْ لِسُكُوتِهِ عَنْهُ وَالْأَصْلُ الْعَدَمُ. أَمَّا إذَا أَنْكَرَ فَصَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الْإِيفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ ح. (قَوْلُهُ وَكَأَنَّهُ إلَخْ) مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ فَأَيْنَ) الْوَاقِعُ فِي الْمِنَحِ فَأَنَّى؟ (قَوْلُهُ وَإِنْ زَادَ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مَا لَكَ عَلَى شَيْءٌ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ) ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُحْتَجِبَ) أَيْ مِنْ الرِّجَالِ، وَالْمُحْتَجِبُ: مَنْ لَا يَتَوَلَّى الْأَعْمَالَ بِنَفْسِهِ، وَقِيلَ مَنْ لَا يَرَاهُ كُلُّ أَحَدٍ لِعَظَمَتِهِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَرَّعَ هَذَا عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ فِي النِّهَايَةِ تَبَعًا لِقَاضِي خَانَ. وَفِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَبْنَى إمْكَانِ التَّوْفِيقِ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ لَا يَتَوَلَّى الْأَعْمَالَ بِنَفْسِهِ لَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ انْتَهَى، وَدَفْعُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ فِي تَنَاقُضِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا الْمُدَّعِي بَحْرٌ. (قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ ادَّعَى إلَخْ) قَالَ فِي الدُّرَرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَالَ لِلْمُدَّعِي لَا أَعْرِفُكَ فَلَمَّا ثَبَتَ الْحَقُّ بِالْبَيِّنَةِ ادَّعَى الْإِيصَالَ لَا تُسْمَعُ، وَلَوْ ادَّعَى إقْرَارَ الْمُدَّعِي بِالْوُصُولِ أَوْ الْإِيصَالِ تُسْمَعُ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّ الْمُتَنَاقِضَ هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ كَلَامَيْنِ وَهُنَا لَمْ يَجْمَعْ وَلِهَذَا لَوْ صَدَّقَهُ الْمُدَّعِي عِيَانًا لَمْ يَكُنْ مُتَنَاقِضًا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ انْتَهَى وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّا عَلَّلَ بِهِ الشَّارِحُ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ إقْرَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَوَابُهُ الْمُدَّعِي إلَّا أَنْ يُقْرَأَ الْمُدَّعِي بِصِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْبَيْعِ إقْرَارٌ بِرُكْنَيْهِ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 453 أَمَتَهُ) مِنْهُ (فَقَالَ) الْآخَرُ (لَمْ أَبِعْهَا مِنْك قَطُّ فَبَرْهَنَ) الْمُدَّعِي (عَلَى الشِّرَاءِ) مِنْهُ (فَوَجَدَ) الْمُدَّعِي (بِهَا عَيْبًا) وَأَرَادَ رَدَّهَا (فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ أَنَّهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (بَرِئَ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهَا لَمْ تُقْبَلْ) بَيِّنَةُ الْبَائِعِ لِلتَّنَاقُضِ، وَعَنْ الثَّانِي تُقْبَلُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بِبَيْعِ وَكِيلِهِ وَإِبْرَائِهِ عَنْ الْعَيْبِ، وَمِنْهُ وَاقِعَةُ سَمَرْقَنْدَ: ادَّعَتْ أَنَّهُ نَكَحَهَا بِكَذَا وَطَالَبَتْهُ بِالْمَهْرِ فَأَنْكَرَ فَبَرْهَنَتْ فَادَّعَى أَنَّهُ خَلَعَهَا عَلَى الْمَهْرِ تُقْبَلُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ زَوَّجَهُ أَبُوهُ وَهُوَ صَغِيرٌ وَلَمْ يَعْلَمْ خُلَاصَةٌ. (يَبْطُلُ) جَمِيعُ (صَكٍّ) أَيْ مَكْتُوبٍ (كَتَبَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي آخِرِهِ) وَقَالَا آخِرُهُ فَقَطْ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ رَاجِحٌ عَلَى قَوْلِهِ فَتْحٌ: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْفُرْجَةَ كَفَاصِلِ السُّكُوتِ وَعَلَى انْصِرَافِهِ لِلْكُلِّ فِي جُمَلٍ عُطِفَتْ بِوَاوٍ وَأُعْقِبَتْ بِشَرْطٍ، وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا وَأَخَوَاتِهَا فَلِلْأَخِيرِ إلَّا لِقَرِينَةٍ كَلَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَمْسُونَ دِينَارًا إلَّا دِرْهَمًا فَلِلْأَوَّلِ اسْتِحْسَانًا وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ بَعْدَ جُمْلَتَيْنِ إيقَاعِيَّتَيْنِ فَإِلَيْهِمَا اتِّفَاقًا وَبَعْدَ طَلَاقَيْنِ مُعَلَّقَيْنِ أَوْ طَلَاقٍ مُعَلَّقٍ وَعِتْقٍ مُعَلَّقٍ فَإِلَيْهِمَا عِنْدَ الثَّالِثِ وَلِلْأَخِيرِ عِنْدَ الثَّانِي، وَلَوْ بِلَا عَطْفٍ -   [رد المحتار] بِالْبَيْعِ بِلَا مَالٍ تَأَمَّلْ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ وَلَمْ يُسَمِّيَا الثَّمَنَ وَلَمْ يَشْهَدَا بِقَبْضِ الثَّمَنِ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ قَالَا أَقَرَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ وَاسْتَوْفَى الثَّمَنَ وَلَمْ يُسَمِّيَا الثَّمَنَ جَازَ. وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى: شَهِدَا أَنَّهُ بَاعَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنُوا الثَّمَنَ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَا بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ أَنَّهُ بَاعَهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ اهـ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: شَهِدُوا عَلَى الْبَيْعِ بِلَا بَيَانِ الثَّمَنِ، إنْ شَهِدُوا عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ تُقْبَلْ، وَكَذَا لَوْ بَيَّنَ أَحَدُهُمَا وَسَكَتَ الْآخَرُ اهـ نُورُ الْعَيْنِ فِي أَوَائِلِ الْفَصْلِ السَّادِسِ، وَانْظُرْ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ وَفِي بَابِ الِاخْتِلَافِ فِيهَا. (قَوْلُهُ أَمَتَهُ مِنْهُ) لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ مِنْهُ لِأَنَّ ضَمِيرَ بَاعَهُ يُغْنِي عَنْهُ ح. (قَوْلُهُ أَيْ الْمُشْتَرِي) الْأَصْوَبُ أَيْ الْبَائِعُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ لِلتَّنَاقُضِ) لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَرَاءَةِ تَغْيِيرٌ لِلْعَقْدِ مِنْ اقْتِضَاءِ وَصْفِ السَّلَامَةِ إلَى غَيْرِهِ فَيَقْتَضِي وُجُودَ الْعَقْدِ وَقَدْ أَنْكَرَهُ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ لِأَنَّ الْبَاطِلَ قَدْ يُقْضَى وَيُبْرَأُ مِنْهُ دَفْعًا لِلدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْكُلِّ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ بِبَيْعِ وَكِيلِهِ) أَيْ وَكِيلِ الْبَائِعِ. (قَوْلُهُ وَإِبْرَائِهِ عَنْ الْعَيْبِ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ وَهُوَ ضَمِيرُ الْوَكِيلِ وَالْفَاعِلُ الْمُشْتَرِي إلَخْ وَعَلَى مَا قُلْنَا مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ وَالضَّمِيرُ لِوَكِيلِهِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ عِبَارَةِ الْبَحْرِ، فَقَوْلُهُ أَوَّلًا لَمْ أَبِعْهَا مِنْك قَطُّ أَيْ مُبَاشَرَةً، وَقَوْلُهُ أَنَّهُ بَرِيءٌ إلَيْهِ: أَيْ إلَى وَكِيلِهِ. (قَوْلُهُ فَأَنْكَرَ) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَا نِكَاحَ بَيْنَنَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَلَوْ قَالَ لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ فَلَمَّا بَرْهَنَتْ عَلَى النِّكَاحِ بَرْهَنَ هُوَ عَلَى الْخُلْعِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَلَوْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا نِكَاحٌ قَطُّ أَوْ قَالَ: لَمْ أَتَزَوَّجْهَا قَطُّ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا وَسِيلَةَ الْعَيْبِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْعَيْبِ لِأَنَّهَا إقْرَارٌ بِالْبَيْعِ فَكَذَا الْخُلْعُ يَقْتَضِي سَابِقَةَ النِّكَاحِ فَيَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ اهـ. (قَوْلُهُ رَاجِحٌ عَلَى قَوْلِهِ) إذَا الْأَصْلُ فِي الْجُمَلِ الِاسْتِقْلَالُ وَالصَّكُّ يُكْتَبُ لِلِاسْتِيثَاقِ، فَلَوْ انْصَرَفَ إلَى الْكُلِّ كَانَ مُبْطِلًا لَهُ فَيَكُونُ ضِدَّ مَا قَصَدُوهُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ ضَرُورَةً كَذَا فِي التَّبْيِينِ ح. (قَوْلُهُ فِي جُمَلٍ) أَيْ قَوْلِيَّةٍ وَإِلَّا نَافَى مَا قَبْلَهُ. وَفِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَشِيئَةَ إذَا ذُكِرَتْ بَعْدَ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ بِالْوَاوِ كَقَوْلِهِ عَبْدُهُ حُرٌّ وَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ فَبَطَلَ الْكُلُّ، فَمَشَى أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى حُكْمِهِ وَهُمَا أَخْرَجَا صُورَةَ، كَتْبِ الصَّكِّ مِنْ عُمُومِهِ بِعَارِضٍ اقْتَضَى تَخْصِيصَ الصَّكِّ مِنْ عُمُومِ حُكْمِ الشَّرْطِ الْمُتَعَقِّبِ جُمَلًا مُتَعَاطِفَةً لِلْعَادَةِ وَعَلَيْهَا يُحْمَلُ الْحَادِثُ، وَلِذَا كَانَ قَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانًا رَاجِحًا عَلَى قَوْلِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّرْطَ يَنْصَرِفُ إلَى الْجَمِيعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْمَشِيئَةِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ بِشَرْطٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الشَّرْطُ هُوَ الْمَشِيئَةُ أَوْ غَيْرُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ ح، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالْإِقْرَارِ لِمَا سَيَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ إلَخْ تَأَمَّلْ،. (قَوْلُهُ إيقَاعِيَّتَيْنِ) أَيْ مُنَجَّزَتَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا تَعْلِيقٌ بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ، وَهَذَا حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 454 أَوْ بِهِ بَعْدَ سُكُوتٍ فَلِلْأَخِيرِ اتِّفَاقًا وَعَطْفُهُ بَعْدَ سُكُوتِهِ لَغْوٌ إلَّا بِمَا فِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (مَاتَ ذِمِّيٌّ فَقَالَتْ عِرْسُهُ أَسْلَمْتُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ وَرَثَتُهُ قَبْلَهُ صُدِّقُوا) تَحْكِيمًا لِلْحَالِ (كَمَا) يُحَكَّمُ الْحَالُ (فِي مَسْأَلَةِ) جَرَيَانِ (مَاءِ الطَّاحُونَةِ) ثُمَّ الْحَالُ إنَّمَا تَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ. (كَمَا فِي) (مُسْلِمٍ مَاتَ فَقَالَتْ عِرْسُهُ) الذِّمِّيَّةُ (أَسْلَمْتُ قَبْلَ مَوْتِهِ) فَأَرِثُهُ (وَقَالُوا بَعْدَهُ) فَالْقَوْلُ لَهُمْ لِأَنَّ الْحَادِثَ يُضَافُ لِأَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ. [فَرْعٌ] وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي كُفْرِ الْمَيِّتِ وَإِسْلَامِهِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْإِسْلَامِ بَحْرٌ (قَالَ الْمُودَعُ) بِالْفَتْحِ (هَذَا) ابْنُ مُودِعٍ بِالْكَسْرِ (الْمَيِّتِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ دَفَعَهَا إلَيْهِ) وُجُوبًا كَقَوْلِهِ هَذَا ابْنُ دَائِنِي، قَيَّدَ بِالْوَارِثِ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَصِيُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ لَمْ يَدْفَعْهَا (فَإِنْ أَقَرَّ) ثَانِيًا (بِابْنٍ آخَرَ لَهُ لَمْ يُفِدْ) إقْرَارُهُ (إذَا كَذَّبَهُ) الِابْنُ (الْأَوَّلُ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ، وَيَضْمَنُ لِلثَّانِي حَظَّهُ إنْ دَفَعَ لِلْأَوَّلِ بِلَا قَضَاءٍ زَيْلَعِيٌّ. (تَرِكَةٌ قُسِمَتْ بَيْنَ الْوَرَثَةِ أَوْ الْغُرَمَاءِ بِشُهُودٍ لَمْ يَقُولُوا نَعْلَمُ)   [رد المحتار] قَوْلُهُ أَوْ بِهِ بَعْدَ سُكُوتٍ) أَيْ إذَا كَانَ السُّكُوتُ بَيْنَ الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا. (قَوْلُهُ إلَّا بِمَا فِيهِ تَشْدِيدٌ) فَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الْأُخْرَى دَخَلَتْ الثَّانِيَةَ فِي الْيَمِينِ، بِخِلَافِ وَهَذِهِ الدَّارُ الْأُخْرَى وَلَوْ قَالَ وَهَذِهِ طَالِقَةٌ ثُمَّ سَكَتَ وَقَالَ وَهَذِهِ طَلُقَتْ الثَّانِيَةَ وَكَذَا فِي الْعِتْقِ بَحْرٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ تَحْكِيمًا لِلْحَالِ) أَيْ لِظَاهِرِ الْحَالِ. (قَوْلُهُ كَمَا إلَخْ) لَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَوْجُودَةً فِيمَا كَتَبَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. (قَوْلُهُ جَرَيَانِ إلَخْ) لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ الْجَرَيَانِ بَلْ الِانْقِطَاعُ كَذَلِكَ فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفُهُ. (قَوْلُهُ ثُمَّ الْحَالُ إنَّمَا تَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ) فَإِنْ قِيلَ هَذَا مَنْقُوضٌ بِالْقَضَاءِ بِالْأَجْرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ إذَا كَانَ مَاءُ الطَّاحُونَةِ جَارِيًا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِالْحَالِ لِإِثْبَاتِ الْأَجْرِ قُلْنَا: إنَّهُ اسْتِدْلَالٌ لِدَفْعِ مَا يَدَّعِي الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْآجِرِ مِنْ ثُبُوتِ الْعَيْبِ الْمُوجِبِ لِسُقُوطِ الْأَجْرِ. وَأَمَّا ثُبُوتُ الْأَجْرِ فَإِنَّهُ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ الْمُوجِبِ لَهُ فَيَكُونُ دَافِعًا لَا مُوجِبًا يَعْقُوبِيَّةٌ. وَفِي الْهَامِشِ عَنْ الْبَحْرِ: فَلَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ وَلَهُ امْرَأَةٌ نَصْرَانِيَّةٌ فَجَاءَتْ مُسْلِمَةً بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ: أَسْلَمْتُ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ أَيْضًا وَلَا يُحَكَّمُ الْحَالُ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَيْهِ وَأَمَّا الْوَرَثَةُ فَهُمْ الدَّافِعُونَ وَيَظْهَرُ لَهُمْ ظَاهِرُ الْحُدُوثِ أَيْضًا اهـ. . (قَوْلُهُ كَمَا فِي مُسْلِمٍ إلَخْ) تَمْثِيلٌ لِلْمَنْفِيِّ وَهُوَ الِاسْتِحْقَاقُ. وَحَاصِلُهُ إنَّمَا كَانَ الْقَوْلُ لَهُمْ هُنَا أَيْضًا لِمَا سَيَأْتِي، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهَا بِنَاءً عَلَى تَحْكِيمِ الْحَالِ، لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَيْهِ. [فَرْعٌ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي كُفْرِ الْمَيِّتِ وَإِسْلَامِهِ] (قَوْلُهُ لِمُدَّعِي الْإِسْلَامِ) فَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَأَبَوَاهُ ذِمِّيَّانِ فَقَالَا مَاتَ ابْنُنَا كَافِرًا وَقَالَ وَلَدُهُ الْمُسْلِمُونَ مَاتَ مُسْلِمًا فَمِيرَاثُهُ لِلْوَلَدِ دُونَ الْأَبَوَيْنِ بَحْرٌ عَنْ الْخِزَانَةِ. (قَوْلُهُ مُودِعِي) قَالَ فِي الْبَحْرِ قَيَّدَ بِإِقْرَارِهِ بِالْبُنُوَّةِ، لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذَا أَخُوهُ شَقِيقُهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ وَهُوَ يَدَّعِيهِ فَالْقَاضِي يَتَأَنَّى فِي ذَلِكَ. وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَخِ بِشَرْطِ عَدَمِ الِابْنِ بِخِلَافِ الِابْنِ لِأَنَّهُ وَارِثٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَمُرَادُهُ بِالِابْنِ مَنْ يَرِثُ بِكُلِّ حَالٍ فَالْبِنْتُ وَالْأَبُ وَالْأُمُّ كَالِابْنِ. وَكُلُّ مَنْ يَرِثُ بِحَالٍ دُونَ حَالٍ فَهُوَ كَالْأَخِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ زَيْلَعِيٌّ) وَهُوَ الصَّوَابُ كَمَا فِي الْفَتْحِ خِلَافًا لِمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ تَرِكَةٌ قُسِمَتْ إلَخْ) قَالَ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ رَامِزًا إلَى الْأَصْلِ: الْوَارِثُ لَوْ كَانَ مَحْجُوبًا بِغَيْرِهِ كَجَدٍّ وَجَدَّةٍ وَأَخٍ وَأُخْتٍ لَا يُعْطَى شَيْئًا مَا لَمْ يُبَرْهِنْ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ: أَيْ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَخُو الْمَيِّتِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُثْبِتَ ذَلِكَ فِي وَجْهِ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ الْحَاضِرِينَ أَوْ يَشْهَدَا أَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ وَارِثًا غَيْرَهُ، وَلَوْ قَالَا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ تُقْبَلُ عِنْدَنَا لَا عِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لِأَنَّهُمَا جَازَفَا وَلَنَا الْعُرْفَ فَإِنَّ مُرَادَ النَّاسِ بِهِ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ، وَهَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ فَقُبِلَتْ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا تُقْبَلُ عَلَى الشَّرْطِ وَلَوْ نَفْيًا وَهُنَا كَذَلِكَ لِقِيَامِهَا عَلَى شَرْطِ الْإِرْثِ، وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ مِمَّنْ لَا يُحْجَبُ بِأَحَدٍ، فَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ وَارِثُهُ وَلَمْ يَقُولَا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَا نَعْلَمُهُ يَتَلَوَّمُ الْقَاضِي زَمَانًا رَجَاءَ أَنْ يَحْضُرَ وَارِثٌ آخَرُ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ يَقْضِي لَهُ بِجَمِيعِ الْإِرْثِ وَلَا يَكْفُلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 455 كَذَا نَسْخُ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ، وَعِبَارَةِ الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا لَا نَعْلَمُ (لَهُ وَارِثًا أَوْ غَرِيمًا لَمْ يُكَفَّلُوا) خِلَافًا لَهُمَا لِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ وَيَتَلَوَّمُ الْقَاضِي مُدَّةً ثُمَّ يَقْضِي، وَلَوْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ كُفِّلُوا اتِّفَاقًا، وَلَوْ قَالَ الشُّهُودُ ذَلِكَ لَا اتِّفَاقًا. (ادَّعَى) عَلَى آخَرَ (دَارًا لِنَفْسِهِ وَلِأَخِيهِ الْغَائِبِ) إرْثًا (وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ) عَلَى مَا ادَّعَاهُ (أَخَذَ) الْمُدَّعِي (نِصْفَ الْمُدَّعَى) مُشَاعًا (وَتَرَكَ بَاقِيَهْ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ بِلَا كَفِيلٍ جَحَدَ) ذُو الْيَدِ (دَعْوَاهُ أَوْ لَمْ يَجْحَدْ) خِلَافًا لَهُمَا. وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ نِهَايَةٌ، وَلَا تُعَادُ الْبَيِّنَةُ وَلَا الْقَضَاءُ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ فِي الْأَصَحِّ لِانْتِصَابِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ خَصْمًا لِلْمَيِّتِ حَتَّى تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ، ثُمَّ إنَّمَا يَكُونُ خَصْمًا بِشُرُوطٍ تِسْعَةٍ مَبْسُوطَةٍ فِي الْبَحْرِ، وَالْحَقُّ الْفَرْقُ بَيْنَ الدَّيْنِ -   [رد المحتار] يَعْنِي فِيمَا إذَا قَالَا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَا نَعْلَمُهُ، وَعِنْدَهُمَا يَكْفُلُ فِيهِمَا، وَمُدَّةُ التَّلَوُّمِ، مُفَوَّضَةٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَقِيلَ حَوْلٌ وَقِيلَ شَهْرٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَأَمَّا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَوْ أَثْبَتَ الْوِرَاثَةَ بِبَيِّنَةٍ وَلَمْ يُثْبِتْ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يُحْكَمُ لَهُمَا بِأَكْثَرِ النَّصِيبَيْنِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِأَقَلِّهِمَا وَلَهُ الرُّبْعُ وَلَهَا الثُّمُنُ اهـ مُلَخَّصًا، وَإِنْ تَلَوَّمَ وَمَضَى زَمَانُهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مِمَّنْ يُحْجَبُ كَالْأَخِ أَوْ مِمَّنْ لَا يُحْجَبُ كَالِابْنِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْعَاشِرِ فِي النَّسَبِ وَالْإِرْثِ، وَانْظُرْ مَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. (قَوْلُهُ كَذَا نُسَخُ الْمَتْنِ) يَعْنِي بِإِسْقَاطِ لَا، وَالْحَقُّ ثُبُوتُهَا كَمَا فِي سَائِرِ الْكُتُبِ ح. (قَوْلُهُ لَمْ يُكَفَّلُوا) مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ مُضَعَّفُ الْعَيْنِ وَالْوَاوِ لِلْوَرَثَةِ أَوْ الْغُرَمَاءِ: أَيْ لَا يَأْخُذُ الْقَاضِي مِنْهُمْ كَفِيلًا ح، قَالَ فِي الدُّرَرِ: أَيْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ كَفِيلٌ بِالنَّفْسِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا يُؤْخَذُ اهـ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا يُؤْخَذُ كَفِيلٌ بِالنَّفْسِ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ لِتَاجِ الشَّرِيعَةِ. أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَيْخِهِ وَلَمْ يَرَهُ فِي الْبَحْرِ فَتَوَقَّفَ فِي أَنَّهَا بِالْمَالِ أَوْ النَّفْسِ. (قَوْلُهُ لِجَهَالَةِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَمْ يُكَفَّلُوا كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ وَيَتَلَوَّمُ) أَيْ يَتَأَنَّى وَالْمُرَادُ تَأْخِيرُ الْقَضَاءِ لَا تَأْخِيرُ الدَّفْعِ بَعْدَهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ فَارْجِعْ إلَى الْبَحْرِ، وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْهَا قُبَيْلَ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. (قَوْلُهُ مُدَّةً) وَقَدْرُ مُدَّتِهِ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي. وَقَدَّرَهُ الطَّحَاوِيُّ بِحَوْلٍ، وَعَلَى عَدَمِ التَّقْدِيرِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا وَارِثَ أَوْ لَا غَرِيمَ لَهُ آخَرُ. (قَوْلُهُ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ) أَيْ الْإِرْثُ وَالدَّيْنُ، وَهُوَ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِشُهُودٍ. (قَوْلُهُ ذَلِكَ) أَيْ قَالُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا أَوْ غَرِيمًا ح كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ ادَّعَى) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الرَّابِعِ: ادَّعَى عَلَيْهِمَا أَنَّ الدَّارَ الَّتِي بِيَدِكُمَا مِلْكِي فَبَرْهَنَ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَلَوْ الدَّارُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا بِإِرْثٍ فَالْحُكْمُ عَلَيْهِ حُكْمٌ عَلَى الْغَائِبِ إذْ أَحَدُ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَقِيَّةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ الدَّارِ بِيَدِهِ لَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بَلْ يَكُونُ قَضَاءً بِمَا فِي يَدِ الْحَاضِرِ عَلَى الْحَاضِرِ وَلَوْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا بِشِرَاءٍ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى أَحَدِهِمَا حُكْمًا عَلَى الْآخَرِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ جَحَدَ ذُو الْيَدِ إلَخْ) هَذَا التَّعْمِيمُ غَيْرُ صَحِيحٍ بَعْدَ قَوْلِهِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْبُرْهَانَ يَسْتَلْزِمُ سَبْقَ الْجَحْدِ وَالصَّوَابُ أَنْ يُبَدَّلَ قَوْلُهُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَثَبَتَ ذَلِكَ فَيَشْمَلُ الثُّبُوتَ بِالْإِقْرَارِ وَبِالْبَيِّنَةِ، وَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ قَوْلُهُ جَحَدَ دَعْوَاهُ أَوْ لَمْ يَجْحَدْ ح. وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا التَّعْمِيمَ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَتَرَكَ بَاقِيَهُ أَشَارَ بِهِ إلَى الْخِلَافِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) حَيْثُ قَالَا إنْ جَحَدَ ذُو الْيَدِ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُجْعَلُ فِي يَدِ أَمِينٍ لِخِيَانَتِهِ بِجُحُودِهِ وَإِلَّا تُرِكَ فِي يَدِهِ. (قَوْلُهُ خَصْمًا لِلْمَيِّتِ) الْأَصْوَبُ عَنْ الْمَيِّتِ. قَالَ فِي الْهَامِشِ نَاقِلًا عَنْ الْبَحْرِ: إنَّمَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِي بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: كَوْنُ الْعَيْنِ كُلِّهَا فِي يَدِهِ، وَأَنْ لَا تَكُونَ مَقْسُومَةً، وَأَنْ يُصَدِّقَ الْغَائِبُ عَلَى أَنَّهَا إرْثٌ عَنْ الْمَيِّتِ الْمُعَيَّنِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَالْحَقُّ إلَخْ) لَا ارْتِبَاطَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ فِي انْتِصَابِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ خَصْمًا لِلْمَيِّتِ، وَهَذَا الْفَرْقُ فِي انْتِصَابِ أَحَدِهِمْ خَصْمًا فِيمَا عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَكَذَا يَنْتَصِبُ أَحَدُهُمْ فِيمَا عَلَيْهِ مُطْلَقًا إنْ كَانَ دَيْنًا، وَإِنْ كَانَ فِي دَعْوَى عَيْنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا فِي يَدِهِ لِيَكُونَ قَضَاءً عَلَى الْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ فِي يَدِهِ نَفَذَ بِقَدْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا كُلِّهَا فِي يَدِهِ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ أَيْضًا، وَصَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِالْفَرْقِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 456 وَالْعَيْنِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ الْعَقَارِ (الْمَنْقُولُ) فِيمَا ذَكَرَ (فِي الْأَصَحِّ) دُرَرٌ لَكِنْ اعْتَمَدَ فِي الْمُلْتَقَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ اتِّفَاقًا وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ. قَالَ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ لَوْ مُقِرًّا. (أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ يَقَعُ) ذَلِكَ (عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) لِأَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ. (وَلَوْ قَالَ مَالِي أَوْ مَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ فَهُوَ عَلَى) جِنْسِ (مَالِ الزَّكَاةِ) اسْتِحْسَانًا (وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ أَمْسَكَ مِنْهُ) قَدْرَ (قُوتِهِ، فَإِذَا مَلَكَ) غَيْرَهُ (تَصَدَّقَ بِقَدْرِهِ) فِي الْبَحْرِ قَالَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَمَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ فَحِيلَتُهُ أَنْ يَبِيعَ مِلْكَهُ مِنْ رَجُلٍ بِثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ وَيَقْبِضَهُ وَلَمْ يَرَهُ ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثُمَّ يَرُدَّهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ: أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي صَدَقَةٌ إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَفَعَلَهُ وَهُوَ يَمْلِكُ أَقَلَّ لَزِمَهُ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ لَا يَجِبُ شَيْءٌ. (وَصَحَّ الْإِيصَاءُ بِلَا عِلْمِ الْوَصِيِّ فَصَحَّ) تَصَرُّفُهُ (لَا) يَصِحُّ (التَّوْكِيلُ بِلَا عِلْمِ وَكِيلٍ) وَالْفَرْقُ أَنَّ تَصَرُّفَ الْوَصِيِّ خِلَافَةٌ وَالْوَكِيلِ نِيَابَةٌ (فَلَوْ عَلِمَ) الْوَكِيلُ بِالتَّوْكِيلِ (وَلَوْ مِنْ) مُمَيِّزٍ -   [رد المحتار] بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ وَهُوَ الْحَقُّ وَغَيْرُهُ سَهْوٌ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ شَيْخِهِ: وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ حَقَّ الدَّائِنِ شَائِعٌ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ بِخِلَافِ مُدَّعِي الْعَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْعَيْنِ) حَيْثُ لَا يَنْتَصِبُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِي فِي دَعْوَى الْعَيْنِ إلَّا إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ كَوْنُ جَمِيعِ التَّرِكَةِ فِي يَدِهِ حَتَّى يَنْتَصِبَ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِي خِلَافًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ ح. (قَوْلُهُ لَوْ مُقِرًّا) أَيْ كَالْعَقَارِ. (قَوْلُهُ مَالِي أَوْ مَا أَمْلِكُهُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ دُخُولُ الدَّيْنِ أَيْضًا، وَحَكَى فِي الْقُنْيَةِ قَوْلَيْنِ، وَاعْتَمَدَ فِي وَصَايَا الْوَهْبَانِيَّةِ الدُّخُولَ، وَنَقَلَ السَّائِحَانِيُّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ لَا شَكَّ أَنَّ الدَّيْنَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَيَصِيرُ مَالًا عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ عَدَمُ الدُّخُولِ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ إنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِمَالٍ، حَتَّى لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ لَمْ يَحْنَثْ. وَنَقَلَ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ ابْنِ وَهْبَانَ أَنَّ فِي حِفْظِهِ مِنْ الْخَانِيَّةِ رِوَايَةَ الدُّخُولِ ح. (قَوْلُهُ جِنْسِ مَالِ الزَّكَاةِ) أَيَّ جِنْسٍ كَانَ، بَلَغَتْ نِصَابًا أَوْ لَا، عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ لَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ تَصَدَّقَ بِقَدْرِهِ) أَيْ بِقَدْرِ مَا أَمْسَكَ لِأَنَّ حَاجَتَهُ مُقَدَّمَةٌ، فَيُمْسِكُ أَهْلُ كُلِّ صَنْعَةٍ قَدْرَ كِفَايَتِهِ إلَى أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ شَيْءٌ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فَحِيلَتُهُ) أَيْ إنْ أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ وَلَا يَحْنَثَ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ) أَيْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ: وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمِلْكُ حِينَ الْحِنْثِ لَا حِينَ الْحَلِفِ انْتَهَى. أَقُولُ: وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُشْتَرَى بِاسْمِ الْمَفْعُولِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ حَتَّى يَرَاهُ وَيَرْضَى بِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الطَّيِّبِ مَدَنِيٌّ، وَالْمَسْأَلَةُ تَحْتَاجُ إلَى الْمُرَاجَعَةِ، وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَحْرِ عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْوَلْوَالِجيَّةِ فِي الْحِيَلِ آخِرَ الْكِتَابِ، وَتَمَامُهُ فِيهَا حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ لَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ يَتَصَالَحُ عَنْ تِلْكَ الدُّيُونِ مَعَ رَجُلٍ بِثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَيَرُدُّ الثَّوْبَ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَيَعُودُ الدَّيْنُ وَلَا يَحْنَثُ انْتَهَى. (قَوْلُهُ فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ) لَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ حُكْمِ الْوَصِيِّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ بَعْدَ الْقَبُولِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَظَاهِرُ مَا هُنَا تَبَعًا لِلْكَنْزِ أَنَّهُ يَصِيرُ وَصِيًّا قَبْلَ التَّصَرُّفِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا يَصِيرُ بَعْدَهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ، وَلِذَا قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: مَاتَ وَبَاعَ وَصِيُّهُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِوِصَايَتِهِ وَمَوْتِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَيَصِيرُ ذَلِكَ قَبُولًا مِنْهُ لِلْوِصَايَةِ وَلَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ إنَّ تَصَرُّفَهُ قَبْلَهُ بَدَلُ قَوْلِهِ فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ فَتَنَبَّهْ. (قَوْلُهُ بِلَا عِلْمِ وَكِيلٍ) فَلَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَصِيَّةِ جَازَ الْبَيْعُ، وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهَا لَمْ يَجُزْ بَحْرٌ أَيْ فَيَكُونُ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ فَلَمْ يُجِزْهُ مُوَكِّلُهُ أَوْ الْوَكِيلُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهَا كَمَا فِي نُورِ الْعَيْنِ مِنْ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الثَّانِي خِلَافُهُ، وَفِي الْبَحْرِ: أَمَّا إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْوَكَالَةِ وَاشْتَرَى مِنْهُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْبَائِع الْوَكِيلُ كَوْنَهُ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ بِأَنْ كَانَ الْمَالِكُ قَالَ لِلْمُشْتَرِي اذْهَبْ بِعَبْدِي إلَى زَيْدٍ فَقُلْ لَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 457 أَوْ (فَاسِقٍ صَحَّ تَصَرُّفُهُ وَلَا يَثْبُتُ عَزْلُهُ إلَّا بِ) إخْبَارِ (عَدْلٍ) أَوْ فَاسِقٍ إنْ صَدَّقَهُ عِنَايَةٌ (أَوْ مَسْتُورَيْنِ أَوْ فَاسِقَيْنِ) فِي الْأَصَحِّ (كَإِخْبَارِ السَّيِّدِ بِجَنَابَةِ عَبْدِهِ) فَلَوْ بَاعَهُ كَانَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ (وَالشَّفِيعِ) بِالْبَيْعِ (وَالْبِكْرِ) بِالنِّكَاحِ (وَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ) بِالشَّرَائِعِ، وَكَذَا الْإِخْبَارُ بِعَيْبٍ لِمُرِيدِ شِرَاءٍ وَحَجْرِ مَأْذُونٍ وَفَسْخِ شَرِكَةٍ وَعَزْلِ قَاضٍ وَمُتَوَلِّي وَقْفٍ فَهِيَ عَشَرَةٌ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ لَا لَفْظُهَا (وَيُشْتَرَطُ سَائِرُ الشُّرُوطِ فِي الشَّاهِدِ) وَقَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِالْعَزْلِ الْقَصْدِيِّ وَبِمَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ، وَيَكُونُ الْمُخْبِرُ غَيْرَ الْمُرْسَلِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِخَبَرِهِ مُطْلَقًا كَمَا سَيَجِيءُ فِي بَابِهِ. (وَبَاعَ قَاضٍ أَوْ أَمِينُهُ) وَإِنْ لَمْ يَقُلْ جَعَلْتُكَ أَمِينًا فِي بَيْعِهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَلْوَالِجِيَّةٌ (عَبْدًا لِ) دَيْنِ (الْغُرَمَاءِ وَأَخَذَ الْمَالَ فَضَاعَ) ثَمَنُهُ عِنْدَ الْقَاضِي (وَاسْتُحِقَّ الْعَبْدُ) أَوْ ضَاعَ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ (لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّ أَمِينَ الْقَاضِي كَالْقَاضِي وَالْقَاضِي كَالْإِمَامِ، وَكَلٌّ مِنْهُمْ لَا يَضْمَنُ بَلْ وَلَا يَحْلِفُ، بِخِلَافِ نَائِبِ النَّاظِرِ (وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغُرَمَاءِ) لِتَعَذُّرِ الرُّجُوعِ عَلَى الْعَاقِدِ.   [رد المحتار] حَتَّى يَبِيعَهُ بِوَكَالَتِهِ عَنِّي مِنْكَ فَذَهَبَ بِهِ إلَيْهِ وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِالتَّوْكِيلِ فَبَاعَهُ هُوَ مِنْهُ يَجُوزُ، وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ أَوْ فَاسِقٍ) أَيْ إذَا صَدَّقَهُ الْوَكِيلُ حَتَّى لَوْ كَذَّبَهُ لَا يَثْبُتُ، فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَكَالَةِ وَالْعَزْلِ لِأَنَّ فِي الْعَزْلِ أَيْضًا إذَا صَدَّقَهُ يَنْعَزِلُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ يَعْقُوبِيَّةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) خِلَافًا لِمَا فِي الْكَنْزِ حَيْثُ قَيَّدَ بِالْمَسْتُورَيْنِ. فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْفَاسِقَيْنِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ تَأْثِيرَ خَبَرِهِمَا أَقْوَى مِنْ تَأْثِيرِ خَبَرِ الْعَدْلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ عَدْلٍ لَمْ يَنْفُذْ وَبِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ نَفَذَ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ، وَنَقَلَهُ فِي الْمِنَحِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَعَزْلِ قَاضٍ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا. (قَوْلُهُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ) أَيْ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ. وَفِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ: أَقُولُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تُشْتَرَطُ فِي الْعَدَدِ وَأَنَّ قَوْلَهُ عَدْلٍ صِفَةُ رَجُلٍ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ) أَيْ فِي الْمُخْبِرِ. (قَوْلُهُ سَائِرُ الشُّرُوطِ) أَيْ مَعَ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَلَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَإِنْ وُجِدَ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ، وَقَلَّ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا. (قَوْلُهُ فِي الشَّاهِدِ) أَيْ الْمَشْرُوطَةِ فِي الشَّاهِدِ. (قَوْلُهُ الْقَصْدِيِّ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا كَانَ حُكْمِيًّا كَمَوْتِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ وَيَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ ح. (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ) أَمَّا إذَا صَدَّقَهُ قُبِلَ وَلَوْ فَاسِقًا بَحْرٌ وَقَدْ مَرَّ. (قَوْلُهُ غَيْرَ الْمُرْسَلِ) الَّذِي فِي الْبَحْرِ غَيْرَ الْخَصْمِ وَرَسُولِهِ. (قَوْلُهُ وَرَسُولِهِ) فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ، حَتَّى لَوْ أَخْبَرَ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ بِنَفْسِهِ وَجَبَ الطَّلَبُ إجْمَاعًا وَالرَّسُولُ يُعْمَلُ بِخَبَرِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ كَذَّبَهُ بَحْرٌ، وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ إلَخْ) بِأَنْ قَالَ لَهُ بِعْ هَذَا الْعَبْدَ فَقَطْ. (قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) اعْلَمْ أَنَّ أَمِينَ الْقَاضِي هُوَ مَنْ يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي جَعَلْتُكَ أَمِينًا فِي بَيْعِ هَذَا الْعَبْدِ، أَمَّا إذَا قَالَ بِعْ هَذَا الْعَبْدَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ عُهْدَةٌ ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ جَوَاهِرُ زَادَةْ كَمَا فِي الْبَحْرِ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ التَّلْخِيصِ لِلْفَارِسِيِّ. أَقُولُ: وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ هَكَذَا فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ الْغُرَمَاءِ) أَيْ أَرْبَابِ الدُّيُونِ لَمْ يَذْكُرْ الْوَارِثَ مَعَ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ كَانَ الْعَاقِدُ عَامِلًا لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ إنْ كَانَ وَصِيَّ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ هُوَ الْعَاقِدَ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، لِأَنَّ وِلَايَةَ الْبَيْعِ لِلْقَاضِي إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ قَدْ أَحَاطَ بِهَا الدَّيْنُ وَلَا يَمْلِكُ الْوَارِثُ الْبَيْعَ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ عِنْدَ الْقَاضِي) أَوْ أَمِينِهِ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَلَا يَحْلِفُ. (قَوْلُهُ نَائِبِ النَّاظِرِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّ نَائِبَ الْإِمَامِ كَهُوَ وَنَائِبَ النَّاظِرِ كَهُوَ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ، فَلَوْ ادَّعَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 458 (وَلَوْ بَاعَهُ الْوَصِيُّ لَهُمْ) أَيْ لِأَجْلِ الْغُرَمَاءِ (بِأَمْرِ الْقَاضِي) أَوْ بِلَا أَمَرَهُ (فَاسْتُحِقَّ) الْعَبْدُ (أَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ) لِلْعَبْدِ مِنْ الْوَصِيِّ (وَضَاعَ) الثَّمَنُ (رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَصِيِّ) لِأَنَّهُ وَإِنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي عَاقِدٌ نِيَابَةً عَنْ الْمَيِّتِ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ (وَهُوَ يَرْجِعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ) لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُمْ، وَلَوْ ظَهَرَ بَعْدَهُ لِلْمَيِّتِ مَالٌ رَجَعَ الْغَرِيمُ فِيهِ بِدَيْنِهِ هُوَ الْأَصَحُّ (أَخْرَجَ الْقَاضِي الثُّلُثَ لِلْفُقَرَاءِ وَلَمْ يُعْطِهِمْ إيَّاهُ حَتَّى هَلَكَ كَانَ) الْهَالِكُ (مِنْ مَالِهِمْ) أَيْ الْفُقَرَاءِ (وَالثُّلُثَانِ لِلْوَرَثَةِ) لِمَا مَرَّ. . (أَمَرَكَ قَاضٍ) عَدْلٌ (بِرَجْمٍ أَوْ قَطْعٍ) فِي سَرِقَةٍ (أَوْ ضَرْبٍ) فِي حَدٍّ (قَضَى بِهِ) بِمَا ذَكَرَ (وَسِعَكَ فِعْلُهُ) لِوُجُوبِ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ، وَمَنَعَهُ مُحَمَّدٌ حَتَّى يُعَايِنَ الْحُجَّةَ وَاسْتَحْسَنُوهُ فِي زَمَانِنَا. وَفِي الْعُيُونِ وَبِهِ يُفْتَى إلَّا فِي كِتَابِ الْقَاضِي لِلضَّرُورَةِ وَقِيلَ يُقْبَلُ لَوْ عَدْلًا عَالِمًا (وَإِنْ عَدْلًا جَاهِلًا   [رد المحتار] ضَيَاعَ مَالِ الْوَقْفِ أَوْ تَفْرِيقَهُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ فَأَنْكَرُوا فَالْقَوْلُ لَهُ كَالْأَصِيلِ لَكِنْ مَعَ الْيَمِينِ، وَبِهِ فَارَقَ أَمِينَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ كَالْقَاضِي اهـ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَهُ الْوَصِيُّ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ وَصِيِّ الْمَيِّتِ وَمَنْصُوبِ الْقَاضِي مَدَنِيٌّ. (قَوْلُهُ أَوْ بِلَا أَمْرِهِ) أَيْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. (قَوْلُهُ لِلْعَبْدِ) وَقَوْلُ الدُّرَرِ الثَّمَنُ سَبْقُ قَلَمٍ وَصَوَابُهُ الْمُثَمَّنُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي) الْأَوْلَى حَذْفُهُ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ عَاقِدٌ نِيَابَةً عَنْ الْمَيِّتِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لِيَشْمَلَ وَصِيَّ الْمَيِّتِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: أَمَّا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ أَوْصَى إلَيْهِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا نَصَّبَهُ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا نَصَّبَهُ لِيَكُونَ قَائِمًا مَقَامَ الْمَيِّتِ لَا مَقَامَ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ إلَيْهِ) كَمَا إذَا وَكَّلَهُ حَالَ حَيَاتِهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ ظَهَرَ بَعْدَهُ إلَخْ) فِيهِ إيجَازٌ مُخِلٌّ يُوَضِّحُهُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، فَلَوْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ، يَرْجِعُ الْغَرِيمُ فِيهِ بِدَيْنِهِ بِلَا شَكٍّ، وَهَلْ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي؛ فِيهِ خِلَافٌ قِيلَ نَعَمْ وَقَالَ مَجْدُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: لَا يَأْخُذُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ لِأَنَّ الْغَرِيمَ إنَّمَا يَضْمَنُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى غَيْرِهِ، وَفِي الْكَافِي: الْأَصَحُّ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ، فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي التَّصْحِيحِ كَمَا سَمِعْتَ اهـ وَقَوْلُهُ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي يُفِيدُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ إنَّمَا ضَمِنَ لِلْوَصِيِّ لَا لِلْمُشْتَرِي، لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي الْأُولَى اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي الرُّجُوعِ وَفِي الثَّانِيَةِ الْأَصَحُّ عَدَمُهُ فَتَنَبَّهْ، وَوَجَدْتُ فِي نُسْخَةٍ رَجَعَ الْغَرِيمُ مِنْهُ بِدَيْنِهِ لَا بِمَا غَرِمَ هُوَ الْأَصَحُّ قَالَ ح: وَقِيلَ يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ أَيْضًا وَصُحِّحَ. (قَوْلُهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَالِ الَّذِي ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ. (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ كَانَ الْهَالِكُ مِنْ مَالِهِمْ وَالْمُرَادُ بِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَضْمَنُ. (قَوْلُهُ عَدْلٌ) أَيْ وَعَالِمٌ كَذَا قَيَّدَهُ فِي الْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ مَدَنِيٌّ وَكَذَا قَيَّدَهُ فِي الْكَنْزِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ هُنَا لِمُقَابَلَةِ قَوْلِهِ وَإِنْ عَدْلًا جَاهِلًا. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُ الْمَاتُرِيدِيُّ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَمْ يَعْتَبِرْهُ بِهِمَا، ثُمَّ رَجَعَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ لَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُعَايِنَ الْحُجَّةَ أَوْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ مَعَ الْقَاضِي عَدْلٌ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُنَا اهـ وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَكَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُلَفَّقٌ مِنْ قَوْلَيْنِ لِأَنَّ عَدَمَ تَقْيِيدِهِ بِالْعَدَالَةِ وَالْعِلْمِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالتَّفْصِيلَ بَعْدَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْمَاتُرِيدِيِّ وَحِينَئِذٍ فَحَيْثُ قَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ عَدْلٌ يَجِبُ زِيَادَةُ عَالِمٍ أَيْضًا فَيَكُونُ عَلَى قَوْلِ الْمَاتُرِيدِيِّ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ بَعْدُ وَقِيلَ يُقْبَلُ لَوْ عَدْلًا عَالِمًا مُسْتَدْرَكًا، وَحَقُّهُ أَنْ يَقُولَ وَقِيلَ يُقْبَلُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا وَهُوَ مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. (قَوْلُهُ وَلِيِّ الْأَمْرِ) اُنْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ وَمَنَعَهُ مُحَمَّدٌ) هَذَا مَا رَجَعَ إلَيْهِ بَعْدَ الْمُوَافَقَةِ لَهُمَا ح. (قَوْلُهُ حَتَّى يُعَايِنَ الْحُجَّةَ) زَادَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَوْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ مَعَ الْقَاضِي عَدْلٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ وَقَدْ اسْتَبْعَدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِكَوْنِهِ بَعِيدًا فِي الْعَادَةِ وَهُوَ شَهَادَةُ الْقَاضِي عِنْدَ الْجَلَّادِ وَالِاكْتِفَاءُ بِالْوَاحِدِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي حَقٍّ يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ، وَإِنْ كَانَ فِي زِنًا فَلَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ أُخَرَ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُقْبَلُ لَوْ عَدْلًا عَالِمًا) دُخُولٌ عَلَى الْمَتْنِ قَصَدَ بِهِ إصْلَاحَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَطْلَقَ أَوَّلًا الْقَاضِيَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْعَدْلِ الْعَالِمِ تَبَعًا لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ ظَاهِرُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 459 إنْ اُسْتُفْسِرَ فَأَحْسَنَ) تَفْسِيرَ (الشَّرَائِطِ صُدِّقَ وَإِلَّا لَا، وَكَذَا) لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ (لَوْ) كَانَ (فَاسِقًا) عَالِمًا كَانَ أَوْ جَاهِلًا لِلتُّهْمَةِ فَالْقُضَاةُ أَرْبَعَةٌ (إلَّا أَنْ يُعَايِنَ الْحُجَّةَ) أَيْ سَبَبًا شَرْعِيًّا. (صَبَّ دُهْنًا لِإِنْسَانٍ عِنْدَ الشُّهُودِ) فَادَّعَى مَالِكُهُ ضَمَانَهُ (وَقَالَ) الصَّابُّ (كَانَتْ) الدُّهْنُ (نَجِسَةً وَأَنْكَرَهُ الْمَالِكُ فَالْقَوْلُ لِلصَّابِّ) لِإِنْكَارِهِ الضَّمَانَ وَالشُّهُودُ يَشْهَدُونَ عَلَى الصَّبِّ لَا عَلَى عَدَمِ النَّجَاسَةِ. . (وَلَوْ قَتَلَ رَجُلًا وَقَالَ قَتَلْتُهُ لِرِدَّتِهِ أَوْ لِقَتْلِهِ أَبِي لَمْ يُسْمَعْ) قَوْلُهُ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى فَتْحِ بَابِ الْعُدْوَانِ فَإِنَّهُ يَقْتُلُ وَيَقُول كَانَ الْقَتْلُ لِذَلِكَ وَأَمْرُ الدَّمِ عَظِيمٌ فَلَا يُهْمَلُ، بِخِلَافِ الْمَالِ إقْرَارُ بَزَّازِيَّةٍ (صُدِّقَ) قَاضٍ (مَعْزُولٌ) بِلَا يَمِينٍ (قَالَ لِزَيْدٍ أَخَذْتُ مِنْكَ أَلْفًا قَضَيْتُ بِهِ) أَيْ بِالْأَلْفِ (لِبَكْرٍ وَدَفَعْتُهُ إلَيْهِ أَوْ قَالَ: قَضَيْتُ بِقَطْعِ يَدِكَ فِي حَقٍّ وَادَّعَى زَيْدٌ أَخْذَهُ) الْأَلْفَ (وَقَطْعَهُ) الْيَدَ (ظُلْمًا وَأَقَرَّ بِكَوْنِهِمَا) أَيْ الْأَخْذِ وَالْقَطْعِ (فِي) وَقْتِ (قَضَائِهِ) وَكَذَا لَوْ زَعَمَ فِعْلَهُ قَبْلَ التَّقْلِيدِ أَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ أَسْنَدَ فِعْلَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فَيُصَدَّقُ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ زَيْدٌ عَلَى كَوْنِهِمَا فِي غَيْرِ قَضَائِهِ فَالْقَاضِي يَكُونُ مُبْطِلًا صَدْرُ شَرِيعَةٍ.   [رد المحتار] الرِّوَايَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ التَّفْصِيلَ وَهُوَ عَلَى قَوْلِ الْمَاتُرِيدِيِّ الْقَائِلِ بِاشْتِرَاطِ كَوْنِهِ عَدْلًا عَالِمًا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَنْزِ، وَإِنْ أَرَدْتَ زِيَادَةَ الدِّرَايَةِ فَارْجِعْ إلَى الْهِدَايَةِ، وَحَيْثُ كَانَ مُرَادُ الشَّارِحِ ذَلِكَ فَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَحْذِفَ قَوْلَهُ عَدْلٌ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ مِنْ الشَّرْحِ عَلَى مَا رَأَيْنَاهُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ رَجَعَ مُحَمَّدٌ وَقَالَ لَا حَتَّى يُعَايِنَ الْحُجَّةَ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ وَأَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ فِي الْبَحْرِ لَكِنْ رَأَيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَنَّهُ صَحَّ رُجُوعُ مُحَمَّدٍ إلَى قَوْلِهِمَا. قَالَ: وَالْحَاصِلُ الْمَفْهُومُ مِنْ شَرْحِ الصَّدْرِ أَنَّهُمَا قَالَا بِقَبُولِ إخْبَارِهِ عَنْ إقْرَارِهِ بِشَيْءٍ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ مُطْلَقًا وَأَنَّ مُحَمَّدًا أَوَّلًا وَافَقَهُمَا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِضَمِّ رَجُلٍ آخَرَ عَدْلٍ إلَيْهِ ثُمَّ صَحَّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا. وَأَمَّا إذَا أَخْبَرَ الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ عَنْ شَيْءٍ يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ كَالْحَدِّ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ أَخْبَرَ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ فَقَالَ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ وَعُدِّلُوا وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا اهـ. وَضَمِيرُ إقْرَارِهِ رَاجِعٌ إلَى الْخَصْمِ. هَذَا، وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَاضِي الْمُوَلَّى، وَأَمَّا الْمَعْزُولُ فَلَا يُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ مَعَهُ عَدْلٌ كَمَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ أَوَائِلَ كِتَابِ الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ إنْ اُسْتُفْسِرَ إلَخْ) بِأَنْ يَقُولَ فِي حَدِّ الزِّنَا إنِّي اسْتَفْسَرْت الْمُقِرَّ بِالزِّنَا كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِيهِ وَحَكَمْتُ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ، وَيَقُولَ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ إنَّهُ ثَبَتَ عِنْدِي بِالْحُجَّةِ أَنَّهُ أَخَذَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَفِي الْقِصَاصِ أَنَّهُ قَتَلَ عَمْدًا بِلَا شُبْهَةٍ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى اسْتِفْسَارِ الْجَاهِلِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَظُنُّ بِسَبَبِ جَهْلِهِ غَيْرَ الدَّلِيلِ دَلِيلًا كِفَايَةٌ. (قَوْلُهُ شَرْعِيًّا) فَيَشْمَلُ الْإِقْرَارَ. (قَوْلُهُ لِإِنْكَارِهِ الضَّمَانَ) بِالْمِثْلِ لَا بِالْقِيمَةِ شَيْخُنَا فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ إلَّا فِي أَنَّهَا مُتَنَجِّسَةٌ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا مُتَنَجِّسَةً كَمَا نَقَلَهُ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الشَّيْخِ شَرَفِ الدِّينِ الْغَزِّيِّ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ وَعِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْقَاضِي مِنْ الشَّهَادَاتِ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي إنْكَارِهِ اسْتِهْلَاكَ الطَّاهِرِ وَلَا يَسَعُ الشُّهُودَ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ صَبَّ زَيْتًا غَيْرَ نَجِسٍ، وَتَمَامُهُ فِيهَا فَرَاجِعْهَا وَهِيَ أَظْهَرُ مِمَّا هُنَا (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ زَعَمَ إلَخْ) أَيْ الْمُدَّعِي، لَكِنْ لَوْ أَقَرَّ الْقَاطِعُ وَالْآخِذُ فِي هَذَا بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي يَضْمَنَانِ لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَقَوْلُ الْقَاضِي مَقْبُولٌ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ لَا فِي إبْطَالِ سَبَبِ الضَّمَانِ عَنْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِعْلُهُ فِي قَضَائِهِ بِالتَّصَادُقِ وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْآخِذِ قَائِمًا وَقَدْ أَقَرَّ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْمَالُ صُدِّقَ الْقَاضِي فِي أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي قَضَائِهِ أَوْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لَهُ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى التَّمَلُّكِ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَقَوْلُ الْمَعْزُولُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيهِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَسْنَدَ) أَيْ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ إلَى حَالَةٍ) فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ طَلَّقْتُ أَوْ أَعْتَقْتُ وَأَنَا مَجْنُونٌ وَجُنُونُهُ مَعْهُودٌ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ لِلضَّمَانِ) أَيْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا زَادَهُ فِي الْبَحْرِ أَخْذًا مِمَّا فِي الْمَجْمَعِ. قَالَ فَلَا يَرِدُ مَا لَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِأَمَتِهِ بَعْدَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 460 فَرْعٌ] نَقَلَ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ: إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي شَيْءٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَلَهُ أَخْذُ عُشْرِ مَا يَتَوَلَّى مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْأَوْقَافِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: لِلْمُتَوَلِّي الْعُشْرُ فِي مَسْأَلَةِ الطَّاحُونَةِ. قُلْتُ: لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ كُلُّ مَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي وَالْمُفْتِي لَا يَحِلُّ لَهُمَا أَخْذُ الْأَجْرِ بِهِ كَنِكَاحِ صَغِيرٍ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَكَجَوَابِ الْمُفْتِي بِالْقَوْلِ. وَأَمَّا بِالْكِتَابَةِ فَيَجُوزُ لَهُمَا عَلَى قَدْرِ كَتْبِهِمَا لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَلْزَمُهُمَا، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَفِيهَا: وَلَيْسَ لَهُ أَجْرٌ وَإِنْ كَانَ قَاسِمًا ... وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَيْتِ مَالٍ مُقَرَّ رُ وَرَخَّصَ بَعْضٌ لِانْعِدَامِ مُقَرَّرٍ ... وَفِي عَصْرِنَا فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ يُنْصَرُ وَجُوِّزَ لِلْمُفْتِي عَلَى كَتْبِ خَطِّهِ ... عَلَى قَدْرِهِ إذْ لَيْسَ فِي الْكَتْبِ يُحْصَرُ. كِتَابُ الشَّهَادَاتِ أَخَّرَهَا عَنْ الْقَضَاءِ لِأَنَّهَا كَالْوَسِيلَةِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ (هِيَ) لُغَةً خَبَرٌ قَاطِعٌ. وَشَرْعًا (إخْبَارُ صِدْقٍ لِإِثْبَاتِ حَقٍّ) فَتْحٌ. قُلْتُ: فَإِطْلَاقُهَا عَلَى الزُّورِ مَجَازٌ كَإِطْلَاقِ الْيَمِينِ عَلَى الْغَمُوسِ (بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي) وَلَوْ بِلَا دَعْوَى كَمَا فِي عِتْقِ الْأَمَةِ. وَسَبَبُ وُجُوبِهَا طَلَبُ ذِي الْحَقِّ أَوْ خَوْفُ فَوْتِ حَقِّهِ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا ذُو الْحَقِّ   [رد المحتار] عِتْقِهَا قَطَعْت يَدَكِ وَأَنْتِ أَمَتِي وَقَالَتْ قَطَعْتَهَا وَأَنَا حُرَّةٌ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لَهَا لِأَنَّهُ أَسْنَدَ فِعْلَهُ إلَى حَالَةٍ قَدْ يُجَامِعُهَا الضَّمَانُ فِي الْجُمْلَةِ، لِأَنَّ كَوْنَهَا أَمَةً لَهُ لَا يَنْفِي الضَّمَانَ عَنْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَضْمَنُ إذَا كَانَتْ مَرْهُونَةً أَوْ مَأْذُونَةً مَدْيُونَةً اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُ التَّفَارِيعِ عَلَيْهِ فِيهِ فَرَاجِعْهُ. [فَرْعٌ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي شَيْءٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ] (قَوْلُهُ فِي الْأَشْبَاهِ) وَعِبَارَتُهَا قَالَ فِي بَسْطِ الْأَنْوَارِ لِلشَّافِعِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ مَا لَفْظُهُ: وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي شَيْءٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَهُ أَخْذُ عُشْرِ مَا يَتَوَلَّى مِنْ مَالِ الْأَيْتَامِ وَالْأَوْقَافِ ثُمَّ بَالَغَ فِي الْإِنْكَارِ اهـ وَلَمْ أَرَ هَذَا لِأَصْحَابِنَا اهـ وَمَا أَحْبَبْت نَقْلَ الشَّارِحِ الْعِبَارَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِئَلَّا يَظُنَّ بَعْضُ الْمُتَهَوِّرِينَ صِحَّةَ هَذَا النَّقْلِ مَعَ أَنَّ النَّاقِلَ بَالَغَ فِي إنْكَارِهِ كَمَا تَرَى كَيْفَ وَقَدْ اخْتَلَفُوا عِنْدَنَا فِي أَخْذِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَمَا ظَنُّكَ فِي الْيَتَامَى وَالْأَوْقَافِ. (قَوْلُهُ وَالْأَوْقَافِ) أَقُولُ: زَادَ فِي الْأَشْبَاهِ قَوْلُهُ ثُمَّ بَالَغَ فِي الْإِنْكَارِ إلَخْ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ ثُمَّ بَالَغَ فِي الْإِنْكَارِ أَقُولُ يَعْنِي عَلَى الْجَمَاعَتَيْنِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي إنْكَارِهِ وَاضِحَةُ الِاعْتِبَارِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ تَوَلَّى عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا مَثَلًا وَلَمْ يَلْحَقْهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ فِيهَا شَيْءٌ بِمَاذَا يَسْتَحِقُّ عُشْرَهَا وَهُوَ مَالُ الْيَتِيمِ وَفِي حُرْمَتِهِ جَاءَتْ الْقَوَاطِعُ، فَمَا هُوَ إلَّا بُهْتَانٌ عَلَى الشَّرْعِ السَّاطِعِ وَظُلْمَةٌ غَطَّتْ عَلَى بَصَائِرِهِمْ، فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ غَضَبِهِ الْوَاقِعِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ اهـ وَقَالَ بِيرِيّ زَادَةْ فِي حَاشِيَتِهَا: وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعُشْرِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ حَتَّى لَوْ زَادَ رَدَّ الزَّائِدَ اهـ مَدَنِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ الطَّاحُونَةِ) أَيْ إذَا كَانَ لَهُ عَمَلٌ وَاَلَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْوَقْفِ: رَجُلٌ وَقَفَ ضَيْعَةً عَلَى مَوَالِيهِ وَقْفًا صَحِيحًا فَمَاتَ الْوَاقِفُ وَجَعَلَ الْقَاضِي الْوَقْفَ فِي يَدِ قَيِّمٍ وَجَعَلَ لِلْقَيِّمِ عُشْرَ الْغَلَّاتِ وَفِي الْوَقْفِ طَاحُونَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ بِالْمُقَاطَعَةِ لَا حَاجَةَ فِيهَا إلَى الْقَيِّمِ وَأَصْحَابُ هَذِهِ الطَّاحُونَةِ يَقْبِضُونَ غَلَّتَهَا لَا يَجِبُ لِلْقَيِّمِ عُشْرُ هَذِهِ الطَّاحُونَةِ لِأَنَّ الْقَيِّمَ يَأْخُذُ مَا يَأْخُذُ بِطَرِيقِ الْأَجْرِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِدُونِ الْعَمَلِ اهـ وَهَكَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة ح. . [كِتَابُ الشَّهَادَاتِ] (قَوْلُهُ كَإِطْلَاقِ الْيَمِينِ) فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْيَمِينِ عَقْدٌ يَتَقَوَّى بِهِ عَزْمُ الْحَالِفِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 461 وَخَافَ فَوْتَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِلَا طَلَبٍ فَتْحٌ. (شَرْطُهَا) أَحَدٌ وَعِشْرُونَ شَرْطًا شَرَائِطُ مَكَانِهَا وَاحِدٌ. وَشَرَائِطُ التَّحَمُّلِ ثَلَاثَةٌ (الْعَقْلُ الْكَامِلُ) وَقْتَ التَّحَمُّلِ، وَالْبَصَرُ، وَمُعَايَنَةُ الْمَشْهُودِ بِهِ إلَّا فِيمَا يَثْبُتُ بِالتَّسَامُعِ (وَ) شَرَائِطُ الْأَدَاءِ سَبْعَةَ عَشَرَ: عَشَرَةٌ عَامَّةٌ وَسَبْعَةٌ خَاصَّةٌ، مِنْهَا (الضَّبْطُ وَالْوِلَايَةُ) فَيُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ لَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُسْلِمًا (وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّمْيِيزِ) بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ (بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ) وَمِنْ الشَّرَائِطِ عَدَمُ قَرَابَةِ وِلَادٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ أَوْ عَدَاوَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ أَوْ دَفْعِ مَغْرَمٍ أَوْ جَرِّ مَغْنَمٍ كَمَا سَيَجِيءُ. (وَرُكْنُهَا لَفْظُ أَشْهَدُ) لَا غَيْرُ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى مُشَاهَدَةٍ وَقَسَمٍ وَإِخْبَارٍ لِلْحَالِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَقَدْ اطَّلَعْتُ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَا أُخْبِرُ بِهِ وَهَذِهِ الْمَعَانِي مَفْقُودَةٌ فِي غَيْرِهِ فَتَعَيَّنَ، -   [رد المحتار] وَالْغَمُوسُ: الْحَلِفُ عَلَى مَاضٍ كَذِبًا عَمْدًا. (قَوْلُهُ وَخَافَ) أَيْ الشَّاهِدُ، وَقَوْلُهُ فَوْتَهُ: أَيْ الْحَقِّ. (قَوْلُهُ بِلَا طَلَبٍ) نَظَرَ فِيهِ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي هَذَا إعْلَامُ الْمُدَّعِي بِمَا يَشْهَدُ فَإِنْ طَلَبَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ وَإِلَّا لَا إذْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَرَكَ حَقَّهُ ط. (قَوْلُهُ شَرَائِطُ مَكَانِهَا وَاحِدٌ) أَيْ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ الْعَقْلُ الْكَامِلُ وَقْتَ التَّحَمُّلِ) الْمُرَادُ مَا يَشْمَلُ التَّمْيِيزَ بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي. (قَوْلُهُ عَشَرَةٌ عَامَّةٌ) أَيْ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الشَّهَادَةِ أَمَّا الْعَامَّةُ فَهِيَ الْحُرِّيَّةُ وَالْبَصَرُ وَالنُّطْقُ وَالْعَدَالَةُ لَكِنْ هِيَ شَرْطُ وُجُوبِ الْقَبُولِ عَلَى الْقَاضِي لَا شَرْطُ جَوَازِهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ وَأَنْ لَا يَجُرَّ الشَّاهِدُ إلَى نَفْسِهِ مَغْنَمًا وَلَا يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ مَغْرَمًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ لِأَصْلِهِ وَعَكْسُهُ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ وَأَنْ لَا يَكُونَ خَصْمًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَصِيِّ لِلْيَتِيمِ وَالْوَكِيلِ لِمُوَكِّلِهِ وَأَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْمَشْهُودِ بِهِ وَقْتَ الْأَدَاءِ ذَاكِرًا لَهُ وَلَا يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ عَلَى خَطِّهِ خِلَافًا لَهُمَا. وَأَمَّا مَا يَخُصُّ بَعْضَهَا فَالْإِسْلَامُ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا وَالذُّكُورَةُ فِي الشَّهَادَةِ فِي الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ، وَتَقَدُّمُ الدَّعْوَى فِيمَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَمُوَافَقَتُهَا لِلدَّعْوَى، فَإِنْ خَالَفَتْهَا لَمْ تُقْبَلْ إلَّا إذَا وَفَّقَ الْمُدَّعِي عِنْدَ إمْكَانِهِ، وَقِيَامُ الرَّائِحَةِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَلَمْ يَكُنْ سَكْرَانَ لَا لِبُعْدِ مَسَافَةٍ وَالْأَصَالَةُ فِي الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَتَعَذُّرِ حُضُورِ الْأَصْلِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ شَرَائِطَ الشَّهَادَةِ نَوْعَانِ: مَا هُوَ شَرْطُ تَحَمُّلِهَا وَمَا هُوَ شَرْطُ أَدَائِهَا فَالْأَوَّلُ ثَلَاثَةٌ وَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ، وَالثَّانِي أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: مَا يَرْجِعُ إلَى الشَّاهِدِ، وَمَا يَرْجِعُ إلَى الشَّهَادَةِ وَمَا يَرْجِعُ إلَى مَكَانِهَا، وَمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَشْهُودِ بِهِ، وَذَكَرَ أَنَّ مَا يَرْجِعُ إلَى الشَّاهِدِ السَّبْعَةَ عَشَرَ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ وَمَا يَرْجِعُ إلَى الشَّهَادَةِ ثَلَاثَةٌ: لَفْظُ الشَّهَادَةِ، وَالْعَدَدُ فِي الشَّهَادَةِ بِمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ، وَاتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ، وَمَا يَرْجِعُ إلَى مَكَانِهَا وَاحِدٌ وَهُوَ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ، وَمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَشْهُودِ بِهِ عُلِمَ مِنْ السَّبْعَةِ الْخَاصَّةِ ثُمَّ قَالَ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ شَرَائِطَهَا إحْدَى وَعِشْرُونَ. فَشَرَائِطُ التَّحَمُّلِ ثَلَاثَةٌ، وَشَرَائِطُ الْأَدَاءِ سَبْعَةَ عَشَرَ: مِنْهَا عَشَرَةُ شَرَائِطَ عَامَّةٌ، وَمِنْهَا سَبْعَةُ شَرَائِطَ خَاصَّةٌ: وَشَرَائِطُ نَفْسِ الشَّهَادَةِ ثَلَاثَةٌ وَشَرَائِطُ مَكَانِهَا وَاحِدٌ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ شَرَائِطَ الْأَدَاءِ نَوْعَانِ لَا أَرْبَعَةٌ كَمَا ذَكَرَ أَوَّلًا، وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ إنَّهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا شَرَائِطُ التَّحَمُّلِ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ شَرَائِطُ الْأَدَاءِ، مِنْهَا سَبْعَةَ عَشَرَ شَرَائِطُ الشَّاهِدِ وَهِيَ عَشَرَةٌ عَامَّةٌ وَسَبْعَةٌ خَاصَّةٌ، وَمِنْهَا ثَلَاثَةُ شَرَائِطَ لِنَفْسِ الشَّهَادَةِ، وَمِنْهَا وَاحِدٌ شَرْطُ مَكَانِهَا، وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَك مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ أَشْهَدَ) فَلَوْ قَالَ شَهِدْتُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَاضِيَ مَوْضُوعٌ لِلْإِخْبَارِ عَمَّا وَقَعَ فَيَكُونُ غَيْرَ مُخْبِرٍ فِي الْحَالِ س. (قَوْلُهُ لِتَضَمُّنِهِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ الِاشْتِقَاقِ. (قَوْلُهُ مَعْنَى مُشَاهَدَةٍ) وَهِيَ الِاطِّلَاعُ عَلَى الشَّيْءِ عِيَانًا. (قَوْلُهُ وَقَسَمٍ) لِأَنَّهُ قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْقَسَمِ نَحْوَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا أَيْ أُقْسِمُ س. (قَوْلُهُ لِلْحَالِ) وَلَا يَجُوزُ شَهِدْتُ لِأَنَّ الْمَاضِيَ مَوْضُوعٌ لِلْإِخْبَارِ عَمَّا وَقَعَ. (قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ إلَخْ) فَلِذَا اُقْتُصِرَ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا وَاتِّبَاعًا لِلْمَأْثُورِ، وَلَا يَخْلُو عَنْ مَعْنَى التَّعَبُّدِ إذَا لَمْ يُنْقَلْ غَيْرُهُ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْبَحْرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 462 حَتَّى لَوْ زَادَ فِيمَا أَعْلَمُ بَطَلَ لِلشَّكِّ. وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحُكْمِ عَلَى الْقَاضِي بِمُوجِبِهَا بَعْدَ التَّزْكِيَةِ بِمَعْنَى افْتِرَاضِهِ فَوْرًا إلَّا فِي ثَلَاثٍ قَدَّمْنَاهَا (فَلَوْ امْتَنَعَ) بَعْدَ وُجُودِ شَرَائِطِهَا (أَثِمَ) لِتَرْكِهِ الْفَرْضَ (وَاسْتَحَقَّ الْعَزْلَ) لِفِسْقِهِ (وَعُزِّرَ) لِارْتِكَابِهِ مَا لَا يَجُوزُ شَرْعًا زَيْلَعِيٌّ (وَكُفِّرَ إنْ لَمْ يَرَ الْوُجُوبَ) أَيْ إنْ لَمْ يَعْتَقِدْ افْتِرَاضَهُ عَلَيْهِ ابْنُ مِلْكٍ، وَأَطْلَقَ الْكَافِيجِيُّ كُفْرَهُ وَاسْتَظْهَرَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ. (وَيَجِبُ أَدَاؤُهَا بِالطَّلَبِ) وَلَوْ حُكْمًا كَمَا مَرَّ، لَكِنَّ وُجُوبَهُ بِشُرُوطٍ سَبْعَةٍ مَبْسُوطَةٍ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، مِنْهَا عَدَالَةُ قَاضٍ وَقُرْبُ مَكَانِهِ وَعِلْمُهُ بِقَبُولِهِ أَوْ بِكَوْنِهِ أَسْرَعَ قَبُولًا وَطَلَبُ الْمُدَّعِي (لَوْ فِي حَقِّ الْعَبْدِ إنْ لَمْ يُوجَدْ بَدَلُهُ) أَيْ بَدَلُ الشَّاهِدِ لِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ تَتَعَيَّنُ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا شَاهِدَانِ لِتَحَمُّلٍ أَوْ أَدَاءً، وَكَذَا الْكَاتِبُ إذَا تَعَيَّنَ، لَكِنَّ لَهُ أَخْذَ الْأُجْرَةِ لَا لِلشَّاهِدِ، حَتَّى لَوْ أَرْكَبَهُ بِلَا عُذْرٍ لَمْ تُقْبَلْ وَبِهِ تُقْبَلُ لِحَدِيثِ «أَكْرِمُوا الشُّهُودَ» وَجَوَّزَ الثَّانِي الْأَكْلَ مُطْلَقًا وَبِهِ يُفْتَى بَحْرٌ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ. (وَ) يَجِبُ الْأَدَاءُ (بِلَا طَلَبٍ لَوْ) الشَّهَادَةُ (فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى) وَهِيَ كَثِيرَةٌ عَدَّ مِنْهَا فِي الْأَشْبَاهِ أَرْبَعَةَ عَشْرَ. قَالَ: وَمَتَى أَخَّرَ شَاهِدُ الْحِسْبَةِ شَهَادَتَهُ بِلَا عُذْرٍ فَسَقَ فَتُرَدُّ (كَطَلَاقِ امْرَأَةٍ) أَيْ بَائِنًا (وَعِتْقِ أَمَةٍ) وَتَدْبِيرِهَا وَكَذَا عِتْقُ عَبْدٍ وَتَدْبِيرُهُ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ، وَكَذَا الرَّضَاعُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، وَهَلْ يُقْبَلُ جَرْحُ الشَّاهِدِ حِسْبَةً؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ لِكَوْنِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى أَشْبَاهٌ فَبَلَغَتْ   [رد المحتار] قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ زَادَ فِيمَا أَعْلَمُ إلَخْ) فَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ بِكَذَا فِيمَا أَعْلَمُ لَمْ تُقْبَلْ كَمَا لَوْ قَالَ فِي ظَنِّي بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَشْهَدُ بِكَذَا قَدْ عَلِمْتُ، وَلَوْ قَالَ لَا حَقَّ لِي قِبَلَ فُلَانٍ فِيمَا أَعْلَمُ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِيمَا أَعْلَمُ لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ، وَلَوْ قَالَ الْمُعَدِّلُ هُوَ عَدْلٌ فِيمَا أَعْلَمُ لَا يَكُونُ تَعْدِيلًا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ ثَلَاثٍ) خَوْفِ رِيبَةٍ وَرَجَاءِ صُلْحِ أَقَارِبَ وَإِذَا اسْتَمْهَلَ الْمُدَّعِي س. (قَوْلُهُ قَدَّمْنَاهَا) أَيْ قُبَيْلَ بَابِ التَّحْكِيمِ ح. (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَرَ الْوُجُوبَ) نَقَلَهُ فِي أَوَّلِ قَضَاءِ الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الْكَنْزِ لِبَاكِيرٍ. (قَوْلُهُ وَأَطْلَقَ الْكَافِيجِيُّ) أَيْ فِي رِسَالَتِهِ [سَيْفُ الْقُضَاةِ عَلَى الْبُغَاةِ] حَيْثُ قَالَ: حَتَّى لَوْ أَخَّرَ الْحُكْمَ بِلَا عُذْرٍ عَمْدًا قَالُوا إنَّهُ يُكَفِّرُ. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) هُوَ قَوْلُهُ أَوْ خَوْفَ فَوْتِ حَقِّهِ. (قَوْلُهُ وَقُرْبُ مَكَانِهِ) فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَغْدُوَ إلَى الْقَاضِي لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَيَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ قَالُوا لَا يَأْثَمُ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] بَحْرٌ. (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُوجَدْ بَدَلُهُ) هَذَا هُوَ خَامِسُ الشُّرُوطِ، وَأَمَّا الِاثْنَانِ الْبَاقِيَانِ فَهُمَا أَنْ لَا يَعْلَمَ بُطْلَانَ الْمَشْهُودِ بِهِ وَأَنْ لَا يَعْلَمَ أَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ خَوْفًا ح. (قَوْلُهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ) لِيَنْظُرَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ كُلُّ مَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي وَالْمُفْتِي لَا يَحِلُّ لَهُمَا أَخْذُ الْأَجْرِ بِهِ وَلَيْسَ خَاصًّا بِهِمَا بِدَلِيلِ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ غَاسِلَ الْأَمْوَاتِ إذَا تَعَيَّنَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الْأَجْرِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ بِلَا عُذْرٍ) بِأَنْ كَانَ لَهُمْ قُوَّةُ الْمَشْيِ أَوْ مَالٌ يَسْتَكْرُونَ بِهِ الدَّوَابَّ. (قَوْلُهُ وَبِهِ) أَيْ بِالْعُذْرِ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ صَنَعَهُ لِأَجْلِهِمْ أَوْ لَا وَمَنَعَهُ مُحَمَّدٌ مُطْلَقًا وَبَعْضُهُمْ فَصَّلَ. (قَوْلُهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ) قَدَّمْنَاهَا فِي الْوَقْفِ ح. (قَوْلُهُ حِسْبَةً) مُتَعَلِّقٌ بِالْجَرْحِ لَا بِالشَّاهِدِ ح. قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ بِلَا دَعْوَى فِي طَلَاقِ الْمَرْأَةِ وَعِتْقِ الْأَمَةِ وَالْوَقْفِ وَهِلَالِ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ إلَّا هِلَالَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَالْحُدُودِ إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي قَبُولِهَا بِلَا دَعْوَى فِي النَّسَبِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ النَّسَبِ وَجَزَمَ بِالْقَبُولِ ابْنُ وَهْبَانَ فِي تَدْبِيرِ الْأَمَةِ وَحُرْمَةٍ وَالْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ وَلَا تُقْبَلُ فِي عِتْقِ الْعَبْدِ بِدُونِ دَعْوَى عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِهِ فِي الْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْمُعْتَمَدُ لَا اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ عَلَى عِتْقِ أَمَةٍ وَقَالَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْعَامِ الْمَاضِي جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَتَأْخِيرُهُمَا لَا يُوهِنُ شَهَادَتَهُمَا قِيلَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَهْنًا فِي شَهَادَتِهِمَا إذَا عَلِمَا أَنَّهُ يُمْسِكُهَا إمْسَاكَ الزَّوْجَاتِ وَالْإِمَاءِ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَيْسَتْ شَرْطًا لِقَبُولِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ فَإِذَا أَخَّرُوهَا صَارُوا فَسَقَةً اهـ كَذَا فِي الْهَامِشِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 463 ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَلَيْسَ لَنَا مُدَّعِي حِسْبَةٍ إلَّا فِي الْوَقْفِ عَلَى الْمَرْجُوحِ فَلْيُحْفَظْ (وَسَتْرُهَا فِي الْحُدُودِ أَبَرُّ) لِحَدِيثِ «مَنْ سَتَرَ سُتِرَ» فَالْأَوْلَى الْكِتْمَانُ إلَّا لِمُتَهَتِّكٍ بَحْرٌ. (وَ) الْأَوْلَى أَنْ (يَقُولَ) الشَّاهِدُ (فِي السَّرِقَةِ أَخَذَ) إحْيَاءً لِلْحَقِّ (لَا سَرَقَ) رِعَايَةً لِلسِّتْرِ. (وَنِصَابُهَا لِلزِّنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ) لَيْسَ مِنْهُمْ ابْنُ زَوْجِهَا، وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالزِّنَا وَقَعَ بِرَجُلَيْنِ وَلَا حَدَّ، وَلَوْ شَهِدَا بِعِتْقِهِ ثُمَّ أَرْبَعَةٌ بِزِنَاهُ مُحْصَنًا فَأَعْتَقَهُ الْقَاضِي ثُمَّ رَجَمَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْكُلُّ ضَمِنَ الْأَوَّلَانِ قِيمَتَهُ لِمَوْلَاهُ وَالْأَرْبَعَةُ دِيَتَهُ لَهُ أَيْضًا لَوْ وَارِثَهُ (وَ) لِبَقِيَّةِ (الْحُدُودِ وَالْقَوَدِ وَ) مِنْهُ (إسْلَامُ كَافِرٍ ذَكَرٍ) لِمَآلِهَا لِقَتْلِهِ بِخِلَافِ الْأُنْثَى بَحْرٌ (وَ) مِثْلُهُ (رِدَّةُ مُسْلِمٍ رَجُلَانِ) إلَّا الْمُعَلَّقَ فَيَقَعُ وَلَا يُحَدُّ كَمَا مَرَّ (وَلِلْوِلَادَةِ وَاسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ) وَلِلْإِرْثِ   [رد المحتار] فَرْعٌ] فِي الْمُجْتَبَيْ عَنْ الْفَضْلِيِّ: تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ كَأَدَائِهَا وَإِلَّا لَضَاعَتْ الْحُقُوقُ وَعَلَى هَذَا الْكَاتِبُ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ فِيمَنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ وَكَذَا مَنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَفِي قَوْلٍ يَجُوزُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ اهـ شَلَبِيٌّ اهـ ط. (قَوْلُهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) أَيْ بِزِيَادَةِ عِتْقِ الْعَبْدِ وَتَدْبِيرِهِ وَالرَّضَاعِ وَالْجَرْحِ. وَأَمَّا طَلَاقُ الْمَرْأَةِ وَعِتْقُ الْأَمَةِ وَتَدْبِيرُهَا فَمِنْ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ ح. (قَوْلُهُ إلَّا فِي الْوَقْفِ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَصْلَ الْوَقْفِ تُسْمَعُ عِنْدَ الْبَعْضِ وَالْمُفْتَى بِهِ عَدَمُ سَمَاعِهَا إلَّا بِتَوْلِيَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَقْفِ ح. (قَوْلُهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ سَتْرُ أَسْبَابِ الْحُدُودِ، مُنْهَوَاتُ ابْنِ كَمَالٍ. (قَوْلُهُ وَنِصَابُهَا) لَمْ يَقُلْ وَشَرْطُهَا أَيْ كَمَا قَالَ فِي الْكَنْزِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْوِلَادَةِ وَأُخْتَيْهَا ابْنُ كَمَالٍ. (قَوْلُهُ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ) فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ. (قَوْلُهُ ابْنُ زَوْجِهَا) أَيْ إذَا كَانَ الْأَبُ مُدَّعِيًا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: اعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ ابْنُ زَوْجِهَا. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ وَلِإِحْدَاهُمَا خَمْسُ بَنِينَ فَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ عَلَى أَخِيهِمْ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةِ أَبِيهِمْ تُقْبَلُ إلَّا إذَا كَانَ الْأَبُ مُدَّعِيًا أَوْ كَانَتْ أُمُّهُمْ حَيَّةً اهـ. (قَوْلُهُ فَأَعْتَقَهُ) أَيْ حَكَمَ بِعِتْقِهِ. (قَوْلُهُ لَوْ وَارِثَهُ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ وَإِلَّا لِوَارِثِهِ. (قَوْلُهُ وَالْقَوَدِ) شَمِلَ الْقَوَدَ فِي النَّفْسِ وَالْعُضْوِ وَقَيَّدَ بِهِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِقَتْلِ الْخَطَأِ أَوْ بِقَتْلٍ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأُنْثَى أَيْ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ عَلَى إسْلَامِهَا بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، بَلْ فِي الْمَقْدِسِيَّ: لَوْ شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيَّةٍ أَيْ أَنَّهَا أَسْلَمَتْ جَازَ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ. قُلْت: وَيَنْبَغِي فِي النَّصْرَانِيِّ كَذَلِكَ فَيُجْبَرُ وَلَا تُقْبَلُ وَرَأَيْتُهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ انْتَهَى سَائِحَانِيٌّ. وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يَقُلْ كَذَلِكَ فِي شَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى إسْلَامِهِ؟ لَكِنَّهُ يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَالذِّمِّيِّ عَلَى مِثْلِهِ، وَانْظُرْ مَا مَرَّ فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ عَنْ الدُّرَرِ. (قَوْلُهُ وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقَوَدِ ح. (قَوْلُهُ لِقَتْلِهِ) أَيْ إنْ أَصَرَّ عَلَى كُفْرِهِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأُنْثَى) فَإِنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَلِذَا قَيَّدَ بِذَكَرٍ. (قَوْلُهُ رَجُلَانِ) فِي الْبَحْرِ: لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَهُوَ يَرَاهُ أَوْ لَا يَرَاهُ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ أَمْضَاهُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ قَالَ إنْ شَرِبْتُ الْخَمْرَ فَمَمْلُوكِي حُرٌّ فَشَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَنَّهُ شَرِبَهُ عَتَقَ الْعَبْدُ وَلَا يُحَدُّ السَّيِّدُ وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا إنْ سَرَقْتُ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِيهِمَا كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ إلَّا الْمُعَلَّقَ فَيَقَعُ) يَعْنِي مَا عُلِّقَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ أَوْ الْقَوَدَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ رَجُلَانِ بَلْ يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ وَلِلْوِلَادَةِ) لَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْإِصْلَاحِ. قَالَ لِأَنَّ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْوِلَادَةِ إنَّمَا تَكْفِي عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَأَمَّا شَهَادَتُهُمَا عَلَى الِاسْتِهْلَالِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 464 عِنْدَهُمَا وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَهُوَ أَرْجَحُ فَتْحٌ (وَالْبَكَارَةِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ امْرَأَةٌ) حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ وَالثِّنْتَانِ أَحْوَطُ، وَالْأَصَحُّ قَبُولُ رَجُلٍ وَاحِدٍ خُلَاصَةٌ وَفِي الْبُرْجَنْدِيِّ عَنْ الْمُلْتَقَطِ أَنَّ الْمُعَلِّمَ إذَا شَهِدَ مُنْفَرِدًا فِي حَوَادِثِ الصِّبْيَانِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اهـ فَلْيُحْفَظْ. (وَ) نِصَابُهَا (لِغَيْرِهَا مِنْ الْحُقُوقِ سَوَاءٌ كَانَ) الْحَقُّ (مَالًا أَوْ غَيْرَهُ كَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَوَكَالَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَاسْتِهْلَالِ صَبِيٍّ) وَلَوْ (لِلْإِرْثِ رَجُلَانِ) إلَّا فِي حَوَادِثِ صِبْيَانِ الْمَكْتَبِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ الْمُعَلِّمِ مُنْفَرِدًا قُهُسْتَانِيُّ عَنْ التَّجْنِيسِ (أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا {فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282] وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَرْبَعٍ بِلَا رَجُلٍ لِئَلَّا يَكْثُرَ خُرُوجُهُنَّ، وَخَصَّهُنَّ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ بِالْأَمْوَالِ وَتَوَابِعِهَا (وَلَزِمَ فِي الْكُلِّ) مِنْ الْمَرَاتِبِ الْأَرْبَعِ (لَفْظُ أَشْهَدُ) بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ بِالْإِجْمَاعِ، وَكُلُّ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ هَذَا اللَّفْظُ كَطَهَارَةِ مَاءٍ وَرُؤْيَةِ هِلَالٍ فَهُوَ إخْبَارٌ لَا شَهَادَةٌ (لِقَبُولِهَا وَالْعَدَالَةُ لِوُجُوبِهِ) فِي الْيَنَابِيعِ: الْعَدْلُ مَنْ لَمْ يُطْعَنْ عَلَيْهِ فِي بَطْنٍ وَلَا فَرْجٍ وَمِنْهُ الْكَذِبُ لِخُرُوجِهِ مِنْ الْبَطْنِ (لَا لِصِحَّتِهِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (فَلَوْ قَضَى   [رد المحتار] فَتُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ إنَّمَا قُلْنَا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ لِأَنَّ فِي حَقِّ الْإِرْثِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا اهـ. (قَوْلُهُ عِنْدَهُمَا) قَيْدٌ لِلْإِرْثِ وَأَمَّا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فَتُقْبَلُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ) أَيْ كَمَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَادَّعَى أَنَّ بِهَا قَرَنًا أَوْ رَتَقًا لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْمِنَحِ فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ عِنْدَ قَوْلِهِ ادَّعَى إبَاقًا أَنَّ مَا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا النِّسَاءُ يُقْبَلُ فِي قِيَامِهِ لِلْحَالِ قَوْلُ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ ثُمَّ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُرَدُّ بِقَوْلِهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَحْلِيفِ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُرَدُّ بِقَوْلِهِنَّ بِلَا يَمِينِ الْبَائِعِ اهـ. وَفِي الْفَتْحِ قُبَيْلَ بَابِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِالْأَصْلِ وَأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ بِانْفِرَادِهِنَّ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ حُجَّةٌ إذَا تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ وَإِلَّا تُعْتَبَرُ لِتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ لَا لِإِلْزَامِ الْخَصْمِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ ثُمَّ اخْتَلَفَا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فِي بَكَارَتِهَا يُرِيهَا الْقَاضِي النِّسَاءَ، فَإِنْ قُلْنَ بِكْرٌ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ تَأَيَّدَتْ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَكَارَةُ، وَإِنْ قُلْنَ ثَيِّبٌ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الْفَسْخِ بِشَهَادَتِهِنَّ لِأَنَّهَا حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ لَمْ تَتَأَيَّدْ بِمُؤَيِّدٍ، لَكِنْ تَثْبُتُ الْخُصُومَةُ لِيَتَوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ سَلَّمْتُهَا بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَهِيَ بِكْرٌ، فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ رَجُلٍ وَاحِدٍ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ إلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ شَهِدَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَالَ تَعَمَّدْتُ النَّظَرَ. أَمَّا إذَا شَهِدَ بِالْوِلَادَةِ وَقَالَ فَاجَأْتُهَا فَاتَّفَقَ نَظَرِي عَلَيْهَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ اهـ. (قَوْلُهُ لِغَيْرِهَا) أَيْ لِغَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ مِنَحٌ فَشَمِلَ الْقَتْلَ خَطَأً وَالْقَتْلَ الَّذِي لَا قِصَاصَ فِيهِ لِأَنَّ مُوجَبَهُ الْمَالُ، وَكَذَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكِتَابِ الْقَاضِي رَمْلِيٌّ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ لِلْإِرْثِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَوْ بِلَا وَاوٍ، وَالظَّاهِرُ حَذْفُهَا تَأَمَّلْ، وَقَوْلُهُ لِلْإِرْثِ: أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ. قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَالْعَتَاقِ وَالنَّسَبِ. (قَوْلُهُ إلَّا فِي حَوَادِثِ إلَخْ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ {فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282] حُكِيَ أَنَّ أُمَّ بِشْرٍ شَهِدَتْ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَقَالَ الْحَاكِمُ فَرِّقُوا بَيْنَهُمَا فَقَالَتْ لَيْسَ لَك ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282] فَسَكَتَ الْحَاكِمُ كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَتَوَابِعِهَا) كَالْأَجَلِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ. (قَوْلُهُ لَفْظُ أَشْهَدُ) قَالَ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ: وَالْعِرَاقِيُّونَ لَا يَشْتَرِطُونَ لَفْظَ الشَّهَادَةِ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَيَجْعَلُونَهَا مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ لَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ. وَالصَّحِيحُ مَا فِي الْكِتَابِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا شَرَطَ فِيهِ شَرَائِطَ الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَمَجْلِسِ الْحُكْمِ وَغَيْرِهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ لِوُجُوبِهِ) أَيْ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْقَاضِي مِنَحٌ. (قَوْلُهُ الْعَدْلُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ. وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِ الْعَدَالَةِ: أَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا لِلْكَبَائِرِ، وَلَا يَكُونَ مُصِرًّا عَلَى الصَّغَائِرِ، وَيَكُونَ صَلَاحُهُ أَكْثَرَ مِنْ فَسَادِهِ وَصَوَابُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِهِ اهـ فَتَّالٌ. (قَوْلُهُ لَا لِصِحَّتِهِ) أَيْ لِصِحَّةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 465 بِشَهَادَةِ فَاسِقٍ نَفَذَ) وَأَثِمَ فَتْحٌ (إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ (الْإِمَامُ فَلَا) يَنْفُذُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَتَأَقَّتُ وَيَتَقَيَّدُ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ وَحَادِثَةٍ وَقَوْلٍ مُعْتَمَدٍ حَتَّى لَا يَنْفُذَ قَضَاؤُهُ بِأَقْوَالٍ ضَعِيفَةٍ وَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْمُجْتَبَى مِنْ قَبُولِ ذِي الْمُرُوءَةِ الصَّادِقِ فَقَوْلُ الثَّانِي بَحْرٌ وَضَعَّفَهُ الْكَمَالُ بِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَلَا يُقْبَلُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ. (وَهِيَ) إنْ (عَلَى حَاضِرٍ يَحْتَاجُ) الشَّاهِدُ (إلَى الْإِشَارَةِ إلَى) ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ أَعْنِي (الْخَصْمَيْنِ وَالْمَشْهُودَ بِهِ لَوْ عَيْنًا) لَا دَيْنًا (وَإِنْ عَلَى غَائِبٍ) كَمَا فِي نَقْلِ الشَّهَادَةِ (أَوْ مَيِّتٍ فَلَا بُدَّ) لِقَبُولِهَا (مِنْ نِسْبَتِهِ إلَى جَدِّهِ فَلَا يَكْفِي ذِكْرُ اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَصِنَاعَتِهِ إلَّا إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِهَا) أَيْ بِالصِّنَاعَةِ (لَا مَحَالَةَ) بِأَنْ لَا يُشَارِكَهُ فِي الْمِصْرِ غَيْرُهُ (فَلَوْ قَضَى بِلَا ذِكْرِ الْجَدِّ نَفَذَ) فَالْمُعْتَبَرُ التَّعْرِيفُ لَا تَكْثِيرُ الْحُرُوفِ، حَتَّى لَوْ عُرِفَ بِاسْمِهِ فَقَطْ أَوْ بِلَقَبِهِ وَحْدَهُ كَفَى جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ وَمُلْتَقَطٌ. (وَلَا يَسْأَلُ عَنْ شَاهِدٍ بِلَا طَعْنٍ مِنْ الْخَصْمِ إلَّا فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ، وَعِنْدَهُمَا يَسْأَلُ فِي الْكُلِّ) إنْ جَهِلَ بِحَالِهِمْ بَحْرٌ (سِرًّا وَعَلَنًا بِهِ يُفْتَى) وَهُوَ اخْتِلَافُ زَمَانٍ لِأَنَّهُمَا كَانَا فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ، وَلَوْ اكْتَفَى بِالسِّرِّ جَازَ مَجْمَعٌ وَبِهِ يُفْتَى سِرَاجِيَّةٌ. (وَكَفَى فِي التَّزْكِيَةِ) قَوْلُ الْمُزَكِّي (هُوَ عَدْلٌ فِي الْأَصَحِّ) لِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ بِالدَّارِ دُرَرٌ يَعْنِي الْأَصْلَ فِيمَنْ كَانَ فِي دَارُ الْإِسْلَامِ   [رد المحتار] الْقَاضِي يَعْنِي نَفَاذَهُ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ بِشَهَادَةِ فَاسِقٍ نَفَذَ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى: وَأَمَّا شَهَادَةُ الْفَاسِقِ، فَإِنْ تَحَرَّى الْقَاضِي الصِّدْقَ فِي شَهَادَتِهِ تُقْبَلُ وَإِلَّا فَلَا اهـ فَتَّالٌ: وَفِي الْفَتَاوَى الْقَاعِدِيَّةِ: هَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ وَهُوَ مِمَّا يُحْفَظُ دُرَرٌ أَوَّلَ كِتَابِ الْقَضَاءِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَهُوَ مِمَّا يُحْفَظُ اعْتِمَادُهُ اهـ. (قَوْلُهُ بَحْرٌ) الَّذِي فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ الثَّانِي. (قَوْلُهُ النَّصِّ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَأَجَبْنَا عَنْهُ أَوَّلَ الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ يَحْتَاجُ الشَّاهِدُ إلَخْ) . [فَرْعٌ] فِي الْبَزَّازِيَّةِ: كَتَبَ شَهَادَتَهُ فَقَرَأَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ الشَّاهِدُ أَشْهَدُ أَنَّ لِهَذَا الْمُدَّعِي عَلَى هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كُلَّ مَا سُمِّيَ وَوُصِفَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، أَوْ قَالَ هَذَا الْمُدَّعَى الَّذِي قُرِئَ وَوُصِفَ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي يَدِ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ إلَى هَذَا الْمُدَّعِي يُقْبَلُ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ لِطُولِ الشَّهَادَةِ وَلِعَجْزِ الشَّاهِدِ عَنْ الْبَيَانِ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِلَقَبِهِ) وَكَذَا بِصِفَتِهِ، كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ فِيمَنْ يَشْهَدُ أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قُتِلَتْ فِي سُوقِ كَذَا يَوْمَ كَذَا فِي وَقْتِ كَذَا قَتَلَهَا فُلَانٌ تُقْبَلُ بِلَا بَيَانِ اسْمِهَا وَأَبِيهَا حَيْثُ كَانَتْ مَعْرُوفَةً لَمْ يُشَارِكْهَا فِي ذَلِكَ غَيْرُهَا. (قَوْلُهُ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ) أَيْ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ. (قَوْلُهُ يَسْأَلُ) أَيْ وُجُوبًا وَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِلصِّحَّةِ عِنْدَهُمَا كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْبَحْرِ. وَفِيهِ: وَمَحَلُّ السُّؤَالِ عَنْ قَوْلِهَا عِنْدَ جَهْلِ الْقَاضِي بِحَالِهِمْ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُلْتَقَطِ: الْقَاضِي إذَا عَرَفَ الشُّهُودَ بِجَرْحٍ أَوْ عَدَالَةٍ لَا يَسْأَلُ عَنْهُمْ اهـ. (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَعِنْدَهُمَا يَسْأَلُ فِي الْكُلِّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ طَعَنَ الْخَصْمُ سَأَلَ عَنْهُ فِي الْكُلِّ وَإِلَّا سَأَلَ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَفِي غَيْرِهَا مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ. وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ انْتَهَى، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ سِرًّا وَعَلَنًا لِئَلَّا يُوهِمَ خِلَافَ الْمُرَادِ فَإِنَّهُ سَيَنْقُلُ أَنَّ الْفَتْوَى الِاكْتِفَاءُ بِالسِّرِّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْكَمَالِ فِي مَتْنِهِ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ مَا فِي الْكَنْزِ خِلَافُ الْمُفْتَى بِهِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالْعَلَانِيَةِ خِلَافُ الْمُفْتَى بِهِ، بَلْ فِي الْبَحْرِ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ تَزْكِيَةِ السِّرِّ عَلَى الْعَلَانِيَةِ، لِمَا فِي الْمُلْتَقَطِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا أَقْبَلُ تَزْكِيَةَ الْعَلَانِيَةِ حَتَّى يُزَكَّى فِي السِّرِّ اهـ فَتَنَبَّهْ. (قَوْلُهُ الرَّابِعِ) وَالْإِمَامُ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ الَّذِي شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْخَيْرِيَّةِ. (قَوْلُهُ هُوَ عَدْلٌ) أَيْ وَجَائِزُ الشَّهَادَةِ. قَالَ فِي الْكَافِي: ثُمَّ قِيلَ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْمُعَدِّلُ هُوَ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ، إذْ الْعَبْدُ وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ قَدْ يُعَدَّلُ. وَالْأَصَحُّ أَنْ يَكْتَفِيَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 466 الْحُرِّيَّةُ فَهُوَ بِعِبَارَتِهِ جَوَابٌ عَنْ النَّقْضِ بِالْعَبْدِ وَبِدَلَالَتِهِ عَنْ النَّقْضِ بِالْمَحْدُودِ ابْنُ كَمَالٍ (وَالتَّعْدِيلُ مِنْ الْخَصْمِ الَّذِي لَمْ يُرْجَعْ إلَيْهِ فِي التَّعْدِيلِ لَمْ يَصْلُحْ) فَلَوْ كَانَ مِمَّنْ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي التَّعْدِيلِ صَحَّ بَزَّازِيَّةٌ، وَالْمُرَادُ بِتَعْدِيلِهِ تَزْكِيَتُهُ بِقَوْلِهِ هُمْ عُدُولٌ زَادَ لَكِنَّهُمْ أَخْطِئُوا أَوْ نَسُوا أَوْ لَمْ يَزِدْ (وَ) أَمَّا (قَوْلُهُ صَدَقُوا أَوْ هُمْ عُدُولٌ صَدَقَةُ) فَإِنَّهُ (اعْتِرَافٌ بِالْحَقِّ) فَيُقْضَى بِإِقْرَارِهِ لَا بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْجُحُودِ اخْتِيَارٌ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ التَّهْذِيبِ: يَحْلِفُ الشُّهُودُ فِي زَمَانِنَا لِتَعَذُّرِ التَّزْكِيَةِ إذْ الْمَجْهُولُ لَا يُعَرِّفُ الْمَجْهُولَ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ. ثُمَّ نُقِلَ عَنْهُ عَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ تَفْوِيضُهُ لِلْقَاضِي قُلْتُ: وَلَا تَنْسَ مَا مَرَّ عَنْ الْأَشْبَاهِ. (وَ) الشَّاهِدُ (لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا سَمِعَ أَوْ رَأَى فِي مِثْلِ الْبَيْعِ) وَلَوْ بِالتَّعَاطِي فَيَكُونُ مِنْ الْمَرْئِيِّ (وَالْإِقْرَارِ) وَلَوْ بِالْكِتَابَةِ فَيَكُونُ مَرْئِيًّا (وَحُكْمِ الْحَاكِمِ وَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ   [رد المحتار] بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ لِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ بِالدَّارِ كَذَا فِي الْهَامِشِ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ: وَاخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ، لِأَنَّ الْمَحْدُودَ فِي قَذْفٍ بَعْدَ التَّوْبَةِ عَدْلٌ غَيْرُ جَائِزِ الشَّهَادَةِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ اهـ. وَفِي الْهَامِشِ قَوْلُهُ قَوْلُ الْمُزَكِّي إلَخْ أَوْ يَكْتُبُ فِي ذَلِكَ الْقِرْطَاسِ تَحْتَ اسْمِهِ هُوَ عَدْلٌ، وَمَنْ عَرَّفَ فِي الْفِسْقِ لَا يَكْتُبُ شَيْئًا احْتِرَازًا عَنْ الْهَتْكِ أَوْ يَكْتُبُ اللَّهُ أَعْلَمُ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ الْحُرِّيَّةُ) مُخَالِفٌ لِمَا نُقِلَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ عَنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مِنْ أَنَّ النَّاسَ أَحْرَارٌ إلَّا فِي الشَّهَادَةِ وَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ يَعْقُوبِيَّةٌ، لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ بِالرِّقِّ كَمَا قَيَّدَهُ الْقُدُورِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ بِالْمَحْدُودِ) أَيْ قَوْلُهُمْ الْأَصْلُ فِيمَنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ الْحُرِّيَّةُ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ الْمُسَمَّى بِدَلَالَةِ النَّصِّ جَوَابٌ عَنْ النَّقْضِ بِالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ الْوَارِدِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ الْعَدَالَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ، وَإِنَّمَا دَلَّ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عَدَمُ الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ أَيْضًا فَهُوَ مُسَاوٍ ح. (قَوْلُهُ وَالتَّعْدِيلُ) أَيْ التَّزْكِيَةُ. (قَوْلُهُ مِنْ الْخَصْمِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمُدَّعِي بِالْأُولَى، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا عَدَّلَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ أَوْ بَعْدَهَا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ، فَإِنَّهُ قَبْلَ الدَّعْوَى لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ كَذِبٌ فِي إنْكَارِهِ وَقْتَ التَّعْدِيلِ وَكَانَ الْفِسْقُ الطَّارِئُ عَلَى الْمُعَدَّلِ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَالْمُقَارِنِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ لَمْ يَصْلُحْ) أَيْ لَمْ يَصْلُحْ مُزَكِّيًا. قَالَ فِي الْهَامِشِ: لِأَنَّ مِنْ زَعْمِ الْمُدَّعِي وَشُهُودِهِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَاذِبٌ فِي الْإِنْكَارِ وَتَزْكِيَةَ الْكَاذِبِ الْفَاسِقِ لَا تَصِحُّ، هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ. وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ بِأَنْ كَانَ عَدْلًا، لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ آخَرَ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ عَنْ الْأَشْبَاهِ) أَيْ قُبَيْلَ التَّحْكِيمِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ أَمَرَ قُضَاتَهُ بِتَحْلِيفِ الشُّهُودِ وَجَبَ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَنْ يَنْصَحُوهُ وَيَقُولُوا لَهُ إلَخْ. (قَوْلُهُ فِي مِثْلِ الْبَيْعِ) وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الثَّمَنِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشِّرَاءِ وَسَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِ الِاخْتِلَافِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بِالتَّعَاطِي) وَفِيهِ يَشْهَدُونَ بِالْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ، وَلَوْ شَهِدُوا بِالْبَيْعِ جَازَ بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِيهِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: رَجُلٌ حَضَرَ بَيْعًا ثُمَّ اُحْتِيجَ إلَى الشَّهَادَةِ لِلْمُشْتَرِي يَشْهَدُ لَهُ بِالْمِلْكِ بِسَبَبِ الشِّرَاءِ وَلَا يَشْهَدُ لَهُ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ اهـ. وَفِيهِ: وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الثَّمَنِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشِّرَاءِ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالشِّرَاءِ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَانْظُرْ مَا سَيَأْتِي وَمَا مَرَّ. وَفِي الْهَامِشِ عَنْ الدُّرَرِ: وَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ أَوْ أَقَرَّ لِأَنَّهُ عَايَنَ السَّبَبَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ بِهِ كَمَا عَايَنَ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالْعَقْدِ ظَاهِرًا، وَإِنْ كَانَ بِالتَّعَاطِي فَكَذَلِكَ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَقَدْ وُجِدَ، وَقِيلَ لَا يَشْهَدُونَ عَلَى الْبَيْعِ بَلْ عَلَى الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ حُكْمِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ اهـ. (قَوْلُهُ الْإِقْرَارِ) بِأَنْ يَسْمَعَ قَوْلَ الْمُقِرِّ لِفُلَانٍ عَلَى كَذَا دُرَرٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بِالْكِتَابَةِ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مَا مُلَخَّصُهُ: إذَا كَتَبَ إقْرَارَهُ بَيْنَ يَدَيْ الشُّهُودِ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا لَا يَكُونُ إقْرَارًا فَلَا تَحِلُّ الشَّهَادَةُ بِهِ وَلَوْ كَانَ مُصَدَّرًا مَرْسُومًا وَإِنْ لِغَائِبٍ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَكُونُ لِلتَّجْرِبَةِ، وَفِي حَقِّ الْأَخْرَسِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُعَنْوَنًا مُصَدَّرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَى الْغَائِبِ، وَإِنْ كَتَبَ وَقَرَأَ عِنْدَ الشُّهُودِ مُطْلَقًا أَوْ قَرَأَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ الْكَاتِبُ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِهِ أَوْ كَتَبَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 467 وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ) وَلَوْ مُخْتَفِيًا يَرَى وَجْهَ الْمُقِرِّ وَيَفْهَمُهُ (وَلَا يَشْهَدُ عَلَى مُحَجَّبٍ بِسَمَاعِهِ مِنْهُ إلَّا إذَا تَبَيَّنَ الْقَائِلَ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْتِ غَيْرُهُ، لَكِنْ لَوْ فَسَّرَ لَا تُقْبَلُ دُرَرٌ (أَوْ يَرَى شَخْصَهَا) أَيْ الْقَائِلَةِ (مَعَ شَهَادَةِ اثْنَيْنِ بِأَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ) وَيَكْفِي هَذَا لِلشَّهَادَةِ عَلَى الِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. [فَرْعٌ] فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَا يَنْبَغِي لِلْفُقَهَاءِ كَتْبُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ عِنْدَ الْأَدَاءِ يُبْغِضُهُمْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَضُرُّهُ (وَإِذَا كَانَ بَيْنَ الْخَطَّيْنِ) بِأَنْ أَخْرَجَ الْمُدَّعِي خَطَّ إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ كَوْنَهُ خَطَّهُ فَاسْتُكْتِبَ فَكَتَبَ وَبَيْنَ الْخَطَّيْنِ (مُشَابَهَةٌ ظَاهِرَةٌ) عَلَى أَنَّهُمَا خَطُّ كَاتِبٍ وَاحِدٍ (لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ) هُوَ الصَّحِيحُ خَانِيَّةٌ، وَإِنْ أَفْتَى قَارِئُ الْهِدَايَةِ بِخِلَافِهِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُعَوَّلُ عَلَى هَذَا التَّصْحِيحِ لِأَنَّ قَاضِيَ خَانَ مِنْ أَجَلِّ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَى تَصْحِيحَاتِهِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَفِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ وَاعْتَمَدَهُ فِي الْأَشْبَاهِ، لَكِنْ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ هَذَا خَطِّي لَكِنْ لَيْسَ عَلَيَّ هَذَا الْمَالُ، إنْ كَانَ الْخَطُّ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ مُصَدَّرًا مُعَنْوَنًا   [رد المحتار] عِنْدَهُمْ وَقَالَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ كَانَ إقْرَارًا وَإِلَّا فَلَا، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا هُنَا خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ، لَكِنْ جَزَمَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ) لَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَلَوْ قَالَ لَا تَشْهَدْ عَلَيَّ بَدَلَ قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ لَكَانَ أَفْوَدَ؛ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ لَا تَشْهَدْ عَلَيَّ بِمَا سَمِعْتَ تَسَعُهُ الشَّهَادَةُ اهـ فَيُعْلَمُ حُكْمُ مَا إذَا سَكَتَ بِالْأَوْلَى بَحْرٌ. وَفِيهِ: وَإِذَا سَكَتَ يَشْهَدُ بِمَا عَلِمَ وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي لِأَنَّهُ كَذِبٌ. (قَوْلُهُ غَيْرُهُ) اُنْظُرْ عِبَارَةَ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ فَسَّرَ) أَيْ بِأَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى الْمُحَجَّبِ. (قَوْلُهُ شَخْصَهَا) فِي الْمُلْتَقَطِ: إذَا سَمِعَ صَوْتَ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يَرَ شَخْصَهَا فَشَهِدَ اثْنَانِ عِنْدَهُ أَنَّهَا فُلَانَةُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا، وَإِنْ رَأَى شَخْصَهَا وَأَقَرَّتْ عِنْدَهُ فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا بَحْرٌ اهـ مِنْ أَوَّلِ الشَّهَادَاتِ، وَاحْتَرَزَ بِرُؤْيَةِ شَخْصِهَا عَنْ رُؤْيَةِ وَجْهِهَا. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: حَسَرَتْ عَنْ وَجْهِهَا وَقَالَتْ أَنَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَهَبْتُ لِزَوْجِي مَهْرِي فَلَا يَحْتَاجُ الشُّهُودُ إلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ مَا دَامَتْ حَيَّةً إذْ يُمْكِنُ الشَّاهِدَ أَنْ يُشِيرَ إلَيْهَا، فَإِنْ مَاتَتْ فَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ الشُّهُودُ إلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ بِنَسَبِهَا. (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ جَمَاعَةٍ وَلَا يَكْفِي الِاثْنَانِ. ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ عَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي سُلَيْمَانَ فَدَخَلَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَسَأَلَهُ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ مَتَى تَجُوزُ إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا قَالَ: كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ لَا تَجُوزُ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ أَنَّهَا فُلَانَةُ، وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ وَأَبُوكَ يَقُولَانِ يَجُوزُ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى النَّاسِ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّهُمَا كَمَا احْتَاجَا لِلِاسْمِ وَالنَّسَبِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَقْتَ التَّحَمُّلِ يَحْتَاجَانِ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ إلَى مَنْ يَشْهَدُ أَنَّ صَاحِبَةَ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ هَذِهِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ أَنَّهُ يَصِحُّ التَّعْرِيفُ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا أَوْ لَهَا سَائِحَانِيٌّ بِزِيَادَةٍ مِنْ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. [فَرْعٌ لَا يَنْبَغِي لِلْفُقَهَاءِ كَتْبُ الشَّهَادَةِ] (قَوْلُهُ لِأَنَّ عِنْدَ إلَخْ) اسْمُ أَنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفًا وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ خَبَرُهَا. (قَوْلُهُ فَيَضُرُّهُ) أَيْ يَضُرُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بُغْضُهُ لِلْفَقِيهِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ بَيْنَ الْخَطَّيْنِ إلَخْ) وَفِي الْبَاقَانِيِّ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: صَرَّافٌ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَالٍ مَعْلُومٍ وَخَطُّهُ مَعْلُومٌ بَيْنَ التُّجَّارِ وَأَهْلِ الْبَلَدِ ثُمَّ مَاتَ فَجَاءَ غَرِيمُهُ يَطْلُبُ الْمَالَ مِنْ الْوَرَثَةِ وَعَرَضَ خَطَّ الْمَيِّتِ بِحَيْثُ عَرَفَ النَّاسُ خَطَّهُ حُكِمَ بِذَلِكَ فِي تَرِكَتِهِ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ خَطُّهُ، وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ مِثْلَهُ حُجَّةٌ، وَهَذَا مُشْكِلٌ لِكَوْنِهَا شَهَادَةً عَلَى الْخَطِّ وَهُنَا لَمْ يَعْتَبِرُوا هَذَا الِاشْتِبَاهَ، وَوَجْهُهُ لَا يَنْهَضُ وَسَيَجِيءُ، وَقَدَّمَ الشَّارِحُ أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِالْخَطِّ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ: يُعْمَلُ بِكِتَابِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِطَلَبِ الْأَمَانِ كَمَا فِي سِيَرِ الْخَانِيَّةِ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْبَرَاءَاتُ السُّلْطَانِيَّةُ بِالْوَظَائِفِ فِي زَمَانِنَا. الثَّانِيَةُ يُعْمَلُ بِدَفْتَرِ السِّمْسَارِ وَالصَّرَّافِ وَالْبَيَّاعِ كَمَا فِي قَضَاءِ الْخَانِيَّةِ اهـ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ ظَاهِرَةٌ) ضَمَّنَهُ مَعْنَى دَالَّةٍ فَعَدَّاهُ بِعَلَى أَوْ مُتَعَلِّقَةٌ بِتَدُلُّ مَحْذُوفًا أَوْ لَفْظُ عَلَى بِمَعْنَى فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 468 لَا يُصَدَّقُ وَيُلْزَمُ بِالْمَالِ وَنَحْوُهُ فِي الْمُلْتَقَطِ وَفَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ فَرَاجِعْ ذَلِكَ. (وَلَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ مَا لَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ) وَقَيَّدَهُ فِي النِّهَايَةِ بِمَا إذَا سَمِعَهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَلَوْ فِيهِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْجَوْهَرَةِ، وَيُخَالِفُهُ تَصْوِيرُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُمْ لَا بُدَّ مِنْ التَّحْمِيلِ وَقَبُولِ التَّحْمِيلِ وَعَدَمِ النَّهْيِ بَعْدَ التَّحْمِيلِ عَلَى الْأَظْهَرِ، نَعَمْ الشَّهَادَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي صَحِيحَةٌ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُمَا الْقَاضِي عَلَيْهِ، وَقَيَّدَهُ أَبُو يُوسُفَ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَهُوَ الْأَحْوَطُ ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. (كَفَى) عَدْلٌ (وَاحِدٌ) فِي اثْنَيْ عَشْرَ مَسْأَلَةً عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ مِنْهَا إخْبَارُ الْقَاضِي بِإِفْلَاسِ الْمَحْبُوسِ بَعْدَ الْمُدَّةِ (لِلتَّزْكِيَةِ) أَيْ تَزْكِيَةِ السِّرِّ، وَأَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَشَهَادَةٌ إجْمَاعًا (وَتَرْجَمَةِ الشَّاهِدِ) وَالْخَصْمِ (وَالرِّسَالَةِ) مِنْ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ، وَجَازَ تَزْكِيَةُ عَبْدٍ وَصَبِيٍّ وَوَالِدٍ، وَقَدْ نَظَمَ ابْنُ وَهْبَانَ مِنْهَا أَحَدَ عَشَرَ فَقَالَ:   [رد المحتار] قَوْلُهُ لَا يُصَدَّقُ) هَذَا خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَفَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ) عِبَارَتُهَا: سُئِلَ إذَا كَتَبَ شَخْصٌ وَرَقَةً بِخَطِّهِ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ لِشَخْصٍ كَذَا ثُمَّ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ فَجَحَدَ الْمَبْلَغَ وَاعْتَرَفَ بِخَطِّهِ وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ. أَجَابَ إذَا كَتَبَ عَلَى رَسْمِ الصُّكُوكِ يَلْزَمُ الْمَالُ، وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ: يَقُولُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ إنَّ فِي ذِمَّتِهِ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ إقْرَارٌ يُلْزَمُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ عَلَى هَذَا الرَّسْمِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ اهـ. ثُمَّ أَجَابَ عَنْ سُؤَالٍ آخَرَ نَحْوَهُ بِقَوْلِهِ إذَا كَتَبَ إقْرَارَهُ عَلَى الرَّسْمِ الْمُتَعَارَفِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ فَيَسَعُ مَنْ شَاهَدَ كِتَابَتَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ إذَا جَحَدَهُ إذَا عَرَفَ الشَّاهِدُ مَا كَتَبَ أَوْ قَرَأَهُ عَلَيْهِ. أَمَّا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ خَطُّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشَاهِدُوا كِتَابَتَهُ لَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ اهـ. وَحَاصِلُ الْجَوَابَيْنِ أَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ بِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ خَطُّهُ أَوْ بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إذَا عَايَنُوا كِتَابَتَهُ أَوْ إقْرَاءَهُ عَلَيْهِمْ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا إذَا كَانَ مُعَنْوَنًا. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يُخَالِفُ مَا فِي الْمَتْنِ، نَعَمْ يُخَالِفُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ هَذَا خَطِّي وَأَنَا حَرَّرْتُهُ، لَكِنْ لَيْسَ عَلَيَّ هَذَا الْمَالُ وَثَمَّةَ لَا يَجِبُ كَذَا هُنَا. وَقَدْ يُوَفَّقُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَنْوَنًا، لَكِنْ هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي النَّسَفِيِّ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ. (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ) أَيْ مَا لَمْ يَقُلْ لَهُ الشَّاهِدُ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي. (قَوْلُهُ تَصْوِيرُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ) حَيْثُ قَالَ: سَمِعَ رَجُلٌ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي لَمْ يَسُغْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ ح. (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُمْ) عَطْفٌ عَلَى تَصْوِيرُ وَوَجْهُ الْمُخَالَفَةِ الْإِطْلَاقُ وَعَدَمُ تَقْيِيدِ الِاشْتِرَاطِ بِمَا إذَا كَانَتْ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ وَقَبُولِ التَّحْمِيلِ) فَلَوْ أَشْهَدَهُ عَلَيْهَا فَقَالَ لَا أَقْبَلُ لَا يَصِيرُ شَاهِدًا، حَتَّى لَوْ شَهِدَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ قُنْيَةٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَلِلْوَكِيلِ أَنْ لَا يَقْبَلَ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا مِنْ أَنَّهُ تَحْمِيلٌ فَلَا يَبْطُلُ بِالرَّدِّ لِأَنَّ مَنْ حَمَّلَ غَيْرَهُ شَهَادَةً لَمْ تَبْطُلْ بِالرَّدِّ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ بَعْدَ الْمُدَّةِ) أَيْ بَعْدَ أَنْ حَبَسَهُ الْقَاضِي مُدَّةً يَعْلَمُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَقَضَى دَيْنَهُ وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَى ذُلِّ الْحَبْسِ كَمَا تَقَدَّمَ مَدَنِيٌّ. (قَوْلُهُ فَشَهَادَةٌ إجْمَاعًا) الْأَحْسَنُ مَا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَقَيَّدْنَا بِتَزْكِيَةِ السِّرِّ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا جَمِيعُ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْبَصَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا لَفْظَ الشَّهَادَةِ إجْمَاعًا، لِأَنَّ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِيهَا أَظْهَرُ فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ فِيهَا عَلَى مَا قَالَهُ الْخَصَّافُ اهـ. وَفِي الْبَحْرِ أَيْضًا: وَخَرَجَ مِنْ كَلَامِهِ تَزْكِيَةُ الشَّاهِدِ بِحَدِّ الزِّنَا فَلَا بُدَّ فِي الْمُزَكِّي فِيهَا مِنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَالْعَدَدِ الْأَرْبَعَةِ إجْمَاعًا، وَلَمْ أَرَ الْآنَ حُكْمَ تَزْكِيَةِ الشَّاهِدِ بِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ، وَمُقْتَضَى مَا قَالُوهُ اشْتِرَاطُ رَجُلَيْنِ لَهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَالْخَصْمِ) أَيْ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ إلَى الْمُزَكِّي) وَكَذَا مِنْ الْمُزَكِّي إلَى الْقَاضِي فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَجَازَ تَزْكِيَةُ إلَخْ) وَكَذَا تَزْكِيَةُ الْمَرْأَةِ وَالْأَعْمَى، بِخِلَافِ تَرْجَمَتِهِمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَوَالِدٍ) لِوَلَدٍ. زَادَ فِي الْبَحْرِ: وَعَكْسُهُ: وَالْعَبْدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 469 وَيُقْبَلُ عَدْلٌ وَاحِدٌ فِي تَقَوُّمٍ ... وَجَرْحٍ وَتَعْدِيلٍ وَأَرْشٍ يُقَدَّرُ وَتَرْجَمَةٍ وَالسَّلَمِ هَلْ هُوَ جَيِّدٌ ... وَإِفْلَاسِهِ الْإِرْسَالِ وَالْعَيْبِ يَظْهَرُ وَصَوْمٍ عَلَى مَا مَرَّ أَوْ عِنْدَ عِلَّةٍ ... وَمَوْتٍ إذَا لِلشَّاهِدَيْنِ يُخْبَرُ. (وَالتَّزْكِيَةُ لِلذِّمِّيِّ) تَكُونُ (بِالْأَمَانَةِ فِي دِينِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَأَنَّهُ صَاحِبُ يَقَظَةٍ) فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُسْلِمُونَ سَأَلُوا عَنْهُ عُدُولَ الْمُشْرِكِينَ اخْتِيَارٌ. وَفِي الْمُلْتَقَطِ: عَدْلٌ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ أَسْلَمَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَلَوْ سَكِرَ الذِّمِّيُّ لَا تُقْبَلُ. (وَلَا يَشْهَدُ مَنْ رَأَى خَطَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْهَا) أَيْ الْحَادِثَةَ (كَذَا الْقَاضِي وَالرَّاوِي) لِمُشَابَهَةِ الْخَطِّ لِلْخَطِّ، وَجَوَّزَاهُ لَوْ فِي حَوْزِهِ، وَبِهِ نَأْخُذُ بَحْرٌ عَنْ الْمُبْتَغَى (وَلَا) يَشْهَدُ أَحَدٌ (بِمَا لَمْ يُعَايِنْهُ) بِالْإِجْمَاعِ (إلَّا فِي) عَشَرَةٍ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: مِنْهَا الْعِتْقُ وَالْوَلَاءُ عِنْدَ الثَّانِي وَالْمَهْرُ عَلَى الْأَصَحِّ بَزَّازِيَّةٌ وَ (النَّسَبِ وَالْمَوْتِ   [رد المحتار] لِمَوْلَاهُ وَعَكْسُهُ، وَالْمَرْأَةِ وَالْأَعْمَى، وَالْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ إذَا تَابَ، وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ. (قَوْلُهُ تَقَوُّمٍ) أَيْ تَقَوُّمِ الصَّيْدِ وَالْمُتْلِفَاتِ. (قَوْلُهُ هُوَ جَيِّدٌ) أَيْ الْمُسْلَمُ فِيهِ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ وَإِفْلَاسِهِ) يَعْنِي إذَا أُخْبِرَ الْقَاضِي بِإِفْلَاسِ الْمَحْبُوسِ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْحَبْسِ أَطْلَقَهُ حَمَوِيٌّ عَلَى الْأَشْبَاهِ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ وَالْعَيْبِ يَظْهَرُ) أَيْ فِي إثْبَاتِ الْعَيْبِ الَّذِي يَخْتَلِفُ فِيهِ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ مِنْ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِلَا عِلَّةٍ. (قَوْلُهُ وَمَوْتٍ) أَيْ مَوْتِ الْغَائِبِ. (قَوْلُهُ يُخْبَرُ) أَيْ إذَا شَهِدَ عَدْلٌ عِنْدَ رَجُلَيْنِ عَلَى مَوْتِ رَجُلٍ وَسِعَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا عَلَى مَوْتِهِ وَالثَّانِيَةَ عَشْرَ قَوْلُ أَمِينِ الْقَاضِي: إذَا أَخْبَرَهُ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ عَلَى عَيْنٍ تَعَذَّرَ حُضُورُهَا كَمَا فِي دَعْوَى الْقُنْيَةِ أَشْبَاهٌ مَدَنِيٌّ. (قَوْلُهُ وَفِي الْمُلْتَقَطِ إلَخْ) وَفِي الْخَانِيَّةِ: صَبِيٌّ احْتَلَمَ لَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ مَا لَمْ أَسْأَلْ عَنْهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَتَأَنَّى بَعْدَ الْبُلُوغِ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ فِي قُلُوبِ أَهْلِ مَسْجِدِهِ وَمَحَلَّتِهِ كَمَا فِي الْغَرِيبِ أَنَّهُ صَالِحٌ أَوْ غَيْرُهُ اهـ وَفَرَّقَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ كَانَ لَهُ شَهَادَةٌ مَقْبُولَةٌ قَبْلَ إسْلَامِهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَدَالَةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْهَا) وَهَذَا قَوْلُهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ. وَفِي الْهِدَايَةِ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ؛ وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا إلَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْقَاضِي شَهَادَةً فِي دِيوَانِهِ لِأَنَّ مَا فِي قِمَطْرِهِ تَحْتَ خَتْمِهِ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَحَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ وَلَا كَذَلِكَ الشَّهَادَةُ فِي الصَّكِّ لِأَنَّهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا ذَكَرَ الْمَجْلِسَ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ الشَّهَادَةُ أَوْ أَخْبَرَهُ قَوْمٌ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِمْ أَنَّا شَهِدْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْبَزْدَوِيِّ: الصَّغِيرُ إذَا اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ خَطُّهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُزَدْ فِيهِ شَيْءٌ بِأَنْ كَانَ مَخْبُوءًا عِنْدَهُ وَعَلِمَ بِدَلِيلٍ آخَرَ أَنَّهُ لَمْ يُزَدْ فِيهِ، لَكِنْ لَا يَحْفَظُ مَا سَمِعَ، فَعِنْدَهُمَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسَعُهُ، وَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ. وَقَالَ فِي التَّقْوِيمِ: قَوْلُهُمَا هُوَ الصَّحِيحُ جَوْهَرَةٌ. (قَوْلُهُ عَنْ الْمُبْتَغَى) قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْقَاضِي عَنْ الْخِزَانَةِ أَنَّهُ يَشْهَدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الصَّكُّ فِي يَدِ الشَّاهِدِ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ نَادِرٌ وَأَثَرَهُ يَظْهَرُ فَرَاجِعْهُ، وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَذَكَرَ لَهُ حِكَايَةً تُؤَيِّدُهُ. (قَوْلُهُ إلَّا فِي عَشْرَةٍ) كُلُّهَا مَذْكُورَةٌ هُنَا مَتْنًا وَشَرْحًا آخِرُهَا قَوْلُ الْمَتْنِ وَمَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ ح. وَفِي الطَّبَقَاتِ السَّنِيَّةِ لِلتَّمِيمِيِّ فِي تَرْجَمَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ مِنْ نَظْمِهِ: افْهَمْ مَسَائِلَ سِتَّةً وَاشْهَدْ بِهَا ... مِنْ غَيْرِ رُؤْيَاهَا وَغَيْرِ وُقُوفِ نَسَبٌ وَمَوْتٌ وَالْوِلَادُ وَنَاكِحٌ ... وَوِلَايَةُ الْقَاضِي وَأَصْلُ وُقُوفِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالنَّسَبِ) قَالَ فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَزَلَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ وَقَالَ: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، قَالَ مُحَمَّدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى نَسَبِهِ حَتَّى يَلْقَوْا مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ رَجُلَيْنِ يَشْهَدَانِ عِنْدَهُمْ عَلَى نَسَبِهِ، قَالَ الْخَصَّافُ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ وَالْمَوْتِ) قَالَ فِي الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ جَامِعِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 470 وَالنِّكَاحِ وَالدُّخُولِ) بِزَوْجَتِهِ (وَوِلَايَةِ الْقَاضِي وَأَصْلِ الْوَقْفِ) وَقِيلَ وَشَرَائِطِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (وَ) أَصْلُهُ (هُوَ كُلُّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ صِحَّتُهُ وَتَوَقَّفَ عَلَيْهِ) وَإِلَّا فَمِنْ شَرَائِطِهِ (فَلَهُ الشَّهَادَةُ بِذَلِكَ إذَا أَخْبَرَهُ بِهَا) بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ (مَنْ يَثِقُ) الشَّاهِدُ (بِهِ) مِنْ خَبَرِ جَمَاعَةٍ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ بِلَا شَرْطِ عَدَالَةٍ أَوْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ إلَّا فِي الْمَوْتِ، فَيَكْفِي الْعَدْلُ وَلَوْ أُنْثَى وَهُوَ الْمُخْتَارُ مُلْتَقًى وَفَتْحٌ، وَقَيَّدَهُ شَارِحُ الْوَهْبَانِيَّةِ بِأَنْ لَا يَكُونَ الْمُخْبِرُ مِنْهُمَا كَوَارِثٍ وَمُوصًى لَهُ (وَمَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ سِوَى رَقِيقٍ) عُلِمَ رِقُّهُ وَ (يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ) وَإِلَّا فَهُوَ كَمَتَاعٍ فَ (لَك أَنْ تَشْهَدَ) بِهِ (أَنَّهُ لَهُ إنْ وَقَعَ فِي قَلْبِكَ ذَلِكَ) أَيْ أَنَّهُ مَلَكَهُ (وَإِلَّا لَا) وَلَوْ عَايَنَ الْقَاضِي ذَلِكَ جَازَ لَهُ الْقَضَاءُ بِهِ بَزَّازِيَّةٌ: أَيْ إذَا ادَّعَاهُ الْمَالِكُ وَإِلَّا لَا. (وَإِنْ فَسَّرَ) الشَّاهِدُ (لِلْقَاضِي أَنَّ شَهَادَتَهُ بِالتَّسَامُعِ أَوْ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ رُدَّتْ) عَلَى الصَّحِيحِ (إلَّا فِي الْوَقْفِ وَالْمَوْتِ إذَا) فَسَّرَا (وَقَالَا فِيهِ أَخْبَرَنَا مَنْ نَثِقُ بِهِ) تُقْبَلُ (عَلَى الْأَصَحِّ) خُلَاصَةٌ، بَلْ فِي الْعَزْمِيَّةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: مَعْنَى التَّفْسِيرِ أَنْ يَقُولَا شَهِدْنَا لِأَنَّا سَمِعْنَا مِنْ النَّاسِ، أَمَّا لَوْ قَالَا لَمْ نُعَايِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ اشْتَهَرَ عِنْدَنَا جَازَتْ   [رد المحتار] الْفُصُولَيْنِ: شَهِدَ أَحَدُ الْعَدْلَيْنِ بِمَوْتِ الْغَائِبِ وَالْآخَرُ بِحَيَاتِهِ فَالْمَرْأَةُ تَأْخُذُ بِقَوْلِ مَنْ يُخْبِرُ بِمَوْتِهِ وَتَمَامُهُ فِيهِ اهـ كَذَا فِي الْهَامِشِ وَفِيهِ: إذَا لَمْ يُعَايِنْ الْمَوْتَ إلَّا وَاحِدٌ لَا يُقْضَى بِهِ وَحْدَهُ، وَلَكِنْ لَوْ أَخْبَرَ بِهِ عَدْلًا مِثْلَهُ فَإِذَا سَمِعَ مِنْهُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَوْتِهِ فَيَشْهَدَانِ فَيَقْضِي جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. وَفِيهِ: وَلَوْ جَاءَ خَبَرٌ بِمَوْتِ رَجُلٍ مِنْ أَرْضٍ أُخْرَى وَصَنَعَ أَهْلُهُ مَا يُصْنَعُ عَلَى الْمَيِّتِ لَمْ يَسُغْ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْهَدَ بِمَوْتِهِ إلَّا مَنْ شَهِدَ مَوْتَهُ أَوْ سَمِعَ مَنْ شَهِدَ مَوْتَهُ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْخَبَرِ قَدْ يَكُونُ كَذِبًا جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالنِّكَاحِ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ مِنْ الْخَارِجِينَ مِنْ بَيْنِ جَمَاعَةٍ حَاضِرِينَ فِي بَيْتِ عَقْدِ النِّكَاحِ بِأَنَّ الْمَهْرَ كَذَا يُقْبَلُ لَا مِمَّنْ سَمِعَ مِنْ غَيْرِهِمْ اهـ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ وَوِلَايَةِ الْقَاضِي) وَيُزَادُ الْوَالِي كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَشَرَائِطِهِ) الْمُرَادُ مِنْ الشَّرَائِطِ أَنْ يَقُولُوا إنَّ قَدْرًا مِنْ الْغَلَّةِ لِكَذَا ثُمَّ يُصْرَفُ الْفَاضِلُ إلَى كَذَا بَعْدَ بَيَانِ الْجِهَةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ تَحْقِيقَهُ. (قَوْلُهُ عَدْلَيْنِ) يَعْنِي وَمَنْ فِي حُكْمِهِمَا وَهُوَ عَدْلٌ وَعَدْلَتَانِ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى. (قَوْلُهُ إلَّا فِي الْمَوْتِ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَاكَهُ مِيرَاثًا لَهُ إلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا الْمَوْتَ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِمِلْكٍ لِلْمَيِّتِ بِسَمَاعٍ لَمْ تَجُزْ اهـ. (قَوْلُهُ وَمَنْ فِي يَدِهِ إلَخْ) فِي عَدِّ هَذِهِ مِنْ الْعَشَرَةِ نَظَرٌ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْر. (قَوْلُهُ عُلِمَ رِقُّهُ) صَوَابُهُ لَمْ يُعْلَمْ رِقُّهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلْ مَدَنِيٌّ. (قَوْلُهُ لَكَ أَنْ تَشْهَدَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا يَشْهَدُ بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ عَدْلَانِ بِأَنَّهُ لِغَيْرِهِ، فَلَوْ أَخْبَرَهُ لَمْ تَجُزْ لَهُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ اهـ. (قَوْلُهُ ذَلِكَ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: إذَا رَأَى إنْسَانٌ دُرَّةً ثَمِينَةً فِي يَدِ كَنَاسٍ أَوْ كِتَابًا فِي يَدِ جَاهِلٍ لَيْسَ فِي آبَائِهِ مَنْ هُوَ أَهْلُهُ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لَهُ فَعُرِفَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْيَدِ لَا يَكْفِي اهـ مَدَنِيٌّ. (قَوْلُهُ إذَا ادَّعَاهُ) أَشَارَ إلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ أَوْ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ لِأَنِّي رَأَيْتُهُ فِي يَدِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: مِنْ الشُّهْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِشْهَادٍ وَيَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ اهـ مِثْلُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) اُنْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ فِي فَصْلٍ يُرَاعَى شَرْطُ الْوَاقِفِ نَقْلًا عَنْ مَجْمُوعَةِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا مُنْلَا عَلِيٍّ، فَإِنَّهُ صَحَّحَ عَدَمَ الْقَبُولِ تَعْوِيلًا عَلَى مَا فِي عَامَّةِ الْمُتُونِ وَغَيْرِهَا، وَأَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفَتَاوَى وَبِهِ أَفْتَى الرَّمْلِيُّ وَمُفْتِي دَارِ السَّلْطَنَةِ عَلِيٌّ أَفَنْدِي. (قَوْلُهُ خُلَاصَةٌ) كَتَبْتُ فِيمَا مَرَّ تَأْيِيدَهُ. (قَوْلُهُ سَمِعْنَا مِنْ النَّاسِ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: شَهِدْنَا بِذَلِكَ لِأَنَّا سَمِعْنَا مِنْ النَّاسِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ. أَقُولُ: بَقِيَ لَوْ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التَّسَامُعِ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْيَنَابِيعِ أَنَّهُ مِنْهُ، وَلَوْ شَهِدَا عَلَى مَوْتِ رَجُلٍ فَإِمَّا أَنْ يُطْلِقَا فَتُقْبَلُ أَوْ قَالَا لَمْ نُعَايِنْ مَوْتَهُ وَإِنَّمَا سَمِعْنَا مِنْ النَّاسِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 471 فِي الْكُلِّ وَصَحَّحَهُ شَارِحُ الْوَهْبَانِيَّةِ وَغَيْرُهُ اهـ. بَابُ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ أَيْ مَنْ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي قَبُولُ شَهَادَتِهِ وَمَنْ لَا يَجِبُ لَا مَنْ يَصِحُّ قَبُولُهَا، أَوْ لَا يَصِحُّ لِصِحَّةِ الْفَاسِقِ مَثَلًا كَمَا حَقَّقَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِيَعْقُوبَ بَاشَا وَغَيْرِهِ. (تُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ) أَيْ أَصْحَابِ بِدَعٍ لَا تُكَفِّرُ كَجَبْرٍ وَقَدَرٍ وَرَفَضٍ وَخُرُوجٍ وَتَشْبِيهٍ وَتَعْطِيلٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ اثْنَتَا عَشْرَةَ فِرْقَةً فَصَارُوا اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ (إلَّا الْخَطَابِيَّةَ) صِنْفٌ مِنْ الرَّوَافِضِ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ لِشِيعَتِهِمْ وَلِكُلِّ مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ مُحِقٌّ فَرَدَّهُمْ لَا لِبِدْعَتِهِمْ بَلْ لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ وَلَمْ يَبْقَ لِمَذْهَبِهِمْ ذِكْرٌ بَحْرٌ (وَ) مِنْ (الذِّمِّيِّ) لَوْ عَدْلًا فِي دِينِهِمْ جَوْهَرَةٌ (عَلَى مِثْلِهِ) إلَّا فِي خَمْسِ مَسَائِلَ   [رد المحتار] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْتُهُ مَشْهُورًا فَلَا تُقْبَلُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ تُقْبَلُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تُقْبَلُ وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ. وَفِي الْعِنَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ قَالَا نَشْهَدُ أَنَّهُ مَاتَ أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ مَنْ شَهِدَ مَوْتَهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ جَازَتْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَجُوزُ حَامِدِيَّةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْكُلِّ) أَيْ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ كَذَا فِي الْهَامِشِ. [بَابُ مَنْ يَجِبُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ عَلَى الْقَاضِي] بَابُ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ. (قَوْلُهُ أَيْ مَنْ يَجِبُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْمُرَادُ مَنْ يَجِبُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ عَلَى الْقَاضِي وَمَنْ لَا يَجِبُ لَا مَنْ يَصِحُّ قَبُولُهَا وَمَنْ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ مِمَّنْ ذَكَرَهُ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ الْفَاسِقُ وَهُوَ لَوْ قَضَى بِشَهَادَتِهِ صَحَّ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ وَالْأَصْلِ، لَكِنْ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ: إذَا قَضَى بِشَهَادَةِ الْأَعْمَى وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ أَوْ بِشَهَادَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مَعَ آخَرَ لِصَاحِبِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ أَوْ عَكْسِهِ نَفَذَ حَتَّى لَا يَجُوزُ لِلثَّانِي إبْطَالُهُ، وَإِنْ رَأَى بُطْلَانَهُ فَالْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ الْقَبُولِ عَدَمُ حِلِّهِ: وَذَكَرَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي اخْتِلَافًا فِي النَّفَاذِ بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ بَعْدَ التَّوْبَةِ اهـ. (قَوْلُهُ لِصِحَّةِ الْفَاسِقِ) أَيْ شَهَادَتِهِ. (قَوْلُهُ مَثَلًا) إنَّمَا قَالَ مَثَلًا لِيَشْمَلَ الْأَعْمَى. (قَوْلُهُ تُقْبَلُ إلَخْ) أَيْ لَا قَبُولًا عَامًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ بَلْ الْمُرَادُ أَصْلُ الْقَبُولِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ بَعْضَهُمْ كُفَّارٌ وَإِنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّ فِسْقَهُمْ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ، وَمَا أَوْقَعَهُمْ فِيهِ إلَّا التَّعَمُّقُ وَالْغُلُوُّ فِي الدِّينِ، وَالْفَاسِقُ إنَّمَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِتُهْمَةِ الْكَذِبِ مَدَنِيٌّ. (قَوْلُهُ لَا تُكَفِّرُ) فَمَنْ وَجَبَ إكْفَارُهُ مِنْهُمْ فَالْأَكْثَرُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِ كَمَا فِي التَّقْرِيرِ. وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَمَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ بَحْرٌ. وَفِيهِ عَنْ السِّرَاجِ: وَأَنْ لَا يَكُونَ مَاجِنًا، وَيَكُونَ عَدْلًا فِي تَعَاطِيهِ. وَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مَذْكُورًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ شَرْطٌ فِي السُّنِّيِّ، فَمَا ظَنُّك فِي غَيْرِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلِكُلِّ مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ مُحِقٌّ فَرَدُّهُمْ إلَخْ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالرَّاءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ بَدَلَ الْوَاوِ، وَهَذَا قَوْلٌ ثَانٍ فِي تَفْسِيرِهِمْ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَشَرْحِ ابْنِ الْكَمَالِ، نَعَمْ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ كَمَا هُنَا حَيْثُ قَالَ: هُمْ صِنْفٌ مِنْ الرَّوَافِضِ يُنْسَبُونَ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الْأَجْدَعِ الْكُوفِيِّ يَعْتَقِدُونَ جَوَازَ الشَّهَادَةِ لِمَنْ حَلَفَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ مُحِقٌّ، وَيَقُولُونَ الْمُسْلِمُ لَا يَحْلِفُ كَاذِبًا وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ الشَّهَادَةَ وَاجِبَةٌ لِشِيعَتِهِمْ سَوَاءٌ كَانَ صَادِقًا أَوْ كَاذِبًا اهـ. وَفِي تَعْرِيفَاتِ السَّيِّدِ الشَّرِيفِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ، فَإِنَّهُ قَالَ مَا نَصُّهُ: قَالُوا الْأَئِمَّةُ الْأَنْبِيَاءُ وَأَبُو الْخَطَّابِ نَبِيٌّ، وَهَؤُلَاءِ يَسْتَحِلُّونَ شَهَادَةَ الزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ عَلَى مُخَالِفِيهِمْ وَقَالُوا الْجَنَّةُ نَعِيمُ الدُّنْيَا كَالنَّارِ آلَامُهَا. (قَوْلُهُ بَلْ لِتُهْمَةِ إلَخْ) وَمِنْ التُّهْمَةِ الْمَانِعَةِ أَنْ يَجُرَّ الشَّاهِدُ بِشَهَادَتِهِ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا أَوْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ مَغْرَمًا خَانِيَّةٌ، فَشَهَادَةُ الْفَرْدِ لَيْسَتْ مَقْبُولَةً لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ هِدَايَةٌ، كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ وَمِنْ الذِّمِّيِّ إلَخْ) قَالَ فِي فَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: مَاتَ وَعَلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 472 عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ وَتَبْطُلُ بِإِسْلَامِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَكَذَا بَعْدَهُ لَوْ بِعُقُوبَةٍ كَقَوَدٍ بَحْرٌ (وَإِنْ اخْتَلَفَا مِلَّةً) كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى (وَ) الذِّمِّيِّ (عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ لَا عَكْسِهِ) وَلَا مُرْتَدٍّ عَلَى مِثْلِهِ فِي الْأَصَحِّ (وَتُقْبَلُ مِنْهُ عَلَى) مُسْتَأْمَنٍ (مِثْلِهِ مَعَ اتِّحَادِ الدَّارِ) لِأَنَّ اخْتِلَافَ دَارَيْهِمَا يَقْطَعُ الْوِلَايَةَ كَمَا يَمْنَعُ التَّوَارُثَ (وَ) تُقْبَلُ مِنْ عَدُوٍّ بِسَبَبِ الدِّينِ (لِأَنَّهَا مِنْ التَّدَيُّنِ) بِخِلَافِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ التَّقَوُّلِ عَلَيْهِ كَمَا سَيَجِيءُ؛ وَأَمَّا الصَّدِيقُ لِصَدِيقِهِ فَتُقْبَلُ إلَّا إذَا كَانَتْ الصَّدَاقَةُ مُتَنَاهِيَةً بِحَيْثُ يَتَصَرَّفُ كُلٌّ فِي مَالِ الْآخَرِ فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ مَعْزِيًّا لِمُعِينِ الْحُكَّامِ (وَ) مِنْ (مُرْتَكِبِ صَغِيرَةٍ) بِلَا إصْرَارٍ (إنْ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ) كُلَّهَا وَغَلَبَ صَوَابُهُ عَلَى صَغَائِرِهِ دُرَرٌ وَغَيْرُهَا قَالَ: وَهُوَ مَعْنَى الْعَدَالَةِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: كُلُّ فِعْلٍ يَرْفُضُ الْمُرُوءَةَ وَالْكَرَمَ كَبِيرَةٌ، وَأَقَرَّهُ ابْنُ الْكَمَالِ. قَالَ: وَمَتَى ارْتَكَبَ كَبِيرَةً سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ (وَ) مِنْ (أَقْلَفَ) لَوْ لِعُذْرٍ وَإِلَّا لَا وَبِهِ نَأْخُذُ   [رد المحتار] دَيْنٌ لِمُسْلِمٍ بِشَهَادَةِ نَصْرَانِيٍّ وَدَيْنٌ لِنَصْرَانِيٍّ بِشَهَادَةِ نَصْرَانِيٍّ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: بُدِئَ بِدَيْنِ الْمُسْلِمِ؛ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ ذَلِكَ لِلنَّصْرَانِيِّ هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ) وَهِيَ مَا إذَا شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَمَا إذَا شَهِدَا عَلَى نَصْرَانِيٍّ مَيِّتٍ بِدَيْنٍ وَهُوَ مَدْيُونٌ مُسْلِمٌ، وَمَا إذَا شَهِدَا عَلَيْهِ بِعَيْنٍ اشْتَرَاهَا مِنْ مُسْلِمٍ، وَمَا إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةُ نَصَارَى عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ إلَّا إذَا قَالُوا اسْتَكْرَهَهَا فَيُحَدُّ الرَّجُلُ وَحْدَهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَمَا إذَا ادَّعَى مُسْلِمٌ عَبْدًا فِي يَدِ كَافِرٍ فَشَهِدَ كَافِرَانِ أَنَّهُ عَبْدُهُ قَضَى بِهِ فُلَانٌ الْقَاضِي الْمُسْلِمُ لَهُ كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ مَدَنِيٌّ. (قَوْلُهُ بِإِسْلَامِهِ) أَيْ إسْلَامِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ، قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ دَخَلَ بِلَا أَمَانٍ قَهْرًا اُسْتُرِقَّ وَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ عَلَى أَحَدٍ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ مَعَ اتِّحَادِ الدَّارِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ دَارٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ كَانُوا مِنْ دَارَيْنِ كَالرُّومِ وَالتُّرْكِ لَمْ تُقْبَلْ هِدَايَةٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي كَانُوا لِلْمُسْتَأْمَنَيْنِ فِي دَارِنَا، وَبِهِ ظَهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ مَا نُقِلَ عَنْ الْحَمَوِيِّ مِنْ تَمْثِيلِهِ لِاتِّحَادِ الدَّارِ بِكَوْنِهِمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا لَزِمَ تَوَارُثُهُمَا حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَا مِنْ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. وَفِي الْفَتْحِ: وَإِنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ وَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ صَارَ كَالْمُسْلِمِ، وَشَهَادَةُ الْمُسْلِمِ تُقْبَلُ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ فَكَذَا الذِّمِّيُّ. (قَوْلُهُ عَلَى صَغَائِرِهِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ وَبِلَا غَلَبَةٍ، قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ تَأْخُذُ حُكْمَ الْكَبِيرَةِ بِالْإِصْرَارِ، وَكَذَا بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَا أَفْصَحَ عَنْهُ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى حَيْثُ قَالَ: الْعَدْلُ مَنْ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا حَتَّى لَوْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ، وَفِي الصَّغَائِرِ الْعِبْرَةُ لِلْغَلَبَةِ أَوْ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغِيرَةِ فَتَصِيرُ كَبِيرَةً وَلِذَا قَالَ وَغَلَبَ صَوَابُهُ اهـ، قَالَ فِي الْهَامِشِ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَجْلِسُ مَجْلِسَ الْفُجُورِ وَالْمَجَانَةِ وَالشُّرْبِ وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْ، هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ فَتَاوَى هِنْدِيَّةٌ. وَفِيهَا: وَالْفَاسِقُ إذَا تَابَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ زَمَانٌ يُظْهِرُ عَلَيْهِ أَثَرَ التَّوْبَةِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَقْضِيَةِ: وَاَلَّذِي اعْتَادَ الْكَذِبَ إذَا تَابَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ذَخِيرَةٌ، وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ كَبِيرَةٌ) الْأَصَحُّ أَنَّهَا كُلُّ مَا كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ هَتْكُ حُرْمَةِ الدِّينِ كَمَا بَسَطَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَغَيْرُهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: الْعَدْلُ مَنْ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا، حَتَّى لَوْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ: وَفِي الصَّغَائِرِ الْعِبْرَةُ لِلْغَلَبَةِ لِتَصِيرَ كَبِيرَةً حَسَنٌ، وَنَقَلَهُ عَنْ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِعِصَامٍ وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ، غَيْرَ أَنَّ الْحَاكِمَ بِزَوَالِ الْعَدَالَةِ بِارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ يَحْتَاجُ إلَى الظُّهُورِ فَلِذَا شُرِطَ فِي شُرْبِ الْمُحَرَّمِ وَالسُّكْرِ الْإِدْمَانُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ) وَتَعُودُ إذَا تَابَ، لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْخَانِيَّةِ الْفَاسِقُ إذَا تَابَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ زَمَانٌ يُظْهِرُ التَّوْبَةَ، ثُمَّ بَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسَنَةٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 473 بَحْرٌ وَالِاسْتِهْزَاءُ بِشَيْءٍ مِنْ الشَّرَائِعِ كُفْرٌ ابْنُ كَمَالٍ (وَخَصِيٍّ) وَأَقْطَعَ (وَوَلَدِ الزِّنَا) وَلَوْ بِالزِّنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ (وَخُنْثَى) كَأُنْثَى لَوْ مُشْكِلًا وَإِلَّا فَلَا إشْكَالَ (وَعَتِيقٍ لِمُعْتِقِهِ وَعَكْسُهُ) إلَّا لِتُهْمَةٍ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ شَهِدَا بَعْدَ عِتْقِهِمَا أَنَّ الثَّمَنَ كَذَا عِنْدَ اخْتِلَافِ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ لَمْ تُقْبَلْ لِجَرِّ النَّفْعِ بِإِثْبَاتِ الْعِتْقِ (وَلِأَخِيهِ وَعَمِّهِ وَمِنْ مُحَرَّمٍ رَضَاعًا أَوْ مُصَاهَرَةً) إلَّا إذَا امْتَدَّتْ الْخُصُومَةُ وَخَاصَمَ مَعَهُ عَلَى مَا فِي الْقُنْيَةِ. وَفِي الْخِزَانَةِ: تَخَاصَمَ الشُّهُودُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ تُقْبَلُ لَوْ عُدُولًا (وَمِنْ كَافِرٍ عَلَى عَبْدٍ كَافِرٍ مَوْلَاهُ مُسْلِمٌ أَوْ) عَلَى وَكِيلٍ (حُرٍّ كَافِرٍ مُوَكِّلُهُ مُسْلِمٌ لَا) يَجُوزُ (عَكْسُهُ) لِقِيَامِهَا عَلَى مُسْلِمٍ قَصْدًا وَفِي الْأَوَّلِ ضِمْنًا. (وَ) تُقْبَلُ (عَلَى ذِمِّيٍّ مَيِّتٍ وَصِيَّةُ مُسْلِمٍ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِمُسْلِمٍ)   [رد المحتار] إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَالْمُعَدِّلِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ كَانَ عَدْلًا فَشَهِدَ بِزُورٍ ثُمَّ تَابَ فَشَهِدَ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ مُدَّةٍ اهـ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا كَانَ فَاسِقًا سِرًّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَ بِفِسْقِهِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّ الْمُدَّعِي وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ أَيْضًا اهـ. [فَائِدَةٌ] مَنْ اُتُّهِمَ بِالْفِسْقِ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ، وَالْمُعَدِّلُ إذَا قَالَ لِلشَّاهِدِ هُوَ مُتَّهَمٌ بِالْفِسْقِ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ خَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ بَحْرٌ) مِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ كُفْرٌ) أَشَارَ إلَى فَائِدَةِ تَقْيِيدِهِ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنْ لَا يَتْرُكَ الْخِتَانَ اسْتِخْفَافًا بِالدِّينِ: وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهِ سَبْعٌ وَآخِرَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ. (قَوْلُهُ وَخَصِيٍّ) لِأَنَّ حَاصِلَ أَمْرِهِ أَنَّهُ مَظْلُومٌ، نَعَمْ لَوْ كَانَ ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ وَفَعَلَهُ مُخْتَارًا مُنِعَ. وَقَدْ قَبِلَ عُمَرُ شَهَادَةَ عَلْقَمَةَ الْخَصِيِّ عَلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ وَأَقْطَعَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فِي سَرِقَةٍ ثُمَّ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَشْهَدُ فَقَبِلَ شَهَادَتَهُ» مِنَحٌ. (قَوْلُهُ بِالزِّنَا) أَيْ وَلَوْ شَهِدَ بِالزِّنَا عَلَى غَيْرِهِ تُقْبَلُ. قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَا لِأَنَّ فِسْقَ الْأَبَوَيْنِ لَا يُوجِبُ فِسْقَ الْوَلَدِ كَكُفْرِهِمَا، أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا شَهِدَ بِالزِّنَا أَوْ بِغَيْرِهِ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي الْأَوَّلِ اهـ مَدَنِيٌّ. (قَوْلُهُ كَأُنْثَى) فَيُقْبَلُ مَعَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ. (قَوْلُهُ بِإِثْبَاتِ الْعِتْقِ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا تَحَالُفَ بَعْدَ خُرُوجِ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ فِي التَّحَالُفِ فَرَاجِعْهُ، وَقَوْلُهُ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا لَتَحَالَفَا وَفُسِخَ الْبَيْعُ الْمُقْتَضِي لِإِبْطَالِ الْعِتْقِ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ وَمِنْ مُحَرَّمٍ رَضَاعًا) قَالَ فِي الْأَقْضِيَةِ: تُقْبَلُ لِأَبَوَيْهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَلِمَنْ أَرْضَعَتْهُ امْرَأَتُهُ وَلِأُمِّ امْرَأَتِهِ وَأَبِيهَا بَزَّازِيَّةٌ مِنْ الشَّهَادَةِ فِيمَا تُقْبَلُ وَفِيمَا لَا تُقْبَلُ اهـ. وَتُقْبَلُ لِأُمِّ امْرَأَتِهِ وَأَبِيهَا وَلِزَوْجِ ابْنَتِهِ وَلِامْرَأَةِ ابْنِهِ وَلِامْرَأَةِ أَبِيهِ وَلِأُخْتِ امْرَأَتِهِ اهـ كَذَا فِي الْهَامِشِ عَنْ الْحَامِدِيَّةِ مَعْزِيًّا لِلْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ امْتَدَّتْ الْخُصُومَةُ) أَيْ سَنَتَيْنِ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ لَوْ عُدُولًا) قَالَ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُسَاعِدْ الْمُدَّعِي فِي الْخُصُومَةِ أَوْ لَمْ يُكْثِرْ ذَلِكَ تَوْفِيقًا اهـ. وَوَفَّقَ الرَّمْلِيُّ بِغَيْرِهِ حَيْثُ قَالَ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ لَوْ عُدُولًا أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا مَسْتُورِينَ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ تَمْتَدَّ الْخُصُومَةُ لِلتُّهْمَةِ بِالْمُخَاصَمَةِ، وَإِذَا كَانُوا عُدُولًا تُقْبَلُ لِارْتِفَاعِ التُّهْمَةِ مَعَ الْعَدَالَةِ؛ فَيُحْمَلُ مَا فِي الْقُنْيَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُونُوا عُدُولًا تَوْفِيقًا، وَمَا قُلْنَاهُ أَشْبَهُ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ الْعَدَالَةُ. (قَوْلُهُ عَلَى ذِمِّيٍّ مَيِّتٍ) نَصْرَانِيٌّ مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ مُسْلِمٌ شُهُودًا مِنْ النَّصَارَى عَلَى أَلْفٍ عَلَى الْمَيِّتِ وَأَقَامَ نَصْرَانِيٌّ آخَرِينَ كَذَلِكَ فَالْأَلْفُ الْمَتْرُوكَةُ لِلْمُسْلِمِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَتَحَاصَّانِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْقَبُولَ عِنْدَهُ فِي حَقِّ إثْبَاتِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ فَقَطْ دُونَ إثْبَاتِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَعَلَى قَوْلِ الثَّانِي فِي حَقِّهِمَا ذَخِيرَةٌ مُلَخَّصًا وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَبُولَهَا عَلَى الْمَيِّتِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِمُسْلِمٍ، نَعَمْ هُوَ قَيْدٌ لِإِثْبَاتِهَا الشَّرِكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي الْآخَرِ فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ نَصْرَانِيًّا أَيْضًا يُشَارِكُهُ وَإِلَّا فَالْمَالُ لِلْمُسْلِمِ، إذْ لَوْ شَارَكَهُ لَزِمَ قِيَامُهَا عَلَى الْمُسْلِمِ، وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَرَكَ قَيْدًا لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ ضِيقُ التَّرِكَةِ عَنْ الدَّيْنَيْنِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ قِيَامُهَا عَلَى الْمُسْلِمِ كَمَا لَا يَخْفَى، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي بَعْدَ التَّنْقِيرِ التَّامِّ حَتَّى ظَفِرْتُ بِعِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ وَادْعُ لِي. وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَلَى الْبَحْرِ عَنْ الْمِنْهَاجِ لِأَبِي حَفْصٍ الْعُقَيْلِيِّ: نَصْرَانِيٌّ مَاتَ فَجَاءَ مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا، فَإِنْ كَانَ شُهُودُ الْفَرِيقَيْنِ ذِمِّيِّينَ أَوْ شُهُودُ النَّصْرَانِيِّ ذِمِّيِّينَ بُدِئَ بِدَيْنِ الْمُسْلِمِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 474 بَحْرٌ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ إلَّا تَبَعًا كَمَا مَرَّ أَوْ ضَرُورَةً فِي مَسْأَلَتَيْنِ: فِي الْإِيصَاءِ. شَهِدَ كَافِرَانِ عَلَى كَافِرٍ أَنَّهُ أَوْصَى إلَى كَافِرٍ وَأَحْضَرَ مُسْلِمًا عَلَيْهِ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ. وَفِي النَّسَبِ شَهِدَا أَنَّ النَّصْرَانِيَّ ابْنَ الْمَيِّتِ فَادَّعَى عَلَى مُسْلِمٍ بِحَقٍّ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَوَجْهُهُ فِي الدُّرَرِ (وَالْعُمَّالِ) لِلسُّلْطَانِ (إلَّا إذَا كَانُوا أَعْوَانًا عَلَى الظُّلْمِ) فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِغَلَبَةِ ظُلْمِهِمْ كَرَئِيسِ الْقَرْيَةِ وَالْجَابِي وَالصَّرَّافِ وَالْمُعَرِّفِينَ فِي الْمَرَاكِبِ وَالْعُرَفَاءِ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ وَمُحْضِرِ قُضَاةِ الْعَهْدِ وَالْوُكَلَاءِ الْمُفْتَعَلَةِ وَالصَّكَّاكِ وَضُمَّانِ الْجِهَاتِ كَمُقَاطِعَةِ سُوقِ النَّخَّاسِينَ حَتَّى حَلَّ لَعْنُ الشَّاهِدِ لِشَهَادَتِهِ عَلَى بَاطِلٍ فَتْحٌ وَبَحْرٌ. وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: أَمِيرٌ كَبِيرٌ ادَّعَى فَشَهِدَ لَهُ عُمَّالُهُ وَنُوَّابُهُ وَرَعَايَاهُمْ لَا تُقْبَلُ كَشَهَادَةِ الْمُزَارِعِ لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَقِيلَ أَرَادَ بِالْعُمَّالِ الْمُحْتَرَفِينَ: أَيْ بِحِرْفَةٍ لَائِقَةٍ بِهِ وَهِيَ حِرْفَةُ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ وَإِلَّا فَلَا مُرُوءَةَ لَهُ لَوْ دَنِيئَةً، فَلَا شَهَادَةَ لَهُ لِمَا عُرِفَ فِي حَدِّ الْعَدَالَةِ فَتْحٌ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ. (لَا) تُقْبَلُ   [رد المحتار] صُرِفَ إلَى دَيْنِ النَّصْرَانِيِّ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْعَلُ بَيْنَهُمَا عَلَى مِقْدَارِ دَيْنِهِمَا، قِيلَ إنَّهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرُ، وَإِنْ كَانَ شُهُودُ الْفَرِيقَيْنِ مُسْلِمِينَ أَوْ شُهُودُ الذِّمِّيِّ خَاصَّةً مُسْلِمِينَ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِمْ اهـ. (قَوْلُهُ بَحْرٌ) عِبَارَتُهُ: فَإِنْ كَانَ فَقَدْ كَتَبْنَاهُ عَنْ الْجَامِعِ اهـ. وَاَلَّذِي كَتَبَهُ هُوَ قَوْلُهُ نَصْرَانِيٌّ مَاتَ عَنْ مِائَةٍ، فَأَقَامَ مُسْلِمٌ شَاهِدَيْنِ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ وَمُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ بِمِثْلِهِ فَالثُّلُثَانِ لَهُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا وَالشَّرِكَةُ لَا تُمْنَعُ لِأَنَّهَا بِإِقْرَارِهِ اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ الثَّانِيَةَ لَا تُثْبِتُ لِلذِّمِّيِّ مُشَارَكَتَهُ مَعَ الْمُسْلِمِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَكِنَّ الْمُسْلِمَ لَمَّا ادَّعَى الْمِائَةَ مَعَ النَّصْرَانِيِّ صَارَ طَالِبًا نِصْفَهَا وَالْمُنْفَرِدُ يَطْلُبُ كُلَّهَا فَتُقْسَمُ عَوْلًا، فَلِمُدَّعِي الْكُلِّ الثُّلُثَانِ لِأَنَّ لَهُ نِصْفَيْنِ، وَلِلْمُسْلِمِ الْآخَرِ الثُّلُثَ لِأَنَّ لَهُ نِصْفًا فَقَطْ، لَكِنْ لَمَّا ادَّعَاهُ مَعَ النَّصْرَانِيِّ قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَالشَّرِكَةُ لَا تُمْنَعُ لِأَنَّهَا بِإِقْرَارِهِ، وَانْظُرْ مَا سَنَذْكُرُ أَوَّلَ كِتَابِ الْفَرَائِضِ عِنْدَ قَوْلِهِ ثَمَّ تُقَدَّمُ دُيُونُهُ. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ فِي مَسْأَلَتَيْنِ) حُمِلَ الْقَبُولُ فِيهِمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بَحْثًا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْخَصْمُ الْمُسْلِمُ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ مُنْكِرًا لِلْوِصَايَةِ وَالنَّسَبِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُنْكِرًا لِلدَّيْنِ كَيْفَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيَّيْنِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَأَحْضَرَ) أَيْ الْوَصِيُّ. (قَوْلُهُ ابْنُ الْمَيِّتِ) أَيْ النَّصْرَانِيِّ. (قَوْلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ) وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ عَلَى نَسَبِهِ تُقْبَلُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَوَجْهُهُ الضَّرُورَةُ لِعَدَمِ حُضُورِ الْمُسْلِمِينَ مَوْتَهُمْ وَلَا نِكَاحَهُمْ كَذَا فِي الدُّرَرِ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ بِحَقٍّ) أَيْ ثَابِتٍ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ كَرَئِيسِ الْقَرْيَةِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا الْمُسَمَّى فِي بِلَادِنَا شَيْخَ الْبَلَدِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّ الْقَائِمَ بِتَوْزِيعِ هَذِهِ النَّوَائِبِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالْجِبَايَاتِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَأْجُورٌ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ ظُلْمًا، فَعَلَى هَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اهـ. (قَوْلُهُ النَّخَّاسِينَ) جَمْعُ نَخَّاسٍ مِنْ النَّخْسِ وَهُوَ الطَّعْنُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِدَلَّالِ الدَّوَابِّ نَخَّاسٌ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ) هَذَا مُمْكِنٌ فِي مِثْلِ عِبَارَةِ الْكَنْزِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ إلَّا إذَا كَانُوا أَعْوَانًا إلَخْ. (قَوْلُهُ الْمُحْتَرِفِينَ) فَيَكُونُ فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ رَدَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الْحِرَفِ الْخَسِيسَةِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَمَّا أَهْلُ الصِّنَاعَاتِ الدَّنِيئَةِ كَالْقَنَوَاتِيِّ وَالزَّبَّالِ وَالْحَائِكِ وَالْحَجَّامِ فَقِيلَ لَا تُقْبَلُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ قَدْ تَوَلَّاهَا قَوْمٌ صَالِحُونَ، فَمَا لَمْ يُعْلَمْ الْقَادِحُ لَا يُبْنَى عَلَى ظَاهِرِ الصِّنَاعَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا إلَخْ) أَيْ بِأَنْ كَانَ أَبُوهُ تَاجِرًا وَاحْتَرَفَ هُوَ بِالْحِيَاكَةِ أَوْ الْحِلَاقَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لِارْتِكَابِهِ الدَّنَاءَةَ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ فَتْحٌ) لَمْ أَرَهُ فِي الْفَتْحِ بَلْ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بِصِيغَةِ يَنْبَغِي. وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: فِي هَذَا التَّقْيِيدِ نَظَرٌ يَظْهَرُ لِمَنْ لَهُ نَظَرٌ فَتَأَمَّلْ: أَيْ فِي التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ بِحِرْفَةٍ لَائِقَةٍ إلَخْ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْعِبْرَةَ لِلْعَدَالَةِ لَا لِلْحِرْفَةِ، فَكَمْ مِنْ دَنِيءِ صِنَاعَةٍ أَنْقَى مِنْ ذِي مَنْصِبٍ وَوَجَاهَةٍ عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَعْدِلُ عَنْ حِرْفَةِ أَبِيهِ إلَى أَدْنَى مِنْهَا إلَّا لِقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ أَوْ صُعُوبَتِهَا عَلَيْهِ وَلَا سِيَّمَا إذَا عَلَّمَهُ إيَّاهَا أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ فِي صِغَرِهِ وَلَمْ يُتْقِنْ غَيْرَهَا فَتَأَمَّلْ. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ هُوَ قَرِيبًا مِنْ أَنَّ صَاحِبَ الصِّنَاعَةِ الدَّنِيئَةِ كَالزَّبَّالِ وَالْحَائِكِ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ إذَا كَانَ عَدْلًا فِي الصَّحِيحِ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 475 (مِنْ أَعْمَى) أَيْ لَا يَقْضِي بِهَا، وَلَوْ قَضَى صَحَّ، وَعَمَّ قَوْلُهُ (مُطْلَقًا) مَا لَوْ عَمِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَمَا جَازَ بِالسَّمَاعِ خِلَافًا لِلثَّانِي، وَأَفَادَ عَدَمَ قَبُولِ الْأَخْرَسِ مُطْلَقًا بِالْأَوْلَى. (وَمُرْتَدٍّ وَمَمْلُوكٍ) وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُبَعَّضًا (وَصَبِيٍّ) وَمُغَفَّلٍ وَمَجْنُونٍ (إلَّا)   [رد المحتار] قُلْتُ: وَيُدْفَعُ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ عُدُولَهُ عَنْ حِرْفَةِ أَبِيهِ إلَى أَدْنَى مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْمُرُوءَةِ، وَإِنْ كَانَتْ حِرْفَةُ أَبِيهِ دَنِيئَةً، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هُوَ كَذَلِكَ إنْ عَدَلَ بِلَا عُذْرٍ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ مِنْ أَعْمَى) إلَّا فِي رِوَايَةِ زُفَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا يُجْزِي فِيهِ التَّسَامُعُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِيهِ إلَى السَّمَاعِ وَلَا خَلَلَ فِيهِ بَاقَانِيٌّ عَلَى الْمُلْتَقَى كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ أَيْ لَا يَقْضِي بِهَا) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا تَحَمَّلَهُ بَصِيرًا فَإِنَّهَا تُقْبَلُ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَالْأَدَاءُ يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ وَلِسَانُهُ غَيْرُ مُوفٍ وَالتَّعْرِيفُ يَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَلَنَا أَنَّ الْأَدَاءَ يَفْتَقِرُ إلَى التَّمْيِيزِ بِالْإِشَارَةِ بَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَلَا يُمَيِّزُ الْأَعْمَى إلَّا بِالنَّغْمَةِ، وَفِيهِ شُبْهَةٌ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِحَبْسِ الشُّهُودِ وَالنِّسْبَةِ لِتَمْيِيزِ الْغَائِبِ دُونَ الْحَاضِرِ وَصَارَ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ اهـ. بَاقَانِيٌّ عَلَى الْمُلْتَقَى كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ بِالسَّمَاعِ) كَالنَّسَبِ وَالْمَوْتِ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) أَيْ فِيهِمَا، وَاسْتَظْهَرَ قَوْلَهُ بِالْأَوَّلِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فَقَالَ وَقَوْلُهُ أَظْهَرُ، لَكِنْ رَدَّهُ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ سَائِرِ الْكُتُبِ عَدَمُ أَظَهْرِيَّتِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ بِالثَّانِي فَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ أَيْضًا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَرَدَّهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ وَاخْتِيَارَهُ. (قَوْلُهُ بِالْأَوْلَى) لِأَنَّ فِي الْأَعْمَى إنَّمَا تَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ فِي نِسْبَتِهِ وَهُنَا تَتَحَقَّقُ فِي نِسْبَتِهِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَدْرِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَأُمُورٍ أُخَرَ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَنُقِلَ أَيْضًا عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّ لَفْظَ الشَّهَادَةِ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ مُكَاتَبًا) وَالْمُعْتَقُ فِي الْمَرَضِ كَالْمُكَاتَبِ فِي زَمَنِ السِّعَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا حُرٌّ مَدْيُونٌ. [تَنْبِيهَاتٌ] مَاتَ عَنْ عَمٍّ وَأَمَتَيْنِ وَعَبْدَيْنِ فَأَعْتَقَهُمَا الْعَمُّ فَشَهِدَا بِبُنُوَّةِ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا أَيْ أَنَّهُ أَقَرَّ بِهَا فِي صِحَّتِهِ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُ لِأَنَّ فِي قَبُولِهَا ابْتِدَاءً بُطْلَانَهَا انْتِهَاءً؛ لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ كَمُكَاتَبٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ الثَّانِيَةَ أُخْتُ الْمَيِّتِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ الْأُولَى أَوْ بَعْدَهَا، أَوْ مَعَهَا لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّا لَوْ قَبِلْنَا لَصَارَتْ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ فَيَخْرُجُ الْعَمُّ عَنْ الْوِرَاثَةِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. أَقُولُ: هَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ وُجُودِ الشَّهَادَتَيْنِ، وَأَمَّا عِنْدَ سَبْقِ شَهَادَةِ الْأُخْتِيَّةِ فَالْعِلَّةُ فِيهَا هِيَ عِلَّةُ الْبِنْتِيَّةِ فَتَفَقَّهْ. وَفِي الْمُحِيطِ: مَاتَ عَنْ أَخٍ لَا يُعْلَمُ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ فَقَالَ عَبْدَانِ مِنْ رَقِيقِ الْمَيِّتِ إنَّهُ أَعْتَقَنَا فِي صِحَّتِهِ وَإِنْ هَذَا الْآخَرَ ابْنُهُ فَصَدَّقَهُمَا الْأَخُ فِي ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ فِي دَعْوَى الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِمَا بَلْ هُمَا عِنْدَهُ لِلْآخَرِ لِإِقْرَارِ الْأَخِ أَنَّهُ وَارِثٌ دُونَهُ فَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُمَا فِي النَّسَبِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْآخَرِ أُنْثَى جَازَ شَهَادَتُهُمَا وَثَبَتَ نَسَبُهَا وَيَسْعَيَانِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِمَا لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ حَقَّهُ فِي نِصْفِ الْمِيرَاثِ فَصَحَّ بِالْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا إلَّا أَنَّ الْعِتْقَ فِي عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ فَتَجِبُ السِّعَايَةُ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ: وَأَقُولُ: عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْتِقَانِ كَمَا قَالَا، غَيْرَ أَنَّ شَهَادَتَهُمَا بِالْبِنْتِيَّةِ لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَتَفَقَّهْ. [فَائِدَةٌ] قَضَى بِشَهَادَةٍ فَظَهَرُوا عَبِيدًا تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ، فَلَوْ قَضَى بِوَكَالَةٍ بِبَيِّنَةٍ وَأَخَذَ مَا عَلَى النَّاسِ مِنْ الدُّيُونِ ثُمَّ وُجِدُوا عَبِيدًا لَمْ تَبْرَأْ الْغُرَمَاءُ وَلَوْ كَانَ بِمِثْلِهِ فِي وِصَايَةٍ بَرِئُوا لِأَنَّ قَبْضَهُ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْإِيصَاءُ كَإِذْنِهِ لَهُمْ فِي الدَّفْعِ إلَى ابْنِهِ، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ إذْ لَا يَمْلِكُ الْإِذْنَ لِغَرِيمٍ فِي دَفْعِ دَيْنِ الْحَيِّ لِغَيْرِهِ. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: فَعَلَى هَذَا مَا يَقَعُ الْآنَ كَثِيرًا مِنْ تَوْلِيَةِ شَخْصٍ نَظَرَ وَقْفٍ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ مِثْلِهِ مِنْ قَبْضٍ وَصَرْفٍ وَشِرَاءٍ وَبَيْعٍ ثُمَّ يَظْهَرُ أَنَّهُ بِغَيْرِ شَرْطِ الْوَاقِفِ أَوْ أَنَّ إنْهَاءَهُ بَاطِلٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِإِذْنِ الْقَاضِي كَالْوَصِيِّ فَلْيُتَأَمَّلْ، قُلْت: وَتَقَدَّمَ فِي الْوَقْفِ مَا يُؤَيِّدُهُ سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَمُغَفَّلٍ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّا نَرُدُّ شَهَادَةَ أَقْوَامٍ نَرْجُو شَفَاعَتَهُمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 476 فِي حَالِ صِحَّتِهِ إلَّا (أَنْ يَتَحَمَّلَا فِي الرِّقِّ وَالتَّمْيِيزِ وَأَدَّيَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ) وَلَوْ لِمُعْتِقِهِ كَمَا مَرَّ (وَ) بَعْدَ (الْبُلُوغِ) وَكَذَا بَعْدَ إبْصَارٍ وَإِسْلَامٍ وَتَوْبَةِ فِسْقٍ وَطَلَاقِ زَوْجَةٍ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالُ الْأَدَاءِ شَرْحُ تَكْمِلَةٍ. وَفِي الْبَحْرِ: مَتَى حَكَمَ بِرَدِّهِ لِعِلَّةٍ ثُمَّ زَالَتْ فَشَهِدَ بِهَا لَمْ تُقْبَلْ إلَّا أَرْبَعَةٌ عَبْدٌ وَصَبِيٌّ وَأَعْمَى وَكَافِرٌ عَلَى مُسْلِمٍ وَإِدْخَالُ الْكَمَالِ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ مَعَ الْأَرْبَعَةِ سَهْوٌ. (وَمَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ) تَمَامُ الْحَدِّ وَقِيلَ بِالْأَكْثَرِ (وَإِنْ تَابَ) بِتَكْذِيبِهِ نَفْسَهُ فَتْحٌ، لِأَنَّ الرَّدَّ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ بِالنَّصِّ وَالِاسْتِثْنَاءَ مُنْصَرِفٌ لِمَا يَلِيهِ وَهُوَ {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] (إلَّا أَنْ يُحَدَّ كَافِرًا) فِي الْقَذْفِ (فَيُسْلِمَ) فَتُقْبَلُ وَإِنْ ضُرِبَ أَكْثَرَهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ عَلَى الظَّاهِرِ بِخِلَافِ عَبْدٍ حُدَّ فَعَتَقَ لَمْ تُقْبَلْ (أَوْ يُقِيمَ) الْمَحْدُودُ (بَيِّنَةً عَلَى صِدْقِهِ) إمَّا أَرْبَعَةً عَلَى زِنَاهُ أَوْ اثْنَيْنِ عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ، كَمَا لَوْ بَرْهَنَ قَبْلَ الْحَدِّ بَحْرٌ. وَفِيهِ: الْفَاسِقُ إذَا تَابَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إلَّا الْمَحْدُودَ بِقَذْفٍ وَالْمَعْرُوفَ بِالْكَذِبِ وَشَاهِدَ الزُّورِ لَوْ عَدْلًا لَا تُقْبَلُ أَبَدًا مُلْتَقَطٌ، لَكِنْ سَيَجِيءُ تَرْجِيحُ قَبُولِهَا. (وَمَسْجُونٍ فِي حَادِثَةٍ) تَقَعُ فِي (السِّجْنِ) وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِيمَا يَقَعُ فِي الْمَلَاعِبِ، وَلَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا يَقَعُ فِي الْحَمَّامَاتِ وَإِنْ مَسَّتْ الْحَاجَاتُ لِمَنْعِ الشَّرْعِ عَمَّا يَسْتَحِقُّ بِهِ السِّجْنَ وَمَلَاعِبِ الصِّبْيَانِ وَحَمَّامَاتِ النِّسَاءِ، فَكَانَ التَّقْصِيرُ مُضَافًا إلَيْهِمْ لَا إلَى الشَّرْعِ بَزَّازِيَّةٌ وَصُغْرَى وشُرُنْبُلالِيَّة، لَكِنْ فِي الْحَاوِي: تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ فِي الْقَتْلِ فِي الْحَمَّامِ بِحُكْمِ الدِّيَةِ كَيْ لَا يُهْدَرُ الدَّمُ اهـ فَلْيُتَنَبَّهْ عِنْدَ الْفَتْوَى، وَقَدَّمْنَا قَبُولَ شَهَادَةِ الْمُعَلِّمِ فِي حَوَادِثِ الصِّبْيَانِ. (وَالزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا وَهُوَ لَهَا)   [رد المحتار] يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَعْنَاهُ أَنَّ شَهَادَةَ الْمُغَفَّلِ وَأَمْثَالِهِ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا صَالِحًا تَتَارْخَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ) أَيْ وَقْتَ كَوْنِهِ صَاحِيًا كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ بَعْدَ إبْصَارٍ) بِشَرْطِ أَنْ يَتَحَمَّلَ وَهُوَ بَصِيرٌ أَيْضًا بِأَنْ كَانَ بَصِيرًا ثُمَّ عَمِيَ ثُمَّ أَبْصَرَ فَأَدَّى فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ زَوْجَةٍ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ حُكِمَ بِرَدِّهَا لِمَا يَأْتِي قَرِيبًا. (قَوْلُهُ وَفِي الْبَحْرِ) أَيْ عَنْ الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ فَشَهِدَ بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الْحَادِثَةِ. (قَوْلُهُ إلَّا أَرْبَعَةٌ) أَمَّا مَا سِوَى الْأَعْمَى فَظَاهِرٌ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَيْسَتْ شَهَادَةً، وَأَمَّا الْأَعْمَى فَلْيُنْظَرْ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ اُسْتُشْكِلَ قَبُولُ شَهَادَةِ الْأَعْمَى. (قَوْلُهُ عَبْدٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَعَلَى هَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ وَالْأَجِيرِ وَالْمُغَفَّلِ وَالْمُتَّهَمِ وَالْفَاسِقِ بَعْدَ رَدَّهَا اهـ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا قَبْلَ هَذَا الْبَابِ: اعْلَمْ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَرْدُودِ لِتُهْمَةٍ وَبَيْنَ الْمَرْدُودِ لِشُبْهَةٍ، فَالثَّانِي يُقْبَلُ عِنْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي النَّوَازِلِ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِدْخَالُ إلَخْ) مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي صَدْرِ عِبَارَتِهِ بِخِلَافِهِ، وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْجَوْهَرَةِ وَالْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ سَهْوٌ) لِأَنَّ الزَّوْجَ لَهُ شَهَادَةٌ وَقَدْ حُكِمَ بِرَدِّهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ بِتَكْذِيبِهِ) الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ تَأَمَّلْ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فَرَاجِعْهَا. (قَوْلُهُ فَتُقْبَلُ) لِأَنَّ لِلْكَافِرِ شَهَادَةً فَكَانَ رَدُّهَا مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ وَبِالْإِسْلَامِ حَدَثَتْ شَهَادَةٌ أُخْرَى، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تُقْبَلُ بَعْدَ إسْلَامِهِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَقَطْ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ لَمْ تُقْبَلْ) لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا فِي حَالِ رِقِّهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى حُدُوثِهَا فَإِذَا حَدَثَتْ كَانَ رَدُّ شَهَادَتِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ زِنَاهُ) أَيْ الْمَقْذُوفِ. (قَوْلُهُ إذَا تَابَ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانَ: الْفَاسِقُ إذَا تَابَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ زَمَانٌ يُظْهِرُ أَثَرَ التَّوْبَةِ، ثُمَّ بَعْضُهُمْ قَدَّرَ ذَلِكَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسَنَةٍ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَالْمُعَدِّلِ وَتَمَامُهُ هُنَاكَ. وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، كُلُّ شَهَادَةٍ رُدَّتْ لِتُهْمَةِ الْفِسْقِ فَإِذَا ادَّعَاهَا لَا تُقْبَلُ اهـ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ سَيَجِيءُ) أَيْ قُبَيْلَ بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ. (قَوْلُهُ تَرْجِيحُ قَبُولِهَا) وَكَذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَجُعِلَ الْأَوَّلُ رِوَايَةً عَنْ الثَّانِي. (قَوْلُهُ لَا إلَى الشَّرْعِ) وَقِيلَ فِي كُلِّ ذَلِكَ تُقْبَلُ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ جَامِعُ الْفَتَاوَى. (قَوْلُهُ وَحْدَهُنَّ) قَدَّمَ فِي الْوَقْفِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُمْضِي قَضَاءَ قَاضٍ آخَرَ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ فِي شِجَاجِ الْحَمَّامِ سَائِحَانِيٌّ، وَيُمْكِنُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 477 وَجَازَ عَلَيْهَا إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ فِي الْأَشْبَاهِ (وَلَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ ثَلَاثٍ) لِمَا فِي الْقُنْيَةِ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ لَهَا وَلَا شَهَادَتُهَا لَهُ، وَلَوْ شَهِدَ لَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَطَلَتْ خَانِيَّةٌ، فَعُلِمَ مَنْعُ الزَّوْجِيَّةِ عِنْدَ الْقَضَاءِ لَا تَحَمُّلٌ أَوْ أَدَاءٌ. (وَالْفَرْعِ لِأَصْلِهِ) وَإِنْ عَلَا إلَّا إذَا شَهِدَ الْجَدُّ لِابْنِ ابْنِهِ عَلَى أَبِيهِ أَشْبَاهٌ. قَالَ: وَجَازَ عَلَى أَصْلِهِ إلَّا إذَا شَهِدَ عَلَى أَبِيهِ لِأُمِّهِ وَلَوْ بِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا وَالْأُمُّ فِي نِكَاحِهِ، وَفِيهَا بَعْدَ ثَمَانِ وَرَقَاتٍ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْقَاتِلِ إذَا شَهِدَ بِعَفْوِ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ فَرَاجِعْهَا (وَبِالْعَكْسِ) لِلتُّهْمَةِ. (وَسَيِّدٍ لِعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَالشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا) لِأَنَّهَا لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ. فِي الْأَشْبَاهِ: لِلْخَصْمِ أَنْ يَطْعَنَ بِثَلَاثَةٍ: بِرِقٍّ وَحَدٍّ وَشَرِكَةٍ. وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ: لَوْ شَهِدَ بَعْضُ أَهْلِ الْقَرْيَةِ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ بِزِيَادَةِ الْخَرَاجِ لَا تُقْبَلُ مَا لَمْ يَكُنْ خَرَاجُ كُلِّ أَرْضٍ مُعَيَّنًا أَوْ لَا خَرَاجَ لِلشَّاهِدِ، وَكَذَا أَهْلُ قَرْيَةٍ شَهِدُوا عَلَى ضَيْعَةٍ أَنَّهَا مِنْ قَرْيَتِهِمْ لَا تُقْبَلُ، وَكَذَا أَهْلُ سِكَّةٍ يَشْهَدُونَ بِشَيْءٍ مِنْ مَصَالِحِهِ لَوْ غَيْرَ نَافِذَةٍ، وَفِي النَّافِذَةِ إنْ طَلَبَ حَقًّا لِنَفْسِهِ لَا تُقْبَلُ، وَإِنْ قَالَ لَا آخُذُ شَيْئًا   [رد المحتار] حَمْلُهُ عَلَى الْقِصَاصِ بِالشِّجَاجِ (قَوْلُهُ وَجَازَ عَلَيْهَا إلَخْ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: شَهَادَةُ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ مَقْبُولَةٌ إلَّا بِزِنَاهَا وَقَذْفِهَا كَمَا فِي حَدِّ الْقَذْفِ، وَفِيمَا إذَا شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهَا بِأَنَّهَا أَمَةٌ لِرَجُلٍ يَدَّعِيهَا فَلَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ وَالْمُدَّعِي يَقُولُ: أَذِنْتُ لَهَا فِي النِّكَاحِ كَمَا فِي شَهَادَةِ الْخَانِيَّةِ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ فِي الْأَشْبَاهِ) وَهُمَا فِي الْبَحْرِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَ لَهَا إلَخْ) وَكَذَا لَوْ شَهِدَ وَلَمْ يَكُنْ أَجِيرًا ثُمَّ صَارَ أَجِيرًا قَبْلَ أَنْ يُقْضَى بِهَا تَتَارْخَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا) أَيْ قَبْلَ الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ فَعُلِمَ إلَخْ) الَّذِي يُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ مَنْعُ الزَّوْجِيَّةِ عِنْدَ الْقَضَاءِ، وَأَمَّا مَنْعُهَا عِنْدَ التَّحَمُّلِ أَوْ الْأَدَاءِ فَلَمْ يُعْلَمْ مِمَّا ذَكَرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمِيمَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ تَحَمَّلَهَا حَالَ نِكَاحِهَا ثُمَّ أَبَانَهَا وَشَهِدَ لَهَا: أَيْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا تُقْبَلُ، وَمَا ذَكَرَهُ أَيْضًا عَنْ فَتَاوَى الْقَاضِي: لَوْ شَهِدَ لِامْرَأَتِهِ وَهُوَ عَدْلٌ فَلَمْ يَرُدَّ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ حَتَّى طَلَّقَهَا بَائِنًا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا. رَوَى ابْنُ شُجَاعٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْقَاضِيَ يُنَفِّذُ شَهَادَتَهُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ انْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَقْتَ الزَّوْجِيَّةِ، وَأَمَّا فِي بَابِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ فَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْهُ وَقْتَ الْهِبَةِ لَا وَقْتَ الرُّجُوعِ، فَلَوْ وُهِبَ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِي بَابِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ الِاعْتِبَارُ لِكَوْنِهَا زَوْجَةً وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْفَرْعِ) وَلَوْ فَرْعِيَّةً مِنْ وَجْهٍ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا شَهِدَ الْجَدُّ) مَحَلُّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَبِالْعَكْسِ إذْ الْجَدُّ أَصْلٌ لَا فَرْعٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِأُمِّهِ بَحْرٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ وَالْأُمُّ فِي نِكَاحِهِ) الْوَاوُ لِلْحَالِ، وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هُنَا فُرُوعًا حَسَنَةً فَلْتُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْقَاتِلِ) وَصُورَتُهُ: ثَلَاثَةٌ قَتَلُوا رَجُلًا عَمْدًا ثُمَّ شَهِدُوا بَعْدَ التَّوْبَةِ أَنَّ الْوَلِيَّ قَدْ عَفَا عَنَّا. قَالَ الْحَسَنُ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إلَّا أَنْ يَقُولَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَفَا عَنَّا وَعَنْ هَذَا الْوَاحِدِ، فَفِي هَذَا الْوَجْهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ، تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْكُلِّ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ، وَانْظُرْ مَا فِي حَاشِيَةِ الْفَتَّالِ عَنْ الْحَمَوِيِّ وَالْكُفَيْرِيِّ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بِالْعَكْسِ) وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً بَحْرٌ. (قَوْلُهُ لِشَرِيكِهِ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الشَّرِكَاتِ بِأَنْوَاعِهَا، وَفِي الْمُفَاوَضَةِ كَلَامٌ فِي الْبَحْرِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ مِنْ شَرِكَتِهِمَا) وَتُقْبَلُ فِيمَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَتَاوَى هِنْدِيَّةٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ أَنْ يَطْعَنَ بِثَلَاثَةٍ إلَخْ) اُنْظُرْ حَاشِيَةَ الرَّمْلِيِّ عَلَى الْبَحْرِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَالْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ لَا خَرَاجَ لِلشَّاهِدِ) أَيْ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ عَلَى ضَيْعَةٍ) لَعَلَّهُ عَلَى قِطْعَةٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ كَمَا هُنَا. وَفِي الْقَامُوسِ: الضَّيْعَةُ الْعَقَارُ وَالْأَرْضُ الْمُغِلَّةُ اهـ. وَفِي الْهَامِشِ عَنْ الْحَامِدِيَّةِ: شَهِدُوا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 478 تُقْبَلُ وَكَذَا فِي وَقْفِ الْمَدْرَسَةِ انْتَهَى فَلْيُحْفَظْ. (وَالْأَجِيرِ الْخَاصِّ لِمُسْتَأْجِرِهِ) مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً أَوْ الْخَادِمِ أَوْ التَّابِعِ أَوْ التِّلْمِيذِ الْخَاصِّ الَّذِي يُعَدُّ ضَرَرُ أُسْتَاذِهِ ضَرَرَ نَفْسِهِ وَنَفْعُهُ نَفْعَ نَفْسِهِ دُرَرٌ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا شَهَادَةَ لِلْقَانِعِ بِأَهْلِ الْبَيْتِ» أَيْ الطَّالِبِ مَعَاشَهُ مِنْهُمْ، مِنْ الْقُنُوعِ لَا مِنْ الْقَنَاعَةِ، وَمُفَادُهُ قَبُولُ شَهَادَةِ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْأُسْتَاذِ لَهُ (وَمُخَنَّثٍ) بِالْفَتْحِ (مَنْ يَفْعَلُ الرَّدِيءَ) وَيُؤْتَى. وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَالْمُتَكَسِّرُ الْمُتَلَيِّنُ فِي أَعْضَائِهِ وَكَلَامِهِ خِلْقَةً فَتُقْبَلُ بَحْرٌ. (وَمُغَنِّيَةٍ) وَلَوْ لِنَفْسِهَا لِحُرْمَةِ رَفْعِ صَوْتِهَا دُرَرٌ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمُدَاوَمَتِهَا عَلَيْهِ لِيَظْهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي كَمَا فِي مُدْمِنِ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ ذَكَرَهُ الْوَانِيُّ   [رد المحتار] مَعَ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ عَلَى آخَرَ أَنَّ هَذِهِ الْقِطْعَةَ الْأَرْضَ مِنْ جُمْلَةِ أَرَاضِي قَرْيَتِهِمْ تُقْبَلُ اهـ تُمُرْتَاشِيٌّ مِنْ الشَّهَادَةِ. (قَوْلُهُ لَا تُقْبَلُ) وَقِيلَ تُقْبَلُ مُطْلَقًا فِي النَّافِذَةِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَكَذَا) أَيْ تُقْبَلُ. (قَوْلُهُ الْمَدْرَسَةِ) أَيْ فِي وَقْفِيَّةِ وَقْفٍ عَلَى مَدْرَسَةٍ كَذَا وَهُمْ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى وَقْفِ مَكْتَبٍ وَلِلشَّاهِدِ صَبِيٌّ فِي الْمَكْتَبِ، وَشَهَادَةُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي وَقْفٍ عَلَيْهَا، وَشَهَادَتُهُمْ بِوَقْفِ الْمَسْجِدِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى وَقْفِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَكَذَا أَبْنَاءُ السَّبِيلِ إذَا شَهِدُوا بِوَقْفٍ عَلَى أَبْنَاءِ السَّبِيلِ، فَالْمُعْتَمَدُ الْقَبُولُ فِي الْكُلِّ بَزَّازِيَّةٌ. قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: وَمِنْ هَذَا النَّمَطِ مَسْأَلَةُ قَضَاءِ الْقَاضِي فِي وَقْفٍ تَحْتَ نَظَرِهِ أَوْ مُسْتَحِقٍّ فِيهِ اهـ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي شَهَادَةِ الْفُقَهَاءِ بِأَصْلِ الْوَقْفِ: أَمَّا شَهَادَةُ الْمُسْتَحِقِّ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْغَلَّةِ كَشَهَادَتِهِ بِإِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِيهِ فَكَانَ مُتَّهَمًا، وَقَدْ كَتَبْتُ فِي حَوَاشِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ مِثْلَهُ شَهَادَةُ شُهُودِ الْأَوْقَافِ الْمُقَرَّرِينَ فِي وَظَائِفِ الشَّهَادَةِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَتَقْرِيرُهُ فِيهَا لَا يُوجِبُ قَبُولَهَا، وَفَائِدَتُهَا إسْقَاطُ التُّهْمَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي فَلَا يَحْلِفُ، وَيُقَوِّيهِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ بَحْرٌ مُلَخَّصًا فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ انْتَهَى) أَيْ مَا فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْفَتْحِ آخِرَ الْبَابِ. (قَوْلُهُ أَوْ مُشَاهَرَةً) أَيْ أَوْ مُيَاوَمَةً هُوَ الصَّحِيحُ جَامِعُ الْفَتَاوَى. (قَوْلُهُ أَوْ التِّلْمِيذِ الْخَاصِّ) وَفِي الْخُلَاصَةِ، هُوَ الَّذِي يَأْكُلُ مَعَهُ وَفِي عِيَالِهِ وَلَيْسَ لَهُ أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ فَارْجِعْ إلَيْهِ، وَفِي الْهَامِشِ، وَلَوْ شَهِدَ الْأَجِيرُ لِأُسْتَاذِهِ وَهُوَ التِّلْمِيذُ الْخَاصُّ الَّذِي يَأْكُلُ مَعَهُ وَفِي عِيَالِهِ لَا تُقْبَلُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ مُيَاوَمَةً أَوْ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً إنْ أَجِيرًا وَاحِدًا لَا تُقْبَلُ، وَإِنْ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا تُقْبَلُ. وَفِي الْعُيُونِ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: اسْتَأْجَرَهُ يَوْمًا فَشَهِدَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ، وَلَوْ أَجِيرًا خَاصًّا فَشَهِدَ وَلَمْ يُعَدَّلْ حَتَّى ذَهَبَ الشَّهْرُ ثُمَّ عُدِّلَ لَا تُقْبَلْ كَمَنْ شَهِدَ لِامْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا، وَلَوْ شَهِدَ وَلَمْ يَكُنْ أَجِيرًا ثُمَّ صَارَ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا تُقْبَلُ بَزَّازِيَّةٌ، ثُمَّ نَقَلَ فِي الْهَامِشِ فَرْعًا لَيْسَ مَحَلُّهُ هُنَا، وَهُوَ: بِيَدِهِ ضَيْعَةٌ وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهَا وَقْفٌ وَأَحْضَرَ صَكًّا فِيهِ خُطُوطُ الْعُدُولِ وَالْقُضَاةِ الْمَاضِينَ وَطَلَبَ الْحُكْمَ بِهِ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِالصَّكِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْكُمُ بِالْحُجَّةِ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ لَا الصَّكُّ لِأَنَّ الْخَطَّ مِمَّا يُزَوَّرُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَى بَابِ الْحَانُوتِ لَوْحٌ مَضْرُوبٌ يَنْطِقُ بِوَقْفِيَّةِ الْحَانُوتِ لَمْ يَجُزْ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِوَقْفِيَّتِهِ بِهِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ، فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِمَا فِي دَفْتَرِ الْبَيَّاعِ وَالصَّرَّافِ وَالسِّمْسَارِ خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ وَلَا يَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِهِ لِمُحَرِّرِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ) صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ جَازِمًا بِهِ، لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْفَتَاوَى الْغِيَاثِيَّةِ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُسْتَأْجِرِ لِلْأَجِيرِ. وَفِي حَاشِيَةِ الْفَتَّالِ عَنْ الْمُحِيطِ السَّرَخْسِيُّ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُجِيزَ شَهَادَةَ الْأَجِيرِ لِأُسْتَاذِهِ وَلَا الْأُسْتَاذِ لِأَجِيرِهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا اسْتَنْبَطَهُ مِنْ الْحَدِيثِ. (قَوْلُهُ رَفْعِ صَوْتِهَا) فِي النِّهَايَةِ فَلِذَا أَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ مُغَنِّيَةٍ، وَقَيَّدَ فِي غِنَاءِ الرِّجَالِ بِقَوْلِهِ لِلنَّاسِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ فَهِيَ جَرْحٌ مُجَرَّدٌ فَلِذَا اخْتَصَّ الظُّهُورُ عِنْدَ الْقَاضِي بِالْمُدَاوَمَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ دُرَرٌ) مَا ذَكَرَهُ جَارٍ فِي النَّوْحِ بِعَيْنِهِ، فَمَا بَالُهُ لَمْ يَكُنْ مُسْقِطًا لِلْعَدَالَةِ إذَا نَاحَتْ فِي مُصِيبَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 479 (وَنَائِحَةٍ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا) بِأَجْرٍ دُرَرٌ وَفَتْحٌ. زَادَ الْعَيْنِيُّ: فَلَوْ فِي مُصِيبَتِهَا تُقْبَلُ وَعَلَّلَهُ الْوَانِيُّ بِزِيَادَةِ اضْطِرَارِهَا وَانْسِلَابِ صَبْرِهَا وَاخْتِيَارِهَا فَكَانَ كَالشُّرْبِ لِلتَّدَاوِي. (وَعَدُوٍّ بِسَبَبِ الدُّنْيَا) جَعَلَهُ ابْنُ الْكَمَالِ عَكْسَ الْفَرْعِ لِأَصْلِهِ فَتُقْبَلُ لَهُ لَا عَلَيْهِ، وَاعْتَمَدَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَالْمُحِبِّيَّةِ قَبُولَهَا مَا لَمْ يَفْسُقْ بِسَبَبِهَا. قَالُوا: وَالْحِقْدُ فِسْقٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ. وَفِي الْأَشْبَاهِ فِي تَتِمَّةِ قَاعِدَةِ: إذَا اجْتَمَعَ الْحَرَامُ وَالْحَلَالُ: وَلَوْ الْعَدَاوَةُ لِلدُّنْيَا لَا تُقْبَلُ سَوَاءً شَهِدَ عَلَى عَدُوِّهِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ فِسْقٌ وَهُوَ لَا يَتَجَزَّأُ. وَفِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْجَاهِلِ عَلَى الْعَالِمِ لِفِسْقِهِ بِتَرْكِ مَا يَجِبُ تَعَلُّمُهُ شَرْعًا فَحِينَئِذٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى مِثْلِهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ، وَلِلْحَاكِمِ تَعْزِيرُهُ عَلَى تَرْكِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَالْعَالِمُ مَنْ يَسْتَخْرِجُ الْمَعْنَى مِنْ التَّرْكِيبِ كَمَا يَحِقُّ وَيَنْبَغِي. (وَمُجَازِفٍ فِي كَلَامِهِ) أَوْ يَحْلِفُ فِيهِ كَثِيرًا أَوْ اعْتَادَ شَتْمَ أَوْلَادِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ كَتَرْكِ زَكَاةٍ أَوْ حَجٍّ عَلَى رِوَايَةِ فَوْرِيَّتِهِ أَوْ تَرْكِ جَمَاعَةٍ أَوْ جُمُعَةٍ، أَوْ أَكْلٍ فَوْقَ شِبَعٍ بِلَا عُذْرٍ، وَخُرُوجٍ لِفُرْجَةِ   [رد المحتار] نَفْسِهَا سَعْدِيَّةٌ. وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْمُرَادَ رَفْعُ صَوْتٍ يُخْشَى مِنْهُ الْفِتْنَةُ. (قَوْلُهُ وَنَائِحَةٍ إلَخْ) لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النَّائِحَةِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَتِهَا وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا وَاِتَّخَذَتْ ذَلِكَ مَكْسَبَةً تَتَارْخَانِيَّةٌ عَنْ الْمُحِيطِ وَنَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ الذَّخِيرَةِ ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يَتَعَقَّبْ هَذَا مِنْ الْمَشَايِخِ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْتُ، وَتَمَامُهُ فِيهِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ وَاخْتِيَارِهَا) مُقْتَضَاهُ لَوْ فَعَلَتْهُ عَنْ اخْتِيَارِهَا لَا تُقْبَلُ. (قَوْلُهُ وَعَدُوٍّ إلَخْ) أَيْ عَلَى عَدُوِّهِ مُلْتَقَى. قَالَ الْحَانُوتِيُّ: سُئِلَ فِي شَخْصٍ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَقَالَ: إنَّهُمْ ضَرَبُونِي خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَحَكَمَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْخُصُومَةِ بَعْدَ الْحُكْمِ فَهَلْ تُسْمَعُ؟ الْجَوَابُ: قَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ عَدَاوَةً دُنْيَوِيَّةً وَهَذَا قَبْلَ الْحُكْمِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ نَقْضِ الْحُكْمِ، كَمَا قَالُوا إنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ، فَإِذَا قَضَى لَا يُنْقَضُ اهـ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَاعْتَمَدَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي شَهَادَةِ الْعَدُوِّ تَبَعًا لِلْكَنْزِ وَغَيْرِهِ هُوَ الْمَشْهُورُ عَلَى أَلْسِنَةِ فُقَهَائِنَا وَقَدْ جَزَمَ بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ، لَكِنْ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ الْعَدَاوَةَ بِسَبَبِ الدُّنْيَا لَا تَمْنَعُ مَا لَمْ يَفْسُقْ بِسَبَبِهَا أَوْ يَجْلِبْ مَنْفَعَةً أَوْ يَدْفَعْ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ مَضَرَّةً، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ وَهْبَانَ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ شَاهِدٌ لِمَا عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهَا، وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ أَوَّلَ الْقَضَاءِ. أَقُولُ: ذَكَرَ فِي الْخَيْرِيَّةِ بَعْدَ كَلَامٍ مَا نَصُّهُ فَتَحَصَّلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا وَصَرَّحَ يَعْقُوبُ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهِ بِعَدَمِ نَفَاذِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ وَالْمَسْأَلَةُ دَوَّارَةٌ فِي الْكُتُبِ، وَذَكَرَ فِي الشَّارِحِ عِبَارَةَ يَعْقُوبَ بَاشَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ أَوْ اعْتَادَ شَتْمَ أَوْلَادِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَالَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى: مَنْ يَشْتُمُ أَهْلَهُ وَمَمَالِيكَهُ كَثِيرًا فِي كُلِّ سَاعَةٍ لَا يُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ أَحْيَانَا يُقْبَلُ وَكَذَا الشَّتَّامُ لِلْحَيَوَانِ كَدَابَّتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ كَتَرْكِ زَكَاةٍ) الصَّحِيحُ أَنَّ تَأْخِيرَ الزَّكَاةِ لَا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ، وَذَكَرَ الْخَاصِّيُّ عَنْ قَاضِي خَانَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى سُقُوطِ الْعَدَالَةِ بِتَأْخِيرِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِحَقِّ الْفُقَرَاءِ دُونَ الْحَجِّ خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا، كَذَا فِي شَرْحِ النَّظْمِ الْوَهْبَانِيِّ مِنَحٌ فِي الْفُرُوعِ آخِرَ الْبَابِ. (قَوْلُهُ أَوْ تَرْكِ جَمَاعَةٍ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: مِنْهَا تَرْكُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ بَعْدَ كَوْنِ الْإِمَامِ لَا طَعْنَ عَلَيْهِ فِي دِينٍ وَلَا حَالٍ، وَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا كَأَنْ يَكُونَ مُعْتَقِدًا أَفْضَلِيَّتَهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ وَالْإِمَامُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ بِالتَّرْكِ، وَكَذَا بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْقَطَهَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ كَالْحَلْوَانِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَالسَّرَخْسِيِّ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ اهـ لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْهُ أَنَّ الْحُكْمَ بِسُقُوطِ الْعَدَالَةِ بِارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ يَحْتَاجُ إلَى الظُّهُورِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ بِلَا عُذْرٍ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا أَرَادَ التَّقَوِّيَ عَلَى صَوْمِ الْغَدِ أَوْ مُؤَانَسَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 480 قُدُومِ أَمِيرٍ وَرُكُوبِ بَحْرٍ وَلُبْسِ حَرِيرٍ، وَبَوْلٍ فِي سُوقٍ أَوْ إلَى قِبْلَةٍ أَوْ شَمْسٍ أَوْ قَمَرٍ أَوْ طُفَيْلِيٍّ وَمُسَخَّرَةٍ وَرَقَّاصٍ وَشَتَّامٍ لِلدَّابَّةِ وَفِي بِلَادِنَا يَشْتُمُونَ بَائِعَ الدَّابَّةِ فَتْحٌ وَغَيْرُهُ. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَخِيلِ لِأَنَّهُ لِبُخْلِهِ يَسْتَقْصِي فِيمَا يَتَقَرَّضُ مِنْ النَّاسِ فَيَأْخُذُ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ، فَلَا يَكُونُ عَدْلًا وَلَا شَهَادَةُ الْأَشْرَافِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ لِتَعَصُّبِهِمْ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى، وَلَا مَنْ انْتَقَلَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَكَذَا بَائِعُ الْأَكْفَانِ وَالْحَنُوطِ لِتَمَنِّيهِ الْمَوْتَ، وَكَذَا الدَّلَّالُ وَالْوَكِيلُ لَوْ بِإِثْبَاتِ النِّكَاحِ، أَمَّا لَوْ شَهِدَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ تُقْبَلُ وَالْحِيلَةُ أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالنِّكَاحِ وَلَا يَذْكُرُ الْوَكَالَةَ بَزَّازِيَّةٌ وَتَسْهِيلٌ، وَاعْتَمَدَهُ قَدْرِي أَفَنْدِي فِي وَاقِعَاتِهِ، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي إجَارَةِ مُعَيَّنَةٍ مَعْزِيًّا لِلْبَزَّازِيَّةِ؛ وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الدَّلَّالِينَ وَالصَّكَّاكِينَ وَالْمُحْضِرِينَ وَالْوُكَلَاءِ الْمُفْتَعَلَةِ عَلَى أَبْوَابِهِمْ، وَنَحْوُهُ فِي فَتَاوَى مُؤَيَّدِ زَادَهْ، وَفِيهَا وَصِيٌّ أُخْرِجَ مِنْ الْوِصَايَةِ بَعْدَ قَبُولِهَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ لِلْمَيِّتِ أَبَدًا، وَكَذَا الْوَكِيلُ بَعْدَمَا أُخْرِجَ مِنْ الْوَكَالَةِ إنْ خَاصَمَ اتِّفَاقًا، وَإِلَّا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. (وَمُدْمِنِ الشُّرْبِ) لِغَيْرِ الْخَمْرِ لِأَنَّ بِقَطْرَةٍ مِنْهَا يَرْتَكِبُ الْكَبِيرَةَ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ غَلَطٌ   [رد المحتار] الضَّيْفِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَالْفَتْحِ. (قَوْلُهُ قُدُومِ أَمِيرٍ) إلَّا أَنْ يَذْهَبَ لِلِاعْتِبَارِ فَحِينَئِذٍ لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ. (قَوْلُهُ فِيمَا يَتَقَرَّضُ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ يُقْرِضُ. (قَوْلُهُ الْأَشْرَافِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ) أَيْ لِأَنَّهُمْ قَوْمٌ يَتَعَصَّبُونَ فَإِذَا نَابَتْ أَحَدَهُمْ نَائِبَةٌ أَتَى سَيِّدَ قَوْمِهِ فَيَشْهَدُ لَهُ وَيَشْفَعُ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِزُورٍ اهـ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مُتَعَصِّبٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَحْرٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ اسْتِخْفَافًا. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ مِنْ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ: لَيْسَ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْحَنَفِيُّ وَالشَّافِعِيُّ، وَقِيلَ لِمَنْ انْتَقَلَ إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِيُزَوَّجَ لَهُ أَخَافُ أَنْ يَمُوتَ مَسْلُوبَ الْإِيمَانِ لِإِهَانَتِهِ لِلدِّينِ لِجِيفَةٍ قَذِرَةٍ. وَفِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ مِنْ الْمِنَحِ: وَإِنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ لِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ فِي الِاعْتِقَادِ وَالْجَرَاءَةِ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ كَمَا يَتَّفِقُ لَهُ وَيَمِيلُ طَبْعُهُ إلَيْهِ لِغَرَضٍ يَحْصُلُ لَهُ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اهـ. فَعُلِمَ بِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ خَاصٍّ بِانْتِقَالِ الْحَنَفِيِّ وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، فَافْهَمْ وَلَا تَكُنْ مِنْ الْمُتَعَصِّبِينَ فَتَحْرُمَ بَرَكَةُ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَقَدَّمْنَا هَذَا الْبَحْثَ مُسْتَوْفًى فِي فَصْلِ التَّعْزِيرِ فَارْجِعْ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا بَائِعُ الْأَكْفَانِ) إذَا ابْتَكَرَ وَتَرَصَّدَ لِذَلِكَ جَامِعُ الْفَتَاوَى وَبَحْرٌ. (قَوْلُهُ لِتَمَنِّيهِ الْمَوْتَ) وَإِنْ لَمْ يَتَمَنَّهُ بِأَنْ كَانَ عَدْلًا تُقْبَلْ كَذَا قَيَّدَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ س. (قَوْلُهُ وَكَذَا الدَّلَّالُ) أَيْ فِيمَا عَقَدَهُ أَوْ مُطْلَقًا لِكَثْرَةِ كَذِبِهِ. (قَوْلُهُ وَالْحِيلَةُ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِعِلَّةٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخْفِيَهَا وَيَشْهَدَ، كَمَا إذَا كَانَ عَبْدًا لِلْمَشْهُودِ لَهُ أَوْ ابْنَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ بَزَّازِيَّةٌ) عِبَارَتُهَا، وَشَهَادَةُ الْوَكِيلَيْنِ أَوْ الدَّلَّالَيْنِ إذَا قَالَا نَحْنُ بِعْنَا هَذَا الشَّيْءَ أَوْ الْوَكِيلَانِ بِالنِّكَاحِ أَوْ بِالْخُلْعِ إذَا قَالَا نَحْنُ فَعَلْنَا هَذَا النِّكَاحَ أَوْ الْخُلْعَ لَا تُقْبَلُ، أَمَّا لَوْ شَهِدَ الْوَكِيلَانِ بِالْبَيْعِ أَوْ النِّكَاحِ أَنَّهَا مَنْكُوحَتُهُ أَوْ مِلْكُهُ تُقْبَلُ، وَذَكَرَ أَبُو الْقَاسِمِ، أَنْكَرَ الْوَرَثَةُ النِّكَاحَ فَشَهِدَ رَجُلٌ قَدْ تَوَلَّى الْعَقْدَ وَالنِّكَاحَ يَذْكُرُ النِّكَاحَ وَلَا يَذْكُرُ أَنَّهُ تَوَلَّاهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْوُكَلَاءِ الْمُفْتَعِلَةِ) أَيْ الَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْقُضَاةِ يَتَوَكَّلُونَ لِلنَّاسِ بِالْخُصُومَاتِ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ عَلَى أَبْوَابِهِمْ) أَيْ الْقُضَاةِ. (قَوْلُهُ وَفِيهَا) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا يَأْتِي مَتْنًا. (قَوْلُهُ وَمُدْمِنِ الشُّرْبِ) الْإِدْمَانُ أَنْ يَكُونَ فِي نِيَّتِهِ الشُّرْبُ مَتَى وَجَدَ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: يُشْتَرَطُ مَعَ هَذَا أَنْ يَخْرُجَ سَكْرَانَ وَيَسْخَرَ مِنْهُ الصِّبْيَانُ أَوْ أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ لِلنَّاسِ، وَكَذَلِكَ مُدْمِنُ سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ، وَكَذَا مَنْ يَجْلِسُ مَجْلِسَ الْفُجُورِ وَالْمَجَانَةِ فِي الشُّرْبِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْ بَزَّازِيَّةٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ غَلَطٌ) حَيْثُ قَالَ وَمُدْمِنُ الشَّرَابِ يَعْنِي شَرَابَ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ مُطْلَقًا عَلَى اللَّهْوِ، لَمْ يَشْتَرِطْ الْخَصَّافُ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ الْإِدْمَانَ. وَوَجْهُهُ أَنَّ نَفْسَ شُرْبِ الْخَمْرِ يُوجِبُ الْحَدَّ فَيُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ، وَشَرَطَ فِي شَهَادَةِ الْأَصْلِ الْإِدْمَانَ لَا لِأَنَّهُ إذَا شَرِبَ فِي السِّرِّ لَا تَسْقُطُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 481 كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ. قَالَ: وَفِي غَيْرِ الْخَمْرِ يُشْتَرَطُ الْإِدْمَانُ لِأَنَّ شُرْبَهُ صَغِيرَةٌ، وَإِنَّمَا قَالَ (عَلَى اللَّهْوِ) لِيُخْرِجَ الشُّرْبَ لِلتَّدَاوِي فَلَا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ لِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ كَمَالٍ (وَمَنْ يَلْعَبُ بِالصِّبْيَانِ) لِعَدَمِ مُرُوءَتِهِ وَكَذِبِهِ غَالِبًا كَافِي (وَالطُّيُورِ) إلَّا إذَا أَمْسَكَهَا لِلِاسْتِئْنَاسِ فَيُبَاحُ إلَّا أَنْ يَجُرَّ حَمَامَ غَيْرِهِ فَلَا لِأَكْلِهِ لِلْحَرَامِ عَيْنِيٌّ وَعِنَايَةٌ (وَالطُّنْبُورِ) وَكُلُّ لَهْوٍ شَنِيعٍ بَيْنَ النَّاسِ كَالطَّنَابِيرِ وَالْمَزَامِيرِ، وَإِنْ يَكُنْ شَنِيعًا نَحْوَ الْحُدَاءِ وَضَرْبِ الْقَصَبِ فَلَا إلَّا إذَا فَحُشَ بِأَنْ يَرْقُصُوا بِهِ خَانِيَّةٌ لِدُخُولِهِ فِي حَدِّ الْكَبَائِرِ بَحْرٌ. (وَمَنْ يُغَنِّي لِلنَّاسِ) لِأَنَّهُ يَجْمَعُهُمْ عَلَى كَبِيرَةٍ هِدَايَةٌ وَغَيْرُهَا، وَكَلَامُ سَعْدِيٍّ أَفَنْدِي يُفِيدُ تَقْيِيدَهُ بِالْأُجْرَةِ فَتَأَمَّلْ. وَأَمَّا الْمُغَنِّي لِنَفْسِهِ لِدَفْعِ وَحْشَتِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْعَامَّةِ عِنَايَةٌ، وَصَحَّحَهُ الْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ: وَلَوْ فِيهِ وَعْظٌ وَحِكْمَةٌ فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ فِي الْعُرْسِ كَمَا جَازَ ضَرْبُ الدُّفِّ فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَاحَهُ مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ مُطْلَقًا اهـ. وَفِي الْبَحْرِ: وَالْمُذْهَبُ حُرْمَتُهُ مُطْلَقًا فَانْقَطَعَ الِاخْتِلَافُ، بَلْ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ وَلَوْ لِنَفْسِهِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَسْمَعُ الْغِنَاءَ أَوْ يَجْلِسُ مَجْلِسَ الْغِنَاءِ. زَادَ الْعَيْنِيُّ: أَوْ مَجْلِسَ الْفُجُورِ وَالشَّرَابِ وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ لِأَنَّ اخْتِلَاطَهُ بِهِمْ وَتَرْكَهُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ يُسْقِطُ عَدَالَتَهُ (أَوْ يَرْتَكِبُ مَا يُحَدُّ بِهِ) لِلْفِسْقِ، وَمُرَادُهُ مَنْ يَرْتَكِبُ كَبِيرَةً قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ (أَوْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إزَارٍ) لِأَنَّهُ حَرَامٌ (أَوْ يَلْعَبُ بِنَرْدٍ) أَوْ طَابٍ مُطْلَقًا قَامَرَ أَوْ لَا:   [رد المحتار] عَدَالَتُهُ لِأَنَّ الْإِدْمَانَ أَمْرٌ آخَرُ وَرَاءَ الْإِعْلَانِ بَلْ لِأَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ فَلَا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ إلَّا الْإِصْرَارُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِالْإِدْمَانِ، قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: وَلَا تَسْقُطُ عَدَالَةُ شَارِبِ الْخَمْرِ بِنَفْسِ الشُّرْبِ لِأَنَّ هَذَا الْحَدَّ مَا ثَبَتَ بِنَصٍّ قَاطِعٍ إلَّا إذَا دَامَ عَلَى ذَلِكَ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ وَذَكَرَ ابْنُ الْكَمَالِ أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ، لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ فَلَا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ إلَّا بِالْإِصْرَارِ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ عِبَارَةِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْمُتَقَدِّمَةِ اهـ. لَكِنْ فِي الْهَامِشِ قَالَ تَحْتَ قَوْلِ الشَّارِحِ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ: أَيْ مِنْ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ شُرْبَ قَطْرَةٍ مِنْ الْخَمْرِ كَبِيرَةٌ وَإِنَّمَا شَرَطَ الْمَشَايِخُ الْإِدْمَانَ لِيَظْهَرَ شُرْبُهُ عِنْدَ الْقَاضِي اهـ ح. (قَوْلُهُ الْقَصَبِ) الَّذِي فِي الْمِنَحِ الْقَضِيبُ. (قَوْلُهُ بِأَنْ يَرْقُصُوا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ زِيَادَةُ كَانُوا فَتَأَمَّلْ. وَالْوَجْهُ أَنَّ اسْمَ مُغَنِّيَةٍ وَمُغَنٍّ: إنَّمَا هُوَ فِي الْعُرْفِ لِمَنْ كَانَ الْغِنَاءُ حِرْفَتَهُ الَّتِي يَكْتَسِبُ بِهَا الْمَالَ وَهُوَ حَرَامٌ، وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ التَّغَنِّي لِلَّهْوِ أَوْ لِجَمْعِ الْمَالِ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ، وَحِينَئِذٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ اتَّخَذَ التَّغَنِّيَ صِنَاعَةً يَأْكُلُ بِهَا وَتَمَامُهُ فِيهِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ) كَابْنِ كَمَالٍ. (قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ الْعَيْنِيُّ. (قَوْلُهُ فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا) اعْلَمْ أَنَّ التَّغَنِّيَ لِإِسْمَاعِ الْغَيْرِ وَإِينَاسِهِ حَرَامٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ فِي الْعُرْسِ وَالْوَلِيمَةِ، وَقِيلَ إنْ كَانَ يَتَغَنَّى لِيَسْتَفِيدَ بِهِ نَظْمَ الْقَوَافِي وَيَصِيرَ فَصِيحَ اللِّسَانِ لَا بَأْسَ. أَمَّا التَّغَنِّي لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ، قِيلَ لَا يُكْرَهُ وَبِهِ أَخَذَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، لِمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَزْهَدِ الصَّحَابَةِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَالْمَكْرُوهُ عَلَى قَوْلِهِ مَا يَكُونُ عَلَى سَبِيلِ اللَّهْوِ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ يُكْرَهُ وَبِهِ أَخَذَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بَزَّازِيَّةٌ. (قَوْلُهُ ضَرْبُ الدُّفِّ فِيهِ) جَوَازُ ضَرْبِ الدُّفِّ فِيهِ خَاصٌّ بِالنِّسَاءِ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ بَعْدَ ذِكْرِهِ أَنَّهُ مُبَاحٌ فِي النِّكَاحِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ حَادِثِ سُرُورٍ. قَالَ: وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِلرِّجَالِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِلتَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ. (قَوْلُهُ فَانْقَطَعَ الِاخْتِلَافُ) فِيهِ كَلَامٌ ذَكَرْتُهُ فِي حَاشِيَتِي عَلَى الْبَحْرِ، وَقَدْ رَدَّ السَّائِحَانِيُّ عَلَى صَاحِبِ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ أَوْ يَلْعَبُ بِنَرْدٍ) أَيْ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ أَوْ طَابٍ) نَوْعٌ مِنْ اللَّعِبِ كَذَا فِي الْهَامِشِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلِعْبُ الطَّابِ فِي بِلَادِنَا مِثْلُهُ لِأَنَّهُ يَرْمِي وَيَطْرَحُ بِلَا حِسَابٍ وَإِعْمَالِ فِكْرٍ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ مِمَّا أَحْدَثَهُ الشَّيْطَانُ وَعَمِلَهُ أَهْلُ الْغَفْلَةِ فَهُوَ حَرَامٌ سَوَاءٌ قُومِرَ بِهِ أَوْ لَا اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 482 أَمَّا الشِّطْرَنْجُ فَلِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ شَرْطٌ وَاحِدٌ مِنْ سِتٍّ فَلِذَا قَالَ (أَوْ يُقَامِرُ بِشِطْرَنْجٍ أَوْ يَتْرُكُ بِهِ الصَّلَاةَ) حَتَّى يَفُوتَ وَقْتُهَا (أَوْ يَحْلِفُ عَلَيْهِ) كَثِيرًا (أَوْ يَلْعَبُ بِهِ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ يَذْكُرُ عَلَيْهِ فِسْقًا) أَشْبَاهٌ أَوْ يُدَاوِمُ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ سَعْدِيٌّ أَفَنْدِي مَعْزِيًّا لِلْكَافِي وَالْمِعْرَاجِ. (أَوْ يَأْكُلُ الرِّبَا) قَيَّدُوهُ بِالشُّهْرَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْفِسْقَ يَمْنَعُهَا شَرْعًا إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُثْبِتُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ ظُهُورِهِ لَهُ فَالْكُلُّ سَوَاءٌ بَحْرٌ فَلْيُحْفَظْ (أَوْ يَبُولُ أَوْ يَأْكُلُ عَلَى الطَّرِيقِ) وَكَذَا كُلُّ مَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ، وَمِنْهُ كَشْفُ عَوْرَتِهِ لِيَسْتَنْجِيَ مِنْ جَانِبِ الْبِرْكَةِ وَالنَّاسُ حُضُورٌ وَقَدْ كَثُرَ فِي زَمَانِنَا فَتْحٌ (أَوْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ) لِظُهُورِ فِسْقِهِ، بِخِلَافِ مَنْ يُخْفِيهِ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ مَسْتُورٌ عَيْنِيٌّ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالسَّلَفِ تَبَعًا لِكَلَامِهِمْ؛ وَإِلَّا فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ سَبُّ مُسْلِمٍ لِسُقُوطِ الْعَدَالَةِ بِسَبِّ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّلَفِ كَمَا فِي السِّرَاجِ وَالنِّهَايَةِ. وَفِيهَا: الْفَرْقُ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، أَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ مِنْ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْخَلَفَ: بِالْفَتْحِ مَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْخَيْرِ، وَبِالسُّكُونِ فِي الشَّرِّ بَحْرٌ، وَفِيهِ عَنْ الْعِنَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا أَقْبَلُ شَهَادَةَ مَنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ وَأَقْبَلُهَا مِمَّنْ تَبَرَّأَ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ دِينًا وَإِنْ كَانَ عَلَى بَاطِلٍ فَلَمْ يَظْهَرْ فِسْقُهُ بِخِلَافِ السَّابِّ. شَهِدَا أَنَّ أَبِيهِمَا أَوْصَى إلَيْهِ   [رد المحتار] قُلْتُ: وَمِثْلُهُ اللَّعِبُ بِالصِّينِيَّةِ وَالْخَاتَمِ فِي بِلَادِنَا، وَإِنْ تَوَرَّعَ وَلَمْ يَلْعَبْ وَلَكِنْ حَضَرَ فِي مَجْلِسِ اللَّعِبِ بِدَلِيلِ مَنْ جَلَسَ مَجْلِسَ الْغِنَاءِ، وَبِهِ يَظْهَرُ جَهْلُ أَهْلِ الْوَرَعِ الْبَارِدِ. (قَوْلُهُ أَمَّا الشِّطْرَنْجُ فَلِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ) أَيْ اخْتِلَافِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا بِإِبَاحَتِهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَاخْتَارَهَا ابْنُ الشِّحْنَةِ. أَقُولُ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ ذَكَرَهَا فِي الْمُجْتَبَى وَلَمْ تَشْتَهِرْ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ، بَلْ الْمَشْهُورُ الرَّدُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَابْنُ الشِّحْنَةِ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاخْتِيَارِ سَائِحَانِيٌّ، وَانْظُرْ مَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ لِلْأُسْتَاذِ عَبْدِ الْغَنِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ شَرْطٌ وَاحِدٌ) أَيْ لِحُرْمَتِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَدَالَةَ إنَّمَا تَسْقُطُ بِالشِّطْرَنْجِ إذَا وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْ خَمْسَةٍ: الْقِمَارُ وَفَوْتُ الصَّلَاةِ بِسَبَبِهِ وَإِكْثَارُ الْحَلِفِ عَلَيْهِ وَاللَّعِبُ بِهِ عَلَى الطَّرِيقِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، أَوْ يَذْكُرُ عَلَيْهِ فِسْقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ بَحْرٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ عَلَى الطَّرِيقِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَمَّا مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ مَنْ يَلْعَبَهُ عَلَى الطَّرِيقِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ فَلِإِتْيَانِهِ الْأُمُورَ الْمُحَقَّرَةَ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ يُدَاوِمُ عَلَيْهِ) هَذَا سَادِسُ السِّتَّةِ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ قَيَّدُوهُ بِالشُّهْرَةِ) قِيلَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْتَهِرْ بِهِ كَانَ الْوَاقِعُ لَيْسَ إلَّا تُهْمَةَ أَكْلِ الرِّبَا وَلَا تَسْقُطُ الْعَدَالَةُ بِهِ، وَهَذَا أَقْرَبُ، وَمَرْجِعُهُ إلَى مَا ذَكَرَ فِي وَجْهِ تَقْيِيدِ شُرْبِ الْخَمْرِ بِالْإِدْمَانِ. (قَوْلُهُ فَالْكُلُّ سَوَاءٌ) أَيْ كُلُّ الْمُفَسِّقَاتِ لَا خُصُوصُ الرِّبَا سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ بَحْرٌ) أَصْلُ الْعِبَارَةِ لِلْكَمَالِ حَيْثُ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفِسْقَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَانِعٌ شَرْعًا غَيْرَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُرَتِّبُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ ظُهُورِهِ لَهُ فَالْكُلُّ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ قَبْلَهُ: وَأَمَّا أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ فَلَمْ يُقَيِّدْهُ أَحَدٌ وَنَصُّوا أَنَّهُ بِمَرَّةٍ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الظُّهُورِ لِلْقَاضِي لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَرُدُّ بِهِ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ فَكَأَنَّهُ بِمَرَّةٍ يَظْهَرُ لِأَنَّهُ يُحَاسَبُ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ اسْتَنْقَصَ مِنْ الْمَالِ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ يَأْكُلُ عَلَى الطَّرِيقِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ بِمَرْأَى مِنْ النَّاسِ بَحْرٌ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ اشْتَرَطُوا فِي الصَّغِيرَةِ الْإِدْمَانَ، وَمَا شَرَطُوهُ فِي فِعْلِ مَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ فِيمَا رَأَيْتُ، وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُهُ بِالْأَوْلَى، وَإِذَا فَعَلَ مَا يُخِلُّ بِهَا سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاسِقًا حَيْثُ كَانَ مُبَاحًا، فَفَاعِلُ الْمُخِلِّ بِهَا لَيْسَ بِفَاسِقٍ وَلَا عَدْلٍ، فَالْعَدْلُ مَنْ اجْتَنَبَ الثَّلَاثَةَ، وَالْفَاسِقُ مَنْ فَعَلَ كَبِيرَةً أَوْ أَصَرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ. وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَعْتَادُ الصِّيَاحَ فِي الْأَسْوَاقِ بَحْرٌ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَأَمَّا إذَا شَرِبَ الْمَاءَ أَوْ أَكَلَ الْفَوَاكِهَ عَلَى الطَّرِيقِ لَا يُقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِ لِأَنَّ النَّاسَ لَا تَسْتَقْبِحُ ذَلِكَ مِنَحٌ س. (قَوْلُهُ أَوْصَى إلَيْهِ) أَيْ إلَى زَيْدٍ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 483 فَإِنْ ادَّعَاهُ (صَحَّتْ) شَهَادَتُهُمَا اسْتِحْسَانًا كَشَهَادَةِ دَائِنَيْ الْمَيِّتِ وَمَدْيُونَيْهِ وَالْمُوصَى لَهُمَا وَوَصِيَّيْهِ لِثَالِثٍ عَلَى الْإِيصَاءِ (وَإِنْ أَنْكَرَ لَا) لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ إجْبَارَ أَحَدٍ عَلَى قَبُولِ الْوَصِيَّةِ عَيْنِيٌّ (كَمَا) لَا تُقْبَلُ (لَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبِيهِمَا الْغَائِبَ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دُيُونِهِ وَادَّعَى الْوَكِيلُ أَوْ أَنْكَرَ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَكِيلِ عَلَى الْغَائِبِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ. (شَهِدَ الْوَصِيُّ) أَيْ وَصِيُّ الْمَيِّتِ (بِحَقٍّ لِلْمَيِّتِ) بَعْدَمَا عَزَلَهُ الْقَاضِي عَنْ الْوِصَايَةِ وَنَصَّبَ غَيْرَهُ أَوْ بَعْدَ مَا أَدْرَكَ الْوَرَثَةُ (لَا تُقْبَلُ) شَهَادَتُهُ لِلْمَيِّتِ فِي مَالِهِ أَوْ غَيْرِهِ (خَاصَمَ أَوْ لَا) لِحُلُولِ الْوَصِيِّ مَحَلَّ الْمَيِّتِ، وَلِذَا لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ بِلَا عَزْلِ قَاضٍ فَكَانَ كَالْمَيِّتِ نَفْسِهِ فَاسْتَوَى خِصَامُهُ وَعَدَمُهُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَلِذَا قَالَ (وَلَوْ شَهِدَ الْوَكِيلُ بَعْدَ عَزْلِهِ لِلْمُوَكِّلِ إنْ خَاصَمَ) فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي ثُمَّ شَهِدَ بَعْدَ عَزْلِهِ (لَا تُقْبَلُ) اتِّفَاقًا لِلتُّهْمَةِ (وَإِلَّا قُبِلَتْ) لِعَدَمِهَا خِلَافًا لِلثَّانِي فَجَعَلَهُ   [رد المحتار] وَالْأَوْلَى إظْهَارُهُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ ادَّعَاهُ) أَيْ رَضِيَ بِهِ سَعْدِيَّةٌ وَعَزْمِيَّةٌ. (قَوْلُهُ وَالْمُوصَى لَهُمَا) أُورِدَ عَلَى هَذَا أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا كَانَ لَهُ وَصِيَّانِ فَالْقَاضِي لَا يَحْتَاجُ إلَى نَصْبِ آخَرَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ لِإِقْرَارِهِمَا بِالْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الْمَيِّتِ كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ لِثَالِثٍ) أَيْ لِرَجُلٍ ثَالِثٍ مُتَعَلِّقٌ بِشَهَادَةٍ كَقَوْلِهِ عَلَى الْإِيصَاءِ، أَيْ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ جَعَلَهُ وَصِيًّا وَهَذَا مُرْتَبِطٌ بِالْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ لَا بِالْأَخِيرَةِ كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ. وَفِي الْبَحْرِ: وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَيِّتِ مَعْرُوفًا فِي الْكُلِّ، أَيْ ظَاهِرًا إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمَدْيُونَيْنِ لِأَنَّهُمَا يُقِرَّانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِثُبُوتِ وِلَايَةِ الْقَبْضِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ، فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ وَثَبَتَ مَوْتُهُ بِإِقْرَارِهِمَا فِي حَقِّهِمَا، وَقِيلَ مَعْنَى الثُّبُوتِ أَمْرُ الْقَاضِي إيَّاهُمَا بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ لَا بَرَاءَتُهُمَا عَنْ الدَّيْنِ بِهَذَا الْأَدَاءِ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَهُ مِنْهُمَا حَقٌّ عَلَيْهِمَا، وَالْبَرَاءَةُ حَقٌّ لَهُمَا فَلَا تُقْبَلُ كَذَا فِي الْكَافِي اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ عَلَى قَبُولِ الْوَصِيَّةِ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْوَصِيَّ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي خِلَافًا لِمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ كَمَا لَا تُقْبَلُ لَوْ شَهِدَا إلَخْ) هَذَا إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ يَجْحَدُ الْوَكَالَةَ وَإِلَّا جَازَتْ الشَّهَادَةُ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ بِإِقْرَارِهِ بِدُونِ الشَّهَادَةِ، وَإِنَّمَا قَامَتْ الشَّهَادَةُ لِإِبْرَاءِ الْمَطْلُوبِ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ إذَا حَضَرَ الطَّالِبُ وَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ فَكَانَتْ شَهَادَةً عَلَى أَبِيهِمَا فَتُقْبَلُ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ فِي دَارٍ بِعَيْنِهَا وَقَبَضَهَا وَشَهِدَ ابْنَا الْمُوَكِّلِ بِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ أَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِالْوَكَالَةِ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الدَّارِ إلَى الْوَكِيلِ بِحُكْمِ إقْرَارِهِ بَلْ بِالشَّهَادَةِ فَكَانَتْ لِأَبِيهِمَا فَلَا تُقْبَلُ بَحْرٌ مُلَخَّصًا عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ أَبَاهُمَا) أَشَارَ إلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ ابْنِ الْوَكِيلِ مُطْلَقًا بِالْأَوْلَى، وَالْمُرَادُ عَدَمُ قَبُولِهَا فِي الْوَكَالَةِ مِنْ كُلِّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِلْمُوَكِّلِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ الْغَائِبَ) قَيَّدَ بِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَا يُمْكِنُ الدَّعْوَى بِهَا لِيَشْهَدَا لِأَنَّ التَّوْكِيلَ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِرَةِ، لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ صُورَةِ شَهَادَتِهِمَا فِي غَيْبَتِهِ مَعَ جَحْدِ الْوَكِيلِ لِأَنَّهَا لَا تُسْمَعُ إلَّا بَعْدَ الدَّعْوَى. وَيُمْكِنُ أَنْ تُصَوَّرَ بِأَنْ يَدَّعِيَ صَاحِبُ وَدِيعَةٍ عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ وَدِيعَةِ الْمُوَكِّلِ فِي دَفْعِهَا فَيَجْحَدُ فَيَشْهَدَانِ بِهِ وَبِقَبْضِ دُيُونِ أَبِيهِمَا، وَإِنَّمَا صَوَّرْنَاهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يُجْبَرُ عَلَى فِعْلِ مَا وُكِّلَ بِهِ إلَّا فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِيهَا بَحْرٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ بَيَّنَّاهُ فِي حَاشِيَتِهِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ عَنْ الْغَائِبِ) لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ لِوُجُودِ رَجَاءِ حُضُورِهِ س. قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ ذِكْرِ الْغَائِبِ إلَّا فِي الْمَفْقُودِ. (قَوْلُهُ بَعْدَ) وَكَذَا قَبْلَهُ بِالْأَوْلَى، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلَوْ بَعْدَ مَا عَزَلَهُ الْقَاضِي وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا عَزَلَ الْوَصِيَّ يَنْعَزِلُ بَزَّازِيَّةٌ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ عَزْلُهُ بِجُنْحَةٍ. (قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَ إلَخْ) أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَكَّلَهُ بِطَلَبِ أَلْفِ دِرْهَمٍ قِبَلَ فُلَانٍ وَالْخُصُومَةِ فَخَاصَمَ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي ثُمَّ عُزِلَ الْوَكِيلُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ ثُمَّ شَهِدَ الْوَكِيلُ بِهَذَا الْمَالِ لِمُوَكِّلِهِ يَجُوزُ. وَقَالَ الثَّانِي لَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ نَفْسَ الْوَكِيلِ قَامَ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ اهـ فَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ خَاصَمَ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ، فَإِنْ خَاصَمَ فِي غَيْرِهِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ فِيمَا يَأْتِي اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 484 كَالْوَصِيِّ سِرَاجٌ. وَفِي قَسَامَةِ الزَّيْلَعِيِّ: كُلُّ مَنْ صَارَ خَصْمًا فِي حَادِثَةٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهَا وَمَنْ كَانَ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا وَلَمْ يَنْتَصِبْ خَصْمًا بَعْدُ تُقْبَلُ وَهَذَانِ الْأَصْلَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَتَمَامُهُ فِيهِ، قَيَّدْنَا بِمَجْلِسِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ لَوْ خَاصَمَ فِي غَيْرِهِ ثُمَّ عَزَلَهُ قُبِلَتْ عِنْدَهُمَا كَمَا لَوْ شَهِدَ فِي غَيْرِ مَا وُكِّلَ فِيهِ وَعَلَيْهِ جَامِعُ الْفَتَاوَى. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقَاضِي فَخَاصَمَ الْمَطْلُوبَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عِنْدَ الْقَاضِي ثُمَّ عَزَلَهُ فَشَهِدَ أَنَّ لِمُوَكِّلِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِائَةُ دِينَارٍ تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي وَخَاصَمَ وَتَمَامُهُ فِيهَا. (كَ) مَا قُبِلَتْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِلثَّانِي (شَهَادَةِ اثْنَيْنِ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ لِرَجُلَيْنِ ثُمَّ شَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ) لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَشْهَدُ بِالدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ تَقْبَلُ حُقُوقًا شَتَّى فَلَمْ تَقَعْ الشَّرِكَةُ لَهُ فِي ذَلِكَ،   [رد المحتار] وَنَقَلَ فِي الْهَامِشِ فَرْعًا هُوَ: ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٌ يَجْحَدُ فَشَهِدَ لَهُ الْبَائِعُ لَمْ تُقْبَلْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْبَائِعُ إذَا شَهِدَ لِغَيْرِهِ بِمَا بَاعَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَكَذَا الْمُشْتَرِي كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ فَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ كَالْوَصِيِّ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِنْدَهُ بِمُجَرَّدِ قَبُولِ الْوَكَالَةِ يَصِيرُ خَصْمًا وَإِنْ لَمْ يُخَاصِمْ، وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ عَلَى مُوَكِّلِهِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ نَفَذَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ. وَعِنْدَهُمَا لَا يَصِيرُ خَصْمًا بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ وَلِهَذَا لَا يَنْفُذُ إقْرَارُهُ ذَخِيرَةٌ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ وَفِي قَسَامَةِ الزَّيْلَعِيِّ إلَخْ) الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا) فِيهِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ جَعَلَ الْوَكِيلَ كَالْوَصِيِّ وَإِنْ لَمْ يُخَاصِمْ مَعَ أَنَّهُ بِعُرْضَةِ أَنْ يُخَاصِمَ. (قَوْلُهُ عِنْدَهُمَا) أَيْ خِلَافًا لِلثَّانِي كَمَا تَقَدَّمَ ح. (قَوْلُهُ أَوْ عَلَيْهِ) أَيْ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْمُوَكِّلِ. (قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ فِي غَيْرِ مَا وُكِّلَ فِيهِ. (قَوْلُهُ عِنْدَ الْقَاضِي) مُتَعَلِّقٌ بِوُكِّلَ لَا بِالْخُصُومَةِ. (قَوْلُهُ مِائَةَ دِينَارٍ) أَيْ مَالٌ غَيْرُ الْمُوَكَّلِ بِهِ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِيهَا) حَيْثُ قَالَ: بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي فَخَاصَمَ مَعَ الْمَطْلُوبِ بِأَلْفٍ وَبَرْهَنَ عَلَى الْوَكَالَةِ ثُمَّ عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ عَنْهَا فَشَهِدَ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَمَا كَانَ لِلْمُوَكِّلِ عَلَى الْمَطْلُوبِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْوَكَالَةِ لَا يُقْبَلُ، لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَمَّا اتَّصَلَ بِهَا الْقَضَاءُ صَارَ الْوَكِيلُ خَصْمًا فِي حُقُوقِ الْمُوَكِّلِ عَلَى غُرَمَائِهِ فَشَهَادَتُهُ بَعْدَ الْعَزْلِ بِالدَّنَانِيرِ شَهَادَةُ الْخَصْمِ فَلَا تُقْبَلُ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ عِلْمَ الْقَاضِي بِوَكَالَتِهِ لَيْسَ بِقَضَاءٍ فَلَمْ يَصِرْ خَصْمًا فِي غَيْرِ مَا وُكِّلَ بِهِ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ الْعَزْلِ فِي حَقٍّ آخَرَ اهـ بِزِيَادَةٍ مِنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى. وَزَادَ فِي الذَّخِيرَةِ: إلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِمَالٍ حَادِثٍ بَعْدَ تَارِيخِ الْوَكَالَةِ فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عِنْدَهُ اهـ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَعْدَمَا مَرَّ: وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فِيمَا يَحْدُثُ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَحْفُوظَةٌ فِيمَا إذَا وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ فِي كُلِّ حَقٍّ لَهُ وَقَبْضِهِ عَلَى رَجُلٍ، يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَادِثَ أَمَّا إذَا وَكَّلَهُ بِطَلَبِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ قِبَلَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ فَالْخُصُومَةُ تَنْصَرِفُ إلَى الْحَادِثِ أَيْضًا اسْتِحْسَانًا فَإِذًا تُحْمَلُ الْمَذْكُورَةَ عَلَى الْوَكَالَةِ الْعَامَّةِ. ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي الْوَكَالَةِ الْعَامَّةِ بَعْدَ الْخُصُومَةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِمُوَكِّلِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ فِي الْقَائِمَةِ وَلَا فِي الْحَادِثَةِ إلَّا فِي الْوَاجِبِ بَعْدَ الْعَزْلِ اهـ يَعْنِي وَأَمَّا فِي الْخَاصَّةِ فَلَا تُقْبَلُ فِيمَا كَانَ عَلَى الْمَطْلُوبِ قَبْلَ الْوَكَالَةِ وَتُقْبَلُ فِي الْحَادِثِ بَعْدَهَا أَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ، وَإِنَّمَا جَاءَ عَدَمُ الِاسْتِقَامَةِ بِالتَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ بِمَا كَانَ لِلْمُوَكِّلِ عَلَى الْمَطْلُوبِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْوَكَالَةِ، وَلِذَا لَمْ يُقَيِّدْ بِذَلِكَ فِي الذَّخِيرَةِ، بَلْ صَرَّحَ بَعْدَهُ بِأَنَّ الْحَادِثَ تُقْبَلُ فِيهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ اهـ. وَذَكَرَ فِي الْهَامِشِ عِبَارَةَ جَامِعِ الْفَتَاوَى وَنَصُّهَا: لِأَنَّهُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي لَمَّا اتَّصَلَ الْقَضَاءُ بِهَا أَيْ بِالْوَكَالَةِ صَارَ الْوَكِيلُ خَصْمًا فِي جَمِيعِ حُقُوقِ الْمُوَكِّلِ عَلَى غُرَمَائِهِ، فَإِذَا شَهِدَ بِالدَّنَانِيرِ فَقَدْ شَهِدَ بِمَا هُوَ خَصْمٌ فِيهِ، وَفِي الْأَوَّلِ: عِلْمُ الْقَاضِي بِوَكَالَتِهِ لَيْسَ بِقَضَاءٍ فَلَمْ يَصِرْ خَصْمًا فَكَانَ فِي غَيْرِ مَا وُكِّلَ بِهِ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ الْعَزْلِ فِي حَقٍّ آخَرَ اهـ. (قَوْلُهُ شَهَادَةُ اثْنَيْنِ إلَخْ) رَاجِعْ الْفَصْلَ الرَّابِعَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِيمَا فِي الذِّمَّةِ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ فِي الْمَقْبُوضِ بَعْدَ الْقَبْضِ. وَوَجْهُ قَوْلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 485 بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِغَيْرِ عَيْنٍ كَمَا فِي وَصَايَا الْمَجْمَعِ وَشَرْحِهِ وَسَيَجِيءُ ثَمَّةَ (وَ) كَ (شَهَادَةِ وَصِيَّيْنِ لِوَارِثٍ كَبِيرٍ) عَلَى أَجْنَبِيٍّ (فِي غَيْرِ مَالِ الْمَيِّتِ) فَإِنَّهَا مَقْبُولَةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا لَوْ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ عَلَى إقْرَارِ الْمَيِّتِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ لِوَارِثٍ بَالِغٍ تُقْبَلُ بَزَّازِيَّةٌ (وَلَوْ) شَهِدَا (فِي مَالِهِ) أَيْ الْمَيِّتِ (لَا) خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ لِصَغِيرٍ لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا، وَسَيَجِيءُ فِي الْوَصَايَا. (كَمَا) لَا تُقْبَلُ (الشَّهَادَةُ عَلَى جَرْحٍ) بِالْفَتْحِ: أَيْ فِسْقٍ (مُجَرَّدٍ) عَنْ إثْبَاتِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْعَبْدِ، فَإِنْ تَضَمَّنَتْهُ قُبِلَتْ وَإِلَّا لَا (بَعْدَ التَّعْدِيلِ وَ) لَوْ (قَبْلَهُ قُبِلَتْ) أَيْ الشَّهَادَةُ بَلْ الْإِخْبَارُ وَلَوْ مِنْ وَاحِدٍ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ كَذَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِمَا قَرَّرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ، وَأَقَرَّهُ مُنْلَا خُسْرو وَأَدْخَلَهُ تَحْتَ قَوْلِهِمْ: الدَّفْعُ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ، وَأَطْلَقَ ابْنُ الْكَمَالِ رَدَّهَا تَبَعًا لِعَامَّةِ الْكُتُبِ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْوَانِيِّ وَعَزْمِي زَادَهْ الْمَيْلُ إلَيْهِ، وَكَذَا الْقُهُسْتَانِيُّ حَيْثُ قَالَ: وَفِيهِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يَلْتَفِتْ لِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَلَكِنْ يُزَكَّى الشُّهُودُ سِرًّا وَعَلَنًا، فَإِنْ عُدِّلُوا قَبِلَهَا وَعَزَاهُ لِلْمُضْمَرَاتِ   [رد المحتار] أَبِي يُوسُفَ بِعَدَمِ الْقَبُولِ أَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ إذَا قَبَضَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ بِدَيْنِهِ شَارَكَهُ الْفَرِيقُ الْآخَرُ فَصَارَ كُلٌّ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِغَيْرِ عَيْنٍ) كَمَا إذَا شَهِدَا أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِرَجُلَيْنِ بِأَلْفٍ فَادَّعَى الشَّاهِدَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُمَا بِأَلْفٍ وَشَهِدَ الْمُوصَى لَهُمَا أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِلشَّاهِدَيْنِ بِأَلْفٍ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَتَانِ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ حَتَّى لَا يَبْقَى بَعْدَ هَلَاكِ التَّرِكَةِ فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ مُثْبِتًا لِنَفْسِهِ حَقَّ الْمُشَارَكَةِ فِي التَّرِكَةِ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُمَا، وَاحْتُرِزَ بِالْوَصِيَّةِ بِغَيْرِ عَيْنٍ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِهَا، كَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَوْصَى لِرَجُلَيْنِ بِعَيْنٍ وَشَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُمَا بِعَيْنٍ أُخْرَى فَإِنَّهَا تُقْبَلُ الشَّهَادَتَانِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ وَلَا تُهْمَةَ اهـ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى) وَلَوْ كَانَ الْحَقُّ تَعْزِيرًا، وَانْظُرْ بَابَ التَّعْزِيرِ مِنْ الْبَحْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ يَا فَاسِقُ يَا زَانِي. (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) تَكْرَارٌ س. (قَوْلُهُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ) وَلَوْ قَبْلَهُ قُبِلَتْ. ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ التَّفْصِيلَ إنَّمَا هُوَ إذَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ جَهْرًا أَمَّا إذَا أَخْبَرَ الْقَاضِيَ بِهِ سِرًّا وَكَانَ مُجَرَّدًا طُلِبَ مِنْهُ الْبُرْهَانُ عَلَيْهِ، فَإِذَا بَرْهَنَ عَلَيْهِ سِرًّا أَبْطَلَ الشَّهَادَةَ لِتَعَارُضِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فَيُقَدَّمُ الْجَرْحُ، فَإِذَا قَالَ الْخَصْمُ لِلْقَاضِي سِرًّا إنَّ الشَّاهِدَ أَكَلَ رِبًا وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ رَدَّ شَهَادَتَهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْكَافِي اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْبُرْهَانُ جَهْرًا لَا يُقْبَلُ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ لِفِسْقِ الشُّهُودِ بِهِ بِإِظْهَارِ الْفَاحِشَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدُوا سِرًّا كَمَا بَسَطَهُ فِي الْبَحْرِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا تُقْبَلُ عَلَى الْجَرْحِ وَلَوْ مُجَرَّدًا أَوْ بَعْدَ التَّعْدِيلِ لَوْ شَهِدُوا بِهِ سِرًّا، وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا تُقْبَلُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ بِمَا إذَا كَانَ جَهْرًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْكَافِي أَنَّ الْخَصْمَ لَا يَضُرُّهُ الْإِعْلَانُ بِالْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ: أَيْ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْتَبِهْ بِالشُّهُودِ سِرًّا وَفَسَقَ بِإِظْهَارِ الْفَاحِشَةِ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ، بِخِلَافِ الشُّهُودِ فَإِنَّمَا تَسْقُطُ شَهَادَتُهُمْ بِفِسْقِهِمْ بِذَلِكَ، وَكَذَا يُقْبَلُ عِنْدَ سُؤَالِ الْقَاضِي. قَالَ فِي الْبَحْرِ أَوَّلَ الْبَابِ الْمَارِّ: وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ إطْلَاقِ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّ الْجَرْحَ يُقَدَّمُ عَلَى التَّعْدِيلِ سَوَاءٌ كَانَ مُجَرَّدًا أَوْ لَا عِنْدَ سُؤَالِ الْقَاضِي عَنْ الشَّاهِدِ وَالتَّفْصِيلُ الْآتِي مِنْ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُجَرَّدًا لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ بِهِ أَوْ لَا فَتُسْمَعُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ طَعْنِ الْخَصْمِ فِي الشَّاهِدِ عَلَانِيَةً اهـ. هَذَا، وَقَدْ مَرَّ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ لَا يَسْأَلُ عَنْ الشَّاهِدِ بِلَا طَعْنٍ مِنْ الْخَصْمِ. وَعِنْدَهُمَا يَسْأَلُ مُطْلَقًا، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا مِنْ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ، وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْقَوْلُ بِرَدِّ الشَّهَادَةِ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ. وَأَجَابَ السَّائِحَانِيُّ بِأَنَّ مَنْ قَالَ تُقْبَلُ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي حِينَئِذٍ ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ، وَمَنْ قَالَ تُرَدُّ أَرَادَ أَنَّ التَّعْدِيلَ لَوْ كَانَ ثَابِتًا أَوْ أُثْبِتَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُعَارِضُهُ الْجَرْحُ الْمُجَرَّدُ فَلَا تَبْطُلُ الْعَدَالَةُ اهـ وَيُشِيرُ إلَى هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْكَمَالِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 486 وَجَعَلَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا قَوْلِهِ فَتَنَبَّهْ (مِثْلُ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى شُهُودِ الْمُدَّعِي) عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ (بِأَنَّهُمْ فَسَقَةٌ أَوْ زُنَاةٌ أَوْ أَكَلَةُ الرِّبَا أَوْ شَرَبَةُ الْخَمْرِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِزُورٍ أَوْ أَنَّهُمْ أُجَرَاءُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ أَوْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُبْطِلٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ أَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ) فَلَا تُقْبَلُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ بَلْ قَبْلَهُ دُرَرٌ، وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ (وَتُقْبَلُ لَوْ شَهِدُوا عَلَى) الْجَرْحِ الْمُرَكَّبِ (كَإِقْرَارِ الْمُدَّعِي بِفِسْقِهِمْ أَوْ إقْرَارِهِ بِشَهَادَتِهِمْ بِزُورٍ أَوْ بِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُمْ عَلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ) أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَحْضُرُوا الْمَجْلِسَ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْحَقُّ عَيْنِيٌّ (أَوْ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ أَوْ مَحْدُودُونَ   [رد المحتار] فَإِنْ قُلْتَ: أَلَيْسَ الْخَبَرُ عَنْ فِسْقِ الشُّهُودِ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى عَدَالَتِهِمْ يَمْنَعُ الْقَاضِيَ عَنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ وَالْحُكْمِ بِهَا. قُلْتُ: نَعَمْ، لَكِنَّ ذَلِكَ لِلطَّعْنِ فِي عَدَالَتِهِمْ لَا لِسُقُوطِ أَمْرٍ يُسْقِطُهُمْ عَنْ حَيِّزِ الْقَبُولِ، وَلِذَا لَوْ عُدِّلُوا بَعْدَ هَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَلَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى فِسْقِهِمْ مَقْبُولَةً لَسَقَطُوا عَنْ حَيِّزِ الشَّهَادَةِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مَجَالُ التَّعْدِيلِ اهـ وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْقُهُسْتَانِيِّ، وَكَذَلِكَ كَلَامُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَمُنْلَا خُسْرو، وَيَرْجِعُ إلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ. (قَوْلُهُ وَجَعَلَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ) أَقُولُ: الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِ لَكِنْ يُزَكَّى الشُّهُودُ سِرًّا وَعَلَنًا، أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَيُكْتَفَى بِالتَّزْكِيَةِ عَلَنًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا مَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَطْعَنْ الْخَصْمُ. أَمَّا إذَا طَعَنَ كَمَا هُنَا فَلَا اخْتِلَافَ، بَلْ هُوَ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ مِنْ أَنَّهُمْ يُزَكَّوْنَ سِرًّا وَعَلَنًا فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ وَجْهُ أَمْرِ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ فَتَنَبَّهْ س وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى الْإِطْلَاقِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ وَأَطْلَقَ الْكَمَالُ. (قَوْلُهُ أَوْ زُنَاةٌ إلَخْ) أَيْ عَادَتُهُمْ الزِّنَا أَوْ أَكْلُ الرِّبَا أَوْ الشُّرْبُ وَفِي هَذَا لَا يَثْبُتُ الْحَدُّ، بِخِلَافِ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُمْ زَنَوْا أَوْ سَرَقُوا مِنِّي إلَخْ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلٍ خَاصٍّ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. [فَرْعٌ] ذَكَرَهُ فِي الْهَامِشِ: وَمَنْ ادَّعَى مِلْكًا لِنَفْسِهِ ثُمَّ شَهِدَ أَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَلَوْ شَهِدَ بِمِلْكٍ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ شَهِدَ بِهِ لِغَيْرِهِ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ ابْتَاعَ شَيْئًا مِنْ وَاحِدٍ ثُمَّ شَهِدَ بِهِ لِآخَرَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّ الشَّاهِدَ أَقَرَّ أَنَّهُ مِلْكِي يُقْبَلُ، وَالشَّاهِدُ لَوْ أَنْكَرَ الْإِقْرَارَ لَا يَحْلِفُ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ فِي الرَّابِعَ عَشَرَ اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا تُقْبَلُ) تَكْرَارٌ مَعَ مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ) قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ، لِأَنَّ الْعَدَالَةَ بَعْدَ مَا ثَبَتَتْ لَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِإِثْبَاتِ حَقِّ الشَّرْعِ أَوْ الْعَبْدِ كَمَا عَرَفْتَ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ إثْبَاتُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَتْ قَبْلَ التَّعْدِيلِ فَإِنَّهَا كَافِيَةٌ فِي الدَّفْعِ كَمَا مَرَّ، كَذَا قَالَهُ مُنْلَا خُسْرو وَغَيْرُهُ. فَإِنْ قُلْتَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا ذُكِرَ إثْبَاتُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْنِي حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقَّ الْعَبْدِ، لِأَنَّ إقْرَارَهُمْ بِشَهَادَةِ الزُّورِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ مَعَ ذَهَابِ الرَّائِحَةِ مُوجِبٌ لِلتَّعْزِيرِ وَهُوَ هُنَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى. قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِمَا يُوجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى الْحَدُّ لَا التَّعْزِيرُ لِقَوْلِهِمْ وَلَيْسَ فِي وُسْعِ الْقَاضِي إلْزَامُهُ لِأَنَّهُ يَدْفَعُهُ بِالتَّوْبَةِ، لِأَنَّ التَّعْزِيرَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، بِخِلَافِ الْحَدِّ لَا يَسْقُطُ بِهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. قُلْتُ: لَكِنْ صَرَّحَ فِي تَعْزِيرِ الْبَحْرِ أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَخْتَصُّ بِالْحَدِّ بَلْ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ التَّعْزِيرِ، وَصَرَّحَ هُنَاكَ أَيْضًا بِأَنَّ التَّعْزِيرَ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ: إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مُرَادَهُ بِهِ مَا كَانَ حَقًّا لِلْعَبْدِ لَا يَسْقُطُ بِهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ كَإِقْرَارِ الْمُدَّعِي) قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْجَرْحِ مَا إذَا بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِفِسْقِهِمْ أَوْ أَنَّهُمْ أُجَرَاءُ أَوْ لَمْ يَحْضُرُوا الْوَاقِعَةَ أَوْ عَلَى أَنَّهُمْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ أَوْ عَلَى رِقِّ الشَّاهِدِ أَوْ عَلَى شَرِكَةِ الشَّاهِدِ فِي الْعَيْنِ، وَكَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لِلْخَصْمِ أَنْ يَطْعَنَ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: أَنْ يَقُولَ هُمَا عَبْدَانِ أَوْ مَحْدُودَانِ فِي قَذْفٍ أَوْ شَرِيكَانِ، فَإِذَا قَالَ هُمَا عَبْدَانِ يُقَالُ لِلشَّاهِدَيْنِ أَقِيمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ، وَفِي الْآخَرَيْنِ يُقَالُ لِلْخَصْمِ أَقِمْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمَا كَذَلِكَ اهـ. فَعَلَى هَذَا الْجَرْحُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 487 بِقَذْفٍ) أَوْ أَنَّهُ ابْنُ الْمُدَّعِي أَوْ أَبُوهُ عِنَايَةٌ أَوْ قَاذِفٌ وَالْمَقْذُوفُ يَدَّعِيهِ (أَوْ أَنَّهُمْ زَنَوْا وَوَصَفُوهُ أَوْ سَرَقُوا مِنِّي كَذَا) وَبَيَّنَهُ (أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ) كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (أَوْ قَتَلُوا النَّفْسَ عَمْدًا) عَيْنِيٌّ (أَوْ شُرَكَاءُ الْمُدَّعِي) أَيْ وَالْمُدَّعَى مَالٌ (أَوْ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُمْ بِكَذَا لَهَا) لِلشَّهَادَةِ (وَأَعْطَاهُمْ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ لِي عِنْدَهُ) مِنْ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ يَقُلْهُ لَمْ تُقْبَلْ لِدَعْوَاهُ الِاسْتِئْجَارَ لِغَيْرِهِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ (أَوْ إنِّي صَالَحْتُهُمْ عَلَى كَذَا وَدَفَعْتُهُ إلَيْهِمْ) أَيْ رِشْوَةً وَإِلَّا فَلَا صُلْحَ بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، وَلَوْ قَالَ وَلَمْ أَدْفَعْهُ لَمْ تُقْبَلْ (عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيَّ زُورًا وَ) قَدْ (شَهِدُوا زُورًا) وَأَنَا أَطْلُبُ مَا أَعْطَيْتُهُمْ وَإِنَّمَا قُبِلَتْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الْعَبْدِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ لِإِحْيَائِهِمَا. (شَهِدَ عَدْلٌ فَلَمْ يَبْرَحْ) عَنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَلَمْ يَطُلْ الْمَجْلِسُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ الْمَشْهُودُ لَهُ (حَتَّى قَالَ أُوهِمْتُ) أَخْطَأْتُ (بَعْضَ شَهَادَتِي وَلَا مُنَاقَضَةَ قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُ بِجَمِيعِ مَا شَهِدَ بِهِ لَوْ عَدْلًا وَلَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى خَانِيَّةٌ وَبَحْرٌ. قُلْتُ: لَكِنَّ عِبَارَةَ الْمُلْتَقَى تَقْتَضِي قَبُولَ قَوْلِهِ أُوهِمْتُ وَأَنَّهُ يَقْضِي بِمَا بَقِيَ وَهُوَ مُخْتَارُ السَّرَخْسِيِّ وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْمَلِ وَسَعْدِيٍّ تَرْجِيحُهُ   [رد المحتار] فِي الشَّاهِدِ إظْهَارُ مَا يُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ لَا بِالشَّهَادَةِ مَعَ الْعَدَالَةِ، فَإِدْخَالُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي الْجَرْحِ الْمَقْبُولِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْهُمَامِ مَرْدُودٌ بَلْ مِنْ بَابِ الطَّعْنِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: لَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِفِسْقِهِمْ أَوْ بِمَا يُبْطِلُ شَهَادَتَهُمْ يُقْبَلُ، وَلَيْسَ هَذَا بِجَرْحٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ إقْرَارِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ اهـ وَهَذَا لَا يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ لَا يَذْكُرَ قَوْلَهُ الْجَرْحُ الْمُرَكَّبُ فَإِنَّهَا زِيَادَةُ ضَرَرٍ. (قَوْلُهُ بِقَذْفٍ) لِأَنَّ مِنْ تَمَامِ حَدِّهِ رَدُّ شَهَادَتِهِ وَهُوَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ) بِأَنْ لَمْ يَزُلْ الرِّيحُ فِي الْخَمْرِ وَلَمْ يَمْضِ شَهْرٌ فِي الْبَاقِي، قَيَّدَ بِعَدَمِ التَّقَادُمِ إذْ لَوْ كَانَ مُتَقَادِمًا لَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ إثْبَاتِ الْحَقِّ بِهِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ مَرْدُودَةٌ مِنَحٌ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ وَفَّقَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ بَيْنَ جَعْلِهِمْ هُمْ زُنَاةً شَرَبَةَ الْخَمْرِ مِنْ الْمُجَرَّدِ وَجَعْلِهِمْ زَنَوْا أَوْ سَرَقُوا مِنْ غَيْرِهِ. وَنَقَلَ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ زُنَاةٌ أَوْ فَسَقَةٌ أَوْ شَرَبَةٌ أَوْ أَكَلَةُ رِبًا اسْمُ فَاعِلٍ، وَهُوَ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ فَلَا يَقْطَعُ بِوَصْفِهِمْ بِمَا ذَكَرَ بِخِلَافِ الْمَاضِي اهـ مُلَخَّصًا وَهُوَ حَسَنٌ جِدًّا لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ تَخْصِيصِهِمْ فِي التَّمْثِيلِ لِلْأَوَّلِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ وَلِلثَّانِي بِالْمَاضِي. (قَوْلُهُ أَوْ شُرَكَاءُ) فِيمَا إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي شَرِكَتِهِمَا مِنَحٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الشَّاهِدَ شَرِيكٌ مُفَاوِضٌ فَمَهْمَا حَصَلَ مِنْ هَذَا الْبَاطِلِ يَكُونُ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَا أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ شَرِيكُهُ فِي الْمُدَّعَى بِهِ وَإِلَّا كَانَ إقْرَارًا بِأَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ لَهُمَا فَتْحٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الشَّرِكَةِ عَقْدًا يَشْمَلُ بِعُمُومِهِ الْعِنَانَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْعُ الشَّاهِدِ فَكَأَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ. وَعَلَى مَا قُلْنَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَالْمُدَّعَى مَالٌ: أَيْ مَالٌ تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ لِيُخْرَجَ نَحْوَ الْعَقَارِ وَطَعَامَ أَهْلِهِ وَكِسْوَتَهُمْ مِمَّا لَا تَصِحُّ فِيهِ. (قَوْلُهُ أَوْ إنِّي صَالَحْتهمْ) أَيْ شَهِدُوا عَلَى قَوْلِ الْمُدَّعِي إنِّي صَالَحْتهمْ إلَخْ. (قَوْلُهُ أَيْ رِشْوَةً) قَالَهُ فِي السَّعْدِيَّةِ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَبْرَحْ) لِأَنَّهُ لَوْ قَامَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنَّهُ غَرَّهُ الْخَصْمُ بِالدُّنْيَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ أَخْطَأْتُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: مَعْنَى قَوْلِهِ أُوهِمْتُ أَخْطَأْتُ بِنِسْيَانِ مَا كَانَ يَحِقُّ عَلَيَّ ذِكْرُهُ أَوْ بِزِيَادَةٍ كَانَتْ بَاطِلَةً كَذَا فِي الْهِدَايَةِ اهـ. (قَوْلُهُ بَعْضَ شَهَادَتِي) مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ: أَيْ فِي بَعْضِ شَهَادَتِي سَعْدِيَّةٌ. (قَوْلَةُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِقَوْلِهِ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ، وَقِيلَ يَقْضِي بِمَا بَقِيَ إنْ تَدَارَكَهُ بِنُقْصَانٍ، وَإِنْ بِزِيَادَةٍ يَقْضِي بِهَا إنْ ادَّعَاهَا الْمُدَّعِي، لِأَنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ يُجْعَلُ كَحُدُوثِهِ عِنْدَهَا، وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ قَاضِي خَانَ، وَعَزَاهُ إلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ. (قَوْلُهُ لَوْ عَدْلًا) تَكْرَارٌ مَعَ الْمَتْنِ س. (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) أَيْ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ بِمَا بَقِيَ) أَيْ أَوْ بِمَا زَادَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ. قَالَ: وَعَلَيْهِ فَمَعْنَى الْقَبُولِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 488 فَتَنَبَّهْ وَتَبَصَّرْ (وَإِنْ) قَالَهُ الشَّاهِدُ (بَعْدَ قِيَامِهِ عَنْ الْمَجْلِسِ لَا) تُقْبَلْ عَلَى الظَّاهِرِ احْتِيَاطًا وَكَذَا لَوْ وَقَعَ الْغَلَطُ فِي بَعْضِ الْحُدُودِ أَوْ النَّسَبِ هِدَايَةٌ (بَيِّنَةُ أَنَّهُ) أَيْ الْمَجْرُوحَ (مَاتَ مِنْ الْجُرْحِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْمَوْتِ بَعْدَ الْبُرْءِ) وَلَوْ (أَقَامَ أَوْلِيَاءُ مَقْتُولٍ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ زَيْدًا جَرَحَهُ وَقَتَلَهُ وَأَقَامَ زَيْدٌ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ الْمَقْتُولَ قَالَ إنَّ زَيْدًا لَمْ يَجْرَحْنِي وَلَمْ يَقْتُلْنِي فَبَيِّنَةُ زَيْدٍ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ) مَجْمُوعُ الْفَتَاوَى. (وَبَيِّنَةُ الْغَبْنِ)   [رد المحتار] الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ الثَّانِي. (قَوْلُهُ فَتَنَبَّهْ وَتَبَصَّرْ) فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عُفِيَ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ وَلَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قُبِلَتْ رَاجِعٌ إلَى الشَّهَادَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمِنَحِ، وَهُوَ مُقْتَضَى صَنِيعِهِ هُنَا، وَحِينَئِذٍ فَلَا مَعْنَى لِقَبُولِهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بَلْ الصَّوَابُ ذِكْرُهُ بَعْدَ عِبَارَةِ الْمُلْتَقَى. الثَّانِي: أَنَّهُ لَا مَحَلَّ لِلِاسْتِدْرَاكِ هُنَا لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ: وَلَا يُقْبَلُ الِاسْتِدْرَاكُ بِقَوْلٍ عَلَى آخَرَ إلَّا أَنْ يُعْتَبَرَ الِاسْتِدْرَاكُ بِالنَّظَرِ إلَى تَرْجِيحِ الثَّانِي. الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ وَكَذَا لَوْ وَقَعَ الْغَلَطُ فِي بَعْضِ الْحُدُودِ أَوْ النَّسَبِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ بِذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ تَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَوْجُهِ النَّظَرِ الْمَذْكُورَةِ، حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ قِيلَ يَقْضِي بِجَمِيعِ مَا شَهِدَ بِهِ أَوَّلًا، حَتَّى لَوْ شَهِدَ بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ غَلِطْتُ فِي خَمْسِمِائَةٍ يَقْضِي بِأَلْفٍ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ أَوَّلًا صَارَ حَقًّا لِلْمُدَّعِي وَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي الْقَضَاءُ بِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ، وَقِيلَ يَقْضِي بِمَا بَقِيَ لِأَنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَحُدُوثِهِ عِنْدَ الشَّهَادَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا قَالَ أُوهِمْتُ فِي الزِّيَادَةِ أَوْ فِي النُّقْصَانِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا، وَلَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ رَوَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ وَقَعَ الْغَلَطُ فِي ذِكْرِ بَعْضِ حُدُودِ الْعَقَارِ أَوْ فِي بَعْضِ النَّسَبِ ثُمَّ تَذَكَّرَ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ قَدْ يُبْتَلَى بِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَذِكْرُهُ ذَلِكَ لِلْقَاضِي دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِ وَاحْتِيَاطِهِ فِي الْأُمُورِ اهـ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَوْ النَّسَبِ) بِأَنْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عِمْرَانَ فَتَدَارَكَهُ فِي الْمَجْلِسِ قِيلَ وَبَعْدَهُ، وَقَوْلُهُ بَعْضِ الْحُدُودِ بِأَنْ ذَكَرَ الشَّرْقِيَّ مَكَانَ الْغَرْبِيِّ وَنَحْوَهُ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْمَوْتِ) نَقَلَ الشَّيْخُ غَانِمٌ خِلَافَهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا فَرَاجِعْهُ، وَأَفْتَى الْمُفْتِي أَبُو السُّعُودِ بِخِلَافِهِ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ مَسَائِلَ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ وَتَرْجِيحِهَا فِي الْبَابِ الْآتِي عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَ زَيْدًا يَوْمَ النَّحْرِ إلَخْ. وَذَكَرَ فِي الْهَامِشِ مَسَائِلَ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ هِيَ قِطَعٌ أَقَامَتْ الْأَمَةُ بَيِّنَةً أَنَّ مَوْلَاهَا دَبَّرَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَهُوَ عَاقِلٌ وَأَقَامَتْ الْوَرَثَةُ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ مَخْلُوطَ الْعَقْلِ فَبَيِّنَةُ الْأَمَةِ أَوْلَى، وَكَذَا إذَا خَالَعَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ أَقَامَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا وَقْتَ الْخُلْعِ وَالْمَرْأَةُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَاقِلًا فَبَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ أَوْلَى فِي الْفَصْلَيْنِ. زَوَّجَ الْأَبُ بِنْتَهُ الْبَالِغَةَ مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ يُعْطِيهِ أَلْفًا فَأَعْطَاهُ ثُمَّ ادَّعَتْ الْبِنْتُ أَنَّ الْأَلْفَ مَهْرُهَا وَادَّعَى الْأَبُ أَنَّهُ لَهُ لِأَجَلٍ قفتا نَلْقَ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْبِنْتِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهَا تُثْبِتُ الْوُجُوبَ فِي النِّكَاحِ وَبَيِّنَتَهُ تُثْبِتُ الرِّشْوَةَ حَاوِي الزَّاهِدِيِّ، وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ بِالتَّلْجِئَةِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْجِدِّ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا قُبِلَ، وَلَوْ بَرْهَنَا فَالتَّلْجِئَةُ كَمَا سَبَقَ فِي الْبَيْعِ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا صِحَّةِ الْوَقْفِ وَفَسَادِهِ، فَإِنَّ الْفَسَادَ لِشَرْطٍ فِي الْوَقْفِ مُفْسِدٌ فَبَيِّنَةُ الْفَسَادِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى فِي الْمَحَلِّ وَغَيْرِهِ فَبَيِّنَةُ الصِّحَّةِ أَوْلَى. وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَفَسَادِهِ بَاقَانِيٌّ عَلَى الْمُلْتَقَى. بَيِّنَةُ أَنَّهُ بَاعَهَا فِي الْبُلُوغِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَتِهِ أَنَّهُ بَاعَهَا فِي صِغَرِهِ حَاوِي الزَّاهِدِيِّ. إذَا تَعَارَضَتْ بَيِّنَةُ الْقِدَمِ وَالْحُدُوثِ. فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ: بَيِّنَةُ الْقِدَمِ أَوْلَى. وَفِي تَرْجِيحِ الْبَيِّنَاتِ لِلْبَغْدَادِيِّ عَنْ الْقُنْيَةِ: بَيِّنَةُ الْحُدُوثِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 489 مِنْ يَتِيمٍ بَلَغَ (أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ كَوْنِ الْقِيمَةِ) أَيْ قِيمَةَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ وَصِيِّهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ (مِثْلَ الثَّمَنِ) لِأَنَّهَا تُثْبِتُ أَمْرًا زَائِدًا وَلِأَنَّ بَيِّنَةَ الْفَسَادِ أَرْجَحُ مِنْ بَيِّنَةِ الصِّحَّةِ دُرَرٌ خِلَافًا لِمَا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ، أَمَّا بِدُونِ الْبَيِّنَةِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ مُنْيَةٌ (وَبَيِّنَةُ كَوْنِ الْمُتَصَرِّفِ) فِي نَحْوِ تَدْبِيرٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ خُصُومَةٍ (ذَا عَقْلٍ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ) الْوَرَثَةِ مَثَلًا (كَوْنِهِ مَخْلُوطَ الْعَقْلِ أَوْ مَجْنُونًا) وَلَوْ قَالَ الشُّهُودُ لَا نَدْرِي كَانَ فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ فَهُوَ عَلَى الْمَرَضِ، وَلَوْ قَالَ الْوَارِثُ كَانَ يَهْذِي يُصَدَّقُ حَتَّى يَشْهَدَا أَنَّهُ كَانَ صَحِيحَ الْعَقْلِ بَزَّازِيَّةٌ (وَبَيِّنَةُ الْإِكْرَاهِ) فِي إقْرَارِهِ (أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الطَّوْعِ) إنْ أُرِّخَا وَاتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا، فَإِنْ اخْتَلَفَا أَوْ لَمْ يُؤَرَّخَا فَبَيِّنَةُ الطَّوْعِ أَوْلَى مُلْتَقَطٌ وَغَيْرُهُ، وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُهُ وَعَزْمِي زَادَهْ. [فُرُوعٌ] بَيِّنَةُ الْفَسَادِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الصِّحَّةِ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ   [رد المحتار] أَوْلَى. وَذَكَرَ الْعَلَائِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى أَنَّ بَيِّنَةَ الْقِدَمِ أَوْلَى فِي الْبِنَاءِ وَبَيِّنَةَ الْحُدُوثِ أَوْلَى فِي الْكَنِيفِ اهـ حَامِدِيَّةٌ، وَلَوْ ظَهَرَ جُنُونُهُ وَهُوَ مُفِيقٌ يَجْحَدُ الْإِفَاقَةَ وَقْتَ بَيْعِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ وَبَيِّنَةُ الْإِفَاقَةِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْجُنُونِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا ادَّعَى شِرَاءَ الدَّارِ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا عِنْدَمَا بَاعَهُ وَآخَرَانِ أَنَّهُ كَانَ عَاقِلًا فَبَيِّنَةُ الْعَقْلِ وَصِحَّةِ الْبَيْعِ أَوْلَى، إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَفَسَادِهِ فَإِنَّمَا يُجْعَلُ الْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مَنْ يَدَّعِي الْفَسَادَ، وَلَوْ قَالَ لَا دَعْوَى عَلَى تَرِكَةِ أَخِي أَوْ لَا حَقَّ فِي تَرِكَةِ أَخِي وَهُوَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ لَا يَبْطُلُ وَلَا يَدْفَعُ الْوَرَثَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ بَحْرٌ عَنْ النَّوَادِرِ اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ يَتِيمٍ بَالِغٍ) مُتَعَلِّقٌ بِبَيِّنَةُ. (قَوْلُهُ مَا اشْتَرَاهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ مِنْ وَصِيِّهِ) أَيْ وَصِيِّ الْيَتِيمِ. (قَوْلُهُ ذَا عَقْلٍ) بَيِّنَةُ كَوْنِ الْبَائِعِ مَعْتُوهًا أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ كَوْنِهِ عَاقِلًا غَانِمٌ الْبَغْدَادِيُّ. (قَوْلُهُ فَهُوَ عَلَى الْمَرَضِ) لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ أَدْنَى مِنْ تَصَرُّفِ الصِّحَّةِ فَيَكُونُ مُتَيَقَّنًا وَانْظُرْ نُسْخَةَ السَّائِحَانِيِّ. قَالَ: مُجَرِّدُ هَذِهِ الْحَوَاشِي: الَّذِي فِي السَّائِحَانِيِّ هُوَ قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ الشُّهُودُ لَا نَدْرِي كَانَ فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ فَهُوَ عَلَى الْمَرَضِ. أَيْ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ أَدْنَى مِنْ تَصَرُّفِ الصِّحَّةِ فَيَكُونُ مُتَيَقَّنًا: وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى: وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ بَعْدَ وَفَاتِهَا أَنَّهَا كَانَتْ أَبْرَأَتْهُ مِنْ الصَّدَاقِ حَالَ صِحَّتِهَا وَأَقَامَ الْوَارِثُ بَيِّنَةً أَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا فَبَيِّنَةُ الصِّحَّةِ أَوْلَى، وَقِيلَ بَيِّنَةُ الْوَرَثَةِ أَوْلَى، وَلَوْ أَقَرَّا لِوَارِثٍ ثُمَّ مَاتَ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ وَقَالَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ فِي مَرَضِهِ فَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَهُمْ لَهُ ذَلِكَ، ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْمَهْرِ بِشَرْطٍ وَادَّعَاهَا الزَّوْجُ مُطْلَقًا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ أَوْلَى إنْ كَانَ الشَّرْطُ مُتَعَارَفًا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مَعَهُ، وَقِيلَ: الْبَيِّنَةُ مِنْ الزَّوْجِ أَوْلَى، وَلَوْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ بَيِّنَةً عَلَى الْمَهْرِ عَلَى أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ مُقِرًّا بِهِ يَوْمَنَا هَذَا وَأَقَامَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً أَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ مِنْ هَذَا الْمَهْرِ فَبَيِّنَةُ الْبَرَاءَةِ أَوْلَى وَكَذَا فِي الدَّيْنِ لِأَنَّ بَيِّنَةَ مُدَّعِي الدَّيْنِ بَطَلَتْ كَإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ ضِمْنَ دَعْوَاهُ الْبَرَاءَةَ كَشُهُودِ بَيْعٍ وَإِقَالَةٍ، فَإِنَّ بَيِّنَتَهَا لَمْ يُبْطِلْهَا شَيْءٌ وَتَبْطُلُ بَيِّنَةُ الْبَيْعِ لِأَنَّ دَعْوَى الْإِقَالَةِ إقْرَارٌ بِهِ، وَقَوْلُهُ فَهُوَ عَلَى الْمَرَضِ لَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ. وَفِي الْأَنْقِرْوِيِّ: ادَّعَى بَعْضُ الْوَرَثَةِ أَنَّ الْمُورِثَ وَهَبَهُ شَيْئًا مُعَيَّنًا وَقَبَضَهُ فِي صِحَّتِهِ وَقَالَتْ الْبَقِيَّةُ كَانَ فِي الْمَرَضِ فَالْقَوْلُ لَهُمْ، وَإِنْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ، وَلَوْ ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَادَّعَى الْوَرَثَةُ أَنَّهُ فِي الصِّحَّةِ فَالْقَوْلُ لَهَا، وَإِنْ بَرْهَنَا وَقْتًا وَاحِدًا فَبَيِّنَةُ الْوَرَثَةِ أَوْلَى اهـ هَذَا مَا وَجَدْتُهُ فِيهَا. (قَوْلُهُ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الطَّوْعِ) قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: وَبَيِّنَتَا كُرْهٍ وَطَوْعٍ أُقِيمَتَا ... فَتَقْدِيمُ ذَاتِ الْكُرْهِ صَحَّحَ الْأَكْثَرُ قَالَ فِي الْهَامِشِ: تَعَارَضَتْ بَيِّنَةُ الْإِكْرَاهِ وَالطَّوْعِ فِي الْبَيْعِ وَالصُّلْحِ وَالْإِقْرَارِ فَبَيِّنَةُ الْإِكْرَاهِ أَوْلَى بَاقَانِيٌّ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 490 فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْبُطْلَانِ، وَفِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْإِقَالَةِ. وَفِي الْمُلْتَقَطِ اخْتَلَفَا فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ فَالْبَيْعُ أَوْلَى، اخْتَلَفَا فِي الْبَتَاتِ وَالْوَفَاءِ فَالْوَفَاءُ أَوْلَى اسْتِحْسَانًا شَهَادَةُ قَاصِرَةٍ يُتِمُّهَا غَيْرُهُمْ تُقْبَلُ كَأَنْ شَهِدَا بِالدَّارِ بِلَا ذِكْرِ أَنَّهَا فِي يَدِ الْخَصْمِ فَشَهِدَ بِهِ آخَرَانِ أَوْ شَهِدَا بِالْمِلْكِ بِالْمَحْدُودِ وَآخَرَانِ بِالْحُدُودِ أَوْ شَهِدَا عَلَى الِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَلَمْ يَعْرِفَا الرَّجُلَ بِعَيْنِهِ فَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ الْمُسَمَّى بِهِ دُرَرٌ، شَهِدَ وَاحِدٌ فَقَالَ الْبَاقُونَ: نَحْنُ نَشْهَدُ كَشَهَادَتِهِ لَمْ تُقْبَلْ حَتَّى يَتَكَلَّمَ كُلُّ شَاهِدٍ بِشَهَادَتِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، شَهَادَةُ النَّفْيِ الْمُتَوَاتِرِ مَقْبُولَةٌ. الشَّهَادَةُ إذَا بَطَلَتْ فِي الْبَعْضِ بَطَلَتْ فِي الْكُلِّ إلَّا فِي عَبْدٍ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَشَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَيْهِمَا بِالْعِتْقِ قُبِلَتْ فِي حَقِّ النَّصْرَانِيِّ فَقَطْ أَشْبَاهٌ. قُلْتُ: وَزَادَهُ مُحَشِّيهَا خَمْسَةً أُخْرَى مَعْزِيَّةٌ لِلْبَزَّازِيَّةِ.   [رد المحتار] الْمُلْتَقَى وَخَانِيَّةٌ فِي أَحْكَامِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَتَرْجِيحِ الْبَيِّنَاتِ. وَبَيِّنَةُ الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ كَوْنِهِ مُوصِيًا مُصِرًّا إلَى الْوَفَاةِ أَبُو السُّعُودُ وَحَامِدِيَّةٌ. [فُرُوعٌ بَيِّنَةُ الْفَسَادِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الصِّحَّةِ] (قَوْلُهُ لِمُدَّعِي الْبُطْلَانِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْعَقْدِ. (قَوْلُهُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ) مُفَادُهُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْفَسَادِ فَيُوَافِقُ مَا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْإِقَالَةِ) كَمَا لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ بَاعَ الْمَبِيعَ مِنْ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ قَبْلَ النَّقْدِ وَادَّعَى الْبَائِعُ الْإِقَالَةَ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ أَنَّهُ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْقَلْبِ تَحَالَفَا أَشْبَاهٌ. (قَوْلُهُ وَفِي الْمُلْتَقَطِ) اُنْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ قُبَيْلَ الْكَفَالَةِ. (قَوْلُهُ شَهَادَةُ النَّفْيِ الْمُتَوَاتِرِ مَقْبُولَةٌ) بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَلَا يُقْبَلُ سَوَاءٌ كَانَ نَفْيًا صُورَةً أَوْ مَعْنًى، وَسَوَاءٌ أَحَاطَ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ أَوْ لَا كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، نَعَمْ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ النَّفْيِ فِي الشُّرُوطِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ. وَذَكَرَ فِي الْهَامِشِ فِي النَّوَادِرِ عَنْ الثَّانِي شَهِدَا عَلَيْهِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَلْزَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إجَارَةٌ أَوْ بَيْعٌ أَوْ كِتَابَةٌ أَوْ طَلَاقٌ أَوْ عَتَاقٌ أَوْ قَتْلٌ أَوْ قِصَاصٌ فِي مَكَان أَوْ زَمَانٍ وَصِفَاتٍ فَبَرْهَنَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ يَوْمَئِذٍ لَا تُقْبَلُ لَكِنْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ فِي الْحَادِي وَالْخَمْسِينَ إنْ تَوَاتَرَ عِنْدَ النَّاسِ وَعَلِمَ الْكُلُّ عَدَمَ كَوْنِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَيُقْضَى بِفَرَاغِ الذِّمَّةِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ تَكْذِيبُ الثَّابِتِ بِالضَّرُورَةِ مَا لَمْ يَدْخُلْهُ الشَّكُّ عِنْدَنَا إلَى الْكَلَامِ الثَّانِي وَكَذَا كُلُّ بَيِّنَةٍ قَامَتْ عَلَى أَنَّ فُلَانًا لَمْ يَقُلْ وَلَمْ يَفْعَلْ وَلَمْ يُقِرَّ، وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ أَمَّنَ الْإِمَامُ أَهْلَ مَدِينَةٍ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَاخْتَلَطُوا بِمَدِينَةٍ أُخْرَى وَقَالُوا: كُنَّا جَمِيعًا فَشَهِدَا أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا وَقْتَ الْأَمَانِ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ يُقْبَلَانِ إذَا كَانَا مِنْ غَيْرِهِمْ بَزَّازِيَّةٌ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الشَّرْطَ وَإِنْ نَفْيًا كَقَوْلِهِ: إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَامْرَأَتُهُ كَذَا فَبَرْهَنَتْ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ الْيَوْمَ يُقْبَلُ، حَلِفُهُ إنْ لَمْ تَأْتِ صِهْرَتِي فِي اللَّيْلَةِ وَلَمْ أُكَلِّمْهَا فَشَهِدَا عَلَى عَدَمِ الْإِتْيَانِ، وَالْكَلَامِ يُقْبَلُ لِأَنَّ الْغَرَضَ إثْبَاتُ الْجَزَاءِ، كَمَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَاسْتَثْنَى وَآخَرَانِ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ يُقْبَلُ وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بَزَّازِيَّةٌ. (قَوْلُهُ خَمْسَةً أُخْرَى) الْأُولَى قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ وَقَالَ نَصْرَانِيٌّ إنْ دَخَلَ هُوَ هَذِهِ الدَّارَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَشَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى دُخُولِهِ الدَّارَ، إنْ الْعَبْدُ مُسْلِمًا لَا تُقْبَلْ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا تُقْبَلْ فِي حَقِّ وُقُوعِ الطَّلَاقِ لَا الْعِتْقِ. الثَّانِيَةُ لَوْ قَالَ: إنْ اسْتَقْرَضْتُ مِنْ فُلَانٍ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَشَهِدَ رَجُلٌ وَأَبُو الْعَبْدِ أَنَّهُ اسْتَقْرَضَ مِنْ فُلَانٍ وَالْحَالِفُ يُنْكِرُ يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْمَالِ لَا فِي حَقِّ عِتْقٍ لِأَنَّ فِيهَا شَهَادَةَ الْأَبِ لِلِابْنِ. الثَّالِثَةُ لَوْ قَالَ: إنْ شَرِبْتُ الْخَمْرَ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَشَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى تَحَقُّقِهِ يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْعِتْقِ لَا فِي حَقِّ لُزُومِ الْحَدِّ. الرَّابِعَةُ لَوْ قَالَ: إنْ سَرَقْتُ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَشَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَيْهِ بِهَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْعِتْقِ لَا فِي حَقِّ الْقَطْعِ الْكُلُّ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ. قُلْت: ثُمَّ رَأَيْت مَسْأَلَةً أُخْرَى فَزِدْتهَا وَهِيَ. الْخَامِسَةُ لَوْ قَالَ لَهَا: إنْ ذَكَرْتُ طَلَاقَكِ إنْ سَمَّيْتُ طَلَاقَكِ إنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 491 بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ مَبْنَى هَذَا الْبَابِ عَلَى أُصُولٍ مُقَرَّرَةٍ مِنْهَا أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى، بِخِلَافِ حُقُوقِهِ تَعَالَى. وَمِنْهَا أَنَّ الشَّهَادَةَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْمُدَّعَى بَاطِلَةٌ، بِخِلَافِ الْأَقَلِّ لِلِاتِّفَاقِ فِيهِ. وَمِنْهَا أَنَّ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ أَزِيدُ مِنْ الْمُقَيَّدِ لِثُبُوتِهِ مِنْ الْأَصْلِ وَالْمِلْكُ بِالسَّبَبِ مُقْتَصِرٌ عَلَى وَقْتِ السَّبَبِ. وَمِنْهَا مُوَافَقَةُ الشَّهَادَتَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَمُوَافَقَةُ الشَّهَادَةِ الدَّعْوَى مَعْنًى فَقَطْ وَسَيَتَّضِحُ. (تَقَدُّمُ الدَّعْوَى فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ شَرْطُ قَبُولِهَا) لِتَوَقُّفِهَا عَلَى مُطَالَبَتِهِمْ وَلَوْ بِالتَّوْكِيلِ، بِخِلَافِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى لِوُجُوبِ إقَامَتِهَا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَكُلُّ أَحَدٍ خَصْمٌ فَكَأَنَّ الدَّعْوَى مَوْجُودَةٌ (فَإِذَا وَافَقَتْهَا) أَيْ وَافَقَتْ الشَّهَادَةُ الدَّعْوَى (قُبِلَتْ وَإِلَّا) تُوَافِقْهَا (لَا) تُقْبَلْ   [رد المحتار] تَكَلَّمْتُ بِهِ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَشَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ طَلَّقَهَا الْيَوْمَ وَالْآخَرُ عَلَى طَلَاقِهَا أَمْسِ يَقَعُ الطَّلَاقُ لَا الْعَتَاقُ وَهِيَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا كَذَا فِي حَاشِيَةِ تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ اهـ وَزَادَ الْبِيرِيُّ مَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ مِنْ اللُّقَطَةِ، وَذَلِكَ لُقَطَةٌ فِي يَدِ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ فَأَقَامَ صَاحِبُهَا شَاهِدَيْنِ كَافِرَيْنِ عَلَيْهَا تُسْمَعُ عَلَى مَا فِي يَدِ الْكَافِرِ خَاصَّةً اسْتِحْسَانًا، وَمَا لَوْ مَاتَ كَافِرٌ فَاقْتَسَمَ ابْنَاهُ تِرْكَتَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ شَهِدَ كَافِرَانِ عَلَى أَبِيهِ بِدَيْنٍ قُبِلَتْ فِي حِصَّةِ الْكَافِرِ خَاصَّةً اهـ. [بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ] (قَوْلُهُ مِنْهَا أَنَّ الشَّهَادَةَ إلَخْ) هَذِهِ عِبَارَةُ الدُّرَرِ. قَالَ مُحَشِّيهَا الشُّرُنْبُلَالِيُّ: لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهُ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ لَا فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَعَدَمِهِ اهـ مَدَنِيٌّ. (قَوْلُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الْمُدَّعَى) وَمِنْهُ إذَا ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا أَوْ بِالنَّتَاجِ فَشَهِدُوا فِي الْأَوَّلِ بِالْمِلْكِ بِسَبَبٍ وَفِي الثَّانِي بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ قُبِلَتْ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِسَبَبٍ أَقَلُّ مِنْ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْأَوْلَوِيَّةَ، بِخِلَافِهِ بِسَبَبٍ فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْحُدُوثَ وَالْمُطْلَقَ أَقَلُّ مِنْ النَّتَاجِ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُفِيدُ الْأَوْلَوِيَّةَ عَلَى الِاحْتِمَالِ وَالنَّتَاجَ عَلَى الْيَقِينِ وَفِي قَلْبِهِ، وَهُوَ دَعْوَى الْمُطْلَقِ فَشَهِدُوا بِالنَّتَاجِ لَا تُقْبَلُ، وَمِنْ الْأَكْثَرِ مَا لَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ بِسَبَبٍ فَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ الْإِرْثَ بَاقَانِيٌّ، وَتَمَامُهُ هُنَاكَ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ بَاطِلَةٌ) أَيْ إلَّا إذَا وَفَّقَ وَبَيَانُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ مُوَافَقَةُ الشَّهَادَتَيْنِ إلَخْ) كَمَا لَوْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ فَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً بَطَلَتْ، فَلَوْ ادَّعَى الْمُدَّعِي أَنَّهَا مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً وَالشُّهُودُ شَهِدُوا أَنَّهَا مُنْذُ سَنَةٍ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ خَانِيَّةٌ. وَفِي الْأَنْقِرْوِيِّ عَنْ الْقَاعِدِيَّةِ فِي الشَّهَادَاتِ: الشَّهَادَةُ لَوْ خَالَفَتْ الدَّعْوَى بِزِيَادَةٍ لَا يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهَا أَوْ نُقْصَانٍ كَذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ قَبُولَهَا اهـ حَامِدِيَّةٌ. وَفِي الْخَيْرِيَّةِ عَنْ الْفُصُولَيْنِ: وَلَا يُكَلَّفُ الشَّاهِدُ، إلَى بَيَانِ لَوْنِ الدَّابَّةِ لِأَنَّهُ سُئِلَ عَمَّا لَا يُكَلَّفُ إلَى بَيَانِهِ فَاسْتَوَى ذِكْرُهُ وَتَرْكُهُ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ اهـ حَامِدِيَّةٌ. رَجُلٌ ادَّعَى فِي يَدِ رَجُلٍ مَتَاعًا أَوْ دَارًا أَنَّهَا لَهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَقَضَى الْقَاضِي لَهُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى أَقَامَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ قَالَ: إنْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَقَرَّ بِذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بَطَلَ الْقَضَاءُ. وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا، وَلَوْ عَايَنَ الْقَاضِي إقْرَارَهُ بِذَلِكَ كَانَ الْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ خَالِيًا مِنْ تَكْذِيبِ الشُّهُودِ وَكَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ فَإِذَا وَافَقَتْهَا قُبِلَتْ) صَدَّرَ الْبَابَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ لِكَوْنِهَا كَالدَّلِيلِ لِوُجُوبِ اتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا لَزِمَ اخْتِلَافُ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى بَصِيرَةٍ سَعْدِيَّةٌ، وَبِهِ ظَهَرَ وَجْهُ جَعْلِ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ. ثُمَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 492 وَهَذَا أَحَدُ الْأُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ (فَلَوْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدَا بِهِ بِسَبَبٍ) كَشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ (قُبِلَتْ) لِكَوْنِهَا بِالْأَقَلِّ مِمَّا ادَّعَى فَتَطَابَقَا مَعْنًى كَمَا مَرَّ (وَعَكْسُهُ) بِأَنْ ادَّعَى بِسَبَبٍ وَشَهِدَا بِمُطْلَقٍ (لَا) تُقْبَلُ لِكَوْنِهَا بِالْأَكْثَرِ كَمَا مَرَّ. قُلْتُ: وَهَذَا فِي غَيْرِ دَعْوَى إرْثٍ وَنَتَاجٍ وَشِرَاءٍ مِنْ مَجْهُولٍ كَمَا بَسَطَهُ الْكَمَالُ، وَاسْتَثْنَى فِي الْبَحْرِ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ. (وَكَذَا تَجِبُ مُطَابَقَةُ الشَّهَادَتَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى) إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مَسْأَلَةً مَبْسُوطَةً فِي الْبَحْرِ وَزَادَ ابْنُ الْمُصَنِّفِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أُخَرَ تَرَكْتهَا خَشْيَةَ التَّطْوِيلِ (بِطَرِيقِ الْوَضْعِ) لَا التَّضَمُّنِ، وَاكْتَفَيَا   [رد المحتار] إنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى مَا قَبْلَهُ مُشْعِرٌ بِمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا كَانَتْ الدَّعْوَى شَرْطًا فِيهِ وَتَبِعَهُ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ تَقَدُّمَ الدَّعْوَى إذَا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا كَانَ وُجُودُهَا كَعَدَمِهَا فَلَا يَضُرُّ عَدَمُ التَّوَافُقِ. ثُمَّ إنَّ تَفْرِيعَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ أَصْلًا لِشَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ الِاخْتِلَافُ فِي الشَّهَادَةِ فَافْهَمْ. وَبِمَا تَقَرَّرَ انْدَفَعَ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْهَا أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ إلَخْ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهُ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ لَا فِي قَبُولِهَا وَعَدَمِهِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَهَذَا أَحَدُ الْأُصُولِ إلَخْ) نَبَّهَ عَلَيْهِ دُونَ مَا قَبْلَهُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ عَدَمِ أَصْلِيَّةِ سَبَبِ كَوْنِهِ مُفَرَّعًا عَلَى مَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ لَا تَنَافِيَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِلَّا فَمَا قَبْلَهُ أَصْلٌ أَيْضًا كَمَا عَلِمْتَهُ فَتَنَبَّهْ. (قَوْلُهُ أَوْ إرْثٍ) تَبِعَ فِيهِ الْكَنْزَ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَدَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ، فَلَوْ أَسْقَطَهُ هُنَا لَكَانَ أَوْلَى ح. (قَوْلُهُ قُبِلَتْ) فِيهِ قَيْدَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ بِأَنْ ادَّعَى بِسَبَبٍ) أَيْ ادَّعَى الْعَيْنَ لَا الدَّيْنَ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ بِالْأَكْثَرِ) وَفِيهِ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا وَفَّقَ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ دَعْوَى إرْثٍ) لِأَنَّهُ مُسَاوٍ لِلْمِلْكِ الْمُطْلَقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ وَنَتَاجٍ) لِأَنَّ الْمُطْلَقَ أَقَلُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْأَوْلَوِيَّةَ عَلَى الِاحْتِمَالِ وَالنَّتَاجَ عَلَى الْيَقِينِ، وَذَكَرَ فِي الْهَامِشِ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّتَاجِ بِأَنْ يَشْهَدَا أَنَّ هَذَا كَانَ يَتْبَعُ هَذِهِ النَّاقَةَ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ فَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ فِي بَابِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْيَنَابِيعِ اهـ. (قَوْلُهُ وَشِرَاءٍ مِنْ مَجْهُولٍ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مُسَاوٍ لِلْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، وَكَذَا فِي غَيْرِ دَعْوَى قَرْضٍ بَحْرٌ، وَمِثْلُهُ شِرَاءٌ مَعَ دَعْوَى قَبْضٍ، فَإِذَا ادَّعَاهُمَا فَشَهِدَا عَلَى الْمُطْلَقِ تُقْبَلُ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ. وَحَكَى فِي الْفَتْحِ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ خِلَافًا. (قَوْلُهُ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ) لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَهَا أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَا اسْتِثْنَاءَ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ خَشْيَةَ التَّطْوِيلِ) قَدَّمَهَا الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ. (قَوْلُهُ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ) أَيْ بِمَعْنَاهُ الْمُطَابِقِ، وَهَذَا جَعَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ تَفْسِيرًا لِلْمُوَافَقَةِ فِي اللَّفْظِ حَيْثُ قَالَ: وَالْمُرَادُ بِالِاتِّفَاقِ فِي اللَّفْظِ تَطَابُقُ اللَّفْظَيْنِ عَلَى إفَادَةِ الْمَعْنَى بِطَرِيقِ الْوَضْعِ لَا بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَشَهِدَ شَاهِدٌ بِدِرْهَمٍ، وَآخَرُ بِدِرْهَمَيْنِ، وَآخَرُ بِثَلَاثَةٍ، وَآخَرُ بِأَرْبَعَةٍ وَآخَرُ بِخَمْسَةٍ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ لَفْظًا، وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي بِأَرْبَعَةٍ اهـ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْإِمَامَ اعْتَبَرَ تَوَافُقَ اللَّفْظَيْنِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ وَأَنَّ الْإِمَامَيْنِ اكْتَفَيَا بِالْمُوَافَقَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَلَوْ بِالتَّضَمُّنِ وَلَمْ يَشْتَرِطَا الْمَعْنَى الْمَوْضُوعَ لَهُ كُلٌّ مِنْ اللَّفْظَيْنِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْإِمَامَ اشْتَرَطَ التَّوَافُقَ فِي اللَّفْظِ وَالتَّوَافُقَ فِي الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ، وَإِلَّا أَشْكَلَ مَا فَرَّعَهُ عَلَيْهِ مِنْ شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا بِالنِّكَاحِ وَالْآخَرِ بِالتَّزْوِيجِ، وَكَذَا الْهِبَةُ وَالْعَطِيَّةُ فَإِنَّ اللَّفْظَيْنِ فِيهِمَا مُخْتَلِفَانِ وَلَكِنَّهُمَا تَوَافَقَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ، أَفَادَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِطَرِيقِ الْوَضْعِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّوْفِيقِ أَيْضًا مَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ: إنْ كَانَتْ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَذَلِكَ نَحْوَ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْهِبَةِ وَالْآخَرُ عَلَى الْعَطِيَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّ اللَّفْظَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي الشَّهَادَةِ بَلْ الْمَقْصُودُ مَا تَضَمَّنَهُ اللَّفْظُ وَهُوَ مَا صَارَ اللَّفْظُ عَلَمًا عَلَيْهِ، فَإِذَا وُجِدَتْ الْمُوَافَقَةُ فِي ذَلِكَ لَا تَضُرُّ الْمُخَالَفَةُ فِيمَا سِوَاهَا. قَالَ: هَكَذَا ذَكَرَهُ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا اهـ. وَهَذَا بِخِلَافِ الْفَرْعِ السَّابِقِ الَّذِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 493 بِالْمُوَافَقَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ (وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالنِّكَاحِ وَالْآخَرُ بِالتَّزْوِيجِ قُبِلَتْ) لِاتِّحَادِ مَعْنَاهُمَا (كَذَا الْهِبَةُ وَالْعَطِيَّةُ وَنَحْوُهُمَا، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ أَوْ مِائَةٍ وَمِائَتَيْنِ أَوْ طَلْقَةٍ وَطَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ رُدَّتْ) لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ (كَمَا لَوْ ادَّعَى غَصْبًا أَوْ قَتْلًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ) لَمْ تُقْبَلْ، وَلَوْ شَهِدَا بِالْإِقْرَارِ بِهِ قُبِلَتْ. (وَكَذَا) لَا تُقْبَلُ (فِي كُلِّ قَوْلٍ جُمِعَ مَعَ فِعْلٍ) بِأَنْ ادَّعَى أَلْفًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالدَّفْعِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهَا لَا تُسْمَعُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلٍ وَفِعْلٍ قُنْيَةٌ، إلَّا إذَا اتَّحَدَا لَفْظًا كَشَهَادَةِ أَحَدِهِمَا بِبَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ وَالْآخَرِ بِالْإِقْرَارِ بِهِ فَتُقْبَلُ لِاتِّحَادِ صِيغَةِ الْإِنْشَاءِ وَالْإِقْرَارِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي الْإِنْشَاءِ بِعْتُ وَاقْتَرَضْتُ وَفِي الْإِقْرَارِ كُنْتُ بِعْتُ وَاقْتَرَضْتُ فَلَمْ يَمْنَعْ الْقَبُولَ، بِخِلَافِ شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا بِقَتْلِهِ عَمْدًا بِسَيْفٍ وَالْآخَرِ بِهِ بِسِكِّينٍ لَمْ تُقْبَلْ لِعَدَمِ تَكْرَارِ الْفِعْلِ بِتَكَرُّرِ الْآلَةِ مُحِيطٌ وشُرُنْبُلالِيَّة (وَتُقْبَلُ عَلَى أَلْفٍ فِي) شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا (بِأَلْفٍ وَ) الْآخَرِ (بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ إنْ ادَّعَى) الْمُدَّعِي (الْأَكْثَرَ) لَا الْأَقَلَّ إلَّا أَنْ يُوَفِّقَ بِاسْتِيفَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ ابْنُ كَمَالٍ، وَهَذَا فِي الدَّيْنِ (وَفِي الْعَيْنِ تُقْبَلُ عَلَى الْوَاحِدِ كَمَا لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ لَهُ وَآخَرُ أَنَّ هَذَا لَهُ قُبِلَتْ عَلَى) الْعَبْدِ (الْوَاحِدِ) الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ اتِّفَاقًا دُرَرٌ. (وَفِي الْعَقْدِ لَا) تُقْبَلُ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى أَقَلَّ الْمَالَيْنِ أَوْ أَكْثَرَهُمْ عَزْمِي زَادَهْ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ كِتَابَتِهِ عَلَى أَلْفٍ وَآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ رُدَّتْ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ الْعَقْدِ،   [رد المحتار] نَقَلْنَاهُ عَنْهُ، فَإِنَّ الْخَمْسَةَ مَعْنَاهَا الْمُطَابِقُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْأَرْبَعَةِ بَلْ تَتَضَمَّنُهَا وَلِذَا لَمْ يَقْبَلْهَا الْإِمَامُ وَقَبِلَهَا صَاحِبَاهُ لِاكْتِفَائِهِمَا بِالتَّضَمُّنِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عِنْدَ الْإِمَامِ الِاتِّفَاقُ عَلَى لَفْظٍ بِعَيْنِهِ بَلْ إمَّا بِعَيْنِهِ أَوْ بِمُرَادِفِهِ، وَقَوْلُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ مُرَادُهُ بِهِ أَنَّ التَّوَافُقَ عَلَى لَفْظٍ بِعَيْنِهِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ لَا مُطْلَقًا كَمَا ظُنَّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ بِالْمُوَافَقَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ) فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ مَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَهَا أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَالْآخَرُ أَنْتِ بَرِيَّةٌ لَا يَقْضِي بِبَيْنُونَةٍ أَصْلًا مَعَ إفَادَتِهِمَا مَعْنَاهَا، أُجِيبَ بِمَنْعِ التَّرَادُفِ بَلْ هُمَا مُتَبَايِنَانِ لِمَعْنَيَيْنِ يَلْزَمُهُمَا لَازِمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ وُقُوعُ الْبَيْنُونَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ لِاتِّحَادِ مَعْنَاهُمَا) أَيْ مُطَابَقَةً فَصَارَ كَأَنَّ اللَّفْظَ مُتَّحِدٌ أَيْضًا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَا بِالْإِقْرَارِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ فِي قَوْلٍ مَعَ فِعْلٍ، بِخِلَافِ اخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ فِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلٍ وَفِعْلٍ) بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ لِلْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَشَهِدَ الْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَلْفٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِجَمْعٍ بَيْنَ قَوْلٍ وَفِعْلٍ مُنْلَا عَلَيَّ التُّرْكُمَانِيِّ عَنْ الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا اتَّحَدَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ مَعَ قَوْلٍ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ بَلْ قَوْلَانِ، لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ وَالْإِقْرَارَ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا قَوْلٌ كَمَا سَيَذْكُرُهُ. (قَوْلُهُ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ) بِخِلَافِ الْعَشَرِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ كَالْأَلْفَيْنِ إذْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُوَفِّقَ) كَأَنْ يَقُولَ كَانَ لِي عَلَيْهِ كَمَا شَهِدَا إلَّا أَنَّهُ أَوْفَانِي كَذَا بِغَيْرِ عِلْمِهِ. وَفِي الْبَحْرِ: وَلَا يَحْتَاجُ هُنَا إلَى إثْبَاتِ التَّوْفِيقِ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ يَتِمُّ بِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ بِالشِّرَاءِ فَشَهِدَ بِالْهِبَةِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ لِإِثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَهَذَا فِي الدَّيْنِ) أَيْ اشْتِرَاطُ الْمُوَافَقَةِ بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ لَفْظًا. (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى إلَخْ) وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعِي الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ أَوْ كِتَابَتِهِ عَلَى أَلْفٍ) شَامِلٌ لِمَا إذَا ادَّعَاهَا الْعَبْدُ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَهُوَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ مَقْصُودَهُ هُوَ الْعَقْدُ. وَلِمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَوْلَى كَمَا زَادَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى الْجَامِعِ قَالَ فِي الْفَتْحِ لِأَنَّ دَعْوَى السَّيِّدِ الْمَالَ عَلَى عَبْدِهِ لَا تَصِحُّ إذْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ إلَّا بِوَاسِطَةِ دَعْوَى الْكِتَابَةِ فَيَنْصَرِفُ إنْكَارُ الْعَبْدِ إلَيْهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَّا بِهِ فَالشَّهَادَةُ لَيْسَتْ إلَّا لِإِثْبَاتِهَا اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 494 وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبَدَلِ فَلَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ (وَمِثْلُهُ الْعِتْقُ بِمَالٍ وَالصُّلْحُ عَنْ قَوَدٍ وَالرَّهْنُ وَالْخُلْعُ إنْ ادَّعَى الْعَبْدُ وَالْقَاتِلُ وَالرَّاهِنُ وَالْمَرْأَةُ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ إذْ مَقْصُودُهُمْ إثْبَاتُ الْعَقْدِ كَمَا مَرَّ (وَإِنْ ادَّعَى الْآخَرُ) كَالْمَوْلَى مَثَلًا (فَكَدَعْوَى الدَّيْنِ) إذْ مَقْصُودُهُمْ الْمَالُ فَتُقْبَلُ عَلَى الْأَقَلِّ إنْ ادَّعَى الْأَكْثَرَ كَمَا مَرَّ. (وَالْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ) لَوْ (فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ) لِلْحَاجَةِ لِإِثْبَاتِ الْعَقْدِ (وَكَالدَّيْنِ بَعْدَهَا) لَوْ الْمُدَّعِي الْمُؤَجِّرَ، وَلَوْ الْمُسْتَأْجِرَ فَدَعْوَى   [رد المحتار] وَفِي الْبَحْرِ وَالتَّبْيِينِ وَقِيلَ لَا تُفِيدُ بَيِّنَةُ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْعَبْدِ لِتَمْكِينِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِالتَّعْجِيزِ اهـ. وَجَزَمَ بِهَذَا الْقِيلِ الْعَيْنِيُّ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْجَامِعِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبَدَلِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا بِالشِّرَاءِ وَلَمْ يُبَيِّنَا الثَّمَنَ لَمْ تُقْبَلْ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ فِيمَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ بِالثَّمَنِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ وَذِكْرِ قَدْرِهِ وَصِفَتِهِ، وَمَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ بِهِ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْمَبْسُوطِ؛ وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ شِرَاءَ دَارٍ فِي يَدِ رَجُلٍ، وَشَهِدَ شَاهِدَانِ وَلَمْ يُسَمِّيَا الثَّمَنَ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ، لِأَنَّ الدَّعْوَى إنْ كَانَتْ بِصِفَةِ الشَّهَادَةِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مَعَ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ فَالشُّهُودُ لَمْ يَشْهَدُوا بِمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي. ثُمَّ الْقَاضِي يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِالْعَقْدِ، وَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِالْعَقْدِ إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مُسَمًّى لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ ابْتِدَاءً بِدُونِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ لَا يَظْهَرُ الْقَضَاءُ بِدُونِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْضِيَ بِالثَّمَنِ حِينَ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ الشُّهُودُ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ بِالْبَيْعِ وَلَمْ يُسَمِّيَا ثَمَنًا وَلَمْ يَشْهَدَا بِقَبْضِ الثَّمَنِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ حَاجَةَ الْقَاضِي إلَى الْقَضَاءِ بِالْعَقْدِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مُسَمًّى، وَإِنْ قَالَا أَقَرَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْهُ وَاسْتَوْفَى الثَّمَنَ وَلَمْ يُسَمِّيَا الثَّمَنَ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي دُونَ الْقَضَاءِ بِالْعَقْدِ فَقَدْ انْتَهَى حُكْمُ الْعَقْدِ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ. (قَوْلُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ) لَفْظُ كُلِّ مِمَّا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ سَعْدِيَّةٌ. (قَوْلُهُ وَالرَّهْنُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّ الرَّهْنَ إنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ دَعْوَى الدَّيْنِ. وَتَعَقَّبَهُ فِي الْعِنَايَةِ تَبَعًا لِلنِّهَايَةِ بِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ بِأَلْفٍ غَيْرُهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَيَجِبُ أَنْ لَا تُقْبَلَ الْبَيِّنَةُ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُرْتَهِنَ لِأَنَّهُ كَذَّبَ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ حَيْثُ كَانَ لَهُ وِلَايَةُ الرَّدِّ مَتَى شَاءَ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ لِدَعْوَى الدَّيْنِ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَكُونُ إلَّا بِدَيْنٍ فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ وَيَثْبُتُ الرَّهْنُ بِالْأَلْفِ ضِمْنًا وَتَبَعًا اهـ. وَفِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ ذِكْرُ الرَّاهِنِ. (قَوْلُهُ إنْ ادَّعَى الْعَبْدُ) تَقْيِيدٌ لِمَسْأَلَةِ الْعِتْقِ بِمَالٍ فَقَطْ إنْ أَجْرَى قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَوْ كِتَابَتِهِ عَلَى عُمُومِهِ مُوَافَقَةً لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَوَّلُهُمَا إنْ خُصَّ بِمَا إذَا ادَّعَى الْكِتَابَةَ الْعَبْدُ مُوَافَقَةً لِمَا فِي الْجَامِعِ وَلِمَا فِي الْعَيْنِيِّ. (قَوْلُهُ فَكَدَعْوَى الدَّيْنِ) أَيْ الدَّيْنِ الْمُنْفَرِدِ عَنْ الْعَقْدِ سَعْدِيَّةٌ. (قَوْلُهُ إذْ مَقْصُودُهُمْ الْمَالُ) لِأَنَّهُ ثَبَتَ الْعِتْقُ وَالْعَقْدُ وَالطَّلَاقُ بِاعْتِرَافِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَلَمْ تَبْقَ الدَّعْوَى إلَّا فِي الدَّيْنِ فَتْحٌ. زَادَ فِي الْإِيضَاحِ: وَفِي الرَّهْنِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الرَّاهِنَ لَا تُقْبَلْ لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ فِي الرَّهْنِ فَعَرِيَتْ الشَّهَادَةُ عَنْ الدَّعْوَى، وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الدَّيْنِ اهـ. وَفِي الْيَعْقُوبِيَّةِ: وَذِكْرُ الرَّاهِنِ فِي الْيَمِينِ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي. (قَوْلُهُ عَلَى الْأَقَلِّ) أَيْ اتِّفَاقًا إنْ شَهِدَ شَاهِدُ الْأَكْثَرِ بِعَطْفٍ مِثْلِ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَإِنْ كَانَ بِدُونِهِ كَالْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ الْعَقْدِ) وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبَدَلِ فَلَا تَثْبُتُ الْإِجَارَةُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَكَالدَّيْنِ) إذْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بَعْدَ الْمُدَّةِ إلَّا الْأَجْرَ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ بَعْدَهَا) اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 495 عَقْدٍ اتِّفَاقًا (وَصَحَّ النِّكَاحُ) بِالْأَقَلِّ أَيْ (بِأَلْفٍ) مُطْلَقًا (اسْتِحْسَانًا) خِلَافًا لَهُمَا (وَلَزِمَ) فِي صِحَّةِ الشَّهَادَةِ (الْجَرُّ بِشَهَادَةِ إرْثٍ) بِأَنْ يَقُولَا مَاتَ وَتَرَاكَهُ مِيرَاثًا لِلْمُدَّعِي (إلَّا أَنْ يَشْهَدَا بِمِلْكِهِ) عِنْدَ مَوْتِهِ (أَوْ يَدِهِ أَوْ يَدِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ) كَمُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ وَغَاصِبٍ وَمُودِعٍ فَيُغْنِي ذَلِكَ عَنْ الْجَرِّ، لِأَنَّ الْأَيْدِيَ عِنْدَ الْمَوْتِ تَنْقَلِبُ يَدَ مِلْكٍ بِوَاسِطَةِ الضَّمَانِ، فَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ ثَبَتَ الْجَرُّ ضَرُورَةً (وَلَا بُدَّ مَعَ الْجَرِّ) الْمَذْكُورِ (مِنْ بَيَانِ   [رد المحتار] أَوْ لَا بَعْدَ أَنْ تَسَلَّمَ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ عَقْدٍ اتِّفَاقًا) لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِمَالِ الْإِجَارَةِ فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِمَا اعْتَرَفَ بِهِ فَلَا يَعْتَبِرُ اتِّفَاقَ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ اخْتِلَافَهُمَا فِيهِ، وَلَا يَثْبُتُ الْعَقْدُ لِلِاخْتِلَافِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ ادَّعَى الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ الْأَقَلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ هَكَذَا صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) حَيْثُ قَالَا هِيَ بَاطِلَةٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي الْعَقْدِ وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَالَ فِي النِّكَاحِ تَابِعٌ وَالْأَصْلَ فِيهِ الْحِلُّ وَالْمِلْكُ وَالِازْدِوَاجُ، وَلَا اخْتِلَافَ فِيمَا هُوَ الْأَصْلُ فَيَثْبُتُ، فَإِذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي التَّبَعِ يَقْضِي بِالْأَقَلِّ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ فِي صِحَّةِ الشَّهَادَةِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ كَلَامٍ: وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْجَرَّ شَرْطُ صِحَّةِ الدَّعْوَى لَا كَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّهُ شَرْطُ الْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ فَقَطْ اهـ. أَيْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ فِي الدَّعْوَى مَاتَ وَتَرَكَهُ مِيرَاثًا كَمَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الشَّهَادَةِ. (قَوْلُهُ الْجَرُّ) أَيْ النَّقْلُ: أَيْ أَنْ يَشْهَدَا بِالِانْتِقَالِ، وَذَلِكَ إمَّا نَصًّا كَمَا صَوَّرَهُ الشَّارِحُ أَوْ بِمَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِلْمَيِّتِ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ إثْبَاتِ يَدِهِ أَوْ يَدِ نَائِبِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ أَيْضًا، وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَا إلَخْ. وَهَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ شَيْئًا، وَيَظْهَرُ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا شَهِدَا أَنَّهُ كَانَ مِلْكَ الْمَيِّتِ بِلَا زِيَادَةٍ وَطُولِبَا بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَا لِحَيٍّ أَنَّهُ كَانَ فِي مِلْكِهِ تُقْبَلُ. وَالْفَرْقُ مَا فِي الْفَتْحِ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي. قَالَ مُجَرِّدُ هَذِهِ الْحَوَاشِي: وَكَتَبَ الْمُؤَلِّفُ عَلَى قَوْلِهِ الْجَرُّ هَامِشَةً وَعَلَيْهَا أَثَرُ الضَّرْبِ، لَكِنِّي لَمْ أَتَحَقَّقْهُ فَأَحْبَبْت ذِكْرَهَا وَإِنْ كَانَتْ مَفْهُومَةً مِمَّا قَبْلَهَا فَقَالَ: قَوْلُهُ الْجَرُّ هَذَا عِنْدَهُمَا لِأَنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ مُتَجَدِّدٌ إلَّا أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالشَّهَادَةِ عَلَى قِيَامِ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ وَقْتَ الْمَوْتِ لِثُبُوتِ الِانْتِقَالِ ضَرُورَةً وَكَذَا يَدُهُ أَوْ يَدُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: إنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ مِلْكُ الْمُوَرِّثِ فَصَارَتْ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ لِلْمُوَرِّثِ شَهَادَةً لِلْوَارِثِ، فَالْجَرُّ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ إثْبَاتِ مِلْكِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ أَوْ يَدِهِ أَوْ يَدِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، فَإِذَا أَثْبَتَ الْوَارِثُ أَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ لِمُوَرِّثِهِ لَا يَقْضِي لَهُ وَهُوَ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ، بِخِلَافِ الْحَيِّ إذَا أَثْبَتَ أَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ لَهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِهَا اعْتِبَارًا لِلِاسْتِصْحَابِ إذْ الْأَصْلُ الْبَقَاءُ انْتَهَى. (قَوْلُهُ إرْثٍ) بِأَنْ ادَّعَى الْوَارِثُ عَيْنًا فِي يَدِ إنْسَانٍ أَنَّهَا مِيرَاثُ أَبِيهِ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَشَهِدَا أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ لِأَبِيهِ لَا يَقْضِي لَهُ حَتَّى يَجُرَّا الْمِيرَاثَ بِأَنْ يَقُولَا إلَخْ. (قَوْلُهُ بِمِلْكِهِ) أَيْ الْمُوَرِّثِ. (قَوْلُهُ عِنْدَ مَوْتِهِ) لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ كَمَا عَلِمْتَ، وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَيْدِيَ) تَعْلِيلٌ لِلِاسْتِغْنَاءِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى يَدِ الْمَيِّتِ عَنْ الْجَرِّ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ يَدُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَإِنْ كَانَتْ يَدَ مِلْكٍ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ مِلْكَهُ أَوْ أَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى الْوَارِثِ فَيَثْبُتُ الِانْتِقَالُ ضَرُورَةً كَمَا لَوْ شَهِدَا بِالْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَتْ يَدَ أَمَانَةٍ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لِأَنَّ الْأَيْدِيَ فِي الْأَمَانَاتِ عِنْدَ الْمَوْتِ تَنْقَلِبُ يَدَ مِلْكٍ بِوَاسِطَةِ الضَّمَانِ إذَا مَاتَ مُجَهِّلًا لِتَرْكِهِ الْحِفْظَ وَالْمَضْمُونَ يَمْلِكُهُ الضَّامِنُ عَلَى مَا عُرِفَ فَيَكُونُ إثْبَاتُ الْيَدِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إثْبَاتًا لِلْمِلْكِ، وَتَرْكُ تَعْلِيلِ الِاسْتِغْنَاءِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى يَدِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ لِظُهُورِهِ لِأَنَّ إثْبَاتَ يَدِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ إثْبَاتُ يَدِهِ فَيُغْنِي إثْبَاتُ الْمِلْكِ وَقْتَ الْمَوْتِ عَنْ ذِكْرِ الْجَرِّ فَاكْتَفَى بِهِ عَنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مَعَ الْجَرِّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِ الْوِرَاثَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيَنْسُبَا الْمَيِّتَ وَالْوَارِثَ حَتَّى يَلْتَقِيَا إلَى أَبٍ وَاحِدٍ وَيَذْكُرَا أَنَّهُ وَارِثُهُ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ قَوْلُهُ وَوَارِثُهُ فِي الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْوَلَدِ؟ قِيلَ يُشْتَرَطُ وَالْفَتْوَى عَلَى عَدَمِهِ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ لَا يُحْجَبُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 496 سَبَبِ الْوِرَاثَةِ وَ) بَيَانِ (أَنَّهُ أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا) وَنَحْوِ ذَلِكَ ظَهِيرِيَّةٌ، وَبَقِيَ شَرْطٌ ثَالِثٌ (وَ) هُوَ (قَوْلُ الشَّاهِدِ لَا وَارِثَ) أَوْ لَا أَعْلَمُ (لَهُ) وَارِثًا (غَيْرَهُ) وَرَابِعٌ، وَهُوَ أَنْ يُدْرِكَ الشَّاهِدُ الْمَيِّتَ وَإِلَّا فَبَاطِلَةٌ لِعَدَمِ مُعَايَنَةِ السَّبَبِ ذَكَرَهُمَا الْبَزَّازِيُّ (وَذِكْرُ اسْمِ الْمَيِّتِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنْ شَهِدَا بِيَدِ حَيٍّ) سَوَاءٌ قَالَا (مُذْ شَهْرٍ) أَوْ لَا (رُدَّتْ) لِقِيَامِهَا بِمَجْهُولٍ لِتَنَوُّعِ يَدِ الْحَيِّ (بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَهُ أَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ الْمُدَّعِي) دَفَعَ لِلْمُدَّعِي لِمَعْلُومِيَّةِ الْإِقْرَارِ، وَجَهَالَةُ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تُبْطِلُ الْإِقْرَارَ: وَالْأَصْلُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ الْمُنْقَضِي مَقْبُولَةٌ لَا بِالْيَدِ الْمُنْقَضِيَةِ   [رد المحتار] بِحَالٍ، وَفِي الشَّهَادَةِ بِأَنَّهُ ابْنُ ابْنِ الْمَيِّتِ أَوْ بِنْتُ ابْنِهِ لَا بُدَّ مِنْهُ وَفِي أَنَّهُ مَوْلَاهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ اهـ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الشَّرْطَ مَتْنًا وَلَا شَرْحًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجَرَّ مَعَ الشَّرْطِ الثَّالِثِ يُغْنِي عَنْهُ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَانْظُرْ مَا مَرَّ قُبَيْلَ الشَّهَادَاتِ. (قَوْلُهُ سَبَبِ الْوِرَاثَةِ) وَهُوَ أَنَّهُ أَخُوهُ مَثَلًا. (قَوْلُهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ) ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ ابْنُهُ وَلَمْ يَقُولُوا وَوَارِثُهُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكْفِي، كَمَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ، فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ عَمُّ الْمَيِّتِ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى أَنْ يُفَسِّرَ فَيَقُولَ عَمُّهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ أَوْ لِأَبِيهِ أَوْ لِأُمِّهِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ وَوَارِثُهُ، وَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَا بُدَّ لِلشُّهُودِ مِنْ نِسْبَةِ الْمَيِّتِ وَالْوَارِثِ حَتَّى يَلْتَقِيَا إلَى أَبٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْأَخِ وَالْجَدِّ اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ وَارِثًا غَيْرَهُ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَإِذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ لِمُوَرِّثِهِ تَرَكَهُ مِيرَاثًا لَهُ وَلَمْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَرِثُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ لَا يَقْضِي لِاحْتِمَالِ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ، أَوْ يَرِثُ عَلَى كُلِّ حَالٍ يَحْتَاطُ الْقَاضِي وَيَنْتَظِرُ مُدَّةً هَلْ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ أَوْ لَا. قَالَ مُجَرِّدُهَا: هَذَا بَيَاضٌ تَرَكَهُ الْمُؤَلِّفُ وَنَقَطَ عَلَيْهِ لِتَوَقُّفِهِ فِي فَهْمِهِ مِنْ نُسْخَةِ الْفَتْحِ الْحَاضِرَةِ عِنْدَهُ فَلْتُرَاجَعْ نُسْخَةٌ أُخْرَى يَقْضِي بِكُلِّهِ، وَإِنْ كَانَ نَصِيبُهُ يَخْتَلِفُ فِي الْأَحْوَالِ يَقْضِي بِالْأَقَلِّ، فَيَقْضِي فِي الزَّوْجِ بِالرُّبْعِ وَالزَّوْجَةِ بِالثُّمُنِ إلَّا أَنْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَقْضِي بِالْأَكْثَرِ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَيَأْخُذُ الْقَاضِي كَفِيلًا عِنْدَهُمَا، وَلَوْ قَالُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا بِهَذَا الْمَوْضِعِ كَفَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا اهـ وَتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ قُبَيْلَ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، وَذَكَرَهَا فِي السَّادِسِ وَالْخَمْسِينَ مِنْ شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ مُنَوَّعَةً ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ فَارْجِعْ إلَيْهِ، وَلَخَّصَهَا هُنَاكَ صَاحِبُ الْبَحْرِ بِمَا فِيهِ خَفَاءٌ، وَقَدْ عُلِمَ بِمَا مَرَّ أَنَّ الْوَارِثَ إنْ كَانَ مِمَّنْ قَدْ يُحْجَبُ حَجْبَ حِرْمَانٍ فَذِكْرُ هَذَا الشَّرْطِ لِأَصْلِ الْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ قَدْ يُحْجَبُ حَجْبَ نُقْصَانٍ فَذِكْرُهُ شَرْطٌ لِلْقَضَاءِ بِالْأَكْثَرِ، وَإِنْ كَانَ وَارِثًا دَائِمًا وَلَا يَنْقُصُ بِغَيْرِهِ فَذِكْرُهُ شَرْطٌ لِلْقَضَاءِ حَالًّا بِدُونِ تَلَوُّمٍ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ مُعَايَنَةِ السَّبَبِ) وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمِلْكِ لَا تَجُوزُ بِالتَّسَامُعِ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ الْبَزَّازِيُّ) وَكَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ وَذِكْرُ اسْمِ الْمَيِّتِ) حَتَّى لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ جَدُّهُ أَبُو أَبِيهِ وَوَارِثُهُ وَلَمْ يُسَمَّ الْمَيِّتُ تُقْبَلُ بَزَّازِيَّةٌ. (قَوْلُهُ رُدَّتْ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تُقْبَلُ. (قَوْلُهُ يَدِ الْحَيِّ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكًا لَهُ أَوْ وَدِيعَةً مَثَلًا، وَإِذَا كَانَتْ وَدِيعَةً مَثَلًا تَكُونُ بَاقِيَةً عَلَى حَالِهَا، أَمَّا الْمَيِّتُ فَتَنْقَلِبُ مِلْكًا لَهُ إذَا مَاتَ مُجَهِّلًا لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَهُ) أَيْ لَوْ شَهِدَا لِمُدَّعِي مِلْكِ عَيْنٍ فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَ الْمُدَّعِي يَقْضِي بِهَا وَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا أَنَّهَا مِلْكُهُ إلَى الْآنَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَ الْمَيِّتِ فَإِنَّهَا تُرَدُّ مَا لَمْ يَشْهَدَا بِأَنَّهَا مِلْكُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُمَا إذَا لَمْ يَنُصَّا عَلَى ثُبُوتِ مِلْكِهِ حَالَةَ الْمَوْتِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالِاسْتِصْحَابِ وَالثَّابِتُ بِهِ حُجَّةٌ لِإِبْقَاءِ الثَّابِتِ لَا لِإِثْبَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ وَهُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْوَارِثِ، بِخِلَافِ مُدَّعِي الْعَيْنِ فَإِنَّ الثَّابِتَ بِالِاسْتِصْحَابِ بَقَاءُ مِلْكِهِ لَا تَجَدُّدُهُ. (قَوْلُهُ بِذَلِكَ) أَيْ بِيَدِ الْحَيِّ أَوْ مِلْكِهِ وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الثَّانِي فَقَدْ قَصَّرَ. (قَوْلُهُ دُفِعَ لِلْمُدَّعِي) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَإِنَّهُ يُدْفَعُ لِلْمُدَّعِي كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 497 لِتَنَوُّعِ الْيَدِ لَا الْمِلْكِ بَزَّازِيَّةٌ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ بِيَدِ الْمُدَّعِي بِغَيْرِ حَقٍّ هَلْ يَكُونُ إقْرَارًا لَهُ بِالْيَدِ؟ الْمُفْتَى بِهِ: نَعَمْ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. [فُرُوعٌ] شَهِدَا بِأَلْفٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَى خَمْسَمِائَةٍ قُبِلَتْ بِأَلْفٍ إلَّا إذَا شَهِدَ مَعَهُ آخَرُ، وَلَا يَشْهَدُ مَنْ عَلِمَهُ حَتَّى يُقِرَّ الْمُدَّعِي بِهِ. شَهِدَا بِسَرِقَةِ بَقَرَةٍ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا قُطِعَ خِلَافًا لَهُمَا، وَاسْتَظْهَرَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ قَوْلَهُمَا، وَهَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُدَّعِي لَوْنَهَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. ادَّعَى الْمَدْيُونُ الْإِيصَالَ مُتَفَرِّقًا وَشَهِدَا بِهِ مُطْلَقًا أَوْ جُمْلَةً لَمْ تُقْبَلْ وَهْبَانِيَّةٌ. شَهِدَا فِي دَيْنِ الْحَيِّ بِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ كَذَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا سَأَلَهُمَا الْخَصْمُ عَنْ بَقَائِهِ الْآنَ فَقَالَا لَا نَدْرِي، وَفِي دَيْنِ الْمَيِّتِ لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا حَتَّى يَقُولَا مَاتَ وَهُوَ عَلَيْهِ بَحْرٌ. قُلْتُ: وَيُخَالِفُهُ مَا فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ مِنْ ثُبُوتِهِ بِمُجَرَّدِ بَيَانِ سَبَبِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُولَا مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ اهـ وَالِاحْتِيَاطُ لَا يَخْفَى. ادَّعَى مِلْكًا فِي الْمَاضِي وَشَهِدَا بِهِ فِي الْحَالِ لَمْ تُقْبَلْ فِي الْأَصَحِّ كَمَا لَوْ شَهِدَا بِالْمَاضِي أَيْضًا جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ.   [رد المحتار] وَفِي الْبَحْرِ: وَإِنَّمَا قَالَ دُفِعَ إلَيْهِ دُونَ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ اهـ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ بِالْيَدِ أَوْ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمَا الْمَذْكُورَتَانِ فِي الْكَنْزِ دُونَ مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ. (قَوْلُهُ لِتَنَوُّعِ الْيَدِ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ. [فُرُوعٌ شَهِدَا بِأَلْفٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَى خَمْسَمِائَةٍ] (قَوْلُهُ بِأَلْفٍ) أَيْ وَلَا يُسْمَعُ قَوْلُهُ قَضَاءً. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا شَهِدَ مَعَهُ آخَرُ) لِكَمَالِ النِّصَابِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَشْهَدُ) أَيْ بِالْأَلْفِ كُلِّهَا. (قَوْلُهُ مَنْ عَلِمَهُ) أَيْ قَضَاءَ خَمْسِمِائَةٍ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ حَتَّى يُقِرَّ الْمُدَّعِي بِهِ) لِئَلَّا يَكُونَ إعَانَةً عَلَى الظُّلْمِ، وَالْمُرَادُ مِنْ يَنْبَغِي فِي عِبَارَةِ الْكَنْزِ مَعْنًى يَجِبُ فَلَا تَحِلُّ لَهُ الشَّهَادَةُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُدَّعِي لَوْنَهَا) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَوْ عَيَّنَ لَوْنَهَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا سَوْدَاءُ لَمْ يُقْطَعْ إجْمَاعًا اهـ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا أَوْ جُمْلَةً) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْإِطْلَاقَ أَزْيَدُ مِنْ الْمُقَيَّدِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِاخْتِلَافِ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى لِلْمُبَايَنَةِ بَيْنَ الْمُتَفَرِّقِ وَالْجُمْلَةِ. (قَوْلُهُ بَحْرٌ) أَوْضَحَهُ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَبِعَكْسِهِ لَا فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ قُلْتُ) الْقَوْلُ لِصَاحِبِ الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ بَيَانِ سَبَبِهِ) قَوَّاهُ الْمَقْدِسِيَّ. قُلْتُ: وَكَذَا فِي نُورِ الْعَيْنِ وَقَالَ: إنَّ الْأَوَّلَ ضَعِيفٌ وَإِنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي أَمْرِ الْمَيِّتِ يَكْفِي فِيهِ تَحْلِيفُ خَصْمِهِ مَعَ وُجُودِ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ فِي هَذَا الِاحْتِيَاطِ تَرْكَ احْتِيَاطٍ آخَرَ فِي وَفَاءِ دَيْنِهِ الَّذِي يَحْجُبُهُ عَنْ الْجَنَّةِ وَتَضْيِيعِ حُقُوقِ أُنَاسٍ كَثِيرِينَ لَا يَجِدُونَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ح. (قَوْلُهُ مِلْكًا فِي الْمَاضِي) بِأَنْ قَالَ كَانَ مِلْكِي وَشَهِدَا أَنَّهُ لَهُ. (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ شَهِدَا بِالْمَاضِي أَيْضًا) أَيْ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ إسْنَادَ الْمُدَّعِي يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ إذْ لَا فَائِدَةَ لِلْمُدَّعِي فِي إسْنَادٍ مَعَ قِيَامِ مِلْكِهِ فِي الْحَالِ، بِخِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ لَوْ أَسْنَدَا مِلْكَهُ إلَى الْمَاضِي لِأَنَّ إسْنَادَهُمَا لَا يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ فِي الْمَالِ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْرِفَانِ بَقَاءَهُ إلَّا بِالِاسْتِصْحَابِ مِنَحٌ، وَبِهَذَا ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مَتْنًا مِنْ قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَهُ. [فَرْعٌ مُهِمٌّ] قَالَ الْمُدَّعِي إنَّ الدَّارَ الَّتِي حُدُودُهَا مَكْتُوبَةٌ فِي هَذَا الْمَحْضَرِ مِلْكِي وَقَالَ الشُّهُودُ إنَّ الدَّارَ الَّتِي حُدُودُهَا مَكْتُوبَةٌ فِي هَذَا الْمَحْضَرِ مِلْكُهُ صَحَّ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ، وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّ الْمَالَ الَّذِي كُتِبَ فِي هَذَا الصَّكِّ عَلَيْهِ تُقْبَلُ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى الْمَعْلُومِ. لَوْ شَهِدَا بِمِلْكِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَالْخَصْمَانِ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ هُوَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ فِي أَصْلِ الدَّارِ وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ الْحُدُودُ لِعَدَمِ الْجَهَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى النِّزَاعِ فِي أَصْلِ الدَّارِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ السَّابِعِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 498 بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ (هِيَ مَقْبُولَةٌ) وَإِنْ كَثُرَتْ اسْتِحْسَانًا فِي كُلِّ حَقٍّ عَلَى الصَّحِيحِ (إلَّا فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ) لِسُقُوطِهِمَا بِالشُّبْهَةِ وَجَازَ الْإِشْهَادُ مُطْلَقًا، لَكِنْ لَا تُقْبَلُ إلَّا (بِشَرْطِ تَعَذُّرِ حُضُورِ الْأَصْلِ بِمَوْتٍ) أَيْ مَوْتِ الْأَصْلِ، وَمَا نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ قَضَاءِ النِّهَايَةِ فِيهِ كَلَامٌ فَإِنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ عَنْهَا، وَهُوَ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ مَا هُنَا (أَوْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ) وَاكْتَفَى الثَّانِي بِغَيْبَتِهِ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ أَنْ يَبِيتَ بِأَهْلِهِ، وَاسْتَحْسَنَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالسِّرَاجِيَّةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ (أَوْ كَوْنِ الْمَرْأَةِ مُخَدَّرَةً) لَا تُخَالِطُ الرِّجَالَ وَإِنْ خَرَجَتْ لِحَاجَةٍ وَحَمَّامٍ قُنْيَةٌ. وَفِيهَا لَا يَجُوزُ الْإِشْهَادُ لِسُلْطَانٍ وَأَمِيرٍ، وَهَلْ يَجُوزُ لِمَحْبُوسٍ إنْ مِنْ غَيْرِ حَاكِمٍ الْخُصُومَةُ، نَعَمْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْوَكَالَةِ وَقَوْلُهُ (عِنْدَ الشَّهَادَةِ) عِنْدَ الْقَاضِي قَيْدٌ لِلْكُلِّ لِإِطْلَاقِ جَوَازِ الْإِشْهَادِ لَا الْأَدَاءِ   [رد المحتار] [بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ] (قَوْلُهُ وَإِنْ كَثُرَتْ) أَعْنِي الشَّهَادَةَ عَلَى شَهَادَةِ الْفُرُوعِ ثُمَّ وَثُمَّ، لَكِنَّ فِيهَا شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ لِأَنَّ الْبَدَلَ مَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَصْلِ، وَهَذِهِ كَذَلِكَ وَلِذَا لَا تُقْبَلُ فِيمَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ كَشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ دُرَرٌ، كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ إلَّا فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ) أَيْ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ، فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ إذَا شَهِدَ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَنَّ قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا ضَرَبَ فُلَانًا حَدًّا فِي قَذْفٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ حَتَّى تُرَدَّ شَهَادَتُهُ بَحْرٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ. وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهَا تُقْبَلُ فِي التَّعْزِيرِ، وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ إلَّا بِشَرْطِ تَعَذُّرِ حُضُورِ الْأَصْلِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَرَضِ مَا لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهُ الْحُضُورَ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّفَرِ الْغَيْبَةُ مُدَّتَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَشَايِخِ وَأَفْصَحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْهِدَايَةِ، لَا مُجَاوَزَةُ الْبُيُوتِ وَإِنْ أَطْلَقَهُ كَالْمَرَضِ فِي الْكَنْزِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّعَذُّرِ، وَلَكِنْ مَا ذَكَرْنَا هُوَ الْمُرَادُ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْعَجْزُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَمَا نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ) عِبَارَتُهُ لَكِنْ فِي قَضَاءِ النِّهَايَةِ وَغَيْرِهِ: الْأَصْلُ إذَا مَاتَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ فَرْعِهِ فَتُشْتَرَطُ حَيَاةُ الْأَصْلِ اهـ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ فِيهِ كَلَامٌ) وَيُؤَيِّدُ كَلَامَ الْقُهُسْتَانِيِّ قَوْلُهُ الْآتِي وَبِخُرُوجِ أَصْلِهِ عَنْ أَهْلِهَا. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ عَنْهَا) لَيْسَ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ ذَلِكَ، وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي. (قَوْلُهُ وَالصَّوَابُ مَا هُنَا) قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: لَكِنْ نَقَلَ الْبُرْجَنْدِيُّ وَالْقُهُسْتَانِيُّ كَلَامَهُمَا عَنْ الْخُلَاصَةِ وَكَذَا فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ وَالسِّرَاجِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ مَتَى خَرَجَ الْأَصْلُ عَنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ بِأَنْ خَرِسَ أَوْ فَسَقَ أَوْ عَمِيَ أَوْ جُنَّ أَوْ ارْتَدَّ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ اهـ فَتَنَبَّهْ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ) عِبَارَتُهُ وَتُقْبَلُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ، وَذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَيْضًا أَنَّ الْأَوَّلَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْبَحْرِ قَالُوا: الْأَوَّلُ أَحْسَنُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْحَاوِي، وَالثَّانِي أَرْفَقُ إلَخْ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ، حَتَّى رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَصْلُ فِي زَاوِيَةِ الْمَسْجِدِ وَالْفَرْعُ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى مِنْ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ مِنَحٌ وَبَحْرٌ. (قَوْلُهُ أَوْ كَوْنِ الْمَرْأَةِ مُخَدَّرَةً) قَالَ الْبَزْدَوِيُّ: هِيَ مَنْ لَا تَكُونُ بَرَزَتْ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا وَلَا يَرَاهَا غَيْرُ الْمَحَارِمِ مِنْ الرِّجَالِ، أَمَّا الَّتِي جَلَسَتْ عَلَى الْمِنَصَّةِ فَرَآهَا رِجَالٌ أَجَانِبُ كَمَا هُوَ عَادَةُ بَعْضِ الْبِلَادِ لَا تَكُونُ مُخَدَّرَةً حَمَوِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْوَكَالَةِ) وَذَكَرَهُ هُنَا أَيْضًا. (قَوْلُهُ عِنْدَ الْقَاضِي) قَالَهُ فِي الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ لِإِطْلَاقِ جَوَازِ الْإِشْهَادِ) يَعْنِي يَجُوزُ أَنْ يُشْهِدَ وَهُوَ صَحِيحٌ أَوْ سَقِيمٌ وَنَحْوُهُ، وَلَكِنْ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عِنْدَ الْقَاضِي إلَّا وَمَا ذَكَرَ مَوْجُودٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ. وَالْإِشْهَادُ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْأُصُولِ عُذْرٌ، حَتَّى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 499 كَمَا مَرَّ (وَ) بِشَرْطِ (شَهَادَةِ عَدَدٍ) نِصَابٍ وَلَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ، وَمَا فِي الْحَاوِي غَلَطٌ بَحْرٌ (عَنْ كُلِّ أَصْلٍ) وَلَوْ امْرَأَةً (لَا تَغَايُرِ فَرْعَيْ هَذَا وَذَاكَ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. (وَ) كَيْفِيَّتُهَا أَنْ (يَقُولَ الْأَصْلُ مُخَاطِبًا لِلْفَرْعِ) وَلَوْ ابْنَهُ بَحْرٌ (اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ بِكَذَا) وَيَكْفِي سُكُوتُ الْفَرْعِ، وَلَوْ رَدَّهُ ارْتَدَّ قُنْيَةٌ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَةِ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ عِنْدَهُ حَاوِي (وَيَقُولُ الْفَرْعُ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ بِكَذَا وَقَالَ لِي اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ) هَذَا أَوْسَطُ الْعِبَارَاتِ وَفِيهِ خَمْسُ شِينَاتٍ، وَالْأَقْصَرُ أَنْ يَقُولَ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِكَذَا وَيَقُولَ الْفَرْعُ أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ، وَكَذَا فَتْوَى السَّرَخْسِيِّ وَغَيْرِهِ ابْنُ كَمَالٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الزَّاهِدِيِّ.   [رد المحتار] لَوْ حَلَّ بِهِمْ الْعُذْرُ يَشْهَدُ الْفُرُوعُ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَجَازَ الْإِشْهَادُ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ وَمَا فِي الْحَاوِي غَلَطٌ) مِنْ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ عَلَى الشَّهَادَةِ. وَفِي الْهَامِشِ: وَلَوْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ وَأَحَدُهُمَا يَشْهَدُ بِنَفْسِهِ أَيْضًا لَمْ يَجُزْ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ فَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ. (قَوْلُهُ عَنْ كُلِّ أَصْلٍ) فَلَوْ شَهِدَ عَشَرَةٌ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ تُقْبَلُ وَلَكِنْ لَا يَقْضِي حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدٌ آخَرُ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِشَهَادَتِهِمْ شَهَادَةُ وَاحِدٍ بَحْرٌ عَنْ الْخِزَانَةِ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ وَآخَرَانِ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ يَصِحُّ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَذَاكَ) يَعْنِي بِأَنْ يَكُونَ لِكُلِّ شَاهِدٍ شَاهِدَانِ مُتَغَايِرَانِ بَلْ يَكْفِي شَاهِدَانِ عَلَى كُلِّ أَصْلٍ. (قَوْلُهُ وَلَوْ ابْنَهُ) كَمَا يَأْتِي مَتْنًا. (قَوْلُهُ إنِّي أَشْهَدُ بِكَذَا) قَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَشْهَدُ لِأَنَّهُ بِدُونِهِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَإِنْ سَمِعَهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ كَالنَّائِبِ عَنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّحْمِيلِ وَالتَّوْكِيلِ، وَبِقَوْلِهِ عَلَى شَهَادَتِي لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ اشْهَدْ عَلَيَّ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِ الْحَقِّ الْمَشْهُودِ بِهِ فَيَكُونُ أَمْرًا بِالْكَذِبِ، وَبِعَلَى، لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ بِشَهَادَتِي لَمْ يَجُزْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا بِأَنْ يَشْهَدَ مِثْلَ شَهَادَتِهِ بِالْكَذِبِ وَبِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي صَحِيحَةٌ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُمَا الْقَاضِي عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ سُكُوتُ الْفَرْعِ) أَيْ عِنْدَ تَحْمِيلِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَوْ قَالَ لَا أَقْبَلُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِيرَ شَاهِدًا حَتَّى لَوْ شَهِدَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ اهـ. (قَوْلُهُ حَاوِي) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ وَرَقَةٍ، وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، الْفَرْعُ إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْأَصْلَ بِعَدَالَةٍ وَلَا غَيْرِهَا فَهُوَ مُسِيءٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَتِهِ بِتَرْكِهِ الِاحْتِيَاطَ اهـ. وَقَالُوا الْإِسَاءَةُ أَفْحَشُ مِنْ الْكَرَاهَةِ اهـ. لَكِنْ ذَكَرَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَنَارِ أَنَّهَا دُونَهَا، وَرَأَيْتُ مِثْلَهُ فِي التَّقْرِيرِ شَرْحُ الْبَزْدَوِيِّ وَالتَّحْقِيقُ وَغَيْرُهُمَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَنَّ فُلَانًا إلَخْ) وَيَذْكُرُ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ هَذَا أَوْسَطُ الْعِبَارَاتِ) وَالْأَطْوَلُ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا شَهِدَ عِنْدِي أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَأَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ وَأَمَرَنِي أَنْ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَأَنَا الْآنَ أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ بِذَلِكَ فَفِيهِ ثَمَانِ شِينَاتٍ. (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ فَتْوَى السَّرَخْسِيِّ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَأُسْتَاذِهِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: وَحَكَى أَنَّ فُقَهَاءَ زَمَنِ أَبِي جَعْفَرٍ خَالَفُوهُ وَاشْتَرَطُوا زِيَادَةً طَوِيلَةً فَأَخْرَجَ أَبُو جَعْفَرٍ الرِّوَايَةَ مِنْ السِّيَرِ الْكَبِيرِ فَانْقَادُوا لَهُ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: فَلَوْ اعْتَمَدَ أَحَدٌ عَلَى هَذَا كَانَ أَسْهَلَ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ الْمُشْتَمِلَ عَلَى خَمْسِ شِينَاتٍ حَيْثُ حَكَاهُ، وَذَكَرَ أَنَّ ثَمَّ أَطْوَلَ مِنْهُ وَأَقْصَرَ. ثُمَّ قَالَ: وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا. وَذَكَرَ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ شَارِحُ الْقُدُورِيِّ أَقْصَرَ آخَرَ بِثَلَاثِ شِينَاتٍ وَهُوَ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدَهُ بِكَذَا، ثُمَّ قَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ أَوْلَى وَأَحْوَطُ. ثُمَّ حَكَى خِلَافًا فِي أَنَّ قَوْلَهُ وَقَالَ لِي اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي شَرْطٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقُلْهُ احْتَمَلَ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَشْهَدَ مِثْلَ شَهَادَتِهِ وَهُوَ كَذِبٌ وَأَنَّهُ أَمَرَهُ عَلَى وَجْهِ التَّحَمُّلِ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ لِأَنَّ أَمْرَ الشَّاهِدِ مَحْمُولٌ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 500 (وَيَكْفِي تَعْدِيلُ الْفَرْعِ لِأَصْلِهِ) إنْ عُرِفَ الْفُرُوعُ بِالْعَدَالَةِ وَإِلَّا لَزِمَ تَعْدِيلُ الْكُلِّ (كَ) مَا يَكْفِي تَعْدِيلُ (أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ صَاحِبَهُ) فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ (وَإِنْ سَكَتَ) الْفَرْعُ (عَنْهُ نَظَرَ) الْقَاضِي (فِي حَالِهِ) وَكَذَا لَوْ قَالَ لَا أَعْرِفُ عَلَى الصَّحِيحِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَشَرْحُ الْمَجْمَعِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَيْسَ بِعَدْلٍ عَلَى مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ فَتَنَبَّهْ. (وَتَبْطُلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ) بِأُمُورٍ بِنَهْيِهِمْ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَظْهَرِ خُلَاصَةٌ وَسَيَجِيءُ مَتْنًا مَا يُخَالِفُهُ، وَبِخُرُوجِ أَصْلِهِ عَنْ أَهْلِيَّتِهَا كَفِسْقٍ وَخَرَسٍ وَعَمًى وَ (بِإِنْكَارِ أَصْلِهِ الشَّهَادَةَ) كَقَوْلِهِمْ   [رد المحتار] الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ اهـ. وَالْوَجْهُ فِي شُهُودِ الزَّمَانِ الْقَوْلُ بِقَوْلِهِمَا وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ الْعَارِفُ الْمُتَدَيِّنُ، لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ خُصُوصًا الْمُتَّخِذَ بِهَا مَكْسَبَةً لِلدَّرَاهِمِ اهـ مَا فِي الْفَتْحِ بِاخْتِصَارٍ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ اخْتَارَ مَا اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَشَرْحِ الْقُدُورِيِّ مِنْ لُزُومِ خَمْسِ شِينَاتٍ فِي الْأَدَاءِ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ فِي الْمُتُونِ كَالْقُدُورِيِّ وَالْكَنْزِ وَالْغُرَرِ وَالْمُلْتَقَى وَالْإِصْلَاحِ وَمَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرِهَا. (قَوْلُهُ الْفَرْعِ لِأَصْلِهِ) لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّزْكِيَةِ هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَزِمَ تَعْدِيلُ الْكُلِّ) هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ إلَّا بِالْعَدَالَةِ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفُوهَا لَمْ يَنْقُلُوا الشَّهَادَةَ فَلَا تُقْبَلُ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ عَلَيْهِمْ النَّقْلُ دُونَ التَّعْدِيلِ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ فَيَتَعَرَّفُ الْقَاضِي الْعَدَالَةَ، كَمَا إذَا شَهِدُوا بِأَنْفُسِهِمْ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْبَحْرِ: وَقَوْلُهُ وَإِلَّا صَادِقٌ بِصُوَرٍ الْأُولَى أَنْ يَسْكُتُوا وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ. الثَّانِيَةُ أَنْ يَقُولُوا لَا نُخْبِرُك فَجَعَلَهُ فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهَا تُقْبَلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقِيَ مَسْتُورًا، إذْ يُحْتَمَلُ الْجَرْحُ وَالتَّوَقُّفُ فَلَا يَثْبُتُ الْجَرْحُ بِالشَّكِّ. وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ جَرْحٌ لِلْأُصُولِ، وَاسْتَشْهَدَ الْخَصَّافُ بِأَنَّهُمَا لَوْ قَالَا: إنَّا نَتَّهِمُهُ فِي الشَّهَادَةِ لَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ، وَمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ هُوَ الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْخَانِيَّةِ اهـ مُلَخَّصًا، وَحَيْثُ كَانَ الْمُرَادُ الْأُولَى فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَإِلَّا لَزِمَ إلَخْ، تَكْرَارٌ مَعَ مَا فِي الْمَتْنِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ) كَذَا عَلَّلَ فِي الْبَحْرِ، وَفِيهِ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ وَأَصْلُ الْعِبَارَةِ فِي الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَكَذَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ فَعَدَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ يَجُوزُ لِمَا قُلْنَا، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً مِنْ حَيْثُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ وَلَكِنَّ الْعَدْلَ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ كَمَا لَا يُتَّهَمُ فِي شَهَادَةِ نَفْسِهِ اهـ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ بِمِثْلِ مَا ذَكَرْتُ مِنْ الشُّبْهَةِ. وَحَاصِلُ مَا فِي الْفَتْحِ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ حَيْثُ كَانَ بِتَعْدِيلِهِ رَفِيقُهُ يُثْبِتُ الْقَضَاءَ بِشَهَادَتِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ شَهَادَةَ نَفْسِهِ تَتَضَمَّنُ مِثْلَ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ الْقَضَاءُ بِهَا، فَكَمَا أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ الشَّرْعُ مَعَ عَدَالَتِهِ ذَلِكَ مَانِعًا كَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ. (قَوْلُهُ فِي حَالِهِ) فَيَسْأَلُهُ عَنْ عَدَالَتِهِ فَإِذَا ظَهَرَتْ قَبِلَهُ وَإِلَّا لَا مِنَحٌ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ) عِبَارَتُهُ. وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْفَرْعُ: إنَّ الْأَصْلَ لَيْسَ بِعَدْلٍ أَوْ لَا أَعْرِفُهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ كَمَا قَالَ الْخَصَّافُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تُقْبَلُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ اهـ. فَتَأَمَّلْ النَّقْلَ مَدَنِيٌّ. (قَوْلُهُ عَنْ الْمُحِيطِ) ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة خِلَافَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا، وَكَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّهُمَا لَوْ قَالَا نَتَّهِمُهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا، وَظَاهِرُ اسْتِشْهَادِ الْخَصَّافِ بِهِ كَمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ شَهِدَا عَنْ أَصْلٍ، وَقَالَا: لَا خَيْرَ فِيهِ وَزَكَّاهُ غَيْرُهُمَا لَا يُقْبَلُ، وَإِنْ جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ بِأُمُورٍ) عَدَّ مِنْهَا فِي الْبَحْرِ حُضُورَ الْأَصْلِ قَبْلَ الْقَضَاءِ مُسْتَدِلًّا بِمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ أَنَّ فُرُوعًا شَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ ثُمَّ حَضَرَ الْأُصُولُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا يُقْضَى بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ اهـ. لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا يُقْضَى دُونَ أَنْ يَقُولَ بَطَلَ الْإِشْهَادُ أَنَّ الْأُصُولَ لَوْ غَابُوا بَعْدَ ذَلِكَ قُضِيَ بِشَهَادَتِهِمْ اهـ. فَلِهَذَا تَرَكَهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ مَا يُخَالِفُهُ) وَهُوَ خِلَافُ الْأَظْهَرِ (قَوْلُهُ وَبِإِنْكَارِ أَصْلِهِ الشَّهَادَةَ) هَكَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 501 مَا لَنَا شَهَادَةٌ أَوْ لَمْ نُشْهِدْهُمْ أَوْ أَشْهَدْنَاهُمْ وَغَلِطْنَا، وَلَوْ سُئِلُوا فَسَكَتُوا قُبِلَتْ خُلَاصَةٌ. (شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ اثْنَيْنِ عَلَى فُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ وَقَالَا أَخْبَرَانَا بِمَعْرِفَتِهَا وَجَاءَ الْمُدَّعِي بِامْرَأَةٍ لَمْ يَعْرِفَا أَنَّهَا هِيَ قِيلَ لَهُ هَاتِ شَاهِدَيْنِ أَنَّهَا هِيَ فُلَانَةُ) وَلَوْ مُقِرَّةً (وَمِثْلُهُ الْكِتَابُ الْحُكْمِيُّ) وَهُوَ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي لِأَنَّهُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، فَلَوْ جَاءَ الْمُدَّعِي بِرَجُلٍ لَمْ يَعْرِفَاهُ كُلِّفَ إثْبَاتَ أَنَّهُ هُوَ وَلَوْ مُقِرًّا لِاحْتِمَالِ التَّزْوِيرِ بَحْرٌ، وَيَلْزَمُ مُدَّعِيَ الِاشْتِرَاكِ الْبَيَانُ كَمَا بَسَطَهُ قَاضِي خَانَ (وَلَوْ قَالَا فِيهِمَا التَّمِيمِيَّةُ لَمْ تَجُزْ حَتَّى يَنْسُبَاهَا إلَى فَخِذِهَا) كَجَدِّهَا، وَيَكْفِي نِسْبَتُهَا لِزَوْجِهَا، وَالْمَقْصُودُ الْإِعْلَامُ (أَشْهَدَهُ عَلَى شَهَادَتِهِ ثُمَّ نَهَاهُ عَنْهَا لَمْ يَصِحَّ) أَيْ نَهْيُهُ، فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ دُرَرٌ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، لَكِنَّهُ قَدَّمَ تَرْجِيحَ خِلَافِهِ عَنْ الْخُلَاصَةِ. (كَافِرَانِ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ مُسْلِمَيْنِ لِكَافِرٍ عَلَى كَافِرٍ لَمْ تُقْبَلْ كَذَا شَهَادَتُهُمَا عَلَى الْقَضَاءِ لِكَافِرٍ عَلَى كَافِرٍ؛ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ عَلَى شَهَادَةِ أَبِيهِ وَعَلَى قَضَاءِ أَبِيهِ) فِي الصَّحِيحِ دُرَرٌ خِلَافًا لِلْمُلْتَقَطِ. (مَنْ ظَهَرَ أَنَّهُ   [رد المحتار] وَقَعَ التَّعْبِيرُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْفَاضِلِ جَوِي زَادَةْ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْإِشْهَادِ، لِأَنَّ إنْكَارَ الشَّهَادَةِ لَا يَشْمَلُ مَا إذَا قَالَ لِي شَهَادَةٌ عَلَى هَذِهِ الْحَادِثَةِ لَكِنْ لَمْ أُشْهِدْهُمْ، بِخِلَافِ إنْكَارِ الْإِشْهَادِ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ هَذَا وَيَشْمَلُ إنْكَارَ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ إنْكَارَهَا يَسْتَلْزِمُ إنْكَارَهُ فَإِنْكَارُ الْإِشْهَادِ نَوْعَانِ صَرِيحٌ وَضِمْنِيٌّ، وَلِذَا عَبَّرَ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ بِالْإِشْهَادِ، وَبِهِ انْدَفَعَ اعْتِرَاضُ الدُّرَرِ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ، وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ هُنَا أَوْ لَمْ نُشْهِدْهُمْ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَفْرَادِ إنْكَارِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَنَا شَهَادَةٌ وَلَمْ نُشْهِدْهُمْ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ مَا لَنَا شَهَادَةٌ) يَعْنِي ثُمَّ غَابُوا أَوْ مَرِضُوا ثُمَّ جَاءَ الْفُرُوعُ فَشَهِدُوا لَا تُقْبَلُ. (قَوْلُهُ وَغَلِطْنَا) هُوَ فِي مَعْنَى إنْكَارِ الشَّهَادَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ قِيلَ لَهُ هَاتِ إلَخْ) فَهَذَا مِنْ قَبِيلِ مَا مَرَّ شَهَادَةٌ قَاصِرَةٌ يُتِمُّهَا غَيْرُهُمْ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ مُقِرَّةً) فَلَعَلَّهَا غَيْرُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهَا بِتِلْكَ النِّسْبَةِ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ إلَى الْقَاضِي) فَإِنْ كَتَبَ أَنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا شَهِدَا عِنْدِي بِكَذَا مِنْ الْمَالِ عَلَى فُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ وَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي امْرَأَةً عِنْدَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمَنْسُوبَةَ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهَا الْمَنْسُوبَةُ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَذَا فِي الْعَيْنِيِّ مَدَنِيٌّ. (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ التَّزْوِيرِ) أَيْ بِأَنْ يَتَوَاطَأَ الْمُدَّعِي مَعَ ذَلِكَ الرَّجُلِ. (قَوْلُهُ الْبَيَانُ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ غَيْرَهُ يُشَارِكُهُ فِي الِاسْمِ وَالنَّسَبِ كَانَ عَلَيْهِ الْبَيَانُ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ: أَيْ يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي أَثْبِتْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَثْبَتَ تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ كَمَا لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِمُشَارِكٍ لَهُ فِي الِاسْمِ وَالنَّسَبِ، وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ ذَلِكَ يَكُونُ خَصْمًا. (قَوْلُهُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الشَّهَادَةِ وَكِتَابِ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ إلَى فَخْذِهَا) بِسُكُونِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا، يُرِيدُ بِهِ الْقَبِيلَةَ الْخَاصَّةَ الَّتِي لَيْسَ دُونَهَا أَخَصُّ مِنْهَا وَهَذَا عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ لِلُّغَوِيِّينَ وَهُوَ فِي الصِّحَاحِ. وَفِي الْجَمْهَرَةِ: جَعَلَ الْفَخْذَ دُونَ الْقَبِيلَةِ وَفَوْقَ الْبَطْنِ، وَجَعَلَهُ فِي دِيوَانٍ أَقَلَّ مِنْ الْبَطْنِ وَكَذَا صَاحِبُ الْكَشَّافِ. قَالَ: الْعَرَبُ عَلَى سِتِّ طَبَقَاتٍ، الشَّعْبُ كَمُضَرَ وَرَبِيعَةَ وَحِمْيَرَ، سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّ الْقَبَائِلَ تَنْشَعِبُ عَنْهَا، وَالْقَبِيلَةُ كَكِنَانَةَ، وَالْعِمَارَةُ كَقُرَيْشٍ، وَالْبَطْنُ كَقُصَيٍّ، وَالْفَخْذُ كَهَاشِمٍ، وَالْفَصِيلَةُ كَالْعَبَّاسِ وَكُلُّ وَاحِدٍ يَجْمَعُ مَا بَعْدَهُ، فَالشَّعْبُ يَجْمَعُ الْقَبَائِلَ، وَالْعِمَارَةُ تَجْمَعُ الْبُطُونَ وَهَكَذَا، وَعَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ الِاكْتِفَاءُ بِالْفَخْذِ مَا لَمْ يَنْسُبْهَا إلَى الْفَصِيلَةِ، وَالْعِمَارَةُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَالشَّعْبُ بِفَتْحِ الشِّينِ فَتْحٌ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ كَجَدِّهَا) الْأَنْسَبُ أَوْ جَدِّهَا. (قَوْلُهُ وَالْمَقْصُودُ الْإِعْلَامُ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ التَّعْرِيفِ أَنْ يُنْسَبَ إلَى أَنْ يَعْرِفَهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْرِفُهُ وَإِنْ نَسَبَهُ إلَى مِائَةِ جَدٍّ بَلْ لِيَثْبُتَ الِاخْتِصَاصُ وَيَزُولَ الِاشْتِرَاكُ، فَإِنَّهُ قَلَّمَا يَتَّفِقُ اثْنَانِ فِي اسْمِهِمَا وَاسْمِ أَبِيهِمَا وَجَدِّهِمَا أَوْ صِنَاعَتِهِمَا وَلَقَبِهِمَا، فَمَا ذُكِرَ عَنْ قَاضِي خَانَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْرِفْ مَعَ ذِكْرِ الْجَدِّ لَا يَكْتَفِي بِذَلِكَ، الْأَوْجَهُ مِنْهُ مَا فِي الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَنَّ شَرْطَ التَّعْرِيفِ ذِكْرُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، غَيْرَ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي اللَّقَبِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 502 شَهِدَ بِزُورٍ) بِأَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يَدَّعِ سَهْوًا أَوْ غَلَطًا كَمَا حَرَّرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ، وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّفْيِ (عُزِّرَ بِالتَّشْهِيرِ) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى سِرَاجِيَّةٌ، وَزَادَ ضَرَبَهُ وَحَبَسَهُ مَجْمَعٌ. وَفِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُسَحِّمَ وَجْهَهُ إذَا رَآهُ سِيَاسَةً، وَقِيلَ إنْ رَجَعَ مُصِرًّا ضُرِبَ إجْمَاعًا، وَإِنْ تَائِبًا لَمْ يُعَزَّرْ إجْمَاعًا، وَتَفْوِيضُ مُدَّةِ تَوْبَتِهِ لِرَأْيِ الْقَاضِي عَلَى الصَّحِيحِ لَوْ فَاسِقًا، وَلَوْ عَدْلًا أَوْ مَسْتُورًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا. قُلْتُ: وَعَنْ الثَّانِي تُقْبَلُ، وَبِهِ يُفْتَى عَيْنِيٌّ وَغَيْرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [رد المحتار] مَعَ الِاسْمِ هَلْ هُمَا وَاحِدٌ أَوْ لَا اهـ. وَالْمُرَادُ بِالثَّلَاثَةِ اسْمُهُ وَاسْمُ أَبِيهِ وَجَدِّهِ أَوْ صِنَاعَتُهُ أَوْ فَخِذُهُ فَإِنَّهُ يَكْفِي عَنْ الْجَدِّ خِلَافًا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. فَفِي الْهِدَايَةِ: ثُمَّ التَّعْرِيفُ وَإِنْ كَانَ يَتِمُّ بِذِكْرِ الْجَدِّ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ فَذِكْرُ الْفَخْذِ يَقُومُ مَقَامَ الْجَدِّ لِأَنَّهُ اسْمُ الْجَدِّ الْأَعْلَى أَيْ فِي ذَلِكَ الْفَخْذِ الْخَاصِّ، فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الْجَدِّ الْأَدْنَى وَفِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ وَفِي الْعَجَمِ ذِكْرُ الصِّنَاعَةِ بِمَنْزِلَةِ الْفَخْذِ لِأَنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَدَلَ الْإِعْلَامِ رَفْعُ الِاشْتِرَاكِ، لِأَنَّ الْإِعْلَامَ بِأَنْ يُعْرَفَ غَيْرُ مُرَادٍ كَمَا مَرَّ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالِاسْمِ الْمُجَرَّدِ مَشْهُورًا كَشُهْرَةِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ يَكْفِي عَنْ ذِكْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَلَوْ كَنَّى بِلَا تَسْمِيَةٍ لَمْ تُقْبَلْ إلَّا إذَا كَانَ مَشْهُورًا كَالْإِمَامِ. (قَوْلُهُ شَهِدَ بِزُورٍ) وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِيهَا سَوَاءٌ بَحْرٌ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ. (قَوْلُهُ بِأَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَيَّدَ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِهِ إلَّا بِإِقْرَارِهِ. وَزَادَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَوْتِ وَاحِدٍ فَيَجِيءَ حَيًّا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَبَحَثَ فِيهِ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ. وَاعْتَرَضَ بِالْإِقْرَارِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ بِدُونِهِ، كَمَا إذَا شَهِدَ بِمَوْتِ زَيْدٍ أَوْ بِأَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ ثُمَّ ظَهَرَ زَيْدٌ حَيًّا أَوْ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَمَضَى ثَلَاثُونَ يَوْمًا لَيْسَ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ وَلَمْ يُرَ الْهِلَالُ. وَأَجَابَ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ إمَّا لِنُدْرَتِهِ وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَا مَحِيصَ لَهُ أَنْ يَقُولَ كَذَبْتُ أَوْ ظَنَنْتُ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَعْنَى كَذَبْتُ لِإِقْرَارِهِ بِالشَّهَادَةِ بِغَيْرِ عِلْمٍ. وَفِي الْيَعْقُوبِيَّةِ أَيْضًا يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِإِقْرَارٍ عَلَى الْحَصْرِ الْإِضَافِيِّ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ لَا يُعْلَمُ بِالْبَيِّنَةِ. وَأَجَابَ ابْنُ الْكَمَالِ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمَوْتِ تَجُوزُ بِالتَّسَامُعِ وَكَذَا بِالنَّسَبِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ رَأَيْتُ قَتِيلًا سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ إنَّهُ عَمْرُو بْنُ زَيْدٍ، وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَالْأَمْرُ فِيهِ أَوْسَعُ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ) أَيْ إثْبَاتُ تَزْوِيرِهِ، أَمَّا إثْبَاتُ إقْرَارِهِ فَمُمْكِنٌ كَمَا لَا يَخْفَى تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَزَادَ ضَرْبَهُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَوْلَهُمَا وَقَالَ: إنَّهُ الْحَقُّ. (قَوْلُهُ أَنْ يُسَحِّمَ) السُّحْمُ بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ السَّوْدَوَانِيُّ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ إذَا رَآهُ سِيَاسَةً) قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ حَدِّ الْقَذْفِ مَا يُخَالِفُ هَذَا حَيْثُ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ فِي حُكْمِ السِّيَاسَةِ أَنَّ الْإِمَامَ يَفْعَلُهَا وَلَمْ يَقُولُوا الْقَاضِي فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ بِالسِّيَاسَةِ وَلَا الْعَمَلُ بِهَا فَلْيُحَرَّرْ فَتَّالٌ. (قَوْلُهُ مُصِرًّا) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ قِيلَ إنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ رَجَعَ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ نَعَمْ شَهِدْتُ فِي هَذِهِ بِالزُّورِ وَلَا أَرْجِعُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ بِالضَّرْبِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ رَجَعَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْبَةِ لَا يُعَزَّرُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ، وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فَجَوَابُهُ فِي التَّائِبِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّعْزِيرِ الِانْزِجَارُ وَقَدْ انْزَجَرَ بِدَاعِي اللَّهِ تَعَالَى. وَجَوَابُهُمَا فِيمَنْ لَمْ يَتُبْ وَلَا يُخَالِفْ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ. (قَوْلُهُ أَبَدًا) لِأَنَّ عَدَالَتَهُ لَا تُعْتَمَدُ مُنْلَا عَلِيٍّ. (قَوْلُهُ تُقْبَلُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ مَرَّةً كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَالْأَقْلَفُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: الْمَعْرُوفُ بِالْعَدَالَةِ إذَا شَهِدَ بِزُورٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا لِأَنَّهُ لَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ. وَرَوَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ تُقْبَلُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ اهـ. وَكَلَامُ الشَّارِحِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا تَأَمَّلْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 503 بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ (هُوَ أَنْ يَقُولَ رَجَعْتُ عَمَّا شَهِدْتُ بِهِ وَنَحْوَهُ، فَلَوْ أَنْكَرَهَا لَا) يَكُونُ رُجُوعًا (وَ) الرُّجُوعُ (شَرْطُهُ مَجْلِسُ الْقَاضِي) وَلَوْ غَيْرَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ فَسْخٌ أَوْ تَوْبَةٌ وَهِيَ بِحَسَبِ الْجِنَايَةِ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «السِّرُّ بِالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةُ بِالْعَلَانِيَةِ» (فَلَوْ ادَّعَى) الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ (رُجُوعَهُمَا عِنْدَ غَيْرِهِ وَبَرْهَنَ) أَوْ أَرَادَ يَمِينَهُمَا (لَا يُقْبَلُ) لِفَسَادِ الدَّعْوَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى وُقُوعَهُ عِنْدَ قَاضٍ وَتَضْمِينَهُ إيَّاهُمَا مُلْتَقَى أَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُمَا أَقَرَّا بِرُجُوعِهِمَا عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي قَبْلَ وَجُعِلَ إنْشَاءً لِلْحَالِ ابْنُ مَلَكٍ (فَإِنْ رَجَعَا قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا سَقَطَتْ وَلَا ضَمَانَ) وَعُزِّرَ وَلَوْ عَنْ بَعْضِهَا لِأَنَّهُ فَسَّقَ نَفْسَهُ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ (وَبَعْدَهُ لَمْ يُفْسَخْ) الْحُكْمُ (مُطْلَقًا) لِتَرْجِيحِهِ بِالْقَضَاءِ (بِخِلَافِ ظُهُورِ الشَّاهِدِ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ) فَإِنَّ الْقَضَاءَ يَبْطُلُ وَيُرَدُّ مَا أَخَذَ وَتَلْزَمُ الدِّيَةُ لَوْ قِصَاصًا، وَلَا يَضْمَنُ الشُّهُودُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا أَخْطَأَ فَالْغُرْمُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ شَرْحُ تَكْمِلَةٍ (وَضَمِنَا مَا أَتْلَفَاهُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ)   [رد المحتار] [بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ] (قَوْلُهُ فَلَوْ أَنْكَرَهَا) أَيْ بَعْدَ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ مَجْلِسُ الْقَاضِي) وَتَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الرُّجُوعِ عَلَى الْقَضَاءِ بِهِ أَوْ بِالضَّمَانِ خِلَافًا لِمَنْ اسْتَبْعَدَهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ. وَفِيهِ أَيْضًا: وَيَتَفَرَّعُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمَجْلِسِ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ شَاهِدٌ بِالرُّجُوعِ فِي غَيْرِ الْمَجْلِسِ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِهِ وَبِالْتِزَامِ الْمَالِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ إذَا تَصَادَقَا أَنَّ لُزُومَ الْمَالِ عَلَيْهِ كَانَ بِهَذَا الرُّجُوعِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فَسْخٌ) تَعْلِيلٌ لِاشْتِرَاطِ مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَقَوْلُهُ فَسْخٌ أَيْ فَيَخْتَصُّ بِمَا تَخْتَصُّ بِهِ الشَّهَادَةُ مِنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي مِنَحٌ. (قَوْلُهُ وَهِيَ) أَيْ التَّوْبَةُ (قَوْلُهُ فَلَوْ ادَّعَى) بَيَانٌ لِفَائِدَةِ اشْتِرَاطِ مَجْلِسِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ عِنْدَ غَيْرِهِ) أَيْ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي وَلَوْ شُرْطِيًّا كَمَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ لَا يُقْبَلُ) أَيْ وَلَا يُسْتَحْلَفُ (قَوْلُهُ لِفَسَادِ الدَّعْوَى) أَيْ لِأَنَّ مَجْلِسَ الْقَاضِي شَرْطٌ لِلرُّجُوعِ فَكَانَ مُدَّعِيًا رُجُوعًا بَاطِلًا، وَالْبَيِّنَةُ أَوْ طَلَبُ الْيَمِينِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ. (قَوْلُهُ وَتَضْمِينَهُ) أَيْ الْقَاضِي أَيْ حُكْمَهُ عَلَيْهِمَا بِالضَّمَانِ (قَوْلُهُ سَقَطَتْ) أَيْ الشَّهَادَةُ فَلَا يَقْضِي الْقَاضِي بِهَا لِتَعَارُضِ الْخَبَرَيْنِ بِلَا مُرَجِّحٍ لِلْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ وَعُزِّرَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: قَالُوا يُعَزَّرُ الشُّهُودُ سَوَاءٌ رَجَعُوا قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ لِأَنَّ الرُّجُوعَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ تَوْبَةٌ عَنْ تَعَمُّدِ الزُّورِ إنْ تَعَمَّدَهُ أَوْ السَّهْوِ وَالْعَجَلَةِ إنْ كَانَ أَخْطَأَ فِيهِ، وَلَا تَعْزِيرَ عَلَى التَّوْبَةِ وَلَا عَلَى ذَنْبٍ ارْتَفَعَ بِهَا وَلَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مُقَدَّرٌ اهـ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ رُجُوعَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ قَدْ يَكُونُ لِقَصْدِ إتْلَافِ الْحَقِّ أَوْ كَوْنِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ غَرَّهُ بِمَالٍ لَا لِمَا ذَكَرَهُ، وَبَعْدَ الْقَضَاءِ قَدْ يَكُونُ لِظَنِّهِ بِجَهْلِهِ أَنَّهُ إتْلَافٌ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ مَعَ أَنَّهُ إتْلَافٌ لِمَالِهِ بِالْغَرَامَةِ. (قَوْلُهُ عَنْ بَعْضِهَا) كَمَا لَوْ شَهِدَا بِدَارِ وَبِنَائِهَا أَوْ بِأَتَانٍ وَوَلَدِهَا ثُمَّ رَجَعَا فِي الْبِنَاءِ وَالْوَلَدِ لَمْ يَقْضِ بِالْأَصْلِ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَقَوْلِي مُطْلَقًا يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الشَّاهِدُ وَقْتَ الرُّجُوعِ مِثْلَ مَا شَهِدَ فِي الْعَدَالَةِ أَوْ دُونَهُ أَوْ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَهَكَذَا أُطْلِقَ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ مُتُونًا وَشُرُوحًا وَفَتَاوَى. وَفِي الْمُحِيطِ يَصِحُّ رُجُوعُهُ لَوْ حَالُهُ بَعْدَ الرُّجُوعِ أَفْضَلَ مِنْهُ وَقْتَ الشَّهَادَةِ فِي الْعَدَالَةِ وَإِلَّا لَا وَيُعَزَّرُ وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ. وَنَقَلَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا، وَهُوَ قَوْلُ شَيْخِهِ حَمَّادٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا، وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ الْمَذْهَبُ، وَعَزَاهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا إلَى كَافِي الْحَاكِمِ. (قَوْلُهُ لِتَرَجُّحِهِ) الْأَوْلَى لِتَرَجُّحِهَا (قَوْلُهُ وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ) أَيْ إلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ إذَا أَخْطَأَ) وَهُنَا أَخْطَأَ بِعَدَمِ الْفَحْصِ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ. (قَوْلُهُ وَضَمِنَا مَا أَتْلَفَاهُ) اعْلَمْ أَنَّ تَضْمِينَ الشَّاهِدِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي رُجُوعِهِ مِثْلَ مَا إذَا ذَكَرَ شَيْئًا لَازِمًا لِلْقَضَاءِ ثُمَّ ظَهَرَ بِخِلَافِهِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي لِسَانِ الْحُكَّامِ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبَحْرِ فَرَاجِعْهُمَا. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ مَا يَسْقُطُ بِهِ ضَمَانُ الشَّاهِدِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ أَتْلَفَاهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُضَفْ التَّلَفُ إلَيْهِمَا لَا يَضْمَنَانِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 504 لِتَسَبُّبِهِمَا تَعَدِّيًا مَعَ تَعَذُّرِ تَضْمِينِ الْمُبَاشِرِ لِأَنَّهُ كَالْمُلْجَأِ إلَى الْقَضَاءِ (قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ أَوْ لَا بِهِ يُفْتَى) بَحْرٌ وَبَزَّازِيَّةٌ وَخُلَاصَةٌ وَخِزَانَةُ الْمُفْتِينَ، وَقَيَّدَهُ فِي الْوِقَايَةِ وَالْكَنْزِ وَالدُّرَرِ وَالْمُلْتَقَى بِمَا إذَا قَبَضَ الْمَالَ لِعَدَمِ الْإِتْلَافِ قَبْلَهُ، وَقِيلَ إنْ الْمَالُ عَيْنًا فَكَالْأَوَّلِ، وَإِنْ دَيْنًا فَكَالثَّانِي وَأَقَرَّهُ الْقُهُسْتَانِيُّ. (وَالْعِبْرَةُ فِيهِ لِمَنْ بَقِيَ) مِنْ الشُّهُودِ (لَا لِمَنْ رَجَعَ فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ النِّصْفَ، وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُ ثَلَاثَةٍ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ رَجَعَ آخَرُ ضَمِنَا النِّصْفَ، وَإِنْ رَجَعَتْ امْرَأَةٌ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ   [رد المحتار] كَمَا لَوْ شَهِدَا بِنَسَبٍ قَبْلَ الْمَوْتِ فَمَاتَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَوَرِثَ الْمَشْهُودُ لَهُ الْمَالَ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا لِأَنَّهُ وَرِثَ بِالْمَوْتِ وَذَلِكَ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْوَارِثِ الْمَالَ بِالنَّسَبِ وَالْمَوْتِ وَالِاسْتِحْقَاقُ يُضَافُ إلَى آخِرِهِمَا وُجُودًا فَيُضَافُ لِلْمَوْتِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي إقْرَارِ الْمَرِيضِ سَائِحَانِيٌّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ. قُلْتُ: وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ شَهِدُوا عَلَى أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ ثُمَّ مَاتَ الْغَرِيمُ مُفْلِسًا ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا لِلطَّالِبِ لِأَنَّهُ تَوِيَ مَا عَلَيْهِ بِالْإِفْلَاسِ اهـ. (قَوْلُهُ لِتَسَبُّبِهِمَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي إيجَابِهِ صَرْفُ النَّاسِ عَنْ تَقَلُّدِهِ وَتَعَذُّرُ اسْتِيفَائِهِ مِنْ الْمُدَّعِي لِأَنَّ الْحُكْمَ مَاضٍ فَاعْتُبِرَ التَّسَبُّبُ اهـ. كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَالْمُلْجَأِ) أَيْ الْقَاضِي (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ إلَخْ) أَيْ وَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُخْتَارِ وَالْإِصْلَاحِ وَمَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ وَصَاحِبُ الْمَجْمَعِ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّ اقْتِصَارَ أَرْبَابِ الْمُتُونِ عَلَى قَوْلٍ تَرْجِيحٌ لَهُ، وَمَا فِي الْمُتُونِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الشُّرُوحِ فَيُقَدَّمُ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى بِالْأَوْلَى، وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ مُخَالَفَةُ عَامَّةِ الْمُتُونِ، وَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّ مَا فِي الْفَتَاوَى هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الْأَخِيرُ لَنَا فِيهِ كَلَامٌ، وَكَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي غَرَّ الْمُصَنِّفَ. (قَوْلُهُ فَكَالْأَوَّلِ) أَيْ يَضْمَنُهُ الشُّهُودُ مُطْلَقًا قَبَضَهَا الْمَشْهُودُ لَهُ أَوْ لَا لِأَنَّ الْعَيْنَ يَزُولُ مِلْكُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ عَنْهَا بِالْقَضَاءِ وَفِي الدَّيْنِ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ. (قَوْلُهُ فَكَالثَّانِي) أَيْ لَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَضْمَنُونَ وَلَوْ بَعْدَهُ يَضْمَنُونَ. (قَوْلُهُ ضَمِنَ النِّصْفَ) إذْ بِشَهَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَقُومُ نِصْفُ الْحُجَّةِ فَبِبَقَاءِ أَحَدِهِمَا عَلَى الشَّهَادَةِ تَبْقَى الْحُجَّةُ فِي النِّصْفِ فَيَجِبُ عَلَى الرَّاجِعِ ضَمَانُ مَا لَمْ تَبْقَ الْحُجَّةُ فِيهِ وَهُوَ النِّصْفُ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَثْبُتَ الْحُكْمُ ابْتِدَاءً بِبَعْضِ الْعِلَّةِ ثُمَّ يَبْقَى بِبَقَاءِ بَعْضِ الْعِلَّةِ، كَابْتِدَاءِ الْحَوْلِ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى بَعْضِ النِّصَابِ وَيَبْقَى مُنْعَقِدًا بِبَقَاءِ بَعْضِ النِّصَابِ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ الرَّاجِعُ (قَوْلُهُ ضَمِنَا النِّصْفَ) وَفِي الْمَقْدِسِيَّ، فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الرَّاجِعُ الثَّانِي فَقَطْ لِأَنَّ التَّلَفَ أُضِيفَ إلَيْهِ. قُلْنَا التَّلَفُ مُضَافٌ إلَى الْمَجْمُوعِ إلَّا أَنَّ رُجُوعَ الْأَوَّلِ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ لِمَانِعٍ وَهُوَ مَنْ بَقِيَ فَإِذَا رَجَعَ الثَّانِي ظَهَرَ أَنَّ التَّلَفَ بِهِمَا. أَقُولُ: تَقَدَّمَ فِي الْحُدُودِ عَنْ الْمُحِيطِ إذَا شَهِدَ عَلَى حَدِّ الرَّجْمِ خَمْسَةٌ فَرَجَعَ الْخَامِسُ لَا ضَمَانَ، وَإِنْ رَجَعَ الرَّابِعُ ضَمِنَا الرُّبْعَ، وَإِنْ رَجَعَ ثَالِثٌ يَضْمَنُ الرَّابِعُ، فَقَوْلُهُ يَضْمَنُ الثَّالِثُ الرُّبْعَ مُخَالِفٌ لِمَا هُنَا لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ بَابِ الرُّجُوعِ فِي الشَّهَادَةِ أَنَّ الْخَامِسَ وَالرَّابِعَ وَالثَّالِثَ يَضْمَنُونَ النِّصْفَ أَثْلَاثًا، فَمَا فِي الْمُحِيطِ إمَّا غَلَطٌ أَوْ ضَعِيفٌ أَوْ غَيْرُ مَشْهُورٍ. وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شَخْصٍ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَقُضِيَ بِهَا فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ عَنْ مِائَةٍ وَآخَرُ عَنْ تِلْكَ الْمِائَةِ وَمِائَةٍ أُخْرَى وَآخَرُ عَنْ تِلْكَ الْمِائَتَيْنِ وَمِائَةٍ أُخْرَى فَعَلَى الرَّاجِعِينَ خَمْسُونَ أَثْلَاثًا لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا عَنْ مِائَةٍ فَبَقِيَ شَاهِدًا بِثَلَاثِمِائَةٍ، وَالرَّابِعَ الَّذِي لَمْ يَرْجِعْ شَاهِدٌ بِالثَّلَاثِمِائَةِ كَمَا هُوَ شَاهِدٌ بِالْمِائَةِ الرَّابِعَةِ أَيْضًا فَوُجِدَ نِصَابُ الشِّهَادِ فِي الثَّلَاثَمِائَة فَلَا ضَمَانَ فِيهَا. وَأَمَّا الْمِائَةُ الرَّابِعَةُ لَمَّا بَقِيَ الرَّابِعُ شَاهِدًا بِهَا وَرَجَعَ الْبَقِيَّةُ تَنَصَّفَتْ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَنْ بَقِيَ فَيَضْمَنُونَ نِصْفَهَا وَهُوَ الْخَمْسُونَ أَثْلَاثًا، فَإِنْ رَجَعَ الرَّابِعُ عَنْ الْجَمِيعِ ضَمِنُوا الْمِائَةَ أَرْبَاعًا يَعْنِي الْمِائَةَ الَّتِي اتَّفَقُوا عَلَى الرُّجُوعِ عَنْهَا، وَغَيْرُ الْأَوَّلِ يَضْمَنُ الْخَمْسِينَ الَّتِي اتَّفَقُوا عَلَى الرُّجُوعِ عَنْهَا أَثْلَاثًا. وَوَجْهُ عَدَمِ ضَمَانِ الْمِائَتَيْنِ وَالْخَمْسِينَ أَنَّ الْأَوَّلَ بَقِيَ شَاهِدًا بِثَلَاثِمِائَةٍ وَالثَّالِثَ بَقِيَ شَاهِدًا بِمِائَتَيْنِ فَالْمِائَتَانِ تَمَّ عَلَيْهَا النِّصَابُ وَبَقِيَ عَلَى الثَّالِثَةِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ لَمْ يَرْجِعْ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 505 ضَمِنَتْ الرُّبْعَ، وَإِنْ رَجَعَتَا فَالنِّصْفُ، وَإِنْ رَجَعَ ثَمَانِ نِسْوَةٍ مِنْ رَجُلٍ وَعَشْرِ نِسْوَةٍ لَمْ يَضْمَنْ، فَإِنْ رَجَعَتْ أُخْرَى ضَمِنَ) التِّسْعُ (رُبْعَهُ) لِبَقَاءِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ النِّصَابِ (فَإِنْ رَجَعُوا فَالْغُرْمُ بِالْأَسْدَاسِ) وَقَالَا عَلَيْهِنَّ النِّصْفُ كَمَا لَوْ رَجَعْنَ فَقَطْ. (وَلَا يَضْمَنُ رَاجِعٌ فِي النِّكَاحِ شَهِدَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا) أَوْ أَقَلَّ إذْ الْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ كَلَا إتْلَافٍ (وَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ ضَمِنَاهَا) لَوْ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ وَهُوَ الْمُنْكِرَ عَزْمِي زَادَهْ. (وَلَوْ شَهِدَا بِأَصْلِ النِّكَاحِ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلَا ضَمَانَ) عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ الْبُضْعِ وَالْمَالِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَا عَلَيْهَا بِقَبْضِ الْمَهْرِ أَوْ بَعْضِهِ ثُمَّ رَجَعَا) ضَمِنَا لَهَا لِإِتْلَافِهِمَا الْمَهْرَ (وَضَمِنَا فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَا نَقَصَ عَنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ) لَوْ لِشَهَادَةٍ عَلَى الْبَائِعِ (أَوْ زَادَ) لَوْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِلْإِتْلَافِ بِلَا عِوَضٍ، وَلَوْ شَهِدَا بِالْبَيْعِ وَبِنَقْدِ الثَّمَنِ، فَلَوْ فِي شَهَادَةٍ وَاحِدَةٍ   [رد المحتار] وَلَكِنْ لَمَّا رَجَعَ الثَّلَاثَةُ غَيْرَهُ تَنَصَّفَتْ فَضَمِنُوا الْخَمْسِينَ أَثْلَاثًا سَائِحَانِيٌّ، وَقَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ بَقِيَ شَاهِدًا، لَعَلَّهُ: وَالثَّانِي وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ مُوَجَّهَةٌ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ ضَمِنَتْ الرُّبْعَ) إذْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ مَنْ يَبْقَى بِهِ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ فَإِنْ رَجَعُوا) أَيْ رَجَعَ الْكُلُّ مِنْ الرَّجُلِ وَالنِّسَاءِ. (قَوْلُهُ بِالْأَسْدَاسِ) السُّدُسُ عَلَى الرَّجُلِ وَخَمْسَةُ الْأَسْدَاسِ عَلَى النِّسْوَةِ، لِأَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ تَقُومُ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ فَقَطْ) لِأَنَّهُنَّ وَإِنْ كَثُرْنَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ رَاجِعٌ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ، لِأَنَّهُمَا إمَّا أَنْ يَشْهَدَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِأَزْيَدَ أَوْ بِأَنْقَصَ، وَعَلَى كُلٍّ فَالْمُدَّعِي إمَّا هِيَ أَوْ هُوَ، وَلَا ضَمَانَ إلَّا فِي صُورَةِ مَا إذَا شَهِدَا عَلَيْهِ بِأَزْيَدَ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ قَوْلِهِ ضَمِنَاهَا لِلزَّوْجِ كَمَا فِي الْمِنَحِ لَأَفَادَ جَمِيعَ الصُّوَرِ خَمْسَةً مَنْطُوقًا وَوَاحِدَةً مَفْهُومًا وَلَا غِنَى عَمَّا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْعَزْمِيَّةِ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ وَإِنْ بِأَقَلَّ وَيَحْذِفَ، وَلَوْ شَهِدَا بِأَصْلِ النِّكَاحِ لِإِيهَامِهِ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي الْأَوَّلِ لَيْسَتْ عَلَى أَصْلِهِ، وَعَلَى كُلٍّ فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَوْ أَقَلَّ تَكْرَارٌ كَمَا لَا يَخْفَى. قَالَ الْحَلَبِيُّ: فَلَوْ قَالَ الْمَتْنُ وَيَضْمَنُ الزِّيَادَةَ بِالرُّجُوعِ مَنْ شَهِدَ عَلَى الزَّوْجِ بِالنِّكَاحِ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لَاسْتَوْفَى السِّتَّةَ وَاحِدًا مَنْطُوقًا وَخَمْسَةً مَفْهُومًا، ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَظْهَرَ مَا خَفِيَ وَأَخْفَى مَا ظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ فَذَكَرَ عَدَمَ الضَّمَانِ فِي الشَّهَادَةِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُهُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْأَقَلِّ وَصَرَّحَ بِضَمَانِ الزِّيَادَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ لَوْ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَا بَعْدَهُ فِيمَا لَوْ كَانَ هُوَ الْمُدَّعِيَ، فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَهُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ لَوْ شَهِدَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَسَكَتَ عَمَّا لَوْ شَهِدَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ بِالْأُولَى، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَ هُوَ الْمُدَّعِيَ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ الشَّارِحُ كَمَا صَرَّحَ بِالْأَقَلِّ فِي الْأَوَّلِ اعْتِمَادًا عَلَى ظُهُورِ الْمُرَادِ فَتَنَبَّهْ. (قَوْلُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ) خِلَافًا لِمَا فِي الْمَنْظُومَةِ النَّسَفِيَّةِ وَشَرْحِهَا، وَتَبِعَهُمَا صَاحِبُ الْمَجْمَعِ حَيْثُ ذَكَرُوا أَنَّهُمَا يَضْمَنَانِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا هُوَ الْمَعْرُوفُ وَلَمْ يَنْقُلُوا سِوَاهُ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأُصُولِ كَالْمَبْسُوطِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا، وَإِنَّمَا نَقَلُوا فِيهَا خِلَافَ الشَّافِعِيِّ، فَلَوْ كَانَ لَهُمْ شُعُورٌ بِالْخِلَافِ فِي الْمَذْهَبِ لَمْ يُعْرِضُوا عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَمْ يَشْتَغِلُوا بِنَقْلِ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ. (قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَا بِالْبَيْعِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ: فَإِنْ شَهِدَا بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ مَثَلًا فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ شَهِدَا عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَتَيْنِ ضَمِنَا الثَّمَنَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ يَضْمَنَانِ الزِّيَادَةَ أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ، وَإِنْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقِيمَةُ فَقَطْ ح، وَلَا يَظْهَرُ تَفَاوُتٌ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْحُكْمِ بِالضَّمَانِ لِأَنَّهُ فِيهِمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 506 ضَمِنَا الْقِيمَةَ، وَلَوْ فِي شَهَادَتَيْنِ ضَمِنَا الثَّمَنَ عَيْنِيٌّ. . (وَلَوْ شَهِدَا عَلَى الْبَائِعِ بِالْبَيْعِ بِأَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ، فَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الشُّهُودُ قِيمَتَهُ حَالًّا، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمُشْتَرِي إلَى سَنَةٍ وَأَيَّامَا اخْتَارَ بَرِئَ الْآخَرُ) وَتَمَامُهُ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ (وَفِي الطَّلَاقِ قَبْلَ وَطْءٍ وَخَلْوَةٍ ضَمِنَا نِصْفَ الْمَالِ) الْمُسَمَّى (أَوْ الْمُتْعَةِ) إنْ لَمْ يُسَمِّ (وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَآخَرَانِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعُوا فَضَمَانُ نِصْفِ الْمَهْرِ عَلَى شُهُودِ الثَّلَاثِ لَا غَيْرُ) لِلْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ (وَلَوْ بَعْدَ وَطْءٍ أَوْ خَلْوَةٍ فَلَا ضَمَانَ) وَلَوْ شَهِدَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَآخَرَانِ بِالدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعُوا ضَمِنَ شُهُودُ الدُّخُولِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمَهْرِ وَشُهُودُ الطَّلَاقِ رُبْعَهُ اخْتِيَارٌ. (وَلَوْ شَهِدَا بِعِتْقٍ فَرَجَعَا ضَمِنَا الْقِيمَةَ) لِمَوْلَاهُ (مُطْلَقًا) وَلَوْ مُعْسِرَيْنِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ (وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ) لِعَدَمِ تَحَوُّلِ الْعِتْقِ إلَيْهِمَا بِالضَّمَانِ فَلَا يَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ هِدَايَةٌ (وَفِي التَّدْبِيرِ ضَمِنَا مَا نَقَصَهُ) وَهُوَ ثُلُثُ قِيمَتِهِ، وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ وَلَزِمَهُمَا بَقِيَّةُ قِيمَتِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (وَفِي الْكِتَابَةِ   [رد المحتار] يَضْمَنُ الْقِيمَةَ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى إنْ كَانَ الثَّمَنُ مِثْلَ الْقِيمَةِ فِيهَا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهَا يَضْمَنَانِ الزِّيَادَةَ أَيْضًا اهـ. (قَوْلُهُ ضَمِنَا الْقِيمَةَ) لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ بِهِ الْبَيْعُ دُونَ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِإِيجَابِ الثَّمَنِ لِاقْتِرَانِهِ بِمَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ وَهُوَ الْقَضَاءُ بِالْإِيفَاءِ، وَلِذَا قُلْنَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ بَاعَ مِنْ هَذَا عَبْدَهُ وَأَقَالَهُ بِشَهَادَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَقْضِي بِالْبَيْعِ لِمُقَارَنَةِ مَا يُوجِبُ انْفِسَاخَهُ وَهُوَ الْقَضَاءُ بِالْإِقَالَةِ فَتْحٌ، وَقَوْلُهُ ضَمِنَا الثَّمَنَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالثَّمَنِ لَا يُقَارِنُهُ مَا يُسْقِطُهُ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدَا بِالْإِيفَاءِ بَلْ شَهِدَا بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِذَا صَارَ الثَّمَنُ مَقْضِيًّا بِهِ ضَمِنَاهُ بِرُجُوعِهِمَا فَتْحٌ. زَادَ الزَّيْلَعِيُّ: وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ يَضْمَنَانِ الزِّيَادَةَ أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ هَذَا الْقَدْرَ بِشَهَادَتِهِمَا الْأُولَى اهـ. (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ) عِبَارَتُهَا كَمَا فِي الْمِنَحِ، فَإِنْ اخْتَارَ الشُّهُودُ رَجَعُوا بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَتَصَدَّقُونَ بِالْفَضْلِ، فَإِنْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ بِالرِّضَا أَوْ تَقَايَلَا رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الشُّهُودِ، وَإِنْ رُدَّ بِقَضَاءٍ فَالضَّمَانُ عَلَى الشُّهُودِ بِحَالِهِ وَإِنْ أَدَّيَا رَجَعَا بِمَا أَدَّيَا اهـ. (قَوْلُهُ ضَمِنَا نِصْفَ الْمَالِ الْمُسَمَّى أَوْ الْمُتْعَةِ إلَخْ) لِأَنَّهُمَا أَكَّدَا ضَمَانًا عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ طَاوَعَتْ ابْنَ الزَّوْجِ أَوْ ارْتَدَّتْ سَقَطَ الْمَهْرُ أَصْلًا مِنَحٌ. (قَوْلُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ) قَيْدٌ فِي الشَّهَادَتَيْنِ ح. (قَوْلُهُ لَا غَيْرُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بِشَهَادَةِ شُهُودِ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ، لِأَنَّ حُكْمَ الْوَاحِدَةِ حُرْمَةٌ خَفِيفَةٌ وَحُكْمَ الثَّلَاثِ حُرْمَةٌ غَلِيظَةٌ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ فَلَا ضَمَانَ) لِتَأَكُّدِ الْمَهْرِ بِالدُّخُولِ فَلَمْ يُقَرِّرَا عَلَيْهِ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ ح. (قَوْلُهُ ضَمِنَ شُهُودُ الدُّخُولِ إلَخْ) لِأَنَّهُمْ قَرَّرُوا عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمْ جَمِيعَ الْمَهْرِ وَقَدْ كَانَ جَمِيعُهُ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَضْمَنَا جَمِيعَهُ لَكِنَّ شُهُودَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ قَرَّرُوا عَلَيْهِ نِصْفَ الْمَهْرِ وَقَدْ كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ وَقَدْ اخْتَصَّ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ بِضَمَانِ نِصْفٍ وَتَنَازَعَ مَعَ الْفَرِيقِ الثَّانِي فِي ضَمَانِ النِّصْفِ الْآخَرِ فَيُقْسَمُ عَلَيْهِمَا فَيُصِيبُ الْأَوَّلَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ وَالثَّانِيَ رُبْعٌ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ اخْتِيَارٌ) عَلَّلَهُ بِأَنَّ الْفَرِيقَيْنِ اتَّفَقَا عَلَى النِّصْفِ فَيَكُونُ عَلَى كُلِّ فَرِيقٍ رُبْعُهُ وَانْفَرَدَ شُهُودُ الدُّخُولِ بِالنِّصْفِ فَيَنْفَرِدُونَ بِضَمَانِهِ اهـ. فَقَالَ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: وَلَوْ رَجَعَ شَاهِدَا الطَّلَاقِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا أَوْجَبَا نِصْفَ الْمَهْرِ وَشَاهِدَا الدُّخُولِ لَا غَيْرُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا نِصْفُ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ شُهُودِ الطَّلَاقِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَتَلِفَ بِشَاهِدَيْ الدُّخُولِ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَإِنْ رَجَعَ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ وَاحِدٌ لَا يَجِبُ عَلَى شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ شَيْءٌ وَيَجِبُ عَلَى شَاهِدَيْ الدُّخُولِ الرُّبْعُ اهـ. (وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ) بِخِلَافِ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ إلَّا مِلْكَهُ وَلَزِمَ مِنْهُ فَسَادُ مِلْكِ صَاحِبِهِ فَضَمَّنَهُ الشَّارِعُ صِلَةً وَمُوَاسَاةً لَهُ. (قَوْلُهُ بَقِيَّةُ قِيمَتِهِ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَ الْعَبْدِ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَسَعَى فِي ثُلُثِهِ وَضَمِنَ الشَّاهِدَانِ ثُلُثَ الْقِيمَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَمْ يَرْجِعَا بِهِ عَلَى الْعَبْدِ، فَإِنْ عَجَزَ الْعَبْدُ عَنْ الثُّلُثَيْنِ يَرْجِعُ بِهِ الْوَرَثَةُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 507 يَضْمَنَانِ قِيمَتَهُ) كُلَّهَا، وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمُكَاتَبُ (وَلَا يَعْتِقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ إلَيْهِمَا) وَتَصَدَّقَا بِالْفَضْلِ وَالْوَلَاءِ لِمَوْلَاهُ، وَلَوْ عَجَزَ عَادَ لِمَوْلَاهُ وَرَدَّ قِيمَتَهُ عَلَى الشُّهُودِ (وَفِي الِاسْتِيلَادِ يَضْمَنَانِ نُقْصَانَ قِيمَتِهَا) بِأَنْ تُقَوَّمَ قِنَّةً وَأُمَّ وَلَدٍ لَوْ جَازَ بَيْعُهَا فَيَضْمَنَانِ مَا بَيْنَهُمَا (فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ وَضَمِنَا) بَقِيَّةَ (قِيمَتِهَا) أَمَةً (لِلْوَرَثَةِ) وَتَمَامُهُ فِي الْعَيْنِيِّ (وَفِي الْقِصَاصِ الدِّيَةُ) فِي مَالِ الشَّاهِدَيْنِ وَوَرِثَاهُ (وَلَمْ يَقْتَصَّا) لِعَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ، وَلَوْ شَهِدَا بِالْعَفْوِ لَمْ يَضْمَنَا لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ اخْتِيَارٌ (وَضَمِنَ شُهُودُ الْفَرْعِ بِرُجُوعِهِمْ) لِإِضَافَةِ التَّلَفِ إلَيْهِمْ (لَا شُهُودُ الْأَصْلِ بِقَوْلِهِمْ) بَعْدَ الْقَضَاءِ (لَمْ نُشْهِدْ الْفُرُوعَ عَلَى شَهَادَتِنَا أَوْ أَشْهَدْنَاهُمْ وَغَلِطْنَا) وَكَذَا لَوْ قَالُوا رَجَعْنَا عَنْهَا لِعَدَمِ إتْلَافِهِمْ وَلَا الْفُرُوعُ لِعَدَمِ رُجُوعِهِمْ (وَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ الْفُرُوعِ) بَعْدَ الْحُكْمِ (كَذَبَ الْأُصُولُ أَوْ غَلِطُوا) فَلَا ضَمَانَ، وَلَوْ رَجَعَ الْكُلُّ ضَمِنَ الْفَرْعُ فَقَطْ (وَضَمِنَ الْمُزَكُّونَ) وَلَوْ الدِّيَةَ (بِالرُّجُوعِ) عَنْ التَّزْكِيَةِ (مَعَ عِلْمِهِمْ بِكَوْنِهِمْ عَبِيدًا) خِلَافًا لَهُمَا (أَمَّا مَعَ الْخَطَأِ فَلَا) إجْمَاعًا بَحْرٌ (وَضَمِنَ شُهُودُ التَّعْلِيقِ) قِيمَةَ الْقِنِّ وَنِصْفَ الْمَهْرِ لَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ (لَا شُهُودُ الْإِحْصَانِ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ، بِخِلَافِ التَّزْكِيَةِ لِأَنَّهَا عِلَّةٌ (وَالشَّرْطِ) وَلَوْ وَحْدَهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ عَيْنِيٌّ. قَالَ: وَضَمِنَ شَاهِدَا الْإِيقَاعِ لَا التَّفْوِيضِ لِأَنَّهُ عِلَّةٌ وَالتَّفْوِيضَ سَبَبٌ اهـ.   [رد المحتار] وَيَرْجِعُ بِهِ الشَّاهِدُ عَلَى الْعَبْدِ عِنْدَهُمَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ يَضْمَنَانِ قِيمَتَهُ) وَالْفَرْقُ أَنَّهُمَا بِالْكِتَابَةِ حَالَا بَيْنَ الْمَوْلَى وَبَيْنِ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ بِشَهَادَتِهِمَا غَاصِبَيْنِ فَيَضْمَنَانِ قِيمَتَهُ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَحُولُ بَلْ تَنْقُصُ مَالِيَّتُهُ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ عَلَى الشُّهُودِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ عَنْ الْمُحِيطِ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلَّذِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالْكِتَابَةِ سَهْوٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَوَرِثَاهُ) أَيْ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ لَوْ كَانَا وَارِثَيْنِ لَهُ. (قَوْلُهُ لَا شُهُودُ الْأَصْلِ إلَخْ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي وَجْهِهِ لِأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا أَيْ شُهُودُ الْأَصْلِ السَّبَبَ وَهُوَ الْإِشْهَادُ وَذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الْقَضَاءَ لِأَنَّهُ خَبَرٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فَصَارَ كَرُجُوعِ الشَّاهِدِ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يُنْقَضُ بِهِ الشَّهَادَةُ لِهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَنْكَرُوا الْإِشْهَادَ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا يَقْضِي بِشَهَادَةِ الْفَرْعَيْنِ كَمَا إذَا رَجَعُوا قَبْلَهُ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فَلَا ضَمَانَ) لِأَنَّهُمْ مَا رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ إنَّمَا شَهِدُوا عَلَى غَيْرِهِمْ بِالرُّجُوعِ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ وَضَمِنَ الْمُزَكُّونَ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَطْلَقَ ضَمَانَهُمْ فَشَمِلَ الدِّيَةَ لَوْ زَكَّوْا شُهُودَ الزِّنَا فَرُجِمَ فَإِذَا الشُّهُودُ عَبِيدٌ أَوْ مَجُوسٌ فَالدِّيَةُ عَلَى الْمُزَكِّينَ عِنْدَهُ. (قَوْلُهُ بِكَوْنِهِمْ عَبِيدًا) بِأَنْ قَالُوا عَلِمْنَا أَنَّهُمْ عَبِيدٌ وَمَعَ ذَلِكَ زَكَّيْنَاهُمْ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَخْبَرَ الْمُزَكُّونَ بِالْحُرِّيَّةِ بِأَنْ قَالُوا هُمْ أَحْرَارٌ، أَمَّا إذَا قَالُوا هُمْ عُدُولٌ فَبَانُوا عَبِيدًا لَا يَضْمَنُونَ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا جَوْهَرَةٌ. (قَوْلُهُ أَمَّا مَعَ الْخَطَأِ) بِأَنْ قَالَ أَخْطَأْتُ فِي التَّزْكِيَةِ. (قَوْلُهُ وَضَمِنَ شُهُودُ التَّعْلِيقِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّهُمْ شُهُودُ الْعِلَّةِ إذْ التَّلَفُ يَحْصُلُ بِسَبَبِهِ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ وَالتَّطْلِيقُ وَهُمْ أَثْبَتُوهُ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ، فَيَضْمَنُ فِي الْأَوَّلِ الْقِيمَةَ وَفِي الثَّانِي نِصْفَ الْمَهْرِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ وَالشَّرْطِ) اعْلَمْ أَنَّ الشَّرْطَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوُجُودُ وَلَيْسَ بِمُؤَثِّرٍ فِي الْحُكْمِ وَلَا مُفْضٍ إلَيْهِ، وَالْعِلَّةَ هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِي الْحُكْمِ وَالسَّبَبَ هُوَ الْمُفْضِي، إلَى الْحُكْمِ بِلَا تَأْثِيرٍ، وَالْعَلَامَةَ مَا دَلَّ عَلَى الْحُكْمِ وَلَيْسَ الْوُجُودُ مُتَوَقِّفًا عَلَيْهِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْإِحْصَانَ شَرْطٌ كَمَا ذَكَرَ الْأَكْثَرُ لِتَوَقُّفِ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ مِنَحٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ شَاهِدَا الْإِيقَاعِ) قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي: شَهِدَا عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ امْرَأَتَهُ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَآخَرَانِ أَنَّهَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُمَا أَثْبَتَا السَّبَبَ وَالتَّفْوِيضُ شَرْطُ كَوْنِهِ سَبَبًا بَحْرٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ لَا التَّفْوِيضِ) أَيْ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ إلَى الْمَرْأَةِ أَوْ تَفْوِيضِ الْعِتْقِ إلَى الْعَبْدِ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهَا طَلُقَتْ وَأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ إلَخْ شُمُنِّيٌّ مَدَنِيٌّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 508 كِتَابُ الْوَكَالَةِ مُنَاسَبَتُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّاهِدِ وَالْوَكِيلِ سَاعٍ فِي تَحْصِيلِ مُرَادِ غَيْرِهِ (التَّوْكِيلُ صَحِيحٌ) بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، قَالَ تَعَالَى {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ} [الكهف: 19] «- وَوَكَّلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ بِشِرَاءِ أُضْحِيَّةٍ» ، وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، وَهُوَ خَاصٌّ وَعَامٌّ   [رد المحتار] [كِتَابُ الْوَكَالَةِ] قَوْلُهُ التَّوْكِيلُ صَحِيحٌ) لَمْ يَذْكُرْ مَا يَصِيرُ بِهِ وَكِيلًا وَلَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالرَّسُولِ، وَحَرَّرْتُهُ فِي بُيُوعِ تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ. قَالَ مُجَرِّدُ هَذِهِ الْحَوَاشِي: ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْحَامِدِيَّةِ فِي الْخِيَارَاتِ سُؤَالًا طَوِيلًا وَذَيَّلَهُ بِالْفَرْقِ، وَهَا أَنَا أَذْكُرُ السُّؤَالَ مِنْ أَصْلِهِ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سُئِلَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ نِصْفَ أَغْنَامٍ مَعْلُومَةٍ وَلَمْ يَرَهَا وَوَكَّلَ زَيْدًا بِقَبْضِهَا وَرَآهَا زَيْدٌ وَيَزْعُمُ الرَّجُلُ أَنَّ لَهُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ إذَا رَآهَا، وَإِنْ رَآهَا وَكِيلُهُ بِالْقَبْضِ فَهَلْ نَظَرُ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ مُسْقِطٌ خِيَارَ رُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ؟ الْجَوَابُ نَعَمْ، وَكَفَى رُؤْيَةُ وَكِيلِ قَبْضٍ وَوَكِيلِ شِرَاءٍ لَا رُؤْيَةُ رَسُولِ الْمُشْتَرِي تَنْوِيرٌ مِنْ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَنَظَرُ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ: أَيْ قَبْضِ الْمَبِيعِ مُسْقِطٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِيَارَ رُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ، يَعْنِي كَمَا أَنَّ نَظَرَ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ يُسْقِطُ خِيَارَهُ. وَقَالَا: هُوَ كَالرَّسُولِ، يَعْنِي: نَظَرُ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ كَنَظَرِ الرَّسُولِ فِي أَنَّهُ لَا يُسْقِطُ الْخِيَارَ، قَيَّدَ بِالْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِالرُّؤْيَةِ لَا تَكُونُ رُؤْيَتُهُ كَرُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ ابْنُ مَلَكٍ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْمُتُونِ وَأَطَالَ فِيهَا فِي الْبَحْرِ فَرَاجِعْهُ وَصُورَةُ التَّوْكِيلِ بِالْقَبْضِ كُنْ وَكِيلًا عَنِّي بِقَبْضِ مَا اشْتَرَيْتُهُ وَمَا رَأَيْتُهُ كَذَا فِي الدُّرَرِ. أَقُولُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالرَّسُولِ وَهُوَ لَازِمٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْمِعْرَاجِ: قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يُضِيفُ الْعَقْدَ إلَى الْمُوَكِّلِ وَالرَّسُولُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَتِهِ إلَى الْمُرْسِلِ. وَفِي الْفَوَائِدِ: صُورَةُ التَّوْكِيلِ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِغَيْرِهِ، كُنْ وَكِيلًا فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ أَوْ وَكَّلْتُكَ بِقَبْضِهِ. وَصُورَةُ الرَّسُولِ أَنْ يَقُولَ كُنْ رَسُولًا عَنِّي فِي قَبْضِهِ أَوْ أَرْسَلْتُكَ لِتَقْبِضَهُ أَوْ قُلْ لِفُلَانٍ أَنْ يَدْفَعَ الْمَبِيعَ إلَيْكَ، وَقِيلَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ فِي فَصْلِ الْأَمْرِ، بِأَنْ قَالَ اقْبِضْ الْمَبِيعَ فَلَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ، وَكَتَبْتُ فِيمَا عَلَّقْتُهُ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَهُ وَفِي الْفَوَائِدِ إلَخْ لَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ، فَالرَّسُولُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى مُرْسِلِهِ، لِمَا مَرَّ عَنْ الدُّرَرِ مِنْ أَنَّهُ مُعَبِّرٌ وَسَفِيرٌ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ لَا يُضَيِّفُ الْعَقْدَ إلَى الْمُوَكِّلِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّ الْوَكِيلَ فِيهَا كَالرَّسُولِ، حَتَّى لَوْ أَضَافَ النِّكَاحَ لِنَفْسِهِ كَانَ لَهُ، وَمَا فِي الْفَوَائِدِ بَيَانٌ لِمَا يَصِيرُ بِهِ الْوَكِيلُ وَكِيلًا وَالرَّسُولُ رَسُولًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَصِيرُ وَكِيلًا بِأَلْفَاظِ الْوَكَالَةِ، وَيَصِيرُ رَسُولًا بِأَلْفَاظِ الرِّسَالَةِ وَبِالْأَمْرِ، لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ: افْعَلْ كَذَا وَأَذِنْتُ لَكَ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا تَوْكِيلٌ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: دَفَعَ لَهُ أَلْفًا وَقَالَ: اشْتَرِ لِي بِهَا أَوْ بِعْ أَوْ قَالَ: اشْتَرِ بِهَا أَوْ بِعْ وَلَمْ يَقُلْ لِي كَانَ تَوْكِيلًا، وَكَذَا اشْتَرِ بِهَذَا الْأَلْفِ جَارِيَةً، وَأَشَارَ إلَى مَالِ نَفْسِهِ، وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ مَشُورَةً وَالشِّرَاءُ لِلْمَأْمُورِ إلَّا إذَا زَادَ، عَلَى أَنْ أُعْطِيَكَ لِأَجْلِ شِرَائِكَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْأَجْرِ لَهُ يَدُلُّ عَلَى الْإِنَابَةِ اهـ. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ أَمْرٍ تَوْكِيلًا بَلْ لَا بُدَّ مِمَّا يُفِيدُ كَوْنَ فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الْآمِرِ فَلْيُحْفَظْ اهـ. هَذَا جَمِيعُ مَا كَتَبَهُ نَقَلْتُهُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَوْلُهُ وَوَكَّلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِسَنَدٍ فِيهِ مَجْهُولٌ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ حَكِيمٍ وَقَالَ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 509 كَأَنْتَ وَكِيلِي فِي كُلِّ شَيْءٍ عَمَّ الْكُلَّ حَتَّى الطَّلَاقَ قَالَ الشَّهِيدُ: وَبِهِ يُفْتَى، وَخَصَّهُ أَبُو اللَّيْثِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَوَقْفٍ، وَاعْتَمَدَهُ فِي الْأَشْبَاهِ، وَخَصَّهُ قَاضِي خَانَ بِالْمُعَاوَضَاتِ، فَلَا يَلِي الْعِتْقَ وَالتَّبَرُّعَاتِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ وَزَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ، وَسَيَجِيءُ أَنَّ بِهِ يُفْتَى، وَاعْتَمَدَهُ فِي الْمُلْتَقَطِ فَقَالَ: وَأَمَّا الْهِبَاتُ وَالْعَتَاقُ فَلَا يَكُونُ وَكِيلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوَكِّلِ صِنَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ (وَهُوَ إقَامَةُ الْغَيْرِ مَقَامَ نَفْسِهِ) تَرَفُّهًا أَوْ عَجْزًا (فِي تَصَرُّفٍ جَائِزٍ مَعْلُومٍ،   [رد المحتار] الْوَجْهِ، وَحَبِيبٌ لَمْ يَسْمَعْ عِنْدِي مِنْ حَكِيمٍ إلَّا أَنَّ هَذَا دَاخِلٌ فِي الْإِرْسَالِ عِنْدَنَا فَيَصْدُقُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: أَيْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ صَحَّ إذَا كَانَ حَبِيبٌ إمَامًا ثِقَةً فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَأَنْتَ وَكِيلِي فِي كُلِّ شَيْءٍ) نَقَلَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَغَيْرِهَا عَنْ قَاضِي خَانَ: لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَنْتِ وَكِيلِي فِي كُلِّ شَيْءٍ أَوْ قَالَ: أَنْتَ وَكِيلِي بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ يَكُونُ وَكِيلًا بِحِفْظٍ لَا غَيْرُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ وَكِيلِي فِي كُلِّ شَيْءٍ جَائِزٌ أَمْرُكَ يَصِيرُ وَكِيلًا فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَوَقْفٍ، فَقِيلَ يَمْلِكُ ذَلِكَ لِإِطْلَاقِ تَعْمِيمِ اللَّفْظِ، وَقِيلَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ إلَّا إذَا دَلَّ دَلِيلُ سَابِقَةِ الْكَلَامِ وَنَحْوِهِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ سَابِقًا وَلَاحِقًا فَتَدَبَّرْ، وَلِابْنِ نُجَيْمٍ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا [الْمَسْأَلَةُ الْخَاصَّةُ فِي الْوَكَالَةِ الْعَامَّةِ] ذَكَرَ فِيهَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَمَا فِي فَتَاوَى أَبِي جَعْفَرٍ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْتَ وَكِيلِي فِي كُلِّ شَيْءٍ جَائِزٌ أَمْرُكَ مَلَكَ الْحِفْظَ وَالْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَيَمْلِكُ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ، حَتَّى إذَا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ جَازَ حَتَّى يَعْلَمَ خِلَافَهُ مِنْ قَصْدِ الْمُوَكِّلِ. وَعَنْ الْإِمَامِ تَخْصِيصُهُ بِالْمُعَاوَضَاتِ، وَلَا يَلِي الْعِتْقَ وَالتَّبَرُّعَ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَكَذَا لَوْ قَالَ طَلَّقْتُ امْرَأَتَكَ وَوَهَبْتُ وَوَقَفْتُ أَرْضَكَ فِي الْأَصَحِّ لَا يَجُوزُ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالْمُعَاوَضَاتِ لَا بِالْإِعْتَاقِ وَالْهِبَاتِ، وَبِهِ يُفْتَى اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَكِيلَ وَكَالَةً عَامَّةً يَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ وَالْوَقْفَ وَالْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَ الْإِبْرَاءَ وَالْحَطَّ عَنْ الْمَدْيُونِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ قَبِيلِ التَّبَرُّعِ فَدَخَلَا تَحْتَ قَوْلِ الْبَزَّازِيِّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي مَرَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى وَهَلْ لَهُ الْإِقْرَاضُ وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَإِنَّهُمَا بِالنَّظَرِ إلَى الِابْتِدَاءِ تَبَرُّعٌ، فَإِنَّ الْقَرْضَ عَارِيَّةٌ ابْتِدَاءً، مُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ هِبَةٌ ابْتِدَاءً مُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَهُمَا الْوَكِيلُ بِالتَّوْكِيلِ الْعَامِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُمَا إلَّا مَنْ يَمْلِكُ التَّبَرُّعَاتِ، وَلِذَا لَا يَجُوزُ إقْرَاضُ الْوَصِيِّ مَالَ الْيَتِيمِ وَلَا هِبَتُهُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَإِنْ كَانَتْ مُعَاوَضَةً فِي الِانْتِهَاءِ، وَظَاهِرُ الْعُمُومِ أَنَّهُ يَمْلِكُ قَبْضَ الدَّيْنِ وَاقْتِضَاءَهُ وَإِيفَاءَهُ وَالدَّعْوَى بِحُقُوقِ الْمُوَكِّلِ وَسَمَاعَ الدَّعْوَى بِحُقُوقٍ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَالْأَقَارِيرَ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِالدُّيُونِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ لَا فِي الْعَامِّ. فَإِنْ قُلْتَ: لَوْ وَكَّلَهُ بِصِيغَةِ وَكَّلْتُكَ وَكَالَةً مُطْلَقَةً عَامَّةً فَهَلْ يَتَنَاوَلُ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ وَالتَّبَرُّعَاتِ؟ قُلْتُ: لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْأَلْفَاظِ مَا صَرَّحَ قَاضِي خَانَ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ عَامٌّ وَمَعَ ذَلِكَ قَالُوا بِعَدَمِهِ اهـ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي رِسَالَتِهِ مُلَخَّصًا، وَقَدْ سَاقَهَا الْفَتَّالُ فِي حَاشِيَتِهِ بِرُمَّتِهَا (قَوْلُهُ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ) عِبَارَتُهَا نَقْلًا عَنْ الْخَانِيَّةِ: وَفِي فَتَاوَى الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ: وَكَّلْتُكَ فِي جَمِيعِ أُمُورِي وَأَقَمْتُكَ مَقَامَ نَفْسِي لَا تَكُونُ الْوَكَالَةُ عَامَّةً، وَلَوْ قَالَ: وَكَّلْتُكَ فِي جَمِيعِ أُمُورِي الَّتِي يَجُوزُ بِهَا التَّوْكِيلُ كَانَتْ الْوَكَالَةُ عَامَّةً تَتَنَاوَلُ الْبِيَاعَاتِ وَالْأَنْكِحَةَ. وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إذَا لَمْ تَكُنْ عَامَّةً يُنْظَرُ، إنْ كَانَ الرَّجُلُ يَخْتَلِفُ لَيْسَ لَهُ صِنَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ فَالْوَكَالَةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 510 فَلَوْ جُهِلَ ثَبَتَ الْأَدْنَى وَهُوَ الْحِفْظُ مِمَّنْ يَمْلِكُهُ) أَيْ التَّصَرُّفُ نَظَرًا إلَى أَصْلِ التَّصَرُّفِ، وَإِنْ امْتَنَعَ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ بِعَارِضِ النَّهْيِ ابْنُ كَمَالٍ (فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ مُطْلَقًا وَصَبِيٌّ يَعْقِلُ بِتَصَرُّفٍ) ضَارٍّ (نَحْوَ طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ، وَصَحَّ بِمَا يَنْفَعُهُ) بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ (كَقَبُولِ هِبَةٍ، وَ) صَحَّ (بِمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ ضَرَرٍ وَنَفْعٍ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ إنْ مَأْذُونًا وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ) كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ (وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ عَبْدٍ مَحْجُورٍ وَصَحَّ لَوْ مَأْذُونًا أَوْ مُكَاتَبًا، وَتَوَقَّفَ تَوْكِيلُ مُرْتَدٍّ، فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ لَحِقَ أَوْ قُتِلَ لَا) . خِلَافًا لَهُمَا (وَ) صَحَّ (تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ ذِمِّيًّا بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) وَشِرَائِهِمَا كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ (وَمُحْرِمٍ حَلَالًا بِبَيْعِ صَيْدٍ وَإِنْ امْتَنَعَ عَنْهُ الْمُوَكِّلُ لِعَارِضِ) النَّهْيِ كَمَا قَدَّمْنَا فَتَنَبَّهْ. ثُمَّ ذَكَرَ شَرْطَ التَّوْكِيلِ فَقَالَ (إذَا كَانَ الْوَكِيلُ يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا) لَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ الْآنَ فِي صِحَّةِ الْوَكَالَةِ لَا فِي صِحَّةِ بَيْعِ الْوَكِيلِ فَلِذَا لَمْ يَقُلْ وَيَقْصِدُهُ تَبَعًا لِلْكَنْزِ. ثُمَّ ذَكَرَ ضَابِطَ الْمُوَكَّلِ فِيهِ فَقَالَ   [رد المحتار] بَاطِلَةٌ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ تَاجِرًا تِجَارَةً مَعْرُوفَةً تَنْصَرِفُ إلَيْهَا اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، إذْ صُورَةُ الْبُطْلَانِ لَيْسَتْ فِي قَوْلِهِ أَنْتَ وَكِيلِي فِي كُلِّ شَيْءٍ كَمَا بَنَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ بَلْ فِي غَيْرِهَا وَهِيَ وَكَّلْتُكَ فِي جَمِيعِ أُمُورِي إلَخْ إلَّا أَنْ يُقَالَ هُمَا سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الْعُمُومِ، وَلَكِنْ مَبْنَى كَلَامِهِ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَامٌّ وَلَكِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ مَا فِيهِ مِمَّا نَقَلْنَاهُ سَابِقًا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ مِمَّا الْكَلَامُ فِيهِ اهـ (قَوْلُهُ فَلَوْ جَهِلَ) كَمَا لَوْ قَالَ وَكَّلْتُكَ بِمَالِي مِنَحٌ (قَوْلُهُ نَظَرًا إلَى أَصْلِ التَّصَرُّفِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يَرِدُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ ذِمِّيًّا بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَتَوْكِيلِ الْمُحْرِمِ حَلَالًا بِبَيْعِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ صَحِيحٌ عِنْدَهُ وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ س. (قَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ مَجْنُونٍ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ (قَوْلُهُ بِتَصَرُّفٍ) مُتَعَلِّقٌ بِتَوْكِيلٍ (قَوْلُهُ إنْ مَأْذُونًا) أَيْ إنْ كَانَ الصَّبِيُّ الْمُوَكَّلُ مَأْذُونًا (قَوْلُهُ تَوْكِيلُ عَبْدٍ) مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ (قَوْلُهُ تَوْكِيلُ مُرْتَدٍّ) بِخِلَافِ تَوَكُّلِهِ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ امْتَنَعَ عَنْهُ الْمُوَكِّلُ إلَخْ) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا شِرَاءً فَاسِدًا وَأَعْتَقَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ أَمَرَ الْبَائِعَ بِإِعْتَاقِهِ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَابِضًا اقْتِضَاءً كَمَا قَدَّمَهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ (قَوْلُهُ فَتَنَبَّهْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ كَمَا قَدَّمَهُ. (قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ) عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ: أَيْ ذَكَرَ شَرْطَ الْمُوَكَّلِ بِهِ وَالْمُوَكِّلَ ثُمَّ ذَكَرَ إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ يَعْقِلُ الْعَقْدَ) أَيْ يَعْقِلُ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ لِلْمَبِيعِ جَالِبٌ لِلثَّمَنِ وَأَنَّ الشِّرَاءَ بِالْعَكْسِ ح. وَفِي الْبَحْرِ: وَمَا يَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ فَالْعَقْلُ فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ لَا الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَعَدَمُ الرِّدَّةِ، فَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الْمُرْتَدِّ وَلَا يَتَوَقَّفُ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَقِّفَ مِلْكُهُ وَالْعِلْمُ لِلْوَكِيلِ بِالتَّوْكِيلِ، فَلَوْ وَكَّلَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ فَتَصَرَّفَ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ أَوْ الْوَكِيلِ بَعْدَ عِلْمِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ صَبِيًّا) قَالَ فِي جَامِعِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ: فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ فَصَارَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ بِثَمَنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ فَبَاعَ جَازَ بَيْعُهُ وَلَزِمَتْهُ الْعُهْدَةُ، وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ، فَإِنْ كَانَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ لَا تَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَى الْآمِرِ حَتَّى إنَّ الْبَائِعَ يُطَالِبُ الْآمِرَ بِالثَّمَنِ دُونَ الصَّبِيِّ، وَإِنْ وَكَّلَهُ بِالشِّرَاءِ بِثَمَنٍ حَالٍّ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَلْزَمَهُ الْعُهْدَةُ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَلْزَمُهُ اهـ فَقَالَ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالْحُقُوقُ فِيمَا يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إلَى نَفْسِهِ إلَخْ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ مَحْجُورًا) صِفَةٌ لِلصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ فَلِذَا لَمْ يَقُلْ وَيَقْصِدُهُ) أَيْ الْبَيْعَ احْتِرَازًا عَنْ بَيْعِ الْهَازِلِ وَالْمُكْرَهِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ تَبَعًا لِلْكَنْزِ) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ تَابِعًا فِي عَدَمِ الْقَوْلِ لِلْكَنْزِ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مُحْتَرِزًا بِهِ عَنْ بَيْعِ الْهَازِلِ وَالْمُكْرَهِ ح. (قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ ضَابِطَ الْمُوَكَّلِ فِيهِ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ضَابِطٌ لَا حَدٌّ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ الْخَمْرِ وَيَمْلِكُ تَوْكِيلَ الذِّمِّيِّ بِهِ؛ لِأَنَّ إبْطَالَ الْقَوَاعِدِ بِإِبْطَالِ الطَّرْدِ لَا الْعَكْسُ، وَلَا يُبْطِلُ طَرْدَهُ عَدَمُ تَوْكِيلِ الذِّمِّيِّ مُسْلِمًا بِبَيْعِ خَمْرِهِ، وَهُوَ يَمْلِكُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 511 (بِكُلِّ مَا يُبَاشِرُهُ) الْمُوَكِّلُ (بِنَفْسِهِ) لِنَفْسِهِ فَشَمِلَ الْخُصُومَةَ فَلِذَا قَالَ (فَصَحَّ بِخُصُومَةٍ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ بِرِضَا الْخَصْمِ) وَجَوَّزَاهُ بِلَا رِضَاهُ، وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ، وَعَلَيْهِ فَتْوَى أَبِي اللَّيْثِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ الْعَتَّابِيُّ. وَصَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى تَفْوِيضُهُ لِلْحَاكِمِ دُرَرٌ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْمُوَكِّلُ (مَرِيضًا) لَا يُمْكِنُهُ حُضُورُ مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِقَدَمَيْهِ ابْنُ كَمَالٍ (أَوْ غَائِبًا مُدَّةَ سَفَرٍ أَوْ مُرِيدًا لَهُ) وَيَكْفِي قَوْلُهُ أَنَا أُرِيدُ السَّفَرَ ابْنُ كَمَالٍ (أَوْ مُخَدَّرَةً) لَمْ تُخَالِطْ الرِّجَالَ كَمَا مَرَّ (أَوْ حَائِضًا) أَوْ نُفَسَاءَ (وَالْحَاكِمُ بِالْمَسْجِدِ) إذَا لَمْ يَرْضَ الطَّالِبُ بِالتَّأْخِيرِ بَحْرٌ (أَوْ مَحْبُوسًا مِنْ غَيْرِ حَاكِمِ) هَذِهِ (الْخُصُومَةِ) فَلَوْ مِنْهُ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ بَزَّازِيَّةٌ بَحْثًا (أَوْ لَا يُحْسِنُ الدَّعْوَى) خَانِيَّةٌ (لَا) يَكُونُ مِنْ الْأَعْذَارِ (إنْ كَانَ) الْمُوَكِّلُ (شَرِيفًا خَاصَمَ مَنْ دُونَهُ) بَلْ الشَّرِيفُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ بَحْرٌ   [رد المحتار] لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّوَصُّلَ بِهِ بِتَوْكِيلِ الذِّمِّيِّ بِهِ فَصَدَقَ الضَّابِطُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: كُلُّ عَقْدٍ يَمْلِكُهُ يَمْلِكُ تَوْكِيلَ كُلِّ أَحَدٍ بِهِ بَلْ التَّوَصُّلُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بِكُلِّ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِ الْمَاتِنِ أَوَّلَ الْبَابِ: التَّوْكِيلُ صَحِيحٌ لِنَفْسِهِ أَخْرَجَ الْوَكِيلَ فَإِنَّهُ لَا يُوَكِّلُ مَعَ أَنَّهُ يُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ فَشَمِلَ الْخُصُومَةَ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ بِكُلِّ مَا يُبَاشِرُهُ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْكَنْزِ بِكُلِّ مَا يُعْقَدُ لِشُمُولِهِ الْعَقْدَ وَغَيْرَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ: أَيْ كَالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ (قَوْلُهُ فَصَحَّ بِخُصُومَةٍ) شَمِلَ بَعْضًا مُعَيَّنًا وَجَمِيعَهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ: وَفِيهِ عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي، وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي الْخُصُومَةِ لَهُ لَا عَلَيْهِ، فَلَهُ إثْبَاتُ مَا لِلْمُوَكِّلِ فَلَوْ أَرَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّفْعَ لَمْ يُسْمَعْ. قَالَ: فَالْحَاصِلُ أَنَّهَا تَتَخَصَّصُ بِتَخْصِيصِ الْمُوَكِّلِ وَتُعَمَّمُ بِتَعْمِيمِهِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَوْ وَكَّلَهُ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ وَبِخُصُومَتِهِ فِي كُلِّ حَقٍّ لَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمُخَاصَمَ بِهِ وَالْمُخَاصَمَ فِيهِ جَازَ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ بِرِضَا الْخَصْمِ) شَمِلَ الطَّالِبَ وَالْمَطْلُوبَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَجَوَّزَاهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: لَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي اللُّزُومِ، يَعْنِي هَلْ تَرْتَدُّ الْوَكَالَةُ بِرَدِّ الْخَصْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نَعَمْ وَعِنْدَهُمَا لَا وَيُجْبَرُ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ فَتْوَى أَبِي اللَّيْثِ) أَفْتَى الرَّمْلِيُّ بِقَوْلِ الْإِمَامِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُتُونُ وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ تَفْوِيضُهُ لِلْحَاكِمِ) بَحَثَ فِيهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، فَانْظُرْ مَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الزَّيْلَعِيِّ: أَيْ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا عَلِمَ مِنْ الْخَصْمِ التَّعَنُّتَ فِي الْإِبَاءِ عَنْ قَبُولِ التَّوْكِيلِ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ عَلِمَ مِنْ الْمُوَكِّلِ قَصْدَ الْإِضْرَارِ لِخَصْمِهِ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ التَّوْكِيلَ إلَّا بِرِضًا اهـ (قَوْلُهُ لَا يُمْكِنُهُ حُضُورُ مَجْلِسِ الْحُكْمِ) وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْحُضُورِ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَوْ ظَهْرِ إنْسَانٍ، فَإِنْ ازْدَادَ مَرَضُهُ بِذَلِكَ لَزِمَ تَوْكِيلُهُ، فَإِنْ لَمْ يَزِدْ قِيلَ عَلَى الْخِلَافِ وَالصَّحِيحُ لُزُومُهُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَيَكْفِي قَوْلُهُ أَنَا أُرِيدُ السَّفَرَ) قَالَ فِي الْبَحْرِ، وَفِي الْمُحِيطِ: وَإِرَادَةُ السَّفَرِ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلِهَا، وَهُوَ إمَّا تَصْدِيقُ الْخَصْمِ بِهَا أَوْ الْقَرِينَةُ الظَّاهِرَةُ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنِّي أُرِيدُ السَّفَرَ لَكِنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ فِي حَالِهِ وَفِي عُدَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا تَخْفَى هَيْئَةُ مَنْ يُسَافِرُ، كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ قَالَ: أَخْرُجُ بِالْقَافِلَةِ الْفُلَانِيَّةِ سَأَلَهُمْ عَنْهُ كَمَا فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ. وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ: وَإِنْ كَذَّبَهُ الْخَصْمُ فِي إرَادَتِهِ السَّفَرَ يُحَلِّفُهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ إنَّكَ تُرِيدُ السَّفَرَ اهـ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَرْضَ الطَّالِبُ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: إنْ كَانَتْ هِيَ طَالِبَةً قُبِلَ مِنْهَا التَّوْكِيلُ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ، وَإِنْ كَانَتْ مَطْلُوبَةً إنْ أَخَّرَهَا الطَّالِبُ حَتَّى يَخْرُجَ الْقَاضِي مِنْ الْمَسْجِدِ لَا يُقْبَلُ مِنْهَا التَّوْكِيلُ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهَا إلَى التَّوْكِيلِ اهـ (قَوْلُهُ بَزَّازِيَّةٌ بَحْثًا) عِبَارَتُهَا وَكَوْنُهُ مَحْبُوسًا مِنْ الْأَعْذَارِ يَلْزَمُهُ تَوْكِيلُهُ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الشَّاهِدُ مَحْبُوسًا لَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى شَهَادَتِهِ. قَالَ الْقَاضِي: إنْ فِي سِجْنِ الْقَاضِي لَا يَكُونُ عُذْرًا؛ لِأَنَّهُ يُخْرِجُهُ حَتَّى يَشْهَدَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي الدَّعْوَى أَيْضًا كَذَلِكَ بِأَنْ يُجِيبَ عَنْ الدَّعْوَى ثُمَّ يُعَادُ اهـ. قُلْتُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مَفْهُومُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ عِنْدِهِ بَلْ وَاقِعَةٌ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ وَالْمَفَاهِيمُ حُجَّةٌ، بَلْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ مَحْبُوسًا فَعَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ كَانَ فِي حَبْسِ هَذَا الْقَاضِي لَا يُقْبَلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 512 (وَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الرِّضَا قَبْلَ سَمَاعِ الْحَاكِمِ الدَّعْوَى) لَا بَعْدَهُ قُنْيَةٌ (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِهَا مُخَدَّرَةً إنْ مِنْ بَنَاتِ الْأَشْرَافِ فَالْقَوْلُ لَهَا مُطْلَقًا) وَلَوْ ثَيِّبًا فَيُرْسِلُ أَمِينَهُ لِيُحَلِّفَهَا مَعَ شَاهِدَيْنِ بَحْرٌ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ (وَإِنْ مِنْ الْأَوْسَاطِ فَالْقَوْلُ لَهَا لَوْ بِكْرًا، وَإِنْ) هِيَ (مِنْ الْأَسَافِلِ فَلَا فِي الْوَجْهَيْنِ) عَمَلًا بِالظَّاهِرِ بَزَّازِيَّةٌ. (وَ) صَحَّ (بِإِيفَائِهَا وَ) كَذَا بِ (بِاسْتِيفَائِهَا إلَّا فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ) بِغَيْبَةِ مُوَكِّلِهِ عَنْ الْمَجْلِسِ مُلْتَقًى (وَحُقُوقِ عَقْدٍ لَا بُدَّ مِنْ إضَافَتِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْعَقْدِ (إلَى الْوَكِيلِ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَصُلْحٍ، عَنْ إقْرَارٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ) مَا دَامَ حَيًّا وَلَوْ غَائِبًا ابْنُ مَلَكٍ (إنْ لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا) (كَتَسْلِيمِ مَبِيعٍ وَقَبْضِهِ وَقَبْضِ ثَمَنٍ وَرُجُوعٍ بِهِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهِ وَخُصُومَةٍ فِي عَيْبٍ بِلَا فَصْلٍ بَيْنَ حُضُورِ مُوَكِّلِهِ وَغَيْبَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، لَكِنْ فِي الْجَوْهَرَةِ: لَوْ حَضَرَا فَالْعُهْدَةُ عَلَى آخِذِ الثَّمَنِ لَا الْعَاقِدِ فِي أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ، وَلَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمُوَكِّلِ تَتَعَلَّقُ الْحُقُوقُ بِالْمُوَكِّلِ اتِّفَاقًا ابْنُ مَلَكٍ فَلْيُحْفَظْ، فَقَوْلُهُ: لَا بُدَّ، فِيهِ مَا فِيهِ وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ   [رد المحتار] التَّوْكِيلُ بِلَا رِضَاهُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُهُ مِنْ السِّجْنِ لِيُخَاصِمَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي حَبْسِ الْوَالِي وَلَا يُمَكِّنُهُ الْوَالِي مِنْ الْخُرُوجِ لِلْخُصُومَةِ يُقْبَلُ مِنْهُ التَّوْكِيلُ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَيُرْسِلُ أَمِينَهُ) أَيْ الْقَاضِي (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لَهَا) أَيْ إذَا وَجَبَ عَلَيْهَا يَمِينٌ (قَوْلُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا. (قَوْلُهُ وَصَحَّ بِإِيفَائِهَا) أَيْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، أَيْ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِإِيفَاءِ جَمِيعِ الْحُقُوقِ وَاسْتِيفَائِهَا إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُبَاشِرُهُ بِنَفْسِهِ فَيَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِهِ، بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِيفَاءِ هُنَا دَفْعُ مَا عَلَيْهِ وَبِالِاسْتِيفَاءِ الْقَبْضُ مِنَحٌ (قَوْلُهُ إلَّا فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَبِإِيفَائِهَا وَاسْتِيفَائِهَا، وَقَوْلُهُ بِغَيْبَةِ مُوَكِّلِهِ قَيْدٌ لِلثَّانِي فَقَطْ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ، وَقَوْلُهُ قَبْلَهُ بِاسْتِيفَائِهَا: أَيْ وَكَذَا بِإِثْبَاتِهَا بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ هُنَا لِدُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ فَصَحَّ بِخُصُومَةٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ) أَيْ بِالْوَكِيلِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ مَا دَامَ حَيًّا وَلَوْ غَائِبًا) فَإِذَا بَاعَ وَغَابَ لَا يَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ قَبْضُ الثَّمَنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَقَوْلُهُ مَا دَامَ حَيًّا عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الصُّغْرَى، وَلَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ: وَشَمِلَ مَا إذَا مَاتَ، لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: إنْ مَاتَ الْوَكِيلُ عَنْ وَصِيٍّ قَالَ الْفَضْلِيُّ تَنْتَقِلُ الْحُقُوقُ إلَى وَصِيِّهِ لَا الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَصِيٌّ يُرْفَعُ إلَى الْحَاكِمِ يُنَصِّبُ وَصِيًّا عِنْدَ الْقَبْضِ وَهُوَ الْمَعْقُولُ. وَقِيلَ يَنْتَقِلُ إلَى مُوَكِّلِهِ وِلَايَةُ قَبْضِهِ فَيَحْتَاطُ عِنْدَ الْفَتْوَى اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ وَرَقَةٍ وَنِصْفٍ: وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى بِالنَّسِيئَةِ فَمَاتَ الْوَكِيلُ حَلَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ وَيَبْقَى الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَجَزْمُهُ هُنَا يَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ مَا قَالَ إنَّهُ الْمَعْقُولُ، وَقَدْ أَفْتَيْتُ بِهِ بَعْدَ مَا احْتَطْتُ كَمَا قَالَ فِيمَا سَبَقَ اهـ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ الْوَكِيلُ (قَوْلُهُ مَحْجُورًا) فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا كَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ الْمَحْجُورَيْنِ فَإِنَّهُمَا إذَا عَقَدَا بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ تَتَعَلَّقُ حُقُوقُ عَقْدِهِمَا بِالْمُوَكِّلِ س. (قَوْلُهُ كَتَسْلِيمِ مَبِيعٍ) بَيَانٌ لِحُقُوقِ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ وَرُجُوعٍ بِهِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهِ) شَامِلٌ لِمَسْأَلَتَيْنِ. الْأُولَى مَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ بَائِعًا وَقَبَضَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَكِيلِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ بَاقِيًا فِي يَدِهِ أَوْ سَلَّمَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَهُوَ يَرْجِعُ عَلَى مُوَكِّلِهِ. الثَّانِيَةُ مَا إذَا كَانَ مُشْتَرِيًا فَاسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ مِنْ يَدِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ دُونَ مُوَكِّلِهِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: الْمُشْتَرِي مِنْ الْوَكِيلِ إنْ بَاعَهُ مِنْ الْوَكِيلِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مِنْ الْوَكِيلِ رَجَعَ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُشْتَرَى مِنْهُ وَهُوَ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الثَّمَنِ اهـ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فِي عَيْبٍ) شَامِلٌ لِمَسْأَلَتَيْنِ أَيْضًا: أَمَّا إذَا كَانَ بَائِعًا فَيَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ، وَمَا إذَا كَانَ مُشْتَرِيًا فَيَرُدُّهُ الْوَكِيلُ عَلَى بَائِعِهِ، لَكِنْ بِشَرْطِ كَوْنِهِ فِي يَدِهِ، فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَلَا يَرُدُّهُ إلَّا بِإِذْنِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَضَافَ إلَخْ) رَدَّهُ فِي الْبَحْرِ فَرَاجِعْهُ، فَلَا يَرِدُ اعْتِرَاضُهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ. وَهَا هُنَا كَلَامٌ فِي حَاشِيَةِ الْفَتَّالِ وَحَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ فَرَاجِعْهُ وَكَذَا فِي نُورِ الْعَيْنِ فِي أَحْكَامِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 513 يَكْتَفِي بِالْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ فَافْهَمْ. (وَشَرْطُ) الْمُوَكِّلِ (عَدَمَ تَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِهِ) أَيْ بِالْوَكِيلِ (لَغْوٌ) بَاطِلٌ جَوْهَرَةٌ (وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً) فِي الْأَصَحِّ (فَلَا يَعْتِقُ قَرِيبُ الْوَكِيلِ بِشِرَائِهِ وَلَا يَفْسُدُ نِكَاحُ زَوْجَتِهِ بِهِ وَ) لَكِنْ (هُمَا) ثَابِتَانِ (عَلَى الْمُوَكِّلِ لَوْ اشْتَرَى وَكِيلُهُ قَرِيبَ مُوَكِّلِهِ وَزَوْجَتَهُ) ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْعِتْقِ وَالْفَسَادِ الْمِلْكُ الْمُسْتَقِرُّ (وَفِي كُلِّ عَقْدٍ لَا بُدَّ مِنْ إضَافَتِهِ إلَى مُوَكِّلِهِ) يَعْنِي لَا يَسْتَغْنِي عَنْ الْإِضَافَةِ إلَى مُوَكِّلِهِ، حَتَّى لَوْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ لَا يَصِحُّ ابْنُ كَمَالٍ (كَنِكَاحٍ وَخُلْعٍ وَصُلْحٍ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ أَوْ عَنْ إنْكَارٍ وَعِتْقٍ عَلَى مَالٍ وَكِتَابَةٍ وَهِبَةٍ وَتَصَدُّقٍ وَإِعَارَةٍ وَإِيدَاعٍ وَرَهْنٍ وَإِقْرَاضٍ) وَشَرِكَةٍ وَمُضَارَبَةٍ عَيْنِيٌّ (تَتَعَلَّقُ بِمُوَكِّلِهِ) لَا بِهِ لِكَوْنِهِ فِيهَا سَفِيرًا مَحْضًا، حَتَّى لَوْ أَضَافَهُ لِنَفْسِهِ وَقَعَ النِّكَاحُ لَهُ فَكَانَ كَالرَّسُولِ (فَلَا مُطَالَبَةَ عَلَيْهِ) فِي النِّكَاحِ (بِمَهْرٍ وَتَسْلِيمٍ) لِلزَّوْجَةِ (وَلِلْمُشْتَرِي الْإِبَاءُ عَنْ دَفْعِ الثَّمَنِ لِلْمُوَكِّلِ وَإِنْ دَفَعَ) لَهُ (صَحَّ وَلَوْ مَعَ نَهْيِ الْوَكِيلِ) اسْتِحْسَانًا (وَلَا يُطَالِبُهُ الْوَكِيلُ ثَانِيًا) لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، نَعَمْ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْوَكِيلِ لَوْ وَحْدَهُ وَيَضْمَنُهُ لِمُوَكِّلِهِ   [رد المحتار] الْوَكَالَةِ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ، وَكَتَبْتُهُ فِي هَامِشِ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ يَكْتَفِي) أَيْ مِنْ غَيْرِ لُزُومٍ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ إلَخْ) هَذَا لَا يُنَاسِبُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ، بَلْ هُوَ جَارٍ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ ابْتِدَاءً ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ لَا يَصِحُّ) أَيْ لَا يَصِحُّ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ الْآتِيَ حَتَّى لَوْ أَضَافَ النِّكَاحَ لِنَفْسِهِ وَقَعَ النِّكَاحُ لَهُ كَمَا ظُنَّ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إذَا أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ بِأَنْ قَالَ: إنَّ فُلَانًا أَمَرَنِي أَنْ أُطَلِّقَ أَوْ أُعْتِقَ يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ عُهْدَتَهُمَا عَلَى الْمُوَكِّلِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَوْ أَخْرَجَ الْكَلَامَ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ مَخْرَجَ الْوَكَالَةِ بِأَنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ صَحَّ إلَّا فِي النِّكَاحِ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الطَّلَاقِ أَضَافَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَهِيَ لِلْمُوَكِّلِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَذِمَّةُ الْوَكِيلِ قَابِلَةٌ لِلْمَهْرِ حَتَّى لَوْ كَانَ بِالنِّكَاحِ مِنْ جَانِبِهَا وَأُخْرِجَ مَخْرَجَ الْوَكَالَةِ لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا لِإِضَافَتِهِ إلَى الْمَرْأَةِ مَعْنًى فَكَأَنَّهُ قَالَ مَلَّكْتُكَ بُضْعَ مُوَكِّلَتِي اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَعَلَى هَذَا مَعْنَى الْإِضَافَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ مُخْتَلِفٌ، فَفِي وَكِيلِ النِّكَاحِ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ، وَفِيمَا عَدَاهُ عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ فَيَجُوزُ عَدَمُهُ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الْفَتَّالِ عَنْ الْأَشْبَاهِ: الْوَكِيلُ بِالْإِبْرَاءِ إذَا أَبْرَأَ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى مُوَكِّلِهِ لَمْ يَصِحَّ كَذَا فِي الْخِزَانَةِ اهـ. أَقُولُ: وَظَاهِرُ مَا فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا تَلْزَمُ الْإِضَافَةُ إلَّا فِي النِّكَاحِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ فَانْظُرْ مَا فِي الدُّرَرِ وَتَدَبَّرْ، وَانْظُرْ مَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ وَرَاجِعْ أَيْمَانَ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ عَنْ إنْكَارِ) هَذَا الصُّلْحِ لَا تَصْلُحُ إضَافَتُهُ إلَى الْوَكِيلِ، بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ إقْرَارٍ فَإِنَّهُ تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، وَقَدْ عَرَفْتَ اخْتِلَافَ الْإِضَافَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَافْتَرَقَ الصُّلْحَانِ فِي الْإِضَافَةِ ابْنُ كَمَالٍ. وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ لَا فَرْقَ فِيهِمَا (قَوْلُهُ وَهِبَةٍ وَتَصَدُّقٍ) اُنْظُرْ مَا حُقُوقُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمُوَكِّلِ (قَوْلُهُ سَفِيرًا) السَّفِيرُ الرَّسُولُ وَالْمُصْلِحُ بَيْنَ الْقَوْمِ صِحَاحٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ فَإِنَّهُ يُضِيفُهُمَا إلَى مُوَكِّلِهِ فَإِنَّهُ يَقُولُ خَالَعَكِ مُوَكِّلِي بِكَذَا، وَكَذَا فِي أَمْثَالِهِ ابْنُ مَلَكٍ مَجْمَعٌ (قَوْلُهُ بِمَهْرٍ) أَيْ إذَا كَانَ وَكِيلَ الزَّوْجِ (قَوْلُهُ وَتَسْلِيمٍ) أَيْ إذَا كَانَ وَكِيلَهَا (قَوْلُهُ لِلْمُوَكِّلِ) لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا عَنْ الْحُقُوقِ لِرُجُوعِهِمَا إلَى الْوَكِيلِ أَصَالَةً (قَوْلُهُ نَعَمْ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ) فَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْمُوَكِّلِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بِوُصُولِ الْحَقِّ إلَيْهِ بِطَرِيقِ التَّقَاصِّ، وَلَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَيْهِمَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ دُونَ دَيْنِ الْوَكِيلِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْوَكِيلِ فَقَطْ وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ بِهِ وَيَضْمَنُ الْوَكِيلُ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْوَكِيلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مَالَ الْيَتِيمِ وَدَفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى الْيَتِيمِ حَيْثُ لَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْوَصِيِّ؛ لِأَنَّ الْيَتِيمَ لَيْسَ لَهُ قَبْضُ مَالِهِ أَصْلًا فَلَا يَكُونُ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الدَّيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 514 بِخِلَافِ وَكِيلِ يَتِيمٍ وَصَرْفٍ عَيْنِيٌّ (وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْوَكِيلِ عَبْدٌ (مَأْذُونٌ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ مَعَ مَوْلَاهُ) فَلَا يَمْلِكُ قَبْضَ دُيُونِهِ، وَلَوْ قَبَضَ صَحَّ اسْتِحْسَانًا مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ لِلْغُرَمَاءِ بَزَّازِيَّةٌ. [فَرْعٌ] التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ لَا الرِّسَالَةُ دُرَرٌ، وَالتَّوْكِيلُ بِقَبْضِ الْقَرْضِ صَحِيحٌ فَتَنَبَّهْ. بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ الْأَصْلُ أَنَّهَا إنْ عَمَّتْ أَوْ عُلِمَتْ أَوْ جُهِلَتْ جَهَالَةً يَسِيرَةً وَهِيَ جَهَالَةُ النَّوْعِ الْمَحْضِ كَفَرَسٍ صَحَّتْ وَإِنْ فَاحِشَةً وَهِيَ جَهَالَةُ الْجِنْسِ كَدَابَّةٍ بَطَلَتْ، وَإِنْ مُتَوَسِّطَةً كَعَبْدٍ، فَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ أَوْ الصِّفَةَ كَتُرْكِيٍّ صَحَّتْ وَإِلَّا لَا. (وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ أَوْ فَرَسٍ أَوْ بَغْلٍ صَحَّ) بِمَا يَحْتَمِلُهُ حَالُ الْآمِرِ زَيْلَعِيٌّ فَرَاجِعْهُ (وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ) ثَمَنًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ (وَبِشِرَاءِ دَارٍ أَوْ عَبْدٍ جَازَ إنْ سَمَّى) الْمُوَكِّلُ (ثَمَنًا يُخَصِّصُ) نَوْعًا أَوْ لَا بَحْرٌ (أَوْ نَوْعًا كَحَبَشِيٍّ) زَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: أَوْ قَدْرًا كَكَذَا قَفِيزًا (وَإِلَّا) يُسَمِّ ذَلِكَ (لَا) يَصِحُّ. وَأُلْحِقَ بِجَهَالَةِ الْجِنْسِ (وَ) هِيَ مَا لَوْ وَكَّلَهُ   [رد المحتار] فَيَكُونَ الدَّفْعُ إلَيْهِ تَضْيِيعًا فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَبِخِلَافِ الْوَكِيلِ فِي الصَّرْفِ إذَا صَارَفَ وَقَبَضَ الْمُوَكِّلُ بَدَلَ الصَّرْفِ حَيْثُ يَبْطُلُ الصَّرْفُ وَلَا يُعْتَدُّ بِقَبْضِهِ اهـ عَيْنِيٌّ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَإِنْ دَفَعَ لَهُ ح، وَقَوْلُهُ وَكِيلِ يَتِيمٍ: أَيْ وَصِيُّهُ (قَوْلُهُ فَلَا يَمْلِكُ) أَيْ الْمَوْلَى (قَوْلُهُ بِقَبْضِ الْقَرْضِ) بِأَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ أَقْرِضْنِي ثُمَّ يُوَكِّلُ رَجُلًا يَقْبِضُهُ بَحْرٌ عَنْ الْقُنْيَةِ. [فَرْعٌ] التَّوْكِيلُ بِالْإِقْرَارِ صَحِيحٌ وَلَا يَكُونُ التَّوْكِيلُ بِهِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ إقْرَارًا مِنْ الْمُوَكِّلِ. وَعَنْ الطَّوَاوِيسِيِّ: مَعْنَاهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِالْخُصُومَةِ وَيَقُولَ خَاصِمْ فَإِذَا رَأَيْتَ لُحُوقَ مُؤْنَةٍ أَوْ خَوْفَ عَارٍ عَلَيَّ فَأَقِرَّ بِالْمُدَّعَى يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِيهَا قَوْلَانِ: أَصَحُّهُمَا لَا يَصِحُّ، وَقَدَّمَ الشَّيْخُ يَعْنِي صَاحِبَ الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي الْمُبَاحِ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ رَمْلِيٌّ عَلَى الْبَحْرِ، وَالْفَرْعُ سَيَأْتِي مَتْنًا فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ] (قَوْلُهُ إنْ عَمَّتْ) بِأَنْ يَقُولَ ابْتَعْ لِي مَا رَأَيْتَ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ فَأَيُّ شَيْءٍ يَشْتَرِيهِ يَكُونُ مُمْتَثِلًا دُرَرٌ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ أَيِّ ثَوْبٍ شَاءَ صَحَّ، وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي الْأَثْوَابَ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ، قِيلَ يَجُوزُ، وَقِيلَ لَا، وَلَوْ أَثْوَابًا لَا يَجُوزُ، وَلَوْ ثِيَابًا أَوْ الدَّوَابَّ أَوْ الثِّيَابَ أَوْ دَوَابَّ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْ الثَّمَنَ (قَوْلُهُ بَطَلَتْ) أَيْ وَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ (قَوْلُهُ مُتَوَسِّطَةً) أَوْضَحَهُ فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ زَيْلَعِيٌّ) عِبَارَتُهُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَادِرٌ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ بِأَنْ يَنْظُرَ فِي حَالِهِ ح. وَفِي الْكِفَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ الْحَمِيرُ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا مَا يَصْلُحُ لِرُكُوبِ الْعُظَمَاءِ، وَمِنْهَا مَا لَا يَصْلُحُ إلَّا لِيُحْمَلَ عَلَيْهِ. قُلْنَا هَذَا اخْتِلَافُ الْوَصْفِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِمَعْرِفَةِ حَالِ الْمُوَكِّلِ، حَتَّى قَالُوا إنَّ الْغَازِيَ إذَا أَمَرَ إنْسَانًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ حِمَارًا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَرْكَبُ مِثْلُهُ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهُ مَقْطُوعَ الذَّنَبِ أَوْ الْأُذُنَيْنِ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ) أَيْ مَا فِيهِ جَهَالَةٌ يَسِيرَةٌ وَهِيَ جَهَالَةُ النَّوْعِ الْمَحْضِ (قَوْلُهُ دَارٍ أَوْ عَبْدٍ) جَعَلَ الدَّارَ كَالْعَبْدِ تَبَعًا لِلْكَنْزِ مُوَافِقًا لِقَاضِي خَانَ، لَكِنَّهُ شَرَطَ مَعَ بَيَانِ الْمَحَلَّةِ كَمَا فِي فَتَاوَاهُ مُخَالِفًا لِلْهِدَايَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَهَا كَالثَّوْبِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَالْجِيرَانِ وَالْمَرَافِقِ وَالْمَحَالِّ وَالْبُلْدَانِ. وَذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ. قَالَ: وَالْمُتَأَخِّرُونَ قَالُوا: فِي دِيَارِنَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِبَيَانِ الْمَحَالِّ. وَوَفَّقَ فِي الْبَحْرِ بِحَمْلِ مَا فِي الْهِدَايَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ تَخْتَلِفُ فِي تِلْكَ الدَّارِ اخْتِلَافًا فَاحِشًا وَكَلَامُ غَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ أَوْ لَا) بِأَنْ كَانَ يُوجَدُ بِهَذَا الثَّمَنِ أَنْوَاعٌ. (قَوْلُهُ وَهِيَ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 515 (بِشِرَاءِ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ) (لَا) يَصِحُّ وَإِنْ سَمَّى ثَمَنًا لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ (وَبِشِرَاءِ طَعَامٍ وَبَيَّنَ قَدْرَهُ أَوْ دَفَعَ ثَمَنَهُ وَقَعَ) فِي عُرْفِنَا (عَلَى الْمُعْتَادِ) الْمُهَيَّأِ (لِلْأَكْلِ) مِنْ كُلِّ مَطْعُومٍ يُمْكِنُ أَكْلُهُ بِلَا إدَامٍ (كَلَحْمٍ مَطْبُوخٍ أَوْ مَشْوِيٍّ) وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ، وَبِهِ يُفْتَى عَيْنِيٌّ وَغَيْرُهُ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ كَمَا فِي الْيَمِينِ (وَفِي الْوَصِيَّةِ لَهُ) أَيْ لِشَخْصٍ (بِطَعَامٍ يَدْخُلُ كُلُّ مَطْعُومٍ) وَلَوْ دَوَاءً بِهِ حَلَاوَةٌ كَسَكَنْجَبِينَ بَزَّازِيَّةٌ (وَلِلْوَكِيلِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ مَا دَامَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ) لِتَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِهِ (وَلِوَارِثِهِ أَوْ وَصِيِّهِ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ) مَوْتِ الْوَكِيلِ (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا فَلِمُوَكِّلِهِ ذَلِكَ) أَيْ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَهَذَا إذَا لَمْ يُسَلِّمْهُ (فَلَوْ سَلَّمَهُ إلَى مُوَكِّلِهِ امْتَنَعَ رَدُّهُ إلَّا بِأَمْرِهِ) لِانْتِهَاءِ الْوَكَالَةِ بِالتَّسْلِيمِ بِخِلَافِ وَكِيلٍ بَاعَ فَاسِدًا فَلَهُ الْفَسْخُ مُطْلَقًا لِحَقِّ الشَّرْعِ قُنْيَةٌ (وَ) لِلْوَكِيلِ (حَبْسُ الْمَبِيعِ بِثَمَنٍ دَفَعَهُ) الْوَكِيلُ (مِنْ مَالِهِ أَوْ لَا) بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ كَالْبَائِعِ (وَلَوْ اشْتَرَاهُ) الْوَكِيلُ (بِنَقْدٍ ثُمَّ أَجَّلَهُ الْبَائِعُ كَانَ لِلْوَكِيلِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ حَالًّا) وَهِيَ الْحِيلَةُ خُلَاصَةٌ، وَلَوْ وَهَبَهُ كُلَّ الثَّمَنِ رَجَعَ بِكُلِّهِ، وَلَوْ بَعْضَهُ رَجَعَ بِالْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ حَطٌّ بَحْرٌ. (هَلَكَ الْمَبِيعُ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِ مُوَكِّلِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ الثَّمَنُ) ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ (وَلَوْ) هَلَكَ (بَعْدَ حَبْسِهِ فَهُوَ كَمَبِيعٍ) فَيَهْلِكُ بِالثَّمَنِ، وَعِنْدَ الثَّانِي كَرَهْنٍ (وَلَا اعْتِبَارَ بِمُفَارَقَةِ الْمُوَكِّلِ) وَلَوْ حَاضِرًا كَمَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ خِلَافًا لِلْعَيْنِيِّ وَابْنِ مَلَكٍ (بَلْ بِمُفَارَقَةِ الْوَكِيلِ)   [رد المحتار] أَيْ جَهَالَةُ الْجِنْسِ (قَوْلُهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ إلَخْ) أَقُولُ: سَيَأْتِي مَتْنًا فِي هَذَا الْبَابِ لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَالشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ إلَّا إذَا نَوَاهُ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ شَرَاهُ بِمَالِهِ: أَيْ مَالِ الْمُوَكِّلِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا سَمَّى ثَمَنًا أَوْ نَوْعًا تَأَمَّلْ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ مُقَابِلًا لِمَا سَمَّى عَيْنَهُ بَعْدَ بَيَانِ الْجِنْسِ (قَوْلُهُ فِي عُرْفِنَا) نَقَلُوهُ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِ مَا وَرَاءِ النَّهْرِ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَعُرْفُنَا مَا ذَكَرْنَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَكِنَّ عُرْفَ الْقَاهِرَةِ عَلَى خِلَافِهِمَا فَإِنَّ الطَّعَامَ عِنْدَهُمْ لِلطَّبِيخِ بِالْمَرَقِ وَاللَّحْمِ (قَوْلُهُ بَزَّازِيَّةٌ) قَالَ فِي الْمِنَحِ بَعْدَ قَوْلِهِ يَدْخُلُ كُلُّ مَطْعُومٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَفِي أَيْمَانِهَا لَا يَأْكُلُ طَعَامًا فَأَكَلَ دَوَاءً لَيْسَ بِطَعَامٍ كَالسَّقَمُونْيَا لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ بِهِ حَلَاوَةٌ كَالسَّكَنْجَبِينَ يَحْنَثُ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ بِالْعَيْبِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ، ثُمَّ الْمُوَكِّلُ إنْ شَاءَ قَبِلَهُ وَإِنْ شَاءَ أَلْزَمَ الْوَكِيلَ، وَقَبْلَ أَنْ يُلْزِمَ الْوَكِيلَ لَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِلَى أَنَّ الرَّدَّ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا مَا دَامَ الْوَكِيلُ عَاقِلًا مِنْ أَهْلِ لُزُومِ الْعُهْدَةِ، فَلَوْ مَحْجُورًا فَعَلَى الْمُوَكِّلِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِ الْمَتْنِ مَا دَامَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ ح (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ سَلَّمَهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ مِنْهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ. (قَوْلُهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ) الَّذِي اشْتَرَاهُ لِلْمُوَكِّلِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ دَفَعَهُ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: قَيَّدَ بِقَوْلِهِ دَفَعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَهُ فَلَهُ الْحَبْسُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَعَ الدَّفْعِ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِدَفْعِ الثَّمَنِ فَلَا يَحْبِسُ، فَأَفَادَ بِالْحَبْسِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَبَرِّعٍ وَأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِمَا دَفَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ صَرِيحًا لِلْإِذْنِ حُكْمًا (قَوْلُهُ أَوْ لَا) أَيْ لَمْ يَدْفَعْهُ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ) تَعْلِيلٌ لِلْحَبْسِ لَا لِلْأَوْلَوِيَّةِ. (قَوْلُهُ بِنَقْدٍ) أَيْ بِثَمَنٍ حَالٍّ، فَلَوْ بِمُؤَجَّلٍ تَأَجَّلَ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ أَيْضًا فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ طَلَبُهُ حَالًّا بَحْرٌ (قَوْلُهُ كُلَّ الثَّمَنِ) أَيْ: جُمْلَةً وَاحِدَةً. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ وَهَبَهُ خَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ الْخَمْسُمِائَةِ الْبَاقِيَةَ لَمْ يَرْجِعْ الْوَكِيلُ عَلَى الْآمِرِ إلَّا بِالْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْأُولَى حَطٌّ وَالثَّانِيَةَ هِبَةٌ. (قَوْلُهُ فَهُوَ كَمَبِيعٍ) عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ كَرَهْنٍ) أَيْ فَيَهْلِكُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الثَّمَنِ. وَعِنْدَ زُفَرَ كَغَصْبٍ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُسَاوِيًا لِلْقِيمَةِ فَلَا اخْتِلَافَ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ عَشَرَةً وَالْقِيمَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَعِنْدَ زُفَرَ يَضْمَنُ خَمْسَةَ عَشَرَ لَكِنْ يَرْجِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ بِخَمْسَةٍ وَعِنْدَ الْبَاقِينَ يَضْمَنُ عَشَرَةً وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ فَعِنْدَ زُفَرَ يَضْمَنُ خَمْسَةَ عَشْرَةَ وَيَطْلُبُ الْخَمْسَةَ مِنْ الْمُوَكِّلِ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يُضَمْنَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالدَّيْنَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالثَّمَنِ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشْرَ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ وَابْنُ مَلَكٍ) أَيْ وَالْحَدَّادِيُّ نَقْلًا عَنْ الْمُسْتَصْفَى، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي دُرَرِ الْبِحَارِ، وَعَزَاهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 516 وَلَوْ صَبِيًّا (فِي صَرْفٍ وَسَلَمٍ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ بِمُفَارَقَتِهِ صَاحِبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ) ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ، وَالْمُرَادُ بِالسَّلَمِ الْإِسْلَامُ لَا قَبُولُ السَّلَمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْنُ كَمَالٍ (وَالرَّسُولُ فِيهِمَا) أَيْ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ (لَا تُعْتَبَرُ مُفَارَقَتُهُ بَلْ مُفَارَقَةُ مُرْسِلِهِ) ؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ فِي الْعَقْدِ لَا الْقَبْضِ، وَاسْتُفِيدَ صِحَّةُ التَّوْكِيلِ بِهِمَا. (وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَشْرَةِ أَرْطَالِ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ فَاشْتَرَى ضِعْفَهُ بِدِرْهَمٍ مِمَّا يُبَاعُ مِنْهُ عَشْرَةٌ بِدِرْهَمٍ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ مِنْهُ عَشْرَةٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ) خِلَافًا لَهُمَا وَالثَّلَاثَةِ. قُلْنَا إنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَرْطَالٍ مُقَدَّرَةٍ فَيَنْفُذُ الزَّائِدُ عَلَى الْوَكِيلِ، وَلَوْ شَرَى مَا لَا يُسَاوِي ذَلِكَ وَقَعَ لِلْوَكِيلِ إجْمَاعًا كَغَيْرِ مَوْزُونٍ (وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ) بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ إذَا تَزَوَّجَهَا لِنَفْسِهِ صَحَّ مُنْيَةٌ، وَالْفَرْقُ فِي الْوَانِيِّ (غَيْرِ الْمُوَكِّلِ لَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ) وَلَا لِمُوَكِّلٍ آخَرَ   [رد المحتار] صَاحِبُ النِّهَايَةِ إلَى الْإِمَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ. وَاسْتَشْكَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ فِي بَابِ الْبَيْعِ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ الْعَقْدَ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَإِطْلَاقُ الْمَبْسُوطِ وَسَائِرِ الْكُتُبِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُفَارَقَةَ الْمُوَكِّلِ لَا تُعْتَبَرُ أَصْلًا وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا وَهَذَا مَنْشَأُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ، لَكِنْ أَجَابَ الْعَيْنِيُّ عَنْ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ فَإِذَا حَضَرَ الْأَصِيلُ فَلَا يُعْتَبَرُ النَّائِبُ اهـ. وَتَعَقَّبَهُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ فَلَا اعْتِبَارَ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ، وَبِهِ عَلِمْتَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ: أَيْ الْعَيْنِيُّ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ. قُلْتُ: وَاَلَّذِي يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ مِنْ أَصْلِهِ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْجَوْهَرَةِ مِنْ أَنَّ الْعُهْدَةَ عَلَى آخِذِ الثَّمَنِ لَا الْعَاقِدِ لَوْ حَضَرَا فِي أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ مِنْ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَتْنِ سَابِقًا فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ وَلَوْ صَبِيًّا) أَتَى بِالْمُبَالَغَةِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ مُوهِمٌ حَيْثُ لَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ إلَخْ) كَذَا قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَسَائِرُ الْمُتَأَخِّرِينَ دُرَرٌ، وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ بِمُفَارَقَتِهِ) أَيْ الْوَكِيلِ (قَوْلُهُ صَاحِبَهُ) وَهُوَ الْعَاقِدُ مِنَحٌ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذَا فِي الصَّرْفِ مَجْرَاهُ عَلَى إطْلَاقِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَأَمَّا فِي السَّلَمِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِدَفْعِ رَأْسِ الْمَالِ فَقَطْ، وَأَمَّا مَا يَأْخُذُهُ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إذَا قَبَضَ رَأْسَ الْمَالِ يَبْقَى الْمُسْلَمُ فِيهِ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ مَبِيعٌ وَرَأْسُ الْمَالِ ثَمَنُهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الْإِنْسَانُ مَالَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لِغَيْرِهِ كَمَا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ، وَإِذَا بَطَلَ التَّوْكِيلُ كَانَ الْوَكِيلُ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ فَيَجِبُ الْمُسْلَمُ فِيهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَرَأْسُ الْمَالِ مَمْلُوكٌ لَهُ، وَإِذَا سَلَّمَهُ إلَى الْآمِرِ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ مِنْهُ كَانَ قَرْضًا اهـ. (قَوْلُهُ ضِعْفَهُ) احْتَرَزَ عَنْ الزِّيَادَةِ الْقَلِيلَةِ كَعَشَرَةِ أَرْطَالٍ وَنِصْفٍ فَإِنَّهَا لَازِمَةٌ لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ فَلَا يَتَحَقَّقُ حُصُولُ الزِّيَادَةِ بَحْرٌ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ الْعِشْرُونَ بِدِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ الْمَأْمُورَ وَزَادَهُ خَيْرًا مِنَحٌ (قَوْلُهُ كَغَيْرِ مَوْزُونٍ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ فِي الْقِيَمِيَّاتِ لَا يَنْفُذُ شَيْءٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ بِخِلَافٍ إلَخْ) مَحَلُّ هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ لَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ ح (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ فِي الْوَانِيِّ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ النِّكَاحَ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْوَكَالَةِ نِكَاحٌ مُضَافٌ إلَى الْمُوَكِّلِ فَيَنْعَزِلُ إذَا خَالَفَهُ وَأَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْإِضَافَةِ إلَى كُلِّ أَحَدٍ اهـ. (قَوْلُهُ غَيْرِ الْمُوَكِّلِ) بِالْجَرِّ صِفَةُ شَيْءٍ مُخَصِّصَةٌ وَبِالنَّصْبِ اسْتِثْنَاءٌ مِنْهُ أَوْ حَالٌ. قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِغَيْرِ الْمُوَكِّلِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا وَكَّلَ الْعَبْدُ مَنْ يَشْتَرِيهِ لَهُ مِنْ مَوْلَاهُ أَوْ وَكَّلَ الْعَبْدُ بِشِرَائِهِ لَهُ مِنْ مَوْلَاهُ فَاشْتَرَى فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْآمِرِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ الْمَوْلَى أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ فِيهِمَا لِلْآمِرِ مَعَ أَنَّهُ وَكِيلٌ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ كَمَا سَيَأْتِي اهـ وَكَأَنَّ وَجْهَ الِاحْتِرَازِ عَمَّا ذَكَرَهُ مِنْ الصُّورَتَيْنِ بِاعْتِبَارِ احْتِمَالِ لَفْظِ الْمُوَكِّلِ لِاسْمِ الْفَاعِلِ وَاسْمِ الْمَفْعُولِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ غَيْرِ الْمُوَكِّلِ وَالْمُوَكِّلِ اهـ (قَوْلُهُ لَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ) أَيْ بِلَا حُضُورِهِ بَاقَانِيٌّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 517 بِالْأَوْلَى (عِنْدَ غَيْبَتِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا دَفْعًا لِلْغَرَرِ) فَلَوْ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ النُّقُودِ (أَوْ بِخِلَافِ مَا سَمَّى) الْمُوَكِّلُ (لَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَقَعَ) الشِّرَاءُ (لِلْوَكِيلِ) لِمُخَالَفَتِهِ أَمْرَهُ وَيَنْعَزِلُ فِي ضِمْنِ الْمُخَالَفَةِ عَيْنِيٌّ (وَإِنْ) بِشِرَاءِ شَيْءٍ (بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَالشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ إلَّا إذَا نَوَاهُ لِلْمُوَكِّلِ) وَقْتَ الشِّرَاءِ (أَوْ شَرَاهُ بِمَالِهِ) أَيْ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ، وَلَوْ تَكَاذَبَا فِي النِّيَّةِ حُكِمَ بِالنَّقْدِ إجْمَاعًا، وَلَوْ تَوَافَقَا أَنَّهَا لَمْ تَحْضُرْهُ فَرِوَايَتَانِ. (زَعَمَ أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدًا لِمُوَكِّلِهِ فَهَلَكَ وَقَالَ مُوَكِّلُهُ بَلْ شَرَيْتَهُ لِنَفْسِكَ، فَإِنْ) كَانَ الْعَبْدُ (مُعَيَّنًا وَهُوَ حَيٌّ) قَائِمٌ (فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ مُطْلَقًا إجْمَاعًا نَقَدَ الثَّمَنَ أَوْ لَا) لِإِخْبَارِهِ عَنْ أَمْرٍ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ (وَإِنْ مَيِّتًا وَ) الْحَالُ أَنَّ (الثَّمَنَ مَنْقُودٌ فَكَذَلِكَ) الْحُكْمُ (وَإِلَّا) يَكُنْ مَنْقُودًا (فَالْقَوْلُ لِلْمُوَكِّلِ) ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ (وَإِنْ) الْعَبْدُ (غَيْرَ مُعَيَّنٍ) وَهُوَ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ (فَكَذَا) أَيْ يَكُونُ لِلْمَأْمُورِ (إنْ الثَّمَنُ مَنْقُودًا) ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ (وَإِلَّا فَلِلْآمِرِ) لِلتُّهْمَةِ خِلَافًا لَهُمَا. (قَالَ: بِعْنِي هَذَا لِعَمْرٍو فَبَاعَهُ ثُمَّ أَنْكَرَ الْأَمْرَ) أَيْ أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي أَنَّ عَمْرًا أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ (أَخَذَهُ عَمْرٌو وَلَغَا إنْكَارُهُ) الْأَمْرَ لِمُنَاقَضَتِهِ لِإِقْرَارِهِ بِتَوْكِيلِهِ   [رد المحتار] كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ بِالْأَوْلَى) أَوْضَحَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ دَفْعًا لِلْغَرَرِ) قَالَ الْبَاقَانِيُّ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَغْرِيرِ الْآمِرِ حَيْثُ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ فِيهِ عَزْلَ نَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ عَلَى مَا قِيلَ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ اهـ هَكَذَا فِي الْهَامِشِ. وَفِيهِ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ مُشْتَرِيًا وَبَائِعًا فَيَبِيعُهُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَشْتَرِيهِ مِنْهُ، وَإِنْ أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ أَوْ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَبَاعَ مِنْهُ جَازَ بَزَّازِيَّةٌ اهـ حَامِدِيَّةٌ، وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِعَيْنِهِ بِثَمَنٍ مُسَمًّى وَقَبِلَ الْوَكَالَةَ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ الْمُوَكِّلِ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ اشْتَرَى الْعَبْدَ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ فَهُوَ لِلْمُوَكِّلِ فَتَاوَى هِنْدِيَّةٌ. (قَوْلُهُ فَلَوْ اشْتَرَاهُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا (قَوْلُهُ بِغَيْرِ النُّقُودِ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مُسَمًّى (قَوْلُهُ أَوْ بِخِلَافِ) شَمِلَ الْمُخَالَفَةَ فِي الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ، وَفِيهِ كَلَامٌ فَانْظُرْهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ مَا سَمَّى) أَيْ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُسَمًّى (قَوْلُهُ فَالشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ) الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ إنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى مَالِ أَحَدِهِمَا كَانَ الْمُشْتَرَى لَهُ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى مَالٍ مُطْلَقٍ فَإِنْ نَوَاهُ لِلْآمِرِ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ نَوَاهُ لِنَفْسِهِ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ تَكَاذَبَا فِي النِّيَّةِ يُحْكَمُ النَّقْدُ إجْمَاعًا، وَإِنْ تَوَافَقَا عَلَى عَدَمِهَا فَلِلْعَاقِدِ عِنْدَ الثَّانِي وَحُكِمَ النَّقْدُ عِنْدَ الثَّالِثِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَحَلَّ النِّيَّةِ لِلْمُوَكَّلِ فِيمَا إذَا أَضَافَهُ إلَى مَالٍ مُطْلَقٍ سَوَاءٌ نَقَدَهُ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَلَوْ تَكَاذَبَا، وَقَوْلُهُ وَلَوْ تَوَافَقَا مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا أَضَافَهُ إلَى مَالٍ مُطْلَقٍ، لَكِنْ فِي الْأَوَّلِ يُحْكَمُ النَّقْدُ إجْمَاعًا وَفِي الثَّانِي عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ شَرَاهُ) مَعْنَاهُ إضَافَةُ الْعَقْدِ إلَى مَالِهِ لَا الشِّرَاءُ مِنْ مَالِهِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ فَهَلَكَ) الصَّوَابُ إسْقَاطُهُ لِقَوْلِهِ وَهُوَ حَيٌّ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَتَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الدُّرَرِ وَصَدْرَ الشَّرِيعَةِ (قَوْلُهُ قَائِمٌ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِيَحْتَرِزَ بِهِ عَمَّا إذَا حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ فَإِنَّهُ كَالْهَلَاكِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِلْمَأْمُورِ) أَيْ مَعَ يَمِينِهِ يَعْقُوبِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا يَكُنْ مَنْقُودًا) سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا ح. وَفِيهِ أَنَّ صُورَةَ الْحَيِّ مَرَّتْ وَهَذِهِ فِي الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ أَيْ: يَكُونُ) أَيْ الْقَوْلُ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلِلْآمِرِ) حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ كَمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا أَوْ غَيْرَ مَنْقُودٍ. وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ حَيًّا حِينَ أَخْبَرَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ أَوْ مَيِّتًا. ثُمَّ قَالَ: فَحَاصِلُهُ أَنَّ الثَّمَنَ إنْ كَانَ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُودٍ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ بِأَنْ كَانَ مَيِّتًا فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ، وَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ عِنْدَهُمَا، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ وَفِي مَوْضِعِ التُّهْمَةِ الْقَوْلُ لِلْآمِرِ اهـ (قَوْلُهُ لِلتُّهْمَةِ) فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ فَلَمَّا رَأَى الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً أَرَادَ إلْزَامَهُ لِلْمُوَكِّلِ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 518 بِقَوْلِهِ بِعْنِي لِعَمْرٍو (إلَّا أَنْ يَقُولَ عَمْرٌو لَمْ آمُرْهُ بِهِ) أَيْ بِالشِّرَاءِ (فَلَا) يَأْخُذُهُ عَمْرٌو؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُشْتَرِي ارْتَدَّ بِرَدِّهِ (إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ) أَيْ إلَى عَمْرٍو؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ بَيْعٌ بِالتَّعَاطِي، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ نَقْدُ الثَّمَنَ لِلْعُرْفِ. (أَمَرَهُ بِشِرَاءِ شَيْئَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ) أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنَيْنِ إذَا نَوَاهُ لِلْمُوَكِّلِ كَمَا مَرَّ بَحْرٌ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَاشْتَرَى لَهُ أَحَدَهُمَا بِقَدْرِ قِيمَتِهِ أَوْ بِزِيَادَةٍ) يَسِيرَةٍ (يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهَا) (صَحَّ) عَنْ الْآمِرِ (وَإِلَّا لَا) إذْ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ الشِّرَاءُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ إجْمَاعًا، بِخِلَافِ وَكِيلِ الْبَيْعِ كَمَا سَيَجِيءُ (وَ) كَذَا (بِشِرَائِهِمَا بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَاشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِنِصْفِهِ أَوْ أَقَلَّ صَحَّ وَ) لَوْ (بِالْأَكْثَرِ) وَلَوْ يَسِيرًا (لَا) يَلْزَمُ الْآمِرَ (إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الثَّانِيَ) مِنْ الْمُعَيَّنَيْنِ مَثَلًا (بِمَا بَقِيَ) مِنْ الْأَلْفِ (قَبْلَ الْخُصُومَةِ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَجَوَّزَاهُ إنْ بَقِيَ مَا يُشْتَرَى بِمِثْلِهِ الْآخَرُ (وَ) لَوْ أَمَرَ رَجُلٌ مَدْيُونَهُ (بِشِرَاءِ شَيْءٍ) مُعَيَّنٍ (بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ وَعَيَّنَهُ أَوْ) عَيَّنَ (الْبَائِعُ) (صَحَّ) وَجُعِلَ الْبَائِعُ وَكِيلًا بِالْقَبْضِ دَلَالَةً فَيَبْرَأُ الْغَرِيمُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّ تَوْكِيلَ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ وَلِذَا قَالَ (وَإِلَّا) يُعَيِّنْ (فَلَا) يَلْزَمُ الْآمِرَ (وَنَفَذَ عَلَى الْمَأْمُورِ) فَهَلَاكُهُ عَلَيْهِ خِلَافًا لَهُمَا، وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُسَلِّمَ مَا عَلَيْهِ أَوْ يَصْرِفَهُ بِنَاءً عَلَى تَعَيُّنِ النُّقُودِ فِي الْوَكَالَاتِ عِنْدَهُ وَعَدَمِ تَعَيُّنِهَا فِي الْمُعَاوَضَاتِ عِنْدَهُمَا. (وَلَوْ أَمَرَهُ) أَيْ أَمَرَ رَجُلٌ مَدْيُونَهُ (بِالتَّصَدُّقِ بِمَا عَلَيْهِ صَحَّ) أَمْرُهُ بِجَعْلِهِ الْمَالَ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَعْلُومٌ (كَمَا) صَحَّ أَمْرُهُ (لَوْ) (أَمَرَ) الْآجِرُ (الْمُسْتَأْجِرَ بِمَرَمَّةِ مَا اسْتَأْجَرَهُ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْأُجْرَةِ) وَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ يَسُوقُ الدَّابَّةَ وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا صَحَّ اتِّفَاقًا لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ الْآجِرَ كُلَّ وَقْتٍ فَجَعَلَ الْمُؤَجَّرَ كَالْمُؤَجِّرِ فِي الْقَبْضِ. قُلْتُ: وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ وُجُوبِ قَبُولِهِ الْأُجْرَةَ لَا يَجُوزُ، وَبَعْدَ الْوُجُوبِ قِيلَ عَلَى الْخِلَافِ إلَخْ فَرَاجِعْهُ (وَ) لَوْ أَمَرَهُ (بِشِرَائِهِ بِأَلْفٍ وَدَفَعَ) الْأَلْفَ (فَاشْتَرَى وَقِيمَتُهُ كَذَلِكَ) فَقَالَ الْآمِرُ (اشْتَرَيْتَ بِنِصْفِهِ وَقَالَ الْمَأْمُورُ) بَلْ (بِكُلِّهِ صُدِّقَ) ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ (وَإِنْ) كَانَ (قِيمَتُهُ نِصْفَهُ فَ) الْقَوْلُ   [رد المحتار] الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ مُنْكِرًا حَيًّا وَالثَّمَنُ غَيْرُ مَنْقُودٍ فَقَطْ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ بِقَوْلِهِ بِعْنِي إلَخْ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ بِتَوْكِيلِهِ (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنَيْنِ) بَحَثَ فِيهِ أَبُو السُّعُودِ فَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إذَا نَوَاهُ إلَخْ) قَيْدٌ فِي غَيْرِ مُعَيَّنَيْنِ فَقَطْ ح، كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ وَإِنْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَالشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ إلَّا إذَا نَوَاهُ لِلْمُوَكِّلِ (قَوْلُهُ عَنْ الْآمِرِ) ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ: أَيْ عَنْ قَيْدِ الْمَعِيَّةِ، وَقَدْ لَا يَتَّفِقُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. (قَوْلُهُ مُعَيَّنٍ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَعَيَّنَهُ ح (قَوْلُهُ وَإِلَّا يُعَيِّنْ) لَا الْمَبِيعَ وَلَا الْبَائِعَ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) فَقَالَا يَلْزَمُ الْآمِرَ إذَا قَبَضَهُ الْمَأْمُورُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مَا عَلَيْهِ) أَيْ يَعْقِدَ عَقْدَ السَّلَمِ ح، بِأَنْ قَالَ لَهُ أَسْلِمْ الدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَيْكَ إلَى فُلَانٍ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يُعَيَّنْ فُلَانٌ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ، وَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَصْرِفَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ يَصْرِفَهُ) أَيْ يَعْقِدَ عَقْدَ الصَّرْفِ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ فِي الْوَكَالَاتِ عِنْدَهُ) وَلِهَذَا لَوْ قَيَّدَهَا بِالْعَيْنِ مِنْهَا أَوْ بِالدَّيْنِ مِنْهَا ثُمَّ هَلَكَ الْعَيْنُ أَوْ سَقَطَ الدَّيْنُ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، فَإِذَا تَعَيَّنَتْ فِيهَا كَانَ هَذَا تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ لَهُ ثُمَّ بِقَبْضِهِ لِنَفْسِهِ وَتَوْكِيلُ الْمَجْهُولِ لَا يَجُوزُ فَكَانَ بَاطِلًا أَوْ يَكُونُ أَمْرًا بِصَرْفِ مَا لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ قَبْلَهُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ) عَيْنًا كَانَتْ النُّقُودُ أَوْ دَيْنًا. (قَوْلُهُ فَجَعَلَ الْمُؤَجَّرَ) بِالْفَتْحِ وَهُوَ الدَّارُ مَثَلًا (قَوْلُهُ كَالْمُؤَجِّرِ) بِالْكَسْرِ (قَوْلُهُ فَرَاجِعْهُ) أَقُولُ: الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مِثْلُ مَا قَدَّمَهُ. وَنَصُّهُ: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ إجَارَةِ الْحَمَّامِ وَنَحْوِهَا قِيلَ ذَلِكَ قَوْلُهُمَا، وَإِنْ كَانَ قَوْلَ الْكُلِّ فَإِنَّمَا جَازَ بِاعْتِبَارِ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَجِدُ الْآجِرَ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَجَعَلْنَا الْحَمَّامَ قَائِمًا مَقَامَ الْآجِرِ فِي الْقَبْضِ اهـ. وَلَمْ أَجِدْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِيهِ لَكِنْ لَا تُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الْمَاتِنُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأُجْرَةِ يَكُونُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ بِاشْتِرَاطِ التَّعْجِيلِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 519 (لِلْآمِرِ) بِلَا يَمِينٍ دُرَرٌ، وَابْنُ كَمَالٍ تَبَعًا لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ: صُدِّقَ فِي الْكُلِّ بِغَيْرِ الْحَلِفِ وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ، لَكِنْ جَزَمَ الْوَانِيُّ بِأَنَّهُ تَحْرِيفٌ وَصَوَابُهُ بَعْدَ الْحَلِفِ (وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ) الْأَلْفَ (وَقِيمَتُهُ نِصْفُهُ فَ) الْقَوْلُ (لِلْآمِرِ) بِلَا يَمِينٍ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلدُّرَرِ كَمَا مَرَّ. قُلْتُ: لَكِنْ فِي الْأَشْبَاهِ: الْقَوْلُ لِلْوَكِيلِ بِيَمِينِهِ إلَّا فِي أَرْبَعٍ فَبِالْبَيِّنَةِ فَتَنَبَّهْ (وَإِنْ) كَانَ (قِيمَتُهُ أَلْفًا فَيَتَحَالَفَانِ ثُمَّ يُفْسَخُ الْعَقْدُ) بَيْنَهُمَا (فَيَلْزَمُ) الْمَبِيعُ (الْمَأْمُورَ) وَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ (بِشِرَاءِ مُعَيَّنٍ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ ثَمَنٍ فَقَالَ الْمَأْمُورُ اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا وَ) إنْ (صَدَّقَهُ بَائِعُهُ) عَلَى الْأَظْهَرِ (وَقَالَ الْآمِرُ بِنِصْفِهِ) (تَحَالَفَا) فَوُقُوعُ الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ (وَلَوْ) (اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِهِ) أَيْ الثَّمَنِ (فَقَالَ الْآمِرُ أَمَرْتُكَ بِشِرَائِهِ بِمِائَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ بِأَلْفٍ) (فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ) بِيَمِينِهِ (فَإِنْ بَرْهَنَا قُدِّمَ بُرْهَانُ الْمَأْمُورِ) ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا (وَ) لَوْ أَمَرَهُ (بِشِرَاءِ أَخِيهِ فَاشْتَرَى الْوَكِيلُ فَقَالَ الْآمِرُ لَيْسَ هَذَا) الْمُشْتَرَى (بِأَخِي) (فَالْقَوْلُ لَهُ) بِيَمِينِهِ (وَيَكُونُ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ) وَالْأَصْلُ أَنَّ الشِّرَاءَ مَتَى لَمْ يَنْفُذْ عَلَى الْآمِرِ يَنْفُذُ عَلَى الْمَأْمُورِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، كَمَا مَرَّ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ (وَعِتْقُ الْعَبْدِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَكِيلِ (لِزَعْمِهِ) عِتْقَهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ فَيُؤَاخَذُ بِهِ خَانِيَّةٌ (وَ) لَوْ أَمَرَهُ عَبْدٌ (بِشِرَاءِ نَفْسِ الْآمِرِ مِنْ مَوْلَاهُ بِكَذَا وَدَفَعَ) الْمَبْلَغَ (فَقَالَ) الْوَكِيلُ (لِسَيِّدِهِ اشْتَرَيْتُهُ لِنَفْسِهِ فَبَاعَهُ عَلَى هَذَا) الْوَجْهِ (عَتَقَ) عَلَى الْمَالِكِ (وَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ) وَكَانَ الْوَكِيلُ سَفِيرًا (وَإِنْ قَالَ) الْوَكِيلُ (اشْتَرَيْتُهُ) وَلَمْ يَقُلْ لِنَفْسِهِ (فَالْعَبْدُ) مِلْكٌ (لِلْمُشْتَرِي وَالْأَلْفُ لِلسَّيِّدِ فِيهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ (وَعَلَى الْعَبْدِ أَلْفٌ أُخْرَى فِي) الصُّورَةِ (الْأُولَى) بَدَلَ الْإِعْتَاقِ (كَمَا عَلَى الْمُشْتَرِي) أَلْفٌ (مِثْلُهَا فِي الثَّانِيَةِ) ؛ لِأَنَّ الْأُولَى مَالُ الْمَوْلَى فَلَا يَصْلُحُ بَدَلًا (وَشِرَاءُ الْعَبْدِ مِنْ سَيِّدِهِ إعْتَاقٌ) فَتَلْغُو أَحْكَامُ الشِّرَاءِ فَلِذَا قَالَ (فَلَوْ) (شَرَى) الْعَبْدُ (نَفْسَهُ إلَى الْعَطَاءِ) (صَحَّ) الشِّرَاءُ بَحْرٌ (كَمَا صَحَّ فِي حِصَّتِهِ) (إذَا اشْتَرَى نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ   [رد المحتار] وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمَتْنِ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْأُجْرَةِ. (قَوْلُهُ لِلْآمِرِ) وَيَنْفُذُ عَلَى الْمَأْمُورِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ) فِي الْأَشْبَاهِ: كُلُّ مَنْ قُبِلَ قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ إلَّا فِي مَسَائِلَ عَشْرٍ وَعَدَّهَا، وَلَيْسَ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ هُنَا، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ تَأَمَّلْ، كَذَا بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ. وَذَكَرَ فِي الْهَامِشِ فُرُوعًا هِيَ: وَإِنْ قَالَ أَمَرَنِي فَدَفَعْتُهُ إلَى وَكِيلٍ لَهُ أَوْ غَرِيمٍ لَهُ أَوْ وَهَبَهُ لِي أَوْ قَضَى لِي مِنْ حَقٍّ كَانَ لِي عَلَيْهِ لَمْ يُصَدَّقْ وَضَمِنَ الْمَالَ اهـ بَحْرٌ. وَفِيهِ مِنْ شَتَّى الْقَضَاءِ: نَائِبُ النَّاظِرِ كَهُوَ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ، فَلَوْ ادَّعَى ضَيَاعَ مَالِ الْوَقْفِ أَوْ تَفْرِيقَهُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ وَأَنْكَرُوا فَالْقَوْلُ لَهُ كَالْأَصِيلِ لَكِنْ مَعَ الْيَمِينِ، وَبِهِ فَارَقَ أَمِينَ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ كَالْقَاضِي. وَفِي الْخَيْرِيَّةِ مِنْ الْوَصَايَا الْوَصِيُّ مِثْلُ الْقَيِّمِ لِقَوْلِهِمْ: الْوَصِيَّةُ وَالْوَقْفُ أَخَوَانِ اهـ حَامِدِيَّةٌ اهـ (قَوْلُهُ جَزَمَ الْوَانِيُّ) وَكَذَا اعْتَرَضَهُ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ الْعِبَارَتَيْنِ فِي هَامِشِ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ تَحْرِيفٌ) وَادَّعَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْعَقْلِ وَالنَّقْلِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْأَشْبَاهِ) فِي عِبَارَةِ الْأَشْبَاهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ حَافِلَةٍ، وَكَذَا الْمَقْدِسِيَّ لَهُ رِسَالَةٌ لَخَّصَهَا الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ وَنَقَلَهُ الْفَتَّالُ، فَرَاجِعْ ذَلِكَ إنْ شِئْتَ (قَوْلُهُ الْمَأْمُورُ) فِي صُورَتَيْنِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا إلَخْ) هُنَا اتَّفَقَا عَلَى بَيَانِ شَيْءٍ لَكِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْمِقْدَارِ، بِخِلَافِ الصُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فَإِنَّهُ لَمْ يُبَيَّنْ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ سَهْوٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بِشِرَاءِ أَخِيهِ) أَيْ أَخِي الْآمِرِ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلْآمِرِ. (قَوْلُهُ مِنْ مَوْلَاهُ بِكَذَا) أَيْ بِأَلْفٍ مَثَلًا، وَكَانَ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِهِ لِقَوْلِهِ بَعْدُ وَالْأَلْفُ لِلسَّيِّدِ (قَوْلُهُ سَفِيرًا) فَلَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ وَالْمُطَالَبَةُ بِالْأَلْفِ الْأُخْرَى عَلَى الْعَبْدِ لَا عَلَى الْوَكِيلِ هُوَ الصَّحِيحُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَتَلْغُوا أَحْكَامُ الشِّرَاءِ) أَيْ فَلَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَلَا يَدْخُلُهُ خِيَارُ الشَّرْطِ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ إلَى الْعَطَاءِ) فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ شِرَاءً حَقِيقَةً الجزء: 5 ¦ الصفحة: 520 وَمَعَهُ رَجُلٌ) آخَرُ (وَبَطَلَ) الشِّرَاءُ (فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَى الْأَبُ وَلَدَهُ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِيهِمَا بُيُوعُ. الْخَانِيَّةِ مِنْ بَحْثِ الِاسْتِحْقَاقِ. وَالْفَرْقُ انْعِقَادُ الْبَيْعِ فِي الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهُ إعْتَاقًا وَلِذَا بَطَلَ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ لِلُزُومِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ. (قَالَ لِعَبْدٍ اشْتَرِ لِي نَفْسَكَ مِنْ مَوْلَاكَ فَقَالَ لِمَوْلَاهُ بِعْنِي نَفْسِي لِفُلَانٍ فَفَعَلَ) أَيْ بَاعَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (فَهُوَ لِلْآمِرِ) فَلَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا، إنْ عَلِمَ بِهِ الْعَبْدُ فَلَا رَدَّ؛ لِأَنَّ عِلْمَ الْوَكِيلِ كَعِلْمِ الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَالرَّدُّ لِلْعَبْدِ اخْتِيَارٌ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ: عَتَقَ) ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِتَصَرُّفٍ آخَرَ فَنَفَذَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الثَّمَنُ فِيهِمَا لِزَوَالِ حَجْرِهِ بِعَقْدٍ بَاشَرَهُ مُقْتَرِنًا بِإِذْنِ الْمَوْلَى دُرَرٌ. [فَرْعٌ] الْوَكِيلُ إذَا خَالَفَ، إنْ خِلَافًا إلَى خَيْرٍ فِي الْجِنْسِ كَبِعْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ نَفَذَ، وَلَوْ بِمِائَةِ دِينَارٍ لَا، وَلَوْ خَيْرًا خُلَاصَةٌ وَدُرَرٌ. فَصْلٌ لَا يَعْقِدُ وَكِيلٌ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَالْإِجَارَةَ وَالصَّرْفَ وَالسَّلَمَ وَنَحْوَهَا (مَعَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ) لِلتُّهْمَةِ وَجَوَّزَاهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ (إلَّا مِنْ عَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ إلَّا إذَا أَطْلَقَ لَهُ الْمُوَكِّلُ) كَبِعْ مِمَّنْ شِئْتَ (فَيَجُوزُ بَيْعُهُ لَهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ) اتِّفَاقًا (كَمَا يَجُوزُ عَقْدُهُ مَعَهُمْ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ) اتِّفَاقًا: أَيْ بَيْعُهُ لَا شِرَاؤُهُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا اتِّفَاقًا، كَمَا لَوْ بَاعَ بِأَقَلَّ مِنْهَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا بِيَسِيرٍ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا ابْنُ مَلَكٍ وَغَيْرُهُ. وَفِي السِّرَاجِ: لَوْ صَرَّحَ بِهِمْ جَازَ إجْمَاعًا إلَّا مِنْ نَفْسِهِ وَطِفْلِهِ وَعَبْدِهِ غَيْرِ الْمَدْيُونِ.   [رد المحتار] لَأَفْسَدَهُ الْأَجَلُ الْمَجْهُولُ (قَوْلُهُ وَمَعَهُ رَجُلٌ) أَيْ تَشَارَكَ الرَّجُلُ وَالْعَبْدُ فِي شِرَاءِ نَفْسِ الْعَبْدِ، أَيْ: صَفْقَةً وَاحِدَةً بَحْرٌ (قَوْلُهُ انْعِقَادُ الْبَيْعِ فِي الثَّانِي) أَيْ فِي شِرَاءِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ الشِّرَاءِ اُسْتُعْمِلَتْ فِي مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيِّ لَا الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ الْعَبْدِ لَمْ يَكُنْ صِيغَةً تُفِيدُ الشِّرَاءَ س (قَوْلُهُ الْحَقِيقَةِ) وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ وَالْمَجَازِ) وَهُوَ الْإِعْتَاقُ (قَوْلُهُ لِزَوَالِ حَجْرِهِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ إذَا تَوَكَّلَ لَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ، وَعَزَا فِي الْهَامِشِ الْإِشْكَالَ إلَى الدُّرَرِ (قَوْلُهُ الْوَكِيلُ إذَا خَالَفَ) قَالَ فِي الْهَامِشِ: وَكَّلَهُ أَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُ كَذَلِكَ ثُمَّ زَادَتْ قِيمَتُهُ إلَى أَلْفَيْنِ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ بِأَلْفٍ بَزَّازِيَّةٌ اهـ. [فَصْلٌ لَا يَعْقِدُ وَكِيلٌ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ] َ (قَوْلُهُ وَالْإِجَارَةَ إلَخْ) أَمَّا الْحَوَالَةُ وَالْإِقَالَةُ وَالْحَطُّ وَالْإِبْرَاءُ وَالتَّجَوُّزُ بِدُونِ حَقِّهِ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَيَضْمَنُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ، حَتَّى لَوْ بَاعَ ثُمَّ أَقَالَ لَزِمَهُ الثَّمَنُ لِلْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَا يَمْلِكُهَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ، وَالْوَكِيلُ بِالسَّلَمِ وَالْوَصِيُّ وَالْأَبُ وَالْمُتَوَلِّي كَالْوَكِيلِ وَلَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ: مَا صَنَعْتَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ يَمْلِكُ الْحَوَالَةَ بِالْإِجْمَاعِ وَالْإِقَالَةَ عَلَى خِلَافِ مَا مَرَّ، وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ عَنْ الثَّمَنِ صَحَّ عِنْدَهُمَا لَكِنْ يَضْمَنُ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ، أَمَّا إذَا قَبَضَ فَلَا يَمْلِكُ الْحَطَّ وَالْإِقَالَةَ اهـ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ إلَّا مِنْ عَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ) وَكَذَا مُفَاوِضُهُ وَابْنُهُ الصَّغِيرُ فَالْمُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمَا أَرْبَعٌ بَحْرٌ، وَقَيَّدَ الْعَبْدَ فِي الْمَبْسُوطِ بِغَيْرِ الْمَدْيُونِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَدْيُونًا يَجُوزُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَمَا يَجُوزُ عَقْدُهُ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ إلَّا مِنْ نَفْسِهِ) وَفِي السِّرَاجِ: لَوْ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ مِنْ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إجْمَاعًا إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ عَبْدِهِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ قَطْعًا وَإِنْ صَرَّحَ بِهِ الْمُوَكِّلُ اهـ مِنَحٌ. الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 521 (وَصَحَّ بَيْعُهُ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَبِالْعَرْضِ) وَخَصَّاهُ بِالْقِيمَةِ وَبِالنُّقُودِ وَبِهِ يُفْتَى بَزَّازِيَّةٌ، وَلَا يَجُوزُ فِي الصَّرْفِ كَدِينَارٍ بِدِرْهَمٍ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ، شِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ صَيْرَفِيَّةٌ (وَ) صَحَّ (بِالنَّسِيئَةِ إنْ) التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ (لِلتِّجَارَةِ وَإِنْ) كَانَ (لِلْحَاجَةِ لَا) يَجُوزُ (كَالْمَرْأَةِ إذَا دَفَعَتْ غَزْلًا إلَى رَجُلٍ لِيَبِيعَهُ لَهَا وَيَتَعَيَّنُ النَّقْدُ) بِهِ يُفْتَى خُلَاصَةٌ، وَكَذَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ قَامَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى الْحَاجَةِ كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ، وَهَذَا أَيْضًا إنْ بَاعَ بِمَا يَبِيعُ النَّاسُ نَسِيئَةً، فَإِنَّ طُولَ الْمُدَّةِ لَمْ يَجُزْ بِهِ يُفْتَى ابْنُ مَلَكٍ، وَمَتَى عَيَّنَ الْآمِرُ شَيْئًا تَعَيَّنَ إلَّا فِي بِعْهُ بِالنَّسِيئَةِ بِأَلْفٍ فَبَاعَ بِالنَّقْدِ بِأَلْفٍ جَازَ بَحْرٌ. قُلْتُ: وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ إنْ خَالَفَ إلَى خَيْرٍ فِي ذَلِكَ الْجِنْسِ جَازَ وَإِلَّا لَا وَأَنَّهَا تَتَقَيَّدُ   [رد المحتار] مُشْتَرِيًا وَبَائِعًا فَيَبِيعُهُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَشْتَرِيهِ مِنْهُ، وَإِنْ أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ أَوْ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَبَاعَ مِنْهُمْ جَازَ بَزَّازِيَّةٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ، وَلَا يَخْفَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُخَالَفَةِ، وَذَكَرَ مِثْلَ مَا فِي السِّرَاجِ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَمِثْلَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ، وَكَأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ خِلَافًا لِمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا. (قَوْلُهُ وَصَحَّ بَيْعُهُ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ إلَخْ) قَالَ الْخُجَنْدِيُّ: جُمْلَةُ مَنْ يَتَصَرَّفُ بِالتَّسْلِيطِ حُكْمُهُمْ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: مِنْهُمْ مَنْ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْوَصِيُّ وَقَدْرُ مَا يُتَغَابَنُ يُجْعَلُ عَفْوًا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَعَلَى خِلَافِهِ وَهُوَ الْمُكَاتَبُ وَالْمَأْذُونُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوا مَا يُسَاوِي أَلْفًا بِدِرْهَمٍ وَيَشْتَرُوا مَا يُسَاوِي دِرْهَمًا بِأَلْفٍ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى الْمَعْرُوفِ، وَأَمَّا الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَيْفَمَا كَانَ وَكَذَا شِرَاؤُهُ إجْمَاعًا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَجُوزُ بَيْعُهُ كَيْفَمَا كَانَ وَكَذَا شِرَاؤُهُ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَهُوَ الْمُضَارِبُ وَشَرِيكَا الْعِنَانِ أَوْ الْمُفَاوَضَةِ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ يَجُوزُ بَيْعُ هَؤُلَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا عَزَّ وَهَانَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْمَعْرُوفِ، وَأَمَّا شِرَاؤُهُمْ فَلَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى الْمَعْرُوفِ إجْمَاعًا، فَإِنْ اشْتَرَى بِخِلَافِ الْمَعْرُوفِ وَالْعَادَةِ أَوْ بِغَيْرِ النُّقُودِ نَفَذَ شِرَاؤُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَمِنُوا مَا نَقَدُوا فِيهِ مِنْ مَالِ غَيْرِهِمْ إجْمَاعًا. وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَجْعَلُ قَدْرَ مَا يُتَغَابَنُ فِيهِ عَفْوًا وَهُوَ الْمَرِيضُ إذَا بَاعَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَحَابَى فِيهِ قَلِيلًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مُحَابَاتُهُ وَإِنْ قَلَّتْ، وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ وَفَّى الثَّمَنَ إلَى تَمَامِ الْقِيمَةِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ: وَأَمَّا وَصِيُّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ إذَا بَاعَ تَرِكَتَهُ لِقَضَاءِ دُيُونِهِ وَحَابَى فِيهِ قَدْرَ مَا يُتَغَابَنُ فِيهِ صَحَّ بَيْعُهُ وَيُجْعَلُ عَفْوًا، وَكَذَا لَوْ بَاعَ مَالَهُ مِنْ بَعْضِ وَرَثَتِهِ وَحَابَى فِيهِ، وَإِنْ قَلَّ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ حَتَّى تُجِيزَ سَائِرُ وَرَثَتِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَحَابَى فِيهِ قَلِيلًا لَا يَجُوزُ وَكَذَا الْمُضَارِبُ. وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ مَا لَمْ يَكُنْ خَيْرًا وَهُوَ الْوَصِيُّ إذَا بَاعَ مَا لَهُ مِنْ الْيَتِيمِ أَوْ اشْتَرَى، فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ، وَعِنْدَهُمَا إنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ اهـ سَائِحَانِيٌّ. قُلْتُ: وَفِي وَصَايَا الْخَانِيَّةِ فَسَّرَ السَّرَخْسِيُّ الْخَيْرِيَّةَ بِمَا إذَا اشْتَرَى الْوَصِيُّ لِنَفْسِهِ مَالَ الْيَتِيمِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بَخَمْسَةَ عَشَرَ وَبَاعَ مَالَ نَفْسِهِ مِنْ الْيَتِيمِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِثَمَانِيَةٍ، وَذَكَرَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي بِعِبَارَةٍ أَخْصَرَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ بَزَّازِيَّةٌ) قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ عَلَى الْقُدُورِيِّ وَرَجَّحَ دَلِيلَ الْإِمَامِ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ عِنْدَ النَّسَفِيِّ وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ وَالِاخْتِيَارُ عِنْدَ الْمَحْبُوبِيِّ، وَوَافَقَهُ الْمَوْصِلِيُّ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ اهـ رَمْلِيٌّ وَعَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ الْمَوْضُوعَةِ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ بِمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِالنَّقْدِ بِأَلْفٍ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ صَارَ مُخَالِفًا إلَّا أَنَّهُ إلَى خَيْرٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ الْأَلْفِ بِالنَّقْدِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ خَالَفَ إلَى خَيْرٍ مِنْ حَيْثُ التَّعْجِيلُ خَالَفَ إلَى شَرٍّ مِنْ حَيْثُ الْمِقْدَارُ وَالْخِلَافُ إلَى شَرٍّ مِنْ وَجْهٍ يَكْفِي فِي الْمَنْعِ، فَإِنْ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ نَسِيئَةً وَشَهْرًا أَيْضًا لَا يَجُوزُ ذَخِيرَةٌ، وَفِيهَا قَبْلَهُ: وَإِذَا وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ نَسِيئَةً فَبَاعَهُ بِالنَّقْدِ، إنْ بِمَا يُبَاعُ بِالنَّسِيئَةِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 522 بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ، لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ الْوَكِيلُ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَكِيلٌ فِي الْعَشَرَةِ وَبَعْدَهَا فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا الْكَفِيلُ لَكِنَّهُ لَا يُطَالَبُ إلَّا بَعْدَ الْأَجَلِ كَمَا فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ. وَفِي زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ: قَالَ بِعْهُ بِشُهُودٍ أَوْ بِرَأْيِ فُلَانٍ أَوْ عِلْمِهِ أَوْ مَعْرِفَتِهِ وَبَاعَ بِدُونِهِمْ جَازَ، بِخِلَافِ: لَا تَبِعْ إلَّا بِشُهُودٍ أَوْ إلَّا بِمَحْضَرِ فُلَانٍ بِهِ يُفْتَى، وَقُلْتُ: وَبِهِ عُلِمَ حُكْمُ وَاقِعَةِ الْفَتْوَى: دَفَعَ لَهُ مَالًا وَقَالَ اشْتَرِ لِي زَيْتًا بِمَعْرِفَةِ فُلَانٍ فَذَهَبَ وَاشْتَرَى بِلَا مَعْرِفَتِهِ فَهَلَكَ الزَّيْتُ لَمْ يَضْمَنْ، بِخِلَافِ لَا تَشْتَرِ إلَّا بِمَعْرِفَةِ فُلَانٍ فَلْيُحْفَظْ (وَ) صَحَّ (أَخْذُهُ رَهْنًا وَكَفِيلًا بِالثَّمَنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ ضَاعَ) الرَّهْنُ (فِي يَدِهِ أَوْ تَوِيَ) الْمَالُ (عَلَى الْكَفِيلِ) ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ الشَّرْعِيَّ يُنَافِي الضَّمَانَ. (وَتَقَيَّدَ شِرَاؤُهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَغَبْنٍ يَسِيرٍ) وَهُوَ   [رد المحتار] الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ بِعْهُ إلَى أَجَلٍ فَبَاعَهُ بِالنَّقْدِ. قَالَ السَّرَخْسِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ بِتَعْيِينِ الثَّمَنِ وَعَدَمِهِ. قُلْتُ: لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مَحْمُولًا عَلَى مَا إذَا بَاعَ بِالنَّقْدِ بِأَقَلَّ مِمَّا يُبَاعُ بِالنَّسِيئَةِ بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ، وَقَوْلُهُ قَبْلَهُ بِالنَّسِيئَةِ بِأَلْفٍ قُيِّدَ بِبَيَانِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ وَبَاعَ بِالنَّقْدِ لَا يَجُوزُ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ) فَلَوْ قَالَ: بِعْهُ غَدًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ الْيَوْمَ وَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَبِالْعَكْسِ، فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَالْأَوَّلِ. س (قَوْلُهُ أَوْ إلَّا بِمَحْضَرِ فُلَانٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ وَنَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ إلَّا بِمَحْضَرِ فُلَانٍ لَا يَبِيعُ إلَّا بِحَضْرَتِهِ، كَذَا فِي وَجِيزِ الْكَرْدَرِيِّ. وَإِذَا أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ بِرَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ فَبَاعَ مِنْ غَيْرِ رَهْنٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ كَفِيلٍ لَمْ يَجُزْ أَكَّدَهُ بِالنَّفْيِ أَوْ لَمْ يُؤَكِّدْ. وَإِذَا قَالَ بِرَهْنِ ثِقَةٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرَهْنٍ يَكُونُ بِقِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالثَّمَنِ أَوْ تَكُونُ قِيمَتُهُ أَقَلَّ بِمِقْدَارِ مَا يُتَغَابَنُ فِيهِ، وَإِذَا أَطْلَقَ جَازَ بِالرَّهْنِ الْقَلِيلِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ قَالَ بِعْهُ وَخُذْ كَفِيلًا أَوْ بِعْهُ وَخُذْ رَهْنًا لَا يَجُوزُ إلَّا كَذَلِكَ اهـ كَذَا فِي الْهَامِشِ. وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ كُلَّ مَا قَيَّدَ بِهِ الْمُوَكِّلُ إنْ مُفِيدًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَلْزَمُ رِعَايَتُهُ أَكَّدَهُ بِالنَّفْيِ أَوْ لَا كَبِعْهُ بِخِيَارٍ فَبَاعَهُ بِدُونِهِ، نَظِيرُهُ الْوَدِيعَةُ إنْ مُفِيدًا كَ " احْفَظْ فِي هَذِهِ الدَّارِ " تَتَعَيَّنُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَا تَحْفَظْ إلَّا فِي هَذِهِ الدَّارِ لِتَفَاوُتِ الْحِرْزِ وَإِنْ لَا يُفِدْ أَصْلًا لَا يَجِبْ مُرَاعَاتُهُ كَبِعْهُ بِالنَّسِيئَةِ فَبَاعَهُ بِنَقْدٍ يَجُوزُ، وَإِنْ مُفِيدًا مِنْ وَجْهٍ يَجِبُ مُرَاعَاتُهُ إنْ أَكَّدَهُ بِالنَّفْيِ وَإِنْ لَمْ يُؤَكِّدْهُ بِهِ لَا يَجِبُ، مِثَالُهُ لَا تَبِعْهُ إلَّا فِي سُوقِ كَذَا يَجِبُ رِعَايَتُهُ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ بِعْهُ فِي سُوقِ كَذَا، وَكَذَا فِي الْوَدِيعَةِ إذَا قَالَ لَا تَحْفَظْ إلَّا فِي هَذَا الْبَيْتِ يَلْزَمُ الرِّعَايَةُ، وَإِنْ لَمْ يُفِدْ أَصْلًا بِأَنْ عَيَّنَ صُنْدُوقًا لَا يَلْزَمُ الرِّعَايَةُ، وَإِنْ أَكَّدَهُ بِالنَّفْيِ، وَالرَّهْنُ وَالْكَفَالَةُ مُفِيدٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَجُوزُ خِلَافُهُ، أَكَّدَهُ بِالنَّفْيِ أَوْ لَا، وَالْإِشْهَادُ قَدْ يُفِيدُ إنْ لَمْ يَغِبْ الشُّهُودُ وَكَانُوا عُدُولًا وَقَدْ لَا يُفِيدُ، فَإِذَا أَكَّدَهُ بِالنَّفْيِ يَلْزَمُ الرِّعَايَةُ وَإِلَّا لَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ بَزَّازِيَّةٌ قُبَيْلَ الْفَصْلِ الْخَامِسِ، وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ بِالنَّسِيئَةِ (قَوْلُهُ وَاقِعَةِ الْفَتْوَى إلَخْ) الْمَسْأَلَةُ مُصَرَّحٌ بِهَا فِي وَصَايَا الْخَانِيَّةِ لَكِنْ بِلَفْظِ بِمَحْضَرِ فُلَانٍ وَالْحُكْمُ فِيهَا مَا ذَكَرَهُ هُنَا اهـ. (قَوْلُهُ وَصَحَّ أَخْذُهُ رَهْنًا إلَخْ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: وَكِيلُ الْبَيْعِ لَوْ أَقَالَ أَوْ احْتَالَ أَوْ أَبْرَأَ أَوْ حَطَّ أَوْ وَهَبَ أَوْ تَجَوَّزَ صَحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَضَمِنَ لِمُوَكِّلِهِ لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَالْوَكِيلُ لَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ إجْمَاعًا اهـ. قُلْتُ: وَكَذَا بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ لَا يَمْلِكُ الْحَطَّ وَالْإِبْرَاءَ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ أَوْ تَوِيَ الْمَالُ عَلَى الْكَفِيلِ) وَهُوَ يَكُونُ بِالْمُرَافَعَةِ إلَى حَاكِمٍ مَالِكِيٍّ يَرَى بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ عَنْ الدَّيْنِ بِالْكَفَالَةِ وَلَا يَرَى الرُّجُوعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَوْتِهِ مُفْلِسًا وَيَحْكُمُ بِهِ ثُمَّ يَمُوتُ الْكَفِيلُ مُفْلِسًا ابْنُ كَمَالٍ، وَمِثْلُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْكَافِي وَتَحْقِيقُهُ فِي شَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ وَتَقَيَّدَ شِرَاؤُهُ) ؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ فِي الْأَكْثَرِ مُتَحَقِّقَةٌ فَلَعَلَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ فَإِذَا لَمْ يُوَافِقْهُ أَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِ عَلَى مَا مَرَّ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ فَبِالْمُخَالَفَةِ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ فَالتُّهْمَةُ بَاقِيَةٌ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، وَفِي الْهِدَايَةِ قَالُوا يَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ، وَذَكَرَ فِي الْبِنَايَةِ أَنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْبَعْضِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 523 مَا يُقَوِّمُ بِهِ مُقَوِّمٌ وَهَذَا (إذَا لَمْ يَكُنْ سِعْرُهُ مَعْرُوفًا وَإِنْ كَانَ) سِعْرُهُ (مَعْرُوفًا) بَيْنَ النَّاسِ (كَخُبْزٍ وَلَحْمٍ) وَمَوْزٍ وَجُبْنٍ (لَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَإِنْ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ) وَلَوْ فَلْسًا وَاحِدًا بِهِ يُفْتَى بَحْرٌ وَبِنَايَةٌ. (وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ فَبَاعَ نِصْفَهُ) (صَحَّ) لِإِطْلَاقِ التَّوْكِيلِ. وَقَالَا إنْ بَاعَ الْبَاقِيَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ جَازَ وَإِلَّا لَا وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ مُلْتَقَى وَهِدَايَةٌ، وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ قَوْلِهِمَا وَالْمُفْتَى بِهِ خِلَافُهُ بَحْرٌ، وَقَيَّدَ ابْنُ الْكَمَالِ الْخِلَافَ بِمَا يَتَعَيَّبُ بِالشَّرِكَةِ وَإِلَّا جَازَ اتِّفَاقًا فَلْيُرَاجَعْ (وَفِي الشِّرَاءِ يَتَوَقَّفُ عَلَى شِرَاءِ بَاقِيهِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ) اتِّفَاقًا (وَلَوْ رُدَّ مَبِيعٌ بِعَيْبٍ عَلَى وَكِيلِهِ) بِالْبَيْعِ (بِبَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولِهِ أَوْ إقْرَارِهِ فِيمَا لَا يَحْدُثُ) مِثْلُهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ (رَدَّهُ) الْوَكِيلُ (عَلَى الْآمِرِ، وَ) لَوْ (بِإِقْرَارِهِ فِيمَا يَحْدُثُ لَا) يَرُدُّهُ وَلَزِمَ الْوَكِيلَ.   [رد المحتار] وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ بَحْرٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ مَا يُقَوِّمُ بِهِ مُقَوِّمٌ) أَيْ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ تَقْوِيمِ أَحَدٍ مِنْ الْمُقَوِّمِينَ. قَالَ مِسْكِينٌ: فَلَوْ قَوَّمَهُ عَدْلٌ عَشَرَةً وَعَدْلٌ آخَرُ ثَمَانِيَةً وَآخَرُ سَبْعَةً فَمَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ وَالسَّبْعَةِ دَاخِلٌ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَبِنَايَةٌ) هِيَ شَرْحُ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ لِإِطْلَاقِ التَّوْكِيلِ) أَيْ إطْلَاقِهِ عَنْ قَيْدِ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ اسْتِحْسَانًا. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَلِذَا أَخَّرَهُ مَعَ دَلِيلِهِ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ، وَلِذَا اسْتَشْهَدَ لِقَوْلِ الْإِمَامِ بِمَا لَوْ بَاعَ الْكُلَّ بِثَمَنِ النِّصْفِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ خِلَافُ قَوْلِهِ اهـ، أَيْ خِلَافُ قَوْلِهِ فِيمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ. قُلْتُ: وَقَدْ عَلِمْتَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ ابْنُ الْكَمَالِ إلَخْ) وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ مَعْزُوًّا إلَى الْمِعْرَاجِ، وَنَقَلَ الِاتِّفَاقَ أَيْضًا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْإِيضَاحِ (قَوْلُهُ وَفِي الشِّرَاءِ يَتَوَقَّفُ إلَخْ) لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ زَيْلَعِيٌّ. وَفِيهِ لَا يُقَالُ إنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا لَا يَتَوَقَّفُ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْعَاقِدِ وَهَاهُنَا شِرَاءُ النِّصْفِ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْوَكِيلِ لِعَدَمِ مُخَالَفَتِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَافِقْ أَمْرَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَقُلْنَا بِالتَّوَقُّفِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ اتِّفَاقًا) وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَنَّ فِي الشِّرَاءِ تَتَحَقَّقُ تُهْمَةُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْبَيْعِ يُصَادِفُ مِلْكَهُ فَيَصِحُّ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِطْلَاقُ وَالْأَمْرُ بِالشِّرَاءِ صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ فَلَمْ يَصِحَّ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّقْيِيدُ وَالْإِطْلَاقُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ رُدَّ مَبِيعٌ بِعَيْبٍ عَلَى وَكِيلِهِ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ أَوْ لَا وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْخُصُومَةَ مَعَ الْوَكِيلِ فَلَا دَعْوَى لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْمُوَكِّلِ، فَلَوْ أَقَرَّ الْمُوَكِّلُ بِعَيْبٍ فِيهِ وَأَنْكَرَهُ الْوَكِيلُ لَا يَلْزَمُهُمَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَجْنَبِيٌّ فِي الْحُقُوقِ، وَلَوْ بِالْعَكْسِ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ صَحِيحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا الْمُوَكِّلِ بَزَّازِيَّةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ. وَحُكْمُهُ أَنَّهُ عَلَى الْوَكِيلِ إنْ كَانَ نَقَدَهُ وَعَلَى الْمُوَكِّلِ إنْ كَانَ نَقَدَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَإِنْ نَقَدَهُ إلَى الْوَكِيلِ ثُمَّ هُوَ إلَى الْمُوَكِّلِ ثُمَّ وَجَدَ الشَّارِي عَيْبًا أَفْتَى الْقَاضِي أَنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى الْوَكِيلِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَقَيَّدَ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْإِجَارَةِ إذَا آجَرَ وَسَلَّمَ ثُمَّ طَعَنَ الْمُسْتَأْجِرُ فِيهِ بِعَيْبٍ فَقَبِلَ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ وَلَمْ يُعْتَبَرْ إجَارَةً جَدِيدَةً، وَقُيِّدَ بِالْعَيْبِ إذْ لَوْ قَبِلَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْآمِرِ، وَكَذَا لَوْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِعَيْبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ بَحْرٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ رَدَّهُ الْوَكِيلُ عَلَى الْآمِرِ) لَوْ قَالَ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى الْآمِرِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى خُصُومَةٍ مَعَ الْمُوَكِّلِ إلَّا إذَا كَانَ عَيْبًا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَرُدَّ عَلَيْهِ بِإِقْرَارٍ بِقَضَاءٍ، وَإِنْ بِدُونِ قَضَاءٍ لَا تَصِحُّ خُصُومَتُهُ لِكَوْنِهِ مُشْتَرِيًا كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. وَحَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْعَيْبَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ لَا يَحْدُثَ مِثْلُهُ كَالسِّنِّ أَوْ الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ أَوْ يَكُونَ حَادِثًا لَكِنْ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ قَبْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ أَوْ يَحْدُثُ فِي مِثْلِهَا، فَفِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي يَرُدُّهُ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ مِنْ بَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ نُكُولٍ لِعِلْمِهِ بِكَوْنِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَتَأْوِيلُ اشْتِرَاطِ الْحُجَّةِ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْحَالَ قَدْ يَشْتَبِهُ عَلَى الْقَاضِي بِأَنْ لَا يَعْرِفَ تَارِيخَ الْبَيْعِ فَيَحْتَاجَ إلَيْهَا لِيَظْهَرَ التَّارِيخُ أَوْ كَانَ عَيْبًا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْأَطِبَّاءُ أَوْ النِّسَاءُ، وَقَوْلُهُمْ حُجَّةٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 524 (الْأَصْلُ فِي الْوَكَالَةِ الْخُصُوصُ وَفِي الْمُضَارَبَةِ الْعُمُومُ) وَفَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ) (بَاعَ) الْوَكِيلُ (نَسِيئَةً فَقَالَ أَمَرْتُكَ بِنَقْدٍ وَقَالَ أَطْلَقْتَ) (صُدِّقَ الْآمِرُ، وَفِي) الِاخْتِلَافِ فِي (الْمُضَارَبَةِ) صُدِّقَ (الْمُضَارِبُ) عَمَلًا بِالْأَصْلِ (لَا يَنْفُدُ تَصَرُّفُ أَحَدِ الْوَكِيلِينَ) مَعًا كَوَكَّلْتُكُمَا بِكَذَا (وَحْدَهُ) وَلَوْ الْآخَرُ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَاتَ أَوْ جُنَّ (إلَّا) فِيمَا إذَا وَكَّلَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّيْنِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي بَابِهِ وَ (فِي خُصُومَةٍ) بِشَرْطِ رَأْيِ الْآخَرِ لَا حَضْرَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا إذَا انْتَهَيَا إلَى الْقَبْضِ فَحَتَّى يَجْتَمِعَا جَوْهَرَةٌ (وَعِتْقُ مُعَيَّنٍ وَطَلَاقُ مُعَيَّنَةٍ لَمْ يُعَوَّضَا) بِخِلَافِ مُعَوَّضٍ وَغَيْرِ مُعَيَّنٍ (وَتَعْلِيقٌ بِمَشِيئَتِهِمَا) أَيْ الْوَكِيلَيْنِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ اجْتِمَاعُهُمَا عَمَلًا بِالتَّعْلِيقِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. قُلْتُ: وَظَاهِرُهُ عَطْفُهُ عَلَى لَمْ يُعَوَّضَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْعَيْنِيِّ وَالدُّرَرِ، فَحَقُّ الْعِبَارَةِ وَلَا عُلِّقَا بِمَشِيئَتِهِمَا فَتَدَبَّرْ (وَ) فِي (تَدْبِيرٍ وَرَدِّ عَيْنٍ) كَوَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ وَمَغْصُوبٍ وَمَبِيعٍ فَاسِدٍ خُلَاصَةٌ بِخِلَافِ اسْتِرْدَادِهَا،   [رد المحتار] فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ لَا فِي الرَّدِّ فَيَفْتَقِرُ إلَى الْحُجَّةِ لِلرَّدِّ، حَتَّى لَوْ عَايَنَ الْقَاضِي الْمَبِيعَ وَكَانَ الْعَيْبُ ظَاهِرًا لَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الثَّالِثِ إنْ كَانَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ، وَكَذَا النُّكُولُ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ فَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ، وَالرَّدُّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَلَى الْوَكِيلِ رَدٌّ عَلَى الْمُوَكِّلِ. وَأَمَّا إنْ رَدَّهُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الثَّالِثِ بِإِقْرَارِهِ فَإِنْ كَانَ بِقَضَاءٍ فَلَا يَكُونُ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ فَلَا تَتَعَدَّى وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ فَيَرُدَّهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِنُكُولِهِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ فَسْخٌ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِالْقَضَاءِ كَرْهًا عَلَيْهِ فَانْعَدَمَ الرِّضَا وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ إقَالَةٌ وَهِيَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَهُوَ الْمُوَكِّلُ فِي الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي لَوْ رَدَّ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْإِقْرَارِ بِدُونِ قَضَاءٍ لَزِمَ الْوَكِيلَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ وَفِي رِوَايَةٍ يَكُونُ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ تَبَعًا لِلْكَنْزِ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَكَذَا قَالَ فِي الْإِصْلَاحِ، وَكَذَا بِإِقْرَارٍ فِيمَا لَا يَحْدُثُ، مِثْلُهُ إنْ رُدَّ بِقَضَاءٍ. وَفِي الْمَوَاهِبِ: لَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ بِإِقْرَارِهِ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ وَلُزُومُ الْمُوَكِّلِ رِوَايَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ الْأَصْلُ فِي الْوَكَالَةِ الْخُصُوصُ إلَخْ) قَالَ: الْأَصْلُ فِي الْوَكَالَةِ الْخُصُوصُ لَا فِي الْمُضَارَبَةِ ذَا الْمَنْصُوصُ. (قَوْلُهُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ أَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَرْضَى بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا، وَالْبَدَلُ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا لَكِنَّ التَّقْدِيرَ لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ الرَّأْيِ فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي مِنَحٌ أَيْ التَّقْدِيرُ لِلْبَدَلِ لِمَنْعِ النُّقْصَانِ عَنْهُ فَرُبَّمَا يَزْدَادُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَرُبَّمَا يَخْتَارُ الثَّانِي مُشْتَرِيًا مَلِيًّا وَالْأَوَّلُ لَا يَهْتَدِي إلَى ذَلِكَ. قَالَ فِي الْهَامِشِ: وَلَوْ دَفَعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى رَجُلَيْنِ مُضَارَبَةً وَقَالَ لَهُمَا اعْمَلَا بِرَأْيِكُمَا لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا لَا بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ ضَمِنَ نِصْفَ الْمَالِ وَلَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ لَا نَقْدُ نِصْفِ رَأْسِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فِي الشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ لِلْمُضَارَبَةِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْمَالِ فَصَارَ ضَامِنًا عَطَاءُ اللَّهِ أَفَنْدِي، هَكَذَا وَجَدْتُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فَلْتُرَاجَعْ مِنْ أَصْلِهَا (قَوْلُهُ أَوْ مَاتَ) أَيْ الْآخَرُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْعَبْدِ أَوْ الصَّبِيِّ وَكَذَا قَوْلُهُ أَوْ جُنَّ (قَوْلُهُ أَوْ جُنَّ) فَلَا يَجُوزُ لِلْآخَرِ التَّصَرُّفُ وَحْدَهُ لِعَدَمِ رِضَاهُ بِرَأْيِهِ وَحْدَهُ، وَلَوْ وَصِيَّيْنِ لَا يَتَصَرَّفُ الْحَيُّ إلَّا بِرَأْيِ الْقَاضِي بَحْرٌ عَنْ وَصَايَا الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَصِيِّينَ) فَإِنَّهُ إذَا أَوْصَى إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِكَلَامٍ عَلَى حِدَةٍ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمَوْتِ صَارَا وَصِيَّيْنِ جُمْلَةً وَاحِدَةً. وَفِي الْوَكَالَةِ يَثْبُتُ حُكْمُهُمَا بِنَفْسِ التَّوْكِيلِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) وَسَيَجِيءُ قَرِيبًا مَتْنًا (قَوْلُهُ فَحَتَّى يَجْتَمِعَا) لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ وَبِهِ يُفْتَى أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ) أَيْ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَقَوْلُهُ عَطْفُهُ: أَيْ التَّعْلِيقِ بِمَشِيئَتِهِمَا (قَوْلُهُ وَالدُّرَرِ) حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ لَمْ يُعَوَّضَا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُمَا طَلِّقَاهَا إنْ شِئْتُمَا أَوْ قَالَ أَمْرُهَا بِأَيْدِيكُمَا؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ إلَى مَشِيئَتِهِمَا فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ (قَوْلُهُ وَلَا عُلِّقَا) اسْتَثْنَى فِي الْبَحْرِ ثَلَاثَ مَسَائِلَ غَيْرَ هَذَيْنِ فَرَاجِعْهُ وَاعْتَرَضَهُ الرَّمْلِيُّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 525 فَلَوْ قَبَضَ أَحَدَهُمَا ضَمِنَ كُلَّهُ لِعَدَمِ أَمْرِهِ بِقَبْضِ شَيْءٍ مِنْهُ وَحْدَهُ سِرَاجٌ (وَ) فِي (تَسْلِيمِ هِبَةٍ) بِخِلَافِ قَبْضِهَا وَلْوَالْجِيَّةٌ (وَقَضَاءِ دَيْنٍ) بِخِلَافِ اقْتِضَائِهِ عَيْنِيٌّ (وَ) بِخِلَافِ (الْوِصَايَةِ) لِاثْنَيْنِ (وَ) كَذَا (الْمُضَارَبَةُ وَالْقَضَاءُ) وَالتَّحْكِيمُ (وَالتَّوْلِيَةُ عَلَى الْوَقْفِ) فَإِنَّ هَذِهِ السِّتَّةَ (كَالْوَكَالَةِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ) بَحْرٌ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لَهُ أَوْ الِاسْتِبْدَالَ مَعَ فُلَانٍ فَإِنَّ لِلْوَاقِفِ الِانْفِرَادَ دُونَ فُلَانٍ أَشْبَاهٌ (وَالْوَكِيلُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ) مِنْ مَالِهِ أَوْ مَالِ مُوَكِّلِهِ (لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ) إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُوَكِّلِ عَلَى الْوَكِيلِ دَيْنٌ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى كَمَا بَسَطَهُ الْعِمَادِيُّ وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ: وَمُفَادُهُ أَنَّ الْوَكِيلَ بِبَيْعِ عَيْنٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يُجْبَرُ الْوَكِيلُ بِنَحْوِ طَلَاقٍ وَلَوْ بِطَلَبِهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَعِتْقٍ وَهِبَةٍ مِنْ فُلَانٍ وَبَيْعٍ مِنْهُ   [رد المحتار] قَوْلُهُ فَلَوْ) (قَبَضَ أَحَدُهُمَا) أَيْ بِدُونِ إذْنِ صَاحِبِهِ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ لَا بِدُونِ حُضُورِهِ كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ ضَمِنَ كُلَّهُ) عِبَارَةُ السِّرَاجِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ النِّصْفَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَأْمُورٌ بِقَبْضِ النِّصْفِ. قُلْنَا ذَاكَ مَعَ إذْنِ صَاحِبِهِ، وَأَمَّا فِي حَالِ الِانْفِرَادِ فَغَيْرُ مَأْمُورٍ بِقَبْضِ شَيْءٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَالْوِصَايَةُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ كَالْوَكَالَةِ وَزَادَ بَعْدَ الْوَاوِ بِخِلَافِ لِيَعْطِفَهُ عَلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ اقْتِضَائِهِ فَالْمَعْطُوفُ خَمْسَةٌ وَالسَّادِسُ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ فَلَا اعْتِرَاضَ فِي كَلَامِهِ فَتَنَبَّهْ، لَكِنْ لَا يَحْسُنُ تَشْبِيهُ مَسْأَلَةِ الِاقْتِضَاءِ بِالْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهَا وَكَالَةٌ حَقِيقَةً (قَوْلُهُ فَإِنَّ هَذِهِ السِّتَّةَ) فِيهِ أَنَّ الْمَذْكُورَ هُنَا خَمْسَةٌ وَإِنْ أَرَادَ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ مِمَّا لَمْ يَجُزْ فِيهِ الِانْفِرَادُ فَهِيَ تِسْعَ عَشْرَةَ صُورَةً مَعَ مَسْأَلَةِ الْوَكَالَةِ ح، كَذَا فِي الْهَامِشِ. قَالَ جَامِعُهُ: وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا سَبَقَ جَوَابَهُ (قَوْلُهُ النَّظَرَ لَهُ) أَيْ لِلْوَاقِفِ. (قَوْلُهُ أَوْ مَالِ مُوَكِّلِهِ) كَذَا اسْتَنْبَطَهُ الْعِمَادِيُّ مِنْ مَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا عَنْ الْخَانِيَّةِ وَلَكِنْ ذَكَرَ قَبْلَهُ عَنْهَا أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ أَنَّهُ يُخَاصِمُ وَيُخَاصَمُ ثُمَّ ادَّعَى قَوْمٌ قِبَلَ الْمُوَكِّلِ الْغَائِبِ مَالًا فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْوَكَالَةِ وَأَنْكَرَ الْمَالَ فَأَحْضَرُوا الشُّهُودَ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَا يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَحْبِسُوا الْوَكِيلَ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الظُّلْمِ وَلَمْ يَظْهَرْ ظُلْمُهُ، إذْ لَيْسَ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ أَمْرٌ بِأَدَاءِ الْمَالِ وَلَا ضَمَانُ الْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْوَكِيلِ أَدَاءُ الْمَالِ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ بِأَمْرِ مُوَكِّلِهِ وَلَا بِالضَّمَانِ عَنْ مُوَكِّلِهِ لَا يَكُونُ الْوَكِيلُ ظَالِمًا بِالِامْتِنَاعِ اهـ مُلَخَّصًا. وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ أَمْرُ مُوَكِّلِهِ أَوْ كَفَالَتُهُ عَنْهُ يُؤْمَرُ بِالْأَدَاءِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ قَارِئِ الْهِدَايَةِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ حَيْثُ قَالَ: أَقُولُ كَلَامُ الْخَانِيَّةِ صَرِيحٌ فِيمَا أَفْتَى بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ أَدَاءِ الْمَالِ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ: إمَّا أَمْرُ الْمُوَكِّلِ أَوْ الضَّمَانُ فَلْيَكُنْ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. ثُمَّ قَالَ مُوَفِّقًا بَيْنَ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ السَّابِقَةِ الثَّانِيَةِ الْقَائِلَةِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْوَكِيلِ لَا يُجْبَرُ وَبَيْنَ عِبَارَةِ الْفَوَائِدِ لِابْنِ نُجَيْمٍ الْقَائِلَةِ لَا يُجْبَرُ الْوَكِيلُ إذَا امْتَنَعَ عَنْ فِعْلِ مَا وُكِّلَ فِيهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ إلَخْ مَا نَصُّهُ: أَقُولُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْفَوَائِدِ مُطْلَقٌ عَنْ قَيْدِ كَوْنِهِ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ مَالِ مُوَكِّلِهِ أَوْ مِنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ. وَالْفَرْعُ الْأَخِيرُ الْمَنْقُولُ عَنْ الْخَانِيَّةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَمَا قَبْلَهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ تَحْتَ يَدِهِ. وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْتَ وَجَدْتَ الْمَسْأَلَةَ ثُلَاثِيَّةً: إمَّا أَنْ يُوجَدَ آمِرُهُ وَلَا مَالَ لَهُ تَحْتَ يَدِهِ وَلَا دَيْنَ أَوْ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَدِيعَةَ مِثْلُ الدَّيْنِ لِصِحَّةِ التَّوْكِيلِ بِقَبْضِهَا كَهُوَ، فَيُحْمَلُ الدَّيْنُ فِي الْفَرْعِ الثَّانِي عَلَى مُطْلَقِ الْمَالِ حَتَّى لَا يُخَالِفَ كَلَامُهُ فِي الْفَرْعِ الْأَوَّلِ كَلَامَهُ فِي الْفَرْعِ الثَّانِي لِصِحَّةِ وَجْهِهِ، وَيُحْمَلُ كَلَامُهُ فِي الْفَوَائِدِ عَلَى عَدَمِ وُجُودِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَحْصُلُ التَّوْفِيقُ فَلَا مُخَالَفَةَ فَتَأَمَّلْ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عِنْدَ الْوَكِيلِ مَالٌ وَلَا دَيْنٌ، وَعَلَيْكَ بِالتَّأَمُّلِ فِي هَذَا التَّوْفِيقِ (قَوْلُهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ) لَوْ قَالَ: وَلَا يُجْبَرُ الْوَكِيلُ إذَا امْتَنَعَ عَنْ فِعْلِ مَا وُكِّلَ فِيهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْآتِيَةُ لَكَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يَخْتَصَّ بِمَا ذَكَرَ فِي الْمَتْنِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْبَيْعِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 526 لِكَوْنِهِ مُتَبَرِّعًا إلَّا فِي مَسَائِلَ: إذَا وَكَّلَهُ بِدَفْعِ عَيْنٍ ثُمَّ غَابَ، أَوْ بِبَيْعِ رَهْنٍ شُرِطَ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ بِخُصُومَةٍ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي وَغَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَشْبَاهٌ خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ. قُلْتُ: وَظَاهِرُ الْأَشْبَاهِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْأَجْرِ يُجْبَرُ فَتَدَبَّرْ، وَلَا تَنْسَ مَسْأَلَةً وَاقِعَةَ الْفَتْوَى وَرَاجِعْ تَنْوِيرَ الْبَصَائِرِ فَلَعَلَّهُ أَوْفَى. وَفِي فُرُوقِ الْأَشْبَاهِ: التَّوْكِيلُ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا بِنَفْسِهِ أَوْ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ مُخَدَّرَةً. (الْوَكِيلُ لَا يُوَكِّلُ إلَّا بِإِذْنِ آمِرِهِ) لِوُجُودِ الرِّضَا (إلَّا) إذَا وَكَّلَهُ (فِي دَفْعِ زَكَاةٍ) فَوَكَّلَ آخَرَ ثُمَّ دَفَعَ الْأَخِيرُ جَازَ وَلَا يَتَوَقَّفُ، بِخِلَافِ شِرَاءِ الْأُضْحِيَّةِ أُضْحِيَّةُ الْخَانِيَّةِ (وَ) إلَّا الْوَكِيلُ (فِي قَبْضِ الدَّيْنِ) إذَا وَكَّلَ (مَنْ فِي عِيَالِهِ) صَحَّ ابْنُ مَلَكٍ (وَ) إلَّا (عِنْدَ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ) مِنْ الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ (لَهُ) أَيْ لِوَكِيلِهِ فَيَجُوزُ بِلَا إجَازَتِهِ   [رد المحتار] وَسَيَأْتِي فِي بَابِ عَزْلِ الْوَكِيلِ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ مُتَبَرِّعًا) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا يُجْبَرُ (قَوْلُهُ بِدَفْعِ عَيْنٍ ثُمَّ غَابَ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا لَهُ فَيَجِبُ دَفْعُهَا لَهُ نُورُ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ أَوْ بِبَيْعِ رَهْنٍ شُرِطَ فِيهِ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ شُرِطَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ أَوْ بَعْدَهُ. قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: لَوْ لَمْ يُشْرَطْ التَّوْكِيلُ فِي الْبَيْعِ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ وَشُرِطَ بَعْدَهُ، قِيلَ لَا يَجِبُ، وَقِيلَ يَجِبُ وَهَذَا أَصَحُّ اهـ (قَوْلُهُ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي) سَنَذْكُرُ بَيَانَهُ فِي بَابِ عَزْلِ الْوَكِيلِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِوَكِيلِ الْخُصُومَةِ وَكِيلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَقَوْلُ الدُّرَرِ: وَكِيلُ خُصُومَةٍ لَوْ أَبَى عَنْهَا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ وَعَدَ أَنْ يَتَبَرَّعَ يَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّ بِوَكِيلِ الْمُدَّعِي كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا هُنَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي نُورِ الْعَيْنِ، وَيُبْعِدُهُ قَوْلُهُ إذَا غَابَ الْمُدَّعِي فَالْأَحْسَنُ مَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدُ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ) مُرْتَبِطٌ بِالْمَتْنِ فَإِنَّهُ سُئِلَ هَلْ يُحْبَسُ الْوَكِيلُ فِي دَيْنٍ وَجَبَ عَلَى مُوَكِّلِهِ إذَا كَانَ لِلْمُوَكِّلِ مَالٌ تَحْتَ يَدِهِ: أَيْ يَدِ وَكِيلِهِ وَامْتَنَعَ الْوَكِيلُ عَنْ إعْطَائِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا. فَأَجَابَ إنَّمَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ مَا ثَبَتَ عَلَى مُوَكِّلِهِ مِنْ الدَّيْنِ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَمَرَ الْوَكِيلَ بِدَفْعِ الدَّيْنِ أَوْ كَانَ كَفِيلًا وَإِلَّا فَلَا يُحْبَسُ اهـ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ الْأَشْبَاهِ) حَيْثُ قَالَ: وَلَا يُجْبَرُ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ أَجْرٍ عَلَى تَقَاضِي الثَّمَنِ وَإِنَّمَا يُحِيلُ الْمُوَكِّلُ ح. وَيُسْتَفَادُ هَذَا مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ لِكَوْنِهِ مُتَبَرِّعًا قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ. قَالَ فِي الْهَامِشِ: وَلَا يُحْبَسُ الْوَكِيلُ بِدَيْنِ مُوَكِّلِهِ وَلَوْ كَانَتْ عَامَّةً إلَّا أَنْ يَضْمَنَ، وَتَمَامُهُ فِي وَكَالَةِ الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ وَاقِعَةِ الْفَتْوَى) أَيْ: السَّابِقَةَ آنِفًا، وَهِيَ مَا إذَا وَكَّلَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِمَّا لَهُ عَلَيْهِ فَتَصِيرُ الْمُسْتَثْنَيَاتُ خَمْسَةً تَضُمُّ الْوَكِيلَ بِالْأَجْرِ (قَوْلُهُ وَفِي فُرُوقِ الْأَشْبَاهِ) تَقَدَّمَتْ أَوَّلَ كِتَابِ الْوَكَالَةِ (قَوْلُهُ حَاضِرًا بِنَفْسِهِ) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى هَذَا فَإِنَّا لَمْ نَرَ مَنْ ذَكَرَهُ بَلْ الْمَذْكُورُ تَعَذُّرُ حُضُورِهِ شَرْطٌ، وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي فُرُوقِ الْأَشْبَاهِ فَرَاجِعْهَا. (قَوْلُهُ الْوَكِيلُ لَا يُوَكِّلُ) الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُوَكِّلُ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ فَيَخْرُجُ التَّوْكِيلُ بِحُقُوقِ الْعَقْدِ فِيمَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ فِيهِ إلَى الْوَكِيلِ فَلَهُ التَّوْكِيلُ بِلَا إذْنٍ لِكَوْنِهِ أَصِيلًا فِيهَا وَلِذَا لَا يَمْلِكُ نَهْيَهُ عَنْهَا وَصَحَّ تَوْكِيلُ الْمُوَكِّلِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ بَحْرٌ. وَفِيهِ: وَخَرَجَ عَنْهُ مَا لَوْ وَكَّلَ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مَنْ فِي عِيَالِهِ فَدَفَعَ الْمَدْيُونُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي السَّرِقَةِ اهـ وَذَكَرَ الثَّانِيَ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ شِرَاءِ الْأُضْحِيَّةِ) فَلَوْ وَكَّلَ غَيْرَهُ بِشِرَائِهَا فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ غَيْرَهُ ثُمَّ وَثُمَّ فَاشْتَرَى الْأَخِيرُ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْأَوَّلِ، إنْ أَجَازَ جَازَ وَإِلَّا فَلَا بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ) أَيْ لَوْ عَيَّنَ ثَمَنَهُ لِوَكِيلِهِ س (قَوْلُهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَحْرِ وَلِلتَّعْلِيلِ كَمَا يَظْهَرُ مِمَّا كَتَبْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ، وَالْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْبَحْرِ أَنْ يَقُولَ مِنْ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لَهُ: أَيْ لِلْوَكِيلِ الثَّانِي. وَأَفَادَ اقْتِصَارُهُ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ لَيْسَ لَهُ التَّوْكِيلُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْبَحْرِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ، وَقَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْوَلِيِّ فَرَاجِعْهُ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ ط هُنَاكَ بَحْثًا مِنْ أَنَّ لَهُ التَّوْكِيلَ قِيَاسًا عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 527 لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ دُرَرٌ (وَالتَّفْوِيضُ إلَى رَأْيِهِ) كَ " اعْمَلْ بِرَأْيِكَ " (كَالْإِذْنِ) فِي التَّوْكِيلِ (إلَّا فِي طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يُحْلَفُ بِهِ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ قُنْيَةٌ. (فَإِنْ) (وَكَّلَ) الْوَكِيلُ غَيْرَهُ (بِدُونِهِمَا) بِدُونِ إذْنٍ وَتَفْوِيضٍ (فَفَعَلَ الثَّانِي) بِحَضْرَتِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ (فَأَجَازَهُ) الْوَكِيلُ (الْأَوَّلُ) (صَحَّ) وَتَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِالْعَاقِدِ عَلَى الصَّحِيحِ (إلَّا فِي) مَا لَيْسَ بِعَقْدٍ نَحْوِ (طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ) لِتَعَلُّقِهِمَا بِالشَّرْطِ فَكَأَنَّ الْمُوَكِّلَ عَلَّقَهُ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي (وَإِبْرَاءٍ) عَنْ الدَّيْنِ قُنْيَةٌ (وَخُصُومَةٍ وَقَضَاءِ دَيْنٍ) فَلَا تَكْفِي الْحَضْرَةُ ابْنُ مَلَكٍ خِلَافًا لِلْخَانِيَّةِ (وَإِنْ فَعَلَ أَجْنَبِيٌّ فَأَجَازَهُ الْوَكِيلُ) الْأَوَّلُ (جَازَ إلَّا فِي شِرَاءٍ) فَإِنَّهُ يَنْفُذُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ مَتَى وَجَدَ نَفَاذًا. (وَإِنْ وَكَّلَ بِهِ) أَيْ بِالْأَمْرِ أَوْ التَّفْوِيضِ (فَهُوَ) أَيْ الثَّانِي (وَكِيلُ الْآمِرِ) وَحِينَئِذٍ (فَلَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ مُوَكِّلِهِ أَوْ مَوْتِهِ وَيَنْعَزِلَانِ بِمَوْتِ الْأَوَّلِ) كَمَا مَرَّ فِي الْقَضَاءِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ: لَهُ عَزْلُهُ فِي قَوْلِهِ اصْنَعْ مَا شِئْتَ لِرِضَاهُ بِصُنْعِهِ، وَعَزْلُهُ مِنْ صُنْعِهِ، بِخِلَافِ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ. قَالَ الْمُصَنِّف: فَعَلَيْهِ لَوْ قِيلَ لِلْقَاضِي: اصْنَعْ مَا شِئْتَ فَلَهُ عَزْلُ نَائِبِهِ بِلَا تَفْوِيضِ الْعَزْلِ صَرِيحًا؛ لِأَنَّ النَّائِبَ كَوَكِيلِ الْوَكِيلِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَكِيلَ وَكَالَةً عَامَّةً مُطْلَقَةً مُفَوَّضَةً إنَّمَا يَمْلِكُ الْمُعَاوَضَاتِ لَا الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ وَالتَّبَرُّعَاتِ بِهِ يُفْتَى زَوَاهِرُ الْجَوَاهِرِ وَتَنْوِيرُ الْبَصَائِرِ. (قَالَ) لِرَجُلٍ (فَوَّضْتُ إلَيْكَ أَمْرَ امْرَأَتِي) (صَارَ وَكِيلًا بِالطَّلَاقِ وَتَقَيَّدَ) طَلَاقُهُ (بِالْمَجْلِسِ بِخِلَافِ) (قَوْلِهِ وَكَّلْتُكَ) فِي أَمْرِ امْرَأَتِي فَلَا يَتَقَيَّدُ بِهِ دُرَرٌ. مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُهُ فِي حَقِّهِ وَحِينَئِذٍ (فَإِذَا) (بَاعَ عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ ذِمِّيٌّ) أَوْ حَرْبِيٌّ عَيْنِيٌّ (مَالَ صَغِيرِهِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ أَوْ شَرَى وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِهِ أَوْ زَوَّجَ صَغِيرَةً كَذَلِكَ) أَيْ حُرَّةً مُسْلِمَةً (لَمْ يَجُزْ) لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ. (وَالْوِلَايَةُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ) (إلَى الْأَبِ ثُمَّ وَصِيِّهِ ثُمَّ وَصِيِّ وَصِيِّهِ) إذْ الْوَصِيُّ   [رد المحتار] هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ) ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاجَ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ لِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ ظَاهِرٌ وَقَدْ حَصَلَ. بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ وَقَدَّرَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ إلَيْهِمَا مَعَ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ ظَهَرَ أَنَّ غَرَضَهُ اجْتِمَاعُ رَأْيِهِمَا فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي كَمَا مَرَّ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلْخَانِيَّةِ) رَاجِعٌ إلَى الْخُصُومَةِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْمِنَحِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ يَنْفُذُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بَحْرٌ عَنْ السِّرَاجِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ وَكَّلَ) أَيْ الْوَكِيلُ (قَوْلُهُ أَيْ بِالْأَمْرِ) أَيْ: وَكَالَةً مُلْتَبِسَةً بِالْأَمْرِ بِالتَّوْكِيلِ أَيْ الْإِذْنِ بِهِ (قَوْلُهُ وَيَنْعَزِلَانِ) أَيْ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي (قَوْلُهُ بِمَوْتِ الْأَوَّلِ) أَيْ الْمُوَكِّلِ وَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِهِ ح (قَوْلُهُ وَفِي الْبَحْرِ) الَّذِي فِي الْبَحْرِ نِسْبَةُ أَنَّ الثَّانِيَ صَارَ وَكِيلَ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ فِيمَا إذَا قَالَ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ إلَى الْهِدَايَةِ، وَنِسْبَةُ أَنَّ لَهُ عَزْلَهُ فِي قَوْلِهِ اصْنَعْ مَا شِئْتَ إلَى الْخُلَاصَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْهِدَايَةِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اصْنَعْ مَا شِئْتَ وَبَيْنَ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ. وَعَلَّلَ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَهُ إلَى صُنْعِهِ فَقَدْ رَضِيَ بِصُنْعِهِ، وَعَزْلُهُ مِنْ صُنْعِهِ اهـ فَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ التَّصْرِيحُ بِمُخَالَفَةِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ، وَدَعْوَى صَاحِبِ الْبَحْرِ ظُهُورَ الْفَرْقِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ لِمَا فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ وَالْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَهُ فِي صُورَةِ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ لِتَنَاوُلِ الْعَمَلِ بِالرَّأْيِ الْعَزْلَ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ) بَحَثَ فِيهِ فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ وَالسَّعْدِيَّةِ (قَوْلُهُ وَاعْلَمْ) تَكْرَارٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ مُسْتَوْفًى ح (قَوْلُهُ زَوَاهِرُ الْجَوَاهِرِ وَتَنْوِيرُ الْبَصَائِرِ) هُمَا حَاشِيَتَانِ عَلَى الْأَشْبَاهِ الْأُولَى لِلشَّيْخِ صَالِحٍ وَالثَّانِيَةُ لِأَخِيهِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ وَلَدَيْ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْغَزِّيِّ صَاحِبِ الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ) وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لِمُسْلِمٍ عَلَى كَافِرَةٍ فِي نِكَاحٍ وَلَا مَالَ كَمَا فِي الْبَحْرِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ بَابِ الْوَلِيِّ، وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أَيْضًا مَتْنًا وَشَرْحًا فَلْيُحْفَظْ، قَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] . (قَوْلُهُ إلَى الْأَبِ) حَيْثُ لَمْ يَكُنْ سَفِيهًا، أَمَّا الْأَبُ السَّفِيهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي مَالِ وَلَدِهِ أَشْبَاهٌ فِي الْفَوَائِدِ مِنْ الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 528 يَمْلِكُ الْإِيصَاءَ (ثُمَّ إلَى) الْجَدِّ (أَبِي الْأَبِ ثُمَّ إلَى وَصِيِّهِ) ثُمَّ وَصِيِّ وَصِيِّهِ (ثُمَّ إلَى الْقَاضِي ثُمَّ إلَى مَنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي) ثُمَّ وَصِيِّ وَصِيِّهِ (وَلَيْسَ لِوَصِيِّ الْأُمِّ) وَوَصِيِّ الْأَخِ (وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي تَرِكَةِ الْأُمِّ مَعَ حَضْرَةِ الْأَبِ أَوْ وَصِيِّهِ أَوْ وَصِيِّ وَصِيِّهِ أَوْ الْجَدِّ) أَبِي الْأَبِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِمَّا ذَكَرْنَا فَلَهُ) أَيْ لِوَصِيِّ الْأُمِّ (الْحِفْظُ) وَلَهُ (بَيْعُ الْمَنْقُولِ لَا الْعَقَارِ) وَلَا يَشْتَرِي إلَّا الطَّعَامَ وَالْكِسْوَةَ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جُمْلَةِ حِفْظِ الصَّغِيرِ خَانِيَّةٌ. [فُرُوعٌ] وَصِيُّ الْقَاضِي كَوَصِيِّ الْأَبِ إلَّا إذَا قَيَّدَ الْقَاضِي بِنَوْعٍ تَقَيَّدَ بِهِ، وَفِي الْأَبِ يَعُمُّ الْكُلَّ عِمَادِيَّةٌ. وَفِي مُتَفَرِّقَاتِ الْبَحْرِ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ لَا تَرْجِعُ حُقُوقُ عَقْدٍ بَاشَرَاهُ لِلْيَتِيمِ إلَيْهِمَا بِخِلَافِ وَكِيلٍ وَوَصِيٍّ وَأَبٍ، فَلَوْ ضَمِنَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ ثَمَنَ مَا بَاعَهُ لِلْيَتِيمِ بَعْدَ بُلُوغِهِ صَحَّ بِخِلَافِهِمْ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: جَازَ التَّوْكِيلُ بِكُلِّ مَا يَعْقِدُهُ الْوَكِيلُ لِنَفْسِهِ إلَّا الْوَصِيُّ فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَالَ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ لَا لِغَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ وَجَازَ التَّوْكِيلُ بِالتَّوْكِيلِ. بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ (وَكِيلُ الْخُصُومَةِ وَالتَّقَاضِي) أَيْ أَخْذِ الدَّيْنِ (لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ) عِنْدَ زُفَرَ وَبِهِ يُفْتَى لِفَسَادِ الزَّمَانِ، وَاعْتَمَدَ فِي الْبَحْرِ الْعُرْفَ (وَ) لَا (الصُّلْحَ) إجْمَاعًا بَحْرٌ (وَرَسُولُ التَّقَاضِي يَمْلِكُ الْقَبْضَ لَا الْخُصُومَةَ) إجْمَاعًا بَحْرٌ، أَرْسَلْتُكَ أَوْ كُنْ رَسُولًا عَنِّي إرْسَالٌ وَأَمَرْتُكَ بِقَبْضِهِ تَوْكِيلٌ   [رد المحتار] لَيْسَ لِلْأَبِ تَحْرِيرُ قِنِّهِ بِمَالٍ وَغَيْرِهِ وَلَا أَنْ يَهَبَ مَالَهُ وَلَوْ بِعِوَضٍ وَلَا إقْرَاضُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يُقْرِضَ مَالِ الْيَتِيمِ وَالْوَقْفِ وَالْغَائِبِ، وَلَيْسَ لِوَصِيِّ الْقَاضِي إقْرَاضُهُ، وَلَوْ أَقْرَضَهُ ضَمِنَ، وَقِيلَ يَصِحُّ لِلْأَبِ إقْرَاضُهُ إذْ لَهُ الْإِيدَاعُ فَهَذَا أَوْلَى اهـ عُدَّةٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ يَمْلِكُ الْإِيصَاءَ) سَوَاءٌ كَانَ وَصِيَّ الْمَيِّتِ أَوْ وَصِيَّ الْقَاضِي مِنَحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ وَصِيِّ وَصِيِّهِ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي 27 وَلَهُمْ الْوِلَايَةُ فِي الْإِجَارَةِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ، فَلَوْ كَانَ عَقْدُهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ يَسِيرِ الْغَبْنِ صَحَّ لَا بِفَاحِشِهِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا مُجِيزَ لَهُ حَالَ الْعَقْدِ وَكَذَا شِرَاؤُهُمْ لِلْيَتِيمِ يَصِحُّ بِيَسِيرِ الْغَبْنِ وَلَوْ فَاحِشًا نَفَذَ عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْهِ، وَلَوْ بَلَغَ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، فَلَوْ كَانَتْ عَلَى النَّفْسِ تَخَيَّرَ أَبْطَلَ أَوْ أَمْضَى، وَلَوْ عَلَى أَمْلَاكِهِ فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ الَّذِي نَفَذَ فِي صِغَرِهِ فَصَطْ، قِيلَ إنَّمَا يَجُوزُ إجَارَتُهُمْ الْيَتِيمَ إذَا كَانَتْ بِأَجْرِ الْمِثْلِ لَا بِأَقَلَّ مِنْهُ، الصَّحِيحُ جَوَازُهُ وَلَوْ بِأَقَلَّ اهـ كَذَا فِي الْهَامِشِ، وَقَوْلُهُ فَصَطْ هُوَ رَمْزٌ لِفَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ لَا الْعَقَارِ) فِيهِ كَلَامٌ ذَكَرَهُ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ إلَخْ) أَيْ وَالنَّفْعُ ظَاهِرٌ أَشْبَاهٌ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى لِغَيْرِهِ فَحُقُوقُ الْعَقْدِ مِنْ جَانِبِ الْيَتِيمِ رَاجِعَةٌ إلَيْهِ وَمِنْ جَانِبِ الْآمِرِ كَذَلِكَ فَيُؤَدِّي إلَى الْمُضَارَّةِ بِخِلَافِ نَفْسِهِ حَمَوِيٌّ س (قَوْلُهُ بِالتَّوْكِيلِ) بَيَانُهُ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْوَكَالَةِ. [بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ] (قَوْلُهُ: أَيْ أَخْذِ الدَّيْنِ) هَذَا لُغَةً، وَعُرْفًا هُوَ الْمُطَالَبَةُ عِنَايَةٌ ح، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّهُمْ بَنَوْا الْحُكْمَ عَلَيْهِ مُعَلِّلِينَ بِأَنَّ الْعُرْفَ قَاضٍ عَلَى اللُّغَةِ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ أَخْذَ الدَّيْنِ بِمَعْنَى قَبْضِهِ، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ يَصِيرُ الْمَعْنَى الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ وَهُوَ غَيْرُ مَعْقُولٍ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ عِنْدَ زُفَرَ) وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ غُرَرُ الْأَفْكَارِ (قَوْلُهُ وَاعْتَمَدَ فِي الْبَحْرِ الْعُرْفَ) حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى التَّوْكِيلُ بِالتَّقَاضِي يَعْتَمِدُ الْعُرْفَ، إنْ كَانَ فِي بَلْدَةٍ كَانَ الْعُرْفُ بَيْنَ التُّجَّارِ أَنَّ الْمُتَقَاضِيَ هُوَ الَّذِي يَقْبِضُ الدَّيْنَ كَانَ التَّوْكِيلُ بِالتَّقَاضِي تَوْكِيلًا بِالْقَبْضِ وَإِلَّا فَلَا ح، وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَقْتَضِي اعْتِمَادَهُ، نَعَمْ نَقَلَ فِي الْمِنَحِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَكَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ (قَوْلُهُ إجْمَاعًا) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِعَقْدٍ لَا يَمْلِكُ عَقْدًا آخَرَ (قَوْلُهُ وَأَمَرْتُكَ بِقَبْضِهِ تَوْكِيلٌ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 529 خِلَافًا لِلزَّيْلَعِيِّ (وَلَا يَمْلِكُهُمَا) أَيْ الْخُصُومَةَ وَالْقَبْضَ (وَكِيلُ الْمُلَازَمَةِ كَمَا لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ وَكِيلُ الصُّلْحِ) بَحْرٌ (وَوَكِيلُ قَبْضِ الدَّيْنِ يَمْلِكُهَا) أَيْ الْخُصُومَةَ خِلَافًا لَهُمَا لَوْ وَكِيلَ الدَّائِنِ، وَلَوْ وَكِيلَ الْقَاضِي لَا يَمْلِكُهَا اتِّفَاقًا كَوَكِيلِ قَبْضِ الْعَيْنِ اتِّفَاقًا. وَأَمَّا وَكِيلُ قِسْمَةٍ وَأَخْذِ شُفْعَةٍ وَرُجُوعِ هِبَةٍ وَرَدٍّ بِعَيْبٍ فَيَمْلِكُهَا مَعَ الْقَبْضِ اتِّفَاقًا ابْنُ مَلَكٍ. (أَمَرَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ وَأَنْ لَا يَقْبِضَهُ إلَّا جَمِيعًا فَقَبَضَهُ إلَّا دِرْهَمًا) (لَمْ يَجُزْ قَبْضُهُ) الْمَذْكُورُ (عَلَى الْآمِرِ) لِمُخَالَفَتِهِ لَهُ فَلَمْ يَصِرْ وَكِيلًا (وَ) الْآمِرُ (لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَرِيمِ بِكُلِّهِ) وَكَذَا لَا يَقْبِضُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ بَحْرٌ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْغَرِيمِ بَيِّنَةٌ عَلَى الْإِيفَاءِ فَقُضِيَ عَلَيْهِ) بِالدَّيْنِ (وَقَبَضَهُ الْوَكِيلُ فَضَاعَ مِنْهُ ثُمَّ بَرْهَنَ الْمَطْلُوبُ) عَلَى الْإِيفَاءِ لِلْمُوَكِّلِ (فَلَا سَبِيلَ لَهُ) لِلْمَدْيُونِ (عَلَى الْوَكِيلِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ) ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ ذَخِيرَةٌ (الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إذَا أَبَى) الْخُصُومَةَ (لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا)   [رد المحتار] قَالَ فِي الْبَحْرِ أَوَّلَ كِتَابِ الْوَكَالَةِ. فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَالْإِرْسَالِ، فَإِنَّ الْإِذْنَ وَالْأَمْرَ تَوْكِيلٌ كَمَا عَلِمْتَ أَيْ مِنْ كَلَامِ الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُوَكِّلِ أَنْ يَقُولَ وَكَّلْتُكَ بِكَذَا أَوْ افْعَلْ كَذَا أَوْ أَذِنْتُ لَكَ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا وَنَحْوَهُ. قُلْتُ: الرَّسُولُ أَنْ يَقُولَ لَهُ أَرْسَلْتُكَ أَوْ كُنْ رَسُولًا عَنِّي فِي كَذَا، وَقَدْ جَعَلَ مِنْهَا الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَمَرْتُكَ بِقَبْضِهِ، وَصَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ فِيهِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ مِنْ التَّوْكِيلِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ افْعَلْ كَذَا وَأَمَرْتُكَ بِكَذَا اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلزَّيْلَعِيِّ) حَيْثُ جَعَلَ أَمَرْتُكَ بِقَبْضِهِ إرْسَالًا ح كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ وَكِيلُ الصُّلْحِ) ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ مُسَالَمَةٌ لَا مُخَاصِمَةٌ (قَوْلُهُ أَيْ الْخُصُومَةَ) حَتَّى لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْمُوَكِّلِ أَوْ إبْرَائِهِ تُقْبَلُ عِنْدَهُ. وَقَالَا: لَا يَكُونُ خَصْمًا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَكِيلَ الْقَاضِي) بِأَنْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنِ الْغَائِبِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. (قَوْلُهُ أَمَرَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ) قَالَ فِي الْهَامِشِ نَقْلًا عَنْ الْهِنْدِيَّةِ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا أَخَذَ الْعُرُوضَ مِنْ الْغَرِيمِ وَالْمُوَكِّلُ لَا يَرْضَى وَلَا يَأْخُذُ الْعُرُوضَ فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَرُدَّ الْعُرُوضَ عَلَى الْغَرِيمِ وَيُطَالِبَهُ بِالدَّيْنِ، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى. رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَضَحٌ فَوَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِهَا وَأَعْلَمَهُ أَنَّهَا وَضَحٌ فَقَبَضَ الْوَكِيلُ أَلْفَ دِرْهَمٍ غَلَّةً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا غَلَّةٌ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْآمِرِ، فَإِنْ ضَاعَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَهَا الْوَكِيلُ وَلَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ شَيْءٌ، وَلَوْ قَبَضَهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا غَلَّةٌ فَقَبْضُهُ جَائِزٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا وَيَأْخُذَ خِلَافَهَا، فَإِنْ ضَاعَتْ مِنْ يَدِهِ فَكَأَنَّهَا ضَاعَتْ مِنْ يَدِ الْآمِرِ، وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قِيَاسِ أَبِي يُوسُفَ يَرُدُّ مِثْلَهَا وَيَأْخُذُ الْوَضَحَ اهـ. أَقُولُ: الْأَوْضَاحُ حُلِيٌّ مِنْ فِضَّةٍ جَمْعُ وَضَحٍ، وَأَصْلُهُ الْبَيَاضُ مُغْرِبٌ. وَفِي الْمُخْتَارِ: وَالْأَوْضَاحُ حُلِيٌّ مِنْ الدَّرَاهِمِ الصِّحَاحِ. وَذَكَرَ فِي الْهَامِشِ: دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَا لَا يَدْفَعُهُ إلَى رَجُلٍ فَذَكَرَ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَكَذَّبَهُ فِي ذَلِكَ الْآمِرُ وَالْمَأْمُورُ لَهُ بِالْمَالِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي بَرَاءَةِ نَفْسِهِ عَنْ الضَّمَانِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآخَرِ، أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَلَا يَسْقُطُ دَيْنُهُ عَنْ الْآمِرِ، وَلَا يَجِبُ الْيَمِينُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الَّذِي كَذَّبَهُ دُونَ الَّذِي صَدَّقَهُ، فَإِنْ صَدَّقَ الْمَأْمُورَ فِي الدَّفْعِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا قَبَضَ، فَإِنْ حَلَفَ لَا يَسْقُطُ دَيْنُهُ، وَإِنْ نَكَلَ سَقَطَ وَصُدِّقَ الْآخَرُ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَإِنْ كَذَّبَ الْمَأْمُورَ فَإِنَّهُ يُحَلِّفُ الْمَأْمُورَ خَاصَّةً لَقَدْ دَفَعَهُ إلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا دَفَعَ إلَيْهِ اهـ هِنْدِيَّةٌ مِنْ فَصْلٍ: إذَا وَكَّلَ إنْسَانًا بِقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ) مَعْنَاهُ لَا يَقْبِضُ مُتَفَرِّقًا، فَلَوْ قَبَضَ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ لَمْ يَبْرَأْ الْغَرِيمُ مِنْ شَيْءٍ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. وَفِيهِ وَكِيلٌ قَبَضَ الْوَدِيعَةَ قَبَضَ بَعْضَهَا جَازَ، فَلَوْ أُمِرَ أَنْ لَا يَقْبِضَهَا إلَّا جَمِيعًا فَقَبَضَ بَعْضَهَا ضَمِنَ وَلَمْ يَجُزْ الْقَبْضُ، فَلَوْ قَبَضَ مَا بَقِيَ قَبْلَ أَنْ يَهْلِكَ الْأَوَّلُ جَازَ الْقَبْضُ عَلَى الْمُوَكِّلِ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 530 فِي الْأَشْبَاهِ: لَا يُجْبَرُ الْوَكِيلُ إذَا امْتَنَعَ عَنْ فِعْلِ مَا وُكِّلَ فِيهِ لِتَبَرُّعِهِ إلَّا فِي ثَلَاثٍ كَمَا مَرَّ (بِخِلَافِ الْكَفِيلِ) فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا لِلِالْتِزَامِ. (وَكَّلَهُ بِخُصُومَاتِهِ وَأَخْذِ حُقُوقِهِ مِنْ النَّاسِ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ وَكِيلًا فِيمَا يُدَّعَى عَلَى الْمُوَكِّلِ) (جَازَ) هَذَا التَّوْكِيلُ (فَلَوْ) (أَثْبَتَ) الْوَكِيلُ (الْمَالَ لَهُ) أَيْ لِمُوَكِّلِهِ (ثُمَّ أَرَادَ الْخَصْمُ الدَّفْعَ) (لَا يُسْمَعُ عَلَى الْوَكِيلِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَكِيلٍ فِيهِ دُرَرٌ (وَصَحَّ) (إقْرَارُ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ) لَا بِغَيْرِهَا مُطْلَقًا (بِغَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) عَلَى مُوَكِّلِهِ (عِنْدَ الْقَاضِي) (دُونَ غَيْرِهِ) اسْتِحْسَانًا (وَإِنْ انْعَزَلَ) الْوَكِيلُ (بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْإِقْرَارِ حَتَّى لَا يَدْفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ وَإِنْ بَرْهَنَ بَعْدَهُ عَلَى الْوَكَالَةِ لِلتَّنَاقُضِ دُرَرٌ (وَكَذَا إذَا اسْتَثْنَى) الْمُوَكِّلُ (إقْرَارَهُ) بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتُكَ بِالْخُصُومَةِ غَيْرَ جَائِزِ الْإِقْرَارِ صَحَّ التَّوْكِيلُ وَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الظَّاهِرِ بَزَّازِيَّةٌ (فَلَوْ أَقَرَّ عِنْدَهُ) أَيْ الْقَاضِي (لَا يَصِحُّ وَخَرَجَ بِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ) فَلَا تُسْمَعُ خُصُومَتُهُ دُرَرٌ (وَصَحَّ) (التَّوْكِيلُ بِالْإِقْرَارِ) (وَلَا يَصِيرُ بِهِ) أَيْ بِالتَّوْكِيلِ (مُقِرًّا) بَحْرٌ (وَبَطَلَ) (تَوْكِيلُ الْكَفِيلِ بِالْمَالِ) لِئَلَّا يَصِيرَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ (كَمَا) لَا يَصِحُّ (لَوْ) (وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ) أَيْ الدَّيْنِ (مِنْ نَفْسِهِ أَوْ عَبْدِهِ) .   [رد المحتار] قَوْلُهُ فِي الْأَشْبَاهِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالنَّقْلِ الْمَذْكُورِ الْإِشَارَةَ إلَى مُخَالَفَتِهِ، لِمَا فِي الْأَشْبَاهِ: فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ الثَّلَاثِ كَمَا تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ يُجْبَرُ الْوَكِيلُ بِخُصُومَةٍ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي إذَا غَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ صَاحِبَ الدُّرَرِ. وَقَالَ فِي الْعَزْمِيَّةِ: لَمْ نَجِدْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَا لَا فِي الْمُتُونِ وَلَا فِي الشُّرُوحِ. ثُمَّ أَجَابَ كالشرنبلالي بِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا، يَعْنِي مَا لَمْ يَغِبْ مُوَكِّلُهُ فَإِذَا غَابَ يُجْبَرُ عَلَيْهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ رَهْنٍ يُوضَعُ عِنْدَ عَدْلٍ اهـ وَهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ نُورِ الْعَيْنِ تَأَمَّلْ هَذَا. وَلَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمِنَحِ مَتْنًا مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْأَشْبَاهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا إلَّا إذَا كَانَ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ بِطَلَبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَغَابَ الْمُدَّعِي وَكَأَنَّهُ سَاقِطٌ مِنْ الْمَتْنِ الَّذِي شَرَحَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَصَحَّ إقْرَارُ الْوَكِيلِ) يَعْنِي إذَا ثَبَتَ وَكَالَةُ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ وَأَقَرَّ عَلَى مُوَكِّلِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُوَكِّلُهُ الْمُدَّعِيَ فَأَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِثُبُوتِهِ عَلَيْهِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ بِالْخُصُومَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْوَكِيلِ (قَوْلُهُ لَا بِغَيْرِهَا) أَيْ لَا إقْرَارُ الْوَكِيلِ بِغَيْرِ الْخُصُومَةِ أَيَّ وَكَالَةٍ كَانَتْ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) مُتَعَلِّقٌ بِ " إقْرَارُ " (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ عِنْدَ الْقَاضِي أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْمُخَاصَمَةِ وَالْإِقْرَارُ يَضُرُّهَا؛ لِأَنَّهُ مُسَالَمَةٌ ح (قَوْلُهُ انْعَزَلَ) أَيْ عَزَلَ نَفْسَهُ لِأَجْلِ دَفْعِ الْخَصْمِ واني، وَرَدَّهُ عَزْمِي زَادَةْ ط قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: تَحْتَ قَوْلِهِ انْعَزَلَ أَيْ لَوْ أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِهِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ يَخْرُجُ مِنْ الْوَكَالَةِ اهـ (قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَدْفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ) أَيْ لَا يُؤْمَرُ الْخَصْمُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْقَى وَكِيلًا بِجَوَابٍ مُقَيَّدٍ وَهُوَ الْإِقْرَارُ، وَمَا وَكَّلَهُ بِجَوَابٍ مُقَيَّدٍ وَإِنَّمَا وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا اهـ ح عَنْ شَرْحِ الْهِدَايَةِ مَعْزِيًّا لِقَاضِي زَادَهْ (قَوْلُهُ لِلتَّنَاقُضِ) ؛ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ مُبْطِلٌ فِي دَعْوَاهُ دُرَرٌ (قَوْلُهُ بِأَنْ قَالَ) الْمَسْأَلَةُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ مَبْسُوطَةٍ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَمِثْلُهُ اسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارِ فَيَصِحُّ مِنْهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ زَيْلَعِيٌّ وَبَيَانُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ أَيْ بِالتَّوْكِيلِ) التَّوْكِيلُ بِالْإِقْرَارِ صَحِيحٌ، وَلَا يَكُونُ التَّوْكِيلُ بِهِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ إقْرَارًا مِنْ الْمُوَكِّلِ. وَعَنْ الطَّوَاوِيسِيِّ: مَعْنَاهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِالْخُصُومَةِ وَيَقُولَ: خَاصِمْ فَإِذَا رَأَيْتَ لُحُوقَ مُؤْنَةٍ أَوْ خَوْفَ عَارٍ عَلَيَّ فَأَقِرَّ بِالْمُدَّعَى يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ رَمْلِيٌّ. قُلْتُ: وَيَظْهَرُ مِنْهُ وَجْهُ عَدَمِ كَوْنِهِ إقْرَارًا، وَنَظِيرُهُ صُلْحُ الْمُنْكِرِ. (قَوْلُهُ وَبَطَلَ تَوْكِيلُ الْكَفِيلِ) فَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ لَمْ تَنْقَلِبْ صَحِيحَةً لِوُقُوعِهَا بَاطِلَةً ابْتِدَاءً كَمَا لَوْ كَفَلَ عَنْ غَائِبٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ بَاطِلًا ثُمَّ إذَا أَجَازَهُ لَمْ يَجُزْ (قَوْلُهُ بِالْمَالِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْكَفِيلِ ح وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ مَتْنًا (قَوْلُهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ) أَيْ فِيمَا لَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْمَدْيُونَ حَتَّى لَزِمَهُ ضَمَانُ قِيمَتِهِ لِلْغُرَمَاءِ وَيُطَالِبُ الْعَبْدَ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، فَلَوْ وَكَّلَهُ الطَّالِبُ بِقَبْضِ الْمَالِ عَنْ الْعَبْدِ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 531 لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَتَى عَمِلَ لِنَفْسِهِ بَطَلَتْ إلَّا إذَا وَكَّلَ الْمَدْيُونَ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ، فَيَصِحُّ وَيَصِحُّ عَزْلُهُ قَبْلَ إبْرَائِهِ نَفْسَهُ أَشْبَاهٌ (أَوْ) (وَكَّلَ الْمُحْتَالُ الْمُحِيلَ بِقَبْضِهِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ) أَوْ وَكَّلَ الْمَدْيُونُ وَكِيلَ الطَّالِبِ بِالْقَبْضِ لَمْ يَصِحَّ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ قَاضِيًا وَمُقْتَضِيًا قُنْيَةٌ (بِخِلَافِ) (كَفِيلُ النَّفْسِ وَالرَّسُولِ وَوَكِيلِ الْإِمَامِ بِبَيْعِ الْغَنَائِمِ وَالْوَكِيلِ بِالتَّزْوِيجِ) حَيْثُ يَصِحُّ ضَمَانُهُمْ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ سَفِيرٌ. (الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا كَفَلَ) (صَحَّ وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ) ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ أَقْوَى لِلُزُومِهَا فَتَصْلُحُ نَاسِخَةً (بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَكَذَا كُلَّمَا صَحَّتْ كَفَالَةُ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ تَقَدَّمَتْ الْكَفَالَةُ أَوْ تَأَخَّرَتْ) لِمَا قُلْنَا (وَكِيلُ الْبَيْعِ إذَا ضَمِنَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ عَنْ الْمُشْتَرِي) (لَمْ يَجُزْ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَصِيرُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ (فَإِنْ أَدَّى بِحُكْمِ الضَّمَانِ رَجَعَ) لِبُطْلَانِهِ (وَبِدُونِهِ لَا) لِتَبَرُّعِهِ. (ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلُ الْغَائِبِ بِقَبْضِ دَيْنِهِ فَصَدَّقَهُ الْغَرِيمُ) (أُمِرَ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ) عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ وَلَا يُصَدَّقُ لَوْ ادَّعَى الْإِيفَاءَ (فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ فَصَدَّقَهُ) فِي التَّوْكِيلِ (فَبِهَا) وَنِعْمَتْ (وَإِلَّا أُمِرَ الْغَرِيمُ بِدَفْعِ الدَّيْنِ إلَيْهِ) أَيْ الْغَائِبِ (ثَانِيًا) لِفَسَادِ الْأَدَاءِ بِإِنْكَارِهِ مَعَ يَمِينِهِ (وَرَجَعَ) الْغَرِيمُ (بِهِ عَلَى الْوَكِيلِ إنْ بَاقِيًا فِي يَدِهِ وَلَوْ حُكْمًا) بِأَنْ اسْتَهْلَكَهُ   [رد المحتار] يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ وَالْمَوْلَى عَامِلٌ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يُبْرِئُ بِهِ نَفْسَهُ فَلَا يَصِحُّ وَكِيلًا كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ) قَالَ فِي الْهَامِشِ: أَيْ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ، فَمَتَى عَمِلَ لِنَفْسِهِ فَقَطْ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ اهـ أَشْبَاهٌ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا إلَخْ) الِاسْتِثْنَاءُ مُسْتَدْرَكٌ، فَانْظُرْ مَا فِي الْبَحْرِ، " وَالْمَدْيُونَ " بِالنَّصْبِ، وَفَاعِلُ " وَكَّلَ " مُسْتَتِرٌ فِيهِ. (قَوْلُهُ قُنْيَةٌ) عِبَارَتُهَا كَمَا فِي الْمِنَحِ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ عَلَى فُلَانٍ فَأَخْبَرَ بِهِ الْمَدْيُونَ فَوَكَّلَهُ بِبَيْعِ سِلْعَتِهِ وَإِيفَاءِ ثَمَنِهِ إلَى رَبِّ الدَّيْنِ فَبَاعَهَا وَأَخَذَ الثَّمَنَ وَهَلَكَ يَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْمَدْيُونِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا وَمُقْتَضِيًا. وَالْوَاحِدُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا لِلْمَطْلُوبِ وَالطَّالِبِ فِي الْقَضَاءِ وَالِاقْتِضَاءِ اهـ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ فَانْظُرْهُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ كَفِيلِ النَّفْسِ) قَيَّدَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنْ يُوَكِّلَهُ بِالْخُصُومَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَيْسَ بِقَيْدٍ، إذْ لَوْ وَكَّلَهُ بِالْقَبْضِ مِنْ الْمَدْيُونِ صَحَّ اهـ (قَوْلُهُ حَيْثُ يَصِحُّ ضَمَانُهُمْ) بِالثَّمَنِ وَالْمَهْرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ مِنَحٌ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ يَصِحُّ تَوْكِيلُهُمْ لَكِنْ لَا يَظْهَرُ فِي مَسْأَلَةِ وَكِيلِ الْإِمَامِ بِبَيْعِ الْغَنَائِمِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ سَفِيرٌ) أَيْ مُعَبِّرٌ عَنْ غَيْرِهِ فَلَا تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ) هُوَ تَكْرَارٌ مَحْضٌ ح أَيْ مَعَ قَوْلِهِ وَبَطَلَ تَوْكِيلُ الْكَفِيلِ بِالْمَالِ، لَكِنْ إذَا لُوحِظَ ارْتِبَاطُهُ بِقَوْلِهِ فَتَصْلُحُ نَاسِخَةً إظْهَارًا لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ تَكْرَارًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَذَا كُلَّمَا إلَخْ) تَكْرَارٌ مَحْضٌ مَعَ مَا قَبْلَهَا ح. (قَوْلُهُ لِلْبَائِعِ) الْمُنَاسِبِ لِلْمُوَكِّلِ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) اسْتَشْكَلَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِوَكِيلِ الْإِمَامِ بِبَيْعِ الْغَنَائِمِ، وَدَفَعَهُ أَبُو السُّعُودِ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ فَلَا تَلْحَقُهُ عُهْدَةٌ (قَوْلُهُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الِاقْتِضَاءِ لَهُ (قَوْلُهُ رَجَعَ) أَيْ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِالْبَيْعِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ التَّبَرُّعُ حَصَلَ فِي أَدَائِهِ إلَيْهِ بِجِهَةِ الضَّمَانِ كَأَدَائِهِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ عَنْ الْمُشْتَرِي بِدُونِ أَمْرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّبَرُّعَ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِي نَفْسِ الْكَفَالَةِ، وَأَمَّا الْأَدَاءُ فَهُوَ مُلْزَمٌ بِهِ شَاءَ أَوْ أَبَى بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا عَلَى أَنَّهُ إذَا أَدَّى عَلَى حُكْمِ الضَّمَانِ لَا يُسَمَّى مُتَبَرِّعًا بَلْ هُوَ مُلْزَمٌ بِهِ فِي ظَنِّهِ اهـ. (قَوْلُهُ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ) أَيْ فِي مَالِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ الْآتِي؛ لِأَنَّ فِيهَا إبْطَالَ حَقِّ الْمَالِكِ فِي الْعَيْنِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يُصَدَّقُ إلَخْ) سَيَأْتِي مَتْنًا فِي قَوْلِهِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ مَالِ فَادَّعَى الْغَرِيمُ مَا يُسْقِطُ حَقَّ مُوَكِّلِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ لِفَسَادِ الْأَدَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيفَاءُ حَيْثُ أَنْكَرَ، فَقَوْلُهُ بِإِنْكَارِهِ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَقَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ بِمَجْرَدِ الْإِنْكَارِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَوْ ادَّعَى الْغَرِيمُ عَلَى الطَّالِبِ حِينَ أَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَكَّلَ الْقَابِضَ وَبَرْهَنَ يُقْبَلُ وَيَبْرَأُ وَإِنْ أَنْكَرَ حَلَّفَهُ، فَإِنْ نَكَلَ بَرِئَ اهـ. وَفِيهِ عَنْهَا أَيْضًا: وَإِنْ أَرَادَ الْغَرِيمُ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا وَكَّلْتُهُ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ دَفَعَ عَنْ سُكُوتٍ لَيْسَ لَهُ إلَّا إذَا عَادَ إلَى التَّصْدِيقِ، وَإِنْ دَفَعَ عَنْ تَكْذِيبٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ، وَإِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 532 فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مِثْلَهُ خُلَاصَةٌ (وَإِنْ ضَاعَ لَا) عَمَلًا بِتَصْدِيقِهِ (إلَّا إذَا) كَانَ قَدْ (ضَمَّنَهُ عِنْدَ الدَّفْعِ) بِقَدْرِ مَا يَأْخُذُهُ الدَّائِنُ ثَانِيًا لَا مَا أَخَذَهُ الْوَكِيلُ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ لَا تَجُوزُ بِهَا الْكَفَالَةُ زَيْلَعِيٌّ وَغَيْرُهُ (أَوْ) (قَالَ لَهُ قَبَضْتُ مِنْكَ عَلَى أَنِّي أَبْرَأْتُكَ مِنْ الدَّيْنِ) فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ الْأَبُ لِلْخَتَنِ عِنْدَ أَخْذِ مَهْرِ بِنْتِهِ آخُذُ مِنْكَ عَلَى أَنِّي أَبْرَأْتُكَ مِنْ مَهْرِ بِنْتِي، فَإِنْ أَخَذَتْهُ الْبِنْتُ ثَانِيًا رَجَعَ الْخَتَنُ عَلَى الْأَبِ فَكَذَا هَذَا بَزَّازِيَّةٌ (وَكَذَا) يَضْمَنُهُ (إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى الْوَكَالَةِ يَعُمُّ) صُورَتَيْ السُّكُوتِ وَالتَّكْذِيبِ (وَدَفَعَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى زَعْمِهِ) الْوَكَالَةَ فَهَذِهِ أَسْبَابٌ لِلرُّجُوعِ عِنْدَ الْهَلَاكِ (فَإِنْ) (ادَّعَى الْوَكِيلُ هَلَاكَهُ أَوْ دَفْعَهُ لِمُوَكِّلِهِ صُدِّقَ) الْوَكِيلُ (بِحَلِفِهِ وَفِي الْوُجُوهِ) الْمَذْكُورَةِ (كُلِّهَا) الْغَرِيمُ (لَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ) وَإِنْ بَرْهَنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَكِيلٍ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ أَوْ أَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ لَمْ يُقْبَلْ لِسَعْيِهِ فِي نَقْضِ مَا أَوْجَبَهُ لِلْغَائِبِ، نَعَمْ لَوْ بَرْهَنَ أَنَّ الطَّالِبَ جَحَدَ الْوَكَالَةَ وَأَخَذَ مِنِّي الْمَالَ تُقْبَلُ بَحْرٌ، وَلَوْ مَاتَ الْمُوَكِّلُ وَوَرِثَهُ غَرِيمُهُ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ أَخَذَهُ قَائِمًا، وَلَوْ هَالِكًا ضَمِنَهُ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ عَلَى الْوَكَالَةِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ وَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ حَلَفَ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الدَّائِنَ وَكَّلَهُ عَيْنِيٌّ. (قَالَ إنِّي وَكِيلٌ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ) (لَمْ يُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ) عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِابْنِ الشِّحْنَةِ، وَلَوْ دَفَعَ لَمْ يَمْلِكْ الِاسْتِرْدَادَ مُطْلَقًا لِمَا مَرَّ (وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ) (ادَّعَى شِرَاءَهَا مِنْ الْمَالِكِ وَصَدَّقَهُ) الْمُودَعُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ (وَلَوْ ادَّعَى انْتِقَالَهَا بِالْإِرْثِ أَوْ الْوَصِيَّةِ مِنْهُ وَصَدَّقَهُ) (أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ (إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ) وَلَا بُدَّ مِنْ التَّلَوُّمِ فِيهِمَا لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ وَارِثٍ آخَرَ (وَلَوْ أَنْكَرَ مَوْتَهُ أَوْ قَالَ لَا أَدْرِي لَا) يُؤْمَرُ بِهِ مَا لَمْ يُبَرْهِنْ، وَدَعْوَى الْإِيصَاءِ كَوَكَالَةٍ فَلَيْسَ لِمُودَعِ مَيِّتٍ وَمَدْيُونِهِ الدَّفْعُ قَبْلَ ثُبُوتِ أَنَّهُ وَصِيٌّ، وَلَوْلَا وَصِيِّ فَدَفَعَ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ بَرِئَ عَنْ حِصَّتِهِ فَقَطْ (وَلَوْ) (وَكَّلَهُ بِقَبْضِ مَالٍ فَادَّعَى الْغَرِيمُ مَا يُسْقِطُ حَقَّ مُوَكِّلِهِ) كَأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ أَوْ إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ مِلْكِي (دَفَعَ) الْغَرِيمُ (الْمَالَ) وَلَوْ عَقَارًا (إلَيْهِ) أَيْ الْوَكِيلِ   [رد المحتار] عَادَ إلَى التَّصْدِيقِ لَكِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ اهـ فَإِطْلَاقُ الشَّارِحِ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مِثْلَهُ) الْأَوْلَى بَدَلَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قَدْ ضَمَّنَهُ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ بِأَنْ يَقُولَ أَنْتَ وَكِيلُهُ لَكِنْ لَا آمَنُ أَنْ يَجْحَدَ الْوَكَالَةَ وَيَأْخُذَ مِنِّي ثَانِيًا فَيَضْمَنُ ذَلِكَ الْمَأْخُوذَ فَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي وَكَّلَهُ عَائِدٌ إلَى الْوَكِيلِ وَالْبَارِزُ إلَى الْمَالِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ قَالَ) أَيْ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ (قَوْلُهُ فَهَذِهِ) أَيْ الثَّلَاثَةُ. وَذَكَرَ فِي الْهَامِشِ عَنْ الْقَوْلِ لِمَنْ مِنْ الْوَكَالَةِ فِي شَخْصٍ أَذِنَ لِآخَرَ أَنْ يُعْطِيَ زَيْدًا أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ الَّذِي تَحْتَ يَدِهِ فَادَّعَى الْمَأْمُورُ الدَّفْعَ وَغَابَ زَيْدٌ وَأَنْكَرَ الْإِذْنَ وَطَالَبَهُ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الدَّفْعِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؟ أَجَابَ إنْ كَانَ الْمَالُ الَّذِي عِنْدَهُ أَمَانَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ تَعْوِيضًا أَوْ دَيْنًا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ اهـ (قَوْلُهُ لَمْ يُقْبَلْ) وَلَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِابْنِ الشِّحْنَةِ) فِيهِ أَنَّ ابْنَ الشِّحْنَةِ نَقَلَ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ وَمَا هُنَا هُوَ الْمَذْهَبُ فَلَا مُعَارَضَةَ ح (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ سَكَتَ أَوْ كَذَّبَ أَوْ صَدَّقَ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَنَّهُ يَكُونُ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا أَوْجَبَهُ لِلْغَائِبِ. وَفِي الْبَحْرِ: لَوْ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ عِنْدَهُ بَعْدَ مَا مَنَعَ، قِيلَ لَا يَضْمَنُ وَكَانَ يَنْبَغِي الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَهَا مِنْ وَكِيلِ الْمُودِعِ فِي زَعْمِهِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى) أَيْ الْوَارِثُ أَوْ الْمُوصَى لَهُ (قَوْلُهُ عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ) أَيْ وَالْمُوصِي (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّلَوُّمِ إلَخْ) تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ وَدَعْوَى الْإِيصَاءِ كَوَكَالَةٍ) فَإِذَا صَدَّقَهُ ذُو الْيَدِ لَمْ يُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ لَهُ إذَا كَانَ عَيْنًا فِي يَدِ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ وَكِيلُ صَاحِبِ الْمَالِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْغَصْبِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يَصِحُّ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَكِيلُهُ فِي حَيَاتِهِ بِقَبْضِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ دَيْنًا عَلَى الْمُقِرِّ فَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْأَوَّلِ يُصَدَّقُ وَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، وَعَلَى قَوْلِهِ الْأَخِيرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لَا يُصَدَّقُ وَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَبَيَانُهُ فِي الشَّرْحِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ أَوْ إقْرَارُهُ) أَيْ الْمُوَكِّلِ بِأَنَّهُ مِلْكِي الْمَسْأَلَةُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 533 لِأَنَّ جَوَابَهُ تَسْلِيمٌ مَا لَمْ يُبَرْهِنْ، وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُوَكِّلِ لَا الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَجْرِي فِي الْيَمِينِ خِلَافًا لِزُفَرَ (وَلَوْ) (وَكَّلَهُ بِعَيْبٍ فِي أَمَةٍ وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ رَضِيَ بِالْعَيْبِ) (لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَضَاءَ هُنَا فَسْخٌ لَا يَقْبَلُ النَّقْضُ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ خِلَافًا لَهُمَا (فَلَوْ) (رَدَّهَا الْوَكِيلُ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ فَحَضَرَ الْمُوَكِّلُ وَصَدَّقَهُ عَلَى الرِّضَا) (كَانَتْ لَهُ لَا لِلْبَائِعِ) اتِّفَاقًا فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا عَنْ دَلِيلٍ بَلْ لِلْجَهْلِ بِالرِّضَا ثُمَّ ظَهَرَ خِلَافُهُ فَلَا يَنْفُذُ بَاطِنًا نِهَايَةٌ. (وَالْمَأْمُورُ بِالْإِنْفَاقِ) عَلَى أَهْلٍ أَوْ بِنَاءٍ (أَوْ الْقَضَاءِ) لِدَيْنٍ (أَوْ الشِّرَاءِ أَوْ التَّصَدُّقِ عَنْ) زَكَاةٍ (إذَا أَمْسَكَ مَا دُفِعَ إلَيْهِ وَنَقَدَ مِنْ مَالِهِ) نَاوِيًا الرُّجُوعَ كَذَا قَيَّدَ الْخَامِسَةَ فِي الْأَشْبَاهِ (حَالَ قِيَامِهِ) (لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا) بَلْ يَقَعُ التَّقَاصُّ اسْتِحْسَانًا (إذَا لَمْ يُضِفْ إلَى غَيْرِهِ) فَلَوْ كَانَتْ وَقْتَ إنْفَاقِهِ مُسْتَهْلَكَةً وَلَوْ بِصَرْفِهَا لِدَيْنِ نَفْسِهِ أَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ ضَمِنَ وَصَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ مُتَبَرِّعًا بِالْإِنْفَاقِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَةِ نِهَايَةٌ وَبَزَّازِيَّةٌ، نَعَمْ فِي الْمُنْتَقَى: لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ مَدْيُونِهِ أَلْفًا وَيَتَصَدَّقَ فَتَصَدَّقَ بِأَلْفٍ لِيَرْجِعَ عَلَى الْمَدْيُونِ جَازَ اسْتِحْسَانًا.   [رد المحتار] حَيْثُ قَالَ: قَالَ ادَّعَى أَرْضًا وَكَالَةً أَنَّهُ مِلْكُ مُوَكِّلِي فَبَرْهَنَ فَقَالَ ذُو الْيَدِ إنَّهُ مِلْكِي وَمُوَكِّلُكَ أَقَرَّ بِهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُوَكِّلَ لَا وَكِيلَهُ فَمُوَكِّلُهُ لَوْ غَائِبًا فَلِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِهِ لِمُوَكِّلِهِ، فَلَوْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ وَحَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ لَهُ بَقِيَ الْحُكْمُ عَلَى حَالِهِ، وَلَوْ نَكَلَ بَطَلَ الْحُكْمُ اهـ وَبِهِ يَظْهَرُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ جَوَابَهُ تَسْلِيمٌ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ادَّعَى الْإِيفَاءَ وَفِي ضِمْنِ دَعْوَاهُ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ وَبِالْوَكَالَةِ، وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُبَرْهِنْ) أَيْ عَلَى الْإِيفَاءِ فَتُقْبَلُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا الْوَكِيلِ) أَيْ عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِ بِاسْتِيفَاءِ الْمُوَكِّلِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَجْرِي فِي الْيَمِينِ) وَكِيلُ قَبْضِ الدَّيْنِ ادَّعَى عَلَيْهِ الْمَدْيُونُ الْإِيفَاءَ إلَى مُوَكِّلِهِ أَوْ إبْرَاءَهُ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْوَكِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَا يَحْلِفُ، إذْ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَمْ يَجُزْ عَلَى مُوَكِّلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْغَيْرِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ أَظْهَرُ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَتَدَبَّرْ. وَفِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَفِي الزِّيَادَاتِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَوْ أَقَرَّ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ: وَكِيلُ شِرَاءٍ وَجَدَ عَيْبًا فَأَرَادَ الرَّدَّ وَأَرَادَ الْبَائِعُ تَحْلِيفَهُ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِالْعَيْبِ لَا يَحْلِفُ، فَإِنْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ لَزِمَهُ. الثَّانِيَةُ وَكِيلُ قَبْضِ الدَّيْنِ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ الْمَدْيُونُ أَنَّ مُوَكِّلَهُ أَبْرَأَهُ عَنْ الدَّيْنِ وَاسْتَحْلَفَ الْوَكِيلَ عَلَى الْعِلْمِ لَا يُحَلِّفُهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ. يَقُولُ الْحَقِيرُ لَمْ يَذْكُرْ الثَّالِثَةَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ نَظَرٌ إذْ الْمُقَرُّ بِهِ هُوَ الْإِبْرَاءُ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمَدْيُونُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ لُزُومُهُ عَلَى الْوَكِيلِ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِعَيْبٍ) أَيْ بِرَدِّ أَمَةٍ بِسَبَبِ عَيْبٍ ح (قَوْلُهُ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ لَمْ يَرُدَّ الْوَكِيلُ عَلَى الْبَائِعِ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ حَتَّى يَحْلِفَ إلَخْ) يَعْنِي لَا يَقْضِي اتِّفَاقًا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي وَيَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالْعَيْبِ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ) أَيْ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ لَا تُرَدُّ الْأَمَةُ عَلَى الْبَائِعِ وَبَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا حَيْثُ يَدْفَعُ الْغَرِيمُ الْمَالَ إلَى الْوَكِيلِ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) حَيْثُ قَالَا لَا يُؤَخَّرُ الْقَضَاءُ فِي الْفَصْلَيْنِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي عِنْدَهُمَا يَنْفُذُ ظَاهِرًا فَقَطْ إذَا ظَهَرَ الْخَطَأُ ح (قَوْلُهُ فَلَا يَنْفُذُ بَاطِنًا) اعْتَرَضَهُ قَاضِي زَادَهْ أَنَّهُ إذَا جَازَ نَقْضُ الْقَضَاءِ هَاهُنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ لَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ ح. (قَوْلُهُ أَوْ الشِّرَاءِ) قَيَّدَ بِهِ، لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: الْوَكِيلُ بِبَيْعِ الدِّينَارِ إذَا أَمْسَكَ الدِّينَارَ وَبَاعَهُ دِينَارَهُ لَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ عَنْ زَكَاةِ) الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ ح وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ مَا يَأْتِي عَنْ الْمُنْتَقَى (قَوْلُهُ إلَى غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَالِ الْآمِرِ سَوَاءٌ أَضَافَ إلَى مَالِ الْآمِرِ أَوْ أَطْلَقَ ح (قَوْلُهُ وَقْتُ إنْفَاقِهِ) أَيْ أَوْ شِرَائِهِ أَوْ تَصَدُّقِهِ (قَوْلُهُ لِدَيْنِ نَفْسِهِ) أَوْ غَيْرِهِ ح (قَوْلُهُ نَعَمْ إلَخْ) لَا وَجْهَ لِلِاسْتِدْرَاكِ فَإِنَّهَا لَا تُنَافِي مَا قَبْلَهَا، فَإِنَّ قِيَامَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 534 (وَصِيٌّ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ وَ) الْحَالُ أَنَّ (مَالَ الْيَتِيمِ غَائِبٌ) (فَهُوَ) أَيْ الْوَصِيُّ كَالْأَبِ (مُتَطَوِّعٌ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ قَرْضٌ عَلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ يَرْجِعُ) عَلَيْهِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرُهُ، وَعَلَّلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّ قَوْلَ الْوَصِيِّ وَإِنْ اُعْتُبِرَ فِي الْإِنْفَاقِ لَكِنْ لَا يُقْبَلُ فِي الرُّجُوعِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ. [فُرُوعٌ] الْوَكَالَةُ الْمُجَرَّدَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَبَيَانُهُ فِي الدُّرَرِ صَحَّ التَّوْكِيلُ بِالسَّلَمِ لَا بِقَبُولِ عَقْدِ السَّلَمِ، فَلِلنَّاظِرِ أَنْ يُسْلِمَ مِنْ رَيْعِهِ فِي زَيْتِهِ وَحُصُرِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ مَنْ يَجْعَلُهُ بِجَعْلٍ أَمِينًا عَلَى الْقَرْيَةِ فَيَأْمُرُهُ بِعَقْدِ السَّلَمِ وَيَسْتَلِمُ مِنْهُ عَلَى مَا قَرَّرَ لَهُ بَاطِنًا؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُ الْوَاقِفِ وَالْوَكَالَةُ أَمَانَةٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ.   [رد المحتار] الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ كَقِيَامِ الْمَالِ فِي يَدِ الْوَكِيلِ، وَصَاحِبُ الْمِنَحِ وَالْبَحْرِ ذَكَرَاهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِدْرَاكٍ ح. (قَوْلُهُ وَصِيٌّ أَنْفَقَ إلَخْ) سَيَأْتِي تَحْرِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَصَايَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ غَائِبٌ) وَالْحَاضِرُ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى. [فُرُوعٌ الْوَكَالَةُ الْمُجَرَّدَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ] (قَوْلُهُ فُرُوعٌ) تَكْرَارٌ مَعَ مَا يَأْتِي قَرِيبًا أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ وَبَيَانُهُ فِي الدُّرَرِ) قَالَ فِيهَا. قَالَ فِي الصُّغْرَى: الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا أَحْضَرَ خَصْمًا فَأَقَرَّ بِالتَّوْكِيلِ وَأَنْكَرَ الدَّيْنَ لَا تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ: حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْوَكِيلُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الدَّيْنِ لَا تُقْبَلُ اهـ. أَقَرَّ بِالتَّوْكِيلِ وَأَنْكَرَ الدَّيْنَ لَا تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ لَا يَكُونُ خَصْمًا بِالدَّيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَنْكَرَ الْوَكَالَةَ وَأَقَرَّ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَكُونُ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ الدَّيْنِ لِكَوْنِ الْبَيِّنَةِ وَاقِعَةً عَلَى خَصْمٍ مُنْكِرٍ لِلْوَكَالَةِ فَافْهَمْ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ صَحَّ التَّوْكِيلُ بِالسَّلَمِ) أَيْ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ وَالْمُرَادُ بِالسَّلَمِ الْإِسْلَامُ لَا قَبُولُ السَّلَمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْنُ كَمَالٍ، وَأَوْضَحْنَاهُ بِعِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ فَرَاجِعْهُ. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّرَاهِمَ فِي طَعَامٍ مُسَمًّى فَأَخَذَهَا الْوَكِيلُ ثُمَّ دَفَعَهَا إلَى الْمُوَكِّلِ فَالطَّعَامُ عَلَى الْوَكِيلِ وَلِلْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ الدَّرَاهِمُ قَرْضٌ؛ لِأَنَّ أَصْلَ التَّوْكِيلِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إلَيْهِ أَمَرَهُ بِبَيْعِ الطَّعَامِ مِنْ ذِمَّتِهِ إلَى ذِمَّةِ الْوَكِيلِ، وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ عَيْنَ مَالِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ عَلَى الْآمِرِ كَانَ بَاطِلًا فَكَذَلِكَ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ طَعَامًا فِي ذِمَّتِهِ، وَقَبُولُ السَّلَمِ مِنْ صَنِيعِ الْمَفَالِيسِ فَالتَّوْكِيلُ بِهِ بَاطِلٌ (قَوْلُهُ فَلِلنَّاظِرِ أَنْ يُسْلِمَ إلَخْ) فَرَّعَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ. وَفِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ إيجَازٌ أَلْحَقَهَا بِالْأَلْغَازِ، وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا يَجُوزُ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُسْلِمَ مِنْ رَيْعِ الْوَقْفِ فِي زَيْتِهِ وَحُصُرِهِ كَالْوَكِيلِ بِعَقْدِ السَّلَمِ ثُمَّ رَأْسُ الْمَالِ وَإِنْ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ كَالْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِدَفْعِ بَدَلِهِ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ ثُبُوتَهُ فِي الذِّمَّةِ مُتَأَخِّرًا فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَالثَّمَنِ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ مَا يُعْطِيهِ يَكُونُ بَدَلًا عَمَّا وَجَبَ وَهُنَا يُعْطِيهِ فِي الْمَجْلِسِ كَالتَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مِلْكَهُ. أَوْ نَقُولُ، الثَّمَنُ هُنَا مُعَيَّنٌ: أَيْ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ مَالَ الْأَمَانَةِ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ. ثَانِيَتُهُمَا: قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ قَيِّمَ الْوَقْفِ وَكِيلُ الْوَاقِفِ وَالْوَكَالَةُ أَمَانَةٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا. وَلَمَّا اُشْتُهِرَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ جَعَلَ النُّظَّارُ لَهُ حِيلَةً إذَا أَرَادُوا أَنْ يَجْعَلُوا فِي الْقَرْيَةِ أَمِينًا يَحْفَظُ زَرْعَهَا وَيُقَرِّرُونَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ جَعْلًا، وَهِيَ أَنْ يَأْمُرُوهُ بِعَقْدِ السَّلَمِ وَيَسْتَلِمُونَ مِنْ الْوُكَلَاءِ عَلَى مَا هُوَ مُقَرَّرٌ لَهُمْ بَاطِنًا فَالْغَلَّةُ الْمُسْلَمُ فِيهَا تَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الْوَكِيلِ، وَلَوْ صَرَفَهَا مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ ضَمِنَهَا، وَلَوْ صَرَفَ مَالَ السَّلَمِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ وَكَانَ مُتَبَرِّعًا؛ لِأَنَّهُ صَرَفَ مَالَ نَفْسِهِ فِي غَيْرِ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ تَخْرِيجًا عَلَى الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِقَبُولِ السَّلَمِ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ شُرَّاحُ الْوَهْبَانِيَّةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَقَدْ صَعُبَ عَلَيَّ فَهْمُ هَذَا الْكَلَامِ، وَلَمْ يَتَلَخَّصْ مِنْهُ حَاصِلٌ مُدَّةً طَوِيلَةً حَتَّى فَتَحَ الْمَوْلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 535 بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ (الْوَكَالَةُ مِنْ الْعُقُودِ الْغَيْرِ اللَّازِمَةِ) كَالْعَارِيَّةِ (فَلَا يَدْخُلُهَا خِيَارُ شَرْطٍ وَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ بِهَا مَقْصُودًا وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِي ضِمْنِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ عَلَى غَرِيمٍ) وَبَيَانُهُ فِي الدُّرَرِ (فَلِلْمُوَكِّلِ الْعَزْلُ مَتَى شَاءَ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ) كَوَكِيلِ خُصُومَةٍ بِطَلَبِ الْخَصْمِ كَمَا سَيَجِيءُ وَلَوْ الْوَكَالَةُ دَوْرِيَّةً   [رد المحتار] بِشَيْءٍ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي أَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ فِي تَصْوِيرِ هَذِهِ الْحِيلَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا يَكُونُ نَاظِرًا عَلَى وَقْفٍ فَيُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَ أَمِينًا قَادِرًا عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ هُوَ عَاجِلًا وَالْأَمِينُ آجِلًا فَإِذَا أَخَذَ مِنْ الْأَمِينِ شَيْئًا عَلَى ذَلِكَ لِيَقُومَ مَقَامَهُ وَيَأْخُذَ مُسْتَغَلَّاتِ الْوَقْفِ بَدَلًا عَنْ الْجَعْلِ فَهُوَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْوَكَالَةِ فِي الْمَعْنَى، لِمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّاظِرَ وَكِيلُ الْوَاقِفِ وَهَذَا يُفْعَلُ فِي زَمَنِنَا كَثِيرًا فِي الْمُقَاطَعَاتِ وَالْأَوْقَافِ وَيُسَمُّونَهُ الْتِزَامًا فَإِذَا تَحَيَّلَ لَهُ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ، وَهِيَ أَنْ يَأْخُذَ النَّاظِرُ مِنْ الْأَمِينِ مَبْلَغًا مَعْلُومًا سَلَمًا عَلَى غَلَّةِ الْوَقْفِ لِيَصْرِفَهُ فِي مَصَارِفِهِ وَيَأْخُذَ مِنْهُ مَا عَيَّنَهُ لَهُ الْوَاقِفُ مِنْ الْعُشْرِ مَثَلًا وَيَسْتَغِلُّ ذَلِكَ الْأَمِينُ غَلَّةَ الْوَقْفِ عَلَى أَنَّهُ الْمُسْلَمُ فِيهِ لِيَحْصُلَ لِلنَّاظِرِ نَفْعٌ بِنِظَارَتِهِ وَلِلْأَمِينِ بِأَمَانَتِهِ فَهُوَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ وَكِيلٌ عَنْ الْوَاقِفِ فَكَأَنَّهُ صَارَ وَكِيلًا عَنْ الْوَاقِفِ فِي قَبُولِ عَقْدِ السَّلَمِ وَأَخْذِ الدَّرَاهِمِ عَلَى الْغَلَّةِ الْخَارِجَةِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْجَائِزَ التَّوْكِيلُ بِعَقْدِ السَّلَمِ لَا بِقَبُولِهِ فَإِذَا أَخَذَ الدَّرَاهِمَ وَصَرَفَهَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا صَارِفًا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَتَثْبُتُ الْغَلَّةُ فِي ذِمَّتِهِ فَيَلْزَمُهُ مِثْلُهَا وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ بَيَانِ مِقْدَارِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَعَ سَائِرِ شُرُوطِ السَّلَمِ وَإِلَّا يَكُونُ فَسَادُهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى كَمَا لَا يَخْفَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ] (قَوْلُهُ خِيَارُ شَرْطٍ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي عَقْدٍ لَازِمٍ لِيَتَمَكَّنَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مِنْ فَسْخِهِ إذَا أَرَادَ مِنَحٌ (قَوْلُهُ فَلِلْمُوَكِّلِ الْعَزْلُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ تَقْرِيرِ مَسْأَلَةِ عَزْلِ الْوَكِيلِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، وَعَلَى هَذَا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إذَا وَكَّلَ الزَّوْجُ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ بِالْتِمَاسِهَا ثُمَّ غَابَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ بَلْ لَهُ عَزْلُهُ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الطَّلَاقِ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ كُلَّمَا عَزَلْتُكَ فَأَنْتَ وَكِيلِي لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا عَزَلَهُ تَجَدَّدَتْ الْوَكَالَةُ لَهُ، وَقِيلَ يَنْعَزِلُ بِقَوْلِهِ كُلَّمَا وَكَّلْتُكَ فَأَنْتَ مَعْزُولٌ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: عِنْدِي أَنَّهُ يَمْلِكُ عَزْلَهُ أَنْ يَقُولَ عَزَلْتُكَ عَنْ جَمِيعِ الْوَكَالَاتِ فَيَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلَى الْمُعَلَّقِ وَالْمُنَفَّذِ وَكِلَاهُمَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ إذَا أَرَادَ عَزْلَهُ وَأَرَادَ أَنْ لَا تَنْعَقِدَ الْوَكَالَةُ بَعْدَ الْعَزْلِ أَنْ يَقُولَ رَجَعْتُ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ وَعَزَلْتُكَ عَنْ الْمُنَجَّزَةِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ لَازِمًا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَالْوَكَالَةُ مِنْهُ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ كَوَكِيلِ خُصُومَةٍ) تَمْثِيلٌ لِمَدْخُولِ النَّفْيِ: أَيْ لَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ وَإِنْ عَلِمَ بِهِ الْوَكِيلُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ، فَلَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ الْعَزْلُ كَوَكِيلِ خُصُومَةٍ، وَهُوَ مَا إذَا وَكَّلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ بِطَلَبِ الْخَصْمِ الَّذِي هُوَ الْمُدَّعِي ثُمَّ غَابَ وَعَزَلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِئَلَّا يَضِيعَ حَقُّ الْمُدَّعِي ح (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَلَوْ الْوَكَالَةُ دَوْرِيَّةً) لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُبَالَغَةً عَلَى قَوْلِهِ فَلِلْمُوَكِّلِ الْعَزْلُ أَوْ عَلَى قَوْلِهِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ لَهُ الْعَزْلَ وَلَوْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ دَوْرِيَّةً وَالْمُبَالَغَةُ حِينَئِذٍ ظَاهِرَةٌ، وَعَلَى الثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْعَزْلُ فِي الْوَكَالَةِ الدَّوْرِيَّةِ، وَعَلَى كُلٍّ فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ مُنَاقَشَةٌ. أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِمُنَافَاتِهِ لِقَوْلِهِ وَسَيَجِيءُ عَنْ الْعَيْنِيِّ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي سَيَجِيءُ أَنَّ لَهُ الْعَزْلَ فَلَيْسَ خِلَافَهُ. وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِمَّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 536 فِي طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْبَزَّازِيُّ، وَسَيَجِيءُ عَنْ الْعَيْنِيِّ خِلَافُهُ فَتَنَبَّهْ (بِشَرْطِ عِلْمِ الْوَكِيلِ) أَيْ فِي الْقَصْدِيِّ، أَمَّا الْحُكْمِيُّ فَيَثْبُتُ وَيَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ كَالرَّسُولِ (وَلَوْ) عَزَلَهُ (قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ فِي الْمُعَلَّقِ بِهِ) أَيْ بِالشَّرْطِ بِهِ يُفْتَى شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ (وَيَثْبُتُ ذَلِكَ) أَيْ الْعَزْلُ (بِمُشَافَهَةٍ بِهِ وَبِكِتَابَةِ) مَكْتُوبٍ بِعَزْلِهِ (وَإِرْسَالِهِ رَسُولًا) مُمَيِّزًا (عَدْلًا أَوْ غَيْرَهُ) اتِّفَاقًا (حُرًّا أَوْ عَبْدًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا) صَدَّقَهُ أَوْ كَذَّبَهُ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ (إذَا) (قَالَ) الرَّسُولُ (الْمُوَكِّلُ أَرْسَلَنِي إلَيْكَ لِأُبَلِّغكَ عَزْلَهُ إيَّاكَ عَنْ وَكَالَتِهِ) (وَلَوْ) (أَخْبَرَهُ فُضُولِيٌّ) بِالْعَزْلِ (فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ) عَدَدٌ أَوْ عَدَالَةٌ (كَأَخَوَاتِهَا) الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مَتَى صَدَّقَهُ قُبِلَ وَلَوْ فَاسِقًا اتِّفَاقًا ابْنُ مَلَكٍ وَفَرَّعَ عَلَى عَدَمِ لُزُومِهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِقَوْلِهِ (فَلِلْوَكِيلِ) أَيْ بِالْخُصُومَةِ وَبِشِرَاءِ الْمُعَيَّنِ لَا الْوَكِيلِ بِنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَبَيْعِ مَالِهِ وَبِشِرَاءِ شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ (عَزْلُ نَفْسِهِ بِشَرْطِ عِلْمِ مُوَكِّلِهِ) وَكَذَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ السُّلْطَانِ (إنْ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْمَدْيُونِ، وَإِنْ) وَكَّلَهُ (بِحَضْرَتِهِ لَا) لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ كَمَا مَرَّ (إلَّا إذَا عَلِمَ بِهِ) بِالْعَزْلِ (الْمَدْيُونُ) فَحِينَئِذٍ يَنْعَزِلُ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ) (دَفَعَ الْمَدْيُونُ دَيْنَهُ إلَيْهِ) أَيْ الْوَكِيلِ (قَبْلَ عِلْمِهِ) أَيْ الْمَدْيُونِ (بِعَزْلِهِ) (يَبْرَأُ) وَبَعْدَهُ لَا لِدَفْعِهِ لِغَيْرِ وَكِيلٍ   [رد المحتار] عَزْلِهِ فِي الْوَكَالَةِ الدَّوْرِيَّةِ يَقُولُ إنَّهُ لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا عَزَلَهُ تَجَدَّدَتْ لَهُ وَكَالَةٌ، وَقَوْلُهُ فِي طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَالٌ مِنْ الْوَكَالَةِ الدَّوْرِيَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى مِنْ مَدْخُولِ لَوْ أَيْضًا: أَيْ وَلَوْ فِي طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ فِي الْوَكَالَةِ الدَّوْرِيَّةِ، وَفِي كُلٍّ مُنَاقَشَةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْبَزَّازِيَّ لَمْ يُصَحِّحْ شَيْئًا مِنْهُمَا، بَلْ قَالَ وَكُلُّهُ غَيْرُ جَائِزِ الرُّجُوعِ. قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: لَهُ الْعَزْلُ وَلَيْسَ فِيهِ رِوَايَةٌ مَسْطُورَةٌ. وَقَالَ قَبْلَهُ: لَوْ عَزَلَ الْوَكِيلَ بِالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ لَا يَصِحُّ بِلَا عِلْمٍ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ ضَرَرٌ لَكِنَّهُ يَصِيرُ مُكَذِّبًا فَيَكُونُ غُرُورًا اهـ. نَعَمْ يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الثَّانِي إنْ جُعِلَتْ الْمُبَالَغَةُ عَلَى قَوْلِهِ فَلِلْمُوَكِّلِ عَزْلُهُ. وَلَا يَرِدُ حِينَئِذٍ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِمَّا لَا حَقَّ فِيهِ لِلْغَيْرِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَسَيَجِيءُ عَنْ الْعَيْنِيِّ خِلَافُهُ وَقَعَ مِنْ سَهْوِ الْقَلَمِ وَلَوْ حَذَفَهُ لَاسْتَقَامَ الْكَلَامُ وَانْتَظَمَ. وَالْعِبَارَةُ الْجَيِّدَةُ أَنْ يَقُولَ: فَلِلْمُوَكِّلِ الْعَزْلُ مَتَى شَاءَ وَلَوْ الْوَكَالَةُ دَوْرِيَّةً مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَوَكِيلِ خُصُومَةٍ بِطَلَبِ الْخَصْمِ بِشَرْطِ عِلْمِ الْوَكِيلِ وَلَوْ فِي طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ (قَوْلُهُ فِي طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ) لَوْ دَاخِلَةٌ عَلَى الظَّرْفِ أَيْضًا فَكَأَنَّهُ قَالَ وَلَوْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ: أَيْ فَإِنَّ الْعَزْلَ فِيهَا لَا يَصِحُّ س (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ قَرِيبًا (قَوْلُهُ بِشَرْطِ عِلْمِ الْوَكِيلِ) فَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى الْعَزْلِ فِي غَيْبَةِ الْوَكِيلِ لَمْ يَتَضَرَّرْ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَالرَّسُولِ) فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ قَبْلَ عِلْمِهِ س. (قَوْلُهُ بِعَزْلِهِ) أَيْ إنْ وَصَلَ إلَيْهِ الْمَكْتُوبُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ الْمُوَكِّلُ إلَخْ) هُوَ مَقُولُ الْقَوْلِ (قَوْلُهُ كَأَخَوَاتِهَا) وَهِيَ إخْبَارُ السَّيِّدِ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ وَالشَّفِيعِ بِالْبَيْعِ وَالْبِكْرِ بِالنِّكَاحِ وَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ بِالشَّرَائِعِ وَالْإِخْبَارُ بِعَيْبٍ لِمُرِيدِ شِرَاءٍ وَحَجْرِ مَأْذُونٍ وَفَسْخِ شَرِكَةٍ وَعَزْلِ قَاضٍ وَمُتَوَلِّي وَقْفٍ. (قَوْلُهُ لَا الْوَكِيلِ بِنِكَاحٍ) فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَزْلُهُ نَفْسَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُوَكِّلُ لِعَدَمِ تَضَرُّرِهِ ح (قَوْلُهُ عَزْلُ نَفْسِهِ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: لَا يَصِحُّ عَزْلُ الْوَكِيلِ نَفْسَهُ إلَّا بِعِلْمِ الْمُوَكِّلِ إلَّا الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بَيْعِ مَالِهِ ذَكَرَهُ فِي وَصَايَا الْهِدَايَةِ. قُلْتُ: وَكَذَا الْوَكِيلُ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ اهـ. وَقَالَ الْبَاقَانِيُّ: لَا يَصِحُّ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ قَبْلَ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ. وَفِي الزَّيْلَعِيِّ: عَزَلَ نَفْسَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ ثُمَّ تَصَرَّفَ فِيمَا وُكِّلَ إلَيْهِ قَبْلَ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ الْعَزْلَ صَحَّ تَصَرُّفُهُ اهـ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ وَإِمَامٌ) أَيْ لِلصَّلَاةِ مِنَحٌ: أَيْ لَا يَصِحُّ الْعَزْلُ إلَّا بِعِلْمِ الْمَوْلَى. وَنَصُّ الْجَوَاهِرِ: لَا يَنْعَزِلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 537 (وَلَوْ) (عَزَلَ الْعَدْلُ) الْمُوَكَّلُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ (نَفْسَهُ بِحَضْرَةِ الْمُرْتَهِنِ) (إنْ رَضِيَ بِهِ) بِالْعَزْلِ (صَحَّ وَإِلَّا لَا) لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ، وَكَذَا الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي عِنْدَ غَيْبَتِهِ كَمَا مَرَّ وَلَيْسَ مِنْهُ تَوْكِيلُهُ بِطَلَاقِهَا بِطَلَبِهَا عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِيهِ وَلَا قَوْلُهُ: كُلَّمَا عَزَلْتُكَ فَأَنْتَ وَكِيلِي لِعَزْلِهِ بِكُلَّمَا وَكَّلْتُكَ فَأَنْتَ مَعْزُولٌ عَيْنِيٌّ (وَقَوْلُ الْوَكِيلِ بَعْدَ الْقَبُولِ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ " أَلْغَيْتُ تَوْكِيلِي أَوْ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْوَكَالَةِ ") (لَيْسَ بِعَزْلٍ كَجُحُودِ الْمُوَكِّلِ) بِقَوْلِهِ لَمْ أُوَكِّلْكَ لَا يَكُونُ عَزْلًا (إلَّا أَنْ) (يَقُولَ) الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ (وَاَللَّهِ لَا أُوَكِّلُكَ بِشَيْءٍ فَقَدْ عَرَفْتُ تَهَاوُنَكَ) (فَعَزْلٌ) زَيْلَعِيٌّ، لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْوَصَايَا أَنَّ جُحُودَهُ عَزْلٌ، وَحَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا إذَا وَافَقَهُ الْوَكِيلُ عَلَى التَّرْكِ، لَكِنْ أَثْبَتَ الْقُهُسْتَانِيُّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ وَقَدَّمَ الثَّانِيَ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ جُحُودَهُ مَا عَدَا النِّكَاحَ فَسْخٌ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ لَمْ يَنْعَزِلْ بِالْجُحُودِ اهـ. فَلْيُحْفَظْ. (وَيَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ) بِلَا عَزْلٍ (بِنِهَايَةِ) الشَّيْءِ (الْمُوَكَّلِ فِيهِ) (كَأَنْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنٍ فَقَبَضَهُ) بِنَفْسِهِ (أَوْ) وَكَّلَهُ (بِنِكَاحٍ فَزَوَّجَهُ) الْوَكِيلُ بَزَّازِيَّةٌ، وَلَوْ بَاعَ الْمُوَكِّلُ وَالْوَكِيلُ مَعًا أَوْ لَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ فَبَيْعُ الْمُوَكِّلِ أَوْلَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَشْتَرِكَانِ وَيُخَيَّرَانِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ (وَ) يَنْعَزِلُ (بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَجُنُونِهِ مُطْبِقًا) بِالْكَسْرِ. أَيْ مُسْتَوْعِبًا سَنَةً عَلَى الصَّحِيحِ دُرَرٌ وَغَيْرُهَا، لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ شَهْرٌ، وَبِهِ يُفْتَى وَكَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْبَاقَانِيِّ وَجَعَلَهُ قَاضِي خَانَ فِي فَصْلٍ فِيمَا يُقْضَى بِالْمُجْتَهَدَاتِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى فَلْيُحْفَظْ (وَ) بِالْحُكْمِ (بِلُحُوقِهِ مُرْتَدًّا) ثُمَّ لَا تَعُودُ   [رد المحتار] إلَّا إذَا عَلِمَ بِهِ السُّلْطَانُ وَرَضِيَ بِعَزْلِهِ سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَوْ عَزَلَ إلَخْ) الْعَدْلُ فَاعِلُ عَزَلَ وَالْمُوَكَّلُ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ صِفَةُ الْعَدْلِ وَ " نَفْسَهُ " مَفْعُولُ عَزَلَ (قَوْلُهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ) أَيْ غَيْبَةِ الْخَصْمِ الْمُوَكِّلِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْهُ) أَيْ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ عَزْلَ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَلَا قَوْلُهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى " تَوْكِيلُهُ " (قَوْلُهُ لِعَزْلِهِ) قَدَّمْنَا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ طُرُقَ عَزْلِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ الدَّوْرِيَّةِ وَمَا هُوَ الصَّحِيحُ فِيهَا. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ هُنَا فَفِي الْبَحْرِ: لَوْ قَالَ كُلَّمَا وَكَّلْتُكَ فَأَنْتَ مَعْزُولٌ لَمْ يَصِحَّ. وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّوْكِيلَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشُّرُوطِ وَالْعَزْلُ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الصُّغْرَى وَالصَّيْرَفِيَّةِ فَإِذَا وَكَّلَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يَنْعَزِلْ بِالْجُحُودِ) وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ خَطِّ السَّيِّدِ الْحَمَوِيِّ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ تَصْحِيحُ أَنَّ الْجُحُودَ رُجُوعٌ. قَالَ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ وَيَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ) وَفِي شَرِكَةِ الْعِنَايَةِ: يُشْكِلُ عَلَى هَذَا أَنَّ مَنْ وُكِّلَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَقَضَاهُ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ قَضَاهُ الْوَكِيلُ قَبْلَ الْعِلْمِ لَمْ يَضْمَنْ مَعَ أَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَكِيلَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَجْعَلَ الْمُؤَدَّى مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا وَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ بَعْدَ أَدَاءِ الْمُوَكِّلِ وَلِذَا يَضْمَنُهُ الْقَابِضُ لَوْ هَلَكَ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالتَّصَدُّقِ إذَا دَفَعَ بَعْدَ دَفْعِ الْمُوَكِّلِ، فَلَوْ لَمْ يَضْمَنْ الْوَكِيلُ يَتَضَرَّرُ الْمُوَكِّلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِرْدَادِ الصَّدَقَةِ مِنْ الْفَقِيرِ وَلَا تَضْمِينِهِ اهـ بِنَوْعِ تَصَرُّفٍ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَزَوَّجَهُ الْوَكِيلُ) أَشَارَ بِهَذَا وَبِمَا قَبْلَهُ إلَى أَنَّ نِهَايَةَ الْمُوَكَّلِ فِيهِ إمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْوَكِيلِ وَيَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِهَا، فَلَوْ طَلَّقَ الْمُوَكِّلُ الْمَرْأَةَ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهُ إيَّاهَا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ انْقَضَتْ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَكَّلَهُ بِالتَّزْوِيجِ فَتَزَوَّجَهَا وَوَطِئَهَا وَطَلَّقَهَا وَبَعْدَ الْعِدَّةِ زَوَّجَهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ صَحَّ لِبَقَاءِ الْوَكَالَةِ سَائِحَانِيٌّ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي تَزَوَّجَهَا لِلْوَكِيلِ لَا الْمُوَكِّلِ وَإِلَّا نَافَى مَا هُنَا وَمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ تَصَرُّفَهُ بِنَفْسِهِ عَزْلٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَيَنْعَزِلُ) وَفِي التَّجْنِيسِ مِنْ بَابِ الْمَفْقُودِ رَجُلٌ غَابَ وَجَعَلَ دَارًا لَهُ فِي يَدِ رَجُلٍ لِيَعْمُرَهَا فَدَفَعَ إلَيْهِ مَالًا لِيَحْفَظَهُ ثُمَّ فُقِدَ الدَّافِعُ فَلَهُ أَنْ يَحْفَظَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمُرَ الدَّارَ إلَّا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ لَعَلَّهُ قَدْ مَاتَ، وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ وَصِيًّا لِلْمَفْقُودِ حَتَّى يُحْكَمَ بِمَوْتِهِ اهـ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ لِفَقْدِ الْمُوَكِّلِ فِي حَقِّ التَّصَرُّفِ لَا الْحِفْظِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ شَهْرٌ) أَيْ مِقْدَارُ شَهْرٍ (قَوْلُهُ بِلُحُوقِهِ مُرْتَدًّا) فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ، الْمُرَادُ بِاللَّحَاقِ ثُبُوتُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 538 بِعَوْدِهِ مُسْلِمًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَا بِإِفَاقَتِهِ بَحْرٌ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَكَالَةَ إذَا كَانَتْ لَازِمَةً لَا تَبْطُلُ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ فَلِذَا قَالَ (إلَّا) الْوَكَالَةَ اللَّازِمَةَ (إذَا وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْعَدْلَ أَوْ الْمُرْتَهِنَ بِبَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَلَا يَنْعَزِلُ) بِالْعَزْلِ، وَلَا (بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ) (كَالْوَكِيلِ بِالْأَمْرِ بِالْيَدِ وَالْوَكِيلِ بِبَيْعِ الْوَفَاءِ) لَا يَنْعَزِلَانِ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ أَوْ الطَّلَاقِ بَزَّازِيَّةٌ. قُلْتُ: وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْوَكَالَةَ بِبَيْعِ الرَّهْنِ لَا تَبْطُلُ بِالْعَزْلِ حَقِيقِيًّا أَوْ حُكْمِيًّا وَلَا بِالْخُرُوجِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ بِجُنُونٍ وَرِدَّةٍ، وَفِيمَا عَدَاهَا مِنْ اللَّازِمَةِ لَا تَبْطُلُ بِالْحَقِيقِيِّ بَلْ بِالْحُكْمِيِّ وَبِالْخُرُوجِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ. قُلْتُ: فَإِطْلَاقُ الدُّرَرِ فِيهِ نَظَرٌ (وَ) يَنْعَزِلُ (بِافْتِرَاقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ) وَلَوْ بِتَوْكِيلِ ثَالِثٍ بِالتَّصَرُّفِ (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ) ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ. (وَ) يَنْعَزِلُ (بِعَجْزِ مُوَكِّلِهِ   [رد المحتار] بِحُكْمِ الْحَاكِمِ بَحْرٌ، لَكِنَّ عِبَارَةَ دُرَرِ الْبِحَارِ: وَلَحَاقُهُ بِحَرْبٍ فَبَطَلَ بِغَيْرِ حُكْمٍ بِهِ. قَالَ شَارِحُهُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ أَمْوَاتٌ فِي أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وَبِلَحَاقِهِ صَارَ مِنْهُمْ اهـ. وَفِي الْمَجْمَعِ: وَلَحَاقُ الْمُوَكِّلِ بَعْدَ رِدَّتِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ يَبْطُلُ. وَقَالَا: إنْ حَكَمَ بِهِ. قَالَ ابْنُ مَلَكٍ؛ لِأَنَّ لَحَاقَهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، قَيَّدَ بِاللَّحَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ قَبْلَهُ لَا يَبْطُلُ تَوْكِيلُهُ عِنْدَهُمَا، وَمَوْقُوفٌ عِنْدَهُ، إنْ أَسْلَمَ نَفَذَ وَإِنْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْإِيضَاحِ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَفِيهِ بَحْثٌ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ فَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بِعَوْدِهِ مُسْلِمًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ وَكِيلًا أَوْ مُوَكِّلًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ بَحْرٌ) عِبَارَتُهُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ أَفَاقَ بَعْدَ جُنُونِهِ مُطْبِقًا لَا تَعُودُ وَكَالَتُهُ. (قَوْلُهُ الْعَدْلَ) مَفْعُولُ وَكَّلَ، وَقَوْلُهُ أَوْ الْمُرْتَهِنَ عَطْفٌ عَلَى الْعَدْلِ ح (قَوْلُهُ وَالْوَكِيلِ بِبَيْعِ الْوَفَاءِ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ بَيْعَ الْوَفَاءِ فِي حُكْمِ الرَّهْنِ فَيَصِيرُ وَكِيلًا بِأَنْ يَرْهَنَ ذَلِكَ الشَّيْءَ فَيَكُونُ مِمَّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي: أَيْ الْمُرْتَهِنُ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْتُهُ مَنْقُولًا عَنْ الْحَمَوِيِّ، وَمَا ذَكَرَهُ السَّائِحَانِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَبِيعُ الرَّهْنَ فَهُوَ غَفْلَةٌ فَتَنَبَّهْ. قَالَ جَامِعُهُ: الَّذِي كَتَبَهُ السَّائِحَانِيُّ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ وَالْوَكِيلُ بِبَيْعِ الْوَفَاءِ لَعَلَّ صُورَتَهُ مَا فِي الْمُحِيطِ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَيْنٍ لَهُ عَزْلُهُ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَكِيلِ بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِالْبَيْعِ وَاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ بِإِزَاءِ دَيْنِهِ. وَقَالَ قَاضِي خَانَ: إذَا دَفَعَ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ عَيْنًا وَقَالَ بِعْهُ وَخُذْ حَقَّكَ مِنْهُ فَبَاعَهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ يَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْمَدْيُونِ مَا لَمْ يُحْدِثْ رَبُّ الدَّيْنِ فِيهِ قَبْضًا لِنَفْسِهِ. زَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَوْ قَالَ بِعْهُ لِحَقِّكَ صَارَ قَابِضًا وَالْهَلَاكُ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمَدْيُونِ اهـ. وَأَمَّا بَيْعُ الْوَفَاءِ الْمَعْهُودُ فَهُوَ فِي حُكْمِ الرَّهْنِ اهـ (قَوْلُهُ بِالْخُصُومَةِ) أَيْ بِالْتِمَاسِ الطَّالِبِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ الطَّلَاقِ) فِيهِ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالطَّلَاقِ غَيْرُ لَازِمٍ كَمَا تَقَدَّمَ ح. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُ لَازِمٌ (قَوْلُهُ بَزَّازِيَّةٌ) وَنَصُّهَا: فَأَمَّا فِي الرَّهْنِ فَإِذَا وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْعَدْلَ أَوْ الْمُرْتَهِنَ بِبَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ أَوْ الْوَكِيلِ بِالْأَمْرِ بِالْيَدِ لَا يَنْعَزِلُ وَإِنْ مَاتَ الْمُوَكِّلُ أَوْ جُنَّ، وَالْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ بِالْتِمَاسِ الْخَصْمِ يَنْعَزِلُ بِجُنُونِ الْمُوَكِّلِ وَمَوْتِهِ، وَالْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا اهـ بَحْرٌ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِيمَا عَدَاهَا) أَيْ الْوَكَالَةَ، وَهَذَا يُنَافِي قَوْلَ الْمَتْنِ كَالْوَكِيلِ بِالْأَمْرِ بِالْيَدِ وَالْوَكِيلِ بِبَيْعِ الْوَفَاءِ ح (قَوْلُهُ فَإِطْلَاقُ الدُّرَرِ) حَيْثُ قَالَ: وَذَا أَيْ انْعِزَالُ الْوَكِيلِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ أَيْ بِالتَّوْكِيلِ حَقُّ الْغَيْرِ، أَمَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهِ ذَلِكَ فَلَا يَنْعَزِلُ اهـ، فَإِنَّ قَوْلَهُ أَمَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ يَدْخُلُ فِيهِ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ بِالْتِمَاسِ الطَّالِبِ، وَالْحُكْمُ فِيهَا لَيْسَ كَذَلِكَ ح وَأَصْلُهُ فِي الْمِنَحِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ وَارِدٌ عَلَى مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَلَوْ بِتَوْكِيلٍ ثَالِثٍ) أَيْ تَوْكِيلِ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا ثَالِثًا بَحْرٌ، يَعْنِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 539 لَوْ مُكَاتَبًا وَحَجَرَهُ) أَيْ مُوَكِّلُهُ (لَوْ مَأْذُونًا كَذَلِكَ) أَيْ عَلِمَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا (إذَا كَانَ وَكِيلًا فِي الْعُقُودِ وَالْخُصُومَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ وَكِيلًا فِي قَضَاءِ دَيْنٍ وَاقْتِضَائِهِ وَقَبْضِ وَدِيعَةٍ فَلَا) يَنْعَزِلُ بِحَجْرٍ وَعَجْزٍ، وَلَوْ عَزَلَ الْمَوْلَى وَكِيلَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَمْ يَنْعَزِلْ (وَ) يَنْعَزِلُ (بِتَصَرُّفِهِ) أَيْ الْمُوَكِّلِ (بِنَفْسِهِ فِيمَا وَكَّلَ فِيهِ تَصَرُّفًا يَعْجِزُ الْوَكِيلُ عَنْ التَّصَرُّفِ مَعَهُ) (وَإِلَّا لَا، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَالْعِدَّةُ بَاقِيَةٌ) فَلِلْوَكِيلِ تَطْلِيقُهَا أُخْرَى لِبَقَاءِ الْمَحَلِّ، وَلَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ أَوْ لَحِقَ؛ وَقَعَ طَلَاقُ وَكِيلِهِ مَا بَقِيَتْ الْعِدَّةُ (وَتَعُودُ الْوَكَالَةُ إذَا عَادَ إلَيْهِ) أَيْ الْمُوَكِّلِ (قَدِيمُ مِلْكِهِ) كَأَنْ وَكَّلَهُ بِبَيْعٍ فَبَاعَ مُوَكِّلُهُ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ فَسْخٌ بَقِيَ عَلَى وَكَالَتِهِ (أَوْ بَقِيَ أَثَرُهُ) أَيْ أَثَرُ مِلْكِهِ كَمَسْأَلَةِ الْعِدَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَجَدَّدَ الْمِلْكُ. [فُرُوعٌ] فِي الْمُلْتَقَطِ عَزَلَ وَكَتَبَ لَا يَنْعَزِلُ مَا لَمْ يَصِلْهُ الْكِتَابُ. وَكَّلَ غَائِبًا ثُمَّ عَزَلَهُ قَبْلَ قَبُولِهِ صَحَّ وَبَعْدَهُ لَا. دَفَعَ إلَيْهِ قُمْقُمَةً لِيَدْفَعَهَا إلَى إنْسَانٍ يُصْلِحُهَا فَدَفَعَهَا   [رد المحتار] أَنَّهُ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ الَّتِي فِي ضِمْنِ الشَّرِكَةِ وَوَكَالَةِ وَكِيلِهِمَا بِالتَّصَرُّفِ. وَفِيهِ إشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِفَسْخِ الشَّرِكَةِ بِدُونِ عِلْمِ صَاحِبِهِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ قَصْدِيٌّ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْعَزِلَ بِدُونِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا هَلَكَ الْمَالَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ، فَإِنَّ الشَّرِكَةَ تَبْطُلُ بِهِ وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي ضِمْنِهَا عَلِمَا بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمَا؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ إذَا لَمْ تَكُنْ الْوَكَالَةُ مُصَرَّحًا بِهَا عِنْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ زَيْلَعِيٌّ س (قَوْلُهُ لَوْ مُكَاتَبًا) يُؤْخَذُ مِنْ عُمُومِ بُطْلَانِ الْوَكَالَةِ بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ عَزْلَ وَكِيلِهِمَا أَيْضًا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ فِيهِ: وَإِنْ بَاعَ الْعَبْدُ، فَإِنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ عَلَى وَكَالَتِهِ فَهُوَ وَكِيلٌ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْوَكَالَةِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ تَوْكِيلَ عَبْدِ الْغَيْرِ مَوْقُوفٌ عَلَى رِضَا السَّيِّدِ وَقَدْ سَبَقَ إطْلَاقُ جَوَازِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مِنْ بَابِ اسْتِخْدَامِ عَبْدِ الْغَيْرِ اهـ. ثُمَّ الْمُكَاتَبُ لَوْ كُوتِبَ أَوْ أُذِنَ الْمَحْجُورُ لَمْ تَعُدْ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ التَّصَرُّفَ عِنْدَ التَّوْكِيلِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ وَلَمْ يَعُدْ بِالْكِتَابَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ الْإِذْنِ الثَّانِي شَرْحُ مَجْمَعٍ لِابْنِ مَلَكٍ (قَوْلُهُ لَمْ يَنْعَزِلْ) ؛ لِأَنَّهُ حَجْرٌ خَاصٌّ وَالْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ لَا يَكُونُ إلَّا عَامًّا فَكَانَ الْعَزْلُ بَاطِلًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ نَهْيَهُ عَنْ ذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ الْإِذْنِ. س (قَوْلُهُ وَيَنْعَزِلُ إلَخْ) قَالَ فِي الْهَامِشِ: وَلَوْ وَكَّلَتْ بِالتَّزْوِيجِ ثُمَّ إنَّ الْمَرْأَةَ تَزَوَّجَتْ بِنَفْسِهَا خَرَجَ الْوَكِيلُ عَنْ الْوَكَالَةِ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَلَوْ أَخْرَجَتْهُ عَنْ الْوَكَالَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ، وَإِذَا زَوَّجَهَا جَازَ النِّكَاحُ وَلَوْ كَانَ وَكِيلًا مِنْ جَانِبِ الرَّجُلِ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا ثُمَّ إنَّ الزَّوْجَ تَزَوَّجَ أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا خَرَجَ الْوَكِيلُ عَنْ الْوَكَالَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ هِنْدِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَالْعِدَّةُ بَاقِيَةٌ) الْوَاوُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ لَا لِلْحَالِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ لَحِقَ) أَيْ وَلَمْ يُحْكَمْ بِهِ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ وَتَعُودُ الْوَكَالَةُ) أَيْ يَعُودُ مِلْكُ التَّصَرُّفِ لِلْوَكِيلِ بِمُوجِبِ الْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تَعُودُ بَعْدَ زَوَالِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَزِلْ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلَهُ وَإِلَّا لَا. وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ: فَالْوَكِيلُ بَاقٍ عَلَى وَكَالَتِهِ (قَوْلُهُ بَقِيَ عَلَى وَكَالَتِهِ) وَإِنْ رُدَّ بِمَا لَا يَكُونُ فَسْخًا لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي هِبَةِ شَيْءٍ ثُمَّ وَهَبَهُ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ الْهِبَةُ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ وَبَعْدَهُ لَا) أَيْ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ الْخَبَرُ (قَوْلُهُ دَفَعَ إلَيْهِ إلَخْ) وَكِيلُ الْبَيْعِ قَالَ بِعْتُهُ وَسَلَّمْتُهُ مِنْ رَجُلٍ لَا أَعْرِفُهُ وَضَاعَ الثَّمَنُ قَالَ الْقَاضِي يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّسْلِيمَ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ وَالْحُكْمُ صَحِيحٌ وَالْعِلَّةُ لَا، لِمَا مَرَّ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ التَّسْلِيمِ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ لَا يَصِحُّ فَلَمَّا لَمْ يَعْمَلْ النَّهْيُ عَنْ التَّسْلِيمِ فَلَأَنْ لَا يَكُونُ مَمْنُوعًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 540 وَنَسِيَ لَا يَضْمَنُ الْوَكِيلُ بِالدَّفْعِ. أَبْرَأَهُ مِمَّا لَهُ عَلَيْهِ بَرِئَ مِنْ الْكُلِّ قَضَاءً، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَلَا إلَّا بِقَدْرِ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: قَالَ لِمَدْيُونِهِ مَنْ جَاءَكَ بِعَلَامَةِ كَذَا أَوْ مَنْ أَخَذَ إصْبَعَكَ أَوْ قَالَ لَكَ كَذَا فَادْفَعْ إلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلُ الْمَجْهُولِ فَلَا يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ. وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ قَالَ: وَمَنْ قَالَ أَعْطِ الْمَالَ قَابِضَ خِنْصِرٍ ... فَأَعْطَاهُ لَمْ يَبْرَأْ وَبِالْمَالِ يَخْسَرُ وَبِعْهُ وَبِعْ بِالنَّقْدِ أَوْ بِعْ لِخَالِدٍ ... فَخَالَفَهُ قَالُوا يَجُوزُ التَّغَيُّرُ وَفِي الدَّفْعِ قُلْ قَوْلُ الْوَكِيلِ مُقَدَّمٌ ... كَذَا قَوْلُ رَبِّ الدَّيْنِ وَالْخَصْمُ يُجْبَرُ وَلَوْ قَبَضَ الدَّلَّالُ مَالَ الْمَبِيعِ كَيْ ... يُسَلِّمَهُ مِنْهُ وَضَاعَ يُشَطَّرُ كِتَابُ الدَّعْوَى لَا يَخْفَى مُنَاسَبَتُهَا لِلْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ (هِيَ) لُغَةً قَوْلٌ يَقْصِدُ بِهِ الْإِنْسَانُ إيجَابَ حَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ وَأَلِفُهَا لِلتَّأْنِيثِ فَلَا تُنَوَّنُ وَجَمْعُهَا دَعَاوَى بِفَتْحِ الْوَاوِ كَفَتْوَى وَفَتَاوَى دُرَرٌ، لَكِنْ جَزَمَ فِي الْمِصْبَاحِ بِكَسْرِهَا أَيْضًا فِيهِمَا مُحَافَظَةً عَلَى أَلِفِ التَّأْنِيثِ، وَشَرْعًا (قَوْلٌ مَقْبُولٌ) عِنْدَ الْقَاضِي (يُقْصَدُ بِهِ طَلَبُ حَقٍّ قِبَلَ غَيْرِهِ) خَرَجَ الشَّهَادَةُ وَالْإِقْرَارُ (أَوْ دَفْعَهُ) أَيْ دَفْعَ الْخَصْمِ (عَنْ حَقِّ نَفْسِهِ) دَخَلَ دَعْوَى دَفْعِ التَّعَرُّضِ فَتُسْمَعُ بِهِ يُفْتَى بَزَّازِيَّةٌ، بِخِلَافِ دَعْوَى قَطْعِ النِّزَاعِ فَلَا تُسْمَعُ سِرَاجِيَّةٌ وَهَذَا إذَا أُرِيدَ بِالْحَقِّ فِي التَّعْرِيفِ الْأَمْرُ الْوُجُودِيُّ، فَلَوْ أُرِيدَ مَا يَعُمُّ الْوُجُودِيَّ وَالْعَدَمِيَّ لَمْ يَحْتَجْ   [رد المحتار] عَنْ التَّسْلِيمِ أَوْلَى، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُخَالِفُ مَسْأَلَةَ الْقُمْقُمَةِ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَنَسِيَ) أَيْ نَسِيَ مَنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ (قَوْلُهُ أَبْرَأَهُ مِمَّا لَهُ عَلَيْهِ) اُنْظُرْ مَا مُنَاسَبَةُ ذِكْرِ هَذَا الْفَرْعِ هُنَا. [فُرُوعٌ] بَعَثَ الْمَدْيُونُ الْمَالَ عَلَى يَدِ رَسُولٍ فَهَلَكَ، فَإِنْ كَانَ رَسُولَ الدَّائِنِ هَلَكَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ رَسُولَ الْمَدْيُونِ هَلَكَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ الدَّائِنِ ابْعَثْ بِهَا مَعَ فُلَانٍ لَيْسَ رِسَالَةً مِنْهُ فَإِذَا هَلَكَ هَلَكَ عَلَى الْمَدْيُونِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ ادْفَعْهَا إلَى فُلَانٍ فَإِنَّهُ إرْسَالٌ فَإِذَا هَلَكَ هَلَكَ عَلَى الدَّائِنِ، وَبَيَانُهُ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ أَشْبَاهٌ (قَوْلُهُ أَوْ بِعْ لِخَالِدٍ) أَيْ أَوْ قَالَ بِعْهُ وَبِعْ لِخَالِدٍ (قَوْلُهُ فَخَالَفَهُ) أَيْ لَوْ خَالَفَهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أُمِرَ بِالْبَيْعِ كَانَ مُطْلَقًا، ثُمَّ قَوْلُهُ وَبِعْ بِالنَّقْدِ أَوْ بِعْ لِخَالِدٍ بَعْدَهُ كَانَ مَشُورَةً، بِخِلَافِ قَوْلِهِ بِعْ بِالنَّقْدِ أَوْ بِعْ لِخَالِدٍ، وَنَقَلَ الْجَوَازَ وَلِهَذَا أَتَى بِصِيغَةِ قَالُوا شُرُنْبُلَالِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَفِي الدَّفْعِ) أَيْ إذَا وَكَّلَهُ بِدَفْعِ أَلْفٍ يَقْضِي بِهَا دَيْنَهُ فَادَّعَى الدَّفْعَ (قَوْلُهُ مُقَدَّمٌ) عَلَى قَوْلِ الْمُوَكِّلِ إنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ (قَوْلُهُ رَبِّ الدَّيْنِ) أَيْ بِأَنَّهُ مَا قَبَضَ (قَوْلُهُ وَالْخَصْمُ يُجْبَرُ) أَيْ يُجْبَرُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الدَّفْعِ إلَى الطَّالِبِ (قَوْلُهُ مَالَ الْمَبِيعِ) أَيْ الثَّمَنَ ابْنُ الشِّحْنَةِ (قَوْلُهُ يُشَطَّرُ) أَيْ يُصَالَحُ بَيْنَهُمَا بِالنِّصْفِ. [كِتَابُ الدَّعْوَى] فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ لِابْنِ الْغَرْسِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالدَّعْوَى فَلْتُرَاجَعْ (قَوْلُهُ لَكِنْ جَزَمَ) عِبَارَتُهُ مُخْتَلَّةٌ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَجَمْعُ الدَّعْوَى الدَّعَاوَى بِكَسْرِ الْوَاوِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ كَمَا سَيَأْتِي وَبِفَتْحِهَا مُحَافَظَةً عَلَى أَلِفِ التَّأْنِيثِ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ دَعْوَى دَفْعِ التَّعَرُّضِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: اعْلَمْ أَنَّهُ سُئِلَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ عَنْ الدَّعْوَى بِقَطْعِ النِّزَاعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، فَأَجَابَ لَا يُجْبَرُ الْمُدَّعِي عَلَى الدَّعْوَى لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ اهـ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا نَقَلُوهُ فِي الْفَتَاوَى مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 541 لِهَذَا الْقَيْدِ. (وَالْمُدَّعِي مَنْ إذَا تَرَكَ) دَعْوَاهُ (تُرِكَ) أَيْ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا (وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ) أَيْ يُجْبَرُ عَلَيْهَا، فَلَوْ فِي الْبَلْدَةِ قَاضِيَانِ كُلٌّ فِي مَحَلَّةٍ فَالْخِيَارُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِهِ يُفْتَى بَزَّازِيَّةٌ وَلَوْ الْقُضَاةُ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى الظَّاهِرِ، وَبِهِ أَفْتَيْت مِرَارًا بَحْرٌ.   [رد المحتار] صِحَّةِ الدَّعْوَى بِدَفْعِ التَّعَرُّضِ وَهِيَ مَسْمُوعَةٌ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخِزَانَةِ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ فِي الْأَوَّلِ إنَّمَا يَدَّعِي أَنَّهُ إنْ كَانَ شَيْءٌ يَدَّعِيهِ وَإِلَّا يَشْهَدُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْإِبْرَاءِ، وَفِي الثَّانِي إنَّمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ أَنَّهُ يَتَعَرَّضُ فِي كَذَا بِغَيْرِ حَقٍّ وَيُطَالِبُهُ فِي دَفْعِ التَّعَرُّضِ فَافْهَمْ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ لِهَذَا الْقَيْدِ) أَيْ قَوْلُهُ أَوْ دَفْعُهُ فَإِنَّهُ فَصْلٌ قَصَدَ بِهِ الْإِدْخَالَ وَالْفَصْلُ بَعْدَ الْجِنْسِ قَيْدٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلَوْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْجَبْرَ فِي أَصْلِ الدَّعْوَى لَا فِيمَنْ يَدَّعِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَالتَّفْرِيعُ لَا يَظْهَرُ ط، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْوَاوِ (قَوْلُهُ فِي مَحَلَّةٍ) أَيْ بِخُصُوصِهَا وَلَيْسَ قَضَاؤُهُ عَامًّا (قَوْلُهُ بَزَّازِيَّةٌ) لَيْسَ مَا ذَكَرَهُ عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ وَعِبَارَتُهَا كَمَا فِي الْمِنَحِ: قَاضِيَانِ فِي مِصْرٍ طَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَذْهَبَ إلَى قَاضِي فَالْخِيَارُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَفِي الْمِنَحِ قُبِلَ هَذَا عَنْ الْخَانِيَّةِ: قَالَ وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلْدَةِ قَاضِيَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَحَلَّةٍ عَلَى حِدَةٍ فَوَقَعَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ مَحَلَّةٍ وَالْآخَرُ مِنْ مَحَلَّةٍ أُخْرَى وَالْمُدَّعِي يُرِيدُ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى قَاضِي مَحَلَّتِهِ وَالْآخَرُ يَأْبَى ذَلِكَ اخْتَلَفَ فِيهَا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَكَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ وَالْآخَرُ مِنْ أَهْلِ الْبَلْدَةِ اهـ. وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ كَمَا فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ: إنَّ الْمُدَّعِيَ مُنْشِئٌ لِلْخُصُومَةِ فَيُعْتَبَرُ قَاضِيهِ، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَافِعٌ لَهَا اهـ وَإِنَّمَا حَمَلَ الشَّارِحُ عِبَارَةَ الْبَزَّازِيَّةِ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْمَحَلَّةِ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ، هَذَا كُلُّهُ وَكُلُّ عِبَارَاتِ أَصْحَابِ الْفَتَاوَى يُفِيدُ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْبَلْدَةِ قَاضِيَانِ كُلُّ قَاضٍ فِي مَحَلَّةٍ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْوِلَايَةُ لِقَاضِيَيْنِ أَوْ لِقُضَاةٍ عَلَى مِصْرٍ وَاحِدٍ عَلَى السَّوَاءِ فَيُعْتَبَرُ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ فَلَهُ الدَّعْوَى عِنْدَ أَيِّ قَاضٍ أَرَادَهُ إذْ لَا تَظْهَرُ فَائِدَةٌ فِي كَوْنِ الْعِبْرَةِ لِلْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَيَشْهَدُ لِصِحَّةِ هَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَعْلِيلِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ اهـ وَرَدَّهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَادَّعَى أَنَّ هَذَا بِالْهَذَيَانِ أَشْبَهُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَتْ الْعِلَّةُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُنْشِئٌ لِلْخُصُومَةِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَافِعٌ لَهَا لَا يُتَّجَهُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْحُكْمَ دَائِرٌ مَعَ الْعِلَّةِ اهـ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا. وَأَقُولُ: التَّحْرِيرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ خَطِّ الْمُصَنِّفِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو السُّعُودِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ تَصْحِيحِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَكَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ قَاضِيَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي مَحَلَّةٍ وَقَدْ أَمَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْحُكْمِ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ فَقَطْ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْعِمَادِيِّ: وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ وَالْآخَرُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ فَأَرَادَ الْعَسْكَرِيُّ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى قَاضِي الْعَسْكَرِ فَهُوَ عَلَى هَذَا وَلَا وِلَايَةَ لِقَاضِي الْعَسْكَرِ عَلَى غَيْرِ الْجُنْدِيِّ فَقَوْلُهُ وَلَا وِلَايَةَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى ذَلِكَ. أَمَّا إذَا كَانَ مِنْهُمَا مَأْذُونًا بِالْحُكْمِ عَلَى أَيٍّ مَنْ حَضَرَ عِنْدَهُ مِنْ مِصْرِيٍّ وَشَامِيٍّ وَحَلَبِيٍّ وَغَيْرِهِمْ كَمَا فِي قُضَاةِ زَمَانِنَا فَيَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِمُوَافَقَتِهِ لِتَعْرِيفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَيْ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ الَّذِي لَهُ الْخُصُومَةُ فَيَطْلُبُهَا قِبَلَ أَيِّ قَاضٍ أَرَادَ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَ الْقُضَاةُ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا فِي الْقَاهِرَةِ فَالْخِيَارُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي مِنْ مَحَلَّتِهِمَا، قَالَ: وَبِهِ أَفْتَيْت مِرَارًا. أَقُولُ: وَقَدْ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ نَقْلًا عَنْ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ الْعِمَادِيِّ أَنَّ قُضَاةَ الْمَمَالِكِ الْمَحْرُوسَةِ مَمْنُوعُونَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 542 قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَوْ الْوِلَايَةُ لِقَاضِيَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى السَّوَاءِ فَالْعِبْرَةُ لِلْمُدَّعِي، نَعَمْ لَوْ أَمَرَ السُّلْطَانُ إجَابَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَزِمَ اعْتِبَارُهُ لِعَزْلِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا كَمَا مَرَّ مِرَارًا. قُلْت: وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ كُلُّ قَاضٍ عَلَى مَحَلَّةٍ عَلَى حِدَةٍ، أَمَّا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ حَنَفِيٌّ وَشَافِعِيٌّ وَمَالِكِيٌّ وَحَنْبَلِيٌّ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ وِلَايَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الْخِلَافُ فِي إجَابَةِ الْمُدَّعِي لِمَا أَنَّهُ صَاحِبُ الْحَقِّ كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَامِشِ الْبَزَّازِيَّةِ فَلْيُحْفَظْ. (وَرُكْنُهَا إضَافَةُ الْحَقِّ إلَى نَفْسِهِ) لَوْ أَصِيلًا كَلِيِّ عَلَيْهِ كَذَا (أَوْ) إضَافَتُهُ (إلَى مَنْ نَابَ) الْمُدَّعِي (مَنَابَهُ) كَوَكِيلٍ وَوَصِيٍّ (عِنْدَ النِّزَاعِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِضَافَةِ الْحَقِّ. (وَأَهْلُهَا الْعَاقِلُ الْمُمَيِّزُ) وَلَوْ صَبِيًّا لَوْ مَأْذُونًا فِي الْخُصُومَةِ وَإِلَّا لَا أَشْبَاهٌ. [شَرْطُ جَوَازِ الدَّعْوَى] (وَشَرْطُهَا) أَيْ شَرْطُ جَوَازِ الدَّعْوَى (مَجْلِسُ الْقَضَاءِ وَحُضُورُ خَصْمِهِ) فَلَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ وَهَلْ يَحْضُرُهُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى؟ إنْ بِالْمِصْرِ أَوْ بِحَيْثُ يَبِيتُ بِمَنْزِلِهِ نَعَمْ وَإِلَّا فَحَتَّى يُبَرْهِنَ أَوْ يَحْلِفَ مُنْيَةٌ (وَمَعْلُومِيَّةُ) الْمَالِ (الْمُدَّعَى) إذْ لَا يُقْضَى بِمَجْهُولٍ، وَلَا يُقَالُ مُدَّعًى فِيهِ وَبِهِ إلَّا أَنْ يَتَضَمَّنَ الْإِخْبَارَ (وَ) شَرْطُهَا أَيْضًا (كَوْنُهَا مُلْزِمَةً) شَيْئًا عَلَى الْخَصْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا   [رد المحتار] عَنْ الْحُكْمِ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ وَأَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْبَحْرِ لِأَنَّ قُضَاةَ الْمَذَاهِبِ فِي زَمَانِنَا وِلَايَتُهُمْ عَلَى السَّوَاءِ فِي التَّعْمِيمِ (قَوْلُهُ عَلَى السَّوَاءِ) أَيْ فِي عُمُومِ الْوِلَايَةِ (قَوْلُهُ لِعَزْلِهِ) أَيْ لِعَزْلِ مَنْ اخْتَارَهُ الْمُدَّعِي عَنْ الْحُكْمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذِهِ الدَّعْوَى (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) مِنْ أَنَّ الْقَضَاءَ يَتَقَيَّدُ (قَوْلُهُ قُلْت) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ عَلَى حِدَةٍ) أَيْ لَا يَقْضِي عَلَى غَيْرِ أَهْلِهَا (قَوْلُهُ فِي مَجْلِسٍ) قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ (قَوْلُهُ وَالْوِلَايَةُ وَاحِدَةٌ) أَيْ لَمْ يُخَصِّصْ كُلَّ وَاحِدٍ بِمَحَلَّةٍ [رُكْنُ الدَّعْوَى] (قَوْلُهُ عِنْدَ النِّزَاعِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَخَرَّجَ الْإِضَافَةَ حَالَةَ الْمُسَالَمَةِ فَإِنَّهَا دَعْوَى لُغَةً لَا شَرْعًا، وَنَظِيرُهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: عَيْنٌ فِي يَدِ رَجُلٍ يَقُولُ هُوَ لَيْسَ لِي وَلَيْسَ هُنَاكَ مُنَازِعٌ لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ، فَلَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ مُنَازِعٌ فَهُوَ إقْرَارٌ لِلْمُنَازِعِ، فَلَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَهُ لِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لَهُ اهـ. قَالَ السَّائِحَانِيُّ: أَقُولُ كَلَامُ الْبَزَّازِيَّةِ مَفْرُوضٌ فِي كَوْنِ النَّفْيِ إقْرَارًا لِلْمُنَازِعِ أَوْ لَا وَلَيْسَ فِيهِ دَعْوَاهُ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ حَالَةَ الْمُسَالَمَةِ [أَهْلُ الدَّعْوَى] (قَوْلُهُ وَشَرْطُهَا) لَمْ أَرَ اشْتِرَاطَ لَفْظٍ مَخْصُوصٍ لِلدَّعْوَى وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَزْمِ وَالتَّحْقِيقِ، فَلَوْ قَالَ أَشُكُّ أَوْ أَظُنُّ لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى بَحْرٌ. [فَائِدَةٌ] لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى بِالْإِقْرَارِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: ادَّعَى أَنَّ لَهُ كَذَا وَأَنَّ الْعَيْنَ الَّذِي فِي يَدِهِ لَهُ لِمَا أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهِ أَوْ ابْتَدَأَ بِدَعْوَى الْإِقْرَارِ وَقَالَ إنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا لِي أَوْ أَقَرَّ أَنَّ لِي عَلَيْهِ كَذَا قِيلَ يَصِحُّ، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْإِقْرَارِ لِلِاسْتِحْقَاقِ إلَخْ بَحْرٌ مِنْ فَصْلِ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ، وَسَيَأْتِي مَتْنًا أَوَّلَ الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ فَحَتَّى يُبَرْهِنَ أَوْ يَحْلِفَ) هَذَانِ قَوْلَانِ لَا قَوْلٌ وَاحِدٌ يُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ الْبُرْهَانِ وَالتَّحْلِيفِ فَرَاجِعْ الْبَحْرَ (قَوْلُهُ وَمَعْلُومِيَّةُ الْمَالِ الْمُدَّعَى) أَيْ بِبَيَانِ جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ كَمَا فِي الْكَنْزِ (قَوْلُهُ إذْ لَا يُقْضَى بِمَجْهُولٍ) وَيُسْتَثْنَى مِنْ فَسَادِ الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ دَعْوَى الرَّهْنِ وَالْغَصْبِ، لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى رَهْنِ الْأَصْلِ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ رَهَنَ عِنْدَهُ ثَوْبًا وَلَمْ يُسَمُّوا الثَّوْبَ وَلَمْ يَعْرِفُوا عَيْنَهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي أَيِّ ثَوْبٍ كَانَ وَكَذَلِكَ فِي الْغَصْبِ اهـ فَالدَّعْوَى بِالْأُولَى اهـ بَحْرٌ. قُلْت: وَفِي الْمِعْرَاجِ: وَفَسَادُ الدَّعْوَى إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَزِمَهُ شَيْءٌ عَلَى الْخَصْمِ أَوْ يَكُونَ الْمُدَّعَى مَجْهُولًا فِي نَفْسِهِ وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ بِأَنْ ادَّعَى حَقًّا مِنْ وَصِيَّةٍ أَوْ إقْرَارٍ فَإِنَّهُمَا يَصِحَّانِ بِالْمَجْهُولِ وَتَصِحُّ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ الْمَجْهُولِ بِلَا خِلَافٍ اهـ فَبَلَغَتْ الْمُسْتَثْنَيَاتُ خَمْسَةً تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ مُدَّعًى فِيهِ وَبِهِ) وَفِي طُلْبَةِ الطَّلَبَةِ: وَلَا يُقَالُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 543 وَإِلَّا كَانَ عَبَثًا (وَكَوْنُ الْمُدَّعَى مِمَّا يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ فَدَعْوَى مَا يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ) عَقْلًا أَوْ عَادَةً (بَاطِلَةٌ) لِتَيَقُّنِ الْكَذِبِ فِي الْمُسْتَحِيلِ الْعَقْلِيِّ كَقَوْلِهِ لِمَعْرُوفِ النَّسَبِ أَوْ لِمَنْ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ هَذَا ابْنِي، وَظُهُورُهُ فِي الْمُسْتَحِيلِ الْعَادِي كَدَعْوَى مَعْرُوفٍ بِالْفَقْرِ أَمْوَالًا عَظِيمَةً عَلَى آخَرَ أَنَّهُ أَقْرَضَهُ إيَّاهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ غَصَبَهَا مِنْهُ، فَالظَّاهِرُ عَدَمُ سَمَاعِهَا بَحْرٌ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْغَرْسِ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ. (وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْجَوَابِ عَلَى الْخَصْمِ) وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِلَا أَوْ بِنَعَمْ، حَتَّى لَوْ سَكَتَ كَانَ إنْكَارًا فَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَخْرَسَ اخْتِيَارٌ وَسَنُحَقِّقُهُ. وَسَبَبُهَا تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمُقَدَّرِ بِتَعَاطِي الْمُعَامَلَاتِ (فَلَوْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ مَنْقُولًا فِي يَدِ الْخَصْمِ ذَكَرَ) الْمُدَّعِي (أَنَّهُ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ) لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مَرْهُونًا فِي يَدِهِ أَوْ مَحْبُوسًا بِالثَّمَنِ فِي يَدِهِ (وَطَلَبَ) الْمُدَّعِي (إحْضَارَهُ إنْ أَمْكَنَ) فَعَلَى الْغَرِيمِ إحْضَارُهُ (لِيُشَارَ إلَيْهِ فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ) وَالِاسْتِحْلَافِ (وَذَكَرَ) الْمُدَّعِي (قِيمَتَهُ إنْ تَعَذَّرَ) إحْضَارُ الْعَيْنِ بِأَنْ كَانَ فِي نَقْلِهَا مُؤْنَةٌ وَإِنْ قَلَّتْ ابْنُ كَمَالٍ مَعْزِيًّا لِلْخِزَانَةِ (بِهَلَاكِهَا أَوْ غَيْبَتِهَا) لِأَنَّهُ مِثْلُهُ مَعْنًى (وَإِنْ تَعَذَّرَ) إحْضَارُهَا (مَعَ بَقَائِهَا كَرَحًى وَصُبْرَةِ طَعَامٍ) وَقَطِيعِ غَنْمٍ (بَعَثَ الْقَاضِي أَمِينَهُ) لِيُشَارَ إلَيْهَا (وَإِلَّا) تَكُنْ بَاقِيَةً (اكْتَفَى) فِي الدَّعْوَى (بِذِكْرِ الْقِيمَةِ) وَقَالُوا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ عَيْنَ كَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ قِيمَتَهَا تُسْمَعُ فَيُحَلِّفُ خَصْمَهُ أَوْ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ دُرَرٌ وَابْنُ مَلِكٍ   [رد المحتار] مُدَّعًى فِيهِ وَبِهِ وَإِنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِهِ الْمُتَفَقِّهَةُ إلَّا أَنَّهُ خَطَأٌ مَشْهُورٌ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ صَوَابٍ مَهْجُورٍ حَمَوِيٌّ ط (قَوْلُهُ وَإِلَّا كَانَ عَبَثًا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُلْزِمَةً، كَمَا إذَا ادَّعَى التَّوْكِيلَ عَلَى مُوَكِّلِهِ الْحَاضِرِ فَإِنَّهَا لَا تُسْمَعُ لِإِمْكَانِ عَزْلِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ وَظُهُورِهِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى تَيَقُّنِ (قَوْلِهِ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ فِي مَنْعِ دَعْوَى الْمُسْتَحِيلِ الْعَادِي إلَى نَقْلٍ عَنْ الْمَشَايِخِ. قُلْت: لَكِنْ فِي الْمَذْهَبِ فُرُوعٌ تَشْهَدُ لَهُ مِنْهَا مَا سَيَأْتِي آخِرَ فَصْلِ التَّحَالُفِ. [حُكْمُ الدَّعْوَى] (قَوْلُهُ وَسَنُحَقِّقُهُ) عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقَضَى بِنُكُولِهِ مَرَّةً. [سَبَبُ الدَّعْوَى] (قَوْلُهُ أَنَّهُ فِي يَدِهِ) فَلَوْ أَنْكَرَ كَوْنَهُ فِي يَدِهِ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ هَذَا التَّارِيخِ بِسَنَةٍ هَلْ يُقْبَلُ وَيُجْبَرُ بِإِحْضَارِهِ، قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ إذَا لَمْ يَثْبُتْ خُرُوجُهُ مِنْ يَدِهِ فَتَبْقَى وَلَا تَزُولُ بِشَكٍّ، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ، وَجَزَمَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ. وَرَدَّهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ بِأَنَّ هَذَا اسْتِصْحَابٌ، وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الدَّفْعِ لَا فِي الْإِثْبَاتِ كَمَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ (قَوْلُهُ وَطَلَبَ الْمُدَّعِي إلَخْ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُودِعًا، فَإِنْ ادَّعَى عَيْنَ وَدِيعَةٍ لَا يُكَلَّفُ إحْضَارَهَا بَلْ يُكَلَّفُ التَّخْلِيَةَ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ فِي نَقْلِهَا مُؤْنَةٌ) فِيهِ أَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الرَّحَى وَالصُّبْرَةِ فَذِكْرُهُ هُنَا سَهْوٌ. وَقَالَ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ: إلَّا إذَا تَعَسَّرَ بِأَنْ كَانَ فِي نَقْلِهِ مُؤْنَةٌ وَإِنْ قُلْت ذَكَرَهُ فِي الْخِزَانَةِ ح (قَوْلُهُ أَوْ غَيْبَتِهَا) بِأَنْ لَا يَدْرِي مَكَانَهَا ذَكَرَهُ قَاضِي زَادَهْ ح (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ الْقِيمَةَ وَذَكَرَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَذَكَرَ قِيمَتَهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ) أَيْ تَعَسَّرَ (قَوْلُهُ وَإِلَّا تَكُنْ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ وَذَكَرَ قِيمَتَهُ إنْ تَعَذَّرَ س. [فَرْعٌ] وَصَفَ الْمُدَّعِي الْمُدَّعَى فَلَمَّا حَضَرَ خَالَفَ فِي الْبَعْضِ، إنْ تَرَكَ الدَّعْوَى الْأُولَى وَادَّعَى الْحَاضِرُ تُسْمَعُ لِأَنَّهَا دَعْوَى مُبْتَدَأَةٌ وَإِلَّا فَلَا بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ بِذِكْرِ الْقِيمَةِ) لِأَنَّ عَيْنَ الْمُدَّعِي تَعَذَّرَ مُشَاهَدَتُهَا وَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا بِالْوَصْفِ، فَاشْتُرِطَ بَيَانُ الْقِيمَةِ لِأَنَّهَا شَيْءٌ تُعْرَفُ الْعَيْنُ الْهَالِكَةُ بِهِ غَايَةَ الْبَيَانِ. وَفِي شَرْحِ ابْنِ الْكَمَالِ: وَلَا عِبْرَةَ فِي ذَلِكَ لِلتَّوْصِيفِ لِأَنَّهُ لَا يُجْدِي بِدُونِ ذِكْرِ الْقِيمَةِ وَعِنْدَ ذِكْرِهَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ أُشِيرَ إلَى ذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ اهـ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَفِي قَوْلِهِ وَذَكَرَ قِيمَتَهُ إنْ تَعَذَّرَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ اللَّوْنِ وَالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ وَالسِّنِّ فِي الدَّابَّةِ. وَفِيهِ خِلَافٌ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. قَالَ السَّيِّدُ أَبُو قَاسِمٍ: إنَّ هَذِهِ التَّعْرِيفَاتِ لِلْمُدَّعِي لَازِمَةٌ إذَا أَرَادَ أَخْذَ عَيْنِهِ أَوْ مِثْلِهِ فِي الْمِثْلِيِّ، أَمَّا إذَا أَرَادَ أَخْذَ قِيمَتِهِ فِي الْقِيَمِيِّ فَيَجِبُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِذِكْرِ الْقِيمَةِ كَمَا فِي مَحَاضِرِ الْخِزَانَةِ اهـ. (قَوْلُهُ عَيْنَ كَذَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي دَعْوَى الْغَصْبِ وَالرَّهْنِ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْجِنْسِ وَالْقِيمَةِ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 544 وَلِهَذَا لَوْ (ادَّعَى أَعْيَانَا مُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَذَكَرَ قِيمَةَ الْكُلِّ جُمْلَةً كَفَى ذَلِكَ) الْإِجْمَالُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ أَوْ يَحْلِفُ عَلَى الْكُلِّ مَرَّةً (وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ قِيمَةَ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ) لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ دَعْوَى الْغَصْبِ بِلَا بَيَانٍ فَلَأَنْ يَصِحَّ إذَا بَيَّنَ قِيمَةَ الْكُلِّ جُمْلَةً بِالْأَوْلَى، وَقِيلَ فِي دَعْوَى السَّرِقَةِ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْقِيمَةِ لِيُعْلَمَ كَوْنُهَا نِصَابًا، فَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَلَا يُشْتَرَطُ عِمَادِيَّةٌ وَهَذَا كُلُّهُ فِي دَعْوَى الْعَيْنِ لَا الدَّيْنِ. فَلَوْ (ادَّعَى قِيمَةَ شَيْءٍ مُسْتَهْلَكٍ اشْتَرَطَ بَيَانَ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ) فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ لِيَعْلَمَ الْقَاضِي بِمَاذَا يَقْضِي. (وَاخْتُلِفَ فِي بَيَانِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِي الدَّابَّةِ) فَشَرَطَهُ أَبُو اللَّيْثِ أَيْضًا وَاخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ، وَشَرَطَ الشَّهِيدُ بَيَانَ السِّنِّ أَيْضًا وَتَمَامُهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ. (وَفِي دَعْوَى الْإِيدَاعِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ مَكَانَهُ) أَيْ مَكَانَ الْإِيدَاعِ (سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حَمْلٌ أَوْ لَا.) . (وَفِي الْغَصْبِ أَنَّ لَهُ حَمْلًا وَمُؤْنَةً فَلَا بُدَّ) لِصِحَّةِ الدَّعْوَى (مِنْ بَيَانِهِ وَإِلَّا) حَمْلٌ لَهُ (لَا) وَفِي غَصْبِ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ يُبَيِّنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ عَلَى الظَّاهِرِ عِمَادِيَّةٌ. (وَيُشْتَرَطُ التَّحْدِيدُ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ كَمَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَلَوْ) كَانَ الْعَقَارُ (مَشْهُورًا) خِلَافًا لَهُمَا (إلَّا إذَا عَرَفَ الشُّهُودُ الدَّارَ بِعَيْنِهَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ حُدُودِهَا) كَمَا لَوْ ادَّعَى ثَمَنَ الْعَقَارِ لِأَنَّهُ دَعْوَى لِدَيْنٍ حَقِيقَةً بَحْرٌ (وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ بَلْدَةٍ بِهَا الدَّارُ ثُمَّ الْمَحَلَّةِ ثُمَّ السِّكَّةِ) فَيَبْدَأُ بِالْأَعَمِّ ثُمَّ الْأَخَصِّ فَالْأَخَصِّ   [رد المحتار] وَالشَّهَادَةِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ لِلْغَاصِبِ الْمُرْتَهِنِ اهـ. قُلْت: وَزَادَ فِي الْمِعْرَاجِ دَعْوَى الْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ، قَالَ فَإِنَّهُمَا يَصِحَّانِ فِي الْمَجْهُولِ، وَتَصِحُّ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ الْمَجْهُولِ بِلَا خِلَافٍ اهـ فَهِيَ خَمْسَةٌ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا) أَيْ لِسَمَاعِهَا فِي الْغَصْبِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْقِيمَةَ: قَالَ فِي الدُّرَرِ: وَلَوْ قَالَ غَصَبْت مِنِّي عَيْنَ كَذَا وَلَا أَدْرِي قِيمَتَهُ قَالُوا تُسْمَعُ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْقِيمَةَ وَقَالَ: غُصِبَتْ مِنِّي عَيْنُ كَذَا وَلَا أَدْرِي أَهُوَ هَالِكٌ أَوْ قَائِمٌ وَلَا أَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا لَا يَعْلَمُ قِيمَةَ مَالِهِ، فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ الْقِيمَةِ لَتَضَرَّرَ بِهِ. أَقُولُ: فَائِدَةُ صِحَّةِ الدَّعْوَى مَعَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ تَوَجُّهُ الْيَمِينِ عَلَى الْخَصْمِ إذَا أَنْكَرَ وَالْجَبْرِ عَلَى الْبَيَانِ إذَا أَقَرَّ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَتَأَمَّلْ، فَإِنَّ كَلَامَ الْكَافِي لَا يَكُونُ كَافِيًا إلَّا بِهَذَا التَّحْقِيقِ ح. (قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ) أَيْ عَلَى الْقِيمَةِ. (قَوْلُهُ أَوْ يَحْلِفُ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ. (قَوْلُهُ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْقِيمَةِ) قَالَ الشَّيْخُ عُمَرُ مُؤَلِّفُ النَّهْرِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ حَاضِرَةً لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ قِيمَتِهَا إلَّا فِي دَعْوَى السَّرِقَةِ حَمَوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَهَذَا كُلُّهُ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ. (قَوْلُهُ لَا الدَّيْنِ) سَتَأْتِي دَعْوَى الدَّيْنِ فِي الْمَتْنِ. (قَوْلُهُ اشْتَرَطَ بَيَانَ جِنْسِهِ) أَقُولُ لِي شُبْهَةٌ فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَعْيَانًا مُخْتَلِفَةً فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِذِكْرِ الْقِيمَةِ لِلْكُلِّ جُمْلَةً. وَذَكَرَ فِي الْفُصُولَيْنِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّ الْأَعْيَانَ قَائِمَةٌ بِيَدِهِ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهِ فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِحَضْرَتِهَا، وَلَوْ قَالَ إنَّهَا هَالِكَةٌ وَبَيَّنَ قِيمَةَ الْكُلِّ جُمْلَةً تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، فَظَهَرَ أَنَّ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي دَعْوَى الْأَعْيَانِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ هَالِكَةً وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِحْضَارِهَا، وَقَدَّمْنَا عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ أَنَّ الْعَيْنَ إذَا تَعَذَّرَ إحْضَارُهَا بِهَلَاكٍ وَنَحْوِهِ فَذِكْرُ الْقِيمَةِ مُغْنٍ عَنْ التَّوْصِيفِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَعْيَانِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِ الْقِيمَةِ، فَقَوْلُهُ هُنَا اشْتَرَطَ بَيَانَ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ مُشْكِلٌ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ ذِكْرِ الْقِيمَةِ مِنْ بَيَانِ التَّوْصِيفِ لَمْ يَظْهَرْ فَرْقٌ بَيْنَ دَعْوَى الْقِيمَةِ وَدَعْوَى نَفْسِ الْعَيْنِ الْهَالِكَةِ. فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ؟ وَهَذَا كُلُّهُ فِي دَعْوَى الْعَيْنِ لَا الدَّيْنِ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ: ادَّعَى ثَمَنَ مَحْدُودٍ لَمْ يَشْتَرِطْ بَيَانَ حُدُودِهِ. (قَوْلُهُ مِنْ بَيَانِهِ) أَيْ بَيَانِ مَوْضِعِ الْغَصْبِ. (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: وَفِي غَصْبِ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ وَإِهْلَاكِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَخْذِ قِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ أَوْ يَوْمَ هَلَاكِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَنَّهَا قِيمَةُ أَيِّ الْيَوْمَيْنِ، وَلَوْ ادَّعَى أَلْفَ دِينَارٍ بِسَبَبِ إهْلَاكِ الْأَعْيَانِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُبَيِّنَ قِيمَتَهَا فِي مَوْضِعِ الْإِهْلَاكِ، وَكَذَا لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْأَعْيَانِ فَإِنَّ مِنْهَا مَا هُوَ قِيَمِيٌّ وَمِنْهَا مَا هُوَ مِثْلِيٌّ اهـ. (قَوْلُهُ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ) فِي الْمُغْرِبِ الْعَقَارُ الضَّيْعَةُ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 545 كَمَا فِي النَّسَبِ (وَيَكْتَفِي بِذِكْرِ ثَلَاثَةٍ) فَلَوْ تَرَكَ الرَّابِعَ صَحَّ، وَإِنْ ذَكَرَهُ وَغَلِطَ فِيهِ لَا مُلْتَقَى لِأَنَّ الْمُدَّعِي يَخْتَلِفُ بِهِ ثُمَّ إنَّمَا يَثْبُتُ الْغَلَطُ بِإِقْرَارِ الشَّاهِدِ فَصُولَيْنِ (وَذِكْرِ أَسْمَاءِ أَصْحَابِهَا) أَيْ الْحُدُودِ (وَأَسْمَاءِ أَنْسَابِهِمْ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَدِّ) لِكُلٍّ مِنْهُمْ (إنْ لَمْ يَكُنْ) الرَّجُلُ (مَشْهُورًا) وَإِلَّا اكْتَفَى بِاسْمِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (وَ) ذِكْرِ (أَنَّهُ) أَيْ الْعَقَارَ (فِي يَدِهِ) لِيَصِيرَ خَصْمًا (وَيَزِيدُ) عَلَيْهِ (بِغَيْرِ حَقٍّ إنْ كَانَ) الْمُدَّعَى   [رد المحتار] وَقِيلَ كُلُّ مَالٍ لَهُ أَصْلٌ كَالدَّارِ وَالضَّيْعَةِ اهـ. وَقَدْ صَرَّحَ مَشَايِخُنَا فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ بِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالنَّخْلَ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ وَأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهِمَا إذَا بِيعَا بِلَا عَرْصَةٍ، فَإِنْ بِيعَا مَعَهَا وَجَبَتْ تَبَعًا، وَقَدْ غَلِطَ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ فَجَعَلَ النَّخِيلَ مِنْ الْعَقَارِ وَنُبِّهَ فَلَمْ يَرْجِعْ كَعَادَتِهِ بَحْرٌ. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ: وَقَوْلُهُ لَا شُفْعَةَ فِيهِمَا إلَخْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ مُحْتَكَرَةً وَإِلَّا فَالْبِنَاءُ بِالْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ لِمَا لَهُ مِنْ حَقِّ الْقَرَارِ الْتَحَقَ بِالْعَقَارِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشُّفْعَةِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي النَّسَبِ) فَإِنَّ ذِكْرَ الِاسْمِ أَعَمُّ مِنْ الِاسْمِ ذِكْرُ اسْمِ الْأَبِ، وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ ذِكْرِ الِاسْمِ مَعَ اسْمِ الْأَبِ وَاسْمِ الْجَدِّ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ فَلَوْ تَرَكَ) أَيْ الْمُدَّعِي أَوْ الشَّاهِدُ فَحُكْمُهُمَا فِي التَّوَى وَالْغَلَطِ وَاحِدٌ كَمَا صَرَّحَ فِي الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ وَغَلِطَ فِيهِ لَا) أَيْ لَا يَصِحُّ، وَنَظِيرُهُ إذَا ادَّعَى شِرَاءَ شَيْءٍ بِثَمَنٍ مَنْقُودٍ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ وَإِنْ سَكَتُوا عَنْ بَيَانِ جِنْسِ الثَّمَنِ، وَلَوْ ذَكَرُوهُ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ لَمْ تُقْبَلْ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَصُولَيْنِ) وَفِيهِ أَيْضًا: أَمَّا لَوْ ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي لَا تُسْمَعُ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ أَجَابَ الْمُدَّعِي فَقَدْ صَدَّقَهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ بِهَذِهِ الْحُدُودِ فَيَصِيرُ بِدَعْوَى الْغَلَطِ بَعْدَهُ مُنَاقِضًا؛ أَوْ نَقُولُ تَفْسِيرُ دَعْوَى الْغَلَطِ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَحَدُ الْحُدُودِ لَيْسَ مَا ذَكَرَهُ الشَّاهِدُ أَوْ يَقُولُ صَاحِبُ الْحَدِّ لَيْسَ بِهَذَا الِاسْمِ كُلُّ ذَلِكَ نَفْيٌ وَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ لَا تُقْبَلُ اهـ. وَلِصَاحِبِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَحْثٌ فِيمَا ذُكِرَ كَتَّبْنَاهُ عَلَى هَامِشِ الْبَحْرِ حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجِيبَ الْمُدَّعِي بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ لَك فَلَا يَكُونُ مُنَاقِضًا، أَوْ يُجِيبَ ابْتِدَاءً بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا حَدَّدْته فَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ، وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَبِخَطِّ السَّائِحَانِيِّ وَالْمُخَلِّصُ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الْمَحْدُودُ لَيْسَ فِي يَدِي فَيَلْزَمُ أَنْ يَقُولَ الْخَصْمُ بَلْ هُوَ فِي يَدِك وَلَكِنْ حَصَلَ غَلَطٌ فَيُمْنَعُ بِهِ، وَلَوْ تَدَارَكَ الشَّاهِدُ الْغَلَطَ فِي الْمَجْلِسِ يُقْبَلُ أَوْ فِي غَيْرِهِ إذَا وَفَّقَ بَزَّازِيَّةٌ. وَعِبَارَتُهَا: وَلَوْ غَلِطُوا فِي حَدٍّ وَاحِدٍ أَوْ حَدَّيْنِ ثُمَّ تَدَارَكُوا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ غَيْرِهِ يُقْبَلُ عِنْدَ إمْكَانِ التَّوْفِيقِ بِأَنْ يَقُولَ كَانَ اسْمُهُ فُلَانًا ثُمَّ صَارَ اسْمُهُ فُلَانًا أَوْ بَاعَ فُلَانٌ وَاشْتَرَاهُ الْمَذْكُورُ. (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَدِّ) قَدَّمْنَا قُبَيْلَ بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ أَنَّ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةَ بِالْمَحْدُودِ فِي هَذَا الصَّكِّ تَصِحُّ، أَمَّا فِي الدَّارِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْدِيدِهِ وَلَوْ مَشْهُورًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَتَمَامُ حَدِّهِ بِذِكْرِ جَدِّ صَاحِبِ الْحَدِّ. وَعِنْدَهُمَا التَّحْدِيدُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الدَّارِ الْمَعْرُوفِ كَدَارِ عُمَرَ بْنِ الْحَارِثِ بِكُوفَةَ، فَعَلَى هَذَا لَوْ ذَكَرَ لَزِيقَ دَارِ فُلَانٍ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ يَكْفِيهِ إذْ الْحَاجَةُ إلَيْهِمَا لِإِعْلَامِ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَهَذَا مِمَّا يُحْفَظُ جِدًّا فَصُولَيْنِ. [فَرْعٌ] قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ ذَكَرَ لَزِيقَ دَارِ وَرَثَةِ فُلَانٍ لَا يَحْصُلُ التَّعْرِيفُ إذْ هُوَ بِذِكْرِ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ، وَقِيلَ يَصِحُّ لِأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ التَّعْرِيفِ اهـ. وَعَلَّلَ لِلْأَوَّلِ قَبْلَهُ بِأَنَّ الْوَرَثَةَ مَجْهُولُونَ مِنْهُمْ ذُو فَرْضٍ وَعَصَبَةٍ وَذُو رَحِمٍ ثُمَّ رَمَزَ: لَوْ كَتَبَ لَزِيقَ وَرَثَةِ فُلَانٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ قِيلَ يَصِحُّ وَقِيلَ لَا، ثُمَّ رَمَزَ: كَتَبَ لَزِيقَ دَارٍ مِنْ تَرِكَةِ فُلَانٍ يَصِحُّ حَدًّا، وَلَوْ جَعَلَ أَحَدَ حُدُودِهِ أَرْضًا لَا يَدْرِي مَالِكَهَا لَا يَكْفِي. أَقُولُ: لَوْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى ذِكْرِ صَاحِبِ الْيَدِ لِحُصُولِ الْغَرَضِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ بَحْثَهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ جَعَلَ أَحَدَ الْحُدُودِ أَرْضُ الْمَمْلَكَةِ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ فِي يَدِ مَنْ لِأَنَّهَا فِي يَدِ السُّلْطَانِ بِوَاسِطَةِ يَدِ نَائِبِهِ وَالطَّرِيقُ يَصْلُحُ حَدًّا بِلَا بَيَانِ طُولِهِ وَعَرْضِهِ إلَّا عَلَى قَوْلٍ وَالنَّهْرُ لَا عِنْدَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 546 (مَنْقُولًا) لِمَا مَرَّ (وَلَا تَثْبُتُ يَدُهُ فِي الْعَقَارِ بِتَصَادُقِهِمَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ أَوْ عِلْمِ قَاضٍ) لِاحْتِمَالِ تَزْوِيرِهِمَا بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ لِمُعَايَنَةِ يَدِهِ، ثُمَّ هَذَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ (إذَا ادَّعَى) الْعَقَارَ (مِلْكًا مُطْلَقًا،) . (أَمَّا فِي دَعْوَى الْغَصْبِ وَ) دَعْوَى (الشِّرَاءِ) مِنْ ذِي الْيَدِ (فَلَا) يَفْتَقِرُ لِبَيِّنَةٍ، لِأَنَّ دَعْوَى الْفِعْلِ كَمَا تَصِحُّ عَلَى ذِي الْيَدِ تَصِحُّ عَلَى غَيْرِهِ أَيْضًا بَزَّازِيَّةٌ (وَ) ذَكَرَ (أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) لِتَوَقُّفِهِ عَلَى طَلَبِهِ وَلِاحْتِمَالِ رَهْنِهِ أَوْ حَبْسِهِ بِالثَّمَنِ وَبِهِ اسْتَغْنَى عَنْ زِيَادَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَافْهَمْ. (وَلَوْ كَانَ) مَا يَدَّعِيهِ (دَيْنًا) مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُ (ذَكَرَ وَصْفَهُ) لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِهِ. (وَلَا بُدَّ فِي دَعْوَى الْمِثْلِيَّاتِ مِنْ ذِكْرِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ وَسَبَبِ الْوُجُوبِ) فَلَوْ ادَّعَى كُرَّ بُرٍّ دَيْنًا عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ سَبَبًا لَمْ تُسْمَعْ؛ وَإِذَا ذَكَرَ، فَفِي السَّلَمِ إنَّمَا لَهُ الْمُطَالَبَةُ فِي مَكَان عَيَّنَّاهُ، وَفِي نَحْوِ قَرْضٍ وَغَصْبٍ وَاسْتِهْلَاكٍ فِي مَكَانِ الْقَرْضِ وَنَحْوِهِ بَحْرٌ فَلْيُحْفَظْ. (وَيَسْأَلُ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) عَنْ الدَّعْوَى فَيَقُولُ إنَّهُ ادَّعَى عَلَيْكَ كَذَا فَمَاذَا تَقُولُ (بَعْدَ صِحَّتِهَا وَإِلَّا) تَصْدُرُ صَحِيحَةً (لَا) يَسْأَلُ لِعَدَمِ وُجُوبِ جَوَابِهِ (فَإِنْ أَقَرَّ) فِيهَا (أَوْ أَنْكَرَ   [رد المحتار] الْبَعْضِ، وَكَذَا السُّوَرُ وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ يَصْلُحُ وَالْخَنْدَقُ كَنَهْرٍ، وَلَوْ قَالَ لَزِيقُ أَرْضُ فُلَانٍ وَلِفُلَانٍ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ أَرَاضٍ كَثِيرَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ مُخْتَلِفَةٌ تَصِحُّ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ، وَلَوْ ذَكَرَ لَزِيقَ أَرْضُ الْوَقْفِ لَا يَكْفِي، وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسْجِدِ أَوْ نَحْوِهِ وَيَكُونُ كَذِكْرِ الْوَاقِفِ، وَقِيلَ لَا يَثْبُتُ التَّعْرِيفُ بِذِكْرِ الْوَاقِفِ مَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ فِي يَدِ مَنْ. أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ إلَّا بِهِ وَإِلَّا فَهُوَ تَضْيِيقٌ بِلَا ضَرُورَةٍ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ مَنْقُولًا) هُوَ تَكْرَارٌ مَعَ مَا مَرَّ س. (قَوْلُهُ وَلَا تَثْبُتُ يَدُهُ فِي الْعَقَارِ بِتَصَادُقِهِمَا إلَخْ) هَذَا مِمَّا يَقَعُ كَثِيرًا وَيَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ قُضَاةِ زَمَانِنَا حَيْثُ يُكْتَبُ فِي الصُّكُوكِ فَأَقَرَّ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى الْعَقَارِ الْمَذْكُورِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي إنَّهُ وَاضِعٌ يَدَهُ عَلَى الْعَقَارِ وَيَشْهَدُ لَهُ شَاهِدَانِ وَلِذَا نَظَمْت ذَلِكَ بِقَوْلِي: وَالْيَدُ لَا تَثْبُتُ فِي الْعَقَارِ ... مَعَ التَّصَادُقِ فَلَا تُمَارِ بَلْ يَلْزَمُ الْبُرْهَانُ إنْ لَمْ يَدَّعِ ... عَلَيْهِ غَصْبًا أَوْ شِرَاءَ مُدَّعِي وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِرَمْزِ الْخَانِيَّةِ: ادَّعَى شَيْئًا بِيَدِ آخَرَ وَقَالَ هُوَ مِلْكِي وَهَذَا أَحْدَثَ يَدَهُ عَلَيْهِ بِلَا حَقٍّ، قَالُوا لَيْسَ هَذَا دَعْوَى غَصْبٍ عَلَى ذِي الْيَدِ. قَالَ صَاحِبُ الْفُصُولَيْنِ: أَقُولُ قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي فش أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكِي وَفِي يَدِك بِغَيْرِ حَقٍّ يَصِحُّ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ يَوْمَ غَصْبِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ هُنَا أَيْضًا، وَتَمَامُهُ فِيهِ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ. (قَوْلُهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا مَنْقُولًا أَوْ عَقَارًا، فَلَوْ قَالَ: لِي عَلَيْهِ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ مَا لَمْ يَقُلْ لِلْقَاضِي مُرْهُ حَتَّى يُعْطِيَهُ، وَقِيلَ يَصِحُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ قُهُسْتَانِيُّ سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَبِهِ اسْتَغْنَى) أَيْ بِذِكْرِ أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ لَهُ إذَا كَانَ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ. (قَوْلُهُ ذَكَرَ وَصْفَهُ) زَادَ فِي الْكَنْزِ وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: هَكَذَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ. وَأَمَّا أَصْحَابُ الْفَتَاوَى كَالْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ فَجَعَلُوا اشْتِرَاطَهُ قَوْلًا ضَعِيفًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ لَفْظَ وَأُطَالِبُهُ بِهِ بَلْ هُوَ أَوْ مَا يُفِيدُهُ مِنْ قَوْلِهِ مُرْهُ لِيُعْطِيَنِي حَقِّي كَمَا فِي الْعُمْدَةِ اهـ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرُهُ، لِمَا قَالُوا أَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى. (قَوْلُهُ مِنْ ذِكْرِ الْجِنْسِ) كَحِنْطَةٍ وَالنَّوْعِ كَمَسْقِيَّةٍ وَالصِّفَةِ كَجَيِّدَةٍ. (قَوْلُهُ لَمْ يُسْمَعْ) وَيَذْكُرُ فِي السَّلَمِ شَرَائِطَهُ مِنْ أَعْلَامِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ مِنْ نَوْعِهِ وَصِفَتِهِ وَقَدْرِهِ بِالْوَزْنِ إنْ كَانَ وَزْنِيًّا وَانْتِقَادٍ بِالْمَجْلِسِ حَتَّى يَصِحَّ، وَلَوْ قَالَ بِسَبَبِ بَيْعٍ صَحِيحٍ جَرَى بَيْنَهُمَا صَحَّتْ الدَّعْوَى بِلَا خِلَافٍ وَعَلَى هَذَا فِي كُلِّ سَبَبٍ لَهُ شَرَائِطُ كَثِيرَةٌ لَا يَكْتَفِي بِقَوْلِهِ بِسَبَبِ كَذَا صَحِيحٌ، وَإِذَا قَلَّتْ الشَّرَائِطُ يَكْتَفِي، وَأَجَابَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 547 فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي قَضَى عَلَيْهِ) بِلَا طَلَبِ الْمُدَّعِي (وَإِلَّا) يُبَرْهِنُ (حَلَّفَهُ) الْحَاكِمُ (بَعْدَ طَلَبِهِ) إذْ لَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ الْيَمِينَ فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى إلَّا عِنْدَ الثَّانِي فِي أَرْبَعٍ عَلَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، قَالَ: وَأَجْمَعُوا عَلَى التَّحْلِيفِ بِلَا طَلَبٍ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ. (وَإِذَا قَالَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لَا أُقِرَّ وَلَا أُنْكِرُ لَا يُسْتَحْلَفُ بَلْ يُحْبَسُ لِيُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ) دُرَرٌ، وَكَذَا لَوْ لَزِمَ السُّكُوتَ بِلَا آفَةٍ عِنْدَ الثَّانِي خُلَاصَةٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَبِهِ أَفْتَيْت لِمَا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الثَّانِي فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ اهـ. ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْبَدَائِعِ: الْأَشْبَهُ أَنَّهُ إنْكَارٌ فَيُسْتَحْلَفُ، قَيَّدْنَا بِتَحْلِيفِ الْحَاكِمِ لِأَنَّهُمَا لَوْ (اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَحْلِفَ عِنْدَ غَيْرِ قَاضٍ وَيَكُونُ بَرِيئًا فَهُوَ بَاطِلٌ) لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّ الْقَاضِي مَعَ طَلَبِ الْخَصْمِ وَلَا عِبْرَةَ بِالْيَمِينِ وَلَا نُكُولَ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي (فَلَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى حَقِّهِ (يُقْبَلُ وَإِلَّا يُحَلِّفُهُ ثَانِيًا عِنْدَ قَاضٍ) بَزَّازِيَّةٌ   [رد المحتار] شَمْسُ الْإِسْلَامِ فِيمَنْ قَالَ كَفَلَ كَفَالَةً صَحِيحَةً أَنَّهُ لَا يَصِحُّ كَالسَّلَمِ لِأَنَّهُ لَعَلَّهُ صَحِيحٌ فِي اعْتِقَادِهِ لَا عِنْدَ الْحَنَفِيِّ الْمُعْتَقِدِ عَدَمَهَا بِلَا قَبُولٍ، فَيَقُولُ كَفَلَ وَقِيلَ الْمَكْفُولُ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَيَذْكُرُ فِي الْقَرْضِ وَأَقْرَضَهُ مَنْ نَالَ نَفْسَهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا وَهُوَ سَفِيرٌ لَا يَمْلِكُ الطَّلَبَ وَيَذْكُرُ أَنَّهُ قَبَضَهُ وَصَرَفَهُ فِي حَوَائِجِهِ لِيَكُونَ دَيْنًا إجْمَاعًا لِأَنَّهُ عِنْدَ الثَّانِي مَوْقُوفٌ عَلَى صَرْفِهِ وَاسْتِهْلَاكِهِ بَزَّازِيَّةٌ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ فَبَرْهَنَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُقَامُ عَلَى مُقِرٍّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ إلَّا فِي أَرْبَعٍ فَرَاجِعْهُ، وَفِيهِ لَوْ أَقَرَّ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ يُقْضَى بِهِ لَا بِهَا، وَأَنَّهُ لَوْ سَكَتَ عَنْ الْجَوَابِ يُحْبَسُ إلَى أَنْ يُجِيبَ رَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ حَلَّفَهُ الْحَاكِمُ) وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِيَمِينِهِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ، فَإِنْ وَجَدَهَا أَقَامَهَا وَقُضِيَ لَهُ بِهَا دُرَرٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ فِي أَرْبَعٍ) فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا رَضِيت بِالْعَيْبِ، وَالشَّفِيعُ بِاَللَّهِ مَا أَبْطَلْت شُفْعَتَك، وَالْمَرْأَةُ إذَا طَلَبَتْ فَرْضَ النَّفَقَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ تَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا خَلَفَ لَك زَوْجُك شَيْئًا وَلَا أَعْطَاك النَّفَقَةَ، وَالرَّابِعُ يَحْلِفُ الْمُسْتَحِقُّ بِاَللَّهِ مَا بَايَعْت ح كَذَا فِي الْهَامِشِ: وَفِيهِ: فَرْعٌ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ كَانَ لِأَبِي عَلَيْك مِائَةُ دِينَارٍ وَقَدْ مَاتَ أَبِي قَبْلَ اسْتِيفَاءِ شَيْءٍ مِنْهَا وَصَارَتْ مِيرَاثًا لِي بِمَوْتِهِ وَطَالَبَهُ بِتَسْلِيمِ الْمِائَةِ دِينَارًا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ كَانَ لِأَبِيك عَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ إلَّا أَنَّنِي أَدَّيْت مِنْهَا ثَمَانِينَ دِينَارًا إلَى أَبِيك فِي حَيَاتِهِ وَقَدْ أَقَرَّ أَبُوك بِالْقَبْضِ بِبَلْدَةِ سَمَرْقَنْدَ فِي بَيْتِي فِي يَوْمِ كَذَا بِأَلْفَاظٍ فَارِسِيَّةٍ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَقَالَ الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّك مُبْطِلٌ فِي دَعْوَاك إقْرَارَ أَبِي بِقَبْضِ ثَمَانِينَ دِينَارًا مِنْك، لِمَا أَنَّ أَبِي كَانَ غَائِبًا عَنْ بَلْدَةِ سَمَرْقَنْدَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي ادَّعَيْت إقْرَارَهُ فِيهِ وَكَانَ بِبَلْدَةٍ كَبِيرَةٍ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً هَلْ تَنْدَفِعُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي؟ فَقِيلَ لَا إلَّا أَنْ تَكُونَ غَيْبَةُ أَبِي الْمُدَّعِي عَنْ سَمَرْقَنْدَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي شَهِدَ شُهُودُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى إقْرَارِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ بِسَمَرْقَنْدَ وَكَوْنُهُ بِبَلْدَةٍ كَبِيرَةٍ ظَاهِرًا مُسْتَفِيضًا يَعْرِفُهُ كُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ وَكُلُّ عَالِمٍ وَجَاهِلٍ، فَحِينَئِذٍ الْقَاضِي يَدْفَعُ بِبَيِّنَتِهِ بَيِّنَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ فَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ مِنْ الْبَابِ التَّاسِعِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ اهـ. (قَوْلُهُ وَأَجْمَعُوا) الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ وَإِلَّا فِي دَعْوَى الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ اتِّفَاقًا. وَصُورَةُ التَّحْلِيفِ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي: بِاَللَّهِ مَا اسْتَوْفَيْت مِنْ الدُّيُونِ وَلَا مِنْ أَحَدٍ أَدَّاهُ إلَيْك عَنْهُ وَلَا قَبَضَهُ لَك قَابِضٌ بِأَمْرِك وَلَا أَبْرَأْته مِنْهُ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ وَلَا أَحَلْت بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَحَدًا وَلَا عِنْدَك بِهِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ رَهْنٌ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ ح وَيَحْلِفُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْمَرِيضُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ قُبَيْلَ بَابِ التَّحْكِيمِ مِنْ الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ نُقِلَ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ. قَالَ فِي الْهَامِشِ: قَوْلُهُ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْبَدَائِعِ: الْمُتَبَادَرُ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ السُّكُوتِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى الْمَتْنِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْمَجْمَعِ، وَلَوْ قَالَ لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ فَالْقَاضِي لَا يَسْتَحْلِفُهُ. قَالَ الشَّارِحُ: بَلْ يَحْبِسُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ. وَقَالَا يُسْتَحْلَفُ: وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ إنْكَارٌ وَهُوَ تَصْحِيحٌ لِقَوْلِهِمَا كَمَا لَا يَخْفَى، فَإِنَّ الْأَشْبَهَ مِنْ أَلْفَاظِ التَّصْحِيحِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 548 إلَّا إذَا كَانَ حَلِفُهُ الْأَوَّلُ عِنْدَهُ فَيَكْفِي دُرَرٌ. وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّ التَّحْلِيفَ حَقُّ الْقَاضِي، فَمَا لَمْ يَكُنْ بِاسْتِحْلَافِهِ لَمْ يُعْتَبَرْ. (وَكَذَا لَوْ اصْطَلَحَا أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ حَلَفَ فَالْخَصْمُ ضَامِنٌ) لِلْمَالِ (وَحَلَفَ) أَيْ الْمُدَّعِي (لَمْ يَضْمَنْ) الْخَصْمُ لِأَنَّ فِيهِ تَغْيِيرَ الشَّرْعِ. (وَالْيَمِينُ لَا تُرَدُّ عَلَى مُدَّعٍ) لِحَدِيثِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» وَحَدِيثُ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ضَعِيفٌ، بَلْ رَدَّهُ ابْنُ مَعِينٍ، بَلْ أَنْكَرَهُ الرَّاوِي عَيْنِيٌّ. . (بَرْهَنَ) الْمُدَّعِي (عَلَى دَعْوَاهُ وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي الدَّعْوَى أَوْ عَلَى أَنَّ الشُّهُودَ صَادِقُونَ أَوْ مُحِقُّونَ فِي الشَّهَادَةِ لَا يُجِيبُهُ) الْقَاضِي إلَى طَلَبِهِ لِأَنَّ الْخَصْمَ لَا يَحْلِفُ مَرَّتَيْنِ فَكَيْفَ الشَّاهِدُ لِأَنَّ لَفْظَ أَشْهَدُ عِنْدَنَا يَمِينٌ، وَلَا يُكَرَّرُ الْيَمِينُ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِإِكْرَامِ الشُّهُودِ وَلِذَا لَوْ (عَلِمَ الشَّاهِدُ أَنَّ الْقَاضِيَ يُحَلِّفُهُ) وَيَعْمَلُ بِالْمَنْسُوخِ (لَهُ الِامْتِنَاعُ عَنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَزَّازِيَّةٌ. (وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ) وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ لَهُ سَبَبٌ (أَحَقُّ مِنْ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ) لِأَنَّهُ الْمُدَّعِي وَالْبَيِّنَةُ لَهُ بِالْحَدِيثِ، بِخِلَافِ الْمُقَيَّدِ بِسَبَبٍ كَنِتَاجٍ وَنِكَاحٍ فَالْبَيِّنَةُ لِذِي الْيَدِ إجْمَاعًا كَمَا سَيَجِيءُ. (وَقَضَى) الْقَاضِي (عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ مَرَّةً) لَوْ نُكُولَهُ (فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي) حَقِيقَةً (بِقَوْلِهِ لَا أَحْلِفُ) أَوْ حُكْمًا كَأَنْ (سَكَتَ) وَعُلِمَ أَنَّهُ (مِنْ غَيْرِ آفَةٍ) كَخَرَسٍ وَطَرَشٍ فِي الصَّحِيحِ سِرَاجٌ وَعَرْضُ الْيَمِينِ ثَلَاثًا ثُمَّ الْقَضَاءُ أَحْوَطُ.   [رد المحتار] قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي أَنَّ الْحَلِفَ الْأَوَّلَ عِنْدَ غَيْرِ قَاضٍ. (قَوْلُهُ حَلِفُهُ الْأَوَّلُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ قَاضٍ فَيَكْفِي: أَيْ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّحْلِيفِ ثَانِيًا. هَذَا، وَلَا مَوْقِعَ لِلِاسْتِثْنَاءِ كَمَا لَا يَخْفَى ح اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ عِنْدَهُ قَبْلَ تَقَلُّدِهِ الْقَضَاءَ تَأَمَّلْ وَرَاجِعْ، وَقَوْلُهُ حَلِفُهُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَضَمِّ الْفَاءِ وَالْهَاءِ. (قَوْلُهُ لَمْ يُعْتَبَرْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُغَايِرُ الْمُتَقَدِّمَةَ فِي الْمَتْنِ، فَإِنَّ تِلْكَ فِيمَا إذَا حَلَفَ عِنْدَ غَيْرِ قَاضٍ وَهَذِهِ فِيمَا إذَا حَلَفَ عِنْدَ الْقَاضِي بِاسْتِحْلَافِ الْمُدَّعِي لَا الْقَاضِي ح. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ اصْطَلَحَا) وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ قُبَيْلَ الرَّهْنِ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قَالَ لِآخَرَ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ إنْ حَلَفْت إنَّهَا لَك أَدَّيْتهَا إلَيْك فَحَلَفَ فَأَدَّاهَا إلَيْهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، إنْ كَانَ أَدَّاهَا إلَيْهِ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي شَرَطَ فَهُوَ بَاطِلٌ وَلِلْمُؤَدِّي أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا أَدَّى لِأَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ حُكْمِ الشَّرْعِ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ دُونَ الْمُدَّعِي اهـ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى أَنَّ الشُّهُودَ إلَخْ) أَيْ أَوْ طَلَبَ تَحْلِيفَ الشُّهُودِ عَلَى أَنَّهُمْ صَادِقُونَ. (قَوْلُهُ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ) قَيَّدَ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِمَا سَيَأْتِي وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا وَتَارِيخُ الْخَارِجِ مُسَاوٍ أَوْ أَسْبَقُ. أَمَّا إذَا كَانَ تَارِيخُ ذِي الْيَدِ أَسْبَقَ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ وَذُو الْيَدِ الشِّرَاءَ مِنْ فُلَانٍ وَبَرْهَنَا وَأَرَّخَا وَتَارِيخُ ذِي الْيَدِ أَسْبَقُ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلْخَارِجِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُقَيَّدِ) لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ عَلَى مَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْيَدُ فَاسْتَوَيَا وَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِالْيَدِ فَيُقْضَى لَهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَدَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى نَاقَةً فِي يَدِ رَجُلٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتَجَتْهَا وَأَقَامَ الَّذِي بِيَدِهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتَجَتْهَا، فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ» وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ بَحْرٌ؛ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ وَنِكَاحٍ) أَيْ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ فَتَهَاتَرَا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِمَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَقْبَلُ الِاشْتِرَاطَ، وَإِذَا تَهَاتَرَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا حَيْثُ لَا مُرَجِّحَ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ. أَمَّا لَوْ كَانَ التَّهَاتُرُ بَعْدَ مَوْتِهَا وَلَمْ يُؤَرِّخَا فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَيَرِثَانِ مِيرَاثَ زَوْجٍ وَاحِدٍ بَحْرٌ وَتَمَامُهُ فِيهِ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ الثَّانِي الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ وَعَرْضُ الْيَمِينِ) هُوَ مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ أَحْوَطُ خَبَرٌ عَنْهُ (قَوْلُهُ أَحْوَطُ) أَيْ نَدْبًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ التَّكْرَارَ حَتْمٌ حَتَّى لَوْ قَضَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 549 (وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ عَلَى فَوْرِ النُّكُولِ، خِلَافٌ) دُرَرٌ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ تَرْجِيحًا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. قُلْت: قَدَّمْنَا أَنَّهُ يُفْتَرَضُ الْقَضَاءُ فَوْرًا إلَّا فِي ثَلَاثٍ. (قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَالْقَضَاءُ عَلَى حَالِهِ) مَاضٍ دُرَرٌ فَبَلَغَتْ طُرُقُ الْقَضَاءِ ثَلَاثًا، وَعَدَّهَا فِي الْأَشْبَاهِ سَبْعًا: بَيِّنَةٌ، وَإِقْرَارٌ، وَيَمِينٌ، وَنُكُولٌ عَنْهُ، وَقَسَامَةٌ، وَعِلْمُ قَاضٍ عَلَى الْمَرْجُوحِ، وَالسَّابِعُ قَرِينَةٌ قَاطِعَةٌ كَأَنْ ظَهَرَ مِنْ دَارٍ خَالِيَةٍ إنْسَانٌ خَائِفٌ بِسِكِّينٍ مُتَلَوِّثٍ بِدَمٍ فَدَخَلُوهَا فَوْرًا فَرَأَوْا مَذْبُوحًا لِحِينِهِ أُخِذَ بِهِ إذْ لَا يَمْتَرِي أَحَدٌ أَنَّهُ قَاتِلُهُ. . (شَكَّ فِيمَا يُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يُرْضِيَ خَصْمَهُ وَلَا يَحْلِفُ) تَحَرُّزًا عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ (وَإِنْ أَبَى خَصْمُهُ إلَّا حَلَّفَهُ، إنْ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُبْطِلٌ حَلَفَ وَإِلَّا) بِأَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مُحِقٌّ (لَا) يَحْلِفُ بَزَّازِيَّةٌ. (وَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ لَوْ أَقَامَهَا) الْمُدَّعِي وَإِنْ قَالَ قَبْلَ الْيَمِينِ لَا بَيِّنَةَ لِي سِرَاجٌ خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْمُحِيطِ (بَعْدَ يَمِينِ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا تُقْبَلُ الْبُنَيَّةُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ خَانِيَةٌ (عِنْدَ الْعَامَّةِ) وَهُوَ الصَّحِيحُ لِقَوْلِ شُرَيْحٍ: الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ أَحَقُّ أَنْ تُرَدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ كَالْحَلِفِ عَنْ الْبَيِّنَةِ فَإِذَا جَاءَ الْأَصْلُ انْتَهَى حُكْمُ الْخَلْفِ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ أَصْلًا بَحْرٌ. (وَيَظْهَرُ كَذِبُهُ بِإِقَامَتِهَا) أَيْ الْبَيِّنَةِ (لَوْ ادَّعَاهُ) أَيْ الْمَالَ (بِلَا سَبَبٍ فَحَلَفَ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَامَهَا حَتَّى يَحْنَثَ فِي يَمِينِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى طَلَاقُ الْخَانِيَّةِ   [رد المحتار] الْقَاضِي بِالنُّكُولِ مَرَّةً لَا يَنْفُذُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْفُذُ س (قَوْلُهُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ) الْأَوْلَى يُفْتَرَضُ. (قَوْلُهُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ: تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَنْزِلُ مُنْكِرًا عَلَى قَوْلِهِمَا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إلَى أَنْ يُجِيبَ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ فِيمَا إذَا لَزِمَ السُّكُوتَ ابْتِدَاءً وَلَمْ يُجِبْ عِنْدَ الدَّعْوَى بِجَوَابٍ، وَهَذَا فِيمَا إذَا أَجَابَ بِالْإِنْكَارِ ثُمَّ لَزِمَ السُّكُوتَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ قَدَّمْنَا) أَيْ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ ح. (قَوْلُهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ) أَمَّا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بَعْدَهُ فَتُقْبَلُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا. (قَوْلُهُ ثَلَاثًا) بَيِّنَةٌ وَإِقْرَارٌ وَنُكُولٌ. (قَوْلُهُ وَالسَّابِعُ إلَخْ) بَحَثَ فِي هَذِهِ السَّابِعَةِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ وَقَالَ إنَّهُ غَرِيبٌ لَا يُقْبَلُ مَا لَمْ يَعْضُدْهُ نَقْلٌ مِنْ كِتَابٍ مُعْتَمَدٍ. وَذُكِرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ مَدَارَهَا عَلَى ابْنِ الْغَرْسِ، لَكِنَّ عِبَارَةَ ابْنِ الْغَرْسِ: فَقَدْ قَالُوا لَوْ ظَهَرَ إنْسَانٌ إلَخْ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ) لَيْسَ فِيهِ مَا يُنَافِي ذَلِكَ بَلْ حَكَى قَوْلَيْنِ ح. (قَوْلُهُ بَعْدَ يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) لِأَنَّ حُكْمَ الْيَمِينِ انْقِطَاعُ الْخُصُومَةِ لِلْحَالِ إلَى غَايَةِ إحْضَارِ الْبَيِّنَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ انْقِطَاعُهَا مُطْلَقًا ط (قَوْلُهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ) كَأَنَّ فَائِدَتَهَا لِتَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ وَهُوَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ، بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ شَيْخُنَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي نَحْوِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. (قَوْلُهُ خَانِيَةٌ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالنُّكُولِ لَا يَمْنَعُ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِمَا يُبْطِلُهُ، لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَخَاصَمَ الْبَائِعُ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ عِنْدَهُ فَاسْتُحْلِفَ فَنَكَلَ فَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ وَأَلْزَمَهُ الْعَبْدَ ثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ كُنْت تَبَرَّأْت إلَيْهِ مِنْ هَذَا الْعَيْبِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ ثَبَتَتْ بَيِّنَتُهُ اهـ. أَقُولُ: إنْ كَانَ مَبْنَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقَاعِدَةِ هُوَ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ فَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ نُكُولَهُ عَنْ الْحَلِفِ بَذْلٌ أَوْ إقْرَارٌ بِأَنَّ الْعَيْبَ عِنْدَهُ فَإِقَامَتُهُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَهُ عَلَى أَنَّهُ تَبَرَّأَ إلَيْهِ مِنْ هَذَا الْعَيْبِ مُؤَكِّدٌ لِمَا أَقَرَّ بِهِ فِي ضِمْنِ نُكُولِهِ، أَمَّا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَقَضَى عَلَيْهِ بِهِ يَكُونُ إقْرَارًا بِهِ وَحُكْمًا بِهِ، فَإِذَا بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَضَاهُ إيَّاهُ يَكُونُ تَنَاقُضًا وَنَقْضًا لِلْحُكْمِ فَبَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْقٌ فَكَيْفَ تَصِحُّ قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ الْبَحْرِ فِي إقَامَةِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ الَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ فَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا، وَظَاهِرُ مَا كَتَبْنَاهُ فِي هَامِشِ الْبَحْرِ عَنْ حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلْحَمَوِيِّ. (قَوْلُهُ طَلَاقُ الْخَانِيَّةِ) الَّذِي نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ طَلَاقِ الْخَانِيَّةِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة مِنْ الْحِنْثِ مُطْلَقٌ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالسَّبَبِ وَعَدَمِهِ، وَمَا فِي الدُّرَرِ مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ مُطْلَقًا جَعَلُوهُ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَاَلَّذِي جَعَلُوا الْفَتْوَى عَلَيْهِ هُوَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 550 خِلَافًا لِإِطْلَاقِ الدُّرَرِ. (وَإِنْ) ادَّعَاهُ (بِسَبَبٍ فَحَلَفَ) أَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ (ثُمَّ أَقَامَهَا) الْمُدَّعِي عَلَى السَّبَبِ (لَا) يَظْهَرُ كَذِبُهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ وَجَدَ الْقَرْضَ ثُمَّ وَجَدَ الْإِبْرَاءَ أَوْ الْإِيفَاءَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَصُولَيْنِ وَسِرَاجٌ وَشُمُنِّيٌّ وَغَيْرُهُمْ. (وَلَا تَحْلِيفَ فِي نِكَاحٍ) أَنْكَرَهُ هُوَ أَوْ هِيَ (وَرَجْعَةٍ) جَحَدَهَا هُوَ أَوْ هِيَ بَعْدَ عِدَّةٍ (وَفَيْءِ إيلَاءٍ) أَنْكَرَهُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْمُدَّةِ (وَاسْتِيلَادٍ) تَدَّعِيهِ الْأَمَةُ، وَلَا يَتَأَتَّى عَكْسُهُ لِثُبُوتِهِ بِإِقْرَارِهِ (وَرِقٍّ وَنَسَبٍ) بِأَنْ ادَّعَى عَلَى مَجْهُولٍ أَنَّهُ قِنُّهُ أَوْ ابْنُهُ وَبِالْعَكْسِ (وَوَلَاءٍ) عَتَاقَةً أَوْ مُوَالَاةً ادَّعَاهُ الْأَعْلَى أَوْ الْأَسْفَلُ (وَحَدٍّ وَلِعَانٍ) وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُحَلَّفُ الْمُنْكِرُ (فِي الْأَشْيَاءِ) السَّبْعَةِ، وَمَنْ عَدَّهَا سِتَّةً أَلْحَقَ أُمُومَةَ الْوَلَدِ بِالنَّسَبِ أَوْ الرِّقِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ التَّحْلِيفُ فِي الْكُلِّ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَمِنْهَا حَدُّ قَذْفٍ وَلِعَانٍ فَلَا يَمِينَ إجْمَاعًا، لَا إذَا تَضَمَّنَ حَقًّا بِأَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِزِنَا نَفْسِهِ فَلِلْعَبْدِ تَحْلِيفُهُ، فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ الْعِتْقُ لَا الزِّنَا. (وَ) كَذَا (يُسْتَحْلَفُ السَّارِقُ) لِأَجْلِ الْمَالِ (فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ وَلَمْ يُقْطَعْ) وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا قُطِعَ، وَقَالُوا: يُسْتَحْلَفُ   [رد المحتار] أَبِي يُوسُف، وَالتَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ ذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، فَعِبَارَةُ الشَّارِحِ غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِإِطْلَاقِ الدُّرَرِ) حَيْثُ قَالَ وَهَلْ يَظْهَرُ كَذِبُ الْمُنْكِرِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ حَتَّى لَا يُعَاقَبَ عُقُوبَةَ شَاهِدِ الزُّورِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (قَوْلُهُ ثُمَّ أَقَامَهَا الْمُدَّعِي) سَيُعِيدُ الشَّارِحُ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ نَحْوِ وَرَقَتَيْنِ. (قَوْلُهُ أَوْ الْإِيفَاءَ) بَحَثَ فِيهِ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّابِتِ أَنْ يَبْقَى عَلَى ثُبُوتِهِ وَقَدْ حَكَمْتُمْ لِمَنْ شُهِدَ لَهُ بِشَيْءٍ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ وَإِذَا وُجِدَ السَّبَبُ ثَبَتَ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ اهـ ط. أَقُولُ: وَجَوَابُهُ أَنَّ إثْبَاتَ كَوْنِ الشَّيْءِ لَهُ يُفِيدُ مِلْكِيَّتَهُ لَهُ فِي الزَّمَنِ السَّابِقِ وَاسْتِصْحَابُ هَذَا الثَّابِتِ يَصْلُحُ لِدَفْعِ مَنْ يُعَارِضُهُ فِي الْمِلْكِيَّةِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا لَهُ، وَقَدْ قَالُوا الِاسْتِصْحَابُ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلْإِثْبَاتِ، وَإِذَا أَثْبَتْنَا الْحِنْثَ بِكَوْنِ الْأَصْلِ بَقَاءَ الْقَرْضِ يَكُونُ مِنْ الْإِثْبَاتِ بِالِاسْتِصْحَابِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَا تَحْلِيفَ) أَيْ فِي تِسْعَةٍ (قَوْلُهُ بَعْدَ عِدَّةٍ) قَيْدٌ لِلثَّانِي كَمَا فِي الدُّرَرِ. (قَوْلُهُ تَدَّعِيهِ الْأَمَةُ) بِأَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا وَقَدْ مَاتَ أَوْ أَسْقَطَتْ سِقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ وَأَنْكَرَهُ الْمَوْلَى ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَأَتَّى إلَخْ) وَقَلَبَ الْعِبَارَةَ الزَّيْلَعِيُّ وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ. (قَوْلُهُ وَنَسَبٍ) وَفِي الْمَنْظُومَةِ وَوِلَادٍ. قَالَ فِي الْحَقَائِقِ: لَمْ يَقُلْ وَنَسَبٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَحْلَفُ فِي النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ كَالْأَبِ وَالِابْنِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْأَبِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ وَوَلَاءٍ) أَيْ بِأَنْ ادَّعَى عَلَى مَعْرُوفِ الرِّقِّ أَنَّهُ مُعْتَقُهُ أَوْ مَوْلَاهُ (قَوْلُهُ فِي الْأَشْيَاءِ السَّبْعَةِ) أَيْ السَّبْعَةِ الْأُولَى مِنْ التِّسْعَةِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْإِمَامِ س. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ عِنْدَهُمَا. (قَوْلُهُ وَكَذَا يُسْتَحْلَفُ السَّارِقُ) وَكَذَا يَحْلِفُ فِي النِّكَاحِ إنْ ادَّعَتْ هِيَ الْمَالَ: أَيْ إنْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ وَغَرَضُهَا الْمَالُ كَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ يَحْلِفُ، فَإِنْ نَكَلَ يَلْزَمُهُ الْمَالُ وَلَا يَثْبُتُ الْحِلُّ عِنْدَهُ لِأَنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ بِالْبَدَلِ لَا الْحِلِّ. وَفِي النَّسَبِ إذَا ادَّعَى حَقًّا مَالًا كَانَ كَالْإِرْثِ وَالنَّفَقَةِ أَوْ غَيْرَ مَالٍ كَحَقِّ الْحَضَانَةِ فِي اللَّقِيطِ وَالْعِتْقِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَامْتِنَاعِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ، فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ الْحَقُّ، وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ فَعَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ وَكَذَا مُنْكِرُ الْعُقُودِ إلَخْ ابْنُ كَمَالٍ وَإِنْكَارُ الْقَوَدِ سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ. وَفِي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ، فَيَلْغُزُ أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَأْخُذُ نَفَقَةً غَيْرَ مُعْتَدَّةٍ وَلَا حَائِضَةٍ وَلَا نُفَسَاءَ وَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا. وَفِيهِ وَيَلْغُزُ أَيُّ شَخْصٍ أَخَذَ الْإِرْثَ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ كَمَا لَوْ ادَّعَى إرْثًا بِسَبَبِ إخْوَةٍ فَأَنْكَرَ إخْوَتُهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَحْلِيفَ فِيهَا عِنْدَ الْإِمَامِ مَا لَمْ يَدَّعِ مَعَهَا مَالًا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ وِفَاقًا سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يُقْطَعْ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ قَطْعُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ بَدَلٌ كَمَا فِي قَوَدِ الطَّرَفِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ النُّكُولَ فِي قَطْعِ الطَّرَفِ وَالنُّكُولَ فِي السَّرِقَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَّحِدَا فِي إيجَابِ الْقَطْعِ وَعَدَمِهِ. وَيُمْكِنُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 551 فِي التَّعْزِيرِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الدُّرَرِ. وَفِي الْفُصُولِ: ادَّعَى نِكَاحَهَا فَحِيلَةُ دَفْعِ يَمِينِهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ فَلَا تَحْلِفُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا اسْتِحْلَافَ فِي إحْدَى وَثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً. (النِّيَابَةُ تَجْرِي فِي الِاسْتِحْلَافِ لَا الْحَلِفِ) وَفَرَّعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (فَالْوَكِيلُ وَالْوَصِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَأَبُو الصَّغِيرِ يَمْلِكُ الِاسْتِحْلَافَ) فَلَهُ طَلَبُ يَمِينِ خَصْمِهِ (وَلَا يَحْلِفُ) أَحَدٌ مِنْهُمْ (إلَّا إذَا) ادَّعَى عَلَيْهِ الْعَقْدُ أَوْ (صَحَّ إقْرَارُهُ) عَلَى الْأَصِيلِ فَيُسْتَحْلَفُ حِينَئِذٍ، كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ فَإِنَّ إقْرَارَهُ صَحِيحٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ، فَكَذَا نُكُولُهُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: كُلُّ مَوْضِعٍ لَوْ أَقَرَّ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَهُ يُسْتَحْلَفُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ ذَكَرَهَا، وَالصَّوَابُ فِي أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ لِمَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ؛ وَزَادَ سِتَّةً أُخْرَى فِي الْبَحْرِ، وَزَادَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ لِابْنِ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْلَا خَشْيَةُ التَّطْوِيلِ لَأَوْرَدْتهَا كُلَّهَا. (التَّحْلِيفُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ يَكُونُ عَلَى الْبَتَاتِ) أَيْ الْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ (وَ) التَّحْلِيفُ (عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ) يَكُونُ (عَلَى الْعِلْمِ) أَيْ إنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ كَذَلِكَ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِمَا فَعَلَ غَيْرُهُ ظَاهِرًا، اللَّهُمَّ (إلَّا إذَا كَانَ) فِعْلُ الْغَيْرِ (شَيْئًا يَتَّصِلُ بِهِ) أَيْ بِالْحَالِفِ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ ادَّعَى) مُشْتَرِي الْعَبْدِ (سَرِقَةَ الْعَبْدِ أَوْ إبَاقَهُ) وَأَثْبَت ذَلِكَ (يَحْلِفُ) الْبَائِعُ.   [رد المحتار] الْجَوَابُ بِأَنَّ قَوَدَ الطَّرَفِ حَقُّ الْعَبْدِ فَيَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ كَالْأَمْوَالِ، بِخِلَافِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ فَإِنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ فَلْيُتَأَمَّلْ يَعْقُوبِيَّةٌ. (قَوْلُهُ فِي التَّعْزِيرِ) لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ إسْقَاطَهُ بِالْعَفْوِ س (قَوْلُهُ فَحِيلَةُ دَفْعِ يَمِينِهَا) أَيْ دَفْعِ الْيَمِينِ عَنْهَا كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ أَنْ تَتَزَوَّجَ) أَيْ بِآخَرَ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ فِي إحْدَى وَثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً) تَقَدَّمَتْ فِي الْوَقْفِ س وَذَكَرَهَا فِي الْبَحْرِ هُنَا، وَذَكَرَ فِي الْهَامِشِ عَنْ الْإِمَامِ الْخَصَّافِ. كَانَ الْإِمَامُ الثَّانِي وَغَيْرُهُ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ يَحْلِفُ فِي كُلِّ سَبَبٍ لَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَزِمَهُ، كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ أَوْ زَوْجَتُهُ أَوْ مَوْلَاهُ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَخُوهُ أَوْ عَمُّهُ أَوْ نَحْوُهُ لَا يَحْلِفُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ حَقًّا فِي ذِمَّتِهِ كَالْإِرْثِ بِجِهَةٍ فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ، وَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى بِالْمَالِ إنْ ثَبَتَ الْمَالُ، وَدَعْوَى الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ كَدَعْوَى الْإِرْثِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ: وَهُوَ أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ عَنْ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ وَدَفَعَ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ مَالِهِ إلَى ثُلُثِ مُدَّعِي الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ ثُمَّ جَاءَ الْمُوَرِّثُ حَيًّا لَا يَضْمَنُ الْوَارِثُ النَّاكِلُ لَهُ شَيْئًا مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي فِي الْيَمِينِ. (قَوْلُهُ لَا الْحَلِفِ) يُخَالِفُهُ مَا يَأْتِي عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْأَخْرَسَ الْأَصَمَّ الْأَعْمَى يَحْلِفُ وَلِيُّهُ. (قَوْلُهُ وَلَا يَحْلِفُ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَفَرَّعَ عَلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ وَلَا يَحْلِفُ إلَخْ. (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصِيلِ) أَيْ الْوَكِيلِ فَقَطْ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ فَيُسْتَحْلَفُ إلَخْ) بَقِيَ هَلْ يُسْتَحْلَفُ عَلَى الْعِلْمِ أَوْ عَلَى الْبَتَاتِ؟ ذُكِرَ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ نُورِ الْعَيْنِ أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَعِيبٌ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ اهـ فَتَأَمَّلْهُ كَذَا بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ. (قَوْلُهُ وَالصَّوَابُ فِي أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ) أَيْ بِضَمِّ الثَّلَاثَةِ إلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ، لَكِنْ الْأَوْلَى مِنْهَا مَذْكُورَةٌ فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ لِابْنِ الْمُصَنِّفِ) وَهُوَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ عَبْدُ الْقَادِرِ وَهُوَ صَاحِبُ تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ وَأَخُوهُ الشَّيْخُ صَالِحٌ صَاحِبُ الزَّوَاهِرِ كَذَا يُفْهَمُ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ. (قَوْلُهُ سَرِقَةَ الْعَبْدِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ مُشْتَرِيَ الْعَبْدِ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ سَارِقٌ أَوْ آبِقٌ وَأَثْبَتَ إبَاقَهُ أَوْ سَرِقَتَهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ أَبَقَ أَوْ سَرَقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَأَرَادَ التَّحْلِيفَ يَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ بِاَللَّهِ مَا سَرَقَ فِي يَدِك وَهَذَا تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ دُرَرٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ أَوْ إبَاقَهُ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِبَاقِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي الْإِبَاقَ الْكَائِنَ عِنْدَهُ، إذْ لَوْ أَقَرَّ بِهِ الْبَائِعُ لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْإِبَاقَ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْمُعَاوَدَةِ بِأَنْ يُثْبِتَ وُجُودَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كِلَاهُمَا فِي صِغَرِهِ أَوْ كِبَرِهِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي مَحَلِّهِ أَبُو السُّعُودِ. وَفِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ، قَوْلُهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 552 (عَلَى الْبَتَاتِ) مَعَ أَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ وَإِنَّمَا صَحَّ بِاعْتِبَارِ وُجُوبِ تَسْلِيمِهِ سَلِيمًا فَرَجَعَ إلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَحَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ لِأَنَّهَا آكَدُ وَلِذَا تُعْتَبَرُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْعَكْسِ دُرَرٌ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْهُ: هَذَا إذَا قَالَ الْمُنْكِرُ لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ، وَلَوْ ادَّعَى الْعِلْمَ حَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ كَمُودِعٍ ادَّعَى قَبْضَ رَبِّهَا وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ عَلَى الْعِلْمِ بِقَوْلِهِ (وَإِذَا ادَّعَى) بَكْرٌ (سَبْقَ الشِّرَاءِ) لَهُ عَلَى شِرَاءِ زَيْدٍ وَلَا بَيِّنَةَ (يُحَلِّفُ خَصْمَهُ) وَهُوَ بَكْرٌ (عَلَى الْعِلْمِ) أَيْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ قَبْلَهُ لِمَا مَرَّ. (كَذَا إذَا ادَّعَى دَيْنًا أَوْ عَيْنًا عَلَى وَارِثٍ إذَا عَلِمَ الْقَاضِي كَوْنَهُ مِيرَاثًا أَوْ أَقَرَّ بِهِ الْمُدَّعِي أَوْ بَرْهَنَ الْخَصْمُ عَلَيْهِ) فَيَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ. (وَلَوْ ادَّعَى مَعًا) أَيْ الدَّيْنَ وَالْعَيْنَ (الْوَارِثُ) عَلَى غَيْرِهِ (يَحْلِفُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (عَلَى الْبَتَاتِ) كَمَوْهُوبٍ وَشِرَاءٍ دُرَرٌ. (وَ) يَحْلِفُ (جَاحِدُ الْقَوَدِ) إجْمَاعًا (فَإِنْ نَكَلَ، فَإِنْ كَانَ فِي النَّفْسِ حُبِسَ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ وَفِيمَا دُونَهُ يُقْتَصُّ) لِأَنَّ الْأَطْرَافَ خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلنَّفْسِ كَالْمَالِ فَيَجْرِي فِيهَا الِابْتِذَالُ   [رد المحتار] أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ بِاَللَّهِ مَا عَلَيْك الرَّدُّ فَإِنَّ فِي الْحَلِفِ عَلَى السَّبَبِ يَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ أَوْ قَدْ يُبَرَّأُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَيْبِ اهـ (قَوْلُهُ عَلَى الْبَتَاتِ) كُلُّ مَوْضِعٍ وَجَبَ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْعِلْمِ فَحَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ كَفَى وَسَقَطَتْ عَنْهُ وَعَلَى عَكْسِهِ لَا، وَلَا يُقْضَى بِنُكُولِهِ عَلَى مَا لَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا آكَدُ) أَيْ لِأَنَّ يَمِينَ الْبَتَاتِ آكَدُ مِنْ يَمِينِ الْعِلْمِ اهـ ح. (قَوْلُهُ وَلِذَا تُعْتَبَرُ مُطْلَقًا) أَيْ وَلِكَوْنِ يَمِينِ الْبَتَاتِ آكَدَ مِنْ يَمِينِ الْعِلْمِ تُعْتَبَرُ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ وَفِي فِعْلِ غَيْرِهِ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ فِعْلُ نَفْسِهِ وَفِعْلُ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ) يَعْنِي: أَنَّ يَمِينَ الْعِلْمِ لَا تَكْفِي فِي فِعْلِ نَفْسِهِ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَجِبُ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْبَتَاتِ فَحَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا حَتَّى لَا يُقْضَى عَلَيْهِ وَلَا يَسْقُطُ الْيَمِينُ عَنْهُ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْعِلْمِ فَحَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ يُعْتَبَرُ الْيَمِينُ حَتَّى يَسْقُطَ الْيَمِينُ عَنْهُ وَيُقْضَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الْبَتَاتِ آكَدُ فَيُعْتَبَرُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْعَكْسِ اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَبْلَ هَذَا الْفَرْعِ مُشْكِلٌ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَجْهُ إشْكَالِهِ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ إلَى الْبَتِّ وَيَزُولُ الْإِشْكَالُ بِأَنَّهُ مُسْقِطٌ لِلْيَمِينِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ فَاعْتُبِرَ فَيَكُونُ قَضَاءً بَعْدَ نُكُولٍ عَنْ يَمِينٍ مُسْقِطٍ لِلْحَلِفِ عَنْهُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ وَلِهَذَا يَحْلِفُ ثَانِيًا لِعَدَمِ سُقُوطِ الْحَلِفِ عَنْهُ بِهَا فَنُكُولُهُ عَنْهُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ وَالِاحْتِرَازِ بِهِ فَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ تَأَمَّلْ اهـ. وَاسْتَشْكَلَ فِي السَّعْدِيَّةِ الْفَرْعَيْنِ وَلَمْ يُجِبْ عَلَى الثَّانِي، وَأَجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نُكُولُهُ لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ فَائِدَةِ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ فَلَا يَحْلِفُ حَذَرًا عَنْ التَّكْرَارِ اهـ وَهُوَ بِمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ وَهُوَ بَكْرٌ) تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَيْ خَصْمُ بَكْرٍ وَهُوَ زَيْدٌ. أَقُولُ: تَبِعَ الشَّارِحُ فِي هَذَا الْمُصَنِّفَ وَصَاحِبَ الدُّرَرِ. قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: صَوَابُهُ زَيْدٌ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْكِرُ وَالْيَمِينُ عَلَيْهِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَنْ يَحْلِفَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ لَا لِلْمَفْعُولِ؛ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْقَاضِي تَحْلِيفَهُ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّحْلِيفِ لَهُ فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَهُوَ بَكْرٌ تَفْسِيرًا لِلضَّمِيرِ فِي خَصْمِهِ لَكِنْ فِيهِ رَكَاكَةٌ س. وَقَالَ فِي الْهَامِشِ: قَوْلُهُ وَهُوَ بَكْرٌ رَاجِعٌ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ لَا لِلْمُضَافِ، وَلَوْ قَالَ وَهُوَ زَيْدٌ لَكَانَ أَوْلَى ح. (قَوْلُهُ إذَا عَلِمَ الْقَاضِي) يَنْبَغِي أَنْ يُخَصِّصَ التَّقْيِيدَ بِذَلِكَ بِصُورَةِ الْعَيْنِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ الْعِمَادِيَّةِ، فَإِنَّ جَرَيَانَ ذَلِكَ فِي الدَّيْنِ مُشْكِلٌ عَزْمِيٌّ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ تَفْصِيلًا فِي دَعْوَى الدَّيْنِ فَرَاجِعْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ (قَوْلُهُ كَوْنُهُ مِيرَاثًا) أَيْ كَوْنُ الْمُوَرِّثِ مَاتَ وَتَرَكَهُ (قَوْلُهُ أَوْ بَرْهَنَ الْخَصْمُ) وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ فَيَحْلِفُ) أَيْ الْوَارِثُ. (قَوْلُهُ عَلَى الْعِلْمِ) أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي حَقِيقَةَ الْحَالِ وَلَا إقْرَارَ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ وَلَا أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ بِاَللَّهِ مَا عَلَيْك تَسْلِيمُ هَذِهِ إلَى الْمُدَّعِي عِمَادِيَّةٌ عَزْمِيٌّ. (قَوْلُهُ كَمَوْهُوبٍ) يَعْنِي لَوْ وَهَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ عَبْدًا فَقَبَضَهُ أَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا فَجَاءَ رَجُلٌ وَزَعَمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 553 خِلَافًا لَهُمَا. (قَالَ الْمُدَّعِي: لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ) فِي الْمِصْرِ (وَطَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ لَمْ يَحْلِفْ) خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ حَاضِرَةً فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَمْ يَحْلِفْ اتِّفَاقًا، وَلَوْ غَائِبَةً عَنْ الْمِصْرِ حَلَفَ اتِّفَاقًا ابْنُ مَلَكٍ، وَقَدَّرَ فِي الْمُجْتَبَى الْغَيْبَةَ بِمُدَّةِ السَّفَرِ (وَيَأْخُذُ الْقَاضِي) فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِشُبْهَةٍ (كَفِيلًا ثِقَةً) يَأْمَنُ هُرُوبَهُ بَحْرٌ فَلْيُحْفَظْ (مِنْ خَصْمِهِ) وَلَوْ وَجِيهًا وَالْمَالُ حَقِيرًا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عَيْنِيٌّ (بِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) فِي الصَّحِيحِ، وَعَنْ الثَّانِي إلَى مَجْلِسِهِ الثَّانِي وَصُحِّحَ (فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ) إعْطَاءِ (ذَلِكَ) الْكَفِيلِ (لَازَمَهُ) بِنَفْسِهِ أَوْ أَمِينِهِ مِقْدَارَ (مُدَّةِ التَّكْفِيلِ) لِئَلَّا يَغِيبَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْخَصْمُ (غَرِيبًا)   [رد المحتار] أَنَّ الْعَبْدَ عَبْدَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَأَرَادَ اسْتِحْلَافَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ ح. (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ الْأَرْشُ فِيهِمَا لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ عِنْدَهُمَا فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْقِصَاصُ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ) أَطْلَقَ حُضُورَهَا فَشَمِلَ حُضُورَهَا فِي الْمِصْرِ بِصِفَةِ الْمَرَضِ، وَظَاهِرُ مَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ الِاسْتِحْلَافُ يَجْرِي فِي الدَّعَاوَى الصَّحِيحَةِ إذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَقُولُ الْمُدَّعِي لَا شُهُودَ لِي أَوْ شُهُودِي غُيَّبٌ أَوْ فِي الْمِصْرِ اهـ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَيَأْخُذُ الْقَاضِي) أَيْ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِي الصُّغْرَى: هَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي عَالِمًا بِذَلِكَ، أَمَّا إذَا كَانَ جَاهِلًا فَالْقَاضِي يَطْلُبُ رَوَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ اهـ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ) قَيَّدَ بِهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي أَوْ شُهُودِي غُيَّبٌ لَا يَكْفُلُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ يُؤْمَنُ هُرُوبُهُ) بِأَنْ يَكُونَ لَهُ دَارٌ مَعْرُوفَةٌ وَحَانُوتٌ مَعْرُوفٌ لَا يَسْكُنُ فِي بَيْتٍ بِكِرَاءٍ وَيَتْرُكُهُ وَيَهْرُبُ مِنْهُ مِنَحٌ وَهَذَا شَيْءٌ يُحْفَظُ جِدًّا بَحْرٌ عَنْ الصُّغْرَى. قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْفَقِيهُ ثِقَةً بِوَظَائِفِهِ فِي الْأَوْقَافِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكٌ فِي دَارٍ أَوْ حَانُوتٍ لِأَنَّهُ لَا يَتْرُكُهَا وَيَهْرُبُ اهـ. وَفِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَنْ كَفَالَةِ الصُّغْرَى: لِقَاضِي أَوْ رَسُولِهِ إذَا أَخَذَ كَفِيلًا مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ بِأَمْرِ الْمُدَّعِي أَوْ لَا بِأَمْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يُضِفْ الْكَفَالَةَ إلَى الْمُدَّعِي بِأَنْ قَالَ أَعْطِ كَفِيلًا بِنَفْسِك وَلَمْ يَقُلْ لِلطَّالِبِ تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَى الْقَاضِي أَوْ رَسُولِهِ، حَتَّى لَوْ سَلَّمَ إلَيْهِ الْكَفِيلَ يَبْرَأُ، وَلَوْ سَلَّمَ إلَى الْمُدَّعِي فَلَا، وَإِنْ أَضَافَ إلَى الْمُدَّعِي كَانَ الْجَوَابُ عَلَى الْعَكْسِ اهـ، وَفِيهِ عَنْهَا طَلَبَ الْمُدَّعِي مِنْ الْقَاضِي وَضْعَ الْمَنْقُولِ عِنْدَ عَدْلٍ وَلَمْ يَكْتَفِ بِكَفِيلِ النَّفْسِ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَدْلًا لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي، وَلَوْ فَاسِقًا يُجِيبُهُ. وَفِي الْعَقَارِ لَا يُجِيبُهُ إلَّا فِي الشَّجَرِ الَّذِي عَلَيْهِ الثَّمَرُ لِأَنَّ الثَّمَرَ نَقْلِيٌّ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّجَرَ مِنْ الْعَقَارِ وَقَدَّمْنَا خِلَافَهُ. وَفِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ مِنْ الْعَقَارِ. (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: ادَّعَى الْقَاتِلُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً حَاضِرَةً عَلَى الْعَفْوِ أُجِّلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يَأْتِ بِالْبَيِّنَةِ وَقَالَ لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ يُقْضَى بِالْقِصَاصِ قِيَاسًا كَالْأَمْوَالِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُؤَجَّلُ اسْتِعْظَامًا لِأَمْرِ الدَّمِ اهـ. وَفِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَنْ قَضَاءِ الصُّغْرَى أَنَّ فَائِدَةَ الْكَفَالَةِ بِالثَّلَاثِ أَوْ نَحْوِهَا لَا لِبَرَاءَةِ الْكَفِيلِ بَعْدَهَا فَإِنَّ الْكَفِيلَ إلَى شَهْرٍ لَا يَبْرَأُ بَعْدَهُ، لَكِنَّ التَّكْفِيلَ إلَى شَهْرٍ لِلتَّوْسِعَةِ عَلَى الْكَفِيلِ فَلَا يُطَالَبُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّهِ، لَكِنْ لَوْ عَجَّلَ لَا يَصِحُّ وَهُنَا لِلتَّوْسِعَةِ عَلَى الْمُدَّعِي فَلَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِالتَّسْلِيمِ لِلْحَالِ إذْ قَدْ يَعْجِزُ الْمُدَّعِي عَنْ الْبَيِّنَةِ، وَإِذَا أَحْضَرَهَا يَعْجِزُ عَنْ إقَامَتِهَا وَإِنَّمَا يُسَلَّمُ إلَى الْمُدَّعِي بَعْدَ وُجُودِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، حَتَّى لَوْ أَحْضَرَ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ الْوَقْتِ يُطَالِبُ الْكَفِيلَ. (قَوْلُهُ إلَى مَجْلِسِهِ) أَيْ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ لَازَمَهُ) أَيْ دَارَ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ فَلَا يُلَازِمُهُ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ. وَفِي الصُّغْرَى: وَلَا يُلَازِمُهُ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ بُنِيَ لِلذِّكْرِ بِهِ يُفْتَى. ثُمَّ قَالَ: وَيَبْعَثُ مَعَهُ أَمِينًا يَدُورُ مَعَهُ. وَرَأَيْت فِي زِيَادَاتِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ لِلْمَطْلُوبِ أَنْ لَا يَرْضَى بِالْأَمِينِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءُ التَّوْكِيلِ بِلَا رِضَا الْخَصْمِ بَحْرٌ مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِيهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 554 أَيْ مُسَافِرًا (فَ) يُلَازَمُ أَوْ يُكَفَّلُ (إلَى انْتِهَاءِ مَجْلِسِ الْقَاضِي) دَفْعًا لِلضَّرَرِ، حَتَّى لَوْ عَلِمَ وَقْتَ سَفَرِهِ يَكْفُلُهُ إلَيْهِ وَيَنْظُرُ فِي زِيِّهِ أَوْ يَسْتَخْبِرُ رُفَقَاءَهُ لَوْ أَنْكَرَ الْمُدَّعِي بَزَّازِيَّةٌ. (قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي وَطَلَبَ يَمِينَهُ فَحَلَّفَهُ الْقَاضِي ثُمَّ بَرْهَنَ) عَلَى دَعْوَاهُ بَعْدَ الْيَمِينِ (قُبِلَ ذَلِكَ) الْبُرْهَانُ عِنْدَ الْإِمَامِ (مِنْهُ) وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي كُلُّ بَيِّنَةٍ أَتَى بِهَا فَهِيَ شُهُودُ زُورٍ أَوْ قَالَ إذَا حَلَفْت فَأَنْتِ بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ فَحَلَفَ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الْحَقِّ قُبِلَ خَانِيَةٌ، وَبِهِ جَزَمَ فِي السِّرَاجِ كَمَا مَرَّ (وَقِيلَ لَا) يُقْبَلُ قَائِلُهُ مُحَمَّدٌ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ، وَعَكْسُهُ ابْنُ مَلَكٍ، وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ قَالَ لَا دَفْعَ لِي ثُمَّ أَتَى بِدَفْعٍ، أَوْ قَالَ الشَّاهِدُ: لَا شَهَادَةَ لِي ثُمَّ شَهِدَ. وَالْأَصَحُّ الْقَبُولُ لِجَوَازِ النِّسْيَانِ ثُمَّ التَّذَكُّرِ كَمَا فِي الدُّرَرِ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ. . (ادَّعَى الْمَدْيُونُ الْإِيصَالَ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعِي) ذَلِكَ (وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ) عَلَى مُدَّعَاهُ (فَطَلَبَ يَمِينَهُ فَقَالَ الْمُدَّعِي اجْعَلْ حَقِّي فِي الْخَتْمِ ثُمَّ اسْتَحْلِفْنِي لَهُ ذَلِكَ) قُنْيَةٌ. (وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى) لِحَدِيثِ «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِيَذَرْ» وَهُوَ قَوْلُ وَاَللَّهِ خِزَانَةٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ حَلَّفَهُ بِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا، وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا بَحْرٌ. (لَا بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ) وَإِنْ أَلَحَّ الْخَصْمُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى تَتَارْخَانِيَّةٌ، لِأَنَّ التَّحْلِيفَ بِهَا حَرَامٌ خَانِيَةٌ (وَقِيلَ إنْ مَسَّتْ الضَّرُورَةُ فُوِّضَ إلَى الْقَاضِي) اتِّبَاعًا لِلْبَعْضِ (فَلَوْ حَلَّفَهُ) الْقَاضِي (بِهِ فَنَكَلَ فَقَضَى عَلَيْهِ) بِالْمَالِ (لَمْ يَنْفُذْ) قَضَاؤُهُ (عَلَى) قَوْلِ (الْأَكْثَرِ) كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْلِيفِ بِهِمَا فَيُعْتَبَرُ نُكُولُهُ وَيُقْضَى بِهِ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ بَحْرٌ، وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ. قُلْت: وَلَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا مَالَ عَلَيْهِ ثُمَّ بَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى الْمَالِ، إنْ شَهِدُوا عَلَى السَّبَبِ كَالْإِقْرَاضِ لَا يُفَرَّقُ، وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى قِيَامِ الدَّيْنِ يُفَرَّقُ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يَسْتَلْزِمُ قِيَامَ الدَّيْنِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى قِيَامِ الْمَالِ لَا يَحْنَثُ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، كَذَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ   [رد المحتار] قَوْلُهُ أَيْ مُسَافِرًا) تَفْسِيرٌ مُرَادٌ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ عَلِمَ) بِأَنْ قَالَ أَخْرُجُ غَدًا مَثَلًا (قَوْلُهُ يَكْفُلُهُ) أَيْ إلَى وَقْتِ سَفَرِهِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَحْلِفَ عِنْدَ غَيْرِ قَاضٍ إلَخْ، لَكِنْ هُنَاكَ الْيَمِينُ مِنْ الْمُدَّعِي وَكَمَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ لَوْ أَقَامَهَا بَعْدَ يَمِينٍ. (قَوْلُهُ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعِي) أَيْ مُدَّعِي الدَّيْنِ. (قَوْلُهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ) أَيْ لِمُدَّعِي الْإِيصَالِ. (قَوْلُهُ فَطَلَبَ يَمِينَهُ) أَيْ يَمِينَ الدَّائِنِ (قَوْلُهُ فَقَالَ الْمُدَّعِي) أَيْ مُدَّعِي الدَّيْنِ. (قَوْلُهُ اجْعَلْ حَقِّي فِي الْخَتْمِ) أَيْ الصَّكِّ، وَمَعْنَاهُ اُكْتُبْ لِي الصَّكَّ بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ اسْتَحْلِفْنِي مَدَنِيٌّ، أَوْ الْمُرَادُ إحْضَارُ نَفْسِ الْحَقِّ فِي شَيْءٍ مَخْتُومٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَفِي حَاشِيَةِ الْفَتَّالِ عَنْ الْفَتَاوَى الْأَنْقِرَوِيَّةِ: يَعْنِي أَحْضِرْ حَقِّي ثُمَّ اسْتَحْلِفْنِي، وَمِثْلُهُ بِخَطٍّ لِلسَّائِحَانِيِّ، وَمِثْلُهُ فِي الْحَامِدِيَّةِ. (قَوْلُهُ أَنَّهُ لَوْ حَلَّفَهُ بِغَيْرِهِ) كَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا) فِيهِ أَنَّ قَوْلَهُمْ فِي التَّغْلِيظِ وَيَجْتَنِبُ الْعَطْفَ كَيْ لَا تَتَكَرَّرَ الْيَمِينُ كَمَا يَأْتِي، وَصَاحِبُ الْبَحْرِ نَفْسُهُ صَرَّحَ بِهِ، وَقَوْلُهُمْ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ: وَالْقَسَمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ كَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ وَالْحَقِّ أَوْ بِصِفَةٍ يُحْلَفُ بِهَا مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى كَعِزَّةِ اللَّهِ وَجَلَالِ اللَّهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَعَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ يَمِينًا اهـ شَيْخُنَا. وَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْمِنَحِ حَيْثُ نَقَلَهُ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ وَكَذَا الشَّارِحُ، ثُمَّ رَأَيْت مِثْلَ مَا قَدَّمْته مَنْقُولًا عَنْ الْمَقْدِسِيَّ وَكَتَبْته فِي هَامِشِ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ) تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا كَانَ جَاهِلًا بِعَدَمِ اعْتِبَارِ نُكُولِهِ فَإِذَا طَلَبَ حَلِفَهُ بِهِ رُبَّمَا يَمْتَنِعُ وَيُقِرُّ بِالْمُدَّعَى دُرَرُ الْبِحَارِ. (قَوْلُهُ وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ) لَكِنَّ عِبَارَةَ ابْنِ الْكَمَالِ: فَإِنْ أَلَحَّ الْخَصْمُ قِيلَ صَحَّ بِهِمَا فِي زَمَانِنَا لَكِنْ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ عَمَّا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا، وَلَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لَا يَنْفُذُ انْتَهَتْ، وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَشَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَائِلَ بِالتَّحْلِيفِ بِهِمَا يَقُولُ إنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَلَكِنْ يُعْرَضُ عَلَيْهِ لَعَلَّهُ يَمْتَنِعُ، فَإِنَّ مَنْ لَهُ أَدْنَى دِيَانَةٍ لَا يَحْلِفُ بِهِمَا كَاذِبًا فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى طَلَاقِ الزَّوْجَةِ وَعِتْقِ الْأَمَةِ أَوْ إمْسَاكِهِمَا بِالْحَرَامِ، بِخِلَافِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُتَسَاهَلُ بِهِ فِي زَمَانِنَا كَثِيرًا تَأَمَّلْ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ عَمَّا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 555 وَقَدْ تَقَدَّمَ. (وَيُغَلَّظُ بِذِكْرِ أَوْصَافِهِ تَعَالَى) وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِفَاسِقٍ وَمَالٍ خَطِيرٍ (وَالِاخْتِيَارُ) فِيهِ وَ (فِي صِفَتِهِ إلَى الْقَاضِي) وَيُجْتَنَبُ الْعَطْفُ كَيْ لَا تَتَكَرَّرَ الْيَمِينُ (فَلَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ وَنَكَلَ عَنْ التَّغْلِيظِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ) أَيْ بِالنُّكُولِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ وَقَدْ حَصَلَ زَيْلَعِيٌّ. (لَا) يُسْتَحَبُّ التَّغْلِيظُ عَلَى الْمُسْلِمِ (بِزَمَانٍ وَ) لَا بِ (مَكَان) كَذَا فِي الْحَاوِي، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ. (وَيُسْتَحْلَفُ الْيَهُودِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَالنَّصْرَانِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى، وَالْمَجُوسِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ) فَيُغَلَّظُ عَلَى كُلٍّ بِمُعْتَقَدِهِ، فَلَوْ اكْتَفَى بِاَللَّهِ كَالْمُسْلِمِ كَفَى اخْتِيَارٌ. (وَالْوَثَنِيُّ بِاَللَّهِ تَعَالَى) لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِهِ وَإِنْ عَبَدَ غَيْرَهُ، وَجَزَمَ ابْنُ الْكَمَالِ بِأَنَّ الدَّهْرِيَّةَ لَا يَعْتَقِدُونَهُ تَعَالَى. قُلْت: وَعَلَيْهِ فَبِمَاذَا يَحْلِفُونَ. وَبَقِيَ تَحْلِيفُ الْأَخْرَسِ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ إنْ كَانَ كَذَا وَكَذَا فَإِذَا أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ صَارَ حَالِفًا، وَلَوْ أَصَمَّ أَيْضًا كَتَبَ لَهُ لِيُجِيبَ بِخَطِّهِ إنْ عَرَفَهُ وَإِلَّا فَبِإِشَارَتِهِ، وَلَوْ أَعْمَى أَيْضًا فَأَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ مَنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ. (وَلَا يَحْلِفُونَ فِي بُيُوتِ عِبَادَاتِهِمْ) لِكَرَاهَةِ دُخُولِهَا بَحْرٌ. (وَيُحَلِّفُ الْقَاضِي) فِي دَعْوَى سَبَبٍ يَرْتَفِعُ (عَلَى الْحَاصِلِ) أَيْ عَلَى صُورَةِ إنْكَارِ الْمُنْكِرِ، وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ (أَيْ بِاَللَّهِ   [رد المحتار] أَقُولُ: فَكَيْفَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَكْلِيفُهُ الْإِتْيَانَ بِمَا هُوَ مَنْهِيٌّ شَرْعًا وَلَعَلَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ يَقُولُ النَّهْيُ عَنْهُ تَنْزِيهِيٌّ سَعْدِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ) أَيْ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلَا تَحْلِيفَ فِي طَلَاقٍ وَرَجْعَةٍ إلَخْ. (قَوْلُهُ وَيُغَلِّظُ إلَخْ) أَيْ يُؤَكِّدُ الْيَمِينَ بِذِكْرِ أَوْصَافِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ مَا لِفُلَانٍ هَذَا عَلَيْك وَلَا قِبَلَك هَذَا الْمَالُ الَّذِي ادَّعَاهُ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ لِأَنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ شَتَّى، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْتَنِعُ عَنْ الْيَمِينِ بِالتَّغْلِيظِ وَيَحْتَالُ عِنْدَ عَدَمِهِ فَيُغَلَّظُ عَلَيْهِ لَعَلَّهُ يَمْتَنِعُ بِذَلِكَ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ زَيْلَعِيٌّ) عِبَارَتُهُ: وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْعَطْفِ فَأَتَى بِوَاحِدَةٍ وَنَكَلَ عَنْ الْبَاقِي لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ أَتَى بِهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَا يَجُوزُ التَّغْلِيظُ بِالْمَكَانِ. (قَوْلُهُ فَيُغَلِّظُ عَلَى كُلٍّ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ. فَإِنْ قُلْت: إذَا حَلَفَ الْكَافِرُ بِاَللَّهِ فَقَطْ وَنَكَلَ عَمَّا ذُكِرَ هَلْ يَكْفِيهِ أَمْ لَا؟ قُلْت: لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا، وَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ إنَّهُ يُغَلَّظُ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّغْلِيظِ فَيَكْتَفِي بِاَللَّهِ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ عَنْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ اهـ. (قَوْلُهُ صَارَ حَالِفًا) وَلَا يَقُولُ بِاَللَّهِ إنَّهُ كَانَ كَذَا لِأَنَّهُ إذَا قَالَ نَعَمْ يَكُونُ إقْرَارًا لَا يَمِينًا كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ س (قَوْلُهُ أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ مَنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي) وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ: الْحَلِفُ لَا يَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ أَبُو السُّعُودِ. (قَوْلُهُ وَيُحَلِّفُ الْقَاضِي إلَخْ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: النَّوْعُ الثَّالِثُ فِي مَوَاضِعِ التَّحْلِيفِ عَلَى الْحَاصِلِ وَالتَّحْلِيفُ عَلَى السَّبَبِ جَمْعٌ. ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ: إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي دَيْنًا أَوْ مِلْكًا فِي عَيْنٍ أَوْ حَقًّا فِي عَيْنٍ، وَكُلٌّ مِنْهَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ مُطْلَقًا أَوْ بِنَاءً عَلَى سَبَبٍ، فَلَوْ ادَّعَى دَيْنًا وَلَمْ يَذْكُرْ سَبَبَهُ يُحَلَّفُ عَلَى الْحَاصِلِ مَا لَهُ قِبَلَك مَا ادَّعَاهُ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى مِلْكًا فِي عَيْنٍ حَاضِرٍ أَوْ حَقًّا فِي عَيْنٍ حَاضِرٍ ادَّعَاهُ مُطْلَقًا وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ سَبَبًا يُحَلَّفُ عَلَى الْحَاصِلِ مَا هَذَا لِفُلَانٍ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ، وَلَوْ ادَّعَاهُ بِنَاءً عَلَى سَبَبٍ بِأَنْ ادَّعَى دَيْنًا بِسَبَبِ قَرْضٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ ادَّعَى مِلْكًا بِسَبَبِ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ ادَّعَى غَصْبًا أَوْ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً يُحَلَّفُ عَلَى الْحَاصِلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا عَلَى السَّبَبِ بِاَللَّهِ مَا اسْتَقْرَضْت مَا غَصَبْت مَا أَوْدَعَك مَا شَرِبْت مِنْهُ كَافِي. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُحَلَّفُ عَلَى السَّبَبِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا عِنْدَ تَعْرِيضِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ أَيُّهَا الْقَاضِي قَدْ يَبِيعُ الْإِنْسَانُ شَيْئًا ثُمَّ يُقْبَلُ فَحِينَئِذٍ يُحَلِّفُ الْقَاضِي عَلَى الْحَاصِلِ مِنَحٌ. وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ رِوَايَةً أُخْرَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ أَنْكَرَ السَّبَبَ يُحَلَّفُ عَلَى السَّبَبِ وَلَوْ قَالَ مَا عَلَيَّ مَا يَدَّعِيهِ يُحَلَّفُ عَلَى الْحَاصِلِ قَاضِي خَانْ وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَقَاوِيلِ عِنْدِي وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْقُضَاةِ، بِقَوْلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 556 مَا بَيْنَكُمَا نِكَاحٌ قَائِمٌ وَ) مَا بَيْنَكُمَا (بَيْعٌ قَائِمٌ وَمَا يَجِبُ عَلَيْك رَدُّهُ) لَوْ قَائِمًا أَوْ بَدَلِهِ لَوْ هَالِكًا (وَمَا هِيَ بَائِنٌ مِنْك) وَقَوْلُهُ (الْآنَ) مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمِيعِ مِسْكِينٌ (فِي دَعْوَى نِكَاحٍ وَبَيْعٍ وَغَصْبٍ وَطَلَاقٍ) فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ لَا عَلَى السَّبَبِ أَيْ بِاَللَّهِ مَا نَكَحْت وَمَا بِعْت خِلَافًا لِلثَّانِي نَظَرًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ طَلَاقِهِ وَإِقَالَتِهِ (إلَّا إذَا لَزِمَ) مِنْ الْحَلِفِ عَلَى الْحَاصِلِ (تَرْكُ النَّظَرِ لِلْمُدَّعِي فَيَحْلِفُ) بِالْإِجْمَاعِ (عَلَى السَّبَبِ) أَيْ عَلَى صُورَةِ دَعْوَى الْمُدَّعِي (كَدَعْوَى شُفْعَةٍ بِالْجِوَارِ وَنَفَقَةٍ مَبْتُوتَةٍ وَالْخَصْمُ لَا يَرَاهُمَا) لِكَوْنِهِ شَافِعِيًّا لِصِدْقِ حَلِفِهِ عَلَى الْحَاصِلِ فِي مُعْتَقَدِهِ فَيَتَضَرَّرُ الْمُدَّعِي. قُلْت: وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمَذْهَبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَذْهَبُ الْمُدَّعِي   [رد المحتار] الْحَقِيرِ: وَكَذَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ اهـ (قَوْلُهُ مَا بَيْنَكُمَا نِكَاحٌ قَائِمٌ) إدْخَالُ النِّكَاحِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي يُحَلَّفُ فِيهَا عَلَى الْحَاصِلِ عِنْدَهُمَا غَفْلَةٌ مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالشَّارِحِينَ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَقُولُ بِالتَّحْلِيفِ فِي النِّكَاحِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْإِمَامَ فَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِهِ كَتَفْرِيعِهِ فِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا بَحْرٌ. وَنُقِلَ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَعَ النِّكَاحِ دَعْوَى الْمَالِ. (قَوْلُهُ بَيْعٌ قَائِمٌ) هَذَا، وَالْحَقُّ مَا فِي الْخِزَانَةِ مِنْ التَّفْصِيلِ. قَالَ الْمُشْتَرِي: إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ فَإِنْ ذَكَرَ نَقْدَ الثَّمَنِ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا هَذَا الْعَبْدُ مِلْكُ الْمُدَّعِي وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ بِالسَّبَبِ الَّذِي ادَّعَى وَلَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْته، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُشْتَرِي نَقْدَ الثَّمَنِ يُقَالُ لَهُ أَحْضِرْ الثَّمَنَ، فَإِذَا أَحْضَرَهُ اسْتَحْلَفَهُ بِاَللَّهِ مَا يَمْلِكُ قَبْضَ هَذَا الثَّمَنِ وَتَسْلِيمَ هَذَا الْعَبْدِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ادَّعَى، وَإِنْ شَاءَ حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَك وَبَيْنَ هَذَا شِرَاءٌ قَائِمٌ السَّاعَةَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ مَعَ نَقْدِ الثَّمَنِ دَعْوَى الْمَبِيعِ مِلْكًا مُطْلَقًا وَلَيْسَتْ بِدَعْوَى الْعَقْدِ وَلِهَذَا تَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الثَّمَنِ مَعْنًى، وَلَيْسَتْ بِدَعْوَى الْعَقْدِ وَلِهَذَا تَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الْمَبِيعِ فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ الثَّمَنِ اهـ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ لَوْ قَائِمًا إلَخْ) زَادَهُ لِمَا فِي الْبَحْرِ، وَفِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَمَا يَجِبُ عَلَيْك رَدُّهُ قُصُورٌ، وَالصَّوَابُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ: وَمَا يَجِبُ عَلَيْك رَدُّهُ وَلَا مِثْلِهِ وَلَا بَدَلِهِ وَلَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ اهـ وَكَذَا فِي قَوْلِهِ وَمَا هِيَ بَائِنٌ مِنْك الْآنَ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالْبَائِنِ. وَأَمَّا الرَّجْعِيُّ فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا هِيَ طَالِقٌ فِي النِّكَاحِ الَّذِي بَيْنَكُمَا. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا فِي النِّكَاحِ الَّذِي بَيْنَكُمَا اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هُنَا جُمْلَةً مِمَّا يُحَلَّفُ فِيهِ عَلَى الْحَاصِلِ فَرَاجِعْهُ وَقَالَ بَعْدَهَا: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ تَكَرَّرَ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ صُوَرِ التَّحْلِيفِ تَكْرَارٌ لَا فِي لَفْظِ الْيَمِينِ خُصُوصًا فِي تَحْلِيفِ مُدَّعِي دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنَّهَا تَصِلُ إلَى خَمْسَةٍ، وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ إلَى أَرْبَعَةٍ مَعَ قَوْلِهِمْ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ إنَّ الْيَمِينَ تَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِ حَرْفِ الْعَطْفِ مَعَ قَوْلِهِ لَا كَقَوْلِهِ لَا آكُلُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا، وَمَعَ قَوْلِهِمْ هُنَا فِي تَغْلِيظِ الْيَمِينِ يَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْعَطْفِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا عَطَفَ صَارَتْ أَيْمَانًا، وَلَمْ أَرَ عَنْهُ جَوَابًا بَلْ وَلَا مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَقُولُ إذَا تَأَمَّلَ الْمُتَأَمِّلُ وَحَّدَ التَّكْرَارَ لِتَكْرَارِ الْمُدَّعِي فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ يَعْنِي أَنَّ الْمُدَّعِيَ وَإِنْ ادَّعَى شَيْئًا وَاحِدًا فِي اللَّفْظِ لَكِنَّهُ مُدَّعٍ لِأَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةٍ ضِمْنًا فَيَحْلِفُ الْخَصْمُ عَلَيْهَا احْتِيَاطًا (قَوْلُهُ نَظَرًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ لَا عَلَى السَّبَبِ. (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ شَافِعِيًّا) لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يُحَلِّفُ عَلَى الْحَاصِلِ مُعْتَقِدًا مَذْهَبَهُ أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةً وَلَا شُفْعَةً فَيُضَيِّعُ النَّفْعَ فَإِذَا حَلَفَ أَنَّهُ مَا أَبَانَهَا وَاشْتَرَى ظَهَرَ النَّفْعُ وَرِعَايَةُ جَانِبِ الْمُدَّعِي أَوْلَى، لِأَنَّ السَّبَبَ إذَا ثَبَتَ ثَبَتَ الْحَقُّ وَاحْتِمَالُ سُقُوطِهِ بِعَارِضٍ مُتَوَهَّمٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ حَتَّى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 557 فَفِيهِ خِلَافٌ، وَالْأَوْجَهُ أَنْ يَسْأَلَهُ الْقَاضِي هَلْ تَعْتَقِدُ وُجُوبَ شُفْعَةِ الْجِوَارِ أَوْ لَا، وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ. (وَكَذَا) أَيْ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ إجْمَاعًا (فِي سَبَبٍ لَا يَرْتَفِعُ) بِرَافِعٍ بَعْدَ ثُبُوتِهِ (كَعَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدَّعِي) عَلَى مَوْلَاهُ (عِتْقَهُ) لِعَدَمِ تَكَرُّرِ رِقِّهِ (وَ) أَمَّا (فِي الْأَمَةِ) وَلَوْ مُسْلِمَةً (وَالْعَبْدِ الْكَافِرِ) فَلِتَكَرُّرِ رَقِّهِمَا بِاللَّحَاقِ حَلَفَ مَوْلَاهُمَا (عَلَى الْحَاصِلِ) وَالْحَاصِلُ اعْتِبَارُ الْحَاصِلِ إلَّا لِضَرَرِ مُدَّعٍ وَسَبَبٍ غَيْرِ مُتَكَرِّرٍ. (وَصَحَّ فِدَاءُ الْيَمِينِ وَالصُّلْحِ مِنْهُ) لِحَدِيثِ «ذُبُّوا عَنْ أَعْرَاضِكُمْ بِأَمْوَالِكُمْ» وَقَالَ الشَّهِيدُ: الِاحْتِرَازُ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ وَاجِبٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: أَيْ ثَابِتٌ بِدَلِيلِ جَوَازِ الْحَلِفِ صَادِقًا. (وَلَا يَحْلِفُ) الْمُنْكِرُ (بَعْدَهُ) أَبَدًا لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ (وَ) قَيَّدَ بِالْفِدَاءِ أَوْ الصُّلْحِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ (لَوْ أَسْقَطَهُ) أَيْ الْيَمِينَ (قَصْدًا بِأَنْ قَالَ بَرِئْت مِنْ الْحَلِفِ أَوْ تَرَكْته عَلَيْهِ أَوْ وَهَبْته لَا يَصِحُّ وَلَهُ التَّحْلِيفُ) بِخِلَافِ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَالِ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ لِلْحَاكِمِ بَزَّازِيَّةٌ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى يَمِينَهُ لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ رُكْنِ الْبَيْعِ دُرَرٌ. . [فَرْعٌ] اسْتَحْلَفَ خَصْمَهُ فَقَالَ حَلَّفْتنِي مَرَّةً، إنَّ عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ مُحَكَّمٍ وَبَرْهَنَ قُبِلَ وَإِلَّا فَلَهُ تَحْلِيفُهُ دُرَرٌ. قُلْت: وَلَمْ أَرَ مَا لَوْ قَالَ: إنِّي قَدْ حَلَفْت بِالطَّلَاقِ إنِّي لَا أَحْلِفُ فَيُحَرَّرُ.   [رد المحتار] يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْعَارِضِ اهـ (قَوْلُهُ فَفِيهِ خِلَافٌ) قِيلَ لَا اعْتِبَارَ بِهِ وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ لِمَذْهَبِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يَسْأَلَهُ) أَيْ يَسْأَلَ الْمُدَّعِي. (قَوْلُهُ وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ تَبَعًا لِلْبَحْرِ، وَانْظُرْ هَلْ يَجْرِي ذَلِكَ فِي قُضَاةِ زَمَانِنَا الْمَأْمُورِينَ بِالْحُكْمِ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ. (قَوْلُهُ وَالصُّلْحُ مِنْهُ) أَيْ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّانِيَ بِأَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعَى، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ يَكُونُ بِمِثْلِهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ ح. (قَوْلُهُ وَلَا يَحْلِفُ) ضَبَطَهَا الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِتَشْدِيدِ اللَّامِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ) أَيْ حَقَّهُ فِي الْخُصُومَةِ، وَاَلَّذِي فِي الْبَحْرِ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ خُصُومَتَهُ بِأَخْذِ الْمَالِ مِنْهُ مَدَنِيٌّ. (قَوْلُهُ وَبَرْهَنَ قُبِلَ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ أَرَادَ الْقَاضِي تَحْلِيفَهُ إنَّهُ حَلَّفَنِي عَلَى هَذَا الْمَالِ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ أَوْ أَبْرَأَنِي عَنْهُ إنْ بَرْهَنَ قُبِلَ وَانْدَفَعَ عَنْهُ الدَّعْوَى وَإِلَّا قَالَ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ: انْقَلَبَ الْمُدَّعِي مُدَّعًى عَلَيْهِ، فَإِنْ نَكَلَ انْدَفَعَ الدَّعْوَى وَإِنْ حَلَفَ لَزِمَ الْمَالُ لِأَنَّ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ عَنْ الْمَالِ إقْرَارٌ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ اهـ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَإِلَّا فَلَهُ تَحْلِيفُهُ: أَيْ وَإِلَّا يُبَرْهِنُ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ: أَيْ تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَاسْتَحْلَفَهُ أَيْ أَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعِي جَازَ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَهُ تَحْلِيفُهُ) أَيْ تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي. قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: أَرَادَ تَحْلِيفَهُ فَبَرْهَنَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ حَلَّفَنِي عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضِي كَذَا يُقْبَلُ، وَلَوْلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ يَدَّعِي بَقَاءَ حَقِّهِ فِي الْيَمِينِ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَبْرَأَنِي عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى لَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُهُ إنْ لَمْ يُبَرْهِنْ إذْ الْمُدَّعِي بِدَعْوَاهُ اسْتَحَقَّ الْجَوَابَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَالْجَوَابُ إمَّا إقْرَارٌ أَوْ إنْكَارٌ، وَقَوْلُهُ أَبْرَأَنِي إلَخْ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ وَلَا إنْكَارٍ فَلَا يُسْمَعُ وَيُقَالُ لَهُ أَجِبْ خَصْمَك ثُمَّ ادَّعِ مَا شِئْت، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَبْرَأَنِي عَنْ هَذَا الْأَلْفِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ، إذْ دَعْوَى الْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَالِ إقْرَارٌ بِوُجُوبِهِ وَالْإِقْرَارُ جَوَابٌ وَدَعْوَى الْإِبْرَاءِ مُسْقِطٌ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الصَّوَابُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى دَعْوَى الْبَرَاءَةِ كَمَا يَحْلِفُ عَلَى دَعْوَى التَّحْلِيفِ وَإِلَيْهِ مَالَ مِنَحٌ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ قُضَاةِ زَمَانِنَا اهـ. وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَاسْتَحْلَفَهُ: أَيْ أَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعِي جَازَ انْتَهَتْ، وَبِهِ عُلِمَ مَا فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ مِنْ الْإِيهَامِ فَتَنَبَّهْ. (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ إلَخْ) وَجَدْت فِي هَامِشِ نُسْخَةِ شَيْخِنَا بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مَا نَصُّهَا: قَدْ رَأَيْتهَا فِي أَوَاخِرِ الْقَضَاءِ قُبَيْلَ كِتَابِ الشَّهَادَةِ مِنْ فَتَاوَى الْكَرْنِيشِيِّ مَعْزِيًّا لِأَوَّلِ قَضَاءِ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى. وَعِبَارَتُهُ: رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ دَعْوَى وَتَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَلَمَّا عَرَضَ الْقَاضِي الْيَمِينَ عَلَيْهِ قَالَ: إنِّي حَلَفْت بِالطَّلَاقِ أَنِّي لَا أَحْلِفُ أَبَدًا وَالْآنَ لَا أَحْلِفُ حَتَّى لَا يَقَعَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ الْيَمِينَ ثَلَاثًا ثُمَّ يَحْكُمُ بِالنُّكُولِ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْيَمِينُ بِهَذَا الْيَمِينِ اهـ. (قَوْلُهُ فَيُحَرَّرُ) أَقُولُ سَبَقَ عَنْ الْعِنَايَةِ أَنَّ الْقَاضِي لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِأَحَدِهِمَا فِي الِاسْتِحْلَافِ عَلَى الْحَاصِلِ أَوْ عَلَى السَّبَبِ، فَمُرَاعَاةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 558 بَابُ التَّحَالُفِ لَمَّا قَدَّمَ يَمِينَ الْوَاحِدِ ذَكَرَ يَمِينَ الِاثْنَيْنِ (اخْتَلَفَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ (فِي قَدْرِ ثَمَنٍ) أَوْ وَصْفِهِ أَوْ جِنْسِهِ (أَوْ) فِي قَدْرِ (مَبِيعٍ حُكِمَ لِمَنْ بَرْهَنَ) لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ (وَإِنْ بَرْهَنَ فَلِمُثْبِتِ الزِّيَادَةِ) إذْ الْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِمَا) أَيْ الثَّمَنُ وَالْمَبِيعُ جَمِيعًا (قُدِّمَ بُرْهَانُ الْبَائِعِ لَوْ) الِاخْتِلَافُ (فِي الثَّمَنِ وَبُرْهَانُ الْمُشْتَرِي لَوْ فِي الْمَبِيعِ) نَظَرًا لِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ (وَإِنْ عَجَزَا) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ عَنْ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ رَضِيَ كُلٌّ بِمَقَالَةِ الْآخَرِ فِيهَا (وَ) إنْ (لَمْ يَرْضَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِدَعْوَى الْآخَرِ تَحَالَفَا) مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارٌ فَيَفْسَخُ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ (وَبُدِئَ بِ) يَمِينِ (الْمُشْتَرِي) لِأَنَّهُ الْبَادِئُ بِالْإِنْكَارِ، وَهَذَا (لَوْ) كَانَ (بِيعَ عَيْنٌ بِدَيْنٍ وَإِلَّا)   [رد المحتار] جَانِبِ الْمُدَّعِي أَوْلَى، فَعَلَى هَذَا لَا يُعْذَرُ بِدَعْوَاهُ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَلْحَقَ الضَّرَرَ بِنَفْسِهِ بِإِقْدَامِهِ عَلَى الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ اهـ أَبُو السُّعُودِ. أَقُولُ: وَأَيْضًا لَوْ كَانَ ذَلِكَ حُجَّةً صَحِيحَةً لَتَحَيَّلَ لَهُ كُلُّ مَنْ تُوَجَّهُ عَلَيْهِ يَمِينٌ فَيَلْزَمُ مِنْهُ ضَيَاعُ حَقِّ الْمُدَّعِي وَمُخَالَفَةُ نَصِّ الْحَدِيثِ «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَتَدَبَّرْ. [بَابُ التَّحَالُفِ] ِ (قَوْلُهُ أَوْ وَصْفِهِ) كَالْبُخَارِيِّ وَالْبَغْدَادِيِّ. (قَوْلُهُ أَوْ جِنْسِهِ) كَدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ. (قَوْلُهُ أَوْ فِي قَدْرِ مَبِيعٍ) فَلَوْ فِي وَصْفِهِ فَلَا تَحَالُفَ، وَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ وَالِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ) أَقُولُ: فِي زِيَادَةٍ لَوْ هُنَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ خَلَلٌ. وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ: وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ جَمِيعًا فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ أَوْلَى وَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ أَوْلَى نَظَرًا إلَى زِيَادَةِ الْإِثْبَاتِ قَالَهُ شَيْخُ وَالِدِي الْمُفْتِي مُحَمَّدٍ تَاجِ الدِّينِ الْمَدَنِيِّ (قَوْل لَهُ فَإِنْ رَضِيَ إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَا تَشْمَلُ إلَّا صُورَةَ الِاخْتِلَافِ فِيهِمَا، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ: فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ أَيْ بِأَنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي أَوْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِالْبَيْعِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْبَائِعُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ رَضِيَ كُلٌّ بِقَوْلِ الْآخَرِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِيهِمَا. وَقَالَ الْحَلَبِيُّ: الْعِبَارَةُ فَاسِدَةٌ وَالصَّوَابُ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ. (قَوْلُهُ فَيَفْسَخُ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ بِعَجْزِهَا إلَى أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ فِيهِ خِيَارٌ لِأَحَدِهِمَا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ رُؤْيَةٍ أَوْ خِيَارُ عَيْبٍ أَوْ خِيَارُ شَرْطٍ لَا يَتَحَالَفَانِ اهـ وَالْبَائِعُ كَالْمُشْتَرِي، فَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْفَسْخِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّحَالُفِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّ الْبَائِعَ إذَا كَانَ يَدَّعِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ وَأَنْكَرَهَا الْمُشْتَرِي فَإِنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ التَّحَالُفَ، وَأَمَّا خِيَارُ الْبَائِعِ فَلَا، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَدَّعِي زِيَادَةَ الْمَبِيعِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُهَا فَإِنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ، وَأَمَّا خِيَارُ الْمُشْتَرِي فَلَا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي تَخْرِيجًا لَا نَقْلًا اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَسْخِ دَائِمًا فَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ الْإِطْلَاقِ. (قَوْلُهُ وَبُدِئَ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي) أَيْ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ كَمَا فِي شَرْحِ ابْنِ الْكَمَالِ: وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ الْبَادِئُ بِالْإِنْكَارِ. قَالَ السَّائِحَانِيُّ: هَذَا ظَاهِرٌ فِي التَّحَالُفِ فِي الثَّمَنِ، أَمَّا فِي الْمَبِيعِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الثَّمَنِ فَلَا يَظْهَرُ لِأَنَّ الْبَائِعَ هُوَ الْمُنْكِرُ فَالظَّاهِرُ الْبُدَاءَةُ بِهِ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا سَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ بُدِئَ بِيَمِينِ الْمُؤَجِّرِ وَإِلَى ذَلِكَ أَوْمَأَ الْقُهُسْتَانِيُّ اهـ وَبَحَثَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 559 بِأَنْ كَانَ مُقَايَضَةً أَوْ صَرْفًا (فَهُوَ مُخَيَّرٌ) وَقِيلَ يُقْرَعُ ابْنُ مَلَكٍ، وَيَقْتَصِرُ عَلَى النَّفْيِ فِي الْأَصَحِّ. (وَفَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا) أَوْ بِطَلَبِهَا، وَلَا يَنْفَسِخُ بِالتَّحَالُفِ وَلَا بِفَسْخِ أَحَدِهِمَا بَلْ بِفَسْخِهِمَا بَحْرٌ. (وَمَنْ نَكَلَ) مِنْهُمَا (لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ) بِالْقَضَاءِ، وَأَصْلُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» : وَهَذَا كُلُّهُ لَوْ الِاخْتِلَافُ فِي الْبَدَلِ مَقْصُودًا، فَلَوْ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي الزِّقِّ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي فِي أَنَّهُ الزِّقُّ وَلَا تَحَالُفَ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي وَصْفِ الْمَبِيعِ كَقَوْلِهِ اشْتَرَيْته عَلَى أَنَّهُ كَاتِبٌ أَوْ خَبَّازٌ وَقَالَ الْبَائِعُ لَمْ أَشْتَرِطْ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ وَلَا تَحَالُفَ ظَهِيرِيَّةٌ (وَ) قَيَّدَ بِاخْتِلَافِهِمَا فِي ثَمَنٍ وَمَبِيعٍ لِأَنَّهُ (لَا تَحَالُفَ فِي غَيْرِهِمَا) لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلُّ بِهِ قِوَامُ الْعَقْدِ نَحْوُ (أَجَلٍ وَشَرْطٍ) رَهْنٍ أَوْ خِيَارٍ أَوْ ضَمَانٍ (وَقَبْضِ بَعْضِ ثَمَنٍ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ) بِيَمِينِهِ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يَتَحَالَفَانِ. (وَلَا) تَحَالُفَ إذَا اخْتَلَفَا   [رد المحتار] مِثْلَ هَذَا الْبَحْثِ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ. (قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ مُقَايَضَةً) أَيْ سِلْعَةً بِسِلْعَةٍ. (قَوْلُهُ أَوْ صَرْفًا) أَيْ ثَمَنًا بِثَمَنٍ. (قَوْلُهُ وَيَقْتَصِرُ عَلَى النَّفْيِ) بِأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ وَاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَالْمُشْتَرِي وَاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ. (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَفِي الزِّيَادَاتِ: يَحْلِفُ الْبَائِعُ وَاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَلَقَدْ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ وَلَقَدْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ س. (قَوْلُهُ بَلْ بِفَسْخِهِمَا) ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ أَنَّهُمَا لَوْ فَسَخَاهُ انْفَسَخَ بِلَا وَقْفٍ عَلَى الْقَاضِي وَأَنَّ فَسْخَ أَحَدِهِمَا لَا يَكْفِي وَإِنْ اكْتَفَى بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا بَحْرٌ، وَذَكَرَ فَائِدَةَ عَدَمِ فَسْخِهِ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ جَارِيَةً فَلِلْمُشْتَرِي وَطْؤُهَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا هَلَكَتْ وَسَيَأْتِي مَتْنًا. (قَوْلُهُ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي الزِّقِّ) هُوَ الظَّرْفُ إذَا أَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنَّ هَذَا زِقُّهُ، وَصُورَتُهُ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ: أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ مِنْ آخَرَ سَمْنًا فِي زِقٍّ وَزْنُهُ مِائَةُ رِطْلٍ ثُمَّ جَاءَ بِالزِّقِّ فَارِغًا لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَوَزْنُهُ عِشْرُونَ فَقَالَ الْبَائِعُ لَيْسَ هَذَا زِقِّي وَقَالَ الْمُشْتَرِي هُوَ زِقُّك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ رِطْلٍ ثَمَنًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ، فَجَعَلَ هَذَا اخْتِلَافًا فِي الْمَقْبُوضِ، وَفِيهِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ إنْ كَانَ فِي ضِمْنِهِ اخْتِلَافٌ فِي الثَّمَنِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي إيجَابِ التَّحَالُفِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ وَقَعَ مُقْتَضَى اخْتِلَافِهِمَا فِي الزِّقِّ اهـ (قَوْلُهُ نَحْوُ أَجَلٍ) ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هُنَا مَسْأَلَةً عَجِيبَةً فَلْتُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ نَحْوُ أَجَلٍ وَشَرْطٍ) لِأَنَّهُمَا يَثْبُتَانِ بِعَارِضِ الشَّرْطِ وَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الْعَوَارِضِ، فَقَدْ جَزَمُوا هُنَا بِأَنَّ الْقَوْلَ لِمُنْكِرِ الْخِيَارِ كَمَا عَلِمْت. وَذَكَرُوا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فِيهِ قَوْلَيْنِ قَدَّمْنَاهُمَا فِي بَابِهِ وَالْمَذْهَبُ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا بَحْرٌ. أَطْلَقَ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَجَلِ فَشَمِلَ الِاخْتِلَافَ فِي أَصْلِهِ وَقَدْرِهِ فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الزَّائِدِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ فِي السَّلَمِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِهِ. وَخَرَجَ الِاخْتِلَافُ فِي مُضِيِّهِ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَهُوَ مُنْكِرٌ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ بَحْرٌ. وَفِيهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَجَلِ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَجَلِ السَّلَمِ بِأَنْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا وَنَفَاهُ الْآخَرُ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهِ لِمُدَّعِيهِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ فِيهِ شَرْطٌ وَتَرْكُهُ فِيهِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ وَإِقْدَامُهُمَا عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فِيهِ فَكَانَ الْقَوْلُ لَنَا فِيهِ. (قَوْلُهُ وَشَرْطِ رَهْنٍ) أَيْ بِالثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي ط. (قَوْلُهُ أَوْ ضَمَانٍ) أَيْ اشْتِرَاطُ كَفِيلٍ (قَوْلُهُ وَقَبْضِ بَعْضِ ثَمَنٍ) أَوْ حَطِّ الْبَعْضِ أَوْ إبْرَاءِ الْكُلِّ بَحْرٌ وَالتَّقْيِيدُ بِهِ اتِّفَاقِيٌّ، إذْ الِاخْتِلَافُ فِي قَبْضِ كُلِّهِ كَذَلِكَ وَهُوَ قَبُولُ قَوْلِ الْبَائِعِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَفْرُوغٌ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الدَّعَاوَى كَذَا فِي النِّهَايَةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَبِهِ فَأَشْبَهَ الِاخْتِلَافَ فِي الْحَطِّ وَالْإِبْرَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ بِانْعِدَامِهِ لَا يَخْتَلُّ مَا بِهِ قِوَامُ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ أَوْ جِنْسِهِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَوْلِ فِي جَرَيَانِ التَّحَالُفِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الثَّمَنِ فَإِنَّ الثَّمَنَ دَيْنٌ وَهُوَ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ وَلَا كَذَلِكَ الْأَجَلُ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ مَوْجُودٌ بَعْدَ مُضِيِّهِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ إذَا اخْتَلَفَا) أَيْ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ مِعْرَاجٌ وَمِثْلُهُ فِي مَتْنِ الْمَجْمَعِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 560 (بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ) أَوْ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ تَعَيُّبِهِ بِمَا لَا يُرَدُّ بِهِ (وَحَلَفَ الْمُشْتَرِي) إلَّا إذَا اسْتَهْلَكَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ غَيْرُ الْمُشْتَرِي. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ وَهَذَا لَوْ الثَّمَنُ دَيْنًا، فَلَوْ مُقَابَضَةً تَحَالَفَا إجْمَاعًا لِأَنَّ الْمَبِيعَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَيُرَدُّ مِثْلُ الْهَالِكِ أَوْ قِيمَتُهُ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمُ وَالْآخَرُ دَنَانِيرُ تَحَالَفَا وَلَزِمَ الْمُشْتَرِيَ رَدُّ الْقِيمَةِ سِرَاجٌ. (وَلَا) تَحَالُفَ (بَعْدَ هَلَاكِ بَعْضِهِ) أَوْ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ كَعَبْدَيْنِ مَاتَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِهِمَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِتَرْكِ حِصَّةِ الْهَالِكِ) أَصْلًا فَحِينَئِذٍ يَتَحَالَفَانِ، هَذَا عَلَى تَخْرِيجِ الْجُمْهُورِ، وَصَرَفَ مَشَايِخُ بَلْخٍ الِاسْتِثْنَاءَ إلَى يَمِينِ الْمُشْتَرِي (وَلَا فِي) قَدْرِ (بَدَلِ كِتَابَةٍ) لِعَدَمِ لُزُومِهَا (وَ) قَدْرِ (رَأْسِ مَالٍ بَعْدَ إقَالَةٍ)   [رد المحتار] (قَوْلُهُ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ) أَفَادَ أَنَّهُ فِي الْأَجَلِ وَمَا بَعْدَهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الِاخْتِلَافِ بَعْدَ الْهَلَاكِ أَوْ قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ الْمَبِيعِ) أَيْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي إذْ قَبْلَ قَبْضِهِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ أَوْ تَعَيُّبِهِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْهَلَاكِ لِأَنَّهُ مِنْهُ تَأَمَّلْ. ثُمَّ إنَّ عِبَارَتِهِمْ هَكَذَا أَوْ صَارَ بِحَالٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ بِالْعَيْبِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: بِأَنْ زَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً اهـ أَيْ زِيَادَةً مِنْ الذَّاتِ كَسِمَنٍ وَوَلَدٍ وَعُقْرٍ. قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: وَلَوْ لَمْ تَنْشَأْ مِنْ الذَّاتِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ حَيْثُ السِّعْرِ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ يَتَحَالَفَانِ اتِّفَاقًا وَيَكُونُ الْكَسْبُ لِلْمُشْتَرِي اتِّفَاقًا اهـ ثُمَّ إنَّ الشَّارِحَ تَبِعَ الدُّرَرَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا قَالُوهُ أَوْلَى لِمَا عَلِمْت مِنْ شُمُولِهِ الْعَيْبَ وَغَيْرَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ غَيْرُ الْمُشْتَرِي) فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ لِقِيَامِ الْقِيمَةِ مَقَامَ الْعَيْنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ س. (قَوْلُهُ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ) إنْ قِيَمِيًّا وَمِثْلِهِ إنْ مِثْلِيًّا خَيْرُ الدِّينِ س (قَوْلُهُ تَحَالَفَا إجْمَاعًا) وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِ الْبَدَلِ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا إنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ عَيْنًا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ كَانَ عَيْنًا وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ دَيْنًا لَا يَتَحَالَفَانِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ فَكَانَ قَائِمًا بِبَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَرُدُّهُ بَحْرٌ: أَيْ يَرُدُّ الْقَائِمَ. (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا) وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ كَالِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ هِيَ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ هَالِكًا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ تَحَالَفَا) لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى ثَمَنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّحَالُفِ لِلْفَسْخِ. (قَوْلُهُ بَعْدَ هَلَاكِ بَعْضِهِ) أَيْ هَلَاكِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي) قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ. (قَوْلُهُ بَعْدَ قَبْضِهِمَا) فَلَوْ قَبْلَهُ يَتَحَالَفَانِ فِي مَوْتِهِمَا وَمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَفِي الزِّيَادَةِ لِوُجُودِ الْإِنْكَارِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كِفَايَةٌ. (قَوْلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ التَّحَالُفَ مَشْرُوطٌ بَعْدَ الْقَبْضِ بِقِيَامِ السِّلْعَةِ وَهِيَ اسْمٌ لِجَمِيعِ الْمَبِيعِ فَإِذَا هَلَكَ بَعْضُهُ انْعَدَمَ الشَّرْطُ، وَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَهُ لِإِنْكَارِهِ الزَّائِدَ غُرَرُ الْأَفْكَارِ. (قَوْلُهُ أَصْلًا) أَيْ لَا يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ قِيمَةِ الْهَالِكِ شَيْئًا أَصْلًا وَيَجْعَلُ الْهَالِكَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَكَانَ الْعَقْدُ عَلَى الْقَائِمِ فَحِينَئِذٍ يَتَحَالَفَانِ فِي ثَمَنِهِ وَبِنُكُولِ أَيِّهِمَا لَزِمَ دَعْوَى الْآخَرِ غُرَرُ الْأَفْكَارِ. (قَوْلُهُ يَتَحَالَفَانِ) أَيْ عَلَى ثَمَنِ الْحَيِّ ح. (قَوْلُهُ تَخْرِيجِ الْجُمْهُورِ) مِنْ صَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى التَّحَالُفِ (قَوْلُهُ وَصَرَفَ مَشَايِخُ بَلْخٍ الِاسْتِثْنَاءَ إلَخْ) أَيْ الْمُقَدَّرَ فِي الْكَلَامِ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَلَا تَحَالُفَ بَعْدَ هَلَاكِ بَعْضِهِ بَلْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَرْضَى إلَخْ. قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ بَعْدَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقِيلَ الِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى حَلِفِ الْمُشْتَرِي الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ، يَعْنِي يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ قَدْرَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي إذْ الْبَائِعُ أَخَذَ الْقَائِمَ صُلْحًا عَنْ جَمِيعِ مَا ادَّعَاهُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَبْقَ حَاجَةٌ إلَى تَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي لَا الزِّيَادَةَ فَيَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ فِي الْقَائِمِ اهـ. (قَوْلُهُ إلَى يَمِينِ الْمُشْتَرِي) وَحِينَئِذٍ فَالْبَائِعُ يَأْخُذُ الْحَيَّ صُلْحًا عَمَّا يَدَّعِيهِ قَبْلَ الْمُشْتَرِي مِنْ الزِّيَادَةِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ بَعْدَ إقَالَةٍ) قَيْدٌ بِالِاخْتِلَافِ بَعْدَهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 561 عَقْدِ (السَّلَمِ) بَلْ الْقَوْلُ لِلْعَبْدِ وَالْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَلَا يَعُودُ السَّلَمُ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَانِ (فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ) وَلَا بَيِّنَةَ (تَحَالَفَا) وَعَادَ الْبَيْعُ (لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مَقْبُوضًا وَلَمْ يَرُدَّهُ الْمُشْتَرِي إلَى بَائِعِهِ) بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ (فَإِنْ رَدَّهُ إلَيْهِ بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ) لَا تَحَالُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الزَّوْجَانِ (فِي) قَدْرِ (الْمَهْرِ) أَوْ جِنْسِهِ (قُضِيَ لِمَنْ أَقَامَ الْبُرْهَانَ، وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلْمَرْأَةِ إذَا كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ شَاهِدًا لِلزَّوْجِ) بِأَنْ كَانَ كَمَقَالَتِهِ أَوْ أَقَلَّ (وَإِنْ كَانَ شَاهِدًا لَهَا) بِأَنْ كَانَ كَمَقَالَتِهَا أَوْ أَكْثَرَ (فَبَيِّنَتُهُ أَوْلَى) لِإِثْبَاتِهَا خِلَافَ الظَّاهِرِ (وَإِنْ كَانَ غَيْرَ شَاهِدٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا) بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا (فَالتَّهَاتُرُ) لِلِاسْتِوَاءِ (وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ) عَلَى الصَّحِيحِ (وَإِنْ عَجَزَا) عَنْ الْبُرْهَانِ (تَحَالَفَا وَلَمْ يُفْسَخْ النِّكَاحُ) لِتَبَعِيَّةِ الْمَهْرِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ (وَيَبْدَأُ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّ أَوَّلَ التَّسْلِيمَيْنِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ أَوَّلُ الْيَمِينَيْنِ عَلَيْهِ ظَهِيرِيَّةٌ (وَيُحَكَّمُ) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ يُجْعَلُ (مَهْرُ مِثْلِهَا) حُكْمًا لِسُقُوطِ اعْتِبَارِ التَّسْمِيَةِ بِالتَّحَالُفِ (فَيُقْضَى بِقَوْلِهِ لَوْ كَانَ كَمَقَالَتِهِ أَوْ أَقَلَّ، وَبِقَوْلِهَا لَوْ كَمَقَالَتِهَا أَوْ أَكْثَرَ، وَبِهِ لَوْ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ مَا تَدَّعِيهِ وَيَدَّعِيهِ. (وَلَوْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ (فِي) بَدَلِ (الْإِجَارَةُ) أَوْ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ (قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ) لِلْمَنْفَعَةِ   [رد المحتار] لِأَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ وَتَحَالَفَا فَالِاخْتِلَافُ فِي جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ وَصِفَتِهِ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ فِي الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ عَقْدِ السَّلَمِ) إنَّمَا لَمْ يَجُزْ التَّحَالُفُ لِأَنَّ مُوجِبَ رَفْعِ الْإِقَالَةِ دَعْوَى السَّلَمِ مَعَ أَنَّهُ دَيْنٌ وَالسَّاقِطُ لَا يَعُودُ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِلْعَبْدِ وَالْمُسْلَمِ إلَيْهِ) أَيْ مَعَ يَمِينِهِمَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَلَا يَعُودُ السَّلَمُ) لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ لَا تَحْتَمِلُ النَّقْضَ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَلَا يَعُودُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ كَمَا سَيَأْتِي، وَيَنْبَغِي أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِهِمْ أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِهِ أَوْ نَوْعِهِ أَوْ صِفَتِهِ بَعْدَهَا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا بَحْرٌ. وَفِيهِ: وَقَدْ عُلِمَ مِنْ تَقْرِيرِهِمْ هُنَا أَنَّ الْإِقَالَةَ تَقْبَلُ الْإِقَالَةَ إلَّا فِي إقَالَةِ السَّلَمِ وَأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَقْبَلُهَا، وَقَدْ كَتَبْنَاهُ فِي الْفَوَائِدِ. . (قَوْلُهُ لَا تَحَالُفَ) أَيْ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ س (قَوْلُهُ أَوْ جِنْسِهِ) كَقَوْلِهِ هُوَ هَذَا الْعَبْدُ وَقَوْلُهَا هُوَ هَذِهِ الْجَارِيَةُ فَحُكْمُ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ سَوَاءٌ إلَّا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَهَا قِيمَةُ الْجَارِيَةِ لَا عَيْنُهَا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْهِدَايَةِ بَحْرٌ. وَفِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَحُكْمُهُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ لَهَا نِصْفَ مَا ادَّعَاهُ الزَّوْجُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةُ لَهَا الْمُتْعَةُ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى أَنْ تَأْخُذَ نِصْفَ الْجَارِيَةِ اهـ. (قَوْلُهُ الْبُرْهَانَ) أَمَّا قَبُولُ بَيِّنَةِ الْمَرْأَةِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهَا تَدَّعِي الْأَلْفَيْنِ وَلَا إشْكَالَ وَإِنَّمَا يَرِدُ عَلَى قَبُولِ بَيِّنَةِ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لَا الْبَيِّنَةُ كَيْفَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ قُلْنَا هُوَ مُدَّعٍ صُورَةً لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَى الْمَرْأَةِ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا بِأَدَاءِ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الْمَهْرِ وَهِيَ تُنْكِرُ وَالدَّعْوَى كَافِيَةٌ لِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ كَمَا فِي دَعْوَى الْمُودِعِ رَدَّ الْوَدِيعَةِ مِعْرَاجٌ. (قَوْلُهُ لِإِثْبَاتِهَا) عِلَّةٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ. قَالَ فِي الْهَامِشِ: اخْتَلَفَتْ مَعَ الْوَرَثَةِ فِي مُؤَخَّرِ صَدَاقِهَا عَلَى الزَّوْجِ وَلَا بَيِّنَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا إلَى قَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا حَامِدِيَّةٌ عَنْ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) قَيْدٌ لِلتَّهَاتُرِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَالصَّحِيحُ التَّهَاتُرُ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يُفْسَخْ النِّكَاحُ) لِأَنَّ أَثَرَ التَّحَالُفِ فِي انْعِدَامِ التَّسْمِيَةِ وَأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَابِعٌ فِيهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، لِأَنَّ عَدَمَ التَّسْمِيَةِ يُفْسِدُهُ عَلَى مَا مَرَّ فَيُفْسَخُ مِنَحٌ وَبَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَيَبْدَأُ بِيَمِينِهِ) نَقَلَ الرَّمْلِيُّ عَنْ مَهْرِ الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ يَقْرَعُ بَيْنَهُمَا اسْتِحْبَابًا. وَاخْتَارَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَكَثِيرُونَ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِيَمِينِهِ، وَالْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ أَوَّلَ التَّسْلِيمَيْنِ) تَسْلِيمِ الْمَهْرِ وَتَسْلِيمِ الزَّوْجَةِ نَفْسِهَا (قَوْلُهُ وَيُحَكِّمُ) هَذَا أَعْنِي التَّحَالُفَ أَوَّلًا ثُمَّ التَّحْكِيمَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا اعْتِبَارَ بِهِ مَعَ وُجُودِ التَّسْمِيَةِ وَسُقُوطِ اعْتِبَارِهَا بِالتَّحَالُفِ فَلِهَذَا تَقَدَّمَ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَأَمَّا عَلَى تَخْرِيجِ الرَّازِيّ فَالتَّحَكُّمُ قَبْلَ التَّحَالُفِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي الْمَهْرِ مَعَ بَيَانِ اخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ وَخِلَافِ أَبِي يُوسُفَ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ) لِأَنَّ التَّحَالُفَ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ وَالْإِجَارَةُ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ نَظِيرُهُ بَحْرٌ، وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِيفَاءِ التَّمَكُّنُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 562 (تَحَالَفَا) وَتَرَادَّا وَبُدِئَ بِيَمِينِ الْمُسْتَأْجِرِ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْبَدَلِ وَالْمُؤَجِّرِ لَوْ فِي الْمُدَّةِ وَإِنْ بَرْهَنَا فَالْبَيِّنَةُ لِلْمُؤَجِّرِ فِي الْبَدَلِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ فِي الْمُدَّةِ (وَبَعْدَهُ لَا وَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ (وَلَوْ) اخْتَلَفَا (بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْبَعْضِ) مِنْ الْمَنْفَعَةِ (تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْعَقْدُ فِي الْبَاقِي وَالْقَوْلُ فِي الْمَاضِي لِلْمُسْتَأْجِرِ) لِانْعِقَادِهَا سَاعَةً فَسَاعَةً فَكُلُّ جَزْءٍ كَعَقْدٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ) وَلَوْ مَمْلُوكَيْنِ أَوْ مُكَاتَبَيْنِ أَوْ صَغِيرَيْنِ وَالصَّغِيرُ يُجَامِعُ أَوْ ذِمِّيَّةٌ مَعَ مُسْلِمٍ قَامَ النِّكَاحُ أَوَّلًا فِي بَيْتٍ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا خِزَانَةُ الْأَكْمَلِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْيَدِ لَا لِلْمِلْكِ (فِي مَتَاعِ) هُوَ هُنَا مَا كَانَ فِي (الْبَيْتِ) وَلَوْ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فا (لِقَوْلِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا صَلَحَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ) إلَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَفْعَلُ أَوْ يَبِيعُ مَا يَصْلُحُ لِلْآخَرِ فَالْقَوْلُ لَهُ تَعَارُضُ الظَّاهِرَيْنِ دُرَرٌ وَغَيْرُهَا (وَالْقَوْلُ لَهُ فِي الصَّالِحِ لَهُمَا) لِأَنَّهَا وَمَا فِي يَدِهَا فِي يَدِهِ وَالْقَوْلُ لِذِي الْيَدِ بِخِلَافِ مَا يَخْتَصُّ بِهَا لِأَنَّ ظَاهِرَهَا أَظْهَرُ مِنْ ظَاهِرِهِ وَهُوَ يَدُ الِاسْتِعْمَالِ (وَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَةً يُقْضَى بِبَيِّنَتِهَا) لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ خَانِيَةٌ   [رد المحتار] مِنْهُ فِي الْمُدَّةِ وَبِعَدَمِهِ عَدَمُهُ لِمَا عُرِفَ أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِي وُجُوبِ الْأَجْرِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ تَحَالَفَا) وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ وَأَيُّهُمَا بَرْهَنَ (قَوْلُهُ وَبُدِئَ بِيَمِينِ الْمُسْتَأْجِرِ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَبْدَأَ بِيَمِينِ الْآجِرِ لِتَعْجِيلِ فَائِدَةِ النُّكُولِ فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَاجِبٌ؟ أُجِيبَ: بِأَنَّ الْأُجْرَةَ إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةَ التَّعْجِيلِ، فَهُوَ كَالْأَسْبَقِ إنْكَارًا فَيَبْدَأُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَا يَمْتَنِعُ الْآجِرُ مِنْ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبْضِ الْأُجْرَةِ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ لَوْ فِي الْمُدَّةِ) وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِيهِمَا قُبِلَتْ بَيِّنَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْفَضْلِ، نَحْوُ: أَنْ يَدَّعِيَ هَذَا شَهْرًا بِعَشَرَةٍ وَالْمُسْتَأْجِرُ شَهْرَيْنِ بِخَمْسَةٍ فَيُقْضَى بِشَهْرَيْنِ بِعَشَرَةٍ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ) قَيَّدَ بِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ اخْتِلَافِ نِسَاءِ الزَّوْجِ دُونَهُ وَعَنْ اخْتِلَافِ الْأَبِ مَعَ بِنْتِهِ فِي جِهَازِهَا أَوْ مَعَ ابْنِهِ فِيمَا فِي الْبَيْتِ، وَعَنْ اخْتِلَافِ إسْكَافٍ وَعَطَّارٍ فِي آلَةِ الْأَسَاكِفَةِ، أَوْ الْعَطَّارِينَ وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمَا وَاخْتِلَافِ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ، وَاخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِيمَا فِي أَيْدِيهِمَا مِنْ غَيْرِ مَتَاعِ الْبَيْتِ وَبَيَانُ الْجَمِيعِ فِي الْبَحْرِ فَرَاجِعْهُ وَسَيَأْتِي بَعْضُهُ. (قَوْلُهُ قَامَ النِّكَاحُ أَوَّلًا) بِأَنْ طَلَّقَهَا مَثَلًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ إذَا مَاتَ بَعْدَ عِدَّتِهَا كَمَا سَيَأْتِي قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ فِي لِسَانِ الْحُكَّامِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَارْجِعْ إلَيْهِ، وَلَكِنَّ الَّذِي هُنَا هُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الشُّرَّاحُ. (قَوْلُهُ صَلَحَ لَهُ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِكُلٍّ وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ مَا يَتَعَلَّقُ بِتَجْهِيزِ الْبَنَاتِ افْتَرَقَا وَفِي بَيْتِهَا جَارِيَةٌ نَقَلَتْهَا مَعَ نَفْسِهَا، وَاسْتَخْدَمَتْهَا سَنَةً وَالزَّوْجُ عَالِمٌ بِهِ سَاكِتٌ، ثُمَّ ادَّعَاهَا فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّ يَدَهُ كَانَتْ ثَابِتَةً وَلَمْ يُوجَدْ الْمُزِيلُ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ سُكُوتَ الزَّوْجِ عِنْدَ نَقْلِهَا مَا يَصْلُحُ لَهُمَا لَا يُبْطِلُ دَعْوَاهُ فِي الْبَدَائِعِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تُقِرَّ الْمَرْأَةُ أَنَّ هَذَا الْمَتَاعَ اشْتَرَاهُ، فَإِنْ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ سَقَطَ قَوْلُهَا لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِالْمِلْكِ لِزَوْجِهَا، ثُمَّ ادَّعَتْ الِانْتِقَالَ إلَيْهَا فَلَا يَثْبُتُ الِانْتِقَالُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ اهـ وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ أَنَّهَا اشْتَرَتْهُ مِنْهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى شِرَائِهِ كَانَ كَإِقْرَارِهَا بِشِرَائِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْهُ بِهِبَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ اسْتِمْتَاعُهَا بِمُشْرِيهِ وَرِضَاهُ بِذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مَلَكَهَا ذَلِكَ كَمَا تَفْهَمُهُ النِّسَاءُ وَالْعَوَامُّ، وَقَدْ أَفْتَيْت بِذَلِكَ مِرَارًا بَحْرٌ وَذُكِرَ فِي الْهَامِشِ الْقَوْلُ لِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا فِيمَا تَدَّعِيهِ مِلْكُهَا مِمَّا هُوَ صَالِحٌ لِلنِّسَاءِ، وَمِمَّا هُوَ صَالِحٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَكَذَا الْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا أَيْضًا فِيمَا تَدَّعِيهِ أَنَّهُ وَدِيعَةٌ تَحْتَ يَدِهَا مِمَّا هُوَ صَالِحٌ لِلنِّسَاءِ وَمِمَّا هُوَ صَالِحٌ لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَذَا فِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ الشَّلَبِيِّ. (قَوْلُهُ الظَّاهِرِينَ) أَيْ فَرَجَعْنَا إلَى اعْتِبَارِ الْيَدِ وَإِلَّا فَالتَّعَارُضُ يَقْتَضِي التَّسَاقُطَ (قَوْلُهُ دُرَرٌ) عِبَارَةُ الدُّرَرِ إلَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَفْعَلُ أَوْ يَبِيعُ مَا يَصْلُحُ لِلْآخَرِ اهـ أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ صَائِغًا، وَلَهُ أَسَاوِرُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 563 وَالْبَيْتُ لِلزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا بَيِّنَةٌ بَحْرٌ. وَهَذَا لَوْ حَيَّيْنِ. (وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَ وَارِثُهُ مَعَ الْحَيِّ فِي الْمُشْكِلِ) الصَّالِحُ لَهُمَا (فَالْقَوْلُ) فِيهِ (لِلْحَيِّ) وَلَوْ رَقِيقًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ: الْكُلُّ بَيْنَهُمَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: الْكُلُّ لَهُ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ الْكُلُّ لَهَا وَهِيَ الْمُسَبَّعَةُ وَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ تِسْعَةَ أَقْوَالٍ (وَلَوْ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا) وَلَوْ مَأْذُونًا أَوْ مُكَاتَبًا وَقَالَا وَالشَّافِعِيُّ هُمَا كَالْحُرِّ (فَالْقَوْلُ لِلْحُرِّ فِي الْحَيَاةِ وَلِلْحَيِّ فِي الْمَوْتِ)   [رد المحتار] وَخَوَاتِيمُ النِّسَاءِ وَالْحُلِيُّ وَالْخَلْخَالُ وَنَحْوُهَا فَلَا يَكُونُ لَهَا وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ دَلَّالَةً تَبِيعُ ثِيَابَ الرِّجَالِ، أَوْ تَاجِرَةً تَتَّجِرُ فِي ثِيَابِ الرَّجُلِ أَوْ النِّسَاءِ أَوْ ثِيَابِ الرِّجَالِ وَحْدَهَا كَذَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ اهـ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَفْعَلُ أَوْ يَبِيعُ مَا يَصْلُحُ لِلْآخَرِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي عُمُومِهِ. فَفِي قَوْلِ أَحَدِهِمَا يَفْعَلُ أَوْ يَبِيعُ الْآخَرُ مَا يَصْلُحُ لَهُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ تَبِيعُ ثِيَابَ الرِّجَالِ أَوْ مَا يَصْلُحُ لَهُمْ كَالْآنِيَةِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالْعَقَارِ، فَهُوَ لِلرَّجُلِ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَمَا فِي يَدِهَا لِلزَّوْجِ، وَالْقَوْلُ فِي الدَّعَاوَى لِصَاحِبِ الْيَدِ، بِخِلَافِ مَا يَخْتَصُّ بِهَا لِأَنَّهُ عَارِضٌ يَدُ الزَّوْجِ أَقْوَى مِنْهَا، وَهُوَ الِاخْتِصَاصُ بِالِاسْتِعْمَالِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَيُعْلَمُ مِمَّا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ. وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الدُّرَرِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ دَلَّالَةً إلَخْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ لِلزَّوْجِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ مَا لَوْ كَانَتْ تَبِيعُ ثِيَابَ النِّسَاءِ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ، فَالْقَوْلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا بِجَعْلِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ، فَالْقَوْلُ لَهُ رَاجِعًا إلَى الزَّوْجِ، ثُمَّ قَوْلُهُ لِتَعَارُضِ الظَّاهِرَيْنِ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً سَوَاءٌ حُمِلَ الْكَلَامُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوْ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ يَبِيعُ يَشْهَدُ لَهُ ظَاهِرَانِ الْيَدُ وَالْبَيْعُ لَا ظَاهِرٌ وَاحِدٌ فَلَا تَعَارُضَ إلَّا إذَا كَانَتْ هِيَ تَبِيعُ ذَلِكَ، فَلَا يُرَجَّحُ مِلْكَهَا لِمَا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ إلَّا إذَا كَانَ مِمَّا يَصْلُحُ لَهَا عَلَى أَنَّ التَّعَارُضَ لَا يَقْتَضِي التَّرْجِيحَ؛ بَلْ التَّهَاتُرَ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ يَبِيعُ فَلَا تَعَارُضَ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ تَبِيعُ هِيَ فَكَذَلِكَ لِمَا مَرَّ أَيْضًا فَتَنَبَّهْ. أَقُولُ: وَمَا ذَكَرَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْعِنَايَةِ صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ لَكِنْ فِي الْكِفَايَةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمَرْأَةِ حَيْثُ قَالَ: إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَبِيعُ ثِيَابَ الرِّجَالِ، وَمَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ كَالْخِمَارِ وَالدِّرْعِ وَالْمِلْحَفَةِ وَالْحُلِيِّ، فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ أَيْ الْقَوْلُ قَوْلُهَا فِيهَا لِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. قَالَ: وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَبِيعُ مَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ لَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ اهـ. فَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ فَلْيُحَرَّرْ. (قَوْلُهُ وَالْبَيْتُ لِلزَّوْجِ) أَيْ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْبَيْتِ فَهُوَ لَهُ. (قَوْلُهُ لَهَا بَيِّنَةٌ) أَيْ فَيَكُونُ الْبَيْتُ لَهَا وَكَذَا لَوْ بَرْهَنَتْ عَلَى كُلِّ مَا يَصْلُحُ لَهَا (قَوْلُهُ لَوْ حَيَّيْنِ) بِالتَّثْنِيَةِ. (قَوْلُهُ فِي الْمُشْكِلِ) اُنْظُرْ مَا حُكْمُ غَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ مَا مَرَّ ثُمَّ رَأَيْته فِي ط عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ فِيهِ لِلْحَيِّ) مَعَ يَمِينِهِ دُرُّ مُنْتَقَى إذْ لَا يَدَ لِلْمَيِّتِ، وَذُكِرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخِزَانَةِ اسْتِثْنَاءُ مَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَيْلَةَ الزِّفَافِ فِي بَيْتِهِ، فَالْمُشْكِلُ وَمَا يُجَهَّزُ مِثْلُهَا بِهِ لَا يُسْتَحْسَنُ جَعْلُهُ لِلزَّوْجِ إلَّا إذَا عُرِفَ بِتِجَارَةِ جِنْسٍ مِنْهُ، فَهُوَ لَهُ وَأَلْحَقَ صَاحِبُ الْبَحْرِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْحَيَاةِ لَيْلَةَ الزِّفَافِ قَالَ: وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ لِلْفَتْوَى إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَصٌّ بِخِلَافِهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ رَقِيقًا) يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِمَا يَأْتِي فِي الْمَتْنِ ح. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا إلَى قَوْلِهِ وَلِلْحَيِّ فِي الْمَوْتِ) كَذَا فِي عَامَّةِ شُرُوحِ الْجَامِعِ وَذَكَرَ الرَّضِيُّ أَنَّهُ سَهْوٌ. وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لِلْحُرِّ مُطْلَقًا وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْقَوْلَ لَهُ هُنَا فِي الْكُلِّ لَا فِي خُصُوصِ الْمُشْكِلِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ تِسْعَةُ أَقْوَالٍ) الْأَوَّلُ مَا فِي الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الثَّانِي قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِلْمَرْأَةِ جِهَازُ مِثْلِهَا وَالْبَاقِي لِلرَّجُلِ، يَعْنِي فِي الْمُشْكِلِ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ. الثَّالِثُ: قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: الْمَتَاعُ كُلُّهُ لَهُ وَلَهَا عَلَيْهَا فَقَطْ. وَالرَّابِعُ: قَوْلُ ابْنِ مَعْنٍ وَشَرِيكٍ: هُوَ بَيْنَهُمَا. الْخَامِسُ: قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 564 لِأَنَّ يَدَ الْحَرِّ أَقْوَى وَلَا يَدَ لِلْمَيِّتِ. (أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ) أَوْ الْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ (وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَمَا فِي الْبَيْتِ قَبْلَ الْعِتْقِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ، وَمَا بَعْدَهُ قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا فَهُوَ عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ) بَحْرٌ وَفِيهِ: طَلَّقَهَا وَمَضَتْ الْعِدَّةُ فَالْمُشْكِلُ لِلزَّوْجِ وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً لَا يَدَ لَهَا وَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُشْكِلَ لِلزَّوْجِ فِي الطَّلَاقِ فَكَذَا لِوَارِثِهِ. أَمَّا لَوْ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَالْمُشْكِلُ لَهَا فَكَأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا بِدَلِيلِ إرْثِهَا. وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِيَمِينِهِ وَلَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ إلَّا مَا عَلَيْهِ مِنْ ثِيَابِ بَدَنِهِ. وَلَوْ اخْتَلَفَ إسْكَافِيٌّ وَعَطَّارٌ فِي آلَاتِ الْأَسَاكِفَةِ وَآلَاتِ الْعَطَّارِينَ، وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا بِلَا نَظَرٍ لِمَا يَصْلُحُ مِنْهُمَا وَتَمَامُهُ فِي السِّرَاجِ. . (رَجُلٌ مَعْرُوفٌ بِالْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ صَارَ بِيَدِهِ غُلَامٌ وَعَلَى عُنُقِهِ بَدْرَةٌ وَذَلِكَ بِدَارِهٍ فَادَّعَاهُ رَجُلٌ عُرِفَ بِالْيَسَارِ وَادَّعَاهُ صَاحِبُ الدَّارِ فَهُوَ لِلْمَعْرُوفِ بِالْيَسَارِ.) . (وَكَذَا كَنَّاسٌ فِي مَنْزِلِ رَجُلٍ وَعَلَى عُنُقِهِ قَطِيفَةٌ يَقُولُ) الَّذِي عَلَى عُنُقِهِ (هِيَ لِي وَادَّعَاهَا صَاحِبُ الْمَنْزِلِ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ) . (رَجُلَانِ فِي سَفِينَةٍ بِهَا دَقِيقٌ فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ السَّفِينَةَ وَمَا فِيهَا وَأَحَدُهُمَا يُعْرَفُ بِبَيْعِ الدَّقِيقِ وَالْآخَرُ يُعْرَفُ بِأَنَّهُ مَلَّاحٌ فَالدَّقِيقُ لِلَّذِي يُعْرَفُ بِبَيْعِهِ وَالسَّفِينَةُ لِمَنْ يُعْرَفُ بِأَنَّهُ مَلَّاحٌ) عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَلَوْ فِيهَا رَاكِبٌ وَآخَرُ مُمْسِكٌ وَآخَرُ يَجْذِبُ وَآخَرُ يَمُدُّهَا وَكُلُّهُمْ يَدَّعُونَهَا فَهِيَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ أَثْلَاثًا وَلَا شَيْءَ لِلْمَادِّ. . رَجُلٌ يَقُودُ قِطَارَ إبِلٍ وَآخَرُ رَاكِبٌ أَنَّ عَلَى الْكُلِّ مَتَاعُ الرَّاكِبِ فَكُلُّهَا لَهُ وَالْقَائِدُ أَجِيرُهُ وَأَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا فَلِلرَّاكِبِ مَا هُوَ رَاكِبُهُ وَالْبَاقِي لِلْقَائِدِ بِخِلَافِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ.   [رد المحتار] كُلُّهُ لَهَا وَلَهُ مَا عَلَيْهِ. السَّادِسُ: قَوْلُ شُرَيْحٍ الْبَيْتُ لِلْمَرْأَةِ. السَّابِعُ: قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْمُشْكِلِ لِلزَّوْجِ فِي الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ وَوَافَقَ الْإِمَامُ فِيمَا لَا يُشْكِلُ. الثَّامِنُ: قَوْلُ زُفَرَ الْمُشْكِلُ بَيْنَهُمَا. التَّاسِعُ: قَوْلُ مَالِكٍ: الْكُلُّ بَيْنَهُمَا هَكَذَا حَكَى الْأَقْوَالَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّاسِعَ هُوَ الرَّابِعُ بَحْرٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ يَدَ الْحَرِّ إلَخْ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. (قَوْلُهُ لِلْمَيِّتِ) بَحَثَ فِيهِ صَاحِبُ الْيَعْقُوبِيَّةِ. (قَوْلُهُ فَهُوَ عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ) يَعْنِي الْمُشْكِلَ لِلزَّوْجِ وَلَهَا مَا صَلَحَ لَهَا لِأَنَّهَا وَقْتَهُ حُرَّةٌ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ السِّيَاقِ وَاللَّحَاقِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ السِّرَاجِ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا وَالْمَرْأَةُ مُكَاتَبَةً أَوْ أَمَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ وَقَدْ أُعْتِقَتْ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَمَا أَحْدَثَاهُ قَبْلَ الْعِتْقِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ، وَمَا أَحْدَثَاهُ بَعْدَهُ فَهُمَا فِيهِ كَالْحُرَّيْنِ سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الطَّلَاقِ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ الَّتِي قَبْلَ قَوْلِهِ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهَا تَشْمَلُ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ وَبَعْدَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا) أَيْ جَمِيعُ مَا مَرَّ إذَا لَمْ يَقَعْ التَّنَازُعُ بَيْنَهُمَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَالنِّكَاحِ وَعَدَمِهِ فَإِنْ وَقَعَ إلَى آخِرِ مَا فِي الْبَحْرِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا صَارَتْ إلَى إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّهُمَا لَوْ مَاتَا فَكَذَلِكَ. . (قَوْلُهُ: بِلَا نَظَرٍ) فَهَذَا الْفَرْعُ خَالَفَ مَا قَبْلَهُ وَالْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ بَعْدَهُ. 1 - [فَرْعٌ] رَجُلٌ تَصَرَّفَ زَمَانًا فِي أَرْضٍ وَرَجُلٌ آخَرُ رَأَى الْأَرْضَ وَالتَّصَرُّفَ وَلَمْ يَدَّعِ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تُسْمَعْ بَعْدَ ذَلِكَ دَعْوَى وَلَدِهِ فَتُتْرَكُ عَلَى يَدِ الْمُتَصَرِّفِ لِأَنَّ الْحَالَ شَاهِدٌ اهـ حَامِدِيَّةٌ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ. (قَوْلُهُ بَدْرَةٌ) الْبَدْرَةُ عِشْرُونَ أَلْفِ دِينَارٍ بَحْرٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ قَطِيفَةٌ) دِثَارٌ مُخْمَلٌ وَالْجَمْعُ قَطَائِفُ وَقُطُفٌ مِثْلُ صَحَائِفَ وَصُحُفٍ لِأَنَّهُمَا جَمْعُ قَطِيفَةٍ وَصَحِيفَةٍ، وَمِنْهُ الْقَطَائِفُ الَّتِي تُؤْكَلُ صِحَاحُ الْجَوْهَرِيِّ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ وَآخَرُ مُمْسِكٌ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُمْسِكٌ الدَّفَّةَ الَّتِي هِيَ لِلسَّفِينَةِ بِمَنْزِلَةِ اللِّجَامِ لِلدَّابَّةِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: أَمَّا لَوْ كَانَ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا عَلَيْهَا رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا قَائِدٌ وَالْآخَرُ سَائِقٌ، فَهِيَ لِلسَّائِقِ إلَّا أَنْ يَقُودَ شَاةً مَعَهُ فَتَكُونَ لَهُ تِلْكَ الشَّاةُ وَحْدَهَا كَذَا فِي الْهَامِشِ. 1 - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 565 فَصْلٌ فِي دَفْعِ الدَّعَاوَى لَمَّا قَدَّمَ مَنْ يَكُونُ خَصْمًا ذَكَرَ مَنْ لَا يَكُونُ (قَالَ ذُو الْيَدِ هَذَا الشَّيْءُ) الْمُدَّعَى بِهِ مَنْقُولًا كَانَ أَوْ عَقَارًا (أَوْدَعَنِيهِ أَوْ أَعَارَنِيهِ أَوْ آجَرَنِيهِ أَوْ رَهْنَيْهِ زَيْدٌ الْغَائِبُ أَوْ غَصَبْته مِنْهُ) مِنْ الْغَائِبِ (وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ) عَلَى مَا ذُكِرَ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ لَا هَالِكَةٌ وَقَالَ الشُّهُودُ نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ أَوْ بِوَجْهِهِ. وَشَرَطَ مُحَمَّدٌ مَعْرِفَتَهُ بِوَجْهِهِ أَيْضًا فَلَوْ حَلَفَ لَا يَعْرِفُ فُلَانًا وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا بِوَجْهِهِ لَا يَحْنَثُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ خَطِّ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ   [رد المحتار] فَرْعٌ] رَجُلٌ دَفَعَ إلَى قَصَّارٍ أَرْبَعَ قِطَعِ كِرْبَاسٍ لِيَغْسِلَهَا فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُ الْقَصَّارُ: ابْعَثْ إلَيَّ رَسُولَك لِأُنَفِّذَ لَك فَجَاءَ الرَّسُولُ بِثَلَاثِ قِطَعٍ فَقَالَ الْقَصَّارُ: بَعَثْت إلَيْك أَرْبَعَ قِطَعٍ وَقَالَ الرَّسُولُ: دَفَعَ إلَيَّ وَلَمْ يَعُدَّهُ عَلَيَّ يُقَالُ لِرَبِّ الثَّوْبِ صَدِّقْ أَيَّهُمَا شِئْت، فَإِنْ صَدَّقَ الرَّسُولَ بَرِئَ مِنْ الدَّعْوَى وَتُوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْقَصَّارِ إنْ حَلَفَ بَرِيء وَإِنْ نَكَلَ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَكَذَلِكَ إنْ صَدَّقَ الْقَصَّارَ بَرِئَ وَوَجَبَ الْيَمِينُ عَلَى الرَّسُولِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ أَجْرُ الْقَصَّارِ إذَا حَلَفَ الْقَصَّارُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ صَدَّقَهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ، لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَفَ الْقَصَّارُ فَفِي زَعْمِهِ أَنَّهُ أَعْطَاهُ أَرْبَعَ قِطَعٍ فَيَأْخُذُ ذَلِكَ وَلْوَالِجِيَّةٌ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي. [فَصْلٌ فِي دَفْعِ الدَّعَاوَى] (قَوْلُهُ أَوْدَعَنِيهِ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَوْدَعَنِيهِ وَمَا بَعْدَهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى إيدَاعِ الْكُلِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا فِي الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ النِّصْفُ لِي وَالنِّصْفُ وَدِيعَةٌ عِنْدِي لِفُلَانٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ انْدَفَعَتْ فِي الْكُلِّ لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ اهـ بَحْرٌ. وَفِيهِ أَيْضًا وَأَفَادَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ لَوْ أَجَابَ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِي أَوْ هِيَ لِفُلَانٍ، وَلَمْ يَزِدْ لَا يَكُونُ دَفْعًا وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ اقْتَصَرَ عَلَى الدَّفْعِ بِمَا ذُكِرَ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا زَادَ وَقَالَ كَانَتْ دَارِي بِعْتهَا مِنْ فُلَانٍ وَقَبَضَهَا ثُمَّ أَوْدَعَنِيهَا أَوْ ذَكَرَ هِبَةً وَقَبْضًا لَمْ تَنْدَفِعْ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ أَوْ يَعْلَمُهُ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ أَوْ رَهَنِّيهِ زَيْدٌ) أَتَى بِالِاسْمِ لِعِلْمٍ، لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَوْدَعَنِيهِ رَجُلٌ لَا أَعْرِفُهُ لَمْ تَنْدَفِعْ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْغَائِبِ فِي الدَّفْعِ؛ وَكَذَا فِي الشَّهَادَاتِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فَلَوْ ادَّعَاهُ مِنْ مَجْهُولٍ وَشَهِدَا بِمُعَيَّنٍ أَوْ عَكْسِهِ لَمْ تَنْدَفِعْ بَحْرٌ، وَفِيهِ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَالْخَانِيَّةِ، لَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي أَنَّ رَجُلًا دَفَعَهُ إلَيْهِ أَوْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا، وَفِيهِ وَأَطْلَقَ فِي الْغَائِبِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بَعِيدًا مَعْرُوفًا يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَيْهِ أَوْ قَرِيبًا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا ذُكِرَ) لَكِنْ لَا تُشْتَرَطُ الْمُطَابَقَةُ لِعَيْنِ مَا ادَّعَاهُ لِمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ شَهِدُوا أَنَّ فُلَانًا دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَلَا نَدْرِي لِمَنْ هُوَ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا، وَأَرَادَ بِالْبُرْهَانِ وُجُودَ حُجَّةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ بَيِّنَةً أَوْ عِلْمَ الْقَاضِي أَوْ إقْرَارَ الْمُدَّعِي كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ لَمْ يُبَرْهِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعِي اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ كَانَ خَصْمًا، وَإِنْ نَكَلَ فَلَا خُصُومَةَ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ أَوْ الْعَيْنُ قَائِمَةٌ) أَخَذَ التَّقْيِيدَ مِنْ الْإِشَارَةِ بِقَوْلِهِ هَذَا الشَّيْءُ، لِأَنَّ الْإِشَارَةَ الْحِسِّيَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا إلَى مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ قَالَ فِي الْهَامِشِ: عَبْدٌ هَلَكَ فِي يَدِ رَجُلٍ، وَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَأَقَامَ الَّذِي مَاتَ فِي يَدِهِ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ فُلَانٌ أَوْ غَصَبَهُ أَوْ آجَرَهُ لَمْ يُقْبَلْ، وَهُوَ خَصْمٌ فَإِنَّهُ يَدَّعِي الْقِيمَةَ عَلَيْهِ وَإِيدَاعُ الدَّيْنِ لَا يُمْكِنُ ثُمَّ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ وَصَدَّقَهُ فِي الْإِيدَاعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُدَّعِي. أَمَّا لَوْ كَانَ غَاصِبًا لَمْ يَرْجِعْ وَكَذَا فِي الْعَارِيَّةِ، وَالْإِبَاقُ مِثْلُ الْهَلَاكِ هَا هُنَا فَإِنْ عَادَ الْعَبْدُ يَوْمًا يَكُونُ عَبْدًا لِمَنْ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ اهـ بَحْرٌ (قَوْلُهُ نَعْرِفُهُ) أَيْ الْغَائِبَ (قَوْلُهُ أَوْ بِوَجْهِهِ) فَمَعْرِفَتُهُمْ وَجْهَهُ فَقَطْ كَافِيَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ بَزَّازِيَّةٌ. (قَوْلُهُ وَشَرَطَ مُحَمَّدٌ) مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ مِنْ مُعَيَّنٍ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ، فَشَهِدَا لَهُ بِمَجْهُولٍ لَكِنْ قَالَا نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ وَأَمَّا لَوْ ادَّعَاهُ مِنْ مَجْهُولٍ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ إجْمَاعًا كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ. (قَوْلُهُ فَلَوْ حَلَفَ) لَا يَخْفَى أَنَّ التَّفْرِيعَ غَيْرُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 566 عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ تَعْوِيلَ الْأَئِمَّةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ فَلْيُحْفَظْ (دُفِعَتْ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي) لِلْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّ يَدَ هَؤُلَاءِ لَيْسَتْ يَدَ خُصُومَةٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ عُرِفَ ذُو الْيَدِ بِالْحِيَلِ لَا تَنْدَفِعُ وَبِهِ يُؤْخَذُ مُلْتَقَى وَاخْتَارَهُ فِي الْمُخْتَارِ وَهَذِهِ مُخَمَّسَةُ كِتَابِ الدَّعْوَى، لِأَنَّ فِيهَا أَقْوَالَ خَمْسَةِ عُلَمَاءَ كَمَا بُسِطَ فِي الدُّرَرِ أَوْ لِأَنَّ صُوَرَهَا خَمْسٌ عَيْنِيٌّ وَغَيْرُهُ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ لَوْ قَالَ وَكَّلَنِي صَاحِبُهُ بِحِفْظِهِ، أَوْ أَسْكَنَنِي فِيهَا زَيْدٌ الْغَائِبُ أَوْ سَرَقْته مِنْهُ أَوْ انْتَزَعْته مِنْهُ أَوْ ضَلَّ مِنْهُ فَوَجَدْته بَحْرٌ أَوْ هِيَ فِي يَدِي مُزَارَعَةً بَزَّازِيَّةٌ فَالصُّوَرُ إحْدَى عَشْرَةَ. قُلْت: لَكِنْ أَلْحَقَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ الْمُزَارَعَةَ بِالْإِجَارَةِ أَوْ الْوَدِيعَةِ قَالَ فَلَا يُزَادُ عَلَى الْخَمْسِ   [رد المحتار] ظَاهِرٍ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلَمْ يَكْتَفِ مُحَمَّدٌ بِمَعْرِفَةِ الْوَجْهِ فَقَطْ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَالْمَعْرِفَةُ بِوَجْهِهِ فَقَطْ لَا تَكُونُ مَعْرِفَةً، أَلَا تَرَى إلَى «قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِرَجُلٍ أَتَعْرِفُ فُلَانًا فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ هَلْ تَعْرِفُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ؟ فَقَالَ لَا: فَقَالَ إذَنْ لَا تَعْرِفُهُ» وَكَذَا لَوْ حَلَفَ إلَخْ (قَوْلُهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ) وَنُقِلَ عَنْهَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ دُفِعَتْ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي) أَيْ حَكَمَ الْقَاضِي بِدَفْعِهَا وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ أَعَادَ الْمُدَّعِي الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ لَا يَحْتَاجُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى إعَادَةِ الدَّفْعِ بَلْ يَثْبُتُ حُكْمُ الْقَاضِي الْأَوَّلُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ دُفِعَتْ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ لِلْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ وَلَمْ أَرَهُ الْآنَ بَحْرٌ. وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ بَعْدَ الْبُرْهَانِ كَيْفَ يَحْلِفُ؛ أَمَّا قَبْلَهُ نُقِلَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ لَقَدْ أَوْدَعَهَا إلَيْهِ لَا عَلَى الْعِلْمِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ الْإِيدَاعَ وَلَوْ حَلَفَ لَا تَنْدَفِعُ بَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ. (قَوْلُهُ لِلْمِلْكِ الْمُطْلَقِ) وَمِنْهُ دَعْوَى الْوَقْفِ دَعْوَى غَلَّتِهِ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ أَوَّلَ الْفَصْلِ الْآتِي قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - صُورَةَ دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَأَرَادَ بِهَا أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فِي الْعَيْنِ وَلَمْ يَدَّعِ عَلَى ذِي الْيَدِ فِعْلًا بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُقَابِلَةِ لِهَذِهِ. وَحَاصِلُ جَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ ادَّعَى أَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ أَوْ مَضْمُونٍ وَالْمِلْكُ لِلْغَيْرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ بُرْهَانَ الْمُدَّعِي وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْخَارِجَ هُوَ الْمُطَالَبُ بِالْبُرْهَانِ وَلَا يَحْتَاجُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى الدَّفْعِ قَبْلَهُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمَّا ادَّعَى الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ فِيمَا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْكَرَهُ فَطَلَبَ مِنْ الْمُدَّعِي الْبُرْهَانَ فَأَقَامَهُ وَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِهِ حَتَّى دَفَعَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ وَبَرْهَنَ عَلَى الدَّفْعِ اهـ (قَوْلُهُ بِالْحِيَلِ) بِأَنْ يَأْخُذَ مَالَ إنْسَانٍ غَصْبًا ثُمَّ يَدْفَعَهُ سِرًّا إلَى مُرِيدِ سَفَرٍ وَيُودِعُهُ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ، حَتَّى إذَا جَاءَ الْمَالِكُ وَأَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ مِلْكَهُ فِيهِ أَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ فُلَانًا أَوْدَعَهُ فَيُبْطِلُ حَقَّهُ كَذَا فِي الدُّرَرِ ح (قَوْلُهُ فِي الْمُخْتَارِ) وَفِي الْمِعْرَاجِ رَجَعَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ حِينَ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ، وَعَرَفَ أَحْوَالَ النَّاسِ فَقَالَ الْمُحْتَالُ مِنْ النَّاسِ يَأْخُذُ مِنْ إنْسَانٍ غَصْبًا ثُمَّ يَدْفَعُهُ سِرًّا إلَى مَنْ يُرِيدُ السَّفَرَ حَتَّى يُودِعَهُ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ حَتَّى إذَا جَاءَ الْمَالِكُ وَأَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ مِلْكَهُ يُقِيمُ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ فُلَانًا أَوْدَعَهُ فَيُبْطِلُ حَقَّهُ وَتَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. (قَوْلُهُ كَمَا بُسِطَ فِي الدُّرَرِ) ذَكَرَ هُنَا أَقْوَالَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ الرَّابِعَةُ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ: أَنَّهَا لَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ مُطْلَقًا وَالْخَامِسُ: قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى تَنْدَفِعُ بِدُونِ بَيِّنَةٍ لِإِقْرَارِهِ بِالْمِلْكِ لِلْغَائِبِ س. (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ وَكَّلَنِي يَرْجِعُ إلَى أَوْدَعَنِيهِ وَأَسْكَنَنِي إلَى أَعَارَنِيهِ وَسَرَقْته مِنْهُ إلَى غَصَبْته مِنْهُ وَضَلَّ مِنْهُ فَوَجَدْته إلَى أَوْدَعَنِيهِ وَهِيَ فِي يَدِي مُزَارَعَةً إلَى الْإِجَارَةِ أَوْ الْوَدِيعَةِ فَلَا يُزَادُ عَلَى الْخَمْسِ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ بَحْرٌ) ذُكِرَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ هَذَا مَا نَصُّهُ، وَالْأَوَّلَانِ رَاجِعَانِ إلَى الْأَمَانَةِ وَالثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ إلَى الضَّمَانِ إنْ لَمْ يَشْهَدْ فِي الْأَخِيرَةِ وَإِلَّا فَإِلَى الْأَمَانَةِ فَالصُّوَرُ عَشْرٌ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الصُّوَرَ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي الْخَمْسِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بَعْدَ رُجُوعِ مَا زَادَهُ إلَى مَا ذُكِرَ لَا مَحَلَّ لِلِاعْتِرَاضِ بِعَدَمِ الِانْحِصَارِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَوْ هِيَ فِي يَدِي) مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لَيْسَتْ فِي الْبَحْرِ مَعَ أَنَّهَا وَاَلَّتِي بَعْدَهَا فِيهِ ح. (قَوْلُهُ أَلْحَقَ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي (قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ فَلَا يُزَادُ) أَيْ لَا تُزَادُ مَسْأَلَةُ الْمُزَارَعَةِ الَّتِي زَادَهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 567 وَقَدْ حَرَّرْته فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى. (وَإِنْ) كَانَ هَالِكًا أَوْ قَالَ الشُّهُودُ أَوْدَعَهُ مَنْ لَا نَعْرِفُهُ أَوْ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ بِيَدِ الْخُصُومَةِ كَأَنْ (قَالَ) ذُو الْيَدِ (اشْتَرَيْته) أَوْ اتَّهَبْته (مِنْ الْغَائِبِ أَوْ) لَمْ يَدَّعِ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ بَلْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْفِعْلَ بِأَنْ (قَالَ الْمُدَّعِي غَصَبْته) مِنِّي (أَوْ) قَالَ (سُرِقَ مِنِّي) وَبَنَاهُ لِلْمَفْعُولِ لِلسَّتْرِ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ سَرَقْته مِنِّي بِخِلَافِ غُصِبَ مِنِّي أَوْ غَصَبَهُ مِنِّي فُلَانٌ الْغَائِبُ كَمَا سَيَجِيءُ حَيْثُ تَنْدَفِعُ وَهَلْ تَنْدَفِعُ بِالْمَصْدَرِ الصَّحِيحُ لَا بَزَّازِيَّةٌ (وَقَالَ ذُو الْيَدِ) فِي الدَّفْعِ (أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ) لَا تَنْدَفِعُ فِي الْكُلِّ لِمَا قُلْنَا. (قَالَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ إنَّهُ مِلْكِي ثُمَّ قَالَ فِي مَجْلِسِهِ إنَّهُ وَدِيعَةٌ عِنْدِي) أَوْ رَهْنٌ (مِنْ فُلَانٍ تَنْدَفِعُ مَعَ الْبُرْهَانِ عَلَى مَا ذُكِرَ وَلَوْ بَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى مَقَالَتِهِ الْأُولَى يَجْعَلُهُ خَصْمًا وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ) لِسَبْقِ إقْرَارٍ يَمْنَعُ الدَّفْعَ بَزَّازِيَّةٌ. (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي اشْتَرَيْته مِنْ فُلَانٍ) الْغَائِبِ (وَقَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ   [رد المحتار] الْبَزَّازِيُّ وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا يُزَادُ الْبَقِيَّةُ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَقَدْ حَرَّرْته إلَخْ) حَيْثُ عَمَّمَ قَوْلَهُ غَصَبْته مِنْهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ حُكْمًا فَأَدْخَلَ فِيهِ قَوْلَهُ أَوْ سَرَقْته مِنْهُ أَوْ انْتَزَعْته مِنْهُ وَكَذَا عَمَّمَ قَوْلَهُ أَوْدَعَنِيهِ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ حُكْمًا فَأَدْخَلَ فِيهِ الْأَرْبَعَةَ الْبَاقِيَةَ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُحَرَّرٌ أَحْسَنُ مِمَّا هُنَا فَإِنَّهُ هُنَا أَرْسَلَ الِاعْتِرَاضَ وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمُزَارَعَةِ فَأَوْهَمَ خُرُوجَ مَا عَدَاهَا ذَكَرُوهُ مَعَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِ كَمَا عَلِمْت فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ أَوْ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ) وَلَوْ بَرْهَنَ بَعْدَهُ عَلَى الْوَدِيعَةِ لَمْ تُسْمَعْ بَزَّازِيَّةٌ. (قَوْلُهُ وَقَالَ ذُو الْيَدِ) حَاصِلُ هَذِهِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى فِي الْعَيْنِ مِلْكًا مُطْلَقًا فَأَنْكَرَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى الْمِلْكِ فَدَفَعَهُ ذُو الْيَدِ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ لَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ الْخُصُومَةُ يَعْنِي فَيَقْضِي الْقَاضِي بِبُرْهَانِ الْمُدَّعِي، لِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ اعْتَرَفَ بِكَوْنِهِ خَصْمًا بَحْرٌ. وَفِيهِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَإِذَا لَمْ تَنْدَفِعْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَأَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ فَقَضَى لَهُ ثُمَّ أَحَالَ الْمُقَرُّ لَهُ الْغَائِبَ وَبَرْهَنَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَمْ يَصِرْ مُقْتَضِيًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَضَى عَلَى ذِي الْيَدِ خَاصَّةً. (قَوْلُهُ اشْتَرَيْته) وَلَوْ فَاسِدًا مَعَ الْقَبْضِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ أَوْ اتَّهَبْته) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الشِّرَاءِ الْمِلْكُ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ بَلْ ادَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذِي الْيَدِ الْفِعْلَ وَقَيَّدَ بِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِهِ فَدَفَعَهُ ذُو الْيَدِ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ وَبَرْهَنَ فَإِنَّهَا تَنْدَفِعُ كَدَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَحْرٌ. وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى هَذَا أَيْضًا بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ غَصَبَ مِنِّي إلَخْ لَكِنَّ قَوْلَهُ: وَبَرْهَنَ يُنَافِيهِ مَا سَنَنْقُلُهُ عَنْ نُورِ الْعَيْنِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ انْدَفَعَتْ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ وَكَذَا مَسْأَلَةُ الشِّرَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُتُونِ. (قَوْلُهُ أَوْ قَالَ سُرِقَ مِنِّي) ذِكْرُ الْغَصْبِ تَمْثِيلٌ وَالْمُرَادُ دَعْوَى فِعْلٍ عَلَيْهِ، فَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي أَوْدَعْتُك إيَّاهُ أَوْ اشْتَرَيْته مِنْك وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ لَا يَنْدَفِعُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَحْرٌ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَأَنْ قَالَ. (قَوْلُهُ وَبَنَاهُ) وَيَعْلَمُ حُكْمَ مَا إذَا بَنَاهُ لِلْفَاعِلِ بِالْأَوْلَى بَحْرٌ. (قَوْلُهُ الصَّحِيحُ لَا) أَقُولُ هَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْغَصْبِ فَمَا الْحُكْمُ فِي السَّرِقَةِ وَيَجِبُ أَنْ لَا تَنْدَفِعَ بِالْأَوْلَى كَمَا فِي بِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ وَهُوَ ظَاهِرٌ تَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ عَلَى الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ بَزَّازِيَّةٌ) قَالَ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ وَفِي يَدِهِ غُصِبَ فَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى الْإِيدَاعِ قِيلَ تَنْدَفِعُ لِعَدَمِ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَنْدَفِعُ بَحْرٌ س (قَوْلُهُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ) أَرَادَ بِالْبُرْهَانِ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ، فَخَرَجَ الْإِقْرَارُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ مَنْ صَارَ خَصْمًا لِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ إنْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِإِيدَاعِ الْغَائِبِ مِنْهُ تَنْدَفِعُ كَإِقَامَتِهِ عَلَى الْإِيدَاعِ لِثُبُوتِ إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ الْخُصُومَةِ اهـ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا) مِنْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى الْفِعْلَ عَلَيْهِ. أَمَّا فِي مَسْأَلَتَيْ الْمَتْنِ فَأَشَارَ إلَى عِلَّةِ الْأُولَى بِقَوْلِهِ: أَوْ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ بِيَدِ الْخُصُومَةِ وَإِلَى عِلَّةِ الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ: ادَّعَى عَلَيْهِ الْفِعْلَ أَيْ فَإِنَّهُ صَارَ خَصْمًا بِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ لَا بِيَدِهِ بِخِلَافِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِيهِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ: وَأَمَّا عِلَّةُ مَا إذَا كَانَ هَالِكًا فَلَمْ يُشِرْ إلَيْهَا وَهِيَ أَنَّهُ يَدَّعِي الدَّيْنَ وَمَحَلُّهُ الذِّمَّةُ، فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا بِذِمَّتِهِ، وَبِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَا فِي ذِمَّتِهِ لِغَيْرِهِ فَلَا تَنْفَعُ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَكَذَا عِلَّةُ مَا إذَا قَالَ الشُّهُودُ أَوْدَعَهُ مَنْ لَا نَعْرِفُهُ وَهِيَ أَنَّهُمْ مَا أَحَالُوا الْمُدَّعِيَ عَلَى رَجُلٍ تُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ كَذَا قِيلَ. (قَوْلُهُ فِي مَجْلِسِهِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 568 ذَلِكَ) أَيْ بِنَفْسِهِ فَلَوْ بِوَكِيلِهِ لَمْ تَنْدَفِعْ بِلَا بَيِّنَةٍ (دُفِعَتْ الْخُصُومَةُ وَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ) لِتَوَافُقِهِمَا أَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ إلَّا إذَا قَالَ اشْتَرَيْته وَوَكَّلَنِي بِقَبْضِهِ وَبَرْهَنَ وَلَوْ صَدَّقَهُ فِي الشِّرَاءِ لَمْ يُؤْمَرْ بِالتَّسْلِيمِ لِئَلَّا يَكُونَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بِإِقْرَارِهِ وَهِيَ عَجِيبَةٌ ثُمَّ اقْتِصَارُ الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا عَلَى دَعْوَى الشِّرَاءِ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ. فَلِذَا قَالَ: (وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ لَهُ غَصَبَهُ مِنْهُ فُلَانٌ الْغَائِبُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ وَزَعَمَ ذُو الْيَدِ أَنَّ هَذَا الْغَائِبَ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ انْدَفَعَتْ) لِتَوَافُقِهِمَا أَنَّ الْيَدَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ (وَلَوْ كَانَ مَكَانَ دَعْوَى الْغَصْبِ دَعْوَى سَرِقَةٍ لَا) تَنْدَفِعُ يَزْعُمُ ذِي الْيَدِ إيدَاعَ ذَلِكَ الْغَائِبِ اسْتِحْسَانًا بَزَّازِيَّةٌ وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ لَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْمِلْكِ لِزَيْدٍ وَكُلٌّ يَدَّعِي الْإِجَارَةَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ الثَّانِي خَصْمًا لِلْأَوَّلِ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَا لِمُدَّعِي رَهْنٍ أَوْ شِرَاءٍ أَمَّا الْمُشْتَرِي فَخَصْمٌ لِلْكُلِّ. [فُرُوعٌ] . قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِي دَفْعٌ يُمْهَلُ إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي صُغْرَى. لِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي الْإِيدَاعَ عَلَى الْبَتَاتِ دُرَرٌ وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي عَلَى الْعِلْمِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ.   [رد المحتار] أَيْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ. (قَوْلُهُ لِسَبْقِ إقْرَارٍ) بِإِضَافَةِ سَبْقٍ إلَى إقْرَارٍ وَالدَّفْعُ مَفْعُولُ يَمْنَعُ. (قَوْلُهُ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ الْمُدَّعِي ح. (قَوْلُهُ أَيْ بِنَفْسِهِ) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ أَوْدَعَنِيهِ لَا تَفْسِيرَ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ ح وَقَالَ فِي الْهَامِشِ بِنَفْسِهِ: أَيْ بِنَفْسِ فُلَانٍ الْغَائِبِ. (قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ) لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَثْبُتُ بِقَوْلِهِ مِعْرَاجٌ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ تَلَقِّي الْيَدِ مِمَّنْ اشْتَرَى هُوَ مِنْهُ لِإِنْكَارِ ذِي الْيَدِ وَلَا مِنْ جِهَةِ وَكِيلِهِ لِإِنْكَارِ الْمُشْتَرِي بَحْرٌ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ) وَفِي الْبِنَايَةِ وَلَوْ طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ عَلَى الْإِيدَاعِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ اهـ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا قَالَ) أَيْ الْمُدَّعِي. (قَوْلُهُ اشْتَرَيْته) أَيْ مِنْ الْغَائِبِ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ وَهِيَ عَجِيبَةٌ) لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ الْعَجَبِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى إلَخْ) الْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ مَتْنًا قُبَيْلَ بَابِ عَزْلِ الْوَكِيلِ مُعَلَّلَةً بِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ. قُلْت: وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَعَارَهُ لِفُلَانٍ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ الْعِلَّةِ قَالَ فِي الْهَامِشِ الْخَصْمُ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ خَمْسَةٌ الْوَارِثُ وَالْوَصِيُّ وَالْمُوصَى لَهُ وَالْغَرِيمُ لِلْمَيِّتِ أَوْ عَلَى الْمَيِّتِ بَزَّازِيَّةٌ وَكَذَلِكَ فِي الْإِرْثِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ انْدَفَعَتْ) أَيْ بِلَا بَيِّنَةٍ نُورُ الْعَيْنِ. (قَوْلُهُ دَعْوَى سَرِقَةٍ لَا) وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنَّهُ ثَوْبِي سَرَقَهُ مِنِّي زَيْدٌ وَقَالَ ذُو الْيَدِ: أَوْدَعَنِيهِ زَيْدٌ ذَلِكَ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ اسْتِحْسَانًا، يَقُولُ الْحُقَيْرُ لَعَلَّ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ هُوَ أَنَّ الْغَصْبَ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ كَمَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، فَالْيَدُ لِلْغَاصِبِ فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ السَّرِقَةِ إذْ الْيَدُ فِيهَا لِذِي الْيَدِ إذْ لَا يَدَ لِلسَّارِقِ شَرْعًا، ثُمَّ إنَّ فِي عِبَارَةِ لَا يَدَ لِلسَّارِقِ نُكْتَةٌ لَا يَخْفَى حُسْنُهَا عَلَى ذَوِي النُّهَى نُورُ الْعَيْنِ. وَهَذَا أَوْلَى وَمَا قَالَهُ السَّائِحَانِيُّ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا قَالَ: سُرِقَ مِنِّي أَمَّا لَوْ قَالَ: سَرَقَهُ الْغَائِبُ مِنِّي فَإِنَّهَا تَنْدَفِعُ لِتَوَافُقِهِمَا أَنَّ الْيَدَ لِلْغَائِبِ وَصَارَ مِنْ قَبِيلِ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ: وَهِيَ تَنْدَفِعُ كَمَا فِي الْبَحْرِ لَكِنْ ذَكَرَ بَعْدَهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَأَفَادَ أَنَّهَا بُنِيَتْ لِلْفَاعِلِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْفُصُولَيْنِ فَلَعَلَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا اهـ. (قَوْلُهُ لَا تَنْدَفِعُ) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ: وَقَدْ سُئِلْت بَعْدَ تَأْلِيفِ هَذَا الْمَحَلِّ بِيَوْمٍ: عَنْ رَجُلٍ أَخَذَ مَتَاعَ أُخْتِهِ مِنْ بَيْتِهَا وَرَهَنَهُ وَغَابَ فَادَّعَتْ الْأُخْتُ بِهِ عَلَى ذِي الْيَدِ فَأَجَابَ: الرَّهْنُ. فَأَجَبْت: إنْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ غَصْبَ أَخِيهَا وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى الرَّهْنِ انْدَفَعَتْ وَإِنْ ادَّعَتْ السَّرِقَةَ لَا اهـ أَيْ لَا تَنْدَفِعُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا ادَّعَتْ سَرِقَةَ أَخِيهَا مَعَ أَنَّا قَدَّمْنَا عَنْهُ أَنَّ تَقْيِيدَ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَى ذِي الْيَدِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَوْ دَفَعَهُ ذُو الْيَدِ لِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ وَبَرْهَنَ تَنْدَفِعُ، فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهَا ادَّعَتْ أَنَّهُ سُرِقَ مِنْهَا مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ لِيَكُونَ الدَّعْوَى عَلَى ذِي الْيَدِ لَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُهَا أَنَّ أَخَاهَا أَخَذَهُ مِنْ بَيْتِهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ يُمْهَلُ إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي) أَيْ بَعْدَ أَنْ سَأَلَهُ عَنْهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ دَفْعٌ صَحِيحٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ التَّحْكِيمِ. (قَوْلُهُ لِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُ إلَخْ) خِلَافًا لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْإِيدَاعَ وَلَا حَلِفَ عَلَى الْمُدَّعِي ح كَذَا فِي الْهَامِشِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 569 وُكِّلَ بِنَقْلِ أَمَتِهِ فَبَرْهَنَتْ أَنَّهُ أَعْتَقَهَا قُبِلَ لِلدَّفْعِ لَا لِلْعِتْقِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَوْلَى ابْنُ مَلَكٍ. بَابُ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ (تُقَدَّمُ حُجَّةُ خَارِجٍ فِي مِلْكٍ مُطْلَقٍ) أَيْ لَمْ يُذْكَرْ لَهُ سَبَبٌ كَمَا مَرَّ (عَلَى حُجَّةِ ذِي الْيَدِ وَإِنْ وَقَّتَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: ذُو الْوَقْتِ أَحَقُّ وَثَمَرَتُهُ فِيمَا لَوْ (قَالَ) فِي دَعْوَاهُ (هَذَا الْعَبْدُ لِي غَابَ مُنْذُ شَهْرٍ وَقَالَ ذُو الْيَدِ لِي مُنْذُ سَنَةٍ قُضِيَ لِلْمُدَّعِي) لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ تَارِيخُ غَيْبَةٍ لَا مِلْكٍ فَلَمْ يُوجَدْ التَّارِيخُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَقُضِيَ بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ -   [رد المحتار] [فُرُوعٌ] ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الزَّوْجِ الظَّاهِرِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. 1 - السَّبَاهِي لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا لِمُدَّعِي الْأَرْضِ مِلْكًا أَوْ وَقْفًا خَيْرِيَّةٌ مِنْ الدَّعْوَى. الْأَصْلُ سُقُوطُ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ دُونَ الْمُقَيَّدِ بِسَبَبٍ دُرُّ مُنْتَقَى. 1 - الْمُشْتَرِي لَيْسَ بِخَصْمٍ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُرْتَهِنِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ. [بَابُ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ] ِ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ عَقْدَ الْبَابِ لِدَعْوَى الرَّجُلَيْنِ عَلَى ثَالِثٍ، وَإِلَّا فَجَمِيعُ الدَّعَاوَى لَا تَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَحِينَئِذٍ لَا تَكُونُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْكِتَابِ فَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الدَّعْوَى. قُلْت: وَلَعَلَّ صَاحِبَ الدُّرَرِ إنَّمَا أَخَّرَهَا إلَى هَذَا الْمَقَامِ مُقْتَفِيًا فِي ذَلِكَ أَثَرَ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ لِتَحَقُّقِ مُنَاسَبَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ بِحَيْثُ تَكُونُ فَاتِحَةً لِمَسَائِلِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْهُ عَزْمِيٌّ (قَوْلُهُ: حُجَّةُ خَارِجٍ) الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ لَوْ ادَّعَيَا إرْثًا مِنْ وَاحِدٍ فَذُو الْيَدِ أَوْلَى كَمَا فِي الشِّرَاءِ، هَذَا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْ جِهَةِ وَاحِدٍ فَلَوْ ادَّعَيَاهُ مِنْ جِهَةِ اثْنَيْنِ يُحْكَمُ لِلْخَارِجِ، إلَّا إذَا ثَبَتَ تَارِيخُ ذِي الْيَدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَيَاهُ مِنْ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ ثَمَّةَ يُقْضَى لِذِي الْيَدِ إلَّا إذَا سَبَقَ الْخَارِجُ، وَالْفَرْقُ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ كَانَ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقَ، فَهُوَ أَوْلَى كَمَا لَوْ حَضَرَ الْبَائِعَانٍ وَبَرْهَنَا وَأَرَّخَا، وَأَحَدُهُمَا أَسْبَقُ تَارِيخًا وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا يُحْكَمُ لِلْأَسْبَقِ. اهـ فُصُولَيْنِ مِنْ الثَّامِنِ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَفِي مِلْكٍ مُطْلَقٍ) لِأَنَّ الْخَارِجَ هُوَ الْمُدَّعِي، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي بِالْحَدِيثِ قُيِّدَ الْمِلْكُ بِالْمُطْلَقِ احْتِرَازًا عَنْ الْمُقَيَّدِ بِدَعْوَى النِّتَاجِ، وَعَنْ الْمُقَيَّدِ بِمَا إذَا ادَّعَيَا تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْ وَاحِدٍ وَأَحَدُهُمَا قَابِضٌ وَبِمَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ اثْنَيْنِ وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ فَإِنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا سَيَأْتِي دُرَرٌ. [فَرْعٌ] فِي الْهَامِشِ: إذَا بَرْهَنَ الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ عَلَى نَسَبِ صَغِيرٍ قُدِّمَ ذُو الْيَدِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ فِي الْخِزَانَةِ الْأُولَى لَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجُ عَلَى أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهُمَا حُرَّانِ، وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُهُ وَلَمْ يَنْسُبْهُ إلَى أُمِّهِ فَهُوَ لِلْخَارِجِ الثَّانِيَةُ لَوْ كَانَ ذُو الْيَدِ ذِمِّيًّا وَالْخَارِجُ مُسْلِمًا، فَبَرْهَنَ الذِّمِّيُّ بِشُهُودٍ مِنْ الْكُفَّارِ وَبَرْهَنَ الْخَارِجُ قُدِّمَ الْخَارِجُ سَوَاءٌ بَرْهَنَ بِمُسْلِمِينَ أَوْ بِكُفَّارٍ وَلَوْ بَرْهَنَ الْكَافِرُ بِمُسْلِمِينَ قُدِّمَ عَلَى الْمُسْلِمِ مُطْلَقًا أَشْبَاهٌ قُبَيْلَ الْوَكَالَةِ اهـ (قَوْلُهُ فَقَطْ) قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَقَطْ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَّتَا يُعْتَبَرُ السَّابِقُ، كَمَا يَأْتِي مَتْنًا فَالْمُرَادُ سَوَاءٌ لَمْ يُوَقِّتَا أَوْ وَقَّتَ أَحَدُهُمَا وَحْدَهُ، وَلَوْ اسْتَوَى تَارِيخُهُمَا فَالْخَارِجُ أَوْلَى فَالْأَعَمُّ قَوْلُ الْغُرَرِ حُجَّةُ الْخَارِجِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَوْلَى إلَّا إذَا أَرَّخَا وَذُو الْيَدِ أَسْبَقُ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ قَالَ فِي دَعْوَاهُ هَذَا الْعَبْدُ إلَخْ) تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ مَتْنًا قُبَيْلَ السَّلَمِ (قَوْلُهُ تَارِيخُ غَيْبَةٍ) لِأَنَّ قَوْلَهُ مُنْذُ شَهْرٍ مُتَعَلِّقٌ بِغَابَ فَهُوَ قَيْدٌ لِلْغَيْبَةِ، وَقَوْلُهُ مُنْذُ سَنَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ قَوْلُهُ لِي: أَيْ مِلْكٌ لِي مُنْذُ سَنَةٍ فَهُوَ قَيْدٌ لِلْمِلْكِ وَتَارِيخٌ لَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 570 وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُقْضَى لِلْمُؤَرِّخِ وَلَوْ حَالَةَ الِانْفِرَادِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ أَوْفَقُ وَأَظْهَرُ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ (وَلَوْ بَرْهَنَ خَارِجَانِ عَلَى شَيْءٍ قُضِيَ بِهِ لَهُمَا فَإِنْ بَرْهَنَا فِي) دَعْوَى (نِكَاحٍ سَقَطَا) لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ لَوْ حَيَّةً وَلَوْ مَيِّتَةً قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا وَعَلَى كُلٍّ نِصْفُ الْمَهْرِ وَيَرِثَانِ مِيرَاثَ زَوْجٍ وَاحِدٍ وَلَوْ وَلَدَتْ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُمَا وَتَمَامُهُ فِي الْخُلَاصَةِ (وَهِيَ لِمَنْ صَدَّقَتْهُ إذَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ مَنْ كَذَّبَتْهُ وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ) مَنْ كَذَّبَتْهُ (بِهَا) هَذَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا (فَإِنْ أَرَّخَا فَالسَّابِقُ أَحَقُّ بِهَا) فَلَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا فَهِيَ لِمَنْ صَدَّقَتْهُ   [رد المحتار] وَالْمُعْتَبَرُ تَارِيخُ الْمِلْكِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الطَّرَفَيْنِ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَالَةَ الِانْفِرَادِ) يَنْبَغِي إسْقَاطُهَا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ (قَوْلُهُ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ) ذُكِرَ هَذَا فِي الْفَصْلِ السَّادِسَ عَشَرَ حَيْثُ قَالَ: اُسْتُحِقَّ حِمَارٌ فَطُلِبَ ثَمَنُهُ مِنْ بَائِعِهِ فَقَالَ الْبَائِعُ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْ كَمْ مُدَّةً غَابَ عَنْك هَذَا الْحِمَارُ فَقَالَ: مُنْذُ سَنَةٍ، فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ أَنَّهُ مَلَكَهُ مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ قُضِيَ بِهِ لِلْمُسْتَحِقِّ، لِأَنَّهُ أَرَّخَ غَيْبَتَهُ لَا الْمِلْكَ، وَالْبَائِعُ أَرَّخَ الْمِلْكَ، وَدَعْوَاهُ دَعْوَى الْمُشْتَرِي لِتَلَقِّيهِ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ ادَّعَى مِلْكَ بَائِعِهِ بِتَارِيخِ عَشْرِ سِنِينَ غَيْرَ أَنَّ التَّارِيخَ لَا يُعْتَبَرُ حَالَةَ الِانْفِرَادِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَبْقَى دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، فَحُكِمَ لِلْمُسْتَحِقِّ. أَقُولُ: يُقْضَى بِهَا لِلْمُؤَرِّخِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ يُرَجَّحُ الْمُؤَرَّخُ حَالَةَ الِانْفِرَادِ اهـ مُلَخَّصًا وَقَدْ قَدَّمَهُ فِي الثَّامِنِ وَقَالَ لَكِنَّ الصَّحِيحَ وَالْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِهِ يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَيْ تَارِيخَ ذِي الْيَدِ وَحْدَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ تَنَبَّهْ ذَكَرَهُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَرْهَنَ خَارِجَانِ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى اثْنَانِ عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، وَزَعَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَلَمْ يَذْكُرَا سَبَبَ الْمِلْكِ وَلَا تَارِيخَهُ قُضِيَ بِالْعَيْنِ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا ادَّعَيَا الْوَقْفَ فِي يَدٍ ثَالِثٍ فَيُقْضَى لِكُلِّ وَقْفٍ النِّصْفُ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْوَاقِفِ، وَتَمَامُ بَيَانِهِ فِي الْبَحْرِ وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْغَلَّةَ مِثْلُهُ وَقُيِّدَ بِالْبُرْهَانِ مِنْهُمَا؛ إذْ لَوْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِالْكُلِّ، فَلَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجُ الْآخَرُ يُقْضَى لَهُ بِالْكُلِّ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ صَارَ ذَا يَدٍ بِالْقَضَاءِ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ الْآخَرِ عَلَيْهِ بَحْرٌ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَيِّتَةً) أَيْ وَلَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ اسْتَوَى تَارِيخُهُمَا كَمَا هُوَ فِي عِبَارَةِ الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَلَدَتْ) أَيْ الْمَيِّتَةُ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّهَا وَلَدَتْ بَعْدَهُ. وَلَكِنْ يُنْظَرُ هَلْ يُقَالُ لَهُ وِلَادَةٌ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْخُلَاصَةِ) هُوَ أَنَّهُ يَرِثُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ، وَهُمَا يَرِثَانِ مِنْ الِابْنِ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ ح (قَوْلُهُ هِيَ لِمَنْ صَدَّقَتْهُ) يَشْمَلُ مَا إذَا سَمِعَهُ الْقَاضِي أَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ مُدَّعِيه بَعْدَ إنْكَارِهَا لَهُ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ تَكُنْ إلَخْ) أَمَّا إنْ كَانَتْ فِي يَدِ مَنْ كَذَبَتْهُ أَوْ دَخَلَ بِهَا فَهُوَ أَوْلَى وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهَا لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ نَقْلِهَا أَوْ مِنْ الدُّخُولِ بِهَا دَلِيلٌ عَلَى سَبْقِ عَقْدِهِ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَهُ فَيَكُونُ أَوْلَى لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ زَيْلَعِيٌّ بَقِيَ لَوْ دَخَلَ بِهَا أَحَدُهُمَا وَهِيَ فِي بَيْتِ الْآخَرِ فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ صَاحِبَ الْبَيْتِ أَوْلَى (قَوْلُهُ هَذَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا) وَكَذَا إذَا أَرَّخَا وَاسْتَوَيَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَرَّخَا) أَيْ الْخَارِجَانِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ فَالسَّابِقُ أَحَقُّ) أَيْ وَإِنْ صَدَّقَتْ الْآخَرَ أَوْ كَانَ ذَا يَدٍ وَدَخَلَ بِهَا. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ: أَنَّهُمَا إذَا تَنَازَعَا فِي امْرَأَةٍ وَبَرْهَنَا فَإِنْ أَرَّخَا، وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَقْدَمُ كَانَ هُوَ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ اسْتَوَيَا فَإِنْ أَحَدُهُمَا قَبَضَ كَالدُّخُولِ بِهَا أَوْ نَقْلِهَا إلَى مَنْزِلِهِ كَانَ هُوَ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ يُرْجَعُ إلَى تَصْدِيقِ الْمَرْأَةِ اهـ (قَوْلُهُ فَالسَّابِقُ: أَحَقُّ بِهَا) أَيْ وَلَا يُعْتَبَرُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِهَا فِي يَدِهِ أَوْ دَخَلَ بِهَا مَعَ التَّارِيخِ لِكَوْنِهِ صَرِيحًا، وَهُوَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ مِنَحٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا) أَيْ وَصَدَّقَتْ الْآخَرَ أَوْ كَانَ ذَا يَدٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 571 أَوْ لِذِي الْيَدِ بَزَّازِيَّةٌ. قُلْت: وَعَلَى مَا مَرَّ عَنْ الثَّانِي يَنْبَغِي اعْتِبَارُ تَارِيخِ أَحَدِهِمَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا فَتَأَمَّلْ (وَإِنْ أَقَرَّتْ لِمَنْ لَا حُجَّةَ لَهُ فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ بَرْهَنَ الْآخَرُ قُضِيَ لَهُ وَلَوْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا وَقُضِيَ لَهُ ثُمَّ بَرْهَنَ الْآخَرُ لَمْ يُقْضَ لَهُ إلَّا إذَا ثَبَتَ سَبْقُهُ) لِأَنَّ الْبُرْهَانَ مَعَ التَّارِيخِ أَقْوَى مِنْهُ بِدُونِهِ (كَمَا لَمْ يَقْضِ بِبُرْهَانٍ خَارِجٍ عَلَى ذِي يَدٍ ظَهَرَ نِكَاحُهُ إلَّا إذَا ثَبَتَ سَبْقُهُ) أَيْ أَنَّ نِكَاحَهُ أَسْبَقُ (وَإِنْ) ذَكَرَا سَبَبَ الْمِلْكِ بِأَنْ (بَرْهَنَا عَلَى شِرَاءِ شَيْءٍ مِنْ ذِي يَدٍ، فَلِكُلٍّ نِصْفُهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ) إنْ شَاءَ (أَوْ تَرْكُهُ) إنَّمَا خُيِّرَ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ (وَإِنْ تَرَكَ أَحَدُهُمَا بَعْدَمَا قُضِيَ لَهُمَا لَمْ يَأْخُذْ الْآخَرُ كُلَّهُ) لِانْفِسَاخِهِ بِالْقَضَاءِ فَلَوْ قَبِلَهُ فَلَهُ، (وَهُوَ) أَيْ مَا ادَّعَيَا شِرَاءَهُ (لِلسَّابِقِ) تَارِيخًا (إنْ أَرَّخَا) فَيَرُدُّ الْبَائِعُ مَا قَبَضَهُ مِنْ الْآخَرِ إلَيْهِ سِرَاجٌ (وَ) هُوَ (لِذِي يَدٍ إنْ لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا) وَاسْتَوَى تَارِيخُهُمَا (وَ) هُوَ لِذِي وَقْتٍ إنْ وَقَّتَ أَحَدُهُمَا   [رد المحتار] فَإِنْ لَمْ يُوجَدَا قُدِّمَ الْمُؤَرِّخُ، فَالتَّصْدِيقُ أَوْ الْيَدُ أَقْوَى مِنْ التَّارِيخِ، وَعُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْيَدَ أَرْجَحُ مِنْ التَّصْدِيقِ وَمِنْ الدُّخُولِ. فَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ أَنَّ سَبْقَ التَّارِيخِ أَرْجَحُ مِنْ الْكُلِّ ثُمَّ الْيَدُ ثُمَّ الدُّخُولُ ثُمَّ الْإِقْرَارُ ثُمَّ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ أَوْ لِذِي الْيَدِ) أَيْ لَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَلِلْآخَرِ يَدٌ فَإِنَّهَا لِذِي الْيَدِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى مَا مَرَّ عَنْ الثَّانِي) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يُقْضَى لِلْمُؤَرِّخِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ عَلَى ذِي الْيَدِ فَيُقْضَى هُنَا لِلْمُؤَرِّخِ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ ذَا يَدٍ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الْمُؤَرِّخِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ لَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَهُ فَهُوَ أَوْلَى وَسَيَأْتِي مَتْنًا (قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَرَّتْ لِمَنْ لَا حُجَّةَ لَهُ فَهِيَ لَهُ) قَالَ السَّائِحَانِيُّ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ لَمْ تَقُمْ حُجَّةٌ فَهِيَ لِمَنْ أَقَرَّتْ لَهُ ثُمَّ إنْ بَرْهَنَ الْآخَرُ قُضِيَ لَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ مِنْ ذِي يَدٍ) أَمَّا لَوْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ غَيْرِ ذِي الْيَدِ فَسَيَأْتِي مَتْنًا فِي قَوْلِهِ وَإِنْ بَرْهَنَ خَارِجَانِ عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ إلَخْ (قَوْلُهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ) أَيْ الَّذِي عَيَّنَهُ فَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ، وَالْآخَرُ بِمِائَتَيْنِ أَخَذَ الْأَوَّلُ نِصْفَهُ بِخَمْسِينَ، وَالْآخَرُ بِمِائَةٍ (قَوْلُهُ: مَا قَبَضَهُ) أَيْ الثَّمَنَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ لِذِي يَدٍ) أَيْ الْمُدَّعَى بِالْفَتْحِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلِي إشْكَالٌ فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ هُوَ أَنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ مَفْرُوضٌ فِي خَارِجَيْنِ تَنَازَعَا فِيمَا فِي يَدِ ثَالِثٍ، فَإِذَا كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ كَانَ ذَا يَدٍ تَنَازَعَ مَعَ خَارِجٍ فَلَمْ تَكُنْ الْمَسْأَلَةُ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْمِعْرَاجِ مَا يُزِيلُهُ مِنْ جَوَازِ أَنَّهُ أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ قَبْضَهُ فِيمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ وَهُوَ الْآنَ فِي يَدِ الْبَائِعِ اهـ إلَّا أَنَّهُ يَشْكُلُ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا بِالْمُعَايَنَةِ اهـ وَالْحَقُّ أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ أُخْرَى وَكَانَ يَنْبَغِي إفْرَادُهَا. وَحَاصِلُهَا أَنَّ خَارِجًا وَذَا يَدٍ ادَّعَى كُلٌّ الشِّرَاءَ مِنْ الثُّلُثِ وَبَرْهَنَا قُدِّمَ ذُو الْيَدِ فِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ وَالْخَارِجُ فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ اهـ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ ذَكَرَ قَوْلَهُ: وَلِذِي وَقْتٍ وَلَكِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَلِذِي يَدٍ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: (وَلِذِي) اسْتِئْنَافُ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى. [فَرْعٌ] سُئِلَ فِي شَابٍّ أَمْرَدَ كَرِهَ خِدْمَةَ مَنْ هُوَ فِي خِدْمَتِهِ لِمَعْنًى هُوَ أَعْلَمُ بِشَأْنِهِ وَحَقِيقَتِهِ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَاتَّهَمَهُ أَنَّهُ عَمَدَ إلَى بَيْتِهِ وَكَسَرَهُ فِي حَالَ غَيْبَتِهِ وَأَخَذَ مِنْهُ كَذَا لِمَبْلَغٍ سَمَّاهُ وَقَامَتْ أَمَارَةٌ عَلَيْهِ بِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْهُ اسْتِبْقَاؤُهُ وَاسْتِقْرَارُهُ فِي يَدِهِ عَلَى مَا يَتَوَاخَاهُ هَلْ يَسْمَعُ الْقَاضِي، وَالْحَالَةُ هَذِهِ عَلَيْهِ دَعْوَاهُ وَيَقْبَلُ شَهَادَةَ مَنْ هُوَ مُتَقَيِّدٌ بِخِدْمَتِهِ وَأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ مِنْ طَعَامِهِ وَمَرَقَتِهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ مَعْرُوفٌ بِحُبِّ الْغِلْمَانِ الْجَوَابُ وَلَكُمْ فَسِيحُ الْجِنَانِ؟ الْجَوَابُ: قَدْ سَبَقَ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ أَبِي السُّعُودِ الْعِمَادِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَتْوَى بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي سَمَاعُ مِثْلِ هَذِهِ الدَّعْوَى مُعَلِّلًا بِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْحِيلَةِ مَعْهُودٌ فِيمَا بَيْنَ الْفَجَرَةِ، وَاخْتِلَافَاتُهُمْ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ مُشْتَهِرَةٌ وَمِنْ لَفْظِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 572 (فَقَطْ وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَا يَدَ لَهُمَا) وَإِنْ لَمْ يُوَقِّتَا فَقَدْ مَرَّ أَنَّ لِكُلٍّ نِصْفَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ (وَالشِّرَاءُ أَحَقُّ مِنْ هِبَةٍ وَصَدَقَةٍ) وَرَهْنٍ وَلَوْ مَعَ قَبْضٍ وَهَذَا (إنْ لَمْ يُؤَرِّخَا فَلَوْ أَرَّخَا وَاتَّحَدَ الْمُمَلَّكُ فَالْأَسْبَقُ أَحَقُّ) لِقُوَّتِهِ (وَلَوْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَالْمُؤَرِّخَةُ أَوْلَى) ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُمَلَّكُ اسْتَوَيَا وَهَذَا فِيمَا لَا يُقْسَمُ اتِّفَاقًا وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِيمَا يُقْسَمُ كَالدَّارِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكُلَّ لِمُدَّعِي الشِّرَاءِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مِنْ قَبِيلِ الشُّيُوعِ الْمُقَارِنِ لَا الطَّارِئِ هِبَةٌ الدُّرَرُ (وَالشِّرَاءُ وَالْمَهْرُ سَوَاءٌ) فَيُنَصَّفُ وَتَرْجِعُ هِيَ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ   [رد المحتار] فِيهَا: لَا بُدَّ لِلْحُكَّامِ أَنْ لَا يُصْغُوا إلَى مِثْلِ هَذِهِ الدَّعَاوَى بَلْ يُعَزِّرُوا الْمُدَّعِيَ وَيَحْجِزُوهُ عَنْ التَّعَرُّضِ لِمِثْلِ ذَلِكَ الْغَمْرِ الْمُنْخَدِعِ، وَبِمِثْلِهِ أَفْتَى صَاحِبُ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ لِانْتِشَارِ ذَلِكَ فِي غَالِبِ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ فُرُوعٌ ذُكِرَتْ فِي بَابِ الدَّعْوَى تَتَعَلَّقُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمُدَّعِي وَحَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَيَزِيدُ ذَلِكَ بَعْدَ شَهَادَةِ مَنْ بِعَشَائِهِ يَتَعَشَّى وَبِغَدَائِهِ يَتَغَدَّى فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ - الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ - إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَاَللَّهُ - تَعَالَى أَعْلَمُ فَتَاوَى خَيْرِيَّةٌ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي فَتَاوَاهُ بَعْدَ ذِكْرِ فَتْوَى أَبِي السُّعُودِ وَأَنَا أَقُولُ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ مَعْرُوفًا بِالْفِسْقِ وَحُبِّ الْغِلْمَانِ وَالتَّحَيُّلِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَلَا يَلْتَفِتُ الْقَاضِي لَهَا، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالصَّلَاحِ وَالْفَلَاحِ فَلَهُ سَمَاعُهَا، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فَقَطْ) أَقُولُ: التَّارِيخُ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَا عِبْرَةَ بِهِ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ، بِخِلَافِهِ فِي الْمِلْكِ بِسَبَبٍ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ قَالَهُ شَيْخُ وَالِدِي مَدَنِيٌّ (قَوْلُهُ وَالشِّرَاءُ أَحَقُّ مِنْ هِبَةٍ) أَيْ لَوْ بَرْهَنَ خَارِجَانِ عَلَى ذِي يَدٍ أَحَدُهُمَا عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ، وَالْآخَرُ عَلَى الْهِبَةِ مِنْهُ كَانَ الشِّرَاءُ أَوْلَى، لِأَنَّهُ أَقْوَى لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ، وَالْمِلْكُ فِي الْهِبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ، فَلَوْ أَحَدُهُمَا ذَا يَدٍ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يُقْضَى لِلْخَارِجِ أَوْ لِلْأَسْبَقِ تَارِيخًا وَإِنْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا فَلَا تَرْجِيحَ، وَلَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا ذَا يَدٍ فَهُوَ لَهُمَا أَوْ لِلْأَسْبَقِ تَارِيخًا كَدَعْوَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ وَأَطْلَقَ فِي الْهِبَةِ وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِالتَّسْلِيمِ، وَبِأَنْ لَا تَكُونَ بِعِوَضٍ وَإِلَّا كَانَتْ بَيْعًا وَأَشَارَ إلَى اسْتِوَاءِ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ الْمَقْبُوضَتَيْنِ لِلِاسْتِوَاءِ فِي التَّبَرُّعِ، وَلَا تَرْجِيحَ لِلصَّدَقَةِ بِاللُّزُومِ، لِأَنَّهُ يَظْهَرُ فِي ثَانِي الْحَالِ، وَهُوَ عَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَالْهِبَةُ قَدْ تَكُونُ لَازِمَةً كَهِبَةِ مُحْرِمٍ، وَالصَّدَقَةُ قَدْ لَا تَلْزَمُ بِأَنْ كَانَتْ لِغِنًى اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْبَحْرِ وَفِيهِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ مَعَ الْقَبْضِ وَالْهِبَةِ مَعَ الْقَبْضِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي كُلٍّ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْقَبْضِ وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الشِّرَاءِ لِلْمُعَاوَضَةِ وَرَدَّهُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ الْهِبَةِ لِكَوْنِهَا مَشْرُوعَةً (قَوْلُهُ وَلَوْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا) أَيْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُمَلَّكُ اسْتَوَيَا) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا خَصْمٌ عَنْ مُمَلَّكِهِ فِي إثْبَاتِ مِلْكِهِ، وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّحَدَا لِاحْتِيَاجِهِمَا إلَى إثْبَاتِ السَّبَبِ وَفِيهِ يُقَدَّمُ الْأَقْوَى. وَفِي الْبَحْرِ لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ رَجُلٍ، وَآخَرُ الْهِبَةَ وَالْقَبْضَ مِنْ غَيْرِهِ، وَالثَّالِثُ الْمِيرَاثَ مِنْ أَبِيهِ، وَالرَّابِعُ الصَّدَقَةَ مِنْ آخَرَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا؛ لِأَنَّهُمْ يَتَلَقَّوْنَ الْمِلْكَ مِنْ مُمَلَّكِهِمْ، فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُمْ حَضَرُوا وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ اهـ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ اسْتِوَاؤُهُمَا فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَ الْمَلِكُ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ فِي أَيْدِيهِمَا وَلَمْ يَسْبِقْ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ) كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قَالَهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يُفْسِدُ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَيُفْسِدُ الرَّهْنَ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ نَقْلًا عَنْ الدُّرَرِ: عَدُّهُ صُورَةَ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ أَمْثِلَةِ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالصَّحِيحُ مَا فِي الْكَافِي وَالْفُصُولَيْنِ فَإِنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إذَا ظَهَرَ بِالْبَيِّنَةِ كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى مَا قَبْلَ الْهِبَةِ فَيَكُونُ مُقَارِنًا لَهَا لَا طَارِئًا عَلَيْهَا اهـ أَيْ وَحَيْثُ كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمُقَارِنِ، وَهُوَ يُبْطِلُ الْهِبَةَ إجْمَاعًا يَنْفَرِدُ مُدَّعٍ لِلشِّرَاءِ بِالْبُرْهَانِ فَيَكُونُ أَوْلَى (قَوْلُهُ لَا الطَّارِئُ) لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يُفْسِدُ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ بِخِلَافِ الْمُقَارِنِ (قَوْلُهُ وَتَرْجِعُ هِيَ) أَيْ عَلَى الزَّوْجِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 573 وَهُوَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ أَوْ يَفْسَخُ لِمَا مَرَّ (هَذَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا وَاسْتَوَى تَارِيخُهُمَا فَإِنْ سَبَقَ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا كَانَ أَحَقَّ) قُيِّدَ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ النِّكَاحَ أَحَقُّ مِنْ هِبَةٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ صَدَقَةٍ عِمَادِيَّةٌ. وَالْمُرَادُ مِنْ النِّكَاحِ: الْمَهْرُ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ مُغَلِّطًا لِلْجَامِعِ. نَعَمْ يَسْتَوِي النِّكَاحُ وَالشِّرَاءُ لَوْ تَنَازَعَا فِي الْأَمَةِ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلَا مُرَجِّحَ فَتَكُونُ مِلْكًا لَهُ مَنْكُوحَةً لِلْآخَرِ فَتَدَبَّرْ (وَرَهْنٌ مَعَ قَبْضٍ أَحَقُّ مِنْ هِبَةٍ بِلَا عِوَضٍ مَعَهُ) اسْتِحْسَانًا وَلَوْ بِهِ فَهِيَ أَحَقُّ لِأَنَّهَا بَيْعٌ انْتِهَاءً، وَالْبَيْعُ، وَلَوْ بِوَجْهٍ أَقْوَى مِنْ الرَّهْنِ وَلَوْ الْعَيْنُ مَعَهُمَا اسْتَوَيَا مَا لَمْ يُؤَرِّخَا وَأَحَدُهُمَا أَسْبَقُ (وَإِنْ بَرْهَنَ خَارِجَانِ عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ أَوْ شِرَاءٍ مُؤَرَّخٍ مِنْ وَاحِدٍ) غَيْرِ ذِي يَدٍ (أَوْ) بَرْهَنَ (خَارِجٌ عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ وَذُو يَدٍ عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ أَقْدَمَ فَالسَّابِقُ أَحَقُّ وَإِنْ بَرْهَنَا عَلَى شِرَاءٍ مُتَّفِقٍ تَارِيخُهُمَا) أَوْ مُخْتَلِفٍ عَيْنِيٌّ (وَكُلٌّ يَدَّعِي الشِّرَاءَ -   [رد المحتار] قَوْلُهُ: وَهُوَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ) كَالرُّجُوعِ بِبَعْضٍ (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ سَبَقَ تَارِيخًا أَحَدُهُمَا) لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ يَمْلِكُهَا كَمَا فِي دَعْوَى الْحَامِدِيَّةِ عَنْ الْبَحْرِ مَعْزِيًّا لِخِزَانَةِ الْأَكْمَلِ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ مُغَلِّطًا لِلْجَامِعِ) أَيْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي قَوْلِهِ: لَوْ اجْتَمَعَ نِكَاحٌ وَهِبَةٌ يُمْكِنُ أَنْ يُعْمَلَ بِالْبَيِّنَتَيْنِ لَوْ اسْتَوَيَا بِأَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَةً، هَذَا وَهِبَةُ الْآخَرِ بِأَنْ يَهَبَهُ أَمَتَهُ الْمَنْكُوحَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَبْطُلَ بَيِّنَةُ الْهِبَةِ حَذَرًا مِنْ تَكْذِيبِ الْمُؤْمِنِ، وَحَمْلًا لَهُ عَلَى الصَّلَاحِ، وَكَذَا الصَّدَقَةُ مَعَ النِّكَاحِ، وَكَذَا الرَّهْنُ مَعَ النِّكَاحِ اهـ قَالَ مَوْلَانَا فِي بَحْرِهِ: وَقَدْ كَتَبْتُ فِي حَاشِيَتِهِ أَنَّهُ وَهَمٌ لِأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمَا تَنَازَعَا فِي أَمَةِ أَحَدِهِمَا ادَّعَى أَنَّهَا مِلْكُهُ بِالْهِبَةِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْ النِّكَاحِ الْمَهْرُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْكِتَابِ، وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ نَعَمْ إلَخْ) ذَكَرَ هَذَا فِي الْجَامِعِ بَحْثًا كَمَا عَلِمْتَ، وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا (قَوْلُهُ مَعَهُ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْقَبْضِ (قَوْلُهُ: أَقْوَى مِنْ الرَّهْنِ) هَذَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ ثَالِثٍ س (قَوْلُهُ: اسْتَوَيَا) بَحَثَ فِيهِ الْعِمَادِيُّ بِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ يُفْسِدُ الرَّهْنَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْضَى بِالْكُلِّ لِمُدَّعِي الشِّرَاءِ، لِأَنَّ مُدَّعِيَ الرَّهْنِ أَثْبَتَ رَهْنًا فَاسِدًا فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فَصَارَ كَأَنَّ مُدَّعِيَ الشِّرَاءِ انْفَرَدَ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَعَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مِنْ الشُّيُوعِ الْمُقَارِنِ يَنْبَغِي أَنْ يُقْضَى لِمُدَّعِي الشِّرَاءِ بِالْأَوْلَى، فَالْحُكْمُ بِالِاسْتِوَاءِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ مُشْكِلٌ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ غَيْرُ ذِي يَدٍ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ دَعْوَاهُمَا الشِّرَاءَ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ قَدْ مَرَّ فِي صَدْرِ الْبَابِ س (قَوْلُهُ عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ) قَيَّدَ بِالْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَهَا عَلَى أَنَّهَا فِي يَدِهِ مُنْذُ سَنَتَيْنِ، وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهَا لَهُ قُضِيَ بِهَا لِلْمُدَّعِي، لِأَنَّهَا شَهِدَتْ بِالْيَدِ لَا بِالْمِلْكِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَالسَّابِقُ أَحَقُّ) لِأَنَّهُ أَثْبَتَ أَنَّهُ أَوَّلُ الْمَالِكَيْنِ فَلَا يُتَلَقَّى الْمِلْكُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَلَمْ يَتَلَقَّ الْآخَرُ مِنْهُ مِنَحٌ، وَقُيِّدَ بِالتَّارِيخِ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ اسْتَوَيَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَإِنْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا فَالسَّابِقَةُ أَوْلَى فِيهِمَا، وَإِنْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَهِيَ الْأَحَقُّ فِي الثَّانِيَةِ لَا الْأُولَى، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَالْخَارِجُ أَوْلَى فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ مُتَّفِقٌ) صَوَابُهُ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ بَرْهَنَا ح (قَوْلُهُ أَوْ مُخْتَلِفٌ) أَيْ تَارِيخُهُمَا بَاقَانِيٌّ، وَإِنْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ فُلَانٍ، وَهُوَ يَمْلِكُهَا وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ فُلَانٍ آخَرَ، وَهُوَ يَمْلِكُهَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِهِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ وَقَّتَا فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَوْلَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ التَّارِيخُ، وَإِنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ يُقْضَى بَيْنَهُمَا اتِّفَاقًا فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا قَبْضٌ فَالْآخَرُ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعَانِ ادَّعَيَا وَلِأَحَدِهِمَا يَدٌ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلْخَارِجِ مِنْهُمَا قَاضِي خَانْ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُ عَيْنِيٍّ) وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ تَبَعًا لِلْكَافِي، وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ سَهْوٌ وَأَنَّهُ يُقَدِّمُ الْأَسْبَقَ كَمَا فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ الْأَسْبَقَ تَارِيخًا. وَرَدَّهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ هُوَ السَّاهِي فَإِنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ، فَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ بَرْهَنَا عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ اثْنَيْنِ، وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الْكُتُبِ، فَمَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ يُشِيرُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 574 مِنْ) رَجُلٍ (آخَرَ أَوْ وَقَّتَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ اسْتَوَيَا) إنْ تَعَدَّدَ الْبَائِعُ، وَإِنْ اتَّحَدَ فَذُو الْوَقْتِ أَحَقُّ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمُدَّعِي وَشُهُودِهِ مَا يُفِيدُ مِلْكَ بَائِعِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلَوْ شَهِدَ بِيَدِهِ فَقَوْلَانِ بَزَّازِيَّةٌ (فَإِنْ بَرْهَنَ خَارِجٌ عَلَى الْمِلْكِ وَذُو الْيَدِ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ، أَوْ بَرْهَنَا عَلَى سَبَبِ مِلْكٍ لَا يَتَكَرَّرُ كَالنِّتَاجِ) وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَنَسْجٍ لَا يُعَادُ وَغَزْلِ قُطْنٍ (وَحَلْبِ لَبَنٍ وَجَزِّ صُوفٍ) وَنَحْوِهَا وَلَوْ عِنْدَ بَائِعِهِ دُرَرٌ (فَذُو الْيَدِ أَحَقُّ) مِنْ الْخَارِجِ إجْمَاعًا إلَّا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ عَلَيْهِ فِعْلًا كَغَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ إجَارَةٍ وَنَحْوِهَا فِي رِوَايَةٍ دُرَرٌ أَوْ كَانَ سَبَبًا يَتَكَرَّرُ كَبِنَاءٍ وَغَرْسٍ -   [رد المحتار] إلَى أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِسَبْقِ التَّارِيخِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَسْبَقَ أَوْلَى، ثُمَّ رَجَّحَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْأَوَّلَ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَفِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ قَاضِي خَانْ ادَّعَيَا شِرَاءً مِنْ اثْنَيْنِ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ أَرَّخَا، وَأَحَدُهُمَا أَسْبَقُ فَهُوَ أَحَقُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يُعْتَبَرُ التَّارِيخُ يَعْنِي بَيْنَهُمَا، وَإِنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وِفَاقًا فَلَوْ لِأَحَدِهِمَا يَدٌ فَالْخَارِجُ أَوْلَى. ثُمَّ قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: فَمَا فِي الْمَبْسُوطِ يُؤَيِّدُهُ مَا فِي قَاضِي خَانْ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَمَا فِي الْهِدَايَةِ اخْتِيَارُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ قَالَ وَدَلِيلُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقَاضِي خَانْ وَهُوَ أَنَّ الْأَسْبَقَ تَارِيخًا يُضِيفُ الْمِلْكَ إلَى نَفْسِهِ فِي زَمَانٍ لَا يُنَازِعُهُ غَيْرُهُ أَقْوَى مِنْ دَلِيلِ مَا فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ أَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ لِبَائِعِهَا فَكَأَنَّهُمَا حَضَرَا وَادَّعَيَا الْمِلْكَ بِلَا تَارِيخٍ وَجْهُ قُوَّةِ الْأَوَّلِ غَيْرُ خَافٍ عَلَى مَنْ تَأَمَّلَ اهـ وَكَذَا بُحِثَ فِي دَلِيلِ مَا فِي الْهِدَايَةِ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ فَرَاجِعْهَا. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُصَنِّفِ بِاتِّفَاقِ التَّارِيخِ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَهُوَ أَوْلَى مِمَّا فَعَلَهُ الشَّارِحُ وَإِنْ وَافَقَ الْكَافِيَ وَالْهِدَايَةَ، وَأَمَّا الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالسَّهْوِ كَمَا فِي الْبَحْرِ فَمِمَّا لَا يَنْبَغِي (قَوْلُهُ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ) أَيْ غَيْرِ الَّذِي يَدَّعِي الشِّرَاءَ مِنْهُ صَاحِبُهُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ اسْتَوَيَا) لِأَنَّهُمَا فِي الْأُولَى يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ لِبَائِعِهِمَا، فَكَأَنَّهُمَا حَضَرَا وَلَوْ وَقَّتَ أَحَدُهُمَا فَتَوْقِيتُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ الْمِلْكِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَقْدَمَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَاحِدًا لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يُتَلَقَّى إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، فَإِذَا أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا تَارِيخًا يُحْكَمُ بِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ تَقَدَّمَهُ شِرَاءُ غَيْرِهِ بَحْرٌ. ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا اسْتَوَيَا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ يُخَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ اهـ (قَوْلُهُ مِلْكَ بَائِعِهِ) بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ يَمْلِكُهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ بَرْهَنَا) أَيْ الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ وَفِي الْبَحْرِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَرَّخَا وَاسْتَوَى تَارِيخُهُمَا أَوْ سَبَقَ أَوْ لَمْ يُؤَرِّخَا أَصْلًا أَوْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا فَلَا اعْتِبَارَ بِالتَّارِيخِ مَعَ النِّتَاجِ إلَّا مَنْ أَرَّخَ تَارِيخًا مُسْتَحِيلًا بِأَنْ لَمْ يُوَافِقْ سِنَّ الْمُدَّعِي وَقْتَ ذِي الْيَدِ، وَوَافَقَ وَقْتَ الْخَارِجِ فَحِينَئِذٍ يُحْكَمُ لِلْخَارِجِ، وَلَوْ خَالَفَ سُنَّةَ الْوَقْتَيْنِ لَغَتْ الْبَيِّنَتَانِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَيُتْرَكُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ عَلَى مَا كَانَ كَذَا فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فِي رِوَايَةٍ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَفِيهِ بَرْهَنَ الْخَارِجُ أَنَّ هَذِهِ أَمَتُهُ وَوَلَدَتْ هَذَا الْقِنَّ فِي مِلْكِي، وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى مِثْلِهِ يُحْكَمُ بِهَا لِلْمُدَّعِي، لِأَنَّهُمَا ادَّعَيَا فِي الْأَمَةِ مِلْكًا مُطْلَقًا فَيُقْضَى بِهَا لِلْمُدَّعِي، ثُمَّ يَسْتَحِقُّ الْقِنَّ تَبَعًا اهـ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ ذَا الْيَدِ إنَّمَا يُقَدَّمُ فِي دَعْوَى النِّتَاجِ عَلَى الْخَارِجِ إذَا لَمْ يَتَنَازَعَا فِي الْأُمِّ، أَمَّا لَوْ تَنَازَعَا فِي مِلْكٍ مُطْلَقٍ وَشَهِدُوا بِهِ وَبِنِتَاجِ وَلَدِهَا فَإِنَّهُ لَا يُقَدَّمُ، وَهَذِهِ يَجِبُ حِفْظُهَا اهـ (قَوْلُهَا كَالنِّتَاجِ) هُوَ وِلَادَةُ الْحَيَوَانِ، مِنْ نُتِجَتْ عِنْدَهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَلَدَتْ وَوَضَعَتْ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَالْمُرَادُ وِلَادَتُهُ فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي مِلْكِ بَائِعِهِ أَوْ مُوَرِّثِهِ وَبَيَانُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فِعْلًا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْخَارِجُ النِّتَاجَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فِي رِوَايَةٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي قَوْلٍ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ دُرَرٌ) اقْتَصَرَ عَلَيْهَا الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ وَشُرَّاحُ الْهِدَايَةِ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا كَتَبْنَاهُ فِيمَا يَأْتِي تَحْتَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، فَلَوْ لَمْ يُؤَرِّخَا قُضِيَ بِهَا لِذِي الْيَدِ، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ تَعْلِيلِ تَقْدِيمِ ذِي الْيَدِ فِي دَعْوَى النِّتَاجِ، بِأَنَّ الْيَدَ لَا تَدُلُّ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ فَكَانَ مُسَاوِيًا لِلْخَارِجِ فِيهَا، فَبِإِثْبَاتِهَا يَنْدَفِعُ الْخَارِجُ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ مَقْبُولَةٌ لِلدَّفْعِ، وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ الْفِعْلَ عَلَى ذِي الْيَدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 575 وَنَسْجِ خَزٍّ وَزَرْعِ بُرٍّ وَنَحْوِهِ أَوْ أَشْكَلَ عَلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَهُوَ لِلْخَارِجِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَإِنَّمَا عَدَلْنَا عَنْهُ بِحَدِيثِ النِّتَاجِ (وَإِنْ بَرْهَنَ كُلٌّ) مِنْ الْخَارِجَيْنِ أَوْ ذَوِي الْأَيْدِي أَوْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ عَيْنِيٌّ (عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ الْآخَرِ بِلَا وَقْتٍ سَقَطَا وَتُرِكَ الْمَالُ) الْمُدَّعَى بِهِ (فِي يَدِ مَنْ مَعَهُ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُقْضَى لِلْخَارِجِ. قُلْنَا: الْإِقْدَامُ عَلَى الشِّرَاءِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمِلْكِ لَهُ وَلَوْ أَثْبَتَا قَبْضًا تَهَاتَرَتَا اتِّفَاقًا دُرَرٌ (وَلَا يُرَجَّحُ بِزِيَادَةِ عَدَدِ الشُّهُودِ) فَإِنَّ التَّرْجِيحَ عِنْدَنَا بِقُوَّةِ الدَّلِيلِ لَا بِكَثْرَتِهِ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ أَقَامَ أَحَدُ الْمُدَّعِيَيْنِ شَاهِدَيْنِ وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً فَهُمَا سَوَاءٌ) فِي ذَلِكَ (وَكَذَا لَا تَرْجِيحَ بِزِيَادَةِ الْعَدَالَةِ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَصْلُ الْعَدَالَةِ؛ إذْ لَا حَدَّ لِلْأَعْدَلِيَّةِ. (دَارٌ فِي يَدِ آخَرَ ادَّعَى رَجُلٌ نِصْفَهَا، وَآخَرُ كُلَّهَا وَبَرْهَنَا فَلِلْأَوَّلِ رُبْعُهَا وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ) وَهُوَ أَنَّ النِّصْفَ سَالِمٌ لِمُدَّعِي الْكُلِّ بِلَا مُنَازَعَةٍ ثُمَّ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيُنَصَّفُ (وَقَالَا الثُّلُثُ لَهُ وَالْبَاقِي لِلثَّانِي بِطَرِيقِ الْعَوْلِ) لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ كُلًّا وَنِصْفًا فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْنِ وَتَعُولُ إلَى الثَّلَاثَةِ: وَاعْلَمْ أَنَّ أَنْوَاعَ الْقِسْمَةِ أَرْبَعَةٌ: مَا يُقْسَمُ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ إجْمَاعًا وَهُوَ ثَمَانٍ مِيرَاثٌ وَدُيُونٌ وَوَصِيَّةٌ -   [رد المحتار] حَيْثُ تَكُونُ بَيِّنَتُهُ أَرْجَحَ، وَإِنْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ النِّتَاجَ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا لِإِثْبَاتِهَا مَا هُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ أَصْلًا اهـ مُلَخَّصًا. وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا إذَا تَنَازَعَا فِي الْأُمِّ كَمَا مَرَّ وَمَا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ إعْتَاقًا مَعَ النِّتَاجِ وَبَيَانُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَنَسْجِ خَزٍّ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: الْخَزُّ اسْمُ دَابَّةٍ ثُمَّ سُمِّيَ الثَّوْبُ الْمُتَّخَذُ مِنْ وَبَرِهِ خَزًّا، قِيلَ هُوَ نَسْجٌ فَإِذَا بَلِيَ يُغْزَلُ مَرَّةً ثَانِيَةً ثُمَّ يُنْسَجُ اهـ عَزْمِيٌّ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ بِحَدِيثِ النِّتَاجِ) هُوَ مَا رَوَى جَابِرُ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى نَاقَةً فِي يَدِ رَجُلٍ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتَجَتْ عِنْدَهُ وَأَقَامَ الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتَجَتْهَا فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ» ، وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ فَصَارَتْ مَسْأَلَةُ النِّتَاجِ مَخْصُومَةً بَحْرٌ (قَوْلُهُ مِنْ الْآخَرِ) أَيْ مِنْ خَصْمِهِ الْآخَرِ (قَوْلُهُ بِلَا وَقْتٍ) فَلَوْ وَقَّتَا يَقْضِي لِذِي الْوَقْتِ الْآخَرِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَقْضِي لِلْخَارِجِ) لِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِمَا مُمْكِنٌ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ اشْتَرَى ذُو الْيَدِ مِنْ الْآخَرِ وَقَبَضَ ثُمَّ بَاعَ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: بِالْمِلْكِ لَهُ) فَصَارَ كَأَنَّهُمَا قَامَتَا عَلَى الْإِقْرَارَيْنِ وَفِيهِ التَّهَاتُرُ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا هُنَا (قَوْلُهُ تَهَاتَرَتَا) لِأَنَّ الْجَمْعَ غَيْرُ مُمْكِنٍ بَحْرٌ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْعَقَارِ، وَبَيَانُهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: فَهُمَا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ) قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُفِيدُ الْعِلْمَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ كَالْجَانِبِ الْآخَرِ اهـ. أَقُولُ: ظَاهِرُ مَا فِي الشُّمُنِّيِّ وَالزَّيْلَعِيِّ يُفِيدُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَلَنَا أَنَّ شَهَادَةَ كُلِّ شَاهِدَيْنِ عِلَّةٌ تَامَّةٌ كَمَا فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ، وَالتَّرْجِيحُ لَا يَقَعُ بِكَثْرَةِ الْعِلَلِ بَلْ بِقُوَّتِهَا، بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُتَوَاتِرًا وَالْآخَرُ آحَادًا أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُفَسَّرًا وَالْآخَرُ مُجْمَلًا فَيَتَرَجَّحُ الْمُفَسَّرُ عَلَى الْمُجْمَلِ وَالْمُتَوَاتِرُ عَلَى الْآحَادِ اهـ بِيرِيٌّ (قَوْلُهُ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ) اعْلَمْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتَبَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَ الْمُنَازَعَةِ وَهُوَ أَنَّ النِّصْفَ سَالِمٌ لِمُدَّعِي الْكُلِّ بِلَا مُنَازَعَةٍ فَيَبْقَى النِّصْفُ الْآخَرُ وَفِيهِ مُنَازَعَتُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَيَتَنَصَّفُ فَلِصَاحِبِ الْكُلِّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ الرُّبْعُ، وَهُمَا اعْتَبَرَا طَرِيقَ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَذَا لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ كُلًّا وَنِصْفًا، فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْنِ وَتَعُولُ إلَى ثَلَاثَةٍ فَلِصَاحِبِ الْكُلِّ سَهْمَانِ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ سَهْمٌ هَذَا هُوَ الْعَوْلُ وَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَضْرِبُ بِقَدْرِ حَقِّهِ فَصَاحِبُ الْكُلِّ لَهُ ثُلُثَانِ مِنْ الثَّلَاثَةِ، فَيُضْرَبُ الثُّلُثَانِ فِي الدَّارِ وَصَاحِبُ النِّصْفِ لَهُ ثُلُثٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَيُضْرَبُ الثُّلُثُ فِي الدَّارِ فَحَصَلَ ثُلُثُ الدَّارِ، لِأَنَّ ضَرْبَ الْكُسُورِ بِطَرِيقِ الْإِضَافَةِ فَإِنَّهُ إذَا ضُرِبَ الثُّلُثُ فِي السِّتَّةِ مَعْنَاهُ ثُلُثُ السِّتَّةِ وَهُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 576 وَمُحَابَاةٌ وَدَرَاهِمُ مُرْسَلَةٌ وَسِعَايَةٌ وَجِنَايَةُ رَقِيقٍ. وَبِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ إجْمَاعًا وَهُوَ مَسْأَلَةُ الْفُضُولِيِّينَ. وَبِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ عِنْدَهُ وَالْعَوْلِ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ ثَلَاثُ مَسَائِلَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَإِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِكُلِّ مَالِهِ أَوْ بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِ ذَلِكَ. وَبِطَرِيقِ الْعَوْلِ عِنْدَهُ وَالْمُنَازَعَةِ عِنْدَهُمَا وَهُوَ خَمْسٌ كَمَا بَسَطَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْعَيْنِيُّ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْقِسْمَةَ مَتَى وَجَبَتْ لِحَقٍّ ثَابِتٍ فِي عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ شَائِعًا فَعَوْلِيَّةٌ أَوْ مُمَيَّزًا أَوْ لِأَحَدِهِمَا شَائِعًا وَلِلْآخَرِ فِي الْكُلِّ فَمُنَازَعَةٌ وَعِنْدَهُمَا مَتَى ثَبَتَا مَعًا عَلَى الشُّيُوعِ فَعَوْلِيَّةٌ وَإِلَّا فَمُنَازَعَةٌ فَلْيُحْفَظْ (وَلَوْ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمَا فَهِيَ لِلثَّانِي) نِصْفٌ لَا بِالْقَضَاءِ وَنِصْفٌ بِهِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ وَلَوْ فِي يَدِ ثَلَاثَةٍ وَادَّعَى أَحَدُهُمْ كُلَّهَا، وَآخَرُ نِصْفَهَا وَآخَرُ ثُلُثَهَا وَبَرْهَنُوا قُسِمَتْ عِنْدَهُ بِالْمُنَازَعَةِ، وَعِنْدَهُمَا بِالْعَوْلِ وَبَيَانُهُ فِي الْكَافِي (وَلَوْ بَرْهَنَا عَلَى نِتَاجِ دَابَّةٍ) فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ غَيْرِهِمَا (وَأَرَّخَا قُضِيَ لِمَنْ وَافَقَ سِنُّهَا تَارِيخَهُ) بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ (فَلَوْ لَمْ يُؤَرِّخَا قُضِيَ بِهَا لِذِي الْيَدِ وَلَهُمَا أَنَّ فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ فِي يَدِ ثَالِثٍ إنْ لَمْ يُوَافِقْهُمَا) بِأَنْ خَالَفَ أَوْ أَشْكَلَ (فَلَهُمَا إنْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهَا أَوْ كَانَا خَارِجَيْنِ فَإِنْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا قُضِيَ بِهَا لَهُ) هُوَ الْأَصَحُّ.   [رد المحتار] اثْنَانِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ: وَمُحَابَاةٌ) الْوَصِيَّةُ بِالْمُحَابَاةِ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ الْعَبْدُ الَّذِي قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ، وَأَوْصَى لِآخَرَ أَنْ يُبَاعَ الْعَبْدُ الَّذِي يُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ حَتَّى حَصَلَتْ الْمُحَابَاةُ لَهُمَا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَالْوَصِيَّةُ بِالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَلْفٍ وَلِآخَرَ بِأَلْفَيْنِ كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُعْتَقَ مِنْ هَذَا الْعَبْدِ نِصْفُهُ وَأَوْصَى بِأَنْ يُعْتَقَ مِنْ هَذَا الْآخَرِ ثُلُثُهُ يُقْسَمُ ثُلُثُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ، وَيَسْقُطُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتُهُ مِنْ السِّعَايَةِ اهـ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ وَفِيهِ: مُدَبَّرٌ جَنَى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَدُفِعَتْ الْقِيمَةُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ كَانَتْ الْقِيمَةُ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ، وَأَمَّا مَا يُقْسَمُ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ عِنْدَهُمْ فَمَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ ذَكَرَهَا فِي الْجَامِعِ. فُضُولِيٌّ بَاعَ عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَم وَفُضُولِيٌّ آخَرُ بَاعَ نِصْفَهُ مِنْ آخَرَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَأَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَيْنِ جَمِيعًا يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِيَانِ فَإِذَا اخْتَارَا الْأَخْذَ أُخِذَ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِمُشْتَرِي الْكُلِّ وَرُبْعُهُ لِمُشْتَرِي النِّصْفِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا. وَفِي الْبَحْرِ: عَبْدٌ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ وَقَتَلَ آخَرَ خَطَأً فَدُفِعَ بِهِمَا يُقْسَمُ الْجَانِي بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ ثُلُثَاهُ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ وَثُلُثُهُ لِلْآخَرِ بَحْرٌ اهـ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَسْقَطَ ابْنُ وَهْبَانَ الْوَصِيَّةَ بِالْعِتْقِ وَبِهَا تَمَّ الثَّمَنَانِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ خَارِجٌ) . لِأَنَّ مُدَّعِيَ النِّصْفِ تَنْصَرِفُ دَعْوَاهُ إلَى مَا فِي يَدِهِ، وَلَا يَدَّعِي شَيْئًا مِمَّا فِي يَدِ صَاحِبِهِ (قَوْلُهُ: وَبَيَانُهُ فِي الْكَافِي) ذَكَرَهُ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَرْهَنَا) يُتَصَوَّرُ هَذَا بِأَنْ رَأَى الشَّاهِدَانِ أَنَّهُ ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِ أُنْثَى كَانَتْ فِي مِلْكِهِ، وَآخَرَانِ رَأَيَا أَنَّهُ ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِ أُنْثَى فِي مِلْكٍ آخَرَ فَتَحِلُّ الشَّهَادَةُ لِلْفَرِيقَيْنِ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالتَّارِيخِ مَعَ النِّتَاجِ إلَّا مِنْ أَرَّخَ تَارِيخًا مُسْتَحِيلًا إلَخْ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِذِي الْيَدِ) هَذَا قَيْدٌ لِمَا إذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا النِّتَاجَ فَقَطْ؛ إذْ لَوْ ادَّعَى الْخَارِجُ الْفِعْلَ عَلَى ذِي الْيَدِ كَالْغَصْبِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ، فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا لِإِثْبَاتِهَا الْفِعْلَ عَلَى ذِي الْيَدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ، وَنَقَلَهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ الذَّخِيرَةِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَقَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ هُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَرْجَحُ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ كِتَابِ الْوَلَاءِ لِخُوَاهَرْ زَادَهُ، أَنَّ ذَا الْيَدِ إذَا ادَّعَى النِّتَاجَ وَادَّعَى الْخَارِجُ أَنَّهُ مِلْكُهُ غَصَبَهُ مِنْهُ ذُو الْيَدِ أَوْ أَوْدَعَهُ لَهُ أَوْ أَعَارَهُ مِنْهُ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى وَإِنَّمَا تَتَرَجَّحُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى النِّتَاجِ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْخَارِجُ فِعْلًا عَلَى ذِي الْيَدِ أَمَّا لَوْ ادَّعَى فِعْلًا كَالشِّرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى، لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا لِأَنَّهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 577 قُلْت: وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا وَقَعَ فِي الْكَنْزِ وَالدُّرَرِ وَالْمُلْتَقَى فَتَبَصَّرْ (بَرْهَنَ أَحَدُ الْخَارِجَيْنِ عَلَى الْغَصْبِ) مِنْ زَيْدٍ (وَالْآخَرُ عَلَى الْوَدِيعَةِ) مِنْهُ (اسْتَوَيَا) لِأَنَّهَا بِالْجَحْدِ تَصِيرُ غَصْبًا (النَّاسُ أَحْرَارٌ) بِلَا بَيَانٍ (إلَّا فِي) أَرْبَعٍ (الشَّهَادَةُ وَالْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ وَالْقَتْلُ) كَذَا فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ وَفِي نُسْخَةٍ: وَالْعَقْلُ، وَعِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ الدِّيَةُ وَحِينَئِذٍ (فَلَوْ ادَّعَى عَلَى مَجْهُولِ الْحَالِ) أَحُرٌّ أَمْ لَا (أَنَّهُ عَبْدُهُ فَأَنْكَرَ وَقَالَ أَنَا حُرُّ الْأَصْلِ) (فَالْقَوْلُ لَهُ) لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ (وَاللَّابِسُ) لِلثَّوْبِ (أَحَقُّ مِنْ آخِذِ الْكُمِّ وَالرَّاكِبُ أَحَقُّ مِنْ آخِذِ اللِّجَامِ وَمَنْ فِي السَّرْجِ مِنْ رَدِيفِهِ وَذُو حَمْلِهَا مِمَّنْ عَلَّقَ كُوزَهُ) بِهَا لِأَنَّهُ أَكْثَرُ تَصَرُّفًا (وَالْجَالِسُ عَلَى الْبِسَاطِ وَالْمُتَعَلِّقُ بِهِ سَوَاءٌ) كَجَالِسَيْهِ وَرَاكِبَيْ سَرْجٍ (كَمَنْ مَعَهُ ثَوْبٌ وَطَرَفُهُ مَعَ الْآخَرِ لَا هُدْبَتُهُ) أَيْ طُرَّتُهُ الْغَيْرُ الْمَنْسُوجَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِثَوْبٍ (بِخِلَافِ جَالِسَيْ دَارٍ تَنَازَعَا فِيهَا) حَيْثُ لَا يُقْضَى لَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا   [رد المحتار] تُثْبِتُ الْفِعْلَ عَلَيْهِ اهـ وَانْظُرْ أَيْضًا مَا كَتَبْنَاهُ قَرِيبًا بِنَحْوِ وَرَقَةٍ (قَوْلُهُ مِمَّا وَقَعَ فِي الْكَنْزِ) حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ أَشْكَلَ فَلَهُمَا لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْهُمَا أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الْكَنْزِ، وَكَذَا قَوْلُ الْكَنْزِ فَلَهُمَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا. وَعِبَارَةُ الْمُلْتَقَى وَالْغُرَرِ: وَإِنْ أَشْكَلَ فَلَهُمَا، وَإِنْ خَالَفَهُمَا بَطَلَ قَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: فَيُقْضَى لِذِي الْيَدِ قَضَاءَ تَرْكٍ كَذَا اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي. قُلْت: لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ كَالْمُشْكِلِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّنْوِيرِ وَالدُّرَرِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهَا فَلْيُحْفَظْ اهـ. قُلْت: نَقَلَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ لِلتَّيَقُّنِ بِكَذِبِ الْبَيِّنَتَيْنِ فَيُتْرَكُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ وَقَالَ: وَمُحَصِّلُهُ اخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ (قَوْلُهُ: مِنْ زَيْدٍ) هَكَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ وَصَوَابُهُ عَلَى الْغَصْبِ مِنْ يَدِهِ أَيْ مِنْ يَدِ أَحَدِ الْخَارِجِينَ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْمِنَحُ: مَعْنَاهُ إذَا كَانَ عَيْنٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَقَامَ رَجُلَانِ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَحَدُهُمَا بِالْغَصْبِ مِنْهُ، وَالْآخَرُ الْوَدِيعَةِ اسْتَوَتْ دَعْوَاهُمَا حَتَّى يُقْضَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ تَصِيرُ غَصْبًا بِالْجُحُودِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ مَدَنِيٌّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ عَلَى الْغَصْبِ النَّاشِئِ مِنْ زَيْدٍ فَزَيْدٌ هُوَ الْغَاصِبُ، (فَمِنْ) لَيْسَتْ صِلَةَ الْغَصْبِ بَلْ ابْتِدَائِيَّةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: الشَّهَادَةُ) فَيُسْأَلُ عَنْ الشَّاهِدِ إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ بِالرِّقِّ لَا إنْ لَمْ يَطْعَنْ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: أَنَا حُرٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا، مَا لَمْ يُبَرْهِنْ وَإِذَا قَذَفَ ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ الْمَقْذُوفَ عَبْدٌ، لَا يُحَدُّ حَتَّى يُثْبِتَ الْمَقْذُوفُ حُرِّيَّتَهُ بِالْحُجَّةِ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَ إنْسَانٍ، وَكَذَا لَوْ قَتَلَهُ خَطَأً وَزَعَمَتْ الْعَاقِلَةُ أَنَّ الْمَقْتُولَ عَبْدٌ ط (قَوْلُهُ وَالدِّيَةُ) الثَّلَاثُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي الْمَالِ (قَوْلُهُ وَاللَّابِسُ لِلثَّوْبِ) قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فَيُقْضَى لَهُ قَضَاءَ تَرْكٍ لَا اسْتِحْقَاقٍ، حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقْضَى لَهُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَمَنْ فِي السَّرْجِ) نَقَلَ النَّاطِفِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ النَّوَادِرِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. أَقُولُ: لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى مِثْلُ مَا فِي الْمَتْنِ فَتَنَبَّهْ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا رَاكِبَيْنِ فِي السَّرْجِ فَإِنَّهَا بَيْنَهُمَا قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا فِي الْغَايَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ اشْتِرَاكُهُمَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُسَرَّجَةً شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَذُو حَمْلِهَا أَوْلَى مِمَّنْ عَلَّقَ كُوزَهُ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ بَعْضُ حَمْلِهَا إذْ لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا مَنٌّ وَالْآخَرِ مِائَةُ مَنٍّ كَانَتْ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ لَا هُدْبَتُهُ) يُقَالُ لَهُ بِالتُّرْكِيِّ سُجُقٌّ سَعْدِيَّةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ جَالِسَيْ دَارٍ) كَذَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ لَوْ ادَّعَيَا دَارًا وَأَحَدُهُمَا سَاكِنٌ فِيهَا فَهِيَ لِلسَّاكِنِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَحْدَثَ فِيهَا شَيْئًا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ حَفْرٍ فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَحَدَهُمَا دَاخِلٌ فِيهَا، وَالْآخَرَ خَارِجٌ عَنْهَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا وَكَذَا لَوْ كَانَا جَمِيعًا فِيهَا لِأَنَّ الْيَدَ عَلَى الْعَقَارِ لَا تَثْبُتُ بِالْكَوْنِ فِيهَا وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِالتَّصَرُّفِ اهـ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: كُلُّ مَوْضِعٍ قُضِيَ بِالْمِلْكِ لِأَحَدِهِمَا لِكَوْنِ الْمُدَّعَى فِي يَدِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لِصَاحِبِهِ إذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 578 وَهُنَا: عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا عَيْنِيٌّ (الْحَائِطُ لِمَنْ جُذُوعُهُ عَلَيْهِ أَوْ مُتَّصِلٌ بِهِ اتِّصَالَ تَرْبِيعٍ) بِأَنْ تَتَدَاخَلَ أَنْصَافُ لَبِنَاتِهِ فِي لَبِنَاتِ الْآخَرِ وَلَوْ مِنْ خَشَبٍ فَبِأَنْ تَكُونَ الْخَشَبَةُ مُرَكَّبَةً فِي الْأُخْرَى لِدَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّهُمَا بُنِيَا مَعًا وَلِذَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُبْنَى مُرَبَّعًا (لَا لِمَنْ لَهُ) اتِّصَالُ مُلَازَقَةٍ أَوْ نَقْبٍ وَإِدْخَالٍ أَوْ (هَرَادِيّ) كَقَصَبٍ وَطَبَقٍ يُوضَعُ عَلَى الْجُذُوعِ (بَلْ) يَكُونُ (بَيْنَ الْجَارَيْنِ لَوْ تَنَازَعَا) وَلَا يُخَصُّ بِهِ صَاحِبُ الْهَرَادِيّ بَلْ صَاحِبُ الْجِذْعِ وَالْوَاحِدُ أَحَقُّ مِنْهُ خَانِيَةٌ وَلَوْ لِأَحَدِهِمَا جُذُوعٌ وَلِلْآخَرِ اتِّصَالٌ فَلِذِي الِاتِّصَالِ وَلِلْآخَرِ حَقُّ الْوَضْعِ، وَقِيلَ لِذِي الْجُذُوعِ مُلْتَقًى وَتَمَامُهُ فِي الْعَيْنِيِّ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِرَفْعِ جُذُوعٍ وُضِعَتْ تَعَدٍّ فَلَا يَسْقُطُ بِإِبْرَاءٍ وَلَا صُلْحٍ وَعَفْوٍ وَبَيْعٍ -   [رد المحتار] طَلَبَ فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِهِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَهُنَا عُلِمَ) أَيْ فِي الْجُلُوسِ عَلَى الْبِسَاطِ، وَالْأَوْلَى وَهُنَاكَ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَكَذَا إذَا كَانَا جَالِسَيْنِ عَلَيْهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا جَالِسَيْنِ فِي دَارٍ وَتَنَازَعَا فِيهَا حَيْثُ لَا يُحْكَمُ لَهُمَا بِهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، وَهُنَا عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا اهـ (قَوْلُهُ لِمَنْ جُذُوعُهُ عَلَيْهِ) وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا جِذْعٌ أَوْ جِذْعَانِ دُونَ الثَّلَاثَةِ وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَجْذَاعٍ أَوْ أَكْثَرُ ذَكَرَ فِي النَّوَازِلِ: أَنَّ الْحَائِطَ يَكُونُ لِصَاحِبِ الثَّلَاثَةِ وَلِصَاحِبِ مَا دُونَ الثَّلَاثَةِ مَوْضِعُ جِذْعِهِ قَالَ: وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ آخِرًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَكُونَ الْحَائِطُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَبِهِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَقُولُ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى الِاسْتِحْسَانِ قَاضِي خَانْ فِي دَعْوَى الْحَائِطِ وَالطَّرِيقِ وَبِهِ أَفْتَى الْحَامِدِيُّ، وَإِذَا لَزِمَ تَعْمِيرُهُ فَعَلَى صَاحِبِ الْخَشَبَةِ عِمَارَةُ مَوْضِعِهَا كَمَا فِي الْحَامِدِيَّةِ يَعْنِي مَا تَحْتَهَا مِنْ أَسْفَلَ إلَى الْأَعْلَى مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ تَكْتَفِيَ بِهِ الْخَشَبَةُ كَمَا ظَهَرَ لِي سَائِحَانِيٌّ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ جِدَارٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ حُمُولَةٌ لِلْآخَرِ أَنْ يَضَعَ عَلَيْهِ مِثْلَ صَاحِبِهِ إنْ كَانَ الْحَائِطُ يَحْتَمِلُ، وَإِلَّا يُقَالُ لِذِي الْجُذُوعِ: إنْ شِئْتَ فَارْفَعْهَا لِيَسْتَوِيَ صَاحِبُك وَإِنْ شِئْتَ فَحُطَّ بِقَدْرِ مَا يُمَكِّنُ مَحْمَلَ الشَّرِيكِ اهـ مُلَخَّصًا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا جِدَارٌ بَيْنَهُمَا أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ سَقْفًا آخَرَ أَوْ غَرْفَةً يُمْنَعُ، وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمَا وَضْعَ السُّلَّمِ يُمْنَعُ إلَّا إذَا كَانَ فِي الْقَدِيمِ اهـ حَامِدِيَّةٌ وَأَفْتَى فِيهَا بِخِلَافِهِ نَقْلًا عَنْ الْعِمَادِيَّةِ فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ: أَوْ مُتَّصِلٌ بِهِ اتِّصَالَ تَرْبِيعٍ) ثُمَّ فِي اتِّصَالِ التَّرْبِيعِ هَلْ يَكْفِي مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ فَعَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ يَكْفِي، وَهَذَا أَظْهَرُ، وَإِنْ كَانَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُشْتَرَطُ مِنْ جَوَانِبِهِ الْأَرْبَعِ، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ لَهُمَا وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا قُضِيَ لَهُ خُلَاصَةٌ حَامِدِيَّةٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ، وَإِنْ كَانَ كِلَا الِاتِّصَالَيْنِ اتِّصَالَ تَرْبِيعٍ أَوْ اتِّصَالَ مُجَاوَرَةٍ يُقْضَى بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا تَرْبِيعٌ وَلِلْآخَرِ مُلَازَقَةٌ يُقْضَى لِصَاحِبِ التَّرْبِيعِ، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا تَرْبِيعٌ وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ جُذُوعٌ فَصَاحِبُ الِاتِّصَالِ أَوْلَى، وَصَاحِبُ الْجُذُوعِ أَوْلَى مِنْ اتِّصَالِ الْمُلَازَقَةِ ثُمَّ فِي اتِّصَالِ التَّرْبِيعِ هَلْ يَكْفِي مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ فَعَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ يَكْفِي وَهَذَا أَظْهَرُ وَإِنْ كَانَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُشْتَرَطُ مِنْ جَوَانِبِهِ الْأَرْبَعِ وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ لَهُمَا وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ لَهُ خُلَاصَةٌ بَزَّازِيَّةٌ كَذَا بِخَطِّ مُنْلَا عَلِيٌّ (قَوْلُهُ فِي لَبِنَاتِ الْآخَرِ) اُنْظُرْ مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ عَنْ الْكَرْخِيِّ وَقَدْ أَشْبَعَ الْكَلَامَ هُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: أَوْ نَقْبٍ) أَيْ بِأَنْ نَقَبَ وَأُدْخِلَتْ الْخَشَبَةُ وَهَذَا فِيمَا لَوْ كَانَ مِنْ خَشَبٍ (قَوْلُهُ أَوْ هَرَادِيّ) الْهَرَادِيّ جَمْعُ هَرْدِيَّةٍ قَصَبَاتٌ تُضَمُّ - مَلْوِيَّةً - بِطَاقَاتٍ مِنْ أَقْلَامٍ يُرْسَلُ عَلَيْهَا قُضْبَانُ الْكَرْمِ كَذَا فِي الْهَامِشِ وَفِي مُنْهَوَاتِ الْعَزْمِيَّةِ: الْهُرْدِيَّةُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ، وَالْهَرَادِيّ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الدَّالِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ لِأَحَدِهِمَا جُذُوعٌ) قَالَ مُنْلَا عَلِيٌّ: وَإِنْ كَانَتْ جُذُوعُ أَحَدِهِمَا أَسْفَلَ وَجُذُوعُ الْآخَرِ أَعْلَى بِطَبَقَةٍ وَتَنَازَعَا فِي الْحَائِطِ، فَإِنَّهُ لِصَاحِبِ الْأَسْفَلِ لِسَبْقِ يَدِهِ وَلَا تُرْفَعُ جُذُوعُ الْأَعْلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 579 وَإِجَارَةٍ أَشْبَاهٌ مِنْ أَحْكَامِ السَّاقِطِ لَا يَعُودُ فَلْيُحْفَظْ (وَذُو بَيْتٍ مِنْ دَارٍ) فِيهَا بُيُوتٌ كَثِيرَةٌ (كَذِي بُيُوتٍ) مِنْهَا (فِي حَقِّ سَاحَتِهَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ) كَالطَّرِيقِ (بِخِلَافِ الشُّرْبِ) إذَا تَنَازَعَا فِيهِ (فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ بِالْأَرْضِ) : بِقَدْرِ سَقْيِهَا (بَرْهَنَا) أَيْ الْخَارِجَانِ (عَلَى يَدٍ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا (فِي أَرْضٍ قُضِيَ بِيَدِهِمَا) فَتُنَصَّفُ (وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْيَدِ (أَحَدُهُمَا أَوْ كَانَ تَصَرَّفَ فِيهَا) بِأَنَّ لَبَّنَ أَوْ بَنَى (قُضِيَ بِيَدِهِ) لِوُجُودِ تَصَرُّفِهِ. (ادَّعَى الْمِلْكَ فِي الْحَالِ وَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ هَذَا الْعَيْنَ كَانَ مِلْكَهُ تُقْبَلُ) لِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِي زَمَانٍ يُحْكَمُ بِبَقَائِهِ مَا لَمْ يُوجَدْ الْمُزِيلُ دُرَرٌ (صَبِيٌّ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ) أَيْ يَعْقِلُ مَا يَقُولُ (قَالَ أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ لَهُ) لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ كَالْبَالِغِ (فَإِنْ قَالَ أَنَا عَبْدُ فُلَانٍ) لِغَيْرِ ذِي الْيَدِ   [رد المحتار] عِمَادِيَّةٌ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ وَالثَّلَاثِينَ وَمِثْلُهُ فِي الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ: وَإِجَارَةٍ) أَيْ إجَارَةِ دَارِهِ (قَوْلُهُ أَشْبَاهٍ مِنْ أَحْكَامِ السَّاقِطِ لَا يَعُودُ) رَجُلٌ اسْتَأْذَنَ جَارًا لَهُ فِي وَضْعِ جُذُوعٍ لَهُ عَلَى حَائِطِ الْجَارِ أَوْ فِي حَفْرِ سِرْدَابٍ تَحْتَ دَارِهِ فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَفَعَلَ، ثُمَّ إنَّ الْجَارَ بَاعَ دَارِهِ فَطَلَبَ الْمُشْتَرِي رَفْعَ الْجُذُوعِ وَالسِّرْدَابِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطْلُبَ ذَلِكَ قَاضِي خَانْ مِنْ بَابِ مَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا مِنْ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْقِسْمَةِ، وَفِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْعَارِيَّةِ، وَرَاجَعَ السَّيِّدُ أَحْمَدُ مُحَشِّيَهُ مُنْلَا عَلِيٌّ وَالْمَسْأَلَةُ سَتَأْتِي فِي الْعَارِيَّةِ (قَوْلُهُ فِي حَقِّ سَاحَتِهَا) إذَا لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُ الْأَنْصِبَاءِ مُنْيَةُ الْمُفْتِي (قَوْلُهُ كَالطَّرِيقِ) الطَّرِيقُ يُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ لَا بِقَدْرِ مِسَاحَةِ الْأَمْلَاكِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُ الْأَنْصِبَاءِ وَفِي الشُّرْبِ مَتَى جَهِلَ قَدْرَ الْأَنْصِبَاءِ يُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الْأَمْلَاكِ لَا الرُّءُوسِ مُنْيَةٌ. [فَرْعٌ] السَّابَاطُ إذَا كَانَ عَلَى حَائِطِ إنْسَانٍ فَانْهَدَمَ الْحَائِطُ ذَكَرَ صَاحِبُ الْكِتَابِ أَنَّ حَمْلَ السَّابَاطِ وَتَعْلِيقَهُ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ لِأَنَّ حَمْلَهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي أَبُو بَكْرٍ الْخُوَارِزْمِيَّ، وَيُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ يَمْلِكُ مُطَالَبَتَهُ بِبِنَاءِ الْحَائِطِ اهـ مِنْ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الْحِيطَانِ لِقَاسِمِ بْنِ قُطْلُوبُغَا اهـ مِنْ مَرَاصِدِ الْحِيطَانِ، وَقَوْلُهُ: وَيُرِيدُ بِهِ إلَخْ أَيْ بِقَوْلِهِ، لِأَنَّ حَمْلَهُ إلَخْ كَذَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الشُّرْبِ) دَارٌ فِيهَا عَشَرَةُ أَبْيَاتٍ لِرَجُلٍ وَبَيْتٌ وَاحِدٌ لِرَجُلٍ تَنَازَعَا فِي السَّاحَةِ، أَوْ ثَوْبٌ فِي يَدِ رَجُلٍ، وَطَرَفٌ مِنْهُ فِي يَدِ آخَرَ تَنَازَعَا فِيهِ فَذَلِكَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِفَضْلِ الْيَدِ كَمَا لَا اعْتِبَارَ بِفَضْلِ الشُّهُودِ لِبُطْلَانِ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ بَزَّازِيَّةٌ مِنْ الْفَصْلِ الثَّالِثَ عَشَرَ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ جُهِلَ أَصْلُ الْمِلْكِ أَمَّا لَوْ عُلِمَ كَمَا لَوْ كَانَتْ الدَّارُ الْمَذْكُورَةُ كُلُّهَا لِرَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ عَنْ أَوْلَادٍ تَقَاسَمُوا الْبُيُوتَ مِنْهَا فَالسَّاحَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْبُيُوتِ (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ سَقْيِهَا) فَعِنْدَ كَثْرَةِ الْأَرَاضِي تَكْثُرُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْأَرَاضِي بِخِلَافِ الِانْتِفَاعِ بِالسَّاحَةِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْلَاكِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ زَيْلَعِيٌّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى الرُّءُوسِ فِي السَّاحَةِ وَالشُّفْعَةِ وَأُجْرَةِ الْقَسَّامِ وَالنَّوَائِبِ أَيْ الْهَوَائِيَّةَ الْمَأْخُوذَةَ ظُلْمًا وَالْعَاقِلَةِ، وَمَا يُرْمَى مِنْ الْمَرْكَبِ خَوْفَ الْغَرَقِ وَالطَّرِيقِ كَذَا بِخَطِّ الشَّيْخِ شَاهَيْنِ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ أَيْ الْخَارِجَانِ) كَذَا فِي الدُّرَرِ وَالْمِنَحِ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ كَغَيْرِهِمَا تُفِيدُ أَنَّهُمَا ذُو يَدٍ، وَفِي الْفُصُولَيْنِ: ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَهُ وَفِي يَدِهِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ، وَإِلَّا فَالْيَمِينُ؛ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا مُقِرٌّ بِتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ عَلَيْهِ لَمَّا ادَّعَى الْيَدَ لِنَفْسِهِ، فَلَوْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا حُكِمَ لَهُ بِالْيَدِ وَيَصِيرُ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَالْآخَرُ مُدَّعِيًا، وَلَوْ بَرْهَنَا يُجْعَلُ الْمُدَّعِي فِي يَدِهِمَا لِتَسَاوِيهِمَا فِي إثْبَاتِ الْيَدِ، وَفِي دَعْوَى الْمِلْكِ فِي الْعَقَارِ لَا تُسْمَعُ إلَّا عَلَى ذِي الْيَدِ وَدَعْوَى الْيَدِ تُقْبَلُ عَلَى غَيْر ذِي الْيَدِ لَوْ نَازَعَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ فِي الْيَدِ فَيُجْعَلُ مُدَّعِيًا لِلْيَدِ مَقْصُودًا وَمُدَّعِيًا لِلْمِلْكِ تَبَعًا اهـ. وَفِي الْكِفَايَةِ وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ فَإِنْ طَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ يَمِينَ صَاحِبِهِ مَا هِيَ فِي يَدِهِ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا هِيَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ عَلَى الْبَتَاتِ، فَإِنْ حَلَفَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 580 (قُضِيَ بِهِ لِذِي الْيَدِ) كَمَنْ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لِإِقْرَارِهِ بِعَدَمِ يَدِهِ (فَلَوْ كَبِرَ وَادَّعَى الْحُرِّيَّةَ تُسْمَعُ مَعَ الْبُرْهَانِ) لِمَا تُقُرِّرَ أَنَّ التَّنَاقُضَ فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى. بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ الدِّعْوَةُ نَوْعَانِ دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِ الْمُدَّعِي وَدَعْوَةُ تَحْرِيرٍ وَهُوَ بِخِلَافِهِ وَالْأُولَى أَقْوَى لِسَبْقِهِ وَاسْتِنَادِهَا لِوَقْتِ الْعُلُوقِ وَاقْتِصَارِ دَعْوَى التَّحْرِيرِ عَلَى الْحَالِ وَسَيَتَّضِحُ (مَبِيعَةٌ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ بِيعَتْ فَادَّعَاهُ) الْبَائِعُ (ثَبَتَ نَسَبُهُ) مِنْهُ اسْتِحْسَانًا لِعُلُوقِهَا فِي مِلْكِهِ وَمَبْنَى النَّسَبِ عَلَى الثَّمَنَ (وَ) لَكِنْ (إذَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَهُ ثَبَتَ) نَسَبُهُ (مِنْهُ) لِوُجُودِ مِلْكِهِ وَأُمِّيَّتِهَا   [رد المحتار] لَمْ يُقْضَ بِالْيَدِ لَهُمَا وَبَرِئَ كُلٌّ عَنْ دَعْوَى صَاحِبِهِ وَتُوقَفُ الدَّارُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ الْمَالُ، فَإِنْ نَكَلَا قُضِيَ لِكُلٍّ بِالنِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِكُلِّهَا لِلْحَالِفِ نِصْفُهَا الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ وَنِصْفُهَا الَّذِي كَانَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ بِنُكُولِهِ، وَإِنْ كَانَ الدَّارُ فِي يَدِ ثَالِثٍ لَمْ تُنْزَعْ مِنْ يَدِهِ لِأَنَّ نُكُولَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ الثَّالِثِ اهـ فَعُلِمَ أَنَّ الْخَارِجَيْنِ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ فَالْأَوْلَى حَذْفُهُ (قَوْلُهُ قُضِيَ بِهِ) لَا يُقَالُ الْإِقْرَارُ بِالرِّقِّ مِنْ الْمَضَارِّ فَلَا يُعْتَبَرُ مِنْ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلِهِ بَلْ بِدَعْوَى ذِي الْيَدِ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مِنْ الْمَضَارِّ لِإِمْكَانِ التَّدَارُكِ بَعْدَهُ بِدَعْوَى الْحُرِّيَّةِ. وَلَا يُقَالُ الْأَصْلُ فِي الْآدَمِيِّ الْحُرِّيَّةُ فَلَا تُقْبَلُ الدَّعْوَى بِلَا بَيِّنَةٍ وَكَوْنُهُ فِي يَدِهِ لَا يُوجِبُ قَبُولَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ كَاللَّقِيطِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُلْتَقِطِ: إنَّهُ عَبْدُهُ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ. لِأَنَّا نَقُولُ: إذَا اُعْتُرِضَ عَلَى الْأَصْلِ دَلِيلٌ خَالَفَهُ بَطَلَ، وَثُبُوتُ الْيَدِ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّقِيطَ إذَا عَبَّرَ عَنْ نَفْسِهِ وَأَقَرَّ بِالرِّقِّ يُخَالِفُهُ فِي الْحُكْمِ وَإِنْ لَمْ يُعَبِّرْ فَلَيْسَ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ أَمِينٌ زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا. [بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ] ِ (قَوْلُهُ الدِّعْوَةُ) أَيْ بِكَسْرِ الدَّالِ فِي النَّسَبِ وَبِفَتْحِهَا الدَّعْوَةُ إلَى الطَّعَامِ (قَوْلُهُ: فِي مِلْكِ الْمُدَّعِي) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمَا إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَوَلَدَتْ وَادَّعَاهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مِلْكُهُ فِيهَا وَيَثْبُتُ عِتْقُ الْوَلَدِ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِوَلَدِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَجَعَلَهَا الأتقاني دَعْوَةَ شُبْهَةٍ (قَوْلُهُ وَاسْتِنَادُهَا) عَطْفُ عِلَّةٍ عَلَى مَعْلُولٍ قَالَ فِي الدُّرَرِ: وَالْأَوَّلُ أَقْوَى لِأَنَّهُ أَسْبَقُ لِاسْتِنَادِهَا ح (قَوْلُهُ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) أَفَادَ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْمُدَّةِ وَإِلَّا فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْكَافِي قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتهَا مِنْكَ مُنْذُ شَهْرٍ، وَالْوَلَدُ مِنِّي، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتَهَا مِنِّي لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، وَالْوَلَدُ لَيْسَ مِنْك فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلْبَائِعِ، وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ تَنَازَعَا وَقُيِّدَ بِدَعْوَى الْبَائِعِ؛ إذْ لَوْ ادَّعَاهُ ابْنُهُ وَكَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي صَدَّقَهُ الْبَائِعُ أَوَّلًا فَدَعْوَتُهُ بَاطِلَةٌ وَتَمَامُهُ فِيهَا (قَوْلُهُ فَادَّعَاهُ) أَفَادَ بِالْفَاءِ أَنَّ دَعْوَتَهُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ مَوْقُوفَةٌ، فَإِنْ وَلَدَتْ حَيًّا ثَبَتَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ أَنَّ الْأَمَةَ لَوْ كَانَتْ بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَشَرَاهَا أَحَدُهُمْ فَوَلَدَتْ فَادَّعَوْهُ جَمِيعًا ثَبَتَ مِنْهُمْ عِنْدَهُ وَخَصَّاهُ بِاثْنَيْنِ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي النَّظْمِ وَبِالْإِطْلَاقِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَدِّقْ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ، وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ الْعُلُوقُ عِنْدَكَ كَانَ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ فَإِنْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا فَبَيِّنَتُهُ، وَإِنْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الثَّانِي وَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ عِنْدَ الثَّالِثِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ شَرْحُ الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ الْبَائِعُ) وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: ثَبَتَ نَسَبُهُ) صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا كَمَا فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ وَأَطْلَقَ فِي الْبَائِعِ، فَشَمِلَ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ وَالْحَرَّ وَالْمُكَاتَبَ كَذَا رَأَيْتُهُ مَعْزُوًّا لِلِاخْتِيَارِ (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) أَيْ لَا قِيَاسًا لِأَنَّ بَيْعَهُ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّهَا أَمَةٌ فَيَصِيرُ مُنَاقِضًا (قَوْلُهُ: وَأُمِّيَّتُهَا) عَطْفٌ عَلَى فَاعِلِ ثَبَتَ ح وَهَذَا لَوْ جُهِلَ الْحَالُ لِمَا سَبَقَ فِي الِاسْتِيلَادِ أَنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 581 بِإِقْرَارِهِ وَقِيلَ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ نَكَحَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا (وَلَوْ ادَّعَاهُ مَعَهُ) أَيْ مَعَ ادِّعَاءِ الْبَائِعِ (أَوْ بَعْدَهُ لَا) لِأَنَّ دَعْوَتَهُ تَحْرِيرٌ، وَالْبَائِعُ اسْتِيلَادٌ فَكَانَ أَقْوَى كَمَا مَرَّ (وَكَذَا) يَثْبُتُ مِنْ الْبَائِعِ (لَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ بِخِلَافِ مَوْتِ الْوَلَدِ) لِفَوَاتِ الْأَصْلِ (وَيَأْخُذُهُ) الْبَائِعُ بَعْدَ مَوْتِ أُمِّهِ (وَيَسْتَرِدُّ الْمُشْتَرِي كُلَّ الثَّمَنِ) وَقَالَا حِصَّتَهُ (وَإِعْتَاقُهُمَا) أَيْ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ وَالْوَلَدَ (كَمَوْتِهِمَا) فِي الْحُكْمِ (وَالتَّدْبِيرُ كَالْإِعْتَاقِ) لِأَنَّهُ أَيْضًا لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ وَيَرُدُّ حِصَّتَهُ اتِّفَاقًا مُلْتَقَى وَغَيْرُهُ وَكَذَا حِصَّتُهَا أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْبُرْهَانِ وَنَقَلَهُ فِي الدُّرَرِ وَالْمِنَحِ عَنْ الْهِدَايَةِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْكَافِي عَنْ الْمَبْسُوطِ وَعِبَارَةُ الْمَوَاهِبِ وَإِنْ ادَّعَاهُ بَعْدَ عِتْقِهَا أَوْ مَوْتِهَا ثَبَتَ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ رَدُّ الثَّمَنِ وَاكْتَفَيَا بِرَدِّ حِصَّتِهِ وَقِيلَ: لَا يَرُدُّ حِصَّتَهَا فِي الْإِعْتَاقِ بِالِاتِّفَاقِ اهـ فَلْيُحْفَظْ (وَلَوْ وَلَدَتْ) الْأَمَةُ الْمَذْكُورَةُ (لِأَكْثَرَ مِنْ حَوْلَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ النَّسَبُ) بِتَصْدِيقِهِ (وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ -   [رد المحتار] لَوْ زَنَى بِأَمَةٍ فَوَلَدَتْ فَمَلَكَهَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ وَإِنْ مَلَكَ الْوَلَدَ عَتَقَ عَلَيْهِ وَمَرَّ فِيهِ مَتْنًا. اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَقَالَ: ظَنَنْتُ حِلَّهَا لِي فَلَا نَسَبَ وَإِنْ مَلَكَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ قَالَ الشَّارِحُ ثَمَّةَ وَإِنْ مَلَكَ أُمَّهُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَسَبِهِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِإِقْرَارِهِ) ثُمَّ لَا تَصِحُّ دَعْوَى الْبَائِعِ بَعْدَهُ لِاسْتِغْنَاءِ الْوَلَدِ بِثُبُوتِ نَسَبِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَاهُ) أَيْ وَقَدْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ الْأَقَلِّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَوْتِ الْوَلَدِ) أَيْ وَقَدْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ الْأَقَلِّ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي الْأُمِّ لِفَوَاتِ الْأَصْلِ، فَإِنَّهُ اسْتَغْنَى بِالْمَوْتِ عَنْ النَّسَبِ، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ التَّعْلِيلَ بِالِاسْتِغْنَاءِ كَمَا لَا يَخْفَى فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ كُلَّ الثَّمَنِ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ وَمَالِيَّتُهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُ فِي الْعَقْدِ وَالْغَصْبِ فَلَا يَضْمَنُهَا الْمُشْتَرِي وَعِنْدَهُمَا مُتَقَوِّمَةٌ فَيَضْمَنُهَا هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَا حِصَّتَهُ) أَيْ حِصَّةَ الْوَلَدِ أَيْ لَا يَرُدُّ حِصَّةَ الْأُمِّ (قَوْلُهُ الْأُمَّ وَالْوَلَدَ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ مَانِعَةُ الْخُلُوِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا حَقِيقِيَّةٌ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَوْتِهِمَا) حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ الْأُمَّ لَا الْوَلَدَ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ أَنَّهُ ابْنُهُ صَحَّتْ دَعَوْتُهُ، وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَلَوْ أَعْتَقَ الْوَلَدَ لَا الْأُمَّ لَمْ تَصِحَّ دَعَوْته لَا فِي حَقِّ الْوَلَدِ وَلَا فِي حَقِّ الْأُمِّ كَمَا فِي الْمَوْتِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ: وَيَرُدُّ حِصَّتَهُ) أَيْ فِيمَا لَوْ أَعْتَقَ الْأُمَّ أَوْ دَبَّرَهَا لَا الْوَلَدَ (قَوْلُهُ: وَكَذَا حِصَّتُهَا) فَصَارَ حَاصِلُ هَذَا أَنَّ الْبَائِعَ يَرُدُّ كُلَّ الثَّمَنِ وَهُوَ حِصَّةُ الْأُمِّ وَحِصَّةُ الْوَلَدِ فِي الْمَوْتِ وَالْعِتْقِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَيَرُدُّ حِصَّةَ الْوَلَدِ فَقَطْ فِيهِمَا عِنْدَهُمَا. وَعَلَى مَا فِي الْكَافِي يَرُدُّ حِصَّتَهُ فَقَطْ فِي الْإِعْتَاقِ عِنْدَ الْإِمَامِ كَقَوْلِهِمَا (قَوْلُهُ أَيْضًا) أَيْ فِي التَّدْبِيرِ وَالْإِعْتَاقِ، وَأَمَّا فِي الْمَوْتِ فَيَرُدُّ حِصَّتَهَا أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الدُّرَرِ حَيْثُ قَالَ: وَفِيمَا إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ أَوْ دَبَّرَهَا يَرُدُّ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَهُ يَرُدُّ كُلَّ الثَّمَنِ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمَوْتِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ح (قَوْلُهُ: وَنَقَلَهُ فِي الدُّرَرِ) وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ يَرُدُّ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ لَا حِصَّتَهَا بِالِاتِّفَاقِ وَفَرَّقَ عَلَى هَذَا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْعِتْقِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ كَذَّبَ الْبَائِعَ فِيمَا زَعَمَ حَيْثُ جَعَلَهَا مُعْتَقَةً مِنْ الْمُشْتَرِي فَبَطَلَ زَعْمُهُ وَلَمْ يُوجَدْ التَّكْذِيبُ فِي فَصْلِ الْمَوْتِ فَيُؤَاخَذُ بِزَعْمِهِ فَيَسْتَرِدُّ حِصَّتَهَا كَذَا فِي الْكَافِي اهـ. لَكِنْ رَجَّحَ فِي الزَّيْلَعِيِّ كَلَامَ الْمَبْسُوطِ وَجَعَلَهُ هُوَ الرِّوَايَةَ فَقَالَ بَعْدَ نَقْلِ التَّصْحِيحِ عَنْ الْهِدَايَةِ وَهُوَ مُخَالِفُ الرِّوَايَةِ وَكَيْفَ يُقَالُ يَسْتَرِدُّ جَمِيعَ الثَّمَنِ، وَالْبَيْعُ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْجَارِيَةِ حَيْثُ لَمْ يَبْطُلْ إعْتَاقُهُ بَلْ يَرُدُّ حِصَّةَ الْوَلَدِ فَقَطْ بِأَنْ يَقْسِمَ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَتِهِمَا وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْأُمِّ يَوْمَ الْقَبْضِ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ صَارَ لَهُ قِيمَةٌ بِالْوِلَادَةِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ عِنْدَ ذَلِكَ اهـ (قَوْلُهُ مَا فِي الْكَافِي) وَهُوَ رَدُّ حِصَّتِهِ لَا حِصَّتِهَا بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ: لِأَكْثَرَ مِنْ حَوْلَيْنِ) مِثْلُهُ تَمَامُ السَّنَتَيْنِ إذَا لَمْ يُوجَدْ اتِّصَالُ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ يَقِينًا، وَهُوَ الشَّاهِدُ وَالْحُجَّةُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ: ثَبَتَ النَّسَبُ) وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ صَحَّ، وَكَانَتْ دَعْوَةَ اسْتِيلَادٍ، وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 582 نِكَاحًا) حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ. بَقِيَ لَوْ وَلَدَتْ فِيمَا بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ إنْ صَدَّقَهُ فَحُكْمُهُ كَالْأَوَّلِ لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ قَبْلَ بَيْعِهِ وَإِلَّا لَا، وَلَوْ تَنَازَعَا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي اتِّفَاقًا وَكَذَا الْبَيِّنَةُ لَهُ عِنْدَ الثَّانِي خِلَافًا لِلثَّالِثِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَشَرْحُ مَجْمَعٍ، وَفِيهِ لَوْ وَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الْأَوَّلَ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا بِلَا تَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي. (بَاعَ مَنْ وُلِدَ عِنْدَهُ وَادَّعَاهُ بَعْدَ بَيْعِ مُشْتَرِيهِ ثَبَتَ نَسَبُهُ) لِكَوْنِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ (وَرَدَّ بَيْعَهُ) لِأَنَّ الْبَيْعَ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ (وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ كَاتَبَ الْوَلَدَ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ آجَرَهُ أَوْ كَاتَبَ الْأُمَّ أَوْ رَهَنَهَا أَوْ آجَرَهَا أَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ ادَّعَاهُ) فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ وَتُرَدُّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ كَمَا مَرَّ (بَاعَ أَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ الْمَوْلُودَيْنِ) يَعْنِي عَلَقًا وَوَلَدًا (عِنْدَهُ وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ) الْوَلَدَ (الْآخَرَ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا وَبَطَلَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي) بِأَمْرٍ فَوْقَهُ وَهُوَ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ   [رد المحتار] أَوْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا صَحَّتْ دَعْوَةُ الْمُشْتَرِي لَا الْبَائِعِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: نِكَاحًا) بِأَنْ زَوَّجَهُ إيَّاهَا الْمُشْتَرِي وَإِلَّا كَانَ زِنًا (قَوْلُهُ فَحُكْمُهُ كَالْأَوَّلِ) فَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ، وَالْأَمَةُ أُمُّ وَلَدٍ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: قَبْلَ بَيْعِهِ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا عَلِمَتْ الْمُدَّةَ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِأَكْثَرَ إلَى سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ، فَإِنْ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي تَصِحُّ، وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَلَوْ الْمُشْتَرِي صَحَّتْ دَعْوَتُهُ، وَلَوْ الْبَائِعُ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ كَذَّبَهُ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ أَوْ ادَّعَاهُ أَوْ سَكَتَ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ تَنَازَعَا ح (قَوْلُهُ وَلَوْ تَنَازَعَا) أَيْ فِي كَوْنِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِأَكْثَرَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ: وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ) أَيْ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَاتَبَ) أَيْ الْمُشْتَرِي. وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ كَذَلِكَ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وُلِدَ عِنْدَهُ وَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ فَهُوَ ابْنُهُ وَبَطَلَ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَمَالُهُ مِنْ حَقِّ الدِّعْوَةِ لَا يَحْتَمِلُهُ فَيَنْتَقِضُ الْبَيْعُ لِأَجْلِهِ وَكَذَلِكَ إذَا كَاتَبَ الْوَلَدَ أَوْ رَهَنَهُ وَآجَرَهُ أَوْ كَاتَبَ الْأُمَّ أَوْ رَهَنَهَا أَوْ زَوَّجَهَا، ثُمَّ كَانَتْ الدِّعْوَةُ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَوَارِضَ تَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَيُنْقَصُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَتَصِحُّ الدِّعْوَةُ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: ضَمِيرُ كَاتَبَ إنْ كَانَ رَاجِعًا إلَى الْمُشْتَرِي وَكَذَا فِي قَوْلِهِ أَوْ كَاتَبَ الْأُمَّ يَصِيرُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وُلِدَ عِنْدَهُ وَكَاتَبَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ بَيْعُ الْوَلَدِ لَا بَيْعُ الْأُمِّ، فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ وَكَاتَبَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ، وَإِنْ كَانَ رَاجِعًا إلَى مَنْ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا فَالْمَسْأَلَةُ أَنَّ رَجُلًا كَاتَبَ مَنْ وُلِدَ عِنْدَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ آجَرَهُ ثُمَّ كَانَتْ الدِّعْوَةُ فَحِينَئِذٍ لَا يَحْسُنُ قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْإِعْتَاقِ الَّتِي مَرَّتْ مَا إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْوَلَدَ لِأَنَّ الْفَرْقَ صَحِيحٌ إذْ يَكُونُ بَيْنَ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي وَكِتَابَتِهِ لَا بَيْنَ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي وَكِتَابَةِ الْبَائِعِ. إذَا عَرَفْتَ هَذَا فَمَرْجِعُ الضَّمِيرِ فِي كَاتَبَ الْوَلَدَ هُوَ الْمُشْتَرِي، وَفِي كَاتَبَ الْأُمَّ مَنْ فِي قَوْلِهِ مَنْ فِي قَوْلِهِ مَنْ بَاعَ اهـ. أَقُولُ: الْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهِمَا الْمُشْتَرِي وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ بَيْعُ الْوَلَدِ لَا بَيْعُ الْأُمِّ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ بَيْعُهُ مَعَ أُمِّهِ بِقَرِينَةِ سَوْقِ الْكَلَامِ وَدَلِيلِ كَرَاهَةِ التَّفْرِيقِ بِحَدِيثِ سَيِّدِ الْأَنَامِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. نَعَمْ كَانَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ أَنْ يُقَالَ بِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِهِ بَعْدَ بَيْعِ مُشْتَرِيه وَكَذَا بَعْدَ كِتَابَةِ الْوَلَدِ وَرَهْنِهِ إلَخْ لَكِنَّهُ سَهْوٌ، وَانِي عَلَى الدُّرَرِ (قَوْلُهُ: أَوْ كَاتَبَ الْأُمَّ) أَيْ لَوْ كَانَتْ بِيعَتْ مَعَ الْوَلَدِ فَالضَّمِيرُ فِي الْكُلِّ وَبِهِ لِلْمُشْتَرِي وَبِهِ يَسْقُطُ مَا فِي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ (قَوْلُهُ يَعْنِي عَلَقًا) مُحْتَرَزُهُ قَوْلُهُ لَوْ اشْتَرَاهَا حُبْلَى (قَوْلُهُ ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ) لِأَنَّ دَعْوَةَ الْبَائِعِ صَحَّتْ فِي الَّذِي لَمْ يَبِعْهُ لِمُصَادِفَةِ الْعُلُوقِ وَالدَّعْوَى مِلْكُهُ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ ثُبُوتُ الْآخَرِ لِأَنَّهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ عِتْقِ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ وَاحِدًا، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ) أَيْ الثَّابِتَةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 583 لِأَنَّهُمَا عَلِقَا فِي مِلْكِهِ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهَا حُبْلَى لَمْ يَبْطُلْ عِتْقُهُ لِأَنَّهَا دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ فَتَقْتَصِرُ عَيْنِيٌّ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ قَالَ: وَحِيلَةُ إسْقَاطِ دَعْوَى الْبَائِعِ أَنْ يُقِرَّ الْبَائِعُ أَنَّهُ ابْنُ عَبْدِهِ فُلَانٍ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ أَبَدًا مُجْتَبًى وَقَدْ أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (قَالَ) عَمْرٌو (لِصَبِيٍّ مَعَهُ) أَوْ مَعَ غَيْرِهِ عَيْنِيٌّ (هُوَ ابْنُ زَيْدٍ) الْغَائِبِ (ثُمَّ قَالَ هُوَ ابْنِي لَمْ يَكُنْ ابْنَهُ) أَبَدًا (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (جَحَدَ زَيْدٌ بُنُوَّتَهُ) خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ حَتَّى لَوْ صَدَّقَهُ بَعْدَ تَكْذِيبِهِ صَحَّ، وَلِذَا لَوْ قَالَ لِصَبِيٍّ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي ثُمَّ قَالَ لَيْسَ مِنِّي لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهِ لَا يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِقْرَارِ بِهِ ثَانِيًا وَلَا سَهْوَ فِي عِبَارَةِ الْعِمَادِيِّ كَمَا زَعَمَهُ مُنْلَا خُسْرو كَمَا أَفَادَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَهَذَا إذَا صَدَّقَهُ الِابْنُ وَأَمَّا بِدُونِهِ فَلَا إلَّا إذَا عَادَ الِابْنُ إلَى التَّصْدِيقِ لِبَقَاءِ إقْرَارِ الْأَبِ، وَلَوْ أَنْكَرَ الْأَبُ الْإِقْرَارَ فَبَرْهَنَ عَلَيْهِ الِابْنُ قَبْلُ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ أَخُوهُ فَلَا يُقْبَلُ، لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ. [فُرُوعٌ] لَوْ قَالَ لَسْتُ وَارِثَهُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ وَارِثُهُ وَبَيَّنَ جِهَةَ الْإِرْثِ صَحَّ -   [رد المحتار] بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَأَمَّا حُرِّيَّةُ الْإِعْتَاقِ فَعَارِضَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا عَلِقَا فِي مِلْكِهِ) بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ وَاحِدًا حَيْثُ لَا يَبْطُلُ فِيهِ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَوْ بَطَلَ فِيهِ بَطَلَ مَقْصُودًا لِأَجْلِ حَقِّ الدِّعْوَةِ لِلْبَائِعِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُنَا تَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ فِي الَّذِي لَمْ يُبَعْ ثُمَّ تَتَعَدَّى إلَى الْآخَرِ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا، وَلَمْ يَثْبُتْ مَقْصُودًا عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهَا) أَيْ الْبَائِعُ، وَقَوْلُهُ حُبْلَى وَجَاءَتْ بِهِمَا لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ لَمْ يَبْطُلْ) قَالَ الْأَكْمَلُ: وَنُوقِضَ بِمَا إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ أَحَدَ تَوْأَمَيْنِ وَاشْتَرَى أَبُوهُ الْآخَرَ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا الَّذِي فِي يَدِهِ بِأَنَّهُ ابْنُهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا مِنْهُ وَيَعْتِقَانِ، وَلَمْ تَقْتَصِرْ الدَّعْوَى، وَأُجِيبَ: بِأَنَّ ذَلِكَ لِمُوجِبٍ آخَرَ، وَهُوَ إنْ كَانَ الْأَبَ فَالِابْنُ قَدْ مَلَكَ أَخَاهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ الِابْنَ فَالْأَبُ قَدْ مَلَكَ حَافِدَهُ فَيَعْتِقُ، وَلَوْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ ادَّعَى أَبُو الْبَائِعِ الْوَلَدَيْنِ وَكَذَّبَاهُ أَيْ ابْنَهُ، الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ بِالْقِيمَةِ وَثَبَتَ نَسَبُهُمَا وَعَتَقَ الَّذِي فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَلَا يَعْتِقُ الْمَبِيعُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ مِلْكِهِ الظَّاهِرِ، بِخِلَافِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَائِعِ إذَا كَانَ هُوَ الْمُدَّعِيَ أَنَّ النَّسَبَ ثَبَتَ فِي دَعْوَى الْبَائِعِ بِعُلُوقٍ فِي مِلْكِهِ وَهُنَا حُجَّةُ الْأَبِ أَنَّ شُبْهَةَ «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» تَظْهَرُ فِي مَالِ ابْنِهِ الْبَائِعِ فَقَطْ وَتَمَامُهُ فِي نُسْخَةِ السَّائِحَانِيِّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ) لِعَدَمِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ (قَوْلُهُ فَتَقْتَصِرُ) بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ حَيْثُ يَعْتِقَانِ جَمِيعًا لِمَا ذُكِرَ أَنَّهَا دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ فَتَسْتَنِدُ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ عِتْقُهُمَا بِطَرِيقِ أَنَّهُمَا حُرَّا الْأَصْلِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ حُرًّا عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ أَبَدًا) أَيْ وَإِنْ جَحَدَ الْعَبْدُ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) هُمَا قَالَا إذَا جَحَدَ زَيْدٌ بُنُوَّتَهُ فَهُوَ ابْنٌ لِلْمُقِرِّ وَإِذَا صَدَّقَهُ زَيْدٌ أَوْ لَمْ يَدْرِ تَصْدِيقَهُ وَلَا تَكْذِيبَهُ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ الْمُقِرِّ عِنْدَهُمْ دُرَرٌ (قَوْلُهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ) وَهُنَا ثَبَتَ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ لِلْمُقَرِّ لَهُ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ صَدَّقَهُ) أَيْ صَدَّقَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ وَفِي التَّفْرِيعِ خَفَاءٌ. وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ وَلَهُ أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، وَالْإِقْرَارُ بِمِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ إذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ وَلَوْ صَدَّقَهُ بَعْدَ التَّكْذِيبِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ وَأَيْضًا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَلَدِ، فَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ فَظَهَرَ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى تَعَلُّقِ حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ بِهِ (قَوْلُهُ لَا يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ) وَهَذَا إذَا صَدَّقَهُ الِابْنُ أَمَّا بِمُضِيِّ تَصْدِيقٍ فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الِابْنُ ثُمَّ صَدَّقَهُ ثَبَتَتْ الْبُنُوَّةُ لِأَنَّ إقْرَارَ الْأَبِ لَمْ يَبْطُلْ بِعَدَمِ تَصْدِيقِ الِابْنِ فُصُولَيْنِ، قَالَ جَامِعُهُ: أَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الْقَوْلَةَ مَشْطُوبٌ عَلَيْهَا فَلْتُعْلَمْ (قَوْلُهُ فِي عِبَارَةِ الْعِمَادِيِّ) عِبَارَتُهُ هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي ثُمَّ قَالَ: هُوَ مِنِّي صَحَّ؛ إذْ بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ مِنْهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ فَلَا يَصِحُّ نَفْيُهُ فَفِيهَا سَهْوٌ كَمَا قَالَ مُنْلَا خُسْرو لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْعِبَارَةِ سَبْقُ الْإِقْرَارِ عَلَى النَّفْيِ اهـ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: كَمَا زَعَمَهُ) تَمْثِيلٌ لِلْمَنْفِيِّ وَقَوْلُهُ: كَمَا أَفَادَهُ تَمْثِيلٌ لِلنَّفْيِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 584 إذْ التَّنَاقُضُ فِي النَّسَبِ عَفْوٌ وَلَوْ ادَّعَى بُنُوَّةَ الْعَمِّ لَمْ يَصِحَّ مَا لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ الْجَدِّ وَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنِّي ابْنُهُ تُقْبَلُ لِثُبُوتِ النَّسَبِ بِإِقْرَارِهِ وَلَا تُسْمَعُ إلَّا عَلَى خَصْمٍ هُوَ وَارِثٌ أَوْ دَائِنٌ أَوْ مَدْيُونٌ أَوْ مُوصًى لَهُ وَلَوْ أَحْضَرَ رَجُلًا لِيَدَّعِيَ عَلَيْهِ حَقًّا لِأَبِيهِ وَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ أَوَّلًا فَلَهُ إثْبَاتُ نَسَبِهِ بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْقَاضِي بِحَضْرَةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، وَلَوْ ادَّعَى إرْثًا عَنْ أَبِيهِ فَلَوْ أَقَرَّ بِهِ أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْأَبِ حَتَّى لَوْ جَاءَ حَيًّا يَأْخُذُهُ مِنْ الدَّافِعِ، وَالدَّافِعُ عَلَى الِابْنِ، وَلَوْ أَنْكَرَ قِيلَ لِلِابْنِ بَرْهِنْ عَلَى مَوْتِ أَبِيكَ وَأَنَّك وَارِثُهُ، وَلَا يَمِينَ وَالصَّحِيحُ تَحْلِيفُهُ عَلَى الْعِلْمِ بِأَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ وَأَنَّهُ مَاتَ ثُمَّ يُكَلَّفُ الِابْنُ بِالْبَيِّنَةِ بِذَلِكَ وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ (وَلَوْ كَانَ) الصَّبِيُّ (مَعَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ فَقَالَ الْمُسْلِمُ: هُوَ عَبْدِي، وَقَالَ الْكَافِرُ: هُوَ ابْنِي فَهُوَ حُرٌّ ابْنُ الْكَافِرِ) لِنَيْلِهِ الْحُرِّيَّةَ حَالًا وَالْإِسْلَامَ مَآلًا لَكِنْ جَزَمَ ابْنُ الْكَمَالِ بِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَعَزَاهُ لِلتُّحْفَةِ فَلْيُحْفَظْ (قَالَ زَوْجُ امْرَأَةٍ لِصَبِيٍّ مَعَهُمَا هُوَ ابْنِي مِنْ غَيْرِهَا   [رد المحتار] قَالَ فِي الْهَامِشِ: وَهُوَ عَدَمُ السَّهْوِ وَنَصُّهُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ اللَّفْظَةَ الثَّالِثَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ: هُوَ مِنِّي صَحَّ، لَيْسَ لَهُ فَائِدَةٌ فِي ثُبُوتِ صِحَّةِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهِ أَوَّلًا لَا يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِقْرَارِ بِهِ بَعْدَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إذْ التَّنَاقُضُ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الدُّرَرِ فِي فَصْلِ الِاسْتِشْرَاءِ فَوَائِدَ جَمَّةً فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ: اسْمَ الْجَدِّ) بِخِلَافِ الْإِخْوَةِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِلَا ذِكْرِ الْجَدِّ كَمَا فِي الدُّرَرِ. وَاعْلَمْ أَنَّ دَعْوَى الْأُخُوَّةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَوْ أَقَرَّ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُهُ لَا تُسْمَعُ مَا لَمْ يَدَّعِ قَبْلَهُ مَالًا. قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَخُوهُ لِأَبَوَيْهِ فَجَحَدَ: فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُهُ أَلَكَ قِبَلَهُ مِيرَاثٌ تَدَّعِيهِ أَوْ نَفَقَةٌ أَوْ حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي لَا يُقْدَرُ عَلَى أَخْذِهَا إلَّا بِإِثْبَاتِ النَّسَبِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ يَقْبَلُ الْقَاضِي بَيِّنَتَهُ عَلَى إثْبَاتِ النَّسَبِ، وَإِلَّا فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَدَّعِ مَالًا لَمْ يَدَّعِ حَقًّا لِأَنَّ الْأُخُوَّةَ الْمُجَاوَرَةُ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ فِي الصُّلْبِ أَوْ الرَّحِمِ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَبُوهُ، وَأَنْكَرَ فَأَثْبَتَهُ يُقْبَلُ، وَكَذَا عَكْسُهُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ قِبَلَهُ حَقًّا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ صَحَّ فَيَنْتَصِبُ خَصْمًا، وَهَذَا لِأَنَّهُ يَدَّعِي حَقًّا فَإِنَّ الِابْنَ يَدَّعِي حَقَّ الِانْتِسَابِ إلَيْهِ، وَالْأَبُ يَدَّعِي وُجُوبَ الِانْتِسَابِ إلَى نَفْسِهِ شَرْعًا، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ انْتَسَبَ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِيهَا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ أَنِّي ابْنُهُ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا قَدَّمَهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: وَلَا تُسْمَعُ) أَيْ بَيِّنَةُ الْإِرْثِ كَمَا فِي الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ أَوْ دَائِنٌ) اُنْظُرْ مَا صُورَتُهُ، وَلَعَلَّ صُورَتَهُ أَنْ يَدَّعِيَ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ وَيَنْصِبَ لَهُ الْقَاضِي مَنْ يُثْبِتُ فِي وَجْهِهِ دَيْنَهُ، فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ خَصْمًا لِمُدَّعِي الْإِرْثِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي الْمُوصَى لَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَوْ مُوصَى لَهُ) أَوْ الْوَصِيُّ بَزَّازِيَّةٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَقَرَّ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: بِهِ أَيْ بِالْبُنُوَّةِ وَبِالْمَوْرُوثِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنْكَرَ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ تَحْلِيفُهُ) أَيْ الْمُنْكِرِ (قَوْلُهُ عَلَى الْعِلْمِ) أَيْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِأَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ إلَخْ (قَوْلُهُ بِأَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ تَحْلِيفَهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِابْنِ فُلَانٍ إنَّمَا هُوَ إذَا أَثْبَتَ الْمُدَّعِي الْمَوْتَ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي تَحْلِيفِهِ إلَّا عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمَوْتِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْمَالِ الَّذِي أَنْكَرَهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ) صَوَابُهُ الْفَصْلِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْكَافِرُ هُوَ ابْنِي) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى وَهَذَا إذَا ادَّعَيَاهُ مَعًا فَلَوْ سَبَقَ دَعْوَى الْمُسْلِمِ كَانَ عَبْدًا لَهُ وَلَوْ ادَّعَيَا الْبُنُوَّةَ كَانَ ابْنًا لِلْمُسْلِمِ؛ إذْ الْقَضَاءُ بِنَسَبِهِ مِنْ الْمُسْلِمِ قَضَاءٌ بِإِسْلَامِهِ (قَوْلُهُ: وَالْإِسْلَامَ مَآلًا) لِظُهُورِ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ لِكُلِّ عَاقِلٍ، وَفِي الْعَكْسِ يَثْبُتُ الْإِسْلَامُ تَبَعًا وَلَا يَحْصُلُ لَهُ الْحُرِّيَّةُ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ تَحْصِيلِهَا دُرَرٌ (قَوْلُهُ لَكِنْ جَزَمَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلدَّارِ مَعَ وُجُودِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ ح. قُلْت: يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرُوا فِي اللَّقِيطِ لَوْ ادَّعَاهُ ذِمِّيٌّ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَهُوَ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِلدَّارِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي كِتَابِهِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ بِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا) أَيْ وَابْنًا لِلْكَافِرِ (قَوْلُهُ مَعَهُمَا) أَيْ فِي يَدِهِمَا اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ فِي يَدِ الزَّوْجِ أَوْ يَدِ الْمَرْأَةِ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ فِيهِمَا، وَقُيِّدَ بِإِسْنَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَدَ إلَى غَيْرِ صَاحِبِهِ لِمَا فِيهَا أَيْضًا عَنْ الْمُنْتَقَى صَبِيٌّ فِي يَدِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ قَالَتْ الْمَرْأَةُ: هَذَا ابْنِي مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 585 وَقَالَتْ هُوَ ابْنِي مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ ابْنُهُمَا) إنْ ادَّعَيَا مَعًا وَإِلَّا فَفِيهِ تَفْصِيلُ ابْنِ كَمَالٍ وَهَذَا (لَوْ غَيْرَ مُعَبِّرٍ وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ مُعَبِّرًا (فَهُوَ لِمَنْ صَدَّقَهُ) لِأَنَّ قِيَامَ أَيْدِيهِمَا وَفِرَاشِهِمَا يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْهُمَا (وَلَوْ) وَلَدَتْ أَمَةً اشْتَرَاهَا فَاسْتُحِقَّتْ غَرِمَ الْأَبُ قِيمَةَ الْوَلَدِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ لِأَنَّهُ يَوْمُ الْمَنْعِ (وَهُوَ حُرٌّ) لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ وَالْمَغْرُورُ مَنْ يَطَأُ امْرَأَةً مُعْتَمِدًا عَلَى مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ نِكَاحٍ فَتَلِدُ مِنْهُ ثُمَّ تَسْتَحِقُّ فَلِذَا قَالَ (وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ مَلَكَهَا بِسَبَبٍ آخَرَ) أَيَّ سَبَبٍ كَانَ عَيْنِيٌّ (كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ لَهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ) غَرِمَ قِيمَةَ وَلَدِهِ (فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَى أَبِيهِ) لِعَدَمِ الْمَنْعِ كَمَا مَرَّ (وَإِرْثُهُ لَهُ) لِأَنَّهُ حُرُّ الْأَصْل فِي حَقِّهِ فَيَرِثُهُ (فَإِنْ قَتَلَهُ أَبُوهُ أَوْ غَيْرُهُ) وَقَبَضَ الْأَبُ مِنْ دِيَتِهِ قَدْرَ قِيمَتِهِ (غَرِمَ الْأَبُ قِيمَتَهُ) لِلْمُسْتَحِقِّ كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا، وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَبَضَ أَقَلَّ لَزِمَهُ بِقَدْرِهِ عَيْنِيٌّ (وَرَجَعَ بِهَا) أَيْ بِالْقِيمَةِ فِي الصُّورَتَيْنِ (كَ) مَا يَرْجِعُ بِ (ثَمَنِهَا) وَلَوْ هَالِكَةً (عَلَى بَائِعِهَا) وَكَذَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا الْمُشْتَرِي الثَّانِي لَكِنْ إنَّمَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ فَقَطْ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَغَيْرِهَا (لَا بِعَقْرِهَا) الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلُزُومِهِ بِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِهَا كَمَا مَرَّ فِي بَابَيْ الْمُرَابَحَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ مَعَ مَسَائِلِ التَّنَاقُضِ، وَغَالِبُهَا مَرَّ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ، وَيَجِيءُ فِي الْإِقْرَارِ. [فُرُوعٌ] : التَّنَاقُضُ فِي مَوْضِعِ الْخَفَاءِ عَفْوٌ. لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَى غَرِيمٍ مَيِّتٍ   [رد المحتار] وَقَالَ: ابْنِي مِنْ غَيْرِهَا يَكُونُ ابْنَ الرَّجُلِ وَلَا يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ فَإِنْ جَاءَتْ بِامْرَأَةٍ شَهِدَتْ عَلَى وِلَادَتِهَا إيَّاهُ كَانَ ابْنَهَا مِنْهُ وَكَانَتْ زَوْجَتَهُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ وَادَّعَاهُ وَادَّعَتْ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْهُ، وَشَهِدَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الْوِلَادَةِ لَا يَكُونُ ابْنَهَا مِنْهُ بَلْ ابْنُهُ: لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ وَاحْتُرِزَ عَمَّا فِيهَا أَيْضًا صَبِيٌّ فِي يَدِ رَجُلٍ لَا يَدَّعِيهِ أَقَامَتْ امْرَأَةٌ أَنَّهُ ابْنُهَا وَلَدَتْهُ، وَلَمْ تُسَمِّ أَبَاهُ وَأَقَامَ رَجُلٌ أَنَّهُ وُلِدَ فِي فِرَاشِهِ وَلَمْ يُسَمِّ أُمَّهُ يُجْعَلُ ابْنَهُ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُعْتَبَرُ التَّرْجِيحُ بِالْيَدِ كَمَا لَوْ ادَّعَاهُ رَجُلَانِ وَهُوَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يُقْضَى لِذِي الْيَدِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ) تَعْلِيلٌ لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَإِلَّا (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَلَدَتْ أَمَةٌ) أَيْ مِنْ الْمُشْتَرِي وَادَّعَى الْوَلَدَ حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ) أَيْ لَا يَوْمَ الْقَضَاءِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَوْمُ الْمَنْعِ، وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ: أَيَّ سَبَبٍ كَانَ) كَبَدَلِ أُجْرَةِ دَارٍ وَكَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَوَصِيَّةٍ إلَّا أَنَّ الْمَغْرُورَ لَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ فِي الثَّلَاثِ كَمَا فِي أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ: غَرِمَ قِيمَةَ وَلَدِهِ) أَيْ وَلَا يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْمُخْبِرِ كَمَا مَرَّ فِي آخِرِ بَابِ الْمُرَابَحَةِ (قَوْلُهُ: فَيَرِثُهُ) وَلَا يَغْرَمُ شَيْئًا لِأَنَّ الْإِرْثَ لَيْسَ بِعِوَضٍ عَنْ الْوَلَدِ فَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَلَا تُجْعَلُ سَلَامَةُ الْإِرْثِ كَسَلَامَتِهِ (قَوْلُهُ بِالْقِيمَةِ) يَعْنِي فِيهِ صُورَةَ قَتْلِ غَيْرِ الْأَبِ. أَمَّا إذَا قَتَلَهُ الْأَبُ كَيْفَ يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ، وَهُوَ ضَمَانُ إتْلَافِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ بِذَلِكَ أَيْ بِالرُّجُوعِ فِيمَا إذَا قَتَلَهُ غَيْرُهُ وَبِعَدَمِهِ بِقَتْلِهِ اهـ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي الصُّورَتَيْنِ مَعْنَاهُ فِي صُورَةِ قَبْضِ الْأَبِ مِنْ دَيْنِهِ قَدْرَ قِيمَتِهِ، وَصُورَةِ قَبْضِهِ أَقَلَّ مِنْهَا أَوْ الْمُرَادُ صُورَتَا الشِّرَاءِ وَالزَّوَاجِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ. قَالَ السَّائِحَانِيُّ: قَوْلُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ أَيْ الشِّرَاءِ وَالزَّوَاجِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَاهِبِ وَالْمُتَصَدِّقِ وَالْمُوصِي بِشَيْءٍ مِنْ قِيمَةِ الْأَوْلَادِ مَقْدِسِيٌّ اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَا إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْوَلَدِ (قَوْلُهُ مَنَافِعِهَا) أَيْ بِالْوَطْءِ (قَوْلُهُ عَفْوٌ) فِي الْأَشْبَاهِ يُعْذَرُ الْوَارِثُ وَالْوَصِيُّ وَالْمُتَوَلِّي لِلْجَهْلِ اهـ لَعَلَّهُ لِجَهْلِهِ بِمَا فَعَلَهُ الْمُوَرِّثُ وَالْمُوصِي وَالْمَوْلَى، وَفِي دَعْوَى الْأَنْقِرْوِيِّ فِي التَّنَاقُضِ: الْمَدْيُونُ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَالْمُخْتَلِعَةُ بَعْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْخُلْعِ، لَوْ بَرْهَنَتْ عَلَى طَلَاقِ الزَّوْجِ قَبْلَ الْخُلْعِ، وَبَرْهَنَ عَلَى إبْرَاءِ الدَّيْنِ يُقْبَلُ. لَكِنْ نُقِلَ أَنَّهُ إذَا اُسْتُمْهِلَ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ ثُمَّ ادَّعَى الْإِبْرَاءَ لَا يُسْمَعُ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى) أَيْ مِمَّنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ عَلَى غَرِيمٍ مَيِّتٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَدْيُونُ الْمَيِّتِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 586 إلَّا إذَا وَهَبَ جَمِيعَ مَالِهِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَسَلَّمَهُ لَهُ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ زَائِدًا. لَا يَجُوزُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَقِّ إلَّا فِي دَعْوَى الْعَيْبِ لِيُبَرْهِنَ فَيَتَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ وَفِي الْوَصِيِّ إذَا عَلِمَ بِالدَّيْنِ. لَا تَحْلِيفَ مَعَ الْبُرْهَانِ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: دَعْوَى دَيْنٍ عَلَى مَيِّتٍ، وَاسْتِحْقَاقِ مَبِيعٍ وَدَعْوَى آبِقٍ. الْإِقْرَارُ لَا يُجَامِعُ الْبَيِّنَةَ إلَّا فِي أَرْبَعٍ: وَكَالَةٌ وَوِصَايَةٌ وَإِثْبَاتُ دَيْنٍ عَلَى مَيِّتٍ وَاسْتِحْقَاقُ عَيْنٍ مِنْ مُشْتَرٍ وَدَعْوَى الْأَبْقِ. لَا تَحْلِيفَ عَلَى حَقٍّ مَجْهُولٍ إلَّا فِي سِتٍّ: إذَا اتَّهَمَ الْقَاضِي وَصِيَّ يَتِيمٍ وَمُتَوَلِّيَ وَقْفٍ وَفِي رَهْنِ مَجْهُولٍ وَدَعْوَى سَرِقَةٍ وَغَصْبٍ وَخِيَانَةِ مُودَعٍ لَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي إذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ فِي دَعْوَى الْبَحْرِ قَالَ: وَهِيَ غَرِيبَةٌ يَجِبُ حِفْظُهَا أَشْبَاهٌ.   [رد المحتار] حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا وَهَبَ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ غَرِيمًا إلَّا إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ عَيْنًا مَغْصُوبَةً وَنَحْوُهَا كَانَ خَصْمًا لِمُدَّعِيهَا حَمَوِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ زَائِدًا) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ ذَا يَدٍ (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ يَلْحَقُ بِهَذَا مُدَّعِي الِاسْتِحْقَاقِ لِلْمَبِيعِ، فَإِنَّهُ يُنْكِرُ الْحَقَّ حَتَّى يَثْبُتَ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ لَا يَقْدِرُ، وَأَيْضًا ادِّعَاءُ الْوَكَالَةِ أَوْ الْوِصَايَةِ وَثُبُوتُهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْخَصْمِ الْجَاحِدِ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيَكُونَ ثُبُوتُ الْوَكَالَةِ وَالْوِصَايَةِ شَرْعًا صَحِيحًا يَجُوزُ فَيَلْحَقُ هَذَا أَيْضًا بِهِمَا وَيَلْحَقُ بِالْوَصِيِّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ الدَّيْنَ، فَإِنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالْحَقِّ يَلْزَمُ الْكُلُّ مِنْ حِصَّتِهِ، وَإِذَا أَنْكَرَ فَأُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ يَلْزَمُ مِنْ حِصَّتِهِ وَحِصَّتِهِمْ حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ: دَعْوَى دَيْنٍ عَلَى مَيِّتٍ) أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ يَحْلِفُ بِلَا طَلَبِ وَصِيٍّ وَوَارِثٍ بِاَللَّهِ مَا اسْتَوْفَيْتَ دَيْنَكَ مِنْهُ، وَلَا مِنْ أَحَدٍ أَدَّاهُ عَنْهُ وَمَا قَبَضَهُ قَابِضٌ وَلَا أَبْرَأْتَهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ وَمَا أَحَلْتَ بِهِ وَلَا شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى أَحَدٍ وَلَا عِنْدَكَ، وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ رَهْنٌ خُلَاصَةٌ فَلَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِالدَّفْعِ قَبْلَ الِاسْتِحْلَافِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ وَتَمَامُهُ فِي أَوَائِلِ دَعْوَى الْحَامِدِيَّةِ، وَمَرَّتْ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الدَّعْوَى تَحْتَ قَوْلِ الْمَاتِنِ، وَيَسْأَلُ الْقَاضِي الْمُدَّعِيَ بَعْدَ صِحَّتِهَا إلَخْ وَمَرَّتْ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ وَدَعْوَى آبِقٍ) لَعَلَّ صُورَتَهَا فِيمَا إذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ عَبْدِي أَبَقَ مِنِّي، وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ عَبْدُهُ فَيَحْلِفُ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ بَاعَهُ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي شَرْحِ هَذَا الشَّرْحِ نُقِلَ عَنْ الْفَتْحِ هَكَذَا. وَعِبَارَتُهُ: قَالَ فِي الْفَتْحِ يَحْلِفُ مُدَّعِي الْآبِقِ مَعَ الْبَيِّنَةِ بِاَللَّهِ إنَّهُ أَبَقَ عَلَى مِلْكِك إلَى الْآنِ لَمْ يَخْرُجْ بِبَيْعٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا غَيْرِهَا اهـ (قَوْلُهُ الْإِقْرَارُ لَا يُجَامِعُ الْبَيِّنَةَ) لِأَنَّهَا لَا تُقَامُ إلَّا عَلَى مُنْكِرٍ ذَكَرَ هَذَا الْأَصْلَ فِي الْأَشْبَاهِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: وَاسْتَثْنَى مِنْهُ أَرْبَعَ مَسَائِلَ: وَهِيَ مَا سِوَى دَعْوَى الْآبِقِ وَكَذَا ذَكَرَهَا قَبْلَهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَاتِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَامِسَةَ، بَلْ زَادَ غَيْرَهَا وَعِبَارَتُهُ لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَى مُقِرٍّ إلَّا فِي وَارِثٍ مُقِرٍّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَتُقَامُ الْبَيِّنَةُ لِلتَّعَدِّي. وَفِي مُدَّعًى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْوِصَايَةِ فَبَرْهَنَ الْوَصِيُّ وَفِي مُدَّعًى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ فَيُثْبِتُهَا الْوَكِيلُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِهِ مَعَ إقْرَارِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِهِ، وَفِيمَا لَوْ خُوصِمَ الْأَبُ بِحَقٍّ عَنْ الصَّبِيِّ فَأَقَرَّ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْخُصُومَةِ، وَلَكِنْ تُقَامُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ مَعَ إقْرَارِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ، وَأَمِينُ الْقَاضِي إذَا أَقَرَّ خَرَجَ عَنْ الْخُصُومَةِ وَفِيمَا لَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ لِلْمُوصَى لَهُ، فَإِنَّهَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ مَعَ إقْرَارِهِ وَفِيمَا لَوْ آجَرَ دَابَّةً بِعَيْنِهَا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ مِنْ آخَرَ فَأَقَامَ الْأَوَّلُ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ كَانَ الْأَجْرُ حَاضِرًا تُقْبَلُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَإِنْ كَانَ يُقِرُّ بِمَا يَدَّعِي اهـ مُلَخَّصًا فَهِيَ سَبْعٌ (قَوْلُهُ إلَّا فِي أَرْبَعٍ) هِيَ سَبْعٌ كَمَا فِي الْحَمَوِيِّ وَالْمَذْكُورُ هُنَا خَمْسَةٌ (قَوْلُهُ مِنْ مُشْتَرٍ) فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِهِ مَعَ إقْرَارِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِهِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْأَشْبَاهِ لَكِنْ مَعَ إقْرَارِهِ كَيْفَ يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي رَهْنٍ مَجْهُولٍ) كَثَوْبٍ مَثَلًا (قَوْلُهُ: فِي دَعْوَى الْبَحْرِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 587 قُلْت: وَهِيَ مَا لَوْ قَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ كَانَتْ قِيمَةُ ثَوْبِي مِائَةً وَقَالَ الْغَاصِبُ لَمْ أَدْرِ وَلَكِنَّهَا لَا تَبْلُغُ مِائَةً صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَأُلْزِمَ بِبَيَانِهِ فَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ يَحْلِفُ عَلَى الزِّيَادَةِ ثُمَّ يَحْلِفُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ قِيمَتَهُ مِائَةٌ وَلَوْ ظَهَرَ خُيِّرَ الْغَاصِبُ بَيْنَ أَخْذِهِ أَوْ قِيمَتِهِ فَلْيُحْفَظْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. كِتَابُ الْإِقْرَارِ مُنَاسَبَتُهُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إمَّا مُنْكِرٌ أَوْ مُقِرٌّ وَهُوَ أَقْرَبُ لِغَلَبَةِ الصِّدْقِ (هُوَ) لُغَةً الْإِثْبَاتُ يُقَالُ: قَرَّ الشَّيْءُ إذَا ثَبَتَ وَشَرْعًا (إخْبَارٌ بِحَقٍّ عَلَيْهِ) لِلْغَيْرِ (مِنْ وَجْهِ، إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ) قُيِّدَ بِعَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِنَفْسِهِ يَكُونُ دَعْوَى لَا إقْرَارًا. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الشَّبَهَيْنِ فَقَالَ (فَا) لِوَجْهِ (الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْإِخْبَارُ (صَحَّ إقْرَارُهُ بِمَالٍ مَمْلُوكٍ لِلْغَيْرِ) وَمَتَى أَقَرَّ بِمِلْكِ الْغَيْرِ (يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ) إلَى الْمُقَرِّ لَهُ (إذَا مَلَكَهُ)   [رد المحتار] قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلَا تُرَدُّ يَمِينٌ عَلَى مُدَّعٍ (قَوْلُهُ: وَهِيَ مَا لَوْ قَالَ إلَخْ) سَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ وَكَتَبَ الْمُحَشِّي هُنَاكَ عَلَى قَوْلِهِ فَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ فَقَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّ فِي النُّسْخَةِ خَلَلًا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ فَمَا تِلْكَ الزِّيَادَةُ الَّتِي يَحْلِفُ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى نَفْيِهَا، وَفِي ظَنِّي أَنَّ أَصْلَ النُّسْخَةِ: فَإِنْ بَيَّنَ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ مِمَّا بَيَّنَهُ، وَأَقَلُّ مِمَّا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ هَذَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَارِبَ الْبَيَانَ حَتَّى لَوْ بَيَّنَ قِيمَةَ فَرَسٍ بِدِرْهَمٍ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ هُنَاكَ وَلَوْ حَلَفَ الْمَالِكُ أَيْضًا عَلَى الزِّيَادَةِ أَخَذَهَا لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُهُ فَلْيُرَاجَعْ اهـ (قَوْلُهُ يَحْلِفُ عَلَى الزِّيَادَةِ) أَيْ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْمَالِكُ (قَوْلُهُ: أَوْ قِيمَتِهِ) عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ أَيْ أَخْذِ قِيمَتِهِ. [كِتَابُ الْإِقْرَارِ] ِ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَقْرَبُ) أَيْ الْمُقِرُّ (قَوْلُهُ: إخْبَارٌ بِحَقٍّ عَلَيْهِ) لَعَلَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْإِقْرَارِ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ بِالْإِبْرَاءِ وَإِسْقَاطُ الدَّيْنِ وَنَحْوُهُ كَإِسْقَاطِ حَقِّ الشُّفْعَةِ سَعْدِيَّةٌ وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ إخْبَارٌ بِحَقٍّ عَلَيْهِ، وَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِ الْمُطَالَبَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إنْشَاءً مِنْ وَجْهٍ) هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ: إنْشَاءً وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي، لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الأسروشنية. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّ الْإِقْرَارَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ أَمْ لَا قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ: لَا وَاسْتَدَلَّ بِمَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: الْمَرِيضُ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ إذَا أَقَرَّ بِجَمِيعِ مَالِهِ لِأَجْنَبِيٍّ يَصِحُّ بِلَا إجَازَةِ الْوَارِثِ، وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لَا يَنْفُذُ إلَّا بِقَدْرِ الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ إذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ يَصِحُّ وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا يَكُونُ تَبَرُّعًا مِنْهُ فَلَا يَصِحُّ وَذَكَرَ الْجُرْجَانِيُّ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ، وَاسْتَدَلَّ بِمَسَائِلَ مِنْهَا إنْ أَقَرَّ فِي الْمَرَضِ لِوَارِثِهِ بِدَيْنٍ لَمْ يَصِحَّ اهـ مُلَخَّصًا فَظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ جَمْعٌ بَيْنَ الطَّرِيقَتَيْنِ وَكَأَنَّ وَجْهَهُ ثُبُوتُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْفَرِيقَانِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِنَفْسِهِ) أَيْ عَلَى الْغَيْرِ وَلَوْ لِلْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ فَهُوَ شَهَادَةٌ (قَوْلُهُ لَا إقْرَارًا) وَلَا يَنْتَقِضُ بِإِقْرَارِ الْوَكِيلِ وَالْوَلِيِّ وَنَحْوِهِمَا لِنِيَابَتِهِمْ مَنَابَ الْمُنَوِّبَاتِ شَرْعًا شَرْحُ مُلْتَقًى (قَوْلُهُ صَحَّ إقْرَارُهُ بِمَالٍ إلَخْ) وَيُجْبَرُ الْغَاصِبُ عَلَى الْبَيَانِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقِيمَةٍ مَجْهُولَةٍ وَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ يَحْلِفُ عَلَى مَا يَدَّعِي الْمَالِكُ مِنْ الزِّيَادَةِ، فَإِنْ حَلَفَ وَلَمْ يُثْبِتْ مَا ادَّعَاهُ الْمَالِكُ يَحْلِفُ أَنَّ قِيمَتَهُ مِائَةٌ، وَيَأْخُذُ مِنْ الْغَاصِبِ مِائَةً، فَإِذَا أَخَذَ ثُمَّ ظَهَرَ الثَّوْبُ خُيِّرَ الْغَاصِبُ بَيْنَ أَخْذِهِ أَوْ رَدِّهِ، وَأَخْذِ الْقِيمَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 588 بُرْهَةً مِنْ الزَّمَانِ لِنَفَاذِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ إنْشَاءً لَمَا صَحَّ لِعَدَمِ وُجُودِ الْمِلْكِ وَفِي الْأَشْبَاهِ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ ثُمَّ شَرَاهُ عَتَقَ عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ أَوْ بِوَقْفِيَّةِ دَارٍ ثُمَّ شَرَاهَا أَوْ وَرِثَهَا صَارَتْ وَقْفًا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِزَعْمِهِ (وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ مُكْرَهًا) وَلَوْ كَانَ إنْشَاءً لَصَحَّ لِعَدَمِ التَّخَلُّفِ (وَصَحَّ إقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ، وَالْمُسْلِمِ بِخَمْرٍ وَبِنِصْفِ دَارِهِ مُشَاعًا وَالْمَرْأَةِ بِالزَّوْجِيَّةِ مِنْ شُهُودٍ) وَلَوْ كَانَ إنْشَاءً لَمَا صَحَّ (وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ) بِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ (بِشَيْءٍ) مُعَيَّنٍ (بِنَاءً عَلَى الْإِقْرَارِ) لَهُ بِذَلِكَ بِهِ يُفْتَى لِأَنَّهُ إخْبَارٌ يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ كَاذِبًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ. نَعَمْ لَوْ سَلَّمَهُ بِرِضَاهُ كَانَ ابْتِدَاءَ هِبَةٍ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ بَزَّازِيَّةٌ (إلَّا أَنْ يَقُولَ) فِي دَعْوَاهُ (هُوَ مِلْكِي) وَأَقَرَّ لِي بِهِ أَوْ يَقُولَ لِي عَلَيْهِ كَذَا وَهَكَذَا أَقَرَّ بِهِ فَتَسْمَعَ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ الْإِقْرَارَ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ. ثُمَّ لَوْ أَنْكَرَ الْإِقْرَارَ هَلْ يَحْلِفُ؟ الْفَتْوَى أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ عَلَى الْإِقْرَارِ، بَلْ عَلَى الْمَالِ وَأُمَّا دَعْوَى الْإِقْرَارِ فِي الدَّفْعِ فَتُسْمَعُ عِنْدَ الْعَامَّةِ (وَ) الْوَجْهُ (الثَّانِي) وَهُوَ الْإِنْشَاءُ (لَوْ رَدَّ) الْمُقَرُّ لَهُ (إقْرَارَهُ   [رد المحتار] وَحُكِيَ عَنْ الْحَاكِمِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْعَيْنِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَا ذُكِرَ مِنْ تَحْلِيفِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَأَخْذِ الْمِائَةِ بِقِيمَتِهَا مِنْ الْغَاصِبِ هَذَا بِالْإِنْكَارِ يَصِحُّ، وَكَانَ يَقُولُ: الصَّحِيحُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُجْبَرَ الْغَاصِبُ عَلَى الْبَيَانِ، فَإِنْ أَبَى يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي أَكَانَ قِيمَتُهُ مِائَةً فَإِنْ قَالَ لَا يَقُولُ: أَكَانَ خَمْسِينَ فَإِنْ قَالَ لَا يَقُولُ لَهُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى مَا لَا تَنْقُصُ عَنْهُ قِيمَتُهُ عُرْفًا وَعَادَةً فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ إقْرَارِ التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ بُرْهَةً) أَيْ قَلِيلًا (قَوْلُهُ وَلَا يَرْجِعُ) لِاقْتِصَارِ إقْرَارِهِ عَلَيْهِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ مُكْرَهًا) لِقِيَامِ دَلِيلِ الْكَذِبِ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ، وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، فَيَجُوزُ تَخَلُّفُ مَدْلُولِهِ الْوَضْعِيِّ عَنْهُ مِنَحٌ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ التَّخَلُّفِ) أَيْ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَخَلُّفِ الْمَدْلُولِ الْوَضْعِيِّ لِلْإِنْشَاءِ عَنْهُ كَذَا فِي الْهَامِشِ أَيْ فَإِنَّ الْإِنْشَاءَ لَا يَتَخَلَّفُ مَدْلُولُهُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَالْمُسْلِمُ بِخَمْرٍ) حَتَّى يُؤْمَرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا مُبْتَدَئًا لَمَا صَحَّ، وَفِي الدُّرَرِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخَمْرَ قَائِمَةٌ لَا مُسْتَهْلَكَةٌ؛ إذْ لَا يَجِبُ بَدَلُهَا لِلْمُسْلِمِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَبِنِصْفِ دَارِهِ) أَيْ الْقَابِلَةِ لِلْقِسْمَةِ (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى الْإِقْرَارِ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ لَا سَبَبٌ لِلُزُومِ الْمُقَرِّ بِهِ عَلَى الْمُقِرِّ. وَقَدْ عَلَّلَ وُجُوبَ الْمُدَّعَى بِهِ عَلَى الْمُقِرِّ بِالْإِقْرَارِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ أُطَالِبُهُ بِمَا لَا سَبَبَ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ أَوْ لُزُومِهِ بِإِقْرَارِهِ وَهَذَا كَلَامٌ بَاطِلٌ مِنَحٌ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الدَّعْوَى بِالشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ، بِنَاءً عَلَى الْإِقْرَارِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْمَتْنِ لَا بِالْإِقْرَارِ بِنَاءً عَلَى الْإِقْرَارِ فَقَوْلُهُ بِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ لَا مَحَلَّ لَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ) أَيْ لِلْمُقَرِّ لَهُ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ لَوْ أَنْكَرَ إلَخْ) وَفِي دَعْوَى الدَّيْنِ لَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: إنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ اسْتِيفَاءَهُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ، فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَا تُسْمَعُ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْإِقْرَارِ فِي طُرُقِ الِاسْتِحْقَاقِ؛ إذْ الدَّيْنُ يُقْضَى بِمِثْلِهِ فَفِي الْحَاصِلِ هَذَا دَعْوَى الدَّيْنِ لِنَفْسِهِ فَكَانَ دَعْوَى الْإِقْرَارِ فِي طُرُقِ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا تُسْمَعُ ط جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ وَفَتَاوَى قُدُورِيٍّ كَذَا فِي الْهَامِشِ وَالطَّاءُ لِلْمُحِيطِ، وَالذَّالُ لِلذَّخِيرَةِ وَمِثْلُ مَا هُوَ الْمَسْطُورُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَزَادَ فِيهَا وَقِيلَ يُسْمَعُ لِأَنَّهُ فِي الْحَاصِلِ يَدْفَعُ أَدَاءَ الدَّيْنِ عَنْ نَفْسِهِ، فَكَانَ فِي طَرَفٍ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بَرْهَنَ الْمَطْلُوبُ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي، بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمُدَّعَى أَوْ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمِلْكٍ لَهُ أَوْ مَا كَانَتْ مِلْكًا لَهُ تَنْدَفِعُ الدَّعْوَى إنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ لِإِنْسَانٍ مَعْرُوفٍ وَكَذَا لَوْ ادَّعَاهُ بِالْإِرْثِ، فَبَرْهَنَ الْمَطْلُوبُ عَلَى إقْرَارِ الْمُوَرِّثِ كَمَا ذَكَرْنَا وَتَمَامُهُ فِيهَا كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا دَعْوَى الْإِقْرَارِ) أَيْ بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ مِلْكُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَمَّا دَعْوَى الْإِقْرَارِ بِالِاسْتِيفَاءِ فَقِيلَ: لَا تُسْمَعُ قَالَ فِي الْهَامِشِ: وَاخْتَلَفُوا أَنَّهُ هَلْ يَصِحُّ دَعْوَى الْإِقْرَارِ فِي طُرُقِ الدَّفْعِ، حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ أَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ مِلْكُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَلْ تُقْبَلُ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تُقْبَلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 589 ثُمَّ قَبِلَ لَا يَصِحُّ) وَلَوْ كَانَ إخْبَارًا لَصَحَّ. وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبُولِ فَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَلَوْ أَعَادَ الْمُقِرُّ إقْرَارَهُ فَصَدَّقَهُ لَزِمَهُ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ آخَرُ ثُمَّ لَوْ أَنْكَرَ إقْرَارَهُ الثَّانِيَ لَا يَحْلِفُ وَلَا تُقْبَلُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ قَالَ الْبَدِيعُ: وَالْأَشْبَهُ قَبُولُهَا وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَأَقَرَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ (وَالْمِلْكُ الثَّابِتُ بِهِ) بِالْإِقْرَارِ (لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الزَّوَائِدِ الْمُسْتَهْلَكَةِ فَلَا يَمْلِكُهَا الْمُقَرُّ لَهُ) وَلَوْ إخْبَارًا لَمَلَكَهَا (أَقَرَّ حُرٌّ مُكَلَّفٌ) يَقْظَانَ طَائِعًا (أَوْ عَبْدٌ) أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَعْتُوهٌ (مَأْذُونٌ) لَهُمْ إنْ أَقَرُّوا بِتِجَارَةٍ كَإِقْرَارِ مَحْجُورٍ بِحَدٍّ وَقَوَدٍ وَإِلَّا فَبَعْدَ عِتْقِهِ، وَنَائِمٌ وَمُغْمًى عَلَيْهِ كَمَجْنُونٍ وَسَيَجِيءُ السَّكْرَانُ وَمَرَّ الْمُكْرَهُ (بِحَقٍّ مَعْلُومٍ أَوْ مَجْهُولٍ) صَحَّ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَضُرُّ إلَّا إذَا بَيَّنَ سَبَبًا تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ. وَأَمَّا جَهَالَةُ الْمُقِرِّ فَتَضُرُّ كَقَوْلِهِ لَكَ عَلَى أَحَدِنَا أَلْفُ دِرْهَمٍ لِجَهَالَةِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ إلَّا إذَا جَمَعَ -   [رد المحتار] وَعَامَّتُهُمْ هَا هُنَا عَلَى أَنَّهَا تُقْبَلُ دُرَرٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَصِحُّ) مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْحَقُّ فِيهِ لِوَاحِدٍ مِثْلُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ لَهُمَا مِثْلُ الشِّرَاءِ وَالنِّكَاحِ فَلَا وَهُوَ إطْلَاقٌ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ، وَيَجِبُ أَنْ يُقَيَّدَ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُقِرُّ مُصِرًّا عَلَى إقْرَارِهِ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يَعُودَ إلَى تَصْدِيقِهِ وَهُوَ مُصِرٌّ حَمَوِيٌّ. وَبِخَطِّ السَّائِحَانِيِّ عَنْ الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ لِآخَرَ: كُنْتُ بِعْتُكَ الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ أَشْتَرِهِ مِنْك فَسَكَتَ الْبَائِعُ، حَتَّى قَالَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ بَلَى اشْتَرَيْتُهُ مِنْكَ بِأَلْفٍ، فَهُوَ الْجَائِزُ وَكَذَا النِّكَاحُ وَكُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ لَهُمَا جَمِيعًا فِيهِ حَقٌّ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ فِيهِ الْحَقُّ لِوَاحِدٍ مِثْلُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ لَا يَنْفَعُهُ إقْرَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَلَا يَرْتَدُّ) لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكَهُ، وَنَفْيُ الْمَالِكِ مِلْكَهُ عَنْ نَفْسِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُنَازِعِ لَا يَصِحُّ. نَعَمْ لَوْ تَصَادَقَا عَلَى عَدَمِ الْحَقِّ صَحَّ لِمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّهُ طَلَبَ رِبْحَ مَالٍ ادَّعَاهُ عَلَى آخَرَ فَصَدَّقَهُ عَلَى ذَلِكَ فَأَوْفَاهُ ثُمَّ ظَهَرَ عَدَمُهُ بِتَصَادُقِهِمَا فَانْظُرْ كَيْفَ التَّصَادُقُ اللَّاحِقُ نَقَضَ السَّابِقَ، مَعَ أَنَّ رِبْحَهُ طَيِّبٌ حَلَالٌ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ قَالَ الْبَدِيعُ) هُوَ شَيْخُ صَاحِبِ الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ: الزَّوَائِدُ الْمُسْتَهْلَكَةُ) يُفِيدُ بِظَاهِرِهِ أَنَّهُ يَظْهَرُ فِي الزَّوَائِدِ الْغَيْرِ الْمُسْتَهْلَكَةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ رَجُلٌ فِي يَدِهِ جَارِيَةٌ وَوَلَدُهَا أَقَرَّ أَنَّ الْجَارِيَةَ لِفُلَانٍ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَلَدُ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى جَارِيَةٍ أَنَّهَا لَهُ يَسْتَحِقُّ أَوْلَادَهَا وَكَذَا لَوْ قَالَ: هَذَا الْعَبْدُ ابْنُ أَمَتِكَ وَهَذَا الْجَدْيُ مِنْ شَاتِك لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْعَبْدِ وَكَذَا بِالْجَدْيِ فَلْيُحَرَّرْ حَمَوِيٌّ س وَقُيِّدَ بِالْمُسْتَهْلِكَةِ فِي الأسروشنية وَنَقَلَهُ عَنْهَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَمْلِكُهَا) شَرَى أَمَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ بِاسْتِيلَادِهِ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بِبَيِّنَةٍ يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا، وَلَوْ أَقَرَّ بِهَا لِرَجُلٍ لَا، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالْبَيِّنَةِ يَسْتَحِقُّهَا مِنْ الْأَصْلِ وَلِذَا قُلْنَا إنَّ الْبَاعَةَ يَتَرَاجَعُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ حَيْثُ يَتَرَاجَعُونَ ف ثُمَّ الْحُكْمُ بِأَمَةٍ حُكْمٌ بِوَلَدِهَا، وَكَذَا الْحَيَوَانُ؛ إذْ الْحُكْمُ حُجَّةٌ كَامِلَةٌ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْوَلَدَ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ نَاقِصَةٌ وَهَذَا لَوْ الْوَلَدُ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَوْ فِي مِلْكٍ آخَرَ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْحُكْمِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ نُورُ الْعَيْنِ فِي آخِرِ السَّابِقِ فَفِيهِ مُخَالَفَةُ الْمَفْهُومِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ أَقَرَّ حُرٌّ مُكَلَّفٌ) اعْلَمْ أَنَّ شَرْطَهُ التَّكْلِيفُ وَالطَّوْعُ مُطْلَقًا وَالْحُرِّيَّةُ لِلتَّنْفِيذِ لِلْحَالِ لَا مُطْلَقًا. فَصَحَّ إقْرَارُ الْعَبْدِ لِلْحَالِ فِيمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَيُؤَخَّرُ مَا فِيهِ تُهْمَةٌ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَالْمَأْذُونُ بِمَا كَانَ مِنْ التِّجَارَةِ لِلْحَالِ وَتَأَخَّرَ بِمَا لَيْسَ مِنْهَا إلَى الْعِتْقِ كَإِقْرَارِهِ بِجِنَايَةٍ وَمَهْرِ مَوْطُوءَةٍ بِلَا إذْنٍ، وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ كَالْعَبْدِ فِيمَا كَانَ مِنْ التِّجَارَةِ لَا فِيمَا لَيْسَ مِنْهَا كَالْكَفَالَةِ، وَإِقْرَارُ السَّكْرَانِ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ صَحِيحٌ إلَّا فِي حَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ مِمَّا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ، وَإِنْ بِطَرِيقٍ مُبَاحٍ لَا مِنَحٌ وَانْظُرْ الْعَزْمِيَّةَ (قَوْلُهُ إنْ أَقَرُّوا بِتِجَارَةٍ) جَوَابُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي صَحَّ أَيْ صَحَّ لِلْحَالِ زَادَ الشُّمُنِّيُّ أَوْ مَا كَانَ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ كَالدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْغَصْبِ دُونَ مَا لَيْسَ مِنْهَا كَالْمَهْرِ وَالْجِنَايَةِ وَالْكَفَالَةِ لِدُخُولِ مَا كَانَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ تَحْتَ الْإِذْنِ دُونَ غَيْرِهِ اهـ فَتَّالٌ (قَوْلُهُ وَقَوَدٍ) أَيْ مِمَّا لَا تُهْمَةَ فِيهِ فَيَصِحُّ لِلْحَالِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ كَانَ مِمَّا فِيهِ تُهْمَةٌ (قَوْلُهُ تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ) لِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَى مِنْ فُلَانٍ كَذَا بِشَيْءٍ أَوْ آجَرَ فُلَانًا شَيْئًا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَلَا يُجْبَرُ الْمُقِرُّ عَلَى تَسْلِيمِ شَيْءٍ دُرَرٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 590 بَيْنَ نَفْسِهِ وَعَبْدِهِ فَيَصِحُّ وَكَذَا تَضُرُّ جَهَالَةُ الْمُقَرِّ لَهُ إنْ فَحُشَتْ كَلِوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ عَلَيَّ كَذَا وَإِلَّا لَا كَلِأَحَدِ هَذَيْنِ عَلَيَّ كَذَا فَيَصِحُّ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ لِجَهَالَةِ الْمُدَّعِي بَحْرٌ وَنَقَلَهُ فِي الدُّرَرِ لَكِنْ بِاخْتِصَارِ مَحَلٍّ كَمَا بَيَّنَهُ عَزْمِي زَادَهُ (وَلَزِمَهُ بَيَانُ مَا جُهِلَ) كَشَيْءٍ وَحَقٍّ (بِذِي قِيمَةٍ) كَفَلْسٍ وَجَوْزَةٍ لَا بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ وَجِلْدِ مَيْتَةٍ وَصَبِيٍّ حُرٍّ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ فَلَا يَصِحُّ (وَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ مَعَ حَلِفِهِ) لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ (إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْهُ) وَلَا بَيِّنَةَ (وَلَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ فِي عَلَيَّ مَالٌ وَمِنْ النِّصَابِ) أَيْ نِصَابِ الزَّكَاةِ فِي الْأَصَحِّ اخْتِيَارٌ وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمُقِرُّ فَقِيرًا فَنِصَابُ السَّرِقَةِ وَصُحِّحَ   [رد المحتار] كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ بَيْنَ نَفْسِهِ وَعَبْدِهِ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ هَذَا فِي حُكْمِ الْمَعْلُومِ لِأَنَّ مَا عَلَى عَبْدِهِ يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي الْمَعْنَى لَكِنْ إنَّمَا يَظْهَرُ هَذَا فِيمَا يَلْزَمُهُ فِي الْحَالِ أَمَّا مَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِيهِ فَإِذَا جَمَعَهُ مَعَ نَفْسِهِ كَانَ كَقَوْلِهِ لَك عَلَيَّ أَوْ عَلَى زَيْدٍ فَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يَصِحُّ، ذَكَرَهُ الْحَمَوِيُّ عَلَى الْأَشْبَاهِ فَتَّالٌ (قَوْلُهُ: عَلَيَّ كَذَا) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ) زَادَ الزَّيْلَعِيُّ وَيُؤْمَرُ بِالتَّذَكُّرِ لِأَنَّ الْمُقِرَّ قَدْ نَسِيَ صَاحِبَ الْحَقِّ، وَزَادَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ يَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا ادَّعَى، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَسْتَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينًا عَلَى حِدَةٍ، بَعْضُهُمْ قَالُوا: نَعَمْ. وَيَبْدَأُ الْقَاضِي بِيَمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ أَوْ يُقْرِعُ: وَإِذَا حَلَفَ لِكُلٍّ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا فَقَطْ يُقْضَى بِالْعَبْدِ لِلْآخَرِ فَقَطْ، وَإِنْ نَكَلَ لَهُمَا يُقْضَى بِهِ وَبِقِيمَةِ الْوَلَدِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، سَوَاءٌ نَكَلَ لَهُمَا جُمْلَةً بِأَنْ حَلَّفَهُ الْقَاضِي لَهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ بِأَنْ حَلَّفَهُ لِكُلٍّ عَلَى حِدَةٍ، وَإِنْ حَلَفَ فَقَدْ بَرِئَ عَنْ دَعْوَةِ كُلٍّ فَإِنْ أَرَادَا أَنْ يَصْطَلِحَا وَأَخَذَ الْعَبْدَ مِنْهُ لَهُمَا ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَمَا قَبْلَ الْحَلِفِ ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ: لَا يَجُوزُ اصْطِلَاحُهُمَا بَعْدَ الْحَلِفِ قَالُوا: وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. [فَرْعٌ] لَمْ يَذْكُرْ الْإِقْرَارَ الْعَامَّ وَذَكَرَهُ فِي الْمِنَحِ وَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْعَامِّ كَمَا فِي يَدِي مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مَتَاعٍ أَوْ جَمِيعِ مَا يُعْرَفُ بِي أَوْ جَمِيعِ مَا يُنْسَبُ إلَيَّ لِفُلَانٍ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي عَيْنٍ أَنَّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً وَقْتَ الْإِقْرَارِ أَوْ لَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُقَرُّ لَهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي يَدِهِ وَقْتَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَبُولَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ لَكِنَّهُ يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَاسْتَشْكَلَ الْمُصَنِّفُ بِنَاءً عَلَى هَذَا قَوْلَ الْعِمَادِيِّ وَقَاضِي خَانْ: الْإِقْرَارُ لِلْغَائِبِ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّصْدِيقِ ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ. وَبَحَثَ فِي الْجَوَابِ الرَّمْلِيُّ. ثُمَّ أَجَابَ عَنْ الْإِشْكَالِ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّ اللُّزُومَ غَيْرُ الصِّحَّةِ وَلَا مَانِعَ مِنْ تَوَقُّفِ الْعَمَلِ مَعَ صِحَّتِهِ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ فَالْمُتَوَقِّفُ لُزُومُهُ لَا صِحَّتُهُ فَالْإِقْرَارُ لِلْغَائِبِ لَا يَلْزَمُهُ حَتَّى صَحَّ إقْرَارُهُ لِغَيْرِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ جَانِبِ الْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى صَحَّ رَدُّهُ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ لِلْحَاضِرِ فَيَلْزَمُ مِنْ جَانِبِ الْمُقِرِّ حَتَّى لَا يَصِحَّ إقْرَارُهُ لِغَيْرِهِ بِهِ قَبْلَ رَدِّهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَانِبِ الْمُقَرِّ لَهُ فَيَصِحُّ رَدُّهُ وَأَمَّا الصِّحَّةُ فَلَا شُبْهَةَ فِيهَا فِي الْجَانِبَيْنِ بِدُونِ الْقَبُولِ (قَوْلُهُ عَزْمِي زَادَهُ) وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ مِنْ الْجَبْرِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا جَهِلَ الْمُقَرَّ بِهِ لَا الْمُقَرَّ لَهُ لِقَوْلِ الْكَافِي لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لِلْمَجْهُولِ وَهُوَ لَا يُفِيدُ وَفَائِدَةُ الْجَبْرِ عَلَى الْبَيَانِ إنَّمَا تَكُونُ لِصَاحِبِ الْحَقِّ، وَهُوَ مَجْهُولٌ (قَوْلُهُ: كَشَيْءٍ وَحَقٍّ) وَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ حَقَّ الْإِسْلَامِ لَا يَصِحُّ إنْ قَالَهُ مَفْصُولًا، وَإِنْ مَوْصُولًا يَصِحُّ تَتَارْخَانِيَّةٌ وَكِفَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي عَلَيَّ مَالٌ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (قَوْلُهُ وَمِنْ النِّصَابِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ دِرْهَمٍ وَكَذَا الْمَعْطُوفَاتُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: إنَّ الْمُقِرَّ إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ يُبْنَى عَلَى حَالِ الْمُقِرِّ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، فَإِنَّ الْقَلِيلَ عِنْدَ الْفَقِيرِ عَظِيمٌ، وَأَضْعَافُ ذَلِكَ عِنْدَ الْغَنِيِّ لَيْسَ بِعَظِيمٍ، وَهُوَ فِي الشَّرْحِ مُتَعَارِضٌ فَإِنَّ الْمِائَتَيْنِ فِي الزَّكَاةِ عَظِيمٌ، وَفِي السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ الْعَشَرَةُ عَظِيمَةٌ فَيَرْجِعُ إلَى حَالِهِ، ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَحَوَاشِي الْهِدَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَذَكَرَ فِي الْهَامِشِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. وَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 591 (فِي: مَالٌ عَظِيمٌ) لَوْ بَيَّنَهُ (مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ) لِأَنَّهَا أَدْنَى نِصَابٍ يُؤْخَذُ مِنْ جِنْسِهِ (وَمِنْ قَدْرِ النِّصَابِ قِيمَةً فِي غَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ مِنْ ثَلَاثَةِ نُصُبٍ فِي أَمْوَالٍ عِظَامٍ) وَلَوْ فَسَّرَهُ بِغَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ اُعْتُبِرَ قِيمَتُهَا كَمَا مَرَّ (وَفِي دَرَاهِمَ ثَلَاثَةٍ وَ) فِي (دَرَاهِمَ) أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ ثِيَابٍ (كَثِيرَةٍ عَشَرَةٌ) لِأَنَّهَا نِهَايَةُ اسْمِ الْجَمْعِ (وَكَذَا دِرْهَمًا دِرْهَمٌ) عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَوْ خَفَضَهُ لَزِمَهُ مِائَةٌ وَفِي دُرَيْهِمٍ أَوْ دِرْهَمٍ عَظِيمُ دِرْهَمٍ وَالْمُعْتَبَرُ الْوَزْنُ الْمُعْتَادُ إلَّا بِحُجَّةٍ زَيْلَعِيٌّ (وَكَذَا كَذَا) دِرْهَمًا (أَحَدَ عَشَرَ وَكَذَا وَكَذَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ) لِأَنَّ نَظِيرَهُ بِالْوَاوِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ (وَلَوْ ثَلَّثَ بِلَا وَاوٍ فَأَحَدَ عَشَرَ) إذْ لَا نَظِيرَ لَهُ فَحُمِلَ عَلَى التَّكْرَارِ (وَمَعَهَا فَمِائَةٌ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَإِنْ رَبَّعَ) مَعَ الْوَاوِ (زِيدَ أَلْفٌ) وَلَوْ خَمَّسَ زِيدَ عَشَرَةُ آلَافٍ وَلَوْ سَدَّسَ زِيدَ مِائَةُ أَلْفٍ وَلَوْ سَبَّعَ زِيدَ أَلْفُ أَلْفٍ وَهَكَذَا يُعْتَبَرُ نَظِيرُهُ أَبَدًا (وَلَوْ) قَالَ لَهُ (عَلَيَّ أَوْ) لَهُ (قِبَلِي) فَهُوَ (إقْرَارٌ بِدَيْنٍ) لِأَنَّ عَلَيَّ لِلْإِيجَابِ وَقِبَلِي لِلضَّمَانِ غَالِبًا (وَصُدِّقَ إنْ وَصَلَ بِهِ هُوَ وَدِيعَةً) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ مَجَازًا (وَإِنْ فَصَلَ لَا) يُصَدَّقُ لِتَقَرُّرِهِ بِالسُّكُوتِ   [رد المحتار] عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ حَالُ الْمُقِرِّ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ اهـ (قَوْلُهُ: فِي مَالٌ عَظِيمٌ) بِرَفْعِ: " مَالٌ وَعَظِيمٌ " (قَوْلُهُ لَوْ بَيَّنَهُ) بِأَنْ قَالَ مَالٌ عَظِيمٌ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ قَالَ مِنْ الْفِضَّةِ (قَوْلُهُ وَمِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ) أَيْ وَلَا يَصْدُقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ لَوْ قَالَ مَالٌ عَظِيمٌ مِنْ الْإِبِلِ (قَوْلُهُ وَمِنْ قَدْرِ النِّصَابِ قِيمَةً) بِنَصْبِ " قِيمَةً " (قَوْلُهُ وَمِنْ ثَلَاثَةِ نُصُبٍ) مِنْ أَيِّ جِنْسٍ سَمَّاهُ تَحْقِيقًا لِأَدْنَى الْجَمْعِ حَتَّى لَوْ قَالَ مِنْ الدَّرَاهِمِ كَانَ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَكَذَا فِي كُلِّ جِنْسٍ يُرِيدُهُ حَتَّى لَوْ قَالَ مِنْ الْإِبِلِ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِبِلِ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ كِفَايَةً (قَوْلُهُ اُعْتُبِرَ قِيمَتُهَا) وَيُعْتَبَرُ الْأَدْنَى فِي ذَلِكَ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ زَيْلَعِيٌّ أَيْ أَدْنَى النُّصُبِ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ اسْمُ الْجَمْعِ) يَعْنِي يُقَالُ: عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ثُمَّ يُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ فَيَكُونُ هُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ س (قَوْلُهُ وَكَذَا) أَيْ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمًا يَجِبُ دِرْهَمٌ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ) لِأَنَّ مَا فِي الْمُتُونُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفَتَاوَى شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. وَفِي التَّتِمَّةِ وَالذَّخِيرَةِ دِرْهَمَانِ لِأَنَّ كَذَا كِنَايَةٌ عَنْ الْعَدَدِ، وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ؛ إذْ الْوَاحِدُ لَا يُعَدُّ، حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ شَيْءٌ، وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ قِيلَ: يَلْزَمُهُ عِشْرُونَ وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّ أَقَلَّ عَدَدٍ غَيْرِ مُرَكَّبٍ يُذْكَرُ بَعْدَهُ الدِّرْهَمُ بِالنَّصْبِ عِشْرُونَ مِنَحٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا كَذَا دِرْهَمًا) أَيْ بِالنَّصْبِ وَبِالْخَفْضِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَفِي كَذَا كَذَا دِرْهَمًا وَكَذَا كَذَا دِينَارًا عَلَيْهِ مِنْ كُلٍّ أَحَدَ عَشَرَ، وَفِي كَذَا كَذَا دِينَارًا وَدِرْهَمًا أَحَدَ عَشَرَ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَيُقْسَمُ سِتَّةٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَخَمْسَةٌ مِنْ الدَّنَانِيرِ احْتِيَاطًا، وَلَا يُعْكَسُ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ أَقَلُّ مَالِيَّةً وَالْقِيَاسُ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ مِنْ كُلٍّ لَكِنْ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْكَسْرِ غَايَةُ الْبَيَانِ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ ثَلَّثَ) بِأَنْ قَالَ كَذَا كَذَا كَذَا دِرْهَمًا (قَوْلُهُ: إذْ لَا نَظِيرَ لَهُ) وَمَا قِيلَ نَظِيرُهُ مِائَةُ أَلْفِ أَلْفٍ فَسَهْوٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي نَصْبِ الدِّرْهَمِ وَتَمْيِيزُ هَذَا الْعَدَدِ مَجْرُورٌ، وَلْيُنْظَرْ هَلْ إذَا جَرَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا (قَوْلُهُ وَلَوْ خَمَّسَ زَيْدَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ يُضَمُّ الْأَلْفُ إلَى عَشَرَةِ آلَافٍ (قَوْلُهُ عَشَرَةُ آلَافٍ) هَذَا حَكَاهُ الْعَيْنِيُّ بِلَفْظِ: يَنْبَغِي، لَكِنَّهُ غَلَطٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْعَشَرَةَ آلَافٍ تَتَرَكَّبُ مَعَ الْأَلْفِ بِلَا وَاوٍ فَيُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ أَلْفًا فَتُهْدَرُ الْوَاوُ الَّتِي تُعْتَبَرُ مَعَهُ مَا أَمْكَنَ، وَهُنَا مُمْكِنٌ فَيُقَالُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَمِائَةٌ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا نَعَمْ قَوْلُهُ: وَلَوْ سَدَّسَ إلَخْ مُسْتَقِيمٌ سَائِحَانِيٌّ أَيْ بِأَنْ يُقَالَ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَكَذَا لَوْ سَبَّعَ زِيدَ قَبْلَهُ أَلْفٌ وَمَا ذَكَرَهُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ (قَوْلُهُ زِيدَ عَشَرَةُ آلَافٍ) فِيهِ أَنَّهُ يُضَمُّ الْأَلْفُ إلَى الْعَشَرَةِ آلَافٍ، فَيُقَالُ: أَحَدَ عَشَرَ وَالْقِيَاسُ لُزُومُ مِائَةِ أَلْفٍ وَعَشَرَةِ آلَافٍ إلَخْ اهـ لِأَنَّ " أَحَدٌ وَعِشْرُونَ " أَلْفًا أَقَلُّ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ، وَقَدْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْأَقَلِّ فَلَا يَجِبُ الْأَكْثَرُ وَيَلْزَمُ أَيْضًا اخْتِلَالُ الْمَسَائِلِ الَّتِي بَعْدَهُ كُلِّهَا فَيُقَالُ لَوْ خَمَّسَ زِيدَ مِائَةُ أَلْفٍ وَلَوْ سَدَّسَ زِيدَ أَلْفُ أَلْفٍ وَهَكَذَا بِخِلَافِهِ عَلَى مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: زِيدَ مِائَةُ أَلْفٍ) فَيُقَالُ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَمِائَةٌ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ (قَوْلُهُ أَوْ قِبَلِي) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَقِبَلِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 592 (عِنْدِي أَوْ مَعِي أَوْ فِي بَيْتِي أَوْ) فِي (كِيسِي أَوْ) فِي (صُنْدُوقِي) إقْرَارًا بِالْأَمَانَةِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ (جَمِيعُ مَالِي أَوْ مَا أَمْلِكُهُ لَهُ) أَوْ لَهُ مِنْ مَالِي أَوْ مِنْ دَرَاهِمِي كَذَا فَهُوَ (هِبَةٌ لَا إقْرَارٌ) وَلَوْ عَبَّرَ بِفِي مَالِي أَوْ بِفِي دَرَاهِمِي كَانَ إقْرَارًا بِالشَّرِكَةِ (فَلَا بُدَّ) لِصِحَّةِ الْهِبَةِ (مِنْ التَّسْلِيمِ) بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ. وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى أَضَافَ الْمُقَرَّ بِهِ إلَى مِلْكِهِ كَانَ هِبَةً وَلَا يَرِدُ مَا فِي بَيْتِي لِأَنَّهَا إضَافَةُ نِسْبَةٍ لَا مِلْكٍ، وَلَا الْأَرْضُ الَّتِي حُدُودُهَا كَذَا لِطِفْلِي فُلَانٍ فَإِنَّهُ هِبَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ، لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، فَيُشْتَرَطُ قَبْضُهُ -   [رد المحتار] قَوْلُهُ: عِنْدِي أَوْ مَعِي) كَأَنَّهُ فِي عُرْفِهِمْ كَذَلِكَ أَمَّا الْعُرْفُ الْيَوْمَ فِي عِنْدِي وَمَعِي لِلدَّيْنِ لَكِنْ ذَكَرُوا عِلَّةً أُخْرَى تُفِيدُ عَدَمَ اعْتِبَارِ عُرْفِنَا. قَالَ السَّائِحَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْمَقْدِسِيَّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ مَحَلُّ الْعَيْنِ لَا الدَّيْنِ؛ إذْ مَحَلُّهُ الذِّمَّةُ، وَالْعَيْنُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً وَأَمَانَةً وَالْأَمَانَةُ أَدْنَى، فَحُمِلَ عَلَيْهَا وَالْعُرْفُ يَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَالَ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِيعَةُ دَيْنٍ أَوْ دَيْنُ وَدِيعَةٍ لَا تَثْبُتُ الْأَمَانَةُ مَعَ أَنَّهَا أَقَلُّهُمَا، أُجِيبَ: بِأَنَّ أَحَدَ اللَّفْظَيْنِ إذَا كَانَ لِلْأَمَانَةِ، وَالْآخَرُ لِلدَّيْنِ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فِي الْإِقْرَارِ يَتَرَجَّحُ الدَّيْنُ اهـ أَيْ بِخِلَافِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ الْمُحْتَمِلِ لِمَعْنَيَيْنِ (قَوْلُهُ بِالشَّرِكَةِ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ ثُمَّ إنْ كَانَ مُتَمَيِّزًا فَوَدِيعَةٌ وَإِلَّا فَشَرِكَةٌ سَائِحَانِيٌّ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ أَوْ الْوَدِيعَةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ) فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ إقْرَارًا لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّسْلِيمِ (قَوْلُهُ: مَتَى أَضَافَ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ فِي كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: الْمُقَرَّ بِهِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ (قَوْلُهُ كَانَ هِبَةً) لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْإِضَافَةِ تُنَافِي حَمْلَهُ عَلَى الْإِقْرَارِ الَّذِي هُوَ إخْبَارٌ لَا إنْشَاءٌ، فَيُجْعَلُ إنْشَاءً فَيَكُونُ هِبَةً فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْهِبَةِ مِنَحٌ إذَا قَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ، وَأَوْصَيْت أَنَّ لِفُلَانِ فِي مَالِي أَلْفًا فَالْأُولَى وَصِيَّةٌ، وَالْأُخْرَى إقْرَارٌ. وَفِي الْأَصْلِ: إذَا قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ سُدُسُ دَارِي لِفُلَانٍ فَهُوَ وَصِيَّةٌ، وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ سُدُسٌ فِي دَارِي فَإِقْرَارٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ جَعَلَ لَهُ سُدُسَ دَارٍ جَمِيعًا مُضَافٌ إلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِقَصْدِ التَّمْلِيكِ، وَفِي الثَّانِي: جَعَلَ دَارَ نَفْسِهِ ظَرْفًا لِلسُّدُسِ الَّذِي كَانَ لِفُلَانٍ وَإِنَّمَا تَكُونُ دَارُهُ ظَرْفًا لِذَلِكَ السُّدُسِ إذَا كَانَ السُّدُسُ مَمْلُوكًا لِفُلَانٍ قَبْلَ ذَلِكَ فَيَكُونُ إقْرَارًا. أَمَّا لَوْ كَانَ إنْشَاءً لَا يَكُونُ ظَرْفًا لِأَنَّ الدَّارَ كُلَّهَا لَهُ، فَلَا يَكُونُ الْبَعْضُ ظَرْفًا لِلْبَعْضِ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي فَهُوَ وَصِيَّةٌ اسْتِحْسَانًا إذَا كَانَ فِي ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ وَإِنْ قَالَ: فِي مَالِي فَهُوَ إقْرَارٌ اهـ. مِنْ النِّهَايَةِ أَوَّلَ كِتَابِ الْوَصِيَّةِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَهُوَ هِبَةٌ أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ، وَفِي هَذَا الْأَصْلِ خِلَافٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمِنَحِ وَسَيَأْتِي فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْهِبَةِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا الدَّيْنُ الَّذِي لِي عَلَى فُلَانٍ لِفُلَانٍ أَنَّهُ إقْرَارٌ وَاسْتَشْكَلَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ وَأَوْضَحْنَاهُ ثَمَّةَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَرِدُ) أَيْ عَلَى مَنْطُوقِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ وَقَوْلُهُ وَلَا الْأَرْضُ: أَيْ لَا يَرِدُ عَلَى مَفْهُومِهِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُضِفْهُ كَانَ إقْرَارًا، وَقَوْلُهُ لِلْإِضَافَةِ تَقْدِيرًا عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَلَا الْأَرْضُ (قَوْلُهُ مَا فِي بَيْتِي) وَكَذَا مَا فِي مَنْزِلِي وَيَدْخُلُ فِيهِ الدَّوَابُّ الَّتِي يَبْعَثُهَا بِالنَّهَارِ لِلْمُسَاوَمِ إلَيْهِ بِاللَّيْلِ وَكَذَا الْعَبِيدُ كَذَلِكَ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَيْ فَإِنَّهُ إقْرَارٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا إضَافَةُ) أَيْ فَإِنَّهُ أَضَافَ الظَّرْفَ لَا الْمَظْرُوفَ الْمُقَرَّ بِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا الْأَرْضُ) لَا وُرُودَ لَهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ إذْ الْإِضَافَةُ فِيهَا إلَى مِلْكِهِ. نَعَمْ نَقَلَهَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ عَلَى أَنَّهَا تَمْلِيكٌ. ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْمُنْتَقَى نَظِيرَتُهَا عَلَى أَنَّهَا إقْرَارٌ، وَكَذَا نُقِلَ عَنْ الْقُنْيَةِ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: إقْرَارُ الْأَبِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهِ تَمْلِيكٌ إنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ فِي الْإِقْرَارِ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَإِقْرَارٌ كَمَا فِي: سُدُسُ دَارِي وَسُدُسُ هَذِهِ الدَّارِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْهَا مَا يُخَالِفُهُ. ثُمَّ قَالَ قُلْت: بَعْضُ هَذِهِ الْفُرُوعِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَعَدَمِهَا فَيُفِيدُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا، وَمَسْأَلَةُ الِابْنِ الصَّغِيرِ يَصِحُّ فِيهَا الْهِبَةُ بِدُونِ الْقَبْضِ: لِأَنَّ كَوْنَهُ فِي يَدِهِ قَبْضٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالتَّمْلِيكِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ، وَلَوْ كَانَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّغِيرِ شَيْءٌ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالتَّمْلِيكِ فِي حَقِّهِ أَيْضًا لِافْتِقَارِهِ إلَى الْقَبْضِ مُفْرَزًا اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 593 مُفْرَزًا لِلْإِضَافَةِ تَقْدِيرًا بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: أَقَرَّ لِآخَرَ بِمُعَيَّنٍ وَلَمْ يُضِفْهُ لَكِنْ مِنْ الْمَعْلُومِ لِكَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُ مِلْكُهُ فَهَلْ يَكُونُ إقْرَارًا أَوْ تَمْلِيكًا يَنْبَغِي الثَّانِي فَيُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ التَّمْلِيكِ فَرَاجِعْهُ. (قَالَ لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ فَقَالَ أَتَزِنُهُ أَوْ أَتَنْقُدُهُ أَوْ أَجِّلْنِي بِهِ أَوْ قَضَيْتُكَ إيَّاهُ أَوْ أَبْرَأْتَنِي مِنْهُ أَوْ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَيَّ أَوْ وَهَبْتَهُ لِي أَوْ أَحَلْتُك بِهِ عَلَى زَيْدٍ) وَنَحْوِ ذَلِكَ (فَهُوَ إقْرَارٌ لَهُ بِهَا) -   [رد المحتار] ثُمَّ قَالَ: وَهُنَا مَسْأَلَةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ وَهِيَ مَا إذَا أَقَرَّ لِآخَرَ إلَخْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مُخْتَصَرًا. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ اخْتَلَفَ النَّقْلُ فِي قَوْلِهِ: الْأَرْضُ الَّتِي حُدُودُهَا كَذَا لِطِفْلِي هَلْ هُوَ إقْرَارٌ أَوْ هِبَةٌ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا إذَا كَانَ فِيهَا شَيْءٌ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، فَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِ الْقَبْضِ وَعَدَمِهِ، وَكَانَ مُرَادُ الشَّارِحِ الْإِشَارَةَ إلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ آخِرًا يُفِيدُ التَّوْفِيقَ بِأَنْ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهَا تَمْلِيكٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهَا مِلْكُهُ، فَتَكُونُ فِيهَا الْإِضَافَةُ تَقْدِيرًا وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهَا إقْرَارٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ فَقَوْلُهُ: وَلَا الْأَرْضُ أَيْ وَلَا تَرِدُ مَسْأَلَةُ الْأَرْضِ الَّتِي إلَخْ عَلَى الْأَصْلِ السَّابِقِ فَإِنَّهَا هِبَةٌ أَيْ لَوْ كَانَتْ مَعْلُومَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ لِلْإِضَافَةِ تَقْدِيرًا لَكِنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّسْلِيمِ كَمَا اقْتَضَاهُ الْأَصْلُ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ دَفْعُ الْوُرُودِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مُفْرِزًا لِلْإِضَافَةِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ يُوجَدُ هُنَا بَيْنَ قَوْلِهِ مُفْرِزًا وَقَوْلِهِ: لِلْإِضَافَةِ بَيَاضٌ وَفِي بَعْضِهَا لَفْظُ اهـ، وَقَدَّمْنَا قَرِيبًا أَنَّ قَوْلَهُ لِلْإِضَافَةِ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَلَا الْأَرْضُ (قَوْلُهُ: فَهَلْ يَكُونُ إقْرَارًا) أَقُولُ: الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْمُقَرَّ بِهِ أَوْ الْمَوْهُوبَ إلَى نَفْسِهِ كَانَ هِبَةً، وَإِلَّا يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْهِبَةَ، فَيُعْمَلُ بِالْقَرَائِنِ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى الْأَوَّلِ مَا عَنْ نَجْمِ الْأَئِمَّةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ إقْرَارٌ فِي الْحَالَتَيْنِ وَرُبَّمَا يُوَفَّقُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ، بِأَنَّ الْمِلْكَ إذَا كَانَ ظَاهِرًا لِلْمِلْكِ، فَهُوَ تَمْلِيكٌ، وَإِلَّا فَهُوَ إقْرَارٌ إنْ وُجِدَتْ قَرِينَةٌ، وَتَمْلِيكٌ إنْ وُجِدَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ فَإِنَّا نَجِدُ فِي الْحَوَادِثِ مَا يَقْتَضِيهِ رَمْلِيٌّ، وَقَالَ السَّائِحَانِيُّ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ أَقْوَالَ الْمَذْهَبِ كَثِيرَةٌ وَالْمَشْهُورُ هُوَ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ وَالْأَصْلِ إلَخْ. وَفِي الْمِنَحِ عَنْ السَّعْدِيِّ: أَنَّ إقْرَارَ الْأَبِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِعَيْنِ مَالِهِ تَمْلِيكٌ إنْ أَضَافَ ذَلِكَ إلَى نَفْسِهِ فَانْظُرْ لِقَوْلِهِ بِعَيْنِ مَالِهِ وَلِقَوْلِهِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَهُوَ يُشِيرُ إلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ مَا يُعْهَدُ بَلْ الْعِبْرَةُ لِلَّفْظِ اهـ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ مَا فِي بَيْتِي وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ جَمِيعُ مَا يُعْرَفُ بِي أَوْ جَمِيعُ مَا يُنْسَبُ إلَيَّ لِفُلَانٍ قَالَ الْإِسْكَافُ إقْرَارٌ اهـ فَإِنَّ مَا فِي بَيْتِهِ وَمَا يُعْرَفُ بِهِ وَيُنْسَبُ إلَيْهِ يَكُونُ مَعْلُومًا لِكَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، أَنَّهُ مِلْكُهُ فَإِنَّ الْيَدَ وَالتَّصَرُّفَ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إقْرَارٌ وَأَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ وَبِهِ تَأَيَّدَ بَحْثُ السَّائِحَانِيِّ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْضِ بِالْهِبَةِ لِعَدَمِ الْفَرْقِ فِيهَا بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْإِقْرَارِ إذَا كَانَ ذَلِكَ لِطِفْلِهِ وَلِذَا ذَكَرَهَا فِي الْمُنْتَقَى فِي جَانِبِ غَيْرِ الطِّفْلِ مُضَافَةً لِلْمُقِرِّ حَيْثُ قَالَ: إذَا قَالَ أَرْضِي هَذِهِ وَذَكَرَ حُدُودَهَا لِفُلَانٍ أَوْ قَالَ الْأَرْضُ الَّتِي حُدُودُهَا كَذَا لِوَلَدِي فُلَانٍ وَهُوَ صَغِيرٌ كَانَ جَائِزًا، وَيَكُونُ تَمْلِيكًا فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فَهُوَ إقْرَارٌ لَهُ بِهَا) وَكَذَا لَا أَقْضِيكَهَا أَوْ وَاَللَّهِ لَا أَقْضِيكَهَا وَلَا أُعْطِيكَهَا فَإِقْرَارٌ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا أُعْطِيكَهَا لَا يَكُونُ إقْرَارًا، وَلَوْ قَالَ: أَحِلْ غُرَمَاءَكَ عَلَيَّ أَوْ بَعْضَهُمْ أَوْ مَنْ شِئْتَ أَوْ مَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ فَإِقْرَارٌ بِهَا مَقْدِسِيٌّ وَفِيهِ قَالَ أَعْطِنِي الْأَلْفَ الَّتِي لِي عَلَيْك فَقَالَ: اصْبِرْ أَوْ سَوْفَ تَأْخُذُهَا لَا وَقَوْلُهُ: أَتَزِنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ إقْرَارٌ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَوْلُهُ عِنْدَ دَعْوَى الْمَالِ مَا قَبَضْتُ مِنْكَ بِغَيْرِ حَقٍّ، لَا يَكُونُ إقْرَارًا وَلَوْ قَالَ بِأَيِّ سَبَبٍ دَفَعْتَهُ إلَيَّ قَالُوا يَكُونُ إقْرَارًا وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ قَدَّمَهُ إلَى الْحَاكِمِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَطَالَبَهُ بِهِ، فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَا لَهُ عَلَيَّ الْيَوْمَ شَيْءٌ وَهَذَا الْحَلِفُ لَا يَكُونُ إقْرَارًا وَقَالَ الْفَقِيهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ مَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 594 لِرُجُوعِ الضَّمِيرِ إلَيْهَا فِي كُلِّ ذَلِكَ عَزْمِي زَادَهُ، فَكَانَ جَوَابًا، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ، فَإِنْ كَانَ وَشَهِدَ الشُّهُودُ بِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ: أَمَّا لَوْ ادَّعَى الِاسْتِهْزَاءَ لَمْ يُصَدَّقْ (وَبِلَا ضَمِيرٍ) مِثْلُ اتَّزَنَ إلَخْ وَكَذَا نَتَحَاسَبُ أَوْ مَا اسْتَقْرَضْتُ مِنْ أَحَدٍ سِوَاكَ أَوْ غَيْرِكَ أَوْ قَبْلَك أَوْ بَعْدَك (لَا) يَكُونُ إقْرَارًا لِعَدَمِ انْصِرَافِهِ إلَى الْمَذْكُورِ فَكَانَ كَلَامًا مُبْتَدَأً، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَصْلُحُ جَوَابًا لَا ابْتِدَاءً يُجْعَلُ جَوَابًا، وَمَا يَصْلُحُ لِلِابْتِدَاءِ لَا لِلْبِنَاءِ أَوْ يَصْلُحُ لَهُمَا يُجْعَلُ ابْتِدَاءً لِئَلَّا يَلْزَمَهُ الْمَالُ بِالشَّكِّ اخْتِيَارٌ وَهَذَا إذَا كَانَ الْجَوَابُ مُسْتَقِلًّا فَلَوْ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ كَقَوْلِهِ: نَعَمْ كَانَ إقْرَارًا مُطْلَقًا حَتَّى لَوْ قَالَ أَعْطِنِي ثَوْبَ عَبْدِي هَذَا، أَوْ افْتَحْ لِي بَابَ دَارِي هَذِهِ أَوْ جَصِّصْ لِي دَارِي هَذِهِ أَوْ أَسْرِجْ دَابَّتِي هَذِهِ أَوْ أَعْطِنِي سَرْجَهَا أَوْ لِجَامَهَا فَقَالَ نَعَمْ كَانَ إقْرَارًا مِنْهُ بِالْعَبْدِ وَالدَّارِ وَالدَّابَّةِ كَافِي (قَالَ أَلَيْسَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ بَلَى فَهُوَ إقْرَارٌ لَهُ بِهَا وَإِنْ قَالَ نَعَمْ لَا) وَقِيلَ نَعَمْ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ لَا عَلَى دَقَائِقِ الْعَرَبِيَّةِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ بَلَى جَوَابُ الِاسْتِفْهَامِ الْمَنْفِيِّ بِالْإِثْبَاتِ وَنَعَمْ جَوَابُهُ بِالنَّفْيِ (وَالْإِيمَاءُ بِالرَّأْسِ) مِنْ النَّاطِقِ (لَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِمَالٍ وَعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَبَيْعٍ وَنِكَاحٍ وَإِجَارَةٍ وَهِبَةٍ بِخِلَافِ إفْتَاءٍ وَنَسَبٍ وَإِسْلَامٍ وَكُفْرٍ) وَأَمَانِ كَافِرٍ وَإِشَارَةِ مُحْرِمٍ لِصَيْدٍ وَالشَّيْخِ بِرَأْسِهِ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَالطَّلَاقِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِثَلَاثٍ إشَارَةً الْأَشْبَاهُ وَيُزَادُ الْيَمِينُ كَحَلِفِهِ لَا يَسْتَخْدِمُ فُلَانًا أَوْ لَا يُظْهِرُ سِرَّهُ أَوْ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَأَشَارَ حَنِثَ عِمَادِيَّةٌ فَتَحَرَّرَ بُطْلَانُ إشَارَةِ النَّاطِقِ إلَّا فِي تِسْعٍ فَلْيُحْفَظْ (وَإِنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ وَادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ حُلُولَهُ) لَزِمَهُ الدَّيْنُ (حَالًّا) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُؤَجَّلًا بِيَمِينِهِ (كَإِقْرَارِهِ بِعَبْدٍ فِي يَدِهِ أَنَّهُ لِرَجُلٍ وَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ مِنْهُ) فَلَا يُصَدَّقُ فِي تَأْجِيلِ إجَارَةٍ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا حُجَّةٍ (وَ) حِينَئِذٍ (يُسْتَحْلَفُ الْمُقَرُّ لَهُ فِيهِمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِالدَّرَاهِمِ السُّودِ فَكَذَّبَهُ فِي صِفَتِهَا) حَيْثُ (يَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ فَقَطْ) لِأَنَّ السُّودَ نَوْعٌ، وَالْأَجَلُ عَارِضٌ لِثُبُوتِهِ بِالشَّرْطِ وَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ فِي النَّوْعِ وَلِلْمُنْكِرِ فِي الْعَوَارِضِ (كَإِقْرَارِ الْكَفِيلِ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ) فَإِنَّ الْقَوْلَ لَهُ فِي الْأَجَلِ لِثُبُوتِهِ فِي كَفَالَةِ الْمُؤَجَّلِ بِلَا شَرْطٍ (وَشِرَاؤُهُ) أَمَةً -   [رد المحتار] جَعَلَهُ إقْرَارًا سَائِحَانِيٌّ وَفِي الْعَيْنِيِّ عَنْ الْكَافِي زِيَادَةٌ، وَنَقَلَهُ الْفَتَّالُ وَذَكَرَ فِي الْمِنَحِ جُمْلَةً مِنْهَا فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ لِرُجُوعِ الضَّمِيرِ إلَيْهَا) فَكَأَنَّهُ قَالَ أَتَزِنُ الْأَلْفَ الَّتِي لَك عَلَيَّ (قَوْلُهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ) أَيْ بِالْقَرَائِنِ (قَوْلُهُ إلَى الْمَذْكُورِ) أَيْ انْصِرَافًا مُتَعَيِّنًا، وَإِلَّا فَهُوَ مُحْتَمَلٌ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَصْلُحُ إلَخْ) كَالْأَلْفَاظِ الْمَارَّةِ، وَعِبَارَةُ الْكَافِي بَعْدَ هَذَا كَمَا فِي الْمِنَحِ فَإِنْ ذَكَرَ الضَّمِيرَ صَلُحَ جَوَابًا لَا ابْتِدَاءً، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا أَوْ يَصْلُحُ جَوَابًا وَابْتِدَاءً فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالشَّكِّ (قَوْلُهُ جَوَابًا) وَمِنْهُ مَا إذَا تَقَاضَاهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَالَ قَضَيْتُكَهَا أَوْ أَبْرَأْتَنِي (قَوْلُهُ لَا لِلْبِنَاءِ) أَيْ عَلَى كَلَامٍ سَابِقٍ بِأَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ التَّفْصِيلُ بَيْنَ ذِكْرِ الضَّمِيرِ وَعَدَمِهِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِمَّا نَقَلْنَاهُ قَبْلُ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ ذِكْرُ الضَّمِيرِ كَقَوْلِهِ نَعَمْ هُوَ عَلَيَّ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ كَمَا مُثِّلَ (قَوْلُهُ: لَا يَسْتَخْدِمُ فُلَانًا) أَيْ فَأَشَارَ إلَى خِدْمَتِهِ كَذَا فِي الْهَامِشِ وَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ (قَوْلُهُ إلَّا فِي تِسْعٍ) يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ تَعْدِيلُ الشَّاهِدِ مِنْ الْعَالِمِ بِالْإِشَارَةِ فَإِنَّهَا تَكْفِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الشَّهَادَاتِ فَتَّالٌ. [فَرْعٌ ذَكَرَهُ فِي الْهَامِشِ] ادَّعَى بَعْضُ الْوَرَثَةِ بَعْدَ الِاقْتِسَامِ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ يُقْبَلُ، وَلَا يَكُونُ الِاقْتِسَامُ إبْرَاءً عَنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ حَقَّهُ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِالْغَيْرِ، فَلَمْ يَكُنْ الرِّضَا بِالْقِسْمَةِ إقْرَارًا بِعَدَمِ التَّعَلُّقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى بَعْدَ الْقِسْمَةِ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ حَيْثُ لَا تُسْمَعُ، لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ صُورَةً وَمَعْنًى فَانْتَظَمَتْ الْقِسْمَةُ بِانْقِطَاعِ حَقِّهِ عَنْ التَّرِكَةِ صُورَةً وَمَعْنًى؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَسْتَدْعِي عَدَمَ اخْتِصَاصِهِ بِهِ بَزَّازِيَّةٌ اهـ. (قَوْلُهُ بِلَا شَرْطٍ) فَالْأَجَلُ فِيهَا نَوْعٌ فَكَانَتْ الْكَفَالَةُ الْمُؤَجَّلَةُ أَحَدَ نَوْعَيْ الْكَفَالَةِ، فَيُصَدَّقُ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ لَا يُجْعَلُ إقْرَارًا بِالنَّوْعِ الْآخَرِ غَايَةُ الْبَيَانِ وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْكَفَالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ لَك مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَى شَهْرٍ (قَوْلُهُ وَشِرَاؤُهُ أَمَةً الجزء: 5 ¦ الصفحة: 595 (مُتَنَقِّبَةً إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ كَثَوْبٍ فِي جِرَابٍ كَذَا الِاسْتِيَامُ وَالِاسْتِيدَاعُ) وَقَبُولُ الْوَدِيعَةِ بَحْرٌ (وَالْإِعَارَةُ وَالِاسْتِيهَابُ وَالِاسْتِئْجَارُ وَلَوْ مِنْ وَكِيلٍ) فَكُلُّ ذَلِكَ إقْرَارٌ بِمِلْكِ ذِي الْيَدِ فَيُمْنَعُ دَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِصَايَةٍ لِلتَّنَاقُضِ بِخِلَافِ إبْرَائِهِ عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى ثُمَّ الدَّعْوَى بِهِمَا لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ ذَكَرَهُ فِي الدُّرَرِ قُبَيْلَ الْإِقْرَارِ وَصَحَّحَهُ فِي الْجَامِعِ خِلَافًا -   [رد المحتار] مُتَنَقِّبَةً إلَخْ) وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ عَلَّلَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَالضَّابِطُ أَنَّ الشَّيْءَ إنْ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ وَقْتَ الْمُسَاوَمَةِ كَالْجَارِيَةِ الْقَائِمَةِ الْمُتَنَقِّبَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا يُقْبَلُ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي عَدَمِ مَعْرِفَتِهِ إيَّاهَا فَيُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ كَثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ أَوْ جَارِيَةٍ قَاعِدَةٍ عَلَى رَأْسِهَا غِطَاءٌ لَا يُرَى مِنْهَا شَيْءٌ يُقْبَلُ وَلِهَذَا اخْتَلَفَتْ أَقَاوِيلُ الْعُلَمَاءِ اهـ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الثَّوْبَ فِي الْجِرَابِ كَهُوَ فِي الْمِنْدِيلِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: كَثَوْبٍ) أَيْ كَشِرَاءِ ثَوْبٍ فِي جِرَابٍ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الِاسْتِيَامُ) اُنْظُرْ جَامِعَ الْفُصُولَيْنِ، وَنُورَ الْعَيْنِ فِي الْفَصْلِ الْعَاشِرِ وَحَاشِيَةَ الْفَتَّالِ. [فَرْعٌ ذَكَرَهُ فِي الْهَامِشِ] رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ: لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ لَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: إنْ حَلَفْتَ أَنَّهَا مَالُك عَلَيَّ دَفَعْتُهَا إلَيْكَ، فَحَلَفَ الْمُدَّعِي، وَدَفَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّرَاهِمَ قَالُوا: إنْ أَدَّى الدَّرَاهِمَ بِحُكْمِ الشَّرْطِ الَّذِي شَرَطَ فَهُوَ بَاطِلٌ وَلِلدَّافِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَالْإِعَارَةُ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الِاسْتِعَارَةُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي الْعَاشِرِ كَذَا فِي الْهَامِشِ. [فَرْعٌ] فِي الْهَامِشِ: شَرَاهُ فَشَهِدَ رَجُلٌ عَلَى ذَلِكَ وَخَتَمَ، فَهُوَ لَيْسَ بِتَسْلِيمٍ يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ إذَا شَهِدَ بِالشِّرَاءِ أَيْ كَتَبَ الشَّهَادَةَ فِي صَكِّ الشَّهَادَةِ، وَخَتَمَ عَلَى صَكِّ الشَّهَادَةِ ثُمَّ ادَّعَاهُ صَحَّ دَعْوَاهُ، وَلَمْ تَكُنْ كِتَابَةُ الشَّهَادَةِ إقْرَارًا بِأَنَّهُ لِلْبَائِعِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَبِيعُ مَالَ غَيْرِهِ كَمَالِ نَفْسِهِ، وَالشَّهَادَةُ بِالْبَيْعِ لَا تَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ فِي الرَّابِعَ عَشَرَ (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ فِي الدُّرَرِ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْمَذْكُورِ مَتْنًا مِنْ قَوْلِهِ وَكَذَا إلَخْ سِوَى الْإِجَارَةِ، وَإِلَى الْمَذْكُورِ شَرْحًا فَجَمِيعُ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِيهَا، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْجَامِعِ إلَخْ رَاجِعٌ إلَى مَا فِي الْمَتْنِ فَقَطْ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِكَوْنِهِ إقْرَارًا مُنْلَا خُسْرو. وَفِي النَّظْمِ الْوَهْبَانِيِّ لِعَبْدِ الْبَرِّ خِلَافُهُ. ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ رِوَايَةَ الْجَامِعِ أَنَّ الِاسْتِيَامَ وَالِاسْتِئْجَارَ وَالِاسْتِعَارَةَ وَنَحْوَهَا إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ لِلْمُسَاوَمِ مِنْهُ، وَالْمُسْتَأْجَرِ مِنْهُ، وَرِوَايَةُ الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إقْرَارًا بِالْمِلْكِيَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَحَكَى فِيهَا اتِّفَاقَ الرِّوَايَاتِ عَلَى أَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمُسَاوِمِ وَنَحْوِهِ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ يَنْبَغِي صِحَّةُ دَعْوَاهُ مِلْكًا لِمَا سَاوَمَ فِيهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ اهـ، وَإِنَّمَا جَزَمْنَا هُنَا بِكَوْنِهِ إقْرَارًا أَخْذًا بِرِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ اهـ. قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ إنْ أَبْدَى عُذْرًا يُفْتَى بِمَا فِي الزِّيَادَاتِ مِنْ أَنَّ الِاسْتِيَامَ وَنَحْوَهُ لَا يَكُونُ إقْرَارًا. وَفِي الْعِمَادِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ، قَالَ الْأَنْقِرَوِيُّ: وَالْأَكْثَرُ عَلَى تَصْحِيحِ مَا فِي الزِّيَادَاتِ وَأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَهُ فِي الْجَامِعِ) أَيْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَالضَّمِيرُ فِي صَحَّحَهُ لِكَوْنِهِ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: كَوْنُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إقْرَارًا بِعَدَمِ الْمِلْكِ لِلْمُبَاشِرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا كَوْنُهَا إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ يُفِيدُ الْمِلْكَ لِذِي الْيَدِ وَعَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الصُّغْرَى: وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ صَحَّحَ رِوَايَةَ إفَادَتِهِ الْمِلْكَ فَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ لِلرِّوَايَتَيْنِ، وَيُبْتَنَى عَلَى عَدَمِ إفَادَتِهِ مِلْكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَوَازُ دَعْوَى الْمُقِرِّ بِهَا لِغَيْرِهِ اهـ وَنَقَلَ السَّائِحَانِيُّ عَنْ الْأَنْقِرْوِيِّ أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى تَصْحِيحِ مَا فِي الزِّيَادَاتِ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اهـ. قُلْت: فَيُفْتَى بِهِ لِتَرَجُّحِهِ لِكَوْنِهِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 596 لِتَصْحِيحِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَوَفَّقَ شَارِحُهَا الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِأَنَّهُ إنْ قَالَ: بِعْنِي هَذَا كَانَ إقْرَارًا وَإِنْ قَالَ: أَتَبِيعُ لِي هَذَا لَا يُؤَيِّدُهُ مَسْأَلَةُ كِتَابَتِهِ وَخَتْمِهِ عَلَى صَكِّ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِعَدَمِ مِلْكِهِ (وَ) لَهُ عَلَيَّ (مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ كُلُّهَا دَرَاهِمُ) وَكَذَا الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ اسْتِحْسَانًا (وَفِي: مِائَةٌ وَثَوْبٌ، وَمِائَةٌ وَثَوْبَانِ يُفَسِّرُ الْمِائَةَ) لِأَنَّهَا مُبْهَمَةٌ (وَفِي: مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ كُلُّهَا ثِيَابٌ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قُلْنَا: الْأَثْوَابُ لَمْ تُذْكَرْ بِحَرْفِ الْعَطْفِ فَانْصَرَفَ التَّفْسِيرُ إلَيْهِمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَالْإِقْرَارُ بِدَابَّةٍ فِي إصْطَبْلٍ تَلْزَمُهُ) الدَّابَّةُ (فَقَطْ) وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا يَصْلُحُ ظَرْفًا إنْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ لَزِمَاهُ، وَإِلَّا لَزِمَ الْمَظْرُوفَ فَقَطْ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ لَزِمَ الْأَوَّلَ فَقَطْ كَقَوْلِهِ دِرْهَمٌ فِي دِرْهَمٍ. قُلْت: وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: دَابَّةٌ فِي خَيْمَةٍ   [رد المحتار] تَتِمَّةٌ] الِاشْتِرَاءُ مِنْ غَيْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي كَوْنِهِ إقْرَارًا بِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمُدَّعِي كَالِاشْتِرَاءِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ بَرْهَنَ يَكُونُ دَفْعًا، قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الصُّغْرَى أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الِاسْتِيدَاعُ، وَكَذَا الِاسْتِيعَابُ وَنَحْوُهُ كَالِاسْتِشْرَاءِ. [مُهِمَّةٌ] قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَمِمَّا يَجِبُ حِفْظُهُ هُنَا أَنَّ الْمُسَاوَمَةَ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ أَوْ بِعَدَمِ كَوْنِهِ مِلْكًا ضِمْنًا لَا قَصْدًا، وَلَيْسَ كَالْإِقْرَارِ صَرِيحًا بِأَنَّهُ مِلْكُ الْبَائِعِ، وَالتَّفَاوُتُ يَظْهَرُ فِيمَا إذَا وَصَلَ إلَى يَدِهِ يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ إلَى الْبَائِعِ فِي فَصْلِ الْإِقْرَارِ الصَّرِيحِ، وَلَا يُؤْمَرُ فِي فَصْلِ الْمُسَاوَمَةِ، وَبَيَانُهُ اشْتَرَى مَتَاعًا مِنْ إنْسَانٍ وَقَبَضَهُ، ثُمَّ إنَّ أَبَا الْمُشْتَرِي اسْتَحَقَّهُ بِالْبُرْهَانِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَأَخَذَهُ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ، وَوَرِثَهُ الِابْنُ الْمُشْتَرِي لَا يُؤْمَرُ بِرَدِّهِ إلَى الْبَائِعِ، وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ وَيَكُونُ الْمَتَاعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي هَذَا بِالْإِرْثِ وَلَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْبَيْعِ بِأَنَّهُ مِلْكُ الْبَائِعِ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ أَبُوهُ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَوَرِثَهُ الِابْنُ الْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ، لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْقَضَاءَ لِلْمُسْتَحِقِّ لَا يُوجِبُ فَسْخَ الْبَيْعِ قَبْلَ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ اهـ ذَكَرَهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى، وَفِيهِ فُرُوعٌ جَمَّةٌ كُلُّهَا مُهِمَّةٌ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ لِتَصْحِيحِ الْوَهْبَانِيَّةِ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِيَامِ (قَوْلُهُ: لَا) بَلْ يَكُونُ اسْتِفْهَامًا وَطَلَبَ إشْهَادٍ عَلَى إقْرَارِهِ بِإِرَادَةِ بَيْعِ مِلْكِ الْقَائِلِ فَيَلْزَمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ) أَيْ فَمَا هُنَا أَوْلَى أَوْ مُسَاوٍ. قَالَ فِي الْهَامِشِ: وَإِنْ رَأْي الْمَوْلَى عَبْدَهُ يَبِيعُ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ الْمَوْلَى، فَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ إذْنًا وَكَذَا الْمُرْتَهِنُ إذَا رَأْي الرَّاهِنَ يَبِيعُ الرَّهْنَ، فَسَكَتَ لَمْ يَبْطُلْ الرَّهْنُ. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا: الْمُرْتَهِنُ إذَا سَكَتَ كَانَ رِضًا بِالْبَيْعِ، وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ خَانِيَّةٌ مِنْ كِتَابِ الْمَأْذُونِ (قَوْلُهُ: وَالْمَوْزُونُ) كَقَوْلِهِ مِائَةٌ وَقَفِيزٌ كَذَا أَوْ رِطْلٌ كَذَا وَلَوْ قَالَ لَهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَدِينَارٌ وَثَوْبٌ، فَعَلَيْهِ نِصْفُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَكَذَا نِصْفُ هَذَا الْعَبْدِ، وَهَذِهِ الْجَارِيَةُ، لِأَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ وَقَعَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ، فَيَنْصَرِفُ النِّصْفُ إلَى الْكُلِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بَعْضُهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَنِصْفِ هَذَا الدِّينَارِ وَدِرْهَمٍ يَجِبُ الدِّرْهَمُ كُلُّهُ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَعَلَى تَقْدِيرِ خَفْضِ الدِّرْهَمِ مُشْكِلٌ. وَأَقُولُ: لَا إشْكَالَ عَلَى لُغَةِ الْجِوَارِ عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الطَّلَبَةِ عَدَمُ الْتِزَامِ الْإِعْرَابِ سَائِحَانِيٌّ أَيْ فَضْلًا عَنْ الْعَوَّامِ، وَلَكِنَّ الْأَحْوَطَ الِاسْتِفْسَارُ، فَإِنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلَعَلَّهُ قَصَدَ الْجَرَّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كُلُّهَا ثِيَابٌ) لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ وَأَرْدَفَهُمَا بِالتَّفْسِيرِ فَصُرِفَ إلَيْهِمَا لِعَدَمِ الْعَاطِفِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ بِحَرْفِ الْعَطْفِ) : بِأَنْ يَقُولَ مِائَةٌ وَأَثْوَابٌ ثَلَاثَةٌ كَمَا فِي مِائَةٍ وَثَوْبٍ (قَوْلُهُ: إنْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ) كَتَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَعِنْدَهُ لَزِمَاهُ جَمِيعًا لِأَنَّ غَصْبَ غَيْرِ الْمَنْقُولِ مُتَصَوَّرٌ عِنْدَهُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فِي خَيْمَةٍ) فِيهِ أَنَّ الْخَيْمَةَ لَا تُسَمَّى ظَرْفًا حَقِيقَةً، وَالْمُعْتَبَرُ كَوْنُهُ ظَرْفًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 597 لَزِمَاهُ وَلَوْ قَالَ ثَوْبٌ فِي دِرْهَمٍ لَزِمَهُ الثَّوْبُ وَلَمْ أَرَهُ فَيُحَرَّرُ (وَبِخَاتَمٍ) تَلْزَمُهُ (حَلْقَتُهُ وَفَصُّهُ) جَمِيعًا (وَبِسَيْفٍ جَفْنُهُ وَحَمَائِلُهُ وَنَصْلُهُ وَبِحَجْلَةٍ) بِحَاءٍ فَجِيمٍ بَيْتٌ مُزَيَّنٌ بِسُتُورٍ وَسُرَرٍ (الْعِيدَانُ وَالْكِسْوَةُ وَبِتَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ أَوْ بِطَعَامٍ فِي جَوَالِقَ أَوْ) فِي (سَفِينَةٍ أَوْ ثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ أَوْ) فِي (ثَوْبٍ يَلْزَمُهُ الظَّرْفُ كَالْمَظْرُوفِ) لِمَا قَدَّمْنَاهُ (وَمِنْ قَوْصَرَّةٍ) مَثَلًا (لَا) تَلْزَمُهُ الْقَوْصَرَّةُ وَنَحْوُهَا (كَثَوْبٍ فِي عَشَرَةٍ وَطَعَامٍ فِي بَيْتٍ) فَيَلْزَمُهُ الْمَظْرُوفُ فَقَطْ لِمَا مَرَّ؛ إذْ الْعَشَرَةُ لَا تَكُونُ ظَرْفًا لِوَاحِدٍ عَادَةً (وَبِخَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ وَعَنَى) مَعْنَى عَلَى أَوْ (الضَّرْبَ خَمْسَةً) لِمَا مَرَّ وَأَلْزَمَهُ زُفَرُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ (وَعَشَرَةٍ إنْ عَنَى مَعَ) كَمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ   [رد المحتار] حَقِيقَةً كَمَا فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ لَزِمَاهُ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْغَصْبِ إخْبَارٌ عَنْ نَقْلِهِ. وَنَقْلُ الْمَظْرُوفِ حَالَ كَوْنِهِ مَظْرُوفًا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِنَقْلِ الظَّرْفِ، فَصَارَ إقْرَارًا بِغَصْبِهِمَا ضَرُورَةً، وَرَجَعَ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ هَكَذَا قَرَّرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهَا هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ وَظَاهِرُهُ قَصْرُهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْغَصْبِ، وَيُؤَيِّدُهُ فِي الْخَانِيَّةِ لَهُ عَلَيَّ ثَوْبٌ أَوْ عَبْدٌ صَحَّ، وَيُقْضَى بِقِيمَةٍ وَسَطٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْقَوْلُ لَهُ فِي الْقِيمَةِ اهـ وَفِي الْبَحْرِ وَالْأَشْبَاهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اهـ وَلَعَلَّهُ قَوْلُ الْإِمَامِ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا هُنَا قَاصِرٌ عَلَى الْغَصْبِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ الْقِيمَةُ أَوْ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ حَيْثُ قَالَ: إنْ أَضَافَ مَا أَقَرَّ بِهِ إلَى فِعْلٍ بِأَنْ قَالَ غَصَبْتُ مِنْهُ تَمْرًا فِي قَوْصَرَّةٍ لَزِمَهُ التَّمْرُ وَالْقَوْصَرَّةُ وَالْإِبِلُ ذَكَرَهُ ابْتِدَاءً وَقَالَ عَلَى تَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ فَعَلَيْهِ التَّمْرُ دُونَ الْقَوْصَرَّةِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ قَوْلٌ وَالْقَوْلُ بِتَمْيِيزِهِ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُ لَهُ زَعْفَرَانًا فِي سَلَّةٍ اهـ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فَعَلَيْهِ التَّمْرُ قِيمَتُهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ الثَّوْبُ) هُوَ ظَاهِرٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي مَتْنًا وَهُوَ ثَوْبٌ فِي مِنْدِيلٍ أَوْ فِي ثَوْبٍ فَإِنَّ مَا هُنَا أَوْلَى وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَوْ قَالَ: غَصَبْتُكَ كَذَا فِي كَذَا وَالثَّانِي لَا يَكُونُ وِعَاءً لِلْأَوَّلِ لَزِمَاهُ، وَفِيهَا وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي قَفِيزِ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ الدِّرْهَمُ فَقَطْ، وَإِنْ صَلُحَ الْقَفِيزُ ظَرْفًا بَيَانُهُ مَا قَالَهُ خُوَاهَرْ زَادَهُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِدِرْهَمٍ فِي الذِّمَّةِ، وَمَا فِيهَا لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَظْرُوفًا فِي شَيْءٍ آخَرَ اهـ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا فِي الْإِقْرَارِ ابْتِدَاءً، أَمَّا فِي الْغَصْبِ فَيَلْزَمُهُ الظَّرْفُ أَيْضًا كَمَا فِي غَصَبْتُهُ دِرْهَمًا فِي كِيسٍ، بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَيُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ دِرْهَمٌ فِي ثَوْبٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ جَفْنُهُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ غِمْدُهُ (قَوْلُهُ: وَحَمَائِلُهُ) أَيْ عَلَّاقَتُهُ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا وَإِنَّمَا وَاحِدُهَا مَحْمَلٌ عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ فِي قَوْصَرَّةٍ) بِالتَّشْدِيدِ وَقَدْ تُخَفَّفَ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: وَطَعَامٍ فِي بَيْتٍ) الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الظَّرْفَ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ ظَرْفًا حَقِيقَةً يُنْظَرُ. فَإِنْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ لَزِمَاهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ نَقْلُهُ لَزِمَهُ الْمَظْرُوفُ خَاصَّةً عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْغَصْبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ لَا يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ الْمَظْرُوفَ لَا يُصَدَّقُ، لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِغَصْبٍ تَامٍّ؛ إذْ هُوَ مُطْلَقٌ، فَيُحْمَلُ عَلَى الْكَمَالِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَزِمَاهُ جَمِيعًا لِأَنَّ غَصْبَ الْمَنْقُولِ مُتَصَوَّرٌ عِنْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَنْ يَجْعَلَ ظَرْفًا حَقِيقَةً لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا الْأَوَّلُ كَقَوْلِهِمْ: دِرْهَمٌ فِي دِرْهَمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا مِنَحٌ كَذَا فِي هَامِشٍ (قَوْلُهُ لَا تَكُونُ ظَرْفًا) خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَلُفَّ الثَّوْبَ النَّفِيسَ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ مِنَحٌ، كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: خَمْسَةٌ) لِأَنَّ أَثَرَ الضَّرْبِ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ لَا فِي تَكْثِيرِ الْمَالِ دُرَرٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إنْ عَنَى بِعَشَرَةٍ فِي عَشَرَةٍ الضَّرْبَ فَقَطْ أَوْ الضَّرْبَ بِمَعْنَى تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ فَعَشَرَةٌ وَإِنْ نَوَى بِالضَّرْبِ تَكْثِيرَ الْعَيْنِ لَزِمَهُ مِائَةٌ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَعَشَرَةٌ إنْ عَنَى مَعَ) وَفِي الْبَيَانِيَّةِ عَلَى دِرْهَمٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 598 (وَمِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ أَوْ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى عُشْرِ تِسْعَةٍ) لِدُخُولِ الْغَايَةِ الْأُولَى ضَرُورَةً؛ إذْ لَا وُجُودَ لِمَا فَوْقَ الْوَاحِدِ بِدُونِهِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ، وَمَا بَيْنَ الْحَائِطَيْنِ فَلِذَا قَالَ (وَ) فِي لَهُ (كُرُّ حِنْطَةٍ إلَى كُرِّ شَعِيرٍ لَزِمَاهُ) جَمِيعًا (إلَّا قَفِيزًا) ؛ لِأَنَّهُ الْغَايَةُ الثَّانِيَةُ (وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ يَلْزَمُهُ الدَّرَاهِمُ وَتِسْعَةُ دَنَانِيرَ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَا مَرَّ نِهَايَةٌ (وَفِي) لَهُ (مِنْ دَارِي مَا بَيْنَ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ لَهُ مَا بَيْنَهُمَا) فَقَطْ لِمَا مَرَّ (وَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْحَمْلِ الْمُحْتَمَلِ وُجُودُهُ وَقْتَهُ) أَيْ وَقْتَ الْإِقْرَارِ بِأَنْ تَلِدَ لِدُونِ نِصْفِ حَوْلٍ لَوْ مُزَوَّجَةً أَوْ لِدُونِ حَوْلَيْنِ لَوْ مُعْتَدَّةً لِثُبُوتِ نَسَبِهِ (وَلَوْ) الْحَمْلُ (غَيْرَ آدَمِيٍّ) وَيُقَدَّرُ بِأَدْنَى مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ زَيْلَعِيٌّ. لَكِنْ فِي الْجَوْهَرَةِ أَقَلُّ مُدَّةِ حَمْلِ الشَّاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَأَقَلُّهَا لِبَقِيَّةِ الدَّوَابِّ سِتَّةُ أَشْهُرٍ (وَ) صَحَّ (لَهُ إنْ بَيَّنَ) الْمُقِرُّ (سَبَبًا صَالِحًا) يُتَصَوَّرُ لِلْمَحَلِّ (كَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ) كَقَوْلِهِ: مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ فُلَانٌ يَجُوزُ، وَإِلَّا -   [رد المحتار] مَعَ دِرْهَمٍ أَوْ مَعَهُ دِرْهَمٌ لَزِمَاهُ وَكَذَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَكَذَا دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ أَوْ وَدِرْهَمٌ بِخِلَافِ دِرْهَمٍ عَلَى دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ لِأَنَّ الثَّانِيَ تَأْكِيدٌ وَلَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي قَفِيزِ بُرٍّ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ، وَبَطَلَ الْقَفِيزُ كَعَكْسِهِ وَكَذَا لَهُ فَرْقُ زَيْتٍ فِي عَشَرَةِ مَخَاتِيمَ، حِنْطَةٌ وَدِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمَانِ لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ وَدِرْهَمٌ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ لِلْبَدَلِيَّةِ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَنَيِّفٌ لَزِمَهُ مِائَةٌ وَالْقَوْلُ لَهُ فِي النَّيِّفِ، وَفِي قَرِيبٍ مِنْ أَلْفٍ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ، وَالْقَوْلُ لَهُ فِي الزِّيَادَةِ وَفِي الْهَامِشِ: لَوْ قَالَ أَرَدْتُ خَمْسَمِائَةٍ مَعَ خَمْسِمِائَةٍ لَزِمَهُ عَشَرَةٌ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ قَالَ تَعَالَى - {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29]- قِيلَ مَعَ عِبَادِي فَإِذَا احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ، وَلَوْ مَجَازًا وَنَوَاهُ صَحَّ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ دُرَرٌ اهـ (قَوْلُهُ تِسْعَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَالَا: يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ وَقَالَ زُفَرُ ثَمَانِيَةٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّهُ جَعَلَ الدِّرْهَمَ الْأَوَّلَ وَالْآخَرَ حَدًّا، وَالْحَدُّ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَحْدُودِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْغَايَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً؛ إذْ الْمَعْدُومُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَدًّا لِلْمَوْجُودِ وَوُجُودُهُ يُوجِبُهُ فَتَدْخُلُ الْغَايَتَانِ، وَلَهُ أَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ، لِأَنَّ الْحَدَّ يُغَايِرُ الْمَحْدُودَ لَكِنْ هُنَا لَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِ الْأُولَى، لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْأُولَى فَدَخَلَتْ الْآيَةُ الْأُولَى ضَرُورَةً وَلَا ضَرُورَةَ فِي الثَّانِيَةِ دُرَرٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ) أَيْ الْغَايَةُ الثَّانِيَةُ (قَوْلُهُ: إلَّا قَفِيزًا) مِنْ شَعِيرٍ وَعِنْدَهُمَا كَرَّانِ مِنَحٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْغَايَةَ الثَّانِيَةَ لَا تَدْخُلُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَايَةِ الثَّانِيَةِ الْمُتَمِّمُ لِلْمَذْكُورِ، فَالْغَايَةُ فِي إلَى عَشَرَةٍ وَفِي إلَى أَلْفٍ الْفَرْدُ الْأَخِيرُ، وَهَكَذَا عَلَى مَا يَظْهَرُ لِي. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: ذَكَرَ الْأَتْقَانِيُّ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى دِينَارٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الدِّينَارُ. وَفِي الْأَشْبَاهِ عَلَيَّ مِنْ شَاةٍ إلَى بَقَرَةٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ سَوَاءٌ كَانَ بِعَيْنِهِ أَوْ لَا وَرَأَيْتُهُ مَعْزِيًّا لِشَرْحِهَا. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَهُمَا عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَدِرْهَمَانِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) مِنْ أَنَّ الْغَايَةَ الثَّانِيَةَ لَا تَدْخُلُ، وَأَنَّ الْأُولَى تَدْخُلُ لِلضَّرُورَةِ أَيْ وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا تَأَمَّلْ وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْبُرْهَانِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِقِيَامِهِمَا بِأَنْفُسِهِمَا (قَوْلُهُ وَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْحَمْلِ) سَوَاءٌ كَانَ حَمْلَ أَمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا بِأَنْ يَقُولَ حَمْلُ أَمَتِي أَوْ حَمْلُ شَاتِي لِفُلَانٍ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ سَبَبًا لِأَنَّ لِتَصْحِيحِهِ وَجْهًا، وَهُوَ الْوَصِيَّةُ مِنْ غَيْرِهِ كَأَنْ أَوْصَى رَجُلٌ بِحَمْلِ شَاةٍ مَثَلًا لِآخَرَ وَمَاتَ فَأَقَرَّ ابْنُهُ بِذَلِكَ فَحَمَلَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ الْمُحْتَمَلِ) أَيْ وَالْمُتَيَقَّنِ بِالْأَوْلَى وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الْمُتَيَقَّنِ وُجُودُهُ شَرْعًا (قَوْلُهُ لِثُبُوتِ نَسَبِهِ) فَيَكُونُ حُكْمًا بِوُجُودِهِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْجَوْهَرَةِ) الِاسْتِدْرَاكُ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ الْكَلَامُ السَّابِقُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ؛ إذْ لَا يَلْزَمُ فِيمَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ وَصَحَّ لَهُ) أَيْ لِلْحَمْلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 599 فَلَا كَمَا يَأْتِي (فَإِنْ وَلَدَتْهُ حَيًّا لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ) مُذْ أَقَرَّ (فَلَهُ مَا أَقَرَّ، وَإِنْ وَلَدَتْ حَيَّيْنِ فَلَهُمَا) نِصْفَيْنِ، وَلَوْ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى فَكَذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ (وَإِنْ وَلَدَتْ مَيِّتًا فَ) يُرَدُّ (لِوَرَثَةِ) ذَلِكَ (الْمُوصِي وَالْمُورِثِ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْجَنِينِ (وَإِنْ فَسَّرَهُ بِ) مَا لَا يُتَصَوَّرُ كَهِبَةٍ أَوْ (بَيْعٍ أَوْ إقْرَاضٍ أَوْ أَبْهَمَ الْإِقْرَارَ) وَلَمْ يُبَيِّنْ سَبَبًا (لَغَا) وَحَمَلَ مُحَمَّدٌ الْمُبْهَمَ عَلَى السَّبَبِ الصَّالِحِ، وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ (وَ) أَمَّا (الْإِقْرَارُ لِلرَّضِيعِ) فَإِنَّهُ (صَحِيحٌ وَإِنْ بَيَّنَ) الْمُقِرُّ (سَبَبًا غَيْرَ صَالِحٍ مِنْهُ حَقِيقَةً كَالْإِقْرَاضِ) أَوْ ثَمَنَ مَبِيعٍ لِأَنَّ هَذَا الْمُقِرَّ مَحَلٌّ لِثُبُوتِ الدَّيْنِ لِلصَّغِيرِ فِي الْجُمْلَةِ أَشْبَاهٌ. (أَقَرَّ بِشَيْءٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ) ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (لَزِمَهُ بِلَا خِيَارٍ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ، فَلَا يَقْبَلُ الْخِيَارَ (وَإِنْ) وَصَلْيَةٌ (صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ) فِي الْخِيَارِ لَمْ يُعْتَبَرْ تَصْدِيقُهُ (إلَّا إذَا أَقَرَّ بِعَقْدِ) بَيْعٍ (وَقَعَ بِالْخِيَارِ لَهُ) فَيَصِحُّ بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ إذَا صَدَّقَهُ أَوْ بِرَهْنٍ فَلِذَا قَالَ (إلَّا أَنْ يُكَذِّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ) فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مُنْكِرُ الْقَوْلِ لَهُ (كَإِقْرَارِهِ بِدَيْنٍ بِسَبَبِ كَفَالَةٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي مُدَّةٍ، وَلَوْ) الْمُدَّةُ (طَوِيلَةً) أَوْ قَصِيرَةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ إذَا صَدَّقَهُ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ عَقْدٌ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا مَرَّ لِأَنَّهَا أَفْعَالٌ لَا تَقْبَلُ الْخِيَارَ زَيْلَعِيٌّ (الْأَمْرُ بِكِتَابَةِ الْإِقْرَارِ إقْرَارٌ حُكْمًا) فَإِنَّهُ كَمَا يَكُونُ بِاللِّسَانِ يَكُونُ بِالْبَنَانِ فَلَوْ قَالَ لِلصَّكَّاكِ: اُكْتُبْ خَطَّ إقْرَارِي بِأَلْفٍ عَلَيَّ أَوْ اُكْتُبْ بَيْعَ دَارِي أَوْ طَلَاقَ امْرَأَتِي صَحَّ كَتَبَ أَمْ لَمْ يَكْتُبْ وَحَلَّ لِلصَّكَّاكِ أَنْ يَشْهَدَ إلَّا فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ خَانِيَّةٌ وَقَدَّمْنَا فِي الشَّهَادَاتِ عَدَمَ اعْتِبَارِ مُشَابَهَةِ الْخَطَّيْنِ   [رد المحتار] الْمُحْتَمَلِ وُجُودُهُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ، بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِدُونِ نِصْفِ حَوْلٍ أَوْ لِسَنَتَيْنِ، وَأَبُوهُ مَيِّتٌ؛ إذْ لَوْ جَاءَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ وَأَبُوهُ حَيٌّ وَوَطْءُ الْأُمِّ لَهُ حَلَالٌ فَالْإِقْرَارُ بِالْحَمْلِ لِأَنَّهُ مُحَالٌ بِالْعُلُوقِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ فَلَا يَثْبُتُ الْوُجُودُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ لَا حَقِيقَةً، وَلَا حُكْمًا بَيَانِيَّةٌ وَكِفَايَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ) فَإِنَّهُ فِيهِ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ صَحِيحٌ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ، وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُقَرِّ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ لَكِنَّ بُطْلَانَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِبْطَالِ كَمَا فِي الْأَنْقِرْوِيِّ سَائِحَانِيٌّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَمْلِ سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ بِأَنْ يَعْقِدَ مَعَ وَلِيِّهِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ فَإِنَّهُ لَا يَلِي عَلَيْهِ أَحَدٌ (قَوْلُهُ لَمْ يُعْتَبَرْ) يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ لِأَنَّ أَنَّ وَصْلِيَّةٌ فَلَا جَوَابَ لَهَا ح (قَوْلُهُ أَوْ قَصِيرَةً) الْأَوْلَى حَذْفُهَا كَمَا لَا يَخْفَى ح (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا أَفْعَالٌ) لِأَنَّ الشَّيْءَ الْمُقَرَّ بِهِ قَرْضٌ أَوْ غَصْبٌ أَوْ وَدِيعَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ (قَوْلُهُ بِكِتَابَةِ الْإِقْرَارِ) بِخِلَافِ أَمْرِهِ بِكِتَابَةِ الْإِجَارَةِ، وَأَشْهَدَ وَلَمْ يَجُزْ عَنْهُ لَا تَنْعَقِدُ أَشْبَاهٌ (قَوْلُهُ يَكُونُ بِالْبَنَانِ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالنُّونِ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمَتْنِ مِنْ قَبِيلِ الْإِقْرَارِ بِالْبَنَانِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ كَتَبَ أَمْ لَمْ يَكْتُبْ، وَبِدَلِيلِ مَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْبَنَانِ كَمَا يَكُونُ بِاللِّسَانِ رَجُلٌ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ ذِكْرَ حَقٍّ بِحَضْرَةِ قَوْمٍ أَوْ أَمْلَى عَلَى إنْسَانٍ لِيَكْتُبَ، ثُمَّ قَالَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَذَا لِفُلَانٍ كَانَ إقْرَارًا اهـ فَإِنَّ ظَاهِرَ التَّرْكِيبِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى مِثَالٌ لِلْإِقْرَارِ بِالْبَنَانِ، وَالثَّانِيَةَ لِلْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ فَتَأَمَّلْ ح. [فَرْعٌ] ادَّعَى الْمَدْيُونُ أَنَّ الدَّائِنَ كَتَبَ عَلَى قِرْطَاسٍ بِخَطِّهِ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ أَبْرَأْتُهُ عَنْهُ صَحَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 600 (أَحَدُ الْوَرَثَةِ   [رد المحتار] وَسَقَطَ الدَّيْنُ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ الْمَرْسُومَةَ الْمُعَنْوَنَةَ كَالنُّطْقِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ وَلَا دَعْوَى الْإِبْرَاءِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْكِتَابَةُ بِطَلَبِ الدَّائِنِ أَوْ لَا بِطَلَبِهِ بَزَّازِيَّةٌ مِنْ آخِرِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ الدَّعْوَى، وَفِي أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ مِنْ الْأَشْبَاهِ إذَا كَتَبَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا لَا تَحِلُّ الشَّهَادَةُ قَالَ الْقَاضِي النَّسَفِيُّ: إنْ كَتَبَ مُصَدَّرًا يَعْنِي كَتَبَ فِي صَدْرِهِ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ لَهُ عَلَيَّ كَذَا أَوْ أَمَّا بَعْدُ فَلِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ أَشْهَدَ عَلَيَّ بِهِ، وَالْعَامَّةُ عَلَى خِلَافِهِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَكُونُ لِلتَّجْرِبَةِ، وَلَوْ كَتَبَ وَقَرَأَهُ عِنْدَ الشُّهُودِ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُمْ وَلَوْ كَتَبَ عِنْدَهُمْ وَقَالَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ إنْ عَلِمُوا بِمَا فِيهِ كَانَ إقْرَارًا وَإِلَّا فَلَا وَذَكَرَ الْقَاضِي ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا وَأَخْرَجَ خَطًّا وَقَالَ إنَّهُ خَطُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَذَا الْمَالِ فَأَنْكَرَ كَوْنَهُ خَطَّهُ، فَاسْتَكْتَبَ، وَكَانَ بَيْنَ الْخَطَّيْنِ مُشَابَهَةٌ ظَاهِرَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا خَطُّ كَاتِبٍ وَاحِدٍ، لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ فِي الصَّحِيحِ، لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ: هَذَا خَطِّي، وَأَنَا حَرَّرْتُهُ لَكِنْ لَيْسَ عَلَى هَذَا الْمَالِ وَثَمَّةَ لَا يَجِبُ كَذَا هُنَا إلَّا فِي دَفْتَرِ السِّمْسَارِ وَالْبَيَّاعِ وَالصَّرَّافِ اهـ وَقَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْ الْكَلَامِ عَلَيْهَا فِي بَابِ كِتَابِ الْقَاضِي، وَفِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَقَالَ السَّائِحَانِيُّ وَفِي الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي أَنَّ لَهُ عَلَيَّ أَلْفًا أَوْ وَجَدْتُ فِي ذِكْرِي أَوْ فِي حِسَابِي أَوْ بِخَطِّي أَوْ قَالَ كَتَبْت بِيَدِي أَنَّ لَهُ عَلَيَّ كَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخٍ قَالُوا فِي دَفْتَرِ الْبَيَّاعِ إنَّ مَا وُجِدَ فِيهِ بِخَطِّ الْبَيَّاعِ فَهُوَ لَازِمٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يَكْتُبُ إلَّا مَا عَلَى النَّاسِ لَهُ وَمَا لِلنَّاسِ عَلَيْهِ صِيَانَةً عَنْ النِّسْيَانِ، وَالْبِنَاءُ عَلَى الْعَادَةِ الظَّاهِرَةِ وَاجِبٌ اهـ. فَقَدْ اسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ أَئِمَّتِنَا لَا يُعْمَلُ بِالْخَطِّ يَجْرِي عَلَى عُمُومِهِ، وَاسْتِثْنَاءُ دَفْتَرِ السِّمْسَارِ وَالْبَيَّاعِ لَا يَظْهَرُ بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يُعْزَى إلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخٍ، وَأَنْ يُقَيَّدَ بِكَوْنِهِ فِيمَا عَلَيْهِ، وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ رَدَّ الطَّرَسُوسِيِّ الْعَمَلَ بِهِ مُؤَيَّدٌ بِالذَّهَبِ فَلَيْسَ إلَى غَيْرِهِ نَذْهَبُ. وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي (قَوْلُهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ) وَإِنْ صَدَّقُوا جَمِيعًا لَكِنْ عَلَى التَّفَاوُتِ كَرَجُلٍ مَاتَ عَنْ ثَلَاثَةِ بَنِينَ وَثَلَاثَةِ آلَافٍ فَاقْتَسَمُوهَا وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ أَلْفًا، فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى أَبِيهِمْ ثَلَاثَةَ آلَافٍ فَصَدَّقَهُ الْأَكْبَرُ فِي الْكُلِّ وَالْأَوْسَطُ فِي الْأَلْفَيْنِ وَالْأَصْغَرُ فِي الْأَلْفِ أَخَذَ مِنْ الْأَكْبَرِ أَلْفًا وَمِنْ الْأَوْسَطِ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ الْأَلْفِ، وَمِنْ الْأَصْغَرِ ثُلُثَ أَلْفٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ كَذَلِكَ، وَالْأَوْسَطُ يَأْخُذُ الْأَلْفَ وَوَجْهُ كُلٍّ فِي الْكَافِي. [تَنْبِيهٌ] لَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي كُلُّ مَا يُوجَدُ فِي تَذْكِرَةِ الْمُدَّعِي بِخَطِّهِ فَقَدْ الْتَزَمْتُهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 601 أَقَرَّ بِالدَّيْنِ) الْمُدَّعَى بِهِ عَلَى مُوَرِّثِهِ وَجَحَدَهُ الْبَاقُونَ (يَلْزَمُهُ) الدَّيْنُ (كُلُّهُ) يَعْنِي إنْ وَفَّى مَا وَرِثَهُ بِهِ بُرْهَانٌ وَشَرْحُ مَجْمَعٍ (وَقِيلَ حِصَّتُهُ) وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَلَوْ شَهِدَ هَذَا الْمُقِرُّ مَعَ آخَرَ أَنَّ الدَّيْنَ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ قُبِلَتْ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الدَّيْنُ فِي نَصِيبِهِ   [رد المحتار] لِأَنَّهُ قَيَّدَهُ بِشَرْطٍ لَا يُلَائِمُهُ فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَنْ قَالَ: كُلُّ مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَيَّ فُلَانٌ فَأَنَا مُقِرٌّ بِهِ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا لِأَنَّهُ يُشْبِهُ وَعْدًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. فِي: رَجُلٌ كَانَ يَسْتَدِينُ مِنْ زَيْدٍ وَيَدْفَعُ لَهُ ثُمَّ تَحَاسَبَا عَلَى مَبْلَغِ دَيْنٍ لِزَيْدٍ بِذِمَّةِ الرَّجُلِ، وَأَقَرَّ الرَّجُلُ بِأَنَّ ذَلِكَ آخِرُ كُلِّ قَبْضٍ وَحِسَابٍ، ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ يُرِيدُ نَقْضَ ذَلِكَ وَإِعَادَةَ الْحِسَابِ فَهَلْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؟ الْجَوَابُ: نَعَمْ لِقَوْلِ الدُّرَرِ لَا عُذْرَ لِمَنْ أَقَرَّ سَائِحَانِيٌّ وَفِيهَا فِي شَرِيكَيْ تِجَارَةٍ حَسَبَ لَهُمَا جَمَاعَةٌ الدَّفَاتِرَ فَتَرَاضَيَا وَانْفَصَلَ الْمَجْلِسُ وَقَدْ ظَنَّا صَوَابَ الْجَمَاعَةِ فِي الْحِسَابِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ فِي الْحِسَابِ لَدَى جَمَاعَةٍ أُخْرَى، فَهَلْ يَرْجِعُ لِلصَّوَابِ؟ الْجَوَابُ: نَعَمْ لِقَوْلِ الْأَشْبَاهِ لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ. فِي شَرِيكَيْ عِنَانٍ تَحَاسَبَا ثُمَّ افْتَرَقَا بِلَا إبْرَاءٍ أَوْ بَقِيَا عَلَى الشَّرِكَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ أَوْصَلَ لِشَرِيكِهِ أَشْيَاءَ مِنْ الشَّرِكَةِ غَيْرَ مَا تَحَاسَبَا عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَلَا بَيِّنَةَ، فَطَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ؟ الْجَوَابُ نَعَمْ اهـ (قَوْلُهُ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ) سَيَأْتِي فِي الْوَصَايَا قُبَيْلَ بَابِ الْعِتْقِ فِي الْأَرْضِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ حِصَّتُهُ) عَبَّرَ عَنْهُ بِقِيلَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ، وَسَيَجِيءُ أَيْضًا وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَحَدُ الْوَرَثَةِ لَوْ أَقَرَّ بِالْوَصِيَّةِ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا يَخُصُّهُ وِفَاقًا، وَفِي مَجْمُوعَةِ مُنْلَا عَلِيٍّ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ وَالثَّلَاثِينَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِالْوَصِيَّةِ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا يَخُصُّهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِذَا مَاتَ وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ وَثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَأَخَذَ كُلُّ ابْنٍ أَلْفًا فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَصَدَّقَهُ أَحَدُ الِابْنَيْنِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ مَا فِي يَدِهِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُؤْخَذُ مِنْهُ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ، وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. لَنَا أَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِأَلْفٍ شَائِعٍ فِي الْكُلِّ ثُلُثُ ذَلِكَ فِي يَدِهِ وَثُلُثَاهُ فِي يَدِ شَرِيكَيْهِ، فَمَا كَانَ إقْرَارًا فِيمَا فِي يَدِهِ يُقْبَلُ، وَمَا كَانَ إقْرَارًا فِي يَدِ غَيْرِهِ لَا يُقْبَلُ فَوَجَبَ أَنْ يُسْلَمَ إلَيْهِ أَيْ إلَى الْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَ هَذَا الْمُقِرُّ مَعَ آخَرَ) وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ح: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَلْ مَاتَ مُوَرِّثُكَ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ يَسْأَلُهُ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ، فَلَوْ أَقَرَّ وَكَذَّبَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ وَلَمْ يُقْضَ بِإِقْرَارِهِ حَتَّى شَهِدَ هَذَا الْمُقِرُّ وَأَجْنَبِيٌّ مَعَهُ يُقْبَلُ وَيُقْضَى عَلَى الْجَمِيعِ وَشَهَادَتُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ أَقَرَّ الْوَارِثُ أَوْ نَكَلَ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُؤْخَذُ كُلُّ الدَّيْنِ مِنْ حِصَّةِ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى إرْثِهِ وَقَالَ ث: هُوَ الْقِيَاسُ وَلَكِنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدِي أَنْ يَلْزَمَهُ مَا يَخُصُّهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَالِكٍ وَسُفْيَانَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ تَابَعَهُمْ. وَهَذَا الْقَوْلُ أَعْدَلُ وَأَبْعَدُ مِنْ الضَّرَرِ بِهِ، وَلَوْ بَرْهَنَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إلَّا مَا يَخُصُّهُ وِفَاقًا انْتَهَى. بَقِيَ مَا لَوْ بَرْهَنَا عَلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ بِدَيْنِهِ بَعْدَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ: فَهَلْ لِلدَّائِنِ أَخْذُهُ كُلِّهِ مِنْ حِصَّةِ الْحَاضِرِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوَاهُ: وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ؟ نَعَمْ: فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَأْخُذُ مِنْهُ إلَّا مَا يَخُصُّهُ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَيْضًا: وَكَذَا لَوْ بَرْهَنَ الطَّالِبُ عَلَى هَذَا الْمُقِرِّ: تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ كَمَا فِي وَكِيلٍ قَبَضَ الْعَيْنَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 602 بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ بَلْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ فَلْتُحْفَظْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ دُرَرٌ. (أَشْهَدَ عَلَى أَلْفٍ فِي مَجْلِسٍ وَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ آخَرَيْنِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ) بِلَا بَيَانِ السَّبَبِ (لَزِمَ) الْمَالَانِ (أَلْفَانِ) كَمَا اخْتَلَفَ السَّبَبُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اتَّحَدَ السَّبَبُ أَوْ الشُّهُودُ أَوْ أَشْهَدَ عَلَى صَكٍّ وَاحِدٍ أَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الشُّهُودِ ثُمَّ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ بِعَكْسِهِ ابْنُ مَلَكٍ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُعَرَّفَ أَوْ الْمُنَكَّرَ إذَا أُعِيدَ مُعَرَّفًا كَانَ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ أَوْ مُنَكَّرًا فَغَيْرَهُ وَلَوْ نَسِيَ الشُّهُودُ أَفِي مَوْطِنٍ أَوْ مَوْطِنَيْنِ فَهُمَا مَالَانِ مَا لَمْ يُعْلَمْ اتِّحَادُهُ وَقِيلَ وَاحِدٌ وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةُ. (أَقَرَّ   [رد المحتار] لَوْ أَقَرَّ مَنْ عِنْدَهُ الْعَيْنُ أَنَّهُ وَكِيلٌ بِقَبْضِهَا لَا يَكْفِي إقْرَارُهُ، وَيُكَلَّفُ الْوَكِيلُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى إثْبَاتِ الْوَكَالَةِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ قَبْضُ ذَلِكَ فَكَذَا هُنَا اهـ (قَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ) وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ يَحِلُّ فِي نَصِيبِهِ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ مَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ الْمَغْرَمِ عَنْهُ بَاقَانِيٌّ وَدُرَرٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ أَشْهَدَ عَلَى أَلْفٍ إلَخْ) نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ رِوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ لَيْسَ مَا فِي الْمَتْنِ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إحْدَاهُمَا أَنْ يَلْزَمَهُ الْمَالَانِ إنْ أَشْهَدَ فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي عَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَإِنْ أَشْهَدَ غَيْرَهُمَا كَانَ الْمَالُ وَاحِدًا وَأَحْرَاهُمَا أَنَّهُ إنْ أَشْهَدَ عَلَى كُلِّ إقْرَارٍ شَاهِدَيْنِ يَلْزَمُهُ الْمَالَانِ جَمِيعًا سَوَاءٌ أَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهِ الثَّانِي الْأَوَّلَيْنِ أَوْ غَيْرَهُمَا اهـ فَلُزُومُ الْمَالَيْنِ إنْ أَشْهَدَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ آخَرَيْنِ لَيْسَ وَاحِدًا مِمَّا ذُكِرَ وَنُقِلَ فِي الدُّرَرِ عَنْ الْإِمَامِ الْأُولَى وَأَبْدَلَ الثَّانِيَةَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُتَابَعَةً لَهُ وَاعْتَرَضَهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ بِمَا ذَكَرْنَا وَأَنَّهُ ابْتِدَاعُ قَوْلٍ ثَالِثٍ غَيْرِ مُسْنَدٍ إلَى أَحَدٍ وَلَا مَسْطُورٍ فِي الْكُتُبِ (قَوْلُهُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ) بِخِلَافِ مَا لَوْ أَشْهَدَ أَوَّلًا وَاحِدًا وَثَانِيًا آخَرَ فِي مَوْطِنٍ أَوْ مَوْطِنَيْنِ فَالْمَالُ وَاحِدٌ اتِّفَاقًا وَكَذَا لَوْ أَشْهَد عَلَى الْأَوَّلِ وَاحِدًا وَعَلَى الثَّانِي أَكْثَرَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَالْمَالُ وَاحِدٌ عِنْدَهُمَا وَكَذَا عِنْدَهُ عَلَى الظَّاهِرِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ لَزِمَ أَلْفَانِ) وَاعْلَمْ أَنَّ تَكْرَارَ الْإِقْرَارِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا بِسَبَبٍ أَوْ مُطْلَقًا. وَالْأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا بِسَبَبٍ مُتَّحِدٍ، فَيَلْزَمُ مَالٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ أَوْ بِسَبَبٍ مُخْتَلِفٍ فَمَالَانِ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَإِمَّا بِصَكٍّ أَوَّلًا وَالْأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا بِصَكٍّ وَاحِدٍ فَالْمَالُ وَاحِدٌ مُطْلَقًا، أَوْ بِصَكَّيْنِ فَمَالَانِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ فِي مَوْطِنٍ وَاحِدٍ يَلْزَمُ مَالَانِ عِنْدَهُ وَوَاحِدٌ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ فِي مَوْطِنَيْنِ، فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَى الثَّانِي شُهُودَ الْأَوَّلِ فَمَالٌ وَاحِدٌ عِنْدَهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمَطْلُوبُ هُمَا مَالَانِ وَإِنْ أَشْهَدَ غَيْرَهُمَا فَمَالَانِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْهُ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ، وَهُوَ إنْ اتَّحَدَ الْمَشْهُودُ فَمَالَانِ عِنْدَهُ، وَإِلَّا فَوَاحِدٌ عِنْدَهُمَا. وَأَمَّا عِنْدَهُ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِهِ مَالَانِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ مَالٌ وَاحِدٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ السَّرَخْسِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيُّ مَالَانِ وَعَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ وَاحِدٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَكُلُّ ذَلِكَ مَفْهُومٌ مِنْ الشَّرْحِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ رِوَايَةٌ مَنْقُولَةٌ وَأَنَّ اعْتِرَاضَ الْعَزْمِيَّةِ عَلَى الدُّرَرِ مَرْدُودٌ حَيْثُ جَعَلَهُ قَوْلًا مُبْتَدَعًا غَيْرَ مَسْطُورٍ فِي الْكُتُبِ مُسْتَنِدًا إلَى أَنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ حَكَى فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ الْأُولَى لُزُومُ مَالَيْنِ إنْ اتَّحَدَ الشُّهُودُ، وَإِلَّا فَمَالٌ الثَّانِيَةُ لُزُومُ مَالَيْنِ إنْ أَشْهَدَ عَلَى كُلِّ إقْرَارٍ شَاهِدَيْنِ اتَّحَدَا أَوْ لَا وَقَدْ أَوْضَحَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ) وَلَوْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فِي الْبَزَّازِيَّةِ جَعَلَ الصِّفَةَ كَالسَّبَبِ حَيْثُ قَالَ: إنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ بِيضٍ ثُمَّ بِأَلْفٍ سُودٍ فَمَالَانِ وَلَوْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ اخْتِلَافَ السَّبَبِ، وَزَعَمَ الْمُقِرُّ اتِّحَادَهُ أَوْ الصَّكَّ أَوْ الْوَصْفَ فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ وَلَوْ اتَّحَدَ السَّبَبُ وَالْمَالُ الثَّانِي أَكْثَرُ يَجِبُ الْمَالَانِ، وَعِنْدَهُمَا يَلْزَم الْأَكْثَرُ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ اتَّحَدَ السَّبَبُ) بِأَنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ثَمَنُ هَذَا الْعَبْدِ ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَهُ كَذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ أَوْ الشُّهُودُ) هَذَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ السَّرَخْسِيُّ كَمَا عَلِمْتَهُ مِمَّا مَرَّ (قَوْلُهُ ثُمَّ عِنْدَ الْقَاضِي) وَكَذَا لَوْ كَانَ عِنْدَ الْقَاضِي فِي مَجْلِسٍ ط (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُعَرَّفَ) كَالْإِقْرَارِ بِسَبَبٍ مُتَّحِدٍ (قَوْلُهُ أَوْ الْمُنَكَّرَ) كَالسَّبَبَيْنِ وَكَالْمُطْلَقِ عَنْ السَّبَبِ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَسِيَ الشُّهُودُ) فِي صُورَةِ تَعَدُّدِ الْإِشْهَادِ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ) وَنَقَلَهَا فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ أَقَرَّ) أَيْ بِدَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 603 ثُمَّ ادَّعَى) الْمُقِرُّ (أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي الْإِقْرَارِ يَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّ الْمُقِرَّ لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا فِي إقْرَارِهِ) عِنْدَ الثَّانِي وَبِهِ يُفْتَى دُرَرٌ (وَكَذَا) الْحُكْمُ يَجْرِي (لَوْ ادَّعَى وَارِثُ الْمُقِرِّ) فَيَحْلِفُ (وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى وَرَثَةِ الْمُقَرِّ لَهُ فَالْيَمِينُ عَلَيْهِمْ) بِالْعِلْمِ أَنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ كَاذِبًا صَدْرُ الشَّرِيعَةِ.   [رد المحتار] فِي آخِرِ الْكَنْزِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ ادَّعَى) ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْكَنْزِ فِي شَتَّى الْفَرَائِضِ (قَوْلُهُ: وَبِهِ يُفْتَى) وَهُوَ الْمُخْتَارُ بَزَّازِيَّةٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُقِرَّ إذَا ادَّعَى الْإِقْرَارَ كَاذِبًا يَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ، أَوْ وَارِثُهُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ مُضْطَرًّا إلَى الْكَذِبِ فِي الْإِقْرَارِ أَوْ لَا. قَالَ شَيْخُنَا: وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا سَيَأْتِي فِي مَسَائِلَ شَتَّى قُبَيْلَ كِتَابِ الصُّلْحِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَقَرَّ بِمَالٍ فِي صَكٍّ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ بِهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ بَعْضَ هَذَا الْمَالِ الْمُقَرِّ بِهِ قَرْضٌ، وَبَعْضَهُ رِبًا إلَخْ حَيْثُ نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُفْتَى بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: مِنْ أَنَّهُ يَحْلِفُ لَهُ أَنَّ الْمُقِرَّ مَا أَقَرَّ كَاذِبًا فِي صُورَةٍ يُوجَدُ فِيهَا اضْطِرَارُ الْمُقِرِّ إلَى الْكَذِبِ فِي الْإِقْرَارِ كَالصُّورَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ وَنَحْوِهَا، كَذَا فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ لِلشَّيْخِ مُحَمَّدٍ أَبِي السُّعُودِ الْمِصْرِيِّ، وَفِي أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ الْعِبَارَةَ هُنَاكَ فِي هَذَا وَنَحْوِهِ فَقَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ مُطْلَقًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: فَيَحْلِفُ) أَيْ الْمُقَرُّ لَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ لَا يَحْلِفُ بَزَّازِيَّةٌ وَالْأَصَحُّ التَّحْلِيفُ حَامِدِيَّةٌ عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَقَرَّ فَمَاتَ فَقَالَ وَرَثَتُهُ: إنَّهُ أَقَرَّ كَاذِبًا فَلَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ وَالْمُقَرُّ لَهُ عَالِمٌ بِهِ لَيْسَ لَهُمْ تَحْلِيفُهُ؛ إذْ وَقْتَ الْإِقْرَارِ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُمْ بِمَالِ الْمُقِرِّ فَصَحَّ الْإِقْرَارُ وَحَيْثُ تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ صَارَ حَقًّا لِلْمُقَرِّ لَهُ ص. أَقَرَّ وَمَاتَ فَقَالَ وَرَثَتُهُ: إنَّهُ أَقَرَّ تَلْجِئَةً حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ أَقَرَّ لَك إقْرَارًا صَحِيحًا ط. وَارِثٌ ادَّعَى أَنَّ مُوَرِّثَهُ أَقَرَّ تَلْجِئَةً قَالَ بَعْضُهُمْ: لَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَقَرَّ كَاذِبًا لَا يُقْبَلُ قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ يَقُولُ الْحَقِيرُ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَّحِدَ حُكْمُ الْمَسْأَلَتَيْنِ ظَاهِرًا؛ إذْ الْإِقْرَارُ كَاذِبًا مَوْجُودٌ فِي التَّلْجِئَةِ أَيْضًا، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ التَّلْجِئَةَ أَنْ يُظْهِرَ أَحَدُ شَخْصَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا فِي الْعَلَنِ خِلَافَ مَا تَوَاضَعَا عَلَيْهِ فِي السِّرِّ فَفِي دَعْوَى التَّلْجِئَةِ يَدَّعِي الْوَارِثُ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ فِعْلًا لَهُ وَهُوَ تَوَاضُعُهُ مَعَ الْمُقِرِّ فِي السِّرِّ، فَلِذَا يَحْلِفُ بِخِلَافِ دَعْوَى الْإِقْرَارِ كَاذِبًا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ أُوتِيَ فَهْمًا صَافِيًا اهـ مِنْ أَوَاخِرِ الْفَصْلِ الْخَامِسَ عَشَرَ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ دَعْوَى الْإِقْرَارِ كَاذِبًا إنَّمَا تُسْمَعُ إذَا لَمْ يَكُنْ إبْرَاءً عَامًّا فَلَوْ كَانَ لَا تُسْمَعُ لَكِنْ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ نُجَيْمٍ رِسَالَةٌ فِي: امْرَأَةٍ أَقَرَّتْ فِي صِحَّتِهَا لِبِنْتِهَا فُلَانَةَ بِمَبْلَغٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَهُمَا تَبَارُؤٌ عَامٌّ ثُمَّ مَاتَتْ فَادَّعَى الْوَصِيُّ أَنَّهَا كَاذِبَةٌ، فَأَفْتَى بِسَمَاعِ دَعْوَاهُ وَتَحْلِيفِ الْبِنْتِ، وَعَدَمُ صِحَّةِ الْحُكْمِ قَبْلَ التَّحْلِيفِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِخِلَافِ الْمُفْتَى بِهِ وَأَنَّ الْإِبْرَاءَ هُنَا لَا يُمْنَعُ، لِأَنَّ الْوَصِيَّ: يَدَّعِي عَدَمَ لُزُومِ شَيْءٍ بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ الْمُقِرُّ الْمَالَ الْمُقَرَّ بِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي اسْتِرْجَاعَ الْمَالِ، وَالْبَرَاءَةُ مَانِعَةٌ مِنْ ذَلِكَ أَمَّا فِي الْأُولَى فَإِنَّهُ لَمْ يَدَّعِ اسْتِرْجَاعَ شَيْءٍ وَإِنَّمَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ فَافْتَرَقَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 604 بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فِي كَوْنِهِ مُغَيِّرًا كَالشَّرْطِ وَنَحْوِهِ (هُوَ) عِنْدَنَا (تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا بِاعْتِبَارِ الْحَاصِلِ مِنْ مَجْمُوعِ التَّرْكِيبِ وَنَفْيٌ وَإِثْبَاتٌ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ) فَالْقَائِلُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً لَهُ عِبَارَتَانِ مُطَوَّلَةٌ وَهِيَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَمُخْتَصَرَةٌ وَهِيَ أَنْ يَقُولَ ابْتِدَاءً لَهُ عَلَيَّ سَبْعَةٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا أَيْ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ (وَشُرِطَ فِيهِ الِاتِّصَالُ) بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (إلَّا لِضَرُورَةٍ كَنَفَسٍ أَوْ سُعَالٍ أَوْ أَخْذِ فَمٍ) بِهِ يُفْتَى (وَالنِّدَاءُ بَيْنَهُمَا لَا يَضُرُّ) لِأَنَّهُ لِلتَّنْبِيهِ وَالتَّأْكِيدِ (كَقَوْلِهِ لَك عَلَيَّ أَلْفِ دِرْهَمٍ - يَا فُلَانُ - إلَّا عَشَرَةً بِخِلَافِ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ - فَاشْهَدُوا - إلَّا كَذَا وَنَحْوَهُ) مِمَّا يُعَدُّ فَاصِلًا لِأَنَّ الْإِشْهَادَ يَكُونُ بَعْدَ تَمَامِ الْإِقْرَارِ فَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ (فَمَنْ اسْتَثْنَى بَعْضَ مَا أَقَرَّ بِهِ صَحَّ) اسْتِثْنَاؤُهُ وَلَوْ الْأَكْثَرَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ (وَلَزِمَهُ الْبَاقِي) وَلَوْ مِمَّا لَا يُقْسَمُ كَ هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ إلَّا ثُلُثَهُ أَوْ ثُلُثَيْهِ صَحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَ) الِاسْتِثْنَاءُ (الْمُسْتَغْرِقُ بَاطِلٌ، وَلَوْ فِيمَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ كَوَصِيَّةٍ) لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ لَيْسَ بِرُجُوعٍ بَلْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ فَاسِدٌ هُوَ الصَّحِيحُ جَوْهَرَةٌ وَهَذَا (إنْ كَانَ) الِاسْتِثْنَاءُ (بِ) عَيْنِ (لَفْظِ الصَّدْرِ أَوْ مُسَاوِيهِ) كَمَا يَأْتِي (وَإِنْ بِغَيْرِهِمَا كَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ أَوْ إلَّا سَالِمًا وَغَانِمًا وَرَاشِدًا) وَمِثْلُهُ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا هَؤُلَاءِ أَوْ إلَّا زَيْنَبَ وَعَمْرَةَ وَهِنْدَ (وَهُمْ الْكُلُّ صَحَّ) الِاسْتِثْنَاءُ وَكَذَا ثُلُثُ مَالِي لِزَيْدٍ إلَّا أَلْفًا وَالثُّلُثُ أَلْفٌ صَحَّ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا؛ إذْ الشَّرْطُ إبْهَامُ الْبَقَاءِ لَا حَقِيقَتُهُ حَتَّى لَوْ: طَلَّقْتُهَا سِتًّا إلَّا أَرْبَعًا صَحَّ وَوَقَعَ ثِنْتَانِ (كَمَا صَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ وَالْمَعْدُودِ الَّذِي لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ كَالْفُلُوسِ وَالْجَوْزِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَيَكُونُ الْمُسْتَثْنَى الْقِيمَةَ) اسْتِحْسَانًا لِثُبُوتِهَا فِي الذِّمَّةِ فَكَانَتْ كَالثَّمَنَيْنِ (وَإِنْ اُسْتُغْرِقَتْ) الْقِيمَةُ (مَا أَقَرَّ بِهِ) لِاسْتِغْرَاقِهِ بِغَيْرِ الْمُسَاوِي (بِخِلَافِ) لَهُ عَلَيَّ. (دِينَارٌ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ) (لِاسْتِغْرَاقِهِ بِالْمُسَاوِي) فَيَبْطُلُ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْكُلَّ بَحْرٌ   [رد المحتار] [بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ] ُ (قَوْلُهُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي) أَيْ مَعْنًى لَا صُورَةً دُرَرٌ (قَوْلُهُ بَعْدَ الثُّنْيَا) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ وَفِي آخِرِهِ أَلِفٌ مَقْصُورَةٌ اسْمٌ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لِلتَّنْبِيهِ) أَيْ تَنْبِيهِ الْمُخَاطَبِ، وَتَأْكِيدِ الْخِطَابِ، لِأَنَّ الْمُنَادَى هُوَ الْمُخَاطَبُ، وَمُفَادُهُ لَوْ كَانَ الْمُنَادَى غَيْرَ الْمُقَرِّ لَهُ يَضُرُّ وَنُقِلَ عَنْ الْجَوْهَرَةِ وَلَمْ أَرَهُ فِيهَا لَكِنْ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ يَا فُلَانُ إلَّا عَشَرَةً كَانَ جَائِزًا لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْإِخْبَارِ لِشَخْصٍ خَاصٍّ، وَهَذَا صِيغَتُهُ فَلَا يُعَدُّ فَاصِلًا اهـ تَأَمَّلْ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لِأَنَّ النِّدَاءَ لِتَنْبِيهِ الْمُخَاطَبِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِتَأْكِيدِ الْخِطَابِ وَالْإِقْرَارِ فَصَارَ مِنْ الْإِقْرَارِ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَوْ الْأَكْثَرَ) أَيْ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: لَفْظِ الصَّدْرِ) كَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا عَبِيدِي (قَوْلُهُ: مُسَاوِيهِ) كَقَوْلِهِ إلَّا مَمَالِيكِي (قَوْلُهُ: وَإِنْ بِغَيْرِهِمَا) بِأَنْ يَكُونَ أَخَصَّ مِنْهُ فِي الْمَفْهُومِ لَكِنْ فِي الْوُجُوبِ يُسَاوِيهِ (قَوْلُهُ: إبْهَامُ الْبَقَاءِ) أَيْ بِحَسَبِ صُورَةِ اللَّفْظِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ، فَلَا يَضُرُّ إهْمَالُ الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: وَوَقَعَ ثِنْتَانِ) وَإِنْ كَانَتْ السِّتُّ لَا صِحَّةَ لَهَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ وَمَعَ هَذَا لَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَرْبَعًا فَكَانَ اعْتِبَارُ اللَّفْظِ أَوْلَى عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ: كَمَا صَحَّ) فَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِلِاسْتِثْنَاءِ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ، فَإِنْ مُقَدَّرًا مِنْ مُقَدَّرٍ صَحَّ عِنْدَهُمَا اسْتِحْسَانًا، وَتُطْرَحُ قِيمَةُ الْمُسْتَثْنَى مِمَّا أَقَرَّ بِهِ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَإِنْ غَيْرَ مُقَدَّرٍ مِنْ مُقَدَّرٍ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي نَحْوِ مِائَةِ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا غَايَةُ الْبَيَانِ، لَكِنْ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ هُنَا الِاسْتِثْنَاءُ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ، وَلَا يَمْتَنِعُ بِهِ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ وَلَكِنَّ جَهَالَةَ الْمُسْتَثْنَى تَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ ذَكَرَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ قَاضِي زَادَهُ (قَوْلُهُ لِثُبُوتِهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ (قَوْلُهُ: فَكَانَتْ كَالثَّمَنَيْنِ) لِأَنَّهَا بِأَوْصَافِهَا أَثْمَانٌ حَتَّى لَوْ عَيَّنَتْ تَعَلُّقَ الْعَقْدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 605 لَكِنْ فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ أَوْ أَكْثَرُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَيُحَرَّرُ (وَإِذَا اسْتَثْنَى عَدَدَيْنِ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الشَّكِّ كَانَ الْأَقَلُّ مُخْرَجًا نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا مِائَةَ) دِرْهَمٍ (أَوْ خَمْسِينَ) دِرْهَمًا فَيَلْزَمُهُ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ عَلَى الْأَصَحِّ بَحْرٌ (وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولًا ثَبَتَ الْأَكْثَرُ نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا شَيْئًا أَوْ) إلَّا (قَلِيلًا أَوْ) إلَّا (بَعْضًا لَزِمَهُ أَحَدٌ وَخَمْسُونَ) لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي الْمُخْرَجِ بِخُرُوجِ الْأَقَلِّ (وَلَوْ وَصَلَ إقْرَارَهُ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) أَوْ فُلَانٌ أَوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ عَلَى خَطَرٍ لَا بِكَائِنٍ كَإِنْ مِتُّ فَإِنَّهُ يُنَجَّزُ. -   [رد المحتار] بِعَيْنِهَا، وَلَوْ وَصَفَتْ وَلَمْ تَتَعَيَّنْ صَارَ حُكْمُهَا كَحُكْمِ الدِّينَارِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْجَوْهَرَةِ) وَمِثْلُهُ فِي الْيَنَابِيعِ، وَنَقَلَهُ قَاضِي زَادَهُ عَلَى الذَّخِيرَةِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَفِيهَا قَالَ الشَّيْخُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَّا دِينَارًا، وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ أَوْ إلَّا كُرَّ بُرٍّ كَذَلِكَ إنْ مَشَيْنَا عَلَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ بِغَيْرِ لَفْظِهِ صَحِيحٌ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ الْإِقْرَارُ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ قَالَ عَلَيَّ دِينَارٌ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ، مِنْ الصَّدْرِ مَا فِي هَذَا الْكِيسِ مِنْ الدَّرَاهِمِ لِفُلَانٍ إلَّا أَلْفًا يُنْظَرُ إنْ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ، فَالزِّيَادَةُ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَالْأَلْفُ لِلْمُقِرِّ وَإِنْ أَلْفٌ أَوْ أَقَلُّ فَكُلُّهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ. قُلْت: وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ بِالتَّأَمُّلِ اهـ. قُلْت: فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى مَا فِي الْجَوْهَرَةِ حَيْثُ قَالَ فِيمَا قَبْلَهُ وَإِنْ اُسْتُغْرِقَتْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَيُحَرَّرُ) الظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ مَبْنِيَّتَيْنِ عَلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ أَوْ جِنْسَانِ ح (قَوْلُهُ مُخْرَجًا) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ فَيَلْزَمُهُ تِسْعُمِائَةٍ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ كَلِمَةَ الشَّكِّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَيَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا، وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ يَلْزَمُهُ تِسْعُمِائَةٍ قَالُوا: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَاكِيٌّ، وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ الثَّانِيَ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الرَّمْزِ حَمَوِيٌّ وَكَتَبَ السَّائِحَانِيُّ عَلَى الْأَوَّلِ هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ خُرُوجٌ بَعْدَ دُخُولٍ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِنَا مِنْ أَنَّ التَّرْكِيبَ مُفَادُهُ مُفْرَدٌ، فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ تِسْعُمِائَةٍ أَوْ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ فَنُوجِبُ التِّسْعَمِائَةِ، لِأَنَّهَا أَقَلُّ حَتَّى إنَّهُمْ قَالُوا ثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ، فَعِنْدَنَا يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ تَكَلُّمًا بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا شَكَكْنَا فِي الْمُتَكَلَّمِ بِهِ وَالْأَصْلُ فَرَاغُ الذِّمَمِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَمَّا دَخَلَ الْأَلْفُ صَارَ الشَّكُّ فِي الْمُخْرَجِ فَيُخْرَجُ الْأَقَلُّ زَيْلَعِيٌّ وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانَ اهـ وَتَعْبِيرُهُمْ بِقَوْلِهِمْ قَالُوا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ يُفِيدُ التَّبَرِّي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي الْمُخْرَجِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ بِخُرُوجِ الْأَقَلِّ) وَهُوَ مَا دُونَ النِّصْفِ، لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الشَّيْءِ اسْتِثْنَاءُ الْأَقَلِّ عُرْفًا فَأَوْجَبْنَا النِّصْفَ وَزِيَادَةَ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ أَدْنَى مَا تَتَحَقَّقُ بِهِ الْقِلَّةُ النَّقْصُ عَنْ النِّصْفِ بِدِرْهَمٍ (قَوْلُهُ أَوْ فُلَانٌ) وَلَوْ شَاءَ لَا تَلْزَمُهُ وَلْوَالِجِيَّةٌ (قَوْلُهُ عَلَى خَطَرٍ) كَإِنْ حَلَفْتَ فَلَكَ مَا ادَّعَيْتَ بِهِ، فَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْزَمُهُ وَلَوْ دَفَعَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ فِي فَصْلِ صُلْحِ الْوَرَثَةِ، وَقَيَّدَ فِي الْبَحْرِ التَّعْلِيقَ عَلَى خَطَرٍ بِأَنْ لَمْ يَتَضَمَّنْ دَعْوَى الْأَجْلِ قَالَ: وَإِنْ تَضَمَّنَ كَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا لَزِمَهُ لِلْحَالِ، وَيَسْتَحْلِفُ الْمُقَرَّ لَهُ فِي الْأَجَلِ اهـ. تَأَمَّلْ وَفِي الْبَحْرِ أَيْضًا: وَمِنْ التَّعْلِيقِ الْمُبْطِلِ لَهُ أَلْفٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ أَرَى غَيْرَهُ أَوْ فِيمَا أَعْلَمُ، وَكَذَا اشْهَدُوا أَنَّ لَهُ عَلَيَّ كَذَا فِيمَا أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُنَجَّزُ) أَيْ فِي تَعْلِيقِهِ بِكَائِنٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَعْلِيقًا حَقِيقَةً بَلْ مُرَادُهُ بِهِ أَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 606 (بَطَلَ إقْرَارُهُ) بَقِيَ لَوْ ادَّعَى الْمَشِيئَةَ هَلْ يُصَدَّقُ؟ لَمْ أَرَهُ وَقَدَّمْنَا فِي الطَّلَاقِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ لَا فَلْيَكُنْ الْإِقْرَارُ كَذَلِكَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (وَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْبَيْتِ مِنْ الدَّارِ لَا اسْتِثْنَاءُ الْبِنَاءِ) مِنْهُمَا لِدُخُولِهِ تَبَعًا فَكَانَ وَصْفًا وَاسْتِثْنَاءُ الْوَصْفِ لَا يَجُوزُ (وَإِنْ قَالَ بِنَاؤُهَا لِي وَعَرْصَتُهَا لَك فَكَمَا قَالَ) لِأَنَّ الْعَرْصَةَ هِيَ الْبُقْعَةُ لَا الْبِنَاءُ حَتَّى لَوْ قَالَ: وَأَرْضُهَا لَك كَانَ لَهُ الْبِنَاءُ أَيْضًا لِدُخُولِهِ تَبَعًا إلَّا إذَا قَالَ بِنَاؤُهَا لِزَيْدٍ وَالْأَرْضُ لِعَمْرٍو فَكَمَا قَالَ (وَ) اسْتِثْنَاءُ (فَصِّ الْخَاتَمِ وَنَخْلَةِ الْبُسْتَانِ وَطَوْقِ الْجَارِيَةِ -   [رد المحتار] يُشْهِدَهُمْ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ إنْ جَحَدَ الْوَرَثَةُ فَهُوَ عَلَيْهِ مَاتَ، أَوْ عَاشَ لَكِنْ قُدِّمَ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْبَيْعِ أَنَّهُ يَكُونُ وَصِيَّةٌ (قَوْلُهُ بَطَلَ إقْرَارُهُ) عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: إنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ إبْطَالٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ، وَالثَّمَرَةُ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَقَعُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ فَإِذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَزَاءَ لَمْ يَتَعَلَّقْ وَبَقِيَ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ كِفَايَةٌ وَلَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَكَانَ قَصْدُهُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً وَالْكَلَامُ مَعَهُ لَا يَكُونُ إيقَاعًا عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: لَوْ ادَّعَى الْمَشِيئَةَ) أَيْ ادَّعَى أَنَّهُ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ح (قَوْلُهُ: قَالَهُ الْمُصَنِّفُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِيهِ: أَقُولُ: الْفِقْهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ إقْرَارُهُ بِالْبَيِّنَةِ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، أَمَّا إذَا قَالَ ابْتِدَاءً أَقْرَرْتُ لَهُ بِكَذَا مُسْتَثْنِيًا فِي إقْرَارِي يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ عِنْدِي كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يُرِيدُ إبْطَالَهُ بَعْدَ تَقَرُّرِهِ تَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ لِدُخُولِهِ تَبَعًا) وَلِهَذَا لَوْ اسْتَحَقَّ الْبِنَاءَ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِمُقَابِلِهِ بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْبَيْتِ تَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ بِنَاؤُهَا إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ خَمْسُ مَسَائِلَ وَتَخْرِيجُهَا عَلَى أَصْلَيْنِ. الْأَوَّلِ: أَنَّ الدَّعْوَى قَبْلَ الْإِقْرَارِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بَعْدَهُ وَالدَّعْوَى بَعْدَ الْإِقْرَارِ فِي بَعْضِ مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ لَا تَصِحُّ. وَالثَّانِي: أَنَّ إقْرَارَ الْإِنْسَانِ حُجَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ لَا غَيْرِهِ، إذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إذَا قَالَ بِنَاؤُهَا لِي وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ إنَّمَا كَانَ لِفُلَانٍ لِأَنَّهُ أَوَّلًا ادَّعَى الْبِنَاءَ وَثَانِيًا أَقَرَّ بِهِ لِفُلَانٍ تَبَعًا لِلْأَرْضِ، وَالْإِقْرَارُ بَعْدَ الدَّعْوَى صَحِيحٌ، وَإِذَا قَالَ أَرْضُهَا لِي وَبِنَاؤُهَا لِفُلَانٍ فَكَمَا قَالَ، لِأَنَّهُ أَوَّلًا ادَّعَى الْبِنَاءَ لِنَفْسِهِ تَبَعًا، وَثَانِيًا أَقَرَّ بِهِ لِفُلَانٍ، وَالْإِقْرَارُ بَعْدَ الدَّعْوَى صَحِيحٌ يُؤْمَرُ الْمُقَرُّ لَهُ بِنَقْلِ الْبِنَاءِ مِنْ أَرْضِهِ أَوْ إذَا قَالَ أَرْضُهَا لِفُلَانٍ وَبِنَاؤُهَا لِي فَهُمَا لِفُلَانٍ، لِأَنَّهُ أَوَّلًا أَقَرَّ لَهُ بِالْبِنَاءِ تَبَعًا وَثَانِيًا ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ وَالدَّعْوَى بَعْدَ الْإِقْرَارِ فِي بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ الْإِقْرَارُ لَا تَصِحُّ، وَإِذَا قَالَ أَرْضُهَا لِفُلَانٍ، وَبِنَاؤُهَا لِفُلَانٍ آخَرَ فَهُمَا لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ أَوَّلًا أَقَرَّ بِالْبِنَاءِ لَهُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ، وَبِقَوْلِهِ: وَبِنَاؤُهَا لِفُلَانٍ آخَرَ يَصِيرُ مُقِرًّا عَلَى الْأَوَّلِ، وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَصِحُّ، وَإِذَا قَالَ بِنَاؤُهَا لِفُلَانٍ وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ آخَرَ فَكَمَا قَالَ لِأَنَّهُ أَوَّلًا أَقَرَّ بِالْبِنَاءِ لِلْأَوَّلِ وَثَانِيًا صَارَ مُقِرًّا عَلَى الْأَوَّلِ بِالْبِنَاءِ لِلثَّانِي فَلَا يَصِحُّ كِفَايَةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ فَكَمَا قَالَ) وَكَذَا لَوْ قَالَ: بَيَاضُ هَذِهِ الْأَرْضِ لِفُلَانٍ وَبِنَاؤُهَا لِي (قَوْلُهُ: هِيَ الْبُقْعَةُ) فَقَصْرُ الْحُكْمِ عَلَيْهَا يَمْنَعُ دُخُولَ الْوَصْفِ تَبَعًا (قَوْلُهُ: فَصِّ الْخَاتَمِ) اُنْظُرْ مَا فِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ: وَنَخْلَةِ الْبُسْتَانِ) إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهَا بِأُصُولِهَا لِأَنَّ أُصُولَهَا دَخَلَتْ فِي الْإِقْرَارِ قَصْدًا لَا تَبَعًا. وَفِي الْخَانِيَّةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْفَصِّ وَالنَّخْلَةِ وَحِلْيَةِ السَّيْفِ قَالَ: لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَاهُ لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ لَوْ أَقَرَّ بِأَرْضٍ أَوْ دَارٍ لِرَجُلٍ دَخَلَ الْبِنَاءُ وَالْأَشْجَارُ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُقِرُّ بَيِّنَةً بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْأَشْجَارَ لَهُ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ اهـ. إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى كَوْنِهِ مَفْصُولًا لَا مَوْصُولًا كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ فِي الْخَانِيَّةِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَطَوْقِ الْجَارِيَةِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 607 كَالْبِنَاءِ) فِيمَا مَرَّ (وَإِنْ قَالَ) مُكَلَّفٌ (لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ مَا قَبَضْتُهُ) الْجُمْلَةُ صِفَةُ عَبْدٍ وَقَوْلُهُ (مَوْصُولًا) بِإِقْرَارِهِ حَالٌ مِنْهَا ذَكَرَهُ فِي الْحَاوِي فَلْيُحْفَظْ (وَعَيْنُهُ) أَيْ عَيْنُ الْعَبْدِ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُقَرِّ لَهُ (فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَى الْمُقِرِّ لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَإِلَّا لَا) عَمَلًا بِالصِّفَةِ (وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ) الْعَبْدَ (لَزِمَهُ) الْأَلْفُ (مُطْلَقًا) وَصَلَ أَمْ فَصَلَ وَقَوْلُهُ مَا قَبَضْتُهُ لَغْوٌ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ (كَقَوْلِهِ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَالِ قِمَارٍ أَوْ حُرٍّ أَوْ مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ) فَيَلْزَمُهُ مُطْلَقًا (وَإِنْ وَصَلَ) لِأَنَّهُ رُجُوعٌ (إلَّا إذَا صَدَّقَهُ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً) فَلَا يَلْزَمُهُ (وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَرَامٌ أَوْ رِبًا فَهِيَ لَازِمَةٌ مُطْلَقًا) وَصَلَ أَمْ فَصَلَ لِاحْتِمَالِ حِلِّهِ عَنْدَ غَيْرِهِ (وَلَوْ قَالَ: زُورًا أَوْ بَاطِلًا لَزِمَهُ إنْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، وَإِلَّا) بِأَنْ صَدَّقَهُ (لَا) يَلْزَمُهُ (وَالْإِقْرَارُ بِالْبَيْعِ تَلْجِئَةٌ) هِيَ أَنْ يُلْجِئَكَ أَنْ تَأْتِيَ أَمْرًا بَاطِنُهُ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ فَإِنَّهُ (عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ) إنْ كَذَّبَهُ لَزِمَ الْبَيْعُ، وَإِلَّا لَا (وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٌ) وَلَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ (فَهِيَ كَمَا قَالَ عَلَى الْأَصَحِّ) بَحْرٌ (وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ) مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ أَوْ قَرْضٍ، وَهِيَ زُيُوفٌ مَثَلًا لَمْ يُصَدَّقْ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ رُجُوعٌ، وَلَوْ قَالَ (مِنْ غَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ صُدِّقَ مُطْلَقًا) وَصَلَ أَمْ فَصَلَ (وَإِنْ قَالَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ فَإِنْ وَصَلَ صُدِّقَ وَإِنْ فَصَلَ لَا) لِأَنَّهَا دَرَاهِمُ مَجَازًا (وَصُدِّقَ) بِيَمِينِهِ (فِي غَصَبْتُهُ) أَوْ أَوْدَعَنِي (ثَوْبًا إذَا جَاءَ بِمَعِيبٍ) وَلَا بَيِّنَةَ (وَ) صُدِّقَ (فِي لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ) وَلَوْ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ مَثَلًا (إلَّا أَنَّهُ يَنْقُصُ كَذَا) أَيْ الدَّرَاهِمَ وَزْنَ خَمْسَةٍ لَا وَزْنَ سَبْعَةٍ (مُتَّصِلًا، وَإِنْ فَصَلَ) بِلَا ضَرُورَةٍ (لَا) يُصَدَّقُ لِصِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْقَدْرِ لَا الْوَصْفِ كَالزِّيَافَةِ (وَلَوْ قَالَ) لِآخَرَ (أَخَذْتُ مِنْكَ أَلْفًا وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ فِي يَدِي بِلَا تَعَدٍّ، وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ) أَخَذْتَهَا مِنِّي (غَصْبًا ضَمِنَ) الْمُقِرُّ لِإِقْرَارِهِ بِالْأَخْذِ وَهُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ (وَفِي) قَوْلِهِ أَنْتَ (أَعْطَيْتَنِيهِ وَدِيعَةً وَقَالَ الْآخَرُ) بَلْ (غَصَبْتَهُ) مِنِّي (لَا) يَضْمَنُ بَلْ الْقَوْلُ لَهُ لِإِنْكَارِهِ الضَّمَانَ (وَفِي هَذَا كَانَ وَدِيعَةً) أَوْ قَرْضًا لِي (عِنْدَكَ فَأَخَذْتُهُ) مِنْك -   [رد المحتار] اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُمْ نَصُّوا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مَعَهَا تَبَعًا إلَّا الْمُعْتَادُ لِلْمِهْنَةِ لَا غَيْرُهُ كَالطَّوْقِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ كَثِيرَةٌ. أَقُولُ: ذَاكَ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهَا وَمَا عَلَيْهَا لِلْبَائِعِ أَمَّا هُنَا لَمَّا أَقَرَّ بِهَا ظَهَرَ أَنَّهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّ مَا عَلَيْهَا لِمَالِكِهَا فَيَتْبَعُهَا وَلَوْ جَلِيلًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ) قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً: اشْتَرَيْت مِنْهُ مَبِيعًا إلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضْهُ قُبِلَ قَوْلُهُ كَمَا قُبِلَ قَوْلُ الْبَائِعِ بِعْتُهُ هَذَا وَلَمْ أَقْبِضْ الثَّمَنَ وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ قَبْضَ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ، بِخِلَافِ مَا هُنَا لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا قَبَضْتُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ كَذَا رُجُوعٌ فَلَا يَصِحُّ أَفَادَهُ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ حَالٌ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْجُمْلَةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ سَلَّمَهُ) لَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِالتَّسْلِيمِ هُنَا الْإِحْضَارَ أَوْ يُخَصُّ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي تَسْلِيمُ الثَّمَنِ أَوَّلًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ صَرِيحٍ مَقْدِسِيٌّ أَبُو السُّعُودُ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: إنْ كَذَّبَهُ) فِي كَوْنِهِ زُورًا أَوْ بَاطِلًا (قَوْلُهُ: إنْ كَذَّبَهُ لَزِمَ الْبَيْعُ وَإِلَّا لَا) وَفِي الْبَدَائِعِ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ التَّلْجِئَةِ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ بِالتَّلْجِئَةِ بِأَنْ يَقُولَ لِآخَرَ إنِّي أُقِرُّ لَك فِي الْعَلَانِيَةِ بِمَالٍ وَتَوَاضَعَا عَلَى فَسَادِ الْإِقْرَارِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ حَتَّى لَا يَمْلِكَهُ الْمُقَرُّ لَهُ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: صُدِّقَ مُطْلَقًا) لِأَنَّ الْغَاصِبَ يَغْصِبُ مَا يُصَادِفُ وَالْمُودِعَ يُودِعُ مَا عِنْدَهُ فَلَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ وَمِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَعَرْتَنِي هَذِهِ الدَّابَّةَ فَقَالَ لَا وَلَكِنَّك غَصَبْتَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَعِيرُ رَكِبَهَا فَلَا ضَمَانَ، وَإِلَّا ضَمِنَ وَكَذَا دَفَعْتَهَا إلَيَّ عَارِيَّةً أَوْ أَعْطَيْتَنِيهَا عَارِيَّةً، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ قَالَ أَخَذْتُهَا مِنْك عَارِيَّةً، وَجَحَدَ الْآخَرُ ضَمِنَ، وَإِذَا قَالَ: أَخَذْتُ هَذَا الثَّوْبَ مِنْك عَارِيَّةً فَقَالَ: أَخَذْتَهُ مِنِّي بَيْعًا فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ مَا لَمْ يَلْبَسْهُ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ فَإِنْ لَبِسَ ضَمِنَ أَعَرْتنِي هَذَا فَقَالَ: لَا بَلْ آجَرْتُك لَمْ يَضْمَنْ إنْ هَلَكَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ غَصَبْته لَكِنْ يَضْمَنُ إنْ كَانَ اسْتَعْمَلَهُ (قَوْلُهُ أَيْ الدَّرَاهِمَ) مِثْلُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ لَكِنْ فِي الْعَيْنِيِّ قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ يَنْقُصُ كَذَا أَيْ مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فَتَّالٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 608 (فَقَالَ) الْمُقَرُّ لَهُ (بَلْ هُوَ لِي أَخَذَهُ الْمُقَرُّ لَهُ) لَوْ قَائِمًا وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ لِإِقْرَارِهِ بِالْيَدِ لَهُ ثُمَّ بِالْأَخْذِ مِنْهُ وَهُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ (وَصُدِّقَ مَنْ قَالَ آجَرْتُ) فُلَانًا (فَرْسَى) هَذِهِ (أَوْ ثَوْبِي هَذَا فَرَكِبَهُ أَوْ لَبِسَهُ) أَوْ أَعَرْتُهُ ثَوْبِي أَوْ أَسْكَنْتُهُ بَيْتِي (وَرَدَّهُ أَوْ خَاطَ) فُلَانٌ (ثَوْبِي هَذَا بِكَذَا فَقَبَضْتُهُ) مِنْهُ وَقَالَ فُلَانٌ: بَلْ ذَلِكَ لِي (فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ) اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الْيَدَ فِي الْإِجَارَةِ ضَرُورِيَّةٌ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ (هَذَا الْأَلْفُ وَدِيعَةُ فُلَانٍ لَا بَلْ وَدِيعَةُ فُلَانٍ فَالْأَلْفُ لِلْأَوَّلِ وَعَلَى الْمُقِرِّ) أَلْفٌ (مِثْلُهُ لِلثَّانِي بِخِلَافِ هِيَ لِفُلَانٍ لَا بَلْ لِفُلَانٍ) بِلَا ذِكْرِ إيدَاعٍ (حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِلثَّانِي شَيْءٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِإِيدَاعِهِ وَهَذَا (إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لَزِمَهُ أَيْضًا كَقَوْلِهِ غَصَبْتُ فُلَانًا مِائَةَ دِرْهَمٍ وَمِائَةَ دِينَارٍ وَكُرَّ حِنْطَةٍ لَا بَلْ فُلَانًا لَزِمَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلُّهُ وَإِنْ كَانَتْ بِعَيْنِهَا فَهِيَ لِلْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ لِلثَّانِي مِثْلُهَا، وَلَوْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ وَاحِدًا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُهُمَا قَدْرًا وَأَفْضَلُهُمَا وَصْفًا) نَحْوُ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا بَلْ أَلْفَانِ أَوْ أَلْفُ دِرْهَمٍ جِيَادٌ لَا بَلْ زُيُوفٌ أَوْ عَكْسُهُ (وَلَوْ قَالَ الدَّيْنُ الَّذِي لِي عَلَى فُلَانٍ) لِفُلَانٍ (أَوْ الْوَدِيعَةُ عِنْدَ فُلَانٍ هِيَ لِفُلَانٍ فَهُوَ إقْرَارٌ لَهُ، وَحَقُّ الْقَبْضِ لِلْمُقِرِّ وَ) لَكِنْ (لَوْ سَلَّمَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ بَرِئَ) خُلَاصَةٌ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ إنْ أَضَافَ لِنَفْسِهِ كَانَ هِبَةً فَيَلْزَمُ التَّسْلِيمُ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَلَوْ لَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَى الْقَبْضِ فَإِنْ قَالَ: وَاسْمِي فِي كِتَابِ الدَّيْنِ عَارِيَّةٌ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ لَمْ يَصِحَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ) فِيهِ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ الْإِشَارَةِ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ الْمُقِرُّ تَأَمَّلْ فَتَّالٌ (قَوْلُهُ هَذَا الْأَلْفُ وَدِيعَةُ فُلَانٍ إلَخْ) وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ الصُّلْحِ مَا لَوْ قَالَ: أَوْصَى أَبِي بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُلَانٍ بَلْ لِفُلَانٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِإِيدَاعِهِ) أَيْ فَلَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِسَبَبِ الضَّمَانِ بِخِلَافِ الْأُولَى، فَإِنَّهُ حَيْثُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ آخَرَ يَكُونُ ضَامِنًا حَيْثُ أَقَرَّ بِهَا لِلْأَوَّلِ لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ بِهَا لِلْأَوَّلِ، فَكَانَتْ مِلْكَ الْأَوَّلِ وَلَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهَا لِلثَّانِي بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْوَدِيعَةَ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا لِلْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ ضَامِنًا بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ؛ حَيْثُ يُمْكِنُهُ دَفْعُهَا لِرَبِّهَا هَذَا مَا ظَهَرَ فَتَأَمَّلْ. [فَرْعٌ] أَقَرَّ بِمَالَيْنِ وَاسْتَثْنَى كُلَّهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَةِ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا، فَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْمَالَيْنِ وَاحِدًا يُصْرَفُ إلَى الْمَالِ الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ قِيَاسًا، وَإِلَى الْأَوَّلِ اسْتِحْسَانًا لَوْ مِنْ جِنْسِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ رَجُلَيْنِ يُصْرَفُ إلَى الثَّانِي مُطْلَقًا مِثْلُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِفُلَانٍ آخَرَ عَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا هَذَا كُلُّهُ قَوْلُهُمَا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ لِرَجُلٍ يُصْرَفُ إلَى جِنْسِهِ، وَإِنْ لِرَجُلَيْنِ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ أَصْلًا تَتَارْخَانِيَّةٌ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ أَكْثَرُهُمَا قَدْرًا) أَيْ لَوْ جِنْسًا وَاحِدًا فَلَوْ جِنْسَيْنِ كَأَلْفِ دِرْهَمٍ لَا بَلْ أَلْفُ دِينَارٍ لَزِمَهُ الْأَلْفَانِ ط مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الدَّيْنُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ قَالَ: الدَّيْنُ الَّذِي لِي عَلَى فُلَانٍ لِفُلَانٍ، وَلَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَى الْقَبْضِ اهـ. بِلَا ذِكْرِ لَفْظَةِ لَوْ تَحْرِيرٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَوَائِلَ كِتَابِ الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ: فَيَلْزَمُ التَّسْلِيمُ) أَيْ فَلَا تَصِحُّ هِبَتُهُ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إلَّا إذَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يُسَلِّطْهُ إلَخْ) لَوْ هُنَا شَرْطِيَّةٌ لَا وَصْلِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَاسْمِي إلَخْ) حَاصِلُهُ إنْ سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ أَوْ لَمْ يُسَلِّطْهُ، وَلَكِنْ قَالَ اسْمِي فِيهِ عَارِيَّةٌ يَصِحُّ كَمَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ هِبَةً، وَعَلَى الثَّانِي إقْرَارًا، وَتَكُونُ إضَافَتُهُ إلَى نَفْسِهِ إضَافَةَ نِسْبَةٍ لَا مِلْكٍ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِيمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ قَوْلَهُ: وَاسْمِي عَارِيَّةٌ، لِيَكُونَ قَرِينَةً عَلَى إرَادَةِ إضَافَةِ النِّسْبَةِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمَتْنِ، وَيَكُونُ إطْلَاقًا فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ فَلَا إشْكَالَ حِينَئِذٍ فِي جَعْلِهِ إقْرَارًا وَلَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ الْمَارَّ لِلْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ، وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ امْرَأَةٌ قَالَتْ الصَّدَاقُ الَّذِي لِي عَلَى زَوْجِي مِلْكُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ لَا حَقَّ لِي فِيهِ وَصَدَّقَهَا الْمُقَرُّ لَهُ، ثُمَّ أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا قِيلَ: يَبْرَأُ وَقِيلَ لَا، وَالْبَرَاءَةُ أَظْهَرُ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمَرْغِينَانِيُّ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ فَيَكُونُ الْإِبْرَاءُ مُلَاقِيًا لِمَحَلِّهِ اهـ فَإِنَّ هُنَا الْإِضَافَةَ لِلْمِلْكِ ظَاهِرَةٌ، لِأَنَّ صَدَاقَهَا لَا يَكُونُ لِغَيْرِهَا فَكَانَ إقْرَارُهَا لَهُ هِبَةً بِلَا تَسْلِيطٍ عَلَى الْقَبْضِ، وَأَعَادَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 609 وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ خِلَافًا لِلْخُلَاصَةِ فَتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى. بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ يَعْنِي مَرَضَ الْمَوْتِ وَحَدُّهُ مَرَّ فِي طَلَاقِ الْمَرِيضِ وَسَيَجِيءُ فِي الْوَصَايَا (إقْرَارُهُ بِدَيْنٍ لِأَجْنَبِيٍّ نَافِذٌ مِنْ كُلِّ مَالِهِ) بِأَثَرِ عُمْرٍ وَلَوْ بِعَيْنٍ فَكَذَلِكَ إلَّا إذَا عَلِمَ تَمَلُّكَهُ لَهَا فِي مَرَضِهِ فَيَتَقَيَّدُ بِالثُّلُثِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ -   [رد المحتار] الشَّارِحُ الْمَسْأَلَةَ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْهِبَةِ وَاسْتَشْكَلَهَا، وَقَدْ عَلِمْتَ زَوَالَ الْإِشْكَالِ بِعَوْنِ الْمَلِكِ الْمُتَعَالِ فَاغْتَنِمْهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَذْكُورُ) أَيْ قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ لَمْ يَصِحَّ. [بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ] ِ (قَوْلُهُ وَحَدُّهُ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ مَرَّ إلَخْ خَبَرٌ فِي الْهِنْدِيَّةِ الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ مَنْ لَا يَخْرُجُ لِحَوَائِجِهِ خَارِجَ الْبَيْتِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ وَفِي الْإِسْمَاعِيلِيَّة مَنْ بِهِ بَعْضُ مَرَضٍ يَشْتَكِي مِنْهُ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ يَخْرُجُ إلَى السُّوقِ وَيَقْضِي مَصَالِحَهُ لَا يَكُونُ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ، وَتُعْتَبَرُ تَبَرُّعَاتُهُ مِنْ كُلِّ مَالِهِ، وَإِذَا بَاعَ لِوَارِثِهِ أَوْ وَهَبَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ (قَوْلُهُ نَافِذٌ) لَكِنْ يَحْلِفُ الْغَرِيمُ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ بَابِ التَّحْكِيمِ، وَمِثْلُهُ قَضَاءُ الْأَشْبَاهِ. قَالَ فِي الْأَصْلِ: إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِغَيْرِ وَارِثٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ أَحَاطَ ذَلِكَ بِمَالِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْوَرَثَةُ اهـ. وَهَكَذَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ مِنْ مُخْتَصَرَاتِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَغَيْرِهَا. لَكِنْ فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ أَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ لَا يَجُوزُ حِكَايَةً، وَلَا ابْتِدَاءً، وَإِقْرَارُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ يَجُوزُ حِكَايَةً مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَابْتِدَاءً مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ اهـ. قُلْت: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا أَطْلَقَهُ الْمَشَايِخُ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّوْفِيقِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُوَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالِابْتِدَاءِ مَا يَكُونُ صُورَتُهُ صُورَةَ إقْرَارٍ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ ابْتِدَاءُ تَمْلِيكٍ بِأَنْ يَعْلَمَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ مِلْكٌ لَهُ، وَإِنَّمَا قَصَدَ إخْرَاجَهُ فِي صُورَةِ الْإِقْرَارِ حَتَّى لَا يَكُونَ فِي ذَلِكَ مَنْعٌ ظَاهِرٌ عَلَى الْمُقِرِّ كَمَا يَقَعُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُرِيدُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى فَقِيرٍ فَيُقْرِضَهُ بَيْنَ النَّاسِ، وَإِذَا خَلَا بِهِ وَهَبَهُ مِنْهُ أَوْ لِئَلَّا يُحْسَدَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْوَرَثَةِ فَيَحْصُلَ مِنْهُمْ إيذَاءٌ فِي الْجُمْلَةِ بِوَجْهٍ مَا، وَأَمَّا الْحِكَايَةُ فَهِيَ عَلَى حَقِيقَةِ الْإِقْرَارِ، وَبِهَذَا الْفَرْقِ أَجَابَ بَعْضُ عُلَمَاءِ عَهْدِنَا الْمُحَقِّقِينَ، وَهُوَ الْعَلَّامَةُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيَّ فِي حَاشِيَةِ الْفُصُولَيْنِ لِلرَّمْلِيِّ. أَقُولُ: وَمِمَّا يَشْهَدُ لِصِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفَرْقِ مَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ: أَقَرَّ الصَّحِيحُ بِعَبْدٍ فِي يَدِ أَبِيهِ لِفُلَانٍ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ، وَالِابْنُ مَرِيضٌ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْعَبْدِ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ الِابْنُ أَوَّلًا فَيَبْطُلَ، وَبَيْنَ أَنْ يَمُوتَ الْأَبُ أَوَّلًا فَيَصِحَّ فَصَارَ كَالْإِقْرَارِ الْمُبْتَدَإِ فِي الْمَرَضِ قَالَ أُسْتَاذُنَا: فَهَذَا كَالتَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا أَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ، فَإِنَّمَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ تَمْلِيكُهُ إيَّاهُ فِي حَالِ مَرَضِهِ مَعْلُومًا حَتَّى أَمْكَنَ جَعْلُ تَمْلِيكِهِ إظْهَارًا فَأَمَّا إذَا عُلِمَ تَمَلُّكُهُ فِي حَالِ مَرَضِهِ فَإِقْرَارُهُ بِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِنَّهُ حَسَنٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى اهـ. قُلْت: وَإِنَّمَا قَيَّدَ حَسَنَهُ بِكَوْنِهِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ مُخَالِفٌ لِمَا أَطْلَقُوهُ فِي مُخْتَصَرَاتِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فَكَانَ إقْرَارُ الْمَرِيضِ لِغَيْرِ وَارِثِهِ صَحِيحًا مُطْلَقًا، وَإِنْ أَحَاطَ بِمَالِهِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ مُعِينُ الْمُفْتِي وَنَقَلَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا مُنْلَا عَلِيٌّ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ: فَاَلَّذِي تَحَرَّرَ لَنَا مِنْ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ أَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِأَجْنَبِيٍّ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَحَاطَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَشَمِلَ الدَّيْنَ وَالْعَيْنَ، وَالْمُتُونُ لَا تَمْشِي غَالِبًا إلَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي الْبَحْرِ مِنْ بَابِ قَضَاءِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 610 فِي مُعِينِهِ فَلْيُحْفَظْ (وَأَخَّرَ الْإِرْثَ عَنْهُ، وَدَيْنُ الصِّحَّةِ) مُطْلَقًا (وَمَا لَزِمَهُ فِي مَرَضِهِ بِسَبَبٍ مَعْرُوفٍ) بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِمُعَايَنَةِ قَاضٍ (قُدِّمَ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَلَوْ) الْمُقَرُّ بِهِ (وَدِيعَةً) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْكُلُّ سَوَاءٌ (وَالسَّبَبُ الْمَعْرُوفُ) مَا لَيْسَ بِتَبَرُّعٍ (كَنِكَاحٍ مُشَاهَدٍ) إنْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَمَّا الزِّيَادَةُ فَبَاطِلَةٌ، وَإِنْ جَازَ النِّكَاحُ عِنَايَةٌ (وَبَيْعٌ مُشَاهَدٌ وَإِتْلَافٌ كَذَلِكَ) أَيْ مُشَاهَدٌ (وَ) الْمَرِيضُ (لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ دُونَ بَعْضٍ وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ (إعْطَاءَ مَهْرٍ وَإِيفَاءَ أُجْرَةٍ) فَلَا يُسَلَّمُ لَهُمَا (إلَّا) فِي مَسْأَلَتَيْنِ (إذَا قَضَى مَا اسْتَقْرَضَ فِي مَرَضِهِ أَوْ نَفَذَ ثَمَنُ مَا اشْتَرَى فِيهِ) لَوْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ) أَيْ ثَبَتَ كُلٌّ مِنْهُمَا (بِالْبُرْهَانِ) لَا بِإِقْرَارِهِ لِلتُّهْمَةِ (بِخِلَافِ) إعْطَاءِ الْمَهْرِ وَنَحْوِهِ وَ (مَا إذَا لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّ الْبَائِعَ أُسْوَةٌ لِلْغُرَمَاءِ) فِي الثَّمَنِ (إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ) الْمَبِيعَةُ (فِي يَدِهِ) أَيْ يَدِ الْبَائِعِ فَإِنْ كَانَتْ كَانَ أَوْلَى (وَإِذَا أَقَرَّ) الْمَرِيضُ (بِدَيْنٍ ثُمَّ) أَقَرَّ (بِدَيْنٍ تَحَاصَّا وَصَلَ أَوْ فَصَلَ) لِلِاسْتِوَاءِ وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ بِوَدِيعَةٍ تَحَاصَّا وَبِعَكْسِهِ الْوَدِيعَةُ أَوْلَى (وَإِبْرَاؤُهُ مَدْيُونَهُ وَهُوَ مَدْيُونُهُ غَيْرُ جَائِزٍ)   [رد المحتار] الْفَوَائِدِ مَتَى اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ رَجَحَ إطْلَاقُ الْمُتُونِ اهـ. وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ التَّفْصِيلَ مُخَالِفٌ لِمَا أَطْلَقَهُ وَإِنْ حَسَّنَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَا الرِّوَايَةُ اهـ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُصَنِّف لَمْ يَرْتَضِهِ الْمُصَنِّفُ إلَّا إذَا عُلِمَ تَمَلُّكُهُ لَهَا أَيْ بَقَاءُ مِلْكِهِ لَهَا فِي زَمَنِ مَرَضِهِ (قَوْلُهُ فِي مُعِينِهِ) وَهُوَ مُعِينُ الْمُفْتِي لِلْمُصَنِّفِ: (قَوْلُهُ وَدَيْنُ الصِّحَّةِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ جُمْلَةُ قُدِّمَ (قَوْلُهُ فَبَاطِلَةٌ) أَيْ إنْ لَمْ تُجِزْهَا الْوَرَثَةُ لِكَوْنِهَا وَصِيَّةً لِزَوْجَتِهِ الْوَارِثَةِ (قَوْلُهُ: وَالْمَرِيضُ) بِخِلَافِ الصَّحِيحِ كَمَا فِي حَبْسِ الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: لَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمَرِيضِ وَمُفَادُهُ أَنَّ تَخْصِيصَ الصَّحِيحِ صُحِّحَ كَمَا فِي حَجْرِ النِّهَايَةِ شَرْحِ الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ: بَعْضِ الْغُرَمَاءِ) وَلَوْ غُرَمَاءَ صِحَّةٍ (قَوْلُهُ إعْطَاءَ مَهْرٍ) بِهَمْزِ " إعْطَاءَ " وَنَصْبِهِ وَإِضَافَتِهِ إلَى مَهْرٍ (قَوْلُهُ: فَلَا يَسْلَمُ لَهُمَا) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَاللَّامِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ بَلْ يُشَارِكُهُمَا غُرَمَاءُ الصِّحَّةِ، لِأَنَّ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ النِّكَاحِ وَسُكْنَى الدَّارِ لَا يَصْلُحُ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ فَكَانَ تَخْصِيصُهُمَا إبْطَالًا لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي يَدِهِ مِثْلُ مَا نَقَدَ، وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِمَعْنَى التَّرِكَةِ لَا بِالصُّورَةِ فَإِذَا حَصَّلَهُ لَهُ مِثْلُهُ لَا يُعَدُّ تَفْوِيتًا كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ أَيْ ثَبَتَ كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْقَرْضِ وَالشِّرَاءِ (قَوْلُهُ وَإِذَا أَقَرَّ إلَخْ) وَلَوْ الْوَارِثُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَأَقَرَّ بِقَبْضِهِ لَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ وَجَبَ الدَّيْنُ فِي صِحَّتِهِ أَوْ لَا عَلَى الْمَرِيضِ دَيْنٌ أَوْ لَا قطنط أَقَرَّتْ بِقَبْضِ مَهْرِهَا، فَلَوْ مَاتَتْ وَهِيَ زَوْجَتُهُ أَوْ مُعْتَدَّتُهُ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهَا وَإِلَّا بِأَنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ دُخُولِهِ جَازَ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ قع عت مَرِيضٌ قَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: لَيْسَ لِي فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ ثُمَّ مَاتَ فَلِبَعْضِ الْوَرَثَةِ أَنْ يُحَلِّفُوا زَوْجَتَهُ وَبِنْتَهُ عَلَى أَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ شَيْئًا مِنْ تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى بِطَرِيقَةِ أسنع وَكَذَا لَوْ قَالَ لَيْسَ لِي فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ سِوَى هَذَا حَاوِي الزَّاهِدِيِّ، فَرَمْزُ قع لِلْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وعت لِعُلَا تَاجِرِي وأسنع لِلْأَسْرَارِ لِنَجْمِ الدِّينِ. إبْرَاءُ الزَّوْجَةِ زَوْجَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهَا الَّذِي مَاتَتْ فِيهِ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَتَاوَى الشَّلَبِيِّ حَامِدِيَّةٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ الْوَدِيعَةُ أَوْلَى) لِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ بِهَا عَلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ ثُمَّ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ لَا يَكُونُ شَاغِلًا لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ جُمْلَةِ تَرِكَتِهِ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَإِبْرَاؤُهُ مَدْيُونَهُ وَهُوَ مَدْيُونٌ) قُيِّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ غَيْرِ الْمَدْيُونِ فَإِنْ إبْرَاءَهُ الْأَجْنَبِيَّ نَافِذٌ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ سَائِحَانِيٌّ. [فَائِدَةٌ] أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِشَيْءٍ فَقَالَ: كُنْت قُلْتُهُ فِي الصِّحَّةُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ فِي الْمَرَضِ مِنْ غَيْرِ إسْنَادٍ إلَى زَمَنِ الصِّحَّةِ أَشْبَاهٌ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْمُنْتَقَى أَقَرَّ فِيهِ أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ مِنْ فُلَانٍ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فِي صِحَّتِهِ وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي فِيهِ صُدِّقَ فِي الْبَيْعِ لَا فِي قَبْضِ الثَّمَنِ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ اهـ وَنَقَلَهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ الْخُلَاصَةِ، وَنَقَلَ قَبْلَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ: أَقَرَّ أَنَّهُ أَبْرَأَ فُلَانًا فِي صِحَّتِهِ مِنْ دَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ إذْ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ لِلْحَالِ، فَكَذَا الْحِكَايَةُ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِقَبْضٍ إذْ يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فَيَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهِ ثُمَّ قَالَ: فَلَعَلَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا سَهْوٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَصَحُّ وَقَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 611 أَيْ لَا يَجُوزُ (إنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا وَإِنْ) كَانَ (وَارِثًا فَلَا) يَجُوزُ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ الْمَرِيضُ مَدْيُونًا أَوْ لَا لِلتُّهْمَةِ، وَحِيلَةُ صِحَّتِهِ أَنْ يَقُولَ لَا حَقَّ لِي عَلَيْهِ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (وَقَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ لِي عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ شَيْءٌ) يَشْمَلُ الْوَارِثَ وَغَيْرَهُ (صَحِيحٌ قَضَاءً لَا دِيَانَةً) فَتَرْتَفِعُ بِهِ مُطَالَبَةُ الدُّنْيَا لَا مُطَالَبَةُ الْآخِرَةِ حَاوِي إلَّا الْمَهْرَ فَلَا يَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ بَزَّازِيَّةٌ أَيْ لِظُهُورِ أَنَّهُ عَلَيْهِ غَالِبًا بِخِلَافِ إقْرَارِ الْبِنْتِ فِي مَرَضِهَا بِأَنَّ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ مِلْكُ أَبِي أَوْ أُمِّي لَا حَقَّ لِي فِيهِ أَوْ أَنَّهُ كَانَ عِنْدِي عَارِيَّةٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى زَوْجِهَا فِيهِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْأَشْبَاهِ قَائِلًا فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ فَإِنَّهُ مِنْ مُفْرَدَاتِ كِتَابِي -   [رد المحتار] أَيْضًا: قَوْلُهُ إذْ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ لِلْحَالِ مُخَالِفٌ لِمَا فِيهَا أَيْضًا أَنَّهُ يَجُوزُ إبْرَاءُ الْأَجْنَبِيِّ إلَّا أَنْ يَخُصَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِنْشَاءِ بِكَوْنِ فُلَانٍ وَارِثًا أَوْ بِكَوْنِ الْوَارِثِ كَفِيلًا لِفُلَانٍ الْأَجْنَبِيِّ فَفِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ اهـ. قُلْت: أَوْ بِكَوْنِ الْمُقِرِّ مَدْيُونًا كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: أَجْنَبِيًّا) إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَارِثُ كَفِيلًا عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ؛ إذْ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِبَرَاءَةِ الْأَصِيلِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ، وَلَوْ أَقَرَّ الْأَجْنَبِيُّ بِاسْتِيفَائِهِ دَيْنَهُ مِنْهُ صُدِّقَ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ أَصَالَةً أَوْ كَفَالَةً وَكَذَا إقْرَارُهُ بِقَبْضِهِ وَاحْتِيَالِهِ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَصُولَيْنِ وَفِي الْهَامِشِ أَقَرَّ مَرِيضٌ مَرَضَ الْمَوْتِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عِنْدَ زَوْجَتِهِ هِنْدَ حَقًّا وَأَبْرَأَ ذِمَّتَهَا مِنْ كُلِّ حَقٍّ شَرْعِيٍّ وَمَاتَ عَنْهَا وَوَرِثَهُ غَيْرُهَا وَلَهُ تَحْتَ يَدِهَا أَعْيَانٌ وَلَهُ بِذِمَّتِهَا دَيْنٌ، وَالْوَرَثَةُ لَمْ يُجِيزُوا الْإِقْرَارَ لَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ صَحِيحًا حَامِدِيَّةٌ (قَوْلُهُ: يَشْمَلُ الْوَارِثَ) صَرَّحَ بِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ حَيْثُ قَالَ: مَرِيضٌ لَهُ عَلَى وَارِثِهِ دَيْنٌ فَأَبْرَأَهُ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ قَالَ لَمْ يَكُنْ لِي عَلَيْك شَيْءٌ، ثُمَّ مَاتَ جَازَ إقْرَارُهُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً اهـ. وَيَنْبَغِي لَوْ ادَّعَى الْوَارِثُ الْآخَرُ أَوْ الْمُقِرُّ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ أَنْ يَحْلِفَ الْمُقَرُّ لَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: ادَّعَى عَلَيْهِ دُيُونًا وَمَالًا وَدِيعَةً، فَصَالَحَ الطَّالِبُ عَلَى يَسِيرٍ سِرًّا، وَأَقَرَّ الطَّالِبُ فِي الْعَلَانِيَةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي مَرَضِ الْمُدَّعِي، ثُمَّ مَاتَ فَبَرْهَنَ الْوَارِثُ أَنَّهُ كَانَ لِمُوَرِّثِي عَلَيْهِ أَمْوَالٌ كَثِيرَةٌ وَإِنَّمَا قَصَدَ حِرْمَانَنَا لَا تُسْمَعُ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَارِثَ الْمُدَّعِي وَجَرَى مَا ذَكَرْنَا فَبَرْهَنَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ عَلَى أَنَّ أَبَانَا قَصَدَ حِرْمَانَنَا بِهَذَا الْإِقْرَارِ تُسْمَعُ اهـ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مَسْأَلَتِنَا كَذَلِكَ لَكِنْ فَرَّقَ فِي الْأَشْبَاهِ بِكَوْنِهِ مُتَّهَمًا فِي هَذَا الْإِقْرَارِ لِتَقَدُّمِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَالصُّلْحِ مَعَهُ عَلَى يَسِيرٍ، وَالْكَلَامُ عِنْدَ عَدَمِ قَرِينَةٍ عَلَى التُّهْمَةِ اهـ. قُلْت: وَكَثِيرًا مَا يَقْصِدُ الْمُقِرُّ حِرْمَانَ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فِي زَمَانِنَا وَتَدُلُّ عَلَيْهِ قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ الْقَرِيبَةِ مِنْ الصَّرِيحِ، فَعَلَى هَذَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُمْ بِأَنَّهُ كَانَ كَاذِبًا، وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُمْ عَلَى قِيَامِ الْحَقِّ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ السَّائِحَانِيُّ: مَا فِي الْمَتْنِ إقْرَارٌ وَإِبْرَاءٌ وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ لِلْوَارِثِ كَمَا فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَصِيرَ حِيلَةً لِإِسْقَاطِ الْإِرْثِ الْجَبْرِيِّ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ صَحِيحٌ قَضَاءً) وَمَرَّ فِي الْفُرُوعِ قُبَيْلَ بَابِ الدَّعْوَى (قَوْلُهُ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْأَشْبَاهِ) أَقُولُ: قَدْ خَالَفَهُ عُلَمَاءُ عَصْرِهِ وَأَفْتَوْا بِعَدَمِ الصِّحَّةِ مِنْهُمْ ابْنُ عَبْدِ الْعَالِ وَالْمَقْدِسِيُّ، وَأَخُو الْمُصَنِّفِ وَالْحَانُوتِيُّ وَالرَّمْلِيُّ وَكَتَبَ الْحَمَوِيُّ فِي الرَّدِّ عَلَى مَا قَالَهُ نَقْلًا عَمَّنْ تَقَدَّمَ كِتَابَةً حَسَنَةً فَلْتُرَاجَعْ. أَقُولُ: وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الرَّمْلِيُّ: أَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مُطَابِقٌ لِمَا هُوَ الْأَصْلُ مِنْ خُلُوِّ ذِمَّتِهِ عَنْ دَيْنِهِ، فَلَيْسَ إقْرَارًا بَلْ كَاعْتِرَافِهِ بِعَيْنٍ فِي يَدِ زَيْدٍ بِأَنَّهَا لِزَيْدٍ فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ، وَمِثْلُهُ لَيْسَ لَهُ عَلَى وَالِدِهِ شَيْءٌ مِنْ تَرِكَةِ أُمِّهِ وَلَيْسَ لِي عَلَى زَوْجِي مَهْرٌ عَلَى الْمَرْجُوحِ، بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّ إقْرَارَهَا بِمَا فِي يَدِهَا إقْرَارٌ بِمِلْكِهَا لِلْوَارِثِ بِلَا شَكٍّ لِأَنَّ أَقْصَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمِلْكِ الْيَدُ، فَكَيْفَ يَصِحُّ وَكَيْفَ تَنْتَفِي التُّهْمَةُ وَالنُّقُولُ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْعَيْنِ الَّتِي فِي يَدِ الْمُقِرِّ كَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ فِي الْمَهْرِ عَلَى الصَّحِيحِ، مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَكَيْفَ يَصِحُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 612 (وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ) بِمُفْرَدِهِ أَوْ مَعَ أَجْنَبِيٍّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ (بَطَلَ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَلَنَا حَدِيثُ «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَلَا إقْرَارَ لَهُ بِدَيْنٍ» (إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ) بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ آخَرُ أَوْ أَوْصَى لِزَوْجَتِهِ أَوْ هِيَ لَهُ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَيَرِثُ الْكُلَّ فَرْضًا وَرَدًّا فَلَا يَحْتَاجُ لِوَصِيَّةٍ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَفِي شَرْحِهِ لِلْوَهْبَانِيَّةِ أَقَرَّ بِوَقْفٍ، وَلَا وَارِثَ لَهُ فَلَوْ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ صَحَّ بِتَصْدِيقِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ وَكَذَا لَوْ وَقَفَ خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ الطَّرَسُوسِيُّ فَلْيُحْفَظْ (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ إقْرَارًا (بِقَبْضِ دَيْنِهِ أَوْ غَصْبِهِ أَوْ رَهْنِهِ) وَنَحْوِ ذَلِكَ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى وَارِثِهِ أَوْ عَبْدِ وَارِثِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ لَا يَصِحُّ   [رد المحتار] فِيمَا فِيهِ الْمِلْكُ مُشَاهَدٌ بِالْيَدِ. نَعَمْ لَوْ كَانَتْ الْأَمْتِعَةُ بِيَدِ الْأَبِ فَلَا كَلَامَ فِي الصِّحَّةِ وَفِي حَاشِيَةِ الْبَارِي الصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ إقْرَارٌ لِلْوَارِثِ بِالْعَيْنِ بِصِيغَةِ النَّفْيِ، وَمَا اسْتَنَدَ لَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الدَّيْنِ لَا الْعَيْنِ وَهُوَ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَالًا بِقَبْضِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ مَعَ أَجْنَبِيٍّ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ أَقَرَّ لِوَارِثِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ بِدَيْنٍ مُشْتَرَكٍ بَطَلَ إقْرَارُهُ عِنْدَهُمَا تَصَادَقَا فِي الشَّرِكَةِ أَوْ تَكَاذَبَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لِلْأَجْنَبِيِّ بِحِصَّتِهِ لَوْ أَنْكَرَ الْأَجْنَبِيُّ الشَّرِكَةَ وَبِالْعَكْسِ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا عِبْرَةَ لِإِجَازَتِهِمْ قَبْلَهُ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَإِنْ أَشَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لِضِدِّهِ، وَأَجَابَ بِهِ ابْنُهُ نِظَامُ الدِّينِ وَحَافِدُهُ عِمَادُ الدِّينِ ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ شَرْحُ الْمُلْتَقَى وَفِي التَّعْمِيَةِ إذَا صَدَّقَ الْوَرَثَةُ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ فِي حَيَاتِهِ لَا يُحْتَاجُ لِتَصْدِيقِهِمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَعَزَاهُ لِحَاشِيَةِ مِسْكِينٍ. قَالَ: فَلَمْ تُجْعَلْ الْإِجَازَةُ كَالتَّصْدِيقِ، وَلَعَلَّهُ لِأَنَّهُمْ أَقَرُّوا اهـ. وَقَدَّمَ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْفُضُولِيِّ وَكَذَا وَقَفَ بَيْعَهُ لِوَارِثِهِ عَلَى إجَازَتِهِمْ اهـ فِي الْخُلَاصَةِ نَفْسُ الْبَيْعِ مِنْ الْوَارِثِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ يَعْنِي فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لَكِنْ إنْ كَانَ فِيهِ غَبْنٌ أَوْ مُحَابَاةٌ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الرَّدِّ أَوْ تَكْمِيلِ الْقِيمَةِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ أَوْصَى) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَأَوْصَى بِدُونِ أَلِفٍ (قَوْلُهُ: لِزَوْجَتِهِ) يَعْنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ وَكَذَا فِي عَكْسِهِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قَالَهُ شَيْخُ وَالِدِي مَدَنِيٌّ (قَوْلُهُ صَحَّتْ) وَمِثْلُهُ فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَلَى الْأَشْبَاهِ فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ وَأَمَّا غَيْرُهُمَا) أَيْ غَيْرُ الزَّوْجَيْنِ، وَفِي الْهَامِشِ أَقَرَّ رَجُلٌ فِي مَرَضِهِ بِأَرْضٍ فِي يَدِهِ أَنَّهَا وَقْفٌ إنَّ أَقَرَّ بِوَقْفٍ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ كَانَ مِنْ الثُّلُثِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِعِتْقِ عَبْدِهِ أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى فُلَانٍ، وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَالَ وَإِنْ أَقَرَّ بِوَقْفٍ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ إنْ صَدَّقَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ أَوْ وَرَثَتُهُ جَازَ فِي الْكُلِّ وَإِنْ أَقَرَّ بِوَقْفٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ ابْنُ الشِّحْنَةِ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ صَحَّ إلَخْ) هَذَا مُشْكِلٌ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: لِمَا زَعَمَهُ الطَّرَسُوسِيُّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ مَعَ تَصْدِيقِ السُّلْطَانِ اهـ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ) أَيْ الْإِقْرَارُ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (قَوْلُهُ: بِقَبْضِ دَيْنِهِ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَا يَصِحُّ إقْرَارُ مَرِيضٍ مَاتَ فِيهِ بِقَبْضِ دَيْنِهِ مِنْ وَارِثِهِ، وَلَا مِنْ كَفِيلِ وَارِثِهِ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي فِي الْقُرَبِ مِنْ ذَلِكَ عَنْ الْعَيْنِ، وَقُيِّدَ بِدِينِ الْوَارِثِ احْتِرَازًا عَنْ إقْرَارِهِ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ. وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ وَجَبَ لَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فِي صِحَّتِهِ جَازَ إقْرَارُهُ بِاسْتِيفَائِهِ وَلَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مَعْرُوفٌ سَوَاءٌ وَجَبَ مَا أَقَرَّ بِقَبْضِهِ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ كَثَمَنٍ أَوْ لَا كَبَدَلِ صُلْحِ دَمِ الْعَمْدِ وَالْمَهْرِ وَنَحْوِهِ وَلَوْ دَيْنًا وَجَبَ فِي مَرَضِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَعْرُوفٌ أَوْ دَيْنٌ وَجَبَ بِمُعَايَنَةِ الشُّهُودِ، فَلَوْ مَا أَقَرَّ بِقَبْضِهِ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ أَيْ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ كَمَا نَقَلَهُ السَّائِحَانِيُّ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَلَوْ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ جَازَ إقْرَارُهُ بِقَبْضِهِ، وَلَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مَعْرُوفٌ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ وَفِيهِ لَوْ بَاعَ فِي مَرَضِهِ شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَأَقَرَّ بِقَبْضِهِ لَمْ يُصَدَّقْ وَقِيلَ لِلْمُشْتَرِي أَدِّ ثَمَنَهُ مَرَّةً أُخْرَى أَوْ اُنْقُضْ الْبَيْعَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُؤَدِّي قَدْرَ قِيمَتِهِ أَوْ نَقَضَ الْبَيْعَ (قَوْلُهُ أَوْ غَصَبَهُ) أَيْ بِقَبْضِ مَا غَصَبَهُ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَأَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ قَبَضَ الْمَبِيعَ فَاسِدًا مِنْهُ أَوْ أَنَّهُ رَجَعَ فِيمَا وَهَبَهُ لَهُ مَرِيضًا حَمَوِيٌّ ط. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 613 لِوُقُوعِهِ لِمَوْلَاهُ وَلَوْ فَعَلَهُ ثُمَّ بَرِئَ ثُمَّ مَاتَ جَازَ كُلُّ ذَلِكَ لِعَدَمِ مَرَضِ الْمَوْتِ اخْتِيَارٌ وَلَوْ مَاتَ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ الْمَرِيضُ وَوَرَثَةُ الْمُقَرِّ لَهُ مِنْ وَرَثَةِ الْمَرِيضِ جَازَ إقْرَارُهُ كَإِقْرَارِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ بَحْرٌ وَسَيَجِيءُ عَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ (بِخِلَافِ إقْرَارِهِ) لَهُ أَيْ لِوَارِثِهِ (بِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ) فَإِنَّهُ جَازَ. وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: كَانَتْ عِنْدِي وَدِيعَةٌ لِهَذَا الْوَارِثِ فَاسْتَهْلَكْتهَا جَوْهَرَةٌ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْإِقْرَارَ لِلْوَارِثِ مَوْقُوفٌ إلَّا فِي ثَلَاثٍ مَذْكُورَةٍ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْهَا إقْرَارُهُ بِالْأَمَانَاتِ كُلِّهَا   [رد المحتار] فَرْعٌ] أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِوَارِثِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ ثُمَّ بَرِئَ فَهُوَ كَدَيْنِ صِحَّتِهِ، وَلَوْ أَوْصَى لِوَارِثِهِ ثُمَّ بَرِئَ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. [تَتِمَّةٌ] فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ أَشْهَدَتْ الْمَرْأَةُ شُهُودًا عَلَى نَفْسِهَا لِابْنِهَا أَوْ لِأَخِيهَا تُرِيدُ بِذَلِكَ إضْرَارَ الزَّوْجِ أَوْ أَشْهَدَ الرَّجُلُ شُهُودًا عَلَى نَفْسِهِ بِمَالٍ لِبَعْضِ الْأَوْلَادِ يُرِيدُ بِهِ إضْرَارَ بَاقِي الْأَوْلَادِ، وَالشُّهُودُ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَسِعَهُمْ أَنْ لَا يُؤَدُّوا الشَّهَادَةَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ، وَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ لِلْقَاضِي عِلْمٌ بِذَلِكَ لَا يَسَعُهُ الْحُكْمُ كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَلَى الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ فَعَلَهُ) أَيْ الْإِقْرَارَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِلْوَارِثِ (قَوْلُهُ: مِنْ وَرَثَةِ الْمَرِيضِ) كَمَا إذَا أَقَرَّ لِابْنِ ابْنِهِ ثُمَّ مَاتَ ابْنُ الِابْنِ عَنْ أَبِيهِ (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ) أَيْ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: بِوَدِيعَةٍ) الْأَصْوَبُ بِاسْتِهْلَاكِ الْوَدِيعَةِ أَيْ الْمَعْرُوفَةِ بِالْبَيِّنَةِ (قَوْلُهُ: مُسْتَهْلَكَةٍ) أَيْ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ (قَوْلُهُ وَصُورَتُهُ) قَدْ أَوْضَحَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ بِهَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الْوَدِيعَةَ مَعْرُوفَةٌ كَمَا صَرَّحَ فِي الْأَشْبَاهِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ رَاقِمًا صُورَتَهَا أَوْدَعَ أَبَاهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي مَرَضِ الْأَبِ أَوْ صِحَّتِهِ عِنْدَ الشُّهُودِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَقَرَّ بِإِهْلَاكِهِ صُدِّقَ؛ إذْ لَوْ سَكَتَ وَمَاتَ وَلَا يَدْرِي مَا صَنَعَ كَانَ فِي مَالِهِ، فَإِذَا أَقَرَّ بِإِتْلَافِهِ فَأَوْلَى اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَدَارَ الْإِقْرَارِ هُنَا عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْوَدِيعَةِ الْمَعْرُوفَةِ لَا عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ) فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْأَشْبَاهِ وَنَصُّهَا: وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ سَوَاءٌ كَانَ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ قَبْضٍ مِنْهُ أَوْ أَبْرَأَهُ لَا فِي ثَلَاثٍ لَوْ أَقَرَّ بِإِتْلَافِ وَدِيعَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ أَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ مَا كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةً أَوْ بِقَبْضِ مَا قَبَضَهُ الْوَارِثُ بِالْوَكَالَةِ مِنْ مَدْيُونِهِ كَذَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالثَّانِيَةِ إقْرَارُهُ بِالْأَمَانَاتِ كُلِّهَا وَلَوْ مَالَ الشَّرِكَةِ أَوْ الْعَارِيَّةِ وَالْمَعْنَى فِي الْكُلِّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إيثَارُ الْبَعْضِ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ فَإِنَّهُ مِنْ مُفْرَدَاتِ هَذَا الْكِتَابِ اهـ ط (قَوْلُهُ إقْرَارُهُ بِالْأَمَانَاتِ) أَيْ بِقَبْضِ الْأَمَانَاتِ الَّتِي عِنْدَ وَارِثِهِ لَا بِأَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ لِوَارِثِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ قَرِيبًا وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْأَشْبَاهِ وَهَذَا مُرَادُ صَاحِبِ الْأَشْبَاهِ بِقَوْلِهِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالثَّانِيَةِ إقْرَارُهُ بِالْأَمَانَاتِ كُلِّهَا فَتَنَبَّهْ لِهَذَا فَإِنَّا رَأَيْنَا مَنْ يُخْطِئُ فِيهِ وَيَقُولُ: إنَّ إقْرَارَهُ لِوَارِثِهِ بِهَا جَائِزٌ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّ النُّقُولَ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ إقْرَارَهُ لَهُ بِالْعَيْنِ كَالدَّيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الرَّمْلِيِّ وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ لَك مَا فِي بَقِيَّةِ كَلَامِ الشَّارِحِ، وَهُوَ مُتَابِعٌ فِيهِ لِلْأَشْبَاهِ مُخَالِفًا لِلْمَنْقُولِ وَخَالَفَهُ فِيهِ الْعُلَمَاءُ الْفُحُولُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَفِي الْفَتَاوَى الْإِسْمَاعِيلِيَّة: سُئِلَ فِيمَنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْأَسْبَابِ وَالْأَمْتِعَةِ الْمَعْلُومَةِ مَعَ بِنْتِهِ الْمَعْلُومَةِ، وَأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ ذَلِكَ دُونَهُ مِنْ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ، فَهَلْ إذَا كَانَتْ الْأَعْيَانُ الْمَرْقُومَةُ فِي يَدِهِ، وَمِلْكُهُ فِيهَا ظَاهِرٌ وَمَاتَ فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ، فَالْإِقْرَارُ بِهَا لِوَارِثِهِ بَاطِلٌ. الْجَوَابُ: نَعَمْ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَلَوْ مُصَدَّرًا بِالنَّفْيِ خِلَافًا لِلْأَشْبَاهِ وَقَدْ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ اهـ. وَنَقَلَهُ السَّائِحَانِيُّ فِي مَحْتُومَتِهِ وَرَدَّ عَلَى الْأَشْبَاهِ وَالشَّارِحِ فِي هَامِشِ نُسْخَتِهِ، وَفِي الْحَامِدِيَّةِ سُئِلَ فِي مَرِيضٍ مَرَضَ الْمَوْتِ، أَقَرَّ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عِنْدَ زَوْجَتِهِ هِنْدَ حَقًّا وَأَبْرَأَ ذِمَّتَهَا عَنْ كُلِّ حَقٍّ شَرْعِيٍّ وَمَاتَ عَنْهَا وَعَنْ وَرَثَةٍ غَيْرِهَا وَلَهُ تَحْتَ يَدِهَا أَعْيَانٌ وَلَهُ بِذِمَّتِهَا دَيْنٌ وَالْوَرَثَةُ لَمْ يُجِيزُوا الْإِقْرَارَ فَهَلْ يَكُونُ غَيْرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 614 وَمِنْهَا النَّفْيُ كَلَاحِقٍ لِي قَبْلَ أَبِي أَوْ أُمِّي، وَهَذِهِ الْحِيلَةُ فِي إبْرَاءِ الْمَرِيضِ وَإِرْثِهِ، وَمِنْهُ هَذَا الشَّيْءُ الْفُلَانِيُّ مِلْكُ أَبِي أَوْ أُمِّي كَانَ عِنْدِي عَارِيَّةً، وَهَذَا حَيْثُ لَا قَرِينَةَ، وَتَمَامُهُ فِيهَا فَلْيُحْفَظْ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. (أَقَرَّ فِيهِ) أَيْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ (لِوَارِثِهِ يُؤْمَرُ فِي الْحَالِ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْوَارِثِ، فَإِذَا مَاتَ يَرُدُّهُ) بَزَّازِيَّةٌ وَفِي الْقُنْيَةِ تَصَرُّفَاتُ الْمَرِيضِ نَافِذَةٌ وَإِنَّمَا تُنْقَضُ بَعْدَ الْمَوْتِ (وَالْعِبْرَةُ لِكَوْنِهِ وَارِثًا وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْإِقْرَارِ) فَلَوْ أَقَرَّ لِأَخِيهِ مَثَلًا ثُمَّ وُلِدَ لَهُ صَحَّ الْإِقْرَارُ لِعَدَمِ إرْثِهِ (إلَّا إذَا صَارَ وَارِثًا) وَقْتَ الْمَوْتِ (بِسَبَبٍ جَدِيدٍ كَالتَّزْوِيجِ وَعَقْدِ الْمُوَالَاةِ) فَيَجُوزُ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ أَقَرَّ لَهَا) أَيْ لِأَجْنَبِيَّةٍ (ثُمَّ تَزَوَّجَهَا صَحَّ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ لِأَخِيهِ الْمَحْجُوبِ) بِكُفْرٍ أَوْ ابْنٍ (إذَا زَالَ حَجْبُهُ) بِإِسْلَامِهِ أَوْ بِمَوْتِ الِابْنِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ إرْثَهُ بِسَبَبٍ قَدِيمٍ لَا جَدِيدٍ (وَبِخِلَافِ الْهِبَةِ) لَهَا فِي مَرَضِهِ (وَالْوَصِيَّةِ لَهَا) ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَلَا تَصِحُّ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهِيَ حِينَئِذٍ وَارِثَةٌ (أَقَرَّ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى ابْنَتِهِ الْمَيِّتَةِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ قَدْ اسْتَوْفَيْتهَا وَلَهُ) أَيْ لِلْمُقِرِّ (ابْنٌ يُنْكِرُ ذَلِكَ صَحَّ إقْرَارُهُ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِوَارِثٍ (كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِامْرَأَتِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِدَيْنٍ ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَهُ وَتَرَكَ) مِنْهَا (وَارِثًا) صَحَّ الْإِقْرَارُ (وَقِيلَ لَا)   [رد المحتار] صَحِيحٍ، الْجَوَابُ: يَكُونُ الْإِقْرَارُ غَيْرَ صَحِيحٍ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا النَّفْيُ) فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ لِلْوَارِثِ كَمَا صَوَّبَهُ فِي الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ كَلَا حَقَّ لِي) هَذَا صَحِيحٌ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ أَوْ أُمِّي) وَمِنْهَا إقْرَارُهُ بِإِتْلَافِ وَدِيعَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ كَمَا فِي الْمَتْنِ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ هَذَا الشَّيْءُ) هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا عَلِمْتَهُ مِمَّا مَرَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ: لَيْسَ لِي عَلَى فُلَانٍ شَيْءٌ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا وَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ لَمْ يَحْلِفْ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْلِفُ لِلْعَادَةِ وَسَيَأْتِي فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخَرَ الْكِتَابِ: أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اخْتَارَهُ أَئِمَّةُ خُوَارِزْمَ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا ادَّعَاهُ وَارِثُ الْمُقِرِّ عَلَى قَوْلَيْنِ وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْهُمَا شَيْئًا، وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: الرَّأْيُ فِي التَّحْلِيفِ إلَى الْقَاضِي، وَفَسَّرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ يَجْتَهِدُ بِخُصُوصِ الْوَقَائِعِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ حِينَ أَقَرَّ يُحَلِّفُ الْخَصْمَ، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ لَا يُحَلِّفُهُ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمُتَفَرِّسِ فِي الْأَخْصَامِ اهـ. قُلْت: وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا بَحَثْنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. [تَتِمَّةٌ] قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ قَالَ: اسْتَوْفَيْتُ جَمِيعَ مَا لِي عَلَى النَّاسِ مِنْ الدَّيْنِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَبْرَأْتُ جَمِيعَ غُرَمَائِي لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَقُولَ: قَبِيلَةَ فُلَانٍ وَهُمْ يُحْصَوْنَ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَإِبْرَاؤُهُ (قَوْلُهُ بِسَبَبٍ قَدِيمٍ) أَيْ قَائِمٍ وَقْتَ الْإِقْرَارِ، وَلَوْ أَقَرَّ لِوَارِثِهِ وَقْتَ إقْرَارِهِ وَوَقْتَ مَوْتِهِ وَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بَطَلَ إقْرَارُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا عِنْدَ مُحَمَّدِ نُورِ الْعَيْنِ عَنْ قَاضِي خَانْ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَقَرَّ لِابْنِهِ وَهُوَ قِنٌّ ثُمَّ عَتَقَ فَمَاتَ الْأَبُ جَازَ لِأَنَّهُ لِلْمَوْلَى لَا لِلْقِنِّ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِابْنِهِ، وَهُوَ قِنٌّ ثُمَّ عَتَقَ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لِلِابْنِ اهـ. وَبَيَانُهُ فِي الْمِنَحِ وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ فِي الْوَصَايَا (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِوَارِثٍ) يُفِيدُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً وَارِثَةً لَمْ يَصِحَّ: قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَا يَصِحُّ إقْرَارُ مَرِيضٍ مَاتَ فِيهِ بِقَبْضِ دَيْنٍ مِنْ وَارِثِهِ وَلَا مِنْ كَفِيلِ وَارِثِهِ وَلَوْ كَفَلَ فِي صِحَّتِهِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ تَبَرَّعَ عَنْ وَارِثِهِ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَبَاعَهُ مِنْ وَارِثِ مُوَكِّلِهِ، وَأَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْ وَارِثِهِ، أَوْ أَقَرَّ أَنَّ وَكِيلَهُ قَبَضَ الثَّمَنَ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ لَا يُصَدَّقُ، وَإِنْ كَانَ الْمَرِيضُ هُوَ الْوَكِيلَ، وَمُوَكِّلُهُ صَحِيحٌ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ أَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَجَحَدَ الْمُوَكِّلُ صُدِّقَ الْوَكِيلُ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَارِثَ الْوَكِيلِ، وَالْمُوَكِّلُ وَالْوَكِيلُ مَرِيضَانِ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ لَا يُصَدَّقُ؛ إذْ مَرَضُهُ يَكْفِي لِبُطْلَانِ إقْرَارِهِ لِوَارِثِهِ بِالْقَبْضِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 615 قَائِلُهُ بَدِيعُ الدِّينِ صَيْرَفِيَّةٌ وَلَوْ أَقَرَّ فِيهِ لِوَارِثِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ بِدَيْنٍ لَمْ يَصِحَّ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ عِمَادِيَّةٌ (وَإِنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ) مَجْهُولٍ نَسَبُهُ (ثُمَّ أَقَرَّ بِبُنُوَّتِهِ) وَصَدَّقَهُ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ التَّصْدِيقِ (ثَبَتَ نَسَبُهُ) مُسْتَنِدًا لِوَقْتِ الْعُلُوقِ (وَ) إذَا ثَبَتَ (بَطَلَ إقْرَارُهُ) لِمَا مَرَّ وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ بِأَنْ كَذَّبَهُ أَوْ عَرَفَ نَسَبَهُ صَحَّ الْإِقْرَارُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ مَعْزِيًّا لِلْيَنَابِيعِ (وَلَوْ أَقَرَّ لِمَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا) يَعْنِي بَائِنًا (فِيهِ) أَيْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ (فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْإِرْثِ وَالدَّيْنِ) وَيَدْفَعُ لَهَا ذَلِكَ بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ لَا بِحُكْمِ الْإِرْثِ حَتَّى لَا تَصِيرَ شَرِيكَةً فِي أَعْيَانِ التَّرِكَةِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (وَهَذَا إذَا) كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ وَ (طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا) فَإِذَا مَضَتْ الْعِدَّةُ جَازَ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ عَزْمِيَّةٌ (وَإِنْ طَلَّقَهَا بِلَا سُؤَالِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لَهَا) لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ؛ إذْ هُوَ فَارٌّ وَأَهْمَلَهُ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ لِظُهُورِهِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ (وَإِنْ أَقَرَّ لِغُلَامٍ مَجْهُولِ) النَّسَبِ فِي مَوْلِدِهِ أَوْ فِي بَلَدٍ هُوَ فِيهَا وَهُمَا فِي السِّنِّ بِحَيْثُ (يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ وَصَدَّقَهُ الْغُلَامُ) لَوْ مُمَيِّزًا وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ لِتَصْدِيقِهِ كَمَا مَرَّ وَحِينَئِذٍ (ثَبَتَ نَسَبُهُ) وَلَوْ الْمُقِرُّ (مَرِيضًا وَ) إذَا ثَبَتَ (شَارَكَ) الْغُلَامُ (الْوَرَثَةَ) فَإِنْ انْتَفَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ يُؤَاخَذُ الْمُقِرُّ مِنْ حَيْثُ اسْتِحْقَاقُ الْمَالِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِأُخُوَّةِ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ   [رد المحتار] فَمَرَضُهُمَا أَوْلَى. مَرِيضٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ فَأَقَرَّ بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ مُضَارَبَةٍ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ وَارِثِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَوْ ادَّعَى رَدَّ الْأَمَانَةِ إلَى مُوَرِّثِهِ الْمَرِيضِ وَكَذَّبَهُ الْمُوَرِّثُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَارِثِ اهـ مِنْ نُورِ الْعَيْنِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) . [فَرْعٌ] بَاعَ فِيهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ عَبْدًا وَبَاعَهُ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ وَارِثِهِ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ صَحَّ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْوَارِثَ مَلَكَ الْعَبْدَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ لَا مِنْ مُوَرِّثِهِ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ عِمَادِيَّةٌ) قَدَّمْنَا عِبَارَتَهَا عَنْ نُورِ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ لِمَنْ طَلَّقَهَا) أَيْ فِي مَرَضِهِ. [فَرْعٌ] إقْرَارُهُ لَهَا أَيْ لِلزَّوْجَةِ بِمَهْرٍ إلَى قَدْرِ مِثْلِهِ صَحِيحٌ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فِيهِ، وَإِنْ بَعْدَ الدُّخُولِ قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ وَقِيلَ جَرَتْ الْعَادَةُ بِمَنْعِ نَفْسِهَا قَبْلَ قَبْضِ مِقْدَارٍ مِنْ الْمَهْرِ فَلَا يُحْكَمُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ إذَا لَمْ تَعْتَرِفْ بِالْقَبْضِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ إلَى تَمَامِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهَا اسْتَوْفَتْ شَيْئًا بَزَّازِيَّةٌ. وَفِيهَا أَقَرَّ فِيهِ لِامْرَأَتِهِ الَّتِي مَاتَتْ عَنْ وَلَدٍ بِقَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَلَهُ وَرَثَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَدِّقُوهُ فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ، وَلَا يُنَاقِضُ هَذَا مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ الْغَالِبَ هُنَا بَعْدَ مَوْتِهَا اسْتِيفَاءُ وَرَثَتِهَا أَوْ وَصِيِّهَا الْمَهْرَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ اهـ. [فَرْعٌ] فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ السِّرَاجِيَّةِ: وَلَوْ قَالَ مُشْتَرَكٌ أَوْ شَرِكَةٌ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَهَذَا إقْرَارٌ بِالنِّصْفِ وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ وَمُطْلَقُ الشَّرِكَةِ بِالنِّصْفِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مَا يُفَسِّرُهُ الْمُقِرُّ، وَلَوْ قَالَ فِي الثُّلُثَيْنِ مَوْصُولًا صُدِّقَ وَكَذَا قَوْلُهُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، أَوْ لِي وَلَهُ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَرَّ لِغُلَامٍ) كَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ أَقَرَّ بِبُنُوَّتِهِ لِأَنَّ الشُّرُوطَ الثَّلَاثَةَ هُنَا مُعْتَبَرَةٌ هُنَاكَ أَيْضًا كَذَا فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ أَوْ فِي بَلَدٍ) حِكَايَةُ قَوْلٍ آخَرَ قَالَ فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ: مَجْهُولُ النَّسَبِ مَنْ لَا يُعْلَمُ لَهُ أَبٌ فِي بَلَدِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِأَكْمَلِ الدِّينِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَلَدٌ هُوَ فِيهِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْقُنْيَةِ لَا مَسْقَطُ رَأْسِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَعْضُ لِأَنَّ الْمَغْرِبِيَّ إذَا انْتَقَلَ إلَى الْمَشْرِقِ فَوَقَعَ عَلَيْهِ حَادِثَةٌ يَلْزَمُ أَنَّهُ يُفَتَّشُ عَنْ نَسَبِهِ فِي الْمَغْرِب وَفِيهِ مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى فَلْيُحْفَظْ هَذَا اهـ (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ) يَنْبَغِي حَذْفُهَا فَإِنَّ بِذِكْرِهَا صَارَ الشَّرْطُ بِلَا جَوَابٍ ح (قَوْلُهُ: هَذِهِ الشُّرُوطُ) أَيْ أَحَدُهُمَا ح (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ اسْتِحْقَاقُ الْمَالِ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمَالِ هُوَ الْمُقَرَّ بِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ كَمَا مَرَّ أَعْنِي بِأَنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ أَقَرَّ بِبُنُوَّتِهِ، وَلَمْ تَثْبُتْ بِسَبَبِ انْتِفَاءِ شَرْطٍ فَمَعَ أَنَّهُ تَكْرَارٌ لَا مَحَلَّ لَهُ هُنَا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِرْثَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِأُخُوَّةِ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: إنْ أَقَرَّ لِغُلَامٍ أَنَّهُ ابْنُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ بِسَبَبِ انْتِفَاءِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 616 عَنْ الْيَنَابِيعِ كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فَيُحَرَّرُ عِنْدَ الْفَتْوَى (وَ) الرَّجُلُ (صَحَّ إقْرَارُهُ) أَيْ الْمَرِيضِ (بِالْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَإِنْ عَلَيَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ وَلَوْ أَقَرَّ بِالْجَدِّ وَابْنِ الِابْنِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ (بِالشُّرُوطِ) الثَّلَاثَةِ (الْمُتَقَدِّمَةِ) فِي الِابْنِ (وَ) صَحَّ (بِالزَّوْجَةِ بِشَرْطِ خُلُوِّهَا عَنْ زَوْجٍ وَعِدَّتِهِ وَخُلُوِّهِ) أَيْ الْمُقِرِّ (عَنْ أُخْتِهَا) مَثَلًا (وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا وَ) صَحَّ (بِالْوَلِيِّ) مِنْ جِهَةِ الْعَتَاقَةِ (إنْ لَمْ يَكُنْ وَلَاؤُهُ ثَابِتًا مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُقِرِّ (وَ) الْمَرْأَةُ صَحَّ (إقْرَارُهَا بِالْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى) الْأَصْلُ أَنَّ إقْرَارَ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ حُجَّةٌ لَا عَلَى غَيْرِهِ. قُلْت: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِالْأُمِّ كَالْأَبِ هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ فِي فَرَائِضِهِ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْأُمِّ لَا يَصِحُّ، وَكَذَا فِي ضَوْءِ السِّرَاجِ لِأَنَّ السَّبَبَ لِلْآبَاءِ لَا لِلْأُمَّهَاتِ وَفِيهِ حَمْلُ الزَّوْجِيَّةِ عَلَى الْغَيْرِ فَلَا يَصِحُّ اهـ وَلَكِنَّ الْحَقَّ صِحَّتُهُ بِجَامِعِ الْأَصَالَةِ فَكَانَتْ كَالْأَبِ فَلْيُحْفَظْ (وَ) كَذَا صَحَّ (بِالْوَلَدِ إنْ شَهِدَتْ) امْرَأَةٌ، وَلَوْ (قَابِلَةً) بِتَعْيِينِ الْوَلَدِ أَمَّا النَّسَبُ فَبِالْفِرَاشِ شُمُنِّيٌّ، وَلَوْ مُعْتَدَّةً جَحَدَتْ وِلَادَتهَا فَبِحُجَّةٍ تَامَّةٍ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ (أَوْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ إنْ كَانَ) لَهَا زَوْجٌ (أَوْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً) مِنْهُ (وَ) صَحَّ (مُطْلَقًا   [رد المحتار] شَرْطٍ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ شَارَكَ الْوَرَثَةَ فَلَا يَظْهَرُ وَجْهُهُ؛ إذْ تَقَدَّمَ أَنَّ إقْرَارَهُ لَهُ بِالْمَالِ صَحِيحٌ، وَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لِوَارِثٍ كَمَا مَرَّ مَعَ أَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ حِينَئِذٍ لَيْسَتْ لِلْمُقِرِّ، بَلْ لِلْوَرَثَةِ حَيْثُ شَارَكَهُمْ فِي الْإِرْثِ وَمَعَ هَذَا فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَقْلٍ صَرِيحٍ حَتَّى يُقْبَلَ، وَقَدْ رَاجَعْتُ عِدَّةَ كُتُبٍ فَلَمْ أَجِدْهُ وَلَعَلَّهُ لِهَذِهِ أَمَرَ الشَّارِحُ بِالتَّحْرِيرِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَنْ الْيَنَابِيعِ) الَّذِي قَدَّمَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ الْيَنَابِيعِ عِنْدَ قَوْلِهِ: أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ بِبُنُوَّتِهِ نَصُّهُ وَلَوْ كَذِبًا أَوْ كَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ اهـ ثُمَّ كَتَبَ هُنَا مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْهُ (قَوْلُهُ فَيُحَرَّرُ) لَمْ يَظْهَرْ لِي الْمُخَالَفَةُ الْمُوجِبَةُ لِلتَّحْرِيرِ تَأَمَّلْ ح (قَوْلُهُ وَالرَّجُلُ صَحَّ إقْرَارُهُ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ إسْقَاطُ الرَّجُلِ وَلَفْظُهُ وَصَحَّ إقْرَارُهُ (قَوْلُهُ أَيْ الْمَرِيضِ) الْأَوْلَى تَرْكُهُ ح (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلَيَا) بِتَحْرِيكِ ثَلَاثَةِ حُرُوفِهِ أَيْ الْوَالِدَانِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَجْهُهُ ظَاهِرٌ فَهُوَ كَإِقْرَارِهِ بِبِنْتِ ابْنٍ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقَرَّ بِبِنْتٍ فَلَهَا النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ إذْ إقْرَارُهُ بِبِنْتٍ جَائِزٌ لَا بِبِنْتِ الِابْنِ اهـ. وَمَا ذَاكَ إلَّا لِأَنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الِابْنِ فَتَدَبَّرْ ط (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ) وَسَيَأْتِي مَتْنًا التَّصْرِيحُ بِهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا صَحَّ) أَيْ إقْرَارُهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ قَابِلَةً) أَفَادَ بِمُقَابَلَتِهِ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ أَنَّ هَذَا حَيْثُ جَحَدَ الزَّوْجُ وَادَّعَتْهُ مِنْهُ وَأَفَادَ أَنَّهَا ذَاتُ زَوْجٍ بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ، أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ وَلَا مُعْتَدَّةً أَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَادَّعَتْ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى إقْرَارِهَا صَرَّحَ بِذَلِكَ كُلِّهِ ابْنُ الْكَمَالِ وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ: بِتَعْيِينِ الْوَلَدِ) كَمَا عَلِمْتَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الْوِلَادَةَ، وَشَهَادَةُ الْقَابِلَةِ بِتَعْيِينِ الْوَلَدِ فِيمَا إذَا تَصَادَقَا عَلَى الْوِلَادَةِ وَأَنْكَرَ التَّعْيِينَ. وَعِبَارَةُ غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ الْأَقْطَعِ فَتَثْبُتُ الْوِلَادَةُ بِشَهَادَتِهِمَا وَيُلْتَحَقُ النَّسَبُ بِالْفِرَاشِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ حُكْمُهُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَصَحَّ مُطْلَقًا) أَفَادَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الشُّرُوطِ إنَّمَا هُوَ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ لِئَلَّا يَكُونَ تَحْمِيلًا عَلَى الزَّوْجِ، فَلَوْ فُقِدَ شَرْطٌ صَحَّ إقْرَارُهَا عَلَيْهَا فَيَرِثُهَا الْوَلَدُ، وَتَرِثُهُ إنْ صَدَّقَهَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَارِثٌ غَيْرُهُمَا فَصَارَ كَالْإِقْرَارِ بِالْأَخِ، وَيُفْهَمُ هَذَا مِمَّا قَدَّمْنَا، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِالْوَلَدِ، وَإِنْ صَدَّقَهَا يَعْنِي الْوَلَدَ، وَلَكِنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَارِثٌ مَعْرُوفٌ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ إقْرَارَهَا فِي حَقِّهَا، وَلَا يَقْضِي بِالنَّسَبِ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْحُجَّةِ، وَهِيَ مَا إذَا شَهِدَتْ الْقَابِلَةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 617 إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ) أَيْ مُزَوَّجَةً وَلَا مُعْتَدَّةً (أَوْ كَانَتْ) مُزَوَّجَةً (وَادَّعَتْ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ) فَصَارَ كَمَا لَوْ ادَّعَاهُ مِنْهَا لَمْ يُصَدَّقْ فِي حَقِّهَا إلَّا بِتَصْدِيقِهَا. قُلْت: بَقِيَ لَوْ لَمْ يُعْرَفْ لَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ لَمْ أَرَهُ فَيُحَرَّرُ (وَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِ هَؤُلَاءِ إلَّا فِي الْوَلَدِ إذَا كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْمَتَاعِ (وَلَوْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ عَبْدَ الْغَيْرِ اشْتَرَطَ تَصْدِيقَ مَوْلَاهُ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ (وَصَحَّ التَّصْدِيقُ) مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ (بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ) لِبَقَاءِ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ (إلَّا تَصْدِيقَ الزَّوْجِ بِمَوْتِهَا) مُقِرَّةً لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ بِمَوْتِهَا وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ غَسْلُهَا بِخِلَافِ عَكْسِهِ (وَلَوْ أَقَرَّ) رَجُلٌ (بِنَسَبٍ) فِيهِ تَحْمِيلٌ (عَلَى غَيْرِهِ) لَمْ يَقُلْ مِنْ غَيْرِ وِلَادٍ كَمَا فِي الدُّرَرِ لِفَسَادِهِ بِالْجَدِّ وَابْنِ الِابْنِ قَالَ كَمَا قَالَ (كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْجَدِّ وَابْنِ الِابْنِ لَا يَصِحُّ) الْإِقْرَارُ (فِي حَقِّ غَيْرِهِ) إلَّا بِبُرْهَانٍ وَمِنْهُ إقْرَارُ اثْنَيْنِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ فَلْيُحْفَظْ وَكَذَا لَوْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ أَوْ الْوَرَثَةُ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّصْدِيقِ (وَيَصِحُّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى يَلْزَمَهُ) أَيْ الْمُقِرَّ (الْأَحْكَامُ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْحَضَانَةِ وَالْإِرْثِ إذَا تَصَادَقَا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ إقْرَارَهُمَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمَا (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ لِهَذَا الْمُقِرِّ (وَارِثٌ غَيْرُهُ مُطْلَقًا) لَا قَرِيبًا كَذَوِي الْأَرْحَامِ وَلَا بَعِيدًا كَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ عَيْنِيٌّ وَغَيْرُهُ (وَرِثَهُ وَإِلَّا لَا) لِأَنَّ نَسَبَهُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا يُزَاحِمُ الْوَارِثَ الْمَعْرُوفَ، وَالْمُرَادُ غَيْرُ الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّ وُجُودَهُمَا غَيْرُ مَانِعٍ قَالَهُ ابْنُ الْكَمَالِ، ثُمَّ لِلْمُقِرِّ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ إقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ زَيْلَعِيٌّ أَيْ وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ لَكِنْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ شُرُوحِ السِّرَاجِيَّةِ أَنَّ بِالتَّصْدِيقِ يَثْبُتُ النَّسَبُ فَلَا يَنْفَعُ الرُّجُوعُ فَلْيُحَرَّرْ   [رد المحتار] عَلَى ذَلِكَ وَصَدَّقَهَا الْوَلَدُ فَيَثْبُتُ، وَمَا إذَا صَدَّقَهَا زَوْجُهَا فَيَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِمَا اهـ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ فَصَحَّ إقْرَارُهَا فِي حَقِّهَا فَقَطْ (قَوْلُهُ قُلْت) أَقُولُ: غَايَةُ مَا يَلْزَمُ عَلَى عَدَمِ مَعْرِفَةِ زَوْجٍ آخَرَ كَوْنُهُ مِنْ الزِّنَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَبِفَرْضِ تَحَقُّقِ كَوْنِهِ مِنْ الزِّنَا يَلْزَمُهَا أَيْضًا لِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا وَاللِّعَانِ يَرِثُ بِجِهَةِ الْأُمِّ فَقَطْ، فَلَا وَجْهَ لِلتَّوَقُّفِ فِي ذَلِكَ كَذَا فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ لِأَبِي السُّعُودِ الْمِصْرِيِّ (قَوْلُهُ: وَصَحَّ التَّصْدِيقُ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ جُحُودِ الْمُقِرِّ لِقَوْلِ الْبَزَّازِيِّ أَقَرَّ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فُلَانَةَ فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ ثُمَّ جَحَدَ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ جَازَ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِمَوْتِهَا) كَذَا فِي نُسْخَةٍ وَهِيَ الصَّوَابُ مُوَافِقًا لِمَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ) حَيْثُ قَالَ أَوْ تَصْدِيقُ بَعْضِ الْوَرَثَةِ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّينَ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ حَتَّى النَّاسِ كَافَّةً إنْ تَمَّ نِصَابُ الشَّهَادَةِ بِهِمْ أَيْ بِالْمُقِرِّينَ وَإِلَّا يَتِمَّ نِصَابُهَا لَا يُشَارِكُ الْمُكَذِّبِينَ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ الْوَرَثَةِ) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ وَمِنْهُ إقْرَارُ اثْنَيْنِ ط لَكِنَّ كَلَامَنَا هُنَا فِي تَصْدِيقِ الْمُقِرِّ وَهُنَاكَ فِي نَفْسِ الْإِقْرَارِ وَإِنْ كَانَا فِي الْمَعْنَى سَوَاءً، لَكِنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَهُوَ أَنَّ التَّصْدِيقَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِإِقْرَارِ الْأَوَّلِ كَقَوْلِهِ نَعَمْ أَوْ صَدَقَ، وَالْإِقْرَارُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْعِلْمُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَذَوِي الْأَرْحَامِ) فَسَّرَ الْقَرِيبَ فِي الْعِنَايَةِ بِذَوِي الْفُرُوضِ وَالْعَصَبَاتِ وَالْبَعِيدَ بِذَوِي الْأَرْحَامِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ إرْثُهُ بَعْدَ ذَوِي الْأَرْحَامِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَرِثَهُ) . [تَتِمَّةٌ] إرْثُ الْمُقَرِّ لَهُ حَيْثُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ يَكُونُ مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ، وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى فَرْعِ الْمُقَرِّ لَهُ وَلَا إلَى أَصْلِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ شَيْخُنَا عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ (قَوْلُهُ الْمَعْرُوفَ) قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا فَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِرْثِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ وَلَهُ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ فَالْإِرْثُ لِلْعَمَّةِ أَوْ لِلْخَالَةِ لِأَنَّ نَسَبَهُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا يُزَاحِمُ الْوَارِثَ الْمَعْرُوفَ دُرَرٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ غَيْرُ الزَّوْجَيْنِ) أَيْ بِالْوَارِثِ الَّذِي يَمْنَعُ الْمُقَرَّ لَهُ مِنْ الْإِرْثِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ) صَوَابُهُ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ كَمَا عُبِّرَ بِهِ فِيمَا مَرَّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمِنَحِ حَيْثُ قَالَ وَقَوْلُهُ: أَيْ الزَّيْلَعِيِّ لِلْمُقِرِّ: إنَّهُ يَرْجِعُ عَنْهُ، مَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى إقْرَارِهِ أَوْ لَمْ يُقِرَّ بِمِثْلِ إقْرَارِهِ إلَخْ، وَعَزَاهُ لِبَعْضِ شُرُوحِ السِّرَاجِيَّةِ فَقَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يُقِرَّ لَا شَكَّ أَنَّ الضَّمِيرَ فِيهِ لِلْمُقَرِّ عَلَيْهِ لَا الْمُقَرِّ لَهُ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ صَوَابُهُ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ صَاحِبُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 618 عِنْدَ الْفَتْوَى (وَمَنْ مَاتَ أَبُوهُ فَأَقَرَّ بِأَخٍ شَارَكَهُ فِي الْإِرْثِ) فَيَسْتَحِقُّ نِصْفَ نَصِيبِ الْمُقِرِّ (وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ إقْرَارَهُ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَقَطْ. قُلْت: بَقِيَ لَوْ أَقَرَّ الْأَخُ بِابْنٍ هَلْ يَصِحُّ؟ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ لَا لِأَنَّ مَا أَدَّى وُجُودُهُ إلَى نَفْيِهِ انْتَفَى مِنْ أَصْلِهِ، وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا صَرِيحًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ نَعَمْ فَلْيُرَاجَعْ (وَإِنْ تَرَكَ) شَخْصٌ (ابْنَيْنِ، وَلَهُ عَلَى آخَرَ مِائَةٌ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِقَبْضِ أَبِيهِ خَمْسِينَ مِنْهَا فَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ)   [رد المحتار] الْمِنَحِ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي: إنْ بِالتَّصْدِيقِ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ الْمُقَرِّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي رُوحِ الشُّرُوحِ عَلَى السِّرَاجِيَّةِ. وَاعْلَمْ: أَنَّهُ إنْ شَهِدَ مَعَ الْمُقَرِّ رَجُلٌ آخَرُ أَوْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ أَوْ الْوَرَثَةُ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِقْرَارِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْإِصْرَارُ عَلَى الْإِقْرَارِ إلَى الْمَوْتِ وَلَا يَنْفَعُ الرُّجُوعُ لِثُبُوتِ النَّسَبِ ح اهـ. وَفِي شَرْحِ فَرَائِضِ الْمُلْتَقَى لِلطَّرَابُلُسِيِّ: وَصَحَّ رُجُوعُهُ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ مَعْنًى وَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ لَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ قَالَ فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ الْمُسَمَّى بِالْمِنْهَاجِ: وَهَذَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ إقْرَارَهُ قَبْلَ رُجُوعِهِ أَوْ لَمْ يُقِرَّ بِمِثْلِ إقْرَارِهِ أَمَّا إذَا صَدَّقَ إقْرَارَهُ قَبْلَ رُجُوعِهِ أَوْ أَقَرَّ بِمِثْلِ إقْرَارِهِ فَلَا يَنْفَعُ الْمُقِرَّ رُجُوعُهُ عَنْ إقْرَارِهِ لِأَنَّ نَسَبَ الْمُقَرِّ لَهُ قَدْ ثَبَتَ مِنْ الْمُقَرِّ عَلَيْهِ اهـ فَهَذَا كَلَامُ شُرَّاحِ السِّرَاجِيَّةِ فَالصَّوَابُ التَّعْبِيرُ بِ عَلَيْهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمِنَحِ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ، وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَتُهَا هُنَا كَعِبَارَةِ الشَّارِحِ وَكَذَا عِبَارَةُ الشَّارِحِ فِي الْفَرَائِضِ غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْفَتْوَى) أَقُولُ: تَحْرِيرُهُ أَنَّهُ لَوْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ، وَهُوَ مَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ لِأَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَهُوَ مَا فِي شُرُوحِ السِّرَاجِيَّةِ فَمَنْشَأُ الِاشْتِبَاهِ تَحْرِيفُ الصِّلَةِ فَالْمَوْضُوعُ مُخْتَلِفٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي غَيْرِ الْإِقْرَارِ بِنَحْوِ الْوَلَدِ (قَوْلُهُ: نِصْفَ نَصِيبِ الْمُقِرِّ) وَلَوْ مَعَهُ وَارِثٌ آخَرُ شَرْحُ الْمُلْتَقَى وَبَيَانُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ: فِي حَقِّ نَفْسِهِ) فَصَارَ كَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي الْعِتْقِ، وَلَمْ يُقْبَلْ فِي الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ بَيَانِيَّةٌ، وَفِي الزَّيْلَعِيِّ: فَإِذَا قُبِلَ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ يَسْتَحِقُّ الْمُقِرُّ لَهُ نِصْفَ نَصِيبِ الْمُقِرِّ مُطْلَقًا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى يَجْعَلُ إقْرَارَهُ شَائِعًا فِي التَّرِكَةِ فَيُعْطَى الْمُقِرُّ مِنْ نَصِيبِهِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ مَاتَ أَبُوهُ أَخٌ مَعْرُوفٌ فَأَقَرَّ بِأَخٍ آخَرَ فَكَذَّبَهُ أَخُوهُ الْمَعْرُوفُ فِيهِ أُعْطِيَ الْمُقِرُّ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ، وَعِنْدَهُمَا يَعْنِي عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، لِأَنَّ الْمُقِرَّ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِثُلُثٍ شَائِعٍ فِي النِّصْفَيْنِ فَنَفَذَ إقْرَارُهُ فِي حِصَّتِهِ. وَبَطَلَ مَا كَانَ فِي حِصَّةِ أَخِيهِ، فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ سُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ، وَالسُّدُسُ الْآخَرُ فِي نَصِيبِ أَخِيهِ بَطَلَ إقْرَارُهُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّهُ يُسَاوِيهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَالْمُنْكِرُ ظَالِمٌ بِإِنْكَارِهِ فَيُجْعَلُ مَا فِي يَدِ الْمُنْكِرِ كَالْهَالِكِ فَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا بِالتَّسْوِيَةِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأُخْتٍ تَأْخُذُ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ وَعِنْدَهُمَا خُمُسُهُ، وَلَوْ أَقَرَّ ابْنٌ وَبِنْتٌ بِأَخٍ وَكَذَّبَهُمَا ابْنٌ وَبِنْتٌ يُقْسَمُ نَصِيبُ الْمُقِرِّينَ أَخْمَاسًا وَعِنْدَهُمَا أَرْبَاعًا، وَالتَّخْرِيجُ ظَاهِرٌ، وَلَوْ أَقَرَّ بِامْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَةُ أَبِيهِ أَخَذَتْ ثَمَنَ مَا فِي يَدِهِ وَلَوْ أَقَرَّ بِجَدَّةٍ هِيَ أُمُّ الْمَيِّتِ أَخَذَتْ سُدُسَ مَا فِي يَدِهِ فَيُعَامَلُ فِيمَا فِي يَدِهِ كَمَا يُعَامَلُ لَوْ ثَبَتَ مَا أَقَرَّ بِهِ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: بِابْنٍ) أَيْ مِنْ أَخِيهِ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ: انْتَفَى) هَذِهِ مَسْأَلَةُ الدَّوْرِ الْحُكْمِيِّ الَّتِي عَدَّهَا الشَّافِعِيَّةُ مِنْ مَوَانِعِ الْإِرْثِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ التَّوْرِيثِ عَدَمُهُ، بَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَخٌ حَائِزٌ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا يَرِثُ، لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَحُجِبَ الْأَخُ فَلَا يَكُونُ الْأَخُ وَارِثًا حَائِزًا فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالِابْنِ، فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ فَلَا يَرِثُ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْإِرْثِ يُؤَدِّي إلَى نَفْيِهِ وَمَا أَدَّى إثْبَاتُهُ إلَى نَفْيِهِ انْتَفَى مِنْ أَصْلِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِمْ لَكِنْ يَجِبُ عَلَى الْمُقِرِّ بَاطِنًا أَنْ يَدْفَعَ لِلِابْنِ التَّرِكَةَ إذَا كَانَ صَادِقًا فِي إقْرَارِهِ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ نَعَمْ) يَعْنِي: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ صِحَّةُ إقْرَارِ هَذَا الْأَخِ بِالِابْنِ، وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ فِي حَقٍّ فَقَطْ فَيَرِثُ الِابْنُ دُونَهُ لَمَّا قَالُوا: إنَّ الْإِقْرَارَ بِنَسَبٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 619 لِأَنَّ إقْرَارَهُ يَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِهِ (وَلِلْآخَرِ خَمْسُونَ) بَعْدَ حَلِفِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ أَبَاهُ قَبَضَ شَطْرَ الْمِائَةِ قَالَهُ الْأَكْمَلُ. قُلْت: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّ أَبَاهُ قَبَضَ كُلَّ الدَّيْنِ لَكِنَّهُ هُنَا يَحْلِفُ لِحَقِّ الْغَرِيمِ زَيْلَعِيٌّ. فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ شَتَّى (أَقَرَّتْ الْحُرَّةُ الْمُكَلَّفَةُ بِدَيْنٍ) لِآخَرَ (فَكَذَّبَهَا زَوْجُهَا صَحَّ) إقْرَارُهَا (فِي حَقِّهِ أَيْضًا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (فَتُحْبَسُ) الْمُقِرَّةُ (وَتُلَازِمُ) وَإِنْ تَضَرَّرَ الزَّوْجُ وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ السِّتِّ الْخَارِجَةِ مِنْ قَاعِدَةِ الْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُقِرِّ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ وَهِيَ فِي الْأَشْبَاهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ أَيْضًا مَنْ كَانَ فِي إجَارَةِ غَيْرِهِ فَأَقَرَّ لِآخَرَ بِدَيْنٍ فَإِنَّ لَهُ حَبْسَهُ وَإِنْ تَضَرَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى وَلَمْ نَرَهَا صَرِيحَةً (وَعِنْدَهُمَا لَا) تُصَدَّقُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ فَلَا تُحْبَسُ وَلَا تُلَازِمُ دُرَرٌ. قُلْتُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى قَوْلِهِمَا إفْتَاءً وَقَضَاءً لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْأَبَ يُعَلِّمُهَا الْإِقْرَارَ لَهُ أَوْ لِبَعْضِ أَقَارِبِهَا لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى مَنْعِهَا بِالْحَبْسِ عِنْدَهُ عَنْ زَوْجِهَا كَمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِرَارًا حِينَ اُبْتُلِيتُ بِالْقَضَاءِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. .   [رد المحتار] عَلَى غَيْرِهِ يَصِحُّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، حَتَّى تَلْزَمَهُ الْأَحْكَامُ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْحَضَانَةِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَقَدْ رَأَيْتُ الْمَسْأَلَةَ مَنْقُولَةً، وَلِلَّهِ - تَعَالَى - الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ فِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ قَاسِمِ بْنِ قُطْلُوبُغَا الْحَنَفِيِّ وَنَصُّهُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْإِمْلَاءِ وَلَوْ كَانَتْ لِلرَّجُلِ عَمَّةٌ أَوْ مَوْلَى نِعْمَةٍ فَأَقَرَّتْ الْعَمَّةُ أَوْ مَوْلَى النِّعْمَةِ بِأَخٍ لِلْمَيِّتِ مِنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ بِعَمٍّ أَوْ بِابْنِ عَمٍّ أَخَذَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمِيرَاثَ كُلَّهُ لِأَنَّ الْوَارِثَ الْمَعْرُوفَ أَقَرَّ بِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فِي اسْتِحْقَاقِ مَالِهِ وَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ اهـ هَذَا كَلَامُهُ ثُمَّ قَالَ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا دَوْرٌ عِنْدَنَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْمَوَانِعِ وَذُكِرَ فِي بَابِهِ اهـ (قَوْلُهُ إلَى نَصِيبِهِ) فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ اسْتَوْفِي نَصِيبَهُ وَلِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا ثُمَّ تَلْتَقِي قِصَاصًا فَقَدْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَيَلْزَمُ الْمُقِرَّ كَمَا مَرَّ قَبْلَ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ وَلَا يَجْرِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْخِلَافُ السَّابِقُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْحَاذِقِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ حَلِفِهِ) أَيْ حَلِفِ الْمُنْكِرِ أَيْ لِأَجْلِ الْأَخِ لَا لِأَجْلِ الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْغَرِيمِ فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي وَلَوْ نَكَلَ شَارَكَهُ الْمُقِرُّ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ) الِاسْتِدْرَاكُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَحْلِفَ فِي الْأُولَى، وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ عَنْ الْأَكْمَلِ وَمَرَّ جَوَابُهُ (قَوْلُهُ يَحْلِفُ) أَيْ الْمُنْكِرُ بِاَللَّهِ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ قَبَضَ الدَّيْنَ فَإِنْ نَكَلَ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمَدِينِ، وَإِنْ حَلَفَ دُفِعَ إلَيْهِ نَصِيبُهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَيْثُ لَا يَحْلِفُ لِحَقِّ الْغَرِيمِ، لِأَنَّ حَقَّهُ كُلَّهُ حَصَلَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَحْلِيفِهِ وَهُنَا لَمْ يُحَصِّلْ إلَّا النِّصْفَ فَيُحَلِّفُهُ زَيْلَعِيٌّ. [فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ شَتَّى] (قَوْلُهُ: وَهِيَ فِي الْأَشْبَاهِ) وَعِبَارَتُهَا الْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُقِرِّ، وَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ فَلَوْ أَقَرَّ الْمُؤَجِّرُ أَنَّ الدَّارَ لِغَيْرِهِ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ إلَّا فِي مَسَائِلَ: لَوْ أَقَرَّتْ الزَّوْجَةُ بِدَيْنٍ فَلِلدَّائِنِ حَبْسُهَا إنْ تَضَرَّرَ الزَّوْجُ، وَلَوْ أَقَرَّ الْمُؤَجِّرُ بِدَيْنٍ لَا وَفَاءَ لَهُ إلَّا مِنْ ثَمَنِ الْعَيْنِ فَلَهُ بَيْعُهَا لِقَضَائِهِ، وَإِنْ تَضَرَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ، وَلَوْ أَقَرَّتْ مَجْهُولَةُ النَّسَبِ بِأَنَّهَا بِنْتُ أَبِي زَوْجِهَا وَصَدَّقَهَا الْأَبُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّتْ بِالرِّدَّةِ وَلَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالرِّقِّ لَمْ يَمْلِكْ الرَّجْعَةَ، وَإِذَا ادَّعَى وَلَدَ أَمَتِهِ الْمَبِيعَةِ وَلَهُ أَخٌ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَتَعَدَّى إلَى حِرْمَانِ الْأَخِ مِنْ الْمِيرَاثِ لِكَوْنِهِ لِلِابْنِ، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إذَا ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِ حُرَّةٍ فِي حَيَاةِ أَخِيهِ صَحَّتْ وَمِيرَاثُهُ لِوَلَدِهِ دُونَ أَخِيهِ كَمَا فِي الْجَامِعِ اهـ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ الْمِنَحِ (قَوْلُهُ: إفْتَاءً وَقَضَاءً) بِنَصْبِهِمَا (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْغَالِبَ) فِيهِ نَظَرٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 620 (مَجْهُولَةُ النَّسَبِ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ لِإِنْسَانٍ) وَصَدَّقَهَا الْمُقَرُّ لَهُ (وَلَهَا زَوْجٌ وَأَوْلَادٌ مِنْهُ) أَيْ الزَّوْجِ (وَكَذَّبَهَا) زَوْجُهَا (صَحَّ فِي حَقِّهَا خَاصَّةً) فَوَلَدٌ عَلِقَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ رَقِيقٌ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (لَا) فِي (حَقِّهِ) يَرِدُ عَلَيْهِ انْتِقَاضُ طَلَاقِهَا كَمَا حَقَّقَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (وَحَقِّ الْأَوْلَادِ) وَفَرَّعَ عَلَى حَقِّهِ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ) وَعَلَى حَقِّ الْأَوْلَادِ بِقَوْلِهِ (وَأَوْلَادٌ حَصَلَتْ قَبْلَ الْإِقْرَارِ وَمَا فِي بَطْنِهَا وَقْتَهُ أَحْرَارٌ) لِحُصُولِهِمْ قَبْلَ إقْرَارِهَا بِالرِّقِّ. . (مَجْهُولُ النَّسَبِ حَرَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِإِنْسَانٍ وَصَدَّقَهُ) الْمُقَرُّ لَهُ (صَحَّ) إقْرَارُهُ (فِي حَقِّهِ) فَقَطْ (دُونَ إبْطَالِ الْعِتْقِ، فَإِنْ مَاتَ الْعَتِيقُ يَرِثُهُ وَارِثُهُ إنْ كَانَ) لَهُ وَارِثٌ يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ (وَإِلَّا فَيَرِثُ) الْكُلَّ أَوْ الْبَاقِيَ كَافِي وشُرُنْبُلالِيَّة (الْمُقَرُّ لَهُ فَإِنْ مَاتَ الْمُقِرُّ ثُمَّ الْعَتِيقُ فَإِرْثُهُ لِعَصَبَةِ الْمُقِرِّ) وَلَوْ جَنَى هَذَا الْعَتِيقُ سَعَى فِي جِنَايَتِهِ لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُ وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِ يَجِبُ أَرْشُ الْعَبْدِ وَهُوَ كَالْمَمْلُوكِ فِي الشَّهَادَةِ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهُ بِالظَّاهِرِ وَهُوَ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ. . (قَالَ) رَجُلٌ لِآخَرَ (لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ فَقَالَ) فِي جَوَابِهِ (الصِّدْقَ أَوْ الْحَقَّ أَوْ الْيَقِينَ أَوْ نَكَّرَ) كَقَوْلِهِ حَقًّا وَنَحْوَهُ (أَوْ كَرَّرَ لَفْظَ الْحَقِّ أَوْ الصِّدْقِ) كَقَوْلِهِ الْحَقَّ الْحَقَّ أَوْ حَقًّا حَقًّا   [رد المحتار] إذْ الْعِلَّةُ خَاصَّةٌ، وَالْمُدَّعَى عَامٌّ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ لِأَجْنَبِيٍّ. وَقَوْلُهُ: لِيَتَوَصَّلَ إلَخْ لَا يَظْهَرُ أَيْضًا إذْ الْحَبْسُ عِنْدَ الْقَاضِي لَا عِنْدَ الْأَبِ فَإِذًا الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْإِمَامِ وَأَيْضًا لَمْ يَسْتَنِدْ فِي هَذَا التَّصْحِيحِ لِأَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ التَّرْجِيحِ ط لَكِنَّ قَوْلَهُ: إذْ الْحَبْسُ عِنْدَ الْقَاضِي مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ فِي بَابِهِ أَنَّ الْخِيَارَ فِيهِ لِلْمُدَّعِي. (قَوْلُهُ: مَجْهُولَةُ النَّسَبِ أَقَرَّتْ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا فِي الْأَشْبَاهِ مَجْهُولُ النَّسَبِ إذَا أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِإِنْسَانٍ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ صَحَّ وَصَارَ عَبْدَهُ إذَا كَانَ قَبْلَ تَأَكُّدِ الْحُرِّيَّةِ بِالْقَضَاءِ أَمَّا بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِحَدٍّ كَامِلٍ أَوْ بِالْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالرِّقِّ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَوُلِدَ) التَّفْرِيعُ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَمَحَلُّهُ فِيمَا بَعْدُ، وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: فَتَكُونُ رَقِيقَةً لَهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ (قَوْلُهُ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ) حَيْثُ قَالَ لِأَنَّهُ نَقَلَ فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّ طَلَاقَهَا ثِنْتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَمَةً، وَهَذَا حُكْمٌ يَخُصُّهَا ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الزِّيَادَاتِ: وَلَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِإِقْرَارِهَا مَلَكَ عَلَيْهَا الرَّجْعَةَ، وَلَوْ عَلِمَ لَا يَمْلِكُ، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ لَا يَمْلِكُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ قِيلَ: مَا ذَكَرَ قِيَاسٌ: وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ اسْتِحْسَانٌ وَفِي الْكَافِي: آلَى وَأَقَرَّتْ قَبْلَ شَهْرَيْنِ فَهُمَا عِدَّتُهُ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرَيْنِ فَأَرْبَعَةٌ. وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ تَدَارُكُ مَا خَافَ فَوْتَهُ بِإِقْرَارِ الْغَيْرِ وَلَمْ يَتَدَارَكْ بَطَلَ حَقُّهُ لِأَنَّ فَوَاتَ حَقِّهِ مُضَافٌ إلَى تَقْصِيرِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ التَّدَارُكُ لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ فِي حَقِّهِ، فَإِذَا أَقَرَّتْ بَعْدَ شَهْرٍ أَمْكَنَ الزَّوْجَ التَّدَارُكُ، وَبَعْدَ شَهْرَيْنِ لَا يُمْكِنُهُ وَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ أَقَرَّ يَمْلِكُ الثَّالِثَةَ، وَلَوْ أَقَرَّتْ قَبْلَ الطَّلَاقِ تَبِينُ بِثِنْتَيْنِ وَلَوْ مَضَتْ مِنْ عِدَّتِهَا حَيْضَتَانِ ثُمَّ أَقَرَّتْ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَلَوْ مَضَتْ حَيْضَةٌ ثُمَّ أَقَرَّتْ تَبِينُ بِحَيْضَتَيْنِ اهـ. قُلْتُ: وَعَلَى مَا فِي الْكَافِي لَا إشْكَالَ لِقَوْلِهِ: إنَّ فَوَاتَ حَقِّهِ مُضَافٌ إلَى تَقْصِيرِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ حَرَّرَ عَبْدَهُ) مَاضٍ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ وَعَبْدَهُ مَفْعُولٌ (قَوْلُهُ فَيَرِثُ الْكُلَّ) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَصْلًا (قَوْلُهُ: أَوْ الْبَاقِيَ) إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ لَا يَسْتَغْرِقُ (قَوْلُهُ وشُرُنْبُلالِيَّة) عِبَارَةُ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ بِنْتٌ كَانَ النِّصْفُ لَهَا، وَالنِّصْفُ لِلْمُقَرِّ لَهُ اهـ وَإِنْ جَنَى هَذَا الْعَتِيقُ سَعَى فِي جِنَايَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُ، وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَرْشُ الْعَبْدِ، وَهُوَ كَالْمَمْلُوكِ فِي الشَّهَادَةِ، لِأَنَّ حُرِّيَّتَهُ فِي الظَّاهِرِ، وَهُوَ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ اهـ (قَوْلُهُ: أَرْشُ الْعَبْدِ) وَعَلَيْهِ فَقَدْ صَارَ الْإِقْرَارُ حُجَّةً مُتَعَدِّيَةً فِي حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي زِيَادَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى السِّتِّ الْمُتَقَدِّمَةِ آنِفًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 621 (وَنَحْوَهُ أَوْ قَرَنَ بِهَا الْبِرَّ) كَقَوْلِهِ الْبِرُّ حَقٌّ أَوْ الْحَقُّ بِرٌّ إلَخْ (فَإِقْرَارٌ وَلَوْ قَالَ الْحَقُّ حَقٌّ أَوْ الصِّدْقُ صِدْقٌ أَوْ الْيَقِينُ يَقِينٌ لَا) يَكُونُ إقْرَارًا لِأَنَّهُ كَلَامٌ تَامٌّ بِخِلَافِ مَا مَرَّ، لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِابْتِدَاءِ فَجُعِلَ جَوَابًا فَكَأَنَّهُ قَالَ ادَّعَيْتَ الْحَقَّ إلَخْ:. (قَالَ لِأَمَتِهِ يَا سَارِقَةُ يَا زَانِيَةُ يَا مَجْنُونَةُ يَا آبِقَةَ أَوْ قَالَ هَذِهِ السَّارِقَةُ فَعَلَتْ كَذَا وَبَاعَهَا فَوُجِدَ بِهَا وَاحِدٌ مِنْهَا) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ (لَا تُرَدُّ بِهِ) لِأَنَّهُ نِدَاءٌ أَوْ شَتِيمَةٌ لَا إخْبَارٌ (بِخِلَافِ هَذِهِ سَارِقَةٌ أَوْ هَذِهِ آبِقَةٌ أَوْ هَذِهِ زَانِيَةٌ أَوْ هَذِهِ مَجْنُونَةٌ) حَيْثُ تُرَدُّ بِإِحْدَاهَا؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ، وَهُوَ لِتَحْقِيقِ الْوَصْفِ (وَبِخِلَافِ يَا طَالِقُ أَوْ هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ فَعَلَتْ كَذَا) حَيْثُ تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إثْبَاتِهِ شَرْعًا فَجُعِلَ إيجَابًا لِيَكُونَ صَادِقًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ دُرَرٌ. (إقْرَارُ السَّكْرَانِ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ) أَيْ مَمْنُوعٍ مُحَرَّمٍ (صَحِيحٌ) فِي كُلِّ حَقٍّ فَلَوْ أَقَرَّ بِقَوَدٍ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي سُكْرِهِ وَفِي السَّرِقَةِ يَضْمَنُ الْمَسْرُوقُ كَمَا بَسَطَهُ سَعْدِيٌّ أَفَنْدِي فِي بَابِ حَدِّ الشُّرْبِ (إلَّا فِي) مَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ كَالرِّدَّةِ وَ (حَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَإِنْ) سَكِرَ (بِطَرِيقٍ مُبَاحٍ) كَشُرْبِهِ مُكْرَهًا (لَا) يُعْتَبَرُ بَلْ هُوَ كَالْإِغْمَاءِ إلَّا فِي سُقُوطِ الْقَضَاءِ وَتَمَامُهُ فِي أَحْكَامَاتِ الْأَشْبَاهِ. (الْمُقَرُّ لَهُ إذَا كَذَّبَ الْمُقِرَّ بَطَلَ إقْرَارُهُ) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ (إلَّا فِي) سِتٍّ عَلَى مَا هُنَا تَبَعًا لِلْأَشْبَاهِ (الْإِقْرَارُ بِالْحُرِّيَّةِ وَالنَّسَبِ وَوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ وَالْوَقْفِ) فِي الْإِسْعَافِ لَوْ وَقَفَ عَلَى رَجُلٍ فَقَبِلَهُ ثُمَّ رَدَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ وَإِنْ رَدَّهُ قَبْلَ الْقَبُولِ ارْتَدَّ (وَالطَّلَاقُ وَالرِّقُّ) فَكُلُّهَا لَا تَرْتَدُّ وَيُزَادُ الْمِيرَاثُ بَزَّازِيَّةٌ وَالنِّكَاحُ كَمَا فِي مُتَفَرِّقَاتِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ: وَنَحْوَهُ) بِأَنْ كَرَّرَ الْيَقِينَ أَيْضًا مُعَرَّفًا أَوْ مُنَكَّرًا (قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ الْبِرُّ حَقٌّ إلَخْ) هَذَا مِمَّا يَصْلُحُ لِلْإِخْبَارِ وَلَا يَتَعَيَّنُ جَوَابًا. وَاَلَّذِي فِي الدُّرَرِ الْبِرُّ الْحَقُّ، وَهُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ كَذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْإِبْدَالِ ط. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ نِدَاءٌ) أَيْ فِيمَا عَدَا الْأَخِيرَةَ، وَالنِّدَاءُ إعْلَامُ الْمُنَادَى وَإِحْضَارُهُ لَا تَحْقِيقُ الْوَصْفِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ تُرَدُّ) أَيْ لَوْ اشْتَرَاهَا مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَذَا الْإِخْبَارِ ثُمَّ عَلِمَ ط (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) فَإِنَّ السَّيِّدَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ فِيهَا ط (قَوْلُهُ: بِطَرِيقٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالسَّكْرَانِ (قَوْلُهُ: عَلَيْهِ الْحَدُّ) لَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ، وَالصَّوَابُ الْقِصَاصُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: كَمَا بَسَطَهُ سَعْدِيٌّ) وَعِبَارَتُهُ هُنَاكَ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: ذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ،؛ لِأَنَّهُ إذَا صَحَا وَرَجَعَ بَطَلَ إقْرَارُهُ، وَلَكِنْ يَضْمَنُ الْمَسْرُوقَ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ، حَيْثُ يُقَامُ عَلَيْهِ فِي حَالِ سُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي التَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَأَشْبَهَ الْإِقْرَارَ بِالْمَالِ وَالطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ اهـ وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ قَوْلَهُ: لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي التَّأْخِيرِ مَحَلُّ بَحْثٍ. وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ، فَإِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَصْحُوَ ثُمَّ يُحَدُّ لِلْقَذْفِ ثُمَّ يُحْبَسُ حَتَّى يَخِفَّ مِنْ الضَّرْبِ ثُمَّ يُحَدُّ لِلسُّكْرِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ قُيِّدَ بِالْإِقْرَارِ، لِأَنَّهُ لَوْ زَنَى وَسَرَقَ فِي حَالِهِ يُحَدُّ بَعْدَ الصَّحْوِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ وَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ اهـ (قَوْلُهُ: سُقُوطِ الْقَضَاءِ) أَيْ قَضَاءِ صَلَاةٍ أَزْيَدَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا هُنَا) أَيْ عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ وَإِلَّا فَسَيَأْتِي زِيَادَةٌ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: بِالْحُرِّيَّةِ) فَإِذَا أَقَرَّ أَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي فِي يَدِهِ حُرٌّ ثَبَتَتْ حُرِّيَّتُهُ وَإِنْ كَذَّبَهُ الْعَبْدُ ط (قَوْلُهُ فِي الْإِسْعَافِ) وَنَصُّهُ: وَمَنْ قَبِلَ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ بَعْدَهُ وَمَنْ رَدَّهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ لَيْسَ لَهُ الْقَبُولُ بَعْدَهُ اهـ وَتَمَامُ التَّفَارِيعِ فِيهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِقْرَارِ بِالْوَقْفِ لَا فِي الْوَقْفِ، وَفِي الْإِسْعَافِ أَيْضًا: وَلَوْ أَقَرَّ لِرَجُلَيْنِ بِأَرْضٍ فِي يَدِهِ أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَيْهَا، وَعَلَى أَوْلَادِهِمَا وَنَسْلِهِمَا أَبَدًا ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ، وَلَا أَوْلَادَ لَهُمَا يَكُونُ نِصْفُهَا وَقْفًا عَلَى الْمُصَدِّقِ مِنْهُمَا، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِلْمَسَاكِينِ، وَلَوْ رَجَعَ الْمُنْكِرُ إلَى التَّصْدِيقِ رَجَعَتْ الْغَلَّةُ إلَيْهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِأَرْضٍ فَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ صَدَّقَهُ فَإِنَّهَا لَا تَصِيرُ لَهُ مَا لَمْ يُقِرَّ لَهُ بِهَا ثَانِيًا وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَرْضَ الْمُقَرَّ بِوَقْفِيَّتِهَا لَا تَصِيرُ مِلْكًا لِأَحَدٍ بِتَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِذَا رَجَعَ تَرْجِعُ إلَيْهِ وَالْأَرْضُ الْمُقَرُّ بِكَوْنِهَا مِلْكًا تَرْجِعُ إلَى مِلْكِ الْمُقِرِّ بِالتَّكْذِيبِ اهـ (قَوْلُهُ: لَوْ وَقَفَ) فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِقْرَارِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 622 قَضَاءِ الْبَحْرِ وَتَمَامُهُ ثَمَّةَ وَاسْتَثْنَى ثَمَّةَ مَسْأَلَتَيْنِ مِنْ الْإِبْرَاءِ: وَهُمَا إبْرَاءُ الْكَفِيلِ لَا يَرْتَدُّ وَإِبْرَاءُ الْمَدْيُونِ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ أَبْرِئْنِي فَأَبْرَأَهُ لَا يَرْتَدُّ فَالْمُسْتَثْنَى عَشَرَةٌ فَلْتُحْفَظْ وَفِي وَكَالَةِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَمَتَى صَدَّقَهُ فِيهَا ثُمَّ رَدَّهُ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الرَّدِّ مَجْلِسُ الْإِبْرَاءِ خِلَافٌ؟ وَالضَّابِطُ أَنَّ مَا فِيهِ تَمْلِيكُ مَالٍ مِنْ وَجْهٍ يَقْبَلُ الرَّدَّ، وَإِلَّا فَلَا كَإِبْطَالِ شُفْعَةٍ وَطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ لَا يَقْبَلُ الرَّدَّ وَهَذَا ضَابِطٌ جَيِّدٌ فَلْيُحْفَظْ. (صَالَحَ أَحَدَ الْوَرَثَةِ وَأَبْرَأَهُ إبْرَاءً عَامًّا) أَوْ قَالَ لَمْ يَبْقَ لِي حَقٌّ مِنْ تَرِكَةِ أَبِي عِنْدَ الْوَصِيِّ أَوْ قَبَضْتُ الْجَمِيعَ وَنَحْوَ ذَلِكَ (ثُمَّ ظَهَرَ فِي) يَدِ وَصِيِّهِ مِنْ (التَّرِكَةِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ الصُّلْحِ) وَتَحَقَّقَهُ (تُسْمَعُ دَعْوَى حِصَّتِهِ مِنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ) صُلْحُ الْبَزَّازِيَّةِ وَلَا تَنَاقُضَ لِحَمْلِ قَوْلِهِ لَمْ يَبْقَ لِي حَقٌّ أَيْ مِمَّا قَبَضْتُهُ عَلَى أَنَّ الْإِبْرَاءَ   [رد المحتار] بِالْوَقْفِ لَا فِي الْوَقْفِ، وَأَيْضًا الْكَلَامُ فِيمَا لَا يَرْتَدُّ وَلَوْ قَبْلَ الْقَبُولِ عَلَى أَنَّ عِبَارَةَ الْإِسْعَافِ عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالْمِنَحِ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ إذَا رَدَّهُ ثُمَّ صَدَّقَهُ صَحَّ ح (قَوْلُهُ قَضَاءِ الْبَحْرِ) وَعِبَارَتُهُ: قُيِّدَ بِالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ احْتِرَازًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِالرِّقِّ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ فَإِنَّهَا لَا تُرَدُّ بِالرَّدِّ. أَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لِآخَرَ: أَنَا عَبْدُكَ فَرَدَّ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ عَادَ إلَى تَصْدِيقِهِ فَهُوَ عَبْدُهُ، وَلَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِالرِّقِّ بِالرَّدِّ كَمَا لَا يَبْطُلُ بِجُحُودِ الْمَوْلَى بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالْعَيْنِ وَالدَّيْنِ حَيْثُ يَبْطُلُ بِالرَّدِّ، وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لَا يَبْطُلَانِ بِالرَّدِّ، لِأَنَّهُمَا إسْقَاطٌ يَتِمُّ بِالْمُسْقِطِ وَحْدَهُ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ وَوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ فَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مِنْ الْوَلَاءِ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالنِّكَاحِ فَلَمْ أَرَهُ الْآنَ اهـ وَتَمَامُهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى ثَمَّةَ) لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِمَا هُنَا فَإِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ ح أَيْ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِقْرَارِ وَمَا ذُكِرَ فِي الْإِبْرَاءِ (قَوْلُهُ: مَسْأَلَتَيْنِ) حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ إلَّا فِيمَا إذَا قَالَ الْمَدْيُونُ أَبْرِئْنِي فَأَبْرَأَهُ فَإِنَّهُ لَا يَرْتَدُّ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَذَا إبْرَاءُ الْكَفِيلِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَالْمُسْتَثْنَى مَسْأَلَتَانِ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُمْ: إنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ يَخْرُجُ عَنْهُ الْإِبْرَاءُ عَنْ بَدَلِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ لِيُبْطِلَاهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ السَّلَمِ (قَوْلُهُ فِيهَا) أَيْ فِي الْوَكَالَةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ قَالَ) عُطِفَ عَلَى صَالِحٍ لِأَنَّهَا مَسْأَلَةٌ أُخْرَى فِي أَوَائِلِ الثُّلُثِ الثَّالِثِ مِنْ فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ كَلَامٌ طَوِيلٌ فِي الْبَرَاءَةِ الْعَامَّةِ فَرَاجِعْهُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَصِيُّ الْمَيِّتِ إذَا دَفَعَ مَا كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ إلَى وَلَدِ الْمَيِّتِ وَأَشْهَدَ الْوَلَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ قَبَضَ التَّرِكَةَ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إلَّا قَدْ اسْتَوْفَاهُ ثُمَّ ادَّعَى فِي يَدِ الْوَصِيِّ شَيْئًا، وَقَالَ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِي وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّهُ قَبَضَ جَمِيعَ مَا عَلَى النَّاسِ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا لِوَالِدِهِ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ. قُلْتُ: وَوَجْهُ سَمَاعِهَا أَنَّ إقْرَارَ الْوَلَدِ لَمْ يَتَضَمَّنْ إبْرَاءَ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَكَذَا إقْرَارُ الْوَارِثِ بِقَبْضِهِ جَمِيعَ مَا عَلَى النَّاسِ لَيْسَ فِيهِ إبْرَاءٌ وَلَوْ تَنَزَّلْنَا لِلْبَرَاءَةِ فَهِيَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فِي الْأَعْيَانِ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ عَدَمَ صِحَّتِهَا مَعْنَاهُ أَنْ لَا تَصِيرَ مِلْكًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالدَّعْوَى لَا تُسْمَعُ كَمَا يَأْتِي فِي الصُّلْحِ (قَوْلُهُ صُلْحُ الْبَزَّازِيَّةِ) وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ تَاجُ الْإِسْلَامِ وَاحِدٌ صَالَحَ الْوَرَثَةَ وَأَبْرَأَ إبْرَاءً عَامًّا ثُمَّ ظَهَرَ فِي التَّرِكَةِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ الصُّلْحِ لَا رِوَايَةَ فِي جَوَازِ الدَّعْوَى: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: تَجُوزُ دَعْوَى حِصَّتِهِ فِيهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا اهـ وُلِلشُّرُنْبُلَالِيِّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا: تَنْقِيحُ الْأَحْكَامِ فِي الْإِقْرَارِ وَالْإِبْرَاءِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 623 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [رد المحتار] أَجَابَ فِيهَا بِأَنَّ الْبَرَاءَةَ الْعَامَّةَ بَيْنَ الْوَارِثَيْنِ مَانِعَةٌ مِنْ دَعْوَى شَيْءٍ سَابِقٍ عَلَيْهَا عَيْنًا أَوْ دَيْنًا بِمِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَحَقَّقَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْبَرَاءَةَ إمَّا عَامَّةٌ كَلَا حَقَّ أَوْ لَا دَعْوَى أَوْ لَا خُصُومَةَ لِي قِبَلَ فُلَانٍ، أَوْ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ حَقِّي أَوْ لَا دَعْوَى لِي عَلَيْهِ أَوْ لَا تَعَلُّقَ لِي عَلَيْهِ أَوْ لَا أَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ شَيْئًا أَوْ أَبْرَأْته مِنْ حَقِّي أَوْ مِمَّا لِي قِبَلَهُ، وَإِمَّا خَاصَّةً بِدَيْنٍ خَاصٍّ كَأَبْرَأْتُهُ مِنْ دَيْنِ كَذَا أَوْ عَامٍّ كَأَبْرَأْتُهُ مِمَّا لِي عَلَيْهِ، فَيَبْرَأُ عَنْ كُلِّ دَيْنٍ دُونَ الْعَيْنِ، وَإِمَّا خَاصَّةً بِعَيْنٍ فَتَصِحُّ لِنَفْيِ الضَّمَانِ لَا الدَّعْوَى فَيَدَّعِي بِهَا عَلَى الْمُخَاطَبِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ عَنْ دَعْوَاهَا فَهُوَ صَحِيحٌ. ثُمَّ إنَّ الْإِبْرَاءَ لِشَخْصٍ مَجْهُولٍ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ لِمَعْلُومٍ صَحَّ، وَلَوْ بِمَجْهُولٍ فَقَوْلُهُ: قَبَضْتُ تَرِكَةَ مُوَرِّثِي كُلَّهَا أَوْ: كُلُّ مَنْ لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ أَوْ دَيْنٌ فَهُوَ بَرِيءٌ لَيْسَ إبْرَاءً عَامًّا وَلَا خَاصًّا بَلْ هُوَ إقْرَارٌ مُجَرَّدٌ لَا يَمْنَعُ مِنْ الدَّعْوَى لِمَا فِي الْمُحِيطِ قَالَ: لَا دَيْنَ لِي عَلَى أَحَدٍ ثُمَّ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا صَحَّ لِاحْتِمَالِ وُجُوبِهِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ، وَفِيهِ أَيْضًا: وَقَوْلُهُ هُوَ بَرِيءٌ مِمَّا لِي عِنْدَهُ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْبَرَاءَةِ لَا إنْشَاءٌ، وَفِي الْخُلَاصَةِ لَا حَقَّ لِي قِبَلَهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ عَيْنٍ وَدَيْنٍ وَكَفَالَةٍ وَإِجَارَةٍ وَجِنَايَةٍ وَحَدٍّ اهـ وَفِي الْأَصْلِ فَلَا يَدَّعِي إرْثًا، وَلَا كَفَالَةَ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ وَلَا دَيْنًا أَوْ مُضَارَبَةً أَوْ شَرِكَةً أَوْ وَدِيعَةً أَوْ مِيرَاثًا أَوْ دَارًا أَوْ عَبْدًا أَوْ شَيْئًا إلَّا شَيْئًا حَادِثًا بَعْدَ الْبَرَاءَةِ اهـ فَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ عَنْ الْمُحِيطِ أَبْرَأَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْبَاقِيَ ثُمَّ ادَّعَى التَّرِكَةَ وَأَنْكَرَ وَإِلَّا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ إنْ أَقَرُّوا بِالتَّرِكَةِ أُمِرُوا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ اهـ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْبَرَاءَةُ عَامَّةٌ لِمَا عَلِمْته، وَلِمَا سَنَذْكُرُ أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَهُ عَامَّا ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَهُ بِالْمَالِ الْمُبْرَأِ بِهِ لَا يَعُودُ بَعْدَ سُقُوطِهِ. وَفِي الْعِمَادِيَّةِ قَالَ ذُو الْيَدِ: لَيْسَ هَذَا لِي وَلَيْسَ مِلْكِي أَوْ لَا حَقَّ لِي فِيهِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَلَا مُنَازِعَ لَهُ حِينَئِذٍ، ثُمَّ ادَّعَاهُ أَحَدٌ فَقَالَ ذُو الْيَدِ: هُوَ لِي فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِمَجْهُولٍ بَاطِلٌ وَالتَّنَاقُضُ إنَّمَا يَمْنَعُ إذَا تَضَمَّنَ إبْطَالَ حَقٍّ عَلَى أَحَدٍ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَيْضِ وَخِزَانَةِ الْمُفْتِينَ فَبِهَذَا عَلِمْتَ الْفَرْقَ بَيْنَ أَبْرَأْتُك أَوْ لَا حَقَّ لِي قِبَلَك وَبَيْنَ قَبَضْتُ تَرِكَةَ مُوَرِّثِي أَوْ كُلُّ مَنْ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَهُوَ بَرِيءٌ، وَلَمْ يُخَاطِبْ مُعَيَّنًا، وَعَلِمْتُ بُطْلَانَ فَتْوَى بَعْضِ أَهْلِ زَمَانِنَا بِأَنَّ إبْرَاءَ الْوَارِثِ وَارِثًا آخَرَ إبْرَاءً عَامًّا لَا يَمْنَعُ مِنْ دَعْوَى شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ. وَأَمَّا عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ أَيْ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فَأَصْلُهَا مَعْزُوٌّ إلَى الْمُحِيطِ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُقَيِّدْ الْإِبْرَاءَ بِكَوْنِهِ لِمُعَيِّنٍ أَوْ لَا، وَقَدْ عَلِمْت اخْتِلَافَ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ اجْتِمَاعَ الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ فِي مَسْأَلَةِ التَّخَارُجِ مَعَ الْبَرَاءَةِ الْعَامَّةِ لِمُعَيَّنٍ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ قَاضِي خَانْ: اتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَهُ إلَّا فِي حَادِثٍ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الصُّلْحَ وَالْإِبْرَاءَ بِنَحْوِ قَوْلِهِ: قَبَضْت تَرِكَةَ مُوَرِّثِي وَلَمْ يَبْقَ لِي فِيهَا حَقٌّ إلَّا اسْتَوْفَيْته، فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ لَا رِوَايَةَ فِيهِ أَيْضًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ النُّصُوصِ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ بَعْدَهُ، وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَى ذِي الْيَدِ الْمُقِرِّ بِأَنْ لَا مِلْكَ لَهُ فِي هَذَا الْعَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُنَازِعِ. وَاَلَّذِي يَتَرَاءَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ تِلْكَ الْعِبَارَةِ الْإِبْرَاءُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ مَعَ مَا فِيهِ، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُعَيَّنُ، وَقَطَعْنَا النَّظَرَ عَنْ اتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ الدَّعْوَى بَعْدَهُ، فَهُوَ مُبَايِنٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْمَبْسُوطِ. وَالْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَمَشْهُورِ الْفَتَاوَى الْمُعْتَمَدَةِ كَالْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ، فَيُقَدِّمُ مَا فِيهَا وَلَا يَعْدِلُ عَنْهَا إلَيْهِ؛ وَأَمَّا مَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ افْتَرَقَ الزَّوْجَانِ، وَأَبْرَأَ كُلٌّ صَاحِبَهُ عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى وَلِلزَّوْجِ أَعْيَانٌ قَائِمَةٌ لَا تَبْرَأُ الْمَرْأَةُ مِنْهَا وَلَهُ الدَّعْوَى، لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 624 عَنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ وَحِينَئِذٍ فَالْوَجْهُ عَدَمُ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَاعْتَمَدَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَسَنُحَقِّقُهُ فِي الصُّلْحِ. . (أَقَرَّ) رَجُلٌ بِمَالٍ فِي صَكٍّ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ بِهِ (ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ بَعْضَ هَذَا الْمَالِ) الْمُقَرِّ بِهِ (قَرْضٌ وَبَعْضُهُ رِبًا عَلَيْهِ) (فَإِنْ أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً تُقْبَلُ) وَإِنْ كَانَ مُتَنَاقِضًا؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى هَذَا الْإِقْرَارِ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ. قُلْتُ: وَحَرَّرَ شَارِحُهَا الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِهَذَا الْفَرْعِ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لِمَنْ أَقَرَّ غَايَتُهُ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّهُ يَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمُخْتَارِ لِلْفَتْوَى فِي هَذِهِ وَنَحْوِهَا اهـ. قُلْتُ: وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِيمَنْ أَقَرَّ فَتَدَبَّرْ. . (أَقَرَّ بَعْدَ الدُّخُولِ) مِنْ هُنَا إلَى كِتَابِ الصُّلْحِ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ سَاقِطٌ مِنْ نُسَخِ الشَّرْحِ (أَنَّهُ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَزِمَهُ مَهْرٌ) بِالدُّخُولِ (وَنِصْفٌ) بِالْإِقْرَارِ. . (أَقَرَّ الْمَشْرُوطُ لَهُ الرِّيعُ) أَوْ بَعْضُهُ (أَنَّهُ) أَيْ رِيعَ الْوَقْفِ (يَسْتَحِقُّهُ فُلَانٌ دُونَهُ صَحَّ) وَسَقَطَ حَقُّهُ، وَلَوْ كِتَابُ   [رد المحتار] الدُّيُونِ لَا الْأَعْيَانِ اهـ فَمَحْمُولٌ عَلَى حُصُولِهِ بِصِيغَةٍ خَاصَّةٍ كَقَوْلِهِ: أَبْرَأْتهَا عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى مِمَّا لِي عَلَيْهَا فَيَخْتَصُّ بِالدُّيُونِ فَقَطْ لِكَوْنِهِ مُقَيَّدًا بِمَا لِي عَلَيْهَا وَيُؤَيِّدُهُ التَّعْلِيلُ، وَلَوْ بَقِيَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ كَلَامِ الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَكَافِي الْحَاكِمِ الْمُصَرِّحِ بِعُمُومِ الْبَرَاءَةِ لِكُلِّ مَنْ أَبْرَأَ إبْرَاءً عَامًّا إلَى مَا فِي الْقُنْيَةِ اهـ. هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ وَهِيَ قَرِيبٌ مِنْ كُرَّاسَيْنِ، وَقَدْ أَكْثَرَ فِيهَا مِنْ النُّقُولِ فَمَنْ أَرَادَ الزِّيَادَةَ فَلْيَرْجِعْ إلَيْهَا وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ مَا كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَتْنًا، وَأَمَّا مَا سَيَجِيءُ آخِرَ الصُّلْحِ فَلَيْسَ فِيهِ إبْرَاءٌ عَامٌّ فَتَدَبَّرْ وَانْظُرْ شَرْحَ الْمُلْتَقَى فِي الصُّلْحِ (قَوْلُهُ: عَنْ الْأَعْيَانِ) سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي الصُّلْحِ (قَوْلُهُ فِي الصُّلْحِ) أَيْ فِي آخِرِهِ. (قَوْلُهُ: أَقَرَّ رَجُلٌ) تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ مَتْنًا فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ: شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ) وَبِهِ أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ وَالْخَيْرِيَّةِ مِنْ الدَّعْوَى (قَوْلُهُ لَا عُذْرَ لِمَنْ أَقَرَّ) فِيهِ أَنَّ اضْطِرَارَهُ إلَى هَذَا الْإِقْرَارِ عُذْرٌ (قَوْلُهُ غَايَتُهُ) حَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِدَعْوَاهُ أَنَّ بَعْضَ الْمُقَرِّ بِهِ رِبًا إلَّا تَحْلِيفَ الْمُقَرِّ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَقَرَّ كَاذِبًا يَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَفْرَادِهَا؛ فَلِذَا قَالَ فِي هَذِهِ وَنَحْوِهَا وَلَقَدْ أَبْعَدَ مَنْ حَمَلَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الضَّرُورَةِ فَقَطْ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ الِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ: أَنْ يُقَالَ إلَخْ) وَلِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِلُزُومِ الْمَالِ وَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ وَصَلَ أَوْ فَصَلَ وَعِنْدَهُمَا إنْ وَصَلَ قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا وَلَفْظَةُ ثُمَّ تُفِيدُ الْفَصْلَ فَلَا يُقْبَلُ اتِّفَاقًا شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَبِهِ جَزَمَ) أَيْ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ فِيمَنْ أَقَرَّ) وَفِي نُسْخَةٍ فِيمَا مَرَّ وَعَلَيْهَا فَإِنَّهُ مَرَّ قُبَيْلَ الِاسْتِثْنَاءِ. (قَوْلُهُ مِنْ نُسَخِ الشَّرْحِ) أَيْ الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ) يَعْمَلُ بِالْمُصَادَقَةِ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنْ خَالَفَتْ كِتَابَ الْوَقْفِ لَكِنْ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ خَاصَّةً إلَخْ مَا مَرَّ فِي الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: وَسَقَطَ حَقُّهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ سُقُوطُهُ ظَاهِرًا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ لَا يَحِلُّ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَخْذُهُ ثُمَّ إنَّ هَذَا السُّقُوطَ مَا دَامَ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ عَادَ عَلَى مَا شَرَطَ الْوَاقِفُ، قَالَ السَّائِحَانِيُّ فِي مَجْمُوعَتِهِ وَفِي الْخَصَّافِ: قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْغَلَّةِ عَشْرَ سَنَوَاتٍ مِنْ الْيَوْمِ لِزَيْدٍ، فَإِنْ مَضَتْ رَجَعَتْ لِلْمُقَرِّ لَهُ فَإِنْ مَاتَ الْمُقَرُّ لَهُ وَالْمُقِرُّ قَبْلَ مُضِيِّهَا تَرْجِعُ الْغَلَّةُ عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ، فَكَأَنَّهُ صَرَّحَ بِبُطْلَانِ الْمُصَادَقَةِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ أَوْ مَوْتِ الْمُقِرِّ. وَفِي الْخَصَّافِ أَيْضًا رَجُلٌ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ وَوَلَدِهِ ثُمَّ لِلْمَسَاكِينٍ فَأَقَرَّ زَيْدٌ بِهِ، وَبِأَنَّهُ عَلَى بَكْرٍ ثُمَّ مَاتَ زَيْدٌ بَطَلَ إقْرَارُهُ لِبَكْرٍ وَفِي الْحَامِدِيَّةِ إذَا تَصَادَقَ جَمَاعَةُ الْوَقْفِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ وَلَدٍ فَهَلْ تَبْطُلُ مُصَادَقَةُ الْمَيِّتِ فِي حَقِّهِ؟ . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 625 الْوَقْفِ بِخِلَافِهِ (وَلَوْ جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ أَوْ أَسْقَطَهُ) لَا لِأَحَدٍ (لَمْ يَصِحَّ) وَكَذَا الْمَشْرُوطُ (لَهُ النَّظَرُ عَلَى هَذَا) كَمَا مَرَّ فِي الْوَقْفِ وَذَكَرَهُ فِي الْأَشْبَاهِ ثَمَّةَ وَهُنَا وَفِي السَّاقِطِ لَا يَعُودُ فَرَاجِعْهُ. (الْقِصَصُ الْمَرْفُوعَةُ إلَى الْقَاضِي لَا يُؤَاخَذُ رَافِعُهَا بِمَا كَانَ فِيهَا مِنْ إقْرَارٍ وَتَنَاقُضٍ) لِمَا قَدَّمْنَا فِي الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِمَا فِيهَا (إلَّا إذَا) أَقَرَّ بِلَفْظِهِ صَرِيحًا (قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فِي عِلْمِي أَوْ فِيمَا أَعْلَمُ أَوْ أَحْسِبُ أَوْ أَظُنُّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) خِلَافًا لِلثَّانِي فِي الْأَوَّلِ قُلْنَا: هِيَ لِلشَّكِّ عُرْفًا نَعَمْ لَوْ قَالَ قَدْ عَلِمْت لَزِمَهُ اتِّفَاقًا (قَالَ غَصَبْنَا أَلْفًا) مِنْ فُلَانٍ (ثُمَّ قَالَ كُنَّا عَشَرَةَ أَنْفُسٍ) مَثَلًا (وَادَّعَى الْغَاصِبُ) كَذَا فِي نُسَخِ الْمَتْنِ وَقَدْ عَلِمْت سُقُوطَ ذَلِكَ مِنْ نُسَخِ الشَّرْحِ، وَصَوَابُهُ: وَادَّعَى الطَّالِبُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمَجْمَعِ وَقَالَ شُرَّاحُهُ أَيْ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ (أَنَّهُ هُوَ وَحْدَهُ) غَصَبَهَا (لَزِمَهُ الْأَلْفُ كُلُّهَا) وَأَلْزَمَهُ زُفَرُ بِعُشْرِهَا قُلْنَا: هَذَا الضَّمِيرُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاحِدِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُخْبِرُ بِفِعْلِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ كُنَّا عَشَرَةً رُجُوعًا فَلَا يَصِحُّ نَعَمْ لَوْ قَالَ غَصَبْنَاهُ كُلُّنَا صَحَّ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاحِدِ. . (قَالَ) رَجُلٌ (أَوْصَى أَبِي بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرٍو بَلْ لِبَكْرٍ فَالثُّلُثُ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ شَيْءٌ) وَقَالَ زُفَرُ لِكُلٍّ ثُلُثُهُ وَلَيْسَ لِلِابْنِ شَيْءٌ قُلْنَا نَفَاذُ الْوَصِيَّةِ فِي الثُّلُثِ وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ لِلْأَوَّلِ فَاسْتَحَقَّهُ فَلَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلثَّانِي بِهَا بِخِلَافِ الدَّيْنِ لِنَفَاذِهِ مِنْ الْكُلِّ، الْكُلُّ مِنْ الْمَجْمَعِ. . [فُرُوعٌ] . أَقَرَّ بِشَيْءٍ ثُمَّ ادَّعَى الْخَطَأَ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا إذَا أَقَرَّ الطَّلَاقَ بِنَاءً عَلَى إفْتَاءِ الْمُفْتِي، ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمُ الْوُقُوعِ لَمْ يَقَعْ يَعْنِي دِيَانَةً قُنْيَةٌ. .   [رد المحتار] الْجَوَابُ: نَعَمْ وَيَظْهَرُ لِي مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ مَنَعَ عَنْ اسْتِحْقَاقِهِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ إذَا مَاتَ فَوَلَدُهُ يَأْخُذُ مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ لَهُ لِأَنَّ التَّرْكَ لَا يَزِيدُ عَلَى صَرِيحِ الْمُصَادَقَةِ، وَلِأَنَّ الْوَلَدَ لَمْ يَتَمَلَّكْهُ مِنْ أَبِيهِ وَإِنَّمَا يَتَمَلَّكُهُ مِنْ الْوَاقِفِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ جَعَلَهُ إلَخْ) وَفِي إقْرَارِ الْإِسْمَاعِيلِيَّة فِيمَنْ أَقَرَّتْ بِأَنَّ فُلَانًا يَسْتَحِقُّ رِيعَ مَا يَخُصُّهَا مِنْ وَقْفٍ كَذَا فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ بِمُقْتَضَى أَنَّهَا قَبَضَتْ مِنْهُ مَبْلَغًا مَعْلُومًا فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ بَيْعُ الِاسْتِحْقَاقِ الْمَعْدُومِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ بِالْمَبْلَغِ الْمُعَيَّنِ، وَإِطْلَاقُ قَوْلِهِمْ: لَوْ أَقَرَّ الْمَشْرُوطُ لَهُ الرِّيعُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ فُلَانٌ دُونَهُ يَصِحُّ، وَلَوْ جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ يُقْضَى بِبُطْلَانِهِ، فَإِنَّ الْإِقْرَارَ بِعِوَضٍ مُعَاوَضَةٌ اهـ مُخَلَّصًا. وَفِي الْخَصَّافِ: فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ جَعَلَ أَرْضِهِ مَوْقُوفَةً عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَأَقَرَّ زَيْدٌ بِهَذَا الْإِقْرَارِ يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَعَلَهَا وَقْفًا عَلَيَّ وَعَلَى هَذَا الرَّجُلِ يُشَارِكُهُ الرَّجُلُ فِي الْغَلَّةِ أَبَدًا مَا كَانَ حَيًّا فَإِنْ مَاتَ زَيْدٌ كَانَتْ لِلْمَسَاكِينِ، وَلَمْ يُصَدَّقْ زَيْدٌ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ مَاتَ الْمُقَرُّ لَهُ وَزَيْدٌ فِي الْحَيَاةِ فَالنِّصْفُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ زَيْدٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَالنِّصْفُ لِزَيْدٍ فَإِذَا مَاتَ صَارَتْ الْغَلَّةُ كُلُّهَا لِلْمَسَاكِينِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهَا عَلَى هَذَا الرَّجُلِ وَحْدَهُ فَالْغَلَّةُ كُلُّهَا لِلرَّجُلِ مَا دَامَ زَيْدٌ الْمُقِرُّ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ فَلِلْمَسَاكِينِ وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا يَصْدُقُ عَلَى إبْطَالِ حَقِّهِ نَفْسِهِ مَا دَامَ حَيًّا اهـ مُلَخَّصًا وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُصَادَقَةَ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُقِرِّ لِلُزُومِ الضَّرَرِ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ، وَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُقَرِّ لَهُ عَمَلًا بِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ عَلَى نَفْسِهِ بَقِيَ مَا لَوْ أَقَرَّ جَمَاعَةٌ مُسْتَحِقُّونَ كَثَلَاثَةِ إخْوَةٍ مَثَلًا مَوْقُوفٍ عَلَيْهِمْ سَوِيَّةً، فَتَصَادَقُوا عَلَى أَنَّ زَيْدًا مِنْهُمْ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ، فَإِذَا مَاتَ زَيْدٌ تَبْقَى الْمُصَادَقَةُ وَإِنْ مَاتَ الْمُقِرَّانِ تَبْطُلُ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا تَبْطُلُ فِي حِصَّتِهِ فَقَطْ وَاَلَّذِي يَكْثُرُ وُقُوعُهُ فِي زَمَانِنَا الْمُصَادَقَةُ فِي النَّظَرِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ بُطْلَانُهَا بِمَوْتِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَيَرْجِعُ التَّوْجِيهُ إلَى الْقَاضِي هَذَا مَا ظَهَرَ لَنَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَذَا فِي نُسَخِ الْمَتْنِ) أَيْ بَعْضِهَا وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ. (قَوْلُهُ مِنْ الْكُلِّ) وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلُ إقْرَارُ الْمَرِيضِ. (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى إفْتَاءِ الْمُفْتِي) وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ظَنَّ وُقُوعَ الثَّلَاثِ بِإِفْتَاءِ مَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 626 إقْرَارُ الْمُكْرَهِ بَاطِلٌ إلَّا إذَا أَقَرَّ السَّارِقُ مُكْرَهًا فَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِصِحَّتِهِ ظَهِيرِيَّةٌ. . الْإِقْرَارُ بِشَيْءٍ مُحَالٍ وَبِالدَّيْنِ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ بَاطِلٌ، وَلَوْ بِمَهْرٍ بَعْدَ هِبَتِهَا لَهُ عَلَى الْأَشْبَهِ. نَعَمْ لَوْ ادَّعَى دَيْنًا بِسَبَبٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ، وَأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ يَلْزَمُهُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ. قُلْتُ: وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِبَقَاءِ الدَّيْنِ أَيْضًا فَحُكْمُهُ كَالْأَوَّلِ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى فَتَأَمَّلْ. الْفِعْلُ فِي الْمَرَضِ أَحَطُّ مِنْ فِعْلِ الصِّحَّةِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ إسْنَادِهِ النَّاظِرَ لِغَيْرِهِ بِلَا شَرْطٍ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ فِي الْمَرَضِ لَا فِي الصِّحَّةِ تَتِمَّةٌ وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ:   [رد المحتار] لَيْسَ بِأَهْلٍ، فَأَمَرَ الْكَاتِبُ بِصَكِّ الطَّلَاقِ فَكُتِبَ، ثُمَّ أَفْتَاهُ عَالِمٌ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ لَهُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهَا فِي الدِّيَانَةِ لَكِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُصَدِّقُهُ لِقِيَامِ الصَّكِّ سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِشَيْءٍ مُحَالٍ) كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِأَرْشِ يَدِهِ الَّتِي قَطَعَهَا خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَيَدَاهُ صَحِيحَتَانِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ كَمَا فِي حِيَلِ التَّتَارْخَانِيَّة، وَعَلَى هَذَا أَفْتَيْت بِبُطْلَانِ إقْرَارِ إنْسَانٍ بِقَدْرٍ مِنْ السِّهَامِ لِوَارِثٍ، وَهُوَ أَزْيَدُ مِنْ الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِكَوْنِهِ مُحَالًا شَرْعًا، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مُحَالًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِلَّا فَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ لِهَذَا الصَّغِيرِ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَرْضٌ أَقْرَضَنِيهِ أَوْ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ بَاعَنِيهِ صَحَّ الْإِقْرَارُ كَمَا مَرَّ أَشْبَاهٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: وَبِالدَّيْنِ) قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْعَيْنِ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ صَحِيحٌ مَعَ أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ الْأَعْيَانِ فِي الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَشْبَاهِ؛ وَتَحْقِيقُ الْفَرْقِ فِي رِسَالَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ (قَوْلُهُ: بَعْدَ هِبَتِهَا لَهُ عَلَى الْأَشْبَهِ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْمُحِيطِ: وَهَبَتْ الْمَهْرَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: اشْهَدُوا أَنَّ لَهَا عَلَيَّ مَهْرًا كَذَا فَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْفَقِيهِ، أَنَّ إقْرَارَهُ جَائِزٌ، وَعَلَيْهِ الْمَذْكُورُ إذَا قَبِلَتْ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَصِحُّ بِلَا قَبُولِهَا وَالْأَشْبَهُ أَنْ لَا يَصِحَّ. وَلَا تُجْعَلَ زِيَادَةً بِغَيْرِ قَصْدِ الزِّيَادَةِ عَنْ الْحَمَوِيِّ بَرْهَنَ أَنَّهُ أَبْرَأَنِي عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى ثُمَّ ادَّعَى الْمُدَّعِي ثَانِيًا أَنَّهُ أَقَرَّ لِي بِالْمَالِ بَعْدَ إبْرَائِي فَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَبْرَأَنِي، وَقَبِلْتُ الْإِبْرَاءَ وَقَالَ صَدَّقْته فِيهِ لَا يَصِحُّ الدَّفْعُ يَعْنِي دَعْوَى الْإِقْرَارِ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْهُ يَصِحُّ الدَّفْعُ لِاحْتِمَالِ الرَّدِّ، وَالْإِبْرَاءُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَيَبْقَى الْمَالُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ قَبُولِهِ؛ إذْ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ بَعْدَهُ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ، لَكِنَّ كَلَامَنَا فِي الْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ؛ وَهَذَا فِي الْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّعْوَى. وَفِي الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَوْ قَالَ: أَبْرَأْتُكَ مِمَّا لِي عَلَيْكَ فَقَالَ لَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ قَدْ صَدَقْت فَهُوَ بَرِيءٌ اسْتِحْسَانًا لَا حَقَّ لِي فِي هَذِهِ الدَّارِ فَقَالَ كَانَ لَكَ سُدُسٌ، فَاشْتَرَيْتهَا مِنْك فَقَالَ: لَمْ أَبِعْهُ فَلَهُ السُّدُسُ، وَلَوْ قَالَ خَرَجْتُ عَنْ كُلِّ حَقٍّ لِي فِي هَذِهِ الدَّارِ أَوْ بَرِئْتُ مِنْهُ إلَيْكَ أَوْ أَقْرَرْتُ لَكَ، فَقَالَ الْآخَرُ اشْتَرَيْتَهَا مِنْكَ فَقَالَ لَمْ أَقْبِضْ الثَّمَنَ فَلَهُ الثَّمَنُ اهـ وَفِيهَا عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ وَلَوْ قَالَ: لَا حَقَّ لِي قِيلَ بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَدَيْنٍ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ فُلَانٌ بَرِيءٌ مِمَّا لِي قِبَلَهُ دَخَلَ الْمَضْمُونُ وَالْأَمَانَةُ، وَلَوْ قَالَ هُوَ بَرِيءٌ مِمَّا لِي عَلَيْهِ دُونَ الْمَضْمُونِ دُونَ الْأَمَانَةِ وَلَوْ قَالَ هُوَ بَرِيءٌ مِمَّا لِي عِنْدَهُ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَصْلُهُ أَمَانَةٌ، وَلَا يَبْرَأُ عَنْ الْمَضْمُونِ، وَلَوْ ادَّعَى الطَّالِبُ حَقًّا بَعْدَ ذَلِكَ وَأَقَامَ بَيِّنَةً، فَإِنْ كَانَ أَرَّخَ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخْ فَالْقِيَاسُ أَنْ تُسْمَعَ وَحُمِلَ عَلَى حَقٍّ وَجَبَ بَعْدَهَا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ) وَنَصُّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلَيْنِ صَدَرَ بَيْنَهُمَا إبْرَاءٌ عَامٌّ، ثُمَّ إنَّ رَجُلًا مِنْهُمَا بَعْدَ الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ أَقَرَّ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ مَبْلَغًا مُعَيَّنًا لِلْآخَرِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ أَجَابَ: إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ كَمَا فِي الْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ نَقْلًا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة نَعَمْ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا بِسَبَبٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ وَأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ يَلْزَمُهُ اهـ. وَانْظُرْ مَا فِي إقْرَارِ تَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ لِغَانِمٍ الْبَغْدَادِيِّ (قَوْلُهُ قُلْتُ وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ تَقْيِيدِ اللُّزُومِ بِدَعْوَاهُ بِسَبَبٍ حَادِثٍ، وَقَوْلُهُ: لَوْ أَقَرَّ بِبَقَاءِ الدَّيْنِ أَيْ بِأَنْ قَالَ: مَا أَبْرَأَنِي مِنْهُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِي، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَبِالدَّيْنِ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ هُنَاكَ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِبَقَاءِ الدَّيْنِ) أَيْ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ (قَوْلُهُ: كَالْأَوَّلِ) أَيْ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ (قَوْلُهُ تَتِمَّةٌ) اسْمُ كِتَابٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 627 أَقَرَّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فِي ضَعْفِ مَوْتِهِ ... فَبَيِّنَةُ الْإِيهَابِ مِنْ قَبْلُ تُهْدَرُ وَإِسْنَادُ بَيْعٍ فِيهِ لِلصِّحَّةِ اقْبَلَنْ ... وَفِي الْقَبْضِ مِنْ ثُلْثِ التُّرَاثِ يُقَدَّرُ وَلَيْسَ بِلَا تَشْهَدْ مُقِرًّا نَعُدُّهُ ... وَلَوْ قَالَ لَا تُخْبِرْ فَخُلْفٌ يُسَطَّرُ وَمَنْ قَالَ مِلْكِي ذَا الَّذِي كَانَ مُنْشَأً ... وَمَنْ قَالَ هَذَا مِلْكُ ذَا فَهْوَ مُظْهِرُ وَمَنْ قَالَ لَا دَعْوَى لِي الْيَوْمَ عِنْدَ ذَا ... فَمَا يَدَّعِي مِنْ بَعْدُ مِنْهَا فَمُنْكَرُ. كِتَابُ الصُّلْحِ. مُنَاسَبَتُهُ أَنَّ إنْكَارَ الْمُقِرِّ سَبَبٌ لِلْخُصُومَةِ الْمُسْتَدْعِيَةِ لِلصُّلْحِ (هُوَ) لُغَةً اسْمٌ مِنْ الْمُصَالَحَةِ وَشَرْعًا (عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ) وَيَقْطَعُ الْخُصُومَةَ (وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ) مُطْلَقًا (وَالْقَبُولُ) فِيمَا يَتَعَيَّنُ أَمَّا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ كَالدَّرَاهِمِ فَيَتِمُّ بِلَا قَبُولٍ عِنَايَةٌ وَسَيَجِيءُ. (وَشَرْطُهُ الْعَقْلُ) لَا الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ (فَصَحَّ مِنْ صَبِيٍّ مَأْذُونٍ إنْ عَرَى) صُلْحُهُ (عَنْ ضَرَرٍ بَيِّنٍ وَ) صَحَّ (مِنْ عَبْدٍ مَأْذُونٍ وَمُكَاتَبٍ) لَوْ فِيهِ نَفْعٌ (وَ) شَرْطُهُ أَيْضًا (كَوْنُ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ مَعْلُومًا إنْ كَانَ يَحْتَاجُ   [رد المحتار] قَوْلُهُ أَقَرَّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ) قُيِّدَ بِهِ؛ إذْ لَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ بِأَزْيَدَ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ (قَوْلُهُ: الْإِيهَابِ) أَيْ لَوْ أَقَامَتْ الْوَرَثَةُ الْبَيِّنَةَ وَمِثْلُهُ الْإِبْرَاءُ كَمَا حَقَّقَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ (قَوْلُهُ مِنْ قَبْلُ تُهْدَرُ) أَيْ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ وَهَبَتْ مَهْرَهَا مِنْ زَوْجِهَا فِي حَيَاتِهِ لَا تُقْبَلُ، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ مِنْ بُطْلَانِ الْإِقْرَارِ بَعْدَ الْهِبَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْمَهْرِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ أَنَّ الِاحْتِمَالَ مَوْجُودٌ ثَمَّةَ (قَوْلُهُ وَإِسْنَادُ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى لَوْ أَقَرَّ فِي الْمَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَنَّهُ بَاعَ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ فُلَانٍ فِي صِحَّتِهِ، وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَادَّعَى ذَلِكَ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الْبَيْعِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ إلَّا بِقَدْرِ الثُّلُثِ هَذِهِ مَسْأَلَةُ النَّظْمِ إلَّا أَنَّهُ أَغْفَلَ فِيهِ قَيْدَ تَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي ابْنُ الشِّحْنَةِ مَدَنِيٌّ وَقَدَّمْنَا قَبْلَ نَحْوِ خَمْسَةِ أَوْرَاقٍ عَنْ نُورِ الْعَيْنِ كَلَامًا فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ فِيهِ) أَيْ فِي ضَعْفِ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ مِنْ ثُلُثِ التُّرَاثِ) أَيْ الْمِيرَاثِ (قَوْلُهُ تَشْهَدْ) بِإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ (قَوْلُهُ نَعُدُّهُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَبِالْعَيْنِ وَرَفْعِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ (قَوْلُهُ فَخُلْفٌ) بِرَفْعِ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ قَالَ الْمَقْدِسِيَّ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّ قَوْلَهُ لَا تُخْبِرْ فُلَانًا أَنَّ لَهُ عَلَيَّ أَلْفًا إقْرَارٌ وَزَعَمَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: مُنْشَأٌ) أَيْ كَانَ هِبَةً (قَوْلُهُ مُظْهِرٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ مُقِرٌّ. [كِتَابُ الصُّلْحِ] (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) فِيمَا يَتَعَيَّنُ وَفِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ (قَوْلُهُ: بِلَا قَبُولٍ) لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ وَسَيَجِيءُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ إلَخْ) وَشَرْطُهُ أَيْضًا قَبْضُ بَدَلِهِ إنْ كَانَ دَيْنًا بِدَيْنٍ، وَإِلَّا لَا كَمَا سَيَأْتِي فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ فَرَاجِعْهُ، وَأَوْضَحَهُ فِي الدُّرَرِ هُنَا (قَوْلُهُ: فَصَحَّ مِنْ صَبِيٍّ إلَخْ) وَكَذَا عَنْهُ بِأَنْ صَالَحَ أَبُوهُ عَنْ دَارِهِ وَقَدْ ادَّعَاهَا مُدَّعٍ، وَأَقَامَ الْبُرْهَانَ (قَوْلُهُ لَوْ فِيهِ نَفْعٌ) لَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِيَشْمَلَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَفْعٌ، وَلَا ضَرَرٌ أَوْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ غَيْرُ بَيِّنٍ ط (قَوْلُهُ مَعْلُومًا) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَازِيًا لِلْمَبْسُوطِ: الصُّلْحُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: صُلْحٌ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ فُلُوسٍ فَيَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْقَدْرِ. الثَّانِي: عَلَى بُرٍّ أَوْ كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ مِمَّا لَا حَمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ، فَيَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ قَدْرٍ وَصِفَةٍ؛ إذْ يَكُونُ جَيِّدًا أَوْ وَسَطًا أَوْ رَدِيئًا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ. الثَّالِثُ: عَلَى كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ مِمَّا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَيَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ قَدْرٍ وَصِفَةٍ وَمَكَانِ تَسْلِيمِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي السَّلَمِ. الرَّابِعُ: صُلْحٌ عَلَى ثَوْبٍ، فَيَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ ذَرْعٍ وَصِفَةٍ وَأَجَلٍ إذْ الثَّوْبُ لَا يَكُونُ دَيْنًا إلَّا فِي السَّلَمِ وَهُوَ عُرِفَ مُؤَجَّلًا. الْخَامِسُ صُلْحٌ عَلَى حَيَوَانٍ وَلَا يَجُوزُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 628 إلَى قَبْضِهِ وَ) كَوْنُ (الْمُصَالَحِ عَنْهُ حَقًّا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَلَوْ) كَانَ (غَيْرَ مَالٍ كَالْقِصَاصِ وَالتَّعْزِيرِ مَعْلُومًا كَانَ) الْمُصَالَحُ عَنْهُ (أَوْ مَجْهُولًا لَا) يَصِحُّ (لَوْ) الْمُصَالَحُ عَنْهُ (مِمَّا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ) وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (كَحَقِّ شُفْعَةٍ وَحَدِّ قَذْفٍ وَكَفَالَةٍ بِنَفْسٍ) وَيَبْطُلُ بِهِ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَكَذَا الثَّانِي لَوْ قَبْلَ الرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ لَا حَدَّ زِنًا وَشُرْبٍ مُطْلَقًا. (وَطَلَبُ الصُّلْحِ كَافٍ عَنْ الْقَبُولِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ) كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَطَلَبُ الصُّلْحِ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِلْبَعْضِ، وَهُوَ يَتِمُّ بِالْمُسْقِطِ (وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ كَالْبَيْعِ بَحْرٌ. (وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الْبَرَاءَةِ عَنْ الدَّعْوَى وَوُقُوعُ الْمِلْكِ فِي مُصَالَحٍ عَلَيْهِ) وَعَنْهُ لَوْ مُقِرًّا أَوْ هُوَ صَحِيحٌ مَعَ إقْرَارٍ أَوْ سُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ فَالْأَوَّلُ حُكْمُهُ (كَبَيْعٍ إنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ)   [رد المحتار] إلَّا بِعَيْنِهِ؛ إذْ الصُّلْحُ مِنْ التِّجَارَةِ وَالْحَيَوَانُ لَا يَصْلُحُ دَيْنًا فِيهَا اهـ (قَوْلُهُ إلَى قَبْضِهِ) بِخِلَافِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضِهِ مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ حَقًّا فِي دَارِ رَجُلٍ وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا فِي أَرْضٍ بِيَدِ الْمُدَّعِي فَاصْطَلَحَا عَلَى تَرْكِ الدَّعْوَى جَازَ (قَوْلُهُ: وَالتَّعْزِيرُ) أَيْ إذَا كَانَ حَقًّا لِلْعَبْدِ كَمَا لَا يَخْفَى ح (قَوْلُهُ: أَوْ مَجْهُولًا) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّسْلِيمِ كَتَرْكِ الدَّعْوَى مَثَلًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ عَنْ تَسْلِيمِ الْمُدَّعِي. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا مَعْلُومًا، فَصَالَحَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَبَضَ بَدَلَ الصُّلْحِ وَذَكَرَ فِي آخِرِ الصَّكِّ، وَأَبْرَأَ الْمُدَّعِيَ عَنْ جَمِيعِ دَعَاوَاهُ وَخُصُومَاتِهِ إبْرَاءً صَحِيحًا عَامًّا فَقِيلَ: لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَدْرَ الْمُدَّعَى فِيهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ لِيُعْلَمَ أَنَّ هَذَا الصُّلْحَ وَقَعَ مُعَاوَضَةً أَوْ إسْقَاطًا أَوْ وَقَعَ صَرْفًا شَرَطَ فِيهِ التَّقَابُضَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ لَا وَقَدْ ذَكَرَ قَبْضَ بَدَلِ الصُّلْحِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَجْلِسِ الصُّلْحِ فَمَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِصِحَّةِ الصُّلْحِ، وَأَمَّا الْإِبْرَاءُ فَقَدْ حَصَلَ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمُدَّعِي بِعَيْنٍ لِلْإِبْرَاءِ الْعَامِّ لَا لِلصُّلْحِ اهـ وَتَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ أَوَاخِرَ خِيَارِ الْعَيْبِ (قَوْلُهُ كَحَقِّ شُفْعَةٍ) إذْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ وِلَايَةِ الطَّلَبِ، وَتَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ لَا قِيمَةَ لَهُ، فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهِ (قَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ) هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَبِهَا يُفْتَى كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الصُّغْرَى أَمَّا بُطْلَانُ الْأَوَّلِ فَرِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا فِيهَا أَيْضًا عَنْ الصُّغْرَى (قَوْلُهُ لِلْحَاكِمِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِالصُّلْحِ أَصْلًا، وَهُوَ الَّذِي فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ قَاضِي خَانْ، فَإِنَّهُ قَالَ بَطَلَ الصُّلْحُ وَسَقَطَ الْحَدُّ إنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ إلَى الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَا يَبْطُلُ الْحَدُّ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ بِالْعَفْوِ، لِعَدَمِ الطَّلَبِ حَتَّى لَوْ عَادَ وَطَلَبَ حُدَّ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَطْلُبْ بَعْدُ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) قَبْلَ الرَّفْعِ وَبَعْدَهُ. (قَوْلُهُ وَطَلَبَ الصُّلْحَ) فَاعِلُ طَلَبَ مُسْتَتِرٌ فِيهِ وَالصُّلْحَ مَفْعُولُهُ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ تَكْرَارٌ مَعَ مَا فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ عَلَى ذَلِكَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ هَذِهِ (قَوْلُهُ بِالْمُقْسِطِ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الطَّلَبُ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ ط. (قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ وُقُوعُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَحُكْمُهُ فِي جَانِبِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ وُقُوعُ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمُدَّعِي، سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرًّا أَوْ مُنْكِرًا وَفِي الْمُصَالَحِ عَنْهُ وُقُوعُ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ كَالْمَالِ، وَكَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرًّا بِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ كَالْقِصَاصِ فَالْحُكْمُ وُقُوعُ الْبَرَاءَةِ كَمَا إذَا كَانَ مُنْكِرًا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: وَوُقُوعُ الْمِلْكِ) أَيْ لِلْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ عَلَيْهِ) أَيْ مُطْلَقًا وَلَوْ مُنْكِرًا (قَوْلُهُ كَبَيْعٍ) أَيْ فَتَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ، فَيُنْظَرُ إنْ وَقَعَ عَلَى خِلَافِ جِنْسِ الْمُدَّعِي فَهُوَ بَيْعٌ وَشِرَاءٌ كَمَا ذُكِرَ هُنَا وَإِنْ وَقَعَ عَلَى جِنْسِهِ فَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعِي، فَهُوَ حَطٌّ وَإِبْرَاءٌ وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ فَهُوَ قَبْضٌ وَاسْتِيفَاءٌ، وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَهُوَ فَضْلٌ وَرِبًا اهـ مِنْ الزَّيْلَعِيِّ رَمْلِيٌّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: اُعْتُبِرَ بَيْعًا إنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْجِنْسِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ وَتَمَامُهُ فِيهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 629 وَحِينَئِذٍ (فَتَجْرِي فِيهِ) أَحْكَامُ الْبَيْعِ كَ (الشُّفْعَةِ وَالرَّدِّ بِعَيْبٍ وَخِيَارِ رُؤْيَةٍ وَشَرْطٍ وَيُفْسِدُهُ جَهَالَةُ الْبَدَلِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ لَا جَهَالَةُ) الْمُصَالَحِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ وَتُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الْبَدَلِ (وَمَا اُسْتُحِقَّ مِنْ الْمُدَّعِي) أَيْ الْمُصَالَحِ عَنْهُ (يَرُدُّ الْمُدَّعِي حِصَّتَهُ مِنْ الْعِوَضِ) أَيْ الْبَدَلِ إنْ كُلًّا فَكُلًّا أَوْ بَعْضًا فَبَعْضًا (وَمَا اُسْتُحِقَّ مِنْ الْبَدَلِ يَرْجِعُ) الْمُدَّعِي (بِحِصَّتِهِ مِنْ الْمُدَّعَى) كَمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ، وَهَذَا حُكْمُهَا (وَ) حُكْمُهُ (كَإِجَارَةٍ) إنْ وَقَعَ (الصُّلْحُ) عَنْ مَالٍ (بِمَنْفَعَةٍ) كَخِدْمَةِ عَبْدٍ وَسُكْنَى دَارِ (فَشَرْطُ التَّوْكِيلِ فِيهِ) إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَإِلَّا لَا كَصَبْغِ ثَوْبٍ. (وَيَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَبِهَلَاكِ الْمَحَلِّ فِي الْمُدَّةِ) وَكَذَا لَوْ وَقَعَ عَنْ مَنْفَعَةٍ بِمَالٍ أَوْ بِمَنْفَعَةٍ عَنْ جِنْسٍ آخَرَ ابْنُ كَمَالٍ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْإِجَارَةِ. (وَالْأَخِيرَانِ) أَيْ الصُّلْحُ بِسُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ (مُعَاوَضَةٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي وَفِدَاءُ يَمِينٍ وَقَطْعُ نِزَاعٍ فِي حَقِّ الْآخَرِ) وَحِينَئِذٍ (فَلَا شُفْعَةَ فِي صُلْحٍ عَنْ دَارٍ مَعَ أَحَدِهِمَا) أَيْ مَعَ سُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ لَكِنْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ الْمُدَّعِي فَيُدْلِي بِحُجَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ أَقَامَهَا الشَّفِيعُ عَلَيْهِ وَأَخَذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّ بِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ تَبَيَّنَ أَنَّ الصُّلْحَ كَانَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَنَكَلَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (وَتَجِبُ فِي صُلْحٍ)   [رد المحتار] قَوْلُهُ فَتَجْرِي فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الصُّلْحِ مِنَحٌ فَشَمِلَ الْمُصَالَحَ عَنْهُ وَالْمُصَالَحَ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ صَالَحَ عَنْ دَارٍ بِدَارٍ وَجَبَتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ ط (قَوْلُهُ: وَتُشْتَرَطُ) فِي مَوْضِعِ التَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ: وَيُفْسِدُهُ جَهَالَةُ الْبَدَلِ (قَوْلُهُ مِنْ الْمُدَّعَى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ: إنْ كُلًّا إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ مِنْ بَيَانِيَّةٌ أَوْ تَبْعِيضِيَّةٌ وَكُلٌّ مُرَادٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا ذَكَرْنَا) أَيْ إنْ كُلًّا فَكُلًّا أَوْ بَعْضًا فَبَعْضًا ح (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ) مُقْتَضَى الْمُعَاوَضَةِ أَنَّهُ إذَا اسْتَحَقَّ الثَّمَنَ فَإِنْ مِثْلِيًّا رَجَعَ بِمِثْلِهِ أَوْ قِيَمِيًّا فَبِقِيمَتِهِ وَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ. [فَرْعٌ] . قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِي نَظْمِ الْفِقْهِ: أَخَذَ سَارِقًا مِنْ دَارِ غَيْرِهِ، فَأَرَادَ رَفْعَهُ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ، فَدَفَعَ لَهُ السَّارِقُ مَالًا عَلَى أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ يَبْطُلُ، وَيَرُدُّ الْبَدَلَ إلَى السَّارِقِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَيْسَ لَهُ، وَلَوْ كَانَ الصُّلْحُ مَعَ صَاحِبِ السَّرِقَةِ بَرِئَ مِنْ الْخُصُومَةِ بِأَخْذِ الْمَالِ، وَحَدُّ السَّرِقَةِ لَا يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ خُصُومَةٍ، وَيَصِحُّ الصُّلْحُ اهـ وَفِيهَا أَيْضًا اُتُّهِمَ بِسَرِقَةٍ وَحَبْسٍ فَصَالَحَ؛ ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ الصُّلْحَ، كَانَ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ إنْ فِي حَبْسِ الْوَالِي تَصِحَّ الدَّعْوَى، لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ حُبِسَ ظُلْمًا، وَإِنْ فِي حَبْسِ الْقَاضِي لَا تَصِحُّ، لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ يُحْبَسُ بِحَقٍّ اهـ (قَوْلُهُ: إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ) كَسُكْنَى دَارٍ. (قَوْلُهُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ إنْ عَقَدَهَا لِنَفْسِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَبِهَلَاكِ الْمَحَلِّ) أَيْ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لَوْ وَقَعَ) كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ: فَشَرَطَ التَّوْقِيتَ فِيهِ (قَوْلُهُ عَنْ مَنْفَعَةٍ) يَعْنِي أَنَّهُ يَصِحُّ الصُّلْحُ، فَلَوْ ادَّعَى مَجْرًى فِي دَارٍ أَوْ مَسِيلًا عَلَى سَطْحٍ أَوْ شُرْبًا فِي نَهْرٍ، فَأَقَرَّ أَوْ أَنْكَرَ ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ جَازَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَلَائِيٌّ شَرْحُ مُلْتَقًى كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: عَنْ جِنْسٍ آخَرَ) كَخِدْمَةِ عَبْدٍ عَنْ سُكْنَى دَارٍ. (قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي) فَبَطَلَ الصُّلْحُ عَلَى دَرَاهِمَ بَعْدَ دَعْوَى دَرَاهِمَ إذَا تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ عَنْ دَارٍ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ دَارِهِ فَسَكَتَ الْآخَرُ وَأَنْكَرَ فَصَالَحَ عَنْهَا بِدَفْعِ شَيْءٍ لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَسْتَبْقِي الدَّارَ الْمَمْلُوكَةَ عَلَى نَفْسِهِ بِهَذَا الصُّلْحِ وَيَدْفَعُ خُصُومَةَ الْمُدَّعِي عَنْ نَفْسِهِ، لَا أَنَّهُ يَشْتَرِيهَا، وَزَعْمُ الْمُدَّعِي لَا يَلْزَمُهُ مِنَحٌ ادَّعَيَا أَرْضًا فِي يَدِ رَجُلٍ بِالْإِرْثِ مِنْ أَبِيهِمَا، فَجَحَدَ ذُو الْيَدِ فَصَالَحَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى مِائَةٍ لَمْ يُشَارِكْهُ الْآخَرُ، لِأَنَّ الصُّلْحَ مُعَاوَضَةٌ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي، فِدَاءُ يَمِينٍ فِي زَعْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ مُعَاوَضَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَثْبُتُ لِلشَّرِيكِ حَقُّ الشَّرِكَةِ بِالشَّكِّ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أُبَيّ يُوسُفَ: لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ خَانِيَّةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: وَتَجِبُ) أَيْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي دَارٍ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهَا بِأَنْ تَكُونَ بَدَلًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 630 وَقَعَ (عَلَيْهَا بِأَحَدِهِمَا) أَوْ بِإِقْرَارٍ، لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهَا عَنْ الْمَالِ فَيُؤَاخَذُ بِزَعْمِهِ. (وَمَا اُسْتُحِقَّ مِنْ الْمُدَّعِي رَدَّ الْمُدَّعِي حِصَّتَهُ مِنْ الْعِوَضِ وَرَجَعَ بِالْخُصُومَةِ فِيهِ) فَيُخَاصِمُ الْمُسْتَحِقَّ لِخُلُوِّ الْعِوَضِ عَنْ الْغَرَضِ (وَمَا اُسْتُحِقَّ مِنْ الْبَدَلِ رَجَعَ إلَى الدَّعْوَى فِي كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ) هَذَا إذَا لَمْ يَقَعْ الصُّلْحُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ فَإِنْ وَقَعَ بِهِ رَجَعَ بِالْمُدَّعِي نَفْسِهِ لَا بِالدَّعْوَى؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْمُبَايَعَةِ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِيَّةِ عَيْنِيٌّ وَغَيْرُهُ. (وَهَلَاكُ الْبَدَلِ) كُلًّا أَوْ بَعْضًا (قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعِي (كَاسْتِحْقَاقِهِ) كَذَلِكَ (فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ مَعَ إقْرَارٍ أَوْ سُكُوتٍ وَإِنْكَارٍ وَهَذَا لَوْ الْبَدَلُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ، وَإِلَّا لَمْ يَبْطُلْ بَلْ يَرْجِعُ بِمِثْلِهِ عَيْنِيٌّ. (صَالَحَ عَنْ) كَذَا نُسَخُ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ وَصَوَابُهُ عَلَى (بَعْضِ مَا يَدَّعِيهِ) أَيَّ عَيْنٍ يَدَّعِيهَا لِجَوَازِهِ فِي الدَّيْنِ كَمَا سَيَجِيءُ فَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَارًا فَصَالَحَهُ عَلَى بَيْتٍ مَعْلُومٍ مِنْهَا فَلَوْ مِنْ غَيْرِهَا صَحَّ قُهُسْتَانِيٌّ (لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّ مَا قَبَضَهُ مِنْ عَيْنِ حَقِّهِ، وَإِبْرَاءٌ عَنْ الْبَاقِي، وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ قُهُسْتَانِيٌّ وَحِيلَةُ صِحَّتِهِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (إلَّا بِزِيَادَةِ شَيْءٍ) آخَر كَثَوْبٍ وَدِرْهَمٍ (فِي الْبَدَلِ) فَيَصِيرُ ذَلِكَ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ فِيمَا بَقِيَ (أَوْ) يَلْحَقُ بِهِ (الْإِبْرَاءُ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي)   [رد المحتار] قَوْلُهُ: بِأَحَدِهِمَا) أَيْ الْإِنْكَارِ وَالسُّكُوتِ. (قَوْلُهُ: لِخُلُوِّ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ رَدَّ الْمُدَّعِي حِصَّتَهُ (قَوْلُهُ: رَجَعَ) أَيْ الْمُدَّعِي (قَوْلُهُ: إلَى الدَّعْوَى) إلَّا إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْمُدَّعَى بِهِ، فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ بِمِثْلِ مَا اسْتَحَقَّ وَلَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ كَمَا إذَا ادَّعَى أَلْفًا فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةٍ، وَقَبَضَهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهَا، سَوَاءٌ كَانَ الصُّلْحُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ أَوْ قَبْلَهُ كَمَا لَوْ وَجَدَهَا سَتُّوقَةً أَوْ نَبَهْرَجَةً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَالدَّنَانِيرِ هُنَا إذَا اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ، فَإِنَّ الصُّلْحَ يَبْطُلُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ رَجَعَ بِمِثْلِهَا وَلَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ كَالْفُلُوسِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: رَجَعَ إلَى الدَّعْوَى) إلَّا إذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ مِمَّا لَا يَقْبَلُ النَّقْضَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ كَالْقِصَاصِ وَالْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ فِي كُلِّهِ) إنْ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْعِوَضِ (قَوْلُهُ أَوْ بَعْضَهُ) إنْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ إقْدَامَهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ بِالْمِلْكِيَّةِ) أَيْ لِلْمُدَّعِي بِخِلَافِ الصُّلْحِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لَهُ؛ إذْ الصُّلْحُ قَدْ يَقَعُ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ. (قَوْلُهُ كَاسْتِحْقَاقِهِ) فَيَرْجِعُ بِالْمُدَّعِي أَوْ بِالدَّعْوَى دُرٌّ مُنْتَقًى كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ كَذَلِكَ) أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا. (قَوْلُهُ بَعْضُ مَا يَدَّعِيهِ) أَيْ وَهُوَ قَائِمٌ، وَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا كَانَ هَالِكًا عِنْدَ قَوْلِ الْمَاتِنِ، وَالصُّلْحُ عَنْ الْمَغْصُوبِ الْهَالِكِ وَقَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ بِهَذَا الصُّلْحِ اسْتَوْفَى بَعْضَ حَقِّهِ وَأَبْرَأَ عَنْ الْبَاقِي، وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ اهـ مَدَنِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ يَلْحَقَ) مَنْصُوبٌ بِأَنْ مِثْلَ أَوْ يُرْسِلَ (قَوْلُهُ: عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي) قُيِّدَ بِالْإِبْرَاءِ عَنْ دَعْوَاهُ، لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ عَيْنِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ ابْنُ مَلَكٍ بِأَنْ يَقُولَ: بَرِئْتُ عَنْهَا أَوْ عَنْ خُصُومَتِي فِيهَا أَوْ عَنْ دَعْوَى هَذِهِ الدَّارِ، فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَلَا بَيِّنَتُهُ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ أَبْرَأْتُكَ عَنْهَا أَوْ عَنْ خُصُومَتِي فِيهَا فَإِنَّهُ بَاطِلٌ، وَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَ كَمَا لَوْ قَالَ لِمَنْ بِيَدِهِ عَبْدٌ بَرِئْتُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَبْرَأُ وَلَوْ قَالَ أَبْرَأْتُكَ لَا لِأَنَّهُ إنَّمَا أَبْرَأَهُ عَنْ ضَمَانِهِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَحْكَامِ الدَّيْنِ. قُلْت: فَفَرَّقُوا بَيْنَ أَبْرَأْتُكَ، وَبَرِئْت أَوْ أَنَا بَرِيءٌ لِإِضَافَةِ الْبَرَاءَةِ لِنَفْسِهِ فَتَعُمُّ، بِخِلَافِ أَبْرَأْتُكَ لِأَنَّهُ خِطَابُ الْوَاحِدِ، فَلَهُ مُخَاصَمَةُ غَيْرِهِ كَمَا فِي حَاشِيَتِهَا مَعْزِيًّا للولوالجية شَرْحُ الْمُلْتَقَى. وَفِي الْبَحْرِ: الْإِبْرَاءُ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ، فَإِنْ كَانَ عَنْ الْعَيْنِ بَطَلَ مِنْ حَيْثُ الدَّعْوَى، فَلَهُ الدَّعْوَى بِهَا عَلَى الْمُخَاطَبِ وَغَيْرِهِ، وَيَصِحُّ مِنْ حَيْثُ نَفْيُ الضَّمَانِ، فَإِنْ كَانَ عَنْ دَعْوَاهَا فَإِنْ أَضَافَ الْإِبْرَاءَ إلَى الْمُخَاطَبِ كَأَبْرَأْتُكَ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ أَوْ عَنْ خُصُومَتِي فِيهَا أَوْ عَنْ دَعْوَى فِيهَا لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَى الْمُخَاطَبِ فَقَطْ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ كَقَوْلِهِ: بَرِئْتُ عَنْهَا أَوْ أَنَا بَرِيءٌ فَلَا تُسْمَعُ مُطْلَقًا هَذَا لَوْ عَلَى طَرِيقِ الْخُصُوصِ: أَيْ عَيْنٌ مَخْصُوصَةٌ فَلَوْ عَلَى الْعُمُومِ، فَلَهُ الدَّعْوَى عَلَى الْمُخَاطَبِ وَغَيْرِهِ كَمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 631 لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ الصِّحَّةُ مُطْلَقًا شُرُنْبُلَالِيَّةٌ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَعَزَاهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ لِلْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْجَلَّالِيَّةِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ وَجَعَلَ مَا فِي الْمَتْنِ رِوَايَةَ ابْنِ سِمَاعَةَ وَقَوْلُهُمْ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ مَعْنَاهُ: بَطَلَ الْإِبْرَاءُ عَنْ دَعْوَى الْأَعْيَانِ وَلَمْ يَصِرْ مِلْكًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلِذَا لَوْ ظَفِرَ بِتِلْكَ الْأَعْيَانِ حَلَّ لَهُ أَخْذُهَا لَكِنْ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ فِي الْحُكْمِ، وَأَمَّا الصُّلْحُ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ فَيَصِحُّ وَيَبْرَأُ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي أَيْ قَضَاءً لَا دِيَانَةً فَلِذَا لَوْ ظَفِرَ بِهِ أَخَذَهُ قُهُسْتَانِيٌّ وَتَمَامُهُ فِي أَحْكَامِ الدَّيْنِ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَقَدْ حَقَّقْته فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى. .   [رد المحتار] لَوْ تَبَارَأَ الزَّوْجَانِ عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى، وَلَهُ أَعْيَانٌ قَائِمَةٌ لَهُ الدَّعْوَى بِهَا، لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الدُّيُونِ لَا الْأَعْيَانِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ كَقَوْلِهِ: هُوَ بَرِيءٌ مِمَّا لِي قِبَلَهُ فَهُوَ صَحِيحٌ مُتَنَاوِلٌ لِلدَّيْنِ وَالْعَيْنِ، فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى، وَكَذَا لَا مِلْكَ لِي فِي هَذِهِ الْعَيْنِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ. فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ: لَا أَسْتَحِقُّ قِبَلَهُ حَقًّا مُطْلَقًا وَلَا دَعْوَى يَمْنَعُ الدَّعْوَى بِالْعَيْنِ وَالدَّيْنِ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ لَا حَقَّ لِي قِبَلَهُ يَشْمَلُ كُلَّ عَيْنٍ وَدَيْنٍ فَلَوْ ادَّعَى حَقًّا لَمْ يُسْمَعْ مَا لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ اهـ مَا فِي الْبَحْرِ مُلَخَّصًا، وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَهُ لَا حَقَّ لِي إبْرَاءٌ عَامٌّ لَا إقْرَارٌ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ وُجِدَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ فَلَا يُسْمَعُ دَعْوَى الْبَاقِي ح. (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُمْ) جَوَابُ سُؤَالٍ وَارِدٍ عَلَى كَلَامِ الْمَاتِنِ لَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ إذْ لَا تَعَرُّضَ لِلْإِبْرَاءِ فِيهَا وَمَا تَضَمَّنَهُ الصُّلْحُ إسْقَاطٌ لِلْبَاقِي لَا إبْرَاءٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَنْ دَعْوَى إلَخْ) كَذَا عِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ وَيَجِبُ إسْقَاطُ لَفْظِ دَعْوَى بِقَرِينَةِ الِاسْتِدْرَاكِ الْآتِي. وَنَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ حَوَاشِي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ لِلْحَفِيدِ مَعْنَى قَوْلِنَا: الْبَرَاءَةُ عَنْ الْأَعْيَانِ لَا تَصِحُّ: أَنَّ الْعَيْنَ لَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا أَنْ يَبْقَى الْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ إلَخْ أَبُو السُّعُودِ وَهَذَا أَوْضَحُ مِمَّا هُنَا قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: الْإِبْرَاءُ عَنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ دِيَانَةً لَا قَضَاءً قَالَ فِي الْهَامِشِ وَعِبَارَتُهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى مَعْنَاهُ: أَنَّ الْعَيْنَ لَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، لَا أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى دَعْوَاهُ، بَلْ تَسْقُطُ فِي الْحُكْمِ كَالصُّلْحِ عَنْ بَعْضِ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَبْرَأُ عَنْ بَاقِيهِ فِي الْحُكْمِ لَا فِي الدِّيَانَةِ فَلَوْ ظَفِرَ بِهِ أَخَذَهُ ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَالْبُرْجُنْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَأَمَّا الْإِبْرَاءُ عَنْ دَعْوَى الْأَعْيَانِ فَصَحِيحٌ اهـ مَا فِي الْهَامِشِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْمُلْتَقَى آنِفًا وَفِي الْخُلَاصَةِ: أَبْرَأْتُكَ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ أَوْ عَنْ خُصُومَتِي فِيهَا أَوْ عَنْ دَعْوَايَ فِيهَا فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ حَتَّى لَوْ ادَّعَى بَعْدَهُ تُسْمَعُ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً تُقْبَلُ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الصُّلْحُ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ أَيْ عَيْنٌ يَدَّعِيهَا (قَوْلُهُ: بَعْضِ الدَّيْنِ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الْمُحِيطِ: لَهُ أَلْفٌ فَأَنْكَرَهُ الْمَطْلُوبُ فَصَالَحَهُ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ صَحَّ، وَيَبْرَأُ عَنْ الْبَاقِي قَضَاءً لَا دِيَانَةً، وَلَوْ قَضَاهُ الْأَلْفَ فَأَنْكَرَ الطَّالِبُ فَصَالَحَهُ بِمِائَةٍ صَحَّ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا دِيَانَةً فَيُؤْخَذُ مِنْ هُنَا. وَمِنْ أَنَّ الرِّبَا لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ مَا بَقِيَتْ عَيْنُهُ عَدَمُ صِحَّةِ بَرَاءَةِ عُلَمَاءِ قُضَاةِ زَمَانِنَا مِمَّا يَأْخُذُونَهُ، وَيَطْلُبُونَ الْإِبْرَاءَ فَيُبْرِءُونَهُمْ بَلْ مَا أَخَذُوهُ مِنْ الرِّبَا أَعْرَقُ بِجَامِعِ عَدَمِ الْحِلِّ فِي كُلٍّ. وَاعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ بَرَاءَتِهِ فِي الصُّلْحِ اسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْخَانِيَّةِ مَا لَوْ زَادَ وَأَبْرَأْتُكَ عَنْ الْبَقِيَّةِ سَائِحَانِيٌّ، وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ الصُّلْحُ مِنْ الْإِسْقَاطِ لَيْسَ إبْرَاءً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ لِقَوْلِ أَبْرَأْتُكَ عَنْ الْبَقِيَّةِ (قَوْلُهُ أَيْ قَضَاءً) وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مِنْ الْأَشْبَاهِ) قَالَ فِيهَا عَنْ الْخَانِيَّةِ: الْإِبْرَاءُ عَنْ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ إبْرَاءً عَنْ ضَمَانِهَا، وَتَصِيرُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْغَاصِبِ، وَلَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ مُسْتَهْلَكَةً صَحَّ الْإِبْرَاءُ وَبَرِئَ مِنْ قِيمَتِهَا اهـ. فَقَوْلُهُمْ: الْإِبْرَاءُ عَنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ مَعْنَاهُ: أَنَّهَا لَا تَكُونُ مِلْكًا لَهُ بِالْإِبْرَاءِ، وَإِلَّا فَالْإِبْرَاءُ عَنْهَا لِسُقُوطِ ضَمَانِهَا صَحِيحٌ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْأَمَانَةِ اهـ مُلَخَّصًا: أَيْ أَنَّ الْبُطْلَانَ عَنْ الْأَعْيَانِ مَحَلُّهُ إذَا كَانَتْ الْأَعْيَانُ أَمَانَةً، لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ أَمَانَةً لَا تَلْحَقُهُ عُهْدَتُهَا، فَلَا وَجْهَ لِلْإِبْرَاءِ عَنْهَا تَأَمَّلْ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 632 (وَصَحَّ) الصُّلْحُ (عَنْ دَعْوَى الْمَالِ مُطْلَقًا) وَلَوْ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِمَنْفَعَةٍ (وَ) عَنْ دَعْوَى (الْمَنْفَعَةِ) وَلَوْ بِمَنْفَعَةٍ عَنْ جِنْسٍ آخَر (وَ) عَنْ دَعْوَى (الرِّقِّ وَكَانَ عِتْقًا عَلَى مَالٍ) وَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ لَوْ بِإِقْرَارٍ، وَإِلَّا لَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ دُرَرٌ. قُلْتُ: وَلَا يَعُودُ بِالْبَيِّنَةِ رَقِيقًا وَكَذَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَقَامَ بَيِّنَةً بَعْدَ الصُّلْحِ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعِي، لِأَنَّهُ بِأَخْذِ الْبَدَلِ بِاخْتِيَارِهِ نَزَلَ بَائِعًا فَلْيُحْفَظْ (وَ) عَنْ دَعْوَى الزَّوْجِ (النِّكَاحَ) عَلَى غَيْرِ مُزَوَّجَةٍ (وَكَانَ خُلْعًا) وَلَا يَطِيبُ لَوْ مُبْطِلًا وَيَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ لِعَدَمِ الدُّخُولِ وَلَوْ ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ فَصَالَحَهَا لَمْ يَصِحَّ وِقَايَةٌ وَنُقَايَةٌ وَدُرَرٌ وَمُلْتَقًى، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَالِاخْتِيَارِ وَصَحَّحَ الصِّحَّةَ فِي دُرَرِ الْبِحَارِ. (وَإِنْ قَتَلَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ رَجُلًا عَمْدًا لَمْ يَجُزْ صُلْحُهُ عَنْ نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تِجَارَتِهِ فَلَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى لَكِنْ يَسْقُطُ بِهِ الْقَوَدُ وَيُؤَاخَذُ بِالْبَدَلِ بَعْدَ عِتْقِهِ   [رد المحتار] وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْإِبْرَاءَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْأَعْيَانِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ دَعْوَاهَا وَهُوَ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ مُطْلَقًا، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِنَفْسِهَا فَإِنْ كَانَتْ مَغْصُوبَةً هَالِكَةً صَحَّ أَيْضًا كَالدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً فَمَعْنَى الْبَرَاءَةِ عَنْهَا الْبَرَاءَةُ عَنْ ضَمَانِهَا لَوْ هَلَكَتْ وَتَصِيرُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ مِنْ عَيْنِهَا كَالْأَمَانَةِ لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ أَمَانَةً فَالْبَرَاءَةُ لَا تَصِحُّ دِيَانَةً بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا ظَفِرَ بِهَا مَالِكُهَا أَخَذَهَا وَتَصِحُّ قَضَاءً فَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي دَعْوَاهُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ هَذَا مُلَخَّصُ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا الْمَقَامِ ط وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ يُرْشِدُك إلَى أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ مَعْنَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَمَانَةِ بَقِيَ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا فِي يَدِهِ فَأَنْكَرَ، ثُمَّ أَبْرَأَهُ الْمُدَّعِي عَنْهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الْغَصْبِ لِأَنَّهُ بِالْإِنْكَارِ صَارَ غَاصِبًا، وَهَلْ تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَهُ لَوْ قَائِمَةً الظَّاهِرُ نَعَمْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بِإِقْرَارٍ) أَيْ صَحَّ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ الصُّلْحُ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الصُّلْحُ عَنْهُ بِمَالٍ أَوْ بِمَنْفَعَةٍ وَقَوْلُهُ هُنَا عَنْهُ أَيْ عَنْ الْمَالِ (قَوْلُهُ أَوْ بِمَنْفَعَةٍ) أَيْ وَلَوْ بِمَنْفَعَةٍ (قَوْلُهُ وَعَنْ دَعْوَى الْمَنْفَعَةِ) صُورَةُ دَعْوَى الْمَنَافِعِ: أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى الْوَرَثَةِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى بِخِدْمَةِ هَذَا الْعَبْدِ، وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَحْفُوظَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى اسْتِئْجَارَ عَيْنٍ، وَالْمَالِكُ يُنْكِرُ ثُمَّ صَالَحَ لَمْ يَجُزْ اهـ وَفِي الْأَشْبَاهِ الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْمَنَافِعِ إلَّا دَعْوَى إجَارَةٍ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى اهـ رَمْلِيٌّ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَحْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَنْ جِنْسٍ آخَر) كَالصُّلْحِ عَنْ السُّكْنَى عَلَى خِدْمَةِ الْعَبْدِ، بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ السُّكْنَى عَلَى سُكْنَى، فَلَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْعَيْنِيِّ وَالزَّيْلَعِيِّ: قَالَ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ: لَكِنْ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا ادَّعَى سُكْنَى دَارٍ مُصَالَحَةً عَنْ سُكْنَى دَارٍ أُخْرَى مُدَّةً مَعْلُومَةً جَازَ، وَإِجَارَةُ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى لَا تَجُوزُ قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا يَنْعَقِدَانِ تَمْلِيكًا بِتَمْلِيكٍ اهـ أَبُو السُّعُودِ ذَكَرَهُ ابْنُ مَلَكٍ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَجْمَعِ. قَالَ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ: وَالْمُوَافِقُ لِلْكُتُبِ مَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ عَلَى مَالٍ) أَيْ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي وَفِي حَقِّ الْآخَرِ دَفْعًا لِلْخُصُومَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَوْ بِإِقْرَارٍ) أَيْ مِنْ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعَى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ اسْتِثْنَاءُ مَسْأَلَةٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بِأَخْذِ الْبَدَلِ) بِإِضَافَةِ أَخْذٍ إلَى الْبَدَلِ (قَوْلُهُ عَلَى غَيْرِ مُزَوَّجَةٍ) لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ وَلَيْسَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَا تَجْدِيدُ النِّكَاحِ مَعَ زَوْجِهَا كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَكَانَ خُلْعًا) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَنْقُصُ عَدَدُ الطَّلَاقِ فَيَمْلِكُ عَلَيْهَا طَلْقَتَيْنِ لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدُ، أَمَّا إذَا كَانَ عَنْ إقْرَارٍ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ فَمُعَامَلَةٌ لَهُ بِزَعْمِهِ فَتَدَبَّرْ ط (قَوْلُهُ: لَوْ مُبْطِلًا) هَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الصُّلْحِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ) وَأَطَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ فِي تَرْجِيحِهِ حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ فِي دُرَرِ الْبِحَارِ) وَأَقَرَّهُ فِي شَرْحِهِ غُرَرُ الْأَفْكَارِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْبَحْرِ فَكَانَ فِيهِ اخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ أَوْ ادَّعَتْ مَنْعَ نِكَاحِهِ فَصَالَحَهَا جَازَ وَقِيلَ لَمْ يَجُزْ (قَوْلُهُ عَمْدًا) قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ لِأَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ ط (قَوْلُهُ فَلَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فَإِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 633 (وَإِنْ قَتَلَ عَبْدٌ لَهُ) أَيْ لِلْمَأْذُونِ (رَجُلًا عَمْدًا وَصَالَحَهُ) الْمَأْذُونُ (عَنْهُ جَازَ) لِأَنَّهُ مِنْ تِجَارَتِهِ وَالْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ. (وَالصُّلْحُ عَنْ الْمَغْصُوبِ الْهَالِكِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ جَائِزٌ) كَصُلْحِهِ بِعَرْضٍ (فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْغَاصِبِ بَعْدَهُ) أَيْ الصُّلْحِ عَلَى (أَنَّ قِيمَتَهُ أَقَلُّ مِمَّا صَالَحَ عَلَيْهِ) وَلَا رُجُوعَ لِلْغَاصِبِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِشَيْءٍ (لَوْ تَصَادَقَا بَعْدَهُ أَنَّهَا أَقَلُّ) بَحْرٌ. . (وَلَوْ أَعْتَقَ مُوسِرٌ عَبْدًا مُشْتَرَكًا فَصَالَحَ) الْمُوسِرُ (الشَّرِيكَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ لَا يَجُوزُ) لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ شَرْعًا فَبَطَلَ الْفَضْلُ اتِّفَاقًا (كَالصُّلْحِ فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْأُولَى) عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ (بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْقَاضِي كَالشَّارِعِ. (وَكَذَا لَوْ صَالَحَ بِعَرْضٍ صَحَّ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ مَغْصُوبٍ تَلِفَ) لِعَدَمِ الرِّبَا. (وَ) صَحَّ (فِي) الْجِنَايَةِ (الْعَمْدِ) مُطْلَقًا وَلَوْ فِي نَفْسٍ مَعَ إقْرَارٍ (بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ وَالْأَرْشِ) أَوْ بِأَقَلَّ لِعَدَمِ الرِّبَا، وَفِي الْخَطَأِ كَذَلِكَ لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ لِأَنَّ الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ مُقَدَّرَةٌ حَتَّى لَوْ صَالَحَ بِغَيْرِ مَقَادِيرِهَا صَحَّ   [رد المحتار] أَجَازَهُ صَحَّ سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ عَبْدٌ) فَاعِلُ قَتَلَ (قَوْلُهُ الْمَغْصُوبُ) أَيْ الْقِيَمِيُّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِثْلِيًّا فَهَلَكَ، فَالْمُصَالَحُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمَغْصُوبِ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ جَازَ اتِّفَاقًا، وَقُيِّدَ بِالْهَلَاكِ إذْ لَوْ كَانَ قَبْلَهُ يَجُوزُ اتِّفَاقًا ابْنُ مَلَكٍ، وَسَيَذْكُرُهُ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: غَصَبَ كُرَّ بُرٍّ أَوْ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَصَالَحَ عَلَى نِصْفِهِ فَلَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ هَالِكًا جَازَ الصُّلْحُ وَلَوْ قَائِمًا لَكِنْ غَيَّبَهُ أَوْ أَخْفَاهُ وَهُوَ مُقِرٌّ أَوْ مُنْكِرٌ جَازَ قَضَاءً لَا دِيَانَةً، وَلَوْ حَاضِرًا يَرَاهُ لَكِنْ غَاصِبُهُ مُنْكِرٌ جَازَ كَذَلِكَ، فَلَوْ وَجَدَ الْمَالِكُ بَيِّنَةً عَلَى بَقِيَّةِ مَالِهِ قُضِيَ لَهُ بِهِ وَالصُّلْحُ عَلَى بَعْضِ حَقِّهِ فِي كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ حَالَ قِيَامِهِ بَاطِلٌ وَلَوْ أَقَرَّ بِغَصْبِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيَقْدِرُ مَالِكُهُ عَلَى قَبْضِهِ فَصَالَحَهُ عَلَى نِصْفِهِ عَلَى أَنْ أَبْرَأَهُ مِمَّا بَقِيَ جَازَ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا وَلَوْ صَالَحَهُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَوْبٍ وَدَفَعَهُ جَازَ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إذْ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلثَّوْبِ بِالْمَغْصُوبِ، وَلَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ قِنًّا أَوْ عَرَضًا فَصَالَحَ غَاصِبُهُ مَالِكَهُ عَلَى نِصْفِهِ، وَهُوَ مُغَيِّبُهُ عَنْ مَالِكِهِ وَغَاصِبُهُ مُقِرٌّ أَوْ مُنْكِرٌ لَمْ يَجُزْ؛ إذْ صُلْحُهُ عَلَى نِصْفِهِ إقْرَارٌ بِقِيَامِهِ، بِخِلَافِ كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ؛ إذْ يُتَصَوَّرُ هَلَاكُ بَعْضِهِ دُونَ بَعْضِهِ عَادَةً بِخِلَافِ ثَوْبٍ وَقِنٍّ اهـ (قَوْلُهُ مِنْ قِيمَتِهِ) وَلَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِخِلَافِ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ، فَإِنَّهُ لَمَّا دَخَلَ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ لَمْ يَعُدْ ذَلِكَ فَضْلًا فَلَمْ يَكُنْ رِبًا أَيْ عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ بِالْقِيمَةِ جَائِزٌ) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَظْهَرُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، فَلَا يَكُونُ رِبًا وَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا، لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ فِي الْهَالِكِ لَمْ يَنْقَطِعْ، وَلَمْ يَتَحَوَّلْ إلَى الْقِيمَةِ فَكَانَ صُلْحًا عَنْ الْمَغْصُوبِ لَا عَنْ قِيمَتِهِ (قَوْلُهُ بِعَرَضٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَتُهُ كَقِيمَةِ الْهَالِكِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا الشَّارِحُ هُنَا مَعَ أَنَّهَا سَتَأْتِي مَتْنًا إشَارَةً إلَى أَنَّ مَحَلَّهَا هُنَا ح. (قَوْلُهُ: مُوسِرٌ) قُيِّدَ بِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا يَسْعَى الْعَبْدُ فِي نِصْفِهِ كَمَا فِي مِسْكِينٍ. (قَوْلُهُ وَصَحَّ فِي الْجِنَايَةِ الْعَمْدِ) شَمِلَ مَا إذَا تَعَدَّدَ الْقَاتِلُ أَوْ انْفَرَدَ حَتَّى لَوْ كَانُوا جَمَاعَةً فَصَالَحَ أَحَدَهُمْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّيَةِ جَازَ، وَلَهُ قَتْلُ الْبَقِيَّةِ، وَالصُّلْحُ مَعَهُمْ، لِأَنَّ حَقَّ الْقِصَاصِ ثَابِتٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى سَبِيلِ الِانْفِرَادِ تَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الرِّبَا) لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِصَاصُ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ (قَوْلُهُ كَذَلِكَ) أَيْ وَلَوْ فِي نَفْسٍ مَعَ إقْرَارٍ ح (قَوْلُهُ الزِّيَادَةُ) أَفَادَ صِحَّةَ النَّقْصِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ صَالَحَ) أَفَادَ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا صَالَحَ عَلَى أَحَدِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ وَصَحَّ مِائَةُ بَعِيرٍ أَوْ مِائَتَا شَاةٍ أَوْ مِائَتَا حُلَّةٍ أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ كَمَا فِي الْعَزْمِيَّةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 634 كَيْفَمَا كَانَ بِشَرْطِ الْمَجْلِسِ لِئَلَّا يَكُونَ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَتَعْيِينُ الْقَاضِي أَحَدَهَا يُصَيِّرُ غَيْرَهُ كَجِنْسٍ آخَرَ وَلَوْ صَالَحَ عَلَى خَمْرٍ فَسَدَ فَتَلْزَمُ الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ لِعَدَمِ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ اخْتِيَارٌ. (وَكَّلَ) زَيْدٌ عَمْرًا (بِالصُّلْحِ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ أَوْ عَلَى بَعْضِ دَيْنٍ يَدَّعِيهِ) عَلَى آخَرَ مِنْ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ (لَزِمَ بَدَلُهُ الْمُوَكِّلَ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَكَانَ الْوَكِيلُ سَفِيرًا إلَّا أَنْ يَضْمَنَهُ الْوَكِيلُ) فَيُؤَاخَذُ بِضَمَانِهِ (كَمَا لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ) مِنْ الْوَكِيلِ (عَنْ مَالٍ بِمَالٍ عَنْ إقْرَارٍ) فَيَلْزَمُ الْوَكِيلَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَبَيْعٍ (أَمَّا إذَا كَانَ عَنْ إنْكَارٍ لَا) يَلْزَمُ الْوَكِيلَ مُطْلَقًا بَحْرٌ وَدُرَرٌ. (صَالَحَ عَنْهُ) فُضُولِيٌّ (بِلَا أَمْرٍ صَحَّ إنْ ضَمِنَ الْمَالَ أَوْ أَضَافَ) الصُّلْحَ (إلَى مَالِهِ أَوْ قَالَ عَلَى هَذَا أَوْ كَذَا وَسَلَّمَ) الْمَالَ صَحَّ وَصَارَ مُتَبَرِّعًا فِي الْكُلِّ إلَّا إذَا ضَمِنَ بِأَمْرِهِ عَزْمِي زَادَهْ (وَإِلَّا) يُسَلِّمْ فِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ   [رد المحتار] عَنْ الْكَافِي (قَوْلُهُ بِشَرْطِ الْمَجْلِسِ) أَيْ بِشَرْطِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الصُّلْحُ بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْعِنَايَةِ ح (قَوْلُهُ: أَحَدُهَا) كَالْإِبِلِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: يُصَيِّرُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ فِعْلٌ مُضَارِعٌ (قَوْلُهُ كَجِنْسٍ آخَر) فَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِمِائَةِ بَعِيرٍ فَصَالَحَ الْقَاتِلَ عَنْهَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَهِيَ عِنْدَهُ وَدَفَعَهَا جَازَ، وَتَمَامُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ) أَيْ فِي الْعَمْدِ يَعْنِي يَصِيرُ الصُّلْحُ الْفَاسِدُ فِيمَا يُوجِبُ الْقَوَدَ عَفْوًا عَنْهُ وَكَذَا عَلَى خِنْزِيرٍ أَوْ حُرٍّ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ سَائِحَانِيٌّ؛ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا فَسَدَ بِالْجَهَالَةِ. قَالَ فِي الْمِنَحِ: ثُمَّ إذَا فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ فِي الصُّلْحِ كَمَا لَوْ صَالَحَ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ تَجِبُ الدِّيَةُ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَمْ يَرْضَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ مَجَّانًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا أَوْ سَمَّى الْخَمْرَ وَنَحْوَهُ حَيْثُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَيْ مِنْ أَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا يُتَقَوَّمُ بِالتَّقَوُّمِ، وَلَمْ يُوجَدْ (قَوْلُهُ: مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ) إذْ لَا دِيَةَ فِيهِ بِخِلَافِ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ إذَا بَطَلَ الصُّلْحُ يَرْجِعُ إلَى الدِّيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى) نُسَخِ الْمَتْنِ أَوْ عَنْ (قَوْلُهُ يَدَّعِيهِ عَلَى آخَرَ) الْعِبَارَةُ مَقْلُوبَةٌ وَالصَّوَابُ يَدَّعِيهِ عَلَيْهِ آخَرُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لَزِمَ بَدَلُهُ الْمُوَكِّلَ (قَوْلُهُ فَيُؤَاخَذُ) أَيْ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِهِ، وَكَذَا الصُّلْحُ بِالْخُلْعِ وَكَذَا يَرْجِعُ فِي الصُّورَةِ التَّالِيَةِ لِهَذِهِ كَمَا فِي الْمَقْدِسِيَّ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَلْزَمُ الْوَكِيلَ) أَيْ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَبَيْعٍ) وَالْحُقُوقُ فِيهِ تَرْجِعُ إلَى الْمُبَاشِرِ فَكَذَا مَا كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ أَوْ لَا ح. (قَوْلُهُ صَالَحَ عَنْهُ فُضُولِيٌّ إلَخْ) هَذَا فِيمَا إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمُصَالَحِ عَنْهُ لِمَا فِي آخِرِ تَصَرُّفَاتِ الْفُضُولِيِّ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَالْفُضُولِيُّ إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ يَلْزَمُهُ الْبَدَلُ، وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْهُ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى مَالِ نَفْسِهِ، وَلَا إلَى ذِمَّةِ نَفْسِهِ، وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْ الْغَيْرِ اهـ (قَوْلُهُ: وَسَلَّمَ) أَيْ فِي الْأَخِيرَةِ (قَوْلُهُ صَحَّ) مُكَرَّرٌ بِمَا فِي الْمَتْنِ. وَفِي الدُّرَرِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْحَاصِلَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَرَاءَةُ وَفِي حَقِّهَا الْأَجْنَبِيُّ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَوَاءٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفُضُولِيُّ أَصِيلًا إذَا ضَمِنَ كَالْفُضُولِيِّ بِالْخُلْعِ إذَا ضَمِنَ الْبَدَلَ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إذَا أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ، فَقَدْ الْتَزَمَ تَسْلِيمَهُ فَصَحَّ الصُّلْحُ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ إذَا عَيَّنَهُ لِلتَّسْلِيمِ، فَقَدْ اشْتَرَطَ لَهُ سَلَامَةَ الْعِوَضِ، فَصَارَ الْعَقْدُ تَامًّا بِقَبُولِهِ، وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِأَنَّ دَلَالَةَ التَّسْلِيمِ عَلَى رِضَا الْمُدَّعِي فَوْقَ دَلَالَةِ الضَّمَانِ، وَالْإِضَافَةُ لِنَفْسِهِ عَلَى رِضَاهُ اهـ بِاخْتِصَارٍ (قَوْلُهُ: فِي الْكُلِّ) فَلَوْ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ فِي الْوُجُوهِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ أَوْ وَجَدَهُ زُيُوفًا أَوْ سَتُّوقَةً لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُصَالِحِ، لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ الْتَزَمَ تَسْلِيمَ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَلْتَزِمْ الْإِيفَاءَ عَنْ غَيْرِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِالدَّعْوَى، لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِتَرْكِ حَقِّهِ مَجَّانًا إلَّا فِي صُورَةِ الضَّمَانِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُصَالِحِ، لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ التَّسْلِيمِ يُجْبَرُ عَلَيْهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ بِأَمْرِهِ) فَيَرْجِعُ عَلَى الْمُصَالَحِ عَنْهُ إنْ كَانَ الصُّلْحُ بِأَمْرِهِ بَزَّازِيَّةٌ فَتَقْيِيدُ الضَّمَانِ اتِّفَاقِيٌّ، وَفِيهَا الْأَمْرُ بِالصُّلْحِ وَالْخُلْعِ أَمْرٌ بِالضَّمَانِ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ صِحَّتِهِمَا عَلَى الْأَمْرِ فَيُصْرَفُ الْأَمْرُ إلَى إثْبَاتِ حَقِّ الرُّجُوعِ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ اهـ (قَوْلُهُ عَزْمِيٌّ) لَمْ أَجِدْهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا يُسَلِّمْ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: وَإِلَّا يُوجَدْ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 635 (فَهُوَ مَوْقُوفٌ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَازَ وَلَزِمَهُ) الْبَدَلُ (وَإِلَّا بَطَلَ وَالْخُلْعُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ) الْخَمْسَةِ (كَالصُّلْحِ) . (ادَّعَى وَقَفِيَّةَ دَارِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَصَالَحَهُ الْمُنْكِرُ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ جَازَ وَطَابَ لَهُ) الْبَدَلُ (لَوْ صَادِقًا فِي دَعْوَاهُ وَقِيلَ) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ (لَا) يَطِيبُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَعْنًى، وَبَيْعُ الْوَقْفِ لَا يَصِحُّ. (كُلُّ صُلْحٍ بَعْدَ صُلْحٍ فَالثَّانِي بَاطِلٌ وَكَذَا) النِّكَاحُ بَعْدَ النِّكَاحِ وَالْحَوَالَةُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ وَ (الصُّلْحُ بَعْدَ الشِّرَاءِ) وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ أُعِيدَ فَالثَّانِي بَاطِلٌ إلَّا فِي ثَلَاثٍ مَذْكُورَةٍ فِي بُيُوعِ الْأَشْبَاهِ الْكَفَالَةُ وَالشِّرَاءُ وَالْإِجَارَةُ فَلْتُرَاجَعْ (أَقَامَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بَيِّنَةً بَعْدَ الصُّلْحِ عَنْ إنْكَارِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ قَالَ قَبْلَهُ) قَبْلَ الصُّلْحِ (لَيْسَ لِي قِبَلَ فُلَانٍ حَقٌّ فَالصُّلْحُ مَاضٍ) عَلَى الصِّحَّةِ. (وَلَوْ قَالَ) الْمُدَّعِي (بَعْدَهُ مَا كَانَ لِي قِبَلَهُ) قِبَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (حَقٌّ بَطَلَ) الصُّلْحُ بَحْرٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ مُقَيِّدٌ   [رد المحتار] مِنْ الصُّوَرِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ الدُّرَرِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَهُوَ مَوْقُوفٌ) هَذِهِ صُورَةٌ خَامِسَةٌ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْجَوَازِ وَالْبُطْلَانِ وَوَجْهُ الْحَصْرِ كَمَا فِي الدُّرَرِ أَنَّ الْفُضُولِيَّ إمَّا أَنْ يَضْمَنَ الْمَالَ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ فَإِمَّا أَنْ يُضِيفَ إلَى مَالِهِ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ فَإِمَّا أَنْ يُشِيرَ إلَى نَقْدٍ أَوْ عَرَضٍ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يُشِرْ فَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْعِوَضَ أَوْ لَا فَالصُّلْحُ جَائِزٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إلَّا الْأَخِيرَ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَضْمَنْ الْبَدَلَ، وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى مَالِهِ وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَلَمْ يُسَلِّمْ إلَى الْمُدَّعِي حَيْثُ لَا يُحْكَمُ بِجَوَازِهِ بَلْ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ إذْ لَمْ يُسَلَّمْ لِلْمُدَّعِي عِوَضٌ اهـ وَجَعَلَ الصُّوَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَرْبَعًا، وَأَلْحَقَ الْمُشَارَ بِالْمُضَافِ (قَوْلُهُ الْخَمْسَةِ) الَّتِي خَامِسَتُهَا قَوْلُهُ وَإِلَّا بَطَلَ أَوْ الَّتِي خَامِسَتُهَا قَوْلُهُ وَإِلَّا فَهُوَ مَوْقُوفٌ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ عَلَى هَذَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ سَابِقًا فِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ. (قَوْلُهُ فِي دَعْوَاهُ) فِيهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ صَادِقًا فِي دَعْوَاهُ كَيْفَ يَطِيبُ لَهُ وَفِي زَعْمِهِ أَنَّهَا وَقْفٌ، وَبَدَلُ الْوَقْفِ حَرَامٌ تَمَلُّكُهُ مِنْ غَيْرِ مُسَوِّغٍ فَأَخْذُهُ مُجَرَّدُ رِشْوَةٍ لِيَكُفَّ دَعْوَاهُ، فَكَانَ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَادِقًا وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهُ لِيَكُفَّ دَعْوَاهُ لَا لِيُبْطِلَ وَقْفِيَّتَهُ، وَعَسَى أَنْ يُوجَدَ مُدَّعٍ آخَرُ ط. قُلْت: أَطْلَقَ فِي أَوَّلِ وَقْفِ الْحَامِدِيَّةِ الْجَوَابَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَالَ: لِأَنَّ الْمُصَالِحَ يَأْخُذُ بَدَلَ الصُّلْحِ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ عَلَى زَعْمِهِ فَيَصِيرُ كَالْمُعَاوَضَةِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ الْوَقْفَ. فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ فَهَاهُنَا إنْ كَانَ الْوَقْفُ ثَابِتًا فَالِاسْتِبْدَالُ بِهِ لَا يَجُوزُ وَإِلَّا فَهَذَا يَأْخُذُ بَدَلَ الصُّلْحِ لَا عَنْ حَقٍّ ثَابِتٍ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَلَى حَالٍ كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى اهـ ثُمَّ نَقَلَ الْحَامِدِيُّ مَا هُنَا ثُمَّ قَالَ فَتَأَمَّلْ اهـ وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَنْ النَّهْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ بِخِلَافِ بَيْعِ قِنٍّ ضُمَّ إلَى مُدَبَّرٍ. (قَوْلُهُ كُلُّ صُلْحٍ بَعْدَ صُلْحٍ) الْمُرَادُ الصُّلْحُ الَّذِي هُوَ إسْقَاطٌ أَمَّا لَوْ اصْطَلَحَا عَلَى عِوَضٍ ثُمَّ عَلَى عِوَضٍ آخَرَ فَالثَّانِي هُوَ الْجَائِزُ وَانْفَسَخَ الْأَوَّلُ كَالْبَيْعِ نُورُ الْعَيْنِ عَنْ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ: فَالثَّانِي بَاطِلٌ) قَالَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا النِّكَاحُ إلَخْ) وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي الْفَصْلِ الْعَاشِرِ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ النِّكَاحِ) وَفِيهِ خِلَافٌ فَقِيلَ: تَجِبُ التَّسْمِيَةُ الثَّانِيَةُ، وَقِيلَ: كُلٌّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: وَالْحَوَالَةُ إلَخْ) بِأَنْ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفٌ فَأَحَالَ عَلَيْهِ بِهَا شَخْصًا ثُمَّ أَحَالَ عَلَيْهِ بِهَا شَخْصًا آخَرَ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ) أَيْ بَعْدَمَا اشْتَرَى الْمُصَالَحُ عَنْهُ (قَوْلُهُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ) . قُلْت: زَادَ فِي الْفُصُولَيْنِ الشِّرَاءَ بَعْدَ الصُّلْحِ (قَوْلُهُ: الْكَفَالَةُ) أَيْ لِزِيَادَةِ التَّوَثُّقِ أَشْبَاهٌ (قَوْلُهُ: وَالشِّرَاءُ) أَطْلَقَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَقَيَّدَهُ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنْ يَكُونَ الثَّانِي أَكْثَرَ ثَمَنًا مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ أَشْبَاهٌ (قَوْلُهُ وَالْإِجَارَةُ إلَخْ) أَيْ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ فَهِيَ نَسْخٌ لِلْأُولَى أَشْبَاهٌ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ لِي قِبَلَ) بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ (قَوْلُهُ مَا كَانَ لِي قِبَلَهُ) بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ أَيْضًا (قَوْلُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ) نَصُّهُ وَفِي الْعِمَادِيَّةِ ادَّعَى فَأَنْكَرَ فَصَالَحَهُ ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَهُ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَطَلَ الصُّلْحُ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 636 لِإِطْلَاقِ الْعِمَادِيَّةِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ بِجِهَةٍ أُخْرَى لَمْ يَبْطُلْ فَيُحَرَّرُ. (وَالصُّلْحُ عَنْ الدَّعْوَى الْفَاسِدَةِ يَصِحُّ، وَعَنْ الْبَاطِلَةِ لَا) وَالْفَاسِدَةُ مَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا بَحْرٌ وَحَرَّرَ فِي الْأَشْبَاهِ أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ إنْكَارٍ بَعْدَ دَعْوَى فَاسِدَةٍ فَاسِدٌ لَا فِي دَعْوَى بِمَجْهُولٍ فَجَائِزٌ فَلْيُحْفَظْ (وَقِيلَ: اشْتِرَاطُ صِحَّةِ الدَّعْوَى لِصِحَّةِ الصُّلْحِ غَيْرُ صَحِيحٍ مُطْلَقًا) فَيَصِحُّ الصُّلْحُ مَعَ بُطْلَانِ الدَّعْوَى كَمَا اعْتَمَدَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ آخِرَ الْبَابِ وَأَقَرَّهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَغَيْرُهُ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا مَرَّ فَرَاجِعْهُ (وَصَحَّ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى حَقِّ الشُّرْبِ   [رد المحتار] أَقُولُ: يَجِبُ أَنْ يُقَيَّدَ قَوْلُهُ ثُمَّ ظَهَرَ بِغَيْرِ الْإِقْرَارِ قَبْلَ الصُّلْحِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُخْتَصَرِ، وَبِهِ صَرَّحَ مَوْلَانَا صَاحِبُ الْبَحْرِ ح، وَلَا يَخْفَى أَنَّ عِلَّةَ مُضِيِّ الصُّلْحِ عَلَى الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَدَمُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنَاقُصِ، فَلَا يَظْهَرُ حِينَئِذٍ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَلَمْ تَشْمَلْهَا عِبَارَةُ الْعِمَادِيَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: عَنْ دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ) وَنَصُّهَا: وَفِي الْمُنْتَقَى ادَّعَى ثَوْبًا وَصَالَحَ، ثُمَّ بَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ إنْ عَلَى إقْرَارِهِ قَبْلَ الصُّلْحِ فَالصُّلْحُ صَحِيحٌ وَإِنْ بَعْدَ الصُّلْحِ يَبْطُلُ الصُّلْحُ، وَإِنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ إقْرَارَهُ بِعَدَمِ حَقِّهِ وَلَوْ قَبْلَ الصُّلْحِ يَبْطُلُ الصُّلْحُ وَعِلْمُهُ بِالْإِقْرَارِ السَّابِقِ كَإِقْرَارِهِ بَعْدَ الصُّلْحِ هَذَا إذَا اتَّحَدَ الْإِقْرَارُ بِالْمِلْكِ بِأَنْ قَالَ لَا حَقَّ لِي بِجِهَةِ الْمِيرَاثِ ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ مِيرَاثٌ لِي عَنْ أَبِي فَأَمَّا غَيْرُهُ إذَا ادَّعَى مِلْكًا لَا بِجِهَةِ الْإِرْثِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِعَدَمِ الْحَقِّ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ بِأَنْ قَالَ حَقِّي بِالشِّرَاءِ أَوْ بِالْهِبَةِ لَا يَبْطُلُ اهـ (قَوْلُهُ: فَيُحَرَّرُ) مَا قَالَهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَحْرِيرٍ، لِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ مُفِيدٌ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ تَحْرِيرَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَقْيِيدِ مَا فِي الْعِمَادِيَّةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ كَمَا عَلِمْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَالْفَاسِدَةُ) مِثَالُ الدَّعْوَى الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا لَوْ ادَّعَى أَمَةً فَقَالَتْ: أَنَا حُرَّةُ الْأَصْلِ فَصَالَحَهَا عَنْهُ، فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ بَطَلَ الصُّلْحُ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ هَذِهِ الدَّعْوَى بَعْدَ ظُهُورِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ. وَمِثَالُ الدَّعْوَى الَّتِي يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا: لَوْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهَا كَانَتْ أَمَةَ فُلَانٍ أَعْتَقَهَا عَامَ أَوَّلٍ وَهُوَ يَمْلِكُهَا بَعْدَمَا ادَّعَى شَخْصٌ أَنَّهَا أَمَتُهُ لَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَقْتَ الصُّلْحِ بِأَنْ يَقُولَ إنَّ فُلَانًا الَّذِي أَعْتَقَك كَانَ غَصَبَكِ مِنِّي حَتَّى لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى تُسْمَعُ حَمَوِيٌّ مَدَنِيٌّ وَقَوْلُهُ هُنَا وَهُوَ يَمْلِكُهَا جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَحَرَّرَ إلَخْ) هَذَا التَّحْرِيرُ غَيْرُ مُحَرَّرٍ وَرَدَّهُ الرَّمْلِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ فَتْوَى أَئِمَّةِ خُوَارِزْمَ أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ دَعْوَى فَاسِدَةٍ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا لَا يَصِحُّ وَاَلَّتِي يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا كَمَا إذَا تَرَكَ ذِكْرَ أَحَدِ الْحُدُودِ يَصِحُّ اهـ وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ الَّذِي اعْتَمَدَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُ فَكَانَ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إلَخْ) الْأَخْصَرُ أَنْ يُقَالَ: وَقِيلَ: يَصِحُّ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ آخِرَ الْبَابِ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ عِبَارَتَهُ هَكَذَا وَمِنْ الْمَسَائِلِ الْمُهِمَّةِ أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصُّلْحِ صِحَّةُ الدَّعْوَى أَمْ لَا فَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُونَ يُشْتَرَطُ لَكِنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى حَقًّا مَجْهُولًا فِي دَارٍ فَصُولِحَ عَلَى شَيْءٍ يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ الْحُقُوقِ وَالِاسْتِحْقَاقِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ دَعْوَى الْحَقِّ الْمَجْهُولِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَفِي الذَّخِيرَةِ مَسَائِلُ تُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا: أَيْ فَالْمُتَبَادَرُ أَنَّهُ أَرَادَ الْفَاسِدَةَ بِدَلِيلِ التَّمْثِيلِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا بِتَعَيُّنِ الْحَقِّ الْمَجْهُولِ وَقْتَ الصُّلْحِ، وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَلَى الْمِنَحِ بَعْدَ نَقْلِهِ عِبَارَتَهُ:. أَقُولُ: هَذَا لَا يُوجِبُ كَوْنَ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ كَالْفَاسِدَةِ؛ إذْ لَا وَجْهَ لِصِحَّةِ الصُّلْحِ عَنْهَا كَالصُّلْحِ عَنْ دَعْوَى حَدٍّ أَوْ رِبًا وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ، وَأُجْرَةِ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ إلَخْ وَكَذَا ذَكَرَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْفُصُولَيْنِ نَقْلًا عَنْ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ ذِكْرِهِ عِبَارَةَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ قَالَ مَا نَصُّهُ فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ الْقَوْلَ بِاشْتِرَاطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لِصِحَّةِ الصُّلْحِ ضَعِيفٌ اهـ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 637 وَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَحَقِّ وَضْعِ الْجُذُوعِ عَلَى الْأَصَحِّ) الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ نَحْوَ الشَّخْصِ فِي أَيِّ حَقٍّ كَانَ فَافْتَدَى الْيَمِينَ بِدَرَاهِمَ جَازَ حَتَّى فِي دَعْوَى التَّعْزِيرِ مُجْتَبَى بِخِلَافِ دَعْوَى حَدٍّ وَنَسَبٍ دُرَرٌ. (الصُّلْحُ إنْ كَانَ بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ) بِأَنْ كَانَ دِينَارٌ بِعَيْنٍ (يُنْتَقَضُ بِنَقْضِهِمَا) أَيْ بِفَسْخِ الْمُتَصَالِحَيْنِ (وَإِنْ كَانَ لَا بِمَعْنَاهَا) أَيْ الْمُعَاوَضَةِ بَلْ اسْتِيفَاءُ الْبَعْضِ، وَإِسْقَاطُ الْبَعْضِ (فَلَا) تَصِحُّ إقَالَتُهُ وَلَا نَقْضُهُ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ قُنْيَةٌ وَصَيْرَفِيَّةٌ فَلْيُحْفَظْ. . (وَلَوْ صَالَحَ عَنْ دَعْوَى دَارٍ عَلَى سُكْنَى بَيْتٍ مِنْهَا أَبَدًا أَوْ صَالَحَ عَلَى دَرَاهِمَ إلَى الْحَصَادِ أَوْ صَالَحَ مَعَ الْمُودِعِ بِغَيْرِ دَعْوَى الْهَلَاكِ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ سِرَاجِيَّةٌ قُيِّدَ بِعَدَمِ دَعْوَى الْهَلَاكِ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ وَصَالَحَهُ قَبْلَ الْيَمِينِ صَحَّ بِهِ يُفْتَى خَانِيَّةٌ. (وَيَصِحُّ) الصُّلْحُ (بَعْدَ حَلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَفْعًا لِلنِّزَاعِ)   [رد المحتار] قَوْلُهُ: وَحَقُّ الشُّفْعَةِ) أَيْ دَعْوَى حَقِّهَا لِدَفْعِ الْيَمِينِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ حَقِّهَا الثَّابِتِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ دِينَارٌ بِعَيْنٍ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِدَيْنٍ (قَوْلُهُ وَصَيْرَفِيَّةٌ) الْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى الْعَزْوِ إلَى الْقُنْيَةِ، لِأَنَّهُ فِي الصَّيْرَفِيَّةِ نَقَلَ الْخِلَافَ فِي الصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا مُطْلَقًا وَأَمَّا فِي الْقُنْيَةِ فَقَدْ حَكَى الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ وَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِمَا هُنَا فَقَالَ الصَّوَابُ أَنَّ الصُّلْحَ إنْ كَانَ إلَخْ (قَوْلُهُ عَلَى سُكْنَى بَيْتٍ) قُيِّدَ بِالسُّكْنَى لِأَنَّهُ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى بَيْتٍ مِنْهَا (أَيْ الدَّارِ) كَانَ وَجْهُ عَدَمِ الصِّحَّةِ كَوْنَهُ جُزْءًا مِنْ الْمُدَّعِي بِنَاءً عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَتْنِ سَابِقًا، وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ أَبَدًا وَمِثْلُهُ حَتَّى يَمُوتَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ الْمُدَّةَ يَصِحُّ لِأَنَّهُ صُلْحٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْإِجَارَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْقِيتِ كَمَا مَرَّ وَقَدْ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ عَلَى بَعْضِ الْمُحَشِّينَ (قَوْلُهُ: إلَى الْحَصَادِ) لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَعْنًى فَتَضُرُّ جَهَالَةُ الْأَجَلِ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ دَعْوَى) أَيْ الدَّعْوَى مِنْ الْمُودِعِ. (قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ الصُّلْحُ) أَيْ لَوْ ادَّعَى مَالًا فَأَنْكَرَ وَحَلَفَ ثُمَّ ادَّعَاهُ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ فَأَنْكَرَ فَصُولِحَ صَحَّ وَلَا ارْتِبَاطَ لِهَذِهِ بِمَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ قَالَ الْمُودَعُ ضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ رَدَدْتُهَا وَأَنْكَرَ رَبُّهَا الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ صُدِّقَ الْمُودَعُ بِيَمِينِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَلَوْ صَالَحَ رَبَّهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنْ يَدَّعِيَ رَبُّهَا الْإِيدَاعَ وَجَحَدَهُ الْمُودَعُ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ جَازَ اتِّفَاقًا. الثَّانِي: أَنْ يَدَّعِيَ الْوَدِيعَةَ وَطَالَبَهُ بِالرَّدِّ فَأَقَرَّ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةِ وَسَكَتَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، وَرَبُّ الْمَالِ يَدَّعِي عَلَيْهِ الِاسْتِهْلَاكَ ثُمَّ صَالَحَ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ جَازَ أَيْضًا وِفَاقًا. الثَّالِثُ: أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ الِاسْتِهْلَاكَ، وَهُوَ يَدَّعِي الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى مَعْلُومٍ جَازَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ آخِرًا وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَبِهِ يُفْتَى، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ بَعْدَمَا حَلَفَ أَنَّهُ رَدَّ الْوَدِيعَةَ أَوْ هَلَكَتْ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ إنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ صَالَحَ قَبْلَ الْيَمِينِ. الرَّابِعُ: أَنْ يَدَّعِيَ الْمُودَعُ الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ، وَرَبُّ الْمَالِ سَكَتَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ قَالَ الْمُودَعُ بَعْدَ الصُّلْحِ: كُنْتُ قُلْتُ قَبْلَ الصُّلْحِ: إنَّهَا هَلَكَتْ أَوْ رَدَدْتهَا فَلَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ مَا قُلْت، فَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ وَلَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ خَانِيَّةٌ، هَذَا مَا رَأَيْتُهُ فِي الْخَانِيَّةِ بِنَوْعِ اخْتِصَارٍ وَرَأَيْتُهُ فِي غَيْرِهَا مَعْزُوًّا إلَيْهَا كَذَلِكَ، وَنَقَلَهَا فِي الْمِنَحِ لَكِنْ سَقَطَ مِنْ عِبَارَتِهِ شَيْءٌ اخْتَلَّ بِهِ الْمَعْنَى، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ جَازَ الصُّلْحُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ وَبَقِيَ خَامِسَةٌ ذَكَرَهَا الْمَقْدِسِيَّ: وَهِيَ ادَّعَى رَبُّهَا الِاسْتِهْلَاكَ، فَسَكَتَ فَصُلْحُهُ جَائِزٌ لَكِنْ هَذَا هُوَ الثَّانِي فِي الْخَانِيَّةِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ وَالشَّارِحِ غَيْرُ مُحَرَّرٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِغَيْرِ دَعْوَى الْهَلَاكِ شَامِلٌ لِلْجُحُودِ وَالسُّكُوتِ وَدَعْوَى الرَّدِّ، وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَأَحَدُ شِقَّيْ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي جَائِزٌ اتِّفَاقًا، وَلَا يَجُوزُ فِي أَحَدِ شِقَّيْ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ عَلَى الرَّاجِحِ. وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ دَعْوَى الرَّدِّ أَوْ الْهَلَاكِ بِإِسْقَاطِ " غَيْرِ " وَالتَّعْبِيرِ بِبَعْدَ وَزِيَادَةِ الرَّدِّ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْوَجْهُ الثَّالِثُ بِنَاءً عَلَى الْمُفْتَى بِهِ، وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِتَقْدِيمِ صَاحِبِ الْخَانِيَّةِ إيَّاهُ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 638 بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَلَوْ بَرْهَنَ الْمُدَّعِي بَعْدَهُ عَلَى أَصْلِ الدَّعْوَى لَمْ تُقْبَلْ إلَّا فِي الْوَصِيِّ عَنْ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى إنْكَارٍ إذَا صَالَحَ عَلَى بَعْضِهِ ثُمَّ وَجَدَ الْبَيِّنَةَ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ وَلَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ، فَأَقَامَهَا تُقْبَلُ، وَلَوْ طَلَبَ يَمِينَهُ لَا يَحْلِفُ أَشْبَاهٌ (وَقِيلَ لَا) جَزَمَ بِالْأَوَّلِ فِي الْأَشْبَاهِ، وَبِالثَّانِي فِي السِّرَاجِيَّةِ وَحَكَاهُمَا فِي الْقُنْيَةِ مُقَدِّمًا لِلْأَوَّلِ. (طَلَبُ الصُّلْحِ وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّعْوَى لَا يَكُونُ إقْرَارًا) بِالدَّعْوَى عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَخَالَفَهُمْ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ بَزَّازِيَّةٌ (بِخِلَافِ) (طَلَبِ الصُّلْحِ) عَنْ الْمَالِ (وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الْمَالِ) فَإِنَّهُ إقْرَارٌ أَشْبَاهٌ. (صَالَحَ عَنْ عَيْبٍ) أَوْ دَيْنٍ (وَظَهَرَ عَدَمُهُ) أَوْ زَالَ الْعَيْبُ (بَطَلَ الصُّلْحُ) وَيَرُدُّ مَا أَخَذَهُ أَشْبَاهٌ وَدُرَرٌ. فَصْلٌ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ (الصُّلْحُ الْوَاقِعُ عَلَى بَعْضِ جِنْسِ مَالِهِ عَلَيْهِ) مِنْ دَيْنٍ أَوْ غَصْبٍ (أَخْذٌ لِبَعْضِ حَقِّهِ وَحَطٌّ لِبَاقِيهِ لَا مُعَاوَضَةٌ لِلرِّبَا) وَحِينَئِذٍ (فَصَحَّ الصُّلْحُ بِلَا اشْتِرَاطِ قَبْضِ بَدَلِهِ عَنْ أَلْفٍ حَالٍّ عَلَى مِائَةٍ حَالَّةٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ وَعَنْ أَلْفٍ جِيَادٍ عَلَى مِائَةٍ زُيُوفٍ وَلَا يَصِحُّ عَنْ دَرَاهِمَ عَلَى دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ) لِعَدَمِ الْجِنْسِ فَكَانَ صَرْفًا فَلَمْ يَجُزْ نَسِيئَةً   [رد المحتار] وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ أَيْ الْهَلَاكَ شَامِلٌ لِمَا إذَا ادَّعَى الْمَالِكُ الِاسْتِهْلَاكَ؛ وَهُوَ أَحَدُ شِقَّيْ الْوَجْهِ الثَّالِثِ أَوْ سَكَتَ وَهُوَ أَحَدُ شِقَّيْ الرَّابِعِ وَعَلِمْتَ تَرْجِيحَ عَدَمِ الْجَوَازِ فِيهِمَا فَقَوْلُهُ: صَحَّ بِهِ يُفْتَى فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَقَوْلُهُ: وَصَالَحَهُ قَبْلَ الْيَمِينِ هَذَا وَارِدٌ عَلَى إطْلَاقِ الْمَتْنِ أَيْضًا وَرَأَيْتُ عِبَارَةَ الْأَشْبَاهِ نَحْوَ مَا اسْتَصْوَبْتُهُ وَنَصُّهَا الصُّلْحُ عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ، وَلَا يَصِحُّ مَعَ الْمُودَعِ بَعْدَ دَعْوَى الْهَلَاكِ؛ إذْ لَا نِزَاعَ، ثُمَّ رَأَيْتُ عِبَارَةَ مَتْنِ الْمَجْمَعِ مِثْلَ مَا قُلْته وَنَصُّهَا وَأَجَازَ صُلْحَ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ وَالْمُودَعِ بَعْدَ دَعْوَى الْهَلَاكِ أَوْ الرَّدِّ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (قَوْلُهُ بِإِقَامَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالنِّزَاعِ (قَوْلُهُ بَعْدَهُ) أَيْ الصُّلْحِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ) أَفَادَ أَنَّهَا لَوْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الصُّلْحِ وَفِيهِ غَبْنٌ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ طَلَبَ) أَيْ الصَّبِيُّ بَعْدَ بُلُوغِهِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا) وُجِّهَ بِأَنَّ الْيَمِينَ بَدَلُ الْمُدَّعِي فَإِذَا حَلَّفَهُ فَقَدْ اسْتَوْفَى الْبَدَلَ حَمَوِيٌّ عَنْ الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ فِي السِّرَاجِيَّةِ) وَكَذَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْأَشْبَاهِ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ قَوْلُهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي مُعِينِ الْمُفْتِي اهـ (قَوْلُهُ: لِلْأَوَّلِ) صَوَابُهُ لِلثَّانِي عَلَى مَا نَقَلَهُ الْحَمَوِيُّ (قَوْلُهُ وَالْإِبْرَاءُ) الْوَاوُ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ بِمَعْنَى أَوْ حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ عَنْ عَيْبٍ) أَيَّ عَيْبٍ كَانَ لَا خُصُوصَ الْبَيَاضِ قَالَ: وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ [فَصْلٌ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ] (قَوْلُهُ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ) الْأَوْلَى فِي الصُّلْحِ عَنْ دَعْوَى الدَّيْنِ قَالَ فِي الْمِنَحِ لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الصُّلْحِ عَنْ عُمُومِ الدَّعَاوَى ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ حُكْمَ الْخَاصِّ، وَهُوَ دَعْوَى الدَّيْنِ لِأَنَّ الْخُصُوصَ أَبَدًا يَكُونُ بَعْدَ الْعُمُومِ اهـ (قَوْلُهُ عَلَى بَعْضٍ إلَخْ) قُيِّدَ بِالْبَعْضِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَكْثَرِ، وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ لَكِنْ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ الْكَافِي: وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَرَاهِمُ لَا يَعْرِفَانِ وَزْنَهَا، فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمُصَالَحِ عَنْهُ لَا تَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصُّلْحِ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى دَرَاهِمَ فَهُوَ فَاسِدٌ فِي الْقِيَاسِ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ بَدَلَ الصُّلْحِ أَكْثَرُ مِنْهُ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ أُجِيزَهُ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا عَلَيْهِ، لِأَنَّ مَبْنَى الصُّلْحِ عَلَى الْحَطِّ وَالْإِغْمَاضِ، فَكَانَ تَقْدِيرُهُمَا بَدَلَ الصُّلْحِ بِشَيْءٍ دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى أَنَّهُمَا عَرَفَاهُ أَقَلَّ مِمَّا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ قَدْرَ مَا عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ اهـ (قَوْلُهُ: مِنْ دَيْنٍ) أَيْ بِالْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ أَوْ الْقَرْضِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَحَطٌّ لِبَاقِيهِ) فَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرِ: صَالَحْتُكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 639 (أَوْ عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى نِصْفِهِ حَالًّا) إلَّا فِي صُلْحِ الْمَوْلَى مُكَاتَبَهُ فَيَجُوزُ زَيْلَعِيٌّ (أَوْ عَنْ أَلْفٍ سُودٍ عَلَى نِصْفِهِ بِيضًا) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْإِحْسَانَ إنْ وُجِدَ مِنْ الدَّائِنِ فَإِسْقَاطٌ وَإِنْ مِنْهُمَا فَمُعَاوَضَةٌ. (قَالَ) لِغَرِيمِهِ (أَدِّ إلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ غَدًا مِنْ أَلْفٍ لِي عَلَيْكَ عَلَى أَنَّكَ بَرِيءٌ مِنْ) النِّصْفِ (الْبَاقِي فَقَبِلَ) وَأَدَّى فِيهِ (بَرِئَ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ فِي الْغَدِ عَادَ دَيْنُهُ) كَمَا كَانَ لِفَوَاتِ التَّقْيِيدِ بِالشَّرْطِ، وَوُجُوهُهَا خَمْسَةٌ:. أَحَدُهَا هَذَا (وَ) الثَّانِي (إنْ لَمْ يُؤَقِّتْ) بِالْغَدِ (لَمْ يَعُدْ) لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مُطْلَقٌ (وَ) الثَّالِثُ (كَذَا لَوْ صَالَحَهُ مِنْ دَيْنِهِ عَلَى نِصْفِهِ يَدْفَعُهُ إلَيْهِ غَدًا وَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا فَضَلَ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَدْفَعْهُ غَدًا فَالْكُلُّ عَلَيْهِ كَانَ الْأَمْرُ) كَالْوَجْهِ الْأَوَّلِ (كَمَا قَالَ) لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالتَّقْيِيدِ، وَالرَّابِعُ (فَإِنْ أَبْرَأَهُ عَنْ نِصْفِهِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ مَا بَقِيَ غَدًا فَهُوَ بَرِيءٌ أَدَّى الْبَاقِيَ) فِي (الْغَدِ أَوْ لَا) لِبُدَاءَتِهِ بِالْإِبْرَاءِ لَا بِالْأَدَاءِ (وَ) الْخَامِسُ (لَوْ عَلَّقَ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ كَإِنْ أَدَّيْت إلَيَّ) كَذَا (أَوْ إذَا أَوْ مَتَى لَا يَصِحُّ) الْإِبْرَاءُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ تَعْلِيقَهُ بِالشَّرْطِ - صَرِيحًا - بَاطِلٌ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ. (وَإِنْ قَالَ) الْمَدْيُونُ (لِآخَرَ سِرًّا لَا أُقِرُّ لَكَ بِمَا لَكَ حَتَّى تُؤَخِّرَهُ عَنِّي أَوْ تَحُطَّ) عَنِّي (فَفَعَلَ) الدَّائِنُ التَّأْخِيرَ أَوْ الْحَطَّ (صَحَّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُكْرَهٍ عَلَيْهِ. (وَلَوْ أَعْلَنَ مَا قَالَهُ سِرًّا أَخَذَ مِنْهُ الْكُلَّ لِلْحَالِّ) وَلَوْ ادَّعَى أَلْفًا وَجَحَدَ فَقَالَ أَقْرِرْ لِي بِهَا عَلَى أَنْ أَحُطَّ مِنْهَا مِائَةً جَازَ، بِخِلَافِ عَلَى أَنْ أُعْطِيَكَ مِائَةً لِأَنَّهَا رِشْوَةٌ، وَلَوْ قَالَ: إنْ أَقْرَرْتَ لِي حَطَطْتُ لَكِ مِنْهَا مِائَةً فَأَقَرَّ صَحَّ الْإِقْرَارُ لَا الْحَطُّ مُجْتَبًى. (الدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ) بِسَبَبٍ مُتَّحِدٍ كَثَمَنِ مَبِيعٍ بِيعَ   [رد المحتار] عَلَى مِائَةٍ مِنْ أَلْفٍ عَلَيْكَ كَانَ أَخْذُ الْمِائَةِ إبْرَاءً عَنْ تِسْعِمِائَةٍ، وَهَذَا قَضَاءٌ لَا دِيَانَةٌ إلَّا إذَا زَادَ أَبْرَأْتُكَ قُهُسْتَانِيٌّ وَقَدَّمْنَا مِثْلَهُ مَعْزُوًّا لِلْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: حَالًّا) لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْأَجَلِ وَهُوَ حَرَامٌ (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ) لِأَنَّ مَعْنَى الْإِرْفَاقِ فِيمَا بَيْنَهُمَا أَظْهَرُ مِنْ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَلَا يَكُونُ هَذَا مُقَابَلَةَ الْأَجَلِ بِبَعْضِ الْمَالِ وَلَكِنَّهُ إرْفَاقٌ مِنْ الْمَوْلَى بِحَطِّ بَعْضِ الْمَالِ وَمُسَاهَلَةٌ مِنْ الْمُكَاتَبِ فِيمَا بَقِيَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ لِيَتَوَصَّلَ إلَى شَرَفِ الْحُرِّيَّةِ (قَوْلُهُ: فَمُعَاوَضَةٌ) أَيْ وَيَجْرِي فِيهِ حُكْمُهَا فَإِنْ تَحَقَّقَ الرِّبَا أَوْ شُبْهَتُهُ فَسَدَتْ، وَإِلَّا صَحَّتْ ط قَالَ ط: بِأَنْ صَالَحَ عَلَى شَيْءٍ هُوَ أَدْوَنُ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا أَوْ وَصْفًا أَوْ وَقْتًا، وَإِنْ مِنْهُمَا: أَيْ مِنْ الدَّائِنِ وَالْمَدِينِ بِأَنْ دَخَلَ فِي الصُّلْحِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ الدَّائِنُ مِنْ وَصْفٍ كَالْبِيضِ بَدَلَ السُّودِ أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْوَصْفِ كَتَعْجِيلِ الْمُؤَجَّلِ أَوْ عَنْ جِنْسٍ بِخِلَافِ جِنْسِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَعُدْ) أَيْ الدَّيْنُ مُطْلَقًا أَدَّى أَوْ لَمْ يُؤَدِّ (قَوْلُهُ: مَا بَقِيَ غَدًا) لَوْ قَالَ: أَبْرَأْتُكَ عَنْ الْخَمْسَةِ عَلَى أَنْ تَدْفَعَ الْخَمْسَةَ حَالَّةً إنْ كَانَتْ الْعَشَرَةُ حَالَّةً صَحَّ الْإِبْرَاءُ لِأَنَّ أَدَاءَ الْخَمْسَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ حَالًّا فَلَا يَكُونُ هَذَا تَعْلِيقَ الْإِبْرَاءِ بِشَرْطِ تَعْجِيلِ الْخَمْسَةِ وَلَوْ مُؤَجَّلَةً بَطَلَ الْإِبْرَاءُ إذَا لَمْ يُعْطِهِ الْخَمْسَةَ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: بِصَرِيحِ الشَّرْطِ) قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ صَحَّ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ: حَطَطْتُ عَنْكَ النِّصْفَ إنْ نَقَدْتَ إلَيَّ نِصْفَهَا فَإِنَّهُ حَطٌّ عِنْدَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْهُ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَإِنْ أَدَّيْتَ) الْخِطَابُ لِلْغَرِيمِ، وَمِثْلُهُ الْكَفِيلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِيهِ نَوْعُ إشْكَالٍ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ إسْقَاطٌ مَحْضٌ؛ وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ إلَّا أَنَّهُ كَإِبْرَاءِ الْأَصِيلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَحْلِفُ بِهِ كَمَا يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ لَا غَيْرِ الْمُتَعَارَفِ؛ وَلِذَا قُلْنَا: إذَا كَفَلَ بِمَالٍ عَنْ رَجُلٍ وَكَفَلَ بِنَفْسِهِ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ إنْ وَافَى بِنَفْسِهِ غَدًا فَهُوَ بَرِيءٌ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فَوَافَى بِنَفْسِهِ بَرِئَ عَنْ الْمَالِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ فَصَحَّ اهـ. (قَوْلُهُ بِمُكْرَهٍ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ إلَّا أَنْ يَجِدَ الْبَيِّنَةَ أَوْ يَحْلِفَ الْآخَرُ فَيَنْكُلَ عَنْ الْيَمِينِ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَخَذَ مِنْهُ) يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا أُقِرُّ لَكَ بِمَا لَكَ إلَخْ إقْرَارٌ، وَلِذَا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي السِّرِّ أَمَّا إذَا قَالَ ذَلِكَ عَلَانِيَةً يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ اهـ. (قَوْلُهُ الدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ) قُيِّدَ بِالدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ عَيْنٍ مُشْتَرَكَةٍ يَخْتَصُّ الْمُصَالِحُ بِبَدَلِ الصُّلْحِ، وَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ، لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لِأَنَّ الْمُصَالَحَ عَنْهُ مَالٌ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الدَّيْنِ زَيْلَعِيٌّ فَلْيُحْفَظْ، فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلَانِ ادَّعَيَا أَرْضًا أَوْ دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 640 صَفْقَةً وَاحِدَةً، أَوْ دَيْنِ مَوْرُوثٍ أَوْ قِيمَةِ مُسْتَهْلَكٍ مُشْتَرَكٍ (إذَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْهُ شَارَكَهُ الْآخَرُ فِيهِ) إنْ شَاءَ أَوْ أَتْبَعَ الْغَرِيمَ كَمَا يَأْتِي وَحِينَئِذٍ (فَلَوْ صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ) أَيْ خِلَافِ جِنْسِ الدَّيْنِ (أَخَذَ الشَّرِيكُ الْآخَرُ نِصْفَهُ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ) لَهُ (رُبْعَ) أَصْلِ (الدَّيْنِ) فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الثَّوْبِ (وَلَوْ لَمْ يُصَالِحْ بَلْ اشْتَرَى بِنِصْفِهِ شَيْئًا ضَمَّنَهُ) شَرِيكُهُ (الرُّبْعَ) لِقَبْضِهِ النِّصْفَ بِالْمُقَاصَّةِ (أَوْ أَتْبَعَ غَرِيمَهُ) فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ لِبَقَاءِ حَقِّهِ فِي ذِمَّتِهِ. . (وَإِذَا أَبْرَأَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْغَرِيمَ عَنْ نَصِيبِهِ لَا يَرْجِعُ) لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لَا قَبْضٌ (وَكَذَا) الْحُكْمُ (إنْ) كَانَ لِلْمَدْيُونِ عَلَى أَحَدِهِمَا دَيْنٌ قَبْلَ وُجُوبِ دَيْنِهِمَا عَلَيْهِ حَتَّى (وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِهِ السَّابِقِ) لِأَنَّهُ قَاضٍ لَا قَابِضٌ. (وَلَوْ أَبْرَأَ) الشَّرِيكُ الْمَدْيُونَ (عَنْ الْبَعْضِ قُسِمَ الْبَاقِي عَلَى سِهَامِهِ) وَمِثْلُهُ الْمُقَاصَّةُ وَلَوْ أَجَّلَ نَصِيبَهُ صَحَّ عِنْدَ الثَّانِي، وَالْغَصْبُ وَالِاسْتِئْجَارُ بِنَصِيبِهِ قَبْضٌ لَا التَّزَوُّجُ وَالصُّلْحُ عَنْ جِنَايَةٍ عَمْدٍ، وَحِيلَةُ اخْتِصَاصِهِ بِمَا قَبَضَ أَنْ يَهَبَهُ الْغَرِيمُ   [رد المحتار] وَقَالَا: هِيَ لَنَا وَرِثْنَاهَا مِنْ أَبِينَا فَجَحَدَ الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ فَصَالَحَهُ أَحَدُهُمَا عَنْ حِصَّتِهِ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَرَادَ الِابْنُ الْآخَرُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمِائَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ لِأَنَّ الصُّلْحَ مُعَاوَضَةٌ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي فِدَاءٌ عَنْ الْيَمِينِ فِي زَعْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ مُعَاوَضَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَثْبُتُ لِلشَّرِيكِ حَقُّ الشَّرِكَةِ بِالشَّكِّ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمِائَةِ اهـ (قَوْلُهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً) بِأَنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيْنٌ عَلَى حِدَةٍ أَوْ كَانَ لَهُمَا عَيْنٌ وَاحِدَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا وَبَاعَا الْكُلَّ صَفْقَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ ثَمَنِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَيْلَعِيٌّ. وَاحْتَرَزَ بِالصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ الصَّفْقَتَيْنِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ رَجُلٍ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَبَاعَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَكَتَبَا عَلَيْهِ صَكًّا وَاحِدًا بِأَلْفٍ وَقَبَضَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ لَهُمَا فِي الدَّيْنِ لِأَنَّ كُلَّ دَيْنٍ وَجَبَ بِسَبَبٍ عَلَى حِدَةٍ عَزْمِيَّةٌ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ مَوْرُوثٌ) أَوْ كَانَ مُوصًى بِهِ لَهُمَا أَوْ بَدَلَ فَرْضِهِمَا أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَيْخِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ اتَّبَعَ الْغَرِيمَ) فَلَوْ اخْتَارَ اتِّبَاعَهُ ثُمَّ تَوَى نَصِيبَهُ بِأَنْ مَاتَ الْغَرِيمُ مُفْلِسًا رَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ وَلَوْ مِنْ غَيْرِهِ بَحْرٌ وَرَاجِعْ الزَّيْلَعِيَّ (قَوْلُهُ: أَيْ خِلَافِ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَوْ صَالَحَ عَلَى جِنْسِهِ يُشَارِكُهُ فِيهِ أَوْ يَرْجِعُ عَلَى الْمَدِينِ وَلَيْسَ لِلْقَابِضِ فِيهِ خِيَارٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِ بَعْضِ الدَّيْنِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ نِصْفَهُ) أَيْ نِصْفَ الدَّيْنِ مِنْ غَرِيمِهِ أَوْ أَخَذَ نِصْفَ الثَّوْبِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ) أَيْ الشَّرِيكُ الْمُصَالِحُ (قَوْلُهُ: رُبْعَ أَصْلِ الدَّيْنِ) أَفَادَ أَنَّ الْمُصَالِحَ مُخَيَّرٌ إذَا اخْتَارَ شَرِيكُهُ إتْبَاعَهُ فَإِنْ شَاءَ دَفَعَ لَهُ حِصَّتَهُ مِنْ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ لَهُ رُبْعَ الدَّيْنِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الصُّلْحِ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ مَا مَرَّ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْقَبْضِ أَوْ الصُّلْحِ وَالشِّرَاءِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ وُجُوبٍ إلَخْ) أَمَّا لَوْ كَانَ حَادِثًا حَتَّى الْتَقَيَا قِصَاصًا فَهُوَ كَالْقَبْضِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَدْيُونِ. (قَوْلُهُ الْمَدْيُونَ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ أَبْرَأَ (قَوْلُهُ قُسِمَ الْبَاقِي إلَخْ) حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُمَا عَلَى الْمَدْيُونِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا فَأَبْرَأَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَنْ نِصْفِ نَصِيبِهِ كَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْخَمْسَةِ وَلِلسَّاكِتِ الْمُطَالَبَةُ بِالْعَشَرَةِ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ عَلَى سِهَامِهِ) أَيْ الْبَاقِيَةِ لَا أَصْلِهَا سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الْمُقَاصَّةُ) بِأَنْ كَانَ لِلْمَدْيُونِ عَلَى الشَّرِيكِ خَمْسَةٌ مَثَلًا قَبْلَ هَذَا الدَّيْنِ فَإِنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ الْمُقَاصَّةِ (قَوْلُهُ: وَالْغَصْبُ) أَيْ إذَا غَصَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْمَدْيُونِ شَيْئًا ثُمَّ أَتْلَفَهُ شَارَكَهُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ دَارًا بِحِصَّتِهِ سَنَةً وَسَكَنَهَا وَكَذَا خِدْمَةُ الْعَبْدِ، وَزِرَاعَةُ الْأَرْضِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِأَجْرٍ مُطْلَقٍ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ اسْتَأْجَرَ بِحِصَّتِهِ لَمْ يُشَارِكْهُ الْآخَرُ وَجَعَلَهُ كَالنِّكَاحِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: لَا التَّزَوُّجُ) أَيْ تَزَوُّجُ الْمَدْيُونَةِ عَلَى نَصِيبِهِ فَإِنَّهُ إتْلَافٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى دَرَاهِمَ لِأَنَّهَا صَارَتْ قِصَاصًا، وَهُوَ كَالِاسْتِيفَاءِ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ جِنَايَةِ عَمْدٍ) أَيْ لَوْ جَنَى أَحَدُهُمَا عَلَيْهِ جِنَايَةَ عَمْدٍ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ أَرْشِهَا مِثْلُ دَيْنِ الْجَانِي، فَصَالَحَهُ عَلَى نَصِيبِهِ وَكَذَا لَوْ فِيهَا قِصَاصٌ إتْقَانِيٌّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 641 قَدْرَ دَيْنِهِ ثُمَّ يُبْرِئَهُ أَوْ يَبِيعَهُ بِهِ كَفًّا مِنْ تَمْرٍ مَثَلًا ثُمَّ يُبْرِئَهُ مُلْتَقَطٌ وَغَيْرُهُ، وَمَرَّتْ فِي الشَّرِكَةِ. (صَالَحَ أَحَدُ رَبَّيْ السَّلَمِ عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى مَا دَفَعَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنْ أَجَازَهُ الشَّرِيكُ) الْآخَرُ (نَفَذَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ رَدَّهُ رُدَّ) لِأَنَّ فِيهِ قِسْمَةَ الدَّيْنِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ نَعَمْ لَوْ كَانَا شَرِيكَيْ مُفَاوَضَةٍ جَازَ مُطْلَقًا بَحْرٌ. فَصْلٌ فِي التَّخَارُجِ (أَخْرَجَتْ الْوَرَثَةُ أَحَدَهُمْ عَنْ) التَّرِكَةِ وَهِيَ (عَرَضٌ أَوْ) هِيَ (عَقَارٌ بِمَالٍ) أَعْطَاهُ لَهُ (أَوْ) أَخْرَجُوهُ (عَنْ) تَرِكَةٍ هِيَ (ذَهَبٌ بِفِضَّةٍ) دَفَعُوهَا لَهُ (أَوْ) عَلَى الْعَكْسِ أَوْ عَنْ نَقْدَيْنِ بِهِمَا (صَحَّ) فِي الْكُلِّ صَرْفًا لِلْجِنْسِ بِخِلَافِ جِنْسِهِ (قَلَّ) مَا أَعْطَوْهُ (أَوْ كَثُرَ) لَكِنْ بِشَرْطِ التَّقَابُضِ فِيمَا هُوَ صَرْفٌ (وَفِي) إخْرَاجِهِ عَنْ (نَقْدَيْنِ) وَغَيْرِهَا بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ لَا يَصِحُّ (إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا أُعْطِيَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ) تَحَرُّزًا عَنْ الرِّبَا، وَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ النَّقْدَيْنِ عِنْدَ الصُّلْحِ وَعِلْمِهِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَجَلَالِيَّةٌ وَلَوْ بِعَرَضٍ جَازَ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الرِّبَا، وَكَذَا لَوْ أَنْكَرُوا إرْثَهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِبَدَلٍ بَلْ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ. (وَبَطَلَ الصُّلْحُ إنْ أَخْرَجَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ، وَفِي التَّرِكَةِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ يُبْرِئُهُ) أَيْ الشَّرِيكُ الْغَرِيمَ. (قَوْلُهُ عَنْ نَصِيبِهِ) أَيْ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ (قَوْلُهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ رَأْسَ مَالِهِ وَيَفْسَخَ عَقْدَ الشَّرِكَةِ إتْقَانِيٌّ فَالصُّلْحُ مَجَازٌ عَنْ الْفَسْخِ عَزْمِيَّةٌ (قَوْلُهُ عَلَيْهِمَا) وَالْمَقْبُوضُ بَيْنَهُمَا وَكَذَا مَا بَقِيَ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ دُرَرُ الْبِحَارِ (قَوْلُهُ رَدَّ) وَبَقِيَ السَّلَمُ كَمَا كَانَ. [فَصْلٌ فِي التَّخَارُجِ] (قَوْلُهُ أَخْرَجَتْ إلَخْ) أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَمَاتَ الْمُوصِي فَصَالَحَ الْوَارِثُ الْمُوصَى لَهُ مِنْ الثُّلُثِ بِالسُّدُسِ جَازَ الصُّلْحُ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ، وَحَقُّ الْوَارِثِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ غَيْرُ مُتَأَكَّدٍ يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِالْإِسْقَاطِ اهـ. فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ حَقَّ الْغَانِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَحَقُّ حَبْسِ الرَّهْنِ، وَحَقُّ الْمَسِيلِ الْمُجَرَّدِ، وَحَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِالسُّكْنَى، وَحَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَحَقُّ الْوَارِثِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ يَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ، وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ فِيمَا يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ وَمَا لَا كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ صَرْفًا لِلْجِنْسِ) عِلَّةٌ لِلْأَخِيرِ (قَوْلُهُ لَكِنْ بِشَرْطِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صُلْحِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ الْمُتَقَدِّمِ أَنْ تَكُونَ أَعْيَانُ التَّرِكَةِ مَعْلُومَةً، لَكِنْ إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ يُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ غَيْرَ أَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ بَقِيَّةُ التَّرِكَةِ إنْ كَانَ جَاحِدًا يَكْتَفِي بِذَلِكَ الْقَبْضِ، لِأَنَّهُ قَبْضُ ضَمَانٍ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ، وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا غَيْرَ مَانِعٍ يُشْتَرَطُ تَجْدِيدُ الْقَبْضِ اهـ (قَوْلُهُ: أَكْثَرُ مِنْ حِصَّتِهِ) فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّ الشَّكَّ إنْ كَانَ فِي وُجُودِ ذَلِكَ فِي التَّرِكَةِ جَازَ الصُّلْحُ، وَإِنْ عَلِمَ وُجُودَ ذَلِكَ فِي التَّرِكَةِ لَكِنْ لَا يَدْرِي أَنَّ بَدَلَ الصُّلْحِ مِنْ حِصَّتِهَا أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ مِثْلُهُ فَسَدَ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ أَنْكَرُوا إرْثَهُ) أَيْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ إنَّمَا يَبْطُلُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِ فِي مَالِ الرِّبَا حَالَةَ التَّصَادُقِ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ التَّنَاكُرِ بِأَنْ أَنْكَرُوا وِرَاثَتَهُ، فَيَجُوزُ. وَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّ فِي حَالَةِ التَّكَاذُبِ مَا يَأْخُذُهُ لَا يَكُونُ بَدَلًا فِي حَقِّ الْآخِذِ، وَلَا فِي حَقِّ الدَّافِعِ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقَابُضِ فِيمَا يُقَابِلُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مِنْهُ لِكَوْنِهِ صَرْفًا، وَلَوْ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ عَرَضًا فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا جَازَ مُطْلَقًا، وَإِنْ قَلَّ وَلَمْ يَقْبِضْ فِي الْمَجْلِسِ اهـ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 642 دُيُونٌ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الدُّيُونُ لِبَقِيَّتِهِمْ) لِأَنَّ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بَاطِلٌ ثُمَّ ذَكَرَ لِصِحَّتِهِ حِيَلًا فَقَالَ (وَصَحَّ لَوْ شَرَطُوا إبْرَاءَ الْغُرَمَاءِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ حِصَّتِهِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ فَيَسْقُطُ قَدْرُ نَصِيبِهِ عَنْ الْغُرَمَاءِ (أَوْ قَضَوْا نَصِيبَ الْمُصَالِحِ مِنْهُ) أَيْ الدَّيْنِ (تَبَرُّعًا) مِنْهُمْ (وَأَحَالَهُمْ بِحِصَّتِهِ أَوْ أَقْرَضُوهُ قَدْرَ حِصَّتِهِ مِنْهُ وَصَالَحُوهُ عَنْ غَيْرِهِمْ) بِمَا يَصْلُحُ بَدَلًا (وَأَحَالَهُمْ بِالْقَرْضِ عَلَى الْغُرَمَاءِ) وَقَبِلُوا الْحَوَالَةَ، وَهَذِهِ أَحْسَنُ الْحِيَلِ ابْنُ كَمَالٍ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يَبِيعُوهُ كَفًّا مِنْ تَمْرٍ أَوْ نَحْوِهِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ ثُمَّ يُحِيلَهُمْ عَلَى الْغُرَمَاءِ ابْنُ مَلَكٍ. (وَفِي صِحَّةِ صُلْحٍ عَنْ تَرِكَةٍ مَجْهُولَةٍ) أَعْيَانُهَا وَلَا دَيْنَ فِيهَا (عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ) مُتَعَلِّقٌ بِصُلْحٍ (اخْتِلَافٌ) وَالصَّحِيحُ الصِّحَّةُ زَيْلَعِيٌّ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: إنْ فِي التَّرِكَةِ جِنْسُ بَدَلِ الصُّلْحِ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ وَإِنْ لَمْ يُدْرَ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ (وَلَوْ) التَّرِكَةُ (مَجْهُولَةً وَهِيَ غَيْرُ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فِي يَدِ الْبَقِيَّةِ) مِنْ الْوَرَثَةِ (صَحَّ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِقِيَامِهَا فِي يَدِهِمْ حَتَّى لَوْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُصَالِحِ أَوْ بَعْضِهَا لَمْ يَجُزْ مَا لَمْ يَعْلَمْ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّسْلِيمِ ابْنُ مَلَكٍ. (وَبَطَلَ الصُّلْحُ وَالْقِسْمَةُ مَعَ إحَاطَةِ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ) إلَّا أَنْ يَضْمَنَ الْوَارِثُ الدَّيْنَ بِلَا رُجُوعٍ أَوْ يَضْمَنَ أَجْنَبِيٌّ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْمَيِّتِ أَوْ يُوَفِّيَ مِنْ مَالٍ آخَرَ (وَلَا) يَنْبَغِي أَنْ (يُصَالِحَ) وَلَا يَقْسِمَ (قَبْلَ الْقَضَاءِ) بِالدَّيْنِ (فِي غَيْرِ دَيْنٍ مُحِيطٍ وَلَوْ فَعَلَ) الصُّلْحَ وَالْقِسْمَةَ (صَحَّ) لِأَنَّ التَّرِكَةَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ دَيْنٍ فَلَوْ وَقَفَ الْكُلَّ تَضَرَّرَ الْوَرَثَةُ فَيُوقَفُ قَدْرُ الدَّيْنِ اسْتِحْسَانًا وِقَايَةٌ لِئَلَّا يَحْتَاجُوا إلَى نَقْضِ الْقِسْمَةِ بَحْرٌ.   [رد المحتار] قَوْلُهُ: دُيُونٌ) أَيْ عَلَى النَّاسِ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي، وَكَذَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْمَيِّتِ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْإِسْلَامِ: إنَّ التَّخَارُجَ لَا يَصِحُّ إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَيْ يَطْلُبُهُ رَبُّ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ اهـ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَخْرَجَ (قَوْلُهُ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ) وَهُوَ هُنَا حِصَّةُ الْمُصَالِحِ (قَوْلُهُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ) وَهُمْ الْوَرَثَةُ هُنَا (قَوْلُهُ بَاطِلٌ) ثُمَّ يَتَعَدَّى الْبُطْلَانُ إلَى الْكُلِّ، لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ بَيَّنَ حِصَّةَ الدَّيْنِ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عِنْدَهُمَا فِي غَيْرِ الدَّيْنِ إذَا بَيَّنَ حِصَّتَهُ ابْنُ مَلَكٍ (قَوْلُهُ: إبْرَاءُ الْغُرَمَاءِ) أَيْ إبْرَاءُ الْمُصَالِحِ الْغُرَمَاءَ (قَوْلُهُ وَأَحَالَهُمْ) لَا مَحَلَّ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ هُنَا، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ مَلَكٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَأَحَالَهُمْ (قَوْلُهُ عَنْ غَيْرِهِ) أَيْ عَمَّا سِوَى الدَّيْنِ (قَوْلُهُ: أَحْسَنُ الْحِيَلِ) لِأَنَّ فِي الْأُولَى ضَرَرًا لِلْوَرَثَةِ، حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُمْ الرُّجُوعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِقَدْرِ نَصِيبِ الْمُصَالِحِ، وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ النَّقْدَ خَيْرٌ مِنْ النَّسِيئَةِ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ) لِأَنَّ فِي الْأَخِيرَةِ لَا يَخْلُو عَنْ ضَرَرِ التَّقْدِيمِ فِي وُصُولِ مَالٍ ابْنُ مَلَكٍ. (قَوْلُهُ: شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مِنْ جِنْسِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ، وَإِذَا كَانَ فِيهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ أَكْثَرَ، وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ، وَهُوَ احْتِمَالُ الِاحْتِمَالِ، فَنَزَلَ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ، وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ (قَوْلُهُ: يُدْرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ أَوْ مَوْزُونٍ) أَيْ وَلَا دَيْنَ فِيهَا وَوَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَجْهُولِ لِأَنَّ الْمُصَالِحَ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ التَّرِكَةِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ بِمَا أَخَذَ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إتْقَانِيٌّ. [خَاتِمَةٌ] . التَّهَايُؤُ أَيْ تَنَاوُبُ الشَّرِيكَيْنِ فِي دَابَّتَيْنِ - غَلَّةً أَوْ رُكُوبًا - مُخْتَصٌّ جَوَازُهُ بِالصُّلْحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا الْجَبْرِ، وَجَائِزٌ فِي دَابَّةٍ - غَلَّةً أَوْ رُكُوبًا - بِالصُّلْحِ فَاسِدٌ فِي غَلَّتَيْ عَبْدَيْنِ عِنْدَهُ لَوْ جُبِرَا دُرَرُ الْبِحَارِ وَفِي شَرْحِهِ غُرَرِ الْأَفْكَارِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّهَايُؤَ جَبْرًا فِي غَلَّةِ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا لِلتَّفَاوُتِ وَفِي خِدْمَةِ عَبْدٍ أَوْ عَبْدَيْنِ جَازَ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ ظَاهِرًا وَلِقِلَّتِهِ، وَفِي غَلَّةِ دَارٍ أَوْ دَارَيْنِ أَوْ سُكْنَى دَارٍ أَوْ دَارَيْنِ جَازَ اتِّفَاقًا لِإِمْكَانِ الْمُعَادَلَةِ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ لَا يَمِيلُ إلَى الْعَقَارِ ظَاهِرًا، وَأَنَّ التَّهَايُؤَ صُلْحًا جَائِزٌ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ كَمَا جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا قِسْمَةَ الرَّقِيقِ صُلْحًا اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ يُوَفَّى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَتَشْدِيدٍ (قَوْلُهُ: لِئَلَّا إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فَلَوْ هَلَكَ الْمَعْزُولُ لَا بُدَّ مِنْ نَقْضِ الْقِسْمَةِ ط. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 643 (وَلَوْ أَخْرَجُوا وَاحِدًا) مِنْ الْوَرَثَةِ (فَحِصَّتُهُ تُقْسَمُ بَيْنَ الْبَاقِي عَلَى السَّوَاءِ إنْ كَانَ مَا أَعْطَوْهُ مِنْ مَالِهِمْ غَيْرَ الْمِيرَاثِ، وَإِنْ كَانَ) الْمُعْطَى (مِمَّا وَرِثُوهُ فَعَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ) يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ وَقَيَّدَهُ الْخَصَّافُ بِكَوْنِهِ عَنْ إنْكَارٍ فَلَوْ عَنْ إقْرَارٍ فَعَلَى السَّوَاءِ، وَصُلْحُ أَحَدِهِمْ عَنْ بَعْضِ الْأَعْيَانِ صَحِيحٌ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ فِي صَكِّ التَّخَارُجِ أَنَّ فِي التَّرِكَةِ دَيْنًا أَمْ لَا فَالصَّكُّ صَحِيحٌ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْفَتْوَى فَيُفْتَى بِالصِّحَّةِ، وَيُحْمَلُ عَلَى وُجُودِ شَرَائِطِهَا مَجْمَعُ الْفَتَاوَى (وَالْمُوصَى لَهُ) بِمَبْلَغٍ مِنْ التَّرِكَةِ (كَوَارِثٍ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ) مِنْ مَسْأَلَةِ التَّخَارُجِ. (صَالَحُوا) أَيْ الْوَرَثَةُ (أَحَدَهُمْ) وَخَرَجَ مِنْ بَيْنِهِمْ (ثُمَّ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ عَيْنٌ لَمْ يَعْلَمُوهَا هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ دَاخِلًا فِي الصُّلْحِ) الْمَذْكُورِ (قَوْلَانِ أَشْهَرُهُمَا لَا)   [رد المحتار] قَوْلُهُ عَلَى السَّوَاءِ) أَفَادَ أَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ إذَا صَالَحَ الْبَعْضَ دُونَ الْبَاقِي يَصِحُّ، وَتَكُونُ حِصَّتُهُ لَهُ فَقَطْ كَذَا لَوْ صَالَحَ الْمُوصَى لَهُ كَمَا فِي الْأَنْقِرْوِيِّ سَائِحَانِيٌّ. [مَسْأَلَةٌ] : فِي رَجُلٍ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَبِنْتٍ وَثَلَاثَةِ أَبْنَاءِ عَمٍّ عَصَبَةً وَخَلَفَ تَرِكَةً اقْتَسَمُوهَا بَيْنَهُمْ، ثُمَّ ادَّعَتْ الْوَرَثَةُ عَلَى الزَّوْجَةِ بِأَنَّ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدِهَا مِلْكُ مُوَرِّثِهِمْ الْمُتَوَفَّى، فَأَنْكَرَتْ دَعْوَاهُمْ، فَدَفَعَتْ لَهُمْ قَدْرًا مِنْ الدَّرَاهِمِ صُلْحًا عَنْ إنْكَارٍ فَهَلْ يُوَزَّعُ بَدَلُ الصُّلْحِ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ، أَوْ عَلَى قَدْرِ رُءُوسِهِمْ الْجَوَابُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَحُكْمُهُ فِي جَانِبِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ وُقُوعُ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمُدَّعِي، سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرًّا أَوْ مُنْكِرًا وَفِي الْمُصَالَحِ عَنْهُ وُقُوعُ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: سُئِلَ عَنْ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ بَعْدَ دَعْوَى فَاسِدَةٍ هَلْ يَصِحُّ قَالَ: لِأَنَّ تَصْحِيحَ الصُّلْحِ عَنْ الْإِنْكَارِ مِنْ جَانِبِ الْمُدَّعِي أَنْ يَجْعَلَ مَا أَخَذَ عَيْنَ حَقِّهِ أَوْ عِوَضًا عَنْهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا فِي حَقِّهِ لِيُمْكِنَ تَصْحِيحُ الصُّلْحِ مِنْ الذَّخِيرَةِ فَمُقْتَضَى قَوْلِهِ وُقُوعُ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمُدَّعِي، وَقَوْلُهُ: أَنْ يَجْعَلَ عَيْنَ حَقِّهِ أَوْ عِوَضًا عَنْهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ مَجْمُوعَةً مُنْلَا عَلِيٌّ (قَوْلُهُ: مِنْ مَالِهِمْ) أَيْ وَقَدْ اسْتَوَوْا فِيهِ وَلَا يَظْهَرُ عِنْدَ التَّفَاوُتِ ط (قَوْلُهُ فَعَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ) وَسَيَأْتِي آخِرَ كِتَابِ الْفَرَائِضِ بَيَانُ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ بَيْنَهُمْ حِينَئِذٍ. [تَتِمَّةٌ] . ادَّعَى مَالًا أَوْ غَيْرَهُ فَاشْتَرَى رَجُلٌ ذَلِكَ مِنْ الْمُدَّعِي يَجُوزُ الشِّرَاءُ وَيَقُومُ مَقَامَ الْمُدَّعِي فِي الدَّعْوَى فَإِنْ اسْتَحَقَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَانَ لَهُ، وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ جَحَدَ الْمَطْلُوبَ وَلَا بَيِّنَةَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُدَّعِي بَحْرٌ وَتَأَمَّلْ فِي وَجْهِهِ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَوَّلِ كِتَابِ الْهِبَةِ، وَبَيْعُ الدَّيْنِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ الْمَدْيُونِ أَوْ وَهَبَهُ جَازَ. (قَوْلُهُ: صَالَحُوا إلَخْ) أَقُولُ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ مِنْ الصُّلْحِ وَلَوْ ظَهَرَ فِي التَّرِكَةِ عَيْنٌ بَعْدَ التَّخَارُجِ لَا رِوَايَةَ فِي أَنَّهُ هَلْ يَدْخُلُ تَحْتَ الصُّلْحِ أَمْ لَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَدْخُلُ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا اهـ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ نَحْوِ وَرَقَتَيْنِ. قَالَ تَاجُ الْإِسْلَامِ وَبِخَطِّ صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَجَدْتُهُ: صَالَحَ أَحَدَ الْوَرَثَةِ وَأَبْرَأَ إبْرَاءً عَامًّا، ثُمَّ ظَهَرَ فِي التَّرِكَةِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ الصُّلْحِ لَا رِوَايَةَ فِي جَوَازِ الدَّعْوَى، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ بِجَوَازِ دَعْوَى حِصَّتِهِ مِنْهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أَبْرَأَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْبَاقِيَ، ثُمَّ ادَّعَى التَّرِكَةَ وَأَنْكَرُوا لَا وَإِلَّا تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَإِنْ أَقَرُّوا بِالتَّرِكَةِ أُمِرُوا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ اهـ كَلَامُ الْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَسْطُرٍ: صَالَحَتْ أَيْ الزَّوْجَةُ عَنْ الثُّمُنِ ثُمَّ ظَهَرَ دَيْنٌ أَوْ عَيْنٌ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لِلْوَرَثَةِ، قِيلَ لَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الصُّلْحِ وَيُقْسَمُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا كَانَ صُلْحُهُمْ عَنْ الْمَعْلُومِ الظَّاهِرِ عِنْدَ هُمْ لَا عَنْ الْمَجْهُولِ، فَيَكُونُ كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ الصُّلْحِ فَلَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ، وَقِيلَ يَكُونُ دَاخِلًا فِي الصُّلْحِ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَنْ التَّرِكَةِ وَالتَّرِكَةُ اسْمٌ لِلْكُلِّ، إذَا ظَهَرَ دَيْنٌ فَسَدَ الصُّلْحُ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ كَانَ ظَاهِرًا عِنْدَ الصُّلْحِ اهـ. وَالْحَاصِلُ: مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ بَعْدَ الصُّلْحِ فِي التَّرِكَةِ عَيْنٌ هَلْ تَدْخُلُ فِي الصُّلْحِ، فَلَا تُسْمَعُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 644 بَلْ بَيْنَ الْكُلِّ وَالْقَوْلَانِ حَكَاهُمَا فِي الْخَانِيَّةِ مُقَدِّمًا لِعَدَمِ الدُّخُولِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي أَوَّلِ فَتَاوَاهُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ مَا هُوَ الْأَشْهَرُ فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدَ كَذَا فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَلَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ، وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: وَفِي مَالِ طِفْلٍ بِالشُّهُودِ فَلَمْ يَجُزْ ... وَمَا يَدَّعِ خَصْمٌ وَلَا يَتَنَوَّرُ وَصَحَّ عَلَى الْإِبْرَاءِ مِنْ كُلِّ غَائِبٍ ... وَلَوْ زَالَ عَيْبٌ عَنْهُ صَالَحَ يُهْدَرُ وَمَنْ قَالَ إنْ تَحْلِفْ فَتَبْرَأْ فَلَمْ يَجُزْ ... وَلَوْ مُدَّعٍ كَالْأَجْنَبِيِّ يُصَوَّرُ كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ. (هِيَ) لُغَةً مُفَاعَلَةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ السَّيْرُ فِيهَا وَشَرْعًا (عَقْدُ شَرِكَةٍ فِي الرِّبْحِ بِمَالٍ مِنْ جَانِبِ) رَبِّ الْمَالِ (وَعَمَلٍ مِنْ جَانِبِ) الْمُضَارِبِ.   [رد المحتار] الدَّعْوَى بِهَا أَوْ لَا تَدْخُلُ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى؟ قَوْلَانِ: وَكَذَا لَوْ صَدَرَ بَعْدَ الصُّلْحِ إبْرَاءٌ عَامٌّ، ثُمَّ ظَهَرَ لِلْمُصَالِحِ عَيْنٌ هَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ فِيهِ قَوْلَانِ أَيْضًا وَالْأَصَحُّ السَّمَاعُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ دُخُولِهَا تَحْتَ الصُّلْحِ، فَيَكُونُ هَذَا تَصْحِيحًا لِلْقَوْلِ بِعَدَمِ الدُّخُولِ وَهَذَا إذَا اعْتَرَفَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ بِأَنَّ الْعَيْنَ مِنْ التَّرِكَةِ، وَإِلَّا فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ كَمَا أَفَادَهُ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُحِيطِ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالْعَيْنِ، لِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ بَعْدَ الصُّلْحِ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي الصُّلْحِ يَصِحُّ الصُّلْحُ وَيُقْسَمُ الدَّيْنُ بَيْنَ الْكُلِّ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالدُّخُولِ فَالصُّلْحُ فَاسِدٌ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ ظَاهِرًا وَقْتَ الصُّلْحِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُخْرَجًا مِنْ الصُّلْحِ بِأَنْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِالصُّلْحِ عَنْ غَيْرِ الدَّيْنِ مِنْ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ، وَهَذَا أَيْضًا ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ مَا ظَهَرَ بَعْدَ التَّخَارُجِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الصُّلْحِ لَا خَفَاء، وَمَنْ قَالَ يَدْخُلُ تَحْتَهُ فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عَيْنًا لَا يُوجِبُ فَسَادَهُ وَإِنْ دَيْنًا إنْ مُخَرَّجًا مِنْ الصُّلْحِ لَا يَفْسُدُ وَإِلَّا يَفْسُدْ اهـ (قَوْلُهُ بَلْ بَيْنَ الْكُلِّ) أَيْ بَلْ يَكُونُ الَّذِي ظَهَرَ بَيْنَ الْكُلِّ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) قُلْت: وَفِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الْفُصُولَيْنِ أَنَّهُ الْأَشْبَهُ أَيْ لَوْ ظَهَرَ عَيْنٌ لَا دَيْنٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ) أَيْ لَوْ ظَهَرَ فِي التَّرِكَةِ عَيْنٌ أَمَّا لَوْ ظَهَرَ فِيهَا دَيْنٌ فَقَدْ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: إنْ كَانَ مُخْرَجًا مِنْ الصُّلْحِ لَا يَفْسُدُ وَإِلَّا يَفْسُدْ اهـ. أَيْ إنْ كَانَ الصُّلْحُ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ الدَّيْنِ لَا يَفْسُدُ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى جَمِيعِ التَّرِكَةِ فَسَدَ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ ظَاهِرًا وَقْتَ الصُّلْحِ. (قَوْلُهُ وَفِي مَالِ طِفْلٍ) أَيْ إذَا كَانَ لِطِفْلٍ مَالٌ بِشُهُودٍ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ فِيهِ وَمَا يَدَّعِي أَيْ وَلَا يَجُوزُ فِيمَا يَدَّعِي خَصْمٌ مِنْ الْمَالِ عَلَى الطِّفْلِ، وَلَا يَتَنَوَّرُ بَيِّنَةً لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الصُّلْحُ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لِلطِّفْلِ وَحَيْثُ كَانَتْ لِلْخَصْمِ بَيِّنَةٌ ابْنُ الشِّحْنَةِ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ وَصَحَّ عَلَى الْإِبْرَاءِ إلَخْ) فَلَوْ صَالَحَ مِنْ الْعَيْبِ ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ بِأَنْ كَانَ بَيَاضًا فِي عَيْنِ عَبْدٍ فَانْجَلَى بَطَلَ الصُّلْحُ، وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ لِأَنَّ الْمُعَوَّضَ عَنْهُ هُوَ صِفَةُ السَّلَامَةِ وَقَدْ عَادَتْ، فَيَعُودُ الْعِوَضُ فَيَبْطُلُ الصُّلْحُ ابْنُ الشِّحْنَةِ شَرْحُ الْوَهْبَانِيَّةِ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ إلَخْ) أَيْ إنْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ فَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا لَهُ قِبَلَهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ: فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَيَكُونُ الْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ عِنْدَ الْقَاضِي كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ حَلَفَ، فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَكُونُ ضَامِنًا لِمَا يَدَّعِيهِ فَهَذَا الصُّلْحُ بَاطِلٌ ابْنُ الشِّحْنَةِ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُدَّعٍ) لَوْ وَصْلِيَّةٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ. [كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ] (قَوْلُهُ مِنْ جَانِبِ الْمُضَارِبِ) قُيِّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَطَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَعْمَلَ مَعَ الْمُضَارِبِ فَسَدَتْ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ، وَكَذَا تَفْسُدُ لَوْ أَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْمُضَارِبِ بِلَا أَمَرَهُ، وَبَاعَ وَاشْتَرَى بِهِ إلَّا إذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 645 (وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَحُكْمُهَا) أَنْوَاعٌ؛ لِأَنَّهَا (إيدَاعٌ ابْتِدَاءً) وَمِنْ حِيَلِ الضَّمَانِ أَنْ يُقْرِضَهُ الْمَالَ إلَّا دِرْهَمًا ثُمَّ يَعْقِدَ شَرِكَةَ عَنَانٍ بِالدِّرْهَمِ، وَبِمَا أَقْرَضَهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَا، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يَعْمَلَ الْمُسْتَقْرِضُ فَقَطْ فَإِنْ هَلَكَ فَالْقَرْضُ عَلَيْهِ (وَتَوْكِيلٌ مَعَ الْعَمَلِ) لِتَصَرُّفِهِ بِأَمْرِهِ (وَشَرِكَةٌ إنْ رَبِحَ وَغَصْبٌ إنْ خَالَفَ وَإِنْ أَجَازَ) رَبُّ الْمَالِ (بَعْدَهُ) لِصَيْرُورَتِهِ غَاصِبًا بِالْمُخَالَفَةِ (وَإِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ إنْ فَسَدَتْ فَلَا رِبْحَ) لِلْمُضَارِبِ (حِينَئِذٍ بَلْ لَهُ أَجْرُ) مِثْلِ (عَمَلِهِ مُطْلَقًا) رَبِحَ أَوْ لَا (بِلَا زِيَادَةٍ عَلَى الْمَشْرُوطِ) خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَالثَّلَاثَةِ   [رد المحتار] صَارَ الْمَالُ عُرُوضًا فَلَا تَفْسُدُ لَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ كَمَا سَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْمُتَفَرِّقَاتِ (قَوْلُهُ: إيدَاعٌ ابْتِدَاءً) قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: سَيَأْتِي أَنَّ الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ فِي الْمُطْلَقَةِ مَعَ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُودِعَ لَا يُودَعُ، فَالْمُرَادُ فِي حُكْمِ عَدَمِ الضَّمَانِ بِالْهَلَاكِ، وَفِي أَحْكَامٍ مَخْصُوصَةٍ لَا فِي كُلِّ حُكْمٍ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَمِنْ حِيَلِ إلَخْ) وَلَوْ أَرَادَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُضَارِبَ بِالْهَلَاكِ يُقْرِضُ الْمَالَ مِنْهُ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ مِنْهُ مُضَارَبَةً ثُمَّ يُبْضِعُ الْمُضَارِبَ كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ قُهُسْتَانِيٌّ. وَذَكَرَ هَذِهِ الْحِيلَةَ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا، وَذَكَرَ قَبْلَهَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ شَرِكَةَ عَنَانٍ شُرِطَ فِيهَا الْعَمَلُ عَلَى الْأَكْثَرِ مَالًا وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ عَنْ الْأَصْلِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ تَأَمَّلْ، وَكَذَا فِي شَرِكَةِ الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ لِأَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَلِآخَرَ أَلْفَانِ، وَاشْتَرَكَا وَاشْتَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى صَاحِبِ الْأَلْفِ، وَالرِّبْحَ أَنْصَافًا جَازَ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَا الرِّبْحَ وَالْوَضِيعَةَ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ وَالْعَمَلَ مِنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ جَازَ وَلَوْ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى صَاحِبِ الْأَلْفَيْنِ وَالرِّبْحَ نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ الشَّرْطُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ ذَا الْأَلْفِ شَرَطَ لِنَفْسِهِ بَعْضَ رِبْحِ مَالِ الْآخَرِ بِغَيْرِ عَمَلٍ وَلَا مَالٍ، وَالرِّبْحُ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ أَوْ بِالْعَمَلِ أَوْ بِالضَّمَانِ ا. هـ. مُلَخَّصًا لَكِنْ فِي مَسْأَلَةِ الشَّارِحِ شَرَطَ الْعَمَلَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لَا عَلَى صَاحِبِ الْأَكْثَرِ فَقَطْ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الرِّبْحِ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ إلَّا إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَمَلٌ، فَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ رِبْحًا بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَمَلُ مِنْهُمَا يَصِحُّ التَّفَاوُتُ أَيْضًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَتَوْكِيلٌ مَعَ الْعَمَلِ) فَيَرْجِعُ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ: بِالْمُخَالَفَةِ) فَالرِّبْحُ لِلْمُضَارِبِ لَكِنَّهُ غَيْرُ طَيِّبٍ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ دُرٌّ مُنْتَقَى (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ رَبِحَ أَوْ لَا) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا لَمْ يَرْبَحْ لَا أَجْرَ لَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِئَلَّا تَرْبُوَ الْفَاسِدَةُ عَلَى الصَّحِيحَةِ سَائِحَانِيٌّ وَمِثْلُهُ فِي حَاشِيَةِ ط عَنْ الْعَيْنِيِّ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْرُوطِ) قَالَ فِي الْمُلْتَقَى: وَلَا يُزَادُ عَلَى مَا شَرَطَ لَهُ كَذَا فِي الْهَامِشِ أَيْ فِيمَا إذَا رَبِحَ وَإِلَّا فَلَا تَتَحَقَّقُ الزِّيَادَةُ فَلَمْ يَكُنْ الْفَسَادُ بِسَبَبِ تَسْمِيَةِ دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ لِلْعَامِلِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا رَبِحَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَرْبَحْ فَأَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرٌ بِنِصْفِ الرِّبْحِ الْمَعْدُومِ كَمَا فِي الْفُصُولَيْنِ لَكِنْ فِي الْوَاقِعَاتِ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا رَبِحَ وَمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ إنَّ لَهُ أَجْرَ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالثَّلَاثَةُ) فَعِنْدَهُ لَهُ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ إذَا رَبِحَ دُرٌّ مُنْتَقَى كَذَا فِي الْهَامِشِ. [سُئِلَ] فِيمَا إذَا دَفَعَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو بِضَاعَةً عَلَى سَبِيلِ الْمُضَارَبَةِ، وَقَالَ لِعَمْرٍو: بِعْهَا وَمَهْمَا رَبِحْتَ يَكُونُ بَيْنَنَا مُثَالَثَةً فَبَاعَهَا، وَخَسِرَ فِيهَا فَالْمُضَارَبَةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَلِعَمْرٍو، أَجْرُ مِثْلِهِ بِلَا زِيَادَةٍ عَلَى الْمَشْرُوطِ حَامِدِيَّةٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 646 إلَّا فِي وَصِيٍّ أَخَذَ مَالِ يَتِيمٍ مُضَارَبَةً فَاسِدَةً) كَشَرْطِهِ لِنَفْسِهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) فِي مَالِ الْيَتِيمِ (إذَا عَمِلَ) أَشْبَاهٌ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ أَجْرِ عَمَلِهِ (وَ) الْفَاسِدَةُ (لَا ضَمَانَ فِيهَا) أَيْضًا (كَصَحِيحَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ (وَدَفَعَ الْمَالَ إلَى آخَرَ مَعَ شَرْطِ الرِّبْحِ) كُلِّهِ (لِلْمَالِكِ بِضَاعَةً) فَيَكُونُ وَكِيلًا مُتَبَرِّعًا (وَمَعَ شَرْطِهِ لِلْعَامِلِ قَرْضٌ) لِقِلَّةِ ضَرَرِهِ. (وَشَرْطُهَا) أُمُورٌ سَبْعَةٌ (كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ مِنْ الْأَثْمَانِ) كَمَا مَرَّ فِي الشَّرِكَةِ وَهُوَ مَعْلُومٌ لِلْعَاقِدَيْنِ (وَكَفَتْ فِيهِ الْإِشَارَةُ) وَالْقَوْلُ فِي قَدْرِهِ وَصِفَتِهِ لِلْمُضَارِبِ بِيَمِينِهِ، وَالْبَيِّنَةُ لِلْمَالِكِ. وَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ بِدَيْنٍ فَإِنْ عَلَى الْمُضَارِبِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ عَلَى ثَالِثٍ جَازَ   [رد المحتار] رَجُلٌ دَفَعَ لِآخَرَ أَمْتِعَةً، وَقَالَ: بِعْهَا وَاشْتَرِهَا وَمَا رَبِحْتَ فَبَيْنَنَا نِصْفَيْنِ فَخَسِرَ فَلَا خُسْرَانَ عَلَى الْعَامِلِ، وَإِذَا طَالَبَهُ صَاحِبُ الْأَمْتِعَةِ بِذَلِكَ فَتَصَالَحَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الْعَامِلُ إيَّاهُ لَا يَلْزَمُهُ وَلَوْ كَفَلَهُ إنْسَانٌ بِبَدَلِ الصُّلْحِ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ عَمِلَ هَذَا الْعَامِلُ فِي هَذَا الْمَالِ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ هَذَا لَيْسَ بِمُضَارَبَةٍ بَلْ هُوَ تَوْكِيلٌ بِبَيْعِ الْأَمْتِعَةِ ثُمَّ إذَا صَارَ الثَّمَنُ مِنْ النُّقُودِ، فَهُوَ دَفْعُ مُضَارَبَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يَضْمَنْ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ بِحَقِّ الْوَكَالَةِ ثُمَّ صَارَ مُضَارِبًا فَاسْتَحَقَّ الْمَشْرُوطَ جَوَاهِرُ الْفَتَاوَى. (قَوْلُهُ وَصِيٌّ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُضَارِبَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ بِجُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ، وَكَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ فِيهِ أَظْهَرُ، وَأَفَادَ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا أَنَّ لِلْوَصِيِّ دَفْعَ الْمَالِ إلَى مَنْ يَعْمَلُ فِيهِ مُضَارَبَةً بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الْيَتِيمِ كَأَبِيهِ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ إذَا عَمِلَ) ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ هَذَا أَنَّ الْوَصِيَّ يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ لِلْيَتِيمِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ لِقِلَّةِ ضَرَرِهِ) أَيْ ضَرَرِ الْقَرْضِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْهِبَةِ فَجُعِلَ قَرْضًا، وَلَمْ يُجْعَلْ هِبَةً ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ: مِنْ الْأَثْمَانِ) أَيْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَلَوْ مِنْ الْعُرُوضِ فَبَاعَهَا فَصَارَتْ نُقُودًا انْقَلَبَتْ مُضَارَبَةً، وَاسْتَحَقَّ الْمَشْرُوطَ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَعْلُومٌ لِلْعَاقِدَيْنِ) وَلَوْ مَتَاعًا لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِذَا دَفَعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى رَجُلٍ، وَقَالَ: نِصْفُهَا مَعَكَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ صَحَّ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَصٌّ عَلَى أَنَّ قَرْضَ الْمُشَاعِ جَائِزٌ، وَلَا يُوجَدُ لِهَذَا رِوَايَةٌ إلَّا هَا هُنَا وَإِذَا جَازَ هَذَا الْعَقْدُ كَانَ نِصْفَ حُكْمِ نَفْسِهِ، وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنَّ نِصْفَهَا قَرْضٌ، وَعَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِي جَازَ، وَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعَةً وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنَّ نِصْفَهَا قَرْضٌ عَلَيْكَ، وَنِصْفَهَا مُضَارَبَةٌ بِالنِّصْفِ، فَهُوَ جَائِزٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَرَاهِيَةَ هُنَا فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ سُكُوتُ مُحَمَّدٍ عَنْهَا هُنَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ، وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ: عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِي جَازَ وَلَا يُكْرَهُ فَإِنْ رَبِحَ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ النِّصْفَ مَلَكَهُ بِالْقَرْضِ، وَالْآخَرُ بِضَاعَةٌ فِي يَدِهِ، وَفِي التَّجْرِيدِ يُكْرَهُ ذَلِكَ، وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ نِصْفَهَا مُضَارَبَةٌ بِالنِّصْفِ، وَنِصْفُهَا هِبَةٌ لَكَ وَقَبَضَهَا غَيْرَ مَقْسُومَةٍ فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ وَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ، فَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ ضَمِنَ النِّصْفَ حِصَّةً فَقَطْ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ مَضْمُونٌ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ ا. هـ. مُلَخَّصًا، وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُحْفَظْ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ سَتَأْتِي قُبَيْلَ كِتَابِ الْإِيدَاعِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: وَكَفَتْ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِعْلَامِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ) وَمَا اشْتَرَاهُ لَهُ، وَالدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلَى ثَالِثٍ) بِأَنْ قَالَ اقْبِضْ مَالِي عَلَى فُلَانٍ، ثُمَّ اعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً، وَلَوْ عَمِلَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْكُلَّ ضَمِنَ، وَلَوْ قَالَ: فَاعْمَلْ بِهِ لَا يَضْمَنُ، وَكَذَا بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ، فَلَا يَكُونُ مَأْذُونًا بِالْعَمَلِ إلَّا بَعْدَ قَبْضِ الْكُلِّ بِخِلَافِ الْفَاءِ وَالْوَاوِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 647 وَكُرِهَ وَلَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي عَبْدًا نَسِيئَةً ثُمَّ بِعْهُ وَضَارِبْ ثَمَنَهُ فَفَعَلَ جَازَ كَقَوْلِهِ لِغَاصِبٍ أَوْ مُسْتَوْدَعٍ أَوْ مُسْتَبْضَعٍ اعْمَلْ بِمَا فِي يَدِك مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ جَازَ مُجْتَبَى (وَكَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ عَيْنًا لَا دَيْنًا) كَمَا بَسَطَهُ فِي الدُّرَرِ (وَكَوْنُهُ مُسْلَمًا إلَى الْمُضَارِبِ) لِيُمْكِنَهُ التَّصَرُّفَ (بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ) ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهِمَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ (وَكَوْنُ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا شَائِعًا) فَلَوْ عَيَّنَ قَدْرًا فَسَدَتْ (وَكَوْنُ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعْلُومًا) عِنْدَ الْعَقْدِ. وَمِنْ شُرُوطِهَا: كَوْنُ نَصِيبِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ حَتَّى لَوْ شَرَطَ لَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ مِنْهُ وَمِنْ الرِّبْحِ فَسَدَتْ، وَفِي الْجَلَّالِيَّةِ كُلُّ شَرْطٍ يُوجِبُ جَهَالَةً فِي الرِّبْحِ أَوْ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ فِيهِ يُفْسِدُهَا، وَإِلَّا بَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّ الْعَقْدُ اعْتِبَارًا بِالْوَكَالَةِ (وَلَوْ ادَّعَى الْمُضَارِبُ فَسَادَهَا فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ وَبِعَكْسِهِ فَلِلْمُضَارِبِ) الْأَصْلُ أَنَّ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ فِي الْعُقُودِ إلَّا إذَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ: شَرَطْتُ لَكَ ثُلُثَ الرِّبْحِ إلَّا عَشَرَةً وَقَالَ الْمُضَارِبُ: الثُّلُثَ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَوْ فِيهِ فَسَادُهَا؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ زِيَادَةً يَدَّعِيهَا الْمُضَارِبُ خَانِيَّةٌ وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ فِيهِ اشْتِبَاهٌ فَافْهَمْ. (وَيَمْلِكُ الْمُضَارِبُ فِي الْمُطْلَقَةِ) الَّتِي لَمْ تُقَيَّدْ بِمَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ أَوْ نَوْعٍ (الْبَيْعَ) وَلَوْ فَاسِدًا   [رد المحتار] وَلَوْ قَالَ: اقْبِضْ دَيْنِي لِتَعْمَلَ بِهِ مُضَارَبَةً لَا يَصِيرُ مَأْذُونًا مَا لَمْ يَقْبِضْ الْكُلَّ بَحْرٌ قَالَ فِي الْهَامِشِ. قَالَ فِي الدُّرَرِ: فَلَوْ قَالَ اعْمَلْ بِالدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّتُك مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ لَمْ يَجُزْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى ثَالِثٍ فَقَالَ: اقْبِضْ مَالِي عَلَى فُلَانٍ وَاعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً حَتَّى لَا يَبْقَى لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ يَدٌ اهـ (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ) ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةً قَبْلَ الْعَقْدِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ: اشْتَرْ لِي عَبْدًا) هَذَا يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ عَرَضًا، وَقَالَ لَهُ: بِعْهُ وَاعْمَلْ بِثَمَنِهِ مُضَارَبَةً أَنَّهُ يَجُوزُ بِالْأَوْلَى وَقَدْ أَوْضَحَهُ الشَّارِحُ، وَهَذِهِ حِيلَةٌ لِجَوَازِ الْمُضَارَبَةِ فِي الْعُرُوضِ، وَحِيلَةٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْخَصَّافُ أَنْ يَبِيعَ الْمَتَاعَ مِنْ رَجُلٍ يَثِقُ بِهِ، وَيَقْبِضُ الْمَالَ فَيَدْفَعُهُ إلَى الْمُضَارِبِ مُضَارَبَةً، ثُمَّ يَشْتَرِي هَذَا الْمُضَارِبُ هَذَا الْمَتَاعَ مِنْ الرَّجُلِ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ ط (قَوْلُهُ عَيْنًا) أَيْ مُعَيَّنًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْعَيْنِ الْعَرَضَ ط (قَوْلُهُ لَا دَيْنًا) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ مُسْلِمًا) فَلَوْ شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَعْمَلَ مَعَ الْمُضَارِبِ لَا تَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ عَاقِدًا أَوْ لَا كَالْأَبِ، وَالْوَصِيِّ إذَا دَفَعَ مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَ شَرِيكِهِ مَعَ الْمُضَارِبِ لَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ، وَفِي السِّغْنَاقِيِّ: وَشَرْطُ عَمَلِ الصَّغِيرِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَشَرِيكَيْ الْعَنَانِ إذَا دَفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً، وَشَرَطَ عَمَلَ صَاحِبِهِ فَسَدَ الْعَقْدُ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي مَتْنًا بَعْضُ هَذَا (قَوْلُهُ كُلُّ شَرْطٍ إلَخْ) قَالَ الْأَكْمَلُ: شَرْطُ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ يُفْسِدُهَا، وَلَيْسَ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي شُرُوطٍ فَاسِدَةٍ بَعْدَ كَوْنِ الْعَقْدِ مُضَارَبَةً، وَمَا أَوْرَدَ لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ فِيهِ عَقْدَ مُضَارَبَةٍ فَإِنْ قُلْت: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ يُفْسِدُهَا إذْ النَّفْيُ يَقْتَضِي الثُّبُوتَ قُلْت: سَلْبُ الشَّيْءِ عَنْ الْمَعْدُومِ صَحِيحٌ كَزَيْدٍ الْمَعْدُومِ لَيْسَ بِبَصِيرٍ،، وَسَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ أَنَّهُ مُفْسِدٌ قَالَ الشَّارِحُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ التَّخْلِيَةَ فَيَمْنَعُ الصِّحَّةَ فَالْأَوْلَى الْجَوَابُ بِالْمَنْعِ فَيُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ غَيْرُ مُفْسِدٍ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الرِّبْحِ) كَمَا إذَا شَرَطَ لَهُ نِصْفَ الرِّبْحِ أَوْ ثُلُثَهُ بِأَوْ التَّرْدِيدِيَّةِ س (قَوْلُهُ فِيهِ) كَمَا لَوْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ س (قَوْلُهُ بَطَلَ الشَّرْطُ) كَشَرْطِ الْخُسْرَانِ عَلَى الْمُضَارِبِ س. (قَوْلُهُ وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ) مِنْ قَوْلِهِ الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةَ إلَّا إذَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ شَرَطْتُ لَكَ الثُّلُثَ وَزِيَادَةَ عَشَرَةٍ، وَقَالَ الْمُضَارِبُ الثُّلُثُ فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ اهـ (قَوْلُهُ فِيهِ اشْتِبَاهٌ) أَيْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَسْأَلَةٌ بِأُخْرَى وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ هُنَا؛ لِأَنَّ الَّتِي ذَكَرَهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الْقَوْلُ فِيهَا مُدَّعٍ لِلصِّحَّةِ، فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهَا بِخِلَافِ الَّتِي هُنَا (قَوْلُهُ: أَوْ نَوْعٌ) أَيْ أَوْ شَخْصٌ كَمَا سَيَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ فَاسِدًا) يَعْنِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 648 بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ مُتَعَارَفَةٍ، وَالشِّرَاءَ وَالتَّوْكِيلَ بِهِمَا، وَالسَّفَرَ بَرًّا وَبَحْرًا) وَلَوْ دَفَعَ لَهُ الْمَالَ فِي بَلَدٍ عَلَى الظَّاهِرِ (وَالْإِبْضَاعَ) أَيْ دَفَعَ الْمَالَ بِضَاعَةً (وَلَوْ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَا تَفْسُدُ بِهِ) الْمُضَارَبَةُ كَمَا يَجِيءُ (وَ) يَمْلِكُ (الْإِيدَاعَ وَالرَّهْنَ وَالِارْتِهَانَ وَالْإِجَارَةَ وَالِاسْتِئْجَارَ فَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا بَيْضَاءَ لِيَزْرَعَهَا أَوْ يَغْرِسَهَا جَازَ) ظَهِيرِيَّةٌ (وَالِاحْتِيَالَ) أَيْ قَبُولُ الْحَوَالَةِ (بِالثَّمَنِ مُطْلَقًا) عَلَى الْأَيْسَرِ وَالْأَعْسَرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ (لَا) يَمْلِكُ (الْمُضَارَبَةَ) وَالشَّرِكَةَ وَالْخَلْطَ بِمَالِ نَفْسِهِ (إلَّا بِإِذْنٍ   [رد المحتار] لَا يَكُونُ بِهِ مُخَالِفًا فَلَا يَكُونُ الْمَالُ خَارِجًا عَنْ كَوْنِهِ فِي يَدِهِ أَمَانَةً، وَإِنْ كَانَتْ مُبَاشَرَتُهُ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ غَيْرُ جَائِزَةٍ، وَخَرَجَ الْبَاطِلُ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ: بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ) وَلَوْ اخْتَلَفَا فِيهِمَا فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ فِي الْمُضَارَبَةِ، وَلِلْمُوَكِّلِ فِي الْوَكَالَةِ كَمَا مَرَّ مَتْنًا فِي الْوَكَالَةِ (قَوْلُهُ وَالشِّرَاءُ) الْإِطْلَاقُ مُشْعِرٌ بِجَوَازِ تِجَارَتِهِ مَعَ كُلِّ أَحَدٍ لَكِنْ فِي النَّظْمِ أَنَّهُ لَا يَتَّجِرُ مَعَ امْرَأَتِهِ وَوَلَدِهِ الْكَبِيرِ الْعَاقِلِ، وَوَالِدَيْهِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَلَا يَشْتَرِي مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ، وَقِيلَ مِنْ مُكَاتَبِهِ بِالِاتِّفَاقِ قُهُسْتَانِيٌّ. [فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ] لَهُ أَنْ يَرْهَنَ، وَيَرْتَهِنَ لَهَا، وَلَوْ أَخَذَ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا مُعَامَلَةً عَلَى أَنْ يُنْفِقَ فِي تَلْقِيحِهَا وَتَأْبِيرِهَا مِنْ الْمَالِ لَمْ يُجْزَ عَلَيْهَا، وَإِنْ قَالَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ فَإِنْ رَهَنَ شَيْئًا مِنْ الْمُضَارَبَةِ ضَمِنَهُ، وَلَوْ أَخَّرَ الثَّمَنَ جَازَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَلَا يَضْمَنُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ الْخَاصِّ، وَلَوْ حَطَّ بَعْضَ الثَّمَنِ إنْ الْعَيْبُ طَعَنَ فِيهِ الْمُشْتَرِي وَمَا حَطَّ صِحَّتَهُ أَوْ أَكْثَرَ يَسِيرًا جَازَ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي الزِّيَادَةِ يَصِحُّ، وَيَضْمَنُ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ لِرَبِّ الْمَالِ وَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَا بَقِيَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْءُ الْجَارِيَةِ، وَلَوْ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِتَزْوِيجِ رَبِّ الْمَالِ جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ، وَخَرَجَتْ الْجَارِيَةُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ لَا يَجُوزُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا فِيهِ ضَرَرٌ وَلَا مَا لَا يَعْمَلُهُ التُّجَّارُ وَلَيْسَ لِأَحَدِ الْمُضَارِبَيْنِ أَنْ يَبِيعَ أَوْ يَشْتَرِيَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ، وَلَوْ اشْتَرَى بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ يَكُونُ مُخَالِفًا، وَإِنْ قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ، وَلَوْ بَاعَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ جَازَ خِلَافًا لَهُمَا كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ، وَإِذَا اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ الْمَالِ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لَهُ وَلَا يَضْمَنُ بِهَذَا الْخَلْطِ الْحُكْمِيِّ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِغَيْرِ الْأَثْمَانِ كَانَ لِنَفْسِهِ وَبِالدَّنَانِيرِ لِلْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ هُنَا الْكُلُّ مِنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَا تَفْسُدُ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ التَّصَرُّفِ لِلْمُضَارِبِ (قَوْلُهُ وَالِاسْتِئْجَارُ) أَيْ اسْتِئْجَارُ الْعُمَّالِ لِلْأَعْمَالِ وَالْمَنَازِلِ لِحِفْظِ الْأَمْوَالِ وَالسُّفُنِ وَالدَّوَابِّ (قَوْلُهُ وَالْخَلْطُ بِمَالِ نَفْسِهِ) أَيْ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُعَامَلَةُ التُّجَّارِ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ أَنَّ الْمُضَارِبَيْنِ يَخْلِطُونَ، وَلَا يَنْهَوْنَهُمْ فَإِنْ غَلَبَ التَّعَارُفُ بَيْنَهُمْ فِي مِثْلِهِ وَجَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَفِيهَا قَبْلَهُ: وَالْأَصْلُ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ فِي الْمُضَارَبَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ: هُوَ مِنْ بَابِ الْمُضَارَبَةِ، وَتَوَابِعِهَا فَيَمْلِكُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ لَهُ: اعْمَلْ مَا بَدَا لَكَ كَالتَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَالْإِيدَاعِ وَالْإِبْضَاعِ وَالْمُسَافَرَةِ، وَقِسْمٌ: لَا يُمْلَكُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ بَلْ إذَا قِيلَ اعْمَلْ بِرَأْيِك كَدَفْعِ الْمَالِ إلَى غَيْرِهِ مُضَارَبَةً أَوْ شَرِكَةً أَوْ خَلَطَ مَالَهَا بِمَالِهِ أَوْ بِمَالِ غَيْرِهِ، وَقِسْمٌ: لَا يُمْلَكُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ، وَلَا بِقَوْلِهِ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا لَيْسَ بِمُضَارَبَةٍ وَلَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُلْحَقَ بِهَا كَالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهَا ا. هـ. مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: بِمَالِ نَفْسِهِ) وَكَذَا بِمَالِ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَغْلِبْ التَّعَارُفُ بَيْنَ التُّجَّارِ فِي مِثْلِهِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِيهَا مِنْ الثَّامِنَ عَشَرَ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا بِالنِّصْفِ ثُمَّ أَلْفًا أُخْرَى كَذَلِكَ فَخَلَطَ الْمُضَارِبُ الْمَالَيْنِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَقُولَ الْمَالِكُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمُضَارَبَتَيْنِ: اعْمَلْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 649 أَوْ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ) إذْ الشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ (وَ) لَا (الْإِقْرَاضُ وَالِاسْتِدَانَةُ وَإِنْ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ) أَيْ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ صَنِيع التُّجَّارِ فَلَمْ يَدْخُلَا فِي التَّعْمِيمِ (مَا لَمْ يَنُصَّ) الْمَالِكُ (عَلَيْهِمَا) فَيَمْلِكُهُمَا وَإِنْ اسْتَدَانَ كَانَتْ شَرِكَةَ وُجُوهٍ وَحِينَئِذٍ (فَلَوْ اشْتَرَى بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ ثَوْبًا وَقَصَّرَ بِالْمَاءِ أَوْ حَمَلَ) مَتَاعَ الْمُضَارَبَةِ (بِمَالِهِ وَ) قَدْ (قِيلَ لَهُ ذَلِكَ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ وَإِنَّمَا قَالَ بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَصَّرَ بِالنَّشَا فَحُكْمُهُ كَصَبْغٍ (وَإِنْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ فَشَرِيكٌ بِمَا زَادَ) الصَّبْغُ وَدَخَلَ فِي اعْمَلْ بِرَأْيِكَ كَالْخَلْطِ (وَ) كَانَ (لَهُ حِصَّةُ) قِيمَةِ (صَبْغِهِ إنْ بِيعَ وَحِصَّةُ الثَّوْبِ) أَبْيَضَ (فِي مَالِهَا) وَلَوْ لَمْ يَقُلْ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ لَمْ يَكُنْ شَرِيكًا بَلْ غَاصِبًا، وَإِنَّمَا قَالَ: أَحْمَرَ لِمَا مَرَّ أَنَّ السَّوَادَ نَقْصٌ عِنْدَ الْإِمَامِ فَلَا يَدْخُلُ فِي اعْمَلْ بِرَأْيِكَ بَحْرٌ (وَلَا) يَمْلِكُ أَيْضًا (تَجَاوُزَ بَلَدٍ أَوْ سِلْعَةٍ أَوْ وَقْتٍ أَوْ شَخْصٍ عَيَّنَهُ   [رد المحتار] بِرَأْيِكَ أَوْ لَمْ يَقُلْ فِيهِمَا أَوْ قَالَ فِي إحْدَاهُمَا فَقَطْ وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الرِّبْحِ فِي الْمَالَيْنِ أَوْ بَعْدَهُ فِيهِمَا، أَوْ فِي أَحَدِهِمَا فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا. وَفِي الثَّانِي: إنْ خَلَطَ قَبْلَ الرِّبْحِ فِيهِمَا فَلَا ضَمَانَ أَيْضًا، وَإِنْ بَعْدَهُ فِيهَا ضَمِنَ الْمَالَيْنِ وَحِصَّةَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ قَبْلَ الْخَلْطِ، وَإِنْ بَعْدَ الرِّبْحِ فِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ ضَمِنَ الَّذِي لَا رِبْحَ فِيهِ، وَفِي الثَّالِثِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ فِي الْأُولَى أَوْ يَكُونَ فِي الثَّانِيَةِ، وَكُلٌّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَخْلِطَهُمَا قَبْلَ الرِّبْحِ فِيهِمَا، أَوْ بَعْدَهُ فِي الْأُولَى فَقَطْ أَوْ بَعْدَهُ فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ أَوْ بَعْدَهُ فِيهِمَا قَبْلَ الرِّبْحِ فِيهِمَا أَوْ بَعْدَهُ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنْ قَالَ فِي الْأُولَى: لَا يَضْمَنُ الْأَوَّلَ وَلَا الثَّانِيَ فِيمَا لَوْ خَلَطَ قَبْلَ الرِّبْحِ فِيهِمَا ا. هـ. (قَوْلُهُ: إذْ الشَّيْءُ) عِلَّةٌ لِكَوْنِهِ لَا يَمْلِكُ الْمُضَارَبَةَ، وَيَلْزَمُ مِنْهَا نَفْيُ الْأَخِيرَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ وَالْخَلْطَ أَعْلَى مِنْ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُمَا شَرِكَةٌ فِي أَصْلِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ) لَا يَرِدُ عَلَى هَذَا الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُكَاتَبِ فَإِنَّ لَهُ الْإِعَارَةَ وَالْكِتَابَةَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّصَرُّفِ نِيَابَةٌ، وَهُمَا يَتَصَرَّفَانِ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ لَا النِّيَابَةِ إذْ الْمُسْتَعِيرُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ، وَالْمُكَاتَبُ صَارَ حُرًّا يَدًا وَالْمُضَارِبُ يَعْمَلُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ أَوْ التَّفْوِيضِ الْمُطْلَقِ إلَيْهِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا الْإِقْرَاضُ) وَلَا أَنْ يَأْخُذَ سَفْتَجَةً بَحْرٌ. أَيْ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدَانَةٌ، وَكَذَلِكَ لَا يُعْطِي سَفْتَجَةً؛ لِأَنَّهُ قَرْضٌ ط عَنْ الشَّلَبِيِّ (قَوْلُهُ وَالِاسْتِدَانَةُ) كَمَا إذَا اشْتَرَى سِلْعَةً بِثَمَنِ دَيْنٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ شَيْءٌ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الثَّمَنِ، فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ جِنْسِهِ كَانَ شِرَاءً عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الِاسْتِدَانَةِ فِي شَيْءٍ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قُهُسْتَانِيٌّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا عِنْدَهُ إذَا لَمْ يُوفِ فَمَا زَادَ عَلَيْهِ اسْتِدَانَةٌ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَحْرِ إذَا اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ الْمَالِ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لَهُ، وَلَا يَضْمَنُ بِهَذَا الْخَلْطِ الْحُكْمِيِّ. وَفِي الْبَدَائِعِ كَمَا لَا تَجُوزُ الِاسْتِدَانَةُ عَلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ لَا تَجُوزُ عَلَى إصْلَاحِهِ، فَلَوْ اشْتَرَى بِجَمِيعِ مَالِهَا ثِيَابًا ثُمَّ اسْتَأْجَرَ عَلَى حَمْلِهَا أَوْ قَصْرِهَا أَوْ فَتْلِهَا كَانَ مُتَطَوِّعًا عَاقِدًا لِنَفْسِهِ ط عَنْ الشَّلَبِيِّ وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: فَلَوْ شَرَى بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ ثَوْبًا إلَخْ فَأَشَارَ بِالتَّفْرِيعِ إلَى الْحُكْمِيِّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَدَانَ) أَيْ بِالْإِذْنِ وَمَا اشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَكَذَا الدَّيْنُ عَلَيْهِمَا وَلَا يَتَغَيَّرُ مُوجِبُ الْمُضَارَبَةِ فَرِبْحُ مَالِهِمَا عَلَى مَا شَرْطَ قُهُسْتَانِيٌّ: وَقَالَ السَّائِحَانِيُّ: أَقُولُ: شَرِكَةُ الْوُجُوهِ هِيَ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الشِّرَاءِ نَسِيئَةً وَالْمُشْتَرَى عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا أَوْ أَنْصَافًا قَالَ: وَالرِّبْحُ يَتْبَعُ هَذَا الشَّرْطَ وَلَوْ جَعَلَاهُ مُخَالِفًا، وَلَمْ يُوجَدْ مَا ذُكِرَ فَيَظْهَرُ لِي أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى بِالدَّيْنِ لِلْآمِرِ لَوْ الْمُشْتَرَى مَعِيبًا أَوْ مَجْهُولًا جَهَالَةَ نَوْعٍ، وَسَمَّى ثَمَنَهُ أَوْ جَهَالَةَ جِنْسٍ وَقَدْ قِيلَ لَهُ: اشْتَرْ مَا تَخْتَارُهُ، وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْمُتُونِ أَنَّهُ لِرَبِّ الْمَالِ وَرِبْحُهُ عَلَى حَسَبِ الشَّرْطِ وَيُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيِّ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الصَّرِيحِ ا. هـ. (قَوْلُهُ: بِمَالِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ مِنْ قَصَرَ، وَحَمَلَ (قَوْلُهُ ذَلِكَ) أَيْ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ (قَوْلُهُ: بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ) ، وَهِيَ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ. قُلْتُ: وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِدَانَةِ نَحْوَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ فَهَذَا يَمْلِكُهُ إذَا نَصَّ أَمَّا لَوْ اسْتَدَانَ نُقُودًا، فَالظَّاهِرُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 650 الْمَالِكُ) ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَقْبَلُ التَّقْيِيدَ الْمُفِيدَ وَلَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ مَا لَمْ يَصِرْ الْمَالُ عَرَضًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ فَلَا يَمْلِكُ تَخْصِيصَهُ كَمَا سَيَجِيءُ قَيَّدْنَا بِالْمُفِيدِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُفِيدِ لَا يُعْتَبَرُ أَصْلًا كَنَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الْحَالِ. وَأَمَّا الْمُفِيدُ فِي الْجُمْلَةِ كَسُوقٍ مِنْ مِصْرٍ فَإِنْ صَرَّحَ بِالنَّهْيِ صَحَّ، وَإِلَّا لَا (فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ) بِالْمُخَالَفَةِ (وَكَانَ ذَلِكَ الشِّرَاءُ لَهُ) وَلَوْ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ حَتَّى عَادَ لِلْوِفَاقِ عَادَتْ الْمُضَارَبَةُ، وَكَذَا لَوْ عَادَ فِي الْبَعْضِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ (وَلَا) يَمْلِكُ (تَزْوِيجَ قِنٍّ مِنْ مَالِهَا وَلَا شِرَاءَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِقَرَابَةٍ أَوْ يَمِينٍ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ) فَإِنَّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ (عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ) الْمُقَيِّدَةِ لِلْوَكَالَةِ كَ اشْتَرْ لِي عَبْدًا أَبِيعُهُ أَوْ أَسْتَخْدِمُهُ أَوْ جَارِيَةً أَطَؤُهَا (وَلَا مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُضَارِبِ (إنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ) هُوَ هُنَا أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ هَذَا الْعَبْدِ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا بَسَطَهُ الْعَيْنِيُّ فَلْيُحْفَظْ (فَإِنْ فَعَلَ) شِرَاءَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَقَعَ الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رِبْحٌ كَمَا ذَكَرْنَا (صَحَّ) لِلْمُضَارَبَةِ (فَإِنْ ظَهَرَ) الرِّبْحُ (بِزِيَادَةِ قِيمَتِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ عَتَقَ حَظُّهُ، وَلَمْ يَضْمَنْ نَصِيبَ الْمَالِكِ) لِعِتْقِهِ لَا بِصُنْعِهِ (وَسَعْيُ) الْعَبْدِ (الْمُعْتَقِ فِي قِيمَةِ نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ، وَلَوْ اشْتَرَى الشَّرِيكُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى شَرِيكِهِ أَوْ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى الصَّغِيرِ نَفَذَ عَلَى الْعَاقِدِ) إذْ لَا نَظَرَ فِيهِ لِلصَّغِيرِ (وَالْمَأْذُونُ إذَا اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَى الْمَوْلَى صَحَّ وَعَتَقَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ   [رد المحتار] أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالِاسْتِقْرَاضِ، وَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ شَرِكَةِ الْعَنَانِ، وَلَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَيَرْجِعُ الْمُقْرِضُ عَلَيْهِ لَا عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِدَانَةِ تَوْكِيلٌ بِالِاسْتِقْرَاضِ، وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالتَّكَدِّي إلَّا أَنْ يَقُولَ الْوَكِيلُ لِلْمُقْرِضِ: إنَّ فُلَانًا يَسْتَقْرِضُ مِنْكَ كَذَا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَا الْوَكِيلِ ا. هـ. أَيْ: لِأَنَّهُ رِسَالَةٌ لَا وَكَالَةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ كَذَلِكَ كَمَا قُلْنَا. (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ) بِأَنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ بِحَالِهِ. [فَرْعٌ] قَالَ فِي الْهَامِشِ لَوْ نَهَى رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارِبَ بَعْدَ أَنْ صَارَ الْمَالُ عَرَضًا عَنْ الْمَبِيعِ بِالنَّسِيئَةِ قَبْلَ أَنْ تُبَاعَ وَيَصِيرَ الْمَالُ نَاضًّا لَا يَصِحُّ نَهْيُهُ، وَأَمَّا قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَ الْعَمَلِ وَصَارَ الْمَالُ نَاضًّا يَصِحُّ نَهْيُهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عَزْلَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دُونَ الْحَالَةِ الْأُولَى مِنَحُ ا. هـ. (قَوْلُهُ عَنْ بَيْعِ الْحَالِّ) يَعْنِي ثُمَّ بَاعَهُ بِالْحَالِّ بِسِعْرِ مَا يُبَاعُ بِالْمُؤَجَّلِ كَمَا فِي الْعَيْنِيِّ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِالنَّهْيِ) مِثْلُ لَا تَبِعْ فِي سُوقِ كَذَا (قَوْلُهُ: الشِّرَاءُ لَهُ) وَلَهُ رِبْحُهُ، وَعَلَيْهِ خُسْرَانُهُ، وَلَكِنْ يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَطِيبُ لَهُ أَصْلُهُ الْمُودَعُ إذَا تَصَرَّفَ فِيهَا، وَرَبِحَ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَتَصَرَّفْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ أَصْلَ الضَّمَانِ وَاجِبٌ بِنَفْسِ الْمُخَالَفَةِ، لَكِنَّهُ غَيْرُ قَارٍّ إلَّا بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ عَلَى عَرَضِيَّةِ الزَّوَالِ بِالْوِفَاقِ. وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا اشْتَرَى، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ قُهُسْتَانِيٌّ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ ثَمَرَتَهُ فِيمَا لَوْ هَلَكَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ قَبْلَ الشِّرَاءِ يَضْمَنُ عَلَى الْأَوَّلِ لَا عَلَى الثَّانِي (قَوْلُهُ: حَتَّى عَادَ إلَخْ) يَظْهَرُ فِي مُخَالَفَتِهِ فِي الْمَكَانِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ إلَخْ) قَالَ الأتقاني: فَإِنْ اشْتَرَى بِبَعْضِهِ فِي غَيْرِ الْكُوفَةِ ثُمَّ بِمَا بَقِيَ فِي الْكُوفَةِ، فَهُوَ مُخَالِفٌ فِي الْأَوَّلِ وَمَا اشْتَرَاهُ بِالْكُوفَةِ فَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْخِلَافِ وُجِدَ فِي بَعْضِهِ دُونَ بَعْضِهِ (قَوْلُهُ عَادَ فِي الْبَعْضِ) أَيْ تَعُودُ الْمُضَارَبَةُ لَكِنْ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ خَاصَّةً قَالَ الأتقاني مَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ أَوْ يَمِينٌ) بِأَنْ قَالَ: إنْ مَلَكْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَكَالَةَ بِالشِّرَاءِ مُطْلَقَةٌ، وَفِي الْمُضَارَبَةِ مُقَيَّدَةٌ بِمَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ فِيهِ بِالْبَيْعِ، فَإِذَا اشْتَرَى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهِ خَالَفَ (قَوْلُهُ كَمَا بَسَطَهُ الْعَيْنِيُّ) عِبَارَتُهُ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفًا وَصَارَ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَقَلُّ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ أَوْ أَكْثَرُ، وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ أَلْفٌ أَوْ أَقَلُّ فَاشْتَرَاهُمْ لَا يُعْتَقُ مِنْهُمْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَشْغُولٌ بِرَأْسِ الْمَالِ وَلَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ مِنْهُمْ شَيْئًا حَتَّى تَزِيدَ قِيمَةُ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ عَلَى حِدَةٍ مِنْ غَيْرِ ضَمِّهِ إلَى آخَرَ عَيْنِيٌّ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: رِبْحٌ) أَيْ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ لِلصَّغِيرِ) عِلَّةٌ قَاصِرَةٌ، وَالْعِلَّةُ فِي الشَّرِيكِ هِيَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 651 مُسْتَغْرَقًا بِالدَّيْنِ، وَإِلَّا لَا) خِلَافًا لَهُمَا زَيْلَعِيٌّ (مُضَارِبٌ مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ اشْتَرَى بِهِ أَمَةً فَوَلَدَتْ) وَلَدًا (مُسَاوِيًا لَهُ) أَيْ لِلْأَلْفِ (فَادَّعَاهُ مُوسِرًا فَصَارَتْ قِيمَتُهُ) أَيْ الْوَلَدِ (وَحْدَهُ) كَمَا ذَكَرْنَا (أَلْفًا وَنِصْفَهُ) أَيْ خَمْسَمِائَةٍ نَفَذَتْ دَعْوَتُهُ لَوُجُودِ الْمِلْكِ بِظُهُورِ الرِّبْحِ الْمَذْكُورِ فَعَتَقَ (سَعَى لِرَبِّ الْمَالِ فِي الْأَلْفِ وَرِيعِهِ) إنْ شَاءَ الْمَالِكُ (أَوْ أَعْتَقَهُ) إنْ شَاءَ (وَلِرَبِّ الْمَالِ بَعْدَ قَبْضِهِ أَلْفَهُ) مِنْ الْوَلَدِ (تَضْمِينُ الْمُدَّعِي) وَلَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكِ (نِصْفِ قِيمَتِهَا) أَيْ الْأَمَةِ لِظُهُورِ نُفُوذِ دَعْوَتِهِ فِيهَا، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا حُبْلَى مِنْهُ، وَلَوْ صَارَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا وَنِصْفَهُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ، وَضَمِنَ لِلْمَالِكِ أَلْفًا وَرِيعَهُ لَوْ مُوسِرًا، فَلَوْ مُعْسِرًا فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا تَسْعَى وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بَابُ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ لَمَّا قَدَّمَ الْمُفْرَدَةَ شَرَعَ فِي الْمُرَكَّبَةِ فَقَالَ (ضَارَبَ الْمُضَارِبُ) آخَرَ (بِلَا إذْنِ) الْمَالِكِ (لَمْ يَضْمَنْ بِالدَّفْعِ مَا لَمْ يَعْمَلْ الثَّانِي رَبِحَ) الثَّانِي (أَوْ لَا) عَلَى الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إيدَاعٌ وَهُوَ يَمْلِكُهُ فَإِذَا عَمِلَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُضَارَبَةٌ فَيَضْمَنُ إلَّا إذَا كَانَتْ الثَّانِيَةُ فَاسِدَةً فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ رَبِحَ بَلْ لِلثَّانِي أَجْرُ مِثْلِهِ عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَلِلْأَوَّلِ الرِّبْحُ الْمَشْرُوطُ (فَإِنْ   [رد المحتار] الْمَذْكُورَةُ فِي الْمُضَارِبِ مِنْ قَصْدِ الِاسْتِرْبَاحِ ط. (قَوْلُهُ بِالنِّصْفِ) مُتَعَلِّقٌ بِمُضَارِبٍ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ أَمَةً) فَوَطِئَهَا مُلْتَقَى كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ مُوسِرًا) ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ عِتْقٍ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ لَازِمٍ بَلْ لِيُفْهَمَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ لَوْ مُعْسِرًا بِالْأَوْلَى كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ مِسْكِينٌ (قَوْلُهُ كَمَا ذَكَرْنَا) أَيْ فِي قَوْلِهِ مُسَاوِيًا لَهُ فَالْكَافُ بِمَعْنَى مِثْلِ خَبَرُ صَارَ وَأَلْفًا بَدَلٌ مِنْهُ أَوْ أَلْفًا هُوَ الْخَبَرُ، وَالْجَارُ وَالْمَجْرُورُ قَبْلَهُ حَالٌ مِنْهُ (قَوْلُهُ سَعَى) الْأَوْلَى وَسَعَى عَطْفًا عَلَى نَفَذَتْ (قَوْلُهُ: الْمُدَّعِي) وَهُوَ الْمُضَارِبُ (قَوْلُهُ: تُمْلَكُ) بِخِلَافِ ضَمَانِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ عِتْقٍ وَهُوَ يَعْتَمِدُ التَّعَدِّيَ وَلَمْ يُوجَدْ (قَوْلُهُ لِظُهُورٍ) أَيْ لِوُقُوعِ دَعْوَتِهِ صَحِيحَةً ظَاهِرُهَا (قَوْلُهُ حُبْلَى مِنْهُ) تَنَازَعَ فِيهِ كُلٌّ مِنْ تَزَوَّجَهَا وَاشْتَرَاهَا أَيْ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ، لَكِنْ لَا تَنْفُذُ هَذِهِ الدَّعْوَى لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَهُوَ شَرْطٌ فِيهَا إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا مَشْغُولٌ بِرَأْسِ الْمَالِ، فَلَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ فِيهِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ إذَا صَارَ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يَزِيدُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ لَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا لَيْسَ بِأَوْلَى بِهِ مِنْ الْبَعْضِ فَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ نَصِيبٌ فِي الْأَمَةِ، وَلَا فِي الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ مُجَرَّدُ حَقِّ التَّصَرُّفِ فَلَا تَنْفُذُ دَعْوَتُهُ، فَإِذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ وَصَارَتْ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ ظَهَرَ الرِّبْحُ وَمَلَكَ الْمُضَارِبُ مِنْهُ نِصْفَ الزِّيَادَةِ فَنَفَذَتْ دَعْوَتُهُ السَّابِقَةُ لِوُجُودِ شَرْطِهَا، وَهُوَ الْمِلْكُ فَصَارَ ابْنَهُ، وَعَتَقَ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْهُ وَهُوَ رُبْعُهُ، وَلَمْ يَضْمَنْ حِصَّةَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ بِالْمِلْكِ وَالنَّسَبِ، فَصَارَتْ الْعِلَّةُ ذَات وَجْهَيْنِ، وَالْمِلْكُ آخِرُهُمَا وُجُودًا، فَيُضَافُ الْعِتْقُ إلَيْهِ وَلَا صُنْعَ لَهُ فِي الْمِلْكِ، فَلَا ضَمَانَ لِعَدَمِ التَّعَدِّي فَإِذَا اخْتَارَ الِاسْتِسْعَاءَ اسْتَسْعَاهُ فِي أَلْفٍ رَأْسَ مَالِهِ، وَفِي رُبْعِهِ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ فَإِذَا قَبَضَ الْأَلْفَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ مَالِهِ، وَظَهَرَ أَنَّ الْأُمَّ كُلَّهَا رِبْحٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَنَفَذَ فِيهَا دَعْوَةُ الْمُضَارِبِ وَصَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ إذَا صَادَفَ مَحَلًّا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ لَا يَتَجَزَّأُ إجْمَاعًا وَيَجِبُ نِصْفُ قِيمَتِهَا لِرَبِّ الْمَالِ فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يُجْعَلْ الْمَقْبُوضُ مِنْ الْوَلَدِ مِنْ الرِّبْحِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ مَالِهِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الرِّبْحِ فَكَانَ أَوْلَى بِجَعْلِهِ مِنْهُ زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: وَضَمِنَ لِلْمَالِكِ) ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا زَادَتْ قِيمَتُهَا ظَهَرَ فِيهَا الرِّبْحُ، وَمَلَكَ الْمُضَارِبُ بَعْضَ الرِّبْحِ، فَنَفَذَتْ دَعْوَتُهُ فِيهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ لِرَبِّ الْمَالِ رَأْسُ مَالِهِ، وَنَصِيبُهُ مِنْ الرِّبْحِ، فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ أَلْفٌ اسْتَوْفَى رَأْسَ مَالِهِ، وَصَارَ الْوَلَدُ كُلُّهُ رِبْحًا فَيَمْلِكُ الْمُضَارِبُ مِنْهُ نِصْفَهُ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَمَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الْأَلْفُ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ عَلَى حَالِهِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْأُمِّ. [بَابُ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ] ُ (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا مِنَحٌ (قَوْلُهُ: فَاسِدَةٌ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنْ كَانَتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 652 ضَاعَ) الْمَالُ (مِنْ يَدِهِ) أَيْ يَدِ الثَّانِي (قَبْلَ الْعَمَلِ) الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ (فَلَا ضَمَانَ) عَلَى أَحَدٍ (وَكَذَا) لَا ضَمَانَ (لَوْ غَصَبَ الْمَالَ مِنْ الثَّانِي وَ) إنَّمَا (الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ فَقَطْ وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الثَّانِي أَوْ وَهَبَهُ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ خَاصَّةً فَإِنْ عَمِلَ) حَتَّى ضَمِنَهُ (خُيِّرَ رَبُّ الْمَالِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ) الْمُضَارِبَ (الْأَوَّلَ رَأْسَ مَالِهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ) وَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ الرِّبْحِ، وَلَا يَضْمَنُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَحْرٌ (فَإِنْ أَذِنَ) الْمَالِكُ (بِالدَّفْعِ وَدَفَعَ بِالثُّلُثِ وَقَدْ قِيلَ) لِلْأَوَّلِ (مَا رَزَقَ اللَّهُ فَبَيْنَنَا نِصْفَانِ فَلِلْمَالِكِ النِّصْفُ) عَمَلًا بِشَرْطِهِ (وَلِلْأَوَّلِ السُّدُسُ الْبَاقِي وَلِلثَّانِي الثُّلُثُ) الْمَشْرُوطُ (وَلَوْ قِيلَ مَا رَزَقَكَ اللَّهُ بِكَافِ الْخِطَابِ) وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا (فَلِلثَّانِي ثُلُثُهُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْمَالِكِ نِصْفَانِ) بِاعْتِبَارِ الْخِطَابِ فَيَكُونُ لِكُلٍّ ثُلُثٌ. (وَمِثْلُهُ مَا رَبِحْتَ مِنْ شَيْءٍ أَوْ مَا كَانَ لَكَ فِيهِ مِنْ رِبْحٍ) وَنَحْوِ ذَلِكَ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ لِلثَّانِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَقَلَّ فَالْبَاقِي بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْأَوَّلِ (وَلَوْ قَالَ لَهُ مَا رَبِحْتُ بَيْنَنَا نِصْفَانِ، وَدَفَعَ بِالنِّصْفِ فَلِلثَّانِي النِّصْفُ، وَاسْتَوَيَا فِيمَا بَقِيَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْبَحْ سِوَاهُ (وَلَوْ قِيلَ: مَا رَزَقَ اللَّهُ فَلِيَ نِصْفُهُ أَوْ مَا كَانَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ، فَبَيْنَنَا نِصْفَانِ، فَدَفَعَ بِالنِّصْفِ فَلِلْمَالِكِ النِّصْفُ وَلِلثَّانِي كَذَا وَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ) لِجَعْلِهِ مَالَهُ لِلثَّانِي (وَلَوْ شَرَطَ) الْأَوَّلُ (لِلثَّانِي ثُلُثَيْهِ) ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا (ضَمِنَ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي سُدُسًا) بِالتَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ سَلَامَةَ الثُّلُثَيْنِ (وَإِنْ شَرَطَ) الْمُضَارِبُ (لِلْمَالِكِ ثُلُثَهُ وَ) شَرَطَ (لِعَبْدِ الْمَالِكِ ثُلُثَهُ) وَقَوْلُهُ (عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ) عَادِيٌّ، وَلَيْسَ بِقَيْدٍ (وَ) شَرَطَ (لِنَفْسِهِ ثُلُثَهُ صَحَّ)   [رد المحتار] إحْدَاهُمَا فَاسِدَةً أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَيَرْجِعُ بِهِ الْأَوَّلُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَالرِّبْحُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْمَالِ عَلَى الشَّرْطِ بَعْدَ أَنْ أَخَذَ الثَّانِي أُجْرَتَهُ إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى صَحِيحَةً وَإِلَّا فَلِلْأَوَّلِ أَجْرُ مِثْلِهِ اهـ (قَوْلُهُ خَاصَّةً) وَالْأَشْهَرُ الْخِيَارُ فَيَضْمَنُ أَيَّهُمَا شَاءَ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ خُيِّرَ رَبُّ الْمَالِ) فَإِنْ ضَمِنَ الْأَوَّلَ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي وَكَانَ الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا وَإِنْ ضَمِنَ الثَّانِيَ رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْأَوَّلِ وَصَحَّتْ بَيْنَهُمَا وَكَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَطَابَ لِلثَّانِي مَا رَبِحَ دُونَ الْأَوَّلِ بَحْرٌ وَفِيهِ: وَلَوْ دَفَعَ الثَّانِي مُضَارَبَةً إلَى ثَالِثٍ وَرَبِحَ الثَّالِثُ أَوْ وَضَعَ فَإِنْ قَالَ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي: اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ فَلِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّ الثَّلَاثَةَ شَاءَ وَيَرْجِعُ الثَّالِثُ عَلَى الثَّانِي، وَالثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ وَالْأَوَّلُ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ إذَا ضَمِنَهُ رَبُّ الْمَالِ وَإِلَّا لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَوَّلِ وَضَمِنَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ ضَمِنَ الثَّانِي) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ إذَا ضَمِنَ يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ وَيَطِيبُ الرِّبْحُ لَهُ دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ مُسْتَنَدٌ قُهُسْتَانِيٌّ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لَيْسَ لَهُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْمَالَ بِالْعَمَلِ صَارَ غَصْبًا، وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ إلَّا تَضْمِينُ الْبَدَلِ عِنْدَ ذَهَابِ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الرِّبْحَ مِنْ الْغَاصِبِ كَذَا ظَهَرَ لِي ط. (قَوْلُهُ فَإِنْ أَذِنَ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ: بِلَا إذْنٍ (قَوْلُهُ عَمَلًا بِشَرْطِهِ) ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ نِصْفَ جَمِيعِ الرِّبْحِ لَهُ (قَوْلُهُ: الْبَاقِي) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ حَلَبِيٌّ وَالْبَاقِي هُوَ الْفَاضِلُ عَمَّا اشْتَرَطَهُ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّ مَا أَوْجَبَهُ الْأَوَّلُ يَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً إذْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوجِبَ شَيْئًا لِغَيْرِهِ مِنْ نَصِيبِ الْمَالِكِ وَحَيْثُ أَوْجَبَ لِلثَّانِي الثُّلُثَ مِنْ نَصِيبِهِ وَهُوَ النِّصْفُ يَبْقَى لَهُ السُّدُسُ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَطَابَ الرِّبْحُ لِلْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الثَّانِي عَمَلٌ عَنْ الْمُضَارِبِ كَالْأَجِيرِ الْمُشْتَرِكِ إذَا اسْتَأْجَرَ آخَرَ بِأَقَلَّ مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ (قَوْلُهُ لِعَبْدِ الْمَالِكِ) قُيِّدَ بِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الْمُضَارِبِ لَوْ شُرِطَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ لَا يَجُوزُ وَيَكُونُ مَا شُرِطَ لَهُ لِرَبِّ الْمَالِ إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ، وَإِلَّا يَصِحُّ سَوَاءٌ شُرِطَ عَمَلُهُ أَوْ لَا، وَيَكُونُ لِلْمُضَارِبِ بَحْرٌ وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْعَاقِدِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَقَدَ الْمَأْذُونُ فَسَيَأْتِي وَشَمِلَ قَوْلُهُ لِعَبْدِ مَا لَوْ شُرِطَ لِلْمُكَاتَبِ بَعْضُ الرِّبْحِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَكَذَا لَوْ كَانَ مُكَاتَبَ الْمُضَارِبِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَمَلَهُ فِيهِمَا وَكَانَ الْمَشْرُوطُ لِلْمُكَاتَبِ لَهُ لَا لِمَوْلَاهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ لَا يَجُوزُ، وَعَلَى هَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَجَانِبِ فَتَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ، وَتَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ بَحْرٌ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ وَالْمَرْأَةُ وَالْوَلَدُ كَالْأَجَانِبِ هُنَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ بَحْرٌ وَقُيِّدَ بِاشْتِرَاطِ عَمَلِ الْعَبْدِ احْتِرَازًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 653 وَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَطَ لِلْمَوْلَى ثُلُثَيْ الرِّبْحِ كَذَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ، وَفِي نُسَخِ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ هُنَا خَلْطٌ فَاجْتَنِبْهُ (وَلَوْ عَقَدَهَا الْمَأْذُونُ مَعَ أَجْنَبِيٍّ وَشَرَطَ الْمَأْذُونُ عَمَلَ مَوْلَاهُ لَمْ يَصِحَّ إنْ لَمْ يَكُنْ) الْمَأْذُونُ (عَلَيْهِ دَيْنٌ) ؛ لِأَنَّهُ كَاشْتِرَاطِ الْعَمَلِ عَلَى الْمَالِكِ (وَإِلَّا صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَمْلِكُ كَسْبَهُ (وَاشْتِرَاطُ عَمَلِ رَبِّ الْمَالِ مَعَ الْمُضَارِبِ مُفْسِدٌ) لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ التَّخْلِيَةَ فَيَمْنَعُ الصِّحَّةَ (وَكَذَا اشْتِرَاطُ عَمَلِ الْمُضَارِبِ مَعَ مُضَارِبِهِ قَوْلُهُ أَوْ عَمِلَ رَبُّ الْمَالِ مَعَ) الْمُضَارِبِ (الثَّانِي) بِخِلَافِ مُكَاتَبٍ شَرَطَ عَمَلَ مَوْلَاهُ كَمَا لَوْ ضَارَبَ مَوْلَاهُ (وَلَوْ شَرَطَ بَعْضَ الرِّبْحِ لِلْمَسَاكِينٍ أَوْ لِلْحَجِّ أَوْ فِي الرِّقَابِ) أَوْ لِامْرَأَةِ الْمُضَارِبِ أَوْ مُكَاتَبِهِ صَحَّ الْعَقْدُ وَ (لَمْ يَصِحَّ) الشَّرْطُ (وَيَكُونُ) الْمَشْرُوطُ (لِرَبِّ الْمَالِ وَلَوْ شَرَطَ الْبَعْضَ لِمَنْ شَاءَ الْمُضَارِبُ فَإِنْ شَاءَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِرَبِّ الْمَالِ صَحَّ) الشَّرْطُ (وَإِلَّا) بِأَنْ شَاءَهُ لِأَجْنَبِيٍّ (لَا) يَصِحُّ، وَمَتَى شَرَطَ الْبَعْضَ لِأَجْنَبِيٍّ إنْ شَرَطَ عَلَيْهِ عَمَلَهُ صَحَّ، وَإِلَا لَا. قُلْت: لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّهُ يَصِحُّ مُطْلَقًا، وَالْمَشْرُوطُ لِلْأَجْنَبِيِّ إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ وَإِلَّا فَلِلْمَالِكِ أَيْضًا، وَعَزَاهُ لِلذَّخِيرَةِ خِلَافًا لِلْبُرْجُنْدِيِّ وَغَيْرِهِ فَتَنَبَّهْ، وَلَوْ شَرَطَ الْبَعْضَ لِقَضَاءِ دَيْنِ الْمُضَارِبِ أَوْ دَيْنِ الْمَالِكِ جَازَ وَيَكُونُ لِلْمَشْرُوطِ لَهُ قَضَاءُ دَيْنِهِ وَلَا يَلْزَمُ بِدَفْعِهِ لِغُرَمَائِهِ بَحْرٌ. (وَتَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) لِكَوْنِهَا وَكَالَةً وَكَذَا بِقَتْلِهِ، وَحَجْرٍ يَطْرَأُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَبِجُنُونِ أَحَدِهِمَا مُطْبَقًا قُهُسْتَانِيٌّ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: مَاتَ الْمُضَارِبُ وَالْمَالُ عُرُوضٌ بَاعَهَا وَصِيُّهُ، وَلَوْ مَاتَ رَبُّ الْمَالِ، وَالْمَالُ نَقْدٌ تَبْطُلُ   [رد المحتار] عَنْ عَمَلِ رَبِّ الْمَالِ مَعَ الْمُضَارِبِ فَإِنَّهُ مُفْسِدٌ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ لِلْمُولَى) لَكِنَّ الْمُولَى لَا يَأْخُذُ ثُلُثَ الْعَبْدِ مُطْلَقًا لِمَا فِي التَّبْيِينِ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَهُوَ لَلْمَوْلَى سَوَاءٌ شُرِطَ فِيهَا عَمَلُ الْعَبْدِ أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهُوَ كَغُرَمَائِهِ إنْ شُرِطَ عَمَلُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُضَارِبًا فِي مَالِ مَوْلَاهُ فَيَكُونُ كَسْبُهُ لَهُ فَيَأْخُذُهُ غُرَمَاؤُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلُهُ فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ، فَكَانَ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَيَكُونُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ نَصِيبِهِ بَلْ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ لِكَوْنِهِ كَالْأَجِيرِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَفِي نُسَخِ الْمَتْنِ إلَخْ) أَمَّا الْمَتْنُ فَقَدْ رَأَيْتُ فِي نُسْخَةٍ مِنْهُ، وَلَوْ شَرَطَ لِلثَّانِي ثُلُثَيْهِ، وَلِعَبْدِ الْمَالِكِ ثُلُثَهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ وَلِنَفْسِهِ ثُلُثَهُ صَحَّ ا. هـ. وَهُوَ فَاسِدٌ كَمَا تَرَى، وَأَمَّا الشَّرْحُ فَنَصُّهُ: وَقَوْلُهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ عَادِيٌّ، وَلَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ يَصِحُّ الشَّرْطُ وَيَكُونُ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ لَا يَجُوزُ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ: وَاشْتِرَاطُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَالتَّعْلِيلِ لِمَا قَبْلَهَا فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمُهَا وَتَفْرِيعَ الْأُولَى عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مُكَاتَبٍ) أَيْ إذَا دَفَعَ مَالَ مُضَارَبَةٍ لِآخَرَ (قَوْلُهُ: مَوْلَاهُ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَفْسُدُ مُطْلَقًا فَإِنْ عَجَزَ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَسَدَتْ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي الرِّقَابِ) أَيْ فَكِّهَا، وَفَسَادُ الشَّرْطِ فِي الثَّلَاثِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعَمَلِ كَمَا سَيَظْهَرُ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ) وَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ مِنْ الْجَوَازِ مَحْمُولٌ عَلَى جَوَازِ الْعَقْدِ لَا الشَّرْطِ مِنَحٌ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَا قِيلَ: إنَّ الْمَسْأَلَةَ خِلَافِيَّةٌ لَكِنَّ عَدَمَ صِحَّةِ الشَّرْطِ فِي هَذَيْنِ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُمَا كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَمَتَى شَرَطَ لِأَجْنَبِيٍّ إلَخْ، وَمَرَّ عَنْ النِّهَايَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالْوَلَدَ كَالْأَجْنَبِيِّ هُنَا وَفِي التَّبْيِينِ، وَلَوْ شَرَطَ بَعْضَ الرِّبْحِ لِمُكَاتَبِ رَبِّ الْمَالِ أَوْ الْمُضَارِبِ إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ جَازَ وَكَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُضَارِبًا وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُضَارَبَةٍ وَإِنَّمَا الْمَشْرُوطُ هِبَةٌ مَوْعُودَةٌ فَلَا يَلْزَمُ، وَعَلَى هَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَجَانِبِ إنْ شَرَطَ لَهُ بَعْضَ الرِّبْحِ، وَشَرَطَ عَمَلَهُ عَلَيْهِ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا ا. هـ. (قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ (قَوْلُهُ: صَحَّ) أَيْ الِاشْتِرَاطُ كَالْعَقْدِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ) لَا مَحَلَّ لِلِاسْتِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَصِحُّ مُطْلَقًا: أَيْ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ صَحِيحٌ سَوَاءٌ شَرَطَ عَمَلَ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ لَا غَيْرَ أَنَّهُ إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ فَالْمَشْرُوطُ لَهُ، وَإِلَّا فَلِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ الِاشْتِرَاطَ صَحِيحٌ مُطْلَقًا نَافَى قَوْلَهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ فَلِلْمَالِكِ (قَوْلُهُ وَيَكُونُ) أَيْ الْبَعْضُ (قَوْلُهُ قَضَاءٌ) نَائِبُ فَاعِلِ الْمَشْرُوطِ (قَوْلُهُ بَحْرٌ) عِبَارَتُهُ: وَلَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 654 فِي حَقِّ التَّصَرُّفِ وَلَوْ عَرَضًا تَبْطُلُ فِي حَقِّ الْمُسَافَرَةِ لَا التَّصَرُّفِ فَلَهُ بَيْعُهُ بِعَرَضٍ وَنَقْدٍ (وَ) بِالْحُكْمِ (بِلُحُوقِ الْمَالِكِ مُرْتَدًّا فَإِنْ عَادَ بَعْدَ لُحُوقِهِ مُسْلِمًا فَالْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا) حُكِمَ بِلَحَاقِهَا أَمْ لَا عِنَايَةٌ (بِخِلَافِ الْوَكِيلِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ (وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُضَارِبُ، فَهِيَ عَلَى حَالِهَا فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ بَطَلَتْ) وَمَا تَصَرَّفَ نَافِذٌ وَعُهْدَتُهُ عَلَى الْمَالِكِ عِنْدَ الْإِمَامِ بَحْرٌ (وَلَوْ ارْتَدَّ الْمَالِكُ فَقَطْ) أَيْ وَلَمْ يَلْحَقْ (فَتَصَرُّفُهُ) أَيْ الْمُضَارِبِ (مَوْقُوفٌ) وَرِدَّةُ الْمَرْأَةِ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ (وَيَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ (إنْ عَلِمَ بِهِ) بِخَبَرِ رَجُلَيْنِ مُطْلَقًا أَوْ فُضُولِيٍّ عَدْلٍ أَوْ رَسُولٍ مُمَيِّزٍ (وَإِلَّا) يَعْلَمْ (لَا) يَنْعَزِلُ (فَإِنْ عَلِمَ) بِالْعَزْلِ وَلَوْ حُكْمًا كَمَوْتِ الْمَالِكِ وَلَوْ حُكْمًا (وَالْمَالُ عُرُوضٌ) هُوَ هُنَا مَا كَانَ خِلَافَ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ، فَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ هُنَا جِنْسَانِ (بَاعَهَا) وَلَوْ نَسِيئَةً، وَإِنْ نَهَاهُ عَنْهَا (ثُمَّ لَا يَتَصَرَّفُ فِي ثَمَنِهَا) وَلَا فِي نَقْدٍ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ مَالِهِ وَيُبَدِّلُ خِلَافَهُ بِهِ اسْتِحْسَانًا لِوُجُوبِ رَدِّ جِنْسِهِ وَلِيُظْهِرَ الرِّبْحَ   [رد المحتار] لِغُرَمَائِهِ ا. هـ. كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ الْمُسَافَرَةِ) أَيْ إلَى غَيْرِ بَلَدِ رَبِّ الْمَالِ ط عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَادَ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا إذَا لَمْ يُحْكَمْ بِلَحَاقِهِ أَمَّا إذَا حُكِمَ بِلَحَاقِهِ، فَلَا تَعُودُ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّهَا بَطَلَتْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الأتقاني فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، لَكِنْ فِي الْعِنَايَةِ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَعُودُ سَوَاءٌ حُكِمَ بِلَحَاقِهِ أَمْ لَا فَتَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ) أَيْ لَوْ ارْتَدَّ مُوَكِّلُهُ وَلَحِقَ ثُمَّ عَادَ فَلَا تَبْقَى الْوَكَالَةُ عَلَى حَالِهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْوَكِيلِ فَلِذَا قَالَ: لِأَنَّهُ إلَخْ س (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ) فَإِنَّ لَهُ حَقًّا فَإِذَا عَادَ الْمَالِكُ فَهِيَ عَلَى حَالِهَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ ارْتَدَّ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: وَبِلُحُوقٍ (قَوْلُهُ فَقَطْ) عَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمُضَارِبِ، فَلَوْ قَالَ: وَبِلُحُوقِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا فَقَطْ إلَخْ لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَظْهَرَ تَأَمَّلْ لَكِنْ الْفَرْقَ أَنَّهُ إذَا ارْتَدَّ الْمُضَارِبُ فَتَصَرُّفُهُ نَافِذٌ (قَوْلُهُ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ هِيَ صَاحِبَةَ الْمَالِ أَوْ الْمُضَارَبَةَ إلَّا أَنْ تَمُوتَ أَوْ تَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيُحْكَمَ بِلَحَاقِهَا؛ لِأَنَّ رِدَّتَهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي أَمْلَاكِهَا فَكَذَا فِي تَصَرُّفَاتِهَا مِنَحٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ حُكْمًا) أَيْ وَلَوْ الْعَزْلُ حُكْمًا فَلَا يَنْعَزِلُ فِي الْحُكْمِيِّ إلَّا بِالْعِلْمِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، حَيْثُ يَنْعَزِلُ فِي الْحُكْمِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ كَذَا قَالُوا فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ قُلْت: قَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حُكْمًا) أَيْ كَارْتِدَادِهِ مَعَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ س (قَوْلُهُ فَالدَّرَاهِمُ) التَّفْرِيعُ غَيْرُ ظَاهِرٍ، فَالْأَوْلَى الْوَاوُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ (قَوْلُهُ جِنْسَانِ) ، فَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ، وَعَزَلَهُ وَمَعَهُ دَنَانِيرُ لَهُ بَيْعُهَا بِالدَّرَاهِمِ اسْتِحْسَانًا مِنَحٌ، وَانْظُرْ مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ جِنْسٌ (قَوْلُهُ: بَاعَهَا) أَيْ لَهُ بَيْعُهَا وَلَا يَمْنَعُهُ الْعَزْلُ مِنْ ذَلِكَ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ عَنْهَا) أَيْ عَنْ النَّسِيئَةِ كَمَا لَا يَصِحُّ نَهْيُهُ عَنْ الْمُسَافَرَةِ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ وَكَمَا لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ لَا يَمْلِكُ تَخْصِيصَ الْإِذْنِ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ مِنْ وَجْهٍ بَحْرٌ عَنْ النِّهَايَةِ وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَيُبَدِّلُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِفَهْمِهِ مِمَّا قَبْلَهُ حَيْثُ بَيَّنَ الْمُرَادَ مِنْ الْعُرُوضِ هُنَا قَرِيبًا، وَأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ جِنْسَانِ (قَوْلُهُ: خِلَافُهُ بِهِ) أَيْ لَهُ أَنْ يُبَدِّلَ خِلَافَ رَأْسِ الْمَالِ مِنْ النَّقْدِ بِرَأْسِ الْمَالِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ وَعَزَلَهُ وَمَعَهُ دَنَانِيرُ يَبِيعُهَا بِالدَّرَاهِمِ اسْتِحْسَانًا مَدَنِيٌّ (قَوْلُهُ لِوُجُوبِ إلَخْ) أَيْ إنْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا قَدَّمْنَا عَنْ الأتقاني. [فَرْعٌ] قَالَ فِي الْقُنْيَةِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ أَعْطَاهُ دَنَانِيرَ مُضَارَبَةً ثُمَّ أَرَادَ الْقِسْمَةَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَنَانِيرَ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَالِ بِقِيمَتِهَا، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْقِسْمَةِ لَا يَوْمَ الدَّفْعِ ا. هـ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: مِنْ الْمُضَارَبَةِ، وَيَضْمَنُ لِرَبِّ الْمَالِ مِثْلَ مَالِهِ وَقْتَ الْخِلَافِ بِيرِيٌّ فِي بَحْثِ الْقَوْلِ فِي ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَهَذِهِ فَائِدَةٌ طَالَمَا تَوَقَّفْت فِيهَا، فَإِنْ رَبَّ الْمَالِ يَدْفَعُ دَنَانِيرَ مَثَلًا بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ، ثُمَّ تَغْلُو قِيمَتُهَا وَيُرِيدُ أَخْذَهَا عَدَدًا لَا بِالْقِيمَةِ تَأَمَّلْ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 655 وَلَا يَمْلِكُ الْمَالِكُ فَسْخَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) بَلْ وَلَا تَخْصِيصَ الْإِذْنِ؛ لِأَنَّهُ عُزِلَ مِنْ وَجْهٍ نِهَايَةٌ (بِخِلَافِ أَحَدِ شَرِيكَيْنِ إذَا فَسَخَ الشَّرِكَةَ، وَمَالُهَا أَمْتِعَةٌ) صَحَّ (افْتَرَقَا، وَفِي الْمَالِ دُيُونٌ وَرِبْحٌ يُجْبَرُ الْمُضَارِبُ عَلَى اقْتِضَاءِ الدُّيُونِ) إذْ حِينَئِذٍ يَعْمَلُ بِالْأُجْرَةِ (وَإِلَّا) رَبِحَ (لَا) جَبْرَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُتَبَرِّعٌ (وَ) يُؤْمَرُ بِأَنْ (يُوَكِّلَ الْمَالِكَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْعَاقِدِ (وَ) حِينَئِذٍ فَ (الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ، وَالْمُسْتَبْضَعُ كَالْمُضَارِبِ) يُؤْمَرَانِ بِالتَّوْكِيلِ، (وَالسِّمْسَارُ يُجْبَرُ عَلَى التَّقَاضِي) وَكَذَا الدَّلَّالُ؛ لِأَنَّهُمَا يَعْمَلَانِ بِالْأُجْرَةِ. [فَرْعٌ] اُسْتُؤْجِرَ عَلَى أَنْ يَبِيعَ، وَيَشْتَرِيَ لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَالْحِيلَةُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ مُدَّةً لِلْخِدْمَةِ، وَيَسْتَعْمِلَهُ فِي الْبَيْعِ زَيْلَعِيٌّ (وَمَا هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ يُصْرَفُ إلَى الرِّبْحِ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ (فَإِنْ زَادَ الْهَالِكُ عَلَى الرِّبْحِ لَمْ يَضْمَنْ) وَلَوْ فَاسِدَةً مِنْ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ (وَإِنْ قُسِّمَ الرِّبْحُ وَبَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ أَوْ بَعْضُهُ تَرَادَّا الرِّبْحَ لِيَأْخُذَ الْمَالِكُ رَأْسَ الْمَالِ وَمَا فَضَلَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ نَقَصَ لَمْ يَضْمَنْ) لِمَا مَرَّ. ثُمَّ ذَكَرَ مَفْهُومَ قَوْلِهِ وَبَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ، فَقَالَ (وَإِنْ) (قَسَّمَ الرِّبْحَ، وَفُسِخَتْ الْمُضَارَبَةُ) وَالْمَالُ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ (ثُمَّ عَقَدَاهَا فَهَلَكَ الْمَالُ) (لَمْ يَتَرَادَّا وَبَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَدِيدٌ (وَهِيَ الْحِيلَةُ النَّافِعَةُ لِلْمُضَارِبِ) فَصْلٌ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ (الْمُضَارَبَةُ لَا تَفْسُدُ بِدَفْعِ كُلِّ الْمَالِ أَوْ بَعْضِهِ) تَقْيِيدُ الْهِدَايَةِ بِالْبَعْضِ اتِّفَاقِيٌّ عِنَايَةٌ (إلَى الْمَالِكِ بِضَاعَةً لَا مُضَارَبَةً)   [رد المحتار] لَوْ عَلِمَ عَدَدَ الْمَدْفُوعِ وَنَوْعَهُ فَلَهُ أَخْذُهُ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَتَهُ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ يَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ الْوَاقِعَةِ يَوْمَ الْخِلَافِ أَيْ يَوْمَ النِّزَاعِ وَالْخِصَامِ وَكَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ نَوْعَ الْمَدْفُوعِ كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا فِي زَمَانِنَا حَيْثُ يَدْفَعُ أَنْوَاعًا ثُمَّ تُجْهَلُ فَيُضْطَرُّ إلَى أَخْذِ قِيمَتِهَا لِجَهَالَتِهَا فَيَأْخُذُ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْخِصَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) أَيْ حَالَةِ كَوْنِ الْمَالِ عُرُوضًا؛ لِأَنَّ لِلْمُضَارِبِ حَقًّا فِي الرِّبْحِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ صَحَّ) أَيْ الْفَسْخُ. (قَوْلُهُ عَلَى اقْتِضَاءِ الدُّيُونِ) أَيْ طَلَبِهَا مِنْ أَرْبَابِهَا (قَوْلُهُ: إذْ حِينَئِذٍ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَجِيرِ وَالرِّبْحُ كَالْأُجْرَةِ وَطَلَبُ الدَّيْنِ مِنْ تَمَامِ تَكْمِلَةِ الْعَمَلِ فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: بِالْأُجْرَةِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الرِّبْحُ قَلِيلًا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: وَمُفَادُهُ أَنَّ نَفَقَةَ الطَّلَبِ عَلَى الْمُضَارِبِ، وَهَذَا لَوْ الدَّيْنُ فِي الْمِصْرِ وَإِلَّا فَفِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ، وَإِنْ طَالَ سَفَرُ الْمُضَارِبِ وَمُقَامُهُ حَتَّى أَتَتْ النَّفَقَةُ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ، فَإِنْ فَضَلَ عَلَى الدَّيْنِ حَسِبَ لَهُ النَّفَقَةَ مِقْدَارَ الدَّيْنِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَكُونُ عَلَى الْمُضَارِبِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ ط (قَوْلُهُ: وَالسِّمْسَارُ) هُوَ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِأَجْرٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْتَأْجَرَ. (قَوْلُهُ زَيْلَعِيٌّ) وَتَمَامُ كَلَامِهِ وَإِنَّمَا جَازَتْ هَذِهِ الْحِيلَةُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاوَلُ الْمَنْفَعَةَ: وَهِيَ مَعْلُومَةٌ بِبَيَانِ قَدْرِ الْمُدَّةِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ، وَلَوْ عَمِلَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَأَعْطَاهُ شَيْئًا لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ مَعَهُ حَسَنَةً فَجَازَاهُ خَيْرًا، وَبِذَلِكَ جَرَتْ الْعَادَةُ «وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» (قَوْلُهُ وَلَوْ فَاسِدَةً) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً، وَسَوَاءٌ كَانَ الْهَلَاكُ مِنْ عَمَلِهِ أَوْ لَا ح (قَوْلُهُ: مِنْ عَمَلِهِ) يَعْنِي الْمُسَلَّطَ عَلَيْهِ عِنْدَ التُّجَّارِ، وَأَمَّا التَّعَدِّي فَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَضْمَنُ سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَعْدَ دَفْعِ النَّفَقَةِ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ أَمِينٌ فَلَا يَضْمَنُ (قَوْلُهُ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ) مِثْلُهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ، وَهُوَ نَصٌّ عَلَى الْمُتَوَهِّمِ، وَإِلَّا فَبِالْأَوْلَى إذَا دَفَعَهُ لِرَبِّ الْمَالِ بَعْدَ الْفَسْخِ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ وَعَقَدَ أُخْرَى (قَوْلُهُ: النَّافِعَةُ لِلْمُضَارِبِ) أَيْ لَوْ خَافَ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْهُ رَبُّ الْمَالِ الرِّبْحَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِسَبَبِ هَلَاكِ مَا بَقِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَعُلِمَ مِمَّا مَرَّ آنِفًا أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْحِيلَةِ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ الْمُضَارِبُ رَأْسَ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ، وَتَقْيِيدُ الزَّيْلَعِيُّ بِهِ اتِّفَاقِيٌّ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ أَبُو السُّعُودِ. [فَصْلٌ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ فِي الْمُضَارَبَةُ] فَصْلٌ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ (قَوْلُهُ لَا مُضَارَبَةَ) أَيْ فَإِنَّهَا تَفْسُدُ وَقَدْ تَبِعَ الزَّيْلَعِيَّ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَهُ مُضَارَبَةً تَفْسُدُ الْأُولَى مَعَ أَنَّ الَّذِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 656 لِمَا مَرَّ (وَإِنْ أَخَذَهُ) أَيْ الْمَالِكُ الْمَالَ (بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُضَارِبِ وَبَاعَ وَاشْتَرَى بَطَلَتْ إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ نَقْدًا) ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ (وَإِنْ صَارَ عَرَضًا لَا) ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ الصَّرِيحَ حِينَئِذٍ لَا يَعْمَلُ فَهَذَا أَوْلَى عِنَايَةٌ ثُمَّ إنْ بَاعَ بِعَرَضٍ بَقِيَتْ وَإِنْ بِنَقْدٍ بَطَلَتْ لِمَا مَرَّ (وَإِذَا سَافَرَ) وَلَوْ يَوْمًا (فَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَكِسْوَتُهُ وَرَكُوبُهُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ مَا يُرْكَبُ وَلَوْ بِكِرَاءٍ (وَكُلُّ مَا يَحْتَاجُهُ عَادَةً) أَيْ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ بِالْمَعْرُوفِ (فِي مَالِهَا) لَوْ صَحِيحَةً لَا فَاسِدَةً؛ لِأَنَّهُ أُجِيزَ، فَلَا نَفَقَةَ لَهُ كَمُسْتَبْضَعٍ وَوَكِيلٍ وَشَرِيكٍ كَافِي وَفِي الْأَخِيرِ خِلَافٌ (وَإِنْ عَمِلَ فِي الْمِصْرِ) سَوَاءٌ وُلِدَ فِيهِ أَوْ اتَّخَذَهُ دَارًا (فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ) كَدَوَائِهِ عَلَى الظَّاهِرِ أَمَّا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بِمِصْرٍ وَلَمْ يَتَّخِذْهُ دَارًا فَلَهُ النَّفَقَةُ ابْنُ مَلَكٍ مَا لَمْ يَأْخُذْ مَالًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَبِسْ بِمَالِهَا وَلَوْ سَافَرَ بِمَالِهِ وَمَالِهَا   [رد المحتار] يَفْسُدُ الثَّانِيَةُ لَا الْأُولَى كَمَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَتَقْيِيدُهُ بِالْبِضَاعَةِ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ الْمَالَ إلَى رَبِّ الْمَالِ مُضَارَبَةً لَا تَبْطُلُ الْأُولَى، بَلْ الثَّانِيَةُ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَنْعَقِدُ شَرِكَةً عَلَى مَالِ رَبِّ الْمَالِ وَعَمَلِ الْمُضَارِبِ، وَلَا مَالَ هُنَا فَلَوْ جَوَّزْنَاهُ يُؤَدِّي إلَى قَلْبِ الْمَوْضُوعِ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ بَقِيَ عَمَلُ رَبِّ الْمَالِ بِأَمْرِ الْمُضَارِبِ، فَلَا تَبْطُلُ الْأُولَى كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهَا بِضَاعَةٌ، وَإِنْ سُمِّيَتْ مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْبِضَاعَةِ هُنَا الِاسْتِعَانَةُ؛ لِأَنَّ الْإِبْضَاعَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَتَأَتَّى هُنَا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ لِلْمُبْضِعِ، وَالْعَمَلُ مِنْ الْآخَرِ، وَلَا رِبْحَ لِلْعَامِلِ، وَفُهِمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ جَوَازُ الْإِبْضَاعِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ بِالْأَوْلَى اهـ (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَخَذَهُ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِدَفْعٍ (قَوْلُهُ: وَإِنْ صَارَ عَرَضًا) أَيْ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ بَاعَ) أَيْ مَا صَارَ عَرَضًا (قَوْلَهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَالَ فِي الْهَامِشِ: فَلَوْ بَاعَ أَيْ رَبُّ الْمَالِ الْعُرُوضَ بِنَقْدٍ ثُمَّ اشْتَرَى عُرُوضًا كَانَ لِلْمُضَارِبِ حِصَّتُهُ مِنْ رِبْحِ الْعُرُوضِ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَ الْعُرُوضَ وَصَارَ الْمَالُ نَقْدًا فِي يَدِهِ كَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْمُضَارَبَةِ فَشِرَاؤُهُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لِنَفْسِهِ فَلَوْ بَاعَ الْعُرُوضَ لِعُرُوضٍ مِثْلِهَا أَوْ بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ، وَرَبِحَ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا بَحْرٌ وَمِنَحٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ يَوْمًا) ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ حَبْسُ نَفْسِهِ لِأَجْلِهَا، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّفَرِ الشَّرْعِيَّ بَلْ الْمُرَادُ أَنْ لَا يُمَكِّنَهُ الْمَبِيتُ فِي مَنْزِلِهِ، فَإِنْ أَمْكَنَ أَنَّهُ يَعُودُ إلَيْهِ فِي لَيْلَةٍ فَهُوَ كَالْمِصْرِ لَا نَفَقَةَ لَهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِكِرَاءٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَمَدِّهَا وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ بَعْدَهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَجِيرٌ) أَيْ فِي الْفَاسِدَةِ (قَوْلُهُ خِلَافٌ) فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِوُجُوبِهَا فِي مَالِ الشَّرِكَةِ مِنَحٌ، وَجَعَلَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ. وَفِي الْحَامِدِيَّةِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ عَنْ الرَّمْلِيِّ عَلَى الْمِنَحِ أَقُولُ: ذُكِرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْخَانِيَّةِ قَالَ مُحَمَّدٌ هَذَا اسْتِحْسَانًا. هـ. أَيْ وُجُوبُ نَفَقَتِهِ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ وَحَيْثُ عَلِمْتَ أَنَّهُ الِاسْتِحْسَانُ فَالْعَمَلُ عَلَيْهِ لِمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ إلَّا فِي مَسَائِلَ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا خَيْرُ الدِّينِ عَلَى الْمِنَحِ ا. هـ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَأْخُذْ مَالًا) يَعْنِي لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِمِصْرٍ، وَلَمْ يَتَّخِذْهُ دَارًا فَلَهُ النَّفَقَةُ إلَّا إذَا كَانَ قَدْ أَخَذَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ، فَلَا نَفَقَةَ لَهُ مَا دَامَ فِيهِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْإِيجَازِ الْمُلْحَقِ بِالْأَلْغَازِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَلَوْ أَخَذَ مَالًا بِالْكُوفَةِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَكَانَ قَدِمَ الْكُوفَةَ مُسَافِرًا، فَلَا نَفَقَةَ لَهُ فِي الْمَالِ مَا دَامَ فِي الْكُوفَةِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا مُسَافِرًا فَلَهُ النَّفَقَةُ، حَتَّى يَأْتِيَ الْبَصْرَةَ؛ لِأَنَّ خُرُوجُهُ لِأَجْلِ الْمَالِ، وَلَا يُنْفِقُ مِنْ الْمَالِ مَا دَامَ بِالْبَصْرَةِ؛ لِأَنَّ الْبَصْرَةَ وَطَنٌ أَصْلِيٌّ لَهُ فَكَانَتْ إقَامَتُهُ فِيهِ لِأَجْلِ الْوَطَنِ لَا لِأَجْلِ الْمَالِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْبَصْرَةِ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ الْمَالِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ الْكُوفَةَ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ الْبَصْرَةِ لِأَجْلِ الْمَالِ، وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ أَيْضًا مَا أَقَامَ بِالْكُوفَةِ حَتَّى يَعُودَ إلَى الْبَصْرَةِ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ كَانَ وَطَنَ إقَامَةٍ، وَأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالسَّفَرِ فَإِذَا عَادَ إلَيْهَا وَلَيْسَ لَهُ بِهَا وَطَنٌ كَانَتْ إقَامَتُهُ فِيهَا لِأَجْلِ الْمَالِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ وَالْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ ا. هـ. وَيَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ وَطَنٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 657 أَوْ خَلَطَ بِإِذْنٍ أَوْ بِمَالَيْنِ لِرَجُلَيْنِ أَنْفَقَ بِالْحِصَّةِ، وَإِذَا قَدِمَ رَدَّ مَا بَقِيَ مَجْمَعٌ، وَيَضْمَنُ الزَّائِدَ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَلَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ فِي مَالِهَا لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ هَلَكَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمَالِكِ (وَيَأْخُذُ الْمَالِكُ قَدْرَ مَا أَنْفَقَهُ الْمُضَارِبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إنْ كَانَ ثَمَّةَ رِبْحٌ، فَإِنْ اسْتَوْفَاهُ أَوْ فَضَلَ شَيْءٌ) مِنْ الرِّبْحِ (اقْتَسَمَاهُ) عَلَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ مَا أَنْفَقَهُ يُجْعَلُ كَالْهَالِكِ، وَالْهَالِكُ يُصْرَفُ إلَى الرِّبْحِ كَمَا مَرَّ. (وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُضَارِبِ (وَإِنْ بَاعَ الْمَتَاعَ مُرَابَحَةً حَسِبَ مَا أَنْفَقَ عَلَى الْمَتَاعِ مِنْ الْحُمْلَانِ وَأُجْرَةِ السِّمْسَارِ وَالْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ وَنَحْوِهِ) مِمَّا اُعْتِيدَ ضَمُّهُ (وَيَقُولُ) الْبَائِعُ (قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا وَكَذَا يَضُمُّ إلَى رَأْسِ الْمَالِ مَا يُوجِبُ زِيَادَةً فِيهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا أَوْ اعْتَادَهُ التُّجَّارُ) كَأُجْرَةِ السِّمْسَارِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ نِهَايَةٌ (لَا) يَضُمُّ مَا أَنْفَقَهُ (عَلَى نَفْسِهِ) لِعَدَمِ الزِّيَادَةِ وَالْعَادَةِ (مُضَارِبٌ بِالنِّصْفِ) (شَرَى بِأَلْفِهَا بَزًّا) أَيْ ثِيَابًا (وَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ وَشَرَى بِهِمَا عَبْدًا فَضَاعَا فِي يَدِهِ) قَبْلَ نَقْدِهِمَا لِبَائِعِ الْعَبْدِ (غَرِمَ الْمُضَارِبُ) نِصْفَ الرِّبْحِ (رُبْعَهُمَا وَ) غَرِمَ (الْمَالِكُ الْبَاقِيَ وَ) يَصِيرُ (رُبْعُ الْعَبْدِ) مِلْكًا (لِلْمُضَارِبِ) خَارِجًا عَنْ الْمُضَارَبَةِ لِكَوْنِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ أَمَانَةٌ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ (وَبَاقِيهِ لَهَا وَرَأْسُ الْمَالِ) جَمِيعُ مَا دَفَعَ الْمَالِكُ وَهُوَ (أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ وَ) لَكِنْ (رَابَحَ) الْمُضَارِبُ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ (عَلَى أَلْفَيْنِ) فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ شَرَاهُ مُبْهَمًا (وَلَوْ بِيعَ) الْعَبْدُ (بِضِعْفِهِمَا) بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ (فَحِصَّتُهَا ثَلَاثَةُ آلَافٍ) ؛ لِأَنَّ رُبْعَهُ الْمُضَارِبُ (وَالرِّبْحُ مِنْهَا   [رد المحتار] بِالْكُوفَةِ أَيْضًا لَيْسَ لَهُ الْإِنْفَاقُ إلَّا فِي الطَّرِيقِ، وَرَأَيْت التَّصْرِيحَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ الْخَامِسَ عَشَرَ (قَوْلُهُ: أَوْ خَلَطَ إلَخْ) أَوْ بِعُرْفٍ شَائِعٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِإِذْنٍ) أَيْ وَتَصِيرُ شَرِكَةَ مِلْكٍ فَلَا تُنَافِي الْمُضَارَبَةَ، وَنَظِيرُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا نِصْفُهَا قَرْضٌ وَنِصْفُهَا مُضَارَبَةٌ صَحَّ، وَلِكُلِّ نِصْفٍ حُكْمُ نَفْسِهِ ا. هـ. مَعَ أَنَّ الْمَالَ مُشْتَرَكٌ شَرِكَةَ مِلْكٍ، فَلَمْ يَضْمَنْ الْمُضَارَبَةَ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يُنَافِي مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ نَفَقَةٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَوْ بِمَالَيْنِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا بِضَاعَةً فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ إلَّا أَنْ يَتَفَرَّغَ لِلْعَمَلِ فِي الْبِضَاعَةِ فَمِنْ مَالِ نَفْسِهِ دُونَ الْبِضَاعَةِ إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُ الْمُسْتَبْضَعُ بِالنَّفَقَةِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ تَتَارْخَانِيَّةٌ فِي الْخَامِسَ عَشَرَ عَنْ الْمُحِيطِ، وَفِيهَا عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ، وَلَوْ رَجَعَ الْمُضَارِبُ مِنْ سَفَرِهِ بَعْدَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ الْمَالِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى الرَّقِيقِ، وَكَذَا بَعْدَ النَّهْيِ وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهِ يَنْهَاهُ، وَقَدْ صَارَ الْمَالُ نَقْدًا لَمْ يُنْفِقْ فِي رُجُوعِهِ ا. هـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ هَلَكَ) أَيْ مَالُهَا (قَوْلُهُ: وَيَأْخُذُ) أَيْ مِنْ الرِّبْحِ (قَوْلُهُ مِنْ رَأْسٍ) مُتَعَلِّقٌ بِأَنْفَقَ، وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ لَهُ أَلْفًا مَثَلًا، فَأَنْفَقَ الْمُضَارِبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مِائَةً، وَرَبِحَ مِائَةً يَأْخُذُ الْمَالِكُ الْمِائَةَ الرِّبْحَ بَدَلَ الْمِائَةِ الَّتِي أَنْفَقَهَا الْمُضَارِبُ لِيَسْتَوْفِيَ الْمَالِكُ جَمِيعَ رَأْسِ مَالِهِ، فَلَوْ كَانَ الرِّبْحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِائَتَيْنِ يَأْخُذُ مِائَةً بَدَلَ النَّفَقَةِ، وَيَقْتَسِمَانِ الْمِائَةَ الثَّانِيَةَ (قَوْلُهُ مِنْ الْحُمْلَانِ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَالْحُمْلَانُ بِالضَّمِّ: الْحِمْلُ مَصْدَرُ حَمَلَهُ، وَالْحُمْلَانُ أَيْضًا أَجْرُ مَا يُحْمَلُ ا. هـ. وَهُوَ الْمُرَادُ ط (قَوْلُهُ حَقِيقَةً) كَالصَّبْغِ (قَوْلُهُ أَوْ حُكْمًا) كَالْقَصَّارَةِ (قَوْلُهُ وَالْعَادَةُ) قَدْ سَبَقَ فِي الْمُرَابَحَةِ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الضَّمِّ لِعَادَةِ التُّجَّارِ فَإِذَا جَرَتْ بِضَمِّ ذَلِكَ يُضَمُّ ط. (قَوْلُهُ: أَيْ ثِيَابًا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْبَزُّ عِنْدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ ثِيَابُ الْكَتَّانِ أَوْ الْقُطْنِ لَا ثِيَابُ الصُّوفِ أَوْ الْخَزِّ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ ا. هـ. (قَوْلُهُ: نِصْفُ الرِّبْحِ) ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ فِيهَا رِبْحُ أَلْفٍ لَمَّا صَارَ الْمَالُ نَقْدًا، فَإِذَا اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ عَبْدًا صَارَ مُشْتَرَكًا رُبْعُهُ لِلْمُضَارِبِ. وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ، فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِمَا بِالْحِصَصِ (قَوْلُهُ: الْبَاقِي) وَلَكِنْ الْأَلْفَانِ يَجِبَانِ جَمِيعًا لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُضَارِبِ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُضَارِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ، وَأَحْكَامُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ خَارِجًا (قَوْلُهُ: وَبَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الضَّمَانِ الْمَفْهُومِ مِنْ مَضْمُونٍ وَبَيْنَ الْأَمَانَةِ (قَوْلُهُ لَهَا) ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ رَبِّ الْمَالِ لَا يُنَافِي الْمُضَارَبَةَ س (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِيعَ) أَيْ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا (قَوْلُهُ: فَحِصَّتُهَا) أَيْ الْمُضَارَبَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ رُبْعَهُ) أَيْ رُبْعَ الْعَبْدِ مِلْكٌ لِلْمُضَارِبِ كَمَا تَقَدَّمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 658 نِصْفُ الْأَلْفِ بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ (وَلَوْ شَرَى مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ عَبْدًا شَرَاهُ) رَبُّ الْمَالِ (بِنِصْفِهِ رَابَحَ بِنِصْفِهِ) وَكَذَا عَكْسُهُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ وَمِنْهُ عُلِمَ جَوَازُ شِرَاءِ الْمَالِكِ مِنْ الْمُضَارِبِ وَعَكْسُهُ (وَلَوْ شَرَى بِأَلْفِهَا عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفَانِ، فَقَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلًا خَطَأً، فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْفِدَاءِ عَلَى الْمَالِكِ، وَرُبْعُهُ عَلَى الْمُضَارِبِ) عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا (وَالْعَبْدُ يَخْدُمُ الْمَالِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْمُضَارِبَ يَوْمًا) لِخُرُوجِهِ عَنْ الْمُضَارَبَةِ بِالْفِدَاءِ لِلتَّنَافِي كَمَا مَرَّ، وَلَوْ اخْتَارَ الْمَالِكُ الدَّفْعَ، وَالْمُضَارِبُ الْفِدَاءَ فَلَهُ ذَلِكَ لِتَوَهُّمِ الرِّبْحِ حِينَئِذٍ. (اشْتَرَى بِأَلْفِهَا عَبْدًا، وَهَلَكَ الثَّمَنُ قَبْلَ النَّقْدِ) لِلْبَائِعِ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ بَلْ (دَفَعَ الْمَالِكُ) لِلْمُضَارِبِ (أَلْفًا أُخْرَى ثُمَّ، وَثُمَّ) أَيْ كُلَّمَا هَلَكَ دَفَعَ أُخْرَى إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ (وَرَأْسُ الْمَالِ جَمِيعُ مَا دَفَعَ)   [رد المحتار] وَفِي الْهَامِشِ قَوْلُهُ: رُبْعُهُ وَهُوَ الْأَلْفُ اهـ (قَوْلُهُ: بَيْنَهُمَا) أَيْ وَالْأَلْفُ يَخْتَصُّ بِهَا الْمُضَارِبُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: عَبْدًا) أَيْ قِيمَتُهُ أَلْفٌ فَالثَّمَنُ وَالْقِيمَةُ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ بِأَنْ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا بِأَلْفٍ قِيمَتُهُ أَلْفَانِ، ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفَيْنِ بَعْدَ مَا رَبِحَ الْمُضَارِبُ أَلْفًا، فَإِنَّهُ يُرَابِحُ عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَكَذَا لَوْ الْفَضْلُ فِي قِيمَةِ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ بِأَنْ كَانَ الْعَبْدُ يُسَاوِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَاشْتَرَاهُ رَبُّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفٍ فَإِنَّهُ يُرَابِحُ عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَكَذَا عَكْسُهُ بِأَنْ شَرَى عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ مِنْهُ بِأَلْفٍ فَالْمَسْأَلَةُ رُبَاعِيَّةٌ قِسْمَانِ لَا يُرَابَحُ فِيهِمَا إلَّا عَلَى مَا اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ وَقِسْمَانِ يُرَابَحُ فِيهِمَا عَلَيْهِ وَعَلَى حِصَّةِ الْمُضَارِبِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ رَبَّ الْمَالِ فَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبَ فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ: شَرَاهُ) صِفَةُ عَبْدًا (قَوْلُهُ: رَابَحَ) جَوَابُ لَوْ (قَوْلُهُ: وَكَذَا عَكْسُهُ) وَهُوَ مَا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ الْمُضَارِبَ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بِأَنْ شَرَى رَبُّ الْمَالِ بِأَلْفٍ عَبْدًا شَرَاهُ الْمُضَارِبُ بِنِصْفِهِ وَرَأْسُ الْمَالِ أَلْفٌ، فَإِنَّهُ يُرَابِحُ بِنِصْفِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ كَالثَّمَنِ لَا فَضْلَ فِيهِمَا. وَمِثْلُهُ لَوْ الْفَضْلُ فِي الْقِيمَةِ فَقَطْ، أَمَّا لَوْ كَانَ فِيهِمَا فَضْلٌ أَوْ فِي الثَّمَنِ فَقَطْ فَإِنَّهُ يُرَابِحُ عَلَى مَا اشْتَرَى بِهِ الْمُضَارِبُ وَحِصَّةُ الْمُضَارِبِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ رُبَاعِيَّةٌ أَيْضًا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَرَى) أَيْ مَنْ مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ كَمَا قُيِّدَ بِهِ فِي الْكَنْزِ (قَوْلُهُ: بِالْفِدَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ الْمَالُ عَيْنًا وَاحِدًا ظَهَرَ الرِّبْحُ وَهُوَ أَلْفٌ بَيْنَهُمَا وَأَلْفٌ لِرَبِّ الْمَالِ، فَإِذَا فَدَيَاهُ خَرَجَ عَنْ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْمُضَارِبِ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَنَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ صَارَ لَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِالْفِدَاءِ عَلَيْهِمَا، وَإِذَا خَرَجَ عَنْهَا بِالدَّفْعِ أَوْ بِالْفِدَاءِ غَرِمَا عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا بَحْرٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا مَرَّ حَيْثُ لَا يَخْرُجُ مَا خَصَّ رَبُّ الْمَالِ عَنْ الْمُضَارَبَةِ، وَهُنَا يَخْرُجُ أَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ ضَمَانُ التِّجَارَةِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي الْمُضَارَبَةَ، وَهُنَا ضَمَانُ الْجِنَايَةِ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ فِي شَيْءٍ فَلَا يَبْقَى عَلَى الْمُضَارَبَةِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ قَرِيبًا مِنْ أَنَّ ضَمَانَ الْمُضَارِبِ يُنَافِي الْمُضَارَبَةَ س (قَوْلُهُ: وَلَوْ اخْتَارَ الْمَالِكُ الدَّفْعَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: قُيِّدَ بِقَوْلِهِ: قِيمَتُهُ أَلْفَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا فَتَدْبِيرُ الْجِنَايَةِ إلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ عَلَى مِلْكِهِ لَا مِلْكَ لِلْمُضَارِبِ فِيهَا فَإِنْ اخْتَارَ رَبُّ الْمَالِ الدَّفْعَ، وَالْمُضَارِبُ الْفِدَاءَ مَعَ ذَلِكَ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَبْقِي بِالْفِدَاءِ مَالَ الْمُضَارَبَةِ، وَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ يُتَوَهَّمُ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ ا. هـ. وَنَحْوُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الرِّبْحَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ مُحَقَّقٌ بِخِلَافِ هَذِهِ، فَقَدْ عَلَّلَ لِغَيْرِ مَذْكُورٍ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْخِيَارِ لِكَوْنِ الْعَبْدِ مُشْتَرَكًا يَدُلُّ لَهُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَيَكُونُ الْخِيَارُ لَهُمَا جَمِيعًا إنْ شَاءَا فَدَيَا وَإِنْ شَاءَا دَفَعَا فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: مَا دَفَعَ) فَلَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ إلَّا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَالِكِ الْكُلَّ لَكِنَّ الْمُضَارِبَ لَا يُرَابِحُ إلَّا عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 659 بِخِلَافِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ ثَانِيًا يَدُ اسْتِيفَاءٍ لَا أَمَانَةٍ (مَعَهُ أَلْفَانِ، فَقَالَ) لِلْمَالِكِ (دَفَعْتَ إلَيَّ أَلْفًا وَرَبِحْتُ أَلْفًا، وَقَالَ الْمَالِكُ دَفَعْت أَلْفَيْنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ) ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ لِلْقَابِضِ أَمِينًا أَوْ ضَمِينًا كَمَا لَوْ أَنْكَرَهُ أَصْلًا (وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ) مَعَ ذَلِكَ (فِي مِقْدَارِ الرِّبْحِ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ فِي مِقْدَارِ الرِّبْحِ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ (وَأَيُّهُمَا أَقَامَ بَيِّنَةً تُقْبَلُ، وَإِنْ أَقَامَاهَا فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ فِي دَعْوَاهُ الزِّيَادَةَ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَ) بَيِّنَةُ (الْمُضَارِبِ فِي دَعْوَاهُ الزِّيَادَةَ فِي الرِّبْحِ) قُيِّدَ الِاخْتِلَافُ بِكَوْنِهِ فِي الْمِقْدَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الصِّفَةِ، فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ، فَلِذَا قَالَ (مَعَهُ أَلْفٌ، فَقَالَ هُوَ مُضَارَبَةٌ بِالنِّصْفِ، وَقَدْ رَبِحَ أَلْفًا، وَقَالَ الْمَالِكُ هُوَ بِضَاعَةٌ فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ) ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ (وَكَذَا لَوْ قَالَ) الْمُضَارِبُ (هِيَ قَرْضٌ وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ هِيَ بِضَاعَةٌ أَوْ وَدِيعَةٌ أَوْ مُضَارَبَةٌ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ) ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّمْلِيكَ وَالْمَالِكُ يُنْكِرُ (وَ) أَمَّا (لَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ الْقَرْضَ وَالْمُضَارِبُ الْمُضَارَبَةَ فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ) ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الضَّمَانَ وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ (وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً فَبَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ أَوْلَى) ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي النَّوْعِ فَإِنْ ادَّعَى الْمُضَارِبُ الْعُمُومَ أَوْ الْإِطْلَاقَ وَادَّعَى الْمَالِكُ الْخُصُوصَ فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ   [رد المحتار] أَلْفٍ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْوَكِيلِ) أَيْ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَدْفُوعًا إلَيْهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ، ثُمَّ هَلَكَ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا مَرَّةً (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ ثَانِيًا إلَخْ) الضَّمِيرُ فِيهِ لِلْوَكِيلِ بَيَانُهُ أَنَّ الْمَالَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ أَمَانَةٌ، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ، فَكُلُّ مَا قَبَضَ يَكُونُ أَمَانَةً، وَقَبْضُ الْوَكِيلِ ثَانِيًا اسْتِيفَاءٌ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ مِثْلُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِلْبَائِعِ، فَإِذَا صَارَ مُسْتَوْفِيًا لَهُ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَيَهْلَكُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَدْفُوعًا إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الشِّرَاءِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ، فَجُعِلَ مُسْتَوْفِيًا بِالْقَبْضِ بَعْدَهُ؛ إذْ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ قَبْلَهُ أَمَانَةٌ، وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْأَمَانَةِ بَعْدَهُ فَلَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفِيًا فَإِذَا هَلَكَ يَرْجِعُ مَرَّةً فَقَطْ لِمَا قُلْنَا. (قَوْلُهُ مَعَ ذَلِكَ) أَيْ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي رَأْسِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: الرِّبْحُ) صُورَتُهُ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَانِ وَشَرَطْتُ لَكَ ثُلُثَ الرِّبْحِ، وَقَالَ الْمُضَارِبُ: رَأْسُ الْمَالِ أَلْفٌ وَشَرَطْتَ لِي النِّصْفَ (قَوْلُهُ: فَقَطْ) لَا فِي رَأْسِ الْمَالِ بَلْ الْقَوْلُ فِيهِ لِلْمُضَارِبِ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: فَالْبَيِّنَةُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ رَبِّ الْمَالِ فِي زِيَادَةِ رَأْسِ الْمَالِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا وَبَيِّنَةَ الْمُضَارِبِ فِي زِيَادَةِ الرِّبْحِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا، وَمِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الصِّفَةِ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ ادَّعَى الْمُضَارَبَةَ وَادَّعَى مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ أَنَّهَا عِنَانٌ، وَلَهُ فِي الْمَالِ كَذَا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَثَبَتَتْ حِصَّةً مِنْ الْمَالِ، وَأَثْبَتَتْ الصِّفَةَ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ) ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ تَقَوُّمَ عَمَلِهِ أَوْ شَرْطًا مِنْ جِهَتِهِ أَوْ يَدَّعِي الشَّرِكَةَ وَهُوَ يُنْكِرُ مِنَحٌ (قَوْلُهُ الْمُضَارِبُ) الْأَوْلَى ذُو الْيَدِ (قَوْلُهُ: هِيَ قَرْضٌ) لِيَكُونَ كُلُّ الرِّبْحِ لَهُ (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ) مِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَالْبَحْرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ النِّهَايَةِ وَشَرْحِ التَّجْرِيدِ. وَحَكَى ابْنُ وَهْبَانَ فِي نَظْمِهِ قَوْلَيْنِ، وَفِي مَجْمُوعَةِ مُنْلَا عَلِيٍّ عَنْ مَجْمُوعَةِ الْأَنْقِرْوِيِّ عَنْ مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ لَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: هُوَ قَرْضٌ، وَالْقَابِضُ: مُضَارَبَةٌ، فَإِنْ بَعْدَ مَا تَصَرَّفَ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا، وَالْمُضَارِبُ ضَامِنٌ، وَإِنْ قَبْلَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَيْ الْقَابِضِ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ كَانَ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ، وَلَمْ يَثْبُتْ الْقَرْضُ لِإِنْكَارِ الْقَابِضِ ا. هـ. وَنَقَلَ فِيهَا عَنْ الذَّخِيرَةِ مِنْ الرَّابِعَ عَشَرَ مِثْلَهُ، وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ الْقَوْلِ لِمَنْ عَنْ غَانِمٍ الْبَغْدَادِيِّ عَنْ الْوَجِيزِ، وَبِمِثْلِهِ أَفْتَى عَلِيٌّ أَفَنْدِي مُفْتِي الْمَمَالِكِ الْعُثْمَانِيَّةِ، وَكَذَا قَالَ فِي فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالتَّنْوِيرِ فِيمَا إذَا كَانَ قَبْلَ التَّصَرُّفِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِاتِّحَادِ الْحَادِثَةِ وَالْحُكْمِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقِ مِنْ مَجْمُوعَةِ مُنْلَا عَلِيٍّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: بِالْأَصْلِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُضَارَبَةِ الْعُمُومُ؛ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الِاسْتِرْبَاحُ، وَالْعُمُومُ وَالْإِطْلَاقُ يُنَاسِبَانِهِ، وَهَذَا إذَا تَنَازَعَا بَعْدَ تَصَرُّفِ الْمُضَارِبِ فَلَوْ قَبْلَهُ فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ كَمَا إذَا ادَّعَى الْمَالِكُ بَعْدَ التَّصَرُّفِ الْعُمُومَ، وَالْمُضَارِبُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 660 وَلَوْ ادَّعَى كُلٌّ نَوْعًا فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ، وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُضَارِبِ فَيُقِيمُهَا عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ، وَيَلْزَمُهُ نَفْيُ الضَّمَانِ وَلَوْ وَقَّتَ الْبَيِّنَتَانِ قَضَى بِالْمُتَأَخِّرَةِ وَإِلَّا فَبَيِّنَةُ الْمَالِكِ. [فُرُوعٌ] دَفَعَ الْوَصِيُّ مَالَ الصَّغِيرِ إلَى نَفْسِهِ مُضَارَبَةً جَازَ، وَقَيَّدَهُ الطَّرَسُوسِيُّ بِأَنْ لَا يَجْعَلَ الْوَصِيُّ لِنَفْسِهِ مِنْ الرِّبْحِ أَكْثَرَ مِمَّا يَجْعَلُ لِأَمْثَالِهِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَفِيهَا: مَاتَ الْمُضَارِبُ وَلَمْ يُوجَدْ مَالُ الْمُضَارَبَةِ فِيمَا خَلَفَ عَادَ دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ وَفِي الِاخْتِيَارِ دَفَعَ الْمُضَارِبُ شَيْئًا لِلْعَاشِرِ لِيَكُفَّ عَنْهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أُمُورِ التِّجَارَةِ لَكِنْ صَرَّحَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِي زَمَانِنَا قَالَ: وَكَذَا الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّهُمَا يَقْصِدَانِ الْإِصْلَاحَ، وَسَيَجِيءُ آخِرَ الْوَدِيعَةِ وَفِيهِ: لَوْ شَرَى بِمَالِهَا مَتَاعًا فَقَالَ: أَنَا أَمْسِكُهُ حَتَّى أَجِدَ رِبْحًا كَثِيرًا، وَأَرَادَ الْمَالِكُ بَيْعَهُ فَإِنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ لِعَمَلِهِ بِأَجْرٍ كَمَا مَرَّ إلَّا أَنْ يَقُولَ لِلْمَالِكِ أُعْطِيكَ رَأْسَ الْمَالِ وَحِصَّتَكَ مِنْ الرِّبْحِ فَيُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَى قَبُولِ ذَلِكَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا نِصْفُهَا هِبَةٌ وَنِصْفُهَا مُضَارَبَةٌ، فَهَلَكَتْ يَضْمَنُ حِصَّةَ الْهِبَةِ ا. هـ. قُلْت: وَالْمُفْتَى بِهِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ مُطْلَقًا لَا فِي الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ وَلَا فِي الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهَا فَاسِدَةٌ وَهِيَ تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا سَيَجِيءُ فَلَا ضَمَانَ فِيهَا وَبِهِ يَضْعُفُ قَوْلُ الْوَهْبَانِيَّةِ: وَأَوْدَعَهُ عَشْرًا عَلَى أَنَّ خَمْسَةً ... لَهُ هِبَةً فَاسْتَهْلَكَ الْخَمْسَ يَخْسَرُ.   [رد المحتار] الْخُصُوصَ فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ دُرٌّ مُنْتَقَى (قَوْلُهُ: كُلٌّ نَوْعًا) بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: فِي بُرٍّ، وَقَالَ الْآخَرُ فِي بُرٍّ (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ) ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْخُصُوصِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ الْإِذْنُ س (قَوْلُهُ: فَيُقِيمُهَا) أَيْ الْبَيِّنَةَ (قَوْلُهُ عَلَى صِحَّةٍ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْبَيِّنَةَ تَكُونُ حِينَئِذٍ عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ لَا عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ حَتَّى تَكُونَ عَلَى النَّفْيِ، فَلَا تُقْبَلُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَقَّتَ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَلَوْ وُقِّتَتْ (قَوْلُهُ: الْبَيِّنَتَانِ) فَاعِلٌ وَقَّتَ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بِأَنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: أَدَّيْتُهُ إلَيْكَ مُضَارَبَةً أَنْ تَعْمَلَ فِي بَزٍّ فِي رَمَضَانَ وَقَالَ الْمُضَارِبُ: دَفَعْتَ إلَيَّ لِأَعْمَلَ فِي طَعَامٍ فِي شَوَّالٍ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ (قَوْلُهُ: قُضِيَ بِالْمُتَأَخِّرَةِ) ؛ لِأَنَّ آخِرَ الشَّرْطَيْنِ يَنْسَخُ أَوَّلَهُمَا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يُوَقِّتَا أَوْ وُقِّتَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى (قَوْلُهُ إلَى نَفْسِهِ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْوَصِيِّ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ الطَّرَسُوسِيُّ) أَيْ بَحْثًا مِنْهُ وَرَدَّهُ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِإِطْلَاقِهِمْ بِرَأْيِهِ مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ الشِّحْنَةِ مَا قَالَهُ الطَّرَسُوسِيُّ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ. أَقُولُ: لَكِنْ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ الْمُلْتَقَطِ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَخْذُ مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً فَهَذَا يُفِيدُ الْمَنْعَ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: فِي تَرِكَتِهِ) لِأَنَّهُ صَارَ بِالتَّجْهِيلِ مُسْتَهْلِكًا وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْوَدِيعَةِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ قَائِلًا: وَبِهِ أَفْتَى قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَفِيهِ: لَوْ شَرَى إلَخْ) الْكَلَامُ هُنَا فِي مَوْضِعَيْنِ: الْأَوَّلُ: حَقُّ إمْسَاكِ الْمُضَارِبِ الْمَتَاعَ مِنْ غَيْرِ رِضَا رَبِّ الْمَالِ، وَالثَّانِي: إجْبَارُ الْمُضَارِبِ عَلَى الْبَيْعِ حَيْثُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْإِمْسَاكِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ لَا إلَّا أَنْ يُعْطِيَ لِرَبِّ الْمَالِ رَأْسَ الْمَالِ فَقَطْ إنْ لَمْ يَرْبَحْ أَوْ مَعَ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ فَحِينَئِذٍ لَهُ حَقُّ الْإِمْسَاكِ، وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ إجْبَارُهُ عَلَى الْبَيْعِ فَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أُجْبِرَ عَلَى الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ لِلْمَالِكِ رَأْسَ مَالِهِ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ لَا يُجْبَرُ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ لِلْمَالِكِ رَأْسَ مَالِهِ أَوْ يَدْفَعَ لَهُ الْمَتَاعَ بِرَأْسِ مَالِهِ هَذَا حَاصِلُ مَا فَهِمْتُهُ مِنْ عِبَارَةِ الْمِنَحِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَهِيَ عِبَارَةٌ مُعَقَّدَةٌ، وَقَدْ رَاجَعْتُ عِبَارَةَ الذَّخِيرَةِ فَوَجَدْتهَا كَمَا فِي الْمِنَحِ، وَبَقِيَ مَا إذَا أَرَادَ الْمَالِكُ أَنْ يُمْسِكَ الْمَتَاعَ، وَالْمُضَارِبُ يُرِيدَ بَيْعَهُ، وَهُوَ حَادِثَةُ الْفَتْوَى، وَيُعْلَمُ جَوَابُهَا مِمَّا مَرَّ قُبَيْلَ الْفَصْلِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَزَلَهُ، وَعَلِمَ بِهِ، وَالْمَالُ عُرُوضٌ بَاعَهَا، وَإِنْ نَهَاهُ الْمَالِكُ، وَلَا يَمْلِكُ الْمَالِكُ فَسْخَهَا وَلَا تَخْصِيصَ الْإِذْنِ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ مِنْ وَجْهٍ (قَوْلُهُ: حِصَّةَ الْهِبَةِ) ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الْمَشَاعِ الَّذِي يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَيَكُونُ فِي ضَمَانِهِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ إلَخْ) وَنَقَلَهَا الْفَتَّالُ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ: تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ) أَقُولُ: لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ وَالضَّمَانِ سَائِحَانِيٌّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 661 كِتَابُ الْإِيدَاعِ. لَا خَفَاءَ فِي اشْتِرَاكِهِ مَعَ مَا قَبْلَهُ فِي الْحُكْمِ، وَهُوَ الْأَمَانَةُ (هُوَ) لُغَةً: مِنْ الْوَدْعِ أَيْ التَّرْكِ وَشَرْعًا (تَسْلِيطُ الْغَيْرِ عَلَى حِفْظِ مَالِهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً) كَأَنْ انْفَتَقَ زِقُّ رَجُلٍ فَأَخَذَهُ رَجُلٌ بِغَيْبَةِ مَالِكِهِ ثُمَّ تَرَكَهُ، ضَمِنَ لِأَنَّهُ بِهَذَا الْأَخْذِ الْتَزَمَ حِفْظَهُ دَلَالَةً بَحْرٌ (الْوَدِيعَةُ مَا تُتْرَكُ عِنْدَ الْأَمِينِ) وَهِيَ أَخَصُّ مِنْ الْأَمَانَةِ كَمَا حَقَّقَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. (وَرُكْنُهَا: الْإِيجَابُ صَرِيحًا) كَأَوْدَعْتُكَ (أَوْ كِنَايَةً) كَقَوْلِهِ لِرَجُلٍ أَعْطِنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَعْطِنِي هَذَا الثَّوْبَ مَثَلًا فَقَالَ: أَعْطَيْتُك كَانَ وَدِيعَةً بَحْرٌ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ يَحْتَمِلُ الْهِبَةَ لَكِنَّ الْوَدِيعَةَ أَدْنَى، وَهُوَ مُتَيَقَّنٌ فَصَارَ كِنَايَةً (أَوْ فِعْلًا) كَمَا لَوْ وَضَعَ ثَوْبَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَجُلٍ وَلَمْ يَقُلْ   [رد المحتار] أَقُولُ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ حَيْثُ قَالَ رَامِزًا لِفَتَاوَى الْفَضْلِيِّ: الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ، وَبِهِ يُفْتَى، ثُمَّ إذَا هَلَكَتْ أَفْتَيْت بِالرُّجُوعِ لِلْوَاهِبِ هِبَةً فَاسِدَةً لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ؛ إذْ الْفَاسِدَةُ مَضْمُونَةٌ فَإِذَا كَانَتْ مَضْمُونَةً بِالْقِيمَةِ بَعْدَ الْهَلَاكِ كَانَتْ مُسْتَحَقَّةَ الرَّدِّ قَبْلَ الْهَلَاكِ اهـ فَتَنَبَّهْ. . [فُرُوعٌ] سُئِلَ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُضَارِبُ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَكَانَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ مَعْرُوفًا، فَهَلْ يَكُونُ رَبُّ الْمَالِ أَحَقَّ بِرَأْسِ مَالِهِ وَحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ الْجَوَابُ: نَعَمْ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ حَامِدِيَّةٌ، وَفِيهَا عَنْ قَارِئِ الْهِدَايَةِ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ فِي فَتَاوَاهُ إذَا ادَّعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ خِيَانَةً فِي قَدْرٍ مَعْلُومٍ، وَأَنْكَرَ حَلَفَ عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ مَا ادَّعَاهُ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مِقْدَارًا، فَكَذَا الْحُكْمُ لَكِنْ إذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ أَنْ يُعَيِّنَ مِقْدَارَ مَا خَانَ فِيهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي مِقْدَارِهِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ كَإِقْرَارٍ بِشَيْءٍ مَجْهُولٍ، وَالْبَيَانُ فِي مِقْدَارِهِ إلَى الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ خَصْمُهُ بَيِّنَةً عَلَى أَكْثَرَ اهـ. [كِتَابُ الْإِيدَاعِ] (قَوْلُهُ بِغَيْبَةِ إلَخْ) قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَمْ يَضْمَنْ كَمَا حَقَّقَهُ الْمُصَنِّفُ اُنْظُرْ الْيَعْقُوبِيَّةَ قَالَ فِي الْمِنَحِ: إنَّ الْأَمَانَةَ عِلْمٌ لِمَا هُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَشَمِلَ جَمِيعَ الصُّوَرِ الَّتِي لَا ضَمَانَ فِيهَا كَالْعَارِيَّةِ وَالْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ فِي يَدِ الْمُوصَى لَهُ بِهَا، الْوَدِيعَةُ مَا وُضِعَ لِلْأَمَانَةِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَكَانَا مُتَغَايِرَيْنِ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَفِي الْبَحْرِ وَحُكْمُهُمَا مُخْتَلِفٌ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، لِأَنَّهُ فِي الْوَدِيعَةِ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ إذَا عَادَ إلَى الْوِفَاقِ، وَفِي الْأَمَانَةِ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ بَعْدَ الْخِلَافِ. [نُكْتَةٌ] . ذَكَرَهَا فِي الْهَامِشِ رُوِيَ: أَنَّ زُلَيْخَا لَمَّا اُبْتُلِيَتْ بِالْفَقْرِ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهَا مِنْ الْحُزْنِ عَلَى يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَلَسَتْ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فِي زِيِّ الْفُقَرَاءِ فَمَرَّ بِهَا يُوسُفُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَامَتْ تُنَادِي أَيُّهَا الْمَلِكُ، اسْمَعْ كَلَامِي، فَوَقَفَ يُوسُفُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَتْ: الْأَمَانَةُ أَقَامَتْ الْمَمْلُوكَ مَقَامَ الْمُلُوكِ، وَالْخِيَانَةُ أَقَامَتْ الْمُلُوكَ مَقَامَ الْمَمْلُوكِ، فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقِيلَ: إنَّهَا زُلَيْخَا فَتَزَوَّجَهَا رَحْمَةً عَلَيْهَا اهـ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ كِنَايَةً) الْمُرَادُ بِهَا مَا قَابَلَ الصَّرِيحَ مِثْلُ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ لَا الْبَيَانِيَّةُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ إلَخْ) التَّعْلِيلُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقُلْ إلَخْ) فَلَوْ قَالَ: لَا أَقْبَلُ الْوَدِيعَةَ لَا يَضْمَنُ؛ إذْ الْقَبُولُ عُرْفًا لَا يَثْبُتُ عِنْدَ الرَّدِّ صَرِيحًا. قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقُولُ: دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْبَقَّارَ لَا يَصِيرُ مُودَعًا فِي بَقَرَةِ مَنْ بَعَثَهَا إلَيْهِ فَقَالَ الْبَقَّارُ لِلرَّسُولِ: اذْهَبْ بِهَا إلَى رَبِّهَا فَإِنِّي لَا أَقْبَلُهَا فَذَهَبَ بِهَا، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الْبَقَّارُ، وَقَدْ مَرَّ خِلَافُهُ، يَقُولُ الْحَقِيرُ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 662 شَيْئًا فَهُوَ إيدَاعٌ (وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُودَعِ صَرِيحًا) كَقَبِلْتُ (أَوْ دَلَالَةً) كَمَا لَوْ سَكَتَ عِنْدَ وَضْعِهِ فَإِنَّهُ قَبُولٌ دَلَالَةً كَوَضْعِ ثِيَابِهِ فِي حَمَّامٍ بِمَرْأًى مِنْ الثِّيَابِيِّ، وَكَقَوْلِهِ لِرَبِّ الْخَانِ: أَيْنَ أَرْبِطُهَا فَقَالَ: هُنَاكَ كَانَ إيدَاعًا خَانِيَّةٌ هَذَا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحِفْظِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْأَمَانَةِ فَتَتِمُّ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ حَتَّى لَوْ قَالَ لِلْغَاصِبِ أَوْدَعْتُك الْمَغْصُوبَ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ اخْتِيَارٌ. (وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْمَالِ قَابِلًا لِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ) فَلَوْ أَوْدَعَ الْآبِقَ أَوْ الطَّيْرَ فِي الْهَوَاءِ لَمْ يَضْمَنْ (وَكَوْنُ الْمُودَعِ مُكَلَّفًا شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْحِفْظِ عَلَيْهِ) فَلَوْ أَوْدَعَ صَبِيًّا فَاسْتَهْلَكَهَا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا ضَمِنَ بَعْدَ عِتْقِهِ (وَهِيَ   [رد المحتار] قَوْلُهُ: يَنْبَغِي لَا يَنْبَغِي إذْ الرَّسُولُ لَمَّا أَتَى بِهَا إلَيْهِ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الرِّسَالَةِ، وَصَارَ أَجْنَبِيًّا فَلَمَّا قَالَ الْبَقَّارُ رُدَّهَا عَلَى مَالِكِهَا صَارَ كَأَنَّهُ رَدَّهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ أَوْ رَدَّهَا مَعَ أَجْنَبِيٍّ فَلِذَا يَضْمَنُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ نُورُ الْعَيْنِ وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ قَالَ لَمْ أَقْبَلْ حَتَّى لَمْ يَصِرْ مُودَعًا وَتَرَكَ الثَّوْبَ رَبُّهُ، وَذَهَبَ فَرَفَعَهُ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ وَأَدْخَلَهُ بَيْتَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ الْإِيدَاعُ صَارَ غَاصِبًا بِرَفْعِهِ، يَقُولُ الْحَقِيرُ: فِيهِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ الْغَصْبَ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ، وَلَمْ تُوجَدْ، وَرَفْعُهُ الثَّوْبَ لِقَصْدِ النَّفْعِ لَا الضَّرَرِ بَلْ تَرْكُ الْمَالِكِ ثَوْبَهُ إيدَاعٌ ثَانٍ، وَرَفْعُ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ قَبُولٌ ضِمْنًا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ (قَوْلُهُ شَيْئًا) فَلَوْ قَالَ لَا أَقْبَلُ لَا يَكُونُ مُودَعًا لِأَنَّ الدَّلَالَةَ لَمْ تُوجَدْ بَحْرٌ وَفِيهِ عَنْ الْخُلَاصَةِ لَوْ وَضَعَ كِتَابَهُ عِنْدَ قَوْمٍ، فَذَهَبُوا وَتَرَكُوهُ ضَمِنُوا إذَا ضَاعَ، وَإِنْ قَامُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ ضَمِنَ الْأَخِيرُ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ لِلْحِفْظِ فَتَعَيَّنَ لِلضَّمَانِ اهـ فَكُلٌّ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِيهِ غَيْرُ صَرِيحٍ كَمَسْأَلَةِ الْخَانِيِّ الْآتِيَةِ قَرِيبًا. [فَرْعٌ] . فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ أَدْخَلَ دَابَّتَهُ دَارَ غَيْرِهِ، وَأَخْرَجَهَا رَبُّ الدَّارِ لَمْ يَضْمَنْ، لِأَنَّهَا تَضُرُّ بِالدَّارِ، وَلَوْ وَجَدَ دَابَّةً فِي مَرْبِطِهِ فَأَخْرَجَهَا ضَمِنَ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ سَكَتَ) أَيْ فَإِنَّهُ قَبُولٌ، وَبَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذَا فِي الْهِنْدِيَّةِ قَالَ وَضَعَ شَيْئًا فِي بَيْتِهِ بِغَيْرِ أَمَرَهُ فَلَمْ يَعْلَمْ حَتَّى ضَاعَ لَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ الْتِزَامِ الْحِفْظِ. وَضَعَ عِنْدَ آخَرَ شَيْئًا، وَقَالَ: احْفَظْ فَضَاعَ لَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ الْتِزَامِ الْحِفْظِ اهـ وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِالْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الرِّضَا وَعَدَمِهِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ مِنْ الثِّيَابِيِّ) وَلَا يَكُونُ الْحَمَّامِيُّ مُودَعًا مَادَامَ الثِّيَابِيُّ حَاضِرًا فَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَالْحَمَّامِيُّ مُودَعٌ بَحْرٌ. وَفِيهِ عَنْ إجَارَاتِ الْخُلَاصَةِ: لَبِسَ ثَوْبًا فَظَنَّ الثِّيَابِيُّ أَنَّهُ ثَوْبُهُ، فَإِذَا هُوَ ثَوْبُ الْغَيْرِ ضَمِنَ هُوَ الْأَصَحُّ أَيْ لِأَنَّهُ بِتَرْكِ السُّؤَالِ وَالتَّفَحُّصِ يَكُونُ مُفَرِّطًا، فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ اشْتِرَاطَ الضَّمَانِ عَلَى الْأَمِينِ بَاطِلٌ أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ اشْتِرَاطُ الْقَبُولِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ) قَدْ مَرَّ أَنَّ الْقَبُولَ صَرِيحٌ، وَدَلَالَةٌ فَلَعَلَّهُ هُنَا بِمَعْنَى الرَّدِّ أَمَّا لَوْ سَكَتَ فَهُوَ قَبُولٌ دَلَالَةً تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِإِثْبَاتِ الْيَدِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِيهِ تَسَامُحٌ؛ إذْ الْمُرَادُ إثْبَاتُ الْيَدِ بِالْفِعْلِ، وَلَا يَكْفِي قَبُولُ الْإِثْبَاتِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الدُّرَرِ بِقَوْلِهِ وَحِفْظُ شَيْءٍ بِدُونِ إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ مُحَالٌ تَأَمَّلْ فَتَّالٌ وَأَجَابَ عَنْهُ أَبُو السُّعُودِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ أَوْدَعَ صَبِيًّا) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ إيدَاعِ الصَّبِيِّ مَا إذَا أَوْدَعَ صَبِيٌّ مَحْجُورٌ مِثْلَهُ: وَهِيَ مِلْكُ غَيْرِهِمَا فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الدَّافِعِ وَالْآخِذِ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ مَدَنِيٌّ وَانْظُرْ حَاشِيَةَ الْفَتَّالِ (قَوْلُهُ ضَمِنَ بَعْدَ عِتْقِهِ) أَيْ لَوْ بَالِغًا وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ. [فَرْعٌ] . قَالَ فِي الْهَامِشِ: لَوْ احْتَاجَ إلَى نَقْلِ الْعِيَالِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِيَالٌ فَسَافَرَ بِهَا لَمْ يَضْمَنْ، وَهَذَا لَوْ عَيَّنَ الْمَكَانَ فَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْ بِأَنْ قَالَ: احْفَظْ هَذَا، وَلَمْ يَقُلْ فِي مَكَانِ كَذَا، فَسَافَرَ بِهِ فَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا ضَمِنَ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِلَّا لَا عِنْدَنَا كَالْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ لَوْ سَافَرَ بِمَالِ الصَّبِيِّ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ، فَلَوْ كَانَ لَهَا حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَقَدْ أُمِرَ بِالْحِفْظِ مُطْلَقًا، فَلَوْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ السَّفَرِ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْ حِفْظِهِ فِي الْمِصْرِ الَّذِي أَوْدَعَهُ فِيهِ لَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 663 أَمَانَةٌ) هَذَا حُكْمُهَا مَعَ وُجُوبِ الْحِفْظِ وَالْأَدَاءِ عِنْدَ الطَّلَبِ وَاسْتِحْبَابِ قَبُولِهَا (فَلَا تُضْمَنُ بِالْهَلَاكِ) إلَّا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ بِأَجْرٍ أَشْبَاهٌ مَعْزِيًّا لِلزَّيْلَعِيِّ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ أَمْ لَا، هَلَكَ مَعَهَا شَيْءٌ أَمْ لَا لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيّ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» . (وَاشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَى الْأَمِينِ) كَالْحَمَّامِيِّ وَالْخَانِيِّ (بَاطِلٌ بِهِ يُفْتَى) خُلَاصَةٌ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ. (وَلِلْمُودَعِ حِفْظُهَا بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ) كَمَالِهٍ (وَهُمْ مَنْ يَسْكُنُ مَعَهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لَا مَنْ يُمَوِّنُهُ) فَلَوْ دَفَعَهَا لِوَلَدِهِ الْمُمَيِّزِ أَوْ زَوْجَتِهِ، وَلَا يَسْكُنُ مَعَهُمَا، وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمَا لَمْ يَضْمَنْ خُلَاصَةٌ وَكَذَا لَوْ دَفَعَتْهَا لِزَوْجِهَا، لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمُسَاكَنَةِ لَا لِلنَّفَقَةِ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرَانِ مَعًا عَيْنِيٌّ. (وَشَرْطُ كَوْنِهِ) أَيْ مَنْ فِي عِيَالِهِ (أَمِينًا) فَلَوْ عَلِمَ خِيَانَتَهُ ضَمِنَ خُلَاصَةٌ (وَ) جَازَ (لِمَنْ فِي عِيَالِهِ الدَّفْعُ لِمَنْ فِي عِيَالِهِ وَلَوْ نَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ إلَى بَعْضِ مَنْ فِي عِيَالِهِ فَدَفَعَ إنْ وَجَدَ بَدَا مِنْهُ) بِأَنْ كَانَ لَهُ عِيَالٌ غَيْرُهُ ابْنُ مَلَكٍ (ضَمِنَ وَإِلَّا لَا، وَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ ضَمِنَ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ حَفِظَهَا بِمَنْ يَحْفَظُ مَالِهِ كَوَكِيلِهِ وَمَأْذُونِهِ وَشَرِيكِهِ مُفَاوَضَةً وَعِنَانًا جَازَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ابْنُ مَلَكٍ وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَغَيْرُهُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ (إلَّا إذَا خَافَ الْحَرْقَ أَوْ الْغَرَقَ) وَكَانَ غَالِبًا مُحِيطًا، فَلَوْ غَيْرَ مُحِيطٍ ضَمِنَ (فَسَلَّمَهَا إلَى جَارِهِ أَوْ) إلَى (فُلْكٍ آخَرَ) إلَّا إذَا أَمْكَنَهُ دَفْعُهَا لِمَنْ فِي عِيَالِهِ   [رد المحتار] يَضْمَنْ بِالْإِجْمَاعِ فَلَوْ لَهُ بُدٌّ مِنْ السَّفَرِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضَمِنَ لَوْ بَعِيدًا، لَا لَوْ قَرِيبًا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ ضَمِنَ فِي الْحَالَيْنِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. الْمُودَعُ بِأَجْرٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا لِتَعْيِينِ مَكَانِ الْعَقْدِ لِلْحِفْظِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ عِنْدَ الطَّلَبِ) إلَّا فِي مَسَائِلَ سَتَأْتِي (قَوْلُهُ: بِأَجْرٍ) سَيَأْتِي أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ، وَأَيْضًا قَوْلُ الْمَتْنِ هُنَا: وَاشْتِرَاطُ إلَخْ يَرُدُّ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَعَ الشَّرْطِ فَكَيْفَ مَعَ عَدَمِهِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: دَفَعَ إلَى صَاحِبِ الْحَمَّامِ، وَاسْتَأْجَرَهُ وَشَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ إذَا تَلِفَ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِيمَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى سَائِحَانِيٌّ: وَانْظُرْ حَاشِيَةَ الْفَتَّالِ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ هُنَا مُسْتَأْجَرٌ عَلَى الْحِفْظِ قَصْدًا بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّهُ مُسْتَأْجَرٌ عَلَى الْعَمَلِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِلزَّيْلَعِيِّ) وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ رَمْلِيٌّ عَلَى الْمِنَحِ (قَوْلُهُ غَيْرِ الْمُغِلِّ) أَيْ الْخَائِنِ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ كَالْحَمَّامِيِّ) أَيْ مُعَلِّمِ الْحَمَّامِ، وَأَمَّا مَنْ جَرَى الْعُرْفُ بِأَنَّهُ يَأْخُذُ فِي مُقَابَلَةِ حِفْظِهِ أُجْرَةً يَضْمَنُ، لِأَنَّهُ وَدِيعٌ بِأُجْرَةٍ لَكِنْ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِهِ سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَلَوْ دَفَعَهَا) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ حُكْمًا (قَوْلُهُ لِوَلَدِهِ الْمُمَيِّزِ) بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْحِفْظِ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ ضَمِنَ) أَيْ بِدَفْعِهَا لَهُ وَكَذَا لَوْ تَرَكَهُ فِي بَيْتِهِ الَّذِي فِيهِ وَدَائِعُ النَّاسِ، وَذَهَبَ فَضَاعَتْ ضَمِنَ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ: فِي عِيَالِهِ) الضَّمِيرُ فِي عِيَالِهِ الْأَخِيرِ يَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ لِلْعِيَالِ الْأَوَّلِ وَبِهِ صَرَّحَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَيَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمُودَعِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَقْدِسِيَّ، وَفِيهِ لَا: يُشْتَرَطُ فِي الْأَبَوَيْنِ كَوْنُهُمَا فِي عِيَالِهِ وَبِهِ يُفْتَى، وَلَوْ أَوْدَعَ غَيْرَ عِيَالِهِ، وَأَجَازَ الْمَالِكُ خَرَجَ مِنْ الْبَيْنِ، وَلَوْ وَضَعَ فِي حِرْزِ غَيْرِهِ بِلَا اسْتِئْجَارٍ يَضْمَنُ، وَلَوْ آجَرَ بَيْتًا مِنْ دَارِهِ، وَدَفَعَهَا أَيْ الْوَدِيعَةَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ إنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا غَلَقٌ عَلَى حِدَةٍ يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَدْخُلُ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ حِشْمَةٍ لَمْ يَضْمَنْ، وَفِي سُكُوتِهِمْ عَنْ الدَّفْعِ لِعِيَالِ الْمُودَعِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ، وَنَقَلَ شَيْخُنَا اخْتِلَافًا، وَتَرْجِيحَ الضَّمَانِ سَائِحَانِيٌّ وَأَرَادَ بِشَيْخِنَا أَبَا السُّعُودِ. [فَرْعٌ] . لَوْ قَالَ ادْفَعْهَا لِمَنْ شِئْت يُوَصِّلُهَا إلَيَّ فَدَفَعَهَا إلَى أَمِينٍ فَضَاعَتْ قِيلَ: يَضْمَنُ، وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ تَتَارْخَانِيَّةٌ سَائِحَانِيٌّ. [فَرْعٌ] . حَضَرَتْهَا الْوَفَاةُ فَدَفَعَتْ الْوَدِيعَةَ إلَى جَارَتِهَا فَهَلَكَتْ عِنْدَ الْجَارَةِ قَالَ الْبَلْخِيّ: إنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهَا عِنْدَ الْوَفَاةِ أَحَدٌ مِمَّنْ يَكُونُ فِي عِيَالِهِ لَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ وَقَعَ الْحَرِيقُ فِي دَارِ الْمُودَعِ لَهُ دَفْعُهَا لِأَجْنَبِيٍّ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ النِّهَايَةِ وَقَالَ قَبْلَهُ: وَظَاهِرُ الْمُتُونِ أَنَّ كَوْنَ الْغَيْرِ فِي عِيَالِهِ شَرْطٌ وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ: وَكَانَ غَالِبًا مُحِيطًا) وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّتِمَّةِ: وَسُئِلَ حُمَيْدٍ الْوَبَرِيُّ عَنْ مُودَعٍ وَقَعَ الْحَرِيقُ بِبَيْتِهِ، وَلَمْ يَنْقُلْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 664 أَوْ أَلْقَاهَا فَوَقَعَتْ فِي الْبَحْرِ ابْتِدَاءً أَوْ بِالتَّدَحْرُجِ ضَمِنَ زَيْلَعِيٌّ (فَإِنْ ادَّعَاهُ) أَيْ الدَّفْعَ لِجَارِهِ أَوْ فُلْكٍ آخَرَ (صُدِّقَ إنْ عُلِمَ وُقُوعُهُ) أَيْ الْحَرْقِ (بِبَيْتِهِ) أَيْ بِدَارِ الْمُودَعِ (وَإِلَّا) يُعْلَمْ وُقُوعُ الْحَرْقِ فِي دَارِهِ (لَا) يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَحَصَلَ بَيْنَ كَلَامَيْ الْخُلَاصَةِ وَالْهِدَايَةِ التَّوْفِيقُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (وَلَوْ مَنَعَهُ الْوَدِيعَةَ ظُلْمًا بَعْدَ طَلَبِهِ) لِرَدِّ وَدِيعَتِهِ فَلَوْ حَمَلَهَا إلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ ابْنُ مَلَكٍ بِنَفْسِهِ وَلَوْ حَكَمًا كَوَكِيلِهِ بِخِلَافِ رَسُولِهِ، وَلَوْ بِعَلَامَةٍ مِنْهُ عَلَى الظَّاهِرِ (قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا ضَمِنَ، وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ عَاجِزًا أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ بِأَنْ كَانَ مَدْفُونًا مَعَهَا ابْنُ مَلَكٍ (لَا) يَضْمَنُ كَطَلَبِ الظَّالِمِ (فَلَوْ كَانَ الْوَدِيعَةُ سَيْفًا أَرَادَ صَاحِبُهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِيَضْرِبَ بِهِ رَجُلًا فَلَهُ الْمَنْعُ مِنْ الدَّفْعِ) إلَى أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ تَرَكَ الرَّأْيَ الْأَوَّلَ وَأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ جَوَاهِرُ (كَمَا لَوْ أَوْدَعَتْ) الْمَرْأَةُ (كِتَابًا فِيهِ إقْرَارٌ مِنْهَا لِلزَّوْجِ بِمَالٍ أَوْ بِقَبْضِ مَهْرِهَا مِنْهُ) فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْهَا لِئَلَّا يَذْهَبَ حَقُّ الزَّوْجِ خَانِيَّةٌ.   [رد المحتار] الْوَدِيعَةَ إلَى مَكَان آخَرَ إنْ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ فَتَرَكَهَا حَتَّى احْتَرَقَتْ ضَمِنَ اهـ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ تَرَكَهَا حَتَّى أَكَلَهَا الْعُثُّ كَمَا يَأْتِي فِي النَّظْمِ. ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي حَرِيقٍ وَقَعَ فِي دَارِ الْمُودَعِ فَدَفَعَهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ لَمْ يَضْمَنْ، فَلَوْ خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَسْتَرِدَّهَا ضَمِنَ، وَتَمَامُهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ. وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: وَإِذَا دَفَعَ الْوَدِيعَةَ لِآخَرَ لِعُذْرٍ، فَلَمْ يَسْتَرِدَّ عَقِبَ زَوَالِهِ، فَهَلَكَتْ عِنْدَ الثَّانِي لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ، وَلَمَّا لَمْ يَضْمَنْ بِهِ لِلْعُذْرِ لَا يَضْمَنُ بِالتَّرْكِ يَدُلُّ عَلَيْهِ لَوْ سَلَّمَهَا إلَى عِيَالِهِ، وَتَرَكَهَا عِنْدَهُمْ لَا يَضْمَنُ لِلْإِذْنِ، وَكَذَا الدَّفْعُ هُنَا مَأْذُونٌ فِيهِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: أَوْ أَلْقَاهَا) أَيْ فِي السَّفِينَةِ (قَوْلُهُ: كَلَامَيْ الْخُلَاصَةِ إلَخْ) نَصُّ الْخُلَاصَةِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ وَقَعَ الْحَرِيقُ فِي بَيْتِهِ قُبِلَ، قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا، وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْهِدَايَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِوُقُوعِ الْحَرِيقِ فِي بَيْتِهِ، وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ، وَمِنْ ثَمَّ عَوَّلْنَا عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ ح. (قَوْلُهُ: كَوَكِيلِهِ) فِي الْخُلَاصَةِ الْمَالِكُ إذَا طَلَبَ الْوَدِيعَةَ فَقَالَ الْمُودَعُ: لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أُحْضِرَهَا السَّاعَةَ فَتَرَكَهَا، وَذَهَبَ إنْ تَرَكَهَا عَنْ رِضًا فَهَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَهَبَ فَقَدْ أَنْشَأَ الْوَدِيعَةَ، وَإِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ رِضًا يَضْمَنُ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي طَلَبَ الْوَدِيعَةَ وَكِيلَ الْمَالِكِ يَضْمَنُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إنْشَاءُ الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ الْمَالِكِ اهـ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يَضْمَنُ بِعَدَمِ الدَّفْعِ إلَى وَكِيلِ الْمَالِكِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَفِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الظَّهِيرِيَّةِ: وَرَسُولُ الْمُودِعِ إذَا طَلَبَ الْوَدِيعَةَ فَقَالَ: لَا أَدْفَعُ إلَّا لِلَّذِي جَاءَ بِهَا وَلَمْ يَدْفَعْ إلَى الرَّسُولِ حَتَّى هَلَكَتْ ضَمِنَ، وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي ظَهِيرِ الدِّينِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَأَجَابَ نَجْمُ الدِّينِ: إنَّهُ يَضْمَنُ، وَفِيهِ نَظَرٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُودِعَ إذَا صَدَّقَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلٌ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْوَكَالَةِ: لَا يُؤْمَرُ بِدَفْعِ الْوَدِيعَةِ إلَيْهِ، وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالرَّسُولِ لِأَنَّ الرَّسُولَ يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ الْمُرْسِلِ وَلَا كَذَلِكَ الْوَكِيلُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَزَلَ الْوَكِيلَ قَبْلَ عِلْمِ الْوَكِيلِ بِالْعَزْلِ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ رَجَعَ عَنْ الرِّسَالَةِ قَبْلَ عِلْمِ الرَّسُولِ صَحَّ، كَذَا فِي فَتَاوَاهُ اهـ مِنَحٌ. قَالَ مُحَشِّيهِ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ: ظَاهِرُ مَا فِي الْفُصُولِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِي مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْخُلَاصَةِ وَيَتَرَاءَى لِي التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ الْوَكِيلُ إنْشَاءَ الْوَدِيعَةِ عِنْدَ الْمُودَعِ بَعْدَ مَنْعِهِ لِيَدْفَعَ لَهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ وَمَا فِي الْفُصُولِ وَالتَّجْنِيسِ عَلَى مَا إذَا مَنَعَ لِيُؤَدِّيَ إلَى الْمُودَعِ بِنَفْسِهِ، وَلِذَا قَالَ فِي جَوَابِهِ: لَا أَدْفَعُ إلَّا لِلَّذِي جَاءَ بِهَا، وَتَمَامُهُ فِيهَا (قَوْلُهُ: كَطَلَبِ الظَّالِمِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالظَّالِمِ هُنَا الْمَالِكُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي طَلَبِهِ هُوَ فَمَا بَعْدَهُ مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ أَعْنِي قَوْلَهُ فَلَوْ كَانَتْ إلَخْ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى الظُّلْمِ. [فَرْعٌ: ذَكَرَهُ فِي الْهَامِشِ] :. مَرِضَتْ الدَّابَّةُ الْوَدِيعَةُ فَأَمَرَ الْمُودَعُ إنْسَانًا فَعَالَجَهَا ضَمَّنَ الْمَالِكُ أَيَّهُمَا شَاءَ فَلَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 665 (وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَنْعِ ظُلْمًا (مَوْتُهُ) أَيْ مَوْتُ الْمُودَعِ (مُجْهِلًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ) فَتَصِيرُ دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّ وَارِثَهُ يَعْلَمُهَا فَلَا ضَمَانَ، وَلَوْ قَالَ الْوَارِثُ: أَنَا عَلِمْتُهَا وَأَنْكَرَ الطَّالِبُ إنْ فَسَّرَهَا، وَقَالَ: هِيَ كَذَا وَأَنَا عَلِمْتهَا وَهَلَكَتْ صُدِّقَ وَهَذَا وَمَا لَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ سَوَاءٌ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْوَارِثَ إذَا دَلَّ السَّارِقَ عَلَى الْوَدِيعَةِ لَا يَضْمَنُ، وَالْمُودَعُ إذَا دَلَّ ضَمِنَ خُلَاصَةٌ إلَّا إذَا مَنَعَهُ مِنْ الْأَخْذِ حَالَ الْأَخْذِ (كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمَانَاتِ) فَإِنَّهَا تَنْقَلِبُ مَضْمُونَةً بِالْمَوْتِ عَنْ تَجْهِيلٍ كَشَرِيكٍ وَمُفَاوِضٍ (إلَّا فِي) عَشْرٍ عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ.   [رد المحتار] ضَمَّنَ الْمُودَعَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُعَالِجِ، وَلَوْ ضَمَّنَ الْمُعَالِجَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُودَعِ، عَلِمَ أَنَّهَا لِلْغَيْرِ أَوْ لَا، إلَّا إنْ قَالَ الْمُودَعُ: لَيْسَتْ لِي أَوْ لَمْ آمُرْهُ بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ لَا يَرْجِعُ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: الْمُودَعُ) بِالْفَتْحِ (قَوْلُهُ: مُجْهِلًا) أَمَّا بِتَجْهِيلِ الْمَالِكِ فَلَا ضَمَانَ وَالْقَوْلُ لِلْمُودَعِ بِيَمِينِهِ بِلَا شُبْهَةٍ، قَالَ الْحَانُوتِيُّ: وَهَلْ مِنْ ذَلِكَ الزَّائِدُ فِي الرَّهْنِ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ اهـ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْهُ لِقَوْلِهِمْ: مَا يُضْمَنُ بِهِ الْوَدِيعَةُ يُضْمَنُ بِهِ الرَّهْنُ، فَإِذَا مَاتَ مُجْهِلًا يَضْمَنُ مَا زَادَ وَقَدْ أَفْتَيْت بِهِ رَمْلِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى الْمُودِعُ أَوْ الْمُضَارِبُ أَوْ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ الْمُسْتَبْضِعُ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ الْمَالُ بِيَدِهِ أَمَانَةً إذَا مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ، وَلَمْ تُعْرَفْ الْأَمَانَةُ بِعَيْنِهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ فِي تَرِكَتِهِ، لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لِلْوَدِيعَةِ بِالتَّجْهِيلِ، وَمَعْنَى مَوْتِهِ مُجْهِلًا أَنْ لَا يُبَيِّنَ حَالَ الْأَمَانَةِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ. وَقَدْ سُئِلَ الشَّيْخُ عُمَرُ بْنُ نُجَيْمٍ عَمَّا لَوْ قَالَ الْمَرِيضُ عِنْدِي وَرَقَةٌ فِي الْحَانُوتِ لِفُلَانٍ ضَمَّنَهَا دَرَاهِمَ لَا أَعْرِفُ قَدْرَهَا فَمَاتَ وَلَمْ تُوجَدْ فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ مِنْ التَّجْهِيلِ لِقَوْلِهِ فِي الْبَدَائِعِ: هُوَ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ الْبَيَانِ، وَلَمْ تُعْرَفْ الْأَمَانَةُ بِعَيْنِهَا اهـ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَفِيهِ تَأَمُّلٌ فَتَأَمَّلْ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ إلَّا إذَا عَلِمَ) أَيْ الْمُجْهِلُ وَإِذَا قَالَ الْوَارِثُ رَدَّهَا فِي حَيَاتِهِ أَوْ تَلِفَتْ فِي حَيَاتِهِ لَمْ يُصَدَّقْ بِلَا بَيِّنَةٍ، وَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّ الْمُودَعَ قَالَ فِي حَيَاتِهِ رَدَدْتهَا يُقْبَلُ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ وَادَّعَى الْمَالِكُ هَلَاكَهَا وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْوَارِثَ كَالْمُودَعِ بِالْفَتْحِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْهَلَاكِ إذَا فَسَّرَهَا فَهُوَ مِثْلُهُ إلَّا أَنَّهُ خَالَفَهُ فِي مَسْأَلَةٍ قَالَ رَبُّهَا مَاتَ الْمُودَع مُجْهِلًا وَقَالَ وَرَثَتُهُ كَانَتْ قَائِمَةً يَوْمَ مَوْتِهِ وَمَعْرُوفَةً ثُمَّ هَلَكَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ صُدِّقَ رَبُّهَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ إذْ الْوَدِيعَةُ صَارَتْ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ فِي الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ الْوَرَثَةُ. وَلَوْ قَالَ وَرَثَتُهُ: رَدَّهَا فِي حَيَاتِهِ أَوْ تَلِفَتْ فِي حَيَاتِهِ لَا يُصَدَّقُونَ بِلَا بَيِّنَةٍ لِمَوْتِهِ مُجْهِلًا، فَتَقَرَّرَ الضَّمَانُ فِي التَّرِكَةِ، وَلَوْ بَرْهَنُوا أَنَّ الْمُودَعَ قَالَ فِي حَيَاتِهِ رَدَدْتهَا تُقْبَلُ؛ إذْ الثَّابِتُ بِبَيِّنَةٍ كَالثَّابِتِ بِعِيَانٍ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَالْمُودَعُ إذَا دَلَّ ضَمِنَ قَالَ ط عَنْ الْخُلَاصَةِ الْمُودَعُ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا دَلَّ السَّارِقَ عَلَى الْوَدِيعَةِ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْأَخْذِ حَالَ الْأَخْذِ، فَإِنْ مَنَعَهُ لَمْ يَضْمَنْ (قَوْلُهُ مَنَعَهُ) أَيْ الْمُودَعُ السَّارِقَ فَأَخَذَ كَرْهًا فُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ سَائِرِ الْأَمَانَاتِ) وَمِنْهَا الرَّهْنُ إذَا مَاتَ الْمُرْتَهِنُ مُجْهِلًا يَضْمَنُ قِيمَةَ الرَّهْنِ فِي تَرِكَتِهِ كَمَا فِي الْأَنْقِرْوِيِّ أَيْ يَضْمَنُ الزَّائِدَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الرَّمْلِيِّ، وَكَذَا الْوَكِيلُ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا مَا قَبَضَهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا هُنَا وَبِهِ أَفْتَى الْحَامِدِيُّ بَعْدَ الْخَيْرِيِّ، وَفِي إجَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ الْمُسْتَأْجِرُ يَضْمَنُ بِالْمَوْتِ مُجْهِلًا سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِالْمَوْتِ) وَيَكُونُ أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ بِيرِيّ عَلَى الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ: وَمُفَاوِضٍ) وَكَمُرْتَهِنٍ أَنْقِرْوِيٌّ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ) وَعِبَارَتُهَا الْوَصِيُّ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَالْأَبُ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا مَالَ ابْنِهِ، وَالْوَارِثُ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا مَا أُودِعَ عِنْدَ مُوَرِّثِهِ، وَإِذَا مَاتَ مُجْهِلًا لِمَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي بَيْتِهِ أَوْ لِمَا وَضَعَهُ مَالِكُهُ فِي بَيْتِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، وَإِذَا مَاتَ الصَّبِيُّ مُجْهِلًا لِمَا أَوْدَعَ عِنْدَهُ مَحْجُورٌ اهـ مُلَخَّصًا فَهِيَ سَبْعَةٌ وَذَكَرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 666 مِنْهَا (نَاظِرٌ أَوْدَعَ غَلَّاتِ الْوَقْفِ ثُمَّ مَاتَ مُجْهِلًا) فَلَا يَضْمَنُ، قُيِّدَ بِالْغَلَّةِ لِأَنَّ النَّاظِرَ لَوْ مَاتَ مُجْهِلًا لِمَالِ الْبَدَلِ ضَمِنَهُ أَشْبَاهٌ أَيْ لِثَمَنِ الْأَرْضِ الْمُسْتَبْدَلَةِ. قُلْت: فَلِعَيْنِ الْوَقْفِ بِالْأَوْلَى كَالدَّرَاهِمِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَقَرَّهُ ابْنُهُ فِي الزَّوَاهِرِ وَقُيِّدَ مَوْتُهُ بَحْثًا بِالْفَجْأَةِ فَلَوْ بِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ ضَمِنَ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ بَيَانِهَا فَكَانَ مَانِعًا لَهَا ظُلْمًا فَيَضْمَنُ وَرَدَّ مَا بَحَثَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ فَتَنَبَّهْ. (وَ) مِنْهَا (قَاضٍ مَاتَ مُجْهِلًا لِأَمْوَالِ الْيَتَامَى) زَادَ فِي الْأَشْبَاهِ عِنْدَ مَنْ أَوْدَعَهَا، وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَوْ وَضَعَهَا فِي بَيْتِهِ، وَمَاتَ مُجْهِلًا ضَمِنَ لِأَنَّهُ مُودَعٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْدَعَ غَيْرَهُ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ إيدَاعِ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ فَلْيُحْفَظْ. .   [رد المحتار] الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَةً فَهِيَ عَشَرَةٌ (قَوْلُهُ أَوْدَعَ) عِبَارَةُ الدُّرَرِ قَبَضَ وَهِيَ أَوْلَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ غَلَّاتِ الْوَقْفِ) أَقُولُ: هَكَذَا وَقَعَ مُطْلَقًا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَقَيَّدَهُ قَاضِي خَانِ بِمُتَوَلِّي الْمَسْجِدِ إذَا أَخَذَ غَلَّاتِ الْمَسْجِدِ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ اهـ. أَقُولُ: أَمَّا إذَا كَانَتْ الْغَلَّةُ مُسْتَحَقَّةً لِقَوْمٍ بِالشَّرْطِ فَيَضْمَنُ مُطْلَقًا، بِدَلِيلِ اتِّفَاقِ كَلِمَتِهِمْ فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ وَقْفًا عَلَى أَخَوَيْنِ غَابَ أَحَدُهُمَا وَقَبَضَ الْآخَرُ غَلَّتَهَا تِسْعَ سِنِينَ، ثُمَّ مَاتَ الْحَاضِرُ وَتَرَكَ وَصِيًّا ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ، وَطَالَبَ الْوَصِيَّ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْغَلَّةِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: إذَا كَانَ الْحَاضِرُ الَّذِي قَبَضَ الْغَلَّةَ هُوَ الْقَيِّمَ إلَّا أَنَّ الْأَخَوَيْنِ آجَرَا جَمِيعًا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ آجَرَ الْحَاضِرُ كَانَتْ الْغَلَّةُ كُلُّهَا لَهُ فِي الْحُكْمِ، وَلَا يَطِيبُ لَهُ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: وَيَلْحَقُ بِغَلَّةِ الْمَسْجِدِ مَا إذَا شَرَطَ تَرْكَ شَيْءٍ فِي يَدِ النَّاظِرِ لِلْعِمَارَةِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ بِيرِيٌّ عَلَى الْأَشْبَاهِ قَالَ الْحَقِيرُ: وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِمْ غَلَّاتِ الْوَقْفِ وَمَا قُبِضَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ لَيْسَ غَلَّةَ الْوَقْفِ، بَلْ هُوَ مَالُ الْمُسْتَحِقِّينَ بِالشَّرْطِ، قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: مِنْ الْقَوْلِ فِي الْمِلْكِ، وَغَلَّةُ الْوَقْفِ يَمْلِكُهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ مَجْمُوعَةِ مُنْلَا عَلَى آخِرِ كِتَابِ الْوَقْفِ نَقَلَ ذَلِكَ حَيْثُ سُئِلَ عَنْ وَكِيلِ الْمُتَوَلِّي إذَا مَاتَ مُجْهِلًا هَلْ يَضْمَنُ. قُلْت: وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ أَنَّ دَعْوَى الْغَلَّةِ مِنْ قَبِيلِ دَعْوَى الْمِلْكِ فَرَاجِعْهُ، وَأَشَرْنَا إلَيْهِ ثَمَّ فَرَاجِعْهُ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ، وَيُفِيدُهُ عِبَارَةُ أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ الْآتِيَةُ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ ابْنُهُ) الشَّيْخُ صَالِحٌ (قَوْلُهُ بِالْفَجْأَةِ) لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْبَيَانِ فَلَمْ يَكُنْ حَابِسًا ظُلْمًا. قُلْت: هَذَا مُسَلَّمٌ لَوْ مَاتَ فَجْأَةً عَقِبَ الْقَبْضِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ) مِنْ أَنَّهُ إنْ حَصَلَ طَلَبُ الْمُسْتَحِقِّينَ وَأَخَّرَ حَتَّى مَاتَ مُجْهِلًا ضَمِنَ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبُوا فَإِنْ مَحْمُودًا مَعْرُوفًا بِالْأَمَانَةِ لَا يَضْمَنُ، وَإِلَّا وَلَمْ يُعْطِهِمْ بِلَا مَانِعٍ شَرْعِيٍّ ضَمِنَ. وَحَاصِلُ الرَّدِّ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَذْهَبِ مِنْ الضَّمَانِ مُطْلَقًا مَحْمُودًا أَوْ لَا وَأَفْتَى فِي الْإِسْمَاعِيلِيَّة بِضَمَانِ النَّاظِرِ إذَا مَاتَ بَعْدَمَا طَلَبَ الْمُسْتَحِقُّ اسْتِحْقَاقَهُ فَمَنَعَهُ مِنْهُ ظُلْمًا وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْأَمَانَةَ تُضْمَنُ بِالْمَنْعِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا قَاضٍ) لَوْ قَالَ الْقَاضِي فِي حَيَاتِهِ: ضَاعَ مَالُ الْيَتِيمِ عِنْدِي أَوْ قَالَ أَنْفَقْتهَا عَلَى الْيَتِيمِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا كَانَ ضَامِنًا خَانِيَّةٌ فِي الْوَقْفِ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: ضَمِنَ) لَعَلَّ وَجْهَ الضَّمَانِ كَوْنُهَا لَا تَتَخَطَّى الْوَرَثَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 667 (وَ) مِنْهَا (سُلْطَانٌ أَوْدَعَ بَعْضَ الْغَنِيمَةِ عِنْدَ غَازٍ ثُمَّ مَاتَ مُجْهِلًا) وَلَيْسَ مِنْهَا مَسْأَلَةُ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَفِي الشَّرِكَةِ عَنْ وَقْفِ الْخَانِيَّةِ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ يَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ بِمَوْتِهِ مُجْهِلًا وَخِلَافُهُ غَلَطٌ. قُلْت: وَأَقَرَّهُ مُحَشُّوهَا فَبَقِيَ الْمُسْتَثْنَى تِسْعَةً فَلْيُحْفَظْ وَزَادَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْوَهْبَانِيَّةِ عَلَى الْعَشَرَةِ تِسْعَةً الْجَدُّ وَوَصِيُّهُ وَوَصِيُّ الْقَاضِي، وَسِتَّةٌ مِنْ الْمَحْجُورِينَ، لِأَنَّ الْحَجْرَ يَشْمَلُ سَبْعَةً فَإِنَّهُ لِصِغَرٍ وَرِقٍّ وَجُنُونٍ وَغَفْلَةٍ وَدَيْنٍ وَسَفَهٍ وَعَتَهٍ وَالْمَعْتُوهُ كَصَبِيٍّ، وَإِنْ بَلَغَ ثُمَّ مَاتَ لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَهُوَ الصِّبَا فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ مَأْذُونًا لَهُمَا ثُمَّ مَاتَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ ضَمِنَا كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْوَجِيزِ قَالَ فَبَلَغَ تِسْعَةَ عَشَرَ وَنَظَمَ عَاطِفًا عَلَى بَيْتَيْ الْوَهْبَانِيَّةِ بَيْتَيْنِ وَهِيَ: وَكُلُّ أَمِينٍ مَاتَ وَالْعَيْنُ يَحْصُرُ ... وَمَا وُجِدَتْ عَيْنًا فَدَيْنًا تُصَيَّرُ سِوَى مُتَوَلِّي الْوَقْفِ ثُمَّ مُفَاوِضٍ ... وَمُودِعِ مَالِ الْغُنْمِ وَهْوَ الْمُؤَمِّرُ وَصَاحِبِ دَارٍ أَلْقَتْ الرِّيحُ مِثْلَ مَا ... لَوْ الْقَاهُ مَلَاكٌ بِهَا لَيْسَ يَشْعُرُ كَذَا وَالِدٌ جَدٌّ وَقَاضٍ وَصِيُّهُمْ ... جَمِيعًا وَمَحْجُورٌ فَوَارِثٌ يُسَطَّرُ (وَكَذَا لَوْ خَلَطَهَا الْمُودَعُ) بِجِنْسِهَا أَوْ بِغَيْرِهِ (بِمَالِهِ) أَوْ مَالٍ آخَرَ ابْنُ كَمَالٍ (بِغَيْرِ إذْنِ) الْمَالِكِ   [رد المحتار] فَالْغُرْمُ بِالْغُنْمِ، وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا وَضَعَ مَالِ الْيَتِيمِ فِي بَيْتِهِ وَمَاتَ مُجْهِلًا يَضْمَنُ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ قَدْ تَكُونُ مُسْتَمَدَّةً مِنْ الْقَاضِي أَوْ الْأَبِ فَضَمَانُهُ بِالْأَوْلَى، وَفِي الْخَيْرِيَّةِ، وَفِي الْوَصِيِّ قَوْلٌ بِالضَّمَانِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَقَرَّهُ) أَيْ الصَّوَابَ (قَوْلُهُ مُحَشُّوهَا) أَيْ الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ تِسْعَةً) بِإِخْرَاجِ أَحَدِ الْمُفَاوِضَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَوَصِيُّهُ إلَخْ) دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْأَشْبَاهِ الْوَصِيُّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: حَمَلَهُ عَلَى وَصِيِّ الْأَبِ لِبَيَانِ التَّفْصِيلِ قَصْدًا لِلْإِيضَاحِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَسِتَّةٌ مِنْ الْمَحْجُورِينَ) وَهُمْ مَا عَدَا الصَّغِيرَ وَإِنَّمَا أَسْقَطَهُ؛ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْأَشْبَاهِ، وَمُرَادُهُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: يَشْمَلُ سَبْعَةً) لِيُنْظَرَ الْخَارِجُ مِنْ السَّبْعَةِ حَتَّى صَارَتْ سِتَّةً (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لِصِغَرٍ) مَسْأَلَةُ الصَّغِيرِ مِنْ الْعَشَرَةِ الَّتِي فِي الْأَشْبَاهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: عَدَّهَا هُنَا بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ وَإِنْ بَلَغَ، ثُمَّ مَاتَ لَا يَضْمَنُ تَأَمَّلْ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ مُرَادَهُ مُجَرَّدُ عَدِّ الْمَحْجُورِينَ سَبْعَةً وَأَنَّ مُرَادَهُ بِسِتَّةٍ مِنْهُمْ مَا عَدَا الصَّغِيرَ، لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْأَشْبَاهِ، وَلِذَا قَالَ: وَسِتَّةٌ مِنْ الْمَحْجُورِينَ (قَوْلُهُ وَدَيْنٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَسُكُونِ الْيَاءِ (قَوْلُهُ كَصَبِيٍّ) لَعَلَّهُ قَصَدَ بِهَذَا التَّشْبِيهِ الْإِشَارَةَ إلَى مَا يَأْتِي عَنْ الْوَجِيزِ تَأَمَّلْ. قَالَ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ أَوْدَعَ صَبِيًّا مَحْجُورًا يَعْقِلُ ابْنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَمَاتَ قَبْلَ بُلُوغِهِ مُجْهِلًا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَلَغَ) أَيْ الصَّبِيُّ. (قَوْلُهُ يَحْصُرُ) أَيْ يَحْفَظُ، مَفْعُولُهُ " الْعَيْنَ " قَبْلَهُ (قَوْلُهُ تُصَيَّرُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (قَوْلُهُ مُفَاوِضٍ) خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَدَّمَهُ (قَوْلُهُ وَمُودِعِ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَالْمُؤَمِّرُ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ لَوْ الْقَاهُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَوَصْلِهَا بِاللَّامِ (قَوْلُهُ: بِهَا) أَيْ بِالدَّارِ (قَوْلُهُ: يَشْعُرُ) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْأَشْبَاهِ حَيْثُ قَالَ: بِغَيْرِ عِلْمِهِ، وَاعْتَرَضَهُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّ الصَّوَابَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ إذْ يَسْتَحِيلُ تَجْهِيلُ مَا لَا يَعْلَمُهُ اهـ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ فِي النَّظْمِ: لَيْسَ يَأْمُرُ (قَوْلُهُ كَذَا وَالِدٌ) بِرَفْعِهِ وَتَنْوِينِهِ كَجَدٍّ (قَوْلُهُ وَقَاضٍ) بِحَذْفِ يَائِهِ وَتَنْوِينِهِ (قَوْلُهُ: وَصِيُّهُمْ) بِرَفْعِهِ (قَوْلُهُ وَمَحْجُورٌ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ الْمَحْجُورِ سِتَّةً كَمَا قَدَّمَهُ يَكُنْ الْمَوْجُودُ فِي النَّظْمِ سَبْعَةَ عَشَرَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَوَارِثٌ) إذَا مَاتَ مُجْهِلًا لِمَا أَخْبَرَهُ الْمُوَرِّثُ بِهِ مِنْ الْوَدِيعَةِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ خَلَطَهَا) وَلَوْ خَلَطَ الْمُتَوَلِّي مَالَهُ بِمَالِ الْوَقْفِ لَمْ يَضْمَنْ وَفِي الْخُلَاصَةِ ضَمِنَ وَطَرِيقُ خُرُوجِهِ مِنْ الضَّمَانِ الصَّرْفُ فِي حَاجَةِ الْمَسْجِدِ، أَوْ الدَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ مُنْتَقَى الْقَاضِي: لَوْ خَلَطَ مَالَ صَبِيٍّ بِمَالِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَكَذَا سِمْسَارٌ خَلَطَ مَالَ رَجُلٍ بِمَالٍ آخَرَ، وَلَوْ بِمَالِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 668 (بِحَيْثُ لَا تَتَمَيَّزُ) إلَّا بِكُلْفَةٍ كَحِنْطَةٍ بِشَعِيرٍ وَدَرَاهِمَ جِيَادٍ بِزُيُوفٍ مُجْتَبَى (ضَمِنَهَا) لِاسْتِهْلَاكِهِ بِالْخَلْطِ لَكِنْ لَا يُبَاحُ تَنَاوُلُهَا قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ، وَصَحَّ الْإِبْرَاءُ وَلَوْ خَلَطَهُ بِرَدِيءٍ ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ عَيَّبَهُ وَبِعَكْسِهِ شَرِيكٌ لِعَدَمِهِ مُجْتَبًى (وَإِنْ بِإِذْنِهِ اشْتَرَكَا) شَرِكَةَ أَمْلَاكٍ (كَمَا لَوْ اخْتَلَطَتْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ) كَأَنْ انْشَقَّ الْكِيسُ لِعَدَمِ التَّعَدِّي وَلَوْ خَلَطَهَا غَيْرُ الْمُودَعِ ضَمِنَ الْخَالِطُ وَلَوْ صَغِيرًا، وَلَا يَضْمَنُ أَبُوهُ خُلَاصَةٌ. (وَلَوْ أَنْفَقَ بَعْضَهَا فَرْدٌ مِثْلُهُ فَخَلَطَهُ بِالْبَاقِي) خَلْطًا لَا يَتَمَيَّزُ مَعَهُ (ضَمِنَ) الْكُلَّ لِخَلْطِ مَالِهِ بِهَا فَلَوْ تَأَتَّى التَّمْيِيزُ أَوْ أَنْفَقَ، وَلَمْ يَرُدَّ أَوْ أُودِعَ وَدِيعَتَيْنِ فَأَنْفَقَ إحْدَاهُمَا ضَمِنَ مَا أَنْفَقَ فَقَطْ مُجْتَبَى وَهَذَا إذَا لَمْ يَضُرَّهُ التَّبْعِيضُ. (وَإِذَا تَعَدَّى عَلَيْهَا فَلَبِسَ ثَوْبَهَا أَوْ رَكِبَ دَابَّتَهَا أَوْ أَخَذَ بَعْضَهَا ثُمَّ) رَدَّ عَيْنَهُ إلَى يَدِهِ حَتَّى (زَالَ التَّعَدِّي زَالَ) مَا يُؤَدِّي إلَى (الضَّمَانِ) إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ نِيَّتِهِ الْعَوْدُ إلَيْهِ أَشْبَاهٌ   [رد المحتار] ضَمِنَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُتَوَلِّي كَذَلِكَ، وَلَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ بِمَوْتِهِ مُجْهِلًا، وَلَوْ خَلَطَ بِمَالِهِ ضَمِنَ، يَقُولُ الْحَقِيرُ: وَقَدْ مَرَّ نَقْلًا عَنْ الْمُنْتَقَى أَيْضًا أَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ خَلَطَ مَالَهُ بِمَالِ الْيَتِيمِ لَمْ يَضْمَنْ. وَفِي الْوَجِيزِ أَيْضًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا خَلَطَ الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ بِمَالِهِ فَضَاعَ لَا يَضْمَنُ نُورُ الْعَيْنِ أَوْ آخِرُ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ بِخَطِّ السَّائِحَانِيِّ عَنْ الْخَيْرِيَّةِ، وَفِي الْوَصِيِّ قَوْلٌ بِالضَّمَانِ اهـ: قُلْت: فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَجَّحَ عَدَمُهُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَنْ لَا يَضْمَنُ بِالْخَلْطِ بِمَالِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْقَاضِي وَالسِّمْسَارُ بِمَالِ رَجُلٍ آخَرَ وَالْوَصِيُّ، وَيَنْبَغِي أَنَّ الْأَبَ كَذَلِكَ يُؤَيِّدُهُ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَا يَصِيرُ الْأَبُ غَاصِبًا بِأَخْذِ مَالِ وَلَدِهِ، وَلَهُ أَخْذُهُ بِلَا شَيْءٍ لَوْ مُحْتَاجًا، وَإِلَّا فَلَوْ أَخَذَهُ لِحِفْظِهِ، فَلَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا أَتْلَفَهُ بِلَا حَاجَةٍ اهـ بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ الْوَصِيِّ تَأَمَّلْ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَلَدِهِ: الْوَلَدُ الصَّغِيرُ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ (قَوْلُهُ لَا تَتَمَيَّزُ) فَلَوْ كَانَ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ التَّيْسِيرِ كَخَلْطِ الْجَوْزِ بِاللَّوْزِ وَالدَّرَاهِمِ السُّودِ بِالْبِيضِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ إجْمَاعًا. وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ التَّمْيِيزِ عَدَمُهُ عَلَى وَجْهِ التَّيْسِيرِ لَا عَدَمُ إمْكَانِهِ مُطْلَقًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِاسْتِهْلَاكِهِ) وَإِذَا ضَمِنَهَا مَلَكَهَا، وَلَا تُبَاحُ لَهُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ، وَلَا سَبِيلَ لِلْمَالِكِ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ أَبْرَأَهُ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: خَلَطَهُ) أَيْ الْجَيِّدَ (قَوْلُهُ: شَرِيكٌ) نَقَلَ نَحْوَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُجْتَبَى، وَلَعَلَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْوَدِيعَةِ، أَوْ قَوْلٌ مُقَابِلٌ لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْخَلْطَ فِي الْوَدِيعَةِ يُوجِبُ الضَّمَانَ مُطْلَقًا إذَا كَانَ لَا يَتَمَيَّزُ ط (قَوْلُهُ: لِعَدَمِهِ) أَيْ التَّعَيُّبِ الْمَفْهُومِ مِنْ عَيْبِهِ (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ صُنْعِهِ) فَإِنْ هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِهِمَا جَمِيعًا، وَيُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: غَيْرُ الْمُودَعِ) سَوَاءٌ كَانَ أَجْنَبِيًّا أَوْ مَنْ فِي عِيَالِهِ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ فَرَدَّ مِثْلَهُ) ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ أَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى بِهَا وَدَفَعَهَا ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا بِهِبَةٍ أَوْ شِرَاءٍ وَرَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا فَضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَوْ قَضَاهَا غَرِيمُهُ بِأَمْرِ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ فَوَجَدَهَا زُيُوفًا فَرَدَّهَا عَلَى الْمُودَعِ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: الْكُلَّ) الْبَعْضُ بِالْإِنْفَاقِ وَالْبَعْضُ بِالْخَلْطِ س بَحْرٌ (قَوْلُهُ: التَّمْيِيزُ) أَيْ كَخَلْطِ الدَّرَاهِمِ السُّودِ بِالْبِيضِ أَوْ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ حَقَّ الْمَالِكِ بِالْإِجْمَاعِ مِسْكِينٌ س (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَرُدَّ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ (قَوْلُهُ: أَوْ أُودِعَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: أَوْ أَنْفَقَ وَلَمْ يَرُدَّ كَمَا فِي الْبَحْرِ قَالَ ط وَلَمْ أَرَ فِيمَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِيمَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ هَلْ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ أَوْ مَا أَخَذَ وَنُقْصَانَ مَا بَقِيَ فَيُحَرَّرُ (قَوْلُهُ التَّبْعِيضُ) كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ. (قَوْلُهُ: أَشْبَاهٌ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 669 مِنْ شُرُوطِ النِّيَّةِ (بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ) فَلَوْ أَزَالَاهُ لَمْ يَبْرَأْ لِعَمَلِهِمَا لِأَنْفُسِهَا بِخِلَافِ مُودَعٍ وَوَكِيلِ بَيْعٍ أَوْ حِفْظٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ اسْتِئْجَارٍ وَمُضَارِبٍ وَمُسْتَبْضِعٍ وَشَرِيكِ عِنَانٍ أَوْ مُفَاوَضَةٍ وَمُسْتَعِيرٍ لِرَهْنٍ أَشْبَاهٌ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْأَمِينَ إذَا تَعَدَّى ثُمَّ أَزَالَهُ لَا يَزُولُ الضَّمَانُ إلَّا فِي هَذِهِ الْعَشَرَةِ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْمَالِكِ وَلَوْ كَذَّبَهُ فِي عَوْدِهِ لِلْوِفَاقِ فَالْقَوْلُ لَهُ وَقِيلَ: لِلْمُودِعِ، عِمَادِيَّةٌ (وَ) بِخِلَافِ (إقْرَارِهِ بَعْدَ جُحُودِهِ) أَيْ جُحُودِ الْإِيدَاعِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى هِبَةً أَوْ بَيْعًا لَمْ يَضْمَنْ خُلَاصَةٌ وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ (بَعْدَ طَلَبِ) رَبِّهَا (رَدَّهَا) فَلَوْ سَأَلَهُ عَنْ حَالِهَا فَجَحَدَهَا فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ بَحْرٌ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ (وَنَقَلَهَا مِنْ مَكَانِهَا وَقْتَ الْإِنْكَارِ) أَيْ حَالَ جُحُودِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْقُلْهَا وَقْتَهُ فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ   [رد المحتار] عِبَارَتُهَا أَنَّ الْمُودَعَ إذَا تَعَدَّى ثُمَّ زَالَ التَّعَدِّي وَمَنْ نِيَّتُهُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ لَا يَزُولُ التَّعَدِّي اهـ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: مِنْ شُرُوطِ النِّيَّةِ) وَذَكَرَهُ هُنَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ: حَتَّى لَوْ نَزَعَ ثَوْبَ الْوَدِيعَةِ لَيْلًا، وَمِنْ عَزْمِهِ أَنْ يَلْبَسَهُ نَهَارًا ثُمَّ سُرِقَ لَيْلًا لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَأْجِرِ) مُسْتَأْجِرُ الدَّابَّةِ أَوْ الْمُسْتَعِيرُ لَوْ نَوَى أَنْ لَا يَرُدَّهَا ثُمَّ نَدِمَ لَوْ كَانَ سَائِرًا عِنْدَ النِّيَّةِ ضَمِنَ لَوْ هَلَكَتْ بَعْدَ النِّيَّةِ، أَمَّا لَوْ كَانَ وَاقِفًا إذَا تَرَكَ نِيَّةَ الْخِلَافِ عَادَ أَمِينًا جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ أَزَالَاهُ) أَيْ التَّعَدِّيَ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مُودَعٍ إلَخْ) وَلَوْ مَأْمُورًا بِحِفْظٍ شَهْرًا فَمَضَى شَهْرٌ ثُمَّ اسْتَعْمَلَهَا، ثُمَّ تَرَكَ الِاسْتِعْمَالَ وَعَادَ إلَى الْحِفْظِ ضَمِنَ إذَا عَادَ، وَالْأَمْرُ بِالْحِفْظِ قَدْ زَالَ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ: وَوَكِيلِ) بِأَنْ اسْتَعْمَلَ مَا وُكِّلَ بِبَيْعِهِ ثُمَّ تَرَكَ وَضَاعَ لَا يَضْمَنُ (قَوْلُهُ أَوْ إجَارَةٍ) بِأَنْ وَكَّلَهُ لِيُؤَجِّرَ أَوْ يَسْتَأْجِرَ لَهُ دَابَّةً فَرَكِبَهَا ثُمَّ تَرَكَ (قَوْلُهُ: أَوْ مُفَاوَضَةٍ) أَمَّا شَرِيكُ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ إذَا تَعَدَّى ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ لَا يَزُولُ الضَّمَانُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ، فَلَوْ أَعَارَ دَابَّةَ الشَّرِكَةِ فَتَعَدَّى ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ لَا يَزُولُ الضَّمَانُ، وَلَوْ كَانَتْ فِي نَوْبَتِهِ عَلَى وَجْهِ الْحِفْظِ فَتَعَدَّى ثُمَّ أَزَالَهُ يَزُولُ الضَّمَانُ، وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى سُئِلْت عَنْهَا فَأَجَبْت بِمَا ذَكَرْت وَإِنْ لَمْ أَرَهَا فِي كَلَامِهِمْ لِلْعِلْمِ بِهَا مِمَّا ذُكِرَ؛ إذْ هُوَ مُودَعٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهَا بِلَا إذْنِ الشَّرِيكِ فَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُقَرَّرَةٌ مَشْهُورَةٌ عِنْدَهُمْ بِالضَّمَانِ وَيَصِيرُ غَاصِبًا رَمْلِيٌّ عَلَى الْمِنَحِ (قَوْلُهُ: وَمُسْتَعِيرٍ لِرَهْنٍ) أَيْ إذَا اسْتَعَارَ عَبْدًا لِيَرْهَنَهُ أَوْ دَابَّةً فَاسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ وَرَكِبَ الدَّابَّةَ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهَا ثُمَّ رَهَنَهَا بِمَالٍ مِثْلِ الْقِيمَةِ ثُمَّ قَضَى الْمَالَ وَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى هَلَكَتْ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ لَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّهُ قَدْ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ حِينَ رَهَنَهَا مِنَحٌ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَوْلِهِ: بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَزَالَ) أَيْ التَّعَدِّيَ. (قَوْلُهُ: فِي عَوْدِهِ لِلْوِفَاقِ إلَخْ) عِبَارَةُ نُورِ الْعَيْنِ عَنْ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى: وَكُلُّ أَمِينٍ خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ عَادَ أَمِينًا كَمَا كَانَ إلَّا الْمُسْتَعِيرَ وَالْمُسْتَأْجِرَ فَإِنَّهُمَا بَقِيَا ضَامِنَيْنِ اهـ وَهِيَ أَوْلَى تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لَهُ) أَيْ لِلْمَالِكِ (قَوْلُهُ: لِلْمُودَعِ) بِفَتْحِ الدَّالِ؛ لِأَنَّهُ يَنْفِي الضَّمَانَ عَنْهُ (قَوْلُهُ: هِبَةً إلَخْ) أَيْ أَنَّهُ وَهَبَهَا مِنْهُ أَوْ بَاعَهَا لَهُ (قَوْلُهُ: بَعْدَ طَلَبِ) مُتَعَلِّقٌ بِجُحُودِهِ (قَوْلُهُ: رَبِّهَا) أَفَادَ فِي الْخَانِيَّةِ: أَنَّ طَلَبَ امْرَأَةِ الْغَائِبِ وَجِيرَانِ الْيَتِيمِ مِنْ الْوَصِيِّ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ كَذَلِكَ سَائِحَانِيٌّ وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ: وَقْتَ الْإِنْكَارِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِنَقْلِهَا وَهُوَ مُسْتَبْعَدُ الْوُقُوعِ، وَعِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ: وَفِي غَصْبِ الْأَجْنَاسِ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا نَقَلَهَا عَنْ مَوْضِعِهَا الَّذِي كَانَتْ فِيهِ حَالَ الْجُحُودِ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْهَا وَهَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَعَلَيْهِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ ب قَوْلِهِ مَكَانِهَا. وَفِي الْمُنْتَقَى: لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مِمَّا يُحَوَّلُ يَضْمَنُ بِالْإِنْكَارِ وَإِنْ لَمْ يُحَوِّلْهَا، وَذَكَرَ شَيْخُنَا عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ جَحَدَهَا ضَمِنَ، وَلَوْ لَمْ تُحَوَّلْ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْبَدَائِعِ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 670 خُلَاصَةٌ وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ. (وَكَانَتْ) الْوَدِيعَةُ (مَنْقُولًا) لِأَنَّ الْعَقَارَ لَا يُضْمَنُ بِالْجُحُودِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الْأَصَحِّ غَصْبٌ الزَّيْلَعِيُّ وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ (وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَخَافُ مِنْهُ عَلَيْهَا) فَلَوْ كَانَ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ (وَلَمْ يَحْضُرْهَا بَعْدَ جُحُودِهَا) لِأَنَّهُ لَوْ جَحَدَهَا ثُمَّ أَحْضَرَهَا فَقَالَ لَهُ رَبُّهَا: دَعْهَا وَدِيعَةً فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَخْذُهَا لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ إيدَاعٌ جَدِيدٌ، وَإِلَّا ضَمِنَهَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ الرَّدُّ اخْتِيَارٌ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ (لِمَالِكِهَا) لِأَنَّهُ لَوْ جَحَدَهَا لِغَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحِفْظِ فَإِذَا تَمَّتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ لَمْ يَبْرَأْ بِإِقْرَارِهِ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَلَمْ يُوجَدْ. (وَلَوْ جَحَدَهَا ثُمَّ ادَّعَى رَدَّهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ قُبِلَ) وَبَرِئَ كَمَا لَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُ رَدَّهَا قَبْلَ الْجُحُودِ وَقَالَ: غَلِطْت فِي (الْجُحُودِ أَوْ نَسِيت أَوْ ظَنَنْت أَنِّي دَفَعْتهَا) قُبِلَ بُرْهَانُهُ، وَلَوْ ادَّعَى هَلَاكَهَا قَبْلَ جُحُودِهِ حَلَفَ الْمَالِكُ مَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَإِنْ حَلَفَ ضَمِنَهُ، وَإِنْ نَكَلَ بَرِئَ، وَكَذَا الْعَارِيَّةُ مِنْهَاجٌ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْجُحُودِ إنْ عُلِمَ، وَإِلَّا فَيَوْمَ الْإِيدَاعِ عِمَادِيَّةٌ بِخِلَافِ مُضَارِبٍ جَحَدَ ثُمَّ اشْتَرَى لَمْ يَضْمَنْ خَانِيَّةٌ (وَ) الْمُودَعُ (لَهُ السَّفَرُ بِهَا) وَلَوْ لَهَا حِمْلٌ دُرَرٌ (عِنْدَ عَدَمِ نَهْيِ الْمَالِكِ وَ) عَدَمِ (الْخَوْفِ عَلَيْهَا) بِالْإِخْرَاجِ فَلَوْ نَهَاهُ، وَأَخَافَ فَإِنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ السَّفَرِ ضَمِنَ وَإِلَّا فَإِنْ سَافَرَ بِنَفْسِهِ ضَمِنَ وَبِأَهْلِهِ لَا اخْتِيَارٌ (وَلَوْ أَوْدَعَا شَيْئًا) مِثْلِيًّا أَوْ قِيَمِيًّا   [رد المحتار] إنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ بِطَلَبِ الْمَالِكِ فَقَدْ عَزَلَ نَفْسَهُ عَنْ الْحِفْظِ، فَبَقِيَ مَالُ الْغَيْرِ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا فَإِذَا هَلَكَ تَقَرَّرَ الضَّمَانُ سَائِحَانِيٌّ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْخَانِيَّةِ ذَكَرَ النَّاطِفِيُّ: إذَا جَحَدَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهَا يَكُونُ ذَلِكَ فَسْخًا لِلْوَدِيعَةِ حَتَّى لَوْ نَقَلَهَا الْمُودَعُ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ حَالَةَ الْجُحُودِ يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْهَا مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ بَعْدَ الْجُحُودِ فَهَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ خُلَاصَةٌ) لَمْ يَقْتَصِرْ فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى هَذَا بَلْ نَقَلَهُ عَنْ غَصْبِ الْأَجْنَاسِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَفِي الْمُنْتَقَى: إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ وَالْعَارِيَّةُ مِمَّا يُحَوَّلُ يَضْمَنُ بِالْجُحُودِ وَإِنْ لَمْ يُحَوِّلْهَا اهـ وَذَكَرَ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَيْ مَا فِي الْأَجْنَاسِ قَوْلٌ لَمْ يَظْهَرْ لِأَصْحَابِ الْمُتُونِ صِحَّتُهُ، فَلَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهِ فَرَاجِعْ الْمُطَوَّلَاتِ يَظْهَرْ لَك ذَلِكَ. (قَوْلُهُ لِمَالِكِهَا) أَوْ وَكِيلِهِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَحَدَهَا إلَخْ) وَلَوْ قَالَ: لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ ثُمَّ ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ يُصَدَّقُ، وَلَوْ قَالَ: لَمْ يَسْتَوْدِعْنِي، ثُمَّ ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ لَا يُصَدَّقُ بَحْرٌ، وَكَأَنَّ وَجْهَ الْأَوَّلِ أَنَّ عَلَيَّ: لِلدَّيْنِ فَلَمْ يَكُنْ مُنْكِرًا لِلْوَدِيعَةِ، تَأَمَّلْ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: طَلَبَهَا رَبُّهَا فَقَالَ: اُطْلُبْهَا غَدًا فَقَالَ فِي الْغَدِ: تَلِفَتْ قَبْلَ قَوْلِي: اُطْلُبْهَا غَدًا ضَمِنَ لِتَنَاقُضِهِ لَا بَعْدَهُ طَلَبَهَا فَقَالَ: أَعْطَيْتُكَهَا ثُمَّ قَالَ: لَمْ أُعْطِكَهَا وَلَكِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَ وَلَمْ يُصَدَّقْ لِلتَّنَاقُضِ، ثُمَّ قَالَ: وَكُلُّ فِعْلٍ يَغْرَمُ بِهِ الْمُودَعُ يَغْرَمُ بِهِ الْمُرْتَهِنُ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ بَرْهَنَ إلَخْ) هَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ. وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ لَكِنْ فِي عِبَارَتِهِ سَقْطٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْبَيِّنَةِ لَا فِي مُجَرَّدِ الدَّعْوَى، حَتَّى يُقَالَ: لَا يُصَدَّقُ، وَقَدْ رَاجَعْت الْخُلَاصَةَ، وَكَتَبْت السَّقْطَ عَلَى هَامِشِ الْبَحْرِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ: أَنِّي دَفَعْتهَا) بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَنِّي وَكَسْرِ نُونِهَا مُشَدَّدَةً أَيْ عِنْدَ الْإِيدَاعِ (قَوْلُهُ إنْ عُلِمَ) الْأَصْوَبُ: عُلِمَتْ، أَيْ الْقِسْمَةُ وَنَقَلَ فِي الْمِنَحِ قَبْلَهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ ضَمَانَ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْإِيدَاعِ بِدُونِ تَفْصِيلٍ لَكِنَّهُ مُتَابِعٌ فِي النَّقْلِ عَنْ الْخُلَاصَةِ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ، وَفِيمَا نَقَلَهُ سَقْطٌ فَإِنَّ مَا رَأَيْته فِي الْخُلَاصَةِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ: فَيَوْمَ) بِنَصْبِهِ مُضَافًا لِلْإِيدَاعِ (قَوْلُهُ جَحَدَ) أَيْ قَالَ لِرَبِّ الْمَالِ لَمْ تَدْفَعْ إلَيَّ شَيْئًا (قَوْلُهُ: اشْتَرَى) يَعْنِي بَعْدَمَا أَقَرَّ وَرَجَعَ عَنْ الْجُحُودِ بِأَنْ قَالَ: بَلَى قَدْ دَفَعْت إلَيَّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ جَحْدَ الشِّرَاءِ، فَيَضْمَنُ، وَالْمُبْتَاعُ لَهُ، مِنَحٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَهُ) بِتَسْكِينِ النُّونِ (قَوْلُهُ: وَبِأَهْلِهِ لَا) وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَافَرَ بِهَا فِي الْبَحْرِ يَضْمَنُ قَالَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ كَذَا فِي الْعَيْنِيِّ مَدَنِيٌّ. (قَوْلُهُ: مِثْلِيًّا أَوْ قِيَمِيًّا) وَخِلَافُهُمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 671 (لَمْ) يَجُزْ أَنْ (يَدْفَعَ الْمُودَعُ إلَى أَحَدِهِمَا حَظَّهُ فِي غَيْبَةِ صَاحِبِهِ) وَلَوْ دَفَعَ هَلْ يَضْمَنُ فِي الدُّرَرِ نَعَمْ، وَفِي الْبَحْرِ الِاسْتِحْسَانُ لَا، فَكَانَ هُوَ الْمُخْتَارَ. (فَإِنْ أَوْدَعَ رَجُلٌ عِنْدَ رَجُلَيْنِ مَا يُقْسَمُ اقْتَسَمَاهُ وَحَفِظَ كُلٌّ نِصْفَهُ) كَمُرْتَهِنَيْنِ وَمُسْتَبْضِعَيْنِ وَوَصِيَّيْنِ وَعَدْلَيْ رَهْنٍ وَوَكِيلَيْ شِرَاءٍ (وَلَوْ دَفَعَهُ) أَحَدُهُمَا (إلَى صَاحِبِهِ ضَمِنَ) الدَّافِعُ (بِخِلَافِ مَا لَا يُقْسَمُ) لِجَوَازِ حِفْظِ أَحَدِهِمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ. (وَلَوْ قَالَ: لَا تَدْفَعْ إلَى عِيَالِك أَوْ احْفَظْ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَدَفَعَهَا إلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ أَوْ حَفِظَهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْ الدَّارِ فَإِنْ كَانَتْ بُيُوتُ الدَّارِ مُسْتَوِيَةً فِي الْحِفْظِ) أَوْ أَحْرَزَ (لَمْ يَضْمَنْ، وَإِلَّا ضَمِنَ) لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ. (وَلَا يَضْمَنُ مُودَعٌ الْمُودَعِ) فَيَضْمَنُ الْأَوَّلُ فَقَطْ إنْ هَلَكَتْ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ وَإِنْ قَبْلَهَا لَا ضَمَانَ، وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ: هَلَكَتْ عِنْدَ الثَّانِي، وَقَالَ: بَلْ رَدَّهَا وَهَلَكَتْ عِنْدِي لَمْ يُصَدَّقْ.   [رد المحتار] فِي الْأَوَّلِ قِيَاسٌ عَلَى الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ) قَدَّرَهُ بِنَاءً عَلَى مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ لَمْ يَضْمَنْ، فَلَمْ يَبْقَ الْمُرَادُ بِنَفْيِ الدَّفْعِ إلَّا عَدَمُ الْجَوَازِ، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ. وَفِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: لَمْ يَدْفَعْ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِدَفْعِ نَصِيبِهِ إلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ لَا يَكُونُ قِسْمَةً اتِّفَاقًا حَتَّى إذَا هَلَكَ الْبَاقِي رَجَعَ صَاحِبُهُ عَلَى الْآخِذِ بِحِصَّتِهِ، وَإِلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ مِنْهَا إذَا ظَفِرَ بِهَا (قَوْلُهُ: الْمُودَعُ) بِفَتْحِ الدَّالِ (قَوْلُهُ: إلَى أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ الْمُودِعَيْنِ بِكَسْرِ الدَّالِ (قَوْلُهُ فِي غَيْبَةِ صَاحِبِهِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَا: لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ طَلَبَ نَصِيبَهُ كَمَا لَوْ حَضَرَا وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ وَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إجْمَاعًا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ. وَفِي الدُّرَرِ قِيلَ: الْخِلَافُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ وَالْقِيَمِيَّاتِ مَعًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ فَقَطْ اهـ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ غَيْرِ، الصَّحِيحِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، شَيْخُنَا الْقَاضِي عَبْدُ الْمُنْعِمِ مَدَنِيٌّ. قَالَ الْفَقِيرُ مُحَمَّدٌ الْبَيْطَارُ: وَأَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الْقَوْلَةَ رَجَعَ عَنْهَا الْمُؤَلِّفُ لِأَنَّهُ شَطَبَ عَلَيْهَا شَطْبًا لَا يَظْهَرُ جِدًّا، وَرَأَيْتنِي أَنِّي لَا أَكْتُبُهَا لَكِنْ وَقَعَ فِي قَلْبِي شَيْءٌ فَأَحْبَبْتُ كِتَابَتَهَا وَالتَّنْبِيهَ عَلَيْهَا فَأَعْلِمْهُ بِالْمُرَاجَعَةِ، وَفِي الْهَامِشِ وَفِي الدُّرَرِ وَالْمُنْتَقَى لَوْ دَفَعَ الْمُودَعُ إلَى الْحَاضِرِ نِصْفَهَا، ثُمَّ هَلَكَ مَا بَقِيَ وَحَضَرَ الْغَائِبُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ كَانَ الدَّفْعُ بِقَضَاءٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ، فَإِنَّ الَّذِي حَضَرَ يَتْبَعُ الدَّافِعَ بِنِصْفِ مَا دَفَعَ، وَيَرْجِعُ بِهِ الدَّافِعُ عَلَى الْقَابِضِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْ الْقَابِضِ نِصْفَ مَا قَبَضَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ فَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ مِنْ الْبَابِ الثَّانِي فِي الْوَدِيعَةِ فَأَفَادَ أَنَّ الْمُودَعَ لَوْ دَفَعَ الْكُلَّ لِأَحَدِهِمَا بِلَا قَضَاءٍ، وَضَمَّنَهُ الْآخَرُ حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا ضَمِنَهُ عَلَى الْقَابِضِ اهـ (قَوْلُهُ: هُوَ الْمُخْتَارُ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَعْيَانُ بَلْ غَالِبُ الْمُتُونِ عَلَيْهِ مُتَّفِقُونَ، وَقَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ: اخْتَارَ النَّسَفِيُّ قَوْلَ الْإِمَامِ وَالْمَحْبُوبِيِّ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ، أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ. (قَوْلُهُ ضَمِنَ الدَّافِعُ) أَيْ النِّصْفَ فَقَطْ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ، وَقَوْلُهُ: الدَّافِعُ أَيْ لَا الْقَابِضُ؛ لِأَنَّهُ مُودَعُ الْمُودَعِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: لَا بُدَّ مِنْهُ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْوَدِيعَةُ مِمَّا يُحْفَظُ فِي يَدِ مَنْ مَنَعَهُ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ فَرَسًا مَنَعَهُ مِنْ دَفْعِهَا إلَى امْرَأَتِهِ أَوْ عِقْدَ جَوْهَرٍ مَنَعَهُ مِنْ دَفْعِهِ إلَى غُلَامِهِ فَدَفَعَ ضَمِنَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا ضَمِنَ) كَمَا إذَا كَانَ ظَهْرُ الْبَيْتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ إلَى السِّكَّةِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: فَقَطْ) أَيْ فِي إيدَاعٍ قَصْدِيٍّ. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: دَخَلَ الْحَمَّامَ، وَوَضَعَ دَرَاهِمَ الْوَدِيعَةِ مَعَ ثِيَابِهِ بَيْنَ يَدَيْ الثِّيَابِيِّ قَالَ ح ضَمِنَ لِإِيدَاعِ الْمُودَعِ، وَقَالَ ط: لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ ضِمْنِيٌّ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ بِإِيدَاعٍ قَصْدِيٍّ اهـ. وَلَوْ أَوْدَعَ بِلَا إذْنٍ ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ خَرَجَ الْأَوَّلُ مِنْ الْبَيْنِ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ: لَمْ يُصَدَّقْ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ ثُمَّ ادَّعَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 672 وَفِي الْغَصْبِ مِنْهُ يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ سِرَاجِيَّةٌ. وَفِي الْمُجْتَبَى الْقَصَّارُ إذَا غَلِطَ فَدَفَعَ ثَوْبَ رَجُلٍ لِغَيْرِهِ فَقَطَعَهُ فَكِلَاهُمَا ضَامِنٌ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَصَابَ الْوَدِيعَةَ شَيْءٌ فَأَمَرَ مُودَعٌ رَجُلًا لِيُعَالِجَهَا فَعَطِبَتْ مِنْ ذَلِكَ فَلِرَبِّهَا تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ لَكِنْ إنْ ضَمَّنَ الْمُعَالِجَ رَجَعَ عَنْ الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ وَإِلَّا لَمْ يَرْجِعْ اهـ (بِخِلَافِ مُودَعِ الْغَاصِبِ) فَيُضَمِّنُ أَيًّا شَاءَ، وَإِذَا ضَمَّنَ الْمُودَعَ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ وَإِنْ عَلِمَ عَلَى الظَّاهِرِ دُرَرٌ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَالْبَاقَانِيُّ وَالْبُرْجُنْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَتَنَبَّهْ. . (مَعَهُ أَلْفٌ ادَّعَى رَجُلَانِ: كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَهُ، أَوْدَعَهُ إيَّاهُ، فَنَكَلَ عَنْ الْحَلِفِ لَهُمَا فَهُوَ لَهُمَا وَعَلَيْهِ أَلْفٌ آخَرُ بَيْنَهُمَا) وَلَوْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا   [رد المحتار] الْبَرَاءَةَ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ وَفِي الْغَصْبِ إلَخْ) أَيْ إذَا غُصِبَتْ مِنْ الْوَدِيعِ فَادَّعَى الْوَدِيعُ الرَّدَّ يُصَدَّقُ إذْ لَمْ يَفْعَلْ الْوَدِيعُ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ، فَهُوَ عَلَى مَا كَانَ أَمِينٌ عِنْدَ الرَّدِّ وَقَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، بِخِلَافِ دَفْعِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ سَائِحَانِيٌّ. [فَرْعٌ] . دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: ادْفَعْهَا إلَى فُلَانٍ بِالرَّيِّ فَمَاتَ الدَّافِعُ فَدَفَعَ الْمُودَعُ الْمَالَ إلَى رَجُلٍ لِيَدْفَعَهُ إلَى فُلَانٍ بِالرَّيِّ فَأُخِذَ فِي الطَّرِيقِ لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ لِأَنَّهُ وَصِيُّ الْمَيِّتِ فَلَوْ كَانَ الدَّافِعُ حَيًّا ضَمِنَ الْمُودَعُ، لِأَنَّهُ وَكِيلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ فِي عِيَالِهِ فَلَا يَضْمَنُ حِينَئِذٍ خَانِيَّةٌ بَرْهَنَ عَلَيْهِ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ عَشَرَةً فَقَالَ: دَفَعْتَهُ إلَيَّ لِأَدْفَعَهُ إلَى فُلَانٍ فَدَفَعْتُ يَصِحُّ الدَّفْعُ بَزَّازِيَّةٌ مِنْ الدَّعْوَى. (قَوْلُهُ عَلَى الْأَوَّلِ) فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ ضَمِنَ الْمُعَالِجُ رَجَعَ عَلَى الْمُودَعِ، عَلِمَ أَنَّهَا لِلْغَيْرِ أَوْ لَا، إلَّا إنْ قَالَ الْمُودَعُ لَيْسَتْ لِي وَلَمْ أَوْ مَرَّ بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ لَا يَرْجِعُ اهـ تَأَمَّلْ. [فَرْعٌ] . وَلَوْ قَالَ وَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيَّ وَقُمْتُ وَنَسِيتُهَا فَضَاعَتْ يَضْمَنُ، وَلَوْ قَالَ وَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيَّ فِي دَارِي، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا أَنَّ مِمَّا لَا يُحْفَظُ فِي عَرْصَةِ الدَّارِ كَسُرَّةِ النَّقْدَيْنِ يُضْمَنُ، وَلَوْ كَانَ مِمَّا تُعَدُّ عَرْصَتُهَا حِصْنًا لَهُ لَا يُضْمَنُ بَزَّازِيَّةٌ وَخُلَاصَةٌ وَفُصُولَيْنِ وَذَخِيرَةٌ وَخَانِيَّةٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ حِفْظُ كُلِّ شَيْءٍ فِي حِرْزِ مِثْلِهِ تَأَمَّلْ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي السَّرِقَةِ: أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ كُلُّ مَا كَانَ حِرْزًا لِنَوْعٍ، فَهُوَ حِرْزٌ لِكُلِّ الْأَنْوَاعِ، فَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ لُؤْلُؤَةٍ مِنْ إصْطَبْلٍ تَأَمَّلْ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحِرْزِ فِي السَّرِقَةِ وَالْحِرْزِ فِي الْوَدِيعَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي قَطْعِ السَّارِقِ بِتِلْكَ الْحِرْزُ، وَذَلِكَ لَا يَتَفَاوَتُ بِاعْتِبَارِ الْمُحْرَزَاتِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِ الْمُودَعِ التَّقْصِيرُ فِي الْحِفْظِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَضَعَهَا فِي دَارِهِ الْحَصِينَةِ وَخَرَجَ وَكَانَتْ زَوْجَتُهُ غَيْرَ أَمِينَةٍ يَضْمَنُ، وَلَوْ أَحَدٌ سَرَقَهَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الدَّارَ حِرْزٌ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ لِلتَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ، وَلَوْ وَضَعَهَا فِي الدَّارِ وَخَرَجَ، وَالْبَابُ مَفْتُوحٌ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ أَحَدٌ أَوْ فِي الْحَمَّامِ أَوْ الْمَسْجِدِ أَوْ الطَّرِيقِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَغَابَ يَضْمَنُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ سَارِقُهَا، وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ فَإِذَا اعْتَبَرْنَا هُنَا الْحِرْزَ الْمُعْتَبَرَ فِي السَّرِقَةِ لَزِمَ أَنْ لَا يَضْمَنَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَنَحْوِهَا فَيَلْزَمُ مُخَالَفَةُ مَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَظَهَرَ يَقِينًا صِحَّةُ مَا قُلْنَا مِنْ الْفَرْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَبِهِ ظَهَرَ جَوَابُ حَادِثَةٍ: وَهِيَ أَنَّ مُودَعًا وَضَعَ بُقْجَةَ شَالٍ غَالِيَةَ الثَّمَنِ فِي إصْطَبْلِ الْخَيْلِ فَسُرِقَتْ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ قُطِعَ سَارِقُهَا، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مُودَعِ الْغَاصِبِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مُودَعَ الْغَاصِبِ غَاصِبٌ لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً (قَوْلُهُ دُرَرٌ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: فَنَكَلَ عَنْ الْحَلِفِ) صُوَرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سِتَّةٌ: أَقَرَّ لَهُمَا، نَكَلَ لَهُمَا، حَلَفَ لَهُمَا، أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا، وَنَكَلَ لِلْآخَرِ أَوْ حَلَفَ، نَكَلَ لِأَحَدِهِمَا وَحَلَفَ لِلْآخَرِ. سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَلَفَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُودَعَ يَحْلِفُ إذَا أَنْكَرَ الْإِيدَاعَ كَمَا إذَا ادَّعَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 673 وَنَكَلَ لِلْآخَرِ فَالْأَلْفُ لِمَنْ نَكَلَ لَهُ. (دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا، وَقَالَ: ادْفَعْهَا الْيَوْمَ إلَى فُلَانٍ فَلَمْ يَدْفَعْهَا حَتَّى ضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ) إذْ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ. (كَمَا لَوْ قَالَ: احْمِلْ إلَيَّ الْوَدِيعَةَ فَقَالَ: أَفْعَلُ، وَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَضَى الْيَوْمُ) وَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّخْلِيَةُ عِمَادِيَّةٌ. . (قَالَ) رَبُّ الْوَدِيعَةِ (لِلْمُودَعِ ادْفَعْ الْوَدِيعَةَ إلَى فُلَانٍ فَقَالَ: دَفَعْت وَكَذَّبَهُ) فِي الدَّفْعِ (فُلَانٌ) وَضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ (صُدِّقَ الْمُودَعُ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ أَمِينٌ سِرَاجِيَّةٌ. (قَالَ) الْمُودَعُ ابْتِدَاءً (لَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ لَا يَضْمَنُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا لَوْ قَالَ ذَهَبَتْ وَلَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ) فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: لَا أَدْرِي أَضَاعَتْ أَمْ لَمْ تَضِعْ أَوْ لَا أَدْرِي وَضَعْتهَا أَوْ دَفَنْتهَا فِي دَارِي أَوْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ مَكَانَ الدَّفْنِ لَكِنَّهُ قَالَ سُرِقَتْ مِنْ الْمَكَانِ الْمَدْفُونِ فِيهِ لَا يَضْمَنُ، وَتَمَامُهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ. .   [رد المحتار] الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ، إمَّا لِنَفْيِ التُّهْمَةِ أَوْ لِإِنْكَارِهِ الضَّمَانَ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَهُمَا، وَإِلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَبْدَأَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَالْأَوْلَى الْقُرْعَةُ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ نَكَلَ لِلْأَوَّلِ يَحْلِفُ لِلثَّانِي، وَلَا يَقْضِي بِالنُّكُولِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ بِنَفْسِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَنَكَلَ لِلْآخَرِ) فِي التَّحْلِيفِ لِلثَّانِي يَقُولُ: بِاَللَّهِ مَا هَذِهِ الْعَيْنُ لَهُ، وَلَا قِيمَتُهَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهَا لِلْأَوَّلِ ثَبَتَ لَهُ الْحَقُّ فِيهَا، فَلَا يُفِيدُ إقْرَارُهُ فِيهَا لِلثَّانِي، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ لَكَانَ صَادِقًا بَحْرٌ. لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَأَرْسَلَ الدَّائِنُ إلَى مَدْيُونِهِ رَجُلًا لِيَقْبِضَهُ فَقَالَ الْمَدْيُونُ دَفَعْتُهُ إلَى الرَّسُولِ وَقَالَ دَفَعْتُهُ إلَى الدَّائِنِ وَأَنْكَرَ الدَّائِنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّسُولِ مَعَ يَمِينِهِ. وَاَلَّذِي فِي نُورِ الْعَيْنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْسِلِ بِيَمِينِهِ، تَأَمَّلْ. قَالَ الدَّائِنُ ابْعَثْ الدَّيْنَ مَعَ فُلَانٍ فَضَاعَ مِنْ يَدِ الرَّسُولِ ضَاعَ مِنْ الْمَدْيُونِ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَضَاعَتْ) يَعْنِي غَابَتْ وَلَمْ تَظْهَرْ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ لَا يَضْمَنُ. لَكِنْ أَفْتَى الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِالضَّمَانِ وَعَزَاهُ فِي حَاشِيَةِ الْفُصُولَيْنِ إلَى الْبَزَّازِيَّةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ فِي زَمَانِنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ إلَخْ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَنُورِ الْعَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ، وَهَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةِ الْمِنَحِ، لَكِنَّ لَفْظَةَ (لَا) مُلْحَقَةٌ بَيْنَ الْأَسْطُرِ وَكَأَنَّهَا سَاقِطَةٌ مِنْ النُّسَخِ فَنَقَلَهَا الشَّارِحُ هَكَذَا فَتَنَبَّهْ. [فَرْعٌ] . فِي الْهَامِشِ وَفِي النَّوَازِلِ: مَرَّ بِمَالِ الْيَتِيمِ عَلَى ظَالِمٍ، وَخَافَ إنْ لَمْ يُهْدِ إلَيْهِ هَدِيَّةً أَنْ يَأْخُذَهُ كُلَّهُ لَا يَضْمَنُ وَكَذَا الْمُضَارِبُ، وَالْمَشَايِخُ أَخَذُوا بِهَذَا الْقَوْلِ أَنْقِرْوِيٌّ. وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ: أَنْفَقَ الْوَصِيُّ عَلَى بَابِ الْقَاضِي يَضْمَنُ الْأَعْطَى عَلَى وَجْهِ الرِّشْوَةِ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِجَارَةِ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ أَنْقِرْوِيٌّ اهـ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَضْمَنُ) قَاضِي خَانْ قَالَ: وَضَعْتهَا فِي دَارِي فَنَسِيت الْمَكَانَ لَا يَضْمَنُ، وَلَوْ قَالَ: وَضَعْتهَا فِي مَكَان حَصِينٍ فَنَسِيت الْمَوْضِعَ ضَمِنَ، لِأَنَّهُ جَهِلَ الْأَمَانَةَ كَمَا لَوْ مَاتَ مُجْهِلًا صَحَّ. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ كَقَوْلِهِ: ذَهَبَتْ، وَلَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ، وَلَوْ قَالَ دُفِنَتْ فِي دَارِي أَوْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ضَمِنَ، وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ مَكَانَ الدَّفْنِ وَلَكِنَّهُ قَالَ سُرِقَتْ مِنْ مَكَان دُفِنَتْ فِيهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ دَفَنَهَا فِي الْأَرْضِ يَبْرَأُ لَوْ جَعَلَ هُنَالِكَ عَلَامَةً، وَإِلَّا فَلَا، وَفِي الْمَفَازَةِ ضَمِنَ مُطْلَقًا، وَلَوْ دَفَنَهَا فِي الْكَرْمِ يَبْرَأُ لَوْ حَصِينًا بِأَنْ كَانَ لَهُ بَابٌ مُغْلَقٌ، وَلَوْ وَضَعَهَا بِلَا دَفْنٍ بَرِئَ لَوْ مَوْضِعًا لَا يَدْخُلُ فِيهِ أَحَدٌ بِلَا إذْنٍ. تَوَجَّهَتْ اللُّصُوصُ نَحْوَهُ فِي مَفَازَةٍ فَدَفَنَهَا حَذَرًا فَلَمَّا رَجَعَ لَمْ يَظْفَرْ بِمَحَلِّ دَفْنِهِ لَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَجْعَلَ فِيهِ عَلَامَةً، وَلَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ وَكَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 674 فُرُوعٌ] هُدِّدَ الْمُودَعُ أَوْ الْوَصِيُّ عَلَى دَفْعِ بَعْضِ الْمَالِ إنْ خَافَ تَلَفَ نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ فَدَفَعَ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ خَافَ الْحَبْسَ أَوْ الْقَيْدَ ضَمِنَ، وَإِنْ خَشِيَ أَخْذَ مَالِهِ كُلِّهِ فَهُوَ عُذْرٌ كَمَا لَوْ كَانَ الْجَابِرُ هُوَ الْآخِذَ بِنَفْسِهِ فَلَا ضَمَانَ عِمَادِيَّةٌ. خِيفَ عَلَى الْوَدِيعَةِ الْفَسَادُ رَفَعَ الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ لِيَبِيعَهُ وَلَوْ لَمْ يَرْفَعْ حَتَّى فَسَدَ فَلَا ضَمَانَ، وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِلَا أَمْرِ قَاضٍ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ. قَرَأَ مِنْ مُصْحَفِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الرَّهْنِ فَهَلَكَ حَالَةَ الْقِرَاءَةِ لَا ضَمَانَ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ هَذَا التَّصَرُّفِ صَيْرَفِيَّةٌ قَالَ وَكَذَا لَوْ وَضَعَ السِّرَاجَ عَلَى الْمَنَارَةِ وَفِيهَا أَوْدَعَ صَكًّا وَعَرَفَ أَدَاءُ بَعْضِ الْحَقِّ وَمَاتَ الطَّالِبُ وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ الْأَدَاءَ حَبَسَ الْمُودَعُ الصَّكَّ أَبَدًا. وَفِي الْأَشْبَاهِ لَا يَبْرَأُ مَدْيُونُ الْمَيِّتِ بِدَفْعِ الدَّيْنِ إلَى الْوَارِثِ وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ. لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَخْذُ وَدِيعَةِ الْعَبْدِ. الْعَامِلُ لِغَيْرِهِ أَمَانَةً لَا أَجْرَ لَهُ إلَّا الْوَصِيَّ وَالنَّاظِرَ إذَا عَمِلَا. قُلْت: فَعُلِمَ مِنْهُ أَنْ لَا أَجْرَ لِلنَّاظِرِ فِي الْمُسَقَّفِ إذَا أُحِيلَ عَلَيْهِ الْمُسْتَحِقُّونَ فَلْيُحْفَظُوا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ: وَدَافِعُ أَلْفٍ مُقْرِضًا وَمُقَارِضًا ... وَرِبْحُ الْقِرَاضِ الشَّرْطُ جَازَ وَيُحْذَرُ وَأَنْ يَدَّعِي ذُو الْمَالِ قَرْضًا وَخَصْمُهُ ... قِرَاضًا فَرَبُّ الْمَالِ قَدْ قِيلَ أَجْدَرُ وَفِي الْعَكْسِ بَعْدَ الرِّبْحِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ... كَذَلِكَ فِي الْإِبْضَاعِ مَا يَتَغَيَّرُ وَإِنْ قَالَ قَدْ ضَاعَتْ مِنْ الْبَيْتِ وَحْدَهَا ... يَصِحُّ وَيُسْتَحْلَفُ فَقَدْ يُتَصَوَّرُ أَوْ تَارِكٌ فِي قَوْمٍ لِأَمْرِ صَحِيفَةٍ ... فَرَاحُوا وَرَاحَتْ يَضْمَنُ الْمُتَأَخِّرُ وَتَارِكُ نَشْرِ الصُّوفِ صَيْفًا فَعُثَّ لَهْ ... يُضَمَّنْ وَقَرْضُ الْفَأْرِ بِالْعَكْسِ يُؤْثَرُ إذَا لَمْ يَسُدَّ الثُّقْبَ مِنْ بَعْدِ عِلْمِهِ ... وَلَمْ يُعْلَمْ الْمُلَّاكُ مَا هِيَ تُقَرَّرُ   [رد المحتار] لَوْ أَمْكَنَهُ الْعَوْدُ قَرِيبًا بَعْدَ زَوَالِ الْخَوْفِ فَلَمْ يَعُدْ ثُمَّ جَاءَ، وَلَمْ يَجِدْهَا لَا لَوْ دَفَنَهَا بِإِذْنِ رَبِّهَا فَظَاهِرٌ وَضَعَهَا فِي زَمَانِ الْقِنْيَةِ فِي بَيْتٍ خَرَابٍ ضَمِنَ لَوْ وَضَعَهَا عَلَى الْأَرْضِ لَا لَوْ دَفَنَهَا نُورُ الْعَيْنِ. (قَوْلُهُ مَالُهُ كُلِّهِ) أَمَّا لَوْ خَافَ أَخْذَ مَالَهُ وَيَبْقَى قَدْرُ الْكِفَايَةِ يَضْمَنُ فُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنْفَقَ إلَخْ) وَلَوْ لَمْ يَتَّفِقْ عَلَيْهَا الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ حَتَّى هَلَكَتْ يَضْمَنُ، لَكِنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ مُنْلَا عَلَى حَاوِي الزَّاهِدِيِّ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَنَارَةِ) فِيمَا لَوْ كَانَتْ الْمَنَارَةُ وَدِيعَةً (قَوْلُهُ أَبَدًا) أَيْ مَا لَمْ يُقِرَّ الْوَارِثُ بِالْأَدَاءِ (قَوْلُهُ: إلَى الْوَارِثِ) ظَاهِرُهُ سَوَاءً كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لِمَا دَفَعَهُ أَوْ لَا، وَسَوَاءً كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا أَوْ لَا، وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَيِّدَ عَدَمَ الْبَرَاءَةِ بِمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لِمَا دَفَعَهُ، وَالْوَارِثُ غَيْرُ مُؤْتَمَنٍ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِمَا فِي الْمُودَعِ إذَا دَفَعَ الْوَدِيعَةَ لِلْوَارِثِ حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ وَدِيعَةِ الْعَبْدِ) تَاجِرًا كَانَ أَوْ مَحْجُورًا، عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا وَهَذَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْوَدِيعَةَ كَسْبُ الْعَبْدِ، فَلَوْ عَلِمَ فَلَهُ أَخْذُهَا وَكَذَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهَا لِلْمَوْلَى تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: قُلْت) الْقَوْلُ لِصَاحِبِ الْأَشْبَاهِ قَالَهُ فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ مُقْرِضًا) أَيْ نِصْفَهُ (قَوْلُهُ: وَمُقَارِضًا) أَيْ مُضَارِبًا نِصْفَهُ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: وَرَبِحَ) مَضْبُوطٌ بِالْقَلَمِ بِفَتْحِ الرَّاءِ (قَوْلُهُ قِرَاضًا) أَيْ مُضَارَبَةً كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ. قَالَ فِي الْهَامِشِ: وَإِذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْعَامِلِ وَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ بَعْدَمَا اخْتَلَفَا فَالْعَامِلُ ضَامِنٌ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ لِرَبِّ الْمَالِ، عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ لِابْنِ الشِّحْنَةِ (قَوْلُهُ يَضْمَنُ الْمُتَأَخِّرُ) مَفْهُومُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 675 قُلْت: بَقِيَ لَوْ سَدَّهُ مَرَّةً فَفَتَحَهُ الْفَأْرُ وَأَفْسَدَهُ لَمْ يَذْكُرْ وَيَنْبَغِي تَفْصِيلُهُ كَمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ. كِتَابُ الْعَارِيَّةِ. أَخَّرَهَا عَنْ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا تَمْلِيكًا، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الْأَمَانَةِ، وَمَحَاسِنُهَا النِّيَابَةُ عَنْ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي إجَابَةِ الْمُضْطَرِّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا لِمُحْتَاجٍ كَالْقَرْضِ فَلِذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ بِعَشَرَةٍ، وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ (هِيَ) لُغَةً - مُشَدَّدَةً وَتُخَفَّفُ -: إعَارَةُ   [رد المحتار] أَنَّهُمْ إذَا قَامُوا جُمْلَةً ضَمِنُوا، وَبِهِ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ كُلَّ مَا لَا يُقْسَمُ كَذَلِكَ سَائِحَانِيٌّ قَالَ فِي الْهَامِشِ: وَلَوْ تَرَكَ وَاحِدٌ لِقَوْمٍ وَدِيعَةً وَقَامَ الْكُلُّ دُفْعَةً وَتَرَكُوهَا وَلَمْ يَأْخُذْهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ ضَمِنَهَا الْكُلُّ ابْنُ الشِّحْنَةِ (قَوْلُهُ فَعُثَّ) بِالْمُثَلَّثَةِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُعْلَمْ إلَخْ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ وَبِضَمِّ يَاءِ " يُعْلَمْ " كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي) الْبَحْثُ لِلطَّرَسُوسِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهَا التَّفْصِيلُ، لِأَنَّ الْأَمْرَ دَائِرٌ بَيْنَ الْإِعْلَامِ لِلْمُودَعِ أَوْ السَّدِّ بِدُونِهِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ وَارْتَضَاهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَأَقَرَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ. [فُرُوعٌ] . رَبَطَهَا فِي طَرَفِ كُمِّهِ أَوْ عِمَامَتِهِ أَوْ شَدَّهَا فِي مِنْدِيلٍ، وَوَضَعَهُ فِي كُمِّهِ أَوْ أَلْقَاهَا فِي جَيْبِهِ، وَلَمْ تَقَعْ فِيهِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِيهِ لَا يَضْمَنُ. خَرَجَ وَتَرَكَ الْبَابَ مَفْتُوحًا ضَمِنَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ أَحَدٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مَكَان يَسْمَعُ حِسَّ الدَّاخِلِ. جَعَلَهَا فِي الْكَرْمِ فَلَوْ لَهُ حَائِطٌ بِحَيْثُ لَا يَرَى الْمَارَّةُ مَا فِي الْكَرْمِ لَا يَضْمَنُ إذَا أَغْلَقَ الْبَابَ، وَإِلَّا ضَمِنَ. سُوقِيٌّ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ، وَفِيهِ وَدَائِعُ لَمْ يَضْمَنْ؛ إذْ جِيرَانُهُ يَحْفَظُونَهُ، وَلَيْسَ بِإِيدَاعِ الْمُودِعِ لَكِنَّهُ مُودَعٌ لَمْ يُضَيِّعْ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ مَا يَدُلُّ عَلَى الضَّمَانِ فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْعُرْفِ اهـ. غَابَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ، وَلَا يَدْرِي أَهُوَ حَيٌّ أَمْ مَيِّتٌ يُمْسِكُهَا حَتَّى يَعْلَمَ مَوْتَهُ، وَلَا يَتَصَدَّقَ بِهَا بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ، وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِلَا أَمْرِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، وَيَسْأَلُهُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ عَلَى كَوْنِهَا وَدِيعَةً عِنْدَهُ، وَعَلَى كَوْنِ الْمَالِكِ غَائِبًا فَإِنْ بَرْهَنَ، فَلَوْ مِمَّا يُؤَجِّرُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ غَلَّتِهَا أَمَرَهُ بِهِ أَوْ لَا يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً رَجَاءَ أَنْ يَحْضُرَ الْمَالِكُ لَا أَكْثَرَ، بَلْ يَأْمُرُهُ بِالْبَيْعِ وَإِمْسَاكِ الثَّمَنِ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ ابْتِدَاءً فَلِصَاحِبِهَا الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِهِ إذَا حَضَرَ لَكِنْ فِي الدَّابَّةِ يَرْجِعُ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ لَا بِالزِّيَادَةِ. وَفِي الْعَبْدِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَلَوْ اجْتَمَعَ مِنْ أَلْبَانِهَا شَيْءٌ كَثِيرٌ، أَوْ كَانَتْ أَرْضًا فَأَثْمَرَتْ وَخَافَ فَسَادَهُ فَبَاعَهُ لِأَمْرِ الْقَاضِي فَلَوْ فِي الْمِصْرِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَتَوَصَّلُ إلَى الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يَفْسُدَ ذَلِكَ ضَمِنَ، تَتَارْخَانِيَّةٌ مِنْ الْعَاشِرِ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ. [تَتِمَّةٌ] :. فِي ضَمَانِ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ فِي قَاضِي خَانْ مُودَعٌ جَعَلَ فِي ثِيَابِ الْوَدِيعَةِ ثَوْبًا لِنَفْسِهِ فَدَفَعَهَا إلَى رَبِّهَا وَنَسِيَ ثَوْبَهُ فِيهَا فَضَاعَ عِنْدَهُ ضَمِنَهُ، لِأَنَّهُ أَخَذَ ثَوْبَ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ، وَالْجَهْلُ فِيهِ لَا يَكُونُ عُذْرًا قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ تُقَيَّدَ الْمَسْأَلَةُ بِمَا لَوْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ ثُمَّ عَلِمَ بِذَلِكَ وَضَاعَ عِنْدَهُ، وَإِلَّا فَلَا سَبَبَ لِلضَّمَانِ أَصْلًا، فَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَالْجَهْلُ فِيهِ لَا يَكُونُ عُذْرًا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ مُلَخَّصًا. [كِتَابُ الْعَارِيَّةِ] ِ. (قَوْلُهُ مُشَدَّدَةً) كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِّ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌّ وَعَيْبٌ صِحَاحٌ، وَرَدَّهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 676 الشَّيْءِ قَامُوسٌ. وَشَرْعًا (تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ مَجَّانًا) أَفَادَ بِالتَّمْلِيكِ لُزُومَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَوْ فِعْلًا وَحُكْمُهَا كَوْنُهَا أَمَانَةً وَشَرْطُهَا: قَابِلِيَّةُ الْمُسْتَعَارِ لِلِانْتِفَاعِ وَخُلُوُّهَا عَنْ شَرْطِ الْعِوَضِ، لِأَنَّهَا تَصِيرُ إجَارَةً، وَصَرَّحَ فِي الْعِمَادِيَّةِ بِجَوَازِ إعَارَةِ الْمَشَاعِ وَإِيدَاعُهُ وَبَيْعِهِ يَعْنِي، لِأَنَّ جَهَالَةَ الْعَيْنِ لَا تُفْضِي لِلْجَهَالَةِ لِعَدَمِ لُزُومِهَا، وَقَالُوا: عَلْفُ الدَّابَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَكَذَا نَفَقَةُ الْعَبْدِ أَمَّا كِسْوَتُهُ فَعَلَى الْمُعِيرِ، وَهَذَا إذَا طَلَبَ الِاسْتِعَارَةَ فَلَوْ قَالَ الْمَوْلَى: خُذْهُ وَاسْتَخْدِمْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَعِيرَهُ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْمَوْلَى أَيْضًا لِأَنَّهُ وَدِيعَةٌ. (وَتَصِحُّ بِأَعَرْتُكَ) لِأَنَّهُ صَرِيحٌ (وَأَطْعَمْتُك أَرْضِي) أَيْ غَلَّتَهَا؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ مَجَازًا مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ (وَمَنَحْتُك) بِمَعْنَى أَعْطَيْتُك (ثَوْبِي أَوْ جَارِيَتِي هَذِهِ وَحَمَلْتُك عَلَى دَابَّتِي هَذِهِ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ) بِمَنَحْتُكَ وَحَمَلْتُك (الْهِبَةَ) لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فَيُفِيدُ الْعَارِيَّةَ بِلَا نِيَّةٍ   [رد المحتار] بَاشَرَ الِاسْتِعَارَةَ فَلَوْ كَانَ الْعَارَّ فِي طَلَبِهَا لَمَا بَاشَرَهَا وَقَوْلُهُ عَلَى مَا فِي الْمُغْرِبِ مِنْ أَنَّهَا اسْمٌ مِنْ الْإِعَارَةِ وَأَخْذُهَا مِنْ الْعَارِّ الْعَيْبِ خَطَأٌ اهـ وَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ التَّعَاوُرِ، وَهُوَ التَّنَاوُبُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَتُخَفَّفُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ وَرَدَّهُ الرَّاغِبُ بِأَنَّ الْعَارَ يَائِيٌّ وَالْعَارِيَّةَ وَاوِيٌّ، وَفِي الْمَبْسُوطِ إنَّهَا مِنْ الْعَرِيَّةِ تَمْلِيكُ الثِّمَارِ بِلَا عِوَضٍ وَرَدَّهُ الْمُطَرِّزِيُّ لِأَنَّهُ يُقَالُ اسْتَعَارَهُ مِنْهُ فَأَعَارَهُ وَاسْتَعَارَهُ الشَّيْءَ عَلَى حَذْفِ مِنْ، الصَّوَابُ أَنَّ الْمَنْسُوبَ إلَيْهِ الْعَارَةُ اسْمٌ مِنْ الْإِعَارَةِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ التَّعَاوُرِ التَّنَاوُبِ قُهُسْتَانِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: تَمْلِيكُ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْكَرْخِيِّ الْقَائِلِ: بِأَنَّهَا إبَاحَةٌ وَلَيْسَتْ بِتَمْلِيكٍ، وَيَشْهَدُ لَهُ انْعِقَادُهَا بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ، وَجَوَازُ أَنْ يُعِيرَ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمَلِ، وَالْمُبَاحُ لَهُ لَا يُبِيحُ لِغَيْرِهِ، وَانْعِقَادُهَا بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُعِيرَ لِلتَّمْلِيكِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ فِعْلًا) أَيْ كَالتَّعَاطِي فِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَهَذَا مُبَالَغَةٌ عَلَى الْقَبُولِ، وَأَمَّا الْإِيجَابُ فَلَا يَصِحُّ بِهِ، وَعَلَيْهِ يَتَفَرَّعُ مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ قَوْلِ الْمَوْلَى: خُذْهُ وَاسْتَخْدِمْهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِمَا نَقَلَ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ، وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ مِنْ الْمُعِيرِ، وَأَمَّا الْقَبُولُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ، فَلَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ اهـ أَيْ الْقَبُولُ صَرِيحًا غَيْرُ شَرْطٍ بِخِلَافِ الْإِيجَابِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: إنَّ الْإِعَارَةَ لَا تَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ اهـ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ أَخْذُهَا قَبُولًا. (قَوْلُهُ بِجَوَازِ إعَارَةِ الْمَشَاعِ) إعَارَةُ الْجُزْءِ الشَّائِعِ تَصِحُّ كَيْفَمَا كَانَ فِي الَّتِي تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا تَحْتَمِلُهَا مِنْ شَرِيكٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ، وَكَذَا إعَارَةُ الشَّيْءِ مِنْ اثْنَيْنِ أَجْمَلَ أَوْ فَصَّلَ بِالتَّنْصِيفِ أَوْ بِالْإِثْلَاثِ قُنْيَةٌ (قَوْلُهُ: وَبَيْعِهِ) وَكَذَا إقْرَاضُهُ كَمَا مَرَّ، وَكَذَا إيجَارُهُ مِنْ الشَّرِيكِ لَا الْأَجْنَبِيِّ وَكَذَا وَقَفَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَإِلَّا فَجَائِزٌ، وَتَمَامُهُ فِي أَوَائِلِ هِبَةِ الْبَحْرِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ جَهَالَةَ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تُفْسِدُهَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْمُرَادُ بِالْجَهَالَةِ جَهَالَةُ الْمَنَافِعِ الْمُمَلَّكَةِ لَا جَهَالَةُ الْعَيْنِ الْمُسْتَعَارَةِ بِدَلِيلِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ اسْتَعَارَ مِنْ آخَرَ حِمَارًا فَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ: لِي حِمَارَانِ فِي الْإِصْطَبْلِ فَخُذْ أَحَدَهُمَا وَاذْهَبْ فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا وَذَهَبَ بِهِ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَ، وَلَوْ قَالَ خُذْ أَحَدَهُمَا أَيَّهُمَا شِئْت لَا يَضْمَنُ (قَوْلُهُ: لِلْجَهَالَةِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِلْمُنَازَعَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ وَدِيعَةٌ) أَيْ أَبَاحَ لَهُ بِهَا الِانْتِفَاعَ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ) أَيْ حَقِيقَةً قَالَ قَاضِي زَادَهْ الصَّرِيحُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ مَا انْكَشَفَ الْمُرَادُ مِنْهُ فِي نَفْسِهِ فَيَتَنَاوَلُ الْحَقِيقَةَ غَيْرَ الْمَهْجُورَةِ وَالْمَجَازَ الْمُتَعَارَفَ اهـ. فَالْأَوَّلُ أَعَرْتُك، وَالثَّانِي أَطْعَمْتُك أَرْضِي ط (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ صَرِيحٌ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي مَنَحْتُك، أَمَّا حَمَلْتُك فَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: إنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 677 وَالْهِبَةَ بِهَا أَيْ مَجَازًا (وَأَخْدَمْتُك عَبْدِي) وَآجَرْتُك دَارِي شَهْرًا مَجَّانًا (وَدَارِي) مُبْتَدَأٌ (لَك) خَبَرٌ (سُكْنَى) تَمْيِيزٌ أَيْ بِطَرِيقِ السُّكْنَى (وَ) دَارِي لَك (عُمْرَى) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ أَعْمَرْتُهَا لَك عُمْرَى (سُكْنًى) تَمْيِيزُهُ يَعْنِي جَعَلْت سُكْنَاهَا لَك مُدَّةَ عُمْرِك (وَ) لِعَدَمِ لُزُومِهَا (يَرْجِعُ الْمُعِيرُ مَتَى شَاءَ) وَلَوْ مُوَقَّتَةً أَوْ فِيهِ ضَرَرٌ فَتَبْطُلُ، وَتَبْقَى الْعَيْنُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ كَمَنْ اسْتَعَارَ أَمَةً لِتُرْضِعَ وَلَدَهُ وَصَارَ لَا يَأْخُذُ إلَّا ثَدْيَهَا فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ إلَى الْفِطَامِ وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَفِيهَا مَعْزِيًّا لِلْقُنْيَةِ تَلْزَمُ الْعَارِيَّةُ فِيمَا إذَا اسْتَعَارَ جِدَارَ غَيْرِهِ لِوَضْعِ جُذُوعِهِ فَوَضَعَهَا ثُمَّ بَاعَ الْمُعِيرُ الْجِدَارَ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي رَفْعُهَا، وَقِيلَ: نَعَمْ إلَّا إذَا شَرَطَهُ وَقْتَ الْبَيْعِ. قُلْت: وَبِالْقِيلِ جَزَمَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا وَاعْتَمَدَهُ مُحَشِّيهَا فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ ابْنُ الْمُصَنِّفِ فَكَأَنَّهُ ارْتَضَاهُ فَلْيُحْفَظْ. (وَلَا تُضْمَنُ   [رد المحتار] فِيهِمَا يُقَالُ: حَمَلَ فُلَانٌ فُلَانًا عَلَى دَابَّتِهِ يُرَادُ بِهِ الْهِبَةُ تَارَةً، وَالْعَارِيَّةُ أُخْرَى، فَإِذَا نَوَى أَحَدَهُمَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حَمَلَ عَلَى الْأَدْنَى كَيْ لَا يَلْزَمَهُ الْأَعْلَى بِالشَّكِّ اهـ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا لَكِنْ إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ الْعَارِيَّةُ عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ النِّيَّةِ لِئَلَّا يَلْزَمَهُ الْأَعْلَى بِالشَّكِّ ط وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ عَنْ الْكِفَايَةِ فَفِيهِ الْكِفَايَةُ (قَوْلُهُ بِهَا) أَيْ بِالنِّيَّةِ (قَوْلُهُ: شَهْرًا) فَلَوْ لَمْ يَقُلْ شَهْرًا لَا يَكُونُ إعَارَةً بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَيْ بَلْ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ، وَقَدْ قِيلَ بِخِلَافِهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَيَنْبَغِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمُدَّةِ، وَلَا بِالْعِوَضِ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ إعَارَةً مِنْ جَعْلِهِ إعَارَةً مَعَ التَّصْرِيحِ بِالْمُدَّةِ دُونَ الْعِوَضِ شَيْخُنَا. وَنَقَلَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ عَنْ إجَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ لَا تَنْعَقِدُ الْإِعَارَةُ بِالْإِجَارَةِ، حَتَّى لَوْ قَالَ: آجَرْتُك مَنَافِعَهَا سَنَةً بِلَا عِوَضٍ تَكُونُ إجَارَةً فَاسِدَةً لَا عَارِيَّةً اهـ قَالَ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ هَذَا (قَوْلُهُ مَجَّانًا) أَيْ بِلَا عِوَضٍ (قَوْلُهُ مُدَّةَ عُمْرِك) هَذَا وَجْهٌ آخَرُ ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَهُوَ كَوْنُ عُمْرَى ظَرْفًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُؤَقَّتَةً) وَلَكِنْ يُكْرَهُ قَبْلَ تَمَامِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ فِيهِ خُلْفَ الْوَعْدِ ابْنُ كَمَالٍ. أَقُولُ: مِنْ هُنَا تَعْلَمُ أَنَّ خُلْفَ الْوَعْدِ مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: يُكْرَهُ تَنْزِيهًا؛ لِأَنَّهُ خَلَفَ الْوَعْدَ وَيُسْتَحَبُّ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَتَبْطُلُ) أَيْ بِالرُّجُوعِ (قَوْلُهُ: فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ) أَيْ لِلْمُعِيرِ، وَالْأَوْلَى: فَعَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ (قَوْلُهُ لِلْقُنْيَةِ) لَمْ أَجِدْهُ فِي الْقُنْيَةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ: وَقْتَ الْبَيْعِ) أَيْ إلَّا إذَا شَرَطَ الْبَائِعُ وَقْتَ الْبَيْعِ بَقَاءَ الْجُذُوعِ، وَالْوَارِثُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنَّ لِلْوَارِثِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِرَفْعِ الْبِنَاءِ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ. وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ أَذِنَ لِأَحَدِ وَرَثَتِهِ بِبِنَاءِ مَحَلٍّ فِي دَارِهِ ثُمَّ مَاتَ فَلِبَاقِي الْوَرَثَةِ مُطَالَبَتُهُ بِرَفْعِهِ إنْ لَمْ تَقَعْ الْقِسْمَةُ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ فِي قَسْمِهِ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: اسْتَعَارَ دَارًا فَبَنَى فِيهَا بِلَا أَمْرِ الْمَالِكِ أَوْ قَالَ لَهُ: ابْنِ لِنَفْسِك ثُمَّ بَاعَ الدَّارَ بِحُقُوقِهَا يُؤْمَرُ الْبَانِي بِهَدْمِ بِنَائِهِ، وَإِذَا فَرَّطَ فِي الرَّدِّ بَعْدَ الطَّلَبِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ ضَمِنَ سَائِحَانِيٌّ. قَالَ فِي الْهَامِشِ: وَسَيَأْتِي مَسْأَلَةُ مَنْ بَنَى فِي دَارِ زَوْجَتِهِ فِي شَتَّى الْوَصَايَا، وَفِيهِ زِيَادَةُ مَسْأَلَةِ السِّرْدَابِ عَلَى الْجُذُوعِ فَقَالَ رَجُلٌ: وَضَعَ جُذُوعَهُ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ بِإِذْنِ الْجَارِ أَوْ حَفَرَ سِرْدَابًا فِي دَارِهِ بِإِذْنِ الْجَارِ ثُمَّ بَاعَ الْجَارُ دَارِهِ، وَأَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرْفَعَ جُذُوعَهُ وَسِرْدَابَهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ بَقَاءَ الْجُذُوعِ وَالسِّرْدَابِ تَحْتَ الدَّارِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَهُ بِرَفْعِ ذَلِكَ، وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ فِي فَصْلِ مَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْجَارُ اهـ (قَوْلُهُ: وَبِالْقِيلِ إلَخْ) وَأَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ) وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَا عِبَارَتَهُ قُبَيْلَ دَعْوَى النَّسَبِ. (قَوْلُهُ: وَلَا تُضْمَنُ) هَذَا إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلْغَيْرِ فَإِنْ ظَهَرَ اسْتِحْقَاقُهَا ضَمِنَهَا، وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُعِيرِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ، وَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعِيرَ، وَإِذَا ضَمَّنَهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، بِخِلَافِ الْمُودَعِ إذَا ضَمِنَهَا لِلْمُسْتَحِقِّ، حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 678 بِالْهَلَاكِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ) وَشَرْطُ الضَّمَانِ بَاطِلٌ كَشَرْطِ عَدَمِهِ فِي الرَّهْنِ خِلَافًا لِلْجَوْهَرَةِ. (وَلَا تُؤَجَّرُ وَلَا تُرْهَنُ) لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مَا فَوْقَهُ (كَالْوَدِيعَةِ) فَإِنَّهَا لَا تُؤَجَّرُ، وَلَا تُرْهَنُ بَلْ وَلَا تُودَعُ، وَلَا تُعَارُ بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَأَمَّا الْمُسْتَأْجَرُ فَيُؤَاجَرُ وَيُودَعُ وَيُعَارُ وَلَا يُرْهَنُ، وَأَمَّا الرَّهْنُ فَكَالْوَدِيعَةِ. وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ نَظَمَ تِسْعَ مَسَائِلَ لَا يَمْلِكُ فِيهَا تَمْلِيكًا لِغَيْرِهِ بِدُونِ إذْنٍ سَوَاءٌ قَبَضَ أَوْ لَا فَقَالَ: وَمَالِكُ أَمْرٍ لَا يُمَلِّكُهُ بِدُونِ ... أَمْرِ وَكِيلِ مُسْتَعِيرٍ وَمُؤَجِّرُ رُكُوبًا وَلُبْسًا فِيهِمَا وَمُضَارِبٌ ... وَمُرْتَهَنٌ أَيْضًا وَقَاضٍ يُؤَمَّرُ وَمُسْتَوْدَعٌ مُسْتَبْضَعٌ وَمُزَارِعٌ ... إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عِنْدِهِ الْبَذْرُ يُبْذَرُ قُلْت: وَالْعَاشِرَةُ: وَمَا لِلْمُسَاقِي أَنْ يُسَاقِيَ غَيْرَهُ وَإِنْ أَذِنَ الْمَوْلَى لَهُ لَيْسَ يُنْكَرُ. (فَإِنْ آجَرَ) الْمُسْتَعِيرُ (أَوْ رَهَنَ فَهَلَكَتْ ضَمَّنَهُ الْمُعِيرُ) لِلتَّعَدِّي (وَلَا رُجُوعَ لَهُ) لِلْمُسْتَعِيرِ (عَلَى أَحَدٍ) لِأَنَّهُ بِالضَّمَانِ ظَهَرَ أَنَّهُ آجَرَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْأُجْرَةِ خِلَافًا لِلثَّانِي (أَوْ) ضَمَّنَ (الْمُسْتَأْجِرَ) سَكَتَ عَنْ الْمُرْتَهِنِ.   [رد المحتار] الْمُودِعِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِالْهَلَاكِ) هَذَا إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً فَلَوْ مُقَيَّدَةً كَأَنْ يُعِيرَهُ يَوْمًا فَلَوْ لَمْ يَرُدَّهَا بَعْدَ مُضِيِّهِ ضَمِنَ إذَا هَلَكَتْ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ اهـ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: سَوَاءٌ اسْتَعْمَلَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ أَوْ لَا، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ: إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا انْتَفَعَ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ غَاصِبًا أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ لِلْجَوْهَرَةِ) حَيْثُ جَزَمَ فِيهَا بِصَيْرُورَتِهَا مَضْمُونَةً بِشَرْطِ الضَّمَانِ، وَلَمْ يَقُلْ فِي رِوَايَةٍ مَعَ أَنَّ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ س. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُخْتَارِ) فَإِنَّهَا تُعَارُ أَشْبَاهٌ قَالَ مُحَشِّيهَا: إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ بِالِاسْتِعْمَالِ كَالسُّكْنَى وَالْحَمْلِ وَالزِّرَاعَةِ، وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَنْتَفِعَ هُوَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ غَيْرُ مُفِيدٍ كَمَا فِي شُرُوحِ الْمَجْمَعِ س وَفِي الْبَحْرِ: وَلَهُ يَعْنِي الْمُسْتَعِيرَ أَنْ يُودِعَ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ عَدَمَهُ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مَا لَوْ أَرْسَلَهَا عَلَى يَدِ أَجْنَبِيٍّ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ عَلَى الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا اهـ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُسْتَأْجِرُ) فِي وَدِيعَةٍ الْبَحْرُ عَنْ الْخُلَاصَةِ الْوَدِيعَةُ لَا تُودَعُ وَلَا تُعَارَ وَلَا تُؤَجَّرُ وَلَا تُرْهَنُ، وَالْمُسْتَأْجَرُ يُؤَاجَرُ وَيُعَارُ وَيُودَعُ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الرَّهْنِ، وَيَنْبَغِي إلَخْ، وَفِي قَوْلِ الْخُلَاصَةِ: وَيَنْبَغِي إلَخْ كَلَامٌ كَتَبْنَاهُ فِي هَامِشِ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَيُودَعُ) لَكِنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ يَضْمَنُ بِإِيدَاعِ مَا تَحْتَ يَدِهِ لِقَوْلِ الْفُصُولَيْنِ وَلَوْ أَوْدَعَ الدَّلَّالُ ضَمِنَ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا يُمَلِّكُهُ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَابْتِدَاءُ الْبَيْتِ الثَّانِي مِنْ نُونِ دُونَ (قَوْلُهُ وَمُؤْجَرٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (قَوْلُهُ فِيهِمَا) أَيْ الْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ وَهَذَا لَوْ قُيِّدَ بِلُبْسِهِ رُكُوبَهُ، وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ وَيَأْتِي أَنَّهُ يُعِيرُ مَا يَخْتَلِفُ لَوْ لَمْ يُقَيَّدْ بِلَابِسٍ وَرَاكِبٍ سَائِحَانِيٌّ. الْوَكِيلُ لَا يُوَكِّلُ وَالْمُسْتَعِيرُ لِلُبْسٍ أَوْ رُكُوبٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ لِمَنْ يَخْتَلِفُ اسْتِعْمَالُهُ وَالْمُسْتَأْجِرُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ لِغَيْرِهِ مَرْكُوبًا كَانَ أَوْ مَلْبُوسًا إلَّا بِإِذْنٍ (قَوْلُهُ وَمُسْتَوْدَعٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ. (قَوْلُهُ ضَمَّنَهُ الْمُعِيرُ) بِتَشْدِيدِ مِيمِ ضَمَّنَهُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَالْمُعِيرُ فَاعِلٌ وَالضَّمِيرُ فِي ضَمَّنَهُ رَاجِعٌ لِلْمُسْتَعِيرِ (قَوْلُهُ عَلَى أَحَدٍ) عِبَارَةُ مِسْكِينٍ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَهَكَذَا أَقَرَّهُ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَقَالَ: فَلَا فَائِدَةَ فِي النَّكِرَةِ الْعَامَّةِ، قَالَ أَبُو السُّعُودِ: وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا بِأَنَّ سَلْبَ الْفَائِدَةِ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ كَوْنِ قِيمَةِ الرَّهْنِ عِشْرِينَ، وَكَانَ رَهْنًا بِعَشَرَةٍ فَلَا يَرْجِعُ بِالزَّائِدِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ (قَوْلُهُ: الْمُسْتَأْجِرَ) مَفْعُولُ ضَمَّنَ هَكَذَا مَضْبُوطٌ بِالْقَلَمِ (قَوْلُهُ عَنْ الْمُرْتَهِنِ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَسَكَتَ عَمَّا لَوْ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ، فَيُنْظَرُ حُكْمُهُ قَالَ شَيْخُنَا حُكْمُ الْمُرْتَهِنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حُكْمُ الْغَاصِبِ كَمَا ذَكَرَهُ نُوحٌ أَفَنْدِي، لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ وَرِضَاهُ فَيَكُونُ لِلْمُعِيرِ تَضْمِينُهُ وَبِأَدَاءِ الضَّمَانِ يَكُونُ الرَّهْنُ هَالِكًا عَلَى مِلْكِ مُرْتَهِنِهِ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ الْمُسْتَعِيرِ بِمَا ضَمِنَ لِمَا عَلِمْت مِنْ كَوْنِهِ غَاصِبًا وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ اهـ وَتَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ: وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ الْمُسْتَعِيرِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ كَانَ الرَّاهِنُ مُرْتَهِنًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 679 وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: الْخَامِسَةُ لَا يَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَرْهَنَ فَيَضْمَنَ، وَلِلْمَالِكِ الْخِيَارُ، وَيَرْجِعُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ (وَرَجَعَ) الْمُسْتَأْجِرُ (عَلَى الْمُسْتَعِيرِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ فِي يَدِهِ) دَفْعًا لِضَرَرِ الْغَرَرِ. (وَلَهُ أَنْ يُعِيرَ مَا اخْتَلَفَ اسْتِعْمَالُهُ أَوَّلًا إنْ لَمْ يُعَيِّنْ) الْمُعِيرُ (مُنْتَفِعًا وَ) يُعِيرُ (مَا لَا يَخْتَلِفُ إنْ عَيَّنَ) وَإِنْ اخْتَلَفَ لَا لِلتَّفَاوُتِ وَعَزَاهُ فِي زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ لِلِاخْتِيَارِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ كَالْمُعَارِ (الْمُؤَجَّرُ) ، وَهَذَا عِنْدَ عَدَمِ النَّهْيِ فَلَوْ قَالَ: لَا تَدْفَعْ لِغَيْرِك فَدَفَعَ فَهَلَكَ ضَمِنَ مُطْلَقًا خُلَاصَةٌ (فَمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً أَوْ اسْتَأْجَرَهَا مُطْلَقًا) بِلَا تَقْيِيدٍ (يَحْمِلُ) مَا شَاءَ (وَيُعِيرُ لَهُ) لِلْحَمْدِ (وَيَرْكَبُ) عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ (وَأَيًّا فَعَلَ) أَوَّلًا (تَعَيَّنَ) مُرَادًا (وَضَمِنَ بِغَيْرِهِ) إنْ عَطِبَتْ حَتَّى لَوْ أَلْبَسَ أَوْ أَرْكَبَ غَيْرَهُ لَمْ يَرْكَبْ بِنَفْسِهِ بَعْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ كَافِي. (وَإِنْ أَطْلَقَ) الْمُعِيرُ أَوْ الْمُؤَجِّرُ (الِانْتِفَاعَ فِي الْوَقْتِ وَالنَّوْعِ انْتَفَعَ مَا شَاءَ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ) لِمَا مَرَّ (وَإِنْ قَيَّدَهُ) بِوَقْتٍ أَوْ نَوْعٍ أَوْ بِهِمَا (ضَمِنَ بِالْخِلَافِ إلَى شَرٍّ فَقَطْ) لَا إلَى مِثْلٍ أَوْ خَيْرٍ (وَكَذَا تَقْيِيدُ   [رد المحتار] الْأَوَّلِ أَبُو السُّعُودِ وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ إلَخْ فَلَيْسَ بَيَانًا لِمَا سَكَتَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ بَلْ بَيَانٌ لِفَائِدَةٍ أُخْرَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَفِي شَرْحِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ بَيَانٌ لِمَا سَكَتَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُسْتَعِيرِ إذَا آجَرَ أَوْ رَهَنَ (قَوْلُهُ: أَنْ يَرْهَنَ) أَيْ بِدُونِ إذْنِ الرَّاهِنِ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ الثَّانِي) أَيْ إنْ ضَمِنَ وَإِنْ ضَمِنَ الْأَوَّلُ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ ابْنُ الشِّحْنَةِ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُعَيِّنْ) أَيْ بِأَنْ نَصَّ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ أَوْ ثَوْبًا لِلُّبْسِ لَهُ أَنْ يُعِيرَهُمَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ تَعْيِينًا لِلرَّاكِبِ وَاللَّابِسِ، فَإِنْ رَكِبَ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ يَكُونُ ضَامِنًا، وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ وَخُوَاهَرْ زَادَهْ: لَا يَضْمَنُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ فِي الْكَافِي بَحْرٌ وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَ) أَيْ إنْ عَيَّنَ مُنْتَفِعًا، وَاخْتَلَفَ اسْتِعْمَالُهُ لَا يُعِيرُ لِلتَّفَاوُتِ، قَالُوا: الرُّكُوبُ وَاللُّبْسُ مِمَّا اخْتَلَفَ اسْتِعْمَالُهُ وَالْحَمْلُ عَلَى الدَّابَّةِ، وَالِاسْتِخْدَامُ، وَالسُّكْنَى مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ اسْتِعْمَالُهُ أَبُو الطَّيِّبِ مَدَنِيٌّ. (قَوْلُهُ: الْمُؤَجَّرُ) بِالْفَتْحِ أَيْ إذَا آجَرَ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُعِيرَهُ سَوَاءٌ اخْتَلَفَ اسْتِعْمَالُهُ أَوْ لَا، وَإِنْ عَيَّنَ يُعِيرُ مَا لَا يَخْتَلِفُ اسْتِعْمَالُهُ لَا مَا اخْتَلَفَ مِنَحٌ (قَوْلُهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهَا) فَلَهُ الْحَمْلُ فِي أَيِّ وَقْتٍ وَأَيِّ نَوْعٍ شَاءَ بَاقَانِي كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْإِطْلَاقِ عَدَمَ التَّقْيِيدِ بِمُنْتَفِعٍ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ الْإِطْلَاقَ فِي الْوَقْتِ وَالنَّوْعِ وَإِلَّا لَزِمَ التَّكْرَارُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِلَا تَقْيِيدٍ) قَالَ فِي التَّبْيِينِ: يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ هَذَا الْإِطْلَاقُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا فِيمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ كَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالزِّرَاعَةِ عَلَى مَا إذَا قَالَ: عَلَى أَنْ أُرْكِبَ عَلَيْهَا مَنْ أَشَاءُ كَمَا حُمِلَ الْإِطْلَاقُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى هَذَا اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ فَمَا أَوْهَمَهُ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ بِلَا تَقْيِيدٍ بِالنَّظَرِ لِمَا يَخْتَلِفُ لَا يَتِمُّ ط. قُلْت: فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا إنْ لَمْ يُعَيِّنْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُخْتَلِفِ عَلَى مَا إذَا نَصَّ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا عَلَى مَا يَشْمَلُ السُّكُوتَ، لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ لَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً، وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا، لَهُ أَنْ يَحْمِلَ وَيُعِيرَ غَيْرَهُ لِلْحَمْلِ وَيُرْكِبَ غَيْرَهُ إلَخْ فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ يَحْمِلُ مَا شَاءَ) أَيْ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ لَا الْحَمْلِ فَوْقَ طَاقَتِهَا كَمَا لَوْ سَلَكَ طَرِيقًا لَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ فِي حَاجَةٍ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ ضَمِنَ؛ إذْ مُطْلَقُ الْإِذْنِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ، وَلَيْسَ مِنْ الْمُتَعَارَفِ الْحَمْلُ فَوْقَ طَاقَتِهَا، وَالتَّنْظِيرُ فِي ذَلِكَ وَالتَّعْلِيلُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَسَيَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ مِثْلُهُ فِي الْمَتْنِ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: وَيَرْكَبُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوَّلًا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ (قَوْلُهُ: بِغَيْرِهِ) أَيْ فِيمَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمَلِ كَمَا يُفِيدُهُ السِّيَاقُ وَاللَّحَاقُ سَائِحَانِيٌّ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ عَدَمِ الضَّمَانِ فِيمَا يَخْتَلِفُ بِمَا إذَا أَطْلَقَ الِانْتِفَاعَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: انْتَفَعَ) فَلَوْ لَمْ يُسَمِّ مَوْضِعًا لَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهَا مِنْ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ: أَوْ بِهِمَا) فَتَتَقَيَّدُ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ كَيْفَمَا كَانَ وَكَذَا مِنْ حَيْثُ الِانْتِفَاعُ فِيمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَفِيمَا لَا يَخْتَلِفُ لَا تَتَقَيَّدُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ كَمَا مَرَّ، وَلَمْ يَذْكُرْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 680 الْإِجَارَةٍ بِنَوْعٍ أَوْ قَدْرٍ) مِثْلُ الْعَارِيَّةِ. (عَارِيَّةُ الثَّمَنَيْنِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ وَالْمُتَقَارِبِ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (قَرْضٌ) ضَرُورَةَ اسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا (فَيَضْمَنُ) الْمُسْتَعِيرُ (بِهَلَاكِهَا قَبْلَ الِانْتِفَاعِ) لِأَنَّهُ قَرْضٌ حَتَّى لَوْ اسْتَعَارَهَا لِيُعَيِّرَ الْمِيزَانَ أَوْ يُزَيِّنَ الدُّكَّانَ كَانَ عَارِيَّةً وَلَوْ أَعَارَ قَصْعَةَ ثَرِيدٍ فَقَرْضٌ وَلَوْ بَيْنَهُمَا مُبَاسَطَةٌ فَإِبَاحَةٌ وَتَصِحُّ عَارِيَّةُ السَّهْمِ وَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّ الرَّمْيَ يَجْرِي مَجْرَى الْهَلَاكِ صَيْرَفِيَّةٌ. (وَلَوْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ صَحَّ) لِلْعِلْمِ بِالْمَنْفَعَةِ (وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَتَى شَاءَ) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ (وَيُكَلِّفُهُ قَلْعُهُمَا إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ مَضَرَّةٌ بِالْأَرْضِ فَيُتْرَكَانِ بِالْقِيمَةِ مَقْلُوعَيْنِ) لِئَلَّا تَتْلَفَ أَرْضُهُ (وَإِنْ وَقَّتَ) الْعَارِيَّةَ (فَرَجَعَ قَبْلَهُ) كَلَّفَهُ قَلْعَهُمَا (وَضَمِنَ) الْمُعِيرُ لِلْمُسْتَعِيرِ (مَا نَقَصَ) الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ (بِالْقَلْعِ)   [رد المحتار] التَّقْيِيدَ بِالْمَكَانِ لَكِنْ أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ فِي الْآخِرِ. وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ قَوْلِهِ: وَلَا تُؤَجَّرُ فَقَالَ: اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فِي حَاجَةٍ إلَى نَاحِيَةٍ سَمَّاهَا فَأَخْرَجَهَا إلَى النَّهْرِ لِيَسْقِيَهَا فِي غَيْرِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ ضَمِنَ إذَا هَلَكَتْ، وَكَذَا إذَا اسْتَعَارَ ثَوْرًا لِيَكْرُبَ أَرْضَهُ فَكَرَبَ أَرْضًا أُخْرَى يَضْمَنُ، وَكَذَا إذَا قَرَنَهُ بِثَوْرٍ أَعْلَى مِنْهُ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: اخْتَلَفَا فِي الْأَيَّامِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ مَا يَحْمِلُ فَالْقَوْلُ لِلْمُعِيرِ بِيَمِينِهِ سَائِحَانِيٌّ. اسْتَعَارَهَا شَهْرًا فَهُوَ عَلَى الْمِصْرِ، وَكَذَا فِي إعَارَةِ خَادِمٍ وَإِجَارَتِهِ وَمُوصًى لَهُ بِخِدْمَتِهِ فُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: قَرْضٌ) أَيْ إقْرَاضٌ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ بِمَعْنَى الْإِعَارَةِ كَمَا مَرَّ وَهِيَ التَّمْلِيكُ، وَتَمَامُهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ (قَوْلُهُ: حَتَّى إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ لِيُعَيِّرَ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ الثَّانِيَةِ الْأَصْلُ عَايَرَ وَالْجَوْهَرِيُّ نَهَى أَنْ يُقَالَ: عَيَّرَ يَعْقُوبِيَّةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ يُزَيِّنَ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ كَانَ عَارِيَّةً) ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ الِانْتِفَاعَ، وَإِنَّمَا تَكُونُ قَرْضًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: فَقَرْصٌ) فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا أَوْ قِيمَتُهَا مِنَحٌ (قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ عَارِيَّةٌ السَّهْمِ) أَيْ لِيَغْزُوَ دَارَ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْحَالِ وَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ عَوْدَهُ إلَيْهِ بِرَمْيِ الْكَفَرَةِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَحٌ عَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ، وَنَقَلَ عَنْهَا قَبْلَ هَذَا أَنَّهُ إنْ اسْتَعَارَ سَهْمًا لِيَغْزُوَ دَارَ الْحَرْبِ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ اسْتَعَارَ لِيَرْمِيَ الْهَدَفَ صَحَّ فَإِنَّهُ فِي الْأَوَّلِ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِعَيْنِ السَّهْمِ إلَّا بِالِاسْتِهْلَاكِ، وَكُلُّ عَارِيَّةٍ كَذَلِكَ تَكُونُ قَرْضًا لَا عَارِيَّةً اهـ (قَوْلُهُ: وَلَا يَضْمَنُ) عِبَارَةُ الصَّيْرَفِيَّةِ كَمَا فِي الْمِنَحِ قَالَ: هُوَ يَصِحُّ عَارِيَّةُ السِّلَاحِ، وَذَكَرَ فِي السَّهْمِ أَنَّهُ يَضْمَنُ كَالْقَرْضِ، لِأَنَّ الرَّمْيَ يَجْرِي مَجْرَى الْهَلَاكِ وَهَذِهِ النُّسْخَةُ الَّتِي نَقَلْت مِنْهَا نُسْخَةٌ مُصَحَّحَةٌ عَلَيْهَا خُطُوطُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَكَانَ فِي الْأَصْلِ مَكْتُوبًا لَا يَضْمَنُ فَحَكَّ مِنْهَا لَفْظَةَ لَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَنْظِيرُهُ بِقَوْلِهِ: كَالْقَرْضِ وَلَكِنْ كَانَ الظَّاهِرُ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ فِي التَّعْلِيلِ لِأَنَّ الرَّمْيَ يَجْرِي مَجْرَى الِاسْتِهْلَاكِ، فَتَعْبِيرُهُ بِالْهَلَاكِ يَقْتَضِي عَدَمَ الضَّمَانِ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ. (قَوْلُهُ لِلْعِلْمِ) تَأَمَّلْ فِي هَذَا التَّعْلِيلِ اسْتَعَارَ رُقْعَةً يُرَقِّعُ بِهَا قَمِيصَهُ أَوْ خَشَبَةً يُدْخِلُهَا فِي بِنَائِهِ أَوْ آجُرَّةً، فَهُوَ ضَامِنٌ لِأَنَّهُ قَرْضٌ إلَّا إذَا قَالَ لِأَرُدَّهَا عَلَيْك فَهِيَ عَارِيَّةٌ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ مَقْلُوعَيْنِ) أَوْ يَأْخُذُ الْمُسْتَعِيرُ غِرَاسَهُ وَبِنَاءَهُ بِلَا تَضْمِينِ الْمُعِيرِ هِدَايَةٌ، وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعِيرَ قِيمَتَهَا قَائِمَيْنِ فِي الْحَالِ، وَيَكُونَانِ لَهُ، وَأَنْ يَرْفَعَهُمَا إلَّا إذَا كَانَ الرَّفْعُ مُضِرًّا بِالْأَرْضِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْخِيَارُ لِلْمُعِيرِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِيهِ رَمْزٌ إلَى أَنْ لَا ضَمَانَ فِي الْعَارِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ. وَعَنْهُ أَنَّ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ، وَإِلَى أَنْ لَا ضَمَانَ فِي الْمُوَقَّتَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْوَقْتِ، فَيَقْلَعُ الْمُعِيرُ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ إلَّا أَنْ يَضُرَّ الْقَلْعُ؛ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ قِيمَتَهُمَا مَقْلُوعَيْنِ لَا قَائِمَيْنِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ قُهُسْتَانِيٌّ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: مَا نَقَصَ الْبِنَاءُ) هَذَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ ضَمَانَ الْقِيمَةِ قَائِمًا إلَّا أَنْ يَقْلَعَهُ الْمُسْتَعِيرُ، وَلَا ضَرَرَ، فَإِنْ ضَرَّ فَضَمَانُ الْقِيمَةِ مَقْلُوعًا، وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ وَأَلْزَمْنَاهُ الضَّمَانَ، فَقِيلَ: مَا نَقَصَهُمَا الْقَلْعُ، وَقِيلَ: قِيمَتُهُمَا، وَيَمْلِكُهُمَا، وَقِيلَ: إنْ ضَرَّ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ يَعْنِي: الْمُعِيرُ يُخَيَّرُ بَيْنَ ضَمَانِ مَا نَقَصَ وَضَمَانِ الْقِيمَةِ، وَمِثْلُهُ فِي دُرَرِ الْبِحَارِ وَالْمَوَاهِبِ وَالْمُلْتَقَى وَكُلُّهُمْ قَدَّمُوا الْأَوَّلَ، وَبَعْضُهُمْ جَزَمَ بِهِ وَعَبَّرَ عَنْ غَيْرِهِ بِقِيلَ؛ فَلِذَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ وَالثَّانِي رِوَايَةُ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 681 بِأَنْ يُقَوِّمَ قَائِمًا إلَى الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الِاسْتِرْدَادِ بَحْرٌ. (وَإِذَا اسْتَعَارَهَا لِيَزْرَعَهَا لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَحْصُدَ الزَّرْعَ وَقَّتَهَا أَوْ لَا) فَتُتْرَكُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ مُرَاعَاةً لِلْحَقَّيْنِ فَلَوْ قَالَ الْمُعِيرُ: أُعْطِيك الْبَذْرَ وَكُلْفَتَك إنْ كَانَ لَمْ يَنْبُتْ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الزَّرْعِ قَبْلَ نَبَاتِهِ بَاطِلٌ، وَبَعْدَ نَبَاتِهِ فِيهِ كَلَامٌ أَشَارَ إلَى الْجَوَازِ فِي الْمُغْنِي نِهَايَةٌ. (وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ فَلَوْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً فَأَمْسَكَهَا بَعْدَهُ فَهَلَكَتْ ضَمِنَهَا) لِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَيْهِ نِهَايَةٌ (وَإِلَّا إذَا اسْتَعَارَهَا لِيَرْهَنَهَا) فَتَكُونُ كَالْإِجَارَةِ رَهْنٌ الْخَانِيَّةُ (وَكَذَا الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَيْهِ وَكَذَا الْمُؤَجِّرُ وَالْغَاصِبُ وَالْمُرْتَهِنُ) مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ لِحُصُولِ الْمَنْفَعَةِ لَهُمْ هَذَا لَوْ الْإِخْرَاجُ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ، وَإِلَّا فَمُؤْنَةُ رَدِّ مُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعَارٍ عَلَى الَّذِي أَخْرَجَهُ إجَارَةً الْبَزَّازِيَّةُ بِخِلَافِ شَرِكَةٍ وَمُضَارَبَةٍ وَهِبَةٍ قُضِيَ بِالرُّجُوعِ مُجْتَبَى. (وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ مَعَ عَبْدِهِ أَوْ أَجِيرِهِ مُشَاهَرَةً) لَا مُيَاوَمَةً (أَوْ مَعَ عَبْدِ رَبِّهَا مُطْلَقًا) يَقُومُ عَلَيْهَا أَوَّلًا فِي الْأَصَحِّ (أَوْ أَجِيرِهِ) أَيْ مُشَاهَرَةً كَمَا مَرَّ فَهَلَكَتْ   [رد المحتار] كَمَا فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ (قَوْلُهُ قَائِمًا) فِي الْحَالِ أَرْبَعَةٌ، وَفِي الْمَآلِ عَشَرَةٌ ضَمِنَ سِتَّةً شَرْحُ الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ: الْمَضْرُوبَةِ) فَيَضْمَنُ مَا نَقَصَ عَنْهَا (قَوْلُهُ: الْقِيمَةُ) أَيْ ابْتِدَاؤُهَا. (قَوْلُهُ: وَقَّتَهَا) بِتَشْدِيدِ الْقَافِ (قَوْلُهُ: فَتُتْرَكُ إلَخْ) نَصَّ فِي الْبُرْهَانِ عَلَى أَنَّ التَّرْكَ بِأَجْرٍ اسْتِحْسَانٌ ثُمَّ قَالَ عَنْ الْمَبْسُوطِ: وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْأَرْضَ تُتْرَكُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ إلَى وَقْتِ إدْرَاكِ الزَّرْعِ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ قَالُوا: وَيَنْبَغِي أَنْ تُتْرَكَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ انْتَهَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ، وَالزَّرْعُ بَقَلَ بَعْدُ اهـ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ: أُعْطِيك الْبَذْرَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، " وَالْبَذْرَ " مَفْعُولُهُ (قَوْلُهُ: وَكُلْفَتَكَ) بِضَمِّ الْكَافِ وَتَسْكِينِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْبَاقِي (قَوْلُهُ: الْجَوَازِ) وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْغِيَاثِيَّةِ ط. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) [فُرُوعٌ] . عَلْفُ الدَّابَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مُطْلَقَةً أَوْ مُقَيَّدَةً وَنَفَقَةُ الْعَبْدِ كَذَلِكَ وَالْكِسْوَةُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بَزَّازِيَّةٌ وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ التَّرْجَمَةِ وَآخِرَ النَّفَقَةِ. جَاءَ رَجُلٌ إلَى مُسْتَعِيرٍ، وَقَالَ: إنِّي اسْتَعَرْت دَابَّةً عِنْدَك مِنْ رَبِّهَا فُلَانٍ فَأَمَرَنِي بِقَبْضِهَا فَصَدَّقَهُ وَدَفَعَهَا ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُعِيرُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَابِضِ إذَا صَدَّقَهُ فَلَوْ كَذَّبَهُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ أَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ. قَالَ: وَكُلُّ تَصَرُّفٍ هُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ لَوْ ادَّعَى الْمُسْتَعِيرُ أَنَّهُ فَعَلَهُ بِإِذْنِ الْمُعِيرِ فَكَذَّبَهُ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ مَا لَمْ يُبَرْهِنْ فُصُولَيْنِ. اسْتَعَارَ قِدْرًا لِغَسْلِ الثِّيَابِ، وَلَمْ يُسَلِّمْهُ حَتَّى سُرِقَ لَيْلًا ضَمِنَ بَزَّازِيَّةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ) مُسْتَدْرَكٌ بِفَاءِ التَّفْرِيعِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا اسْتَعَارَهَا إلَخْ) فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُعِيرِ، وَالْفَرْقُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ إعَارَةٌ فِيهَا مَنْفَعَةٌ لِصَاحِبِهَا فَإِنَّهَا تَصِيرُ مَضْمُونَةً فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِقِيمَتِهِ، فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ خَانِيَّةٌ فَقَدْ حَصَلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَارِيَّةِ لِلرَّهْنِ وَغَيْرِهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ هَذَا، وَالثَّانِي مَا مَرَّ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ أَنَّهُ لَوْ خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: هَذَا إلَخْ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ قَبْلَ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى كَوْنِ مُؤْنَةِ الرَّدِّ عَلَى الْمُؤَجِّرِ يَعْنِي إنَّمَا تَكُونُ عَلَيْهِ إذَا أَخْرَجَهُ الْمُسْتَأْجِرُ بِإِذْنِهِ، وَإِلَّا فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، فَيَكُونُ كَالْمُسْتَعِيرِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ كَالْخَيَّاطِ وَنَحْوِهِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَيْهِ لَا عَلَى رَبِّ الثَّوْبِ (قَوْلُهُ: لَوْ الْإِخْرَاجُ) أَيْ إلَى بَلَدٍ آخَرَ مَثَلًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِذْنِ الْإِذْنُ صَرِيحًا، وَإِلَّا فَالْإِذْنُ - دَلَالَةً - مَوْجُودٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ شَرِكَةٍ إلَخْ) فَإِنْ أُجْرَةً رَدَّهَا عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ وَالْوَاهِبِ كَمَا فِي الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ: مَعَ عَبْدِهِ) أَيْ مَعَ مَنْ فِي عِيَالِ الْمُسْتَعِيرِ قُهُسْتَانِيٌّ قَالَ فِي الْهَامِشِ: رَدَّهَا مَعَ مَنْ فِي عِيَالِهِ بَرِئَ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ: لَا مُيَاوَمَةً) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ مَعَ عَبْدٍ إلَخْ) أَيْ مَعَ مَنْ فِي عِيَالِ الْمُعِيرِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: يَقُومُ عَلَيْهَا) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 682 قَبْلَ قَبْضِهَا (بَرِئَ) لِأَنَّهُ أَتَى بِالتَّسْلِيمِ الْمُتَعَارَفِ (بِخِلَافِ نَفِيسٍ) كَجَوْهَرَةٍ (وَبِخِلَافِ الرَّدِّ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ) أَيْ (بِأَنْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُؤَقَّتَةً فَمَضَتْ مُدَّتُهَا ثُمَّ بَعَثَهَا مَعَ الْأَجْنَبِيِّ) لِتَعَدِّيهِ بِالْإِمْسَاكِ بَعْدَ الْمُدَّةِ (وَإِلَّا فَالْمُسْتَعِيرُ يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ) فِيمَا يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ (مِنْ الْأَجْنَبِيِّ) بِهِ يُفْتَى زَيْلَعِيٌّ فَتَعَيَّنَ حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى هَذَا وَبِخِلَافِ رَدِّ وَدِيعَةٍ وَمَغْصُوبٍ إلَى دَارِ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِتَسْلِيمٍ. (وَإِذَا) (اسْتَعَارَ أَرْضًا) بَيْضَاءَ (لِلزِّرَاعَةِ) (يَكْتُبُ الْمُسْتَعِيرُ) أَنَّك (أَطْعَمْتنِي أَرْضَك لِأَزْرَعَهَا) فَيُخَصِّصُ لِئَلَّا يَعُمَّ الْبِنَاءَ وَنَحْوَهُ (الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ   [رد المحتار] أَيْ يَتَعَاهَدُهَا كَالسَّائِسِ (قَوْلُهُ: مَعَ الْأَجْنَبِيِّ) قَالَ فِي الْهَامِشِ: الْمُسْتَأْجِرُ لَوْ رَدَّ الدَّابَّةَ مَعَ أَجْنَبِيٍّ ضَمِنَ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَالْمُسْتَعِيرُ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى فَائِدَةِ اشْتِرَاطِ التَّوْقِيتِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذَا أَيْ قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ يَشْهَدُ لِمَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ: إنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ، وَعَلَى الْمُخْتَارِ تَكُونُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةً عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُوَقَّتَةً فَمَضَتْ مُدَّتُهَا ثُمَّ بَعَثَهَا مَعَ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ بِإِمْسَاكِهَا بَعْدُ يَضْمَنُ لِتَعَدِّيهِ فَكَذَا إذَا تَرَكَهَا فِي يَدِ الْأَجْنَبِيِّ اهـ وَفِي الْبُرْهَانِ: وَكَذَا يَعْنِي يَبْرَأُ لَوْ رَدَّهَا مَعَ أَجْنَبِيٍّ عَلَى الْمُخْتَارِ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ مِنْ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ الْإِعَارَةَ مَعَ أَنَّ فِيهَا إيدَاعًا وَتَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ فَلَأَنْ يَمْلِكَ الْإِيدَاعَ وَلَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ أَوْلَى، وَأَوَّلُوا قَوْلَهُ وَإِنْ رَدَّهَا مَعَ أَجْنَبِيٍّ ضَمِنَ إذَا هَلَكَتْ بِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُوَقَّتَةً، وَقَدْ انْتَهَتْ بِاسْتِيفَاءِ مُدَّتِهَا، وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ الْمُسْتَعِيرُ مُودَعًا وَالْمُودَعُ لَا يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ بِالِاتِّفَاقِ اهـ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. قُلْت: وَمِثْلُهُ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَلَكِنْ تَقَدَّمَ مَتْنًا أَنَّهُ يَضْمَنُ فِي الْمُؤَقَّتَةِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُوَقَّتَةً فَأَمْسَكَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ مَعَ إمْكَانِ الرَّدِّ ضَمِنَ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا بَعْدَ الْوَقْتِ هُوَ الْمُخْتَارُ سَوَاءٌ تَوَقَّتَ نَصًّا، أَوْ دَلَالَةً حَتَّى إنَّ مَنْ اسْتَعَارَ قَدُومًا لِيَكْسِرَ حَطَبًا فَكَسَرَهُ فَأَمْسَكَ ضَمِنَ، وَلَوْ لَمْ يُوَقِّتْ اهـ فَعَلَى هَذَا فَضَمَانُهُ لَيْسَ بِالْإِرْسَالِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّدُّ تَأَمَّلْ، وَمَعَ هَذَا يُبْعِدُ هَذَا التَّأْوِيلَ التَّقْيِيدُ، وَلَا بِالْعَبْدِ وَالْأَجِيرِ فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ، حَيْثُ لَا يَضْمَنُ بِالرَّدِّ قَبْلَ الْمُدَّةِ مَعَ أَيٍّ مَنْ كَانَ وَيَضْمَنُ بَعْدَهَا كَذَلِكَ، فَهَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ وَصَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ: فِيمَا يَمْلِكُ) وَهُوَ مَا لَا يَخْتَلِفُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ فِيمَا يَخْتَلِفُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْعَارِيَّةِ، فَإِذَا كَانَ يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ، فَأَوْلَى أَنْ يَمْلِكَ الْإِيدَاعَ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَا يَخْتَصُّ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ لِأَنَّ الْكُلَّ لَا يَخْتَلِفُ فِي حَقِّ الْإِيدَاعِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ فِي حَقِّ الِانْتِفَاعِ اهـ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مَا عِبَارَةٌ عَنْ الْوَقْتِ: أَيْ فِي وَقْتٍ يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ، وَهُوَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ إذَا كَانَتْ مُوَقَّتَةً، وَهُوَ بَعِيدٌ كَمَا لَا يَخْفَى تَأَمَّلْ. [فَرْعٌ] . فِي الْهَامِشِ إذَا اخْتَلَفَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ فِي الِانْتِفَاعِ بِالْعَارِيَّةِ فَادَّعَى الْمُعِيرُ الِانْتِفَاعَ بِقَوْلٍ مَخْصُوصٍ فِي زَمَنٍ مَخْصُوصٍ، وَادَّعَى الْمُسْتَعِيرُ الْإِطْلَاقَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعِيرِ فِي التَّقْيِيدِ، لِأَنَّ الْقَوْلَ لَهُ فِي أَصْلِ الْإِعَارَةِ فَكَذَا فِي صِفَتِهَا قَارِئُ الْهِدَايَةِ فِي الْقَوْلِ لِمَنْ (قَوْلُهُ عَلَى هَذَا) وَهُوَ كَوْنُ الْعَارِيَّةِ مُوَقَّتَةً وَقَدْ مَضَتْ مُدَّتُهَا ثُمَّ بَعَثَهَا مَعَ الْأَجْنَبِيِّ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الضَّمَانَ حِينَئِذٍ بِسَبَبِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَا مِنْ كَوْنِهِ بَعَثَهَا مَعَ الْأَجْنَبِيِّ؛ إذْ لَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِ الْمَتْنِ بِخِلَافِ، وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ هُنَاكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَيْسَ إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَمَسْأَلَةُ الْغَيْرِ خِلَافِيَّةٌ فَفِي الْخُلَاصَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا: يَجِبُ أَنْ يَبْرَأَ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ قَاضِي خَانْ السَّارِقُ وَالْغَاصِبُ لَا يَبْرَآنِ بِالرَّدِّ إلَى مَنْزِلِ رَبِّهَا أَوْ مَرْبِطِهِ أَوْ أَجِيرِهِ أَوْ عَبْدِهِ مَا لَمْ يَرُدَّهَا إلَى مَالِكِهَا. (قَوْلُهُ لِأَزْرَعَهَا) اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ فَيُخَصِّصُ) أَيْ فَلَا يَقُولُ أَعَرْتنِي (قَوْلُهُ يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ) وَكَذَا الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 683 وَالْمَحْجُورُ إذَا اسْتَعَارَ وَاسْتَهْلَكَهُ يَضْمَنُ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَلَوْ أَعَارَ) عَبْدٌ مَحْجُورٌ عَبْدًا مَحْجُورًا (مِثْلَهُ فَاسْتَهْلَكَهَا ضَمِنَ) الثَّانِي (لِلْحَالِ) . (وَلَوْ اسْتَعَارَ ذَهَبًا فَقَلَّدَهُ صَبِيًّا فَسُرِقَ) الذَّهَبُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الصَّبِيِّ (فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَضْبِطُ) حِفْظَ (مَا عَلَيْهِ) مِنْ اللِّبَاسِ (لَمْ يَضْمَنْ وَإِلَّا ضَمِنَ) لِأَنَّهُ إعَارَةٌ وَالْمُسْتَعِيرُ يَمْلِكُهَا. (وَضَعَهَا) أَيْ الْعَارِيَّةَ (بَيْنَ يَدَيْهِ فَنَامَ فَضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ لَوْ نَامَ جَالِسًا) لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُضَيِّعًا لَهَا (وَضَمِنَ لَوْ نَامَ مُضْطَجِعًا) لِتَرْكِهِ الْحِفْظَ. (لَيْسَ لِلْأَبِ إعَارَةُ مَالِ طِفْلِهِ) لِعَدَمِ الْبَدَلِ وَكَذَا الْقَاضِي وَالْوَصِيُّ. (طَلَبَ) شَخْصٌ (مِنْ رَجُلٍ ثَوْرًا عَارِيَّةً فَقَالَ: أُعْطِيك غَدًا فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ ذَهَبَ الطَّالِبُ وَأَخَذَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَاسْتَعْمَلَهُ فَمَاتَ) الثَّوْرُ (لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) خَانِيَّةٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُوسُفَ لَكِنْ فِي الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ. . (جَهَّزَ ابْنَتَهُ بِمَا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا ثُمَّ قَالَ كُنْت أَعَرْتهَا الْأَمْتِعَةَ إنْ الْعُرْفُ مُسْتَمِرًّا) بَيْنَ النَّاسِ (أَنَّ الْأَبَ يَدْفَعُ ذَلِكَ) الْجِهَازَ (مِلْكًا لَا إعَارَةً لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ) إنَّهُ إعَارَةٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) الْعُرْفُ (كَذَلِكَ) أَوْ تَارَةً وَتَارَةً (فَالْقَوْلُ لَهُ) بِهِ يُفْتَى كَمَا لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا فَإِنَّ الْقَوْلَ لَهُ اتِّفَاقًا (وَالْأُمُّ) وَوَلِيُّ الصَّغِيرَةِ (كَالْأَبِ) فِيمَا ذَكَرَهُ، وَفِيمَا يَدَّعِيهِ الْأَجْنَبِيُّ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمَهْرِ وَفِي الْأَشْبَاهِ. (كُلُّ أَمِينٍ ادَّعَى إيصَالَ الْأَمَانَةِ إلَى مُسْتَحِقِّهَا قُبِلَ قَوْلُهُ) بِيَمِينِهِ (كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ وَالْوَكِيلِ وَالنَّاظِرِ إذَا ادَّعَى الصَّرْفَ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ) يَعْنِي مِنْ الْأَوْلَادِ وَالْفُقَرَاءِ وَأَمْثَالِهِمَا، وَأَمَّا إذَا ادَّعَى الصَّرْفَ إلَى   [رد المحتار] اسْتَعَارَ مِنْ صَبِيٍّ مِثْلِهِ كَالْقَدُومِ وَنَحْوِهِ إنْ مَأْذُونًا، وَهُوَ مَالُهُ لَا ضَمَانَ وَإِنْ لِغَيْرِ الدَّافِعِ الْمَأْذُونِ يَضْمَنُ الْأَوَّلُ لَا الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَأْذُونًا صَحَّ مِنْهُ الدَّفْعُ، وَكَانَ التَّلَفُ حَاصِلًا بِتَسْلِيطِهِ، وَإِنْ الدَّافِعُ مَحْجُورًا يَضْمَنُ هُوَ بِالدَّفْعِ وَالثَّانِي بِالْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبُ الْغَاصِبِ اهـ (قَوْلُهُ: وَاسْتَهْلَكَهُ إلَخْ) لِأَنَّ الْمُعِيرَ سَلَّطَهُ عَلَى إتْلَافِهِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فَصَحَّ تَسْلِيطُهُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى دُرَرٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: عَبْدٌ مَحْجُورٌ عَبْدًا مَحْجُورًا) فَعَبْدٌ مَحْجُورٌ فَاعِلُ أَعَارَ وَصِفَةُ فَاعِلِهِ، كَمَا أَنَّ عَبْدًا مَفْعُولُهُ وَمَوْصُوفُ مَحْجُورًا كَذَا ضَبَطَ بِالْقَلَمِ (قَوْلُهُ: ضَمِنَ الثَّانِي) لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ فَكَانَ غَاصِبًا (قَوْلُهُ لِلْحَالِ) لِأَنَّ الْمَحْجُورَ يَضْمَنُ بِإِتْلَافِهِ حَالًا دُرَرٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَمْ يَضْمَنْ (قَوْلُهُ يَمْلِكُهَا) أَيْ الْإِعَارَةَ. (قَوْلُهُ: وَضَعَهَا) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ (قَوْلُهُ: يَدَيْهِ) أَيْ يَدِ الْمُسْتَعِيرِ (قَوْلُهُ: مُضْطَجِعًا) هَذَا فِي الْحَضَرِ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الْمُسْتَعِيرُ إذَا وَضَعَ الْعَارِيَّةَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَنَامَ مُضْطَجِعًا ضَمِنَ فِي حَضَرٍ لَا فِي سَفَرٍ، وَلَوْ نَامَ فَقَطَعَ رَجُلٌ مِقْوَدَ الدَّابَّةِ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ فِي حَضَرٍ وَسَفَرٍ، وَلَوْ أَخَذَ الْمِقْوَدَ مِنْ يَدِهِ ضَمِنَ لَوْ نَامَ مُضْطَجِعًا فِي الْحَضَرِ، وَإِلَّا فَلَا اهـ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: نَامَ الْمُسْتَعِيرُ فِي الْمَفَازَةِ وَمِقْوَدُهَا فِي يَدِهِ فَقَطَعَ السَّارِقُ الْمِقْوَدَ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ جَذَبَ الْمِقْوَدَ مِنْ يَدِهِ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ يَضْمَنُ قَالَ الصَّدْرُ: هَذَا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا وَإِنْ جَالِسًا لَا يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهَذَا لَا يُنَاقِضُ مَا مَرَّ أَنَّ نَوْمَ الْمُضْطَجِعِ فِي السَّفَرِ لَيْسَ بِتَرْكٍ لِلْحِفْظِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي نَفْسِ النَّوْمِ، وَهَذَا فِي أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى النَّوْمِ اهـ وَفِيهَا اسْتَعَارَ مِنْهُ مَرًّا لِلسَّقْيِ وَاضْطَجَعَ وَنَامَ، وَجَعَلَ الْمَرَّ تَحْتَ رَأْسِهِ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ حَافِظٌ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ السَّارِقَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِ النَّائِمِ يُقْطَعُ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ السَّفَرِ، وَإِنْ فِي السَّفَرِ لَا يَضْمَنُ نَامَ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا وَالْمُسْتَعَارُ تَحْتَ رَأْسِهِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ بِحَوَالَيْهِ يُعَدُّ حَافِظًا اهـ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَضْمَنُ) وَبِهِ جَزَمَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ: لِأَنَّهُ أَخَذَ بِلَا إذْنِهِ، وَقَالَ: وَلَوْ اسْتَعَارَ مِنْ آخَرَ ثَوْرَهُ غَدًا فَقَالَ: نَعَمْ، فَجَاءَ الْمُسْتَعِيرُ غَدًا فَأَخَذَهُ فَهَلَكَ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ اسْتَعَارَهُ مِنْهُ غَدًا، وَقَالَ: نَعَمْ فَانْعَقَدَتْ الْإِعَارَةُ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَعْدُ الْإِعَارَةِ لَا غَيْرُ (قَوْلُهُ جَهَّزَ ابْنَتَهُ إلَخْ) وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إذَا جَهَّزَ الْأَبُ ابْنَتَهُ، ثُمَّ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ يَطْلُبُونَ الْقِسْمَةَ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ الْأَبُ اشْتَرَى لَهَا فِي صِغَرِهَا أَوْ بَعْدَمَا كَبِرَتْ وَسَلَّمَ إلَيْهَا وَذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ فَلَا سَبِيلَ لِلْوَرَثَةِ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ لِلْبِنْتِ خَاصَّةً اهـ مِنَحٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْقَوْلَ لَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَوْلَ لَهُ حِينَئِذٍ فِي الْجَمِيعِ لَا فِي الزَّائِدِ عَلَى جِهَازِ الْمِثْلِ وَلْيُحَرَّرْ. (قَوْلُهُ: وَأَمْثَالِهِمَا) كَالْعُلَمَاءِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 684 وَظَائِفِ الْمُرْتَزِقَةِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ لَكِنْ لَا يَضْمَنُ مَا أَنْكَرُوهُ لَهُ بَلْ يَدْفَعُهُ ثَانِيًا مِنْ مَالِ الْوَقْفِ كَمَا بَسَطَهُ فِي حَاشِيَةِ أَخِي زَادَةْ. قُلْت: وَقَدْ مَرَّ فِي الْوَقْفِ عَنْ الْمَوْلَى أَبِي السُّعُودِ وَاسْتَحْسَنَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَقَرَّهُ ابْنُهُ فَلْيُحْفَظْ (وَسَوَاءٌ كَانَ فِي حَيَاةِ مُسْتَحِقِّهَا أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَّا فِي الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا ادَّعَى بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَكِّلِ أَنَّهُ قَبَضَهُ وَدَفَعَهُ لَهُ فِي حَيَاتِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْعَيْنِ) كَوَدِيعَةٍ قَالَ: قَبَضْتهَا فِي حَيَاتِهِ وَهَلَكَتْ وَأَنْكَرَتْ الْوَرَثَةُ أَوْ قَالَ دَفَعْتهَا إلَيْهِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ، لِأَنَّهُ يَنْفِي الضَّمَانَ عَنْ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ، لِأَنَّهُ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمَيِّتِ، وَهُوَ ضَمَانُ مِثْلِ الْمَقْبُوضِ فَلَا يُصَدَّقُ وَكَالَةً الْوَلْوَالِجيَّةِ.   [رد المحتار] وَالْأَشْرَافِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِأَنْ لَا يَكُونَ النَّاظِرُ مَعْرُوفًا بِالْخِيَانَةِ كَأَكْثَرِ نُظَّارِ زَمَانِنَا بَلْ يَجِبُ أَنْ لَا يُفْتُوا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَمَوِيٌّ ط (قَوْلُهُ الْمُرْتَزِقَةِ) مِثْلُ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْبَوَّابِ لِأَنَّ لَهُ شَبَهًا بِالْأُجْرَةِ بِخِلَافِ الْأَوْلَادِ وَنَحْوِهِمْ لِأَنَّهُ صِلَةٌ مَحْضَةٌ (قَوْلُهُ: أَخِي زَادَهْ) أَيْ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ (قَوْلُهُ مُسْتَحِقِّهَا) أَيْ الْأَمَانَاتِ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْوَكِيلِ) أَفَادَ الْحَصْرُ قَبُولَ الْقَوْلِ مِنْ وَكِيلِ الْبَيْعِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي وَكَالَةِ الْأَشْبَاهِ إذَا قَالَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَكِّلِ: بِعْته مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضْتهَا وَهَلَكَتْ وَكَذَّبَتْهُ الْوَرَثَةُ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ هَالِكًا سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَكِّلِ) بِخِلَافِهِ فِي حَيَاتِهِ. [فُرُوعٌ] . شُحِّي لَوْ ذَهَبَ إلَى مَكَان غَيْرِ الْمُسَمَّى ضَمِنَ وَلَوْ أَقْصَرَ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ أَمْسَكَهَا فِي بَيْتِهِ وَلَمْ يَذْهَبْ إلَى الْمُسَمَّى ضَمِنَ قَاضِي خَانْ، لِأَنَّهُ أَعَارَهَا لِلذَّهَابِ لَا لِلْإِمْسَاكِ فِي الْبَيْتِ، يَقُولُ الْحَقِيرُ: يَرِدُ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِيهِمَا إلَى خَيْرٍ لَا إلَى شَرٍّ، فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ لَا يَضْمَنَ فِيهِمَا وَلَعَلَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ رِوَايَتَيْنِ؛ إذْ قَدْ ذَكَرَ فِي يَدٍ لَوْ اسْتَأْجَرَ قَدُومًا لِكَسْرِ الْحَطَبِ فَوَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ فَتَلِفَ بِلَا تَقْصِيرٍ قِيلَ: ضَمِنَ وَقِيلَ: لَا شحي وَالْمُكْثُ الْمُعْتَادُ عَفْوٌ نُورُ الْعَيْنِ. إذَا مَاتَ الْمُعِيرُ أَوْ الْمُسْتَعِيرُ تَبْطُلُ الْإِعَارَةُ خَانِيَّةٌ. اسْتَعَارَ مِنْ آخَرَ شَيْئًا فَدَفَعَهُ وَلَدُهُ الصَّغِيرُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ إلَى غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْعَارِيَّةِ فَضَاعَ يَضْمَنُ الصَّبِيُّ الدَّافِعُ وَكَذَا الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ عَنْ الْمُحِيطِ. رَجُلٌ اسْتَعَارَ كِتَابًا فَضَاعَ فَجَاءَ صَاحِبُهُ وَطَالَبَهُ فَلَمْ يُخْبِرْهُ بِالضَّيَاعِ وَوَعَدَهُ بِالرَّدِّ ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِالضَّيَاعِ قَالَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ: إنْ لَمْ يَكُنْ آيِسًا مِنْ رُجُوعِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ آيِسًا ضَمِنَ لَكِنَّ هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي الْكِتَابِ: يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ وَلْوَالِجِيَّةٌ. وَفِيهَا اسْتَعَارَ ذَهَبًا فَقَلَّدَهُ صَبِيًّا فَسُرِقَ إنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَضْبِطُ حِفْظَ مَا عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ، وَإِلَّا ضَمِنَ. وَفِيهَا دَخَلَ بَيْتَهُ بِإِذْنِهِ فَأَخَذَ إنَاءً لِيَنْظُرَ إلَيْهِ فَوَقَعَ لَا يَضْمَنُ، وَلَوْ أَخَذَهُ بِلَا إذْنِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَخَلَ سُوقًا يُبَاعُ فِيهِ الْإِنَاءُ يَضْمَنُ اهـ. جَاءَ رَجُلٌ إلَى مُسْتَعِيرٍ وَقَالَ: إنِّي اسْتَعَرْت دَابَّةً عِنْدَك مِنْ رَبِّهَا فُلَانٍ فَأَمَرَنِي بِقَبْضِهَا فَصَدَّقَهُ وَدَفَعَهَا ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُعِيرُ أَمَرَهُ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَابِضِ، فَلَوْ كَذَّبَهُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ أَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ، قَالَ: وَكُلُّ تَصَرُّفٍ هُوَ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ لَوْ ادَّعَى الْمُسْتَعِيرُ أَنَّهُ فَعَلَهُ بِإِذْنِ الْمُعِيرِ وَكَذَّبَهُ الْمُعِيرُ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ مَا لَمْ يُبَرْهِنْ فُصُولَيْنِ. وَفِيهِ: اسْتَعَارَهُ وَبَعَثَ قِنَّهُ لِيَأْتِيَ بِهِ فَرَكِبَهُ قِنُّهُ فَهَلَكَ بِهِ ضَمِنَ الْقِنُّ وَيُبَاعُ فِيهِ حَالًا بِخِلَافِ قِنٍّ مَحْجُورٍ أَتْلَفَ وَدِيعَةً قَبِلَهَا بِلَا إذْنِ مَوْلَاهُ اهـ (قَوْلُهُ فِي حَيَاتِهِ) أَيْ الْمُوَكِّلِ (قَوْلُهُ مِثْلِ الْمَقْبُوضِ) لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 685 قُلْت: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلَا فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ، وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَحُمِلَ عَلَيْهِ كَلَامُ الْوَلْوَالِجيَّةِ فَيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى. [فُرُوعٌ] أَوْصَى بِالْعَارِيَّةِ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ الرُّجُوعُ. الْعَارِيَّةُ كَالْإِجَارَةِ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا. مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَعِنْدَهُ وَدِيعَةٌ بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَالتَّرِكَةُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ. اسْتَأْجَرَ بَعِيرًا إلَى مَكَّةَ فَعَلَى الذَّهَابِ، وَفِي الْعَارِيَّةِ عَلَى الذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ؛ لِأَنَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ. اسْتَعَارَ دَابَّةً لِلذَّهَابِ فَأَمْسَكَهَا فِي بَيْتِهِ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ لِأَنَّهُ أَعَارَهَا لِلذَّهَابِ لَا لِلْإِمْسَاكِ. اسْتَقْرَضَ ثَوْبًا فَأَغَارَ عَلَيْهِ الْأَتْرَاكُ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ عُرْفًا. . اسْتَعَارَ أَرْضًا لِيَبْنِيَ وَيَسْكُنَ وَإِذَا خَرَجَ فَالْبِنَاءُ لِلْمَالِكِ فَلِلْمَالِكِ أَجْرُ مِثْلِهَا مِقْدَارَ السُّكْنَى، وَالْبِنَاءُ لِلْمُسْتَعِيرِ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ فَكَانَتْ إجَارَةً مَعْنًى، وَفَسَدَتْ بِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَ الْخَرَاجَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لِجَهَالَةِ الْبَدَلِ، وَالْحِيلَةُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ الْأَرْضَ سِنِينَ مَعْلُومَةً بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ يَأْمُرَهُ بِأَدَاءِ الْخَرَاجِ مِنْهُ. اسْتَعَارَ كِتَابًا فَوَجَدَ بِهِ خَطَأً أَصْلَحَهُ إنْ عَلِمَ رِضَا صَاحِبِهِ. قُلْت: وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ إلَّا فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّ إصْلَاحَهُ وَاجِبٌ بِخَطٍّ مُنَاسِبٍ. وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: وَسِفْرٌ رَأَى إصْلَاحَهُ مُسْتَعِيرُهُ ... يَجُوزُ إذَا مَوْلَاهُ لَا يَتَأَثَّرُ وَفِي مُعَايَاتِهَا وَأَيُّ مُعِيرٍ لَيْسَ يَمْلِكُ أَخْذَ مَا ... أَعَارَ وَفِي غَيْرِ الرِّهَانِ التَّصَوُّرُ وَهَلْ وَاهِبٌ لِابْنٍ يَجُوزُ رُجُوعُهُ ... وَهَلْ مُودَعٌ مَا ضَيَّعَ الْمَالَ يَخْسَرُ   [رد المحتار] قَوْلُهُ لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ) أَيْ فَيَضْمَنُ (قَوْلُهُ: وَلَا فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ) أَيْ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِمِثْلِ الْمَقْبُوضِ (قَوْلُهُ: بَعْضُهُمْ) هُوَ مِنْ مُعَاصِرِي صَاحِبِ الْمِنَحِ كَمَا ذَكَرَهُ فِيهَا، وَذَكَرَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهَا أَنَّهُ هُوَ الَّذِي لَا مَحِيدَ عَنْهُ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ أَئِمَّتِنَا مَا يَشْهَدُ لِغَيْرِهِ تَأَمَّلْ اهـ. قُلْت: وُلِلشُّرُنْبُلَالِيِّ رِسَالَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرَاجِعْهَا كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَكَتَبْت مِنْهَا شَيْئًا فِي هَامِشِ الْبَحْرِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ بَيْنَهُمْ) أَيْ بَيْنَ أَصْحَابِ الدَّيْنِ وَرَبِّ الْوَدِيعَةِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ) أَيْ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي وَلَمْ يُوجَدْ (قَوْلُهُ بِلَا عِوَضٍ) أَيْ أَوْ هُنَا جُعِلَ لَهُ عِوَضٌ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ دَفَعَ دَارِهِ عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا وَيَرُمَّهَا، وَلَا أَجْرَ فَهِيَ عَارِيَّةٌ، لِأَنَّ الْمَرَمَّةَ مِنْ بَابِ النَّفَقَةِ، وَهِيَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. وَفِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ بِخِلَافِهِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: بِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ وَالْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ مَجْهُولٌ فَوَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ اهـ فَأَفَادَ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَوْ بَيَّنَ الْمُدَّةَ لِبَقَاءِ جَهَالَةِ الْأُجْرَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: لَوْ شَرَطَ إلَخْ) أَيْ تَكُونُ إجَارَةً فَاسِدَةً؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ، وَلَمَّا شَرَطَهُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، فَقَدْ جَعَلَهُ بَدَلًا عَنْ الْمَنَافِعِ فَقَدْ أَتَى بِمَعْنَى الْإِجَارَةِ وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي (قَوْلُهُ لِجَهَالَةِ الْبَدَلِ) أَمَّا لَوْ كَانَ خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ فَلِأَنَّ بَعْضَ الْخَارِجِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ خَرَاجًا مُوَظَّفًا فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا إلَّا أَنَّ الْأَرْضَ إذَا لَمْ تَحْتَمِلْهُ يَنْقُصُ عَنْهُ مِنَحٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْبَدَلِ. (قَوْلُهُ: وَأَيُّ مُعِيرٍ إلَخْ) أَرْضٌ آجَرَهَا الْمَالِكُ لِلزِّرَاعَةِ ثُمَّ أَعَارَهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَزَرَعَهَا الْمُسْتَعِيرُ، فَلَا يَمْلِكُ اسْتِرْجَاعَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ، وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ حِينَ الْإِعَارَةِ ابْنُ الشِّحْنَةِ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: يَجُوزُ رُجُوعُهُ) وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الِابْنَ مَمْلُوكُ الْغَيْرِ، وَالْمَمْلُوكُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا فَيَقَعُ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ سَيِّدُهُ فَيَصِحُّ الرُّجُوعُ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: وَهَلْ مُودَعٌ) الْمُودَعُ لَوْ دَفَعَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 686 كِتَابُ الْهِبَةِ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ ظَاهِرٌ (هِيَ) لُغَةً: التَّفَضُّلُ عَلَى الْغَيْرِ وَلَوْ غَيْرَ مَالٍ. وَشَرْعًا: (تَمْلِيكُ الْعَيْنِ مَجَّانًا) أَيْ بِلَا عِوَضٍ لَا أَنَّ عَدَمَ الْعِوَضِ شَرْطٌ فِيهِ وَأَمَّا تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَإِنْ أَمَرَهُ بِقَبْضِهِ صَحَّتْ لِرُجُوعِهَا إلَى هِبَةِ الْعَيْنِ (وَسَبَبُهَا إرَادَةُ الْخَيْرِ لِلْوَاهِبِ) دُنْيَوِيٌّ كَعِوَضٍ وَمَحَبَّةٍ وَحُسْنِ ثَنَاءٍ، وَأُخْرَوِيٌّ: قَالَ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُعَلِّمَ وَلَدَهُ الْجُودَ وَالْإِحْسَانَ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَلِّمَهُ التَّوْحِيدَ وَالْإِيمَانَ؛ إذْ حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ نِهَايَةٌ مَنْدُوبَةٌ وَقَبُولُهَا سُنَّةٌ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» . (وَشَرَائِطُ صِحَّتِهَا فِي الْوَاهِبِ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْمِلْكُ) فَلَا تَصِحُّ هِبَةُ صَغِيرٍ وَرَقِيقٍ، وَلَوْ مُكَاتَبًا.   [رد المحتار] الْوَدِيعَةَ إلَى الْوَارِثِ بِلَا أَمْرِ الْقَاضِي ضَمِنَ إنْ كَانَتْ مُسْتَغْرَقَةً بِالدَّيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ مُؤْتَمَنًا، وَإِلَّا فَلَا إذَا دَفَعَ لِبَعْضِهِمْ فَوَائِدُ زَيْنِيَّةٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ. [كِتَابُ الْهِبَةِ] (قَوْلُهُ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ ظَاهِرٌ) لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِلَا عِوَضٍ وَهِيَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ مَجَّانًا) زَادَ ابْنُ الْكَمَالِ لِلْحَالِ لِإِخْرَاجِ الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ: بِلَا عِوَضٍ) أَيْ بِلَا شَرْطِ عِوَضٍ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، لَكِنَّ هَذَا يَظْهَرُ لَوْ قَالَ: بِلَا عِوَضٍ كَمَا فِي الْكَنْزِ، لِأَنَّ مَعْنَى مَجَّانًا عَدَمُ الْعِوَضِ لَا عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ، عَلَى أَنَّهُ اعْتَرَضَهُ الْحَمَوِيُّ كَمَا فِي أَبِي السُّعُودِ بِأَنَّ قَوْلَهُ: بِلَا عِوَضٍ نَصٌّ فِي اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْعِوَضِ، وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ نَقِيضُهُ فَكَيْفَ يَجْتَمِعَانِ اهـ أَيْ فَلَا يَتِمُّ الْمُرَادُ بِمَا ارْتَكَبَهُ، وَهُوَ شُمُولُ التَّعْرِيفِ لِلْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ خُرُوجُهَا عَنْ التَّعْرِيفِ حِينَئِذٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْعَزْمِيَّةِ أَيْضًا. قُلْت: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إنْ جُعِلَتْ الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ مُتَعَلِّقَةً بِمَحْذُوفٍ حَالًا مِنْ " تَمْلِيكٌ " لَزِمَ مَا ذَكَرَ أَمَّا لَوْ جُعِلَ الْمَحْذُوفُ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ أَيْ: هِيَ كَائِنَةٌ بِلَا شَرْطِ عِوَضٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْعِوَضَ فِيهَا غَيْرُ شَرْطٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَلَا يَرِدُ مَا ذَكَرَ فَتَدَبَّرْ (قَوْلَهُ: شَرْطٌ فِيهِ) وَإِلَّا لَمَا شَمِلَ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ ح. (قَوْلُهُ وَأَمَّا تَمْلِيكُ الدَّيْنِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنَّ تَقْيِيدَهُ بِالْعَيْنِ مُخْرِجٌ لِتَمْلِيكِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ هِبَةٌ فَيَخْرُجُ عَنْ التَّعْرِيفِ، فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ يَكُونُ عَيْنًا مَآلًا فَالْمُرَادُ بِالْعَيْنِ فِي التَّعْرِيفِ مَا كَانَ عَيْنًا حَالًا أَوْ مَآلًا، قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُ إلَّا إذَا قُبِضَ، وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَهُ فَلَهُ مَنْعُهُ، حَيْثُ كَانَ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ عَنْ الْقَبْضِ، وَعَلَيْهِ تُبْتَنَى مَسْأَلَةُ مَوْتِ الْوَاهِبِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي هَذِهِ فَتَأَمَّلْ. بَقِيَ هَلْ الْإِذْنُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجْلِسِ؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ فَلْيُرَاجَعْ، وَلَا تُرَدُّ هِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَجَازٌ عَنْ الْإِبْرَاءِ، وَالْفَرْدُ الْمَجَازِيُّ لَا يُنْقَضُ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ: صَحَّتْ) أَيْ وَيَكُونُ وَكِيلًا عَنْهُ فِيهِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: وَلَوْ وَهَبَ دَيْنًا لَهُ عَلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ فَقَبَضَهُ جَازَتْ الْهِبَةُ - اسْتِحْسَانًا، فَيَصِيرُ قَابِضًا لِلْوَاهِبِ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ، ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ بِحُكْمِ الْهِبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ بِالْقَبْضِ لَمْ يَجُزْ اهـ. وَفِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ: وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ تَصْيِيرَ مَعْلُومِهِ الْمُتَجَمِّدِ لِلْغَيْرِ بَعْدَ فَرَاغِهِ لَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ مَا لَمْ يَأْذَنْهُ بِالْقَبْضِ، وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى، وَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: صَحَّتْ، وَيَكُونُ وَكِيلًا قَابِضًا لِلْمُوَكِّلِ ثُمَّ لِنَفْسِهِ، وَمُقْتَضَاهُ عَزْلُهُ عَنْ التَّسْلِيطِ قَبْلَ الْقَبْضِ اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ الْإِمَامُ) بَيَانٌ لِلْأُخْرَوِيِّ ح (قَوْلُهُ يُعَلِّمَ) بِكَسْرِ اللَّامِ مُشَدَّدَةً (قَوْلُهُ «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» ) بِفَتْحِ تَاءِ تَهَادَوْا وَهَائِهِ وَدَالِهِ وَإِسْكَانِ وَاوِهِ وَتَحَابُّوا بِفَتْحِ تَائِهِ وَحَائِهِ وَضَمِّ بَائِهِ مُشَدَّدَةً. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُكَاتَبًا) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 687 وَ) شَرَائِطُ صِحَّتِهَا (فِي الْمَوْهُوبِ أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا غَيْرَ مَشَاعٍ مُمَيَّزًا غَيْرَ مَشْغُولٍ) كَمَا سَيَتَّضِحُ. (وَرُكْنُهَا) هُوَ (الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) كَمَا سَيَجِيءُ. (وَحُكْمُهَا ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ غَيْرُ لَازِمٍ) فَلَهُ الرُّجُوعُ وَالْفَسْخُ (وَعَدَمُ صِحَّةِ خِيَارِ الشَّرْطِ فِيهَا) فَلَوْ شَرَطَهُ صَحَّتْ إنْ اخْتَارَهَا قَبْلَ تَفَرُّقِهِمَا، وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ صَحَّ الْإِبْرَاءُ، وَبَطَلَ الشَّرْطُ خُلَاصَةٌ. (وَ) حُكْمُهَا (أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ) فَهِبَةُ عَبْدٍ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ تَصِحُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ (وَتَصِحُّ بِإِيجَابٍ كَ وَهَبْت وَنَحَلْت وَأَطْعَمْتُك هَذَا الطَّعَامَ وَلَوْ) ذَلِكَ (عَلَى وَجْهِ الْمِزَاحِ) بِخِلَافِ أَطْعَمْتُك أَرْضِي فَإِنَّهُ عَارِيَّةٌ لِرَقَبَتِهَا وَإِطْعَامٌ لِغَلَّتِهَا بَحْرٌ (أَوْ الْإِضَافَةِ إلَى مَا) أَيْ إلَى جُزْءٍ (يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ كَ وَهَبْت لَك فَرْجَهَا وَجَعَلْته لَك)   [رد المحتار] فَغَيْرُهُ كَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُبَعَّضِ بِالْأُولَى (قَوْلُهُ: صِحَّتِهَا) أَيْ بَقَائِهَا عَلَى الصِّحَّةِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ مَقْبُوضًا) رَجُلٌ أُضَلَّ لُؤْلُؤَةً فَوَهَبَهَا لِآخَرَ وَسَلَّطَهُ عَلَى طَلَبِهَا وَقَبْضِهَا مَتَى وَجَدَهَا. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: هَذِهِ هِبَةٌ فَاسِدَةٌ لِأَنَّهَا عَلَى خَطَرٍ، وَالْهِبَةُ لَا تَصِحُّ مَعَ الْخَطَرِ، وَقَالَ زُفَرُ: تَجُوزُ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: مَشَاعٍ) أَيْ: فِيمَا يُقْسَمُ كَمَا يَأْتِي، وَهَذَا فِي الْهِبَةِ، وَأَمَّا إذَا تَصَدَّقَ بِالْكُلِّ عَلَى اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ بَحْرٌ: أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا تَصَدَّقَ بِالْبَعْضِ عَلَى وَاحِدٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا يَأْتِي آخِرَ الْمُتَفَرِّقَاتِ لَكِنْ سَيَأْتِي أَيْضًا أَنَّهُ لَا شُيُوعَ فِي الْأُولَى وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هُنَا أَحْكَامَ الْمَشَاعِ، وَعَقَدَ لَهَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ تَرْجَمَةً فَرَاجِعْهُ. [فَائِدَةٌ] مَنْ أَرَادَ أَنْ يَهَبَ نِصْفَ دَارٍ مَشَاعًا يَبِيعُ مِنْهُ نِصْفَ الدَّارِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ يُبْرِيهِ عَنْ الثَّمَنِ بَزَّازِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: هُوَ الْإِيجَابُ) وَفِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى: إذَا دَفَعَ لِابْنِهِ مَالًا فَتَصَرَّفَ فِيهِ الِابْنُ يَكُونُ لِلْأَبِ إلَّا إذَا دَلَّتْ دَلَالَةُ التَّمْلِيك بِيرِيٌّ. قُلْت: فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ التَّلَفُّظَ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لَا يُشْتَرَطُ، بَلْ تَكْفِي الْقَرَائِنُ الدَّالَّةُ عَلَى التَّمْلِيكِ كَمَنْ دَفَعَ لِفَقِيرٍ شَيْئًا وَقَبَضَهُ، وَلَمْ يَتَلَفَّظْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ، وَكَذَا يَقَعُ فِي الْهِدَايَةِ وَنَحْوِهَا فَاحْفَظْهُ، وَمِثْلُهُ مَا يَدْفَعُهُ لِزَوْجَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا قَالَ: وَهَبْت مِنْكِ هَذِهِ الْعَيْنَ فَقَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ بِحَضْرَةِ الْوَاهِبِ وَلَمْ يَقُلْ: قَبِلْت، صَحَّ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي بَابِ الْهِبَةِ جَارٍ مَجْرَى الرُّكْنِ فَصَارَ كَالْقَبُولِ وَلْوَالِجِيَّةٌ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَلَكٍ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ كَانَ أَمْرُهُ بِالْقَبْضِ حِينَ وَهَبَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَيَجُوزُ قَبْضُهُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَالْقَبُولُ) فِيهِ خِلَافٌ فَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَتَصِحُّ الْهِبَةُ بِكَ وَهَبْت وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْقَبُولَ لَيْسَ بِرُكْنٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا. وَذَكَرَ الْكَرْمَانِيُّ أَنَّ الْإِيجَابَ فِي الْهِبَةِ عَقْدٌ تَامٌّ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: أَنَّ الْقَبْضَ كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ، وَلِذَا لَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ مِنْ الْغَرِيمِ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى الْقَبُولِ كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ لَكِنْ فِي الْكَافِي وَالتُّحْفَةِ أَنَّهُ رُكْنٌ، وَذَكَرَ فِي الْكَرْمَانِيِّ: أَنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى الْإِيجَابِ لِأَنَّ مِلْكَ الْإِنْسَانِ لَا يُنْقَلُ إلَى الْغَيْرِ بِدُونِ تَمْلِيكِهِ، وَإِلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ إلْزَامُ الْمِلْكِ عَلَى الْغَيْرِ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَهَبَ فَوَهَبَ وَلَمْ يَقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ عَدَمُ إظْهَارِ الْجُودِ وَقَدْ وُجِدَ الْإِظْهَارُ، وَلَعَلَّ الْحَقَّ الْأَوَّلُ فَإِنَّ فِي التَّأْوِيلَاتِ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَلِذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ وَضَعَ مَالَهُ فِي طَرِيقٍ لِيَكُونَ لَكًّا لِلرَّافِعِ جَازَ اهـ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ فَلَوْ شَرَطَهُ) بِأَنْ وَهَبَهُ عَلَى أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ إلَخْ) أَيْ لَا يَصِحُّ خِيَارُ الشَّرْطِ أَيْ لَوْ أَبْرَأَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ، وَيَبْطُلُ الْخِيَارُ مِنَحٌ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ فِي بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ. (قَوْلُهُ: الْمِزَاحِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 688 لِأَنَّ اللَّامَ لِلتَّمْلِيكِ بِخِلَافِ جَعَلْته بِاسْمِك فَإِنَّهُ لَيْسَ بِهِبَةٍ وَكَذَا هِيَ لَك حَلَالٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ كَلَامٌ يُفِيدُ الْهِبَةَ خُلَاصَةٌ (وَأَعْمَرْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ) نَاوِيًا بِالْحَمْلِ الْهِبَةَ كَمَا مَرَّ (وَكَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ وَدَارِي لَك هِبَةٌ) أَوْ عُمْرَى (تَسْكُنُهَا) لِأَنَّ قَوْلَهُ: تَسْكُنُهَا مَشُورَةٌ لَا تَفْسِيرٌ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلِاسْمِ فَقَدْ أَشَارَ عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ بِأَنْ يَسْكُنَهُ فَإِنْ شَاءَ قَبِلَ مَشُورَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ (لَا) لَوْ قَالَ (هِبَةَ سُكْنَى أَوْ سُكْنَى هِبَةٍ) بَلْ تَكُونُ عَارِيَّةً أَخْذًا بِالْمُتَيَقَّنِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ اللَّفْظَ إنْ أَنْبَأَ عَنْ تَمَلُّكِ الرَّقَبَةِ فَهِبَةٌ أَوْ الْمَنَافِعِ فَعَارِيَّةٌ أَوْ احْتَمَلَ اُعْتُبِرَ النِّيَّةُ نَوَازِلُ وَفِي الْبَحْرِ أَغْرِسُهُ بِاسْمِ ابْنِي، الْأَقْرَبُ الصِّحَّةُ   [رد المحتار] رَدَّهُ الْمَقْدِسِيَّ عَلَى صَاحِبِ الْبَحْرِ وَأَجَبْنَا عَنْهُ فِي هَامِشِهِ (وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ جَعَلْته بِاسْمِك) قَالَ فِي الْبَحْرِ: قُيِّدَ بِقَوْلِهِ: لَكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: جَعَلْته بِاسْمِك، لَا يَكُونُ هِبَةً؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ غَرَسَ لِابْنِهِ كَرْمًا إنْ قَالَ: جَعَلْته لِابْنِي، يَكُونُ هِبَةً، وَإِنْ قَالَ: بِاسْمِ ابْنِي، لَا يَكُونُ هِبَةً، وَلَوْ قَالَ: أَغْرِسُ بِاسْمِ ابْنِي، فَالْأَمْرُ مُتَرَدِّدٌ، وَهُوَ إلَى الصِّحَّةِ أَقْرَبُ اهـ. وَفِي الْمَتْنِ مِنْ الْخَانِيَّةِ بَعْدَ هَذَا قَالَ: جَعَلْته لِابْنِي فُلَانٍ، يَكُونُ هِبَةً؛ لِأَنَّ الْجَعْلَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّمْلِيكِ، وَإِنْ قَالَ: أَغْرِسُ بِاسْمِ ابْنِي، لَا يَكُونُ هِبَةً، وَإِنْ قَالَ: جَعَلْته بِاسْمِ ابْنِي، يَكُونُ هِبَةً؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُرِيدُونَ بِهِ التَّمْلِيكَ وَالْهِبَةَ اهـ. وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَقُولُ: مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَقْرَبُ لِعُرْفِ النَّاسِ تَأَمَّلْ اهـ. وَهُنَا تَكْمِلَةٌ لِهَذِهِ لَكِنْ أَظُنُّ أَنَّهَا مَضْرُوبٌ عَلَيْهَا لِفَهْمِهَا مِمَّا مَرَّ وَهِيَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَقَرَّهُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ وَفِيهِ أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ فِيهِ لَفْظُ الْجَعْلِ وَهُوَ مُرَادٌ بِهِ التَّمْلِيكُ بِخِلَافِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ اهـ تَأَمَّلْ، نَعَمْ عُرْفُ النَّاسِ التَّمْلِيكُ مُطْلَقًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِهِبَةٍ) بَقِيَ مَا لَوْ قَالَ: مَلَّكْتُك هَذَا الثَّوْبَ مَثَلًا، فَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى الْهِبَةِ صَحَّتْ، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ التَّمْلِيكَ أَعَمُّ مِنْهَا لِصِدْقِهِ عَلَى الْبَيْعِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهَا وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ فِي آخِرِ هِبَةِ الْحَامِدِيَّةِ وَفِي الْكَازَرُونِيِّ: أَنَّهَا هِبَةٌ. [فُرُوعٌ] : فِي الْهَامِشِ رَجُلٌ قَالَ لِرَجُلٍ: قَدْ مَتَّعْتُك بِهَذَا الثَّوْبِ أَوْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَقَبَضَهَا فَهِيَ هِبَةٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ: قَدْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى قَدْ مَتَّعْتُك بِهَذِهِ الثِّيَابِ أَوْ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، فَهِيَ هِبَةٌ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ فَتَاوَى هِنْدِيَّةٌ. أَعْطَى لِزَوْجَتِهِ دَنَانِيرَ لِتَتَّخِذَ بِهَا ثِيَابًا وَتَلْبَسَهَا عِنْدَهُ فَدَفَعَتْهَا مُعَامَلَةً فَهِيَ لَهَا قُنْيَةٌ. اتَّخَذَ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ ثَوْبًا يَمْلِكُهُ وَكَذَا الْكَبِيرُ بِالتَّسْلِيمِ بَزَّازِيَّةٌ. لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ ثَوْبًا، وَقَالَ: أَلْبِسْ نَفْسَك، فَفَعَلَ يَكُونُ هِبَةً، وَلَوْ دَفَعَ دَرَاهِمَ وَقَالَ: أَنْفِقْهَا عَلَيْك يَكُونُ قَرْضًا بَاقَانِيٌّ. اتَّخَذَ لِوَلَدِهِ ثِيَابًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ إلَّا إذَا بَيَّنَ وَقْتَ الِاتِّخَاذِ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ، وَكَذَا لَوْ اتَّخَذَ لِتِلْمِيذِهِ ثِيَابًا فَأَبَقَ التِّلْمِيذُ، فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ بَزَّازِيَّةٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: مَشُورَةٌ) بِضَمِّ الشِّينِ أَيْ فَقَدْ أَشَارَ فِي مِلْكِهِ بِأَنْ يُسْكِنَهُ فَإِنْ شَاءَ قَبِلَ مَشُورَتَهُ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ كَقَوْلِهِ: هَذَا الطَّعَامُ لَكَ تَأْكُلُهُ أَوْ هَذَا الثَّوْبُ لَكَ تَلْبَسُهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لَوْ قَالَ هِبَةَ سُكْنَى) مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَوْ التَّمْيِيزِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: أَوْ سُكْنَى هِبَةً) بِالنَّصْبِ (قَوْلُهُ بِاسْمِ ابْنِي) قَدَّمَنَا الْكَلَامَ فِيهِ تَقْرِيبًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 689 (وَ) تَصِحُّ (بِقَبُولٍ) أَيْ فِي حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَمَّا فِي حَقِّ الْوَاهِبِ فَتَصِحُّ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ حَتَّى لَوْ حَلَفَ أَنْ يَهَبَ عَبْدَهُ لِفُلَانٍ فَوَهَبَ وَلَمْ يَقْبَلْ بَرَّ وَبِعَكْسِهِ حَنِثَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ (وَ) تَصِحُّ (بِقَبْضٍ بِلَا إذْنٍ فِي الْمَجْلِسِ) فَإِنَّهُ هُنَا كَالْقَبُولِ فَاخْتُصَّ بِالْمَجْلِسِ (وَبَعْدَهُ بِهِ) أَيْ بَعْدَ الْمَجْلِسِ بِالْإِذْنِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ كَانَ أَمْرُهُ بِالْقَبْضِ حِينَ وَهَبَهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَيَجُوزُ الْقَبْضُ بَعْدَهُ (وَالتَّمَكُّنُ مِنْ الْقَبْضِ كَالْقَبْضِ فَلَوْ وَهَبَ لِرَجُلٍ ثِيَابًا فِي صُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ وَدَفَعَ إلَيْهِ الصُّنْدُوقَ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا) لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْقَبْضِ (وَإِنْ مَفْتُوحًا كَانَ قَبْضًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ) فَإِنَّهُ كَالتَّخْلِيَةِ فِي الْبَيْعِ اخْتِيَارٌ وَفِي الدُّرَرِ وَالْمُخْتَارُ صِحَّتُهُ بِالتَّخْلِيَةِ فِي صَحِيحِ الْهِبَةِ لَا فَاسِدِهَا وَفِي النُّتَفِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ عَقْدًا لَا تَصِحُّ بِلَا قَبْضٍ (وَلَوْ نَهَاهُ) عَنْ الْقَبْضِ (لَمْ يَصِحَّ) قَبْضُهُ (مُطْلَقًا) وَلَوْ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ أَقْوَى مِنْ الدَّلَالَةِ (وَتَتِمُّ) الْهِبَةُ (بِالْقَبْضِ) الْكَامِلِ (وَلَوْ الْمَوْهُوبُ شَاغِلًا لِمِلْكِ الْوَاهِبِ لَا مَشْغُولًا بِهِ) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَوْهُوبَ إنْ مَشْغُولًا بِمِلْكِ الْوَاهِبِ مُنِعَ تَمَامَهَا،   [رد المحتار] أَقُولُ: قَوْلُهُ: جَعَلْته بِاسْمِك، غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا مَرَّ فَكَيْفَ يَكُونُ مَا هُوَ أَدْنَى رُتْبَةً مِنْهُ أَقْرَبَ إلَى الصِّحَّةِ سَائِحَانِيٌّ. قُلْت: قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ مَا مَرَّ لَيْسَ خِطَابًا لِابْنِهِ بَلْ لِأَجْنَبِيٍّ، وَمَا هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ بِقَبُولٍ) أَيْ: وَلَوْ فِعْلًا، وَمِنْهُ: وَهَبْت جَارِيَتِي هَذِهِ لِأَحَدِكُمَا فَلْيَأْخُذْهَا مَنْ شَاءَ فَأَخَذَهَا رَجُلٌ مِنْهُمَا تَكُونُ لَهُ، وَكَانَ أَخْذُهُ قَبُولًا، وَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْهِبَةِ الْقَبُولُ مُشْكِلٌ بَحْرٌ. قُلْت: يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ أَرَادَ بِالْقَبُولِ قَوْلًا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ غَيْرِهِ أَيْضًا وَبِهِ ظَهَرَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِاشْتِرَاطِ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَقَدَّمَنَا نَظِيرَهُ فِي الْعَارِيَّةِ وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ. نَعَمْ الْقَبُولُ شَرْطٌ لَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ فِي يَدِهِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْبَيْعِ) فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَقْبَلْ لَمْ يَحْنَثْ (قَوْلُهُ: صِحَّتُهُ) أَيْ الْقَبْضِ بِالتَّخْلِيَةِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ، فَأَمَّا الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ فَالتَّخْلِيَةُ لَيْسَتْ بِقَبْضٍ اتِّفَاقًا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْهِبَةِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَفِي النُّتَفِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ) أَحَدُهَا: الْهِبَةُ، وَالثَّانِي: الصَّدَقَةُ، وَالثَّالِثُ: الرَّهْنُ، وَالرَّابِعُ: الْوَقْفُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ. وَالْخَامِسُ: الْعُمْرَى، وَالسَّادِسُ: النِّحْلَةُ، وَالسَّابِعُ: الْجَنِينُ، وَالثَّامِنُ: الصُّلْحُ، وَالتَّاسِعُ: رَأْسُ الْمَالِ فِي السَّلَمِ، وَالْعَاشِرُ: الْبَدَلُ فِي السَّلَمِ إذَا وُجِدَ بَعْضُهُ زُيُوفًا فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ بَدَلَهَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بَطَلَ حِصَّتُهَا مِنْ السَّلَمِ. وَالْحَادِيَ عَشَرَ: الصَّرْفُ. وَالثَّانِي عَشَرَ: إذَا بَاعَ الْكَيْلِيَّ بِالْكَيْلِيِّ، وَالْجِنْسُ مُخْتَلِفٌ مِثْلَ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ جَارٍ فِيهِ التَّفَاضُلُ لَا النَّسِيئَةُ. وَالثَّالِثَ عَشَرَ: إذَا بَاعَ الْوَزْنِيَّ بِالْوَزْنِيِّ مُخْتَلِفًا مِثْلَ الْحَدِيدِ بِالصُّفْرِ، أَوْ الصُّفْرِ بِالنُّحَاسِ، أَوْ النُّحَاسِ بِالرَّصَاصِ جَازَ فِيهَا التَّفَاضُلُ لَا النَّسِيئَةُ مِنَحُ الْغَفَّارِ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ: بِالْقَبْضِ) فَيُشْتَرَطُ الْقَبْضُ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَلَوْ كَانَتْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ لِلْأَجْنَبِيِّ كَمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: بِالْقَبْضِ الْكَامِلِ) وَكَّلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ رَجُلَيْنِ بِقَبْضِ الدَّارِ فَقَبَضَاهَا جَازَ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ مُنِعَ تَمَامَهَا) إذْ الْقَبْضُ شَرْطٌ فُصُولَيْنِ، وَكَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ يُعْطِي أَنَّ هِبَةَ الْمَشْغُولِ فَاسِدَةٌ وَاَلَّذِي فِي الْعِمَادِيَّةِ أَنَّهَا غَيْرُ تَامَّةٍ قَالَ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ: فَيُحْتَمَلُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ كَمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي هِبَةِ الْمَشَاعِ الْمُحْتَمِلِ لِلْقِسْمَةِ، هَلْ هِيَ فَاسِدَةٌ أَوْ غَيْرُ تَامَّةٍ؟ وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الْبِنَايَةِ أَنَّهَا غَيْرُ تَامَّةٍ، فَكَذَلِكَ هُنَا كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا وَمِنْهُ يُعْلَمُ مَا وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ، فَأَشَارَ إلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بِمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ عَدَمِ التَّمَامِ، وَإِلَى الثَّانِي مِمَّا ذَكَرَهُ آخِرًا مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ فَتَدَبَّرْ أَبُو السُّعُودِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الضَّابِطَ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ الْمَوْهُوبَ إذَا اتَّصَلَ بِمِلْكِ الْوَاهِبِ اتِّصَالَ خِلْقَةٍ، وَأَمْكَنَ فَصْلُهُ لَا تَجُوزُ هِبَتُهُ مَا لَمْ يُوجَدْ الِانْفِصَالُ، وَالتَّسْلِيمُ كَمَا إذَا وَهَبَ الزَّرْعَ، أَوْ الثَّمَرَ بِدُونِ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَإِنْ اتَّصَلَ اتِّصَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 690 وَإِنْ شَاغِلًا لَا، فَلَوْ وَهَبَ جِرَابًا فِيهِ طَعَامُ الْوَاهِبِ أَوْ دَارًا فِيهَا مَتَاعُهُ، أَوْ دَابَّةً عَلَيْهَا سَرْجُهُ وَسَلَّمَهَا كَذَلِكَ لَا تَصِحُّ وَبِعَكْسِهِ تَصِحُّ فِي الطَّعَامِ وَالْمَتَاعِ وَالسَّرْجِ فَقَطْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا شَاغِلٌ الْمِلْكَ لِوَاهِبٍ لَا مَشْغُولٌ بِهِ لِأَنَّ شُغْلَهُ بِغَيْرِ مِلْكِ وَاهِبِهِ لَا يَمْنَعُ تَمَامَهَا كَرَهْنٍ وَصَدَقَةٍ لِأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ تَمَامِهَا وَتَمَامُهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ وَفِي الْأَشْبَاهِ: هِبَةُ الْمَشْغُولِ لَا تَجُوزُ إلَّا إذَا وَهَبَ الْأَبُ لِطِفْلِهِ. قُلْت: وَكَذَا الدَّارُ الْمُعَارَةُ وَاَلَّتِي وَهَبَتْهَا لِزَوْجِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَمَتَاعَهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ فَصَحَّ التَّسْلِيمُ وَقَدْ غَيَّرْت بَيْتَ الْوَهْبَانِيَّةِ فَقُلْت:   [رد المحتار] مُجَاوَرَةٍ فَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْوَاهِبِ لَمْ يَجُزْ، كَمَا إذَا وَهَبَ السَّرْجَ عَلَى الدَّابَّةِ، لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ السَّرْجِ إنَّمَا يَكُونُ لِلدَّابَّةِ فَكَانَتْ لِلْوَاهِبِ عَلَيْهِ يَدٌ مُسْتَعْمِلَةٌ، فَتُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الْقَبْضِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْغُولًا جَازَ كَمَا إذَا وَهَبَ دَابَّةً مُسْرَجَةً دُونَ سَرْجِهَا لِأَنَّ الدَّابَّةَ تُسْتَعْمَلُ بِدُونِهِ، وَلَوْ وَهَبَ الْحَمْلَ عَلَيْهَا دُونَهَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ بِالدَّابَّةِ، وَلَوْ وَهَبَ دَارًا دُونَ مَا فِيهَا مِنْ مَتَاعِهِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ وَهَبَ مَا فِيهَا، وَسَلَّمَهُ دُونَهَا جَازَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ شَرْحُ مَجْمَعٍ (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاغِلًا) تَجُوزُ هِبَةُ الشَّاغِلِ لَا الْمَشْغُولِ فُصُولَيْنِ. أَقُولُ: هَذَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَإِنَّ الزَّرْعَ وَالشَّجَرَ فِي الْأَرْضِ شَاغِلٌ لَا مَشْغُولٌ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَجُوزُ هِبَتُهُ لِاتِّصَالِهِ بِهَا تَأَمَّلْ خَيْرُ الدِّينِ عَلَى الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ وَهَبَ إلَخْ) وَإِنْ وَهَبَ دَارًا فِيهَا مَتَاعٌ، وَسَلَّمَهَا كَذَلِكَ ثُمَّ وَهَبَ الْمَتَاعَ مِنْهُ أَيْضًا جَازَتْ الْهِبَةُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ حِينَ وَهَبَ الدَّارَ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ فِيهَا شَيْءٌ وَحِينَ وَهَبَ الْمَتَاعَ فِي الْأُولَى زَالَ الْمَانِعُ عَنْ قَبْضِ الدَّارِ لَكِنْ لَمْ يُوجَدْ بَعْدَ ذَلِكَ فِعْلٌ فِي الدَّارِ لِيَتِمَّ قَبْضُهُ فِيهَا فَلَا يَنْقَلِبُ الْقَبْضُ الْأَوَّلُ صَحِيحًا فِي حَقِّهَا بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ: وَسَلَّمَهَا كَذَلِكَ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْفُصُولَيْنِ: فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ الدَّابَّةُ شَاغِلَةٌ لِلسَّرْجِ وَاللِّجَامِ لَا مَشْغُولَةٌ يَقُولُ الْحَقِيرُ صِلْ: أَيْ الْأَصْلُ عُكِسَ فِي هَذَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ يُؤَيِّدُهُ مَا فِي قَاضِي خَانْ وَهَبَ أَمَةً عَلَيْهَا حُلِيٌّ وَثِيَابٌ، وَسَلَّمَهَا جَازَ، وَيَكُونُ الْحُلِيُّ، وَمَا فَوْقَ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهَا مِنْ الثِّيَابِ لِلْوَاهِبِ لِمَكَانِ الْعُرْفِ، وَلَوْ وَهَبَ الْحَلْيَ وَالثِّيَابَ دُونَهَا لَا يَجُوزُ حَتَّى يَنْزِعَهُمَا، وَيَدْفَعَهُمَا إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، لِأَنَّهُمَا مَا دَامَ عَلَيْهَا يَكُونُ تَبَعًا لَهَا وَمَشْغُولًا بِالْأَصْلِ فَلَا تَجُوزُ هِبَتُهُ نُورُ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ شُغْلَهُ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ لَا مَشْغُولٌ بِهِ أَيْ بِمِلْكِ الْوَاهِبِ حَيْثُ قَيَّدَهُ بِمِلْكِ الْوَاهِبِ فَافْهَمْ. أَقُولُ: الَّذِي فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ وَغَيْرِهِمَا تَصْوِيرُ الْمَشْغُولِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ بِمَا إذَا ظَهَرَ الْمَتَاعُ مُسْتَحَقًّا أَوْ كَانَ غَصَبَهُ الْوَاهِبُ أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ مِلْكِ وَاهِبِهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِمِلْكِ غَيْرِ وَاهِبِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَرَهْنٍ وَصَدَقَةٍ) أَيْ كَمَا أَنَّ شَغْلَ الرَّهْنِ وَالصَّدَقَةِ بِمِلْكِ غَيْرِ الرَّاهِنِ وَغَيْرِ الْمُتَصَدِّقِ لَا يَمْنَعُ تَمَامَهَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ مَدَنِيٌّ قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْته فِي هِبَةِ الدَّارِ وَالْجَوَالِقِ بِمَا فِيهَا مِنْ الْمَتَاعِ فَهُوَ الْجَوَابُ فِي الرَّهْنِ وَالصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ تَمَامِهَا كَالْهِبَةِ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا وَهَبَ) كَأَنْ وَهَبَهُ دَارًا، وَالْأَبُ سَاكِنُهَا أَوْ لَهُ فِيهَا مَتَاعٌ لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِمَتَاعِ الْقَابِضِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ فَقَدْ جَزَمَ أَوَّلًا بِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ ثُمَّ قَالَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ تَجُوزُ وَيَصِيرُ قَابِضًا لِابْنِهِ تَأَمَّلْ، (قَوْلُهُ: وَكَذَا الدَّارُ) مُسْتَدْرَكٌ بِأَنَّ الشُّغْلَ هُنَا بِغَيْرِ مِلْكِ الْوَاهِبِ وَالْمُرَادُ شُغْلُهُ بِمِلْكِهِ (قَوْلُهُ: الْمُعَارَةُ) أَيْ لَوْ وَهَبَ طِفْلَهُ دَارًا يَسْكُنُ فِيهَا قَوْمٌ بِغَيْرِ أَجْرٍ جَازَ وَيَصِيرُ قَابِضًا لِابْنِهِ، لَا لَوْ كَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 691 وَمَنْ وَهَبَتْ لِلزَّوْجِ دَارًا لَهَا بِهَا ... مَتَاعٌ وَهُمْ فِيهَا تَصِحُّ الْمُحَرَّرُ وَفِي الْجَوْهَرَةِ، وَحِيلَةُ هِبَةِ الْمَشْغُولِ أَنْ يُودِعَ الشَّاغِلُ أَوَّلًا عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ ثُمَّ يُسَلِّمُهُ الدَّارَ مَثَلًا فَتَصِحُّ لِشُغْلِهَا بِمَتَاعٍ فِي يَدِهِ (فِي) مُتَعَلِّقٌ بِتَتِمُّ (مَحُوزٍ) مُفْرَغٍ (مَقْسُومٍ وَمَشَاعٍ لَا) يَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهِ بَعْدَ أَنْ (يُقْسَمَ) كَبَيْتٍ وَحَمَّامٍ صَغِيرَيْنِ لِأَنَّهَا (لَا) تَتِمُّ بِالْقَبْضِ (فِيمَا يُقْسَمُ وَلَوْ) وَهَبَهُ (لِشَرِيكِهِ) أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْقَبْضِ الْكَامِلِ كَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ عَنْ الْعَتَّابِيِّ وَقِيلَ: يَجُوزُ لِشَرِيكِهِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ (فَإِنْ قَسَمَهُ وَسَلَّمَهُ صَحَّ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ (وَلَوْ سَلَّمَهُ شَائِعًا لَا يَمْلِكُهُ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ) فَيَضْمَنُهُ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْوَاهِبِ دُرَرٌ. لَكِنْ فِيهَا عَنْ الْفُصُولَيْنِ الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ تُفِيدُ الْمِلْكَ   [رد المحتار] بِأَجْرٍ كَذَا نُقِلَ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: تَصِحُّ الْمُحَرَّرُ) وَكَانَ أَصْلُهُ وَهُمْ فِيهَا فَقَوْلَانِ يَزْبُرُ بِضَمِّ الْمِيمِ مِنْ " هُمْ " لِأَجْلِ الْوَزْنِ (قَوْلُهُ مُفْرَغٍ) تَفْسِيرٌ لِمَحُوزٍ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ هِبَةِ التَّمْرِ عَلَى النَّخْلِ وَنَحْوِهِ لِمَا سَيَأْتِي دُرَرٌ (قَوْلُهُ بَعْدَ أَنْ يُقْسَمَ) وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ هِبَةِ الْمَشَاعِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُهَا أَنْ يَكُونَ قَدْرًا مَعْلُومًا حَتَّى لَوْ وَهَبَ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِهِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهَا جَهَالَةٌ تُوجِبُ الْمُنَازَعَةَ بَحْرٌ وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَحَمَّامٍ) فِيهِ أَنَّ الْحَمَّامَ مِمَّا لَا يُقْسَمُ مُطْلَقًا ح كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ) وَصَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ: هُوَ الْمَذْهَبُ) رَاجِعٌ لِمَسْأَلَةِ الشَّرِيكِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وُجِدَ بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي صَاحِبَ الْمِنَحِ بِإِزَاءِ هَذَا مَا صُورَتُهُ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّهُ اخْتِلَافُ الْمَشْهُورِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَسَمَهُ) أَيْ الْوَاهِبُ بِنَفْسِهِ، أَوْ نَائِبُهُ، أَوْ أَمَرَ الْمَوْهُوبَ لَهُ بِأَنْ يَقْسِمَ مَعَ شَرِيكِهِ كُلُّ ذَلِكَ تَتِمُّ بِهِ الْهِبَةُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى فِقْهٍ تَأَمَّلْ، رَمْلِيٌّ وَالتَّخْلِيَةُ: فِي الْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ قَبْضٌ لَا فِي الْفَاسِدَةِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَلَّمَهُ شَائِعًا إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ: وَلَا تُفِيدُ الْمِلْكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَوْ سَلَّمَهُ شَائِعًا لَا يَمْلِكُهُ حَتَّى لَا يَنْفُدَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ فَيَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَيَنْفُذَ فِيهِ تَصَرُّفُ الْوَاهِبِ ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَقَاضِي خَانْ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ رُسْتُمَ مِثْلُهُ، وَذَكَرَ عِصَامٌ أَنَّهَا تُفِيدُ الْمِلْكَ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ اهـ. وَمَعَ إفَادَتِهَا لِلْمِلْكِ عِنْدَ هَذَا الْبَعْضِ أَجْمَعَ الْكُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْوَاهِبِ اسْتِرْدَادَهَا مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَلَوْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْوَاهِبِ، قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ رَامِزًا لِفَتَاوَى الْفَضْلِيِّ ثُمَّ إذَا هَلَكَتْ أَفْتَيْت بِالرُّجُوعِ لِلْوَاهِبِ هِبَةً فَاسِدَةً لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ؛ إذْ الْفَاسِدَةُ مَضْمُونَةٌ عَلَى مَا مَرَّ فَإِذَا كَانَتْ مَضْمُونَةً بِالْقِيمَةِ بَعْدَ الْهَلَاكِ كَانَتْ مُسْتَحَقَّةَ الرَّدِّ قَبْلَ الْهَلَاكِ اهـ. وَكَمَا يَكُونُ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِيهَا يَكُونُ لِوَارِثِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِكَوْنِهَا مُسْتَحَقَّةَ الرَّدِّ، وَيَضْمَنُ بَعْدَ الْهَلَاكِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَلِوَرَثَتِهِ نَقْضُهُ، لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الرَّدِّ، وَمَضْمُونٌ بِالْهَلَاكِ. ثُمَّ مِنْ الْمُقَرَّرِ أَنَّ الْقَضَاءَ يُتَخَصَّصُ، فَإِذَا وَلَّى السُّلْطَانُ قَاضِيًا لِيَقْضِيَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَنْفُدُ قَضَاؤُهُ بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مَعْزُولٌ عَنْهُ بِتَخْصِيصِهِ فَالْتَحَقَ فِيهِ بِالرَّعِيَّةِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ مَا فِي الْخَيْرِيَّةِ وَأَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ أَيْضًا وَالنَّاجِيَّةِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْبَحْرِ. وَنُقِلَ عَنْ الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ: أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يَصِحُّ، وَفِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ الْوَجِيزِ: الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ مَضْمُونَةٌ بِالْقَبْضِ، وَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا إلَّا عِنْدَ أَدَاءِ الْعِوَضِ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ؛ إذْ الْهِبَةُ تَنْقَلِبُ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ اهـ. وَذَكَرَ قَبْلَهُ هِبَةَ الْمَشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. فَحَيْثُ عَلِمْت أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ وَرَوَوْهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ظَهَرَ أَنَّهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَإِنْ صُرِّحَ بِأَنَّ الْمُفْتَى بِهِ خِلَافُهُ، وَلَا سِيَّمَا أَنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا خَبِيثًا كَمَا يَأْتِي وَيَكُونُ مَضْمُونًا كَمَا عَلِمْته فَلَمْ يَجِدْ نَفْعًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 692 بِالْقَبْضِ وَبِهِ يُفْتَى وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَلَى خِلَافِ مَا صَحَّحَهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ لَكِنَّ لَفْظَ الْفَتْوَى آكَدُ مِنْ لَفْظِ الصَّحِيحِ كَمَا بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ بَقِيَّةِ أَحْكَامِ الْمَشَاعِ وَهَلْ لِلْقَرِيبِ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ؟ قَالَ فِي الدُّرَرِ: نَعَمْ، وَتَعَقَّبَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: بِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ إفَادَتِهَا الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ فَلْيُحْفَظْ (وَالْمَانِعُ) مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ (شُيُوعٌ مُقَارِنٌ) لِلْعَقْدِ (لَا طَارِئٌ) كَأَنْ يَرْجِعَ فِي بَعْضِهَا شَائِعًا فَإِنَّهُ لَا يَفْسُدُ اتِّفَاقًا (وَالِاسْتِحْقَاقُ) شُيُوعٌ (مُقَارِنٌ) لَا طَارِئٌ فَيَفْسُدُ الْكُلُّ حَتَّى لَوْ وَهَبَ أَرْضًا وَزَرْعًا وَسَلَّمَهُمَا فَاسْتَحَقَّ الزَّرْعَ بَطَلَتْ فِي الْأَرْضِ، لِاسْتِحْقَاقِ الْبَعْضِ الشَّائِعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَالِاسْتِحْقَاقُ إذَا ظَهَرَ بِالْبَيِّنَةِ كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى مَا قَبْلَ الْهِبَةِ فَيَكُونُ مُقَارِنًا لَهَا لَا طَارِئًا كَمَا زَعَمَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَإِنْ تَبِعَهُ ابْنُ الْكَمَالِ فَتَنَبَّهْ (وَلَا تَصِحُّ هِبَةُ لَبَنٍ فِي ضَرْعٍ وَصُوفٍ عَلَى غَنَمٍ وَنَخْلٍ فِي أَرْضٍ وَتَمْرٍ فِي نَخْلٍ) لِأَنَّهُ كَمَشَاعٍ (وَلَوْ فَصَلَهُ وَسَلَّمَهُ جَازَ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهَلْ يَكْفِي فَصْلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ   [رد المحتار] لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَاغْتَنِمْهُ، وَإِنَّمَا أَكْثَرْت النَّقْلَ فِي مِثْلِ هَذِهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَعَدَمِ تَنْبِيهِ أَكْثَرِ النَّاسِ لِلُزُومِ الضَّمَانِ عَلَى قَوْلِ الْمُخَالِفِ وَرَجَاءً لِدَعْوَةٍ نَافِعَةٍ فِي الْغَيْبِ (قَوْلُهُ: بِالْقَبْضِ) لَكِنْ مِلْكًا خَبِيثًا وَبِهِ يُفْتَى قُهُسْتَانِيٌّ أَيْ وَهُوَ مَضْمُونٌ كَمَا عَلِمْته آنِفًا فَتَنَبَّهْ، وَفِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ: وَمَعَ إفَادَتِهَا لِلْمِلْكِ يُحْكَمُ بِنَقْضِهَا لِلْفَسَادِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ يُنْقَضُ لَهُ تَأَمَّلْ، (قَوْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ) عِبَارَتُهَا: وَهَلْ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْقَبْضِ قَالَ النَّاطِفِيُّ عِنْدَ الْإِمَامِ: لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، وَفِي بَعْضِ الْفَتَاوَى: يَثْبُتُ فِيهَا فَاسِدًا وَبِهِ يُفْتَى، وَنَصَّ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ نِصْفَ دَارِهِ مِنْ آخَرَ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ فَبَاعَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ لَمْ يَجُزْ دَلَّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ حَيْثُ أَبْطَلَ الْبَيْعَ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَنَصَّ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهُ هُوَ الْمُخْتَارُ وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْأَفَاضِلِ عَلَى هَامِشِ الْمِنَحِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ، وَأَنْتَ تَرَاهُ عَزَا رِوَايَةَ إفَادَةِ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ وَالْإِفْتَاءَ بِهَا إلَى بَعْضِ الْفَتَاوَى فَلَا تُعَارِضُ رِوَايَةَ الْأَصْلِ؛ وَلِذَا اخْتَارَهَا قَاضِي خَانْ، وَقَوْلُهُ: لَفْظُ الْفَتْوَى إلَخْ قَدْ يُقَالُ بِمَنْعِ عُمُومِهِ لَا سِيَّمَا مِثْلُ هَذِهِ الصِّيغَةِ فِي مِثْلِ سِيَاقِ الْبَزَّازِيِّ، فَإِذَا تَأَمَّلْتَهُ تَقْضِي بِرُجْحَانِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْأَصْلُ اهـ (قَوْلُهُ: وَتَعَقَّبَهُ) قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَيْرِيَّةِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ: لِلْعَقْدِ لَا طَارِئٌ) أَقُولُ: مِنْهُ مَا لَوْ وَهَبَ دَارًا فِي مَرَضِهِ وَلَيْسَ لَهُ سِوَاهَا ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ الْهِبَةَ بَقِيَتْ الْهِبَةُ فِي ثُلُثِهَا وَتَبْطُلُ فِي الثُّلُثَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: الْبَعْضِ الشَّائِعِ) أَيْ حُكْمًا لِأَنَّ الزَّرْعَ مَعَ الْأَرْضِ بِحُكْمِ الِاتِّصَالِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَإِذَا اسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا صَارَ كَأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْبَعْضَ الشَّائِعَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، فَتَبْطُلُ الْهِبَةُ فِي الْبَاقِي كَذَا فِي الْكَافِي دُرَرٌ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالزَّرْعُ لَا يُشْبِهُ الْمَتَاعَ (قَوْلُهُ: بِالْبَيِّنَةِ) لِيَنْظُرَ فِيمَا لَوْ ظَهَرَ بِإِقْرَارِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَمَّا بِإِقْرَارِ الْوَاهِبِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَغْوٌ، لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمِلْكِ الْغَيْرِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كَمَشَاعٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ هَذِهِ نَظَائِرُ الْمَشَاعِ لَا أَمْثِلَتُهَا فَلَا شُيُوعَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لَكِنَّهَا فِي حُكْمِ الْمَشَاعِ، حَتَّى إذَا فُصِلَتْ وَسُلِّمَتْ صَحَّ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَشَاعِ أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَأْخُذَ حُكْمَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا تَجُوزَ هِبَةُ النَّخْلِ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ، كَذَا عَكْسُهُ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ مِنْ الْمَشَاعِ وَإِنْ دَقَّ إلَّا وَلِلشَّرِيكِ فِيهِ مِلْكٌ فَلَا تَصِحُّ هِبَتُهُ، وَلَوْ مِنْ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ الْكَامِلَ فِيهِ لَا يُتَصَوَّرُ، وَأَمَّا نَحْوُ النَّخْلِ فِي الْأَرْضِ وَالتَّمْرِ فِي النَّخْلِ وَالزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ، لَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لِشَخْصٍ فَوَهَبَ صَاحِبُ النَّخْلِ نَخْلَهُ كُلَّهُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَوْ عَكْسَهُ فَإِنَّ الْهِبَةَ تَصِحُّ؛ لِأَنَّ مِلْكَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزٌ عَنْ الْآخَرِ، فَيَصِحُّ قَبْضُهُ بِتَمَامِهِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ لَكِنْ يُؤْخَذُ الْحُكْمُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَلَكِنْ إذَا وُجِدَ النَّقْلُ فَلَا يَسَعُنَا إلَّا التَّسْلِيمُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 693 بِإِذْنِ الْوَاهِبِ؟ ظَاهِرُ الدُّرَرِ: نَعَمْ (بِخِلَافِ دَقِيقٍ فِي بُرٍّ وَدُهْنٍ فِي سِمْسِمٍ وَسَمْنٍ فِي لَبَنٍ) حَيْثُ لَا يَصِحُّ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ فَلَا يُمْلَكُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ (وَمُلِكَ) بِالْقَبُولِ (بِلَا قَبْضٍ جَدِيدٍ لَوْ الْمَوْهُوبُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ) وَلَوْ بِغَصْبٍ أَوْ أَمَانَةً؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْقَبْضَيْنِ إذَا تَجَانَسَا نَابَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، وَإِذَا تَغَايَرَا نَابَ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى لَا عَكْسُهُ (وَهِبَةُ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الطِّفْلِ فِي الْجُمْلَةِ) وَهُوَ كُلُّ مَنْ يَعُولُهُ فَدَخَلَ الْأَخُ وَالْعَمُّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ لَوْ فِي عِيَالِهِمْ (تَتِمُّ بِالْعَقْدِ) لَوْ الْمَوْهُوبُ مَعْلُومًا وَكَانَ فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ مُودِعِهِ، لِأَنَّ قَبْضَ الْوَلِيِّ يَنُوبُ   [رد المحتار] فَرْعٌ] . لَهُ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ فَقَضَاهَا فَوَجَدَ الْقَابِضُ دَانِقًا زَائِدًا فَوَهَبَهُ لِلدَّائِنِ أَوْ لِلْبَائِعِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ صِحَاحًا يَضُرُّهَا التَّبْعِيضُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَشَاعٌ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَكَذَا هِبَةُ بَعْضِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ إنْ ضَرَّهَا التَّبْعِيضُ تَصِحُّ، وَإِلَّا لَا بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ: ظَاهِرُ الدُّرَرِ نَعَمْ) أَقُولُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ فَقَالَ: وَلَوْ وَهَبَ زَرْعًا بِدُونِ الْأَرْضِ أَوْ تَمْرًا بِدُونِ النَّخْلِ، وَأَمَرَهُ بِالْحَصَادِ وَالْجُذَاذِ فَفَعَلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ ذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ بِالْإِذْنِ يَصِحُّ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ، وَفِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى: وَلَوْ وَهَبَ زَرْعًا فِي أَرْضٍ أَوْ ثَمَرًا فِي شَجَرٍ أَوْ حِلْيَةَ سَيْفٍ أَوْ بِنَاءَ دَارٍ أَوْ دِينَارًا عَلَى رَجُلٍ أَوْ قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ، وَأَمَرَهُ بِالْحَصَادِ وَالْجُذَاذِ وَالنَّزْعِ وَالنَّقْضِ وَالْقَبْضِ وَالْكَيْلِ فَفَعَلَ صَحَّ اسْتِحْسَانًا إلَخْ (قَوْلُهُ: أَصْلًا) أَيْ وَإِنْ سَلَّمَهَا مُفْرَزَةً (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ) أَيْ حُكْمًا وَكَذَا لَوْ وَهَبَ الْحَمْلَ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِي وُجُودِهِ احْتِمَالًا فَصَارَ كَالْمَعْدُومِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ: جَدِيدٍ) وَهَذَا لِأَنَّ الْحِنْطَةَ اسْتَحَالَتْ صَارَتْ دَقِيقًا وَكَذَا غَيْرُهَا وَبَعْدَ الِاسْتِحَالَةِ هُوَ عَيْنٌ آخَرُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْغَصْبِ بِخِلَافِ الْمَشَاعِ، لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلْمِلْكِ لَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ جَازَ مِنَحٌ (قَوْلُهُ بِالْقَبُولِ) إنَّمَا اشْتَرَطَ الْقَبُولَ نَصًّا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ كَذَلِكَ يَقَعُ الْمِلْكُ فِيهَا بِغَيْرِ رِضَاهُ، لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الْقَبْضِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوَهُّمِ الضَّرَرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ وَأَمَرَهُ بِقَبْضِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إذَا قَبَضَ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لِأَنَّهُ إذَا قَدِمَ عَلَى الْقَبْضِ كَانَ ذَلِكَ قَبُولًا وَرِضًا مِنْهُ بِوُقُوعِ الْمِلْكِ لَهُ فَيَمْلِكُهُ، ط مُلَخَّصًا. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ بَعْدُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ أَيْ حِينَ قَبِلَ صَرِيحًا (قَوْلُهُ بِلَا قَبْضٍ) أَيْ بِأَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الْعَيْنُ وَيَمْضِي وَقْتٌ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ قَبْضِهَا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِغَصْبٍ) اُنْظُرْ الزَّيْلَعِيّ (قَوْلُهُ عَنْ الْآخَرِ) كَمَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَأَعَارَهَا صَاحِبَهَا لَهُ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَبَضَ أَمَانَةً فَنَابَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ (قَوْلُهُ عَنْ الْأَدْنَى) فَنَابَ قَبْضُ الْمَغْصُوبِ وَالْمَبِيعِ فَاسِدًا عَنْ قَبْضِ الْمَبِيعِ الصَّحِيحِ، وَلَا يَنُوبُ قَبْضُ الْأَمَانَةِ عَنْهُ مِنَحٌ (قَوْلُهُ لَا عَكْسِهِ) فَقَبْضُ الْوَدِيعَةِ مَعَ قَبْضِ الْهِبَةِ يَتَجَانَسَانِ لِأَنَّهُمَا قَبْضُ أَمَانَةٍ وَمَعَ قَبْضِ الشِّرَاءِ يَتَغَايَرَانِ لِأَنَّهُ قَبْضُ ضَمَانٍ فَلَا يَنُوبُ الْأَوَّلُ عَنْهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، لَكِنَّهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ كَالْبَيْعِ الْمَضْمُونِ بِالثَّمَنِ وَالْمَرْهُونِ الْمَضْمُونِ بِالدَّيْنِ لَا يَنُوبُ قَبْضُهُ عَنْ الْقَبْضِ الْوَاجِبِ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى، وَمِثْلُهُ فِي الزَّاهِدِيِّ، فَلَوْ بَاعَ مِنْ الْمُودِعِ احْتَاجَ إلَى قَبْضٍ جَدِيدٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْعِمَادِيِّ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: عَلَى الطِّفْلِ) فَلَوْ بَالِغًا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ، وَلَوْ فِي عِيَالِهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِهِ (قَوْلُهُ: بِالْعَقْدِ) أَيْ الْإِيجَابِ فَقَطْ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ الشَّارِحُ كَذَا فِي الْهَامِشِ، وَهَذَا إذَا أَعْلَمَهُ أَوْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ، وَالْإِشْهَادُ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْجُحُودِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَالْإِعْلَامُ لَازِمٌ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ بَزَّازِيَّةٌ، قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: فَلَوْ أَرْسَلَ الْعَبْدَ فِي حَاجَةٍ أَوْ كَانَ آبِقًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَوَهَبَهُ مِنْ ابْنِهِ صَحَّتْ فَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ الْعَبْدُ حَتَّى مَاتَ الْأَبُ لَا يَصِيرُ مِيرَاثًا عَنْ الْأَبِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ الْمَوْهُوبُ إلَخْ) لَعَلَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ نَحْوِ وَهَبْتُهُ شَيْئًا مِنْ مَالِي تَأَمَّلْ، (قَوْلُهُ: مَعْلُومًا) قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كُلُّ شَيْءٍ وَهَبَهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ الشَّيْءُ مَعْلُومٌ فِي نَفْسِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَالْقَصْدُ أَنْ يَعْلَمَ مَا وَهَبَهُ لَهُ، وَالْإِشْهَادُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَازِمٍ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَتِمُّ بِالْإِعْلَامِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ يَدِ مُودَعِهِ) أَيْ أَوْ يَدِ مُسْتَعِيرِهِ لَا كَوْنِهِ فِي يَدِ غَاصِبِهِ أَوْ مُرْتَهِنِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 694 عَنْهُ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ يَتَوَلَّاهُ الْوَاحِدُ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْإِيجَابِ (وَإِنْ وَهَبَ لَهُ أَجْنَبِيٌّ يَتِمُّ بِقَبْضِ وَلِيِّهِ) وَهُوَ أَحَدُ أَرْبَعَةٍ: الْأَبُ، ثُمَّ وَصِيُّهُ، ثُمَّ الْجَدُّ، ثُمَّ وَصِيُّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي حِجْرِهِمْ، وَعِنْدَ عَدَمِهِمْ تَتِمُّ بِقَبْضِ مَنْ يَعُولُهُ كَعَمِّهِ (وَأُمِّهِ وَأَجْنَبِيٍّ) وَلَوْ مُلْتَقَطًا (لَوْ فِي حِجْرِهِمَا) وَإِلَّا لَا، لِفَوَاتِ الْوِلَايَةِ (وَبِقَبْضِهِ لَوْ مُمَيِّزًا) يَعْقِلُ التَّحْصِيلَ (وَلَوْ مَعَ وُجُودِ أَبِيهِ) مُجْتَبَى لِأَنَّهُ فِي النَّافِعِ الْمَحْضِ كَالْبَالِغِ، حَتَّى لَوْ وُهِبَ لَهُ أَعْمَى لَا نَفْعَ لَهُ وَتَلْحَقُهُ مُؤْنَتُهُ لَمْ يَصِحَّ قَبُولُهُ أَشْبَاهٌ. قُلْت: لَكِنْ فِي الْبُرْجَنْدِيِّ: اُخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ قَبَضَ مَنْ يَعُولُهُ، وَالْأَبُ حَاضِرٌ فَقِيلَ: لَا يَجُوزُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْجَوَازُ اهـ. وَظَاهِرُ الْقُهُسْتَانِيِّ تَرْجِيحُهُ، وَعَزَاهُ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ عَلَى خِلَافِ مَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ، وَعَزَاهُ لِلْخُلَاصَةِ لَكِنَّ مَتْنَهُ يَحْتَمِلُهُ بِوَصْلٍ وَلَوْ بِأُمِّهِ وَالْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ (وَصَحَّ رَدُّهُ   [رد المحتار] أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ بَزَّازِيَّةٌ. قَالَ السَّائِحَانِيُّ: إنَّهُ إذَا انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ أَوْ ارْتَدَّ الْغَصْبُ تَتِمُّ الْهِبَةُ كَمَا تَتِمُّ فِي نَظَائِرِهِ (قَوْلُهُ: يَتَوَلَّاهُ) كَبَيْعِهِ مَالَهُ مِنْ طِفْلِهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ ثُمَّ وَصِيُّهُ) ثُمَّ الْوَالِي ثُمَّ الْقَاضِي وَوَصِيُّ الْقَاضِي كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَأْذُونِ، وَمَرَّ قُبَيْلَ الْوَكَالَةِ فِي الْخُصُومَةِ وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ وَالْأُمِّ كَذَلِكَ لَوْ الصَّبِيُّ فِي عِيَالِهِمَا إنْ وَهَبَتْ لَهُ أَوْ وَهَبَ لَهُ تَمْلِكُ الْأُمُّ الْقَبْضَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ أَبٌ، وَلَا جَدٌّ، وَلَا وَصِيُّهُمَا، وَذَكَرَ الصَّدْرُ أَنَّ عَدَمَ الْأَبِ لِقَبْضِ الْأُمِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَذَكَرَ فِي الرَّجُلِ إذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ مِنْ رَجُلٍ فَزَوْجُهَا يَمْلِكُ قَبْضَ الْهِبَةِ لَهَا، وَلَا يَجُوزُ قَبْضُ الزَّوْجِ قَبْلَ الزِّفَافِ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ. وَفِي التَّجْرِيدِ: قَبْضُ الزَّوْجِ يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ حَيًّا، فَلَوْ أَنَّ الْأَبَ وَوَصِيَّهُ وَالْجَدَّ وَوَصِيَّهُ غَائِبٌ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً جَازَ قَبْضُ الَّذِي يَتَوَلَّاهُ، وَلَا يَجُوزُ قَبْضُ غَيْرِ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ مَعَ وُجُودِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَوَاءٌ كَانَ الصَّغِيرُ فِي عِيَالِهِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَوْ أَجْنَبِيًّا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ جَازَ قَبْضُ مَنْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي حِجْرِهِ، وَلَمْ يَجُزْ قَبْضُ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ بَزَّازِيَّةٌ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْمُرَادُ بِالْوُجُودِ الْحُضُورُ اهـ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَلَا تَمْلِكُ الْأُمُّ وَكُلُّ مَنْ يَعُولُ الصَّغِيرَ مَعَ حُضُورِ الْأَبِ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: يَجُوزُ إذَا كَانَ فِي عِيَالِهِمْ كَالزَّوْجِ، وَعَنْهُ احْتَرَزَ فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ فِي الصَّحِيحِ اهـ وَيَمْلِكُ الزَّوْجُ الْقَبْضَ لَهَا مَعَ حُضُورِ الْأَبِ، بِخِلَافِ الْأُمِّ وَكُلِّ مَنْ يَعُولُهَا غَيْرَ الزَّوْجِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ أَوْ غَيْبَتِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ تَصَرُّفَ هَؤُلَاءِ لِلضَّرُورَةِ لَا بِتَفْوِيضِ الْأَبِ، وَمَعَ حُضُورِ الْأَبِ لَا ضَرُورَةَ جَوْهَرَةٌ. وَإِذَا غَابَ أَحَدُهُمْ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً جَازَ قَبْضُ الَّذِي يَتْلُوهُ فِي الْوِلَايَةِ، لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى قُدُومِ الْغَائِبِ تَفْوِيتٌ لِلْمَنْفَعَةِ لِلصَّغِيرِ فَتُنْقَلُ الْوِلَايَةُ إلَى مَنْ يَتْلُوهُ كَمَا فِي الْإِنْكَاحِ، وَلَا يَجُوزُ قَبْضُ غَيْرِ هَؤُلَاءِ مَعَ وُجُودِ أَحَدِهِمْ، وَلَوْ فِي عِيَالِ الْقَابِضِ أَوْ رَحِمًا مَحْرَمًا مِنْهُ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْأُمِّ بَدَائِعُ مُلَخَّصًا، وَلَوْ قَبَضَ لَهُ مَنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ مَعَ حُضُورِ الْأَبِ قِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ وَبِهِ يُفْتَى مُشْتَمِلُ الْأَحْكَامِ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَمَا لَوْ قَبَضَ الزَّوْجُ، وَالْأَبُ حَاضِرٌ خَانِيَّةٌ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتُرُوشْنِيٌّ. فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْهِدَايَةَ وَالْجَوْهَرَةَ عَلَى تَصْحِيحِ عَدَمِ جَوَازِ قَبْضِ مَنْ يَعُولُهُ مَعَ عَدَمِ غَيْبَةِ الْأَبِ، وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَقَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْفَتَاوَى صَحَّحُوا خِلَافَهُ، وَكُنْ عَلَى ذِكْرٍ مِمَّا قَالُوا: لَا يُعْدَلُ عَنْ تَصْحِيحِ قَاضِي خَانْ، فَإِنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ، وَلَا سِيَّمَا وَفِيهِ نَفْعٌ لِلصَّغِيرِ فَتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى، وَإِنَّمَا أَكْثَرْت مِنْ النُّقُولِ لِأَنَّهَا وَاقِعَةُ الْفَتْوَى، وَبَعْضُ هَذِهِ النُّقُولِ نَقَلْتُهَا مِنْ خَطِّ مُنْلَا عَلِيٍّ التُّرْكُمَانِيِّ وَاعْتَمَدْت فِي عَزْوِهَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (قَوْلُهُ عَدَمِهِمْ) وَلَوْ بِالْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ (قَوْلُهُ يَعْقِلُ التَّحْصِيلَ) تَفْسِيرُ التَّمْيِيزِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَعِنْدَ عَدَمِهِمْ ح (قَوْلُهُ بِوَصْلٍ وَلَوْ بِأُمِّهِ) يَعْنِي جَازَ وَصْلُ قَوْلِ الْمَتْنِ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ أَبِيهِ بِقَوْلِهِ بِأُمِّهِ وَأَجْنَبِيٍّ ح كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِأُمِّهِ) مُتَعَلِّقٌ بِوَصْلٍ. (قَوْلُهُ وَصَحَّ رَدُّهُ) أَيْ رَدُّ الصَّبِيِّ وَانْظُرْ حُكْمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 695 لَهَا كَقَبُولِهِ) سِرَاجِيَّةٌ وَفِيهَا حَسَنَاتُ الصَّبِيِّ لَهُ وَلِأَبَوَيْهِ أَجْرُ التَّعْلِيمِ وَنَحْوِهِ، وَيُبَاحُ لِوَالِدَيْهِ أَنْ يَأْكُلَا مِنْ مَأْكُولٍ وُهِبَ لَهُ، وَقِيلَ لَا، انْتَهَى، فَأَفَادَ أَنَّ غَيْرَ الْمَأْكُولِ لَا يُبَاحُ لَهُمَا إلَّا لِحَاجَةٍ وَضَعُوا هَدَايَا الْخِتَانِ بَيْنَ يَدَيْ الصَّبِيِّ فَمَا يَصْلُحُ لَهُ كَثِيَابِ الصِّبْيَانِ فَالْهَدِيَّةُ لَهُ، وَإِلَّا فَإِنَّ الْمُهْدِيَ مِنْ أَقْرِبَاءِ الْأَبِ أَوْ مَعَارِفِهِ فَلِلْأَبِ أَوْ مِنْ مَعَارِفِ الْأُمِّ فَلِلْأُمِّ، قَالَ هَذَا لِصَبِيٍّ أَوْ لَا، وَلَوْ قَالَ: أَهْدَيْت لِلْأَبِ أَوْ لِلْأُمِّ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَكَذَا زِفَافُ الْبِنْتِ خُلَاصَةٌ وَفِيهَا: اتَّخَذَ لِوَلَدِهِ أَوْ لِتِلْمِيذِهِ ثِيَابًا ثُمَّ أَرَادَ دَفْعَهَا لِغَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يُبَيِّنْ وَقْتَ الِاتِّخَاذِ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ، وَفِي الْمُبْتَغَى: ثِيَابُ الْبَدَنِ يَمْلِكُهَا بِلُبْسِهَا بِخِلَافِ نَحْوِ مِلْحَفَةٍ وَوِسَادَةٍ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا بَأْسَ بِتَفْضِيلِ بَعْضِ الْأَوْلَادِ فِي الْمَحَبَّةِ لِأَنَّهَا عَمَلُ الْقَلْبِ، وَكَذَا فِي الْعَطَايَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْإِضْرَارَ، وَإِنْ قَصَدَهُ فَسَوَّى بَيْنَهُمْ يُعْطِي الْبِنْتَ كَالِابْنِ عِنْدَ الثَّانِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَوْ وَهَبَ فِي صِحَّتِهِ كُلَّ الْمَالِ لِلْوَلَدِ جَازَ وَأَثِمَ وَفِيهَا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَهَبَ شَيْئًا مِنْ مَالِ طِفْلِهِ وَلَوْ بِعِوَضٍ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً، وَفِيهَا وَيَبِيعُ الْقَاضِي مَا وُهِبَ لِلصَّغِيرِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ (وَلَوْ قَبَضَ زَوْجُ الصَّغِيرَةِ) أَمَّا الْبَالِغَةُ فَالْقَبْضُ لَهَا (بَعْدَ الزِّفَافِ   [رد المحتار] رَدٍّ الْوَلِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ حَتَّى لَوْ قَبِلَ الصَّبِيُّ بَعْدَ رَدِّ وَلِيِّهِ يَصِحُّ ط (قَوْلُهُ: لَهَا) أَيْ لِلْهِبَةِ (قَوْلُهُ: وَهَبَ لَهُ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ نَصٌّ أَنَّهُ يُبَاحُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَأَكْثَرُ مَشَايِخِ بُخَارَى عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ. وَفِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ: إذَا أُهْدِيَ الْفَوَاكِهُ لِلصَّغِيرِ يَحِلُّ لِلْأَبَوَيْنِ الْأَكْلُ مِنْهَا إذَا أُرِيدَ بِذَلِكَ الْأَبَوَانِ لَكِنَّ الْإِهْدَاءَ لِلصَّغِيرِ اسْتِصْغَارًا لِلْهَدِيَّةِ اهـ. قُلْت: وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِالْقَرَائِنِ، وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ بَلْ غَيْرُهُ أَظْهَرُ فَتَأَمَّلْ، (قَوْلُهُ: فَأَفَادَ) أَصْلُهُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِذَا احْتَاجَ الْأَبُ إلَى مَالِ وَلَدِهِ فَإِنْ كَانَا فِي الْمِصْرِ وَاحْتَاجَ لِفَقْرِهِ أَكَلَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ كَانَا فِي الْمَفَازَةِ وَاحْتَاجَ إلَيْهِ لِانْعِدَامِ الطَّعَامِ مَعَهُ فَلَهُ الْأَكْلُ بِالْقِيمَةِ اهـ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لَهُ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمُمَلِّكُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا زِفَافُ الْبِنْتِ) أَيْ عَلَى هَذَا التَّفْضِيلِ بِأَنْ كَانَ مِنْ أَقْرِبَاءِ الزَّوْجِ أَوْ الْمَرْأَةِ أَوْ قَالَ الْمُهْدِي. أَهْدَيْت لِلزَّوْجِ أَوْ الْمَرْأَةِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَفِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ سُئِلَ فِيمَا يُرْسِلُهُ الشَّخْصُ إلَى غَيْرِهِ فِي الْأَعْرَاسِ وَنَحْوِهَا هَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْقَرْضِ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ أَمْ لَا؟ أَجَابَ: إنْ كَانَ الْعُرْفُ بِأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَهُ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ مِثْلِيًّا فَبِمِثْلِهِ، وَإِنْ قِيَمِيًّا فَبِقِيمَتِهِ وَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ خِلَافَ ذَلِكَ بِأَنْ كَانُوا يَدْفَعُونَهُ عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ، وَلَا يَنْظُرُونَ فِي ذَلِكَ إلَى إعْطَاءِ الْبَدَلِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْهِبَةِ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ فَلَا رُجُوعَ فِيهِ بَعْدَ الْهَلَاكِ أَوْ الِاسْتِهْلَاكِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمَعْرُوفَ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ شَرْطًا اهـ. قُلْت: وَالْعُرْفُ فِي بِلَادِنَا مُشْتَرَكٌ نَعَمْ فِي بَعْضِ الْقُرَى يَعُدُّونَهُ فَرْضًا حَتَّى إنَّهُمْ فِي كُلِّ وَلِيمَةٍ يُحْضِرُونَ الْخَطِيبَ يَكْتُبُ لَهُمْ مَا يُهْدَى فَإِذَا جَعَلَ الْمُهْدِي وَلِيمَةً يُرَاجِعُ الْمُهْدَى الدَّفْتَرَ فَيُهْدِي الْأَوَّلُ إلَى الثَّانِي مِثْلَ مَا أَهْدَى إلَيْهِ (قَوْلُهُ لِوَلَدِهِ) أَيْ الصَّغِيرِ وَأَمَّا الْكَبِيرُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَأَمَّا التِّلْمِيذُ فَلَوْ كَبِيرًا فَكَذَلِكَ، وَيَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ هِبَتِهِ لَوْ أَجْنَبِيًّا مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهِ: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ لِتِلْمِيذِهِ) مَسْأَلَةُ التِّلْمِيذِ مَفْرُوضَةٌ بَعْدَ دَفْعِ الثِّيَابِ إلَيْهِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: اتَّخَذَ شَيْئًا لِتِلْمِيذِهِ فَأَبَقَ التِّلْمِيذُ بَعْدَ مَا دَفَعَ إلَيْهِ إنْ بَيَّنَ وَقْتَ الِاتِّخَاذِ أَنَّهُ إعَارَةٌ يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ إلَيْهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَصْدُهُ) بِسُكُونِ الصَّادِ وَرَفْعِ الدَّالِ، وَعِبَارَةُ الْمِنَحِ: وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْإِضْرَارَ وَهَكَذَا رَأَيْته فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: مِنْ أَنَّ التَّنْصِيفَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى أَفْضَلُ مِنْ التَّثْلِيثِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَمْلِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِعِوَضٍ) وَأَجَازَهَا مُحَمَّدٌ بِعِوَضٍ مُسَاوٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 696 مَا وُهِبَ لَهَا صَحَّ) قَبْضُهُ، وَلَوْ بِحَضْرَةِ الْأَبِ فِي الصَّحِيحِ لِنِيَابَتِهِ عَنْهُ فَصَحَّ قَبْضُ الْأَبِ كَقَبْضِهَا مُمَيِّزَةً (وَقَبْلَهُ) أَيْ الزِّفَافِ (لَا) يَصِحُّ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ (وَهَبَ اثْنَانِ دَارًا لِوَاحِدٍ صَحَّ) لِعَدَمِ الشُّيُوعِ (وَبِقَلْبِهِ) لِكَبِيرَيْنِ (لَا) عِنْدَهُ لِلشُّيُوعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَمَّا مَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَالْبَيْتِ فَيَصِحُّ اتِّفَاقًا قَيَّدْنَا بِكَبِيرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لِكَبِيرٍ وَصَغِيرٍ فِي عِيَالِ الْكَبِيرِ أَوْ لَا بِنِيَّةِ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ لَمْ يَجُزْ   [رد المحتار] كَمَا يُذْكَرُ آخِرَ الْبَابِ الْآتِي، وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ، وَأَجَازَهَا مُحَمَّدٌ بِشَرْطِ عِوَضٍ مُسَاوٍ اهـ. وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ الْمُتَفَرِّقَاتِ: سُئِلَ أَبُو مُطِيعٍ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ: اُدْخُلْ كَرْمِي وَخُذْ مِنْ الْعِنَبِ، كَمْ يَأْخُذُ؟ قَالَ: يَأْخُذُ عُنْقُودًا وَاحِدًا، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ: هُوَ الْمُخْتَارُ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: مِقْدَارَ مَا يَشْبَعُ إنْسَانٌ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَفِيهَا عَنْ التَّتِمَّةِ سُئِلَ عُمَرُ النَّسَفِيُّ عَمَّنْ أَمَرَ أَوْلَادَهُ أَنْ يَقْتَسِمُوا أَرْضَهُ الَّتِي فِي نَاحِيَةِ كَذَا بَيْنَهُمْ، وَأَرَادَ بِهِ التَّمْلِيكَ فَاقْتَسَمُوهَا، وَتَرَاضَوْا عَلَى ذَلِكَ هَلْ يَثْبُتُ لَهُمْ الْمِلْكُ أَمْ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَقُولَ لَهُمْ الْأَبُ: مَلَّكْتُكُمْ هَذِهِ الْأَرَاضِيَ، أَوْ يَقُولَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: مَلَّكْتُك هَذَا النَّصِيبَ الْمُفْرَزَ؟ فَقَالَ: لَا. وَسُئِلَ عَنْهَا الْحَسَنُ فَقَالَ: لَا يَثْبُتُ لَهُمْ الْمِلْكُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ، وَفِي تَجْنِيسِ النَّاصِرِيِّ: وَلَوْ وُهِبَ دَارٌ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا أُخْرَى فَالثَّانِيَةُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى ابْنِهِ مَالًا فَتَصَرَّفَ فِيهِ الِابْنُ يَكُونُ لِلِابْنِ إذَا دَلَّتْ دَلَالَةٌ عَلَى التَّمْلِيكِ اهـ. وَسُئِلَ الْفَقِيهُ عَنْ امْرَأَةٍ وَهَبَتْ مَهْرَهَا الَّذِي لَهَا عَلَى الزَّوْجِ لِابْنٍ صَغِيرٍ لَهُ وَقَبِلَ الْأَبُ قَالَ: أَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاقِفٌ فَيُحْتَمَلُ الْجَوَازُ كَمَنْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةً فَأَبَقَ الْعَبْدُ وَوَهَبَهُ مَوْلَاهُ مِنْ ابْنِ الْمُودِعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ. وَسُئِلَ مَرَّةً أُخْرَى عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: وَبِهِ نَأْخُذُ وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ تَتَارْخَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: دَارًا) الْمُرَادُ بِهَا مَا يُقْسَمُ (قَوْلُهُ: وَبِقَلْبِهِ) وَهُوَ هِبَةُ وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ قَالَ فِي الْهَامِشِ: دَفَعَ لِرَجُلٍ ثَوْبَيْنِ، وَقَالَ: أَيُّهُمَا شِئْت فَلَكَ، وَالْآخَرُ لِابْنِك فُلَانٍ إنْ يَكُنْ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا جَازَ، وَإِلَّا لَا. لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ نَقْدٍ وَأَلْفُ غَلَّةٍ فَقَالَ: وَهَبْت مِنْكَ أَحَدَ الْمَالَيْنِ جَازَ، وَالْبَيَانُ إلَيْهِ وَإِلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ لِكَبِيرَيْنِ) أَيْ غَيْرِ فَقِيرَيْنِ، وَإِلَّا كَانَتْ صَدَقَةٌ فَتَصِحُّ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ) اُنْظُرْ الْقُهُسْتَانِيَّ (قَوْلُهُ: بِكَبِيرَيْنِ) هَذِهِ عِبَارَةُ الْبَحْرِ وَقَدْ تَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ وَظَاهِرُهَا أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ فِي عِيَالِهِ جَازَ عِنْدَهُمَا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَرَاجِعْهُ. وَأَقُولُ: كَانَ الْأَوْلَى عَدَمَ هَذَا الْقَيْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَبِيرَيْنِ وَالصَّغِيرَيْنِ وَالْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيَقُولُ: أَطْلَقَ ذَلِكَ، فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا كَبِيرَيْنِ أَوْ صَغِيرَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا كَبِيرًا وَالْآخَرُ صَغِيرًا، وَفِي الْأُولَيَيْنِ خِلَافُهُمَا رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي عِيَالِ الْكَبِيرِ) صَوَابُهُ: فِي عِيَالِ الْوَاهِبِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ لَا بِنِيَّةِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ وَهَبَ دَارِهِ لِابْنَيْنِ لَهُ أَحَدُهُمَا صَغِيرٌ فِي عِيَالِهِ كَانَتْ الْهِبَةُ فَاسِدَةً عِنْدَ الْكُلِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ مِنْ كَبِيرَيْنِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمَا جُمْلَةً، فَإِنَّ الْهِبَةَ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشُّيُوعُ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَلَا وَقْتَ الْقَبْضِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا فَكَمَا وَهَبَ يَصِيرُ قَابِضًا حِصَّةَ الصَّغِيرِ فَيَتَمَكَّنُ الشُّيُوعُ وَقْتَ الْقَبْضِ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِمَا، أَمَّا عِنْدَهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَبِيرَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي الْفَسَادِ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) وَالْحِيلَةُ أَنْ يُسَلِّمَ الدَّارَ إلَى الْكَبِيرِ وَيَهَبَهَا مِنْهَا بَزَّازِيَّةٌ، وَأَفَادَ أَنَّهَا لِلصَّغِيرَيْنِ تَصِحُّ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ لِسَبْقِ قَبْضِ أَحَدِهِمَا، وَحَيْثُ اتَّحَدَ وَلِيُّهُمَا فَلَا شُيُوعَ فِي قَبْضِهِ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْخَانِيَّةِ: دَارِي هَذِهِ لِوَلَدِي الْأَصَاغِرِ يَكُونُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ، فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْأَوْلَادَ كَانَ بَاطِلًا اهـ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ صَحَّ، وَرَأَيْت فِي الْأَنْقِرْوِيِّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الْحِيلَةَ فِي صِحَّةِ الْهِبَةِ لِصَغِيرٍ مَعَ كَبِيرٍ أَنْ يُسَلِّمَ الدَّارَ لِلْكَبِيرِ وَيَهَبَهَا مِنْهُمَا، وَلَا يَرِدُ مَا مَرَّ عَنْ الْخِزَانَةِ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِدَارٍ عَلَى وَلَدَيْنِ لَهُ صَغِيرَيْنِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ سَائِحَانِيٌّ: أَيْ مِنْ أَنَّ الْهِبَةَ لِمَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 697 اتِّفَاقًا وَقَيَّدْنَا بِالْهِبَةِ لِجَوَازِ الرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ اثْنَيْنِ اتِّفَاقًا (وَإِذَا تَصَدَّقَ بِعَشَرَةِ) دَرَاهِمَ (أَوْ وَهَبَهَا لِفَقِيرَيْنِ صَحَّ) لِأَنَّ الْهِبَةَ لِلْفَقِيرِ صَدَقَةٌ، وَالصَّدَقَةُ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ - تَعَالَى، وَهُوَ وَاحِدٌ فَلَا شُيُوعَ (لَا لِغَنِيَّيْنِ) لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيِّ هِبَةٌ فَلَا تَصِحُّ لِلشُّيُوعِ أَيْ لَا تُمْلَكُ حَتَّى لَوْ قَسَّمَهَا وَسَلَّمَهَا صَحَّ. [فُرُوعٌ] وَهَبَ لِرَجُلَيْنِ دِرْهَمًا إنْ صَحِيحًا صَحَّ، وَإِنْ مَغْشُوشًا لَا لِأَنَّهُ مِمَّا يُقْسَمُ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الْعُرُوضِ. مَعَهُ دِرْهَمَانِ فَقَالَ لِرَجُلٍ: وَهَبْت لَك أَحَدَهُمَا أَوْ نِصْفَهُمَا إنْ اسْتَوَيَا لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ اخْتَلَفَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَشَاعٌ لَا يُقْسَمُ؛ وَلِذَا لَوْ وَهَبَ ثُلُثَهُمَا جَازَ مُطْلَقًا. تَجُوزُ هِبَةُ حَائِطٍ بَيْنَ دَارِهِ وَدَارِ جَارِهِ لِجَارٍ، وَهِبَةُ الْبَيْتِ مِنْ الدَّارِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ سَقْفِ الْوَاهِبِ عَلَى الْحَائِطِ وَاخْتِلَاطِ الْبَيْتِ بِحِيطَانِ الدَّارِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْهِبَةِ مُجْتَبَى. بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ (صَحَّ الرُّجُوعُ فِيهَا بَعْدَ الْقَبْضِ) أَمَّا قَبْلَهُ فَلَمْ تَتِمَّ الْهِبَةُ (مَعَ انْتِفَاعِ مَانِعِهِ) الْآتِي (وَإِنْ كُرِهَ) الرُّجُوعُ (تَحْرِيمًا) وَقِيلَ: تَنْزِيهًا نِهَايَةٌ (وَلَوْ مَعَ إسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ الرُّجُوعِ) فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ خَانِيَّةٌ. وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الرُّجُوعِ وَلَوْ صَالَحَهُ مِنْ حَقِّ الرُّجُوعِ عَلَى شَيْءٍ صَحَّ وَكَانَ عِوَضًا عَنْ الْهِبَةِ لَكِنْ سَيَجِيءُ   [رد المحتار] لَهُ وِلَايَةٌ تَتِمُّ بِالْعَقْدِ (قَوْلُهُ اتِّفَاقًا) لِتَفْرِيقِ الْقَبْضِ. (قَوْلُهُ صَدَقَةٌ) اُنْظُرْ مَا نَكْتُبُهُ بَعْدَ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَالصَّدَقَةُ كَالْهِبَةِ، وَفِي الْمُضْمَرَاتِ: وَلَوْ قَالَ: وَهَبْت مِنْكُمَا هَذِهِ الدَّارَ، وَالْمَوْهُوبُ لَهُمَا فَقِيرَانِ صَحَّتْ الْهِبَةُ بِالْإِجْمَاعِ تَتَارْخَانِيَّةٌ لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ، وَفِي الْأَصْلِ هِبَةُ الدَّارِ مِنْ رَجُلَيْنِ لَا تَجُوزُ، وَكَذَا الصَّدَقَةُ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَكَذَا الصَّدَقَةُ، أَيْ عَلَى غَنِيَّيْنِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَرْقِ (قَوْلُهُ لَا لِغَنِيَّيْنِ) هَذَا قَوْلُهُ، وَقَالَا: يَجُوزُ، وَفِي الْأَصْلِ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَجُوزُ، وَكَذَا الصَّدَقَةُ عِنْدَهُ فَفِي الصَّدَقَةِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: لَا تُمْلَكُ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّ الْفَاسِدَةَ تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ، فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَدَّمْنَا تَرْجِيحَهُ تَأَمَّلْ،. . (قَوْلُهُ لَوْ قَسَّمَهَا إلَخْ) قَالَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: إنْ اسْتَوَيَا) أَيْ وَزْنًا وَجَوْدَةً خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ جَازَ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ التَّفْصِيلَ فِيمَا إذَا قَالَ: نِصْفُهُمَا، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: لَكَ هِبَةٌ لَمْ يَجُزْ كَانَا سَوَاءً أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ (قَوْلُهُ: ثُلُثُهُمَا جَازَ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: سَابِقًا أَوْ نِصْفَهُمَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَا نِصْفُ كُلٍّ، وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثُّلُثِ فِي الشِّيَاعِ، بِخِلَافِ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ مَجْهُولٌ فَلَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) اسْتَوَيَا أَوْ اخْتَلَفَا مِنَحٌ (قَوْلُهُ: تَجُوزُ هِبَةُ حَائِطٍ إلَخْ) وَفِي الذَّخِيرَةِ: هِبَةُ الْبِنَاءِ دُونَ الْأَرْضِ جَائِزَةٌ، وَفِي الْفَتَاوَى عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ غَلَّةً وَهِيَ قَائِمَةٌ لَا يَكُونُ قَابِضًا لَهَا حَتَّى يَقْطَعَهَا وَيُسَلِّمَهَا إلَيْهِ، وَفِي الشِّرَاءِ إذَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا صَارَ قَابِضًا لَهَا مُتَفَرِّقَاتِ التَّتَارْخَانِيَّة وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ عَنْ حَاشِيَةِ الْفُصُولَيْنِ لِلرَّمْلِيِّ. [بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ] فِي الْهَامِشِ: وَلَوْ قَالَ الْوَاهِبُ: أَسْقَطْت حَقِّي فِي الرُّجُوعِ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ فِيهِ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ: لَكِنْ سَيَجِيءُ) أَيْ عَنْ الْمُجْتَبَى وَالضَّمِيرُ فِي اشْتِرَاطِهِ لِلْعِوَضِ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ مَا فِي الْجَوَاهِرِ لَمْ يَدْخُلْ فِي كَلَامِ الْمُجْتَبَى إذْ مَا فِي الْجَوَاهِرِ صَلُحَ عَنْ حَقِّ الرُّجُوعِ نَصًّا، وَقَدْ صَحَّ الصُّلْحُ فَلَزِمَ سُقُوطُهُ ضِمْنًا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْقَطَهُ قَصْدًا فَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا، وَلَيْسَ بِحَقٍّ مُجَرَّدٍ حَتَّى يُقَالَ بِمَنْعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَمَا فِي الْمُجْتَبَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 698 اشْتِرَاطُهُ فِي الْعَقْدِ (وَيَمْنَعُ الرُّجُوعَ فِيهَا) حُرُوفُ (دمع خزقه) يَعْنِي الْمَوَانِعَ السَّبْعَةَ الْآتِيَةَ (فَالدَّالُّ الزِّيَادَةُ) فِي نَفْسِ الْعَيْنِ الْمُوجِبَةِ لِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ (الْمُتَّصِلَةِ) وَإِنْ زَالَتْ قَبْلَ الرُّجُوعِ كَأَنْ شَبَّ ثُمَّ شَاخَ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ مَا يُخَالِفُهُ، وَاعْتَمَدَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ (كَبِنَاءٍ وَغَرْسٍ) إنْ عُدَّا زِيَادَةً فِي كُلِّ الْأَرْضِ وَإِلَّا رَجَعَ وَلَوْ عُدَّا فِي قِطْعَةٍ مِنْهَا امْتَنَعَ فِيهَا فَقَطْ زَيْلَعِيٌّ (وَسَمْنٍ) وَجَمَالٍ وَخِيَاطَةٍ وَصَبْغٍ وَقَصْرِ ثَوْبٍ وَكِبَرِ صَغِيرٍ وَسَمَاعِ أَصَمَّ وَإِبْصَارِ أَعْمَى وَإِسْلَامِ عَبْدٍ وَمُدَاوَاتِهِ وَعَفْوِ جِنَايَةٍ وَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ قِرَاءَةٍ وَنَقْطِ مُصْحَفٍ بِإِعْرَابِهِ، وَحَمْلِ تَمْرٍ مِنْ بَغْدَادَ إلَى بَلْخٍ مَثَلًا وَنَحْوِهَا. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَالْحَبَلُ إنْ زَادَ خَيْرًا مَنَعَ الرُّجُوعَ   [رد المحتار] مَسْأَلَةٌ أُخْرَى فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: اشْتِرَاطُهُ) أَيْ الْعِوَضِ لَكِنْ سَيَجِيءُ الْبَحْثُ فِي هَذَا الِاشْتِرَاطِ. (قَوْلُهُ: وَيَمْنَعُ الرُّجُوعَ إلَخْ) هُوَ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ وَيَمْنَعُ الرُّجُوعَ فِي فَضْلِ الْهِبَهْ ... يَا صَاحِبِي حُرُوفُ دَمْعِ خَزِقَهْ قَالَ الرَّمْلِيُّ: قَدْ نَظَمَ ذَلِكَ وَالِدِي الْعَلَّامَةُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُحْيِي الدِّينِ فَقَالَ: مَنَعَ الرُّجُوعَ مِنْ الْوَاهِبِ سَبْعَةٌ ... فَزِيَادَةٌ مَوْصُولَةٌ مَوْتٌ عِوَضْ وَخُرُوجُهَا عَنْ مِلْكِ مَوْهُوبٍ لَهُ ... زَوْجِيَّةٌ قُرْبُ هَلَاكٍ قَدْ عَرَضْ (قَوْلُهُ: يَعْنِي: الْمَوَانِعُ) لَا يُقَالُ بَقِيَ مِنْ الْمَوَانِعِ الْفَقْرُ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا رُجُوعَ فِي الْهِبَةِ لِلْفَقِيرِ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ فَالدَّالُ الزِّيَادَةُ) قُيِّدَ بِهَا؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ كَالْحَبَلِ وَقَطْعِ الثَّوْبِ بِفِعْلِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ لَا غَيْرُ مَانِعٍ بَحْرٌ وَفِي الْحِيَلِ كَلَامٌ يَأْتِي (قَوْلُهُ: فِي نَفْسِ الْعَيْنِ) خَرَّجَ الزِّيَادَةَ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ فَلَهُ الرُّجُوعُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: الْقِيمَةِ) خَرَّجَ الزِّيَادَةَ فِي الْعَيْنِ فَقَطْ كَطُولِ الْغُلَامِ وَفِدَاءِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَوْ جَنَى الْمَوْهُوبُ خَطَأً بَحْرٌ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ كَأَنْ شَبَّ ثُمَّ شَاخَ) فِيهِ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ زَوَالِ الْمَانِعِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ؛ وَلِهَذَا سَمَّوْهَا مَوَانِعَ وَعِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ مَانِعُ الزِّيَادَةِ إذَا ارْتَفَعَ كَمَا إذَا بَنَى ثُمَّ هَدَمَ عَادَ حَقُّ الرُّجُوعِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَمِنْ الظَّنِّ أَنَّهُ يُنَافِيهِ مَا فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ حِينَ زَادَ لَا يَعُودُ حَقُّ الرُّجُوعِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا زَادَ وَانْتَقَصَ جَمِيعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ نَفْسُهُ اهـ. قُلْت: فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ بِنَاءً فَإِنَّهُ يَعُودُ حَقُّ الرُّجُوعِ، وَالْمَانِعُ مِنْ الرُّجُوعِ الزِّيَادَةُ فِي الْعَيْنِ كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ السَّاقِطَ) تَعْلِيلٌ لِمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ ح (قَوْلُهُ وَإِلَّا رَجَعَ) أَيْ إنْ لَمْ يُعَدَّا زِيَادَةً رَجَعَ، قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَهَبَ دَارًا فَبَنَى الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي بَيْتِ الضِّيَافَةِ الَّتِي تُسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ كاسناه - تَنُّورًا لِلْخُبْزِ، كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يُعَدُّ نُقْصَانًا لَا زِيَادَةً اهـ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عُدَّا إلَخْ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ فِي كُلِّ الْأَرْضِ، وَقَوْلُهُ: فِي قِطْعَةٍ مِنْهَا بِأَنْ كَانَتْ عَظِيمَةً (قَوْلُهُ وَمُدَاوَاتُهُ) أَيْ لَوْ كَانَ مَرِيضًا مِنْ قَبْلُ فَلَوْ مَرِضَ عِنْدَهُ فَدَاوَاهُ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَحَمْلِ تَمْرٍ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَوْ نَقَلَهُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان حَتَّى ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ، وَاحْتَاجَ فِيهِ إلَى مُؤْنَةِ النَّقْلِ. ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّ عِنْدَهُمَا يَنْقَطِعُ الرُّجُوعُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمْ تَحْصُلْ فِي الْعَيْنِ، فَصَارَ كَزِيَادَةِ السِّعْرِ. . وَلَهُمَا أَنَّ الرُّجُوعَ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي الْكِرَاءِ وَمُؤْنَةِ النَّقْلِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْعَبْدِ، لِأَنَّهَا بِبَدَلٍ، وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ، وَالْمُؤْنَةُ بِلَا بَدَلٍ اهـ. قُلْت: وَرَأَيْت فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِلسَّرَخْسِيِّ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَأَخْرَجَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ إلَى مَوْضِعٍ يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى حَمْلِهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِيهَا زِيَادَةٌ بِصُنْعِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَإِنَّهَا كَانَتْ مُشْرِفَةً عَلَى الْهَلَاكِ فِي مَضْيَعَةٍ، وَقَدْ أَحْيَاهَا بِالْإِخْرَاجِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ اهـ لَكِنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي صُورَةِ مَا إذَا أَلْقَى شَيْئًا، وَقَالَ حِينَ أَلْقَاهَا: مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ، ذَكَرَهُ فِي التَّاسِعِ وَالتِّسْعِينَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ) أَقُولُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ جَزَمَ بِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 699 وَإِنْ نَقَصَ لَا، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الزِّيَادَةِ فَفِي الْمُتَوَلِّدَةِ كَكِبَرٍ الْقَوْلُ لِلْوَاهِبِ، وَفِي نَحْوِ بِنَاءٍ وَخِيَاطَةٍ وَصَبْغٍ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ خَانِيَّةٌ وَحَاوِي وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ لَكِنَّهُ اسْتَثْنَى مَا لَوْ كَانَ لَا يَبْنِي فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ (لَا) تُمْنَعُ الزِّيَادَةُ (الْمُنْفَصِلَةُ كَوَلَدٍ وَأَرْشٍ وَعُقْرٍ) وَثَمَرَةٍ فَيَرْجِعُ فِي الْأَصْلِ لَا الزِّيَادَةِ لَكِنْ لَا يَرْجِعُ بِالْأُمِّ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ الْوَلَدُ عَنْهَا كَذَا نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ لَكِنْ نَقَلَ الْبُرْجَنْدِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. وَلَوْ حَبَلَتْ وَلَمْ تَلِدْ هَلْ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ؟ قَالَ فِي السِّرَاجِ: لَا وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: نَعَمْ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ مَرِيضٌ مَدْيُونٌ بِمُسْتَغْرِقٍ وَهَبَ أَمَةً فَمَاتَ وَقَدْ وُطِئَتْ يَرُدُّهَا مَعَ عُقْرِهَا هُوَ الْمُخْتَارُ   [رد المحتار] فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَقَصَ لَا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْجَوَارِي فِي هَذَا تَخْتَلِفُ فَمِنْهُنَّ مَنْ إذَا حَبِلَتْ اصْفَرَّ لَوْنُهَا وَدَقَّ سَاقُهَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ نَقْصًا فِيهَا لَا يَمْنَعُ الْوَاهِبَ مِنْ الرُّجُوعِ اهـ، وَيَنْبَغِي حَمْلُ هَذَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْحَبَلُ مِنْ غَيْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَوْ مِنْهُ لَا رُجُوعَ، لِأَنَّهَا ثَبَتَ لَهَا بِالْحَمْلِ مِنْهُ وَصْفٌ لَا يُمْكِنُ زَوَالُهُ وَهُوَ أَنَّهَا تَأَهَّلَتْ لِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدِهِ كَمَا إذَا وَلَدَتْ مِنْهُ بِالْفِعْلِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَفَقُّهًا، وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ إذَا دَبَّرَ الْعَبْدَ الْمَوْهُوبَ انْقَطَعَ الرُّجُوعُ. ط (قَوْلُهُ كَوَلَدٍ) بِنِكَاحٍ أَوْ سِفَاحٍ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ: قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ) أَقُولُ وَظَاهِرُ الْخَانِيَّةِ اعْتِمَادُ خِلَافِهِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ وَلَدَتْ الْهِبَةُ وَلَدًا كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْأُمِّ فِي الْحَالِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَرْجِعُ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ الْوَلَدُ عَنْهَا ثُمَّ يَرْجِعُ فِي الْأُمِّ دُونَ الْوَلَدِ اهـ وَكَتَبْنَا فِي أَوَّلِ الْعِتْقِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَالْوَلَدُ تَبَعُ الْأُمِّ. . . إلَخْ، مَسْأَلَةَ الْحَبَلِ فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَبِلَتْ) تَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّ الْحَبَلَ إنْ زَادَ خَيْرًا مَنَعَ وَإِنْ نَقَصَ لَا، فَلْيَكُنْ التَّوْفِيقُ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَمْ تَلِدْ) مَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ ثَبَتَ الرُّجُوعُ كَمَا لَوْ زَالَ الْبِنَاءُ تَأَمَّلْ، (قَوْلُهُ: وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ إلَخْ) وَالتَّوْفِيقُ مَا مَرَّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَعَنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ نَعَمْ) لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ وَقَدَّمَ فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ عَنْ النَّهْرِ أَنَّ الْحَبَلَ عَيْبٌ فِي بَنَاتِ آدَمَ لَا فِي الْبَهَائِمِ اهـ (قَوْلُهُ: مَرِيضٌ مَدْيُونٌ إلَخْ) . [فُرُوعٌ] وَهَبَ فِي مَرَضِهِ، وَلَمْ يُسَلِّمْ حَتَّى مَاتَ بَطَلَتْ الْهِبَةُ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ وَصِيَّةً حَتَّى اُعْتُبِرَ فِيهِ الثُّلُثُ فَهُوَ هِبَةٌ حَقِيقَةً، فَيَحْتَاجُ إلَى الْقَبْضِ. وَهَبَ الْمَرِيضُ عَبْدًا لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، ثُمَّ مَاتَ وَقَدْ بَاعَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يُنْقَضُ الْبَيْعُ، وَيَضْمَنُ ثُلُثَيْهِ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَالْوَاهِبُ مَدْيُونٌ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ جَازَ وَبَعْدَ مَوْتِ الْوَاهِبِ لَا لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ: وَهِيَ لَا تُعْمَلُ حَالَ قِيَامِ الدَّيْنِ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْوَاهِبُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَمَاتَ لَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ لِجَوَازِ الْإِعْتَاقِ وَلِعَدَمِ الْمِلْكِ يَوْمَ الْمَوْتِ بَزَّازِيَّةٌ وَرَأَيْت فِي مَجْمُوعَةِ مُنْلَا عَلِيٍّ الصَّغِيرَة بِخَطِّهِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ حَاجًّا فَوَقَعَتْ مَسْأَلَةُ الدَّوْرِ بِالْكُوفَةِ، فَتَكَلَّمَ كُلُّ فَرِيقٍ بِنَوْعٍ فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ حِينَ اسْتَقْبَلُوهُ فَقَالَ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ وَلَا رِوَايَةٍ: أَسْقِطُوا السَّهْمَ الدَّائِرَةَ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ. مِثَالُهُ مَرِيضٌ وَهَبَ عَبْدًا لَهُ مِنْ مَرِيضٍ، وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ ثُمَّ وَهَبَهُ مِنْ الْوَاهِبِ الْأَوَّلِ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ، ثُمَّ مَاتَا جَمِيعًا وَلَا مَالَ لَهُمَا غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ وَقَعَ فِيهِ الدَّوْرُ، حَتَّى رَجَعَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُ زَادَ فِي مَالِهِ وَإِذَا زَادَ فِي مَالِهِ زَادَ فِي ثُلُثِهِ وَإِذَا زَادَ فِي ثُلُثِهِ زَادَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَيْهِ وَإِذَا زَادَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَيْهِ زَادَ فِي ثُلُثِهِ ثُمَّ لَا يَزَالُ كَذَلِكَ فَاحْتِيجَ إلَى تَصْحِيحِ الْحِسَابِ، وَطَرِيقُهُ أَنْ تَطْلُبَ حِسَابًا لَهُ ثُلُثٌ وَأَقَلُّهُ تِسْعَةٌ ثُمَّ تَقُولَ: صَحَّتْ الْهِبَةُ فِي ثَلَاثَةٍ مِنْهَا وَيَرْجِعُ مِنْ الثَّلَاثَةِ سَهْمٌ إلَى الْوَاهِبِ الْأَوَّلِ فَهَذَا السَّهْمُ هُوَ سَهْمُ الدَّوْرِ فَأَسْقِطْهُ مِنْ الْأَصْلِ بَقِيَ ثَمَانِيَةٌ وَمِنْهَا تَصِحُّ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَسْقِطُوا السَّهْمَ الدَّائِرَ، وَتَصِحُّ الْهِبَةُ فِي ثَلَاثَةٍ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَالْهِبَةُ الثَّانِيَةُ فِي سَهْمٍ فَيَحْصُلُ لِلْوَاهِبِ الْأَوَّلِ سِتَّةٌ ضِعْفُ مَا صَحَّحْنَاهُ فِي هِبَتِهِ، وَصَحَّحْنَا الْهِبَةَ الثَّانِيَةَ فِي ثُلُثِ مَا أَعْطَيْنَا فَثَبَتَ أَنَّ تَصْحِيحَهُ بِإِسْقَاطِ سَهْمِ الدَّوْرِ وَقِيلَ: دَعْ الدَّوْرَ يَدُورُ فِي الْهَوَاءِ. اهـ مُلَخَّصًا، وَفِيهِ حِكَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فَلْتُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ وُطِئَتْ) أَيْ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 700 وَالْمِيمُ مَوْتُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ) بَعْدَ التَّسْلِيمِ فَلَوْ قَبْلَهُ بَطَلَ، وَلَوْ اخْتَلَفَا، وَالْعَيْنُ فِي يَدِ الْوَارِثِ فَالْقَوْلُ لِلْوَارِثِ، وَقَدْ نَظَمَ الْمُصَنِّفُ مَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ فَقَالَ: كَفَّارَةٌ دِيَهْ خَرَاجْ وَرَابِعٌ ... ضَمَانٌ لِعِتْقٍ هَكَذَا نَفَقَاتُ كَذَاهِبَةٍ حُكْمُ الْجَمِيعِ سُقُوطُهَا ... بِمَوْتٍ لِمَا أَنَّ الْجَمِيعَ صِلَاتُ (وَالْعَيْنُ الْعِوَضُ) بِشَرْطِ أَنْ يَذْكُرَ لَفْظًا يَعْلَمُ الْوَاهِبُ أَنَّهُ عِوَضُ كُلِّ هِبَتِهِ (فَإِنْ قَالَ: خُذْهُ عِوَضَ هِبَتِك أَوْ بَدَلَهَا) أَوْ فِي مُقَابَلَتِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ (فَقَبَضَهُ الْوَاهِبُ سَقَطَ الرُّجُوعُ) وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ عِوَضٌ رَجَعَ كُلٌّ بِهِبَتِهِ (وَ) لِذَا (يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرَائِطُ الْهِبَةِ) كَقَبْضٍ وَإِفْرَازٍ وَعَدَمِ شُيُوعٍ، وَلَوْ الْعِوَضُ مُجَانِسًا أَوْ يَسِيرًا، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ   [رد المحتار] أَوْ غَيْرِهِ ط. (قَوْلُهُ: وَالْمِيمُ إلَخْ) لِيَنْظُرَ مَا لَوْ حُكِمَ بِلَحَاقِهِ مُرْتَدًّا أَمَّا إذَا مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ انْتَقَلَ إلَى الْوَرَثَةِ. وَأَمَّا إذَا مَاتَ الْوَاهِبُ، فَلِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُوجِبْ حَقَّ الرُّجُوعِ إلَّا لِلْوَاهِبِ، وَالْوَارِثُ لَيْسَ بِوَاهِبٍ دُرَرٌ. قُلْت: مُفَادُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ حُكِمَ بِلَحَاقِهِ مُرْتَدًّا، فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلْيُرَاجَعْ صَرِيحُ النَّقْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ بَطَلَ) يَعْنِي عَقْدَ الْهِبَةِ، وَالْأَوْلَى بَطَلَتْ أَيْ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ قَبْلَ تَمَامِ الْهِبَةِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ اخْتَلَفَا) أَيْ الشَّخْصَانِ لَا بِقَيْدِ الْوَاهِبِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِنْ كَانَ التَّرْكِيبُ يُوهِمُهُ بِأَنْ قَالَ وَارِثُ الْوَاهِبِ: مَا قَبَضْته فِي حَيَاتِهِ، وَإِنَّمَا قَبَضْته بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ: بَلْ قَبَضْته فِي حَيَاتِهِ وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الْوَارِثِ ط (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِلْوَارِثِ) لِأَنَّ الْقَبْضَ قَدْ عُلِمَ السَّاعَةَ، وَالْمِيرَاثُ قَدْ تَقَدَّمَ الْقَبْضَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَفَّارَةٌ) سُقُوطُهَا إذَا لَمْ يُوصِ بِهَا وَكَذَا الْخَرَاجُ (قَوْلُهُ دِيَهْ) بِسُكُونِ الْهَاءِ " وَخَرَاجٌ " بِإِسْكَانِ الْجِيمِ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا لَكَانَ مَوْزُونًا. خَرَاجٌ دِيَاتٌ ثُمَّ كَفَّارَةٌ كَذَا. (قَوْلُهُ ضَمَانٌ) أَيْ إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مُوسِرًا فَضَمِنَهُ شَرِيكُهُ (قَوْلُهُ: نَفَقَاتٌ) أَيْ غَيْرُ الْمُسْتَدَانَةِ بِأَمْرِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: صِلَاتٌ) بِكَسْرِ الصَّادِ. (قَوْلُهُ: وَالْعَيْنُ الْعِوَضُ) وَهَبَ لِرَجُلٍ عَبْدًا بِشَرْطِ أَنْ يُعَوِّضَهُ ثَوْبًا إنْ تَقَاضَيَا جَازَ، وَإِلَّا لَا خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: سَقَطَ الرُّجُوعُ) أَيْ رُجُوعُ الْوَاهِبِ وَالْمُعَوَّضِ كَمَا فِي الْأَنْقِرْوِيِّ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ مَفْهُومُ الشَّارِحِ سَائِحَانِيٌّ. قَالَ فِي الْهَامِشِ: الْمَرْأَةُ إذَا أَرَادَتْ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الَّذِي طَلَّقَهَا، فَقَالَ الْمُطَلِّقُ: لَا أَتَزَوَّجُك حَتَّى تَهَبِينِي مَالك عَلَيَّ فَوَهَبَتْ مَهْرَهَا الَّذِي عَلَيْهِ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ أَبَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَالُوا: مَهْرُهَا الَّذِي عَلَيْهِ عَلَى حَالِهِ تَزَوَّجَهَا، أَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا، لِأَنَّهَا جَعَلَتْ الْمَالَ عَلَى نَفْسِهَا عِوَضًا عَنْ النِّكَاحِ، وَفِي النِّكَاحِ الْعِوَضُ لَا يَكُونُ عَلَى الْمَرْأَةِ خَانِيَّةٌ وَأَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ بِذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ رَجَعَ كُلٌّ) بِرَفْعِ " كُلٌّ " مُنَوَّنًا عِوَضًا عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ، لِأَنَّ التَّمْلِيكَ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ الِابْتِدَاءَ، وَيَحْتَمِلُ الْمُجَازَاةَ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِالشَّكِّ مُسْتَصْفًى (قَوْلُهُ: بِهِبَتِهِ) هَا هُنَا كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ الْمَعْرُوفَ كَالْمَلْفُوظِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَفِي الْعُرْفِ يَقْصِدُ التَّعْوِيضَ، وَلَا يَذْكُرُ خُذْ بَدَلَ هِبَتِك وَنَحْوَهُ اسْتِحْيَاءً، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْجِعَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلِيَّةَ، وَفِي الْخَانِيَّةِ بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ هَدَايَا، وَعَوَّضَتْهُ الْمَرْأَةُ، وَزُفَّتْ إلَيْهِ، ثُمَّ فَارَقَهَا فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّ مَا بَعَثَهُ عَارِيَّةً، وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَرِدَّ وَأَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَسْتَرِدَّ الْعِوَضَ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ فِي مَتَاعِهِ، لِأَنَّهُ أَنْكَرَ التَّمْلِيكَ وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَسْتَرِدَّ مَا بَعَثَتْهُ؛ إذْ تَزْعُمُ أَنَّهُ عِوَضٌ لِلْهِبَةِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ هِبَةً لَمْ يَكُنْ هَذَا عِوَضًا فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا اسْتِرْدَادُ مَتَاعِهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ: إنْ صَرَّحَتْ حِينَ بَعَثَتْ أَنَّهُ عِوَضٌ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تُصَرِّحْ بِهِ، وَلَكِنْ نَوَتْ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا كَانَ ذَلِكَ هِبَةً مِنْهَا، وَبَطَلَتْ نِيَّتُهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مَسْأَلَتِنَا اخْتِلَافٌ يَعْقُوبِيَّةٌ. (قَوْلُهُ أَوْ يَسِيرًا) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 701 بَدَلَ الْهِبَةِ الْعَقْدُ وَهُوَ تَحْرِيفٌ (وَلَا يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يُعَوَّضَ عَمَّا وَهَبَ لِلصَّغِيرِ مِنْ مَالِهِ) وَلَوْ وُهِبَ الْعَبْدُ التَّاجِرُ ثُمَّ عُوِّضَ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ بَحْرٌ (وَلَا يَصِحُّ تَعْوِيضُ مُسْلِمٍ مِنْ نَصْرَانِيٍّ عَنْ هِبَتِهِ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا) إذْ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكًا مِنْ الْمُسْلِمِ بَحْرٌ (وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ الْعِوَضُ بَعْضَ الْمَوْهُوبِ، فَلَوْ عَوَّضَهُ الْبَعْضَ عَنْ الْبَاقِي) لَا يَصِحُّ (فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي الْبَاقِي) وَلَوْ الْمَوْهُوبُ شَيْئَيْنِ فَعَوَّضَهُ أَحَدَهُمَا عَنْ الْآخَرِ إنْ كَانَا فِي عَقْدَيْنِ صَحَّ، وَإِلَّا لَا لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعَقْدِ كَاخْتِلَافِ الْعَيْنِ وَالدَّرَاهِمُ تَتَعَيَّنُ فِي هِبَةٍ وَرُجُوعٍ مُجْتَبَى (وَدَقِيقُ الْحِنْطَةِ يَصْلُحُ عِوَضُهَا عَنْهَا) لِحُدُوثِهِ بِالطَّحْنِ وَكَذَا لَوْ صَبَغَ بَعْضَ الثِّيَابِ أَوْ لَتَّ بَعْضَ السَّوِيقِ ثُمَّ عَوَّضَهُ صَحَّ خَانِيَّةٌ. (وَلَوْ عَوَّضَهُ وَلَدَ إحْدَى جَارِيَتَيْنِ مَوْهُوبَتَيْنِ وَجَدَ) ذَلِكَ الْوَلَدَ (بَعْدَ الْهِبَةِ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ) (وَصَحَّ) الْعِوَضُ (مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَيَسْقُطُ حَقُّ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ إذَا قَبَضَهُ) كَبَدَلِ الْخُلْعِ (وَلَوْ) التَّعْوِيضُ بِغَيْرِ إذْنِ (الْمَوْهُوبِ لَهُ) وَلَا رُجُوعَ وَلَوْ بِأَمْرِهِ إلَّا إذَا قَالَ: عَوِّضْ عَنِّي عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ، لِعَدَمِ وُجُوبِ التَّعْوِيضِ بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ (وَ) الْأَصْلُ أَنَّ (كُلَّ مَا يُطَالَبُ بِهِ الْإِنْسَانُ بِالْحَبْسِ وَالْمُلَازَمَةِ يَكُونُ الْأَمْرُ بِأَدَائِهِ مُثْبِتًا لِلرُّجُوعِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ الضَّمَانِ وَمَا لَا فَلَا) إلَّا إذَا شُرِطَ الضَّمَانُ ظَهِيرِيَّةٌ وَحِينَئِذٍ (فَلَوْ أَمَرَ الْمَدْيُونُ رَجُلًا بِقَضَاءِ دَيْنِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ) وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ لَكِنْ يَخْرُجُ عَنْ الْأَصْلِ مَا لَوْ قَالَ أَنْفِقْ عَلَى بِنَاءِ دَارِي أَوْ قَالَ الْأَسِيرُ اشْتَرِنِي فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِمَا بِلَا شَرْطِ رُجُوعِ كَفَالَةٍ خَانِيَّةٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهِمَا لَا بِحَبْسٍ وَلَا بِمُلَازَمَةٍ فَتَأَمَّلْ (وَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْهِبَةِ رَجَعَ بِنِصْفِ الْعِوَضِ وَعَكْسُهُ لَا، مَا لَمْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ) لِأَنَّهُ   [رد المحتار] أَيْ أَقَلَّ مِنْ الْمَوْهُوبِ، لِأَنَّ الْعِوَضَ لَيْسَ بِبَدَلٍ حَقِيقَةً وَإِلَّا لَمَا جَازَ بِالْأَقَلِّ لِلرِّبَا (قَوْلُهُ أَنْ يُعَوَّضَ) وَإِنْ عُوِّضَ فَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ لِبُطْلَانِ التَّعْوِيضِ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ مِنْ مَالِهِ) أَيْ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ وَلَوْ مِنْ مَالِ الْأَبِ صَحَّ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ صِحَّةِ التَّعْوِيضِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وُهِبَ الْعَبْدُ) فَوُهِبَ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ أَيْ وَهَبَ لَهُ شَخْصٌ شَيْئًا (قَوْلُهُ: ثُمَّ عُوِّضَ) أَيْ عَوَّضَ الْعَبْدَ عَنْ هِبَتِهِ (قَوْلُهُ الرُّجُوعُ) لِعَدَمِ مِلْكِ التَّاجِرِ الْمَأْذُونِ الْهِبَةَ فَلَمْ يَصِحَّ الْعِوَضُ (قَوْلُهُ بَحْرٌ) لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَهَبَ أَوَّلًا وَلَا آخِرًا فِي التَّعْوِيضِ سَائِحَانِيٌّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ وَهَبَ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ وَعُوِّضَ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ. (قَوْلُهُ مِنْ نَصْرَانِيٍّ) مِنْ بِمَعْنَى اللَّامِ (قَوْلُهُ خَمْرًا) مَفْعُولُ تَعْوِيضٌ. (قَوْلُهُ فِي هِبَةٍ) يَعْنِي إذَا وَهَبَهُ دَرَاهِمَ تَعَيَّنَتْ فَلَوْ أَبْدَلَهَا بِغَيْرِهَا كَانَ إعْرَاضًا مِنْهُ عَنْهَا فَلَوْ أَتَى بِغَيْرِهَا وَدَفَعَهُ لَهُ فَهُوَ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ، وَإِذَا قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ وَأَبْدَلَهَا بِجِنْسِهَا أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهَا لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ وَمِثْلُ الدَّرَاهِمِ الدَّنَانِيرُ ط (قَوْلُهُ: وَرُجُوعُ) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَّا إذَا كَانَتْ دَرَاهِمُ الْهِبَةِ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا فَلَوْ أَنْفَقَهَا كَانَ إهْلَاكًا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ ط (قَوْلُهُ بِالطَّحْنِ) أَيْ فَلَا يُقَالُ: إنَّهُ عَيْنُ الْمَوْهُوبِ أَوْ بَعْضُهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ عَوَّضَهُ) أَيْ الْبَعْضَ أَيْ جَعَلَهُ عِوَضًا عَنْ الْهِبَةِ لِحُصُولِ الزِّيَادَةِ فَكَأَنَّهُ شَيْءٌ آخَرُ (قَوْلُهُ: امْتَنَعَ الرُّجُوعُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْوَلَدِ فَصَحَّ الْعِوَضُ. (قَوْلُهُ: وَلَا رُجُوعَ) أَيْ لِلْمُعَوَّضِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَوْ كَانَ شَرِيكَهُ سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِهِ أَوْ لَا، لِأَنَّ التَّعْوِيضَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ لِإِنْسَانٍ إلَّا إذَا قَالَ: عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ بِخِلَافِ الْمَدْيُونِ إذَا أَمَرَ رَجُلًا بِأَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَلَا رُجُوعَ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ إلَخْ) تَقَدَّمَ قَبْلَ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ أَصْلَانِ آخَرَانِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَمَا لَا فَلَا. . (قَوْلُهُ: رَجَعَ بِنِصْفِ الْعِوَضِ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَهَذَا أَيْ الرُّجُوعُ فِيمَا إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ الْقِسْمَةَ، وَإِنْ فِيمَا يَحْتَمِلُهَا إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْهِبَةِ بَطَلَ فِي الْبَاقِي وَيَرْجِعُ بِالْعِوَضِ اهـ أَيْ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ الْبَعْضَ الْمُسْتَحَقَّ، فَبَطَلَ الْعَقْدُ مِنْ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ هِبَةُ مَشَاعٍ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ (قَوْلُهُ وَعَكْسُهُ لَا) أَيْ إنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعِوَضِ لَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْهِبَةِ، لِأَنَّ النِّصْفَ الْبَاقِيَ مُقَابِلٌ لِكُلِّ الْهِبَةِ فَإِنَّ الْبَاقِيَ يَصْلُحُ لِلْعِوَضِ ابْتِدَاءً، فَكَانَ إبْقَاءً إلَّا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّهُ مَا أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ إلَّا لِيَسْلَمَ لَهُ كُلُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 702 يَصْلُحُ عِوَضًا ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً لَكِنَّهُ يُخَيَّرُ لِيُسَلِّمَ الْعِوَضَ، وَمُرَادُهُ: الْعِوَضُ الْغَيْرُ الْمَشْرُوطِ أَمَّا الْمَشْرُوطُ فَمُبَادَلَةٌ كَمَا سَيَجِيءُ فَيُوَزَّعُ الْبَدَلُ عَلَى الْمُبْدَلِ نِهَايَةٌ (كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْعِوَضِ حَيْثُ يَرْجِعُ فِي كُلِّهَا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً لَا إنْ كَانَتْ هَالِكَةً) كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ وَقَدْ ازْدَادَتْ الْهِبَةُ لَمْ يَرْجِعْ خُلَاصَةٌ (وَإِنْ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْهِبَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي جَمِيعِ الْعِوَضِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَبِمِثْلِهِ إنْ) الْعِوَضُ (هَالِكًا وَهُوَ مِثْلِيٌّ وَبِقِيمَتِهِ إنْ قِيَمِيًّا) غَايَةٌ (وَلَوْ عَوَّضَ النِّصْفَ رَجَعَ بِمَا لَمْ يُعَوِّضْ) وَلَا يَضُرُّ الشُّيُوعُ لِأَنَّهُ طَارِئٌ. [تَنْبِيهٌ] نُقِلَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْعِوَضِ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الْهِبَةِ أَمَّا إذَا عَوَّضَهُ بَعْدَهُ فَلَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ غَيْرَهُ، وَفُرُوعُ الْمَذْهَبِ مُطْلَقَةٌ كَمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ (وَالْخَاءُ خُرُوجُ الْهِبَةِ عَنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ) وَلَوْ بِهِبَةٍ إلَّا إذَا رَجَعَ الثَّانِي فَلِلْأَوَّلِ الرُّجُوعُ سَوَاءٌ كَانَ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا لِمَا سَيَجِيءُ أَنَّ الرُّجُوعَ فَسْخٌ حَتَّى لَوْ عَادَتْ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ بِأَنْ تَصَدَّقَ بِهَا الثَّالِثُ عَلَى الثَّانِي أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ لَمْ يَرْجِعْ الْأَوَّلُ، وَلَوْ بَاعَ نِصْفَهُ رَجَعَ فِي الْبَاقِي لِعَدَمِ الْمَانِعِ، وَقَيَّدَ الْخُرُوجَ بِقَوْلِهِ (بِالْكُلِّيَّةِ) بِأَنْ يَكُونَ خُرُوجًا عَنْ مِلْكِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ ضَحَّى الْمَوْهُوبُ لَهُ بِالشَّاةِ الْمَوْهُوبَةِ أَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهَا، وَصَارَتْ لَحْمًا لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ) ، وَمِثْلُهُ الْمُتْعَةُ وَالْقِرَانُ وَالنَّذْرُ مُجْتَبَى. وَفِي الْمِنْهَاجِ وَإِنْ وَهَبَ لَهُ ثَوْبًا فَجَعَلَهُ صَدَقَةً لِلَّهِ تَعَالَى فَلَهُ الرُّجُوعُ خِلَافًا لِلثَّانِي (كَمَا لَوْ ذَبَحَهَا مِنْ غَيْرِ تَضْحِيَةٍ) فَلَهُ الرُّجُوعُ اتِّفَاقًا. [فَرْعٌ] عَبْدٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ جِنَايَةُ خَطَأٍ فَوَهَبَهُ مَوْلَاهُ لِغَرِيمِهِ أَوْ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ سَقَطَ الدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ، ثُمَّ لَوْ رَجَعَ   [رد المحتار] الْعِوَضِ، وَلَمْ يَسْلَمْ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ (قَوْلُهُ: لِيَسْلَمَ) الْأَوْلَى: لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ الْعِوَضُ (قَوْلُهُ: الْغَيْرُ الْمَشْرُوطُ) أَيْ فِي الْعَقْدِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَوَّضَ النِّصْفَ إلَخْ) عَوَّضَهُ فِي بَعْضِ هِبَتِهِ بِأَنْ كَانَتْ أَلْفًا عَوَّضَهُ دِرْهَمًا مِنْهُ، فَهُوَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الدِّرْهَمِ وَيَرْجِعُ فِي الْبَاقِي، وَكَذَا الْبَيْتُ فِي حَقِّ الدَّارِ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَضُرُّ الشُّيُوعُ) أَيْ الْحَاصِلُ بِالرُّجُوعِ فِي النِّصْفِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ إلَخْ) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْمِنَحِ أَقُولُ: صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَنَصُّهُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّ الْعِوَضَ الَّذِي يَسْقُطُ بِهِ الرُّجُوعُ مَا شُرِطَ فِي الْعَقْدِ فَأَمَّا إذَا عَوَّضَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَسْقُطْ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَإِنَّمَا تَبَرَّعَ بِهِ لِيُسْقِطَ عَنْ نَفْسِهِ الرُّجُوعَ، فَيَكُونَ هِبَةَ مُبْتَدَأٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا شُرِطَ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ أَنْ يَصِيرَ حُكْمُ الْعَقْدِ حُكْمَ الْبَيْعِ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ الشُّفْعَةُ وَيُرَدُّ بِالْعَيْبِ، فَدَلَّ أَنَّهُ قَدْ صَارَ عِوَضًا عَنْهَا، وَقَالُوا أَيْضًا: يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْعِوَضِ الشَّرَائِطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْهِبَةِ مِنْ الْقَبْضِ، وَعَدَمِ الْإِشَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ هِبَةٌ. كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ، وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ فَأَمَّا الْعِوَضُ الْمُتَأَخِّرُ عَنْ الْعَقْدِ، فَهُوَ لِإِسْقَاطِ الرُّجُوعِ، وَلَا يَصِيرُ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ لَا ابْتِدَاءً وَلَا انْتِهَاءً، وَإِنَّمَا يَكُونُ الثَّانِي عِوَضًا عَنْ الْأَوَّلِ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ نَصًّا كَهَذَا عِوَضٌ عَنْ هِبَتِك، فَإِنَّ هَذَا عِوَضٌ إذَا وُجِدَ الْقَبْضُ وَيَكُونُ هِبَةً، يَصِحُّ وَيَبْطُلُ فِيمَا تَصِحُّ وَتَبْطُلُ بِهِ الْهِبَةُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُضَفْ إلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً وَيَثْبُتُ حَقُّ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَتَيْنِ جَمِيعًا اهـ مَعَ بَعْضِ اخْتِصَارٍ. وَمُفَادُهُ: أَنَّهُمَا قَوْلَانِ أَوْ رِوَايَتَانِ، الْأَوَّلُ: لُزُومُ اشْتِرَاطِهِ فِي الْعَقْدِ، وَالثَّانِي: لَا بَلْ لُزُومُ الْإِضَافَةِ إلَى الْأَوَّلِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي سُقُوطِ الرُّجُوعِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ بَيْعًا انْتِهَاءً فَلَا نِزَاعَ فِي لُزُومِ اشْتِرَاطِهِ فِي الْعَقْدِ تَأَمَّلْ (قَوْلَهُ وَفُرُوعُ الْمَذْهَبِ إلَخْ) قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ الِاشْتِرَاطَ بِالنَّظَرِ لِمَا سَبَقَ مِنْ تَوْزِيعِ الْبَدَلِ عَلَى الْمُبْدَلِ لَا مُطْلَقًا وَحِينَئِذٍ فَمَا فِي الْمُجْتَبَى لَا يُخَالِفُ إطْلَاقَ فُرُوعِ الْمَذْهَبِ فَتَأَمَّلْ. أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) مِنْ دَقِيقِ الْحِنْطَةِ وَوَلَدِ إحْدَى جَارِيَتَيْنِ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ) أَيْ رُجُوعُ الثَّانِي (قَوْلُهُ فَسْخٌ) فَإِذَا عَادَ إلَى الْوَاهِبِ الثَّانِي مِلْكُهُ عَادَ بِمَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ (قَوْلُهُ لَمْ يَرْجِعْ الْأَوَّلُ) لِأَنَّ حَقَّ الرُّجُوعِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي هَذَا الْمِلْكِ دُرَرٌ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ) وَجَازَتْ الْأُضْحِيَّةُ كَمَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ فَجَعَلَهُ) أَيْ الْمَوْهُوبُ لَهُ. (قَوْلُهُ عَبْدٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَخْ) صَبِيٌّ لَهُ عَلَى مَمْلُوكٍ وَصِيَّةُ دَيْنٍ، فَوَهَبَ الْوَصِيُّ عَبْدَهُ لِلصَّبِيِّ، ثُمَّ أَرَادَ الْوَصِيُّ الرُّجُوعَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 703 صَحَّ اسْتِحْسَانًا، وَلَا يَعُودُ الدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَرِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ كَمَا لَا يَعُودُ النِّكَاحُ لَوْ وَهَبَهَا لِزَوْجِهَا ثُمَّ رَجَعَ خَانِيَّةٌ (وَالزَّاي الزَّوْجِيَّةُ وَقْتَ الْهِبَةِ فَلَوْ وَهَبَ لِامْرَأَةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا رَجَعَ وَلَوْ وَهَبَ لِامْرَأَتِهِ لَا) كَعَكْسِهِ. [فَرْعٌ] لَا تَصِحُّ هِبَةُ الْمَوْلَى لِأُمٍّ وَلَدِهِ، وَلَوْ فِي مَرَضِهِ وَلَا تَنْقَلِبُ وَصِيَّةٌ؛ إذْ لَا يَدَ لِلْمَحْجُورِ، أَمَّا لَوْ أَوْصَى لَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ تَصِحُّ لِعِتْقِهَا بِمَوْتِهِ فَيَسْلَمُ لَهَا كَافِي (وَالْقَافُ الْقَرَابَةُ، فَلَوْ وَهَبَ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) نَسَبًا (وَلَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا لَا يَرْجِعُ) شُمُنِّيٌّ (وَلَوْ وَهَبَ لِمَحْرَمٍ بِلَا رَحِمٍ كَأَخِيهِ رَضَاعًا) وَلَوْ ابْنَ عَمِّهِ (وَلِمَحْرَمٍ بِالْمُصَاهَرَةِ كَأُمَّهَاتِ النِّسَاءِ وَالرَّبَائِبِ وَأَخَاهُ وَهُوَ عَبْدٌ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ لِعَبْدِ أَخِيهِ رَجَعَ وَلَوْ كَانَا) أَيْ الْعَبْدُ وَمَوْلَاهُ (ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْوَاهِبِ فَلَا رُجُوعَ فِيهَا اتِّفَاقًا عَلَى الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْهِبَةَ لِأَيِّهِمَا وَقَعَتْ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ بَحْرٌ. [فَرْعٌ] . وَهَبَ لِأَخِيهِ وَأَجْنَبِيٍّ مَا لَا يُقْسَمُ فَقَبَضَاهُ لَهُ الرُّجُوعُ فِي حَظِّ الْأَجْنَبِيِّ لِعَدَمِ الْمَانِعِ دُرَرٌ (وَالْهَاءُ هَلَاكُ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ وَلَوْ ادَّعَاهُ) أَيْ الْهَلَاكَ (صُدِّقَ بِلَا حَلِفٍ) لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الرَّدَّ (فَإِنْ قَالَ الْوَاهِبُ: هِيَ هَذِهِ) الْعَيْنُ (حَلَفَ) الْمُنْكِرُ (أَنَّهَا لَيْسَتْ هَذِهِ) . خُلَاصَةٌ (كَمَا يَحْلِفُ) الْوَاهِبُ (أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَيْسَ بِأَخِيهِ إذَا ادَّعَى) الْأَخُ (ذَلِكَ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي مُسَبِّبَ النَّسَبِ لَا النَّسَبَ خَانِيَّةٌ (وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ)   [رد المحتار] لَهُ ذَلِكَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ: الْمَنْعُ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ: اسْتِحْسَانًا) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ فِي الْهِبَةِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَعَلِّيِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا رَجَعَ فِي الْهِبَةِ وَيَعُودُ الدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ، وَأَبُو يُوسُفَ اسْتَفْحَشَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ لِصَغِيرٍ فَوَهَبَهُ مَوْلَاهُ مِنْهُ فَقَبِلَ الْوَصِيُّ، وَقَبَضَ فَسَقَطَ الدَّيْنُ، فَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ لَوْ قُلْنَا: لَا يَعُودُ الدَّيْنُ، كَانَ قَبُولُ الْوَصِيِّ الْهِبَةَ تَصَرُّفًا مُضِرًّا عَلَى الصَّغِيرِ وَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ النِّكَاحِ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ إذَا رَجَعَ الْوَاهِبُ يَعُودُ النِّكَاحُ اهـ. . (قَوْلُهُ كَعَكْسِهِ) أَيْ لَوْ وُهِبَتْ لِرَجُلٍ ثُمَّ نَكَحَهَا رَجَعَتْ وَلَوْ لِزَوْجِهَا. (قَوْلُهُ: لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) خَرَجَ مَنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ، وَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ، وَمَنْ كَانَ مَحْرَمًا، وَلَيْسَ بِذِي رَحِمٍ دُرَرٌ. فَالْأُولَى كَابْنِ الْعَمِّ، فَإِذَا كَانَ أَخَاهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَيْضًا فَهُوَ خَارِجٌ أَيْضًا وَاحْتَرَزَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ نَسَبًا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ النَّسَبِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَالثَّانِي كَالْأَخِ رَضَاعًا (قَوْلُهُ مِنْهُ نَسَبًا) الضَّمِيرُ فِي مِنْهُ لِلرَّحِمِ فَخَرَجَ الرَّحِمُ غَيْرُ الْمَحْرَمِ كَابْنِ الْعَمِّ، وَالْمَحْرَمُ غَيْرُ الرَّحِمِ كَالْأَخِ رَضَاعًا، وَالرَّحِمُ الْمَحْرَمُ الَّذِي مَحْرَمِيَّتُهُ لَا مِنْ الرَّحِمِ كَابْنِ عَمٍّ هُوَ أَخٌ رَضَاعًا وَعَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ نَسَبًا. نَعَمْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لَوْ جَعَلَ الضَّمِيرَ لِلْوَاهِبِ لِيَخْرُجَ بِهِ الْأَخِيرُ تَدَبَّرْ، (قَوْلُهُ: وَلَوْ ابْنَ عَمِّهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ أَخُوهُ رَضَاعًا ابْنَ عَمِّهِ، وَهَذَا خَارِجٌ بِقَوْلِهِ مِنْهُ أَوْ بِقَوْلِهِ نَسَبًا؛ لِأَنَّ مَحْرَمِيَّتَهُ لَيْسَتْ مِنْ النَّسَبِ بَلْ مِنْ الرَّضَاعِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ وَصْلَهُ بِمَا قَبْلَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِمَحْرَمٍ بِلَا رَحِمٍ لَا يَشْمَلُهُ لِكَوْنِهِ رَحِمًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: بِلَا رَحِمٍ الْبَاءُ فِيهِ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ لِمَحْرَمٍ بِسَبَبٍ غَيْرِ الرَّحِمِ كَالْبَاءِ فِي قَوْلِهِ: بَعْدَهُ بِالْمُصَاهَرَةِ (قَوْلُهُ: وَلِمَحْرَمٍ) عَطْفٌ عَلَى لِمَحْرَمٍ فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بَاقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالرَّبَائِبِ إلَخْ) وَأَزْوَاجِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: رَجَعَ) لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَقَعْ فِيهَا لِلْقَرِيبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَبْدَ أَحَقُّ بِمَا وُهِبَ لَهُ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَهُ وَقَالَا: يَرْجِعُ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ) صُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ أُخْتَانِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَدٌ وَأَحَدُ الْوَلَدَيْنِ مَمْلُوكٌ لِلْآخَرِ، أَوْ يَكُونَ لَهُ أَخٌ مِنْ أَبِيهِ وَأَخٌ مِنْ أُمِّهِ، وَأَحَدُهُمَا مَمْلُوكٌ لِلْآخَرِ. . (قَوْلُهُ: هَلَاكُ الْعَيْنِ) وَكَذَا إذَا اُسْتُهْلِكَتْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى رَمْلِيٌّ قُلْت: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ اُسْتُهْلِكَ الْبَعْضُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْبَاقِي (قَوْلُهُ: مُسَبِّبَ النَّسَبِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ وَهُوَ الْمَالُ أَيْ ادَّعَى بِسَبَبِ النَّسَبِ مَالًا لَازِمًا وَكَانَ الْمَقْصُودُ إثْبَاتَهُ دُونَ النَّسَبِ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ وَهَبَ ثَوْبًا لِرَجُلٍ ثُمَّ اخْتَلَسَهُ مِنْهُ، فَاسْتَهْلَكَهُ ضَمِنَ الْوَاهِبُ قِيمَةَ الثَّوْبِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ إلَخْ) الْوَاهِبُ إذَا رَجَعَ فِي هِبَتِهِ فِي مَرَضِ الْمَوْهُوبِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 704 لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ فَيَضْمَنُ بِمَنْعِهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا قَبْلَهُ (وَإِذَا رَجَعَ بِأَحَدِهِمَا) بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا (كَانَ فَسْخًا) لِعَقْدِ الْهِبَةِ (مِنْ الْأَصْلِ وَإِعَادَةً لِمِلْكِهِ) الْقَدِيمِ لَا هِبَةً لِلْوَاهِبِ (فَ) لِهَذَا (لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ الْوَاهِبِ) (وَصَحَّ) الرُّجُوعُ (فِي الشَّائِعِ) وَلَوْ كَانَ هِبَةً لَمَا صَحَّ فِيهِ (وَلِلْوَاهِبِ رَدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ مُطْلَقًا) بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا (بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ) لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي فِي وَصْفِ السَّلَامَةِ لَا فِي الْفَسْخِ فَافْتَرَقَا ثُمَّ مُرَادُهُمْ بِالْفَسْخِ مِنْ الْأَصْلِ أَنْ لَا يَتَرَتَّبَ عَلَى الْعَقْدِ أَثَرٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا بُطْلَانُ أَثَرِهِ أَصْلًا وَإِلَّا لَعَادَ الْمُنْفَصِلُ إلَى مِلْكِ الْوَاهِبِ بِرُجُوعِهِ فُصُولَيْنِ (اتَّفَقَا) الْوَاهِبُ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ (عَلَى) الرُّجُوعِ فِي (مَوْضِعٍ لَا يَصِحُّ) رُجُوعُهُ مِنْ الْمَوَاضِعِ السَّبْعَةِ السَّابِقَةِ (كَالْهِبَةِ لِقَرَابَتِهِ جَازَ) هَذَا الْإِنْفَاقُ مِنْهُمَا جَوْهَرَةٌ. . وَفِي الْمُجْتَبَى لَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةُ فِي الْمَحَارِمِ إلَّا بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ ثُمَّ قَالَ: وَكُلُّ شَيْءٍ يَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ إذَا اخْتَصَمَا إلَيْهِ فَهَذَا حُكْمُهُ، وَلَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ لِطِفْلِ الْمَدْيُونِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْبُوضٍ، وَفِي الدُّرَرِ قَضَى بِبُطْلَانِ لَانَ الرُّجُوعِ لِمَانِعٍ ثُمَّ زَالَ الْمَانِعُ عَادَ الرُّجُوعُ (تَلِفَتْ) الْعَيْنُ (الْمَوْهُوبَةُ وَاسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ وَضَمَّنَ) الْمُسْتَحِقُّ (الْمَوْهُوبَ لَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْوَاهِبِ بِمَا ضَمِنَ) لِأَنَّهَا عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ السَّلَامَةَ (وَالْإِعَارَةُ كَالْهِبَةِ) هُنَا لِأَنَّ قَبْضَ الْمُسْتَعِيرِ كَانَ لِنَفْسِهِ، وَلَا غُرُورَ لِعَدَمِ الْعَقْدِ، وَتَمَامُهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ (وَإِذَا وَقَعَتْ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ الْمُعَيَّنِ فَهِيَ هِبَةٌ ابْتِدَاءً فَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِي الْعِوَضَيْنِ) (وَيَبْطُلُ) الْعِوَضُ (بِالشُّيُوعِ) فِيمَا يُقْسَمُ   [رد المحتار] لَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ مَالِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ مِنْ الثُّلُثِ، فِيهِ رِوَايَتَانِ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي الْقِيَاسِ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ بِمَنْعِهِ) أَيْ وَقَدْ طَلَبَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى فَلَوْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ نَفَذَ وَلَوْ مَنَعَهُ فَهَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهِ وَكَذَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْقَبْضِ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَهَذَا دَوَامٌ عَلَيْهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَإِعَادَةً) بِنَصْبِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى فَسْخًا (قَوْلُهُ: لَا هِبَةَ) أَيْ كَمَا قَالَهُ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. . (قَوْلُهُ فِي الشَّائِعِ) بِأَنْ رَجَعَ لِبَعْضِ مَا وَهَبَ (قَوْلُهُ: عَلَى بَائِعِهِ) أَيْ بِحُكْمِ خِيَارِ الْعَيْبِ يَعْنِي وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْهِبَةِ. أَبُو السُّعُودِ، (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) حَالٌ مِنْ رُجُوعِ الْوَاهِبِ (قَوْلُهُ وَصْفِ السَّلَامَةِ) وَلِهَذَا لَوْ زَالَ الْعَيْبُ امْتَنَعَ الرَّدُّ (قَوْلُهُ لَعَادَ الْمُنْفَصِلُ) أَيْ الزَّوَائِدُ الْمُنْفَصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ مِنْ الْمَوْهُوبِ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ) صِفَةٌ لِلْمَوْضِعِ كَذَا فِي الْهَامِشِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا هِبَةٌ) أَيْ الْإِقَالَةَ هِبَةٌ أَيْ مُسْتَقِلَّةٌ وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ: اسْتَقَالَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِالصَّدَقَةِ فَأَقَالَهُ لَمْ يَجُزْ، حَتَّى يَقْبِضَ لِأَنَّهُ هِبَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ إذَا اخْتَصَمَا إلَيْهِ فَهَذَا حُكْمُهُ وَتَمَامُهُ فِيهَا فَرَاجِعْهَا فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ (قَوْلُهُ: وَكُلُّ شَيْءٍ يَفْسَخُهُ) قِيلَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ سَقَطَ مِنْهُ لَفْظَةُ لَا، وَالْأَصْلُ: لَا يَفْسَخُهُ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي الْخَانِيَّةِ اهـ وَبِهِ يَظْهَرُ الْمَعْنَى وَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْهُ تَعْمِيمَ الْمَحَارِمِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّا لَا رُجُوعَ فِي هِبَتِهِمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَهَبَ إلَخْ) سَيَجِيءُ فِي الْوَرَقَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الصِّحَّةُ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ عَادَ الرُّجُوعُ) مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَدَّمَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَاعْتَمَدَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ لَكِنْ فِي كَلَامِهِ هُنَاكَ إشَارَةٌ إلَى اعْتِمَادِ خِلَافِهِ. قُلْت: وَلَا يَخْفَى مَا فِي إطْلَاقِ الدُّرَرِ فَإِنَّ الْمَانِعَ قَدْ يَكُونُ خُرُوجَ الْهِبَةِ مِنْ مِلْكِهِ ثُمَّ تَعُودُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ وَقَدْ يَكُونُ لِلزَّوْجِيَّةِ، ثُمَّ تَزُولُ وَفِي ذَلِكَ لَا يَعُودُ الرُّجُوعُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، نَعَمْ صَرَّحُوا بِهِ فِيمَا إذَا بَنَى فِي الدَّارِ ثُمَّ هَدَمَ الْبِنَاءَ، وَفِيمَا إذَا وَهَبَهَا لِآخَرَ ثُمَّ رَجَعَ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ زَوَالُ الْمَانِعِ الْعَارِضِ فَالزَّوْجِيَّةُ، وَإِنْ زَالَتْ لَكِنَّهَا مَانِعٌ مِنْ الْأَصْلِ، وَالْعَوْدُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ بِمَنْزِلَةِ تَجَدُّدِ مِلْكٍ حَادِثٍ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ الْوَاهِبِ، فَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ عَيْنٍ أُخْرَى غَيْرِ الْمَوْهُوبَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَتْ إلَيْهِ بِمَا هُوَ فَسْخٌ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ. . (قَوْلُهُ وَضَمَّنَ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَالْمُسْتَحِقُّ فَاعِلُهُ، " وَالْمَوْهُوبَ " مَفْعُولُهُ (قَوْلُهُ التَّقَابُضُ) أَيْ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ بِالْإِذْنِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْعِوَضَيْنِ) فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ التَّقَابُضُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ وَكَذَا لَوْ قَبَضَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ، فَلِكُلٍّ الرُّجُوعُ، الْقَابِضُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ غَايَةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 705 بَيْعَ انْتِهَاءٍ فَتُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَتُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ) هَذَا إذَا قَالَ: وَهَبْتُكَ عَلَى أَنْ تُعَوِّضَنِي كَذَا، أَمَّا لَوْ قَالَ: وَهَبْتُكَ بِكَذَا، فَهُوَ بَيْعُ ابْتِدَاءٍ وَانْتِهَاءٍ وَقَيَّدَ الْعِوَضَ بِكَوْنِهِ مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَجْهُولًا بَطَلَ اشْتِرَاطُهُ فَيَكُونُ هِبَةً ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً. [فَرْعٌ] . وَهَبَ الْوَاقِفُ أَرْضًا شَرَطَ اسْتِبْدَالَهُ بِلَا شَرْطِ عِوَضٍ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ شَرَطَ كَانَ كَبَيْعٍ، ذَكَرَهُ النَّاصِحِيُّ. وَفِي الْمَجْمَعِ وَأَجَازَ مُحَمَّدٌ هِبَةَ مَالِ طِفْلِهِ بِشَرْطِ عِوَضٍ مُسَاوٍ وَمَنَعَاهُ. قُلْت: فَيُحْتَاجُ عَلَى قَوْلِهِمَا إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَقْفِ وَمَالِ الصَّغِيرِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ (وَهَبَ أَمَةً إلَّا حَمْلَهَا، وَعَلَى أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ أَوْ يُعْتِقَهَا أَوْ يَسْتَوْلِدَهَا أَوْ) وَهَبَ (دَارًا عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا) وَلَوْ مُعَيَّنًا كَثُلُثِ الدَّارِ أَوْ رُبْعِهَا (أَوْ عَلَى أَنْ يُعَوِّضَ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ شَيْئًا عَنْهَا صَحَّتْ) الْهِبَةُ (وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى (وَ) بَطَلَ (الشَّرْطُ) فِي الصُّوَرِ الْبَاقِيَةِ؛ لِأَنَّهُ بَعْضٌ أَوْ مَجْهُولٌ وَالْهِبَةُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ وَلَا تَنْسَ مَا مَرَّ مِنْ اشْتِرَاطِ مَعْلُومِيَّةِ الْعِوَضِ.   [رد المحتار] الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ بَيْعِ انْتِهَاءٍ) أَيْ إذَا اتَّصَلَ الْقَبْضُ بِالْعِوَضَيْنِ غَايَةُ الْبَيَانِ إلَّا أَنَّهُ لَا تَحَالُفَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْعِوَضِ لِمَا فِي الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الذَّخِيرَةِ اتِّفَاقًا عَلَى أَنَّ الْهِبَةَ بِعِوَضٍ. وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ وَلَمْ يُقْبَضْ، وَالْهِبَةُ قَائِمَةٌ خُيِّرَ الْوَاهِبُ بَيْنَ تَصْدِيقِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ أَوْ بِقِيمَتِهَا لَوْ هَالِكَةً، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْعِوَضِ فَالْقَوْلُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فِي إنْكَارِهِ، وَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ لَوْ قَائِمًا، وَلَوْ مُسْتَهْلِكًا فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَوْ أَرَادَ الرُّجُوعَ فَقَالَ: أَنَا أَخُوك أَوْ عَوَّضْتُك أَوْ إنَّمَا تَصَدَّقْت بِهَا فَالْقَوْلُ لِلْوَاهِبِ اسْتِحْسَانًا اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ بِلَا شَرْطٍ) مُتَعَلِّقٌ بِوَهَبَ (قَوْلُهُ إلَى الْفَرْقِ) قَالَ شَيْخُ وَالِدِي: وَقَدْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمَّا شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِكُلِّ عَقْدٍ يُفِيدُ الْمُعَاوَضَةَ كَانَ هَذَا الْعَقْدُ دَاخِلًا فِي شَرْطِهِ بِخِلَافِ هِبَةِ الْأَبِ مَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ كَذَا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمِنَحِ مَدَنِيٌّ. . [فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ] (قَوْلُهُ إلَّا حَمْلَهَا) اعْلَمْ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْحَمْلِ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: فِي قِسْمٍ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ كَالْهِبَةِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَفِي قِسْمٍ لَا يَجُوزُ أَصْلُ التَّصَرُّفِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ وَكَذَا بِاسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ، وَفِي قِسْمٍ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ وَالِاسْتِثْنَاءُ جَمِيعًا كَالْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ أَفْرَادَ الْحَمْلِ بِالْوَصِيَّةِ جَائِزٌ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ يَعْقُوبِيَّةٌ (قَوْلُهُ: شَيْئًا مِنْهَا) أَيْ شَيْئًا مَجْهُولًا ح (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بَعْضٌ) وَقَدْ مَرَّ مَتْنًا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ الْعِوَضُ بَعْضَ الْمَوْهُوبِ (قَوْلُهُ: أَوْ مَجْهُولٌ) الْأَوَّلُ: رَاجِعٌ إلَى صُورَةِ هِبَةِ الدَّارِ، وَالثَّانِي: إلَى قَوْلِهِ أَوْ عَلَى أَنْ يُعَوِّضَ، وَلَا يَشْمَلُ الثَّلَاثَ الَّتِي بَعْدَ الْأُولَى. فَالْأَوْلَى تَعْلِيلُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ تُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَكَانَتْ فَاسِدَةً، وَالْهِبَةُ لَا تَبْطُلُ بِهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: وَالْهِبَةُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ مِنْ تَتِمَّةِ التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ: وَلَا تَنْسَ إلَخْ) نَبَّهَ عَلَيْهِ إشَارَةً إلَى دَفْعِ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ تَبَعًا لِلنِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ عَلَى أَنْ يُعَوِّضَ إلَخْ. فِيهِ إشْكَالٌ، لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَهِيَ وَالشَّرْطُ جَائِزَانِ فَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ بَطَلَ الشَّرْطُ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْهَا شَيْئًا مِنْ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ فَهُوَ تَكْرَارٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا، وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلُ، وَإِنَّمَا بَطَلَ الشَّرْطُ لِجَهَالَةِ الْعِوَضِ، كَذَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. ثُمَّ رَأَيْت صَدْرَ الشَّرِيعَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 706 أَعْتَقَ حَمْلَ أَمَةٍ ثُمَّ وَهَبَهَا صَحَّ وَلَوْ دَبَّرَهُ ثُمَّ وَهَبَهَا لَمْ يَصِحَّ) لِبَقَاءِ الْحَمْلِ عَلَى مِلْكِهِ فَكَانَ مَشْغُولًا بِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (كَمَا لَا يَصِحُّ) تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ بِشَرْطٍ مَحْضٍ كَقَوْلِهِ لِمَدْيُونِهِ: إذَا جَاءَ غَدٌ أَوْ إنْ مِتَّ بِفَتْحِ التَّاءِ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ إنْ مِتَّ مِنْ مَرَضِك هَذَا أَوْ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَأَنْت فِي حِلٍّ مِنْ مَهْرِي فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَرَةٌ وَتَعْلِيقٌ (إلَّا بِشَرْطٍ كَائِنٍ) لِيَكُونَ تَنْجِيزًا كَقَوْلِهِ لِمَدْيُونِهِ: إنْ كَانَ لِي عَلَيْك دَيْنٌ أَبْرَأْتُك عَنْهُ، صَحَّ وَكَذَا إنْ مِتُّ بِضَمِّ التَّاءِ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْهُ أَوْ فِي حِلٍّ جَازَ وَكَانَ وَصِيَّةً خَانِيَّةٌ (جَازَ الْعُمْرَى) لِلْمُعَمَّرِ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ لِبُطْلَانِ الشَّرْطِ (لَا) تَجُوزُ (الرُّقْبَى) لِأَنَّهَا تَعْلِيقٌ بِالْخَطَرِ وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ تَكُونُ عَارِيَّةً شُمُنِّيٌّ لِحَدِيثِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ «مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِمُعَمَّرِهِ فِي حَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ لَا تَرْقُبُوا فَمَنْ أَرْقَبَ شَيْئًا فَهُوَ سَبِيلُ الْمِيرَاثِ» . (بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ مَتَاعًا) هَدَايَا إلَيْهَا (وَبَعَثَتْ لَهُ أَيْضًا) هَدَايَا عِوَضًا لِلْهِبَةِ صَرَّحَتْ بِالْعِوَضِ أَوْ لَا (ثُمَّ افْتَرَقَا بَعْدَ الزِّفَافِ وَادَّعَى) الزَّوْجُ (أَنَّهُ عَارِيَّةٌ) لَا هِبَةٌ وَحَلَفَ (فَأَرَادَ الِاسْتِرْدَادَ وَأَرَادَتْ) هِيَ (الِاسْتِرْدَادَ) أَيْضًا   [رد المحتار] صَرَّحَ بِهِ فَقَالَ: مُرَادُهُمْ مَا إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَجْهُولًا، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْعِوَضُ إذَا كَانَ مَعْلُومًا. (قَوْلُهُ بِشَرْطٍ مَحْضٍ إلَخْ) . [فُرُوعٌ] . وَهَبَتْ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا عَلَى أَنْ يَجْعَلَ أَمْرَ كُلِّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا عَلَيْهَا بِيَدِهَا، وَلَمْ يَقْبَلْ الزَّوْجُ قِيلَ: لَا يَبْرَأُ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْهِبَةَ تَصِحُّ بِلَا قَبُولِ الْمَدْيُونِ، وَإِنْ قِيلَ: إنْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فَالْإِبْرَاءُ مَاضٍ، وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَعُودُ، وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَتْهُ عَلَى أَنْ لَا يَضْرِبَهَا، وَلَا يَحْجُرَهَا أَوْ يَهَبَ لَهَا كَذَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا شَرْطًا فِي الْهِبَةِ لَا يَعُودُ الْمَهْرُ. مَنَعَهَا مِنْ الْمَسِيرِ إلَى أَبَوَيْهَا حَتَّى تَهَبَ مَهْرَهَا، فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا كَالْمُكْرَهَةِ. وَذَكَرَ شَمْسُ الْإِسْلَامِ خَوَّفَهَا بِضَرْبٍ حَتَّى تَهَبَ مَهْرَهَا فَإِكْرَاهٌ، إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الضَّرْبِ، وَذَكَرَ بَكْرٌ سُقُوطَ الْمَهْرِ. لَا يُقْبَلُ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الْمَهْرِ لَا يَصِحُّ. قَالَ لِمَدْيُونِهِ: إنْ لَمْ أَقْتَضِ مَالِي عَلَيْك حَتَّى تَمُوتَ، فَأَنْتِ فِي حِلٍّ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ، وَالْبَرَاءَةُ لَا تَحْتَمِلُهُ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُخَاطَرَةٌ) لِاحْتِمَالِ مَوْتِ الدَّائِنِ قَبْلَ الْغَدِ أَوْ قَبْلَ مَوْتِ الْمَدْيُونِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى إذَا مِتَّ قَبْلِي، وَإِنْ جَاءَ الْغَدُ، وَالدَّيْنُ عَلَيْك فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمُوتَ الدَّائِنُ قَبْلَ الْغَدِ أَوْ قَبْلَ مَوْتِ الْمَدْيُونِ، فَكَانَ مُخَاطَرَةً كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَأَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ مُخَاطَرَةٌ فِي مِثْلِ: إنْ مِتَّ مِنْ مَرَضِك هَذَا، وَتَعْلِيقٌ فِي مِثْلِ إنْ جَاءَ الْغَدُ وَالْإِبْرَاءُ لَا يَحْتَمِلُهُمَا، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِ الْكَائِنِ الْمَوْجُودِ حَالَةُ الْإِبْرَاءِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنْ مِتُّ بِضَمِّ التَّاءِ فَإِنَّمَا صَحَّ، وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ: وَهِيَ تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ فَافْهَمْ وَتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْبُيُوعِ فِيمَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ، وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِهِ (قَوْلُهُ جَازَ الْعُمْرَى) بِالضَّمِّ مِنْ الْإِعْمَارِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ قَالَ فِي الْهَامِشِ: الْعُمْرَى هِيَ أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ لَهُ عُمْرَهُ فَإِذَا مَاتَ تُرَدُّ عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ: لَا تَجُوزُ الرُّقْبَى) هِيَ أَنْ تَقُولَ: إنْ مِتُّ قَبْلَك فَهِيَ لَك لِحَدِيثِ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مَرْفُوعًا " مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى إلَخْ " كَذَا فِي الْهَامِشِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ بَابِ الرُّقْبَى. رَجُلٌ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَقَالَ: دَارِي هَذِهِ حَبِيسٌ، لَمْ تَكُنْ حَبِيسًا وَهِيَ مِيرَاثٌ وَكَذَا إنْ قَالَ دَارِي هَذِهِ حَبِيسٌ عَلَى عُقْبَى مِنْ بَعْدِي وَالرُّقْبَى هُوَ الْحَبِيسُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. رَجُلٌ قَالَ لِرَجُلَيْنِ: عَبْدِي هَذَا لِأَطْوَلِكُمَا حَيَاةً، أَوْ قَالَ: عَبْدِي هَذَا حَبِيسٌ عَلَى أَطْوَلِكُمَا حَيَاةً، فَهَذَا بَاطِلٌ وَهُوَ الرُّقْبَى وَكَذَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: دَارِي لَك حَبِيسٌ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَمَّا أَنَا فَأَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ: لَك حَبِيسٌ، فَهِيَ لَهُ إذَا قَبَضَهَا وَقَوْلُهُ: حَبِيسٌ، بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: هِيَ لَك رُقْبَى. اهـ أَيْضًا فَإِذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 707 يَسْتَرِدُّ كُلٌّ) مِنْهُمَا (مَا أَعْطَى) إذْ لَا هِبَةَ فَلَا عِوَضَ وَلَوْ اسْتَهْلَكَ أَحَدُهُمَا مَا بَعَثَهُ الْآخَرُ ضَمِنَهُ، لِأَنَّ مَنْ اسْتَهْلَكَ الْعَارِيَّةَ ضَمِنَهَا خَانِيَّةٌ (هِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَإِبْرَاؤُهٌ عَنْهُ يَتِمُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ) إذْ لَمْ يُوجِبْ انْفِسَاخَ عَقْدِ صَرْفٍ أَوْ سَلَمٍ لَكِنْ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ، وَقِيلَ: يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ لَكِنْ فِي الصَّيْرَفِيَّةِ لَوْ لَمْ يَقْبَلْ، وَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى افْتَرَقَا ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ رَدَّ لَا يَرْتَدُّ فِي الصَّحِيحِ لَكِنْ فِي الْمُجْتَبَى: الْأَصَحُّ أَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ، وَالْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ (تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِمَّنْ لَيْسَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بَاطِلٌ إلَّا) فِي ثَلَاثٍ: حَوَالَةٌ، وَصِيَّةٌ، وَ (إذَا سَلَّطَهُ) أَيْ سَلَّطَ الْمُمَلِّكُ غَيْرَ الْمَدْيُونِ (عَلَى قَبْضِهِ) أَيْ الدَّيْنِ (فَيَصِحُّ) حِينَئِذٍ وَمِنْهُ مَا لَوْ وَهَبَتْ مِنْ ابْنِهَا مَا عَلَى أَبِيهِ فَالْمُعْتَمَدُ الصِّحَّةُ لِلتَّسْلِيطِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ لَوْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ كَانَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ   [رد المحتار] قَالَ: دَارِي هَذِهِ لَك عُمْرَى تَسْكُنُهَا، وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ، فَهِيَ هِبَةٌ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: طَعَامِي هَذَا لَك تَأْكُلُهُ وَهَذَا الثَّوْبُ لَك تَلْبَسُهُ، وَإِنْ قَالَ: وَهَبْت لَك هَذَا الْعَبْدَ حَيَاتَك وَحَيَاتَهُ، فَقَبَضَهُ فَهِيَ هِبَةٌ جَائِزَةٌ وَقَوْلُهُ: حَيَاتَك، بَاطِلٌ وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَعُمْرَتِك دَارِي هَذِهِ حَيَاتَك أَوْ قَالَ: أَعْطَيْتُكَهَا حَيَاتَك فَإِذَا مِتَّ فَهِيَ لِي، وَإِذَا مِتُّ أَنَا فَهِيَ لِوَارِثِي وَكَذَا لَوْ قَالَ: هُوَ هِبَةٌ لَك وَلِعَقِبِك مِنْ بَعْدِك وَإِنْ قَالَ: أَسْكَنْتُك دَارِي هَذِهِ حَيَاتَك وَلِعَقِبِك مِنْ بَعْدِك فَهِيَ عَارِيَّةٌ وَإِنْ قَالَ: هِيَ لَك وَلِعَقِبِك مِنْ بَعْدِك فَهِيَ هِبَةٌ لَهُ، وَذِكْرُ الْعَقِبِ لَغْوٌ اهـ. . (قَوْلُهُ: فَلَا عِوَضَ) لِأَنَّهَا إنَّمَا قُصِدَتْ التَّعْوِيضَ عَنْ هِبَةٍ فَلَمَّا ادَّعَى الْعَارِيَّةَ وَرَجَعَ لَمْ يُوجَدْ التَّعْوِيضُ فَلَهَا الرُّجُوعُ. (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ ح (قَوْلُهُ: عَقْدِ صَرْفٍ أَوْ سَلَمٍ) لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ فِي السَّلَمِ وَالصَّرْفِ لِكَوْنِهِ مُوجِبًا لِلْفَسْخِ فِيهِمَا لَا لِكَوْنِهِ هِبَةً مِنَحٌ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَرْتَدُّ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ يَتِمُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ وَإِنْ تَمَّ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ لَكِنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ ح. قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: الْإِبْرَاءُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ إلَّا فِي مَسَائِلَ الْأُولَى: إذْ أَبْرَأَ الْمُحْتَالُ الْمُحَالَ: عَلَيْهِ فَرَدَّهُ لَا يَرْتَدُّ، وَكَذَا إذَا قَالَ الْمَدْيُونُ: أَبْرِئْنِي، فَأَبْرَأهُ، وَكَذَا إذَا أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْكَفِيلَ، وَقِيلَ: يَرْتَدُّ. الرَّابِعَةُ: إذَا قَبِلَهُ ثُمَّ رَدَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ اهـ. (قَوْلُهُ: الْإِسْقَاطِ) تَعْلِيلٌ لِلتَّعْمِيمِ يَعْنِي، وَإِنَّمَا صَحَّ الرَّدُّ فِي غَيْرِ الْمَجْلِسِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ؛ إذْ التَّمْلِيكُ الْمَحْضُ يَتَقَيَّدُ رَدُّهُ بِالْمَجْلِسِ، وَلَيْسَ تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِ: يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، لِمَا عَلِمْت أَنَّ عِلَّتَهُ مَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ فَتَنَبَّهْ ح (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الصَّيْرَفِيَّةِ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى تَضْعِيفِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ الْقَوْلَ الثَّانِيَ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْمُجْتَبَى) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى جَعْلِهِمْ كُلًّا مِنْ الْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ إسْقَاطًا مِنْ وَجْهٍ تَمْلِيكًا مِنْ وَجْهٍ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا الِاسْتِدْرَاكَ مُخَالِفٌ لِلْمَشْهُورِ ح. (قَوْلُهُ تَمْلِيكٌ) أَيْ فَيَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ قَالَ فِي الْهَامِشِ: فَمَنْ قَالَ بِالتَّمْلِيكِ يَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ إسْقَاطٌ) وَمَنْ قَالَ لِلْإِسْقَاطِ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنَحٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ عَلَى قَبْضِهِ) أَيْ وَقَبَضَهُ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: هِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ لَيْسَ عَلَيْهِ لَمْ تَجُزْ إلَّا إذَا وَهَبَهُ وَأُذِنَ لَهُ بِقَبْضِهِ جَازَ صَكٌّ لَمْ يَجُزْ إلَّا إذَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ وَهَبَهُ حِينَ قَبَضَهُ، وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِقَبْضِهِ اهـ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ، رَمْلِيٌّ. قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ وَكِيلًا فِي الْقَبْضِ عَنْ الْآمِرِ، ثُمَّ أَصِيلًا فِي الْقَبْضِ لِنَفْسِهِ. وَمُقْتَضَاهُ صِحَّةُ عَزْلِهِ عَنْ التَّسْلِيطِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِذَا قَبَضَ بَدَلَ الدَّرَاهِمِ دَنَانِيرَ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ الْحَقُّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَمَلَكَ الِاسْتِبْدَالَ، وَإِذَا نَوَى فِي ذَلِكَ التَّصَدُّقَ بِالزَّكَاةِ أَجْزَأَهُ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ اهـ (قَوْلُهُ مَا عَلَى أَبِيهِ) أَيْ وَأَمَرَتْهُ بِالْقَبْضِ بَزَّازِيَّةٌ مَدَنِيٌّ (قَوْلُهُ: لِلتَّسْلِيطِ) أَيْ إذَا سَلَّطَتْهُ عَلَى الْقَبْضِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَمِنْهُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَهَبَتْ الْمَهْرَ لِابْنِهَا الصَّغِيرِ الَّذِي مِنْ هَذَا الزَّوْجِ، الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ إلَّا إذَا سَلَّطَتْ وَلَدَهَا عَلَى الْقَبْضِ فَيَجُوزُ وَيَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَلَدِ إذَا قَبَضَ اهـ فَقَوْلُ الشَّارِحِ لِلتَّسْلِيطِ أَيْ التَّسْلِيطِ صَرِيحًا لَا حُكْمًا كَمَا فَهِمَهُ السَّائِحَانِيُّ وَغَيْرُهُ، لَكِنْ لِيَنْظُرَ فِيمَا إذَا كَانَ الِابْنُ لَا يَعْقِلُ، فَإِنَّ الْقَبْضَ يَكُونُ لِأَبِيهِ، فَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَفْرِزَ الْأَبُ قَدْرَ الْمَهْرِ وَيَقْبِضَهُ لِابْنِهِ أَوْ يَكْفِي قَبُولُهُ كَمَا فِي هِبَةِ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ بِالْبَيْعِ) فَلَوْ دَفَعَ لِلْمُوَكِّلِ عَنْ دَيْنِ الْمُشْتَرِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 708 فُصُولَيْنِ (وَ) لَيْسَ مِنْهُ مَا (إذَا أَقَرَّ الدَّائِنُ أَنَّ الدَّيْنَ لِفُلَانٍ وَأَنَّ اسْمَهُ) فِي كِتَابِ الدَّيْنِ (عَارِيَّةٌ) حَيْثُ (صَحَّ) إقْرَارُهُ لِكَوْنِهِ إخْبَارًا لَا تَمْلِيكًا فَلِلْمُقَرِّ لَهُ قَبْضُهُ بَزَّازِيَّةٌ وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَحْكَامِ الدَّيْنِ وَكَذَا لَوْ قَالَ الدَّيْنُ الَّذِي لِي عَلَى فُلَانٍ لِفُلَانٍ بَزَّازِيَّةٌ وَغَيْرُهَا. قُلْت: وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ يَكُونُ تَمْلِيكًا، وَتَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِمَّنْ لَيْسَ عَلَيْهِ بَاطِلٌ، فَتَأَمَّلْهُ. وَفِي الْأَشْبَاهِ فِي قَاعِدَةِ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ مَعْزِيًّا لِصُلْحِ الْبَزَّازِيَّةِ اصْطَلَحَا أَنْ يُكْتَبَ اسْمُ أَحَدِهِمَا فِي الدِّيوَانِ فَالْعَطَاءُ لِمَنْ كُتِبَ اسْمُهُ إلَخْ (وَالصَّدَقَةُ كَالْهِبَةِ) بِجَامِعِ التَّبَرُّعِ، وَحِينَئِذٍ (لَا تَصِحُّ غَيْرَ مَقْبُوضَةٍ وَلَا فِي مَشَاعٍ يُقْسَمُ، وَلَا رُجُوعَ فِيهَا) وَلَوْ عَلَى غَنِيٍّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا الثَّوَابُ لَا الْعِوَضُ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْوَاهِبُ هِبَةٌ، وَالْآخَرُ صَدَقَةٌ فَالْقَوْلُ لِلْوَاهِبِ خَانِيَّةٌ. [فُرُوعٌ] كَتَبَ قِصَّةً إلَى السُّلْطَانِ يَسْأَلُهُ تَمْلِيكَ أَرْضٍ مَحْدُودَةٍ فَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِالتَّوْقِيعِ فَكَتَبَ كَاتِبُهُ جَعَلْتهَا مِلْكًا لَهُ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ؟ الْقِيَاسُ: نَعَمْ لَكِنْ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ أُقِيمَ السُّؤَالُ بِالْقِصَّةِ مَقَامَ حُضُورِهِ. أَعْطَتْ زَوْجَهَا مَالًا بِسُؤَالِهِ لِيَتَوَسَّعَ فَظَفِرَ بِهِ بَعْضُ غُرَمَائِهِ إنْ كَانَتْ وَهَبَتْهُ أَوْ أَقْرَضَتْهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَسْتَرِدَّ مِنْ الْغَرِيمِ، وَإِنْ أَعْطَتْهُ لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ عَلَى مِلْكِهَا فَلَهَا ذَلِكَ لَا لَهُ. دَفَعَ لِابْنِهِ مَالًا لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ فَفَعَلَ وَكَثُرَ ذَلِكَ فَمَاتَ الْأَبُ إنْ أَعْطَاهُ هِبَةً فَالْكُلُّ لَهُ، وَإِلَّا فَمِيرَاثٌ وَتَمَامُهُ فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى. . بَعَثَ إلَيْهِ بِهَدِيَّةٍ فِي إنَاءٍ هَلْ يُبَاحُ أَكْلُهَا فِيهِ إنْ كَانَ ثَرِيدًا وَنَحْوَهُ مِمَّا لَوْ حَوَّلَهُ إلَى إنَاءٍ آخَرَ ذَهَبَتْ لَذَّتُهُ يُبَاحُ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا انْبِسَاطٌ يُبَاحُ أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا.   [رد المحتار] عَلَى أَنْ يَكُونَ مَا عَلَى الْمُشْتَرِي لِلْوَكِيلِ لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ تَمْلِيكِ الدَّيْنِ مِمَّنْ لَيْسَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَتَأَمَّلْهُ) يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الدَّيْنُ الَّذِي لِي عَلَى فُلَانٍ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ هُوَ لِفُلَانٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَلَا إشْكَالَ، فَتَدَبَّرْ ح. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى الْخِلَافِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ - رَاقِمًا لِعَلِيٍّ السَّعْدِيِّ -: إقْرَارُ الْأَبِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهِ تَمْلِيكٌ، إنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ فِي الْإِقْرَارِ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَإِقْرَارٌ كَمَا فِي سُدُسِ دَارِي وَسُدُسِ هَذِهِ الدَّارِ، ثُمَّ رَقَمَ لِنَجْمِ الْأَئِمَّةِ الْبُخَارِيِّ: إقْرَارٌ فِي الْحَالَتَيْنِ لَا تَمْلِيكٌ اهـ. قَالَ فِي إقْرَارِ الْمِنَحِ فَيُفِيدُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا، وَلَكِنَّ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ فُرُوعٌ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْإِضَافَةَ فِي قَوْلِهِ: الدَّيْنُ الَّذِي لِي إضَافَةُ نِسْبَةٍ لَا مِلْكٍ كَمَا أَجَابَ بِهِ الشَّارِحُ فِي الْإِقْرَارِ عَنْ قَوْلِهِمْ: جَمِيعُ مَا فِي بَيْتِي لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ إقْرَارٌ وَكَذَا قَالُوا: مِنْ أَلْفَاظِ الْإِقْرَارِ جَمِيعُ مَا يُعْرَفُ بِي أَوْ جَمِيعُ مَا يُنْسَبُ إلَيَّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ قُبَيْلَ إقْرَارِ الْمَرِيضِ وَأَجَبْنَا عَنْهُ بِأَحْسَنَ مِمَّا هُنَا فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ غَيْرَ مَقْبُوضَةٍ) فَإِنْ قُلْت: قَدَّمَ أَنَّ الصَّدَقَةَ لِفَقِيرَيْنِ جَائِزَةٌ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِقَوْلِهِ: وَصَحَّ تَصَدُّقُ عَشَرَةٍ لِفَقِيرَيْنِ. قُلْت: الْمُرَادُ هُنَا مِنْ الْمَشَاعِ أَنْ يَهَبَ بَعْضَهُ لِوَاحِدٍ فَقَطْ فَحِينَئِذٍ هُوَ مَشَاعٌ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِخِلَافِ الْفَقِيرَيْنِ فَإِنَّهُ لَا شُيُوعَ كَمَا تَقَدَّمَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَى غَنِيٍّ) اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْغَنِيِّ الثَّوَابَ لِكَثْرَةِ عِيَالِهِ بَحْرٌ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ قُبَيْلَ بَابِ الرُّجُوعِ مِنْ أَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيِّ هِبَةٌ وَلَعَلَّهُمَا قَوْلَانِ، تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَأَمَرَ السُّلْطَانُ) هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ أَوْ مِلْكِ السُّلْطَانِ أَمَّا إذَا أَقْطَعَهُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَهُ مَتَى شَاءَ كَمَا سَلَفَ ذَلِكَ فِي الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ ط. (قَوْلُهُ: أَوْ أَقْرَضَتْهُ) وَسَيَأْتِي مَا لَوْ تَصَرَّفَ فِي مَالِهَا وَادَّعَى أَنَّهُ بِإِذْنِهَا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَمِيرَاثٌ) بِأَنْ دَفَعَ إلَيْهِ لِيَعْمَلَ لِلْأَبِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 709 دَعَا قَوْمًا إلَى طَعَامٍ وَفَرَّقَهُمْ عَلَى أَخْوِنَةٍ لَيْسَ لِأَهْلِ خِوَانٍ مُنَاوَلَةُ أَهْلِ خِوَانٍ آخَرَ، وَلَا إعْطَاءُ سَائِلٍ وَخَادِمٍ وَهِرَّةٍ لِغَيْرِ رَبِّ الْمَنْزِلِ وَلَا كَلْبٍ، وَلَوْ لِرَبِّ الْمَنْزِلِ إلَّا أَنْ يُنَاوِلَهُ الْخُبْزَ الْمُحْتَرِقَ لِلْإِذْنِ عَادَةً، وَتَمَامُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ. وَفِي الْأَشْبَاهِ لَا جَبْرَ عَلَى الصِّلَاتِ إلَّا فِي أَرْبَعٍ: شُفْعَةٌ وَنَفَقَةُ زَوْجَةٍ وَعَيْنٌ مُوصًى بِهَا، وَمَالُ وَقْفٍ وَقَدْ حَرَّرْت أَبْيَاتِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَلَى وَقْفِ مَا فِي شَرْحِهَا لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ فَقُلْت: وَوَاهِبُ دَيْنٍ لَيْسَ يَرْجِعُ مُطْلَقًا ... وَإِبْرَاءُ ذِي نِصْفٍ يَصِحُّ الْمُحَرَّرُ عَلَى حَجِّهَا أَوْ تَرْكِهِ ظُلْمَهُ لَهَا ... إذَا وَهَبَتْ مَهْرًا وَلَمْ يُوفِ يَخْسَرُ مُعَلِّقُ تَطْلِيقٍ بِإِبْرَاءِ مَهْرِهَا ... وَإِنْكَاحِ أُخْرَى لَوْ بِرَدٍّ فَيَظْفَرُ   [رد المحتار] فُرُوعٌ] . دَفَعَ دَرَاهِمَ إلَى رَجُلٍ وَقَالَ: أَنْفِقْهَا فَفَعَلَ فَهُوَ قَرْضٌ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا، وَقَالَ: أَلْبِسْهُ نَفْسَك، فَهُوَ هِبَةٌ، وَالْفَرْقُ مَعَ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ فِيهِمَا أَنَّ التَّمْلِيكَ قَدْ يَكُونُ بِعِوَضٍ، وَهُوَ أَدْنَى مِنْ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ، وَقَدْ أَمْكَنَ فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّ قَرْضَ الدَّرَاهِمِ يَجُوزُ، بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ، وَلْوَالِجِيَّةٌ، وَفِيهَا: قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلْآخَرِ: وَهَبْتُك حِصَّتِي مِنْ الرِّبْحِ، وَالْمَالُ قَائِمٌ لَا تَصِحُّ، لِأَنَّهَا هِبَةُ مَشَاعٍ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَلَوْ كَانَ اسْتَهْلَكَهُ الشَّرِيكُ صَحَّتْ. رَجُلٌ اشْتَرَى حُلِيًّا وَدَفَعَهُ إلَى امْرَأَتِهِ وَاسْتَعْمَلَتْهُ، ثُمَّ مَاتَتْ ثُمَّ اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَوَرَثَتُهَا أَنَّهَا هِبَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ الْيَمِينِ أَنَّهُ دَفَعَ ذَلِكَ إلَيْهَا عَارِيَّةً؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْهِبَةِ مِنَحٌ وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ أَوَّلَ كِتَابِ الْهِبَةِ عَنْ خِزَانَةِ الْفَتَاوَى، قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَهَذَا صَرِيحٌ فِي رَدِّ كَلَامِ أَكْثَرِ الْعَوَامّ أَنَّ تَمَنُّعَ الْمَرْأَةِ يُوجِبُ التَّمْلِيكَ وَلَا شَكَّ فِي فَسَادِهِ اهـ وَسَبَقَهُ إلَى هَذَا صَاحِبُ الْبَحْرِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي بَابِ التَّحَالُفِ، وَكَتَبْنَا هُنَاكَ عَنْ الْبَدَائِعِ: أَنَّ الْمَرْأَةَ إنْ أَقَرَّتْ أَنَّ هَذَا الْمَتَاعَ اشْتَرَاهُ لِي سَقَطَ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِالْمِلْكِ لِزَوْجِهَا ثُمَّ ادَّعَتْ الِانْتِقَالَ إلَيْهَا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ اهـ وَظَاهِرُهُ شُمُولُ ثِيَابِ الْبَدَنِ، وَلَعَلَّهُ فِي غَيْرِ الْكِسْوَةِ الْوَاجِبَةِ، وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَيْهَا، تَأَمَّلْ وَرَاجِعْ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ أَوَّلَ الْهِبَةِ مِنْ قَوْلِهِ: اتَّخَذَ لِوَلَدِهِ ثِيَابًا إلَخْ فَحَيْثُ لَا رُجُوعَ لَهُ هُنَاكَ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْعَارِيَّةِ فَهُنَا أَوْلَى. . (قَوْلُهُ خِوَانٍ) بِكَسْرِ الْخَاءِ وَأَخْوِنَةٍ قَبْلَهَا بِكَسْرِ التَّاءِ مُنَوَّنَةً (قَوْلُهُ عَلَى الصِّلَاتِ) بِكَسْرِ الصَّادِ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ قَبِلَ الْمَدْيُونُ أَوْ لَا، وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ، وَيَظْهَرُ لَك مِنْهُ مَا فِي كَلَامِ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ أَوَّلَ بَابِ الرُّجُوعِ: وَأَطْلَقَ الْهِبَةَ فَانْصَرَفَتْ إلَى الْأَعْيَانِ، فَلَا رُجُوعَ فِي هِبَةِ الدَّيْنِ لِلْمَدْيُونِ بَعْدَ الْقَبُولِ، بِخِلَافِهِ قَبْلَهُ لِكَوْنِهَا إسْقَاطًا اهـ وَكَأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الرَّدُّ بِالرُّجُوعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَإِبْرَاءُ ذِي نِصْفٍ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ: وَإِذَا كَانَ دَيْنٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الْمَدْيُونِ جَازَ، وَإِنْ وَهَبَ نِصْفَ الدَّيْنِ مُطْلَقًا يَنْفُذُ فِي الرُّبْعِ كَمَا لَوْ وَهَبَ نِصْفَ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ اهـ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: عَلَى حَجِّهَا إلَخْ) اشْتَمَلَ الْبَيْتُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ: الْأُولَى امْرَأَةٌ تَرَكَتْ مَهْرَهَا لِلزَّوْجِ عَلَى أَنْ يَحُجَّ بِهَا، فَلَمْ يَحُجَّ بِهَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: إنَّهَا تَعُودُ بِمَهْرِهَا؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْهِبَةِ كَانَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ، فَإِذَا انْعَدَمَ الْعِوَضُ انْعَدَمَ الرِّضَا، وَالْهِبَةُ لَا تَصِحُّ بِدُونِ الرِّضَا. وَالثَّانِيَةُ: إذَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا: وَهَبْت مَهْرِي مِنْك عَلَى أَنْ لَا تَظْلِمَنِي فَقَبِلَ صَحَّتْ الْهِبَةُ فَلَوْ ظَلَمَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَالْهِبَةُ مَاضِيَةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَهْرُهَا بَاقٍ إنْ ظَلَمَهَا كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: مُعَلِّقُ تَطْلِيقٍ إلَخْ) الْبَيْتَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ نَظَمَ فِيهِ مَسْأَلَةً سُئِلَ عَنْهَا وَهِيَ قَالَ لَهَا مَتَى نَكَحْت عَلَيْك أُخْرَى، وَأَبْرَأْتِنِي مِنْ مَهْرِك فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَهَلْ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَوْفَاهَا الْمَهْرَ فَلَمْ يَبْقَ مَا تُبْرِئُهُ عَنْهُ، وَأَنْكَرَتْ يُقْبَلُ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ بِالنَّظَرِ بِسُقُوطِ حَقِّهَا كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: لَوْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ؟ فَأَجَابَ: إنْ رَدَّ الَإِبْرَاءَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا ادَّعَتْ فَرَدُّهُ أَبْطَلَهُ، وَإِنْ كَانَ كَمَا ادَّعَى فَالرَّدُّ مُعْتَبَرٌ لِبُطْلَانِ الْإِبْرَاءِ الْمُقْتَضِي لِلْحِنْثِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الرَّدُّ مَعَ دَعْوَى الدَّفْعِ لِمَا يَأْتِي أَنَّهُ إذَا قَبَضَ دَيْنَهُ ثُمَّ أَبْرَأَ غَرِيمَهُ وَقَبِلَ، صَحَّ الْإِبْرَاءُ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا قَبَضَ. اهـ مُلَخَّصًا، وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 710 وَإِنْ قَبَضَ الْإِنْسَانُ مَالَ مَبِيعِهِ ... فَأَبْرَأَ يُؤْخَذُ مِنْهُ كَالدَّيْنِ أَظْهَرُ وَمِنْ دُونِ أَرْضٍ فِي الْبِنَاءِ صَحِيحَةٌ ... وَعِنْدِي فِيهِ وَقْفَةٌ فَيُحَرَّرُ قُلْت: وَجْهُ تَوَقُّفِي تَصْرِيحُهُمْ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ بِأَنَّ رَهْنَ الْبِنَاءِ دُونَ الْأَرْضِ وَعَكْسَهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ كَالشَّائِعِ فَتَأَمَّلْهُ وَأَشَرْت بِ " أَظْهَرُ " لِمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ عَنْ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، فَيَظْفَرُ أَيْ بِنِكَاحِ ضَرَّتِهَا؛ لِأَنَّهُ بِرَدِّهِ لِلْإِبْرَاءِ أَبْطَلَهُ فَلَا حِنْثَ فَلْيُحْفَظْ اهـ.   [رد المحتار] لَوْ لَمْ يَقْبَلْ لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ قَالَ: وَإِنَّمَا سَطَرْته دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْحِنْثِ بِمُجَرَّدِ الْإِبْرَاءِ، وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ التَّعْلِيقِ وَقَالَ فِي الْهَامِشِ: أَيْ إذَا عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ عَلَى نِكَاحِ أُخْرَى مَعَ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْمَهْرِ فَتَزَوَّجَ فَادَّعَتْ امْرَأَتُهُ الْإِبْرَاءَ فَادَّعَى دَفْعَ الْمَهْرِ فَالْقَوْلُ لَهُ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ لَكِنْ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَعَلَى أَنَّ الْإِبْرَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ صَحِيحٌ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِإِبْرَائِهَا عَنْ الْمَهْرِ ثُمَّ دَفَعَهُ لَهَا لَا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ فَإِذَا أَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ وَقَعَ. اهـ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَبَضَ الْإِنْسَانُ) بَاعَ مَتَاعًا وَقَبَضَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ أَبْرَأَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَ الْقَبْضِ يَصِحُّ إبْرَاؤُهُ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِمَا كَانَ دَفَعَهُ إلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: صَحِيحَةٌ) أَيْ هِيَ صَحِيحَةٌ كَذَا فِي الْهَامِشِ (قَوْلُهُ أَيْ بِنِكَاحٍ) عِبَارَةٌ الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَيْ بِقَهْرِ الْمَرْأَةِ لِبَقَائِهَا فِي نِكَاحِهِ مَعَ الضَّرَّةِ، وَهُوَ الْأَنْسَبُ حَيْثُ كَانَ الْمُعَلَّقُ طَلَاقَهَا لَا طَلَاقَ الضَّرَّةِ. [فَائِدَةٌ] قَالَ الزَّاهِدِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى: بِحَاوِي مَسَائِلِ الْمُنْيَةِ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ انْتَهَبَ وِسَادَةَ كُرْسِيِّ الْعَرُوسِ وَبَاعَهَا بِحِلٍّ إنْ كَانَتْ وُضِعَتْ لِلنَّهْبِ اهـ. أَقُولُ: وَعَلَيْهِ يُقَاسُ شَمْعُ الْأَعْرَاسِ وَالْمَوَالِدِ رَمْلِيٌّ عَلَى الْمِنَحِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانُهُ - أَعْلَمُ. قَالَ الْفَقِيرُ إلَى الْبَارِي - سُبْحَانَهُ - الْمُرْتَجَى كَرَمُهُ وَإِحْسَانُهُ وَامْتِنَانُهُ مُحَمَّدٌ عَلَاءُ الدِّينِ ابْنُ الْمُؤَلِّفِ هَذَا آخِرُ مَا وَجَدْتُهُ عَلَى نُسْخَةِ شَيْخِنَا الْمُؤَلِّفِ الْمَرْحُومِ الْوَالِدِ السَّيِّدِ مُحَمَّدٍ أَفَنْدِي عَابِدِينَ عَلَيْهِ رَحْمَةُ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ وَأَحْسَنَ لَهُ الْفَوَائِدَ، وَلَكِنْ يَحْتَاجُ بَعْضُهُ إلَى مُرَاجَعَةِ أَصْلِهِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَلَيْسَ عِنْدِي أَصْلُهُ لِأَرْجِعَ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ الْمَسْئُولُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ وَنَسْأَلُهُ - سُبْحَانَهُ - التَّوْفِيقَ لِأَقْوَمِ طَرِيقٍ وَهُوَ حَسْبِي، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ فِي خَامِسٍ وَعِشْرِي صَفَرِ الْخَيْرِ نَهَارَ الْأَرْبِعَاءِ قُبَيْلَ الظُّهْرِ سَنَةَ أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ أَحْسَنَ اللَّهُ خِتَامَهَا آمِينَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 711 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْإِجَارَةِ قَدَّمَ الْهِبَةَ لِكَوْنِهَا تَمْلِيكَ عَيْنٍ، وَهَذِهِ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ   [رد المحتار] [كِتَابُ الْإِجَارَةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ وَالَاهُ آمِينَ. كِتَابُ الْإِجَارَةِ أَقُولُ: الْإِجَارَةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ ضَمَّهَا. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ: هِيَ بِالضَّمِّ: اسْمٌ لِلْمَأْخُوذِ، مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْأَجْرِ وَهُوَ عِوَضُ الْعَمَلِ. وَنُقِلَ عَنْ ثَعْلَبٍ الْفَتْحُ فَهِيَ مُثَلَّثَةُ الْهَمْزَةِ. وَفِي تَكْمِلَةِ الْبَحْرِ لِلْعَلَّامَةِ عَبْدِ الْقَادِرِ الطُّورِيِّ: لَوْ قَالَ الْإِيجَارُ لَكَانَ أَوْلَى، لِأَنَّ الَّذِي يُعْرَفُ هُوَ الْإِيجَارُ الَّذِي هُوَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ لَا الْإِجَارَةُ الَّتِي هِيَ الْأُجْرَةُ. قَالَ قَاضِي زَادَهْ: وَلَمْ يُسْمَعْ فِي اللُّغَةِ أَنَّ الْإِجَارَةَ مَصْدَرٌ، وَيُقَالُ أَجَرَهُ: إذَا أَعْطَاهُ أُجْرَتَهُ، وَهِيَ مَا يُسْتَحَقُّ عَلَى عَمَلِ الْخَيْرِ: وَفِي الْأَسَاسِ آجَرَنِي دَارِهِ وَاسْتَأْجَرْتُهَا وَهُوَ مُؤَجِّرٌ وَلَا تَقُلْ مُؤَاجِرٌ فَإِنَّهُ خَطَأٌ وَقَبِيحٌ: قَالَ وَلَيْسَ آجَرَ هَذَا فَاعِلٌ بَلْ هُوَ أَفْعَلُ اهـ. قُلْتُ: لَكِنْ نَقَلَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ: قَالَ الْوَاحِدِيُّ عَنْ الْمُبَرِّدِ، يُقَالُ أَجَرْتُ دَارِي وَمَمْلُوكِي غَيْرَ مَمْدُودٍ وَمَمْدُودًا وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ إجَارًا وَإِجَارَةً، وَعَلَيْهِ فَلَا اعْتِرَاضَ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهَا تَمْلِيكَ عَيْنٍ) أَيْ وَالْأَعْيَانُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 3 هِيَ) لُغَةً: اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ وَهُوَ مَا يُسْتَحَقُّ عَلَى عَمَلِ الْخَيْرِ وَلِذَا يُدْعَى بِهِ، يُقَالُ أَعْظَمُ اللَّهُ أَجْرَكَ. وَشَرْعًا (تَمْلِيكُ نَفْعٍ) مَقْصُودٍ مِنْ الْعَيْنِ (بِعِوَضٍ) حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَ ثِيَابًا أَوْ أَوَانِي لِيَتَجَمَّلَ بِهَا أَوْ دَابَّةً لِيَجْنُبَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ دَارًا لَا لِيَسْكُنَهَا أَوْ عَبْدًا أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لَا لِيَسْتَعْمِلَهُ بَلْ لِيَظُنَّ النَّاسُ أَنَّهُ لَهُ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ فِي الْكُلِّ، وَلَا أَجْرَ لَهُ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ مِنْ الْعَيْنِ بَزَّازِيَّةٌ وَسَيَجِيءُ (وَكُلُّ مَا صَلُحَ ثَمَنًا) أَيْ بَدَلًا فِي الْبَيْعِ (صَلُحَ أُجْرَةً) لِأَنَّهَا ثَمَنُ الْمَنْفَعَةِ وَلَا يَنْعَكِسُ كُلِّيًّا، فَلَا يُقَالُ مَا لَا يَجُوزُ ثَمَنًا لَا يَجُوزُ أُجْرَةً لِجَوَازِ إجَارَةِ الْمَنْفَعَةِ بِالْمَنْفَعَةِ إذَا اخْتَلَفَا كَمَا سَيَجِيءُ. (وَتَنْعَقِدُ بِأَعَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا بِكَذَا) ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ بِعِوَضٍ إجَارَةٌ   [رد المحتار] مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَنَافِعِ وَلِأَنَّهَا بِلَا عِوَضٍ وَهَذِهِ بِهِ وَالْعَدَمُ مُقَدَّمٌ، ثُمَّ لِلْإِجَارَةِ مُنَاسَبَةٌ خَاصَّةٌ لِفَصْلِ الصَّدَقَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا يَقَعَانِ لَازِمَيْنِ فَلِذَا عَقَّبَهَا بِهَا أَفَادَهُ الطُّورِيُّ (قَوْلُهُ اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ. وَفِي اللُّغَةِ الْإِجَارَةُ فِعَالَةٌ اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ، وَهِيَ مَا يُعْطَى مِنْ كِرَاءِ الْأَجِيرِ، وَقَدْ أَجَرَهُ: إذَا أَعْطَاهُ أُجْرَتَهُ اهـ. وَفِي الْعَيْنِيِّ فِعَالَةٌ أَوْ إعَالَةٌ بِحَذْفِ فَاءِ الْفِعْلِ اهـ وَقَدَّمْنَا أَنَّهَا تَكُونُ مَصْدَرًا (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا يُسْتَحَقُّ) ذَكَّرَ الضَّمِيرَ لِعَوْدِهِ عَلَى الْأَجْرِ الْمَفْهُومِ مِنْ ذِكْرِ مُقَابِلِهِ وَهِيَ الْأُجْرَةُ، وَالْأَوْضَحُ الْإِظْهَارُ فَلَا خَلَلَ فِي كَلَامِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ تَمْلِيكٌ) جِنْسٌ يَشْمَلُ بَيْعَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ جِنْسًا كَمَا يَكُونُ مُدْخِلًا يَكُونُ مُخْرِجًا، فَدَخَلَ بِهِ الْعَارِيَّةُ لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ وَالنِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْبُضْعِ وَلَيْسَ بِمَنْفَعَةٍ وَبِقَوْلِهِ نَفْعٌ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ، وَقَوْلُهُ بِعِوَضٍ تَمَامُ التَّعْرِيفِ طُورِيٌّ. قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَهُوَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ، مِنْ قَوْلِهِمْ تَمْلِيكُ نَفْعٍ مَعْلُومٍ بِعِوَضٍ كَذَلِكَ،؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ تَعْرِيفًا لِلْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا لِتَنَاوُلِهِ الْفَاسِدَةَ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَبِالشُّيُوعِ الْأَصْلِيِّ، وَإِنْ كَانَ تَعْرِيفًا لِلْأَعَمِّ لَمْ يَكُنْ تَقْيِيدُ النَّفْعِ وَالْعِوَضِ بِالْمَعْلُومِ صَحِيحًا، وَمَا اُخْتِيرَ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ تَعْرِيفًا لِلْأَعَمِّ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ،؛ لِأَنَّ الَّتِي عَرَّفَهَا أَئِمَّةُ الْمَذْهَبِ الْإِجَارَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ وَالْفَاسِدَةُ ضِدُّهَا فَلَا يَشْمَلُهَا التَّعْرِيفُ: قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى وَجْهٍ يَنْقَطِعُ بِهِ الْمُنَازَعَةُ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ وَالْمَسَافَةِ وَالْعَمَلِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِ الْبَدَلِ اهـ، وَإِلَّا كَانَ الْعَقْدُ عَبَثًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِعِوَضٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ فَعَادَ إلَى كَلَامِهِمْ، وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ مَقْصُودٌ مِنْ الْعَيْنِ) أَيْ فِي الشَّرْعِ وَنَظَرِ الْعُقَلَاءِ، بِخِلَافِ مَا سَيَذْكُرُهُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَقْصُودًا لِلْمُسْتَأْجِرِ لَكِنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ وَلَيْسَ مِنْ الْمَقَاصِدِ الشَّرْعِيَّةِ، وَشَمِلَ مَا يُقْصَدُ وَلَوْ لِغَيْرِهِ لِمَا سَيَأْتِي عَنْ الْبَحْرِ مِنْ جَوَازِ اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ مَقِيلًا وَمَرَاحًا، فَإِنَّ مَقْصُودَهُ الِاسْتِئْجَارُ لِلزِّرَاعَةِ مَثَلًا، وَيَذْكُرُ ذَلِكَ حِيلَةً لِلُزُومِهَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ زَرْعُهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَوْ أَوَانِيَ) مَنْصُوبٌ بِفَتْحَةٍ ظَاهِرَةٍ عَلَى الْيَاءِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِحَذْفِهَا، وَكَأَنَّهُ مِنْ تَحْرِيفِ النُّسَّاخِ (قَوْلُهُ أَنَّهُ لَهُ) أَيْ الدَّارُ أَوْ الْعَبْدُ وَمَا بَعْدَهُ، وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ لِعَطْفِ الْمَذْكُورَاتِ بِأَوْ، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ سَتَأْتِي مَتْنًا فِي الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ) أَيْ وَلَوْ اسْتَعْمَلَهَا فِيمَا ذَكَرَهُ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْأُجْرَةَ تَجِبُ فِي الْفَاسِدَةِ بِالِانْتِفَاعِ " مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ النَّفْعُ مَقْصُودًا، وَقَيَّدَ فِي الْخُلَاصَةِ عَدَمَ الْأَجْرِ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِقَوْلِهِ إلَّا إذَا كَانَ الَّذِي يَسْتَأْجِرُ قَدْ يَكُونُ يَسْتَأْجِرُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ اهـ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ أَيْ بَدَلًا فِي الْبَيْعِ) فَدَخَلَ فِيهِ الْأَعْيَانُ فَإِنَّهَا تَصْلُحُ بَدَلًا فِي الْمُقَايَضَةِ فَتَصْلُحُ أُجْرَةً (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا ثَمَنُ الْمَنْفَعَةِ) أَيْ وَهِيَ تَابِعَةٌ لِلْعَيْنِ وَمَا صَلُحَ بَدَلًا عَنْ الْأَصْلِ صَلُحَ بَدَلًا عَنْ التَّبَعِ (قَوْلُهُ وَلَا يَنْعَكِسُ كُلِّيًّا) قَيَّدَ بِهِ لِيُفْهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعَكْسُ اللُّغَوِيُّ لَا الْمَنْطِقِيُّ وَهُوَ عَكْسُ الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ بِالْمُوجَبَةِ الْجُزْئِيَّةِ، إذْ يَصِحُّ بَعْضُ مَا صَلُحَ أُجْرَةً صَلُحَ ثَمَنًا (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي آخِرِ بَابِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ (قَوْلُهُ وَتَنْعَقِدُ بِأَعَرْتُك إلَخْ) وَبِلَفْظِ الصُّلْحِ كَمَا ذَكَرَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 4 بِخِلَافِ الْعَكْسِ (أَوْ وَهَبْتُكَ) أَوْ أَجَرْتُكَ (مَنَافِعَهَا) شَهْرًا بِكَذَا؛ أَفَادَ أَنَّ رُكْنَهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ. وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْأُجْرَةِ وَالْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَتَيْنِ؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُمَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ. وَحُكْمُهَا وُقُوعُ الْمِلْكِ فِي الْبَدَلَيْنِ سَاعَةً فَسَاعَةً وَهَلْ تَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي؟   [رد المحتار] الْحَلْوَانِيُّ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ إذَا وُجِدَ التَّوْقِيتُ وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْكَرْخِيُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ جَزَمَ فِي الْبُرْهَانِ بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ فَقَالَ: لَا تَنْعَقِدُ بِبِعْت مَنْفَعَتَهَا؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَعْدُومِ بَاطِلٌ، فَلَا يَصِحُّ تَمْلِيكًا بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ اهـ وَنُقِلَ مِثْلُهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ) يَعْنِي أَنَّ الْإِجَارَةَ بِلَا عِوَضٍ لَا تَنْعَقِدُ إعَارَةً. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ قَالَ آجَرْتُكَ مَنَافِعَهَا سَنَةً بِلَا عِوَضٍ تَكُونُ إجَارَةً فَاسِدَةً لَا عَارِيَّةً اهـ. وَفِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ آجَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَانَتْ إجَارَةً فَاسِدَةً وَلَا تَكُونُ عَارِيَّةً، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الْعَيْنَ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَانَ بَاطِلًا أَوْ فَاسِدًا لَا هِبَةً، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي عَارِيَّةِ الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: آجَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا بِلَا عِوَضٍ كَانَتْ إعَارَةً، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ شَهْرًا لَا تَكُونُ إعَارَةً اهـ. قَالَ فِي التتارخانية بَلْ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ، وَقَدْ قِيلَ بِخِلَافِهِ اهـ، وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْعَارِيَّةِ (قَوْلُهُ مَنَافِعَهَا شَهْرًا بِكَذَا) تَنَازَعَ فِي هَذِهِ الْمَعْمُولَاتِ الثَّلَاثِ الْفِعْلَانِ قَبْلَهَا، وَمَا فِي الْمَتْنِ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ ذَكَرَهُ بَعْدَهُ لَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمَنَافِعِ لَا يَجُوزُ، بِأَنْ قَالَ آجَرْتُكَ مَنَافِعَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا بِكَذَا وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِإِضَافَتِهِ إلَى الْعَيْنِ اهـ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ، لَكِنْ قَالَ الرَّمْلِيُّ: ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ اهـ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ: لَا تَنْعَقِدُ بِأَجَّرْتُ مَنْفَعَتَهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْدُومَةٌ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ بِإِيرَادِ الْعَقْدِ عَلَى الْعَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ. وَقِيلَ تَنْعَقِدُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمَقْصُودِ مِنْ إضَافَةِ الْإِجَارَةِ إلَى الْعَيْنِ اهـ وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ خِلَافِ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ [رُكْن الْإِجَارَة] 1 (قَوْلُهُ أَفَادَ أَنَّ رُكْنَهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) أَيْ بِقَوْلِهِ هِيَ تَمْلِيكٌ أَوْ بِقَوْلِهِ وَتَنْعَقِدُ تَأَمَّلْ، ثُمَّ الْكَلَامُ فِيهِمَا وَفِي صِفَتِهِمَا كَالْكَلَامِ فِيهِمَا فِي الْبَيْعِ بَدَائِعُ: وَفِي تَكْمِلَةِ الطُّورِيِّ عَنْ التتارخانية، وَتَنْعَقِدُ أَيْضًا بِغَيْرِ لَفْظٍ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً فَلَمَّا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ قَالَ رَبُّهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ فَرِّغْهَا لِي الْيَوْمَ وَإِلَّا فَعَلَيْكَ كُلُّ شَهْرٍ بِأَلْفٍ فَجَعَلَ بِقَدْرِ مَا يَنْقُلُ مَتَاعَهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَإِنْ سَكَنَ شَهْرًا فَهِيَ بِمَا قَالَ اهـ [شُرُوط الْإِجَارَة] 1 (قَوْلُهُ وَشَرْطُهَا إلَخْ) هَذَا عَلَى أَنْوَاعٍ: بَعْضُهَا شَرْطُ الِانْعِقَادِ، وَبَعْضُهَا شَرْطُ النَّفَاذِ، وَبَعْضُهَا شَرْطُ الصِّحَّةِ، وَبَعْضُهَا شَرْطُ اللُّزُومِ، وَتَفْصِيلُهَا مُسْتَوْفًى فِي الْبَدَائِعِ وَلَخَّصَهُ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ كَوْنُ الْأُجْرَةِ وَالْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَتَيْنِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَكَقَوْلِهِ بِكَذَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَيَنْصَرِفُ إلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ، فَلَوْ الْغَلَبَةُ مُخْتَلِفَةً فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ مَا لَمْ يُبَيِّنْ نَقْدًا مِنْهَا فَلَوْ كَانَتْ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا أَوْ عَدَدِيًّا مُتَقَارِبًا فَالشَّرْطُ بَيَانُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَكَذَا مَكَانِ الْإِيفَاءِ لَوْ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ عِنْدَهُ، وَإِلَّا فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ كَبَيَانِ الْأَجَلِ، وَلَوْ كَانَتْ ثِيَابًا أَوْ عُرُوضًا فَالشَّرْطُ بَيَانُ الْأَجَلِ وَالْقَدْرِ وَالصِّفَةِ لَوْ غَيْرَ مُشَارٍ إلَيْهَا، وَلَوْ كَانَتْ حَيَوَانًا فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا بَحْرٌ مُلَخَّصًا. وَأَمَّا الثَّانِي فَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ سَاعَةً فَسَاعَةً) ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ عَرَضٌ لَا تَبْقَى زَمَانَيْنِ، فَإِذَا كَانَ حُدُوثُهُ كَذَلِكَ فَيَمْلِكُ بَدَلَهُ كَذَلِكَ قَصْدًا لِلتَّعَادُلِ، لَكِنْ لَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ إلَّا بِمُضِيِّ مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ كَالْيَوْمِ فِي الدَّارِ وَالْأَرْضِ وَالْمَرْحَلَةِ فِي الدَّابَّةِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَهَلْ تَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي) قَالَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ: وَقَدْ جَوَّزُوهَا فِي الْقُدُورِ تَعَاطِيًا قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ: اسْتَأْجَرَ مِنْ آخَرَ قُدُورًا بِغَيْرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 5 ظَاهِرُ الْخُلَاصَةِ نَعَمْ إنْ عُلِمَتْ الْمُدَّةُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ قَصُرَتْ نَعَمْ وَإِلَّا لَا (وَيُعْلَمُ النَّفْعُ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ كَالسُّكْنَى وَالزِّرَاعَةِ مُدَّةَ كَذَا) أَيَّ مُدَّةٍ كَانَتْ وَإِنْ طَالَتْ وَلَوْ مُضَافَةً كَآجَرْتُكَهَا غَدًا وَلِلْمُؤَجِّرِ بَيْعُهَا الْيَوْمَ، وَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ بِهِ يُفْتَى خَانِيَّةٌ (وَلَمْ تَزِدْ فِي الْأَوْقَافِ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ) فِي الضِّيَاعِ وَعَلَى سَنَةٍ   [رد المحتار] أَعْيَانِهَا لَا يَجُوزُ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهَا صِغَرًا وَكِبَرًا، فَلَوْ قِبَلَهَا الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ جَازَ وَتَكُونُ هَذِهِ إجَارَةً مُبْتَدِئَةً بِالتَّعَاطِي، وَتَخْصِيصُهُ فِي النَّظْمِ بِالْقُدُورِ اتِّبَاعٌ لِلنَّقْلِ وَإِلَّا فَهُوَ مُطَّرِدٌ فِي غَيْرِهَا. فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ غَيْرُ الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي لَا الطَّوِيلَةِ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ فِي سَنَةٍ دَانَقًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ اهـ. وَفِي التتارخانية عَنْ التَّتِمَّةِ: سَأَلْتُ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الرَّجُلِ يَدْخُلُ السَّفِينَةَ أَوْ يَحْتَجِمُ أَوْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ أَوْ يَشْرَبُ الْمَاءَ مِنْ السِّقَاءِ ثُمَّ يَدْفَعُ الْأُجْرَةَ وَثَمَنَ الْمَاءِ. قَالَ: يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْعَقْدِ قَبْلَ ذَلِكَ اهـ. قُلْتُ: وَمِنْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهَا مِنْ انْعِقَادِهَا بِغَيْرِ لَفْظٍ، وَسَيَأْتِي فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ عَنْ الْأَشْبَاهِ السُّكُوتُ فِي الْإِجَارَةِ رِضًا وَقَبُولٌ: وَفِي حَاوِي الزَّاهِدِي رَامِزًا اسْتَأْجَرَ مِنْ الْقَيِّمِ دَارًا وَسَكَنَ فِيهَا ثُمَّ بَقِيَ سَاكِنًا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَأَخَذَ الْقَيِّمُ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِ فِي كُلِّ السَّنَةِ لَا فِي حِصَّةِ مَا أَخَذَ فَقَطْ اهـ، وَمِثْلُهُ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا وَوُجُوبِ الْأَجْرِ بِغَيْرِ عَقْدٍ حَامِدِيَّةٌ (قَوْلُهُ ظَاهِرُ الْخُلَاصَةِ نَعَمْ) عِبَارَتُهَا كَعِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا (قَوْلُهُ إنْ عُلِمْتَ الْمُدَّةَ) صَوَابُهُ الْأُجْرَةُ. قَالَ فِي الْمِنَحِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ: وَمُفَادُهُ أَنَّ الْأُجْرَةَ إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً فِي الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ تَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِي عَدَمِ انْعِقَادِهَا كَوْنَ الْأُجْرَةِ فِيهَا غَيْرَ مَعْلُومَةٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ) يُوهِمُ أَنَّهُ غَيْرُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مَعَ أَنَّ عِبَارَتَهَا وَاحِدَةٌ، ثُمَّ إنَّ الْإِجَارَةَ الطَّوِيلَةَ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهَا الْأُجْرَةُ فِيهَا مَعْلُومَةٌ لَكِنَّهَا فِيمَا عَدَا السَّنَةَ الْأَخِيرَةَ تَكُونُ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ فَتَأَمَّلْ 1 - (قَوْلُهُ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ) ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً كَانَ قَدْرُ الْمَنْفَعَةِ مَعْلُومًا (قَوْلُهُ وَإِنْ طَالَتْ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ لَا يَعِيشَانِ إلَى مِثْلِهَا عَادَةً، وَاخْتَارَهُ الْخَصَّافُ، وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ بَحْرٌ. وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ 1 - (قَوْلُهُ وَلِلْمُؤَجِّرِ بَيْعُهَا الْيَوْمَ) أَيْ قَبْلَ مَجِيءِ وَقْتِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُضَافَةَ تَنْعَقِدُ وَلَكِنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ وَهُوَ أَحَدُ تَصْحِيحَيْنِ. وَأُيِّدَ عَدَمُ اللُّزُومِ بِأَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: فَإِنْ جَاءَ غَدٌ وَالْمُؤَجَّرُ عَادَ إلَى مِلْكِهِ بِسَبَبٍ مُسْتَقْبَلٍ لَا تَعُودُ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ رُدَّ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ أَوْ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ عَادَتْ إنْ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ (قَوْلُهُ فِي الْأَوْقَافِ) وَكَذَا أَرْضُ الْيَتِيمِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَأَفْتَى بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ كَلَامِهِمْ عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ الْمُفْتَى بِهِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِمَا وَهِيَ صَوْنُهُمَا عَنْ دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ بِطُولِ الْمُدَّةِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى رَمْلِيٌّ وَسَيَأْتِي عَنْ الْخَانِيَّةِ أَيْضًا. وَفِي فَتَاوَى الْكَازَرُونِيِّ عَنْ شَيْخِهِ حُنَيْفِ الدِّينِ الْمُرْشِدِيِّ: وَأَمَّا أَرَاضِي بَيْتٍ فَإِطْلَاقُهُمْ يَقْتَضِي جَوَازَهَا مُطْلَقًا. وَأَيْضًا اتِّسَاعُهُمْ فِي جَوَازِ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ فِيهَا بَيْعًا وَإِقْطَاعًا يُفِيدُهُ اهـ مُلَخَّصًا، لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ أَنَّهَا مِثْلُ عَقَارِ الْيَتِيمِ. قَالَ فِي الْحَامِدِيَّةِ وَالْوَجْهُ مَا قَالَهُ اهـ. وَفِي الْخَيْرِيَّةِ مِنْ الدَّعْوَى: أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ جَرَتْ عَلَى رَقَبَتِهَا أَحْكَامُ الْوُقُوفِ الْمُؤَبَّدَةِ اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ) مَحَلُّهُ مَا إذَا آجَرَهُ غَيْرُ الْوَاقِفِ وَإِلَّا فَلَهُ ذَلِكَ. وَفِي الْقُنْيَةِ آجَرَ الْوَاقِفُ عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ خَمْسٍ وَانْتَقَلَ إلَى مَصْرِفٍ آخَرَ انْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ وَيَرْجِعُ بِمَا بَقِيَ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ ط عَنْ سَرِيِّ الدِّينِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 6 فِي غَيْرِهَا كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ. وَالْحِيلَةُ أَنْ يَعْقِدَ عُقُودًا مُتَفَرِّقَةً كُلُّ عَقْدِ سَنَةٍ بِكَذَا، فَيَلْزَمُ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ نَاجِزٌ، لَا الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ، وَلِلْمُتَوَلِّي فَسْخُهُ خَانِيَّةٌ. وَفِيهَا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ مُدَّةً يَتْبَعُ إلَّا إذَا كَانَتْ إجَارَتُهَا أَكْبَرَ نَفْعًا فَيُؤَجِّرُهَا الْقَاضِي لَا الْمُتَوَلِّي؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَامَّةٌ. قُلْتُ: وَقَدَّمْنَا فِي الْوَقْفِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى إبْطَالِ الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ وَلَوْ بِعُقُودٍ، وَسَيَجِيءُ مَتْنًا فَلْيُرَاجَعْ وَلْيُحْفَظْ (فَلَوْ آجَرَهَا الْمُتَوَلِّي أَكْثَرَ لَمْ تَصِحَّ) الْإِجَارَةُ وَتُفْسَخُ فِي كُلِّ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا فَسَدَ فِي بَعْضِهِ فَسَدَ فِي كُلِّهِ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ،   [رد المحتار] قُلْتُ: وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ آخِرَ بَابِ الْفَسْخِ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِهَا) كَالدَّارِ وَالْحَانُوتِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ) أَيْ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ مَتْنًا. قَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا يَخْتَلِفُ زَمَنًا وَمَوْضِعًا اهـ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا مِنْ الْإِطْلَاقِ تَبَعًا لِلْمُتُونِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ هُوَ الْمُخْتَارُ، وَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ مُوَافِقًا لِمَا قَدَّمَهُ فِي الْوَقْفِ هُوَ مَا أَفْتَى بِهِ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالْحِيلَةُ) أَيْ إذَا احْتَاجَ الْقَيِّمُ أَنْ يُؤَجِّرَ الْوَقْفَ إجَارَةَ طَوِيلَةً (قَوْلُهُ مُتَفَرِّقَةً) عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ مُتَرَادِفَةً. قَالَ: وَيَكْتُبُ فِي الصَّكِّ اسْتَأْجَرَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ أَرْضَ كَذَا أَوْ دَارَ كَذَا ثَلَاثِينَ سَنَةً بِثَلَاثِينَ عَقْدًا كُلُّ عَقْدٍ سَنَةً بِكَذَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا شَرْطًا فِي بَعْضٍ اهـ وَلْيَنْظُرْ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْقِدَ عَلَى كُلِّ سَنَةٍ بِعَقْدٍ مُسْتَقِلٍّ أَوْ يَكْفِي قَوْلُهُ اسْتَأْجَرْتُ ثَلَاثِينَ سَنَةً بِثَلَاثِينَ عَقْدًا فَيَنُوبُ عَنْ تَكْرَارِ الْعُقُودِ؟ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ وَالْحِيلَةُ أَنْ يَعْقِدَ عُقُودًا مُتَرَادِفَةً تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كُلُّ عَقْدٍ سَنَةً) أَقُولُ: قَيَّدَ بِالسَّنَةِ لِيَصِحَّ فِي الضِّيَاعِ وَغَيْرِهَا لَا؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ مُطْلَقًا،؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَهُ فِي الضِّيَاعِ كُلَّ عَقْدٍ ثَلَاثَ سِنِينَ صَحَّ، بِخِلَافِ الْأَرْبَعِ فَأَكْثَرَ فِيهَا وَالزَّائِدُ عَلَى السَّنَةِ فِي غَيْرِهَا فَإِنَّ الْحِيلَةَ حِينَئِذٍ لَا تُجْدِي نَفْعًا (قَوْلُهُ لَا الْبَاقِي إلَخْ) مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ مِنْ عَدَمِ لُزُومِ الْمُضَافَةِ كَمَا قَدَّمَهُ وَيَأْتِي (قَوْلُهُ يَتَّبِعُ) أَيْ شَرْطَهُ؛ لِأَنَّ اتِّبَاعَ شَرْطِهِ لَازِمٌ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَتْ إِلَخْ) بِأَنْ كَانَ النَّاسُ لَا يَرْغَبُونَ فِي اسْتِئْجَارِهَا سَنَةً وَإِيجَارُهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ أَدَرَّ عَلَى الْوَقْفِ، وَأَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ إسْعَافٌ (قَوْلُهُ فَيُؤَجِّرُهَا الْقَاضِي) قَالَ فِي الْإِسْعَافِ: وَلَوْ اسْتَثْنَى فِي كِتَابٍ وَقَفَهُ فَقَالَ لَا تُؤَجَّرُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ إلَّا إذَا كَانَ أَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ إيجَارُهَا إذَا رَأَى ذَلِكَ خَيْرًا مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ إلَى الْقَاضِي لِلْإِذْنِ لَهُ مِنْهُ فِيهِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَامَّةٌ) ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ النَّظَرِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْغَائِبِينَ وَالْمَوْتَى إسْعَاف، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ فِي ذَلِكَ لِلْمُتَوَلِّي صَحَّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ قُلْتُ إلَخْ) فَالْحِيلَةُ حِينَئِذٍ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا حَنْبَلِيٌّ كَمَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ مَتْنًا) لَمْ أَرَهُ، نَعَمْ سَيَجِيءُ شَرْحًا بَعْدَ صَفْحَةٍ (قَوْلُهُ وَتُفْسَخُ فِي كُلِّ الْمُدَّةِ) أَيْ لَا فِي الزَّائِدَةِ فَقَطْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إلَخْ) هَذَا مَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ. قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: الْوَصِيُّ إذَا آجَرَ أَرْضَ الْيَتِيمِ أَوْ اسْتَأْجَرَ لِلْيَتِيمِ أَرْضًا بِمَالِ الْيَتِيمِ إجَارَةً طَوِيلَةً رَسْمِيَّةً ثَلَاثَ سِنِينَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ أَبُو الصَّغِيرِ وَمُتَوَلِّي الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الرَّسْمَ فِيهَا أَنْ يُجْعَلَ شَيْءٌ يَسِيرٌ مِنْ مَالِ الْإِجَارَةِ بِمُقَابَلَةِ السِّنِينَ الْأُولَى وَمُعْظَمُ الْمَالِ بِمُقَابَلَةِ السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ لِأَرْضِ الْيَتِيمِ أَوْ الْوَقْفِ لَا تَصِحُّ فِي السِّنِينَ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ، فَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلْيَتِيمِ أَوْ لِلْوَقْفِ فَفِي السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ يَكُونُ الِاسْتِئْجَارُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ فَلَا يَصِحُّ، وَإِذَا فَسَدَتْ فِي الْبَعْضِ فِي الْوَجْهَيْنِ هَلْ يَصِحُّ فِيمَا كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ وَالْوَقْفِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُ الْإِجَارَةَ الطَّوِيلَةَ عَقْدًا وَاحِدًا لَا يَصِحُّ. وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهَا عُقُودًا يَصِحُّ فِيمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 7 وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ: وَأَفَادَ فَسَادَ مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ أَخْذِ كَرْمِ الْوَقْفِ أَوْ الْيَتِيمِ مُسَاقَاةً، فَيَسْتَأْجِرُ أَرْضَهُ الْخَالِيَةَ مِنْ الْأَشْجَارِ بِمَبْلَغٍ كَثِيرٍ، وَيُسَاقِي عَلَى أَشْجَارِهَا بِسَهْمٍ مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ، فَالْحَظُّ ظَاهِرٌ فِي الْإِجَارَةِ لَا فِي الْمُسَاقَاةِ فَمُفَادُهُ فَسَادُ الْمُسَاقَاةِ بِالْأُولَى؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدٌ عَلَى حِدَةٍ.   [رد المحتار] كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ وَلَا يَصِحُّ فِيمَا كَانَ شَرًّا لَهُ، وَالظَّاهِرُ هُوَ الْفَسَادُ فِي الْكُلِّ اهـ، وَقَوْلُهُ ثَلَاثَ سِنِينَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ عُقُودٌ: كُلُّ عَقْدٍ ثَلَاثُ سِنِينَ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَوَّلُ كَلَامِهِ وَآخِرُهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يُفْسَخُ الزَّائِدُ عَلَى الثَّلَاثِ فِي الضِّيَاعِ وَعَلَى السَّنَةِ فِي غَيْرِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ عَقْدًا وَاحِدًا زَائِدًا عَلَى مَا ذُكِرَ أَوْ عُقُودًا مُتَفَرِّقَةً، حَتَّى لَوْ عَقَدَ فِي الضِّيَاعِ عَلَى أَرْبَعِ سِنِينَ مَثَلًا بِعَقْدٍ أَوْ أَكْثَرَ يَصِحُّ فِي ثَلَاثٍ وَيُفْسَخُ فِي الْبَاقِي، وَهَلْ يَحْتَاجُ ذَلِكَ الْفَسْخُ إلَى طَلَبِ النَّاظِرِ أَمْ يَنْفَسِخُ بِدُخُولِ الْمُدَّةِ الزَّائِدَةِ؟ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَتَمَامُهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ. قُلْتُ: لَكِنْ فِي شَرْحِ الْبِيرِيِّ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: اسْتَأْجَرَ حُجْرَةً مَوْقُوفَةً ثَلَاثِينَ سَنَةً بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ فَهِيَ بَاطِلَةٌ إلَّا فِي السَّنَةِ الْأُولَى اهـ وَمِثْلُهُ فِي تَلْخِيصِ الْكُبْرَى مَعْزِيًّا إلَى أَبِي جَعْفَرٍ اهـ، وَمُقْتَضَاهُ الْبُطْلَانُ بِلَا طَلَبٍ (قَوْلُهُ وَأَفَادَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ: قُلْتُ يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا فَسَادُ مَا يَقَعُ إلَخْ (قَوْلُهُ فَيَسْتَأْجِرُ أَرْضَهُ الْخَالِيَةَ) أَيْ بَيَاضَهَا بِدُونِ الْأَشْجَارِ، وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْأَشْجَارِ أَيْضًا لِمَا مَرَّ أَنَّهَا تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ، فَلَوْ وَقَعَتْ عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ قَصْدًا فَهِيَ بَاطِلَةٌ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَسَيَأْتِي فِي إجَارَةِ الظِّئْرِ أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةَ عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْأَعْيَانِ مَقْصُودٌ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ بَقَرَةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا لَا يَصِحُّ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ بُسْتَانًا لِيَأْكُلَ ثَمَرَهُ. قَالَ: وَبِهِ عُلِمَ حُكْمُ إجَارَاتِ الْأَرَاضِي وَالْقُرَى الَّتِي فِي يَدِ الْمُزَارِعِينَ لَا كُلِّ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ مِنْهَا، وَلَا شَكَّ فِي بُطْلَانِهَا وَالْحَالُ هَذِهِ، وَقَدْ أَفْتَيْتُ بِذَلِكَ مِرَارًا اهـ (قَوْلُهُ بِمَبْلَغٍ كَثِيرٍ) أَيْ بِمِقْدَارِ مَا يُسَاوِي أُجْرَةَ الْأَرْضِ وَثَمَنَ الثِّمَارِ (قَوْلُهُ وَيُسَاقِي عَلَى أَشْجَارِهَا) يَعْنِي قَبْلَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَإِلَّا كَانَتْ إجَارَةُ الْأَرْضِ مَشْغُولَةً فَلَا تَصِحُّ كَمَا سَيَأْتِي. وَفِي مَسَائِلِ الشُّيُوعِ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ: اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فِيهَا أَشْجَارٌ أَوْ أَخَذَهَا زِرَاعَةً وَفِيهَا أَشْجَارٌ، إنْ كَانَ فِي وَسَطِهَا لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ فِي الْوَسَطِ شَجَرَتَانِ صَغِيرَتَانِ مَضَى عَلَيْهِمَا حَوْلٌ أَوْ حَوْلَانِ لَا كَبِيرَتَانِ؛ لِأَنَّ وَرَقَهُمَا وَظِلَّهُمَا يَأْخُذُ الْأَرْضَ وَالصِّغَارَ لَا عُرُوقَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ فِي جَانِبٍ مِنْ الْأَرْضِ كَالْمُسَنَّاةِ وَالْجَدَاوِلِ يَجُوزُ لِعَدَمِ الْإِخْلَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ بِسَهْمٍ) أَيْ بِإِعْطَاءِ سَهْمٍ وَاحِدٍ لِلْيَتِيمِ أَوْ الْوَقْفِ وَالْبَاقِي لِلْعَامِلِ (قَوْلُهُ فَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فَتُفْسَخُ فِي كُلِّ الْمُدَّةِ إلَخْ: وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَفَادَهُ مِنْ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ، وَهُوَ بِمَعْنَى مَا اسْتَفَادَهُ مِنْهُ الشَّارِحُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِالْأَوْلَى) وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّهُ إذَا فَسَدَ الْعَقْدُ فِي كُلِّ الْمُدَّةِ مَعَ اشْتِمَالِهِ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لِلْيَتِيمِ وَشَرٌّ لَهُ فَفَسَادُ عَقْدٍ مُسْتَقِلٍّ هُوَ شَرٌّ مَحْضٌ لِلْيَتِيمِ أَوْلَى بِالْفَسَادِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ حَيْثُ فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ بَقِيَتْ الْأَرْضُ مَشْغُولَةً فَيَلْزَمُ فَسَادُ الْإِجَارَةِ أَيْضًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِنْ كَانَ الْحَظُّ وَالْمَصْلَحَةُ فِيهَا ظَاهِرَيْنِ، فَتَنَبَّهْ لِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ. وَفِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ: التَّنْصِيصُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى بَيَاضِ الْأَرْضِ لَا يُفِيدُ الصِّحَّةَ حَيْثُ تَقَدَّمَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ، أَمَّا إذَا تَقَدَّمَ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ بِشُرُوطِهِ كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَإِذَا فَسَدَتْ صَارَتْ الْأُجْرَةُ غَيْرَ مُسْتَحَقَّةٍ لِجِهَةِ الْوَقْفِ وَالْمُسْتَحَقُّ إنَّمَا هُوَ الثَّمَرَةُ فَقَطْ، وَحَيْثُ فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ لِكَوْنِهَا بِجُزْءٍ يَسِيرٍ لِجِهَةِ الْوَقْفِ كَانَ لِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَقْفِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 8 قُلْتُ: وَقَيَّدُوا سِرَايَةَ الْفَسَادِ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِالْفَاسِدِ الْقَوِيِّ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فَيَسْرِي كَجَمْعٍ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ، بِخِلَافِ الضَّعِيفِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَحَلِّهِ وَلَا يَتَعَدَّاهُ كَجَمْعٍ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ فَتَدَبَّرْ، وَجَعَلُوهُ أَيْضًا مِنْ الْفَسَادِ الطَّارِئِ فَتَنَبَّهْ. وَمِنْ حَوَادِثِ الرُّومِ: وَصِيُّ زَيْدٍ بَاعَ ضَيْعَةً مِنْ تَرِكَتِهِ لِدَيْنٍ عَلَى أَنَّهَا مِلْكُهُ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ بَعْضَهَا وَقْفُ مَسْجِدٍ هَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْبَاقِي؟ أَجَابَ فَرِيقٌ بِنَعَمْ وَفَرِيقٌ بِلَا، وَأَلَّفَ بَعْضُهُمْ رِسَالَةً مُلَخَّصُهَا تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْ. وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: آجَرَ ضَيْعَةً وَقْفًا ثَلَاثَ سِنِينَ وَكَتَبَ فِي الصَّكِّ أَنَّهُ أَجَرَ ثَلَاثِينَ عَقْدًا كُلُّ عَقْدٍ عَقِيبَ الْآخَرِ لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى صِيَانَةً لِلْأَوْقَافِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قَضَى قَاضٍ بِصِحَّتِهَا تَجُوزُ وَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ اهـ. قُلْتُ: وَسَيَجِيءُ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ وَالْوَصِيَّ لَوْ آجَرَ بِدُونِ أُجْرَةٍ يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ تَمَامُ أَجْرِ الْمِثْلِ وَأَنَّهُ يَعْمَلُ بِالْأَنْفَعِ لِلْوَقْفِ. وَفِي صُلْحِ الْخَانِيَّةِ مَتَى فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الْبَعْضِ بِمُفْسِدٍ مُقَارِنٍ يَفْسُدُ فِي الْكُلِّ. (وَ) يُعْلَمُ النَّفْعُ أَيْضًا بِبَيَانِ (الْعَمَلِ كَالصِّيَاغَةِ وَالصِّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ)   [رد المحتار] وَأَمَّا مُسَاقَاةُ الْمَالِكِ فَلَا يُنْظَرُ فِيهَا إلَى الْمَصْلَحَةِ كَمَا لَوْ أَجَّرَ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِمَا اسْتَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فَلْيُحْفَظْ (قَوْلُهُ قُلْتُ إلَخْ) هُوَ تَأْيِيدٌ لِمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ ح (قَوْلُهُ فَتَدَبَّرْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنْ تَفْسُدَ فِي الْقَدْرِ الزَّائِدِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جُمِعَ بَيْنَ جَائِزٍ وَفَاسِدٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، وَالْفَسَادُ غَيْرُ قَوِيٍّ لِعَدَمِ الِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ فَلَا يَسْرِي؛ لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ لَمْ يُقَدِّرُوهَا بِمُدَّةٍ (قَوْلُهُ وَجَعَلُوهُ أَيْضًا مِنْ الْفَسَادِ الطَّارِئِ) هَذِهِ تَقْوِيَةٌ أُخْرَى: أَيْ فَلَا يَسْرِي وَفِي كَوْنِهِ طَارِئًا تَأَمُّلٌ ط. قُلْتُ: لَعَلَّ وَجْهَ طَرَيَانِهِ كَوْنُهَا تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً (قَوْلُهُ فَتَنَبَّهْ) لَعَلَّهُ أَشَارَ بِهِ إلَى مَا قُلْنَا (قَوْلُهُ وَمِنْ حَوَادِثِ الرُّومِ إِلَخْ) تَقْوِيَةٌ أُخْرَى، فَإِنَّ الْبَيْعَ أَقْوَى مِنْ الْإِجَارَةِ، وَقَدْ صَدَرَ فِي الْمِلْكِ وَالْوَقْفِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ، وَصَحَّ فِي الْمِلْكِ ط (قَوْلُهُ لِدَيْنٍ) أَيْ عَلَى زَيْدٍ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهَا مِلْكُهُ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا كُلَّهَا كَانَتْ مِلْكَ زَيْدٍ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ مُلَخَّصُهَا تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ) قَدَّمْنَا عَنْ النَّهْرِ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عِنْدَ قَوْلِهِ بِخِلَافِ بَيْعِ قِنٍّ ضُمَّ إلَى مُدَبَّرٍ مَا يُؤَيِّدُهُ (قَوْلُهُ فَتَأَمَّلْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ تَصِحُّ فِيمَا عَدَا الزَّائِدَ كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى لِمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى إِلَخْ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَأْيِيدًا رَابِعًا بِقَوْلِهِ وَلَوْ قَضَى قَاضٍ بِصِحَّتِهَا يَجُوزُ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ مِثْلُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ لَا الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فَيَكُونُ تَأْيِيدًا لِلتَّأْيِيدِ الْأَوَّلِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ شُرُوعٌ فِي تَأْيِيدِ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ أَطْلَقَ عَدَمَ الصِّحَّةِ فَشَمِلَتْ الْعُقُودَ كُلَّهَا مَعَ أَنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ نَاجِزٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ عَدَمُ صِحَّتِهِ أَيْضًا. وَوَجْهُهُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ عَقْدٌ وَاحِدٌ صُورَةً وَإِنْ كَانَ عُقُودًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بَعْضُهَا يَنْعَقِدُ فِي الْحَالِ وَبَعْضُهَا مُضَافٌ إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ اهـ. (قَوْلُهُ ثَلَاثَ سِنِينَ) صَوَابُهُ ثَلَاثِينَ سَنَةً كَمَا هُوَ فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهَا، وَوَجَدْته كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مُصَلَّحًا (قَوْلُهُ صِيَانَةً لِلْأَوْقَافِ) أَيْ مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ الْمُسْتَأْجِرُ مِلْكِيَّتَهَا لِطُولِ الْمُدَّةِ وَإِلَّا فَالْوَجْهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ نَاجِزٌ وَمَا بَعْدَهُ مُضَافٌ، وَفِي لُزُومِهِ تَصْحِيحَانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَكِنْ اُعْتُبِرَ عَقْدًا وَاحِدًا كَمَا مَرَّ لِأَجَلٍ وَلِهَذَا قَدَّرَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ بِالسَّنَةِ أَوْ الثَّلَاثِ مُخَالِفِينَ لِمَذْهَبِ الْمُتَقَدِّمِينَ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَضَى قَاضٍ إلَخْ) أَيْ مُسْتَوْفِيًا شَرَائِطَ الْقَضَاءِ وَلَكِنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ، أَمَّا قُضَاةُ زَمَانِنَا الْحَنَفِيَّةُ الْمَأْمُورُونَ بِالْحُكْمِ بِمُعْتَمَدِ الْمَذْهَبِ فَلَا تَصِحُّ (قَوْلُهُ قُلْت وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْبَابِ هَذَا تَأْيِيدٌ أَيْضًا لِمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ حَيْثُ اخْتَلَفَتْ الْآرَاءُ فِي سِرَايَةِ الْفَسَادِ وَعَدَمِهَا يُرَجَّحُ مَا هُوَ الْأَنْفَعُ لِلْوَقْفِ وَهُوَ السَّرَيَانُ لِئَلَّا يُقَدَّمَ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى هَذَا الْعَقْدِ (قَوْلُهُ وَفِي صُلْحِ الْخَانِيَّةِ) ذَكَرَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 9 بِمَا يَرْفَعُ الْجَهَالَةَ، فَيُشْتَرَطُ فِي اسْتِئْجَارِ الدَّابَّةِ لِلرُّكُوبِ بَيَانُ الْوَقْتِ أَوْ الْمَوْضِعِ، فَلَوْ خَلَا عَنْهُمَا فَهِيَ فَاسِدَةٌ بَزَّازِيَّةٌ. (وَ) يُعْلَمُ أَيْضًا (بِالْإِشَارَةِ كَنَقْلِ هَذَا الطَّعَامِ إلَى كَذَا) . (وَ) اعْلَمْ أَنَّ (الْأَجْرَ لَا يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ فَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ) بِهِ (بَلْ بِتَعْجِيلِهِ أَوْ شَرْطِهِ فِي الْإِجَارَةِ) الْمُنَجَّزَةِ، أَمَّا الْمُضَافَةُ فَلَا تُمْلَكُ فِيهَا الْأُجْرَةُ بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ إجْمَاعًا. وَقِيلَ تُجْعَلُ عُقُودًا فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ فَيَفِي بِرِوَايَةِ تَمَلُّكِهَا بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ لِلْحَاجَةِ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ (أَوْ الِاسْتِيفَاءِ)   [رد المحتار] الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ تَأْيِيدًا لِمَا رَجَّحَهُ، وَلَكِنْ مَا فِي الْخَانِيَّةِ ذَكَرَهُ فِي صُلْحِ الزَّوْجَةِ عَنْ نَصِيبِهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهَا مِنْ الدَّيْنِ لِلْوَرَثَةِ وَفِي شُمُولِ ذَلِكَ لِمَسْأَلَتِنَا تَأَمُّلٌ، إذْ قَدْ مَرَّ أَنَّهُمْ جَعَلُوهَا مِنْ الْفَسَادِ الطَّارِئِ وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ فِي الْفَسَادِ الْمُقَارِنِ، نَعَمْ مَا نَقَلْنَاهُ سَابِقًا عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْفَسَادُ فِي الْكُلِّ يُفِيدُ تَرْجِيحَهُ، وَحَيْثُ عَلِمْتَ مَا مَرَّ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ الطَّوِيلَةُ إذَا كَانَتْ عُقُودًا مَعَ أَنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ نَاجِزٌ، فَمَا ظَنُّكَ فِيمَا إذَا كَانَتْ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ لَفْظًا وَمَعْنًى؛ فَالظَّاهِرُ اعْتِمَادُ مَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَلَامِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ، فَإِنَّ لَهُ سَنَدًا قَوِيًّا وَهُوَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَجَوَاهِرِ الْفَتَاوَى، هَذَا مَا ظَهَرَ لِلْفَهْمِ الْقَاصِرِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ بِمَا يَرْفَعُ الْجَهَالَةَ) فَلَا بُدَّ أَنْ يُعَيِّنَ الثَّوْبَ الَّذِي يُصْبَغُ وَلَوْنَ الصِّبْغِ، أَحْمَرُ أَوْ نَحْوُهُ وَقَدْرَ الصِّبْغِ إذَا كَانَ يَخْتَلِفُ. وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِقَصْرِ عَشَرَةِ أَثْوَابٍ وَلَمْ يَرَهَا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِغِلَظِهِ وَرِقَّتِهِ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بَيَانُ الْوَقْتِ أَوْ الْمَوْضِعِ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيُشَيِّعَ عَلَيْهَا أَوْ يَسْتَقْبِلَ الْحَاجَّ لَا يَصِحُّ بِلَا ذِكْرِ وَقْتٍ أَوْ مَوْضِعٍ. وَفِيهَا: اسْتَأْجَرَهَا مِنْ الْكُوفَةِ إلَى الْحِيرَةِ يَبْلُغُ عَلَيْهَا إلَى مَنْزِلِهِ وَيَرْكَبُهَا مِنْ مَنْزِلِهِ وَكَذَا فِي حَمْلِ الْمَتَاعِ. وَفِيهَا: اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَعْمَلَ لَهُ يَوْمًا فَمِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ (قَوْلُهُ فَهِيَ فَاسِدَةٌ) أَيْ فَلَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ إلَّا بِحَقِيقَةِ الِانْتِفَاعِ ط 1 - (قَوْلُهُ بِالْإِشَارَةِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ الْمَنْقُولَ وَالْمَكَانَ الْمَنْقُولَ إلَيْهِ صَارَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً، وَهَذَا النَّوْعُ قَرِيبٌ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ زَيْلَعِيٌّ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِشَارَةَ أَغْنَتْ عَنْ بَيَانِ الْمِقْدَارِ فَقَطْ (قَوْلُهُ لَا يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ) أَيْ لَا يَمْلِكُ بِهِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْكَنْزِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَشَأْنُ الْبَدَلِ أَنْ يَكُونَ مُقَابِلًا لِلْمُبْدَلِ، وَحَيْثُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا حَالًا لَا يَلْزَمُ بَدَلُهَا حَالًا إلَّا إذَا شَرَطَهُ وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ عَجَّلَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُلْتَزِمًا لَهُ بِنَفْسِهِ حِينَئِذٍ وَأَبْطَلَ الْمُسَاوَاةَ الَّتِي اقْتَضَاهَا الْعَقْدُ فَصَحَّ (قَوْلُهُ بَلْ بِتَعْجِيلِهِ) فِي الْعَتَّابِيَّةِ: إذَا عَجَّلَ الْأُجْرَةَ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِرْدَادَ، وَلَوْ كَانَتْ عَيْنًا فَأَعَارَهَا أَوْ أَوْدَعَهَا رَبُّ الدَّارِ كَالتَّعْجِيلِ وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ بَاعَهُ بِالْأُجْرَةِ عَيْنًا وَقَبَضَ جَازَ لِتَضَمُّنِهِ تَعْجِيلَ الْأُجْرَةِ طُورِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ شَرَطَهُ) فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا وَحَبْسُ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَيْهَا وَحَبْسُ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ عَنْهُ، وَلَهُ حَقُّ الْفَسْخِ إنْ لَمْ يُعَجِّلْ لَهُ الْمُسْتَأْجِرُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، لَكِنْ لَيْسَ لَهُ بَيْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا بَحْرٌ، وَانْظُرْ كَيْفَ جَازَ هَذَا الشَّرْطُ مَعَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَفِيهِ نَفْعُ أَحَدِهِمَا ط. قُلْتُ: هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ إسْقَاطٌ لِمَا اسْتَحَقَّهُ مِنْ الْمُسَاوَاةِ الَّتِي اقْتَضَاهَا الْعَقْدُ فَهُوَ كَإِسْقَاطِ الْمُشْتَرِي حَقَّهُ فِي وَصْفِ السَّلَامَةِ فِي الْمَبِيعِ وَإِسْقَاطِ الْبَائِعِ تَعْجِيلَ الثَّمَنِ بِتَأْخِيرِهِ عَنْ الْمُشْتَرِي مَعَ أَنَّ الْعَقْدَ اقْتَضَى السَّلَامَةَ وَقَبْضَ الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَمَّا الْمُضَافَةُ إلَخْ) أَيْ فَيَكُونُ الشَّرْطُ بَاطِلًا وَلَا يَلْزَمُهُ لِلْحَالِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ فِيهَا بِالتَّصْرِيحِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمُضَافُ إلَى وَقْتٍ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا قَبْلَهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِالشَّرْطِ، بِخِلَافِ الْمُنَجَّزَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ اقْتَضَى الْمُسَاوَاةَ وَلَيْسَ بِمُضَافٍ صَرِيحًا فَيَبْطُلُ مَا اقْتَضَاهُ بِالتَّصْرِيحِ بِخِلَافِهِ زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَقِيلَ تُجْعَلُ عُقُودًا إلَخْ) هَذَا الْكَلَامُ فِي الْمُضَافَةِ الطَّوِيلَةِ وَهِيَ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى. وَلَهَا صُورَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنْ يُؤَجِّرَهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً عُقُودًا مُتَوَالِيَةً غَيْرَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ آخِرِ كُلِّ سَنَةٍ وَيَجْعَلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 10 لِلْمَنْفَعَةِ (أَوْ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ) إلَّا فِي ثَلَاثٍ مَذْكُورَةٍ فِي الْأَشْبَاهِ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ (فَيَجِبُ الْأَجْرُ لِدَارٍ قُبِضَتْ وَلَمْ تُسْكَنْ) لِوُجُودِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ، وَهَذَا (إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً، أَمَّا فِي الْفَاسِدَةِ فَلَا) يَجِبُ الْأَجْرُ (إلَّا بِحَقِيقَةِ الِانْتِفَاعِ) كَمَا بَسَطَ فِي الْعِمَادِيَّةِ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْإِسْعَافِ إخْرَاجُ الْوَقْفِ فَتَجِبُ أُجْرَتُهُ فِي الْفَاسِدِ بِالتَّمَكُّنِ كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ.   [رد المحتار] مُعْظَمَ الْأُجْرَةِ لِلسَّنَةِ الْأَخِيرَةِ وَالْبَاقِي لِمَا قَبْلَهَا، أَمَّا اسْتِثْنَاءُ الْأَيَّامِ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا قَادِرًا عَلَى الْفَسْخِ، وَأَمَّا جَعْلُ الْأُجْرَةِ الْقَلِيلَةِ لِمَا عَدَا الْأَخِيرَةَ فَلِئَلَّا يَفْسَخَ الْمُؤَجِّرُ الْإِجَارَةَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، فَلَوْ أَمِنَا الْفَسْخَ لَا تَلْزَمُ الْقُيُودُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُضَافَةَ لَازِمَةٌ، فَإِذَا احْتَاجَ النَّاظِرُ إلَى تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ يَعْقِدُ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ أَوْرَدَ أَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَتْ عَقْدًا وَاحِدًا يَلْزَمُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِنْ عُقُودًا فَلَا تُمْلَكُ بِالتَّعْجِيلِ وَلَا بِاشْتِرَاطِهِ؛ لِأَنَّهَا مُضَافَةٌ فَيَفُوتُ الْغَرَضُ. وَأُجِيبَ إنَّمَا اخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ مِنْ أَنَّهَا تُجْعَلُ عَقْدًا وَاحِدًا فِي حَقِّ مِلْكِ الْأُجْرَةِ بِالتَّعْجِيلِ أَوْ اشْتِرَاطِهِ وَعُقُودًا فِي حَقِّ سَائِرِ الْأَحْكَامِ؛ وَبِأَنَّا لَمْ نَجْعَلْ تِلْكَ الْأَيَّامَ مُدَّةَ خِيَارٍ بَلْ خَارِجَةً عَنْ الْعَقْدِ، وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ غَيْرُ مُحَرَّرٍ (قَوْلُهُ أَوْ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ) فِي الْهِدَايَةِ: وَإِذَا قَبَضَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهَذِهِ مُقَيَّدَةٌ بِقُيُودٍ: أَحَدُهُمَا التَّمَكُّنُ، فَإِنْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ سَلَّمَ الدَّارَ مَشْغُولَةً بِمَتَاعِهِ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ. الثَّانِي أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً، فَلَوْ فَاسِدَةً فَلَا بُدَّ مِنْ حَقِيقَةِ الِانْتِفَاعِ. الثَّالِثُ أَنَّ التَّمَكُّنَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ، حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْكُوفَةِ فَأَسْلَمَهَا فِي بَغْدَادَ بَعْدَ الْمُدَّةِ فَلَا أَجْرَ. الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ مُتَمَكِّنًا فِي الْمُدَّةِ، فَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا إلَى الْكُوفَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَذَهَبَ بَعْدَ مُضِيِّ الْيَوْمِ بِالدَّابَّةِ وَلَمْ يَرْكَبْ لَمْ يَجِبْ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَمَكَّنَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ طُورِيٌّ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْأَوْلَى ذِكْرُ الْقُيُودِ فَيُسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ إلَّا فِي ثَلَاثٍ كَمَا سَيَظْهَرُ لَكَ (قَوْلُهُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ) الْأُولَى إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً. الثَّانِيَةُ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ خَارِجَ الْمِصْرِ فَحَبَسَهَا عِنْدَهُ وَلَمْ يَرْكَبْهَا. الثَّالِثَةُ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا كُلَّ يَوْمٍ بِدَانَقٍ فَأَمْسَكَهُ سِنِينَ مِنْ غَيْرِ لُبْسٍ لَمْ يَجِبْ أَجْرُ مَا بَعْدَ الْمُدَّةِ الَّتِي لَوْ لَبِسَهُ فِيهَا لَتَخَرَّقَ، وَفِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ نَظَرٌ،؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّحِيحَةِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْمَتْنِ عَلَى أَنَّ الْفَاسِدَةَ سَيَذْكُرُهَا، وَلِأَنَّ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ يُسْتَغْنَى عَنْهُمَا بِذِكْرِ الْقُيُودِ السَّابِقَةِ لِلْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ الثَّانِيَةَ خَارِجَةٌ بِالْقَيْدِ الثَّالِثِ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ فِي الْمَكَانِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الْعَقْدُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلرُّكُوبِ فِي الْمِصْرِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ إتْقَانِي، وَالثَّالِثَةُ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا التَّمَكُّنُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي سَقَطَ أَجْرُهَا فَهِيَ خَارِجَةٌ بِالرَّابِعِ (قَوْلُهُ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى هَذَا) أَيْ الْأَخِيرِ وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ ط (قَوْلُهُ لِدَارٍ قُبِضَتْ) أَيْ خَالِيَةٍ مِنْ الْمَوَانِعِ (قَوْلُهُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الِانْتِفَاعِ) أَيْ إذَا وُجِدَ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ جِهَةِ الْآخَرِ، أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا أَجْرَ وَإِنْ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ إتْقَانِي. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَجْرَ الْوَاجِبَ فِي الْفَاسِدَةِ مُخْتَلِفٌ، تَارَةً يَكُونُ الْمُسَمَّى، وَتَارَةً يَكُونُ أَجْرَ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَتَارَةً لَا يَتَجَاوَزُ الْمُسَمَّى، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِهَا (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ مَا فِي الْإِسْعَافِ) حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا أَوْ دَارًا وَقْفًا إجَارَةً فَاسِدَةً فَزَرَعَهَا أَوْ سَكَنَهَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مِثْلِهَا وَإِلَّا لَا عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ. قَالَ فِي الْمِنَحِ: فَأَخَذَ مَوْلَانَا صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ مَفْهُومِهِ مَا ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ لُزُومَ الْأَجْرِ عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهَذَا ظَاهِرٌ. إذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ ظَهَرَ لَكَ أَنَّ مُنْلَا خُسْرو أَطْلَقَ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ اهـ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّهُ وَارِدٌ عَلَى مَتْنِهِ أَيْضًا. وَتَعَقَّبَهُ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ فَقَالَ: لَمْ نَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ كَلَامًا. وَاَلَّذِي رَأَيْنَاهُ فِي وَقْفِ النَّاصِحِيِّ: وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً فَقَبَضَهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَلَمْ يَزْرَعْ الْأَرْضَ أَوْ لَمْ يَسْكُنْ الدَّارَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 11 قُلْتُ: وَهَلْ مَالُ الْيَتِيمِ وَالْمُعَدُّ لِلِاسْتِغْلَالِ وَالْمُسْتَأْجَرُ فِي الْبَيْعِ وَفَاءٌ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ عُلَمَاءُ الرُّومِ كَذَلِكَ؟ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ فَلْيُرَاجَعْ، وَبِقَوْلِهِ (وَيَسْقُطُ الْأَجْرُ بِالْغَصْبِ) أَيْ بِالْحَيْلُولَةِ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْعَيْنِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْغَصْبِ لَا تَجْرِي فِي الْعَقَارِ، وَهَلْ تَنْفَسِخُ بِالْغَصْبِ؟ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ نَعَمْ خِلَافًا لِقَاضِي خَانْ، وَلَوْ غُصِبَ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ فَبِحِسَابِهِ (إلَّا إذَا أَمْكَنَ إخْرَاجُ الْغَاصِبِ) مِنْ الدَّارِ مَثَلًا (بِشَفَاعَةٍ أَوْ حِمَايَةٍ) أَشْبَاهٌ (وَلَوْ أَنْكَرَ ذَلِكَ) أَيْ الْغَصْبَ (الْمُؤَجِّرُ) وَادَّعَاهُ الْمُسْتَأْجِرُ (وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ بِحُكْمِ الْحَالِ) كَمَسْأَلَةِ الطَّاحُونَةِ،   [رد المحتار] لِلْوَقْفِ فَاسِدًا لَا يُعَدُّ غَاصِبًا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْأَجْنَاسِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ. قَالَ وَلَا تُزَادُ عَلَى مَا رَضِيَ بِهِ الْمُؤَجِّرُ اهـ. أَقُولُ: عَدَمُ الْوُقُوفِ عَلَى التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُنَافِيهِ أَبُو السُّعُودِ فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ: أَيْ الِاحْتِمَالُ أَنَّ مَا فِي وَقْفِ النَّاصِحِيِّ وَالْأَجْنَاسِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَلَا يُنَافِي مَفْهُومَ الْإِسْعَافِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَأْجَرُ فِي الْبَيْعِ وَفَاءً) بِفَتْحِ الْجِيمِ، يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ مِنْ الْمُشْتَرِي مَا بَاعَهُ مِنْهُ وَفَاءٌ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ صَحَّ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ الْكَفَالَةِ. قَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ: قُلْتُ وَعَلَيْهِ فَلَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَبَقِيَ فِي يَدِهِ، فَأَفْتَى عُلَمَاءُ الرُّومِ بِلُزُومِ أَجْرِ الْمِثْلِ. وَاعْتَرَضَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيُّ بِأَنَّ الْأَمْلَاكَ الْحَقِيقِيَّةَ لَمْ تَجِبْ الْأُجْرَةُ بِالتَّمَكُّنِ فِي فَاسِدِ إجَارَتِهَا فَكَيْفَ هَذَا اهـ. وَقَالَ ط: وَفِيهِ أَنَّهُ إجَارَةٌ أَصْلًا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَتَدَبَّرْ اهـ. أَقُولُ: وَلَا سِيَّمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّهُ حُكْمُ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْأَجْرُ وَلَوْ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ فِي الْمُدَّةِ وَلَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ. وَأَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ وَالْحَامِدِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الرَّهْنِ، خِلَافًا لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْجَلَبِيِّ قُبَيْلَ الْكَفَالَةِ. وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: مَنْ جَعَلَهُ فَاسِدًا قَالَ لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَكَذَا مَنْ جَعَلَهُ رَهْنًا، وَمَنْ جَوَّزَهُ جَوَّزَ الْإِجَارَةَ مِنْ الْبَائِعِ وَغَيْرِهِ وَأَوْجَبَ الْأَجْرَ اهـ. (قَوْلُهُ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ) أَقُولُ: لَا تَرَدُّدَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ وَهَذَا مِنْ قَبِيلِهِ سَائِحَانِيٌّ، وَيُنَافِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبِيرِيِّ مِنْ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لِلْوَقْفِ فَاسِدًا لَا يُعَدُّ غَاصِبًا إلَخْ 1 - (قَوْلُهُ بِالْغَصْبِ) ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَحَلِّ إنَّمَا أُقِيمَ مَقَامَ تَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ، فَإِذَا فَاتَ التَّمَكُّنُ فَاتَ التَّسْلِيمُ مِنَحٌ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: فَلَوْ لَمْ تَفُتْ الْمَنْفَعَةُ بِالْغَصْبِ كَغَصْبِ الْأَرْضِ الْمُقَرَّرَةِ لِلْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ مَعَ الْغَرْسِ، وَالْبِنَاءِ لَا تَسْقُطُ لِوُجُودِهِ مَعَهُ وَهِيَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا تَجْرِي فِي الْعَقَارِ) أَيْ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ وَهَلْ تَنْفَسِخُ بِالْغَصْبِ إلَخْ) ثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا زَالَ الْغَصْبُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْفَسْخِ يَسْتَوْفِي مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ بِحِسَابِهِ أَبُو السُّعُودِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ غُصِبَ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ فَبِحِسَابِهِ) وَكَذَا لَوْ سَلَّمَهُ الدَّارَ إلَّا بَيْتًا أَوْ سَكَنَ مَعَهُ فِيهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ: وَيَسْقُطُ الْأَجْرُ بِغَرَقِ الْأَرْضِ قَبْلَ زَرْعِهَا، وَإِنْ اصْطَلَمَهُ آفَةٌ سَمَاوِيَّةٌ لَزِمَهُ الْأَجْرُ تَامًّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ زَرَعَهَا، وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَجْرُ مَا مَضَى فَقَطْ إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ زَرْعِ مِثْلِهِ فِي الضَّرَرِ اهـ وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ قُبَيْلَ فَسْخِ الْإِجَارَةِ وَيَذْكُرُ أَنَّهُ اعْتَمَدَهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَأَنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ جَزَمَ بِالْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ بِشَفَاعَةٍ) أَيْ بِاسْتِعْطَافِ خَاطِرِ الْغَاصِبِ أَوْ حِمَايَةِ أَيْ دَفْعِ ذِي شَوْكَةٍ، فَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ لَا تَسْقُطُ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَّا بِإِنْفَاقِ مَالٍ فَلَا يَلْزَمُهُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا ذَكَرَهُ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ بِحُكْمِ الْحَالِ) فَإِنْ كَانَ فِيهَا غَيْرُ الْمُسْتَأْجِرِ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَمَسْأَلَةِ الطَّاحُونَةِ) يَعْنِي لَوْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فِي أَصْلِ انْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 12 وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ السَّاكِنِ؛ لِأَنَّهُ فَرْدٌ ذَخِيرَةٌ وَبِقَوْلِهِ (وَلَا يَعْتِقُ قَرِيبُ الْمُؤَجِّرِ لَوْ كَانَ أُجْرَةً) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِالْعَقْدِ، وَالْمُرَادُ مِنْ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ تَسْلِيمُ الْمَحَلِّ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِحَيْثُ لَا مَانِعَ مِنْ الِانْتِفَاعِ (فَلَوْ سَلَّمَهُ) الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ (بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الْمُدَّةِ) الْمُؤَجَّرَةِ (فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِامْتِنَاعُ) مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ فِي بَاقِي الْمُدَّةِ (إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَقْتٌ يُرْغَبُ فِيهَا لِأَجْلِهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا) أَيْ فِي الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ (وَقْتٌ كَذَلِكَ) كَبُيُوتِ مَكَّةَ وَمِنًى وَحَوَانِيتِهِمَا زَمَنَ الْمَوْسِمِ فَإِنَّهُ لَا يُرْغَبُ فِيهَا بَعْدَ الْمَوْسِمِ، فَلَوْ لَمْ يُسَلِّمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرْغَبُ لِأَجْلِهِ (خُيِّرَ فِي قَبْضِ الْبَاقِي) كَمَا فِي الْبَيْعِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَلَوْ سَلَّمَهُ الْمِفْتَاحَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْفَتْحِ لِضَيَاعِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْفَتْحُ بِلَا كُلْفَةٍ وَجَبَ الْأَجْرُ وَإِلَّا لَا أَشْبَاهٌ.   [رد المحتار] وَفِي الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ فِي الِاخْتِلَافِ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة: الِاخْتِلَافُ هُنَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا فِي مِقْدَارِ الْمُدَّةِ بِأَنْ قَالَ الْمُؤَجِّرُ انْقَطَعَ الْمَاءُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَالْمُسْتَأْجِرُ عَشَرَةً، وَإِمَّا فِي أَصْلِ الِانْقِطَاعِ بِأَنْ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ انْقَطَعَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَأَنْكَرَهُ الْمُؤَجِّرُ، فَفِي أَوَّلِ الْقَوْلِ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَفِي الثَّانِي يُحَكَّمُ الْحَالُ، إنْ كَانَ الْمَاءُ جَارِيًا وَقْتَ الْخُصُومَةِ فَالْقَوْلُ لِلْمُؤَجِّرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ مُنْقَطِعًا وَقْتَهَا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ اهـ مُلَخَّصًا: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلِذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ أَقَامَ الْمُسْتَأْجِرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَاءَ كَانَ مُنْقَطِعًا فِيمَا مَضَى يَقْضِي بِهَا وَإِنْ كَانَ جَارِيًا لِلْحَالِ اهـ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ آخِرَ بَابِ ضَمَانِ الْأَجِيرِ (قَوْلُهُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ السَّاكِنُ إلَخْ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ يَعْنِي لَوْ آجَرَهُ الدَّارَ وَفِيهَا شَخْصٌ سَاكِنٌ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَقَالَ بَعْدَ الْمُدَّةِ مَنَعَنِي السَّكَنَ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ وَالسَّاكِنُ مُقِرٌّ أَوْ جَاحِدٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ السَّاكِنِ؛ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى الْغَيْرِ أَوْ مُقِرٌّ وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ لَا يُقْبَلُ، فَبَقِيَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا، فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ هُوَ السَّاكِنُ حَالَ الْمُنَازَعَةِ فَالْقَوْلُ لِلْمُؤَجِّرِ، وَإِنْ كَانَ السَّاكِنُ غَيْرَهُ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ ذَخِيرَةٌ 1 - (قَوْلُهُ وَبِقَوْلِهِ) عَطْفٌ عَلَى بِقَوْلِهِ السَّابِقِ فَيُفِيدُ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى التَّمَكُّنِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ مِنْ فُرُوعِ قَوْلِهِ وَلَا يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ فَكَانَ عَلَيْهِ إبْقَاءُ الْمَتْنِ عَلَى حَالِهِ وَجَعْلُهَا مَسْأَلَةً مُسْتَقِلَّةً (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِالْعَقْدِ) فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْأُجْرَةِ وَالْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ بِهَا. قُلْتُ: لَا إذْ ذَلِكَ بِنَاءٌ عَلَى وُجُودِ السَّبَبِ فَصَارَ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ بَعْدَ الْجَرْحِ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ مِنْ تَمَكُّنِهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ تَفْرِيعٌ عَلَى مُقَدَّرٍ (قَوْلُهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ) يَشْمَلُ الْوَكِيلَ بِالِاسْتِئْجَارِ، لَكِنْ لَوْ سَكَنَهَا الْوَكِيلُ بِنَفْسِهِ قَالَ الثَّانِي لَا أَجْرَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ،؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْوَكِيلِ كَقَبْضِهِ فَوَقَعَ الْقَبْضُ أَوَّلًا لِلْمُوَكِّلِ وَصَارَ الْوَكِيلُ بِالسُّكْنَى غَاصِبًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ يُسْقِطُ الْأَجْرَ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ سَلَّمَهُ) أَيْ أَرَادَ تَسْلِيمَهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ الْمُؤَجَّرَةَ) مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ ح أَيْ الْمُؤَجَّرَ فِيهَا بِخِلَافِ الْمُؤَجَّرِ الْأَوَّلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ) أَيْ إذَا اشْتَرَى نَحْوَ بُيُوتِ مَكَّةَ قَبْلَ زَمَنِ الْمَوْسِمِ فَلَمْ يَقَعْ التَّسْلِيمُ إلَّا بَعْدَ فَوْتِهِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُخَيَّرُ لِفَوَاتِ الرَّغْبَةِ ط وَلَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ فَلْيُرَاجَعْ. وَقَالَ ح: يَعْنِي إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَبِيعِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُتَخَيَّرُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ اهـ. قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الرَّحْمَتِيُّ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ وَقْتًا يُرْغَبُ فِيهِ أَوْ لَا لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ: وَلِأَنَّهُ حَيْثُ مَنَعَهُ مِنْ التَّسْلِيمِ فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ رُبَّمَا يَكُونُ مُضْطَرًّا إلَى الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ فَيَسْتَأْجِرُ غَيْرَهَا، فَإِذَا أَلْزَمَهَا بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الْمُدَّةِ رُبَّمَا يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. وَالْأَظْهَرُ مَا قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ: أَيْ إذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْبَيْعِ الصِّفَةُ الَّتِي اشْتَرَاهَا لِلرَّغْبَةِ فِيهَا كَالْخِيَاطَةِ وَالْكِتَابَةِ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ لِضَيَاعِهِ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ. وَعِبَارَةُ الذَّخِيرَةِ: وَفِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ: آجَرَ مِنْ آخَرَ حَانُوتًا وَدَفَعَ إلَيْهِ الْمِفْتَاحَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى فَتْحِهِ وَضَلَّ الْمِفْتَاحَ أَيَّامًا ثُمَّ وَجَدَهُ، فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ فَتْحُهُ بِهِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ مَا مَضَى وَإِلَّا فَلَا. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 13 قُلْتُ: وَكَذَا لَوْ عَجَزَ الْمُسْتَأْجِرُ عَنْ الْفَتْحِ بِهَذَا الْمِفْتَاحِ لَمْ يَكُنْ تَسْلِيمًا؛ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ لَمْ تَصِحَّ صَيْرَفِيَّةٌ وَلَوْ اخْتَلَفَا بِحُكْمِ الْحَالِ، وَلَوْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَةُ الْمُؤَجِّرِ ذَخِيرَةٌ وَكَذَا الْبَيْعُ. وَقِيلَ إنْ قَالَ لَهُ اقْبِضْ الْمِفْتَاحَ وَافْتَحْ الْبَابَ فَهُوَ تَسْلِيمٌ وَإِلَّا لَا كَمَا بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ (وَلِلْمُؤَجِّرِ طَلَبُ الْأَجْرِ لِلدَّارِ وَالْأَرْضِ) كُلَّ يَوْمٍ (وَلِلدَّابَّةِ كُلَّ مَرْحَلَةٍ) إذَا أَطْلَقَهُ، وَلَوْ بَيَّنَ تَعَيَّنَ وَلِلْخِيَاطَةِ (وَنَحْوِهَا) مِنْ الصَّنَائِعِ (إذَا فَرَغَ وَسَلَّمَهُ) فَهَلَكَهُ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ يَسْقُطُ الْأَجْرُ،   [رد المحتار] إنْ قَدَرَ عَلَى الْفَتْحِ بِلَا مُؤْنَةٍ لَزِمَ الْأَجْرُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْتَجَّ وَيَقُولَ هَلَّا كَسَرْتَ الْغَلَقَ وَدَخَلْتَ (قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا) أَيْ فِي الْعَجْزِ وَعَدَمِهِ يُحَكَّمُ الْحَالُ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ اخْتَلَفَا وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا يُنْظَرُ إلَى الْمِفْتَاحِ الَّذِي دُفِعَ إلَيْهِ لِلْحَالِ، إنْ لَاءَمَ هَذَا الْغَلَقَ وَأَمْكَنَ فَتْحُهُ بِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُؤَجِّرِ وَإِلَّا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَةُ الْمُؤَجِّرِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْمِفْتَاحُ لَا يُلَائِمُ؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِتَحْكِيمِ الْحَالِ مَتَى جَاءَتْ الْبَيِّنَةُ بِخِلَافِهِ كَمَسْأَلَةِ الطَّاحُونَةِ، وَإِنَّمَا تُقْبَلُ إذَا كَانَ الْمُؤَجِّرُ يَدَّعِي أَنَّهُ كَانَ يُلَائِمُ الْغَلَقَ وَلَكِنْ غَيَّرَهُ وَالْمُسْتَأْجِرُ يَقُولُ لَا بَلْ لَمْ يَكُنْ مُلَائِمًا مِنْ الْأَصْلِ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْبَيْعُ) أَيْ إذَا اشْتَرَى دَارًا وَقَبَضَ مِفْتَاحَهَا وَلَمْ يَذْهَبْ إلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ الْمِفْتَاحُ بِحَالِهِ يَتَهَيَّأُ لَهُ أَنْ يَفْتَحَهُ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ يَكُونُ قَابِضًا وَإِلَّا فَلَا مِنَحٌ. وَقَدْ ظَهَرَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ تَسْلِيمَ الْمِفْتَاحِ مَعَ التَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالدَّارِ وَإِمْكَانَ الْفَتْحِ بِهِ بِلَا كُلْفَةٍ تَسْلِيمٌ لِلدَّارِ فَيَجِبُ الْأَجْرُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ، وَقَيَّدَهُ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنْ يَكُونَ فِي الْمِصْرِ حَيْثُ قَالَ: وَتَسْلِيمُ الْمِفْتَاحِ فِي السَّوَادِ لَيْسَ بِتَسْلِيمٍ لِلدَّارِ وَإِنْ حَضَرَ فِي الْمِصْرِ وَالْمِفْتَاحُ فِي يَدِهِ، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ، لَكِنَّهُ بِخِلَافِ مَا أَفْتَى بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَأَقَرَّهُ مُحَشُّو الْأَشْبَاهِ كَمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ مَسَائِلَ شَتَّى (قَوْلُهُ لِلدَّارِ وَالْأَرْضِ إلَخْ) الْمُرَادُ كُلُّ مَا تَقَعُ الْإِجَارَةُ فِيهِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ أَوْ عَلَى قَطْعِ الْمَسَافَةِ أَوْ عَلَى الْعَمَلِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَيَّنَ تَعَيَّنَ) أَيْ لَوْ بَيَّنَ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْعَقْدِ تَعَيَّنَ، وَلِذَا قَالَ فِي الْعَزْمِيَّةِ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْأُجْرَةُ مُعَجَّلَةً أَوْ مُؤَجَّلَةً أَوْ مُنَجَّمَةً وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا عَلَى مَا قُرِّرَ فِي الْخُلَاصَةِ اهـ فَالْمُرَادُ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَا إذَا سَكَتَ عَنْ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ إذَا فَرَغَ وَسَلَّمَهُ) اعْلَمْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ أَوَّلًا يَقُولُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ جَمِيعَ الْمَنْفَعَةِ وَالْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَلَا يَتَوَزَّعُ الْأَجْرُ عَلَى الْأَجْزَاءِ كَالثَّمَنِ فِي الْمَبِيعِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: إنْ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْمُدَّةِ كَمَا فِي إجَارَةِ الدَّارِ وَالْأَرْضِ أَوْ قَطْعِ الْمَسَافَةِ كَمَا فِي الدَّابَّةِ وَجَبَ بِحِصَّةِ مَا اسْتَوْفَى لَوْ لَهُ أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ بِلَا مَشَقَّةٍ فَفِي الدَّارِ لِكُلِّ يَوْمٍ وَفِي الْمَسَافَةِ لِكُلِّ مَرْحَلَةٍ. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ بِحِسَابِهِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ لَكِنْ فِيهِ حَرَجٌ، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْعَمَلِ كَالْخِيَاطَةِ وَالْقِصَارَةِ فَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْهُ فَيَسْتَحِقُّ الْكُلَّ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْبَعْضِ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ، وَكَذَا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَمْ يَفْرُغْ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالتَّجْرِيدِ. وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهْرِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَمَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ والتمرتاشي أَنَّهُ إذَا خَاطَ الْبَعْضَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ يَجِبُ الْأَجْرُ بِحِسَابِهِ، حَتَّى إذَا سُرِقَ الثَّوْبُ بَعْدَ مَا خَاطَ بَعْضَهُ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِبَعْضِ الْعَمَلِ فِي كُلِّ مَا مَرَّ لَكِنْ بِشَرْطِ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ، فَفِي سُكْنَى الدَّارِ وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ صَارَ مُسْلِمًا بِمُجَرَّدِ تَسْلِيمِ الدَّارِ وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ فِي الْخِيَاطَةِ بِالتَّسْلِيمِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَأَنْ خَاطَهُ فِي مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ مَنْزِلَهُ فِي يَدِهِ زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ عَلَى الْبَعْضِ بِلَا تَسْلِيمٍ أَصْلًا، وَأَمَّا مَعَ التَّسْلِيمِ فَيَجِبُ الْأَجْرُ عَلَى الْبَعْضِ فِي سُكْنَى الدَّارِ وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ. وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِهِ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْعَمَلِ كَالْخِيَاطَةِ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَيْضًا بِالتَّسْلِيمِ، وَلَوْ حُكْمًا، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 14 وَكَذَا كُلُّ مَنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ، وَمَا لَا أَثَرَ لَهُ كَجَمَّالٍ لَهُ الْأَجْرُ كَمَا فَرَغَ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ بَحْرٌ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ نَعَمْ لَوْ سُرِقَ) بَعْدَ مَا خَاطَ بَعْضَهُ أَوْ انْهَدَمَ مَا بَنَاهُ فَلَهُ الْأَجْرُ بِحِسَابِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ بَحْرٌ وَابْنُ كَمَالٍ (ثَوْبٌ خَاطَهُ الْخَيَّاطُ بِأَجْرٍ فَفَتَقَهُ رَجُلٌ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ رَبُّ الثَّوْبِ فَلَا أَجْرَ لَهُ) بَلْ لَهُ تَضْمِينُ الْفَاتِقِ (وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِعَادَةِ، وَإِنْ كَانَ الْخَيَّاطُ هُوَ الْفَاتِقُ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ) كَأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ، بِخِلَافِ فَتْقِ الْأَجْنَبِيِّ وَهَلْ لِلْخَيَّاطِ أَجْرُ التَّفْصِيلِ بِلَا خِيَاطَةٍ؟ الْأَصَحُّ لَا أَشْبَاهٌ لَكِنَّ حَاشِيَتَهَا مَعْزِيًّا لِلْمُضْمَرَاتِ، الْمُفْتَى بِهِ نَعَمْ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: يَنْبَغِي أَنْ يَحْكُمَ الْعُرْفُ اهـ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا لِلْكُبْرَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْ (وَ) لِلْخَبَّازِ طَلَبُ الْأَجْرِ (لِلْخُبْزِ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْ التَّنُّورِ) ؛ لِأَنَّ تَمَامَهُ بِذَلِكَ وَبِإِخْرَاجِ بَعْضِهِ بِحِسَابِهِ جَوْهَرَةٌ (فَإِنْ احْتَرَقَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ   [رد المحتار] وَخَالَفَهُمْ صَاحِبَا الْهِدَايَةِ وَالتَّجْرِيدِ فَقَالَا: لَا يَجِبُ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ، وَعَلَى مَا ذَكَرُوهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكُلِّ اهـ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُصَنِّفِ بِالْفَرَاغِ وَالتَّسْلِيمِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّسْلِيمُ يَشْمَلُ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ وَهُوَ مَا عَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَلَوْ قَالَ وَلَوْ حُكْمًا لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَظْهَرَ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ لَا مَعْنَى لَهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَكَذَا كُلُّ مَنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ) أَيْ فِي أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ لَا أَجْرَ لَهُ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ بَعْدَ وَرَقَةٍ الْمُرَادَ بِالْأَثَرِ. (قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ سُرِقَ إلَخْ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ مِنْ وُجُوبِ الْأَجْرِ عَلَى بَعْضِ الْعَمَلِ بِالتَّسْلِيمِ وَلَوْ حُكْمًا، وَأَرَادَ بِهِ الِاسْتِدْرَاكَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ، حَيْثُ قَالَ وَتَبِعَهُ الْعَلَّامَةُ الطُّورِيُّ وَتِلْمِيذُهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ مَسْأَلَةَ الْبِنَاءِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَجِبُ الْأَجْرُ بِالْبَعْضِ لِكَوْنِهِ مُسَلَّمًا إلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَنَقَلَهُ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ رَادًّا عَلَى الْهِدَايَةِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَلِذَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ: أَيْ صَاحِبُ الْكَنْزِ فِي الْمُسْتَصْفَى وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَتُهُ هُنَا مُطْلَقَةً اهـ. فَلِكَلَامِ الشَّارِحِ وَجْهٌ وَجِيهٌ كَمَا عَلِمْتَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ خَفَاءٌ فَافْهَمْ، لَكِنْ فِي كَوْنِ مَا فِي الْهِدَايَةِ خِلَافَ الْمَذْهَبِ تَأَمُّلٌ يَظْهَرُ مِمَّا مَرَّ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ، فَلَوْ جَعَلَهُ خِلَافَ الْأَصَحِّ لَكَانَ أَنْسَبَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ بَعْدَ مَا خَاطَ بَعْضَهُ) يَعْنِي فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَلَوْ فِي بَيْتِ الْأَجِيرِ لَا أَجْرَ لَهُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ أَصْلًا. (قَوْلُهُ أَوْ انْهَدَمَ مَا بَنَاهُ) أَيْ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهُ 1 - (قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ رَبُّ الثَّوْبِ) قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْعَمَلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ تَسْلِيمٌ. (قَوْلُهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الْخِيَاطَةَ مِمَّا لَهُ أَثَرٌ فَلَا أَجْرَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَمَا فِي الْمَبِيعِ. (قَوْلُهُ بَلْ لَهُ) أَيْ لِلْخَيَّاطِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَا أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ حَتَّى سَقَطَتْ أُجْرَتُهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ تَضْمِينُ الْفَاتِقِ) أَيْ قِيمَةَ خِيَاطَتِهِ لَا الْمُسَمَّى،؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَ بِالْعَقْدِ وَلَا عَقْدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَاتِقِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يُجْبَرُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْعَمَلَ وَوَفَّى بِهِ رَحْمَتِيٌّ. (قَوْلُهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ) فَلَمْ يُوَفِّ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ الْعَمَلِ فَيُجْبَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَازِمٌ رَحْمَتِيٌّ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ فَتْقِ الْأَجْنَبِيِّ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ 1 - ط (قَوْلُهُ الْأَصَحُّ لَا) كَذَا صَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ، وَفَرَضُوا الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ الثَّوْبَ فَقَطَعَهُ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ خِيَاطَةٍ وَعَلَّلُوهَا بِأَنَّ الْأَجْرَ فِي الْعَادَةِ لِلْخِيَاطَةِ لَا لِلْقَطْعِ. قُلْتُ: فَلَوْ بَقِيَ حَيًّا لَا تَظْهَرُ الثَّمَرَةُ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْخِيَاطَةِ، لَكِنْ لَوْ تَفَاسَخَا الْعَقْدَ بَعْدَ الْقَطْعِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ كَالْمَوْتِ تَأَمَّلْ، وَيَظْهَرُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَهُ لِلتَّفْصِيلِ فَقَطْ يَلْزَمُهُ أَجْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَيْهِ فَقَطْ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي حَاشِيَتِهَا) أَيْ لِلشَّيْخِ شَرَفِ الدِّينِ الْغَزِّيِّ حَيْثُ قَالَ. قُلْتُ: وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالظَّهِيرِيَّةِ قَطَعَ الْخَيَّاطُ الثَّوْبَ وَمَاتَ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ لَهُ أَجْرُ الْقَطْعِ هُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي جَامِعِ الْمُضْمَرَاتِ وَالْمُشْكَلَاتِ عَنْ الْكُبْرَى وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ لِتَأَيُّدِهِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ إنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ) صَوَابُهُ عَلَى الثَّانِي لِمَا سَمِعْتَ آنِفًا مِنْ عِبَارَةِ الْكُبْرَى، وَهُوَ الَّذِي فِي التتارخانية (قَوْلُهُ جَوْهَرَةٌ) وَمِثْلُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 15 إخْرَاجِهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ (فَلَهُ الْأَجْرُ) لِتَسْلِيمِهِ بِالْوَضْعِ فِي بَيْتِهِ (وَلَا غُرْمَ) لِعَدَمِ التَّعَدِّي. وَقَالَا يَغْرَمُ مِثْلَ دَقِيقِهِ وَلَا أَجْرَ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْخُبْزَ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ (وَلَوْ) احْتَرَقَ (قَبْلَهُ لَا أَجْرَ لَهُ وَيَغْرَمُ) اتِّفَاقًا لِتَقْصِيرِهِ دُرَرٌ وَبَحْرٌ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْخُبْزُ فِيهِ) أَيْ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ سَوَاءٌ كَانَ فِي بَيْتِ الْخَبَّازِ أَوْ لَا (فَاحْتَرَقَ) أَوْ سُرِقَ (فَلَا أَجْرَ) لَهُ لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ حَقِيقَةً (وَلَا ضَمَانَ) لَوْ سُرِقَ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ خِلَافًا لَهُمَا، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ جَوْهَرَةٌ (وَإِنْ) احْتَرَقَ الْخُبْزُ أَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ (قَبْلَ الْإِخْرَاجِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ) ثُمَّ الْمَالِكُ بِالْخِيَارِ، فَإِنْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَخْبُوزًا فَلَهُ الْأَجْرُ (وَإِنْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ دَقِيقًا فَلَا أَجْرَ) لَهُ لِلْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَلَا يَضْمَنُ الْحَطَبَ وَالْمِلْحَ (وَلِلطَّبْخِ بَعْدَ الْغَرْفِ) إلَّا إذَا كَانَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ جَوْهَرَةٌ،   [رد المحتار] مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْعَمَلَ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ صَارَ مُسَلَّمًا إلَى صَاحِبِ الدَّقِيقِ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمَارُّ فِي الْخَيَّاطِ وَلَعَلَّ الْعِلَّةَ وُجُودُ الِانْتِفَاعِ هُنَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَقَالَا يَضْمَنُ إلَخْ) هَكَذَا ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْهِدَايَةِ، وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ لَا كَمَا سَيَأْتِي فَيَكُونُ أَيْضًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ الْآتِيَةِ فِي ضَمَانِ الْأَجِيرِ. وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْمَتَاعَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمَضْمُونٌ عِنْدَهُمَا، لَكِنْ ذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْخِلَافِ إنَّمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ بِرِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَا شُرَّاحِهِ خِلَافًا بَلْ قَالُوا لَا ضَمَانَ مُطْلَقًا: فَعَنْ هَذَا قَالُوا مَا فِي الْجَامِعِ مُجْرًى عَلَى عُمُومِهِ. أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَهْلِكْ بِصُنْعِهِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ اهـ. وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الأتقاني فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَشَى فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ، وَلَمَّا اقْتَصَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى مُرَاجَعَتِهِمْ قَالَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ سَبْقُ قَلَمٍ مَعَ أَنَّ مَنْ تَبِعَ الْهِدَايَةَ لَمْ يَضِلَّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ لِتَقْصِيرِهِ) أَيْ بِعَدَمِ الْقَلْعِ مِنْ التَّنُّورِ، فَإِنْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَخْبُوزًا أَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَإِنْ دَقِيقًا فَلَا بَحْرٌ. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ حَقِيقَةً) يَعْنِي أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ لَمْ يُوجَدْ التَّسْلِيمُ الْحُكْمِيُّ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ الْحَقِيقِيِّ وَلَمْ يُوجَدْ أَيْضًا فَلِذَا لَمْ يَجِبْ الْأَجْرُ. (قَوْلُهُ لَوْ سُرِقَ) الْمُنَاسِبُ: زِيَادَةُ أَوْ احْتَرَقَ ط، وَكَأَنَّهُ تَرَكَهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ، وَالْحَرْقُ بَعْدَهُ نَادِرٌ، فَمَنْ قَالَ تَرَكَهُ لَأَنْ يَضْمَنَ فِيهِ اتِّفَاقًا فَقَدْ وَهَمَ. (قَوْلُهُ وَإِنْ احْتَرَقَ الْخُبْزُ أَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ إلَخْ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَلَوْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَذَفَ قَوْلَهُ السَّابِقَ وَقَبْلَهُ لَا أَجْرَ وَيَغْرَمُ وَجَعَلَ مَا هُنَا رَاجِعًا لِلْمَسْأَلَتَيْنِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ فَلَهُ الْأَجْرُ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ وَصَلَ إلَيْهِ الْعَمَلُ مَعْنًى لِوُصُولِ قِيمَتِهِ ط. (قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ الْحَطَبَ وَالْمِلْحَ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا قَبْلَ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَحَيْثُمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ كَانَ رَمَادًا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ) أَفَادَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْوَلَائِمِ وَأَنْوَاعِهَا أَحَدَ عَشَرَ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ: إنَّ الْوَلَائِمَ عَشْرَةٌ مَعَ وَاحِدٍ ... مَنْ عَدَّهَا قَدْ عَزَّ فِي أَقْرَانِهِ فَالْخُرْسُ عِنْدَ نِفَاسِهَا وَعَقِيقَةٌ ... لِلطِّفْلِ وَالْإِعْذَارُ عِنْدَ خِتَانِهِ وَلِحِفْظِ قُرْآنٍ وَآدَابٍ لَقَدْ ... قَالُوا الْحُذَّاقُ لِحِذْقِهِ وَبَيَانِهِ ثُمَّ الْمِلَاكُ لِعَقْدِهِ وَوَلِيمَةٌ ... فِي عُرْسِهِ فَاحْرِصْ عَلَى إعْلَانِهِ وَكَذَاكَ مَأْدُبَةٌ بِلَا سَبَبٍ يُرَى ... وَوَكِيرَةٌ لِبِنَائِهِ لِمَكَانِهِ وَنَقِيعَةٌ لِقُدُومِهِ وَوَضِيمَةٌ ... لِمُصِيبَةٍ وَتَكُونُ مِنْ جِيرَانِهِ وَلِأَوَّلِ الشَّهْرِ الْأَصَمِّ عَتِيرَةٌ ... بِذَبِيحَةٍ جَاءَتْ لِرِفْعَةِ شَأْنِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 16 وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْعُرْفُ (فَإِنْ أَفْسَدَهُ) أَيْ الطَّعَامَ (الطَّبَّاخُ أَوْ أَحْرَقَهُ أَوْ لَمْ يُنْضِجْهُ فَهُوَ ضَامِنٌ) لِلطَّعَامِ، وَلَوْ دَخَلَ بِنَارٍ لِيَخْبِزَ أَوْ لِيَطْبُخَ بِهَا فَوَقَعَتْ مِنْهُ شَرَارَةٌ فَاحْتَرَقَ الْبَيْتُ لَمْ يَضْمَنْ لِلْإِذْنِ، وَلَا يَضْمَنُ صَاحِبُ الدَّارِ لَوْ احْتَرَقَ شَيْءٌ مِنْ السُّكَّانِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي جَوْهَرَةٌ (وَلِ) ضَرْبِ (اللَّبِنِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ) وَقَالَا بَعْدَ تَشْرِيجِهِ: أَيْ جَعْلِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ، وَبِقَوْلِهِمَا يُفْتِي ابْنُ كَمَالٍ مَعْزِيًّا لِلْعُيُونِ، وَهَذَا إذَا ضَرَبَهُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَلَوْ فِي غَيْرِ بَيْتِهِ فَلَا حَتَّى يَعُدَّهُ مَنْصُوبًا عِنْدَهُ وَمُشَرَّجًا عِنْدَهُمَا زَيْلَعِيٌّ. [فُرُوعٌ] الْمُلْبِنُ عَلَى اللَّبَّانِ، وَالتُّرَابُ عَلَى الْمُسْتَأْجِر، وَإِدْخَالُ الْحِمْلِ الْمَنْزِلَ عَلَى الْحَمَّالِ لَا صَبُّهُ فِي الْجَوَالِقِ أَوْ صُعُودُهُ لِلْغُرْفَةِ إلَّا بِشَرْطٍ؛ وَإِيكَافُ دَابَّةٍ لِلْحَمْلِ عَلَى الْمُكَارِي، وَكَذَا الْحِبَالُ وَالْجَوَالِقُ وَالْحِبْرُ عَلَى الْكَاتِبِ وَاشْتِرَاطُ الْوَرَقِ عَلَيْهِ يُفْسِدُهَا ظَهِيرِيَّةٌ. (وَمَنْ) كَانَ (لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ كَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ حَبَسَهَا لِأَجْلِ الْأَجْرِ) وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْأَثَرِ عَيْنٌ مَمْلُوكَةٌ لِلْعَامِلِ كَالنِّشَاءِ وَالْغِرَاءِ أَمْ مُجَرَّدُ مَا يُعَايَنُ وَيُرَى؟ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي فَغَاسِلُ الثَّوْبِ وَكَاسِرُ الْفُسْتُقِ وَالْحَطَبِ   [رد المحتار] ط مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ لِأَهْلِ بَيْتِهِ) أَيْ بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ ح (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْعُرْفُ) فَمُطْلَقُ الْعَقْدِ يَتَنَاوَلُ الْمُعْتَادَ إذَا لَمْ يُوجَدْ شَرْطٌ بِخِلَافِهِ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ) وَمُقْتَضَى مَا سَبَقَ فِي الْخُبْزِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَضْمَنَهُ قَبْلَ الطَّبْخِ وَلَا أَجْرَ لَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَلَهُ الْأَجْرُ ط. (قَوْلُهُ لِلْإِذْنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى الْعَمَلِ إلَّا بِذَلِكَ وَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلِضَرْبِ اللَّبِنِ) هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَالْكَسْرُ مَعَ السُّكُونِ لُغَةٌ، وَتَفْسُدُ بِلَا تَعْيِينِ الْمِلْبَنِ مَا لَمْ يَغْلِبْ وَاحِدٌ عُرْفًا أَوْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ قُهُسْتَانِيٌّ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ) ؛ لِأَنَّهَا لِتَسْوِيَةِ الْأَطْرَافِ فَكَانَتْ مِنْ الْعَمَلِ كَشْفٌ وَالْإِقَامَةُ النَّصْبُ بَعْدَ الْجَفَافِ، فَلَوْ ضَرَبَهُ فَأَصَابَهُ مَطَرٌ فَأَفْسَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ فَلَا أَجْرَ لَهُ وَإِنْ عَمِلَ فِي دَارِهِ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَقَالَا بَعْدَ تَشْرِيجِهِ) بِالشِّينِ وَالْجِيمِ الْمُعْجَمَتَيْنِ، وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ زَيْلَعِيٌّ وَلَعَلَّهُ سَبَبُ كَوْنِهِ الْمُفْتَى بِهِ، لَكِنْ ذَكَرَ الأتقاني أَنَّ دَلِيلَهُمَا ضَعِيفٌ تَأَمَّلْ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا تَلِفَ اللَّبِنُ قَبْلَ التَّشْرِيجِ، فَعِنْدَهُ تَلِفَ مِنْ مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَعِنْدَهُمَا مِنْ مَالِ الْأَجِيرِ، أَمَّا إذَا تَلِفَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ فَلَا أَجْرَ إجْمَاعًا. (قَوْلُهُ أَيْ جَعْلِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ) أَيْ بَعْدَ الْجَفَافِ. (قَوْلُهُ حَتَّى يَعُدَّهُ مَنْصُوبًا) عِبَارَةُ الْمُسْتَصْفَى حَتَّى يُسَلِّمَهُ مَنْصُوبًا عِنْدَهُ وَمُشْرَجًا عِنْدَهُ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ وَالْمَبْسُوطِ اهـ، فَلَمْ يَشْتَرِطْ الْعَدَّ وَهُوَ الْأَوْلَى لَوْ سَلَّمَهُ بِغَيْرِ عَدٍّ كَانَ لَهُ الْأَجْرُ كَمَا لَا يَخْفَى بَحْرٌ. وَذَكَرَ الأتقاني عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مِثْلَ مَا فِي الْمُسْتَصْفَى، وَفَسَّرَ التَّسْلِيمَ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَبَيْنَ اللَّبِنِ (قَوْلُهُ وَاشْتِرَاطُ الْوَرَقِ عَلَيْهِ يُفْسِدُهَا) أَمَّا اشْتِرَاطُ الْحِبْرِ فَلَا حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ حَبَسَهَا) فِعْلٌ مَاضٍ أَوْ مَصْدَرٌ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ: أَيْ لَهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ مَنْ. بَقِيَ هُنَا إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ كَمَا مَرَّ فَإِذَا حُبِسَ فَلَا تَسْلِيمَ فَلَا مُطَالَبَةَ. وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا مَرَّ لَهُ الطَّلَبُ إذَا فَرَغَ وَسَلَّمَ مَفْهُومُهُ مُعَطَّلٌ بِالْمَنْطُوقِ هُنَا سَائِحَانِيٌّ، لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا فَائِدَةَ لِذِكْرِ التَّسْلِيمِ، وَقَدْ قَالُوا لَا يَجِبُ الْأَجْرُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ، فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَهُ سَقَطَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَثَرُ الْعَمَلِ، بِخِلَافِ مَا لَا أَثَرَ لَهُ فَإِنَّ الْأَجْرَ يَجِبُ كَمَا فَرَغَ، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَبْسِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ بِمَعْنَى أَنَّ لَهُ الِاسْتِرْدَادَ لِقَوْلِهِ الْآتِي: فَإِنْ حُبِسَ فَضَاعَ فَلَا أَجْرَ مَعَ أَنَّ بِالتَّسْلِيمِ وَجَبَ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ الْحُكْمِيِّ كَعَمَلِهِ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ لَيْسَ لَهُ الْحَبْسُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فَكَيْفَ بَعْدَ الْحَقِيقِيِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فَائِدَتَهُ عَدَمُ الضَّمَانِ فَقَطْ، إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْحَبْسُ لَضَمِنَ بِالضِّيَاعِ بَعْدَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي) وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ تَبَعًا لِقَاضِي خَانْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَصَحَّحَ النَّسَفِيّ فِي مُسْتَصْفَاهُ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ الْأَوَّلَ فَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ، وَيَنْبَغِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 17 وَالطَّحَّانُ وَالْخَيَّاطُ وَالْخَفَّافُ وَحَالِقُ رَأْسِ الْعَبْدِ لَهُمْ حَبْسُ الْعَيْنِ بِالْأَجْرِ عَلَى الْأَصَحِّ مُجْتَبَى، وَهَذَا (إذَا كَانَ حَالًّا أَمَّا إذَا كَانَ) الْأَجْرُ (مُؤَجَّلًا فَلَا) يَمْلِكُ حَبْسَهَا كَعَمَلِهِ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ بِتَسْلِيمِهِ حُكْمًا وَتُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي وَلَوْ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ غَايَةٌ (فَإِنْ حُبِسَ فَضَاعَ فَلَا أَجْرَ وَلَا ضَمَانَ) لِعَدَمِ التَّعَدِّي. (وَمَنْ لَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ كَالْحَمَّالِ عَلَى ظَهْرٍ) أَوْ دَابَّةٍ (وَالْمَلَّاحِ) وَغَاسِلِ الثَّوْبِ أَيْ لِتَطْهِيرِهِ لَا لِتَحْسِينِهِ مُجْتَبَى فَلْيُحْفَظْ (لَا يَحْبِسُ) الْعَيْنَ لِلْأَجْرِ (فَإِنْ حَبَسَ ضَمِنَ ضَمَانَ الْغَصْبِ) وَسَيَجِيءُ فِي بَابِهِ (وَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا) أَيْ بَدَلَهَا شَرْعًا (مَحْمُولَةً وَلَهُ الْأَجْرُ، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مَحْمُولَةٍ وَلَا أَجْرَ) جَوْهَرَةٌ (وَإِذَا شَرَطَ عَمَلَهُ بِنَفْسِهِ) بِأَنْ يَقُولَ لَهُ اعْمَلْ بِنَفْسِكَ أَوْ بِيَدِكَ (لَا يَسْتَعْمِلُ غَيْرَهُ إلَّا الظِّئْرَ فَلَهَا اسْتِعْمَالُ غَيْرِهَا) بِشَرْطٍ وَغَيْرِهِ خُلَاصَةٌ (وَإِنْ أَطْلَقَ كَانَ لَهُ) أَيْ لِلْأَجِيرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ غَيْرَهُ، أَفَادَ بِالِاسْتِئْجَارِ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ لِأَجْنَبِيٍّ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ   [رد المحتار] تَرْجِيحُهُ وَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَغَسْلُ الثَّوْبِ نَظِيرُ الْحَمْلِ اهـ 1 - . (قَوْلُهُ وَالْخَيَّاطُ وَالْخَفَّافُ) هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْخَيْطَ عَلَى رَبِّ الثَّوْبِ فِي عُرْفِ صَاحِبِ الظَّهِيرِيَّةِ، وَأَمَّا عَلَى عُرْفِ مَنْ قَبْلَهُ وَهُوَ عُرْفُنَا الْآنَ مِنْ أَنَّهُ عَلَى الْخَيَّاطِ فَلَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْخَيْطَ كَالصِّبْغِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِالْأَجْرِ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَوْ لِلتَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ لِتَسْلِيمِهِ حُكْمًا) لِكَوْنِ الْبَيْتِ فِي يَدِهِ وَهُوَ كَالتَّسْلِيمِ الْحَقِيقِيِّ فَلَا يَمْلِكُ الْحَبْسَ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ حَبَسَ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَجْرُ حَالًّا. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ التَّعَدِّي) فَبَقِيَ أَمَانَةً كَمَا كَانَ، وَهَذَا عِلَّةٌ لِعَدَمِ الضَّمَانِ، وَعِلَّةُ عَدَمِ الْأَجْرِ هَلَاكُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ (قَوْلُهُ وَمَنْ لَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ) إلَّا رَادَّ الْآبِقِ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ كَالْحَمَّالِ) ضَبْطُهُ بِالْحَاءِ أَوْلَى مِنْ الْجِيمِ لِيَشْتَمِلَ الْحَمْلَ عَلَى الظَّهْرِ كَمَا ذَكَرَهُ الأتقاني وَأَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ وَالْمَلَّاحُ) بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ صَاحِبُ السَّفِينَةِ (قَوْلُهُ لَا لِتَحْسِينِهِ) وَإِلَّا كَانَ مِمَّنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ كَانَ مُسْتَتِرًا وَقَدْ أَظْهَرهُ فَكَأَنَّهُ أَحْدَثَهُ فَلَهُ الْحَبْسُ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ فِي بَابِهِ) وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ مِثْلِيًّا وَجَبَ مِثْلُهُ، وَإِنْ انْقَطَعَ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَضَاءِ أَوْ الْغَصْبِ أَوْ الِانْقِطَاعِ عَلَى خِلَافٍ يَأْتِي وَلَوْ قِيَمِيًّا فَقِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ إجْمَاعًا. (قَوْلُهُ أَيْ بَدَلَهَا) تَعْمِيمٌ لِيَشْمَلَ الْمِثْلِيَّاتِ ح. (قَوْلُهُ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ اعْمَلْ بِنَفْسِكَ أَوْ بِيَدِكَ) هَذَا ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ وَعَلَيْهِ الشُّرُوحُ، فَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ مِنْ زِيَادَةِ قَوْلِهِ وَلَا تَعْمَلْ بِيَدِ غَيْرِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِزِيَادَةِ التَّأْكِيدِ لَا قَيْدٌ احْتِرَازِيٌّ لِيَكُونَ بِدُونِهِ مِنْ الْإِطْلَاقِ تَأَمَّلْ. 1 - (قَوْلُهُ لَا يَسْتَعْمِلُ غَيْرَهُ) وَلَوْ غُلَامَهُ أَوْ أَجِيرَهُ قُهُسْتَانِيٌّ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْعَمَلَ مِنْ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ كَمَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةَ، بِأَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِلْمَنْفَعَةِ بِلَا عَقْدٍ زَيْلَعِيٌّ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَفِيهِ تَأَمُّلٌ،؛ لِأَنَّهُ إنْ خَالَفَهُ إلَى خَيْرٍ بِأَنْ اسْتَعْمَلَ مَنْ هُوَ أَصْنَعُ مِنْهُ أَوْ سُلِّمَ دَابَّةً أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ اهـ وَأَجَابَ السَّائِحَانِيُّ بِأَنَّ مَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمَلِ فَإِنَّ التَّقْيِيدَ فِيهِ مُفِيدٌ وَمَا ذُكِرَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ دَفَعَ إلَى غُلَامِهِ أَوْ تِلْمِيذِهِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ اهـ. وَظَاهِرُ هَذَا مَعَ التَّعْلِيلِ الْمَارِّ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ حُرْمَةَ الدَّفْعِ مَعَ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ وَاسْتِحْقَاقِ الْمُسَمَّى أَوْ مَعَ فَسَادِهَا وَاسْتِحْقَاقِ أَجْرِ الْمِثْلِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلثَّانِي عَلَى رَبِّ الْمَتَاعِ شَيْءٌ لِعَدَمِ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا أَصْلًا وَهَلْ لَهُ عَلَى الدَّافِعِ أَجْرُ الْمِثْلِ؟ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ بِشَرْطٍ وَغَيْرِهِ) لَكِنْ سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَنَّهَا لَوْ دَفَعَتْهُ إلَى خَادِمَتِهَا أَوْ اسْتَأْجَرَتْ مَنْ أَرْضَعَتْهُ لَهَا الْأَجْرُ إلَّا إذَا شَرَطَ إرْضَاعَهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَأَنَّ وَجْهَ مَا هُنَا أَنَّ الْإِنْسَانَ عُرْضَةٌ لِلْعَوَارِضِ فَرُبَّمَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهَا إرْضَاعُ الصَّبِيِّ فَيَتَضَرَّرُ فَكَانَ الشَّرْطُ لَغْوًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَطْلَقَ) بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِيَدِهِ وَقَالَ خِطْ هَذَا الثَّوْبَ لِي أَوْ اُصْبُغْهُ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ بِالْإِطْلَاقِ رَضِيَ بِوُجُودِ عَمَلِ غَيْرِهِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَمِنْهُ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ. (قَوْلُهُ أَفَادَ بِالِاسْتِئْجَارِ) أَيْ بِقَوْلِهِ يَسْتَأْجِرُ غَيْرَهُ. (قَوْلُهُ لِأَجْنَبِيٍّ) أَيْ غَيْرِ أَجِيرٍ ح (قَوْلُهُ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ) أَيْ إذَا سَرَقَ بِلَا خِلَافٍ قُهُسْتَانِيٌّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 18 لَا الثَّانِيَ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَقَيَّدَ بِشَرْطِ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَهُ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا فَلَمْ يَفْعَلْ وَطَالَبَهُ مِرَارًا فَفَرَّطَ حَتَّى سُرِقَ لَا يَضْمَنُ. وَأَجَابَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِالضَّمَانِ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (وَقَوْلُهُ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ إطْلَاقٌ) لَا تَقْيِيدٌ مُسْتَصْفًى، فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ غَيْرَهُ. (اسْتَأْجَرَهُ لِيَأْتِيَ بِعِيَالِهِ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ فَجَاءَ بِمَنْ بَقِيَ فَلَهُ أَجْرُهُ بِحِسَابِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ (لَوْ كَانُوا) أَيْ عِيَالُهُ (مَعْلُومِينَ) أَيْ لِلْعَاقِدَيْنِ لِيَكُونَ الْأَجْرُ مُقَابَلًا بِجُمْلَتِهِمْ (وَإِلَّا) يَكُونُوا مَعْلُومِينَ (فَكُلُّهُ) أَيْ لَهُ كُلُّ الْأَجْرِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْكَمَالِ: إنْ كَانَتْ الْمُؤْنَةُ تَقِلُّ بِنُقْصَانِ عَدَدِهِمْ فَبِحِسَابِهِ وَإِلَّا فَكُلُّهُ.   [رد المحتار] قَوْلُهُ لَا الثَّانِي) هَذَا عِنْدَهُ: وَعِنْدَهُمَا لَهُ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ خُلَاصَةٌ. (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ بِشَرْطِ الْعَمَلِ) الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ وَاقْتَصَرَ عَلَى شَرْطِ الْعَمَلِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَفَرَّطَ) أَيْ تَمَاهَلَ وَلَمْ يَعْمَلْ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَلَمْ يُقَصِّرْ فِي حِفْظِهِ. (قَوْلُهُ لَا يَضْمَنُ) كَأَنَّهُ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ مَثَلًا يَذْكُرْ لِلِاسْتِعْجَالِ ط (قَوْلُهُ وَأَجَابَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ) ظَاهِرُ هَذَا الصَّنِيعِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْأَوَّلُ لِانْفِرَادِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ بِهَذَا الْجَوَابِ ط. قُلْتُ: فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَاسْتَفْتَيْتُ أَئِمَّةَ بُخَارَى عَنْ قَصَّارٍ شُرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْرَغَ الْيَوْمَ مِنْ الْعَمَلِ فَلَمْ يَفْرَغْ وَتَلِفَ فِي الْغَدِ. أَجَابُوا يَضْمَنُ، وَنُقِلَ مِثْلُهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ. ثُمَّ نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الدِّينَوَرِيِّ: وَلَوْ اخْتَلَفَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ الْقَصَّارُ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الشَّرْطَ وَالضَّمَانَ وَالْآخَرُ يَدَّعِيهِ، ثُمَّ لَوْ شَرَطَ وَقَصَّرَهُ بَعْدَ أَيَّامٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْأَجْرُ إذَا لَمْ يَبْقَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ ضَمَانِهِ لَوْ هَلَكَ وَصَارَ كَمَا لَوْ جَحَدَ الثَّوْبَ ثُمَّ جَاءَ بِهِ مَقْصُورًا بَعْدَ جُحُودِهِ اهـ. (قَوْلُهُ إطْلَاقٌ) أَيْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْإِطْلَاقِ ح (قَوْلُهُ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) فَلَوْ مَاتُوا جَمِيعًا لَا أَجْرَ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَجِيءُ بِهِمْ وَلَمْ يُوجَدْ رَمْلِيٌّ. (قَوْلُهُ فَلَهُ أَجْرُهُ بِحِسَابِهِ) أَيْ أَجْرُ الْمَجِيءِ وَأَمَّا أَجْرُ الذَّهَابِ فَبِكَمَالِهِ مَقْدِسِيٌّ عَنْ الْكِفَايَةِ سَائِحَانِيٌّ. قُلْتُ: وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ بَعْدَ نَقْلِهِ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ: وَهِيَ اسْتَأْجَرَهُ لِيَذْهَبَ إلَى الْبَصْرَةِ فَيَأْتِي بِعِيَالِهِ إلَخْ هَذَا اخْتِيَارُ الْهِنْدُوَانِيُّ. وَعَنْ الْفَضْلِيِّ: اُسْتُؤْجِرَ فِي الْمِصْرِ لِيَحْمِلَ الْحِنْطَةَ مِنْ الْقَرْيَةِ فَذَهَبَ فَلَمْ يَجِدْ الْحِنْطَةَ فَعَادَ، إنْ كَانَ قَالَ اسْتَأْجَرْتُكَ حَتَّى تَحْمِلَ مِنْ الْقَرْيَةِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ الْعَقْدَ عَلَى شَيْئَيْنِ: الذَّهَابِ إلَى الْقَرْيَةِ، وَالْحَمْلِ مِنْهَا. وَفِي الثَّانِي شَرَطَ الْحَمْلَ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَجَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي التَّبْيِينِ عَنْ النِّهَايَةِ، وَظَاهِرُ الْمُتُونِ اخْتِيَارُ قَوْلِ الْهِنْدُوَانِيُّ، وَلْيُنْظَرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ، فَإِنَّ فِيهَا الِاسْتِئْجَارَ عَلَى شَيْئَيْنِ نَعَمْ هُوَ عَلَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ كَالْكَنْزِ ظَاهِرٌ؛ وَلَعَلَّ التَّصْرِيحَ بِالذَّهَابِ غَيْرُ قَيْدٍ فَيَظْهَرُ الْفَرْقُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة: اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ لَهُ كَذَا مِنْ الْمَطْمُورَةِ فَذَهَبَ فَلَمْ يَجِدْ الْمَطْمُورَةَ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْأَجْرِ اهـ. وَعَلَيْهِ فَلَوْ مَاتَ كُلُّ الْعِيَالِ وَجَبَ أَجْرُ الذَّهَابِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الرَّمْلِيِّ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَيْ لِلْعَاقِدَيْنِ) أَوْ ذَكَرَ عَدَدَهُمْ الْأَجِيرُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. (قَوْلُهُ أَيْ لَهُ كُلُّ الْأَجْرِ) فِي الْقُهُسْتَانِيِّ: فَإِنْ جَهِلُوا فَسَدَتْ وَلَزِمَ أَجْرُ الْمِثْلِ اهـ. وَإِنْ حَمَلَ الْكُلَّ هُنَا عَلَى كُلِّ أَجْرِ الْمِثْلِ زَالَ التَّنَافِي ط. (قَوْلُهُ إنْ كَانَتْ الْمُؤْنَةُ تَقِلُّ إِلَخْ) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: فَلَهُ أَجْرُهُ بِحِسَابِهِ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ الْإِمَامِ الْهِنْدُوَانِيُّ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَكُلُّهُ) كَمَا لَوْ كَانَ الْفَائِتُ صَغِيرًا أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي اسْتِئْجَارِ السَّفِينَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ فِيهَا بِنُقْصَانِ عَدَدٍ وَلَوْ مِنْ الْكِبَارِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى أَنْ يَحْمِلَهُمْ فَلَوْ عَلَى مُصَاحَبَتِهِمْ وَالْحَمْلُ عَلَى الْمُرْسِلِ أَوْ كَانَ الْمَحَلُّ قَرِيبًا وَهُمْ مُشَاةٌ أَوْ بَعِيدًا وَلَهُمْ قُدْرَةٌ عَلَى الْمَشْيِ يَلْزَمُهُ الْكُلُّ؛ لِأَنَّ مُصَاحَبَةَ جَمَاعَةٍ لَا تَنْقُصُ بِنَقْصِ فَرْدٍ أَوْ فَرْدَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونُوا أَرِقَّاءَ فَحِفْظُ الْبَعْضِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 19 (اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِإِيصَالٍ قِطٍّ) أَيْ كِتَابٍ (أَوْ زَادٍ إلَى زَيْدٍ، إنْ رَدَّهُ) أَيْ الْمَكْتُوبَ أَوْ الزَّادَ (لِمَوْتِهِ) أَيْ زَيْدٍ (أَوْ غَيْبَتِهِ لَا شَيْءَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ نَقَضَهُ بِعَوْدِهِ كَالْخَيَّاطِ إذَا خَاطَ ثُمَّ فَتَقَ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: اسْتَأْجَرَهُ لِيَذْهَبَ لِمَوْضِعِ كَذَا وَيَدْعُوَ فُلَانًا بِأَجْرٍ مُسَمًّى فَذَهَبَ لِلْمَوْضِعِ فَلَمْ يَجِدْ فُلَانًا وَجَبَ الْأَجْرُ (فَإِذَا دَفَعَ الْقِطَّ إلَى وَرَثَتِهِ) فِي صُورَةِ الْمَوْتِ (أَوْ مَنْ يُسَلَّمُ إلَيْهِ إذَا حَضَرَ) فِي صُورَةِ غَيْبَتِهِ (وَجَبَ الْأَجْرُ بِالذَّهَابِ) وَهُوَ نِصْفُ الْأَجْرِ الْمُسَمَّى كَذَا فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَكِنْ تَعَقَّبَهُ الْمُحَشُّونَ وَعَدَلُوا عَلَى لُزُومِ كُلِّ الْأَجْرِ، لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ النِّهَايَةِ أَنَّهُ إنْ شَرَطَ الْمَجِيءَ بِالْجَوَابِ فَنِصْفُهُ وَإِلَّا فَكُلُّهُ فَلْيَكُنْ التَّوْفِيقُ (وَإِنْ وَجَدَهُ وَلَمْ يُوَصِّلْهُ إلَيْهِ لَمْ يَجِبْ لَهُ شَيْءٌ) لِانْتِفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِيصَالُ وَاخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ مَزَّقَهُ. (مُتَوَلِّي أَرْضِ الْوَقْفِ آجَرَهَا   [رد المحتار] مِنْهُمْ أَخَفُّ مِنْ حِفْظِ الْكُلِّ حَمَوِيٌّ بَحْثًا ط (قَوْلُهُ لِإِيصَالِ قِطٍّ) بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ وَالْمُرَادُ لِإِيصَالِ شَيْءٍ مِمَّا لَيْسَ لَهُ مُؤْنَةٌ، وَقَوْلُهُ أَوْ زَادَ أَيْ مِمَّا لَهُ مُؤْنَةٌ. (قَوْلُهُ لَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ مِنْ أُجْرَةِ الذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ لِلزَّادِ بِلَا خِلَافٍ وَلِلْكِتَابِ عِنْدَهُمَا. وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَأُجْرَةُ الذَّهَابِ وَاجِبَةٌ سَوَاءٌ شَرَطَ الْمَجِيءَ بِالْجَوَابِ أَمْ لَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا، فَمِنْ الظَّنِّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْمَجِيءِ بِالْجَوَابِ حَتَّى يَتَأَتَّى خِلَافُ مُحَمَّدٍ وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَامُ الْأُجْرَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ قُهُسْتَانِيٌّ أَقُولُ: نَعَمْ، وَلَكِنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ كَمَا وَقَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ لَازِمٌ بِالنَّظَرِ لِلْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ عَنْ الدُّرَرِ كَمَا سَيَظْهَرُ، وَمَبْنَى الْخِلَافِ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَشَيْخَيْهِ أَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ عِنْدَهُ بِقَطْعِ الْمَسَافَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ دُونَ حَمْلِ الْكِتَابِ، بِخِلَافِ حَمْلِ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ مُقَابَلٌ فِيهِ بِالْحَمْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُؤْنَةِ دُونَ قَطْعِ الْمَسَافَةِ، وَعِنْدَهُمَا مُقَابَلٌ بِالنَّقْلِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ وَضْعُ الطَّعَامِ هُنَاكَ وَعِلْمُ مَا فِي الْكِتَابِ، فَإِذَا رَدَّهُ فَقَدْ نَقَصَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَيَدْعُو فُلَانًا) صَوَّرَهَا قَاضِي خَانْ فِي تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ إيصَالِ الْكِتَابِ بِأَنَّ الرِّسَالَةَ قَدْ تَكُونُ سِرًّا لَا يَرْضَى الْمُرْسِلُ بِأَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهَا غَيْرُهُ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَمَخْتُومٌ، فَلَوْ تَرَكَهُ مَخْتُومًا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ اهـ. وَجَزَمَ الْحَلْوَانِيُّ بِأَنَّ الْكِتَابَ وَالرِّسَالَةَ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ وَجَعَلَ الشَّارِحُ دُعَاءَهُ كَالرِّسَالَةِ ط. قُلْتُ: أَيْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِهَا تَأَمَّلْ. وَقَدْ ذَكَرَ الشُّرَّاحُ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ وَلَمْ يُبَلِّغْهُ الرِّسَالَةَ وَرَجَعَ لَهُ الْأَجْرُ بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا. وَوَجْهُهُ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْأَجْرَ بِقَطْعِ الْمَسَافَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي وُسْعِهِ وَأَمَّا الْإِسْمَاعُ فَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَلَا يُقَابِلُهُ الْأَجْرُ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَجَبَ الْأَجْرُ بِالذَّهَابِ) أَيْ إجْمَاعًا كَمَا ذَكَرَهُ الأتقاني وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَهُوَ نِصْفُ الْأَجْرِ الْمُسَمَّى) اعْتَرَضَهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ بِأَنَّهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ، فَإِنَّ كَوْنَ أَجْرِ الذَّهَابِ وَأَجْرِ الْإِتْيَانِ سَوَاءً عَلَى سَبِيلِ الْمُنَاصَفَةِ مِمَّا لَا يَكَادُ يَتَّفِقُ، وَلَمْ نَجِدْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ وَلَكِنْ تَعَقَّبَهُ الْمُحَشُّونَ إلَخْ) كَالْوَانِيِّ وَالشُّرُنْبُلالي. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ لَهُ الْأَجْرُ كَامِلًا، إذْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْإِيصَالُ لَا غَيْرُ وَقَدْ وُجِدَ، فَمَا وَجْهُ التَّنْصِيفِ؟ عَلَى أَنَّ الْمَتْنَ صَادِقٌ بِوُجُوبِ تَمَامِ الْأَجْرِ، وَالْمَسْأَلَةُ فَرَضَهَا صَاحِبُ الْمَوَاهِبِ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلْإِيصَالِ وَرَدِّ الْجَوَابِ مَعًا اهـ. (قَوْلُهُ عَنْ النِّهَايَةِ) وَصَرَّحَ بِهِ فِي غَيْرِهَا (قَوْلُهُ فَلْيَكُنْ التَّوْفِيقُ) لَكِنَّ هَذَا لَا يَدْفَعُ الِاعْتِرَاضَ عَلَى صَاحِبِ الدُّرَرِ حَيْثُ لَمْ يُقَيِّدْ بِرَدِّ الْجَوَابِ أَوَّلًا وَقَيَّدَ بِنِصْفِ الْأَجْرِ ثَانِيًا. (قَوْلُهُ وَاخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ مَزَّقَهُ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَهُ الْأَجْرُ فِي قَوْلِهِمْ إذْ لَمْ يَنْقُضْ عَمَلَهُ. وَقِيلَ إذَا مَزَّقَهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْأَجْرُ،؛ لِأَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ ثَمَّةَ يَنْتَفِعُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 20 بِغَيْرِ أَجْرِ الْمِثْلِ يَلْزَمُ مُسْتَأْجِرَهَا) أَيْ مُسْتَأْجِرَ أَرْضِ الْوَقْفِ لَا الْمُتَوَلِّيَ كَمَا غَلِطَ فِيهِ بَعْضُهُمْ (تَمَامُ أَجْرِ الْمِثْلِ) عَلَى الْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا حُكْمُ وَصِيٍّ وَأَبٍ كَمَا فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى (يُفْتَى بِالضَّمَانِ فِي غَصْبِ عَقَارِ الْوَقْفِ وَغَصْبِ مَنَافِعِهِ، وَكَذَا يُفْتَى بِكُلِّ مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ) فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ حَتَّى نَقَضُوا الْإِجَارَةَ عِنْدَ الزِّيَادَةِ الْفَاحِشَةِ نَظَرًا لِلْوَقْفِ وَصِيَانَةً لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى حَاوِي الْقُدْسِيِّ. (مَاتَ الْآجِرُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ) حَتَّى فُسِخَ الْعَقْدُ بَعْدَ تَعْجِيلِ الْبَدَلِ (فَالْمُسْتَأْجِرُ) لَوْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ وَلَوْ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ أَشْبَاهٌ (أَحَقُّ بِالْمُسْتَأْجَرِ مِنْ غُرَمَائِهِ) حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأُجْرَةَ الْمُعَجَّلَةَ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ) أَيْ بِهَلَاكِ هَذَا الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَهْنٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (بِخِلَافِ الرَّهْنِ) فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي بَابِهِ مَجْمَعُ الْفَتَاوَى. [فُرُوعٌ] الزِّيَادَةُ فِي الْأُجْرَةِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ تَصِحُّ فِي الْمُدَّةِ   [رد المحتار] بِهِ وَارِثُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فَيَحْصُلُ الْغَرَضُ بِخِلَافِ التَّمْزِيقِ اهـ، وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّهُ إنْ مَزَّقَهُ بَعْدَ إيصَالِهِ فَلَهُ أَجْرُ الذَّهَابِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ فَيُحَرَّرُ ط. قُلْتُ: وَقَوْلُ الْخَانِيَّةِ لَهُ الْأَجْرُ أَيْ أَجْرُ الذَّهَابِ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَهَذَا إنْ شَرَطَ الْمَجِيءَ بِالْجَوَابِ، وَلْيُنْظَرْ فِيمَا لَوْ مَزَّقَهُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَوْ لَمْ يَدْفَعْ لَهُ الْجَوَابَ، وَكَانَ شَرَطَ الْمَجِيءَ بِالْجَوَابِ هَلْ لَهُ نِصْفُ الْأَجْرِ أَمْ كُلُّهُ؟ ؛ لِأَنَّ إخْبَارَهُ بِمَا صَنَعَ جَوَابٌ مَعْنًى فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ أَجْرِ الْمِثْلِ) الْأَوْلَى بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْغَيْرَ صَادِقٌ بِالْأَكْثَرِ وَإِنْ كَانَ الْمَقَامُ يُعَيِّنُ الْمُرَادَ ط. (قَوْلُهُ كَمَا غَلِطَ فِيهِ بَعْضُهُمْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ وَقَعَتْ عِبَارَةٌ فِي الْخُلَاصَةِ أَوْهَمَتْ أَنَّ النَّاظِرَ يَضْمَنُ تَمَامَ أَجْرِ الْمِثْلِ فَقَالَ: مُتَوَلِّي الْوَقْفِ آجَرَ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ يَلْزَمُهُ تَمَامُ أَجْرِ الْمِثْلِ اهـ، وَقَدْ رَدَّهُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوَاهُ بِأَنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي تَلْخِيصِ الْفَتَاوَى الْكُبْرَى: يَلْزَمُ مُسْتَأْجِرَهَا إتْمَامُ أَجْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ بَعْضِ عُلَمَائِنَا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ يُسَلِّمُهَا الْمُسْتَأْجِرَ كَانَ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْمَشَايِخِ اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ وَكَذَا حُكْمُ وَصِيٍّ وَأَبٍ) أَيْ إذَا آجَرَا عَقَارَ الصَّغِيرِ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ وَتَسَلَّمَهُ الْمُسْتَأْجِرُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ تَمَامُ الْأَجْرِ 1 - ط. (قَوْلُهُ فِي غَصْبِ عَقَارِ الْوَقْفِ) قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: الْفَتْوَى فِي غَصْبِ الْعَقَارِ وَالْمَوْقُوفِ بِالضَّمَانِ نَظَرًا لِلْوَقْفِ، مَتَى قَضَى عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ تُؤْخَذُ مِنْهُ فَيُشْتَرَى بِهَا ضَيْعَةٌ أُخْرَى تَكُونُ عَلَى سَبِيلِ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ، ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَذْهَانِ ط. (قَوْلُهُ وَغَصْبِ مَنَافِعِهِ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: شَرَى دَارًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا وَقْفٌ أَوْ لِلصَّغِيرِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ صِيَانَةً لِمَالِهِمَا اهـ. وَمُقَابِلُ الْمُفْتَى بِهِ مَا صَحَّحَهُ فِي الْعُمْدَةِ أَنَّهُ لَا تُضْمَنُ مَنَافِعُهُ وَتَبِعَهُ فِي الْقُنْيَةِ ط مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ عِنْدَ الزِّيَادَةِ الْفَاحِشَةِ) أَيْ زِيَادَةِ أَجْرِ الْمِثْلِ مِنْ غَيْرِ تَعَنُّتٍ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا ط (قَوْلُهُ وَصِيَانَةً لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى) ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ حَبْسُ الْعَيْنِ وَالتَّصَدُّقُ بِمَنْفَعَتِهِ لِوَجْهِهِ تَعَالَى. (قَوْلُهُ حَتَّى فُسِخَ الْعَقْدُ) أَيْ بِسَبَبِ الْمَوْتِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَتَى بَدَلَ حَتَّى، وَلَوْ قَالَ فَانْفَسَخَ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ لَوْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ) أَيْ لَوْ الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ مَقْبُوضَةً فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: اسْتَأْجَرَ بَيْتًا إجَارَةً فَاسِدَةً وَعَجَّلَ الْأُجْرَةَ وَلَمْ يَقْبِضْ الْبَيْتَ حَتَّى مَاتَ الْمُؤَجِّرُ أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَأَرَادَ حَبْسَ الْبَيْتِ لِأَجْرٍ عَجَّلَهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْجَائِزَةِ فَفِي الْفَاسِدَةِ أَوْلَى، وَلَوْ مَقْبُوضًا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا فَلَهُ الْحَبْسُ بِأَجْرٍ عَجَّلَهُ، وَهُوَ أَحَقُّ بِثَمَنِهِ لَوْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ اهـ. يَعْنِي إذَا مَاتَ الْمُؤَجِّرُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ لِغَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ فَبِيعَتْ الدَّارُ فَالْمُسْتَأْجِرُ أَحَقُّ بِالثَّمَنِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ إنْ كَانَ الثَّمَنُ قَدْرَ الْأُجْرَةِ الْمُعَجَّلَةِ، وَإِنْ زَادَ فَالزَّائِدُ لِلْغُرَمَاءِ أَبُو السُّعُودِ عَلَى الْأَشْبَاهِ. (قَوْلُهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ) تَرْكِيبٌ فَاسِدٌ، وَصَوَابُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ فَتَكُونُ مِنْ بَيَانِيَّةً لَا تَفْصِيلِيَّةً ح أَيْ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ الْمَضْمُونَ شَيْءٌ هُوَ أَقَلُّ مِنْهُمَا وَهُوَ غَيْرُهُمَا مَعَ أَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَهُوَ الْأَقَلُّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ تَصِحُّ) أَيْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 21 وَبَعْدَهَا. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، فَإِنْ فِي الْمِلْكِ وَلَوْ لِيَتِيمٍ لَمْ تُقْبَلْ كَمَا لَوْ رُخِّصَتْ، وَإِنْ فِي الْوَقْفِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ آجَرَهَا النَّاظِرُ بِلَا عَرْضٍ عَلَى الْأَوَّلِ لَكِنَّ الْأَصْلَ صِحَّتُهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ، وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، فَإِنْ أَخْبَرَ الْقَاضِيَ ذُو خِبْرَةٍ أَنَّهَا كَذَلِكَ فَسَخَهَا وَتُقْبَلُ الزِّيَادَةُ وَإِنْ شَهِدُوا وَقْتَ الْعَقْدِ أَنَّهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ، وَإِلَّا فَإِنْ   [رد المحتار] إنْ كَانَتْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ مَا اسْتَأْجَرَهُ فَلَوْ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ مِنْ جَانِبِ الْمُؤَجِّرِ فَتَجُوزُ مُطْلَقًا ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ وَبَعْدَهَا) صَوَابُهُ لَا بَعْدَهَا كَمَا هُوَ فِي الْأَشْبَاهِ وَالْمِنَحِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْعَقْدِ قَدْ فَاتَ وَالْمُرَادُ بَعْدَ مُضِيِّ كُلِّهَا. أَمَّا مُضِيِّ بَعْضِهَا، فَقَالَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا شَهْرَيْنِ أَوْ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فَرْسَخَيْنِ فَلَمَّا سَكَنَ فِيهَا شَهْرًا أَوْ سَافَرَ فَرْسَخًا زَادَ فِي الْأُجْرَةِ فَالْقِيَاسُ أَنْ تُعْتَبَرَ الزِّيَادَةُ لِمَا بَقِيَ. وَمُحَمَّدٌ اسْتَحْسَنَ وَجَعَلَهَا مُوَزَّعَةً لِمَا مَضَى وَلِمَا بَقِيَ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْبِيرِيِّ 1 - (قَوْلُهُ وَلَوْ لِيَتِيمٍ) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ: وَهُوَ شَامِلٌ لِمَالِ الْيَتِيمِ بِعُمُومِهِ. قَالَ الْحَمَوِيُّ: سَوَّى فِي الْإِسْعَافِ بَيْنَ الْوَقْفِ وَأَرْضِ الْيَتِيمِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ أَجَّرَ مُشْرِفٌ حُرٌّ الْوَقْفَ أَوْ وَصِيُّ الْيَتِيمِ مَنْزِلًا بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ. قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْجِرُ غَاصِبًا. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ: لَا يَكُونُ غَاصِبًا وَيَلْزَمُهُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَصَرَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ بِأَنَّ أَرْضَ الْيَتِيمِ كَالْوَقْفِ اهـ. أَقُولُ: وَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ قَبْلَ أَسْطُرٍ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّبِيهِ فَافْهَمْ، فَإِنَّ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ فِيمَا لَوْ آجَرَ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ وَكَلَامُنَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَالْفَرْقُ مِثْلُ الصُّبْحِ. (قَوْلُهُ لَمْ تُقْبَلْ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ مُطْلَقًا اهـ، أَيْ قَبْلَ الْمُدَّةِ وَبَعْدَهَا. (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ رُخِّصَتْ) أَيْ الْأُجْرَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا يُفْسَخُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ رَضِيَ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ إلَخْ) سَيَأْتِي آخِرَ السِّوَادَةِ، لَوْ آجَرَهَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ تَكُونُ فَاسِدَةً فَيُؤَجِّرُهَا صَحِيحَةً مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَخْ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْفَسَادُ بِسَبَبِ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ لَا يَلْزَمُ عَرْضُهَا عَلَى الْأَوَّلِ، وَفِي الْعِمَادِيَّةِ خِلَافُهُ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ أَنَّ الَّذِي فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ هُوَ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ لَكِنَّ الْأَصْلَ صِحَّتُهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ) كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ إلَخْ، وَمَعْنَى الِاسْتِدْرَاكِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْوَقْفِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ إلَخْ كَلَامٌ مُجْمَلٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ فَسَادُهَا بِسَبَبِ كَوْنِ الْأُجْرَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ، فَإِذَا ادَّعَى فَسَادَهَا بِذَلِكَ آجَرَهَا النَّاظِرُ بِلَا عَرْضٍ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ، فَاسْتُدْرِكَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمَقَامَ يَحْتَاجُ إلَى التَّفْصِيلِ، وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ صِحَّتُهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ فَمُجَرَّدُ دَعْوَى الزِّيَادَةِ لَا يُقْبَلُ، بَلْ إنْ أَخْبَرَ الْقَاضِيَ وَاحِدٌ بِذَلِكَ يُقْبَلُ إلَى آخِرِ مَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ. وَقَدْ اضْطَرَبَتْ آرَاءُ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ وَغَيْرِهِمْ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ: قَرَّرَ كَلَامَهُ كَذَلِكَ، وَعَلَيْهِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَاءِ التَّفْرِيعِيَّةِ بَدَلَ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ ادَّعَى. (قَوْلُهُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ) هُوَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فِي التَّفْسِيرِ الْمُخْتَارِ، وَتَمَامُهُ فِي رِسَالَةِ الْعَلَّامَةِ قنلي زَادَهْ. (قَوْلُهُ فَإِنْ أَخْبَرَ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُ قَوْلَ ذَلِكَ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِإِرَادَةِ اسْتِئْجَارِهَا لَوْ أَجْنَبِيًّا أَوْ بِاسْتِخْلَاصِهَا وَإِيجَارِهَا لِغَيْرِ الْأَوَّلِ لَوْ هُوَ الْعَاقِدَ، وَمَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ الصِّحَّةُ. (قَوْلُهُ ذُو خِبْرَةٍ) أَفَادَ أَنَّ الْوَاحِدَ يَكْفِي، وَهَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ أَشْبَاهٌ. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدُوا إلَخْ) وُصِلَ بِمَا قَبْلَهُ وَسَيَأْتِي عَنْ الْحَانُوتِيِّ آخِرَ السِّوَادَةِ مَا يُخَالِفُهُ، إلَّا أَنْ يُرَادَ الشَّهَادَةُ بِدُونِ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ مِمَّنْ يَرَى ذَلِكَ وَيَأْتِي تَمَامُ بَيَانِهِ هُنَاكَ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْ ذُو خِبْرَةٍ أَنَّهَا وَقَعَتْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهَذَا فِي الْمَعْنَى مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ صَحِيحَةٌ، فَقَدْ اسْتَوْفَى الْكَلَامَ عَلَى الْقِسْمَيْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 22 كَانَتْ إضْرَارًا وَتَعَنُّتًا لَمْ تُقْبَلْ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ أَجْرَ الْمِثْلِ فَالْمُخْتَارُ قَبُولُهَا فَيَفْسَخُهَا الْمُتَوَلِّي، فَإِنْ امْتَنَعَ فَالْقَاضِي   [رد المحتار] قَوْلُهُ إضْرَارًا وَتَعَنُّتًا) فَسَّرَ ذَلِكَ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي فَتَاوَاهُ بِالزِّيَادَةِ الَّتِي لَا يَقْبَلُهَا إلَّا وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ اهـ. وَفِي الْيَنَابِيعِ: زَادَ بَعْضُ النَّاسِ فِي أُجْرَتِهَا لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ لَعَلَّهُ مُتَعَنِّتٌ اهـ ط. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ أَجْرَ الْمِثْلِ) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ لِزِيَادَةٍ بِاللَّامِ وَهِيَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَالْمُرَادُ أَنْ تَزِيدَ الْأُجْرَةُ فِي نَفْسِهَا لِغُلُوِّ سِعْرِهَا عِنْدَ الْكُلِّ. أَمَّا إذَا زَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِكَثْرَةِ رَغْبَةِ النَّاسِ فِي اسْتِئْجَارِهِ فَلَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْعَيْنِيِّ حَمَوِيٌّ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ ابْنِ مَالِكٍ. أَقُولُ: وَهُوَ غَيْرُ مَعْقُولٍ، إذْ لَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ حِنْطَةً مَثَلًا وَزَادَتْ قِيمَتُهَا أَثْنَاءَ الْمُدَّةِ كَمَا مَثَّلَ بِهِ ابْنُ مَلِكٍ فَمَا وَجْهُ نَقْضِ الْإِجَارَةِ بَلْ الْمُرَادُ أَنْ تَزِيدَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِزِيَادَةِ الرَّغَبَاتِ كَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَاتِ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ. وَفِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِأَبِي السُّعُودِ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْبِيرِيِّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ زِيَادَةُ السِّعْرِ فِي نَفْسِ الْأُجْرَةِ فَإِنَّهُ لَا فَائِدَةَ وَلَا مَصْلَحَةَ فِي النَّقْضِ لِلْوَقْفِ وَلَا لِلْمُسْتَحِقِّينَ كَمَا أَفَادَهُ الْعَلَّامَةُ الطَّرَابُلُسِيُّ فِي فَتَاوَاهُ وَرَدَّ بِهِ مَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَجَعَلَهُ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمُنْتَقَدَةِ عَلَيْهِ اهـ. [مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ الْمُرَادِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ] 1 ِ بَقِيَ شَيْءٌ يَجِبُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا الْمُرَادُ بِزِيَادَةِ أَجْرِ الْمِثْلِ فَنَقُولُ: وَقَعَتْ الزِّيَادَةُ فِي أَغْلِبْ كَلَامِهِمْ مُطْلَقَةً فَقَالُوا إذَا زَادَتْ بِزِيَادَةِ الرَّغَبَاتِ. وَوَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ أَنَّهَا تُنْقَضُ عِنْدَ الزِّيَادَةِ الْفَاحِشَةِ. قَالَ فِي وَقْفِ الْبَحْرِ: وَتَقْيِيدُهُ بِالْفَاحِشَةِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ نَقْضِهَا بِالْيَسِيرِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْفَاحِشَةِ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهَا كَمَا فِي طَرَفِ النُّقْصَانِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ عَنْ أَجْرِ الْمِثْلِ إنْ كَانَ يَسِيرًا وَالْوَاحِدُ فِي الْعَشَرَةِ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ، وَهَذَا قَيْدٌ حَسَنٌ يَجِبُ حِفْظُهُ، فَإِذَا كَانَتْ أُجْرَةُ دَارٍ عَشَرَةً مَثَلًا وَزَادَ أَجْرُ مِثْلِهَا وَاحِدًا فَإِنَّهَا لَا تُنْقَضُ كَمَا لَوْ آجَرَهَا الْمُتَوَلِّي بِتِسْعَةٍ فَلِأَنَّهَا لَا تُنْقَضُ بِخِلَافِ الدِّرْهَمَيْنِ فِي الطَّرَفَيْنِ اهـ. أَقُولُ: لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْحَاوِي الْحَصِيرِيُّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْبِيرِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْفَاحِشَةَ مِقْدَارُهَا نِصْفُ الَّذِي أَجَّرَ بِهِ أَوَّلًا اهـ وَنَقَلَهُ الْعَلَّامَةُ قُنْلِي زَادَةْ. ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ نَرَهُ لِغَيْرِهِ. وَالْحَقُّ أَنَّ مَا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ فَهُوَ زِيَادَةٌ فَاحِشَةٌ نِصْفًا كَانَتْ أَوْ رُبْعًا. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَهَلْ هُمَا رِوَايَتَانِ أَوْ مُرَادُ الْعَامَّةِ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ الْحَصِيرِيُّ؟ لَمْ يُحَرِّرْهُ أَحَدٌ قَبْلَنَا. أَقُولُ: وَكَلَامُهُ الثَّانِي أَقْبَلُ، فَإِنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِالْبُطْلَانِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ بُرْهَانٍ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَعَدُّدِ الرِّوَايَةِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْعَامَّةِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُوجَدْ نَقْلٌ بِخِلَافِهِ صَرِيحًا فَيُضْطَرُّ إلَى جَعْلِهِمَا رِوَايَتَيْنِ، وَقَدْ أَقَرَّ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ وَغَيْرُهُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْحَصِيرِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الْحَامِدِيَّةِ فَاحْفَظْ هَذِهِ الْفَائِدَةَ السُّنِّيَّةَ (قَوْلُهُ فَيَفْسَخُهَا الْمُتَوَلِّي إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ قُنْلِي زَادَةْ: وَهَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَفْسَخُهَا الْقَاضِي أَوْ الْمُتَوَلِّي وَيَحْكُمُ بِهِ الْقَاضِي، لَمْ يُحَرِّرْهُ الْمُتَقَدِّمُونَ وَإِنَّمَا تَعَرَّضَ لَهُ صَاحِبُ أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَجَزَمَ بِالثَّانِي، وَإِنَّمَا يَفْسَخُ الْقَاضِي إذَا امْتَنَعَ النَّاظِرُ عَنْهُ اهـ. أَقُولُ: وَالْقَوْلُ بِالْفَسْخِ هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّارِحَ قَدْ أَطْلَقَ الْفَسْخَ هُنَا مَعَ أَنَّهُ قَدْ فَصَّلَ بَعْدَهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 23 ثُمَّ يُؤَجِّرُهَا مِمَّنْ زَادَ، فَإِنْ كَانَتْ دَارًا أَوْ حَانُوتًا أَوْ أَرْضًا فَارِغَةً عَرَضَهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، فَإِنْ قَبِلَهَا فَهُوَ أَحَقُّ وَلَزِمَهُ الزِّيَادَةُ مِنْ وَقْتِ قَبُولِهَا فَقَطْ، وَإِنْ أَنْكَرَ زِيَادَةَ أَجْرِ الْمِثْلِ وَادَّعَى أَنَّهَا إضْرَارٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبُرْهَانِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهَا آجَرَهَا الْمُتَوَلِّي، وَإِنْ كَانَتْ مَزْرُوعَةً لَمْ تَصِحَّ إجَارَتُهَا لِغَيْرِ صَاحِبِ الزَّرْعِ لَكِنْ تُضَمُّ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ مِنْ وَقْتِهَا، وَإِنْ كَانَ بَنَى أَوْ غَرَسَ، فَإِنْ كَانَ اسْتَأْجَرَهَا مُشَاهَرَةً فَإِنَّهَا تُؤَجَّرُ لِغَيْرِهِ إذَا فَرَغَ الشَّهْرُ إنْ لَمْ يَقْبَلْهَا لِانْعِقَادِهَا عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ، وَالْبِنَاءُ يَتَمَلَّكُهُ النَّاظِرُ بِقِيمَتِهِ مُسْتَحِقَّ الْقَلْعِ لِلْوَقْفِ أَوْ يَصْبِرُ حَتَّى يَتَخَلَّصَ بِنَاؤُهُ وَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ بَاقِيَةً لَمْ تُؤَجَّرْ لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا تُضَمُّ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ   [رد المحتار] وَحَاصِلُ التَّفْصِيلِ أَنَّ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْإِجَارَةُ لَا يَخْلُو، إمَّا أَنْ يَكُونَ أَرْضًا فَارِغَةً وَقْتَ الزِّيَادَةِ عَنْ مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ كَالدَّارِ وَالْحَانُوتِ وَالْأَرْضِ السَّلِيخَةِ، أَوْ مَشْغُولَةً بِهِ كَمَا لَوْ زَرَعَهَا أَوْ بَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ. فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَفْسَخُهَا الْمُتَوَلِّي وَيُؤَجِّرُهَا لِغَيْرِهِ إنْ لَمْ يَقْبَلْ الزِّيَادَةَ الْعَارِضَةَ بَعْدَ ثُبُوتِهَا. وَفِي الثَّانِي إنْ كَانَ زَرَعَهَا فِي الْمُدَّةِ لَا تُؤَجَّرُ لِغَيْرِهِ وَإِنْ فَرَغَتْ الْمُدَّةُ مَا لَمْ يَسْتَحْصِدْ الزَّرْعَ بَلْ تُضَمُّ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ مِنْ وَقْتِهَا إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ؛ لِأَنَّ شَغْلَهَا بِمِلْكِهِ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ إيجَارِهَا لِغَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي، وَإِنْ كَانَ بَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ، فَإِنْ فَرَغَتْ الْمُدَّةُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا مُشَاهَرَةً وَفَرَغَ الشَّهْرُ فَسَخَهَا وَآجَرَهَا لِغَيْرِهِ إنْ لَمْ يَقْبَلْ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ بَاقِيَةً لَمْ تُؤَجَّرْ لِغَيْرِهِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ شَغْلَهَا بِمِلْكِهِ مَانِعٌ بَلْ تُضَمُّ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ كَمَا مَرَّ فِي الْمَزْرُوعَةِ، لَكِنْ هُنَا تَبْقَى إلَى انْتِهَاءِ الْعَقْدِ فَقَطْ إذْ لَا نِهَايَةَ مَعْلُومَةٌ لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْأَشْبَاهِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا صَرِيحًا وَدَلَالَةً. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ ضَمَّ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ رَضِيَ بِهِ وَإِلَّا يُؤْمَرْ بِالْقَلْعِ إنْ لَمْ يُضَرَّ بِالْوَقْفِ وَتُؤَجَّرُ لِغَيْرِهِ صِيَانَةً لِلْوَقْفِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا زَادَتْ أُجْرَةُ الْأَرْضِ فِي نَفْسِهَا لَا بِسَبَبِ بِنَائِهِ مَثَلًا وَإِلَّا فَلَا تُضَمُّ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ حَصَلَتْ مِنْ مِلْكِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يُؤَجِّرُهَا مِمَّنْ زَادَ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِيَتَأَتَّى التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي الْوَقْفِ وَإِنْ عَبَّرَ فِي الْأَشْبَاهِ كَمَا هُنَا. (قَوْلُهُ عَرَضَهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ) وَلَا يَعْرِضُ فِي الْفَاسِدَةِ، وَقِيلَ يَعْرِضُ فِيهَا أَيْضًا ط (قَوْلُهُ فَقَطْ) أَيْ لَا مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ أَشْبَاهٌ، بَلْ الْوَاجِبُ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى وَقْتِ الْفَسْخِ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى. (قَوْلُهُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُنْكِرِ لِتَثْبُتَ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ حَمَوِيٌّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، لِمَا مَرَّ أَنَّ الْوَاحِدَ يَكْفِي عِنْدَهُمَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لَمْ تَصِحَّ إجَارَتُهَا لِغَيْرِ صَاحِبِ الزَّرْعِ) أَيْ إنْ كَانَ مَزْرُوعًا بِحَقٍّ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِحَقٍّ كَالْغَاصِبِ وَالْمُسْتَأْجِرِ إجَارَةً فَاسِدَةً لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالسِّرَاجِيَّةِ لِكَوْنِهِ لَا يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ بَحْرٌ، وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ وَيَأْتِي مَتْنًا بَعْدَ وَرَقَةٍ (قَوْلُهُ مِنْ وَقْتِهَا) أَيْ وَقْتِ الزِّيَادَةِ، وَوَجَبَ لِمَا مَضَى قَبْلَهَا مِنْ الْمُسَمَّى بِحِسَابِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ اسْتَأْجَرَهَا مُشَاهَرَةً) فِي هَذَا التَّعْبِيرِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ الْآتِي وَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ بَاقِيَةً إلَخْ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ قَدْ فَرَغَتْ فَإِنَّهَا تُؤَجَّرُ لِغَيْرِهِ إنْ لَمْ يَقْبَلْهَا: أَيْ الزِّيَادَةَ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الشَّهْرُ مُدَّةً قَلِيلَةً صَارَ كَأَنَّ الْمُدَّةَ قَدْ فَرَغَتْ، فَإِنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَهَا مُشَاهَرَةً كُلُّ شَهْرٍ بِكَذَا صَحَّ فِي وَاحِدٍ وَفَسَدَ فِي الْبَاقِي عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي. (قَوْلُهُ وَالْبِنَاءُ يَتَمَلَّكُهُ النَّاظِرُ بِقِيمَتِهِ) أَيْ جَبْرًا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ إنْ ضَرَّ قَلْعُهُ بِالْأَرْضِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ مُسْتَحِقُّ الْقَلْعِ) سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي. (قَوْلُهُ لِلْوَقْفِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَتَمَلَّكُهُ (قَوْلُهُ أَوْ يَصْبِرُ إلَخْ) يَعْنِي إذَا رَضِيَ النَّاظِرُ بِذَلِكَ إنْ كَانَ الْقَلْعُ يَضُرُّ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلنَّاظِرِ حِينَئِذٍ بَيْنَ تَمَلُّكِهِ جَبْرًا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهُ إلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ بِنَاءُ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْأَرْضِ، كُلَّمَا سَقَطَ شَيْءٌ دَفَعَهُ إلَيْهِ بِنَاءً عَلَى مَا يَأْتِي عَنْ الشُّرُوحِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 24 كَالزِّيَادَةِ وَبِهَا زَرْعٌ. وَأَمَّا إذَا زَادَ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزِيدَ أَحَدٌ فَلِلْمُتَوَلِّي فَسْخُهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَمَا لَمْ تُفْسَخْ كَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْمُسَمَّى أَشْبَاهٌ مَعْزِيًّا لِلصُّغْرَى. قُلْتُ: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ الْبِنَاءُ يَتَمَلَّكُهُ النَّاظِرُ إلَخْ أَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ لِجِهَةِ الْوَقْفِ قَهْرًا عَلَى صَاحِبِهِ، وَهَذَا لَوْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ وَإِلَّا شُرِطَ رِضَاهُ كَمَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ مِنْهَا الْبَحْرُ وَالْمِنَحُ، وَإِنْ صَحَّ فَيُعَوَّلُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا الْمَوْضُوعَةُ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ بِخِلَافِ نُقُولِ الْفَتَاوَى.   [رد المحتار] نَعَمْ لَوْ لَمْ يَضُرَّ فَالْخِيَارُ لِلْمُسْتَأْجِرِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا زَادَ إلَخْ) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ سَابِقًا وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ أَجْرَ الْمِثْلِ إلَخْ ط، وَقَدْ صُحِّحَ هَذَا الْقَوْلُ بِلَفْظِ الْفَتْوَى وَلَفْظِ الْمُخْتَارِ كَمَا هُنَا وَلَفْظِ الْأَصَحِّ كَمَا فِي كِتَابِ الْوَقْفِ، فَكَانَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ مَشَى عَلَى خِلَافِهِ فِي الْإِسْعَافِ والتتارخانية وَالْخَانِيَّةِ قَائِلِينَ إنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ يُعْتَبَرُ وَقْتَ الْعَقْدِ فَلَا تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ بَعْدَهُ، وَلَكِنْ قَدْ عَلِمْتَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْحَصِيرِيِّ مَا الْمُرَادُ بِالزِّيَادَةِ. (قَوْلُهُ قُلْتُ إلَخْ) أَصْلُ الْبَحْثِ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ ذَكَرَهُ أَوَّلَ الْبَابِ تَحْتَ قَوْلِهِ فَلَوْ آجَرَهَا الْمُتَوَلِّي أَكْثَرَ لَمْ تَصِحَّ. (قَوْلُهُ إنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ) أَيْ إنْ أَرَادَ النَّاظِرُ وَإِلَّا فَيَتْرُكُ إلَى أَنْ يَتَلَخَّصَ فَيَأْخُذَهُ مَالِكُهُ. (قَوْلُهُ كَمَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ) أَيْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَغَيْرِهِمَا ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي الْبَابِ الْآتِي عِنْدَ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَغْرَمَ لَهُ الْمُؤَجِّرُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا وَهُوَ مَفْهُومُ عِبَارَاتِ الْمُتُونِ أَيْضًا، وَيَتَنَاوَلُ بِإِطْلَاقِهِ الْمِلْكَ وَالْوَقْفَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ نُقُولِ الْفَتَاوَى) مِنْهَا الْمُحِيطُ وَالتَّجْنِيسُ وَالْخَانِيَّةُ وَالْعِمَادِيَّةُ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنْ كَانَ يَضُرُّ لَا يَرْفَعُهُ الْمُسْتَأْجِرُ بَلْ إمَّا أَنْ يَرْضَى بِأَنْ يَتَمَلَّكَهُ النَّاظِرُ لِلْوَقْفِ وَإِلَّا يَصْبِرُ إلَى أَنْ يَتَلَخَّصَ مِلْكُهُ؛ لِأَنَّ تَمَلُّكَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ لَا يَجُوزُ، وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ فَتَاوَى مُؤَيَّدْ زَادَهْ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْخِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَلَوْ كَانَ الْقَلْعُ يَضُرُّ، وَأَصْحَابُ الشُّرُوحِ جَعَلُوا الْخِيَارَ لِلنَّاظِرِ إنْ ضَرَّ وَإِلَّا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ، ثُمَّ هَذَا إذَا كَانَ الْبِنَاءُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُتَوَلِّي، فَلَوْ بِإِذْنِهِ فَهُوَ لِلْوَقْفِ وَيَرْجِعُ الْبَانِي عَلَى الْمُتَوَلِّي بِمَا أَنْفَقَ كَمَا فِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ إذْنَهُ بِالْبِنَاءِ لِأَجْلِ الْوَقْفِ، فَلَوْ لِنَفْسِهِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ لِلْوَقْفِ كَمَا أَفَادَهُ الْعَلَّامَةُ قنلي زَادَهْ. أَقُولُ: وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ اسْتِبْقَاءَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ جَبْرًا إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْوَقْفِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الشُّرُوحِ وَلِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْفَتَاوَى أَيْضًا، وَلِمَا يَأْتِي عَنْ الْمُتُونِ كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ] إذَا أَذِنَ الْقَاضِي أَوْ النَّاظِرُ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى الِاحْتِيَاجَ إلَى إذْنِ الْقَاضِي لِلْمُسْتَأْجِرِ بِالْبِنَاءِ لِيَكُونَ دَيْنًا عَلَى الْوَقْفِ حَيْثُ لَا فَاضِلَ مِنْ رِيعِهِ وَهُوَ مَا يُسَمُّونَهُ فِي دِيَارِنَا بِالْمَرْصَدِ فَالْبِنَاءُ يَكُونُ لِلْوَقْفِ فَإِذَا أَرَادَ النَّاظِرُ إخْرَاجَهُ يَدْفَعُ لَهُ مَا صَرَفَهُ فِي الْبِنَاءِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَزِيدُ أَجْرَ الْمِثْلِ بِسَبَبِ الْبِنَاءِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إتْمَامُ أَجْرِ الْمِثْلِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَشْبَاهِ أَنَّ الْبِنَاءَ هُنَا لِلْوَقْفِ فَلَمْ يَزِدْ بِسَبَبِ مِلْكِهِ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ التَّصْرِيحَ فِي ضِمْنِ سُؤَالٍ طَوِيلٍ بِلُزُومِ أَجْرِ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ قَبْلَ الْعِمَارَةِ وَبَعْدَهَا وَالرُّجُوعَ بِمَا صَرَفَهُ فَرَاجِعْهُ. وَالْوَاقِعُ فِي زَمَانِنَا أَنَّهُ يَسْتَأْجِرُ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ بِكَثِيرٍ وَيَدْفَعُ بَعْضَ الْأُجْرَةِ وَيَقْتَطِعُ بَعْضَهَا مِنْ الْعِمَارَةِ. وَقَدْ يُقَالُ: لِجَوَازِهِ وَجْهٌ. وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ آخَرُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ وَيَدْفَعَ لِلْأَوَّلِ مَا صَرَفَهُ عَلَى الْعِمَارَةِ لَا يَسْتَأْجِرُهُ إلَّا بِتِلْكَ الْأُجْرَةِ الْقَلِيلَةِ، نَعَمْ لَوْ اسْتَغْنَى الْوَقْفُ وَدَفَعَ النَّاظِرُ مَا لِلْأَوَّلِ فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَسْتَأْجِرُهُ بِأَجْرِ مِثْلِهِ الْآنَ، فَمَا لَمْ يَدْفَعْ النَّاظِرُ ذَلِكَ تَبْقَى أُجْرَةُ الْمِثْلِ تِلْكَ الْأُجْرَةَ الْقَلِيلَةَ فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْعِمَارَةِ الْمَمْلُوكَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَبَيْنَ هَذِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 25 وَفِي فَتَاوَى مُؤَيِّدِ زَادَهْ مَعْزِيًّا لِلْفُصُولَيْنِ: حَانُوتُ وَقْفٍ بَنَى فِيهِ سَاكِنُهُ بِلَا إذْنِ مُوَلِّيهِ، إنْ لَمْ يَضُرَّ رَفْعُهُ رَفَعَهُ وَإِنْ ضَرَّ فَهُوَ الْمُضَيِّعُ مَالَهُ فَلْيَتَرَبَّصْ إلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ مَالُهُ مِنْ تَحْتِ الْبِنَاءِ ثُمَّ يَأْخُذْهُ، وَلَا يَكُونُ بِنَاؤُهُ مَانِعًا مِنْ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ لِغَيْرِهِ إذْ لَا بُدَّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَمْلِكُ رَفْعَهُ وَلَوْ اصْطَلَحُوا أَنْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ لِلْوَقْفِ بِثَمَنٍ لَا يُجَاوِزُ أَقَلَّ الْقِيمَتَيْنِ مَنْزُوعًا وَمَبْنِيًّا فِيهِ صَحَّ، وَلَوْ لَحِقَ الْآجِرَ دَيْنٌ رَفَعَ إلَى الْقَاضِي لِيَفْسَخَ الْعَقْدَ، وَلَيْسَ لِلْآجِرِ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي الْمَرْصَدِ وَالْقِيمَةِ وَمِشَدِّ الْمُسْكَةِ وَرَأَيْتُ فِي وَقْفِ الْحَامِدِيَّةِ عَنْ فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ: شَرْطُ جَوَازِ إجَارَةِ الْوَقْفِ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ إذَا نَابَهُ نَائِبَةٌ أَوْ كَانَ دَيْنٌ إلَخْ فَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَا، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَرْصَدَ دَيْنٌ عَلَى الْوَقْفِ تَقِلُّ أُجْرَتُهُ بِسَبَبِهِ فَتَأَمَّلْ. وَفِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى عَنْ الْأَشْبَاهِ: وَلَا يُؤَجَّرُ الْوَقْفُ إلَّا بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَّا بِنُقْصَانٍ يَسِيرٍ أَوْ إذَا لَمْ يُرْغَبْ فِيهِ إلَّا بِالْأَقَلِّ اهـ تَأَمَّلْ، وَمِثْلُ هَذَا يُقَالُ فِي الْكَدَكِ، وَهُوَ مَا يَبْنِيهِ الْمُسْتَأْجِرُ فِي حَانُوتِ الْوَقْفِ وَلَا يَحْسُبُهُ عَلَى الْوَقْفِ فَيَقُومُ الْمُسْتَأْجِرُ بِجَمِيعِ لَوَازِمِهِ مِنْ عِمَارَةٍ وَتَرْمِيمٍ وَإِغْلَاقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيَبِيعُونَهُ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ فَبِاعْتِبَارِ مَا يَدْفَعُهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ هَذَا الثَّمَنِ الْكَثِيرِ وَمَا يَصْرِفُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى أَرْضِ الْوَقْفِ تَكُونُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ تِلْكَ الْأُجْرَةَ الْقَلِيلَةَ الَّتِي يَدْفَعُونَهَا وَقَدْ تَكُونُ أَصْلَ عِمَارَةِ الْوَقْفِ مِنْ صَاحِبِ الْكَدَكِ يَأْخُذُهَا مِنْهُ الْوَاقِفُ وَيَعْمُرُ بِهَا وَيَجْعَلُهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ وَيُؤَجِّرُهُ بِأُجْرَةٍ قَلِيلَةٍ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْخُلُوِّ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي الْقِيمَةِ وَمِشَدُّ الْمُسْكَةِ فِي الْبَسَاتِينِ وَنَحْوِهَا، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُمَامَةِ وَالْكِرَابِ وَمَا يَزْرَعُهُ مِمَّا تَبْقَى أُصُولُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَحَقُّ الْغَرْسِ وَالزَّرْعِ فَإِنَّهَا تُبَاعُ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ فَبِسَبَبِهَا تَزِيدُ أُجْرَةُ الْأَرْضِ زِيَادَةً كَثِيرَةً، وَهَذِهِ أُمُورٌ حَادِثَةٌ تَعَارَفُوا عَلَيْهَا. وَفِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ الْمُحَقِّقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَفَنْدِي الْعِمَادِيِّ مُفْتِي دِمِشْقَ جَوَابًا لِسُؤَالٍ عَنْ الْخُلُوِّ الْمُتَعَارَفِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْحُكْمَ الْعَامَّ قَدْ يَثْبُتُ بِالْعُرْفِ الْخَاصِّ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ كَالنَّسَفِيِّ وَغَيْرِهِ، وَمِنْهُ الْأَحْكَارُ الَّتِي جَرَتْ بِهَا الْعَادَةُ فِي هَذِهِ الدِّيَارِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تُمْسَحَ الْأَرْضُ وَتُعْرَفَ بِكَسْرِهَا وَيُفْرَضَ عَلَى قَدْرٍ مِنْ الْأَذْرُعِ مَبْلَغٌ مُعَيَّنٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَيَبْقَى الَّذِي يَبْنِي فِيهَا يُؤَدِّي ذَلِكَ الْقَدْرَ كُلَّ سَنَةٍ مِنْ غَيْرِ إجَارَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ، فَإِذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ رُفِعَتْ عِمَارَتُهُ لَا تُسْتَأْجَرُ بِأَكْثَرَ تُتْرَكُ فِي يَدِهِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ، وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْتِيَ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ مُطْلَقًا خَوْفًا مِنْ أَنْ يَنْفَتِحَ بَابُ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ وَالْبِدَعِ، نَعَمْ يُفْتَى بِهِ فِيمَا دَعَتْ إلَيْهِ الْحَاجَةُ وَجَرَتْ بِهِ فِي الْمُدَّةِ الْمَدِيدَةِ الْعَادَةُ وَتَعَارَفَهُ الْأَعْيَانُ بِلَا نَكِيرٍ كَالْخُلُوِّ الْمُتَعَارَفِ فِي الْحَوَانِيتِ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْوَاقِفُ أَوْ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْمَالِكُ عَلَى الْحَانُوتِ قَدْرًا مُعَيَّنًا يُؤْخَذُ مِنْ السَّاكِنِ وَيُعْطِيهِ بِهِ تَمَسُّكًا شَرْعِيًّا فَلَا يَمْلِكُ صَاحِبُ الْحَانُوتِ بَعْدَ ذَلِكَ إخْرَاجَ السَّاكِنِ الَّذِي لَهُ الْخُلُوُّ وَلَا إجَارَتَهَا لِغَيْرِهِ، مَا لَمْ يَدْفَعْ لَهُ الْمَبْلَغَ الْمَرْقُومَ فَيُفْتَى بِجَوَازِ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى بَيْعِ الْوَفَاءِ الَّذِي تَعَارَفَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ احْتِيَالًا عَنْ الرِّبَا، حَتَّى قَالَ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: اتَّفَقَ مَشَايِخُنَا فِي هَذَا الزَّمَانِ عَلَى صِحَّتِهِ بَيْعًا لِاضْطِرَارِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ. وَمِنْ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ: إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ حُكْمُهُ، فَيَنْدَرِجُ تَحْتَهَا أَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا دَعَتْ إلَيْهِ الضَّرُورَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ رَفَعَهُ) أَيْ جَبْرًا. (قَوْلُهُ مِنْ تَحْتِ الْبِنَاءِ) الْأَوْلَى حَذْفُ تَحْتِ ط. (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَمْلِكُ رَفْعَهُ) حَيْثِيَّةُ تَعْلِيلٍ ط. (قَوْلُهُ وَلَوْ اصْطَلَحُوا إلَخْ) هَذَا إمَّا بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ فَلَا يُنَافِي الْجَبْرَ عِنْدَ عَدَمِ الِاصْطِلَاحِ أَوْ هُوَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ رَمْلِيٌّ عَلَى الْبَحْرِ مُلَخَّصًا. وَعَلَى الْأَوَّلِ يُوَافِقُ مَا مَرَّ عَنْ الشُّرُوحِ، وَعَلَى الثَّانِي يُوَافِقُ مَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ أَرْبَابُ الْفَتَاوَى. (قَوْلُهُ وَلَوْ لَحِقَ الْآجِرَ دَيْنٌ إلَخْ) مَحَلُّهُ بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ هُنَاكَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 26 أَنْ يَفْسَخَ بِنَفْسِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. [مَطْلَبٌ فِي الْمَرْصَدِ وَالْقِيمَةِ وَمِشَدِّ الْمُسْكَةِ] وَتَجُوزُ بِمِثْلِ الْأُجْرَةِ أَوْ بِأَكْثَرَ أَوْ بِأَقَلَّ بِمَا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ لَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ وَتَكُونُ فَاسِدَةً، فَيُؤَجِّرُهُ إجَارَةً صَحِيحَةً إمَّا مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِزِيَادَةٍ بِقَدْرِ مَا يَرْضَى بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ اهـ. وَفِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ: بَيِّنَةُ الْإِثْبَاتِ مُقَدَّمَةٌ وَهِيَ الَّتِي شَهِدَتْ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ أَوَّلًا أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَقَدْ اتَّصَلَ بِهَا الْقَضَاءُ فَلَا تُنْقَضُ. قَالَ: وَبِهِ أَجَابَ بَقِيَّةُ الْمَذَاهِبِ فَلْيُحْفَظْ. بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا أَيْ فِي الْإِجَارَةِ (تَصِحُّ) (إجَارَةُ حَانُوتٍ) أَيْ دُكَّانٍ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَتَجُوزُ بِمِثْلِ الْأُجْرَةِ إلَخْ) أَيْ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ بِالْأَكْثَرِ مِنْهَا مُطْلَقًا مَا لَمْ تَكُنْ بِمَالِ وَقْفٍ أَوْ يَتِيمٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ بِمَا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ) قَيْدٌ لِلْأَقَلِّ فَافْهَمْ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ مُكَرَّرٌ إذْ قَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. (قَوْلُهُ وَفِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ إلَخْ) وَنَصُّهُ: سُئِلَ مَا قَوْلُكُمْ فِيمَا لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ إجَارَةِ وَقْفٍ وَأَنَّ الْأُجْرَةَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ بَعْدَ أَنْ أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ ثُمَّ أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهَا دُونَ أَجْرِ الْمِثْلِ فَيُعْمَلُ بِبَيِّنَةِ بُطْلَانِهَا أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ: أَجَابَ الشَّيْخُ نُورُ الدِّينِ الطَّرَابُلُسِيُّ قَاضِي الْقُضَاةِ الْحَنَفِيُّ بِمَا صُورَتُهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى بَيِّنَةُ الْإِثْبَاتِ مُقَدَّمَةٌ وَهِيَ الَّتِي شَهِدَتْ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَقَدْ اتَّصَلَ بِهَا الْقَضَاءُ فَلَا تُنْقَضُ. وَأَجَابَ الشَّيْخُ نَاصِرُ الدِّينِ اللَّقَانِيِّ الْمَالِكِيُّ وَقَاضِي الْقُضَاةِ أَحْمَدُ بْنُ النَّجَّارِ الْحَنْبَلِيُّ بِجَوَابِي كَذَلِكَ، فَأَجَبْتُ: نَعَمْ الْأَجْوِبَةُ الْمَذْكُورَةُ صَحِيحَةٌ اهـ. قُلْتُ: وَهَذَا حَيْثُ لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ الْأُولَى يُكَذِّبُهَا الظَّاهِرُ وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ وَتُنْقَضُ كَمَا فِي الْحَامِدِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَقَدْ اتَّصَلَ بِهَا الْقَضَاءُ) أَيْ وَاسْتَكْمَلَ شُرُوطَهُ. وَفِي فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ وَلَا يَمْنَعُ قَبُولَهَا: أَيْ الزِّيَادَةِ حُكْمُ الْحَنْبَلِيِّ بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ اهـ. قَالَ فِي الْحَامِدِيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ تَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ: مُرَادُهُ أَنَّ حُكْمَهُ بِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ ابْتِدَاءً وَأَنَّهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ لَا يَمْنَعُ فَسْخَهَا لِلزِّيَادَةِ الْعَارِضَةِ بِكَثْرَةِ الرَّغَبَاتِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَحْكُومٍ بِهِ، فَمَنْعُ حُكْمِ الْحَنْبَلِيِّ الْأَوَّلِ لِذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ، نَعَمْ لَوْ حَكَمَ بِإِلْغَاءِ الزِّيَادَةِ الْعَارِضَةِ بِحَادِثَةٍ بِخُصُوصِهَا مُسْتَجْمِعًا شَرَائِطَهُ مَنَعَ مِنْ قَبُولِهَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَانُوتِيُّ فِي فَتَاوَاهُ أَيْضًا حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْحَاكِمَ الْحَنَفِيَّ مِنْ قَبُولِ الزِّيَادَةِ حَكَمُ الْحَنْبَلِيُّ بِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ وَلَوْ وَقَعَتْ بَعْدَ دَعْوَى شَرْعِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ بِقَبُولِ الزِّيَادَةِ حَادِثَةٌ أُخْرَى لَمْ يَقَعْ الْحُكْمُ بِهَا اهـ وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا الْعَلَّامَةُ قنلي زَادَهْ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي قَوْلُهُ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ هَذَا مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ وَلَا قَوْلُهُ أَلْغَيْتُ الزِّيَادَةَ الْعَارِضَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فَتَاوَى لَا أَحْكَامٌ نَافِذَةٌ مَا لَمْ تَكُنْ عَلَى وَجْهِ خَصْمٍ جَاحِدٍ اهـ: وَمِثْلُهُ مَا لَوْ حَكَمَ بِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ شَافِعِيٌّ مَثَلًا لَا يَمْنَعُ الْحَنَفِيُّ فَسْخَهَا بِالْمَوْتِ مَا لَمْ يَحْكُمْ الشَّافِعِيُّ بِخُصُوصِ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْغَرْسِ فَتَنَبَّهْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا] (قَوْلُهُ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا) أَيْ وَالْفِعْلُ الَّذِي يَكُونُ خِلَافَ الْجَائِزِ فِيهَا (قَوْلُهُ حَانُوتٍ) عَلَى وَزْنِ فَاعُولٍ وَتَاؤُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 27 وَدَارٍ بِلَا بَيَانِ مَا يُعْمَلُ فِيهَا) لِصَرْفِهِ لِلْمُتَعَارَفِ (وَ) بِلَا بَيَانِ (مَنْ يَسْكُنُهَا) فَلَهُ أَنْ يُسْكِنَهَا غَيْرَهُ بِإِجَارَةٍ وَغَيْرِهَا كَمَا سَيَجِيءُ (وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِمَا) أَيْ الْحَانُوتِ وَالدَّارِ (كُلَّ مَا أَرَادَ) فَيَتِدُ وَيَرْبِطُ دَوَابَّهُ وَيَكْسِرُ حَطَبَهُ وَيَسْتَنْجِي بِجِدَارِهِ وَيَتَّخِذُ بَالُوعَةً إنْ لَمْ تَضُرَّ وَيَطْحَنُ بِرَحَى الْيَدِ وَإِنْ بِهِ ضُرٌّ بِهِ يُفْتَى قُنْيَةٌ (غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُسْكِنُ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ (حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا أَوْ طَحَّانًا مِنْ غَيْرِ رِضَا الْمَالِكِ أَوْ اشْتِرَاطِهِ) ذَلِكَ (فِي) عَقْدِ (الْإِجَارَةِ) ؛ لِأَنَّهُ يُوهِنُ الْبِنَاءَ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الرِّضَا. (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الِاشْتِرَاطِ فَالْقَوْلُ لِلْمُؤَجِّرِ) كَمَا لَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْعَقْدِ (وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ) لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ خُلَاصَةٌ. وَفِيهَا اسْتَأْجَرَ لِلْقِصَارَةِ فَلَهُ الْحِدَادَةُ إنْ اتَّحَدَ ضَرَرُهُمَا، وَلَوْ فَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ لَزِمَهُ الْأَجْرُ، وَإِنْ انْهَدَمَ بِهِ الْبِنَاءُ ضَمِنَهُ وَلَا أَجْرَ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ. (وَلَهُ السُّكْنَى بِنَفْسِهِ وَإِسْكَانُ غَيْرِهِ بِإِجَارَةٍ وَغَيْرِهَا) وَكَذَا كُلُّ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمِلِ   [رد المحتار] مُبْدَلَةٌ عَنْ هَاءٍ وَقِيلَ فَعَلُوتٌ كَمَلَكُوتٍ. وَهُوَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ: دُكَّانُ الْخَمَّارِ وَالْخَمَّارُ نَفْسُهُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ حَانِيٌّ وَحَانُوتِيٌّ. وَفُسِّرَ الدُّكَّانُ بِهِ أَيْضًا، فَقَالَ كَرُمَّانِ: الْحَانُوتُ جَمْعُهُ دَكَاكِينُ مُعَرَّبٌ، وَعَلَيْهِ فَهُمَا مُتَرَادِفَانِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا أُعِدَّ لِيُبَاعَ فِيهِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ بِلَا بَيَانِ مَا يَعْمَلُ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْأَمَاكِنِ وَهِيَ الْحَانُوتُ وَالدَّارُ فَأَطْلَقَ الْجَمْعَ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِصَرْفِهِ لِلْمُتَعَارَفِ) وَهُوَ السُّكْنَى وَأَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ فَلَهُ أَنْ يُسْكِنَهَا غَيْرَهُ) أَيْ وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَسْكُنَهَا وَحْدَهُ مُنْفَرِدًا سَرَى الدَّيْنُ وَهَذَا فِي الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ ط وَمِثْلُهُ عَبْدُ الْخِدْمَةِ فَلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِغَيْرِهِ، بِخِلَافِ الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ، وَكَذَا كُلُّ مَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ كَمَا فِي الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ فَيَتِدُ) مُضَارِعٌ مِنْ بَابِ الْمِثَالِ أَيْ يَدُقُّ الْوَتَدَ ح. (قَوْلُهُ وَيَرْبُطُ دَوَابَّهُ) أَيْ فِي مَوْضِعٍ أُعِدَّ لِرَبْطِهَا؛ لِأَنَّ رَبْطَهَا فِي مَوْضِعِ السُّكْنَى إفْسَادٌ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَيَنْتَفِعُ بِبِئْرِهَا وَلَوْ فَسَدَتْ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى إصْلَاحِهَا وَيَبْنِي التَّنُّورَ فِيهَا فَلَوْ احْتَرَقَ بِهِ شَيْءٌ لَمْ يَضْمَنْ: قُلْتُ: إلَّا إذَا فَعَلَهُ فِي مَحَلٍّ لَا يَلِيقُ بِهِ كَقُرْبِ خَشَبٍ مَقْدِسِيّ اهـ. (قَوْلُهُ وَيُكَسِّرُ حَطَبَهُ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ أَخْذًا مِمَّا قَبْلَهُ وَمِمَّا بَعْدَهُ بِأَنْ يَكُونَ بِمَحَلٍّ لَا يَحْصُلُ بِهِ إضْرَارٌ بِالْأَرْضِ وَمَا تَحْتَهَا مِنْ مَجْرَى الْمَاءِ. ثُمَّ رَأَيْتُ الزَّيْلَعِيَّ قَالَ: وَعَلَى هَذَا لَهُ تَكْسِيرُ الْحَطَبِ الْمُعْتَادِ لِلطَّبْخِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ، وَإِنْ زَادَ عَلَى الْعَادَةِ بِحَيْثُ يُوهِنُ الْبِنَاءَ فَلَا إلَّا بِرِضَا الْمَالِكِ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الدَّقُّ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ اهـ. (قَوْلُهُ وَيَطْحَنُ بِرَحَى الْيَدِ وَإِنْ ضَرَّ بِهِ يُفْتَى قُنْيَةٌ) لَمْ أَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْقُنْيَةِ، بَلْ رَأَيْتُ مَا قَبْلَهَا. وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْبَحْرِ مَعْزُوَّةً لِلْخُلَاصَةِ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ وَتَبِعْهُمَا الشَّارِحُ وَفِيهِ سَقْطٌ، فَإِنَّ الَّذِي وَجَدْتُهُ فِي الْخُلَاصَةِ هَكَذَا: لَا يُمْنَعُ مِنْ رَحَى الْيَدِ إنْ كَانَ لَا يَضُرُّ، وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ يُمْنَعُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَمِثْلُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ. (قَوْلُهُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ) سَهْوٌ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ الثُّلَاثِيّ الْمُجَرَّدِ أَوْ بِضَمِّهَا مِنْ الرُّبَاعِيِّ وَحَدَّادًا حَالٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَمَفْعُولٌ بِهِ عَلَى الثَّانِي ح. وَوَجْهُ كَوْنِهِ سَهْوًا أَنَّهُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُوهِنُ إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ أَوْ فِيهِ ضَرَرٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا، وَكُلُّ مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ جَازَ لَهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَاسْتَحَقَّهُ بِهِ. (قَوْلُهُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الرِّضَا) أَيْ رِضَا الْمَالِكِ أَوْ الِاشْتِرَاطِ: وَفِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ: يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَقْفًا وَرَضِيَ الْمُتَوَلِّي بِسُكْنَاهُ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْعَقْدِ) فَإِنَّ الْقَوْلَ لَهُ: أَيْ فَكَذَا إذَا أَنْكَرَ نَوْعًا مِنْهُ ط. (قَوْلُهُ وَلَوْ فَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ) أَيْ وَقَدْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، أَمَّا لَوْ مَضَى بَعْضُهَا هَلْ يَسْقُطُ أَجْرُهُ أَوْ يَجِبُ؟ يُحَرَّرُ ط عَنْ الْقُدْسِيِّ. (قَوْلُهُ وَلَا أَجْرَ) أَيْ فِيمَا ضَمِنَهُ نِهَايَةٌ، وَأَمَّا السَّاحَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 28 يَبْطُلُ التَّقْيِيدُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ، بِخِلَافِ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ كَمَا سَيَجِيءُ، وَلَوْ آجَرَ بِأَكْثَرَ تَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إذَا آجَرَهَا بِخِلَافِ الْجِنْسِ أَوْ أَصْلَحَ فِيهَا شَيْئًا، وَلَوْ آجَرَهَا مِنْ الْمُؤَجِّرِ لَا تَصِحُّ وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي الْأَصَحِّ بَحْرٌ مَعْزِيًّا لِلْجَوْهَرَةِ، وَسَيَجِيءُ تَصْحِيحُ خِلَافِهِ فَتَنَبَّهْ. (وَ) تَصِحُّ إجَارَةُ (أَرْضٍ لِلزِّرَاعَةِ مَعَ بَيَانِ مَا يَزْرَعُ فِيهَا، أَوْ قَالَ عَلَى أَنْ أَزْرَعَ فِيهَا مَا أَشَاءُ) كَيْ لَا تَقَعَ الْمُنَازَعَةُ وَإِلَّا فَهِيَ فَاسِدَةٌ لِلْجَهَالَةِ، وَتَنْقَلِبُ صَحِيحَةً بِزَرْعِهَا وَيَجِبُ الْمُسَمَّى وَلِلْمُسْتَأْجِرِ الشِّرْبُ وَالطَّرِيقُ، وَيَزْرَعُ زَرْعَيْنِ رَبِيعًا وَخَرِيفًا وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ الزِّرَاعَةُ لِلْحَالِ لِاحْتِيَاجِهَا لِسَقْيٍ أَوْ كَرْيٍ إنْ أَمْكَنَهُ الزِّرَاعَةُ فِي مُدَّةِ الْعَقْدِ جَازَ وَإِلَّا لَا، وَتَمَامُهُ فِي الْقُنْيَةِ. (آجَرَهَا وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِزَرْعِ غَيْرِهِ   [رد المحتار] فَيَنْبَغِي الْأَجْرُ فِيهَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ سَائِحَانِيٌّ 1 - (قَوْلُهُ يُبْطِلُ) بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ أَبْطَلَ، وَيَجُوزُ الْفَتْحُ وَلَكِنْ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَجْعَلَهُ مُسْتَأْنَفًا وَيَقُولُ وَيُبْطِلُ فِيهِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ) كَالرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ. (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ بَعْدَ نَحْوِ وَرَقَةٍ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْجِنْسِ) أَيْ جِنْسِ مَا اسْتَأْجَرَ بِهِ وَكَذَا إذَا آجَرَ مَعَ مَا اسْتَأْجَرَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ يَجُوزُ أَنْ تُعْقَدَ عَلَيْهِ الْإِجَارَةُ فَإِنَّهُ تَطِيبُ لَهُ الزِّيَادَةُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ أَوْ أَصْلَحَ فِيهَا شَيْئًا) بِأَنْ جَصَّصَهَا أَوْ فَعَلَ فِيهَا مُسَنَّاةً وَكَذَا كُلُّ عَمَلٍ قَائِمٍ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ بِمُقَابَلَةِ مَا زَادَ مِنْ عِنْدِهِ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْكَنْسُ لَيْسَ بِإِصْلَاحٍ وَإِنْ كَرَى النَّهْرَ قَالَ الْخَصَّافُ تَطِيبُ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ أَصْحَابُنَا مُتَرَدِّدُونَ وَبِرَفْعِ التُّرَابِ لَا تَطِيبُ وَإِنْ تَيَسَّرَتْ الزِّرَاعَةُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ بَيْتَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَزَادَ فِي أَحَدِهِمَا يُؤَجِّرُهُمَا بِأَكْثَرَ وَلَوْ صَفْقَتَيْنِ فَلَا خُلَاصَةٌ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ لَا تَصِحُّ) أَيْ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَلَوْ تَحَلَّلَ ثَالِثٌ عَلَى الرَّاجِحِ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهَا الْفَتْوَى بَزَّازِيَّةٌ. (قَوْلُهُ وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي الْأَصَحِّ) أَيْ الْإِجَارَةُ الْأُولَى، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَبِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ التَّوْفِيقَ هُنَاكَ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ لِلْجَهَالَةِ) الْمُفْضِيَةِ إلَى الْمُنَازَعَةِ فِي عَقْدِ الْمُعَارَضَةِ، فَإِنَّ مِنْ الزَّرْعِ مَا يَنْفَعُ الْأَرْضَ وَمِنْهُ مَا يَضُرُّهَا. (قَوْلُهُ وَتَنْقَلِبُ صَحِيحَةً بِزَرْعِهَا) أَيْ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ صَارَ مَعْلُومًا بِالِاسْتِعْمَالِ وَصَارَ كَأَنَّ الْجَهَالَةَ لَمْ تَكُنْ زَيْلَعِيٌّ مُخْتَصَرًا. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ: يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا عَلِمَ الْمُؤَجِّرُ بِمَا زُرِعَ فَرَضِيَ بِهِ، وَبِمَا إذَا عَلِمَ مَنْ لَبِسَ الثَّوْبَ وَإِلَّا فَالنِّزَاعُ مُمْكِنٌ ط مُخْتَصَرًا (قَوْلُهُ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ الشِّرْبُ وَالطَّرِيقُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُمَا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ وَلَا انْتِفَاعَ إلَّا بِهِمَا فَيَدْخُلَانِ تَبَعًا. وَأَمَّا الْبَيْعُ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لَا الِانْتِفَاعُ فِي الْحَالِ حَتَّى جَازَ بَيْعُ الْجَحْشِ وَالْأَرْضِ السَّبِخَةِ دُونَ إجَارَتِهَا مِنَحٌ. (قَوْلُهُ وَيَزْرَعُ زَرْعَيْنِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: لَوْ اسْتَأْجَرَهَا سَنَةً لِزَرْعِ مَا شَاءَ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ زَرْعَيْنِ رَبِيعِيًّا وَخَرِيفِيًّا اهـ. فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ هَذِهِ مَفْرُوضَةٌ فِي اسْتِئْجَارِ مُدَّةٍ يُمْكِنُ فِيهَا زَرْعَانِ وَقَدْ أَطْلَقَ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ ط (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْقُنْيَةِ) حَيْثُ قَالَ: كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا فِي الشِّتَاءِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ وَلَا يُمْكِنُ زِرَاعَتُهَا فِي الشِّتَاءِ جَازَ لَمَّا أَمْكَنَ فِي الْمُدَّةِ: أَمَّا لَوْ لَمْ يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِهَا أَصْلًا بِأَنْ كَانَتْ سَبِخَةً فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ. وَفِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِئْجَارِ فِي الشِّتَاءِ يَكُونُ الْأَجْرُ مُقَابَلًا بِكُلِّ الْمُدَّةِ لَا بِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَحَسْبُ، وَقِيلَ بِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ اهـ. قُلْتُ: وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْفَسْخِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ: لَوْ جَاءَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَزْرَعُ بَعْضَهَا، إنْ شَاءَ فَسَخَ الْإِجَارَةَ كُلَّهَا أَوْ تَرَكَ وَدَفَعَ بِحِسَابِ مَا رَوَى مِنْهَا (قَوْلُهُ بِزَرْعِ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَلَوْ كَانَ الزَّرْعُ لَهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا وَالْغَيْرُ يَشْمَلُ الْمُؤَجِّرَ وَالْأَجْنَبِيَّ، فَلَوْ كَانَ لِلْمُؤَجِّرِ: أَيْ رَبِّ الْأَرْضِ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَ الزَّرْعَ مِنْهُ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَيَتَقَابَضَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 29 إنْ كَانَ الزَّرْعُ بِحَقٍّ لَا تَجُوزُ) الْإِجَارَةُ، لَكِنْ لَوْ حَصَدَهُ وَسَلَّمَهَا انْقَلَبَتْ جَائِزَةً (مَا لَمْ يُسْتَحْصَدْ الزَّرْعُ) فَيَجُوزُ وَيُؤْمَرُ بِالْحَصَادِ وَالتَّسْلِيمِ، بِهِ يُفْتَى بَزَّازِيَّةٌ (إلَّا أَنْ يُؤَاجِرَهَا مُضَافَةً) إلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَتَصِحُّ مُطْلَقًا (وَإِنْ) كَانَ الزَّرْعُ (بِغَيْرِ حَقٍّ صَحَّتْ) لِإِمْكَانِ التَّسْلِيمِ بِجَبْرِهِ عَلَى قَلْعِهِ أَدْرَكَ أَوْ لَا، فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: تَصِحُّ إجَارَةُ الدَّارِ الْمَشْغُولَةِ يَعْنِي وَيُؤْمَرُ بِالتَّفْرِيغِ، وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ تَسْلِيمِهَا وَفِي الْأَشْبَاهِ: اسْتَأْجَرَ مَشْغُولًا وَفَارِغًا صَحَّ فِي الْفَارِغِ فَقَطْ، وَسَيَجِيءُ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ. (وَ) تَصِحُّ إجَارَةُ أَرْضٍ (لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ) وَسَائِرُ الِانْتِفَاعَاتِ كَطَبْخِ آجُرٍّ وَخَزَفٍ وَمَقِيلًا وَمُرَاحًا حَتَّى تَلْزَمَ الْأُجْرَةُ بِالتَّسْلِيمِ أَمْكَنَ زِرَاعَتُهَا أَمْ لَا بَحْرٌ (فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ قَلَعَهُمَا وَسَلَّمَهَا فَارِغَةً) لِعَدَمِ نِهَايَتِهِمَا (إلَّا أَنْ يَغْرَمَ لَهُ الْمُؤَجِّرُ قِيمَتَهُ) أَيْ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ (مَقْلُوعًا) بِأَنْ تُقَوَّمَ الْأَرْضُ بِهِمَا وَبِدُونِهِمَا فَيَضْمَنَ مَا بَيْنَهُمَا اخْتِيَارٌ (وَيَتَمَلَّكَهُ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى " يَغْرَمَ "؛ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهُمَا.   [رد المحتار] ثُمَّ يُؤَجِّرُهُ الْأَرْضَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْأَصْلِ، وَكَذَا لَوْ سَاقَاهُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِجَارَةِ لَا بَعْدَهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ إنْ كَانَ الزَّرْعُ بِحَقٍّ) كَأَنْ كَانَ بِإِجَارَةٍ وَلَوْ فَاسِدَةً كَإِجَارَةِ الْوَقْفِ بِدُونِ أَجْرٍ الْمِثْلِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الْخَصَّافُ مِنْ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ لَا يَكُونُ غَاصِبًا وَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ. وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إجَارَةً فَاسِدَةً إذَا زَرَعَ يَبْقَى وَكَذَا الْمُسَاقَاةُ اهـ ط وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالْمُسْتَأْجِرِ الْمُسْتَعِيرُ فَيُتْرَكُ إلَى إدْرَاكِهِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ. (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُسْتَحْصَدْ) أَيْ يُدْرَكْ وَيَصْلُحْ لِلْحَصَادِ. (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى بَزَّازِيَّةٌ) وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ) أَيْ إلَى وَقْتٍ يُحْصَدُ الزَّرْعُ فِيهِ وَتَصِيرُ الْأَرْضُ فَارِغَةً عَنْهُ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الزَّرْعُ بِحَقٍّ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ اُسْتُحْصِدَ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ بِجَبْرِهِ) أَيْ بِسَبَبِ جَبْرِ الزَّارِعِ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ) أَيْ مُتَفَرِّقَاتِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ، وَسَيَجِيءُ أَيْضًا حَمْلُ مَا فِي الْأَشْبَاهِ عَلَى مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عَيْنًا بَعْضُهَا فَارِغٌ وَبَعْضُهَا مَشْغُولٌ يَعْنِي وَفِي تَفْرِيغِ الْمَشْغُولِ ضَرَرٌ فَلَا يُنَافِي مَا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ 1 - (قَوْلُهُ وَمَقِيلًا وَمُرَاحًا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِلْبِنَاءِ، مِثْلُ قَوْله تَعَالَى - {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8]- وَالْمَقِيلُ: مَكَانُ الْقَيْلُولَةِ: وَالْمُرَاحُ: بِالضَّمِّ مَأْوَى الْمَاشِيَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِمَا هُنَا الْمَصْدَرُ الْمِيمِيِّ لِيَصِحَّ جَعْلُهُمَا مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ، ثُمَّ هَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَحْثًا وَتَبِعَهُ الطُّورِيُّ وَأَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ الشَّلَبِيُّ وَالْحَانُوتِيُّ، وَيُرَادُ بِهِ إلْزَامُ الْأُجْرَةِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْأَرْضِ شَمِلَهَا الْمَاءُ وَأَمْكَنَ زِرَاعَتُهَا أَوْ لَا. قَالَ: وَلَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْجِرْهَا لِلزِّرَاعَةِ بِخُصُوصِهَا حَتَّى يَكُونَ عَدَمُ رَيِّهَا فَسْخًا لَهَا، وَأَطَالَ فِي الْأَشْبَاهِ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى ذَلِكَ. وَنَقَلَ الْحَمَوِيُّ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي صِحَّتِهَا بَعْضُهُمْ، وَأَطَالَ أَيْضًا فَرَاجِعْهُمَا (قَوْلُهُ أَمْكَنَ زِرَاعَتُهَا أَمْ لَا) هَذَا فِيمَا لَمْ يَسْتَأْجِرْهَا لِلزَّرْعِ، فَلَوْ لَهُ لَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِهِ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي فَتَنَبَّهْ. (قَوْلُهُ قَلَعَهُمَا) أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْغَرْسِ ثَمَرَةٌ فَيَبْقَى بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى الْإِدْرَاكِ ط (قَوْلُهُ وَسَلَّمَهَا فَارِغَةً) وَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُخَرِّبُ لَهَا ط عَنْ الْحَمَوِيِّ. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ نِهَايَتِهِمَا) أَيْ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، إذْ لَيْسَ لَهُمَا مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ بِخِلَافِ الزَّرْعِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ مَقْلُوعًا) أَيْ مُسْتَحِقَّ الْقَلْعِ فَإِنَّهُ أَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْمَقْلُوعِ كَمَا فِي الْغَصْبِ قُهُسْتَانِيٌّ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: أَيْ مَأْمُورًا مَالِكُهُمَا بِقَلْعِهِمَا، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَاهُ بِكَذَا؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمَقْلُوعِ أَزْيَدُ مِنْ قِيمَةِ الْمَأْمُورِ بِقَلْعِهِ لِكَوْنِ الْمُؤْنَةِ مَصْرُوفَةً لِلْقَلْعِ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ اهـ. (قَوْلُهُ بِأَنْ تُقَوَّمَ الْأَرْضُ بِهِمَا) أَيْ مُسْتَحِقَّيْ الْقَلْعِ كَمَا عَلِمْتَهُ. وَبِهِ انْدَفَعَ اعْتِرَاضُ الْعَيْنِيِّ فِي الْغَصْبِ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِضَمَانٍ لِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا بَلْ هُوَ ضَمَانٌ لِقِيمَتِهِ قَائِمًا، وَإِنَّمَا ضَمَانًا لِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا أَنْ لَوْ قُوِّمَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ مَقْلُوعًا مَوْضُوعًا عَلَى الْأَرْضِ اهـ، وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّهُ تُقَوَّمُ الْأَرْضُ بِهِمَا مُسْتَحِقَّيْ الْبَقَاءِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ هَذَا وَلَا الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ بَلْ مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهُمَا) حَيْثُ أَوْجَبْنَا لِلْمُؤَجِّرِ تَسَلُّمَ الْأَرْضِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ قِيمَتُهُمَا مُسْتَحِقَّيْ الْقَلْعِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 30 قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ لُزُومِ الْقَلْعِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَلْعُ لَوْ رَضِيَ الْمُؤَجِّرُ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ لَكِنْ إنْ كَانَتْ تَنْقُصُ بِتَمَلُّكِهَا جَبْرًا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَإِلَّا فَبِرِضَاهُ (أَوْ يَرْضَى) الْمُؤَجِّرُ عَطْفًا عَلَى " يَغْرَمَ " (بِتَرْكِهِ) أَيْ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ (فَيَكُونَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ لِهَذَا وَالْأَرْضُ لِهَذَا) وَهَذَا التَّرْكُ إنْ بِأَجْرٍ فَإِجَارَةٌ وَإِلَّا فَإِعَارَةٌ، فَلَهُمَا أَنْ يُؤَاجِرَاهُمَا لِثَالِثٍ وَيَقْتَسِمَا الْأَجْرَ عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ بِلَا بِنَاءٍ وَعَلَى قِيمَةِ الْبِنَاءِ بِلَا أَرْضٍ، فَيَأْخُذَ كُلٌّ حِصَّتَهُ مُجْتَبَى. وَفِي وَقْفِ الْقُنْيَةِ: بَنَى فِي الدَّارِ الْمُسَبَّلَةِ بِلَا إذْنِ الْقَيِّمِ وَنَزْعُ الْبِنَاءِ يَضُرُّ بِالْوَقْفِ يُجْبَرُ الْقَيِّمُ عَلَى دَفْعِ قِيمَتِهِ لِلْبَانِي إلَخْ. (وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضَ وَقْفٍ وَغَرَسَ فِيهَا) وَبَنَى (ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ اسْتِيفَاؤُهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ) بِالْوَقْفِ (وَلَوْ أَبَى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ إلَّا الْقَلْعَ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ) كَذَا فِي الْقُنْيَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ، وَبِهَذَا تَعْلَمُ مَسْأَلَةَ الْأَرْضِ   [رد المحتار] وَضْعِهِمَا بِحَقٍّ. (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ مُفَادَ الْكَلَامِ حِينَئِذٍ أَنَّ لِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ جَبْرًا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ سَوَاءٌ نَقَصَتْ الْأَرْضُ بِالْقَلْعِ أَمْ لَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَتْ تَنْقُصُ بِهِ، فَلِهَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ: هَذَا إذَا كَانَتْ تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُؤَجِّرِ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مُسْتَحِقِّ الْقَلْعِ وَالْقِيمَةُ تَقُومُ مَقَامَهُ، فَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ بِهِ لَا يَتَمَلَّكُهُ إلَّا بِرِضَا الْمُسْتَأْجِرِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَعَدَمِ تَرَجُّحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ اهـ مُلَخَّصًا. فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْبَحْرِ بَعْدَ بَيَانِ مَرْجِعِ الِاسْتِثْنَاءِ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْحَمْلِ كَمَا فَعَلَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ مَعَ أَنَّهُ اُضْطُرَّ ثَانِيًا إلَيْهِ فَذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ كَمَا فَعَلَ شَارِحُنَا بِقَوْلِهِ لَكِنْ إلَخْ فَتَنَبَّهْ، وَهَذَا مَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ مِنْ أَنَّ مَا فِي الْفَتَاوَى مُخَالِفٌ لِمَا فِي الشُّرُوحِ بَلْ وَلِمَا فِي الْمُتُونِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْمُصَنِّفِ هُنَاكَ أَنَّهُ يَشْمَلُ الْمِلْكَ وَالْوَقْفَ (قَوْلُهُ إنْ بِأَجْرٍ) بِأَنْ يَعْقِدَ لِبَقَائِهِمَا عَقْدَ إجَارَةٍ بِشُرُوطِهَا ط. (قَوْلُهُ فَلَهُمَا) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَإِعَارَةٌ ط: أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّرْكُ بِأَجْرٍ لَمْ يَبْقَ لِرَبِّ الْأَرْضِ مَدْخَلٌ 1 - (قَوْلُهُ الْمُسَبَّلَةُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّ السَّبِيلَ هُوَ الْوَقْفُ عَلَى الْعَامَّةِ. (قَوْلُهُ إلَى آخِرِهِ) تَمَامُ عِبَارَةِ الْقُنْيَةِ؛ وَيَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ غَرْسُ الْأَشْجَارِ وَالْكُرُومِ فِي الْمَوْقُوفَةِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْأَرْضِ بِدُونِ صَرِيحِ إذْنٍ مِنْ الْمُتَوَلِّي دُونَ حَفْرِ الْحِيَاضِ، وَإِنَّمَا يَحِلُّ لِلْمُتَوَلِّي الْإِذْنُ فِيمَا يَزِيدُ بِهِ الْوَقْفُ خَيْرًا، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرَارُ الْعِمَارَةِ فِيهَا. أَمَّا إذَا كَانَ فَيَجُوزُ الْحَفْرُ وَالْغَرْسُ وَالْحَائِطُ مِنْ تُرَابِهَا لِوُجُودِ الْإِذْنِ فِي مِثْلِهَا دَلَالَةً اهـ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضَ وَقْفٍ) قَيَّدَ بِالْوَقْفِ، لِمَا فِي الْخَيْرِيَّةِ عَنْ حَاوِي الزَّاهِدِي عَنْ الْأَسْرَارِ مِنْ قَوْلِهِ: بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا مِلْكًا لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَبْقِيَهَا كَذَلِكَ إنْ أَبَى الْمَالِكُ إلَّا الْقَلْعَ بَلْ يُكَلِّفُهُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْغِرَاسِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْأَرْضِ فَيَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ قِيمَةَ الْأَرْضِ لِلْمَالِكِ فَيَكُونُ الْإِغْرَاسُ وَالْأَرْضُ لِلْغَارِسِ، وَفِي الْعَكْسِ يَضْمَنُ الْمَالِكُ قِيمَةَ الْإِغْرَاسِ فَتَكُونُ الْأَرْضُ وَالْأَشْجَارُ لَهُ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْعَارِيَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَبَنَى) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ ط. (قَوْلُهُ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ) الْإِشَارَةُ لِجَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَأَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ قَائِلًا وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ أَنَّ الشَّرْعَ يَأْبَى الضَّرَرَ خُصُوصًا وَالنَّاسُ عَلَى هَذَا، وَفِي الْقَلْعِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ وَفِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ عَنْ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» اهـ وَأَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ، لَكِنَّهُ فِي الْخَيْرِيَّةِ أَفْتَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِخِلَافِهِ وَقَالَ: يُقْلَعُ وَتُسَلَّمُ الْأَرْضُ لِنَاظِرِ الْوَقْفِ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْمُتُونُ قَاطِبَةً اهـ. أَقُولُ: وَحَيْثُ كَانَ مُخَالِفًا لِلْمُتُونِ فَكَيْفَ يَسُوغُ الْإِفْتَاءُ بِهِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْقُنْيَةِ، وَلَا يُعْمَلُ بِمَا فِيهَا إذَا خَالَفَ غَيْرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ وَهْبَانَ وَغَيْرُهُ، وَمَا فِي الْمُتُونِ قَدْ أَقَرَّهُ الشُّرَّاحُ وَأَصْحَابُ الْفَتَاوَى، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي تَمَلُّكِ الْمُؤَجِّرِ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ جَبْرًا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا مَرَّ، وَحَيْثُ قَدَّمَ مَا فِي الشُّرُوحِ عَلَى مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 31 الْمُحْتَكَرَةِ، وَهِيَ مَنْقُولَةٌ أَيْضًا فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ.   [رد المحتار] فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، فَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْكُلُّ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ، فَلَيْتَ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي مَتْنِهِ. وَمَا أَجَابَ بِهِ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ بِأَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا اشْتَرَطَ الِاسْتِبْقَاءَ، وَمَا مَرَّ فِي الْمَتْنِ مِنْ اشْتِرَاطِ رِضَا الْمُؤَجِّرِ فِيمَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ لَا يَنْفِي الْمُخَالَفَةَ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ مُطْلَقٌ، وَمَفَاهِيمُهَا حُجَّةٌ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ هَذَا الشَّرْطُ مُفْسِدٌ لِمَا فِيهِ مِنْ نَفْعِ الْمُسْتَأْجِرِ إنْ لَمْ يُؤَدِّ إلَى اسْتِيلَائِهِ عَلَى الْوَقْفِ، وَتَصَرُّفُهُ فِيهِ تَصَرُّفُ الْمِلْكِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي زَمَانِنَا وَيَصِيرُ يَسْتَأْجِرُهُ بِمَا قَلَّ وَهَانَ وَيَدَّعِي أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ ظُلْمٌ وَبُهْتَانٌ، وَمَنْشَأُ ذَلِكَ مِنْ النُّظَّارِ أَعْمَى اللَّهُ أَنْظَارَهُمْ طَمَعًا فِي الرِّشْوَةِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا بِالْخِدْمَةِ، عَلَى أَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ لَوْ قُوِّيَ بِمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ كَمَا يَأْتِي وَفُرِضَ أَنَّ ذَلِكَ صَارَ صَالِحًا لِمُعَارَضَةِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى لَا يُفْتَى بِهِ، لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُفْتَى بِكُلِّ مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ مِمَّا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ وَبَنَوْا عَلَيْهِ تَصْحِيحَ الْقَوْلِ بِفَسْخِ الْإِجَارَةِ لِزِيَادَةِ أَجْرِ الْمِثْلِ فِي الْمُدَّةِ كَمَا مَرَّ، وَكُلُّ ذَلِكَ صَارَ الْأَمْرُ فِيهِ بِالْعَكْسِ فِي زَمَانِنَا، حَتَّى إنَّ الْقُضَاةَ حَيْثُ لَمْ يَجِدُوا حِيلَةً فِي الْمَذْهَبِ عَلَى الْوَقْفِ تَوَسَّلُوا إلَيْهَا بِمَذْهَبِ الْغَيْرِ فَآلَ الْأَمْرُ إلَى الِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْأَوْقَافِ وَانْدِرَاسِ الْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ وَالْعُلَمَاءِ وَافْتِقَارِ الْمُسْتَحَقِّينَ وَذَرَارِيِّ الْوَاقِفِينَ. وَإِذَا تَكَلَّمَ أَحَدٌ بَيْنَ النَّاسِ بِذَلِكَ يَعُدُّونَ كَلَامَهُ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ، وَهَذِهِ بَلِيَّةٌ قَدِيمَةٌ، فَقَدْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ قُنْلِي زَادَهْ مَا مُلَخَّصُهُ: أَنَّ مَسْأَلَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ عَلَى أَرْضِ الْوَقْفِ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فِي الْبُلْدَانِ خُصُوصًا فِي دِمِشْقَ، فَإِنَّ بَسَاتِينَهَا كَثِيرَةٌ وَأَكْثَرُهَا أَوْقَافٌ غَرَسَهَا الْمُسْتَأْجِرُونَ وَجَعَلُوهَا أَمْلَاكًا، وَأَكْثَرُ إجَارَاتِهَا بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ إمَّا ابْتِدَاءً وَإِمَّا بِزِيَادَةِ الرَّغَبَاتِ وَكَذَلِكَ حَوَانِيتُ الْبُلْدَانِ، فَإِذَا طَلَبَ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي رَفْعَ إجَارَاتِهَا إلَى أَجْرِ الْمِثْلِ يَتَظَلَّمُ الْمُسْتَأْجِرُونَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ ظُلْمٌ وَهُمْ ظَالِمُونَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: تَشْكُو الْمُحِبَّ وَيَشْكُو وَهِيَ ظَالِمَةٌ ... كَالْقَوْسِ تُصْمِي الرَّمَايَا وَهِيَ مِرْنَانُ وَبَعْضُ الصُّدُورِ وَالْأَكَابِرِ يُعَاوِنُونَهُمْ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ هَذَا يُحَرِّكُ فِتْنَةً عَلَى النَّاسِ، وَأَنَّ الصَّوَابَ إبْقَاءُ الْأُمُورِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الشَّرَّ فِي إغْضَاءِ الْعَيْنِ عَنْ الشَّرْعِ، وَأَنَّ إحْيَاءَ السُّنَّةِ عِنْدَ فَسَادِ الْأُمَّةِ مِنْ أَفْضَلِ الْجِهَادِ، وَأَجْزَلِ الْقُرَبِ؟ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ قَاضٍ عَادِلٍ عَالِمٍ وَعَلَى كُلِّ قَيِّمٍ أَمِينٍ غَيْرِ ظَالِمٍ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْأَوْقَافِ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ إذَا رُفِعَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ تُسْتَأْجَرُ بِأَكْثَرَ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ وَيَرْفَعَ بِنَاءَهُ وَغَرْسَهُ أَوْ يَقْبَلَهَا بِهَذِهِ الْأُجْرَةِ وَقَلَّمَا يَضُرُّ الرَّفْعُ بِالْأَرْضِ، فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ فِيهِ نَفْعًا وَغِبْطَةً لِلْوَقْفِ إلَى آخِرِ مَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهَذَا عِلْمٌ فِي وَرَقٍ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. [مَطْلَبٌ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ وَمَعْنَى الِاسْتِحْكَارُ] 1 ُ (قَوْلُهُ الْمُحْتَكَرَةِ) قَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ: الِاسْتِحْكَارُ عَقْدُ إجَارَةٍ يُقْصَدُ بِهَا اسْتِبْقَاءُ الْأَرْضِ مُقَرَّرَةً لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ وَهِيَ مَنْقُولَةٌ إلَخْ) الضَّمِيرُ لِمَسْأَلَةِ الْقُنْيَةِ وَالْمَقْصُودُ تَقْوِيَتُهَا فَيَكُونُ مُخَصِّصًا لِكَلَامِ الْمُتُونِ. وَوَجْهُهُ إمْكَانُ رِعَايَةِ الْجَانِبَيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَعَدَمُ الْفَائِدَةِ فِي الْقَلْعِ، إذْ لَوْ قُلِعَتْ لَا تُؤَجَّرُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ فَلِوَرَثَتِهِ الِاسْتِبْقَاءُ، وَلَوْ حَصَلَ ضَرَرٌ مَا بِأَنْ كَانَ هُوَ أَوْ وَارِثُهُ مُفْلِسًا أَوْ سَيِّئَ الْمُعَامَلَةِ أَوْ مُتَغَلِّبًا يُخْشَى عَلَى الْوَقْفِ مِنْهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ لَا يُجْبَرُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ تَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ مُلَخَّصًا، وَقَدْ أَفْتَى بِخِلَافِهِ فِي فَتَاوَاهُ قُبَيْلَ بَابِ ضَمَانِ الْأَجِيرِ فِي خُصُوصِ الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ فَقَالَ: لِلْقَيِّمِ أَنْ يُطَالِبَ بِرَفْعِ الْبِنَاءِ وَتَسْلِيمِ الْأَرْضِ فَارِغَةً الجزء: 6 ¦ الصفحة: 32 وَالرَّطْبَةُ) لِعَدَمِ نِهَايَتِهَا (كَالشَّجَرِ) فَتُقْلَعُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالرَّطْبَةِ مَا يَبْقَى أَصْلُهُ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا، وَإِنَّمَا يُقْطَفُ وَرَقُهُ وَيُبَاعُ أَوْ زَهْرُهُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ كَمَا فِي الْفُجْلِ وَالْجَزَرِ وَالْبَاذِنْجَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالزَّرْعِ يُتْرَكُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى نِهَايَتِهِ كَذَا حَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي حَوَاشِي الْكَنْزِ، وَقَوَّاهُ بِمَا فِي مُعَامَلَةِ الْخَانِيَّةِ فَلْيُحْفَظْ. قُلْتُ: بَقِيَ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ لَكِنَّهَا بَعِيدَةٌ طَوِيلَةٌ كَالْقَصَبِ فَيَكُونُ كَالشَّجَرِ كَمَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الْجَلَبِيِّ فَلْيُحْفَظْ (وَالزَّرْعُ يُتْرَكُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى إدْرَاكِهِ) رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً كَمَا مَرَّ (بِخِلَافِ مَوْتِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ إدْرَاكِهِ فَإِنَّهُ يُتْرَكُ بِالْمُسَمَّى) عَلَى حَالِهِ (إلَى الْحَصَادِ) وَإِنْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ إبْقَاءَهُ عَلَى مَا كَانَ أَوْلَى مَا دَامَتْ الْمُدَّةُ بَاقِيَةً أَمَّا بَعْدَهَا فَبِأَجْرِ الْمِثْلِ (وَيُلْحَقُ بِالْمُسْتَأْجِرِ الْمُسْتَعِيرُ) فَيُتْرَكُ إلَى إدْرَاكِهِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ (وَأَمَّا الْغَاصِبُ فَيُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ   [رد المحتار] كَمَا هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ إطْلَاقِهِمْ اهـ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الضَّرَرَ الْآنَ مُتَحَقِّقٌ. وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْإِسْعَافِ: لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يُخَافُ مِنْهُ عَلَى رَقَبَةِ الْوَقْفِ يَفْسَخُ الْقَاضِي الْإِجَارَةَ وَيُخْرِجُهُ مِنْ يَدِهِ اهـ، فَكَيْفَ تُؤَجَّرُ مِنْهُ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّتِهَا 1 - (قَوْلُهُ وَالرَّطْبَةُ كَالشَّجَرِ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْمُتُونِ فَصَلَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا بِعِبَارَةِ الْقُنْيَةِ، فَقَوْلُهُ كَالشَّجَرِ: أَيْ فِي الْحُكْمِ الْمَارِّ مِنْ لُزُومِ الْقَلْعِ إلَّا أَنْ يَغْرَمَ الْمُؤَجِّرُ قِيمَتَهَا إلَخْ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ فَتُقْلَعُ إلَخْ تَفْرِيعٌ صَحِيحٌ وَلَيْسَ تَفْرِيعًا عَلَى مَا فِي الْقُنْيَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ أَوْ زَهْرُهُ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالثَّمَرِ لِيَعُمَّ الزَّهْرَ وَغَيْرَهُ ط. (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْفُجْلِ) بِضَمِّ الْفَاءِ. وَفِيهِ أَنَّ الْفُجْلَ وَالْجَزَرَ لَيْسَا مِنْ الرَّطْبَةِ بَلْ يُقْلَعَانِ مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ لَا يَعُودَانِ ط. (قَوْلُهُ وَقَوَّاهُ بِمَا فِي مُعَامَلَةِ الْخَانِيَّةِ) الْمُعَامَلَةُ: الْمُسَاقَاةُ. ذَكَرَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: لَوْ دَفَعَ أَرْضًا لِيُزْرَعَ فِيهَا الرِّطَابُ أَوْ دَفَعَ أَرْضًا فِيهَا أُصُولٌ رَطْبَةٌ بَاقِيَةٌ وَلَمْ يُسَمِّ الْمُدَّةَ، فَإِنْ كَانَ شَيْئًا لَيْسَ لِابْتِدَاءِ نَبَاتِهِ وَلَا لِانْتِهَاءِ جَذِّهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ فَالْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةٌ، فَإِنْ كَانَ وَقْتُ جَذِّهِ مَعْلُومًا يَجُوزُ وَيَقَعُ عَلَى الْجَذَّةِ الْأُولَى كَمَا فِي الشَّجَرَةِ الْمُثْمِرَةِ ط. (قَوْلُهُ قُلْتُ بَقِيٍّ إلَخْ) الْبَاذِنْجَانُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ، وَكَذَا الْبِيقِيَا سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالزَّرْعُ يُتْرَكُ) أَيْ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ) أَيْ جَانِبِ الْمُؤَجِّرِ بِإِيجَابِ أَجْرِ الْمِثْلِ لَهُ، وَجَانِبِ الْمُسْتَأْجِرِ بِإِبْقَاءِ زَرْعِهِ إلَى انْتِهَائِهِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَوْتِ) وَالْفَرْقُ كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ الشَّارِحُ أَنَّهُ بِانْتِهَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ لَمْ يَبْقَ حُكْمُ مَا تَرَاضَيَا مِنْ الْمُدَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ارْتَفَعَتْ هِيَ فَاحْتِيجَ إلَى تَسْمِيَةٍ جَدِيدَةٍ وَلَا كَذَلِكَ قَبْلَ انْقِضَائِهَا؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ بَعْضُ الْمُدَّةِ الَّتِي سَمَّيَاهَا فَلَمْ يُرْفَعْ حُكْمُهَا فَاسْتَغْنَى عَنْ تَسْمِيَةٍ جَدِيدَةٍ إتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَإِنْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ) يُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَابِ الْخَامِسِ مِنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: لَوْ اسْتَأْجَرَا مِنْ رَجُلٍ أَيْضًا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ إذَا كَانَ الزَّرْعُ فِي الْأَرْضِ، وَيُتْرَكُ فِي وَرَثَتِهِ بِالْمُسَمَّى لَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ حَتَّى يُدْرَكَ الزَّرْعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، بِخِلَافِ مَا إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ إلَخْ، وَمِثْلُهُ مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ فَسْخِ الْإِجَارَةِ عَنْ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ يَبْقَى الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى حَتَّى يُدْرَكَ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ وُجُوبَ الْمُسَمَّى اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْفَسَخَ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا أَبْقَيْنَاهُ حُكْمًا فَأَشْبَهَ شُبْهَةَ الْعَقْدِ فَوَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ اهـ، فَقَوْلُهُ لَا تَنْفَسِخُ وَقَوْلُهُ يَبْقَى الْعَقْدُ: أَيْ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً [تَنْبِيهٌ تَفَاسَخَا عَقْدَ الْإِجَارَةِ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ] 1 . [تَنْبِيهٌ] لَوْ تَفَاسَخَا عَقْدَ الْإِجَارَةِ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ قِيلَ لَا يُتْرَكُ وَقِيلَ يُتْرَكُ ذَخِيرَةٌ، وَاقْتَصَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ رَضِيَ بِهِ (قَوْلُهُ فَيُتْرَكُ إلَى إدْرَاكِهِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ) أَيْ سَوَاءٌ وَقَّتَهَا أَوْ لَا، وَفِي الْكَلَامِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ اسْتَعَارَهَا لِلزَّرْعِ، وَقَدَّمَ فِي الْعَارِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَعَارَهَا لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ صَحَّ، وَلَهُ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ وَيُكَلِّفُهُ قَلْعَهُمَا إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ مَضَرَّةٌ بِالْأَرْضِ فَيُتْرَكَانِ بِالْقِيمَةِ مَقْلُوعَيْنِ، وَإِنْ وَقْتَ الْعَارِيَّةِ فَرَجَعَ قَبْلَهُ ضَمِنَ لِلْمُسْتَعِيرِ مَا نَقَصَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 33 مُطْلَقًا) لِظُلْمِهِ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ يُتْرَكُ الزَّرْعُ بِأَجْرٍ: أَيْ بِقَضَاءٍ أَوْ بِعَقْدِهِمَا حَتَّى لَا يَجِبَ الْأَجْرُ إلَّا بِأَحَدِهِمَا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ فَلْيُحْفَظْ بَحْرٌ . (وَ) تَصِحُّ (إجَارَةُ الدَّابَّةِ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ وَالثَّوْبِ لِلُّبْسِ لَا) تَصِحُّ إجَارَةُ الدَّابَّةِ (لِيَجْنُبَهَا) أَيْ لِيَجْعَلَهَا جَنِيبَةً بَيْنَ يَدَيْهِ (وَلَا يَرْكَبَهَا وَلَا) تَصِحُّ إجَارَتُهَا أَيْضًا (لِ) أَجْلِ أَنْ (يَرْبِطَهَا عَلَى بَابِ دَارِهِ لِيَرَاهَا النَّاسُ) فَيَقُولُوا لَهُ فَرَسٌ (أَوْ) لِأَجْلِ أَنْ (يُزَيِّنَ بَيْتَهُ) أَوْ حَانُوتَهُ (بِالثَّوْبِ) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ مِنْ الْعَيْنِ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَلَا أَجْرَ؛ وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ بَيْتًا لِيُصَلِّيَ فِيهِ أَوْ طِيبًا لِيَشُمَّهُ   [رد المحتار] بِالْقَلْعِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُدْرَكْ ط. (قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَجِبَ إلَخْ) هَذَا فِي غَيْرِ مَا اسْتَثْنَاهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْوَقْفِ وَالْمُعَدِّ لِلِاسْتِغْلَالِ وَمَالِ الْيَتِيمِ، فَإِنَّهَا إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَبَقِيَ الزَّرْعُ بَعْدَهَا حَتَّى أُدْرِكَ يَقْضِي بِأَجْرِ الْمِثْلِ لِمَا زَادَ عَلَى الْمُدَّةِ مُطْلَقًا شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ) لَكِنْ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْحَمْلِ لَهُ الرُّكُوبُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، فَلَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا لَا أَجْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ يُسَمَّى حَمْلًا، يُقَالُ حَمَلَ مَعَهُ غَيْرَهُ لَا الْعَكْسُ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ مُخْتَصَرًا. وَفِيهِ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ: اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ حِنْطَةً مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَنْزِلِهِ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ فَحَمَلَ وَكُلَّمَا رَجَعَ كَانَ يَرْكَبُهَا. قَالَ الرَّازِيّ: يَضْمَنُ لَوْ عَطِبَتْ. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي الِاسْتِحْسَانِ: لَا، لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ وَالْإِذْنِ دَلَالَةً اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا لَوْ لِلْحَمْلِ لَهُ الرُّكُوبِ، لَكِنَّ الرَّازِيَّ قَيَّدَهُ بِأَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَالْفَقِيهُ عَمَّمَهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَالثَّوْبُ لِلُّبْسِ) وَيَكْفِي فِي اسْتِئْجَارِهِ التَّمَكُّنُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُلْبَسْ وَهُوَ كَالسُّكْنَى، وَفِي الدَّابَّةِ لَا يَكْفِي التَّمَكُّنُ لِمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ: اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَكَان مَعْلُومٍ فَأَمْسَكَهَا فِي مَنْزِلِهِ فِي الْمِصْرِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ وَيَضْمَنُ لَوْ هَلَكَ اهـ بَحْرٌ مُلَخَّصًا وَمَرَّ تَمَامُهُ. (قَوْلُهُ لِيَجْنُبَهَا) يُقَالُ جَنَبَ الدَّابَّةَ جَنَبًا بِالتَّحْرِيكِ: قَادَهَا إلَى جَنْبِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ خَيْلٌ مُجَنَّبَةٌ شَدَّدَ لِلْكَثْرَةِ. وَالْجَنِيبَةُ: الدَّابَّةُ تُقَادُ، وَكُلُّ طَائِعٍ مُنْقَادٍ جَنِيبٌ. وَالْأَجْنَبُ: الَّذِي لَا يَنْقَادُ صِحَاحٌ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ جَنِيبَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ) أَيْ مَقَادَةٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَكَأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالظَّرْفِ لِلْعَادَةِ، وَإِلَّا فَظَاهِرُ الصِّحَاحِ الْإِطْلَاقُ. (قَوْلُهُ وَلَا يَرْكَبُهَا) لَمْ يُصَرِّحْ بِمَفْهُومِهِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لَهُمَا يَصِحُّ نَظَرًا لِلرُّكُوبِ وَغَيْرُهُ تَبَعٌ لَهُ وَيُحَرَّرُ ط. أَقُولُ: ذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ والتتارخانية بَعْدَ سَرْدِ نَظَائِرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ، وَلَا أَجْرَ لَهُ إلَّا إذَا كَانَ الَّذِي يَسْتَأْجِرُ قَدْ يَكُونُ يَسْتَأْجِرُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ اهـ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الرُّكُوبَ وَنَحْوَهُ، فَإِذَا اسْتَأْجَرَهَا لَهُمَا لَزِمَهُ بِالْأَوْلَى، هَذَا بِالنَّظَرِ إلَى لُزُومِ الْأَجْرِ، وَأَمَّا الصِّحَّةُ فَرَاجِعَةٌ إلَى بَيَانِ الْمَنْفَعَةِ. (قَوْلُهُ لِيُصَلِّيَ فِيهِ) وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ: اسْتَأْجَرَ بَيْتًا مِنْ مُسْلِمٍ لِيُصَلِّيَ فِيهِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ ابْنُ وَهْبَانَ عَنْ الْكَافِرِ. قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: يَنْبَغِي كَوْنُ مَفْهُومِهِ مَهْجُورًا؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ جَهْلُ الْمُدَّةِ، فَلَوْ عُلِمَتْ تَصِحُّ، وَكَذَا لَوْ جَعَلْتَ كَوْنَ الْمَنْفَعَةِ غَيْرَ مَقْصُودَةٍ فَتَأَمَّلْهُ اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: وَفِي التتارخانية: اسْتَأْجَرَ الذِّمِّيُّ مِنْ الذِّمِّيِّ بَيْتًا يُصَلِّي فِيهِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مِنْ الْمُسْلِمِ بِيعَةً لِيُصَلِّيَ فِيهَا لَا يَجُوزُ أَيْضًا، وَفِي السَّوَادِ جَازَ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مُسْلِمٌ مِنْ مُسْلِمٍ بَيْتًا يَجْعَلُهُ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى مَا هُوَ طَاعَةٌ لَا يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ الذِّمِّيُّ يَسْتَأْجِرُ رَجُلًا لِيُصَلِّيَ بِهِمْ لَا يَجُوزُ اهـ مُلَخَّصًا، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 34 أَوْ كِتَابًا وَلَوْ شِعْرًا لِيَقْرَأَهُ أَوْ مُصْحَفًا شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ (وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِرَاكِبٍ وَلَابِسٍ أَرْكَبَ وَأَلْبَسَ مَنْ شَاءَ) وَتَعَيَّنَ أَوَّلُ رَاكِبٍ وَلَابِسٍ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ مَنْ يَرْكَبُهَا فَسَدَتْ لِلْجَهَالَةِ وَتَنْقَلِبُ صَحِيحَةً بِرُكُوبِهَا (وَإِنْ قَيَّدَ بِرَاكِبٍ أَوْ لَابِسٍ فَخَالَفَ ضَمِنَ إذَا عَطِبَتْ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ وَإِنْ سَلَّمَ) بِخِلَافِ حَانُوتٍ أَقْعَدَ فِيهِ حَدَّادًا مَثَلًا حَيْثُ يَجِبُ الْأَجْرُ إذَا سَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَلَّمَ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ، وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يُوهِنُ الدَّارَ كَمَا فِي الْغَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الضَّمَانِ مُمْتَنِعٌ (وَمِثْلُهُ) فِي الْحُكْمِ (كُلُّ مَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمِلِ) كَالْفُسْطَاطِ (وَفِيمَا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ بَطَلَ تَقْيِيدُهُ بِهِ كَمَا لَوْ شَرَطَ سُكْنَى وَاحِدٍ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ)   [رد المحتار] فَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْمُسْلَمَ غَيْرُ قَيْدٍ وَأَنَّ الْعِلَّةَ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ، وَمَفَادُهُ عَدَمُ الْجَوَازِ وَإِنْ بَيَّنَ الْمُدَّةَ. (قَوْلُهُ أَوْ كِتَابًا إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ إنْ كَانَتْ طَاعَةً كَالْقُرْآنِ أَوْ مَعْصِيَةً كَالْغِنَاءِ فَالْإِجَارَةُ عَلَيْهَا لَا تَجُوزُ، وَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَةً كَالْأَدَبِ وَالشِّعْرِ فَهَذَا مُبَاحٌ لَهُ قَبْلَ الْإِجَارَةِ فَلَا تَجُوزُ، وَلَوْ انْعَقَدَتْ تَنْعَقِدُ عَلَى الْحَمْلِ وَتَقْلِيبِ الْأَوْرَاقِ، وَالْإِجَارَةُ عَلَيْهِ لَا تَنْعَقِدُ وَلَوْ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَلْوَالَجِيَّةٌ 1 - (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهَا) صَادِقٌ بِالْإِطْلَاقِ كَقَوْلِهِ لِلرُّكُوبِ أَوْ اللُّبْسِ مَثَلًا وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، وَبِالتَّعْمِيمِ كَقَوْلِهِ: عَلَيَّ أَنْ أُرْكِبَ أَوْ أُلْبِسَ مَنْ شِئْتُ، هَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا، كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلُ بِقَوْلِ الشَّارِحِ بَعْدَهُ وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ، وَلَكِنْ فِي التَّعْبِيرَيْنِ خَفَاءٌ فَافْهَمْ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْإِطْلَاقِ صَارَ الرُّكُوبَانِ مَثَلًا مِنْ شَخْصَيْنِ كَالْجِنْسَيْنِ فَيَكُونُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَجْهُولًا، وَفِي التَّعْمِيمِ رَضِيَ الْمَالِكُ بِالْقَدْرِ الَّذِي يَحْصُلُ فِي ضِمْنِ الرُّكُوبِ فَصَارَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ فَسَدَتْ) وَمِثْلُهُ الْحَمْلُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: اسْتَأْجَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَحْمِلُ فَسَدَتْ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لِيَطْحَنَ بِهَا كُلَّ يَوْمٍ بِدِرْهَمٍ وَبَيَّنَ مَا يَطْحَنُ مِنْ الشَّعِيرِ أَوْ نَحْوِهِ ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَهُ. وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ: لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مِقْدَارِ مَا يَطْحَنُ كُلَّ يَوْمٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ وَتَنْقَلِبُ صَحِيحَةً بِرُكُوبِهَا) سَوَاءٌ رَكِبَهَا أَوْ أَرْكَبَهَا، وَيَجِبُ الْمُسَمَّى اسْتِحْسَانًا لِزَوَالِ الْجَهَالَةِ بِجَعْلِ التَّعْيِينِ انْتِهَاءً كَالتَّعْيِينِ ابْتِدَاءً، وَلَا ضَمَانَ بِالْهَلَاكِ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا 1 - (قَوْلُهُ ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَعَدِّيًا؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ وَاللُّبْسَ مِمَّا يَتَفَاوَتُ فِيهِ النَّاسُ، فَرُبَّ خَفِيفٍ جَاهِلٍ أَضَرُّ عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ ثَقِيلٍ عَالِمٍ. (قَوْلُهُ وَإِنْ سَلِمَ) ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ غَاصِبًا وَمَنَافِعُ الْغَصْبِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ إلَّا فِيمَا اسْتَثْنَى ط. (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يُوهَنُ) أَيْ بِالْفِعْلِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُوهَنَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الضَّمَانِ مُمْتَنِعٌ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ خَاصٌّ بِحَالَةِ الْعَطَبِ، فَإِنْ سَلِمَ فَقَدْ مَرَّ تَعْلِيلُهُ. (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ فِي الْحُكْمِ) أَيْ فِي كَوْنِهِ يَضْمَنُ إذَا عَطِبَتْ مَعَ الْمُخَالَفَةِ وَالتَّقْيِيدِ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ كَالْفُسْطَاطِ) قَالَ فِي الدُّرَرِ: حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَهُ فَدَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ إجَارَةً أَوْ إعَارَةً فَنَصَبَهُ وَسَكَنَ فِيهِ ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي نَصْبِهِ وَاخْتِيَارِ مَكَانِهِ وَضَرْبِ أَوْتَادِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لِلسُّكْنَى فَصَارَ كَالدَّارِ اهـ. وَقَوْلُهُ ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي يُوسُف وَقَالَ أَبُو السُّعُودِ: أَيْ إنْ كَانَ قَيَّدَ بِأَنْ يَسْتَعْمِلَهُ بِنَفْسِهِ حَمَوِيٌّ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا نَقَلَهُ شَيْخُنَا عَنْ الْمِفْتَاحِ اهـ. وَفِي التتارخانية: اسْتَأْجَرَ قُبَّةً لِنَصْبِهَا فِي بَيْتِهِ شَهْرًا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مَكَانَ النَّصْبِ، وَلَوْ نَصَبَهَا فِي الشَّمْسِ أَوْ الْمَطَرِ وَكَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهَا ضَمِنَ وَلَا أَجْرَ، وَإِنْ سَلِمَتْ عَلَيْهِ الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ نَصَبَهَا فِي دَارٍ أُخْرَى فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا إلَى السَّوَادِ لَا أَجْرَ سَلِمَتْ أَوْ هَلَكَتْ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ فُسْطَاطًا يَخْرُجُ بِهِ إلَى مَكَّةَ أَنْ يَسْتَظِلَّ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ، وَلَوْ انْقَطَعَ أَطْنَابُهُ وَانْكَسَرَ عَمُودُهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ نَصْبَهُ لَا أَجْرَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الِانْتِفَاعِ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَإِنْ فِي أَصْلِهِ حُكْمُ الْحَالِ كَمَسْأَلَةِ الطَّاحُونِ وَتَمَامُهُ فِيهَا (قَوْلُهُ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ ذَلِكَ الْوَاحِدِ. وَفِي شَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ أَوَّلَ الْبَابِ: وَلَهُ أَيْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ مَعَهُ أَوْ مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ السُّكَّانِ لَا تَضُرُّ بِهَا بَلْ تَزِيدُ فِي عِمَارَتِهَا؛ لِأَنَّ خَرَابَ الْمَسْكَنِ بِتَرْكِ السَّكَنِ اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَسْكُنَ وَحْدَهُ مُنْفَرِدًا، فَمَا قِيلَ إنَّ سُكْنَى الْوَاحِدِ لَيْسَ كَسُكْنَى الْجَمَاعَةِ بَحْثٌ مُعَارِضٌ لِلْمَنْقُولِ وَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 35 لِمَا مَرَّ أَنَّ التَّقْيِيدَ غَيْرُ مُفِيدٍ (وَإِنْ سَمَّى نَوْعًا أَوْ قَدْرًا كَكُرِّ بُرٍّ لَهُ حَمْلُ مِثْلِهِ وَأَخَفَّ لَا أَضَرَّ كَالْمِلْحِ) وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ مَنْفَعَةً مُقَدَّرَةً بِالْعَقْدِ فَاسْتَوْفَاهَا أَوْ مِثْلَهَا أَوْ دُونَهَا جَازَ، وَلَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ، وَمِنْهُ تَحْمِيلُ وَزْنِ الْبُرِّ قُطْنًا لَا شَعِيرًا فِي الْأَصَحِّ. (وَلَوْ أَرْدَفَ مَنْ يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ وَعَطِبَتْ الدَّابَّةُ يَضْمَنُ النِّصْفَ) وَلَا اعْتِبَارَ لِلثِّقَلِ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ غَيْرُ مَوْزُونٍ، وَهَذَا (إنْ كَانَتْ) الدَّابَّةُ (تُطِيقُ حَمْلَ الِاثْنَيْنِ وَإِلَّا فَالْكُلُّ) بِكُلِّ حَالٍ (كَمَا لَوْ حَمَلَهُ) الرَّاكِبُ (عَلَى عَاتِقِهِ) فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْكُلَّ (وَإِنْ كَانَتْ تُطِيقُ حَمْلَهُمَا) لِكَوْنِهِ فِي مَكَان وَاحِدٍ (وَإِنْ كَانَ) الرَّدِيفُ   [رد المحتار] كَانَ ظَاهِرًا لَكِنْ قَدْ يُقَالُ مَعْنَى كَلَامِهِمْ أَنَّ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ فِي بَقِيَّةِ بُيُوتِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَكَنَ فِي بَيْتٍ مِنْهَا وَتَرَكَ الْبَاقِيَ خَالِيًا يَلْزَمُ الضَّرَرُ لِعَدَمِ تَفَقُّدِهِ مِنْ وَكَفِ الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ بِمَا يُخَرِّبُهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ كَكُرِّ بُرٍّ) الْكُرُّ قَدْرٌ وَالْبُرُّ نَوْعٌ. وَالْكُرُّ: سِتُّونَ قَفِيزًا. وَثَمَانِيَةُ مَكَاكِيكَ. وَالْمَكُّوكُ: صَاعٌ وَنِصْفٌ فَيَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ وَسْقًا مِصْبَاحٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَهْلِ بَغْدَادَ وَالْكُوفَةِ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ. (قَوْلُهُ لَهُ حَمْلُ مِثْلِهِ) أَيْ فِي الضَّرَرِ بِشَرْطِ التَّسَاوِي فِي الْوَزْنِ، وَمَا فِي الدُّرَرِ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْوَزْنِ. قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: الْوَاوُ فِيهِ زَائِدَةٌ. (قَوْلُهُ مُقَدَّرَةً) أَيْ مُعَيَّنَةً قَدْرًا فَدَخَلَ فِيهِ زِرَاعَةُ الْأَرْضِ إذَا عَيَّنَ نَوْعًا لِلزِّرَاعَةِ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ مِثْلَهُ أَخَفَّ لَا أَضَرَّ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ أَوْ مِثْلَهَا) كَمَا لَوْ حَمَّلَ كُرَّ بُرٍّ لِغَيْرِهِ بَدَلَ كُرِّ بُرٍّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَغَلِطَ مَنْ مَثَّلَ بِالشَّعِيرِ لِلْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِحَمْلِ كُرِّ شَعِيرٍ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ حِنْطَةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَهُ. (قَوْلُهُ أَوْ دُونَهَا) كَكُرِّ شَعِيرٍ بَدَلَ كُرِّ بُرٍّ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ وَزْنًا. (قَوْلُهُ وَمِنْهُ) أَيْ مِمَّا لَمْ يَخْرُجْ (قَوْلُهُ لَا شَعِيرًا فِي الْأَصَحِّ) أَيْ لَوْ عَيَّنَ قَدْرًا مِنْ الْحِنْطَةِ فَحَمَلَ مِثْلَ وَزْنِهِ شَعِيرًا جَازَ، فَلَا يَضْمَنُ لَوْ عَطِبَتْ اسْتِحْسَانًا وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الشَّعِيرِ فِي حَقِّ الدَّابَّةِ عِنْدَ اسْتِوَائِهَا وَزْنًا أَخَفُّ مِنْ ضَرَرِ الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا تَأْخُذُهُ الْحِنْطَةُ فَيَكُونُ أَخَفَّ عَلَيْهَا بِالِانْبِسَاطِ، بِخِلَافِ إذَا حَمَلَ مِثْلَ وَزْنِ الْحِنْطَةِ قُطْنًا؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِهَا أَكْثَرَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَفِيهِ حَرَارَةٌ فَكَانَ أَضَرَّ عَلَيْهَا مِنْ الْحِنْطَةِ، فَصَارَ كَمَا إذَا حَمَلَ عَلَيْهَا تِبْنًا أَوْ حَطَبًا، وَكَذَا لَوْ حَمَلَ مِثْلَ وَزْنِهَا حَدِيدًا أَوْ مِلْحًا؛ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي مَكَان وَاحِدٍ مِنْ ظَهْرِهَا فَيَضُرُّهَا، فَحَاصِلُهُ مَتَى كَانَ ضَرَرُ أَحَدِهِمَا فَوْقَ ضَرَرِ الْآخَرِ مَنْ وَجْهٍ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ أَخَفَّ ضَرَرًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، كَذَا أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ. أَقُولُ: وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَضْمَنُ فِي هَذِهِ الْأَوْجُهِ. وَحَاصِلُ مَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْخِلَافَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ إمَّا فِي الْجِنْسِ أَوْ فِي الْقَدْرِ أَوْ الصِّفَةِ. فَالْأَوَّلُ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِحَمْلِ كُرِّ شَعِيرٍ فَحَمَلَ كُرَّ حِنْطَةٍ يَضْمَنُ كُلَّ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا جِنْسٌ آخَرُ وَأَثْقُلُ فَصَارَ غَاصِبًا وَلَا أَجْرَ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ. وَالثَّانِي كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ حِنْطَةً فَحَمَلَ أَحَدَ عَشَرَ، فَإِنْ سَلِمَتْ لَزِمَ الْمُسَمَّى وَإِلَّا ضَمِنَ جُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ قِيمَتِهَا. وَالثَّالِثُ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ مِائَةَ رِطْلِ قُطْنٍ فَحَمَلَ مِثْلَ وَزْنِهِ أَوْ أَقَلَّ حَدِيدًا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَيْسَ لِلثِّقَلِ فَلَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا، وَلَا أَجْرَ لِمَا قُلْنَا وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَرْدَفَ) الرَّدِيفُ: مَنْ تَحْمِلُهُ خَلْفَكَ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ أَقْعَدَهُ فِي السَّرْجِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ. (قَوْلُهُ يَضْمَنُ النِّصْفَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَخَفَّ أَوْ أَثْقَلَ إتْقَانِيٌّ؛ لِأَنَّ رُكُوبَ أَحَدِهِمَا مَأْذُونٌ فِيهِ دُونَ الْآخَرِ وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَزِيَادَةً، غَيْرَ أَنَّ الزِّيَادَةَ اُسْتُوْفِيَتْ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ فَلَا يَجِبُ لَهَا الْأَجْرُ بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ وَلَا اعْتِبَارَ لِلثِّقَلِ) أَيْ فَلَا يَضْمَنُ بِقَدْرِ مَا زَادَ وَزْنًا، فَصَارَ كَحَائِطٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ أَثْلَاثًا أُشْهِدَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَوَقَعَتْ مِنْهُ آجُرَّةٌ عَلَى رَجُلٍ فَعَلَى الْمُشْهَدِ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ نَصِيبُهُ مِنْ الْحَائِطِ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ مَا حَصَلَ بِالثِّقَلِ بَلْ بِالْجُرْحِ وَالْجِرَاحَةُ الْيَسِيرَةُ كَالْكَثِيرَةِ فِي الضَّمَانِ، كَمَنْ جَرَحَ إنْسَانًا جِرَاحَةً وَجَرَحَهُ آخَرُ جِرَاحَتَيْنِ فَمَاتَ ضَمِنَا نِصْفَيْنِ بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ بِكُلِّ حَالٍ) أَيْ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَمْسِكُ ط. (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ فِي مَكَان وَاحِدٍ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 36 صَغِيرًا لَا يَسْتَمْسِكُ يَضْمَنُ بِقَدْرِ ثِقَلِهِ) كَحَمْلِهِ شَيْئًا آخَرَ وَلَوْ مِنْ مِلْكِ صَاحِبِهَا كَوَلَدِ النَّاقَةِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الرَّجُلَ يُوزَنُ بَلْ أَنْ يَسْأَلَ أَهْلَ الْخِبْرَةِ كَمْ يَزِيدُ، وَلَوْ رَكِبَ عَلَى مَوْضِعِ الْحَمْلِ ضَمِنَ الْكُلَّ لِمَا مَرَّ؛ وَكَذَا لَوْ لَبِسَ ثِيَابًا كَثِيرَةً، وَلَوْ مَا يَلْبَسُهُ النَّاسُ ضَمِنَ بِقَدْرِ مَا زَادَ مُجْتَبَى. (وَإِذَا هَلَكَتْ بَعْدَ بُلُوغِ الْمَقْصِدِ وَجَبَ جَمِيعُ الْأَجْرِ) لِرُكُوبِهِ بِنَفْسِهِ (مَعَ التَّضْمِينِ) أَيْ لِنِصْفِ الْقِيمَةِ لِرُكُوبِ غَيْرِهِ؛ ثُمَّ إنْ ضَمِنَ الرَّاكِبُ لَا يَرْجِعُ، وَإِنْ ضَمِنَ الرَّدِيفُ رَجَعَ لَوْ مُسْتَأْجِرًا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَإِلَّا لَا، قَيَّدَ بِكَوْنِهَا عَطِبَتْ؛ لِأَنَّهَا لَوْ سَلِمَتْ لَزِمَ الْمُسَمَّى فَقَطْ وَبِكَوْنِهِ أَرْدَفَهُ،؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقْعَدَهُ فِي السَّرْجِ صَارَ غَاصِبًا فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ بَحْرٌ عَنْ الْغَايَةِ، لَكِنْ فِي السِّرَاجِ عَنْ الْمُشْكِلِ مَا يُخَالِفُهُ، فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى. وَكَيْفَ فِي الْأَشْبَاهِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْأَجْرَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ.   [رد المحتار] فَيَكُونُ أَشَقَّ عَلَى الدَّابَّةِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ صَغِيرًا لَا يَسْتَمْسِكُ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ مَنْ يَسْتَمْسِكُ، وَانْظُرْ هَلْ الْكَبِيرُ الَّذِي لَا يَسْتَمْسِكُ كَالصَّغِيرِ. (قَوْلُهُ بِقَدْرِ ثِقَلِهِ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْأَتْقَانِيُّ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلتَّعْلِيلِ السَّابِقِ تَأَمَّلْ، وَالْعِلَّةُ أَنَّهُ لِعَدَمِ اسْتِمْسَاكِهِ اُعْتُبِرَ كَالْحَمْلِ إتْقَانِيٌّ، وَعَلَيْهِ فَالْكَبِيرُ الْعَاجِزُ مِثْلُهُ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ كَحَمْلِهِ شَيْئًا آخَرَ) أَيْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ إذَا لَمْ يَرْكَبْ عَلَى مَوْضِعِ الْحَمْلِ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: قَدْرُ الزِّيَادَةِ الْمَحْمُولَةِ لَا تُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ وَزْنِهَا وَوَزْنِ الرَّجُلِ، فَيُخَالِفُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْآدَمِيَّ غَيْرُ مَوْزُونٍ. (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ كَوْنِهِمَا فِي مَكَان وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ لَبِسَ ثِيَابًا كَثِيرَةً) أَيْ يَضْمَنُ الْكُلَّ لَوْ لَبِسَ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ وَقْتَ الِاسْتِئْجَارِ وَكَانَ مِمَّا لَا يَلْبَسُهُ عَادَةً كَذَا يُفْهَمُ مِنْ الْمُجْتَبَى. (قَوْلُهُ لِرُكُوبِهِ بِنَفْسِهِ) أَشَارَ بِهِ مَعَ مَا بَعْدَهُ إلَى مَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ. لَا يُقَالُ: كَيْفَ اجْتَمَعَ الْأَجْرُ وَالضَّمَانُ. ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ الضَّمَانَ لِرُكُوبِ غَيْرِهِ وَالْأَجْرَ لِرُكُوبِهِ بِنَفْسِهِ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ (قَوْلُهُ لِرُكُوبِ غَيْرِهِ) أَيْ لَوْ مِمَّنْ يَسْتَمْسِكُ وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ يَضْمَنُ بِقَدْرِ ثِقَلِهِ لَا النِّصْفَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ إنْ ضَمِنَ الرَّاكِبُ) أَرَادَ بِالرَّاكِبِ الْمُسْتَأْجِرَ. (قَوْلُهُ لَا يَرْجِعُ) أَيْ عَلَى الرَّدِيفِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ فَصَارَ الرَّدِيفُ رَاكِبًا دَابَّتَهُ بِإِذْنِهِ فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الرَّدِيفُ مُسْتَأْجِرًا مِنْهُ أَوْ مُسْتَعِيرًا رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ رَجَعَ) أَيْ عَلَى الرَّاكِبِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَارَضَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُسْتَعِيرًا فَلَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ لَهُ السَّلَامَةَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ رَحْمَتِيٌّ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ الرَّدِيفُ مُسْتَأْجِرًا مِنْ الْمُرْدِفِ بَلْ كَانَ مُسْتَعِيرًا (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ سَلِمَتْ) أَيْ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ ط. (قَوْلُهُ عَنْ الْغَايَةِ) أَيْ غَايَةِ الْبَيَانِ. وَنَصُّهَا: هَذَا إذَا أَرْدَفَهُ حَتَّى صَارَ الْأَجْنَبِيُّ كَالتَّابِعِ لَهُ، فَأَمَّا إذَا أَقْعَدَهُ فِي السَّرْجِ صَارَ غَاصِبًا وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ يَدَهُ عَنْ الدَّابَّةِ وَأَوْقَعَهَا فِي يَدٍ مُتَعَدِّيَةٍ فَصَارَ ضَامِنًا وَالْأَجْرُ لَا يُجَامِعُ الضَّمَانَ اهـ، وَعَزَاهُ إلَى شَرْحِ الْكَافِي لِلْإِسْبِيجَابِيِّ. (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي السِّرَاجِ إلَخْ) فَإِنَّهُ قَالَ: قَوْلُهُ تَأَرْدَفَ رَجُلًا مَعَهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ،؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَكُونُ أَصْلًا وَلَا يَكُونُ رَدِيفًا، إذْ الْمُسْتَأْجِرُ لَوْ جَعَلَ نَفْسَهُ رَدِيفًا وَغَيْرَهُ أَصْلًا فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ اهـ، أَيْ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا النِّصْفُ لَوْ تُطِيقُ مَعَ لُزُومِ الْأَجْرِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَلَوْلَا تُطِيقُ فَالْكُلُّ، وَحَيْثُ جَعَلَهُ فِي الْغَايَةِ مُقَابِلًا لِلْأَوَّلِ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْمُخَالَفَةِ خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ. (قَوْلُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى) إشَارَةٌ إلَى إشْكَالِهِ، فَلَا يَنْبَغِي الْإِقْدَامُ عَلَى الْإِفْتَاءِ بِهِ قَبْلَ ظُهُورِ وَجْهِهِ. (قَوْلُهُ كَيْفَ وَفِي الْأَشْبَاهِ إلَخْ) اسْتِبْعَادٌ لِمَا فِي السِّرَاجِ وَبَيَانٌ لِوَجْهِ التَّوَقُّفِ عِنْدَ الْفَتْوَى فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ. (قَوْلُهُ لَا يَجْتَمِعَانِ) أَيْ وَهُنَا لَمَّا صَارَ غَاصِبًا وَضَمِنَ مَلَكَهُ مُسْتَنِدًا فَإِذَا أَلْزَمْنَاهُ الْأَجْرَ بِارْتِزَاقِهِ لَزِمَ اجْتِمَاعُهُمَا لِوُجُوبِ الْأَجْرِ فِيمَا مَلَكَهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ أَرْدَفَ غَيْرَهُ أَنَّهُ هُنَا لَمَّا أَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ صَارَ غَاصِبًا، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَ بِنَفْسِهِ فَأَرْكَبَ غَيْرَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 37 (وَإِذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِقْدَارًا فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْهُ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ مَا زَادَ الثِّقَلُ) وَهَذَا إذَا حَمَّلَهَا الْمُسْتَأْجِرُ (فَإِنْ حَمَّلَهَا صَاحِبُهَا) بِيَدِهِ (وَحْدَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُبَاشِرُ عِمَادِيَّةٌ (وَإِنْ حَمَّلَا) الْحِمْلَ (مَعًا) وَوَضَعَاهُ عَلَيْهَا (وَجَبَ النِّصْفُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ) بِفِعْلِهِ وَهُدِرَ فِعْلُ رَبِّهَا مُجْتَبَى. (وَلَوْ) كَانَ الْبُرُّ مَثَلًا فِي جُوَالِقَيْنِ فَ (حَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (جُوَالِقًا) أَيْ وِعَاءً كَعِدْلٍ مَثَلًا (وَحْدَهُ) وَوَضَعَاهُ عَلَيْهَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا (لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ) وَيَجْعَلُ حَمْلَ الْمُسْتَأْجِرِ مَا كَانَ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ غَايَةً، وَمَفَادُهُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ وَهُوَ الْوَجْهُ، وَمِنْ ثَمَّ عَوَّلْنَا عَلَيْهِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ. قُلْتُ: وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ هُوَ مَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ مِنْ قَوْلِهِ (وَكَذَا لَا ضَمَانَ لَوْ حَمَلَ الْمُسْتَأْجِرُ أَوَّلًا ثُمَّ رَبُّ الدَّابَّةِ، وَإِنْ حَمَّلَهَا رَبُّهَا أَوْ لَا ثُمَّ الْمُسْتَأْجِرُ ضَمِنَ نِصْفَ الْقِيمَةِ) انْتَهَى فَتَنَبَّهْ (وَهَذَا) أَيْ مَا مَرَّ مِنْ الْحُكْمِ (إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ) الْمُسْتَأْجَرَةُ (تُطِيقُ مِثْلَهُ، أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تُطِيقُ فَجَمِيعُ الْقِيمَةِ لَازِمٌ) عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ زَيْلَعِيٌّ   [رد المحتار] يَجِبُ كُلُّ الْقِيمَةِ كَمَا مَرَّ، فَإِذَا ارْتَدَفَ خَلْفَهُ صَارَ تَابِعًا وَلَا يُمْكِنُ وُجُوبُ الْأَجْرِ بِارْتِدَافِهِ لِمَا قُلْنَا. أَمَّا لَوْ رَكِبَ فِي السَّرْجِ فَقَدْ أَتَى بِمَا هُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ، فَإِذَا أَرْدَفَ غَيْرَهُ فَقَدْ خَالَفَ فِيمَا شَغَلَهُ بِغَيْرِهِ، وَلَا يَمْلِكُ شَيْئًا بِالضَّمَانِ فِيمَا شَغَلَهُ بِرُكُوبِ نَفْسِهِ وَجَمِيعُ الْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ مَا شَغَلَهُ بِرُكُوبِ الْغَيْرِ وَلَا أَجْرَ بِمُقَابَلَةِ ذَلِكَ لِيَسْقُطَ عَنْهُ، وَإِذَا رَاجَعْتَ النِّهَايَةَ اتَّضَحَ لَكَ مَا قَرَرْنَاهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَكْثَرَ مِنْهُ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى كَمَا يَأْتِي مَعَ ذِكْرِ مُحْتَرَزِهِ. (قَوْلُهُ ضَمِنَ مَا زَادَ الثِّقَلُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الضَّمَانَ فِي مُقَابَلَةِ الزَّائِدِ وَالْأَجْرَ فِي مُقَابَلَةِ الْحَمْلِ الْمُسَمَّى فَلَمْ يَجْتَمِعَا كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ، وَسَيُشِيرُ إلَيْهِ بَعْدُ أَيْضًا (قَوْلُهُ عِمَادِيَّةٌ) وَعِبَارَتُهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ: اسْتَكْرَى إبِلًا عَلَى أَنْ يَحْمِلَ كُلُّ بَعِيرٍ مِائَةَ رِطْلٍ فَحَمَلَ مِائَةً وَخَمْسِينَ إلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ ثُمَّ أَتَى الْجَمَّالُ بِإِبِلِهِ وَأَخْبَرَهُ الْمُسْتَكْرِي أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ حِمْلٍ إلَّا مِائَةَ رِطْلٍ فَحَمَلَ الْجَمَّالُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَقَدْ عَطِبَ بَعْضُ الْإِبِلِ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَكْرِي. ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْجَمَلِ هُوَ الَّذِي حَمَلَ فَيُقَالُ لَهُ كَانَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَزْنِ أَوَّلًا اهـ. (قَوْلُهُ وَجَبَ النِّصْفُ) أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَةِ الدَّابَّةِ مَا يُقَابِلُ النِّصْفَ مِنْ الزِّيَادَةِ، ثُمَّ مَا فِي الْمَتْنِ نَقَلَهُ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْمُحِيطِ وَنَقَلَ بَعْدَهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ يَضْمَنُ رُبْعَ الْقِيمَةِ، وَمِثْلُهُ فِي التتارخانية عَنْ الذَّخِيرَةِ وَالشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى. فَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ الرُّبْعُ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُسَاوِيَةً لِلْمَشْرُوطِ، لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ فَجَعَلَ عِشْرِينَ وَحَمَلَا مَعًا ضَمِنَ رُبْعَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ مَأْذُونٌ وَالنِّصْفَ لَا فَيَتَنَصَّفُ هَذَا النِّصْفُ. (قَوْلُهُ فِي جَوْلَقَيْنِ) الْجُوَالِقُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَاللَّامِ وَبِضَمِّ الْجِيم وَفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا: وِعَاءٌ مَعْرُوفٌ جَمْعُهُ جَوَالِقُ كَصَحَائِفَ وَجَوَالِيقُ وُجُوَالِقَاتٌ قَامُوسٌ، فَحَقُّهُ أَنْ يُرْسَمَ بَعْدَ الْوَاوِ أَلْفٌ فِي مَثَنَّاهُ وَمُفْرَدِهِ أَيْضًا، وَهُوَ خِلَافُ مَا رَأَيْتُهُ فِي النُّسَخِ. (قَوْلُهُ أَوْ مُتَعَاقِبًا) لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمِنَحِ، وَلَمْ أَرَهُ فِي عِبَارَةِ غَايَةِ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ وَمَفَادُهُ إلَخْ) إنَّمَا يَكُونُ مُفَادُهُ ذَلِكَ لَوْ عَبَّرَ فِي الْغَايَةِ بِقَوْلِهِ أَوْ مُتَعَاقِبًا، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَوَضَعَاهُ عَلَى الدَّابَّةِ جَمِيعًا وَعَزَاهُ إلَى تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى، وَهَكَذَا عَبَّرَ فِي التتارخانية عَنْ الذَّخِيرَةِ، وَهَكَذَا عَبَّرَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَزَادَ بَعْدَهُ: وَكَذَا لَوْ حَمَلَ الْمُسْتَأْجِرُ أَوَّلًا إلَخْ فَمَا فِي الْغَايَةِ لَا يُخَالِفُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ بَلْ زَادَ فِي الْخُلَاصَةِ مَسْأَلَةً أُخْرَى لَمْ تُفْهَمْ مِنْ كَلَامِ الْغَايَةِ وَهِيَ مَا ذَكَرَهُ الْمَاتِنُ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ مُتَعَاقِبًا مَوْجُودٌ فِي عِبَارَةِ الْغَايَةِ فَهُوَ مَفْهُومٌ، وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مَنْطُوقٌ صَرِيحٌ فَكَيْفَ يَعْدِلُ عَنْهُ، وَقَدْ قَالُوا إنَّ صَاحِبَ الْخُلَاصَةِ مِنْ أَجَلِّ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى مَا قَالَهُ اتِّبَاعًا لِلنَّقْلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ فَتَنَبَّهْ) أَقُولُ: تَنَبَّهْ لِمَا قَدَّمْتُهُ لَكَ فَهُوَ أَظْهَرُ. (قَوْلُهُ أَيْ مَا مَرَّ مِنْ الْحُكْمِ) وَهُوَ ضَمَانُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 38 وَيَجِبُ عَلَيْهِ كُلُّ الْأَجْرِ) لِلْحَمْلِ، وَالضَّمَانُ لِلزِّيَادَةِ غَايَةٌ، وَأَفَادَ بِالزِّيَادَةِ أَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى، فَلَوْ مِنْ غَيْرِهِ ضَمِنَ الْكُلَّ، كَمَا لَوْ حَمَلَ الْمُسَمَّى وَحْدَهُ ثُمَّ حَمَلَ عَلَيْهَا الزِّيَادَةَ وَحْدَهَا بَحْرٌ. قَالَ: وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْأَجْرِ إذَا سَلِمَتْ لِظُهُورِ وُجُوبِ الْمُسَمَّى فَقَطْ وَإِنْ حَمَلَهُ الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْغَصْبِ لَا تُضْمَنُ عِنْدَنَا، وَمِنْهُ عُلِمَ حُكْمُ الْمُكَارِي فِي طَرِيقِ مَكَّةَ. (وَضَمِنَ بِضَرْبِهَا وَكَبْحِهَا) بِلِجَامِهَا لِتَقْيِيدِ الْإِذْنِ بِالسَّلَامَةِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ الصَّغِيرُ بِضَرْبِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ لِلتَّأْدِيبِ ضَمِنَ لِوُقُوعِهِ بِزَجْرٍ وَتَعْرِيكٍ. وَقَالَا: لَا يَضْمَنَانِ بِالْمُتَعَارَفِ. وَفِي الْغَايَةِ عَنْ التَّتِمَّةِ: الْأَصَحُّ رُجُوعُ الْإِمَامِ لِقَوْلِهِمَا (لَا) يَضْمَنُ (بِسَوْقِهَا) اتِّفَاقًا. وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ الضَّرْبَ لِلْإِذْنِ الْعُرْفِيِّ،   [رد المحتار] مَا زَادَ الثِّقَلُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ط. (قَوْلُهُ الْأَجْرُ لِلْحَمْلِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ اجْتِمَاعِهِمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا. (قَوْلُهُ وَأَفَادَ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ جِنْسِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ ثُمَّ حُمِلَ عَلَيْهَا الزِّيَادَةُ وَحْدَهَا) قَيَّدَهُ فِي التتارخانية بِمَا لَوْ حَمَلَهَا عَلَى مَكَانِ الْمُسَمَّى، فَلَوْ فِي مَكَان آخَرَ ضَمِنَ قَدْرَ الزِّيَادَةِ وَمِثْلُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَفِيهِ أَيْضًا: بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْرًا لِيَطْحَنَ بِهِ عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ فَطَحَنَ أَحَدَ عَشَرَ أَوْ لِيَكْرُبَ بِهِ جَرِيبًا فَكَرَبَ جَرِيبًا وَنِصْفًا. فَهَلَكَ ضَمِنَ كُلَّ االْقِيمَةِ إذْ الطَّحْنُ يَكُونُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَلَمَّا طَحَنَ عَشَرَةً انْتَهَى الْعَقْدُ، فَهُوَ فِي الزِّيَادَةِ مُخَالِفٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَضَمِنَ كُلَّهَا، وَالْحَمْلُ يَكُونُ دَفْعَةً وَبَعْضُهُ مَأْذُونٌ فِيهِ فَلَا يَضْمَنُ بِقَدْرِهِ اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا إلَخْ) أَقُولُ: صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ عُلِمَ إلَخْ) أَيْ عُلِمَ أَنَّهُ زَادَ شَيْئًا وَسَلِمَتْ أَنَّهُ يَجِبُ الْمُسَمَّى فَقَطْ وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ الزِّيَادَةُ إلَّا بِرِضَا الْمُكَارِي، وَلِهَذَا قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ يَرَى الْمُكَارِي جَمِيعَ مَا يَحْمِلُهُ بَحْرٌ، وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ صَدِيقٌ لَهُ كِتَابًا لِيُوَصِّلَهُ فَقَالَ: حَتَّى أَسْتَأْذِنَ مِنْ الْجَمَّالِ اهـ، وَهَذَا لَوْ عَيَّنَ قَدْرًا، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ جَمَلٍ لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مَحْمَلًا وَرَاكِبَيْنِ إلَى مَكَّةَ، وَلَهُ الْحَمْلُ الْمُعْتَادُ وَرُؤْيَتُهُ أَحَبُّ. [فَرْعٌ] فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَيْسَ لِرَبِّ الدَّابَّةِ وَضْعُ مَتَاعِهِ مَعَ حِمْلِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَإِنْ وَضَعَ وَبَلَغَتْ الْمَقْصِدَ لَا يَنْقُصُ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ، بِخِلَافِ شَغْلِ الْمَالِكِ بَعْضَ الدَّارِ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ بِحِسَابِهِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَكَبْحِهَا) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ. فِي الْمُغْرِبِ: كَبَحَ الدَّابَّةَ بِاللِّجَامِ: إذَا رَدَّهَا، وَهُوَ أَنْ يَجْذِبَهَا إلَى نَفْسِهِ لِتَقِفَ وَلَا تَجْرِيَ كَذَا فِي الْمِنَحِ ح (قَوْلُهُ لِتَقْيِيدِ الْإِذْنِ بِالسَّلَامَةِ) ؛ لِأَنَّ السَّوْقَ يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الضَّرْبِ وَإِنَّمَا تُضْرَبُ لِلْمُبَالَغَةِ (قَوْلُهُ ضَمِنَ) أَيْ الدِّيَةَ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، بِخِلَافِ ضَرْبِ الْقَاضِي الْحَدَّ وَالتَّعْزِيرَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَجِبُ بِالْوَاجِبِ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ. (قَوْلُهُ لِوُقُوعِهِ) أَيْ إنَّمَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ التَّأْدِيبَ يُمْكِنُ وُقُوعُهُ بِزَجْرٍ وَتَعْرِيكٍ بِدُونِ ضَرْبٍ ح. وَالتَّعْرِيكُ: فَرْكُ الْأُذُنِ (قَوْلُهُ وَقَالَا لَا يَضْمَنَانِ بِالْمُتَعَارَفِ) أَيْ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ وَلَا يَضْمَنَانِ بِالضَّرْبِ الْمُتَعَارِفِ؛ لِأَنَّهُ لِإِصْلَاحِ الصَّغِيرِ فَكَانَ كَضَرْبِ الْمُعَلِّمِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ وِلَايَةَ الضَّرْبِ مِنْهُمَا، وَالْخِلَافُ جَارٍ فِي ضَرْبِ الدَّابَّةِ وَكَبْحِهَا أَيْضًا لِاسْتِفَادَتِهِ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ، وَهَذَا بِخِلَافِ ضَرْبِ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ لِلْخِدْمَةِ حَيْثُ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ. وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّهُ يُؤْمَرُ وَيُنْهَى لِفَهْمِهِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى ضَرْبِهِ، وَأَطْلَقَ فِي ضَرْبِ الدَّابَّةِ وَكَبْحِهَا، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا، فَلَوْ بِإِذْنِهِ وَأَصَابَ الْمَوْضِعَ الْمُعْتَادَ لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي التتارخانية. (قَوْلُهُ وَفِي الْغَايَةِ عَنْ التَّتِمَّةِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ رُجُوعَهُ فِي مَسْأَلَةِ الصَّغِيرِ دُونَ الدَّابَّةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ،؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الدَّابَّةِ جَرَى عَلَيْهَا أَصْحَابُ الْمُتُونِ، فَلَوْ ثَبَتَ رُجُوعُ الْإِمَامِ فِيهَا لَمَا مَشَوْا عَلَى خِلَافِهِ؛ لِأَنَّ مَا رَجَعَ عَنْهُ الْمُجْتَهِدُ لَمْ يَكُنْ مَذْهَبًا لَهُ، وَعَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ مَشَى فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّغِيرِ، وَعَبَّرَ عَنْ رُجُوعِهِ بِقِيلَ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ لَا يَسُوقُهَا) أَيْ الْمُعْتَادُ لِمَا فِي التتارخانية: إذَا عَنَّفَ فِي السَّيْرِ ضَمِنَ إجْمَاعًا. (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ إلَخْ) كَذَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ، وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ تَعْلِيلِهِ الضَّمَانَ عِنْدَ الْإِمَامِ بِتَقْيِيدِ الْإِذْنِ بِالسَّلَامَةِ، فَيُفِيدُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 39 وَأَمَّا ضَرْبُهُ دَابَّةَ نَفْسِهِ فَقَالَ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَضْرِبُهَا أَصْلًا، وَيُخَاصَمُ فِيمَا زَادَ عَلَى التَّأْدِيبِ (وَ) ضَمِنَ (بِنَزْعِ السَّرْجِ وَ) وَضْعِ (الْإِيكَافِ) سَوَاءٌ وَكَفَ بِمِثْلِهِ أَوْ لَا (وَبِالْإِسْرَاجِ بِمَا لَا يُسْرَجُ) هَذَا الْحِمَارُ (وَبِمِثْلِهِ جَمِيعَ قِيمَتِهِ) وَلَوْ بِمِثْلِهِ أَوْ أَسْرَجَهَا   [رد المحتار] أَنَّ الضَّرْبَ مَأْذُونٌ فِيهِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ: وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَخَسَ بَعِيرَ جَابِرٍ وَضَرَبَهُ» وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَنْخُسُ بَعِيرَهُ بِمِحْجَنِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَفِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ عَلَى إبَاحَتِهِ، وَلَا يَنْفِي الضَّمَانَ؛ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ اهـ. فَالْحَاصِلُ إبَاحَةُ الضَّرْبِ الْمُعْتَادِ لِلتَّأْدِيبِ لِلْمَالِكِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ غَيْرَ مُسْتَأْجِرٍ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا ضَرْبُهُ دَابَّةَ نَفْسِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَضْرِبُهَا أَصْلًا وَإِنْ كَانَتْ مِلْكَهُ، وَكَذَا حُكْمُ مَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ. ثُمَّ قَالَ: لَا يُخَاصَمُ ضَارِبُ الْحَيَوَانِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلتَّأْدِيبِ وَيُخَاصَمُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الْإِمَامِ لَا يَضْرِبُهَا أَصْلًا. أَيْ لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ لِلتَّأْدِيبِ وَإِنْ كَانَ ضَرْبُ التَّأْدِيبِ الْمُعْتَادِ مُبَاحًا، فَلَا يُنَافِي مَا قَدَّمْنَاهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لَا يُخَاصَمُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلتَّأْدِيبِ. وَنَقَلَ ط عَنْ شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْحَمَوِيِّ قَالُوا: يُخَاصَمُ ضَارِبُ الْحَيَوَانِ بِلَا وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ إنْكَارُ حَالِ مُبَاشَرَةِ الْمُنْكَرِ، وَيَمْلِكُهُ كُلُّ أَحَدٍ، وَلَا يُخَاصَمُ الضَّارِبُ بِوَجْهٍ إلَّا إذَا ضَرَبَ الْوَجْهَ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ وَلَوْ بِوَجْهٍ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْمَبْسُوطِ: يُطَالَبُ ضَارِبُ الْحَيَوَانِ لَا بِوَجْهِهِ إلَّا بِوَجْهِهِ 1 - (قَوْلُهُ وَبِنَزْعِ السَّرْجِ وَالْإِيكَافِ) أَفَادَ الْحَمَوِيُّ وَالشَّلَبِيُّ أَنَّ مُجَرَّدَ نَزْعِ السَّرْجِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا بِسَرْجٍ لَمْ يَرْكَبْهَا عُرْيَانَا، وَلَا يَحْمِلُ مَتَاعًا، وَلَا يَسْتَلْقِي، وَلَا يَتَّكِئُ عَلَى ظَهْرِهَا، بَلْ يَرْكَبُ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ ط مُلَخَّصًا. بَقِيَ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عُرْيَانَا فَأَسْرَجَهُ فَفِي كَافِي الْحَاكِمِ يَضْمَنُ. وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِهِ: هَذَا لَوْ حِمَارًا لَا يُسْرَجُ مِثْلُهُ عَادَةً، فَلَوْ كَانَ يُسْرَجُ لَا يَضْمَنُ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ: فَصَّلَ أَصْحَابُنَا وَقَالُوا إنْ لِيَرْكَبَهُ خَارِجَ الْمِصْرِ لَا يَضْمَنُ، وَكَذَا لَوْ فِيهِ وَهُوَ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ وَإِلَّا ضَمِنَ، وَهَلْ يَضْمَنُ كُلَّ الْقِيمَةِ أَوْ بِقَدْرِ مَا زَادَ؟ صَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْأَوَّلَ. قُلْتُ: وَيَنْبَغِي كَوْنُ الْأَصَحِّ الثَّانِيَ؛ لِأَنَّهُ كَالْحِمْلِ الزَّائِدِ عَلَى الرُّكُوبِ غَايَةُ الْبَيَانِ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ رَكِبَ مَوْضِعَ الْحِمْلِ ضَمِنَ الْكُلَّ، وَقَدْ نَقَلَهُ الأتقاني نَفْسُهُ فَتَدَبَّرْ. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ مَا فِي الْكَافِي هُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. (قَوْلُهُ وَوَضْعِ الْإِيكَافِ) لَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِ هَذَا الْمُضَافِ، فَإِنَّ مَعْنَى الْإِيكَافِ وَضْعُ الْإِكَافِ ح. أَيْ فَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْإِيكَافُ مَصْدَرًا بِالْإِكَافِ الَّذِي هُوَ اسْمٌ لِمَا يُوضَعُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْإِضَافَةَ بَيَانِيَّةٌ، وَالدَّاعِيَ لِتَقْدِيرِهِ الْمُضَافَ إفَادَتُهُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى نَزْعِ لَا عَلَى السَّرْجِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ سَوَاءٌ وُكِفَ بِمِثْلِهِ أَوْ لَا) ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ؛ لِأَنَّ الْإِكَافَ لِلْحَمْلِ وَالسَّرْجَ لِلرُّكُوبِ، وَكَذَا يَنْبَسِطُ أَحَدُهُمَا عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ مَا لَا يَنْبَسِطُهُ الْآخَرُ فَصَارَ نَظِيرَ اخْتِلَافِ الْحِنْطَةِ وَالْحَدِيدِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَبِالْإِسْرَاجِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْإِيكَافِ، وَالْأَوْلَى حَذْفُ الْبَاءِ الْجَارَّةِ وَعَطْفُهُ بِأَوْ كَمَا فِي الْكَنْزِ لِئَلَّا يُوهِمَ الْعَطْفَ عَلَى نَزْعٍ. قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: أَيْ إنْ نَزَعَ السَّرْجَ وَأَسْرَجَهُ بِسَرْجٍ آخَرَ، فَإِنْ كَانَ هَذَا السَّرْجُ مِمَّا لَا يُسْرَجُ هَذَا الْحِمَارُ بِمِثْلِهِ يَضْمَنُ (قَوْلُهُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ) أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَدْرَ مَا زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا، هَذَا إذَا كَانَ الْحِمَارُ يُوكَفُ بِمِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُوكَفُ أَصْلًا أَوْ لَا يُوكَفُ بِمِثْلِهِ ضَمِنَ كُلَّ الْقِيمَةِ عِنْدَهُمْ كَذَا فِي الْحَقَائِقِ ابْنُ كَمَالٍ، وَنَقَلَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَتَكَلَّمُوا عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِمَا أَنَّهُ يَضْمَنُ بِحِسَابِهِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْمِسَاحَةِ، حَتَّى إذَا كَانَ السَّرْجُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ قَدْرَ شِبْرَيْنِ وَالْإِكَافُ قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَشْبَارٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 40 مَكَانُ الْإِيكَافِ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا زَادَ وَزْنًا فَيَضْمَنُ بِحِسَابِهِ ابْنُ كَمَالٍ (كَمَا) يَضْمَنُ (لَوْ اسْتَأْجَرَهَا بِغَيْرِ لِجَامٍ فَأَلْجَمَهَا بِلِجَامٍ لَا يُلْجِمُ مِثْلُهُ) وَكَذَا لَوْ أَبْدَلَهُ؛ لِأَنَّ الْحِمَارَ لَا يَخْتَلِفُ بِاللِّجَامِ وَغَيْرِهِ غَايَةٌ (أَوْ سَلَكَ طَرِيقًا غَيْرَ مَا عَيَّنَهُ الْمَالِكُ تَفَاوَتَا) بُعْدًا أَوْ وَعْرًا أَوْ خَوْفًا بِحَيْثُ لَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ ابْنُ كَمَالٍ (أَوْ حَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ إذَا قَيَّدَ بِالْبَرِّ مُطْلَقًا) سَلَكَهُ النَّاسُ أَوْ لَا لِخَطَرِ الْبَحْرِ، فَلَوْ لَمْ يُقَيِّدْ بِالْبَرِّ لَا ضَمَانَ (وَإِنْ بَلَغَ) الْمَنْزِلَ (فَلَهُ الْأَجْرُ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. (وَضَمِنَ بِزَرْعِ رَطْبَةٍ وَأُمِرَ بِالْبُرِّ) مَا نَقَصَ مِنْ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَةَ أَضَرُّ مِنْ الْبُرِّ (وَلَا أَجْرَ) ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ إلَّا فِيمَا اسْتَثْنَى كَمَا سَيَجِيءُ، قَيَّدَ بِزَرْعِ الْأَضَرِّ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَقَلِّ ضَرَرًا لَا يَضْمَنُ وَيَجِبُ الْأَجْرُ (وَ) ضَمِنَ (بِخِيَاطَةِ قَبَاءٍ) وَ (أُمِرَ بِقَمِيصٍ قِيمَةَ ثَوْبِهِ، وَلَهُ) أَيْ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ (أَخْذُ الْقَبَاءِ وَدَفْعُ أَجْرِ مِثْلِهِ) لَا يُجَاوِزُ الْمُسَمَّى كَمَا هُوَ حُكْمُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ (وَكَذَا إذَا خَاطَهُ سَرَاوِيلَ) وَقَدْ أُمِرَ بِالْقَبَاءِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ   [رد المحتار] فَيَضْمَنُ بِحِسَابِهِ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِالْوَزْنِ. (قَوْلُهُ مَكَانَ الْإِيكَافِ) أَيْ بَدَلَهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ أَبْدَلَهُ) تَشْبِيهٌ بِحُكْمِ مَفْهُومِ الْمَتْنِ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ، وَالشَّارِحُ تَبِعَ الْبَحْرَ وَالْمِنَحَ. وَاَلَّذِي فِي غَايَةِ الْبَيَانِ هَكَذَا. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ لِجَامٌ فَأَلْجَمَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِثْلُهُ يُلْجَمُ بِذَلِكَ اللِّجَامِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَبْدَلَهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحِمَارَ لَا يَخْتَلِفُ بِاللِّجَامِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَتْلَفُ بِهِ فَلَمْ يَضْمَنْ بِإِلْجَامِهِ اهـ. (قَوْلُهُ غَيْرَ مَا عَيَّنَهُ الْمَالِكُ) أَيْ مَالِكُ الطَّعَامِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَكَذَا مَالِكُ الدَّابَّةِ كَمَا فِي الْغَايَةِ، فَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْ لَا ضَمَانَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِحَيْثُ لَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ) وَأَمَّا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يُسْلَكُ فَظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا بَحْرٌ، وَنَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ التَّفَاوُتِ لَا يَصِحُّ التَّعْيِينُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ. (قَوْلُهُ أَوْ حَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ) أَيْ حَمَلَ الْمَتَاعَ. (قَوْلُهُ وَإِنْ بَلَغَ الْمَنْزِلَ) السَّمَاعُ فِي بَلَّغَ بِالتَّشْدِيدِ: أَيْ وَإِنْ بَلَّغَ الْجَمَّالُ الْمَتَاعَ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الْمَشْرُوطِ، وَيَجُوزُ التَّخْفِيفُ عَلَى إسْنَادِ الْفِعْلِ إلَى الْمَتَاعِ: أَيْ إنْ بَلَغَ الْمَتَاعُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَلَهُ الْأَجْرُ) أَيْ الْمُسَمَّى. (قَوْلُهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ) ؛ لِأَنَّ جِنْسَ الطَّرِيقِ وَاحِدٌ، فَلَا يَظْهَرُ حُكْمُ الْخِلَافِ إلَّا بِظُهُورِ أَثَرِ التَّفَاوُتِ وَهُوَ الْهَلَاكُ، فَإِذَا سَلِمَ بَقِيَ التَّفَاوُتُ صُورَةً لَا مَعْنًى فَوَجَبَ الْمُسَمَّى إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِزَرْعِ رَطْبَةٍ) كَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ ط عَنْ السَّمَرْقَنْدِيِّ. (قَوْلُهُ وَأُمِرَ بِالْبُرِّ) الْوَاوُ لِلْحَالِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَةَ أَضَرُّ مِنْ الْبُرِّ) لِانْتِشَارِ عُرُوقِهَا وَكَثْرَةِ الْحَاجَةِ إلَى سَقْيِهَا فَكَانَ خِلَافًا إلَى شَرٍّ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ النُّقْصَانِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَرْدَفَ غَيْرَهُ أَوْ زَادَ عَلَى الْمَحْمُولِ الْمُسَمَّى حَيْثُ يَضْمَنُ بِحِسَابِهِ لِتَلَفِهَا بِمَأْذُونٍ فِيهِ وَغَيْرِهِ؛ فَيَضْمَنُ بِقَدْرِ مَا تَعَدَّى لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ وَلَا أَجْرَ) أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ لِجَمِيعِ الْمَسَائِلِ الَّتِي قُيِّدَ فِيهَا، وَالتَّقْيِيدُ مُفِيدٌ إذَا خَالَفَ طُورِيٌّ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ) أَيْ لَمَّا خَالَفَ صَارَ غَاصِبًا وَاسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِالْغَصْبِ، وَلَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ بِهِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ إلَّا فِيمَا اسْتَثْنَى) قَالَ فِي الْمِنَحِ قُلْتُ: مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْأَجْرِ وَوُجُوبِ مَا نَقَصَ مِنْ الْأَرْضِ مَذْهَبُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ الْمَشَايِخِ. وَأَمَّا مَذْهَبُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَرْضِ الْوَقْفِ وَالْيَتِيمِ وَالْمُعَدِّ لِلِاسْتِغْلَالِ كَالْخَانِ وَنَحْوِهِ 1 - (قَوْلُهُ وَبِخِيَاطَةِ قَبَاءٍ) الْقَمِيصُ إذَا قُدَّ مِنْ قُبُلٍ كَانَ قَبَاءً طَاقَ فَإِذَا خِيطَ جَانِبَاهُ كَانَ قَمِيصًا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْقُرْطَقِ زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا. وَذَكَرَ، الأتقاني أَنَّ السَّمَاعَ فِي الْقُرْطَقِ فِي الْهِدَايَةِ بِفَتْحِ الطَّاءِ، وَفِي مُقَدَّمَةِ الْأَدَبِ سَمَاعًا عَنْ الثِّقَاتِ بِالضَّمِّ، وَلَهُمَا وَجْهٌ. (قَوْلُهُ وَلَهُ أَخْذُ الْقَبَاءِ) أَيْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْقَمِيصَ مِنْ وَجْهٍ، فَإِنَّ الْأَتْرَاكَ يَسْتَعْمِلُونَهُ اسْتِعْمَالَ الْقَمِيصِ. وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ بَلْ يَتْرُكُ الثَّوْبَ وَيُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ. (قَوْلُهُ وَدَفْعُ أَجْرِ مِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيَّرَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ فَيُغَيِّرُ عَلَيْهِ الْأَجْرَ، كَمَا لَوْ اشْتَرَطَ عَلَى الْحَائِكِ رَقِيقًا فَجَاءَ صَفِيقًا أَوْ بِالْعَكْسِ إتْقَانِيٌّ، وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ الْآتِي مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَأْمُورِ بِهِ. (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ) وَهُوَ التَّخْيِيرُ لِاتِّحَادِ أَصْلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 41 فِي الْأَصَحِّ) فَتَقْيِيدُ الدُّرَرِ بِالْقَبَاءِ اتِّفَاقِيّ (وَ) ضَمِنَ (بِصَبْغِهِ أَصْفَرَ وَقَدْ أُمِرَ بِأَحْمَرَ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ، وَإِنْ شَاءَ) الْمَالِكُ (أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ مَا زَادَ الصِّبْغُ فِيهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ، وَلَوْ صَبَغَ رَدِيئًا إنْ لَمْ يَكُنْ الصِّبْغُ فَاحِشًا لَا يَضْمَنُ) الصَّبَّاغُ (وَإِنْ) كَانَ (فَاحِشًا) عِنْدَ أَهْلِ فَنِّهِ (يَضْمَنُ) قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ خُلَاصَةٌ. [فُرُوعٌ] قَالَ لِلْخَيَّاطِ: اقْطَعْ طُولَهُ وَعَرْضَهُ وَكُمَّهُ كَذَا فَجَاءَ نَاقِصًا، إنْ قَدْرَ أُصْبُعٍ وَنَحْوِهِ عَفْوٌ، وَإِنْ كَثُرَ ضَمِنَهُ. قَالَ: إنْ كَفَانِي قَمِيصًا فَاقْطَعْهُ بِدِرْهَمٍ وَخَطَّهُ فَقَطَعَهُ ثُمَّ قَالَ لَا يَكْفِيَكَ ضَمِنَهُ، وَلَوْ قَالَ أَيَكْفِينِي قَمِيصًا؟ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ اقْطَعْهُ فَقَطَعَهُ ثُمَّ قَالَ لَا يَكْفِيَكَ لَا يَضْمَنُ. نَزَلَ الْجَمَّالُ فِي مَفَازَةٍ وَلَمْ يَرْتَحِلْ حَتَّى فَسَدَ الْمَالُ بِسَرِقَةٍ أَوْ مَطَرٍ ضَمِنَ لَوْ السَّرِقَةُ وَالْمَطَرُ غَالِبًا خُلَاصَةٌ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: اسْتَعَانَ بِرَجُلٍ فِي السُّوقِ لِيَبِيعَ مَتَاعَهُ فَطَلَبَ مِنْهُ أَجْرًا فَالْعِبْرَةُ لِعَادَتِهِمْ، وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ رَجُلًا فِي حَانُوتِهِ لِيَعْمَلَ لَهُ. وَفِي الدُّرَرِ: دَفَعَ غُلَامَهُ أَوْ ابْنَهُ لِحَائِكٍ مُدَّةَ كَذَا لِيُعَلِّمَهُ النَّسْجَ وَشَرَطَ عَلَيْهِ كُلَّ شَهْرٍ كَذَا جَازَ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ فَبَعْدَ التَّعْلِيمِ طَلَبَ كُلٌّ مِنْ الْمُعَلِّمِ وَالْمَوْلَى أَجْرًا مِنْ الْآخَرَ اُعْتُبِرَ عُرْفُ الْبَلْدَةِ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ. وَفِيهَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَوْضِعٍ فَجَاوَزَ بِهَا إلَى آخَرَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْأَوَّلُ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ مُطْلَقًا فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْإِمَامُ كَمَا فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى. وَفِيهِ: خَوَّرَ الْمُكَارِي فَرَجَعَ وَأَعَادَ الْحِمْلَ لِمَحَلِّهِ الْأَوَّلِ لَا أَجْرَ لَهُ،   [رد المحتار] الْمَنْفَعَةِ مِنْ السَّتْرِ وَدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَلِوُجُودِ الْمُوَافَقَةِ فِي نَفْسِ الْخِيَاطَةِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ يَضْمَنُ بِلَا خِيَارٍ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْهَيْئَةِ. (قَوْلُهُ فَتَقْيِيدُ الدُّرَرِ) أَيْ بِقَوْلِهِ وَبِخِيَاطَةِ قَبَاءٍ، وَمِثْلُهُ فِي عَامَّةِ الْمُتُونِ اتِّبَاعًا لِلَفْظِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، لَكِنْ زَادَ بَعْدَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا خَاطَهُ سَرَاوِيلَ، فَأَفَادَ أَنَّ الْقَيْدَ اتِّفَاقِيٌّ 1 - (قَوْلُهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ) أَيْ إنْ كَانَ دَفَعَهُ مَالِكُهُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ لَا يَضْمَنُ) أَيْ وَلَهُ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى فِيمَا يَظْهَرُ ط. قُلْتُ: يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ الْآتِي إنْ قَدْرَ أُصْبُعٍ وَنَحْوِهَا عَفْوٌ، لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ: أَمَرَهُ بِزَعْفَرَانٍ وَيُشْبِعُ الصَّبْغَ وَلَمْ يُشْبِعْ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَوْ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ عِنْدَ أَهْلِ فَنِّهِ) أَيْ صَنْعَتِهِ (قَوْلُهُ كَذَا) رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ عَفْوٌ) أَيْ وَلَهُ الْأَجْرُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ، وَلِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَالْأَوْلَى فَهُوَ عَفْوٌ (قَوْلُهُ ضَمَّنَهُ) ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَحِلُّ بِالْمَقْصُودِ فَيُعَدُّ إتْلَافًا ط. (قَوْلُهُ لَا يَضْمَنُ) ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَهُ بِإِذْنِهِ، وَفِي الْأَوَّلِ أَذِنَ بِقَطْعِهِ بِشَرْطِ الْكِفَايَةِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الْخَيَّاطُ نَعَمْ فَقَالَ الْمَالِكُ فَاقْطَعْهُ أَوْ اقْطَعْهُ إذَنْ ضَمِنَ إذْ عَلَّقَ الْإِذْنَ بِشَرْطٍ فَصُولَيْنِ. وَفِيهِ: دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ فَخَاطَهُ قَمِيصًا فَاسِدًا وَعَلِمَ بِهِ رَبُّهُ وَلَبِسَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ إذْ لَبِسَهُ رِضًا، وَعُلِمَ مِنْهُ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ اهـ 1 - (قَوْلُهُ فَالْعِبْرَةُ لِعَادَتِهِمْ) أَيْ لِعَادَةِ أَهْلِ السُّوقِ، فَإِنْ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِأَجْرٍ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ وَإِلَّا فَلَا. (قَوْلُهُ اُعْتُبِرَ عُرْفُ الْبَلْدَةِ إلَخْ) فَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ يَشْهَدُ لِلْأُسْتَاذِ يُحْكَمُ بِأَجْرِ مِثْلِ تَعْلِيمِ ذَلِكَ الْعَمَلِ، وَإِنْ شُهِدَ لِلْمَوْلَى فَأَجْرُ مِثْلِ الْغُلَامِ عَلَى الْأُسْتَاذِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا فِي الْأَصَحِّ) أَيْ اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا فَقَطْ أَوْ ذَاهِبًا وَجَائِيًا، وَقِيلَ هَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا فَقَطْ لِانْتِهَاءِ الْعَقْدِ بِالْوُصُولِ. (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ) بِخِلَافِ الْمُودِعِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ قَصْدًا فَيَبْقَى الْأَمْرُ بَعْدَ الْعَوْدِ لِلْوِفَاقِ، وَفِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ مَأْمُورٌ بِهِ تَبَعًا لِلِاسْتِعْمَالِ، فَإِذَا انْقَطَعَ الِاسْتِعْمَالُ لَمْ يَبْقَ هُوَ نَائِبًا هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ لَا أَجْرَ لَهُ) لِنَقْضِهِ الْعَمَلَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا أَجْرَ لَهُ بِقَدْرِ مَا سَأَلَ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ اسْتَأْجَرَهُ لِإِيصَالِ قِطٍّ أَوْ زَادَ فَرَاجِعْهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 42 وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْبَرَ عَلَى الْإِعَادَةِ. وَفِيهِ: دَفَعَ إبْرَيْسَمًا إلَى صَبَّاغٍ لِيَصْبُغَهُ بِكَذَا ثُمَّ قَالَ لَا تَصْبُغْهُ وَرُدَّهُ عَلَيَّ فَلَمْ يَرُدَّهُ ثُمَّ هَلَكَ لَا ضَمَانَ. وَفِيهِ: سُئِلَ ظَهِيرُ الدِّينِ عَمَّنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيُعَمِّرَ لَهُ فِي الضَّيْعَةِ فَلَمَّا خَرَجَ نَزَلَ الْمَطَرُ فَامْتَنَعَ بِسَبَبِهِ هَلْ لَهُ الْأَجْرُ؟ قَالَ لَا. اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لَيُحَمِّلَهَا كَذَا فَمَرِضَتْ دُونَهُ هَلْ لِلْمُسْتَكْرِي الرُّجُوعُ بِحِصَّتِهِ؟ قَالَ لَا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ. اسْتَأْجَرَ رَحًى فَمَنَعَهُ الْجِيرَانُ عَنْ الطَّحْنِ لِتَوْهِينِ الْبِنَاءِ وَحَكَمَ الْقَاضِي بِمَنْعِهِ هَلْ تَسْقُطُ حِصَّتُهُ مُدَّةَ الْمَنْعِ؟ قَالَ لَا مَا لَمْ يُمْنَعْ حِسًّا مِنْ الطَّحْنِ. اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا سَنَةً فَغَرِقَ مُدَّةً هَلْ يَجِبُ كُلُّ الْأَجْرِ؟ قَالَ إنَّمَا يَجِبُ بِقَدْرِ مَا كَانَ مُنْتَفِعًا بِهِ. وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: وَيَسْقُطُ فِي وَقْتِ الْعِمَارَةِ مِثْلَ مَا ... لَوْ انْهَدَّ بَعْضُ الدَّارِ فَالْهَدْمُ يُحْزَرُ وَخَالَفَ فِي قَدْرِ الْعِمَارَةِ آمِرٌ ... يُقَدَّمُ فِيهَا قَوْلُهُ لَا الْمُعَمِّرُ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ خَوَّفُوهُ مِنْ اللُّصُوصِ وَلَمْ يَرْجِعْ بَقِيَ لَوْ خَوَّفُوهُ وَلَمْ يَرْجِعْ هَلْ يَضْمَنُ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: اسْتَأْجَرَهَا إلَى مَوْضِعٍ وَأُخْبِرَ بِلُصُوصٍ فِي الطَّرِيقِ فَسَلَكَهُ مَعَ ذَلِكَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ فَأَخَذُوهَا إنْ سَلَكَهُ النَّاسُ مَعَ سَمَاعِ ذَلِكَ الْخَبَرِ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا ضَمِنَ اهـ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْبَرَ عَلَى الْإِعَادَةِ) لِبَقَاءِ الْعَقْدِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْخَيَّاطَ لَوْ فَتَقَ الثَّوْبَ يُجْبَرُ عَلَى الْإِعَادَةِ، وَلَوْ فَتَقَهُ غَيْرُهُ لَا، وَمِثْلُهُ مَا فِي الطُّورِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ: رَدَّ السَّفِينَةَ إنْسَانٌ لَا أَجْرَ لِلْمَلَّاحِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهَا، وَإِنْ رَدَّهَا الْمَلَّاحُ لَزِمَهُ الرَّدُّ 1 - (قَوْلُهُ لَا ضَمَانَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِ الْإِجَارَةِ وَحْدَهُ بِلَا رِضَا صَاحِبِهِ إلَّا بِعُذْرٍ فَبَقِيَ حُكْمُ الْعَقْدِ بَعْدَ النَّهْيِ، وَمِنْ حُكْمِهِ كَوْنُ الْعَيْنِ أَمَانَةً عِنْدَ الْأَجِيرِ فَلَا يَضْمَنُ بِلَا تَقْصِيرٍ، وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ قَالَ لَا) سَيَأْتِي أَنَّ أَجِيرَ الْوَاحِدِ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِلَا عَمَلٍ، لَكِنْ لَوْ لَمْ يَعْمَلْ لِعُذْرٍ كَمَطَرٍ وَغَيْرِهِ لَا يَلْزَمُ الْأَجْرُ سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَحَمَّلَهَا دُونَهُ) فَلَوْ عَجَزَتْ عَنْ الْمُضِيِّ فَتَرَكَهَا وَضَاعَتْ أَفْتَى الْقَاضِي بِعَدَمِ الضَّمَانِ بَزَّازِيَّةٌ. (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُمْنَعْ حِسًّا مِنْ الطَّحْنِ) الْمُرَادُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّوَّارَةِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا ط. (قَوْلُهُ فَغَرِقَ مُدَّةً) أَيْ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعَ مِثْلِهِ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ) أَيْ يَسْقُطُ جَمِيعُ الْأَجْرِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ مُدَّةَ الْعِمَارَةِ إنْ انْهَدَمَ جَمِيعُ الدَّارِ ح (قَوْلُهُ مِثْلَ مَا) بِالنَّصْبِ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ سُقُوطًا مُمَاثِلًا لِسُقُوطِهِ: أَيْ الْأَجْرِ لَوْ انْهَدَمَ بَعْضُ الدَّارِ. (قَوْلُهُ فَالْهَدْمُ يُحْزَرُ) بِتَقْدِيمِ الزَّايِ عَلَى الرَّاءِ: أَيْ يُعْلَمُ قَدْرُ أَجْرِ الْمُنْهَدِمِ بِالْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ وَيَسْقُطُ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ مِنْ الْأَجْرِ شَيْءٌ بِانْهِدَامِ بَيْتٍ مِنْهَا أَوْ حَائِطٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَغَلَ الْمُؤَجِّرُ بَيْتًا مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ فَيَسْقُطُ بِحِسَابِهِ اهـ مُلَخَّصًا وَنَقَلَ نَحْوَهُ السَّائِحَانِيُّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ. وَذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِذَا سَقَطَ حَائِطٌ مِنْ الدَّارِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِالسُّكْنَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ، وَإِنْ ضَرَّ لَهُ الْفَسْخُ، وَإِذَا لَمْ يَفْسَخْ يَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى. (قَوْلُهُ وَخَالَفَ) فِعْلٌ مَاضٍ وَآمِرٌ فَاعِلُهُ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ: أَيْ مُخَالِفٌ الْمُسْتَأْجِرَ. وَصُورَتُهَا: أَمَرَهُ رَبُّ الدَّارِ بِالْبِنَاءِ لِيَحْسُبَهُ مِنْ الْأَجْرِ فَاتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ وَاخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ النَّفَقَةِ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الدَّارِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ. قَالُوا: هَذَا إذَا أَشْكَلَ الْحَالُ بِأَنْ اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ تِلْكَ الصِّنَاعَةِ، أَمَّا إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى قَوْلِ أَحَدِهِمَا وَقَالُوا يَذْهَبُ مِنْ النَّفَقَةِ فِي مِثْلِ الْبِنَاءِ مَا يَقُولُهُ أَحَدُهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِمَا ذَخِيرَةٌ مُلَخَّصًا، وَمِثْلُهُ فِي التتارخانية وَالْبَزَّازِيَّةِ، وَأَفْتَى بِهِ الرَّمْلِيُّ. وَالْحِيلَةُ فِي تَصْدِيقِهِ أَنْ يُعَجِّلَ مِنْ الْأُجْرَةِ قَدْرًا وَيُقْبِضَهُ الْمُؤَجِّرَ ثُمَّ يَأْمُرَهُ بِإِنْفَاقِهِ فَيَكُونَ الْقَوْلُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ كَمَا نَظَمَهُ فِي الْمُحَبَّبَةِ (قَوْلُهُ فِي قَدْرِ الْعِمَارَةِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 43 قُلْتُ: وَمَفَادُهُ رُجُوعُ الْمُسْتَأْجِرِ بِمَا ثَبَتَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ، يَعْنِي إلَّا فِي تَنُّورٍ وَبَالُوعَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ، وَلَوْ خَرِبَتْ الدَّارُ سَقَطَ كُلُّ الْأَجْرِ، وَلَا تَنْفَسِخُ بِهِ مَا لَمْ يَفْسَخْهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِحَضْرَةِ الْمُؤَجِّرِ هُوَ الْأَصَحُّ، وَإِذَا بُنِيَتْ لَا خِيَارَ لَهُ، وَفِي سُكْنَى عَرْصَتِهَا لَا يَجِبُ الْأَجْرُ قَالَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ. قُلْتُ: وَفِي نَفْيِهِ نَظَرٌ، وَلَعَلَّهُ أُرِيدَ الْمُسَمَّى، أَمَّا أُجْرَةُ الْمِثْلِ أَوْ حِصَّةُ الْعَرْصَةِ فَلَا مَانِعَ مِنْ لُزُومِهَا فَتَأَمَّلْهُ، وَسَيَجِيءُ فِي فَسْخِهَا مَا يُفِيدُهُ فَتَنَبَّهْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا وَشَرَطَ حَطَّ أُجْرَةِ شَهْرَيْنِ لِلْعُطْلَةِ، فَإِنْ شَرَطَ حَطَّهُ قَدْرَ الْعُطْلَةِ صَحَّ بَزَّازِيَّةٌ.   [رد المحتار] أَيْ قَدْرِ نَفَقَتِهَا. (قَوْلُهُ قُلْتُ) الْبَحْثُ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ ح. (قَوْلُهُ وَمَفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ إطْلَاقِ النَّظْمِ الْآمِرِ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالرُّجُوعِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَيَّ وَهُوَ الصَّحِيحُ خَانِيَّةٌ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ الْقُنْيَةِ. (قَوْلُهُ إلَّا فِي تَنُّورٍ وَبَالُوعَةٍ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا نَفْعُ الْمُسْتَأْجِرِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ خَرِبَتْ الدَّارُ إلَخْ) تَكْرَارٌ مَعَ صَدْرِ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ مَعَ مَا بَيَّنَّاهُ ح. (قَوْلُهُ بِحَضْرَةِ الْمُؤَجِّرِ) تَبِعَ فِيهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ. وَقَدْ قَالَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى نَاقِلًا عِبَارَةَ الصُّغْرَى مَعَ تَوْضِيحِ أَنَّهُ بِانْهِدَامِ جِدَارٍ أَوْ بَيْتٍ مِنْ دَارِ يَفْسَخُ بِحَضْرَتِهِ إجْمَاعًا وَبِانْهِدَامِ كُلِّهَا لَهُ الْفَسْخُ بِغَيْبَتِهِ، وَلَا تَنْفَسِخُ مَا لَمْ يَفْسَخْ هُوَ الصَّحِيحُ لِصَلَاحِيَّتِهَا لِنَصْبِ الْفُسْطَاطِ، لَكِنْ تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ فَسَخَ أَوْ لَمْ يَفْسَخْ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِمَّا قَصَدَهُ. قُلْتُ: وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ انْهِدَامِ كُلِّهَا وَبَعْضِهَا فَيَرْجِعُ إلَى الْمُخِلِّ وَغَيْرِ الْمُخِلِّ، وَلَا خِيَارَ فِي غَيْرِ الْمُخِلِّ أَصْلًا عَلَى مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ اهـ مُلَخَّصًا: وَقَدْ رَدَّ الشَّارِحُ بِذَلِكَ عَلَى الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ أَطْلَقَ عَدَمَ اشْتِرَاطِ حَضْرَتِهِ وَهُنَا أَطْلَقَ اشْتِرَاطَهَا، فَفِيمَا نَقَلَهُ رَدٌّ عَلَى إطْلَاقِهِ هُنَا أَيْضًا، وَقَدْ صَرَّحَ بِالتَّفْصِيلِ أَيْضًا فِي الْحَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الْقُنْيَةِ: انْهَدَمَ بَعْضُهَا وَالْمُؤَجِّرُ غَائِبٌ أَوْ مُتَمَرِّضٌ لَا يَحْضُرُ مَجْلِسَ الْقَاضِي يُنَصِّبُ عَنْهُ الْقَاضِي وَكِيلًا فَيَفْسَخُهُ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْفَسْخِ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَعَلَى اشْتِرَاطِ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا. (قَوْلُهُ وَإِذَا بُنِيَتْ لَا خِيَارَ لَهُ) لِزَوَالِ سَبَبِهِ قَبْلَ الْفَسْخِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِيمَا لَوْ بَنَاهَا كَمَا كَانَتْ وَإِلَّا فَلَهُ الْفَسْخُ، وَلْيُحَرَّرْ. (قَوْلُهُ قَالَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ) وَوَقَعَ مِثْلُهُ فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ ط. (قَوْلُهُ قُلْتُ) الْبَحْثُ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ ح. (قَوْلُهُ أَمَّا أُجْرَةُ الْمِثْلِ) أَيْ مِثْلِ الْعَرْصَةِ، وَقَوْلُهُ أَوْ حِصَّةُ الْعَرْصَةِ: أَيْ مِنْ الْأَجْرِ الْمُسَمَّى ط. (قَوْلُهُ مَا يُفِيدُهُ) هُوَ قَوْلُهُ: وَفِي التَّبْيِينِ أَوْ انْقَطَعَ مَاءُ الرَّحَا وَالْبَيْتُ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ لِغَيْرِ الطَّحْنِ فَعَلَيْهِ مِنْ الْأُجْرَةِ بِحِصَّتِهِ لِبَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ لَزِمَهُ حِصَّتُهُ اهـ ح. قُلْتُ: سَنَذْكُرُ فِي بَابِ الْفَسْخِ مَا يُفِيدُ تَقْيِيدَهُ بِمَا إذَا كَانَ مَنْفَعَةُ السُّكْنَى مَثَلًا مَعْقُودًا عَلَيْهَا مَعَ مَنْفَعَةِ الطَّحْنِ، وَبِهِ يُشْعِرُ قَوْلُ التَّبْيِينِ لِبَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِشْهَادُ تَأَمَّلْ. وَظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْمُلْتَقَى مِنْ قَوْلِهِ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِمَّا قَصَدَهُ يُفِيدُهُ أَيْضًا وَيُفِيدُ عَدَمَ لُزُومِ أَجْرٍ أَصْلًا، وَلَعَلَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ لِلْعُطْلَةِ) بِالضَّمِّ: اسْمٌ مِنْ تَعَطَّلَ بَقِيَ بِلَا عَمَلٍ قَامُوسٌ وَيَعْنِي أَنَّهَا تَفْسُدُ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُصَرِّحَ بِهِ كَمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 44 أُجْرَةُ السِّجْنِ وَالسَّجَّانِ فِي زَمَانِنَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ خِزَانَةُ الْفَتَاوَى. انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ وَرَبُّ الدَّارِ غَائِبٌ فَسَكَنَ الْمُسْتَأْجِرُ بَعْدَ ذَلِكَ سَنَةً لَا يَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ لِهَذِهِ السَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْكُنْهَا عَلَى وَجْهِ الْإِجَارَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَالْمُسْتَأْجِرُ غَائِبٌ وَالدَّارُ فِي يَدِ امْرَأَتِهِ؛؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ تَسْكُنْهَا بِأُجْرَةٍ. آجَرَ دَارِهِ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا فَلِكُلٍّ الْفَسْخُ عِنْد تَمَامِ الشَّهْرِ، فَلَوْ غَابَ الْمُسْتَأْجِرُ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ وَتَرَكَ زَوْجَتَهُ وَمَتَاعَهُ فِيهَا لَمْ يَكُنْ لِلْآجِرِ الْفَسْخُ مَعَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِخَصْمٍ، وَالْحِيلَةُ إجَارَتُهَا لِآخَرَ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ، فَإِذَا تَمَّ تَنْفَسِخُ الْأُولَى فَتَنْفُذُ الثَّانِيَةُ فَتَخْرُجُ مِنْهَا الْمَرْأَةُ وَتُسَلَّمُ لِلثَّانِي خَانِيَّةٌ اهـ. بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ (الْفَاسِدُ) مِنْ الْعُقُودِ (مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ، وَالْبَاطِلُ مَا لَيْسَ مَشْرُوعًا أَصْلًا) لَا بِأَصْلِهِ وَلَا بِوَصْفِهِ (وَحُكْمُ الْأَوَّلِ) وَهُوَ الْفَاسِدُ (وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ   [رد المحتار] فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَكِنَّهُ يُعْلَمُ مِنْ مُقَابِلِهِ، وَوَجْهُ الْفَسَادِ أَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ أَنْ لَا تَلْزَمَ الْأُجْرَةُ مُدَّةَ الْعُطْلَةِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، فَتَقْيِيدُ حَطِّ الشَّهْرَيْنِ مِمَّا لَمْ يَقْتَضِهِ الْعَقْدُ، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ حَطِّ قَدْرِهَا؛ وَهَذَا نَظِيرُ مَا لَوْ شَرَى زَيْتًا فِي زِقٍّ وَاشْتَرَطَ حَطَّ أَرْطَالٍ لِأَجْلِ الزِّقِّ فَسَدَ، بِخِلَافِ حَطِّ مِقْدَارِ الزِّقِّ 1 - (قَوْلُهُ أُجْرَةُ السِّجْنِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَفْرُوضٌ فِيمَا لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ؛ فَلَوْ مَبْنِيًّا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مُسَبَّلًا فَلَا أَجْرَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فِي زَمَانِنَا) لَعَلَّ وَجْهَهُ عَدَمُ انْتِظَامِ بَيْتِ الْمَالِ، فَلَوْ مُنْتَظِمًا فَالسِّجْنُ وَأُجْرَةُ السَّجَّانِ مِنْهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ لِأَجْلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ كَوْنِ الْمَدِينِ مُمَاطِلًا أَوْ لَا ط. قُلْتُ: وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ أُجْرَةً لِلْمُحْضِرِ لِلْخُصُومِ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَقِيلَ عَلَى الْمُتَمَرِّدِ: وَفِي قَضَاءِ الْخَانِيَّةِ: هُوَ الصَّحِيحُ، لَكِنْ فِي قَضَاءِ الْبَزَّازِيَّةِ: وَقِيلَ عَلَى الْمُدَّعِي وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ (قَوْلُهُ لَا يَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ لِهَذِهِ السَّنَةِ إلَخْ) سَيَأْتِي أَوَاخِرَ بَابِ الْفَسْخِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ حَمَّامًا شَهْرًا فَسَكَنَ شَهْرَيْنِ يَلْزَمُهُ أَجْرُ الشَّهْرِ الثَّانِي إنْ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ وَإِلَّا لَا بِهِ يُفْتَى وَيَأْتِي تَمَامُهُ. (قَوْلُهُ آجَرَ دَارِهِ إلَخْ) سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَتْنًا فِي الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ فَلِكُلٍّ الْفَسْخُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ صَحِيحٌ وَمَا بَعْدَهُ فَاسِدٌ، أَوْ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُنَجَّزٌ وَمَا بَعْدَهُ مُضَافٌ وَفِي لُزُومِهِ خِلَافٌ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي، ثُمَّ إنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا يَكُونُ بِمَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ وَإِلَّا لَا يَصِحُّ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَقِيلَ اتِّفَاقًا كَمَا فِي ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِخَصْمٍ) وَلِاشْتِرَاطِ حُضُورِهِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ فَتَنْفُذُ الثَّانِيَةُ) أَيْ يَظْهَرُ أَثَرُ عَقْدِهَا وَإِلَّا فَالْعَقْدُ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ ط، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ] ِ تَأْخِيرُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ عَنْ صَحِيحِهَا لَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْذِرَةٍ لِوُقُوعِهَا فِي مَحَلِّهَا مِنَحٌ. (قَوْلُهُ مِنْ الْعُقُودِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْعِبَادَاتِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ فَاسِدِهَا وَبَاطِلِهَا (قَوْلُهُ دُونَ وَصْفِهِ) وَهُوَ مَا عَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ الْجَهَالَةِ أَوْ اشْتِرَاطِ شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ حَتَّى لَوْ خَلَا عَنْهُ كَانَ صَحِيحًا ط. (قَوْلُهُ وَالْبَاطِلُ) كَأَنْ اسْتَأْجَرَ بِمَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ أَوْ اسْتَأْجَرَ طِيبًا لِيَشُمَّهُ أَوْ شَاةً لِتَتْبَعَهَا غَنَمُهُ أَوْ فَحْلًا لِيَنْزُوَ أَوْ رَجُلًا لِيَنْحِتَ لَهُ صَنَمًا ط. (قَوْلُهُ وَلَا بِوَصْفِهِ) ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ بَطَلَ الْأَصْلُ تَبِعَهُ الْوَصْفُ (قَوْلُهُ وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ) أَيْ أَجْرِ شَخْصٍ مُمَاثِلٍ لَهُ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ، وَالِاعْتِبَارُ فِيهِ لِزَمَانِ الِاسْتِئْجَارِ وَمَكَانِهِ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَا مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى لَوْ كَانَ غَيْرَهُمَا، وَلَوْ اخْتَلَفَ أَجْرُ الْمِثْلِ بَيْنَ النَّاسِ فَالْوَسَطُ وَالْأَجْرُ يَطِيبُ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ حَرَامًا كَمَا فِي الْمُنْيَةِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَنُقِلَ فِي الْمِنَحِ أَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيَّ قَالَ تَطِيبُ الْأُجْرَةُ فِي الْأُجْرَةِ الْفَاسِدَةِ إذَا كَانَ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَذَكَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ وَأَحَدُهُمَا أَصَحُّ فَرَاجِعْ نُسْخَةً صَحِيحَةً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 45 بِالِاسْتِعْمَالِ) لَوْ الْمُسَمَّى مَعْلُومًا ابْنُ كَمَالٍ (بِخِلَافِ الثَّانِي) وَهُوَ الْبَاطِلُ فَإِنَّهُ لَا أَجْرَ فِيهِ بِالِاسْتِعْمَالِ حَقَائِق (وَلَا تُمْلَكُ الْمَنَافِعُ بِالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ بِالْقَبْضِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ) فَإِنَّ الْمَبِيعَ يُمْلَكُ فِيهِ بِالْقَبْضِ، بِخِلَافِ فَاسِدِ الْإِجَارَةِ، حَتَّى لَوْ قَبَضَهَا الْمُسْتَأْجِرُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا، وَلَوْ آجَرَهَا وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ وَلَا يَكُونُ غَاصِبًا، وَلِلْأَوَّلِ نَقْضُ الثَّانِيَةِ بَحْرٌ مَعْزِيًّا لِلْخُلَاصَةِ وَفِي الْأَشْبَاهِ: الْمُسْتَأْجِرُ فَاسِدًا لَوْ آجَرَ صَحِيحًا جَازَ وَسَيَجِيءُ (تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ بِالشُّرُوطِ الْمُخَالِفَةِ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَكُلُّ مَا أَفْسَدَ الْبَيْعَ) مِمَّا مَرَّ (يُفْسِدُهَا) كَجَهَالَةِ مَأْجُورٍ أَوْ أُجْرَةٍ   [رد المحتار] وَفِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ عَنْ الْمُحِيطِ: مَا أَخَذَتْهُ الزَّانِيَةُ إنْ كَانَ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَحَلَالٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ طَيِّبٌ وَإِنْ كَانَ الْكَسْبُ حَرَامًا وَحَرَامٌ عِنْدَهُمَا وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَقْدٍ فَحَرَامٌ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهَا أَخَذَتْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ اهـ. (قَوْلُهُ بِالِاسْتِعْمَالِ) أَيْ بِحَقِيقَةِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ فَلَا يَجِبُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْهَا كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي إلَّا فِي الْوَقْفِ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْإِسْعَافِ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ كِتَابِ الْإِجَارَةِ. (قَوْلُهُ لَوْ الْمُسَمَّى مَعْلُومًا) هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ زَادَ الْمُصَنِّفُ لَا يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْكَمَالِ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ، فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى أَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ أَجْرِ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ عَلَى مَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا يَجِبُ فِي هَذَيْنِ الصُّورَتَيْنِ أَمَّا لَوْ عُلِمَتْ التَّسْمِيَةُ فَلَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا أَجْرَ فِيهِ بِالِاسْتِعْمَالِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مُعَدًّا لِلِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ الْأَجْرُ فِيهِ إذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ بِتَأْوِيلِ عَقْدٍ أَوْ مِلْكٍ كَمَا سَلَفَ وَهُنَا اسْتَعْمَلَهُ بِتَأْوِيلِ عَقْدٍ بَاطِلٍ وَيُحَرَّرُ ط. وَفِيهِ أَنَّ الْبَاطِلَ لَا حُكْمَ لَهُ أَصْلًا فَوُجُودُهُ كَالْعَدَمِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ تَأَمَّلْ، وَيَنْبَغِي وُجُوبُهُ فِي الْوَقْفِ وَمَالِ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ اشْتِرَاطِ عَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ بِتَأْوِيلٍ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُعَدِّ لِلِاسْتِغْلَالِ كَمَا يَأْتِي فِي الْغَصْبِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: حَيْثُ قَالَ وَالسُّكْنَى بِتَأْوِيلِ مِلْكٍ أَوْ عَقْدٍ فِي الْوَقْفِ لَا يَمْنَعُ لُزُومَ أَجْرِ الْمِثْلِ؛ وَقِيلَ دَارُ الْيَتِيمِ كَالْوَقْفِ. ثُمَّ ذَكَرَ: لَوْ سَكَنَ فِي حَوَانِيتَ مُسْتَغَلَّةٍ وَادَّعَى الْمِلْكَ لَا يَلْزَمُ الْأَجْرُ، وَإِنْ بَرْهَنَ الْمَالِكُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ إذَا سَكَنَ بَعْدَ فَسْخِ الْإِجَارَةِ بِتَأْوِيلٍ، إنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأَجْرَ الَّذِي أَعْطَاهُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ إذَا كَانَتْ مُعَدَّةً لِلِاسْتِغْلَالِ فِي الْمُخْتَارِ، وَكَذَا فِي الْوَقْفِ عَلَى الْمُخْتَارِ اهـ فَتَأَمَّلْ. وَقَدْ صَرَّحُوا أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى دَارًا وَسَكَنَهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا وَقْفٌ أَوْ لِيَتِيمٍ لَزِمَ أَجْرُ الْمِثْلِ صِيَانَةً لِمَا لَهُمَا كَمَا مَرَّ فِي الْوَقْفِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ 1 - (قَوْلُهُ بِخِلَافِ فَاسِدِ الْإِجَارَةِ) ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَنْفَعَةِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ إلَّا أَنَّا أَقَمْنَا قَبْضَ الْعَيْنِ مَقَامَ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ ضَرُورَةَ إتْمَامِهِ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ قَبَضَهَا إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى عَدَمِ الْمِلْكِ فِي الْفَاسِدَةِ. (قَوْلُهُ وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ) أَيْ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ بِهِ مُسْتَعْمِلًا، وَلَا يَكُونُ بِفِعْلِ مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ غَاصِبًا حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ. وَأَمَّا الْمُسْتَأْجِرُ الثَّانِي إذَا سَمَّى بَيْنَهُمَا أَجْرًا هَلْ يَجِبُ الْمُسَمَّى نَظَرًا لِلتَّسْمِيَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ أَجْرُ الْمِثْلِ لِتَرَتُّبِهَا عَلَى فَاسِدٍ يُحَرَّرُ ط. (قَوْلُهُ وَلِلْأَوَّلِ) أَيْ لِلْمُؤَجِّرِ الْأَوَّلِ نَقْضُ الثَّانِيَة أَيْ وَيَأْخُذُ الدَّارَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا ثُمَّ الْمُشْتَرِي آجَرَهُ فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ وَالْبَيْعَ لَا، كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ مِنَحٌ 1 - (قَوْلُهُ جَازَ) وَفِي النِّصَابِ هُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: وَبِهِ أَفْتَى ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ تَتَارْخَانِيَّةُ، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُصَنِّفِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَالْعِمَادِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ مِثْلَهُ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَمَنْ طَالَعَ فِي كُتُبِهِمْ عَلِمَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافَ تَصْحِيحٍ وَإِفْتَاءٍ اهـ. أَقُولُ: لَكِنَّ الْمُعْظَمَ عَلَى الْجَوَازِ كَمَا تَرَى، وَلِذَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ مُقَابِلِهِ بِقِيلَ فِيمَا سَيَأْتِي. وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ يَجُوزُ فِي الصَّحِيحِ. وَقِيلَ لَا اسْتِدْلَالًا بِمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دَارًا لِيَسْكُنَهَا وَيَرُمَّهَا وَلَا أَجْرَ وَآجَرَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ غَيْرِهِ وَانْهَدَمَتْ مِنْ سُكْنَى الثَّانِي ضَمِنَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا. وَأَجَابُوا بِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ إعَارَةٌ لَا إجَارَةٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْمَرَمَّةَ عَلَى سَبِيلِ الْمَشُورَةِ لَا الشَّرْطِ اهـ. (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ مَتْنًا آخِرَ الْمُتَفَرِّقَاتِ (قَوْلُهُ فَكُلُّ) تَفْرِيعٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ الْإِجَارَةُ نَوْعٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 46 أَوْ مُدَّةٍ أَوْ عَمَلٍ، وَكَشَرْطِ طَعَامِ عَبْدٍ وَعَلَفِ دَابَّةٍ وَمَرَمَّةِ الدَّارِ أَوْ مَغَارِمِهَا وَعُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ أَوْ مُؤْنَةِ رَدٍّ أَشْبَاهٌ (وَ) تَفْسُدُ أَيْضًا (بِالشُّيُوعِ) بِأَنْ يُؤَجِّرَ نَصِيبًا مِنْ دَارِهِ أَوْ نَصِيبَهُ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ مِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ أَوْ مِنْ أَحَدِ شَرِيكَيْهِ أَنْفَعُ الْوَسَائِلِ وَعِمَادِيَّةٌ مِنْ الْفَصْلِ الثَّلَاثِينَ. وَاحْتَرَزَ بِالْأَصْلِيِّ عَنْ الطَّارِئِ فَلَا يُفْسِدُ عَلَى الظَّاهِرِ، كَأَنْ آجَرَ الْكُلَّ ثُمَّ فَسَخَ فِي الْبَعْضِ أَوْ آجَرَا لِوَاحِدٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ بِالْعَكْسِ وَهُوَ الْحِيلَةُ فِي إجَارَةِ الْمُشَاعِ، كَمَا لَوْ قَضَى بِجَوَازِهِ (إلَّا إذَا آجَرَ) كُلٌّ نَصِيبَهُ أَوْ بَعْضَهُ (مِنْ شَرِيكِهِ)   [رد المحتار] مِنْ الْبَيْعِ إذْ هِيَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ. (قَوْلُهُ أَوْ مُدَّةٍ) إلَّا فِيمَا اسْتَثْنَى: قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: إجَارَةُ السِّمْسَارِ وَالْمُنَادِي وَالْحَمَّامِيِّ وَالصَّكَّاكِ وَمَا لَا يُقَدَّرُ فِيهِ الْوَقْتُ وَلَا الْعَمَلُ تَجُوزُ لِمَا كَانَ لِلنَّاسِ بِهِ حَاجَةٌ وَيَطِيبُ الْأَجْرُ الْمَأْخُوذُ لَوْ قُدِّرَ أَجْرُ الْمِثْلِ وَذَكَرَ أَصْلًا يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ فَرَاجِعْهُ فِي نَوْعِ الْمُتَفَرِّقَاتِ وَالْأُجْرَةِ عَلَى الْمَعَاصِي. (قَوْلُهُ وَكَشَرْطِ طَعَامِ عَبْدٍ وَعَلَفِ دَابَّةٍ) فِي الظَّهِيرِيَّةِ: اسْتَأْجَرَ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً عَلَى أَنْ يَكُونَ عَلَفُهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: فِي الدَّابَّةِ نَأْخُذُ بِقَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ، أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَالْعَبْدُ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ عَادَةً اهـ. قَالَ الْحَمَوِيُّ: أَيْ فَيَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ. وَاعْتَرَضَهُ ط بِقَوْلِهِ فَرْقٌ بَيْنَ الْأَكْلِ مِنْ مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ بِلَا شَرْطٍ وَمِنْهُ بِشَرْطٍ اهـ. أَقُولُ: الْمَعْرُوفُ كَالْمَشْرُوطِ، وَبِهِ يُشْعِرُ كَلَامُ الْفَقِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّبِيهِ، ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْفَقِيهِ أَنَّهُ لَوْ تُعُورِفَ فِي الدَّابَّةِ ذَلِكَ يَجُوزُ تَأَمَّلْ. وَالْحِيلَةُ أَنْ يَزِيدَ فِي الْأُجْرَةِ قَدْرَ الْعَلَفِ ثُمَّ يُوَكِّلُهُ رَبُّهَا بِصَرْفِهِ إلَيْهَا، وَلَوْ خَافَ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ فِيهِ فَالْحِيلَةُ أَنْ يُعَجِّلَهُ إلَى الْمَالِكِ ثُمَّ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ الْمَالِكُ وَيَأْمُرَهُ بِالِاتِّفَاقِ فَيَصِيرَ أَمِينًا بَزَّازِيَّةٌ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ وَمَرَمَّةُ الدَّارِ أَوْ مَغَارِمُهَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيَّا إلَى الْأَصْلِ: لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى أَنْ يَعْمُرَهَا وَيُعْطِيَ نَوَائِبَهَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ اهـ. فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ مَا يَقَعُ فِي زَمَانِنَا مِنْ إجَارَةِ أَرْضِ الْوَقْفِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ عَلَى أَنَّ الْمَغَارِمَ وَكُلْفَةَ الْكَاشِفِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ عَلَى أَنَّ الْجَرْفَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَاسِدٌ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. أَقُولُ: وَهُوَ الْوَاقِعُ فِي زَمَانِنَا، وَلَكِنْ تَارَةً يَكْتُبُ فِي الْحُجَّةِ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ فَيَقُولُ الْكَاتِبُ: عَلَى أَنَّ مَا يَنُوبُ الْمَأْجُورَ مِنْ النَّوَائِبِ وَنَحْوِهَا كَالدَّكِّ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَتَارَةً يَقُولُ وَتَوَافَقَا عَلَى أَنَّ مَا يَنُوبُ إلَخْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكُلَّ مُفْسِدٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ بَيْنَهُمْ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ، وَالْمَعْرُوفُ كَالْمَشْرُوطِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَوْ خَرَاجٍ) قِيلَ هَذَا خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، أَمَّا خَرَاجُ الْوَظِيفَةِ فَجَائِزٌ، لَكِنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا ح عَنْ الْمِنَحِ، وَجَعَلَا الْفَسَادَ فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ عِنْدَهُ ط. وَوَجْهُ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّ خَرَاجَ الْوَظِيفَةِ قَدْ يَنْقُصُ إذَا لَمْ تُطِقْ الْأَرْضُ ذَلِكَ فَيَلْزَمُ الْجَهَالَةُ أَيْضًا (قَوْلُهُ بِالشُّيُوعِ) أَيْ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا عِنْدَهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى خَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ بِأَنْ يُؤَجِّرَ نَصِيبًا مِنْ دَارِهِ) أَيْ وَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ هُوَ الصَّحِيحُ. وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ حَتَّى لَا يَجِبَ الْأَجْرُ أَصْلًا جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ أَوْ نَصِيبَهُ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ) فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نُورُ الْعَيْنِ عَنْ الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيُفْسِدُهَا فِي رِوَايَةِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. (قَوْلُهُ أَوْ آجَرَا لِوَاحِدٍ إلَخْ) أَيْ تَفْسُدُ فِي حِصَّةِ الْمَيِّتِ وَتَبْقَى فِي حِصَّةِ الْحَيِّ فِي الصُّورَتَيْنِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَفِيهِ: وَلَوْ كُلُّهُ لَهُ فَآجَرَهُ مِنْ اثْنَيْنِ، فَإِنْ أَجْمَلَ وَقَالَ: آجَرْتُ الدَّارَ مِنْكُمَا جَازَ وِفَاقًا، وَلَوْ فَصَّلَ بِقَوْلِهِ نِصْفَهُ مِنْكَ وَنِصْفَهُ مِنْكَ أَوْ نَحْوَهُ كَثُلُثٍ أَوْ رُبْعٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى خِلَافٍ مَرَّ فِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَآجَرَ أَحَدُهُمَا النِّصْفَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ اهـ، وَمَرَّ أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ الْأَظْهَرُ: وَعَنْ هَذَا أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ: فِي رَجُلَيْنِ اسْتَأْجَرَا مَعًا سَوِيَّةً مِنْ زَيْدٍ طَاحُونَةً بِأَنَّ لَفْظَ سَوِيَّةٍ بِمَنْزِلَةِ التَّفْصِيلِ فَتَفْسُدُ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْحِيلَةُ إلَخْ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلطَّارِئِ: أَيْ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ وَهِيَ الصُّورَةُ الْأُولَى لِلْفَسْخِ الْمَفْهُومِ مِنْ فُسِخَ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ حُكِّمَ بِهِ حَاكِمٌ قَالَ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 47 فَيَجُوزُ، وَجَوَازُهُ بِكُلِّ حَالٍ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى زَيْلَعِيٌّ وَبَحْرٌ مَعْزِيًّا لِلْمُغْنِي، لَكِنْ رَدَّهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ بِأَنَّ مَا فِي الْمُغْنِي شَاذٌّ مَجْهُولُ الْقَائِلِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. قُلْتُ: وَفِي الْبَدَائِعِ: لَوْ آجَرَ مَشَاعًا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَقَسَمَهُ وَسَلَّمَ جَازَ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَلَوْ أَبْطَلَهَا الْحَاكِمُ ثُمَّ قَسَمَ وَسَلَّمَ لَمْ يَجُزْ وَيُفْتَى بِجَوَازِهِ لَوْ الْبِنَاءُ لِرَجُلٍ وَالْعَرْصَةُ لِآخَرَ فَصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ يَعْنِي الْوَسَطَ مِنْهُ (وَ) تَفْسُدُ (بِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى) كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ كَتَسْمِيَةِ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَرُمَّهَا الْمُسْتَأْجِرُ لِصَيْرُورَةِ الْمَرَمَّةِ مِنْ الْأُجْرَةِ فَيَصِيرُ الْأَجْرُ مَجْهُولًا (وَ) تَفْسُدُ (بِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ) أَصْلًا أَوْ بِتَسْمِيَةِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ (فَإِنْ فَسَدَتْ بِالْأَخِيرَيْنِ) بِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى وَعَدَمِ التَّسْمِيَةِ (وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ) يَعْنِي الْوَسَطَ مِنْهُ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْمُسَمَّى لَا بِالتَّمْكِينِ بَلْ (بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ) حَقِيقَةً كَمَا مَرَّ (بَالِغًا مَا بَلَغَ) لِعَدَمِ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْمُسَمَّى (وَإِلَّا) تَفْسُدُ بِهِمَا بَلْ بِالشُّرُوطِ أَوْ الشُّيُوعِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْمُسَمَّى   [رد المحتار] وَالْمُحَكَّمُ كَالْقَاضِي إنْ تَعَذَّرَتْ الْمُرَافَعَةُ. (قَوْلُهُ فَيَجُوزُ) أَيْ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَجَوَّزَاهُ بِكُلِّ حَالٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ لَا فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا ح لَكِنْ بِشَرْطِ بَيَانِ نَصِيبِهِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَا يَجُوزُ فِي الصَّحِيحِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ) بَلْ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، وَبِهِ جَزَمَ أَصْحَابُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ، أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ الْيَوْمَ. (قَوْلُهُ وَفِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) تَخْرِيجٌ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ ط (قَوْلُهُ وَسَلِمَ جَازَ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعْدَ الْمَجْلِسِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدُ فَإِنَّهُ اُعْتُبِرَ الْحُكْمُ ط. (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) يَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ إجَارَةٌ بِالتَّعَاطِي إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ بَعْدَ فَسْخِ الْأُولَى رَحْمَتِيٌّ. [مَطْلَبٌ فِي إجَارَةِ الْبِنَاءِ] 1 (قَوْلُهُ وَيُفْتَى بِجَوَازِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى جَوَازِ إجَارَةِ الْبِنَاءِ وَحْدَهُ، وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّهُ كَالْمُشَاعِ. قُلْتُ: لَكِنَّ نَصَّ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَبَنَى فِيهَا بِنَاءً ثُمَّ آجَرَهَا مِنْ صَاحِبِهَا اسْتَوْجَبَ مِنْ الْأَجْرِ حِصَّةَ الْبِنَاءِ، فَلَوْلَا جَوَازُ إجَارَةِ الْبِنَاءِ لَمَا اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ وَقَاسَهُ عَلَى الْفُسْطَاطِ، وَبِهِ أَفْتَى مَشَايِخُنَا، وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ مِلْكًا وَالْعَرْصَةُ وَقْفًا وَآجَرَ الْمُتَوَلِّي بِإِذْنِ مَالِكِ الْبِنَاءِ فَالْأَجْرُ يَنْقَسِمُ عَلَى الْبِنَاءِ وَالْعَرْصَةِ، وَجَازَ إجَارَةُ بِنَائِهِ لِمَالِكِ الْأَرْضِ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لِغَيْرِهِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ وَأَقَرَّهُ الْبَاقَانِيُّ اهـ، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ آخِرَ الْمُتَفَرِّقَاتِ. (قَوْلُهُ يَعْنِي الْوَسَطَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْفَصْلِ الْمَذْكُورِ. وَالْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ أَعْنِي وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْهُ ط. (قَوْلُهُ كَتَسْمِيَةِ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ) مِثَالٌ لِمَجْهُولِ الْكُلِّ وَمَا بَعْدَهُ مِثَالُ مَجْهُولِ الْبَعْضِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ جَهَالَةُ الْكُلِّ، فَصَحَّ قَوْلُهُ بَعْدُ فَيَصِيرُ الْأَجْرُ مَجْهُولًا. (قَوْلُهُ لِصَيْرُورَةِ الْمَرَمَّةِ) أَيْ نَفَقَتِهَا. (قَوْلُهُ وَبِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ) كَآجَرْتُكَ دَارِي شَهْرًا أَوْ سَنَةً وَلَمْ يَقُلْ بِكَذَا مِنَحٌ 1 - (قَوْلُهُ أَوْ بِتَسْمِيَةِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) يُفِيدُ أَنَّ هَذِهِ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ لَا بَاطِلَةٌ ط أَيْ فَيُخَالِفُ مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ يَعْنِي الْوَسَطَ مِنْهُ) أَيْ عِنْدَ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهِ ط. (قَوْلُهُ لَا بِالتَّمْكِينِ) أَيْ تَمْكِينِ الْمَالِكِ لَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالتَّمَكُّنِ: أَيْ تَمَكُّنِ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْهُ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ مَتْنًا فِي قَوْلِهِ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَفِي قَوْلِهِ أَوَّلَ كِتَابِ الْإِجَارَةِ. أَمَّا فِي الْفَاسِدَةِ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الِانْتِفَاعِ، وَقَدَّمْنَا تَقْيِيدَهُ بِمَا إذَا وُجِدَ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْإِجَارَةِ، وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ اسْتِثْنَاءُ الْوَقْفِ وَمَا بَحَثَهُ الشَّارِحُ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ) أَيْ إذَا لَمْ يُبَيِّنْهُ الْمُؤَجِّرُ بَعْدُ، أَمَّا إذَا بَيَّنَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَزْيَدُ مِنْهُ. قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَإِنْ تَكَارَى دَابَّةً إلَى بَغْدَادَ، إنْ بَلَّغَهُ إيَّاهَا فَلَهُ رِضَاهُ فَبَلَّغَهُ فَقَالَ رِضَايَ عِشْرُونَ دِرْهَمًا فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ مَجْهُولٌ، وَلَا يُزَادُ عَلَى عِشْرِينَ؛ لِأَنَّهُ أَبْرَأَهُ عَنْ الزِّيَادَةِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يُنْقِصُ عَنْ الْمُسَمَّى) هَكَذَا يُوجَدُ فِي مَوْضِعَيْنِ: الْأَوَّلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 48 لَمْ يَزِدْ) أَجْرُ الْمِثْلِ (عَلَى الْمُسَمَّى) لِرِضَاهُمَا بِهِ (وَيَنْقُصُ عَنْهُ) لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ. وَاسْتَثْنَى الزَّيْلَعِيُّ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى أَنْ لَا يَسْكُنَهَا فَسَدَتْ، وَيَجِبُ إنْ سَكَنَهَا أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَحَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَلَى مَا إذَا جَهِلَ الْمُسَمَّى لَكِنْ أَرْجَعَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ إلَى جَهَالَةِ الْمُسَمَّى   [رد المحتار] بَعْدَ قَوْلِهِ يَعْنِي الْوَسَطَ مِنْهُ، وَالثَّانِي بَعْدَ قَوْلِهِ لِعَدَمِ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ، وَأَفَادَ الْمُحَشِّي أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ بَلْ لَا مَعْنَى لَهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ: أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ جَهَالَةُ الْمُسَمَّى قِيلَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْمُسَمَّى مَا جَهِلَ بَعْضَهُ كَإِجَارَتِهَا بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ يَرُمَّهَا اهـ. أَقُولُ: لَا يَصِحُّ ذَلِكَ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي جَهَالَتِهِ بَعْضًا أَوْ كُلًّا أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ ثُمَّ قَالَ: فَأَمَّا إذَا فَسَدَ بِحُكْمِ شَرْطٍ فَاسِدٍ وَنَحْوِهِ فَلَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى اهـ، وَكَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ لِعَدَمِ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى الْمُسَمَّى) فَلَوْ كَانَ أَجْرُ الْمِثْلِ اثْنَيْ عَشَرَ وَالْمُسَمَّى عَشَرَةً فَهِيَ لَهُ. (قَوْلُهُ وَيَنْقُصُ عَنْهُ) بِأَنْ كَانَ الْمُسَمَّى خَمْسَةَ عَشَرَ فَلَهُ اثْنَا عَشَرَ. (قَوْلُهُ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ) أَيْ بِفَسَادِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَسَدَ الشَّيْءُ فَسَدَ مَا فِي ضِمْنِهِ 1 - (قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الزَّيْلَعِيُّ إلَخْ) أَيْ مِنْ كَوْنِهِ لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى إذَا فَسَدَتْ بِالشَّرْطِ، وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ فِيهِ صَاحِبَ الْبَحْرِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ اسْتِثْنَاءٌ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ مِنْ فُرُوعِ جَهَالَةِ الْمُسَمَّى فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ فَسَدَتْ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا لِرَبِّ الدَّارِ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْكُنْ فِيهَا لَا تَمْتَلِئُ الْبَالُوعَةُ وَالْمُتَوَضَّاةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ بَالُوعَةٌ أَوْ بِئْرُ وُضُوءٍ لَا تَفْسُدُ بِالشَّرْطِ لِعَدَمِ مَا قُلْنَا بَزَّازِيَّةٌ وَغَيْرُهَا. (قَوْلُهُ وَحَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: وَفِيهِ يَعْنِي فِي اسْتِثْنَاءِ الزَّيْلَعِيِّ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ إنْ لَمْ تَكُنْ مُسَمَّاةً فَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَإِنْ كَانَتْ مُسَمَّاةً يَنْبَغِي أَنْ لَا يُجَاوِزَ بِهِ الْمُسَمَّى كَغَيْرِهَا مِنْ الشُّرُوطِ، وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْأُجْرَةِ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ اخْتِيَارُ الشِّقِّ الْأَوَّلِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ. وَوَجْهُ كَوْنِهِ مِنْ جَهَالَةِ الْمُسَمَّى مَعَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ أَنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ فِيهِ نَفْعٌ لِلْمَالِكِ وَقَدْ جَعَلَهُ بَدَلًا وَهُوَ مَجْهُولٌ فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لَكِنْ أَرْجَعَهُ إلَخْ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ عَيَّنَ مَا فِي الْبَحْرِ فَلَا وَجْهَ لِلِاسْتِدْرَاكِ. قُلْتُ: قَدْ يُجَابُ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الشِّقِّ الثَّانِي، وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ مُسَمَّاةً. وَوَجْهُ إرْجَاعِهِ إلَى جَهَالَةِ الْمُسَمَّى حِينَئِذٍ أَنَّهُ جَعَلَ الْأُجْرَةَ ذَلِكَ الْمُسَمَّى وَعَدَمَ السُّكْنَى فَصَارَ نَظِيرَ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَرُمَّهَا الْمُسْتَأْجِرُ، وَعَلَّلَ الشَّارِحُ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ لِصَيْرُورَةِ الْمَرَمَّةِ مِنْ الْأَجْرِ فَيَصِيرُ الْأَجْرُ مَجْهُولًا. وَحَاصِلَةُ أَنَّهُ بِجَهَالَةِ الْبَعْضِ يَحْصُلُ جَهَالَةُ الْكُلِّ فَلِهَذَا قَالَ أَرْجَعَهُ إلَى جَهَالَةِ الْمُسَمَّى، بِخِلَافِ مَا فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى جَهَالَةِ الْكُلِّ ابْتِدَاءً، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْتُهُ، وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ، فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ مَرْغُوبٍ مِنْ جِهَةِ الْأَجِيرِ كَمَا لَوْ آجَرَ دَارِهِ كُلَّ شَهْرٍ بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ يَعْمُرَهَا وَيُؤَدِّيَ نَوَائِبَهَا فَسَدَتْ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ يَجِبْ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْمُسَمَّى؛ وَكَذَا لَوْ قَالَ آجَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ لَا تَسْكُنَهَا فَسَدَتْ، فَإِنْ سَكَنَ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْمُسَمَّى، وَهَذَا أَيْضًا يَرْجِعُ إلَى جَهَالَةِ الْمُسَمَّى فِي الْحَقِيقَةِ كَذَا قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ اهـ. فَقَدْ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا لَوْ كَانَ مُسَمًّى وَشَبَّهَهَا بِمَسْأَلَةِ الْمَرَمَّةِ، وَقَالَ: وَهَذَا أَيْضًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 49 فَافْهَمْ، وَعَلَى كُلٍّ فَلَا اسْتِثْنَاءَ فَتَنَبَّهْ. قُلْتُ: وَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ فَتَأَمَّلْ (فَإِنْ آجَرَ دَارِهِ) تَفْرِيعٌ عَلَى جَهَالَةِ الْمُسَمَّى (بِعَبْدٍ مَجْهُولٍ فَسَكَنَ مُدَّةً وَلَمْ يَدْفَعْهُ فَعَلَيْهِ لِلْمُدَّةِ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَتُفْسَخُ فِي الْبَاقِي) مِنْ الْمُدَّةِ. (آجَرَ حَانُوتًا كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا صَحَّ فِي وَاحِدٍ فَقَطْ) وَفَسَدَ فِي الْبَاقِي لِجَهَالَتِهَا، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى دَخَلَ كُلٌّ فِيمَا لَا يُعْرَفُ مُنْتَهَاهُ تَعَيَّنَ أَدْنَاهُ، وَإِذَا مَضَى الشَّهْرُ فَلِكُلٍّ فَسْخُهَا بِشَرْطِ حُضُورِ الْآخَرِ لِانْتِهَاءِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ (وَفِي كُلِّ شَهْرٍ سَكَنَ فِي أَوَّلِهِ) هُوَ اللَّيْلَةُ الْأُولَى وَيَوْمُهَا عُرْفًا وَبِهِ يُفْتَى (صَحَّ الْعَقْدُ فِيهِ) أَيْضًا، وَلَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ إخْرَاجُهُ   [رد المحتار] يَرْجِعُ إلَى جَهَالَةِ الْمُسَمَّى: أَيْ كَمَا يَرْجِعُ الْأَوَّلُ وَهَذَا عَيْنُ مَا حَمَلْتُ عَلَيْهِ كَلَامَهُ قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ (قَوْلُهُ فَافْهَمْ) لَعَلَّهُ إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَنِكَاتُ هَذَا الشَّارِحِ الْفَاضِلِ أَدَقُّ مِنْ هَذَا كَمَا يَعْرِفُهُ مَنْ مَارَسَ كَلَامَهُ وَعَلِمَ مَرَامَهُ. (قَوْلُهُ قُلْتُ إلَخْ) هُوَ مَنْقُولٌ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ سَائِحَانِيٌّ. أَقُولُ: بَلْ تَقَدَّمَ مَتْنًا حَيْثُ قَالَ: مُتَوَلِّي أَرْضِ الْوَقْفِ آجَرَهَا بِغَيْرِ أَجْرٍ الْمِثْلِ يَلْزَمُ مُسْتَأْجِرَهَا تَمَامُ أَجْرِ الْمِثْلِ. وَقَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ عَنْ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى: وَكَذَا حُكْمُ وَصِيٍّ وَأَبٍ اهـ. وَمِمَّا اسْتَثْنَى مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا بِعَبْدٍ مُعَيَّنٍ فَسَكَنَ شَهْرًا وَلَمْ يَدْفَعْ الْعَبْدَ حَتَّى أَعْتَقَهُ صَحَّ وَكَانَ عَلَيْهِ لِلشَّهْرِ الْمَاضِي أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَتُنْقَضُ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ لِفَسَادِهَا بِإِعْتَاقِهِ، وَفِيهَا تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: اسْتَأْجَرَهَا عَلَى عَيْنٍ مُسَمَّاةٍ وَسَكَنَ الدَّارَ وَهَلَكَتْ الْعَيْنُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا الْمُسْتَأْجِرُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ فَإِنَّهُ لَا يُزَادُ فِيهِ عَلَى الْمُسَمَّى اهـ فَهَذَا الْمُسَمَّى فِيهِ مَعْلُومٌ مُعَيَّنٌ وَوَجَبَ الْأَجْرُ بَالِغًا مَا بَلَغَ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَدْفَعْهُ) أَمَّا لَوْ عَجَّلَهُ وَقَبِلَهُ الْمُؤَجِّرُ مِنْهُ لَا يُزَادُ بِهِ عَلَيْهِ لِرِضَاهُ وَهَلْ تَنْقَلِبُ صَحِيحَةً يُرَاجَعُ رَحْمَتِيٌّ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى عَدَمِ دَفْعِهِ إذْ هُوَ الْوَاجِبُ لِلْفَسَادِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ هُوَ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ حَانُوتًا) مِثَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْرًا لِيَطْحَنَ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ بِدِرْهَمٍ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ طُورِيٌّ. (قَوْلُهُ وَفَسَدَ فِي الْبَاقِي) مُقَيَّدٌ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ تُعْلَمُ مِمَّا بَعْدَهُ بِأَلَّا يَسْكُنَ فِيمَا بَعْدَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، وَأَنْ لَا يُعَجِّلَ أُجْرَتَهُ، وَأَنْ لَا يُسَمِّيَ جُمْلَةَ الشُّهُورِ، فَإِنْ وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا صَحَّ فِيهِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: فَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ أُجْرَةِ الْأَبَدِ لَا يَصِحُّ إلَّا عَنْ شَهْرٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ لِجَهَالَتِهَا) أَيْ الشُّهُورِ. (قَوْلُهُ مَتَى دَخَلَ كُلٌّ) أَيْ لَفْظُ كُلٍّ (قَوْلُهُ فِيمَا لَا يُعْرَفُ مُنْتَهَاهُ) كَالْأَشْهُرِ وَالْأَيَّامِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَهُ " كُلَّ شَهْرٍ " مِثَالٌ، فَمِثْلُهُ " كُلَّ سَنَةٍ " أَوْ يَوْمٍ أَوْ أُسْبُوعٍ كَمَا أَفَادَهُ الرَّمْلِيُّ. (قَوْلُهُ تَعَيَّنَ أَدْنَاهُ) أَيْ تَعَيَّنَ لِلصِّحَّةِ، إذْ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ دَاخِلٌ تَحْتَ الْعَقْدِ وَلِهَذَا اشْتَرَطَ حُضُورَهُمَا عِنْدَ الْفَسْخِ فَهُوَ فَاسِدٌ لَكِنْ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِالسُّكْنَى هَكَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِهِ. ثُمَّ رَأَيْتُ الطُّورِيَّ قَالَ: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ صَحَّ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ الْفَسَادُ فِي الْبَاقِي: قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِجَارَةَ كُلَّ شَهْرٍ جَائِزَةٌ، وَإِطْلَاقُ مُحَمَّدٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَيَجُوزُ الْعَقْدُ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ خِيَارُ الْفَسْخِ فِي أَوَّلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا مُضَافَةٌ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُ الْمُضَافَةِ اهـ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَالْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَفَسَدَ فِي الْبَاقِي، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالْفَسَادِ عَدَمُ اللُّزُومِ، وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلْإِفْسَادِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ بِشَرْطِ حُضُورِ الْآخَرِ) وَالْحِيلَةُ إذَا غَابَ أَنْ يُؤَجِّرَ مِنْ آخَرَ فَإِذَا انْقَضَى الشَّهْرُ صَحَّ لِلْآخَرِ فِي الثَّانِي وَانْفَسَخَ الْأَوَّلُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيِّ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الصَّرِيحِ سَائِحَانِيٌّ، وَقَدَّمَ الشَّارِحُ ذَلِكَ قُبَيْلَ هَذَا الْبَابِ. (قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتَى) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ سَاعَةٌ مِنْ أَوَّلِهِ، وَعَلَيْهِ مَشَى الْقُدُورِيُّ وَصَاحِبُ الْكَنْزِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَفِيهِ حَرَجٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 50 حَتَّى يَنْقَضِيَ إلَّا بِعُذْرٍ، كَمَا لَوْ عَجَّلَ أُجْرَةَ شَهْرَيْنِ فَأَكْثَرَ لِكَوْنِهِ كَالْمُسَمَّى زَيْلَعِيٌّ (إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الْكُلَّ) أَيْ جُمْلَةَ شُهُورٍ مَعْلُومَةٍ فَيَصِحُّ لِزَوَالِ الْمَانِعِ (وَإِذَا آجَرَهَا سَنَةً بِكَذَا صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ أَجْرَ كُلِّ شَهْرٍ) وَتُقَسَّمُ سَوِيَّةً (وَأَوَّلُ الْمُدَّةِ مَا سَمَّى) إنْ سَمَّى (وَإِلَّا فَوَقْتُ الْعَقْدِ) هُوَ أَوَّلُهَا (فَإِنْ كَانَ) الْعَقْدُ (حِينَ يُهَلُّ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ: أَيْ يُبْصَرُ الْهِلَالُ، وَالْمُرَادُ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الشَّهْرِ شمتي (اعْتَبَرَ الْأَهِلَّةَ وَإِلَّا فَالْأَيَّامَ) كُلُّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ، وَقَالَا يُتِمُّ الْأَوَّلَ بِالْأَيَّامِ وَالْبَاقِيَ بِالْأَهِلَّةِ (اسْتَأْجَرَ عَبْدًا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ وَبِطَعَامِهِ لَمْ يَجُزْ) لِجَهَالَةِ بَعْضِ الْأَجْرِ كَمَا مَرَّ. (وَجَازَ إجَارَةُ الْحَمَّامِ)   [رد المحتار] قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْأَصَحُّ أَنَّ وَقْتَ الْفَسْخِ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ مَعَ لَيْلَتِهِ وَالْيَوْمُ الثَّانِي وَالثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ خِيَارُ الْفَسْخِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَأَوَّلُ الشَّهْرِ هَذَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ وَهَذَا خِلَافُ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ فِيهِ وَفِي قَوْلِ الشَّارِحِ وَبِهِ يُفْتَى. وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَتْ الشُّرُوحُ وَالْفَتَاوَى فَالِاعْتِبَارُ لِمَا فِي الشُّرُوحِ اهـ أَنَّ مَا فِي الشُّرُوحِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا عَلِمْتَ. (قَوْلُهُ حَتَّى يَنْقَضِيَ) أَيْ ذَلِكَ الشَّهْرُ الَّذِي سَكَنَ فِي أَوَّلِهِ عَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ. (قَوْلُهُ إلَّا بِعُذْرٍ) أَيْ مِنْ أَعْذَارِ الْفَسْخِ الْآتِيَةِ. (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ عَجَّلَ) تَنْظِيرٌ فِي الصِّحَّةِ لِمَا فِي الْمَتْنِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فَلَا يَكُونُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ فِي قَدْرِ الْمُعَجَّلِ أُجْرَتُهُ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّقْدِيمِ زَالَتْ الْجَهَالَةُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ فَيَكُونُ كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الْكُلَّ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَفَسَدَ فِي الْبَاقِي: أَيْ كُلَّ مَا قُصِدَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ، وَهَذَا كَمَا إذَا قَالَ: آجَرْتُهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا (قَوْلُهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ) أَيْ الَّذِي كَانَ فِي صُورَةِ عَدَمِ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ (قَوْلُهُ وَتُقْسَمُ سَوِيَّةً) أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي الْفَسْخِ أَثْنَاءَ الْمُدَّةِ. وَفِي التتارخانية: وَلَوْ قَالَ آجَرْتُكَ سَنَةً بِأَلْفٍ كُلَّ شَهْرٍ بِمِائَةٍ فَقِبَلَ فَهُوَ إجَارَةٌ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ كُلُّ شَهْرٍ بِمِائَةٍ وَالْأَخِيرُ يَكُونُ فَسْخًا لِلْأَوَّلِ. قَالَ الْفَقِيهُ: وَهَذَا إذَا كَانَ قَصْدًا، فَلَوْ غَلَطًا فَالْأَجْرُ هُوَ الْأَوَّلُ. (قَوْلُهُ إنْ سَمَّى) بِأَنْ يَقُولَ: مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ دُرَرٌ أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ خِيَارُ شَرْطٍ، فَإِنْ كَانَ فَمِنْ وَقْتِ سُقُوطِهِ سِرِّيُّ الدَّيْنِ عَنْ الْكَافِي ط (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ) أَيْ لَا وَقْتُ إبْصَارِ الْهَلَالِ حَقِيقَةً. (قَوْلُهُ اعْتَبَرَ الْأَهِلَّةَ) حَتَّى لَوْ نَقَصَ الشَّهْرُ يَوْمًا كَانَ عَلَيْهِ كَمَالُ الْأُجْرَةِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَالْأَيَّامَ) أَيْ وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَيَعْتَبِرُ الْأَيَّامَ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ يُكَمَّلُ بِالْأَيَّامِ مِنْ الثَّانِي فَيَصِيرُ أَوَّلَ الثَّانِي بِالْأَيَّامِ فَيُكَمَّلُ بِالثَّالِثِ وَهَكَذَا بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ وَقَالَ: يُتِمُّ الْأَوَّلَ بِالْأَيَّامِ) وَفِي الذَّخِيرَةِ: إنْ عَقَدَ الْإِجَارَةَ عَلَى كُلِّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ وَإِنْ وُجِدَتْ فِي وَسَطِهِ يَعْتَبِرُ كُلَّ شَهْرٍ بِالْأَيَّامِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يَعْتَبِرَانِ الْأَهِلَّةَ إذَا عُلِمَ آخِرُ الْمُدَّةِ لِيُمْكِنَ تَكْمِيلُهُ مِنْهُ اهـ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةٌ كَأَبِي حَنِيفَةَ. قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ: يَعْتَبِرُ الْأَوَّلَ بِالْأَيَّامِ وَيُكَمِّلُ مِنْ الْأَخِيرِ وَيَعْتَبِرُ الْبَاقِيَ بِالْأَهِلَّةِ، فَإِنْ آجَرَ فِي عَاشِرِ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةً فَذُو الْحِجَّةِ إنْ تَمَّ عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَالسَّنَةُ تَتِمُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى عَاشِرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَإِنْ عَلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَالسَّنَةُ تَتِمُّ عَلَى الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. فَإِنْ قُلْتَ: هَلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَتَكَرَّرَ عِيدُ الْأَضْحَى فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ؟ قُلْتُ نَعَمْ، لَكِنْ فِي السَّنَةِ الَّتِي قُدِّرَتْ بِهَا مُدَّةُ الْإِجَارَةِ لَا فِي السَّنَةِ الْمَعْرُوفَةِ، فَالْمَحْذُورُ غَيْرُ لَازِمٍ وَاللَّازِمُ غَيْرُ مَحْذُورٍ اهـ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ قَبْلَ وَرَقَةٍ وَمَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ. (قَوْلُهُ وَجَازَ إجَارَةُ الْحَمَّامِ) قَدَّمْنَا أَنَّ الْإِجَارَةَ اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ: أَيْ جَازَ أَخْذُ الْحَمَّامِيِّ أُجْرَةَ الْحَمَّامِ. وَفِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ الْحَمَّامُ مُؤَنَّثٌ فِي الْأَغْلَبِ وَجَمْعُهُ حَمَّامَاتٌ عَلَى الْقِيَاسِ. وَفِي ذِكْرَى أَوَّلُ مَنْ وَضَعَهُ نَبِيُّ اللَّهِ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 51 «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَخَلَ حَمَّامَ الْجُحْفَةِ» وَلِلْعُرْفِ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» . قُلْتُ: وَالْمَعْرُوفُ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ (وَ) جَازَ (بِنَاؤُهُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) هُوَ الصَّحِيحُ لِلْحَاجَةِ، بَلْ حَاجَتُهُنَّ أَكْثَرُ لِكَثْرَةِ أَسْبَابِ اغْتِسَالِهِنَّ، وَكَرَاهَةُ عُثْمَانَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا فِيهِ كَشْفُ عَوْرَةٍ زَيْلَعِيٌّ. وَفِي إحْكَامَاتِ الْأَشْبَاهِ: وَيُكْرَهُ لَهَا دُخُولُ الْحَمَّامِ فِي قَوْلٍ، وَقِيلَ إلَّا لِمَرِيضَةٍ أَوْ نُفَسَاءَ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنْ لَا كَرَاهَةَ مُطْلَقًا. قُلْتُ: وَفِي زَمَانِنَا لَا شَكَّ فِي الْكَرَاهَةِ لِتَحَقُّقِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَقَدْ مَرَّ فِي النَّفَقَةِ (وَالْحَجَّامِ) «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَتَهُ» وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ كَسْبِهِ مَنْسُوخٌ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي حَدِيثِ دُخُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْحَمَّامَ، وَحَدِيثِ «مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا» (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَخَلَ حَمَّامَ الْجُحْفَةِ) قَالَ مُنْلَا عَلَيَّ الْقَارِيّ: ذَكَرَ الدَّمِيرِيِّ وَالنَّوَوِيُّ أَنَّهُ ضَعِيفٌ جِدًّا، فَقَوْلُ شَيْخِنَا ابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ إنَّهُ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَإِنْ وَقَعَ فِي كَلَامِ الدَّمِيرِيِّ وَغَيْرِهِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ وَلِلْعُرْفِ) ؛ لِأَنَّ النَّاسَ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ يَدْفَعُونَ أُجْرَةَ الْحَمَّامِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مِقْدَارُ مَا يَسْتَعْمِلُ مِنْ الْمَاءِ وَلَا مِقْدَارُ الْقُعُودِ، فَدَلَّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَأْبَاهُ لِوُرُودِهِ عَلَى إتْلَافِ الْعَيْنِ مَعَ الْجَهَالَةِ إتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ) وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «إنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاخْتَارَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاخْتَارَ أَصْحَابَنَا فَجَعَلَهُمْ أَنْصَارَ دِينِهِ وَوُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، فَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ» وَهُوَ مَوْقُوفٌ حَسَنٌ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالطَّيَالِسِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ الْحِلْيَةِ اهـ مِنْ الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ ط (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ كَرِهَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ قَالَ: «قَدِمْتُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَسَأَلَنِي عَنْ مَالِي فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ لِي غِلْمَانًا وَحَمَّامًا لَهُ غَلَّةٌ فَكَرِهَ لِي غَلَّةَ الْحَجَّامِينَ وَغَلَّةَ الْحَمَّامِ وَقَالَ: إنَّهُ بَيْتُ الشَّيَاطِينِ، وَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَّ بَيْتٍ» فَإِنَّهُ تُكْشَفُ فِيهِ الْعَوْرَاتُ وَتُصَبُّ الْغُسَالَاتُ وَالنَّجَاسَاتُ. وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ حَمَّامِ الرِّجَالِ وَحَمَّامِ النِّسَاءِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ لِكَثْرَةِ أَسْبَابِ اغْتِسَالِهِنَّ) أَيْ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْجَنَابَةِ، وَاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْبَارِدِ قَدْ يَضُرُّ وَقَدْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِيعَابِ بِهِ وَإِزَالَةِ الْوَسَخِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إلَّا لِمَرِيضَةٍ أَوْ نُفَسَاءَ) رُوِيَ فِي السُّنَنِ مُسْنَدًا إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّهَا سَتُفْتَحُ لَكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا الْحَمَّامَاتُ فَلَا يَدْخُلُهَا الرِّجَالُ إلَّا بِالْإِزَارِ وَامْنَعُوهَا النِّسَاءَ إلَّا مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ» إتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ قُلْتُ إلَخْ) قَائِلُهُ ابْنُ الْهُمَامِ. أَقُولُ: وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِحَمَّامِ النِّسَاءِ، فَإِنَّ فِي دِيَارِنَا كَشْفَ الْعَوْرَةِ الْخَفِيفَةِ أَوْ الْغَلِيظَةِ مُتَحَقِّقٌ مِنْ فَسَقَةِ الْعَوَامّ الرِّجَالِ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ، وَهُوَ إنْ كَانَ الدَّاخِلُ يَغُضُّ بَصَرَهُ بِحَيْثُ لَا يَرَى عَوْرَةَ أَحَدٍ وَلَا يَكْشِفُ عَوْرَتَهُ لِأَحَدٍ فَلَا كَرَاهَةَ مُطْلَقًا، وَإِلَّا فَالْكَرَاهَةُ فِي دُخُولِ الْفَرِيقَيْنِ حَيْثُ كَانَتْ الْعِلَّةُ مَا ذُكِرَ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - احْتَجَمَ إلَخْ) رَوَى الْبُخَارِيُّ مُسْنِدًا إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «احْتَجَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ» وَلَوْ عَلِمَ كَرَاهِيَةً لَمْ يُعْطِهِ وَفِي رِوَايَةِ السُّنَنِ وَلَوْ عَلِمَهُ خَبِيثًا لَمْ يُعْطِهِ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَحَدِيثُ النَّهْيِ) وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ» إتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ مَنْسُوخٌ) أَيْ بِمَا رُوِيَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 52 (وَالظِّئْرُ) بِكَسْرٍ فَهَمْزٍ: الْمُرْضِعَةُ (بِأَجْرٍ مُعَيَّنٍ) لِتَعَامُلِ النَّاسِ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْحَيَوَانَاتِ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ (وَ) كَذَا (بِطَعَامِهَا وَكُسْوَتِهَا) وَلَهَا الْوَسَطُ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى الظِّئْرِ شَفَقَةً عَلَى الْوَلَدِ (وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا) خِلَافًا لِمَالِكٍ (لَا فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ) ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَلَا يَدْخُلُهُ (إلَّا بِإِذْنِهِ، وَ) الزَّوْجُ (لَهُ فِي نِكَاحٍ ظَاهِرٍ) أَيْ مَعْلُومٍ بِغَيْرِ الْإِقْرَارِ (فَسْخُهَا مُطْلَقًا) شَانَهُ إجَارَتُهَا أَوْ لَا فِي الْأَصَحِّ (وَلَوْ غَيْرَ ظَاهِرٍ) بِأَنْ عَلِمَ بِإِقْرَارِهِمَا (لَا) يَفْسَخُهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمَا لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ (وَلِلْمُسْتَأْجِرِ فَسْخُهَا بِحَبَلِهَا وَمَرَضِهَا وَفُجُورِهَا) فُجُورًا بَيِّنًا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ   [رد المحتار] «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهُ رَجُلٌ إنَّ لِي عِيَالًا وَغُلَامًا حَجَّامًا أَفَأُطْعِمُ عِيَالِي مِنْ كَسْبِهِ؟ قَالَ نَعَمْ» زَيْلَعِيٌّ. وَأَجَابَ الأتقاني يُحْمَلُ حَدِيثُ الْخُبْثِ عَلَى الْكَرَاهَةِ طَبْعًا مِنْ طَرِيقِ الْمُرُوءَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخِسَّةِ وَالدَّنَاءَةِ. قَالَ: عَلَى أَنَّا نَقُولُ رَاوِيهُ رَافِعٍ لَيْسَ كَابْنِ عَبَّاسٍ فِي الضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ وَالْفِقْهِ فَيُعْمَلُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ دُونَهُ اهـ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَإِنْ شَرَطَ الْحَجَّامُ شَيْئًا عَلَى الْحِجَامَةِ كُرِهَ (قَوْلُهُ وَالظِّئْرِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْحَمَّامِ. (قَوْلُهُ بِكَسْرٍ فَهَمْزٍ) أَيْ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا حَمَوِيٌّ. (قَوْلُهُ الْمُرْضِعَةُ) خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. وَفِي الْقَامُوسِ: الظِّئْرُ الْعَاطِفَةُ عَلَى وَلَدِ غَيْرِهَا الْمُرْضِعَةُ لَهُ فِي النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَجَمْعُهُ أَظْؤُرٌ وَأَظْآرٌ وَظُئُورٌ وَظُئُورَةٌ وَظُؤَارٌ وَظُؤَرَةٌ (قَوْلُهُ لِتَعَامُلِ النَّاسِ) عِلَّةٌ لِلْجَوَازِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّهَا تَرِدُ عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ وَهُوَ اللَّبَنُ: وَيُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ إجْمَاعًا حَمَوِيٌّ عَنْ الْمَنْصُورِيَّةِ: وَالْإِطْلَاقُ مُشِيرٌ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمَةِ أَنْ تُؤَجِّرَ نَفْسَهَا لِإِرْضَاعِ وَلَدِ الْكَافِرِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ: بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَّرَتْ نَفْسَهَا لِخِدْمَةِ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: اسْتَأْجَرَ نَصْرَانِيٌّ مُسْلِمًا لِلْخِدْمَةِ لَمْ يَجُزْ، وَلِغَيْرِهَا جَازَ إنْ وَقَّتَ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْحَيَوَانَاتِ) أَيْ بِخِلَافِ اسْتِئْجَارِهَا لِلْإِرْضَاعِ: وَفِي التتارخانية: اسْتَأْجَرَ بَقَرَةً لِيَشْرَبَ اللَّبَنَ أَوْ كَرْمًا أَوْ شَجَرًا لِيَأْكُلَ ثَمَرَهُ أَوْ أَرْضًا لِيَرْعَى غَنَمَهُ الْقَصِيلَ أَوْ شَاةً لِيَجُزَّ صُوفَهَا فَهُوَ فَاسِدٌ كُلُّهُ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الثَّمَرَةِ وَالصُّوفِ وَالْقَصِيلِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْآجِرِ وَقَدْ اسْتَوْفَاهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضَهُ لِيَرْعَى الْكَلَأَ. (قَوْلُهُ وَكَذَا بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا) أَشَارَ إلَى أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَأَنَّهُمَا عَلَيْهَا إنْ لَمْ يَشْتَرِطَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِالْعَقْدِ. (قَوْلُهُ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ مَجْهُولَةٌ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَادَةَ لَمَّا جَرَتْ بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى الظِّئْرِ شَفَقَةً عَلَى الْوَلَدِ لَمْ تَكُنْ الْجَهَالَةُ مُفْضِيَةً إلَى النِّزَاعِ، وَالْجَهَالَةُ لَيْسَتْ بِمَانِعَةٍ لِذَاتِهَا بَلْ لِكَوْنِهَا مُفْضِيَةً إلَى النِّزَاعِ. (قَوْلُهُ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا) أَيْ وَإِنْ رَضِيَ بِالْإِجَارَةِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَنْعُهُ مَخَافَةَ الْحَبَلِ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَوْهُومٌ وَالْمَنْعَ مِنْ الْوَطْءِ ضَرَرٌ مُتَحَقِّقٌ وَلَيْسَ لِلظِّئْرِ أَنْ تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا إتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ شَانَهُ إجَارَتُهَا أَوْ لَا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِجَارَةُ تَشِينُ الزَّوْجَ: أَيْ تَعِيبُهُ بِأَنْ كَانَ وَجِيهًا بَيْنَ النَّاسِ أَوْ لَا، لِمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَأَنْ يَمْنَعَ الصَّبِيَّ الدُّخُولَ عَلَيْهَا وَلِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَالسَّهَرَ بِاللَّيْلِ يُضْعِفُهَا وَيُذْهِبُ جَمَالَهَا فَكَانَ لَهُ الْمَنْعُ كَمَا يَمْنَعُهَا مِنْ الصِّيَامِ تَطَوُّعًا زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ فَسْخُهَا إلَخْ) ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْحُبْلَى وَالْمَرِيضَةِ يَضُرُّ بِالصَّغِيرِ وَهِيَ يَضُرُّهَا أَيْضًا الرَّضَاعُ، فَكَانَ لَهَا وَلَهُمْ الْخِيَارُ وَلَهَا أَيْضًا الْفَسْخُ بِأَذِيَّةِ أَهْلِهِ لَهَا وَكَذَا إذَا لَمْ تَجْرِ لَهَا عَادَةٌ بِإِرْضَاعِ وَلَدِ غَيْرِهَا وَكَذَا إذَا عَيَّرُوهَا بِهِ؛ لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِهِ عَلَى مَا قِيلَ: تَجُوعُ الْحُرَّةُ وَلَا تَأْكُلُ بِثَدْيَيْهَا زَيْلَعِيٌّ، وَهَذَا إذَا أَمْكَنَ مُعَالَجَتُهُ بِالْغِذَاءِ أَوْ بِأَخْذِ لَبَنٍ لِلْغَيْرِ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا بَسَطَهُ فِي التتارخانية. (قَوْلُهُ وَفُجُورِهَا) أَيْ زِنَاهَا؛ لِأَنَّهَا تَشْتَغِلُ بِهِ عَنْ حِفْظِ الصَّبِيِّ. (قَوْلُهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَمَا إذَا أَرَادُوا سَفَرًا وَأَبَتْ الْخُرُوجِ مَعَهُمْ أَوْ كَانَتْ بَذِيَّةَ اللِّسَانِ أَوْ سَارِقَةً أَوْ يَتَقَيَّأُ لَبَنَهَا أَوْ لَا يَأْخُذُ ثَدْيَهَا، وَكَذَا كُلُّ مَا يَضُرُّ بِالصَّبِيِّ لَا مَحَالَةَ نَحْوُ الْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ زَمَانًا كَثِيرًا وَمَا أَشْبَهَهُ فَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهَا عَنْهُ لَا مَا لَا يَضُرُّ، وَأَمَّا مَا كَانَ فِيهِ وَهْمُ الضَّرَرِ فَلَيْسَ لَهُمْ مَنْعُهَا عَنْهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تُرْضِعَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 53 لَا بِكُفْرِهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ بِالصَّبِيِّ، وَلَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ أَوْ الظِّئْرُ انْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ وَلَوْ مَاتَ أَبُوهُ لَا، وَعَلَيْهَا غَسْلُ الصَّبِيِّ وَثِيَابِهِ وَإِصْلَاحُ طَعَامِهِ وَدَهْنُهُ بِفَتْحِ الدَّالِ: أَيْ طَلْيُهُ بِالدُّهْنِ لِلْعُرْفِ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا يَلْزَمُهَا ثَمَنُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ أَنَّ الدُّهْنَ وَالرَّيْحَانَ عَلَيْهَا فَعَادَةُ أَهْلِ الْكُوفَةِ (وَهُوَ) أَيْ ثَمَنُهُ وَأُجْرَةُ عَمَلِهَا (عَلَى أَبِيهِ) إنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ وَإِلَّا فَفِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالنَّفَقَةِ (فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ شَاةٍ أَوْ غَذَّتْهُ بِطَعَامٍ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ لَا أَجْرَ لَهَا) ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْإِرْضَاعُ وَالتَّرْبِيَةُ لَا اللَّبَنُ وَالتَّغْذِيَةُ عِنَايَةٌ (بِخِلَافِ مَا لَوْ دَفَعَتْهُ إلَى خَادِمَتِهَا حَتَّى أَرْضَعَتْهُ) أَوْ اسْتَأْجَرَتْ مَنْ أَرْضَعَتْهُ حَيْثُ تَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ إلَّا إذَا شَرَطَ إرْضَاعَهَا عَلَى الْأَصَحِّ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَلَوْ آجَرَتْ نَفْسَهَا لِذَلِكَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْأَوَّلُونَ فَأَرْضَعَتْهُمَا وَفَرَغَتْ أَثِمَتْ،   [رد المحتار] فِي مَنْزِلِ الْأَبِ مَا لَمْ يَكُنْ عُرِفَ بَيْنَ النَّاسِ أَوْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ عَلَيْهَا تَتَارْخَانِيَّةٌ وَغَيْرُهَا. (قَوْلُهُ لَا بِكُفْرِهَا) ؛ لِأَنَّ كُفْرَهَا فِي اعْتِقَادِهَا زَيْلَعِيٌّ. قَالَ ط: وَيُخَالِفُهُ فِي الْخَانِيَّةِ إذَا ظَهَرَتْ الظِّئْرُ كَافِرَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ زَانِيَةً أَوْ حَمْقَى فَلَهُمْ فَسْخُ الْإِجَارَةِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ أَبُوهُ لَا) أَيْ لَا تُنْتَقَضُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَاقِعَةٌ لِلصَّبِيِّ لَا لِلْأَبِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَا، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ تَجِبُ الْأُجْرَةُ مِنْ مَالِهِ إذْ هِيَ كَالنَّفَقَةِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَثِيَابِهِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الصَّبِيِّ وَأَطْلَقَ فِي غَسْلِ الثِّيَابِ. وَفِي الْكِفَايَةِ: الصَّحِيحُ أَنَّ غَسْلَ ثِيَابِ الصَّبِيِّ مِنْ الْبَوْلِ وَنَحْوِهِ عَلَيْهَا وَمِنْ الْوَسَخِ وَالدَّرَنِ لَا يَكُونُ عَلَيْهَا حَمَوِيٌّ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. (قَوْلُهُ وَإِصْلَاحِ طَعَامِهِ) يُرِيدُ بِهِ أَنْ تَصْنَعَ لَهُ الطَّعَامَ وَلَا تَأْكُلَ شَيْئًا يُفْسِدُ لَبَنَهَا وَيَضُرُّ بِهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ. (قَوْلُهُ فَعَادَةُ أَهْلِ الْكُوفَةِ) وَقَدْ قَالُوا فِي تَوَابِعِ الْعُقُودِ الَّتِي لَا ذِكْرَ لَهَا فِيهَا: إنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى عَادَةِ كُلِّ بَلَدٍ كَالسِّلْكِ عَلَى الْخَيَّاطِ، وَالدَّقِيقِ الَّذِي يُصْلِحُ الْحَائِكُ بِهِ الثَّوْبَ عَلَى رَبِّ الثَّوْبِ، وَإِدْخَالِ الْحِنْطَةِ الْمَنْزِلَ عَلَى الْمُكَارِي، بِخِلَافِ الصُّعُودِ بِهَا إلَى الْغُرْفَةِ أَوْ السَّطْحِ، وَالْإِكَافِ عَلَى رَبِّ الدَّابَّةِ، وَالْحِبَالِ وَالْجُوَالِقِ عَلَى مَا تَعَارَفُوهُ بَدَائِعُ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ عَلَى أَبِيهِ) قَالَ فِي التتارخانية وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حِينَ اسْتَأْجَرَهَا الْأَبُ ثُمَّ أَصَابَ الصَّغِيرُ مَالًا، قَالَ سُئِلَ وَالِدِي عَنْهَا، فَقَالَ: قِيلَ: أَجْرُ مَا مَضَى عَلَى الْأَبِ وَمَا بَقِيَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ اهـ. وَفِيهَا إرْضَاعُ الْيَتِيمِ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، فَإِنْ كَانَ لَا وَارِثَ لَهُ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ شَاةٍ) أَيْ بِأَنْ أَقَرَّتْ بِهِ أَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِهِ، وَإِنْ جَحَدَتْ فَالْقَوْلُ لَهَا مَعَ يَمِينِهَا اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهَا مَا أَرْضَعَتْ بِلَبَنِ نَفْسِهَا لَمْ يُقْبَلْ لِقِيَامِهَا عَلَى النَّفْيِ مَقْصُودًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِدُخُولِهِ فِي ضِمْنِ الْإِثْبَاتِ وَإِنْ أَقَامَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الظِّئْرِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ إلَخْ) أَيْ فَلَمْ تَأْتِ بِالْعَمَلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا وَهُوَ الْإِرْضَاعُ وَهَذَا إيجَارٌ وَلَيْسَ بِإِرْضَاعٍ. وَفِي الْمُحِيطِ: اسْتَأْجَرَ شَاةً لِتُرْضِعَ جَدْيًا أَوْ صَبِيًّا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ لِلَبَنِ الْبَهَائِمِ قِيمَةً فَوَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَلَا يَجُوزُ، وَلَيْسَ لِلَبَنِ الْمَرْأَةِ قِيمَةٌ فَلَا تَقَعُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا تَقَعُ عَلَى فِعْلِ الْإِرْضَاعِ وَالتَّرْبِيَةِ وَالْحَضَانَةِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ هُوَ الْإِرْضَاعُ) وَهُوَ مَا يَقَعُ بِلَبَنِ الْآدَمِيَّةِ وَمَا وَرَاءَهُ يَكُونُ إطْعَامًا إتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ لَا اللَّبَنُ) أَيْ مُطْلَقًا ط. (قَوْلُهُ حَيْثُ تَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ) أَيْ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ تَارَةً يَعْمَلُ بِنَفْسِهِ وَتَارَةً بِغَيْرِهِ وَلِأَنَّهَا لَمَّا عَمِلَتْ بِأَمْرِ الْأَوْلَى صَارَ كَأَنَّهَا عَمِلَتْ بِنَفْسِهَا بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ) وَنَصُّهَا: اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ اهـ وَمِثْلُهُ فِي التتارخانية 1 - (قَوْلُهُ لِذَلِكَ) أَيْ لِلْإِرْضَاعِ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْأَوَّلُونَ) أَيْ حَتَّى يَفْسَخُوا هَذِهِ الْإِجَارَةَ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَمُفَادُهُ أَنَّ لَهُمْ فَسْخَ الثَّانِيَةِ. (قَوْلُهُ أَثِمَتْ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عَلَيْهَا كَمَالَ الرَّضَاعِ، فَلَمَّا أَرْضَعَتْ صَبِيَّيْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 54 وَلَهَا الْأَجْرُ كَامِلًا عَلَى الْفَرِيقَيْنِ لِشَبَهِهَا بِالْأَجِيرِ الْخَاصِّ وَالْمُشْتَرَكِ، وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ (لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ لِعَسْبِ التَّيْسِ) وَهُوَ نَزْوُهُ عَلَى الْإِنَاثِ (وَ) لَا (لِأَجْلِ الْمَعَاصِي مِثْلُ الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ وَالْمَلَاهِي) وَلَوْ أُخِذَ بِلَا شَرْطٍ يُبَاحُ (وَ) لَا لِأَجْلِ الطَّاعَاتِ مِثْلُ (الْأَذَانِ وَالْحَجِّ وَالْإِمَامَةِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ) وَيُفْتَى الْيَوْمُ بِصِحَّتِهَا لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ وَالْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ.   [رد المحتار] فَقَدْ أَضَرَّتْ بِأَحَدِهِمَا لِنُقْصَانِ اللَّبَنِ. (قَوْلُهُ وَلَهَا الْأَجْرُ كَامِلًا عَلَى الْفَرِيقَيْنِ) وَيَطِيبُ لَهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ الْأَجْرِ الْأَوَّلِ إنْ أَرْضَعَتْ وَلَدَهُمْ فِي الْمُدَّةِ الْمَشْرُوطَةِ وَيُطْرَحُ مِنْ الْأَجْرِ بِقَدْرِ مَا تَخَلَّفَتْ تَتَارْخَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ لِشِبْهِهَا بِالْأَجِيرِ الْخَاصِّ وَالْمُشْتَرَكِ) جَوَابُ إشْكَالٍ، وَهُوَ أَنَّ أَجِيرَ الْوَاحِدِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ مِنْ آخَرَ، فَإِنْ آجَرَ لَا يَسْتَحِقُّ تَمَامَ الْأَجْرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ وَيَأْثَمُ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَهَذَا لَا يُشْكِلُ إذَا قَالَ أَبُو الصَّغِيرِ: اسْتَأْجَرْتُكِ لِتُرْضِعِي وَلَدِي هَذَا سَنَةً بِكَذَا؛ لِأَنَّهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَجِيرَةٌ مُشْتَرَكَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْعَقْدَ أَوَّلًا عَلَى الْعَمَلِ وَإِنَّمَا يُشْكِلُ إذَا قَالَ: اسْتَأْجَرْتُكِ سَنَةً لِتُرْضِعِي إلَخْ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْعَقْدَ عَلَى الْمُدَّةِ أَوَّلًا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ وَالْوَجْهُ أَنَّ الْأَجِيرَ الْوَاحِدَ فِي الرَّضَاعِ يُشْبِهُ الْمُشْتَرَكَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُمْكِنُهُ إيفَاءُ الْعَمَلِ بِتَمَامِهِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْخَيَّاطِ، وَإِنْ كَانَ أَجِيرَ وَاحِدٍ فَتَأْثَمُ لِشِبْهِهَا بِأَجِيرِ الْوَاحِدِ وَلَهَا الْأَجْرُ كَامِلًا لِشِبْهِهَا بِالْمُشْتَرَكِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ لِعَسْبِ التَّيْسِ) ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِحْبَالُ. مَطْلَبٌ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْمَعَاصِي (قَوْلُهُ مِثْلُ الْغِنَاءِ) بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ الصَّوْتُ، وَأَمَّا الْمَقْصُورُ فَهُوَ الْيَسَارُ صِحَاحٌ (قَوْلُهُ وَالنَّوْحِ) الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ وَتَعْدِيدُ مَحَاسِنِهِ (قَوْلُهُ وَالْمَلَاهِي) كَالْمَزَامِيرِ وَالطَّبْلِ، وَإِذَا كَانَ الطَّبْلُ لِغَيْرِ اللَّهْوِ فَلَا بَأْسِ بِهِ كَطَبْلِ الْغُزَاةِ وَالْعُرْسِ لِمَا فِي الْأَجْنَاسِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ لَيْلَةَ الْعُرْسِ دُفٌّ يُضْرَبُ بِهِ لِيُعْلِنَ بِهِ النِّكَاحَ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَإِنْ كَانَ لِلْغَزْوِ أَوْ الْقَافِلَةِ يَجُوزُ إتْقَانِيٌّ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ يُبَاحُ) كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي الْمُنْتَقَى: امْرَأَةٌ نَائِحَةٍ أَوْ صَاحِبَةُ طَبْلٍ أَوْ زَمْرٍ اكْتَسَبَتْ مَالًا رَدَّتْهُ عَلَى أَرْبَابِهِ إنْ عُلِمُوا وَإِلَّا تَتَصَدَّقُ بِهِ، وَإِنْ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَهُوَ لَهَا: قَالَ الْإِمَامُ الْأُسْتَاذُ لَا يَطِيبُ، وَالْمَعْرُوفُ كَالْمَشْرُوطِ اهـ. قُلْتُ: وَهَذَا مِمَّا يَتَعَيَّنُ الْأَخْذُ بِهِ فِي زَمَانِنَا لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَذْهَبُونَ إلَّا بِأَجْرٍ أَلْبَتَّةَ ط. [مَطْلَبٌ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الطَّاعَاتِ] 1 ِ (قَوْلُهُ وَلَا لِأَجْلِ الطَّاعَاتِ) الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ طَاعَةٍ يَخْتَصُّ بِهَا الْمُسْلِمُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ» وَفِي آخِرِ مَا عَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «وَإِنْ اُتُّخِذْتَ مُؤَذِّنًا فَلَا تَأْخُذْ عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا» وَلِأَنَّ الْقُرْبَةَ مَتَى حَصَلَتْ وَقَعَتْ عَلَى الْعَامِلِ وَلِهَذَا تَتَعَيَّنُ أَهْلِيَّتُهُ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ هِدَايَةٌ. مَطْلَبٌ تَحْرِيرٌ مُهِمٌّ فِي عَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التِّلَاوَةِ وَالتَّهْلِيلِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَيُفْتَى الْيَوْمَ بِصِحَّتِهَا لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - اسْتَحْسَنُوا الِاسْتِئْجَارَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ الْيَوْمَ لِظُهُورِ التَّوَانِي فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ، فَفِي الِامْتِنَاعِ تَضْيِيعُ حِفْظِ الْقُرْآنِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ، وَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَيْضًا فِي مَتْنِ الْكَنْزِ وَمَتْنِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَزَادَ فِي مُخْتَصَرِ الْوُقَايَةِ وَمَتْنِ الْإِصْلَاحِ تَعْلِيمَ الْفِقْهِ، وَزَادَ فِي مَتْنِ الْمَجْمَعِ الْإِمَامَةَ، وَمِثْلُهُ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى وَدُرَرِ الْبِحَارِ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ وَالْوَعْظَ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مُعْظَمَهَا، وَلَكِنَّ الَّذِي فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 55 وَيُجْبَرُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى دَفْعِ مَا قَبِلَ) فَيَجِبُ الْمُسَمَّى بِعَقْدٍ وَأَجْرُ الْمِثْلِ إذَا لَمْ تُذْكَرْ مُدَّةٌ شَرْحٌ وَهْبَانِيَّةٌ مِنْ الشَّرِكَةِ (وَيُحْبَسُ بِهِ) بِهِ يُفْتَى (وَيُجْبَرُ عَلَى) دَفْعِ (الْحَلْوَةِ الْمَرْسُومَةِ) هِيَ مَا يُهْدَى لِلْمُعَلِّمِ عَلَى رُءُوسِ بَعْضِ سُوَرِ الْقُرْآنِ، سُمِّيَتْ بِهَا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ إهْدَاءُ الْحَلَاوَى. [مَطْلَبٌ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْمَعَاصِي] (وَلَوْ) (دَفَعَ غَزْلًا لِآخَرَ لِيَنْسِجَهُ لَهُ بِنِصْفِهِ) أَيْ بِنِصْفِ الْغَزْلِ (أَوْ اسْتَأْجَرَ بَغْلًا لِيَحْمِلَ طَعَامَهُ بِبَعْضِهِ أَوْ ثَوْرًا لِيَطْحَنَ بُرَّهُ   [رد المحتار] الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ، فَهَذَا مَجْمُوعُ مَا أَفْتَى بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا وَهُمْ الْبَلْخِيُّونَ عَلَى خِلَافٍ فِي بَعْضِهِ مُخَالِفِينَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَصَاحِبَاهُ، وَقَدْ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ جَمِيعًا فِي الشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى عَلَى التَّعْلِيلِ بِالضَّرُورَةِ وَهِيَ خَشْيَةُ ضَيَاعِ الْقُرْآنِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَدْ نَقَلْتُ لَكَ مَا فِي مَشَاهِيرِ مُتُونِ الْمَذْهَبِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْفَتْوَى فَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْلِ مَا فِي الشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى، وَقَدْ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ جَمِيعًا عَلَى التَّصْرِيحِ بِأَصْلِ الْمَذْهَبِ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ، ثُمَّ اسْتَثْنَوْا بَعْدَهُ مَا عَلِمْتَهُ، فَهَذَا دَلِيلٌ قَاطِعٌ وَبُرْهَانٌ سَاطِعٌ عَلَى أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ لَيْسَ هُوَ جَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى كُلِّ طَاعَةٍ بَلْ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ فَقَطْ مِمَّا فِيهِ ضَرُورَةٌ ظَاهِرَةٌ تُبِيحُ الْخُرُوجَ عَنْ أَصْلِ الْمَذْهَبِ مِنْ طُرُوُّ الْمَنْعِ، فَإِنَّ مَفَاهِيمَ الْكُتُبِ حُجَّةٌ وَلَوْ مَفْهُومَ لَقَبٍ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْأُصُولِيُّونَ بَلْ هُوَ مَنْطُوقٌ، فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ أَدَوَاتِ الْعُمُومِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَيْضًا. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْحَجَّ عَنْ الْغَيْرِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ لَا الِاسْتِئْجَارِ، وَلِهَذَا لَوْ فَضَلَ مَعَ النَّائِبِ شَيْءٌ مِنْ النَّفَقَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ لِلْأَصِيلِ أَوْ وَرَثَتِهِ، وَلَوْ كَانَ أُجْرَةً لَمَا وَجَبَ رَدُّهُ، فَظَهَرَ لَكَ بِهَذَا عَدَمُ صِحَّةِ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مُدَّةً مَعْلُومَةً. قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيهِ كَمَا عَلِمْتَ لَا فِي الْقِرَاءَةِ الْمُجَرَّدَةِ فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ سَبْقَ قَلَمٍ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ كَانَ عَنْ عَمْدٍ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ قَاطِبَةً فَلَا يُقْبَلُ. وَقَدْ أَطْنَبَ فِي رَدِّهِ صَاحِبُ تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ مُسْتَنِدًا إلَى النُّقُولِ الصَّرِيحَةِ، فَمِنْ جُمْلَةِ كَلَامِهِ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: إنَّ الْقُرْآنَ بِالْأُجْرَةِ لَا يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ لَا لِلْمَيِّتِ وَلَا لِلْقَارِئِ. وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَيُمْنَعُ الْقَارِئُ لِلدُّنْيَا، وَالْآخِذُ وَالْمُعْطِي آثِمَانِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا شَاعَ فِي زَمَانِنَا مِنْ قِرَاءَةِ الْأَجْزَاءِ بِالْأُجْرَةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْأَمْرَ بِالْقِرَاءَةِ وَإِعْطَاءَ الثَّوَابِ لِلْآمِرِ وَالْقِرَاءَةَ لِأَجْلِ الْمَالِ؛ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَارِئِ ثَوَابٌ لِعَدَمِ النِّيَّةِ الصَّحِيحَةِ فَأَيْنَ يَصِلُ الثَّوَابُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَوْلَا الْأُجْرَةُ مَا قَرَأَ أَحَدٌ لِأَحَدٍ فِي هَذَا الزَّمَانِ بَلْ جَعَلُوا الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ مَكْسَبًا وَوَسِيلَةً إلَى جَمْعِ الدُّنْيَا - إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ - اهـ. وَقَدْ اغْتَرَّ بِمَا فِي الْجَوْهَرَةِ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا حَيْثُ يُشْعِرُ كَلَامُهَا بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى كُلِّ الطَّاعَاتِ وَمِنْهَا الْقِرَاءَةُ. وَقَدْ رَدَّهُ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ حَيْثُ قَالَ: أَقُولُ الْمُفْتَى بِهِ جَوَازُ الْأَخْذِ اسْتِحْسَانًا عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ لَا عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمُجَرَّدَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التتارخانية حَيْثُ قَالَ: لَا مَعْنَى لِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ وَلِصِلَةِ الْقَارِئِ بِقِرَاءَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ وَالْإِجَارَةُ فِي ذَلِكَ بَاطِلَةٌ وَهِيَ بِدْعَةٌ وَلَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَسْأَلَةَ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ عَلَى اسْتِحْسَانٍ اهـ يَعْنِي الضَّرُورَةَ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ. وَفِي الزَّيْلَعِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ: لَوْ لَمْ يُفْتَحْ لَهُمْ بَابُ التَّعْلِيمِ بِالْأَجْرِ لَذَهَبَ الْقُرْآنُ فَأَفْتَوْا بِجَوَازِهِ وَرَأَوْهُ حَسَنًا فَتَنَبَّهْ اهـ كَلَامُ الرَّمْلِيِّ. وَمَا فِي التتارخانية فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ: لَوْ أَوْصَى لِقَارِئٍ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ بِكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ دُونَ الْأَجْرِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِبُطْلَانِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ صَاحِبُ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْمُحِيطِ وَالْبَزَّازِيَّةِ، وَفِيهِ رَدٌّ أَيْضًا عَلَى صَاحِبِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 56 بِبَعْضِ دَقِيقِهِ) فَسَدَتْ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِجُزْءٍ مِنْ عَمَلِهِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي بَيْعِ الْوَفَاءِ. وَالْحِيلَةُ أَنْ يَفْرِزَ الْأَجْرَ أَوَّلًا أَوْ يُسَمِّيَ قَفِيزًا بِلَا تَعْيِينٍ ثُمَّ يُعْطِيَهُ قَفِيزًا مِنْهُ فَيَجُوزُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ لَهُ   [رد المحتار] الْبَحْرِ حَيْثُ عَلَّلَ الْبُطْلَانَ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِكَرَاهَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَبْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لِمَا فِيهِ مِنْ شِبْهِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْقِرَاءَةِ كَمَا عَلِمْتَ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ زَارَ قَبْرَ صَدِيقٍ أَوْ قَرِيبٍ لَهُ وَقَرَأَ عِنْدَهُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَسَنٌ، أَمَّا الْوَصِيَّةُ بِذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لَهَا وَلَا مَعْنَى أَيْضًا لِصِلَةِ الْقَارِئِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ اسْتِئْجَارَهُ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ اهـ إذْ لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مَا قَالَهُ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ هُنَا فَهُوَ حَسَنٌ، وَمِمَّنْ أَفْتَى بِبُطْلَانِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي وَصَايَا فَتَاوَاهُ فَرَاجِعْهَا. وَنَقَلَ الْعَلَّامَةُ الْخَلْوَتِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُنْتَهَى الْحَنْبَلِيُّ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ تَقِيِّ الدِّينِ مَا نَصُّهُ: وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَإِهْدَائِهَا إلَى الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّ الْقَارِئَ إذَا قَرَأَ لِأَجْلِ الْمَالِ فَلَا ثَوَابَ لَهُ فَأَيُّ شَيْءٍ يُهْدِيهِ إلَى الْمَيِّتِ، وَإِنَّمَا يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ الْعَمَلُ الصَّالِحِ، وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَى مُجَرَّدِ التِّلَاوَةِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التَّعْلِيمِ اهـ بِحُرُوفِهِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَيْضًا الْإِمَامُ الْبِرْكَوِيُّ قَدَّسَ سِرَّهُ فِي آخِرِ الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فَقَالَ: الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي أُمُورٍ مُبْتَدَعَةٍ بَاطِلَةٍ أَكَبَّ النَّاسُ عَلَيْهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا قُرَبٌ مَقْصُودَةٌ إلَى أَنْ قَالَ: وَمِنْهَا الْوَصِيَّةُ مِنْ الْمَيِّتِ بِاِتِّخَاذِ الطَّعَامِ وَالضِّيَافَةِ يَوْمَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَبِإِعْطَاءِ دَرَاهِمَ لِمَنْ يَتْلُو الْقُرْآنَ لِرُوحِهِ أَوْ يُسَبِّحُ أَوْ يُهَلِّلُ لَهُ وَكُلُّهَا بِدَعٌ مُنْكَرَاتٌ بَاطِلَةٌ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْهَا حَرَامٌ لِلْآخِذِ، وَهُوَ عَاصٍ بِالتِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ لِأَجْلِ الدُّنْيَا اهـ مُلَخَّصًا. وَذَكَرَ أَنَّ لَهُ فِيهَا أَرْبَعَ رَسَائِلَ. فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ ظَهَرَ لَكَ حَقِيقَةُ مَا قُلْنَاهُ وَأَنَّ خِلَافَهُ خَارِجٌ عَنْ الْمَذْهَبِ وَعَمَّا أَفْتَى بِهِ الْبَلْخِيُّونَ وَمَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ أَئِمَّتُنَا مُتُونًا وَشُرُوحًا وَفَتَاوَى، وَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ إلَّا غَمْرٌ مُكَابِرٌ أَوْ جَاهِلٌ لَا يَفْهَمُ كَلَامَ الْأَكَابِرِ، وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَلَى الْجَوَازِ بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي اللَّدِيغِ فَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ الْمَانِعِينَ الِاسْتِئْجَارَ مُطْلَقًا جَوَّزُوا الرُّقْيَةَ بِالْأُجْرَةِ وَلَوْ بِالْقُرْآنِ كَمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عِبَادَةً مَحْضَةً بَلْ مِنْ التَّدَاوِي. وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْهَوَامِشِ وَعَزَى إلَى الْحَاوِي الزَّاهِدِي مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْخَتْمِ بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَخَارِجٌ عَمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَذْهَبِ قَاطِبَةً. وَحِينَئِذٍ فَقَدْ ظَهَرَ لَكَ بُطْلَانُ مَا أَكَبَّ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعَصْرِ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِالْخَتَمَاتِ وَالتَّهَالِيلِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا يَحْصُلُ فِيهَا مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الَّتِي لَا يُنْكِرُهَا إلَّا مَنْ طُمِسَتْ بَصِيرَتُهُ، وَقَدْ جَمَعْتُ فِيهَا رِسَالَةً سَمَّيْتُهَا شِفَاءُ الْعَلِيلِ وَبَلُّ الْغَلِيلِ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ بِالْخَتْمَاتِ وَالتَّهَالِيلِ وَأَتَيْتُ فِيهَا بِالْعَجَبِ الْعُجَابِ لِذَوِي الْأَلْبَابِ، وَمَا ذَكَرْتُهُ هُنَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا كَقَطْرَةٍ مِنْ بَحْرٍ أَوْ شَذْرَةٍ مِنْ عُقِدَ نَحْرٍ، وَأَطْلَعْتُ عَلَيْهَا مُحَشِّيَ هَذَا الْكِتَابِ فَقِيهَ عَصْرِهِ وَوَحِيدَ دَهْرِهِ السَّيِّدَ أَحْمَدَ الطَّحَاوِيَّ مُفْتِيَ مِصْرَ سَابِقًا فَكَتَبَ عَلَيْهَا وَأَثْنَى الثَّنَاءَ الْجَمِيلَ، فَاَللَّهُ يَجْزِيهِ الْخَيْرَ الْجَزِيلَ، وَكَتَبَ عَلَيْهَا غَيْرُهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ (قَوْلُهُ فَسَدَتْ فِي الْكُلِّ) وَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ بِجُزْءٍ مِنْ عَمَلِهِ) أَيْ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ بِنَفْسِهِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ) وَهُوَ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (قَوْلُهُ وَالْحِيلَةُ أَنْ يَفْرِزَ الْأَجْرَ أَوَّلًا) أَيْ وَيُسَلِّمَهُ إلَى الْأَجِيرِ، فَلَوْ خَلَطَهُ بَعْدُ وَطَحَنَ الْكُلَّ ثُمَّ أَفْرَزَ الْأُجْرَةَ وَرَدَّ الْبَاقِيَ جَازَ، وَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ إذْ لَمْ يَسْتَأْجِرْهُ أَنْ يَطْحَنَ بِجُزْءٍ مِنْهُ أَوْ بِقَفِيزٍ مِنْهُ كَمَا فِي الْمِنَحِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَبِهِ عُلِمَ بِالْأَوْلَى جَوَازُ مَا يُفْعَلُ فِي دِيَارِنَا مِنْ أَخْذِ الْأُجْرَةِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالدَّرَاهِمِ مَعًا وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ اهـ. (قَوْلُهُ بِلَا تَعْيِينٍ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 57 نِصْفَ هَذَا الطَّعَامِ بِنِصْفِهِ الْآخَرِ لَا أَجْرَ لَهُ أَصْلًا لِصَيْرُورَتِهِ شَرِيكًا، وَمَا اسْتَشْكَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَجَابَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ: وَصَرَّحُوا بِأَنَّ دَلَالَةَ النَّصِّ لَا عُمُومَ لَهَا فَلَا يُخَصَّصُ عَنْهَا شَيْءٌ بِالْعُرْفِ كَمَا زَعَمَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ (أَوْ) اسْتَأْجَرَ (خَبَّازًا لِيَخْبِزَ لَهُ كَذَا) كَقَفِيزِ دَقِيقٍ (الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ) فَسَدَتْ عِنْدَ الْإِمَامِ لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْعَمَلِ وَالْوَقْتِ وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا   [رد المحتار] أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّهُ مِنْ الْمَحْمُولِ أَوْ مِنْ الْمَطْحُونِ فَيَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَأْجِرِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ نِصْفَ هَذَا الطَّعَامِ) قَيَّدَ بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ الْكُلَّ بِنِصْفِهِ لَا يَكُونُ شَرِيكًا فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ. (قَوْلُهُ لَا أَجْرَ لَهُ أَصْلًا) أَيْ لَا الْمُسَمَّى وَلَا أَجْرَ الْمِثْلِ عِنَايَةٌ. (قَوْلُهُ لِصَيْرُورَتِهِ شَرِيكًا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ مَلَكَ النِّصْفَ فِي الْحَالِ بِالتَّعْجِيلِ فَصَارَ الطَّعَامُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ شَيْئًا لِشَرِيكِهِ إلَّا وَيَقَعُ بَعْضُهُ لِنَفْسِهِ هَكَذَا قَالُوا. وَفِيهِ إشْكَالَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ وَالْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ بِالصَّحِيحَةِ مِنْهَا بِالْعَقْدِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، فَكَيْفَ مَلَكَهُ هُنَا مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ وَمِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّعْجِيلِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ قَالَ مَلَكَهُ فِي الْحَالِ، وَقَوْلُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ يُنَافِي الْمِلْكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إذَا مَلَكَهُ إلَّا بِطَرِيقِ الْأُجْرَةِ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا فَكَيْفَ يَمْلِكُهُ وَبِأَيِّ سَبَبٍ يَمْلِكُهُ اهـ (قَوْلُهُ أَجَابَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ) قُلْتُ: وَأَجَابَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ بِقَوْلِهِ لَعَلَّ مُرَادَهُمْ: أَيْ بِقَوْلِهِمْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ نَفْيُ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ يُؤَدِّي إلَى عَدَمِهِ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ يَبْطُلُ، فَقَوْلُهُمْ مَلَكَ الْأَجْرَ فِي الْحَالِ كَلَامٌ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا سَلَّمَ إلَى الْأَجِيرِ كُلَّ الطَّعَامِ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ لَوْ وَجَبَ الْأَجْرُ فِي الصُّورَةِ الْمَفْرُوضَةِ لَمَلَكَ الْأَجِيرُ الْأُجْرَةَ فِي الْحَالِ بِالتَّعْجِيلِ، وَالثَّانِي بَاطِلٌ إذْ يَكُونُ حِينَئِذٍ مُشْتَرَكًا فَيُفْضِي إلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ، وَكُلُّ مَا أَفْضَى وُجُودُهُ إلَى انْتِفَاءِ لُزُومِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ اهـ. وَحَاصِلُ جَوَابِ الْمُصَنِّفِ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأُجْرَةَ هُنَا مُعَجَّلَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ فِي صَدْرِ تَقْرِيرِهِ، وَهِيَ تُمْلَكُ بِالتَّعْجِيلِ كَمَا تُمْلَكُ بِاشْتِرَاطِهِ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا مَلَكَهُ بِالتَّعْجِيلِ وَعَمِلَ تَبَيَّنَ بَعْدَ الْعَمَلِ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهِ لِشَيْءٍ مِنْ الْأُجْرَةِ، كَمَا لَوْ عَجَّلَهَا عِنْدَ الْعَقْدِ فَاسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ تَبَيَّنَ كَوْنُهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لَهَا اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ هَذَا الْعَقْدَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا أَوْ فَاسِدًا أَوْ صَحِيحًا، أَمَّا الْبَاطِلُ فَلَا أَجْرَ فِيهِ أَصْلًا كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ فَكَيْفَ يُمْلَكُ بِالتَّعْجِيلِ، وَأَمَّا الْفَاسِدُ فَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الِانْتِفَاعِ كَمَا مَرَّ مِرَارًا فَلَا يُمْلَكُ بِالتَّعْجِيلِ أَيْضًا قَبْلَ الْعَمَلِ وَبَعْدَ الْعَمَلِ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ. وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ هُنَا أَنَّهُ لَا أَجْرَ أَصْلًا. وَأَمَّا الصَّحِيحُ فَيُمْلَكُ الْأَجْرُ فِيهِ بِالتَّعْجِيلِ مَعَ الْإِفْرَازِ وَهُنَا حَصَلَ فِي ضِمْنِ التَّسْلِيمِ، إذْ لَوْ أَفْزَرَهُ وَسَلَّمَهُ إلَى الْأَجِيرِ ثُمَّ خَلَطَهُ وَحَمَلَ الْكُلَّ مَعًا جَازَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى إلَّا أَنْ يُقَالَ انْعَقَدَ صَحِيحًا ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الْفَسَادُ عِنْد الْعَمَلِ قَبْلَ الْإِفْرَازِ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: إنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ، أَيْ مَآلًا، أَمَّا فِي الْحَالِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ يُخَصُّ الْقِيَاسُ وَالْأَثَرُ بِالْعُرْفِ الْعَامِّ دُونَ الْخَاصِّ (قَوْلُهُ كَمَا زَعَمَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ) قَالَ فِي التَّبْيِينِ: وَمَشَايِخُ بَلْخٍ وَالنَّسَفِيُّ يُجِيزُونَ حَمْلَ الطَّعَامِ بِبَعْضِ الْمَحْمُولِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 58 فَيُفْضِي لِلْمُنَازَعَةِ، حَتَّى لَوْ قَالَ فِي الْيَوْمِ أَوْ عَلَى أَنْ تَفْرَغَ مِنْهُ الْيَوْمَ جَازَتْ إجْمَاعًا (أَوْ أَرْضًا بِشَرْطِ أَنْ يُثْنِيَهَا) أَيْ يَحْرُثَهَا (أَوْ يُكْرِيَ أَنْهَارَهَا) الْعِظَامَ   [رد المحتار] وَنَسْجَ الثَّوْبِ بِبَعْضِ الْمَنْسُوجِ لِتَعَامُلِ أَهْلِ بِلَادِهِمْ بِذَلِكَ، وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْهُ قَاسَهُ عَلَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ. وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالتَّعَارُفِ. وَلَئِنْ قُلْنَا: إنَّهُ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ بَلْ النَّصُّ يَتَنَاوَلُهُ دَلَالَةً فَالنَّصُّ يُخَصُّ بِالتَّعَارُفِ أَلَا تَرَى أَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ تَرْكُ الْقِيَاسِ فِيهِ، وَخُصَّ مِنْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ بِالتَّعَامُلِ، وَمَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَمْ يُجَوِّزُوا هَذَا التَّخْصِيصَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعَامُلُ أَهْلِ بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِهِ لَا يُخَصُّ الْأَثَرُ، بِخِلَافِ الِاسْتِصْنَاعِ فَإِنَّ التَّعَامُلَ بِهِ جَرَى فِي كُلِّ الْبِلَادِ، وَبِمِثْلِهِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ وَيُخَصُّ الْأَثَرُ اهـ. وَفِي الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ لَا نَتْرُكُهُ بَلْ يُخَصُّ عَنْ الدَّلَالَةِ بَعْضُ مَا فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ بِالْعُرْفِ كَمَا فَعَلَ بَعْضُ مَشَايِخِ بَلْخٍ فِي الثِّيَابِ لِجَرَيَانِ عُرْفِهِمْ بِذَلِكَ. قُلْتُ: الدَّلَالَةُ لَا عُمُومَ لَهَا حَتَّى تُخَصَّ اهـ. (قَوْلُهُ فَيُفْضِي لِلْمُنَازَعَةِ) فَيَقُولُ الْمُؤَجِّرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ: الْعَمَلُ وَالْوَقْتُ ذُكِرَ لِلتَّعْجِيلِ وَيَقُولُ الْمُسْتَأْجِرُ: بَلْ هُوَ الْوَقْتُ وَالْعَمَلُ لِلْبَيَانِ. وَقَالَ الصَّاحِبَانِ: هِيَ صَحِيحَةٌ، وَيَقَعُ الْعَقْدُ عَلَى الْعَمَلِ، وَذَكَرَ الْوَقْتَ لِلتَّعْجِيلِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَتَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ تَرْجِيحُ قَوْلِهِمَا وَهَذَا إذَا أَخَّرَ الْأُجْرَةَ، أَمَّا إذَا وَسَّطَهَا فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُ لِتَمَامِ الْعَقْدِ بِذِكْرِ الْأَجْرِ ثُمَّ الْمُتَأَخِّرُ إنْ كَانَ وَقْتًا فَلِلتَّعْجِيلِ، وَإِنْ كَانَ عَمَلًا فَلِبَيَانِ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يَفْسُدُ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْكَمَالِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ. وَزَادَ عَنْ الْمُنْيَةِ وَإِذَا قَدَّمَهَا فَسَدَ أَيْضًا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ أَيْضًا فِيمَا إذَا كَانَ الْعَمَلُ مُبَيَّنَ الْمِقْدَارِ مَعْلُومًا حَتَّى يَصْلُحَ لِكَوْنِهِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ فَيُزَاحِمُ الْوَقْتَ فَيَفْسُدُ وَلِذَا قَالَ لِيَخْبِزَ لَهُ كَذَا قَفِيزَ دَقِيقٍ، فَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ لِجَهَالَتِهِ كَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا الْوَقْتَ، كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَوْمًا لِيَبْنِيَ لَهُ بِالْآجُرِّ وَالْجِصِّ جَازَ بِلَا خِلَافٍ، فَلَوْ بَيَّنَ الْعَمَلَ عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِأَنْ بَيَّنَ قَدْرَ الْبِنَاءِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُشْكِلُ مَا سَيَأْتِي فِي بَحْثِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ شَهْرًا لِرَعْيِ الْغَنَمِ بِكَذَا صَحَّ مَعَ أَنَّ فِيهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ الْغَنَمِ الْمَرْعِيِّ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الطُّورِيُّ فَاحْفَظْهُ (قَوْلُهُ جَازَتْ إجْمَاعًا) أَمَّا فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فَلِأَنَّ كَلِمَةَ فِي لِلظَّرْفِ لَا لِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ فَلَا تَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ فَكَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ وَهُوَ مَعْلُومٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا حُذِفَتْ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ، وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الطَّلَاقِ فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ فِي الْغَدِ: وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ الْيَوْمَ لَمْ يُذْكَرْ مَقْصُودًا كَالْعَمَلِ حَتَّى يُضَافَ الْعَقْدُ إلَيْهِمَا بَلْ ذُكِرَ لِإِثْبَاتِ صِفَةٍ فِي الْعَمَلِ وَالصِّفَةُ تَابِعَةٌ لِلْمَوْصُوفِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بِالْعَقْدِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ بِشَرْطِ أَنْ يُثَنِّيَهَا) فِي الْقَامُوسِ ثَنَّاهُ تَثَنِّيَةً جَعَلَهُ اثْنَيْنِ اهـ وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ يُثَنِّي حَرْثَهَا. وَفِي الْمِنَحِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنْ يَرُدَّهَا مَكْرُوبَةً فَلَا شَكَّ فِي فَسَادِهِ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لَا تُخْرِجُ الرِّيعَ إلَّا بِالْكِرَابِ مَرَّتَيْنِ لَا يَفْسُدُ وَإِنْ مِمَّا تُخْرِجُ بِدُونِهِ، فَإِنْ كَانَ أَثَرُهُ يَبْقَى بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعَقْدِ يَفْسُدُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِرَبِّ الْأَرْضِ وَإِلَّا فَلَا اهـ مُلَخَّصًا. وَذُكِرَ فِي التتارخانية عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْفَسَادَ فِيمَا إذَا شَرَطَ رَدَّهَا مَكْرُوبَةً بِكِرَابٍ يَكُونُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، أَمَّا إذَا قَالَ: عَلَى أَنْ تُكْرِبَهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ وَانْصَرَفَ إلَى الْكِرَابِ بَعْدَهُ. قَالَ: وَفِي الصُّغْرَى وَاسْتَفَدْنَا هَذَا التَّفْصِيلَ مِنْ جِهَتِهِ وَبِهِ يُفْتَى اهـ. قُلْتُ: وَوَجْهُهُ أَنَّ الْكِرَابَ يَكُونُ حِينَئِذٍ مِنْ الْأُجْرَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَيْ يَحْرُثَهَا) فَالْحَرْثُ هُوَ الْكَرْبُ وَهُوَ إثَارَةُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ كَالْكِرَابِ قَامُوسٌ. (قَوْلُهُ أَوْ يَكْرِيَ) مِنْ بَابِ رَمَى أَيْ يَحْفِرَ. (قَوْلُهُ الْعِظَامَ) ؛ لِأَنَّ أَثَرَهُ يَبْقَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 59 أَوْ يُسَرْقِنَهَا) لِبَقَاءِ أَثَرِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ لِرَبِّ الْأَرْضِ، فَلَوْ لَمْ تَبْقَ لَمْ تَفْسُدْ (أَوْ) بِشَرْطِ (أَنْ يَزْرَعَهَا بِزِرَاعَةِ أَرْضٍ أُخْرَى) لِمَا يَجِيءُ أَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ، وَقَوْلُهُ (فَسَدَتْ) جَوَابُ الشَّرْطِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَوْ دَفَعَ إلَخْ (وَصَحَّتْ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا عَلَى أَنْ يَكْرِيَهَا وَيَزْرَعَهَا أَوْ يَسْقِيَهَا وَيَزْرَعَهَا) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ (وَلَوْ) اسْتَأْجَرَهُ (لِحَمْلِ طَعَامٍ) مُشْتَرَكٍ (بَيْنَهُمَا فَلَا أَجْرَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ شَيْئًا لِشَرِيكِهِ إلَّا وَيَقَعُ بَعْضُهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ (كَرَاهِنٍ اسْتَأْجَرَ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ) فَإِنَّهُ لَا أَجْرَ لَهُ لِنَفْعِهِ بِمِلْكِهِ. وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: وَلَوْ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا فَدَخَلَ الْمُؤَجِّرُ مَعَ بَعْضِ أَصْدِقَائِهِ الْحَمَّامَ لَا أَجْرَ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَرِدُّ بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَنْفَعَةُ الْحَمَّامِ فِي الْمُدَّةِ، وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ. (اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَزْرَعُهَا   [رد المحتار] إلَى الْقَابِلِ عَادَةً، بِخِلَافِ الْجَدَاوِلِ أَيْ الصِّغَارِ فَلَا تَفْسُدُ بِشَرْطِ كَرْبِهَا هُوَ الصَّحِيحُ ابْنُ كَمَالٍ. (قَوْلُهُ أَوْ يُسَرْقِنَهَا) أَيْ يَضَعَ فِيهَا السِّرْقِينَ وَهُوَ الزِّبْلُ لِتَهْيِيجِ الزَّرْعِ ط. (قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ تَبْقَ) بِأَنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ طَوِيلَةً لَمْ تَفْسُدْ؛ لِأَنَّهُ لِنَفْعِ الْمُسْتَأْجِرِ فَقَطْ. (قَوْلُهُ أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَزْرَعَهَا إلَخْ) أَيْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا وَتَكُونَ الْأُجْرَةُ أَنْ يَزْرَعَ الْمُؤَجِّرُ أَرْضًا أُخْرَى هِيَ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا مِنَحٌ فَهُوَ إجَارَةُ الْمَنْفَعَةِ بِالْمَنْفَعَةِ الْمُتَّحِدَةِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهَا (قَوْلُهُ لِمَا يَجِيءُ) أَيْ قَرِيبًا ح. (قَوْلُهُ أَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يَحْرُمُ النَّسَاءُ) وَالزِّرَاعَةُ الْمُطْلَقَةُ مِنْ جِنْسِ الزِّرَاعَةِ الْمُطْلَقَةِ. فَإِنْ قُلْتَ: الْعَيْنُ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ عَلَى مَا هُوَ مُقَرَّرٌ فَلَمْ يُوجَدْ النَّسَاءُ: قُلْنَا: الْعَيْنُ إنَّمَا تُقَامُ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلضَّرُورَةِ وَذَلِكَ فِيمَا إذَا وَقَعَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْقُودًا عَلَيْهَا وَهِيَ فِي مَسْأَلَتِنَا مَا لَمْ يَصْحَبْهُ الْبَاءُ فَمَا صَحِبَهُ لَا تُقَامُ الْعَيْنُ فِيهِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ فَكَانَتْ نَسِيئَةً ح. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ) ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَقَطْ (قَوْلُهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ) أَيْ لَا الْمُسَمَّى وَلَا أَجْرَ الْمِثْلِ زَيْلَعِيٌّ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ يَجِبُ فِي الْفَاسِدَةِ إذَا كَانَ لَهُ نَظِيرٌ مِنْ الْإِجَارَةِ الْجَائِزَةِ وَهَذِهِ لَا نَظِيرَ لَهَا إتْقَانِيٌّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ: عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهِ لِلْأَجْرِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا وَقَعَ لِغَيْرِهِ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَعَمَلُهُ لِغَيْرِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَمْرٍ مُخَالِفٍ لِلْقِيَاسِ فَاعْتُبِرَ الْأَوَّلُ، وَلِأَنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ يَحْمِلُهُ إلَّا وَهُوَ شَرِيكٌ فِيهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَسْلِيمَ الْعَمَلِ إلَى غَيْرِهِ فَلَا أَجْرَ عِنَايَةٌ وَتَبْيِينٌ مُلَخَّصًا. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: طَعَامٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا سَفِينَةٌ فَاسْتَأْجَرَ الْآخَرُ نِصْفَهَا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ جَازَ، وَكَذَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَطْحَنَا الطَّعَامَ فَاسْتَأْجَرَ نِصْفَ الرَّحَى الَّذِي لِشَرِيكِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَ أَنْصَافَ جَوَالِيقِهِ هَذِهِ لِيَحْمِلَ هَذَا الطَّعَامَ إلَى مَكَّةَ جَازَ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدَ صَاحِبِهِ أَوْ دَابَّةَ عَبْدِ صَاحِبِهِ أَوْ دَابَّتَهُ لِيَحْمِلَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَ الْعَبْدَ لِحِفْظِ الطَّعَامِ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ اسْتَأْجَرَ الْعَبْدَ أَوْ الدَّابَّةَ كُلَّهُ أَوْ نِصْفَهُ وَلَا أَجْرَ لَهُ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ إلَّا بِإِيقَاعِ عَمَلٍ فِي الْعَيْنِ الْمُشْتَرَكَةِ لَا يَجُوزُ، وَكُلُّ مَا يَسْتَحِقُّ بِدُونِهِ يَجُوزُ فَإِنَّهُ تَجِبُ الْأُجْرَةُ بِوَضْعِ الْعَيْنِ فِي الدَّارِ وَالسَّفِينَةِ وَالرَّحَى لَا بِإِيقَاعِ عَمَلٍ اهـ مُلَخَّصًا أَيْ فَإِنَّ لِلْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ عَمَلًا فِي الْعَيْنِ الْمُشْتَرَكَةِ وَهُوَ الْحَمْلُ أَوْ الْحِفْظُ، أَمَّا السَّفِينَةُ مَثَلًا فَلَا عَمَلَ لَهَا أَصْلًا. (قَوْلُهُ لِنَفْعِهِ بِمِلْكِهِ) الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لِانْتِفَاعِهِ بِمِلْكِهِ ح، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْمَنَافِعِ فَلَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا وَإِنَّمَا هِيَ لِلرَّاهِنِ وَلَكِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الِانْتِفَاعِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا آجَرَهُ فَقَدْ أَبْطَلَ حَقَّهُ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَرِدُّ إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّهُ قَدْ بَاعَهُ مَنْفَعَةَ الْحَمَّامِ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَقَدْ اسْتَوْفَى الْمُؤَجِّرُ بَعْضَهَا فَانْفَسَخَ بِقَدْرِهِ ثُمَّ الْأُجْرَةُ تَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَأْجِرِ بِالْعَقْدِ، وَالْقَدْرُ الَّذِي فُسِخَتْ فِيهِ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا يُمْكِنُ إسْقَاطُ شَيْءٍ بِحِسَابِهِ لِلْجَهَالَةِ فَبَقِيَ جَمِيعُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 60 أَوْ أَيَّ شَيْءٍ يَزْرَعُهَا) فَسَدَتْ إلَّا أَنْ يَعُمَّ، بِخِلَافِ الدَّارِ لِوُقُوعِهِ عَلَى السُّكْنَى كَمَا مَرَّ، وَإِذَا فَسَدَتْ، (فَزَرَعَهَا فَمَضَى الْأَجَلُ) عَادَ صَحِيحًا (فَلَهُ الْمُسَمَّى) اسْتِحْسَانًا، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَمْضِ الْأَجَلُ لِارْتِفَاعِ الْجَهَالَةِ بِالزِّرَاعَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ. قُلْتُ: فَلَوْ حُذِفَ قَوْلُهُ فَمَضَى الْأَجَلُ كَقَاضِي خَانْ فِي شَارِحِ الْجَامِعِ لَكَانَ أَوْلَى (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا إلَى بَغْدَادَ وَلَمْ يُسَمِّ حَمْلَهُ فَحَمَّلَهُ الْمُعْتَادَ فَهَلَكَ) الْحِمَارُ (لَمْ يَضْمَنْ) لِفَسَادِ الْإِجَارَةِ، فَالْعَيْنُ أَمَانَةٌ كَمَا فِي الصَّحِيحَةِ (فَإِنْ بَلَغَ فَلَهُ الْمُسَمَّى) لِمَا مَرَّ فِي الزِّرَاعَةِ (فَإِنْ تَنَازَعَا قَبْلَ الزَّرْعِ) فِي مَسْأَلَةِ الزِّرَاعَةِ (أَوْ الْحَمْلِ) فِي مَسْأَلَتِنَا (فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ دَفْعًا لِلْفَسَادِ) لِقِيَامِهِ بَعْدُ. (اسْتَأْجَرَ دَابَّةً ثُمَّ جَحَدَ الْإِجَارَةَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَجْرُ مَا رَكِبَ قَبْلَ الْإِنْكَارِ، وَلَا يَجِبُ لِمَا بَعْدَهُ) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ بِالْجُحُودِ صَارَ غَاصِبًا وَالْأَجْرُ وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ الْمُسَمَّى دُرَرٌ وَكَأَنَّهُ   [رد المحتار] الْأُجْرَةِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ أَيَّ شَيْءٍ يَزْرَعُهَا) أَيْ أَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَزْرَعُهَا وَلَمْ يَذْكُرْ أَيَّ شَيْءٍ يَزْرَعُ. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ أَوَّلَ بَابِ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْحَقِيقَةِ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ هُنَاكَ وَأَرْضٌ لِلزِّرَاعَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ عَادَ صَحِيحًا) كَذَا فِي الْمُلْتَقَى وَالْغُرَرِ وَالْإِصْلَاحِ وَالْمِنَحِ: وَاعْتَرَضَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِأَنَّ صِحَّةَ الْعَقْدِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ الْأَجَلِ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ بَلْ إذَا زَرَعَ ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ اهـ. أَقُولُ: إنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُفَرِّعَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَلَهُ الْمُسَمَّى، فَإِنَّهُ لَوْ بَقِيَ فَاسِدًا وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَمْضِ الْأَجَلُ) أَيْ يَعُودُ صَحِيحًا، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَمَنْشَأُ الِاعْتِرَاضِ زِيَادَةُ قَوْلِهِ عَادَ صَحِيحًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ ثُمَّ اعْتَرَضَهُ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَهُ فِي تَقْرِيرِ شَرْحِ مَتْنِهِ فَكَانَ مُرَادًا لَهُ. وَقَدْ يُدْفَعُ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ عَوْدَهُ صَحِيحًا بَعْدَ الزَّرْعِ وَمُضِيِّ الْأَجَلِ صَحِيحٌ أَيْ بَعْدَ مَجْمُوعِ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي تَوَقُّفَ عَوْدِهِ صَحِيحًا عَلَى مُضِيِّ الْأَجَلِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ) أَيْ قَبْلَ تَمَامِ مُدَّتِهِ، وَقَوْلُ الْعِنَايَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ بِنَقْضِ الْحَاكِمِ مِمَّا لَا تَقْبَلُهُ الْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ مِنْ الْأَصْلِ بِنَقْضِ الْحَاكِمِ فَكَيْفَ يَتِمُّ بِهِ وَتَمَامُ الشَّيْءِ مِنْ آثَارِ بَقَائِهِ طُورِيٌّ. (قَوْلُهُ كَقَاضِي خَانْ) وَعِبَارَتُهُ: فَإِنْ زَرَعَهَا فَلَهُ مَا سَمَّى مِنْ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ جَائِزًا وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حِسَابِ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ، وَالْفَسَادُ كَانَ لِأَجْلِ الْجَهَالَةِ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ كَانَ الِارْتِفَاعُ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ كَالِارْتِفَاعِ فِي وَقْتِ الْعَقْدِ فَيَعُودُ جَائِزًا. (قَوْلُهُ فَحَمَّلَهُ الْمُعْتَادَ) خَرَجَ غَيْرُ الْمُعْتَادِ فَيَضْمَنُ إنْ هَلَكَ كَمَا فِي الأتقاني. (قَوْلُهُ لِفَسَادِ الْإِجَارَةِ إلَخْ) كَذَا فِي الدُّرَرِ وَالْمِنَحِ، وَالْأَوْلَى قَوْلُ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً. (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ فِي الزِّرَاعَةِ) أَيْ مِنْ ارْتِفَاعِ الْجَهَالَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَنْقَلِبُ صَحِيحَةً بِمُجَرَّدِ حَمْلِ الْمُعْتَادِ قَبْلَ بُلُوغِهِ إلَى بَغْدَادَ وَبِهِ صَرَّحَ الأتقاني، وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ مَنْ يَرْكَبُهَا فَسَدَتْ لِلْجَهَالَةِ وَتَنْقَلِبُ صَحِيحَةً بِرُكُوبِهَا اهـ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْهِدَايَةِ آنِفًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فُسِخَتْ) أَيْ أَبْطَلَهَا الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ يَجِبُ نَقْضُهُ وَإِبْطَالُهُ ذَخِيرَةٌ. (قَوْلُهُ دَفْعًا لِلْفَسَادِ) الْأَوْلَى رَفْعًا بِالرَّاءِ مَكَانِ دَفْعًا بِالدَّالِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ قَائِمٌ يَحْتَاجُ إلَى الرَّفْعِ لَا غَيْرُ قَائِمٍ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى الدَّفْعِ فَافْهَمْ إتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ لِقِيَامِهِ بَعْدُ) أَيْ فِي الْحَالِ ط. (قَوْلُهُ وَالْأَجْرُ وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ) أَيْ أَجْرُ مَا بَعْدَ الْجُحُودِ مَعَ ضَمَانِ الدَّابَّةِ لَوْ هَلَكَتْ بَعْدَ الْجُحُودِ ح. قُلْتُ: وَأَمَّا أَجْرُ مَا قَبْلَ الْجُحُودِ فَيَجِبُ وَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَهُ وَلَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُهُمَا لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ الْمُسَمَّى) أَيْ إنْ سَلِمَتْ الدَّابَّةُ. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: وَأَوْجَبَ مُحَمَّدٌ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ سَلِمَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ فَسَقَطَ الضَّمَانُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَشُرُوحِ الْمَجْمَعِ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ السَّابِقَةَ وَنَظَائِرَهَا تُؤَيِّدُ مَا قَالَ ح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 61 لَا قَوْلَ لِلْإِمَامِ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: قَصَّرَ الثَّوْبَ الْمَجْحُودَ، فَإِنْ قَبِلَهُ فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِلَّا لَا وَكَذَا الصَّبَّاغُ وَالنَّسَّاجُ. (إجَارَةُ الْمَنْفَعَةِ بِالْمَنْفَعَةِ تَجُوزُ إذَا اخْتَلَفَا) جِنْسًا كَاسْتِئْجَارِ سُكْنَى دَارٍ بِزِرَاعَةِ أَرْضٍ (وَإِذَا اتَّحَدَا لَا) تَجُوزُ كَإِجَارَةِ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى وَاللُّبْسِ بِاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النِّسَاءَ فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بِاسْتِيفَاءِ النَّفْعِ كَمَا مَرَّ لِفَسَادِ الْعَقْدِ. (اسْتَأْجَرَهُ لِيَصِيدَ لَهُ أَوْ يَحْتَطِبَ لَهُ، فَإِنْ) وَقَّتَ لِذَلِكَ (وَقْتًا جَازَ) ذَلِكَ (وَإِلَّا لَا) فَلَوْ لَمْ يُوَقِّتْ وَعَيَّنَ الْحَطَبَ فَسَدَ (إلَّا إذَا عَيَّنَ الْحَطَبَ وَهُوَ) أَيْ الْحَطَبُ (مِلْكُهُ فَيَجُوزُ) مُجْتَبًى، وَبِهِ يُفْتِي صَيْرَفِيَّةٌ. [فُرُوعٌ] اسْتَأْجَرَ امْرَأَتَهُ لِتَخْبِزَ لَهُ خُبْزًا لِلْأَكْلِ لَمْ يَجُزْ، وَلِلْبَيْعِ جَازَ صَيْرَفِيَّةٌ.   [رد المحتار] قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ غَيْرُ غَاصِبٍ لِإِقْرَارِهِ بِالْإِجَارَةِ وَانْقِلَابِهَا بِهَا صَحِيحَةً بِارْتِفَاعِ الْجَهَالَةِ كَمَا مَرَّ. مَطْلَبٌ يَجِبُ الْأَجْرُ فِي اسْتِعْمَالِ الْمُعَدِّ لِلِاسْتِغْلَالِ وَلَوْ غَيْرَ عَقَارٍ نَعَمْ يَنْبَغِي وُجُوبُ الْأَجْرِ لَوْ مُدَّةً لِلِاسْتِغْلَالِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْعَقَارِ كَمَا وَهَمَ، وَقَدْ أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ بِوُجُوبِ الْأَجْرِ عَلَى مُسْتَعْمِلِ دَابَّةِ الْكَارِي مُسْتَنِدًا لِلنَّقْلِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْغَصْبِ، وَمِثْلُهُ فِي الْمُرَادِيَّةِ فَتَنَبَّهْ 1 - (قَوْلُهُ وَفِي الْأَشْبَاهِ إلَخْ) كَلَامٌ مُجْمَلٌ، وَبَيَانُهُ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: رَجُلٌ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى قَصَّارٍ لِيُقَصِّرَهُ فَجَحَدَهُ ثُمَّ جَاءَ بِهِ مَقْصُورًا وَأَقَرَّ بِذَلِكَ، إنْ قَصَّرَهُ قَبْلَ الْجُحُودِ لَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ وَقَعَ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ، وَإِنْ بَعْدَهُ لَا لِوُقُوعِ الْعَمَلِ لِلْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ بِالْجُحُودِ وَلَوْ كَانَ صَبَّاغًا، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا إنْ صَبَغَهُ قَبْلَ الْجُحُودِ لَهُ الْأَجْرُ، وَإِنْ بَعْدَهُ إنْ شَاءَ رَبُّ الثَّوْبِ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ قِيمَةَ مَا زَادَ الصِّبْغُ فِيهِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ أَبْيَضَ، وَلَوْ دَفَعَ غَزْلًا إلَى نَسَّاجٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، إنْ نَسَجَهُ قَبْلَ الْجُحُودِ لَهُ الْأَجْرُ، وَإِنْ بَعْدَهُ لَا أَجْرَ لَهُ وَالثَّوْبُ لِلنَّسَّاجِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْغَزْلِ، كَمَا إذَا كَانَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا (قَوْلُهُ إجَارَةُ الْمَنْفَعَةِ إلَخْ) هَذِهِ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ أَوْ أَنْ يَزْرَعَهَا بِزِرَاعَةِ أَرْضٍ أُخْرَى. (قَوْلُهُ كَإِجَارَةِ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى) أَيْ سُكْنَى دَارٍ بِأُخْرَى، فَلَوْ بِحَانُوتٍ يَصِحُّ لِلِاخْتِلَافِ مَنْفَعَةً، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ. وَمُعَاوَضَةُ الْبَقَرِ بِالْبَقَرِ فِي الْأَكْدَاسِ لَا تَجُوزُ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَالْبَقَرِ بِالْحَمِيرِ يَجُوزُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. وَالْكُدْسُ: بِالضَّمِّ الْحَبُّ الْمَحْصُودُ الْمَجْمُوعُ قَامُوسٌ. وَفِي شَرْحِ قَاضِي خَانْ: وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ خَدَمَ أَحَدُ هَذَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فِي رِوَايَةٍ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَجِبُ شَيْءٌ اهـ. وَفِي التتارخانية: إذَا قُوبِلَتْ الْمَنْفَعَةُ بِجِنْسِهَا وَاسْتَوْفَى الْآخَرُ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ لِمَا تَقَرَّرَ إلَخْ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَعُلِّلَ بِعِلَّةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ مِلْكًا وَالْإِجَارَةُ جُوِّزَتْ عَلَى خِلَافِ الْجِنْسِ لِلْحَاجَةِ. (قَوْلُهُ لِفَسَادِ الْعَقْدِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ وَيَكُونُ الْجَارُّ مُتَعَلِّقًا بِاسْتِيفَاءٍ ط. (قَوْلُهُ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ وَاحِدٌ وَشَرْطُهُ بَيَانٌ لَا الْوَقْتُ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَالْحَطَبُ لِلْعَامِلِ ط (قَوْلُهُ فَسَدَ) قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: وَلَوْ قَالَ: هَذَا الْحَطَبُ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَالْحَطَبُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ اهـ ط (قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتَى صَيْرَفِيَّةٌ) قَالَ فِيهَا: إنْ ذَكَرَ الْيَوْمَ فَالْعَلَفُ لِلْآمِرِ وَإِلَّا فَلِلْمَأْمُورِ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْحَاوِي وَبِهِ يُفْتَى. قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَهَذَا يُوَافِقُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُجْتَبَى وَمِنْ ثَمَّ عَوَّلْنَا عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَمَلَ مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا دِيَانَةً «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ الْأَعْمَالَ بَيْنَ فَاطِمَةَ وَعَلِيٍّ، فَجَعَلَ عَمَلَ الدَّاخِلِ عَلَى فَاطِمَةَ وَعَمَلَ الْخَارِجِ عَلَى عَلِيٍّ» وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ آخَرَ الْبَابِ أَنَّ اسْتِئْجَارَ الْمَرْأَةِ لِلطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبَيْتِ لَا تَنْعَقِدُ وَنَقَلَهُ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ ط. قُلْتُ: كَأَنَّهُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا دِيَانَةً، ثَمَّ رَاجَعْتُ بَابَ النَّفَقَةِ فَرَأَيْتُهُ عَلَّلَ بِهِ وَزَادَ وَلَوْ شَرِيفَةً؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَسَّمَ الْأَعْمَالَ إلَخْ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الطَّاعَاتِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 62 أَجَّرَتْ دَارَهَا لِزَوْجِهَا فَسَكَنَاهَا فَلَا أَجْرَ أَشْبَاهٌ وَخَانِيَّةٌ. قُلْتُ: لَكِنْ فِي حَاشِيَتِهَا تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ مُعَزِّيًا لِلْكُبْرَى قَالَ قَاضِي خَانْ: هُنَا الْفَتْوَى عَلَى الصِّحَّةِ لِتَبَعِيَّتِهَا لَهُ فِي السُّكْنَى فَلْيُحْفَظْ. وَجَازَ إجَارَةُ الْمَاشِطَةِ لِتُزَيِّنَ الْعَرُوسَ إنْ ذُكِرَ الْعَمَلُ وَالْمُدَّةُ بَزَّازِيَّةٌ. وَجَازَ إجَارَةُ الْقَنَاةِ وَالنَّهْرِ مَعَ الْمَاءِ بِهِ يُفْتَى لِعُمُومِ الْبَلْوَى مُضْمَرَاتٍ اهـ.   [رد المحتار] مَا نَصُّوا عَلَيْهَا لَا كُلُّ طَاعَةٍ (قَوْلُهُ فَلَا أَجْرَ) ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ السُّكْنَى تَعُودُ إلَيْهَا، وَلِأَنَّ الزَّوْجَ يَخْرُجُ مِنْ الدَّارِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ عَامَّةَ نَهَارِهِ فِي السُّوقِ وَتَكُونَ الدَّارُ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ خَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ قَالَ قَاضِي خَانْ) ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَفِي الزِّيَادَاتِ لَهُ: وَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي فَتَاوَاهُ أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ، وَحَيْثُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ كَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ قَوْلُهُ لَا أَجْرَ. أَقُولُ: هَذَا قَوْلٌ وَالْمُفْتَى بِهِ وُجُوبُهُ إلَخْ. (قَوْلُهُ لِتَبَعِيَّتِهَا لَهُ فِي السُّكْنَى) فَلَا تُمْنَعُ مِنْ التَّخْلِيَةِ وَالتَّسْلِيمِ (قَوْلُهُ وَالْمُدَّةُ) عَبَّرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا بِأَوْ فَالْوَاوُ هُنَا بِمَعْنَاهَا. [مَطْلَبٌ فِي اسْتِئْجَارِ الْمَاءِ مَعَ الْقَنَاةِ وَاسْتِئْجَارِ الْآجَامِ وَالْحِيَاضِ لِلسَّمَكِ] 1 ِ (قَوْلُهُ وَالنَّهْرِ) هُوَ مَجْرَى الْمَاءِ (قَوْلُهُ مَعَ الْمَاءِ) أَيْ تَبَعًا. قَالَ فِي كِتَابِ الشِّرْبِ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ: لَمْ تَصِحَّ إجَارَةُ الشِّرْبِ لِوُقُوعِ الْإِجَارَةِ عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ مَقْصُودًا إلَّا إذَا آجَرَ أَوْ بَاعَ مَعَ الْأَرْضِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ تَبَعًا، وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا مَعَ شِرْبِ أَرْضٍ أُخْرَى عَنْ ابْنِ سَلَامٍ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَلَوْ آجَرَ أَرْضًا مَعَ شِرْبِ أَرْضٍ أُخْرَى لَا يَجُوزُ وَتَمَامُهُ فِيهِ. مَطْلَبٌ الْإِجَارَةِ إذَا وَقَعَتْ عَلَى الْعَيْنِ لَا تَصِحُّ وَالْحِيلَةُ فِيهِ وَذَكَرَ هُنَا الْإِجَارَةَ إذَا وَقَعَتْ عَلَى الْعَيْنِ لَا تَصِحُّ، فَلَا تَجُوزُ عَلَى اسْتِئْجَارِ الْآجَامِ وَالْحِيَاضِ لِصَيْدِ السَّمَكِ أَوْ رَفْعِ الْقَصَبِ وَقَطْعِ الْحَطَبِ أَوْ لِسَقْيِ أَرْضِهَا أَوْ لِغَنَمِهِ مِنْهَا، وَكَذَا إجَارَةُ الْمَرْعَى. وَالْحِيلَةُ فِي الْكُلِّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَوْضِعًا مَعْلُومًا لِعَطَنِ الْمَاشِيَةِ وَيُبِيحَ الْمَاءَ وَالْمَرْعِي، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى إبَاحَةِ مَاءِ الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ إذَا أَتَى الشِّرْبُ عَلَى كُلِّ الْمَاءِ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِذْنِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِحَرِيمِ الْبِئْرِ أَوْ النَّهْرِ. اسْتَأْجَرَ نَهْرًا يَابِسًا أَوْ أَرْضًا أَوْ سَطْحًا مُدَّةً مَعْلُومَةً وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا صَحَّ وَلَهُ أَنْ يُجْرِيَ فِيهِ الْمَاءَ اهـ. مَطْلَبٌ فِي أُجْرَةِ الدَّلَّالِ [تَتِمَّةٌ] قَالَ فِي التتارخانية: وَفِي الدَّلَّالِ وَالسِّمْسَارِ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَمَا تَوَاضَعُوا عَلَيْهِ أَنَّ فِي كُلِّ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ كَذَا فَذَاكَ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ. وَفِي الْحَاوِي: سُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أُجْرَةِ السِّمْسَارِ، فَقَالَ: أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ فَاسِدًا لِكَثْرَةِ التَّعَامُلِ وَكَثِيرٌ مِنْ هَذَا غَيْرُ جَائِزٍ، فَجَوَّزُوهُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ كَدُخُولِ الْحَمَّامِ وَعَنْهُ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ شُجَاعٍ يُقَاطِعُ نَسَّاجًا يَنْسِجُ لَهُ ثِيَابًا فِي كُلِّ سَنَةٍ. مَطْلَبٌ أَسْكَنَ الْمُقْرِضَ فِي دَارِهِ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ اسْتَقْرَضَ دَرَاهِمَ وَأَسْكَنَ الْمُقْرِضَ فِي دَارِهِ، قَالُوا: يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْمُقْرِضِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ إنَّمَا أَسْكَنَهُ فِي دَارِهِ عِوَضًا عَنْ مَنْفَعَةِ الْقَرْضِ لَا مَجَّانًا وَكَذَا لَوْ أَخَذَ الْمُقْرِضُ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ حِمَارًا لِيَسْتَعْمِلَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 63 بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ (الْأُجَرَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مُشْتَرَكٌ وَخَاصٌّ، فَالْأَوَّلُ مَنْ يَعْمَلُ لَا لِوَاحِدٍ) كَالْخَيَّاطِ وَنَحْوِهِ (أَوْ يَعْمَلُ لَهُ عَمَلًا غَيْرَ مُؤَقَّتٍ) كَأَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْخِيَاطَةِ فِي بَيْتِهِ غَيْرِ مُقَيَّدَةٍ بِمُدَّةٍ كَانَ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ لِغَيْرِهِ (أَوْ مُوَقِّتًا بِلَا تَخْصِيصٍ) كَأَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْعَى غَنَمَهُ شَهْرًا بِدِرْهَمٍ كَانَ مُشْتَرَكًا، إلَّا أَنْ يَقُولَ: وَلَا تَرْعَى غَنَمَ غَيْرِي وَسَيَتَّضِحُ. وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: اسْتَأْجَرَ حَائِكًا لِيَنْسِجَ ثَوْبًا ثُمَّ آجَرَ الْحَائِكَ نَفْسَهُ مِنْ آخَرَ لِلنَّسْجِ صَحَّ كِلَا الْعَقْدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ لَا الْمَنْفَعَةُ (وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرَكُ الْأَجْرَ حَتَّى يَعْمَلَ كَالْقَصَّارِ وَنَحْوِهِ) كَفَتَّالٍ وَحَمَّالٍ وَدَلَّالٍ وَمَلَّاحٍ، وَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي كُلِّ عَمَلٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ   [رد المحتار] إلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الدَّرَاهِمَ اهـ وَهَذِهِ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. [بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَنْوَاعِ الْإِجَارَةِ صَحِيحِهَا وَفَاسِدِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعَوَارِضِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَيُحْتَاجُ إلَى بَيَانِهَا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ؛ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَعْنَى ضَمَانِ الْأَجِيرِ إثْبَاتًا وَنَفْيًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ ذَلِكَ بَلْ إثْبَاتَ الضَّمَانِ فَقَطْ لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ عِنْوَانُ الْبَابِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عِنْدَهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَالْخَاصِّ طُورِيٌّ. مَبْحَثٌ لِلْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ. (قَوْلُهُ فَالْأَوَّلُ إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَالسُّؤَالُ عَنْ وَجْهِ تَقْدِيمِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الْخَاصِّ دَوْرِيٌّ اهـ يَعْنِي لَوْ قَدَّمَ الْخَاصَّ لَتَوَجَّهَ السُّؤَالُ عَنْ سَبَبِ تَقْدِيمِهِ عَلَى الْمُشْتَرَكِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ لِتَقْدِيمِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَجْهًا؛ أَمَّا الْمُشْتَرَكُ فَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخَاصِّ مَعَ كَثْرَةِ مَبَاحِثِهِ، وَأَمَّا الْخَاصُّ فَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُفْرَدِ مِنْ الْمُرَكَّبِ، لَكِنَّ تَقْدِيمَ الْمُشْتَرَكِ هُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَابَ بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ وَذَلِكَ فِي الْمُشْتَرَكِ فَتَأَمَّلْ، فَإِنَّ بِمَا ذُكِرَ لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ اخْتِيَارِ تَقْدِيمِ الْمُشْتَرَكِ كَمَا لَا يَخْفَى وَكَانَ لَا بُدَّ مِنْهُ سَعْدِيَّةٌ (قَوْلُهُ مَنْ يَعْمَلُ لَا لِوَاحِدٍ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: مَعْنَاهُ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْتَصَّ بِوَاحِدٍ عَمِلَ لِغَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا لِغَيْرِ وَاحِدٍ، بَلْ إذَا عَمِلَ لِوَاحِدٍ أَيْضًا فَهُوَ مُشْتَرَكٌ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَمْتَنِعُ وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ) أَتَى بِهِ وَإِنْ أَغْنَتْ عَنْهُ الْكَافُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهَا اسْتِقْصَائِيَّةٌ فَافْهَمْ. قَالَ الطُّورِيُّ: وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ الْمُشْتَرَكُ الْحَمَّالُ وَالْمَلَّاحُ وَالْحَائِكُ وَالْخَيَّاطُ وَالنَّدَّافُ وَالصَّبَّاغُ وَالْقَصَّارُ وَالرَّاعِي وَالْحَجَّامُ وَالْبَزَّاغُ وَالْبَنَّاءُ وَالْحَفَّارُ اهـ. (قَوْلُهُ وَسَيَتَّضِحُ) أَيْ فِي بَحْثِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ، لَكِنَّهُ هُنَاكَ أَحَالَ تَحْقِيقَهُ عَلَى الدُّرَرِ وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - (قَوْلُهُ وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى إلَخْ) أَرَادَ بِهِ التَّنْبِيهَ عَلَى حُكْمِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَحُكْمُهُمَا أَيْ الْمُشْتَرَكُ وَالْخَاصُّ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَهُ أَنْ يَتَقَبَّلَ الْعَمَلَ مِنْ أَشْخَاصٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ هُوَ الْعَمَلُ أَوْ أَثَرُهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنْ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَمْ تَصِرْ مُسْتَحَقَّةً لِوَاحِدٍ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ سُمِّيَ مُشْتَرَكًا وَالْخَاصُّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ فِي الْمُدَّةِ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِالْمَنَافِعِ وَلِهَذَا يَبْقَى الْأَجْرُ مُسْتَحَقًّا وَإِنْ نُقِضَ الْعَمَلُ اهـ. قَالَ أَبُو السُّعُودِ: يَعْنِي وَإِنْ نَقَضَ عَمَلَ الْأَجِيرِ رَجُلٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ النَّقْضُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ كَمَا سَيَأْتِي 1 - (قَوْلُهُ حَتَّى يَعْمَلَ) ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَتَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا، فَمَا لَمْ يُسَلِّمْ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَا يُسَلِّمُ لَهُ الْعِوَضَ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ أَوْ أَثَرُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا بُدَّ مِنْ الْعَمَلِ زَيْلَعِيٌّ وَالْمُرَادُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ أُمُورٍ خَارِجِيَّةٍ؛ كَمَا إذَا عَجَّلَ لَهُ الْأَجْرَ أَوْ شَرَطَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 64 مُجْتَبَى (وَلَا يَضْمَنُ مَا هَلَكَ فِي يَدِهِ وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الضَّمَانِ فِي الْأَمَانَةِ بَاطِلٌ كَالْمُودَعِ (وَبِهِ يُفْتَى) كَمَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَبِهِ جَزَمَ أَصْحَابُ الْمُتُونِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ خِلَافًا لِلْأَشْبَاهِ.   [رد المحتار] تَعْجِيلَهُ كَمَا فِي السَّعْدِيَّةِ، وَقَدَّمْنَاهُ أَوَائِلَ كِتَابِ الْإِجَارَةِ، وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ الْأَجْرَ إذَا فَرَغَ وَسَلَّمَهُ فَهَلَكَ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ يَسْقُطُ الْأَجْرُ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ، وَمَا لَا أَثَرَ لَهُ كَحَمَّالٍ لَهُ الْأَجْرُ كَمَا فَرَغَ وَإِنْ لَمْ يَسْلَمْ. (قَوْلُهُ مُجْتَبَى) عِبَارَتُهُ: شَارَطَ قَصَّارًا عَلَى أَنْ يُقَصِّرَ لَهُ ثَوْبًا مَرْوِيًّا بِدِرْهَمٍ وَرَضِيَ بِهِ فَلَمَّا رَأَى الثَّوْبَ الْقَصَّارُ قَالَ: لَا أَرْضَى فَلَهُ ذَلِكَ وَكَذَا الْخَيَّاطُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَحَلِّ وَمَا لَا فَلَا، كَمَنْ اسْتَأْجَرَ لِيَكِيلَ لَهُ هَذِهِ الْحِنْطَةَ أَوْ يُحْجِمَ عَبْدَهُ فَلَمَّا رَأَى مَحَلَّ الْعَمَلِ امْتَنَعَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَالْأَصْلُ أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى عَمَلٍ فِي مَحَلٍّ هُوَ عِنْدَهُ جَائِزٌ وَمَا لَيْسَ عِنْدَهُ فَلَا كَبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ اهـ مِنَحٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قُبَيْلَ الْخَامِسِ 1 - (قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْهَلَاكَ إمَّا بِفِعْلِ الْأَجِيرِ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ إمَّا بِالتَّعَدِّي أَوْ لَا. وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يُمْكِنَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ أَوْ لَا، فَفِي الْأَوَّلِ بِقِسْمَيْهِ يَضْمَنُ اتِّفَاقًا. وَفِي ثَانِي الثَّانِي لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا وَفِي أَوَّلِهِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ الْإِمَامِ مُطْلَقًا وَيَضْمَنُ عِنْدَهُمَا مُطْلَقًا. وَأَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ بِالصُّلْحِ عَلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ إنْ مُصْلِحًا لَا يَضْمَنُ وَإِنْ غَيْرَ مُصْلِحٍ ضَمِنَ، وَإِنْ مَسْتُورًا فَالصُّلْحُ اهـ ح وَالْمُرَادُ بِالْإِطْلَاقِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْمُصْلِحُ وَغَيْرُهُ. مَطْلَبٌ يُفْتَى بِالْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِهِ وَفِي الْبَدَائِعِ: لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُ مَا هَلَكَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَقَالَا يَضْمَنُ إلَّا مِنْ حَرْقٍ غَالِبٍ أَوْ لُصُوصٍ مُكَابِرِينَ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ اهـ. قَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ: فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ كُلُّهَا مُصَحَّحَةٌ مُفْتًى بِهَا، وَمَا أَحْسَنَ التَّفْصِيلِ الْأَخِيرِ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَهُمَا مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَقَوْلُهُمَا قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَبِهِ يُفْتَى احْتِشَامًا لِعُمَرَ وَعَلِيٍّ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَفِي التَّبْيِينِ: وَبِقَوْلِهِمَا يُفْتَى لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ، وَبِهِ يَحْصُلُ صِيَانَةُ أَمْوَالِهِمْ اهـ.؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ رُبَّمَا يَدَّعِي أَنَّهُ سُرِقَ أَوْ ضَاعَ مِنْ يَدِهِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْمُحِيطِ وَالتَّتِمَّةِ: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا فِي الْخَيْرِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ مَلِكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: وَفِي الْمُحِيطِ: الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً فَلَوْ فَاسِدَةً لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ حِينَئِذٍ تَكُونُ أَمَانَةً لِكَوْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ مَضْمُونَةً بِأَجْرِ الْمِثْلِ اهـ. قُلْتُ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا فِيمَا إذَا كَانَ الْهَالِكُ مُحْدَثًا فِيهِ الْعَمَلُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ لِلْحَدَّادِيِّ أَوْ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ مَا يُحْدِثُ فِيهِ الْعَمَلُ، لِمَا فِي الْبَدَائِعِ: رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مُصْحَفًا يَعْمَلُ فِيهِ وَدَفَعَ الْغِلَافَ مَعَهُ أَوْ سِكِّينًا لِيَصْقُلَهُ وَدَفَعَ الْجَفْنَ مَعَهُ، قَالَ مُحَمَّدٌ: يَضْمَنُ الْمُصْحَفَ وَالْغِلَافَ وَالسَّيْفَ وَالْجَفْنَ؛ لِأَنَّ الْمُصْحَفَ وَالسَّيْفَ لَا يَسْتَغْنِيَانِ عَنْ الْغِلَافِ وَالْجَفْنِ، فَإِنْ أَعْطَاهُ مُصْحَفًا يَعْمَلُ لَهُ غِلَافًا أَوْ سِكِّينًا يَعْمَلُ لَهُ نِصَابًا فَضَاعَ الْمُصْحَفُ أَوْ السِّكِّينُ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْجِرْهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهِمَا بَلْ فِي غَيْرِهِمَا اهـ (قَوْلُهُ وَبِهِ جَزَمَ أَصْحَابُ الْمُتُونِ) كَالْوُقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَالْغُرَرِ وَالْإِصْلَاحِ، فَكُلُّهُمْ صَرَّحُوا بِعَدَمِ الضَّمَانِ وَإِنْ شَرَطَهُ. وَأَمَّا الْقُدُورِيُّ وَالْهِدَايَةُ وَالْكَنْزُ وَالْمَجْمَعُ فَأَطْلَقُوا عَدَمَ الضَّمَانِ فَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلْأَشْبَاهِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ إنْ شَرَطَ ضَمَانَهُ ضَمِنَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 65 وَأَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ بِالصُّلْحِ عَلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ، وَقِيلَ إنَّ الْأَجِيرَ مُصْلِحًا لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ بِخِلَافِهِ يَضْمَنُ، وَإِنْ مَسْتُورَ الْحَالِ يُؤْمَرُ بِالصُّلْحِ عِمَادِيَّةٌ. قُلْتُ: وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ؟ حُرِّرَ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ نَعَمْ كَمَنْ تَمَّتْ مُدَّتُهُ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ أَوْ الْبَرِّيَّةِ تَبْقَى الْإِجَارَةُ بِالْجَبْرِ (وَ) يَضْمَنُ (مَا هَلَكَ بِعَمَلِهِ كَتَخْرِيقِ الثَّوْبِ مِنْ دَقِّهِ وَزَلِقِ الْحَمَّالِ وَغَرَقِ السَّفِينَةِ) مِنْ مَدِّهِ جَاوَزَ الْمُعْتَادَ أَمْ لَا بِخِلَافِ الْحَجَّامِ   [رد المحتار] إجْمَاعًا ح. وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ، وَعَزَاهُ ابْنُ مَلِكٍ لِلْجَامِعِ (قَوْلُهُ وَأَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ بِالصُّلْحِ) أَيْ عَمَلًا بِالْقَوْلَيْنِ وَمَعْنَاهُ عَمِلَ فِي كُلِّ نِصْفٍ بِقَوْلٍ حَيْثُ حَطَّ النِّصْفَ وَأَوْجَبَ النِّصْفَ بَزَّازِيَّةٌ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى. قَالَ الزَّاهِدِيُّ: عَلَى هَذَا أَدْرَكْتُ مَشَايِخَنَا بِخُوَارِزْمَ وَأَقَرَّهُ الْقُهُسْتَانِيُّ اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْهُمْ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ والأوزجندي وَأَئِمَّةُ فَرْغَانَةَ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ إنْ الْأَجِيرُ مُصْلِحًا إلَخْ) عَزَاهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ إلَى فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الصُّلْحِ. (قَوْلُهُ حُرِّرَ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ نَعَمْ) حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ يَصِحُّ الصُّلْحُ جَبْرًا. قُلْتُ: الْإِجَارَةُ عَقْدٌ يَجْرِي فِيهَا الْجَبْرُ بَقَاءً أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً أَوْ سَفِينَةً مُدَّةً مَعْلُومَةً وَانْقَضَتْ مُدَّتُهَا فِي وَسْطِ الْبَرِّيَّةِ أَوْ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ فَإِنَّهَا تَبْقَى الْإِجَارَةُ بِالْجَبْرِ وَلَا يَجْرِي الْجَبْرُ فِي ابْتِدَائِهَا، وَهَذِهِ الْحَالَةُ حَالَةُ الْبَقَاءِ فَيَجْرِي فِيهَا الْجَبْرُ اهـ. قُلْتُ: هَذَا السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ مَذْكُورَانِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِالْحَرْفِ مَعَ زِيَادَةٍ فِي الْجَوَابِ، ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْبَزَّازِيَّةِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَبَعْضُهُمْ أَفْتَوْا بِالصُّلْحِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُمَا: وَلَا يُرَدُّ مَا قَالَهُ فِي الْعَوْنِ رُبَّمَا لَا يَقْبَلَانِ: أَيْ الْأَجِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ الصُّلْحَ فَاخْتَرْتُ قَوْلَ الْإِمَامِ، لِمَا قُلْنَا إنَّ الصُّلْحَ مَجَازٌ عَنْ الْحَطِّ. ثُمَّ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَأَئِمَّةُ سَمَرْقَنْدَ أَفْتَوْا بِجَوَازِ الصُّلْحِ بِلَا جَبْرٍ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ فِي الْجَبْرِ وَعَدَمِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ حَطَّ النِّصْفَ وَأَوْجَبَ النِّصْفَ فَإِنَّ الْإِيجَابَ جَبْرِيٌّ وَالصُّلْحَ فِيهِ مَجَازٌ عَنْ الْحَطِّ كَمَا عَلِمْتَ، وَهَذَا قَوْلُ الْأُوزْجَنْدِيِّ وَأَئِمَّةُ خُوَارِزْمَ وَفَرْغَانَةَ كَمَا مَرَّ، وَالثَّانِي قَوْلُ أَئِمَّةِ سَمَرْقَنْدَ، فَمَا فِي الْمِنَحِ مِمَّا يُفِيدُ أَنَّ الْإِمَامَ ظَهِيرَ الدِّينِ رَجَعَ عَنْ الْقَوْلِ بِالْجَبْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِهِ مَهْجُورٌ، إلَّا أَنْ يَنْقُلَ الرُّجُوعَ عَنْ كُلِّ مَنْ قَالَ بِهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ تَبْقَى الْإِجَارَةُ بِالْجَبْرِ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الشَّبَهِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْكَافُ ط، وَبَحَثَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ لِتَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَيَضْمَنُ مَا هَلَكَ بِعَمَلِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّهُ مَا أَوْفَى بِالْمَنْفَعَةِ بَلْ بِالْمَضَرَّةِ. بَدَائِعُ، وَعَمَلُ أَجِيرِهِ مُضَافٌ إلَيْهِ فَيَضْمَنُهُ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ الْأَجِيرُ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرُ وَحْدٍ لَهُ مَا لَمْ يَتَعَدَّ كَمَا سَيَذْكُرُهُ آخَرَ الْبَابِ. (قَوْلُهُ مِنْ دَقِّهِ) أَيْ بِنَفْسِهِ أَوْ بِأَجِيرِهِ، فَلَوْ اسْتَعَانَ بِرَبِّ الثَّوْبِ فَتَخَرَّقَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ أَيِّ دَقٍّ فَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ يَنْبَغِي عَدَمُ الضَّمَانِ لِلشَّكِّ، وَعَنْ الثَّانِي يَضْمَنُ نِصْفَ النُّقْصَانِ كَمَا لَوْ تَمَسَّكَ بِهِ لِاسْتِيفَاءِ الْأَجْرِ فَجَذَبَهُ صَاحِبُهُ فَتَخَرَّقَ حَمَوِيٌّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مُلَخَّصًا. قَالَ فِي التَّبْيِينِ: ثُمَّ صَاحِبُ الثَّوْبِ إنْ شَاءَ ضَمِنَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَمْ يُعْطِهِ الْأَجْرَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَهُ مَعْمُولًا وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ ط مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَزَلَقِ الْحَمَّالِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُرَادُ الْحَمَّالُ عَلَى ظَهْرِهِ مَثَلًا، أَمَّا بِالْجِيمِ فَعَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ جَمَلُ الْجَمَّالِ. قَالَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى: أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ زَحْمَةِ النَّاسِ، فَلَوْ مِنْهَا لَمْ يَضْمَنْ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. قَالَ: وَكَذَا يَضْمَنُ لَوْ سَاقَ الْمُكَارِي دَابَّتَهُ فَعَثَرَتْ فَسَقَطَتْ الْحُمُولَةُ اهـ وَكَذَا يَضْمَنُ بِانْقِطَاعِ الْحَبْلِ الَّذِي يَشُدُّ بِهِ الْمُكَارِي كَمَا فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى، وَلَوْ كَانَ الْحَبْلُ لِصَاحِبِ الْمَتَاعِ فَانْقَطَعَ لَا يَضْمَنُ كَذَا فِي التتارخانية: وَفِي الْبَدَائِعِ: وَكَذَا يَضْمَنُ الرَّاعِ الْمُشْتَرَكُ إذَا سَاقَ الدَّوَابَّ عَلَى السُّرْعَةِ فَازْدَحَمَتْ عَلَى الْقَنْطَرَةِ أَوْ الشَّطِّ فَدَفَعَ بَعْضُهَا بَعْضًا فَسَقَطَتْ فِي الْمَاءِ أَوْ عَطِبَتْ الدَّابَّةُ بِسَوْقِهِ أَوْ ضَرْبِهِ وَلَوْ مُعْتَادًا. (قَوْلُهُ وَغَرَقِ السَّفِينَةِ مِنْ مَدِّهِ) قَيَّدَ بِالْمَدِّ؛ لِأَنَّهَا لَوْ غَرِقَتْ مِنْ رِيحٍ أَوْ مَوْجٍ أَوْ شَيْءٍ وَقَعَ عَلَيْهَا أَوْ صَدْمِ جَبَلٍ فَهَلَكَ مَا فِيهَا لَا يَضْمَنُ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قُلْتُ: وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَجْرُ مَا سَارَتْ السَّفِينَةُ قَبْلَ الْغَرَقِ بِحَاسِبِهِ وَفُرُوعُ الْمَذْهَبِ تَشْهَدُ لِذَلِكَ اهـ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 66 وَنَحْوِهِ كَمَا يَأْتِي عِمَادِيَّةٌ. وَالْفَرْقُ فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ عَلَى خِلَافِ مَا بَحَثَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فَتَأَمَّلْ، لَكِنْ قَوَّى الْقُهُسْتَانِيُّ قَوْلَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فَتَنَبَّهْ. وَفِي الْمُنْيَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ رَبُّ الْمَتَاعِ أَوْ وَكِيلُهُ فِي السَّفِينَةِ فَإِنْ كَانَ لَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الْمُعْتَادَ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْعَمَلِ غَيْرُ مُسْلَمٍ إلَيْهِ. وَفِيهَا حَمَلَ رَبُّ الْمَتَاعِ مَتَاعَهُ عَلَى الدَّابَّةِ وَرَكِبَهَا فَسَاقَهَا الْمُكَارِي   [رد المحتار] سَرِيُّ الدِّينِ عَنْ الْمُجْتَبَى وَهَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ مَعَهُ وَإِلَّا فَلَمْ يُوجَدْ تَسْلِيمٌ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا أَجْرَ لِلْمُشْتَرَكِ إلَّا بِهِ فَتَأَمَّلْ ط. (قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ) كَالْبَزَّاغِ وَالْفَصَّادِ. (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا) حَاصِلُهُ أَنَّ بِقُوَّةِ الثَّوْبِ وَرِقَّتِهِ يُعْلَمُ مَا يَتَحَمَّلُهُ مِنْ الدَّقِّ بِالِاجْتِهَادِ فَأَمْكَنَ تَقْيِيدُهُ بِالسَّلَامَةِ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْقَصْدِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى قُوَّةِ الطَّبْعِ وَضَعْفِهِ وَلَا يَعْرِفُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَا مَا يَتَحَمَّلُ مِنْ الْجَرْحِ فَلَا يُمْكِنُ تَقْيِيدُهُ بِالسَّلَامَةِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ اهـ ح. (قَوْلُهُ عَلَى خِلَافِ مَا بَحَثَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ) حَيْثُ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ عَمَلًا جَاوَزَ فِيهِ الْقَدْرَ الْمُعْتَادَ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْحَجَّامِ اهـ ح (قَوْلُهُ لَكِنْ قَوَّى الْقُهُسْتَانِيُّ) حَيْثُ قَالَ بَلْ يَضْمَنُ بِعَمَلِهِ مَا هَلَكَ مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ عَمَلًا غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ كَالدَّقِّ الْمُخْرِقِ لِلثَّوْبِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَادٍ بِالضَّرُورَةِ وَلِذَا فَسَّرَ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ الْعَمَلَ بِهِ، فَمِنْ الْبَاطِلِ مَا ظَنَّ أَنَّهُ بَطَلَ تَفْسِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا فِي الْكَافِي أَنَّ قُوَّةَ الثَّوْبِ وَرِقَّتِهِ مَثَلًا تُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ فَأَمْكَنَ التَّقْيِيدُ بِالْمُصْلِحِ اهـ ح. أَقُولُ: وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ مُتْلِفٍ يَكُونُ غَيْرَ مُعْتَادٍ فَلَا يَصِحُّ تَقْيِيدُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ بِقَوْلِهِ عَمَلًا غَيْرَ مُعْتَادٍ وَيَبْقَى مُخَالِفًا لِمَا فِي الْكَافِي الْمُفِيدُ أَنَّ الْعَمَلَ الْمُتْلِفَ قَدْ يَكُونُ مُعْتَادًا. هَذَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِهِمْ وَأَنَّ الْكُلَّ يَقُولُونَ: إنَّ الْمُتْلِفَ لِلثَّوْبِ غَيْرُ مُعْتَادٍ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ نَحْوُ الْحَجَّامِ ضَمَانُهُ مُقَيَّدًا بِغَيْرِ الْمُعْتَادِ دُونَ الْمُعْتَادِ أَرَادُوا التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ نَحْوَ الْقَصَّارِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِهَذَا الْقَيْدِ لِيُفِيدُوا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَلَكِنَّ الْخُرُوجَ عَنْ الْمُعْتَادِ فِي نَحْوِ الثَّوْبِ لَا يَظْهَرُ لَنَا إلَّا بِالْإِتْلَافِ، فَحَيْثُ كَانَ مُتْلِفًا عُلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ فَيَضْمَنُ لِتَقْصِيرِهِ فَإِنَّ الْمَاهِرَ فِي صَنْعَتِهِ يُدْرِكُ الْمُتْلِفَ، بِخِلَافِ نَحْوِ الْحَجَّامِ فَإِنَّ لِعَمَلِهِ مَحَلًّا مَخْصُوصًا فَإِذَا لَمْ يَتَجَاوَزْهُ لَا يَضْمَنُ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ إدْرَاكُهُ بِمَهَارَتِهِ فَأُنِيطَ الضَّمَانُ عَلَى مُجَاوَزَتِهِ الْمَحَلَّ الْمَخْصُوصَ، فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ كُلَّ مُتْلِفٍ فِي عَمَلٍ نَحْوُ الْقَصَّارِ خَارِجٌ عَنْ الْمُعْتَادِ. يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَدَائِعِ، وَهُوَ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ بِالِاجْتِهَادِ بِالنَّظَرِ فِي آلَةِ الدَّقِّ وَمَحَلِّهِ وَإِرْسَالِ الْمِدَقَّةِ عَلَى الْمَحَلِّ عَلَى قَدْرِ مَا يَحْتَمِلُهُ مَعَ الْحَذَاقَةِ فِي الْعَمَلِ، وَعِنْدَ مُرَاعَاةِ هَذِهِ الشَّرَائِطِ لَا يَحْصُلُ الْفَسَادُ فَلَمَّا حَصَلَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُقَصِّرٌ وَهُوَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ لَيْسَ بِعُذْرٍ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَإِنْ كَانَ فِي التَّعْبِيرِ مُسَامَحَةٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَتَنَبَّهْ) لَعَلَّهُ يُشِيرُ إلَى مَا قُلْنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ إلَخْ) الْإِشَارَةُ إلَى الضَّمَانِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ ضِمْنًا. مَطْلَبٌ ضَمَانُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ مُقَيَّدٌ بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ وَحَاصِلُ مَا فِي الطُّورِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ ضَمَانَ الْمُشْتَرَكِ مَا تَلِفَ مُقَيَّدٌ بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ: أَنْ يَكُونَ فِي قُدْرَتِهِ رَفْعُ ذَلِكَ فَلَوْ غَرِقَتْ بِمَوْجٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ صَدْمَةِ جَبَلٍ لَا يَضْمَنُ وَأَنْ يَكُونَ مَحَلَّ الْعَمَلِ مُسْلَمًا إلَيْهِ بِالتَّخْلِيَةِ، فَلَوْ رَبُّ الْمَتَاعِ أَوْ وَكِيلُهُ فِي السَّفِينَةِ لَا يَضْمَنُ، وَأَنْ يَكُونَ الْمَضْمُونُ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُضَمْنَ بِالْعَقْدِ فَلَا يُضْمَنُ الْآدَمِيُّ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الْمُعْتَادَ) وَلَمْ يَتَعَمَّدَ الْفَسَادَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَكَانَ بِأَمْرٍ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ أَفَادَهُ الْمَكِّيُّ ط 1 - (قَوْلُهُ وَرَكِبَهَا إلَخْ) وَكَذَا إذَا كَانَ هُوَ وَالْمُكَارِي رَاكِبَيْنِ عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ سَائِقَيْنِ وَقَائِدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ فِي أَيْدِيهِمَا فَلَمْ يَنْفَرِدْ الْأَجِيرُ بِالْيَدِ. وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا سُرِقَ مِنْ رَأْسِ الْحَمَّالِ وَرَبُّ الْمَتَاعِ يَمْشِي مَعَهُ لَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخِلَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 67 فَعَثَرَتْ وَفَسَدَ الْمَتَاعُ لَا يَضْمَنُ إجْمَاعًا وَقَدَّمْنَا. قُلْتُ عَنْ الْأَشْبَاهِ مُعَزِّيًا لِلزَّيْلَعِيِّ: إنَّ الْوَدِيعَةَ بِأَجْرٍ مَضْمُونَةٌ فَلْيُحْفَظْ (وَلَا يَضْمَنُ بِهِ بَنِي آدَمَ مُطْلَقًا مِمَّنْ غَرِقَ فِي السَّفِينَةِ أَوْ سَقَطَ عَنْ الدَّابَّةِ وَإِنْ كَانَ بِسُوقِهِ أَوْ وُقُودِهِ) ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ لَا يَضْمَنُ بِالْعَقْدِ بَلْ بِالْجِنَايَةِ وَلَا جِنَايَةَ لِإِذْنِهِ فِيهِ (وَإِنْ انْكَسَرَ دَنٌّ فِي الطَّرِيقِ) إنْ شَاءَ الْمَالِكُ (ضَمَّنَ الْحَمَّالَ قِيمَتَهُ فِي مَكَانِ حَمْلِهِ وَلَا أَجْرَ أَوْ فِي مَوْضِعِ الْكَسْرِ وَأَجْرُهُ بِحِسَابِهِ) وَهَذَا لَوْ انْكَسَرَ بِصُنْعِهِ وَإِلَّا بِأَنْ زَاحَمَهُ النَّاسُ فَانْكَسَرَ فَلَا ضَمَانَ خِلَافًا لَهُمَا. (وَلَا ضَمَانَ عَلَى حَجَّامٍ وَبِزَاغِ) أَيْ بَيْطَارٍ (وَفِصَادٍ لَمْ يُجَاوِزْ الْمَوْضِعَ الْمُعْتَادَ، فَإِنْ جَاوَزَ) الْمُعْتَادَ (ضَمِنَ الزِّيَادَةَ كُلَّهَا إذَا لَمْ يَهْلَكْ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (وَإِنْ هَلَكَ ضَمِنَ نِصْفَ دِيَةِ النَّفْسِ) لِتَلَفِهَا بِمَأْذُونٍ فِيهِ وَغَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَتَنَصَّفُ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ:   [رد المحتار] الْمَتَاعِ، وَقَالُوا: إذَا كَانَ الْمَتَاعُ فِي سَفِينَتَيْنِ وَصَاحِبُهُ فِي إحْدَاهُمَا وَهُمَا مَقْرُونَتَانِ أَوْ لَا إلَّا أَنْ سَيَّرَهُمَا وَحَبَسَهُمَا جَمِيعًا لَا يَضْمَنُ الْمَلَّاحُ، وَكَذَا الْقِطَارُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حُمُولَةٌ وَرَبُّهَا عَلَى بَعِيرٍ أَنَّ الْمَتَاعَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ الْحَافِظُ لَهُ بَدَائِعُ، وَفِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي قَرِيبًا. (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا) أَيْ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ أَرَادَ بِهِ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ الْمُودِعَ بِأَجْرٍ يُخَالِفُ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ، وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَضْمَنُ إلَخْ كَمَا فَعَلَ الزَّيْلَعِيُّ. وَذَكَرَ الْفَرْقَ بِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ هُوَ الْعَمَلُ وَالْحِفْظُ وَاجِبٌ تَبَعًا بِخِلَافِ الْمُودِعِ بِأَجْرٍ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ مَقْصُودٌ بِبَدَلٍ. أَقُولُ: وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْوَدِيعَةِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الضَّمَانِ عَلَى الْأَمِينِ بَاطِلٌ بِهِ يُفْتَى اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: دَفَعَ إلَى صَاحِبِ الْحَمَّامِ وَاسْتَأْجَرَهُ وَشَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ إذَا تَلِفَ لَا أَثَرَ لَهُ فِيمَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الْحَمَّامِيَّ عِنْدَ اشْتِرَاطِ الْأَجْرِ لِلْحِفْظِ وَالثِّيَابِيُّ كَالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ اهـ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَقِيلَ عَدَمُ الضَّمَانِ إذَا كَانَ كَبِيرًا يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ وَيَرْكَبُ وَحْدَهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمَتَاعِ ط عَنْ الْمَكِّيِّ (قَوْلُهُ بَلْ بِالْجِنَايَةِ) وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَضَمَانُ الْعُقُودِ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ لِإِذْنِهِ فِيهِ) أَيْ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ أَصِيلًا أَوْ وَلِيًّا لِعَبْدٍ أَوْ صَغِيرٍ. (قَوْلُهُ وَإِنْ انْكَسَرَ دَنٌّ إلَخْ) فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْمُنْتَقَى: حَمَلَ مَتَاعًا وَصَاحِبُهُ مَعَهُ فَعَثَرَ وَسَقَطَ الْمَتَاعُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ عِثَارَهُ جِنَايَةُ يَدِهِ: اسْتَأْجَرَ حُمُولَةً بِعَيْنِهَا وَرَبُّ الْمَتَاعِ مَعَهُ فَسَاقَ الْمُكَارِي فَعَثَرَتْ الدَّابَّةُ ضَمِنَ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ أَفْسَدَهُ بِيَدِهِ اهـ وَلْيُنْظَرْ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَلَعَلَّهُ اخْتِلَافُ رِوَايَةٍ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا سَاقَهَا بِعُنْفٍ تَأَمَّلْ: ثُمَّ رَأَيْتُ صَاحِبَ الذَّخِيرَةِ فَرَّقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ رَاكِبًا عَلَيْهَا فَعَثَرَتْ مِنْ سَوْقِ الْأَجِيرِ لَا يَضْمَنُ وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَ يَسِيرُ خَلْفَهَا مَعَ الْأَجِيرِ فَيَضْمَنُ وَتَمَامُهُ فِيهَا (قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ) قَيَّدَ بِهِ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَإِنْ حَمَلَهُ إلَى بَيْتِ صَاحِبِهِ ثُمَّ أَنْزَلَهُ الْحَمَّالُ مِنْ رَأْسِهِ وَصَاحِبُ الزِّقِّ فَوَقَعَ مِنْ أَيْدِيهِمَا ضَمِنَ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الْأَوَّلُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يَضْمَنُ. (قَوْلُهُ بِصُنْعِهِ) يَشْمَلُ مَا لَوْ زَلِقَتْ رِجْلُهُ فِي الطَّرِيقِ أَوْ غَيْرِهِ فَسَقَطَ وَفَسَدَ حَمْلُهُ بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ فَلَا ضَمَانَ) ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ فِي مَوْضِعِ الْكَسْرِ بِلَا خِيَارٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ زَحَمَهُ النَّاسُ حَتَّى فَسَدَ لَمْ يَضْمَنْ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ حِفْظُ نَفْسِهِ عَنْ ذَلِكَ فَكَانَ بِمَعْنَى الْحَرْقِ الْغَالِبِ وَلَوْ كَانَ الْحَمَّالُ هُوَ الَّذِي زَاحَمَ النَّاسَ ضَمِنَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَيْ بَيْطَارٍ) فَهُوَ خَاصٌّ بِالْبَهَائِمِ. (قَوْلُهُ لَمْ يُجَاوِزْ الْمَوْضِعَ الْمُعْتَادَ) أَيْ وَكَانَ بِالْإِذْنِ. قَالَ فِي الْكَافِي: عِبَارَةُ الْمُخْتَصَرِ نَاطِقَةٌ بِعَدَمِ التَّجَاوُزِ وَسَاكِتَةٌ عَنْ الْإِذْنِ، وَعِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ نَاطِقَةٌ بِالْإِذْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 68 فَلَوْ قَطَعَ الْخَتَّانُ الْحَشَفَةَ وَبَرِئَ الْمَقْطُوعُ تَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَرِئَ كَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْحَشَفَةِ وَهِيَ عُضْوٌ كَامِلٌ كَاللِّسَانِ (وَإِنْ مَاتَ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُهَا) لِحُصُولِ تَلَفِ النَّفْسِ بِفِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا مَأْذُونٌ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْجِلْدَةِ وَالْآخَرُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْحَشَفَةِ فَيَضْمَنُ النِّصْفَ وَلَوْ شَرَطَ عَلَى الْحَجَّامِ وَنَحْوِهِ الْعَمَلَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْرِي لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ إلَّا إذَا فَعَلَ غَيْرَ الْمُعْتَادِ فَيَضْمَنُ عِمَادِيَّةٌ. وَفِيهَا سُئِلَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ عَنْ فَصَادَ قَالَ لَهُ غُلَامٌ أَوْ عَبْدٌ: أَفْصِدْنِي فَفَصَدَ فَصْدًا مُعْتَادًا فَمَاتَ بِسَبَبِهِ. قَالَ: تَجِبُ دِيَةُ الْحُرِّ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ عَلَى عَاقِلَةِ الْفَصَّادِ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ. وَسُئِلَ عَنْ مَنْ فَصَدَ نَائِمًا وَتَرَاكَهُ حَتَّى مَاتَ مِنْ السَّيْلَانِ قَالَ يَجِبُ الْقِصَاصُ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَجِيرُ (الْخَاصُّ) وَيُسَمَّى أَجِيرَ وَحْدٍ (وَهُوَ مَنْ يَعْمَلُ لِوَاحِدٍ عَمَلًا مُؤَقَّتًا بِالتَّخْصِيصِ وَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ أَوْ) شَهْرًا (لِرَعْيِ الْغَنَمِ) الْمُسَمَّى بِأَجْرٍ مُسَمًّى بِخِلَافِ مَا لَوْ آجَرَ الْمُدَّةَ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِلرَّعْيِ شَهْرًا حَيْثُ يَكُونُ مُشْتَرَكًا إلَّا إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يَخْدُمَ غَيْرَهُ وَلَا يَرْعَى لِغَيْرِهِ فَيَكُونُ خَاصًّا   [رد المحتار] سَاكِتَةٌ عَنْ التَّجَاوُزِ فَصَارَ مَا نَطَقَ بِهِ هَذَا بَيَانًا لِمَا سَكَتَ عَنْهُ الْآخَرُ، وَيُسْتَفَادُ بِمَجْمُوعِ الرِّوَايَتَيْنِ اشْتِرَاطُ عَدَمِ التَّجَاوُزِ وَالْإِذْنِ لِعَدَمِ الضَّمَانِ، حَتَّى إذَا عُدِمَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا يَجِبُ الضَّمَانُ انْتَهَى طُورِيٌّ وَعَلَيْهِ مَا يَأْتِي عَنْ الْعِمَادِيَّةِ. (قَوْلُهُ فَلَوْ قَطَعَ الْخَتَّانُ الْحَشَفَةَ) أَيْ كُلَّهَا: قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَبِقَطْعِ بَعْضِهَا يَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ كَمَا ذَكَرَهُ الأتقاني. (قَوْلُهُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: هَذَا مِنْ أَعْجَبِ الْمَسَائِلِ حَيْثُ وَجَبَ الْأَكْثَرُ بِالْبُرْءِ وَالْأَقَلُّ بِالْهَلَاكِ. (قَوْلُهُ تَجِبُ دِيَةُ الْحُرِّ) أَيْ لَوْ كَانَ الْغُلَامُ حُرًّا وَقِيمَةُ الْعَبْدِ لَوْ كَانَ عَبْدًا، قَالَ ح؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يُعْتَبَرْ إذْنُهُمَا لِلْحَجْرِ عَلَيْهِمَا فِي الْأَقْوَالِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ) أَيْ مِنْ الْقَتْلِ خَطَأً إذْ لَمْ يَتَعَمَّدْ قَتْلَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ عَدَمُ مُجَاوَزَةِ الْفِعْلِ الْمُعْتَادِ ط (قَوْلُهُ قَالَ يَجِبُ الْقِصَاصُ) ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِمُحَدِّدٍ ط أَيْ وَهُوَ قَاصِدٌ لِقَتْلِهِ فَكَانَ عَمْدًا. (قَوْلُهُ وَيُسَمَّى أَجِيرُ وَحْدٍ) بِالْإِضَافَةِ خِلَافُ الْمُشْتَرَكِ مِنْ الْوَحْدِ بِمَعْنَى الْوَحِيدِ، وَمَعْنَاهُ أَجِيرُ الْمُسْتَأْجِرِ الْوَاحِدِ. وَفِي مَعْنَاهُ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ؛ وَلَوْ حَرَّكَ الْحَاءَ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ رَجُلٌ وَحَدٌ بِفَتْحَتَيْنِ: أَيْ مُنْفَرِدٌ مُغْرِب، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَسَنَذْكُرُ مَا يُفِيدُ أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ وَهُوَ مَنْ يَعْمَلُ) صَوَابَهُ إسْقَاطُ الْعَاطِفِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ ح. [مَبْحَثُ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ] 1 ِّ (قَوْلُهُ لِوَاحِدٍ) أَيْ لِمُعَيَّنٍ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ رَجُلًا لِرَعْيِ غَنَمٍ لَهُمَا أَوْ لَهُمْ خَاصَّةً كَانَ أَجِيرًا خَاصًّا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ اهـ فَخَرَجَ مَنْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِ مَنْ اسْتَأْجَرَهُ أَوَّلًا. (قَوْلُهُ عَمَلًا مُؤَقَّتًا) خَرَجَ مَنْ يَعْمَلُ لِوَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ كَالْخَيَّاطِ إذَا عَمِلَ لِوَاحِدٍ وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّةً ح. (قَوْلُهُ بِالتَّخْصِيصِ) خَرَجَ نَحْوُ الرَّاعِي إذَا عَمِلَ لِوَاحِدٍ عَمَلًا مُؤَقَّتًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرُطَ عَلَيْهِ عَدَمَ الْعَمَلِ لِغَيْرِهِ. قَالَ ط: وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا اُسْتُؤْجِرَ شَهْرًا لِرَعْيِ الْغَنَمِ كَانَ خَاصًّا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ التَّخْصِيصَ، فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالتَّخْصِيصِ أَنْ لَا يُذْكَرَ عُمُومًا سَوَاءٌ ذَكَرَ التَّخْصِيصَ أَوْ أَهْمَلَهُ، فَإِنَّ الْخَاصَّ يَصِيرُ مُشْتَرَكًا بِذِكْرِ التَّعْمِيمِ كَمَا يَأْتِي فِي عِبَارَةِ الدُّرَرِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ) أَيْ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْعَمَلِ، فَلَوْ سَلَّمَ نَفْسَهُ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ لِعُذْرٍ كَمَطَرٍ وَنَحْوِهِ لَا أَجْرَ لَهُ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الذَّخِيرَةِ. (قَوْلُهُ لِلْخِدْمَةِ) أَيْ لِخِدْمَةِ الْمُسْتَأْجِرِ وَزَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ وَوَظِيفَتُهُ الْخِدْمَةُ الْمُعْتَادَةُ مِنْ السَّحَرِ إلَى أَنْ تَنَامَ النَّاسُ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ وَأَكْلُهُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ، فَلَوْ شَرَطَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَعَلَفِ الدَّابَّةِ فَسَدَ الْعَقْدُ كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، لَكِنْ قَالَ الْفَقِيهُ: فِي زَمَانِنَا الْعَبْدُ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ حَمَوِيٌّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ، وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ ط: أَيْ أَوَّلِ الْبَابِ السَّابِقِ. (قَوْلُهُ أَوْ لِرَعْيِ الْغَنَمِ الْمُسَمَّى) كَذَا قَيَّدَهُ فِي الدُّرَرِ وَالتَّبْيِينِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ: لَوْ اسْتَأْجَرَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 69 وَتَحْقِيقُهُ فِي الدُّرَرِ وَلَيْسَ لِلْخَاصِّ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ عَمِلَ نَقَصَ مِنْ أُجْرَتِهِ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ فَتَاوَى النَّوَازِلِ (وَإِنْ) (هَلَكَ فِي الْمُدَّةِ نِصْفُ الْغَنَمِ أَوْ أَكْثَرُ) مِنْ نِصْفِهِ (فَلَهُ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً) مَا دَامَ يَرْعَى مِنْهَا شَيْئًا، لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ جَوْهَرَةٌ، وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ بَقَاءُ الْأُجْرَةِ لَوْ هَلَكَ كُلُّهَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْعِمَادِيَّةِ (وَلَا يَضْمَنُ مَا هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ بِعَمَلِهِ) كَتَخْرِيقِ الثَّوْبِ مِنْ دَقِّهِ   [رد المحتار] خَبَّازًا لِيَخْبِزَ لَهُ كَذَا بِدِرْهَمٍ فَسَدَ عِنْدَ الْإِمَامِ لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْعَمَلِ وَالْوَقْتِ فَيُخَالِفُ مَا هُنَا، وَلِذَا قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ كَانَ فَاسِدًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَصِحَّتُهُ أَنْ يَلِيَ ذِكْرُ الْمُدَّةِ الْأَجْرَ اهـ. قُلْتُ: وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ مَا يَقْتَضِي وُجُوبَ حَذْفِ قَوْلِهِ الْمُسَمَّى فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ وَتَحْقِيقُهُ فِي الدُّرَرِ) وَنَصُّهُ: اعْلَمْ أَنَّ الْأَجِيرَ لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِرَعْيِ الْغَنَمِ إنَّمَا يَكُونُ أَجِيرًا خَاصًّا إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَخْدُمَ غَيْرَهُ أَوْ لَا يَرْعَى لِغَيْرِهِ أَوْ ذَكَرَ الْمُدَّةَ أَوَّلًا، نَحْوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَاعِيًا شَهْرًا لِيَرْعَى لَهُ غَنَمًا مُسَمَّاةً بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ فَإِنَّهُ أَجِيرٌ خَاصٌّ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ. أَقُولُ: سِرُّهُ أَنَّهُ أَوْقَعَ الْكَلَامَ عَلَى الْمُدَّةِ فِي أَوَّلِهِ فَتَكُونُ مَنَافِعُهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَيَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهِ فِيهَا أَيْضًا، وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِتَرْعَى الْغَنَمُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِإِيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَى الْعَمَلِ فَيَصِيرُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا؛ لِأَنَّهُ مَنْ يَقَعُ عَقْدُهُ عَلَى الْعَمَلِ، وَأَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ نَوْعِ الْعَمَلِ الْوَاجِبِ عَلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ فِي الْمُدَّةِ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الْمُدَّةِ لَا تَصِحُّ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ مَا لَمْ يُبَيِّنْ نَوْعَ الْعَمَلِ؛ بِأَنْ يَقُولَ: اسْتَأْجَرْتُكَ شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِلْحَصَادِ فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الْأَوَّلِ بِالِاحْتِمَالِ فَيَبْقَى أَجِيرُ وَحْدٍ مَا لَمْ يُنَصَّ عَلَى خِلَافِهِ بِأَنْ يَقُولَ: عَلَى أَنْ تَرْعَى غَنَمَ غَيْرِي مَعَ غَنَمِي وَهَذَا ظَاهِرٌ أَوْ أَخَّرَ الْمُدَّةَ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْعَى غَنَمًا مُسَمَّاةً لَهُ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ شَهْرًا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا بِأَوَّلِ الْكَلَامِ لِإِيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَى الْعَمَلِ فِي أَوَّلِهِ، وَقَوْلُهُ شَهْرًا فِي آخِرِ الْكَلَامِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِإِيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَى الْمُدَّةِ فَيَصِيرَ أَجِيرَ وَحْدٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِتَقْدِيرِ الْعَمَلِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ أَوَّلُ كَلَامِهِ بِالِاحْتِمَالِ مَا لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِهِ اهـ. [مَطْلَبٌ لَيْسَ لِلْأَجِيرِ الْخَاصِّ أَنْ يُصَلِّيَ النَّافِلَةَ] 1 َ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْخَاصِّ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ) بَلْ وَلَا أَنْ يُصَلِّيَ النَّافِلَةَ. قَالَ فِي التتارخانية: وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَوْمًا يَعْمَلُ كَذَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ إلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ وَلَا يَشْتَغِلَ بِشَيْءٍ آخَرَ سِوَى الْمَكْتُوبَةِ وَفِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ السُّنَّةَ أَيْضًا. وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يُؤَدِّي نَفْلًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ: لَا يُمْنَعُ فِي الْمِصْرِ مِنْ إتْيَانِ الْجُمُعَةِ، وَيَسْقُطُ مِنْ الْأَجِيرِ بِقَدْرِ اشْتِغَالِهِ إنْ كَانَ بَعِيدًا، وَإِنْ قَرِيبًا لَمْ يُحَطَّ شَيْءٌ فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا وَاشْتَغَلَ قَدْرَ رُبْعِ النَّهَارِ يُحَطُّ عَنْهُ رُبْعُ الْأُجْرَةِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ عَمِلَ نَقَصَ مِنْ أُجْرَتِهِ إلَخْ) قَالَ فِي التتارخانية: نَجَّارٌ اُسْتُؤْجِرَ إلَى اللَّيْلِ فَعَمِلَ لِآخَرَ دَوَاةً بِدِرْهَمٍ وَهُوَ يَعْلَمُ فَهُوَ آثِمٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُنْقَصُ مِنْ أَجْرِ النَّجَّارِ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ فِي الدَّوَاةِ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ إلَخْ) أَيْ فَقَوْلُ الْجَوْهَرَةِ مَا دَامَ يَرْعَى مِنْهَا شَيْئًا لَا مَفْهُومَ لَهُ. وَرَأَيْتُ بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ أَنَّ مُرَادَ الْجَوْهَرَةِ تَحْقِيقُ تَسْلِيمِ نَفْسِهِ بِذَلِكَ لَا شَرْطُ اسْتِحْقَاقِ الْأَجْرِ كَمَا فَهِمَ الْمُصَنِّفُ وَالْمُتُونُ وَالتَّعْلِيلُ يُفِيدُهُ اهـ وَهُوَ حَسَنٌ. (قَوْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْعِمَادِيَّةِ) وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِتَصْرِيحِ الْمُتُونِ بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ. [فَرْعٌ] أَرَادَ رَبُّ الْغَنَمِ أَنْ يَزِيدَ فِيهَا مَا يُطِيقُ الرَّاعِي لَهُ ذَلِكَ لَوْ خَاصًّا؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الرَّعْيِ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ، وَلَهُ أَنْ يُكَلِّفَ عَبْدَهُ مِنْ الرَّعْيِ مَا يُطِيقُ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ مَا هَلَكَ فِي يَدِهِ) أَيْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَوْلُهُ أَوْ بِعَمَلِهِ: أَيْ الْمَأْذُونِ فِيهِ، فَإِنْ أَمَرَهُ بِعَمَلٍ فَعَمِلَ غَيْرَهُ ضَمِنَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ تَتَارْخَانِيَّةٌ. وَفِيهَا: وَإِذَا سَاقَ الرَّاعِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 70 إلَّا إذَا تَعَمَّدَ الْفَسَادَ فَيَضْمَنُ كَالْمُودِعِ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ (فَلَا ضَمَانَ عَلَى ظِئْرٍ فِي صَبِيٍّ ضَاعَ فِي يَدِهَا أَوْ سَرَقَ مَا عَلَيْهِ) مِنْ الْحُلِيِّ لِكَوْنِهَا أَجِيرَ وَحْدٍ وَكَذَا لَا ضَمَانَ عَلَى حَارِسِ السُّوقِ وَحَافِظِ الْخَانِ   [رد المحتار] الْغَنَمَ فَنَطَحَ أَوْ وَطِئَ بَعْضُهَا بَعْضًا مِنْ سَوْقِهِ، فَإِنْ كَانَ الرَّعْيُ مُشْتَرَكًا ضَمِنَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ لِقَوْمٍ شَتَّى وَهُوَ أَجِيرُ أَحَدِهِمْ. وَإِنْ كَانَ خَاصًّا فَإِنْ كَانَتْ الْأَغْنَامُ لِوَاحِدٍ لَا ضَمَانَ وَإِنْ لِاثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ ضَمِنَ. وَصُورَةُ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ فِي حَقِّ الِاثْنَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَجُلَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ رَاعِيًا شَهْرًا لِيَرْعَى غَنَمًا لَهُمَا أَوْ لَهُمْ اهـ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: فَقَدْ فَرَّقَ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِوَاحِدٍ أَوْ لِغَيْرِ وَاحِدٍ يَحْفَظُ هَذَا جِدًّا اهـ. قُلْتُ: وَمُفَادُهُ أَنَّ بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْوَحْدِ عُمُومًا مُطْلَقًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَا يَضْمَنُ لَوْ هَلَكَ شَيْءٌ فِي سَقْيٍ أَوْ رَعْيٍ وَلَوْ ذَبَحَهَا الرَّاعِي أَوْ الْأَجْنَبِيُّ ضَمِنَ لَوْ رَجَى حَيَاتَهَا أَوْ أُشْكِلَ أَمْرُهَا، وَلَوْ تَيَقَّنَ مَوْتَهَا لَا لِلْإِذْنِ دَلَالَةً هُوَ الصَّحِيحُ، وَلَا يُذْبَحُ الْحِمَارُ وَلَا الْبَغْلُ إذْ لَا يَصْلُحُ لَحْمُهُمَا وَلَا الْفَرَسُ عِنْدَهُ لِكَرَاهَتِهِ تَحْرِيمًا، وَلَوْ قَالَ: ذَبَحْتُهَا لِمَرَضِهَا لَمْ يُصَدَّقْ إنْ كَذَّبَهُ لِإِقْرَارِهِ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَيُصَدَّقُ فِي الْهَلَاكِ وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَأْتِيَهُ بِسِمَةِ مَا هَلَكَ اهـ مُلَخَّصًا. أَيْ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ كَالْمُودِعِ) أَيْ إذَا تَعَمَّدَ الْفَسَادَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ ط. (قَوْلُهُ لِكَوْنِهَا أَجِيرَ وَحْدٍ) قَالَ أَبُو السُّعُودِ: الْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسَائِلَ فِي الظِّئْرِ تَعَارَضَتْ، فَمِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فِي مَعْنَى أَجِيرِ الْوَحْدِ كَقَوْلِهِمْ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِي هَذِهِ، وَمِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمُشْتَرَكِ كَقَوْلِهِمْ: إنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ إذَا أَجَّرَتْ نَفْسَهَا لَهُمَا. قَالَ الأتقاني: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ دَفَعَ الْوَلَدَ إلَيْهَا لِتُرْضِعَهُ فَهِيَ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ وَإِنْ حَمَلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ فَهِيَ أَجِيرُ وَحْدٍ اهـ مُلَخَّصًا ط. [مَطْلَبٌ فِي الْحَارِسِ وَالْخَانَاتِيِّ] 1 ِّ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَا ضَمَانَ عَلَى حَارِسِ السُّوقِ وَحَافِظِ الْخَانِ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، اُسْتُؤْجِرَ رَجُلٌ لِحِفْظِ خَانٍ أَوْ حَوَانِيتَ فَضَاعَ مِنْهَا شَيْءٌ: قِيلَ ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَوْ ضَاعَ مِنْ خَارِجِ الْحُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ وَقِيلَ لَا فِي الصَّحِيحِ، وَبِهِ يُفْتَى؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ خَاصٌّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَشْغَلَ نَفْسَهُ فِي صُنْعٍ آخَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ ضَاعَ مِنْ دَاخِلِهَا بِأَنْ نَقَّبَ اللِّصُّ فَلَا يَضْمَنُ الْحَارِسُ فِي الْأَصَحِّ إذْ الْأَمْوَالُ الْمَحْفُوظَةُ فِي الْبُيُوتِ فِي يَدِ مَالِكِهَا وَحَارِسُ السُّوقِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ اهـ وَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. قَالَ فِي الْحَامِدِيَّةِ: وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا كَسَرَ قُفْلَ الدُّكَّانِ وَأَخَذَ الْمَتَاعَ يَضْمَنُ الْحَارِسُ اهـ. قُلْتُ: إنَّمَا يَظْهَرُ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ خَاصٌّ فَلَا لِمَا سَمِعْتُ مِنْ الْمُفْتَى لَهُ نَعَمْ بِشَكْلِ مَا مَرَّ آنِفًا عَنْ التتارخانية وَالذَّخِيرَةِ فِي الرَّاعِي لَوْ كَانَ خَاصًّا لِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ يَضْمَنُ فَلْيُتَأَمَّلْ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إذَا كُسِرَ الْقُفْلُ يَكُونُ بِنَوْمِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ فَهُوَ مُفَرِّطٌ فَيَضْمَنُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ السُّوقِ فَكَأَنَّهُمْ اسْتَأْجَرُوهُ وَلَكِنَّ هَذَا إنْ كَانَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ رَئِيسَهُمْ وَيَحِلُّ لَهُ الْأُجْرَةُ. وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ كَرِهُوا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 71 (وَصَحَّ تَرْدِيدُ الْأَجْرِ بِالتَّرْدِيدِ فِي الْعَمَلِ) كَإِنْ خِطَّهُ فَارِسِيًّا بِدِرْهَمٍ أَوْ رُومِيًّا بِدِرْهَمَيْنِ (وَزَمَانِهِ فِي الْأَوَّلِ) كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ مُلْحَقًا وَلَمْ يَشْرَحْهُ وَسَيَتَّضِحُ. قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَمَعْنَاهُ يَجُوزُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي كَإِنْ خِطَّهُ الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ أَوْ غَدًا فَبِنِصْفِهِ (وَمَكَانِهِ) كَإِنْ سَكَنْتَ هَذِهِ الدَّارَ فَبِدِرْهَمٍ أَوْ هَذِهِ فَبِدِرْهَمَيْنِ (وَالْعَامِلِ) كَإِنْ سَكَّنْتَ عَطَّارًا فَبِدِرْهَمٍ أَوْ حَدَّادًا فَبِدِرْهَمَيْنِ (وَالْمَسَافَةِ) كَإِنْ ذَهَبْتَ لِلْكُوفَةِ فَبِدِرْهَمٍ أَوْ لِلْبَصْرَةِ فَبِدِرْهَمَيْنِ (وَالْحَمْلِ) كَإِنْ حَمَلْتَ شَعِيرًا فَبِدِرْهَمٍ أَوْ بُرًّا فَبِدِرْهَمَيْنِ وَكَذَا لَوْ خَيَّرَهُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَلَوْ بَيْنَ أَرْبَعَةٍ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الْبَيْع وَيَجِبُ أَجْرُ مَا وَجَدَ إلَّا فِي تَخْيِيرِ الزَّمَانِ فَيَجِبُ بِخِيَاطَتِهِ فِي الْأَوَّلِ مَا سَمَّى وَفِي الْغَدِ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ وَلَوْ خَاطَهُ بَعْدَ غَدٍ لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ وَفِيهِ خِلَافُهُمَا (بَنَى الْمُسْتَأْجِرُ تَنُّورًا أَوْ دُكَّانًا) عِبَارَةُ الدُّرَرِ أَوْ كَانُونًا (فِي الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَاحْتَرَقَ بَعْضُ بُيُوتِ الْجِيرَانِ أَوْ الدَّارُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ بَنَى بِإِذْنِ رَبِّ الدَّارِ أَوْ لَا (إلَّا أَنْ يُجَاوِزَ مَا يَصْنَعُهُ النَّاسُ) فِي وَضْعِهِ وَإِيقَادِ نَارٍ لَا يُوقِدُ مِثْلَهَا فِي التَّنُّورِ وَالْكَانُونِ. (اسْتَأْجَرَ حِمَارًا فَضَلَّ عَنْ الطَّرِيقِ، إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُهُ بَعْدَ الطَّلَبِ لَا يَضْمَنُ، كَذَا رَاعٍ نَدَّ مِنْ قَطِيعِهِ شَاةٌ فَخَافَ عَلَى الْبَاقِي) الْهَلَاكَ (إنْ تَبِعَهَا) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ الْحِفْظَ بِعُذْرٍ   [رد المحتار] وَلَمْ يَرْضَوْا فَكَرَاهَتُهُمْ بَاطِلَةٌ (قَوْلُهُ وَصَحَّ تَرْدِيدُ الْأَجْرِ) قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَرْدِيدِهِ وَنَفْيِهِ لِمَا فِي الْمُحِيطِ: إنْ خِطَّهُ الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ. وَإِنْ غَدًا فَلَا أَجْرَ لَكَ. قَالَ مُحَمَّدُ: إنْ خَاطَهُ فِي الْأَوَّلِ فَلَهُ دِرْهَمٌ وَإِنْ فِي الثَّانِي فَأَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُزَادَ عَلَى دِرْهَمٍ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا طُورِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَصَحَّ. (قَوْلُهُ مُلْحَقًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ: لَيْسَ فِي مَتْنِهِ وَكَتَبَهُ فِي الشَّرْحِ بِالْأَحْمَرِ مُلْحَقًا عَلَى هَامِشِهِ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَشْرَحْهُ) نَعَمْ لَمْ يَشْرَحْهُ عَقِبَهُ بَلْ شَرَحَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالْحَمْلُ وَأَطَالَ فِيهِ. وَنَقَلَ عِبَارَتَهُ الْمُحَشِّيُّ، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ (قَوْلُهُ وَسَيَتَّضِحُ) أَيْ حُكْمُهُ بَعْدَ أَسْطُرٍ، وَبِهِ يُسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ قَالَ شَيْخُنَا إلَخْ كَمَا قَالَهُ ح. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ خَيَّرَهُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا ط (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ) قَيْدٌ لِلثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ وَالْجَامِعُ دَفْعُ الْحَاجَةِ، وَانْظُرْ مَا فِي الْعَزْمِيَّةِ. (قَوْلُهُ إلَّا فِي تَخْيِيرِ الزَّمَانِ إلَخْ) تَقَدَّمَ مِثَالُهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْمُضَافَ إلَى الْغَدِ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْيَوْمِ فَلَمْ يَجْتَمِعْ فِي الْيَوْمِ تَسْمِيَتَانِ فَلَمْ يَكُنْ الْأَجْرُ مَجْهُولًا فِي الْيَوْمِ وَالْمُضَافُ إلَى الْيَوْمِ يَبْقَى إلَى الْغَدِ فَيَجْتَمِعُ فِي الْغَدِ تَسْمِيَتَانِ دِرْهَمٌ وَنِصْفُ دِرْهَمٍ فَيَكُونُ الْأَجْرُ مَجْهُولًا وَهِيَ تَمْنَعُ جَوَازَ الْعَقْدِ دُرَرٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ. وَعِنْدَهُمَا الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ. وَعِنْدَ زُفَرَ فَاسِدَانِ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ لَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ) أَيْ وَلَا يُنْقَصُ عَنْ نِصْفٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُزَادُ عَلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ الْمُسَمَّى صَرِيحًا، فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي الْغَدِ تَسْمِيَتَانِ فَتُعْتَبَرُ الْأُولَى لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا وَالثَّانِيَةُ لِمَنْعِ النُّقْصَانِ عَمَلًا بِهِمَا، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ بِالْمُصَرَّحِ كِفَايَةٌ مُلَخَّصًا، وَصَحَّحَ الزَّيْلَعِيُّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ، وَمِثْلُهُ فِي الْإِيضَاحِ وَذَكَرَ أَنَّهَا رِوَايَةُ الْأَصْلِ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ خِلَافُهُمَا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَوْ خَاطَهُ بَعْدَ غَدٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ دِرْهَمٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِتَأْخِيرِهِ إلَى الْغَدِ بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَرْضَى إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ، وَالصَّحِيحُ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنَّهُ يُنْقَصُ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَوْ كَانُونًا) هُوَ الْمُنَاسِبُ لِذِكْرِ الِاحْتِرَاقِ أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ هَذَا انْتِفَاعٌ بِظَاهِرِ الدَّارِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُغَيِّرُ هَيْئَةَ الْبَاقِي إلَى النُّقْصَانِ، بِخِلَافِ الْحَفْرِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الرَّقَبَةِ، وَبِخِلَافِ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ تَغَيُّرَ الْبَاقِي إلَى النُّقْصَانِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ، وَظَاهِرُ هَذَا الصَّنِيعِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ لَا يَجِدُهُ ط. قُلْت: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: دَفَعَ إلَى الْمُشْتَرَكِ ثَوْرًا لِلرَّعْيِ فَقَالَ: لَا أَدْرِي أَيْنَ ذَهَبَ الثَّوْرُ فَهُوَ إقْرَارٌ بِالتَّضْيِيعِ فِي زَمَانِنَا (قَوْلُهُ بَعْدَ الطَّلَبِ) أَيْ فِي حَوَالَيْ مَكَان ضَلَّ فِيهِ، وَلَوْ ذَهَبَ وَهُوَ يَرَاهُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ ضَمِنَ يُرِيدُ بِهِ لَوْ غَابَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 72 فَلَا يَضْمَنُ كَدَفْعِ الْوَدِيعَةِ حَالَ الْغَرَقِ. وَقَالَا إنْ كَانَ الرَّاعِي مُشْتَرَكًا ضَمِنَ، وَلَوْ خَلَطَ الْغَنَمَ إنْ أَمْكَنَهُ التَّمْيِيزُ لَا يَضْمَنُ. وَالْقَوْلُ لَهُ فِي تَعْيِينِ الدَّوَابِّ أَنَّهَا لِفُلَانٍ، إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ضَمِنَ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْخَلْطِ وَالْقَوْلُ لَهُ فِي قَدْرِ الْقِيمَةِ عِمَادِيَّةٌ؛ وَلَيْسَ لِلرَّاعِي أَنْ يُنْزِيَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا بِلَا إذْنِ رَبِّهَا، فَإِنْ فَعَلَ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ وَإِنْ نَزَّى بِلَا فِعْلِهِ فَلَا ضَمَانَ جَوْهَرَةٌ. (وَلَا يُسَافِرُ بِعَبْدٍ اسْتَأْجَرَهُ لِلْخِدْمَةِ) لِمَشَقَّتِهِ (إلَّا بِشَرْطٍ) ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَمْلَكُ عَلَيْكَ أَمْ لَكَ، وَكَذَا لَوْ عَرَفَ بِالسَّفَرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ (بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ مُطْلَقًا) ؛ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُ عَلَيْهِ (وَلَوْ) (سَافَرَ) الْمُسْتَأْجِرُ (بِهِ فَهَلَكَ) (ضَمِنَ) قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ (وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ وَإِنْ سَلِمَ) ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ. (وَلَا يَسْتَرِدُّ مُسْتَأْجِرٌ مِنْ عَبْدٍ) أَوْ صَبِيٍّ (مَحْجُورٍ) أَجْرًا دَفَعَهُ إلَيْهِ (لِ) أَجْلِ (عَمَلِهِ) لِعَوْدِهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ صَحِيحَةً   [رد المحتار] عَنْ بَصَرِهِ لِتَقْصِيرِهِ فِي حِفْظِهِ لِعَدَمِ الْمَنْعِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ جَاءَ بِهِ إلَى الْخَبَّازِ وَاشْتَغَلَ بِشِرَاءِ الْخُبْزِ فَضَاعَ لَوْ غَابَ عَنْ بَصَرِهِ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا خُلَاصَةٌ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: إذَا غَيَّبَهَا عَنْ نَظَرِهِ لَا يَكُونُ حَافِظًا لَهَا وَإِنْ رَبَطَهَا بِشَيْءٍ (قَوْلُهُ فَلَا يَضْمَنُ) أَيْ إجْمَاعًا لَوْ خَاصًّا، وَلَوْ مُشْتَرَكًا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْحِفْظَ بِعُذْرٍ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا نَدَّتْ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَبْعَثُهُ لِرَدِّهَا أَوْ يَبْعَثُهُ لِيُخْبِرَ صَاحِبَهَا بِذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ تَفَرَّقَتْ فِرَقًا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى اتِّبَاعِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْحِفْظَ لِعُذْرٍ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ اهـ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ طَمَعًا فِي الْأَجْرِ الْوَافِرِ بِتَقَبُّلِ الْكَثِيرِ (قَوْلُهُ يَوْمَ الْخَلْطِ) ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ الِاسْتِهْلَاكِ (قَوْلُهُ وَلَا يُسَافِرُ بِعَبْدٍ) أَيْ بَلْ يَخْدُمُهُ فِي الْمِصْرِ وَقُرَاهُ فِيمَا دُونَ السَّفَرِ ط عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ لِمَشَقَّتِهِ) أَيْ لِمَشَقَّةِ السَّفَرِ وَلِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَى الْمَوْلَى وَيَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِذَلِكَ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا بِشَرْطٍ) أَوْ يَرْضَى بِهِ بَعْدَهُ ط. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَمْلَكُ) أَيْ أَشَدُّ مِلْكًا وَأَدْخُلُ فِي الِاتِّبَاعِ فَهُوَ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ مِنْ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ: أَيْ أَشَدُّ مَالِكِيَّةً أَوْ مَمْلُوكِيَّةً بِالنَّظَرِ لِمَنْ اشْتَرَطَهُ أَوْ لِمَنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ ط. (قَوْلُهُ عَلَيْكَ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي أَمْلَكَ ط (قَوْلُهُ أَمْ لَكَ) فِيهِ الْجِنَاسُ التَّامُّ اللَّفْظِيُّ كَقَوْلِهِ: إذَا مَلِكٌ لَمْ يَكُنْ ذَا هِبَهْ ... فَدَعْهُ فَدَوْلَتُهُ ذَاهِبَهْ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ عَرَفَ بِالسَّفَرِ) أَيْ وَكَانَ مُتَهَيِّئًا لَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ) مِثْلُهُ الْمُصَالَحُ عَلَى خِدْمَتِهِ ط عَنْ سَرِيِّ الدِّينِ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ شَرَطَ السَّفَرَ بِهِ أَمْ لَا مِنَحٌ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ) أَيْ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْأَجْرَ عِنْدَ السَّلَامَةِ وَأَوْجَبْنَا الضَّمَانَ عِنْدَ الْهَلَاكِ فِي سَفَرِهِ لَاجْتَمَعَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ حَالَةُ السَّفَرِ ط. (قَوْلُهُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ صَبِيٍّ) أَيْ آجَرَ نَفْسَهُ بِلَا إذْنِ مَوْلًى أَوْ وَلِيٍّ. (قَوْلُهُ أَجْرًا) مَفْعُولُ يَسْتَرِدُّ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي الصُّورَتَيْنِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ عَنْ النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ لِعَوْدِهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ صَحِيحَةً) ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَنْ التَّصَرُّفِ الضَّارِّ لَا النَّافِعِ وَلِذَا جَازَ قَبُولُهُ الْهَدِيَّةَ بِلَا إذْنٍ، وَجَوَازُ الْإِجَارَةِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ مِنْ الْعَمَلِ تَمَحَّضَ نَفْعًا لِحُصُولِ الْأَجْرِ بِلَا ضَرَرٍ فَصَحَّ قَبْضُهُ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ فَلَا يَمْلِكُ الْمُسْتَأْجِرُ الِاسْتِرْدَادَ زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا. قَالَ ط وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي لُزُومَ الْمُسَمَّى اهـ. وَإِذَا هَلَكَ الْمَحْجُورُ مِنْ الْعَمَلِ: إنْ كَانَ صَبِيًّا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمُسْتَأْجِرِ دِيَتُهُ وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ فِيمَا عَمِلَ قَبْلَ الْهَلَاكِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ فِيمَا عَمِلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا ضَمِنَ قِيمَتَهُ صَارَ مَالِكًا لَهُ مِنْ وَقْتِ الِاسْتِعْمَالِ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا مَنْفَعَةَ عَبْدِ نَفْسِهِ كِفَايَةٌ مُلَخَّصًا. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فِي نِصْفِ الْمُدَّةِ نَفَذَتْ الْإِجَارَةُ وَلَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ، فَأَجْرُ مَا مَضَى لِلْمَوْلَى وَمَا يُسْتَقْبَلُ لِلْعَبْدِ، وَإِنْ آجَرَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي نِصْفِ الْمُدَّةِ فَلِلْعَبْدِ الْخِيَارُ فَإِنْ فَسَخَ الْإِجَارَةَ فَأَجْرُ مَا مَضَى لِلْمَوْلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 73 اسْتِحْسَانًا (وَلَا يَضْمَنُ غَاصِبُ عَبْدٍ مَا أَكَلَ) الْغَاصِبُ (مِنْ أَجْرِهِ) الَّذِي آجَرَ الْعَبْدَ نَفْسَهُ بِهِ لِعَدَمِ تَقَوُّمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (كَمَا) لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا (لَوْ آجَرَهُ الْغَاصِبُ) ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ لَهُ لَا لِمَالِكِهِ (وَجَازَ لِلْعَبْدِ قَبْضُهَا) لَوْ آجَرَ نَفْسَهُ لَا لَوْ آجَرَهُ الْمَوْلَى إلَّا بِوَكَالَةٍ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ عِنَايَةٌ (فَلَوْ وَجَدَهَا مَوْلَاهُ) قَائِمَةً (فِي يَدِهِ أَخَذَهَا) لِبَقَاءِ مِلْكِهِ كَمَسْرُوقٍ بَعْدَ الْقَطْعِ. (اسْتَأْجَرَ عَبْدًا شَهْرَيْنِ شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ وَشَهْرًا بِخَمْسَةٍ صَحَّ) عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ، حَتَّى لَوْ عَمِلَ فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ فَلَهُ أَرْبَعَةٌ وَبِعَكْسِهِ خَمْسَةٌ (اخْتَلَفَا) الْآجِرُ وَالْمُسْتَأْجَرُ (فِي إبَاقِ الْعَبْدِ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ جَرْيِ مَاءُ الرَّحَى حُكْمُ الْحَالِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ) الْحَالُ (مَعَ يَمِينِهِ كَمَا) يَحْكُمُ الْحَالُ. (لَوْ بَاعَ شَجَرًا فِيهِ ثَمَرٌ وَاخْتَلَفَا فِي بَيْعِهِ) أَيْ الثَّمَرِ (مَعَهَا) أَيْ الشَّجَرِ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ فِي يَدِهِ الثَّمَرُ) الْأَصْلُ أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: انْقَطَعَ مَاءُ الرَّحَى سَقَطَ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِهِ وَلَوْ عَادَ عَادَتْ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الِانْقِطَاعِ   [رد المحتار] وَإِنْ أَجَازَ فَأَجْرُ مَا يُسْتَقْبَلُ لِلْعَبْدِ وَالْقَبْضُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ اهـ. (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِعْمَالِ صَارَ غَاصِبًا لَهُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ غَاصِبُ عَبْدٍ إلَخْ) أَيْ إذَا غَصَبَ رَجُلٌ عَبْدًا فَآجَرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ فَأَخَذَ الْغَاصِبُ الْأُجْرَةَ مِنْ يَدِ الْعَبْدِ فَأَكَلَهَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ تَقَوُّمِهِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْرَزٍ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَازَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِيَدِ حَافِظِهِ كَيَدِ الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ وَيَدُ الْمَالِكِ لَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِ وَيَدُ الْعَبْدِ لَيْسَتْ يَدَ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ حَتَّى كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَلَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ عَنْ الْغَاصِبِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُحْرِزًا مَا فِي يَدِهِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَالَا: عَلَيْهِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ (قَوْلُهُ وَجَازَ لِلْعَبْدِ قَبْضُهَا) أَيْ الْأُجْرَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ إيجَارِهِ نَفْسَهُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ مَأْذُونٌ فِيهِ كَقَبُولِ الْهَدِيَّةِ، وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي حَقِّ خُرُوجِ الْمُسْتَأْجِرِ عَنْ عُهْدَةِ الْأُجْرَةِ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ دُرَرٌ. قَالَ الطُّورِيُّ: وَهَذِهِ مُكَرَّرَةٌ مَعَ قَوْلِهِ وَلَا يَسْتَرِدُّ مُسْتَأْجِرٌ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ أَفَادَ صِحَّةَ الْقَبْضِ وَمَنْعَ الْأَخْذِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى كَذَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ الْعِنَايَةِ فَلَيْسَ عِلَّةً لِقَوْلِهِ وَجَازَ لِلْعَبْدِ قَبْضُهَا لَوْ آجَرَ نَفْسَهُ وَإِنْ كَانَ صَالِحًا لَهَا، وَانْظُرْ مَا لَوْ آجَرَهُ الْغَاصِبُ هَلْ يَمْلِكُ الْعَبْدُ الْقَبْضَ وَمُفَادُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبْضُهُ ط. (قَوْلُهُ أَخَذَهَا) ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ ابْنُ كَمَالٍ. (قَوْلُهُ كَمَسْرُوقٍ بَعْدَ الْقَطْعِ) فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مُتَقَوِّمًا، حَتَّى لَا يُضْمَنَ بِالْإِتْلَافِ وَيَبْقَى الْمِلْكُ فِيهِ حَتَّى يَأْخُذَهُ الْمَالِكُ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ صَحَّ عَلَى التَّرْتِيبِ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْصَرِفْ الشَّهْرُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا إلَى مَا يَلِي الْعَقْدَ لَكَانَ الدَّاخِلُ فِي الْعَقْدِ شَهْرًا مُنْكَرًا مِنْ شُهُورِ عُمْرِهِ وَهَذَا فَاسِدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ صَرْفِهِ إلَى مَا يَلِي الْعَقْدَ تَحَرِّيًا لِجَوَازِهِ، وَكَذَلِكَ الْإِقْدَامُ عَلَى الْإِجَارَةِ دَلِيلُ تَنَجُّزِ الْحَاجَةِ إلَى تَمَلُّكِ مَنْفَعَةِ الْعَبْدِ فَوَجَبَ صَرْفُ الشَّهْرِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا إلَى مَا يَلِيهِ قَضَاءً لِلْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ. كِفَايَةٌ. [مَبْحَثُ اخْتِلَافِ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ] 1 ِ (قَوْلُهُ فِي إبَاقِ الْعَبْدِ أَوْ مَرَضِهِ) كَأَنْ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ: أَبَقَ أَوْ مَرِضَ فِي الْمُدَّةِ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى ذَلِكَ أَوْ أَنْكَرَ إسْنَادَهُ إلَى أَوَّلِ الْمُدَّةِ فَقَالَ: أَصَابَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَنِي بِسَاعَةٍ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الْحَالُ) ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ فِي الْحَالِ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ فِي الْمَاضِي فَيَصْلُحُ الظَّاهِرُ مُرَجِّحًا وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ حُجَّةً، لَكِنْ إنْ كَانَ يَشْهَدُ لِلْمُؤَجِّرِ فَفِيهِ إشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِالظَّاهِرِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ وَهُوَ الْعَقْدُ وَإِنَّمَا الظَّاهِرُ يَشْهَدُ عَلَى بَقَائِهِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ فِي يَدِهِ الثَّمَرُ) هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَ الثَّمَرُ بَاقِيًا، فَأَمَّا إذَا كَانَ هَالِكًا أَوْ مُسْتَهْلَكًا فَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 74 فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَلَوْ فِي نَفْسِهِ حُكْمُ الْحَالِ (وَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ) بِيَمِينِهِ (فِي الْقَمِيصِ وَالْقَبَاءِ وَالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَكَذَا فِي الْأَجْرِ وَعَدَمِهِ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ الصَّانِعُ مُعَامِلًا لَهُ فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِلَّا فَلَا (وَقِيلَ) أَيْ وَقَالَ مُحَمَّدٌ (إنْ كَانَ الصَّانِعُ مَعْرُوفًا بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ بِالْأَجْرِ وَقِيَامِ حَالِهِ بِهَا) أَيْ بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ (كَانَ بِيَمِينٍ الْقَوْلُ قَوْلَهُ) بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ (وَإِلَّا فَلَا، وَبِهِ يُفْتَى) زَيْلَعِيٌّ وَهَذَا بَعْدَ الْعَمَلِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَيَتَحَالَفَانِ اخْتِيَارٌ. [فُرُوعٌ] فِعْلُ الْأَجِيرِ فِي كُلِّ الصَّنَائِعِ يُضَافُ لِأُسْتَاذِهِ فَمَا أَتْلَفَهُ يَضْمَنُهُ أُسْتَاذُهُ. اخْتِيَارٌ، يَعْنِي مَا لَمْ يَتَعَدَّ فَيَضْمَنَهُ هُوَ عِمَادِيَّةٌ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: ادَّعَى نَازِلُ الْخَانِ وَدَاخِلُ الْحَمَّامِ   [رد المحتار] يُنْظَرُ لِيَدِ مَنْ هَلَكَ عِنْدَهُ أَوْ اُسْتُهْلِكَ وَيُحَرَّرُ ط (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ) لِإِنْكَارِهِ ضَمَانَ الزَّائِدِ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي نَفْسِهِ) أَيْ نَفْسِ الِانْقِطَاعِ، وَهُوَ مِنْ تَتِمَّةِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَيُغْنِي عَنْهُ مَا فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ إلَخْ) بِأَنْ قَالَ: أَمَرْتُكَ أَنْ تَعْمَلَهُ قَبَاءً وَقَالَ الْخَيَّاطُ: قَمِيصًا أَوْ أَنْ تَصْبُغَهُ أَحْمَرَ وَقَالَ الصَّبَّاغُ: أَصْفَرَ أَوْ أَنْ تَعْمَلَهُ لِي بِغَيْرِ أَجْرٍ وَقَالَ بَلْ بِأَجْرٍ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ أَعْلَمَ بِكَيْفِيَّتِهِ وَلِأَنَّهُ يُنْكِرُ تَقَوُّمَ عَمَلِهِ وَوُجُوبَ الْأَجْرِ عَلَيْهِ زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ) فَإِذَا حَلَفَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَهُ فِي أَصْلِ مَا أُمِرَ بِهِ وَهُوَ الْقَطْعُ وَالْخِيَاطَةُ، لَكِنْ خَالَفَهُ فِي الصِّفَةِ فَيَخْتَارُ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَفِي الثَّانِيَةِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ ثَوْبَهُ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى أَيْضًا دُرَرٌ. (قَوْلُهُ مُعَامِلًا لَهُ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنْ تَكَرَّرَتْ تِلْكَ الْمُعَامَلَةُ بَيْنَهُمَا بِأَجْرٍ. وَفِي التَّبْيِينِ بِأَنْ كَانَ يَدْفَعُ إلَيْهِ شَيْئًا لِلْعَمَلِ وَيُقَاطِعُهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ الدُّكَّانَ لِأَجْلِهِ جَرَى ذَلِكَ مَجْرَى التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا لِظَاهِرِ الْمُعْتَادِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ فَيَتَحَالَفَانِ) وَيُبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ كُلًّا يَدَّعِي عَقْدًا وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ فَأَحَدُهُمَا يَدَّعِي هِبَةَ الْعَمَلِ وَالْآخَرُ بَيْعَهُ. اخْتِيَارٌ. [تَتِمَّةٌ] قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: اسْتَأْجَرَ شَيْئًا فَلَمْ يَتَصَرَّفْ بِهِ حَتَّى اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: الْأَجْرُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَقَالَ الْمُؤَجِّرُ: عَشَرَةٌ يَتَحَالَفَانِ وَأَيٌّ نَكِلَ لَزِمَهُ وَيُبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَإِذَا تَحَالَفَا فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ وَأَيٌّ بَرْهَنَ يُقْبَلُ، وَإِنْ بَرْهَنَا يُقْضَى بِبَيِّنَةِ الْمُؤَجِّرِ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ حَقَّ نَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي مُدَّةٍ أَوْ مَسَافَةٍ إلَّا أَنَّهُ يُبْدَأُ فِيهِمَا بِيَمِينِ الْمُؤَجِّرِ وَأَيٌّ بَرْهَنَ يُقْبَلُ، وَلَوْ بَرْهَنَا يَقْضِي بِبَيِّنَةِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَوْ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: آجَرْتنِي شَهْرَيْنِ بِعَشَرَةٍ وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ شَهْرًا وَاحِدًا بِعَشَرَةٍ فَأَيُّهُمَا بَرْهَنَ يُقْبَلُ، وَلَوْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي أَجْرٍ وَمُدَّةٍ جَمِيعًا أَوْ فِي أَجْرٍ وَمَسَافَةٍ جَمِيعًا يَتَحَالَفَانِ فَتُفْسَخُ الْإِجَارَةُ وَأَيٌّ بَرْهَنَ يُقْبَلُ، وَلَوْ بَرْهَنَا يُقْضَى بِهِمَا جَمِيعًا فَيُقْضَى بِزِيَادَةِ الْأَجْرِ بِبَيِّنَةِ الْمُؤَجِّرِ وَبِزِيَادَةِ الْمُدَّةِ أَوْ الْمَسَافَةِ بِبَيِّنَةِ الْمُسْتَأْجِرِ وَأَيٌّ بَدَأَ بِالدَّعْوَى يُحَلِّفُ صَاحِبَهُ أَوَّلًا، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ عِنْدَ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ بَعْدَ مَا وَصَلَ الْمَقْصِدَ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِيَمِينِهِ وَلَا يَتَحَالَفَانِ إجْمَاعًا وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجْرِ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الْمُدَّةِ أَوْ بَعْدَ مَا سَارَ بَعْضَ الطَّرِيقِ يَتَحَالَفَانِ فَتُفْسَخُ فِيمَا بَقِيَ وَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي حِصَّةِ الْمَاضِي اهـ (قَوْلُهُ يَضْمَنُهُ أُسْتَاذُهُ) ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِإِذْنِهِ وَلَا يَضْمَنُ هُوَ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرُ وَحْدٍ لِأُسْتَاذِهِ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ 1 - (قَوْلُهُ ادَّعَى نَازِلُ الْخَانِ إلَخْ) قَالَ فِي التتارخانية: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخَانَ غَالِبًا يَكُونُ مُعَدًّا لِلْكِرَاءِ فَسُكْنَاهُ رِضًا بِالْأَجْرِ وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ. قَالُوا: الْفَتْوَى عَلَى لُزُومِ الْأَجْرِ إلَّا إذَا عُرِفَ بِخِلَافِهِ بِأَنْ صَرَّحَ أَنَّهُ نَزَلَ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ أَوْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالظُّلْمِ مَشْهُورًا بِالنُّزُولِ فِي مَسَاكِنِ النَّاسِ لَا بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ اهـ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ بِأَنَّ مَنَافِعَ الْغَصْبِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ مُطْلَقًا، أَمَّا عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ ضَمَانِ الْمُعَدِّ لِلِاسْتِغْلَالِ وَمَالِ الْوَقْفِ وَالْيَتِيمِ فَالْأَجْرُ لَازِمٌ ادَّعَى الْغَصْبَ أَوْ لَا عَرَّفَ بِهِ أَوْ لَا، تَأَمَّلْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 75 وَسَاكِنُ الْمُعَدِّ لِلِاسْتِغْلَالِ الْغَصْبَ لَمْ يُصَدَّقْ وَالْأَجْرُ وَاجِبٌ. قُلْتُ: وَكَذَا مَالُ الْيَتِيمِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَتَنَبَّهْ. وَفِيهَا الْأُجْرَةُ لِلْأَرْضِ كَالْخَرَاجِ عَلَى الْمُعْتَمِدِ، فَإِذَا اسْتَأْجَرَهَا لِلزِّرَاعَةِ فَاسْتَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ وَجَبَ مِنْهُ لِمَا قَبْلَ الِاصْطِلَامِ وَسَقَطَ مَا بَعْدَهُ. قُلْتُ: وَهُوَ مَا اعْتَمَدَهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، لَكِنْ جَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ بِرِوَايَةِ عَدَمِ سُقُوطِ شَيْءٍ حَيْثُ قَالَ: أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَهَلَكَ أَوْ غَرِقَ وَلَمْ يُنْبِتْ لَزِمَ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ زَرَعَ، وَلَوْ غَرِقَتْ قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ اهـ. بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ تُفْسَخُ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا (بِخِيَارِ شَرْطٍ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَسَاكِنُ الْمُعَدِّ لِلِاسْتِغْلَالِ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ. (قَوْلُهُ وَالْأَجْرُ وَاجِبٌ) أَيْ أَجْرُ الْمِثْلِ ط 1 - (قَوْلُهُ كَالْخَرَاجِ) أَيْ الْمُوَظَّفِ لِإِخْرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ح. (قَوْلُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ أَنَّ مَا وَجَبَ مِنْ الْأُجْرَةِ قَبْلَ الِاصْطِلَامِ لَا يَسْقُطُ وَمَا وَجَبَ بَعْدَهُ يَسْقُطُ وَلَا يُؤْخَذُ بِالْخَرَاجِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ مِلْكُ أَرْضٍ نَامِيَةٍ حَوْلًا كَامِلًا حَقِيقَةً أَوْ اعْتِبَارًا وَالِاعْتِمَادُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. (قَوْلُهُ وَسَقَطَ مَا بَعْدَهُ) لَكِنْ هَذَا إذَا بَقِيَ بَعْدَ هَلَاكِ الزَّرْعِ مُدَّةً لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إعَادَةِ الزِّرَاعَةِ، فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ إعَادَةِ مِثْلِ الْأَوَّلِ أَوْ دُونِهِ فِي الضَّرَرِ يَجِبُ الْأَجْرُ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ والتتارخانية، وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِإِعَادَةِ مِثْلِ الْأَوَّلِ أَوْ دُونِهِ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا عَلَى أَنْ يَزْرَعَ نَوْعًا خَاصًّا، أَمَّا لَوْ قَالَ عَلَى أَنْ أَزْرَعَ فِيهَا مَا أَشَاءُ فَلَا يَتَقَيَّدُ فَإِنَّ التَّعْمِيمَ صَحِيحٌ كَمَا مَرَّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا اعْتَمَدَهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ) قَدَّمْنَا آنِفًا حَاصِلَ عِبَارَتِهِ عَنْ حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ لَكِنْ جَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ ذَكَرَهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَيْضًا وَاعْتَمَدَ خِلَافَهُ كَمَا سَمِعْتُ، عَلَى أَنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ ذَكَرَ التَّفْصِيلَ الْمَارَّ، وَقَالَ هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى فَكَيْفَ يَكُونُ جَازِمًا بِخِلَافِهِ وَقَدْ عَلِمْتَ التَّصْرِيحَ بِأَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ. (قَوْلُهُ لَزِمَ الْأَجْرُ) أَيْ بِتَمَامِهِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. [بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ] تَأْخِيرُ هَذَا الْبَابِ ظَاهِرُ الْمُنَاسَبَةِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ بَعْدَ الْوُجُودِ مِعْرَاجٌ. (قَوْلُهُ تُفْسَخُ) إنَّمَا قَالَ: تُفْسَخُ؛ لِأَنَّهُ اخْتَارَ قَوْلَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ عَدَمُ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ بِالْعُذْرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْفَسِخْ لَا لِإِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِوَجْهٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ، بَلْ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ فَاتَتْ عَلَى وَجْهٍ يُتَصَوَّرُ عَوْدُهَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ ابْنُ كَمَالٍ. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالتَّتِمَّةِ: إذَا سَقَطَ حَائِطٌ أَوْ انْهَدَمَ بَيْتٌ مِنْ الدَّارِ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ وَلَا يَمْلِكُهُ بِغَيْبَةِ الْمَالِكِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ كُلُّهَا فَلَهُ الْفَسْخُ مِنْ غَيْرِ حَضْرَتِهِ، لَكِنْ لَا تَنْفَسِخُ مَا لَمْ يَفْسَخْ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْعَرْصَةِ مُمْكِنٌ. وَفِي إجَارَاتِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ: إذَا انْهَدَمَتْ كُلُّهَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَنْفَسِخُ لَكِنْ سَقَطَ الْأَجْرُ فَسَخَ أَوْ لَا إتْقَانِيٌّ، وَقَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ. (قَوْلُهُ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ وَالْعُذْرِ؛ لِأَنَّهُ رَبَطَهُ بِالْكُلِّ، وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي قَرِيبًا. (قَوْلُهُ بِخِيَارِ شَرْطٍ إلَخْ) أَيْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 76 وَرُؤْيَةٍ) كَالْبَيْعِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَ) بِخِيَارِ (عَيْبٍ) حَاصِلٍ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَهُ (يَفُوتُ النَّفْعُ بِهِ) صِفَةُ عَيْبٍ (كَخَرَابِ الدَّارِ وَانْقِطَاعِ مَاءِ الرَّحَى وَ) انْقِطَاعِ (مَاءِ الْأَرْضِ) وَكَذَا لَوْ كَانَتْ تُسْقَى بِمَاءِ السَّمَاءِ فَانْقَطَعَ الْمَطَرُ فَلَا أَجْرَ خَانِيَّةٌ أَيْ وَإِنْ لَمْ تَنْفَسِخْ عَلَى الْأَصَحِّ   [رد المحتار] فَلَوْ اسْتَأْجَرَ دُكَّانًا شَهْرًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَفْسَخُ فِيهَا، فَلَوْ فَسَخَ فِي الثَّالِثِ مِنْهَا لَمْ يَجِبْ أَجْرُ الْيَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ سُقُوطِ الْخِيَارِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ صَاحِبِهِ وَلَا عِلْمُهُ خِلَافًا لِلطَّرَفَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَقِيلَ لِلْمُفْتَى الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَهَذَا خِلَافُ مَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ وَرُؤْيَةٍ) فَلَوْ اسْتَأْجَرَ قِطْعَاتٍ مِنْ الْأَرْضِ صَفْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ رَأَى بَعْضَهَا فَلَهُ فَسْخُ الْإِجَارَةِ فِي الْكُلِّ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْفَسْخِ الْقَضَاءُ وَلَا الرِّضَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافُ خِيَارِ الشَّرْطِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ بَابِ ضَمَانِ الْأَجِيرِ أَنَّ لِلْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي كُلِّ عَمَلٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ أَوْ الرِّضَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ. وَأَمَّا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ فَفِي نَحْوِ انْهِدَامِ الدَّارِ كُلِّهَا يُفْسَخُ بِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ بِخِلَافِ انْهِدَامِ الْجِدَارِ وَنَحْوِهِ كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ فَسَيَأْتِي أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْعُذْرَ إنْ كَانَ ظَاهِرًا يَنْفَرِدُ وَإِنْ مُشْتَبَهًا لَا يَنْفَرِدُ. ثُمَّ إنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يَثْبُتُ لِلْعَاقِدَيْنِ، أَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَلَا يَكُونُ لِلْمُؤَجِّرِ كَمَا فِي الْبَيْعِ. قَالَ الْحَمَوِيُّ وَلَمْ أَرَهُ، وَهَكَذَا بَحَثَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ اسْتِدْلَالِهِمْ هُنَا بِالْحَدِيثِ «مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَلَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ» وَقَوْلُهُمْ إنَّهَا بَيْعُ الْمَنْفَعَةِ وَبِهِ أَفْتَى مُنْلَا عَلَيَّ التُّرْكُمَانِيِّ. (قَوْلُهُ حَاصِلٌ قَبْلَ الْعَقْدِ) أَيْ وَلَمْ يَرَهُ قَبْلَهُ، فَإِنْ رَآهُ فَلَا خِيَارَ لِرِضَاهُ بِهِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ، وَلَوْ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ فِيمَا لَهُ الْخِيَارُ بِحُدُوثِهِ يَلْزَمُهُ الْأَجْرُ كَامِلًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: خِيَارُ الْعَيْبِ فِي الْإِجَارَةِ يُفَارِقُ الْبَيْعَ فِي أَنَّهُ يَنْفَرِدُ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا بَعْدَهُ، وَفِي الْإِجَارَةِ يَنْفَرِدُ الْمُسْتَأْجِرُ بِالرَّدِّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ اهـ وَلَا تَنْسَ مَا مَرَّ. (قَوْلُهُ يَفُوتُ النَّفْعُ بِهِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْعَيْبَ إذَا حَدَثَ بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، فَإِنْ أَثَّرَ فِي الْمَنَافِعِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُسْتَأْجِرِ كَالْعَبْدِ إذَا مَرِضَ وَالدَّارِ إذَا انْهَدَمَ بَعْضُهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ كَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَحُدُوثُ عَيْبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ الْخِيَارَ، وَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْمَنَافِعِ فَلَا كَالْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ لِلْخِدْمَةِ إذَا ذَهَبَتْ إحْدَى عَيْنَيْهِ أَوْ سَقَطَ شَعْرُهُ، وَكَالدَّارِ إذَا سَقَطَ مِنْهَا حَائِطٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي سُكْنَاهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ وَهَذَا النَّقْصُ حَصَلَ بِالْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ وَالنَّقْصُ بِغَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ إتْقَانِيٌّ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: إذَا قَلَعَ الْآجِرُ شَجَرَةً مِنْ أَشْجَارِ الضِّيَاعِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ حَقُّ الْفَسْخِ إنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ مَقْصُودَةً (قَوْلُهُ وَانْقِطَاعُ مَاءِ الرَّحَى) فَلَوْ لَمْ يَفْسَخْ حَتَّى عَادَ الْمَاءُ لَزِمَتْ وَيُرْفَعُ عَنْهُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِهِ، قَبْلَ حِسَابِ أَيَّامِ الِانْقِطَاعِ، وَقِيلَ بِقَدْرِ حِصَّةِ مَا انْقَطَعَ مِنْ الْمَاءِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 77 كَمَا مَرَّ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ جَاءَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَزْرَعُ بَعْضَهَا فَالْمُسْتَأْجِرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْإِجَارَةَ كُلَّهَا أَوْ تَرَكَ وَدَفَعَ بِحِسَابِ مَا رَوَى مِنْهَا. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: لَوْ اسْتَأْجَرَهَا بِغَيْرِ شُرْبِهَا فَانْقَطَعَ مَاءُ الزَّرْعِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُرْجَى فَلَهُ الْخِيَارُ، وَإِنْ انْقَطَعَ قَلِيلًا قَلِيلًا وَيُرْجَى مِنْهُ السَّقْيُ فَالْأَجْرُ وَاجِبٌ. وَفِي لِسَانِ الْحُكَّامِ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا فِي قَرْيَةٍ فَفَزِعُوا وَرَحَلُوا سَقَطَ الْأَجْرُ عَنْهُ، وَإِنْ نَفَرَ بَعْضُ النَّاسِ لَا يَسْقُطُ الْأَجْرُ (أَوْ يُخِلُّ) عَطْفٌ عَلَى يَفُوتُ (بِهِ) أَيْ بِالنَّفْعِ بِحَيْثُ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ (كَمَرَضِ الْعَبْدِ   [رد المحتار] الرِّوَايَةِ يَشْهَدُ لَهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ: الْمَاءُ إذَا انْقَطَعَ الشَّهْرَ كُلَّهُ وَلَمْ يَفْسَخْهَا الْمُسْتَأْجِرُ حَتَّى مَضَى الشَّهْرُ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ مَنْفَعَةُ السُّكْنَى مَعْقُودًا عَلَيْهَا مَعَ مَنْفَعَةِ الطَّحْنِ وَجَبَ بِقَدْرِ مَا يَخُصُّ مَنْفَعَةَ السُّكْنَى كَذَا فِي التتارخانية، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَجْرُ بَيْتِ الرَّحَى صَالِحًا لِغَيْرِ الطَّحْنِ كَالسُّكْنَى مَا لَمْ تَكُنْ مَعْقُودًا عَلَيْهَا. وَنُقِلَ بَعْدَهُ عَنْ الْقُدُورِيِّ: إنْ كَانَ الْبَيْتُ يُنْتَفَعُ بِهِ لِغَيْرِ الطَّحْنِ فَعَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ بِحِصَّتِهِ اهـ وَنَحْوُهُ مَا يَأْتِي عَنْ التَّبْيِينِ تَأَمَّلْ وَالِانْقِطَاعُ غَيْرُ قَيْدٍ، لِمَا فِي التتارخانية أَيْضًا: وَإِذَا انْتَقَصَ الْمَاءُ، فَإِنْ فَاحِشًا فَلَهُ حَقُّ الْفَسْخِ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْقُدُورِيُّ: إذَا صَارَ يَطْحَنُ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ فَهُوَ فَاحِشٌ. وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِي لَوْ يَطْحَنُ عَلَى النِّصْفِ لَهُ الْفَسْخُ وَهَذِهِ تُخَالِفُ رِوَايَةَ الْقُدُورِيِّ، وَلَوْ لَمْ يُرِدْهُ حَتَّى طَحَنَ كَانَ رِضًا مِنْهُ وَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ بَعْدَهُ اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ صَرِيحًا قُبَيْلَ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ خَرِبَتْ الدَّارُ سَقَطَ كُلُّ الْأَجْرِ وَلَا تَنْفَسِخُ بِهِ مَا لَمْ يَفْسَخْهَا الْمُسْتَأْجِرُ هُوَ الْأَصَحُّ اهـ وَدَلَالَةً مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ تُفْسَخُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ عَدَمَ الِانْفِسَاخِ، وَقَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهِ عَنْ التتارخانية وَالْأَتْقَانِيِّ (قَوْلُهُ وَدَفَعَ بِحِسَابِ مَا رَوَى مِنْهَا) نَظِيرُهُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْوَهْبَانِيَّةِ قُبَيْلَ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ لَوْ انْهَدَمَ بَيْتٌ مِنْ الدَّارِ يَسْقُطُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِهِ، لَكِنْ قَدَّمْنَا هُنَاكَ مِنْ ابْنِ الشِّحْنَةِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَتَأَمَّلْ 1 - (قَوْلُهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ وَفِيهَا: وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا بِشِرْبِهَا سَقَطَ عَنْهُ الْأَجْرُ لِفَوَاتِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ الْمَاءُ لَكِنْ سَالَ عَلَيْهَا حَتَّى لَا تَتَهَيَّأُ لَهُ الزِّرَاعَةُ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَصَارَ كَمَا إذَا غَصَبَهُ غَاصِبٌ اهـ. (قَوْلُهُ بِغَيْرِ شِرْبِهَا) أَقُولُ: تَقَدَّمَ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا لَا يَجُوزُ أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ الشِّرْبَ وَالطَّرِيقَ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ فَلَعَلَّ مَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّصْرِيحِ بِعَدَمِ الشِّرْبِ تَأَمَّلْ، وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ فُرُوعٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا إلَخْ) فِي التتارخانية: سُئِلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ عَمَّنْ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا فِي قَرْيَةٍ فَنَفَرَ النَّاسُ وَوَقَعَ الْجَلَاءُ وَمَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ هَلْ يَجِبُ الْأَجْرُ؟ قَالَ: إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الرِّفْقَ بِالْحَمَّامِ فَلَا. وَأَجَابَ رُكْنُ الْإِسْلَامِ السُّغْدِيُّ بِلَا مُطْلَقًا وَلَوْ بَقِيَ بَعْضُ النَّاسِ وَذَهَبَ الْبَعْضُ يَجِبُ الْأَجْرُ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّفْقِ بِهِ الِارْتِفَاقُ أَيْ الِانْتِفَاعُ بِنَحْوِ السُّكْنَى وَفَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ، فَلَوْ لَمْ تَمْضِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ خِيَارَ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ مُخِلٌّ بِالْمَنْفَعَةِ كَمَسْأَلَةِ الْجَوْهَرَةِ تَأَمَّلْ، وَتَقَدَّمَ قُبَيْلَ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَنَّ الْحَمَّامَ لَوْ غَرِقَ يَجِبُ بِقَدْرِ مَا كَانَ مُنْتَفَعًا. (قَوْلُهُ فَفَزِعُوا وَرَحَلُوا) عِبَارَةُ لِسَانِ الْحُكَّامِ فَوَقَعَ الْجَلَاءُ وَنَفَرَ النَّاسُ. (قَوْلُهُ فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ دُونَ الِانْتِفَاعِ الْمُعْتَادِ 1 - (قَوْلُهُ كَمَرَضِ الْعَبْدِ) فِي الْبَزَّازِيَّةِ: اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَمَرِضَ الْعَبْدُ، إنْ كَانَ يَعْمَلُ دُونَ الْعَمَلِ الْأَوَّلِ لَهُ خِيَارُ الرَّدِّ، فَإِنْ لَمْ يَرُدَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 78 وَدَبَرِ الدَّابَّةِ) أَيْ قُرْحَتِهَا وَبِسُقُوطِ حَائِطِ دَارٍ. وَفِي التَّبْيِينِ: لَوْ انْقَطَعَ مَاءُ الرَّحَى وَالْبَيْتُ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ لِغَيْرِ الطَّحْنِ فَعَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ بِحِصَّتِهِ لِبَقَاءِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ لَزِمَتْهُ حِصَّتُهُ (فَإِنْ لَمْ يُخِلَّ الْعَيْبُ بِهِ أَوْ أَزَالَهُ الْمُؤَجِّرُ) أَوْ انْتَفَعَ بِالْمُخِلِّ (سَقَطَ خِيَارُهُ) لِزَوَالِ السَّبَبِ. (وَعِمَارَةُ الدَّارِ) الْمُسْتَأْجَرَةِ (وَتَطْيِينُهَا وَإِصْلَاحُ الْمِيزَابِ وَمَا كَانَ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى رَبِّ الدَّارِ) وَكَذَا كُلُّ مَا يُخِلُّ بِالسُّكْنَى (فَإِنْ أَبَى صَاحِبُهَا) أَنْ يَفْعَلَ (كَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْمُسْتَأْجِرُ (اسْتَأْجَرَهَا وَهِيَ كَذَلِكَ وَقَدْ رَآهَا) لِرِضَاهُ بِالْعَيْبِ. (وَإِصْلَاحُ بِئْرِ الْمَاءِ   [رد المحتار] وَتَمَّتْ الْمُدَّةُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ أَصْلًا لَا يَجِبُ الْأَجْرُ وَعَلَى قِيَاسِ مَسْأَلَةِ الرَّحَى يَجِبُ أَنْ يُقَالَ إذَا عَمِلَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ عَمَلِهِ لَهُ الرَّدُّ اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَكَذَا لَوْ أَبَقَ فَهُوَ عُذْرٌ أَوْ كَانَ سَارِقًا؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الْخِدْمَةِ اهـ وَقَيَّدَ بِمَرَضِ الْعَبْدِ، إذْ لَوْ مَرِضَ الْحُرُّ الْمُسْتَأْجَرُ، وَإِنْ كَانَ يَعْمَلُ بِأُجَرَائِهِ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ، وَإِنْ بِنَفْسِهِ فَعُذْرٌ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَدَبَرُ الدَّابَّةِ) بِالْفَتْحِ: جُرْحُ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَوْ خُفِّهَا قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ ط. (قَوْلُهُ وَبِسُقُوطِ حَائِطِ دَارِ) أَيْ إنْ كَانَ يَضُرُّ بِالسُّكْنَى وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ وَفِي التَّبْيِينِ إلَخْ) مِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ وَالْبَيْتُ) أَيْ بَيْتُ الرَّحَى. (قَوْلُهُ لِغَيْرِ الطَّحْنِ) كَالسُّكْنَى مَثَلًا (قَوْلُهُ بِحِصَّتِهِ) أَيْ بِحِصَّةِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ الطَّحْنِ. (قَوْلُهُ لِبَقَاءِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) يُشْعِرُ بِأَنَّ مَنْفَعَةَ غَيْرِ الطَّحْنِ مَعْقُودٌ عَلَيْهَا، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَعْقُودًا عَلَيْهَا فَلَا أَجْرَ، وَقَدَّمْنَا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ يَشْهَدُ لِهَذَا، لَكِنَّ قَوْلَهُ فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْتَوْفِهِ بِالْفِعْلِ لَا يَجِبُ، وَلَوْ كَانَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ لَوَجَبَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ فَتَأَمَّلْ، وَيَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ بِانْهِدَامِ الدَّارِ مَا لَمْ يَفْسَخْهَا؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْمَوْضِعِ مَسْكَنٌ بَعْدَ انْهِدَامِ الْبِنَاءِ وَيَتَأَتَّى فِيهِ السُّكْنَى بِنَصْبِ الْفُسْطَاطِ فَبَقِيَ الْعَقْدُ، لَكِنْ لَا أَجْرَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَصَدَهُ بِالِاسْتِئْجَارِ اهـ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ قُبَيْلَ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ فِيمَا لَوْ سَكَنَ فِي السَّاحَةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُخِلَّ الْعَيْبُ بِهِ) أَيْ بِالنَّفْعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ عَوَرِ الْعَبْدِ وَسُقُوطِ شَعْرِهِ وَسُقُوطِ حَائِطِ الدَّارِ الَّذِي لَا يُخِلُّ (قَوْلُهُ أَوْ أَزَالَهُ الْمُؤَجِّرُ) أَيْ أَزَالَ الْعَيْبَ كَمَا لَوْ بَنَى الْمُنْهَدِمَ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ زَالَ بِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ بَرِئَ الْعَبْدُ الْمَرِيضُ. وَفِي التتارخانية وَغَيْرِهَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي السَّفِينَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ: إذَا نُقِضَتْ وَصَارَتْ أَلْوَاحًا ثُمَّ رُكِّبَتْ وَأُعِيدَتْ سَفِينَةً لَمْ يُجْبَرْ عَلَى تَسْلِيمِهَا إلَى الْمُسْتَأْجِرِ اهـ أَيْ؛ لِأَنَّهَا بِالنَّقْضِ لَمْ تَبْقَ سَفِينَةً فَفَاتَ الْمَحَلُّ كَمَوْتِ الْعَبْدِ بِخِلَافِ انْهِدَامِ الدَّارِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَوْ انْتَفَعَ بِالْمُخِلِّ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ: أَيْ بِالشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْعَيْبِ الْمُخِلِّ أَوْ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ (قَوْلُهُ لِزَوَالِ السَّبَبِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ أَوْ أَزَالَهُ الْمُؤَجِّرُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَجَدَّدُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَلَمْ يُوجَدْ الْعَيْبُ فِيمَا يَأْتِي بَعْدَهُ فَسَقَطَ الْخِيَارُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَتَطْيِينُهَا) أَيْ تَطْيِينُ سَطْحِهَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ؛ لِأَنَّ عَدَمَهُ مُخِلٌّ بِالسُّكْنَى بِخِلَافِ تَطْيِينِ جُدْرَانِهَا تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ إصْلَاحُ بِئْرِ الْمَاءِ وَالْبَالُوعَةِ وَالْمَخْرَجِ عَلَى الْمَالِكِ وَإِخْرَاجُ التُّرَابِ وَالرَّمَادِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ (قَوْلُهُ وَإِصْلَاحُ بِئْرِ الْمَاءِ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِثْلُ مَا قَبْلَهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا مَعْنَى لِفَصْلِهَا بِكَلَامٍ عَلَى حِدَةٍ ح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 79 وَالْبَالُوعَةِ وَالْمَخْرَجِ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ) لَكِنْ (بِلَا جَبْرٍ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى إصْلَاحِ مِلْكِهِ (فَإِنْ فَعَلَهُ الْمُسْتَأْجِرُ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ) وَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ إنْ أَبَى رَبُّهَا خَانِيَّةٌ: أَيْ إلَّا إذَا رَآهَا كَمَا مَرَّ وَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَلَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْفَسْخِ بِلَا قَضَاءٍ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارَيْنِ فَسَقَطَتْ أَوْ تَعَيَّبَتْ إحْدَاهُمَا فَلَهُ تَرْكُهُمَا لَوْ عَقَدَ عَلَيْهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً. قُلْتُ: وَفِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ مُعَزِّيًا لِلنِّهَايَةِ، إنْ الْعُذْرُ ظَاهِرًا يَنْفَرِدُ، وَإِنْ مُشْتَبِهًا لَا يَنْفَرِدُ وَهُوَ الْأَصَحُّ (وَبِعُذْرٍ) عَطْفٌ عَلَى بِخِيَارِ شَرْطِ (لُزُومِ ضَرَرٍ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ إنْ بَقِيَ) الْعَقْدُ   [رد المحتار] وَتَفْرِيغُ الْبِئْرِ إذَا امْتَلَأَتْ عَلَى الْمَالِكِ بِلَا جَبْرٍ أَيْضًا، قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ السُّكْنَى وَشَغْلَ بَاطِنِ الْأَرْضِ لَا يَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ بِظَاهِرِهَا مِنْ حَيْثُ السُّكْنَى، وَلِهَذَا لَوْ سَكَنَهُ مَشْغُولًا لَزِمَهُ كُلُّ الْأَجْرِ، وَإِنَّمَا لِلْمُسْتَأْجِرِ وِلَايَةُ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّبَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَالْبَالُوعَةِ وَالْمَخْرَجِ) عَطْفٌ عَلَى الْمَاءِ لِقَوْلِ الْبَزَّازِيَّةِ وَإِصْلَاحُ بِئْرِ الْبَالُوعَةِ وَالْمَاءِ إلَخْ وَكَذَا تَفْرِيغُهُمَا، وَلَوْ امْتَلَأَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى الْمَالِكِ كَمَا فِي الْمِنَحِ، وَأَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ، وَكَذَا فِي الْخَيْرِيَّةِ وَنَقَلَهُ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ، وَقَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَأَمَّا الْبَالُوعَةُ وَأَشْبَاهُهَا فَلَيْسَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ تَفْرِيغُهَا اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ؛ لِأَنَّ الشَّغْلَ حَصَلَ مِنْ جِهَتِهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَشْغُولَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَاطِنُ الْأَرْضِ فَلَا يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعَقْدِ، وَلَوْ شَرَطَهُ رَبُّ الدَّارِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ حِينَ آجَرَهُ فِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَجُوزُ وَيَفْسُدُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ وَلِأَحَدِهِمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَوْ امْتَلَأَ مَسِيلُ الْحَمَّامِ فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ تَفْرِيغُهُ ظَاهِرًا كَانَ أَوْ بَاطِنًا اهـ. وَفِيهَا وَتَسْيِيلُ مَاءِ الْحَمَّامِ وَتَفْرِيغُهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَإِنْ شَرَطَ نَقْلَ الرَّمَادِ وَالسِّرْقِينِ رَبُّ الْحَمَّامِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ، وَإِنْ شَرَطَ عَلَى رَبِّ الْحَمَّامِ فَسَدَ اهـ فَتَأَمَّلْ، وَلَعَلَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقِيَاسِ أَوْ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَفِي اسْتِئْجَارِ الطَّاحُونَةِ فِي كِرَى نَهْرِهَا يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ، وَفِيهَا خَرَجَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْبَيْتِ وَفِيهِ تُرَابٌ أَوْ رَمَادٌ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ إخْرَاجُهُ بِخِلَافِ الْبَالُوعَةِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التُّرَابِ الطَّاهِرِ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهَا وَهُوَ فِيهِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى إصْلَاحِ مِلْكِهِ) قَالَ الْحَمَوِيُّ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الدَّارَ لَوْ كَانَتْ وَقْفًا يُجْبَرُ النَّاظِرُ عَلَى ذَلِكَ اهـ ط. (قَوْلُهُ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ) أَيْ وَلَا يُحْسَبُ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ. بَقِيَ هَلْ لَهُ قَلْعُهُ فِيهِ تَفْصِيلٌ. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: بَنَى بِلَا أَمْرٍ ثُمَّ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ أَوْ انْقَضَتْ مُدَّتُهَا، فَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ مِنْ لَبِنٍ اُتُّخِذَ مِنْ تُرَابِ الدَّارِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ رَفْعُ الْبِنَاءِ وَيَغْرَمُ قِيمَةَ التُّرَابِ لِمَالِكِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ طِينٍ لَا يُنْقَضُ إذْ لَوْ نُقِضَ يَعُودُ تُرَابًا اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ عَمَّرَ بِمَا لَوْ نَقَضَ يَبْقَى مَالًا فَلَهُ نَقْضُهُ وَإِلَّا فَلَا وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ سَائِحَانِيٌّ 1 - (قَوْلُهُ فَلَهُ تَرْكُهُمَا) عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ: فَلَهُ تَرْكُ الْأُخْرَى لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ 1 - (قَوْلُهُ وَفِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ إلَخْ) قَالَ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَتِهَا: ثُمَّ الْفَسْخُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْقَضَاءِ عَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ، حَتَّى لَوْ بَاعَ الْمُؤَجِّرُ دُكَّانَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا يَجُوزُ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ يَكُونُ بِدُونِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ، وَالْأُولَى أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ. قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ: وَهَذَا فِي الدَّيْنِ خَاصَّةً أَمَّا فِي أَعْذَارٍ أُخَرَ يَنْفَرِدُ مَنْ لَهُ الْعُذْرُ بِالْفَسْخِ بِلَا قَضَاءٍ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَةِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ وَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْعُذْرَ إنْ كَانَ ظَاهِرًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْقَضَاءِ وَإِلَّا كَالدَّيْنِ الثَّابِتِ بِإِقْرَارِهِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِيَصِيرَ الْعُذْرُ بِالْقَضَاءِ ظَاهِرًا. وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَالْمَحْبُوبِيُّ: الْقَوْلُ بِالتَّوْفِيقِ هُوَ الْأَصَحُّ، وَقَوَّاهُ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ بِأَنَّ فِيهِ إعْمَالَ الرِّوَايَتَيْنِ مَعَ مُنَاسَبَةٍ فِي التَّوْزِيعِ فَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ. وَفِي تَصْحِيحِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ: مَا يُصَحِّحُهُ قَاضِي خَانْ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا يُصَحِّحُهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ أَوَّلَ الْبَابِ تُفْسَخُ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي مَعَ إيهَامِهِ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ أَيْضًا، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فِيهِ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ هُنَاكَ فَتَنَبَّهْ. (قَوْلُهُ إنْ الْعُذْرُ ظَاهِرًا) كَمَسْأَلَةِ سُكُونِ الضِّرْسِ وَاخْتِلَاعِ الْمَرْأَةِ. (قَوْلُهُ وَبِعُذْرٍ إلَخْ) فَلَا تُفْسَخُ بِدُونِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 80 كَمَا فِي سُكُونِ ضِرْسٍ اُسْتُؤْجِرَ لِقَلْعِهِ وَمَوْتِ عُرْسٍ أَوْ اخْتِلَاعِهَا اُسْتُؤْجِرَ) طَبَّاخٌ (لِطَبْخِ وَلِيمَتِهَا) [مَطْلَبٌ إصْلَاحُ بِئْرِ الْمَاءِ وَالْبَالُوعَةِ وَالْمَخْرَجِ وَإِخْرَاجُ التُّرَابِ وَالرَّمَادِ] (وَ) بِعُذْرِ (لُزُومِ دَيْنٍ) سَوَاءٌ كَانَ ثَابِتًا (بِعِيَانٍ) مِنْ النَّاسِ (أَوْ بَيَانٍ) أَيْ بَيِّنَةٍ (أَوْ إقْرَارٍ وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ)   [رد المحتار] إلَّا إذَا وَقَعَتْ عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ كَالِاسْتِكْتَابِ فَلِصَاحِبِ الْوَرِقِ فَسْخُهَا بِلَا عُذْرٍ، وَأَصْلُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ لِرَبِّ الْبَذْرِ الْفَسْخُ دُونَ الْعَامِلِ أَشْبَاهٌ، وَفِي حَاشِيَتِهَا لِأَبِي السُّعُودِ عَنْ الْبِيرِيِّ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ عُذْرٍ لَا يُمْكِنُ مَعَهُ اسْتِيفَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَّا بِضَرَرٍ يَلْحَقُهُ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ. [مَطْلَبٌ فِي رَجْمِ الدَّارِ مِنْ الْجِنِّ هَلْ هُوَ عُذْرٌ فِي الْفَسْخِ] قَالَ الْبِيرِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الرَّجْمَ الَّذِي يَقَعُ كَثِيرًا فِي الْبُيُوتِ وَيُقَالُ إنَّهُ مِنْ الْجَانِّ عُذْرٌ فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ لِمَا يَحْصُلُ مِنْ الضَّرَرِ إلَخْ مَا ذَكَرَهُ اهـ. أَقُولُ: يَظْهَرُ هَذَا لَوْ كَانَ الرَّجْمُ لِذَاتِ الدَّارِ أَمَّا لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ مَخْصُوصٍ فَلَا، وَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ الرُّفَقَاءِ أَنَّ أَهْلَ زَوْجَتِهِ سَحَرُوا أُمَّهُ، فَكُلَّمَا دَخَلَتْ دَارِهِ يَحْصُلُ الرَّجْمُ وَإِذَا خَرَجَتْ يَنْقَطِعُ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. [مَطْلَبٌ فِسْقُ الْمُسْتَأْجِرِ لَيْسَ عُذْرًا فِي الْفَسْخِ] 1 ِ [فَرْعٌ كَثِيرُ الْوُقُوعِ] قَالَ فِي لِسَانِ الْحُكَّامِ: لَوْ أَظْهَرَ الْمُسْتَأْجِرُ فِي الدَّارِ الشَّرَّ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الرِّبَا وَالزِّنَا وَاللُّوَاطَةِ يُؤْمَرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ وَلَا لِجِيرَانِهِ أَنْ يُخْرِجُوهُ فَذَلِكَ لَا يَصِيرُ عُذْرًا فِي الْفَسْخِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. وَفِي الْجَوَاهِرِ: إنْ رَأَى السُّلْطَانُ أَنْ يُخْرِجَهُ فَعَلَ اهـ. وَقَدَّمْنَا عَنْ الْإِسْعَافِ: لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يُخَافُ مِنْهُ عَلَى رَقَبَةِ الْوَقْفِ يَفْسَخُهَا الْقَاضِي وَيُخْرِجُهُ مِنْ يَدِهِ فَلْيُحْفَظْ. (قَوْلُهُ كَمَا فِي سُكُونِ ضِرْسٍ إلَخْ) التَّقْيِيدُ بِسُكُونِ الضِّرْسِ وَمَوْتِ الْعُرْسِ أَوْ اخْتِلَاعِهَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ بِدُونِهِ لَا يَكُونُ لَهُ الْفَسْخُ. قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَفِي الْمَبْسُوطِ إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَقْطَعَ يَدَهُ لِلْأَكْلَةِ أَوْ لِهَدْمِ بِنَاءٍ لَهُ ثُمَّ بَدَا لَهُ فِي ذَلِكَ كَانَ عُذْرًا إذْ فِي إبْقَاءِ الْعَقْدِ إتْلَافُ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْكُنْ الْوَجَعُ يَكُونُ لَهُ الْفَسْخُ اهـ. أَقُولُ: وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ كُلُّ فِعْلٍ هُوَ سَبَبُ نَقْصِ الْمَالِ أَوْ تَلَفِهِ فَهُوَ عُذْرٌ لِفَسْخِهِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخِيطَ لَهُ ثَوْبَهُ أَوْ لِيُقَصِّرَ أَوْ لِيَقْطَعَ أَوْ يَبْنِيَ بِنَاءً أَوْ يَزْرَعَ أَرْضَهُ ثُمَّ نَدِمَ لَهُ فَسْخُهُ اهـ. زَادَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الْكَرْخِيِّ: أَوْ لِيُفْصِدَ أَوْ لِيُحْجِمَ أَوْ يَقْلَعَ ضِرْسًا لَهُ ثُمَّ يَبْدُو لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ فَلَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِهْلَاكَ مَالٍ أَوْ غُرْمًا أَوْ ضَرَرًا اهـ. ثُمَّ رَأَيْتُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بَحَثَ كَمَا قُلْنَاهُ وَقَالَ: ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي الْبَدَائِعِ إلَّا مَسْأَلَةَ الْخُلْعِ لَكِنَّهُ يُفِيدُ ذَلِكَ اهـ. أَقُولُ: وَذَكَرَ شُرَّاحُ الْجَامِعِ أَنَّهُ يُقَالُ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا تَقُولُ فِيمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِقَلْعِ سِنٍّ أَوْ اتِّخَاذِ وَلِيمَةٍ ثُمَّ زَالَ الْوَجَعُ وَمَاتَتْ الْعُرْسُ فَحِينَئِذٍ يُضْطَرُّ إلَى الرُّجُوعِ عَنْ قَوْلِهِ إلَخْ فَظَهَرَ أَنَّ الْقَيْدَ ذُكِرَ لِزِيَادَةِ الْإِلْزَامِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ وَبِعُذْرِ لُزُومِ دَيْنٍ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ كَمَا فِي شَرْحِ الْبِيرِيِّ عَنْ جَوَامِعِ الْفِقْهِ، وَإِذَا فُسِخَتْ يَبْدَأُ مِنْ الثَّمَنِ بِدَيْنِ الْمُسْتَأْجِرِ وَمَا فَضَلَ لِلْغُرَمَاءِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الثَّمَنِ فَضْلٌ لَا تُفْسَخُ كَمَا فِي الزِّيَادَاتِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالدِّرْهَمُ دَيْنٌ قَادِحٌ تُفْسَخُ بِهِ بِخِلَافِ الْأَقَلِّ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: أَرَادَ نَقْضَ الْإِجَارَةَ وَبَيْعَ الدَّارِ لِنَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ أَهْلِهِ لِكَوْنِهِ مُعْسِرًا لَهُ ذَلِكَ: وَفِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِلسَّرَخْسِيِّ: قِيلَ يَفْسَخُهَا الْقَاضِي ثُمَّ يَبِيعُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا تَنْفَسِخُ ضِمْنَ الْقَضَاءِ بِنَفَاذِ الْبَيْعِ أَبُو السُّعُودِ عَلَى الْأَشْبَاهِ، وَحَكَى فِي الْخُلَاصَةِ قَوْلَيْنِ فِي فَسْخِهَا لِلنَّفَقَةِ: الْأَوَّلُ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ، وَالثَّانِي عَدَمُ الْفَسْخِ عَنْ ظَهِيرِ الدِّينِ. (قَوْلُهُ بِعِيَانٍ أَوْ بَيَانٍ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُغْنٍ عَنْ الْآخَرِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِقْرَارِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 81 أَيْ غَيْرُ الْمُسْتَأْجَرِ؛ لِأَنَّهُ يُحْبَسُ بِهِ فَيَتَضَرَّرُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ الْمُعَجَّلَةُ تَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهَا أَشْبَاهٌ (وَ) بِعُذْرِ (إفْلَاسِ مُسْتَأْجِرِ دُكَّانٍ لِيَتَّجِرَ وَ) بِعُذْرِ (إفْلَاسِ خَيَّاطٍ يَعْمَلُ بِمَالِهِ) لَا بِإِبْرَتِهِ. (اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِيَخِيطَ فَتَرَكَ عَمَلَهُ وَ) بِعُذْرِ (بَدَاءِ مُكْتَرِي دَابَّةٍ مِنْ سَفَرٍ) وَلَوْ فِي نِصْفِ الطَّرِيقِ فَلَهُ نِصْفُ الْأَجْرِ إنْ اسْتَوَيَا صُعُوبَةً وَسُهُولَةً وَإِلَّا فَبِقَدْرِهِ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ وَخَانِيَّةٌ (بِخِلَافِ بَدَاءِ الْمُكَارِي) فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ إذْ يُمْكِنُهُ إرْسَالُ أَجِيرِهِ. وَفِي الْمُلْتَقَى: وَلَوْ مَرِضَ فَهُوَ عُذْرٌ فِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ دُونَ رِوَايَةِ الْأَصْلِ، قُلْتُ: وَبِالْأُولَى يُفْتَى، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دُكَّانًا لِعَمَلِ الْخِيَاطَةِ فَتَرَكَهُ لِعَمَلٍ آخَرَ فَعُذْرٌ وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ   [رد المحتار] الْإِقْرَارُ السَّابِقُ عَلَى الْإِجَارَةِ وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً مُتَعَدِّيَةً مُنْلَا مِسْكِينٌ، وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِيَانِ مُشَاهَدَةُ النَّاسِ وَبِالْبَيَانِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، وَيُنَافِي الثَّانِي قَوْلُهُمْ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِلْإِمَامِ جَوَابًا عَنْ قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ إنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ يَضُرُّ الْمُسْتَأْجِرَ فَلَمْ يَجُزْ فِي حَقِّهِ، وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْإِقْرَارَ يُلَاقِي فِي ذِمَّةِ الْمُقِرِّ وَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ فَيَصِحُّ ثُمَّ يَتَعَدَّى اهـ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ صَرَّحَ بِكَوْنِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَتَأَيَّدَ مَا قُلْنَاهُ. [فَرْعٌ] أَقَرَّ بِدَارِهٍ لِرَجُلٍ بَعْدَ مَا آجَرَهَا صَحَّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ يُقْضَى لِلْمُقِرِّ لَهُ وَلْوَالْجِيَّةٌ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُحْبَسُ بِهِ) بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ قَدْ لَا يَصْدُقُ عَلَى عَدْمِ مَالٍ آخَرَ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ تَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهَا) أَيْ قِيمَةَ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ: أَيْ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي قِيمَتِهَا فَضْلٌ عَلَى دَيْنِ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْأُجْرَةِ الْمُعَجَّلَةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الزِّيَادَاتِ، فَقَوْلُ الْحَانُوتِيِّ: هَذَا قَيْدٌ حَسَنٌ فِي فَسْخِهَا وَهُوَ غَرِيبٌ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ غَيْرَ مُسَلَّمٍ أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ 1 - (قَوْلُهُ وَبِعُذْرِ إفْلَاسِ مُسْتَأْجِرِ دُكَّانٍ) وَكَذَا إذَا كَسَدَ سُوقُهَا حَتَّى لَا يُمْكِنُهُ التِّجَارَةُ هِنْدِيَّةٌ. وَفِي الْمُنْيَةِ: لَا يَكُونُ الْكَسَادُ عُذْرًا اهـ. وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى نَوْعِ كَسَادٍ سَائِحَانِيٌّ. أَمَّا لَوْ أَرَادَ التَّحَوُّلَ إلَى حَانُوتٍ آخَرَ هُوَ أَوْسَعُ أَوْ أَرْخَصُ وَيَعْمَلُ ذَلِكَ الْعَمَلَ لَمْ يَكُنْ عُذْرًا، وَإِنْ لِيَعْمَلَ عَمَلًا آخَرَ فَفِي الصُّغْرَى عُذْرٌ، وَفِي فَتَاوَى الْأَصْلِ إنْ تَهَيَّأَ لَهُ الثَّانِي عَلَى ذَلِكَ الدُّكَّانِ فَلَا، وَإِلَّا فَنَعَمْ تَتَارْخَانِيَّةٌ، فَالْإِفْلَاسُ غَيْرُ قَيْدٍ وَسَيَأْتِي 1 - (قَوْلُهُ لَا بِإِبْرَتِهِ) ؛ لِأَنَّ رَأْسَ مَالِهِ حِينَئِذٍ إبْرَةٌ وَمِقْرَاضٌ فَيَعْمَلُ بِالْأَجْرِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ الْعُذْرُ إلَّا بِأَنْ تَظْهَرَ خِيَانَتُهُ عِنْدَ النَّاسِ فَيَمْنَعُونَهُ عَنْ تَسْلِيمِ الثِّيَابِ تَتَارْخَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا إلَخْ) صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِخَيَّاطٍ (قَوْلُهُ وَبِعُذْرِ بَدَاءِ مُكْتَرِي دَابَّةٍ) الْبَدَاءُ بِالْمَدِّ وَفَتْحَتَيْنِ مَصْدَرُ بَدَا لَهُ: أَيْ ظَهَرَ لَهُ رَأْيٌ غَيْرُ الْأَوَّلِ مَنَعَهُ عَنْهُ مِنَحٌ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ سَفَرٍ بِمَعْنَى عَنْ أَوْ لِلْبَدَلِيَّةِ تَأَمَّلْ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ اشْتَرَى الْمُسْتَأْجِرُ إبِلًا فَهَذَا عُذْرٌ اهـ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى مَنْزِلًا فَأَرَادَ التَّحَوُّلَ إلَيْهِ، وَالْفَرْقُ مَكَانُ إكْرَاءِ الدَّارِ لَا الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ، بِخِلَافِ السُّكْنَى بَزَّازِيَّةٌ. (قَوْلُهُ وَسُهُولَةً) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ ط. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ بَدَاءِ الْمُكَارِي) أَيْ بِلَا سَبَبٍ ظَاهِرٍ يَصْلُحُ عُذْرًا كَمَا إذَا وَجَدَ مَنْ يَسْتَأْجِرُ بِأَكْثَرَ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ مَا لَوْ مَاتَ الْمُكَارِي فِي الطَّرِيقِ (قَوْلُهُ قُلْتُ وَبِالْأُولَى يُفْتَى) نَقَلَهُ فِي شَرْحِهِ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ، وَقَالَ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ: أَيْ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَهُ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ) أَيْ فِي الْمُلْتَقَى. (قَوْلُهُ فَعُذْرٌ) كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْمُحِيطِ مَا قَدَّمْنَا آنِفًا مِنْ التَّفْصِيلِ، وَسَيَنْقُلُهُ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ. مَطْلَبٌ تَرْكُ الْعَمَلِ أَصْلًا عُذْرٌ بَقِيَ شَيْءٌ: وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُمْ فَتَرَكَهُ لِعَمَلٍ آخَرَ مَعَ هَذَا التَّفْصِيلِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْعَمَلَ أَصْلًا كَانَ عُذْرًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ: اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ تَرْكُ الزِّرَاعَةِ أَصْلًا كَانَ عُذْرًا اهـ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْإِفْلَاسَ فِي مَسْأَلَةِ الدُّكَّانِ غَيْرُ قَيْدٍ وَهَكَذَا حَرَّرَهُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِمَا فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا سَنَةً وَصَارَ بِحَالٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 82 عَقَارًا ثُمَّ أَرَادَ السَّفَرَ اهـ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: سَفَرُ مُسْتَأْجِرِ دَارٍ لِلسُّكْنَى عُذْرٌ دُونَ سَفَرِ مُؤَجِّرِهَا، وَلَوْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَيَحْلِفُ بِأَنَّهُ عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: تَحَوُّلُهُ عَنْ صَنْعَتِهِ إلَى غَيْرِهَا عُذْرٌ وَإِنْ لَمْ يُفْلِسْ حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَتَعَاطَاهَا فِيهِ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: لَا يَلْزَمُ الْمُكَارِيَ الذَّهَابُ مَعَهَا وَلَا إرْسَالُ غُلَامٍ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْأَجْرُ بِتَخْلِيَتِهَا (وَ) بِخِلَافِ (تَرْكِ خِيَاطَةِ مُسْتَأْجِرِ) عَبْدٍ لِيَخِيطَ (لِيَعْمَلَ) مُتَعَلِّقٌ بِتَرَكَ (فِي الصَّرْفِ) لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ (وَ) بِخِلَافِ (بَيْعِ مَا آجَرَهُ) فَإِنَّهُ أَيْضًا لَيْسَ بِدُونِ لُحُوقِ دَيْنٍ كَمَا مَرَّ وَيُوقَفُ بَيْعُهُ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا هُوَ الْمُخْتَارُ، لَكِنْ لَوْ قَضَى بِجَوَازِهِ نَفَذَ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ. وَفِيهِ مُعَزِّيًا لِلْخَانِيَّةِ: لَوْ بَاعَ الْآجِرُ الْمُسْتَأْجَرَ فَأَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يَفْسَخَ بَيْعَهُ لَا يَمْلِكُهُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ لِلْمُرْتَهِنِ فَسْخُهُ. (وَتَنْفَسِخُ) بِلَا حَاجَةٍ إلَى الْفَسْخِ (بِمَوْتِ أَحَدِ عَاقِدَيْنِ) عِنْدَنَا   [رد المحتار] لَا يَتَحَصَّلُ مِنْ الْغَلَّةِ قَدْرُ الْأُجْرَةِ وَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّ الْحَمَّامَ إنْ لَمْ يَعْمَلْ الْحَمَّامِيُّ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ: أَيْ حِيلَتُهُ أَنْ يَتْرُكَ الْعَمَلَ إلَخْ فَرَاجِعْهُ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَحْلِفُ كَمَسْأَلَةِ السَّفَرِ الْآتِيَةِ تَأَمَّلْ. [مَطْلَبٌ إرَادَةُ السَّفَرِ أَوْ النُّقْلَةِ مِنْ الْمِصْرِ عُذْرٌ فِي الْفَسْخِ فِي الْإِجَارَة] 1 مَطْلَبٌ إرَادَةُ السَّفَرِ أَوْ النُّقْلَةِ مِنْ الْمِصْرِ عُذْرٌ فِي الْفَسْخِ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَرَادَ السَّفَرَ) وَكَذَا الِانْتِقَالُ مِنْ الْمِصْرِ عُذْرٌ فِي نَقْضِ إجَارَةِ الْعَقَارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ إلَّا بِحَبْسِ نَفْسِهِ وَهُوَ ضَرَرٌ جَامِعُ الْفَتَاوَى وَغَيْرُهُ، وَمِثْلُهُ فِي الْقُنْيَةِ، ثُمَّ قَالَ رَامِزًا طِبْ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَرَوِيَّ إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا فِي الشِّتَاءِ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ فِي الصَّيْفِ إلَى قَرْيَتِهِ أَوْ الْمِصْرِيَّ أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى الرُّسْتَاقِ صَيْفًا فَلَهُ نَقْضُ الْإِجَارَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ مَسِيرَةُ سَفَرٍ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فِي قَرْيَةٍ وَهُوَ سَاكِنٌ فِي أُخْرَى، إنْ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ سَفَرٍ فَعُذْرٌ وَإِلَّا فَلَا اهـ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا) بِأَنْ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: أُرِيدُ السَّفَرَ وَقَالَ الْمُؤَجِّرُ: إنَّهُ يَتَعَلَّلُ. (قَوْلُهُ فَيَحْلِفُ إلَخْ) هَذَا أَحَدُ أَقْوَالٍ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْقُدُورِيُّ، وَقِيلَ يَسْأَلُ رُفْقَتَهُ، وَقِيلَ يَحْكُمُ زِيُّهُ وَثِيَابُهُ، وَقِيلَ الْقَوْلُ لِمُنْكِرِ السَّفَرِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ خَرَجَ إلَى السَّفَرِ بَعْدَ الْفَسْخِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: بَدَا لِي فِي ذَلِكَ وَقَالَ خَصْمُهُ: إنَّهُ كَاذِبٌ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ إنَّكَ صَادِقٌ فِي خُرُوجِكَ بَعْدَ الْفَسْخِ 1 - (قَوْلُهُ وَفِي الْأَشْبَاهِ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ عَنْ خُوَاهَرْ زَادَهْ. ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ أَنْ يُرْسِلَ غُلَامًا يَتْبَعُ الدَّابَّةَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْآجِرِ التَّخْلِيَةُ بَيْنَ الدَّابَّةِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَقَدْ وُجِدَ فَيَجِبُ الْأَجْرُ اهـ وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِلْأَوَّلِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُهُ وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْأَشْبَاهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ تَرْكِ خِيَاطَةِ إلَخْ) تَرْكِيبٌ رَكِيكُ الْمَعْنَى مَعَ تَتَابُعِ الْإِضَافَةِ وَلَوْ قَالَ وَبِخِلَافِ خَيَّاطٍ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِيَاطَةِ فَتَرَكَهَا لِيَعْمَلَ فِي الصَّرْفِ لَكَانَ أَوْضَحَ ط. (قَوْلُهُ لِيَخِيطَ) مُتَعَلِّقٌ بِمُسْتَأْجِرٍ. (قَوْلُهُ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ) إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْقِدَ الْغُلَامَ لِلْخِيَاطَةِ فِي نَاحِيَةٍ وَيَعْمَلَ فِي الصَّرْفِ فِي نَاحِيَةٍ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ بَيْعِ مَا آجَرَهُ) أَيْ بِدُونِ إذْنِ الْمُسْتَأْجِرِ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: فَلَوْ أَذِنَ حَتَّى انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ ثُمَّ الْمُشْتَرِي رَدَّ الْمَبِيعَ بِطَرِيقٍ لَيْسَ بِفَسْخٍ لَا تَعُودُ الْإِجَارَةُ بِلَا إشْكَالٍ، وَإِنْ بِطَرِيقٍ هُوَ فَسْخٌ تَعُودُ، وَبِهِ يُفْتَى اهـ وَقَيَّدَ بِالْبَيْعِ لِمَا فِي التتارخانية عَنْ الْمُحِيطِ، اشْتَرَى شَيْئًا وَآجَرَهُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَلَهُ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ وَتُفْسَخُ الْإِجَارَةُ. (قَوْلُهُ نَفَذَ) ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الْإِمَامِ الثَّانِي يَجُوزُ الْبَيْعُ بَزَّازِيَّةٌ قُلْتُ: هَذَا فِي غَيْرِ قُضَاةِ زَمَانِنَا فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ لِلْمُرْتَهِنِ فَسْخُهُ) قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَيُفْتَى بِأَنَّ بَيْعَ الْمُسْتَأْجَرِ وَالْمَرْهُونِ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ نَافِذٍ وَلَا يَمْلِكَانِ فَسْخَهُ فِي الصَّحِيحِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَإِذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِكَوْنِهِ مَرْهُونًا أَوْ مُسْتَأْجَرًا عِنْدَهُمَا يَمْلِكُ النَّقْضَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَمْلِكُ مَعَ عِلْمِهِ وَبِهِ أَخَذَ الْمَشَايِخُ اهـ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ بِلَا حَاجَةٍ إلَى الْفَسْخِ) بِخِلَافِ مَا مَرَّ وَلِذَا عَبَّرَ هُنَاكَ بِقَوْلِهِ تُفْسَخُ وَهُنَا بِقَوْلِهِ تَنْفَسِخُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 83 لَا بِجُنُونِهِ مُطْبِقًا (عَقَدَهَا لِنَفْسِهِ) إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَوْتِهِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ وَلَا حَاكِمَ فِي الطَّرِيقِ فَتَبْقَى إلَى مَكَّةَ، فَيَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَفْعَلَ الْأَصْلَحَ فَيُؤَجِّرَهَا لَهُ لَوْ أَمِينًا أَوْ يَبِيعَهَا بِالْقِيمَةِ وَيَدْفَعَ لَهُ أُجْرَةَ الْإِيَابِ إنْ بِرَهْنٍ عَلَى دَفْعِهَا وَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ هُنَا بِلَا خَصْمٍ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ الْأَخْذَ مِنْ ثَمَنِ مَا فِي يَدِهِ أَشْبَاهٌ وَفِي الْخَانِيَّةِ: اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ أَرْضًا شَهْرًا فَسَكَنَ شَهْرَيْنِ هَلْ يَلْزَمُهُ أَجْرُ الثَّانِي: إنْ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ نَعَمْ، وَإِلَّا لَا، وَبِهِ يُفْتَى. قُلْتُ: فَكَذَا الْوَقْفُ وَمَالُ الْيَتِيمِ، وَكَذَا لَوْ تَقَاضَاهُ الْمَالِكُ وَطَالَبَهُ بِالْأَجْرِ فَسَكَتَ يَلْزَمُهُ الْأَجْرُ بِسُكْنَاهُ بَعْدَهُ وَلَوْ سَكَنَ الْمُسْتَأْجِرُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُؤَجِّرِ هَلْ يَلْزَمُهُ أَجْرُ ذَلِكَ؟ قِيلَ: نَعَمْ لِمُضِيِّهِ عَلَى الْإِجَارَةِ وَقِيلَ هُوَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى،   [رد المحتار] قَوْلُهُ لَا بِجُنُونِهِ مُطْبَقًا) قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَلَا بِرِدَّتِهِ إلَّا أَنْ يُلْحَقَ بِدَارِهِمْ وَيُقْضَى بِهِ، فَإِنْ عَادَ مُسْلِمًا فِي الْمُدَّةِ عَادَتْ الْإِجَارَةُ كَمَا فِي الْبَاقَانِيِّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ إلَّا لِضَرُورَةِ) قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى، وَقَدْ تَقَرَّرَ اسْتِثْنَاءُ الضَّرُورِيَّاتِ، فَمِنْ الظَّنِّ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِمَوْتِ الْمَزَارِعِ أَوْ الْمُكَارِي فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ حَتَّى يَبْلُغَ مَأْمَنًا؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ كَمَا تُنْتَقَضُ بِالْأَعْذَارِ تَبْقَى بِالْأَعْذَارِ فَلْيُحْفَظْ، نَعَمْ يُشْكِلُ بِمَوْتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَدَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ اهـ. قُلْتُ: وَتَبْطُلُ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ بَعْدَ مَا اسْتَأْجَرَ شَيْئًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَبِمِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ الْعَيْنَ بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَمَا فِي التتارخانية. (قَوْلُهُ كَمَوْتِهِ) أَيْ مَوْتِ الْمُؤَجِّرِ فَلَوْ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ لَزِمَهُ الْأَجْرُ بِحِسَابِ مَا سَارَ وَلْوَالْجِيَّةٌ. (قَوْلُهُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ وَلَا حَاكِمَ) قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَخَافُ أَنْ يَنْقَطِعَ بِهِ وَلَيْسَ ثَمَّةَ قَاضٍ وَلَا سُلْطَانٌ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَيْهِ فَكَانَ الْمُؤَثِّرُ فِي بَقَاءِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ اهـ، وَذَكَرَ فِي التتارخانية أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا فِي الطَّرِيقِ أَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَقُومُ عَلَيْهَا لَا يَرْجِعُ عَلَى وَرَثَةِ الْمُكَارِي (قَوْلُهُ فَيُؤَجِّرَهَا) أَيْ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ لِلْإِيَابِ. (قَوْلُهُ بِلَا خَصْمٍ) أَوْ يُنَصِّبُ الْقَاضِي وَصِيًّا عَنْهُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ إلَخْ) وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ الْخَصْمُ لِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ إذَا أَرَادَ الْمُدَّعِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ يَدِهِ وَلْوَالْجِيَّةٌ (قَوْلُهُ إنْ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ نَعَمْ) قَالَ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ: بِأَنْ بَنَاهُ لِذَلِكَ أَوْ اشْتَرَاهُ لِذَلِكَ قِيلَ أَوْ أَجَّرَهُ ثَلَاثَ سِنِينَ عَلَى الْوَلَاءِ وَبِمَوْتِ رَبِّ الدَّارِ وَبَيْعِهِ يَبْطُلُ الْإِعْدَادُ، وَلَوْ بَنَى لِنَفْسِهِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعِدَّهُ، فَإِنْ قَالَ بِلِسَانِهِ وَيُخْبِرُ النَّاسَ صَارَ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ اهـ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْعَقَارِ وَسَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - 1 - (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) لَكِنْ لَوْ دَفَعَ أُجْرَةَ مَا سَكَنَ لَا يَسْتَرِدُّهَا مِنْهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي التتارخانية وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمُعَدِّ لِلِاسْتِغْلَالِ. (قَوْلُهُ قُلْتُ فَكَذَا الْوَقْفُ إلَخْ) هَذِهِ الْمُلْحَقَاتُ مُصَرَّحٌ بِهَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ ح (قَوْلُهُ وَطَالَبَهُ بِالْأَجْرِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى تَقَاضَاهُ: أَيْ طَلَبَ مِنْهُ أَجْرَ الشَّهْرِ الثَّانِي ح. 1 - (قَوْلُهُ قِيلَ: نَعَمْ) فِي التتارخانية عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى: عَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ مَضَى عَلَى الْإِجَارَةِ وَمَا غُصِبَ خُصُوصًا فِي مَوَاضِعَ أُعِدَّتْ لِلْعَقْدِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ هُوَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى) أَيْ مَسْأَلَةِ مَا إذَا سَكَنَ شَهْرَيْنِ ح، وَهَذَا الْقَوْلُ رَجَّحَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: سَكَنَ الْمُسْتَأْجِرُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُؤَجِّرِ، قِيلَ يَجِبُ الْأَجْرُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ مَاضٍ عَلَى الْإِجَارَةِ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى جَوَابُ الْكِتَابِ وَهُوَ عَدَمُ الْأَجْرِ قِيلَ طَلَبَهُ، أَمَّا إذَا سَكَنَ بَعْدَ طَلَبِ الْأَجْرِ يَلْزَمُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعَدِّ لِلِاسْتِغْلَالِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا الْفَرْقُ فِي ابْتِدَاءِ الطَّلَبِ. وَفِي الْمُحِيطِ: وَالصَّحِيحُ لُزُومُ الْأَجْرِ إنْ مُعَدًّا بِكُلِّ حَالٍ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَجَّحَ فِي سُكْنَاهُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا فِي سُكْنَاهُ قَبْلَهُ، فَإِنْ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ أَوْ تَقَاضَاهُ هُوَ أَوْ الْوَارِثُ يَلْزَمُ وَإِلَّا لَا، وَمِثْلُهُ لَوْ تَقَاضَاهُ وَلِيُّ الْيَتِيمِ، وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا الْوَقْفُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مِيرَاثًا وَلَا تَفْسُدُ إجَارَتُهُ بِمَوْتِ الْمُؤَجِّرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 84 وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَظْهَرَ الِانْفِسَاخُ هُنَا مَا لَمْ يُطَالَبْ الْوَارِثُ بِالتَّفْرِيغِ أَوْ بِالْتِزَامِ أَجْرٍ آخَرَ وَلَوْ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَهَلْ يَلْزَمُ الْمُسَمَّى أَوْ أَجْرُ الْمِثْلِ؟ ظَاهِرُ الْقُنْيَةِ الثَّانِي، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ. . وَفِي الْمُنْيَةِ: مَاتَ أَحَدُهُمَا وَالزَّرْعُ بَقْلٌ بَقِيَ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى حَتَّى يُدْرِكَ، وَبَعْدَ الْمُدَّةِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ رَضِيَ الْوَارِثُ وَهُوَ كَبِيرٌ بِبَقَاءِ الْإِجَارَةِ وَرَضِيَ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ جَازَ اهـ أَيْ فَيَجْعَلُ الرِّضَا بِالْبَقَاءِ إنْشَاءَ عَقْدٍ: أَيْ لِجَوَازِهَا بِالتَّعَاطِي فَتَأَمَّلْهُ. وَفِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ: الْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُرْتَهِنُ وَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِالْعَيْنِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ لَوْ الْعَقْدُ صَحِيحًا، وَلَوْ فَاسِدًا فَأُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فَلْيُحْفَظْ. (فَإِنْ عَقَدَهَا لِغَيْرِهِ لَا تَنْفَسِخُ كَوَكِيلٍ) أَيْ بِالْإِجَارَةِ. وَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالِاسْتِئْجَارِ إذَا مَاتَ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِئْجَارِ تَوْكِيلٌ بِشِرَاءِ الْمَنَافِعِ فَصَارَ كَالتَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ الْأَعْيَانِ فَيَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا لِنَفْسِهِ ثُمَّ يَصِيرُ مُؤَجِّرًا لِلْمُوَكِّلِ، فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا: إنَّ الْمُوَكِّلَ بِالِاسْتِئْجَارِ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ، كَذَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الذَّخِيرَةِ. قُلْتُ: وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْعِمَادِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ قُلْتُ: هَذَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ   [رد المحتار] وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِعْدَادَ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَيُخَالِفُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّارِحِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ) مَذْكُورٌ فِي الْخَانِيَّةِ وَنَقَلَهُ فِي الْمِنَحِ مُصَدَّرًا بِقَوْلِهِ وَقَالَ مَوْلَانَا إلَخْ، وَالْمُرَادُ بِهِ قَاضِي خَانْ لَا صَاحِبُ الْبَحْرِ شَيْخُ الْمُصَنِّفِ فَافْهَمْ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ لَا يَظْهَرُ الِانْفِسَاخُ أَيْ لَا يَظْهَرُ حُكْمُهُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ السَّابِقِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ عَنْ الْمُنْيَةِ فِي مَسْأَلَةِ الزَّرْعِ. (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُطَالِبْ الْوَارِثُ إلَخْ) أَيْ فَيَظْهَرُ حُكْمُ الِانْفِسَاخِ؛ لِأَنَّ مُطَالَبَتَهُ بِالتَّفْرِيغِ دَلِيلُ عَدَمِ رِضَاهُ بِالْمُضِيِّ عَلَى الْعَقْدِ السَّابِقِ وَبِإِنْشَاءِ عَقْدٍ لَاحِقٍ، وَمُطَالَبَتَهُ بِالْتِزَامِ أَجْرٍ آخَرَ دَلِيلُ رِضَاهُ بِإِنْشَاءِ عَقْدٍ لَاحِقٍ وَنَقْضِ حُكْمِ الْعَقْدِ السَّابِقِ، فَيَظْهَرُ حِينَئِذٍ حُكْمُ الِانْفِسَاخِ وَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ السَّابِقِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ) لَا يَخْفَى أَنَّ قَاعِدَةَ لَوْ الْوَصْلِيَّةِ أَنْ يَكُونَ نَقِيضُ مَا بَعْدَهَا أَوْلَى بِالْحُكْمِ نَحْوُ أُكْرِمُكَ وَلَوْ أَهَنْتَنِي وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا ظَهَرَ الِانْفِسَاخُ فِي الْمُعَدِّ بِالْمُطَالَبَةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ أَنَّ الْإِعْدَادَ دَلِيلُ بَقَاءِ الْإِجَارَةِ فَغَيْرُ الْمُعَدِّ أَوْلَى فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا يَظْهَرُ إلَخْ. (قَوْلُهُ وَهَلْ يَلْزَمُ إلَخْ) هَذَا رَاجِعٌ إلَى مَا قَبْلَ قَوْلِهِ، وَيَنْبَغِي الَّذِي بَحَثَهُ فِي الْخَانِيَّةِ أَمَّا ذَلِكَ الْبَحْثُ فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَوْ سَكَنَ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ يَجِبُ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ السَّابِقِ. وَأَمَّا بَعْدَهَا، فَإِنْ طَالَبَهُ بِالتَّفْرِيغِ وَسَكَنَ بَعْدَهُ فَيَنْبَغِي وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ لَوْ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ دُونَ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ السَّابِقِ لِظُهُورِ انْفِسَاخِهِ، وَإِنْ طَالَبَهُ بِأَجْرٍ آخَرَ وَسَكَنَ بَعْدَهُ يَنْبَغِي لُزُومُ ذَلِكَ الْأَجْرِ الَّذِي طَالَبَهُ بِهِ كَمَا سَيَظْهَرُ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ عَنْ الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُنْيَةِ إلَخْ) حَاصِلُهُ التَّفْرِقَةُ فِيمَا إذَا لَمْ يُدْرَكْ الزَّرْعُ بَيْنَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ وَبَيْنَ انْقِضَائِهَا، فَفِي الْأَوَّلِ يُتْرَكُ إلَى الْحَصَادِ بِالْمُسَمَّى، وَفِي الثَّانِي بِأَجْرِ الْمِثْلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ مَتْنًا فِي بَابِ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ، وَحَرَّرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْعَقْدَ انْفَسَخَ بِالْمَوْتِ حَقِيقَةً وَاعْتُبِرَ بَاقِيًا حُكْمًا لِلضَّرُورَةِ فَلِذَا وَجَبَ الْمُسَمَّى، فَقَوْلُهُ هُنَا بَقِيَ الْعَقْدُ أَيْ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً فَتَنَبَّهْ. (قَوْلُهُ أَيْ لِجَوَازِهَا بِالتَّعَاطِي) ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ لَفْظٌ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ عَقْدٍ مُبْتَدَأٍ اهـ. أَمَّا لَوْ قَالَ: اُتْرُكْهَا فِي يَدِي بِالْأَجْرِ السَّابِقِ فَقَالَ رَضِيتُ أَوْ نَعَمْ فَهُوَ إيجَابٌ وَقَبُولٌ صَرِيحَانِ لَا يَحْتَاجُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. وَفِي التتارخانية عَنْ الْمُلْتَقَطِ: اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِلْحِفْظِ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا ثُمَّ مَاتَ فَقَالَ وَصِيُّهُ لِلْأَجِيرِ: اعْمَلْ عَلَى مَا كُنْتَ تَعْمَلُ فَإِنَّا لَا نَحْبِسُ عَنْكَ الْأَجْرَ ثُمَّ بَاعَ الْوَصِيُّ الضَّيْعَةَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي لِلْأَجِيرِ كَذَلِكَ، فَمِقْدَارُ مَا عَمِلَ فِي حَيَاةِ الْأَوَّلِ يَجِبُ الْمُسَمَّى فِي تَرِكَتِهِ وَفِيمَا عَمِلَ لِلْوَصِيِّ وَالْمُشْتَرِي أَجْرُ الْمِثْلِ. قَالَ الْفَقِيهُ: إذَا لَمْ يَعْلَمَا مِقْدَارَ الْمَشْرُوطِ مِنْ الْمَيِّتِ، فَإِنْ عَلِمَاهُ فَالْمُسَمَّى أَيْضًا، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ عَنْ الْأَشْبَاهِ السُّكُوتُ فِي الْإِجَارَةِ رِضًا وَقَبُولٌ إلَخْ 1 - (قَوْلُهُ وَفِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ قُبَيْلَ بَابِ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ مِنْ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَحَقُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 85 مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ. وَأَمَّا عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو طَاهِرٍ مِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْكَنْزِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ لَا يَسْتَقِيمُ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ اهـ. قُلْتُ: وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا بِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ أَيْضًا لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى عَدَمِ عِتْقِ قَرِيبِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ وَالْمُوجِبُ لِلْعِتْقِ وَالْفَسَادِ الْمِلْكُ الْمُسْتَقِرُّ. ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَالنَّقْلُ بِهِ مُسْتَفِيضٌ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَوَصِيٍّ) وَأَبٍ وَجَدٍّ وَقَاضٍ (وَمُتَوَلِّي الْوَقْفِ) لِبَقَاءِ الْمُسْتَحَقِّ لَهُ وَالْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمَعْقُودُ لَهُ بَطَلَتْ دُرَرٌ، إلَّا إذَا كَانَ مُتَوَلِّي وَقْفٍ خَاصٍّ بِهِ وَجَمِيعُ غَلَّاتِهِ لَهُ كَمَا فِي وَقْفِ الْأَشْبَاهِ مُعَزِّيًا لِلْوَهْبَانِيَّةِ. قَالَ: وَإِطْلَاقُ الْمُتُونِ بِخِلَافِهِ. قُلْتُ: وَبِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ أَفْتَى قَارِئُ الْهِدَايَةِ، فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ بَعْدَ أَرْبَعِ أَوْرَاقٍ: لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ مُؤَجِّرِ الْوَقْفِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ فِيمَا إذَا آجَرَهَا الْوَاقِفُ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ مَاتَ لِبُطْلَانِ الْوَقْفِ بِرِدَّتِهِ، وَفِيمَا إذَا آجَرَ أَرْضَهُ ثُمَّ وَقَفَهَا عَلَى مُعَيَّنٍ ثُمَّ مَاتَ   [رد المحتار] لَوْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ وَلَوْ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَسَيَذْكُرُهُ أَيْضًا فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ وَقَدَّمْنَا بَيَانَهُ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَفِي الْحَمَوِيِّ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ: بَيْنَ فَاسِدِ هَذِهِ الْعُقُودِ وَصَحِيحِهَا فَرْقٌ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ مَا إذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ أَوْ الْبَيْعُ بِدَيْنٍ كَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُشْتَرِي عَلَى الْآجِرِ أَوْ الْبَائِعِ ثُمَّ فَسَخَا الْعَقْدَ وَكَانَ فَاسِدًا لَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا لِلْمُسْتَأْجِرِ حَقُّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ وَلَا يَكُونُ أَوْلَى بِهَا فِي سَائِرِ الْغُرَمَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَالرَّهْنُ الْفَاسِدُ كَالصَّحِيحِ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَمَاتِ فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِهِ لَكِنْ إذَا لَحِقَ الدَّيْنَ الرَّهْنُ الْفَاسِدُ، أَمَّا لَوْ سَبَقَ الدَّيْنُ ثُمَّ تَفَاسَخَا بَعْدَ قَبْضِهِ فَلَيْسَ أَحَقُّ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ الْحَبْسُ اهـ مُلَخَّصًا، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا نَقَلَهُ عَنْ حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَلَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى عَدَمِ عِتْقِ قَرِيبِ الْوَكِيلِ) أَيْ لَوْ اشْتَرَاهُ، وَتَمَامُ عِبَارَةِ شَيْخِهِ الرَّمْلِيِّ: وَعَدَمُ فَسَادِ نِكَاحِهَا لَوْ اشْتَرَاهَا. (قَوْلُهُ وَالْفَسَادِ) أَيْ فَسَادِ النِّكَاحِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى بِالْوَكَالَةِ امْرَأَتَهُ مِنْ سَيِّدِهَا. (قَوْلُهُ بِمَوْتِ الْمُسْتَأْجِرِ) أَيْ الْوَكِيلِ الْمُسْتَأْجِرِ ح. (قَوْلُهُ وَالنَّقْلُ بِهِ مُسْتَفِيضٌ) قَالَ السَّائِحَانِيُّ: فَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ طَرَفِ الْمُؤَجِّرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ اهـ. قُلْتُ: وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ قَاضِي خَانْ. وَفِي التتارخانية: كُلُّ مَنْ وَقَعَ لَهُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ إذَا مَاتَ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ، وَمَنْ لَمْ يَقَعْ الْعَقْدُ لَهُ لَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ وَإِنْ كَانَ عَاقِدًا يُرِيدُ الْوَكِيلَ وَالْوَصِيَّ، وَكَذَا الْمُتَوَلِّي فِي الْوَقْفِ اهـ (قَوْلُهُ لِبَقَاءِ الْمُسْتَحَقِّ لَهُ) عِبَارَةُ الدُّرَرِ وَالْمِنَحِ: لِبَقَاءِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَحِقِّ اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ، وَبِالثَّانِي أَهْلُ الْوَقْفِ وَنَحْوُهُمْ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ قُلْتُ وَإِطْلَاقُ الْمُتُونِ بِخِلَافِهِ) ذَكَرَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ صَاحِبُ الْأَشْبَاهِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ بَدَلٌ قُلْتُ وَضَمِيرُهُ لِصَاحِبِ الْأَشْبَاهِ. قَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ: وَاَلَّذِي فِي غَالِبِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ يَقْتَضِي عَدَمَ بُطْلَانِ الْإِجَارَةِ فِي الْوَقْفِ بِمَوْتِ الْمُؤَجِّرِ سَوَاءٌ الْوَاقِفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْقَيِّمِ وَالْوَصِيِّ وَالْقَاضِي، وَذَلِكَ مُقْتَضَى تَعْلِيلَاتِهِمْ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ إذَا كَانَ نَاظِرًا لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِجَمِيعِ الرِّيعِ إذْ لَا مِلْكَ لَهُ فِي الرَّقَبَةِ وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي الْغَلَّةِ، وَذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ ط. (قَوْلُهُ أَفْتَى قَارِئُ الْهِدَايَةِ) حَيْثُ قَالَ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ النَّاظِرِ الْمُؤَجِّرِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ بِانْفِرَادِهِ. (قَوْلُهُ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ) الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ بَطَلَ بِالرِّدَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّعْلِيلِ وَصَارَتْ مِيرَاثًا بِالْمَوْتِ فَتَأَمَّلْ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِمَا قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: إنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ وَقْفٌ أُوجِرَ وَهَذَا مُؤَجِّرُ مِلْكٍ لَا وَقْفٍ. (قَوْلُهُ عَلَى مُعَيَّنٍ) الَّذِي فِي مُعَايَاةِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَشَرْحِهَا عَلَى غَيْرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 86 تَنْفَسِخُ. وَفِي وَقْفِ فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ سُئِلَ إذَا آجَرَ النَّاظِرُ ثُمَّ مَاتَ فَأَجَابَ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي الْوَقْفِ بِمَوْتِ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ كَذَا رَأَيْتُهُ فِي عِدَّةِ نُسَخٍ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي إجَارَةِ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ فَتَنَبَّهْ. وَفِيهَا أَيْضًا لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ الْغَلَّةُ لَهُ بِمُفْرَدِهِ فَتَنَبَّهْ. وَفِي الْفَيْضِ الْوَاقِفُ لَوْ آجَرَ الْوَقْفَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ مَاتَ، فَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ آجَرَ لِغَيْرِهِ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: وَحُكْمُ عَزْلِ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي كَالْمَوْتِ فَلَا تَنْفَسِخُ (وَ) تَنْفَسِخُ أَيْضًا (بِمَوْتِ أَحَدِ مُسْتَأْجِرَيْنِ أَوْ مُؤَجِّرَيْنِ فِي حِصَّتِهِ) أَيْ حِصَّةِ الْمَيِّتِ لَوْ عَقَدَهَا لِنَفْسِهِ (فَقَطْ) وَبَقِيَتْ فِي حِصَّةِ الْحَيِّ. [فَرْعٌ] فِي وَقْفِ الْأَشْبَاهِ: تَخْلِيَةُ الْبَعِيدِ بَاطِلَةٌ، فَلَوْ اسْتَأْجَرَ قَرْيَةً وَهُوَ بِالْمِصْرِ لَمْ يَصِحَّ تَخْلِيَتُهَا عَلَى الْأَصَحِّ، فَيَنْبَغِي لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْقَرْيَةِ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ غَيْرِهِ، فَيُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَوْ يُرْسِلُ وَكِيلَهُ أَوْ رَسُولَهُ إحْيَاءً لِمَالِ الْوَقْفِ فَلْيُحْفَظْ. قُلْتُ: لَكِنْ نَقَلَ مُحَشِّيهَا ابْنُ الْمُصَنِّفِ فِي زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ عَنْ بُيُوعِ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ مَتَى مَضَى مُدَّةٌ يَتَمَكَّنُ مِنْ الذَّهَابِ إلَيْهَا وَالدُّخُولِ فِيهَا كَانَ قَابِضًا وَإِلَّا فَلَا فَتَنَبَّهْ اهـ.   [رد المحتار] مُعَيَّنٍ. (قَوْلُهُ تَنْفَسِخُ) ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ كَانَ لِنَفْسِهِ ح. (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ إلَخْ) أَقُولُ: بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ الْمُتُونِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ ابْنِ نُجَيْمٍ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ فِي كَلَامِهِ النَّاظِرَ وَأَنَّهُ قَصَدَ الْجَوَابَ عَنْ مَسْأَلَتَيْنِ: الْأُولَى إذَا آجَرَ النَّاظِرُ أَرْضَ الْوَقْفِ، وَالثَّانِيَةُ إذَا اسْتَأْجَرَ النَّاظِرُ أَرْضًا مِنْ شَخْصٍ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ يَسْتَغِلُّهَا لِلْوَقْفِ ح. (قَوْلُهُ وَفِيهَا أَيْضًا) هَذَا أَيْضًا مِمَّا يَرُدُّ عَلَى مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْأَشْبَاهِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُؤَجِّرُ مُتَوَلِّيَ وَقْفٍ خَاصٍّ وَجَمِيعُ غَلَّتِهِ لَهُ، فَالْأَوْلَى ذِكْرُ ذَلِكَ قَبْلَ قَوْلِهِ وَفِي فَتَاوَى ابْنُ نُجَيْمٍ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَتَنَبَّهْ إلَى الرَّدِّ الْمَذْكُورِ ط. (قَوْلُهُ وَبَقِيَتْ فِي حِصَّةِ الْحَيِّ) وَلَا يَضُرُّهُ الشُّيُوعُ؛ لِأَنَّهُ طَارِئٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرِهِ) كَوَكِيلِهِ وَلَيْسَ مَوْجُودًا فِي عِبَارَةِ الْأَشْبَاهِ. (قَوْلُهُ إحْيَاءً لِمَالِ الْوَقْفِ) ؛ لِأَنَّهُ بِدُونِ التَّسْلِيمِ لَا تَلْزَمُ الْأُجْرَةُ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ التَّسْلِيمَ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً وَتَمَكَّنَ مِنْ الِانْتِفَاعِ يَجِبُ الْأَجْرُ، أَمَّا فِي الْفَاسِدَةِ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الِانْتِفَاعِ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ ظَاهِرَ الْإِسْعَافِ إخْرَاجُ الْوَقْفِ فَتَجِبُ أُجْرَتُهُ فِي الْفَاسِدَةِ بِالتَّمَكُّنِ، فَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِهِ هُنَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ عَنْ بُيُوعِ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ) وَنَصُّهَا: سُئِلَ عَنْ شَخْصٍ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ دَارًا بِبَلْدَةٍ وَهُمَا بِبَلْدَةٍ أُخْرَى وَبَيْنَ الْبَلْدَتَيْنِ مَسَافَةُ يَوْمَيْنِ وَلَمْ يَقْبِضْهَا، بَلْ خَلَّى الْبَائِعُ بَيْنَ الْمُشْتَرَى وَالْمَبِيعِ التَّخْلِيَةَ الشَّرْعِيَّةَ لِيَتَسَلَّمَ، فَهَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ وَتَكُونُ التَّخْلِيَةُ كَالتَّسْلِيمِ. أَجَابَ: إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّارُ بِحَضْرَتِهِمَا وَقَالَ الْبَائِعُ: سَلَّمْتُهَا لَكَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي تَسَلَّمْتُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ قَبْضًا مَا لَمْ تَكُنْ الدَّارُ قَرِيبَةً مِنْهُمَا بِحَيْثُ يَقْدِرُ الْمُشْتَرِي عَلَى الدُّخُولِ فِيهَا وَالْإِغْلَاقِ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ قَابِضًا، وَفِي مَسْأَلَتِنَا مَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ يَتَمَكَّنُ مِنْ الذَّهَابِ إلَيْهَا وَالدُّخُولِ فِيهَا لَمْ يَكُنْ قَابِضًا اهـ. [مَطْلَبٌ فِي تَخْلِيَةِ الْبَعِيدِ] 1 وَفِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ تَخْلِيَةَ الْبَعِيدِ بَاطِلَةٌ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ كَمَا هُوَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَفِي ابْنِ الْهُمَامِ قُبَيْلَ بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَقَدْ أَطْنَبْنَا فِيهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالدُّخُولِ فِيهَا) أَقُولُ: فَائِدَةُ ذِكْرِهِ حُصُولُ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ، إذْ لَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الدُّخُولِ فِيهَا لِوُجُودِ غَاصِبٍ وَنَحْوِهِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ كَمَا مَرَّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الدُّخُولَ نَفْسَهُ شَرْطٌ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 87 مَسَائِلُ شَتَّى (أَحْرَقَ حَصَائِدَ) أَيْ بَقَايَا أُصُولِ قَصَبٍ مَحْصُودٍ (فِي أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ أَوْ مُسْتَعَارَةٍ) وَمِثْلُهُ أَرْضُ بَيْتِ الْمَالِ الْمُعَدَّةِ لِحَطِّ الْقَوَافِلِ وَالْأَحْمَالِ وَمَرْعَى الدَّوَابِّ وَطَرْحِ الْحَصَائِدِ قُلْتُ: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الِانْتِفَاعِ فِي الْأَرْضِ يَضْمَنُ مَا أَحْرَقَتْهُ فِي مَكَانِهِ بِنَفْسِ الْوَضْعِ لَا مَا نَقَلَتْهُ الرِّيحُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَهُ شَيْخُنَا (فَاحْتَرَقَ شَيْءٌ مِنْ أَرْضِ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّهُ تَسَبُّبٌ لَا مُبَاشَرَةٌ (إنْ لَمْ تَضْطَرِبْ الرِّيَاحُ) فَلَوْ كَانَتْ مُضْطَرِبَةً ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ فِي أَرْضِهِ فَيَكُونُ مُبَاشِرًا (وَكَذَا كُلُّ مَوْضِعٍ كَانَ لِلْوَاضِعِ حَقُّ الْوَضْعِ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ (لَا يَضْمَنُ   [رد المحتار] [مَسَائِلُ شَتَّى فِي الْإِجَارَة] مَسَائِلُ شَتَّى. (قَوْلُهُ أَيْ بَقَايَا إلَخْ) تَفْسِيرٌ مُرَادٌ: قَالَ فِي الْمِنَحِ: حَصَائِدُ جَمْعُ حَصِيدٍ وَحَصِيدَةٍ، وَهُمَا الزَّرْعُ الْمَحْصُودُ، وَالْمُرَادُ بِهَا هَهُنَا مَا يَبْقَى مِنْ أُصُولِ الْقَصَبِ الْمَحْصُودِ فِي الْأَرْضِ اهـ أَيْ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِإِحْرَاقِهِ. (قَوْلُهُ مُسْتَأْجَرَةٍ أَوْ مُسْتَعَارَةٍ) قَالَ مُنْلَا مِسْكِينٌ فِي شَرْحِهِ: وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِيهِمَا دُونَ أَرْضِ مِلْكِهِ لَمَّا لَمْ يَضْمَنْ هُنَا فَعَدَمُ الضَّمَانِ بِالْإِحْرَاقِ فِي أَرْضِهِ بِالْأَوْلَى اهـ. وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ مَعَ عِبَارَةِ الْمَتْنِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا أَحْرَقَتْهُ فِي مَكَان تَعَدَّتْ إلَيْهِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، فَقَدْ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَوْقَدَ نَارًا فِي أَرْضٍ بِلَا إذْنِ الْمَالِكِ ضَمِنَ مَا أَحْرَقَتْهُ فِي مَكَان أُوقِدَتْ فِيهِ لَا مَا أَحْرَقَتْهُ فِي مَكَان آخَرَ تَعَدَّتْ إلَيْهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالنَّارِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَسَالَ الْمَاءَ إلَى مِلْكِهِ فَسَالَ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ وَأَتْلَفَ شَيْئًا ثَمَّةَ ضَمِنَ، بِخِلَافِ النَّارِ إذْ طَبْعُ النَّارِ الْخُمُودُ، وَالتَّعَدِّي يَكُونُ بِفِعْلِ الرِّيحِ وَنَحْوِهِ فَلَمْ يُضَفْ إلَى فِعْلِ الْمُوقِدِ فَلَمْ يَضْمَنْ وَمِنْ طَبْعِ الْمَاءِ السَّيَلَانُ فَالْإِتْلَافُ يُضَافُ إلَى فِعْلِهِ اهـ فَتَدَبَّرْ رَمْلِيٌّ. أَقُولُ: لَكِنَّ هَذَا حَيْثُ زَالَتْ عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِمُزِيلٍ، فَلَوْ زَالَتْ لَا بِمُزِيلٍ يَضْمَنُ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ إلَخْ) قَالَهُ شَيْخُهُ الرَّمْلِيُّ أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَحَاصِلُهُ) لَيْسَ حَاصِلًا لِمَا نَحْنُ فِيهِ فَكَانَ عَلَيْهِ تَأْخِيرُهُ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِنَفْسِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَحْرَقَتْهُ. (قَوْلُهُ لَا مَا نَقَلَتْهُ الرِّيحُ) أَيْ الَّتِي هَبَّتْ بَعْدَ وَضْعِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي ح (قَوْلُهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى) أَيْ مِنْ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ، فَقَدْ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: إنَّهُ أَظْهَرُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ إذَا وَضَعَ جَمْرَةً فِي الطَّرِيقِ أَوْ مَرَّ بِنَارٍ فِي مِلْكِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَأَطْلَقَ الْجَوَابَ فِيهِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ تَسَبُّبٌ) وَشَرْطُ الضَّمَانِ فِيهِ التَّعَدِّي وَلَمْ يُوجَدْ، فَصَارَ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَمَى سَهْمًا فِي مِلْكِهِ فَأَصَابَ إنْسَانًا حَيْثُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدِّي زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ تَضْطَرِبْ الرِّيَاحُ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ سَاكِنَةً وَقْتَ الْوَضْعِ ح، وَقَيَّدَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ الذَّخِيرَةِ بِمَا لَوْ أَوْقَدَ نَارًا يُوقَدُ مِثْلُهَا وَنُقِلَ عَنْ غَيْرِهَا لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا. ثُمَّ نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ: أَحْرَقَ شَوْكًا أَوْ تِبْنًا فِي أَرْضِهِ فَذَهَبَتْ الرِّيحُ بِشَرَارَاتٍ إلَى أَرْضِ جَارِهِ وَأَحْرَقَتْ زَرْعَهُ، إنْ كَانَ بِبُعْدٍ مِنْ أَرْضِ الْجَارِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَصِلُ إلَيْهِ الشَّرَرُ عَادَةً لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِفِعْلِ النَّارِ وَإِنَّهُ هَدَرٌ، وَلَوْ بِقُرْبٍ مِنْ أَرْضِهِ عَلَى وَجْهٍ يَصِلُ إلَيْهِ الشَّرَرُ غَالِبًا ضَمِنَ إذْ لَهُ الْإِيقَادُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ: هَذَا كَمَا إذَا سَقَى أَرْضَ نَفْسِهِ فَتَعَدَّى إلَى أَرْضِ جَارِهِ. (قَوْلُهُ ضَمِنَ) أَيْ اسْتِحْسَانًا طُورِيٌّ عَنْ الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ إلَخْ) يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الرِّيحُ تَتَحَرَّكَ خَفِيفًا بِحَيْثُ لَا يَتَعَدَّى الضَّرَرُ ثُمَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 88 عَلَى كُلِّ حَالٍ إذَا تَلِفَ بِذَلِكَ الْمَوْضُوعِ شَيْءٌ) سَوَاءٌ تَلِفَ بِهِ وَهُوَ فِي مَكَانِهِ أَوْ بَعْدَ مَا زَالَ عَنْهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَاضِعِ فِيهِ حَقُّ الْوَضْعِ) حَيْثُ يَضْمَنُ الْوَاضِعُ إذَا تَلِفَ بِهِ شَيْءٌ وَهُوَ فِي مَكَانِهِ، وَكَذَا بَعْدَ مَا زَالَ، لَا بِمُزِيلٍ كَوَضْعِ جَرَّةٍ فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ آخَرَ أُخْرَى فَتَدَحْرَجَتَا فَانْكَسَرَتَا ضَمِنَ كُلٌّ جَرَّةَ صَاحِبِهِ، وَإِنْ زَالَ بِمُزِيلٍ كَرِيحٍ وَسَيْلٍ لَا يَضْمَنُ الْوَاضِعُ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْخَانِيَّةِ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ وَضَعَ جَمْرَةً فِي الطَّرِيقِ فَاحْتَرَقَ بِذَلِكَ شَيْءٌ ضَمِنَ) لِتَعَدِّيهِ بِالْوَضْعِ (وَكَذَا) يَضْمَنُ (فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَيْسَ لَهُ فِيهِ حَقُّ الْمُرُورِ إلَّا إذَا هَبَّتْ بِهِ) أَيْ بِالْوَضْعِ (الرِّيحُ فَلَا ضَمَانَ) لِنَسْخِهَا فِعْلَهُ، وَكَذَا لَوْ دَحْرَجَ السَّيْلُ الْحَجَرَ (وَبِهِ يُفْتَى) خَانِيَّةٌ، وَلَوْ أَخْرَجَ الْحَدَّادُ الْحَدِيدَ مِنْ الْكِيرِ فِي دُكَّانِهِ ثُمَّ ضَرَبَهُ بِمِطْرَقَةٍ فَخَرَجَ الشَّرَارُ إلَى الطَّرِيقِ وَأَحْرَقَ شَيْئًا ضَمِنَ، وَلَوْ لَمْ يَضْرِبْهُ وَأَخْرَجَهُ الرِّيحُ لَا زَيْلَعِيٌّ (سَقَى أَرْضَهُ سَقْيًا لَا تَحْتَمِلُهُ فَتَعَدَّى) الْمَاءُ (إلَى أَرْضِ جَارِهِ) فَأَفْسَدَهَا (ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ لَا مُتَسَبِّبٌ. (أَقْعَدَ خَيَّاطٌ أَوْ صَبَّاغٌ فِي حَانُوتِهِ مَنْ يَطْرَحُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ) سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْعَمَلُ أَوْ اخْتَلَفَ كَخَيَّاطٍ مَعَ قَصَّارٍ (صَحَّ) اسْتِحْسَانًا   [رد المحتار] زَادَتْ لَمْ يَضْمَنْ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ) فَسَّرَهُ الشَّارِحُ بَعْدُ بِقَوْلِهِ سَوَاءٌ تَلِفَ إلَخْ. (قَوْلُهُ ثُمَّ آخَرَ) أَيْ ثُمَّ وَضَعَ آخَرَ فَالْمَعْطُوفُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ وَضَعَ، وَقَالَ ح هُوَ عَطْفٌ عَلَى فَاعِلِ الْوَضْعِ الْمَحْذُوفِ: أَيْ كَوَضْعِ شَخْصٍ جَرَّةً فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ وَضَعَ آخَرُ أُخْرَى اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ ط. (قَوْلُهُ فَتَدَحْرَجَتَا) فَلَوْ تَدَحْرَجَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَانْكَسَرَتْ الْمُتَدَحْرِجَةُ ضَمِنَ صَاحِبُ الْوَاقِفَةِ وَكَذَا دَابَّتَانِ أُوقِفَا، وَلَوْ عَطِبَتْ الْوَاقِفَةُ لَا ضَمَانَ لِانْتِسَاخِ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ سَائِحَانِيٌّ عَنْ قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ وَكَذَا يَضْمَنُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ إلَخْ) هَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ صَاحِبُ الْخَانِيَّةِ بَلْ اعْتَبَرَ حَقَّ الْوَضْعِ وَعَدَمَهُ. وَقَدْ يُثْبِتُ حَقَّ الْمُرُورِ وَلَا يُثْبِتُ حَقَّ الْوَضْعِ كَمَا فِي الطَّرِيقِ، وَإِنَّمَا الَّذِي اعْتَبَرَ حَقَّ الْمُرُورِ وَعَدَمَهُ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ، وَذَكَرَ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى. قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَفَصَّلَ فِي الْخُلَاصَةِ فِيمَا لَوْ سَقَطَ مِنْهُ جَمْرَةٌ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ لَهُ فِيهِ حَقُّ الْمُرُورِ بَيْنَ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ فَيَضْمَنَ وَبَيْنَ إنْ ذَهَبَتْ بِهَا الرِّيحُ فَلَا يَضْمَنُ. قَالَ وَهَذَا أَظْهَرُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَغَالِبُ الْكُتُبِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ ط. (قَوْلُهُ مِنْ الْكِيرِ) هُوَ بِالْكَسْرِ: زِقٌّ يَنْفُخُ فِيهِ الْحَدَّادُ، وَأَمَّا الْمَبْنِيُّ مِنْ الطِّينِ فَكُورٌ وَالْجَمْعُ أَكْيَارٌ وَكِيَرَةٌ كَعِنَبَةٍ وَكِيرَانٌ. قَامُوسٌ فَالْمُنَاسِبُ الْكُورُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ ط، لَكِنْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا» فَلَعَلَّهُ مُشْتَرَكٌ تَأَمَّلْ، وَعَبَّرَ الأتقاني بِالْكُورِ. (قَوْلُهُ وَأَحْرَقَ شَيْئًا ضَمِنَ) وَإِنْ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا تَحْتَمِلُهُ) يَعْنِي لَا تَحْتَمِلُ بَقَاءَهُ بِأَنْ كَانَتْ صُعُودًا وَأَرْضُ جَارِهِ هُبُوطًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ سَقَى أَرْضَهُ نَفَذَ إلَى جَارِهِ ضَمِنَ، وَلَوْ كَانَ يَسْتَقِرُّ فِي أَرْضِهِ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى أَرْضِ جَارِهِ، فَلَوْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ بِالْأَحْكَامِ وَلَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ وَيَكُونُ هَذَا كَإِشْهَادٍ عَلَى حَائِطٍ، وَلَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. أَقُولُ: زَادَ فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ الْخَانِيَّةِ بَعْدَ قَوْلِهِ ضَمِنَ مَا نَصُّهُ: وَيُؤْمَرُ بِوَضْعِ الْمُسَنَّاةِ حَتَّى يَصِيرَ مَانِعًا وَيُمْنَعُ عَنْ السَّقْيِ قَبْلَ وَضْعِ الْمُسَنَّاةِ. وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ: لَا يُمْنَعُ عَنْ السَّقْيِ يَعْنِي بِالْفَصْلِ الْأَوَّلِ صُورَةَ عَدَمِ التَّقَدُّمِ اهـ. وَبِهَذِهِ الزِّيَادَةِ حَصَلَ الْجَوَابُ عَنْ اعْتِرَاضِ ط بِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يُتَصَوَّرَ انْتِفَاعُ رَبِّ الصَّاعِدَةِ اهـ فَافْهَمْ. وَفِي شُرْبِ الْخُلَاصَةِ الْمَذْكُورِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ إذَا سَقَى غَيْرَ مُعْتَادٍ ضَمِنَ وَإِنْ مُعْتَادًا لَا يَضْمَنُ 1 - (قَوْلُهُ صَحَّ) ؛ لِأَنَّ شَرِكَةَ الصَّنَائِعِ يَتَقَبَّلُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْعَمَلَ عَلَى أَنَّ مَا يَتَقَبَّلُهُ يَكُونُ أَصْلًا فِيهِ بِنَفْسِهِ وَوَكِيلًا عَنْ شَرِيكِهِ فَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَهُنَا كَذَلِكَ، فَإِنَّ مَا يُلْقِيهِ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْحَانُوتِ مِنْ الْعَمَلِ يَعْمَلُهُ الصَّانِعُ أَصَالَةً عَنْ نَفْسِهِ وَوَكَالَةً عَنْ صَاحِبِ الْحَانُوتِ فَيَكُونُ الْأَجْرُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ رَحْمَتِيٌّ. (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 89 لِأَنَّهُ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ، فَهَذَا بِوَجَاهَتِهِ يُقْبَلُ وَهَذَا بِحَذَاقَتِهِ يُعْمَلُ (كَاسْتِئْجَارِ جَمَلٍ لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مَحْمَلًا وَرَاكِبَيْنِ إلَى مَكَّةَ وَلَهُ الْمَحْمَلُ الْمُعْتَادُ وَرُؤْيَتُهُ أَحَبُّ) وَكَذَا إذَا لَمْ يَرَ الطَّرَّاحَةَ وَاللِّحَافَ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَلَوْ تَكَارَى إلَى مَكَّةَ إبِلًا مُسَمَّاةً بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا جَازَ وَيَحْمِلُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ حَمْلًا فِي ذِمَّةِ الْمُكَارِي وَالْإِبِلُ آلَةٌ وَجَهَالَتُهَا لَا تُفْسِدُ. قُلْتُ: فَمَا يَفْعَلُهُ الْحُجَّاجُ مِنْ الْإِجَارَةِ لِلْحَمْلِ أَوْ الرُّكُوبِ إلَى مَكَّةَ بِلَا تَعْيِينِ الْإِبِلِ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (اسْتَأْجَرَ جَمَلًا لِحَمْلِ مِقْدَارٍ مِنْ الزَّادِ فَأَكَلَ مِنْهُ رَدَّ عِوَضَهُ) مِنْ زَادٍ وَنَحْوِهِ (قَالَ لِغَاصِبِ دَارِهِ فَرِّغْهَا وَإِلَّا فَأُجْرَتُهَا كُلُّ شَهْرٍ بِكَذَا فَلَمْ يُفَرِّغْ وَجَبَ) عَلَى الْغَاصِبِ (الْمُسَمَّى) ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ رِضًا (إلَّا إذَا أَنْكَرَ الْغَاصِبُ مِلْكَهُ وَإِنْ أَثْبَتَهُ بِبَيِّنَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَنْكَرَهُ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِالْإِجَارَةِ (أَوْ أَقَرَّ) عَطْفٌ عَلَى أَنْكَرَ (بِهِ) أَيْ يَمْلِكُهُ (وَلَكِنْ لَمْ يَرْضَ بِالْأُجْرَةِ) ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِعَدَمِ الرِّضَا، فِي الْأَشْبَاهِ السُّكُوتُ فِي الْإِجَارَةِ رِضًا وَقَبُولٌ،   [رد المحتار] اسْتِئْجَارٌ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَقَفِيزِ الطَّحَّانِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ) فِيهِ تَعْرِيضٌ بِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ جَعَلَهَا شَرِكَةَ وُجُوهٍ. وَرَدَّهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ شَرِكَةَ الْوُجُوهِ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا وَيَبِيعَا وَلَيْسَ فِي هَذَا بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ. وَأَجَابَ فِي الْعَزْمِيَّةِ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهَا بَلْ مَا وَقَعَ فِيهَا تَقَبُّلُ الْعَمَلِ بِالْوَجَاهَةِ يُرْشِدُكَ إلَيْهِ قَوْلُهُ هَذَا بِوَجَاهَتِهِ يَقْبَلُ وَهَذَا بِحَذَاقَتِهِ يَعْمَلُ اهـ وَفِيهِ بُعْدٌ. (قَوْلُهُ كَاسْتِئْجَارِ جَمَلٍ) التَّشْبِيهُ فِي كَوْنِ صِحَّةِ كُلٍّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. (قَوْلُهُ مَحْمِلًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأَوَّلِ وَكَسْرِ الثَّانِي أَوْ بِالْعَكْسِ: الْهَوْدَجُ الْكَبِيرُ الْحَجَّاجِيُّ إتْقَانِيٌّ عَنْ الْمُغْرِبِ. (قَوْلُهُ وَلَهُ الْمَحْمِلُ الْمُعْتَادُ) أَيْ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ. قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الرَّاكِبِينَ أَوْ يَقُولُ عَلَى أَنْ أُرْكِبَ مَنْ أَشَاءُ. أَمَّا إذَا قَالَ: اسْتَأْجَرْتُ عَلَى الرُّكُوبِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ، وَعَلَى الْمُكْرِي تَسْلِيمُ الْحِزَامِ وَالْقَتَبِ وَالسَّرْجِ وَالْبَرَّةِ الَّتِي فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ وَاللِّجَامِ لِلْفَرَسِ وَالْبَرْذَعَةِ لِلْحِمَارِ، فَإِنْ تَلِفَ شَيْءٌ فِي يَدِ الْمُكْتَرِي لَمْ يَضْمَنْهُ كَالدَّابَّةِ، وَعَلَى الْمُكْرِي إشَالَةُ الْمَحْمِلِ وَحَطُّهُ وَسَوْقُ الدَّابَّةِ وَقَوْدِهَا وَأَنْ يُنْزِلَ الرَّاكِبِينَ لِلطَّهَارَةِ وَصَلَاةِ الْفَرْضِ، وَلَا يَجِبُ لِلْأَكْلِ وَصَلَاةِ النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُمْ فِعْلُهَا عَلَى الظَّهْرِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُبَرِّكَ الْجَمَلَ لِلْمَرْأَةِ وَالْمَرِيضِ وَالشَّيْخِ الضَّعِيفِ. (قَوْلُهُ وَرُؤْيَتُهُ أَحَبُّ) نَفْيًا لِلْجَهَالَةِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ (قَوْلُهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ) عِبَارَتُهَا: وَإِذَا تَكَارَى مِنْ الْكُوفَةِ إلَى مَكَّةَ إبِلًا مُسَمَّاةً بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا فَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ مَجْهُولٌ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لَا بِعَيْنِهِ لَا يَجُوزُ. قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي شَرْحِ الْكَافِي: لَيْسَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُكَارِيَ إبِلًا مُسَمَّاةً بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا، لَكِنْ صُورَتُهَا أَنَّ الْمُكَارِيَ يَقْبَلُ الْحُمُولَةَ، كَأَنْ قَالَ الْمُسْتَكْرِي: احْمِلْنِي إلَى مَكَّةَ عَلَى الْإِبِلِ بِكَذَا فَقَالَ الْمُكَارِي: قَبِلْتُ فَيَكُونُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ حَمْلًا فِي ذِمَّةِ الْمُكَارِي وَإِنَّهُ مَعْلُومٌ وَالْإِبِلُ آلَةُ الْمُكَارِي لِيَتَأَدَّى مَا وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ، وَجَهَالَةُ الْآلَةِ لَا تُوجِبُ إفْسَادَ الْإِجَارَةِ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: عِنْدِي يَجُوزُ كَمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ اهـ وَمُرَادُهُ بِالْكِتَابِ الْأَصْلُ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا، فَقَدْ نَقَلَهُ فِي التتارخانية عَنْهُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَيُفْتَى بِالْجَوَازِ لِلْعُرْفِ، فَإِنْ لَمْ يَصِرْ مُعْتَادًا لَا يَجُوزُ اهـ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَيَجْعَلُ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إلَخْ هُوَ تَفْسِيرُ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ خِلَافُهُ إنْ تُعُورِفَ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ) قَالَ الأتقاني: وَكَذَا غَيْرُ الزَّادِ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إذَا انْتَقَصَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عِوَضَ ذَلِكَ 1 - (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَنْكَرَهُ إلَخْ) أَيْ لَمْ يَجِبْ الْمُسَمَّى، وَهَلْ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ؟ وَسَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْوَقْفِ وَمَالِ الْيَتِيمِ وَالْمُعَدِّ لِلِاسْتِغْلَالِ. وَلَكَ أَنْ تَقُولَ إذَا أَنْكَرَ الْمِلْكَ فِي الْمُعَدِّ لِلِاسْتِغْلَالِ لَا يَكُونُ غَاصِبًا ظَاهِرًا سَائِحَانِيٌّ أَيْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 90 فَلَوْ قَالَ لِلسَّاكِنِ: اُسْكُنْ بِكَذَا وَإِلَّا فَانْتَقِلْ أَوْ قَالَ الرَّاعِي: لَا أَرْضَى بِالْمُسَمَّى، بَلْ بِكَذَا فَسَكَتَ لَزِمَ مَا سَمَّى. بَقِيَ لَوْ سَكَتَ ثُمَّ لَمَّا طَالَبَهُ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ كَلَامَكَ هَلْ يُصَدَّقُ إنْ بِهِ صَمَمٌ؟ نَعَمْ وَإِلَّا لَا عَمَلًا بِالظَّاهِرِ (لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَجِّرَ الْمُؤَجَّرَ) بَعْدَ قَبْضِهِ قِيلَ وَقَبْلَهُ (مِنْ غَيْرِ مُؤَجِّرِهِ، وَأَمَّا مِنْ مُؤَجِّرِهِ فَلَا) يَجُوزُ وَإِنْ تَخَلَّلَ ثَالِثٌ بِهِ يُفْتَى لِلُزُومِ تَمْلِيكِ الْمَالِكِ، وَهَلْ تَبْطُلُ الْأُولَى بِالْإِجَارَةِ لِلْمَالِكِ؟ الصَّحِيحُ لَا وَهْبَانِيَّةٌ. قُلْتُ: وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ. وَفِي الْمُضْمَرَاتِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَحْرِ مُعَزِّيًا لِلْجَوْهَرَةِ الْأَصَحُّ نَعَمْ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ ثَمَّةَ، وَنَقَلَ هُنَا عَنْ الْخُلَاصَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ إنْ قَبَضَهُ مِنْهُ بَعْدَ مَا اسْتَأْجَرَهُ بِطَلَبٍ   [رد المحتار] فَلَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ سَكَنَ الْمُعَدَّ لِلِاسْتِغْلَالِ بِتَأْوِيلِ مِلْكٍ لَا يَلْزَمُهُ أَجْرٌ. (قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ إلَخْ) فِي التتارخانية اكْتَرَى دَارًا سَنَةً بِأَلْفٍ فَلَمَّا انْقَضَتْ قَالَ: إنْ فَرَّغْتَهَا الْيَوْمَ وَإِلَّا فَهِيَ عَلَيْكَ كُلُّ شَهْرٍ بِأَلْفٍ وَالْمُسْتَأْجِرُ مُقِرٌّ لَهُ بِالدَّارِ فَإِنَّا نَجْعَلُ فِي قَدْرِ مَا يَنْقُلُ مَتَاعَهُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَبَعْدَ ذَلِكَ بِمَا قَالَ الْمَالِكُ. (قَوْلُهُ بَقِيَ لَوْ سَكَتَ إلَخْ) هَذِهِ حَادِثَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَنَةَ 966 أَجَابَ عَنْهَا الْمُصَنِّفُ بِمَا ذُكِرَ كَمَا قَالَهُ قُبَيْلَ بَابِ ضَمَانِ الْأَجِيرِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ صَرَّحُوا بِالْحُكْمِ هَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ. مَطْلَبٌ فِي إجَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ لِلْمُؤَجِّرِ وَلِغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَجِّرَ الْمُؤَجِّرُ إلَخْ) أَيْ مَا اسْتَأْجَرَهُ بِمِثْلِ الْأُجْرَةِ الْأُولَى أَوْ بِأَنْقَصَ، فَلَوْ بِأَكْثَرَ تَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ بَابِ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ قِيلَ وَقَبْلَهُ) أَيْ فَالْخِلَافُ فِي الْإِجَارَةِ كَالْخِلَافِ فِي الْبَيْعِ، فَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ لَا خِلَافَ فِي الْإِجَارَةِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ، فَلَوْ مَنْقُولًا لَمْ يَجُزْ قَبْلَ الْقَبْضِ كَذَا فِي التتارخانية (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ مُؤَجِّرِهِ) سَوَاءٌ كَانَ مُؤَجِّرُهُ مَالِكًا أَوْ مُسْتَأْجِرًا مِنْ الْمَالِكِ كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ الْآتِي؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مِنْ الْمَالِكِ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ. وَوَقَعَ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ الثَّانِيَ إذَا آجَرَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ يَصِحُّ، وَقَدْ رَاجَعْتُ الْخُلَاصَةَ فَلَمْ أَجِدْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، وَهَكَذَا رَأَيْتُ فِي هَامِشِ الْمِنَحِ بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ أَنَّهُ رَاجَعَ عِدَّةَ نُسَخٍ مِنْ الْخُلَاصَةِ فَلَمْ يَجِدْ ذَلِكَ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَخَلَّلَ ثَالِثٌ) أَيْ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ شَخْصٌ فَآجَرَ لِلْمُؤَجِّرِ الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ ابْنُ الشِّحْنَةِ. (قَوْلُهُ لِلُزُومِ تَمْلِيكِ الْمَالِكِ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُؤَجِّرِ فَيَلْزَمُ تَمْلِيكُ الْمَالِكِ مِنَحٌ. وَفِي التتارخانية: اسْتَأْجَرَ الْوَكِيلُ بِالْإِيجَارِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ آجِرًا وَمُسْتَأْجِرًا. وَقَالَ الْقَاضِي بَدِيعُ الدِّينِ: كُنْتُ أُفْتِي بِهِ ثُمَّ رَجَعْتُ وَأَفْتَى بِالْجَوَازِ. أَقُولُ: يَظْهَرُ مِنْ هَذَا حُكْمُ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ لَوْ اسْتَأْجَرَ الْوَقْفَ مِمَّنْ آجَرَهُ لَهُ، وَقَدْ تَوَجَّهَ فِيهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَقَالَ لَمْ أَرَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ الصَّحِيحُ لَا) بَلْ فِي التتارخانية عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْقَوْلَ بِالِانْفِسَاخِ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ فَاسِدٌ وَالْأَوَّلَ صَحِيحٌ أَيْ وَالْفَاسِدُ لَا يَرْفَعُ الصَّحِيحَ. (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا) أَيْ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ. (قَوْلُهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ) وَنَصُّهَا: وَتَأْوِيلُ مَا ذَكَرَ فِي النَّوَازِلِ أَنَّ الْآجِرَ قَبَضَ الْمُسْتَأْجَرَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ بَعْدَ مَا اسْتَأْجَرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَ مِنْهُ بِدُونِ الْإِجَارَةِ سَقَطَ الْأَجْرُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ فَهَذَا أَوْلَى: قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ الْأَجْرُ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي انْفِسَاخِ الْأُولَى وَعَدَمِهِ. وَسُقُوطُ الْأَجْرِ لَا يَسْتَلْزِمُ الِانْفِسَاخَ كَمَا لَا يَخْفَى، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي التتارخانية عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ إنْ قَبَضَهَا رَبُّ الدَّارِ سَقَطَ الْأَجْرُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ مَا دَامَتْ فِي يَدَيْهِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالتَّسْلِيمِ اهـ فَقَدْ صَرَّحَ بِسُقُوطِ الْأَجْرِ وَبِأَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَلَوْ انْفَسَخَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 91 وَإِلَّا لَا فَلْيَكُنْ التَّوْفِيقُ فَتَأَمَّلْ؛ وَهَلْ تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ مَا دَامَ فِي يَدِ الْمُؤَجِّرِ؟ خِلَافٌ مَبْسُوطٌ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ [مَطْلَبٌ فِي إجَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ لِلْمُؤَجِّرِ وَلِغَيْرِهِ] (وَكَّلَهُ بِاسْتِئْجَارِ عَقَارٍ فَفَعَلَ) الْوَكِيلُ (وَقَبَضَ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا) أَيْ لَمْ يُسَلِّمْ الْوَكِيلُ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُوَكِّلِ (حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ) فَالْأَجْرُ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ وَ (رَجَعَ الْوَكِيلُ بِالْأُجْرَةِ عَلَى الْآمِرِ) لِنِيَابَتِهِ عَنْهُ فِي الْقَبْضِ فَصَارَ قَابِضًا حُكْمًا (وَكَذَا) الْحُكْمُ (إنْ شَرَطَ) الْوَكِيلُ (تَعْجِيلَ الْأَجْرِ وَقَبْضَ) الدَّارَ (وَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَطْلُبْ الْآمِرُ) الدَّارَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ أَيْضًا لِصَيْرُورَةِ الْآمِرِ قَابِضًا بِقَبْضِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ الْمَنْعُ (وَإِنْ طَلَبَ) الْآمِرُ الدَّارَ (وَأَبَى) الْوَكِيلُ (لِيُعَجِّلَ) الْأَجْرَ (لَا) يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَبَسَ الدَّارَ بِحَقٍّ لَمْ تَبْقَ يَدُهُ يَدَ نِيَابَةٍ فَلَمْ يَضُرَّ الْمُوَكِّلَ قَابِضًا حُكْمًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْأَجْرُ (يَسْتَحِقُّ الْقَاضِي الْأَجْرَ عَلَى كُتُبِ الْوَثَائِقِ) وَالْمُحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ (قَدْرَ مَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ كَالْمُفْتِي) فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَجْرَ الْمِثْلِ عَلَى كِتَابَةِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ بِاللِّسَانِ دُونَ الْكِتَابَةِ بِالْبَنَانِ، وَمَعَ هَذَا الْكَفِّ أَوْلَى احْتِرَازًا عَنْ الْقِيلِ وَالْقَالِ وَصِيَانَةً لِمَاءِ الْوَجْهِ عَنْ الِابْتِذَالِ بَزَّازِيَّةٌ، وَتَمَامُهُ فِي قَضَاءِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ: حَكَمَ وَطَلَبَ أُجْرَةً لِيَكْتُبَ شَهَادَتَهُ جَازَ، وَكَذَا الْمُفْتِي لَوْ فِي الْبَلْدَةِ غَيْرُهُ،   [رد المحتار] قَوْلُهُ فَتَأَمَّلْ) قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ هَذَا التَّوْفِيقَ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَتَعَيَّنَ مَا قَالَهُ ح الَّذِي يَظْهَرُ مَا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ نَظَرًا لِلْعِلَّةِ وَلِتَصْحِيحِ قَاضِي خَانْ وَالْمُضْمَرَاتِ. (قَوْلُهُ وَهَلْ تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ إلَخْ) أَقُولُ: الَّذِي فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْأَجْرُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ. وَنَقَلَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ مُوَافَقَةَ الْبَلْخِيّ. وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى بِالنُّونِ الصَّحِيحُ أَنَّ الْإِجَارَةَ وَالْإِعَارَةَ لَا يَكُونُ فَسْخًا، لَكِنْ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ مَا دَامَ فِي يَدِ الْآجِرِ اهـ مُلَخَّصًا. وَأَنْتَ خَبِيرٌ أَنَّ مَا قَدَّمَهُ مِنْ التَّوْفِيقِ مَحَلُّهُ هُنَا عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا، بِأَنْ يُقَالَ: إنْ قَبَضَهُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ سَقَطَ الْأَجْرُ وَإِلَّا فَلَا فَتَدَبَّرْ، وَقَدْ أَفَادَتْ عِبَارَةُ الْمُنْتَقَى أَنَّ الْإِعَارَةَ حُكْمُهَا كَالْإِجَارَةِ فِي الصَّحِيحِ. . [فَرْعٌ] فِي فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ: إذَا تَقَابَلَ الْمُؤَجِّرُ الْأَوَّلُ وَالْمُسْتَأْجِرُ مِنْهُ فَالتَّقَابُلُ صَحِيحٌ وَتَنْفَسِخُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ اهـ (قَوْلُهُ وَرَجَعَ الْوَكِيلُ بِالْأَجْرِ عَلَى الْآمِرِ) سَوَاءٌ مَنَعَهَا مِنْ الْآمِرِ أَوْ لَا دُرَرٌ. وَنَقَلَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ الرُّجُوعَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. ثُمَّ قَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ بِالْحَبْسِ صَارَ غَاصِبًا وَالْغَصْبُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ مُتَصَوَّرٌ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ جَدِّ صَاحِبِ الْمُحِيطِ. [فَرْعٌ] وَهَبَ الْآجِرُ الْأَجْرَ مِنْ الْوَكِيلِ أَوْ أَبْرَأهُ صَحَّ، وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآمِرِ خُلَاصَةٌ. مَطْلَبٌ فِي أُجْرَةِ صَكِّ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي. (قَوْلُهُ يَسْتَحِقُّ الْقَاضِي الْأَجْرَ إلَخْ) قِيلَ عَلَى الْمُدَّعِي إذْ بِهِ إحْيَاءُ حَقِّهِ فَنَفْعُهُ لَهُ، وَقِيلَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذْ هُوَ يَأْخُذُ السِّجِلَّ، وَقِيلَ عَلَى مَنْ اسْتَأْجَرَ الْكَاتِبَ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ أَحَدٌ وَأَمَرَهُ الْقَاضِي فَعَلَى مَنْ يَأْخُذُ السِّجِلَّ، وَعَلَى هَذَا أُجْرَةُ الصَّكَّاكِ عَلَى مَنْ يَأْخُذُ الصَّكَّ فِي عُرْفِنَا، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. وَفِي الْمِنَحِ عَنْ الزَّاهِدِيِّ: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ اهـ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ قَدْرَ مَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ مَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ، وَمَا قِيلَ فِي كُلِّ أَلْفٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ لَا نَقُولُ بِهِ وَلَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِالْفِقْهِ، وَأَيُّ مَشَقَّةٍ لِلْكَاتِبِ فِي كَثْرَةِ الثَّمَنِ؟ وَإِنَّمَا أَجْرُ مِثْلِهِ بِقَدْرِ مَشَقَّتِهِ أَوْ بِقَدْرِ عَمَلِهِ فِي صَنْعَتِهِ أَيْضًا كَحَكَّاكٍ وَثَقَّابٍ يَسْتَأْجِرُ بِأَجْرٍ كَثِيرٍ فِي مَشَقَّةٍ قَلِيلَةٍ اهـ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: أَفْهَمَ ذَلِكَ جَوَازَ أَخْذِ الْأُجْرَةِ الزَّائِدَةِ وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ مَشَقَّتُهُ قَلِيلَةٌ وَنَظَرُهُمْ لِمَنْفَعَةِ الْمَكْتُوبِ لَهُ اهـ. قُلْتُ: وَلَا يَخْرُجُ ذَلِكَ عَنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ، فَإِنَّ مَنْ تَفَرَّغَ لِهَذَا الْعَمَلِ كَثَقَّابِ اللَّآلِئِ مَثَلًا لَا يَأْخُذُ الْأَجْرَ عَلَى قَدْرِ مَشَقَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقَوَّمُ بِمُؤْنَتِهِ، وَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ ذَلِكَ لَزِمَ ضَيَاعُ هَذِهِ الصَّنْعَةِ فَكَانَ ذَلِكَ أَجْرَ مِثْلِهِ 1 - (قَوْلُهُ لِيَكْتُبَ شَهَادَتَهُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 92 وَقِيلَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ كِتَابَتَهُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَيْهِ. وَفِيهَا: اسْتَأْجَرَهُ لِيَكْتُبَ لَهُ تَعْوِيذًا لِأَجْلِ السِّحْرِ جَازَ إنْ بَيَّنَ قَدْرَ الْكَاغِدِ وَالْخَطِّ وَكَذَا الْمَكْتُوبُ [مَطْلَبٌ فِي أُجْرَةِ صَكِّ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي] (الْمُسْتَأْجِرُ لَا يَكُونُ خَصْمًا لِمُدَّعِي الْإِيجَارِ وَالرَّهْنِ وَالشِّرَاءِ) ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى مَالِكِ الْعَيْنِ (بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي) وَالْمَوْهُوبِ لَهُ لِمِلْكِهِمَا الْعَيْنَ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْآجِرِ مَعَ الْمُشْتَرِي قَوْلَانِ. (وَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَفَسْخُهَا وَالْمُزَارَعَةُ وَالْمُعَامَلَةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالْوَكَالَةُ وَالْكَفَالَةُ وَالْإِيصَاءُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْقَضَاءُ وَالْإِمَارَة) وَالطَّلَاقُ (وَالْعَتَاقُ وَالْوَقْفُ) حَالَ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ (مُضَافًا) إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقِلِّ كَأَجَّرْتُكَ أَوْ فَاسَخْتُكَ رَأْسَ الشَّهْرِ صَحَّ بِالْإِجْمَاعِ (لَا) يَصِحُّ مُضَافًا لِلِاسْتِقْبَالِ كُلُّ مَا كَانَ تَمْلِيكًا لِلْحَالِ مِثْلُ (الْبَيْعِ وَإِجَازَتِهِ وَفَسْخِهِ وَالْقِسْمَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْهِبَةِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ مَالٍ وَإِبْرَاءِ الدَّيْنِ) وَقَدْ مَرَّ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْبُيُوعِ (زَادَ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُزِيدَ أَحَدٌ فَلِلْمُتَوَلِّي فَسْخُهَا وَمَا لَمْ يُفْسَخْ كَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْمُسَمَّى) بِهِ يُفْتَى (فُسِخَ الْعَقْدُ بَعْدَ تَعْجِيلِ الْبَدَلِ فَلِلْمُعَجِّلِ حَبْسُ الْمُبَدِّلِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَالَهُ مِنْ الْمُبَدِّلِ) وَصَحِيحًا كَانَ الْعَقْدُ أَوْ فَاسِدًا لَوْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلْيُحْفَظْ (اسْتَأْجَرَ مَشْغُولًا وَفَارِغًا صَحَّ فِي الْفَارِغِ فَقَطْ) لَا الْمَشْغُولِ كَمَا مَرَّ، لَكِنْ حَرَّرَ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ أَنَّ الرَّاجِحَ صِحَّةُ إجَارَةِ الْمَشْغُولِ، وَيُؤْمَرُ بِالتَّفْرِيغِ وَالتَّسْلِيمِ   [رد المحتار] لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهَا خَطُّهُ الَّذِي يُكْتَبُ عَلَى الْوَثِيقَةِ وَإِلَّا فَالْكَلَامُ فِي الْقَاضِي لَا الشَّاهِدِ ط. (قَوْلُهُ وَقِيلَ مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلْدَةِ غَيْرُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمَتْنِ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ لِلتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ لِأَجْلِ السِّحْرِ) أَيْ لِأَجْلِ إبْطَالِهِ وَإِلَّا فَالسِّحْرُ نَفْسُهُ مَعْصِيَةٌ بَلْ كُفْرٌ لَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ إنْ بَيَّنَ قَدْرَ الْكَاغَدِ) لِيَظْهَرَ مِقْدَارُ مَا يَسَعُهُ مِنْ السُّطُورِ عَرْضًا وَالتَّفَاوُتُ فِي الزِّيَادَةِ لِبَعْضِ الْكَلِمَاتِ مُغْتَفَرٌ، وَقَوْلُهُ وَالْخَطُّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَدَدُ الْأَسْطُرِ ط. (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمَكْتُوبُ) أَيْ إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَكْتُبَ كِتَابًا إلَى حَبِيبِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذَا بَيَّنَ قَدْرَ الْخَطِّ وَالْكَاغَدَ مِنَحٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي) فَإِنَّهُ يَكُونُ خَصْمًا لِلْكُلِّ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: مَا فِي الصُّغْرَى مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَكُونُ خَصْمًا لِلْمُسْتَأْجِرِ يَعْنِي بِانْفِرَادِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْآخَرِ يُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ فَتَاوَى الْقَاضِي: آجَرَ ثُمَّ بَاعَ وَسَلَّمَ تُسْمَعُ دَعْوَى الْمُسْتَأْجِرِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ الْآجِرُ غَائِبًا، لَكِنْ نُقِلَ بَعْدَهُ مَا يُوَافِقُ مَا فِي الصُّغْرَى فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ وَالْمُعَامَلَةُ) أَيْ الْمُسَاقَاةُ. (قَوْلُهُ كُلُّ مَا كَانَ تَمْلِيكًا لِلْحَالِ) أَيْ أَمْكَنَ تَنْجِيزُهُ لِلْحَالِ فَلَا حَاجَةَ لِإِضَافَتِهَا. بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَمَا شَاكَلَهَا لَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهَا لِلْحَالِ وَكَذَا الْوَصِيَّةُ، وَأَمَّا الْإِجَارَةُ وَالْقَضَاءُ فَمِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، وَالْكَفَالَةُ مِنْ بَابِ الِالْتِزَامِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِبْرَاءِ الدَّيْنِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْكَفَالَةِ فَيَصِحُّ مُضَافًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) أَيْ بِأَنَّ لِلْمُتَوَلِّي فَسْخَهَا فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُ عَقِبَهُ كَمَا فَعَلَ فِي السِّوَادَةِ قُبَيْلَ بَابِ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ. (قَوْلُهُ أَوْ فَاسِدًا إلَخْ) هَذَا مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ قُبَيْلَ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ مِنْ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَمُخَالِفٌ لِظَاهِرِ مَا قَدَّمَهُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ فَإِنْ عَقَدَهَا لِغَيْرِهِ وَقَدَّمْنَا تَأْوِيلَهُ (قَوْلُهُ اسْتَأْجَرَ مَشْغُولًا وَفَارِغًا إلَخْ) تَقَدَّمَتْ أَوَّلَ بَابِ مَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ لَكِنْ حَرَّرَ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: يَنْبَغِي حَمْلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَاضِي خَانْ، وَهُوَ لَوْ اسْتَأْجَرَ ضَيَاعًا بَعْضُهَا فَارِغٌ وَبَعْضُهَا مَشْغُولٌ. قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ تَجُوزُ فِي الْفَارِغِ الْمَشْغُولِ اهـ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ بَيْتًا مَشْغُولًا لَا يَجُوزُ وَيُؤْمَرُ بِالتَّفْرِيغِ وَالتَّسْلِيمِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى الضِّيَاعِ فَقَطْ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 93 مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ فَلَهُ الْفَسْخُ فَتَنَبَّهْ (اسْتَأْجَرَ شَاةً لِإِرْضَاعِ وَلَدِهِ أَوْ جَدْيَةً لَمْ يَجُزْ) لِعَدَمِ الْعُرْفِ (. الْمُسْتَأْجِرُ فَاسِدًا إذَا آجَرَ صَحِيحًا جَازَتْ) لَوْ بَعْدَ قَبْضِهِ فِي الْأَصَحِّ مُنْيَةٌ (وَقِيلَ لَا) وَتَقَدَّمَ الْكُلُّ، وَالْكُلُّ فِي الْأَشْبَاهِ [فُرُوعٌ] . اعْلَمْ أَنَّ الْمُقَاطَعَةَ إذَا وَقَعَتْ بِشُرُوطِ الْإِجَارَةِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي وَقَدَّمْنَاهُ فِي الْجِهَادِ. صَحَّ اسْتِئْجَارُ قَلَمٍ بِبَيَانِ الْأَجْرِ وَالْمُدَّةِ اسْتَأْجَرَ شَيْئًا لِيَنْتَفِعَ بِهِ خَارِجَ الْمِصْرِ فَانْتَفَعَ بِهِ فِي الْمِصْرِ، فَإِنْ كَانَ ثَوْبًا لَزِمَ الْأَجْرُ، وَإِنْ كَانَ دَابَّةً لَا. سَاقَهَا وَلَمْ يَرْكَبْهَا لَزِمَ الْأَجْرُ إلَّا لِعُذْرٍ بِهَا أَخْطَأَ الْكَاتِبُ فِي الْبَعْضِ، إنْ الْخَطَأُ فِي كُلِّ وَرَقَةٍ خُيِّرَ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَعْطَى أَجْرَ مِثْلِهِ أَوْ تَرَكَهُ عَلَيْهِ وَأَخَذَ مِنْهُ الْقِيمَةَ، وَإِنْ فِي الْبَعْضِ أَعْطَاهُ بِحِسَابِهِ مِنْ الْمُسَمَّى. الصَّيْرَفِيُّ بِأَجْرٍ، إذَا ظَهَرَتْ الزِّيَافَةُ فِي الْكُلِّ   [رد المحتار] وَفِي حَاشِيَةِ الْبِيرِيِّ عَنْ جَوَامِعِ الْفِقْهِ: كَانَتْ الدَّارُ مَشْغُولَةً بِمَتَاعِ الْآجِرِ بِالْأَرْضِ مَزْرُوعَةً، قِيلَ لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ، وَالصَّحِيحُ الصِّحَّةُ، لَكِنْ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ مَا لَمْ تُسَلَّمْ فَارِغَةً أَوْ يَبِيعُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلَوْ فَرَّغَ الدَّارَ وَسَلَّمَهَا لَزِمَتْ الْأُجْرَةُ. (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ) كَمَا إذَا كَانَ الزَّرْعُ لَمْ يُسْتَحْصَدْ. (قَوْلُهُ فَلَهُ الْفَسْخُ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ وَهُوَ " يَكُنْ " (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْعُرْفِ) وَلِأَنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى إتْلَافِ الْعَيْنِ، وَقَدْ مَرَّ فِي إجَارَةِ الظِّئْرِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ. (قَوْلُهُ الْمُسْتَأْجِرُ فَاسِدًا إلَخْ) تَقَدَّمَتْ أَوَّلَ بَابِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ. (قَوْلُهُ وَتَقَدَّمَ الْكُلُّ) أَيْ كُلُّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَقَدْ بَيَّنْتُ لَكَ مَوَاضِعَهَا. (قَوْلُهُ بِشُرُوطِ الْإِجَارَةِ) أَمَّا مَا يَفْعَلُونَهُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ حَيْثُ يَضْمَنُهَا مَنْ لَهُ وِلَايَتُهَا لِرَجُلٍ بِمَالٍ مَعْلُومٍ لِيَكُونَ لَهُ خَرَاجُ مُقَاسَمَتِهَا وَنَحْوُهُ فَهُوَ بَاطِلٌ، إذْ لَا يَصِحُّ إجَارَةً لِوُقُوعِهِ عَلَى إتْلَافِ الْأَعْيَانِ قَصْدًا وَلَا بَيْعًا؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الْخَيْرِيَّةِ. [مَطْلَبٌ فِي إجَارَةِ الْمُقْطَعِ وَانْفِسَاخِهَا بِمَوْتِ الْمُقْطِعِ وَإِخْرَاجُهُ لَهُ] 1 (قَوْلُهُ فَهِيَ صَحِيحَةٌ) سُئِلَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ: هَلْ لِلْجُنْدِيِّ أَنْ يُؤَجِّرَ مَا أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ مِنْ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ. فَأَجَابَ: نَعَمْ لَهُ ذَلِكَ وَلَا أَثَرَ لِجَوَازِ إخْرَاجِ الْإِمَامِ لَهُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ كَمَا لَا أَثَرَ لِجَوَازِ مَوْتِ الْمُؤَجِّرِ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَإِذَا مَاتَ أَوْ أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: وَقَدَّمْنَا الْبَحْثَ فِي مُدَّةِ إجَارَتِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ أَوَّلَ كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَلَمْ تَزِدْ فِي الْأَوْقَافِ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ، وَهَلْ تَنْفَسِخُ لَوْ فَرَّغَ الْمُؤَجَّرَ لِغَيْرِهِ وَقَرَّرَ السُّلْطَانُ الْمَفْرُوغَ لَهُ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ إخْرَاجَ الْأَوَّلِ أَمْ لَا كَالْبَيْعِ؟ لَمْ أَرَهُ فَلْيُرَاجَعْ وَهِيَ حَادِثَةُ الْفَتْوَى. ثُمَّ رَأَيْتُ شَيْخَ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيَّ فِي كِتَابِهِ الْفَتَاوَى النُّعْمِيَّةِ ذَكَرَ الِانْفِسَاخَ بِالْفَرَاغِ وَالْمَوْتِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: مَنْ عَقَدَ الْإِجَارَةَ لِغَيْرِهِ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ كَوَكِيلٍ؛ لِأَنَّهُمْ آجَرُوا لِغَيْرِهِمْ أَوْ اسْتَأْجَرُوا لِغَيْرِهِمْ قَالَ: وَهُنَا آجَرَ لِنَفْسِهِ وَرُبَّمَا يَتَضَرَّرُ مَنْ سَيَصِيرُ لَهُ لَوْ لَمْ تُفْسَخْ اهـ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ صَحَّ اسْتِئْجَارُ قَلَمٍ إلَخْ) فِي التتارخانية: اسْتَأْجَرَ قَلَمًا لِيَكْتُبَ بِهِ، إنْ بَيَّنَ لِذَلِكَ وَقْتًا صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا. وَفِي النَّوَازِلِ: إذَا بَيَّنَ الْوَقْتَ وَالْكِتَابَةَ صَحَّتْ (قَوْلُهُ لَزِمَ الْأَجْرُ) قَالَ الْفَقِيهُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ وَفِي الدَّابَّةِ إلَى شَرٍّ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي الدَّابَّةِ إلَى ذِكْرِ الْمَكَانِ وَفِي الثَّوْبِ إلَى ذِكْرِ الْوَقْتِ بَزَّازِيَّةٌ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا لِعُذْرٍ بِهَا) أَيْ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوبِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ وَأَعْطَى أَجْرَ مِثْلِهِ) وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى وَلْوَالْجِيَّةٌ. (قَوْلُهُ وَأَخَذَ مِنْهُ الْقِيمَةَ) أَيْ قِيمَةَ الْكَاغَدِ وَالْحِبْرِ (قَوْلُهُ أَعْطَاهُ بِحِسَابِهِ مِنْ الْمُسَمَّى) هَذَا فِيمَا أَصَابَ بِهِ وَيُعْطِيهِ لِمَا أَخْطَأَ أَجْرَ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ وَافَقَ فِي الْبَعْضِ وَخَالَفَ فِي الْبَعْضِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 94 اسْتَرَدَّ الْأُجْرَةَ، وَفِي الْبَعْضِ بِحِسَابِهِ. إنْ دَلَّنِي عَلَى كَذَا فَلَهُ كَذَا فَدَلَّهُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ إنْ مَشَى لِأَجْلِهِ مَنْ دَلَّنِي عَلَى كَذَا فَلَهُ كَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَا أَجْرَ لِمَنْ دَلَّهُ إلَّا إذَا عَيَّنَ الْمَوْضِعَ اسْتَأْجَرَهُ لِحَفْرِ حَوْضٍ عَشَرَةٍ فِي عَشَرَةٍ وَبَيَّنَ الْعُمْقَ فَحَفَرَ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ كَانَ لَهُ رُبْعُ الْأَجْرِ الْكُلُّ مِنْ الْأَشْبَاهِ. وَفِيهَا: جَازَ اسْتِئْجَارُ طَرِيقٍ لِلْمُرُورِ إنْ بَيَّنَ الْمُدَّةَ.   [رد المحتار] ذَكَرَهُ فِي الوالوالجية (قَوْلُهُ اسْتَرَدَّ الْأُجْرَةَ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهُ الْأَجْرَ لِيُمَيِّزَ الزُّيُوفَ مِنْ الْجِيَادِ. [مَطْلَبٌ أَنْكَرَ الدَّافِعُ وَقَالَ لَيْسَ هَذَا مِنْ دَرَاهِمِي فَالْقَوْلُ لِلْقَابِضِ] 1 ِ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ أَنْكَرَ الدَّافِعُ وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ دَرَاهِمِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الْقَبْضَ أَصْلًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. [مَطْلَبٌ ضَلَّ لَهُ شَيْءٌ فَقَالَ مَنْ دَلَّنِي عَلَيْهِ فَلَهُ كَذَا] 1 . (قَوْلُهُ إنْ دَلَّنِي إلَخْ) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ إنْ دَلَلْتَنِي. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة: رَجُلٌ ضَلَّ لَهُ شَيْءٌ فَقَالَ: مَنْ دَلَّنِي عَلَى كَذَا فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ بِأَنْ قَالَ: مَنْ دَلَّنِي فَالْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ وَالْإِشَارَةَ لَيْسَتْ بِعَمَلٍ يُسْتَحَقُّ بِهِ الْأَجْرُ، وَإِنْ قَالَ عَلَى سَبِيلِ الْخُصُوصِ بِأَنْ قَالَ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ: إنْ دَلَلْتَنِي عَلَى كَذَا فَلَكَ كَذَا إنْ مَشَى لَهُ فَدَلَّهُ فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ لِلْمَشْيِ لِأَجْلِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَمَلٌ يُسْتَحَقُّ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِقَدْرٍ فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ دَلَّهُ بِغَيْرِ مَشْيٍ فَهُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ. قَالَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: قَالَ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ: مَنْ دَلَّنَا عَلَى مَوْضِعِ كَذَا فَلَهُ كَذَا يَصِحُّ وَيَتَعَيَّنُ الْأَجْرُ بِالدَّلَالَةِ فَيَجِبُ الْأَجْرُ اهـ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا عَيَّنَ الْمَوْضِعَ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ بَعْدَ كَلَامِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ: وَظَاهِرُهُ وُجُوبُ الْمُسَمَّى، وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ إذْ لَا عَقْدَ إجَارَةٍ هُنَا، وَهَذَا مُخَصِّصٌ لِمَسْأَلَةِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْعُمُومِ لِكَوْنِهِ بَيَّنَ الْمَوْضِعَ اهـ يَعْنِي أَنَّهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْعُمُومِ تَبْطُلُ إلَّا إذَا عَيَّنَ الْمَوْضِعَ فَهِيَ مُخَصَّصَةٌ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ السِّيَرِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْأَمِيرِ عَلَى مَوْضِعِ كَذَا فِيهِ تَعْيِينُهُ، بِخِلَافِ مَنْ ضَلَّ لَهُ شَيْءٌ فَقَالَ: مَنْ دَلَّنِي عَلَى كَذَا: أَيْ عَلَى تِلْكَ الضَّالَّةِ فَلَا تَصِحُّ لِعَدَمِ تَعْيِينِ الْمَوْضِعِ إلَّا إذَا عَرَّفَهُ بِاسْمِهِ وَلَمْ يُعَرِّفْهُ بِعَيْنِهِ فَقَالَ: مَنْ دَلَّنِي عَلَى دَابَّتِي فِي مَوْضِعِ كَذَا فَهُوَ كَمَسْأَلَةِ الْأَمِيرِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ إلَّا إذَا عَيَّنَ الْمَوْضِعَ، وَقَوْلِ الْأَشْبَاهِ وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ إلَخْ، وَحَاصِلُهُ الْبَحْثُ فِي كَلَامِ السِّيَرِ، فَإِنَّهُ حَيْثُ كَانَ عَامًا لَمْ يُوجَدْ قَابِلٌ يَقْبَلُ الْعَقْدَ فَانْتَفَى الْعَقْدُ. أَقُولُ: حَيْثُ انْتَفَى الْعَقْدُ أَصْلًا كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَجِبُ شَيْءٌ أَصْلًا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الضَّالَّةِ. وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ مِنْ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ هَذَا الشَّخْصُ وَالْعَقْدُ بِحُضُورِهِ وَقَبُولُهُ خِطَابَ الْأَمِيرِ بِمَا ذُكِرَ، فَيَجِبُ الْمُسَمَّى لِتَحَقُّقِ الْعَقْدِ بَيْنَ شَخْصَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ لِفِعْلٍ مَعْلُومٍ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْفِعْلُ مَعْلُومًا كَمَسْأَلَةِ الضَّالَّةِ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الشَّخْصُ مُعَيَّنًا لِوُقُوعِ الْعَقْدِ حِينَئِذٍ عَلَى الْمَشْيِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَوَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ، وَقَدْ خَفِيَ عَلَى بَعْضٍ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ فَوَقَعَ فِي الِاشْتِبَاهِ، نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لِمَ لَمْ يَتَعَيَّنْ الشَّخْصُ بِحُضُورِهِ وَقَبُولِهِ خِطَابَ صَاحِبِ الضَّالَّةِ كَمَسْأَلَةِ الْأَمِيرِ فَيَنْعَقِدُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَشْيِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْمَوْضِعُ كَمَا لَوْ خَاطَبَ مُعَيَّنًا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَشَرَةً فِي عَشَرَةٍ) بِالنَّصْبِ تَمْيِيزٌ: أَيْ مُقَدَّرًا عَشَرَةً طُولًا فِي عَشَرَةٍ عَرْضًا (قَوْلُهُ وَبَيَّنَ الْعُمْقَ) أَيْ الْمَوْضِعَ. قَالَ فِي التتارخانية: لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ الْمَوْضِعَ وَطُولَ الْبِئْرِ وَعُمْقَهُ وَدَوْرَهُ اهـ وَتَمَامُ تَفَارِيعِهِ فِيهَا مِنْ الْفَصْلِ 25. (قَوْلُهُ كَانَ لَهُ رُبْع الْأَجْرِ) ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ فِي الْعَشَرَةِ مِائَةٌ وَالْخَمْسَةَ فِي الْخَمْسَةِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 95 قُلْتُ: وَفِي حَاشِيَتِهَا هَذَا قَوْلُهُمَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ شَرْحُ مَجْمَعٍ وَفِي الِاخْتِيَارِ: مَنْ دَلَّنَا عَلَى كَذَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ يَتَعَيَّنُ بِدَلَالَتِهِ. وَفِي الْغَايَةِ: دَارِي لَكَ إجَارَةُ هِبَةً صَحَّتْ غَيْرَ لَازِمَةٍ فَلِكُلٍّ فَسْخُهَا وَلَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلْيُحْفَظْ. وَفِي لُزُومِ الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ تَصْحِيحَانِ أُرِيدُ عَدَمَ لُزُومِهَا بِأَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْمُجْتَبَى لَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْبِنَاءِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ لَوْ مُنْتَفِعًا بِهِ كَجِدَارٍ وَسَقْفٍ وَبِهِ يُفْتَى وَمِنْهُ إجَارَةُ بِنَاءِ مَكَّةَ وَكُرِهَ إجَارَةُ أَرْضِهَا وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ. وَفِي الْكَلْبِ وَالْبَازِي قَوْلَانِ وَالْبِنَا ... كَأُمِّ الْقُرَى أَوْ أَرْضِهَا لَيْسَ تُؤْجَرُ وَلَوْ دَفَعَ الدَّلَّالُ ثَوْبًا لِتَاجِرٍ ... يُقَلِّبُهُ لَوْ رَاحَ لَيْسَ يُخَسَّرُ   [رد المحتار] فَكَانَ رُبْعَ الْعَمَلِ أَشْبَاهٌ. (قَوْلُهُ هَذَا قَوْلُهُمَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ) ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ تَصِحُّ إجَارَةُ الْمَشَاعِ، لَكِنَّهُ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ كَمَا مَرَّ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ. وَفِي الْبَدَائِعِ اسْتَأْجَرَ طَرِيقًا مِنْ دَارٍ لِيَمُرَّ فِيهِ وَقْتًا مَعْلُومًا لَمْ يَجُزْ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْبُقْعَةَ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ فَكَانَ إجَارَةُ الْمَشَاعِ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ 1 - (قَوْلُهُ مَنْ دَلَّنَا إلَخْ) هَذِهِ مَسْأَلَةُ السِّيَرِ الْكَبِيرِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهَا الْمُسَمَّى لَتَعَيُّنِ الْمَوْضِعِ وَالْقَابِلُ لِلْعَقْدِ بِالْحُضُورِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ مَنْ عَامًّا، وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ يَتَعَيَّنُ أَيْ يَلْزَمُ وَيَجِبُ (قَوْلُهُ إجَارَةً هِبَةً إلَخْ) قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَلَوْ قَالَ: دَارِي لَكَ هِبَةً إجَارَةٍ كُلُّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ إجَارَةٍ هِبَةً فَهِيَ إجَارَةٌ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَيَّرُ أَوَّلَهُ وَأَوَّلُهُ يَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ بِذِكْرِ الْعِوَضِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَذْكُورَ أَوَّلًا مُعَاوَضَةٌ فَلَا تَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ إلَى التَّبَرُّعِ، وَلِذَا لَوْ قَالَ: آجَرْتُكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ لَا تَكُونُ إعَارَةً وَتَنْعَقِدُ الْإِجَارَةُ بِلَفْظِ الْعَارِيَّةِ اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ غَيْرَ لَازِمَةٍ إلَخْ) قَالَ الأتقاني: وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهَا لَازِمَةٌ أَوْ لَا وَحَكَى عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَامِدٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الْخَصَّافِ وَاسْتَفَدْنَا مِنْهُ فَوَائِدَ إحْدَاهَا هَذِهِ وَهُوَ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ فَلِكُلٍّ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، لَكِنْ إذَا سَكَنَ يَجِبُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِاللَّفْظَيْنِ فَيُعْمَلُ بِهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ كَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ اهـ مُلَخَّصًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى. وَفِي الْبِيرِيِّ عَنْ الذَّخِيرَةِ التَّصْرِيحُ بِوُجُوبِ أَجْرِ الْمِثْلِ. (قَوْلُهُ وَفِي لُزُومِ الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ تَصْحِيحَانِ) عَبَّرَ بِاللُّزُومِ؛ لِأَنَّهُ لَا كَلَامَ فِي الصِّحَّةِ فَلَا يُنَافِي مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ قَرِيبًا مِنْ صِحَّتِهَا بِالْإِجْمَاعِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ بِأَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى) لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ كَانَتْ مُضَافَةً إلَى الْغَدِ ثُمَّ بَاعَ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ فِي الْمُنْتَقَى فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ الْمُضَافَةُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْحَلْوَانِيِّ اهـ. وَقَدَّمْنَا بَقِيَّةَ الْكَلَامِ أَوَّلَ الْكِتَابِ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ اللُّزُومِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَا مِنْ جَانِبِ الْمُؤَجِّرِ فَقَطْ فَلِكُلٍّ فَسْخُهَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتَى) تَقَدَّمَ نَحْوُهُ فِي أَوَّلِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَتَكَلَّمْنَا هُنَاكَ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي الْقُنْيَةِ: وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِالْبِنَاءِ وَحْدَهُ 1 - (قَوْلُهُ وَكُرِهَ إجَارَةُ أَرْضِهَا) هَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ آجَرَ أَرْضَ مَكَّةَ لَا يَجُوزُ فَإِنَّ رَقَبَةَ الْأَرْضِ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ قَالَ: وَمَفْهُومُهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إيجَارِ الْبِنَاءِ شَرْحِ ابْنِ الشِّحْنَةِ. (قَوْلُهُ وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ) فِيهِ أَنَّ الْبَيْتَ الْخَامِسَ وَالشَّطْرَ الثَّانِيَ مِنْ الْبَيْتِ الرَّابِعِ مِنْ نَظْمِ ابْنِ الشِّحْنَةِ وَلَيْسَ أَيْضًا مِنْ نَظْمِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ كَمَا قِيلَ (قَوْلُهُ وَفِي الْكَلْبِ) أَيْ كَلْبِ الصَّيْدِ أَوْ الْحِرَاسَةِ (قَوْلُهُ وَالْبَازِي) بِالتَّشْدِيدِ. (قَوْلُهُ قَوْلَانِ) يَعْنِي رِوَايَتَانِ حَكَاهُمَا قَاضِي خَانْ: الْأُولَى لَا يَجِبُ الْأَجْرُ، وَالثَّانِيَةُ إنْ بَيَّنَ وَقْتًا مَعْلُومًا يَجِبُ وَإِلَّا فَلَا. وَلَا يَجُوزُ فِي السِّنَّوْرِ لِأَخْذِ الْفَأْرِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يُرْسِلُ الْكَلْبَ وَالْبَازِي فَيَذْهَبُ بِإِرْسَالِهِ فَيَصِيدُ وَصَيْدُ السِّنَّوْرِ بِفِعْلِهِ. وَفِي اسْتِئْجَارِ الْقِرْدِ لِكَنْسِ الْبَيْتِ خِلَافٌ، وَتَمَامُهُ فِي الشَّرْحِ (قَوْلُهُ كَأُمِّ الْقُرَى) هِيَ مَكَّةُ الْمُشَرَّفَةُ أَيْ فِي إيجَارِ بِنَائِهَا قَوْلَانِ قَالَ النَّاظِمُ: وَإِنَّمَا نَصَّصْتُ عَلَيْهِ مَخَافَةَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأَرْضِ. (قَوْلُهُ أَوْ أَرْضُهَا) مُبْتَدَأٌ وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ خَبَرٌ، وَأَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ الِاسْتِئْنَافِيَّة تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لَوْ رَاحَ إلَخْ) أَيْ لَوْ ذَهَبَ التَّاجِرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 96 وَمَنْ قَالَ قَصْدِي أَنْ أُسَافِرَ فَافْسَخَنْ ... فَحَلِّفْهُ أَوْ فَاسْأَلْ رِفَاقًا لِيَذْكُرُوا وَيُفْسَخُ مِنْ تَرْكِ التِّجَارَةِ مَا اكْتَرَى ... وَلَوْ كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ وَمُؤْجَرُ لَهُ فَسْخُهَا لَوْ مَاتَ مِنْهَا مُعَيَّنُ ... وَأَطْلَقَ يَعْقُوبُ وَبِالضِّعْفِ يُذْكَرُ وَإِيجَارُ ذِي ضَعْفٍ مِنْ الْكُلِّ جَائِزٌ ... وَلَوْ أَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ مِنْ ذَاكَ أَكْثَرُ وَمَنْ مَاتَ مَدْيُونًا وَأَجْرُ عَقَارَهُ ... تَوَفَّاهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْحَيْسُ أَجْدَرُ كِتَابُ الْمُكَاتَبِ مُنَاسَبَتُهُ لِلْإِجَارَةِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الرَّقَبَةُ لِشَخْصٍ وَالْمَنْفَعَةُ لِغَيْرِهِ. (الْكِتَابَةُ لُغَةً مِنْ الْكَتْبِ) وَهُوَ جَمْعُ الْحُرُوفِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ فِيهِ ضَمَّ حُرِّيَّةِ الْيَدِ إلَى حُرِّيَّةِ الرَّقَبَةِ. وَشَرْعًا   [رد المحتار] بِالثَّوْبِ وَلَمْ يَظْفَرْ بِهِ الدَّلَّالُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي هَذَا الدَّفْعِ عَادَةً. قَالَ قَاضِي خَانْ وَعِنْدِي إذَا فَارَقَهُ ضَمِنَ كَمَا لَوْ أَوْدَعَهُ عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ أَوْ تَرَكَهُ عِنْدَ مَنْ يُرِيدُ الشِّرَاءَ وَالنَّظْمُ لَا إشْعَارَ لَهُ بِاخْتِيَارٍ قَاضِي خَانْ شَرْحٌ. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ إلَخْ) تَقَدَّمَ عَلَيْهِ الْكَلَامُ فِي بَابِ الْفَسْخِ. (قَوْلُهُ فَافْسَخَنْ) أَمْرٌ مِنْ الْفَسْخِ مُؤَكَّدٌ بِالنُّونِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَامْتَحِنْ مِنْ الِامْتِحَانِ إشَارَةٌ إلَى الْقَوْلِ بِتَحْكِيمِ الزِّيِّ وَالْهَيْئَةِ وَالْأُولَى أَوْلَى لِقَوْلِهِ فَحَلَّفَهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ مِنْ تَرْكِ التِّجَارَةِ) أَيْ مِنْ أَجْلِ تَرْكِهَا وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ مَا اكْتَرَى) مَفْعُولُ يَفْسَخُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ يَعْنِي لَوْ سَارَ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَبَدَا لَهُ أَنْ لَا يَذْهَبَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ. (قَوْلُهُ وَمُؤْجِرُ) مُبْتَدَأٌ وَجُمْلَةُ لَهُ فَسْخُهَا خَبَرٌ، وَالْمَعْنَى لَوْ اسْتَأْجَرَ دَوَابَّ بِعَيْنِهَا وَتَسَلَّمَهَا فَمَاتَتْ انْفَسَخَتْ لَا لَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَعَلَى الْآجِرِ أَنْ يَأْتِيَ بِغَيْرِهَا وَعَنْ الثَّانِي ثُبُوتُ الْفَسْخِ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ وَبِالضَّعْفِ يُذْكَرُ) أَيْ ضَعْفِ الْمُؤَجِّرِ أَيْ وَلِلْمُؤَجِّرِ فَسْخُهَا إذَا مَرَّ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ يُذْكَرُ لَكِنْ قَدَّمَ الشَّارِحُ أَنَّ بِهِ يُفْتِي تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ ذِي ضَعْفٍ) أَيْ مَرِيضٍ مَرَضَ الْمَوْتِ. (قَوْلُهُ مِنْ الْكُلِّ جَائِزٌ) أَيْ نَافِذٌ مِنْ كُلِّ مَالِهِ قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ تَبَرُّعُ الْمَرِيضِ بِالْمَنَافِعِ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ. اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ مِنْ ذَاكَ) أَيْ مِنْ الْأَجْرِ الَّذِي أَجَّرَ بِهِ الْمَرِيضُ (قَوْلُهُ وَأَجْرُ عَقَارِهِ) مُبْتَدَأٌ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ تَوَفَّاهُ أَيْ تَعَجَّلَهُ لِمُدَّةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ (قَوْلُهُ أَجْدَرُ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ عِنْدَهُ لَا يَسْقُطُ دَيْنُهُ بِخِلَافِ الرَّهْنِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْمُكَاتَبِ] الْمُكَاتَبُ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ كَاتَبَ مُكَاتَبَةً وَالْمُولَى مُكَاتَبٌ بِالْكَسْرِ، وَكَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ كِتَابُ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ عِلْمَ الْفِقْهِ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ وَهُوَ الْكِتَابَةُ لَا الْمُكَاتَبِ، لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ هُوَ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى الْكِتَابَةِ وَالْعُدُولِ عَنْهَا لِلتَّبَاعُدِ عَنْ نَوْعِ تَكْرَارٍ (قَوْلُهُ مُنَاسَبَتُهُ لِلْإِجَارَةِ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ لِلْجَوَابِ عَمَّا يُقَالُ كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ عَقِبَ الْعَتَاقِ لِأَنَّ مَآلَهُمَا الْوَلَاءُ كَمَا فَعَلَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعِتْقَ إخْرَاجُ الرَّقَبَةِ عَنْ الْمِلْكِ بِلَا عِوَضٍ وَالْكِتَابَةَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ فِيهَا مِلْكُ الرَّقَبَةِ لِلسَّيِّدِ وَالْمَنْفَعَةِ لِلْعَبْدِ وَهُوَ أَنْسَبُ لِلْإِجَارَةِ، لِأَنَّ نِسْبِيَّةَ الذَّاتِيَّاتِ أَوْلَى مِنْ الْعَرَضِيَّاتِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْعِنَايَةِ، وَقُدِّمَتْ الْإِجَارَةُ لِشَبَهِهَا بِالْبَيْعِ فِي التَّمْلِيكِ وَالشَّرَائِطِ وَجَرَيَانِهَا فِي غَيْرِ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ، وَقِيلَ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ فِيهَا يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ الْمَالِ ضَرُورَةً بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ، وَالْكُلُّ مُنَاسَبَاتٌ تَقْرِيبِيَّةٌ لَا تَحْتَمِلُ التَّدْقِيقَاتِ الْمَنْطِقِيَّةَ (قَوْلُهُ وَهُوَ جَمْعُ الْحُرُوفِ) الْأَوْلَى وَهُوَ الْجَمْعُ مُطْلَقًا وَمِنْهُ الْكِتَابَةُ لِأَنَّهَا جَمْعُ الْحُرُوفِ (قَوْلُهُ سُمِّيَ بِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: الْكَتْبُ الْجَمْعُ لُغَةً، وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْإِلْزَامِ، فَالْمَوْلَى يُلْزِمُ الْعَبْدَ الْبَدَلَ، وَالْعَبْدُ يُلْزِمُ الْمَوْلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 97 (تَحْرِيرُ الْمَمْلُوكِ يَدًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْيَدِ (حَالًا وَرَقَبَةً مَآلًا) يَعْنِي عِنْدَ أَدَاءِ الْبَدَلِ، حَتَّى لَوْ أَدَّاهُ حَالًا عَتَقَ حَالًا (وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) بِلَفْظِ الْكِتَابَةِ أَوْ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ (وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْبَدَلِ) الْمَذْكُورِ فِيهَا (مَعْلُومًا) قَدْرُهُ وَجِنْسُهُ، وَكَوْنُ الرِّقِّ فِي الْمَحَلِّ قَائِمًا لَا كَوْنُهُ مُنَجَّمًا أَوْ مُؤَجَّلًا لِصِحَّتِهَا بِالْحَالِ، وَحُكْمًا فِي جَانِبِ الْعَبْدِ انْتِفَاءُ الْحَجْرِ فِي الْحَالِ، وَثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الْيَدِ لَا الرَّقَبَةِ   [رد المحتار] الْعِتْقَ عِنْدَ أَدَاءِ الْبَدَلِ: قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: قَوْلُهُمْ إنَّهُ ضَمُّ حُرِّيَّةِ الْيَدِ إلَى حُرِّيَّةِ الرَّقَبَةِ ضَعِيفٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَمْرًا: هَذَا الْوَفَاءَ وَهَذَا الْأَدَاءَ؛ وَسُمِّيَ كِتَابَةً لِأَنَّهُ يَخْلُو عَنْ الْعِوَضَيْنِ فِي الْحَالِ وَلَا يَكُونُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْعَقْدِ إلَّا الْكِتَابَةَ وَسَائِرُ الْعُقُودِ لَا تَخْلُو عَنْ الْأَعْوَاضِ غَالِبًا اهـ. أَقُولُ: قَوْلُهُ غَالِبًا قَيْدٌ لَهُمَا فَتَدَبَّرْ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الضَّعْفِ مَا قَالَهُ السَّائِحَانِيُّ: إنَّ حُرِّيَّةَ الْيَدِ لَمْ تَكُنْ فِي الْعَقْدِ وَإِنَّ حُرِّيَّةَ الرَّقَبَةِ بَعْدَ انْتِهَائِهِ (قَوْلُهُ تَحْرِيرُ الْمَمْلُوكِ) أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْقِنَّ وَالْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ (قَوْلُهُ يَدًا) أَيْ تَصَرُّفًا فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِمَا جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ أَيْ مِنْ جِهَةِ الْيَدِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ. وَفِي شَرْحِ مِسْكِينٍ أَنَّهُ بَدَلُ بَعْضٍ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ رَابِطٍ وَبِأَنَّ الْيَدَ هُنَا بِمَعْنَى التَّصَرُّفِ لَا الْجَارِحَةِ فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ وَالرَّابِطُ مَحْذُوفٌ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي رَقَبَةٍ (قَوْلُهُ حَالًا) أَيْ عَقِبَ التَّلَفُّظِ بِالْعَقْدِ حَتَّى يَكُونَ الْعَبْدُ أَحَقَّ بِمَنَافِعِهِ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ وَرَقَبَةً مَآلًا) أَخْرَجَ الْعِتْقَ الْمُنَجَّزَ وَالْمُعَلَّقَ، ثُمَّ هَذَا تَعْرِيفٌ بِالْحُكْمِ، وَلَوْ أَرَادَ التَّعْرِيفَ بِالْحَقِيقَةِ لَقَالَ هِيَ عَقْدٌ يَرِدُ عَلَى تَحْرِيرِ الْيَدِ طُورِيٌّ (قَوْلُهُ يَعْنِي عِنْدَ أَدَاءِ الْبَدَلِ) أَفَادَ أَنَّ تَأْخِيرَ الْأَدَاءِ غَيْرُ شَرْطٍ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أَدَّاهُ حَالًا عَتَقَ حَالًا) تَفْرِيعٌ عَلَى التَّفْسِيرِ، وَلَا تَظُنَّ أَنَّ الْعِتْقَ مُعَلَّقٌ عَلَى الْأَدَاءِ بَلْ إنَّمَا عَتَقَ عِنْدَ الْأَدَاءِ، لِأَنَّ مُوجِبَ الْكِتَابَةِ الْعِتْقُ عِنْدَ الْأَدَاءِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُثْبِتَ الْعِتْقَ عِنْدَ الْعَقْدِ لِأَنَّ حُكْمَهُ يَثْبُتُ عَقِبَهُ، لَكِنْ يَتَضَرَّرُ الْمَوْلَى بِخُرُوجِ عَبْدِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِعِوَضٍ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَالْكِتَابَةِ فِي مَسَائِلَ: مِنْهَا أَنَّهُ فِي التَّعْلِيقِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَنَهْيُهُ عَنْ التَّصَرُّفِ وَيَمْلِكُ أَخْذَ كَسْبِهِ بِلَا إذْنِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ لَا يُؤَدَّى عَنْهُ مِمَّا تَرَكَ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمَوْلَى يُورَثُ عَنْهُ الْعَبْدُ مَعَ أَكْسَابِهِ، وَلَوْ وَلَدَتْ ثُمَّ أَدَّتْ لَمْ يَعْتِقْ وَلَدُهَا، وَلَوْ حَطَّ عَنْهُ الْبَعْضَ فَأَدَّى الْبَاقِيَ أَوْ أَبْرَأهُ عَنْ الْكُلِّ لَمْ يَعْتِقْ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ وَبِخِلَافِ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ كَأَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَ الْعَبْدُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ سَاعَتِهِ وَالْبَدَلُ فِي ذِمَّتِهِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَرُكْنُهَا إلَخْ) الْحَاجَةُ إلَيْهِ فِيمَنْ يَثْبُتُ حُكْمُ الْعَقْدِ فِيهِ مَقْصُودًا لَا تَبَعًا كَالْوَلَدِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَأْتِي بَدَائِعُ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ أَوْ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ) كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا مَتْنًا (قَوْلُهُ وَشَرْطُهَا إلَخْ) هَذَا الشَّرْطُ رَاجِعٌ إلَى الْبَدَلِ وَمِثْلُهُ كَوْنُهُ مَالًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْبَدَلُ مِلْكَ الْمَوْلَى وَهِيَ شُرُوطُ انْعِقَادٍ، وَكَوْنُهُ مُتَقَوِّمًا وَهُوَ شَرْطُ صِحَّةٍ. وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى الْمَوْلَى: فَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْمِلْكُ أَوْ الْوِلَايَةُ فَلَا تَنْفُذُ مِنْ فُضُولِيٍّ بَلْ مِنْ وَكِيلٍ وَكَذَا أَبٌ وَوَصِيٌّ اسْتِحْسَانًا لِلْوِلَايَةِ، وَهَذِهِ شُرُوطُ انْعِقَادٍ. وَالرِّضَا وَهُوَ شَرْطُ صِحَّةٍ احْتِرَازًا عَنْ الْإِكْرَاهِ وَالْهَزْلِ لَا الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ لَكِنَّ مُكَاتَبَةَ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَهُ نَافِذَةٌ عِنْدَهُمَا. وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى الْمُكَاتَبِ فَمِنْهَا الْعَقْلُ وَهُوَ شَرْطُ انْعِقَادٍ. وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الرُّكْنِ فَمِنْهُ خُلُوُّ الْعَقْدِ عَنْ شَرْطٍ فَاسِدٍ فِي صُلْبِهِ مُخَالِفٍ لِمُقْتَضَاهُ، فَإِنْ لَمْ يُخَالِفْ جَازَ الشَّرْطُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِي صُلْبِهِ بَطَلَ وَصَحَّ الْعَقْدُ. بَدَائِعُ مُلَخَّصًا، لَكِنَّ اشْتِرَاطَ كَوْنِ الْبَدَلِ مَالًا خِلَافُ مَا سَيَأْتِي مِنْ صِحَّتِهَا عَلَى الْخِدْمَةِ إلَّا أَنْ يُرَادَ الْمَالُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مَعْلُومًا إلَخْ) فِي الْخَانِيَّةِ: كُلُّ مَا يَصْلُحُ مَهْرًا فِي النِّكَاحِ يَصْلُحُ بَدَلًا فِي الْكِتَابَةِ (قَوْلُهُ مُنَجَّمًا أَوْ مُؤَجَّلًا) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُؤَجَّلَ مَا جُعِلَ لِجَمِيعِهِ أَجَلٌ وَاحِدٌ، وَالْمُنَجَّمَ كَمَا سَيَأْتِي مَا فُرِّقَ عَلَى آجَالٍ مُتَعَدِّدَةٍ لِكُلِّ بَعْضٍ مِنْهُ أَجَلٌ ط (قَوْلُهُ لِصِحَّتِهَا بِالْحَالِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ لَا الرَّقَبَةِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 98 إلَّا بِالْأَدَاءِ. وَفِي جَانِبِ الْمَوْلَى ثُبُوتُ وِلَايَةِ مُطَالَبَةِ الْبَدَلِ فِي الْحَالِ إنْ كَانَتْ حَالَّةً وَالْمِلْكِ فِي الْبَدَلِ إذَا قَبَضَهُ وَعَوْدُ مِلْكِهِ إذَا عَجَزَ. (كَاتَبَ قِنَّهُ وَلَوْ) الْقِنُّ (صَغِيرًا يَعْقِلُ بِمَالٍ حَالٍّ) أَيْ نَقْدٍ كُلُّهُ (أَوْ مُؤَجَّلٍ) كُلُّهُ (أَوْ مُنَجَّمٍ) أَيْ مُقَسَّطٍ عَلَى أَشْهُرٍ مَعْلُومَةٍ أَوْ قَالَ جَعَلْت عَلَيْك أَلْفًا تُؤَدِّيهِ نُجُومًا أَوَّلُهَا كَذَا وَآخِرُهَا كَذَا، فَإِنْ أَدَّيْته فَأَنْتَ حُرٌّ، وَإِنْ عَجَزْت فَقِنٌّ وَقَبِلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ صَحَّ وَصَارَ مُكَاتَبًا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى - {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33]- وَالْأَمْرُ لِلنَّدَبِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِيَّةِ أَنْ لَا يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْعِتْقِ، فَلَوْ يَضُرُّ فَالْأَفْضَلُ تَرْكُهُ، وَلَوْ فَعَلَ صَحَّ. وَلَوْ كَاتَبَ نِصْفَ عَبْدِهِ جَازَ وَنِصْفُهُ الْآخَرُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَلَوْ أَرَادَ مَنْعَهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَيْ لَا يُبْطِلَ عَلَى الْعَبْدِ حَقَّ الْعِتْقِ، وَتَمَامُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِذَا صَحَّتْ الْكِتَابَةُ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ دُونَ مِلْكِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ كُلَّ الْبَدَلِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» .   [رد المحتار] وَلِهَذَا يُقَالُ: الْمُكَاتَبُ طَارَ عَنْ ذُلِّ الْعُبُودِيَّةِ وَلَمْ يَنْزِلْ فِي سَاحَةِ الْحُرِّيَّةِ فَصَارَ كَالنَّعَامَةِ إنْ اُسْتُطِيرَ تَبَاعَرَ وَإِنْ اُسْتُحْمِلَ تَطَايَرَ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلًا إلَّا بِالْأَدَاءِ) فَإِنْ أَدَّى يَعْتِقُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ الْمَوْلَى إذَا أَدَّيْته إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَوْدُهُ لِمِلْكِهِ إلَخْ) هَذَا مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعَبْدِ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى الْمَوْلَى فَاسْتِرْدَادُهُ إلَى مِلْكِهِ إذَا عَجَزَ، وَبِهِ عَبَّرَ فِي الدُّرَرِ ط (قَوْلُهُ يَعْقِلُ) أَيْ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ إذْنٌ لَهُ بِالتِّجَارَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَنَا، فَلَوْ كَانَ لَا يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونًا فَأَدَّى عَنْهُ رَجُلٌ فَقَبِلَ الْمَوْلَى لَا يَعْتِقُ وَاسْتَرَدَّ مَا أَدَّى، وَلَوْ قَبِلَ عَنْهُ رَجُلٌ الْكِتَابَةَ وَرَضِيَ بِهِ الْمَوْلَى لَمْ يَجُزْ أَيْضًا وَهَلْ تَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْعَبْدِ بَعْدَ الْبُلُوغِ؟ الصَّحِيحُ لَا تَتَوَقَّفُ إذْ لَا مُجِيزَ لَهُ وَقْتَ التَّصَرُّفِ وَالصَّغِيرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِجَازَةِ، بِخِلَافِ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ لَوْ قَبِلَ عَنْهُ فُضُولِيٌّ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْعَبْدِ، فَلَوْ أَدَّى الْقَابِلُ عَنْ الصَّغِيرِ إلَى الْمَوْلَى عَتَقَ اسْتِحْسَانًا، وَكَذَا إذَا كَانَ كَبِيرًا غَائِبًا وَلَا يَسْتَرِدُّ الْمُؤَدَّى، فَإِنْ أَدَّى الْبَعْض اسْتَرَدَّهُ إلَّا إذَا بَلَغَ الْعَبْدُ فَأَجَازَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَرِدَّ، فَلَيْسَ لِلْقَابِلِ الِاسْتِرْدَادُ وَإِنْ عَجَزَ الْعَبْدُ عَنْ أَدَاءِ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِالرَّدِّ إلَى الرِّقِّ بَلْ تَنْتَهِي فَكَانَ الْعَقْدُ قَائِمًا فِيمَا أَدَّى. بَدَائِعُ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ بِمَالٍ) لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا عَنْ الْخِدْمَةِ لِمَا سَيَأْتِي شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ حَالٍّ) كَقَوْلِهِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْصُلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ أَوْ الِاسْتِيهَابِ عَقِبَ الْعَقْدِ إتْقَانِيٌّ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَفِي الْحَالِ كَمَا امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ يُرَدُّ فِي الرِّقِّ. قَالَ الأتقاني: وَلَكِنْ لَا يُرَدّْ إلَّا بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَإِنْ قَالَ أَخِّرْنِي وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ يُرْجَى قُدُومُهُ أُخِّرَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً (قَوْلُهُ أَوْ مُؤَجَّلٍ) هُوَ أَفْضَلُ كَمَا فِي السِّرَاجِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَدَّيْته فَأَنْتَ حُرٌّ) لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ يَحْتَمِلُ الْكِتَابَةَ وَالْعِتْقَ عَلَى مَالٍ، وَلَا تَتَعَيَّنُ جِهَةُ الْكِتَابَةِ إلَّا بِهَذَا الْقَيْدِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِنْ عَجَزْت لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ حَثًّا لِلْعَبْدِ عَلَى الْأَدَاءِ عِنْدَ النُّجُومِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَالتَّبْيِينِ، وَمَا زَعَمَهُ الْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ لُزُومِ الثَّانِي أَيْضًا رَدَّهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ بِحُصُولِ الْمُرَادِ بِالْأَوَّلِ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَعْتِقُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إذَا أَدَّيْته فَأَنْتَ حُرٌّ فَذَاكَ فِي الْكِتَابَةِ الصَّرِيحَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الأتقاني (قَوْلُهُ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ الْحَالَّ وَالْمُؤَجَّلَ وَالصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَجُوزُ كِتَابَةُ الصَّغِيرِ وَلَا الْحَالَّةِ. زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْأَمْرُ لِلنَّدْبِ) أَيْ لِلْوُجُوبِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ هِدَايَةٌ، وَخَصَّ الْفُقَهَاءُ لِأَنَّهُ عِنْدَ الظَّاهِرِيَّةِ لِلْوُجُوبِ إذَا طَلَبَهَا الْعَبْدُ وَعَلِمَ الْمَوْلَى فِيهِ خَيْرًا. كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ مَشَايِخِنَا إنَّهُ لِلْإِبَاحَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ فِيهِ إلْغَاءَ الشَّرْطِ وَهُوَ الْخَيْرِيَّةُ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ ثَابِتَةٌ بِدُونِهِ، وَفِي النَّدْبِ إعْمَالٌ لَهُ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِيَّةِ إلَخْ) وَقِيلَ الْوَفَاءُ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَالصَّلَاحُ، وَقِيلَ الْمَالُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ جَازَ) فَإِنْ أَدَّى الْكِتَابَةَ عَتَقَ نِصْفُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 99 ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَغَرِمَ الْمَوْلَى الْعُقْرَ إنْ وَطِئَ مُكَاتَبَتَهُ) لِحُرْمَتِهِ عَلَيْهِ (أَوْ جَنَى عَلَيْهَا) فَإِنَّهُ يَغْرَمُ أَرْشَهَا (أَوْ جَنَى عَلَى وَلَدِهَا أَوْ أَتْلَفَ) الْمَوْلَى (مَالَهَا) لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ صَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَالْأَجْنَبِيِّ، نَعَمْ لَا حَدَّ وَلَا قَوَدَ عَلَى الْمَوْلَى لِلشُّبْهَةِ شُمُنِّيٌّ (وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَتَقَ مَجَّانًا) لِإِسْقَاطِ حَقِّهِ (وَ) فَسَدَ (إنْ) كَاتَبَهُ (عَلَى خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ) لِعَدَمِ مَالِيَّتِهِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، فَلَوْ كَانَا ذِمِّيَّيْنِ جَازَ (أَوْ عَلَى قِيمَتِهِ) أَيْ قِيمَةِ نَفْسِ الْعَبْدِ لِجَهَالَةِ الْقَدْرِ (أَوْ عَلَى عَيْنٍ) مُعَيَّنَةٍ (لِغَيْرِهِ) لِعَجْزِهِ عَنْ تَسْلِيمِ مِلْكِ الْغَيْرِ (أَوْ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ لِيَرُدَّ سَيِّدُهُ عَلَيْهِ   [رد المحتار] وَسَعَى فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ آخِرَ الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ لَا عَلَى قَوْلِهِ دُونَ مِلْكِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَاءِ بَدَلَ الْوَاوِ كَمَا فَعَلَ فِي الْمَجْمَعِ وَبِهَذَا اعْتَرَضَ الطُّورِيُّ عَلَى الْكَنْزِ حَيْثُ أَتَى بِالْوَاوِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَغَرِمَ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ: وَلَوْ شَرَطَ وَطْأَهَا فِي الْعَقْدِ لَا يَضْمَنُ الْعُقْرَ اهـ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ فِي أَوَائِلِ بَابِ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ مَا يُخَالِفُهُ فَرَاجِعْهُ. سَعْدِيَّةٌ. أَقُولُ: الَّذِي رَأَيْته فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَسَادُ الْكِتَابَةِ بِهَذَا الشَّرْطِ فَتَأَمَّلْ، لَكِنْ فِي الطُّورِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ: فَإِنْ وُطِئَتْ ثُمَّ أَدَّتْ غَرِمَ عُقْرَهَا لِأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ (قَوْلُهُ لِحُرْمَتِهِ عَلَيْهِ) أَقُولُ: الْحُرْمَةُ لَا تَسْتَلْزِمُ الْعُقْرَ كَمَا لَا يَخْفَى، فَالْمُنَاسِبُ مَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَخَصَّ بِأَجْزَائِهَا، ثُمَّ الْعُقْرُ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ فِي الْحَرَائِرِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَفِي الْإِمَاءِ عُشْرُ الْقِيمَةِ لَوْ بِكْرًا، وَنِصْفُ الْعُشْرِ لَوْ ثَيِّبًا، وَلَوْ وَطِئَ مِرَارًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا عُقْرٌ وَاحِدٌ، وَمَا تَأْخُذُهُ مِنْ الْعُقْرِ تَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَنْفَعَةٍ مَمْلُوكَةٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَقَدْ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ قَبْلَ هَذَا: ثُمَّ مَالُ الْعَبْدِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْعَقْدُ بِتِجَارَةٍ أَوْ بِقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنْسَبُ إلَى الْعَبْدِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْأَرْشُ وَالْعُقْرُ وَإِنْ حَصَلَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَيَكُونُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَى الْعَبْدِ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَكَذَا قَالَ الْحَدَّادِيُّ. وَأَمَّا أَرْشُ الْجِرَاحَةِ وَالْعُقْرِ فَذَلِكَ لَا يَدْخُلُ وَهُوَ لِلْمَوْلَى اهـ فَلْيُنْظَرْ فِيهِ مَعَ إلْزَامِ الْمَوْلَى الْعُقْرَ بِوَطْئِهَا وَالْأَرْشُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا اهـ. وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ بِحَمْلِ هَذَا عَلَى مَا إذَا كَاتَبَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَقَطْ، وَمَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا إذَا كَاتَبَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ اهـ. قُلْت: يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ السِّرَاجِ: الْكِتَابَةُ إمَّا عَنْ النَّفْسِ خَاصَّةً أَوْ عَنْهَا وَعَنْ الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِ الْعَبْدِ وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ، وَلَوْ كَانَ مَا فِي يَدِهِ أَكْثَرَ مِنْ بَدَلِهَا فَلَيْسَ لِلْمَوْلَى إلَّا بَدَلُ الْكِتَابَةِ اهـ لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ حَيْثُ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْكِتَابَةِ عَنْ النَّفْسِ وَالْمَالِ. ثُمَّ قَالَ: وَمَالُهُ هُوَ حَصَلَ لَهُ مِنْ تِجَارَتِهِ أَوْ وَهَبَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا أَرْشُ الْجِنَايَةِ وَالْعُقْرِ فَلِلْمَوْلَى اهـ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ، وَعَلَيْهِ فَلَمْ يَظْهَرْ بَيْنَ الْكِتَابَتَيْنِ فَرْقٌ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ أَتْلَفَ الْمَوْلَى مَالَهَا) أَيْ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ أَوْ أَرْشَهُ أَوْ عَبْدًا مَثَلًا (قَوْلُهُ لِلشُّبْهَةِ) أَيْ شُبْهَةِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ (قَوْلُهُ مَجَّانًا) أَيْ لَوْ كَانَ الْمَوْلَى صَحِيحًا، فَلَوْ مَرِيضًا اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ قُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ وَفَسَدَ إنْ كَاتَبَهُ) لَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِ فَسَدَ كَمَا لَا يَخْفَى أَيْ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ فَهُوَ فَاسِدٌ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ أَنَّ فِي الْفَاسِدَةِ لِلْمَوْلَى الْفَسْخَ بِلَا رِضَاهُ، بِخِلَافِ الْجَائِزَةِ وَأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَسْتَقِلُّ بِالْفَسْخِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَا ذِمِّيَّيْنِ جَازَ) أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا لَا يَجُوزُ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى قِيمَتِهِ) كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ قَبْلَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لِئَلَّا يُوهِمَ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْخِنْزِيرِ وَإِنْ صَحَّ عَوْدُهُ عَلَى الْخَمْرِ (قَوْلُهُ لِجَهَالَةِ الْقَدْرِ) أَيْ بِاخْتِلَافِ التَّقْوِيمِ، لَكِنْ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ وَتَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا، وَإِلَّا فَإِنْ اتَّفَقَ اثْنَانِ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ الْقِيمَةُ وَإِلَّا فَيَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْأَقْصَى قُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ مُعَيَّنَةٍ) أَيْ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ، حَتَّى لَوْ كَاتَبَ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِعَيْنِهَا وَهِيَ لِغَيْرِهِ يَجُوزُ مِنَحٌ (قَوْلُهُ لِغَيْرِهِ) فَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى عَيْنٍ فِي يَدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 100 وَصِيفًا) غَيْرَ مُعَيَّنٍ لِجَهَالَةِ الْقَدْرِ (فَهُوَ) أَيْ عَقْدُ الْكِتَابَةِ (فَاسِدٌ) فِي الْكُلِّ لِمَا ذَكَرْنَا (فَإِنْ أَدَّى) الْمُكَاتَبُ (الْخَمْرَ عَتَقَ) بِالْأَدَاءِ (وَكَذَا الْخِنْزِيرُ) لِمَالِيَّتِهِمَا فِي الْجُمْلَةِ (وَسَعَى فِي قِيمَتِهِ) بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، يَعْنِي قَبْلَ أَنْ يَتَرَافَعَا لِلْقَاضِي ابْنُ كَمَالٍ (وَ) اعْلَمْ أَنَّهُ مَتَى سُمِّيَ مَالًا وَفَسَدَتْ الْكِتَابَةُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ (لَمْ يُنْقَصْ مِنْ الْمُسَمَّى بَلْ يُزَادُ عَلَيْهِ) (وَلَوْ) كَاتَبَهُ (عَلَى مَيْتَةٍ وَنَحْوِهَا) كَالدَّمِ (بَطَلَ) الْعَقْدُ لِعَدَمِ مَالِيَّتِهِمَا أَصْلًا عِنْدَ أَحَدٍ، فَلَا يُعْتَقُ بِالْأَدَاءِ إلَّا إذَا عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ صَرِيحًا فَيُعْتَقُ لِلشَّرْطِ لَا لِلْعَقْدِ. (وَصَحَّ) الْعَقْدُ (عَلَى حَيَوَانٍ بَيَّنَ جِنْسَهُ فَقَطْ) أَيْ لَا نَوْعَهُ وَصِفَتَهُ (وَيُؤَدِّي الْوَسَطَ أَوْ قِيمَتَهُ)   [رد المحتار] الْعَبْدِ مِنْ جُمْلَةِ كَسْبِهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَفِي الأتقاني عَنْ شَرْحِ الْكَافِي: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَإِذَا أَدَّى يَعْتِقُ (قَوْلُهُ وَصِيفًا) هُوَ الْغُلَامُ وَجَمْعُهُ وُصَفَاءُ وَالْجَارِيَةُ وَصِيفَةٌ وَجَمْعُهَا وَصَائِفُ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ) هَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَلَوْ مُعَيَّنًا جَازَتْ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ الْعِلَلِ الْأَرْبَعِ ح (قَوْلُهُ فَإِنْ أَدَّى الْخَمْرَ عَتَقَ) لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ الْعِتْقِ فِي بَاقِي الصُّوَرِ الْفَاسِدَةِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ قِيمَتِهِ إذَا كَاتَبَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَتَصِيرُ مَعْلُومَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عِنْدَ الْأَدَاءِ. وَإِذَا كَاتَبَهُ عَلَى عَيْنٍ لِغَيْرِهِ، فَفِي الْعِنَايَةِ لَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَّا إذَا قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ بِحُكْمِ الشَّرْطِ اهـ، فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ بَاطِلٌ لَا فَاسِدٌ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْوَصِيفِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ بَاطِلٌ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ مُلَخَّصًا، فَالْمُرَادُ بِالْفَاسِدِ هُنَا مَا يَعُمُّ الْبَاطِلَ كَمَا فِي الْعَزْمِيَّةِ (قَوْلُهُ بِالْأَدَاءِ) أَيْ أَدَاءِ عَيْنِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، سَوَاءٌ قَالَ إنْ أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ لَا لِأَنَّهُمَا مَالٌ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ أَصْلًا، فَاعْتُبِرَ فِيهِمَا مَعْنَى الشَّرْطِ لَا غَيْرُ وَذَلِكَ بِالتَّعْلِيقِ صَرِيحًا، وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ وَسَعَى فِي قِيمَتِهِ) أَيْ قِيمَةِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ يَعْنِي قَبْلَ أَنْ يَتَرَافَعَا) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ فَإِنْ أَدَّى لَا لِقَوْلِهِ عَتَقَ لِانْفِهَامِهِ مِنْ قَوْلِهِ بِالْأَدَاءِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَفِي الْمَبْسُوطِ: فَإِنْ أَدَّاهُ قَبْلَ أَنْ يَتَرَافَعَا إلَى الْقَاضِي وَقَدْ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ إذَا أَدَّيْته أَوْ لَمْ يَقُلْ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَاعْلَمْ إلَخْ) قَالَ الزَّاهِدِيُّ فِي شَرْحِهِ: فَإِنْ قُلْت: قَوْلُهُ وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْ الْمُسَمَّى وَيُزَادُ عَلَيْهِ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْكِتَابَةِ بِالْقِيمَةِ، وَلَا بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمُسَمَّى فَلَا يُتَصَوَّرُ النُّقْصَانُ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ. قُلْت: قَدْ تَأَمَّلْت فِي الْجَوَابِ عَنْهُ زَمَانًا وَفَتَّشْت الشُّرُوحَ وَبَاحَثْت الْأَصْحَابَ فَلَمْ يُغْنِنِي ذَلِكَ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى ظَفِرْت بِمَا ظَفِرَ الْإِمَامُ رُكْنُ الْأَئِمَّةِ الصَّبَّاغِيُّ فِي شَرْحِهِ فَقَالَ: وَهَذَا إذَا سُمِّيَ مَالًا وَفَسَدَتْ الْكِتَابَةُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لَا يَنْقُصُ مِنْ الْمُسَمَّى وَيُزَادُ عَلَيْهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ مُسْتَأْنَفَةٌ غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ بِالْأَوَّلِ وَهَذَا كَمَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفِ رِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ، فَإِذَا أَدَّى ذَلِكَ عَتَقَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ قَالَ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ لَمْ يَقُلْ، وَتَجِبُ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الْأَلْفِ لَا يُسْتَرَدُّ الْفَضْلُ عِنْدَنَا اهـ فَقَدْ رَمَزَ الشَّارِحُ إلَى هَذَا (قَوْلُهُ لَمْ يَنْقُصْ إلَخْ) لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ أَنْ يُعْتِقَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا سُمِّيَ فَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ عَنْهُ وَالْعَبْدُ يَرْضَى بِالزِّيَادَةِ حَتَّى يَنَالَ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ فَيُزَادُ عَلَيْهِ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ صَرِيحًا فَيَعْتِقُ) وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ حَيَوَانٍ لَا يَعْتِقُ لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ اهـ. وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: يَعْتِقُ بِأَدَاءِ ثَوْبٍ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ صَرِيحٌ فَصَارَ مِنْ بَابِ الْأَيْمَانِ وَهِيَ تَنْعَقِدُ مَعَ الْجَهَالَةِ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الثَّوْبِ اهـ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ بَيَّنَ جِنْسَهُ فَقَطْ إلَخْ) كَذَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ، إذَا كَاتَبَهُ عَلَى حَيَوَانٍ وَبَيَّنَ جِنْسَهُ كَالْعَبْدِ وَالْفَرَسِ وَلَمْ يُبَيِّنْ النَّوْعَ أَنَّهُ تُرْكِيٌّ أَوْ هِنْدِيٌّ وَلَا الْوَصْفَ أَنَّهُ جَيِّدٌ أَوْ رَدِيءٌ جَازَتْ، وَيَنْصَرِفُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 101 وَيُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا (وَ) صَحَّ أَيْضًا (مِنْ كَافِرٍ كَاتَبَ قِنًّا كَافِرًا مِثْلَهُ عَلَى خَمْرٍ) لِمَالِيَّتِهِ عِنْدَهُمْ (مَعْلُومَةٍ) أَيْ مُقَدَّرَةٍ لِيَعْلَمَ الْبَدَلَ (وَأَيٌّ) مِنْ الْمَوْلَى وَالْعَبْدِ (أَسْلَمَ فَلَهُ قِيمَةُ الْخَمْرِ وَعَتَقَ بِقَبْضِهَا) لِتَعْلِيقِ عِتْقِهِ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ كَمَا مَرَّ (وَ) صَحَّ أَيْضًا (عَلَى خِدْمَتِهِ شَهْرًا لَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى (أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ أَوْ بِنَاءِ دَارٍ إذَا بَيَّنَ قَدْرَ الْمَعْمُولِ وَالْآجُرِّ بِمَا يَرْفَعُ النِّزَاعَ) لِحُصُولِ الرُّكْنِ وَالشَّرْطِ. (لَا تَفْسُدُ الْكِتَابَةُ بِشَرْطٍ) لِشَبَهِهَا بِالنِّكَاحِ ابْتِدَاءً لِأَنَّهَا مُبَادَلَةٌ بِغَيْرِ مَالٍ وَهُوَ التَّصَرُّفُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ) فَتَفْسُدُ لِشَبَهِهَا بِالْبَيْعِ انْتِهَاءً لِأَنَّهُ فِي الْبَدَلِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ. بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَمَا لَا يَجُوزُ (لِلْمُكَاتَبِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَلَوْ بِمُحَابَاةٍ)   [رد المحتار] إلَى الْوَسَطِ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ يَسِيرَةٌ، وَمِثْلُهَا يُتَحَمَّلُ فِي الْكِتَابَةِ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُسَاهَلَةِ فَيُعْتَبَرُ جَهَالَةُ الْبَدَلِ بِجَهَالَةِ الْأَجَلِ، حَتَّى لَوْ كَاتَبَهُ إلَى الْحَصَادِ صَحَّتْ اهـ وَلَكِنْ فِي الِاخْتِيَارِ: الْكِتَابَةُ عَلَى الْحَيَوَانِ وَالثَّوْبِ كَالنِّكَاحِ إنْ بَيَّنَ النَّوْعَ صَحَّ، وَإِنْ أَطْلَقَ لَا يَصِحُّ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ. ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ عَلَى عَبْدٍ أَوْ جَارِيَةٍ صَحَّ لِأَنَّهَا جَهَالَةُ الْوَصْفِ فَقَدْ سُمِّيَ النَّوْعُ جِنْسًا وَالْوَصْفُ نَوْعًا فَلَا مُخَالَفَةَ فِي الْحُكْمِ (قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا) كَمَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْعَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَصْلٌ فَالْعَيْنُ أَصْلُ تَسْمِيَةٍ وَالْقِيمَةُ أَصْلٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْوَسَطَ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِهَا فَاسْتَوَيَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَهُ قِيمَةُ الْخَمْرِ) لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ عَيْنِهَا بِالْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ وَعَتَقَ بِقَبْضِهَا) يُحْتَمَلُ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَى الْقِيمَةِ وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ وَهُوَ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَيُحْتَمَلُ رُجُوعُهُ إلَى الْخَمْرِ وَهُوَ مَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْهِدَايَةِ وَالدُّرَرِ وَغَيْرِهِمَا وَفِيهِ رِوَايَتَانِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) فِي مَسْأَلَةِ كِتَابَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ (قَوْلُهُ عَلَى خِدْمَتِهِ شَهْرًا) هَذَا اسْتِحْسَانٌ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالْعَادَةِ، وَبِحَالِ الْمَوْلَى أَنَّهُ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَسْتَخْدِمُهُ، وَبِحَالِ الْعَبْدِ أَنَّهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْلُحُ كَمَا لَوْ عَيَّنَهَا نَصًّا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَقْتَ فَسَدَتْ لِأَنَّ الْبَدَلَ مَجْهُولٌ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَالْآجُرِّ) بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ اللَّبِنُ: الْمُحْرَقُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ بِمَا يَرْفَعُ النِّزَاعَ) بِأَنْ سَمَّى لَهُ طُولَ الْبِئْرِ وَعُمْقَهَا وَمَكَانَهَا وَيُرِيهِ آجُرَّ الدَّارِ وَجِصَّهَا وَمَا يُبْنَى بِهَا بَدَائِعُ (قَوْلُهُ لِحُصُولِ الرُّكْنِ وَالشَّرْطِ) أَيْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَمَعْلُومِيَّةِ الْبَدَلِ (قَوْلُهُ لَا تَفْسُدُ الْكِتَابَةُ بِشَرْطٍ) أَيْ شَرْطٍ فَاسِدٍ وَهُوَ الْمُخَالِفُ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، كَمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْمِصْرِ أَوْ أَنْ لَا يَتَّجِرَ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَدْخُلُ فِي صُلْبِ الْكِتَابَةِ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا إلَخْ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الشَّبَهِ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ التَّصَرُّفُ: أَيْ غَيْرُ الْمَالِ هُوَ التَّصَرُّفُ: أَيْ فَكُّ الْحَجَرِ إذْ الْبَدَلُ مُقَابَلٌ بِهِ (قَوْلُهُ لِشَبَهِهَا بِالْبَيْعِ انْتِهَاءً) كَذَا فِي الدُّرَرِ، وَفِيهِ كَلَامٌ يُعْلَمُ مِنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فِي الْبَدَلِ) أَيْ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَاقِعٌ فِي الْبَدَلِ كَالْكِتَابَةِ عَلَى بَدَلٍ مَجْهُولٍ أَوْ حَرَامٍ، أَوْ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ يَطَأَهَا مَا دَامَتْ مُكَاتَبَةً أَوْ تَخْدُمُهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَقْتًا أَوْ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ غَيْرِهِ، وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا إتْقَانِيٌّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ] (قَوْلُهُ لِلْمُكَاتِبِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ) كَذَا الْإِجَارَةُ وَالْإِعَارَةُ وَالْإِبْدَاعُ وَالْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ وَاسْتِيفَائِهِ وَقَبُولُ الْحَوَالَةِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ، لَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُشَارِكَ عَنَانًا لَا مُفَاوَضَةً لِاسْتِلْزَامِهَا الْكَفَالَةَ، وَلَهُ الشُّفْعَةُ فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمَوْلَى، وَلِلْمَوْلَى الشُّفْعَةُ فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُكَاتَبُ، وَأَنْ يَتَوَكَّلَ بِالشِّرَاءِ وَإِنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانَ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ، وَأَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ، وَأَنْ يَحُطَّ شَيْئًا بَعْدَ الْبَيْعِ بِعَيْبٍ ادَّعَى عَلَيْهِ أَوْ يَزِيدُ فِي الثَّمَنِ، وَأَنْ يُرَدَّ بِالْعَيْبِ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ مَوْلَاهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 102 يَسِيرَةٍ (وَالسَّفَرُ وَإِنْ شَرَطَ) الْمَوْلَى (عَدَمَهُ وَتَزْوِيجُ أَمَتِهِ وَكِتَابَةُ عَبْدِهِ وَالْوَلَاءُ لَهُ إنْ أَدَّى) الثَّانِي (بَعْدَ عِتْقِهِ وَإِلَّا) بِأَنْ أَدَّاهُ قَبْلَهُ أَوْ أَدَّيَا مَعًا (فَلِسَيِّدِهِ لَا التَّزَوُّجُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ وَ) لَا (الْهِبَةُ وَلَوْ بِعِوَضٍ، وَ) لَا (التَّصَدُّقُ إلَّا بِيَسِيرٍ مِنْهُمَا وَ) لَا (التَّكَفُّلُ مُطْلَقًا) وَلَوْ بِإِذْنٍ بِنَفْسٍ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ (وَ) لَا (الْإِقْرَاضُ وَإِعْتَاقُ عَبْدِهِ وَلَوْ بِمَالٍ، وَبَيْعُ نَفْسِهِ مِنْهُ   [رد المحتار] لَهُ أَنْ يُرَابِحَ فِيمَا اشْتَرَاهُ مِنْ مَوْلَاهُ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ، وَكَذَلِكَ الْمَوْلَى فِيمَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ، وَلَا أَنْ يَبِيعَ مِنْ مَوْلَاهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمُطْلَقَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ مُلَخَّصًا. وَلَا يَرِدُ مَا مَرَّ أَنَّ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ الَّذِي فِي يَدِهِ وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ الْبَدَلِ لِوُرُودِ الْعَقْدِ ثَمَّةَ وَهُوَ قِنٌّ، وَإِنْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ وَمَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ لَا تَجُوزُ وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْأَدَاءِ، فَإِنْ قَالَ إذَا عَتَقْت فَثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةٌ صَحَّتْ إجْمَاعًا، وَإِنْ أَوْصَى بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهِ لَا تَجُوزُ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ مَا أَضَافَهَا إلَى حَالَةِ الْحُرِّيَّةِ فَتَعَلَّقَتْ بِمِلْكِهِ فِي وَقْتٍ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ إلَّا إذَا أَجَازَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَعِنْدَهُ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ. وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ بَدَائِعُ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ يَسِيرَةٍ) تَقْيِيدٌ لِإِطْلَاقِ الْمَتْنِ تَبَعًا للشُّرُنبُلاليَّة عَنْ الْخَانِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ بِقَلِيلِ الثَّمَنِ وَكَثِيرِهِ وَبِأَيِّ جِنْسٍ كَانَ، وَبِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ إلَّا بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ، وَبِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَبِالنَّقْدِ لَا بِالنَّسِيئَةِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَرَطَ الْمَوْلَى عَدَمَهُ) أَيْ عَدَمَ السَّفَرِ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ رُبَّمَا لَا يَتَّفِقُ فِي الْحَضَرِ وَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَيْسَ فِي صُلْبِهِ: أَيْ لَمْ يَدْخُلْ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَتَزْوِيجُ أَمَتِهِ) وَكَذَا مُكَاتَبَتُهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ، بِخِلَافِ عَبْدِهِ بَدَائِعُ، وَلَا يُزَوِّجُهَا مِنْ عَبْدِهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكِتَابَةُ عَبْدِهِ) إلَّا وَلَدَهُ وَوَالِدَيْهِ لِأَنَّهُمْ يَعْتِقُونَ بِعِتْقِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَ عِتْقُهُمْ عِتْقَهُ وَلِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي كِتَابَتِهِ فَلَا يُكَاتَبُونَ ثَانِيًا بَدَائِعُ (قَوْلُهُ بَعْدَ عِتْقِهِ) أَيْ عِتْقِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ صَارَ أَهْلًا لِلْوَلَاءِ (قَوْلُهُ فَلِسَيِّدِهِ) وَلَا يَرْجِعُ الْوَلَاءُ إلَى الْأَوَّلِ بَعْدَ عِتْقِهِ لِأَنَّهُ مَتَى ثَبَتَ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ بِحَالٍ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ لَا التَّزَوُّجُ) فَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ إجَازَتِهِ نَفَذَ عَلَى الْمُكَاتَبِ كَمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ، قِيلَ وَكَذَا التَّسَرِّي وَسَيَجِيءُ دُرٌّ مُنْتَقَى (قَوْلُهُ وَلَا الْهِبَةُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَإِذَا وَهَبَ هِبَةً أَوْ تَصَدَّقَ ثُمَّ عَتَقَ رُدَّتْ حَيْثُ كَانَتْ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا مُجِيزَ لَهُ حَالَ وُقُوعِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ، وَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ مِنْهُمَا وَلَوْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى. قَالَ أَبُو السُّعُودِ: وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَوْلَى لَا مِلْكَ لَهُ فِي كَسْبِهِ (قَوْلُهُ إلَّا بِيَسِيرٍ مِنْهُمَا) قَيَّدَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ التَّصَدُّقَ بِالْيَسِيرِ مِنْ الْمَأْكُولِ مُسْتَنِدًا لِلْبَدَائِعِ. أَقُولُ: وَنَصُّهَا وَلَا يَمْلِكُ التَّصَدُّقَ إلَّا بِشَيْءٍ يَسِيرٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ فَقِيرًا دِرْهَمًا وَلَا أَنْ يُكْسِيَهُ ثَوْبًا، وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُهْدِيَ إلَّا شَيْئًا قَلِيلًا مِنْ الْمَأْكُولِ، وَلَهُ أَنْ يَدْعُوَ إلَى الطَّعَامِ اهـ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ: الْيَسِيرُ هُوَ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ لِأَنَّهُ يَتَوَسَّعُ فِيهِ النَّاسُ اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا التَّكَفُّلُ) أَيْ عَنْ غَيْرِ سَيِّدِهِ فَيَجُوزُ عَنْهُ، لِأَنَّ بَدَل الْكِتَابَةِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا وَالْأَدَاءُ إلَيْهِ وَإِلَى غَيْرِهِ سَوَاءٌ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِإِذْنٍ بِنَفْسٍ) تَفْسِيرٌ لِلْإِطْلَاقِ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى أَوْ الْمَكْفُولِ أَوْ لَا بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ، فَقَوْلُهُ بِنَفْسٍ دَاخِلٌ تَحْتَ الْمُبَالَغَةِ أَيْ وَلَوْ بِنَفْسٍ. وَفِي الْبَدَائِعِ: فَإِنْ أَدَّى فَعَتَقَ لَزِمَتْهُ الْكَفَالَةُ لِوُقُوعِهَا صَحِيحَةً فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ) فَإِنَّهَا الْتِزَامُ تَسْلِيمِ النَّفْسِ أَوْ الْمَالِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ كَسْبَهُ فَلَا يَصِحُّ إذْنُهُ بِالتَّبَرُّعِ (قَوْلُهُ وَلَا الْإِقْرَاضُ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِابْتِدَائِهِ بَدَائِعُ، وَيَنْبَغِي جَوَازُهُ بِالْيَسِيرِ كَالْهِبَةِ قُهُسْتَانِيٌّ بَلْ هُوَ أَوْلَى بُرْجُنْدِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِمَالٍ) كَأَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ فَإِذَا قَبِلَ عَتَقَ، وَكَذَا تَعْلِيقُهُ بِأَدَائِهِ كَإِنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَبَيْعُ نَفْسِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 103 وَتَزْوِيجُ عَبْدِهِ) لِنَقْصِهِ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ (وَأَبٌ وَوَصِيٌّ وَقَاضٍ وَأَمِينُهُ فِي رَقِيقِ صَغِيرٍ) تَحْتَ حِجْرِهِمْ (كَمُكَاتَبٍ) فِيمَا ذُكِرَ (بِخِلَافِ مُضَارِبٍ وَمَأْذُونٍ وَشَرِيكٍ) وَلَوْ مُفَاوَضَةً عَلَى الْأَشْبَهِ لِاخْتِصَاصِ تَصَرُّفِهِمْ بِالتِّجَارَةِ. (وَلَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ) (تَكَاتَبَ عَلَيْهِ) تَبَعًا لَهُ، وَالْمُرَادُ قَرَابَةُ الْوِلَادِ لَا غَيْرُ (وَلَوْ) اشْتَرَى (مَحْرَمًا) غَيْرَ الْوِلَادِ (كَالْأَخِ وَالْعَمِّ لَا) يُكَاتَبُ عَلَيْهِ خِلَافًا لَهُمَا. (وَلَوْ اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ مَعَ وَلَدِهِ مِنْهَا) وَكَذَا لَوْ شَرَاهَا ثُمَّ شَرَاهُ. جَوْهَرَةٌ (لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا) لِتَبَعِيَّتِهَا لِوَلَدِهَا (وَلَكِنْ لَا تَدْخُلُ فِي كِتَابَتِهِ) ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلَا تَعْتِقُ بِعِتْقِهِ وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا (فَجَازَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا) بِمِلْكِ النِّكَاحِ فَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ إذَا اشْتَرَتْ بَعْلَهَا غَيْرَ أَنَّ لَهَا بَيْعَهُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَمْ تَثْبُتْ مِنْ جِهَتِهَا (وَلَوْ مَلَكَهَا بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ الْوَلَدِ (جَازَ لَهُ بَيْعُهَا) خِلَافًا لَهُمَا   [رد المحتار] أَيْ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْهُ لِأَنَّ فِيهَا إسْقَاطَ الْمَلِكِ وَإِثْبَاتَ الدَّيْنِ عَلَى الْمُفْلِسِ (قَوْلُهُ وَتَزْوِيجُ عَبْدِهِ) وَلَوْ مِنْ أَمَتِهِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فِي رَقِيقِ صَغِيرٍ) تَرْكِيبٌ إضَافِيٌّ لَا تَوْصِيفِيٌّ (قَوْلُهُ فِيمَا ذُكِرَ) مِنْ التَّصَرُّفَاتِ ثُبُوتًا وَنَفْيًا، فَيَمْلِكَانِ كِتَابَةَ قِنِّهِ وَإِنْكَاحَ أَمَتِهِ لَا إعْتَاقَ عَبْدِهِ وَلَوْ بِمَالٍ إلَخْ. وَإِذَا أَقَرَّ بِقَبْضِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً بِمَحْضَرٍ مِنْ الشُّهُودِ صِدْقًا وَعَتَقَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً لَمْ يَجُزْ الْإِقْرَارُ بِالْعِتْقِ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ إقْرَارٌ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ فَيَصِحُّ، وَفِي الثَّانِي بِالْعِتْقِ فَلَا يَصِحُّ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُفَاوَضَةً) كَذَا فِي الْكَافِي حَيْثُ جَعَلَهُ كَالْمَأْذُونِ، وَجَعَلَهُ فِي النِّهَايَةِ كَالْمُكَاتَبِ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَشْبَهِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَجَعْلُهُ كَالْمَأْذُونِ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ (قَوْلُهُ لِاخْتِصَاصِ تَصَرُّفِهِمْ بِالتِّجَارَةِ) فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ عَامًّا فِي التِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ وَالْكِتَابَةُ كَالْأَبِ وَنَحْوِهِ، وَمَنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ خَاصًّا بِالتِّجَارَةِ لَا يَمْلِكُهُ (قَوْلُهُ تَبَعًا لَهُ) لِأَنَّ الْمُشْرَى لَوْ كَانَ مُكَاتَبًا أَصَالَةً لَبَقِيَتْ بَعْدَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ الْأَصْلِيِّ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ قَرَابَةُ الْوِلَادِ) وَأَقْوَاهُمْ دُخُولًا الْوَلَدُ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ، ثُمَّ الْوَلَدُ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ الْأَبَوَانِ، وَعَلَى هَذَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الْأَحْكَامِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) حَيْثُ قَالَا يُكَاتَبُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ وُجُوبَ الصِّلَةِ يَشْمَلُ الْقَرَابَةَ الْمُحَرِّمَةَ لِلنِّكَاحِ وَلِهَذَا يَعْتِقُ عَلَى الْحُرِّ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، وَلَهُ أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ كَسْبًا لَا مِلْكًا وَلِذَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ وَإِنْ أَصَابَ مَالًا، وَلَا يَمْلِكُ الْهِبَةَ، وَلَا يَفْسُدُ نِكَاحُ امْرَأَتِهِ إذَا اشْتَرَاهَا غَيْرَ أَنَّ الْكَسْبَ يَكْفِي لِلصِّلَةِ فِي الْوِلَادِ، حَتَّى أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ يُخَاطَبُ بِنَفَقَةِ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَلَا يَكْفِي لِغَيْرِهَا، حَتَّى لَا تَجِبَ نَفَقَةُ الْأَخِ إلَّا عَلَى الْمُوسِرِ، وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا. وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ لَهُ بَيْعُهُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي الدُّرَرِ، وَأَنَّهُ إذَا مَاتَ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَلَا يَسْعَى عَلَى نُجُومِهِ عِنْدَهُ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ أُمَّ وَلَدِهِ) يَعْنِي الْمُسْتَوْلَدَةَ بِالنِّكَاحِ عَزْمِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ شَرَاهَا ثُمَّ شَرَاهُ) قَالَ ابْنُ الْمَلِكِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ أَوَّلًا ثُمَّ اشْتَرَاهَا حَرُمَ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُكَاتَبُ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَبِوَاسِطَتِهِ تَكَاتَبَتْ أُمُّهُ. وَإِذَا اشْتَرَاهَا أَوَّلًا لَا يَحْرُمُ بَيْعُهَا لِانْتِفَاءِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ تَكَاتُبُ الْوَلَدِ، ثُمَّ إذَا اشْتَرَى الْوَلَدَ حَرُمَ بَيْعُهَا عِنْدَ شِرَاءِ الْوَلَدِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي اهـ، فَالْمَدَارُ عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا فِي مِلْكِهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ اشْتَرَاهُمَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا، فَالتَّقْيِيدُ بِالْمَعِيَّةِ خِلَافُ الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ لِتَبَعِيَّتِهَا لِوَلَدِهَا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا) أَيْ حَقِيقَةً فَهِيَ كَسْبُهُ لَا مِلْكُهُ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا عِلَّةٌ لِلْمُفَرِّعِ وَالْمُفَرَّعِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَجَازَ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ (قَوْلُهُ فَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ إلَخْ) أَيْ فَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْ رَقَبَتَهُ حَقِيقَةً هِنْدِيَّةٌ عَنْ الْبِنَايَةِ الْعَيْنِيُّ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ وَلَدُهُ مِنْهَا أَوْ لَا رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَمْ تَثْبُتْ مِنْ جِهَتِهَا) يَعْنِي الْحُرِّيَّةَ الْمُنْتَظَرَةَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا إذَا اشْتَرَتْ بَعْلَهَا مَعَ ابْنِهَا مِنْهُ تَبِعَهَا ابْنُهَا فِي الْكِتَابَةِ وَلَا يَتْبَعُهُ أَبُوهُ فِي تِلْكَ الْكِتَابَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ لِلْوَلَدِ خَاصَّةً بِجِهَتِهَا فَهِيَ الَّتِي تَتْبَعُ وَلَدَهَا كَمَا يَتْبَعُهَا هُوَ فِي الرَّقَبَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 104 (وَإِنْ وُلِدَ لَهُ مِنْ أَمَتِهِ وَلَدٌ) فَادَّعَاهُ (تَكَاتَبَ عَلَيْهِ) تَبَعًا لَهُ (وَ) كَانَ (كَسْبُهُ لَهُ) لِأَنَّهُ كَسْبٌ كَسَبَهُ. (زَوَّجَ) الْمُكَاتَبُ (أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَكَاتَبَهُمَا فَوَلَدَتْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا وَكَسْبُهُ) وَقِيمَتُهُ لَوْ قُتِلَ (لَهَا) لِأَنَّ تَبَعِيَّتَهَا أَرْجَحُ. (مُكَاتَبٌ أَوْ مَأْذُونٌ نَكَحَ أَمَةً زَعَمَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ) مُتَعَلِّقٌ بِنَكَحَ (فَوَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ) فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ بِالْقِيمَةِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ وَلَدُ الْمَغْرُورِ، وَخَصَّا الْمَغْرُورَ بِالْحُرِّ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ،   [رد المحتار] وَالْحُرِّيَّةِ وَالتَّدْبِيرِ، فَشِرَاءُ الْوَلَدِ يَمْنَعُ بَيْعَ أَصْلِهِ لَوْ كَانَتْ الْحُرِّيَّةُ الْمُنْتَظَرَةُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ الْأَصْلُ أُمًّا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، فَلَوْ كَانَ أَبًا لَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ: لِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ بِالْجِيمِ وَالزَّايِ. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْبَعْضِيَّةَ الَّتِي تَمْنَعُ بَيْعَ الْأَصْلِ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ جِهَتِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَمْ تُوجَدْ هُنَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ أَوْضَحَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ بَعْدَ الْمُرَاجَعَةِ الْكَثِيرَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ وُلِدَ لَهُ مِنْ أَمَتِهِ وَلَدٌ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَمْلِكُ وَطْءَ أَمَتِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْحِلِّ كَمَا فِي وَطْءِ أَمَةِ ابْنِهِ أَوْ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ فَيَثْبُتُ لِشُبْهَةِ مِلْكِ الْيَدِ كَمَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ. قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: أَوْ نَقُولُ: صُورَتُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَإِذَا كُوتِبَ اشْتَرَاهَا فَتَلِدُ لَهُ وَلَدًا اهـ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَوْلِ الشَّارِحِ فَادَّعَاهُ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ بَعْدَ الشِّرَاءِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَسْبٌ كَسَبَهُ) وَهُوَ الْوَلَدُ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ مَمْلُوكِهِ (قَوْلُهُ زَوَّجَ الْمُكَاتَبُ) كَذَا فِي غَيْرِ مَا كِتَابٍ. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ وَلَيْسَ تَزْوِيجُهُ عَبْدَهُ يَكُونُ مَوْقُوفًا كَتَزَوُّجِهِ إذْ لَا مُجِيزَ لَهُ حَالَ صُدُورِهِ فَصَارَ كَهِبَتِهِ الْكَثِيرَ وَتَزَوُّجُهُ هُوَ لَهُ مُجِيزٌ وَهُوَ لِلْوَلِيِّ الْحُرِّ. ثُمَّ أَجَابَ: بِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ النَّسَبِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لِلشُّبْهَةِ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَمَا مَرَّ اهـ. وَأَرْجَعَ ابْنُ مَالِكٍ الضَّمِيرَ لِلْمَوْلَى وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ التَّبْيِينِ وَالْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ الْمَوْلَى الْحُرِّ وَعَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ أَصْلًا. وَنَقَلَ أَبُو السُّعُودِ: عَنْ الشَّلَبِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ الْمَكَاتِبُ بِكَسْرِ التَّاءِ وَأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ الْمَوْلَى لَكَانَ أَوْلَى اهـ. قُلْت: وَيَحْتَاجُ إلَى ادِّعَاءِ مَجَازِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ فَوَلَدَتْ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُمَا لَوْ قَبِلَا الْكِتَابَةَ عَنْ أَنْفُسِهِمَا وَعَنْ وَلَدٍ لَهُمَا صَغِيرٍ فَقُتِلَ الْوَلَدُ تَكُونُ قِيمَتُهُ بَيْنَهُمَا، وَلَا تَكُونُ الْأُمُّ أَحَقَّ بِهِ لِأَنَّ دُخُولَهُ فِي الْكِتَابَةِ هُنَا بِالْقَبُولِ عَنْهُ لَا بِمُجَرَّدِ التَّبَعِيَّةِ وَالْقَبُولُ وُجِدَ مِنْهُمَا فَيَتْبَعُهُمَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ تَبَعِيَّتَهَا أَرْجَحُ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ مِنْ الْأَبِ وَلَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ وَانْفَصَلَ مِنْ الْأُمِّ مُتَقَوِّمًا فَكَانَ تَبَعِيَّتُهَا أَرْجَحَ، وَلِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَلِذَا كَانَتْ أَخَصَّ بِكَسْبِهِ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) حَيْثُ قَالَ هُوَ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ يُعْطِيهَا لِلْمُسْتَحِقِّ فِي الْحَالِ إنْ كَانَ التَّزَوُّجُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَإِلَّا فَبَعْدَ الْعِتْقِ ثُمَّ يَرْجِعُ هُوَ بِمَا ضَمِنَ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْأَمَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بَعْدَ الْعِتْقِ إنْ كَانَتْ هِيَ الْغَارَّةُ، وَكَذَا إذَا غَرَّهُ عَبْدٌ مَأْذُونٌ أَوْ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ مُكَاتَبٌ رَجَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَلَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ مَوْلَى الْغَارِّ، وَإِنْ غَرَّهُ حُرٌّ رَجَعَ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَكَذَا حُكْمُ الْمَهْرِ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَرْجِعُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ إذَا كَانَ التَّزْوِيجُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ وَإِلَّا فَبَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَلَيْسَ لَهُ هُوَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى أَحَدٍ بِالْمَهْرِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَحُكْمُ الْغُرُورِ يَثْبُتُ بِالتَّزْوِيجِ دُونَ الْإِخْبَارِ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ وَلَدُ الْمَغْرُورِ) دَلِيلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَهُوَ عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ: أَيْ فَإِنَّهُ قَالَ هُوَ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّهُ وَلَدُ الْمَغْرُورِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ كَالْحُرِّ (قَوْلُهُ وَخَصَّا الْمَغْرُورَ إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَهُمَا أَنَّهُ مَوْلُودٌ بَيْنَ رَقِيقَيْنِ فَيَكُونُ رَقِيقًا إذْ الْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَتَرَكْنَا هَذَا فِي الْحُرِّ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَالْعَبْدُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْحُرِّ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى وَهُوَ الْمُسْتَحَقُّ فِي الْحُرِّ مَجْبُورٌ بِقِيمَةٍ وَاجِبَةٍ فِي الْحَالِ، وَفِي الْعَبْدِ بِقِيمَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْق فَتَعَذَّرَ الْإِلْحَاقُ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ هَكَذَا ذَكَرُوا هُنَا اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 105 وَاسْتَشْكَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (وَلَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَمَةً شِرَاءً يُنْظَرُ فَاسِدًا فَوَطِئَهَا ثُمَّ رَدَّهَا لِلْفَسَادِ) لِشِرَائِهَا (أَوْ) شَرَاهَا (صَحِيحًا فَاسْتُحِقَّتْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعُقْرُ فِي حَالَةِ الْكِتَابَةِ) قَبْلَ عِتْقِهِ لِدُخُولِهِ فِي كِتَابَتِهِ، لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالشِّرَاءِ إذْنٌ بِالْوَطْءِ (وَلَوْ)   [رد المحتار] وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَغْرُورَ خَاصٌّ بِالْحُرِّ، وَلَا يُمْكِنُ قِيَاسُ الرَّقِيقِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِالْقِيمَةِ حَالًا كَالْحُرِّ فَيَلْزَمُ ضَرَرُ الْمُسْتَحَقِّ (قَوْلُهُ وَاسْتَشْكَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ) حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا، فَإِنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ إذَا لَزِمَهُ بِسَبَبٍ أَذِنَ فِيهِ الْمَوْلَى يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَيُطَالَبُ بِهِ لِلْحَالِ؛ وَالْمَوْضُوعُ هُنَا مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا إذَا كَانَ التَّزَوُّجُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الدَّيْنُ فِيهِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ وَلَا قِيمَةُ الْوَلَدِ فِي الْحَالِ، وَتَشْهَدُ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى. وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِشْكَالٌ لِقَوْلِهِ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِتَأَخُّرِ الْمُطَالَبَةِ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ مَعَ إذْنِ الْمَوْلَى بِالنِّكَاحِ لَا لِتَخْصِيصِهِمَا الْمَغْرُورَ بِالْحُرِّ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ إذْنَ الْمَوْلَى هُنَا لَيْسَ سَبَبًا لِحُرِّيَّةِ الْوَلَدِ أَوْ رَقَبَتِهِ وَإِنَّمَا سَبَبُهَا حُرِّيَّةُ الْأُمِّ أَوْ شَرْطُ كَوْنِ الْوَلَدِ حُرًّا فِي الزَّوْجِ الْحُرِّ فَلَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّهِ فَلَمْ يُطَالَبْ بِهِ فِي الْحَالِ. وَنَقَلَ ط عَنْ الرَّازِيّ نَحْوَهُ، وَعَنْ الْوَانِيِّ أَنَّ الْإِذْنَ بِالشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ إذْنًا بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إذَا كَانَ مِنْ لَوَازِمِهِ وَالْوَطْءُ لَيْسَ كَذَلِكَ اهـ فَتَأَمَّلْ. وَأَجَابَ الطُّورِيُّ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ وَالْمَأْذُونَ أَعْطَيْنَاهُمَا حُكْمَ الْأَحْرَارِ وَلَمْ يَتَضَمَّنْ مَا أَذِنَ فِيهِ الْمَوْلَى النِّكَاحَ وَتُوقَفُ صِحَّتُهُ عَلَى الْإِذْنِ لِلْحِلِّ لَا لِيَضْمَنَ ذَلِكَ الْمَوْلَى، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ الْآتِيَةِ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِيهَا تَنَاوَلَ الْفَاسِدَ فَافْتَرَقَا اهـ. وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ الْكُلِّ فَتَأَمَّلْ. هَذَا وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْمِعْرَاجِ وَالْكِفَايَةِ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَوْ نَكَحَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَزِمَ قِيمَةُ الْوَلَدِ وَالْمَهْرُ فِي الْحَالِ وَإِلَّا فَبَعْدَ الْعِتْقِ، وَقَدْ مَرَّ أَيْضًا. فَاسْتِشْكَالُ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الِاسْتِدْلَالِ مُوَافِقٌ لِلْمَنْقُولِ عَنْ مُحَمَّدٍ، فَتَأَخُّرُ الْمُطَالَبَةِ الْمَذْكُورُ فِي الِاسْتِدْلَالِ خَاصٌّ بِمَا إذَا كَانَ بِلَا إذْنٍ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ، نَعَمْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ وَلِذَا حَذَفَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَاسْتَغْنَى بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ فَوَطِئَهَا) أَيْ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى هِدَايَةٌ، أَمَّا بِإِذْنِهِ فَبِالْأَوْلَى مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ لِشِرَائِهَا) الْأَوْلَى حَذْفُهُ كَمَا فِي عِبَارَةِ الدُّرَرِ (قَوْلُهُ أَوْ شَرَاهَا صَحِيحًا) اعْتَرَضَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الشِّرَاءِ اهـ فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى عِبَارَةِ الْمَتْنِ وَإِنْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِالصِّحَّةِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ (قَوْلُهُ لِدُخُولِهِ فِي كِتَابَتِهِ) أَيْ لِدُخُولِ الْعُقْرِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: لِأَنَّ التِّجَارَةَ وَتَوَابِعَهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْكِتَابَةِ وَهَذَا الْعُقْرُ مِنْ تَوَابِعِهَا، أَوْ لِدُخُولِ الشِّرَاءِ وَلَوْ فَاسِدًا لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَنْتَظِمُهُ بِنَوْعَيْهِ كَالتَّوْكِيلِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَيْضًا، أَوْ لِدُخُولِ الْمَذْكُورِ مِنْ الشِّرَاءِ مُطْلَقًا وَالْعُقْرُ وَهُوَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الصُّورَتَيْنِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالشِّرَاءِ إذْنٌ بِالْوَطْءِ) أَخَذَهُ مِنْ الدُّرَرِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا: قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْعُقْرَ يَثْبُتُ بِالْوَطْءِ لَا بِالشِّرَاءِ وَالْإِذْنُ بِالشِّرَاءِ لَيْسَ إذْنًا بِالْوَطْءِ وَالْوَطْءُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ فِي شَيْءٍ فَلَا يَكُونُ ثَابِتًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى. أَقُولُ: جَوَابُهُ أَنَّا سَلَّمْنَا أَنَّ الْعُقْرَ ثَبَتَ بِالْوَطْءِ لَا بِالشِّرَاءِ ابْتِدَاءً لَكِنَّ الْوَطْءَ مُسْتَنِدٌ إلَى الشِّرَاءِ إذْ لَوْلَاهُ لَكَانَ الْوَطْءُ حَرَامًا بِلَا شُبْهَةٍ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْعُقْرُ وَيَجِبُ الْحَدُّ فَيَكُونُ الْإِذْنُ بِالشِّرَاءِ إذْنًا بِالْوَطْءِ وَالْوَطْءُ نَفْسُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ التِّجَارَةِ لَكِنَّ الشِّرَاءَ مِنْهَا فَيَكُونُ ثَابِتًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى اهـ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: قَوْلُهُ فَيَكُونُ الْإِذْنُ بِالشِّرَاءِ إذْنًا بِالْوَطْءِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَكَانَ يَنْبَغِي تَرْكُهُ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ يُوَضِّحُهُ مَا فِي الْعِنَايَةِ: الْكِتَابَةُ أَوْجَبَتْ الشِّرَاءَ وَالشِّرَاءُ أَوْجَبَ سُقُوطَ الْحَدِّ وَسُقُوطُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 106 وَطِئَهَا (بِنِكَاحٍ) بِلَا إذْنِهِ (أُخِذَ بِهِ) بِالْعُقْرِ (مُنْذُ عَتَقَ) أَيْ بَعْدَ عِتْقِهِ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِيهَا كَمَا مَرَّ (وَالْمَأْذُونُ كَالْمُكَاتَبِ فِيهِمَا) فِي الْفَصْلَيْنِ. (وَإِذَا وَلَدَتْ مُكَاتَبَةٌ مِنْ سَيِّدِهَا) فَلَهَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَتْ (مَضَتْ عَلَى كِتَابَتِهَا) وَتَأْخُذُ الْعُقْرَ مِنْهُ (أَوْ) إنْ شَاءَتْ (عَجَّزَتْ) نَفْسَهَا (وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ) وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ بِلَا تَصْدِيقِهَا لِأَنَّهَا مِلْكُهُ رَقَبَةً. (وَلَوْ كَاتَبَ شَخْصٌ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرَهُ صَحَّ وَعَتَقَتْ أُمُّ الْوَلَدِ) مَجَّانًا بِمَوْتِهِ بِالِاسْتِيلَادِ (وَسَعَى الْمُدَبَّرُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ إنْ شَاءَ أَوْ سَعَى فِي كُلِّ الْبَدَلِ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ فَقِيرًا) لَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ (وَلَوْ دَبَّرَ مُكَاتَبَهُ صَحَّ فَإِنْ عَجَزَ بَقِيَ مُدَبَّرًا وَإِلَّا سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ) إنْ شَاءَ (أَوْ فِي ثُلُثَيْ الْبَدَلِ بِمَوْتِهِ) أَيْ الْمَوْلَى (مُعْسِرًا) لَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ (وَإِنْ كَانَ) مَاتَ (مُوسِرًا بِحَيْثُ يَخْرُجُ) الْمُدَبَّرُ (مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ) بِالتَّدْبِيرِ (وَسَقَطَ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَهُ)   [رد المحتار] الْحَدِّ أَوْجَبَ الْعُقْرَ فَالْكِتَابَةُ أَوْجَبَتْ الْعُقْرَ وَلَا كَذَلِكَ النِّكَاحُ: أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ بِلَا إذْنِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِنِكَاحٍ قَالَ ط: أَمَّا بِالْإِذْنِ فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَيُطَالَبُ الْمُكَاتَبُ بِهِ حَالًا شَلَبِيٌّ اهـ (قَوْلُهُ أَيْ بَعْدَ عِتْقِهِ) هَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ ثَيِّبًا، فَلَوْ بِكْرًا فَافْتَضَّهَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ أَتْقَانِيٌّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ دُخُولِهِ) أَيْ نِكَاحٍ بِلَا إذْنٍ ح: أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الِاكْتِسَابِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَيْسَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِلَا إذْنٍ (قَوْلُهُ فِي الْفَصْلَيْنِ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ فِيهِمَا: أَيْ فَصْلِ الشِّرَاءِ بِقِسْمَيْهِ وَفَصْلِ النِّكَاحِ، وَالْعِلَّةُ وَاحِدَةٌ، فَإِنَّ الْإِذْنَ رَفْعٌ لِحَجْرٍ كَالْكِتَابَةِ فَيَمْلِكُ التِّجَارَةَ. وَالنِّكَاحَ لَيْسَ مِنْهَا بِخِلَافِ الشِّرَاءِ (قَوْلُهُ فَلَهَا الْخِيَارُ) لِأَنَّهُ تَلْقَاهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ: عَاجِلَةٌ بِبَدَلٍ، وَآجِلَةٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ فَتَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى كِتَابَتِهَا) فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ وَسَقَطَ عَنْهَا الْبَدَلُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَتَأْخُذُ الْعُقْرَ مِنْهُ) وَتَسْتَعِينُ بِهِ فِي أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ إذَا كَانَ الْعُلُوقُ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْمَوْلَى كَالْأَجْنَبِيِّ فِي مَنَافِعِهَا وَمَكَاسِبِهَا وَالْعُقْرَ بَدَلُ بِضْعِهَا أَتْقَانِيٌّ، وَيُعْلَمُ كَوْنُ الْعُلُوقِ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِأَنْ تَلِدَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ كَاتَبَهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ فَلَا عُقْرَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ عَجَّزَتْ نَفْسَهَا) أَيْ أَقَرَّتْ بِالْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ (قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ بِلَا تَصْدِيقِهَا) وَإِنْ وَلَدَتْ آخِرًا لَمْ يَثْبُتْ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى حُرْمَةِ وَطْئِهَا عَلَيْهِ، وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ إنَّمَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِلَا دَعْوَى إذَا كَانَ وَطْؤُهَا حَلَالًا، وَمَا فِي الدُّرَرِ مِنْ جَوَازِ اسْتِيلَادِ الْمُكَاتَبَةِ فَالْمُرَادُ بِهِ الصِّحَّةُ لَا الْحِلُّ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ رَقَبَةً) بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَةِ الْمُكَاتَبَةِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمُكَاتَبَةِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ حَقِيقَةً فِي مِلْكِ الْمُكَاتَبَةِ وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الْمَلِكِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ بِمَوْتِهِ بِالِاسْتِيلَادِ) الْبَاءُ الْأُولَى لِلْمُصَاحَبَةِ وَالثَّانِيَةُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ بِلَا شَيْءٍ وَسَقَطَ عَنْهَا الْبَدَلُ، لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِسَبَبِ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ لِبَقَاءِ حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا وَتُسَلَّمُ لَهَا الْأَوْلَادُ وَالْأَكْسَابُ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ، كَمَا إذَا أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى حَالَ حَيَاتِهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَسَعَى الْمُدَبَّرُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ إلَخْ) لِأَنَّهُ سَلَّمَ لَهُ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ عَلَى الْكِتَابَةِ الثُّلُثَ فَيَكُونُ الْبَدَلُ بِمُقَابَلَةِ الثُّلُثَيْنِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْإِعْتَاقُ عِنْدَ الْإِمَامِ مُتَجَزِّئًا بَقِيَ مَا وَرَاءَ الثُّلُثِ عَبْدًا وَبَقِيَتْ الْكِتَابَةُ فِيهِ، فَتَوَجَّهَ لِعِتْقِهِ جِهَتَانِ: كِتَابَةٌ مُؤَجَّلَةٌ وَسِعَايَةٌ مُعَجَّلَةٌ فَيُخَيَّرُ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ الْبَدَلَيْنِ أَيْسَرَ بِاعْتِبَارِ الْأَجَلِ وَأَقَلُّهُمَا أَعْسَرَ أَدَاءً لِكَوْنِهِ حَالًا، فَكَانَ فِيهِ فَائِدَةٌ وَإِنْ كَانَ جِنْسُ الْمَالِ مُتَّحِدًا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَثُلُثَيْ الْبَدَلِ. وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ لَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ) فَلَوْ مُوسِرًا بِحَيْثُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ دُرٌّ مُنْتَقَى (قَوْلُهُ وَلَوْ دَبَّرَ مُكَاتَبَهُ) هَذِهِ عَكْسُ مَا قَبْلَهَا لِأَنَّ التَّدْبِيرَ هُنَا بَعْدَ الْكِتَابَةِ (قَوْلُهُ صَحَّ) أَيْ التَّدْبِيرُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَنْجِيزَ الْعِتْقِ فِيهِ فَيَمْلِكُ التَّعْلِيقَ فِيهِ بِشَرْطِ الْمَوْتِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِلَّا يَعْجِزْ فَإِنْ أَدَّى بَدَلَهَا قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ عَتَقَ وَإِلَّا سَعَى إلَخْ (قَوْلُهُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ إلَخْ) هَذَا عِنْدَهُ. وَقَالَا: يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا، فَالْخِلَافُ فِي الْخِيَارِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَجَزِّي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 107 فَإِنَّهُ يُعْتَقُ مَجَّانًا لِقِيَامِ مِلْكِهِ. (كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى نِصْفِهِ حَالًا صَحَّ) اسْتِحْسَانًا. (مَرِيضٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ فَمَاتَ) الْمَرِيضُ (وَ) الْحَالُ أَنَّ (قِيمَةَ الْمُكَاتَبِ أَلْفُ) دِرْهَمٍ (وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ التَّأْجِيلَ) وَلَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ (أَدَّى) الْمُكَاتَبُ (ثُلُثَيْ الْبَدَلِ) وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ حَالًّا وَالْبَاقِي إلَى أَجَلِهِ (أَوْ رَدَّ رَقِيقًا) لِقِيَامِ الْبَدَلِ مَقَامَ الرَّقَبَةِ فَتَنْفُذُ فِي ثُلُثِهِ (وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ إلَى سَنَةٍ وَ) الْحَالُ أَنَّ (قِيمَتَهُ أَلْفَانِ وَلَمْ يُجِيزُوا أَدَّى ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ حَالًا) وَسَقَطَ الْبَاقِي (أَوْ رَدَّ رَقِيقًا) اتِّفَاقًا لِوُقُوعِ الْمُحَابَاةِ فِي الْقَدْرِ وَالتَّأْخِيرِ فَتَنْفُذُ بِالثُّلُثِ. (حُرٌّ قَالَ لِمَوْلَى عَبْدٍ كَاتِبْ عَبْدَك فُلَانًا) الْغَائِبَ (عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي إنْ أَدَّيْت إلَيْك أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ فَكَاتَبَهُ الْمَوْلَى عَلَى هَذَا الشَّرْطِ وَقُبِلَ) الْمَوْلَى (ثُمَّ أَدَّى) الْحُرُّ (أَلْفًا   [رد المحتار] الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِهِ، أَمَّا الْمِقْدَارُ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ مُقَابَلٌ بِكُلِّ الرَّقَبَةِ إذْ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِنْ الْحُرِّيَّةِ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِذَا عَتَقَ بَعْضُ الرَّقَبَةِ مَجَّانًا بَعْدَ ذَلِكَ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الْبَدَلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَ التَّدْبِيرُ لِأَنَّهُ سَلِمَ لَهُ بِالتَّدْبِيرِ الثُّلُثُ فَيَكُونُ الْبَدَلُ مُقَابَلًا بِمَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ وَهُوَ الثُّلُثَانِ زَيْلَعِيٌّ، وَقَوْلُهُمَا أَظْهَرُ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيُّ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مَجَّانًا) وَسَقَطَ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ وَقَدْ حَصَلَ بِدُونِهِ، وَكَذَا الْمَوْلَى كَانَ يَسْتَحِقُّهُ مُقْبِلًا بِالتَّحْرِيرِ وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ بِالْإِعْتَاقِ مَجَّانًا زَيْلَعِيٌّ. هَذَا: وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ مَعَ سَلَامَةِ الْأَكْسَابِ لَهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْأَكْسَابَ تُسَلَّمُ لِلْمُكَاتَبِ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ لَمْ تُوجَدْ فِي كُتُبِ مُحَمَّدٍ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ كَالطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ وَأَبِي اللَّيْثِ وَغَيْرِهِمْ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَكْسَابُ لِلْمَوْلَى بَعْدَمَا أَعْتَقَهُ كَمَا بَعْدَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ، ثُمَّ أَطَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذَا مِنْ الشُّرَّاحِ كَالْمِعْرَاجِ وَالْعِنَايَةِ وَالْكِفَايَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ صَحَّ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْأَجَلِ بِالْمَالِ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْأَجَلَ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ إلَّا بِهِ، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ لَيْسَ مَالًا مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَا تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ فَاعْتَدَلَا ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ عَلَى أَلْفَيْنِ) قَالَ فِي الْحَقَائِقِ: التَّقْدِيرُ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ ابْنُ كَمَالٍ وَلَوْ اسْتَوَيَا بِأَنْ كَانَ الْبَدَلُ أَلْفًا وَجَبَ تَعْجِيلُ ثُلُثَيْ الْأَلْفِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْمِفْتَاحِ (قَوْلُهُ التَّأْجِيلَ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ الْمَرِيضَ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ إلَّا فِي حَقِّ التَّأْجِيلِ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ، إذْ تَأْجِيلُ الْمَالِ أَخَّرَ حَقَّ الْوَرَثَةِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ فَلَا يَصِحُّ بِدُونِ إجَازَتِهِمْ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ) أَمَّا إذَا تَرَكَ مَالًا غَيْرَهُ يَخْرُجُ هَذَا الْبَدَلُ مِنْ ثُلُثِهِ صَحَّ التَّأْجِيلُ فِيهِ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ بِعَيْنِهِ فَلَأَنْ تَصِحَّ بِتَأْجِيلِهِ أَوْلَى، كَذَا ظَهَرَ لِي وَحَرَّرَهُ ط (قَوْلُهُ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ) وَهِيَ الْأَلْفُ (قَوْلُهُ وَالْبَاقِي إلَى أَجَلِهِ) أَيْ الْبَاقِي مِنْ الْأَلْفَيْنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ح (قَوْلُهُ لِقِيَامِ الْبَدَلِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ أَدَّى ثُلُثَيْ الْبَدَلِ ح (قَوْلُهُ عَلَى أَلْفٍ) أَيْ عَلَى نِصْفِ قِيمَتِهِ (قَوْلُهُ اتِّفَاقًا) وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الْأُولَى أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْقِيمَةِ كَانَتْ حَقَّ الْمَرِيضِ فِي الْأُولَى حَتَّى كَانَ يَمْلِكُ إسْقَاطَهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِأَنْ يَبِيعَهُ بِقِيمَتِهِ فَتَأْخِيرُهَا أَوْلَى لِأَنَّهُ أَهْوَنُ مِنْ الْإِسْقَاطِ، وَهُنَا وَقَعَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ مَا زَادَ عَلَى ثُلُثِ قِيمَتِهِ وَلَا تَأْجِيلَهُ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِجَمِيعِهِ بِخِلَافِ الْأُولَى زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ الْغَائِبَ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ السِّبَاقُ وَاللِّحَاقُ وَإِلَّا فَالْحَاضِرُ مِثْلُهُ (قَوْلُهُ وَقَبِلَ الْمَوْلَى) صَوَابُهُ الْحُرُّ أَوْ الرَّجُلُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَمُنْلَا مِسْكِينٌ. قَالَ مُحَشِّيه أَبُو السُّعُودِ نَقْلًا عَنْ الْحَمَوِيِّ: وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَكُونُ إيجَابًا فِي بَابِ الْكِتَابَةِ كَالْبَيْعِ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَدَّى الْحُرَّ أَلْفًا) يُفْهَمُ مِنْهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَقَبِلَ الرَّجُلُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبَلْ وَأَدَّى أَلْفًا لَا يَعْتِقُ خِلَافًا لِمَا يَظْهَرُ مِنْ الدُّرَرِ حَيْثُ أَطْلَقَ فِي أَنَّهُ يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَبُولِ الرَّجُلِ، وَلِهَذَا قَيَّدَهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ بِقَوْلِهِ عَتَقَهُ بِالْأَدَاءِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَبِلَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَدَّى أَلْفًا كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ اهـ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 108 عَتَقَ) الْعَبْدُ بِحُكْمِ الشَّرْطِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقُلْ إنْ أَدَّيْت فَأَدَّى يُعْتَقُ اسْتِحْسَانًا لِنُفُوذِ تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ فِي كُلِّ مَا لَيْسَ بِضَرَرٍ، وَلَا يَرْجِعُ الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ (وَإِذَا بَلَغَ الْعَبْدَ) هَذَا الْأَمْرُ (فَقَبِلَ صَارَ مُكَاتَبًا) إنَّمَا يَحْتَاجُ لِقَبُولِهِ لِأَجْلِ لُزُومِ الْبَدَلِ عَلَيْهِ. (قَالَ عَبْدٌ حَاضِرٌ لِسَيِّدِهِ كَاتِبْنِي عَلَى نَفْسِي وَعَنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَكَاتَبَهُمَا فَقَبِلَ الْعَبْدُ الْحَاضِرُ صَحَّ) الْعَقْدُ اسْتِحْسَانًا فِي الْحَاضِرِ أَصَالَةً وَالْغَائِبِ تَبَعًا (وَأَيُّهُمَا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَتَقَا جَمِيعًا) بِلَا رُجُوعٍ (وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ) لِلْبَدَلِ مِنْ أَحَدِهِمَا (وَلَا يُطَالَبُ) الْعَبْدُ (الْغَائِبُ بِشَيْءٍ) لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ (وَقَبُولُهُ) لِلْكِتَابَةِ (لَغْوٌ) لَا يُعْتَبَرُ (كَرَدِّهِ إيَّاهَا) وَلَوْ حَرَّرَهُ سَقَطَ عَنْ الْحَاضِرِ حِصَّتُهُ،   [رد المحتار] أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ عَتَقَ الْعَبْدُ) وَيَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْمَأْمُورِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ كَاتِبْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ، بِخِلَافِ اعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَبْسُوطٌ فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ يَعْتِقُ اسْتِحْسَانًا) أَيْ لَا قِيَاسًا، بِخِلَافِ الْأَوْلَى فَهِيَ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ. وَوَجْهُ الْقِيَاسِ هُنَا أَنَّ الْعَقْدَ مَوْقُوفٌ وَالْمَوْقُوفُ لَا حُكْمَ لَهُ وَلَمْ يُوجَدْ التَّعْلِيقُ (قَوْلُهُ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ إلَخْ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلَى يَنْفَرِدُ بِإِيجَابِ الْعِتْقِ وَالْحَاجَةُ إلَى قَبُولِ الْمُكَاتَبِ لِأَجْلِ الْبَدَلِ، فَإِذَا تَبَرَّعَ الْفُضُولِيُّ بِأَدَائِهِ عَنْهُ تَنْفُذُ الْكِتَابَةُ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ وَتَتَوَقَّفُ فِي حَقِّ لُزُومِ الْأَلْفِ عَلَى الْعَبْدِ (قَوْلُهُ وَلَا يَرْجِعُ الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ) وَقِيلَ يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى وَيَسْتَرِدُّ مَا أَدَّاهُ إنْ أَدَّاهُ بِضَمَانٍ لِأَنَّ ضَمَانَهُ كَانَ بَاطِلًا لِأَنَّهُ ضَمِنَ غَيْرَ الْوَاجِبِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ) يَعْنِي وَقَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ وَهُوَ عِتْقُ الْعَبْدِ، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ إذَا أَدَّى بَعْضَ الْبَدَلِ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّاهُ عَلَى الْمَوْلَى لِعَدَمِ حُصُولِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ الْعِتْقُ، سَوَاءٌ أَدَّى بِضَمَانٍ أَوْ بِغَيْرِ ضَمَانٍ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. أَقُولُ: كَوْنُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لَا بُدَّ مِنْهَا مَحَلُّ نَظَرٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْعَبْدِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ صَارَ مُكَاتَبًا) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى إجَازَتِهِ وَقَبُولِهِ فَصَارَ إجَازَتُهُ انْتِهَاءً كَقَبُولِهِ ابْتِدَاءً وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ لَا أَقْبَلُهُ فَأَدَّى عَنْهُ الرَّجُلُ الَّذِي كَاتَبَ عَنْهُ لَا تَجُوزُ لِأَنَّ الْعَقْدَ ارْتَدَّ بِرَدِّهِ، وَلَوْ ضَمِنَ الرَّجُلُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ لَا تَجُوزُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ إنَّمَا يَحْتَاجُ لِقَبُولِهِ إلَخْ) أَيْ تَوَقُّفُ الْكِتَابَةِ فِي حَقِّ لُزُومِ الْبَدَلِ عَلَيْهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى قَبُولِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ عَلَى نَفْسِي) كَذَا عِبَارَةُ التَّبْيِينِ، وَالْأَوْلَى " عَنْ " بَدَلَ " عَلَى " كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ صَحَّ الْعَقْدُ اسْتِحْسَانًا) وَفِي الْقِيَاسِ يَصِحُّ عَنْ نَفْسِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهَا، وَيَتَوَقَّفُ فِي حَقِّ الْغَالِبِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْحَاضِرِ أَصَالَةً إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَوْلَى خَاطَبَ الْحَاضِرَ قَصْدًا وَجَعَلَ الْغَائِبَ تَبَعًا لَهُ وَالْكِتَابَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَشْرُوعَةٌ كَالْأَمَةِ إذَا كُوتِبَتْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا وَلَدُهَا الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ وَالْمُشْتَرَى فِيهَا وَالْمَضْمُومُ إلَيْهَا فِي الْعَقْدِ تَبَعًا لَهَا حَتَّى يَعْتِقُوا بِأَدَائِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ، وَلِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْحَاضِرِ وَالْمَوْلَى يَنْفَرِدُ بِهِ فِي حَقِّ الْغَائِبِ فَيَجُوزُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ وَلَا قَبُولٍ مِنْ الْغَائِبِ اهـ. قُلْت: وَفِي التَّعْلِيلِ الثَّانِي نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ الْعِتْقُ بِأَدَاءِ الْغَائِبِ، وَكَذَا بِإِبْرَاءِ الْحَاضِرِ كَمَا يَأْتِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِلَا رُجُوعٍ) أَيْ مِنْ كُلٍّ عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّ الْحَاضِرَ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ وَالْغَائِبُ مُتَبَرِّعٌ بِهِ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا) أَمَّا الْحَاضِرُ فَلِأَنَّ الْبَدَلَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْغَائِبُ فَلِأَنَّهُ يَنَالُ بِهِ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَدَلُ عَلَيْهِ، وَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ إذَا أَدَّى الدَّيْنَ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لَا يُعْتَبَرُ) أَيْ فِي كَوْنِهِ مُطَالَبًا. قَالَ فِي الدُّرَرِ: فَلَا يُؤْخَذُ بِشَيْءٍ لِنَفَاذِ الْعَقْدِ عَلَى الْحَاضِرِ اهـ أَيْ بِلَا تَوَقُّفٍ وَلَا قَبُولٍ مِنْ الْغَائِبِ كَمَا مَرَّ. قُلْت: وَبِهِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ حَيْثُ قَدَّمَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ الْعَبْدُ فَقَبِلَ صَارَ مُكَاتَبًا، يَعْنِي نَفَذَتْ الْكِتَابَةُ فِي حَقِّ لُزُومِ الْبَدَلِ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَتَدَبَّرْ. وَقَدْ تَوَقَّفَ فِيهِ الْوَانِيُّ وَأَقَرَّهُ نُوحٌ أَفَنْدِي كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَرَّرَهُ) أَيْ أَعْتَقَ الْغَائِبُ (قَوْلُهُ سَقَطَ عَنْ الْحَاضِرِ حِصَّتُهُ) أَيْ مِنْ الْبَدَلِ، لِأَنَّ الْغَائِبَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 109 وَلَوْ حَرَّرَ الْحَاضِرُ أَوْ مَاتَ أَدَّى الْغَائِبُ حِصَّتَهُ حَالًا وَإِلَّا رُدَّ قِنًّا، وَلَوْ أَبْرَأَ الْحَاضِرُ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ عَتَقَا جَمِيعًا. (وَإِنْ كَاتَبَ الْأَمَةَ عَلَى نَفْسِهَا وَعَنْ ابْنَيْنِ صَغِيرَيْنِ لَهَا) وَقَبِلَتْ (صَحَّ) اسْتِحْسَانًا لِمَا مَرَّ (وَأَيٌّ أَدَّى) مِمَّنْ ذُكِرَ (لَمْ يَرْجِعْ) عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ، وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ. [فَرْعٌ] كَاتَبَ نِصْفَ عَبْدِهِ فَأَدَّى الْكِتَابَةَ عَتَقَ نِصْفُهُ وَسَعَى فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ. وَقَالَا: الْعَبْدُ كُلُّهُ مُكَاتَبٌ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ، وَبِهِ نَأْخُذُ حَاوِي الْقُدْسِيُّ. بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ (عَبْدُ الشَّرِيكَيْنِ أَذِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ) فِي (أَنْ يُكَاتِبَ   [رد المحتار] دَخَلَ فِي الْعَقْدِ مَقْصُودًا فَكَانَ الْبَدَلُ مُنْقَسِمًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطَالَبًا بِهِ، بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ، حَيْثُ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْأُمِّ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ بِعِتْقِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ مَقْصُودًا وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَ الْعَقْدِ مَوْجُودًا وَإِنَّمَا دَخَلَ بَعْدَ ذَلِكَ تَبَعًا لَهَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ أَدَّى الْغَائِبُ حِصَّتَهُ حَالًا وَإِلَّا رُدَّ قِنًّا) لِأَنَّهُ دَخَلَ مَقْصُودًا بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ حَيْثُ يَبْقَى عَلَى نُجُومِ وَالِدِهِ إذَا مَاتَ كَذَا فِي الدُّرَرِ. فَإِنْ قُلْت: هَذَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْعَقْدِ تَبَعًا. قُلْت: هُوَ أَصِيلٌ بِاعْتِبَارِ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهِ تَبَعٌ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ مُشَافَهَتِهِ بِهِ، بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ تَبَعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِعَدَمِ وُجُودِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ، كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ الْعِنَايَةِ ح. قُلْت وَيُؤْخَذُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَلَوْ أَبْرَأَ الْحَاضِرَ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ عَتَقَا) أَيْ وَهَبَهُ الْبَدَلَ وَقَيَّدَ بِالْحَاضِرِ لِأَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَ الْغَائِبَ أَوْ وَهَبَهُ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَاتَبَ الْأَمَةَ إلَخْ) وَالْحُكْمُ فِي الْعَبْدِ كَذَلِكَ، وَكَذَا فِي الْكَبِيرِينَ. وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالْأَمَةِ وَالصَّغِيرَيْنِ مَبْسُوطَةٌ فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ صَحَّ اسْتِحْسَانًا) وَذَهَبَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إلَى أَنَّهُ هُنَا قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لَهَا، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ اسْتِحْسَانٌ لَا قِيَاسٌ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَأَرَى أَنَّهُ الْحَقُّ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ التَّبَعِيَّةِ فَهِيَ أَصْلٌ وَأَوْلَادُهَا تَبَعٌ بَلْ هِيَ أَوْلَى مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلَيْسَ بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ إذْ لَا وِلَايَةَ لِلْحُرَّةِ عَلَى وَلَدِهَا فَكَيْفَ الْأَمَةُ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مِمَّنْ ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الْأُمِّ أَوْ الِابْنَيْنِ إذَا كَبِرَا أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَقَبُولُ الْأَوْلَادِ الْكِتَابَةَ وَرَدُّهُمْ لَا يُعْتَبَرُ وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْأُمَّ بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِحِصَّتِهِمْ يُؤَدُّونَهَا فِي الْحَالِ، بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ وَالْمُشْتَرِي حَيْثُ يَعْتِقُ بِعِتْقِهَا وَيُطَالِبُ الْمَوْلَى الْأُمَّ بِالْبَدَلِ دُونَهُمْ، وَلَوْ أَعْتَقَهُمْ سَقَطَ عَنْهَا حِصَّتُهُمْ وَعَلَيْهَا الْبَاقِي عَلَى نُجُومِهَا، وَلَوْ اكْتَسَبُوا شَيْئًا لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَا لَهُ أَنْ يَبِيعَهُمْ، وَلَوْ أَبْرَأَهُمْ عَنْ الدَّيْنِ أَوْ وَهَبَهُمْ لَا يَصِحُّ وَلَهَا يَصِحُّ فَتَعْتِقُ وَيَعْتِقُونَ مَعَهَا لِمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابَةِ الْحَاضِرِ مَعَ الْغَائِبِ (قَوْلُهُ فَرْعٌ) تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ مَعَ زِيَادَةٍ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى الْآخَرِ ح (قَوْلُهُ وَسَعَى فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ) وَمَا اكْتَسَبَ قَبْلَ الْأَدَاءِ نِصْفُهُ لَهُ وَنِصْفُهُ لِلْمَوْلَى، لِأَنَّ نِصْفَهُ مُكَاتَبٌ وَنِصْفَهُ رَقِيقٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَجْزِيَ الْكِتَابَةُ عِنْدَهُ بَدَائِعُ. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ: فَإِنْ اشْتَرَى الْمَوْلَى مِنْهُ جَازَ فِي النِّصْفِ، وَإِنْ اشْتَرَى هُوَ مِنْ الْمَوْلَى جَازَ فِي الْكُلِّ اسْتِحْسَانًا، كَمَا لَوْ اشْتَرَى مِنْ غَيْرِهِ. مَطْلَبٌ الْقِيَاسُ مُقَدَّمٌ هُنَا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي النِّصْفِ، وَبِالْقِيَاسِ أَخَذَ. كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ اهـ. [بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ] ِ أَخَّرَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ أَتْقَانِيٌّ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ: لِصَاحِبِهِ) أَيْ شَرِيكِهِ الْآخَرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 110 حَظَّهُ بِأَلْفٍ وَيَقْبِضَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَكَاتَبَ الشَّرِيكُ الْمَأْذُونَ لَهُ نَفَذَ فِي حَظِّهِ فَقَطْ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِتَجَزِّي الْكِتَابَةِ عِنْدَهُ وَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ فَسْخُهُ لِإِذْنِهِ (وَإِذَا أَقْبَضَ بَعْضَهُ) بَعْضَ الْأَلْفِ (فَعَجَزَ فَالْمَقْبُوضُ) كُلُّهُ (لِلْقَابِضِ) لِأَنَّهُ لَهُ بِالْقَبْضِ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا، وَلَوْ قَبَضَ الْأَلْفَ عَتَقَ حَظُّ الْقَابِضِ. (أَمَةٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ كَاتَبَاهَا فَوَطِئَهَا أَحَدُهُمَا فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ) الْوَاطِئُ (ثُمَّ وَطِئَهَا) الشَّرِيكُ (الْآخَرُ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ) الْوَاطِئُ الثَّانِي صَحَّتْ دَعْوَتُهُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ ظَاهِرًا خِلَافًا لَهُمَا (فَإِنْ عَجَزَتْ) بَعْدَ ذَلِكَ جُعِلَتْ الْكِتَابَةُ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ، وَحِينَئِذٍ (فَهِيَ) فِي الْحَقِيقَةِ (أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ الِانْتِقَالِ وَوَطْؤُهُ سَابِقٌ (وَضَمِنَ) الْأَوَّلُ (لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا   [رد المحتار] قَوْلُهُ: حَظَّهُ) أَيْ حَظَّ الْمَأْذُونِ كِفَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَيَقْبِضَ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فَائِدَةُ الْإِذْنِ بِالْكِتَابَةِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ كَمَا إذَا لَمْ يَأْذَنْ. وَفَائِدَةُ إذْنِهِ بِالْقَبْضِ أَنْ يَنْقَطِعَ حَقُّهُ فِيمَا قَبَضَ اهـ وَسَيُشِيرُ الشَّارِحُ إلَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْإِمَامِ) وَعِنْدَهُمَا غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ، فَالْإِذْنُ بِكِتَابَةِ نَصِيبِهِ إذْنٌ بِكِتَابَةِ الْكُلِّ، فَهُوَ أَصِيلٌ فِي الْبَعْضِ وَكِيلٌ فِي الْبَعْضِ وَالْمَقْبُوضُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَيَبْقَى كَذَلِكَ بَعْدَ الْعَجْزِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: لِإِذْنِهِ) أَمَّا إذَا كَاتَبَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ صَارَ نَصِيبُهُ مُكَاتَبًا، وَعِنْدَهُمَا كُلُّهُ لِمَا مَرَّ، وَلِلسَّاكِتِ الْفَسْخُ اتِّفَاقًا قَبْلَ الْأَدَاءِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ حَظَّهُ إذْ لَا ضَرَرَ، وَبِخِلَافِ الْعِتْقِ وَتَعْلِيقِهِ بِشَرْطٍ إذْ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ، وَلَوْ أَدَّى الْبَدَلَ عَتَقَ نَصِيبُهُ خَاصَّةً عِنْدَهُ لِمَا مَرَّ، وَلِلسَّاكِتِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الَّذِي كَاتَبَهُ نِصْفَ مَا أَخَذَ مِنْ الْبَدَلِ، وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: بَعْضَ الْأَلْفِ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ " بَعْضَهُ ". (قَوْلُهُ: لِإِذْنِهِ لَهُ بِالْقَبْضِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: لِأَنَّ إذْنَهُ بِالْقَبْضِ إذْنٌ لِلْعَبْدِ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ مِنْهُ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِنَصِيبِهِ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَيَصِيرُ الْمُكَاتَبُ أَخَصَّ بِهِ، فَإِذَا قَضَى بِهِ دَيْنَهُ اُخْتُصَّ بِهِ الْقَابِضُ، وَسُلِّمَ لَهُ كُلُّهُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا) أَيْ عَلَى الْعَبْدِ الْمُكَاتَبِ كَمَا سَمِعْته مِنْ عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ. وَفِي الْإِصْلَاحِ وَالدُّرَرِ عَلَى الْقَابِضِ. وَادَّعَى فِي الْعَزْمِيَّةِ أَنَّهُ غَيْرُ صَوَابٍ. قُلْت: وَلَا مُنَافَاةَ لِمَا فِي الْكِفَايَةِ حَيْثُ قَالَ: فَيَصِيرُ الْآذِنُ مُتَبَرِّعًا بِنَصِيبِ نَفْسِهِ مِنْ الْكَسْبِ عَلَى الْعَبْدِ ثُمَّ عَلَى الشَّرِيكِ، فَإِذَا تَمَّ تَبَرُّعُهُ بِقَبْضِ الشَّرِيكِ لَمْ يَرْجِعْ إلَخْ. (قَوْلُهُ: عَتَقَ حَظُّ الْقَابِضِ) وَلَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ لِأَنَّهُ بِرِضَاهُ، وَلَكِنْ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي نَصِيبِ السَّاكِتِ عَزْمِيَّةٌ عَنْ الْكَافِي. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لَهُمَا) حَيْثُ لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْأَخِيرِ عِنْدَهُمَا. وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ خِلَافَهُمَا بَعْدَ تَمَامِ الْمَسْأَلَةِ: أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ وَهُوَ ابْنُهُ وَالشَّارِحُ قَدَّمَهُ، فَيُوهِمُ أَنْ لَا اخْتِلَافَ إلَّا فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ الثَّانِي وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ الْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَهُمَا هِيَ أُمُّ وَلَدِ الْأَوَّلِ، وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ كُلُّهَا، وَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا لِشَرِيكِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ الْأَخِيرِ مِنْ الْآخَرِ، وَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ بِالْقِيمَةِ وَيَغْرَمُ الْعُقْرَ لَهَا، وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي تَجَزِّي اسْتِيلَادِ الْمُكَاتَبَةِ فَعِنْدَهُ يَتَجَزَّى لَا عِنْدَهُمَا، وَاسْتِيلَادُ الْقِنَّةِ لَا يَتَجَزَّى بِالْإِجْمَاعِ، وَاسْتِيلَادُ الْمُدَبَّرَةِ يَتَجَزَّى بِالْإِجْمَاعِ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ الْوَطْأَيْنِ وَالدَّعْوَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: لِزَوَالِ الْمَانِعِ) وَهُوَ الْكِتَابَةُ مِنْ الِانْتِقَالِ: أَيْ مِنْ انْتِقَالِ الِاسْتِيلَادِ تَمَامًا إلَيْهِ مَعَ قِيَامِ الْمُقْتَضِي فَيَعْمَلُ الْمُقْتَضِي عَمَلَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ إذَا أَسْقَطَ الْخِيَارَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِهِ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَوَطْؤُهُ سَابِقٌ) جَوَابٌ عَمَّا عَسَاهُ يُقَالُ: إنَّ كُلًّا لَهُ مِلْكٌ فِيهَا وَقَدْ وَطِئَ كُلٌّ وَادَّعَى فَمَا الْمُرَجِّحُ لِاخْتِصَاصِ الْأَوَّلِ بِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؟ ط. (قَوْلُهُ: وَضَمِنَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا) يَعْنِي حَالَ كَوْنِهَا مُكَاتَبَةً لِأَنَّهُ تَمْلِكُ نَصِيبَهُ لَمَّا اسْتَكْمَلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 111 وَنِصْفَ عُقْرِهَا وَضَمِنَ شَرِيكُهُ عُقْرَهَا) كَامِلًا لِوَطْئِهِ أُمَّ وَلَدِ الْغَيْرِ حَقِيقَةً (وَقِيمَةَ الْوَلَدِ) أَيْضًا (وَهُوَ ابْنُهُ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْرُورِ (وَأَيٌّ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ (دَفَعَ الْعُقْرَ إلَى الْمُكَاتَبَةِ صَحَّ) أَيْ قَبْلَ الْعَجْزِ لِاخْتِصَاصِهَا بِمَنَافِعِهَا فَإِذَا عَجَزَتْ تَرُدُّهُ لِلْمَوْلَى (وَإِنْ دَبَّرَ الثَّانِي وَلَمْ يَطَأْهَا) وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا (فَعَجَزَتْ بَطَلَ التَّدْبِيرُ وَضَمِنَ الْأَوَّلُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا، وَالْوَلَدُ لِلْأَوَّلِ) وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ (وَإِنْ كَاتَبَاهَا فَحَرَّرَهَا أَحَدُهُمَا مُوسِرًا فَعَجَزَتْ ضَمِنَ الْمُعْتِقُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَرَجَعَ الضَّامِنُ بِهِ عَلَيْهَا) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ السَّاكِتَ إذَا ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ يَرْجِعُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا اهـ. [فَرْعٌ] : عَبْدٌ لِرَجُلَيْنِ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ حَرَّرَهُ الْآخَرُ غَنِيًّا أَوْ عَكَسَا أَعْتَقَ الْمُدَبَّرَ إنْ شَاءَ أَوْ اسْتَسْعَى فِي الصُّورَتَيْنِ، أَوْ ضَمَّنَ شَرِيكَهُ فِي الْأُولَى فَقَطْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [رد المحتار] الِاسْتِيلَادَ دُرَرٌ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْفَتْحِ: وَقِيمَةُ الْمُكَاتَبِ نِصْفُ قِيمَتِهِ قِنًّا لِأَنَّهُ حُرٌّ يَدًا وَبَقِيَتْ الرَّقَبَةُ. (قَوْلُهُ: وَنِصْفَ عُقْرِهَا) لِوَطْئِهِ أَمَةً مُشْتَرَكَةً فَوَجَبَ الْعُقْرُ كُلُّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَمَّا عَجَزَتْ سَقَطَ عَنْهُ نَصِيبُهُ وَبَقِيَ نَصِيبُ صَاحِبِهِ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِوَطْئِهِ أُمَّ وَلَدِ الْغَيْرِ حَقِيقَةً) بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا لَمَّا عَجَزَتْ اُسْتُكْمِلَ الِاسْتِيلَادُ لِلْأَوَّلِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْرُورِ) لِأَنَّهُ وَطِئَهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ وَظَهَرَ بِالْعَجْزِ وَبُطْلَانِ الْكِتَابَةِ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا، وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ زَيْلَعِيٌّ. وَادَّعَى بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّ ضَمَانَ الثَّانِي الْقِيمَةَ قَوْلُهُمَا، لِأَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ كَأُمِّهِ فِي عَدَمِ التَّقَوُّمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَقَدْ أَطْبَقَ الشُّرَّاحُ عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِ وَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ فِي تَقَوُّمِهَا اهـ. وَالْأَحْسَنُ مَا أَجَابَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ كَمَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ، مِنْ أَنَّ عَدَمَ تَقَوُّمِ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَهُ بَعْدَ ثُبُوتِ أُمَيَّةِ الْوَلَدِ وَلَمْ تَثْبُتْ فِي الْوَلَدِ لِأَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ فَلِهَذَا كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ. (قَوْلُهُ: تَرُدُّهُ لِلْمَوْلَى) أَيْ تَرُدُّ الْعُقْرَ لِأَنَّهُ ظَهَرَ اخْتِصَاصُهُ بِهَا زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا) أَيْ وَقَدْ كَاتَبَاهَا وَوَطِئَ الْأَوَّلُ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ. (قَوْلُهُ: بَطَلَ التَّدْبِيرُ) لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ الْمِلْكَ. أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمُسْتَوْلِدَ تَمَلَّكَهَا قَبْلَ الْعَجْزِ. وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَهُ مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مُصَادِفٌ مِلْكَ غَيْرِهِ، وَالتَّدْبِيرُ يَعْتَمِدُ الْمِلْكَ، بِخِلَافِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ الْغُرُورَ عَلَى مَا مَرَّ هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: نِصْفَ قِيمَتِهَا) لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نِصْفَهَا بِالِاسْتِيلَادِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَقَوْلُهُ: نِصْفَ عُقْرِهَا: أَيْ لِوَطْئِهِ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالْوَلَدُ لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّ دَعْوَاهُ قَدْ صَحَّتْ عَلَى مَا مَرَّ وَهَذَا كُلُّهُ بِالْإِجْمَاعِ زَيْلَعِيٌّ. وَاعْتُرِضَ قَوْلُهُ " وَالْوَلَدُ لِلْأَوَّلِ " بِأَنَّهُ يُوهِمُ كَوْنَ الثَّانِي وَطِئَ وَادَّعَى، وَالْمَفْرُوضُ خِلَافُهُ، فَلَوْ أَبْدَلَهُ بِقَوْلِهِ وَتَمَّ الِاسْتِيلَادُ لِلْأَوَّلِ لَكَانَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: فَعَجَزَتْ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ بِهِ أَثَرُ الْإِعْتَاقِ وَيَصِيرُ تَعَدِّيًا فَيَغْرَمُ، أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا مُكَاتَبَةٌ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَمَا كَانَتْ لِتَجَزِّي الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُ فَلَمْ يُتْلِفْ نَصِيبَ صَاحِبِهِ، لِأَنَّ مُعْتَقَ النِّصْفِ يَسْعَى بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ وَهُنَا ذَلِكَ النِّصْفُ مُكَاتَبٌ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ فَلَمْ يَظْهَرْ الْإِعْتَاقُ فِيهِ. وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَغْرَمُ فِي الْحَالِ لِعَدَمِ تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ، وَتَمَامُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ: فَرْعٌ) هُوَ مِنْ مَسَائِلِ الْمُتُونِ. (قَوْلُهُ: أَوْ ضَمَّنَ شَرِيكَهُ فِي الْأُولَى فَقَطْ) أَيْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مُدَبَّرًا وَهِيَ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ وَهُوَ مُدَبَّرٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَأَخَّرَ التَّدْبِيرُ حَيْثُ لَا يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ بِمُبَاشَرَةِ التَّدْبِيرِ يَصِيرُ مِيرَاثًا لِلْمُعْتِقِ عَنْ الضَّمَانِ لِمَعْنًى. وَهُوَ أَنَّ نَصِيبَهُ كَانَ قِنًّا عِنْدَ إعْتَاقِ الْمُعْتِقِ فَكَانَ تَضْمِينُهُ إيَّاهُ مُتَعَلِّقًا بِشَرْطِ تَمَلُّكِ الْعَيْنِ بِالضَّمَانِ وَقَدْ فَوَّتَ ذَلِكَ التَّدْبِيرَ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ ح، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 112 بَابٌ: مَوْتُ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزُهُ وَمَوْتُ الْمَوْلَى (مُكَاتَبٌ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ) نَجْمٍ (إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ سَيَصِلُ إلَيْهِ لَمْ يُعَجِّزْهُ الْحَاكِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ (وَإِلَّا عَجَّزَهُ) الْحَاكِمُ فِي الْحَالِ (وَفَسَخَهَا بِطَلَبِ مَوْلَاهُ أَوْ فَسَخَ مَوْلَاهُ بِرِضَاهُ، وَلَوْ) كَانَتْ الْكِتَابَةُ (فَاسِدَةً) فَالْمَوْلَى (لَهُ الْفَسْخُ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَيَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ فَسْخَهَا مُطْلَقًا فِي الْجَائِزَةِ وَالْفَاسِدَةِ) وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمَوْلَى (وَعَادَ رِقُّهُ) بِفَسْخِهَا (وَمَا فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ) (وَ) الْمُكَاتَبُ (إذَا مَاتَ وَلَهُ مَالٌ) يَفِي بِالْبَدَلِ (لَمْ تُفْسَخْ، وَتُؤَدَّى كِتَابَتُهُ مِنْ مَالِهِ وَحُكِمَ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ) جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ (حَيَاتِهِ، كَمَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ أَوْلَادِهِ) الْمَوْلُودِينَ فِي كِتَابَتِهِ لَا قَبْلَهَا (وَالْبَاقِي مِنْ مَالِهِ مِيرَاثٌ لِوَرَثَتِهِ، وَلَوْ) لَمْ يَتْرُكْ مَالًا وَ (تَرَكَ وَلَدًا) وُلِدَ (فِي كِتَابَتِهِ وَلَا وَفَاءَ بَقِيَتْ كِتَابَتُهُ   [رد المحتار] [بَابٌ مَوْتُ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزُهُ وَمَوْتُ الْمَوْلَى] تَأْخِيرُهُ ظَاهِرُ التَّنَاسُبِ إذْ الْمَوْتُ وَالْعَجْزُ بَعْدَ الْعَقْدِ. (قَوْلُهُ: عَنْ أَدَاءِ نَجْمٍ) النَّجْمُ: هُوَ الطَّالِعُ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْوَقْتُ الْمَضْرُوبُ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ مَا يُؤَدَّى فِيهِ مِنْ الْوَظِيفَةِ، وَاشْتَقُّوا مِنْهُ قَوْلَهُمْ: نَجْمُ الدِّيَةِ: أَيْ أَدَاؤُهَا نُجُومًا صِحَاحٌ وَمُغْرِبٌ مُلَخَّصًا، فَاسْتِعْمَالُهُ - بِمَعْنَى مَا يُؤَدَّى - مَجَازٌ بِمَرْتَبَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: سَيَصِلُ إلَيْهِ) كَدَيْنٍ يَقْتَضِيهِ أَوْ مَالٍ يُقَدَّمُ هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: الْحَاكِمُ) شَمِلَ الْمُحَكَّمَ لِأَنَّ حُكْمَهُ يَصِحُّ فِيمَا سِوَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ إذَا كَانَ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْقَضَاءِ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ) أَيْ لِاخْتِبَارِ أَصْحَابِهَا، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: كَإِهْمَالِ الْخَصْمِ لِلدَّفْعِ وَالْمَدْيُونِ لِلْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا عَجَّزَهُ إلَخْ) أَيْ إنْ لَمْ يُرْجَ لَهُ مَالٌ وَهَذَا عِنْدَهُمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُعَجِّزُهُ حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا تَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ رُدَّ فِي الرِّقِّ وَحَمَلَاهُ عَلَى النَّدْبِ: أَيْ يُنْدَبُ أَنْ لَا يَرُدَّهُ قَبْلَهُمَا لِتَعَارُضِ الْآثَارِ. (قَوْلُهُ: وَفَسَخَهَا) أَيْ وُجُوبًا، وَذَكَرَ الْفَسْخَ بَعْدَ التَّعْجِيزِ لِأَنَّ التَّعْجِيزَ غَيْرُ كَافٍ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ. (قَوْلُهُ: فَالْمَوْلَى لَهُ الْفَسْخُ) بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ رَفْعًا لِلْإِثْمِ بِالرُّجُوعِ عَنْ سَبَبِهِ ط. (قَوْلُهُ: وَعَادَ رِقُّهُ) أَيْ حُكْمُ رِقِّهِ، وَالْأَوْلَى قَوْلُ الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ أَحْكَامُ الرِّقِّ لِأَنَّ رِقَّهُ لَمْ يَزُلْ أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ. (قَوْلُهُ: وَمَا فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ) وَلَوْ صَدَقَةً وَهُوَ غَنِيٌّ فِي الصَّحِيحِ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَلَهُ مَالٌ لَمْ تُفْسَخْ) لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً تَنْفَسِخُ، حَتَّى لَوْ تَبَرَّعَ أَحَدٌ بِالْبَدَلِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ. وَذَهَبَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِدُونِ الْحَاكِمِ كَمَا فِي الصُّغْرَى قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَتُؤَدَّى كِتَابَتُهُ مِنْ مَالِهِ) فَلَوْ عَلَيْهِ دُيُونٌ لِلْمَوْلَى وَلِأَجْنَبِيٍّ فَفِي الْبَدَائِعِ يُبْدَأُ بِدَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ ثُمَّ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ وَفَاءٌ بِدَيْنِ الْمَوْلَى وَبِالْكِتَابَةِ بُدِئَ بِدَيْنِ الْمَوْلَى وَإِلَّا فَبِالْكِتَابَةِ، وَيَسْتَوْفِي الْمَوْلَى الدَّيْنَ إذَا ظَهَرَ لَهُ مَالٌ. أَمَّا لَوْ بُدِئَ بِهِ صَارَ عَاجِزًا، وَلَا يَجِبُ لِلْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ الْقِنِّ دَيْنٌ. (قَوْلُهُ: كَمَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ أَوْلَادِهِ إلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ الَّذِينَ اشْتَرَاهُمْ فِي كِتَابَتِهِ مَعَ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِعِتْقِهِمْ، فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: كَمَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ مَنْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ ح. وَفِي الْغُرَرِ: وَحُكِمَ بِعِتْقِ بَنِيهِ، سَوَاءٌ وُلِدُوا فِي كِتَابَتِهِ أَوْ شَرَاهُمْ حَالَ كِتَابَتِهِ أَوْ كُوتِبَ هُوَ وَابْنُهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا بِمَرَّةٍ أَيْ بِكِتَابَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَتْبَعُهُ فِي الْكِتَابَةِ وَبِعِتْقِهِ عَتَقُوا اهـ ط. (قَوْلُهُ: الْمَوْلُودِينَ فِي كِتَابَتِهِ) أَيْ مِنْ أَمَتِهِ بِالتَّسَرِّي وَإِنْ حَرُمَ لِعَدَمِ مُنَافَاتِهَا ثُبُوتَ النَّسَبِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَسَنَذْكُرُ صُورَتَيْنِ عَنْ الْبَدَائِعِ غَيْرَ هَذِهِ. (قَوْلُهُ: لِوَرَثَتِهِ) أَيْ لِأَوْلَادِهِ الْأَحْرَارِ، بِأَنْ وُلِدُوا مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ، وَكَذَا الْمَوْلُودُونَ فِي الْكِتَابَةِ وَاَلَّذِينَ اشْتَرَاهُمْ فِيهَا وَوَالِدَاهُ يُعْتِقُهُمْ بِعِتْقِهِ، وَكَذَا وَلَدُهُ الْمُكَاتَبُ مَعَهُ بِمَرَّةٍ لَا الْمُكَاتَبُ عَلَى حِدَةٍ لِأَنَّهُ يَمُوتُ حُرًّا وَوَلَدُهُ مُكَاتَبٌ وَالْمُكَاتَبُ لَا يَرِثُ بَدَائِعُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مِنْ الْقَرَابَةِ فَلِسَيِّدِهِ بِالْوَلَاءِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا) لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مَعَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَا وَفَاءَ لَهُ ح. (قَوْلُهُ: وُلِدَ فِي كِتَابَتِهِ) بِأَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَوَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ اشْتَرَاهَا الْمُكَاتَبُ وَوَلَدَهَا، أَوْ الْمُكَاتَبَةُ وَلَدَتْ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 113 وَسَعَى) الِابْنُ فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ (عَلَى نُجُومِهِ) الْمُقَسَّطَةِ (فَإِذَا أَدَّى حُكِمَ بِعِتْقِ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَبِعِتْقِهِ تَبَعًا وَلَوْ تَرَكَ وَلَدًا اشْتَرَاهُ) فِي كِتَابَتِهِ (أَدَّى الْبَدَلَ حَالًا أَوْ رُدَّ إلَى حَالِهِ رَقِيقًا) وَسَوَّيَا بَيْنَهُمَا وَأَمَّا الْأَبَوَانِ فَيُرَدَّانِ لِلرِّقِّ كَمَا مَاتَ وَقَالَا: إنْ أَدَّيَا حَالًا عَتَقَا وَإِلَّا لَا. (اشْتَرَى) الْمُكَاتَبُ (ابْنَهُ فَمَاتَ عَنْ وَفَاءٍ وَرِثَهُ ابْنُهُ) لِمَوْتِهِ حُرًّا عَنْ ابْنٍ حُرٍّ كَمَا مَرَّ (وَكَذَا) يَرِثُهُ (لَوْ كَانَ   [رد المحتار] غَيْرِ مَوْلَاهَا بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ: وَسَعَى) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى السَّعْيِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ فِي الْكَافِي: لَوْ كَانَتْ أَمَتُهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَوَلَدَتْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَمَاتَتْ وَبَقِيَ الْوَلَدُ يَبْقَى خِيَارُهُ وَعَقْدُ الْكِتَابَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالثَّانِي، وَلَهُ أَنْ يُجِيزَهُ. وَإِذَا أَجَازَ يَسْعَى الْوَلَدُ عَلَى نُجُومِ الْأُمِّ، وَإِنْ أَدَّى عَتَقَتْ الْأُمُّ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهَا وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَعِنْدَ الثَّالِثِ تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ، وَلَا تَصِحُّ إجَازَةُ الْمَوْلَى وَهُوَ الْقِيَاسُ اهـ طُورِيٌّ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ قُدْرَتَهُ عَلَى السَّعْيِ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ أَجَابَ فِي هَامِشِ حَاشِيَتِهِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ يَنْصِبُ لَهُ شَخْصًا وَصِيًّا فَيَجْمَعُ لَهُ مَالًا وَتَنْفَكُّ رَقَبَتُهُ، وَمِثْلُ الصَّغِيرِ الْمُقْعَدُ وَالزَّمِنُ وَالْمَجْنُونُ اهـ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: عَلَى نُجُومِهِ) فَلَا يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ إلَّا إذَا أَخَلَّ بِنَجْمٍ أَوْ نَجْمَيْنِ عَلَى الِاخْتِلَافِ بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ: حُكِمَ بِعِتْقِ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَبِعِتْقِهِ) كَذَا جَعَلَ الْعِتْقَ مُسْتَنَدًا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَسْتَنِدُ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ. (قَوْلُهُ: أَدَّى الْبَدَلَ حَالًا أَوْ رُدَّ إلَخْ) هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ، لِأَنَّ الْأَجَلَ يَثْبُتُ بِالشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ دَخَلَ تَحْتَ الْكِتَابَةِ وَالْمُشْتَرَى لَمْ يَدْخُلْ لِأَنَّهُ لَمْ يُضَفْ إلَيْهِ الْعَقْدُ وَلَمْ يَسْرِ حُكْمُهُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُنْفَصِلًا وَقْتَ الْكِتَابَةِ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ مَرَّ فِي فَصْلِ تَصَرُّفَاتِ الْمُكَاتَبِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ. وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يَسْرِ حُكْمُهُ إلَيْهِ لَمَا عَتَقَ عِنْدَهُ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ حَالًا، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِدُخُولِ الْمُشْتَرَى لَيْسَ لِسِرَايَةِ حُكْمِ الْعَقْدِ الْجَارِي بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَالْمَوْلَى إلَيْهِ، بَلْ يُجْعَلُ الْمُكَاتَبُ مُكَاتَبًا لِوَلَدِهِ بِاشْتِرَائِهِ إيَّاهُ تَحْقِيقًا لِلصِّلَةِ، وَبِأَنَّ عِتْقَ الْوَلَدِ الْمُشْتَرَى عِنْدَهُ بِالْأَدَاءِ حَالًا لَيْسَ لِأَجْلِ السِّرَايَةِ أَيْضًا بَلْ بِصَيْرُورَةِ الْمُكَاتَبِ كَأَنَّهُ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ فِي الْكَافِي طُورِيٌّ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: وَسَوَّيَا بَيْنَهُمَا) فَيَسْعَى عَلَى نُجُومِ أَبِيهِ عِنْدَهُمَا، وَكَذَا كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ اشْتَرَاهُمْ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَيُرَدَّانِ لِلرِّقِّ) هَذَا عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ. وَفِي إمْلَاءِ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ جَعَلَهُ كَالْوَلَدِ الْمُشْتَرَى فِي الْكِتَابَةِ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَنَقَلَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ الثَّانِيَةَ عَنْ شَرْحِ الْكَافِي لِلْبَزْدَوِيِّ، وَعَلَيْهَا اقْتَصَرَ فِي الْبَدَائِعِ، ثُمَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتَبِ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِهِ. قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: فَإِنْ تَرَكَ مَعَ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ أَبَوَيْهِ وَوَلَدًا آخَرَ مُشْتَرًى فِي الْكِتَابَةِ فَهُمْ مَوْقُوفُونَ عَلَى أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ مِنْ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ، وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى بَيْعُهُمْ وَلَا أَنْ يَسْتَسْعِيَهُمْ، فَإِذَا أَدَّى الْمَوْلُودُ فِيهَا بَدَلَهَا عَتَقَ وَعَتَقُوا جَمِيعًا، وَإِنْ عَجَزَ وَرُدَّ فِي الرِّقِّ رُدَّ هَؤُلَاءِ مَعَهُ إلَّا أَنْ يَقُولُوا نَحْنُ نُؤَدِّي الْمَالَ السَّاعَةَ فَيُقْبَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِعَجْزِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ. (قَوْلُهُ: كَمَا مَاتَ) أَيْ بِمُجَرَّدِ مَوْتِهِ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمَا بَدَلٌ حَالٌّ وَلَا مُؤَجَّلٌ عِنْدَ الْإِمَامِ ح. (قَوْلُهُ: وَقَالَا: إنْ أَدَّيَا حَالًا عَتَقَا وَإِلَّا لَا) الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ والشُّرُنبُلالِيَّةِ أَنَّ الْأُصُولَ كَالْفُرُوعِ عِنْدَهُمَا فِي السَّعْيِ عَلَى النُّجُومِ، فَلْيُنْظَرْ مِنْ أَيْنَ أَخَذَ الشَّارِحُ هَذَا الْكَلَامَ ح. أَقُولُ: الَّذِي أَوْقَعَهُ فِي ذَلِكَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي فَصْلِ تَصَرُّفَاتِ الْمُكَاتَبِ أَنَّ الْوَالِدَيْنِ يُرَدَّانِ لِلرِّقِّ كَمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 114 هُوَ) أَيْ الْمُكَاتَبُ (وَابْنُهُ) الْكَبِيرُ (مُكَاتَبَيْنِ كِتَابَةً وَاحِدَةً) لِصَيْرُورَتِهِمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ ضَرُورَةَ اتِّحَادِ الْعَقْدِ. (فَإِنْ تَرَكَ) الْمُكَاتَبُ (وَلَدًا مِنْ حُرَّةٍ) أَيْ مُعْتَقَةٍ (وَتَرَكَ دَيْنًا يَفِي بِبَدَلِهَا فَجَنَى الْوَلَدُ فَقُضِيَ بِهِ) بِمَا جَنَى (عَلَى عَاقِلَةِ أُمِّهِ) ضَرُورَةَ أَنَّ الْأَبَ لَمْ يَعْتِقْ بَعْدُ (لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ) الْقَضَاءُ (تَعْجِيزًا لِأَبِيهِ) لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ وَلَا رُجُوعَ،   [رد المحتار] مَاتَ وَعَزَاهُ لِلتَّبْيِينِ وَالْعِنَايَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ: إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ مِنْ غَيْرِ مَالٍ يُقَالُ لِلْوَلَدِ الْمُشْتَرَى وَلِلْوَالِدَيْنِ إمَّا أَنْ تُؤَدُّوا الْكِتَابَةَ حَالًا وَإِلَّا رَدَدْنَاكُمْ فِي الرِّقِّ، بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ اهـ، لَكِنْ تَنْتَفِي الْمُخَالَفَةُ بِحَمْلِ مَا فِي الْبَدَائِعِ عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ: وَيُحْمَلُ غَيْرُهُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ، وَسَنَذْكُرُهُ اهـ كَلَامُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، ثُمَّ نَقَلَ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الْوَالِدَيْنِ لَيْسَا كَالْوَلَدِ فَيُبَاعَانِ كَسَائِرِ أَكْسَابِهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَهُمَا إذَا تَرَكَ وَلَدًا مُشْتَرًى أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا يَسْعَى عَلَى نُجُومِ الْمُكَاتَبِ كَالْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ اهـ. فَحَمْلُهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ - مِنْ أَنَّ الْوَالِدَيْنِ كَالْمُشْتَرَى فِي الْكِتَابَةِ عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ - هُوَ عَيْنُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ مَا فِي الْبَدَائِعِ هُوَ رِوَايَةُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة، وَمَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ فِي الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ مِنْ كَلَامِ مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ لَا يُفِيدُهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، فَإِنَّهُ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الْأَبَوَيْنِ عِنْدَهُمَا كَالْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ لَا كَالْمُشْتَرَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدَ الْمُشْتَرَى فِي الْكِتَابَةِ وَكَذَا كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ اُشْتُرِيَ فِيهَا يَسْعَوْنَ عَلَى نُجُومِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ كَالْمَوْلُودِ فِيهَا بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ الْجَمِيعِ. وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَلِكُلٍّ حُكْمٌ يَخُصُّهُ بَيَّنَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ سِوَى الْمَحَارِمِ لِعَدَمِ دُخُولِهِمْ عِنْدَهُ فِي كِتَابَتِهِ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ، وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ. وَعَلَى رِوَايَةِ الْإِمْلَاءِ: الْوَالِدَانِ كَالْوَلَدِ الْمُشْتَرَى عِنْدَهُ، وَهِيَ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ بِعَوْنِ الْمَلِكِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: وَابْنُهُ الْكَبِيرُ) التَّقْيِيدُ بِالْكَبِيرِ خَطَأٌ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْغُرَرِ حَيْثُ قَالَ: أَوْ كُوتِبَ هُوَ وَابْنُهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا بِمَرَّةٍ ح. أَقُولُ: وَعَلَّلَهُ ابْنُ الْكَمَالِ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّ الصَّغِيرَ يَتْبَعُهُ، وَهُوَ مَعَ الْكَبِيرِ جُعِلَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ اهـ فَلَمَّا كَانَ الصَّغِيرُ تَابِعًا لَهُ قُيِّدَ بِالْكَبِيرِ لِتَظْهَرَ الْفَائِدَةُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كِتَابَةً وَاحِدَةً) فَلَوْ كُلٌّ عَلَى حِدَةٍ فَلَا يَرِثُ لِأَنَّهُ يَمُوتُ وَالْوَلَدُ مُكَاتَبٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: أَيْ مُعْتَقَةٍ) فَسَّرَ الْحُرَّةَ بِذَلِكَ، أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: وَلَوْ قَضَى بِهِ: أَيْ بِالْوَلَاءِ لِقَوْمِ أُمِّهِ فَإِنَّ حُرَّةَ الْأَصْلِ لَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَى وَلَدِهَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ قُبَيْلَ فَصْلِ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ. (قَوْلُهُ: ضَرُورَةَ أَنَّ الْأَبَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِلْقَضَاءِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ ح. (قَوْلُهُ: لَمْ يَعْتِقْ بَعْدُ) لِأَنَّهُ - وَإِنْ تَرَكَ مَالًا وَهُوَ الدَّيْنُ - لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ إلَّا عِنْدَ الْأَدَاءِ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ) أَيْ لِعَدَمِ مُنَافَاةِ الْقَضَاءِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ لِلْكِتَابَةِ، بَلْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إنَّ هَذَا الْقَضَاءَ يُقَرِّرُ حُكْمَ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ مِنْ قَضِيَّتِهَا إلْحَاقَ الْوَلَدِ بِمَوَالِي الْأُمِّ وَإِيجَابَ الْعَقْلِ عَلَيْهِمْ، لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعْتِقَ فَيُنَجَّزَ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ، وَالْقَضَاءُ بِمَا يُقَرَّرُ حُكْمُهُ لَا يَكُونُ تَعْجِيزًا. (قَوْلُهُ: وَلَا رُجُوعَ) فِيهِ طَيٌّ وَالتَّقْدِيرُ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: فَإِنْ خَرَجَ الدَّيْنُ وَأُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ رَجَعَ وَلَاءُ الْوَلَدِ إلَى مَوَالِي الْأَبِ وَلَا رُجُوعَ لِمَوَالِي الْأُمِّ بِمَا عَقَلُوا عَنْهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ اهـ لَكِنْ يُخَالِفُهُ قَوْلُ الطُّورِيِّ: وَكَانُوا مُضْطَرِّينَ فِيمَا عَقَلُوا فَلَهُمْ الرُّجُوعُ عَلَى مَوَالِي الْأَبِ اهـ. نَعَمْ ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ تَفْصِيلًا يَدْفَعُ الْمُخَالَفَةَ، وَهُوَ أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ بِمَا عَقَلُوا مِنْ جِنَايَةِ الْوَلَدِ فِي حَيَاةِ الْمُكَاتَبِ عَلَى مَوَالِي الْأَبِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا حُكِمَ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَلَا يَسْتَنِدُ عِتْقُهُ إلَى أَوَّلِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ، أَمَّا لَوْ عَقَلُوا عَنْ جِنَايَتِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ رَجَعُوا لِأَنَّ عِتْقَ الْأَبِ اسْتَنَدَ إلَى حَالِ حَيَاتِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ وَلَاءَهُ كَانَ لِمَوَالِي الْأَبِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَمَوَالِي الْأُمِّ كَانُوا مَجْبُورِينَ عَلَى الْأَدَاءِ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي حَاشِيَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 115 قَيَّدَ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ فِي الْعَيْنِ لَا يَتَأَتَّى الْقَضَاءُ بِالْإِلْحَاقِ بِالْأُمِّ لِإِمْكَانِ الْوَفَاءِ فِي الْحَالِ. (وَلَوْ قُضِيَ بِهِ) بِالْوَلَاءِ (لِقَوْمِ أُمِّهِ بَعْدَ خُصُومَتِهِمْ مَعَ قَوْمِ الْأَبِ فِي وَلَائِهِ فَهُوَ) أَيْ الْقَضَاءُ بِمَا ذُكِرَ (تَعْجِيزٌ) لِأَنَّهُ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ (وَطَابَ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَصْرِفًا) لِلصَّدَقَةِ (مَا أَدَّى إلَيْهِ مِنْ الصَّدَقَاتِ فَعَجَزَ) لِتَبَدُّلِ الْمِلْكِ، وَأَصْلُهُ حَدِيثُ بَرِيرَةَ «هِيَ لَكِ صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» (كَمَا فِي وَارِثِ) شَخْصٍ (فَقِيرٌ مَاتَ عَنْ صَدَقَةٍ أَخَذَهَا وَارِثُهُ الْغَنِيُّ " وَ) كَمَا فِي (ابْنِ سَبِيلٍ أَخَذَهَا ثُمَّ وَصَلَ إلَى مَالِهِ وَهِيَ فِي يَدِهِ) أَيْ الزَّكَاةُ، وَكَفَقِيرٍ اسْتَغْنَى، وَهِيَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهَا تَطِيبُ لَهُ، بِخِلَافِ فَقِيرٍ أَبَاحَ لِغَنِيٍّ أَوْ هَاشِمِيٍّ عَيْنَ زَكَاةٍ أَخَذَهَا لَا يَحِلُّ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَتَبَدَّلْ.   [رد المحتار] أَبِي السُّعُودِ عَنْ تَكْمِلَةِ فَتْحِ الْقَدِيرِ لِلْعَلَّامَةِ الدِّيرِيِّ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ " وَلَا رُجُوعَ " فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالْكَنْزِ فِيمَا إذَا جَنَى الْوَلَدُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ وَلِهَذَا اقْتَصَرَ الطُّورِيُّ عَلَى قَوْلِهِ فَلَهُمْ الرُّجُوعُ. (قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِالدَّيْنِ إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ فَأُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ أَوْ عَنْ وَلَدٍ فَأَدَّاهَا، فَأَمَّا إذَا مَاتَ لَا عَنْ وَفَاءٍ وَلَا عَنْ وَلَدٍ فَاخْتَلَفُوا فِي بَقَاءِ الْكِتَابَةِ. قَالَ الْإِسْكَافُ: تَنْفَسِخُ، حَتَّى لَوْ تَطَوَّعَ إنْسَانٌ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: لَا تَنْفَسِخُ مَا لَمْ يُقْضَ بِعَجْزِهِ اهـ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِقَيْدٍ وَأَنَّ أَدَاءَ الْوَلَدِ: أَيْ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ أَوْ الْمُشْتَرَى فِيهَا كَخُرُوجِ الدَّيْنِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي الْعَيْنِ) يَعْنِي الْمُوفِيَ بِالْبَدَلِ لِتَعْلِيلِهِ بِإِمْكَانِ الْوَفَاءِ فِي الْحَالِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. قَالَ ط: وَالْمُرَادُ بِالْعَيْنِ مَا يَعُمُّ النُّقُودَ الْمَوْجُودَةَ فِي التَّرِكَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِإِمْكَانِ الْوَفَاءِ فِي الْحَالِ) إنْ قُلْت: إنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ الْوَفَاءُ مِنْ الدَّيْنِ فِي الْحَالِ بِأَنْ يَكُونَ الْمَدْيُونُ حَاضِرًا سَاعَةَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ فَيُطَالَبَ بِمَا عَلَيْهِ فَيَدْفَعَ حَالًا قُلْت: الْمُرَادُ الْإِمْكَانُ الْقَرِيبُ، وَهَذَا إمْكَانٌ بَعِيدٌ ط. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَضَى بِهِ إلَخْ) يَعْنِي اخْتَصَمُوا بَعْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ فِي إرْثِهِ بِالْوَلَاءِ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ فَقَضَى الْقَاضِي بِالْوَلَاءِ لِقَوْمِ الْأُمِّ يَكُونُ قَضَاءً بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَمَوْتِهِ عَبْدًا، لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِ الْوَلَاءِ لِقَوْمِ الْأُمِّ مَوْتَ الْمُكَاتَبِ عَبْدًا لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ حُرًّا لَانْجَرَّ الْوَلَاءُ مِنْ قَوْمِ الْأُمِّ كِفَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ) عِلَّةٌ لِمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: فَهُوَ تَعْجِيزٌ مِنْ نَفَاذِ الْقَضَاءِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: فَهُوَ قَضَاءٌ بِالْعَجْزِ لِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي الْوَلَاءِ مَقْصُودٌ وَذَلِكَ يُبْتَنَى عَلَى بَقَاءِ الْكِتَابَةِ وَانْتِقَاضِهَا، فَإِنَّهَا إذَا فُسِخَتْ مَاتَ عَبْدًا وَاسْتَقَرَّ الْوَلَاءُ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ، وَإِذَا بَقِيَتْ وَاتَّصَلَ بِهَا الْأَدَاءُ مَاتَ حُرًّا وَانْتَقَلَ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ وَهَذَا فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَنْفُذُ مَا يُلَاقِيهِ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ ثُبُوتَ التَّعْجِيزِ لِلْقَضَاءِ بِالْوَلَاءِ لِمَوَالِي الْأُمِّ فَالتَّعْجِيزُ ثَابِتٌ ضِمْنًا، وَإِنَّمَا نَفَذَ هَذَا الْقَضَاءُ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عِنْدَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ يَمُوتُ عَبْدًا وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً، فَكَانَ قَضَاءً فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَهُوَ نَافِذٌ إجْمَاعًا فَتَجِبُ رِعَايَتُهُ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ بُطْلَانُ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَصِيَانَتُهُ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: مَا أَدَّى) أَيْ الْمُكَاتَبُ إلَيْهِ: أَيْ إلَى الْمَوْلَى. (قَوْلُهُ: فَعَجَزَ) وَكَذَا لَوْ عَجَزَ قَبْلَ الْأَدَاءِ إلَى الْمَوْلَى، وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ يَتَبَدَّلُ الْمِلْكُ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ بِالْعَجْزِ تَقَرَّرَ مِلْكُ الْمَوْلَى عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا خُبْثَ فِي نَفْسِ الصَّدَقَةِ وَإِنَّمَا الْخُبْثُ فِي فِعْلِ الْأَخْذِ لِكَوْنِهِ إذْلَالًا بِهِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْغَنِيِّ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا لِلْهَاشِمِيِّ لِزِيَادَةِ حُرْمَتِهِ، وَالْأَخْذُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَوْلَى هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِتَبَدُّلِ الْمِلْكِ) فَإِنَّ الْعَبْدَ يَتَمَلَّكُهُ صَدَقَةً وَالْمَوْلَى عِوَضًا عَنْ الْعِتْقِ. (قَوْلُهُ: وَأَصْلُهُ حَدِيثُ بَرِيرَةَ) يُوهِمُ أَنَّهَا أَهْدَتْ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَمَا عَجَزَتْ مَعَ أَنَّهَا أَهْدَتْ إلَيْهِ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ ح. (قَوْلُهُ: هِيَ لَكِ) الَّذِي فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوطِهَا " لَهَا " بِضَمِيرِ الْغَائِبَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا تَطِيبُ لَهُ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْخُبْثَ فِي فِعْلِ الْأَخْذِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَتَبَدَّلْ) لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَهُ يَتَنَاوَلُهُ عَلَى مِلْكِ الْمُبِيحِ. وَنَظِيرُهُ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا أَبَاحَ لِغَيْرِهِ لَا يَطِيبُ لَهُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 116 (فَإِنْ جَنَى عَبْدٌ وَكَاتَبَهُ سَيِّدُهُ جَاهِلًا بِجِنَايَتِهِ أَوْ) جَنَى (مُكَاتَبٌ فَلَمْ يُقْضَ بِهِ) بِمَا جَنَى (فَعَجَزَ) فَإِنْ شَاءَ الْمَوْلَى (دَفَعَ) الْعَبْدَ (أَوْ فَدَى) لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِالْعَجْزِ (وَإِنْ قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِ) حَالَ كَوْنِهِ (مُكَاتَبًا فَعَجَزَ بِيعَ فِيهِ) لِانْتِقَالِ الْحَقِّ مِنْ رَقَبَتِهِ إلَى قِيمَتِهِ بِالْقَضَاءِ، قَيَّدَ بِالْعَجْزِ لِأَنَّ جِنَايَاتِ الْمُكَاتَبِ عَلَيْهِ فِي كَسْبِهِ وَيَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ، وَإِنْ تَكَرَّرَتْ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَعَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ بَعْدَهُ فَقِيَمٌ وَلَوْ أَقَرَّ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ لَزِمَتْهُ فِي كَسْبِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا وَلَوْ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ حَتَّى عَجَزَ بَطَلَتْ (وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ لَمْ تَنْفَسِخْ الْكِتَابَةُ كَالتَّدْبِيرِ، وَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ) وَكَأَجَلِ الدَّيْنِ إذَا مَاتَ الطَّالِبُ (وَيُؤَدِّي الْمَالَ إلَى وَرَثَتِهِ عَلَى نُجُومِهِ) كَأَجَلِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْمَطْلُوبِ لِخَرَابِ ذِمَّتِهِ هَذَا إذَا   [رد المحتار] وَلَوْ مَلَّكَهُ يَطِيبُ هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: جَاهِلًا بِجِنَايَتِهِ) إذْ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِهَا عِنْدَ الْكِتَابَةِ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: بِمَا جَنَى) أَيْ بِمُوجَبِهِ مِعْرَاجٌ. (قَوْلُهُ: فَعَجَزَ) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: دَفَعَ الْعَبْدَ) أَيْ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: لِزَوَالِ الْمَانِعِ) أَيْ مِنْ الدَّفْعِ وَهُوَ الْكِتَابَةُ، فَصَارَ قِنًّا قَبْلَ انْتِقَالِ الْحَقِّ عَنْ الرَّقَبَةِ فَعَادَ الْحَكَمُ الْأَصْلِيُّ، وَهُوَ إمَّا الدَّفْعُ أَوْ الْفِدَاءُ. (قَوْلُهُ: بِيعَ فِيهِ لِانْتِقَالِ الْحَقِّ مِنْ رَقَبَتِهِ إلَى قِيمَتِهِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقِيمَةُ لَا الْأَقَلُّ مِنْهَا وَمِنْ الْأَرْشِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ وَالْمَبْسُوطِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ تَأْوِيلُ كَلَامِهِ إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ ح. (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ إلَخْ) فَلَوْ الْأَرْشُ أَقَلَّ وَجَبَ لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ لَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَلَوْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ وَجَبَتْ لِأَنَّ حُكْمَ الْجِنَايَةِ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ. (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْقَضَاءِ) أَيْ بِمُوجَبِ الْجِنَايَةِ الْأُولَى. (قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الْأَرْشِ وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ الْأَقَلُّ مِنْهَا وَمِنْ الْأَرْشِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ والشُّرُنبُلالِيَّة. بَقِيَ هُنَا ثَلَاثُ أُمُورٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَرْشِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جُمْلَةُ أُرُوشِ الْجِنَايَاتِ الَّتِي جَنَاهَا فَيَصِيرُ الْمَعْنَى يَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَرْشِ. الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ الْأَقَلَّ يُقْسَمُ بَيْنَ أَرْبَابِ الْجِنَايَاتِ بِالْحِصَصِ. الثَّالِثُ أَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْأُرُوشِ يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ يَحْتَاجُ إلَى التَّنْقِيرِ عَلَيْهِ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ ح. أَقُولُ: عِبَارَةُ شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ تُفِيدُ الْأَوَّلَيْنِ حَيْثُ قَالَ: فَيُؤْمَرُ بِالسِّعَايَةِ لِلْأَوْلِيَاءِ فِي أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَرْشِ الْجِنَايَاتِ لِتَعَذُّرِ دَفْعِ نَفْسِهِ لِلْكِتَابَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَعْدَهُ فَقِيَمٌ) حَتَّى لَوْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ مَثَلًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْأُولَى، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الثَّانِيَةِ ح. (قَوْلُهُ: بَطَلَتْ) أَيْ فِي الْحَالِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى قَالَ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ: لَوْ عَجَزَ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِقَتْلِ خَطَأٍ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِقِيمَتِهِ يُطَالَبُ بَعْدَ عِتْقِهِ اتِّفَاقًا اهـ وَأَمَّا مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ فَقُضِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ عَجَزَ يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ عِنْدَهُ وَقَالَا مُطْلَقًا أَيْ فِي الْحَالِ وَبَعْدَهُ اهـ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ فِي الْعَجْزِ قَبْلَ الْحُكْمِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَيُؤَدِّي الْمَالَ إلَى وَرَثَتِهِ) لِأَنَّهُمْ قَامُوا مَقَامَهُ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَلَوْ دَفَعَ إلَى وَصِيِّ الْمَيِّتِ عَتَقَ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ لَا لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَيِّتِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَإِنْ دَفَعَهُ إلَى الْوَارِثِ إنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ لَمْ يَعْتِقْ، لِأَنَّهُ دَفَعَهُ إلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَبْضَ مِنْهُ، فَصَارَ كَالدَّفْعِ إلَى أَجْنَبِيٍّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَعْتِقْ أَيْضًا حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ حِصَّتَهُ وَيَدْفَعَ إلَى الْوَصِيِّ حِصَّةَ الصِّغَارِ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَدْفَعْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَمْ يَدْفَعْ إلَى الْمُسْتَحِقِّ اهـ. وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَدْفَعْ لِلْوَصِيِّ، وَدَفَعَ لِلْوَارِثِ وَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ أَبُو السُّعُودِ: وَفِيهِ نَظَرٌ فَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِمَالِهِ يَمْنَعُ انْتِقَالَهُ إلَى الْوَارِثِ فَيُفِيدُ أَنَّ غَيْرَ الْمُحِيطِ لَا يَمْنَعُ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ بِقَبْضِ الْوَارِثِ فَتَدَبَّرْ اهـ. (قَوْلُهُ: لِخَرَابِ ذِمَّتِهِ) أَيْ يَبْطُلُ الْأَجَلُ، لِأَنَّ ذِمَّتَهُ قَدْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 117 كَاتَبَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَوْ فِي مَرَضِهِ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ (وَإِنْ حَرَّرُوهُ) أَيْ كُلُّ الْوَرَثَةِ (فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ عَتَقَ مَجَّانًا) اسْتِحْسَانًا، وَيُجْعَلُ إبْرَاءً اقْتِضَاءً (فَإِنْ حَرَّرَهُ بَعْضُهُمْ) فِي مَجْلِسٍ وَالْآخَرُ فِي آخَرَ (لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ) عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَلَوْ عَجَزَ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى، عَادَ رِقُّهُ. (مُكَاتَبٌ تَحْتَهُ أَمَةٌ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ فَمَلَكَهَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) وَكَذَا الْحُرُّ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ. (كَاتَبَا عَبْدًا كِتَابَةً وَاحِدَةً) أَيْ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ (وَعَجَزَ الْمُكَاتَبُ لَا يُعَجِّزُهُ الْقَاضِي حَتَّى يَجْتَمِعَا) لِأَنَّهُمَا كَوَاحِدٍ بِخِلَافِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يُعَجِّزُهُ بِطَلَبِ أَحَدِهِمْ مُجْتَبًى وَفِيهِ: كَاتَبَ عَبْدَيْهِ بِمَرَّةٍ فَعَجَزَ أَحَدُهُمَا فَرَدَّهُ الْمَوْلَى فِي الرِّقِّ. أَوْ الْقَاضِي وَلَمْ يَعْلَمْ بِكِتَابَةِ الْآخَرِ لَمْ يَصِحَّ فَإِنْ غَابَ هَذَا الْمَرْدُودُ وَجَاءَ الْآخَرُ ثُمَّ عَجَزَ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ رَدُّهُ فِي الرِّقِّ. [فُرُوعٌ] : اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْمُكَاتَبُ فِي قَدْرِ الْبَدَلِ فَالْقَوْلُ لِلْمُكَاتَبِ عِنْدَنَا، وَلَا يَحْبِسُ الْمُكَاتَبُ فِي دَيْنٍ مَوْلَاهُ   [رد المحتار] خَرِبَتْ وَانْتَقَلَ الدَّيْنُ إلَى التَّرِكَةِ وَهِيَ عَيْنٌ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: إلَّا مِنْ الثُّلُثِ) أَيْ فَيُؤَدِّي ثُلُثَيْ الْبَدَلِ حَالًا وَالْبَاقِيَ عَلَى نُجُومِهِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَالْمَسْأَلَةُ مَرَّتْ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ مَعَ مَا فِيهَا مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ. (قَوْلُهُ: عَتَقَ مَجَّانًا) أَيْ عَتَقَ وَسَقَطَ عَنْهُ مَالُ الْكِتَابَةِ وَمَعْنَاهُ يَعْتِقُ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ حَتَّى إنَّ الْوَلَاءَ يَكُونُ لِلذُّكُورِ مِنْ عَصَبَتِهِ دُونَ الْإِنَاثِ جَوْهَرَةٌ. (قَوْلُهُ: اسْتِحْسَانًا) وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرِثُوا رَقَبَتَهُ وَإِنَّمَا وَرِثُوا دَيْنًا فِيهَا جَوْهَرَةٌ. (قَوْلُهُ: وَيُجْعَلُ إبْرَاءً اقْتِضَاءً) هَذَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ عِتْقَهُمْ تَتْمِيمٌ لِلْكِتَابَةِ، فَصَارَ كَالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ وَلِأَنَّهُمْ بِعِتْقِهِمْ إيَّاهُ مُبْرِئُونَ لَهُ مِنْ الْمَالِ وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ عِتْقَهُ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَوْا مِنْهُ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا مَا إذَا أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمْ لِأَنَّ إبْرَاءَهُ لَهُ إنَّمَا يُصَادِفُ حِصَّتَهُ لَا غَيْرُ، وَلَوْ بَرِئَ مِنْ حِصَّتِهِ بِالْأَدَاءِ لَمْ يَعْتِقْ كَذَا هَذَا. (قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ) وَقِيلَ: يَعْتِقُ إذَا أَعْتَقَهُ الْبَاقُونَ مَا لَمْ يَرْجِعْ الْأَوَّلُ زَيْلَعِيٌّ، وَبِالثَّانِي جَزَمَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَلْيُنْظَرْ وَجْهُ الْأَوَّلِ وَمَا نَقَلَهُ الْمُحَشِّي عَنْ الْعِنَايَةِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْبَعْضُ فَقَطْ وَكَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجَوْهَرَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَمَلَكَهَا) يَعْنِي بَعْدَ عِتْقِهِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَقَوْلُهُ: أَنْ يَطَأَهَا أَيْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَةَ لَا يَنْكِحُهَا مَوْلَاهَا وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ التَّسَرِّي بِهَا. قَالَ ح: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مِنْ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ فِي شَيْءٍ، فَإِنَّ كُلَّ رَجُلٍ - حُرًّا كَانَ أَوْ قِنًّا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ ابْنَ أُمِّ وَلَدٍ أَوْ مُسْتَسْعًى - إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْأَمَةَ ثِنْتَيْنِ غُلِّظَتْ حُرْمَتُهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ إيرَادُ عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَيْهَا وَلَا وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَاتَبَا عَبْدًا كِتَابَةً وَاحِدَةً إلَخْ) قَيَّدَ بِالْعَبْدِ الْوَاحِدِ احْتِرَازًا عَنْ عَبْدَيْنِ لِرَجُلَيْنِ كَاتَبَاهُمَا كِتَابَةً وَاحِدَةً ثُمَّ عَجَزَ أَحَدُهُمَا كَانَ لِمَوْلَاهُ أَنْ يَفْسَخَ الْكِتَابَةَ وَإِنْ كَانَ مَوْلَى الْآخَرِ غَائِبًا هِنْدِيَّةٌ عَنْ الْمُحِيطِ ط. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا) أَيْ السَّيِّدَيْنِ كَسَيِّدٍ وَاحِدٍ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ التَّجَزِّيَ ط. (قَوْلُهُ: يُعَجِّزُهُ بِطَلَبِ أَحَدِهِمْ) أَيْ بَعْدَ طَلَبِ الْعَبْدِ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ ط. (قَوْلُهُ: بِمَرَّةٍ) أَيْ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ ط. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَعْلَمْ) أَيْ الْقَاضِي وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ وَأَنَّ فَائِدَةَ ذِكْرِهِ جَوَازُ الْإِقْدَامِ عَلَى الرَّدِّ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّ كِتَابَتَهُمَا وَاحِدَةٌ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا نَائِبًا عَنْ الْآخَرِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا رَحْمَتِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لِلْآخَرِ) كَذَا فِي الْمِنَحِ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْ الْمُجْتَبَى فَلَيْسَ لِلْقَاضِي وَفِي الْهِنْدِيَّةِ والتتارخانية عَنْ الْمُحِيطِ فَإِنْ غَابَ هَذَا الَّذِي رُدَّ فِي الرِّقِّ بِسَبَبِ عَجْزِهِ وَجَاءَ الْآخَرُ وَاسْتَسْعَاهُ الْمَوْلَى فِي نَجْمٍ أَوْ نَجْمَيْنِ فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ أَوْ الْقَاضِي فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: فِي قَدْرِ الْبَدَلِ) وَكَذَا فِي جِنْسِهِ كَأَنْ قَالَ الْمَوْلَى: كَاتَبْتُكَ عَلَى أَلْفَيْنِ أَوْ عَلَى الدَّنَانِيرِ، وَقَالَ الْعَبْدُ: بَلْ عَلَى أَلْفٍ أَوْ عَلَى الدَّرَاهِمِ بَدَائِعُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ أَوْ فِي مِقْدَارِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمَوْلَى. وَلَوْ فِي مُضِيِّهِ فَلِلْعَبْدِ وَلَوْ فِي مِقْدَارِ مَا نُجِّمَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَلِلْمَوْلَى، هِنْدِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لِلْمُكَاتَبِ عِنْدَنَا) سَوَاءٌ أَدَّى شَيْئًا مِنْ الْبَدَلِ أَوْ لَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرًا لِأَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي قَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ أَوْ جِنْسِهِ، فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ وَكَانَ يَقُولُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 118 فِي الْكِتَابَةِ وَفِيمَا سِوَى دَيْنِ الْكِتَابَةِ قَوْلَانِ سِرَاجِيَّةٌ قُلْتُ: وَفِي عَتَاقِ الْوَهْبَانِيَّةِ: وَفِي غَيْرِ جِنْسِ الْحَقِّ يَحْبِسُ سَيِّدًا مُكَاتَبُهُ وَالْعَبْدُ فِيهَا مُخَيَّرُ وَلَاءٌ لِأَوْلَادٍ لِزَوْجَيْنِ حُرِّرَا لِمَوْلَى أَبِيهِمْ لَيْسَ لِلْأُمِّ مَعْبَرُ تُوُفِّيَ وَمَا وَفَّى فَإِمَّا لِمَيِّتٍ مِنْ الْوُلْدِ بِعْ وَالْحَيُّ تَسْعَى وَتُحْضِرُ. أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ بِيعَتْ، وَإِنْ كَانَ اُسْتُسْعِيَتْ عَلَى نُجُومِهِ صَغِيرًا كَانَ وَلَدُهَا أَوْ كَبِيرًا وَعِنْدَهُمَا تَسْعَى مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. كِتَابُ الْوَلَاءِ. (هُوَ) لُغَةً: النُّصْرَةُ وَالْمَحَبَّةُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَلْيِ، وَهُوَ الْقُرْبُ، وَشَرْعًا: (عِبَارَةٌ عَنْ التَّنَاصُرِ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ أَوْ بِوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ) زَيْلَعِيٌّ (وَمِنْ آثَارِهِ الْإِرْثُ وَالْعَقْلُ) وَوِلَايَةُ النِّكَاحِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْوَلَاءَ لَيْسَ نَفْسَ الْمِيرَاثِ   [رد المحتار] يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ كَالْبَيْعِ بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ: فِي الْكِتَابَةِ) أَيْ فِي بَدَلِهَا وَ " فِي " لِلسَّبَبِيَّةِ كَمَا فِي «دَخَلَتْ النَّارَ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا» وَإِنَّمَا لَا يُحْبَسُ بِهِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ قَاصِرٌ حَتَّى لَا تَجُوزَ الْكَفَالَةُ بِهِ بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ: وَفِيمَا سِوَى دَيْنِ الْكِتَابَةِ) كَدَيْنِ اسْتِهْلَاكٍ أَوْ دَيْنٍ أَخَذَهُ مِنْ سَيِّدِهِ حَالَ إذْنِهِ ثُمَّ كَاتَبَهُ أَوْ قَرَضَ ط. (قَوْلُهُ: وَفِي غَيْرِ جِنْسِ الْحَقِّ إلَخْ) فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ. الْأُولَى: لَوْ كَانَ الْمَوْلَى اسْتَوْلَى عَلَى مَالِ لِمُكَاتَبِهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِهِ وَيَحْبِسُهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: مِنْ مَفْهُومِ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ قَاصَصَهُ بِهِ. الثَّالِثَةُ: أَنَّ الْعَبْدَ مُخَيَّرٌ فِي الْكِتَابَةِ، لَهُ فَسْخُهَا بِلَا رِضَا الْمَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَلَاءٌ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ " لِأَوْلَادٍ " مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ نَعْتِ " وَلَاءٌ " وَقَوْلُهُ " لِزَوْجَيْنِ " نَعْتُ " أَوْلَادٍ " وَقَوْلُهُ " حُرِّرَا " بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ: أَيْ أُعْتِقَا نَعْتُ " زَوْجَيْنِ " وَقَوْلُهُ " لِمَوْلَى أَبِيهِمْ " مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ وَقَوْلُهُ " لَيْسَ لِلْأُمِّ " أَيْ لِمَوْلَاهَا خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَ " مَعْبَرٌ " مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ مِنْ الْعُبُورِ بِمَعْنَى الدُّخُولِ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِمَا قَبْلَهَا. وَالْمَعْنَى وَلَاءُ أَوْلَادِ الزَّوْجَيْنِ الْمُعْتَقَيْنِ لِمَوَالِي الْأَبِ دُونَ مَوَالِي الْأُمِّ، لِأَنَّ الْأَبَ هُوَ الْأَصْلُ، وَلَوْ تَزَوَّجَتْ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا فَالْوَلَاءُ لِمَوَالِيهَا فَإِذَا أُعْتِقَ الْأَبُ جَرَّ الْوَلَاءَ إلَى مَوَالِيهِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ ابْنِ الشِّحْنَةِ. (قَوْلُهُ: تُوُفِّيَ وَمَا وَفَّى) الضَّمِيرَانِ لِلْمُكَاتَبِ، وَأَمَّا مَفْعُولُ " بِعْ " وَ " لِمَيِّتٍ " نَعْتٌ لِإِمَّا وَ " مِنْ الْوُلْدِ " بِضَمِّ الْوَاوِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَيَانٌ لِمَيِّتٍ، وَ " الْحَيُّ " مُبْتَدَأٌ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ وَأُمُّ الْحَيِّ، وَتَسْعَى خَبَرُهُ وَ " تُحْضِرُ " مِنْ " أَحْضَرَ " أَيْ تُحْضِرُ الْبَدَلَ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا تُوُفِّيَ لَا عَنْ وَفَاءٍ وَلَهُ أُمُّ وَلَدٍ قَدْ وُلِدَ فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ أَوْ اشْتَرَاهُ مَعَهَا حَتَّى دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا الْوَلَدُ بِأَنْ مَاتَ بِيعَتْ إلَى آخِرِ مَا قَالَ الشَّارِحُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْوَلَاءِ] أَوْرَدَهُ عَقِبَ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ مِنْ آثَارِ زَوَالِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ عَقِبَ الْعِتْقِ لِيَكُونَ وَاقِعًا عَقِبَ سَائِرِ أَنْوَاعِهِ. (قَوْلُهُ: مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَلْيِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ اللَّامِ مَصْدَرُ وَلِيَهُ يَلِيهِ بِالْكَسْرِ فِيهِمَا، وَهُوَ شَاذٌّ كَذَا فِي جَامِعِ اللُّغَةِ ح. (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا عُلِمَ إلَخْ) فِيهِ تَعْرِيضٌ بِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ فَسَّرَهُ بِالْمِيرَاثِ وَتَعْرِيضٌ بِالْمُصَنِّفِ أَيْضًا تَبَعًا لِصَاحِبِ الْحَقَائِقِ، وَلِذَا عَدَلَ عَنْ تَفْسِيرَيْهِمَا بِقَوْلِهِ: بَلْ قَرَابَةٌ حُكْمِيَّةٌ تَبَعًا لِلْكَنْزِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّ الْوَلَاءَ يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْإِرْثِ وَالتَّنَاصُرِ كَمَا إذَا أَعْتَقَ كَافِرٌ مُسْلِمًا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَا يَرِثُهُ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لَهُ فِي الْمِلَّةِ وَلَا يَعْقِلُ عَنْهُ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 119 بَلْ قَرَابَةٌ حُكْمِيَّةٌ تَصْلُحُ سَبَبًا لِلْإِرْثِ (وَسَبَبُهُ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِهِ) لَا الْإِعْتَاقُ لِأَنَّ بِالِاسْتِيلَادِ وَإِرْثِ الْقَرِيبِ يَحْصُلُ الْعِتْقُ بِلَا إعْتَاقٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَجَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ (مَنْ عَتَقَ) أَيْ حَصَلَ لَهُ عِتْقٌ (بِإِعْتَاقٍ) فَوَلَاؤُهُ وَلَوْ مِنْ وَصِيَّةٍ (أَوْ بِفَرْعٍ لَهُ) كَكِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ وَاسْتِيلَادٍ (أَوْ بِمِلْكِ قَرِيبٍ) فَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ (وَلَوْ امْرَأَةً أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مَيِّتًا حَتَّى تَنْفُذَ وَصَايَاهُ وَتُقْضَى دُيُونُهُ) مِنْهُ (وَلَوْ شَرَطَ عَدَمَهُ) لِمُخَالَفَتِهِ لِلشَّرْعِ فَيَبْطُلُ. (وَمَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَ) الْحَالُ (أَنَّ زَوْجَهَا قِنُّ) الْغَيْرِ (فَوَلَدَتْ) لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ مُذْ عَتَقَتْ (لَا يَنْتَقِلُ وَلَاءُ الْحَمْلِ) الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعِتْقِ (عَنْ مَوَالِي الْأُمِّ أَبَدًا وَكَذَا لَوْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدَهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْآخَرَ لِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَبَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ)   [رد المحتار] النُّصْرَةِ وَلَا نُصْرَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ قَالَهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَسَيُشِيرُ إلَيْهِ الشَّارِحُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُفْضٍ إلَى الدَّوْرِ لِأَخْذِهِ الْوَلَاءَ فِي تَعْرِيفِهِ. (قَوْلُهُ: بَلْ قَرَابَةٌ حُكْمِيَّةٌ) أَيْ حَاصِلَةٌ مِنْ الْعِتْقِ أَوْ الْمُوَالَاةِ كَنْزٌ. (قَوْلُهُ: تَصْلُحُ سَبَبًا لِلْإِرْثِ) أَتَى بِلَفْظٍ " تَصْلُحُ " لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْإِرْثِ دَائِمًا كَمَا عَلِمْته آنِفًا، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ النَّسَبِيَّةِ. (قَوْلُهُ: لَا الْإِعْتَاقُ) خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَإِنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْمُشْتَقِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَقَّ مِنْهُ عِلَّةُ الْحُكْمِ وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاشْتِقَاقِ هُوَ مَصْدَرُ الثُّلَاثِيِّ وَهُوَ الْعِتْقُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ بِالِاسْتِيلَادِ) اسْمُ " أَنَّ " ضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفًا وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ تَكُونَ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدِهِ فَإِنَّهَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ لَا بِإِعْتَاقِهِ ط. (قَوْلُهُ: وَإِرْثِ الْقَرِيبِ) كَمَا لَوْ مَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ مَالِكٌ لِأَخِيهِ لِأُمِّهِ. (قَوْلُهُ: فَجَرَى عَلَى الْغَالِبِ) أَوْ أَنَّ الْقَصْرَ إضَافِيٌّ حَمَوِيٌّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ لَا لِمَنْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ مِنْ بَائِعٍ وَنَحْوِهِ كَوَاهِبٍ وَمُوصٍ أَبُو السُّعُودِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ وَصِيَّةٍ) كَمَا لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُعْتَقَ عَبْدُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا مِنْ مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ يُعْتَقَ ح أَيْ لِانْتِقَالِ فِعْلِ الْوَصِيِّ إلَيْهِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِفَرْعٍ لَهُ) أَيْ لِلْإِعْتَاقِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ امْرَأَةً) أَيْ وَلَوْ كَانَ السَّيِّدُ امْرَأَةً وَأَتَى بِذَلِكَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ لِلْعَصَبَةِ النَّسَبِيَّةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أُنْثَى. (قَوْلُهُ: أَوْ ذِمِّيًّا) وَإِنْ كَانَ لَا يَرِثُ الْعَتِيقَ الْمُسْلِمَ. (قَوْلُهُ: أَوْ مَيِّتًا) أَشَارَ بِهِ إلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ حَيْثُ قَالَ لَا يُقَالُ كَيْفَ يَكُونُ الْوَلَاءُ بِالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ لِلسَّيِّدِ، وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ إنَّمَا يَعْتِقَانِ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ لِمَا عَرَفْت: أَنَّ الْوَلَاءَ لَيْسَ نَفْسَ الْمِيرَاثِ بَلْ قَرَابَةٌ حُكْمِيَّةٌ تَصْلُحُ سَبَبًا لَهُ، وَثُبُوتُهَا بِالتَّدْبِيرِ، وَالِاسْتِيلَادِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِتْقِ بِمَوْتِ الْمُدَبِّرِ وَالْمُتَوَلِّدِ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ وَالْمُكَاتَبَ وَالْمُسْتَوْلَدَ اسْتَحَقَّ وَلَاءَهُمْ لَمَّا بَاشَرَ السَّبَبَ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ مِيرَاثٌ فَمَعْنَى كَوْنِهِ لِلْمَوْلَى أَنَّهُ يَسْتَوْفِي مِنْهُ دُيُونَهُ، وَتَنْفُذُ وَصَايَاهُ وَلَوْ كَانَ لِوَرَثَتِهِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ وَبِمَا قَرَّرْنَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَا ارْتَكَبُوهُ فِي دَفْعِ مَا ذُكِرَ مِنْ فَرْضِ ارْتِدَادِ الْمَوْلَى مَنْشَؤُهُ قِلَّةُ التَّدَبُّرِ بَلْ عَدَمُ التَّدَرُّبِ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى تَنْفُذَ وَصَايَاهُ إلَخْ) بِأَنْ مَاتَ بَعْدَهُ قَبْلَ قَبْضِ مِيرَاثِهِ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: لِمُخَالَفَتِهِ لِلشَّرْعِ) وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ لِتُعْتِقَهَا فَقَالَ أَهْلُهَا: عَلَى أَنَّ وَلَاءَهَا لَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكَ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ» أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعِتْقِ) أَشَارَ بِهِ إلَى عِلَّةِ عَدَمِ الِانْتِقَالِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ، لَكِنْ يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ قَوْلِهِ أَبَدًا مَا نَصُّهُ: لِأَنَّ الْحَمْلَ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْإِعْتَاقِ فَإِعْتَاقُهُ وَقَعَ قَصْدًا فَلَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ عَنْ مُعْتِقِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ اهـ قَالَ الطُّورِيُّ: وَأُورِدَ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ فِي كِتَابِ الْإِعْتَاقِ وَإِنْ أَعْتَقَ حَامِلًا عَتَقَ حَمْلُهَا تَبَعًا لَهَا اهـ. قُلْت: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ الْإِعْتَاقُ بِخُصُوصِهِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ عَلَى الْأُمِّ كَانَ تَبَعًا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَزْءٌ مِنْهَا، إعْتَاقُهَا إعْتَاقٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا كَانَ مَقْصُودًا تَأَمَّلْ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا لَمْ يُشْتَرَطْ فِي عِتْقِهِ وِلَادَتُهُ لِأَقَلِّ الْمُدَّةِ ذَكَرُوا التَّبَعِيَّةَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْجُزْئِيَّةِ دَائِمًا وَلَمَّا كَانَ نَظَرُهُمْ هُنَا إلَى عَدَمِ انْتِقَالِ الْوَلَاءِ - وَالشَّرْطُ فِيهِ وِلَادَتُهُ لِلْأَقَلِّ - ذَكَرُوا الْقَصْدِيَّةَ لِتَحَقُّقِ الْجُزْئِيَّةِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: أَبَدًا) أَيْ وَلَوْ عَتَقَ أَبُوهُ حَتَّى لَوْ جَنَى الْوَلَدُ حُكِمَ بِجِنَايَتِهِ عَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 120 ضَرُورَةَ كَوْنِهِمَا تَوْأَمَيْنِ (فَإِذَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ فَوَلَاؤُهُ لِمَوَالِي الْأُمِّ) أَيْضًا لِتَعَذُّرِ تَبَعِيَّتِهِ لِلْأَبِ لِرِقِّهِ (فَإِنْ عَتَقَ) الْقِنُّ - وَهُوَ الْأَبُ - قَبْلَ مَوْتِ الْوَلَدِ لَا بَعْدَهُ (جَرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ إلَى مَوَالِيهِ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً فَلَوْ مُعْتَدَّةً فَوَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ مِنْ الْعِتْقِ وَلِدُونِ حَوْلَيْنِ مِنْ الْفِرَاقِ لَا يَنْتَقِلُ لِمَوَالِي الْأَبِ. (عَجَمِيٌّ لَهُ مَوْلَى مُوَالَاةٍ) أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَقَيَّدَ بِالْعَجَمِيِّ لِأَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ لَا يَكُونُ فِي الْعَرَبِ لِقُوَّةِ أَنْسَابِهِمْ.   [رد المحتار] مَوَالِي الْأُمِّ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ. (قَوْلُهُ: ضَرُورَةَ كَوْنِهِمَا تَوْأَمَيْنِ) أَيْ حَمَلَتْ بِهِمَا جُمْلَةً لِعَدَمِ تَخَلُّلِ مُدَّةِ الْحَمْلِ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا تَنَاوَلَ الْأَوَّلَ الْإِعْتَاقُ تَنَاوَلَ الْآخَرَ أَيْضًا زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِنِصْفِ حَوْلٍ فَأَكْثَرَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا التَّعْبِيرُ بِأَكْثَرَ مِنْ الْأَقَلِّ فَهُوَ مُسَاوٍ لِتَعْبِيرِ الشَّارِحِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: لِتَعَذُّرِ تَبَعِيَّتِهِ لِلْأَبِ) يَعْنِي أَنَّهُ وَإِنْ انْتَفَى تَحَقُّقُ الْجُزْئِيَّةِ هُنَا لِاحْتِمَالِ عُلُوقِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ تَبَعِيَّتُهُ لِلْأَبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ بَعْدُ فَيَثْبُتُ مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِيَّةِ لِأَنَّهُ عَتَقَ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا. (قَوْلُهُ: قَبْلَ مَوْتِ الْوَلَدِ لَا بَعْدَهُ) قَالَ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ: يَعْنِي إنْ أُعْتِقَ الْأَبُ قَبْلَ مَوْتِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ قَبْلَ عِتْقِهِ لَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ اهـ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِهَذَا الْوَلَدِ الْمَيِّتِ وَلَدٌ لَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ فَلْيُرَاجَعْ ح. أَقُولُ فِي الذَّخِيرَةِ: الْجَدُّ لَا يَجُرُّ وَلَاءَ حَافِدِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ يَجُرُّ. وَصُورَتُهُ: عَبْدٌ تَزَوَّجَ بِمُعْتَقَةِ قَوْمٍ وَحَدَثَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ وَلِهَذَا الْعَبْدِ أَبٌ حَيٌّ، وَأُعْتِقَ الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ وَبَقِيَ الْعَبْدُ عَلَى حَالِهِ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ - وَهُوَ أَبُو هَذَا الْوَلَدِ -، ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا يَجُرُّ مِيرَاثَهُ كَانَ لِمَوَالِي الْأُمِّ اهـ. (قَوْلُهُ: لِزَوَالِ الْمَانِعِ) وَهُوَ رِقُّ الْأَبِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْعِتْقَ عَلَى الْحَمْلِ قَصْدًا بَلْ عَتَقَ تَبَعًا لِأُمِّهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَالْمُنَافِي لِنَقْلِ الْوَلَاءِ عِتْقُهُ قَصْدًا. (قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ جَرُّ الْوَلَاءِ وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ الْوَلَاءِ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ أَوْ لِأَكْثَرَ. (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً) أَيْ وَقْتَ عِتْقِهَا. (قَوْلُهُ: مِنْ الْفِرَاقِ) أَيْ بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ ح. (قَوْلُهُ: لَا يَنْتَقِلُ لِمَوَالِي الْأَبِ) لِتَعَذُّرِ إضَافَةِ الْعُلُوقِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِلَى مَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ، وَكَذَا بَعْدَ الرَّجْعِيِّ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالشَّكِّ لِأَنَّهُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَ الطَّلَاقِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الرَّجْعَةِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ فَيَحْتَاجَ إلَى إثْبَاتِهَا لِيَثْبُتَ النَّسَبُ، وَإِذَا تَعَذَّرَ إضَافَتُهُ إلَى مَا بَعْدَ ذَلِكَ أُسْنِدَ إلَى حَاجَةِ النِّكَاحِ فَكَانَ الْوَلَدُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْإِعْتَاقِ فَعَتَقَ مَقْصُودًا فَلَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ وَتَبَيَّنَ مِنْ هَذَا أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِلتَّيَقُّنِ بِوُجُودِ الْوَلَدِ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ، وَأَمَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَالْحُكْمُ فِيهِ يَخْتَلِفُ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَالرَّجْعِيِّ فَفِي الْبَائِنِ مِثْلُ مَا كَانَ وَأَمَّا الرَّجْعِيُّ فَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأَبِ لِتَيَقُّنِنَا بِمُرَاجَعَتِهِ عِنَايَةٌ. (قَوْلُهُ: عَجَمِيٌّ إلَخْ) الْعَجَمُ جَمْعُ الْعَجَمِيِّ وَهُوَ خِلَافُ الْعَرَبِيِّ وَإِنْ كَانَ فَصِيحًا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ. وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ: إنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ عَرَبِيٍّ فَوَلَاءُ الْأَوْلَادِ لِقَوْمِ الْأَبِ فِي قَوْلِهِمْ. وَإِنْ مِنْ عَجَمِيٍّ لَهُ آبَاءٌ فِي الْإِسْلَامِ فَلِقَوْمِ الْأَبِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا اخْتَلَفَتْ الْمَشَايِخُ حُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ وَأَبِي بَكْرٍ الصَّفَّارِ أَنَّهُ لِقَوْمِ الْأَبِ وَقَالَ غَيْرُهُمَا: لِقَوْمِ الْأُمِّ وَإِنْ مِنْ حَرْبِيٍّ أَسْلَمَ وَوَالَى أَحَدًا أَوْ لَمْ يُوَالِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ. وَإِنْ مِنْ عَبْدٍ أَوْ مُكَاتَبٍ فَلِمَوَالِي الْأُمِّ إجْمَاعًا إلَّا إذْ أُعْتِقَ الْعَبْدُ فَيَجُرُّ الْوَلَاءَ كِفَايَةٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ) إنَّمَا فَرَضَهُ الْمَتْنُ فِيمَنْ لَهُ مَوْلَى مُوَالَاةٍ لِفَهْمِ مُقَابِلِهِ بِالْأَوْلَى فَلَوْ قَالَ: فَوَلَاءُ وَلَدِهَا لِمَوَالِيهَا، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ كَمَا فِي الْكَنْزِ لَكَانَ أَوْلَى ح. (قَوْلُهُ: لَا يَكُونُ فِي الْعَرَبِ) أَيْ لَا يَكُونُ الْعَرَبِيُّ مَوْلًى أَسْفَلَ ح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 121 (نَكَحَ مُعْتَقَتَهُ) وَلَوْ لِعَرَبِيٍّ (فَوَلَدَتْ مِنْهُ فَوَلَاءُ وَلَدِهَا لِمَوْلَاهَا) لِقُوَّةِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ حَتَّى اُعْتُبِرَ فِيهِ الْكَفَاءَةُ لَا فِي الْعَجَمِ وَوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ (وَالْمُعْتَقُ مُقَدَّمٌ عَلَى الرَّدِّ وَ) مُقَدَّمٌ (عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْعَصَبَةِ النِّسْبِيَّةِ) لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ سَبَبِيَّةٌ (فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى ثُمَّ الْمُعْتَقُ وَلَا وَارِثَ لَهُ) نَسَبِيٌّ (فَمِيرَاثُهُ لِأَقْرَبِ عَصَبَةِ الْمَوْلَى) الذُّكُورِ وَسَنُحَقِّقُهُ فِي بَابِهِ (وَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ) كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَسَيَجِيءُ الْجَوَابُ عَنْهُ فِي الْفَرَائِضِ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ مَاتَ الْمُعْتَقُ وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا ابْنَةَ مُعْتِقِهِ فَلَا شَيْءَ لَهَا) أَيْ لِابْنَةِ الْمُعْتِقِ (وَيُوضَعُ مَالُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ مَعْزِيًّا لِلنِّهَايَةِ: أَنَّ بِنْتَ الْمُعْتِقِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ: وَلَوْ لِعَرَبِيٍّ) صَوَابُهُ " وَلَوْ لِعَجَمِيٍّ " لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى الْعَجَمِيِّ كَانَ لِلْعَرَبِيِّ بِالْأَوْلَى ح. (قَوْلُهُ: لِمَوْلَاهَا) هَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِمَوْلَى الْأَبِ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْأَبِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى اُعْتُبِرَ فِيهِ الْكَفَاءَةُ) مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِهَا وَيَأْتِي قَرِيبًا وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَلَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بَعْدَ الْوُقُوعِ، وَالْمُوَالَاةُ بِعَكْسِ ذَلِكَ كُلِّهِ. (قَوْلُهُ: لَا فِي الْعَجَمِ وَوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ) أَيْ لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِيهِمَا مِنْ حَيْثُ النَّسَبُ وَالْحُرِّيَّةُ، فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ وَالنَّسَبَ فِي حَقِّ الْعَجَمِ ضَعِيفَانِ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهُمْ تَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ بِالِاسْتِرْقَاقِ، بِخِلَافِ الْعَرَبِ وَلِأَنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ فَإِنَّ تَفَاخُرَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِعِمَارَةِ الدُّنْيَا وَبَعْدَهُ بِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ سَيِّدُنَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: سَلْمَانُ أَبُوهُ الْإِسْلَامُ فَإِذَا ثَبَتَ الضَّعْفُ فِي جَانِبِ الْأَبِ كَانَ هُوَ وَالْعَبْدُ سَوَاءً. (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَقُ مُقَدَّمٌ عَلَى الرَّدِّ) مِنْ هُنَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ مِنْ مَسَائِلِ الْفَرَائِضِ فَيَنْبَغِي حَذْفُهَا ح. (قَوْلُهُ: مُؤَخَّرٌ عَنْ الْعَصَبَةِ النَّسَبِيَّةِ) أَيْ بِأَقْسَامِهَا الثَّلَاثِ بِالنَّفْسِ وَبِالْغَيْرِ، وَمَعَ الْغَيْرِ وَاحْتَرَزَ بِالنَّسَبِيَّةِ عَنْ النَّوْعِ الْآخَرِ مِنْ السَّبَبِيَّةِ وَهُوَ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ فَإِنَّ الْمُعْتَقَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ، وَعَصَبَةُ الْمُعْتَقِ مِثْلُهُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ سَبَبِيَّةٌ) أَيْ وَالنَّسَبُ أَقْوَى. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْمُعْتَقُ) بِفَتْحِ التَّاءِ. (قَوْلُهُ: وَلَا وَارِثَ لَهُ نَسَبِيٌّ) يَعُمُّ صَاحِبَ الْفَرْضِ وَالْعَصَبِيَّ. (قَوْلُهُ: لِأَقْرَبِ عَصَبَةِ الْمَوْلَى) أَخْرَجَ عَصَبَةَ عَصَبَتِهِ فَلَوْ أَعْتَقَتْ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ وَابْنٍ مِنْهُ وَأَخٍ لِغَيْرِ أُمٍّ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ فَالْوَلَاءُ لِابْنِهَا فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ مَاتَ الِابْنُ وَتَرَكَ خَالَهُ وَأَبَاهُ فَهُوَ لِلْخَالِ لِأَنَّهُ عَصَبَتُهَا دُونَ الْأَبِ، لِأَنَّهُ عَصَبَةُ ابْنِهَا وَتَمَامُهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالذَّخِيرَةِ. (قَوْلُهُ: الذُّكُورِ) نَعْتٌ لِلْعَصَبَةِ أَيْ لَا لِلنِّسَاءِ إذْ لَيْسَ هُنَا عَصَبَةٌ بِغَيْرِهِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ: وَسَنُحَقِّقُهُ فِي بَابِهِ) أَيْ فِي بَابِ الْمِيرَاثِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى مَا هُنَا سِوَى التَّعْلِيلِ بِالْحَدِيثِ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ إلَخْ) اسْتِئْنَافٌ فِي مَوْقِعِ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لِأَقْرَبِ عَصَبَةِ الْمَوْلَى يَشْمَلُ بَعْضَ النِّسَاءِ وَلِذَا فَرَّعَ عَلَيْهِ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ: فَلَوْ مَاتَ إلَخْ وَبِهَذَا عَلِمْت أَنَّ تَقْيِيدَ الشَّارِحِ أَوَّلًا بِالذُّكُورِ غَيْرُ لَازِمٍ. (قَوْلُهُ: الْمَذْكُورِ فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا) وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ أَوْ دَبَّرْنَ أَوْ دَبَّرَ مَنْ دَبَّرْنَ أَوْ جَرَّ وَلَاءً مُعْتَقُهُنَّ أَوْ مُعْتَقُ مُعْتَقِهِنَّ» اهـ وَقَوْلُهُ: جَرَّ عَطْفٌ عَلَى دَبَّرَ أَوْ أَعْتَقَ وَ " وَلَاءً " مَفْعُولُهُ وَ " مُعْتَقُهُنَّ " فَاعِلُهُ قُهُسْتَانِيٌّ فَإِذَا دَبَّرَتْ عَبْدًا فَمَاتَتْ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ فَوَلَاؤُهُ لَهَا حَتَّى يَكُونَ لِلذُّكُورِ مِنْ عَصَبَتِهَا، وَكَذَا لَوْ مَاتَتْ فَعَتَقَ الْمُدَبَّرُ بِمَوْتِهَا فَدَبَّرَ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ فَوَلَاؤُهُ لِعَصَبَتِهَا. [تَتِمَّةٌ] : قَالَ أَبُو السُّعُودِ عَنْ تَكْمِلَةِ الْفَتْحِ لِلدَّيْرِيِّ: عَبَّرَ بِمَا الْمَوْضُوعَةِ لِمَا لَا يَعْقِلُ لِأَنَّ الرَّقِيقَ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ الْمُلْحَقِ بِالْجَمَادِ، نَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المعارج: 30] وَبَعْدَ عِتْقِهِ عَبَّرَ بِمَنْ فِي " أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ " لِأَنَّهُ صَارَ بِالْعِتْقِ حَيًّا حُكْمًا. (قَوْلُهُ: لَكِنْ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ إلَخْ) وَقَالَ: وَالْوَارِدُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا كَاتَبْنَ أَوْ أَعْتَقْنَ. (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ الْجَوَابُ عَنْهُ فِي الْفَرَائِضِ) نَصُّهُ هُنَاكَ: وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ شُذُوذٌ لَكِنَّهُ تَأَكَّدَ بِكَلَامِ كِبَارِ الصَّحَابَةِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْهُورِ كَمَا بَسَطَهُ السَّيِّدُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ ح وَسَنَذْكُرُ هُنَاكَ تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ إلَخْ) وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ: وَهَكَذَا كَانَ يُفْتِي الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْبَرْزَنْجِرِيُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 122 تَرِثُ فِي زَمَانِنَا لِفَسَادِ بَيْتِ الْمَالِ وَكَذَا مَا فَضَلَ عَنْ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَكَذَا الْمَالُ يَكُونُ لِلِابْنِ أَوْ الْبِنْتِ رَضَاعًا كَذَا فِي فَرَائِضِ الْأَشْبَاهِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ (وَإِذَا مَلَك الذِّمِّيُّ عَبْدًا) وَلَوْ مُسْلِمًا (وَأَعْتَقَهُ فَوَلَاؤُهُ لَهُ) لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ فَيَتَوَارَثُونَ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجِبِ كَالْمُسْلِمِينَ فَلَوْ مُسْلِمًا لَا يَرِثُهُ وَلَا يَعْقِلُ عَنْهُ، وَبِهَذَا اتَّضَحَ فَسَادُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَلَاءَ هُوَ الْمِيرَاثُ حَقَّ الِاتِّضَاحِ. (وَلَوْ أَعْتَقَ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَبْدًا حَرْبِيًّا لَا يَعْتِقُ) بِمُجَرَّدِ إعْتَاقِهِ (إلَّا أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ فَإِذَا خَلَّاهُ عَتَقَ حِينَئِذٍ وَلَا وَلَاءَ لَهُ) حَتَّى لَوْ خَرَجَا إلَيْنَا مُسْلِمَيْنِ لَا يَرِثُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي (وَكَانَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ لِأَنَّهُ لَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ) عَلَيْهِ. (وَلَوْ دَخَلَ مُسْلِمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَاشْتَرَى عَبْدًا ثَمَّةَ وَأَعْتَقَهُ بِالْقَوْلِ عَتَقَ بِلَا تَخْلِيَةٍ   [رد المحتار] وَالْقَاضِي الْإِمَامُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَكَانَ الصَّرْفُ إلَيْهَا أَوْلَى إذْ لَوْ كَانَتْ ذَكَرًا تَسْتَحِقُّ الْمَالَ. (قَوْلُهُ: تَرِثُ فِي زَمَانِنَا) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهَا لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ، بَلْ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى الْمَيِّتِ ح. (قَوْلُهُ: وَكَذَا مَا فَضَلَ إلَخْ) عَزَاهُ فِي الذَّخِيرَةِ إلَى فَرَائِضِ الْإِمَامِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الشَّهِيدِ. (قَوْلُهُ: لِلِابْنِ أَوْ الْبِنْتِ رَضَاعًا) عَزَاهُ فِي الذَّخِيرَةِ إلَى مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى قُلْت: وَلَكِنْ بَلَغَنِي أَنَّهُمْ لَا يُفْتُونَ بِذَلِكَ فَتَنَبَّهْ وَفِيهِ مِنْ كِتَابِ الْفَرَائِضِ. قُلْت: وَلَمْ أَرَ فِي زَمَانِنَا مَنْ أَفْتَى بِهَذَا وَلَا مَنْ قَضَى بِهِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِهِ فَيَنْبَغِي جَوَازُهُ دِيَانَةً فَلْيُحَرَّرْ وَلْيُتَدَبَّرْ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُسْلِمًا) أَتَى بِهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي ثُبُوتِ الْوَلَاءِ، وَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَلَا يَثْبُتُ مَا دَامَ الْمُعْتِقُ كَافِرًا وَسَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُسْلِمًا لَا يَرِثُهُ) لِانْعِدَامِ شَرْطِ الْإِرْثِ وَهُوَ اتِّحَادُ الْمِلَّةِ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ قَبْلَ مَوْتِ الْمُعْتَقِ، ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ يَرِثُ بِهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ لِلذِّمِّيِّ عَصَبَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَعَمٍّ مُسْلِمٍ يَرِثُهُ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ الذِّمِّيُّ كَالْمَيِّتِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ مُسْلِمٌ يُرَدُّ إلَى بَيْتِ الْمَالِ وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ مُسْلِمٌ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ فَنِصْفُ وَلَائِهِ لِلْمُسْلِمِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِأَقْرَبِ عَصَبَةِ الذِّمِّيِّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إنْ كَانَ وَإِلَّا رُدَّ لِبَيْتِ الْمَالِ بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَعْقِلُ عَنْهُ) فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مِنْ نَصَارَى تَغْلِبَ فَالْعَقْلُ عَلَى قَبِيلَتِهِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُعْتِقِ الذِّمِّيِّ قَبِيلَةٌ فَعَقْلُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَهِيَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ مُسْلِمٌ فَالْإِرْثُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَالْعَقْلُ عَلَى الْعَبْدِ نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا اتَّضَحَ إلَخْ) لِأَنَّ الْوَلَاءَ وُجِدَ بِلَا مِيرَاثٍ ح. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَعْتَقَ حَرْبِيٌّ) التَّقْيِيدُ بِالْحَرْبِيِّ مُفِيدٌ بِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِهِ " لَا يَعْتِقُ " إلَّا أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ لِأَنَّهُ فِي الْمُسْلِمِ يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِهِ وَلَا وَلَاءَ لَهُ فَإِنَّهُ وَالْمُسْلِمُ سَوَاءٌ، وَسَنَذْكُرُ قَرِيبًا الْكَلَامَ فِيهِ - لَمْ يَتِمَّ عَبْدًا حَرْبِيًّا فَلَوْ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا عَتَقَ بِالْإِجْمَاعِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا خَلَّاهُ عَتَقَ) أَيْ صَحَّ عِتْقُهُ لَكِنَّهُ الْعِتْقُ فِي حَقِّ زَوَالِ الرِّقِّ وَإِنْ صَحَّ فِي حَقِّ إزَالَةِ الْمِلْكِ، لِأَنَّ كَوْنَ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِهِ سَبَبٌ لِرِقِّهِ طُورِيٌّ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: وَلَا وَلَاءَ لَهُ) هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَهُمَا بِكَلَامِ الْإِعْتَاقِ بَلْ بِالتَّخْلِيَةِ، وَالْعِتْقُ الثَّابِتُ بِهَا لَا يُوجِبُ الْوَلَاءَ بَدَائِعُ لِمَا عَلِمْت أَنَّهَا لَا تُزِيلُ الرِّقَّ وَإِنْ أَزَالَتْ الْمِلْكَ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلثَّانِي) فَعِنْدَهُ وَلَاؤُهُ لَهُ لِأَنَّ إعْتَاقَهُ بِالْقَوْلِ صَحَّ وَكَذَا إنْ دَبَّرَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ اسْتِيلَادَهُ جَائِزٌ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ وَهُوَ يَثْبُتُ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ: عَتَقَ بِلَا تَخْلِيَةٍ) أَيْ وَكَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ الْمَارُّ فَإِنَّهُ عَتَقَ بِالْقَوْلِ لَا بِالتَّخْلِيَةِ، لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِالْقَوْلِ بَلْ بِالتَّخْلِيَةِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِيرُ مَوْلَاهُ اهـ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. وَلَمْ أَجِدْهُ فِي نُسْخَتَيْ الْبَدَائِعِ، نَعَمْ: رَأَيْت فِي الْهِنْدِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الْبَدَائِعِ لَوْ أَعْتَقَ مُسْلِمٌ عَبْدًا لَهُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَوَلَاؤُهُ لَهُ لِأَنَّ إعْتَاقَهُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 123 لَوْ كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا فَأَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ أَوْ حَرْبِيٌّ) فِي دَارِ الْإِسْلَامِ (فَوَلَاؤُهُ لَهُ) أَيْ لِمُعْتِقِهِ. [فُرُوعٌ] . ادَّعَيَا وَلَاءَ مَيِّتٍ وَبَرْهَنَ كُلٌّ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ يُقْضَى بِالْمِيرَاثِ وَالْوَلَاءِ لَهُمَا. الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ الْوَلَاءَ أَوَّلًا حَتَّى تَنْفُذَ مِنْهُ وَصَايَاهُ وَتُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ. الْكَفَاءَةُ تُعْتَبَرُ فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ فَمُعْتَقَةُ التَّاجِرِ كُفْءٌ لِمُعْتَقِ الْعَطَّارِ دُونَ الدَّبَّاغِ. الْأُمُّ إذَا كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ بِمَعْنَى عَدَمِ الرِّقِّ فِي أَصْلِهَا فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهَا   [رد المحتار] أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ حَرْبِيًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَصِيرُ مَوْلَاهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ الثَّانِي يَصِيرُ اهـ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِالْقَوْلِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يَصِيرُ مَوْلَاهُ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْعِتْقِ، بَلْ صَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِأَنَّهُ يَعْتِقُ حَيْثُ قَالَ: إذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ فَاشْتَرَى حَرْبِيًّا وَأَعْتَقَهُ عَتَقَ إلَّا أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ فِي قَوْلِهِمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَثْبُتُ اسْتِحْسَانًا وَذَكَرَ نَحْوَهُ الطُّورِيُّ عَنْ الْمُحِيطِ: ثُمَّ رَأَيْت فِي كِتَابِ الْإِعْتَاقِ مِنْ الْبَحْرِ مَا نَصُّهُ: الْمُسْلِمُ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَاشْتَرَى عَبْدًا حَرْبِيًّا فَأَعْتَقَهُ ثَمَّةَ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِدُونِ التَّخْلِيَةِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَعْتِقُ بِدُونِهَا، وَلَا وَلَاءَ لَهُ عِنْدَهُمَا قِيَاسًا وَلَهُ الْوَلَاءُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانًا اهـ، وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا إلَخْ) لَمْ يَسْتَوْفِ الْأَقْسَامَ. وَحَاصِلُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْمُعْتِقُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَيَثْبُتَ الْوَلَاءُ لَهُ - وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ ذِمِّيًّا -، أَمَّا لَوْ حَرْبِيًّا فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَارُّ، وَلَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ حَرْبِيًّا؛ فَإِنْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عَتَقَ وَثَبَتَ لَهُ الْوَلَاءُ سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا وَإِنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَالْعَبْدُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فَكَذَلِكَ وَلَوْ حَرْبِيًّا لَا يَعْتِقُ بِلَا تَخْلِيَةٍ وَإِذَا عَتَقَ فَلَا وَلَاءَ. (قَوْلُهُ: فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) مِثْلُهُ مَا إذَا كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَالْمَوْلَى مُسْلِمٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. [فَرْعٌ مُهِمٌّ] : شَرَى حَرْبِيٌّ مُسْتَأْمَنٌ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى دَارِهِ فَسُبِيَ فَاشْتَرَاهُ عَبْدُهُ الْمُعْتَقُ فَأَعْتَقَهُ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَوْلًى لِلْآخَرِ وَكَذَلِكَ ذِمِّيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ مُرْتَدَّةٌ لَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَا بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ: يُقْضَى بِالْمِيرَاثِ وَالْوَلَاءِ لَهُمَا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الدَّعْوَى الْوَلَاءُ، وَهُمَا سِيَّانِ، وَلَمْ يُرَجَّحْ ذُو الْيَدِ لِأَنَّ سَبَبَ الْوَلَاءِ - وَهُوَ الْعِتْقُ - لَا يَتَأَكَّدُ بِالْقَبْضِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُوَقِّتَا وَلَمْ يَسْبِقْ الْقَضَاءُ بِإِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ لِمَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لَوْ وُقِّتَا فَالسَّابِقُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْعِتْقَ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ، وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ كَانَ ذُو الْوَقْتِ الْأَخِيرِ أَوْلَى، لِأَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَالْفَسْخَ، فَكَانَ عَقْدُ الثَّانِي نَقْضًا لِلْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ شُهُودُ صَاحِبِ الْوَقْتِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ كَانَ عَقَلَ عَنْهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَأَشْبَهَ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. (قَوْلُهُ: الْمَوْلَى) أَيْ الْمُعْتِقُ وَلَوْ بِكِتَابَةٍ أَوْ تَدْبِيرٍ أَوْ اسْتِيلَادٍ ط. (قَوْلُهُ: يَسْتَحِقُّ الْوَلَاءَ أَوَّلًا) أَيْ إذَا مَاتَ أَمَّا لَوْ كَانَ حَيًّا فَلَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَهَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ " أَوْ مَيِّتًا إلَخْ ". (قَوْلُهُ: فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ) بِخِلَافِ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: فَمُعْتَقَةُ التَّاجِرِ إلَخْ) الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ: فَمُعْتَقُ التَّاجِرِ كُفْءٌ لِمُعْتَقَةِ الْعَطَّارِ، وَلَا يَكُونُ كُفْئًا لَهَا مُعْتَقُ الدَّبَّاغِ لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ تُعْتَبَرُ لَهَا لَا لَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ ط. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى عَدَمِ الرِّقِّ فِي أَصْلِهَا) أَيْ وَلَا فِيهَا أَيْضًا وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ حُرَّ الْأَصْلِ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَنْ لَمْ يَجْرِ عَلَى نَفْسِهِ رِقٌّ، سَوَاءٌ جَرَى عَلَى أَصْلِهِ رِقٌّ أَوْ لَا وَلَيْسَ بِمُرَادٍ هُنَا كَمَا حَقَّقَهُ فِي الدُّرَرِ ح (قَوْلُهُ: فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهَا) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْتَقًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَى أُمِّهِ، فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهَا، بَدَائِعُ، وَوَافَقَهُ فِي شَرْحِ التَّكْمِلَةِ وَمُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ وَمُخْتَصَرِ الْمَسْعُودِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الدُّرَرِ قَالَ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ: هَذَا فَرْعٌ مُهِمٌّ فَاحْفَظْهُ فَإِنَّهُ مَزِلَّةُ الْأَقْدَامِ اهـ. وَفِي الْعَزْمِيَّةِ: اعْلَمْ أَنَّ سَادَتَنَا الْعُلَمَاءَ، الَّذِينَ أَفْتَوْا بِقُسْطَنْطِينِيَّة الْمَحْمِيَّةِ بِالْأَمْرِ السُّلْطَانِيِّ وَالنَّصْبِ الْخَاقَانِيِّ مِنْ حِينِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 124 وَالْأَبُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَوْ عَرَبِيًّا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَلَوْ عَجَمِيًّا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِقَوْمِ الْأَبِ وَيَرِثُهُ مُعْتِقُ الْأُمِّ وَعَصَبَتُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَصْلٌ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ (أَسْلَمَ رَجُلٌ) مُكَلَّفٌ (عَلَى يَدِ آخَرَ وَوَالَاهُ أَوْ) وَالَى (غَيْرَهُ) الشَّرْطُ كَوْنُهُ عَجَمِيًّا لَا مُسْلِمًا عَلَى مَا مَرَّ وَسَيَجِيءُ (عَلَى أَنْ يَرِثَهُ) إذَا مَاتَ (وَيَعْقِلَ عَنْهُ) إذَا جَنَى (صَحَّ) هَذَا الْعَقْدُ (وَعَقْلُهُ عَلَيْهِ   [رد المحتار] الْفَتْحِ إلَى عَامِنَا هَذَا - وَهُوَ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْأَلْفِ - افْتَرَقُوا فِرْقَتَيْنِ، فَذَهَبَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمْ إلَى هَذَا الْقَوْلِ الْمَنْقُولِ مِنْ الْبَدَائِعِ كَصَاحِبِ الدُّرَرِ وَالْمَوْلَى ابْنِ كَمَالٍ بَاشَا وَالْمَوْلَى قَاضِي زَادَهْ وَالْمَوْلَى بُسْتَانْ زَادَهْ وَالْمَوْلَى زَكَرِيَّا وَالْمَوْلَى سَعْدِ الدِّينِ بْنِ حَسَنٍ خَانْ وَالْمَوْلَى صُنْعِ اللَّهِ، وَذَهَبَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمْ أُخْرَى إلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ مِنْهُمْ الْمَوْلَى سَعْدٌ جَلَبِي وَالْمَوْلَى عَلِيٌّ الْجَمَالِيُّ وَالْمَوْلَى الشَّهِيرُ بِجَوَى زَادَهْ الْكَبِيرِ وَابْنُهُ. وَقَدْ أَفْتَى الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ أَوَّلًا عَلَى هَذَا وَصَرَّحَ بِرُجُوعِهِ فِي فَتْوَى مِنْهُ فَأَفْتَى بَعْدَهُ عَلَى مُوَافَقَةِ مَا فِي الْبَدَائِعِ، وَاسْتَقَرَّ رَأْيُهُ عَلَى ذَلِكَ إلَى أَنْ قَضَى نَحْبَهُ جَعَلَ اللَّهُ سَعْيَهُمْ مَشْكُورًا وَعَمَلَهُمْ مَبْرُورًا. وَرَأَيْت فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ مَا نَصُّهُ: مَنْ أُمُّهُ حُرَّةٌ أَصْلِيَّةٌ، وَأَبُوهُ رَقِيقٌ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ مَا دَامَ الْأَبُ رَقِيقًا، فَإِنْ أُعْتِقَ فَهَلْ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ لِمَوَالِي الْأَبِ يُحْكَى فِيهِ قَوْلَانِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْمِعْرَاجِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَبُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ) أَيْ حُرَّ الْأَصْلِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ عَرَبِيًّا) التَّقْيِيدُ بِهِ اتِّفَاقِيٌّ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَبُ مَوْلَى عَرَبِيٍّ لَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَى وَلَدِهِ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْعَرَبِيِّ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» كَذَا فِي الْبَدَائِعِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَمِثْلُهُ فِي الْهِنْدِيَّةِ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ لَا لِقَوْمِ الْأَبِ وَلَا لِقَوْمِ الْأُمِّ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِجِهَةِ الْأَبِ وَلَا رِقَّ فِي جِهَتِهِ ح وَفَسَّرَ الْإِطْلَاقَ فِي الْعَزْمِيَّةِ بِقَوْلِهِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ أُمُّهُ مُعْتَقَةً أَوْ لَا. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) أَيْ فَإِنَّهُ يَقُولُ الْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأَبَ فِي الْوَلَاءِ كَمَا فِي الْعَرَبِيِّ، لِأَنَّ النَّسَبَ لِلْآبَاءِ وَإِنْ ضَعُفَ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لِلنُّصْرَةِ وَلَا نُصْرَةَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، لِأَنَّ مَنْ سِوَى الْعَرَبِ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِالْقَبَائِلِ بَدَائِعُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الصُّوَرَ خَمْسَةٌ؛ أَرْبَعَةٌ وِفَاقِيَّةٌ، وَالْخَامِسَةُ خِلَافِيَّةٌ. الْأُولَى: حُرَّانِ أَصْلِيَّانِ بِمَعْنَى عَدَمِ دُخُولِ رِقٍّ فِيهِمَا وَلَا فِي أُصُولِهِمَا فَلَا وَلَاءَ عَلَى أَوْلَادِهِمَا. الثَّانِيَةُ: مُعْتَقَانِ أَوْ فِي أَصْلِهِمَا مُعْتَقٌ فَالْوَلَاءُ لِقَوْمِ الْأَبِ. الثَّالِثَةُ: الْأَبُ مُعْتَقٌ أَوْ فِي أَصْلِهِ مُعْتَقٌ وَالْأُمُّ حُرَّةُ الْأَصْلِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى عَرَبِيَّةٌ أَوْلَى فَلَا وَلَاءَ لِقَوْمِ الْأَبِ. الرَّابِعَةُ: الْأُمُّ مُعْتَقَةٌ وَالْأَبُ حُرُّ الْأَصْلِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى فَإِنْ عَرَبِيًّا فَلَا وَلَاءَ لِقَوْمِ الْأُمِّ وَإِلَّا، وَهِيَ الْخَامِسَةُ: الْخِلَافِيَّةُ فَعِنْدَهُمَا لِقَوْمِ الْأُمِّ وَعِنْدَ الثَّانِي لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ وَتَمَامُ تَحْقِيقِ الْمَسْأَلَةِ فِي الدُّرَرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ] أَخَّرَهُ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّحَوُّلِ وَالِانْتِقَالِ وَلِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لَا اعْتِبَارَ لَهُ أَصْلًا بِخِلَافِ الْعَتَاقَةِ وَالْأَدِلَّةُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ. (قَوْلُهُ: رَجُلٌ مُكَلَّفٌ) أَيْ عَاقِلٌ بَالِغٌ فَلَيْسَ لِلصَّبِيِّ الْعَاقِلِ أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَهُ وَلَوْ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالرَّجُلِ اتِّفَاقِيٌّ لِصِحَّتِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: أَوْ وَالَى غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ وَعِنْدَ عَطَاءٍ هُوَ مَوْلًى لِلَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ: الشَّرْطُ كَوْنُهُ عَجَمِيًّا لَا مُسْلِمًا) تُعُقِّبَ عَلَى قَوْلِهِ أَسْلَمَ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَقَدْ صَرَّحَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ بِأَنَّهُ ذُكِرَ عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا مَرَّ وَسَيَجِيءُ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: عَجَمِيًّا فَإِنَّهُ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الْمُوَالَاةَ لَا تَكُونُ فِي الْعَرَبِ، وَسَيَجِيءُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ أَنْ لَا يَكُونَ عَرَبِيًّا، وَيُصَرِّحُ بَعْدَهُ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِشَرْطٍ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنْ يَرِثَهُ) بِأَنْ يَقُولَ: أَنْتِ مَوْلَايَ تَرِثُنِي إذَا مِتُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 125 وَإِرْثُهُ لَهُ) وَكَذَا لَوْ شُرِطَ الْإِرْثُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. (وَلَوْ وَالَى صَبِيٌّ عَاقِلٌ بِإِذْنِ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ صَحَّ) لِعَدَمِ الْمَانِعِ (كَمَا لَوْ وَالَى الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ آخَرَ) فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَكُونُ وَكِيلًا عَنْ سَيِّدِهِ بِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ (وَأُخِّرَ) إرْثُهُ (عَنْ) إرْثِ (ذِي الرَّحِمِ) لِضَعْفِهِ (وَلَهُ النَّقْلُ عَنْهُ بِمَحْضَرِهِ إلَى غَيْرِهِ إنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ أَوْ عَنْ وَلَدِهِ، فَإِنْ عَقَلَ عَنْهُ أَوْ عَنْ وَلَدِهِ لَا يَنْتَقِلُ) لِتَأْكِيدِهِ (وَلَا يُوَالِي مُعْتَقٌ أَحَدًا) لِلُزُومِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ.   [رد المحتار] وَتَعْقِلُ عَنِّي إذَا جَنَيْتُ فَيَقُولَ: قَبِلْتُ أَوْ يَقُولَ: وَالَيْتُك فَيَقُولَ: قَبِلْت بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْإِرْثَ، وَالْعَقْلَ فِي الْعَقْدِ بَدَائِعُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذِكْرَهُ شَرْطٌ وَسَيُصَرِّحُ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِرْثُهُ لَهُ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ مَاتَ الْأَعْلَى ثُمَّ الْأَسْفَلُ فَإِنَّمَا يَرِثُهُ الذُّكُورُ مِنْ أَوْلَادِ الْأَعْلَى دُونَ الْإِنَاثِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ طُورِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ شُرِطَ الْإِرْثُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) أَيْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ الْآتِيَةِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَيَرِثُ كُلٌّ صَاحِبَهُ الَّذِي مَاتَ قَبْلَهُ وَقَدْ ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَنَقَلَ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ ابْنِ الضِّيَاءِ أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ الثَّانِي مَوْلَى الْأَوَّلِ، وَيَبْطُلُ وَلَاءُ الْأَوَّلِ وَقَالَا: كُلٌّ مَوْلَى صَاحِبِهِ وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. وَنَقَلَ الْخِلَافَ أَيْضًا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ التُّحْفَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَالَى صَبِيٌّ عَاقِلٌ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْقِلْ لَمْ يُعْتَبَرْ تَصْرِيفُهُ أَصْلًا دُرَرٌ وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَلَوْ عَقَدَ مَعَ الصَّغِيرِ أَوْ مَعَ الْعَبْدِ اهـ. فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: صَبِيًّا عَاقِلًا أَوْ عَبْدًا بِالنَّصْبِ لِيُفْهَمَ أَنَّ الصَّبِيَّ أَوْ الْعَبْدَ مَوْلًى أَعْلَى لِمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَأَمَّا الْبُلُوغُ فَهُوَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ فِي جَانِبِ الْإِيجَابِ، حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ الصَّبِيُّ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ وَوَالَاهُ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَذِنَ أَبُوهُ الْكَافِرُ إذْ لَا وِلَايَةَ لِلْأَبِ الْكَافِرِ عَلَى الِابْنِ الْمُسْلِمِ، وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ سَائِرُ عُقُودِهِ بِإِذْنِهِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَأَمَّا مِنْ جَانِبِ الْقَبُولِ فَهُوَ شَرْطُ النَّفَاذِ حَتَّى لَوْ وَالَى بَالِغٌ فَقِيلَ: صَبِيًّا تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ، وَكَذَا لَوْ وَالَى رَجُلٌ عَبْدًا تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى إلَّا أَنَّ الْوَلَاءَ مِنْ الْمَوْلَى وَفِي الصَّبِيِّ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْمِلْكِ وَالْمُكَاتَبُ كَالْعَبْدِ اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: لِضَعْفِهِ) لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ عَقْدُهُمَا فَلَا يَلْزَمُ غَيْرُهُمَا وَذُو الرَّحِمِ وَارِثٌ شَرْعًا فَلَا يَمْلِكَانِ إبْطَالَهُ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ النَّقْلُ عَنْهُ بِمَحْضَرِهِ) أَيْ بِعِلْمِهِ بَدَائِعُ وَالضَّمِيرُ فِي لَهُ لِلْمَوْلَى الْأَسْفَلِ، وَقَوْلُهُ إلَى غَيْرِهِ مُتَعَلِّقٌ بِالنَّقْلِ، وَالضَّمِيرُ فِيهِ لِلْأَعْلَى، وَتَقْيِيدُهُ بِالْحَضْرَةِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ، حَيْثُ اعْتَبَرَهَا قَيْدًا لِلتَّبَرِّي عَنْ الْوَلَاءِ دُونَ الِانْتِقَالِ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ آخَرَ مَعَ غَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ: لِلْمَوْلَى الْأَسْفَلِ أَنْ يَفْسَخَ الْوَلَاءَ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ مَعَ غَيْرِهِ، وَلَكِنْ لَيْسَ لِلْأَعْلَى، وَالْأَسْفَلِ أَنْ يَفْسَخَ الْوَلَاءَ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ قَصْدًا اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالتَّبْيِينِ وَالْمُجْتَبَى وَغُرَرِ الْأَفْكَارِ وَالدُّرَرِ وَالْمُلْتَقَى وَالْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا وَكَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ، لِأَنَّ عَقْدَهُ مَعَ غَيْرِهِ فَسْخٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ، وَقَدْ يَثْبُتُ الشَّيْءُ ضَرُورَةً، وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ قَصْدًا كَمَا لَوْ وَكَّلَ بِبَيْعِ عَبْدٍ، وَعَزَلَهُ وَالْوَكِيلُ غَائِبٌ لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ بَاعَ الْعَبْدَ أَوْ أَعْتَقَهُ انْعَزَلَ عَلِمَ أَوْ لَا بَدَائِعُ وَعِبَارَةُ الْكَنْزِ مُسَاوِيَةٌ لِعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَقَيَّدَ ابْنُ الْكَمَالِ فِي الْإِصْلَاحِ بِالْحَضْرَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، فَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلًا آخَرَ يَحْتَاجُ إلَى إصْلَاحٍ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ. نَعَمْ: ذَكَرَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ نَحْوَ مَا فِي الْإِصْلَاحِ عَنْ تَاجِ الشَّرِيعَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَنْ وَلَدِهِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ، وَكَذَا مَنْ يُولَدُ لَهُ بَعْدَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، بِخِلَافِ الْكِبَارِ حَتَّى لَوْ وَالَى ابْنُهُ الْكَبِيرُ رَجُلًا آخَرَ فَوَلَاؤُهُ لَهُ وَلَوْ كَبِرَ بَعْضُ الصِّغَارِ، فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى عَقَلَ عَنْهُ أَوْ عَنْ أَبِيهِ أَوْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ: لَا يَنْتَقِلُ) وَكَذَا وَلَدُهُ كَمَا عَلِمْتَ. (قَوْلُهُ: لِتَأْكِيدِهِ) بِالْيَاءِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِتَأَكُّدِهِ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْعِوَضِ فِي الْهِبَةِ. (قَوْلُهُ: لِلُزُومِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ) لِأَنَّ سَبَبَهُ - وَهُوَ الْعِتْقُ - لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، فَلَا يَنْفَسِخُ وَلَا يَنْعَقِدُ مَعَهُ، لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ زَيْلَعِيٌّ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: ذِمِّيٌّ أَعْتَقَ عَبْدًا ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَاسْتُرِقَّ لَيْسَ لِمُعْتَقِهِ أَنْ يُوَالِيَ آخَرَ لِأَنَّ لَهُ مَوْلَى عَتَاقَةٍ، فَإِنْ أُعْتِقَ مَوْلَاهُ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ إنْ مَاتَ وَإِنْ جَنَى بَعْدَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 126 (امْرَأَةٌ وَالَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ) مَجْهُولَ النَّسَبِ (يَتْبَعُهَا الْمَوْلُودُ فِيمَا عَقَدَتْ) وَكَذَا لَوْ أَقَرَّتْ بِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ أَوْ أَنْشَأَتْهُ وَالْوَلَدُ مَعَهَا لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ فِي حَقِّ صَغِيرٍ لَمْ يُدْرَ لَهُ أَبٌ. (وَ) عَقْدُ الْمُوَالَاةِ (شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ حُرًّا مَجْهُولَ النَّسَبِ) بِأَنْ لَا يُنْسَبَ إلَى غَيْرِهِ أَمَّا نِسْبَةُ غَيْرِهِ إلَيْهِ فَغَيْرُ مَانِعٍ، عِنَايَةٌ (وَ) الثَّانِي: (أَنْ لَا يَكُونَ عَرَبِيًّا وَ) الثَّالِثُ: (أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَلَاءُ عَتَاقَةٍ وَلَا وَلَاءُ مُوَالَاةٍ مَعَ أَحَدٍ وَقَدْ عَقَلَ عَنْهُ) وَالرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ عَقَلَ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ، وَالْخَامِسُ: أَنْ يُشْتَرَطَ الْعَقْلُ وَالْإِرْثُ، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ فَتَجُوزُ مُوَالَاةُ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ وَعَكْسُهُ وَالذِّمِّيِّ الذِّمِّيَّ وَإِنْ أَسْلَمَ الْأَسْفَلُ   [رد المحتار] ذَلِكَ عَقَلَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا يَعْقِلُ عَنْهُ مَوْلَاهُ فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ وَفِي بَعْضِهَا. قَالَ: يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ اهـ فَأَفَادَ الْمَنْعَ مِنْ الْمُوَالَاةِ وَلَوْ مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ فِي مَوْلَى الْعَتَاقَةِ. (قَوْلُهُ: مَجْهُولَ النَّسَبِ) هُوَ الَّذِي لَا يُدْرَى لَهُ أَبٌ فِي مَسْقَطِ رَأْسِهِ ط. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ) لِأَنَّهُ يَعْقِلُهُ إذَا جَنَى فَصَارَ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَمَا ذُكِرَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتْبَعُهَا. (قَوْلُهُ: وَعَقْدُ الْمُوَالَاةِ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ وَعَاقِدُ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ ح وَالْمُرَادُ بِالْعَاقِدِ الْمُوجِبُ لَا الْقَابِلُ. (قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ حُرًّا) لَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ صِحَّةِ مُوَالَاةِ الْعَبْدِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ كَمَا وُهِمَ لِأَنَّ ذَاكَ فِي الْقَابِلِ وَكَلَامُنَا فِي الْمُوجِبِ. (قَوْلُهُ: مَجْهُولَ النَّسَبِ) أَقُولُ: صَرَّحُوا بِأَنَّ لِلِابْنِ أَنْ يَعْقِدَ الْمُوَالَاةَ أَوْ يَتَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ إلَى غَيْرِ مَوْلَى الْأَبِ إذَا لَمْ يَعْقِلْ الْمَوْلَى عَنْهُ فَهَذَا الشَّرْطُ لَا يُوَافِقُهُ، سَعْدِيَّةٌ وَنَقَلَ نَحْوَهُ ح عَنْ الْمَقْدِسِيَّ. أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ وَلَوْ عُلِمَ نَسَبُهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ كَوْنُهُ مَجْهُولَ النَّسَبِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ الْبَعْضِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. (قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَكُونَ عَرَبِيًّا) يَعْنِي وَلَا مَوْلَى عَرَبِيٍّ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَيُغْنِي عَنْ هَذَا كَوْنُهُ مَجْهُولَ النَّسَبِ لِأَنَّ الْعَرَبَ أَنْسَابُهُمْ مَعْلُومَةٌ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَسَعْدِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَلَاءُ عَتَاقَةٍ) أَيْ وَإِنْ قَامَ بِالْمَوْلَى مَانِعٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَلَا وَلَاءُ مُوَالَاةٍ إلَخْ) لَوْ قَالَ: وَلَا عَقَلَ عَنْهُ غَيْرُ الَّذِي وَالَاهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ لَدَخَلَ فِيهِ الرَّابِعُ فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ صَارَ وَلَاؤُهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَمْلِكُ تَحْوِيلَهُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ: وَالْخَامِسُ) بَقِيَ سَادِسٌ وَسَابِعٌ وَثَامِنٌ: قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَأَنْ يَكُونَ حُرًّا عَاقِلًا بَالِغًا اهـ فَإِنَّهَا شُرُوطٌ فِي الْعَاقِدِ الْمُوجِبِ، وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا مَرَّ وَهَذَا الْخَامِسُ صَرَّحَ بِاشْتِرَاطِهِ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَاعْتَرَضَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِعِبَارَاتٍ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهَا بِهِ وَرَدَّهُ قَاضِي زَادَهْ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ إلَخْ) اسْتَشْكَلَهُ فِي الدُّرَرِ بِأَنَّ الْإِرْثَ لَازِمٌ لِلْوَلَاءِ، وَاخْتِلَافَ الدِّينَيْنِ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ يَثْبُتُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَكِنْ لَا يَظْهَرُ مَا دَامَا عَلَى حَالِهِمَا، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ يَعُودُ الْمَمْنُوعُ كَمَا أَنَّ كُفْرَ الْعَصَبَةِ أَوْ صَاحِبِ الْفَرْضِ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ، فَإِذَا زَالَ قَبْلَ الْمَوْتِ يَعُودُ الْمَمْنُوعُ اهـ، وَرَدَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ فَهُوَ مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ، لِأَنَّ الِاسْتِشْكَالَ فِي وَجْهِ الْحُكْمِ لَا فِي نَقْلِهِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ تَنْزِيلَهُ مَنْزِلَةَ الْوَصِيَّةِ يُفِيدُ اسْتِحْقَاقَ الْمُوَالِي الْمَالَ بَعْدَ مَوْتِ مَنْ وَالَاهُ لَا عَنْ وَارِثٍ وَإِنْ اخْتَلَفَ الدِّينُ كَمَا فَهِمَهُ بَعْضُهُمْ فَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ، كَيْفَ وَقَدْ عَدُّوا الْمُوَالَاةَ مِنْ أَسْبَابِ الْمِيرَاثِ وَسَمَّوْهُ وَارِثًا مُسْتَحِقًّا جَمِيعَ الْمَالِ عَلَى أَنَّهُ نَقَلَ الطُّورِيُّ عَنْ الْمُحِيطِ: ذِمِّيٌّ وَالَى مُسْلِمًا فَمَاتَ لَمْ يَرِثْهُ لِأَنَّ الْإِرْثَ بِاعْتِبَارِ التَّنَاصُرِ وَالتَّنَاصُرُ فِي غَيْرِ الْعَرَبِ إنَّمَا هُوَ بِالدِّينِ اهـ. وَاسْتَشْكَلَهُ وَأَجَابَ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الدُّرَرِ وَحَيْثُ ثَبَتَ النَّقْلُ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ، وَبِعَدَمِ الْإِرْثِ مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: فَتَجُوزُ مُوَالَاةُ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ) وَإِنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ حَرْبِيٍّ وَوَالَاهُ هَلْ يَصِحُّ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ، وَفِيهِ خِلَافٌ قِيلَ يَصِحُّ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْحَرْبِيِّ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَكَذَا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ كَمَا فِي الذِّمِّيِّ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ لِأَنَّ فِيهِ تَنَاصُرَ الْحَرْبِيِّ وَمُوَالَاتَهُ وَقَدْ نُهِينَا عَنْهُ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ دُرَرٌ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: وَالذِّمِّيِّ الذِّمِّيَّ وَإِنْ أَسْلَمَ الْأَسْفَلُ) عِبَارَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 127 لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ كَالْوَصِيَّةِ كَمَا بَسَطَ فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: وَمُعْتِقُ عَبْدٍ عَنْ أَبِيهِ وَلَاؤُهُ لَهُ وَأَبُوهُ بِالْمَشِيئَةِ يُؤْجَرُ يَعْنِي أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ أَبِيهِ الْمَيِّتِ، فَالْوَلَاءُ لَهُ وَالْأَجْرُ لِلْأَبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الِابْنِ شَيْءٌ وَكَذَا الصَّدَقَاتُ وَالدَّعَوَاتُ لِأَبَوَيْهِ وَكُلِّ مُؤْمِنٍ يَكُونُ الْأَجْرُ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الِابْنِ شَيْءٌ مُضْمَرَاتٌ. كِتَابُ الْإِكْرَاهِ. (هُوَ لُغَةً حَمْلُ الْإِنْسَانِ عَلَى) شَيْءٍ يَكْرَهُهُ وَشَرْعًا (فِعْلٌ يُوجَدُ مِنْ الْمُكْرَهِ فَيُحْدِثُ فِي الْمَحَلِّ مَعْنًى يَصِيرُ بِهِ مَدْفُوعًا إلَى الْفِعْلِ الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ) وَهُوَ نَوْعَانِ تَامٌّ وَهُوَ الْمُلْجِئُ بِتَلَفِ نَفْسٍ   [رد المحتار] الْبَدَائِعِ: وَكَذَا الذِّمِّيُّ إذَا وَالَى ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْأَسْفَلُ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلتَّقْيِيدِ بِإِسْلَامِ الْأَسْفَلِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ فَتَجُوزُ مُوَالَاةُ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ وَعَكْسُهُ. أَقُولُ: لَعَلَّ فَائِدَتَهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ اخْتِلَافِ الدِّينِ حَاصِلًا وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ، وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ أَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَالْوَصِيَّةِ) أَيْ فِي صِحَّتِهَا مِنْ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ لِلْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ، لَكِنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَسْتَحِقُّهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ بِخِلَافِ الْمَوْلَى كَمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ: وَلَاؤُهُ) مُبْتَدَأٌ ثَانٍ وَلَهُ خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْأَوَّلِ، وَهُوَ " مُعْتِقُ " ط. (قَوْلُهُ: فَالْوَلَاءُ لَهُ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتِقُ ط. (قَوْلُهُ: وَالْأَجْرُ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ) أَتَى بِالْمَشِيئَةِ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ قَالَهُ عَبْدُ الْبَرِّ ط. مَطْلَبٌ: يَصِلُ ثَوَابُ أَعْمَالِ الْأَحْيَاءِ لِلْأَمْوَاتِ. (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الِابْنِ) الْمُنَاسِبُ زِيَادَةُ " وَالْفَاعِلِ ". قَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ: وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى وُصُولِ ثَوَابِ أَعْمَالِ الْأَحْيَاءِ لِلْأَمْوَاتِ، وَقَدْ أَلَّفَ فِيهَا قَاضِي الْقُضَاةِ السُّرُوجِيُّ وَغَيْرُهُ، وَآخِرُ مَنْ صَنَّفَ فِيهَا شَيْخُنَا قَاضِي الْقُضَاةِ سَعْدُ الدِّينِ الدِّيرِيُّ كِتَابًا سَمَّاهُ [الْكَوَاكِبَ النَّيِّرَاتِ] مَحَطُّ هَذِهِ التَّأْلِيفَاتِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ الْوُصُولُ ط وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْإِكْرَاهِ] قِيلَ فِي مُنَاسَبَتِهِ: إنَّ الْوَلَاءَ مِنْ آثَارِ الْعِتْقِ، وَالْعِتْقَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ فَنَاسَبَ ذِكْرُهُ عَقِبَهُ أَوْ لِأَنَّهُ نَادِرٌ كَالْمُوَالَاةِ. (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا فِعْلٌ) أَيْ لَا بِحَقٍّ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ بِحَقٍّ لَا يُعْدِمُ الِاخْتِيَارَ شَرْعًا كَالْعِنِّينِ إذَا أَكْرَهَهُ الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَدْيُونَ إذَا أَكْرَهَهُ الْقَاضِي عَلَى بَيْعِ مَالِهِ نَفَذَ بَيْعُهُ، وَالذِّمِّيَّ إذَا أَسْلَمَ عَبْدُهُ فَأُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ نَفَذَ بَيْعُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى الْبَيْعِ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنَحٌ عَنْ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى، وَالْفِعْلُ يَتَنَاوَلُ الْحُكْمِيَّ كَمَا إذَا أَمَرَ بِقَتْلِ رَجُلٍ وَلَمْ يُهَدِّدْهُ بِشَيْءٍ إلَّا أَنَّ الْمَأْمُورَ يَعْلَمُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ لَقَتَلَهُ أَوْ قَطَعَهُ الْآمِرُ فَإِنَّهُ إكْرَاهٌ قُهُسْتَانِيٌّ وَسَيَجِيءُ وَيَشْمَلُ الْوَعِيدَ بِالْقَوْلِ، وَلِذَا قَالَ فِي الدُّرَرِ: أَعَمُّ مِنْ اللَّفْظِ وَعَمَلِ سَائِرِ الْجَوَارِحِ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَحَلِّ) أَيْ الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ ح. (قَوْلُهُ: يَصِيرُ) أَيْ الْمَحَلُّ وَضَمِيرُ " بِهِ " لِلْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الْخَوْفُ ح. (قَوْلُهُ: مَدْفُوعًا إلَى الْفِعْلِ) أَيْ بِحَيْثُ يَفُوتُ رِضَاهُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْجَبْرِ بِحَيْثُ يَفْسُدُ الِاخْتِيَارُ فَيَشْمَلُ الْقِسْمَيْنِ كَمَا يَظْهَرُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: وَهُوَ نَوْعَانِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 128 أَوْ عُضْوٍ أَوْ ضَرْبٍ مُبَرِّحٍ وَإِلَّا فَنَاقِصٌ وَهُوَ غَيْرُ الْمُلْجِئِ. (وَشَرْطُهُ) أَرْبَعَةُ أُمُورٍ: (قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ عَلَى إيقَاعِ مَا هَدَّدَ بِهِ سُلْطَانًا أَوْ لِصًّا) أَوْ نَحْوَهُ (وَ) الثَّانِي (خَوْفُ الْمُكْرَهِ) بِالْفَتْحِ (إيقَاعَهُ) أَيْ إيقَاعَ مَا هُدِّدَ بِهِ (فِي الْحَالِ) بِغَلَبَةِ ظَنِّهِ لِيَصِيرَ مُلْجَأً (وَ) الثَّالِثُ: (كَوْنُ الشَّيْءِ الْمُكْرَهِ بِهِ مُتْلِفًا نَفْسًا أَوْ عُضْوًا أَوْ مُوجِبًا غَمًّا يُعْدِمُ الرِّضَا) وَهَذَا أَدْنَى مَرَاتِبِهِ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَإِنَّ الْأَشْرَافَ يُغَمُّونَ بِكَلَامٍ خَشِنٍ، وَالْأَرَاذِلَ رُبَّمَا لَا يُغَمُّونَ إلَّا بِالضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ ابْنُ كَمَالٍ (وَ) الرَّابِعُ: (كَوْنُ الْمُكْرَهِ مُمْتَنِعًا عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ) إمَّا (لِحَقِّهِ) كَبَيْعِ مَالِهِ (أَوْ لِحَقِّ) شَخْصٍ (آخَرَ) كَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ (أَوْ لِحَقِّ الشَّرْعِ) كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا (فَلَوْ أُكْرِهَ بِقَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ شَدِيدٍ) مُتْلِفٍ لَا بِسَوْطٍ أَوْ سَوْطَيْنِ   [رد المحتار] أَيْ الْإِكْرَاهُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُعْدِمٌ لِلرِّضَا لَكِنَّ الْمُلْجِئَ، وَهُوَ الْكَامِلُ يُوجِبُ الْإِلْجَاءَ، وَيُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ فَنَفْيُ الرِّضَا أَعَمُّ مِنْ إفْسَادِ الِاخْتِيَارِ وَالرِّضَا بِإِزَاءِ الْكَرَاهَةِ، وَالِاخْتِيَارُ بِإِزَاءِ الْجَبْرِ فَفِي الْإِكْرَاهِ بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ لَا شَكَّ فِي وُجُودِ الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِ الرِّضَا وَإِنْ تَحَقَّقَ الِاخْتِيَارُ الصَّحِيحُ إذْ فَسَادُهُ إنَّمَا هُوَ بِالتَّخْوِيفِ بِإِتْلَافِ النَّفْسِ، أَوْ الْعُضْوِ وَحُكْمُهُ إذَا حَصَلَ بِمُلْجِئٍ أَنْ يَنْقُلَ الْفِعْلَ إلَى الْحَامِلِ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ آلَةً لِلْحَامِلِ، كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ كَإِتْلَافِ النَّفْسِ وَالْمَالِ، وَمَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْمُكْرَهِ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ مِثْلُ الْأَقْوَالِ وَالْأَكْلِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ غَيْرِهِ، وَلَا يَأْكُلُ بِفَمِ غَيْرِهِ فَلَا يُضَافُ إلَى غَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْآكِلِ، إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ إتْلَافٌ فَيُضَافُ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ لِصَلَاحِيَةِ الْمُكْرَهِ آلَةً لِلْحَامِلِ فِيهِ فَإِذَا أَكْرَهَهُ عَلَى الْعِتْقِ يَقَعُ كَأَنَّهُ أَوْقَعَهُ بِاخْتِيَارِهِ حَتَّى يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ، وَيُضَافُ إلَى الْحَامِلِ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: أَوْ عُضْوٍ) كَذَا بَعْضُ الْعُضْوِ كَأُنْمُلَةٍ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ ضَرْبٍ مُبَرِّحٍ) أَيْ مُوقَعٍ فِي بَرْحٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْبَرْحُ الشِّدَّةُ وَالشَّرُّ اهـ. وَعَبَّرَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ بِقَوْلِهِ أَوْ ضَرْبٍ يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَنَاقِصٌ) كَالتَّخْوِيفِ بِالْحَبْسِ وَالْقَيْدِ وَالضَّرْبِ الْيَسِيرِ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: سُلْطَانًا أَوْ لِصًّا) هَذَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ السُّلْطَانِ، لِأَنَّ الْقُدْرَةَ لَا تَكُونُ بِلَا مَنَعَةٍ، وَالْمَنَعَةُ لِلسُّلْطَانِ قَالُوا: هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ، لِأَنَّ فِي زَمَانِهِ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ مِنْ الْقُوَّةِ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْإِكْرَاهُ، فَأَجَابَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ وَفِي زَمَانِهِمَا ظَهَرَ الْفَسَادُ، وَصَارَ الْأَمْرُ إلَى كُلِّ مُتَغَلِّبٍ، فَيَتَحَقَّقُ الْإِكْرَاهُ مِنْ الْكُلِّ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ دُرَرٌ وَاللِّصُّ السَّارِقُ، وَفَسَّرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ بِالظَّالِمِ الْمُتَغَلِّبِ غَيْرِ السُّلْطَانِ قَالَ: وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ اللِّصِّ تَبَرُّكًا بِعِبَارَةِ مُحَمَّدٍ وَلِذَا سَعَى بِهِ بَعْضُ حُسَّادِهِ إلَى الْخَلِيفَةِ وَقَالَ سِمَاكٌ فِي كِتَابِهِ لِصًّا وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوَهُ) لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ. (قَوْلُهُ: فِي الْحَالِ) كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ إذْ لَوْ تَوَعَّدَهُ بِمُتْلِفٍ بَعْدَ مُدَّةٍ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إيقَاعُهُ بِهِ صَارَ مُلْجِئًا تَأَمَّلْ. لَكِنْ سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ آخِرًا أَنَّهُ إنَّمَا يَسَعُهُ مَا دَامَ حَاضِرًا عِنْدَهُ الْمُكْرِهُ وَإِلَّا لَمْ يَحِلَّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِيَصِيرَ مُلْجِئًا) هَذِهِ الشُّرُوطُ لِمُطْلَقِ الْإِكْرَاهِ لَا لِلْمُلْجِئِ فَقَطْ، فَالْمُنَاسِبُ قَوْلُ الدُّرَرِ لِيَصِيرَ مَحْمُولًا عَلَى مَا دَعَا إلَيْهِ مِنْ الْفِعْلِ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَمْلِ مَا يَفُوتُ بِهِ الرِّضَا فَيَشْمَلُ النَّوْعَيْنِ. (قَوْلُهُ: مُتْلِفًا نَفْسًا) أَيْ حَقِيقِيَّةً أَوْ حُكْمِيَّةً كَتَلَفِ كُلِّ الْمَالِ فَإِنَّهُ شَقِيقُ الرُّوحِ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ قُهُسْتَانِيٌّ وَتَقْيِيدُهُ بِكُلِّ الْمَالِ مُخَالِفٌ لِمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ الشَّارِحُ آخِرًا عَنْ الْقُنْيَةِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: يُعْدِمُ الرِّضَا) أَيْ مَعَ بَقَاءِ الِاخْتِيَارِ الصَّحِيحِ، وَإِلَّا فَالْإِكْرَاهُ بِمُتْلِفٍ يُعْدِمُ الرِّضَا أَيْضًا وَلَكِنَّهُ يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: إمَّا لِحَقِّهِ) أَيْ إمَّا أَنْ يَكُونَ امْتِنَاعُهُ عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ خَالِصًا كَإِكْرَاهِهِ عَلَى إتْلَافِ مَالِهِ وَلَوْ بِعِوَضٍ كَبَيْعِهِ وَيَأْتِي الْإِكْرَاهُ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ الْمُلْجِئِ بِخِلَافِ الْقِسْمَيْنِ بَعْدَهُ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: مُتْلِفٍ) فِيهِ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الْآتِيَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 129 إلَّا عَلَى الْمَذَاكِيرِ وَالْعَيْنِ بَزَّازِيَّةٌ (أَوْ حَبْسٍ) أَوْ قَيْدٍ مَدِيدَيْنِ بِخِلَافِ حَبْسِ يَوْمٍ أَوْ قَيْدِهِ أَوْ ضَرْبٍ غَيْرِ شَدِيدٍ إلَّا لِذِي جَاهٍ دُرَرٌ (حَتَّى بَاعَ أَوْ اشْتَرَى أَوْ أَقَرَّ أَوْ آجَرَ فُسِخَ) مَا عَقَدَ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْفَسْخِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِ الْمُشْتَرِي، وَلَا بِالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ، وَتُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي وَسَيَجِيءُ أَنَّهُ يُسْتَرَدُّ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي (أَوْ أَمْضَى) لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ الْمُلْجِئَ، وَغَيْرَ الْمُلْجِئِ يُعْدِمَانِ الرِّضَا، وَالرِّضَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ هَذِهِ الْعُقُودِ وَكَذَا لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ فَلِذَا صَارَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ ثُمَّ إنَّ تِلْكَ الْعُقُودَ نَافِذَةٌ عِنْدَنَا (وَ) حِينَئِذٍ (يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي إنْ قَبَضَ فَيَصِحُّ إعْتَاقُهُ)   [رد المحتار] مِنْ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ يَتَحَقَّقُ فِيهَا الْإِكْرَاهُ وَلَوْ بِغَيْرِ مُلْجِئٍ كَمَا مَرَّ وَيَجِيءُ، لِتَفْوِيتِهِ الرِّضَا، وَالْمُتْلِفُ مِنْ الْمُلْجِئِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ فَوَاتُ الرِّضَا عَلَيْهِ وَلِذَا قَالَ فِيمَا يَجِيءُ بِخِلَافِ حَبْسِ يَوْمٍ إلَخْ لِأَنَّهُ لَا يُعْدِمُ الرِّضَا. (قَوْلُهُ: لَا عَلَى الْمَذَاكِيرِ وَالْعَيْنِ) لِأَنَّهُ يُخْشَى مِنْهُ التَّلَفُ. (قَوْلُهُ: أَوْ حَبْسٍ) أَيْ حَبْسِ نَفْسِهِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْإِكْرَاهُ بِحَبْسِ الْوَالِدَيْنِ أَوْ الْأَوْلَادِ لَا يُعَدُّ إكْرَاهًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْجِئٍ وَلَا يُعْدِمُ الرِّضَا بِخِلَافِ حَبْسِ نَفْسِهِ اهـ لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: أَنَّهُ قِيَاسٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ حَبْسُ الْأَبِ إكْرَاهٌ وَذَكَرَ الطُّورِيُّ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَبْسِ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ زَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ: أَوْ غَيْرِهِمْ: مِنْ ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَعَزَاهُ لِلْمَبْسُوطِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ حَبْسِ يَوْمٍ أَوْ قَيْدِهِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحَبْسَ الْمَدِيدَ مَا زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَكَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْعَيْنِيِّ وَالزَّيْلَعِيِّ ط. وَفِي الْخَانِيَّةِ: أَمَّا الضَّرْبُ بِسَوْطٍ وَاحِدٍ أَوْ حَبْسُ يَوْمٍ أَوْ قَيْدُ يَوْمٍ لَا يَكُونُ إكْرَاهًا فِي الْإِقْرَارِ بِأَلْفٍ اهـ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَكُونُ إكْرَاهًا فِي الْمَالِ الْقَلِيلِ. (قَوْلُهُ: إلَّا لِذِي جَاهٍ) لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الضَّرْبِ الشَّدِيدِ، فَيَفُوتُ بِهِ الرِّضَا زَيْلَعِيٌّ. وَفِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ أَوْ لِذِي ضَعْفٍ. (قَوْلُهُ: فُسِخَ مَا عَقَدَ) لَا يَشْمَلُ الْإِقْرَارَ فَهُوَ مَجَازٌ أَوْ اكْتِفَاءٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْقُهُسْتَانِيُّ. مَطْلَبٌ: بَيْعُ الْمُكْرَهِ فَاسِدٌ وَزَوَائِدُهُ مَضْمُونَةٌ بِالتَّعَدِّي. (قَوْلُهُ: وَلَا يَبْطُلُ إلَى قَوْلِهِ أَوْ أَمْضَى) مَأْخُوذٌ مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِهِ عَلَى الْمِنَحِ وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَيَضْمَنُ بِالتَّعَدِّي تَأَمَّلْ. فَيُشِيرُ إلَى أَنَّهُ ذَكَرَهُ تَفَقُّهًا وَهُوَ تَفَقُّهٌ حَسَنٌ، لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ فَاسِدٌ إلَّا فِي أَرْبَعِ صُوَرٍ تَأْتِي مَتْنًا وَقَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: زَوَائِدُ الْمَبِيعِ فَاسِدًا - لَوْ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً - تُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي لَا بِدُونِهِ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فَلِلْبَائِعِ أَخْذُ الزَّوَائِدِ وَقِيمَةِ الْمَبِيعِ، وَلَوْ مُنْفَصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ لَهُ أَخْذُ الْمَبِيعِ مَعَ هَذِهِ الزَّوَائِدِ، وَلَا تَطِيبُ لَهُ وَلَوْ هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ أَهْلَكَهَا ضَمِنَ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ لَا الزَّوَائِدُ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ الْمُتَوَلِّدَةِ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْمَبِيعِ فَقَطْ اهـ. (قَوْلُهُ: بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ فَيَقُومُ وَرَثَةُ كُلٍّ مَقَامَهُ كَوَرَثَةِ الْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ: وَلَا بِالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ) سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَوَلِّدَةً كَالثَّمَرَةِ أَوْ لَا كَالْأَرْشِ، وَكَذَا الْمُتَّصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ كَالسَّمْنِ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ كَصَبْغٍ وَخِيَاطَةٍ وَلَتِّ سَوِيقٍ فَتَمْنَعُ الِاسْتِرْدَادَ إلَّا بِرِضَا الْمُشْتَرِي كَذَا ذَكَرُوا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. وَفِي الْبَحْرِ: مَتَى فَعَلَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ يَعْنِي فَاسِدًا فِعْلًا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الْغَصْبِ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الِاسْتِرْدَادِ كَمَا إذَا كَانَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا. (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ) أَيْ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: يُعْدِمَانِ الرِّضَا) قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ فِي هَامِشِ شَرْحِهِ، أَخْطَأَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي تَخْصِيصِهِ إعْدَامَ الرِّضَا بِغَيْرِ الْمُلْجِئِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلِذَا صَارَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ) أَيْ لِفَقْدِ شَرْطِ الصِّحَّةِ وَهُوَ الرِّضَا فَيَتَخَيَّرُ، فَإِنَّ اعْتِبَارَ هَذَا الشَّرْطِ لَيْسَ لِحَقِّ الْغَيْرِ، بَلْ لِحَقِّهِ وَلِهَذَا خَالَفَ سَائِرَ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّ الْفَسْخَ فِيهَا وَاجِبٌ عِنْدَ فَقْدِ شَرْطِ الصِّحَّةِ، لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهَا لِحَقِّ الشَّرْعِ. وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ يُشْبِهُ الْمَوْقُوفَ وَيُشْبِهُ الْفَاسِدَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنَّ تِلْكَ الْعُقُودَ نَافِذَةٌ عِنْدَنَا) أَيْ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَلَيْسَتْ بِمَوْقُوفَةٍ. (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ قُلْنَا إنَّهَا نَافِذَةٌ غَيْرُ مَوْقُوفَةٍ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ: أَيْ يَثْبُتُ بِالْبَيْعِ أَوْ بِالشِّرَاءِ مُكْرَهًا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي لِكَوْنِهِ فَاسِدًا كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَوْقُوفٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 130 وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ (وَلَزِمَهُ قِيمَتُهُ) وَقْتَ الْإِعْتَاقِ وَلَوْ مُعْسِرًا، زَاهِدِيٌّ لِإِتْلَافِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ. (فَإِنْ قَبَضَ ثَمَنَهُ أَوْ سَلَّمَ) الْمَبِيعَ (طَوْعًا) قَيْدٌ لِلْمَذْكُورَيْنِ (نَفَذَ) يَعْنِي لَزِمَ لِمَا مَرَّ أَنَّ عُقُودَ الْمُكْرَهِ نَافِذَةٌ عِنْدَنَا، وَالْمُعَلَّقُ عَلَى الرِّضَا وَالْإِجَازَةِ لُزُومُهُ لِإِنْفَاذِهِ إذْ اللُّزُومُ أَمْرٌ وَرَاءَ النَّفَاذِ كَمَا حَقَّقَهُ ابْنُ الْكَمَالِ. قُلْت: وَالضَّابِطُ أَنَّ مَا لَا يَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا فَلَهُ إبْطَالُهُ وَمَا يَصِحُّ فَيَضْمَنُ الْحَامِلَ كَمَا سَيَجِيءُ (وَإِنْ) (قَبَضَ) الثَّمَنَ (مُكْرَهًا لَا) يَلْزَمُ (وَرَدَّهُ) وَلَمْ يَضْمَنْ إنْ هَلَكَ الثَّمَنُ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ دُرَرٌ (إنْ بَقِيَ) فِي يَدِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ   [رد المحتار] وَلَيْسَ بِفَاسِدٍ كَمَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَسَلَّمَهُ زَيْلَعِيٌّ. قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: فَمَنْ قَالَ إنَّ الْإِبْرَاءَ يَمْنَعُ النَّفَاذَ فَقَدْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِ السَّدَادِ وَكَتَبَ فِي هَامِشِ هَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي أَخْطَأَ فِيهَا صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَكَأَنَّهُ غَافِلٌ عَنْ أَنَّ النَّافِذَ يُقَابِلُ الْمَوْقُوفَ فَمَا لَا يَكُونُ نَافِذًا يَكُونُ مَوْقُوفًا فَيَنْطَبِقُ مَا ذَكَرَهُ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ اهـ وَسَنَذْكُرُ جَوَابَهُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ) كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالطَّلَاقِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَتَصَدُّقُهُ وَنَحْوُهَا مِمَّا يُمْكِنُ نَقْضُهُ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَبَضَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا فُهِمَ مِنْ التَّخْيِيرِ السَّابِقِ، وَهُوَ أَنَّ تَمَامَ الْبَيْعِ بِانْقِلَابِهِ صَحِيحًا مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَسَادَ كَانَ لِحَقِّهِ لَا لِحَقِّ الشَّرْعِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: لَمَّا تَوَقَّفَ انْقِلَابُهُ صَحِيحًا عَلَى رِضَا الْبَائِعِ وَإِجَازَتِهِ فَبِقَبْضِهِ الثَّمَنَ أَوْ تَسْلِيمِهِ الْمَبِيعَ طَوْعًا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِدَلَالَتِهَا عَلَى الرِّضَا وَالْإِجَازَةِ ابْنُ كَمَالٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ) قَيَّدَ بِالْمَبِيعِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْهِبَةِ، فَإِذَا أُكْرِهَ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّفْعَ فَوَهَبَ وَدَفَعَ يَكُونُ بَاطِلًا لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُكْرَهِ الِاسْتِحْقَاقُ لَا مُجَرَّدُ اللَّفْظِ، وَذَلِكَ فِي الْهِبَةِ بِالدَّفْعِ وَفِي الْبَيْعِ بِالْعَقْدِ فَدَخَلَ الدَّفْعُ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْهِبَةِ دُونَ الْبَيْعِ هِدَايَةٌ. وَقَيَّدَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِحُضُورِ الْمُكْرِهِ فَقَالَ: الْإِكْرَاهُ عَلَى الْهِبَةِ إكْرَاهٌ عَلَى التَّسْلِيمِ إذَا كَانَ الْمُكْرِهُ وَقْتَ التَّسْلِيمِ حَاضِرًا وَإِلَّا لَا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا اهـ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: بَاطِلًا الْفَاسِدَ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَاسِدًا بِالْقَبْضِ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: نَفَذَ) لِوُجُودِ الرِّضَا. (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) تَعْلِيلٌ لِتَفْسِيرِ النَّفَاذِ بِاللُّزُومِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ النَّفَاذَ وَاللُّزُومَ مُتَغَايِرَانِ فَيُرَادُ بِالنُّفُوذِ الِانْعِقَادُ وَبِاللُّزُومِ الصِّحَّةُ فَبَيْعُ الْمُكْرَهِ نَافِذٌ أَيْ مُنْعَقِدٌ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ وَالْمُنْعَقِدُ مِنْهُ صَحِيحٌ. وَمِنْهُ فَاسِدٌ، وَهَذَا الْعَقْدُ فَاسِدٌ، لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ الرِّضَا، وَهُوَ هُنَا مَفْقُودٌ فَإِذَا وُجِدَ صَحَّ وَلَزِمَ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ النَّافِذَ مُقَابِلٌ لِلْمَوْقُوفِ، فَإِنَّ الْمَوْقُوفَ كَمَا فِي بُيُوعِ الْبَحْرِ مَا لَا حُكْمَ لَهُ ظَاهِرًا يَعْنِي لَا يُفِيدُ حُكْمُهُ قَبْلَ وُجُودِ مَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ، وَهَذَا يُفِيدُ حُكْمَهُ وَهُوَ الْمِلْكُ قَبْلَ الرِّضَا لَكِنْ بِشَرْطِ الْقَبْضِ كَمَا فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَهَذَا مِنْهَا عِنْدَنَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً خِلَافًا لِزُفَرَ. فَظَهَرَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ: أَنَّ اللُّزُومَ أَمْرٌ وَرَاءَ النَّفَاذِ كَمَا حَقَّقَهُ ابْنُ الْكَمَالِ حَيْثُ نَقَلَ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إذَا تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي، فَلَهُ فَسْخُ الْعُقُودِ كُلِّهَا وَأَيًّا أَجَازَهُ جَازَتْ كُلُّهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ نَافِذَةً إلَّا أَنَّهُ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ لِعَدَمِ الرِّضَا اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ النَّفَاذَ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الرِّضَا، وَأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى الرِّضَا أَمْرٌ آخَرُ، وَهُوَ لُزُومُهَا وَصِحَّتُهَا فَتَعَيَّنَ أَنْ يُفَسِّرَ قَوْلَهُ: نَفَذَ بِ لَزِمَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالرِّضَا شَرْطُ اللُّزُومِ لَا النَّفَاذِ، وَلَكِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ كَالتَّوْضِيحِ وَالتَّلْوِيحِ وَالتَّقْرِيرِ وَشَرْحِ التَّحْرِيرِ وَشُرُوحِ الْمَنَارِ حَيْثُ قَالُوا: إنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا لِعَدَمِ الرِّضَا الَّذِي هُوَ شَرْطُ النَّفَاذِ، فَلَوْ أَجَازَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً بِقَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ طَوْعًا صَحَّ لِتَمَامِ الرِّضَا، وَالْفَسَادُ كَانَ لِمَعْنًى وَقَدْ زَالَ اهـ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلِقَوْلِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ إنَّ الْإِكْرَاهَ يَمْنَعُ النَّفَاذَ فَالْمُرَادُ فِي كَلَامِهِمْ بِالنَّفَاذِ اللُّزُومُ فَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الصِّحَّةُ. وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَظَهَرَ بِهِ أَنَّ تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ: نَفَذَ كَالْوِقَايَةِ وَالدُّرَرِ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ، وَلَا لَوْمَ لِمُوَافَقَتِهِ لِكَلَامِ الْقَوْمِ، وَانْدَفَعَ تَشْنِيعُ ابْنِ الْكَمَالِ الْمَارُّ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِالْكَلِمَاتِ الْفَظِيعَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ لَا رَبَّ سِوَاهُ. (قَوْلُهُ: إنَّ مَا لَا يَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ) كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. (قَوْلُهُ: وَمَا يَصِحُّ) أَيْ مَعَ الْهَزْلِ وَهُوَ مَا يَسْتَوِي فِيهِ الْجِدُّ وَالْهَزْلُ كَالطَّلَاقِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 131 (لَكِنَّهُ يُخَالِفُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ فِي أَرْبَعِ صُوَرٍ يَجُوزُ بِالْإِجَازَةِ) الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ (وَ) الثَّانِي: أَنَّهُ (يَنْقُضُ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ) وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي (وَ) الثَّالِثُ: (تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ دُونَ وَقْتِ الْقَبْضِ وَ) الرَّابِعُ: (الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُكْرَهِ) لِأَخْذِهِ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي فَلَا ضَمَانَ بِلَا تَعَدٍّ بِخِلَافِهَا فِي الْفَاسِدِ بَزَّازِيَّةٌ. (أَمْرُ السُّلْطَانِ إكْرَاهٌ وَإِنْ لَمْ يَتَوَعَّدْهُ، وَأَمْرُ غَيْرِهِ لَا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمَأْمُورُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْتَثِلْ أَمَرَهُ يَقْتُلُهُ أَوْ يَقْطَعُ يَدَهُ أَوْ يَضْرِبُهُ ضَرْبًا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ تَلَفِ عُضْوِهِ) مُنْيَةُ الْمُفْتِي، وَبِهِ يُفْتَى. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: الزَّوْجُ سُلْطَانُ زَوْجَتِهِ فَيَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْإِكْرَاهُ. (أُكْرِهَ الْمُحْرِمُ عَلَى قَتْلِ صَيْدٍ فَأَبَى حَتَّى قُتِلَ كَانَ مَأْجُورًا) عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَشْبَاهٌ. (وَلَوْ أُكْرِهَ الْبَائِعُ) عَلَى الْبَيْعِ (لَا الْمُشْتَرِي وَهَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ   [رد المحتار] وَالْعَتَاقِ. (قَوْلُهُ: يَجُوزُ بِالْإِجَازَةِ) أَيْ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِهَا، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ مَثَلًا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَجَازَاهُ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهِ لِحَقِّ الشَّرْعِ. (قَوْلُهُ: وَالْفِعْلِيَّةِ) كَقَبْضِ الثَّمَنِ وَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ طَوْعًا. (قَوْلُهُ: الْمُشْتَرِي مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْبَائِعِ الْمُكْرَهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي) لِأَنَّ الِاسْتِرْدَادَ فِيهِ لِحَقِّهِ لَا لِحَقِّ الشَّرْعِ. (قَوْلُهُ: وَقْتَ الْإِعْتَاقِ دُونَ وَقْتِ الْقَبْضِ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: إنْ احْتَمَلَ النَّقْضَ نَقَضَهُ وَإِلَّا يَحْتَمِلْ يُضَمِّنُ الْمُكْرِهَ قِيمَتَهُ يَوْمَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ يَوْمَ قَبَضَهُ أَوْ يَوْمَ أَحْدَثَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ، لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِهِ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا حَيْثُ لَا يَضْمَنُهُ يَوْمَ الْإِحْدَاثِ بَلْ يَوْمَ قَبَضَهُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ تَضْمِينُ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ أَوْ الْقَبْضِ. (قَوْلُهُ: الثَّمَنُ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ هُوَ الْبَائِعَ وَقَوْلُهُ: وَالْمُثَمَّنُ أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ هُوَ الْمُشْتَرِيَ. (قَوْلُهُ: أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُكْرَهِ) وَهُوَ الْبَائِعُ فِي الْأَوَّلِ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّانِي. (قَوْلُهُ: لِأَخْذِهِ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي) أَيْ أَوْ الْبَائِعِ ح. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهَا) أَيْ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ ح. [تَنْبِيهٌ] : أُكْرِهَا عَلَى بَيْعِ عَبْدٍ وَشِرَائِهِ وَعَلَى التَّقَابُضِ فَهَلَكَ الثَّمَنُ وَالْعَبْدُ ضَمِنَهُمَا الْمُكْرِهُ لَهُمَا، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا تَضْمِينَ صَاحِبِهِ سُئِلَ كُلٌّ عَمَّا قَبَضَ، فَإِنْ قَالَ كُلٌّ قَبَضْتُ عَلَى الْبَيْعِ الَّذِي أُكْرِهْنَا عَلَيْهِ، لِيَكُونَ لِي فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ، وَإِنْ قَالَ: قَبَضْتُهُ مُكْرَهًا لِأَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ؛ وَآخُذَ مِنْهُ مَا أَعْطَيْت، وَحَلَفَ كُلٌّ لِصَاحِبِهِ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِيَ ضَمِنَ الْبَائِعُ أَيًّا شَاءَ فَإِنْ ضَمِنَ الْمُكْرِهُ قِيمَتَهُ رَجَعَ بِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ ضَمِنَهَا الْمُشْتَرِي لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُكْرِهِ بِهَا وَلَا عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ النَّاكِلُ الْبَائِعَ فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي ضَمَّنَ الْمُكْرِهَ الثَّمَنَ، وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ الْبَائِعَ وَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُكْرِهِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ. (قَوْلُهُ: يَقْتُلُهُ إلَخْ) هَذَا فِي الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَلَفِ عُضْوِهِ) التَّلَفُ مُخَافٌ مِنْهُ لَا مُخَافٌ عَلَيْهِ فَالْأَصْوَبُ حَذْفُ " تَلَفِ " أَوْ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى صِيغَةِ الْمُضَارِعِ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ يُفْتَى) أَيْ بِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ الْإِكْرَاهُ بِمَا ذُكِرَ مِنْ غَيْرِ السُّلْطَانِ. (قَوْلُهُ: الزَّوْجُ سُلْطَانُ زَوْجَتِهِ) يَعْنِي إنْ قَدَرَ عَلَى الْإِيقَاعِ كَمَا سَيَأْتِي ح قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَسَوْقُ اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْوِفَاقِ وَعِنْدَ الثَّانِي لَوْ بِنَحْوِ السَّيْفِ فَإِكْرَاهٌ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ خَلَا بِهَا فِي مَوْضِعٍ لَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ فَكَالسُّلْطَانِ اهـ. قُلْت: وَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ سُلْطَانُ زَوْجَتِهِ أَنْ يَتَحَقَّقَ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ حَيْثُ خَافَتْ مِنْهُ الضَّرَرَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ عَنْ شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أُكْرِهَ الْمُحْرِمُ) الْأَوْلَى ذِكْرُهَا بَعْدُ مَعَ مَسَائِلِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. (قَوْلُهُ: كَانَ مَأْجُورًا) لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى ثَابِتٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ: فَإِنْ قَتَلَ الصَّيْدَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قِيَاسًا، وَلَا عَلَى الْآمِرِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ عَلَى الْقَاتِلِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ كَانَا مُحْرِمَيْنِ فَعَلَى كُلٍّ كَفَّارَةٌ، وَلَوْ تَوَعَّدَهُ بِالْحَبْسِ وَهُمَا مُحْرِمَانِ فَفِي الْقِيَاسِ تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ الْقَاتِلَ فَقَطْ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ عَلَى كُلٍّ الْجَزَاءُ وَلَوْ حَلَالَيْنِ فِي الْحَرَمِ فَإِنْ تَوَعَّدَهُ بِالْقَتْلِ فَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْآمِرِ وَإِنْ بِالْحَبْسِ فَعَلَى الْقَاتِلِ خَاصَّةً هِنْدِيَّةٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ. (قَوْلُهُ: لَا الْمُشْتَرِي) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 132 ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْبَائِعِ) بِقَبْضِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (وَ) الْبَائِعُ الْمُكْرَهُ (لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ أَيًّا شَاءَ) مِنْ الْمُكْرِهِ - بِالْكَسْرِ - وَالْمُشْتَرِي (فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُكْرِهَ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ نَفَذَ) يَعْنِي جَازَ لِمَا مَرَّ (كُلُّ شِرَاءٍ بَعْدَهُ وَلَا يَنْفُذُ مَا قَبْلَهُ) لَوْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ مَثَلًا لِصَيْرُورَتِهِ مِلْكَهُ فَيَجُوزُ مَا بَعْدَهُ لَا مَا قَبْلَهُ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الضَّامِنُ بِالثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازَ الْمَالِكُ أَحَدَ الْبِيَاعَاتِ حَيْثُ يَجُوزُ الْجَمِيعُ وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِالْإِجَازَةِ. (فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ أَوْ لَحْمِ خِنْزِيرٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ بِإِكْرَاهٍ) غَيْرِ مُلْجِئٍ (بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ قَيْدٍ لَمْ يَحِلَّ) إذْ لَا ضَرُورَةَ فِي إكْرَاهٍ غَيْرِ مُلْجِئٍ. نَعَمْ لَا يُحَدُّ لِلشُّرْبِ لِلشُّبْهَةِ (وَ) إنْ أُكْرِهَ بِمُلْجِئٍ (بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعِ) عُضْوٍ أَوْ ضَرْبٍ مُبَرِّحٍ ابْنُ كَمَالٍ   [رد المحتار] فَلَوْ كَانَ مُكْرَهًا أَيْضًا فَقَدْ مَرَّ فِي قَوْلِهِ الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ أَمَانَةٌ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُكْرَهًا دُونَ الْبَائِعِ فَهَلَكَ عِنْدَهُ بِلَا تَعَدٍّ يَهْلِكُ أَمَانَةً اهـ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أُكْرِهَ الْبَائِعُ فَقَطْ لَمْ يَصِحَّ إعْتَاقُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَفِي عَكْسِهِ نَفَذَ إعْتَاقُ كُلٍّ قَبْلَهُ وَإِنْ أَعْتَقَا مَعًا قَبْلَهُ فَإِعْتَاقُ الْبَائِعِ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: ضَمِنَ قِيمَتَهُ) لَوْ قَالَ " ضَمِنَ بَدَلَهُ " كَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الْمِثْلِيَّ وَالْقِيَمِيَّ طُورِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِقَبْضِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ) أَيْ بِسَبَبِ قَبْضِهِ مُخْتَارًا عَلَى سَبِيلِ التَّمَلُّكِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ. (قَوْلُهُ: لَهُ أَنْ يَضْمَنَ أَيًّا شَاءَ) لِأَنَّ الْمُكْرِهَ كَالْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِيَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ وَإِنْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ) لِأَنَّهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مَلَكَهُ فَقَامَ مَقَامَ الْمَالِكِ الْمُكْرَهِ فَيَكُونُ مَالِكًا مِنْ وَقْتِ وُجُوبِ السَّبَبِ بِالِاسْتِنَادِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي جَازَ) الْمُرَادُ هُنَا بِالْجَوَازِ الصِّحَّةُ لَا الْحِلُّ كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) مِنْ أَنَّهُ نَافِذٌ قَبْلَ الْإِجَازَةِ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا اللُّزُومُ بِمَعْنَى الصِّحَّةِ بِنَاءً عَلَى مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: كُلُّ شِرَاءٍ بَعْدَهُ) أَيْ لَوْ تَعَدَّدَ الشِّرَاءُ وَكَذَا نَفَذَ شِرَاءُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُكْرَهِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ ذَكَرَهَا الزَّيْلَعِيُّ مُسْتَقِلَّةً مَوْضُوعُهَا لَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي وَمَا قَبْلَهَا مَوْضُوعُهَا فِي مُشْتَرٍ وَاحِدٍ جَمَعَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ اخْتِصَارًا. (قَوْلُهُ: لَوْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ مَثَلًا) أَفَادَ بِقَوْلِهِ مَثَلًا أَنَّ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ أَيًّا شَاءَ مِنْ الْمُشْتَرِينَ فَأَيُّهُمْ ضَمِنَهُ مَلَكَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: أَحَدَ الْبِيَاعَاتِ) وَلَوْ الْعَقْدَ الْأَخِيرَ أَبُو السُّعُودِ. (قَوْلُهُ: لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِالْإِجَازَةِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ مَوْجُودًا وَالْمَانِعَ مِنْ النُّفُوذِ حَقُّهُ وَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ بِالْإِجَازَةِ فَجَازَ الْكُلُّ، وَأَمَّا إذَا ضَمَّنَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ حَقَّهُ، لِأَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ كَاسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ فَتَبْطُلُ الْبِيَاعَاتِ الَّتِي قَبْلَهُ؛ وَلَا يَكُونُ أَخْذُ الثَّمَنِ اسْتِرْدَادًا لِلْبَيْعِ بَلْ إجَازَةً فَافْتَرَقَا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ مَيْتَةٍ إلَخْ) الْإِكْرَاهُ عَلَى الْمَعَاصِي أَنْوَاعٌ: نَوْعٌ يُرَخَّصُ لَهُ فِعْلُهُ، وَيُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ كَإِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ، وَشَتْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَرْكِ الصَّلَاةِ، وَكُلُّ مَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ، وَقِسْمٌ: يَحْرُمُ فِعْلُهُ وَيَأْثَمُ بِإِتْيَانِهِ كَقَتْلِ مُسْلِمٍ أَوْ قَطْعِ عُضْوِهِ أَوْ ضَرْبِهِ ضَرْبًا مُتْلِفًا أَوْ شَتْمِهِ أَوْ أَذِيَّتِهِ وَالزِّنَا، وَقِسْمٌ يُبَاحُ فِعْلُهُ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ: كَالْخَمْرِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ طُورِيٌّ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَزَادَ فِي الْخَانِيَّةِ رَابِعًا: وَهُوَ مَا يَكُونُ الْفِعْلُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً كَالْإِكْرَاهِ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ لَكِنَّهُ مُخَالِفُ لِمَا سَيَأْتِي كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ) عِبَارَةُ ابْنِ الْكَمَالِ: أَوْ شُرْبِ دَمٍ أَوْ خَمْرٍ، وَكَتَبَ فِي هَامِشِهِ: الدَّمُ مِنْ الْمَشْرُوبِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: ذُكِرَ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: مَنْ اُضْطُرَّ إلَى مَيْتَةٍ أَوْ لَحْمِ خِنْزِيرٍ أَوْ دَمٍ وَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ. (قَوْلُهُ: بِحَبْسٍ) قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إنَّ مُحَمَّدًا أَجَابَ هَكَذَا بِنَاءً عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْحَبْسِ فِي زَمَانِهِ، فَأَمَّا الْحَبْسُ الَّذِي أَحْدَثُوهُ الْيَوْمَ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّهُ يُبِيحُ التَّنَاوُلَ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ ضَرْبٍ) إلَّا عَلَى الْمَذَاكِيرِ وَالْعَيْنِ كَمَا مَرَّ فَإِنَّهُ يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ. (قَوْلُهُ: أَوْ ضَرْبٍ مُبَرِّحٍ) قَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَدْنَى الْحَدِّ وَهُوَ أَرْبَعُونَ سَوْطًا، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلتَّقْدِيرِ بِالرَّأْيِ وَالنَّاسُ مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُوتُ بِأَدْنَى مِنْهُ، فَلَا طَرِيقَ سِوَى الرُّجُوعِ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى كَمَا فِي التَّبْيِينِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 133 (حَلَّ) الْفِعْلُ بَلْ فُرِضَ (فَإِنْ صَبَرَ فَقُتِلَ أَثِمَ) إلَّا إذَا أَرَادَ مُغَايَظَةَ الْكُفَّارِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْإِبَاحَةَ بِالْإِكْرَاهِ لَا يَأْثَمُ لِخَفَائِهِ فَيُعْذَرُ بِالْجَهْلِ، كَالْجَهْلِ بِالْخِطَابِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ) كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَجِّ. (وَ) إنْ أُكْرِهَ (عَلَى الْكُفْرِ) بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ سَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَجْمَعٌ، وَقُدُورِيٌّ (بِقَطْعٍ أَوْ قَتْلٍ رُخِّصَ لَهُ أَنْ يُظْهِرَ مَا أُمِرَ بِهِ) عَلَى لِسَانِهِ، وَيُوَرِّي (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) ثُمَّ إنْ وَرَّى لَا يُكَفَّرُ وَبَانَتْ امْرَأَتُهُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً وَإِنْ خَطَرَ بِبَالِهِ التَّوْرِيَةُ وَلَوْ يُوَرِّ كُفِّرَ، وَبَانَتْ دِيَانَةً وَقَضَاءً، نَوَازِلُ، وَجَلَالِيَّةٌ   [رد المحتار] قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَيُحْكَى عَنْ جَلَّادِ مِصْرَ أَنَّهُ يُقْتَلُ الْإِنْسَانُ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ بِسَوْطِهِ الَّذِي عَلَّقَ عَلَيْهِ الْكَعْبَ. (قَوْلُهُ: حَلَّ الْفِعْلُ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُسْتَثْنَاةٌ عَنْ الْحُرْمَةِ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ عَنْ الْحُرْمَةِ حِلٌّ ابْنُ كَمَالٍ. (قَوْلُهُ: أَثِمَ) لِأَنَّ هَلَاكَ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْمُبَاحِ حَرَامٌ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أَرَادَ مُغَايَظَةَ الْكُفَّارِ) لَمْ يَعْزُ الشَّارِحُ هَذَا لِأَحَدٍ وَقَدْ رَاجَعْت كُتُبًا كَثِيرَةً مِنْ كُتُبِ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ فَلَمْ أَجِدْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ثُمَّ رَأَيْته بَعْدَ حِينٍ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ فِي كِتَابِ مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ) أَيْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتْقَانِيٌّ: يَعْنِي قَبْلَ انْتِشَارِ الْأَحْكَامِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَوَّلَ إسْلَامِ الْمُخَاطَبِ لِمَا قَالُوا: تَجِبُ الْأَحْكَامُ بِالْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ أَوْ الْكَوْنِ فِي دَارِنَا، وَعَلَيْهِ فَمَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِنَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا تَرَكَ مِنْ نَحْوِ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ قَبْلَ تَعَلُّمِهِ، وَإِنْ كَانَ جَهْلُهُ عُذْرًا فِي رَفْعِ الْإِثْمِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ) أَيْ فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِهَا فِيهَا. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ) أَيْ الْمَجَاعَةِ الشَّدِيدَةِ فَإِنَّهُ إنْ صَبَرَ أَثِمَ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى - {إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]- يَشْمَلُ الْإِكْرَاهَ الْمُلْجِئَ لِأَنَّهُ مِنْ الضَّرُورَةِ وَإِنْ خُصَّ بِالْمَخْمَصَةِ فَالْإِكْرَاهُ ثَابِتٌ بِدَلَالَةِ النَّصِّ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي حَاشِيَتِنَا عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ لِلشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: مَجْمَعٌ وَقُدُورِيٌّ) أَيْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ السَّبِّ فِي الْمَجْمَعِ وَمُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: بِقَطْعٍ أَوْ قَتْلٍ) أَيْ بِمَا يُخْشَى مِنْهُ التَّلَفُ. (قَوْلُهُ: وَيُوَرِّي) التَّوْرِيَةُ أَنْ يُظْهِرَ خِلَافَ مَا أَضْمَرَ فِي قَلْبِهِ أَتْقَانِيٌّ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ فَجَازَ أَنْ يُرَادَ بِهَا هُنَا اطْمِئْنَانُ الْقَلْبِ وَأَنْ يُرَادَ الْإِتْيَانُ بِلَفْظٍ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ اهـ وَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ يُكْرَهُ عَلَى السُّجُودِ لِلصَّنَمِ أَوْ الصَّلِيبِ وَلَا لَفْظٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا إضْمَارُ خِلَافِ مَا أَظْهَرَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْإِخْفَاءِ فَهِيَ مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ وَرَّى لَا يُكَفَّرُ) كَمَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى السُّجُودِ لِلصَّلِيبِ أَوْ سَبِّ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفَعَلَ وَقَالَ نَوَيْت بِهِ الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَمُحَمَّدًا آخَرَ غَيْرَ النَّبِيِّ. (قَوْلُهُ: وَبَانَتْ امْرَأَتُهُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً) لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ طَائِعٌ بِإِتْيَانِ مَا لَمْ يُكْرَهْ عَلَيْهِ وَحُكْمُ هَذَا الطَّائِعِ مَا ذَكَرْنَا هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ خَطَرَ بِبَالِهِ التَّوْرِيَةُ إلَخْ) أَيْ إنْ خَطَرَ بِبَالِهِ الصَّلَاةُ لِلَّهِ تَعَالَى وَسَبُّ غَيْرِ النَّبِيِّ وَلَمْ يُوَرِّ كُفِّرَ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ دَفْعُ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ وَوَجَدَ مَخْرَجًا عَمَّا اُبْتُلِيَ بِهِ، ثُمَّ لَمَّا تَرَكَ مَا خَطَرَ عَلَى بَالِهِ، وَشَتَمَ مُحَمَّدًا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ كَافِرًا، وَإِنْ وَافَقَ الْمُكْرِهَ فِيمَا أَكْرَهَهُ، لِأَنَّهُ وَافَقَهُ بَعْدَمَا وَجَدَ مَخْرَجًا عَمَّا اُبْتُلِيَ، فَكَانَ غَيْرَ مُضْطَرٍّ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ كُفْرٌ كِفَايَةٌ: وَبَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَإِنْ لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ شَيْءٌ وَصَلَّى لِلصَّلِيبِ أَوْ سَبَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ لَمْ تَبِنْ مَنْكُوحَتُهُ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً لِأَنَّهُ فَعَلَ مُكْرَهًا لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ إذَا لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ غَيْرُهُ اهـ. وَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّوْرِيَةَ إنَّمَا تَلْزَمُ عِنْدَ خُطُورِهَا فَإِذَا خَطَرَتْ لَزِمَتْهُ وَبَقِيَ مُؤْمِنًا دِيَانَةً، وَظَهَرَ أَنَّ التَّوْرِيَةَ لَيْسَتْ الِاطْمِئْنَانَ لِفَقْدِهَا فِي الثَّالِثِ، مَعَ وُجُودِهِ فِيهِ خِلَافًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعِنَايَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الثَّالِثَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي " وَلَا رِدَّتُهُ " فَلَا تَبِينُ زَوْجَتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ فَلَا تُنَافِي مَا هُنَا كَمَا خَفِيَ عَلَى الشَّارِحِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: نَوَازِلُ وَجَلَالِيَّةٌ) الْأَقْرَبُ عَزْوُهُ إلَى الْهِدَايَةِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمَشَاهِيرِ الْمُتَدَاوَلَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 134 (وَيُؤْجَرُ لَوْ صَبَرَ) لِتَرْكِهِ الْإِجْرَاءَ الْمُحَرَّمَ وَمِثْلُهُ سَائِرُ حُقُوقِهِ تَعَالَى كَإِفْسَادِ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَقَتْلِ صَيْدِ حَرَمٍ أَوْ فِي إحْرَامٍ وَكُلُّ مَا ثَبَتَتْ فَرْضِيَّتُهُ بِالْكِتَابِ اخْتِيَارٌ (وَلَمْ يُرَخَّصْ) الْإِجْرَاءُ (بِغَيْرِهِمَا) بِغَيْرِ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ يَعْنِي بِغَيْرِ الْمُلْجِئِ ابْنُ كَمَالٍ إذْ التَّكَلُّمُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لَا يَحِلُّ أَبَدًا. (وَرُخِّصَ لَهُ إتْلَافُ مَالِ مُسْلِمٍ) أَوْ ذِمِّيٍّ اخْتِيَارٌ (بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ) وَيُؤْجَرُ لَوْ صَبَرَ ابْنُ مَالِكٍ (وَضَمَّنَ رَبُّ الْمَالِ الْمُكْرِهَ) بِالْكَسْرِ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ - بِالْفَتْحِ - كَالْآلَةِ (لَا) يُرَخَّصُ (قَتْلُهُ)   [رد المحتار] قَوْلُهُ: وَيُؤْجَرُ لَوْ صَبَرَ) أَيْ يُؤْجَرُ أَجْرَ الشُّهَدَاءِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ خُبَيْبًا وَعَمَّارًا اُبْتُلِيَا بِذَلِكَ فَصَبَرَ خُبَيْبِ حَتَّى قُتِلَ فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ وَأَظْهَرَ عَمَّارٌ وَكَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ» أَيْ إنْ عَادَ الْكُفَّارُ إلَى الْإِكْرَاهِ فَعُدْ أَنْتَ إلَى مِثْلِ مَا أَتَيْت بِهِ أَوَّلًا مِنْ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ، وَقَلْبُك مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ابْنُ كَمَالٍ وَقِصَّتُهُمَا شَهِيرَةٌ. (قَوْلُهُ: لِتَرْكِهِ الْإِجْرَاءَ الْمُحَرَّمَ) أَتَى بِلَفْظِ الْمُحَرَّمِ لِيُفِيدَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ، فَإِنَّ ذَاكَ زَالَتْ حُرْمَتُهُ فَلِذَا يَأْثَمُ لَوْ صَبَرَ. فَإِنْ قِيلَ: كَمَا اسْتَثْنَى حَالَةَ الضَّرُورَةِ فِي الْمَيْتَةِ اسْتَثْنَى حَالَةَ الْإِكْرَاهِ هُنَا. قُلْنَا: ثَمَّةَ اسْتَثْنَى مِنْ الْحُرْمَةِ فَكَانَ إبَاحَةً فَلَمْ يَكُنْ رُخْصَةً وَهُنَا مِنْ الْغَضَبِ، فَيَنْتَفِي الْغَضَبُ فِي الْمُسْتَثْنَى، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءُ الْحُرْمَةِ فَكَانَ رُخْصَةً وَذَكَرَ فِي الْكَشَّافِ " مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ " شَرْطٌ مُبْتَدَأٌ وَجَوَابُهُ مَحْذُوفٌ، لِأَنَّ جَوَابَ " مَنْ شَرَحَ " دَالٌّ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قِيلَ مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَضَبٌ، وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ كِفَايَةٌ. (قَوْلُهُ: كَإِفْسَادِ صَوْمٍ) أَيْ مِنْ مُقِيمٍ صَحِيحٍ بَالِغٍ فَلَوْ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ، وَعَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ يَسَعُهُ يَكُونُ آثِمًا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ: وَصَلَاةٍ) عِبَارَةُ غَايَةِ الْبَيَانِ وَكَذَلِكَ الْمُكْرَهُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي الْوَقْتِ إذَا صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ يَسَعُهُ كَانَ مَأْجُورًا اهـ وَهَذَا ظَاهِرٌ أَمَّا إفْسَادُهَا فَقَدْ ذَكَرُوا جَوَازَ قَطْعِهَا لِدِرْهَمٍ، وَلَوْ لِغَيْرِهِ تَأَمَّلْ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَجْرِ عَلَى الصَّبْرِ لِأَخْذِهِ بِالْعَزِيمَةِ وَإِنْ جَازَ الْأَخْذُ بِالرُّخْصَةِ. (قَوْلُهُ: وَقَتْلِ صَيْدِ حَرَمٍ) بِإِضَافَةِ صَيْدِ إلَى حَرَمٍ وَقَوْلُهُ: أَوْ فِي إحْرَامٍ عُطِفَ عَلَى " حَرَمٍ "، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْهِنْدِيَّةِ الْكَلَامَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَا ثَبَتَتْ فَرْضِيَّتُهُ بِالْكِتَابِ) زَادَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِإِبَاحَتِهِ حَالَةَ الضَّرُورَةِ، وَفِيهِ أَنَّهُ وَرَدَ النَّصُّ بِإِبَاحَةِ تَرْكِ الصَّوْمِ لِأَقَلَّ مِنْ الضَّرُورَةِ، وَهُوَ السَّفَرُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْثَمَ لَوْ صَبَرَ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْكَلَامُ فِي الْإِفْسَادِ بَعْدَ الشُّرُوعِ وَالْوَارِدُ إبَاحَتُهُ الْإِفْطَارُ قَبْلَهُ تَأَمَّلْ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ اُضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَدَرَ عَلَى صَيْدٍ لَا يَقْتُلُهُ وَيَأْكُلُ الْمَيْتَةَ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي بِغَيْرِ الْمُلْجِئِ) أَشَارَ بِهَذِهِ الْعِنَايَةِ إلَى أَنَّ الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ لَيْسَا قَيْدًا، بَلْ مَا كَانَ مُلْجِئًا فَهُوَ فِي حُكْمِهِمَا كَالضَّرْبِ عَلَى الْعَيْنِ وَالذَّكَرِ وَحَبْسِ هَذَا الزَّمَانِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ بَلْخٍ وَالتَّهْدِيدُ بِأَخْذِ كُلِّ الْمَالِ كَمَا بَحَثَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ ط وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ الزَّاهِدِيِّ لَا أَنَّهُ بَحْثٌ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: إذْ التَّكَلُّمُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لَا يَحِلُّ أَبَدًا) هَذَا إنَّمَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِقَوْلِهِ سَابِقًا لِتَرْكِ الْإِجْرَاءِ الْمُحَرَّمِ فَالْأَوْلَى ذِكْرُ ذَلِكَ بِلَصْقِهِ ط. (قَوْلُهُ: وَيُؤْجَرُ لَوْ صَبَرَ) لِأَخْذِهِ بِالْعَزِيمَةِ لِأَنَّ أَخْذَ مَالِ الْغَيْرِ مِنْ الْمَظَالِمِ وَحُرْمَةُ الظُّلْمِ لَا تَنْكَشِفُ، وَلَا تُبَاحُ بِحَالٍ كَالْكُفْرِ أَتْقَانِيٌّ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ تَرْكَ الْإِتْلَافِ أَفْضَلُ وَلِذَا قَالُوا: إنَّ تَنَاوُلَ مَالِ الْغَيْرِ أَشَدُّ حُرْمَةً مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْفِعْلَ وَالتَّرْكَ سَوَاءٌ وَفِي الْخَانِيَّةِ اُضْطُرَّ حَالَ الْمَخْمَصَةِ وَأَرَادَ أَخْذَ مَالَ الْغَيْرِ فَمَنَعَهُ صَاحِبُهُ، وَلَمْ يَأْخُذْ حَتَّى مَاتَ يَأْثَمُ اهـ وَنَقَلَ الْأَتْقَانِيُّ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْإِكْرَاهِ وَأَنَّ الْفَقِيهَ أَبَا إِسْحَاقَ الْحَافِظَ كَانَ يَقُولُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِتَأْوِيلِ مَا فِي الْمَخْمَصَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ صَاحِبُهُ يُعْطِيهِ بِالْقِيمَةِ، فَلَمْ يَأْخُذْ حَتَّى مَاتَ يَأْثَمُ وَكَذَا فِي الْإِكْرَاهِ لَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ يُعْطِيهِ بِالْقِيمَةِ يَأْثَمُ. (قَوْلُهُ: كَالْآلَةِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ آلَةٌ لِلْمُكْرِهِ يُنْقَلُ إلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 135 أَوْ سَبُّهُ أَوْ قَطْعُ عُضْوِهِ وَمَا لَا يُسْتَبَاحُ بِحَالٍ اخْتِيَارٌ. (وَيُقَادُ فِي) الْقَتْلِ (الْعَمْدِ الْمُكْرِهُ) بِالْكَسْرِ لَوْ مُكَلَّفًا عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ خِلَافًا لِمَا فِي النِّهَايَةِ (فَقَطْ) لِأَنَّ الْقَاتِلَ كَالْآلَةِ وَأَوْجَبَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِمَا وَنَفَاهُ أَبُو يُوسُفَ عَنْهُمَا لِلشُّبْهَةِ   [رد المحتار] الْمُكْرِهِ وَالْإِتْلَافُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بِأَنْ يَأْخُذَهُ وَيُلْقِيَهُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ فَيُتْلِفَهُ، فَصَارَ كَأَنَّ الْمُكْرَهَ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ بِخِلَافِ مَا لَا يَصْلُحُ آلَةً كَالْأَكْلِ وَالْوَطْءِ، وَالتَّكَلُّمِ، ولِذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِعْتَاقِ ضَمَّنَ الْمُكْرِهَ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ فِي حَقِّ الْإِتْلَافِ يَصْلُحُ آلَةً لَكِنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُكْرَهِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ آلَةً فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ أَتْقَانِيٌّ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ السِّرَاجِ: حَتَّى لَوْ حَمَلَهُ مَجُوسِيٌّ عَلَى ذَبْحِ شَاةِ الْغَيْرِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا اهـ وَسَيَأْتِي خِلَافُهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ سَبُّهُ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ مِنْ أَنَّهُ بِالْمُلْجِئِ يُرَخَّصُ شَتْمُ الْمُسْلِمِ وَأَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الِافْتِرَاءِ عَلَى مُسْلِمٍ يُرْجَى أَنْ يَسَعَهُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ اهـ وَقَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ بِمُتْلِفٍ أَنْ يَفْتَرِيَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كَانَ فِي سَعَةٍ فَهُنَا أَوْلَى إلَّا أَنَّهُ عَلَّقَ الْإِبَاحَةَ بِالرَّجَاءِ، وَفِي الِافْتِرَاءِ عَلَى اللَّهِ لَمْ يُعَلِّقْ، لِأَنَّهَا هُنَاكَ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ، وَهُنَا ثَبَتَ دَلَالَةً قَالَ مُحَمَّدٌ عَقِيبَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ عَلَى شَتْمِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي سَعَةٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَطَرِيقُهُ مَا قُلْنَا وَلَوْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ كَانَ مَأْجُورًا وَكَانَ أَفْضَلَ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ قَطْعُ عُضْوِهِ) أَيْ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ الْمَقْطُوعُ غَيْرَ مُكْرَهٍ فَإِنْ قَطَعَ فَهُوَ آثِمٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْقَاطِعِ وَلَا عَلَى الْمُكْرِهِ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْقَتْلِ فَأَذِنَ لَهُ فَقَتَلَهُ أَثِمَ وَالدِّيَةُ فِي مَالِ الْآمِرِ تَتَارْخَانِيَّةٌ، لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ لَهُ السُّلْطَانُ: اقْطَعْ يَدَ فُلَانٍ، وَإِلَّا لَأَقْتُلَنَّكَ وَسِعَهُ أَنْ يَقْطَعَ وَعَلَى الْآمِرِ الْقِصَاصُ عِنْدَهُمَا وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ ثُمَّ رَأَيْت الطُّورِيَّ وَفَّقَ بِأَنَّهُ إنْ أُكْرِهَ عَلَى الْقَطْعِ بِأَغْلَظَ مِنْهُ وَسِعَهُ وَإِنْ بِقَطْعٍ أَوْ بِدُونِهِ فَلَا تَأَمَّلْ. وَأَتَى بِضَمِيرِ الْغَيْبَةِ الْعَائِدِ عَلَى غَيْرِهِ لِمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ عَلَى قَطْعِ يَدِ نَفْسِهِ، وَسِعَهُ ذَلِكَ وَعَلَى الْمُكْرِهِ الْقَوَدُ وَلَوْ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ فَقَتَلَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُكْرِهِ اهـ وَفِي الْمَجْمَعِ أُكْرِهَ عَلَى قَطْعِ يَدِهِ أَيْ يَدِ الْغَيْرِ فَفَعَلَ، ثُمَّ قَطَعَ رِجْلَهُ طَوْعًا فَمَاتَ يُوجِبُ أَبُو يُوسُفَ الدِّيَةَ فِي مَالَيْهِمَا وَأَوْجَبَا الْقِصَاصَ عَلَيْهِمَا. (قَوْلُهُ: وَيُقَادُ فِي الْعَمْدِ الْمُكْرِهُ فَقَطْ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُبَاحُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقَتْلِ بِالْمُلْجِئِ، وَلَوْ قَتَلَ أَثِمَ وَيُقْتَصُّ الْحَامِلُ وَيُحْرَمُ الْمِيرَاثَ لَوْ بَالِغًا وَيَقْتَصُّ الْمُكْرَهُ مِنْ الْحَامِلِ وَيَرِثُهُمَا شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَا فِي النِّهَايَةِ) مِنْ قَوْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْآمِرُ بَالِغًا أَوْ لَا عَاقِلًا أَوْ مَعْتُوهًا فَالْقَوَدُ عَلَى الْآمِرِ وَعَزَاهُ لِلْمَبْسُوطِ وَرَدَّهُ فِي الْعِنَايَةِ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْكَاكِيِّ صَاحِبِ الْمِعْرَاجِ نَقْلًا عَنْ شَيْخِهِ عَلَاءِ الدِّينِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِأَنَّ عِبَارَةَ الْمَبْسُوطِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُكْرَهُ إلَخْ، وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ فَتَوَهَّمَ أَنَّهُ بِالْكَسْرِ فَعَبَّرَ بِالْآمِرِ، وَهُوَ سَهْوٌ يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ أَبُو الْيُسْرِ فِي مَبْسُوطِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُكْرِهُ الْآمِرُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ عَلَى أَحَدٍ، لِأَنَّ الْقَاتِلَ فِي الْحَقِيقَةِ هَذَا الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِوُجُوبِ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ. أَقُولُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الشُّرَّاحُ حُكْمَ الدِّيَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُكْرِهِ - أَيْ بِالْكَسْرِ - فِي ثَلَاثِ سِنِينَ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَاتِلَ كَالْآلَةِ) أَيْ فِيمَا يَصْلُحُ آلَةً وَهُوَ الْإِتْلَافُ بِخِلَافِ الْإِثْمِ لِأَنَّهُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى دِينِهِ، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَجْنِي عَلَى دِينِ غَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ أَكْرَهَ مُسْلِمٌ مَجُوسِيًّا عَلَى ذَبْحِ شَاةٍ، فَإِنَّهُ يُنْقَلُ الْفِعْلُ إلَى الْمُسْلِمِ الْآمِرِ فِي حَقِّ الْإِتْلَافِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَلَا يُنْقَلُ فِي حَقِّ الْحِلِّ فِي الذَّبْحِ فِي الدِّينِ، وَبِالْعَكْسِ يَحِلُّ زَيْلَعِيٌّ، وَمِثْلُهُ فِي الْمِعْرَاجِ فَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مِنْ عَكْسِهِ الْحُكْمَ سَهْوٌ فِي النَّقْلِ. (قَوْلُهُ: وَنَفَاهُ أَبُو يُوسُفَ عَنْهُمَا) لَكِنْ أَوْجَبَ الدِّيَةَ عَلَى الْآمِرِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ خَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: لِلشُّبْهَةِ) أَيْ شُبْهَةِ الْعَدَمِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا قَاتِلٌ حَقِيقَةً لَا حُكْمًا، وَالْآخَرَ بِالْعَكْسِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 136 (وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا لَا يُرَخَّصُ لَهُ) لِأَنَّ فِيهِ قَتْلَ النَّفْسِ بِضَيَاعِهَا لَكِنَّهُ لَا يُحَدُّ اسْتِحْسَانًا، بَلْ يَغْرَمُ الْمَهْرَ - وَلَوْ طَائِعَةً - لِأَنَّهُمَا لَا يَسْقُطَانِ جَمِيعًا. شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ (وَفِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ يُرَخَّصُ) لَهَا الزِّنَا (بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ) لِأَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ لَا يَنْقَطِعُ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْقَتْلِ مِنْ جَانِبِهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ (لَا بِغَيْرِهِ لَكِنَّهُ يُسْقِطُ الْحَدَّ فِي زِنَاهَا لَا زِنَاهُ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْمُلْجِئُ رُخْصَةً لَهُ لَمْ يَكُنْ غَيْرُ الْمُلْجِئِ شُبْهَةً لَهُ. [فَرْعٌ] : ظَاهِرُ تَعْلِيلِهِمْ أَنَّ حُكْمَ اللِّوَاطَةِ كَحُكْمِ الْمَرْأَةِ لِعَدَمِ الْوَلَدِ فَتُرَخَّصُ بِالْمُلْجِئِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِكَوْنِهَا أَشَدَّ حُرْمَةً مِنْ الزِّنَا لِأَنَّهَا لَمْ تُبَحْ بِطَرِيقٍ مَا وَلِكَوْنِ قُبْحِهَا عَقْلِيًّا وَلِذَا لَا تَكُونُ فِي الْجَنَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. (وَصَحَّ نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَعِتْقُهُ) لَوْ بِالْقَوْلِ لَا بِالْفِعْلِ كَشِرَاءِ قَرِيبِهِ ابْنُ كَمَالٍ (وَرَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ وَنِصْفِ الْمُسَمَّى إنْ لَمْ يَطَأْ   [رد المحتار] وَقَالَ زُفَرُ: يُقَادُ الْفَاعِلُ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أُكْرِهَ) أَيْ بِمُلْجِئٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَجِيءُ. (قَوْلُهُ: بِضَيَاعِهَا) لِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا هَالِكٌ حُكْمًا لِعَدَمِ مَنْ يُرَبِّيهِ، فَلَا يُسْتَبَاحُ بِضَرُورَةٍ مَا كَالْقَتْلِ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: بَلْ يَغْرَمُ الْمَهْرَ) وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْوَطْءِ حَصَلَتْ لِلزَّانِي كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ طَعَامِ نَفْسِهِ جَائِعًا تَتَارْخَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا) أَيْ الْمَهْرَ وَالْحَدَّ لَا يَسْقُطَانِ جَمِيعًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: لَا يَنْقَطِعُ) أَيْ عَنْ الْأُمِّ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يُسْقِطُ الْحَدَّ فِي زِنَاهَا) أَيْ بِغَيْرِ الْمُلْجِئِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُلْجِئُ رُخْصَةً لَهَا كَانَ غَيْرُهُ شُبْهَةً لَهَا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْمُلْجِئُ رُخْصَةً لَهُ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ لَا زِنَاهُ، وَإِذَا لَمْ يُرَخَّصْ لَهُ يَأْثَمُ فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ هَلْ تَأْثَمُ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنْ أُكْرِهَتْ عَلَى أَنْ تُمَكِّنَ مِنْ نَفْسِهَا، فَمَكَّنَتْ تَأْثَمُ وَإِنْ لَمْ تُمَكِّنْ وَزَنَى بِهَا فَلَا وَهَذَا لَوْ بِمُلْجِئٍ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ بِلَا خِلَافٍ لَا عَلَيْهَا وَلَكِنَّهَا تَأْثَمُ هِنْدِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ تَعْلِيلِهِمْ) أَيْ بِأَنَّهُ لَا يُرَخَّصُ لِلرَّجُلِ، لِأَنَّ فِيهِ قَتْلَ النَّفْسِ وَيُرَخَّصُ لِلْمَرْأَةِ لِعَدَمِ قَطْعِ النَّسَبِ مِنْهَا. (قَوْلُهُ: أَنَّ حُكْمَ اللِّوَاطَةِ) أَيْ مِنْ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَلَوْ بِرَجُلٍ ط. (قَوْلُهُ: فَتُرَخَّصُ بِالْمُلْجِئِ) فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ مِنْ النُّتَفِ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا وَاللُّوَاطَةِ لَا يَسَعُهُ وَإِنْ قُتِلَ اهـ فَمَنَعَ اللِّوَاطَةَ مَعَ أَنَّهَا لَا تُؤَدِّي إلَى هَلَاكِ الْوَلَدِ وَلَا تُفْسِدُ الْفِرَاشَ اهـ سَرَى الدَّيْنِ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ النُّتَفِ يَعُمُّ الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ ط وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمِنَحِ أَيْضًا عِبَارَةَ النُّتَفِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَمْ تُبَحْ بِطَرِيقٍ مَا) بِخِلَافِ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ فَإِنَّهُ يُسْتَبَاحُ بِعَقْدٍ وَبِمِلْكٍ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلِكَوْنِ قُبْحِهَا عَقْلِيًّا) لِأَنَّ فِيهَا إذْلَالًا لِلْمَفْعُولِ وَيَأْبَى الْعَقْلُ ذَلِكَ، وَقَدْ انْضَمَّ قُبْحُهَا الْعَقْلِيُّ إلَى قُبْحِهَا طَبْعًا - فَإِنَّهُ مَحَلُّ نَجَاسَةٍ وَفَرْثٍ وَإِخْرَاجٍ لَا مَحَلُّ حَرْثٍ وَإِدْخَالٍ وَطَهَارَةٍ -، وَإِلَى قُبْحِهَا شَرْعًا ط (قَوْلُهُ: وَصَحَّ نِكَاحُهُ) فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِالزِّيَادَةِ بَطَلَتْ الزِّيَادَةُ وَأَوْجَبَهَا الطَّحَاوِيُّ، وَقَالَ: يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُكْرِهِ بَزَّازِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: لَوْ بِالْقَوْلِ لَا بِالْفِعْلِ إلَخْ) تَبِعَ ابْنَ الْكَمَالِ فِي ذِكْرِهِ ذَلِكَ هُنَا، وَصَوَابُهُ ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَرَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ، لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ لَا فِي صِحَّةِ الْعِتْقِ، وَعِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ سَالِمَةٌ مِنْ هَذَا الِاشْتِبَاهِ حَيْثُ قَالَ: أُكْرِهَ عَلَى الْإِعْتَاقِ فَلَهُ تَضْمِينُ الْمُكْرِهِ إلَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى شِرَاءِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ أَوْ بِالْقَرَابَةِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أُكْرِهَ عَلَى شِرَاءِ ذِي رَحِمِهِ أَوْ مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِعَشَرَةِ آلَافٍ، فَاشْتَرَى عَتَقَ وَلَزِمَهُ أَلْفٌ لَا عَشَرَةٌ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِيمَةُ لَا الثَّمَنُ، وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ عَلَى الْمُكْرِهِ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ مَا خَرَجَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَرَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ) يَعْنِي فِي صُورَةِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ صَلَحَ لَهُ آلَةً فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ فَانْضَافَ إلَيْهِ ابْنُ كَمَالٍ وَالْوَلَاءُ لِلْمَأْمُورِ لِمَا مَرَّ عَنْ الْأَتْقَانِيِّ، وَيَرْجِعُ بِالْقِيمَةِ عَلَيْهِ وَلَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ، وَلَا يَرْجِعُ الْمُكْرِهُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. (قَوْلُهُ: وَنِصْفِ الْمُسَمَّى إنْ لَمْ يَطَأْ) لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ مِنْ جِهَتِهَا بِمَعْصِيَةٍ كَالِارْتِدَادِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ، وَقَدْ تَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ، فَكَانَ تَقْرِيرًا لِلْمَالِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَيُضَافُ تَقْرِيرُهُ إلَى الْمُكْرِهِ، وَالتَّقْرِيرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 137 وَنَذْرُهُ، وَيَمِينُهُ، وَظِهَارُهُ، وَرَجْعَتُهُ، وَإِيلَاؤُهُ وَفَيْؤُهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِيلَاءِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ (وَإِسْلَامُهُ) وَلَوْ ذِمِّيًّا كَمَا هُوَ إطْلَاقُ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ التَّفْصِيلِ فَقِيَاسٌ، وَالِاسْتِحْسَانُ صِحَّتُهُ مُطْلَقًا فَلْيُحْفَظْ (بِلَا قَتْلٍ لَوْ رَجَعَ) لِلشُّبْهَةِ، كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ (وَتَوْكِيلُهُ بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ)   [رد المحتار] كَالْإِيجَابِ، فَكَانَ مُتْلِفًا لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَقَيَّدَ بِالْمُسَمَّى، لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فِيهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْمُتْعَةِ ابْنُ كَمَالٍ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يَطَأْ لِأَنَّهُ إنْ وَطِئَ لَا يَرْجِعُ، لِأَنَّ الْمَهْرَ تَقَرَّرَ هُنَا بِالدُّخُولِ لَا بِالطَّلَاقِ زَيْلَعِيٌّ، وَالْمُرَادُ بِالْوَطْءِ مَا يَعُمُّ الْخَلْوَةَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحَامِلَ أَجْنَبِيٌّ، فَلَوْ كَانَ زَوْجَةً لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا أُكْرِهَتْ بِالْمُلْجِئِ وَأَمَّا بِغَيْرِهِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَنَذْرُهُ) أَيْ بِكُلِّ طَاعَةٍ كَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهَا، لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ أَثَرُ الْإِكْرَاهِ قُهُسْتَانِيٌّ لِأَنَّهُ مِنْ اللَّاتِي هَزْلُهُنَّ جِدٌّ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِمَا لَزِمَهُ لِأَنَّهُ لَا مُطَالِبَ لَهُ فِي الدُّنْيَا فَلَا يُطَالِبُ هُوَ بِهِ فِيهَا زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَيَمِينُهُ وَظِهَارُهُ) أَيْ الْيَمِينُ عَلَى الطَّاعَةِ أَوْ الْمَعْصِيَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَالظِّهَارَ لَا يَعْمَلُ فِيهِمَا الْإِكْرَاهُ، لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ الْفَسْخَ، فَيَسْتَوِي فِيهِمَا الْجِدُّ وَالْهَزْلُ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَرَجْعَتُهُ) لِأَنَّهَا اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ، فَكَانَتْ مُلْحَقَةً بِهِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِيلَاؤُهُ وَفَيْؤُهُ فِيهِ) لِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَمِينٌ فِي الْحَالِ، وَطَلَاقٌ فِي الْمَآلِ، وَالْفَيْءَ فِيهِ كَالرَّجْعَةِ فِي الِاسْتِدَامَةِ وَلَوْ بَانَتْ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا لَزِمَهُ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَيْءِ فِي الْمُدَّةِ وَكَذَا الْخُلْعُ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ أَوْ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ غَيْرَ مُكْرَهَةٍ لَزِمَهَا الْبَدَلُ زَيْلَعِيٌّ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أُكْرِهَتْ عَلَى أَنْ قَبِلَتْ مِنْ الزَّوْجِ تَطْلِيقَةً بِأَلْفٍ وَقَعَتْ رَجْعِيَّةً وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ) كَذَا قَالَ أَيْضًا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى، وَاَلَّذِي فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ كَشُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِ الْكَنْزِ وَالدُّرَرِ وَالْمِنَحِ تَخْصِيصُهُ الْقَوْلَ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ كَوْنُ الْكَلَامِ فِيمَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ مِنْ الْأَقْوَالِ فَلَيْسَ التَّقْيِيدُ احْتِرَازِيًّا لِأَنَّ الْفِعْلَ أَقْوَى مِنْ الْقَوْلِ فَإِذَا لَمْ يَحْتَمِلْ الْقَوْلُ الْفَسْخَ فَالْفِعْلُ أَوْلَى وَهَكَذَا يُقَالُ فِي الرَّجْعَةِ تَشْمَلُ الْقَوْلَ وَالْفِعْلَ لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَقْوَالِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ التَّفْصِيلِ) مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَرْبِيًّا يَصِحُّ وَلَوْ ذِمِّيًّا فَلَا وَمِثْلُهُ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَجَعَلَ الْمُسْتَأْمَنَ كَالذِّمِّيِّ، وَبَيَّنَ فِي الْمِنَحِ وَجْهَ الْفَرْقِ بِأَنَّ إلْزَامَ الْحَرْبِيِّ بِالْإِسْلَامِ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ لِأَنَّهُ بِحَقٍّ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِحْسَانُ صِحَّتُهُ مُطْلَقًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ إلَّا فِي مَسَائِلَ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا فَيَكُونُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ اهـ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُفْرِ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ وَهَذَا فِي الْحُكْمِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَتَوْكِيلُهُ بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالنِّكَاحِ يَصِحُّ وَيَنْعَقِدُ، وَلَكِنْ لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَلَى الْأَشْبَاهِ، عَنْ حَاشِيَةِ الشَّيْخِ صَالِحٍ، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ لِلرَّمْلِيِّ حَيْثُ قَالَ. أَقُولُ: لَمْ يَتَعَرَّضْ كَغَيْرِهِ لِلنِّكَاحِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ سُكُوتَهُمْ عَنْهُ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَا اسْتِحْسَانَ فِيهِ بَلْ هُوَ عَلَى الْقِيَاسِ اهـ. أَقُولُ: عِلَّةُ الِاسْتِحْسَانِ تَشْمَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْوَكَالَةِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ الْوَكَالَةُ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْهَزْلِ فَكَذَا مَعَ الْإِكْرَاهِ كَالْبَيْعِ وَأَمْثَالِهِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْبَيْعِ، وَلَكِنْ يُوجِبُ فَسَادَهُ فَكَذَا التَّوْكِيلُ يَنْعَقِدُ مَعَ الْإِكْرَاهِ، وَالشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْوَكَالَةِ لِكَوْنِهَا مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ، فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ نَفَذَ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت الرَّمْلِيَّ نَفْسَهُ ذَكَرَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْبَحْرِ فِي بَابِ الطَّلَاقِ الصَّرِيحِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الثَّلَاثَ تَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا قَدَّمْنَاهُ ثُمَّ قَالَ: فَانْظُرْ إلَى عِلَّةِ الِاسْتِحْسَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 138 وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ خِلَافِهِ فَقِيَاسٌ وَالِاسْتِحْسَانُ وُقُوعُهُ، وَالْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَا يَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ لِأَنَّ مَا يَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَكُلُّ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَعَدَّهَا أَبُو اللَّيْثِ فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَعَدَّيْنَاهَا فِي بَابِ الطَّلَاقِ نَظْمًا عِشْرِينَ. (لَا) يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ (إبْرَاؤُهٌ مَدْيُونَهُ أَوْ) إبْرَائِهِ (كَفِيلَهُ) بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ لَا تَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ الشَّفِيعُ أَنْ يَسْكُتَ عَنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ فَسَكَتَ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ (وَ) لَا (رِدَّتُهُ) بِلِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ (فَلَا تَبِينُ زَوْجَتُهُ) لِأَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ بِهِ   [رد المحتار] فِي الطَّلَاقِ تَجِدُهَا فِي النِّكَاحِ فَيَكُونُ حُكْمُهَا وَاحِدًا تَأَمَّلْ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُكْرَهَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ اسْتِحْسَانًا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ، وَلَوْ أُكْرِهَ بِمُلْجِئٍ عَلَى تَوْكِيلِ هَذَا بِبَيْعِ عَبْدِهِ بِأَلْفٍ، وَعَلَى الدَّفْعِ إلَيْهِ فَبَاعَ الْوَكِيلُ وَأَخَذَ الثَّمَنَ فَهَلَكَ الْعَبْدُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ وَالْوَكِيلُ طَائِعَانِ ضَمَّنَ أَيَّ الثَّلَاثَةِ شَاءَ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ لَا يَرْجِعُ بِالْقِيمَةِ عَلَى أَحَدٍ بَلْ بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَكِيلِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْوَكِيلَ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ، وَهُوَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ، فَيَتَقَاصَّانِ وَيَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُكْرِهَ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عَلَى الْوَكِيلِ وَلَوْ الْإِكْرَاهُ بِغَيْرِ مُلْجِئٍ لَمْ يَضْمَنْ الْمُكْرِهُ شَيْئًا وَإِنَّمَا لِلْمَوْلَى تَضْمِينُ الْوَكِيلِ الْقِيمَةَ وَيَتَقَاصُّ مَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ أَوْ تَضْمِينُ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ لَا رُجُوعَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى أَحَدٍ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ خِلَافِهِ) وَهُوَ عَدَمُ الْوُقُوعِ بِطَلَاقِ الْوَكِيلِ وَإِعْتَاقِهِ. (قَوْلُهُ: يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ) أَيْ فِيمَا عَدَا مَسْأَلَةَ الْوَكَالَةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ خُرُوجِهَا عَنْ الْقِيَاسِ. (قَوْلُهُ: لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ مَنْعُ الصِّحَّةِ، لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يُفَوِّتُ الرِّضَا، وَفَوَاتُهُ يُؤَثِّرُ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ، وَعَدَمُهُ يُمَكِّنُ الْمُكْرَهَ مِنْ الْفَسْخِ، فَالْإِكْرَاهُ يُمَكِّنُ الْمُكْرَهَ مِنْ الْفَسْخِ بَعْدَ التَّحَقُّقِ فَمَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ لَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ: وَعَدَّيْنَاهَا) صَوَابُهُ " عَدَدْنَاهَا " لِأَنَّهُ مِنْ الْعَدِّ لَا مِنْ التَّعْدِيَةِ. (قَوْلُهُ: نَظْمًا) هُوَ لِصَاحِبِ النَّهْرِ وَعِبَارَتُهُ هُنَاكَ نَظَمَ فِي النَّهْرِ مَا يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ فَقَالَ: طَلَاقٌ وَإِيلَاءٌ ظِهَارٌ وَرَجْعَةٌ ... نِكَاحٌ مَعَ اسْتِيلَادٍ عَفْوٌ عَنْ الْعَمْدِ رَضَاعٌ وَأَيْمَانٌ وَفَيْءٌ وَنَذْرُهُ ... قَبُولٌ لِإِيدَاعٍ كَذَا الصُّلْحُ عَنْ عَمْدِ طَلَاقٌ عَلَى جُعْلٍ يَمِينٌ بِهِ أَتَتْ ... كَذَا الْعِتْقُ وَالْإِسْلَامُ تَدْبِيرٌ لِلْعَبْدِ وَإِيجَابُ إحْسَانٍ وَعِتْقٌ فَهَذِهِ ... تَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ عِشْرِينَ فِي الْعَدِّ أَقُولُ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا خَمْسَةَ عَشَرَ لِلتَّدَاخُلِ، وَلِأَنَّ قَبُولَ الْإِيدَاعِ لَيْسَ مِنْهَا كَمَا فِي النَّهْرِ وَالْمَذْكُورُ مِنْهَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ عَشَرَةٌ نَظَمَهَا ابْنُ الْهُمَامِ بِقَوْلِهِ: يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ عِتْقٌ وَرَجْعَةٌ ... نِكَاحٌ وَإِيلَاءٌ طَلَاقُ مُفَارِقِ وَفَيْءٌ ظِهَارٌ وَالْيَمِينُ وَنَذْرُهُ ... وَعَفْوٌ لِقَتْلِ شَابٍّ مِنْهُ مُفَارِقِ وَزِدْت عَلَيْهِ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ بِقَوْلِي: رَضَاعٌ وَتَدْبِيرٌ قَبُولٌ لِصُلْحِهِ ... كَذَلِكَ إيلَادٌ وَالْإِسْلَامُ فَارِقُ. (قَوْلُهُ: أَوْ إبْرَاؤُهُ كَفِيلَهُ) وَكَذَا قَبُولُ الْكَفَالَةِ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ الْحَامِدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا قَبُولُ الْحَوَالَةِ عَلَى مَا فِي حَوَالَةِ الْبَحْرِ سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ) لِأَنَّهَا إقْرَارٌ بِفَرَاغِ الذِّمَّةِ فَيُؤَثِّرُ فِيهَا الْإِكْرَاهُ. (قَوْلُهُ: لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ) فَإِذَا زَالَ الْإِكْرَاهُ فَإِنْ طَلَبَ عِنْدَ ذَلِكَ وَإِلَّا بَطَلَتْ، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى تَسْلِيمِهَا بَعْدَ طَلَبِهَا لَا تَبْطُلُ هِنْدِيَّةٌ وَغَيْرُهَا. (قَوْلُهُ: وَلَا رِدَّتُهُ إلَخْ) ذَكَرَهُ لِيُفَرِّعَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَلَا تَبِينُ زَوْجَتُهُ وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ مَا يُغْنِي عَنْهُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ بِهِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 139 وَالْقَوْلُ لَهُ اسْتِحْسَانًا. قُلْت: وَقَدَّمْنَا عَلَى النَّوَازِلِ خِلَافَهُ فَلَعَلَّهُ قِيَاسٌ فَتَأَمَّلْ. (أَكْرَهَ الْقَاضِي رَجُلًا لِيُقِرَّ بِسَرِقَةٍ أَوْ بِقَتْلِ رَجُلٍ بِعَمْدٍ أَوْ) لِيُقِرَّ (بِقَطْعِ يَدِ رَجُلٍ بِعَمْدٍ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ قُتِلَ) عَلَى مَا ذُكِرَ (إنْ كَانَ الْمُقِرُّ مَوْصُوفًا بِالصَّلَاحِ اُقْتُصَّ مِنْ الْقَاضِي وَإِنْ مُتَّهَمًا بِالسَّرِقَةِ مَعْرُوفًا بِهَا وَبِالْقَتْلِ لَا) يُقْتَصُّ مِنْ الْقَاضِي اسْتِحْسَانًا لِلشُّبْهَةِ خَانِيَّةٌ. (قِيلَ لَهُ: إمَّا أَنْ تَشْرَبَ هَذَا الشَّرَابَ أَوْ تَبِيعَ كَرْمَكَ فَهُوَ إكْرَاهٌ إنْ كَانَ شَرَابًا لَا يَحِلُّ) كَالْخَمْرِ (وَإِلَّا فَلَا) قُنْيَةٌ قَالَ: وَكَذَا الزِّنَا وَسَائِرُ الْمُحَرَّمَاتِ. (صَادَرَهُ السُّلْطَانُ وَلَمْ يُعَيِّنْ بَيْعَ مَالِهِ فَبَاعَهُ صَحَّ) لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ، وَالْحِيلَةُ أَنْ يَقُولَ: مِنْ أَيْنَ أُعْطِي وَلَا مَالَ لِي؟ فَإِذَا   [رد المحتار] ذَكَرَ الضَّمِيرَ، لِأَنَّ الْمُرَادَ التَّلَفُّظُ اللِّسَانِيُّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: لِأَنَّ الرِّدَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِقَادِ، أَلَا تَرَى لَوْ كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ لَا يُكَفَّرُ، وَفِي اعْتِقَادِهِ الْكُفْرَ شَكٌّ فَلَا تَثْبُتُ الْبَيْنُونَةُ بِالشَّكِّ. (قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لَوْ ادَّعَتْ تَبَدُّلَ اعْتِقَادِهِ وَأَنْكَرَ هُوَ فَالْقَوْلُ لَهُ. (قَوْلُهُ: اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ كَلِمَةَ الْكُفْرِ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْفُرْقَةِ، فَيَسْتَوِي فِيهِ الطَّائِعُ وَالْمُكْرَهُ كَلَفْظَةِ الطَّلَاقِ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلْفُرْقَةِ، وَإِنَّمَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِاعْتِبَارِ تَغَيُّرِ الِاعْتِقَادِ، وَالْإِكْرَاهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَغَيُّرِهِ، فَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ وَلِهَذَا لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَقَدَّمْنَا عَنْ النَّوَازِلِ إلَخْ) الَّذِي قَدَّمَهُ عَنْ النَّوَازِلِ أَنَّهُ إنْ وَرَّى بَانَتْ قَضَاءً فَقَطْ وَإِلَّا مَعَ خُطُورِهَا بِبَالِهِ بَانَتْ دِيَانَةً أَيْضًا. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ بَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ شَيْءٌ أَصْلًا وَأَتَى بِمَا أُكْرِهَ بِهِ مُطْمَئِنًّا، فَلَا بَيْنُونَةَ وَلَا كُفْرَ أَصْلًا وَصَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلَا مُنَافَاةَ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: أَكْرَهَ الْقَاضِي) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُقِيمُ الْحُدُودَ فِي الْعَادَةِ وَإِلَّا فَكُلُّ مُتَغَلِّبٍ كَذَلِكَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ بِمُلْجِئٍ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّجْرِيدِ: أُكْرِهَ بِضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ حَتَّى يُقِرَّ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ فَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ خَلَّاهُ ثُمَّ أَخَذَهُ فَأَقَرَّ بِهِ إقْرَارًا مُسْتَقْبَلًا أُخِذَ بِهِ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا ذُكِرَ) أَيْ بِنَاءً عَلَى إقْرَارِهِ مُكْرَهًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ مُتَّهَمًا إلَخْ) أَيْ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ هِنْدِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: لَا يُقْتَصُّ مِنْ الْقَاضِي اسْتِحْسَانًا) وَلَكِنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ، كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: لِلشُّبْهَةِ) أَيْ شُبْهَةِ أَنَّهُ فَعَلَ مَا أَقَرَّ بِهِ مَعَ دَلَالَةِ الْحَالِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: قِيلَ لَهُ إلَخْ) أَيْ أُكْرِهَ بِمُلْجِئٍ عَلَى فِعْلِ أَحَدِ هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ إكْرَاهٌ) أَيْ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ، لِأَنَّ حُرْمَةَ الشُّرْبِ قَطْعِيَّةٌ فَلَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِالْبَيْعِ تَأَمَّلْ. وَهَلْ يَسَعُهُ الشُّرْبُ، وَتَرْكُ الْبَيْعِ؟ الظَّاهِرُ: نَعَمْ لِأَنَّ الشُّرْبَ يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ تَأَمَّلْ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ، فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قُتِلَ لَا يَأْثَمُ، لِأَنَّهُ لَوْ صَبَرَ عَلَى الْقَتْلِ، وَلَمْ يُتْلِفْ مَالَ نَفْسِهِ يَكُونُ شَهِيدًا فَلَأَنْ لَا يَأْثَمَ إذَا امْتَنَعَ عَنْ إبْطَالِ مِلْكِ النِّكَاحِ عَلَى الْمَرْأَةِ كَانَ أَوْلَى اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الزِّنَا وَسَائِرُ الْمُحَرَّمَاتِ) أَيْ لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ الزِّنَا وَنَحْوِهِ فَبَاعَ يَكُونُ مُكْرَهًا، وَهَذَا فِي التَّرْدِيدِ بَيْنَ مُحَرَّمٍ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَوْ رَدَّدَ لَهُ بَيْنَ مُحَرَّمَيْنِ أَوْ غَيْرِ مُحَرَّمَيْنِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: أُكْرِهَ بِمُلْجِئٍ عَلَى كُفْرٍ أَوْ قَتْلِ مُسْلِمٍ لَمْ يُقَدْ اسْتِحْسَانًا، وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يُرَخَّصُ لَهُ إجْرَاءُ الْكُفْرِ مُطْمَئِنًّا، وَإِنْ عَلِمَ قَبْلُ يُقْتَلُ وَقِيلَ لَا، وَلَوْ عَلَى قَتْلٍ أَوْ زِنًا لَا يَفْعَلُ وَاحِدًا مِنْهُمَا لِأَنَّ كُلًّا لَا يُبَاحُ بِالضَّرُورَةِ، فَإِنْ زَنَى لَا يُحَدُّ اسْتِحْسَانًا وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَإِنْ قَتَلَ يُقْتَلُ الْآمِرُ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُكْرَهًا وَلَوْ عَلَى قَتْلٍ أَوْ إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ لَهُ أَنْ لَا يُتْلِفَ وَلَوْ الْمَالُ أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مُرَخَّصٌ لَا مُبَاحٌ. فَإِنْ قَتَلَ يُقْتَلُ بِهِ إذْ لَا يُرَخَّصُ، وَإِنْ أَتْلَفَ ضَمَّنَ الْآمِرَ وَلَوْ عَلَى طَلَاقٍ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ عِتْقٍ غَرِمَ الْآمِرُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَمِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ وَإِنْ كَانَ دَخَلَ لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ شَيْءٌ اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: صَادَرَهُ السُّلْطَانُ) أَيْ طَالَبَهُ بِأَخْذِ مَالِهِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: صَادَرَهُ عَلَى كَذَا طَالَبَهُ بِهِ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ) أَيْ الْبَيْعِ إذْ يُمْكِنُهُ أَدَاءُ مَا طَلَبَهُ مِنْهُ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَنَحْوِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْحِيلَةُ) أَيْ لِيَكُونَ بَيْعُهُ فَاسِدًا وَلَا بُدَّ فِيهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 140 قَالَ الظَّالِمُ: بِعْ كَذَا فَقَدْ صَارَ مُكْرَهًا فِيهِ بَزَّازِيَّةٌ. (خَوَّفَهَا الزَّوْجُ بِالضَّرْبِ حَتَّى وَهَبَتْهُ مَهْرَهَا لَمْ تَصِحَّ) الْهِبَةُ (إنْ قَدَرَ الزَّوْجُ عَلَى الضَّرْبِ) وَإِنْ هَدَّدَهَا بِطَلَاقٍ أَوْ تَزَوُّجٍ عَلَيْهَا أَوْ تَسَرٍّ فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ خَانِيَّةٌ وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى: مَنَعَ امْرَأَتَهُ الْمَرِيضَةَ عَنْ الْمَسِيرِ إلَى أَبَوَيْهَا إلَّا أَنْ تَهَبَهُ مَهْرَهَا فَوَهَبَتْهُ بَعْضَ الْمَهْرِ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ، لِأَنَّهَا كَالْمُكْرَهِ. قُلْت: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى: وَهِيَ زَوَّجَ بِنْتَهُ الْبِكْرَ مِنْ رَجُلٍ فَلَمَّا أَرَادَتْ الزِّفَافَ مَنَعَهَا الْأَبُ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهَا أَنَّهَا اسْتَوْفَتْ مِنْهُ مِيرَاثَ أُمِّهَا فَأَقَرَّتْ ثُمَّ أَذِنَ لَهَا بِالزِّفَافِ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهَا لِكَوْنِهَا فِي مَعْنَى الْمُكْرَهَةِ وَبِهِ أَفْتَى أَبُو السُّعُودِ مُفْتِي الرُّومِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مَنْظُومَتِهِ تُحْفَةِ الْأَقْرَانِ فِي بَحْثِ الْهِبَةِ. (الْمُكْرَهُ بِأَخْذِ الْمَالِ لَا يَضْمَنُ) مَا أَخَذَهُ (إذَا نَوَى) الْآخِذُ وَقْتَ الْأَخْذِ (أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى صَاحِبِهِ وَإِلَّا يَضْمَنُ وَإِذَا اخْتَلَفَا) أَيْ الْمَالِكُ وَالْمُكْرَهُ (فِي النِّيَّةِ فَالْقَوْلُ لِلْمُكْرَهِ مَعَ يَمِينِهِ) وَلَا يَضْمَنُ مُجْتَبًى. وَفِيهِ الْمُكْرَهُ عَلَى الْأَخْذِ وَالدَّفْعِ إنَّمَا يَبِيعُهُ مَا دَامَ حَاضِرًا عِنْدَهُ الْمُكْرِهُ، وَإِلَّا لَمْ يَحِلَّ لِزَوَالِ الْقُدْرَةِ وَالْإِلْجَاءِ بِالْبُعْدِ مِنْهُ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا عُذْرَ لِأَعْوَانِ الظَّلَمَةِ فِي الْأَخْذِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْأَمِيرِ أَوْ رَسُولِهِ فَلْيُحْفَظْ. [فُرُوعٌ] : أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ طَعَامِ نَفْسِهِ إنْ جَائِعًا لَا رُجُوعَ   [رد المحتار] أَيْضًا مِنْ أَنْ يُكْرِهَهُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ وَإِلَّا نَفَذَ الْبَيْعُ كَمَا مَرَّ مَتْنًا. (قَوْلُهُ: فَقَدْ صَارَ مُكْرَهًا فِيهِ) أَيْ فِي الْبَيْعِ لِمَا مَرَّ أَنَّ أَمْرَ السُّلْطَانِ إكْرَاهٌ وَإِنْ لَمْ يَتَوَعَّدْهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: بِالضَّرْبِ) قَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بِالْمُتْلِفِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ) لِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ جَائِزٌ شَرْعًا وَالْأَفْعَالُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تُوصَفُ بِالْإِكْرَاهِ ط. قُلْت: نَعَمْ وَلَكِنْ يُدْخِلُ عَلَيْهَا غَمًّا يُفْسِدُ صَبْرَهَا، وَيُظْهِرُ عُذْرَهَا وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْبَيْعَ وَنَحْوَهُ يَفْسُدُ بِمَا يُوجِبُ غَمًّا بِعَدَمِ هَذِهِ الرِّضَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَذْكُرُهُ بَعْدَهُ، فَإِنَّ مَنْعَ الْمَرِيضَةِ عَنْ أَبَوَيْهَا وَمَنْعَ الْبِكْرِ عَنْ الزِّفَافِ لَا يَغُمُّهَا أَكْثَرَ مِنْ الْأَفْعَالِ وَلَكِنْ لَا مَدْخَلَ لِلْعَقْلِ مَعَ النَّقْلِ. هَذَا وَقَدَّمْنَا أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِمْ " الزَّوْجُ سُلْطَانُ زَوْجَتِهِ " أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ الْأَمْرِ حَيْثُ كَانَتْ تَخْشَى مِنْهُ الْأَذَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ أَفْتَى أَبُو السُّعُودِ) وَكَذَلِكَ الرَّمْلِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَظَمَهُ فِي فَتَاوَاهُ بِقَوْلِهِ: وَمَانِعُ زَوْجَتِهِ عَنْ أَهْلِهَا ... لِتَهَبَ الْمَهْرَ يَكُونُ مُكْرِهًا كَذَاكَ مَنْعُ وَالِدٍ لِبِنْتِهِ ... خُرُوجَهَا لِبَعْلِهَا مِنْ بَيْتِهِ ثُمَّ قَالَ: وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَالْإِجَارَةَ كَالْإِقْرَارِ وَالْهِبَةِ وَأَنَّ كُلَّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ كَالْأَبِ لِلْعِلَّةِ الشَّامِلَةِ فَلَيْسَ قَيْدًا، وَكَذَلِكَ الْبَكَارَةُ لَيْسَتْ قَيْدًا كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي دِيَارِنَا مِنْ أَخْذِ مُهُورِهِنَّ كَرْهًا عَلَيْهِنَّ حَتَّى مِنْ ابْنِ ابْنِ الْعَمِّ وَإِنْ بَعُدَ وَإِنْ مَنَعَتْ أَضَرَّ بِهَا أَوْ قَتَلَهَا اهـ. (قَوْلُهُ: الْمُكْرَهُ بِأَخْذِ الْمَالِ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِعَلَى ط. (قَوْلُهُ: لَا يَضْمَنُ) بَلْ الضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ. (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لِلْمُكْرَهِ مَعَ يَمِينِهِ) لِإِنْكَارِهِ الضَّمَانَ وَمِثْلُهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَبُولِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْهِبَةِ وَقَالَ: قَبَضْتُهَا لِأَرُدَّهَا إلَى مَالِكِهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: مَا دَامَ حَاضِرًا عِنْدَهُ الْمُكْرِهُ) قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: فَإِنْ كَانَ أَرْسَلَهُ لِيَفْعَلَ فَخَافَ أَنْ يَقْتُلَهُ إنْ ظَفِرَ بِهِ إنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَحِلَّ، إلَّا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ الْآمِرِ مَعَهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قُتِلَ كَانَ فِي سَعَةٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ هَدَّدَهُ بِالْحَبْسِ أَوْ الْقَيْدِ لَمْ يَسَعْهُ الْإِقْدَامُ اهـ. (قَوْلُهُ: لِزَوَالِ الْقُدْرَةِ وَالْإِلْجَاءِ بِالْبَعْدِ) لَكِنْ يَخَافُ عَوْدَهُ وَبِهِ لَا يَتَحَقَّقُ الْإِكْرَاهُ بَزَّازِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: إنْ جَائِعًا لَا رُجُوعَ) فَإِنْ قُلْت: يُشْكِلُ بِمَا لَوْ كَانَ الطَّعَامُ لِلْغَيْرِ حَيْثُ يَضْمَنُ الْآمِرُ مَعَ أَنَّ النَّفْعَ لِلْمَأْمُورِ. قُلْت: هُنَاكَ أَكَلَ طَعَامَ الْآمِرِ، لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْأَكْلِ إكْرَاهٌ عَلَى الْقَبْضِ، لِعَدَمِ إمْكَانِهِ بِدُونِهِ فَكَأَنَّهُ قَبَضَهُ وَقَالَ لَهُ: كُلْ وَهُنَا لَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْآمِرِ غَاصِبًا قَبْلَ الْأَكْلِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وَهُوَ فِي يَدِهِ أَوْ فَمِهِ فَصَارَ آكِلًا طَعَامَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 141 وَإِنْ شَبْعَانًا رَجَعَ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْمُكْرِهِ لِحُصُولِ مَنْفَعَةِ الْأَكْلِ لَهُ فِي الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي. قَالَ أَهْلُ الْحَرْبِ لِنَبِيٍّ أَخَذُوهُ: إنْ قُلْتَ لَسْتُ بِنَبِيٍّ تَرَكْنَاكَ وَإِلَّا قَتَلْنَاكَ لَا يَسَعُهُ قَوْلُ ذَلِكَ وَإِنْ قِيلَ لِغَيْرِ نَبِيٍّ: إنْ قُلْتَ هَذَا لَيْسَ بِنَبِيٍّ تَرَكْنَا نَبِيَّكَ وَإِنْ قُلْتَ نَبِيٌّ قَتَلْنَاهُ وَسِعَهُ لِامْتِنَاعِ الْكَذِبِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ. قَالَ حَرْبِيٌّ لِرَجُلٍ: إنْ دَفَعْتَ جَارِيَتَكَ لِأَزْنِيَ بِهَا دَفَعْتُ لَكَ أَلْفَ أَسِيرٍ لَمْ يَحِلَّ. أَقَرَّ بِعِتْقِ عَبْدِهِ مُكْرَهًا لَمْ يَعْتِقْ فِي الْأَصَحِّ، وَهَلْ الْإِكْرَاهُ بِأَخْذِ الْمَالِ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا؟ ظَاهِرُ الْقُنْيَةِ نَعَمْ وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: إنْ يَقُلْ الْمَدْيُونُ إنِّي مُرَافِعٌ لِتُبْرِئَ فَالْإِكْرَاهُ مَعْنًى مُصَوَّرُ وَصَحَّ قَوْلُهُ إنِّي مُرَافِعٌ إلَخْ قَدْ غَيَّرْت بَيْتَ الْوَهْبَانِيَّةِ إلَى قَوْلِي: وَإِنْ يَقُلْ الْمَدْيُونُ إنْ لَمْ تَهَبْهُ لِي ... أُرَافِعْكَ فَالْإِكْرَاهُ مَعْنًى مُصَوَّرُ فِي الِاسْتِحْسَانِ إسْلَامُ مُكْرَهٍ ... وَلَا قَتْلَ إنْ يَرْتَدَّ بَعْدُ وَيُجْبَرُ اهـ مِنْهُ. كِتَابُ الْحَجْرِ. (هُوَ) لُغَةً: الْمَنْعُ   [رد المحتار] نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ شَبْعَانًا فَقَدْ أُكْرِهَ عَلَى إتْلَافِ مَالِهِ فَيُضَمِّنُ الْآمِرَ بَزَّازِيَّةٌ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَبْعَانًا) صَرَفَهُ لِأَنَّ مُؤَنَّثَهُ قَابِلٌ لِلتَّاءِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: لِامْتِنَاعِ الْكَذِبِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ لَا يَسَعُهُ، أَيْ لِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ حُجَّةٌ عَلَى الْخَلْقِ فَلَا يُبَاحُ الْكَذِبُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ يَسَعُهُ خَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَحِلَّ) أَيْ دَفْعُ الْجَارِيَةِ، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ إكْرَاهًا حَتَّى يُرَخَّصَ لَهَا الزِّنَا، وَلَمْ يُكْرَهْ عَلَى الدَّفْعِ. وَأَمَّا الْأُسَارَى فَاَللَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى تَخْلِيصِهِمْ وَتَصْبِيرِهِمْ عَلَى بَلِيَّتِهِمْ ط. (قَوْلُهُ: لَمْ يَعْتِقْ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُفْسِدُهُ الْإِكْرَاهُ كَمَا مَرَّ، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ لِيُقِرَّ بِطَلَاقٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ قَطْعٍ أَوْ نَسَبٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ خَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: ظَاهِرُ الْقُنْيَةِ نَعَمْ) وَعِبَارَتُهَا ف ع مُتَغَلِّبٌ قَالَ لِرَجُلٍ: إمَّا أَنْ تَبِيعَنِي هَذِهِ الدَّارَ أَوْ أَدْفَعَهَا إلَى خَصْمِك فَبَاعَهَا مِنْهُ، فَهُوَ بَيْعُ مُكْرَهٍ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ تَحْقِيقُ مَا أَوْعَدَهُ، قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: فَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْإِكْرَاهَ بِأَخْذِ الْمَالِ إكْرَاهٌ شَرْعًا وَفِي ب ط أَلْفَاظٌ مُتَعَارِضَةُ الدَّلَالَةِ وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ رِوَايَةً إلَّا هَذَا الْقَدْرَ اهـ وَظَاهِرُهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ كُلَّ الْمَالِ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ مَا يُخَالِفُهُ. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: إنْ هَدَّدَ السُّلْطَانُ وَصِيَّ يَتِيمٍ بِمُلْجِئٍ لِيَدْفَعَ مَالِهِ إلَيْهِ فَفَعَلَ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ بِأَخْذِ مَالِ نَفْسِهِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَأْخُذُ بَعْضَ مَالِهِ وَيَتْرُكُ مَا يَكْفِيهِ لَا يَسَعُهُ، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ مِثْلَهُ وَإِنْ خَشِيَ أَخْذَ جَمِيعَ مَالِهِ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَإِنْ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ بِنَفْسِهِ لَا ضَمَانَ عَلَى الْوَصِيِّ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا. (قَوْلُهُ: إنِّي مُرَافِعٌ) أَيْ مَرَافِعُك لِلْحَاكِمِ أَيْ وَكَانَ ظَالِمًا يُؤْذِي بِمُجَرَّدِ الشِّكَايَةِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: لِتُبْرِئَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِلْمُرَافَعَةِ وَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: إنْ لَمْ تُبْرِئْنِي أُرَافِعْك فَالْعِلَّةُ عَدَمُ الْإِبْرَاءِ، وَيُمْكِنُ جَعْلُهُ عِلَّةً لِقَوْلِهِ وَإِنْ يَقُلْ لَكِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ لِيُبْرِئَ بِضَمِيرِ الْغَائِبِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّ) إلَى آخِرِ الْبَيْتِ مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ الْمَارِّ وَإِسْلَامُهُ سِوَى قَوْلِهِ وَيُجْبَرُ أَيْ عَلَى الْإِسْلَامِ بِالْحَبْسِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْحَجْرِ] أَوْرَدَهُ بَعْدَ الْإِكْرَاهِ، لِأَنَّ فِي كُلٍّ سَلْبَ وِلَايَةِ الْمُخْتَارِ عَنْ الْجَرْيِ عَلَى مُوجَبِ الِاخْتِيَارِ، وَالْإِكْرَاهُ أَقْوَى، لِأَنَّ فِيهِ السَّلْبَ مِمَّنْ لَهُ اخْتِيَارٌ صَحِيحٌ وَوِلَايَةٌ كَامِلَةٌ فَكَانَ بِالتَّقْدِيمِ أَحْرَى. (قَوْلُهُ: هُوَ لُغَةً الْمَنْعُ) يُقَالُ حَجَرَ عَلَيْهِ حَجْرًا مِنْ بَابِ قَتَلَ مَنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ، فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَالْفُقَهَاءُ يَحْذِفُونَ الصِّلَةَ تَخْفِيفًا وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَطِيمُ حِجْرًا بِالْكَسْرِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 142 مُطْلَقًا وَشَرْعًا: (مَنْعٌ مِنْ نَفَاذِ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ) لَا فِعْلِيٍّ لِأَنَّ الْفِعْلَ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحَجْرُ عَنْهُ. قُلْت: يُشْكِلُ عَلَيْهِ الرَّقِيقُ لِمَنْعِ نَفَاذِ فِعْلِهِ فِي الْحَالِ بَلْ بَعْدَ الْعِتْقِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ   [رد المحتار] لِأَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْكَعْبَةِ وَكَذَا الْعَقْلُ لِمَنْعِهِ مِنْ الْقَبَائِحِ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) وَلَوْ عَنْ الْفِعْلِ أَوْ عَمَّا هُوَ مَطْلُوبٌ ط. (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا مَنْعٌ مِنْ نَفَاذِ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ) أَيْ مِنْ لُزُومِهِ فَإِنَّ عَقْدَ الْمَحْجُورِ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا، وَالنَّافِذُ أَعَمُّ مِنْ اللَّازِمِ قُهُسْتَانِيٌّ. وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ فِي الْإِكْرَاهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِ التَّصَرُّفِ فَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ سِوَى الْعُقُودِ الدَّائِرَةِ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرِّ، مَعَ أَنَّ الْقَوْلَ قَدْ يَلْغُو أَصْلًا كَطَلَاقِ الصَّبِيِّ، وَقَدْ يَصِحُّ كَطَلَاقِ الْعَبْدِ فَالْمُنَاسِبُ فِي تَعْرِيفِهِ مَا فِي الْإِيضَاحِ بِقَوْلِهِ: وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعٍ مَخْصُوصٍ بِشَخْصٍ مَخْصُوصٍ عَنْ تَصَرُّفٍ مَخْصُوصٍ أَوْ عَنْ نَفَاذِهِ. وَتَفْصِيلُهُ أَنَّهُ مَنْعٌ لِلرَّقِيقِ عَنْ نَفَاذِ تَصَرُّفِهِ الْفِعْلِيِّ الضَّارِّ وَإِقْرَارِهِ بِالْمَالِ فِي الْحَالِ، وَلِلصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ عَنْ أَصْلِ التَّصَرُّفِ الْقَوْلِيِّ إنْ كَانَ ضَرَرًا مَحْضًا وَعَنْ وَصْفِ نَفَاذِهِ إنْ كَانَ دَائِرًا بَيْنَ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ اهـ وَكَتَبَ فِي هَامِشِهِ الْحَجْرُ عَلَى مَرَاتِبَ: أَقْوَى وَهُوَ الْمَنْعُ عَنْ أَصْلِ التَّصَرُّفِ، وَمُتَوَسِّطٌ وَهُوَ الْمَنْعُ عَنْ وَصْفِهِ وَهُوَ النَّفَاذُ، وَضَعِيفٌ وَهُوَ الْمَنْعُ عَنْ وَصْفِ وَصْفِهِ وَهُوَ كَوْنُ النَّفَاذِ حَالًّا اهـ وَقَدْ أَدْخَلَ فِي التَّعْرِيفِ الْمَنْعَ عَنْ الْفِعْلِ كَمَا تَرَى، وَدَخَلَ فِيهِ نَحْوُ الزِّنَا وَالْقَتْلِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَإِنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِمَا بِالنِّسْبَةِ لِحُكْمِهِ، وَهُوَ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ، فَإِنَّهُ إنْ جَعَلَ الْحَجْرَ هُوَ الْمَنْعَ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِ التَّصَرُّفِ، فَمَا وَجْهُ تَقْيِيدِهِ بِالْقَوْلِيِّ وَنَفْيِ الْفِعْلِيِّ، مَعَ أَنَّ لِكُلٍّ حُكْمًا؟ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا اسْتَشْكَلَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَصْلِهِ. وَأَمَّا مَا عَلَّلَ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْفِعْلَ بَعْدَ وُقُوعِهِ، لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ نَقُولُ الْكَلَامُ فِي مَنْعِ حُكْمِهِ لَا مَنْعِ ذَاتِهِ، وَمِثْلُهُ الْقَوْلُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ بِذَاتِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ بَلْ رَدُّ حُكْمِهِ. فَإِنْ قُلْت: قَيَّدَ بِالْقَوْلِيِّ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ لَا يُحْجَرُ عَنْهَا كُلِّهَا فَإِنَّ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ مِنْهَا يُؤَاخَذُ بِهَا. قُلْت: وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ بَعْضُهُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَنْهُ كَاَلَّذِي تَمَحَّضَ نَفْعًا كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِمَنْعِ نَفَاذِ فِعْلِهِ فِي الْحَالِ) كَاسْتِهْلَاكِهِ لِلْأَمْوَالِ فَإِنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ مَنْعُ النَّفَاذِ فِي الْحَالِ، مَعَ أَنَّهُ فِعْلٌ لَا قَوْلٌ، وَنَفَاذُهُ فِي الْمَآلِ لَا يُنَافِي وُجُودَ الْمَنْعِ فِي الْحَالِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ قَوْلُنَا مَحْجُورٌ عَنْ الْإِقْرَارِ مَثَلًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَافْهَمْ وَهَذَا مِنْ الْمَنْعِ عَنْ وَصْفِ الْوَصْفِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: بَلْ بَعْدَ الْعِتْقِ إلَخْ) أَيْ بَلْ يَنْفُذُ بَعْدَهُ، لِأَنَّ تَوَقُّفَهُ كَانَ لِحَقِّ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يَتَوَقَّفُ هُوَ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ كَمَا يَأْتِي وَكَذَا مُطَالَبَتُهُ بِالْمَهْرِ لَوْ تَزَوَّجَ بِلَا إذْنِ مَوْلَاهُ وَدَخَلَ بِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ وَكَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ بِرِضَاهَا صَارَتْ رَاضِيَةً بِتَأْخِيرِ الْمَهْرِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْبَدَائِعِ تَبَعًا لِابْنِ الْكَمَالِ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ، فَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ التَّبْيِينِ وَالدُّرَرِ، وَيُخَالِفُهُ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ ابْنِ مَالِكٍ مِنْ أَنَّهُ مُؤَاخَذٌ فِي الْحَالِ بِمَا اسْتَهْلَكَهُ. وَسَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي الْمَأْذُونِ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّقْلَ مُسْتَفِيضٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالضَّمَانِ فِي الْحَالِ فَيُبَاعُ أَوْ يَفْدِيهِ الْمَوْلَى اهـ مُلَخَّصًا. وَمِثْلُهُ فِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ السِّرَاجِ ثُمَّ قَالَ: وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ الْكَفَالَةِ: فَإِنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ يُوفِي ذَلِكَ مِنْ كَسْبِهِ وَإِلَّا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ بِدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ إلَّا أَنْ يَقْضِيَهُ الْمَوْلَى اهـ وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ أَمْرِ الْغَيْرِ بِالْجِنَايَةِ رَامِزًا لِبَكْرٍ خُوَاهَرْ زَادَهْ: عَبْدٌ مَحْجُورٌ جَنَى عَلَى مَالٍ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ، فَهُوَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ يُبَاعُ فِيهَا عَلَى مَنْ اشْتَرَاهُ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ التَّاسِعِ مِنْ الْجِنَايَاتِ فَرَّقَ بَيْنَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْآدَمِيِّ وَبَيْنَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ، فَفِي الْأَوَّلِ خُيِّرَ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَفِي الثَّانِي خُيِّرَ بَيْنَ الدَّفْعِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 143 اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْأَصْلُ فِيهِ ذَلِكَ لَكِنَّهُ أُخِّرَ لِعِتْقِهِ لِقِيَامِ الْمَانِعِ فَتَأَمَّلْ. (وَسَبَبُهُ صِغَرٌ وَجُنُونٌ) يَعُمُّ الْقَوِيَّ وَالضَّعِيفَ كَمَا فِي الْمَعْتُوهِ وَحُكْمُهُ كَمُمَيِّزٍ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْمَأْذُونِ (وَرِقٌّ فَلَا يَصِحُّ طَلَاقُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ مَغْلُوبٍ) أَيْ لَا يُفِيقُ بِحَالٍ وَأَمَّا الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَحُكْمُهُ كَمُمَيِّزٍ نِهَايَةٌ (وَ) لَا (إعْتَاقُهُمَا   [رد المحتار] وَالْبَيْعِ اهـ. (قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ) أَيْ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْإِشْكَالِ وَهَذِهِ الصِّيغَةُ تُؤْتَى فِي صَدْرِ جَوَابٍ فِيهِ ضَعْفٌ كَأَنَّهُ يَطْلُبُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى صِحَّتَهُ. (قَوْلُهُ: الْأَصْلُ فِيهِ ذَلِكَ) أَيْ الْأَصْلُ فِي فِعْلِهِ النَّفَاذُ فِي الْحَالِ لِمَا يَأْتِي أَنَّ الرِّقَّ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْحَجْرِ فِي الْحَقِيقَةِ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ) أَيْ النَّفَاذَ أُخِّرَ لِعِتْقِهِ أَيْ لِوَقْتِ عِتْقِهِ أَوْ إلَيْهِ لِقِيَامِ الْمَانِعِ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَسَبَبُهُ صِغَرٌ وَجُنُونٌ) اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَ بَعْضَ الْبَشَرِ ذَوِي النُّهَى، وَجَعَلَ مِنْهُمْ أَعْلَامَ الدِّينِ وَأَئِمَّةَ الْهُدَى وَمَصَابِيحَ الدُّجَى، وَابْتَلَى بَعْضَهُمْ بِمَا شَاءَ مِنْ أَسْبَابِ الرَّدَى كَالْجُنُونِ الْمُوجِبِ لِعَدَمِ الْعَقْلِ وَالصِّغَرِ وَالْعَتَهِ الْمُوجِبَيْنِ لِنُقْصَانِهِ، فَجَعَلَ تَصَرُّفَهُمَا غَيْرَ نَافِذٍ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِمَا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ مُعَامَلَتُهُمَا ضَرَرًا عَلَيْهِمَا بِأَنْ يَسْتَجِرَّ مَنْ يُعَامِلُهُمَا مَالَهُمَا بِاحْتِيَالِهِ الْكَامِلِ، وَجَعَلَ مَنْ يَنْظُرُ فِي مَالِهِمَا خَاصًّا كَالْأَبِ وَعَامًّا كَالْقَاضِي، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ النَّظَرَ لَهُمَا، وَجَعَلَ الصِّبَا وَالْجُنُونَ سَبَبًا لِلْحَجْرِ عَلَيْهِمَا كُلَّ ذَلِكَ رَحْمَةً مِنْهُ وَلُطْفًا، وَالرِّقُّ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْحَجْرِ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ كَامِلُ الرَّأْيِ كَالْحُرِّ غَيْرَ أَنَّهُ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ لِأَجْلِ حَقِّ الْمَوْلَى وَالْإِنْسَانُ إذَا مُنِعَ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ كَالْحُرِّ، لَا يُقَالُ إنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَلِهَذَا يُؤْخَذُ الْعَبْدُ بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ، لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى وَلِعَدَمِ نُفُوذِهِ فِي الْحَالِ، وَتَأَخُّرُهُ إلَى مَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ جَعَلَهُ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: يَعُمُّ الْقَوِيَّ وَالضَّعِيفَ) أَشَارَ إلَى أَنَّ سَبَبَ الْحَجْرِ هُوَ مُطْلَقُ الْجُنُونِ كَمَا فِي الْإِيضَاحِ، وَأَرَادَ بِالْقَوِيِّ الْمُطْبِقَ وَبِالضَّعِيفِ غَيْرَهُ، أَوْ أَرَادَ بِالْقَوِيِّ الْقِسْمَيْنِ وَبِالضَّعِيفِ الْعَتَهَ فَقَوْلُهُ " كَمَا فِي الْمَعْتُوهِ " الْكَافُ فِيهِ لِلتَّنْظِيرِ عَلَى الْأَوَّلِ. وَلِلتَّمْثِيلِ عَلَى الثَّانِي تَأَمَّلْ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْمَعْتُوهِ وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ هُوَ مَنْ كَانَ قَلِيلَ الْفَهْمِ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ كَمَا يَفْعَلُ الْمَجْنُونُ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ كَمُمَيِّزٍ) أَيْ حُكْمُ الْمَعْتُوهِ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ وَفِي رَفْعِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ طَلَاقُ صَبِيٍّ) أَيْ وَلَوْ مُمَيِّزًا. (قَوْلُهُ: وَمَجْنُونٍ مَغْلُوبٍ إلَخْ) قَدْ يُذْكَرُ هَذَا الْقَيْدُ وَيُرَادُ بِهِ الْغَلَبَةُ عَلَى الْعَقْلِ، فَيُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ الْمَعْتُوهِ كَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ، حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ بِحَالٍ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَنْ صَارَ مَغْلُوبًا لِلْجُنُونِ، بِحَيْثُ لَا يُفِيقُ أَيْ لَا يَزُولُ عَنْهُ مَا بِهِ مِنْ الْجُنُونِ قَوِيًّا كَانَ أَوْ ضَعِيفًا، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَعْتُوهُ وَيُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّنْ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ عَلَى مَا يَأْتِي فَمَنْ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمَعْتُوهِ فَقَدْ وَهِمَ لِظَنِّهِ أَنَّ الْمُرَادَ فِي الْكَلَامَيْنِ وَاحِدٌ مَعَ أَنَّ طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ أَيْضًا لَا يَصِحُّ كَذَا أَفَادَهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَحُكْمُهُ كَمُمَيِّزٍ) وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ وَالدُّرَرِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَكَذَا فِي الْمِعْرَاجِ حَيْثُ فَسَّرَ الْمَغْلُوبَ بِاَلَّذِي لَا يَعْقِلُ أَصْلًا ثُمَّ قَالَ: وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْمَجْنُونِ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَيَقْصِدُهُ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ كَتَصَرُّفِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ عَلَى مَا يَجِيءُ فَيَتَوَقَّفُ إلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ اهـ وَهَذَا هُوَ الْمَعْتُوهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكِفَايَةِ، وَجَعَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالْعَاقِلِ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّهُ كَالْعَاقِلِ الْبَالِغِ، وَبِهِ اعْتَرَضَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَلَى الدُّرَرِ، فَلَا تَتَوَقَّفُ تَصَرُّفَاتُهُ وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا الرَّحْمَتِيُّ وَالسَّائِحَانِيُّ بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ تَامَّ الْعَقْلِ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ. وَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى مَا إذَا كَانَ تَامَّ الْعَقْلِ، وَوَفَّقَ الشَّلَبِيُّ فِي حَاشِيَةِ الزَّيْلَعِيِّ بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ، وَمَا فِي شَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهَا وَقْتٌ مَعْلُومٌ: أَيْ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ لَا يَتَحَقَّقُ صَحْوُهُ. أَقُولُ: وَاَلَّذِي يَحُلُّ عُقْدَةَ الْإِشْكَالِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 144 وَإِقْرَارُهُمَا) نَظَرًا لَهُمَا. (وَصَحَّ طَلَاقُ عَبْدٍ وَإِقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَقَطْ) لَا سَيِّدِهِ (فَلَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ أُخِّرَ إلَى عِتْقِهِ) لَوْ لِغَيْرِ مَوْلَاهُ وَلَوْ لَهُ هَدَرٌ (وَبِحَدٍّ وَقَوَدٍ أُقِيمَ فِي الْحَالِ) لِبَقَائِهِ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّهِمَا. (وَمَنْ عَقَدَ) عَقْدًا يَدُورُ بَيْنَ نَفْعٍ وَضَرٍّ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْمَأْذُونِ (مِنْهُمْ) .   [رد المحتار] ابْنِ الْكَمَالِ فَإِنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْمَغْلُوبِ مَنْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ: أَيْ الَّذِي لَا يَعْقِلُ أَصْلًا فَيُرَادُ بِاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ نَاقِصُ الْعَقْلِ وَهُوَ الْمَعْتُوهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَغَيْرُهُ حَيْثُ قَالَ: وَالْمَجْنُونُ الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ، وَهُوَ الْمَعْتُوهُ الَّذِي يَصْلُحُ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ قَدْ يَعْقِلُ الْبَيْعَ، وَيَقْصِدُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُرَجِّحُ الْمَصْلَحَةَ عَلَى الْمَفْسَدَةِ اهـ. وَمَعْنَى إفَاقَتِهِ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يَعْقِلُ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ دُونَ بَعْضٍ، وَالْمَعْتُوهُ فِي تَصَرُّفَاتِهِ كَمُمَيِّزٍ كَمَا مَرَّ فَلِهَذَا جَعَلَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ مِثْلَهُ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَنْ لَا يُفِيقُ مِنْ جُنُونِهِ الْكَامِلِ أَوْ النَّاقِصِ، فَيُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّنْ يُفِيقُ أَحْيَانًا أَيْ يَزُولُ عَنْهُ مَا بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَذَا كَالْعَاقِلِ الْبَالِغِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَهُوَ مَحْمَلُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ، وَمَنْشَأُ الِاشْتِبَاهِ عَدَمُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْقِيقَ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: فَحُكْمُهُ كَعَاقِلٍ أَيْ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ لِيَظْهَرَ لِلتَّقْيِيدِ بِالْمَغْلُوبِ فَائِدَةٌ فَإِنَّهُ حَيْثُ كَانَ غَيْرُ الْمَغْلُوبِ كَمُمَيِّزٍ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَا إعْتَاقُهُ كَالْمَغْلُوبِ، وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْ النِّهَايَةِ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِعِبَارَةِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ لَمْ يُخَصِّصْ فِيهَا بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ بِالذِّكْرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ يُحْتَرَزَ بِالْمَغْلُوبِ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ عَنْ الْمَعْتُوهِ وَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَنْ الَّذِي زَالَ مَا بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَإِقْرَارُهُمَا) أَيْ الْمَغْلُوبِ وَالصَّبِيِّ، وَالْمُرَادُ الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ، فَلَوْ مَأْذُونًا يَصِحُّ إقْرَارُهُ كَالْمَعْتُوهِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ كَمَا يَأْتِي آخِرَ كِتَابِ الْمَأْذُونِ. (قَوْلُهُ: نَظَرًا لَهُمَا) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا يَصِحُّ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّ طَلَاقُ عَبْدٍ) لِأَنَّهُ أَهْلٌ وَيَعْرِفُ وَجْهَ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ، وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ مِلْكِ الْمَوْلَى، وَلَا تَفْوِيتُ مَنَافِعِهِ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَقَطْ) قِيلَ: الْوَاجِبُ إسْقَاطُهُ لِيَكُونَ التَّفْصِيلُ الْآتِي بَيَانًا لِإِجْمَالِ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ اهـ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لَا سَيِّدِهِ) أَيْ لَا فِي حَقِّ سَيِّدِهِ رِعَايَةٌ لِجَانِبِهِ لِأَنَّ نَفَاذَهُ لَا يُعَرَّى عَنْ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ أَوْ كَسْبِهِ، وَكِلَاهُمَا إتْلَافُ مَالِهِ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ أَقَرَّ) أَيْ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ إقْرَارِ الْحُرِّ الصَّغِيرِ عَدَمُ صِحَّةِ إقْرَارِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ بِالْأَوْلَى. (وَقَوْلُهُ: أُخِّرَ إلَى عِتْقِهِ) لِوُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ حِينَئِذٍ وَارْتِفَاعِ الْمَانِعِ. (قَوْلُهُ: هَدَرٌ) أَيْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بَعْدَ عِتْقِهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ مَالًا دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: وَبِحَدٍّ وَقَوَدٍ) أَيْ بِمَا يُوجِبُهُمَا، وَالْوَاوُ بِمَعْنَى " أَوْ " وَلِهَذَا أَفْرَدَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ " أُقِيمَ ". (قَوْلُهُ: أُقِيمَ فِي الْحَالِ) وَحَضْرَةُ الْمَوْلَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ، وَهَذَا إذَا أَقَرَّ وَأَمَّا إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَحَضْرَةُ الْمَوْلَى شَرْطٌ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَيْسَتْ بِشَرْطٍ جَوْهَرَةٌ، وَفِيهَا قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا وَوَجَبَ الْقِصَاصُ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ لِلْقَتِيلِ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ حَقُّهُ وَانْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا وَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ لِأَنَّهُ انْقَلَبَ مَالًا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَيَجِبُ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِأَنَّ أَصْلَ الْجِنَايَةِ كَانَ فِي حَالِ الرِّقِّ. وَلَوْ أَقَرَّ بِقَتْلِ خَطَأٍ لَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى شَيْءٌ وَكَانَ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ. وَفِي الْكَرْخِيِّ إقْرَارُهُ بِجِنَايَةِ الْخَطَأِ - وَهُوَ مَأْذُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ - بَاطِلٌ فَإِنْ أُعْتِقَ لَمْ يُتْبَعْ بِشَيْءٍ مِنْ الْجِنَايَةِ اهـ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: فِي حَقِّهِمَا) أَيْ الْحَدِّ وَالْقَوَدِ لِأَنَّهُمَا مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِهِمَا، وَإِذَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِمَا يَنْفُذُ إقْرَارُهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا هُوَ حَقُّهُ، وَبُطْلَانُ حَقِّ الْمَوْلَى ضِمْنِيٌّ كِفَايَةٌ. (قَوْلُهُ: يَدُورُ بَيْنَ نَفْعٍ وَضَرٍّ) أَمَّا النَّفْعُ الْمَحْضُ فَيَصِحُّ كَقَبُولِهِ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَكَذَا إذَا آجَرَ نَفْسَهُ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ اسْتِحْسَانًا وَيَصِحُّ قَبُولُ بَدَلِ الْخُلْعِ مِنْ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى، لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ، وَتَصِحُّ عِبَارَةُ الصَّبِيِّ فِي مَالِ غَيْرِهِ وَطَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ إذَا كَانَ وَكِيلًا جَوْهَرَةٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 145 مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُورِينَ (وَهُوَ يَعْقِلُهُ) يَعْرِفُ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ لِلْمِلْكِ وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ (أَجَازَ وَإِلَيْهِ، أَوْ رَدَّ) وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْهُ فَبَاطِلٌ نِهَايَةٌ. (وَإِنْ أَتْلَفُوا) أَيْ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُورِينَ سَوَاءٌ عَقَلُوا أَوْ لَا دُرَرٌ (شَيْئًا) مُقَوَّمًا مِنْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ (ضَمِنُوا) إذْ لَا حَجْرَ فِي الْفِعْلِيِّ لَكِنَّ ضَمَانَ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى مَا مَرَّ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ فَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ الْمَالِ لِلْحَالِ وَإِذَا قَتَلَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ: لَوْ أَتْلَفَ مَا اقْتَرَضَهُ وَمَا أُودِعَ عِنْدَهُ بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ وَمَا أُعِيرَ لَهُ وَمَا بِيعَ مِنْهُ بِلَا إذْنٍ وَيُسْتَثْنَى مِنْ إيدَاعِهِ مَا إذَا أَوْدَعَ صَبِيٌّ مَحْجُورٌ مِثْلَهُ - وَهِيَ مِلْكُ غَيْرِهِمَا -   [رد المحتار] قَوْلُهُ: مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُورِينَ) الْمُرَادُ الصَّبِيُّ وَالرَّقِيقُ فَأَطْلَقَ لَفْظَ الْجَمْعِ عَلَى الِاثْنَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] وَالْمُرَادُ أَخَوَانِ وَقِيلَ الْمُرَادُ الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ الَّذِي يُفِيقُ جَوْهَرَةٌ. (قَوْلُهُ: يَعْرِفُ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ إلَخْ) سَيَأْتِي فِي الْمَأْذُونِ قَيْدٌ آخَرُ وَزَادَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ قَالَ فِي شَاهَانْ: وَمِنْ عَلَامَةِ كَوْنِهِ غَيْرَ عَاقِلٍ إذَا أَعْطَى الْحَلْوَانِيَّ فُلُوسًا فَأَخَذَ الْحَلْوَى وَبَقِيَ يَقُولُ: أَعْطِنِي فُلُوسِي وَإِنْ ذَهَبَ وَلَمْ يَسْتَرِدَّ الْفُلُوسَ فَهُوَ عَاقِلٌ اهـ. (قَوْلُهُ: أَجَازَ وَلِيُّهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ، فَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ جَوْهَرَةٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْوَلِيِّ آخِرَ الْمَأْذُونِ وَأَنَّهُ يَصِحُّ إذْنُ الْقَاضِي وَإِنْ أَبَى الْأَبُ. (قَوْلُهُ: أَيْ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُورِينَ) صَوَابُهُ الْمَحْجُورُونَ. (قَوْلُهُ: ضَمِنُوا) فَلَوْ أَنَّ ابْنَ يَوْمٍ انْقَلَبَ عَلَى قَارُورَةِ إنْسَانٍ مَثَلًا فَكَسَرَهَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَكَذَا الْعَبْدُ وَالْمَجْنُونُ إذَا أَتْلَفَا شَيْئًا لَزِمَهُمَا ضَمَانُهُ فِي الْحَالِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْكَافِي عَزْمِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّ ضَمَانَ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ) يَعْنِي فِي إتْلَافِهِ الْمَالَ أَمَّا فِي النَّفْسِ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْحَالِ إنْ جَنَى عَلَى النَّفْسِ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَيَدْفَعُ أَوْ يَفْدِي إنْ جَنَى عَلَيْهَا بِمَا لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ أَوْ جَنَى عَلَى الطَّرَفِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً ح. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ عَنْ الْبَدَائِعِ وَعَلِمْت أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا ط وَالسَّائِحَانِيُّ بِحَمْلِ مَا فِي الْبَدَائِعِ عَلَى مَا إذَا ظَهَرَ بِإِقْرَارِهِ لِمَا فِي الْغَايَةِ: إذَا كَانَ الْغَصْبُ ظَاهِرًا يَضْمَنُ فِي الْحَالِ فَيُبَاعُ فِيهِ، وَلَوْ ظَهَرَ بِإِقْرَارِهِ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْعِتْقِ كَذَا قَالَ الْفَقِيهُ. (قَوْلُهُ: مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ) هَذَا مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ، وَهُوَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّكْلِيفِ لِأَنَّ الْخِطَابَ نَوْعَانِ خِطَابُ وَضْعٍ وَخِطَابُ تَكْلِيفٍ كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا قَتَلَ) أَيْ الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ وَلَيْسَ التَّقْيِيدُ بِالْحَجْرِ فِي هَذِهِ احْتِرَازِيًّا حَتَّى لَوْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ أَبُو السُّعُودِ عَلَى الْأَشْبَاهِ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي مَسَائِلَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَيَضْمَنُ أَيْ فَلَا يَضْمَنُ فِي هَذِهِ، لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ مِنْ الْمَالِكِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْأَشْبَاهِ. لَكِنْ فِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّهَا ضَمَانُ عَقْدٍ عِنْدَهُمَا، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ إلْزَامِ الضَّمَانِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ضَمَانُ فِعْلٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِ الْفِعْلِ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: أَوْدَعَ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا مَالًا فَاسْتَهْلَكَهُ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَضْمَنُ الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَالصَّبِيُّ بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ اهـ فَتَأَمَّلْ وَسَنَذْكُرُ لَهُ تَتِمَّةً آخِرَ كِتَابِ الْمَأْذُونِ. (قَوْلُهُ: لَوْ أَتْلَفَ مَا اقْتَرَضَهُ) أَطْلَقَ الْجَوَابَ فِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ، وَفِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ قَوْلُهُمَا، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: هُوَ ضَامِنٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ بِيرِيٌّ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَصْحِيحٌ لِنَقْلِ الْخِلَافِ لَا لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تَأَمَّلْ. قَالَ أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَذْهَانِ: وَلَوْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا سَبْقِ إيدَاعٍ أَوْ إقْرَاضٍ ضَمِنَ بِالْإِجْمَاعِ. (قَوْلُهُ: وَمَا أُودِعَ عِنْدَهُ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا أَتْلَفَ مَا أُودِعَ عِنْدَ أَبِيهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَأَطْلَقَ عَدَمَ الضَّمَانِ فِي الْوَدِيعَةِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا سِوَى الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ عَبْدًا أَوْ أَمَةً وَاسْتَهْلَكَهُ يَضْمَنُ إجْمَاعًا بِيرِيٌّ عَنْ الْبَدَائِعِ قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَفِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ لِلْأُسْرُوشَنِيِّ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ: صَبِيٌّ مَحْجُورٌ أُودِعَ عَبْدًا فَقَتَلَهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الْقِيمَةُ وَلَوْ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَا يَضْمَنُ اهـ. قُلْت: وَقَدْ يُوَفَّقُ بِأَنَّ الضَّمَانَ إجْمَاعًا عَلَى الْعَاقِلَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ) يُغْنِي عَنْهُ مَا بَعْدَهُ فَلَوْ أَذِنَ وَلِيُّهُ فِي أَخْذِ الْوَدِيعَةِ يَضْمَنُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمُصَفَّى أَبُو السُّعُودِ. (قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ إيدَاعِهِ إلَخْ) يُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا إذَا كَانَتْ عَبْدًا بِنَاءً عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: مِثْلَهُ) أَيْ صَبِيًّا مَحْجُورًا وَهُوَ - بِالنَّصْبِ - مَفْعُولٌ أَوَّلٌ لِ أَوْدَعَ وَالثَّانِي مَحْذُوفٌ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 146 فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الدَّافِعِ وَالْآخِذِ. (وَلَا يُحْجَرُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ بِسَفَهٍ) هُوَ تَبْذِيرُ الْمَالِ وَتَضْيِيعُهُ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الشَّرْعِ أَوْ الْعَقْلِ دُرَرٌ وَلَوْ فِي الْخَيْرِ كَأَنْ يَصْرِفَهُ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيُحْجَرَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا وَتَمَامُهُ فِي فَوَائِدَ شَتَّى فِي الْأَشْبَاهِ (وَفِسْقٍ وَدَيْنٍ) وَغَفْلَةٍ (بَلْ) يُمْنَعُ (مُفْتٍ مَاجِنٌ) يُعَلِّمُ الْحِيَلَ الْبَاطِلَةَ كَتَعْلِيمِ الرِّدَّةِ لِتَبِينَ مِنْ زَوْجِهَا أَوْ لِتُسْقِطَ عَنْهَا الزَّكَاةَ (وَطَبِيبٌ جَاهِلٌ وَمُكَارٍ مُفْلِسٌ   [رد المحتار] أَيْ وَدِيعَةً. (قَوْلُهُ: فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الدَّافِعِ أَوْ الْآخِذِ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ " وَهِيَ مِنْ مُشْكِلَاتِ إيدَاعِ الصَّبِيِّ. وَأَجَابَ فِي الْأَشْبَاهِ بِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا التَّسْلِيطُ مِنْ مَالِكِهَا بِخِلَافِ مَا مَرَّ، وَأُورِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ وُجِدَ التَّسْلِيطُ بِنَفْسِ الدَّفْعِ إلَى الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْحَمَوِيِّ. قُلْت: مَدْفُوعٌ إذْ لَوْ دَفَعَهُ الْمَالِكُ إلَى الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَضْمِينُهُ كَمَا مَرَّ فِي الْمُسْتَثْنَيَاتِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُحْجَرُ حُرٌّ إلَخْ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى حُرٍّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَجْرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ لَا يَجُوزُ بِسَبَبِ السَّفَهِ وَالدَّيْنِ وَالْفِسْقِ وَالْغَفْلَةِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ بِغَيْرِ الْفِسْقِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ بِالْكُلِّ كِفَايَةٌ، وَأَمَّا الْحَجْرُ عَلَى الْمُفْتِي الْمَاجِنِ وَأَخَوَيْهِ فَلَيْسَ بِحَجْرٍ اصْطِلَاحِيٍّ كَمَا يَأْتِي وَظَاهِرُ الدُّرَرِ أَنَّ عِنْدَهُمَا أَيْضًا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِالْفِسْقِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْعَزْمِيَّةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ هُنَا مُجْمَلٌ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: هُوَ تَبْذِيرُ الْمَالِ إلَخْ) فَارْتِكَابُ غَيْرِهِ مِنْ الْمَعَاصِي كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّفَهِ الْمُصْطَلَحِ فِي شَيْءٍ قُهُسْتَانِيٌّ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ رَشِيدًا ثُمَّ سَفِهَ لِمَا يَأْتِي مَتْنًا أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ مَالُهُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الشَّرْعِ أَوْ الْعَقْلِ) كَالتَّبْذِيرِ وَالْإِسْرَافِ فِي النَّفَقَةِ وَأَنْ يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفَاتٍ لَا لِغَرَضٍ أَوْ لِغَرَضٍ لَا يَعُدُّهُ الْعُقَلَاءُ مِنْ أَهْلِ الدِّيَانَةِ غَرَضًا كَدَفْعِ الْمَالِ إلَى الْمُغَنِّينَ وَاللَّعَّابِينَ وَشِرَاءِ الْحَمَامَةِ الطَّيَّارَةِ بِثَمَنٍ غَالٍ وَالْغَبْنِ فِي التِّجَارَاتِ مِنْ غَيْرِ مَحْمَدَةٍ. وَأَصْلُ الْمُسَامَحَاتِ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ مَشْرُوعٌ إلَّا أَنَّ الْإِسْرَافَ حَرَامٌ كَالْإِسْرَافِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ قَالَ تَعَالَى {إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان: 67] كِفَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا) مُسْتَدْرَكٌ مَعَ مَا يَأْتِي مَعَ عَدَمِ صِحَّةِ التَّفْرِيعِ أَيْضًا ح. (قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ إلَخْ) هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْكِفَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَفِسْقٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَبْذِيرِ مَالٍ فَإِنَّ الْفَاسِقَ أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ عِنْدَ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَافِظًا لِمَالِهِ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَدَيْنٍ) وَإِنْ زَادَ عَلَى مَالِهِ وَطَلَبَ الْغُرَمَاءُ مِنْ الْقَاضِي الْحَجْرَ عَلَيْهِ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَغَفْلَةٍ) أَيْ لَا يُحْجَرُ عَلَى الْعَاقِلِ بِسَبَبِ غَفْلَةٍ وَهُوَ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ وَلَا يَقْصِدُهُ لَكِنَّهُ لَا يَهْتَدِي إلَى التَّصَرُّفَاتِ الرَّائِجَةِ فَيُغْبَنُ فِي الْبِيَاعَاتِ لِسَلَامَةِ قَلْبِهِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: بَلْ يُمْنَعُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ حَقِيقَةَ الْحَجْرِ، وَهُوَ الْمَنْعُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي يَمْنَعُ نُفُوذَ التَّصَرُّفِ، لِأَنَّ الْمُفْتِيَ لَوْ أَفْتَى بَعْدَ الْحَجْرِ وَأَصَابَ جَازَ، وَكَذَا الطَّبِيبُ لَوْ بَاعَ الْأَدْوِيَةَ نَفَذَ فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَنْعُ الْحِسِّيُّ كَمَا فِي الدُّرَرِ عَنْ الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: مَاجِنٌ) قَالَ فِي الْجَمْهَرَةِ مَجَنَ الشَّيْءُ يَمْجُنُ مُجُونًا إذَا صَلُبَ وَغَلُظَ وَقَوْلُهُمْ رَجُلٌ مَاجِنٌ كَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ غِلَظِ الْوَجْهِ وَقِلَّةِ الْحَيَاءِ وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مَحْضٍ ابْنُ كَمَالٍ. (قَوْلُهُ: كَتَعْلِيمِ الرِّدَّةِ إلَخْ) وَكَاَلَّذِي يُفْتِي عَنْ جَهْلٍ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَطَبِيبٌ جَاهِلٌ) بِأَنْ يَسْقِيَهُمْ دَوَاءً مُهْلِكًا وَإِذَا قَوِيَ عَلَيْهِمْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَةِ ضَرَرِهِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَمُكَارٍ مُفْلِسٌ) بِأَنْ يُكْرِيَ إبِلًا وَلَيْسَ لَهُ إبِلٌ وَلَا مَالٌ لِيَشْتَرِيَهَا بِهِ، وَإِذَا جَاءَ أَوَانُ الْخُرُوجِ يُخْفِي نَفْسَهُ جَوْهَرَةٌ فَمَنْعُ هَؤُلَاءِ الْمُفْسِدِينَ لِلْأَدْيَانِ وَالْأَبْدَانِ وَالْأَمْوَالِ دَفْعُ إضْرَارٍ بِالْخَاصِّ وَالْعَامِّ، فَهُوَ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ قِيلَ وَأُلْحِقَ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةٌ أُخْرَى: الْمُحْتَكِرُ، وَأَرْبَابُ الطَّعَامِ إذَا تَعَدَّوْا فِي الْبَيْعِ بِالْقِيمَةِ، وَمَا لَوْ أَسْلَمَ عَبْدًا لِذِمِّيٍّ وَامْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ بَاعَهُ الْقَاضِي اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 147 وَعِنْدَهُمَا يُحْجَرُ عَلَى الْحُرِّ بِالسَّفَهِ وَ) الْغَفْلَةِ وَ (بِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِمَا (يُفْتَى) صِيَانَةً لِمَالِهِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ (فَيَكُونُ فِي أَحْكَامِهِ كَصَغِيرٍ) ثُمَّ هَذَا الْخِلَافُ فِي تَصَرُّفَاتٍ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَيُبْطِلُهَا الْهَزْلُ وَأَمَّا مَا لَا يَحْتَمِلُهُ وَلَا يُبْطِلُهُ الْهَزْلُ فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ فَلِذَا قَالَ (إلَّا فِي نِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَاسْتِيلَادٍ وَتَدْبِيرٍ   [رد المحتار] قُلْت: وَبَابُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ أَوْسَعُ مِنْ هَذَا تَأَمَّلْ نَعَمْ يَنْبَغِي ذِكْرُ الْمَرِيضِ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا فَوْقَ الثُّلُثِ. [تَنْبِيهٌ] : يُعْلَمُ مِنْ هَذَا عَدَمُ جَوَازِ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ بَعْضِ الصَّنَائِعِ وَالْحِرَفِ مِنْ مَنْعِهِمْ مَنْ أَرَادَ الِاشْتِغَالَ فِي حِرْفَتِهِمْ وَهُوَ مُتْقِنٌ لَهَا أَوْ أَرَادَ تَعَلُّمَهَا فَلَا يَحِلُّ التَّحْجِيرُ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا يُحْجَرُ عَلَى الْحُرِّ) أَيْ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ. قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيمَا بَيْنَهُمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ إلَّا بِحَجْرِ الْحَاكِمِ، وَلَا يَنْفَكُّ حَتَّى يُطْلِقَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: فَسَادُهُ فِي مَالِهِ يَحْجُرُهُ وَإِصْلَاحُهُ فِيهِ يُطْلِقُهُ، وَالثَّمَرَةُ فِيمَا بَاعَهُ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي يَجُوزُ عِنْدَ الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي. (قَوْلُهُ: بِالسَّفَهِ وَالْغَفْلَةِ) أَيْ وَالدَّيْنِ كَمَا يَأْتِي وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْغَفْلَةِ بِالْفَسَادِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْفِسْقَ فَافْهَمْ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْحَجْرِ عِنْدَهُمَا الْقَضَاءُ بِالْإِفْلَاسِ، ثُمَّ الْحَجْرِ بِنَاءً عَلَيْهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْحَجْرِ بِالسَّفَهِ مَعَ كَوْنِهِ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَمْوَالِ. وَأَمَّا الْحَجْرُ بِالدَّيْنِ فَيَخُصُّ الْمَالَ الْمَوْجُودَ، حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فِي مَالٍ حَدَثَ بَعْدَهُ بِالْكَسْبِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْبُرْجُنْدِيِّ فَلْيُحْفَظْ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: الْحَجْرُ بِالدَّيْنِ يُفَارِقُ الْحَجْرَ بِالسَّفَهِ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ حَجْرَ السَّفِيهِ لِمَعْنًى فِيهِ وَهُوَ سُوءُ اخْتِيَارِهِ لَا لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ بِخِلَافِهِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ فَيَفْتَقِرُ لِلْقَضَاءِ. الثَّانِي: أَنَّ الْمَحْجُورَ بِالسَّفَهِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ وَأَدَّى لَا يَرْجِعُ بِمَا سَعَى عَلَى الْمَوْلَى بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ بِالْإِفْلَاسِ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَحْجُورَ بِالدَّيْنِ لَوْ أَقَرَّ حَالَةَ الْحَجْرِ يَنْفُذُ إقْرَارُهُ بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ وَكَذَا حَالَةَ الْحَجْرِ فِيمَا سَيَحْدُثُ لَهُ مِنْ الْمَالِ حَالَةَ الْحَجْرِ وَالْمَحْجُورُ بِالسَّفَهِ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ لَا حَالَ الْحَجْرِ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا فِي الْمَالِ الْقَائِمِ وَلَا الْحَادِثِ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَيُزَادُ مَا مَرَّ مِنْ تَوَقُّفِ الْحَجْرِ بِالدَّيْنِ عَلَى الْقَضَاءِ أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِكَوْنِهِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، بِخِلَافِ الْحَجْرِ بِالسَّفَهِ لِأَنَّهُ لِحَقِّهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ: بِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِمَا يُفْتَى بِهِ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ فِي كِتَابِ الْحِيطَانِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فَيَكُونُ أَقْوَى مِنْ الِالْتِزَامِ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ: وَمُرَادُهُ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْمُتُونِ مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْحَجْرِ عَلَى الْحُرِّ مُصَحَّحٌ بِالِالْتِزَامِ وَمَا وَقَعَ فِي قَاضِي خَانْ مِنْ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا تَصْرِيحٌ بِالتَّصْحِيحِ فَيَكُونُ هُوَ الْمُعْتَمَدَ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ الْفَتْوَى مَوْلَانَا فِي فَوَائِدِهِ مِنَحٌ، وَفِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ صَالِحٍ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ التَّوْضِيحِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ اهـ وَأَفْتَى بِهِ الْبَلْخِيّ وَأَبُو الْقَاسِمِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ الْآتِي " وَالْقَاضِي يَحْبِسُ الْحُرَّ الْمَدْيُونَ ". (قَوْلُهُ: كَصَغِيرٍ) أَيْ يَعْقِلُ وَمِثْلُهُ الْبَالِغُ الْمَعْتُوهُ كَمَا فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي نِكَاحٍ وَطَلَاقٍ) فَإِنْ سَمَّى جَازَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَبَطَلَ الْفَضْلُ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ نِصْفُ الْمُسَمَّى، لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ صَحِيحَةٌ فِي مِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ أَوْ تَزَوَّجَ كُلَّ يَوْمٍ وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا لِأَنَّ التَّزَوُّجَ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَعَتَاقٍ) وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ طُورِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَاسْتِيلَادٍ) بِأَنْ وَلَدَتْ جَارِيَتُهُ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ وَتَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ بِمَوْتِهِ وَلَا تَسْعَى هِيَ وَلَا وَلَدُهَا فِي شَيْءٍ لِأَنَّ ثُبُوتَ نَسَبِ الْوَلَدِ شَاهِدٌ لَهَا؛ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ فَقَالَ هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي لَمْ تُبَعْ وَسَعَتْ بِمَوْتِهِ فِي كُلِّ قِيمَتِهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ زَيْلَعِيٌّ وَهِيَ ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنًّا جَوْهَرَةٌ. (قَوْلُهُ: وَتَدْبِيرٍ) وَيَسْعَى بِمَوْتِ الْمَوْلَى غَيْرُ رَشِيدٍ فِي قِيمَتِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 148 وَوُجُوبِ زَكَاةٍ) وَفِطْرَةٍ (وَحَجٍّ وَعِبَادَاتٍ وَزَوَالِ وِلَايَةِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ وَفِي صِحَّةِ إقْرَارِهِ بِالْعُقُوبَاتِ وَفِي الْإِنْفَاقِ وَفِي صِحَّةِ وَصَايَاهُ بِالْقُرْبِ مِنْ الثُّلُثِ فَهُوَ) أَيْ فِي هَذِهِ (كَبَالِغٍ) وَفِي كَفَّارَةٍ كَعَبْدٍ أَشْبَاهٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَسْتَوِي فِيهِ الْهَزْلُ وَالْجِدُّ يَنْفُذُ مِنْ الْمَحْجُورِ وَمَا لَا فَلَا إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي خَانِيَّةٌ. (فَإِنْ بَلَغَ) الصَّبِيُّ (غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ مَالُهُ   [رد المحتار] مُدَبَّرًا وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا وَقِيلَ نِصْفُهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى جَوْهَرَةٌ لَكِنْ سَيَأْتِي صِحَّةُ وَصَايَاهُ بِالْقُرْبِ مِنْ الثُّلُثِ وَالتَّدْبِيرِ مِنْهَا. وَفِي الطُّورِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ قَالَ مَشَايِخُنَا: هَذَا أَيْ سَعْيُهُ إذَا كَانَ أَهْلُ الصَّلَاحِ يَعُدُّونَ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ إسْرَافًا فَإِنْ كَانُوا لَا يَعُدُّونَهَا إسْرَافًا بَلْ مَعْهُودًا حَسَنًا لَا يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ. (قَوْلُهُ: وَوُجُوبِ زَكَاةٍ) وَيَدْفَعُهَا الْقَاضِي إلَيْهِ لِيُفَرِّقَهَا لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ نِيَّتِهِ وَلَكِنْ يَبْعَثُ مَعَهُ أَمِينًا كَيْ لَا يَصْرِفَهَا فِي غَيْرِ وَجْهِهَا هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَفِطْرَةٍ) فِيهِ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الصَّغِيرِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا وَلِيُّهُ وَجَبَ الْأَدَاءُ بَعْدَ الْبُلُوغِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا فَلَيْسَتْ مِمَّا خَالَفَ فِيهَا الصَّغِيرُ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُخَاطَبُ بِهَا وَلِيُّهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَحَجٍّ) لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ عَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ فِيهَا اسْتِحْسَانًا وَلَا مِنْ الْقِرَانِ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مَنْ إفْرَادِ السَّفَرِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهَا، وَيُسَلِّمُ النَّفَقَةَ إلَى ثِقَةٍ لِئَلَّا يُتْلِفَهَا فَإِنْ جَامَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ يَدْفَعُ الْقَاضِي نَفَقَةَ الرُّجُوعِ، وَلَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ؛ وَإِنْ أَفْسَدَ الْعُمْرَةَ يَقْضِيهَا بَعْدَ زَوَالِهِ أَيْضًا وَتَمَامُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّةِ تَطَوُّعٍ دَفَعَ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ مِقْدَارَ مَا لَوْ كَانَ فِي مَنْزِلِهِ، وَيُقَالُ لَهُ إنْ شِئْت فَاخْرُجْ مَاشِيًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي وَسَّعَ فِي النَّفَقَةِ فَقَالَ: أَنَا أُكْرِيَ بِذَلِكَ الْفَضْلِ وَأُنْفِقُ عَلَى نَفْسِي فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ طُورِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَعِبَادَاتٍ) أَيْ بَدَنِيَّةٍ لَا مَالِيَّةٍ وَلَا مُرَكَّبَةٍ مِنْهُمَا أَيْضًا. فَفِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ لِابْنِ السُّبْكِيّ: كُلُّ مَوْضِعٍ يُدَّعَى فِيهِ أَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ يُرَادُ بِالْعَامِّ مَا عَدَا ذَلِكَ الْخَاصَّ؛ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْمُبَايِنِ قَالَ: وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ حَمَوِيٌّ وَبِهِ صَرَّحَ فِي السَّعْدِيَّةِ أَبُو السُّعُودِ. قُلْت: فَيَكُونُ مِنْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ أَوْ الْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ وَهَلْ الْأَوَّلُ حَقِيقَةٌ فِي الْبَاقِي أَوْ مَجَازٌ كَالثَّانِي؟ خِلَافٌ بَيَّنْتُهُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمَنَارِ أَوَّلَ بَحْثِ الْعَامِّ هَذَا وَفِي اسْتِثْنَاءِ الْحَجِّ وَالْعِبَادَاتِ نَظَرٌ فَإِنَّهَا تَصِحُّ مِنْ الصَّغِيرِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ صِحَّتُهَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَزَوَالِ وِلَايَةِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ) يَعْنِي عَدَمَ وِلَايَتِهِمَا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ حَمَوِيٌّ أَيْ فَإِنَّ وِلَايَتَهُمَا عَلَيْهِ ثَابِتَةٌ. (قَوْلُهُ: وَفِي صِحَّةِ إقْرَارِهِ بِالْعُقُوبَاتِ) كَمَا لَوْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا دُونَهَا حَمَوِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْإِنْفَاقِ) أَيْ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهِ مِنْ مَالِهِ شَرْحُ تَنْوِيرِ الْأَذْهَانِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي الْإِيقَافِ مَنْ أَوْقَفَ، لَكِنْ فِي الْأَشْبَاهِ أَنَّ وَقْفَهُ بَاطِلٌ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ كَانَ بِإِذْنِ الْقَاضِي فَصَحَّحَهُ الْبَلْخِيّ وَأَبْطَلَهُ أَبُو الْقَاسِمِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي صِحَّةِ وَصَايَاهُ بِالْقُرْبِ مِنْ الثُّلُثِ) يَعْنِي إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ وَصِيَّتُهُ كَتَبَرُّعَاتِهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِمَعْنَى النَّظَرِ لَهُ كَيْ لَا يُتْلِفَ مَالَهُ وَيَبْقَى كَلًّا عَلَى غَيْرِهِ، وَذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ لَا فِيمَا يَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ وَفَاتِهِ حَالَ اسْتِغْنَائِهِ وَذَلِكَ إذَا وَافَقَ وَصَايَا أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ كَالْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ أَوْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْأَوْقَافِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْجُسُورِ. وَأَمَّا إذَا أَوْصَى بِغَيْرِ الْقُرَبِ لَا تَنْفُذُ عِنْدَنَا طُورِيٌّ. (قَوْلُهُ: كَبَالِغٍ) أَيْ غَيْرِ مَحْجُورٍ وَإِلَّا فَهُوَ بَالِغٌ ح. (قَوْلُهُ: وَفِي كَفَّارَةٍ كَعَبْدٍ) فَلَوْ حَلَفَ وَحَنِثَ أَوْ نَذَرَ نَذْرًا مِنْ هَدْيٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ وَيُكَفِّرُ يَمِينَهُ وَغَيْرَهَا بِالصَّوْمِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ إلَخْ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ هَذَا الْخِلَافُ إلَخْ لَكِنْ أَعَادَهُ لِقَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي وَإِنَّمَا حَصَرَهُ بِهِ لِمَا مَرَّ مِنْ زَوَالِ وِلَايَةِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ مَالُهُ إلَخْ) هَذَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَسْلِيمِهِ لَهُ بَعْدَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً كَمَا يَأْتِي فَلَوْ بَلَغَ مُفْسِدًا وَحُجِرَ عَلَيْهِ أَوَّلًا فَسَلَّمَهُ إلَيْهِ فَضَاعَ ضَمِنَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 149 حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْمِقْدَارِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْمُدَّةِ (وَبَعْدَهُ يُسَلَّمُ إلَيْهِ) وُجُوبًا يَعْنِي لَوْ مَنَعَهُ مِنْهُ بَعْدَ طَلَبِهِ ضَمِنَ وَقَبْلَ طَلَبِهِ لَا ضَمَانَ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ قَالَهُ شَيْخُنَا (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَشِيدًا) وَقَالَا: لَا يُدْفَعُ حَتَّى يُؤْنَسَ رُشْدُهُ وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ (وَالرُّشْدُ) الْمَذْكُورُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6] (هُوَ كَوْنُهُ مُصْلِحًا فِي مَالِهِ فَقَطْ) وَلَوْ فَاسِقًا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. (وَالْقَاضِي يَحْبِسُ الْحُرَّ الْمَدْيُونَ لِيَبِيعَ مَالَهُ لِدَيْنِهِ وَقَضَى دَرَاهِمَ دَيْنِهِ مِنْ دَرَاهِمِهِ) يَعْنِي بِلَا أَمَرَهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ دَنَانِيرَ (وَبَاعَ دَنَانِيرَهُ بِدَرَاهِمِ دَيْنِهِ وَبِالْعَكْسِ اسْتِحْسَانًا) لِاتِّحَادِهِمَا فِي الثَّمَنِيَّةِ (لَا) يَبِيعُ الْقَاضِي (عَرَضَهُ وَلَا عَقَارَهُ) لِلدَّيْنِ   [رد المحتار] الْوَصِيُّ، وَلَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَهُوَ صَبِيٌّ مُصْلِحٌ وَأَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَضَاعَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ مَعْزُوًّا للولوالجية: وَكَمَا يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَهُوَ مُفْسِدٌ فَكَذَا قَبْلَ ظُهُورِ رُشْدِهِ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ اهـ. وَسُئِلَ الْعَلَّامَةُ الشَّلَبِيُّ: عَمَّنْ بَلَغَتْ وَعَلَيْهَا وَصِيٌّ هَلْ يَثْبُتُ رُشْدُهَا بِمُجَرَّدِ الْبُلُوغِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ؟ فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَمِثْلُهُ فِي الْخَيْرِيَّةِ. وَفِي شَرْحِ الْبِيرِيِّ عَنْ الْبَدَائِعِ لَا بَأْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَيَأْذَنَ لَهُ بِالتِّجَارَةِ لِلِاخْتِبَارِ فَإِنْ آنَسَ مِنْهُ رُشْدًا دَفَعَ إلَيْهِ الْبَاقِيَ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً) أَيْ مَا لَمْ يُؤْنَسْ رُشْدُهُ قَبْلَهَا. (قَوْلُهُ: فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ قَبْلَهُ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْوَاوِ كَمَا فِي الْكَنْزِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ: لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ بِمَعْنَى الْمَنْعِ لِأَنَّ الْعَاقِلَ الْبَالِغَ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا هَذَا مَنْعٌ لِلتَّأْدِيبِ لَا حَجْرٌ صَحَّ التَّفْرِيعُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: ضَمِنَ) أَيْ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ لِتَعَدِّيهِ فِي الْمَنْعِ، وَأَمَّا إذَا بَلَغَ فَمَنَعَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْكَشِفَ حَالُهُ وَيُعْلَمَ رُشْدُهُ، وَصَلَاحِيَتُهُ بِالِاخْتِبَارِ فَهَلَكَ لَا يَضْمَنُ قَالَ شِهَابُ الدِّينِ الْحَلَبِيُّ فِي فَتَاوَاهُ: وَالْوَاجِبُ عَلَى الْوَصِيِّ أَنْ لَا يَدْفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ إلَّا بَعْدَ الِاخْتِبَارِ فَإِذَا مَنَعَهُ لِذَلِكَ كَانَ مَنْعًا لِوَاجِبٍ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا وَفِي الْخَانِيَّةِ مَا يَشْهَدُ لَهُ رَمْلِيٌّ. (قَوْلُهُ: قَالَهُ شَيْخُنَا) يَعْنِي الرَّمْلِيَّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَشِيدًا) لِأَنَّهُ قَدْ بَلَغَ سِنًّا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِيرَ جَدًّا وَلِأَنَّ مَنْعَ الْمَالِ عَنْهُ لِلتَّأْدِيبِ فَإِذَا بَلَغَ هَذَا السِّنَّ فَقَدْ انْقَطَعَ رَجَاءُ التَّأَدُّبِ زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: وَقَالَا لَا يُدْفَعُ) أَيْ وَإِنْ صَارَ شَيْخًا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ مِعْرَاجٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ) أَيْ مَا لَمْ يُجِزْهُ الْقَاضِي عَلَى مَا مَرَّ، وَهَذِهِ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ، وَتَظْهَرُ أَيْضًا فِي الضَّمَانِ عِنْدَهُمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ بَعْدَمَا بَلَغَ هَذِهِ الْمُدَّةَ مُفْسِدًا إلَّا عِنْدَهُ. (قَوْلُهُ: {فَإِنْ آنَسْتُمْ} [النساء: 6] أَيْ عَرَفْتُمْ أَوْ أَبْصَرْتُمْ ذَكَرَهُ الْبَكْرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ ط. (قَوْلُهُ: هُوَ كَوْنُهُ مُصْلِحًا فِي مَالِهِ) هُوَ مَعْنَى مَا فِي الْبِيرِيِّ عَنْ النُّتَفِ: الرَّشِيدُ عِنْدَنَا أَنْ يُنْفِقَ فِيمَا يَحِلُّ وَيُمْسِكَ عَمَّا يَحْرُمُ وَلَا يُنْفِقَهُ فِي الْبَطَالَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَلَا يَعْمَلَ فِيهِ بِالتَّبْذِيرِ وَالْإِسْرَافِ. (قَوْلُهُ: فَقَطْ) أَيْ لَا فِي دِينِهِ أَيْضًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: وَلَوْ فَاسِقًا) تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ فَقَطْ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْفِسْقَ الْأَصْلِيَّ وَالطَّارِئَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا لِمَالِهِ. (قَوْلُهُ: لِيَبِيعَ مَالَهُ) أَطْلَقَ الْمَالَ فَشَمِلَ الْمَرْهُونَ وَالْمُؤَجَّرَ وَالْمُعَارَ؛ وَكُلَّ مَا هُوَ مِلْكٌ لَهُ رَمْلِيٌّ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إكْرَاهًا لِأَنَّهُ بِحَقٍّ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ إذْ هُوَ ظَالِمٌ بِالْمَنْعِ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي بِلَا أَمْرِهِ) لِأَنَّ لِلدَّائِنِ أَنْ يَأْخُذَ بِيَدِهِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ بِغَيْرِ رِضَا الْمَدِينِ فَكَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يُعِينَهُ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ كَانَ) أَيْ كُلٌّ مِنْ مَالِهِ وَدَيْنِهِ وَفِي نُسَخٍ: كَانَا بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ. (قَوْلُهُ: اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ هَذَا الطَّرِيقَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَصَارَ كَالْعُرُوضِ. (قَوْلُهُ: لِاتِّحَادِهِمَا فِي الثَّمَنِيَّةِ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ، وَلِهَذَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ مَعَ أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي الصُّورَةِ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَحُكْمًا لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا رِبَا الْفَضْلِ. فَبِالنَّظَرِ لِلِاتِّحَادِ يَثْبُتُ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ وَبِالنَّظَرِ لِلِاخْتِلَافِ يُسْلَبُ عَنْ الدَّائِنِ وِلَايَةُ الْأَخْذِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، بِخِلَافِ الْعُرُوضِ، لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ تَتَعَلَّقُ بِصُوَرِهَا وَأَعْيَانِهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 150 (خِلَافًا لَهُمَا وَبِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِمَا بِبَيْعِهِمَا لِلدَّيْنِ (يُفْتَى) اخْتِيَارٌ وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ، وَيَبِيعُ كُلَّ مَا لَا يَحْتَاجُهُ فِي الْحَالِ وَلَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ يَلْزَمُهُ بَعْدَ الدُّيُونِ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِبَيِّنَةٍ أَوْ عِلْمِ قَاضٍ فَيُزَاحِمُ الْغُرَمَاءَ كَمَالٍ اسْتَهْلَكَهُ إذْ لَا حَجْرَ فِي الْفِعْلِ كَمَا مَرَّ. .   [رد المحتار] أَقُولُ: وَرَأَيْت فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ مِنْ الْمُجْتَبَى رَامِزًا مَا نَصُّهُ: وَجَدَ دَنَانِيرَ مَدْيُونِهِ وَلَهُ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِاتِّحَادِهِمَا جِنْسًا فِي الثَّمَنِيَّةِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْفَارِسِيِّ فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الْمُسَاوَمَةِ. [تَنْبِيهٌ] : قَالَ الْحَمَوِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ نَقْلًا عَنْ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ جَدِّهِ الْأَشْقَرِ عَنْ شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِلْأَخْصَبِ: إنَّ عَدَمَ جَوَازِ الْأَخْذِ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ لِمُطَاوَعَتِهِمْ فِي الْحُقُوقِ، وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ لَا سِيَّمَا فِي دِيَارِنَا لِمُدَاوَمَتِهِمْ الْعُقُوقَ قَالَ الشَّاعِرُ: عَفَاءٌ عَلَى هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّهُ ... زَمَانُ عُقُوقٍ لَا زَمَانُ حُقُوقِ وَكُلُّ رَفِيقٍ فِيهِ غَيْرُ مُرَافِقٍ ... وَكُلُّ صَدِيقٍ فِيهِ غَيْرُ صَدُوقِ ط. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لَهُمَا وَبِهِ يُفْتَى) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَقَالَا: يَبِيعُ وَبِهِ يُفْتَى كَمَا لَا يَخْفَى ح. (قَوْلُهُ: أَيْ بِقَوْلِهِمَا بِبَيْعِهِمَا) أَيْ الْعَرَضِ وَالْعَقَارِ، وَأَشَارَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ إلَى أَنَّ مَا عَدَاهُ لَا خِلَافَ فِيهِ. (قَوْلُهُ: اخْتِيَارٌ) وَمِثْلُهُ فِي الْمُلْتَقَى. (قَوْلُهُ: وَيَبِيعُ كُلَّ مَا لَا يَحْتَاجُهُ فِي الْحَالِ) قَالَ فِي التَّبْيِينِ: ثُمَّ عِنْدَهُمَا يَبْدَأُ الْقَاضِي بِبَيْعِ النُّقُودِ، ثُمَّ الْعُرُوضِ، ثُمَّ الْعَقَارِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَبْدَأُ بِبَيْعِ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّوَى مِنْ عُرُوضِهِ، ثُمَّ بِمَا لَا يُخْشَى عَلَيْهِ، ثُمَّ بِالْعَقَارِ. فَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ يَبِيعُ مَا كَانَ أَنْظَرَ لَهُ وَيُتْرَكُ عَلَيْهِ دَسْتُ مِنْ ثِيَابِهِ يَعْنِي بَدْلَةً وَقِيلَ: دَسْتَانِ لِأَنَّهُ إذَا غَسَلَ ثِيَابَهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَلْبَسٍ وَقَالُوا: إذَا كَانَ يَكْتَفِي بِدُونِهَا تُبَاعُ، وَيُقْضَى الدَّيْنُ بِبَعْضِ ثَمَنِهَا، وَيَشْتَرِي بِمَا بَقِيَ ثَوْبًا يَلْبَسُهُ وَكَذَا يُفْعَلُ فِي الْمَسْكَنِ وَعَنْ هَذَا قَالُوا: يَبِيعُ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ كَاللِّبْدِ فِي الصَّيْفِ وَالنِّطْعِ فِي الشِّتَاءِ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَى زَوْجَتِهِ وَأَطْفَالِهِ وَأَرْحَامِهِ مِنْ مَالِهِ اهـ مُلَخَّصًا قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ إلَى أَنْ يَسْكُنَ بِالْأُجْرَةِ كَمَا قَالُوا فِي وُجُوبِ الْحَجِّ تَأَمَّلْ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ أَقُولُ: وَكَذَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَقَارَاتُ وَقْفٍ سُلْطَانِيٍّ زَائِدَةٌ عَلَى سُكْنَاهُ أَوْ صَدَقَاتٌ فِي الدَّفَاتِرِ السُّلْطَانِيَّةِ لَا يُؤْمَرُ بِبَيْعِهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ اهـ أَيْ لَا يُؤْمَرُ بِالْفَرَاغِ عَنْهَا إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ: تَصَرُّفَاتُ الْمَحْجُورِ بِالدَّيْنِ كَالْمَرِيضِ. (قَوْلُهُ: يَلْزَمُهُ بَعْدَ الدُّيُونِ) أَيْ يَقْضِيهِ بَعْدَ قَضَاءِ الدُّيُونِ الَّتِي حُجِرَ لِأَجْلِهَا وَنَحْوِهَا مِمَّا ذَكَرَهُ بَعْدُ وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ اسْتَفَادَ مَالًا بَعْدَ الْحَجْرِ، وَإِلَّا فَيَقْضِي مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْهُ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَالْهِدَايَةِ، وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَشَرْحِ الْمُلْتَقَى وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة ثُمَّ إذَا صَحَّ الْحَجْرُ بِالدَّيْنِ صَارَ الْمَحْجُورُ كَمَرِيضٍ عَلَيْهِ دُيُونُ الصِّحَّةِ، فَكُلُّ تَصَرُّفٍ أَدَّى إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ، فَالْحَجْرُ يُؤَثِّرُ فِيهِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ. وَأَمَّا الْبَيْعُ فَإِنْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ جَازَ وَإِنْ بِغَبْنٍ فَلَا وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ إزَالَةِ الْغَبْنِ وَبَيْنَ الْفَسْخِ كَبَيْعِ الْمَرِيضِ، فَإِنْ بَاعَ مِنْ الْغَرِيمِ وَقَاصَصَهُ بِالثَّمَنِ جَازَ لَوْ الْغَرِيمُ وَاحِدًا وَإِلَّا صَحَّ الْبَيْعُ مِنْ أَحَدِهِمْ لَوْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ دُونَ الْمُقَاصَّةِ، وَكَذَا لَوْ قَضَى دَيْنَ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ كَالْمَرِيضِ اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: بِبَيِّنَةٍ) بِأَنْ شَهِدُوا عَلَى الِاسْتِقْرَاضِ أَوْ الشِّرَاءِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ تَتَارْخَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ عِلْمِ قَاضٍ) الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ جَوَازِ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ ط. (قَوْلُهُ: كَمَالٍ اسْتَهْلَكَهُ) فَإِنَّ مَالِكَهُ يُزَاحِمُ الْغُرَمَاءَ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِمَهْرِ مِثْلِهَا ابْنُ مَالِكٍ وَالْمُرَادُ بِاسْتِهْلَاكِهِ الْمَالَ أَنَّهُ ثَبَتَ بِغَيْرِ إقْرَارِهِ مِمَّا مَرَّ، فَلَوْ بِهِ فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ يُسْأَلُ عَنْ إقْرَارِهِ بَعْدَمَا صَارَ مُصْلِحًا أَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ كَانَ حَقًّا أَوْ لَا؟ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ يُؤَاخَذُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ كَذَلِكَ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 151 (أَفْلَسَ وَمَعَهُ عَرَضٌ شَرَاهُ فَقَبَضَهُ بِالْإِذْنِ) مِنْ بَائِعِهِ وَلَمْ يُؤَدِّ ثَمَنَهُ (فَبَاعَهُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ) فِي ثَمَنِهِ (فَإِنْ أَفْلَسَ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ بَعْدَهُ) لَكِنْ (بِغَيْرِ إذْنِ بَائِعِهِ كَانَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ) وَحَبْسُهُ (بِالثَّمَنِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ. (حَجَرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى) قَاضٍ (آخَرَ فَأَطْلَقَهُ) وَأَجَازَ مَا صَنَعَ الْمَحْجُورُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ سَاقِطٌ مِنْ الدُّرَرِ وَالْمِنَحِ (جَازَ إطْلَاقُهُ) وَمَا صَنَعَ الْمَحْجُورُ فِي مَالِهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ قَبْلَ إطْلَاقِ الثَّانِي أَوْ بَعْدَهُ كَانَ جَائِزًا لِأَنَّ حَجْرَ الْأَوَّلِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ. [فُرُوعٌ] يَصِحُّ الْحَجْرُ عَلَى الْغَائِبِ لَكِنْ لَا يَنْحَجِرُ مَا لَمْ يَعْلَمْ خَانِيَّةٌ، وَلَا يَرْتَفِعُ الْحَجْرُ بِالرُّشْدِ بَلْ بِإِطْلَاقِ الْقَاضِي، وَلَوْ ادَّعَى الرُّشْدَ وَادَّعَى خَصْمُهُ بَقَاءَهُ عَلَى السَّفَهِ وَبَرْهَنَا يَنْبَغِي تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ بَقَاءِ السَّفَهِ أَشْبَاهٌ،   [رد المحتار] قَوْلُهُ: أَفْلَسَ إلَخْ) أَيْ صَارَ إلَى حَالٍ لَيْسَ لَهُ فُلُوسٌ وَبَعْضُهُمْ قَالَ: صَارَ ذَا فُلُوسٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ ذَا دَرَاهِمَ مِصْبَاحٌ وَالْمُرَادُ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِتَفْلِيسِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَوِي مَعَ الْغُرَمَاءِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا فَلَوْ مُؤَجَّلًا لَمْ يُشَارِكْهُمْ وَلَكِنْ يُشَارِكُهُمْ بَعْدَ الْحُلُولِ فِيمَا قَبَضُوهُ بِالْحِصَصِ كَذَا فِي الْمَقْدِسِيَّ سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: كَانَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ) أَيْ فِيمَا لَوْ أَفْلَسَ بَعْدَ قَبْضِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَقَوْلُهُ: وَحَبَسَهُ بِالثَّمَنِ فِيمَا لَوْ أَفْلَسَ قَبْلَهُ فَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ عَلَى عَكْسِ التَّرْتِيبِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْمَتْنِ تَبَعًا للشُّرُنبُلاليَّة، حَيْثُ نَقَلَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ ثُمَّ قَالَ: فَقَدْ شَرَطَ مَعَ الْإِطْلَاقِ إجَازَةَ صُنْعِهِ اهـ. أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْإِجَازَةَ شَرْطٌ لِجَوَازِ صُنْعِهِ لَا لِجَوَازِ الْإِطْلَاقِ وَالْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ جَوَازُ الْإِطْلَاقِ فَلَا اسْتِدْرَاكَ بَلْ هُوَ إفَادَةُ حُكْمٍ آخَرَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ حَجْرَ الْأَوَّلِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ) عَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ أَوَّلًا بِأَنَّ الْحَجْرَ مِنْهُ فَتْوَى وَلَيْسَ بِقَضَاءٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمَقْضِيُّ لَهُ وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ كَانَ قَضَاءً فَنَفْسُ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِمْضَاءِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: يَعْنِي حَتَّى يَلْزَمَ، لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ إذَا وَقَعَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ لَا يَلْزَمُ، وَلَا يَصِيرُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَنْ لَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ مَوْجُودًا قَبْلَ الْقَضَاءِ فَيَتَأَكَّدُ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ بِالْقَضَاءِ، فَلَا يُنْقَضُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ، فَبِالْقَضَاءِ يَحْصُلُ الِاخْتِلَافُ، فَلَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ آخَرَ لِيَصِيرَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ لِقَضَائِهِ بَعْدَ وُجُودِ الِاخْتِلَافِ هَذَا مَعْنَاهُ، وَلَكِنْ فِيهِ إشْكَالٌ هُنَا لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يَرَى حَجْرَهُ بِنَفْسِ السَّفَهِ، وَلَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ أَصْلًا فَيَصِيرُ الْقَضَاءُ بِهِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ قَضَاءً بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فَيَتَأَكَّدُ قَوْلُهُ: بِالْقَضَاءِ، بِخِلَافِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا؟ فَعِنْدَنَا لَا يَنْفُذُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ فَيَحْصُلُ الِاخْتِلَافُ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَرْتَفِعُ حَتَّى يُحْكَمَ بِجَوَازِ هَذَا الْقَضَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَعْلَمْ) أَيْ بِالْحَجْرِ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: فَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ وَصَدَّقَهُ انْحَجَرَ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ فَكَذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِذْنِ وَالْحَجْرِ فِي أَنَّهُ يَصِيرُ مَأْذُونًا إذَا تَرَجَّحَ الصِّدْقُ فِي خَبَرِهِ عِنْدَ الْعَبْدِ أَوْ صَدَّقَهُ، ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَالِاعْتِمَادُ خِلَافًا لِمَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا اهـ. ثُمَّ إنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِمَا مَرَّ أَنَّ السَّفِيهَ يَنْحَجِرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِلَا قَضَاءٍ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَرْتَفِعُ الْحَجْرُ بِالرُّشْدِ إلَخْ) هَذَا أَيْضًا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجَوْهَرَةِ مَعَ بَيَانِ ثَمَرَةِ الْخِلَافِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ ادَّعَى الرُّشْدَ) يَعْنِي بَعْدَمَا حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي ادَّعَى أَنَّهُ صَارَ رَشِيدًا لِيَبْطُلَ حَجْرُهُ. (قَوْلُهُ: أَشْبَاهٌ) اسْتَدَلَّ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ بِمَا فِي الْمُحِيطِ عِنْدَ ذِكْرِهِ دَلِيلَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى أَنَّ السَّفِيهَ لَا يَنْحَجِرُ إلَّا بِحَجْرِ الْقَاضِي مِنْ أَنَّ الظَّاهِرَ زَوَالُ السَّفَهِ، لِأَنَّ عَقْلَهُ يَمْنَعُهُ. قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَكُلُّ بَيِّنَةٍ شَهِدَ لَهَا الظَّاهِرُ لَمْ تُقْبَلْ اهـ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ ظُهُورَ زَوَالِ السَّفَهِ فِيمَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ كَلَامِ الْمُحِيطِ، أَمَّا بَعْدَ الْحُكْمِ كَمَا هُوَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَشْبَاهِ فَقَدْ تَأَكَّدَ وَثَبَتَ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَجْرَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَرْتَفِعُ عِنْدَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 152 وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: وَمَنْ يَدَّعِي إقْرَارَهُ قَبْلُ يُحْجَرُ فَمَنْ يَدَّعِيهِ وَقْتَهُ فَهْوَ أَجْدَرُ وَلَوْ بَاعَ وَالْقَاضِي أَجَازَ وَقَالَ لَا تُؤَدِّ فَمَا أَدَّاهُ مِنْ بَعْدُ يَخْسَرُ. فَصْلٌ. (بُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ وَالْإِحْبَالِ وَالْإِنْزَالِ) وَالْأَصْلُ هُوَ الْإِنْزَالُ (وَالْجَارِيَةِ بِالِاحْتِلَامِ وَالْحَيْضِ وَالْحَبَلِ) وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِنْزَالَ صَرِيحًا لِأَنَّهُ قَلَّمَا يُعْلَمُ مِنْهَا (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِمَا) شَيْءٌ (فَحَتَّى يَتِمَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً بِهِ يُفْتَى) لِقِصَرِ أَعْمَارِ أَهْلِ زَمَانِنَا   [رد المحتار] أَبِي يُوسُفَ إلَّا بِالْقَضَاءِ، فَلَوْ كَانَ الْأَصْلُ زَوَالَهُ لَمَا احْتَاجَ إلَيْهِ. وَلِذَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ: لَمْ يُوجَدْ بَعْدَ الْحَجْرِ مِنْ الْقَاضِي مَا يَقْتَضِي خِلَافَهُ فَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ اهـ وَهَكَذَا نَقْلُ الْحَمَوِيِّ عَنْ الشَّيْخِ صَالِحٍ فَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الزَّوَالِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ ثُمَّ قَالَ: وَرَأَيْت فِي ذَخِيرَةِ النَّاظِرِ الْجَزْمَ بِهِ، وَنَقَلَهُ أَبُو السُّعُودِ، وَأَقَرَّهُ، وَبِالْجُمْلَةِ لَمْ نَرَ أَحَدًا تَابَعَ صَاحِبَ الْأَشْبَاهِ سِوَى الشَّارِحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ إلَخْ) الشَّطْرُ الثَّانِي مِنْ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ مُغَيَّرٌ وَأَصْلُهُ: فَمَنْ يَدَّعِي التَّأْخِيرَ لَيْسَ يُؤَخَّرُ وَ " يُحْجَرُ " فِي مَحَلِّ جَرٍّ مُضَافٌ إلَى " قَبْلُ " وَمَعْنَى الْبَيْتِ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ لَوْ قَالَ بَعْدَ صَلَاحِهِ أَقْرَرْتُ وَأَنَا مَحْجُورٌ بِأَنِّي اسْتَهْلَكْتُ لَك كَذَا وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بَلْ حَالَ صَلَاحِك فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ تُنَافِي صِحَّةَ الْإِقْرَارِ، فَيَكُونُ فِي الْحَقِيقَةِ مُنْكِرًا لَا مُقِرًّا وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَقْرَرْت لِي بِهِ حَالَ فَسَادِك لَكِنَّهُ حَقٌّ وَقَالَ الْمُقِرُّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَقًّا فَالْقَوْلُ لَهُ وَمَعْنَى الثَّانِي لَوْ بَاعَ الْمَحْجُورُ وَأَجَازَ الْقَاضِي بَيْعَهُ لَكِنْ نَهَى الْمُشْتَرِيَ عَنْ دَفْعِ الثَّمَنِ إلَيْهِ فَدَفَعَهُ وَهَلَكَ يَضْمَنُ الثَّمَنَ لِلْقَاضِي لِأَنَّهُ لَمَّا نَهَاهُ صَارَ حَقُّ الْقَبْضِ لِلْقَاضِي، وَالْمَحْجُورُ كَالْأَجْنَبِيِّ فَلَوْ لَمْ يَنْهَهُ جَازَ لِأَنَّ فِي إجَازَتِهِ الْبَيْعَ إجَازَةً لِدَفْعِ الثَّمَنِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَكِيلٍ بِالْقَبْضِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ بُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ] ِ إلَخْ بِتَنْوِينِ " فَصْلٌ " وَ " بُلُوغُ " مُبْتَدَأٌ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرٌ وَمَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَ " الْجَارِيَةِ " مَجْرُورٌ عَطْفًا عَلَى " الْغُلَامِ " أَوْ مَرْفُوعٌ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ، وَإِنَابَتِهِ مَنَابَهُ، وَالْبُلُوغُ لُغَةً: الْوُصُولُ، وَاصْطِلَاحًا انْتِهَاءُ حَدِّ الصِّغَرِ وَلَمَّا كَانَ الصِّغَرُ أَحَدَ أَسْبَابِ الْحَجْرِ وَكَانَ لَهُ نِهَايَةٌ ذَكَرَ هَذَا الْفَصْلَ لِبَيَانِهَا، وَالْغُلَامُ كَمَا قَالَ عِيَاضٌ يُطْلَقُ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ حِينِ يُولَدُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ وَعَلَى الرَّجُلِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ. (قَوْلُهُ: بِالِاحْتِلَامِ) قَالَ فِي الْمَعْدِنِ: الِاحْتِلَامُ جُعِلَ اسْمًا لِمَا يَرَاهُ النَّائِمُ مِنْ الْجِمَاعِ، فَيَحْدُثُ مَعَهُ إنْزَالُ الْمَنِيِّ غَالِبًا فَغَلَبَ لَفْظُ الِاحْتِلَامِ فِي هَذَا دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَنَامِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ اهـ ط. (قَوْلُهُ: وَالْإِنْزَالِ) بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ هُوَ الْإِنْزَالُ) فَإِنَّ الِاحْتِلَامَ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا مَعَهُ وَالْإِحْبَالُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْجَارِيَةِ) هِيَ أُنْثَى الْغُلَامِ. (قَوْلُهُ: صَرِيحًا) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ ضِمْنًا فِي الِاحْتِلَامِ وَالْحَبَلِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ إلَخْ مُفَادُهُ: أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِنَبَاتِ الْعَانَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَرِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَلَا اللِّحْيَةِ، وَأَمَّا نُهُودُ الثَّدْيِ فَذَكَرَ الْحَمَوِيُّ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَكَذَا ثِقَلُ الصَّوْتِ كَمَا فِي شَرْحِ النَّظْمِ الْهَامِلِيِّ أَبُو السُّعُودِ وَكَذَا شَعْرُ السَّاقِ وَالْإِبِطِ وَالشَّارِبِ. (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) هَذَا عِنْدَهُمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَعِنْدَ الْإِمَامِ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَهَا سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. (قَوْلُهُ: لِقِصَرِ أَعْمَارِ أَهْلِ زَمَانِنَا) وَلِأَنَّ «ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عُرِضَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 153 (وَأَدْنَى مُدَّتِهِ لَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً وَلَهَا تِسْعُ سِنِينَ) هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ (فَإِنْ رَاهَقَا) بِأَنْ بَلَغَا هَذَا السِّنَّ (فَقَالَا: بَلَغْنَا؛ صُدِّقَا إنْ لَمْ يُكَذِّبْهُمَا الظَّاهِرُ) كَذَا قَيَّدَهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ وَغَيْرِهَا فَبَعْدَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً يُشْتَرَطُ شَرْطٌ آخَرُ لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ بِالْبُلُوغِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ يَحْتَلِمُ مِثْلُهُ وَإِلَّا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ (وَهُمَا) حِينَئِذٍ (كَبَالِغٍ حُكْمًا) فَلَا يُقْبَلُ جُحُودُهُ الْبُلُوغَ بَعْدَ إقْرَارِهِ مَعَ احْتِمَالِ حَالِهِ فَلَا تُنْقَضُ قِسْمَتُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُرَاهِقَيْنِ " قَدْ بَلَغْنَا " مَعَ تَفْسِيرِ كُلٍّ بِمَاذَا بَلَغَ بِلَا يَمِينٍ. وَفِي الْخِزَانَةِ أَقَرَّ بِالْبُلُوغِ فَقَبْلَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً لَا تَصِحُّ الْبَيِّنَةُ وَبَعْدَهُ تَصِحُّ اهـ. كِتَابُ الْمَأْذُونِ (الْإِذْنُ) لُغَةً: الْإِعْلَامُ وَشَرْعًا (فَكُّ الْحَجْرِ) أَيْ فِي التِّجَارَةِ لِأَنَّ الْحَجْرَ لَا يَنْفَكُّ   [رد المحتار] وَسِنُّهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَرَدَّهُ، ثُمَّ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَسِنُّهُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَقَبِلَهُ» وَلِأَنَّهَا الْعَادَةُ الْغَالِبَةُ عَلَى أَهْلِ زَمَانِنَا، وَغَيْرُهُمَا احْتِيَاطٌ فَلَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْعَادَةُ إحْدَى الْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشُّمُنِّيُّ وَغَيْرُهُ دُرٌّ مُنْتَقًى. (قَوْلُهُ: وَأَدْنَى مُدَّتِهِ) أَيْ مُدَّةِ الْبُلُوغِ وَالضَّمِيرُ فِي لَهُ لِلْغُلَامِ وَفِي لَهَا لِلْجَارِيَةِ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ) هُوَ اسْمُ كِتَابٍ لِلْأُسْرُوشَنِيِّ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ رَاهَقَا) يُقَالُ رَهِقَهُ أَيْ دَنَا مِنْهُ رَهَقًا، وَمِنْهُ إذَا «صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى سُتْرَةٍ فَلْيَرْهَقْهَا» ، وَصَبِيٌّ مُرَاهِقٌ مُدَانٍ لِلْحُلُمِ مُغْرِبٌ. (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُكَذِّبْهُمَا الظَّاهِرُ) هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ الْآتِي، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ يَحْتَلِمُ مِثْلُهُ. وَفِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: صَبِيٌّ أَقَرَّ أَنَّهُ بَالِغٌ وَقَاسَمَ وَصِيَّ الْمَيِّتِ قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ إنْ كَانَ مُرَاهِقًا وَيَحْتَلِمُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ: وَتَجُوزُ قِسْمَتُهُ وَإِنْ كَانَ مُرَاهِقًا وَيُعْلَمُ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَحْتَلِمُ لَا تَجُوزُ قِسْمَتُهُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُكَذَّبُ ظَاهِرًا وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ بَعْدَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً إذَا كَانَ بِحَالٍ لَا يَحْتَلِمُ مِثْلُهُ إذَا أَقَرَّ الْبُلُوغَ لَا يُقْبَلُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَبَعْدَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً) ادَّعَى صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ الصَّوَابَ إبْدَالُ بَعْدَ بِقَبْلَ زَعْمًا مِنْهُ أَنَّهُ شَرْطٌ لِغَيْرِ الْمُرَاهِقِ وَرَدَّهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ وَنَسَبَهُ إلَى الْوَهْمِ وَقِلَّةِ الْفَهْمِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ) وَعِبَارَتُهَا يَعْنِي وَقَدْ فَسَّرَا مَا بِهِ عَلِمَا بُلُوغَهُمَا وَلَيْسَ عَلَيْهِمَا يَمِينٌ اهـ قَالَ أَبُو السُّعُودِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِمَّا نَقَلَهُ الْحَمَوِيُّ عَنْ شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِقَبُولِ قَوْلِهِمَا أَنْ يُبَيِّنَا كَيْفِيَّةَ الْمُرَاهَقَةِ حِينَ السُّؤَالِ عَنْهُ اهـ. قُلْت: وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ فَتَاوَى النَّسَفِيِّ عَنْ الْقَاضِي مَحْمُودٍ السَّمَرْقَنْدِيِّ أَنَّ مُرَاهِقًا أَقَرَّ فِي مَجْلِسِهِ بِبُلُوغِهِ فَقَالَ بِمَاذَا بَلَغْتَ؟ قَالَ: بِاحْتِلَامٍ قَالَ: فَمَاذَا رَأَيْتَ بَعْدَمَا انْتَبَهْتَ؟ قَالَ: الْمَاءَ قَالَ: أَيُّ مَاءٍ؟ فَإِنَّ الْمَاءَ مُخْتَلِفٌ قَالَ: الْمَنِيُّ قَالَ: مَا الْمَنِيُّ؟ قَالَ: مَاءُ الرَّجُلِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الْوَلَدُ قَالَ: عَلَى مَاذَا احْتَلَمْتَ عَلَى ابْنٍ أَوْ بِنْتٍ أَوْ أَتَانٍ قَالَ: عَلَى ابْنٍ فَقَالَ الْقَاضِي: لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِقْصَاءِ فَقَدْ يُلَقَّنُ الْإِقْرَارَ بِالْبُلُوغِ كَذِبًا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: هَذَا مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ التَّفْسِيرِ وَكَذَا جَارِيَةٌ أَقَرَّتْ بِحَيْضٍ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ مَعَ التَّفْسِيرِ أَيْ تَفْسِيرِ مَا بَلَغَ بِهِ مِنْ احْتِلَامٍ أَوْ إحْبَالٍ فَقَطْ بِلَا هَذَا الِاسْتِقْصَاءِ. (قَوْلُهُ: لَا تَصِحُّ الْبَيِّنَةُ) صَوَابُهُ أَلْبَتَّةَ مِنْ الْبَتِّ وَهُوَ الْقَطْعُ كَمَا جَاءَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَقَدْ وُجِدَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ يَقُولُ: لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ. [كِتَابُ الْمَأْذُونِ] أَيْ الْإِذْنِ فَهُوَ مَصْدَرٌ كَمَعْسُورٍ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ صِفَةٌ لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ لِحَذْفِ الْمُضَافِ وَالصِّلَةِ فِي الْكَرْمَانِيِّ يُقَالُ مَأْذُونٌ لَهُ أَوْ لَهَا وَتَرْكُ الصِّلَةِ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَأَقَرَّهُ الْقُهُسْتَانِيُّ دُرٌّ مُنْتَقًى. وَتَقْدِيرُ الْمُضَافِ إذْنُ الْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَنْ الْأَفْعَالِ لَا عَنْ الذَّوَاتِ وَفِي الْمِصْبَاحِ أَنَّ الْفُقَهَاءَ يَحْذِفُونَ الصِّلَةَ لِفَهْمِ الْمَعْنَى، وَأَوْرَدَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يَقْتَضِي سَبْقَ الْحَجْرِ (قَوْلُهُ الْإِذْنُ لُغَةً الْإِعْلَامُ) تَبِعَ الزَّيْلَعِيَّ وَالنِّهَايَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 154 عَنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فِي غَيْرِ بَابِ التِّجَارَةِ ابْنُ كَمَالٍ (وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ) الْمُسْقِطُ هُوَ الْمَوْلَى لَوْ الْمَأْذُونُ رَقِيقًا وَالْوَلِيُّ لَوْ صَبِيًّا وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ هُوَ تَوْكِيلٌ وَإِنَابَةٌ (ثُمَّ يَتَصَرَّفُ) الْعَبْدُ (لِنَفْسِهِ بِأَهْلِيَّتِهِ فَلَا يَتَوَقَّتُ) بِوَقْتٍ وَلَا يَتَخَصَّصُ بِنَوْعٍ تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِهِ إسْقَاطًا (وَلَا يَرْجِعُ بِالْعُهْدَةِ عَلَى سَيِّدِهِ) لِفَكِّهِ الْحَجْرَ (فَلَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ) تَفْرِيعٌ عَلَى فَكِّ الْحَجْرِ (يَوْمًا) أَوْ شَهْرًا (صَارَ مَأْذُونًا مُطْلَقًا حَتَّى يُحْجَرَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَاتِ لَا تَتَوَقَّتُ (وَلَمْ يَتَخَصَّصْ بِنَوْعٍ فَإِذَا أَذِنَ فِي نَوْعٍ عَمَّ إذْنُهُ فِي الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا) لِأَنَّهُ فَكُّ الْحَجْرِ لَا تَوْكِيلٌ.   [رد المحتار] قَالَ الطُّورِيُّ: قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ: الْإِذْنُ هُوَ الْإِطْلَاقُ لُغَةً؛ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْحَجْرِ وَهُوَ الْمَنْعُ فَكَانَ إطْلَاقًا عَنْ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ اهـ. وَفِي النِّهَايَةِ: الْإِذْنُ فِي الشَّيْءِ رَفْعٌ لِمَنْ هُوَ مَحْجُورٌ عَنْهُ وَإِعْلَامٌ بِإِطْلَاقِهِ فِيمَا حُجِرَ عَلَيْهِ مِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الشَّيْءِ إذْنًا وَأَبْعَدَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ حَيْثُ قَالَ إنَّهُ الْإِعْلَامُ، وَمِنْهُ الْأَذَانُ وَهُوَ الْإِعْلَامُ،؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مِنْ أَذِنَ فِي كَذَا إذَا أَبَاحَهُ وَالْأَذَانُ مِنْ أَذِنَ بِكَذَا إذَا أَعْلَمَ اهـ وَفِي أَبِي السُّعُودِ: قَالَ قَاضِي زَادَهْ فِي التَّكْمِلَةِ: لَمْ أَرَ قَطُّ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ مَجِيءَ الْإِذْنِ بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ (قَوْلُهُ عَنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ لَفْظَةِ الْعَبْدِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ كَذَلِكَ ح (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ بَابِ التِّجَارَةِ) كَالتَّزَوُّجِ وَالتَّسَرِّي وَالْإِقْرَاضِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ) كَالتَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ فَكُّ الْحَجْرِ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَعْتُوهَ لَيْسَ فِيهِ إسْقَاطُ حَقٍّ سَعْدِيَّةٌ لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ يَعْنِي حَقَّ الْمَنْعِ لَا حَقَّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَعَ اخْتِصَاصِهِ بِإِذْنِ الْعَبْدِ غَيْرُ صَحِيحٍ،؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى لَا يَسْقُطُ بِالْإِذْنِ، وَلِذَلِكَ يَأْخُذُ مِنْ كَسْبِهِ جَبْرًا عَلَى مَا سَيَأْتِي اهـ (قَوْلُهُ هُوَ تَوْكِيلٌ وَإِنَابَةٌ) سَتَأْتِي ثَمَرَةُ الْخِلَافِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يَتَصَرَّفُ) عُطِفَ عَلَى الْمَعْنَى فَكَأَنَّهُ قَالَ: إذَا أَذِنَ الْمَوْلَى يَنْفَكُّ الْعَبْدُ مِنْ الْحَجْرِ، ثُمَّ يَتَصَرَّفُ إلَخْ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ الْعَبْدُ) إنَّمَا خَصَّ الْبَيَانُ بِهِ لِخَفَاءِ الْحَالِّ فِيهِ، وَإِلَّا فَالْحُكْمُ مُشْتَرَكٌ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ لِنَفْسِهِ) أَيْ لَا لِسَيِّدِهِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِجُمْلَتِهِ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى، فَإِذَا تَعَذَّرَ مِلْكُهُ لَمَّا تَصَرَّفَ فِيهِ يَخْلُفُهُ الْمَوْلَى فِي الْمِلْكِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ بِأَهْلِيَّتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ بَعْدَ الرِّقِّ،؛ لِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ كَلَامٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا لِصُدُورِهِ عَنْ تَمْيِيزٍ، وَمَحَلُّ التَّصَرُّفِ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ لِالْتِزَامِ الْحُقُوقِ وَهُمَا لَا يَفُوتَانِ بِالرِّقِّ،؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ كَرَامَاتِ الْبَشَرِ وَهُوَ بِالرِّقِّ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ بَشَرًا إلَّا أَنَّهُ حُجِرَ عَلَيْهِ عَنْ التَّصَرُّفِ لِحَقِّ الْمَوْلَى، كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ لِضَعْفِ ذِمَّتِهِ بِالرِّقِّ، حَتَّى لَا يَجِبَ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ إلَّا وَهُوَ شَاغِلٌ لِرَقَبَتِهِ، فَإِذَا أَذِنَ الْمَوْلَى فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فَكَانَ الْعَبْدُ مُتَصَرِّفًا بِأَهْلِيَّتِهِ الْأَصْلِيَّةِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَخَصَّصُ بِنَوْعٍ) أَيْ وَلَا بِمَكَانٍ قُهُسْتَانِيٌّ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة هَذَا إذَا صَادَفَ الْإِذْنُ عَبْدًا مَحْجُورًا، أَمَّا إذَا صَادَفَ عَبْدًا مَأْذُونًا يَتَخَصَّصُ، فَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا وَقَالَ: اشْتَرِ لِي بِهِ الطَّعَامَ فَاشْتَرَى الْعَبْدُ الرَّقِيقَ يَصِيرَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِهِ إسْقَاطًا) فَإِنَّ الْإِسْقَاطَاتِ لَا تَقْبَلُ التَّقْيِيدَ، كَمَا يَأْتِي كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ إسْقَاطًا لَمَا مَلَكَ نَهْيَهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ بِإِسْقَاطٍ فِي حَقِّ مَا لَمْ يُوجَدْ، فَيَكُونُ النَّهْيُ امْتِنَاعًا عَنْ الْإِسْقَاطِ فِيمَا لَمْ يُوجَدْ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يَرْجِعُ بِالْعُهْدَةِ) أَيْ بِحَقِّ التَّصَرُّفِ كَطَلَبِ الثَّمَنِ وَغَيْرِهِ، وَالْعُهْدَةُ فُعَّلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنْ عَهِدَهُ لَقِيَهُ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِفَكِّهِ الْحَجْرَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَا يَرْجِعُ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ فَكُّ الْحَجْرِ، وَجَعَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ تَفْرِيعًا عَلَى كَوْنِ تَصَرُّفِهِ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ تَفْرِيعٌ عَلَى فَكِّ الْحَجْرِ) فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى التَّفْرِيعِ، وَهُوَ قَوْلُهُ فَلَا يَتَوَقَّفُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَاتِ لَا تَتَوَقَّتُ) ؛ لِأَنَّهَا تَتَلَاشَى عِنْدَ وُقُوعِهَا (قَوْلُهُ فَإِذَا أَذِنَ فِي نَوْعِ إلَخْ) سَوَاءٌ سَكَتَ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ نَهَى بِطَرِيقِ الصَّرِيحِ نَحْوُ: أَنْ يَأْذَنَ فِي شِرَاءِ الْبَزِّ وَقَالَ لَا تَشْتَرِ غَيْرَهُ اهـ تَتَارْخَانِيَّةٌ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ فَكُّ الْحَجْرِ لَا تَوْكِيلٌ) أَعَادَهُ وَإِنْ مَرَّ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى ثَمَرَةِ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ فَافْهَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 155 ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِذْنَ بِالتَّصَرُّفِ النَّوْعِيِّ إذْنٌ بِالتِّجَارَةِ وَبِالشَّخْصِيِّ اسْتِخْدَامٌ (وَيَثْبُتُ) الْإِذْنُ (دَلَالَةً فَعَبْدٌ رَآهُ سَيِّدُهُ يَبِيعُ مِلْكَ أَجْنَبِيٍّ) فَلَوْ مِلْكَ مَوْلَاهُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَأْذَنَ بِالنُّطْقِ بَزَّازِيَّةٌ وَدُرَرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ التَّخْصِيصُ قَدْ لَا يَكُونُ مُفِيدًا إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِخْدَامَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ ذَلِكَ إذْنًا لَانْسَدَّ بَابُ الِاسْتِخْدَامِ لِإِفْضَائِهِ إلَى أَنَّ مَنْ أَمَرَ عَبْدَهُ بِشِرَاءِ بَقْلٍ بِفَلْسَيْنِ كَانَ مَأْذُونًا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِدُيُونٍ تَسْتَغْرِقُ رَقَبَتَهُ وَيُؤْخَذُ بِهَا فِي الْحَالِ، فَلَا يَتَجَرَّأُ أَحَدٌ عَلَى اسْتِخْدَامِ عَبْدِهِ فِيمَا اشْتَدَّ لَهُ حَاجَتُهُ،؛ لِأَنَّ غَالِبَ اسْتِعْمَالِ الْعَبِيدِ فِي شِرَاءِ الْأَشْيَاءِ الْحَقِيرَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ حَدٍّ فَاصِلٍ بَيْنَ الِاسْتِخْدَامِ وَالْإِذْنِ بِالتِّجَارَةِ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَذِنَ بِتَصَرُّفٍ مُكَرَّرٍ صَرِيحًا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: اشْتَرِ لِي ثَوْبًا وَبِعْهُ أَوْ قَالَ: بِعْ هَذَا الثَّوْبَ وَاشْتَرِ بِثَمَنِهِ، أَوْ دَلَالَةً كَأَدِّ إلَيَّ الْغَلَّةَ كُلَّ شَهْرٍ أَوْ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ، فَإِنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ الْمَالَ، وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالتَّكَسُّبِ وَهُوَ دَلَالَةُ التَّكْرَارِ وَلَوْ قَالَ: أَقْعِدْ صَبَّاغًا أَوْ قَصَّارًا،؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ بِشِرَاءِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ دَلَالَةً، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْأَنْوَاعِ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْعَمَلِ الْمَذْكُورِ كَانَ ذَلِكَ إذْنًا، وَإِنْ أَذِنَ بِتَصَرُّفٍ غَيْرِ مُكَرَّرٍ كَطَعَامِ أَهْلِهِ وَكِسْوَتِهِمْ لَا يَكُونُ إذْنًا كَمَا قَرَّرْنَاهُ. وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ صَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. فَإِنْ قُلْت: يُنْتَقَضُ هَذَا الْأَصْلُ بِمَا إذَا غَصَبَ الْعَبْدُ مَتَاعًا، وَأَمَرَهُ مَوْلَاهُ بِبَيْعِهِ فَإِنَّهُ إذْنٌ فِي التِّجَارَةِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ بِعَقْدٍ مُكَرَّرٍ. قُلْت: أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْعَقْدِ الْمُكَرَّرِ دَلَالَةً، وَذَلِكَ لِأَنَّ تَخْصِيصَهُ بِبَيْعِ الْمَغْصُوبِ بَاطِلٌ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ؛ وَالْإِذْنُ قَدْ صَدَرَ مِنْهُ صَرِيحًا فَإِذَا بَطَلَ التَّقْيِيدُ ظَهَرَ الْإِطْلَاقُ اهـ وَكَلَامُ الْهِدَايَةِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْفَاصِلَ هُوَ التَّصَرُّفُ النَّوْعِيُّ وَالشَّخْصِيُّ وَالْإِذْنُ بِالْأَوَّلِ إذْنٌ دُونَ الثَّانِي فَتَأَمَّلْ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَكَلَامُ الْوِقَايَةِ يُفِيدُهُ اهـ (قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ الْإِذْنُ دَلَالَةً إلَخْ) فِي الْحَقَائِقِ إنَّمَا يُجْعَلُ سُكُوتُ الْمَوْلَى إذْنًا إذَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ مَا يُوجِبُ نَفْيَ الْإِذْنِ حَالَةَ السُّكُوتِ كَقَوْلِهِ: إذَا رَأَيْتُمْ عَبْدِي يَتَّجِرُ فَسَكَتَ، فَلَا إذْنَ لَهُ بِالتِّجَارَةِ، ثُمَّ رَآهُ يَتَّجِرُ فَسَكَتَ لَا يَصِيرُ مَأْذُونًا اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ فَعَبْدٌ رَآهُ سَيِّدُهُ إلَخْ) عَبْدٌ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَأْذُونٌ، وَسَاغَ الِابْتِدَاءُ بِهِ لِوُقُوعِهِ مَوْصُوفًا وَأَفَادَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهُ إذَا رَأَى أَجْنَبِيًّا يَبِيعُ مَالَهُ وَسَكَتَ، فَإِنَّ سُكُوتَهُ لَا يَكُونُ إذْنًا لَهُ، وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ وَصَاحِبُهُ يَنْظُرُ وَهُوَ سَاكِتٌ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالضَّمَانِ اهـ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَلْيَنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِ الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ فِي الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ وَلَوْ شَقَّ زِقَّ غَيْرِهِ فَسَالَ مَا فِيهِ وَهُوَ سَاكِتٌ فَإِنَّهُ يَكُونُ رِضًا. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا هُنَا عَلَى الْإِتْلَافِ الْغَيْرِ الْمُمْكِنِ تَدَارُكُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ بَزَّازِيَّةٌ) عِبَارَتُهَا وَإِنْ رَآهُ يَشْتَرِي وَيَبِيعُ فَسَكَتَ فَأَذِنَ إلَّا أَنْ يَنْهَاهُ وَلَكِنَّهُ فِيمَا بَاعَ مِنْ مَالِ مَوْلَاهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ بِالنُّطْقِ اهـ (قَوْلُهُ وَدُرَرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ) فِي عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ اضْطِرَابٌ، فَإِنَّهُ قَالَ أَوَّلَ الْبَابِ: رَأَى الْمَوْلَى عَبْدَهُ يَبِيعُ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ الْمَالِكِ، فَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ إذْنًا، وَقَالَ بَعْدَ أَسْطُرٍ وَلَوْ رَآهُ فِي حَانُوتِهِ فَسَكَتَ حَتَّى بَاعَ مَتَاعًا كَثِيرًا كَانَ إذْنًا، وَلَا يَنْفُذُ عَلَى الْمَوْلَى بَيْعُ الْعَبْدِ ذَلِكَ الْمَتَاعَ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا دَفَعَ إلَى عَبْدِ رَجُلٍ مَتَاعًا لِيَبِيعَهُ فَبَاعَ فَرَآهُ الْمَوْلَى وَلَمْ يَنْهَهُ كَانَ إذْنًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ الْبَيْعُ عَلَى صَاحِبِ الْمَتَاعِ اهـ حَمَوِيٌّ. أَقُولُ: لَا اضْطِرَابَ فِي كَلَامِهِ، فَإِنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ إذْنًا فِي ذَلِكَ الْبَيْعِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ، فَلَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ صَارَ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ بَعْدَهُ كَمَا فَسَّرَهُ كَلَامُهُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ، وَإِنَّمَا نَفَذَ الْبَيْعُ فِي مَتَاعِ الْأَجْنَبِيِّ لِإِذْنِهِ أَيْ الْأَجْنَبِيِّ فِيهِ وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا مَا فِي شَرْحِ الْبِيرِيِّ عَنْ الْبَدَائِعِ: رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ صَارَ مَأْذُونًا عِنْدَنَا إلَّا فِي الْبَيْعِ الَّذِي صَادَفَهُ السُّكُوتُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ الطُّورِيَّ وُفِّقَ كَذَلِكَ مُسْتَدِلًّا بِعِبَارَةِ الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا، وَاعْتَرَضَ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ قَالَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 156 لَكِنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِالتَّسْوِيَةِ ابْنُ الْكَمَالِ وَصَاحِبُ الْمُلْتَقَى وَرَجَّحَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِأَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ أَوْلَى بِمَا فِي كُتُبِ الْفَتَاوَى فَلْيُحْفَظْ (وَيَشْتَرِي) مَا أَرَادَ (وَسَكَتَ) السَّيِّدُ (مَأْذُونٌ) خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَوْلَى قَاضِيًا أَشْبَاهٌ وَلَكِنْ (لَا) يَكُونُ مَأْذُونًا (فِي) بَيْعِ (ذَلِكَ الشَّيْءِ) أَوْ شِرَائِهِ فَلَا يَنْفُذُ عَلَى الْمَوْلَى بَيْعُ ذَلِكَ الْمَتَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ   [رد المحتار] وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَ عَيْنًا مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى أَوْ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَيْعًا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا هَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ: إذَا رَأَى عَبْدًا يَبِيعُ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ الْمَالِكِ فَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ إذْنًا اهـ فَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ أَنَّهُ فَهِمَ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ كَلَامِ الْهِدَايَةِ وَالْخَانِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَيْفَ يَجُوزُ حَمْلُ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ اهـ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَمْ يَجُزْ حَتَّى يَأْذَنَ بِالنُّطْقِ مَعْنَاهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ الْبَيْعُ بِخُصُوصِهِ عَلَى الْمَوْلَى، وَإِنْ صَارَ الْعَبْدُ بِهِ مَأْذُونًا، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ لَمْ يَكُنْ إذْنًا لَهُ كَمَا فَهِمَهُ الْمُحَشِّي وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي كَوْنِهِ مَأْذُونًا بَيْنَ كُلِّ الْمَبِيعِ مِلْكًا لِلْمَوْلَى أَوْ لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا الْفَرْقُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ الْبَيْعِ الَّذِي صَادَفَهُ السُّكُوتُ، فَإِنْ كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ وَإِنْ لِلْمَوْلَى فَلَا إلَّا بِالنُّطْقِ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَإِنَّهُ مِنْ مَزَالِّ أَقْدَامِ الْأَفْهَامِ (قَوْلُهُ لَكِنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ) أَيْ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ كَمَا سَمِعْت عِبَارَتَهُ وَالِاسْتِدْرَاكُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فَهِمَهُ كَغَيْرِهِ مِنْ مُخَالَفَةِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ فِي أَنَّهُ يَصِيرُ مَأْذُونًا بَعْدَ السُّكُوتِ مُطْلَقًا. وَإِنَّمَا أَفَادَ فِي الْخَانِيَّةِ شَيْئًا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ الْبَيْعُ بِخُصُوصِهِ أَوْ مِلْكًا لِلْمَوْلَى وَإِلَّا جَازَ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ) أَيْ رَجَّحَ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَابْنُ الْكَمَالِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ مَالِ الْمَوْلَى وَغَيْرِهِ. وَنَقَلَ بَعْدَهُ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ أَثَرَ الْإِذْنِ يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، لَا فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ وَغَابَ عَنْهُ أَنَّهُ مُرَادُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ وَعَلَى مَا مَرَّ، فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَبَيْنَ مَا فِي الْفَتَاوَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ وَيَشْتَرِي مَا أَرَادَ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ بِقَرِينَةِ قَوْلِ الشَّارِحِ بَعْدَ أَوْ شِرَائِهِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْمِيمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشِّرَاءِ مَا يَعُمُّ أَنْوَاعَ الْمُشْتَرَى وَلَوْ مُحَرَّمًا وَلِذَلِكَ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَيَشْتَرِي وَلَوْ كَانَ خَمْرًا ط (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ الْمَوْلَى قَاضِيًا) قَالَ الْحَمَوِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: وَقَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي الرَّمْزِ: ظَهَرَ لِي فِي تَوْجِيهِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ مِمَّنْ لَا يُبَاشِرُ الْأَعْمَالَ بِنَفْسِهِ، فَلَا يَدُلُّ مَعَ تَكْرَارِ الْأَعْمَالِ مِنْ عَبْدِهِ عَلَى إذْنِهِ لِقُوَّةِ احْتِمَالِ التَّوْكِيلِ اهـ فَأَفَادَ هَذَا التَّعْلِيلُ أَنَّ الْقَاضِيَ ذُكِرَ لِلتَّمْثِيلِ فَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مَنْ لَا يُبَاشِرُ الْأَعْمَالَ بِنَفْسِهِ. وَقَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ أَقُولُ: لَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الظَّهِيرِيَّةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَذَكَرَهَا قَاضِي خَانْ لَا عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ فَقَالَ الْقَاضِي: إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ إذْنًا اهـ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ إطْلَاقَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى قَاضِيًا أَوْ لَا، وَأَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى اهـ وَأَقَرَّهُ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ. وَأَقُولُ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ الَّذِي صَادَفَهُ السُّكُوتُ، كَمَا أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ كَلَامِهِ الْمَارِّ كَمَا عَلِمْت فَيَكُونُ مَأْذُونًا بَعْدَهُ وَعَلَيْهِ فَلَا اسْتِثْنَاءَ وَمَا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيَّ يَصْلُحُ وَجْهًا لِتَنْصِيصِهِ عَلَى الْقَاضِي، مَعَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ السَّابِقِ، يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ عَبْدِ الْقَاضِي كَغَيْرِهِ وَإِنْ قَوِيَ احْتِمَالُ كَوْنِهِ وَكِيلًا عَنْهُ، فَلَا يُنَافِي إطْلَاقَ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا فَعَلَ فِي الْأَشْبَاهِ: ثُمَّ رَأَيْت الطُّورِيَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ وَفَهِمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ أَنَّ سُكُوتَ الْقَاضِي لَا يَكُونُ إذْنًا بِخِلَافِ سُكُوتِ الْمَوْلَى كَمَا فَهِمَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا الْفَهْمَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ كَفَهْمِ الزَّيْلَعِيِّ الْمَارِّ وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَاهُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لَا فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ) فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا بَاعَ مِلْكَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 157 أَنْ يَصِيرَ مَأْذُونًا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مَأْذُونًا وَهُوَ بَاطِنٌ. قُلْت: لَكِنْ قَيَّدَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ مَعْزِيًّا لِلذَّخِيرَةِ بِالْبَيْعِ دُونَ الشِّرَاءِ مِنْ مَالِ مَوْلَاهُ. أَيْ فَيَصِحُّ فِيهِ أَيْضًا وَعَلَيْهِ فَيُفْتَقَرُ إلَى الْفَرْقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ. (وَ) يَثْبُتُ (صَرِيحًا فَلَوْ أَذِنَ مُطْلَقًا) بِلَا قَيْدٍ (صَحَّ كُلُّ تِجَارَةٍ مِنْهُ إجْمَاعًا) أَمَّا لَوْ قَيَّدَ فَعِنْدَنَا يَعُمُّ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (فَيَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَلَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ) خِلَافًا لَهُمَا   [رد المحتار] الْأَجْنَبِيِّ، وَحِينَئِذٍ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ سُكُوتُ السَّيِّدِ إذْنًا فِي بَيْعِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، حَتَّى يَصِحَّ نَفْيُهُ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: فَلَا يَنْفُذُ عَلَى الْمَوْلَى بَيْعُ ذَلِكَ الْمَتَاعِ، لَكِنَّهُ شَرْحٌ لَا يُطَابِقُ الْمَشْرُوحَ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُبْرِزَهُ فِي قَالِبِ الِاعْتِرَاضِ ح. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ عَدَمَ كَوْنِهِ مَأْذُونًا فِي بَيْعِ ذَلِكَ الشَّيْءِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَوْ بَاعَ مِلْكَ الْمَوْلَى أَمَّا لَوْ بَاعَ مِلْكَ الْأَجْنَبِيِّ بِإِذْنِهِ نَفَذَ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَنَفَاذُهُ لَا بِسُكُوتِ الْمَوْلَى بَلْ بِأَمْرِ صَاحِبِ الْمَتَاعِ وَهَلْ الْعُهْدَةُ عَلَى الْعَبْدِ، أَوْ عَلَى صَاحِبِ الْمَتَاعِ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ ذَخِيرَةٌ وتتارخانية لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ السِّرَاجِ يُفِيدُ عَدَمَ الْفَرْقِ، فَإِنَّهُ قَالَ وَلَوْ رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ وَلَمْ يَنْهَهُ صَارَ مَأْذُونًا، وَلَا يَجُوزُ هَذَا التَّصَرُّفُ الَّذِي شَاهَدَهُ الْمَوْلَى إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ بِالْقَوْلِ، سَوَاءٌ كَانَ مَا بَاعَهُ لِلْمَوْلَى أَوْ لِغَيْرِهِ وَيَصِيرُ مَأْذُونًا فِيمَا يَتَصَرَّفُ بَعْدَ هَذَا اهـ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ التَّعْمِيمُ إلَى قَوْلِهِ صَارَ مَأْذُونًا أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِ الْأَجْنَبِيِّ وَهُوَ الْأَقْرَبُ فَلَا يُنَافِي مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مَأْذُونًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْإِذْنُ إلَّا إذَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بِحَضْرَتِهِ لَا قَبْلَهُ فَبِالضَّرُورَةِ يَكُونُ ذَلِكَ الْبَيْعُ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ فَلَا يَنْفُذُ (قَوْلُهُ وَهُوَ بَاطِلٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَقَدُّمُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ (قَوْلُهُ مَعْزِيًّا لِلذَّخِيرَةِ) نَصُّ عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ هَكَذَا، وَإِذَا رَأَى عَبْدَهُ يَشْتَرِي بِمَالِهِ يَعْنِي بِمَالِ الْمَوْلَى فَلَمْ يَنْهَهُ فَهَذَا مِنْ الْمَوْلَى إذْنٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَمَا اشْتَرَاهُ فَهُوَ لَازِمٌ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَرِدَّ مَالَهُ ثُمَّ إذَا اسْتَرَدَّ الْمَوْلَى مَالَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ لَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ مَالُهُ عَرَضًا أَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ مَالِ مَوْلَاهُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِمَالِ بِالْبَاءِ بَدَلٍ مِنْ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ فَيَفْتَقِرُ إلَى الْفَرْقِ) الْأَوْلَى حَذْفُ الْفَاءِ ط وَلَعَلَّ الْفَرْقَ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْفُضُولِيِّ مِنْ أَنَّ الشِّرَاءَ أَسْرَعُ نَفَاذًا فَتَأَمَّلْ ح. قُلْت: وَفِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ فِي صُورَةِ الشِّرَاءِ يَنْفُذُ عَلَى الْمَوْلَى لِدُخُولِ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِهِ وَفِي صُورَةِ الْبَيْعِ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ لِزَوَالِ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِهِ اهـ وَنَقَلَ مِثْلَهُ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْبَدَائِعِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ فِي كُلٍّ إدْخَالًا وَإِخْرَاجًا. أَقُولُ: إنْ كَانَ الثَّمَنُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ لَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، بَلْ تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَلِذَا لَوْ اسْتَرَدَّ الْمَوْلَى لَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمَا فَيُشْكِلُ،؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مُقَايَضَةٍ وَالثَّمَنُ فِيهَا مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ الْمَوْلَى، وَقَدْ مَرَّ غَيْرُ مَرَّةٍ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مَأْذُونًا بَعْدَهُ وَجَوَابُهُ: أَنَّ اللَّازِمَ مَا اشْتَرَاهُ الْعَبْدُ، وَأَمَّا مَا دَفَعَهُ مِنْ مِلْكِ الْمَوْلَى فَلَمْ يَنْفُذْ عَلَى الْمَوْلَى، وَلِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ فَإِذَا أَجَازَ مَا صَنَعَ الْعَبْدُ وَلَمْ يَسْتَرِدَّهُ نَفَذَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَصَارَ مَأْذُونًا فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالسَّابِقَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ بِلَا قَيْدٍ) بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ بِأَنْ قَالَ لَهُ أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، وَلَا بِنَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ صَحَّ كُلُّ تِجَارَةٍ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ أَمَّا لَوْ قَيَّدَ) أَيْ بِنَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ أَوْ بِوَقْتٍ أَوْ بِمُعَامَلَةِ شَخْصٍ زَيْلَعِيٌّ، أَوْ بِمَكَانٍ كَمَا مَرَّ وَأَمَّا لَوْ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ لَا يَكُونُ مَأْذُونًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْدَامٌ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) أَيْ وَلِزُفَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَوْكِيلٌ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَنَا إسْقَاطٌ ط كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا نَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ أَوْ أَطْلَقَ لَهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) وَعَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 158 (وَيُوَكَّلُ بِهِمَا وَيَرْهَنُ وَيَرْتَهِنُ وَيُعِيرُ الثَّوْبَ وَالدَّابَّةَ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ (وَيُصَالِحُ عَنْ قِصَاصٍ وَجَبَ عَلَى عَبْدِهِ وَيَبِيعُ مِنْ مَوْلَاهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَ) أَمَّا (بِأَقَلَّ) مِنْهَا فَ (لَا وَ) يَبِيعُ (مَوْلَاهُ مِنْهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ وَلِلْمَوْلَى حَبْسُ الْمَبِيعِ لِقَبْضِ ثَمَنِهِ) مِنْ الْعَبْدِ (وَيَبْطُلُ الثَّمَنُ) خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ شَارِحُ الْمَجْمَعِ مَعْزِيًّا لِلْمُحِيطِ (لَوْ سَلَّمَ) الْمَبِيعَ (قَبْلَ قَبْضِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ فَخَرَجَ مَجَّانًا حَتَّى لَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا لَمْ يَبْطُلْ لِتَعَيُّنِهِ بِالْعَقْدِ، وَهَذَا كُلُّهُ لَوْ الْمَأْذُونُ مَدْيُونًا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ نِهَايَةٌ (وَلَوْ بَاعَ الْمَوْلَى مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ حَطَّ الزَّائِدَ أَوْ فَسْخَ الْعَقْدَ) أَيْ يُؤْمَرُ السَّيِّدُ بِأَنْ يَفْعَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا   [رد المحتار] هَذَا الْخِلَافِ بَيْعُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ الْمَأْذُونِ لَهُمَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَيُوَكَّلُ بِهِمَا) أَيْ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ زَادَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى، وَيُسَلِّمُ وَيَقْبَلُ السَّلَمَ وَفِي التَّبْيِينِ وَلَهُ الْمُضَارَبَةُ أَخْذًا وَدَفْعًا (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ) يَصْلُحُ عِلَّةً لِلْجَمِيعِ حَتَّى لِلْغَبْنِ الْفَاحِشِ، فَإِنَّهُ مِنْ صَنِيعِهِمْ اسْتِجْلَابًا لِلْقُلُوبِ وَيَبِيعُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فِي صَفْقَةٍ، وَيَرْبَحُ فِي أُخْرَى كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَفِيهِ لَوْ مَرِضَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ وَحَابَى فِيهِ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَإِنْ كَانَ فَمِنْ جَمِيعِ مَا بَقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ فِي الْحُرِّ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَلَا وَارِثَ لِلْعَبْدِ وَالْمَوْلَى رَضِيَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ بِالْإِذْنِ، بِخِلَافِ الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي أَدِّ جَمِيعَ الْمُحَابَاةِ وَإِلَّا فَرُدَّ الْمَبِيعَ كَمَا فِي الْحُرِّ وَهَذَا لَوْ الْمَوْلَى صَحِيحًا، وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ مُحَابَاةُ الْعَبْدِ إلَّا مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَوْلَى،؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِاسْتِدَامَةِ الْإِذْنِ بَعْدَمَا مَرِضَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فَصَارَ تَصَرُّفُهُ كَتَصَرُّفِهِ وَالْفَاحِشُ مِنْ الْمُحَابَاة وَغَيْرِ الْفَاحِشِ فِيهِ سَوَاءٌ فَلَا يَنْفُذُ الْكُلُّ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَيُصَالِحُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِبَدَلِ الصُّلْحِ وَلَهُ الشِّرَاءُ ط (قَوْلُهُ فَلَا) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تُهْمَةً فَلَا يَجُوزُ هَذَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ،؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ، وَقَالَا يَجُوزُ وَلَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، وَلَكِنْ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ أَنْ يُزِيلَ الْغَبْنَ أَوْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَصْلًا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ عَلَى أَصْلِهِمَا لَا تَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَهُوَ آذِنٌ فِيمَا يَشْتَرِيهِ بِنَفْسِهِ غَيْرَ أَنَّ إزَالَةَ الْمُحَابَاةِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ. وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ قِيلَ يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَالْأَصَحُّ أَنْ قَوْلَهُ كَقَوْلِهِمَا فَصَارَ تَصَرُّفُهُ مَعَ مَوْلَاهُ كَتَصَرُّفِ الْمَرِيضِ الْمَدْيُونِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ، وَالْغَبْنُ الْفَاحِشُ وَالْيَسِيرُ سَوَاءٌ عِنْدَهُ كَقَوْلِهِمَا زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ الثَّمَنُ) وَإِذَا بَطَلَ الثَّمَنُ صَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ بِغَيْرِ ثَمَنٍ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَمُرَادُهُ بِبُطْلَانِ الثَّمَنِ بُطْلَانُ تَسْلِيمِهِ وَالْمُطَالَبَةُ بِهِ وَلِلْمَوْلَى اسْتِرْجَاعُ الْمَبِيعِ جَوْهَرَةٌ، لَكِنْ فِي التَّبْيِينِ بَعْدَمَا ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُ الْعَبْدَ بِشَيْءٍ،؛ لِأَنَّهُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ سَقَطَ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ وَإِنْ عِنْدَهُمَا تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِعَيْنِهِ فَكَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ إلَى أَنْ قَالَ: هَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ إنْ كَانَ قَائِمًا وَيَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ اهـ. وَكَذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ بُطْلَانُ الثَّمَنِ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ هَذَا: إذَا اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ الْمَبِيعَ فَلَوْ قَائِمًا فَلِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَرِدَّهُ إلَخْ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ شَارِحُ الْمَجْمَعِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ الثَّمَنُ وَإِنْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ الْبَيْعَ وَيَتَأَخَّرَ وُجُوبُ الثَّمَنِ دَيْنًا كَمَا تَأَخَّرَ فِي الْمَبِيعِ بِالْخِيَارِ إلَى وَقْتِ سُقُوطِهِ. قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ: هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ كَلَامُ شَارِحِ الْمَجْمَعِ. وَرَأَيْت بِهَامِشِهِ مَا نَصُّهُ: فِيهِ نَظَرٌ،؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمُحِيطِ إنَّمَا حَكَمَ بِصِحَّةِ الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْبَيْعِ مِنْ الْعَبْدِ لَا بِعَدَمِ سُقُوطِ الثَّمَنِ عَنْهُ عَلَى تَقْدِيرِ بَيْعِ مَوْلَاهُ مِنْهُ كَمَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ ح (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ دَيْنٌ، وَبَيَانٌ لِمَفْهُومِهِ،؛ لِأَنَّ الْعَرَضَ لَمَّا تَعَيَّنَ بِالْعَقْدِ مَلَكَهُ بِعَيْنِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَيْنُ مِلْكِهِ فِي يَدِ عَبْدِهِ وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا كُلُّهُ) أَيْ بَيْعُ الْعَبْدِ مِنْ مَوْلَاهُ وَعَكْسُهُ بِالْقِيمَةِ أَوَّلًا (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ) لِعَدَمِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 159 لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ (فِيمَا كَانَ مِنْ التِّجَارَةِ وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بِحَقٍّ مَا (وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ مَوْلَاهُ) وَلَوْ مَحْجُورًا لَا تُقْبَلُ يَعْنِي لَا تُقْبَلُ عَلَى مَوْلَاهُ بَلْ عَلَيْهِ فَيُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَوْ حَضَرَا مَعًا فَإِنَّ الدَّعْوَى بِاسْتِهْلَاكِ مَالٍ أَوْ غَصْبِهِ قَضَى عَلَى الْمَوْلَى وَإِنْ بِاسْتِهْلَاكِ وَدِيعَةٍ أَوْ بِضَاعَةٍ عَلَى الْمَحْجُورِ تُسْمَعُ عَلَى الْعَبْدِ. وَقِيلَ عَلَى الْمَوْلَى وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْعَبْدِ بِحَقٍّ لَمْ يَقْضِ عَلَى الْمَوْلَى مُطْلَقًا وَتَمَامُهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ (وَيَأْخُذُ الْأَرْضَ إجَارَةً وَمُسَاقَاةً وَمُزَارَعَةً وَيَشْتَرِي بَذْرًا يَزْرَعُهُ) وَيُؤَاجِرُ وَيُزَارِعُ (وَيُشَارِكُ عِنَانًا) لَا مُفَاوَضَةً   [رد المحتار] الْفَائِدَةِ،؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مَالُ الْمَوْلَى وَلَا حَقَّ فِيهِ لِغَيْرِهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فِيمَا كَانَ مِنْ التِّجَارَةِ) لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ وَقَالَ ط: لَمْ أَرَ مَفْهُومَ التَّقْيِيدِ بِهِ، وَلَعَلَّهُ يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ الْمَبِيعِ إذَا كَانَ لِلْأَكْلِ أَوْ لِلُّبْسِ فَإِنَّهُ لَا فَسْخَ فِيهِ وَحَرِّرْهُ اهـ (قَوْلُهُ بِحَقٍّ مَا) كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَشِرَاءٍ أَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِغَصْبٍ أَوْ اسْتِهْلَاكٍ وَدِيعَةٍ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ عِمَادِيَّةٌ. أَيْ وَيُؤَاخَذُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَالِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ يَعْنِي لَا تُقْبَلُ عَلَى مَوْلَاهُ) حَتَّى لَا يُخَاطَبَ الْمَوْلَى بِبَيْعِ الْعَبْدِ عِمَادِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَضَرَا) أَيْ الْمَوْلَى وَالْمَحْجُورُ (قَوْلُهُ قُضِيَ عَلَى الْمَوْلَى) فَيُخَاطَبُ بِبَيْعِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَحْجُورِ) مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِيهِ (قَوْلُهُ تُسْمَعُ عَلَى الْعَبْدِ) أَيْ فَيُؤَاخَذُ بَعْدَ عِتْقِهِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ عَلَى الْمَوْلَى) قَائِلُهُ أَبُو يُوسُفَ وَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمَا كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ لَكِنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَحَضَرَهُ الْمَوْلَى شَرْطٌ إلَّا عِنْدَ الثَّانِي (قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْعَبْدِ) أَيْ الْمَحْجُورِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِالْمُضْمَرِ مَكَانَ الْمُظْهَرِ أَمَّا إقْرَارُ الْمَأْذُونِ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا تُقْبَلُ عَلَى الْمَوْلَى وَسَيَأْتِي لَهُ تَتِمَّةٌ (قَوْلُهُ لَمْ يَقْضِ عَلَى الْمَوْلَى) أَيْ بَلْ يُؤَخَّرُ إلَى عِتْقِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ أَوَّلَ كِتَابِ الْحَجْرِ لَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِمَالٍ أُخِّرَ إلَى عِتْقِهِ لَوْ لِغَيْرِ مَوْلَاهُ، وَلَوْ لَهُ هَدْرٌ وَبِحَدٍّ وَقَوَدٍ أُقِيمَ فِي الْحَالِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَالْمَحْجُورُ يُؤَاخَذُ بِأَفْعَالِهِ لَا بِأَقْوَالِهِ إلَّا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِهِ كَالْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ. وَحَضْرَةُ الْمَوْلَى لَا تُشْتَرَطُ، وَلَوْ أَتْلَفَ مَالًا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ، أَمَّا الْإِقْرَارُ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الدَّفْعَ أَوْ الْفِدَاءَ لَا يَصِحُّ مَحْجُورًا أَوْ مَأْذُونًا، وَإِقْرَارُ الْمَحْجُورِ بِالدَّيْنِ وَالْغَصْبِ وَعَيْنِ مَالٍ لَا يَصِحُّ وَفِي الْمَأْذُونِ يَصِحُّ وَيُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ وَلَوْ أَقَرَّ الْمَأْذُونُ بِمَهْرِ امْرَأَتِهِ أَوْ صَدَقَةٍ يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا عِمَادِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَمُزَارَعَةً) فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيَأْخُذُهَا مُزَارَعَةً وَيَدْفَعُهَا مُطْلَقًا كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُ أَوْ لَا اهـ. وَهِيَ فِي الْمَعْنَى إيجَارٌ أَوْ اسْتِئْجَارٌ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهَا فَكَانَتْ مِنْ التِّجَارَةِ (قَوْلُهُ وَيُؤَاجِرُ وَيُزَارِعُ) يَعْنِي لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْأَرْضَ إجَارَةً وَمُزَارَعَةً (قَوْلُهُ وَيُشَارِكُ عِنَانًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ شَرِكَةُ الْعِنَانِ إنَّمَا تَصِحُّ مِنْهُ إذَا اشْتَرَكَ مُطْلَقًا عَنْ ذِكْرِ الشِّرَاءِ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ، أَمَّا لَوْ اشْتَرَكَ الْعَبْدَانِ الْمَأْذُونَانِ شَرِكَةَ عِنَانٍ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ بَيْنَهُمَا لَمْ يَجُزْ مِنْ ذَلِكَ النَّسِيئَةُ، وَجَازَ النَّقْدُ،؛ لِأَنَّ فِي النَّسِيئَةِ مَعْنَى الْكَفَالَةِ عَنْ صَاحِبِهِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُمَا الْمَوْلَيَانِ فِي الشَّرِكَةِ عَلَى الشِّرَاءِ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِمَا فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا لَوْ أَذِنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْلَاهُ بِالْكَفَالَةِ أَوْ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِالنَّسِيئَةِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَإِذَا أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى بِشَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ، فَلَا تَجُوزُ الْمُفَاوَضَةُ؛ لِأَنَّ إذْنَ الْمَوْلَى بِالْكَفَالَةِ لَا يَجُوزُ فِي التِّجَارَاتِ كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. أَقُولُ: يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الذَّخِيرَةِ آخِرًا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَأْذُونُ مَدْيُونًا ح (قَوْلُهُ لَا مُفَاوَضَةً) لِعَدَمِ مِلْكِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 160 وَيَسْتَأْجِرُ وَيُؤَجِّرُ وَلَوْ نَفْسَهُ وَيُقِرُّ بِوَدِيعَةٍ وَغَصْبٍ وَدَيْنٍ وَلَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ (لِغَيْرِ زَوْجٍ وَوَلَدٍ وَوَالِدٍ) وَسَيِّدٍ فَإِنَّ إقْرَارَهُ لَهُمْ بِالدَّيْنِ بَاطِلٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا دُرَرٌ وَلَوْ بِعَيْنٍ صَحَّ إنْ لَمْ يَكُنْ مَدْيُونًا وَهْبَانِيَّةٌ (وَيُهْدِي طَعَامًا يَسِيرًا)   [رد المحتار] الْكَفَالَةَ فَمُفَاوَضَتُهُ تَنْقَلِبُ عِنَانًا بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَيَسْتَأْجِرُ وَيُؤَجِّرُ) أَيْ يَسْتَأْجِرُ أُجَرَاءَ. وَيُؤَجِّرُ غِلْمَانَهُ وَيَسْتَأْجِرُ الْبُيُوتَ وَالْحَوَانِيتَ، وَيُؤَجِّرُهَا لِمَا فِيهَا مِنْ تَحْصِيلِ الْمَالِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَفْسَهُ) أَتَى بِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَيُقِرُّ بِوَدِيعَةٍ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لَمْ يُعَامِلْهُ أَحَدٌ زَيْلَعِيٌّ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْمَأْذُونَ بِالتِّجَارَةِ مَأْذُونٌ بِأَخْذِ الْوَدِيعَةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ فِي وَدِيعَةِ الْحَقَائِقِ خِلَافُهُ قُهُسْتَانِيٌّ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا أَقَرَّ لِلْمَوْلَى أَوْ لِغَيْرِهِ، وَمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا وَمَا إذَا كَانَ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ صِحَّةِ مَوْلَاهُ أَوْ مَرَضِهِ وَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِذَا أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ بِدَيْنٍ أَوْ بِعَيْنٍ لِرَجُلٍ جَازَ بِقَدْرِ مَا فِي يَدِهِ فَقَطْ اهـ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ يَجُوزُ إلَّا فِيمَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى مِنْهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ) أَيْ إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ فِي صِحَّتِهِ فَلَوْ فِي الْمَرَضِ قَدَّمَ غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ كَمَا فِي حَقِّ الْحُرِّ. فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ مِنْ دُيُونِهِ وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهِ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى أَوْ لَا وَمَا لَا يَكُونُ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ لَا يُصَدَّقُ فِيهِ إلَّا بِتَصْدِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ كَالْمَحْجُورِ زَيْلَعِيٌّ وَالْأَوَّلُ يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ، وَالثَّانِي بَعْدَ الْعِتْقِ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ. وَمِثَالُ الثَّانِي: إقْرَارُهُ بِمَهْرِ امْرَأَتِهِ أَوْ بِجِنَايَةٍ كَمَا مَرَّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِي الطُّورِيِّ عَنْ الْمَبْسُوطِ: لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ فِي مَرَضِ مَوْلَاهُ فَعَلَى أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمَوْلَى دَيْنُ الصِّحَّةِ جُعِلَ كَأَنَّ الْمَوْلَى أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ وَيَبْدَأُ بِدَيْنِ الصِّحَّةِ. الثَّانِي: عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ وَلَا دَيْنَ عَلَى الْمَوْلَى فِي صِحَّتِهِ فَإِقْرَارُ الْعَبْدِ بِهِ صَحِيحٌ،؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحْجَرُ فِي مَرَضِ سَيِّدِهِ لَوْ عَلَى السَّيِّدِ دَيْنُ صِحَّةٍ مُحِيطٍ بِمَالِهِ وَرَقَبَةِ الْعَبْدِ وَمَا فِي يَدِهِ. الثَّالِثُ: عَلَى كُلِّ دَيْنِ صِحَّةٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ رَقَبَةُ الْعَبْدِ، وَمَا فِي يَدِهِ لَا يَفْضُلُ عَنْ دَيْنِهِ أَوْ يَفْضُلُ عَنْهُ لَا عَنْ دَيْنِ الْمَوْلَى، أَوْ يَفْضُلُ عَنْهُمَا. فَفِي الْأَوَّلِ: لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ،؛ لِأَنَّهُ شَاغِلٌ لِرَقَبَتِهِ وَمَا فِي يَدِهِ. وَفِي الثَّانِي: يَكُونُ الْفَاضِلُ لِغُرَمَاءِ صِحَّةِ الْمَوْلَى. وَفِي الثَّالِثِ: يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي ذَلِكَ الْفَاضِلِ، وَلَوْلَا دَيْنٌ عَلَى أَحَدِهِمَا فَأَقَرَّ الْمَوْلَى فِي مَرَضِهِ بِأَلْفٍ ثُمَّ الْعَبْدُ بِأَلْفٍ تَحَاصَّا فِي ثَمَنِ الْعَبْدِ وَلَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ أَوَّلًا ثُمَّ الْمَوْلَى بُدِئَ بِدَيْنِ الْعَبْدِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ لِغَيْرِ زَوْجٍ إلَخْ) أَيْ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ لَهُ لَوْ كَانَ حُرًّا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَوَلَدٍ وَوَالِدٍ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: إذَا أَقَرَّ الْمَأْذُونُ لِابْنِهِ وَهُوَ حُرٌّ أَوْ لِأَبِيهِ أَوْ لِزَوْجَتِهِ وَهِيَ حَرَّةٌ أَوْ مُكَاتَبُ ابْنِهِ أَوْ لِعَبْدِ ابْنِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا فَإِقْرَارُهُ لِهَؤُلَاءِ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ وَفِي قَوْلِهِمَا جَازَ وَيُشَارِكُونَ الْغُرَمَاءَ فِي كَسْبِهِ ط (قَوْلُهُ وَسَيِّدٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ فَأَقَرَّ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ أَنَّهُ وَدِيعَةٌ لِمَوْلَاهُ أَوْ لِابْنِ مَوْلَاهُ أَوْ لِأَبِيهِ أَوْ لِعَبْدٍ تَاجِرٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا أَوْ لِمُكَاتَبِ مَوْلَاهُ أَوْ لِأُمِّ وَلَدِهِ فَإِقْرَارُهُ لِمَوْلَاهُ وَمُكَاتَبِهِ وَعَبْدِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ بَاطِلٌ، فَأَمَّا إقْرَارُهُ لِابْنِ مَوْلَاهُ أَوْ لِأَبِيهِ فَجَائِزٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَانَ إقْرَارُهُ جَائِزًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ اهـ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ بِعَيْنٍ صَحَّ إلَخْ) فِي الْمَبْسُوطِ إذَا أَقَرَّ الْمَأْذُونُ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ أَوْ لِعَبْدِ مَوْلَاهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِمَوْلَاهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا طُورِيٌّ، وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ اخْتِصَاصُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ بِالْمَوْلَى دُونَ زَوْجِ الْمُقِرِّ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَهُوَ خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ فَلْيُرَاجَعْ وَعِبَارَةُ الْوَهْبَانِيَّةِ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 161 بِمَا لَا يُعَدُّ سَرَفًا وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يُهْدِي مِنْ غَيْرِ الْمَأْكُولِ أَصْلًا ابْنُ كَمَالٍ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَالْمَحْجُورُ لَا يُهْدِي شَيْئًا وَعَنْ الثَّانِي: إذَا دَفَعَ لِلْمَحْجُورِ قُوتَ يَوْمِهِ فَدَعَا بَعْضَ رُفَقَائِهِ لِلْأَكْلِ مَعَهُ فَلَا بَأْسَ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ قُوتَ شَهْرٍ، وَلَا بَأْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ بَيْتِ سَيِّدِهَا أَوْ زَوْجِهَا بِالْيَسِيرِ كَرَغِيفٍ وَنَحْوِهِ مُلْتَقًى، وَلَوْ عُلِمَ مِنْهُ عَدَمُ الرِّضَا لَمْ يَجُزْ (وَيُضَيِّفُ مَنْ يُطْعِمُهُ) وَيَتَّخِذُ الضِّيَافَةَ الْيَسِيرَةَ بِقَدْرِ مَالِهِ (وَيَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ بِعَيْبٍ قَدَرَ مَا يَحُطُّ التُّجَّارُ) وَيُحَابِي وَيُؤَجِّلُ مُجْتَبًى (وَلَا يَتَزَوَّجُ) إلَّا بِإِذْنٍ (وَلَا يَتَسَرَّى) وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى (وَلَا يُزَوِّجُ رَقِيقَهُ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُزَوِّجُ الْأَمَةَ   [رد المحتار] وَإِقْرَارُهُ بِالْعَيْنِ لَا بِالدَّيْنِ جَائِزٌ ... لِمَوْلَاهُ إلَّا حَيْثُمَا الدَّيْنُ يَظْهَرُ وَلَوْ أَقَرَّ لِمَوْلَاهُ أَوْ عَبْدِهِ بِدَيْنٍ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ لَحِقَهُ دَيْنٌ بَطَلَ إقْرَارُهُ، وَلَوْ بِعَيْنٍ فَلَا حَتَّى يَكُونَ الْمَوْلَى أَحَقَّ بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ وَلْوَالِجِيَّةٌ، وَفِيهَا أَقَرَّ لِابْنِ نَفْسِهِ أَوْ أَبِيهِ أَوْ مُكَاتَبٍ لِابْنِهِ لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا عِنْدَ الْإِمَامِ اهـ فَقَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ يَشْمَلُ الدِّينَ وَالْعَيْنَ فَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ تَأَمَّلْ: ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ التَّعْلِيلَ لِقَوْلِ الْإِمَامِ بِأَنَّ إقْرَارَهُ لَهُمْ إقْرَارُ صُورَةٍ وَشَهَادَةُ مَعْنًى. وَشَهَادَتُهُ لَهُمْ غَيْرُ جَائِزَةٍ لَوْ كَانَ حُرًّا فَكَذَا إقْرَارُهُ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ شَيْخِهِ أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى صَاحِبِ الدُّرَرِ فِي تَقْيِيدِهِ بُطْلَانَ الْإِقْرَارِ لَهُمْ بِالدَّيْنِ بِأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ أَطْلَقَهُ اهـ وَيُؤَيِّدُهُ التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ شَهَادَةُ مَعْنًى فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ إلَّا فِي الْمَوْلَى وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (قَوْلُهُ بِمَا لَا يُعَدُّ سَرَفًا) حَذَفَ الشَّارِحُ جُمْلَةً فِيهَا مُتَعَلِّقُ الْبَاءِ وَأَصْلُ الْعِبَارَةِ كَمَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ إهْدَاءَ مَأْكُولٍ وَإِنْ زَادَ عَلَى دِرْهَمٍ بِمَا لَا يُعَدُّ سَرَفًا فَإِنَّ الْبَاءَ مُتَعَلِّقَةٌ بِزَادَ ح (قَوْلُهُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الشِّحْنَةِ) حَيْثُ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ: وَقَدْ عَلِمْت تَقْيِيدَهُمْ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ الْهَدِيَّةِ بِالْمَأْكُولَاتِ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ فِي النَّظْمِ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ اهـ. قُلْت: وَمِثْلُهُ فِي التَّبْيِينِ وَصَرَّحَ بِهِ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ فَقَالَ: وَلَا يَمْلِكُ الْإِهْدَاءَ بِمَا سِوَى الْمَأْكُولَاتِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ اهـ وَفِيهَا عَنْ الْأَصْلِ وَلَوْ وَهَبَ وَكَانَتْ شَيْئًا سِوَى الطَّعَامِ، وَقَدْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ دِرْهَمًا فَصَاعِدًا لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَجَازَ الْمَوْلَى هِبَتَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ تُعْمَلُ إجَازَتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا لَا يَتَصَدَّقُ إلَّا بِدِرْهَمٍ فَمَا دُونَهُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ قُوتَ شَهْرٍ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَكَلُوهُ قَبْلَ الشَّهْرِ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَوْلَى هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ كَرَغِيفٍ وَنَحْوِهِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْهُ فِي الْعَادَةِ هِدَايَةٌ بَقِيَ لَوْ كَانَ فِي بَيْتِهِ مَنْ فِي مَقَامِ الْمَرْأَةِ كَحَاجِبِهِ وَغُلَامِهِ نَقَلَ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ ابْنِ وَهْبَانَ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ فِي كَلَامِهِمْ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ قِيَاسًا عَلَيْهَا ثُمَّ نَقَلَ عَنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مَمْنُوعَةً مِنْ التَّصَرُّفِ فِي بَيْتِهِ تَأْكُلُ مَعَهُ بِالْفَرْضِ وَلَا يُمَكِّنُهَا مِنْ طَعَامِهِ وَالتَّصَرُّفُ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُجَوِّزَ لَهَا الصَّدَقَةَ وَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ جَرَى الْعُرْفُ بِالتَّصَدُّقِ بِذَلِكَ مُطْلَقًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِقَدْرِ مَالِهِ) أَيْ مَا فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ، قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ التَّتِمَّةِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ ابْنِ سَلَمَةَ إذَا كَانَ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَاِتَّخَذَ ضِيَافَةً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ تَكُونُ يَسِيرَةً وَإِنْ كَانَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَبِدَانَقٍ كَثِيرَةٍ فَيَنْظُرُ فِي الْعُرْفِ فِي قَدْرِ مَالِ التِّجَارَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَطْلَقَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يُجِيبَ دَعْوَةَ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ اهـ. قُلْت: وَالْمَأْذُونُ بِالْأَوْلَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِعَيْبٍ) فَلَا يَحُطُّ بِدُونِهِ إذْ هُوَ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ مِنَحٌ (قَوْلُهُ وَيُحَابِي) أَيْ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ التَّاجِرُ قَدَّمْنَا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ شَيْئًا مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْمُحَابَاةِ (قَوْلُهُ مُجْتَبًى) وَمِثْلُهُ فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَزَوَّجُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ، وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْمَوْلَى بِوُجُوبِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةُ فِي رَقَبَتِهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَسَرَّى) ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ وَإِنْ مَلَكَ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُزَوِّجُ الْأَمَةَ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَهْرِ وَسُقُوطِ النَّفَقَةِ فَأَشْبَهَ إجَارَتَهَا، وَلِهَذَا جَازَ لِلْمُكَاتَبِ وَوَصِيِّ الْأَبِ وَالْأَبِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْإِذْنَ تَنَاوَلَ التِّجَارَةَ وَالتَّزْوِيجُ لَيْسَ مِنْهَا، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الِاكْتِسَابَ وَذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالتِّجَارَةِ، وَكَذَا الْأَبُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 162 (وَلَا يُكَاتِبُهُ) إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْمَوْلَى وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَوِلَايَةُ الْقَبْضِ لِلْمَوْلَى (وَلَا يُعْتِقُ بِمَالِ) إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْمَوْلَى إلَى آخِرِ مَا مَرَّ (وَلَا بِغَيْرِهِ وَلَا يُقْرِضُ وَلَا يَهَبُ وَلَوْ بِعِوَضٍ وَلَا يَكْفُلُ مُطْلَقًا) بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ (وَلَا يُصَالِحُ عَنْ قِصَاصٍ وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَا يَعْفُو عَنْ الْقِصَاصِ) وَيُصَالِحُ عَنْ قِصَاصٍ وَجَبَ عَلَى عَبْدِهِ خِزَانَةُ الْفِقْهِ (وَكُلُّ دَيْنٍ وَجَبَ عَلَيْهِ بِتِجَارَةٍ أَوْ بِمَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا) أَمْثِلَةُ الْأَوَّلِ (كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَإِجَارَةٍ وَاسْتِئْجَارٍ وَ) أَمْثِلَةُ الثَّانِي (غُرْمُ وَدِيعَةٍ وَغَصْبٌ وَأَمَانَةٌ جَحَدَهُمَا) عِبَارَةُ الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا جَحَدَهَا بِلَا مِيمٍ فَتَنَبَّهْ (وَعُقْرٌ وَجَبَ بِوَطْءِ مَشْرِيَّةٍ   [رد المحتار] وَالْجَدُّ وَالْوَصِيُّ، وَلِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ مُقَيَّدٌ بِالْأَنْظَرِ لِلصَّغِيرِ وَتَزْوِيجِ الْأَمَةِ مِنْ الْأَنْظَرِ وَعَلَى هَذَا الصَّرْفِ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ الْمَأْذُونُ لَهُمَا وَالْمُضَارِبُ وَالشَّرِيكُ عِنَانًا وَمُفَاوَضَةً وَجَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَهُوَ سَهْوٌ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يُكَاتِبُهُ) ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ حُرِّيَّةَ الْيَدِ حَالًا وَالرَّقَبَةَ مَآلًا وَالْإِذْنُ لَا يُوجِبُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَالشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ فَوْقَهُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْمَوْلَى) ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لَحِقَهُ، فَإِذَا أَجَازَهُ زَالَ الْمَانِعُ فَيَنْفُذُ (قَوْلُهُ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ دَيْنًا مُسْتَغْرِقًا. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ لَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ فَكِتَابَتُهُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ أَجَازَهَا الْمَوْلَى، وَهَذَا مُشْكِلٌ، فَإِنْ مَا لَمْ يَسْتَغْرِقْ رَقَبَتَهُ وَمَا فِي يَدِهِ لَا يَمْنَعُ الدُّخُولَ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى إجْمَاعًا، حَتَّى جَازَ لِلْمَوْلَى عِتْقُ مَا فِي يَدِهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمُسْتَغْرَقِ فَيُمْنَعُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا اهـ. قُلْت: وَأُجِيبَ بِإِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَوْ لَا بِأَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَغْرِقِ يُمْنَعُ الدُّخُولَ أَيْضًا وَمَا ذَكَرَ قَوْلَهُ آخِرًا (قَوْلُهُ وَوِلَايَةُ الْقَبْضِ لِلْمَوْلَى) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ نَائِبٌ عَنْ الْمَوْلَى كَالْوَكِيلِ فَكَانَ قَبْضُ الْبَدَلِ لِمَنْ نَفَذَ الْعَقْدُ مِنْ جِهَتِهِ،؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِيهِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ، فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ كَالنِّكَاحِ بِخِلَافِ الْمُبَادَلَةِ الْمَالِيَّةِ، وَلَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْبَدَلَ إلَى الْمَوْلَى قَبْلَ الْإِجَازَةِ ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى لَا يُعْتَقُ وَسَلَّمَ الْمَقْبُوضَ إلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يُعْتِقُ) ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ الْكِتَابَةِ فَكَانَ أَوْلَى بِالِامْتِنَاعِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَوِلَايَةُ الْقَبْضِ لِلْمَوْلَى، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ هُنَا وَقَالَ: إلَّا أَنْ يُجِيزَهُمَا الْمَوْلَى إلَخْ كَمَا فَعَلَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى لَكَانَ أَخْصَرَ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَا يَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ أَمْ لَا اهـ (قَوْلُهُ وَلَا بِغَيْرِهِ) أَيْ بِغَيْرِ مَالٍ وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنْ الْأَوَّلِ كَمَا لَا يَخْفَى مِنَحٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُقْرِضُ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَهُوَ لَا يَمْلِكُهُ مِنَحٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَهَبُ) قَدَّمْنَا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْأَصْلِ أَنَّهُ يَهَبُ وَيَتَصَدَّقُ بِمَا دُونَ الدِّرْهَمِ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِعِوَضٍ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً أَوْ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً زَيْلَعِيٌّ يَعْنِي لَوْ بِلَا عِوَضٍ وَلَا يُبْرِئُ؛ لِأَنَّهُ كَالْهِبَةِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَكْفُلُ) ؛ لِأَنَّهَا ضَرَرٌ مَحْضٌ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُصَالِحُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي رَقَبَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْإِذْنِ وَعَفْوِهِ تَبَرُّعٌ ط (قَوْلُهُ وَيُصَالِحُ عَنْ قِصَاصٍ إلَخْ) مُسْتَدْرَكٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ ح أَيْ تَقَدَّمَ مَتْنًا (قَوْلُهُ وَأَمْثِلَةُ الثَّانِي) الْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ وَإِجَارَةٍ وَاسْتِئْجَارٍ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَعْنَى التِّجَارَةِ الْوَدِيعَةِ وَمَا بَعْدَهُ نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ وَأَمَانَةٌ) كَمُضَارَبَةٍ وَبِضَاعَةٍ وَعَارِيَّةٍ (قَوْلُهُ فَتَنَبَّهْ) لَعَلَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ أَحْسَنُ،؛ لِأَنَّ غُرْمَ الْغَصْبِ يَكُونُ بِلَا جُحُودٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِهِ، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ وَالْأَمَانَةِ فَإِنَّهُ إذَا جَحَدَهَا ضَمِنَهُمَا كَمَا إذَا اسْتَهْلَكَهُمَا لَكِنْ كَانَ الْأَحْسَنُ تَقْدِيمَ الْغَصْبِ عَلَى الْوَدِيعَةِ. فَإِنْ قُلْت: قَدَّمْتُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ إقْرَارَ الْمَأْذُونِ بِالدَّيْنِ وَالْغَصْبِ وَعَيْنِ مَالٍ يَصِحُّ وَيُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَلِمَ قَيَّدَ بِالْجُحُودِ. قُلْت: لِيَصِيرَ دَيْنًا فَيَدْخُلَ تَحْتَ قَوْلِهِ وَكُلُّ دَيْنٍ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا بِالْجُحُودِ وَإِنْ كَانَ مُؤَاخَذًا بِإِقْرَارِهِ بِالْعَيْنِ كَمَا قَدَّمَهُ. فَإِنْ قُلْت: الْغَصْبُ عَيْنٌ. قُلْت: نَعَمْ قَبْلَ التَّعَدِّي عَلَيْهِ وَكَلَامُهُ فِي غُرْمِهِ وَلَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَهُ فَيَكُونُ دَيْنًا (قَوْلُهُ وَعُقْرٌ إلَخْ) لِاسْتِنَادِهِ إلَى الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ لَوْلَا الشِّرَاءُ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لَا الْعُقْرُ، سَوَاءٌ وَجَبَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ الْبَيِّنَةِ كِفَايَةٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 163 بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ) كُلُّ ذَلِكَ (يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ) كَدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ وَالْمَهْرِ وَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ (يُبَاعُ فِيهِ) وَلَهُمْ اسْتِسْعَاؤُهُ أَيْضًا زَيْلَعِيٌّ وَمُفَادُهُ أَنَّ زَوْجَتَهُ لَوْ اخْتَارَتْ اسْتِسْعَاءَهُ لِنَفَقَةِ كُلِّ يَوْمٍ أَنْ يَكُونَ لَهَا ذَلِكَ أَيْضًا بَحْرٌ مِنْ النَّفَقَةِ (بِحَضْرَةِ مَوْلَاهُ) أَوْ نَائِبِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَفْدِيَهُ بِخِلَافِ بَيْعِ الْكَسْبِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِحُضُورِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ خَصْمٌ فِيهِ (وَيَقْسِمُ ثَمَنَهُ بِالْحِصَصِ وَ) يَتَعَلَّقُ (بِكَسْبٍ حَصَلَ قَبْلَ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَهُ) وَيَتَعَلَّقُ (بِمَا وُهِبَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ) مَوْلَاهُ هَذَا قَيْدٌ لِلْكَسْبِ وَالْإِنْهَابِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ الْخَصْمُ فِي كَسْبِهِ، ثُمَّ إنَّمَا يَبْدَأُ بِالْكَسْبِ وَعِنْدَ عَدَمِهِ يُسْتَوْفَى مِنْ الرَّقَبَةِ.   [رد المحتار] أَيْ فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الشِّرَاءِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالتَّزْوِيجِ فَلَيْسَ بِمَعْنَى التِّجَارَةِ قُهُسْتَانِيُّ (قَوْله بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ) مُتَعَلِّقٌ بِوَجَبَ لَا بِوَطْءِ ط (قَوْلُهُ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى دُرَرٌ وَاسْتَثْنَى فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ إجَارَةٍ مُنْيَةُ الْمُفْتِي مَا إذَا كَانَ أَجِيرًا فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ: أَيْ فَإِنَّ الضَّمَانَ يَتَعَلَّقُ بِالْآذِنِ، وَهُوَ الْمُسْتَأْجِرُ وَمَا قَالَهُ الْمَقْدِسِيَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ إذْ لَيْسَ بِمَأْذُونٍ بَلْ كَوَكِيلِ الْمُسْتَأْجِرِ بَحَثَ فِي مَعْرِضِ النَّقْلِ بِيرِيٌّ (قَوْلُهُ كَدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ) أَيْ كَدَيْنٍ تَرَتَّبَ بِذِمَّتِهِ بِسَبَبِ اسْتِهْلَاكِهِ لِشَيْءٍ آخَرَ ط (قَوْلُهُ يُبَاعُ فِيهِ) وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِرِضَا الْغُرَمَاءِ أَوْ بِأَمْرِ الْقَاضِي،؛ لِأَنَّ لِلْغُرَمَاءِ حَقَّ الِاسْتِسْعَاءِ لِيَصِلَ إلَيْهِمْ كَمَالُ حَقِّهِمْ، وَيَبْطُلُ ذَلِكَ بِبَيْعِ الْمَوْلَى فَاحْتِيجَ إلَى رِضَاهُمْ وَلْوَالِجِيَّةٌ وَفِيهَا: وَلَوْ بَاعَهُ الْقَاضِي لِمَنْ حَضَرُوا يَحْبِسُ حِصَّةَ مَنْ غَابَ مِنْ ثَمَنِهِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَا يُعَجِّلُ الْقَاضِي بِبَيْعِهِ بَلْ يَتَلَوَّمُ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ أَوْ دَيْنٌ يَقْتَضِيهِ، فَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ التَّلَوُّمِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ وَجْهٌ بَاعَهُ اهـ وَفِيهِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ ثُمَّ الْمَوْلَى يَبِيعُ عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ لَهُ الْمَدْيُونُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالدَّيْنِ لَمْ يُجْعَلُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِالْقِيمَةِ، ويَبِيعُ الْعَبْدَ الْجَانِيَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ جُعِلَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِالْأَرْشِ،؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ هُنَا عَلَى الْعَبْدِ بِحَيْثُ لَا يَبْرَأُ بِالْعِتْقِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ وَلَوْ اخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ صَرِيحًا بِأَنْ قَالَ: أَنَا أَقْضِي دَيْنَهُ كَانَ عِدَّةً مِنْهُ تَبَرُّعًا، فَلَا يَلْزَمُهُ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّ مُوجِبَهَا عَلَى الْمَوْلَى خَاصَّةً (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِاشْتِرَاطِ الْحَضْرَةِ، وَأَفَادَ أَنَّ بَيْعَهُ غَيْرُ حَتْمٍ بَلْ يُخَيَّرُ مَوْلَاهُ بَيْنَ الْبَيْعِ أَوْ الْفِدَاءِ أَيْ أَدَاءِ جَمِيعِ الدُّيُونِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ أَدَاءَ قِيمَتِهِ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ خَصْمٌ فِيهِ) أَيْ فِي كَسْبِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ فَإِذَا ادَّعَى رَقَبَتَهُ إنْسَانٌ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الْخَصْمُ دُونَ الْعَبْدِ، وَإِذَا ادَّعَى كَسْبَهُ فَالْعَبْدُ خَصْمٌ فِيهِ دُونَ الْمَوْلَى كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَيَقْسِمُ ثَمَنَهُ بِالْحِصَصِ) سَوَاءٌ ثَبَتَ الدَّيْنُ بِإِقْرَارِ الْعَبْدِ، أَوْ بِالْبَيِّنَةِ جَوْهَرَةٌ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، وَلَوْ بَعْضُهُ مُؤَجَّلًا يُعْطَى أَرْبَابُ الْحَالِّ حِصَّتَهُمْ وَيُمْسِكُ حِصَّةَ صَاحِبِ الْأَجَلِ إلَى حُلُولِهِ. قَالَ فِي الرَّمْزِ قُلْت: مَرَّ فِي الْمُفْلِسِ عَنْ الْيَنَابِيعِ أَنَّهُ يُعْطِي الْكُلَّ لِصَاحِبِ الْحَالِّ، فَإِذَا حَلَّ الْمُؤَجَّلُ قِيلَ لَهُ شَارَكَهُ وَهَذَا إذَا كَانَ كُلُّ الدَّيْنِ ظَاهِرًا وَلَوْ بَعْضَهُ لَمْ يَظْهَرْ وَلَكِنْ ظَهَرَ سَبَبُهُ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُبَاعُ، وَيَدْفَعُ لِلْغَرِيمِ قَدْرَ دَيْنِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِثْلَ الثَّمَنِ دَفَعَهُ كُلَّهُ، فَإِذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ دَابَّةٌ رَجَعَ صَاحِبُهَا عَلَى الْغَرِيمِ بِحَضْرَتِهِ يُضْرَبُ كُلٌّ بِمَا لَهُ اهـ حَمَوِيٌّ عَلَى الْكَنْزِ (قَوْله قَبْلَ الدَّيْنِ) أَيْ وَبَعْدَ الْإِذْنِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ وَقَوْلُهُ قَيَّدَ الْأُولَى أَنْ يَقُولَ تَعْمِيمٌ فِي الْكَسْبِ وَالِاتِّهَابِ ط لَكِنْ عَلَى جَعْلِهِ شَرْطًا مَحْذُوفَ الْجَوَابِ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ قُيُودٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ الْخَصْمُ فِي كَسْبِهِ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ قَبْلَهُ قَرِيبًا ط (قَوْلُهُ ثُمَّ إنَّمَا يَبْدَأُ بِالْكَسْبِ) ؛ لِأَنَّهُ أَهْوَنُ عَلَى الْمَوْلَى مَعَ إيفَاءِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ عَدَمِهِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 164 قُلْت: وَأَمَّا الْكَسْبُ الْحَاصِلُ قَبْلَ الْإِذْنِ فَحَقٌّ لِلْمَوْلَى فَلَهُ أَخْذُهُ مُطْلَقًا. قَالَ شَيْخُنَا: وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ اكْتَسَبَ الْمَحْجُورُ شَيْئًا وَأَوْدَعَهُ عِنْدَ آخَرَ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُودَعِ لِلْمَوْلَى تَضْمِينُهُ؛ لِأَنَّهُ كَمُودِعِ الْغَاصِبِ فَتَأَمَّلْهُ (لَا) يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ (بِمَا أَخَذَهُ مَوْلَاهُ مِنْهُ قَبْلَ الدَّيْنِ وَطُولِبَ) الْمَأْذُونُ (بِمَا بَقِيَ) مِنْ الدَّيْنِ زَائِدًا عَنْ كَسْبِهِ وَثَمَنِهِ (بَعْدَ عِتْقِهِ) وَلَا يُبَاعُ ثَانِيًا (وَلِمَوْلَاهُ أَخْذُ غَلَّةِ مِثْلِهِ   [رد المحتار] أَيْ أَصْلًا أَوْ عَدَمِ إيفَائِهِ ط (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) يَعْنِي سَوَاءٌ وَجَدَهُ فِي يَدِ الْعَبْدِ أَوْ فِي يَدِ الْغَرِيمِ وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْغَرِيمُ لِلْمَوْلَى أَنْ يَضْمَنَهُ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ كَوْنِ الْمَوْلَى أَحَقَّ بِكَسْبِ عَبْدِهِ الْحَاصِلِ قَبْلَ الْإِذْنِ (قَوْلُهُ وَأَوْدَعَهُ) الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ عَائِدٌ عَلَى الْمَحْجُورِ فَيُفِيدُ أَنَّ إيدَاعَهُ قَبْلَ الْإِذْنِ بِالتِّجَارَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ إيدَاعَهُ بَعْدَ الْإِذْنِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إيدَاعُ مَالِ الْغَيْرِ بِدُونِ إذْنِهِ (قَوْلُهُ لِلْمَوْلَى تَضْمِينُهُ إلَخْ) أَقُولُ: مَا بَحَثَهُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ كِتَابِ الْأَمَانَاتِ حَيْثُ قَالَ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الرَّقِيقُ إذَا اكْتَسَبَهُ وَاشْتَرَى شَيْئًا مِنْ كَسْبِهِ، وَأَوْدَعَهُ وَهَلَكَتْ عِنْدَ الْمُودَعِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ لِكَوْنِهِ مَالَ الْمَوْلَى مَعَ أَنَّ لِلْعَبْدِ يَدًا مُعْتَبَرَةً، حَتَّى لَوْ أَوْدَعَ شَيْئًا وَغَابَ فَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَخْذُهُ اهـ، وَقَوْلُهُ: فَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَخْذُهُ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا أَوْ مَحْجُورًا مَدْيُونًا أَوْ لَا بِيرِيٌّ لَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَالُهُ أَوْ كَسْبُ عَبْدِهِ فَإِنْ عَلِمَ فَلَهُ حَقُّ الْأَخْذِ بِلَا حُضُورِ الْعَبْدِ حَمَوِيٌّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ كَمُودِعِ الْغَاصِبِ) عِبَارَةُ الرَّمْلِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ أَيْ مَالُ السَّيِّدِ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ بِلَا إذْنِهِ فَصَارَ كَمُودِعِ الْغَاصِبِ قَالَ ط يُفَادُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ لِلْمُودِعِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا غَرِمَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قَبْلَ الدَّيْنِ) قَيَّدَ بِهِ لِمَا فِي الطُّورِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَوْمَ أَخَذَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا لَمْ يُسَلِّمْ لِلْمَوْلَى مَا أَخَذَهُ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا لَحِقَهُ دَيْنٌ آخَرُ يَرُدُّ الْمَوْلَى جَمِيعَ مَا كَانَ أَخَذَهُ؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَا بَعْضَهُ مَشْغُولًا بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَجَبَ عَلَى الْمَوْلَى رَدُّ قَدْرِ الْمَشْغُولِ عَلَى الْغَرِيمِ فَإِذَا أَخَذَهُ كَانَ لِلْغَرِيمِ الثَّانِي أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ، إنْ كَانَ دَيْنُهُمَا سَوَاءً، وَكَانَ لِلْغَرِيمِ الْأَوَّلِ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ عَلَى السَّيِّدِ، وَإِذَا أَخَذَ مِنْهُ ثَانِيًا كَانَ لِلْغَرِيمِ الْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ ثَمَّ وَثُمَّ إلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ جَمِيعَ مَا أَخَذَهُ مِنْ كَسْبِهِ اهـ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ الدَّيْنُ بِمَا أَخَذَهُ بَعْدَ الدَّيْنِ، فَيُسْتَرَدُّ مِنْهُ كَمَا إذَا كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ خَمْسُمِائَةٍ وَكَسْبُهُ أَلْفٍ فَأَخَذَهُ السَّيِّدُ ثُمَّ لَحِقَهُ دَيْنُ خَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى، فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ الْأَلْفَ مِنْ السَّيِّدِ اهـ وَعَزَاهُ لِلْكَرْمَانِيِّ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: فَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ دَيْنٌ آخَرُ فَالْمَوْلَى لَا يَغْرَمُ إلَّا خَمْسَمِائَةٍ. وَفِي النِّهَايَةِ رَدَّ مَا أَخَذَ لَوْ قَائِمًا بِعَيْنِهِ وَضَمَانُهُ لَوْ مُسْتَهْلَكًا اهـ وَهَذَا بِخِلَافِ الضَّرِيبَةِ فَإِنَّهُ يَرُدُّ مَا زَادَ عَلَى غَلَّةِ مِثْلِهِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَطُولِبَ الْمَأْذُونُ بِمَا بَقِيَ) لِتَقَرُّرِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَعَدَمِ وَفَاءِ الرَّقَبَةِ دُرَرٌ وَصَرَّحَ بِالْمَأْذُونِ، لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْمَوْلَى (قَوْلُهُ وَلَا يُبَاعُ ثَانِيًا) ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْتَنِعُ حِينَئِذٍ عَنْ شِرَائِهِ، فَيُؤَدِّي إلَى امْتِنَاعِ الْبَيْعِ بِالْكُلِّيَّةِ فَيَتَضَرَّرُ الْغُرَمَاءُ دُرَرٌ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ سَيِّدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ جَدِيدٌ وَتَبَدُّلُ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ حُكْمًا فَصَارَ كَأَنَّهُ عَبْدٌ آخَرُ زَيْلَعِيٌّ، وَإِنَّمَا يُبَاعُ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ مِرَارًا؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ شَيْئًا فَشَيْئًا كَمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ قُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ وَلِمَوْلَاهُ أَخْذُ غَلَّةِ مِثْلِهِ) فَلَوْ أَخَذَ أَكْثَرَ رَدَّ الْفَضْلَ عَلَى الْغُرَمَاءِ لِتَقَدُّمِ حَقِّهِمْ، وَلَا ضَرُورَةَ فِيهِ دُرَرٌ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَمَعْنَاهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الضَّرِيبَةَ الَّتِي ضَرَبَهَا عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ بَعْدَ مَا لَزِمَهُ الدُّيُونُ كَمَا كَانَ يَأْخُذُ قَبْلَ ذَلِكَ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ رِيعِهِ يَكُونُ لِلْغُرَمَاءِ اهـ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْعِتْقِ: يَجُوزُ وَضْعُ الضَّرِيبَةِ عَلَى الْعَبْدِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا بَلْ إنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ اهـ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ غَلَّةً قَبْلَ وَضْعِ الضَّرِيبَةِ وَقَبْلَ لُحُوقِ الدَّيْنِ، وَأَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ غَلَّةِ مِثْلِهِ قَبْلَ الدَّيْنِ وَلَا يَأْخُذُ الْأَكْثَرَ بَعْدَهُ، وَأَنْ يَضَعَ الضَّرِيبَةَ بَعْدَ الدَّيْنِ كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 165 بِوُجُودِ دَيْنِهِ وَمَا زَادَ لِلْغُرَمَاءِ) يَعْنِي لَوْ كَانَ الْمَوْلَى يَأْخُذُ مِنْ الْعَبْدِ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مَثَلًا قَبْلَ لُحُوقِ الدَّيْنِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بَعْدَ لُحُوقِهِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ مُنِعَ مِنْهَا يَحْجُرُ عَلَيْهِ فَيَنْسَدُّ بَابُ الِاكْتِسَابِ (وَيَنْحَجِرُ بِحَجْرِهِ إنْ عَلِمَ هُوَ) نَفْسُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ (وَأَكْثَرُ أَهْلِ سُوقِهِ إنْ كَانَ) الْإِذْنُ (شَائِعًا، أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ) أَيْ بِالْإِذْنِ (إلَّا الْعَبْدُ) وَحْدَهُ (كَفَى فِي حَجْرِهِ عِلْمُهُ) بِهِ (فَقَطْ) وَلَا يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ عِلْمُ أَكْثَرِ أَهْلِ سُوقِهِ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: بَاعَ عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ عَلِمَ أَهْلُ سُوقِهِ بِبَيْعِهِ أَمْ لَا لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَإِنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا مَا لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُشْتَرِي لِفَسَادِ الْبَيْعِ، وَهَلْ لِلْغُرَمَاءِ فَسْخُهُ إنْ دُيُونُهُمْ حَالَّةً؟ نَعَمْ إلَّا إذَا كَانَ بِالثَّمَنِ وَفَاءٌ أَوْ أَبْرَءُوا الْعَبْدَ أَوْ أَدَّى الْمَوْلَى وَتَمَامُهُ فِي السِّرَاجِيَّةِ (وَبِمَوْتِ سَيِّدِهِ   [رد المحتار] وَفِي قَوْلِهِ: وَأَنْ يَضَعَ الضَّرِيبَةَ بَعْدَ الدَّيْنِ مُخَالِفَةً لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ، وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ يُسْتَرَدُّ مِنْهُ بَعْدَ الدَّيْنِ وَلِتَقْيِيدِ الشَّارِحِ كَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ قَبْلَ لِحُقُوقِ الدَّيْنِ إلَّا أَنْ يُوَفَّقَ بِأَنَّ لَهُ وَضْعَهَا بَعْدَ الدَّيْنِ غَيْرِ الْمُسْتَغْرِقِ لِمَا فِي يَدِهِ أَيْ بِقَدْرِ مَا يَفْضُلُ بَعْدَ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ دُونَ الْأَكْثَرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعْطِفَ قَوْلَهُ وَأَنْ يَضَعَ عَلَى مَدْخُولِ النَّفْيِ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَأْخُذَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِوُجُودِ دَيْنِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى مَعَ رَحْمَتِيٌّ. قُلْت: وَبِهَا عَبَّرَ ابْنُ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَرُدَّ جَمِيعَ مَا أَخَذَ،؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ فِي كَسْبِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ فَيَنْسَدُّ بَابُ الِاكْتِسَابِ) فَصَارَ مَا يَأْخُذُهُ كَالتَّحْصِيلِ لِلْكَسْبِ، وَأَمَّا أَخْذُ الْأَكْثَرِ فَلَا يُعَدُّ مِنْ التَّحْصِيلِ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْغُرَمَاءِ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ:؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَمَا رَضِيَ بِهِ ح (قَوْلُهُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ سُوقِهِ) هَذَا اسْتِحْسَانٌ،؛ لِأَنَّ إعْلَامَ الْكُلِّ مُتَعَذِّرٌ أَوْ مُتَعَسِّرٌ، فَلَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِحَضْرَةِ الْأَقَلِّ لَمْ يَصِرْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ بَايَعَهُ مَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ جَازَ الْبَيْعُ،؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ مَأْذُونًا لَهُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ صَارَ مَأْذُونًا فِي حَقِّ مَنْ عَلِمَ أَيْضًا،؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ وَلَا يَتَجَزَّأُ كَالْإِذْنِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: ثَبَتَ بِهَذَا عَدَمُ صِحَّةِ الْحَجْرِ الْخَاصِّ، وَإِنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْحَجْرِ التَّعْمِيمَ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ الْإِذْنُ شَائِعًا) وَكَذَا بِشَرْطِ كَوْنِ الْحَجْرِ قَصْدًا. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ إظْهَارِ الْحَجْرِ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ سُوقِهِ فِيمَا إذَا ثَبَتَ الْحَجْرُ قَصْدًا كَعَزْلِ الْوَكِيلِ فَلَوْ ضَمِنَا لِغَيْرِهِ فَلَا كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدُهُ الْمَأْذُونُ غَيْرَ الْمَدْيُونِ اهـ وَسَيُشِيرُ إلَيْهِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ شَائِعًا (قَوْلُهُ كَفَى فِي حَجْرِهِ عِلْمُهُ بِهِ فَقَطْ) فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَاشْتَرَى وَبَاعَ كَانَ مَأْذُونًا وَالْحَجْرُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَجْرِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِعِلْمِهِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بَاعَ عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ وَهَبَهُ مِنْ رَجُلٍ وَقَبَضَهُ فَلَوْ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ لَا يَعُودُ الْإِذْنُ، وَكَذَا إذَا رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ بِالْقَضَاءِ وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ) وَهُوَ حَجْرٌ ثَبَتَ حُكْمًا لِلْبَيْعِ لَا مَقْصُودًا،؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يُوضَعْ لِلْحَجْرِ وَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الشَّيْءُ حُكْمًا لِغَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَصْدًا كَعَزْلِ الْوَكِيلِ الْغَائِبِ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ) أَيْ وَبَاعَهُ بِلَا إذْنِ الْغُرَمَاءِ، وَقَوْلُهُ لَا أَيْ لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا (قَوْلُهُ لِفَسَادِ الْبَيْعِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ، فَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّهُ سَيَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْغُرَمَاءِ، وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ فَاسِدٌ إلَّا أَنَّ الْفَسَادَ فِيهِ دُونَ سَائِرِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّهُ خَالٍ عَنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَالْمَالِكُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ إنَّمَا عَدَمُ الرِّضَا مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ لَا غَيْرُ فَأَظْهَرْنَا زِيَادَتَهُ عَلَى سَائِرِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ فِي إفَادَتِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِلْكًا مَوْقُوفًا تَتَارْخَانِيَّةٌ مُلَخَّصًا. وَعَلَيْهِ لِيَنْظُرَ مَا فَائِدَةُ قَوْلِ الشَّارِحِ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْمِلْكَ حَاصِلٌ قَبْلَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إنَّ دُيُونَهُمْ حَالَّةٌ نَعَمْ) أَيْ لَهُمْ فَسْخُهُ وَلَوْ مُؤَجَّلَةً فَلَا، فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ ضَمِنَ الْمَوْلَى لَهُمْ قِيمَتَهُ وَكَذَا لَوْ وَهَبَ الْعَبْدَ قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ لِرَجُلٍ وَقَبَضَهُ أَوْ آجَرَهُ جَازَ، فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ ضَمِنَ لَهُمْ الْقِيمَةَ وَلَيْسَ لَهُمْ رَدُّ الْهِبَةِ، وَكَانَ لَهُمْ نَقْضُ الْإِجَارَةِ، وَأَمَّا الرَّهْنُ فَكَالْبَيْعِ تَتَارْخَانِيَّةٌ وَأَمَّا الْعِتْقُ فَسَيَأْتِي مَتْنًا (قَوْلُهُ وَفَاءً) أَيْ بِدُيُونِ الْمَأْذُونِ (قَوْلُهُ وَبِمَوْتِ سَيِّدِهِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 166 وَجُنُونِهِ مُطْبَقًا وَلُحُوقِهِ) وَكَذَا بِجُنُونِ الْمَأْذُونِ وَلُحُوقِهِ أَيْضًا (بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَوْتٌ حُكْمًا (وَ) يَنْحَجِرُ حُكْمًا (بِإِبَاقِهِ) وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ كَجُنُونِهِ (وَلَوْ عَادَ مِنْهُ) أَوْ أَفَاقَ مِنْ جُنُونِهِ (لَمْ يَعُدْ الْإِذْنُ) فِي الصَّحِيحِ زَيْلَعِيٌّ وَقُهُسْتَانِيٌّ (وَبِاسْتِيلَادِهَا) بِأَنْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَادَّعَاهُ كَانَ حَجْرًا دَلَالَةً مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِخِلَافِهِ (لَا) تَنْحَجِرُ (بِالتَّدْبِيرِ وَضَمِنَ بِهِمَا قِيمَتَهُمَا) فَقَطْ (لِلْغُرَمَاءِ لَوْ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ) مُحِيطٌ. (إقْرَارُهُ) مُبْتَدَأٌ (بَعْدَ حَجْرِهِ إنَّ مَا مَعَهُ أَمَانَةٌ أَوْ غَصْبٌ أَوْ دَيْنٌ عَلَيْهِ) لِآخَرَ (صَحِيحٌ) خَبَرٌ (فَيَقْبِضُهُ مِنْهُ) وَقَالَ لَا يَصِحُّ. (أَحَاطَ دَيْنُهُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ لَمْ يَمْلِكْ سَيِّدُهُ مَا مَعَهُ فَلَمْ يَعْتِقْ عَبْدٌ مِنْ كَسْبِهِ بِتَحْرِيرِ مَوْلَاهُ)   [رد المحتار] وَكَذَا الصَّبِيُّ يُحْجَرُ بِمَوْتِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ. وَأَمَّا الْمَأْذُونُ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي فَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَجُنُونِهِ مُطْبِقًا) سَنَةً فَصَاعِدًا أَوْ يُفَوَّضُ لِلْقَاضِي وَبِهِ يُفْتَى فَإِنْ مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّوْقِيتِ يُفْتِي بِسَنَةٍ كَمَا فِي تَتِمَّةِ الْوَاقِعَاتِ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَلُحُوقِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ أَقُولُ: قَدْ تَسَامَحَ فِيهِ؛ لِأَنَّ اللَّحَاقَ بِدُونِ الْقَضَاءِ لَا يَكُونُ كَالْمَوْتِ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ وَكَذَا بِجُنُونِ الْمَأْذُونِ وَلُحُوقِهِ أَيْضًا) فَلَوْ قَالَ وَمَوْتُ أَحَدِهِمَا وَلَوْ حُكْمًا أَوْ جُنُونُهُ مُطْبَقًا لَكَانَ أَتَمَّ وَأَخْصَرَ عَزْمِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْحَجْرِ أَوْ بِالْمَوْتِ، وَمَا ذُكِرَ بَعْدَهُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي ضِمْنِ بُطْلَانِ الْأَهْلِيَّةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُهُ، وَلَا عِلْمُ أَهْلِ سُوقِهِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ حُكْمِيٌّ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ كَانْعِزَالِ الْوَكِيلِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْتٌ حُكْمًا) حَتَّى يَعْتِقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ، وَيَقْسِمُ مَالَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَهَذَا عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَلُحُوقِهِ، فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ بِهِ (قَوْلُهُ وَيَنْحَجِرُ حُكْمًا) كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبِمَوْتِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ حَجْرٌ حُكْمِيٌّ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ بِإِبَاقِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِ عَبْدِهِ الْمُتَمَرِّدِ الْخَارِجِ عَنْ طَاعَتِهِ عَادَةً فَكَانَ حَجْرًا عَلَيْهِ دَلَالَةً زَيْلَعِيٌّ، وَسَيَذْكُرُ آخِرًا عَنْ الْأَشْبَاهِ تَصْحِيحَ خِلَافِهِ وَيَأْتِي مَا فِيهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ) أَيْ مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ (قَوْلُهُ كَانَ حَجْرًا دَلَالَةً) هَذَا اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِتَحْصِينِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَأَنَّهُ لَا يَرْضَى بِخُرُوجِهَا وَاخْتِلَاطِهَا بِالرِّجَالِ فِي الْمُعَامَلَةِ وَدَلِيلُ الْحَجْرِ كَصَرِيحِهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِخِلَافِهِ) ؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لَا بِالتَّدْبِيرِ) ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِتَحْصِينِ الْمُدَبَّرَةِ فَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ الْحَجْرِ مِنَحٌ. وَكَذَا الْمُدَبَّرُ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَضَمِنَ بِهِمَا قِيمَتَهُمَا) أَيْ ضَمِنَ الْمَوْلَى بِالِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِهِمَا مَحَلًّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ امْتَنَعَ بَيْعُهُمَا زَيْلَعِيٌّ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَضْمَنَ الْقِيمَةَ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى اخْتِيَارِ الْغُرَمَاءِ، فَلَوْ زَادَ إنْ شَاءُوا لَكَانَ أَوْلَى لِمَا فِي الْمُحِيطِ، وَإِنْ شَاءُوا اسْتَسْعَوْا الْعَبْدَ فِي دَيْنِهِمْ، وَإِنْ ضَمِنُوا الْمَوْلَى لَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى يَعْتِقَ. وَفِيهِ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِثَلَاثَةٍ لِكُلِّ أَلْفٍ اخْتَارَ اثْنَانِ ضَمَانَ الْمَوْلَى فَضَمَّنَاهُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ، وَاخْتَارَ الثَّالِثُ اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ فِي جَمِيعِ دَيْنِهِ جَازَ، وَلَا يُشَارِكُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِيمَا قَبَضَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْغَرِيمُ وَاحِدًا فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ حَقُّهُ فِي الْآخَرِ طُورِيٌّ (قَوْلُهُ فَقَطْ) أَيْ لَا مَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ مِنْ الدَّيْنِ بَلْ يُطَالِبَانِ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ (قَوْلُهُ إنَّ مَا مَعَهُ) قَيَّدَ بِالْمَعِيَّةِ إذْ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ رَقَبَتِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ لَا يَصِحُّ، حَتَّى لَا تُبَاعَ رَقَبَتُهُ بِالدَّيْنِ إجْمَاعًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ صَحِيحٌ) أَيْ بِشُرُوطٍ تُؤْخَذُ مِنْ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ. وَهِيَ أَنْ لَا يَكُونَ إقْرَارُهُ بَعْدَ أَخْذِ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِهِ أَوْ بَعْدَمَا بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ. وَأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِمَا فِي يَدِهِ وَقْتَ الْحَجْرِ وَأَنْ لَا يَكُونَ مَا فِي يَدِهِ اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ (قَوْلُهُ وَقَالَا لَا يَصِحُّ) يَعْنِي حَالًّا وَهُوَ الْقِيَاسُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَعْتِقُ عَبْدٌ إلَخْ) أَيْ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ فَلَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ وَيَسْتَوْفُوا دُيُونَهُمْ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَهُوَ حُرٌّ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى إنَّ الْغُرَمَاءَ لَوْ أَبْرَءُوا الْعَبْدَ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ بَاعُوهُ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ قَضَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 167 وَقَالَا يَمْلِكُهُ فَيَعْتِقُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مُوسِرًا وَلَوْ مُعْسِرًا فَلَهُمْ أَنْ يَضْمَنُوا الْعَبْدَ الْمُعْتَقَ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى ابْنُ كَمَالٍ (وَلَوْ اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَوْلَى لَمْ يُعْتَقْ) وَلَوْ مَلَكَهُ لَعَتَقَ (وَلَوْ أَتْلَفَ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ الرَّقِيقِ ضَمِنَ) وَلَوْ مَلَكَهُ لَمْ يَضْمَنْ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ (وَإِنْ لَمْ يُحِطْ) دَيْنُهُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ (صَحَّ تَحْرِيرُهُ) إجْمَاعًا (وَ) صَحَّ (إعْتَاقُهُ) حَالَ كَوْنِ (الْمَأْذُون مَدْيُونًا) وَلَوْ بِمُحِيطٍ (وَضَمِنَ الْمَوْلَى لِلْغُرَمَاءِ الْأَقَلَّ مِنْ دَيْنِهِ وَقِيمَتِهِ) وَإِنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْعَبْدَ بِكُلِّ دُيُونِهِمْ وَبِاتِّبَاعِ أَحَدِهِمَا لَا يَبْرَأُ الْآخَرُ فَهُمَا كَكَفِيلٍ مَعَ مَكْفُولٍ عَنْهُ (وَطُولِبَ بِمَا بَقِيَ) مِنْ دَيْنِهِمْ إذَا لَمْ تَفِ بِهِ قِيمَتُهُ (بَعْدَ عِتْقِهِ) لِتَقَرُّرِهِ فِي ذِمَّتِهِ وَصَحَّ تَدْبِيرُهُ وَلَا يَنْحَجِرُ وَيُخَيَّرُ الْغُرَمَاءُ كَعِتْقِهِ إلَّا أَنَّ مَنْ اخْتَارَ أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ شَرْحُ تَكْمِلَةٍ. وَفِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ كَانَ الْمَأْذُونُ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ لَمْ يَضْمَنْ قِيمَتَهُمَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُبَاعَانِ بِالدَّيْنِ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ فَلَهُمْ تَضْمِينُ مَوْلَاهُ زَيْلَعِيٌّ (وَ) الْمَأْذُونُ (إنْ بَاعَهُ سَيِّدُهُ)   [رد المحتار] الْمَوْلَى دَيْنَهُ فَإِنَّهُ حُرٌّ تَتَارْخَانِيَّةٌ عَنْ الْيَنَابِيعِ (قَوْلُهُ وَقَالَا يَمْلِكُهُ) ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ سَبَبَ الْمَلِكِ فِي كَسْبِهِ وَهُوَ مِلْكُ رَقَبَتِهِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ إعْتَاقَهُ وَوَطْءَ الْمَأْذُونَةِ. وَلَهُ أَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى إنَّمَا يَثْبُتُ خِلَافُهُ عَنْ الْعَبْدِ عِنْدَ فَرَاغِهِ عَنْ حَاجَتِهِ وَالْمُحِيطُ بِهِ الدَّيْنُ مَشْغُولٌ بِهَا فَلَا يَخْلُفُهُ فِيهِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَى إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى لَمْ يَعْتِقْ فَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَلَكَهُ لَمْ يَضْمَنْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ عِنْدَ الْقَائِلِ بِالْمِلْكِ لَا يَضْمَنُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الضَّمَانُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَكِنْ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْحَالِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَإِنَّمَا ضَمِنَهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ وَعِنْدَهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لِعَدَمِ مِلْكِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ ذِي الرَّحِمِ أَيْضًا اهـ ح (قَوْلُهُ صَحَّ تَحْرِيرُهُ) أَيْ تَحْرِيرُ الْمَوْلَى الْعَبْدَ الَّذِي اكْتَسَبَهُ الْمَأْذُونُ (قَوْلُهُ إجْمَاعًا) أَيْ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لَا يَمْلِكُ، فَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُهُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ حَالَ كَوْنِ الْمَأْذُونِ) الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ أَيْ الْمَأْذُونُ حَالَ كَوْنِهِ ح (قَوْلُهُ وَلَوْ بِمُحِيطٍ) هَذَا بِالْإِجْمَاعِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَكْسَابِهِ بَعْدَ الِاسْتِغْرَاقِ بِالدَّيْنِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَضَمِنَ الْمَوْلَى إلَخْ) سَوَاءٌ عَلِمَ الْمَوْلَى بِالدَّيْنِ أَوْ لَا بِمَنْزِلَةِ إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ لَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ الْأَقَلَّ مِنْ دَيْنِهِ وَقِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِمَالِيَّتِهِ فَيَضْمَنُهَا، كَمَا إذَا أَعْتَقَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْعَبْدَ) ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُسْتَقِرٌّ فِي ذِمَّتِهِ زَيْلَعِيٌّ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَمَا قَبَضَهُ أَحَدُهُمْ مِنْ الْعَبْدِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْبَاقُونَ، بِخِلَافِ مَا قَبَضَهُ أَحَدُهُمْ مِنْ الْقِيمَةِ الَّتِي عَلَى الْمَوْلَى،؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لَهُمْ عَلَى الْمَوْلَى بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْعِتْقُ وَالدَّيْنُ مَتَى وَجَبَ لِجَمَاعَةٍ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ كَانَ مُشْتَرِكًا بَيْنَهُمْ اهـ طُورِيٌّ (قَوْلُهُ لَا يَبْرَأُ الْآخَرُ) ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنٌ عَلَى حِدَةٍ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ،؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَاجِبٌ عَلَى أَحَدِهِمَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ بَعْدَ عِتْقِهِ) مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ قَدْ أَعْتَقَ (قَوْلُهُ وَصَحَّ تَدْبِيرُهُ إلَخْ) إنَّمَا أَعَادَ صَدْرَ الْمَسْأَلَةِ مَعَ تَصْرِيحِ الْمُصَنِّفِ بِهِ آنِفًا لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ عَجْزَهَا ط (قَوْلُهُ وَيُخَيَّرُ الْغُرَمَاءُ) إنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْمَوْلَى قِيمَةَ الْعَبْدِ وَإِنْ شَاءُوا اسْتَسْعَوْا الْعَبْدَ فِي دُيُونِهِمْ، فَإِنْ ضَمَّنُوا الْمَوْلَى الْقِيمَةَ فَلَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى يُعْتِقَ وَبَقِيَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ اسْتَسْعَوْا الْعَبْدَ أَخَذُوا مِنْ السِّعَايَةِ دُيُونَهُمْ بِكَمَالِهَا وَبَقِيَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا عَلَى حَالِهِ هِنْدِيَّةٌ، وَبِهِ ظَهَرَ مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ ط أَيْ فِي قَوْلِهِ: إلَّا إنَّ إلَخْ بِخِلَافِ الْعِتْقِ كَمَا مَرَّ فَإِنَّهُ بِاتِّبَاعِ أَحَدِهِمَا لَا يَبْرَأُ الْآخَرُ (قَوْلُهُ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ) وَهُمَا تَضْمِينُ الْمَوْلَى وَاسْتِسْعَاءُ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى إلَخْ) هَذَا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَصَحَّ إعْتَاقُهُ لَا بِمَسْأَلَةِ الْمُدَبَّرِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ فَلَهُمْ أَنْ يُضَمِّنُوا مَوْلَاهُ الْقِيمَةَ، وَلَيْسَ هَذَا كَإِعْتَاقِ الرَّاهِنِ عَبْدَ الرَّهْنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ مُعْسِرٌ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 168 بِأَقَلَّ مِنْ الدُّيُونِ (وَغَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ إذَا قَدَرُوا عَلَى الْعَبْدِ كَانَ لَهُمْ فَسْخُ الْبَيْعِ كَمَا مَرَّ (ضَمَّنَ الْغُرَمَاءُ الْبَائِعَ قِيمَتَهُ) لِتَعَدِّيهِ (فَإِنْ رَدَّ) الْعَبْدُ (عَلَيْهِ بِعَيْبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ) مُطْلَقًا أَوْ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ (أَوْ بَعْدَهُ بِقَضَاءٍ رَجَعَ) السَّيِّدُ (بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَعَادَ حَقُّهُمْ فِي الْعَبْدِ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ (وَإِنْ رَدَّ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا بِقَضَاءٍ فَلَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ لِلْمَوْلَى وَلَا لِعَبْدِ عَلَى الْقِيمَةِ) ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالتَّرَاضِي إقَالَةٌ وَهِيَ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا (وَإِنْ فَضَلَ مِنْ دَيْنِهِمْ شَيْءٌ رَجَعُوا بِهِ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ) كَمَا مَرَّ (أَوْ ضَمَّنُوا مُشْتَرِيَهُ)   [رد المحتار] ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ عَنْ الرَّهْنِ بِإِذْنِهِ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ لَا يَبْرَأُ مِنْ الدَّيْنِ بِإِذْنِ الْغَرِيمِ اهـ أَيْ فِي عِتْقِهِ أَمَّا الْمُدَبَّرُ فَلَا ضَمَانَ بِإِعْتَاقِهِ مُطْلَقًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ التَّعْلِيلِ فَتَدَبَّرْ ط. وَعِبَارَةُ الطُّورِيِّ وَقَوْلُهُ: وَضَمِنَ شَمَلَ مَا إذَا أَعْتَقَ بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ إلَخْ (قَوْلُهُ بِأَقَلَّ مِنْ الدُّيُونِ) أَيْ وَكَانَ بِلَا إذْنِ الْغُرَمَاءِ وَالدَّيْنُ حَالٌّ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِخِلَافِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمَوْلَى نِهَايَةٌ. وَزَادَ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ لِأَبِي اللَّيْثِ وَكَانَ الْبَيْعُ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ، أَمَّا لَوْ بَاعَهُ بِقِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ وَقَبَضَ وَهُوَ فِي يَدِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّضْمِينِ، وَلَكِنْ يَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَيْهِمْ اهـ نَقَلَهُ السَّائِحَانِيُّ (قَوْلُهُ وَغَيَّبَهُ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ كَانَ لَهُمْ فَسْخُ الْبَيْعِ) أَيْ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي لَهُمْ بِالْقِيمَةِ فَلَوْ بَعْدَهُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي عَنْ الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ قَبْلَ نَحْوِ صَفْحَةٍ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ (قَوْلُهُ ضَمَّنَ الْغُرَمَاءُ الْبَائِعَ قِيمَتَهُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ قَدْرَ الثَّمَنِ أَوْ دُونَهُ أَوْ أَزْيَدَ هَذَا إذَا كَانَتْ قَدْرَ الدَّيْنِ أَوْ دُونَهُ، فَلَوْ كَانَتْ أَزْيَدَ يَضْمَنُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَقَطْ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ لِتَعَدِّيهِ) أَيْ بِبَيْعِهِ وَتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُشْتَرِي مِنَحٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ رَدَّ الْعَبْدَ) يَعْنِي إذَا اخْتَارُوا أَخَذَ الْقِيمَةَ مِنْ الْمَوْلَى ثُمَّ ظَهَرَ الْعَبْدُ وَاطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ رَدَّهُ بِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَخْ) نَظَرَ فِيهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِأَنَّ الصُّورَةَ فِيمَا إذَا غَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي، وَلَيْسَ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ قَالَ: وَلَعَلَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ مُطْلَقًا لِيُقَابِلَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ بَعْدَهُ بِقَضَاءٍ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا ح (قَوْلُهُ أَوْ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ) أَيْ مُطْلَقًا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا فَكَانَ عَلَيْهِ تَأْخِيرٌ قَيَّدَ الْإِطْلَاقَ إلَى هُنَا ح، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْتَجْ لِلْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ فَيَكُونُ الرَّدُّ فَسْخًا وَخِيَارُ الشَّرْطِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ فَكَأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَهُوَ الرِّضَا، وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ فَالرَّدُّ بِهِمَا لَا يَكُونُ إلَّا فَسْخًا رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بَعْدَهُ بِقَضَاءٍ) رَاجِعٌ لِمَا فِي الْمَتْنِ أَيْ أَوْ رَدَّ بِعَيْبٍ بَعْدَ الْقَبْضِ بِقَضَاءٍ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَضَاءِ يَصِيرُ فَسْخًا رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ) أَيْ مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِالْعَبْدِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَالتَّسْلِيمُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فَصَارَ كَالْغَاصِبِ إذَا بَاعَ وَسَلَّمَ وَضَمِنَ الْقِيمَةَ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَغْصُوبَ عَلَى الْمَالِكِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ الَّتِي دَفَعَهَا إلَيْهِ (قَوْلُهُ فَلَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ) أَيْ فِي اسْتِسْعَائِهِ (قَوْلُهُ وَلَا لِلْمَوْلَى عَلَى الْقِيمَةِ) أَيْ فِي اسْتِرْدَادِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ (قَوْلُهُ وَهِيَ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا) أَيْ غَيْرِ الْمُتَبَايِعَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِقَالَةِ أَنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَالْغُرَمَاءُ ثَالِثٌ فَفِي حَقِّهِمْ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ مُشْتَرِيهِ وَبَيْعُهُ الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ رَحْمَتِيٌّ. فَلِذَا قَالَ: فَلَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا لِلْمَوْلَى عَلَى الْقِيمَةِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْغَيْرِ الْعَبْدَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ ضَمَّنُوا مُشْتَرِيَهُ) أَيْ ضَمَّنُوهُ الْقِيمَةَ.؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ وَالتَّغْيِيبِ زَيْلَعِيٌّ. قَالَ ح: وَأَنْتَ خَبِيرٌ أَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 169 عَطْفٌ عَلَى الْبَائِعِ أَيْ إنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْمُشْتَرِيَ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ (أَوْ أَجَازُوا الْبَيْعَ وَأَخَذُوا الثَّمَنَ) لَا قِيمَةَ الْعَبْدِ (وَإِنْ بَاعَهُ) السَّيِّدُ (مُعْلِمًا بِدَيْنِهِ) يَعْنِي مُقِرًّا بِهِ لَا مُنْكِرًا كَمَا سَيَجِيءُ   [رد المحتار] الثَّمَنَ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ فِي مَسْأَلَتِنَا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، لَكِنَّ الْقِيمَةَ قَدْ تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ. فَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ ضَمَانِ الْقِيمَةِ بِمَا إذَا كَانَتْ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ. أَمَّا لَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ إلَّا مِقْدَارَ الدَّيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى وَحِينَئِذٍ يُنْظَرُ فِي كَيْفِيَّةِ الرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ اهـ قَالَ ط: إنْ كَانَ الثَّمَنُ قَدْرَ مَا ضَمِنَ مِنْ الْقِيمَةِ رَجَعَ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَضْمُونُ أَكْثَرَ فَلَا وَجْهَ لِرُجُوعِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالزِّيَادَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ عُطِفَ عَلَى الْبَائِعِ) إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ كَانَ قَوْلُهُ ضَمَّنُوا لَيْسَ مِنْ عِبَارَةِ الْمَتْنِ وَهُوَ خِلَافُ مَا رَأَيْنَاهُ فِي النُّسَخِ وَعَلَيْهِ فَهُوَ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ ضَمَّنَ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ (قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ مِنْهُ كَأَخْذِ الْعَيْنِ زَيْلَعِيٌّ، وَقَوْلُهُ: بِالثَّمَنِ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ، بَلْ بِمَا أَدَّاهُ لِلْبَائِعِ مِنْ الثَّمَنِ وَمَا بَقِيَ مِنْ الْقِيمَةِ لَا مُطَالَبَةَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ بِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ اهـ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ أَوْ أَجَازُوا الْبَيْعَ إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ. حَاصِلُهُ: أَنَّ الْغُرَمَاءَ يُخَيَّرُونَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إجَازَةُ الْبَيْعِ، وَتَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءُوا، ثُمَّ إنْ ضَمَّنُوا الْمُشْتَرِيَ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ ضَمَّنُوا الْبَائِعَ سَلَّمَ الْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي وَتَمَّ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَأَيُّهُمَا اخْتَارُوا تَضْمِينَهُ بَرِئَ الْآخِرُ حَتَّى لَا يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ وَإِنْ نَوَيْت الْقِيمَةَ عِنْدَ الَّذِي اخْتَارُوهُ، وَلَوْ ظَهَرَ الْعَبْدُ بَعْدَمَا اخْتَارُوا تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا لَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ إنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى لَهُمْ بِالْقِيمَةِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَحَوَّلَ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ، وَإِنْ قَضَى بِالْقِيمَةِ بِقَوْلِ الْخَصْمِ مَعَ يَمِينِهِ، وَقَدْ ادَّعَى الْغُرَمَاءُ أَكْثَرَ مِنْهُمْ فَهُمْ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا رَضُوا بِالْقِيمَةِ، وَإِنْ شَاءُوا رَدُّوهُمَا وَأَخَذُوا الْعَبْدَ فَبِيعَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ كَمَالُ حَقِّهِمْ بِزَعْمِهِمْ وَهُوَ نَظِيرُ الْمَغْصُوبِ فِي ذَلِكَ كَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ. قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ: الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَغْصُوبِ مَشْرُوطٌ بِأَنْ تَظْهَرَ الْعَيْنُ وَقِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِمَّا ضَمِنَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ هُنَا ذَلِكَ، وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ يَدَّعِيَ الْغُرَمَاءُ أَكْثَرَ مِمَّا ضَمِنَ وَأَنَّ كَمَالَ حَقِّهِمْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ بِزَعْمِهِمْ، وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ كَبِيرٌ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى قَدْ تَكُونُ غَيْرَ مُطَابِقَةٍ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مِثْلَ مَا ضَمِنَ أَوْ أَقَلَّ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ الْخِيَارُ فِيهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُمْ الْخِيَارُ إذَا ظَهَرَ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِمَّا ضَمِنَ فَلَا يَكُونُ الْمَذْكُورُ هُنَا مُلَخَّصًا اهـ. وَيُجَابُ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّلَبِيُّ عَنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ بِأَنَّ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا مَا أَخَذُوا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ مَا ضَمِنَ أَوْ أَقَلَّ؛ لِأَنَّ لَهُمْ فِيهِ فَائِدَةً وَهُوَ حَقُّ اسْتِسْعَائِهِ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ أَبُو السُّعُودِ وَبِمِثْلِهِ أَجَابَ الطُّورِيُّ (قَوْلُهُ مُعْلِمًا بِدَيْنِهِ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ الْإِعْلَامِ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ السَّيِّدِ. وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَأَعْلَمَهُ بِالدَّيْنِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ أَيْ أَعْلَمَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بِأَنَّ هَذَا الْعَبْدَ مَدْيُونٌ، وَفَائِدَتُهُ سُقُوطُ خِيَارِ الْمُشْتَرِي فِي الرَّدِّ بِعَيْبِ الدَّيْنِ حَتَّى يَقَعَ الْبَيْعُ لَازِمًا فِيمَا بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ثَمَنِهِ وَفَاءٌ بِدُيُونِهِمْ اهـ وَمِثْلُهُ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَسَيُشِيرُ إلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ يَعْنِي مُقِرًّا بِهِ لَا مُنْكِرًا كَمَا سَيَجِيءُ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ قَوْلَهُ مُعْلِمًا حَالٌ مِنْ السَّيِّدِ الْبَائِعِ فَهُوَ وَصْفٌ لَهُ وَاَلَّذِي سَيَجِيءُ اعْتِبَارُ إقْرَارِ الْمُشْتَرِي لَا الْبَائِعِ، وَأَصْلُ هَذَا الْكَلَامِ لِابْنِ الْكَمَالِ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ فَائِدَةَ قَوْلِهِ مُعْلِمًا تَظْهَرُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَإِنْ غَابَ الْبَائِعُ فَالْمُشْتَرِي لَيْسَ بِخَصْمٍ لَهُمْ لَوْ مُنْكِرًا دَيْنَهُ قَالَ فَإِنَّهُ دَلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهُ يُخَاصِمُ مُقِرًّا فَلَا بُدَّ مِنْ فَرْضِ الْعِلْمِ حَتَّى يَتَيَسَّرَ تَصْوِيرُ الْإِنْكَارِ مَرَّةً وَالْإِقْرَارُ أُخْرَى اهـ لَكِنَّهُ لَمْ يُفَسِّرْ الْإِعْلَامَ بِالْإِقْرَارِ كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ، بَلْ جَعَلَهُ مَبْنَى تَصْوِيرِ الْإِنْكَارِ الْآتِي صَرِيحًا وَالْإِقْرَارِ الْمَفْهُومِ ضِمْنًا وَلِذَا قَالَ ح: إنَّ قَوْلَهُ مُقِرًّا بِهِ لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْمَتْنِ وَلَا تَقْيِيدًا لَهُ وَقَدْ غَلِطَ فِي عِبَارَةِ ابْنِ الْكَمَالِ وَلَمْ يَفْهَمْهَا اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 170 لِتَحَقُّقِ الْمُخَاصَمَةِ وَيَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي لَا الْغُرَمَاءِ (فَلِلْغُرَمَاءِ رَدُّ الْبَيْعِ) إنْ لَمْ يَصِلْ ثَمَنُهُ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُمْ الثَّمَنَ دَلِيلُ الرِّضَا لِلْبَيْعِ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ مُحَابَاةٌ فَإِمَّا أَنْ تُرْفَعَ أَوْ يُنْقَضَ الْبَيْعُ ابْنُ كَمَالٍ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَكَانَ الْبَيْعُ بِلَا طَلَبِ الْغُرَمَاءِ وَالثَّمَنُ لَا يَفِي بِدَيْنِهِمْ وَإِلَّا فَالْبَيْعُ نَافِذٌ   [رد المحتار] وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ يَعْنِي مُقِرًّا تَفْسِيرًا لِمَفْعُولِ بَاعَ الْأَوَّلَ: أَيْ بَاعَ مُشْتَرِيًا مُقِرًّا أَوْ حَالًّا مِنْ الْمُشْتَرِي الْمَفْهُومِ مِنْ الْمَقَامِ وَلَوْ قَالَ لِمُقِرٍّ لَكَانَ أَظْهَرَ وَفِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ مِنْ الْفَائِدَةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ رُبَاعِيَّةٌ غَابَ الْعَبْدُ، وَقَدْ مَرَّ غَابَ الْبَائِعُ أَوْ غَابَ الْمُشْتَرِي وَسَيَأْتِي، حَضَرَ الْكُلُّ: وَهِيَ الَّتِي الْكَلَامُ فِيهَا وَلِذَا قَالَ ط: هَذَا مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ حَاضِرًا لِيُبَايِنَ قَوْلَهُ سَابِقًا، وَإِنْ بَاعَهُ سَيِّدُهُ وَغَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ حَاضِرًا فَلَهُمْ الْفَسْخُ بِحَضْرَتِهِمَا لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْضَحَ اهـ وَفِي هَذِهِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُقِرًّا بِالدَّيْنِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا فَعَلَى الْغُرَمَاءِ إثْبَاتُهُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ لِوُجُودِ الْخَصْمِ فِيهَا، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي غَيْبَةِ الْبَائِعِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُقِرًّا لَهُمْ رَدُّ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ خَصْمٌ وَإِلَّا فَلَا، فَقَوْلُهُ مُعْلِمًا فِي مَسْأَلَةِ حَضْرَةِ الْكُلِّ لَا يَظْهَرُ لَهُ فَائِدَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَصْلًا وَإِنَّمَا فَائِدَتُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا فَتَدَبَّرْ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ لِتُحَقَّقَ الْمُخَاصَمَةُ) تُحَقَّقَ فِعْلٌ مُضَارِعٌ حُذِفَ مِنْهُ إحْدَى التَّاءَيْنِ وَالْمُخَاصَمَةُ فَاعِلٌ يَعْنِي أَنَّ فَائِدَةَ إقْرَارِ الْمُشْتَرِي بِالدَّيْنِ فِيمَا إذَا غَابَ الْبَائِعُ صِحَّةُ كَوْنِهِ خَصْمًا لِلْغُرَمَاءِ فِي رَدِّ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ فَلِلْغُرَمَاءِ رَدُّ الْبَيْعِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِهِ وَهُوَ حَقُّ الِاسْتِسْعَاءِ أَوْ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ رَقَبَتِهِ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَائِدَةٌ فَالْأَوَّلُ تَامٌّ مُؤَخَّرٌ، وَالثَّانِي نَاقِصٌ مُعَجَّلٌ وَبِالْبَيْعِ تَفُوتُ هَذِهِ الْخِيرَةُ فَكَانَ لَهُمْ رَدُّهُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَصِلْ ثَمَنُهُ إلَيْهِمْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَالُوا تَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ الثَّمَنُ فَإِنْ وَصَلَ وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ لِوُصُولِ حَقِّهِمْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُمْ لَا يَكُونُ لَهُمْ خِيَارُ الْفَسْخِ عِنْدَ وُصُولِ الثَّمَنِ إلَيْهِمْ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْعِ مُحَابَاةٌ، وَإِنْ لَمْ يَفِ الثَّمَنُ بِحَقِّهِمْ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَيْعِ مُحَابَاةٌ ثَبَتَ لَهُمْ خِيَارُ الْفَسْخِ، وَإِنْ وَفَّى الثَّمَنُ بِحَقِّهِمْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَهُمْ خِيَارُ الْفَسْخِ إذَا لَمْ يَفِ الثَّمَنُ بِحَقِّهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُحَابَاةٌ لِأَجْلِ الِاسْتِسْعَاءِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ بِنَفْسِهِ قُبَيْلَهُ وَلَا خِيَارَ لَهُمْ إنْ وَفَّى الثَّمَنُ بِحَقِّهِمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُحَابَاةٌ لِوُصُولِ حَقِّهِمْ إلَيْهِ وَلَوْ قَالَ وَتَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا بَاعَهُ بِثَمَنٍ لَا يَفِي بِدَيْنِهِمْ اسْتَقَامَ وَزَالَ الْإِشْكَالُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ إذَا لَمْ يَفِ بِدَيْنِهِمْ لَهُمْ نَقْضُ الْبَيْعِ كَيْفَمَا كَانَ، وَإِذَا وَفَّى لَيْسَ لَهُمْ نَقْضُهُ كَيْفَمَا كَانَ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ تَأْجِيلِ الدَّيْنِ وَطَلَبِهِمْ الْبَيْعَ، وَوَفَاءِ الثَّمَنِ بِالدَّيْنِ فَالْبَيْعُ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَجُوزَ بِإِجَازَةِ الْغُرَمَاءِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُمْ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَصِلْ ثَمَنُهُ إلَيْهِمْ وَالتَّقْدِيرُ: فَإِنْ وَصَلَ لَيْسَ لَهُمْ الرَّدُّ؛ لِأَنَّ إلَخْ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِالْبَيْعِ ط. ثُمَّ إنَّ هَذَا جَوَابٌ عَنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَأَصْلُهُ لِصَاحِبِ النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ: اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ وَصَلَ وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ رِضَاهُمْ بِأَخْذِ الثَّمَنِ وَهُوَ رِضًا بِالْبَيْعِ ثُمَّ قَالَ: وَلَكِنَّ احْتِمَالَ إحْضَارِ الثَّمَنِ وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الثَّمَنِ بِلَفْظِ الْوُصُولِ بَاقٍ فَكَانَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ قَوْلَ الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ تَأْوِيلُهُ إذَا بَاعَ بِثَمَنٍ لَا يَفِي بِدُيُونِهِمْ اهـ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْوُصُولَ يَحْتَمِلُ مَعْنَى الْإِحْضَارِ وَالتَّخْلِيَةِ كَمَا يَحْتَمِلُ مَعْنَى الْقَبْضِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا. أَقُولُ: لَكِنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ قَبْلَهُ إنَّ لَهُمْ الْخِيَارَ إذَا لَمْ يَفِ الثَّمَنُ بِحَقِّهِمْ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ، عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْوُصُولِ الْقَبْضَ كَيْ لَا يَتَنَاقَضَ كَلَامُهُ وَإِعْمَالُ الْكَلَامِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِهِ سِيَّمَا مِنْ مِثْلِ هَذَا الْإِمَامِ؛ وَلِذَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْكَمَالِ وَجَعَلَ مَا سِوَاهُ مِنْ حَشَاوِي الْأَوْهَامِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ مُحَابَاةٌ) إذْ لَهُمْ حِينَئِذٍ أَنْ يَقُولُوا إنَّمَا قَبَضْنَا الثَّمَنَ لِاعْتِقَادِنَا أَنَّهُ تَمَامُ الْقِيمَةِ ابْنُ كَمَالٍ أَيْ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مَا لَمْ يَفِ الثَّمَنُ بِحَقِّهِمْ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ ثُبُوتُ رَدِّ الْبَيْعِ لِلْغُرَمَاءِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَالْبَيْعُ نَافِذٌ) أَيْ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا،؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَهُ قَادِرًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 171 لِزَوَالِ الْمَانِعِ (وَإِنْ غَابَ الْمَانِعُ) وَقَدْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي (فَالْمُشْتَرِي لَيْسَ بِخَصْمٍ لَهُمْ) أَوْ مُنْكِرًا دَيْنَهُ خِلَافًا لِلثَّانِي وَلَوْ مُقِرًّا فَخَصْمٌ كَمَا مَرَّ (وَلَوْ بِقَلْبِهِ) بِأَنْ غَابَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ حَاضِرٌ (فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ) أَيْ لَا خُصُومَةَ (إجْمَاعًا) يَعْنِي حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي لَكِنْ لَهُمْ تَضْمِينُ الْبَائِعِ قِيمَتَهُ أَوْ إجَازَةُ الْبَيْعِ وَأَخْذُ الثَّمَنِ. (عَبْدٌ قَدِمَ مِصْرًا وَقَالَ أَنَا عَبْدُ فُلَانٍ مَأْذُونٌ فِي التِّجَارَةِ فَبَاعَ وَاشْتَرَى) فَهُوَ مَأْذُونٌ وَحِينَئِذٍ (لَزِمَهُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ التِّجَارَةِ وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ اشْتَرَى) الْعَبْدُ (وَبَاعَ سَاكِتًا عَنْ إذْنِهِ وَحَجْرِهِ) كَانَ مَأْذُونًا اسْتِحْسَانًا لِضَرُورَةِ التَّعَامُلِ وَأَمْرُ الْمُسْلِمِ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّلَاحِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ ضَرُورَةُ شَرْحِ الْجَامِعِ وَمُفَادُهُ تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِالْمُسْلِمِ ابْنُ كَمَالٍ (وَ) لَكِنْ (لَا يُبَاعُ لِدَيْنِهِ) إذَا لَمْ يَفِ كَسْبُهُ (إلَّا إذَا أَقَرَّ مَوْلَاهُ بِهِ) أَيْ بِالْإِذْنِ أَوْ أَثْبَتَهُ الْغَرِيمُ بِالْبَيِّنَةِ   [رد المحتار] عَلَى تَسْلِيمِهِ قَبْلَ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ أَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِإِذْنِهِمْ،؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ، وَمَحَلُّهُ إذَا بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ مُحَابَاةٍ، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ ثُبُوتُ الرَّدِّ لَهُمْ لِمَا تَقَدَّمَ ط. قُلْت: الظَّاهِرُ كَوْنُ الْمَوْلَى وَكِيلًا عَنْهُمْ فَيَجْرِي فِيهِ مَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ تَأَمَّلْ: قَالَ أَبُو السُّعُودِ: وَكَذَا يَنْفُذُ إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْقَاضِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ اهـ أَوْ كَانَ الثَّمَنُ يَفِي بِدَيْنِهِمْ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ قَدْ وَصَلَ إلَيْهِمْ (قَوْلُهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ) وَهُوَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ (قَوْلُهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ لَهُمْ) ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى تَتَضَمَّنُ فَسْخَ الْعَقْدِ، فَيَكُونُ الْفَسْخُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ مُنْكِرًا دَيْنَهُ) أَيْ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُنْكِرًا دَيْنَ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) حَيْثُ قَالَ: هُوَ خَصْمٌ وَيَقْضِي لِلْغُرَمَاءِ بِدَيْنِهِمْ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فِي الْعَيْنِ فَيَكُونُ خَصْمًا لِمَنْ يُنَازِعُهُ فِيهَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُقِرًّا فَخَصْمٌ) ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فَيَفْسَخُ بَيْعَهُ إذَا لَمْ يَفِ الثَّمَنُ بِدُيُونِهِمْ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لَا خُصُومَةَ إجْمَاعًا) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَالْيَدَ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُمَا وَهُوَ غَائِبٌ فَمَا لَمْ يَبْطُلْ مِلْكُهُ لَا تَكُونُ الرَّقَبَةُ مَحَلًّا لِحَقِّهِمْ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لَكِنْ لَهُمْ تَضْمِينُ الْبَائِعِ قِيمَتَهُ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُفَوِّتًا حَقَّهُمْ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ، فَإِذَا ضَمَّنُوهُ الْقِيمَةَ جَازَ الْبَيْعُ فِيهِ وَكَانَ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ إجَازَةُ الْبَيْعِ) وَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ السَّابِقِ، وَلَمْ يَذْكُرْ تَضْمِينَ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ مُقِرًّا بِدُيُونِهِمْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ وَيُحَرَّرُ وَهِيَ الْخِيَارَاتُ الَّتِي جَرَتْ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ ط (قَوْلُهُ فَهُوَ مَأْذُونٌ) أَيْ يَصْدُقُ فِي حَقِّ كَسْبِهِ حَتَّى تُقْضَى بِهِ دُيُونُهُ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ غَيْرَ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرُورَةً وَبَلْوَى،؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْحُجَّةِ عِنْدَ كُلِّ عَقْدٍ غَيْرُ مُمْكِنٍ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ سَاكِتًا) حَالٌ مِنْ الْعَبْدِ أَيْ لَمْ يُخْبِرْ بِشَيْءٍ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ قَوْلِهِ وَأَمْرُ الْمُسْلِمِ وَكَذَا قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ وَدِينَهُ يَمْنَعَانِهِ عَنْ ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ لَكِنْ قَالَ ح فِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ اهـ. قُلْت: لِأَنَّهُ خَبَرٌ فِي الْمُعَامَلَةِ وَقَدْ قَالُوا الْخَبَرُ ثَلَاثَةٌ: خَبَرٌ فِي الدِّيَانَةِ تُشْتَرَطُ لَهُ الْعَدَالَةُ دُونَ الْعَدَدِ، وَخَبَرٌ فِي الشَّهَادَةِ، فَالْعَدَالَةُ وَالْعَدَدُ، وَخَبَرٌ فِي الْمُعَامَلَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ وَاحِدٌ لِئَلَّا يَضِيقَ الْأَمْرُ، وَلِأَنَّهُ فِي الْهِدَايَةِ عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ إنْ أَخْبَرَ بِالْإِذْنِ فَالْإِخْبَارُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَتَصَرُّفُهُ جَائِزٌ،؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَحْجُورَ يَجْرِي عَلَى مُوجِبِ حَجْرِهِ، وَالْعَمَلُ بِالظَّاهِرِ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ كَيْ لَا يَضِيقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ اهـ فَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَى الْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ وَالضَّرُورَةِ، فَيَشْمَلُ الْكُلَّ وَلَا يُنَافِيهِ ذِكْرُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ وَلِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ لِبَعْضِ الْأَشْخَاصِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِالْمُسْلِمِ) أَيْ بِالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ (قَوْلُهُ وَلَكِنْ لَا يُبَاعُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّهَا خَالِصُ حَقِّ الْمَوْلَى، بِخِلَافِ الْكَسْبِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَأَثْبَتَهُ الْغَرِيمُ بِالْبَيِّنَةِ) أَيْ بِحَضْرَةِ الْمَوْلَى وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِي رَقَبَتِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِالدَّيْنِ فَبَاعَ الْقَاضِي أَكْسَابَهُ وَقَضَى دَيْنَ الْغُرَمَاءِ ثُمَّ جَاءَ الْمَوْلَى، وَأَنْكَرَ الْإِذْنَ فَإِنْ بَرْهَنَ الْغُرَمَاءُ عَلَى الْإِذْنِ وَإِلَّا رَدُّوا لِلْمَوْلَى مَا أَخَذُوا مِنْ ثَمَنِ كَسْبِهِ، وَلَا يَنْقُضُ بَيْعُ الْقَاضِي،؛ لِأَنَّهُ لَهُ وِلَايَةُ بَيْعِ مَالِ الْغَائِبِ وَيُؤَخِّرُ حَقَّهُمْ إلَى الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْمَحْجُورَ لَا يُؤَاخَذُ بِأَقْوَالِهِ لِلْحَالِ أَتْقَانِيٌّ عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 172 (وَتَصَرُّفُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ) الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ (إنْ كَانَ نَافِعًا) مَحْضًا (كَالْإِسْلَامِ وَالِاتِّهَابِ صَحَّ بِلَا إذْنٍ وَإِنْ ضَارًّا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ) وَالصَّدَقَةِ وَالْقَرْضِ (لَا وَإِنْ أَذِنَ بِهِ وَلِيُّهُمَا وَمَا تَرَدَّدَ) مِنْ الْعُقُودِ (بَيْنَ نَفْعٍ وَضَرَرٍ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ تَوَقَّفَ عَلَى الْإِذْنِ) حَتَّى لَوْ بَلَغَ فَأَجَازَهُ نَفَذَ (فَإِنْ أَذِنَ لَهُمَا الْوَلِيُّ فَهُمَا فِي شِرَاءٍ وَبَيْعٍ كَعَبْدٍ مَأْذُونٍ) فِي كُلِّ أَحْكَامِهِ. (وَالشَّرْطُ) لِصِحَّةِ الْإِذْنِ (أَنْ يَعْقِلَا الْبَيْعَ سَالِبًا لِلْمِلْكِ) عَنْ الْبَائِعِ (وَالشِّرَاءَ جَالِبًا لَهُ) زَادَ الزَّيْلَعِيُّ: وَأَنْ يَقْصِدَ الرِّبْحَ وَيَعْرِفَ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ مِنْ الْفَاحِشِ   [رد المحتار] مَبْحَثٌ فِي تَصَرُّفِ الصَّبِيِّ وَمَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ وَتَرْتِيبُهَا (قَوْلُهُ وَتَصَرُّفُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ إلَخْ) ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي هَذَا الْكِتَابِ نَظَرًا إلَى إذْنِ وَلِيِّ الصَّبِيِّ، وَكَوْنُهُ مَأْذُونًا بِإِذْنِهِ وَبَيْنَ حُكْمِهِ وَذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الْحَجْرِ حَيْثُ قَالَ: وَمَنْ عَقَدَ مِنْهُمْ وَهُوَ يَعْقِلُهُ أَجَازَهُ وَلِيُّهُ أَوْ رَدَّهُ نَظَرًا إلَى كَوْنِهِ مَحْجُورًا وَبَيْنَ حُكْمِهِ يَعْقُوبِيَّةٌ (قَوْلُهُ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ) صِفَةٌ لِكُلٍّ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ مَحْضًا) أَيْ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ (قَوْلُهُ وَالِاتِّهَابِ) أَيْ قَبُولُ الْهِبَةِ وَقَبْضُهَا وَكَذَا الصَّدَقَةُ قُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ وَإِنْ ضَارًّا) أَيْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَيْ ضَرَرًا دُنْيَوِيًّا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَفْعٌ أُخْرَوِيٌّ كَالصَّدَقَةِ وَالْقَرْضِ (قَوْلُهُ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ) وَلَوْ عَلَى مَالٍ فَإِنَّهُمَا وُضِعَا لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ وَهِيَ ضَرَرٌ مَحْضٌ، وَلَا يَضُرُّ سُقُوطُ النَّفَقَةِ بِالْأَوَّلِ وَحُصُولُ الثَّوَابِ بِالثَّانِي، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُوضَعَا لَهُ إذْ الِاعْتِبَارُ لِلْوَضْعِ وَكَذَا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَغَيْرُهُمَا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا وَإِنْ أَذِنَ بِهِ وَلِيُّهُمَا) لِاشْتِرَاطِ الْأَهْلِيَّةِ الْكَامِلَةِ، وَكَذَا لَوْ أَجَازَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ إلَّا إذَا كَانَتْ بِلَفْظٍ يَصْلُحُ لِابْتِدَاءِ الْعَقْدِ كَأَوْقَعْتُ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ، وَكَذَا لَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِهِ كَأَبِيهِ وَوَصِيِّهِ وَالْقَاضِي لِلضَّرَرِ. قُلْت: وَمَوَاضِعُ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ عَنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ كَمَا لَوْ كَانَ مَجْبُوبًا أَوْ ارْتَدَّ أَوْ أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ وَأَبَى الْإِسْلَامَ أَوْ كَاتَبَ وَلِيَّهُ حَظَّهُ مِنْ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ، وَاسْتَوْفَى بَدَلَهَا فَقَدْ صَارَ الصَّبِيُّ مُطْلَقًا فِي قَوْلٍ كَمَا صَارَ مُعْتَقًا وَتَمَامُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْبُرْجُنْدِيِّ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ كَالْبَيْعِ) أَيْ وَلَوْ بِضِعْفِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِأَصْلِ وَضْعِهِ دُونَ مَا عُرِضَ لَهُ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ وَهُوَ بِأَصْلِهِ مُتَرَدِّدٌ بِخِلَافِ الْهِبَةِ لَهُ وَتَحْقِيقُهُ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ فِي كُلِّ أَحْكَامِهِ) فَيَصِيرُ مَأْذُونًا بِالسُّكُوتِ وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِهِ وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ وَلَا كِتَابَتِهِ كَمَا فِي الْعَبْدِ جَوْهَرَةٌ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِنَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي فِي الْعَبْدِ زَيْلَعِيٌّ ثُمَّ اسْتَثْنَى آخِرَ الْبَابِ فَقَالَ: إلَّا أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِمَا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ، وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ بِخِلَافِ الْمَوْلَى. وَالْفَرْقُ أَنَّ إقْرَارَ الْوَلِيِّ عَلَيْهِمَا شَهَادَةٌ،؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يُقْبَلُ وَدَيْنُهُمَا غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِمَالِهِمَا، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا حُرَّانِ فَكَانَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَتَصَرَّفَ بَعْدَ الدَّيْنِ كَمَا كَانَ لَهُ قَبْلَهُ اهـ. أَقُولُ: وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ فَرْقٌ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْوَلِيِّ لَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ، فَلَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَائِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي تَصَرُّفَاتِ الصَّبِيِّ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ أَنْ يَعْقِلَا الْبَيْعَ إلَخْ) أَيْ أَنْ يَعْرِفَا مَضْمُونَ الْبَيْعِ لَا مُجَرَّدَ الْعِبَارَةِ يَعْقُوبِيَّةٌ وَغَيْرُهَا قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: فَإِنَّهُ مَا مِنْ صَبِيٍّ لُقِّنَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ إلَّا وَيَتَلَقَّنُهُمَا (قَوْلُهُ سَالِبًا لِلْمِلْكِ) أَيْ مِلْكِ الْمَبِيعِ وَجَالِبًا لِلثَّمَنِ وَبِالْعَكْسِ فِي الشِّرَاءِ (قَوْلُهُ زَادَ الزَّيْلَعِيُّ) أَيْ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنْ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمْ (قَوْلُهُ وَأَنْ يَقْصِدَ الرِّبْحَ) كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِأَلِفِ التَّثْنِيَةِ فِي يَقْصِدُ وَيَعْرِفُ لِيُنَاسِبَ الْمَتْنَ ح لَكِنْ حَكَى الشَّارِحُ عِبَارَةَ الزَّيْلَعِيِّ وَإِفْرَادُ الضَّمِيرِ هُنَا بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ وَالْخَطْبُ سَهْلٌ (قَوْلُهُ وَيَعْرِفُ الْغَبْنَ إلَخْ) بَحَثَ شَيْخُنَا فِي هَذَا الشَّرْطِ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْيَسِيرِ وَالْفَاحِشِ مُخْتَصٌّ بِحُذَّاقِ التُّجَّارِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَبَرَ ح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 173 وَهُوَ ظَاهِرٌ [مَبْحَثٌ فِي تَصَرُّفِ الصَّبِيِّ وَمَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ وَتَرْتِيبُهَا] (وَوَلِيُّهُ أَبُوهُ ثُمَّ وَصِيُّهُ) بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ وَصِيُّ وَصِيِّهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ (ثُمَّ) بَعْدَهُمْ (جَدُّهُ) الصَّحِيحُ وَإِنْ عَلَا (ثُمَّ وَصِيُّهُ) ثُمَّ وَصِيُّ وَصِيِّهِ قُهُسْتَانِيُّ زَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَالزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ الْوَالِي بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى (ثُمَّ الْقَاضِي أَوْ وَصِيُّهُ) أَيُّهُمَا تَصَرَّفَ يَصِحُّ فَلِذَا لَمْ يَصِحَّ ثُمَّ (دُونَ الْأُمِّ أَوْ وَصِيِّهَا) هَذَا فِي الْمَالِ   [رد المحتار] قُلْت: وَأَصْلُهُ لِلْعَلَّامَةِ يَعْقُوبَ بَاشَا مُحَشِّي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ ذَكَرَهُ أَوَائِلَ كِتَابِ الْوَكَالَةِ، لَكِنَّهُ بَحْثٌ مُصَادِمٌ لِلْمَنْقُولِ فِي الْمَذْهَبِ، فَالشَّأْنُ فِي تَأْوِيلِهِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ فِيمَا تَكُونُ قِيمَتُهُ مَعْرُوفَةً مَشْهُورَةً وَإِلَّا فَغَيْرُهُ قَدْ يَغْبَنُ فِيهِ أَعْقَلُ النَّاسِ، أَوْ الْمُرَادُ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الْخَمْسَةَ فِيمَا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ مَثَلًا غَبْنٌ فَاحِشٌ، وَأَنَّ الْوَاحِدَ فِيهَا يَسِيرٌ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا غَيْرُ عَاقِلٍ كَصَبِيٍّ دَفَعَ لَهُ رَجُلٌ كَعْبًا وَأَخَذَ بِهِ ثَوْبَهُ فَإِنَّهُ إذَا فَرِحَ بِهِ وَلَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ مَغْبُونٌ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ أَصْلًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ. وَأَجَابَ فِي وَكَالَةِ السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّهُ قَدْ يُقَامُ التَّمَكُّنُ مِنْ الشَّيْءِ مَقَامَ ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَالتَّمَكُّنُ مِنْ الْمَعْرِفَةِ بِالْعَقْلِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي كَلَامُنَا فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا ذُكِرَ كِنَايَةٌ عَنْ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ اللَّازِمِ وَإِرَادَةِ الْمَلْزُومِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ) كَأَنَّهُ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ أَوْ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ. وَالْمَعْنَى أَنْ يَعْرِفَ الْغَبْنَ الْمَذْكُورَ حَالَ كَوْنِهِ ظَاهِرًا لِكُلِّ ذِي عَقْلٍ فَيَكُونُ بِمَعْنَى مَا أَجَبْنَا بِهِ (قَوْلُهُ وَوَلِيُّهُ أَبُوهُ) أَيْ الصَّبِيُّ. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ: وَالْمَعْتُوهُ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ يَأْذَنُ لَهُ الْأَبُ الْوَصِيُّ وَالْجَدُّ دُونَ الْأَخِ وَالْعَمِّ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّبِيِّ ثُمَّ ذَكَرَ بُطْلَانَ إذْنِ ابْنِهِ لَهُ. وَيُمْكِنُ رُجُوعُ الضَّمِيرِ فِي الْمَتْنِ إلَى الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ هَذَا إذَا بَلَغَ مَعْتُوهًا أَمَّا إذَا بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ عَتِهَ لَا تَعُودُ الْوِلَايَةُ إلَى الْأَبِ قِيَاسًا بَلْ إلَى الْقَاضِي أَوْ السُّلْطَانِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: تَعُودُ إلَيْهِ قَبْلَ الْأَوَّلِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالثَّانِيَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَقِيلَ الْأَوَّلُ قَوْلُ زُفَرَ، وَالثَّانِي قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ ثُمَّ وَصِيُّ وَصِيِّهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ أَيْ وَإِنْ بَعُدَ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ الْجَدِّ الْفَاسِدِ كَأَبِي الْأُمِّ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْوَالِي) الْمُرَادُ بِالْوَالِي مَنْ إلَيْهِ تَقْلِيدُ الْقُضَاةِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ صَاحِبِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَيْهِ تَقْلِيدُ الْقُضَاةِ ح وَأَخَّرَ فِي الْعِنَايَةِ الْوَالِيَ عَنْ وَصِيِّ الْقَاضِي قَالَ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ وَفِيهِ كَلَامٌ (قَوْلُهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى) أَيْ ثُبُوتُ الْوِلَايَةِ لِلْوَالِي أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَسْتَمِدُّهَا مِنْهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْقَاضِي أَوْ وَصِيُّهُ) إنَّمَا سُمِّيَ وَصِيًّا مَعَ أَنَّ الْإِيصَاءَ هُوَ الِاسْتِخْلَافُ بَعْدَ الْمَوْتِ،؛ لِأَنَّهُ هُنَا يَصِيرُ خَلِيفَةً لِلْأَبِ كَأَنَّ الْأَبَ جَعَلَهُ وَصِيًّا فَإِنَّ فِعْلَ الْقَاضِي يَصِيرُ كَفِعْلِ الْأَبِ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الشُّمُنِّيِّ. وَاسْتَشْكَلَ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ تَأْخِيرَ الْقَاضِي بِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ أَذِنَ لِلصَّغِيرِ وَأَبَى أَبُوهُ يَصِيرُ مَأْذُونًا قَالَ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمُهُ عَلَى الْأَبِ فِي الْإِذْنِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. أَقُولُ: وَسَنَذْكُرُ جَوَابَهُ (قَوْلُهُ أَيُّهُمَا تَصَرَّفَ صَحَّ إلَخْ) أَيْ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا قَالَهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ كَلِمَةِ التَّرْتِيبِ إلَى التَّسْوِيَةِ إشْعَارًا بِصِحَّةِ وِلَايَةِ كُلٍّ مِنْ الْوَالِي وَالْقَاضِي وَوَصِيِّهِ بَعْدَ مَوْتِ وَصِيِّ وَصِيِّ الْجَدِّ اهـ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْجَدِّ مَعَ وَصِيِّ الْأَبِ، وَلَا لِلْوَالِي وَالْقَاضِي مَعَ الْجَدِّ أَوْ وَصِيِّهِ وَبَعْدَ الْجَدِّ أَوْ وَصِيِّهِ لَا تَرْتِيبَ (قَوْلُهُ دُونَ الْأُمِّ أَوْ وَصِيِّهَا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَأَمَّا مَا عَدَا الْأُصُولَ مِنْ الْعَصَبَةِ كَالْعَمِّ وَالْأَخِ أَوْ غَيْرِهِمْ كَالْأُمِّ وَوَصِيِّهَا وَصَاحِبِ الشُّرْطَةِ لَا يَصِحُّ إذْنُهُمْ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَتَصَرَّفُوا فِي مَالِهِ تِجَارَةً فَكَذَا لَا يَمْلِكُونَ الْإِذْنَ لَهُ فِيهَا وَالْأَوَّلُونَ يَمْلِكُونَ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ فَكَذَا يَمْلِكُونَ الْإِذْنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ اهـ (قَوْلُهُ هَذَا فِي الْمَالِ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ. فَفِي وَكَالَةِ الْبَحْرِ عَنْ خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ: وَلَيْسَ لِوَصِيِّ الْأُمِّ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي تَرِكَةِ الْأُمِّ مَعَ حَضْرَةِ الْأَبِ أَوْ وَصِيِّهِ أَوْ وَصِيِّ وَصِيِّهِ أَوْ الْجَدِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فَلَهُ الْحِفْظُ وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ لَا الْعَقَارِ وَالشِّرَاءُ لِلتِّجَارَةِ، وَمَا اسْتَفَادَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 174 بِخِلَافِ النِّكَاحِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (رَأَى الْقَاضِي الصَّبِيَّ أَوْ الْمَعْتُوهَ أَوْ عَبْدَهُمَا) أَوْ عَبْدَ نَفْسِهِ كَمَا مَرَّ (يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ لَا يَكُونُ) سُكُوتُهُ (إذْنًا فِي التِّجَارَةِ وَ) الْقَاضِي (لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِلْيَتِيمِ وَالْمَعْتُوهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ وَلِعَبْدِهِمَا إذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ (وَلِيٌّ وَامْتَنَعَ) الْوَلِيُّ مِنْ (الْإِذْنِ عِنْدَ طَلَبِ ذَلِكَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقَاضِي زَيْلَعِيٌّ. قُلْت: وَفِي الْبُرْجَنْدِيِّ عَنْ الْخِزَانَةِ لَوْ أَبَى أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ صَحَّ إذْنُ الْقَاضِي لَهُ زَادَ شَارِحُ الْوَهْبَانِيَّةِ وَلَا يَنْحَجِرُ بَعْدَ ذَلِكَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ إلَّا بِحَجْرِ قَاضٍ آخَرَ فَتَدَبَّرْ. [فُرُوعٌ] لَوْ أَقَرَّ الْإِنْسَانُ   [رد المحتار] الصَّغِيرُ مِنْ غَيْرِ مَالِ الْأُمِّ مُطْلَقًا وَتَمَامُهُ فِيهَا اهـ لَكِنْ بِيعَ الْمَنْقُولِ مِنْ الْحِفْظِ قَالَ فِي السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَلِوَصِيِّ الْأُمِّ الْحِفْظُ وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ مِنْ الْحِفْظِ، وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ عَقَارِهِ وَلَا وِلَايَةُ الشِّرَاءِ عَلَى التِّجَارَةِ إلَّا شِرَاءَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَمَا مَلَكَهُ الْيَتِيمُ مِنْ مَالِ غَيْرِ تَرِكَةِ أُمِّهِ فَلَيْسَ لِوَصِيِّ أُمِّهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ مَنْقُولًا أَوْ غَيْرَهُ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ النِّكَاحِ) فَإِنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْأَوْصِيَاءِ فِيهِ بَلْ هُوَ لِلْأَوْلِيَاءِ وَلِلْأُمِّ وِلَايَتُهُ أَيْضًا عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ. [تَتِمَّةٌ] لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَعْتُوهِ الْمَأْذُونِ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ تِجَارَةٌ وَلَيْسَ لِابْنِ الْمَعْتُوهِ أَنْ يَأْذَنَ لِأَبِيهِ الْمَعْتُوهِ، وَلَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ الْأَبُ مَجْنُونًا وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ أَوْ عَبْدَ نَفْسِهِ) أَيْ عَبْدَ الْقَاضِي نَفْسِهِ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ صَاحِبُ الْأَشْبَاهِ وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ أَوَائِلَ كِتَابِ الْمَأْذُونِ (قَوْلُهُ لَا يَكُونُ إذْنًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي مَالِ الْغَيْرِ حَتَّى يَكُونَ الْإِذْنُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَوْ الْكِتَابُ، وَهُوَ يُفِيدُ كَوْنَهُ إذْنًا لِعَبْدِهِ فَيَتَأَيَّدُ مَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) صَوَابُهُ أَوْ كَانَ بِأَوْ بَدَلُ إذَا عَطْفًا عَلَى لَمْ يَكُنْ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ: وَيَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ، وَقَوْلُهُ: وَلِعَبْدِهِمَا عُطِفَ عَلَى الْيَتِيمِ وَالْمَعْتُوهِ. وَانْظُرْ مَا نُكْتَةُ تَأْخِيرِهِ، وَقَوْلُهُ عِنْدَ طَلَبٍ مُتَعَلِّقٍ بِقَوْلِهِ يَأْذَنُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْقَاضِيَ يَصِحُّ إذْنُهُ لَهُمَا عِنْدَ عَدَمِ الْوَلِيِّ، فَإِنْ كَانَ فَلَا إلَّا إذَا امْتَنَعَ الْوَلِيُّ وَهَذَا مَا يَأْتِي عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ وَالنَّظْمِ وَعَلَّلَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِأَنَّ الْأَبَ صَارَ عَاضِلًا لَهُ، فَتَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَى الْقَاضِي بِسَبَبِ عَضَلِهِ كَالْوَلِيِّ فِي بَابِ النِّكَاحِ اهـ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَأَخُّرُ وِلَايَةِ الْأَبِ عَنْ الْقَاضِي: وَلِذَا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَتْ وِلَايَةُ الْقَاضِي مُؤَخَّرَةً عَنْ وِلَايَةِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْيَعْقُوبِيَّةِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ قُلْت وَفِي الْبُرْجَنْدِيِّ إلَخْ) وَمِثْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَعَلَّهُ أَعَادَهُ مَعَ أَنَّهُ مَا فِي الْمَتْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَقْيِيدُ الْإِذْنِ بِوَقْتِ الطَّلَبِ، فَيُفِيدُ أَنَّهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ وَمِثْلُهُ مَا يَأْتِي عَنْ النَّظْمِ، وَكَذَا قَوْلُ الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ فَرَأَى الْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ لَهُ وَأَبَى أَبُوهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا يَتَّجِرُ بَعْدَ ذَلِكَ أَصْلًا) أَيْ وَإِنْ مَاتَ الْقَاضِي أَوْ عُزِلَ بِخِلَافِ مَوْتِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ إلَّا بِحَجْرِ قَاضٍ آخَرَ) فَلَا يَتَّجِرُ بِحَجْرِ الْأَبِ تَتَارْخَانِيَّةٌ [فروع أَقَرَّ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ الْمَأْذُونَانِ بِمَا مَعَهُمَا مِنْ كَسْبٍ أَوْ إرْثٍ] (قَوْلُهُ لَوْ أَقَرَّ الْإِنْسَانُ) أَيْ أَقَرَّ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ الْمَأْذُونَانِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَالْهِنْدِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِنْسَانِ غَيْرُ الْأَبِ الْآذِنُ لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة: الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ إذَا أَقَرَّ لِأَبِيهِ بِمَالٍ فِي يَدِهِ أَوْ بِدَيْنٍ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ اهـ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَأْذُونًا مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي يَصِحُّ إقْرَارُهُ لِأَبِيهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: لَوْ بَاعَ صَبِيٌّ مَأْذُونٌ لَهُ مِنْ أَبِيهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِمَا يَتَغَابَنُ فِيهِ جَازَ فَإِنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ لَمْ يُصَدَّقْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 175 بِمَا مَعَهُمَا مِنْ كَسْبٍ أَوْ إرْثٍ صَحَّ عَلَى الظَّاهِرِ كَمَأْذُونٍ دُرَرٌ. الْمَأْذُونُ لَا يَكُونُ مَأْذُونًا قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا قَالَ بَايِعُوا عَبْدِي فَإِنِّي أَذِنْت لَهُ فَبَايَعُوهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ صَارَ مَأْذُونًا، بِخِلَافِ قَوْلِهِ بَايِعُوا ابْنِي الصَّغِيرَ لَا يَصِحُّ الْإِذْنُ لِلْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ الْمَجْحُودِ وَلَا بَيِّنَةً، وَلَا يَصِيرُ مَحْجُورًا بِمَا عَلَى الصَّحِيحِ أَشْبَاهٌ وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: وَلَوْ أَذِنَ الْقَاضِي لِطِفْلٍ وَقَدْ أَبَى ... أَبُوهُ يَصِحُّ الْإِذْنُ مِنْهُ فَيَتَّجِرُ   [رد المحتار] إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لِلْأَبِ وَقَدْ اسْتَفَادَ الْإِذْنَ مِنْهُ كَمَا لَوْ ادَّعَى الْأَبُ الْإِيفَاءَ اهـ (قَوْلُهُ بِمَا مَعَهُمَا) يَتَنَاوَلُ الْعَيْنَ وَالدَّيْنَ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ صَحَّ عَلَى الظَّاهِرِ) يَعْنِي إنَّ أَقَرَّا أَنَّ مَا وَرِثَاهُ مِنْ أَبِيهِمَا لِفُلَانٍ صَحَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيمَا وَرِثَهُ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِهِ فِي كَسْبِهِ لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ فِي التِّجَارَاتِ وَلَا حَاجَةَ فِي الْمَوْرُوثِ، وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ بِانْضِمَامِ رَأْيِ الْوَلِيِّ الْتَحَقَ بِالْبَالِغِ وَكُلٌّ مِنْ الْمَالَيْنِ مَلَكَهُ فَصَحَّ إقْرَارُهُ فِيهِمَا دُرَرٌ وَكَوْنُ الْمِيرَاثِ مِنْ الْأَبِ غَيْرَ قَيْدٍ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ كَمَأْذُونٍ) هَذَا لَيْسَ فِي الدُّرَرِ عَلَى أَنَّ الْمَأْذُونَ لَا إرْثَ لَهُ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْعِلْمِ إذَا كَانَ الْإِذْنُ قَصْدِيًّا فَلَوْ ضِمْنِيًّا كَهَذِهِ جَازَ بِدُونِهِ وَنَقَلَ الْبِيرِيُّ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مَأْذُونًا قَالَ فَصَارَ فِيهِ رِوَايَتَانِ (قَوْلُهُ فَبَايَعُوهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ صَارَ مَأْذُونًا) فَكَانَ لَهُ أَنْ يُبَايِعَ غَيْرَهُمْ، وَلَوْ لَمْ يُبَايِعُوهُ بَلْ بَايَعَهُ قَوْمٌ آخَرُونَ لَا تَصِحُّ مُبَايَعَتُهُمْ وَلَا يَصِيرُ مَأْذُونًا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ ثَبَتَ فِي ضِمْنِ مُبَايَعَةِ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ فَلَا يَثْبُتُ الْإِذْنُ قَبْلَهَا تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَبِهِ يَظْهَرُ كَوْنُ الْإِذْنِ فِيهَا ضِمْنِيًّا وَإِنْ قَالَ فَإِنِّي أَذِنْت لَهُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ بَايَعُوا ابْنِي الصَّغِيرَ) لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ الْفَرْقِ فَلْيُنْظَرْ حَمَوِيٌّ. قُلْت: وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَا فَرْقَ وَفِي شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَذْهَانِ عَنْ الزِّيَادَاتِ لَوْ قَالَ بِعْ عَبْدَك مِنْ ابْنِي الصَّغِيرِ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ بِهَا إنْ عَلِمَ الِابْنُ أَمْرَ الْأَبِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: جَازَ مُطْلَقًا، وَحَمَلَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ الْأَوَّلَ عَلَى الْقِيَاسِ، وَالثَّانِيَ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ وَبَعْضُهُمْ قَالَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْإِذْنَ بِالتَّصَرُّفِ لَوْ ثَبَتَ مَقْصُودًا يُشْتَرَطُ لَهُ عِلْمُ الْمَأْذُونِ وَلَوْ ثَبَتَ ضِمْنًا لِغَيْرِهِ، فَقِيلَ فِيهِ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ، وَقِيلَ رِوَايَتَانِ. وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ اهـ مُلَخَّصًا. قَالَ أَبُو السُّعُودِ: وَهُوَ صَرِيحٌ فِي رَدِّ الْمُخَالَفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بَايَعُوا ابْنِي الصَّغِيرَ اهـ وَأَقَرَّهُ شَيْخُنَا هِبَةُ اللَّهِ الْبَعْلِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ الْإِذْنُ لِلْآبِقِ) عَلَّلُوا عَدَمَ انْحِجَارِ الْعَبْدِ بِالْإِبَاقِ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ بِأَنَّهُ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْإِذْنِ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي فَنِّ الْقَوَاعِدِ مِنْ الْأَشْبَاهِ فَقَالَ: الْإِذْنُ لَهُ صَحِيحٌ، لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَنَا أَنْ نَمْنَعَهُ؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ يَمْنَعُ الِابْتِدَاءَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ، وَذَكَرَ فِي الْعِنَايَةِ إنْ عَلِمَ بِهِ كَانَ مَأْذُونًا (قَوْلُهُ الْمَجْحُودِ وَلَا بَيِّنَةَ) أَيْ تَشْهَدُ بِالْغَصْبِ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَذِنَ لِلْآبِقِ لَا يَصِحُّ وَإِنْ عَلِمَ الْآبِقُ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مَعَ مَنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ صَحَّ وَإِنْ أَذِنَ لِلْمَغْصُوبِ أَنَّ الْغَاصِبَ مُقِرًّا أَوْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ فِي هَذَا الْوَجْهِ جَازَ بَيْعُهُ فَجَازَ إذْنُهُ (قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) فِي الْخَانِيَّةِ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ يَنْحَجِرُ بِالْإِبَاقِ لَا الْمُدَبَّرُ الْمَأْذُونُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَا يَنْحَجِرُ بِالْغَصْبِ، وَكَذَا بِالْأَسْرِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بَلْ بَعْدَهُ، فَإِنْ وَصَلَ إلَى مَوْلَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَعُودُ مَأْذُونًا، وَكَذَا إنْ عَادَ مِنْ الْإِبَاقِ فِي الْأَصَحِّ اهـ مُلَخَّصًا قَالَ فِي شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَذْهَانِ: فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ اهـ أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِبَاقِ فَكَلَامُهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُدَبَّرِ الْمَأْذُونِ لَا الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ أَيْ الْقِنِّ وَبِهِ تَنْدَفِعُ الْمُنَافَاةُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي الْمَتْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَذِنَ الْقَاضِي) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 176 وَضَمِنَ يَعْقُوبُ الصَّغِيرُ وَدِيعَةً ... وَتَحْلِيفُهُ يُفْتَى بِهِ حَيْثُ يُنْكِرُ وَلَوْ رَهَنَ الْمَحْجُورُ أَوْ بَاعَ أَوْ شَرَى ... وَجَوَّزَهُ الْمَوْلَى فَمَا يَتَغَيَّرُ لِتَوَقُّفِ تَصَرُّفِ الْمَحْجُورِ عَلَى الْإِجَازَةِ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ بَلْ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَأَجَازَهَا الْعَبْدُ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فَأَعْتَقَهُ فَأَجَازَهَا لَمْ تَصِحَّ إجَازَتُهُ قَالَ وَكَذَا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ. قُلْت: وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا هُوَ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً ضَارٍ فَلَا يَصِحُّ بِإِذْنِ وَلِيِّ الصَّغِيرِ كَالْقَرْضِ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. كِتَابُ الْغَصْبِ (هُوَ) لُغَةً: أَخْذُ الشَّيْءِ مَالًا أَوْ غَيْرَهُ كَالْحُرِّ عَلَى وَجْهِ التَّغَلُّبِ. وَشَرْعًا (إزَالَةُ يَدٍ مُحِقَّةٍ)   [رد المحتار] مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا مَرَّ مَتْنًا وَشَرْحًا (قَوْلُهُ يَعْقُوبُ) هُوَ اسْمُ يُوسُفَ الْعَلَمُ (قَوْلُهُ الصَّغِيرُ) أَيْ الْمَحْجُورُ وَفِي الْقُنْيَةِ اسْتَوْدَعَ صَبِيًّا أَلْفًا فَاسْتَهْلَكَهَا لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَضْمَنُ فِي مَالِهِ وَلَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ الْوَدِيعَةَ فَعَطِبَتْ عَلَى الْخِلَافِ، وَإِنْ اسْتَوْدَعَهَا عَبْدًا مَحْجُورًا فَاسْتَهْلَكَهَا ضَمِنَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُبَاعُ فِيهَا وَلَوْ كَانَتْ عَبْدًا فَقَتَلَهُ الصَّبِيُّ أَوْ الْعَبْدُ فَهُوَ كَقَتْلِهِمَا مَا لَيْسَ بِوَدِيعَةٍ عِنْدَهُمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ رَوْحَ الْعَبْدِ، وَلَا التَّسْلِيطَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَتَاعِ وَالدَّابَّةِ وَلَوْ أَقْرَضَ صَبِيًّا وَعَبْدًا مَحْجُورَيْنِ لَا ضَمَانَ فِي الْحَالِ وَلَا الْمَآلِ بِلَا خِلَافٍ، وَقِيلَ الْقَرْضُ عَلَى الْخِلَافِ شُرُنْبُلَالِيٌّ (قَوْلُهُ وَتَحْلِيفُهُ إلَخْ) أَيْ الْمَأْذُونِ أَيْ لَوْ ادَّعَى عَلَى الْمَأْذُونِ شَيْئًا فَأَنْكَرَهُ اخْتَلَفُوا فِي تَحْلِيفِهِ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ يَحْلِفُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى خَانِيَّةٌ فَلَوْ قَالَ: وَحَلَفَ مَأْذُونًا إذَا هُوَ يُنْكِرُ لَكَانَ أَشْبَهَ شُرُنْبُلَالِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ رَهْن الْمَحْجُورُ) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ مِثْلَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَمَا يَتَغَيَّرُ) أَيْ بَلْ يَبْقَى مَا صَنَعَهُ عَلَى حَالِهِ لِصِحَّتِهِ بِإِجَازَةِ مَوْلَاهُ (قَوْلُهُ قَالَ) يَعْنِي ابْنَ وَهْبَانَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَكَذَا) أَيْ كَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ فِيمَا ذَكَرَ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) الْبَحْثُ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ عَلَى أَنَّ هَذَا وَارِدٌ عَلَى الْقَرْضِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي النَّظْمِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فَهُوَ اعْتِرَاضٌ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ ح أَقُولُ هُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ التَّصَرُّفِ الْمَذْكُورِ فِي التَّعْلِيلِ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْغَصْبِ] ِ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ كَمَا قَالَ الأتقاني: أَنَّ الْمَأْذُونَ يَتَصَرَّفُ فِي الشَّيْءِ بِالْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ وَالْغَاصِبُ بِلَا إذْنِ شَرْعِيٍّ، وَلَمَّا كَانَ الْأَوَّلُ مَشْرُوعًا قَدَّمَهُ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْغَصْبَ نَوْعَانِ مَا فِيهِ إثْمٌ وَمَا لَا إثْمَ فِيهِ وَأَنَّ الضَّمَانَ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا (قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ) وَقَدْ يُسَمَّى الْمَغْصُوبُ غَصْبًا تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ (قَوْلُهُ إزَالَةُ يَدٍ مُحِقَّةٍ) أَيْ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ لِيُخْرِجَ الْجُلُوسَ عَلَى الْبِسَاطِ، فَإِنَّ الْإِزَالَةَ مَوْجُودَةٌ فِيهِ لَكِنْ لَا بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ ح وَفِي كَوْنِ الْإِزَالَةِ مَوْجُودَةً هُنَا نَظَرٌ كَمَا سَتَعْرِفُهُ فَتَدَبَّرْ. وَلَا يَضْمَنُ مَا صَارَ مَعَ الْمَغْصُوبِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ كَمَا إذَا غَصَبَ دَابَّةً فَتَبِعَتْهَا أُخْرَى أَوْ وَلَدُهَا لَا يَضْمَنُ التَّابِعَ لِعَدَمِ الصُّنْعِ، وَكَذَا لَوْ حَبَسَ الْمَالِكَ عَنْ مَوَاشِيهِ حَتَّى ضَاعَتْ لَا يَضْمَنُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِعَدَمِ إثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ زَيْلَعِيٌّ فَإِنْ قِيلَ وُجِدَ الضَّمَانُ فِي مَوَاضِعَ وَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يُزِلْ يَدَ الْمَالِكِ بَلْ أَزَالَ يَدَ الْغَاصِبِ وَالْمُلْتَقِطِ إذَا لَمْ يَشْهَدْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِشْهَادِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُزِلْ يَدًا وَتُضْمَنُ الْأَمْوَالُ بِالْإِتْلَافِ تَسَبُّبًا كَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، وَلَيْسَ ثَمَّةَ إزَالَةُ يَدِ أَحَدٍ وَلَا إثْبَاتُهَا؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ الضَّمَانَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَا مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقِ الْغَصْبِ بَلْ مِنْ حَيْثُ وُجُودُ التَّعَدِّي كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. وَقَالَ الدِّيرِيُّ فِي التَّكْمِلَةِ. وَقَدْ يَدْخُلُ فِي حُكْمِ الْغَصْبِ مَا لَيْسَ بِغَصْبٍ إنْ سَاوَاهُ فِي حُكْمِهِ كَجُحُودِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْأَخْذُ وَلَا النَّقْلُ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 177 وَلَوْ حُكْمًا كَجُحُودِهِ لَمَّا أَخَذَهُ قَبْلَ أَنْ يُحَوِّلَهُ (بِإِثْبَاتِ يَدٍ مُبْطِلَةٍ) وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ إثْبَاتَ الْيَدِ فَقَطْ وَالثَّمَرَةَ فِي الزَّوَائِدِ فَثَمَرَةُ بُسْتَانٍ مَغْصُوبٍ لَا تُضْمَنُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ دُرَرٌ (فِي مَالٍ) فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي مَيْتَةٍ وَحُرٍّ (مُتَقَوِّمٍ)   [رد المحتار] إذَا عَلِمْت هَذَا ظَهَرَ سُقُوطُ مَا أَوْرَدَهُ الشَّلَبِيُّ مَعْزِيًّا لِلْخَانِيَّةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَتَلَ إنْسَانًا فِي مَفَازَةٍ وَتَرَكَ مَالَهُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ غَصْبًا مَعَ عَدَمِ أَخْذِ شَيْءٍ وَمَا إذَا غَصَبَ عِجْلًا فَاسْتَهْلَكَهُ حَتَّى يَبِسَ لَبَنُ أُمِّهِ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْعِجْلِ وَنُقْصَانَ الْأُمِّ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فِي الْأُمِّ شَيْئًا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ لَا بِاعْتِبَارِ تَحَقُّقِ الْغَصْبِ بَلْ مِنْ حَيْثُ وُجُودُ التَّعَدِّي، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْغَصْبُ أَبُو السُّعُودِ. أَقُولُ: الْتِزَامُ هَذَا يُوجِبُ ضَمَانَ الْعَقَارِ وَالزَّوَائِدَ لِوُجُودِ التَّعَدِّي فَلْيُتَأَمَّلْ وَزَادَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ قَوْلِهِ إزَالَةُ يَدٍ مُحِقَّةٍ أَوْ قَصْرُهَا عَنْ مِلْكِهِ كَمَا إذَا اسْتَخْدَمَ عَبْدًا لَيْسَ فِي يَدِ مَالِكِهِ. قُلْت: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَشْمَلُ الْعَقَارَ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ إخْرَاجُهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ حُكْمًا) مُبَالَغَةٌ عَلَى قَوْلِهِ إزَالَةُ يَدٍ فَإِنَّ يَدَ الْمُودَعِ يَدُ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ قَبْلَ الْجُحُودِ وَبَعْدَهُ أُزِيلَتْ يَدُ صَاحِبِهَا حُكْمًا، وَلَوْ أَخَّرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ بِإِثْبَاتِ يَدٍ مُبْطِلَةٍ لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّ ذَلِكَ إثْبَاتُ يَدٍ مُبْطِلَةٍ حُكْمًا فَيَكُونُ رَاجِعًا إلَيْهِمَا ط. وَعَلَى مَا مَرَّ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّعْمِيمِ فَإِنَّهُ تَعَدٍّ لَا غَصْبٍ، لَكِنْ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي ضَمَانِ الْمُودَعِ عَنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدَّيْنِ لَوْ جَحَدَهَا إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا نَقَلَهَا مِنْ مَكَان كَانَتْ فِيهِ حَالَ الْجُحُودِ وَإِلَّا فَلَا، فَلَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الضَّمَانِ فِي الْوَجْهَيْنِ فَلَهُ وَجْهٌ اهـ وَعَلَى الْأَوَّلِ الْإِزَالَةُ حَقِيقِيَّةً تَأَمَّلْ. نَعَمْ نُقِلَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْمُنْتَقَى الضَّمَانُ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ بِإِثْبَاتِ يَدٍ مُبْطِلَةٍ) الْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِسْكِينٌ وَالنِّسْبَةُ بَيْنَ إزَالَةِ الْيَدِ وَإِثْبَاتِهَا بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ الْوَجْهِيِّ، فَيَجْتَمِعَانِ فِي أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ يَدِ مَالِكِهِ بِلَا رِضَاهُ وَيَنْفَرِدُ الْأَوَّلُ فِي تَبْعِيدِ الْمَالِكِ، وَالثَّانِي فِي زَوَائِدِ الْمَغْصُوبِ أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: الْأَصْلُ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ لَا إثْبَاتُ الْمُبْطِلَةِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ فِي يَدِ إنْسَانٍ دُرَّةٌ فَضَرَبَ عَلَى يَدِهِ فَوَقَعَتْ فِي الْبَحْرِ يَضْمَنُ، وَإِنْ فُقِدَ إثْبَاتُ الْيَدِ وَلَوْ تَلِفَ ثَمَنُ بُسْتَانٍ مَغْصُوبٍ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ وُجِدَ الْإِثْبَاتُ لِعَدَمِ إزَالَةِ الْيَدِ اهـ وَهَذَا مُنْطَبِقٌ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَمَا يَأْتِي فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْغَصْبَ هُوَ الْإِزَالَةُ فَقَطْ، وَهُوَ خِلَافُ كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِزَالَةِ وَالْإِثْبَاتِ مَعًا لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ: وَذَكَرَ الزَّاهِدِيُّ أَنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مَا هُوَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ فَيُشْتَرَطُ لَهُ إزَالَةُ الْيَدِ وَمَا هُوَ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ فَيُشْتَرَطُ لَهُ إثْبَاتُ الْيَدِ اهـ أَيْ كَغَصْبِ الْعَقَارِ فَإِنَّهُ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ دُونَ الضَّمَانِ عِنْدَهُمَا قَالَ أَبُو السُّعُودِ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ فِي كَلَامِهِمْ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ إثْبَاتَ الْيَدِ فَقَطْ) وَاعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ إزَالَةَ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ فِي غَصْبِ الْمَنْقُولِ وَفِي غَيْرِهِ يُقِيمُ الِاسْتِيلَاءَ مَقَامَ الْإِزَالَةِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي النِّهَايَةِ وَلِذَا ضَمِنَ الْعَقَارَ وَإِنْ لَمْ تَتَحَقَّقْ فِيهِ الْإِزَالَةُ (قَوْلُهُ وَالثَّمَرَةَ إلَخْ) أَيْ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي زَوَائِدِ الْمَغْصُوبِ (قَوْلُهُ لَا تُضْمَنُ عِنْدَنَا) أَيْ بِالْهَلَاكِ مُتَّصِلَةٌ أَوْ مُنْفَصِلَةٌ لِعَدَمِ إزَالَةِ الْيَدِ مَا لَمْ يَمْنَعْهَا الطَّلَبُ فَتُضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ غَايَةُ الْبَيَانِ. قُلْت: وَسَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ مَتْنًا أَنَّهَا تُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي أَيْضًا وَشَرْحًا لَوْ طَلَبَ الْمُتَّصِلَةَ لَا يَضْمَنُ (قَوْلُهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي مَيْتَةٍ وَحُرٍّ) وَكَذَا فِي كَفٍّ مِنْ تُرَابٍ وَقَطْرَةِ مَاءٍ وَمَنْفَعَةٍ، فَلَوْ مَنَعَ صَاحِبُ الْمَاشِيَةِ مِنْ نَفْعِهَا فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ النِّهَايَةِ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالْمَيْتَةِ أَيْ حَتْفَ أَنْفِهَا مِنْ غَيْرِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ أَمَّا الْمُنْخَنِقَةُ وَمَا فِي حُكْمِهَا فَهِيَ مِنْ الثَّانِي وَهُوَ غَيْرُ الْمُتَقَوِّمِ، وَأَمَّا السَّمَكُ وَالْجَرَادُ فَهُوَ مَالٌ يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْغَصْبُ اهـ (قَوْله مُتَقَوِّمٌ) هُوَ بِكَسْرِ الْوَاوِ حَيْثُ وَرَدَ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ، وَلَا يَصِحُّ الْفَتْحُ عَلَى أَنْ يَكُونَ اسْمَ مَفْعُولٍ، فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَقَوَّمَ وَهُوَ قَاصِرٌ وَاسْمُ الْمَفْعُولِ لَا يُبْنَى إلَّا مِنْ مُتَعَدٍّ رَحْمَتِيٌّ عَنْ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلدَّمِيرِيِ وَفَسَّرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ بِمُبَاحِ الِانْتِفَاعِ شَرْعًا قَالَ: وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَعَازِفِ عِنْدَهُمَا اهـ وَكَأَنَّهُ لَمْ يُفَسِّرْهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ مَالٍ لَكِنْ يَخْرُجُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 178 فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي خَمْرِ مُسْلِمٍ (مُحْتَرَمٍ) فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي مَالِ حَرْبِيٍّ (قَابِلٍ لِلنَّقْلِ) فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الْعَقَارِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْوَدِيعَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَوْقُوفَ مَضْمُونٌ بِالْإِتْلَافِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ أَصْلًا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ فَلَوْ قَالَ بِلَا إذْنِ مَنْ لَهُ الْإِذْنُ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْكَمَالِ لَكَانَ أَوْلَى (لَا بِخُفْيَةٍ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ السَّرِقَةِ وَفِيهِ لِابْنِ الْكَمَالِ كَلَامٌ (فَاسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ وَتَحْمِيلُ الدَّابَّةِ غَصْبٌ) لِإِزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ (لَا جُلُوسِهِ عَلَى بِسَاطٍ) لِعَدَمِ إزَالَتِهَا فَلَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يَهْلَكْ بِفِعْلِهِ، وَكَذَا لَوْ دَخَلَ دَارَ إنْسَانٍ وَأَخَذَ مَتَاعًا وَجَحَدَ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ لَمْ يُحَوِّلْهُ وَلَمْ يَجْحَدْ لَمْ يَضْمَنْ مَا لَمْ يَهْلَكْ بِفِعْلِهِ أَوْ يُخْرِجُهُ مِنْ الدَّارِ خَانِيَّةٌ (وَحُكْمُهُ الْإِثْمُ لِمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ وَرَدُّ الْعَيْنِ قَائِمَةً وَالْغُرْمُ هَالِكَةً   [رد المحتار] عَنْهُ خَمْرُ الذِّمِّيِّ مَعَ أَنَّ الْغَصْبَ يَجْرِي فِي مَالِ الْكَافِرِ لَا مَحَالَةَ كَمَا فِي الْعَزْمِيَّةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِابْنِ الْكَمَالِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِقَوْلِهِ خَمْرِ مُسْلِمٍ، فَالْأَوْلَى تَفْسِيرُهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ شَرْعًا وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ قَوْلِهِ مَالٌ فَيَكُونُ فَصْلًا فَلَا يَتَكَرَّرُ (قَوْلُهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي خَمْرِ مُسْلِمٍ) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى: غَصَبَ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْرًا فَعَلَيْهِ ضَمَانُ الرَّدِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ اهـ فَقَوْلُهُ لَا يَتَحَقَّقُ أَيْ غَصْبُ الضَّمَانِ لَا غَصْبُ الرَّدِّ فَتَأَمَّلْ ط (قَوْلُهُ فِي مَالِ حَرْبِيٍّ) كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالتَّبْيِينِ لَكِنْ مَعَ زِيَادَةِ كَوْنِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ) مُسْتَدْرَكٌ مَعَ إزَالَةِ الْيَدِ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا لَمْ يَذْكُرْ الْقَيْدَ فِي الْأَوَّلِ احْتَاجَ إلَى هَذَا الْقَيْدِ ح. قَالَ ط قُلْت: قَدْ يُوجَدُ الْفِعْلُ فِي غَيْرِ الْقَابِلِ كَمَا إذَا هَدَمَ الدَّارَ وَكَرَى الْأَرْضَ اهـ، يَعْنِي أَنَّ الْعَيْنَ يَشْمَلُ غَيْرَ الْقَابِلِ فَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ أَحْسَنُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الْعَقَارِ) خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِعَدَمِ إزَالَةِ الْيَدِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ، وَالثَّانِي فِي الْوَقْفِ كَمَا فِي الْعِمَادِيِّ اهـ وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ ح (قَوْلُهُ عَنْ الْوَدِيعَةِ) أَيْ وَنَحْوَهَا كَالْعَارِيَّةِ لِصِدْقِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِمَا سِوَى قَوْلِهِ بِإِثْبَاتِ يَدٍ مُبْطِلَةٍ وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ (قَوْلُهُ لَكَانَ أَوْلَى) أَيْ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُرَادَ بِالْمَالِكِ وَلَوْ لِلْمَنْفَعَةِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ أَوْ لِلتَّصَرُّفِ، وَكَالْوَقْفِ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ وَمَا فِي يَدِ وَكِيلٍ أَوْ أَمِينٍ (قَوْلُهُ وَفِيهِ لِابْنِ الْكَمَالِ كَلَامٌ) حَاصِلُهُ: أَنَّ السَّرِقَةَ دَاخِلَةٌ بِاعْتِبَارِ أَصْلِهَا فِي الْغَصْبِ إلَّا أَنَّ فِيهَا خُصُوصِيَّةً أَدْخَلَتْهَا فِي الْحُدُودِ، فَلَا يُنَافِي دُخُولَهَا بِاعْتِبَارِ أَصْلِهَا فِي الْغَصْبِ كَالشِّرَاءِ مِنْ الْفُضُولِيِّ، فَإِنَّهُ غَصْبٌ مَعَ أَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي بَابِهِ مِنْ الْبُيُوعِ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنْ خُصُوصِيَّةٍ بِهَا صَارَ مِنْ مَسَائِلِ الْبُيُوعِ اهـ وَأَجَابَ السَّائِحَانِيُّ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: لَا بِخُفْيَةٍ مَا يَقْطَعُ بِهِ فَإِنَّهُ لَوْ هَلَكَ لَا يَضْمَنُ مَعَ أَنَّ الْمَغْصُوبَ شَأْنُهُ أَنْ يُضْمَنَ بَعْدَ الْهَلَاكِ اهـ وَهُوَ حَسَنٌ (قَوْلُهُ فَاسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ) أَيْ وَلَوْ مُشْتَرَكًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَهَذَا لَوْ اسْتَعْمَلَهُ لِنَفْسِهِ فَلَوْ لِغَيْرِهِ أَيْ فِي عَمَلِ غَيْرِهِ لَا ضَمَانَ كَمَا يَأْتِي آخِرَ الْغَصْبِ، وَسَنَذْكُرُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ هُنَاكَ أَنَّ هَذَا أَيْضًا إذَا خَدَمَهُ عَقِبَ الِاسْتِخْدَامِ وَإِلَّا لَا ضَمَانَ (قَوْلُهُ وَتَحْمِيلُ الدَّابَّةِ) أَيْ وَلَوْ مُشْتَرَكَةً وَكَذَا رُكُوبُهَا، فَيَضْمَنُ نَصِيبَ صَاحِبِهَا، وَلَوْ رَكِبَ فَنَزَلَ وَتَرَكَهَا فِي مَكَانِهَا لَمْ يَضْمَنْ،؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَمْ يَتَحَقَّقْ بِدُونِ النَّقْلِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الِاسْتِخْدَامُ كَذَلِكَ قُهُسْتَانِيُّ. لَكِنْ إذَا تَلْفِت بِنَفْسِ الْحِمْلِ وَالرُّكُوبِ يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يُحَوِّلْهَا لِوُجُودِ الْإِتْلَافِ بِفِعْلِهِ كَمَا يَأْتِي، وَكَذَا يَضْمَنُ بَيْعَ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّابَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَتَسْلِيمَهَا لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ كَمَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ أَبُو السُّعُودِ وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ آخِرَ الشَّرِكَةِ عَنْ الْمُحِبِّيَّةِ (قَوْلُهُ لِإِزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ) أَيْ وَإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ فِيهِمَا مِنَحٌ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ إزَالَتِهَا) أَيْ يَدِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْبَسْطَ فِعْلُ الْمَالِكِ فَتَبْقَى يَدُ الْمَالِكِ مَا بَقِيَ أَثَرُ فِعْلِهِ، لِعَدَمِ مَا يُزِيلُهَا بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ تَبْيِينٌ وَغَيْرُهُ، وَمِثْلُهُ لَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ وَلَمْ يَزَلْ عَنْ مَكَانِهِ مِعْرَاجٌ، فَقَوْلُ ح صَوَابُهُ لِإِزَالَتِهَا لَا بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ اهـ فِيهِ كَلَامٌ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَدَّمَهُ عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ دَخَلَ إلَخْ) التَّشْبِيهُ فِي الضَّمَانِ الْمُقَدَّرِ بَعْدَ قَوْلِهِ مَا لَمْ يَهْلَكْ بِفِعْلِهِ فَإِنَّ تَقْدِيرَهُ فَيَضْمَنُ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُحَوِّلْهُ) أَيْ يُحَوِّلَ مَا اسْتَعْمَلَهُ مِنْ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 179 وَلِغَيْرِ مَنْ عَلِمَ الْأَخِيرَانِ) فَلَا إثْمَ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ وَهُوَ مَرْفُوعٌ بِالْحَدِيثِ (الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَضْمِينِ الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ إلَّا إذَا كَانَ فِي الْوَقْفِ الْمَغْصُوبِ بِأَنْ غَصَبَهُ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ وَكَانَ الثَّانِي أَمْلَأَ مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الثَّانِي) كَذَا فِي وَقْفِ الْخَانِيَّةِ   [رد المحتار] وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَجْحَدْ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ أَخْذِ الْمَتَاعِ وَهُوَ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَجَحَدَ، وَمِثْلُهُ الدَّابَّةُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَعَدَ فِي ظَهْرِهَا وَلَمْ يُحَوِّلْهَا لَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يَجْحَدْهَا وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يَهْلَكْ بِفِعْلِهِ أَوْ يُخْرِجْهُ مِنْ الدَّارِ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتَاعِ أَيْضًا فَانْظُرْ مَا أَحْسَنَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ الْقَلِيلَةَ وَمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الْفَوَائِدِ الْجَلِيلَةِ (قَوْلُهُ وَلِغَيْرِ مَنْ عَلِمَ الْأَخِيرَانِ) أَيْ وَحُكْمُهُ لِغَيْرِ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ الرَّدُّ أَوْ الْغُرْمُ فَقَطْ دُونَ الْإِثْمِ (قَوْلُهُ بِالْحَدِيثِ) وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» مَعْنَاهُ رُفِعَ مَأْثَمُ الْخَطَأِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مُخَيَّرٌ إلَخْ) وَكَذَا لَهُ تَضْمِينُ كُلٍّ بَعْضًا كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا وَيَسْتَثْنِي أَيْضًا مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ هَشَّمَ إبْرِيقَ فِضَّةٍ لِأَحَدٍ ثُمَّ هَشَّمَهُ الْآخَرُ بَرِئَ الْأَوَّلُ مِنْ الضَّمَانِ وَضَمِنَ الثَّانِي مِثْلَهَا، وَكَذَا لَوْ صَبَّ مَاءً عَلَى بُرٍّ ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ الْآخَرُ مَاءً وَزَادَ فِي نُقْصَانِهِ بَرِئَ الْأَوَّلُ وَضَمِنَ الثَّانِي قِيمَتَهُ يَوْمَ صَبِّ الثَّانِي إذْ لَا يُمْكِنُ لِلْمَالِكِ رَدُّ الْبُرِّ وَالْإِبْرِيقِ إلَى الْحَالَةِ الَّتِي فَعَلَ الْأَوَّلُ لِيُضَمِّنَهُ الْمِثْلَ أَوْ الْقِيمَةَ اهـ تَأَمَّلْ. هَذَا وَكَالْغَصْبِ مِنْهُ مَا إذَا رَهَنَهُ الْغَاصِبُ أَوْ آجَرَهُ أَوْ أَعَارَهُ فَهَلَكَ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. وَقَالَ فِي حَاوِي الْقُدْسِيِّ: الْغَاصِبُ إذَا أَوْدَعَ الْمَغْصُوبَ عِنْدَ إنْسَانٍ فَهَلَكَ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهُمَا شَاءَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُودَعَ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ وَإِنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ، وَإِنْ غُصِبَ مِنْ الْغَاصِبِ فَهَلَكَ فِي يَدِ الثَّانِي إنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ رَجَعَ عَلَى الثَّانِي بِيرِيٌّ وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ الْفَصْلِ مَسَائِلُ أُخَرُ (قَوْلُهُ الْمَغْصُوبِ) نَعْتٌ لِلْوَقْفِ (قَوْلُهُ بِأَنْ غَصَبَهُ) أَيْ الْغَاصِبُ الثَّانِي (قَوْلُهُ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ قَيْدٌ لِقَوْلِهِ غَصَبَهُ (قَوْلُهُ كَذَا فِي وَقْفِ الْخَانِيَّةِ) أَيْ فِي آخِرِ إجَارَةِ الْأَوْقَافِ مِنْهَا. وَنَصُّهَا: رَجُلٌ غَصَبَ أَرْضًا مَوْقُوفَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ ثُمَّ غَصَبَ مِنْ الْغَاصِبِ رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ مَا ازْدَادَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ وَصَارَتْ تُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ، فَإِنَّ الْمُتَوَلِّي يَتْبَعُ الْغَاصِبَ الثَّانِيَ إنْ كَانَ مَلِيًّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى جَعْلَ الْعَقَارِ مَضْمُونَةً بِالْغَصْبِ،؛ لِأَنَّ تَضْمِينَ الثَّانِي أَنْفَعُ لِلْفَقِيرِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَمْلَأَ مِنْ الثَّانِي يَتْبَعُ الْأَوَّلَ،؛ لِأَنَّ تَضْمِينَ الْأَوَّلِ يَكُونُ أَنْفَعَ لِلْوَقْفِ وَإِذَا اتَّبَعَ الْقَيِّمُ أَحَدَهُمَا بَرِئَ الْآخَرُ عَنْ الضَّمَانِ كَالْمَالِكِ إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي بَرِئَ الْآخِرُ اهـ وَهَكَذَا نَقَلَهَا الْبِيرِيُّ، وَنَقَلَهَا أَيْضًا فِي شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَذْهَانِ. لَكِنْ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَمْلَأَ مِنْ الثَّانِي يَتْبَعُ الْقَيِّمُ أَحَدَهُمَا وَبِاتِّبَاعِ أَحَدِهِمَا يَبْرَأُ الْآخَرُ عَنْ الضَّمَانِ إلَخْ قَالَ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ: فَالنَّقْلُ عَنْ الْخَانِيَّةِ قَدْ اخْتَلَفَ، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ يُسْتَفَادُ مِنْ مَفْهُومِهَا مُوَافَقَةُ مَا ذَكَرَهُ الْبِيرِيُّ اهـ. أَقُولُ: الَّذِي وَجَدْتُهُ فِي الْخَانِيَّةِ هُوَ مَا قَدَّمْتُهُ بِحُرُوفِهِ وَالْمُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُوَ الثَّانِي. وَقَدْ يُقَالُ: لَا مُخَالَفَةَ وَلَا اخْتِلَافَ فِي النَّقْلِ فَإِنَّ قَوْلَ الْخَانِيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَمْلَأَ يَتْبَعُ الْأَوَّلَ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ اللُّزُومِ، بَلْ لَهُ أَنْ يَتْبَعَ الثَّانِيَ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ فَمَنْ قَالَ يَتْبَعُ أَحَدَهُمَا أَتَى بِحَاصِلِ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ، وَيُقِرُّ بِهِ أَنَّهُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ أَمْلَأَ فَيُفِيدُ أَنَّ الثَّانِيَ مَلِيءٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ أَمْلَأَ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ، فَلِذَا كَانَ الْقَيِّمُ بِالْخِيَارِ، وَهَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مُخَيَّرٌ إلَّا إذَا كَانَ إلَخْ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّانِي أَمْلَأَ أَيْ بِأَنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَمْلَأَ يَبْقَى عَلَى خِيَارِهِ فَقَوْلُ ح فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اخْتِصَارُ مَحَلٍّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 180 وَفِي غَصْبِهَا غَصَبَ عِجْلًا فَاسْتَهْلَكَهُ وَيَبِسَ لَبَنُ أُمِّهِ ضَمِنَ قِيمَةَ الْعِجْلِ وَنُقْصَانَ الْأُمِّ وَفِي كَرَاهِيَتِهَا مَنْ هَدَمَ حَائِطَ غَيْرِهِ ضَمِنَ نُقْصَانَهُ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِعِمَارَتِهِ إلَّا فِي حَائِطِ الْمَسْجِدِ. وَفِي الْقُنْيَةِ: تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ بِإِذْنِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ إلَّا إذَا تَصَرَّفَ فِي مَالِ امْرَأَتِهِ   [رد المحتار] مَدْفُوعٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَفِي غَصْبِهَا) أَيْ غَصْبِ الْخَانِيَّةِ وَنَقَلَهُ فِي النِّهَايَةِ عَنْهَا وَعَنْ الذَّخِيرَةِ قَائِلًا إنَّ هَذَا الْفَرْعَ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرُوهُ حَيْثُ أَوْجَبَ نُقْصَانَ الْأُمِّ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الْغَاصِبُ فِي الْأُمِّ فِعْلًا يُزِيلُ يَدَ الْمَالِكِ اهـ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ أَوَّلَ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ مَنْ هَدَمَ حَائِطَ غَيْرِهِ ضَمِنَ نُقْصَانَهُ) فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الْحَائِطِ وَالنَّقْضُ لِلضَّامِنِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ النَّقْضَ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى الْبِنَاءِ كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَطَرِيقُ تَضْمِينِ النُّقْصَانِ أَنْ تُقَوَّمَ الدَّارُ مَعَ حِيطَانِهَا وَتُقَوَّمَ بِدُونِ هَذِهِ الْحَائِطِ فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا اهـ، وَمِنْهُ يَظْهَرُ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَمَوِيٌّ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْحَائِطُ جَدِيدًا أَمَرَ بِإِعَادَتِهِ وَإِلَّا لَا. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ مِنْ التُّرَابِ وَأَعَادَهُ مِثْلَ مَا كَانَ بَرِئَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْخَشَبِ فَأَعَادَهُ كَمَا كَانَ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ بَنَاهُ مِنْ خَشَبٍ آخَرَ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ، حَتَّى لَوْ عَلِمَ أَنَّ الثَّانِيَ أَجْوَدُ يَبْرَأُ اهـ وَفِيهَا لَوْ فِيهِ تَصَاوِيرُ مَصْبُوغَةٌ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْجِدَارِ وَالصَّبْغِ لَا التَّصَاوِيرِ،؛ لِأَنَّهَا حَرَامٌ اهـ يَعْنِي إذَا كَانَتْ لِذِي رَوْحٍ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا أَيْضًا أَبُو السُّعُودِ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْوَقْفِ بِيرِيٌّ، وَأَمَّا الْوَقْفُ فَيَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ إلَّا فِي حَائِطِ الْمَسْجِدِ) لَمْ يَذْكُرْهُ قَاضِي خَانْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي الْفَرْقُ بَيْنَ حَائِطِ الْمَسْجِدِ وَحَائِطِ غَيْرِهِ، وَالْعِلَّةُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ جَارِيَةٌ فِي حَائِطِ الْمَسْجِدِ حَمَوِيٌّ وَفِي شَرْحِ الْبِيرِيِّ، أَمَّا الْوَقْفُ فَقَدْ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَإِذَا غَصَبَ الدَّارَ الْمَوْقُوتَةَ فَهَدَمَ بِنَاءَ الدَّارِ وَقَطَعَ الْأَشْجَارَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الْأَشْجَارِ وَالنَّخِيلِ وَالْبِنَاءِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ الْغَاصِبُ عَلَى رَدِّهَا وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ مَبْنِيًّا وَقِيمَةَ النَّخِيلِ نَابِتًا فِي الْأَرْضِ،؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ وَرَدَ هَكَذَا اهـ. [مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ هُدِمَ حَائِطٌ] 1 ٌ أَقُولُ: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ رَدُّ الْبِنَاءِ كَمَا كَانَ وَجَبَ وَلَمْ يَفْصِلْ فِيهِ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوَقْفِ وَلِهَذَا قَالَ الْبِيرِيُّ فِيمَا سَبَقَ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْوَقْفِ. وَفِي إجَارَاتِ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا وَقْفًا فَهَدَمَهَا وَجَعَلَهَا طَاحُونًا أَوْ فُرْنًا أَجَابَ بِأَنَّهُ يَنْظُرُ الْقَاضِي، إنْ كَانَ مَا غَيْرُهَا إلَيْهِ أَنْفَعَ وَأَكْثَرَ رَيْعًا أَخَذَ مِنْهُ الْأُجْرَةَ وَأَبْقَى مَا عُمْرُهُ لِلْوَقْفِ وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ، وَإِلَّا أُلْزِمَ بِهَدْمِهِ وَإِعَادَتِهِ إلَى الصِّفَةِ الْأُولَى بَعْدَ تَعْزِيرِهِ بِمَا يَلِيقُ بِحَالِهِ اهـ. فَظَهَرَ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوَقْفِ، بِخِلَافِ الْمِلْكِ وَيَحْتَاجُ إلَى وَجْهِ الْفَرْقِ كَمَا مَرَّ، وَلَعَلَّهُ قَوْلُهُمْ يُفْتِي بِمَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَعْمِيرَهُ كَمَا كَانَ أَنْفَعَ مِنْ الضَّمَانِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَلَى الْفُصُولَيْنِ عَنْ الْحَاوِي: وَلَوْ أَلْقَى نَجَاسَةً فِي بِئْرٍ خَاصَّةٍ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ دُونَ النَّزَحِ وَفِي بِئْرِ الْعَامَّةِ يُؤْمَرُ بِنَزْحِهَا كَمَا مَرَّ فِي هَدْمِ حَائِطِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ لِلْهَادِمِ نَصِيبًا فِي الْعَامَّةِ وَيَتَعَذَّرُ تَمْيِيزُ نَصِيبِ غَيْرِهِ عَنْ نَصِيبِهِ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ بِخِلَافِ الْخَاصَّةِ اهـ (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ إلَخْ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 181 فَمَاتَتْ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ بِإِذْنِهَا وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ (وَيَجِبُ رَدُّ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ) مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ تَغَيُّرًا فَاحِشًا مُجْتَبًى (فِي مَكَانِ غَصْبِهِ) لِتَفَاوُتِ الْقِيَمِ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ (وَيَبْرَأُ بِرَدِّهَا وَلَوْ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمَالِكِ) فِي الْبَزَّازِيَّةِ غَصَبَ دَرَاهِمَ إنْسَانٍ مِنْ كِيسِهِ ثُمَّ رَدَّهَا فِيهِ بِلَا عِلْمِهِ بَرِئَ وَكَذَا لَوْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ بِجِهَةٍ أُخْرَى كَهِبَةٍ أَوْ إيدَاعٍ أَوْ شِرَاءٍ وَكَذَا   [رد المحتار] وَنَصُّهَا: رَجُلٌ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِي غَلَّاتِ امْرَأَتِهِ وَيَدْفَعُ ذَهَبَهَا بِالْمُرَابَحَةِ ثُمَّ مَاتَتْ فَادَّعَى وَرَثَتُهَا أَنَّك كُنْت تَتَصَرَّفُ فِي مَالِهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا فَعَلَيْك الضَّمَانُ فَقَالَ الزَّوْجُ: بَلْ بِإِذْنِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ،؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ أَيْ وَالظَّاهِرُ يَكْفِي لِلدَّفْعِ حَمَوِيٌّ. قُلْت: وَسَيَأْتِي فِي شَتَّى الْوَصَايَا فِيمَا لَوْ عَمَّرَ دَارَ زَوْجَتِهِ أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِهِ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ فِي رَدِّ الْمَغْصُوبِ وَفِيمَا لَوْ أَبَى الْمَالِكُ قَبُولَهُ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ رَدُّ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ أَخِيهِ لَاعِبًا وَلَا جَادًّا، وَإِنْ أَخَذَهُ فَلْيَرُدَّهُ عَلَيْهِ» زَيْلَعِيٌّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ رَدَّ الْعَيْنِ هُوَ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ وَسَنُوَضِّحُهُ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ تَغَيُّرًا فَاحِشًا) سَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ بِأَنَّهُ مَا فَوَّتَ بَعْضَ الْعَيْنِ وَبَعْضَ نَفْعِهِ، وَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَسَلَّمُ الْغَاصِبُ الْعَيْنَ وَيَدْفَعُ قِيمَتَهَا، أَوْ يَدْفَعُهَا وَيَضْمَنُ نُقْصَانَهَا وَالْخِيَارُ فِي ذَلِكَ لِلْمَالِكِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ لِتَفَاوُتِ الْقِيَمِ إلَخْ) فَلَوْ غَصَبَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَطَالَبَهُ الْمَالِكُ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى عَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا، وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ طَلَبُ الْقِيمَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَ السِّعْرُ، وَلَوْ غَصَبَ عَيْنًا فَلَوْ الْقِيمَةُ فِي هَذَا الْمَكَانِ مِثْلُهَا فِي مَكَانِ الْغَصْبِ أَوْ أَكْثَرُ فَلِلْمَالِكِ أَخْذُ الْمَغْصُوبِ لَا الْقِيمَةِ، وَلَوْ الْقِيمَةُ أَقَلُّ أَخَذَ الْقِيمَةَ عَلَى سِعْرِ مَكَانِ الْغَصْبِ أَوْ انْتَظَرَ حَتَّى يَأْخُذَهُ فِي بَلَدِهِ، وَلَوْ وَجَدَهُ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ وَانْتَقَصَ السِّعْرُ يَأْخُذُ الْعَيْنَ لَا الْقِيمَةَ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَإِنْ كَانَ هَلَكَ وَهُوَ مِثْلِيٌّ وَسِعْرُ الْمَكَانَيْنِ وَاحِدٌ يَبْرَأُ بِرَدِّ الْمِثْلِ، وَلَوْ سِعْرُ هَذَا الْمَكَانِ الَّذِي الْتَقَيَا فِيهِ أَقَلُّ أَخَذَ الْمَالِكُ الْقِيمَةَ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ وَقْتَ الْغَصْبِ أَوْ انْتَظَرَ، وَلَوْ الْقِيمَةُ فِي هَذَا الْمَكَانِ أَكْثَرُ أَعْطَاهُ الْغَاصِبُ مِثْلَهُ فِي مَكَانِ الْخُصُومَةِ أَوْ قِيمَتَهُ حَيْثُ غَصَبَ مَا لَمْ يَرْضَ الْمَالِكُ بِالتَّأْخِيرِ، وَلَوْ الْقِيمَةُ فِي الْمَكَانَيْنِ سَوَاءٌ لِلْمَالِكِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْمِثْلِ مِنَحٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَيَبْرَأُ بِرَدِّهَا) أَيْ رَدِّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَيْ الْعَاقِلِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ غَصَبَ مِنْ صَبِيٍّ وَرَدَّهُ إلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ يَصِحُّ الرَّدُّ وَإِلَّا لَا اهـ. وَشَمَلَ الرَّدُّ حُكْمًا لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَضَعَ الْمَغْصُوبَ بَيْنَ يَدَيْ مَالِكِهِ بَرِئَ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ حَقِيقَةُ الْقَبْضِ وَكَذَا الْمُودَعُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَتْلَفَ غَصْبًا أَوْ وَدِيعَةً فَجَاءَ بِالْقِيمَةِ لَا يَبْرَأُ مَا لَمْ يُوجَدْ حَقِيقَةُ الْقَبْضِ، وَفِيهِ أَتَى بِقِيمَةِ الْمُتْلَفِ فَلَمْ يَقْبَلْهَا الْمَالِكُ قَالَ أَبُو نَصْرٍ: يُرْفَعُ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَأْمُرَهُ بِالْقَبُولِ فَيَبْرَأُ، وَفِيهِ جَاءَ بِمَا غَصَبَهُ فَلَمْ يَقْبَلْهُ مَالِكُهُ فَحَمَلَهُ الْغَاصِبُ إلَى بَيْتِهِ بَرِئَ وَلَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ فَحَمَلَهُ إلَى بَيْتِهِ ضَمِنَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ يَتِمُّ الرَّدُّ فِي الثَّانِيَةِ بِوَضْعِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ فَإِذَا حَمَلَهُ بَعْدَهُ إلَى بَيْتِهِ غُصِبَ ثَانِيًا أَمَّا إذَا لَمْ يَضَعْهُ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمْ يَتِمَّ الرَّدُّ اهـ وَالْمُرَادُ بِوَضْعِهِ وَضْعُهُ بِحَيْثُ تَنَالُهُ يَدُهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِيهَا أَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَضَعْهُ عِنْدَ الْمَالِكِ فَقَالَ لِلْمَالِكِ: أَخَذَهُ فَلَمْ يَقْبَلْهُ صَارَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ (قَوْلُهُ غَصَبَ دَرَاهِمَ إنْسَانٍ مِنْ كِيسِهِ) أَيْ أَخَذَ جَمِيعَ مَا فِيهِ لِمَا فِي الثَّالِثِ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا، وَلَوْ فِي كِيسِهِ أَلْفٌ أَخَذَ رَجُلٌ نِصْفَهَا ثُمَّ رَدَّ النِّصْفَ إلَى الْكِيسِ بَعْدَ أَيَّامٍ يَضْمَنُ النِّصْفَ الْمَأْخُوذَ الْمَرْدُودَ لَا غَيْرَ وَقِيلَ يَبْرَأُ بِرَدِّهَا إلَى الْكِيسِ اهـ تَأَمَّلْ. وَفِيهَا رَكِبَ دَابَّةَ غَيْرِهِ وَتَرَكَهَا مَكَانَهَا يَضْمَنُ عَلَى قَوْلِ الثَّانِي، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ الْإِمَامِ حَتَّى يُحَوِّلَهَا مِنْ مَوْضِعِهَا وَإِذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 182 لَوْ أَطْعَمَهُ فَأَكَلَهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ زَيْلَعِيٌّ (أَوْ) يَجِبُ رَدُّ (مِثْلِهِ إنْ هَلَكَ وَهُوَ مِثْلِيٌّ وَإِنْ انْقَطَعَ الْمِثْلُ) بِأَنْ لَا يُوجَدَ فِي السُّوقِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي الْبُيُوتِ ابْنُ كَمَالٍ (فَقِيمَتُهُ يَوْمُ الْخُصُومَةِ) أَيْ وَقْتُ الْقَضَاءِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَوْمُ الْغَصْبِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمُ الِانْقِطَاعِ وَرَجَّحَهُ قُهُسْتَانِيُّ (وَتَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْقِيَمِيِّ يَوْمَ غَصْبِهِ) إجْمَاعًا (وَالْمِثْلِيُّ الْمَخْلُوطُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ) كَبُرٍّ مَخْلُوطٍ بِشَعِيرٍ وَشَيْرَجٍ مَخْلُوطٍ بِزَيْتٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَدُهْنٍ نَجِسٍ (قِيَمِيٍّ) فَتَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ وَكَذَا كُلُّ مَوْزُونٍ يَخْتَلِفُ بِالصَّنْعَةِ كَقُمْقُمٍ وَقِدْرٍ دُرَرٌ وَدِبْسٍ ذَكَرَهُ فِي الْجَوَاهِرِ زَادَ الْمُصَنِّفُ: وَرُبٍّ وَقِطْرٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَفَاوَتُ بِالصَّنْعَةِ وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا وَلَا تُثْبِتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ.   [رد المحتار] لَبِسَ ثَوْبَ غَيْرِهِ ثُمَّ نَزَعَهُ وَوَضَعَهُ فِي مَكَانِهِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَهَذَا فِي لُبْسِهِ عَلَى الْعَادَةِ، فَإِنْ كَانَ قَمِيصًا فَوَضَعَهُ عَلَى عَاتِقِهِ ثُمَّ أَعَادَهُ إلَى مَكَانِهِ لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ حِفْظٌ لَا اسْتِعْمَالٌ اهـ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْأَكْلِ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ كَانَ بُرًّا فَطَحَنَهُ وَخَبَزَهُ وَأَطْعَمَهُ مَالِكُهُ أَوْ تَمْرًا فَنَبَذَهُ وَسَقَاهُ إيَّاهُ أَوْ كِرْبَاسًا فَقَطَعَهُ وَخَاطَهُ وَأَكْسَاهُ إيَّاهُ لَمْ يَبْرَأْ إذْ مِلْكُهُ زَالَ بِمَا فَعَلَ (قَوْلُهُ وَهُوَ مِثْلِيٌّ) سَنَذْكُرُ بَيَانَ الْمِثْلِيِّ فِي آخِرِ سِوَادَةِ الشَّارِحِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ ابْنُ كَمَالٍ) وَمِثْلُهُ فِي التَّبْيِينِ عَنْ النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْبَلْخِيّ (قَوْلُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ) أَيْ الْمُعْتَبَرَةِ وَهِيَ مَا تَكُونُ عِنْدَ الْقَاضِي وَلِذَا قَالَ: أَيْ وَقْتُ الْقَضَاءِ (قَوْله وَرَجَّحَا) أَيْ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَيْضًا أَيْ كَمَا رَجَّحَ قَوْلَ الْإِمَامِ ضِمْنًا لِمَشْيِ الْمُتُونِ عَلَيْهِ وَصَرِيحًا. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْخِزَانَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التُّحْفَةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي ذَخِيرَةِ الْفَتَاوَى، وَبِهِ أَفْتَى كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ (قَوْلُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ إجْمَاعًا) هَذَا فِي الْهَلَاكِ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: أَمَّا إذَا اُسْتُهْلِكَتْ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَوْمَ الِاسْتِهْلَاكِ اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: غَصَبَ شَاةً فَسَمِنَتْ، ثُمَّ ذَبَحَهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبٍ لَا يَوْمَ ذَبْحِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَوْمَ ذَبْحِهِ، وَلَوْ تَلِفَ بِلَا إهْلَاكِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبٍ اهـ (قَوْلُهُ وَشَيْرَجٍ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا تَعَسَّرَ تَمْيِيزُهُ أَوْ تَعَذَّرَ (قَوْلُهُ كَدُهْنٍ نَجَسٍ) فَإِنَّهُ قِيَمِيٌّ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْمُتَنَجِّسَ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِيمَا يَأْتِي قَرِيبًا؛ لِأَنَّهُ الْمُتَقَوِّمُ. قَالَ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ: وَنُجِيزُ بَيْعَ الدُّهْنِ الْمُتَنَجِّسِ وَالِانْتِفَاعَ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ بِخِلَافِ الْوَدَكِ اهـ. أَيْ؛ لِأَنَّهُ جَزْءُ الْمَيْتَةِ: نَعَمْ قَدَّمَ فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ جَوَازَ الِاسْتِصْبَاحِ بِالْوَدَكِ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَقَوُّمُهُ، نَعَمْ قَدَّمْنَا قُبَيْلَ الشَّهَادَاتِ عِنْدَ قَوْلِهِ صَبَّ دُهْنًا لِإِنْسَانِ وَقَالَ كَانَتْ نَجِسَةً عَنْ الشَّيْخِ شَرَفِ الدَّيْنِ أَنَّهُ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ لَا الْمِثْلَ. بَقِيَ مَا لَوْ كَانَ طَاهِرًا فَنَجَّسَهُ فَفِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ نَظَرَ إلَى دُهْنِ غَيْرِهِ وَهُوَ مَائِعٌ حِينَ أَرَادَ الشِّرَاءَ فَوَقَعَ مِنْ أَنْفِهِ دَمٌ وَتَنَجَّسَ، إنْ بِإِذْنِهِ لَا يَضْمَنُ، وَإِلَّا فَإِنَّ الدُّهْنَ مَأْكُولًا ضَمِنَ مِثْلَ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَالْوَزْنِ وَإِنْ غَيْرَ مَأْكُولٍ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَقُمْقُمٍ وَقِدْرٍ) وَكَذَا الْقُلْبُ بِالضَّمِّ وَهُوَ السِّوَارُ الْمَفْتُولُ مِنْ طَاقَيْنِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: إذَا غَصَبَ قُلْبَ فِضَّةٍ إنْ شَاءَ الْمَالِكُ أَخَذَهُ مَكْسُورًا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ مِنْ الذَّهَبِ، وَإِنْ كَانَ الْقُلْبُ مِنْ الذَّهَبِ يَضْمَنُ مِنْ الدَّرَاهِمِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: إذْ لَوْ أَوْجَبْنَا مِثْلَ الْقِيمَةِ مِنْ جِنْسِهِ أَدَّى إلَى الرِّبَا أَوْ مِثْلَ وَزْنِهِ أَبْطَلْنَا حَقَّ الْمَالِكِ فِي الْجَوْدَةِ وَالصَّنْعَةِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَرُبٍّ وَقِطْرٍ) فِي الْقَامُوسِ: الرُّبُّ بِالضَّمِّ سُلَافَةُ خَثَارَةِ كُلِّ ثَمَرَةٍ بَعْدَ اعْتِصَارِهَا وَالْقِطْرُ مَا قُطِرَ الْوَاحِدَةُ قَطْرَةٌ وَبِالْكَسْرِ النُّحَاسُ الذَّائِبُ وَبِالضَّمِّ النَّاحِيَةُ اهـ وَهُوَ فِي عُرْفِ مِصْرَ وَالشَّامِ السُّكَّرُ الْمُذَابُ عَلَى النَّارِ (قَوْلُهُ يَتَفَاوَتُ بِالصَّنْعَةِ) قَالَ فِي حَاوِي الزَّاهِدِيِّ: أَتْلَفَ دُبْسَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ صَنِيعِ الْعِبَادِ لَا يُمْكِنُهُمْ مُرَاعَاةُ الْمُمَاثَلَةِ لِتَفَاوُتِهِمْ فِي الْحَذَاقَةِ، وَلَوْ جَعَلَ الدَّابِسُ أُجْرَةً فِي الْإِجَارَاتِ لَا يَجُوزُ ثُمَّ رَمَزَ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ وَقَالَ فَعَلَيْهِ هُوَ مِثْلِيٌّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 183 قُلْت: وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْجُبْنُ قِيَمِيٌّ فِي الضَّمَانِ مِثْلِيٌّ فِي غَيْرِهِ كَالسَّلَمِ وَفِي الْمُجْتَبَى: السَّوِيقُ قِيَمِيٌّ لِتَفَاوُتِهِ بِالْقَلْيِ وَقِيلَ مِثْلِيٌّ وَفِي الْأَشْبَاهِ الْفَحْمُ وَاللَّحْمُ وَلَوْ نِيئًا وَالْآجُرُّ قِيَمِيٌّ وَفِي حَاشِيَتِهَا لِابْنِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِيمَا يَجْلِبُ التَّيْسِيرَ مَعْزِيًّا لِلْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا الصَّابُونُ وَالسِّرْقِينُ وَالْوَرَقُ وَالْإِبْرَةُ وَالْعُصْفُرُ وَالصِّرْمُ وَالْجِلْدُ وَالدُّهْنُ الْمُتَنَجِّسُ وَكَذَا الْجَفْنَةُ وَكُلُّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ مُشْرِفٌ عَلَى الْهَلَاكِ مَضْمُونٌ بِقِيمَتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَسَفِينَةٍ مَوْقُورَةٍ أَخَذَتْ فِي الْغَرَقِ، وَأَلْقَى الْمَلَّاحُ مَا فِيهَا مِنْ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا سَاعَتَهُ كَمَا فِي الْمُجْتَبِي وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ: صَبَّ مَاءً فِي حِنْطَةٍ فَأَفْسَدَهَا وَزَادَ فِي كَيْلِهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا قَبْلَ صَبِّهِ لِلْمَاءِ لَا مِثْلَهَا هَذَا إذَا لَمْ يَنْقُلْهَا   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَالْجُبْنُ قِيَمِيٌّ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ وَهُوَ بِالضَّمِّ وَبِضَمَّتَيْنِ وَكَعُتُلٍّ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ نِيئًا) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالْمَطْبُوخُ بِالْإِجْمَاعِ فَصُولَيْنِ (قَوْلُهُ وَالْآجُرُّ) بِالْمَدِّ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ هِنْدِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَفِيمَا يَجْلِبُ التَّيْسِيرَ) عُطِفَ عَلَى هُنَا ح. مَطْلَبٌ الصَّابُونُ مِثْلِيٌّ أَوْ قِيَمِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا الصَّابُونُ) نَقَلَ فِي الْإِسْمَاعِيلِيَّة مِنْ السَّلَمِ عَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ قَوْلَيْنِ قَالَ وَلَمْ نَرَ تَرْجِيحًا لِأَحَدِهِمَا إلَّا أَنَّ فِي كَلَامِ الصَّيْرَفِيَّةِ مَا يُؤْذِنُ بِتَرْجِيحِ صِحَّةِ السَّلَمِ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ فَتَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُتَسَامَحُ فِي السَّلَمِ مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ اهـ. وَأَفْتَى فِي الْإِسْمَاعِيلِيَّة مِنْ الْغَصْبِ فِي مَوْضِعٍ بِأَنَّهُ قِيَمِيٌّ، وَفِي آخَرَ بِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ. وَأَقُولُ: الْمُشَاهَدُ الْآنَ تَفَاوُتُهُ فِي الصَّنْعَةِ وَالرُّطُوبَةِ وَالْجَفَافِ وَجَوْدَةِ الزَّيْتِ الْمَطْبُوخِ مِنْهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلِذَا قَالَ فِي الْفُصُولَيْنِ حَتَّى لَوْ كَانَا سَوَاءً بِأَنْ اتَّخَذَا أَعْنِي الصَّابُونَيْنِ مِنْ دُهْنٍ وَاحِدٍ يَضْمَنُ مِثْلَهُ اهـ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ أَمْكَنَتْ الْمُمَاثَلَةُ كَأَنْ أَتْلَفَ مِقْدَارًا مَعْلُومًا وَعِنْدَهُ مِنْ طَبْخَتِهِ الْمُسَمَّاةِ فِي عُرْفِنَا فَسْخَةٌ يَضْمَنُ مِثْلَهُ مِنْهَا وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ (قَوْلُهُ وَالْوَرَقُ) أَيْ وَرَقُ الْأَشْجَارِ أَمَّا الْكَاغَدُ فَمِثْلِيٌّ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ ط. قُلْت: وَكَذَا فِي الْفُصُولَيْنِ، وَمُقْتَضَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْحَاوِي أَنَّهُ قِيَمِيٌّ وَالْمُشَاهَدُ تَفَاوُتُهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْعُصْفُرُ) كَذَا قَالَ فِي الْفُصُولَيْنِ وَذَكَرَ قَبْلَهُ عَنْ كِتَابٍ آخَرَ أَنَّهُ مِثْلِيٌّ؛ لِأَنَّهُ يُبَاعُ وَزْنًا وَمَا يُبَاعُ وَزْنًا يَكُونُ مِثْلِيًّا (قَوْلُهُ وَالصَّرْمُ) بِالْفَتْحِ الْجِلْدُ مُعَرَّبٌ وَبِالْكَسْرِ الضَّرْبُ وَالْجَمَاعَةُ أَفَادَهُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْإِهَابَ قَبْلَ دَبْغِهِ وَبِالْجِلْدِ مَا دُبِغَ ط (قَوْلُهُ وَالدُّهْنُ الْمُتَنَجِّسُ) مُكَرَّرٌ بِمَا مَرَّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحَفْنَةُ) يَعْنِي مَا دُونَ نِصْفِ سَمَاعٍ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْخُبْزُ قِيَمِيٌّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ وَالْمَاءُ قِيَمِيٌّ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ مَكِيلٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّ النُّحَاسَ وَالصُّفْرَ مِثْلِيَّانِ وَثِمَارُ النَّخْلِ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ فِيهَا التَّفَاضُلُ لِلْحَدِيثِ، وَأَمَّا بَقِيَّةُ الثِّمَارِ فَكُلُّ نَوْعٍ مِنْ الشَّجَرِ جِنْسٌ يُخَالِفُ ثَمَرَةَ النَّوْعِ الْآخَرِ وَالْخَلُّ وَالْعَصِيرُ وَالدَّقِيقُ وَالنُّخَالَةُ وَالْجِصُّ وَالنُّورَةُ وَالْقُطْنُ وَالصُّوفُ وَغَزْلُهُ وَالتِّبْنُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ مِثْلِيٌّ اهـ وَفِي الْحَاوِي فِي كَوْنِ الْغَزْلِ مِثْلِيًّا رِوَايَتَانِ، وَمَنْ أَرَادَ الزِّيَادَةَ فَعَلَيْهِ بِالْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَكِيلٍ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَضْمُونٌ (قَوْلُهُ كَسَفِينَةٍ مَوْقُورَةٍ) الْمَقْصُودُ مِنْ التَّمْثِيلِ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ الْمَطْرُوحَانِ ط وَالْوِقْرُ بِالْكَسْرِ الْحِمْلُ الثَّقِيلُ أَوْ أَعَمُّ وَيُقَالُ دَابَّةٌ مُوَقَّرَةٌ كَمَا فِي الْقَامُوسِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا سَاعَتَهُ) أَيْ سَاعَةَ الْإِلْقَاءِ أَيْ قِيمَتُهُ مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاكِ، فَإِنَّ لَهُ قِيمَةً وَإِنْ قَلَّتْ لِاحْتِمَالِ النَّجَاةِ، وَأَفَادَ أَنَّ الْمِثْلِيَّ يَخْرُجُ عَنْ الْمِثْلِيَّةِ لِمَعْنًى خَارِجٍ، ثُمَّ هَذَا إذَا أُلْقِيَ بِلَا إذْنٍ وَاتِّفَاقٍ وَإِلَّا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى آخِرَ كِتَابِ الْقِسْمَةِ (قَوْلُهُ وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ إلَخْ) مِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْقُدُورِيِّ قَالَ وَكَذَا لَوْ صَبَّ مَاءً فِي دُهْنٍ أَوْ زَيْتٍ (قَوْلُهُ هَذَا إذَا لَمْ يَنْقُلُهَا) أَيْ قَبْلَ الصَّبِّ وَالْإِشَارَةُ إلَى ضَمَانِ الْقِيمَةِ. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 184 فَلَوْ نَقَلَهَا لِمَكَانٍ ضَمِنَ الْمِثْلَ؛ لِأَنَّهُ غَصَبَهُ وَهُوَ مِثْلِيٌّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَبَّ الْمَاءَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الْحِنْطَةُ بِغَيْرِ نَقْلٍ اهـ وَالْآجُرُّ قِيَمِيٌّ وَسَيَجِيءُ أَنَّ الْخَمْرَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ قِيَمِيٌّ حُكْمًا. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا: أَنَّ كُلَّ مَا يُوجَدُ لَهُ مِثْلٌ فِي الْأَسْوَاقِ بِلَا تَفَاوُتٍ يُعْتَدُّ بِهِ فَهُوَ مِثْلِيٌّ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَقِيَمِيٌّ فَلْيُحْفَظْ (فَإِنْ ادَّعَى هَلَاكَهُ) مُرْتَبِطَةٌ بِوُجُوبِ رَدِّ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ وَرَدُّ الْمِثْلِيِّ وَالْقِيمَةِ مُخْلَصٌ عَلَى الرَّاجِحِ (حُبِسَ حَتَّى يَعْلَمَ) الْحَاكِمُ (أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ لَظَهَرَ) أَيْ لَأَظْهَرَهُ (ثُمَّ قَضَى) الْحَاكِمُ (عَلَيْهِ بِالْبَدَلِ) مِنْ مِثْلٍ وَقِيمَةٍ [مَطْلَبٌ فِي رَدِّ الْمَغْصُوبِ وَفِيمَا لَوْ أَبَى الْمَالِكُ قَبُولَهُ] (وَلَوْ ادَّعَى الْغَاصِبُ الْهَلَاكَ عِنْدَ صَاحِبِهِ بَعْدَ الرَّدِّ وَعَكْسُهُ الْمَالِكُ) أَيْ ادَّعَى الْهَلَاكَ عِنْدَ الْغَاصِبِ (وَأَقَامَا الْبُرْهَانَ فَبُرْهَانُ الْغَاصِبِ) أَنَّهُ رَدَّهُ وَهَلَكَ عِنْدَ الْمَالِكِ (أَوْلَى) خِلَافًا لِلثَّانِي مُلْتَقًى، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ   [رد المحتار] ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَصْبٌ مُتَقَدِّمٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ نَقَلَهَا لِمَكَانٍ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مُجَرَّدُ تَحْوِيلِهَا عَنْ مَكَانِهَا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ صَبَّ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ حَصَلَ بِالْإِتْلَافِ وَلَيْسَ سَابِقًا عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ، وَهُوَ حِينَ الْإِتْلَافِ لَمْ يَبْقَ مِثْلِيًّا فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ سَابِقًا عَلَيْهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ إلَخْ) أَيْ فِي وَسَطِهِ الْفَصْلُ الْآتِي (قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْوِقَايَةِ: وَيَجِبُ الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ. قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: اعْلَمْ أَنَّهُ جَعَلَ هَذِهِ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ مِثْلِيًّا مَعَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمَوْزُونَاتِ لَيْسَ بِمِثْلِيٍّ بَلْ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ كَالْقُمْقُمَةِ وَالْقِدْرِ وَنَحْوِهِمَا. فَأَقُولُ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوَزْنِيِّ مَثَلًا مَا يُوزَنُ عِنْدَ الْبَيْعِ بَلْ مَا يَكُونُ مُقَابَلَتُهُ بِالثَّمَنِ مَبْنِيًّا عَلَى الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدَدِ وَلَا يَخْتَلِفُ بِالصَّنْعَةِ، فَإِنَّهُ إذَا قِيلَ هَذَا الشَّيْءُ بِدِرْهَمٍ إنَّمَا يُقَالُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَفَاوُتٌ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ مِثْلِيًّا، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يَخْتَلِفُ بِالصَّنْعَةِ حَتَّى لَوْ اخْتَلَفَ كَالْقُمْقُمَةِ وَالْقِدْرِ لَا يَكُونُ مِثْلِيًّا، ثُمَّ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِالصَّنْعَةِ إمَّا غَيْرُ مَصْنُوعٍ، وَإِمَّا مَصْنُوعٌ لَا يَخْتَلِفُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِثْلِيٌّ. وَإِذَا عَرَفْت هَذَا عَرَفْت حُكْمَ الْمَذْرُوعَاتِ وَكُلَّمَا يُقَالُ يُبَاعُ مِنْ هَذَا الثَّوْبِ ذِرَاعٌ بِكَذَا فَهَذَا إنَّمَا يُقَالُ فِيمَا لَا يَكُونُ فِيهِ تَفَاوُتٌ. وَقَدْ فَصَّلَ الْفُقَهَاءُ الْمِثْلِيَّاتِ وَذَوَاتِ الْقِيَمِ وَلَا احْتِيَاجَ إلَى ذَلِكَ، فَمَا يُوجَدُ لَهُ الْمِثْلُ فِي الْأَسْوَاقِ بِلَا تَفَاوُتٍ يُعْتَدُّ بِهِ فَهُوَ مِثْلِيٌّ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَمِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْكَيْلِيِّ وَأَخَوَاتِهِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا اهـ (قَوْلُهُ بِلَا تَفَاوُتٍ يُعْتَدُّ بِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِسَبَبِهِ الثَّمَنُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مُرْتَبِطَةٌ إلَخْ) أَيْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ وَارْتِبَاطُهَا مِنْ جِهَةِ التَّفْرِيعِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ وُجُوبِ رَدِّ الْعَيْنِ فِي الْمِثْلِيِّ وَالْقِيَمِيِّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ وَأَكْمَلُ فِي رَدِّ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى، وَلِذَا يُطَالَبُ بِهِ قَبْلَ الْهَلَاكِ، وَلَوْ أَتَى بِالْقِيمَةِ أَوْ الْمِثْلِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَلِذَا يَبْرَأُ بِرَدِّ الْعَيْنِ بِلَا عِلْمِ الْمَالِكِ بِأَنْ سَلَّمَهُ بِجِهَةٍ أُخْرَى بِهِبَةٍ أَوْ إطْعَامٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ إيدَاعٍ، وَقِيلَ هُوَ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخْلَصٌ وَلِذَا صَحَّ إبْرَاؤُهُ عَنْ الضَّمَانِ مَعَ قِيَامِ الْعَيْنِ، فَلَا يُضْمَنُ بِالْهَلَاكِ. وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالْمَغْصُوبِ وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْعَيْنِ وَلَا الْكَفَالَةُ بِهَا وَتَمَامُهُ تَحْقِيقُهُ فِي التَّبْيِينِ. وَأَفَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ ضَعْفَ الْأَوَّلِ وَأَنَّ الْجُمْهُورَ ذَهَبُوا إلَى الثَّانِي وَعَزَاهُ إلَى رَهْنِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي (قَوْلُهُ وَرَدُّ الْمِثْلِيِّ) الْأَصْوَبُ الْمِثْلُ بِلَا يَاءٍ (قَوْلُهُ حُبِسَ حَتَّى يَعْلَمَ) يَعْنِي الْقَاضِيَ لَا يُعَجِّلُ بِالْقَضَاءِ، وَلَيْسَ لِمُدَّةِ التَّلَوُّمِ مِقْدَارٌ بَلْ ذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَهَذَا التَّلَوُّمُ إذَا لَمْ يَرْضَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ لَهُ، وَأَمَّا إذَا رَضِيَ بِذَلِكَ أَوْ تَلَوَّمَ الْقَاضِي فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى قِيمَتِهَا عَلَى شَيْءٍ أَوْ أَقَامَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ قِيمَتِهَا قَضَى بِذَلِكَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَقِيمَةٍ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ (قَوْلُهُ وَعَكْسَهُ) فِعْلٌ مَاضٍ أَوْ مَصْدَرٌ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْهَلَاكِ وَالْمُرَادُ عَكْسُ قَوْلِهِ عِنْدَ صَاحِبِهِ، وَأَمَّا عَكْسُ قَوْلِهِ بَعْدَ الرَّدِّ فَهُوَ صَحِيحٌ وَلَكِنْ لَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ إلَّا إنْ كَانَ الْهَلَاكُ بِهَلَاكِ الْبَعْضِ أَوْ بِالنُّقْصَانِ أَيْ هَلَاكِ الْوَصْفِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ أَوْلَى) أَيْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الرَّدُّ وَهُوَ عَارِضٌ وَالْبَيِّنَةُ لِمَنْ يَدَّعِي الْعَوَارِضَ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) فَعِنْدَهُ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ وُجُوبَ الضَّمَانِ وَالْآخَرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 185 وَبَرْهَنَا فَالْبَيِّنَةُ لِلْمَالِكِ وَسَيَجِيءُ وَلَوْ فِي نَفْسِ الْمَغْصُوبِ فَالْقَوْلُ لِلْغَاصِبِ (وَالْغَصْبُ) إنَّمَا يَتَحَقَّقُ (فِيمَا يُنْقَلُ فَلَوْ أَخَذَ عَقَارًا وَهَلَكَ فِي يَدِهِ) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ كَغَلَبَةِ سَيْلٍ (لَمْ يَضْمَنْ) خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَبِقَوْلِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ وَبِهِ يُفْتَى فِي الْوَقْفِ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ. وَذَكَرَ ظَهِيرُ الدِّينِ فِي فَتَاوِيهِ الْفَتْوَى فِي غَصْبِ الْعَقَارِ وَالدُّورِ الْمَوْقُوفَةِ بِالضَّمَانِ، وَأَنَّ الْفَتْوَى فِي غَصْبِ مَنَافِعِ الْوَقْفِ بِالضَّمَانِ. وَفِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ: اشْتَرَى دَارًا وَسَكَنَهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا وَقْفٌ أَوْ كَانَتْ لِلصَّغِيرِ لَزِمَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ صِيَانَةً لِمَالِ الْوَقْفِ وَالصَّغِيرِ وَفِي إجَارَةِ الْفَيْضِ إنَّمَا لَا يَتَحَقَّقُ الْغَصْبُ عِنْدَهُمَا فِي الْعَقَارِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ أَمَّا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَيَتَحَقَّقُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ فِي الرَّدِّ فَكَذَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ اهـ فَلْيُحْفَظْ   [رد المحتار] يُنْكِرُ وَالْبَيِّنَةُ لِلْإِثْبَاتِ زَيْلَعِيٌّ: وَظَاهِرُهُ اعْتِمَادُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْقَضَاءِ ط (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ أَوَّلُ الْفَصْلِ وَسَيَجِيءُ أَيْضًا أَنَّ الْقَوْلَ لِلْغَاصِبِ بِيَمِينِهِ إنْ لَمْ يُبَرْهِنْ الْمَالِكُ، وَمَا لَوْ قَالَ: لَا أَعْرِفُ قِيمَتَهُ لَكِنْ عَلِمْت أَنَّهَا أَقَلُّ مِمَّا يَقُولُهُ الْمَالِكُ، وَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي نَفْسِ الْمَغْصُوبِ) بِأَنْ قَالَ الْغَاصِبُ لِثَوْبٍ هَذَا هُوَ الَّذِي غَصَبْته وَقَالَ الْمَالِكُ بَلْ هُوَ هَذَا (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِلْغَاصِبِ) ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ لِلْقَابِضِ فِي تَعْيِينِ مَا قَبَضَ أَمِينًا كَانَ أَوْ ضَمِينًا (قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ عِنْدَهُمَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ عَدَمِ إمْكَانِ إزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ عَنْهُ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ النِّهَايَةِ، وَإِنْ كَانَ الْغَصْبُ عِنْدَهُ بِإِزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ لَكِنَّهُ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ يُقِيمُ الِاسْتِيلَاءَ مَقَامَ الْإِزَالَةِ (قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتَى فِي الْوَقْفِ) أَيْ بِأَنْ هَلَكَ لَا بِفِعْلِ الْغَاصِبِ كَسُكْنَاهُ مَثَلًا بَلْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، فَالْمُرَادُ ضَمَانُ ذَاتِهِ لَا مَنَافِعِهِ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي عَنْ ظَهِيرِ الدِّينِ، وَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ لَا فِي الْمَنَافِعِ. وَسَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ مَتْنًا أَنَّ مَنَافِعَ الْغَصْبِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَقْفًا أَوْ مَالَ يَتِيمٍ أَوْ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ فَصَرَّحَ بِضَمَانِ مَنَافِعِ الثَّلَاثَةِ، وَهُنَا صَرَّحَ بِضَمَانِ ذَاتِ الْوَقْفِ وَهَلْ مِثْلُهُ مَالُ الْيَتِيمِ وَالْمُسْتَغِلِّ؟ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا فَلْيُرَاجَعْ ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ قَالَ الْكَمَالُ الْفَتْوَى عَلَى ضَمَانِ الْعَقَارِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إلَخْ (قَوْلُهُ الْمَوْقُوفَةِ) نَعْتٌ لِلْعَقَارِ وَالدُّورِ جَمِيعًا ح. مَطْلَبٌ شَرَى دَارًا وَسَكَنَهَا فَظَهَرَتْ لِوَقْفٍ أَوْ يَتِيمٍ وَجَبَ الْأَجْرُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ) خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْعُمْدَةِ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْقُنْيَةِ وَإِنْ أَفْتَى بِهِ فِي الْإِسْمَاعِيلِيَّة فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا فِي وَقْفِ الْبَحْرِ. وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ: ادَّعَى الْقَيِّمُ مَنْزِلًا وَقْفًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَجَحَدَ، فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَحَكَمَ بِالْوَقْفِيَّةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مَا مَضَى، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ أَوْ كَانَ مُتَعَنِّتًا فِي الْإِنْكَارِ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ اهـ وَفِي الِاخْتِيَارِ: بَاعَ الْمُتَوَلِّي مَنْزِلَ الْوَقْفِ فَسَكَنَهُ الْمُشْتَرِي فَعَلَى الْمُشْتَرِي أَجْرُ الْمِثْلِ اهـ. قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَصْحِيحِ الْمُحِيطِ، وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ وَقَالَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي التَّنْجِيسِ وَالْمَزِيدِ. قُلْت: وَهُوَ مَا اعْتَمَدَهُ فِي وَقْفِ الْبَحْرِ وَمَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ هُنَاكَ فِي مَوْضِعَيْنِ وَهُنَا وَأَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ وَغَيْرِهَا فَلْيُحْفَظْ (قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ) أَيْ فِي وُجُوبِ رَدِّهِ عَلَى مَالِكِهِ، فَلَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْغَصْبُ عِنْدَهُمَا أَيْضًا فِيمَا عَدَا الضَّمَانَ لَمَا تَحَقَّقَ وُجُوبُ الرَّدِّ (قَوْلُهُ فَكَذَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ) اسْتَشْكَلَهُ مَحْشُوُّ هَذَا الْكِتَابِ بِأَنَّ مَنَافِعَ الْغَصْبِ إذَا اسْتَوْفَاهَا الْغَاصِبُ لَا تُضْمَنُ إلَّا فِي الثَّلَاثَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْفَصْلِ. وَأَقُولُ: كَأَنَّهُمْ ظَنُّوا وُجُوبَ الْأَجْرِ عَلَيْهِ بِسُكْنَاهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَوْ أَجَّرَهُ الْغَاصِبُ فَالْأَجْرُ الْمُسَمَّى يَسْتَحِقُّهُ الْعَاقِدُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَطِيبُ لَهُ بَلْ يَتَصَدَّقُ بِهِ أَوْ يَرُدُّهُ عَلَى الْمَالِكِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا، وَكَيْفَ يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى مَا ظَنُّوا مَعَ مُنَاقَضَتِهِ لِصَدْرِ الْعِبَارَةِ فَإِنَّ وُجُوبَ الْأَجْرِ عَلَيْهِ ضَمَانٌ، وَوَجْهُ تَحَقُّقِ الْغَصْبِ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 186 (قِيلَ) قَائِلُهُ الْأُسْرُوشَنِيُّ وَعِمَادُ الدِّينِ فِي فَصُولَيْهِمَا (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) أَيْ الْعَقَارُ (يُضْمَنُ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَ) كَذَا (بِالْجُحُودِ فِي) الْعَقَارِ (الْوَدِيعَةِ وَبِالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ) بَعْدَ الْقَضَاءِ وَفِي الْأَشْبَاهِ الْعَقَارُ لَا يُضْمَنُ إلَّا فِي مَسَائِلَ وَعَدَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ (وَإِذَا نَقَصَ) الْعَقَارُ (بِسُكْنَاهُ وَزِرَاعَتِهِ ضَمِنَ النُّقْصَانَ) بِالْإِجْمَاعِ فَيُعْطِي مَا زَادَ الْبَذْرُ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَعَنْ الثَّانِي مِثْلُ بَذْرِهِ وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ هُوَ الْمُخْتَارُ وَلَوْ ثَبَتَ لَهُ قَلْعُهُ   [رد المحتار] لَكَانَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْأُجْرَةِ الْمَالِكُ لَا الْغَاصِبُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ قِيلَ إلَخْ) هَذِهِ عِبَارَةُ مَتْنِ الدُّرَرِ وَتَعْبِيرُهُ بِقِيلِ رُبَّمَا يُشْعِرُ بِالضَّعْفِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْفُصُولِ، ثُمَّ قَوْلُهُ الْأَصَحُّ إلَخْ يُفِيدُ الِاخْتِلَافَ فِيهِ، وَقَوْلُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: يَضْمَنُ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ بِالِاتِّفَاقِ وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِالْإِنْكَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى لَوْ أَوْدَعَ رَجُلًا وَجَحَدَ الْوَدِيعَةَ هَلْ يَضْمَنُ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَيْضًا عَنْهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ بِالْجُحُودِ أَيْضًا اهـ يُفِيدُ أَوَّلُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَآخِرُهُ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. أَقُولُ: تَعْبِيرُهُ بِقِيلَ مُنَاسِبٌ؛ لِأَنَّ الْمُتُونَ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ مِنْ أَنَّ الْغَصْبَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْعَقَارِ، وَذِكْرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ كَالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَقَوْلُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْأَصَحُّ إلَخْ أَيْ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ، فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ قَبْلَهُ بِالِاتِّفَاقِ: أَيْ بَيْنَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثِ فَتَدَبَّرْ. نَعَمْ صُحِّحَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْغَصْبِ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّهَا بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي التَّبْيِينِ وَمَسْأَلَةُ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَئِنْ سَلَّمَ أَيْ أَنَّهَا عَلَى الِاتِّفَاقِ فَالضَّمَانُ فِيهَا بِتَرْكِ الْحِفْظِ الْمُلْتَزَمِ بِالْجُحُودِ وَالشُّهُودُ إنَّمَا يَضْمَنُونَ الْعَقَارَ بِالرُّجُوعِ،؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ لَا ضَمَانُ غَصْبٍ اهـ. وَظَاهِرُهُ تَسْلِيمُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الشُّهُودِ عَلَى الْوِفَاقِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ) يَعْنِي إذَا بَاعَهُ الْغَاصِبُ وَسَلَّمَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ فِي الْعَقَارِ الْوَدِيعَةِ) الَّذِي فِي أَغْلَبِ النُّسَخِ الْوَدِيعَةِ بِالْعَطْفِ وَلَا مَحَلَّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ جُحُودُ الْعَقَارِ إذَا كَانَ وَدِيعَةً (قَوْلُهُ وَبِالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ) بِأَنَّ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِالدَّارِ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَضَاءِ ضَمِنَا دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَعَدَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ) الضَّمَانُ فِيهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ إتْلَافًا لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ غَصْبًا كَمَا أَفَادَهُ تَعْلِيلُهُمْ ط وَزَادَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى الْوَقْفُ وَمَالُ الْيَتِيمِ وَالْمُعَدُّ لِلِاسْتِغْلَالِ قَالَ فَهِيَ سِتَّةٌ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ضَمِنَ النُّقْصَانَ بِالْإِجْمَاعِ) ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ وَقَدْ يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ مَا لَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ أَصْلُهُ الْحُرُّ أَتْقَانِيٌّ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ النُّقْصَانِ قَالَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى: إنَّهُ يَنْظُرُ بِكَمْ تَسْتَأْجِرُ هَذِهِ الْأَرْضَ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ وَبَعْدَهُ، فَيَضْمَنُ مَا تَفَاوَتَ بَيْنَهُمَا مِنْ النُّقْصَانِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ: يُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِالشِّرَاءِ يَعْنِي أَنَّهُ يَنْظُرُ بِكَمْ تُبَاعُ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ وَبِكَمْ تُبَاعُ بَعْدَهُ فَنُقْصَانُهَا مَا تَفَاوَتَ مِنْ ذَلِكَ فَيَضْمَنُهُ وَهُوَ الْأَقْيَسُ. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي الْكُبْرَى؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لَقِيمَةِ الْعَيْنِ لَا الْمَنْفَعَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْغَاصِبُ رَأْسَ مَالِهِ وَهُوَ الْبَذْرُ وَمَا غَرِمَ مِنْ النُّقْصَانِ، وَمَا أَنْفَقَ عَلَى الزَّرْعِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ فَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا كُرَّيْنِ فَأَخْرَجَتْ ثَمَانِيَةً، وَلَحِقَهُ مِنْ الْمُؤْنَةِ قَدْرَ كُرٍّ وَنَقَصَهَا قَدْرَ كُرٍّ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ أَرْبَعَةَ أَكْرَارٍ وَيَتَصَدَّقُ بِالْبَاقِي، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ وَبَيَانُهُ فِي التَّبْيِينِ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَصْرِفُهُ لِحَاجَتِهِ إلَّا إذَا كَانَ فَقِيرًا كَالْغَنِيِّ لَوْ تَصَرَّفَ تَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ أَدَّى لِمَالِكِهِ حَلَّ لَهُ التَّنَاوُلُ لِزَوَالِ الْخُبْثِ وَلَا يَصِيرُ حَلَالًا بِتَكْرَارِ الْعُقُودِ وَتَدَاوُلِ الْأَلْسِنَةِ ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ فَيُعْطِي مَا زَادَ الْبَذْرَ) التَّفْرِيعُ غَيْرُ ظَاهِرٍ. قَالَ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْمُجْتَبَى: زَرَعَ أَرْضَ غَيْرِهِ وَنَبَتَ، فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِهِ فَإِنْ أَبَى يَقْلَعُهُ بِنَفْسِهِ، وَقَبْلَ النَّبَاتِ تَرَكَ الْأَرْضَ حَتَّى تَنْبُتَ، فَيَأْمُرُهُ بِقَلْعِهِ أَوْ أَعْطَاهُ مَا زَادَ الْبَذْرَ، فَتُقَوَّمُ مَبْذُورَةً بِبَذْرِ غَيْرِهِ لَهُ حَقُّ الْقَلْعِ، وَتُقَوَّمُ غَيْرَ مَبْذُورَةٍ فَيُعْطِي فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 187 وَتَمَامُهُ فِي الْمُجْتَبَى (كَمَا) يَضْمَنُ اتِّفَاقًا (فِي النَّقْلِيِّ) مَا نَقَصَ بِفِعْلِهِ كَمَا فِي قَطْعِ الْأَشْجَارِ، وَلَوْ قَطَعَهَا رَجُلٌ آخَرَ أَوْ هَدَمَ الْبِنَاءَ ضَمِنَ هُوَ لَا الْغَاصِبُ (كَمَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا وَآجَرَهُ فَنَقَصَ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ) بِالِاسْتِعْمَالِ وَهَذَا سَاقِطٌ مِنْ نُسَخِ الشَّرْحِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ قَوْلِهِ (وَإِنْ اسْتَغَلَّهُ) فَنَقَصَهُ الِاسْتِغْلَالَ أَوْ آجَرَ الْمُسْتَعَارَ وَنَقَصَ ضَمِنَ النُّقْصَانَ   [رد المحتار] يُعْطِيهِ مِثْلَ بَذْرِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْمُجْتَبَى) حَيْثُ قَالَ بَعْدَ مَا مَرَّ وَلَوْ زَرَعَهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَدَفَعَ إلَيْهِ صَاحِبُهُ نِصْفَ الْبَذْرِ، لِيَكُونَ الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ النَّبَاتِ لَمْ يَجُزْ وَبَعْدَهُ يَجُوزُ وَإِنْ أَرَادَ قَلْعَ الزَّرْعِ مِنْ نَصِيبِهِ يُقَاسِمُهُ الْأَرْضَ فَيَقْلَعُهُ مِنْ نَصِيبِهِ وَيَضْمَنُ الزَّارِعُ نُقْصَانَ الْأَرْضِ بِالْقَلْعِ. قَالَ أُسْتَاذُنَا الصَّوَابُ نُقْصَانُ الزَّرْعِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ اهـ قَالَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ: الظَّاهِرُ أَنَّ الصَّوَابَ الْأَوَّلُ كَمَا هُوَ الْمَرْوِيُّ لِنَقْصِهَا بِقَلْعِ الزَّرْعِ مِنْهَا قَبْلَ إدْرَاكِهِ لِضَعْفِهَا عَنْ الْغَلَّةِ الْكَامِلَةِ فِي عَامِهَا ذَلِكَ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَلَيْسَ لَهُ وَجْهٌ (قَوْلُهُ بِفِعْلِهِ) عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ:؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْغَصْبِ، فَلَمْ يَتَفَاوَتْ هَلَاكُهُ بِفِعْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، وَلِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ اهـ وَقَوْلُهُ: أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ لِشُمُولِهِ نَحْوَ الْعَوَرِ وَالشَّلَلِ وَالصَّمَمِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِهِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مِسْكِينٍ (قَوْلُهُ ضَمِنَ هُوَ لَا الْغَاصِبُ) كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِتَقْيِيدِهِ أَوَّلًا بِفِعْلِهِ لَكِنْ عَلِمْت مَا فِيهِ، وَقَالَ السَّائِحَانِيُّ: الَّذِي فِي الْمَقْدِسِيَّ إنْ كَانَ النَّقْصُ بِفِعْلِ الْغَيْرِ خُيِّرَ الْمَالِكُ بَيْنَ تَضْمِينِ الْغَاصِبِ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْجَانِي أَوْ يَضْمَنُ الْجَانِي، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ اهـ وَنَقَلَهُ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ فَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ،؛ لِأَنَّهُ قَرَّرَ عَلَيْهِ ضَمَانًا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهُ بِرَدِّ الْعَيْنِ اهـ. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَدَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْجَانِي قَالَ ضَمِنَ هُوَ لَا الْغَاصِبُ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ. [تَنْبِيهٌ] النُّقْصَانُ أَنْوَاعُ أَرْبَعَةٌ: بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ، وَبِفَوَاتِ أَجْزَاءِ الْعَيْنِ، وَبِفَوَاتِ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْيَدِ وَالْأُذُنِ فِي الْعَبْدِ وَالصِّيَاغَةِ فِي الذَّهَبِ وَالْيُبْسِ فِي الْحِنْطَةِ وَبِفَوَاتِ مَعْنًى مَرْغُوبٍ فِيهِ. فَالْأَوَّلُ: لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ إذَا رَدَّ الْعَيْنَ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ. وَالثَّانِي: يُوجِبُ الضَّمَانَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ. وَالثَّالِثُ: يُوجِبُ الضَّمَانَ فِي غَيْرِ مَالِ الرِّبَا نَحْوَ أَنْ يَغْصِبَ حِنْطَةً فَعَفِنَتْ عِنْدَهُ أَوْ إنَاءَ فِضَّةٍ فَهُشِّمَ فِي يَدِهِ فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ ذَلِكَ نَفْسَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَضَمَّنَهُ مِثْلَهُ تَفَادِيًا عَنْ الرِّبَا. وَالرَّابِعُ: هُوَ فَوَاتُ الْمَعْنَى الْمَرْغُوبِ فِيهِ فِي الْعَيْنِ كَالْعَبْدِ الْمُحْتَرَفِ إذَا نَسِيَ الْحِرْفَةَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، أَوْ كَانَ شَابًّا فَشَاخَ فِي يَدِهِ يُوجِبُ الضَّمَانَ أَيْضًا هَذَا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ قَلِيلًا أَمَّا إذَا كَانَ كَثِيرًا فَيُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَخْذِهِ وَتَرْكِهِ مَعَ أَخْذِ جَمِيعِ قِيمَتِهِ وَسَتَعْرِفُ الْحَدَّ الْفَاصِلَ بَيْنَهُمَا مِنْ مَسْأَلَةِ الْخَرْقِ الْيَسِيرِ وَالْفَاحِشِ مِسْكِينٌ (قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ) الَّذِي فِي الْمِنَحِ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَهِيَ أَحْسَنُ (قَوْلُهُ مِنْ نُسَخِ الشَّرْحِ) أَيْ مِنْ الْمَتْنِ الْمَمْزُوجِ فِيهِ (قَوْلُهُ لِدُخُولِهِ إلَخْ) إنَّمَا يَظْهَرُ دُخُولُهُ عَلَى مَا فِي نُسَخِ الْمِنَحِ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ اسْتَغَلَّهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَ وَتَصَدَّقَ بِالْغَلَّةِ وَالشَّارِحُ ذَكَرَ ضَمَانَ النُّقْصَانِ شَرْحًا لَا مَتْنًا عَلَى مَا وَجَدْنَاهُ مِنْ النُّسَخِ (قَوْلُهُ ضَمِنَ النُّقْصَانَ) أَيْ مِنْ حَيْثُ فَوَاتُ الْجُزْءِ لَا مِنْ حَيْثُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 188 وَ (تَصَدَّقَ بِ) مَا بَقِيَ مِنْ (الْغَلَّةِ) وَالْأُجْرَةُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي الْمُلْتَقَى لَكِنْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الْغَنِيَّ يَتَصَدَّقُ بِكُلِّ الْغَلَّةِ فِي الصَّحِيحِ (كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ الْوَدِيعَةِ) بِأَنْ بَاعَهُ (وَرَبِحَ) فِيهِ (إذَا كَانَ) ذَلِكَ (مُتَعَيِّنًا بِالْإِشَارَةِ أَوْ بِالشِّرَاءِ بِدَرَاهِمِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْغَصْبِ وَنَقْدِهَا) يَعْنِي يَتَصَدَّقُ بِرِبْحٍ حَصَلَ فِيهِمَا إذَا كَانَا مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالْإِشَارَةِ وَإِنْ كَانَا مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ فَعَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ فَإِنْ أَشَارَ إلَيْهَا وَنَقَدَهَا فَكَذَلِكَ يَتَصَدَّقُ (وَإِنْ أَشَارَ إلَيْهَا وَنَقَدَ غَيْرَهَا أَوْ) أَشَارَ (إلَى غَيْرِهَا) وَنَقَدَهَا (أَوْ أَطْلَقَ) وَلَمْ يُشِرْ (وَنَقَدَهَا لَا) يَتَصَدَّقُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ قِيلَ (وَبِهِ يُفْتَى) وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ   [رد المحتار] السِّعْرُ وَمُرَادُهُ غَيْرُ الرِّبَوِيِّ إذْ فِيهِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ مَعَ اسْتِرْدَادِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ وَتَصَدَّقَ إلَخْ) أَصْلُهُ أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْغَاصِبِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ وَالْعَاقِدُ هُوَ الْغَاصِبُ فَهُوَ الَّذِي جَعَلَ مَنَافِعَ الْعَبْدِ مَالًا بِعَقْدِهِ، فَكَانَ هُوَ أَوْلَى بِبَدَلِهَا، وَيُؤْمَرُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا لِاسْتِفَادَتِهَا بِبَدَلٍ خَبِيثٍ وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ بِمَا بَقِيَ) أَخْرَجَ بِهِ عِبَارَةَ الْمَتْنِ كَالْكَنْزِ عَنْ ظَاهِرِهَا لَمَّا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا زَادَ عَلَى مَا ضَمِنَ عِنْدَهُمَا لَا بِالْغَلَّةِ كُلِّهَا اهـ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ذَكَرَهُ بَحْثًا لَكِنْ جَزَمَ بِهِ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْقُولٌ وَالْمُلْتَقَى مِنْ الْمُتُونِ الْمُعْتَبَرَةِ. هَذَا وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَ مَا اسْتَغَلَّهُ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْغَلَّةِ فِي أَدَاءِ الضَّمَانِ،؛ لِأَنَّ الْخُبْثَ كَانَ لِأَجْلِ الْمَالِكِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهُ الْغَاصِبُ فَهَلَكَ وَضَمَّنَ الْمَالِكُ الْمُشْتَرِيَ قِيمَتَهُ فَرَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِالثَّمَنِ لَا يَسْتَعِينُ بِهَا فِي أَدَاءِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَيْسَ بِمَالِكٍ إلَّا إذَا كَانَ الْغَاصِبُ فَقِيرًا اهـ مُلَخَّصًا فَتَلَخَّصَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النُّقْصَانِ وَالْهَلَاكِ فِي أَنَّهُ يَسْتَعِينُ وَيَتَصَدَّقُ بِمَا بَقِيَ (قَوْلُهُ لَكِنْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى إطْلَاقِ قَوْلِهِ: وَتَصَدَّقَ بِمَا بَقِيَ أَيْ فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالْفَقِيرِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ الْغَاصِبُ إذَا أَجَّرَ الْمَغْصُوبَ فَالْأَجْرُ لَهُ، فَإِنْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ أَوْ تَلِفَ لَا مِنْهُ وَضَمِنَهُ الْغَاصِبُ لَهُ الِاسْتِعَانَةُ بِالْأَجْرِ فِي أَدَاءِ الضَّمَانِ وَتَصَدَّقَ بِالْبَاقِي إذَا كَانَ فَقِيرًا فَإِذَا كَانَ غَنِيًّا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْغَلَّةِ فِي أَدَاءِ الضَّمَانِ فِي الصَّحِيحِ اهـ وَهَذِهِ مُسَاوِيَةٌ لِعِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ وَكَلَامُنَا فِي النُّقْصَانِ وَهَذِهِ فِي الْهَلَاكِ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْفَرْقِ فَيَصِحُّ الِاسْتِدْرَاكُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ الْوَدِيعَةِ) أَيْ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ مُتَعَيِّنًا بِالْإِشَارَةِ) وَذَلِكَ كَالْعُرُوضِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الرِّبْحُ أَيْ وَلَوْ بَعْدَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ لَا يَحِلُّ لَهُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ قَبْلَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ وَبَعْدَهُ يَحِلُّ إلَّا فِيمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ، وَهُوَ الرِّبْحُ فَإِنَّهُ لَا يَطِيبُ لَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ إلَى الْمَالِكِ، وَيَحِلُّ لَهُ التَّنَاوُلُ لِزَوَالِ الْخُبْثِ (قَوْلُهُ أَوْ بِالشِّرَاءِ) لَا مَحَلَّ لَلْعَطْفِ هُنَا وَلِذَا قَالَ ط الْأَخْصَرُ الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ: أَوْ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ وَنَقَدَهُ (قَوْلُهُ يَعْنِي يَتَصَدَّقُ بِرِبْحٍ) تَفْسِيرٌ لِلتَّشْبِيهِ فِي قَوْلِهِ كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ وَبَيَانٌ لِمَا بَعْدَهُ بِعِبَارَةِ أَوْضَحَ (قَوْلُهُ فَعَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ) زَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ خَامِسًا، وَهُوَ مَا إذَا دَفَعَهَا إلَى الْبَائِعِ ثُمَّ اشْتَرَى وَحُكْمُهُ كَالْأَوَّلِ (قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ يَتَصَدَّقُ) ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَيْهِ لَا تُفِيدُ التَّعْيِينَ، فَيَسْتَوِي وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا إلَّا إذَا تَأَكَّدَ بِالنَّقْدِ مِنْهَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ أَطْلَقَ) بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْت بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَنَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ الْغَصْبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ عَزْمِيَّةٌ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يُشِرْ، فَإِنْ نَوَى النَّقْدَ مِنْهَا فَلَا يَخْلُو إنْ حَقَّقَ نِيَّتَهُ فَنَقَدَ مِنْهَا، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَطِيبُ، وَإِنْ لَمْ يُحَقِّقْ نِيَّتَهُ بِطِيبٍ،؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَزْمِ لَا أَثَرَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ثُمَّ نَقَدَ مِنْهُ طَابَ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: إنَّمَا يَطِيبُ إذَا نَوَى أَنْ لَا يَنْقُدَ مِنْهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ فَنَقَدَ أَمَّا إذَا نَوَى النَّقْدَ مِنْهَا مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ يَنْقُدُ لَا يَطِيبُ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَوْلُ الْكَرْخِيِّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَا تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ فِي الْفَتْوَى ثُمَّ حُمِلَ مَا مَرَّ عَلَى حُكْمِ الدَّيَّانَةِ (قَوْلُهُ قِيلَ وَبِهِ يُفْتَى) قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْغُرَرِ وَمُخْتَصَرِ الْوِقَايَةِ وَالْإِصْلَاحِ، وَنَقَلَهُ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَرْتَضِهِ الشَّارِحُ فَأَتَى بِقِيلِ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ مَشَايِخُنَا لَا يَطِيبُ قَبْلَ أَنْ يَضْمَنَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 189 مُطْلَقًا كَذَا فِي الْمُلْتَقَى وَلَوْ بَعْدَ الضَّمَانِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي فَتَاوَى النَّوَازِلِ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ فِي زَمَانِنَا لِكَثْرَةِ الْحَرَامِ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْهُ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فَلْيُحْفَظْ (فَإِنْ غَصَبَ وَغَيَّرَ) الْمَغْصُوبَ (فَزَالَ اسْمُهُ وَأَعْظَمُ مَنَافِعِهِ) أَيْ أَكْثَرُ مَقَاصِدِهِ احْتِرَازًا عَنْ دَرَاهِمَ فَسَبَكَهَا بِلَا ضَرْبٍ فَإِنَّهُ وَإِنْ زَالَ اسْمُهُ   [رد المحتار] وَكَذَا بَعْدَ الضَّمَانِ بِكُلِّ حَالٍّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِإِطْلَاقِ الْجَوَابِ فِي الْجَامِعَيْنِ وَالْمُضَارَبَةِ: أَيْ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ واني عَلَى الدُّرَرِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَوَجْهُهُ أَنَّ بِالنَّقْدِ مِنْهُ اسْتَفَادَ سَلَامَةَ الْمُشْرَى، وَبِالْإِشَارَةِ اسْتَفَادَ جَوَازَ الْعَقْدِ، لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِهِ فِي حَقِّ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ، فَيَثْبُتُ فِيهِ شُبْهَةُ الْحُرْمَةِ لِمِلْكِهِ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ فِي الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ (قَوْلُهُ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) هَذَا مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ الْمَعْزُوِّ آخِرَ الْعِبَارَةِ وَأَتَى بِهِ، وَإِنْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ لِإِشْعَارِ هَذَا التَّعْبِيرِ بِعَدَمِ اعْتِمَادِهِ نَفْيَهُ تَأْيِيدٌ لِتَعْبِيرِهِ بِقِيلِ مُخَالِفًا لِمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَلَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِيمَا إذَا صَارَ بِالتَّقَلُّبِ مِنْ جِنْسِ مَا ضَمِنَ بِأَنْ ضَمِنَ دَرَاهِمَ مَثَلًا وَصَارَ فِي يَدِهِ مِنْ بَدَلِ الْمَضْمُونِ دَرَاهِمُ: وَلَوْ طَعَامٌ أَوْ عُرُوضٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ إنَّمَا يَتَبَيَّنُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَمَا لَمْ يَصِرْ بِالتَّقَلُّبِ مِنْ جِنْسِ مَا ضَمِنَ لَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ اهـ ثُمَّ هَلْ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ هُنَا جِنْسٌ وَاحِدٌ نَظَرًا لِلثَّمَنِيَّةِ أَوْ جِنْسَانِ يُرَاجَعُ رَحْمَتِيٌّ. أَقُولُ: رَأَيْت فِي الطُّورِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ وَلَوْ اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ طَعَامًا حَلَّ التَّنَاوُلُ، وَلَوْ اشْتَرَى بِهَا دَنَانِيرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا، فَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي الطَّعَامِ لَا يُنْتَقَضُ بِاسْتِحْقَاقِ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ مِثْلِهَا لَا عَيْنِهَا اهـ فَأَفَادَ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ حَيْثُ أَوْجَبَ رَدَّهَا مَعَ أَنَّ الْمَغْصُوبَ دَرَاهِمُ، وَهَذِهِ مِمَّا يُزَادُ عَلَى قَوْلِ الْعِمَادِيَّةِ الدَّنَانِيرُ تَجْرِي مَجْرَى الدَّرَاهِمِ فِي سَبْعَةٍ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. وَفِي الطُّورِيِّ أَيْضًا: وَلَوْ اشْتَرَى بِالثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ جَارِيَةً يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا حَتَّى يَدْفَعَ قِيمَةَ الثَّوْبِ إلَى صَاحِبِهِ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا بِالدَّرَاهِمِ يَحِلُّ وَطْؤُهَا لِفَسَادِهِ بِاسْتِحْقَاقِ الثَّوْبِ لِتَعَلُّقِ الْبَيْعِ بِعَيْنِهِ دُونَ الدَّرَاهِمِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ بِالثَّوْبِ امْرَأَةً لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُنْتَقَضُ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَهْرِ اهـ. وَفِي الْمُلْتَقَى وَشَرْحِهِ: وَلَوْ اشْتَرَى بِأَلْفٍ الْغَصْبَ أَوْ الْوَدِيعَةَ جَارِيَةً تَعْدِلُ أَلْفَيْنِ، فَوَهَبَهَا أَوْ طَعَامًا فَأَكَلَهُ، أَوْ تَزَوَّجَ بِأَحَدِهِمَا امْرَأَةً أَوْ سَرِيَّةً أَوْ ثَوْبًا حَلَّ الِانْتِفَاعُ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَنَقَلَ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ عَنْ صَدْرِ الْإِسْلَامِ: أَنَّ الصَّحِيحَ لَا يَحِلُّ لَهُ الْأَكْلُ وَلَا الْوَطْءُ؛ لِأَنَّ فِي السَّبَبِ نَوْعُ خُبْثٍ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَغَيَّرَ الْمَغْصُوبَ) أَيْ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ احْتِرَازًا عَنْ صَبِيٍّ غَصَبَهُ، فَصَارَ مُلْتَحِيًا عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِلَا ضَمَانٍ قُهُسْتَانِيُّ. وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَفِيهَا وَلَوْ غَصَبَ جَارِيَةً نَاهِدَةَ الثَّدْيَيْنِ فَانْكَسَرَ ثَدْيُهَا عِنْدَهُ أَوْ عَبْدًا مُحْتَرِفًا فَنَسِيَ ذَلِكَ عِنْدَهُ ضَمِنَ النُّقْصَانَ اهـ وَمِثْلُهُ مَا سَيَذْكُرُهُ آخِرًا عَنْ الْوَهْبَانِيَّةِ تَأَمَّلْ. وَفِي الدُّرَرِ: صَارَ الْعِنَبُ زَبِيبًا بِنَفْسِهِ أَوْ الرُّطَبُ تَمْرًا أَخَذَهُ الْمَالِكُ أَوْ تَرَكَهُ وَضَمِنَهُ (قَوْلُهُ فَزَالَ اسْمُهُ) احْتِرَازٌ عَنْ كَاغَدٍ فَكَتَبَ عَلَيْهِ أَوْ قُطْنٍ، فَغَزَلَهُ أَوْ لَبَنٍ فَصَيَّرَهُ مَخِيضًا أَوْ عَصِيرًا فَخَلَّلَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ، وَقِيلَ يَنْقَطِعُ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْمُحِيطِ، وَعَمَّا إذَا غَصَبَ شَاةً فَذَبَحَهَا فَإِنَّ مِلْكَ مَالِكِهَا لَمْ يَزُلْ بِالذَّبْحِ الْمُجَرَّدِ حَيْثُ يُقَالُ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ دُرَرٌ (قَوْلُهُ فَسَبَكَهَا) عُطِفَ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ غَصَبَهَا فَسَبَكَهَا (قَوْلُهُ بِلَا ضَرْبٍ) كَذَا قَيَّدَ بِهِ فِي السِّرَاجِ، فَلَوْ صَاغَ الدَّرَاهِمَ بَعْدَ سَبْكِهَا دَرَاهِمَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 190 لَكِنْ يَبْقَى أَعْظَمُ مَنَافِعِهِ وَلِذَا لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ زَوَالُ الِاسْمِ مُغْنِيًا عَنْ أَعْظَمِ مَنَافِعِهِ كَمَا ظَنَّهُ مُنْلَا خُسْرو وَغَيْرُهُ (أَوْ اخْتَلَطَ) الْمَغْصُوبُ (بِمِلْكِ الْغَاصِبِ بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ امْتِيَازُهُ) كَاخْتِلَاطِ بُرِّهِ بِبُرِّهِ. (أَوْ يُمْكِنُ بِحَرَجٍ) كَبُرِّهِ بِشَعِيرِهِ (ضَمِنَهُ وَمَلَكَهُ بِلَا حِلِّ انْتِفَاعٍ قَبْلَ أَدَاءِ ضَمَانِهِ) أَيْ رِضَا مَالِكِهِ بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ أَوْ تَضْمِينِ قَاضٍ وَالْقِيَاسُ حِلُّهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ، فَلَوْ غَصَبَ طَعَامًا فَمَضَغَهُ حَتَّى صَارَ مُسْتَهْلِكًا يَبْتَلِعُهُ حَلَالًا فِي رِوَايَةٍ   [رد المحتار] لَا يَنْقَطِعُ بِالْأَوْلَى وَسَوَاءٌ كَانَتْ مِثْلَ الدَّرَاهِمِ الْأُولَى أَمْ لَا وَحَرِّرْهُ اهـ ط (قَوْلُهُ لَكِنْ يَبْقَى أَعْظَمُ مَنَافِعِهِ) مِنْ جَعْلِهَا ثَمَنًا وَالتَّزَيُّنِ بِهَا ط (قَوْلُهُ مُغْنِيًا عَنْ أَعْظَمِ مَنَافِعِهِ) أَيْ عَنْ هَذَا اللَّفْظِ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ) هُوَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، فَإِنَّ هَذَا الْقَيْدَ جَعَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ احْتِرَازًا عَنْ حِنْطَةٍ غَصَبَهَا وَطَحَنَهَا، قَالَ: فَإِنَّ الْمَقَاصِدَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِعَيْنِ الْحِنْطَةِ كَجَعْلِهَا هَرِيسَةً وَنَحْوِهَا تَزُولُ بِالطَّحْنِ، قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَتَبِعَهُ فِي الدُّرَرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَأْكِيدٌ،؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ زَالَ اسْمُهُ يَتَنَاوَلُهُ فَإِنَّهَا إذَا طُحِنَتْ صَارَتْ دَقِيقًا لَا حِنْطَةً اهـ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ بَيَانِ الْمُحْتَرَزِ وَالْإِيرَادِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ بِمِلْكِ الْغَاصِبِ) وَكَذَا بِمَغْصُوبٍ آخَرَ لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْيَنَابِيعِ: غَصَبَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفًا فَخَلَطَهُمَا لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِمَا شَيْئًا مَأْكُولًا فَيَأْكُلُهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ مَا اشْتَرَى حَتَّى يُؤَدِّيَ عِوَضَهُ اهـ. وَفِيهَا عَنْ الْمُنْتَقَى مَعَهُ سَوِيقٌ وَمَعَ آخَرَ سَمْنٌ فَاصْطَدَمَا فَانْصَبَّ السَّمْنُ فِي سَوِيقِهِ يَضْمَنُ مِثْلَ السَّمْنِ،؛ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ دُونَ الْآخَرِ،؛ لِأَنَّ هَذَا زِيَادَةٌ فِي السَّوِيقِ وَفِيهَا عَنْ الْخَانِيَّةِ اخْتَلَطَتْ نُورَتُهُ بِدَقِيقٍ آخَرَ بِلَا صُنْعِ أَحَدٍ يُبَاعُ الْمُخْتَلَطُ، وَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقِيمَتِهِ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِإِيجَابِ النُّقْصَانِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ كَبُرِّهِ بِشَعِيرِهِ) أَيْ بُرِّ الْغَاصِبِ بِشَعِيرِ الْغَصْبِ أَوْ بِالْعَكْسِ (قَوْلُهُ ضَمِنَهُ وَمَلَكَهُ) أَمَّا الضَّمَانُ فَلِلتَّعَدِّي، وَأَمَّا الْمِلْكُ فِي التَّغَيُّرِ وَزَوَالِ الِاسْمِ، فَلِأَنَّهُ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُتَقَوِّمَةً وَفِي الِاخْتِلَاطِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ. [تَتِمَّةٌ] كُلُّ مَوْضِعٍ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ فِيهِ فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَحَقُّ بِذَلِكَ الشَّيْءِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ فَإِنْ ضَاعَ ذَلِكَ ضَاعَ مِنْ مَالِ الْغَاصِبِ اهـ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة، وَزَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ (قَوْلُهُ بِلَا حِلِّ انْتِفَاعٍ إلَخْ) وَفِي الْمُنْتَقَى كُلُّ مَا غَابَ صَاحِبُهُ، وَيَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بَعْدَ مَا يَشْهَدُ عَلَى نَفْسِهِ بِضَمَانِهِ، وَلَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ مِنْ إثْمِ الْغَصْبِ. وَفِي جَامِعِ الْجَوَامِعِ: اشْتَرَى الزَّوْجُ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً مِنْ مَالٍ خَبِيثٍ جَازَ لِلْمَرْأَةِ أَكْلُهُ وَلُبْسُهَا وَالْإِثْمُ عَلَى الزَّوْجِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ أَيْ رِضَا مَالِكِهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَدَاءِ رِضَا الْمَالِكِ وَهُوَ أَعَمُّ (قَوْلُهُ أَوْ تَضْمِينِ قَاضٍ) فَإِنَّ الرِّضَا مِنْ الْمَالِكِ مَوْجُودٌ فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي إلَّا بِطَلَبِهِ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ عَزْمِيَّةٌ: هَذَا وَمَا أَفَادَهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَغْصُوبِ ثَابِتٌ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ، وَإِنَّمَا الْمُتَوَقِّفُ عَلَى أَدَاءِ الضَّمَانِ الْحِلُّ هُوَ مَا فِي عَامَّةِ الْمُتُونِ، فَمَا فِي النَّوَازِلِ مِنْ أَنَّهُ بَعْدَ الْمِلْكِ لَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ لِاسْتِفَادَتِهِ بِوَجْهٍ خَبِيثٍ كَالْمَمْلُوكِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ عِنْدَ الْقَبْضِ إلَّا إذَا جَعَلَهُ صَاحِبُهُ فِي حِلٍّ اهـ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْمُتُونِ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْمِنَحِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ الْغَصْبُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ، فَلَوْ أَبَى الْمَالِكُ أَخْذَ الْقِيمَةِ، وَأَرَادَ أَخْذَ الْمُغَيَّرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ) جَعَلَهَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَالِاسْتِحْسَانُ قَوْلُهُمَا. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَانَ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ، وَيَقُولُ: أَجْمَعَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِأَحَدِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَقَالُوا جَمِيعًا الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ. قُلْت: مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْمُتُونِ كَمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ نَقَلَ أَنَّ الْعَلَّامَةَ قَاسِمًا تَعَقَّبَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 191 وَحَرَامًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ (كَذَبْحِ شَاةٍ) بِالتَّنْوِينِ بَدَلِ الْإِضَافَةِ: أَيْ شَاةِ غَيْرِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ سُلْطَانٍ (وَطَبْخِهَا أَوْ شَيِّهَا وَطَحْنِ بُرٍّ وَزَرْعِهِ وَجَعْلِ حَدِيدٍ سَيْفًا وَصُفْرٍ آنِيَةً وَالْبِنَاءِ عَلَى سَاجَةٍ) بِالْجِيمِ خَشَبَةٌ عَظِيمَةٌ تَنْبُتُ بِالْهِنْدِ (وَقِيمَتُهُ) أَيْ الْبِنَاءِ (أَكْثَرُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ قِيمَةِ السَّاجَةِ يَمْلِكُهَا الْبَانِي بِالْقِيمَةِ وَكَذَا لَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَبَنَى عَلَيْهَا أَوْ غَرَسَ أَوْ ابْتَلَعَتْ دَجَاجَةٌ لُؤْلُؤَةً أَوْ أَدْخَلَ الْبَقَرُ رَأْسَهُ فِي قِدْرٍ أَوْ أَوْدَعَ فَصِيلًا فَكَبُرَ فِي بَيْتِ الْمُودَعِ وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَّا بِهَدْمِ الْجِدَارِ أَوْ سَقَطَ دِينَارُهُ فِي مَحْبَرَةِ غَيْرِهِ وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَّا بِكَسْرِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ يَضْمَنُ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ قِيمَةَ الْأَقَلِّ وَالْأَصْلُ أَنَّ الضَّرَرَ الْأَشَدَّ يُزَالُ بِالْأَخَفِّ، كَمَا فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِنْ الْأَشْبَاهِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ ابْتَلَعَ لُؤْلُؤَةً فَمَاتَ لَا يُشَقُّ بَطْنُهُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْآدَمِيِّ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَالِ وَقِيمَتُهَا فِي تَرِكَتِهِ وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ قِيَاسًا عَلَى الشَّقِّ لِإِخْرَاجِ الْوَلَدِ. قُلْت: وَقَدَّمْنَا فِي الْجَنَائِزِ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ يُشَقُّ أَيْضًا فَلَا خِلَافَ. وَفِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ فَلْيُحْفَظْ.   [رد المحتار] قَوْلُهُ كَذَبْحِ شَاةٍ) تَمْثِيلٌ لِقَوْلِهِ فَإِنْ غَصَبَ وَغَيَّرَ، أَوْ تَنْظِيرٌ لِقَوْلِهِ ضَمِنَهُ وَمَلَكَهُ أَيْ كَمَا يَضْمَنُهُ فِي ذَبْحِ شَاةٍ إلَخْ (قَوْلُهُ بِالتَّنْوِينِ بَدَلِ الْإِضَافَةِ) فِيهِ أَنَّهُمْ قَسَّمُوا تَنْوِينَ الْعِوَضِ إلَى مَا يَكُونُ عِوَضًا عَنْ جُمْلَةٍ أَوْ عَنْ حَرْفٍ أَوْ عَنْ كَلِمَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253] {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ} [يس: 40] {أَيًّا مَا تَدْعُوا} [الإسراء: 110]- وَالْإِضَافَةُ أَمْرٌ مَعْنَوِيٌّ، فَالْأَنْسَبُ إبْدَالُهَا بِالْمُضَافِ إلَيْهِ، عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ أَنْكَرَ الْقِسْمَ الثَّالِثَ، وَقَالَ إنَّهُ مِنْ تَنْوِينِ التَّمْكِينِ يَزُولُ مَعَ الْإِضَافَةِ وَيَثْبُتُ مَعَ عَدَمِهَا (قَوْلُهُ وَطَبْخِهَا أَوْ شَيِّهَا) إنَّمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الذَّبْحِ لَا يَتَغَيَّرُ الِاسْمُ بَلْ وَلَوْ مَعَ التَّأْرِيبِ أَيْ التَّقْطِيعِ،؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّبْحِ بَلْ يُحَقِّقُهُ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْبِنَاءِ عَلَى سَاجَةٍ) فِي الْهِدَايَةِ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: إنَّمَا لَا يُنْقَضُ إذَا بَنَى فِي حَوَالِي السَّاجَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي الْبِنَاءِ، أَمَّا إذَا بَنَى عَلَى نَفْسِ السَّاجَةِ يُنْقَضُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ وَجَوَابُ الْكِتَابِ يَرُدُّ ذَلِكَ وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ بِالْجِيمِ) أَمَّا السَّاحَةُ بِالْحَاءِ فَتَأْتِي (قَوْلُهُ خَشَبَةٌ عَظِيمَةٌ إلَخْ) أَيْ صُلْبَةٌ قَوِيَّةٌ تُسْتَعْمَلُ فِي أَبْوَابِ الدُّورِ وَبِنَائِهَا وَأَسَاسِهَا أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيمَتُهُ أَيْ الْبِنَاءِ أَكْثَرُ مِنْهَا) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَأَمَّا إذَا كَانَ قِيمَةُ السَّاجَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ، فَلَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْهَا، كَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَبِهِ قَيَّدَ الزَّيْلَعِيُّ كَلَامَ الْكَنْزِ اهـ وَفِيهَا عَنْ الْمُجْتَبَى، فَلَهُ أَخْذُهُ وَكَذَا فِي السَّاحَةِ أَيْ بِالْحَاءِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ غَصَبَ أَرْضًا إلَخْ) هَذِهِ مَسْأَلَةُ السَّاحَةِ بِالْحَاءِ وَسَتَأْتِي مَتْنًا: أَيْ فَلَوْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرُ يَضْمَنُ الْغَاصِبُ قِيمَةَ الْأَرْضِ وَلَا يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ وَهَذَا قَوْلُ الْكَرْخِيِّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ أَوْفَقُ لِمَسَائِلِ الْبَابِ: أَيْ مَسْأَلَةِ الدَّجَاجَةِ الْآتِيَةِ وَنَحْوِهَا، لَكِنْ فِي الْعِمَادِيَّةِ وَنَحْنُ نُفْتِي بِجَوَابِ الْكِتَابِ اتِّبَاعًا لِمَشَايِخِنَا فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَتْرُكُونَهُ أَيْ مِنْ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ وَالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ مُطْلَقًا وَفِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ الْأَنْقِرْوِيِّ: أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ، صَرَّحَ بِهِ الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ الْمُفْتِي قَالَ: وَبِالْأَمْرِ بِالْقَلْعِ أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ أَفَنْدِي مُفْتِي الرُّومِ أَخْذًا مِنْ فَتَاوَى أَبِي السُّعُودِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَنِعْمَ هَذَا الْجَوَابُ، فَإِنَّ فِيهِ سَدَّ بَابِ الظُّلْمِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ اللُّؤْلُؤَةِ وَنَحْوِهَا بِأَنَّهُ فِي تِلْكَ أَمْرٌ اضْطِرَارِيٌّ صَدَرَ بِدُونِ قَصْدٍ مُعْتَبَرٍ، وَأَمَّا الْغَصْبُ فَهُوَ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ مَقْصُودٌ اهـ مُلَخَّصًا. وَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ الشَّارِحَ جَرَى هُنَا عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ، وَكَذَا فِيمَا سَيَأْتِي حَيْثُ قَيَّدَ قَوْلَ الْمَتْنِ، يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ بِمَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ أَكْثَرَ فَمَا اقْتَضَاهُ التَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ: وَكَذَا لَوْ غَصَبَ أَرْضًا مِنْ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ صَحِيحٌ،؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَلَامِ غَيْرِ الْكَرْخِيِّ، وَإِنْ كَانَ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا عَلِمْت فَافْهَمْ (قَوْلُهُ يَضْمَنُ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ قِيمَةَ الْأَقَلِّ) فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ يُبَاعُ عَلَيْهِمَا، وَيَقْتَسِمَانِ الثَّمَنَ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ فَمَاتَ) فَلَوْ بَقِيَ حَيًّا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا وَلَا يَنْظُرُ إلَى أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَفِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ) وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَا يَشُقُّ بَطْنَهُ لَوْ دُرَّةً، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الدُّرَّةَ تَفْسُدُ فِيهِ فَلَا يُفِيدُ الشِّقُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 192 بَقِيَ لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ السَّاجَةِ وَالْبِنَاءِ سَوَاءً فَإِنْ اصْطَلَحَا عَلَى شَيْءٍ جَازَ، وَإِنْ تَنَازَعَا يُبَاعُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِمَا، وَيَقْسِمُ الثَّمَنَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَالِهِمَا شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. بَقِيَ لَوْ أَرَادَ الْغَاصِبُ نَقْضَ الْبِنَاءِ وَرَدَّ السَّاجَةِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ إنْ قَضَى عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ لَا يَحِلُّ وَقَبْلَهُ قَوْلَانِ لِتَضْيِيعِ الْمَالِ بِلَا فَائِدَةٍ وَتَمَامُهُ فِي الْمُجْتَبَى (وَإِنْ ضَرَبَ الْحَجَرَيْنِ دِرْهَمًا وَدِينَارًا أَوْ إنَاءً لَمْ يَمْلِكْهُ وَهُوَ لِمَالِكِهِ مَجَّانًا) خِلَافًا لَهُمَا (فَإِنْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ) وَنَحْوَهَا مِمَّا يُؤْكَلُ (طَرَحَهَا الْمَالِكُ عَلَيْهِ وَأَخَذَ قِيمَتَهَا أَوْ أَخَذَهَا وَضَمَّنَهُ نُقْصَانَهَا وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ قَطَعَ يَدَهَا) أَوْ قَطَعَ طَرَفَ دَابَّةٍ غَيْرِ مَأْكُولَةٍ كَذَا فِي الْمُلْتَقَى قِيلَ: وَلَفْظُ غَيْرِ: غَيْرُ سَدِيدٍ هُنَا. قُلْت: قَوْلُهُ غَيْرُ سَدِيدٍ غَيْرُ سَدِيدٍ لِثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي غَيْرِ الْمَأْكُولَةِ أَيْضًا لَكِنْ إذَا اخْتَارَ رَبُّهَا أَخْذَهَا لَا يُضَمِّنُهُ شَيْئًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ فَلْيُحْفَظْ بِخِلَافِ طَرَفِ الْعَبْدِ فَإِنَّ فِيهِ الْأَرْشَ (أَوْ خَرَقَ ثَوْبًا)   [رد المحتار] وَالدَّنَانِيرُ لَا تَفْسُدُ. وَفِي الْبِيرِيِّ عَنْ تَلْخِيصِ الْكُبْرَى: لَوْ بَلَعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَمَاتَ يَشُقُّ وَأَفَادَ الْبِيرِيُّ عَدَمَ الْخِلَافِ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِعَدَمِ فَسَادِهَا، وَقَدْ عُلِمَ اخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ فِي الدُّرَّةِ وَلَفْظُ الْفَتْوَى أَقْوَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ يُبَاعُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِمَا) هَكَذَا الْعِبَارَةُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ والشُّرُنبُلالِيَّة، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ يُبَاعُ مَعَ السَّاجَةِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ إنْ قَضَى عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ لَا يَحِلُّ) وَإِذَا نَقَصَ لَمْ يَسْتَطِعْ رَدَّ السَّاجَةِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ لِتَضْيِيعِ الْمَالِ) عِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ قِيلَ: يَحِلُّ وَقِيلَ لَا يَحِلُّ لِتَضْيِيعِ الْمَالِ (قَوْلُهُ وَهُوَ لِمَالِكِهِ مَجَّانًا) فَلَا يَضْمَنُ لِلْغَاصِبِ شَيْئًا لِأَجْلِ الصِّيَاغَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مُجَرَّدُ الْعَمَلِ إلَّا إذَا جَعَلَهُ مِنْ أَوْصَافِ مِلْكِهِ، بِحَيْثُ يَكُونُ فِي نَزْعِهِ ضَرَرٌ كَمَا لَوْ جَعَلَهُ عُرْوَةً مُزَادَةً أَوْ صَفَائِحَ فِي سَقْفٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَقَدْ انْقَطَعَ لِصَاحِبِهِ الْيَدُ عَنْهُ وَقْتَ غَصْبِهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ أَوْ أَخَذَهَا وَضَمَّنَهُ نُقْصَانَهَا) ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ لِفَوَاتِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ كَالْحَمْلِ وَالدَّرِّ وَالنَّسْلِ، وَبَقَاءِ بَعْضِهَا وَهُوَ اللَّحْمِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَطَعَ يَدَهَا) ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ أَيْضًا وَهَذَا فِي مِثْلِ الْبَقَرِ وَنَحْوُهُ ظَاهِرٌ، وَكَذَا فِي الشَّاةِ؛ لِأَنَّهَا تَضْعُفُ عَنْ الذَّهَابِ إلَى الْمَرْعَى فَيَقِلُّ دَرُّهَا وَيَضْعُفُ نَسْلُهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ قَطَعَ طَرَفَ دَابَّةٍ غَيْرِ مَأْكُولَةٍ) لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ هِدَايَةٌ، وَقَيَّدَ بِالْيَدِ وَالطَّرَفِ؛ لِأَنَّ فِي عَيْنِ الْحِمَارِ أَوْ الْبَغْلِ أَوْ الْفَرَسِ رُبُعَ الْقِيمَةِ، وَكَذَا فِي عَيْنِ الْبَقَرَةِ وَالْجَزُورِ وَفِي عَيْنِ الشَّاةِ مَا نَقَصَهَا، وَسَيَجِيءُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ غَيْرُ سَدِيدٍ هُنَا) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ أَخَذَهَا وَضَمَّنَهُ نُقْصَانَهَا خَاصٌّ بِالْمَأْكُولَةِ وَعَلَى إسْقَاطِ لَفْظَةِ غَيْرُ يَكُونُ مِنْ التَّعْمِيمِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ الْمُلْتَقَى. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مُرَادَهُ بِإِلْحَاقِ غَيْرِ الْمَأْكُولَةِ بِالْمَأْكُولَةِ فِي الْحُكْمِ مِنْ حَيْثُ وُجُودُ التَّخْيِيرِ فِيهِمَا بَيْنَ طَرْحِهَا عَلَى الْغَاصِبِ، وَبَيْنَ إمْسَاكِهَا وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إذَا أَمْسَكَ الْمَأْكُولَةَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ النُّقْصَانَ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَأْكُولَةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ وُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَدْ نَبَّهَ الشَّارِحُ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ بِقَوْلِهِ: لَكِنْ إذَا اخْتَارَ إلَخْ فَافْهَمْ. أَقُولُ: وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ أَيْضًا كَالْمَأْكُولَةِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ، وَلَكِنْ يُقَيَّدُ بِمَا إذَا كَانَ لِمَا بَقِيَ قِيمَةٌ، لِعَدَمِ وُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْقَرِينَةُ عَلَى هَذَا التَّقْيِيدِ لَفْظُ النُّقْصَانِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِمَا بَقِيَ قِيمَةٌ لَمْ يَقُلْ لَهُ نُقْصَانٌ، بَلْ هَلَاكٌ وَدَلِيلُ ذَلِكَ مَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ الْمُنْتَقَى بِالنُّونِ قَطَعَ يَدَ حِمَارٍ أَوْ رِجْلَهُ وَكَانَ لِمَا بَقِيَ قِيمَةٌ، فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيَأْخُذَ النُّقْصَانَ وَكَذَا لَوْ ذَبَحَهُ، وَكَانَ لِجِلْدِهِ ثَمَنٌ لَا إنْ قَتَلَهُ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ بِمَنْزِلَةِ الدِّبَاغِ اهـ مُلَخَّصًا هَذَا وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِغَيْرِ الْمَأْكُولَةِ مَا يَشْمَلُ الْفَرَسَ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ طَرَفِ الْعَبْدِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ لَكِنْ إذَا اخْتَارَ رَبُّهَا أَخْذَهَا لَا يُضَمِّنُهُ شَيْئًا (قَوْلُهُ فَإِنَّ فِيهِ الْأَرْشَ) أَيْ لَهُ أَخْذُهُ مَعَ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ أَقْطَعُ، وَلَا كَذَلِكَ الدَّابَّةُ الْغَيْرُ الْمَأْكُولَةِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ خَرَقَ ثَوْبًا إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 193 خَرْقًا فَاحِشًا (وَ) هُوَ مَا (فَوَّتَ بَعْضَ الْعَيْنِ وَبَعْضَ نَفْعِهِ لَا كُلَّهُ) فَلَوْ كُلُّهُ ضَمِنَ كُلَّهَا (وَفِي خَرْقٍ يَسِيرٍ) نَقْصَهُ وَ (لَمْ يُفَوِّتْ شَيْئًا) مِنْ النَّفْعِ (ضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ مَعَ أَخْذِ عَيْنِهِ لَيْسَ غَيْرُ) لِقِيَامِ الْعَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَا لَمْ يُجَدِّدْ فِيهِ صَنْعَةً أَوْ يَكُونُ رِبَوِيًّا كَمَا بَسَطَهُ الزَّيْلَعِيُّ. قُلْت: وَمِنْهُ يُعْلَمُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَهِيَ غَصَبَتْ حِيَاصَةَ فِضَّةٍ مُمَوَّهَةٍ بِالذَّهَبِ فَزَالَ تَمْوِيهُهَا يُخَيَّرُ مَالِكُهَا بَيْنَ تَضْمِينِهَا مُمَوَّهَةً أَوْ أَخْذِهَا بِلَا شَيْءٍ،؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ مُسْتَهْلَكٌ، وَلَوْ كَانَ مَكَانُ الْغَصْبِ شِرَاءً بِوَزْنِهَا فِضَّةً فَلَا رَدَّ لِتَعَيُّبِهَا وَلَا رُجُوعَ بِالنُّقْصَانِ لِلُزُومِ الرِّبَا فَاغْتَنِمْهُ فَقَلَّ مَنْ صَرَّحَ بِهِ قَالَهُ شَيْخُنَا. (وَمَنْ بَنَى أَوْ غَرَسَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ أُمِرَ بِالْقَلْعِ وَالرَّدِّ) لَوْ قِيمَةُ السَّاحَةِ أَكْثَرَ كَمَا مَرَّ (وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ قِيمَةَ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ أَمَرَ بِقَلْعِهِ) أَيْ مُسْتَحِقُّ الْقَلْعِ فَتُقَوَّمُ بِدُونِهِمَا وَمَعَ أَحَدِهِمَا مُسْتَحِقُّ الْقَلْعِ فَيَضْمَنُ الْفَضْلَ   [رد المحتار] أَيْ لِلْمَالِكِ أَيْضًا أَنْ يَطْرَحَهُ عَلَيْهِ وَيُضَمِّنَهُ الْقِيمَةَ أَوْ يُمْسِكُهُ وَيُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا فَوَّتَ إلَخْ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَاحِشِ وَالْيَسِيرِ مِنْ أَقْوَالٍ أَرْبَعَةٍ مَذْكُورَةٍ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ لَا كُلُّهُ) أَيْ كُلُّ النَّفْعِ (قَوْلُهُ ضَمِنَ كُلَّهَا) أَيْ كُلَّ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ نَقْصَهُ) أَيْ نَقْصَ الْعَيْنِ وَذَكَرَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ الثَّوْبِ، وَيَصِحُّ إرْجَاعُهُ لِلنَّفْعِ وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ وَلَمْ يُفَوِّتْ شَيْئًا مِنْ النَّفْعِ أَيْ لَمْ يُفَوِّتْهُ بِتَمَامِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ النُّقْصَانُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا جَعَلَ فِي الْأَصْلِ قَطْعَ الثَّوْبِ نُقْصَانًا فَاحِشًا وَالْفَائِتُ بِهِ بَعْضُ الْمَنَافِعِ اهـ. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا: أَنَّهُ مَا تَفُوتُ بِهِ الْجَوْدَةُ بِسَبَبِ نُقْصَانٍ فِي الْمَالِيَّةِ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُجَدَّدْ فِيهِ صَنْعَةٌ) بِأَنْ خَاطَهُ قَمِيصًا فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْهُ عِنْدَنَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ يَكُونُ رِبَوِيًّا) فَيُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ الْعَيْنَ، وَلَا يَرْجِعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِشَيْءٍ وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَهَا، وَيُضَمِّنَهُ مِثْلَهَا أَوْ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ مُتَعَذِّرٌ،؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا زَيْلَعِيٌّ، وَقَوْلُهُ: أَوْ قِيمَتَهَا أَيْ فِي نَحْوِ مَصُوغٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ يُعْلَمُ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ يَكُونُ رِبَوِيًّا (قَوْلُهُ حِيَاصَةً) الْأَصْلُ حِوَاصَةٌ وَهِيَ سَيْرٌ يُشَدُّ بِهِ حِزَامُ السَّرْجِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ بَيْنَ تَضْمِينِهَا مُمَوَّهَةً) أَيْ تَضْمِينُ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ عَلَى الظَّاهِرِ ط (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ) عِبَارَةُ شَيْخِهِ الرَّمْلِيِّ؛ لِأَنَّ الذَّهَبَ بِالتَّمْوِيهِ صَارَ مُسْتَهْلَكًا: تَبَعًا لِلْفِضَّةِ فَتُعْتَبَرُ جَمِيعُهَا فِضَّةً غَيْرَ أَنَّهَا انْتَقَصَتْ بِذَهَابِهِ (قَوْلُهُ شِرَاءً) بِالْمَدِّ وَالتَّنْوِينِ أَيْ بِأَنْ اشْتَرَتْهَا بِفِضَّةٍ مُسَاوِيَةٍ لَهَا وَزْنًا وَزَالَ التَّمْوِيهُ عِنْدَهَا يَعْنِي وَوَجَدَتْ بِهَا عَيْبًا قَدِيمًا (قَوْلُهُ فَلَا رَدَّ) أَيْ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ لِتَعِيبَهَا بِزَوَالِ التَّمْوِيهِ عِنْدَهَا وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ (قَوْلُهُ وَلَا رُجُوعَ بِالنُّقْصَانِ) أَيْ نُقْصَانِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ (قَوْلُهُ لِلُزُومِ الرِّبَا) ؛ لِأَنَّهُ يُبْقِي أَحَدَ الْبَدَلَيْنِ زَائِدًا عَلَى الْآخِرِ بِلَا عِوَضٍ يُقَابِلُهُ وَهَذِهِ مِمَّا يُزَادُ عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي تَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ وَلِهَذَا قَالَ فَاغْتَنِمْهُ إلَخْ (قَوْلُهُ قَالَهُ شَيْخُنَا) يَعْنِي الْخَيْرَ الرَّمْلِيَّ فِي حَوَاشِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ وَمَنْ بَنَى) أَيْ بِغَيْرِ تُرَابِ تِلْكَ الْأَرْضِ وَإِلَّا فَالْبِنَاءُ لِرَبِّ الْأَرْضِ،؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَ بِنَقْضِهِ يَصِيرُ تُرَابًا كَمَا كَانَ دُرٌّ مُنْتَقًى فِي (قَوْلِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ) فَلَوْ بِإِذْنِهِ فَالْبِنَاءُ لِرَبِّ الدَّارِ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَحْكَامِ الْعِمَارَةِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي شَتَّى الْوَصَايَا مَسْأَلَةَ مَنْ بَنَى فِي دَارِ زَوْجَتِهِ مُفَصَّلَةً (قَوْلُهُ لَوْ قِيمَةُ السَّاحَةِ أَكْثَرُ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَلَوْ قِيمَتُهَا أَقَلُّ، فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ قِيمَتَهَا، وَيَأْخُذَهَا دُرَرٌ عَنْ النِّهَايَةِ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ آنِفًا (قَوْلُهُ أَيْ مُسْتَحِقُّ الْقَلْعِ إلَخْ) وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ مَقْلُوعًا مِقْدَارَ أُجْرَةِ الْقَلْعِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ مِائَةً وَقِيمَةُ الشَّجَرِ الْمَقْلُوعِ عَشَرَةٌ، وَأُجْرَةُ الْقَلْعِ دِرْهَمٌ بَقِيَتْ تِسْعَةُ دَرَاهِمَ، فَالْأَرْضُ مَعَ هَذَا الشَّجَرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 194 (إنْ نَقَصَتْ الْأَرْضُ بِهِ) أَيْ بِالْقَلْعِ وَلَوْ زَرَعَهَا يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ فَإِنْ اقْتَسَمُوا الْغَلَّةَ أَنْصَافًا أَوْ أَرْبَاعًا اُعْتُبِرَ وَإِلَّا فَالْخَارِجُ لِلزَّارِعِ وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ، وَأَمَّا فِي الْوَقْفِ فَتَجِبُ الْحِصَّةُ أَوْ الْأَجْرُ   [رد المحتار] تُقَوَّمُ بِمِائَةٍ وَتِسْعَةِ دَرَاهِمَ فَيَضْمَنُ الْمَالِكُ التِّسْعَةَ مِنَحٌ (قَوْلُهُ إنْ نَقَصَتْ الْأَرْضُ بِهِ) أَيْ نُقْصَانًا فَاحِشًا بِحَيْثُ يُفْسِدُهَا أَمَّا لَوْ نَقَصَهَا قَلِيلًا فَيَأْخُذُ أَرْضَهُ، وَيَقْلَعُ الْأَشْجَارَ وَيَضْمَنُ النُّقْصَانَ سَائِحَانِيٌّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ. مَطْلَبٌ زَرَعَ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ يُعْتَبَرُ عُرْفُ الْقَرْيَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ زَرَعَهَا يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالُوا إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مُعَدَّةً لِلزِّرَاعَةِ، بِأَنْ كَانَتْ الْأَرْضُ فِي قَرْيَةٍ اعْتَادَ أَهْلُهَا زِرَاعَةَ أَرْضِ الْغَيْرِ، وَكَانَ صَاحِبُهَا مِمَّنْ لَا يَزْرَعُ بِنَفْسِهِ، وَيَدْفَعُ أَرْضَهُ مُزَارَعَةً، فَذَلِكَ عَنْ الْمُزَارَعَةِ، وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُزَارِعَ بِحِصَّةِ الدِّهْقَانِ عَلَى مَا هُوَ مُتَعَارَفُ أَهْلِ الْقَرْيَةِ النِّصْفَ أَوْ الرُّبُعَ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ، وَهُوَ نَظِيرُ الدَّارِ الْمُعَدَّةِ لِلْإِجَارَةٍ إذَا سَكَنَهَا إنْسَانٌ، فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْإِجَارَةِ وَكَذَا هَاهُنَا، وَعَلَى هَذَا أَدْرَكْت مَشَايِخَ زَمَانِي، وَاَلَّذِي تَقَرَّرَ عِنْدِي وَعَرَضْتُهُ عَلَى مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ الْأَرْضَ وَإِنْ كَانَتْ مُعَدَّةً لِلزِّرَاعَةِ، تَكُونُ هَذِهِ مُزَارَعَةً فَاسِدَةً إذْ لَيْسَ فِيهَا بَيَانُ الْمُدَّةِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِلْمُزَارَعَةِ، وَعَلَى الْمُزَارِعِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ اهـ. أَقُولُ: لَكِنْ سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ: أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ صِحَّتُهَا بِلَا بَيَانِ الْمُدَّةِ، وَتَقَعُ عَلَى أَوَّلِ زَرْعٍ وَاحِدٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا عَلَيْهِ الْمَشَايِخُ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا، وَفِي مُزَارَعَةِ الْبَزَّازِيَّةِ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا مَرَّ عَنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ الْقَاضِي: وَعِنْدِي أَنَّهَا إنْ مُعَدَّةً لَهَا وَحِصَّةُ الْعَامِلِ مَعْلُومَةٌ عِنْدَ أَهْلِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ فُقِدَ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ وَيُنْظَرُ إلَى الْعَادَةِ إذَا لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ زَرَعَهَا لِنَفْسِهِ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَأْخُذُهَا مُزَارَعَةً وَيَأْنَفُ مِنْ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ غَصْبًا، وَالْخَارِجُ لَهُ وَعَلَيْهِ نُقْصَانُ الْأَرْضِ، وَكَذَا لَوْ زَرَعَهَا بِتَأْوِيلٍ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِغَيْرِ الْمُؤَجِّرِ بِلَا إذْنِ رَبِّهَا، وَلَمْ يُجِزْهَا رَبُّهَا وَزَرَعَهَا الْمُسْتَأْجِرُ لَا تَكُونُ مُزَارَعَةً؛ لِأَنَّهُ زَرَعَهَا بِتَأْوِيلِ الْإِجَارَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَالْخَارِجُ لِلزَّارِعِ إلَخْ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ فِي دَفْعِهَا مُزَارَعَةً، وَلَا فِي قَسْمِ حِصَّةٍ مَعْلُومَةٍ يَكُونُ الزَّارِعُ غَاصِبًا فَيَكُونُ الْخَارِجُ لَهُ وَقَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ مُشْكِلٌ، وَلَا تُفِيدُهُ النُّقُولُ الْمَارَّةُ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَيْسَتْ مِمَّا أُعِدَّ لِلِاسْتِغْلَالِ، حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ، بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ نُقْصَانُهَا. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهَا مَالُ يَتِيمٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا أَوْ أَعَدَّهَا صَاحِبُهَا لِلْإِجَارَةِ، فَتَكُونُ مِمَّا أُعِدَّ لِلِاسْتِغْلَالِ، وَأَمَّا الْوَقْفُ فَيَأْتِي قَرِيبًا، وَلَيْسَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مَا يُفِيدُ مَا ذَكَرَهُ أَصْلًا فَإِنَّ الَّذِي فِيهِ مِنْ الْفَصْلِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ نَحْوُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا فِي الْوَقْفِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْفُصُولَيْنِ إلَّا فِي الْوَقْفِ، فَيَجِبُ فِيهِ الْحِصَّةُ أَوْ الْأَجْرُ بِأَيِّ جِهَةٍ زَرَعَهَا أَوْ سَكَنَهَا أُعِدَّتْ لِلزِّرَاعَةِ أَوْ لَا، وَعَلَى هَذَا اسْتَقَرَّ فَتْوَى عَامَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ اهـ. وَرَأَيْت فِي هَامِشِهِ عَنْ مُفْتِي دِمَشْقَ الْعَلَّامَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَفَنْدِي الْعِمَادِيِّ أَنَّ قَوْلَهُ تَجِبُ الْحِصَّةُ أَيْ فِي زَرْعِ الْأَرْضِ وَقَوْلَهُ: أَوْ الْأَجْرُ أَيْ فِي سُكْنَى الدَّارِ فَقَوْلُهُ: زَرَعَهَا أَيْ الْأَرْضَ أَوْ سَكَنَهَا أَيْ الدَّارَ فَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ اهـ وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ بِأَيِّ جِهَةٍ زَرَعَهَا مَا لَوْ زَرَعَهَا عَلَى وَجْهِ الْغَصْبِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً أَوْ عَلَى وَجْهِ الْمُزَارَعَةِ أَوْ تَأْوِيلِ عَقْدٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي عِبَارَةِ الْفُصُولَيْنِ قَبْلَ قَوْلِهِ إلَّا فِي الْوَقْفِ، وَذَكَرَ فِي الْإِسْعَافِ أَنَّهُ لَوْ زَرَعَ أَرْضَ الْوَقْفِ يَلْزَمُ أَجْرُ مِثْلِهَا عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ اهـ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ أَوْ كَانَ الْأَجْرُ أَنْفَعَ لِلْوَقْفِ تَأَمَّلْ وَيُمْكِنُ تَفْسِيرُ قَوْلِ الْفُصُولَيْنِ فَتَجِبُ الْحِصَّةُ: أَيْ إنْ كَانَ عُرْفٌ، وَقَوْلُهُ أَوْ الْأَجْرُ أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ أَوْ كَانَ الْأَجْرُ أَنْفَعَ تَأَمَّلْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 195 بِكُلِّ حَالِ الْفُصُولَيْنِ. (غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ) لَا عِبْرَةَ لِلْأَلْوَانِ بَلْ لِحَقِيقَةِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ (أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ فَالْمَالِكُ مُخَيَّرٌ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ مُهِمٌّ وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مِلْكًا، فَإِنْ أَعَدَّهَا رَبُّهَا لِلزِّرَاعَةِ اُعْتُبِرَ الْعُرْفُ فِي الْحِصَّةِ، وَإِلَّا فَإِنْ أَعَدَّهَا لِلْإِيجَارِ، فَالْخَارِجُ لِلزَّارِعِ، وَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ إنْ انْتَقَصَتْ وَإِنْ كَانَتْ وَقْفًا فَإِنَّ ثَمَّةَ عُرْفٌ وَكَانَ أَنْفَعَ اُعْتُبِرَ، وَإِلَّا فَأَجْرُ الْمِثْلِ لِقَوْلِهِمْ يُفْتَى بِمَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْمُفْرَدَ الْمَأْخُوذَ مِنْ كَلَامِهِمْ الْمُبَدَّدِ. بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ يَخْفَى عَلَى كَثِيرِينَ وَهُوَ: مَا لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ سُلْطَانِيَّةً أَوْ وَقْفًا بِيَدِ زُرَّاعِهَا الَّذِينَ لَهُمْ مِشَدُّ مَسْكَنِهَا كَغَالِبِ الْأَرَاضِيِ الدِّمَشْقِيَّةِ إذَا زَرَعَهَا غَيْرُ مَنْ لَهُ الْمِشَدُّ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَدَفَعَ مَا عَلَيْهَا مِنْ الْحِصَّةِ لِلْمُتَكَلِّمِ عَلَيْهَا، هَلْ لِصَاحِبِ الْمِشَدِّ أَنْ يُطَالِبَهُ بِحِصَّةٍ مِنْ الْخَارِجِ، أَوْ بِأُجْرَةِ زَرْعِهَا دَرَاهِمَ أَمْ لَا؟ أَجَابَ فِي الْخَيْرِيَّةِ بِقَوْلِهِ: لَا وَإِنْ قُلْنَا لَا نَرْفَعُ يَدَهُ عَنْهَا مَا دَامَ مُزَارِعًا يُعْطِي مَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِيهَا عَلَى وَجْهِهِ الْمَطْلُوبِ اهـ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْحِصَّةَ لَا يَسْتَحِقُّهَا صَاحِبُ الْمِشَدِّ، بَلْ صَاحِبُ الْإِقْطَاعِ أَوْ الْمُتَوَلِّي فَتَنَبَّهْ. وَفِي الْحَامِدِيَّةِ سُئِلَ فِي أَرْضِ وَقْفٍ سَلِيخَةٍ جَارِيَةٍ فِي مِشَدِّ مَسْكَةِ رَجُلٍ زَرَعَهَا زَيْدٌ بِلَا إذْنٍ مِنْ الْمُتَوَلِّي، وَلَا مِنْ ذِي الْمِشَدِّ وَلَمْ تَكُنْ فِي إجَارَتِهِ أَجَابَ: لِلنَّاظِرِ مُطَالَبَةُ زَيْدٍ بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَلْيُحْفَظْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ (قَوْلُهُ بِكُلِّ حَالٍّ) عَلِمْت مَعْنَاهُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ فَصَبَغَهُ) فَلَوْ انْصَبَغَ بِلَا فِعْلِ أَحَدٍ كَإِلْقَاءِ الرِّيحِ، فَلَا خِيَارَ لِرَبِّ الثَّوْبِ بَلْ يَدْفَعُ قِيمَةَ الصَّبْغِ لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْ صَاحِبِ الصَّبْغِ حَتَّى يَضْمَنَ الثَّوْبَ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لَا عِبْرَةَ لِلْأَلْوَانِ إلَخْ) بَيَانٌ لِنُكْتَةِ عَدَمِ تَعَرُّضِ الْمُصَنِّفِ لِلَوْنِ الصَّبْغِ، وَأَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ السَّوَادَ نُقْصَانٌ وَعِنْدَهُمَا زِيَادَةٌ كَالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ رَاجِعٌ إلَى اخْتِلَافِ عَصْرٍ وَزَمَانٍ فَمِنْ الثِّيَابِ مَا يَزْدَادُ بِالسَّوَادِ وَمِنْهَا مَا يُنْتَقَصُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ بَلْ لِحَقِيقَةِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ) فَلَوْ كَانَ ثَوْبًا يَنْقُصُهُ الصَّبْغُ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا مَثَلًا، فَتَرَاجَعَتْ الصَّبْغُ إلَى عِشْرِينَ فَعَنْ مُحَمَّدٍ يَنْظُرُ إلَى ثَوْبٍ يَزِيدُ فِيهِ ذَلِكَ الصَّبْغُ، فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ خَمْسَةً يَأْخُذُ رَبُّ الثَّوْبِ ثَوْبَهُ وَخَمْسَةَ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ نُقْصَانِ قِيمَةِ ثَوْبه عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ لِلْغَاصِبِ قِيمَةُ صَبْغِهِ خَمْسَةُ الْخَمْسَةِ بِالْخَمْسَةِ قِصَاصٌ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ النُّقْصَانِ وَهُوَ خَمْسَةٌ رَوَاهُ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَاسْتَشْكَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ كُلُّ حَقِّهِ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِالصَّبْغِ، بَلْ ضَرَّهُ فَكَيْفَ يَغْرَمُ وَالْإِتْلَافُ مُوجِبٌ لِكُلِّ الْقِيمَةِ فَكَيْفَ صَارَ مُسْقِطًا، وَأَجَابَ الطُّورِيُّ بِمَا لَا يَشْفِي فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ فَالْمَالِكُ مُخَيَّرٌ) ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَصْلٍ وَالْآخَرُ صَاحِبُ وَصْفٍ يُقَالُ: ثَوْبٌ مَصْبُوغٌ وَسَوِيقٌ مَلْتُوتٌ فَخُيِّرَ لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 196 إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ وَمِثْلُ السَّوِيقِ) عَبَّرَ فِي الْمَبْسُوطِ بِالْقِيمَةِ لِتَغَيُّرِهِ بِالْقَلْيِ فَلَمْ يَبْقَ مِثْلِيًّا، وَسَمَّاهُ هُنَا مِثْلًا لِقِيَامِ الْقِيمَةِ مَقَامَهُ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ، وَقَدَّمْنَا قَوْلَيْنِ عَنْ الْمُجْتَبَى (وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَصْبُوغَ أَوْ الْمَلْتُوتَ وَغَرِمَ مَا زَادَ الصَّبْغُ وَ) غَرِمَ (السَّمْنَ) ؛ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ وَقْتَ اتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ وَالصَّبْغُ لَمْ يَبْقَ مِثْلِيًّا قَبْلَ اتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ لِامْتِزَاجِهِ بِمَاءٍ مُجْتَبًى. (رَدَّ غَاصِبُ الْغَاصِبِ الْمَغْصُوبَ عَلَى الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ يَبْرَأُ عَنْ ضَمَانِهِ كَمَا لَوْ هَلَكَ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِ غَاصِبِ الْغَاصِبِ فَأَدَّى الْقِيمَةَ إلَى الْغَاصِبِ) فَإِنَّهُ يَبْرَأُ أَيْضًا لِقِيَامِ الْقِيمَةِ مَقَامَ الْعَيْنِ (إذَا كَانَ قَبْضُهُ الْقِيمَةَ مَعْرُوفًا) بِقَضَاءٍ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ تَصْدِيقِ الْمَالِكِ لَا بِإِقْرَارِ الْغَصْبِ إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَغَاصِبِهِ عِمَادِيَّةٌ. [مَطْلَبٌ فِي أَبْحَاثِ غَاصِبِ الْغَاصِبِ] (غَصَبَ شَيْئًا ثُمَّ غَصَبَهُ آخَرُ مِنْهُ فَأَرَادَ الْمَالِكُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ الضَّمَانِ مِنْ الْأَوَّلِ وَبَعْضَهُ مِنْ الثَّانِي لَهُ ذَلِكَ) سِرَاجِيَّةٌ وَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ فِي تَضْمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَسَمَّاهُ) أَيْ الْقِيمَةَ بِمَعْنَى الْبَدَلِ وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ الْمَتْنِ حَيْثُ يُفْهَمُ مِنْهُ خِلَافُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقَوْلُهُ: وَقَدَّمْنَا قَوْلَيْنِ: أَيْ أَوَائِلُ الْغَصْبِ جَوَابٌ آخَرُ فَمَا فِي الْمَتْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى أَنَّهُ مِثْلِيٌّ، وَقِيلَ قِيَمِيٌّ لِتَغَيُّرِهِ بِالْقَلْيِ لَكِنْ تَفَاوُتُهُ قَلِيلٌ، فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مِثْلِيًّا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ اهـ وَصَحَّحَ الْأَتْقَانِيُّ أَنَّهُ قِيَمِيٌّ (قَوْلُهُ وَغَرِمَ مَا زَادَ الصَّبْغُ) بِرَفْعِ الصَّبْغِ فَاعِلُ زَادَ أَيْ غَرِمَ مِنْ النُّقُودِ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ فِي الثَّوْبِ بِسَبَبِ الصَّبْغِ (قَوْلُهُ وَغَرِمَ السَّمْنَ) أَشَارَ إلَى أَنَّ السَّمْنَ مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى مَا وَالْمُرَادُ غَرِمَ مِثْلَ السَّمْنِ، وَبَيَّنَ فَائِدَةَ إدْرَاجِهِ لَفْظَةَ غَرِمَ الْمَانِعَةِ مِنْ عَطْفِهِ عَلَى الصَّبْغِ الْمَرْفُوعِ بِقَوْلِهِ:؛ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ أَيْ فَالْوَاجِبُ فِيهِ ضَمَانُهُ أَيْ ضَمَانُ مِثْلِهِ لَا قِيمَتُهُ. وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَقِيلَ بِالرَّفْعِ وَالصَّوَابُ النَّصْبُ ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ اهـ (قَوْلُهُ قَبْلَ اتِّصَالِهِ) لَمْ يَقُلْ وَقْتَ اتِّصَالِهِ كَمَا قَالَهُ فِي سَابِقِهِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الصَّبْغِ عَنْ الْمِثْلِيَّةِ بِامْتِزَاجِهِ بِالْمَاءِ كَانَ قَبْلَ اتِّصَالِهِ بِالثَّوْبِ، بِخِلَافِ السَّمْنِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا إلَّا وَقْتَ اتِّصَالِهِ بِالسَّوِيقِ فَافْهَمْ. وَهَذَا وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ ضَمَانِ مِثْلِ السَّمْنِ وَبَدَلِ الصَّبْغِ. مَطْلَبٌ فِي أَبْحَاثِ غَاصِبِ الْغَاصِبِ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ قَبْضُهُ الْقِيمَةَ مَعْرُوفًا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي رَدِّ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ كَذَلِكَ، فَلَوْ أَقَرَّ الْغَاصِبُ بِقَبْضِهِ مِنْهُ، وَأَنْكَرَهُ الْمَالِكُ لَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ الْمَالِكِ،؛ لِأَنَّهُ بِقَبْضِهِ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ وَبِدَعْوَى الرَّدِّ يَدْفَعُ الضَّمَانَ عَنْهُ، فَلَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ الْمَنْقُولَ رَمْلِيٌّ عَلَى الْفُصُولَيْنِ وَنَقَلَهُ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ عَنْ الْعِمَادِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ أَوْ بَيِّنَةٍ) أَيْ أَقَامَهَا غَاصِبُ الْغَاصِبِ (قَوْلُهُ لَا بِإِقْرَارِ الْغَاصِبِ) أَيْ الْأَوَّلِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ الْمَالِكِ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي تَضْمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ بِيرِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَغَاصِبِهِ) أَيْ فِيمَا إذَا اخْتَارَ الْمَالِكُ تَضْمِينَ الثَّانِي يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا أَقَرَّ بِقَبْضِهِ، وَكَذَا فِيمَا إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ الْأَوَّلِ، وَأَرَادَ الْأَوَّلُ الرُّجُوعَ عَلَى الثَّانِي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، فَإِنَّهُ لَوْلَا إقْرَارُهُ لَرَجَعَ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ بَعْضَ الضَّمَانِ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ النِّصْفَ أَوْ الثُّلُثَ أَوْ الرُّبُعَ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ لَهُ ذَلِكَ سِرَاجِيَّةٌ) اخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ، فَبَعْضُهُمْ نَقَلَ لَيْسَ لَهُ، وَبَعْضُهُمْ نَقَلَ كَمَا هُنَا، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْفُصُولَيْنِ عَنْ فَوَائِدِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ) إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ تَقَدَّمَتْ مَتْنًا أَوَّلَ الْغَصْبِ. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ إنْ ضَمِنَ الْأَوَّلُ يَرْجِعُ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي بِمَا ضَمِنَ، وَإِنْ ضَمِنَ الثَّانِي لَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَهَبَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ أَوْ تَصَدَّقَ أَوْ أَعَارَ هَلَكَ فِي أَيْدِيهِمْ وَضَمِنُوا لِلْمَالِكِ لَا يَرْجِعُونَ بِمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 197 وَإِذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا لَمْ يَمْلِكْ تَرْكَهُ وَتَضْمِينَ الْآخِرِ وَقِيلَ يَمْلِكُ عِمَادِيَّةٌ. (الْإِجَازَةُ لَا تَلْحَقُ الْإِتْلَافَ فَلَوْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ تَعَدِّيًا فَقَالَ الْمَالِكُ أَجَزْت أَوْ رَضِيت لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ) أَشْبَاهٌ مَعْزِيًّا لِلْبَزَّازِيَّةِ لَكِنْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ أَنَّ الْإِجَازَةَ تَلْحَقُ الْأَفْعَالَ هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ وَعَلَيْهِ فَتَلْحَقُ الْإِتْلَافَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَفْعَالِ فَلْيُحْفَظْ. [مَطْلَبٌ فِي لُحُوقِ الْإِجَازَةِ لِلْإِتْلَافِ وَالْأَفْعَالِ فِي اللُّقَطَة] (كَسَرَ) الْغَاصِبُ (الْخَشَبَ) كَسْرًا (فَاحِشًا لَا يَمْلِكُهُ وَلَوْ كَسَرَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الرُّجُوعِ) أَشْبَاهٌ وَفِيهَا آجَرَهَا الْغَاصِبُ وَرَدَّ أُجْرَتَهَا إلَى الْمَالِكِ تَطِيبُ لَهُ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ إجَازَةٌ.   [رد المحتار] ضَمِنُوا لِلْمَالِكِ عَلَى الْغَاصِبِ،؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَامِلِينَ فِي الْقَبْضِ لِأَنْفُسِهِمْ؛ بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُودَعِ فَإِنَّهُمْ يَرْجِعُونَ بِمَا ضَمِنُوا عَلَى الْغَاصِبِ،؛ لِأَنَّهُمْ عَمِلُوا لَهُ وَالْمُشْتَرِي إذَا ضَمِنَ قِيمَتَهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْغَاصِبِ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْقِيمَةِ كَرَدِّ الْعَيْنِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا) أَيْ وَلَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ الْقِيمَةَ، وَلَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِهَا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ لَمْ يَمْلِكْ تَرْكَهُ) أَيْ وَإِنْ نَوَى الْمَالَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْفُصُولَيْنِ: أَيْ بِأَنْ وَجَدَهُ مُعْدَمًا أَوْ مَاتَ مُفْلِسًا، وَشَمَلَ تَضْمِينُ أَحَدِهِمَا الْبَعْضَ، فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ أَنْ ضَمَّنَ أَحَدُهُمَا الْبَعْضَ أَنْ يَضْمَنَ ذَلِكَ الْبَعْضَ لِلْآخِرِ، بِخِلَافِ الْبَاقِي. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: تَضْمِينُ الْكُلِّ تَمْلِيكٌ مِنْ الضَّامِنِ، فَلَا يَمْلِكُ التَّمْلِيكَ مِنْ الْآخَرِ وَتَضْمِينُ الْبَعْضِ تَمْلِيكَ ذَلِكَ الْبَعْضِ فَيَمْلِكُ تَمْلِيكَ الْبَاقِي بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْآخَرِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَمْلِكُ) جَزَمَ فِي الْفُصُولَيْنِ بِالْأَوَّلِ ثُمَّ رَمَزَ وَقَالَ فِيهِ رِوَايَتَانِ: وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ اخْتَارَ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا لَيْسَ لَهُ تَضْمِينُ الْآخَرِ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَقْبِضْ الضَّمَانَ مِنْهُ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَمْلِكُ تَضْمِينَ الثَّانِي بِلَا خِلَافٍ وَلِذَا عَبَّرَ بِالِاخْتِيَارِ وَكَالْقَبْضِ بِالتَّرَاضِي الْقَضَاءُ بِالْقِيمَةِ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ أَيْضًا. [فَرْعٌ] أَخَذَهُ مِنْ الْغَاصِبِ لِيَرُدَّهُ إلَى الْمَالِكِ فَلَمْ يَجِدْهُ فَهُوَ غَاصِبُ الْغَاصِبِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِرَدِّهِ إلَى الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ هِنْدِيَّةٌ. مَطْلَبٌ فِي لُحُوقِ الْإِجَازَةِ لِلْإِتْلَافِ وَالْأَفْعَالِ (قَوْلُهُ الْإِجَازَةُ لَا تَلْحَقُ الْإِتْلَافَ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْحَمَوِيُّ: لَوْ جَاءَ رَبُّ اللُّقَطَةِ، وَأَجَازَ تَصَدَّقَ الْمُلْتَقِطُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ كَالْإِذْنِ ابْتِدَاءً، وَالْإِذْنُ حَصَلَ مِنْ الشَّارِعِ، لَا مِنْ الْمَالِكِ، وَلِذَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى قِيَامِهَا فِي يَدِ الْفَقِيرِ، بِخِلَافِ إجَازَةِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ (قَوْلُهُ مَعْزِيًّا لِلْبَزَّازِيَّةِ) أَيْ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى. وَفِي الْبِيرِيِّ عَنْهَا اتَّخَذَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ ضِيَافَةً مِنْ التَّرِكَةِ حَالَ غَيْبَةِ الْآخَرِينَ، ثُمَّ قَدِمُوا وَأَجَازُوا ثُمَّ أَرَادُوا تَضْمِينَهُ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ لَا يَتَوَقَّفُ حَتَّى تَلْحَقَهُ الْإِجَازَةُ (قَوْلُهُ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ) ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولَيْنِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ 24 فِي بَحْثِ مَا يَنْفُذُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ السَّابِقَةِ بِإِجَازَةٍ لَاحِقَةٍ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ تَلْحَقُ الْأَفْعَالَ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: بَعَثَ دَيْنُهُ بِيَدِ رَجُلٍ إلَى الدَّائِنِ، فَجَاءَ إلَيْهِ الرَّجُلُ وَأَخْبَرَهُ بِهِ فَرَضِيَ وَقَالَ اشْتَرِ لِي بِهِ شَيْئًا ثُمَّ هَلَكَ قِيلَ: يَهْلَكُ مِنْ مَالِ الْمَدْيُونِ، وَقِيلَ: مِنْ مَالِ الدَّائِنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ إذْ الرِّضَا بِقَبْضِهِ فِي الِانْتِهَاء كَالْإِذْنِ ابْتِدَاءً وَهَذَا التَّعْلِيلُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْإِجَارَةَ تَلْحَقُ الْأَفْعَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ (قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ ابْنُهُ الشَّيْخُ صَالِحٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالْأَفْعَالِ غَيْرُ الْإِتْلَافِ عَمَلًا بِنُقُولِ الْمَشَايِخِ كُلِّهِمْ مَعَ إمْكَانِ الْحَمْلِ اهـ قَالَ الْحَمَوِيُّ: يَعْنِي أَنَّ الْأَفْعَالَ مِنْهَا مَا يَكُونُ إعْدَامًا، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ إيجَادًا فَيُحْمَلُ قَوْلُ الْمَشَايِخِ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي لَا يَكُونُ إعْدَامًا اهـ أَبُو السُّعُودِ عَلَى الْأَشْبَاهِ. أَقُولُ: ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، أَفْسَدَ الْخَيَّاطُ الثَّوْبَ فَأَخَذَهُ صَاحِبُهُ وَلَبِسَهُ عَالِمًا بِالْفَسَادِ، لَيْسَ لَهُ التَّضْمِينُ اهـ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَيُعْلَمُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا بِمِلْكِهِ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ بِالْكَسْرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَهُ أَيْضًا اهـ (قَوْلُهُ تَطِيبُ لَهُ) وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ قَدْرَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 198 فُرُوعٌ] اسْتَعَارَ مِنْشَارًا فَانْقَطَعَ فِي النَّشْرِ فَوَصَلَهُ بِلَا إذْنِ مَالِكِهِ انْقَطَعَ حَقُّهُ وَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ قِيمَتُهُ مُنْكَسِرًا شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ. رَكِبَ دَارَ غَيْرِهِ لِإِطْفَاءٍ حَرِيقٍ وَقَعَ فِي الْبَلَدِ فَانْهَدَمَ شَيْءٌ بِرُكُوبِهِ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الْحَرِيقِ عَامٌّ فَكَانَ لِكُلٍّ دَفْعُهُ جَوْهَرَةٌ. لَا يَجُوزُ دُخُولُ بَيْتِ إنْسَانٍ إلَّا بِإِذْنِهِ إلَّا فِي الْغَزْوِ وَفِيمَا إذَا سَقَطَ ثَوْبُهُ فِي بَيْتِ غَيْرِهِ وَخَافَ لَوْ أَعْلَمَهُ أَخْذَهُ. حَفَرَ قَبْرًا فَدُفِنَ فِيهِ آخَرُ مَيِّتًا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَنَّ الْأَرْضَ لِلْحَافِرِ فَلَهُ نَبْشُهُ وَلَهُ تَسْوِيَتُهُ وَإِنْ مُبَاحَةً فَلَهُ قِيمَةُ حَفْرِهِ وَإِنْ وَقْفًا فَكَذَلِكَ   [رد المحتار] أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَمْ لَا أَبُو السُّعُودِ عَلَى الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ فَوَصَلَهُ) أَيْ عِنْدَ الْحَدَّادِ (قَوْلُهُ انْقَطَعَ حَقُّهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ بِهِ صَنْعَةً (قَوْلُهُ وَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ قِيمَتُهُ مُنْكَسِرًا) ؛ لِأَنَّهُ انْكَسَرَ حَالَ اسْتِعْمَالِهِ فَلَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ) ذَكَرَهُ عِنْدَ قَوْلِ النَّظْمِ: وَلَوْ رَفَأَ الْمَخْرُوقَ فِي الثَّوْبِ خَارِقٌ ... يُغَرَّمُ أَرْشَ النَّقْصِ فِيهِ فَيُقْدَرُ يُقَالُ: رَفَيْتُ الثَّوْبَ وَرَفَوْتُهُ وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَهْمِزُهُ رَفَأْتُ إذَا أَصْلَحْتُهُ أَيْ يُقَوَّمُ صَحِيحًا وَيُقَوَّمُ مَرْفُوًّا فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا شُرُنْبُلَالِيٌّ (قَوْلُهُ فَانْهَدَمَ شَيْءٌ بِرُكُوبِهِ) قَيَّدَ بِالِانْهِدَامِ إذْ لَوْ هَدَمَ دَارَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَبِغَيْرِ أَمْرِ السُّلْطَانِ حَتَّى يَنْقَطِعَ عَنْ دَارِهِ ضَمِنَ وَلَمْ يَأْثَمْ بِمَنْزِلَةِ جَائِعٍ فِي مَفَازَةٍ وَمَعَ صَاحِبِهِ طَعَامٌ لَهُ أَخَذَهُ كُرْهًا، ثُمَّ يَضْمَنُهُ، وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ لَا يَضْمَنُ قَالَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ وَوَجْهُهُ أَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَامَّةً يَصِحُّ أَمْرُهُ لِرَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ اهـ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا هَدَمَهُ مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاكِ نَظِيرَ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ مِنْ مَسْأَلَةِ السَّفِينَةِ الْمُوَقَّرَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ دُخُولُ بَيْتِ إنْسَانٍ إلَّا بِإِذْنِهِ) قَيَّدَ بِالْبَيْتِ لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَرَادَ أَنْ يَمُرَّ بِأَرْضِ إنْسَانٍ أَوْ يَنْزِلَ بِهَا إنْ كَانَ لَهَا حَائِطٌ أَوْ حَائِلٌ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ عَدَمِ الرِّضَا وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَفِي الْكُبْرَى الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ عَادَاتُ النَّاسِ اهـ. مَطْلَبٌ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ دُخُولُ دَارٍ غَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ إلَّا فِي الْغَزْوِ) أَيْ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْبَيْتُ مُشْرِفًا عَلَى الْعَدُوِّ فَلِلْغُزَاةِ دُخُولُهُ لِيُقَاتِلُوا الْعَدُوَّ مِنْهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَخَافَ لَوْ أَعْلَمَهُ أَخَذَ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمَ الصُّلَحَاءُ أَنَّهُ إنَّمَا يَدْخُلُ لِذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَخَفْ أَخْذَهُ لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ ذَخِيرَةٌ. وَفِيهَا مَسَائِلُ أُخَرُ مِنْهَا: نَهَبُ مِنْهُ ثَوْبًا وَدَخَلَ النَّاهِبُ دَارِهِ لَا بَأْسَ بِدُخُولِهَا لِيَأْخُذَ حَقَّهُ؛ لِأَنَّ مَوَاضِعَ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ، وَمِنْهَا: لَهُ مَجْرَى فِي دَارِ رَجُلٍ أَرَادَ إصْلَاحَهُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَمُرَّ فِي بَطْنِهِ يُقَالُ لِرَبِّ الدَّارِ إمَّا أَنْ تَدَعَهُ يُصْلِحُهُ وَإِمَّا أَنْ تُصْلِحَهُ، وَمِنْهَا أَجَّرَ دَارًا وَسَلَّمَهَا لَهُ دُخُولُهَا لِيَنْظُرَ حَالَهَا فَيَرْمِهَا وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمُسْتَأْجِرُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ إنْ رَضِيَ (قَوْلُهُ فَلَهُ نَبْشُهُ) أَيْ نَبْشُهُ لِإِخْرَاجِ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ وَلَهُ تَسْوِيَتُهُ) أَيْ بِالْأَرْضِ وَالزِّرَاعَةِ فَوْقَهُ أَشْبَاهٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ وَقْفًا فَكَذَلِكَ) أَيْ فَلَهُ قِيمَةُ حَفْرِهِ وَهَذَا ذَكَرَهُ فِي الْأَشْبَاهِ بَحْثًا فَقَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحِ، فَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْحَفْرِ وَيُحْمَلُ سُكُوتُهُ عَنْ الضَّمَانِ فِي صُورَةِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ اهـ أَيْ عَلَى الضَّمَانِ فِي الْمُبَاحِ، وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ حَاشِيَةِ الْمَقْدِسِيَّ، وَهَذَا لَوْ وَقَفَتْ لِلدَّفْنِ فَلَوْ عَلَى مَسْجِدٍ لِلزَّرْعِ وَالْغَلَّةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 199 وَلَا يُكْرَهُ لَوْ الْأَرْضُ مُتَّسَعَةً؛ لِأَنَّ الْحَافِرَ لَا يَدْرِي بِأَيِّ أَرْضٍ يَمُوتُ هـ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ وَلَا وِلَايَتِهِ إلَّا فِي مَسَائِلِ مَذْكُورَةٍ فِي الْأَشْبَاهِ. غَصَبَ حِمَارَةً فَتَبِعَهَا جَحْشُهَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ضَمِنَهُ كَمَا فِي مُعَايَاةِ الْوَهْبَانِيَّةِ:   [رد المحتار] فَكَالْمَمْلُوكَةِ تَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يُكْرَهُ لَوْ الْأَرْضُ مُتَّسِعَةً) أَيْ لَا يُكْرَهُ الدَّفْنُ نَظِيرُهُ مِنْ بَسْطِ الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ أَوْ نَزَلَ فِي الرِّبَاطِ فَجَاءَ آخَرُ فَلَوْ فِي الْمَكَانِ سَعَةٌ لَا يُزَاحِمُ الْأَوَّلَ وَإِلَّا فَلَهُ وَلْوَالِجِيَّةٌ وَأَفَادَ كَرَاهَةَ الدَّفْنِ لَوْ لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ مُتَّسَعَةً فَلَا يَصِحُّ التَّعْبِيرُ بِقَوْلِنَا وَلَوْ مُتَّسَعَةً كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ. [مَطْلَبٌ فِيمَا يَجُوزُ مِنْ التَّصَرُّفِ بِمَالِ الْغَيْرِ بِدُونِ إذْنٍ صَرِيحٍ] (قَوْلُهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ مَذْكُورَةٍ فِي الْأَشْبَاهِ) الْأُولَى: يَجُوزُ لِلْوَلَدِ وَالْوَالِدِ الشِّرَاءُ مِنْ مَالِ الْمَرِيضِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَرِيضُ بِلَا إذْنِهِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْمَتَاعِ وَكَذَا أَحَدُ الرُّفْقَةِ فِي السَّفَرِ،؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِهِ فِي السَّفَرِ، الثَّانِيَةُ: أَنْفَقَ الْمُودَعُ عَلَى أَبَوَيْ الْمُودِعِ بِلَا إذْنِهِ، وَكَانَ فِي مَكَان لَا يُمْكِنُ اسْتِطْلَاعُ رَأْيِ الْقَاضِي لَمْ يَضْمَنْ اسْتِحْسَانًا، وَإِطْلَاقُ الْكَنْزِ الضَّمَانَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِمْكَانِ، الثَّالِثَةُ: إذَا مَاتَ بَعْضُ الرُّفْقَةِ فِي السَّفَرِ فَبَاعُوا فِرَاشَهُ وَعُدَّتَهُ وَجَهَّزُوهُ بِثَمَنِهِ وَرَدُّوا الْبَقِيَّةَ إلَى الْوَرَثَةِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَأَنْفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَضْمَنُوا اسْتِحْسَانًا. وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ مَاتَ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ فَبَاعَ مُحَمَّدٌ كُتُبَهُ لِتَجْهِيزِهِ فَقِيلَ إنَّهُ لَمْ يُوصِ فَتَلَا قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] فَمَا كَانَ عَلَى قِيَاسِ هَذَا لَا يَضْمَنُ دِيَانَةً أَمَّا فِي الْحُكْمِ فَيَضْمَنُ، وَكَذَا الْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ لَوْ مَاتَ مَوْلَاهُ فَأَنْفَقَ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يَضْمَنْ، وَكَذَا لَوْ أَنْفَقَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَلَى مَسْجِدٍ لَا مُتَوَلِّيَ لَهُ مِنْ غَلَّتِهِ لِحَصِيرٍ وَنَحْوِهِ أَوْ أَنْفَقَ الْوَرَثَةُ الْكِبَارُ عَلَى الصِّغَارِ وَلَا وَصِيَّ لَهُمْ، أَوْ قَضَى الْوَصِيُّ دَيْنًا عَلِمَهُ عَلَى الْمَيِّتِ بِلَا مَعْرِفَةِ الْقَاضِي فَلَا ضَمَانَ فِي الْكُلِّ دِيَانَةً اهـ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَحَوَاشِيهَا. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَضَعَ الْقِدْرَ عَلَى الْكَانُونِ وَتَحْتَهَا الْحَطَبُ فَجَاءَ آخَرُ وَأَوْقَدَ النَّارَ فَطَبَخَ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا، وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ خَمْسُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا: هَذِهِ الثَّانِيَةُ: طَحَنَ حِنْطَةَ غَيْرِهِ ضَمِنَ، وَلَوْ أَنَّ الْمَالِكَ جَعَلَ الْحِنْطَةَ فِي الزَّوْرَقِ وَرَبَطَ الْحِمَارَ وَجَاءَ آخَرُ فَسَاقَهُ لَا يَضْمَنُ، الثَّالِثَةُ: رَفَعَ جَرَّةَ غَيْرِهِ فَانْكَسَرَتْ ضَمِنَ وَلَوْ رَفَعَهَا صَاحِبُهَا وَأَمَالَهَا إلَى نَفْسِهِ فَجَاءَ آخَرُ وَأَعَانَهُ فَانْكَسَرَتْ لَا الرَّابِعَةُ: حَمَلَ عَلَى دَابَّةِ غَيْرِهِ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ وَلَوْ حَمَّلَهَا الْمَالِكُ شَيْئًا فَسَقَطَ فَحَمَّلَهَا آخَرُ فَهَلَكَتْ لَا، الْخَامِسَةُ: ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ فِي غَيْرِ أَيَّامِهَا لَا يَجُوزُ وَيَضْمَنُ وَلَوْ فِي أَيَّامِهَا يَجُوزُ وَلَا يَضْمَنُ، وَمِنْ جِنْسِهَا أَحْضَرَ فَعَلَةً لِهَدْمِ دَارٍ فَجَاءَ آخَرُ وَهَدَمَهَا لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا. ذَبَحَ شَاةَ الْقَصَّابِ إنْ بَعْدَ مَا شَدَّ الْقَصَّابُ رِجْلَهَا لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا ضَمِنَ، وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلُّ عَمَلٍ لَا يَتَفَاوَتُ فِيهِ النَّاسُ تَثْبُتُ الِاسْتِعَانَةُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ دَلَالَةً، وَإِلَّا فَلَا فَلَوْ عَلَّقَهَا بَعْدَ الذَّبْحِ لِلسَّلْخِ فَسَلَخَهَا آخَرُ بِلَا إذْنِهِ ضَمِنَ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي الْقُنْيَةِ: أَخَذَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِمَارَ صَاحِبِهِ الْخَاصَّ، وَطَحَنَ بِهِ فَمَاتَ لَمْ يَضْمَنْ لِلْإِذْنِ دَلَالَةً قَالَ عُرِفَ بِجَوَابِهِ هَذَا أَنَّهُ لَا يُضْمَنُ فِيمَا يُوجَدُ الْإِذْنُ دَلَالَةً، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ صَرِيحًا كَمَا لَوْ فَعَلَ بِحِمَارِ وَلَدِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ أَرْسَلَ جَارِيَةَ زَوْجَتِهِ فِي حَاجَتِهِ فَأَبَقَتْ اهـ (قَوْلُهُ ضَمِنَهُ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 200 وَغَاصِبُ شَيْءٍ كَيْفَ يَضْمَنُ غَيْرَهُ ... وَلَيْسَ لَهُ فِعْلٌ بِمَا يَتَغَيَّرُ وَغَاصِبُ نَهْرٍ هَلْ لَهُ مِنْهُ شُرْبُهُ ... وَهَلْ ثَمَّ نَهْرٌ طَاهِرٌ لَا مُطَهِّرُ فَصْلٌ (غَيَّبَ) بِمُعْجَمَةٍ (مَا غَصَبَ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ) لِمَالِكِهِ (مَلَكَهُ) عِنْدَنَا مِلْكًا (مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ) فَتُسَلَّمُ لَهُ الْأَكْسَابُ   [رد المحتار] أَنَّهُ إنْ لَمْ يَسُقْهُ، مَعَهَا لَا يَضْمَنُهُ، وَقَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْغَصْبِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. لَكِنْ نُقِلَ عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ قَاضِي خَانْ: أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَاقُ إلَّا بِسَوْقِهَا كَمَا قَالُوا إذَا غَصَبَ عِجْلًا فَيَبِسَ لَبَنُ أُمِّهِ ضَمِنَهُ مَعَ نُقْصَانِ الْأُمِّ اهـ. أَقُولُ: إنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ تَخْرِيجَاتِ الْمَشَايِخِ فَمَا اخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ وَجِيهٌ، وَلِذَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ وَهْبَانَ وَإِنْ كَانَتْ مَنْقُولَةً عَنْ الْمُجْتَهِدِ فَاتِّبَاعُهُ أَوْجَهُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ بِمَا يَتَغَيَّرُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَضْمُونُ وَهُوَ الْجَحْشُ هُنَا فَإِنَّهُ لَمَّا هَلَكَ تَغَيَّرَ عَنْ حَالِهِ وَقَدْ ضَمِنَهُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ فِيهِ فِعْلًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ هَلْ لَهُ مِنْهُ شُرْبُهُ) الْجَوَابُ: نَعَمْ إنْ حَوَّلَ النَّهْرَ عَنْ مَوْضِعِهِ كُرِهَ الشُّرْبُ وَالتَّوَضُّؤُ مِنْهُ لِظُهُورِ أَثَرِ الْغَصْبِ بِالتَّحْوِيلِ، وَإِلَّا لَا لِثُبُوتِ حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ فِيهِمَا ابْنُ الشِّحْنَةِ (قَوْلُهُ وَهَلْ ثَمَّ نَهْرٌ طَاهِرٌ لَا مُطَهَّرٌ) الْجَوَابُ أَنَّهُ الْفَرَسُ السَّرِيعُ، فَإِنَّهُ يُسَمَّى نَهْرًا وَبَحْرًا لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ فِي قَوْله تَعَالَى - {وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف: 51] أَيْ الْخَيْلُ «وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي فَرَسِ أَبِي طَلْحَةَ: إنَّا وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا» ابْنُ الشِّحْنَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةً تَتَّصِلُ بِمَسَائِلِ الْغَصْبِ] فَصْلٌ لَمَّا ذَكَرَ مُقَدَّمَاتِ الْغَصْبِ وَكَيْفِيَّةَ مَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْغَاصِبِ بِالضَّمَانِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةً تَتَّصِلُ بِمَسَائِلِ الْغَصْبِ كَمَا هُوَ دَأْبُ الْمُصَنِّفِينَ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ غَيَّبَ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: غَابَ لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ عَبْدًا فَأَبَقَ فَإِنَّهُ إذَا ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَلَكَهُ، أَفَادَهُ الطُّورِيُّ وَقَالَ يُعْلَمُ حُكْمُ التَّغْيِيبِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ لِمَالِكِهِ) أَيْ إنْ شَاءَ الْمَالِكُ التَّضْمِينَ، وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يَصْبِرَ إلَى أَنْ يُوجَدَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ ح (قَوْلُهُ مَلَكَهُ عِنْدَنَا إلَخْ) أَيْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِمَا مَرَّ، أَنَّ الْغَصْبَ مَحْظُورٌ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ وَلَنَا أَنَّهُ مَلَكَ الْبَدَلَ بِكَمَالِهِ وَالْمُبْدَلُ قَابِلٌ لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَيَمْلِكُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ فَتُسَلَّمُ لَهُ الْأَكْسَابُ لَا الْأَوْلَادُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ مُسْتَنِدًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ بِالِاسْتِنَادِ نَاقِصٌ يَثْبُتُ مِنْ وَجْهٍ دُونُ وَجْهٍ فَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ فِي الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَلَدَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ غَيْرُ تَبَعٍ، بِخِلَافِ الْكَسْبِ فَإِنَّهُ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ، فَيَكُونُ تَبَعًا مَحْضًا. أَقُولُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِكْسَابِ مُطْلَقُ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ كَالْحُسْنِ وَالسِّمَنِ، وَبِالْوَلَدِ مُطْلَقُ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ كَالدَّرِّ وَالثَّمَرِ، فَلَا تُسَلَّمُ لَهُ إذَا مَلَكَ الْمَغْصُوبَ بِالضَّمَانِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْكَسْبِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ وَلَا كَذَلِكَ الْمُنْفَصِلَةُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ، أَوْ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ حَيْثُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 201 لَا الْأَوْلَادُ مُلْتَقًى (وَالْقَوْلُ لَهُ) بِيَمِينِهِ لَوْ اخْتَلَفَا (فِي قِيمَتِهِ إنْ لَمْ يُبَرْهِنْ الْمَالِكُ عَلَى الزِّيَادَةِ) فَإِنْ بَرْهَنَ أَوْ بَرْهَنَا فَلِلْمَالِكِ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْغَاصِبِ لِقِيَامِهَا عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ هُوَ الصَّحِيحُ زَيْلَعِيٌّ. وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْبَحْرِ وَالْجَوَاهِرِ لَوْ قَالَ الْغَاصِبُ أَوْ الْمُودِعُ الْمُعْتَدِي لَا أَعْرِفُ قِيمَتَهُ لَكِنْ عَلِمْت أَنَّهَا أَقَلُّ مِمَّا يَقُولُهُ فَالْقَوْلُ لِلْغَاصِبِ بِيَمِينِهِ وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ حَلَفَ عَلَى الزِّيَادَةِ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَتْهُ، وَلَوْ حَلَفَ الْمَالِكُ أَيْضًا عَلَى الزِّيَادَةِ أَخَذَهَا   [رد المحتار] يَمْلِكُ بِهِ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلْمِلْكِ فَيَسْتَنِدُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ) أَيْ لِلْغَاصِبِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْمَالِكُ بِأَنْ يَقُولَ مَا قِيمَتُهُ إلَّا عَشَرَةٌ مَثَلًا مُنْيَةُ الْمُفْتِي (قَوْلُهُ فَالْمَالِكُ) ؛ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ لِلزِّيَادَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِي دَعْوَى الْمَالِكِ ذِكْرُ أَوْصَافِ الْمَغْصُوبِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الدَّعَاوَى، وَيَنْبَغِي أَنْ تُحْفَظَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ اهـ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْغَاصِبِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ فَإِنْ عَجَزَ الْمَالِكُ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَطَلَبَ يَمِينَ الْغَاصِبِ وَلِلْغَاصِبِ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِقِيمَةِ الْمَغْصُوبِ لَمْ تُقْبَلْ، بَلْ يَحْلِفُ عَلَى دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ تَنْفِي الزِّيَادَةَ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى النَّفْيِ لَا تُقْبَلُ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ قُبِلَتْ وَكَانَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ يَقُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عُدَّتْ مُشْكِلَةً، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالتَّبْيِينِ اهـ (قَوْلُهُ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) نَقَلَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ فِي مِنَحِهِ عَنْ الْبَحْرِ وَجَوَاهِرِ الْفَتَاوَى عِنْدَ قَوْلِهِ أَوَّلَ الْغَصْبِ، وَلَوْ ادَّعَى الْغَاصِبُ الْهَلَاكَ إلَخْ ثُمَّ أَعَادَ النَّقْلَ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى هُنَا، وَقَدْ نَقَلَ الشَّارِحُ الْمَسْأَلَةَ قُبَيْلَ كِتَابِ الْإِقْرَارِ، وَعَزَاهَا لِدَعْوَى الْبَحْرِ وَنَقَلَهَا فِي الْبَحْرِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْكَنْزِ، وَلَا تَرُدُّ يَمِينٌ عَلَى مُدَّعٍ وَعَزَاهَا إلَى الْمُحِيطِ عَنْ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ، وَنَقَلَ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ قَالَ وَهَذِهِ مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الْكِتَابِ وَغَرَائِبِ مَسَائِلِهِ، فَيَجِبُ حِفْظُهَا وَقَدْ لَفَّقَ الشَّارِحُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ مِنْ عِبَارَةِ الْبَحْرِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَمِنْ عِبَارَةِ الْجَوَاهِرِ عَلَى أَحْسَنِ وَجْهٍ فَإِنَّهُ فِي عِبَارَةِ الْبَحْرِ بَيَّنَ حُكْمَ مَا إذَا حَلَفَ الْغَاصِبُ وَسَكَتَ عَمَّا إذَا نَكَلَ. وَفِي عِبَارَةِ الْجَوَاهِرِ بِعَكْسِ ذَلِكَ وَجَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَنْقُولٌ لَمْ يَنْفَرِدْ بِشَيْءٍ مِنْهُ سِوَى حُسْنِ التَّعْبِيرِ فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا (قَوْلُهُ لَوْ قَالَ الْغَاصِبُ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ مَا بَيَّنَ الْمَالِكُ مِقْدَارًا بِأَنْ قَالَ قِيمَتُهُ مِائَةٌ مَثَلًا (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِلْغَاصِبِ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ بِتَعَدِّيهِ صَارَ غَاصِبًا ح (قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقِيمَةٍ مَجْهُولَةٍ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ أَيْ يَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ بِقَوْلِهِ لَا أَعْرِفُ قِيمَتَهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ يَحْلِفُ عَلَى مَا يَدَّعِي الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فِي الزِّيَادَةِ، فَإِنْ حَلَفَ يَحْلِفُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ قِيمَتَهُ مِائَةٌ وَيَأْخُذُ مِنْ الْغَاصِبِ مِائَةً اهـ فَالْمُرَادُ بِالزِّيَادَةِ مَا تَضَمَّنَتْهَا دَعْوَى الْمَالِكِ الَّتِي نَفَاهَا الْغَاصِبُ بِقَوْلِهِ: عَلِمْت أَنَّ قِيمَتَهُ أَقَلُّ مِمَّا يَقُولُهُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِهَا بِأَنْ يَقُولَ لَيْسَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً كَمَا ادَّعَاهُ الْمَالِكُ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَمْ يُبَيِّنْ عَمَّا إذَا بَيَّنَ وَقَالَ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ مَثَلًا فَإِنَّ الْقَوْلَ لَهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ السَّابِقَةِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ النُّسْخَةِ فَإِنْ بَيَّنَ لِاخْتِلَافِ حُكْمِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ الْمَالِكُ أَيْضًا) أَفَادَ بِلَفْظِ أَيْضًا أَنَّ الْمُرَادَ حَلَفَ بَعْدَ مَا حَلَفَ الْغَاصِبُ قَالَ ح لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُهُ فَلْيُرَاجَعْ اهـ أَيْ وَجْهُ تَحْلِيفِ الْمَالِكِ أَيْضًا. وَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْغَاصِبَ لَمَّا لَمْ يُبَيِّنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ فَلَمْ تَرْتَفِعْ دَعْوَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهَا تَرْتَفِعُ لَوْ بَيَّنَ شَيْئًا يُصَدَّقُ فِيهِ بِالْيَمِينِ وَفَائِدَةُ تَحْلِيفِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَرْفَعُ دَعْوَى الْمَالِكِ التَّوَصُّلُ إلَى ثُبُوتِهَا بِنُكُولِهِ، فَإِذَا حَلَفَ لَمْ تَثْبُتْ دَعْوَى الْمَالِكِ، لِعَدَمِ النُّكُولِ وَلَمْ تَرْتَفِعْ لِعَدَمِ الْبَيَانِ فَبَقِيَتْ بِحَالِهَا فَاحْتَاجَتْ إلَى التَّنْوِيرِ بِالْيَمِينِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْمُدَّعِي لِعَدَمِ إفَادَةِ يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَسَائِلُ مِنْهَا لَوْ اخْتَلَفَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 202 ثُمَّ إنْ ظَهَرَ الْمَغْصُوبُ، فَلِلْغَاصِبِ أَخْذُهُ وَدَفْعُ قِيمَتِهِ أَوْ رَدُّهُ وَأَخْذُ الْقِيمَةِ وَهِيَ مِنْ خَوَاصِّ كِتَابِنَا فَلْتُحْفَظْ (فَإِنْ ظَهَرَ) الْمَغْصُوبُ (وَهِيَ) أَيْ قِيمَتُهُ (أَكْثَرُ مِمَّا ضَمِنَ) أَوْ مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ عَلَى الْأَصَحِّ عِنَايَةٌ فَالْأَوْلَى تَرْكُ قَوْلِهِ وَهِيَ أَكْثَرُ (وَقَدْ ضَمِنَ بِقَوْلِهِ أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَرَدَّ عِوَضَهُ أَوْ أَمْضَى) الضَّمَانَ، وَلَا خِيَارَ لِلْغَاصِبِ وَلَوْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ لِلُزُومِهِ بِإِقْرَارِهِ ذَكَرَهُ الْوَانِيُّ نَعَمْ مَتَى مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَلَهُ خِيَارُ عَيْبٍ وَرُؤْيَةٍ مُجْتَبًى (وَلَوْ ضَمِنَ بِقَوْلِ الْمَالِكِ أَوْ بِرِهَانِهِ أَوْ نُكُولِ الْغَاصِبِ فَهُوَ لَهُ وَلَا خِيَارَ لِلْمَالِكِ) لِرِضَاهُ حَيْثُ ادَّعَى هَذَا الْمِقْدَارَ فَقَطْ (وَإِنْ بَاعَ) الْغَاصِبُ (الْمَغْصُوبَ   [رد المحتار] الْمُتَبَايِعَانِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، أَوْ الْمَبِيعِ تَحَالَفَا مَعَ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُدَّعٍ، وَالْآخَرُ مُنْكِرٌ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْمُتُونِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَجُهْدُ الْمُقِلِّ دُمُوعُهُ هَذَا وَذَكَرَ الْبِيرِيُّ فِي دَعْوَى الْأَشْبَاهِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ الْحَاكِمَ أَبَا مُحَمَّدٍ طَعَنَ عَلَى مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ تُشْرَعْ عِنْدَنَا لِلْمُدَّعِي وَقَالَ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنْ يَقُولَ الْقَاضِي لِلْغَاصِبِ بَعْدَ مَا امْتَنَعَ عَنْ الْبَيَانِ: أَكَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً أَكَانَتْ خَمْسِينَ أَكَانَتْ ثَلَاثِينَ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى أَقَلَّ مَا لَا يَنْقُصُ مِنْهُ قِيمَتُهُ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، فَإِذَا انْتَهَى إلَى ذَلِكَ لَزِمَهُ وَجَعَلَ الْقَوْلَ لَهُ فِي الزِّيَادَةِ مَعَ يَمِينِهِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِحَقٍّ مَجْهُولٍ فِي عَيْنٍ فِي يَدِهِ لِغَيْرِهِ يُسَمِّي لَهُ الْقَاضِي السِّهَامَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى أَقَلِّ مَا لَا يَقْصِدُونَهُ بِالتَّمْلِيكِ عُرْفًا وَعَادَةً وَيُلْزِمُهُ بِهِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ ظَهَرَ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ مَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ،؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ ضَمِنَ بِقَوْلِ الْمَالِكِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَلَا خِيَارَ لِلْمَالِكِ ط. قُلْت: قَصَدَ الشَّارِحُ ذِكْرَ عِبَارَةِ الْبَحْرِ بِتَمَامِهَا مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُصَرِّحْ، بِخِيَارِ الْغَاصِبِ بَلْ نَفَى خِيَارَ الْمَالِكِ وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْغَاصِبِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ كَلَامًا سَنَذْكُرُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَدَفْعُ قِيمَتِهِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَهَا (قَوْلُهُ وَأَخَذَ الْقِيمَةَ) أَيْ إنْ كَانَ دَفَعَهَا (قَوْلُهُ وَهِيَ مِنْ خَوَاصِّ كِتَابِنَا) قَدْ ذَكَرْنَا سَابِقًا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَنْقُولِ قَبْلَهُ وَوَجْهُ الْخُصُوصِيَّةِ تَضَمُّنُهَا وُرُودَ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي، فَإِنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرْ فِي الْكُتُبِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ،؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ حَيْثُ لَمْ يُعْطِ مَا يَدَّعِيهِ وَالْخِيَارُ لِفَوَاتِ الرِّضَا خِلَافًا لِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ إنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فَالْأَوْلَى تَرْكُ قَوْلِهِ وَهِيَ أَكْثَرُ) أَوْ يَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ الْقُدُورِيُّ وَصَاحِبُ الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى حَيْثُ قَدَّمُوا ذِكْرَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى، وَجَعَلَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ ذَلِكَ قَيْدًا لِلسَّابِقَةِ فَقَطْ، وَلَكِنْ الْأَوْلَى كَمَا قَالَ الشَّارِحِ تَبَعًا لِلْقُهُسْتَانِيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ قَيْدًا فِيهِمَا (قَوْلُهُ وَقَدْ ضَمِنَ بِقَوْلِهِ) أَيْ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ (قَوْلُهُ أَخَذَهُ الْمَالِكُ) وَلِلْغَاصِبِ حَبْسُهُ حَتَّى يَأْخُذَ مَا دَفَعَهُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا خِيَارَ لِلْغَاصِبِ إلَخْ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَا بَحَثَهُ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ بِأَنَّهُ عَلَى التَّعْلِيلِ بِعَدَمِ رِضَا الْمَالِكِ يَنْبَغِي ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْغَاصِبِ لَوْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ لِعَدَمِ رِضَاهُ أَيْضًا وَلِذَا قَالَ وَلَوْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِلُزُومِهِ بِإِقْرَارِهِ) أَقُولُ: وَلِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِغَصْبِهِ وَتَغْيِيبِهِ، وَلِأَنَّ تَمَامَ مِلْكِهِ كَانَ مُتَوَقِّفًا عَلَى رِضَا الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَقَدْ وُجِدَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَوْ نُكُولِ الْغَاصِبِ) أَيْ عَنْ الْحَلِفِ بِأَنَّ الْقِيمَةَ لَيْسَتْ كَمَا يَدَّعِي الْمَالِكُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ فَهُوَ لَهُ وَلَا خِيَارَ لِلْمَالِكِ) وَكَذَا لَا خِيَارَ لِلْغَاصِبِ لِرِضَاهُ حَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى الْغَصْبِ رَحْمَتِيٌّ وَذَكَرَ ط أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ فِي الْأُولَى، وَلَا خِيَارَ لِلْغَاصِبِ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ اهـ. وَأَقُولُ: قَدْ رَاجَعْت كَثِيرًا فَلَمْ أَظْفَرْ بِصَرِيحِ النَّقْلِ فِي ذَلِكَ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ مَا قَالَهُ الرَّحْمَتِيُّ، فَإِنَّ الْغَاصِبَ ظَالِمٌ بِالْغَصْبِ وَبِالتَّغْيِيبِ عَنْ الْمَالِكِ فَإِصْرَارُهُ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلُ الرِّضَا وَحَيْثُ كَانَ ظَالِمًا لَا يُرَاعَى جَانِبُهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ اقْتِصَارُهُمْ عَلَى بَيَانِ الْخِيَارِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ جَانِبِ الْمَالِكِ فَقَطْ لِكَوْنِهِ مَظْلُومًا وَلِذَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي تَعْلِيلِ خِيَارِ الْمَالِكِ فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ عَلَى نَقْلِ حَقِّهِ مِنْ الْعَيْنِ إلَى بَدَلٍ لَمْ يَرْضَ بِهِ وَالْمُكْرَهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 203 فَضَمِنَهُ الْمَالِكُ نَفَذَ بَيْعُهُ وَإِنْ حُرِّرَ) أَيْ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّ تَحْرِيرَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ نَافِذٌ فِي الْأَصَحِّ عِنَايَةٌ (ثُمَّ ضَمِنَهُ لَا) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ النَّاقِصَ يَكْفِي لِنَفَاذِ الْبَيْعِ لَا الْعِتْقِ (وَزَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ) مُطْلَقًا مُتَّصِلَةٌ كَسَمْنٍ وَحُسْنٍ أَوْ مُنْفَصِلَةٌ كَدُرٍّ وَثَمَرٍ (أَمَانَةٌ لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي أَوْ الْمَنْعِ بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ) ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ وَلَوْ طَلَبَ الْمُتَّصِلَةَ لَا يَضْمَنُ (وَمَا نَقَصَتْهُ الْجَارِيَةُ بِالْوِلَادَةِ مَضْمُونٌ وَيُجِيزُ بِوَلَدِهَا)   [رد المحتار] وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ فَهُوَ لَهُ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ الْخِيَارِ لَهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى رِضَا الْمَالِكِ وَقَدْ وُجِدَ، وَلَا سِيَّمَا فِيمَا إذَا نَكَلَ فَإِنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ: وَأَمَّا ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ عَنْ الْبَحْرِ وَالْجَوَاهِرِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ هُنَا، لِاخْتِلَافِ مَوْضُوعِهِمَا وَلِأَنَّهُ ظَهَرَ صِدْقُهُ فِي يَمِينِهِ الَّذِي حَلَفَهُ وَلَمْ يَرْضَ بِقَوْلِ الْمَالِكِ وَلَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ بُرْهَانٌ وَلَمْ يَنْكُلْ عَنْ الْيَمِينِ بِخِلَافِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ وَبِالْجُمْلَةِ فَإِثْبَاتُ الْخِيَارِ لَهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَحْتَاجُ لِلنَّقْلِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ فَضَمِنَهُ الْمَالِكُ) قَيَّدَ بِتَضْمِينِ الْمَالِكِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ بَاعَهُ الْغَاصِبُ فَبَاعَهُ الْمَالِكُ مِنْ الْغَاصِبِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ مَاتَ الْمَالِكُ وَالْغَاصِبُ وَارِثُهُ فَإِنَّ بَيْعَ الْغَاصِبِ يَبْطُلُ،؛ لِأَنَّهُ طَرَأَ مِلْكٌ بَاتَ عَلَى مَوْقُوفٍ عَلَى أَدَاءِ الضَّمَانِ فَأَبْطَلَهُ أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَيْخِهِ (قَوْلُهُ نَفَذَ بَيْعُهُ) هَذَا إنْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قُبَيْلَ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ غَصَبَ شَيْئًا وَبَاعَهُ فَإِنْ ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ جَازَ بَيْعُهُ لَا لَوْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْبَيْعِ اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ تَحْرِيرَ) تَعْلِيلٌ لِلتَّفْسِيرِ الْمَفْهُومِ مِنْ أَيْ ح (قَوْلُهُ نَافِذٌ فِي الْأَصَحِّ) أَيْ لَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ ثُمَّ ضَمِنَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ نَفَذَ إعْتَاقُهُ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَكَذَا يَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْمَالِكِ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ تَرَتَّبَ عَلَى سَبَبِ مِلْكٍ تَامٍّ بِنَفْسِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَبِيعَ يُمْلَكُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَامًّا بِنَفْسِهِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ النَّاقِصَ إلَخْ) نُقْصَانُهُ بِثُبُوتِهِ مُسْتَنِدًا كَمَا مَرَّ وَلَمْ يَرْتَضِ ابْنُ الْكَمَالِ هَذَا التَّعْلِيلَ قَالَ؛ لِأَنَّهُ مَنْقُوصٌ بِإِعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ، وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْغَصْبَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَزَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ إلَخْ) لَيْسَ مِنْهَا الْأَكْسَابُ الْحَاصِلَةُ بِاسْتِغْلَالِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا؛ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ مَنَافِعِ الْمَغْصُوبِ وَمَنَافِعُهُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عِنْدَنَا كَمَا يَأْتِي فَكَذَا بَدَلُهَا كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ أَمَانَةٌ لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي) أَيْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَهَذِهِ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي حَقِيقَةِ الْغَصْبِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ أَوَّلَ الْغَصْبِ فَلَوْ قَتَلَهُ الْغَاصِبُ ضَمِنَهُ مَعَ الزِّيَادَةِ ابْنُ مَلَكٍ، وَلَوْ هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ بَعْدَ الزِّيَادَةِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَقْتَ الْغَصْبِ وَلَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ، وَكَذَا لَوْ زَادَتْ قِيمَتُهَا نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ وَلَوْ طَلَبَ الْمُتَّصِلَةَ لَا يَضْمَنُ) ؛ لِأَنَّ دَفْعَهَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلَا يَكُونُ مَانِعًا اهـ ح بَقِيَ مَا لَوْ طَلَبَهَا مَعَ الْأَصْلِ بِأَنْ قَالَ سَلِّمْنِي الْجَارِيَةَ أَوْ الدَّابَّةَ بَعْدَ الْحُسْنِ أَوْ السِّمَنِ فَمَنَعَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَهُ كَالْأَصْلِ وَلْيُحَرَّرْ رَحْمَتِيٌّ. أَقُولُ: ذَكَرَ فِي الْمَجْمَعِ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ لَا تُضْمَنُ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ. قَالَ شَارِحُهُ أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. أَمَّا الْمُنْفَصِلَةُ فَمَضْمُونَةٌ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي صَارَ مُتَعَدِّيًا اهـ وَفِي الِاخْتِيَارِ: وَإِنْ طَلَبَ الْمُتَّصِلَةَ لَا يَضْمَنُ بِالْبَيْعِ لِلْغَيْرِ،؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِعَدَمِ إمْكَانِ رَدِّ الزَّوَائِدِ بِدُونِ الْأَصْلِ اهـ فَحَيْثُ لَمْ تُضْمَنْ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي لَا تُضْمَنْ بِالْمَنْعِ أَيْضًا وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْغَصْبِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ غَصَبَ شَاةً فَسَمِنَتْ فَذَبَحَهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْغَصْبِ لَا يَوْمَ ذَبْحِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ بِلَا إهْلَاكِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمَا نَقَصَتْهُ الْجَارِيَةُ) أَيْ انْتَقَصَتْ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ يَجِيءُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا وَهَاهُنَا لَازِمٌ ابْنُ مَلَكٍ وَأَمَّا الضَّمِيرُ الْمُتَّصِلُ بِهِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى التَّعَدِّي؛ لِأَنَّهُ ضَمِيرُ الْمَصْدَرِ فَإِنَّهُ عَائِدٌ إلَى مَا الْوَاقِعَةِ عَلَى النُّقْصَانِ (قَوْلُهُ مَضْمُونٌ) أَيْ إذَا حَبِلَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ، أَوْ زَنَتْ بِعَبْدِ الْغَاصِبِ أَمَّا إذَا كَانَ الْحَبَلُ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ الْمَوْلَى لَا ضَمَانَ جَوْهَرَةٌ. وَفِي الطُّورِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ: غَصَبَهَا حَامِلًا أَوْ مَرِيضَةً فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ مَعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 204 بِقِيمَتِهِ أَوْ بِغُرَّتِهِ إنْ وَفَّى بِهِ وَإِلَّا فَيَسْقُطُ بِحِسَابِهِ، وَلَوْ مَاتَتْ وَبِالْوَلَدِ وَفَاءٌ كَفَى هُوَ الصَّحِيحُ اخْتِيَارٌ (زَنَى بِأَمَةٍ مَغْصُوبَةٍ) أَيْ غَصَبَهَا (فَرَدَّهَا حَامِلًا فَمَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا) يَوْمَ عُلِّقَتْ (بِخِلَافِ الْحُرَّةِ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ لِيَبْقَى ضَمَانُ الْغَصْبِ بَعْدَ فَسَادِ الرَّدِّ وَلَوْ رَدَّهَا مَحْمُومَةً فَمَاتَتْ لَا يَضْمَنُ وَكَذَا لَوْ زَنَتْ عِنْدَهُ فَرَدَّهَا فَجُلِدَتْ فَمَاتَتْ بِهِ مُلْتَقًى، وَلَوْ زَنَى بِهَا وَاسْتَوْلَدَهَا ثَبَتَ النَّسَبُ وَالْوَلَدُ رَقِيقٌ (وَ) بِخِلَافِ   [رد المحتار] ذَلِكَ ضَمِنَهَا وَبِهَا ذَلِكَ الْعَيْبُ (قَوْلُهُ بِقِيمَتِهِ) أَيْ إنْ نَزَلَ حَيًّا وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ بِوَلَدِهَا، وَالْمُرَادُ إذَا رَدَّهَا وَوَلَدَهَا يُجْبَرُ نُقْصَانُ الْوِلَادَةِ بِهِ نَظَرًا إلَى قِيمَتِهِ (قَوْلُهُ أَوْ بِغُرَّتِهِ) أَيْ لَوْ ضَرَبَ الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا وَهِيَ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ حَيًّا لَوْ ذَكَرًا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ أُنْثَى قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ،؛ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَهُ لِوُجُوبِهَا بَدَلًا عَنْهُ (قَوْلُهُ إنْ وَفَّى بِهِ) أَيْ بِالنُّقْصَانِ، وَكَذَا إنْ زَادَ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا إلَخْ) أَيْ إنْ لَمْ يَفِ بِهِ يُجْبَرُ بِقَدْرِهِ وَضَمِنَ الْبَاقِيَ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَتْ إلَخْ) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْ الْإِمَامِ يَبْرَأُ بِرَدِّ الْوَلَدِ يُجْبَرُ بِالْوَلَدِ قَدْرَ نُقْصَانِ الْوِلَادَةِ وَيَضْمَنُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الْأُمِّ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْغَصْبِ كَامِلَةً كَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ زَنَى بِأَمَةٍ) أَيْ الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ، وَقَيَّدَ بِهِ إذْ لَوْ حَبِلَتْ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ الْمَوْلَى فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ مَاتَتْ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْ غَصَبَهَا) فَائِدَةُ هَذَا التَّفْسِيرِ دَفْعُ مَا رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ شُمُولِ قَوْلِهِ مَغْصُوبَةٍ مَا إذَا زَنَى بِأَمَةٍ غَصَبَهَا غَيْرُهُ، فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ لَا الزَّانِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَمَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ) أَيْ بِسَبَبِهَا لَا عَلَى فَوْرِهَا. قَالَ قَاضِي خَانْ وَمَاتَتْ فِي الْوِلَادَةِ أَوْ فِي النِّفَاسِ، فَإِنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ ظَهَرَ الْحَبَلُ عِنْدَ الْمَوْلَى لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ رَدِّ الْغَاصِبِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْغَصْبِ اهـ. وَقَالَ فِي الْمَوَاهِبِ: عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْعُلُوقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا عَلَيْهِ نَقْصُ الْحَبَلِ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ ضَمِنَ قِيمَتَهَا) أَيْ وَإِنْ بَقِيَ وَلَدُهَا وَلَا يُجْبَرُ بِالْوَلَدِ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ غَصَبَهَا، وَمَا انْعَقَدَ فِيهَا سَبَبُ التَّلَفِ وَرُدَّتْ، وَفِيهَا ذَلِكَ فَلَمْ يُوجَدْ الرَّدُّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَخَذَ فَلَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ فَلَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ كَمَا إذَا جَنَتْ عِنْدَهُ فَرَدَّهَا فَقُتِلَتْ بِتِلْكَ الْجِنَايَةِ أَوْ دُفِعَتْ بِهَا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمَالِكُ بِكُلِّ الْقِيمَةِ كَأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهَا (قَوْلُهُ يَوْمَ عُلِّقَتْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِمَا وَبَحَثَ فِيهِ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ يَوْمَ الْغَصْبِ فَرَاجِعْهَا وَيُوَافِقُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ) أَيْ إذَا زَنَى بِهَا رَجُلٌ مُكْرَهَةً أَوْ لَا أَتْقَانِيٌّ فَمَا فِي الدُّرَرِ فِيهِ نَظَرٌ عَزْمِيَّةٌ وَفِيهِ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ بَعْدَ فَسَادِ الرَّدِّ) أَيْ بِسَبَبِ الْحَبَلِ زَادَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ، وَلَا يَجِبُ رَدُّهَا أَصْلًا. قَالَ الرَّمْلِيُّ: سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ أَنَّ مَنْ خَدَعَ امْرَأَةَ رَجُلٍ يُحْبَسُ حَتَّى يَرُدَّهَا أَوْ يَمُوتَ فَلَعَلَّ مَا هُنَا قِيَاسٌ وَمَا هُنَاكَ اسْتِحْسَانٌ قَطْعًا لِلْفَسَادِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ رَدَّهَا مَحْمُومَةً إلَخْ) أَيْ الْأَمَةَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَمَسْأَلَةِ الْمَتْنِ أَنَّ الْهَلَاكَ لِضَعْفِ الطَّبِيعَةِ عَنْ دَفْعِ آثَارِ الْحُمَّى الْمُتَوَالِيَةِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالْحُمَّى الْأُولَى عِنْدَ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِمَا بَعْدَهُ وَالزِّنَا يُوجِبُ جَلْدًا مُؤْلِمًا لَا مُتْلِفًا، فَلَا يُضَافُ إلَى الزِّنَا بِخِلَافِ الْهَلَاكِ بِحَبَلِ الزِّنَا فَإِنَّهُ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ لَا يَضْمَنُ) أَيْ لَا يَضْمَنُ كُلَّ الْقِيمَةِ بَلْ نُقْصَانُ الْحُمَّى كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى (قَوْلُهُ وَكَذَا) أَيْ لَا يَضْمَنُ الْقِيمَةَ بَلْ نُقْصَانَ عَيْبِ الزِّنَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ زَنَى بِهَا) أَيْ بِأَمَةٍ غَصَبَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا أَيْ حَبِلَتْ مِنْهُ دُرَرٌ (قَوْلُهُ ثَبَتَ النَّسَبُ) أَيْ إنْ ضَمِنَهَا وَادَّعَاهُ كَمَا فِي الدُّرَرِ ح (قَوْلُهُ وَالْوَلَدُ رَقِيقٌ) ؛ لِأَنَّ التَّضْمِينَ مِمَّنْ لَهُ حَقُّ التَّضْمِينِ أَوْرَثَ شُبْهَةً وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ بِخِلَافِ الْحُرِّيَّةِ دُرَرٌ عَنْ الْكَافِي وَنَقَلَ فِي الْعَزْمِيَّةِ أَنَّ صَاحِبَ الدُّرَرِ أَسَاءَ التَّحْرِيرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا تَتَّضِحُ إلَّا بِمُرَاجَعَةِ الْكَافِي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 205 (مَنَافِعِ الْغَصْبِ اسْتَوْفَاهَا أَوْ عَطَّلَهَا) فَإِنَّهَا لَا تُضْمَنُ عِنْدَنَا وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ الْمُتُونِ وَمَنَافِعُ الْغَصْبِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ إلَى آخِرِهِ لَكِنْ لَا يُلَائِمُهُ مَا يَأْتِي مِنْ عَطْفِ خَمْرِ الْمُسْلِمِ إلَى آخِرِهِ مَعَ أَنَّهُ أَخْصَرُ فَتَدَبَّرْ (إلَّا) فِي ثَلَاثٍ فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى اخْتِيَارِ الْمُتَأَخِّرِينَ (أَنْ يَكُونَ) الْمَغْصُوبُ (وَقْفًا) لِلسُّكْنَى أَوْ لِلِاسْتِغْلَالِ (أَوْ مَالَ يَتِيمٍ) إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ سَكَنَتْ أُمُّهُ مَعَ زَوْجِهَا فِي دَارِهِ بِلَا أَجْرٍ لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِمَا كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ مَعْزِيًّا لِوَصَايَا الْقُنْيَةِ. قُلْت: وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا سُكْنَى شَرِيكِ الْيَتِيمِ فَقَدْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا الْأَجْنَبِيُّ بِلَا عَقْدٍ وَقِيلَ: دَارُ الْيَتِيمِ كَالْوَقْفِ انْتَهَى. قُلْت: وَيُمْكِنُ حَمْلُ كِلَا الْفَرْعَيْنِ عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ بَعْدَ أُجْرَتِهِ،   [رد المحتار] قُلْت: وَذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة الْمَسْأَلَةَ حَيْثُ قَالَ: وَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَسْتَخْدِمَ أَوْ يَمْلِكَ مِنْ غَيْرِهِ، حَتَّى يَخْتَارَ الْمَوْلَى فَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ الْقِيمَةِ اسْتَأْنَفَ الِاسْتِبْرَاءَ وَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَهَا بَطَلَ مَا فَعَلَ مِنْ التَّصَرُّفِ إلَّا إذَا اسْتَوْلَدَهَا يَثْبُتُ النَّسَبُ اسْتِحْسَانًا وَالْوَلَدُ رَقِيقٌ اهـ فَقَدْ فَرَضَ مَا مَرَّ فِيمَا إذَا اخْتَارَ الْمَالِكُ أَخْذَهَا لَا أَخْذَ الْقِيمَةِ فَتَأَمَّلْ فِي وَجْهِهِ. [مَطْلَبٌ فِي ضَمَانِ مَنَافِعِ الْغَصْبِ] ِ (قَوْلُهُ مَنَافِعُ الْغَصْبِ) أَيْ الْمَغْصُوبِ (قَوْلُهُ اسْتَوْفَاهَا أَوْ عَطَّلَهَا) صُورَةُ الْأَوَّلِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْعَبْدَ شَهْرًا مَثَلًا ثُمَّ يَرُدُّهُ عَلَى سَيِّدِهِ وَالثَّانِي أَنْ يُمْسِكَهُ وَلَا يَسْتَعْمِلُهُ ثُمَّ يَرُدُّهُ كَمَا فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ عِنْدَنَا) أَيْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ لَكِنْ لَا يُلَائِمُهُ إلَخْ) أَقُولُ بَلْ يُلَائِمُهُ بِعَطْفِهِ عَلَيْهِ بِالرَّفْعِ فَيُفِيدُ أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ ط أَيْ بِتَقْدِيرِ حَذْفِ الْخَبَرِ وَالْأَصْلُ وَخَمْرُ الْمُسْلِمِ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهُ كَقَوْلِكَ هِنْدٌ غَيْرُ قَائِمَةٍ وَعَمْرٌو عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْمُلَاءَمَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ أَشَدُّ،؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ وَمُخَالَطَةُ الْحُرَّةِ لِلْأَمَةِ فِي الْحُكْمِ ظَاهِرٌ وَبَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ، بِخِلَافِ مَنَافِعِ الْغَصْبِ إذْ لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُمَا إلَّا بِتَكَلُّفٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ) أَيْ مَا شَرَحَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ وَقْفًا) وَكَمَا تُضْمَنُ مَنَافِعُهُ تُضْمَنُ ذَاتُهُ كَمَا قَدَّمَهُ عَنْ الْعَيْنِيِّ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى غَصْبِ الْعَقَارِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَمَتَى قَضَى عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ تُؤْخَذُ مِنْهُ فَيَشْتَرِي بِهَا ضَيْعَةً أُخْرَى تَكُونُ عَلَى سَبِيلِ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ اهـ (قَوْلُهُ لِلسُّكْنَى أَوْ لِلِاسْتِغْلَالِ) أَقُولُ: أَوْ لِغَيْرِهَا كَالْمَسْجِدِ فَقَدْ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي مَسْجِدٍ تَعَدَّى عَلَيْهِ رَجُلٌ، وَجَعَلَهُ بَيْتَ قَهْوَةٍ بِلُزُومِ أُجْرَةِ مِثْلِهِ مُدَّةَ شَغْلِهِ كَمَا فِي الْخَيْرِيَّةِ وَالْحَامِدِيَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ مَالِ يَتِيمٍ) أَقُولُ: وَكَذَا الْيَتِيمُ نَفْسُهُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ يَتِيمٌ لَا أَبَ لَهُ ولَا أُمَّ اسْتَعْمَلَهُ أَقْرِبَاؤُهُ مُدَّةً فِي أَعْمَالٍ شَتَّى بِلَا إذْنِ الْحَاكِمِ وَبِلَا إجَارَةٍ لَهُ طَلَبُ أَجْرِ الْمِثْلِ بَعْدَ الْبُلُوغِ إنْ كَانَ مَا يُعْطُونَهُ مِنْ الْكِسْوَةِ وَالْكِفَايَةِ لَا يُسَاوِي أَجْرَ الْمِثْلِ اهـ وَبِهِ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ وَالْحَامِدِيَّةِ. وَفِي إجَارَاتِ الْقُنْيَةِ: غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا وَأَجَّرَهُ وَعَمِلَ فَالْأَجْرُ لِلْعَاقِدِ، ثُمَّ رَمَّزَ الْأَجْرَ لِلصَّبِيِّ، ثُمَّ رَمَّزَ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَجَّرَ عَبْدِهِ سَنَةً، ثُمَّ أَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْإِجَارَةِ فَلَهُ الْأَجْرُ إلَخْ (قَوْلُهُ سَكَنَتْ أُمُّهُ) أَيْ أُمُّ الْيَتِيمِ (قَوْلُهُ فِي دَارِهِ) أَيْ الْيَتِيمِ (قَوْلُهُ بِلَا أَجْرٍ) أَيْ بِلَا الْتِزَامِ أَجْرٍ بِعَقْدِ إجَارَةٍ مِنْ وَلِيِّهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ قُلْت وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا) قَائِلُهُ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ (قَوْلُهُ سُكْنَى شَرِيكُ الْيَتِيمِ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَالِغٍ فَسَكَنَهَا الْبَالِغُ مُدَّةً (قَوْلُهُ وَكَذَا الْأَجْنَبِيُّ بِلَا عَقْدٍ) أَيْ وَكَذَا إذَا سَكَنَهَا أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ غَيْرُ أُمِّهِ وَغَيْرُ شَرِيكِهِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ دَارُ الْيَتِيمِ كَالْوَقْفِ) أَيْ فِي ضَمَانِ مَنَافِعِهِمَا وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ قُلْت وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْفَرْعَيْنِ) أَيْ فَرْعِ أُمِّ الْيَتِيمِ، وَفَرْعِ سُكْنَى شَرِيكِهِ. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَمَوِيُّ، وَبِحَمْلِ الْأَوَّلِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْمِنَحِ (قَوْلُهُ بِعَدَمِ أُجْرَتِهِ) أَيْ بِعَدَمِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 206 وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْمُعْتَمَدِ أَنَّهَا كَالْوَقْفِ، فَتَجِبُ الْأُجْرَةُ عَلَى الشَّرِيكِ وَالزَّوْجِ لِكَوْنِ سُكْنَى الْمَرْأَةِ وَاجِبَةً عَلَيْهِ، وَهُوَ غَاصِبٌ لِدَارِ الْيَتِيمِ فَتَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ نُجَيْمٍ فِي الصَّيْرَفِيَّةِ مِنْ التَّفْصِيلِ لَوْ الْيَتِيمُ يَقْدِرُ عَلَى الْمَنْعِ فَلَا أَجْرَ وَإِلَّا فَعَلَيْهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَعَلَيْهِ فَهُوَ عَلَيْهِ لَا عَلَيْهَا كَمَا أَفَادَهُ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ مَسْأَلَةَ الدَّارِ كَمَسْأَلَةِ الْأَرْضِ وَأَنَّ الْحَاضِرَ إذَا سَكَنَ فِيمَا إذَا كَانَ لَا يَضُرُّهَا فَلِلْغَائِبِ أَنْ يَسْكُنَ قَدْرَ شَرِيكِهِ قَالُوا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (أَوْ مُعَدًّا) أَيْ أَعَدَّاهُ صَاحِبُهُ (لِلِاسْتِغْلَالِ) بِأَنْ بَنَاهُ لِذَلِكَ أَوْ اشْتَرَاهُ لِذَلِكَ قِيلَ أَوْ آجَرَهُ ثَلَاثَ سِنِينَ عَلَى الْوَلَاءِ وَفِي الْأَشْبَاهِ:   [رد المحتار] لُزُومِهَا (قَوْلُهُ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْمُعْتَمَدِ إلَخْ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَلَا اسْتِثْنَاءَ وَلِذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ: وَالْعَجَبُ مِنْ الْمُؤَلِّفِ كَيْفَ عَدَلَ عَمَّا عَلَيْهِ الْفَتْوَى بِلَا مُوجِبٍ فَاحْذَرْهُ (قَوْلُهُ فَتَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ) ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ تَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ دُونَ مَنْ يَتْبَعُهُ وَنَقَلَ الْبِيرِيُّ عَنْ الْمُحِيطِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ لَهَا السُّكْنَى بِحُكْمِ الْحَاجَةِ، وَإِنْ كَانَ فَلَا كَمَا إذَا كَانَ لَهَا مَالٌ (قَوْلُهُ وَمَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ إلَخْ) عِبَارَتُهَا سَكَنَتْ مَعَ زَوْجِهَا بِبَيْتِ ابْنِهَا الصَّغِيرِ قَالَ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَنْعِ بِأَنْ كَانَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ سِتٍّ، فَعَلَيْهَا أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْتَاجَةٍ، حَيْثُ كَانَ لَهَا زَوْجٌ، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ يَقْدِرُ عَلَى الْمَنْعِ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهَا اهـ. وَفِيهَا مُخَالَفَةٌ لِمَا فِي الْبِيرِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ حَيْثُ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا سَكَنَتْ بِغَيْرِ أَمْرِ الزَّوْجِ وَقَدَّرَ مُدَّةَ قُدْرَةِ الِابْنِ عَلَى الْمَنْعِ، بِأَنْ كَانَ ابْنَ عَشْرٍ فَأَكْثَرَ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهَا سَكَنَتْ وَحْدَهَا، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ ابْنَ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ يَلْزَمُهَا الْأَجْرُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَعَلَيْهَا) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ وَهُوَ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِعِبَارَةِ الصَّيْرَفِيَّةِ الْمَارَّةِ (قَوْلُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ) خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَنْعِ فَلَا عِبْرَةَ بِتَبَرُّعِهِ وَهُوَ صَبِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّهَا كَالْوَقْفِ كَذَا فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ، لَا عَلَى مَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ كَمَا قِيلَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَهُوَ عَلَيْهِ) أَيْ فَالْأَجْرُ وَاجِبٌ عَلَى الزَّوْجِ لَا عَلَيْهَا. أَقُولُ: وَعَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْمُحِيطِ فَهُوَ عَلَيْهَا لَا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْخَانِيَّةِ إلَخْ) نَقَلَ أَوَّلًا عَنْ الْعِمَادِيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ عَلِمَ الْحَاضِرُ أَنَّ الزَّرْعَ يَنْفَعُهَا لَهَا زَرَعَ كُلَّهَا، فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِكُلِّ الْأَرْضِ مِثْلَ تِلْكَ الْمُدَّةِ لِثُبُوتِ رِضَا الْغَائِبِ بِمِثْلِ ذَلِكَ دَلَالَةً، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَنْقُصُهَا لَيْسَ لِلْحَاضِرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الرِّضَا غَيْرُ ثَابِتٍ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّ الْحَاضِرَ لَا يَلْزَمُهُ فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ أَجْرٌ وَلَيْسَ لِلْغَائِبِ اسْتِعْمَالُهُ بِقَدْرِ تِلْكَ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ بَعْدَ الْخُصُومَةِ قَالَ: وَبَيْنَهُمَا تَدَافُعٌ، إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالدَّارِ، وَهُوَ بَعِيدٌ أَوْ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ مَسْأَلَةَ الدَّارِ كَمَسْأَلَةِ الْأَرْضِ، وَأَنَّ لِلْغَائِبِ أَنْ يَسْكُنَ مِثْلَ مَا سَكَنَ شَرِيكُهُ وَأَنَّ الْمَشَايِخَ اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ مُلَخَّصًا. وَنَقَلَ الْبِيرِيُّ عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ أَيْضًا مُفَصَّلَةً وَأَقَرَّهَا وَكَذَلِكَ الْمُحَشِّي أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ قَالُوا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) لَفْظَةُ قَالُوا يُؤْتَى بِهَا غَالِبًا لِلتَّضْعِيفِ، وَلَمْ أَرَهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ، وَلَعَلَّهُ زَادَهَا إشْعَارًا بِاخْتِيَارِ خِلَافِهِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ آخِرَ كِتَابِ الشَّرِكَةِ عَنْ الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ، وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ نُجَيْمٍ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ الْيَوْمَ هَذَا وَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يَذْكُرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ إلَّا إذَا سَكَنَ بِتَأْوِيلِ مِلْكٍ كَمَا فَعَلَ الْبِيرِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ قِيلَ أَوْ آجَرَهُ إلَخْ) نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ أَنَّهُ يَصِيرُ مُعَدًّا بِذَلِكَ، ثُمَّ نَقَلَ أَنَّهَا بِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَا تَصِيرُ مُعَدَّةً. أَقُولُ: وَفِي أَوَائِلِ إجَارَاتِ الْقُنْيَةِ عَنْ الْأَصْلِ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا سِنِينَ، فَعَلَيْهِ أَجْرُ السَّنَةِ الْأُولَى وَنُقْصَانُ الْأَرْضِ فِيمَا بَعْدَهَا، وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ قَالَ الْقَاضِي الصَّدْرُ: هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ مَعْرُوفَةً بِالْإِجَارَةِ، بِأَنْ كَانَتْ لَا تُؤَجَّرُ كُلَّ سُنَّةٍ فَلَوْ عُرِفَتْ بِهَا يَجِبُ أَجْرُ السِّنِينَ الْمُسْتَقْبَلَةِ، بِلَا خِلَافٍ، فَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا تَصِيرُ الْأَرْضُ مُعَدَّةً لِلْإِجَارَةِ بِالْإِجَارَةِ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ وَنَحْوُهُ فِي الْمُحِيطِ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 207 لَا تَصِيرُ الدَّارُ مُعَدَّةً لَهُ بِإِجَارَتِهَا بَلْ بِبِنَائِهَا أَوْ شِرَائِهَا لَهُ وَلَا بِإِعْدَادِ الْبَائِعِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُشْتَرِي، وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمُسْتَعْمِلِ بِكَوْنِهِ مُعَدًّا حَتَّى يَجِبَ الْأَجْرُ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمُسْتَعْمِلُ مَشْهُورًا بِالْغَصْبِ. قُلْت: وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَالْآخَرُ مُدَّعٍ قَالَهُ شَيْخُنَا وَبِمَوْتِ رَبِّ الدَّارِ وَبَيْعِهِ يَبْطُلُ الْإِعْدَادُ وَلَوْ بَنَى لِنَفْسِهِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُدَّهُ فَإِنْ قَالَ بِلِسَانِهِ وَيُخْبِرُ النَّاسَ صَارَ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (إلَّا) فِي الْمُعَدِّ لِلِاسْتِغْلَالِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ (إذَا سَكَنَ بِتَأْوِيلِ مِلْكٍ) كَبَيْتٍ سَكَنَهُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فِي الْمِلْكِ، وَلَوْ لِيَتِيمٍ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْقُنْيَةِ فَتَنَبَّهْ، أَمَّا فِي الْوَقْفِ إذَا سَكَنَهُ أَحَدُهُمَا بِالْغَلَبَةِ بِلَا إذْنٍ لَزِمَ الْأَجْرُ (أَوْ عَقْدٍ) كَبَيْتِ الرَّهْنِ إذَا سَكَنَهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ بَانَ لِلْغَيْرِ مُعَدًّا لِلْإِجَارَةِ   [رد المحتار] أَقُولُ: وَظَاهِرُهُ اعْتِمَادُ أَنَّهَا تَصِيرُ مُعَدَّةً بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثِ فَفِي إطْلَاقِ الْأَشْبَاهِ الْآتِي نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لَا تَصِيرُ الدَّارُ إلَخْ) قَيَّدَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَصِيرُ مُعَدَّةً لِلزِّرَاعَةِ، بِأَنْ كَانَتْ فِي قَرْيَةٍ اعْتَادَ أَهْلُهَا زِرَاعَةَ أَرْضِ الْغَيْرِ، وَكَانَ صَاحِبُهَا مِمَّنْ لَا يَزْرَعُ بِنَفْسِهِ فَلِصَاحِبِهَا مُطَالَبَةُ الزَّارِعِ بِالْمُتَعَارَفِ كَمَا فِي الْبِيرِيِّ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى (قَوْلُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُشْتَرِي) أَيْ مَا لَمْ يَشْتَرِهَا الْمُشْتَرِي لِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمُسْتَعْمِلُ مَشْهُورًا بِالْغَصْبِ) كَذَا قَيَّدَهُ فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ: قَالُوا فِي الْمُعَدَّةِ لِلِاسْتِغْلَالِ يَجِبُ الْأَجْرُ إذَا سَكَنَ عَلَى وَجْهِ الْإِجَارَةِ عُرِفَ ذَلِكَ مِنْهُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ وَذَكَرَ فِي مُزَارَعَتِهَا أَنَّ السُّكْنَى فِيهَا تُحْمَلُ عَلَى الْإِجَارَةِ إلَّا إذَا سَكَنَ بِتَأْوِيلِ مِلْكٍ اهـ تَأَمَّلْ. أَقُولُ: وَذَكَرَ الشَّارِحُ قُبَيْلَ فَسْخِ الْإِجَارَةِ مَا نَصُّهُ: وَفِي الْأَشْبَاهِ ادَّعَى نَازِلُ الْخَانِ، وَدَاخِلُ الْحَمَّامِ وَسَاكِنُ الْمُعَدِّ لِلِاسْتِغْلَالِ الْغَصْبَ لَمْ يُصَدَّقْ وَالْأَجْرُ وَاجِبٌ. قُلْت: فَكَذَا مَالُ الْيَتِيمِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَتَنَبَّهْ اهـ فَتَأَمَّلْ. أَقُولُ: وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُطَالِبْهُ بِالْأَجْرِ وَإِلَّا فَيَجِبُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ لِمَا فِي إجَارَاتِ الْقُنْيَةِ قَالُوا جَمِيعًا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ إذَا أَشْهَدَ عَلَى الْغَاصِبِ أَنَّهُ إنْ رَدَّدْت إلَى دَارِي وَإِلَّا أَخَذْت مِنْك كُلَّ شَهْرٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَالْإِشْهَادُ صَحِيحٌ، فَلَوْ أَقَامَ فِيهَا الْغَاصِبُ بَعْدَهُ يَلْزَمُهُ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى اهـ (قَوْلُهُ قَالَهُ شَيْخُنَا) أَيْ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ وَلَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ. أَقُولُ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ إعْدَادُهُ ظَاهِرًا مَشْهُورًا كَالْخَانِ وَالْحَمَّامِ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ لَمْ يُصَدَّقْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ صَارَ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ جَازَ. [تَنْبِيهٌ] قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ أَنَّ الْمُعَدَّ لِلِاسْتِغْلَالِ غَيْرُ خَاصٍّ بِالْعَقَارِ فَقَدْ أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ بِلُزُومِ الْأَجْرِ عَلَى مُسْتَعْمِلِ دَابَّةِ الْمُكَارِي بِلَا إذْنٍ وَلَا إجَارَةٍ وَنَقَلَ عَنْ مَنَاهِي الْأَنْقِرْوِيِّ عَنْ حَاشِيَةِ الْقُنْيَةِ عَنْ رُكْنِ الْأَئِمَّةِ اسْتَعْمَلَ ثَوْرَ إنْسَانٍ أَوْ عِجْلَتَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ، إذَا كَانَ أَعَدَّهُ لِلْإِجَارَةِ بِأَنْ قَالَ بِلِسَانِهِ أَعْدَدْته لَهَا اهـ فَلْيُحْفَظْ فَهُوَ مَحَلُّ اشْتِبَاهٍ (قَوْلُهُ إلَّا فِي الْمُعَدِّ لِلِاسْتِغْلَالِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ مُعَدًّا فَقَطْ، وَأَنَّ الْوَقْفَ وَمَالَ الْيَتِيمِ يَجِبُ فِيهِ الْأَجْرُ عَلَى كُلِّ حَالٍّ وَالدَّاعِي إلَى هَذَا التَّقْيِيدِ، مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ مِنْ عِبَارَةِ الْمَتْنِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ الْقَوْلِ الْمُعْتَمَدِ وَلِذَا قَدَّمَ الشَّارِحُ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي غَصْبِ الْعَقَارِ أَنَّهُ لَوْ شَرَى دَارًا وَسَكَنَهَا فَظَهَرَتْ وَقْفًا أَوْ لِلصَّغِيرِ لَزِمَهُ الْأَجْرُ صِيَانَةً لَهُمَا وَقَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ مَعَ أَنَّهُ سَكَنَهَا بِتَأْوِيلِ مِلْكٍ أَوْ عَقْدٍ فَاحْفَظْهُ فَقَدْ يَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ (قَوْلُهُ كَبَيْتٍ) وَكَذَا الْحَانُوتُ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ (قَوْلُهُ فَتَنَبَّهْ) أَيْ وَلَا تَغْفُلُ عَنْ كَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ ح (قَوْلُهُ إذَا سَكَنَهُ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمَا، أَوْ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِأَنْ كَانَ الْبَعْضُ مِلْكًا لَهُ وَالْبَعْضُ وَقْفًا عَلَى الْآخَرِ (قَوْلُهُ بِالْغَلَبَةِ) قَيَّدَ بِهِ لِمَا قَدَّمَهُ أَوَّلَ كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّهُ لَوْ سَكَنَ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَجِدْ الْآخَرُ مَوْضِعًا يَكْفِيهِ، فَلَيْسَ لَهُ أُجْرَةٌ وَلَا لَهُ أَنْ يَقُولَ أَنَا أَسْتَعْمِلُهُ بِقَدْرِ مَا اسْتَعْمَلْتَهُ؛ لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْخُصُومَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ ثُمَّ بَانَ لِلْغَيْرِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 208 فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَقِيَ لَوْ آجَرَ الْغَاصِبُ أَحَدَهَا فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْمُسَمَّى لَا أَجْرَ الْمِثْلِ وَلَا يَلْزَمُ الْغَاصِبَ الْأَجْرُ بَلْ يَرُدُّ مَا قَبَضَهُ لِلْمَالِكِ أَشْبَاهٌ وَقُنْيَةٌ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَيَنْظُرُ مَا لَوْ عَطَّلَ الْمَنْفَعَةَ هَلْ يَضْمَنُ الْأُجْرَةَ كَمَا لَوْ سَكَنَ (وَ) بِخِلَافِ (خَمْرِ الْمُسْلِمِ وَخِنْزِيرِهِ) بِأَنْ أَسْلَمَ وَهُمَا فِي يَدِهِ (إذَا أَتْلَفَهُمَا) مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فَلَا ضَمَانَ (وَضَمِنَ) الْمُتْلِفُ الْمُسْلِمُ قِيمَتهَا؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ   [رد المحتار] أَيْ ظَهَرَ أَنَّ الْبَيْتَ لِغَيْرِ الرَّاهِنِ حَالَ كَوْنِهِ مُعَدًّا لِلْإِجَارَةِ ح (قَوْلُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْكُنْهَا مُلْتَزِمًا لِلْأَجْرِ كَمَا لَوْ رَهَنَهَا الْمَالِكُ فَسَكَنَهَا الْمُرْتَهِنُ قُنْيَةٌ. أَقُولُ: بَلْ الْأَجْرُ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ فَتَأَمَّلْهُ بِيرِيٌّ (قَوْلُهُ بَقِيَ لَوْ آجَرَ الْغَاصِبُ أَحَدَهَا) أَيْ أَحَدَ مَا مَنَافِعُهُ مَضْمُونَةً مِنْ مَالِ وَقْفٍ أَوْ يَتِيمٍ أَوْ مُعَدٍّ لِلِاسْتِغْلَالِ أَشْبَاهٌ (قَوْلُهُ فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْمُسَمَّى) أَيْ لِلْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ الْغَاصِبَ الْأَجْرُ) أَيْ أَجْرُ الْمِثْلِ كَمَا هُوَ فِي عِبَارَةِ الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ بَلْ يَرُدُّ مَا قَبَضَهُ لِلْمَالِكِ) حَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الَّذِي آجَرَ بِهِ وَإِنْ كَانَ دُونَ أَجْرِ الْمِثْلِ حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ وَقُنْيَةٌ) عِبَارَتُهَا وَلَوْ غَصَبَ دَارًا مُعَدَّةً لِلِاسْتِغْلَالِ أَوْ مَوْقُوفَةً أَوْ لِيَتِيمٍ وَآجَرَهَا وَسَكَنَهَا الْمُسْتَأْجِرُ يَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى لَا أَجْرُ الْمِثْلِ قِيلَ لَهُ وَهَلْ يَلْزَمُ الْغَاصِبَ الْأَجْرُ لِمَنْ لَهُ الدَّارُ؟ فَكَتَبَ لَا وَلَكِنْ يَرُدُّ مَا قَبَضَ عَلَى الْمَالِكِ وَهُوَ الْأَوْلَى. ثُمَّ سُئِلَ: يَلْزَمُ الْمُسَمَّى لِلْمَالِكِ أَمْ لِلْعَاقِدِ؟ فَقَالَ: لِلْعَاقِدِ، وَلَا يَطِيبُ لَهُ بَلْ يَرُدُّهُ عَلَى الْمَالِكِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَتَصَدَّقُ بِهِ اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّ هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَأَمَّا عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ فَعَلَى الْغَاصِبِ أَجْرُ الْمِثْلِ اهـ أَيْ إنْ كَانَ مَا قَبَضَهُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ أَجْرَ الْمِثْلِ أَوْ دُونَهُ فَلَوْ أَكْثَرَ يَرُدُّ الزَّائِدَ أَيْضًا لِعَدَمِ طِيبِهِ لَهُ كَمَا حَرَّرَهُ الْحَمَوِيُّ وَأَقَرَّهُ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَخْ) عِبَارَتُهَا إلَّا إذَا سَكَنَ بِتَأْوِيلِ مِلْكٍ أَوْ عَقْدٍ، وَيُنْظَرُ مَا لَوْ عَطَّلَ إلَخْ. أَقُولُ إنْ كَانَ الضَّمِيرُ فِي عُطْلٍ لِلسَّاكِنِ، فَلَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَوْفٍ لَا مُعَطَّلٍ، وَإِنْ كَانَ لِمَنْ لَهُ تَأْوِيلُ مِلْكٍ فَلَا وَجْهَ لِلتَّوَقُّفِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَكَنَ وَاسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ لَا يَلْزَمُهُ أَجْرٌ فَكَيْفَ يَلْزَمُهُ إذَا عَطَّلَهَا، وَإِنْ كَانَ لِلْغَاصِبِ أَيْ لَوْ عَطَّلَ غَاصِبٌ مَنْفَعَةَ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَلَمْ يَسْتَوْفِهَا فَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَصَاحِبِ الدُّرَرِ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مِنْ قَوْلِهِ سَابِقًا اسْتَوْفَاهَا أَوْ عَطَّلَهَا يُفِيدُ أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ التَّعْطِيلِ تَأَمَّلْ. وَسُئِلَ فِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ حَانُوتِ وَقْفٍ عَطَّلَهُ زَيْدٌ مُدَّةً فَأَفْتَى بِلُزُومِ أَجْرِ الْمِثْلِ مُسْتَدِلًّا بِعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا عَوْدُ الضَّمِيرِ لِلْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْغَاصِبِ فَلَا مَسَاغَ لَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِأَنْ أَسْلَمَ وَهُمَا فِي يَدِهِ) وَكَذَا لَوْ حَصَّلَهُمَا وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ ط. وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: مُسْلِمٌ غَصَبَ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْرًا هَلْ يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ أَدَاءِ الْخَمْرِ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَرُدَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إذَا عَلِمَ قَطْعًا أَنَّهُ يَسْتَرِدُّهَا لِيُخَلِّلَهَا يَقْضِي بِرَدِّهَا إلَيْهِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَسْتَرِدُّهَا لِيَشْرَبَهَا يُؤْمَرُ الْغَاصِبُ بِالْإِرَاقَةِ كَمَنْ فِي يَدِهِ سَيْفٌ لِرَجُلٍ فَجَاءَ مَالِكُهُ لِيَأْخُذَهُ مِنْهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ لِيَقْتُلَ بِهِ مُسْلِمًا يُمْسِكُهُ إلَى أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ تَرَكَ هَذَا الرَّأْيَ اهـ مِنَحٌ (قَوْلُهُ فَلَا ضَمَانَ) نَتِيجَةُ قَوْلِهِ وَبِخِلَافِ إلَخْ وَوَجْهُهُ عَدَمُ تَقَوُّمِهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ دَيْنِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَكَذَا لَا يَضْمَنُ الزِّقَّ بِشَقِّهِ لِإِرَاقَةِ الْخَمْرِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبُرْهَانِ اهـ وَهَذَا حُكْمُ الدُّنْيَا بَقِيَ حُكْمُ الْآخِرَةِ فَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ خَلًّا لَاتَّخَذَا الْعَصِيرَ لِلْخَلِّ فَعَلَى الْغَاصِبِ إثْمُ الْغَصْبِ، وَإِنْ اتَّخَذَهَا لِلشُّرْبِ، فَلَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا فِي الْمِنَحِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى (قَوْلُهُ الْمُسْلِمَ) أَمَّا الذِّمِّيُّ فَيَضْمَنُ مِثْلَ الْخَمْرِ وَقِيمَةَ الْخِنْزِيرِ ابْنُ مَلَكٍ (قَوْلُهُ قِيمَتَهُمَا) أَيْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قِيمَتَهَا بِلَا ضَمِيرِ تَثْنِيَةٍ أَيْ قِيمَةَ الْخَمْرِ وَالْأَوْلَى هِيَ الْمُوَافَقَةُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَ الْكَنْزِ وَالْقُدُورِيِّ لَوْ كَانَا لِذِمِّيٍّ بِالتَّثْنِيَةِ، وَالثَّانِيَةُ مُوَافِقَةٌ لِتَعْلِيلِ الشَّارِحِ وَلِمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ الْكَافِي إذَا أَتْلَفَ الْمُسْلِمُ الْخِنْزِيرَ عَلَى ذِمِّيٍّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 209 فِي حَقِّنَا قِيَمِيٌّ حُكْمًا (لَوْ كَانَا لِذِمِّيِّ) وَالْمُتْلِفُ غَيْرُ الْإِمَامِ أَوْ مَأْمُورُهُ يَرَى ذَلِكَ عُقُوبَةً فَلَا يَضْمَنُ وَلَا الزِّقَّ خِلَافَ مُحَمَّدٍ مُجْتَبَى وَلَا ضَمَانَ فِي مَيْتَةٍ وَدَمٍ أَصْلًا (بِخِلَافِ مَا لَوْ) (اشْتَرَاهَا) أَيْ الْخَمْرَ (مِنْهُ) أَيْ الذِّمِّيِّ (وَشَرِبَهَا فَلَا ضَمَانَ وَلَا ثَمَنَ) ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ بِتَسْلِيطِ بَائِعِهِ، بِخِلَافِ غَصْبِهَا مُجْتَبَى، وَفِيهِ أَتْلَفَ ذِمِّيٌّ خَمْرَ ذِمِّيٍّ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْخَمْرِ (غَصَبَ خَمْرَ مُسْلِمٍ فَخَلَّلَهَا بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ) كَحِنْطَةٍ وَمِلْحٍ يَسِيرٍ لَا قِيمَةَ لَهُ أَوْ تَشْمِيسٍ (أَوْ) غَصَبَ (جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ بِهِ) بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَتُرَابٍ وَشَمْسٍ (أَخَذَهُمَا الْمَالِكُ مَجَّانًا وَ) لَكِنْ (لَوْ أَتْلَفَهُمَا ضَمِنَ) لَا لَوْ تَلَفًا. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَدْبُوغًا وَاعْتَمَدَهُ فِي الْمُنْتَقَى (وَلَوْ خَلَّلَهَا بِذِي قِيمَةٍ كَالْمِلْحِ) الْكَثِيرِ (وَالْخَلِّ مَلَكَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِمَالِكِهِ خِلَافًا لَهُمَا (وَلَوْ دَبَغَ بِهِ) بِذِي قِيمَةٍ   [رد المحتار] فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ قِيَمِيٌّ حُكْمًا) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ،؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمْلِيكِهَا وَتَمَلُّكِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إعْزَازِهَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لَوْ كَانَا لِذِمِّيٍّ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا أَظْهَرَ بَيْعَهُمَا قَالَ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْمُجْتَبَى: ذِمِّيٌّ أَظْهَرَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يُمْنَعُ مِنْهُ، فَإِنْ أَرَاقَهُ رَجُلٌ أَوْ قَتَلَ خِنْزِيرَهُ ضَمِنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا يَرَى ذَلِكَ فَلَا يَضْمَنُ الزِّقَّ وَلَا الْخِنْزِيرَ وَلَا الْخَمْرَ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ اهـ وَنَقَلَ ط عَنْ الْبُرْهَانِ تَقْيِيدَ الْإِطْلَاقِ بِمَا إذَا لَمْ يُظْهِرْهَا تَأَمَّلْ وَسَيَأْتِي تَمَامُ كَلَامٍ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ يَرَى ذَلِكَ عُقُوبَةً) حَالٌ مِنْ الْإِمَامِ أَيْ يَرَى جَوَازَ الْعُقُوبَةِ بِهِ بِأَنْ كَانَ مُجْتَهِدًا أَوْ مُقَلِّدًا لِمُجْتَهِدٍ يَرَاهُ كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ السَّابِقُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا ضَمَانَ فِي مَيْتَةٍ وَدَمٍ أَصْلًا) أَيْ مُطْلَقًا وَلَوْ لِذِمِّيٍّ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ إذْ لَا يَدِينُ تَمَوُّلَهُمَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ هِدَايَةٌ وَهَذَا فِي الْمَيِّتَةِ حَتْفَ أَنْفِهَا؛ لِأَنَّ ذَبِيحَةَ الْمَجُوسِيِّ وَمَخْنُوقَتَهُ وَمَوْقُوذَتَهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الضَّمَانُ أَتْقَانِيٌّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ وَشَرِبَهَا) الْمُرَادُ مُطْلَقُ الْإِتْلَافِ كَمَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ إلَخْ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الْغَصْبِ وَالشِّرَاءِ. قَالَ فِي الْمِنَحِ: لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ: وَهِيَ أَنَّ الْمُتَضَمَّنَ يَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الْمُتَضَمِّنِ وَهُنَا لَمَّا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْخَمْرِ وَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنْ التَّسْلِيطِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ خُرُوجَهُ عَنْ الْقَاعِدَةِ بِبَيَانِ وَجْهٍ أَوْ أَنَّهَا أَكْثَرِيَّةٌ اهـ قَالَ الرَّمْلِيُّ: لِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ كَوْنَهُ مِنْهَا إذْ التَّسْلِيطُ حَصَلَ بِالْفِعْلِ قَصْدًا لَا ضِمْنًا فَتَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا) أَيْ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِمِثْلِ الْخَمْرِ أَوْ بَعْدَهُ مِنَحٌ (قَوْلُهُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ) أَيْ عَنْ الْإِمَامِ وَهِيَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْخَمْرِ) أَيْ عَلَى الْمُتْلِفِ إذَا أَسْلَمَ وَحْدَهُ وَكَذَا إذَا أَسْلَمَا وَسَبَقَ إسْلَامُهُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَوْ أَسْلَمَ الطَّالِبُ بَعْدَ مَا قُضِيَ لَهُ بِمِثْلِهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ فِي حَقِّهِ لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ فَكَانَ بِإِسْلَامِهِ مُبْرِئًا لَهُ عَمَّا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْخَمْرِ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَا؛ لِأَنَّ فِي إسْلَامِهِمَا إسْلَامَ الطَّالِبِ. وَلَوْ أَسْلَمَ الْمَطْلُوبُ وَحْدَهُ أَوْ أَسْلَمَا الْمَطْلُوبُ ثُمَّ أَسْلَمَا الطَّالِبُ بَعْدَهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجِبُ قِيمَةُ الْخَمْرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ فَافْهَمْ، وَقَيَّدَ بِالْخَمْرِ لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ فِي الْخِنْزِيرِ يَبْقَى الضَّمَانُ بِإِسْلَامِهِمَا أَوْ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ الْأَصْلِيَّ الْقِيمَةُ وَالْإِسْلَامُ لَا يُنَافِيهَا اهـ (قَوْلُهُ أَخَذَهُمَا الْمَالِكُ مَجَّانًا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَطْهِيرٌ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْغُسْلِ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ إذْ لَا تَثْبُتُ الْمَالِيَّةُ بِهِ (قَوْلُهُ وَلَكِنْ لَوْ أَتْلَفَهُمَا ضَمِنَ) لَمَّا كَانَ هُنَا الْمَغْصُوبُ خَمْرَ الْمُسْلِمِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ خَمْرَ الْمُسْلِمِ لَا يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ كَانَ مَظِنَّةً لِتَوَهُّمِ عَدَمِ الضَّمَانِ هُنَا أَيْضًا فَالِاسْتِدْرَاكُ فِي مَحَلِّهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ ضَمِنَ) أَيْ مِثْلَ الْخَلِّ وَقِيمَةَ الْجِلْدِ ح (قَوْلُهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَدْبُوغًا) أَيْ فِي صُورَةِ الْإِتْلَافِ ط (قَوْلُهُ وَاعْتَمَدَهُ فِي الْمُلْتَقَى) حَيْثُ قَالَ: فَلَوْ أَتْلَفَهُ الْغَاصِبُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَدْبُوغًا وَقِيلَ طَاهِرًا غَيْرَ مَدْبُوغٍ (قَوْلُهُ مِلْكُهُ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْحَ وَالْخَلَّ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَالْخَمْرُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ فَيُرَجَّحُ جَانِبُ الْغَاصِبِ فَيَكُونُ لَهُ بِلَا شَيْءٍ (قَوْلُهُ لِمَالِكِهِ) أَيْ الْمَالِكِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا يَأْخُذُ الْمَالِكُ إنْ شَاءَ وَيَرُدُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 210 كَقَرَظٍ وَعَفَصٍ (الْجِلْدَ أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَرَدَّ مَا زَادَ الدِّبْغُ) وَلِلْغَاصِبِ حَبْسُهُ حَتَّى يَأْخُذَ حَقَّهُ (وَلَوْ أَتْلَفَهُ لَا يَضْمَنُ) كَمَا لَوْ تَلِفَ وَلَا ضَمَانَ بِإِتْلَافِ الْمَيْتَةِ وَلَوْ لِذِمِّيٍّ وَلَا بِإِتْلَافِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا وَلَوْ لِمَنْ يُبِيحُهُ مُلْتَقًى؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمُحَاجَّةِ ثَابِتَةٌ (وَضَمِنَ بِكَسْرِ مِعْزَفٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ آلَةُ اللَّهْوِ وَلَوْ لِكَافِرٍ ابْنُ كَمَالٍ (قِيمَتُهُ) خَشَبًا مَنْحُوتًا   [رد المحتار] قَدْرَ وَزْنِ الْمِلْحِ مِنْ الْخَلِّ، فَلَوْ أَتْلَفَهَا الْغَاصِبُ لَا يَضْمَنُ خِلَافًا لَهُمَا مُلْتَقًى (قَوْلُهُ كَقَرَظٍ) بِفَتْحَتَيْنِ وَبِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ وَرَقُ السَّلَمِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَمَا فِي الْمِنَحِ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ كَقَرْضٍ بِالضَّادِ تَصْحِيفٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ الْجِلْدَ) مَفْعُولُ دَبَغَ (قَوْلُهُ أَخَذَهُ الْمَالِكُ) وَقَوْلُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ: وَإِذَا دَبَغَ بِذِي قِيمَةٍ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ سَهْوٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ الْأَوَّلِ كَمَا بَسَطَهُ الْبَاقَانِيُّ دُرٌّ مُنْتَقًى. قِيلَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخَلِّ وَالْجِلْدِ فِي أَنَّ الْمَالِكَ يَأْخُذُ الْجِلْدَ لَا الْخَلَّ أَنَّ الْجَلْدَ بَاقٍ لَكِنْ أَزَالَ عَنْهُ النَّجَاسَاتِ وَالْخَمْرُ غَيْرُ بَاقِيَةٍ، بَلْ صَارَتْ حَقِيقَةً أُخْرَى وَلِابْنِ الْكَمَالِ فِيهِ كَلَامٌ (قَوْلُهُ وَرَدَّ مَا زَادَ الدَّبْغُ) بِأَنْ يُقَوَّمَ مَدْبُوغًا وَذَكِيًّا غَيْرَ مَدْبُوغٍ وَيَرُدَّ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا مُلْتَقًى قَالَ فِي شَرْحِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْجِلْدَ لِلْغَاصِبِ وَيُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَدْبُوغٍ لِعَدَمِ تَقَوُّمِهِ قَبْلَ الدَّبْغِ (قَوْلُهُ وَلِلْغَاصِبِ حَبْسُهُ إلَخْ) فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ سَقَطَ عَنْ الْمَالِكِ قِيمَةُ الزِّيَادَةِ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَتْلَفَهُ لَا يَضْمَنُ) أَيْ لَوْ أَتْلَفَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ طَاهِرًا؛ لِأَنَّ تَقَوُّمَ الْجِلْدِ حَصَلَ بِفِعْلِهِ وَحَقُّهُ قَائِمٌ فِيهِ، وَالْجِلْدُ تَبَعٌ لِفِعْلِهِ فِي حَقِّ التَّقَوُّمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا قَبْلَ الدِّبَاغَةِ. وَالْأَصْلُ وَهُوَ الصَّنْعَةُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ بِالْإِتْلَافِ، فَكَذَا تَبِعَهُ بِخِلَافِ الْمَدْبُوغِ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْغَاصِبِ فِيهِ شَيْءٌ مُتَقَوِّمٌ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ غَيْرُ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَكَذَا التَّبَعُ ابْنُ مَلَكٍ. وَفِي النِّهَايَةِ: لَوْ جَعَلَهُ الْغَاصِبُ بَعْدَ دِبَاغَتِهِ فَرْوًا فَإِنَّ جَلَدَ ذَكَّى فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ اتِّفَاقًا وَإِنْ جَلَدَ مَيْتَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَدَّلَ اسْمُهُ وَمَعْنَاهُ بِفِعْلِهِ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَلَا ضَمَانَ إلَخْ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا مَرَّ لَكِنْ أَعَادَهُ لِيَرْبِطَهُ بِمَا بَعْدَهُ إظْهَارًا لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّا لَمَّا أَمَرْنَا بِتَرْكِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى مَا اعْتَقَدُوهُ مِنْ الْبَاطِلِ وَجَبَ عَلَيْنَا تَرْكُ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ عَلَى مَا اعْتَقَدُوهُ مَعَ احْتِمَالِ الصِّحَّةِ فِيهِ بِالْأَوْلَى، وَالْفَرْقُ أَنَّ وِلَايَةَ الْمُحَاجَّةِ ثَابِتَةٌ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى الْحُرْمَةِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ اعْتِقَادُ الضَّمَانِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُبِحْهُ) أَيْ وَلَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لِمُبِيحِهِ كَشَافِعِيٍّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمُحَاجَّةِ ثَابِتَةٌ) أَيْ بِنَصِّ {وَلا تَأْكُلُوا} [البقرة: 188]- قَالَ فِي الْعِنَايَةِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى تَرْكِ الْمُحَاجَّةِ مَعَ أَهْلِ الذِّمَّةِ دَالٌّ عَلَى تَرْكِهَا مَعَ الْمُجْتَهِدِينَ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى عَلَى مَا قَرَرْتُمْ وَالْجَوَابُ: أَنَّ الدَّلِيلَ هُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُتْرُكُوهُمْ وَمَا يَدِينُونَ» وَكَانَ ذَلِكَ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِينَ اهـ. وَفِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ: وَالْأَوْلَى أَنَّ اسْتِحْلَالَ مَتْرُوكِ التَّمْسِيَةِ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْكِتَابِ وَالْخَصْمُ مُؤْمِنٌ بِهِ فَيُثْبِتُ وِلَايَةَ الْمُحَاجَّةِ (قَوْلُهُ آلَةُ اللَّهْوِ) كَبَرْبَطٍ وَمِزْمَارٍ وَدُفٍّ وَطَبْلٍ وَطُنْبُورٍ مِنَحٌ وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْكَمَالِ أَنَّ الْعَزْفَ بِلَا مِيمٍ هُوَ آلَةُ اللَّهْوِ وَأَمَّا الْمِعْزَفُ بِالْمِيمِ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الطَّنَابِيرِ يَتَّخِذُهُ أَهْلُ الْيَمَنِ وَكَتَبَ عَلَى الْهَامِشِ أَنَّ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ أَخْطَأَ حَيْثُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمِعْزَفِ وَالْعَزْفِ، وَهُوَ كَفَلْسٍ جَمْعُهُ مَعَازِفُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَعَزَفَ كَضَرَبَ سَائِحَانِيٌّ وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ لِكَافِرٍ) الْأَوْلَى: وَلَوْ لِمُسْلِمٍ لِيُفِيدَ الْكَافِرَ بِالْأَوْلَى لَمَّا قِيلَ إنَّهُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا يَأْتِي، وَلِأَنَّ خَمْرَ الْمُسْلِمِ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِخِلَافِ خَمْرِ الْكَافِرِ كَمَا مَرَّ، فَإِذَا ضَمِنَ مِعْزَفَ الْمُسْلِمِ مَعَ عَدَمِ ضَمَانِ خَمْرِهِ عَلِمَ ضَمَانَ مِعْزَفِ الْكَافِرِ بِالْأَوْلَى فَتَدَبَّرْ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْكَمَالِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ لِمُسْلِمٍ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ كَوْنِهِ لَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 211 (صَالِحًا لِغَيْرِ اللَّهْوِ وَ) ضَمِنَ الْقِيمَةَ لَا الْمِثْلَ (بِإِرَاقَةِ سُكْرٍ وَمُنَصَّفٍ) سَيَجِيءُ بَيَانُهُ فِي الْأَشْرِبَةِ (وَصَحَّ بَيْعُهَا) كُلُّهَا وَقَالَا لَا يَضْمَنُ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى مُلْتَقًى وَدُرَرٌ وَزَيْلَعِيٌّ وَغَيْرُهَا، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ. وَأَمَّا طَبْلُ الْغُزَاةِ زَادَ فِي حَظْرِ الْخُلَاصَةِ وَالصَّيَّادِينَ وَالدُّفُّ الَّذِي يُبَاحُ ضَرْبُهُ فِي الْعُرْسِ فَمَضْمُونٌ اتِّفَاقًا (كَالْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَنَحْوِهَا) كَكَبْشٍ نَطُوحٍ وَحَمَامَةٍ طَيَّارَةٍ وَدِيكٍ مُقَاتِلٍ وَعَبْدٍ خَصِيٍّ حَيْثُ تَجِبُ قِيمَتُهَا غَيْرَ صَالِحَةٍ لِهَذَا الْأَمْرِ. (وَلَوْ غَصَبَ أُمَّ وَلَدٍ فَهَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ بِخِلَافِ) مَوْتِ (الْمُدَبَّرِ) لِتَقَوُّمِ الْمُدَبَّرِ دُونَ أُمِّ الْوَلَدِ وَقَالَا يَضْمَنُهَا لِتَقَوُّمِهَا (حَلَّ قَيْدُ عَبْدِ غَيْرِهِ أَوْ رَبْطُ دَابَّتِهِ أَوْ فَتْحُ بَابِ إصْطَبْلِهَا أَوْ قَفَصِ طَائِرِهِ فَذَهَبَتْ) هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ   [رد المحتار] وَكَوْنِهِ لِكَافِرٍ (قَوْلُهُ صَالِحًا لِغَيْرِ اللَّهْوِ) فَفِي الدُّفِّ قِيمَتُهُ دُفًّا يُوضَعُ فِيهِ الْقُطْنُ وَفِي الْبَرْبَطِ قَصْعَةُ ثَرِيدٍ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ سَيَجِيءُ بَيَانُهُ) بَيَّنَهُ فِي الْهِدَايَةِ هُنَا فَقَالَ السَّكَرُ أَيْ بِفَتْحَتَيْنِ اسْمٌ لِلنِّيءِ مِنْ مَاءِ الرُّطَبِ إذَا اشْتَدَّ وَالْمُنَصَّفُ مَا ذَهَبَ نِصْفُهُ بِالطَّبْخِ (قَوْلُهُ وَصَحَّ بَيْعُهَا كُلِّهَا) ؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ مُتَقَوِّمَةٌ لِصَلَاحِيَّتِهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا لِغَيْرِ اللَّهْوِ، فَلَمْ تُنَافِ الضَّمَانَ كَالْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ، بِخِلَافِ الْخَمْرِ فَإِنَّهَا حَرَامٌ لِعَيْنِهَا. وَأَمَّا السُّكْرُ وَنَحْوُهُ فَحُرْمَتُهُ عُرِفَتْ بِالِاجْتِهَادِ وَبِأَخْبَارِ الْآحَادِ فَقَصُرَتْ عَنْ حُرْمَةِ الْخَمْرِ، فَجَوَّزْنَا الْبَيْعَ، وَقُلْنَا يَضْمَنُ بِالْقِيمَةِ لَا بِالْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يُمْنَعُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَوْ أَخَذَ الْمِثْلَ جَازَ لِعَدَمِ سُقُوطِ التَّقَوُّمِ أَتْقَانِيٌّ مُلَخَّصًا وَبِهِ يَنْدَفِعُ تَوَقُّفُ الْمُحَشِّي (قَوْلُهُ وَقَالَ إلَخْ) هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الضَّمَانِ دُونَ إبَاحَةِ إتْلَافِ الْمَعَازِفِ، وَفِيمَا يَصْلُحُ لِعَمَلٍ آخَرَ وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنُ شَيْئًا اتِّفَاقًا، وَفِيمَا إذَا فَعَلَ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ، وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ اتِّفَاقًا، وَفِي غَيْرِ عَوْدِ الْمُغَنِّي وَخَابِيَةِ الْخِمَارِ، وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكْسِرْهَا عَادَ لِفِعْلِهِ الْقَبِيحِ، وَفِيمَا إذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ فَلَوْ لِذِمِّيٍّ ضَمِنَ اتِّفَاقًا قِيمَتَهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَكَذَا لَوْ كَسَرَ صَلِيبَهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِ. قُلْت: لَكِنْ جَزَمَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَابْنُ الْكَمَالِ أَنَّ الذِّمِّيَّ كَالْمُسْلِمِ فَلْيُحَرَّرْ دُرٌّ مُنْتَقًى. أَقُولُ: وَجَزَمَ بِهِ فِي الِاخْتِيَارِ أَيْضًا وَلَعَلَّهُ اقْتَصَرَ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى ذِكْرِ الْمُسْلِمِ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الْخِلَافِ وَبِهِ يَتَحَرَّرُ الْمَقَامُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَالدُّفُّ الَّذِي يُبَاحُ إلَخْ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمُصَنَّجِ فَفِي النِّهَايَةِ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا (قَوْلُهُ غَيْرَ صَالِحَةٍ لِهَذَا الْأَمْرِ) أَيْ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْعَبْدِ غَيْرَ خَصِيٍّ ط (قَوْلُهُ فَهَلَكَتْ) عَبَّرَ بِهِ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ ثَبَتَ مُوجِبُهُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَحَرِّرْهُ ط. أَقُولُ: فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَلَوْ جَنَى عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا يَجِبُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَانِي بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ لِتَقَوُّمِ الْمُدَبَّرِ) أَيْ بِثُلُثَيْ قِيمَةِ الْقِنِّ وَقِيلَ بِنِصْفِهَا أَفَادَهُ الْعَيْنِيُّ وَلَا يَمْلِكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ لِتَقَوُّمِهَا) أَيْ أُمِّ الْوَلَدِ وَقِيمَتُهَا ثُلُثُ قِيمَةِ الْقِنِّ حَمَوِيٌّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِضَمِيرِ الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ حَلَّ قَيْدُ عَبْدِ غَيْرِهِ) الْخِلَافُ فِي الْعَبْدِ الْمَجْنُونِ، فَلَوْ عَاقِلًا لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ فَذَهَبَتْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ) عَدَمُ الضَّمَانِ قَوْلُهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الدَّابَّةِ وَالطَّيْرِ، وَظَاهِرُ الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْبُرْجُنْدِيِّ: أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْكُلِّ، وَأَنَّ الْمُودَعَ لَوْ فَعَلَ مَا ذَكَرَ ضَمِنَ بِالِاتِّفَاقِ لِالْتِزَامِهِ الْحِفْظِ دُرٌّ مُنْتَقًى وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قَالَ فِي النَّظْمِ: لَوْ زَادَ عَلَى مَا فَعَلَ بِأَنْ فَتَحَ الْقَفَصَ وَقَالَ لِلطَّيْرِ كِشْ كِشْ أَوْ بَابٌ إصْطَبْلٍ فَقَالَ لِلْبَقَرِ هِشْ هِشْ، أَوْ لِلْحِمَارِ هِرْ هِرْ يَضْمَنُ اتِّفَاقًا وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ شَقَّ الزِّقَّ وَالدُّهْنُ سَائِلٌ أَوْ قَطَعَ الْحَبْلَ حَتَّى سَقَطَ الْقِنْدِيلُ يَضْمَنُ اهـ ط. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 212 (أَوْ سَعَى إلَى سُلْطَانٍ بِمِنْ يُؤْذِيهِ وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَا يَدْفَعُ بِلَا رَفْعٍ) إلَى السُّلْطَانِ (أَوْ) سَعَى (بِمَنْ يُبَاشِرُ الْفِسْقَ وَلَا يَمْتَنِعُ بِنَهْيِهِ أَوْ قَالَ لِسُلْطَانٍ قَدْ يُغَرَّمُ وَقَدْ لَا يُغَرَّمُ) فَقَالَ (إنَّهُ وَجَدَ كَنْزًا فَغَرَّمَهُ) السُّلْطَانُ (شَيْئًا لَا يَضْمَنُ) فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ (وَلَوْ غَرَّمَ) السُّلْطَانُ (أَلْبَتَّةَ) بِمِثْلِ هَذِهِ السِّعَايَةِ (ضَمِنَ وَكَذَا) يَضْمَنُ (لَوْ سَعَى بِغَيْرِ حَقٍّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ زَجْرًا لَهُ) أَيْ لِلسَّاعِي (وَبِهِ يُفْتَى) وَعَزَّرَ وَلَوْ السَّاعِي عَبْدًا طُولِبَ بَعْدَ عِتْقِهِ (وَلَوْ مَاتَ السَّاعِي فَلِلْمَسْعِيِّ بِهِ أَنْ يَأْخُذَ قَدْرَ الْخُسْرَانِ مِنْ تَرِكَتِهِ) هُوَ الصَّحِيحُ جَوَاهِرُ الْفَتَاوَى. وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمَشْكُوُّ عَلَيْهِ بِسُقُوطِهِ مِنْ سَطْحٍ لِخَوْفِهِ غُرِّمَ الشَّاكِي دِيَتَهُ لَا لَوْ مَاتَ بِالضَّرْبِ لِنُدُورِهِ وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ السَّرِقَةِ. [مَطْلَبٌ فِي ضَمَانِ السَّاعِي] (أَمَرَ) شَخْصٌ (عَبْدَ غَيْرِهِ بِالْإِبَاقِ أَوْ قَالَ) لَهُ (اُقْتُلْ نَفْسَك فَفَعَلَ) ذَلِكَ (وَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ) وَلَوْ قَالَ لَهُ أَتْلِفْ مَالَ مَوْلَاك فَأَتْلَفَ يَضْمَنُ الْآمِرُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ بِأَمْرِهِ بِالْإِبَاقِ وَالْقَتْلِ صَارَ غَاصِبًا،؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ، وَبِأَمْرِهِ بِالْإِتْلَافِ لَا يَصِيرُ غَاصِبًا لِلْمَالِ، بَلْ لِلْعَبْدِ وَهُوَ قَائِمٌ لَمْ يُتْلِفْ، وَإِنَّمَا التَّلَفُ بِفِعْلِ الْعَبْدِ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي ضَمَانِ السَّاعِي (قَوْلُهُ أَوْ سَعَى إلَى سُلْطَانٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا لَا ضَمَانَ فِيهِمَا اتِّفَاقًا لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ اهـ ط (قَوْلُهُ قَدْ يُغَرَّمُ وَقَدْ لَا يُغَرِّمُ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ مِنْ مَزِيدِ الثُّلَاثِيِّ قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَالْفَتْوَى الْيَوْمُ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى السَّاعِي مُطْلَقًا (قَوْلُهُ فَقَالَ) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ (قَوْلُهُ إنَّهُ وَجَدَ كَنْزًا) زَادَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَظَهَرَ كَذِبُهُ ضَمِنَ إلَّا إنْ كَانَ عَدْلًا، أَوْ قَدْ يُغَرَّمُ وَقَدْ لَا يُغَرَّمُ وَرَمَّزَ أَيْضًا السِّعَايَةَ الْمُوجِبَةَ لِلضَّمَانِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَذِبٍ يَكُونُ سَبَبًا لِأَخْذِ الْمَالِ مِنْهُ، أَوْ لَا يَكُونُ قَصْدُهُ إقَامَةَ الْحِسْبَةِ كَمَا لَوْ قَالَ إنَّهُ وَجَدَ مَالًا وَقَدْ وَجَدَ الْمَالَ فَهَذَا يُوجِبُ الضَّمَانَ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ السُّلْطَانَ يَأْخُذُ مِنْهُ الْمَالَ بِهَذَا السَّبَبِ اهـ (قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتَى) أَيْ دَفْعًا لِلْفَسَادِ وَزَجْرًا لَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُبَاشِرٍ، فَإِنَّ السَّعْيَ سَبَبٌ مَحْضٌ لِإِهْلَاكِ الْمَالِ وَالسُّلْطَانُ يُغَرِّمُهُ اخْتِيَارًا لَا طَبْعًا هَذَا وَفِي الْإِسْمَاعِيلِيَّة مَا يُفِيدُ أَنَّهُ وَرَدَ نَهْيٌ سُلْطَانِيٌّ عَنْ سَمَاعِ الْقُضَاةِ هَذِهِ الدَّعْوَى، فَإِنَّهُ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ إلَّا بِأَمْرٍ سُلْطَانِيٍّ (قَوْلُهُ وَعُزِّرَ) قَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ: وَقَدْ جَوَّزَ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ قَتْلَهُ فَإِنَّهُ مِمَّنْ يَسْعَى فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَيُثَابُ قَاتِلُهُمْ، وَكَانَ يُفْتِي بِكُفْرِهِمْ وَمُخْتَارُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِكُفْرِهِمْ، وَجَوَازُ الْقَتْلِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْكُفْرِ كَمَا فِي الْقُطَّاعِ وَالْأَعْوِنَةِ مِنْ الْمُحَارَبِينَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ، فِيمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ سَرِقَةً فَحُبِسَ، فَسَقَطَ مِنْ السَّطْحِ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَنْفَلِتَ خَوْفًا مِنْ التَّعْذِيبِ فَمَاتَ ثُمَّ ظَهَرَتْ السَّرِقَةُ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ، ثُمَّ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْقُنْيَةِ شَكَا عِنْدَ الْوَالِي بِغَيْرِ حَقٍّ وَأَتَى بِقَائِدٍ فَضَرَبَ الْمَشْكُوَّ فَكَسَرَ سِنَّهُ أَوْ يَدَهُ يَضْمَنُ الشَّاكِي أَرْشَهُ كَالْمَالِ وَقِيلَ إنَّ مَنْ حُبِسَ بِسِعَايَةٍ فَهَرَبَ وَتَسَوَّرَ جِدَارَ السِّجْنِ فَأَصَابَ بَدَنَهُ تَلَفٌ يَضْمَنُ السَّاعِي، فَكَيْفَ هُنَا فَقِيلَ أَتُفْتِي بِالضَّمَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْهَرَبِ قَالَ لَا إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ غَرِمَ الشَّاكِي) أَيْ لَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا مَرَّ مِنْ عَدَمِ غَرَامَةِ الْأَمْوَالِ فَلْيَكُنْ مِثْلُهَا غَرَامَةُ النَّفْسِ سَائِحَانِيٌّ. قُلْت: وَيُؤْخَذُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ الْعِمَادِيَّةِ ثُمَّ ظَهَرَتْ السَّرِقَةُ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ إلَخْ) اسْتَشْكَلَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِمَا فِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ أَمَرَ قِنَّ غَيْرِهِ بِإِتْلَافِ مَالِ رَجُلٍ يَغْرَمُ مَوْلَاهُ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى آمِرِهِ إذْ الْآمِرُ صَارَ مُسْتَعْمِلًا لِلْقِنِّ فَصَارَ غَاصِبًا قَالَ: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْقِنِّ، وَلَا عَلَى مَوْلَاهُ فِي إتْلَافِ مَالِ مَوْلَاهُ فَلَا رُجُوعَ عَلَى الْآمِرِ، بِخِلَافِ إتْلَافِ مَالِ غَيْرِهِ أَوْ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ لَكِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْآمِرَ يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُلْطَانًا وَلَا مَوْلًى وَيَأْتِيَ خِلَافُهُ قَالَ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ ثَمَّةَ هُوَ الضَّمَانُ الِابْتِدَائِيُّ الَّذِي بِطَرِيقِ الْإِكْرَاهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُبَاشِرَ لَا يَضْمَنُ ثَمَّةَ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَافْتَرَقَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 213 وَاعْلَمْ أَنَّ الْآمِرَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْأَمْرِ إلَّا فِي سِتَّةٍ إذَا كَانَ الْآمِرُ سُلْطَانًا أَوْ أَبًا أَوْ سَيِّدًا أَوْ الْمَأْمُورُ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا أَمَرَهُ بِإِتْلَافِ مَالِ غَيْرِ سَيِّدِهِ وَإِذَا أَمَرَهُ بِحَفْرِ بَابٍ فِي حَائِطِ الْغَيْرِ غَرِمَ الْحَافِرُ وَرَجَعَ عَلَى الْآمِرِ أَشْبَاهٌ.   [رد المحتار] مَطْلَبٌ الْآمِرُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا فِي سِتَّةٍ (قَوْلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْآمِرَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) فَلَوْ خَرَقَ ثَوْبًا بِأَمْرِ غَيْرِهِ ضَمِنَ الْمُخْرِقُ لَا الْآمِرُ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ. قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ: أَقُولُ وَجْهُ عَدَمِ صِحَّةِ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ أَصْلًا عَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ كَدَابَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ اسْتَعَارَهَا أَجْنَبِيٌّ مِنْ أَحَدِهِمَا فَأَمَرَ رَجُلًا بِتَسْلِيمِهَا لِلْمُسْتَعِيرِ فَدَفَعَهَا لَهُ فَلَا شُبْهَةَ فِي ضَمَانِ الْآمِرِ الشَّرِيكَ،؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ مَأْمُورِهِ كَتَسْلِيمِهِ هُوَ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمَأْمُورُ لِتَعَدِّيهِ بِدَفْعِ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ تَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ إلَّا فِي سِتَّةٍ) هَذَا عَلَى مَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَشْبَاهِ وَفِي بَعْضِهَا خَمْسَةٌ بِإِسْقَاطٍ أَوْ أَبًا (قَوْلُهُ إذَا كَانَ الْآمِرُ سُلْطَانًا) ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ إكْرَاهٌ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ أَوْ أَبًا) صُورَتُهُ: أَمَرَ الْأَبُ ابْنَهُ الْبَالِغَ لِيُوقِدَ نَارًا فِي أَرْضِهِ فَفَعَلَ، وَتَعَدَّتْ النَّارُ إلَى أَرْضِ جَارِهِ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا يَضْمَنُ الْأَبُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ صَحَّ، فَانْتَقَلَ الْفِعْلُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ الْأَبُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ نَجَّارًا لِيُسْقِطَ جِدَارَهُ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَفَعَلَ وَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى النَّجَّارِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْأَمْرِ كَذَا فِي شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَذْهَانِ وَظَاهِرُ هَذَا التَّصْوِيرِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ كُلَّ أَمْرٍ مِنْ الْأَبِ لِلْبَالِغِ، حَتَّى لَوْ أَمَرَهُ بِإِتْلَافِ مَالٍ أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ يَكُونُ ضَمَانُهُ عَلَى الِابْنِ لِفَسَادِ الْأَمْرِ ط. أَقُولُ: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ اسْتِخْدَامٌ فَصَحَّ الْأَمْرُ لِوُجُوبِ خِدْمَةِ الْأَبِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ عُدْوَانٌ مَحْضٌ تَأَمَّلْ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا لَوْ أَوْقَدَ النَّارَ فِي يَوْمِ رِيحٍ أَوْ نَارًا لَا يُوقَدُ مِثْلُهَا، أَوْ كَانَتْ أَرْضُ الْجَارِ قَرِيبَةً، بِحَيْثُ يَصِلُ إلَيْهَا شَرَارُ النَّارِ غَالِبًا وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمَالِكِ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَكَذَا بِفِعْلِ ابْنِهِ بِأَمْرِهِ (قَوْلُهُ أَوْ سَيِّدًا) أَيْ وَالْمَأْمُورُ قِنُّهُ (قَوْلُهُ أَوْ الْمَأْمُورُ صَبِيًّا) كَمَا إذَا أَمَرَ صَبِيًّا بِإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَ الصَّبِيُّ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ أَشْبَاهٌ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: حُرٌّ بَالِغٌ أَمَرَ صَبِيًّا بِقَتْلِ رَجُلٍ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الْآمِرِ، فَلَوْ الْآمِرُ صَبِيًّا أَيْضًا فَلَا رُجُوعَ وَلَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا لَا يَضْمَنُ الْآمِرُ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَالَ لِصَبِيٍّ: اصْعَدْ هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَانْفُضْ لِي ثَمَرَهَا فَصَعِدَ فَسَقَطَ تَجِبُ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ آمِرِهِ، وَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ بِحَمْلِ شَيْءٍ أَوْ كَسْرِ حَطَبٍ بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ اصْعَدْ لِي بَلْ قَالَ اصْعَدْهَا وَانْفُضْ لِنَفْسِك أَوْ نَحْوَهُ فَسَقَطَ وَمَاتَ فَالْمُخْتَارُ هُوَ الضَّمَانُ وَقِيلَ لَا ضَمَانَ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ عَبْدًا أَمَرَهُ بِإِتْلَافِ مَالِ غَيْرِ سَيِّدِهِ) أَوْ بِالْإِبَاقِ أَوْ بِقَتْلِ نَفْسِهِ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ أَمَرَهُ بِإِتْلَافِ مَالِ سَيِّدِهِ لَا يَضْمَنُ كَمَا مَرَّ أَيْضًا قَالَ الْحَمَوِيُّ: إذْ لَوْ ضَمِنَ لَرَجَعَ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَهُ لِسَيِّدِهِ وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِذَا أَمَرَهُ) الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ يَعُودُ إلَى الْمَأْمُورِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا (قَوْلُهُ وَرَجَعَ عَلَى الْآمِرِ) أَفَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ الرُّجُوعَ فِيمَا إذَا قَالَ لَهُ احْفِرْ لِي بِزِيَادَةِ لَفْظَةِ لِي أَوْ قَالَ فِي حَائِطِي أَوْ كَانَ سَاكِنًا فِي تِلْكَ الدَّارِ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ عَلَامَاتِ الْمِلْكِ وَإِلَّا فَلَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَمْ يَصِحَّ بِزَعْمِ الْمَأْمُورِ اهـ وَعَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ: احْفِرْ لِي فِي حَائِطِ الْغَيْرِ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لِلْغَيْرِ لَا يَرْجِعُ فَإِطْلَاقُ الشَّارِحِ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ فَتَنَبَّهْ. [تَتِمَّةٌ] فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يَذْبَحَ لَهُ هَذِهِ الشَّاةَ، وَكَانَتْ لِجَارِهِ ضَمِنَ الذَّابِحُ عَلِمَ أَوْ لَا، لَكِنْ إنْ عَلِمَ لَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ وَإِلَّا رَجَعَ اهـ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: أَمَرَ أَجِيرَهُ بِرَشِّ الْمَاءِ فِي فِنَاءِ دُكَّانِهِ فَرَشَّ فَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ فَضَمَانُهُ عَلَى الْآمِرِ، وَإِنْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الرَّاشِّ اهـ. قُلْت: فَصَارَتْ الْمُسْتَثْنَيَاتُ ثَمَانِيَةً وَيُزَادُ تَاسِعَةٌ: وَهِيَ مَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا عَنْ الرَّمْلِيِّ وَالتَّتَبُّعُ بِنَفْيِ الْحَصْرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 214 (اسْتَعْمَلَ عَبْدَ الْغَيْرِ لِنَفْسِهِ) بِأَنْ أَرْسَلَهُ فِي حَاجَتِهِ (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَبْدٌ أَوْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ الْعَبْدُ) الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ (إنِّي حُرٌّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ إنْ هَلَكَ) الْعَبْدُ عِمَادِيَّةٌ وَفِيهَا جَاءَ رَجُلٌ إلَى آخَرَ فَقَالَ إنِّي حُرٌّ فَاسْتَعْمِلْنِي فِي عَمَلٍ فَاسْتَعْمَلَهُ فَهَلَكَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ عَبْدٌ ضَمِنَهُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ هَذَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي عَمَلِ نَفْسِهِ (وَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ لِغَيْرِهِ) أَيْ فِي عَمَلِ غَيْرِهِ (لَا) ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِهِ غَاصِبًا كَقَوْلِهِ لِعَبْدٍ: ارْقَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ وَانْثُرْ الْمِشْمِشَ لِتَأْكُلَهُ أَنْتَ فَسَقَطَ لَمْ يَضْمَنْ الْآمِرُ وَلَوْ قَالَ: لِتَأْكُلَهُ أَنْتَ وَأَنَا ضَمِنَ قِيمَتَهُ كُلَّهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ كُلَّهُ فِي نَفْعِهِ. (غُلَامٌ جَاءَ إلَيَّ فَصَادَ فَقَالَ افْصِدْنِي فَفَصَدَهُ فَصْدًا مُعْتَادًا) فَغَيْرُهُ بِالْأَوْلَى (فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَ قِيمَةَ الْعَبْدِ عَاقِلَةُ الْفَصَّادِ وَكَذَلِكَ) الْحُكْمُ فِي (الصَّبِيِّ تَجِبُ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْفَصَّادِ) عِمَادِيَّةٌ [فَرْعٌ] غَصَبَ عَبْدًا وَمَعَهُ مَالُ الْمَوْلَى صَارَ غَاصِبًا لِلْمَالِ أَيْضًا، بَلْ قَالُوا: يَضْمَنُ ثِيَابَهُ تَبَعًا لِضَمَانِ عَيْنِهِ بِخِلَافِ الْحَرِّ عِمَادِيَّةٌ وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: وَلَوْ نَسِيَ الْحِرْفَاتِ يَضْمَنُ نَقْصَهَا ... وَلَوْ نَسِيَ الْقُرْآنَ أَوْ شَاخَ يَذْكُرُ وَلَوْ عَلِمَ الدَّلَّالُ قِيمَةَ سِلْعَةٍ ... فَقَوَّمَ لِلسُّلْطَانِ أَنْقَصَ يَخْسَرُ   [رد المحتار] قَوْلُهُ اسْتَعْمَلَ عَبْدَ الْغَيْرِ) وَمِثْلُهُ الصَّبِيُّ كَمَا مَرَّ فَلَوْ غَصَبَ حُرًّا صَغِيرًا ضَمِنَ إلَّا إنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ فَلَوْ غَرِقَ أَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ ضَمِنَ اهـ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ لِنَفْسِهِ) زَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَيْدًا آخَرَ وَنَصُّهُ: اسْتِخْدَامُ عَبْدِ الْغَيْرِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْخِدْمَةُ غَصَبَ لِقَبْضِهِ بِلَا إذْنِهِ، حَتَّى إذَا هَلَكَ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ بِهِ الْخِدْمَةُ لَا يَضْمَنُ عَلِمَ أَنَّهُ عَبْدَ الْغَيْرِ أَوْ لَا اهـ (قَوْلُهُ وَفِيهَا إلَخْ) مُكَرَّرٌ مَعَ الْمَتْنِ ح إلَّا أَنْ يُقَالَ قَصَدَ بِنَقْلِهَا تَوْضِيحَ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ أَيْ فِي عَمَلِ غَيْرِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ نَفْسَ الْعَبْدِ وَحْدَهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْ الْآمِرُ) لَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْمُخْتَارِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ كُلَّهُ فِي نَفْعِهِ) هَذَا مَا عَلَّلَ بِهِ قَاضِي خَانْ حِينَ أَفْتَى بِالضَّمَانِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ نَفْعَ الْآمِرِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِاسْتِعْمَالِ الْعَبْدِ كُلِّهِ لِعَدَمِ تَجَزِّيهِ وَإِنْ قَصَدَ الْعَبْدُ نَفْعَ نَفْسِهِ أَيْضًا، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَصْعَدْ إلَّا بِأَمْرِهِ يُوَضِّحُهُ مَا فِي الْعِمَادِيَّةِ أَيْضًا: غُلَامٌ حَمَلَ كُوزَ مَاءٍ لِبَيْتِ مَوْلَاهُ بِإِذْنِهِ فَدَفَعَ إلَيْهِ رَجُلٌ كُوزَهُ لِيَحْمِلَ مَاءً لَهُ مِنْ الْحَوْضِ فَهَلَكَ فِي الطَّرِيقِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ: مَرَّةً يَضْمَنُ نِصْفَ الْقِيمَةِ ثُمَّ قَالَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ: كُلَّهَا؛ لِأَنَّهُ نَسَخَ فِعْلُهُ فِعْلَ الْمَوْلَى اهـ فَحَيْثُ ضَمِنَ الْكُلَّ مَعَ أَنَّ الْعَبْدَ فِي خِدْمَةِ الْمَوْلَى يُضْمَنُ فِي مَسْأَلَتِنَا بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ فَغَيْرُهُ بِالْأَوْلَى) كَذَا قَالَهُ فِي الْمِنَحِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَضْمَنُهُ أَيْضًا، وَقَدْ عَلَّلَ ضَمَانَ الْعَاقِلَةِ فِي الْمُعْتَادِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِأَنَّهُ خَطَأٌ، وَهَلْ غَيْرُ الْمُعْتَادِ خَطَأٌ أَيْضًا مَحِلُّ نَظَرٍ فَلْيُحَرَّرْ، وَقَدَّمَ الشَّارِحُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ ضَمَانِ الْأَجِيرِ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ فَصَدَ نَائِمًا وَتَرَاكَهُ حَتَّى مَاتَ مِنْ السَّيَلَانِ يَجِبُ الْقِصَاصُ (قَوْلُهُ ضَمِنَ قِيمَةَ الْعَبْدِ عَاقِلَةُ الْفَصَّادِ) ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ لَا يُعْتَبَرُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مَأْذُونًا،؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ وَمِثْلُهُ الصَّبِيُّ ط (قَوْلُهُ صَارَ غَاصِبًا لِلْمَالِ أَيْضًا) فَلَوْ أَبَقَ ضَمِنَ غَاصِبُهُ الْمَالَ وَقِيمَتَهُ فَصُولَيْنِ (قَوْلُهُ بَلْ قَالُوا إلَخْ) وَجْهُ التَّرَقِّي أَنَّ الثِّيَابَ تَابِعَةٌ لَهُ بِخِلَافِ الْمَالِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْحُرِّ) ؛ لِأَنَّ ثِيَابَهُ تَحْتَ يَدِهِ فَصُولَيْنِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ضَرَبَ رَجُلًا وَسَقَطَ حَتَّى مَاتَ قَالَ مُحَمَّدٌ يَضْمَنُ مَالَهُ وَثِيَابَهُ الَّتِي عَلَيْهِ اهـ أَيْ لِفَسَادِ الْيَدِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَسِيَ الْحِرْفَاتِ) جَمْعُ حِرْفَةٍ أَيْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ (قَوْلُهُ أَوْ شَاخَ) أَيْ صَارَ شَيْخًا أَوْ عَجُوزًا لِفَوَاتِ وَصْفٍ مَقْصُودٍ يَزِيدُ فِي الْمَالِيَّةِ (قَوْلُهُ يَذْكُرُ) أَيْ ضَمَانَ النُّقْصَانِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلِمَ الدَّلَّالُ إلَخْ) قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ الْقُنْيَةِ: الدَّلَّالُ إذَا عَلِمَ الْقِيمَةَ وَنَقَصَ مِنْهَا الْمُبَاعَ لِلْخِزَانَةِ السُّلْطَانِيَّةِ أَوْ لِلْأَمِيرِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ فِيهِ يَضْمَنُ النَّقْصَ، وَخَرَجَ عَلَى هَذَا تَقْوِيمُ شُهُودِ الْقِيمَةِ وَالْقِسْمَةِ وَشَيْخُ الصَّحَّافِينَ وَنَحْوُهُمْ لِأَمْوَالِ الْأَيْتَامِ وَالْأَوْقَافِ الْخَرَابِ لِلْأُمَرَاءِ وَالنُّوَّابِ وَالْحَاكِمِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ وَيَظْهَرُ فِيهِ الْغَبْنُ الْفَاحِشُ، وَقَدْ يَعْلَمُ الْقَاضِي حَالَهُمْ سِيَّمَا فِي الِاسْتِبْدَالَاتِ مِنْ جِهَتَيْ الْمُسَوِّغِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 215 وَمُتْلِفٌ إحْدَى فَرْدَتَيْنِ يُسْلِمُ الـ ... بَقِيَّةَ وَالْمَجْمُوعُ مِنْهُ يَحْضُرُ قُلْت: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَضْمَنُ إلَّا الْخُفَّ الَّتِي أَتْلَفَهَا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ هُوَ الْمُخْتَارُ وَأَقَرَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَذَكَرَ مَا يُفِيدُ أَنَّ السُّلْطَانَ لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَإِنَّهُ يَنْبَغِي الْقَوْلُ بِتَضْمِينِ الْقَاضِي أَيْضًا سِيَّمَا فِي اسْتِبْدَالِ وَقْفٍ وَمَالِ يَتِيمٍ فَلْيُحْفَظْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. كِتَابُ الشُّفْعَةِ مُنَاسَبَتُهُ تَمَلُّكُ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ (هِيَ) لُغَةً: الضَّمُّ وَشَرْعًا (تَمْلِيكُ الْبُقْعَةِ جَبْرًا عَلَى الْمُشْتَرِي   [رد المحتار] وَالْقِيمَةِ وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي الْقَوْلُ بِتَضْمِينِ الْقَاضِي أَيْضًا اهـ (قَوْلُهُ وَمُتْلِفُ إحْدَى فَرْدَتَيْنِ) الْمُرَادُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ لَا يَنْتَفِعُ صَاحِبُهُمَا الِانْتِفَاعَ الْمَقْصُودَ إلَّا بِهِمَا مَعًا كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ وَزَوْجَيْ خُفٍّ أَوْ مُكَعَّبٍ (قَوْلُهُ يُسَلِّمُ الْبَقِيَّةَ) أَلْ مِنْ الْبَقِيَّةِ تَتِمَّةٌ الشَّطْرِ الْأَوَّلِ: أَيْ يَدْفَعُ لِلْغَاصِبِ الْفَرْدَةَ الْبَقِيَّةَ أَيْ الْبَاقِيَةَ إنْ شَاءَ وَيُضَمِّنُهُ قِيمَةَ الْمَجْمُوعِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ الْبَاقِيَةَ وَيُضَمِّنُهُ الثِّنْتَيْنِ (قَوْلُهُ وَأَقَرَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِهِ عَلَى النَّظْمِ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ مَا يُفِيدُ أَنَّ السُّلْطَانَ إلَخْ) أَيْ الْوَاقِعُ فِي النَّظْمِ وَقَدَّمْنَا عِبَارَتَهُ آنِفًا. [خَاتِمَةٌ غَصَبَ السُّلْطَانُ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ مِنْ شِرْبٍ أَوْ دَارٍ وَقَالَ لَا أَغْصِبُ إلَّا نَصِيبَهُ] 1 [خَاتِمَةٌ] غَصَبَ السُّلْطَانُ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ مِنْ شِرْبٍ أَوْ دَارٍ وَقَالَ لَا أَغْصِبُ إلَّا نَصِيبَهُ فَهُوَ بَيْنَهُمْ جَمِيعًا فَصُولَيْنِ لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة الْمُخْتَارُ أَنَّ غَصْبَ الْمَشَاعِ يَتَحَقَّقُ تَشَبَّثَ رَجُلٌ بِالثَّوْبِ فَجَذَبَهُ صَاحِبُهُ فَانْخَرَقَ ضَمِنَ الرَّجُلُ نِصْفَ الثَّوْبِ. قَامَ فَانْشَقَّ ثَوْبُهُ مِنْ جُلُوسِ رَجُلٍ عَلَيْهِ ضَمِنَ الرَّجُلُ نِصْفَ الشِّقِّ، وَعَلَى هَذَا الْمُكَعَّبِ دَخَلَتْ دَابَّةٌ زَرْعَهُ فَأَخْرَجَهَا وَلَمْ يَسْقِهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ هُوَ الْمُخْتَارُ، وَإِنْ سَاقَهَا بَعْدَ مَا أَخْرَجَهَا يَضْمَنُ سَوَاءٌ سَاقَهَا إلَى مَكَان يَأْمَنُ فِيهِ مِنْهَا عَلَى زَرْعِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. مَاتَتْ دَابَّةٌ لِرَجُلٍ فِي دَارِ آخَرَ إنْ لِجِلْدِهَا قِيمَةٌ يُخْرِجُهَا الْمَالِكُ وَالْأَقْرَبُ الدَّارُ قَالَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: الْغَاصِبُ إذَا نَدِمَ وَلَمْ يَظْفَرْ بِالْمَالِكِ يُمْسِكُ الْمَغْصُوبَ إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ رَجَاؤُهُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ إنْ شَاءَ بِشَرْطِ أَنْ يَضْمَنَ إنْ لَمْ يَجُزْ صَدَقَتُهُ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَرْجِعَ ذَلِكَ إلَى الْأَمَانِ؛ لِأَنَّ لَهُ تَدْبِيرًا وَرَأْيًا فِي مَالِ الْغَيْبِ الْكُلُّ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى مَا عَلَّمَ. [كِتَابُ الشُّفْعَةِ] ِ (قَوْلُهُ مُنَاسَبَتُهُ إلَخْ) أَيْ مُنَاسَبَتُهُ لِلْغَصْبِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ تَقْدِيمِهِ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ بِخِلَافِهِ، وَهُوَ كَثْرَةُ وُقُوعِهِ وَأَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ فِي الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ، بِخِلَافِهَا لِمَا قَالَ فِي السَّعْدِيَّةِ إنَّ بَيَانَ وَجْهِ تَأْخِيرِهِ عَنْ الْمَأْذُونِ يُغْنِي عَنْهُ (قَوْلُهُ هِيَ لُغَةً الضَّمُّ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: مَأْخُوذَةٌ مِنْ الشَّفْعِ، وَهُوَ الضَّمُّ ضِدُّ الْوِتْرِ وَمِنْهُ شَفَاعَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُذْنِبِينَ لِأَنَّهُ يَضُمُّهُمْ بِهَا إلَى الْفَائِزِينَ يُقَالُ: شَفَعَ الرَّجُلُ شَفْعًا إذَا كَانَ فَرْدًا فَصَارَ ثَانِيًا، وَالشَّفِيعُ يَضُمُّ الْمَأْخُوذَ إلَى مِلْكِهِ فَلِذَلِكَ سُمِّيَ شُفْعَةً اهـ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: هِيَ لُغَةً فُعَّلَةٌ بِالضَّمِّ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ اسْمٌ لِلْمِلْكِ الْمَشْفُوعِ بِمِلْكٍ اهـ وَأَفَادَ فِي الْمُغْرِبِ اسْتِعْمَالَهَا فِي الْمَعْنَيَيْنِ وَأَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ مِنْ الشُّفْعَةِ فِعْلٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: الدَّارُ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا فَمِنْ اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا تَمْلِيكُ الْبُقْعَةِ) الْأَوْلَى مَا وَقَعَ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ تَمَلُّكُ، لِأَنَّهُ مِنْ أَوْصَافِ الشَّفِيعِ، وَهُوَ مَالِكٌ لَا مُمَلِّكٌ بَلْ الْأَوْلَى مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ حَقِّ التَّمَلُّكِ، إذْ لَوْلَا هَذَا الْمُضَافُ كَمَا قَالَ قَاضِي زَادَهْ فِي تَكْمِلَةِ الْفَتْحِ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ لِقَوْلِهِ وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ صِحَّةٌ، لِأَنَّ التَّمَلُّكَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا، وَأَيْضًا فَإِنَّ حُكْمَهَا جَوَازُ الطَّلَبِ وَحُكْمُ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ أَوْ يُقَارِنُهُ، فَلَوْ حَصَلَ التَّمَلُّكُ قَبْلَ الطَّلَبِ لَزِمَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، وَالْمُرَادُ الْبُقْعَةُ أَوْ بَعْضُهَا لِيَشْمَلَ مَا إذَا اشْتَرَاهَا أَحَدُ شُفَعَائِهَا كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ جَبْرًا عَلَى الْمُشْتَرِي) لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ رَضِيَ بِذَلِكَ، بَلْ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ رِضَاهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 216 بِمَا قَامَ عَلَيْهِ) بِمِثْلِهِ لَوْ مِثْلِيًّا وَإِلَّا فَبِقِيمَتِهِ (وَسَبَبُهَا اتِّصَالُ مِلْكِ الشَّفِيعِ بِالْمُشْتَرَى) بِشَرِكَةٍ أَوْ جِوَارٍ. (وَشَرْطُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمَحِلُّ عَقَارًا) سُفْلًا كَانَ أَوْ عُلُوًّا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَرِيقُهُ فِي السُّفْلِ، لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِالْعَقَارِ بِمَا لَهُ مِنْ حَقِّ الْقَرَارِ دُرَرٌ. قُلْت: وَأَمَّا مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْكَمَالِ فِي أَوَّلِ بَابِ مَا هِيَ فِيهِ مِنْ أَنَّ الْبِنَاءَ إذَا بِيعَ مَعَ حَقِّ الْقَرَارِ يَلْتَحِقُ بِالْعَقَارِ فَرَدَّهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَأَفْتَى بِعَدَمِهَا   [رد المحتار] كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقُهُسْتَانِيُّ أَبُو السُّعُودِ، وَأَفَادَ ابْنُ الْكَمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الِاخْتِيَارِ، لَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ عَدَمُ الِاخْتِيَارِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: عَلَى مُشْتَرِيهِ عَمَّا مَلَكَهُ بِلَا عِوَضٍ كَمَا بِالْهِبَةِ وَالْإِرْثِ وَالصَّدَقَةِ أَوْ بِعِوَضٍ غَيْرِ عَيْنٍ كَالْمَهْرِ. وَالْإِجَارَةِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ عَمْدٍ، وَدَخَلَ فِيهِ مَا وُهِبَ بِعِوَضٍ فَإِنَّهُ اشْتِرَاءٌ انْتِهَاءً قُهُسْتَانِيٌّ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ الْأَوْلَى تَرْكَهُ بَلْ زِيَادَةُ الْبَائِعِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ جَبْرًا عَلَيْهِ إذَا أَقَرَّ بِالْبَيْعِ، وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الشُّفْعَةُ: تَعْتَمِدُ زَوَالَ الْمِلْكِ عَنْ الْبَائِعِ لَا عَلَى ثُبُوتِهِ لِلْمُشْتَرِي وَلِذَا تَثْبُتُ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِمَا قَامَ عَلَيْهِ) يَعْنِي حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْخَمْرِ وَغَيْرِهِ طُورِيٌّ. وَالْمُرَادُ مَا لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْمُؤَنِ بِالشِّرَاءِ وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الْعَيْنِيِّ كَصَاحِبِ الدُّرَرِ مِنْ الْقُصُورِ حَيْثُ قَالَ بِمَا أَيْ بِالثَّمَنِ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ، فَلَوْ أَبْقَى الْمَتْنَ عَلَى عُمُومِهِ لَكَانَ أَوْلَى أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ وَسَبَبُهَا إلَخْ) قَالَ الطُّورِيُّ: وَسَبَبُهَا دَفْعُ الضَّرَرِ الَّذِي يَنْشَأُ مِنْ سُوءِ الْمُجَاوَرَةِ عَلَى الدَّوَامِ مِنْ حَيْثُ إيقَادُ النَّارِ وَإِعْلَاءُ الْجِدَارِ وَإِثَارَةُ الْغُبَارِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَبَبُ الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ سَبَبُ الْأَخْذِ تَأَمَّلْ لَا يُقَالُ مَا ذُكِرَ ضَرَرٌ مَوْهُومٌ، وَالْأَخْذُ مِنْ الْمُشْتَرِي ضَرَرٌ مُحَقَّقٌ بِهِ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ غَالِبٌ فَيُرْفَعُ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَإِلَّا فَرُبَّمَا لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ وَمَا أَحْسَنَ مَا قِيلَ: كَمْ مَعْشَرٍ سَلِمُوا لَمْ يُؤْذِهِمْ سَبُعُ ... وَمَا نَرَى أَحَدًا لَمْ يُؤْذِهِ بَشَرُ (قَوْلُهُ بِالْمُشْتَرَى) بِفَتْحِ الرَّاءِ (قَوْلُهُ بِشَرِكَةٍ أَوْ جِوَارٍ) مُتَعَلِّقٌ بِاتِّصَالٍ وَشَمِلَ الشَّرِكَةَ فِي الْبُقْعَةِ وَالشَّرِكَةَ فِي الْحُقُوقِ كَمَا يَأْتِي، وَشَمِلَ قَلِيلَ الشَّرِكَةِ وَكَثِيرَهَا كَالْجِوَارِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَتْقَانِيُّ ط (قَوْلُهُ وَشَرْطُهَا إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْعَقَارِ هُنَا غَيْرُ الْمَنْقُولِ، فَدَخَلَ الْكَرْمُ وَالرَّحَى وَالْبِئْرُ وَالْعُلْوُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَرِيقُهُ فِي السُّفْلِ، وَخَرَجَ الْبِنَاءُ وَالْأَشْجَارُ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِمَا إلَّا بِتَبَعِيَّةِ الْعَقَارِ وَإِنْ بِيعَ بِحَقِّ الْقَرَارِ دُرٌّ مُنْتَقًى، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَمْلُوكًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمَهُ وَيَأْتِي فَخَرَجَ الْوَقْفُ، وَكَذَا الْأَرَاضِي السُّلْطَانِيَّةُ لَا الْعُشْرِيَّةُ وَالْخَرَاجِيَّةُ، إذْ لَا يُنَافِي ذَلِكَ الْمِلْكَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قُبَيْلَ الْبَابِ الْآتِي، وَكَوْنُ الْعَقْدِ مُعَاوَضَةً، وَزَوَالُ مِلْكِ الْبَائِعِ عَنْ الْمَبِيعِ فَلَا شُفْعَةَ فِي بَيْعٍ بِخِيَارٍ، وَزَوَالُ حَقِّ الْبَائِعِ فَلَا شُفْعَةَ فِي شِرَاءٍ فَاسِدٍ، وَمِلْكُ الشَّفِيعِ لِمَا يَشْفَعُ بِهِ وَقْتَ الشِّرَاءِ، وَعَدَمُ الرِّضَا مِنْ الشَّفِيعِ بِالْبَيْعِ وَلَوْ دَلَالَةً كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَرِيقُهُ فِي السُّفْلِ) أَيْ طَرِيقُ الْعُلْوِ الْمَبِيعِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: فَإِنْ كَانَ طَرِيقُهُ فِي السُّفْلِ فَالشُّفْعَةُ بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ، وَإِنْ فِي السِّكَّةِ الْعُظْمَى فَبِسَبَبِ الْجِوَارِ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ صَاحِبُ الْعُلْوِ السُّفْلَ بِهَا حَتَّى انْهَدَمَ الْعُلْوُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بَطَلَتْ لِأَنَّ الْجِوَارَ بِالِاتِّصَالِ وَقَدْ زَالَ، كَمَا لَوْ بَاعَ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا قَبْلَ الْأَخْذِ. وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَجِبُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِسَبَبِ الْبِنَاءِ بَلْ بِالْقَرَارِ وَحَتَّى الْقَرَارُ بَاقٍ، وَإِنْ كَانَتْ ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ وَبَابُ كُلٍّ إلَى السِّكَّةِ فَبِيعَ الْأَوْسَطُ تَثْبُتُ لِلْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ وَإِنْ بِيعَ الْأَسْفَلُ أَوْ الْأَعْلَى فَالْأَوْسَطُ أَوْلَى اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ بِمَا لَهُ مِنْ حَقِّ الْقَرَارِ) لِأَنَّ حَقَّ التَّعَلِّي يَبْقَى عَلَى الدَّوَامِ وَهُوَ غَيْرُ مَنْقُولٍ فَتُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ كَالْعَقَارِ زَيْلَعِيٌّ، وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْمَارِّ (قَوْلُهُ إذَا بِيعَ مَعَ حَقِّ الْقَرَارِ) كَالْبِنَاءِ فِي الْأَرْضِ السُّلْطَانِيَّةِ أَوْ أَرْضِ الْوَقْفِ الْمُحْتَكَرَةِ (قَوْلُهُ فَرَدَّهُ شَيْخُنَا إلَخْ) اقْتَصَرَ فِي الرَّدِّ عَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 217 تَبَعًا لِلْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا فَلْيُحْفَظْ. (وَرُكْنُهَا أَخْذُ الشَّفِيعِ مِنْ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهَا وَشَرْطِهَا. (وَحُكْمُهَا جَوَازُ الطَّلَبِ عِنْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ)   [رد المحتار] الِاسْتِنَادِ إلَى النَّقْلِ، وَكَانَ يَنْبَغِي إبْدَاءُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْعُلْوِ لِلْإِيضَاحِ، وَلَعَلَّهُ أَنَّ الْبِنَاءَ فِيمَا ذُكِرَ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْبَقَاءِ عَلَى الدَّوَامِ بَلْ هُوَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ، لِمَا قَالُوا: إنَّ الْأَرْضَ الْمُحْتَكَرَةَ إذَا امْتَنَعَ الْمُحْتَكِرُ مِنْ دَفْعِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ يُؤْمَرُ بِرَفْعِ بِنَائِهِ وَتُؤْجَرُ لِغَيْرِهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي السُّلْطَانِيَّةِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ مَا عَيَّنَهُ السُّلْطَانُ، بِخِلَافِ حَقِّ التَّعَلِّي فَإِنَّهُ يَبْقَى عَلَى الدَّوَامِ كَمَا مَرَّ. وَبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ ح مِنْ أَنَّ تَعْلِيلَهُمْ إلْحَاقَ الْعُلْوِ بِالْعَقَارِ بِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْقَرَارِ يُؤَيِّدُ ابْنَ الْكَمَالِ اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ تَبَعًا لِلْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا) فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَا شُفْعَةَ فِي الْكِرْدَارِ: أَيْ الْبِنَاءِ وَيُسَمَّى بِخَوَارِزْمَ حَقَّ الْقَرَارِ لِأَنَّهُ نَقْلِيٌّ كَالْأَرَاضِيِ السُّلْطَانِيَّةِ الَّتِي حَازَهَا السُّلْطَانُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَيَدْفَعُهَا مُزَارَعَةً إلَى النَّاسِ بِالنِّصْفِ فَصَارَ لَهُمْ فِيهَا كِرْدَار كَالْبِنَاءِ وَالْأَشْجَارِ وَالْكَبْسِ بِالتُّرَابِ فَبَيْعُهَا بَاطِلٌ، وَبَيْعُ الْكِرْدَارِ إذَا كَانَ مَعْلُومًا يَجُوزُ لَكِنْ لَا شُفْعَةَ فِيهِ اهـ مُلَخَّصًا، وَنَحْوُهُ فِي النِّهَايَةِ وَالذَّخِيرَةِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ السِّرَاجِيَّةِ: رَجُلٌ لَهُ دَارٌ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ، وَلَوْ بَاعَ هُوَ عِمَارَتَهُ فَلَا شُفْعَةَ لِجَارِهِ اهـ. مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى الشُّفْعَةِ فِي الْبِنَاءِ نَحْوُ الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ هَذَا وَقَدْ انْتَصَرَ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ لِابْنِ الْكَمَالِ وَجَزَمَ بِخَطَإِ مَنْ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي الْبِنَاءِ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ كَالطُّورِيِّ إذْ لَا سَنَدَ لَهُ فِي فَتْوَاهُ؛ ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ الْمَلَكِيِّ لَوْ بِيعَ النَّخْلُ وَحْدَهُ أَوْ الْبِنَاءُ وَحْدَهُ فَلَا شُفْعَةَ لِأَنَّهُمَا لَا قَرَارَ لَهُمَا بِدُونِ الْعَرْصَةِ. قَالَ: فَتَعْلِيلُهُ كَالصَّرِيحِ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي الْبِنَاءِ فِي الْمُحْتَكَرَةِ لِمَا لَهُ مِنْ حَقِّ الْقَرَارِ اهـ. وَاسْتَدَلَّ قَبْلَ هَذَا أَيْضًا بِمَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ لَا لَهُ كَمَا تَعْرِفُهُ. وَأَمَّا مَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ بَيْعِ الْبِنَاءِ أَوْ النَّخْلِ وَحْدَهُ وَبَيْنَ بَيْعِهِ مَعَ مَحِلِّهِ الْقَائِمِ فِيهِ فَإِنَّهُ تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ لِوُجُودِ حَقِّ الْقَرَارِ عَلَى الدَّوَامِ، بِخِلَافِ بَيْعِ الْبِنَاءِ أَوْ الشَّجَرِ وَحْدَهُ وَلَوْ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ كَمَا عَلِمْته مِمَّا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ ابْنِ الْكَمَالِ بِحَقِّ الْقَرَارِ الْمَحِلُّ الْقَائِمُ فِيهِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ إذْ لَا سَنَدَ لَهُ فِي فَتْوَاهُ عَجِيبٌ بَعْدَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ النُّقُولِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَطْعًا مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ بَيْعَ أَرْضِ مَكَّةَ لَا يَجُوزُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبِنَاءِ فَلَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تَجِبُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّهُ بَاعَ الْمَمْلُوكَ اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُفَادَ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الشُّفْعَةَ فِيهَا إنَّمَا تَثْبُتُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ أَرْضَهَا مَمْلُوكَةٌ لَا أَنَّ مُجَرَّدَ الْبِنَاءِ فِيهَا يُوجِبُ الشُّفْعَةَ فَيَكُونُ حُكْمُهُ مُخَالِفًا لِحُكْمِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَبْنِيَةِ كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ ابْنِ وَهْبَانَ اهـ أَيْ فَإِنَّ عِبَارَتَهُ تُوهِمُ أَنَّ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ فِيهَا لِمُجَرَّدِ الْبِنَاءِ فَتَجِبُ، وَلَوْ قِيلَ إنَّ أَرْضَهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ فَيُخَالِفُ حُكْمَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَبْنِيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ ثُبُوتُهَا خَاصٌّ بِالْقَوْلِ بِمِلْكِيَّةِ أَرْضِهَا لِيَكُونَ الْبِنَاءُ تَابِعًا لِلْأَرْضِ فَلَا يَكُونُ مِنْ بَيْعِ الْمَنْقُولِ. وَالْعَجَبُ مِنْ أَبِي السُّعُودِ حَيْثُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْكَلَامِ وَجَعَلَهُ صَرِيحًا فِيمَا ادَّعَاهُ مَعَ أَنَّهُ صَرِيحٌ بِخِلَافِهِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَإِنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ أَرْضَهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ فَالْبِنَاءُ فِيهَا لَهُ حَقُّ الْقَرَارِ عَلَى الدَّوَامِ وَمَعَ هَذَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ فَكَيْفَ الْبِنَاءُ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ، لَا يُقَالُ: يَلْزَمُ مِنْ هَذَا عَدَمُ ثُبُوتِهَا فِي الْعُلْوِ لِأَنَّا نَقُولُ: الْبِنَاءُ مِنْ الْمَنْقُولِ بِخِلَافِ الْعُلْوِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 218 وَلَوْ بَعْدَ سِنِينَ (وَصِفَتُهَا أَنَّ الْأَخْذَ بِهَا بِمَنْزِلَةِ شِرَاءٍ مُبْتَدَإٍ) فَيَثْبُتُ بِهَا مَا يَثْبُتُ بِالشِّرَاءِ كَالرَّدِّ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ وَعَيْبٍ (تَجِبُ) لَهُ لَا عَلَيْهِ (بَعْدَ الْبَيْعِ) وَلَوْ فَاسِدًا انْقَطَعَ فِيهِ حَقُّ الْمَالِكِ كَمَا يَأْتِي، أَوْ بِخِيَارٍ لِلْمُشْتَرِي (وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ) فِي مَجْلِسِهِ أَيْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ فَلَا تَبْطُلُ بَعْدَهُ (وَيُمْلَكُ بِالْأَخْذِ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي) عَطْفٌ عَلَى الْأَخْذِ لِثُبُوتِ مِلْكِ الشَّفِيعِ بِمُجَرَّدِ الْحُكْمِ قَبْلَ الْأَخْذِ كَمَا حَرَّرَهُ مُنْلَا خُسْرو (بِقَدْرِ رُءُوسِ الشُّفَعَاءِ لَا الْمَلِكِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (لِلْخَلِيطِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَجِبُ (فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ. ثُمَّ) إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ سُلِّمَ   [رد المحتار] كَمَا مَرَّ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ فِيمَا يَأْتِي، فَاغْتَنِمْ هَذِهِ الْفَوَائِدَ الْفَرَائِدَ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْدَ سِنِينَ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ جَوَازُ الطَّلَبِ: أَيْ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهَا ط (قَوْلُهُ لَا عَلَيْهِ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ بِهَا، فَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ الثُّبُوتُ كَمَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ) لَمْ يَقُلْ بِالْبَيْعِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ فَاسِدًا انْقَطَعَ فِيهِ حَقُّ الْمَالِكِ) بِالْهِبَةِ أَوْ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ (قَوْلُهُ كَمَا يَأْتِي) أَوَّلَ الْبَابِ الثَّانِي (قَوْلُهُ أَوْ بِخِيَارٍ لِلْمُشْتَرِي) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ مَنْصُوبٍ عَلَى الْحَالِيَّةِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ فَاسِدًا الْمَقْرُونِ بِالْوَاوِ الْحَالِيَّةِ لَا عَلَى مَدْخُولِ لَوْ لِفَسَادِ الْمَعْنَى، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوَّلَهُمَا فَلَا شُفْعَةَ اتِّفَاقًا، لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ بَائِعِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي، وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَابِ الثَّانِي. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ قَاضِي خَانْ: لَا شُفْعَةَ فِي بَيْعِ الْوَفَاءِ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ لَا يَنْقَطِعُ رَأْسًا (قَوْلُهُ وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ) : أَيْ بِالطَّلَبِ الثَّانِي وَهُوَ طَلَبُ التَّقْرِيرِ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا أَشْهَدَ عَلَيْهَا لَا تَبْطُلُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالسُّكُوتِ إلَّا أَنْ يُسْقِطَهَا بِلِسَانِهِ أَوْ يَعْجِزَ عَنْ إيفَاءِ الثَّمَنِ فَيُبْطِلَ الْقَاضِي شُفْعَتَهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لِأَنَّهَا حَقُّ ضَعِيفٌ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ فَلَا بُدَّ مِنْ الطَّلَبِ وَالْإِشْهَادِ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ فِي مَجْلِسِهِ أَيْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ) هُوَ أَنْ يَطْلُبَ كَمَا سَمِعَ وَهَذَا هُوَ الطَّلَبُ الْأَوَّلُ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْآتِيَةِ، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجَوْهَرَةِ وَلِقَوْلِهِ فَلَا تَبْطُلُ بَعْدَهُ لِأَنَّ تَأْخِيرَ طَلَبِ التَّقْرِيرِ مُبْطِلٌ لَهَا أَيْضًا كَمَا يَأْتِي، وَهُوَ مُتَابِعٌ لِابْنِ الْكَمَالِ حَيْثُ قَالَ أَرَادَ بِالْإِشْهَادِ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ، لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ قَبْلَهُ مُتَزَلْزِلٌ بِحَيْثُ لَوْ أُخِّرَ تَبْطُلُ، وَإِذَا لَمْ يُؤَخَّرْ اسْتَقَرَّ أَيْ لَا تَبْطُلُ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ بِأَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالْإِشْهَادِ هُوَ الطَّلَبُ الثَّانِي إذَا كَانَ فِي مَجْلِسِ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَقُومُ مَقَامَ الطَّلَبَيْنِ، لَكِنْ يُبْعِدُهُ الضَّمِيرُ فِي مَجْلِسِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ رَجَعَ إلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لَزِمَ عَوْدُهُ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الْإِشْهَادِ، وَقَدْ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ أَيْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ، فَيُنَافِي حَمْلَهُ عَلَى الطَّلَبِ الثَّانِي. وَالْعِبَارَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ يُقَالَ: وَلَوْ فِي مَجْلِسِ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ بِزِيَادَةِ لَوْ وَإِسْقَاطِ الضَّمِيرِ وَأَدَاةِ التَّفْسِيرِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْإِشْهَادِ الطَّلَبَ الثَّانِي كَمَا قُلْنَا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ فَلَا تَبْطُلُ بَعْدَهُ) أَيْ بِتَأْخِيرِ الطَّلَبِ الثَّالِثِ، وَهُوَ طَلَبُ التَّمَلُّكِ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ إلَى شَهْرٍ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَيُمْلَكُ) بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ. قَالَ فِي الدُّرَرِ: أَيْ الْعَقَارُ وَمَا فِي حُكْمِهِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْمِنَحِ: وَاَلَّذِي رَأَيْنَاهُ فِي النُّسَخِ تُمْلَكُ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ، وَعَلَيْهِ فَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْبُقْعَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا (قَوْلُهُ بِالْأَخْذِ إلَخْ) لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي تَمَّ فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَّا بِأَحَدِهِمَا كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ، فَلَوْ مَاتَ أَوْ بَاعَ الْمُسْتَحَقَّ بِهَا أَوْ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا قَبْلَ الْأَخْذِ أَوْ الْحُكْمِ بَطَلَتْ، وَلَوْ أَكَلَ الْمُشْتَرِي ثَمَرًا حَدَثَ بَعْدَ قَبْضِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ عَطْفٌ عَلَى الْأَخْذِ) فَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْغُرَرِ لَسَلِمَ مِنْ الْإِيهَامِ ط (قَوْلُهُ كَمَا حَرَّرَهُ مُنْلَا خُسْرو) أَيْ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنْ الشُّرَّاحِ (قَوْلُهُ بِقَدْرِ رُءُوسِ الشُّفَعَاءِ) لِاسْتِوَائِهِمْ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكُلِّ لِوُجُودِ عِلَّتِهِ فَيَجِبُ الِاسْتِوَاءُ فِي الْحُكْمِ، وَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَحَدَهُمْ وَطَلَبَ مَعَهُمْ فَيُحْسَبُ وَاحِدًا مِنْهُمْ وَيُقْسَمُ الْمَبِيعُ بَيْنَهُمْ كَمَا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَشُرُوحِهَا، وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الثَّانِي (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ لَمْ يُوجَدْ خَلِيطٌ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ مُسْتَحِقٌّ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 219 (لَهُ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ) وَهُوَ الَّذِي قَاسَمَ وَبَقِيَتْ لَهُ شَرِكَةٌ فِي حَقِّ الْعَقَارِ (كَالشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ خَاصَّيْنِ) ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (كَشِرْبِ نَهْرٍ) صَغِيرٍ (لَا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ وَطَرِيقٍ لَا يَنْفُذُ) فَلَوْ عَامَّيْنِ لَا شُفْعَةَ بِهِمَا. بَيَانُهُ شِرْبُ نَهْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ قَوْمٍ تُسْقَى أَرَاضِيُهُمْ مِنْهُ بِيعَتْ أَرْضٌ مِنْهَا فَلِكُلِّ أَهْلِ الشِّرْبِ الشُّفْعَةُ، فَلَوْ النَّهْرُ   [رد المحتار] بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ أَصْلًا، أَوْ كَانَ غَائِبًا، أَوْ كَانَ حَاضِرًا وَسَقَطَتْ شُفْعَتُهُ بِمُسْقِطٍ غَيْرِ التَّسْلِيمِ (قَوْلُهُ لَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِتَجِبُ وَلَمْ يُعِدْهُ الشَّارِحُ لِظُهُورِهِ بَعْدَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِيمَا قَبْلَهُ، وَقَوْلُهُ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ مُتَعَلِّقٌ بِالضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ لِعَوْدِهِ عَلَى الْخَلِيطِ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ: وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ الْمُتَرْجَمِ أَيْ وَمَا الْحَدِيثُ عَنْهَا، وَالْأَوْلَى إظْهَارُهُ وَإِضْمَارُ مَا بَعْدَهُ بِأَنْ يَقُولَ ثُمَّ لِلْخَلِيطِ فِي حَقِّهِ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: مَنْ قَالَ ثُمَّ لَهُ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ أَضْمَرَ فِيمَا حَقُّهُ الْإِظْهَارُ وَأَظْهَرَ فِيمَا يَكْفِي فِيهِ الْإِضْمَارُ (قَوْلُهُ وَهُوَ الَّذِي قَاسَمَ إلَخْ) كَذَا فِي الْعَيْنِيِّ: قَالَ الْمَرْحُومُ الشَّيْخُ شَاهِينُ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْخَلِيطَ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ أَعَمُّ مِمَّنْ قَاسَمَ أَوَّلًا بِأَنْ كَانَ خَلِيطًا فِي حَقِّ الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِ قِسْمَةٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ غَيْرُ احْتِرَازِيٍّ، فَالْمَتْنُ عَلَى إطْلَاقِهِ اهـ. وَأَقُولُ: بَلْ هُوَ احْتِرَازِيٌّ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ يَسْتَحِقُّهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ شَرِيكًا فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ لَا فِي حَقِّهِ، إذْ الشَّرِيكُ فِي الْمَبِيعِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْخَلِيطِ فِي حَقِّهِ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ كَالشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ إلَخْ) الشِّرْبُ بِكَسْرِ الشِّينِ: النَّصِيبُ مِنْ الْمَاءِ، وَعَطَفَ الْقُهُسْتَانِيُّ الطَّرِيقَ بِثُمَّ وَقَالَ: فَلَوْ بِيعَ عَقَارٌ بِلَا شِرْبٍ وَطَرِيقٍ وَقْتَ الْبَيْعِ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ حُقُوقِهِ وَلَوْ شَارَكَهُ أَحَدٌ فِي الشِّرْبِ وَآخَرُ فِي الطَّرِيقِ فَصَاحِبُ الشِّرْبِ أَوْلَى. قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَنَقَلَ الْبُرْجَنْدِيُّ أَنَّ الطَّرِيقَ أَقْوَى مِنْ الْمَسِيلِ فَرَاجِعْهُ اهـ (قَوْلُهُ لَا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ) قِيلَ أَرَادَ بِهِ أَصْغَرَ السُّفُنِ، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ الشُّرَكَاءَ عَلَى النَّهْرِ إنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ فَصَغِيرٌ وَإِلَّا فَكَبِيرٌ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقِيلَ مَا لَا يُحْصَى خَمْسُمِائَةٍ، وَقِيلَ أَرْبَعُونَ، وَقِيلَ الْأَصَحُّ تَفْوِيضُهُ إلَى رَأْيِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ فِي زَمَانِهِ اهـ كِفَايَةٌ مُلَخَّصًا. قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ. وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الْمُحِيطِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَفِيهِ عَنْ النُّتَفِ: فَلَوْ بَاعَ حِصَّتَهُ بِشِرْبِهَا فَالشُّفْعَةُ لِلْخَلِيطِ ثُمَّ لِأَهْلِ الْجَدْوَلِ ثُمَّ لِأَهْلِ السَّاقِيَّةِ ثُمَّ لِأَهْلِ النَّهْرِ الْعَظِيمِ اهـ. أَقُولُ: أَصْلُ مِيَاهِ دِمَشْقَ مِنْ بَرَدَى، وَيَتَشَعَّبُ مِنْهُ أَنْهَارٌ كَقَنَوَاتِ بَانْيَاسَ وَتُورَا، وَيَتَشَعَّبُ مِنْهَا لِشِرْبِ الْبُيُوتِ طَوَالِعُ، وَكُلُّ طَالِعٍ قَدْ يَتَشَعَّبُ مِنْهُ طَوَالِعُ وَهَكَذَا، وَمُقْتَضَى مَا فِي النُّتَفِ أَنْ يُعْتَبَرَ أَخَصُّ طَالِعٍ ثُمَّ مَا فَوْقَهُ وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى النَّهْرِ الْعَظِيمِ وَهُوَ بَرَدَى الَّذِي يَسْقِي دِمَشْقَ وَقُرَاهَا، وَمَسَافَةُ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَانِ سَاعَاتٍ فَلَكِيَّةٍ وَعَلَيْهِ فَلَوْ بِيعَتْ أَرْضٌ شِرْبُهَا مِنْ أَصْلٍ بَرَدَى وَلَا شَرِكَةَ فِيهَا نَفْسِهَا فَلِجَمِيعِ أَهْلِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ حَقُّ أَخْذِهَا بِالشُّفْعَةِ وَفِيهِ تَوْسِيعٌ لِلدَّائِرَةِ جِدًّا، فَلَا جَرَمَ كَانَ الْأَصَحُّ الْأَشْبَهُ تَفْوِيضَهُ لِرَأْيِ الْمُجْتَهِدِ فِي كُلِّ زَمَانٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُجْتَهِدِ الْحَاكِمُ ذُو الرَّأْيِ الْمُصِيبِ لِلْعِلْمِ بِانْقِطَاعِ الْمُجْتَهِدِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ، نَعَمْ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا عَنْ الْهِدَايَةِ لَا يَلْزَمُ الْمَحْذُورُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَطَرِيقٍ لَا يَنْفُذُ) فَكُلُّ أَهْلِهَا شُفَعَاءُ وَلَوْ مُقَابَلًا، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ النَّفَاذِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَمْنَعُ أَهْلُهُ مِنْ أَنْ يَسْتَطْرِقَهُ غَيْرُهُمْ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى، فَلَوْ فِيهِ مَسْجِدٌ فَنَافِذٌ حُكْمًا إذَا كَانَ مَسْجِدَ خُطَّةٍ لَا مُحْدَثًا وَتَمَامُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ سِكَّةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ يَتَشَعَّبُ مِنْهَا أُخْرَى غَيْرُ نَافِذَةٍ مُسْتَطِيلَةٌ لَا شُفْعَةَ لِأَهْلِ الْأُولَى فِي دَارٍ مِنْ هَذِهِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ، وَلَوْ كَانَ نَهْرٌ صَغِيرٌ يَأْخُذُ مِنْهُ نَهْرٌ أَصْغَرُ مِنْهُ فَهُوَ عَلَى قِيَاسِ الطَّرِيقِ فَلَا شُفْعَةَ لِأَهْلِ النَّهْرِ الصَّغِيرِ فِي أَرْضٍ مُتَّصِلَةٍ بِالْأَصْغَرِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا، وَخَرَجَ بِالْمُسْتَطِيلَةِ الْمُسْتَدِيرَةُ وَمَرَّ بَيَانُ ذَلِكَ وَتَوْجِيهُهُ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ شِرْبُ نَهْرٍ) أَيْ صَغِيرٍ (قَوْلُهُ فَلِكُلِّ أَهْلِ الشِّرْبِ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ الْخَاصِّ وَمِثْلُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 220 عَامًّا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَالشُّفْعَةُ لِلْجَارِ الْمُلَاصِقِ فَقَطْ (ثُمَّ لِجَارٍ مُلَاصِقٍ) وَلَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مَأْذُونًا أَوْ مُكَاتَبًا (بَابُهُ فِي سِكَّةٍ أُخْرَى) وَظَهْرُ دَارِهِ لِظَهْرِهَا، فَلَوْ بَابُهُ فِي تِلْكَ السِّكَّةِ فَهُوَ خَلِيطٌ كَمَا مَرَّ (وَوَاضِعُ جِذْعٍ عَلَى حَائِطٍ وَشَرِيكٌ فِي خَشَبَةٍ عَلَيْهِ جَارٌ) وَلَوْ فِي نَفْسِ الْجِدَارِ فَشَرِيكٌ مُلْتَقًى. قُلْت: لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَوْ كَانَ بَعْضُ الْجِيرَانِ شَرِيكًا فِي الْجِدَارِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْجِيرَانِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْبِنَاءِ لِمُجَرَّدٍ دُونَ الْأَرْضِ لَا يَسْتَحِقُّ بِهَا الشُّفْعَةَ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: وَكَذَا لِلْجَارِ الْمُقَابِلِ فِي السِّكَّةِ الْغَيْرِ النَّافِذَةِ الشُّفْعَةُ بِخِلَافِ النَّافِذَةِ. (أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ) مِنْ الشُّفْعَةِ (بَعْدَ الْقَضَاءِ) فَلَوْ قَبْلَهُ فَلِمَنْ بَقِيَ أَخْذُ الْكُلِّ   [رد المحتار] الطَّرِيقُ الْخَاصُّ، فَكُلُّ أَهْلِهِ شُفَعَاءُ وَلَوْ مُقَابَلًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، فَاَلَّذِي فِي أَوَّلِهِ كَاَلَّذِي فِي آخِرِهِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ لِجَارٍ مُلَاصِقٍ) وَلَوْ مُتَعَدِّدًا، وَالْمُلَاصِقُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَلَوْ بِشِبْرٍ كَالْمُلَاصِقِ مِنْ ثَلَاثَةِ جَوَانِبَ فَهُمَا سَوَاءٌ أَتْقَانِيٌّ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: الْمُلَاصِقُ الْمُتَّصِلُ بِالْبَيْعِ وَلَوْ حُكْمًا كَمَا إذَا بِيعَ بَيْتٌ مِنْ دَارٍ فَإِنَّ الْمُلَاصِقَ لَهُ وَلِأَقْصَى الدَّارِ فِي الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ اهـ (قَوْلُهُ بَابُهُ فِي سِكَّةٍ أُخْرَى) نَافِذَةٍ أَوْ لَا دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَظَهْرُ دَارِهِ لِظَهْرِهَا) أَيْ لِظَهْرِ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى ظَهْرِهَا، وَهَذَا الْقَيْدُ غَيْرُ لَازِمٍ، وَمَا ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمُحَاذِي مَعْنَاهُ وَلَوْ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ نَافِذٌ، لِمَا فِي الْجَوْهَرَةِ: ثُمَّ الْجَارُ هُوَ الْمُلَاصِقُ الَّذِي إلَى ظَهْرِ الْمَشْفُوعَةِ وَبَابُهُ مِنْ سِكَّةٍ أُخْرَى دُونَ الْمُحَاذِي وَبَيْنَهُمَا طَرِيقٌ نَافِذٌ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ وَإِنْ قَرُبَتْ الْأَبْوَابُ، لِأَنَّ الطَّرِيقَ الْفَارِقَةَ تُزِيلُ الضَّرَرَ اهـ أَبُو السُّعُودِ مُلَخَّصًا أَقُولُ: إذْ لَوْ كَانَ مُحَاذِيًا وَالطَّرِيقُ غَيْرُ نَافِذٍ فَهُوَ خَلِيطٌ لَا جَارٌ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي (قَوْلُهُ فَلَوْ بَابُهُ فِي تِلْكَ السِّكَّةِ) أَيْ وَهِيَ غَيْرُ نَافِذَةٍ كَمَا سَبَقَ ط (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) مِنْ قَوْلِهِ وَطَرِيقٍ لَا يَنْفُذُ. [تَنْبِيهٌ] بَيْنَهُمَا مَنْزِلٌ فِي دَارٍ لِقَوْمٍ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْهُ فَشَرِيكُهُ فِيهِ أَحَقُّ، ثُمَّ الشُّرَكَاءُ فِي الدَّارِ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ ثُمَّ فِي السِّكَّةِ ثُمَّ لِلْجَارِ الْمُلَاصِقِ نِهَايَةٌ وَغَيْرُهَا. قَالَ أَبُو السُّعُودِ: لِأَنَّهَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ الدَّائِمِ، فَكُلَّمَا كَانَ أَخَصَّ اتِّصَالًا كَانَ أَخَصَّ الضَّرَرِ فَكَانَ أَحَقَّ بِهَا إلَّا إذَا سُلِّمَ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ سَلَّمَ الشَّرِيكُ الشُّفْعَةَ فَإِنَّمَا تَثْبُتُ لِلْجَارِ إنْ طَلَبَهَا حِينَ سَمِعَ الْبَيْعَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ فِي الْحَالِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَطْلُبْ حَتَّى سَلَّمَ الشَّرِيكُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ شَرْحُ الْمَجْمَعِ، وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَوَاضِعُ جِذْعٍ عَلَى حَائِطٍ) أَيْ حَائِطٍ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ وَإِلَّا فَهُوَ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي نَفْسِ الْجِدَارِ فَشَرِيكٌ) أَيْ وَلَوْ كَانَ شَرِيكًا فِي نَفْسِ الْجِدَارِ فَهُوَ شَرِيكٌ فِي الْمَبِيعِ: أَيْ فِي بَعْضِهِ (قَوْلُهُ قُلْت لَكِنْ إلَخْ) وَفَّقَ الشَّارِحُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى بِحَمْلِ مَا فِي الْمُلْتَقَى عَلَى مَا إذَا كَانَ الْبِنَاءُ وَالْمَكَانُ الَّذِي عَلَيْهِ الْبِنَاءُ مُشْتَرَكًا اهـ ح. أَقُولُ: وَهُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمُغْنِي حَيْثُ قَالَ: الْجَارُ الْمُؤَجِّرُ عَنْ الشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ أَنْ لَا يَكُونَ شَرِيكًا فِي أَرْضِ الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ، أَمَّا إذَا كَانَ شَرِيكًا فَيُقَدَّمُ إلَخْ (قَوْلُهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِهَا الشُّفْعَةَ) أَيْ شُفْعَةَ الشَّرِيكِ لَا مُطْلَقًا لِأَنَّهُ جَارٌ مُلَاصِقٌ، أَوْ الْمَعْنَى لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ وَحْدَهُ دُونَ بَقِيَّةِ الْجِيرَانِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَذَا لِلْجَارِ الْمُقَابِلِ إلَخْ) دَفَعَ بِهِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ وَظَهْرُ دَارِهِ لِظَهْرِهَا أَنَّهُ قَيْدٌ ط. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا مُلَاصَقَةَ هُنَا. وَأَيْضًا فَإِنَّ مَا مَرَّ فِيمَا إذَا كَانَ بَابُهُ فِي سِكَّةٍ أُخْرَى وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ السِّكَّةُ وَاحِدَةٌ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلِذَا وَجَّهَهُ أَبُو السُّعُودِ بِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا فِيهِ لِلشَّرِكَةِ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ فَلَا تُعْتَبَرُ الْمُلَاصَقَةُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَعْمِيمٌ لِقَوْلِهِ وَطَرِيقٍ لَا يَنْفُذُ أَفَادَ بِهِ أَنَّهُ يَشْمَلُ الْمُقَابِلَ وَبِهَذِهِ الْإِفَادَةِ لَا يُقَالُ إنَّهُ مُكَرَّرٌ فَافْهَمْ، نَعَمْ كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ النَّافِذَةِ) قَدَّمْنَا وَجْهَهُ عَنْ الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ إلَخْ) قَدْ مَرَّ أَنَّ الشَّفِيعَ يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ بِمُجَرَّدِ الْحُكْمِ قَبْلَ الْأَخْذِ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْبَابِ الْآتِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَرْكُهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، فَإِنْ حُمِلَ الْإِسْقَاطُ هُنَا عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي فَلِمَ لَا يَكُونُ لِمَنْ بَقِيَ أَخْذُهَا بِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 221 لِزَوَالِ الْمُزَاحَمَةِ (لَيْسَ لِمَنْ بَقِيَ أَخْذُ نَصِيبِ التَّارِكِ) لِأَنَّهُ بِالْقَضَاءِ قَطَعَ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ زَيْلَعِيٌّ (وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ غَائِبًا يُقْضَى بِالشُّفْعَةِ بَيْنَ الْحَاضِرِينَ فِي الْجَمِيعِ) لِاحْتِمَالِ عَدَمِ طَلَبِهِ فَلَا يُؤَخَّرُ بِالشَّكِّ (وَكَذَا لَوْ كَانَ الشَّرِيكُ غَائِبًا فَطَلَبَ الْحَاضِرُ يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ) كُلِّهَا (ثُمَّ إذَا حَضَرَ وَطَلَبَ قُضِيَ لَهُ بِهَا) فَلَوْ مِثْلَ الْأَوَّلِ قُضِيَ لَهُ بِنِصْفِهِ، وَلَوْ فَوْقَهُ فَبِكُلِّهِ، وَلَوْ دُونَهُ مَنَعَهُ خُلَاصَةٌ. (أَسْقَطَ) الشَّفِيعُ قَبْلَ (الشُّفْعَةِ الشِّرَاءَ لَمْ يَصِحَّ) لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ. (أَرَادَ الشَّفِيعُ أَخْذَ الْبَعْضِ وَتَرْكَ الْبَاقِي لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ جَبْرًا عَلَى الْمُشْتَرِي) لِضَرَرِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (وَلَوْ جَعَلَ بَعْضُ الشُّفَعَاءِ نَصِيبَهُ لِبَعْضٍ لَمْ يَصِحَّ وَسَقَطَ حَقُّهُ بِهِ) لَا إعْرَاضُهُ وَيُقَسَّمُ بَيْنَ الْبَقِيَّةِ، بَلْ لَوْ طَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ النِّصْفَ بِنَاءً أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ فَقَطْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ إذْ شَرْطُ صِحَّتِهَا أَنْ يَطْلُبَ الْكُلَّ كَمَا بَسَطَهُ الزَّيْلَعِيُّ فَلْيُحْفَظْ. (وَصَحَّ بَيْعُ دُورِ مَكَّةَ فَتَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيهَا) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى أَشْبَاهٌ. قُلْت: وَمُفَادُهُ صِحَّةُ إجَارَتِهَا بِالْأَوْلَى، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فَلْيُحْفَظْ، لَكِنَّهُ يُكْرَهُ وَسَنُحَقِّقُهُ فِي الْحَظْرِ وَفِيهَا   [رد المحتار] ثُمَّ رَأَيْت ط نَقَلَ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْمَكِّيِّ أَنَّ عَدَمَ أَخْذِ الْبَاقِينَ نَصِيبَ التَّارِكِ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّرْكِ لِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ بِالْقَضَاءِ لَا لِانْقِطَاعِ حَقِّهِمْ بِهِ مَعَ صِحَّةِ التَّرْكِ مِنْهُ اهـ وَبِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ (قَوْلُهُ لِزَوَالِ الْمُزَاحَمَةِ) أَيْ مُزَاحَمَةِ الْمُشَارِكِ لَهُمْ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَزَوَالُهَا بِتَرْكِهِ قَبْلَ تَقَرُّرِ مِلْكِهِ وَفِي النِّهَايَةِ إذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَهَا كُلَّهَا أَوْ يَدَعَهَا لِأَنَّ مُزَاحَمَةَ مَنْ سَلَّمَ قَدْ زَالَتْ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ (قَوْلُهُ فِي الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ الْمَبِيعِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ الشَّرِيكُ غَائِبًا إلَخْ) يُغْنِي عَنْهُ مَا قَبْلَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ثُمَّ إذَا حَضَرَ وَطَلَبَ) أَيْ الْغَائِبُ فِي الصُّورَتَيْنِ (قَوْلُهُ قُضِيَ لَهُ بِهَا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَإِنْ قُضِيَ لِحَاضِرٍ بِالْجَمِيعِ ثُمَّ حَضَرَ آخَرُ يُقْضَى لَهُ بِالنِّصْفِ، وَلَوْ حَضَرَ ثَالِثٌ فَبِثُلُثٍ مَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ (قَوْلُهُ فَلَوْ مِثْلَ الْأَوَّلِ) أَيْ لَوْ كَانَ الَّذِي حَضَرَ مِثْلَ الْأَوَّلِ كَشَرِيكَيْنِ أَوْ جَارَيْنِ (قَوْلُهُ وَلَوْ فَوْقَهُ) كَأَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ جَارًا وَالثَّانِي شَرِيكًا فَيُقْضَى لَهُ بِالْكُلِّ وَيَبْطُلُ شُفْعَةُ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَلَوْ دُونَهُ) كَعَكْسِ مَا قُلْنَا (قَوْلُهُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ) أَيْ وَإِنْ وُجِدَ السَّبَبُ وَهُوَ اتِّصَالُ مِلْكِ الشَّفِيعِ بِالْمُشْرَى لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ سَبَبًا إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ مِنَحٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ شُفْعَتَهُ لَمْ تَبْطُلْ بِذَلِكَ وَفِي الْمَجْمَعِ وَلَا يَجْعَلُ يَعْنِي أَبَا يُوسُفَ قَوْلَهُ أَخَذَ نِصْفَهَا تَسْلِيمًا، وَخَالَفَهُ مُحَمَّدٌ. قَالَ شَارِحُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ الْأَصَحُّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ وَشَرْحِهِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ لِلْمُشْتَرِي: سَلِّمْ لِي نِصْفَهَا فَأَبَى الْمُشْتَرِي لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ طَلَبَ تَسْلِيمِ النِّصْفِ لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا اهـ يَعْنِي إسْقَاطًا لِلْبَاقِي (قَوْلُهُ وَلَوْ جُعِلَ إلَخْ) أَيْ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ (قَوْلُهُ بِنَاءً أَنَّهُ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ (قَوْلُهُ إذْ شَرْطُ صِحَّتِهَا أَنْ يَطْلُبَ الْكُلَّ) لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْكُلَّ وَالْقِسْمَةَ لِلْمُزَاحَمَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَا حَاضِرَيْنِ فَطَلَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا النِّصْفَ بَطَلَتْ، وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْكُلَّ وَالْآخَرُ النِّصْفَ بَطَلَ حَقُّ مَنْ طَلَبَ النِّصْفَ، وَلِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ أَوْ يَتْرُكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ زَيْلَعِيٌّ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّلَبِ هُنَا طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ وَالْإِشْهَادِ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْمَجْمَعِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا طَلَبَ أَخْذَ النِّصْفِ بَعْدَهُمَا فَلَا مُنَافَاةَ فَتَأَمَّلْ، وَسَيَأْتِي بُعَيْدَ الْحِيَلِ مَا يُؤَيِّدُهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَتَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيهَا) أَفَادَ أَنَّ وُجُوبَهَا فَرْعٌ عَنْ جَوَازِ بَيْعِ أَرْضِهَا عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الْبِنَاءِ لَا يُوجِبُ الشُّفْعَةَ، وَقَدَّمْنَا بَيَانَهُ (قَوْلُهُ وَسَنُحَقِّقُهُ فِي الْحَظْرِ) نَقَلَ فِيهِ عَنْ إجَارَةِ الْوَهْبَانِيَّةِ والتتارخانية. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَكْرَهُ إجَارَةَ بُيُوتِ مَكَّةَ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ، وَكَانَ يُفْتِي لَهُمْ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَيْهِمْ فِي بُيُوتِهِمْ، - {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: 25]- وَرَخَّصَ فِيهَا فِي غَيْرِ الْمَوْسِمِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 222 (وَيَصِحُّ الطَّلَبُ مِنْ وَكِيلِ الشِّرَاءِ إنْ لَمْ يُسَلِّمْ إلَى مُوَكِّلِهِ، وَإِنْ سَلَّمَ لَا) وَبَطَلَتْ هُوَ الْمُخْتَارُ. (وَلَا شُفْعَةَ فِي الْوَقْفِ) وَلَا لَهُ نَوَازِلُ (وَلَا بِجِوَارِهِ) شَرْحُ مَجْمَعٍ وَخَانِيَّةٌ خِلَافًا لِلْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ، وَلَعَلَّ لَا سَاقِطَةٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: قُلْت وَحَمَلَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ الْأَوَّلَ عَلَى الْأَخْذِ بِهِ، وَالثَّانِيَ عَلَى أَخْذِهِ بِنَفْسِهِ إذَا بِيعَ. فَفِي الْفَيْضِ: حَقُّ الشُّفْعَةِ يَنْبَنِي عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ اهـ، فَمُفَادُهُ أَنَّ مَا لَا يُمْلَكُ مِنْ الْوَقْفِ بِحَالٍ لَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَمَا يُمْلَكُ بِحَالٍ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ وَأَمَّا إذَا بِيعَ بِجِوَارِهِ أَوْ كَانَ بَعْضُ الْمَبِيعِ مِلْكًا وَبَعْضُهُ وَقْفًا وَبِيعَ الْمِلْكُ فَلَا شُفْعَةَ لِلْوَقْفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [رد المحتار] قُلْت: وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ وَالتَّوْفِيقُ: أَيْ الْفَرْقُ بَيْنَ أَيَّامِ الْمَوْسِمِ وَغَيْرِهَا وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ مَنْ عَبَّرَ بِكَرَاهَةِ الْإِجَارَةِ وَبَيْنَ مَنْ نَفَاهَا ط (قَوْلُهُ وَيَصِحُّ الطَّلَبُ إلَخْ) قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ الدَّارِ إذَا اشْتَرَى وَقَبَضَ فَطَلَبَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ مِنْهُ إنْ لَمْ يُسَلِّمْ الْوَكِيلُ الدَّارَ إلَى الْمُوَكِّلِ صَحَّ، وَإِنْ سَلَّمَ لَا يَصِحُّ الطَّلَبُ وَتَبْطُلُ شُفْعَتُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْقُنْيَةِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْبُطْلَانِ أَنَّ الْوَكِيلَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ لَمْ يَبْقَ خَصْمًا وَإِنَّمَا الْخَصْمُ هُوَ الْمُوَكِّلُ فَصَارَ مُؤَخِّرًا لِلطَّلَبِ بِطَلَبِهِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّلَبِ مِنْ الْخَصْمِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا شُفْعَةَ فِي الْوَقْفِ) أَيْ إذَا بِيعَ. قَالَ فِي التَّجْرِيدِ: مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ الْعَقَارِ كَالْأَوْقَافِ لَا شُفْعَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ يَرَى جَوَازَ بَيْعِ الْوَقْفِ، ثُمَّ قَالَ: لَا شُفْعَةَ فِي الْوَقْفِ وَلَا بِجِوَارِهِ اهـ نَقَلَهُ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ وَلَا لَهُ) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَهُ وَلَا بِجِوَارِهِ، وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْجِوَارِ لِشُمُولِهِ مَا إذَا كَانَ خَلِيطًا مَعَ الْمِلْكِ الْمَبِيعِ كَمَا صَوَّرَ بِهِ الشَّارِحُ فِيمَا يَأْتِي فَلَيْسَ تَكْرَارًا مَحْضًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ شَرْحُ مَجْمَعٍ) عِبَارَتُهُ مَا فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ وَخَانِيَّةٌ) عِبَارَتُهَا كَمَا فِي الْمِنَحِ: وَلَا شُفْعَةَ فِي الْوَقْفِ لَا لِلْقَيِّمِ وَلَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ) حَيْثُ قَالَا: وَكَذَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ بِجِوَارِ دَارِ الْوَقْفِ اهـ. أَقُولُ: وَفِي نُسْخَتَيْ الْبَزَّازِيَّةِ لَا تَثْبُتُ، نَعَمْ رَأَيْت فِي نُسْخَتَيْ الْخُلَاصَةِ كَمَا قَالَ (قَوْلُهُ وَلَعَلَّ لَا سَاقِطَةٌ) يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي كُلٍّ مِنْ الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ قَبْلَهُ بِأَقَلَّ مِنْ سَطْرٍ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ الْعَقَارِ لَا شُفْعَةَ فِيهِ إلَخْ فَالتَّشْبِيهُ. يَقْتَضِيهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَحَمَلَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ) أَيْ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوَقْفَ مِنْهُ مَا لَا يُمْلَكُ بِحَالٍ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهِ، وَلَا لَهُ: أَيْ لَا لِقِيَمِهِ وَلَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمَالِكِ. وَمِنْهُ مَا قَدْ يُمْلَكُ، كَمَا إذَا كَانَ غَيْرَ مَحْكُومٍ بِهِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِعَدَمِ الْمَالِكِ بَلْ فِيهِ الشُّفْعَةُ إذَا بِيعَ لِجَوَازِ الْبَيْعِ. فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا فِي النَّوَازِلِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ مِنْ عَدَمِ الشُّفْعَةِ فِيهِ أَوَّلَهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَا يُمْلَكُ بِحَالٍ. وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ مِنْ ثُبُوتِهَا بِجِوَارِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ قَدْ يُمْلَكُ، وَالْمُرَادُ مِنْ ثُبُوتِهَا بِجِوَارِهِ ثُبُوتُهَا فِيهِ إذَا بِيعَ نَفْسُهُ بِسَبَبِ جِوَارِهِ. وَأَمَّا التَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهِ وَبَيْنَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ مِنْ ثُبُوتِهَا بِجِوَارِهِ، فَهُوَ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْأَخْذِ بِهِ: أَيْ أَخْذِ دَارٍ بِيعَتْ فِي جِوَارِهِ، وَالثَّانِي عَلَى أَخْذِهِ نَفْسِهِ إذَا كَانَ مِمَّا قَدْ يُمْلَكُ، هَكَذَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ شَيْخِهِ فِي الْحَاشِيَةِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى التَّوْفِيقِ الثَّانِي فَقَطْ، إذْ مَا فِي النَّوَازِلِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْأَخْذِ بِهِ فَقَطْ كَمَا لَا يَخْفَى، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ (قَوْلُهُ الْأَوَّلَ) هُوَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ فَقَطْ لِمَا عَلِمْته، فَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ عِبَارَتُهَا (قَوْلُهُ وَالثَّانِيَ) هُوَ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا بِيعَ بِجِوَارِهِ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ وَالْجِوَارُ بِمَعْنَى الْمُجَاوِرِ نَائِبُ فَاعِلٍ، أَوْ الْبَاءُ بِمَعْنَى فِي الظَّرْفِيَّةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٍ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ بِيعَ عَقَارٌ كَائِنٌ فِي جِوَارِهِ تَأَمَّلْ، وَقَدْ تَبِعَ شَيْخَهُ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ بَعْضُ الْمَبِيعِ مِلْكًا إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ لَا بِجِوَارٍ وَلَا بِشَرِكَةٍ فَهُوَ صَرِيحٌ بِالْقِسْمَيْنِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِنَقْلِ عِبَارَةِ النَّوَازِلِ، وَنَبَّهْنَا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَلَا شُفْعَةَ لِلْوَقْفِ) إذْ لَا مَالِكَ لَهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 223 بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ (وَيَطْلُبُهَا الشَّفِيعُ فِي مَجْلِسٍ عَلِمَهُ) مِنْ مُشْتَرٍ أَوْ رَسُولِهِ أَوْ عَدْلٍ أَوْ عَدَدٍ (بِالْبَيْعِ) وَإِنْ امْتَدَّ الْمَجْلِسُ كَالْمُخَيَّرَةِ هُوَ الْأَصَحُّ دُرَرٌ وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ، خِلَافًا لِمَا فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى   [رد المحتار] مَطْلَبٌ مُهِمٌّ كَوْنُ الْأَرْضِ عُشْرِيَّةً أَوْ خَرَاجِيَّةً لَا يُنَافِي الْمِلْكِيَّةَ فَتَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ مَا لَمْ تَكُنْ سُلْطَانِيَّةً. [تَتِمَّةٌ] قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي الْأَرَاضِيِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَذَكَرَ فِي الْخَيْرِيَّةِ أَنَّ كَوْنَ الْأَرْضِ عُشْرِيَّةً أَوْ خَرَاجِيَّةً لَا يُنَافِي الْمِلْكَ، فَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ: أَرْضُ الْخَرَاجِ أَوْ الْعُشْرِ مَمْلُوكَةٌ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَإِيقَافُهَا وَتُورَثُ، فَتَثْبُتُ فِيهَا الشُّفْعَةُ بِخِلَافِ السُّلْطَانِيَّةِ الَّتِي تَدْفَعُ مُزَارَعَةً لَا تُبَاعُ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا، فَلَوْ ادَّعَى وَاضِعُ الْيَدِ أَنَّ الْأَرْضَ مِلْكُهُ وَأَنَّهُ يُؤَدِّي خَرَاجَهَا فَالْقَوْلُ لَهُ وَعَلَى مَنْ نَازَعَهُ فِي الْمِلْكِيَّةِ الْبُرْهَانُ إنْ صَحَّتْ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا ذَكَرْته لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ فِي بِلَادِنَا اهـ مُلَخَّصًا، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي الْبِنَاءِ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ وَلَا لَهَا كَالْوَقْفِ. مَطْلَبٌ بَاعَ دَارًا بَعْضُهَا مُحْتَكَرٌ هَلْ تَثْبُتُ لِلْجَارِ الشُّفْعَةُ وَسُئِلْت مِنْ نَائِبِ قَاضِي دِمَشْقَ عَمَّا إذَا بِيعَتْ دَارٌ فِيهَا قِطْعَةٌ مُحْتَكَرَةٌ فَهَلْ لِلدَّارِ الشُّفْعَةُ؟ فَأَجَبْته: بِأَنِّي لَمْ أَرَهَا صَرِيحًا وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ لَهُ أَخْذَ الدَّارِ سِوَى تِلْكَ الْقِطْعَةِ وَمَا عَلَيْهَا مِنْ الْبِنَاءِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ جِوَارُهُ لِلدَّارِ الْمَبِيعَةِ بِمُلَاصَقَتِهِ لِتِلْكَ الْقِطْعَةِ، أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: بَاعَ أَرْضِينَ صَفْقَةً وَرَجُلٌ شَفِيعٌ لِوَاحِدَةِ لَهُ أَخْذُهَا فَقَطْ، وَمِمَّا سَيَأْتِي فِي الْحِيَلِ: لَوْ بَاعَ عَقَارًا إلَّا ذِرَاعًا فِي جَانِبِ الشَّفِيعِ فَلَا شُفْعَةَ لِعَدَمِ الِاتِّصَالِ تَأَمَّلْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ] (قَوْلُهُ مِنْ مُشْتَرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِعَلِمَهُ ح (قَوْلُهُ أَوْ عَدْلٍ أَوْ عَدَدٍ) أَيْ لَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ فُضُولِيًّا، وَالْمُرَادُ بِالْعَدَدِ عَدَدُ الشَّهَادَةِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، وَأَفَادَ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الْعَدَدِ وَكَذَا فِي الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ خَصْمٌ، وَلَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي الْخُصُومِ، وَمِثْلُهُ رَسُولُهُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَفِيهَا إنْ كَانَ الْفُضُولِيُّ وَاحِدًا غَيْرَ عَدْلٍ فَإِنْ صَدَّقَهُ ثَبَتَ الشِّرَاءُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَا وَإِنْ ظَهَرَ صِدْقُ الْخَبَرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. قَالَ فِي الدُّرَرِ: وَقَالَا يَكْفِي وَاحِدٌ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً إذَا كَانَ الْخَبَرُ صِدْقًا (قَوْلُهُ بِالْبَيْعِ) مُتَعَلِّقٌ بِعَلِمَهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ امْتَدَّ الْمَجْلِسُ) مَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ دُرَرُ الْبِحَارِ (قَوْلُهُ كَالْمُخَيَّرَةِ) أَيْ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ وَهِيَ الَّتِي قَالَ لَهَا زَوْجُهَا أَمْرُك بِيَدِك (قَوْلُهُ هُوَ الْأَصَحُّ) وَاخْتَارَهُ الْكَرْخِيُّ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ) أَيْ ظَاهِرُهَا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ عَبَّرُوا بِالْمَجْلِسِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى إلَخْ) أَشَارَ إلَى عَدَمِ اخْتِيَارِهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِظَاهِرِ الْمُتُونِ، لَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُنَاسِبٌ لِتَسْمِيَتِهِ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ وَلِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْآتِي، وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ اخْتِيَارُهُ وَنَسَبَهُ إلَى عَامَّةِ الْمَشَايِخِ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، حَتَّى لَوْ سَكَتَ هُنَيَّة بِغَيْرِ عُذْرٍ وَلَمْ يَطْلُبْ أَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ لَغْوٍ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ اهـ، وَقَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى مِنْ كَلَامِ الْجَوْهَرِيِّ وَهَذَا تَرْجِيحٌ صَرِيحٌ مَعَ كَوْنِهِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ فَيُقَدَّمُ عَلَى تَرْجِيحِ الْمُتُونِ بِمَشْيِهِمْ عَلَى خِلَافِهِ لِأَنَّهُ ضِمْنِيٌّ. [فُرُوعٌ] أُخْبِرَ بِكِتَابٍ وَالشُّفْعَةُ فِي أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ وَقَرَأَهُ إلَى آخِرِهِ بَطَلَتْ هِدَايَةٌ. سَمِعَ وَقْتَ الْخُطْبَةِ فَطَلَبَ بَعْدَ الصَّلَاةِ إنْ بِحَيْثُ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ لَا تَبْطُلُ وَإِلَّا فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَلَوْ أُخْبِرَ فِي التَّطَوُّعِ فَجَعَلَهُ أَرْبَعًا أَوْ سِتًّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 224 (بِلَفْظٍ يُفْهِمُ طَلَبَهَا كَطَلَبْتُ الشُّفْعَةَ وَنَحْوِهِ) كَأَنَا طَالِبُهَا أَوْ أَطْلُبُهَا (وَهُوَ) يُسَمَّى (طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ) أَيْ الْمُبَادَرَةِ، وَالْإِشْهَادُ فِيهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ لِمَخَافَةِ الْجُحُودِ (ثُمَّ) يُشْهِدُ (عَلَى الْبَائِعِ لَوْ) الْعَقَارُ (فِي يَدِهِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ) لَمْ يَكُنْ ذَا يَدٍ لِأَنَّهُ مَالِكٌ أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ (فَيَقُولُ اشْتَرَى فُلَانٌ هَذِهِ الدَّارَ وَأَنَا شَفِيعُهَا وَقَدْ كُنْت طَلَبْت الشُّفْعَةَ وَأَطْلُبُهَا الْآنَ فَاشْهَدُوا عَلَيْهِ، وَهُوَ طَلَبُ إشْهَادٍ) وَيُسَمَّى طَلَبَ التَّقْرِيرِ (وَهَذَا) الطَّلَبُ لَا بُدَّ مِنْهُ،   [رد المحتار] فَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا تَبْطُلُ لَا إنْ أَتَمَّ مَا بَعْدَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا فِي الصَّحِيحِ، وَلَوْ سِتًّا تَبْطُلُ وَلَا تَبْطُلُ إنْ أَتَمَّ الْقَبَلِيَّةَ أَرْبَعًا، وَسَلَامُهُ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي يُبْطِلُهَا وَلَوْ عَلَيْهِ لَا كَمَا لَوْ سَبَّحَ أَوْ حَمْدَلَ أَوْ حَوْقَلَ أَوْ شَمَّتَ عَاطِسًا تَتَارْخَانِيَّةٌ: أَيْ عَلَى رِوَايَةِ اعْتِبَارِ الْمَجْلِسِ كِفَايَةٌ وشُرُنْبُلالِيَّة. مَطْلَبٌ لَوْ سَكَتَ لَا تَبْطُلُ مَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِيَ وَالثَّمَنَ وَفِي الْخَانِيَّةِ: أُخْبِرَ بِهَا فَسَكَتَ، قَالُوا لَا تَبْطُلُ مَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِيَ وَالثَّمَنَ، كَالْبِكْرِ إذَا اُسْتُؤْمِرَتْ ثُمَّ عَلِمَتْ أَنَّ الْأَبَ زَوَّجَهَا مِنْ فُلَانٍ صَحَّ رَدُّهَا اهـ. أَقُولُ: وَبِهِ أَفْتَى الْمُصَنِّفُ التُّمُرْتَاشِيُّ فِي فَتَاوَاهُ فَلْيُحْفَظْ (قَوْلُهُ بِلَفْظٍ يُفْهِمُ طَلَبَهَا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَطْلُبُهَا، وَالْمُرَادُ أَيَّ لَفْظٍ كَانَ، حَتَّى حَكَى ابْنُ الْفَضْلِ: لَوْ قَالَ الْقَرَوِيُّ شُفْعَةٌ شَفَّعَهُ كَفَى تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ) سُمِّيَ بِهِ تَبَرُّكًا بِلَفْظِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا» ، أَيْ طَلَبَهَا عَلَى وَجْهِ السُّرْعَةِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْ الْمُبَادَرَةِ) مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْوُثُوبِ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ، لِأَنَّ مَنْ يَثِبُ: هُوَ مَنْ يُسْرِعُ فِي طَيِّ الْأَرْضِ بِمَشْيِهِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْإِشْهَادُ فِيهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، لِأَنَّ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ لَيْسَ لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ بَلْ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْرِضٍ عَنْ الشُّفْعَةِ نِهَايَةٌ وَمِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ بَلْ لِمَخَافَةِ الْجُحُودِ) أَيْ جُحُودِ الْمُشْتَرِي الطَّلَبَ. كَمَا قَالُوا: إذَا وَهَبَ الْأَبُ لِطِفْلِهِ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ، وَمَا ذَكَرُوا الْإِشْهَادَ لِكَوْنِهِ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْهِبَةِ بَلْ لِإِثْبَاتِهَا عِنْدَ إنْكَارِ الْأَبِ مِعْرَاجٌ. قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ مَعَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ إذَا قَالَ طَلَبْت حِينَ عَلِمْت، نَعَمْ لَوْ قَالَ عَلِمْت أَمْسِ وَطَلَبْت كُلِّفَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ كَمَا فِي الدُّرَرِ اهـ. هَذَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الدُّرَرِ أَنَّ الْإِشْهَادَ فِيهِ لَا يَلْزَمُ فِيمَا إذَا كَانَ فِي مَكَان خَالٍ مِنْ الشُّهُودِ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ مِمَّا يُبْطِلُهَا تَرْكُ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ لَكِنْ قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: إنَّهُ سَهْوٌ، لِأَنَّ الشَّرْطَ الطَّلَبُ فَقَطْ دُونَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ اهـ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ فِيهِ فِي الْبَابِ الْآتِي. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: يَجِبُ الطَّلَبُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أُحُدٌ لِئَلَّا تَسْقُطَ الشُّفْعَةُ دِيَانَةً وَلِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْحَلِفِ عِنْدَ الْحَاجَةِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ فَيَصِحُّ بِدُونِهِ لَوْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ اهـ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ شَرْطٍ مُطْلَقًا وَكَذَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَصْدِيقُهُ بِيَمِينِهِ فِيمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ ثُمَّ يُشْهِدُ إلَخْ) أَتَى بِثُمَّ إشَارَةً إلَى أَنَّ مُدَّةَ هَذَا الطَّلَبِ لَيْسَتْ عَلَى فَوْرِ الْمَجْلِسِ فِي الْأَكْثَرِ بَلْ مُقَدَّرَةٌ بِمُدَّةِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْإِشْهَادِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَوْ الْعَقَارُ فِي يَدِهِ) وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَعِصَامٌ وَالنَّاطِقِيُّ؛ وَاخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْمُحِيطِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَا يَدٍ إلَخْ) رَدَّ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالدُّرَرِ وَالنِّهَايَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ) لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِ اخْتِيَارٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ طَلَبُ إشْهَادٍ) أَقُولُ: ظَاهِرُ عِبَارَاتِهِمْ لُزُومُ الْإِشْهَادِ فِيهِ لَكِنْ رَأَيْت فِي الْخَانِيَّةِ: إنَّمَا سُمِّيَ الثَّانِي طَلَبَ الْإِشْهَادِ لَا لِأَنَّ الْإِشْهَادَ شَرْطٌ بَلْ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إثْبَاتِ الطَّلَبِ عِنْدَ جُحُودِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 225 حَتَّى لَوْ تَمَكَّنَ وَلَوْ بِكِتَابٍ أَوْ رَسُولٍ وَلَمْ يُشْهِدْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ (وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ) مِنْهُ (لَا) تَبْطُلُ وَلَوْ أَشْهَدَ فِي طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ عِنْدَ أَحَدِ هَؤُلَاءِ كَفَاهُ وَقَامَ مَقَامَ الطَّلَبَيْنِ ثُمَّ بَعْدَ هَذَيْنِ الطَّلَبَيْنِ يَطْلُبُ عِنْدَ قَاضٍ فَيَقُولُ اشْتَرَى (فُلَانٌ دَارَ كَذَا وَأَنَا شَفِيعُهَا بِدَارِ كَذَا لِي) لَوْ قَالَ بِسَبَبِ كَذَا كَمَا فِي الْمُلْتَقَى لَشَمَلَ الشَّرِيكَ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ (فَمُرْهُ يُسَلِّمُ) الدَّارَ (إلَى) هَذَا لَوْ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي وَطَلَبَ الْخُصُومَةَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ (وَهُوَ) يُسَمَّى (طَلَبَ تَمْلِيكٍ وَخُصُومَةٍ وَبِتَأْخِيرِهِ مُطْلَقًا) بِعُذْرٍ وَبِغَيْرِهِ شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ (لَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ) حَتَّى يُسْقِطَهَا بِلِسَانِهِ (بِهِ يُفْتَى) وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ إنْ أَخَّرَهُ شَهْرًا بِلَا عُذْرٍ بَطَلَتْ كَذَا فِي الْمُلْتَقَى، يَعْنِي دَفْعًا لِلضَّرَرِ. قُلْنَا: دَفْعُهُ بِرَفْعِهِ لِلْقَاضِي لِيَأْمُرَهُ بِالْأَخْذِ أَوْ التَّرْكِ.   [رد المحتار] الْخَصْمِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ تَمَكَّنَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ مُدَّتَهُ مُقَدَّرَةٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنْهُ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ بَعْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ قَبْلَ طَلَبِ الْإِشْهَادِ بَطَلَتْ خَانِيَّةٌ. مَطْلَبٌ طَلَبَ عِنْدَ الْقَاضِي قَبْلَ طَلَبِ الْإِشْهَادِ بَطَلَتْ وَأَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ بِسُقُوطِهَا إذَا طَلَبَ عِنْدَ الْقَاضِي قَبْلَ طَلَبِ الْإِشْهَادِ فَلْيُحْفَظْ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: إنْ كَانَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالشَّفِيعُ وَالدَّارُ فِي مِصْرٍ وَالدَّارُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِلَى أَيِّهِمْ ذَهَبَ الشَّفِيعُ وَطَلَبَ صَحَّ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ لِأَنَّ الْمِصْرَ مَعَ تَبَاعُدِ الْأَطْرَافِ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ إلَّا أَنْ يُجْتَازَ عَلَى الْأَقْرَبِ وَلَمْ يَطْلُبْ فَتَبْطُلْ، وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ وَحْدَهُ فِي مِصْرٍ آخَرَ فَإِلَى أَيِّهِمْ ذَهَبَ صَحَّ، وَإِنْ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي مِصْرِ الشَّفِيعِ فَطَلَبَ مِنْ الْأَبْعَدِ بَطَلَتْ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ لِي) أَيْ مَمْلُوكَةً لِي حَالٌ مِنْ دَارٍ (قَوْلُهُ لَشَمِلَ الشَّرِيكَ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ) لِأَنَّ قَوْلَهُ بِدَارِ كَذَا يُفِيدُ أَنَّهَا غَيْرُ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ فَيَكُونُ جَارًا أَوْ شَرِيكًا فِي الْحُقُوقِ فَقَطْ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ بِسَبَبِ كَذَا فَإِنَّهُ يَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ قَوْلُ الشَّفِيعِ لِلْقَاضِي مُرْهُ أَيْ أَمْرُ الْمُشْتَرِي مَفْرُوضٌ فِيمَا لَوْ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي يَعْنِي أَوْ وَكِيلُهُ (قَوْلُهُ وَطَلَبُ الْخُصُومَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَبْضِ الْمُشْتَرِي، إذْ لَوْ كَانَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ يَصِحُّ الطَّلَبُ أَيْضًا وَيَأْمُرُهُ بِتَسْلِيمِهَا لِلشَّفِيعِ، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حَضْرَةِ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ مُطْلَقًا أَوْ مَعَ الْبَائِعِ لَوْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ قَرِيبًا. وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ كَوْنَ الْأَمْرِ مُتَوَجِّهًا لِلْمُشْتَرِي لَيْسَ بِقَيْدٍ، لِأَنَّ قَبْضَهُ غَيْرُ شَرْطٍ لِصِحَّةِ الطَّلَبِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي دُرَرٌ. قَالَ فِي الْعَزْمِيَّةِ: وَقَدْ رَأَيْت فَتْوَى الْمَوْلَى أَبِي السُّعُودِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ) قَائِلُهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ وَشَرْحِهِ عَلَى الْجَامِعِ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ أَنَّهُ أَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ. قَالَ: يَعْنِي أَنَّهُ أَصَحُّ مِنْ تَصْحِيحِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي، وَتَمَامُهُ فِيهَا، وَعَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى الْمَشَاهِيرِ كَالْمُحِيطِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُضْمَرَاتِ وَغَيْرِهَا. ثُمَّ قَالَ: فَقَدْ أَشْكَلَ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي (قَوْلُهُ بِلَا عُذْرٍ) فَلَوْ بِعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَسَفَرٍ أَوْ عَدَمِ قَاضٍ يَرَى الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ فِي بَلَدِهِ لَا تَسْقُطُ اتِّفَاقًا شَرْحُ مَجْمَعٍ (قَوْلُهُ يَعْنِي دَفْعًا لِلضَّرَرِ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الْفَتْوَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: وَفِي جَامِعِ الْخَانِيِّ: الْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي قَصْدِ الْإِضْرَارِ اهـ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ إفْتَاءَهُمْ بِخِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ فَلَا يُرَجَّحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُصَحَّحًا أَيْضًا كَمَا مَرَّ فِي الْغَصْبِ فِي مَسْأَلَةِ صَبْغِ الثَّوْبِ بِالسَّوَادِ وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ، بَلْ قَدْ أَفْتَوْا بِمَا يُخَالِفُ رِوَايَةَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ كَالْمَسَائِلِ الْمُفْتَى فِيهَا بِقَوْلِ زُفَرَ وَكَمَسْأَلَةِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التَّعْلِيمِ وَنَحْوِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ قُلْنَا إلَخْ) أَيْ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ يَمِيلُ إلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالْمُصَنِّفِ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِهِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَقْدِرُ عَلَى الْمُرَافَعَةِ، وَقَدْ لَا يَخْطِرُ بِبَالِهِ أَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ بِذَلِكَ خُصُوصًا بَعْدَمَا إذَا بَنَى أَوْ غَرَسَ فَإِنَّ الضَّرَرَ أَشَدُّ، وَقَدْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 226 (وَإِذَا طَلَبَ) الشَّفِيعُ (سَأَلَ الْقَاضِي الْخَصْمَ عَنْ مَالِكِيَّةِ الشَّفِيعِ لِمَا يَشْفَعُ بِهِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِهَا) أَيْ بِمِلْكِيَّةِ مَا يَشْفَعُ بِهِ (أَوْ نَكَلَ عَنْ الْحَلِفِ عَلَى الْعِلْمِ أَوْ بَرْهَنَ الشَّفِيعُ) أَنَّهَا مِلْكُهُ (سَأَلَهُ عَنْ الشِّرَاءِ) هَلْ اشْتَرَيْت أَمْ لَا (فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى الْحَاصِلِ) فِي شُفْعَةِ الْخَلِيطِ (أَوْ عَلَى السَّبَبِ) فِي شُفْعَةِ الْجِوَارِ لِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى (أَوْ بَرْهَنَ الشَّفِيعُ قُضِيَ لَهُ بِهَا) هَذَا إذَا لَمْ يُنْكِرْ الْمُشْتَرِي طَلَبَ الشَّفِيعِ الشُّفْعَةَ، فَإِنْ أَنْكَرَ فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ ابْنُ كَمَالٍ (وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ الثَّمَنَ وَقْتَ الدَّعْوَى وَإِذَا قُضِيَ لَزِمَهُ إحْضَارُهُ، وَلِلْمُشْتَرِي حَبْسُ الدَّارِ لِيَقْبِضَ ثَمَنَهُ، فَلَوْ قِيلَ لِلشَّفِيعِ) أَيْ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَتَبْطُلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِعَدَمِ التَّأَكُّدِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ   [رد المحتار] شَاهَدْت غَيْرَ مَرَّةٍ مَنْ جَاءَ يَطْلُبُهَا بَعْدَ عِدَّةِ سِنِينَ قَصْدًا لِلْإِضْرَارِ وَطَمَعًا فِي غَلَاءِ السِّعْرِ، فَلَا جَرَمَ كَانَ سَدُّ هَذَا الْبَابِ أَسْلَمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَبَ الشَّفِيعُ إلَخْ) ذَكَرَ سُؤَالِ الْقَاضِي الْخَصْمَ عَقِبَ طَلَبِ الشَّفِيعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْقَاضِي يَسْأَلُ أَوَّلًا الشَّفِيعَ عَنْ مَوْضِعِ الدَّارِ وَحُدُودِهَا لِدَعْوَاهُ فِيهَا حَقًّا فَلَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِهَا ثُمَّ هَلْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ إذْ لَوْ لَمْ يَقْبِضْ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْبَائِعُ، ثُمَّ عَنْ سَبَبِ شُفْعَتِهِ وَحُدُودِهَا مَا يَشْفَعُ بِهِ فَلَعَلَّ دَعْوَاهُ بِسَبَبٍ غَيْرِ صَالِحٍ أَوْ هُوَ مَحْجُوبٌ بِغَيْرِهِ ثُمَّ مَتَى عَلِمَ وَكَيْفَ صَنَعَ، فَلَعَلَّهُ طَالَ الزَّمَانُ أَوْ أَعْرَضَ، ثُمَّ عَنْ طَلَبِ التَّقْرِيرِ كَيْفَ كَانَ وَعِنْدَ مَنْ أَشْهَدَ: وَهَلْ كَانَ أَقْرَبَ أَمْ لَا؟ فَإِذَا بَيَّنَ وَلَمْ يُخِلَّ بِشَرْطٍ تَمَّ دَعْوَاهُ وَأَقْبَلَ عَلَى الْخَصْمِ فَسَأَلَهُ زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ الْخَصْمَ) وَهُوَ الْمُشْتَرِي زَيْلَعِيٌّ، أَيْ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ فَرَضَهُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ عَنْ مَالِكِيَّةِ الشَّفِيعِ) لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهَا فِي يَدِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ ابْنُ مَلَكٍ (قَوْلُهُ أَوْ نَكَلَ) قَدَّمَهُ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِهِ أَوْ بَرْهَنَ مَعَ أَنَّ الْمُنَاسِبَ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ، لِأَنَّ النُّكُولَ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْبُرْهَانِ رِعَايَةً لِلِاخْتِصَارِ، إذْ لَوْ أَخَّرَهُ احْتَاجَ عَلَى إبْرَازِ الْفَاعِلِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَلَى الْعِلْمِ) بِأَنْ يَقُولَ بِاَللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا يَشْفَعُ بِهِ لِأَنَّهَا يَمِينٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، وَهَذَا قَوْلُ الثَّانِي، وَعِنْدَ الثَّالِثِ عَلَى الْبَتَاتِ وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. قَالَ ابْنُ مَلَكٍ: وَهَذَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي مَا أَعْلَمُ، وَلَوْ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ (قَوْلُهُ أَوْ بَرْهَنَ إلَخْ) بِأَنْ يَقُولَا إنَّهَا مِلْكُ هَذَا الشَّفِيعِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ هَذَا الْمُشْتَرِي هَذَا الْعَقَارَ وَهِيَ لَهُ إلَى السَّاعَةِ وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ، فَلَوْ قَالَا إنَّهَا لِهَذَا الْجَارِ لَا يَكْفِي كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا حَاجَةَ إلَى الْبُرْهَانِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ سَأَلَهُ عَنْ الشِّرَاءِ) لِيَثْبُتَ كَوْنُهُ خَصْمًا عِنْدَهُ ابْنُ مَلَكٍ (قَوْلُهُ عَلَى الْحَاصِلِ فِي شُفْعَةِ الْخَلِيطِ) لِأَنَّ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ فِيهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ بِاَللَّهِ مَا اسْتَحَقَّ الشَّفِيعُ فِي هَذَا الْعَقَارِ الشُّفْعَةَ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ قُهُسْتَانِيٌّ، لِأَنَّ فِي الِاسْتِحْلَافِ عَلَى السَّبَبِ إضْرَارًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ فَسَخَ الْعَقْدَ ابْنُ مَلَكٍ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى السَّبَبِ إلَخْ) بِأَنْ يَقُولَ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْت هَذِهِ الدَّارَ، لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ فِيهِ عَلَى الْحَاصِلِ يُصَدَّقُ فِي يَمِينِهِ فِي اعْتِقَادِهِ فَيَفُوتُ النَّظَرُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي (قَوْلُهُ هَذَا إذَا لَمْ يُنْكِرْ الْمُشْتَرِي إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ طَلَبَهُ الشُّفْعَةَ وَقَدْ كَانَ أَنْكَرَ الشِّرَاءَ فَأَقَامَ عَلَيْهِ الْبُرْهَانَ بِهِ أَوْ عَجَزَ عَنْهُ فَطَلَبَ يَمِينَهُ فَنَكَلَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَلَا يُعَدُّ مُتَنَاقِضًا وَيُحَرَّرُ ط (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ أَنْكَرَ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ حَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ أَوْ طَلَبَ التَّقْرِيرِ فَعَلَى الْبَتَاتِ لِإِحَاطَةِ الْعِلْمِ بِهِ كَمَا فِي الْكُبْرَى قُهُسْتَانِيٌّ، لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْهُ عَنْ النِّهَايَةِ أَنَّ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ وَاجِبٌ لِئَلَّا تَسْقُطَ شُفْعَتُهُ وَلِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْحَلِفِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الْقَوْلَ لِلشَّفِيعِ بِيَمِينِهِ فِي طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا قَالَ عَلِمْت أَمْسِ وَطَلَبْت أَمَّا إذَا قَالَ طَلَبْت حِينَ عَلِمْت فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الدُّرَرِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ الثَّمَنَ) إنْ وَصَلْيَةٌ: أَيْ لَمْ يُحْضِرْهُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي، لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَجِبُ قَبْلَ الْقَضَاءِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهَذَا ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يُقْضَى حَتَّى يُحْضِرَهُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّ الشَّفِيعَ عَسَاهُ يَكُونُ مُفْلِسًا (قَوْلُهُ فَلَوْ قِيلَ لِلشَّفِيعِ إلَخْ) أَيْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 227 (أَدِّ الثَّمَنَ فَأَخَّرَ لَمْ تَبْطُلْ) شُفْعَتُهُ (وَالْخَصْمُ) لِلشَّفِيعِ الْمُشْتَرِي مُطْلَقًا، وَ (الْبَائِعُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ) الْأَوَّلِ بِمِلْكِهِ وَالثَّانِي بِيَدِهِ ابْنُ كَمَالٍ (وَ) لَكِنْ (لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي) لِأَنَّهُ الْمَالِكُ (وَيُفْسَخُ بِحُضُورِهِ) وَلَوْ سَلَّمَ لِلْمُشْتَرِي لَا يَلْزَمُ حُضُورُ الْبَائِعِ لِزَوَالِ الْمِلْكِ وَالْيَدِ عَنْهُ ابْنُ الْكَمَالِ (وَيَقْضِي) الْقَاضِي (بِالشُّفْعَةِ وَالْعُهْدَةِ) لِضَمَانِ الثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ (عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي، وَ) الْعُهْدَةُ (عَلَى الْمُشْتَرِي لَوْ بَعْدَهُ) لِمَا مَرَّ. (لِلشَّفِيعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ وَإِنْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْبَرَاءَةَ مِنْهُ)   [رد المحتار] قِيلَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهَا فَأَخَّرَ: أَيْ قَالَ لَيْسَ عِنْدِي الثَّمَنُ أَوْ أُحْضِرُهُ غَدًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ تَبْطُلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ نَصَّ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْخَصْمُ لِلشَّفِيعِ الْمُشْتَرِي مُطْلَقًا إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْإِطْلَاقِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ بَعْدَهُ وَبِالتَّسْلِيمِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي وَبِالْأَوَّلِ الْمُشْتَرِي وَبِالثَّانِي الْبَائِعُ وَالْبَاءُ فِي بِمِلْكِهِ وَبِيَدِهِ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ إنَّ الْأَوَّلَ خَصْمٌ بِسَبَبِ مِلْكِهِ وَالثَّانِيَ بِسَبَبِ كَوْنِ الْعَقَارِ الْمَبِيعِ بِيَدِهِ، وَفِي ذِكْرِ الْإِطْلَاقِ هُنَا نَظَرٌ يَظْهَرُ مِنْ سَوْقِ كَلَامِ ابْنِ الْكَمَالِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْخَصْمُ لِلشَّفِيعِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي إنْ لَمْ يُسَلِّمْ أَحَدُهُمَا بِيَدِهِ وَالْآخَرُ بِمِلْكِهِ فَلَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْبَائِعِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ سَلَّمَ إلَى الْمُشْتَرِي لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْبَائِعِ لِزَوَالِ الْمِلْكِ وَالْيَدِ عَنْهُ اهـ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخَصْمَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ هُوَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَبَعْدَهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ الْخَصْمُ الْمُشْتَرِي إنْ أَرَادَ وَحْدَهُ لَا يَصِحُّ قَوْلُهُ مُطْلَقًا، وَإِنْ أَرَادَ مَعَ الْبَائِعِ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَذْكُرَ الْإِطْلَاقَ. وَأَمَّا كَوْنُ الْخَصْمِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ هُوَ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَسَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَلَكِنْ لَا تُسْمَعُ) الِاسْتِدْرَاكُ فِي مَحِلِّهِ بِالنَّظَرِ إلَى مُجَرَّدِ الْمَتْنِ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى عِبَارَةِ الشَّارِحِ حَيْثُ زَادَ أَوَّلًا الْمُشْتَرِيَ، فَهُوَ مُسْتَدْرَكٌ وَالْمَقَامُ مَقَامَ التَّفْرِيعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي عِبَارَةِ ابْنِ الْكَمَالِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: لِأَنَّ الشَّفِيعَ مَقْصُودُهُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْمِلْكَ وَالْيَدَ فَيَقْضِي الْقَاضِي بِهِمَا لِأَنَّ لِأَحَدِهِمَا يَدًا وَلِلْآخَرِ مِلْكًا اهـ. أَيْ فَلِذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِمَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي قَوْلِهِ وَيُفْسَخُ بِحُضُورِهِ إشَارَةٌ إلَى عِلَّةٍ أُخْرَى لِحُضُورِ الْمُشْتَرِي وَهِيَ أَنْ يَصِيرَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِالْفَسْخِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ مِلْكًا أَوْ فَسْخًا كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَيُفْسَخُ بِحُضُورِهِ) أَيْ حُضُورِ الْمُشْتَرِي. وَصُورَةُ الْفَسْخِ أَنْ يَقُولَ: فَسَخْت شِرَاءَ الْمُشْتَرِي وَلَا يَقُولُ فَسَخْت الْبَيْعَ لِئَلَّا يَبْطُلَ حَقُّ الشُّفْعَةِ لِأَنَّهَا بِنَاءٌ عَلَى الْبَيْعِ فَتَتَحَوَّلُ الصَّفْقَةُ إلَى الشَّفِيعِ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ الْمُشْتَرِي، أَفَادَهُ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ فَلَمْ يَنْفَسِخْ أَصْلُهُ وَإِنَّمَا انْفَسَخَتْ إضَافَتُهُ إلَى الْمُشْتَرِي ط وَهَذَا فِي الْحُكْمِ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَالْحُكْمُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ صَارَ أَجْنَبِيًّا كَمَا مَرَّ وَيَكُونُ الْأَخْذُ مِنْهُ شِرَاءً مِنْ الْمُشْتَرِي كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِزَوَالِ الْمِلْكِ وَالْيَدِ عَنْهُ) فَصَارَ أَجْنَبِيًّا هِدَايَةٌ. [فَرْعٌ] اشْتَرَى دَارًا بِأَلْفٍ وَبَاعَهَا لِآخَرَ بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ وَأَرَادَ أَخْذَهَا بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَأْخُذُهَا مِنْ ذِي الْيَدِ بِأَلْفٍ وَيُقَالُ اُطْلُبْ بَائِعَك بِأَلْفٍ أُخْرَى. وَعِنْدَهُمَا يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ، وَإِنْ طَلَبَ الْبَيْعَ الثَّانِيَ لَا يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْأَوَّلِ اتِّفَاقًا تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَالْعُهْدَةِ) بِالْجَرِّ مَعَ جَوَازِ الرَّفْعِ قُهُسْتَانِيٌّ، فَقَوْلُهُ عَلَى الْبَائِعِ مُتَعَلِّقٌ بِيَقْضِي وَعَلَى الرَّفْعِ خَبَرٌ (قَوْلُهُ لِضَمَانِ الثَّمَنِ إلَخْ) أَيْ ضَمَانِ الثَّمَنِ الَّذِي تَقَلَّدَهُ الشَّفِيعُ إذَا اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْمُشْتَرِي لَوْ بَعْدَهُ) فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الثَّانِي إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي نَقَدَ الثَّمَنَ وَلَمْ يَقْبِضْ الدَّارَ حَتَّى قُضِيَ لِلشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ فَنَقَدَ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي فَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ لِلْبَائِعِ فَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ اهـ طُورِيٌّ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) مِنْ قَوْلِهِ لِزَوَالِ الْمِلْكِ وَالْيَدِ عَنْهُ (قَوْلُهُ لِلشَّفِيعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ) لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ مِنْ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ الْأَخْذُ بَعْدَ الْقَبْضِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 228 دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالْأَجَلِ اخْتِيَارٌ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: الشُّفْعَةُ بَيْعٌ فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي ضَمَانِ الْغُرُورِ لِلْجَبْرِ. (وَإِنْ) (اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ) وَالدَّارُ مَقْبُوضَةٌ وَالثَّمَنُ مَنْقُودٌ (صُدِّقَ الْمُشْتَرِي) بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَلَا يَتَحَالَفَانِ (وَإِنْ بَرْهَنَا فَالشَّفِيعُ أَحَقُّ) لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ مُلْزِمَةٌ. (ادَّعَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا وَ) ادَّعَى (بَائِعُهُ أَقَلَّ مِنْهُ بِلَا قَبْضِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلْبَائِعِ (وَمَعَ قَبْضِهِ لِلْمُشْتَرِي) وَلَوْ عَكْسًا فَبَعْدَ قَبْضِهِ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي وَقَبْلَهُ يَتَحَالَفَانِ، وَأَيٌّ نَكَلَ اُعْتُبِرَ قَوْلُ صَاحِبِهِ، وَإِنْ حَلَفَا فُسِخَ الْبَيْعُ   [رد المحتار] وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَشِرَاءٌ مِنْ الْبَائِعِ لِتَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَيْهِ، فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إنْ فِيهِ كَمَا إذَا اشْتَرَاهُ مِنْهُمَا بِاخْتِيَارِهِمَا، وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِرُؤْيَةِ الْمُشْتَرِي وَلَا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الشَّفِيعِ فَلَا يَعْمَلُ شَرْطُهُ وَرُؤْيَتُهُ فِي حَقِّهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالْأَجَلِ) أَيْ لِعَدَمِ الشَّرْطِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْأَجَلِ عَطْفٌ عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ لَا عَلَى الشَّرْطِ اهـ ح، وَالْمُرَادُ الْأَجَلُ فِي الثَّمَنِ (قَوْلُهُ إلَّا فِي ضَمَانِ الْغُرُورِ) فَلَوْ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ بَعْدَ مَا بَنَى الشَّفِيعُ لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي، لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَغْرُورًا لِتَمَلُّكِهِ جَبْرًا وَالْمَسْأَلَةُ سَتَأْتِي فِي هَذَا الْبَابِ مَتْنًا، وَقَوْلُ الْمِنَحِ كَالْأَشْبَاهِ. فَلَا رُجُوعَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الشَّفِيعِ قَاصِرٌ وَمَقْلُوبٌ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ فِي الثَّمَنِ) أَيْ فِي جِنْسِهِ كَقَوْلِ أَحَدِهِمَا هُوَ دَنَانِيرُ وَالْآخَرِ دَرَاهِمُ، أَوْ قَدْرِهِ كَقَوْلِ الْمُشْتَرِي بِمِائَتَيْنِ وَالشَّفِيعِ بِمِائَةٍ أَوْ صِفَتِهِ كَاشْتَرَيْتُهُ بِثَمَنٍ مُعَجَّلٍ وَقَالَ الشَّفِيعُ بَلْ مُؤَجَّلٍ دُرَرُ الْبِحَارِ (قَوْلُهُ وَالدَّارُ مَقْبُوضَةٌ وَالثَّمَنُ مَنْقُودٌ) أَيْ مَقْبُوضَةٌ لِلْمُشْتَرِي وَالثَّمَنُ مَنْقُودٌ مِنْهُ لِلْبَائِعِ، وَقَدْ رَاجَعْت كَثِيرًا فَلَمْ أَجِدْ مَنْ ذَكَرَ هَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ سِوَى بَعْضِ شُرَّاحِ الْكَنْزِ لَا أَدْرِي اسْمَهُ، ثُمَّ رَأَيْته أَيْضًا فِي هَامِشِ نُسْخَةٍ عَتِيقَةٍ مِنْ نُسَخِ الْكَنْزِ مَعْزِيًّا لِلْكَافِي. وَفِي تَكْمِلَةِ الطُّورِيِّ مَا نَصُّهُ: وَأَطْلَقَ الْمُؤَلِّفُ فَشَمِلَ مَا إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ قَبْضِ الدَّارِ وَنَقْدِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْدَهُمَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الشَّفِيعِ أَوْ بَعْدَهُ، لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: اشْتَرَى دَارًا وَقَبَضَهَا وَنَقَدَ الثَّمَنَ ثُمَّ اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي انْتَهَى مَا فِي التَّكْمِلَةِ، وَزَادَ فِي الذَّخِيرَةِ عَلَى مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا يَتَحَالَفَانِ لِأَنَّ الشَّفِيعَ مَعَ الْمُشْتَرِي بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنَّ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ يَتَحَالَفَانِ إلَخْ فَتَأَمَّلْ. وَقَالَ ط. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الثَّمَنَ إنْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُودٍ يُرْجَعُ إلَى الْبَائِعِ فَيُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي وَيَكُونُ حَطًّا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ، وَعَلَى هَذَا فَالْمَدَارُ عَلَى كَوْنِ الثَّمَنِ مَنْقُودًا فَقَطْ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ) فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ الدَّارِ عِنْدَ نَقْدِ الْأَقَلِّ وَهُوَ يُنْكِرُهُ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَحَالَفَانِ) لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَدَّعِي عَلَى الشَّفِيعِ شَيْئًا لِأَنَّ الشَّفِيعَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الَّذِي إذَا تَرَكَ الدَّعْوَى لَا يُتْرَكُ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى النَّصِّ، وَهُوَ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا لِأَنَّهُ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْإِنْكَارُ وَالدَّعْوَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ مُلْزِمَةٌ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ بَيِّنَةِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الشَّفِيعَ مُخَيَّرٌ وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِلْزَامِ فَالْأَخْذُ بِبَيِّنَتِهِ أَوْلَى أَتْقَانِيٌّ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي أَوْ هُمَا وَالشَّفِيعُ فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَحَقُّ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ (قَوْلُهُ بِلَا قَبْضِهِ) أَيْ قَبْضِ الْبَائِعِ كُلَّ الثَّمَنِ سَوَاءٌ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْعَقَارَ أَوْ لَا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ بِلَا يَمِينٍ قُهُسْتَانِيٌّ فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ كَمَا قَالَ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا فَهُوَ حَطٌّ وَالْحَطُّ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ (قَوْلُهُ وَمَعَ قَبْضِهِ لِلْمُشْتَرِي) فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِمَا قَالَ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوْفَى الثَّمَنَ انْتَهَى حُكْمُ الْعَقْدِ وَخَرَجَ هُوَ مِنْ الْبَيْنِ وَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ، فَبَقِيَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ هِدَايَةٌ أَيْ بِأَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 229 وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ مُلْتَقًى. (وَحَطُّ الْبَعْضِ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ) فَيَأْخُذُ بِالْبَاقِي، وَكَذَا هِبَةُ الْبَعْضِ إلَّا إذَا كَانَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ أَشْبَاهٌ. (وَحَطُّ الْكُلِّ وَالزِّيَادَةُ لَا) فَيَأْخُذُهُ بِكُلِّ الْمُسَمَّى،   [رد المحتار] وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ الْقَبْضُ ظَاهِرًا بِأَنْ أَثْبَتَهُ الْمُشْتَرِي بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْيَمِينِ كَمَا فِي الدُّرَرِ. بَقِيَ مَا إذَا كَانَ الْقَبْضُ غَيْرَ ظَاهِرٍ: أَيْ غَيْرَ مَعْلُومٍ لِلشَّفِيعِ، فَإِمَّا أَنْ يُقِرَّ الْبَائِعُ بِالْقَبْضِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا إذَا كَانَ غَيْرَ مَقْبُوضٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي الْأَكْثَرَ وَالدَّارُ فِي يَدِهِ، فَإِمَّا أَنْ يُقِرَّ أَوْ لَا بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ ثُمَّ بِالْقَبْضِ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْت الدَّارَ مِنْهُ بِأَلْفٍ وَقَبَضْته أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِأَلْفٍ، لِأَنَّهُ إذَا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ بِمِقْدَارِ تَعَلَّقَتْ الشُّفْعَةُ بِهِ ثُمَّ بِقَوْلِهِ قَبَضْت يُرِيدُ إسْقَاطَ حَقِّ الشَّفِيعِ الْمُتَعَلِّقِ بِإِقْرَارِهِ مِنْ الثَّمَنِ، لِأَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ يَبْقَى أَجْنَبِيًّا مِنْ الْعَقْدِ، إذْ لَا مِلْكَ لَهُ فَيَجِبُ الْأَخْذُ بِمَا يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي لِمَا مَرَّ آنِفًا أَنَّ الثَّمَنَ إذَا كَانَ مَقْبُوضًا أُخِذَ بِمَا قَالَ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لَهُ إسْقَاطُ حَقِّ الشَّفِيعِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ قَبَضْت وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ، كَمَا لَوْ قَالَ قَبَضْت الثَّمَنَ وَهُوَ أَلْفٌ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ وَيَأْخُذُهَا بِمَا قَالَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ بِإِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ صَارَ أَجْنَبِيًّا وَسَقَطَ اعْتِبَارُ قَوْلِهِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ) لِأَنَّ فَسْخَ الْبَيْعِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ حَقِّ الشَّفِيعِ، وَهَلْ يَحْلِفُ الْبَائِعُ؟ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْلِفَ لِأَنَّهُ حَلَفَ مَرَّةً أَتْقَانِيٌّ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ (قَوْلُهُ وَحَطُّ الْبَعْضِ) أَيْ حَطَّ الْبَائِعُ بَعْضَ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي، فَلَوْ حَطَّ وَكِيلُ الْبَائِعِ: أَيْ بِالْبَيْعِ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ أَشْبَاهٌ أَيْ وَإِنْ صَحَّ حَطُّهُ وَبَرِئَ الْمُشْتَرِي، لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَضْمَنُ مَا حَطَّهُ فَكَأَنَّهُ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ كَمَا أَوْضَحَهُ الْحَمَوِيُّ (قَوْلُهُ فَيَأْخُذُ بِالْبَاقِي) أَوْ يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ إنْ كَانَ أَوْفَاهُ الثَّمَنَ كَمَا فِي الْعَزْمِيَّةِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ) أَيْ قَبْضِ الثَّمَنِ، لِأَنَّهُ صَارَ عَيْنًا بِالتَّسْلِيمِ فَلَا يَسْتَرِدُّ الشَّفِيعُ شَيْئًا، أَمَّا قَبْلَهُ فَيَسْتَرِدُّ لِأَنَّهَا هِبَةُ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ شَرْحُ تَنْوِيرِ الْأَذْهَانِ. قَالَ الْحَمَوِيُّ: بَقِيَ أَنْ يُقَالَ يُفْهَمُ مِنْ التَّقْيِيدِ بِهِبَةِ الْبَعْضِ أَنَّ هِبَةَ الْكُلِّ لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ مُطْلَقًا فَهَلْ يَأْخُذُ بِالْمُسَمَّى أَوْ بِالْقِيمَةِ؟ لَمْ أَرَ نَقْلًا صَرِيحًا. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: شَرَى دَارًا بِأَلْفٍ ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِالْقِيمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ قَبْضِ الْأَلْفِ اهـ. فَعَلَى قِيَاسِهِ يُقَالُ إنْ وَهَبَ كُلَّ الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِالْقِيمَةِ وَإِلَّا فَبِالثَّمَنِ اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: وَرَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ مَا مُلَخَّصُهُ: الْحَطُّ وَالْهِبَةُ وَالْإِبْرَاءُ إذَا كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَلَوْ كَانَتْ فِي بَعْضِ الثَّمَنِ تَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَلَوْ فِي كُلِّهِ فَلَا، وَإِذَا كَانَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ فَالْحَطُّ وَالْهِبَةُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، وَأَمَّا الْإِبْرَاءُ عَنْ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ فَلَا يَصِحُّ اهـ وَعَلَيْهِ جَرَى الْقُهُسْتَانِيُّ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَحَطُّ الْكُلِّ وَالزِّيَادَةُ لَا) أَيْ لَا يَظْهَرُ إنْ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ، أَمَّا حَطُّ الْكُلِّ فَلِأَنَّهُ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَإِلَّا بَقِيَ الْعَقْدُ بِلَا ثَمَنٍ وَهُوَ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 230 وَلَوْ حَطَّ النِّصْفَ ثُمَّ النِّصْفَ يَأْخُذُ بِالنِّصْفِ الْأَخِيرِ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ فَسَلَّمَ ثُمَّ حَطَّ الْبَائِعُ مِائَةً فَلَهُ الشُّفْعَةُ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِأَلْفٍ فَسَلَّمَ ثُمَّ زَادَ الْبَائِعُ لَهُ جَارِيَةً أَوْ مَتَاعًا قُنْيَةٌ. (وَفِي الشِّرَاءِ بِمِثْلِيٍّ) وَلَوْ حُكْمًا كَالْخَمْرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ ابْنُ كَمَالٍ (يَأْخُذُ بِمِثْلِهِ، وَفِي) الشِّرَاءِ بِ (الْقِيَمِيِّ بِالْقِيمَةِ) أَيْ وَقْتَ الشِّرَاءِ (فَفِي بَيْعِ عَقَارٍ بِعَقَارٍ يَأْخُذُ) الشَّفِيعُ (كُلًّا) مِنْ الْعَقَارَيْنِ (بِقِيمَةِ الْآخَرِ، وَ) فِي الشِّرَاءِ (بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ يَأْخُذُ بِحَالٍّ أَوْ طَلَبَ) الشُّفْعَةَ (فِي الْحَالِّ وَأَخَذَ بَعْدَ الْأَجَلِ) وَلَا يَتَعَجَّلُ مَا عَلَى الْمُشْتَرِي لَوْ أَخَذَ بِحَالٍّ، (وَلَوْ سَكَتَ عَنْهُ) فَلَمْ يَطْلُبْ فِي الْحَالِّ (وَصَبَرَ حَتَّى يَطْلُبَ عِنْدَ) حُلُولِ (الْأَجَلِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ) خِلَافًا   [رد المحتار] خِلَافًا لِمَا فِي الدُّرَرِ، وَلَا شُفْعَةَ فِي الْفَاسِدِ كَمَا يَأْتِي، لَكِنَّهُ: أَيْ حَطَّ الْكُلَّ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي قُهُسْتَانِيٌّ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَلِأَنَّهَا وَإِنْ الْتَحَقَتْ فَفِيهَا إبْطَالُ حَقِّ الشَّفِيعِ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْأَخْذَ بِالْمُسَمَّى قَبْلَهَا، وَالْمُرَادُ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ. أَمَّا فِي الْمَبِيعِ فَتَظْهَرُ كَمَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ قَرِيبًا عَنْ الْقُنْيَةِ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْحَطِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَطَّ النِّصْفَ إلَخْ) النِّصْفُ لَيْسَ بِقَيْدٍ. قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: هَذَا أَيْ عَدَمُ الِالْتِحَاقِ إذَا حَطَّ الْكُلَّ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، أَمَّا إذَا كَانَ بِكَلِمَاتٍ يَأْخُذُ بِالْأَخِيرَةِ اهـ ط. قُلْت: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ كُلَّمَا حَطَّ شَيْئًا يَلْتَحِقُ بِالْعَقْدِ وَيَصِيرُ الثَّمَنُ مَا بَقِيَ، فَإِذَا حَطَّ جَمِيعَ مَا بَقِيَ يَكُونُ حَطًّا لِكُلِّ الثَّمَنِ وَهُوَ مَا بَقِيَ فَيَأْخُذُهُ بِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلِمَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْحَطُّ قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ بَاعَ بِأَلْفٍ إلَخْ) أَيْ لَهُ الشُّفْعَةُ أَيْضًا لِمَا قَدَّمْنَا آنِفًا، وَهَلْ يَأْخُذُ الزِّيَادَةَ أَيْضًا؛ تَوَقَّفَ فِيهِ بَعْضُهُمْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي النِّهَايَةِ قَالَ: يَأْخُذُ الدَّارَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ اهـ. وَلَا يُخَالِفُهُ مَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: الْمَلَكِيِّ بَاعَ عَقَارًا مَعَ الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ تَثْبُتُ فِي الْكُلِّ تَبَعًا لِلْعَقَارِ اهـ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَرْضُ وَالْحَرَّاثُونَ وَآلَةُ الْحِرَاثَةِ فَتَتَحَقَّقُ التَّبَعِيَّةُ لِوُجُودِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْأَرْضِ وَلِذَا صَحَّ فِيهَا الْوَقْفُ تَبَعًا كَمَا مَرَّ فِي مَوْضِعِهِ، بِخِلَافِ الْجَارِيَةِ أَوْ الْمَتَاعِ مَعَ الدَّارِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ حُكْمًا كَالْخَمْرِ إلَخْ) لَوْ ذَكَرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَفِي الْقِيَمِيِّ لَسَلِمَ مِمَّا اعْتَرَضَهُ ح بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْخَمْرَ مِثْلِيٌّ حُكْمًا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَأَنَّهُ يَأْخُذُ بِمِثْلِ الْخَمْرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ بِقِيمَتِهَا لِأَنَّهَا مِثْلُ حَقِيقَةِ قِيَمِيٍّ حُكْمًا فِي حَقِّهِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْكَمَالِ لَا غُبَارَ عَلَيْهَا حَيْثُ قَالَ: وَبِالْمِثْلِ فِي الشِّرَاءِ بِثَمَنٍ مِثْلِيٍّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِأَنَّ مِنْ الْمِثْلِيِّ مَا الْتَحَقَ بِغَيْرِ الْمِثْلِيِّ كَالْخَمْرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ اهـ مُلَخَّصًا فَقَوْلُهُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِلْإِخْرَاجِ لَا لِلْإِدْخَالِ (قَوْلُهُ بِالْقِيمَةِ) أَيْ وَقْتَ الشِّرَاءِ لَا وَقْتَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ) أَيْ شَفِيعُ كُلٍّ مِنْ الْعَقَارَيْنِ (قَوْلُهُ مُؤَجَّلٍ) أَيْ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ وَإِلَّا يَفْسُدُ الْبَيْعُ، وَلَا شُفْعَةَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِعْرَاجٌ، وَسَيَأْتِي مِنْ الشَّارِحِ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ آخِرَ هَذَا الْبَابِ (قَوْلُهُ يَأْخُذُ بِحَالٍّ) أَيْ يَأْخُذُ فِي الْحَالِ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ بِثَمَنٍ حَالٍّ بِتَشْدِيدِهَا، لِأَنَّ الْأَجَلَ ثَبَتَ بِالشَّرْطِ وَلَا شَرْطَ بَيْنَ الشَّفِيعِ وَالْبَائِعِ، ثُمَّ إنْ أَخَذَ بِثَمَنٍ حَالٍّ مِنْ الْبَائِعِ سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي، لِمَا مَرَّ أَنَّ الْبَيْعَ انْفَسَخَ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ أَخَذَ مِنْ الْمُشْتَرِي رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ كَمَا كَانَ، لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا لَمْ يَبْطُلْ بِأَخْذِ الشَّفِيعِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ طَلَبَ) عَطْفٌ عَلَى يَأْخُذُ: أَيْ إنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَخْذِ فِي الْحَالِ بِحَالٍّ وَبَيْنَ الطَّلَبِ فِي الْحَالِ وَالْأَخْذِ بَعْدَ الْأَجَلِ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَعَجَّلُ إلَخْ) كَذَا فِي الْمُلْتَقَى، وَالْمُرَادُ لَوْ أَخَذَ الشَّفِيعُ بِثَمَنٍ حَالٍّ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا مِنْ الْبَائِعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ وَلَوْ سَكَتَ عَنْهُ إلَخْ) فَائِدَةُ قَوْلِهِ أَوْ طَلَبَ فِي الْحَالِ (قَوْلُهُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ) لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ ثَبَتَ، وَلِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِثَمَنٍ حَالٍّ، وَلَوْلَا أَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ لَمَا كَانَ لَهُ الْأَخْذُ فِي الْحَالِ، وَالسُّكُوتُ عَنْ الطَّلَبِ بَعْدَ ثُبُوتِ حَقِّهِ يُبْطِلُهَا زَيْلَعِيٌّ وَدُرَرٌ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ هَذَا طَلَبُ تَمَلُّكٍ، وَلَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ بِتَأْخِيرِهِ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ لَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ مُدَّةً وَلَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 231 لِأَبِي يُوسُفَ. (وَ) يَأْخُذُ (بِمِثْلِ الْخَمْرِ وَقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ إنْ كَانَ) الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَ (الشَّفِيعُ ذِمِّيًّا) لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ أَيْضًا ذِمِّيًّا، وَإِلَّا يَفْسُدُ الْبَيْعُ فَلَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ ابْنُ كَمَالٍ مَعْزِيًّا لِلْمَبْسُوطِ (وَ) يَأْخُذُ (بِقِيمَتِهَا) لِمَا مَرَّ (لَوْ) كَانَ الشَّفِيعُ (مُسْلِمًا) لِمَنْعِهِ عَنْ تَمَلُّكِهَا وَتَمْلِيكِهَا، ثُمَّ قِيمَةُ الْخِنْزِيرِ هُنَا قَائِمَةٌ مَقَامَ الدَّارِ لَا مَقَامَ الْخِنْزِيرِ وَلِذَا لَا يَحْرُمُ تَمَلُّكُهَا بِخِلَافِ الْمُرُورِ عَلَى الْعَاشِرِ. (وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بِالرُّجُوعِ إلَى ذِمِّيٍّ أَسْلَمَ أَوْ فَاسِقٍ تَابَ) وَلَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي عِنَايَةٌ (وَ) يَأْخُذُ الشَّفِيعُ (بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ) مُسْتَحِقِّي الْقَلْعِ كَمَا مَرَّ فِي الْغَصْبِ. قُلْت: وَأَمَّا لَوْ دَهَنَهَا بِأَلْوَانٍ كَثِيرَةٍ أَوْ طَلَاهَا بِجِصٍّ كَثِيرٍ خُيِّرَ الشَّفِيعُ بَيْنَ تَرْكِهَا أَوْ أَخْذِهَا وَإِعْطَاءِ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهَا لِتَعَذُّرِ نَقْضِهِ وَلَا قِيمَةَ لِنَقْضِهِ، بِخِلَافِ الْبِنَاءِ حَاوِي الزَّاهِدِيِّ   [رد المحتار] لِتَقْدِيرِهِ بِشَهْرٍ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ، وَمَا قِيلَ فِي الْجَوَابِ الْمُرَادُ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ يَأْبَاهُ قَوْلُهُ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ ثَبَتَ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ طَلَبُ التَّمَلُّكِ أَبُو السُّعُودِ. أَقُولُ: النَّظَرُ مَعْلُولٌ، وَالْجَوَابُ مَقْبُولٌ لِأَنَّ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ لِلشَّفِيعِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَاسْتِقْرَارَهَا بَعْدَ الطَّلَبَيْنِ كَمَا مَرَّ مَتْنًا، فَإِذَا صَدَرَ الْبَيْعُ وَثَبَتَ حَقُّهُ فِيهَا ثُمَّ عَلِمَ بِهِ وَلَمْ يَطْلُبْ طَلَبَ مُوَاثَبَةً بَطَلَتْ لِأَنَّهُ سَكَتَ بَعْدَ ثُبُوتِ حَقِّهِ، وَمَنْشَأُ مَا مَرَّ اشْتِبَاهُ الثُّبُوتِ بِالِاسْتِقْرَارِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ بِمِثْلِ الْخَمْرِ وَقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ) فَلَوْ بِيعَتْ بِمَيْتَةٍ فَلَا شُفْعَةَ إلَّا إنْ كَانُوا يَتَمَوَّلُونَهَا أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالشَّفِيعُ ذِمِّيًّا) وَمِثْلُهُ الْمُسْتَأْمَنُ لَا الْمُرْتَدُّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ أَوْ لَحِقَ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَا تَثْبُتُ لِوَرَثَتِهِ أَمَّا لَوْ شَرَى فَقُتِلَ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَةُ الشَّفِيعِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْخُرُوجِ عَنْ الْمِلْكِ، وَلَوْ شَرَى مُسْلِمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ دَارًا شَفِيعُهَا مُسْلِمٌ لَا شُفْعَةَ لَهُ وَإِنْ أَسْلَمَ أَهْلُهَا، لِأَنَّ أَحْكَامَنَا لَا تَجْرِي فِيهَا أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) بَيَانٌ لِفَائِدَةِ زِيَادَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْخَمْرَ فِي حَقِّنَا قِيَمِيٌّ حُكْمًا، أَوْ فِي قَوْلِهِ آنِفًا وَلَوْ حُكْمًا كَالْخَمْرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ حَقَّهُ أَنْ يَذْكُرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَفِي الْقِيَمِيِّ (قَوْلُهُ لَوْ كَانَ الشَّفِيعُ مُسْلِمًا) فَلَوْ مُسْلِمًا وَكَافِرًا فَالنِّصْفُ لِمُسْلِمٍ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَلِلْكَافِرِ بِمِثْلِ نِصْفِهِ أَتْقَانِيٌّ. وَفِيهِ أَسْلَمَ قَبْلَ الْأَخْذِ لَمْ تَبْطُلْ وَصَارَ كَالْمُسْلِمِ الْأَصْلِيِّ، وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَالْخَمْرُ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ انْتَقَضَ الْبَيْعُ قُبِضَتْ الدَّارُ أَوْ لَا وَلَمْ تَبْطُلْ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ انْفِسَاخَ الْبَيْعِ لَا يُبْطِلُهَا (قَوْلُهُ ثُمَّ قِيمَةُ الْخِنْزِيرِ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنَّهُ مَرَّ فِي بَابِ الْعَاشِرِ أَنَّهُ يَعْشِرُ الْخَمْرَ: أَيْ يَأْخُذُ مِنْ قِيمَتِهِ لَا الْخِنْزِيرَ لِأَنَّهُ قِيَمِيٌّ، وَقِيمَةُ الْقِيَمِيِّ كَعَيْنِهِ، وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ ظَاهِرٌ، وَقَدَّمَ الشَّارِحُ جَوَابًا غَيْرَهُ فِي بَابِ الْعَاشِرِ عَنْ سَعْدِيٍّ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ يَبْطُلُ حَقُّهُ أَصْلًا فَيَتَضَرَّرُ وَمَوَاضِعُ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُرُورِ عَلَى الْعَاشِرِ) فَإِنَّهُ يَعْشِرُ الْخَمْرَ لَا الْخِنْزِيرَ فَافْهَمْ فَغَيْرُهُ سَبْقُ قَلَمٍ (قَوْلُهُ بِالرُّجُوعِ) الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ (قَوْلُهُ إلَى ذِمِّيٍّ أَسْلَمَ إلَخْ) وَفِي الْبَحْرِ مِنْ بَابِ الْعَاشِرِ عَنْ الْكَافِي: يُعْرَفُ بِالرُّجُوعِ إلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ) أَيْ اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْقِيمَةِ ط (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ فِي الْغَصْبِ) مِنْ أَنَّ قِيمَتَهُمَا مُسْتَحَقَّيْ الْقَلْعِ أَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِمَا مَقْلُوعَيْنِ بِقَدْرِ أُجْرَةِ الْقَلْعِ ط (قَوْلُهُ قُلْت وَأَمَّا لَوْ دَهَنَهَا إلَخْ) بَيَانٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْبِنَاءِ وَالدَّهْنِ، وَكَانَ يَنْبَغِي تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ أَوْ كُلِّفَ الْمُشْتَرِي قَلْعَهُمَا، فَإِنَّ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ طَلَاهَا بِجِصٍّ كَثِيرٍ) لَيْسَ مِنْ عِبَارَةِ الزَّاهِدِيِّ بَلْ ذَكَرَهُ الرَّمْلِيُّ بَعْدَهَا بِقَوْلِهِ أَقُولُ وَعَلَى هَذَا لَوْ طَلَاهَا إلَخْ (قَوْلُهُ لِتَعَذُّرِ نَقْضِهِ) عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَلَا يُكَلَّفُ الْمُشْتَرِي النَّقْضَ لِتَعَذُّرِ نَقْضِهِ أَيْ عَلَى وَجْهٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 232 وَسَيَجِيءُ. (لَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي أَوْ غَرَسَ أَوْ كَلَّفَ) الشَّفِيعُ (الْمُشْتَرِيَ قَلْعَهُمَا) إلَّا إذَا كَانَ فِي الْقَلْعِ نُقْصَانُ الْأَرْضِ فَإِنَّ الشَّفِيعَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مَعَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَقْلُوعَةً غَيْرَ ثَابِتَةٍ قُهُسْتَانِيٌّ، وَعَنْ الثَّانِي إنْ شَاءَ أَخَذَ بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ أَوْ تَرَكَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ. قُلْنَا: بَنَى فِيمَا لِغَيْرِهِ فِيهِ حَقٌّ أَقْوَى وَلِذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَيَنْقُضُهُ (كَمَا يَنْقُضُ) الشَّفِيعُ (جَمِيعَ تَصَرُّفَاتِهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي (حَتَّى الْوَقْفُ وَالْمَسْجِدُ وَالْمَقْبَرَةُ) وَالْهِبَةُ زَيْلَعِيٌّ وَزَاهِدِيٌّ. وَأَمَّا الزَّرْعُ فَلَا يُقْلَعُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً وَيَبْقَى بِالْأَجْرِ (وَرَجَعَ الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ فَقَطْ، إنْ) أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ (بَنَى أَوْ غَرَسَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ) وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَغْرُورٍ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي (وَ) يَأْخُذُ (بِكُلِّ الثَّمَنِ إنْ خَرِبَتْ أَوْ جَفَّ الشَّجَرُ) بِلَا فِعْلِ أَحَدٍ وَالْأَصْلُ أَنَّ الثَّمَنَ يُقَابِلُ الْأَصْلَ لَا الْوَصْفَ (وَ) هَذَا إذَا (لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ نَقْضٍ أَوْ خَشَبٍ) فَلَوْ بَقِيَ وَأَخَذَهُ الْمُشْتَرِي لِانْفِصَالِهِ مِنْ الْأَرْضِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ تَبَعًا لِلْأَرْضِ تَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ، فَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الدَّارِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَعَلَى قِيمَةِ النَّقْضِ يَوْمَ الْأَخْذِ زَيْلَعِيٌّ. قُلْت: فَلَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ الْمُشْتَرِي كَأَنْ هَلَكَ بَعْدَ انْفِصَالِهِ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لِعَدَمِ حَبْسِهِ إذْ هُوَ مِنْ التَّوَابِعِ   [رد المحتار] يَكُونُ لَهُ قِيمَةٌ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَأَمَّا لَوْ دَهَنَهَا آخِرَ كِتَابِ الشُّفْعَةِ فِي الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ أَوْ كُلِّفَ) عَطْفٌ عَلَى يَأْخُذُ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ إلَى قَوْلِهِ وَعَنْ الثَّانِي) مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ. قَالَ ط: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَلَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَيْعِ اهـ. قُلْت: يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْأَتْقَانِيِّ وَيَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِالْقَلْعِ إلَّا إذَا كَانَ إلَخْ (قَوْلُهُ أَنْ يَأْخُذَهَا) أَيْ الْأَرْضَ جَبْرًا عَلَى الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ مَعَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ) الْأَوْضَحُ قَوْلُ النِّهَايَةِ مَعَ الْبِنَاءِ وَالْأَغْرَاسِ بِقِيمَتِهَا (قَوْلُهُ مَقْلُوعَةً) أَيْ مُسْتَحِقَّةَ الْقَلْعِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ غَيْرَ ثَابِتَةٍ ط (قَوْلُهُ وَعَنْ الثَّانِي إلَخْ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ، فَلَا يُكَلَّفُ الْمُشْتَرِي الْقَلْعَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعْتَدٍ فِي الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِيهِ بِالشِّرَاءِ فَلَا يُعَامَلُ بِأَحْكَامِ الْعُدْوَانِ الَّذِي هُوَ الْقَلْعُ ط (قَوْلُهُ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ) أَيْ قَائِمَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ غَيْرَ مَقْلُوعَيْنِ نِهَايَةٌ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ الشَّفِيعُ أَقْوَى (قَوْلُهُ وَيَبْقَى بِالْأَجْرِ) أَيْ رِعَايَةً لِجَانِبِ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعِ كَمَا أَوْضَحَهُ الزَّيْلَعِيُّ. هَذَا وَعِبَارَةُ الْأَتْقَانِيِّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى قَلْعِهِ بِالْإِجْمَاعِ، بَلْ يُنْظَرُ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ ثُمَّ يَقْضِي لِلشَّفِيعِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْأَجْرِ إذْ لَمْ تَخْرُجْ الْأَرْضُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي لِعَدَمِ الْقَضَاءِ تَأَمَّلْ. وَقَالَ السَّائِحَانِيُّ: الَّذِي فِي الْمَقْدِسِيَّ ثُمَّ الْأَرْضُ تُتْرَكُ بِغَيْرِ أَجْرٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ بِأَجْرٍ اهـ. قُلْت: وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ) يَعْنِي بِنُقْصَانِ قِيمَتِهِمَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ (قَوْلُهُ عَلَى أَحَدٍ) أَيْ سَوَاءٌ تَسَلَّمَهَا مِنْ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي ط (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَغْرُورٍ) لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ جَبْرًا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي) إذَا اسْتَحَقَّ مَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ لِأَنَّ الْبَائِعَ غَرَّهُ بِالْعَقْدِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا خَسِرَ (قَوْلُهُ وَيَأْخُذُ بِكُلِّ الثَّمَنِ إلَخْ) أَيْ إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ دَارًا فَخَرِبَتْ أَوْ بُسْتَانًا فَجَفَّ الشَّجَرُ فَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِكُلِّ الثَّمَنِ لِأَنَّهُمَا تَابِعَانِ لِلْأَرْضِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ بِلَا فِعْلِ أَحَدٍ) يَأْتِي مُحْتَرَزُهُ مَتْنًا (قَوْلُهُ لَا الْوَصْفَ) أَيْ مَا لَمْ يُقْصَدْ إتْلَافٌ فَيُقَابَلُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا يَأْتِي رَحْمَتِيٌّ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لَا التَّبَعَ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ لَيْسَا وَصْفًا لِلدَّارِ وَالْبُسْتَانِ نَعَمْ الْجَفَافُ وَصْفٌ. قَالَ فِي التَّبْيِينِ: لِأَنَّهُمَا تَابِعَانِ لِلْأَرْضِ حَتَّى يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ فَلَا يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلِهَذَا يَبِيعُهُمَا مُرَابَحَةً فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ اهـ ط (قَوْلُهُ مِنْ نَقْضٍ أَوْ خَشَبٍ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ ط (قَوْلُهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ تَبَعًا لِلْأَرْضِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ تَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ ط فَهُوَ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ بَقِيَ مُحْتَبَسًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي زَيْلَعِيٌّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 233 وَالتَّوَابِعُ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَبِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ تَحَوَّلَتْ الصَّفْقَةُ إلَى الشَّفِيعِ، فَقَدْ هَلَكَ مَا دَخَلَ تَبَعًا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا يَسْقُطُ بِمِثْلِهِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ قَالَهُ شَيْخُنَا (بِخِلَافِ مَا إذَا تَلِفَ بَعْضُ الْأَرْضِ) بِغَرَقٍ حَيْثُ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ لِأَنَّ الْفَائِتَ بَعْضُ الْأَصْلِ زَيْلَعِيٌّ (وَ) يَأْخُذُ (بِحِصَّةِ الْعَرْصَةِ) مِنْ الثَّمَنِ (إنْ نَقَضَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ) لِأَنَّهُ قَصَدَ الْإِتْلَافَ. وَفِي الْأَوَّلِ الْآفَةُ سَمَاوِيَّةٌ، وَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ يَوْمَ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ انْهِدَامِهِ كَمَا مَرَّ لِتَقَوُّمِهِ بِالْجِنْسِ (وَنَقْضُ الْأَجْنَبِيِّ كَنَقْضِهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي (وَالنِّقْضُ) بِالْكَسْرِ الْمَنْقُوضُ (لَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ لِزَوَالِ التَّبَعِيَّةِ بِانْفِصَالِهِ (وَ) يَأْخُذُ (بِثَمَرِهَا) اسْتِحْسَانًا لِاتِّصَالِهِ. (إنْ ابْتَاعَ أَرْضًا وَنَخْلًا وَثَمَرًا أَوْ أَثْمَرَ) بَعْدَ الشِّرَاءِ (فِي يَدِهِ وَإِنْ جَذَّهُ الْمُشْتَرِي) فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ لِمَا مَرَّ (أَوْ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ   [رد المحتار] قَوْلُهُ فَقَدْ هَلَكَ مَا دَخَلَ تَبَعًا) أَيْ لَمَّا كَانَ مِنْ التَّوَابِعِ وَتَحَوَّلَتْ الصَّفْقَةُ إلَى الشَّفِيعِ فَقَدْ هَلَكَ التَّبَعُ بَعْدَ دُخُولِ الْأَصْلِ فِي مِلْكِ الشَّفِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَافْهَمْ. فَإِنْ قُلْت: تَقَدَّمَ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ مِنْ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ الْأَخْذُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِلَّا فَمِنْ الْبَائِعِ لِتَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَيْهِ، وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ السُّقُوطِ فِيمَا أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي أَيْضًا لِأَنَّهُ قَبْلَ شِرَاءِ الشَّفِيعِ وَقَبْضِهِ فَلَمْ يَدْخُلْ تَبَعًا. قُلْت: (تَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ الشُّفْعَةَ تَمَلُّكُ الْبُقْعَةِ بِمَا قَامَ عَلَى الْمُشْتَرِي) ، فَلَوْ لَمْ تَسْقُطْ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ تَأَمَّلْ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْفَائِتَ بَعْضُ الْأَصْلِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ لِأَنَّ الْغَائِبَ وَالْكُلَّ صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَائِتِ الْهَالِكُ، وَبِالْغَائِبِ: أَيْ فِي الْمَاءِ الْهَالِكِ أَيْضًا، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ الَّذِي فِي الزَّيْلَعِيِّ. ثُمَّ هَذَا بَيَانُ وَجْهِ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ (قَوْلُهُ إنْ نَقَضَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ) فَلَوْ لَمْ يَنْقُضْهُ وَلَكِنْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ بِلَا أَرْضٍ فَلِلشَّفِيعِ نَقْضُ الْبَيْعِ، وَكَذَا النَّبَاتُ وَالنَّخْلُ طُورِيٌّ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْإِتْلَافَ) أَيْ وَالتَّبَعُ إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِهِ يَسْقُطُ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ ط (قَوْلُهُ وَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ إلَخْ) فَتُقَوَّمُ الْأَرْضُ وَعَلَيْهَا الْبِنَاءُ وَتُقَوَّمُ بِغَيْرِهِ، فَبِقَدْرِ التَّفَاوُتِ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ ط. قُلْت: فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي وَالْبَيِّنَةُ لِلشَّفِيعِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا وَلَوْ فِي قِيمَةِ الْأَرْضِ يَوْمَ وَقَعَ الشِّرَاءُ نَظَرًا إلَى قِيمَتِهِ الْيَوْمَ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ، فَمَنْ شَهِدَ لَهُ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ انْهِدَامِهِ إلَخْ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا انْهَدَمَ بِنَفْسِهِ وَأَخَذَ النِّقْضَ حَيْثُ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْأَخْذِ كَمَا مَرَّ لِأَنَّهُ صَارَ مَانِعًا بِحَبْسِهِ فَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ بِالْحَبْسِ فِي يَوْمِهِ تَأَمَّلْ وَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالنِّقْضُ بِالْكَسْرِ) قَالَ الْمَكِّيُّ: قُلْت وَقَدْ حَصَلَ فِي نَقْضِ الْبِنَاءِ وَهُوَ مَنْقُوضٌ لُغَتَانِ ضَمُّ النُّونِ وَكَسْرِهَا فَالْأَزْهَرِيُّ وَصَاحِبُ الْمُحْكَمِ اقْتَصَرَ عَلَى الضَّمِّ، وَالْجَوْهَرِيُّ وَابْنُ فَارِسٍ عَلَى الْكَسْرِ وَهُوَ الْقِيَاسُ كَالذِّبْحِ وَالرِّعْيِ وَالنِّكْثِ بِمَعْنَى الْمَذْبُوحِ وَالْمَرْعَى وَالْمَنْكُوثِ ط (قَوْلُهُ بِثَمَرِهَا) الْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ ط (قَوْلُهُ لِاتِّصَالِهِ) هَذَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَكُونُ لَهُ أَخْذُ الثَّمَرَةِ لِعَدَمِ التَّبَعِيَّةِ كَالْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ فِيهَا مِنَحٌ. وَبَيَانُ وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الِاتِّصَالِ صَارَ تَبَعًا لِلْعَقَارِ كَالْبِنَاءِ فِي الدَّارِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَثَمَرًا) بِأَنَّ شَرْطَهُ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّ الثَّمَرَ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِالشَّرْطِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَبَعٍ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ فِي يَدِهِ) مُتَعَلِّقَانِ بِأَثْمَرَ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ إذَا أَثْمَرَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ، كَمَا إذَا كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الشِّرَاءِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ جَذَّهُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَدَّدَةِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ: الْجِذَاذُ بِالذَّالِ عَامٌّ فِي قَطْعِ الثِّمَارِ، وَبِالْمُهْمَلَةِ خَاصٌّ بِالنَّخْلِ اهـ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ، وَضَبَطَهُ مِسْكِينٌ هُنَا بِالْمُهْمَلَةِ. قَالَ أَبُو السُّعُودِ لِأَنَّهُ أَنْسَبُ بِالْمَقَامِ، وَقَوْلُهُ الْمُشْتَرِي لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ الْبَائِعُ وَالْأَجْنَبِيُّ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ) أَيْ فِي الْفَصْلَيْنِ هِدَايَةٌ: أَيْ إذَا اشْتَرَاهُ بِالثَّمَرِ أَوْ أَثْمَرَ فِي يَدِهِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ وَلَيْسَ بِالْوَاوِ وَيَذْكُرُهُ بَعْدَ جَوَابِ الشَّرْطِ الْآتِي (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ آنِفًا مِنْ قَوْلِهِ لِزَوَالِ التَّبَعِيَّةِ بِانْفِصَالِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الثَّمَرَ فِي الْأُولَى وَإِنْ دَخَلَ بِالشَّرْطِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 234 وَقَدْ اشْتَرَاهَا بِثَمَرِهَا سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ شِرَائِهَا بِثَمَرِهَا (وَبِكُلِّ الثَّمَنِ فِي الثَّانِي) لِحُدُوثِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ. (قُضِيَ بِالشُّفْعَةِ لِلشَّفِيعِ لَيْسَ لَهُ تَرْكُهَا) شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٌ لِتَحْوِيلِ الصَّفْقَةِ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَضَاءِ (الطَّلَبُ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ وَقْتَ انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ اتِّفَاقًا وَفِي هِبَةٍ بِعِوَضٍ) مَشْرُوطٌ وَلَا شُيُوعَ فِيهِمَا (وَقْتَ التَّقَابُضِ) وَفِي بَيْعِ فُضُولِيٍّ أَوْ بِخِيَارِ بَائِعٍ وَقْتَ الْبَيْعِ عِنْدَ الثَّانِي وَوَقْتَ الْإِجَازَةِ عِنْدَ الثَّالِثِ، وَبِخِيَارِ مُشْتَرٍ وَقْتَ الْبَيْعِ اتِّفَاقًا مُجْتَبًى. (مَنْ لَمْ يَرَ الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ) كَالشَّافِعِيِّ مَثَلًا. (طَلَبَهَا عِنْدَ حَاكِمٍ يَرَاهُ يَقُولُ لَهُ هَلْ تَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا؟ إنْ قَالَ نَعَمْ) أَعْتَقِدُ ذَلِكَ (حَكَمَ بِهَا لَهُ وَإِلَّا) يَقُلْهُ (لَا) يَحْكُمُ مُنْيَةٌ وَبَزَّازِيَّةٌ. [فُرُوعٌ] أَخَّرَ الشَّفِيعُ إيجَابَ الطَّلَبِ لِكَوْنِ الْقَاضِي لَا يَرَاهَا فَهُوَ مَعْذُورٌ، وَكَذَا لَوْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي إحْضَارَهُ   [رد المحتار] كَمَا مَرَّ وَوَقَعَ الشِّرَاءُ عَلَيْهِ قَصْدًا، لَكِنَّ دُخُولَهُ فِي الشُّفْعَةِ بِالتَّبَعِيَّةِ لِلْعَقَارِ بِاعْتِبَارِ الِاتِّصَالِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَبِالِانْفِصَالِ تَزُولُ التَّبَعِيَّةُ لِلْعَقَارِ فَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَقَدْ اشْتَرَاهَا بِثَمَرِهَا) مَزِيدَةٌ عَلَى الدُّرَرِ وَلَا مَعْنَى لَهَا ح أَيْ لِمُنَافَاتِهِ لِلتَّفْصِيلِ الْآتِي (قَوْلُهُ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ فِي الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ قَصْدًا فَيُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِحُدُوثِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ) فَلَا يَكُونُ مَبِيعًا إلَّا تَبَعًا فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِتَحْوِيلِ الصَّفْقَةِ إلَيْهِ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ لَهُ إبْطَالُهَا مُنْفَرِدًا مِنْ غَيْرِ مُقْتَضٍ شَرْعًا ط (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَضَاءِ) قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا تُمْلَكُ بِالْأَخْذِ بِالتَّرَاضِي وَبِقَضَاءِ الْقَاضِي، فَالْقَضَاءُ هُنَا غَيْرُ قَيْدٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقْتَ انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ) كَأَنْ تَصَرَّفَ فِيهَا الْمُشْتَرِي بِبِنَاءٍ وَنَحْوِهِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَفِي هِبَةٍ بِعِوَضٍ مَشْرُوطٍ) أَيْ فِي الْعَقْدِ. وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: وَهَبْت هَذَا لَك عَلَى أَنْ تُعَوِّضَنِي كَذَا، وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَهَبْت هَذَا لَك بِكَذَا أَنَّهُ بَيْعٌ أَتْقَانِيٌّ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: فَلَوْ كَانَتْ بِغَيْرِ شَرْطِ الْعِوَضِ ثُمَّ عَوَّضَهُ بَعْدَهَا فَلَا شُفْعَةَ (قَوْلُهُ وَلَا شُيُوعَ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْهِبَةِ وَالْعِوَضِ بِأَنْ كَانَ الْعِوَضُ عَقَارًا أَيْضًا قَالَ ط: أَمَّا إذَا كَانَتْ فِي شَائِعٍ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُقَسَّمُ فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَإِلَّا فَهِيَ صَحِيحَةٌ وَتَجْرِي فِيهَا الشُّفْعَةُ وَهَذَا قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْهِبَةِ اهـ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا وَهَبَ نِصْفَ دَارٍ بِعِوَضٍ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، لِأَنَّ هِبَةَ الْمَشَاعِ فِيمَا يُقَسَّمُ لَا تَجُوزُ اهـ (قَوْلُهُ وَقْتَ التَّقَابُضِ) أَيْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَلَوْ قُبِضَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فَلَا شُفْعَةَ أَتْقَانِيٌّ، وَلَوْ سَلَّمَهَا قَبْلَ قَبْضِ الْآخَرِ فَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْمُسْتَصْفَى. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ فَلَا شُفْعَةَ مَا لَمْ يَتَقَابَضَا. وَعَلَى قَوْلِهِ تَجِبُ قَبْلَ التَّقَابُضِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ عِنْدَهُ بَيْعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَعِنْدَنَا بِرٌّ ابْتِدَاءً وَبِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ اهـ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ: يُعْتَبَرُ الطَّلَبُ عِنْدَ التَّقَابُضِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَقَوْلُ السَّائِحَانِيِّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ: وَفِي رِوَايَةٍ وَقْتَ الْعَقْدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مُشْكِلٌ، فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَهُ مِنْ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَوَقْتُ الْإِجَازَةِ عِنْدَ الثَّالِثِ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ الْبَابِ الْآتِي وَفِيهِ كَلَامٌ سَتَعْرِفُهُ (قَوْلُهُ يَقُولُ لَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكُتُبِ أَنَّ مَنْ لَا يَرَى الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ إذَا طَلَبَهَا عِنْدَ حَاكِمٍ يَرَاهَا قِيلَ لَا يَقْضِي لَهُ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ بُطْلَانَ دَعْوَاهُ، وَقِيلَ يَقْضِي لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَرَاهَا، وَقِيلَ يَقُولُ لَهُ إلَخْ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَقَاوِيلِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِلَّا يَقُلْهُ) عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ قَالَ لَا فَلَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إيجَابَ الطَّلَبِ) أَيْ إثْبَاتَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 235 فَامْتَنَعَ بِخِلَافِ سَبْتِ الْيَهُودِيِّ كَمَا يَأْتِي. شَرَى أَرْضًا بِمِائَةٍ فَرَفَعَ تُرَابَهَا وَبَاعَهُ بِمِائَةٍ ثُمَّ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ أَخَذَهَا بِخَمْسِينَ. لِأَنَّ ثَمَنَهَا يُقَسَّمُ عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ يَوْمَ الشِّرَاءِ قَبْلَ رَفْعِ التُّرَابِ وَعَلَى قِيمَةِ التُّرَابِ الَّذِي بَاعَهُ وَهُمَا سَوَاءٌ، وَلَوْ كَبَسَهَا كَمَا كَانَتْ. فَالْجَوَابُ لَا يَتَفَاوَتُ وَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي ارْفَعْ مَا كَبَسَتْ فِيهَا فَهُوَ مِلْكُك حَاوِي الزَّاهِدِيِّ. وَفِيهِ شَرَى دَارًا إلَى الْحَصَادِ فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يُعَجِّلَ الثَّمَنَ وَيَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِبَيْعٍ فَاسِدٍ اهـ. قُلْت: وَسَيَجِيءُ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيمَا بِيعَ فَاسِدًا وَلَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ لِاحْتِمَالِ الْفَسْخِ، نَعَمْ إذَا سَقَطَ الْفَسْخُ بِبِنَاءٍ وَنَحْوِهِ وَجَبَتْ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ إنَّمَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ إذَا قَبَضَ الْكُلَّ، فَلَوْ وَهَبَ دَارًا عَلَى عِوَضِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ دُونَ الْآخَرِ ثُمَّ سَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ فَهُوَ بَاطِلٌ حَتَّى إذَا قَبَضَ الْعِوَضَ الْآخَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ الشُّفْعَةَ. بَابُ مَا تَثْبُتُ هِيَ فِيهِ أَوْ لَا تَثْبُتُ (لَا تَثْبُتُ قَصْدًا إلَّا فِي عَقَارٍ مُلِّكَ بِعِوَضٍ) خَرَجَ الْهِبَةُ (هُوَ مَالٌ) خَرَجَ الْمَهْرُ (وَإِنْ لَمْ) يَكُنْ (يُقَسَّمُ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (كَرَحًى) أَيْ بَيْتِ الرَّحَى مَعَ الرَّحَى نِهَايَةٌ (وَحَمَّامٍ وَبِئْرٍ) وَنَهْرٍ (وَبَيْتٍ صَغِيرٍ) لَا يُمْكِنُ قَسْمُهُ (لَا فِي عَرْضٍ)   [رد المحتار] عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنَّ الطَّلَبَ عِنْدَهُ وَهُوَ الثَّالِثُ مُتَضَمِّنٌ إثْبَاتَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ وَطَلَبِ التَّقْرِيرِ فَلَفْظُ إيجَابٍ فِي مَحِلِّهِ فَافْهَمْ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَهَا شَهْرًا بِلَا عُذْرٍ بَطَلَتْ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فَامْتَنَعَ) أَيْ الْقَاضِي أَوْ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الشُّفْعَةُ أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ ط (قَوْلُهُ بِخِلَافِ سَبْتِ الْيَهُودِيِّ) فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُحْضِرُهُ وَإِنْ كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ، هَذَا إنْ كَانَتْ الشُّفْعَةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَهُ فَالْمَعْنَى يَطْلُبُ مِنْ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَهَذَا يَظْهَرُ إذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ آخِرَ الشَّهْرِ إذْ تَأْخِيرُ الطَّلَبِ قَبْلَ الشَّهْرِ لَا يُبْطِلُهَا اتِّفَاقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ أَوْ التَّقْرِيرِ تَأَمَّلْ، وَمِثْلُ السَّبْتِ الْأَحَدُ لِلنَّصْرَانِيِّ كَمَا أَفَادَهُ الْحَمَوِيُّ (قَوْلُهُ كَمَا يَأْتِي) أَيْ فِي الْفُرُوعِ آخِرَ كِتَابِ الشُّفْعَةِ (قَوْلُهُ أَخَذَهَا بِخَمْسِينَ) عَزَاهَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَى ابْنِ الْفَضْلِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَقَالَ الْقَاضِي السَّعْدِيُّ: لَا يُطْرَحُ عَنْ الشَّفِيعِ نِصْفُ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا يُطْرَحُ عَنْهُ حِصَّةُ النُّقْصَانِ، وَظَاهِرُ تَقْدِيمِ الْخَانِيَّةِ الْأَوَّلُ اعْتِمَادُهُ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ ثَمَنَهَا إلَخْ) ظَاهِرُ التَّعْلِيلِ أَنَّ قِيمَتَهُمَا سَوَاءٌ وَقْتَ الْعَقْدِ، فَلَوْ اخْتَلَفَتْ لَا يَتَعَيَّنُ أَخْذُهَا بِخَمْسِينَ بَلْ يُقَسَّمُ الثَّمَنُ بِحَسْبِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إذَا قُبِضَ الْكُلُّ) مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ أَيْ كُلٌّ مِنْ الْبَدَلَيْنِ أَوْ لِلْمَعْلُومِ: أَيْ كُلٌّ مِنْ الْمُتَبَادَلَيْنِ (قَوْلُهُ فَهُوَ) أَيْ التَّسْلِيمُ (قَوْلُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ) لِأَنَّهُ وَقْتُ انْعِقَادِ الْمُعَاوَضَةِ وَلِذَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّقَابُضِ الدَّالِّ عَلَى حُصُولِ الْقَبْضِ مِنْ الِاثْنَيْنِ فِي قَوْلِهِ وَفِي هِبَةٍ بِعِوَضٍ وَقْتَ التَّقَابُضِ ط وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ مَا تَثْبُتُ الشُّفْعَة فِيهِ أَوْ لَا تَثْبُتُ] بَابُ مَا تَثْبُتُ هِيَ فِيهِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ لَا تَثْبُتُ قَصْدًا إلَخْ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ تَبَعًا لَهُ كَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَالثَّمَرَةِ عَلَى مَا مَرَّ وَكَذَا فِي آلَةِ الْحِرَاثَةِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ مُلِّكَ) بِالتَّشْدِيدِ أَوْ التَّخْفِيفِ صِفَةُ عَقَارٍ، وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ وَهُوَ مَا بِيعَ بِخِيَارٍ لِلْبَائِعِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ خَرَجَ الْهِبَةُ) أَيْ الَّتِي لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا الْعِوَضُ، وَهَذِهِ الْمُحْتَرَزَاتُ أَتَى بِهَا الْمُصَنِّفُ بَعْدُ فَالْأَوْلَى حَذْفُهَا ط (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُقْسَمُ) أَدْرَجَ لَفْظَ يَكُنْ لِيُفِيدَ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ مِمَّا اتَّصَفَ بِكَوْنِهِ يُقْسَمُ: أَيْ يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ نَفْيَ الْقِسْمَةِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ قَابِلًا لَهَا أَوْ لَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ لِدَفْعِ ضَرَرِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ وَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا. وَعِنْدَنَا لِدَفْعِ ضَرَرِ التَّأَذِّي بِسُوءِ الْمُجَاوَرَةِ عَلَى الدَّوَامِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَحَمَّامٍ) فَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِقَدْرِهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْبِنَاءِ دُونَ الْقِصَاعِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ بِالْبِنَاءِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 236 بِالسُّكُونِ مَا لَيْسَ بِعَقَارٍ فَيَكُونُ مَا بَعْدَهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ (وَفُلْكٍ) خِلَافًا لِمَالِكٍ (وَبِنَاءٍ وَنَخْلٍ) إذَا (بِيعَا قَصْدًا) وَلَوْ مَعَ حَقِّ الْقَرَارِ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ ابْنُ الْكَمَالِ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَنْقُولَ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ (وَلَا) فِي (إرْثٍ وَصَدَقَةٍ وَهِبَةٍ لَا بِعِوَضٍ) مَشْرُوطٍ (وَدَارٌ قُسِّمَتْ) أَوْ جُعِلَتْ أُجْرَةً أَوْ بَدَلَ خُلْعٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ صُلْحٍ عَنْ دَمِ عَمْدٍ أَوْ مَهْرٍ (وَإِنْ قُوبِلَ بِبَعْضِهَا) أَيْ الدَّارِ (مَالٌ) لِأَنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ تَابِعٌ فِيهِ، وَأَوْجَبَاهَا فِي حِصَّةِ الْمَالِ (أَوْ) دَارٍ (بِيعَتْ بِخِيَارِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ، فَإِنْ سَقَطَ وَجَبَتْ إنْ طَلَبَ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ) فِي الصَّحِيحِ، وَقِيلَ عِنْدَ   [رد المحتار] نِهَايَةٌ، وَفِي الطُّورِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ: وَيَدْخُلُ فِي الرَّحَى الْحَجَرُ الْأَسْفَلُ دُونَ الْأَعْلَى، لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ بِالْأَرْضِ (قَوْلُهُ بِالسُّكُونِ) أَيْ سُكُونِ الرَّاءِ. وَفِي الْمُغْرِبِ: الْعَرَضُ بِفَتْحَتَيْنِ وَيُجْمَعُ عَلَى عُرُوضٍ حُطَامُ الدُّنْيَا (قَوْلُهُ مَا لَيْسَ بِعَقَارٍ) تَفْسِيرُ مُرَادٍ هُنَا قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَالْعَرْضُ بِسُكُونِ الرَّاءِ الْمَتَاعُ، وَكُلُّ شَيْءٍ فَهُوَ عَرْضٌ سِوَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْعُرُوض الْأَمْتِعَةُ الَّتِي لَا يَدْخُلُهَا كَيْلٌ وَلَا وَزْنٌ، وَلَا تَكُونُ حَيَوَانًا وَلَا عَقَارًا (قَوْلُهُ إذَا بِيعَا قَصْدًا) أَيْ بَيْعًا قَصْدِيًّا فَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِيهِمَا بِتَبَعِيَّةِ الْعَقَارِ، فَلَوْ اشْتَرَى نَخْلَةً بِأَرْضِهَا فَفِيهَا الشُّفْعَةُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى لِيَقْلَعَهَا حَيْثُ لَا شُفْعَةَ فِيهَا لِأَنَّهَا نَقْلِيَّةٌ كَمَا فِي الْبِنَاءِ وَالزَّرْعِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَعَ حَقِّ الْقَرَارِ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِيهِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَا فِي إرْثٍ) أَيْ مَوْرُوثٍ دُرَرٌ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَمْلِكُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا يُرَدُّ عَلَى بَائِعِهِ بِالْعَيْبِ فَكَأَنَّ مِلْكَ الْمَيِّتِ لَمْ يَزُلْ أَتْقَانِيٌّ، فَهُوَ أَيْضًا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ مِلْكٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَصَدَقَةٍ وَهِبَةٍ إلَخْ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ فَصَارَتْ كَالْإِرْثِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ لَا بِعِوَضٍ مَشْرُوطٍ) قَدَّمْنَا فَائِدَتَهُ (قَوْلُهُ وَدَارٍ قُسِمَتْ) أَيْ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهَا الْجَبْرُ وَالشُّفْعَةُ لَمْ تَجْرِ إلَّا فِي الْمُبَادَلَةِ الْمُطْلَقَةِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ أَوْ جُعِلَتْ أُجْرَةً إلَخْ) لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِالْآثَارِ فِي مُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ مُطْلَقٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهَا مِنَحٌ (قَوْلُهُ أَوْ صُلْحٍ عَنْ دَمِ عَمْدٍ) قَيَّدَ بِهِ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ كَانَ عَنْ جِنَايَةِ خَطَأٍ تَجِبُ الشُّفْعَةُ، فَلَوْ عَنْ جِنَايَتَيْنِ عَمْدٍ وَخَطَأٍ لَا شُفْعَةَ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ فِيمَا يَخُصُّ الْخَطَأَ اهـ طُورِيٌّ، وَإِنْ ادَّعَى حَقًّا عَلَى إنْسَانٍ فَصَالَحَهُ عَلَى دَارٍ لِلشَّفِيعِ أَخْذُهَا سَوَاءٌ كَانَ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ لِزَعْمِ الْمُدَّعِي أَنَّهَا عِوَضُ حَقِّهِ فَيُؤَاخَذُ بِزَعْمِهِ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَارًا فَصَالَحَهُ عَلَى دَرَاهِمَ، فَإِنْ عَنْ إقْرَارٍ تَجِبُ لِزَعْمِهِ مِلْكَهَا بِعِوَضٍ لَا إنْ كَانَ عَنْ إنْكَارٍ لِزَعْمِهِ أَنَّهَا لَمْ تَزُلْ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ سُكُوتٍ لِزَعْمِهِ أَنَّ الْمُعْطَى لِافْتِدَاءِ يَمِينِهِ كَمَا فِي دُرَرِ الْبِحَارِ (قَوْلُهُ أَوْ مَهْرٍ) صَوَابُهُ أَوْ مَهْرًا بِالنَّصْبِ كَمَا فِي الْغُرَرِ عَطْفًا عَلَى أُجْرَةً، إذْ لَوْ جُعِلَتْ بَدَلَ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْمَهْرِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ قُوبِلَ بِبَعْضِهَا مَالٌ) بِأَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى دَارٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَا شُفْعَةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مِنَحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ تَابِعٌ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْعَقْدِ، لِأَنَّهُ وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَى نِكَاحٍ وَبَيْعٍ لَكِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ النِّكَاحُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ، وَلَا شُفْعَةَ فِي الْأَصْلِ فَكَذَا التَّبَعُ (قَوْلُهُ بِيعَتْ بِخِيَارِ الْبَائِعِ) وَكَذَا بِخِيَارِهِمَا لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي وَهَذَا فِي الَّتِي فِيهَا الْخِيَارُ، فَلَوْ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا وَالْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا فَلَهُ الشُّفْعَةُ، فَلَوْ لِلْبَائِعِ سَقَطَ لِإِرَادَتِهِ الِاسْتِبْقَاءَ وَكَذَا الْمُشْتَرِي وَتَصِيرُ إجَازَةً بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهَا وَلَمْ يَرَهَا فَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ بِأَخْذِ مَا بِيعَ بِجَنْبِهَا لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَبْطُلُ بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ فَكَيْفَ بِدَلَالَتِهِ؟ ثُمَّ إذَا حَضَرَ شَفِيعُ الْأُولَى لَهُ أَخْذُهَا دُونَ الثَّانِيَةِ لِانْعِدَامِ مِلْكِهِ فِي الْأُولَى حِينَ بِيعَتْ الثَّانِيَةُ عِنَايَةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْبَيْعَ يَصِيرُ سَبَبًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ عِنْدَ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالدُّرَرِ وَالْمِنَحِ، وَأَقَرَّهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَقَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ إنَّهُ يُشْتَرَطُ الطَّلَبُ عِنْدَ وُجُودِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 237 الْبَيْعِ وَصُحِّحَ (أَوْ بِيعَتْ) الدَّارُ بَيْعًا (فَاسِدًا وَلَمْ يَسْقُطْ فَسْخُهُ فَإِنْ سَقَطَ) حَقُّ فَسْخِهِ كَأَنْ بَنَى الْمُشْتَرِي فِيهَا (تَثْبُتُ) الشُّفْعَةُ كَمَا مَرَّ (أَوْ رَدَّ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ عَيْبٍ بِقَضَاءٍ) مُتَعَلِّقٍ بِالْأَخِيرِ فَقَطْ خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلدُّرَرِ (بَعْدَمَا سُلِّمَتْ) أَيْ إذَا بِيعَ وَسُلِّمَتْ الشُّفْعَةُ ثُمَّ رَدَّ الْمَبِيعَ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ كَيْفَمَا كَانَ أَوْ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ فَلَا شُفْعَةَ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لَا بَيْعٌ (بِخِلَافِ الرَّدِّ) بِعَيْبٍ بَعْدَ الْقَبْضِ (بِلَا قَضَاءٍ أَوْ بِإِقَالَةٍ) فَإِنَّ لَهُ الشُّفْعَةَ، لِأَنَّ الرَّدَّ بِعَيْبٍ بِلَا قَضَاءٍ   [رد المحتار] أَقُولُ: لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ: يُشْتَرَطُ الطَّلَبُ وَالْإِشْهَادُ عِنْدَ الْبَيْعِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَطْلُبْ وَلَمْ يُشْهِدْ عِنْدَ الْبَيْعِ ثُمَّ جَازَ الْبَيْعُ بِالْإِجَازَةِ أَوْ عِنْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّمَا يُشْتَرَطُ عِنْدَ جَوَازِ الْبَيْعِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَنَظِيرُهُ الدَّارُ إذَا بِيعَتْ وَلَهَا جَارٌ وَشَرِيكٌ فَالشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ لَا لِلْجَارِ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا يُشْتَرَطُ الطَّلَبُ مِنْ الْجَارِ عِنْدَ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّ الطَّلَبَ عِنْدَ إجَازَةِ الْمَالِكِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ بِالْخِيَارِ عَقْدٌ تَامٌّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَعْمَلُ مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ أَحَدٍ وَلَا كَذَلِكَ عَقْدُ الْفُضُولِيِّ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: يَطْلُبُ بَعْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ، وَقِيلَ عِنْدَ الْبَيْعِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَمَا فِي الْكَافِي وَالثَّانِي الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعِبَارَةَ مَقْلُوبَةٌ لِأَنَّ الْمُصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ هُوَ الْأَوَّلُ، فَقَدْ ظَهَرَ تَصْحِيحُ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، وَلَكِنْ إنْ ثَبَتَ أَنَّ الثَّانِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا يُعْدَلُ عَنْهُ (قَوْلُهُ أَوْ بِيعَتْ الدَّارُ بَيْعًا فَاسِدًا) أَيْ لَا شُفْعَةَ فِيهَا أَيْضًا، أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِعَدَمِ زَوَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِاحْتِمَالِ الْفَسْخِ، وَفِي إثْبَاتِ الشُّفْعَةِ تَقْرِيرٌ لِلْفَسَادِ فَلَا يَجُوزُ جَوْهَرَةٌ. وَفِي الْكَلَامِ تَلْوِيحٌ إلَى أَنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا ابْتِدَاءً لِأَنَّ الْفَسَادَ إذَا كَانَ بَعْدَ انْعِقَادِهِ صَحِيحًا فَحَقُّ الشُّفْعَةِ عَلَى حَالِهِ، فَإِنَّ النَّصْرَانِيَّ لَوْ اشْتَرَى مِنْ نَصْرَانِيٍّ دَارًا بِخَمْرٍ فَلَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ قَبَضَ الدَّارَ وَلَمْ يَقْبِضْ الْخَمْرَ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَحَقُّ الشُّفْعَةِ بَاقٍ لِفَسَادِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ صَحِيحًا عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ كَأَنْ بَنَى الْمُشْتَرِي فِيهَا) أَوْ أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ بَاعَهَا فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهَا بِالْبَيْعِ الثَّانِي بِالثَّمَنِ أَوْ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ بِقِيمَتِهَا لِأَنَّهَا الْوَاجِبَةُ فِيهِ، وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ قُبَيْلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) حَيْثُ عَلَّقَهُ بِرُدَّ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَهُوَ خَطَأٌ فِي الرَّدِّ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ، عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ فِي الرَّدِّ بِعَيْبٍ لَيْسَ شَرْطًا لِإِبْطَالِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ مُطْلَقًا بَلْ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، وَفِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ يَكُونُ إقَالَةً لِعَدَمِ الْقَضَاءِ بِهِ، وَهِيَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَهُوَ الشَّفِيعُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: إذَا سَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ رَدَّ الدَّارَ عَلَى الْبَائِعِ، إنْ كَانَ الرَّدُّ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ نَحْوُ الرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ الشَّرْطِ وَبِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَبَعْدَ الْقَبْضِ بِقَضَاءٍ لَا يَتَجَدَّدُ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ، فَإِنْ كَانَ الرَّدُّ بِسَبَبٍ هُوَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ، نَحْوُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَالرَّدُّ بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ تَتَجَدَّدُ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ اهـ (قَوْلُهُ بَعْدَمَا سُلِّمَتْ) فَلَوْ قَبْلَهُ تَبْقَى شُفْعَتُهُ مَعَ كُلِّ فَسْخٍ وَبِدُونِ فَسْخٍ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فَسْخٌ) عِلَّةٌ لِلثَّلَاثِ (قَوْلُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ) هَذَا التَّقْيِيدُ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الذَّخِيرَةِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَقَارِ عِنْدَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْبَيْعِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْبَيْعِ، أَيْ بِالنَّظَرِ إلَى الشَّفِيعِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ. قَالَ أَبُو السُّعُودِ: وَتَعَقَّبَهُ الشَّلَبِيُّ نَقْلًا عَنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ بِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ، حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ فَبَطَلَ بَحْثُهُ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 238 وَالْإِقَالَةَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعٍ مُبْتَدَأٍ. (وَتَثْبُتُ) الشُّفْعَةُ (لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ الْمُسْتَغْرِقِ بِالدَّيْنِ) إحَاطَةُ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ وَكَسْبُهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ ابْنُ كَمَالٍ (فِي مَبِيعِ سَيِّدِهِ، وَ) تَثْبُتُ (لِسَيِّدِهِ فِي مَبِيعِهِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ، وَشِرَاءُ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ يَجُوزُ (وَ) تَثْبُتُ (لِمَنْ شَرَى) أَصَالَةً أَوْ وَكَالَةً (أَوْ اشْتَرَى لَهُ) بِالْوَكَالَةِ، وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمُوَكِّلُ بِالشِّرَاءِ شَرِيكًا وَلِلدَّارِ شَرِيكٌ آخَرُ فَلَهُمَا الشُّفْعَةُ، وَلَوْ هُوَ شَرِيكًا وَلِلدَّارِ جَارٍ فَلَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ مَعَ وُجُودِهِ. (لَا) شُفْعَةَ (لِمَنْ بَاعَ) أَصَالَةً أَوْ وَكَالَةً (أَوْ بِيعَ لَهُ) أَيْ وَكَّلَ بِالْبَيْعِ (أَوْ ضَمِنَ الدَّرَكَ) وَالْأَصْلُ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَبْطُلُ بِإِظْهَارِ الرَّغْبَةِ عَنْهَا لَا فِيهَا.   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَالْإِقَالَةَ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الرَّدَّ وَالظَّرْفُ بَعْدَهُ خَبَرُ إنَّ، وَكَوْنُ الْإِقَالَةِ بِمَنْزِلَةِ بَيْعٍ مُبْتَدَإٍ إذَا كَانَتْ بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ فَلَوْ بِلَفْظِ مُفَاسَخَةٍ أَوْ مُتَارَكَةٍ أَوْ تَرَادٍّ لَمْ تُجْعَلْ بَيْعًا اتِّفَاقًا كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ الْمُسْتَغْرِقِ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ: أَيْ الَّذِي اسْتَغْرَقَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ بِالدَّيْنِ وَبِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ: أَيْ الَّذِي اسْتَغْرَقَهُ الدَّيْنُ ط (قَوْلُهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ) بَلْ الشَّرْطُ كَوْنُهُ مَدْيُونًا إذَا كَانَ الْبَائِعُ مَوْلَى الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْعَبْدُ شَفِيعَهُ أَوْ بِالْعَكْسِ. أَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ الْمَوْلَى فَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الدَّيْنِ أَصْلًا كَمَا أَفَادَهُ فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَشِرَاءُ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ يَجُوزُ) أَيْ إنْ كَانَ الْعَبْدُ مَدْيُونًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِلَّا فَهُوَ بَاطِلٌ، فَلَا شُفْعَةَ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ لَهُ لَا لِلْغُرَمَاءِ (قَوْلُهُ أَصَالَةً أَوْ وَكَالَةً) لَكِنَّ الْوَكِيلَ يَطْلُبُ الشُّفْعَةَ مِنْ الْمُوَكِّلِ، بِخِلَافِ الْأَصِيلِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الطَّلَبِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَكَذَا تَثْبُتُ لِلْأَبِ لَوْ شَرَى لِطِفْلِهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي) أَيْ أَصَالَةً أَوْ وَكَالَةً. وَبَيَانُ ذَلِكَ: بَاعَ أَحَدُ شَرِيكَيْنِ فِي دَارٍ حِصَّتَهُ مِنْهَا لِلْآخَرِ فَاشْتَرَى لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ بِالْوَكَالَةِ أَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ لِوَكِيلِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ فَجَاءَ ثَالِثٌ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ، فَإِنْ كَانَ شَرِيكًا قُسِمَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي فِي الْأَوَّلِ، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُوَكِّلِ فِي الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ جَارًا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ مَعَ وُجُودِ الْمُشْتَرِي أَوْ مُوَكِّلِهِ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ مَا لَمْ يُسَلِّمْ. وَفِي الْقُنْيَةِ: اشْتَرَى الْجَارُ دَارًا وَلَهَا جَارٌ آخَرُ فَطَلَبَ الشُّفْعَةَ وَكَذَا الْمُشْتَرِي فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُمَا شَفِيعَانِ. قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: فَقَوْلُهُ وَكَذَا الْمُشْتَرِي: أَيْ إذَا طَلَبَ وَلَمْ يُسَلِّمْ لِلشَّفِيعِ الْآخَرِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ جَاءَ ثَالِثٌ قُسِمَتْ أَثْلَاثًا أَوْ رَابِعٌ فَأَرْبَاعًا؛ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ سَلَّمَ الْجَارُ الْمُشْتَرِي كُلَّهَا لِلْجَارِ الْآخَرِ كَانَ نِصْفُهَا لَهُ بِالشُّفْعَةِ وَالنِّصْفُ بِالشِّرَاءِ اهـ. قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: وَفِيهِ تَأَمُّلٌ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ شِرَاءٌ بِالتَّعَاطِي لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ النِّصْفَ بِالشُّفْعَةِ جَبْرًا عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِذَا سَلَّمَ لَهُ النِّصْفَ الثَّانِيَ بِرِضَاهُ فَقَبِلَهُ الْآخَرُ كَانَ شِرَاءً تَأَمَّلْ. هَذَا، وَفِي كَلَامِ ابْنِ الشِّحْنَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْقُنْيَةِ فَطَلَبَ الشُّفْعَةَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ الْكُلَّ لِلْآخَرِ لَا حَقِيقَةُ الطَّلَبِ، فَلَا يُنَافِي مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْأَصِيلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الطَّلَبِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا شُفْعَةَ لِمَنْ بَاعَ أَصَالَةً) كَأَنْ بَاعَ عَقَارًا لَهُ مُجَاوِرًا لِعَقَارٍ لَهُ آخَرَ وَلِلْعَقَارِ الْمَبِيعِ جَارٌ طَلَبَ الشُّفْعَةَ لَا يُشَارِكُهُ الْبَائِعُ فِيهَا (قَوْلُهُ أَوْ وَكَالَةً) كَأَنْ بَاعَ عَقَارًا بِالْوَكَالَةِ مُجَاوِرًا لِعَقَارِهِ (قَوْلُهُ أَيْ وَكَّلَ بِالْبَيْعِ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ أَوْ بِيعَ لَهُ، كَأَنْ وَكَّلَ غَيْرَهُ بِبَيْعِ عَقَارٍ بِجَنْبِ عَقَارِ الْمُوَكِّلِ (قَوْلُهُ أَوْ ضَمِنَ الدَّرَكَ) بِفَتْحَتَيْنِ أَوْ السُّكُونِ: أَيْ الثَّمَنَ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ، فَلَا شُفْعَةَ لِضَامِنِهِ فِي عَقَارِ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ كَالْبَائِعِ قُهُسْتَانِيٌّ لِأَنَّ ضَمَانَ الدَّرَكِ تَقْرِيرٌ لِلْبَيْعِ كَمَا فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ إلَخْ) وَلِأَنَّ أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ يَكُونُ سَبَبًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَالْيَدُ لِلْمُشْتَرِي، وَسَعْيُ الْإِنْسَانِ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ مَرْدُودٌ دُرَرٌ. أَيْ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ أَوْ الْمُشْتَرِي نَفْسَهُ لِأَنَّهُ مُحَقِّقٌ لِمَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 239 بَابُ مَا يُبْطِلُهَا (يُبْطِلُهَا تَرْكُ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ) تَرْكُهُ بِأَنْ لَا يَطْلُبَ فِي مَجْلِسٍ أُخْبِرَ فِيهِ بِالْبَيْعِ ابْنُ كَمَالٍ، وَتَقَدَّمَ تَرْجِيحُهُ (أَوْ) تَرْكُ طَلَبِ (الْإِشْهَادِ) عِنْدَ عَقَارٍ أَوْ ذِي يَدٍ لَا الْإِشْهَادِ عِنْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ (مَعَ الْقُدْرَةِ) كَمَا مَرَّ (وَ) يُبْطِلُهَا (تَسْلِيمُهَا بَعْدَ الْبَيْعِ) عَلِمَ بِالسُّقُوطِ أَوْ لَا (فَقَطْ) لَا قَبْلَهُ كَمَا مَرَّ (وَلَوْ) تَسْلِيمُهَا (مِنْ أَب وَوَصِيٍّ) خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ   [رد المحتار] [بَابُ مَا يُبْطِل الشُّفْعَة] بَابُ مَا يُبْطِلُهَا (قَوْلُهُ يُبْطِلُهَا تَرْكُ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ) أَيْ وَلَوْ جَاهِلًا بِثُبُوتِ الطَّلَبِ لَهُ؛ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلَانِ وَرِثَا أَجَمَةً وَأَحَدُهُمَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْمِيرَاثِ فَبِيعَتْ أَجَمَةٌ بِجَنْبِهَا فَلَمْ يَطْلُبْ الشُّفْعَةَ فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ لَهُ فِيهَا نَصِيبًا طَلَبَ الشُّفْعَةَ فِي الْمَبِيعَةِ قَالُوا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَالْجَهْلُ لَيْسَ بِعُذْرٍ اهـ (قَوْلُهُ وَتَقَدَّمَ تَرْجِيحُهُ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى فَوْرِ الْعِلْمِ وَعَلِمْت مَا فِيهِ فِي بَابِ الطَّلَبِ (قَوْلُهُ أَوْ ذِي يَدٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَوْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَصِحُّ الْإِشْهَادُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَقَارُ فِي يَدِهِ، وَكَذَا عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الدَّارُ فِي يَدِهِ اسْتِحْسَانًا كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ط (قَوْلُهُ لَا الْإِشْهَادِ) عَطْفٌ عَلَى طَلَبِ لَا عَلَى الْإِشْهَادِ كَمَا لَا يَخْفَى ح (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ) كَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، بَلْ فَائِدَتُهُ مَخَافَةُ الْجُحُودِ فَيَصِحُّ الطَّلَبُ بِدُونِهِ لَوْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهَذَا رَدٌّ عَلَى صَاحِبِ الدُّرَرِ حَيْثُ قَالَ يُبْطِلُهَا تَرْكُ الْإِشْهَادِ عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ قَادِرًا اغْتِرَارًا بِظَاهِرِ قَوْلِ الْهِدَايَةِ هُنَا إذَا تَرَكَ الشَّفِيعُ الْإِشْهَادَ حِينَ عَلِمَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ اهـ فَحَمَلَهُ عَلَى مَا إذَا عَلِمَ وَكَانَ عِنْدَهُ مَنْ يُشْهِدُهُ فَسَكَتَ وَلَمْ يُشْهِدْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَهُوَ يَقْدِرُ، وَحَمَلَ قَوْلَ الْهِدَايَةِ أَوَّلًا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ عَلَى مَا إذَا عَلِمَ فِي مَكَان خَالٍ. وَرَدَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِأَنَّ الشَّرْطَ الطَّلَبُ فَقَطْ دُونَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، وَبِمَا قَالَهُ الْأَكْمَلُ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِشْهَادِ فِي قَوْلِ الْهِدَايَةِ إذْ تَرْكُ الْإِشْهَادِ نَفْسُ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لِإِعْرَاضِهِ عَنْ الطَّلَبِ وَبِأَنَّهُ صَرَّحَ قَبْلَ هَذَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الْقُدُورِيِّ أَشْهَدَ فِي مَجْلِسِهِ هُوَ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ، فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ كَلَامَيْ الْهِدَايَةِ اهـ مُلَخَّصًا. وَقَدْ يُقَالُ: الْمُرَادُ إذَا تَرَكَ الْإِشْهَادَ عَلَى أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ عِنْدَ الدَّارِ حِينَ عَلِمَ فَتَرَكَهُ وَهُوَ يَقْدِرُ بَطَلَتْ، لَكِنَّ فِيهِ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي صَحَّ كَمَا عَلِمْته فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ كَمَا مَرَّ) حَيْثُ قَالَ وَهَذَا الطَّلَبُ لَا بُدَّ مِنْهُ، حَتَّى لَوْ تَمَكَّنَ وَلَوْ بِكِتَابٍ أَوْ رَسُولٍ وَلَمْ يُشْهِدْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ لَا تَبْطُلُ اهـ أَيْ بِأَنْ سَدَّ أَحَدٌ فَمَه أَوْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ مِنَحٌ، وَلَا تَنْسَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْإِشْهَادَ غَيْرُ شَرْطٍ فِيهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَيُبْطِلُهَا تَسْلِيمُهَا) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا قَالَ سَلَّمْت شُفْعَةَ هَذِهِ الدَّارِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِلْبَائِعِ سَلَّمْت لَك شُفْعَتَهَا وَلَوْ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ مَعْنَاهُ لِأَجْلِك، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِلْوَكِيلِ وَلَوْ بَعْدَ الدَّفْعِ إلَى الْمُوَكِّلِ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ، فَإِنْ مَسْبُوقًا بِكَلَامٍ كَقَوْلِهِ سَلِّمْ لِهَذَا الْمُشْتَرِي فَقَالَ الشَّفِيعُ سَلَّمَهَا لَك صَحَّ، وَلَوْ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ فَلَا، وَإِذَا سَلَّمَ الْجَارُ مَعَ قِيَامِ الشَّرِيكِ صَحَّ، فَإِنْ سَلَّمَ الشَّرِيكُ بَعْدَهُ لَيْسَ لِلْجَارِ الْأَخْذُ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي الْمَجْمَعِ وَلَا يَجْعَلُ أَيْ أَبُو يُوسُفَ قَوْلَ الشَّفِيعِ آخُذُ نِصْفَهَا تَسْلِيمًا وَخَالَفَهُ مُحَمَّدٌ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ابْنُ مَلَكٍ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ عَلِمَ بِالسُّقُوطِ أَوْ لَا) قَالَ فِي الْمِنَحِ لِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ بِالْأَحْكَامِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ اهـ. وَالْأَوْضَحُ أَنْ يَذْكُرَهُ فِيمَا إذَا سَكَتَ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُتَوَهَّمُ كَوْنُ الْجَهْلِ فِيهِ عُذْرًا، أَمَّا عِنْدَ التَّسْلِيمِ مِنْهُ فَلَا وَجْهَ لَهُ ط. قُلْت: فَالْمُنَاسِبُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَلِمَ بِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ أَوْ لَا وَعَلِمَ مَنْ سَقَطَ إلَيْهِ هَذَا الْحَقُّ أَوْ لَا (قَوْلُهُ لَا قَبْلَهُ، كَمَا مَرَّ) لَمْ أَرَهُ فِيمَا مَرَّ صَرِيحًا (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) حَيْثُ أَبْطَلَ التَّسْلِيمَ وَجَعَلَ لِلصَّغِيرِ أَخْذَهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 240 فِيمَا بِيعَ بِقِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ مُلْتَقًى. . (الْوَكِيلُ بِطَلَبِهَا إذَا سَلَّمَ) الشُّفْعَةَ (أَوْ أَقَرَّ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِتَسْلِيمِهِ) الشُّفْعَةَ (صَحَّ) لَوْ كَانَ التَّسْلِيمُ أَوْ الْإِقْرَارُ (عِنْدَ الْقَاضِي) وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ، لَكِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْخُصُومَةِ وَسُكُوتُ مَنْ يَمْلِكُ التَّسْلِيمَ تَسْلِيمٌ (وَ) يُبْطِلُهَا (صُلْحُهُ مِنْهَا عَلَى عِوَضٍ) أَيْ غَيْرِ الْمَشْفُوعِ لِمَا يَأْتِي (وَعَلَيْهِ رَدُّهُ) لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ. (وَ) يُبْطِلُهَا (بَيْعُ شُفْعَتِهِ لِمَالٍ) وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ وَكَذَا الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ بِخِلَافِ الْقَوَدِ، وَلَوْ صَالَحَ عَلَى أَخْذِ نِصْفِ الدَّارِ بِبَعْضِ الثَّمَنِ صَحَّ، وَلَوْ صَالَحَ عَلَى أَخْذِ بَيْتٍ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لَا لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ عِنْدَ الْأَخْذِ، وَلَا تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ. (وَ) يُبْطِلُهَا (مَوْتُ الشَّفِيعِ قَبْلَ الْأَخْذِ بَعْدَ الطَّلَبِ أَوْ قَبْلَهُ) وَلَا تُورَثُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَمْ تَبْطُلُ (لَا) يُبْطِلُهَا (مَوْتُ الْمُشْتَرِي) لِبَقَاءِ الْمُسْتَحِقِّ. (وَ) يُبْطِلُهَا (بَيْعُ مَا يَشْفَعُ بِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ   [رد المحتار] وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا بَلَغَهُمَا شِرَاءُ دَارٍ بِجِوَارِ دَارِ الصَّبِيِّ فَلَمْ يَطْلُبَا ابْنُ مَلَكٍ (قَوْلُهُ فِيمَا بِيعَ بِقِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ) فَلَوْ بِأَكْثَرَ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ جَازَ التَّسْلِيمُ اتِّفَاقًا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْأَخْذَ فَلَا يَمْلِكُ التَّسْلِيمَ ابْنُ مَلَكٍ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ فِيمَا بِيعَ بِأَكْثَرَ ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ لَهُ الطَّلَبُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ) هَذَا قَوْلُهُمَا وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ. وَقَالَ آخِرًا: يَصِحُّ مُطْلَقًا كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَفِيهَا عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ تَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ مِنْ الْوَكِيلِ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الدَّارُ فِي يَدِهِ عِنْدَهُمَا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ وَسُكُوتُ مَنْ يَمْلِكُ التَّسْلِيمَ تَسْلِيمٌ) وَمِنْهُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ كَمَا قَدَّمْنَا آنِفًا، وَلَا تَنْسَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَفَتَاوَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ الشَّفِيعَ إذَا سَمِعَ بِالْبَيْعِ فَسَكَتَ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِيَ وَالثَّمَنَ كَالْبِكْرِ إذَا اُسْتُؤْمِرَتْ (قَوْلُهُ وَيُبْطِلُهَا صُلْحُهُ مِنْهَا عَلَى عِوَضٍ إلَخْ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَقٍّ مُتَقَرِّرٍ فِي الْمَحِلِّ بَلْ مُجَرَّدُ حَقِّ التَّمَلُّكِ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشُّرُوطِ فَبِالْفَاسِدِ أَوْلَى فَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَيَصِحُّ الْإِسْقَاطُ هِدَايَةٌ. وَفِي عَدَمِ جَوَازِ التَّعْلِيقِ كَلَامٌ سَنَذْكُرُهُ فِي الْفُرُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ لِمَا يَأْتِي) أَيْ بَعْدَ سَطْرٍ وَنِصْفٍ، وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ هُنَا قَبْلَ مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ وَيُبْطِلُهَا بَيْعُ شُفْعَتِهِ بِمَالٍ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لِمَا بَيَّنَّا. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ بَعْدَ عَزْوِهِ بُطْلَانَهَا إلَى الْمَبْسُوطِ أَيْضًا. وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَإِذَا وَهَبَهَا أَوْ بَاعَهَا لِإِنْسَانٍ لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يُصَادِفْ مَحِلَّهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: وَفِي الْخَانِيَّةِ الشَّفِيعُ إذَا بَاعَ الشُّفْعَةَ أَوْ وَهَبَهَا لِإِنْسَانٍ بَعْدَمَا وَجَبَتْ لَهُ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ فَلَمْ يُصَادِفْ مَحِلَّهُ اهـ. وَظَاهِرُهُ حَمْلُ الْبُطْلَانِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْوُجُوبِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الطَّلَبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ، وَتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ وَكَذَا الْكَفَالَةُ) يَعْنِي إذَا صَالَحَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ الْمَكْفُولَ لَهُ عَلَى مَالٍ تَسْقُطُ الْكَفَالَةُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ فِي رِوَايَةٍ وَهِيَ الْأَصَحُّ، وَفِي أُخْرَى لَا تَبْطُلُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ، وَتَمَامُهُ فِي الْكِفَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْقَوَدِ) لِأَنَّهُ حَقٌّ مُتَقَرِّرٌ فِي الْمَحِلِّ، فَإِنَّ نَفْسَ الْقَاتِلِ كَانَتْ مُبَاحَةً فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ وَبِالصُّلْحِ يَحْدُثُ لَهُ الْعِصْمَةُ فِي دَمِهِ فَيَجُوزُ الْعِوَضُ بِمُقَابَلَتِهِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ وَلَا تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِعْرَاضُ عَنْ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ السَّابِقَةِ. فَالْحَاصِلُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ أَنَّ صُلْحَ الشَّفِيعِ مَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فِي وَجْهٍ يَصِحُّ، وَفِي وَجْهٍ لَا يَصِحُّ وَلَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ، وَفِي وَجْهٍ تَبْطُلُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ (قَوْلُهُ وَيُبْطِلُهَا مَوْتُ الشَّفِيعِ إلَخْ) لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ حَقِّ التَّمَلُّكِ وَهُوَ لَا يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَكَيْفَ يُورَثُ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا تَبْطُلُ) لِمَا تَقَدَّمَ مَتْنًا أَنَّهَا تُمْلَكُ بِالْأَخْذِ بِالتَّرَاضِي وَبِقَضَاءِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ لَا مَوْتُ الْمُشْتَرِي) وَكَذَا الْبَائِعُ خَانِيَّةٌ: وَلَا تُبَاعُ فِي دَيْنِ الْمُشْتَرِي وَوَصِيَّتِهِ وَلَوْ بَاعَهَا الْقَاضِي أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ أَوْصَى الْمُشْتَرِي فِيهَا بِوَصِيَّةٍ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يُبْطِلَهُ وَيَأْخُذَ الدَّارَ لِتَقَدُّمِ حَقِّهِ وَلِهَذَا يُنْقَضُ تَصَرُّفُهُ فِي حَيَاتِهِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَيُبْطِلُهَا بَيْعُ مَا يَشْفَعُ بِهِ) أَيْ كُلِّهِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: الشَّفِيعُ بِالْجِوَارِ إذَا بَاعَ الدَّارَ الَّتِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 241 مُطْلَقًا) عَلِمَ بِبَيْعِهَا أَمْ لَا، وَكَذَا لَوْ جَعَلَ مَا يَشْفَعُ بِهِ مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً أَوْ وَقْفًا مُسَجَّلًا دُرَرٌ (وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ) لِنَفْسِهِ (لَا) تَبْطُلُ لِبَقَاءِ السَّبَبِ. (وَ) يُبْطِلُهَا (شِرَاءُ الشَّفِيعِ مِنْ الْمُشْتَرِي) ظَنَّ دُونَهُ أَوْ مِثْلَهُ أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَاهَا ابْتِدَاءً حَيْثُ لَا شُفْعَةَ لِمَنْ دُونَهُ (وَكَذَا) يُبْطِلُهَا (إنْ اسْتَأْجَرَهَا أَوْ سَاوَمَهَا) بَيْعًا أَوْ إجَارَةً مُلْتَقًى (أَوْ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُوَلِّيَهُ) عَقْدَ الشِّرَاءِ (أَوْ ضَمِنَ الدَّرَكَ) مُسْتَدْرَكٌ لِمَا مَرَّ آنِفًا، فَتَبْطُلُ فِي الْكُلِّ لِدَلِيلِ الْإِعْرَاضِ زَيْلَعِيٌّ. (قِيلَ لِلشَّفِيعِ إنَّهَا بِيعَتْ بِأَلْفٍ فَسَلَّمَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَقَلَّ أَوْ بِبُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ عَدَدِيٍّ مُتَقَارِبٍ) (قِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ، وَلَوْ بَانَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِدَنَانِيرَ) أَوْ بِعُرُوضٍ (قِيمَتُهَا أَلْفٌ فَلَا شُفْعَةَ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذَا قِيَمِيٌّ وَذَاكَ مِثْلِيٌّ فَرُبَّمَا يَسْهُلُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَثُرَ (وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ زَيْدٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ بَكْرٌ فَلَهُ الشُّفْعَةُ،   [رد المحتار] يَسْتَحِقُّ بِهَا الشُّفْعَةَ إلَّا شِقْصًا مِنْهَا لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، لِأَنَّ مَا بَقِيَ يَكْفِي لِلشُّفْعَةِ ابْتِدَاءً فَيَكْفِي لِبَقَائِهَا اهـ (قَوْلُهُ عَلِمَ بِبَيْعِهَا) أَيْ بَيْعِ الْمَشْفُوعَةِ وَقْتَ بَيْعِهِ مَا يَشْفَعُ بِهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا) عَطْفٌ عَلَى يُبْطِلُهَا: أَيْ وَتَبْطُلُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الزَّائِلِ عَنْ مِلْكِهِ كَمَا فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ أَوْ وَقْفًا مُسَجَّلًا) يَنْبَغِي عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ الْوَقْفِ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ أَنْ تَسْقُطَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُسَجَّلْ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَ إلَخْ) أَيْ الشَّفِيعُ مَا يَشْفَعُ بِهِ، وَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ بَيْعُ مَا يَشْفَعُ بِهِ الْبَيْعُ الْبَاتُّ (قَوْلُهُ لِبَقَاءِ السَّبَبِ) هُوَ اتِّصَالُ مِلْكِهِ بِالْمَشْفُوعَةِ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ. وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ: لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الزَّوَالَ فَبَقِيَ الِاتِّصَالُ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَيُبْطِلُهَا شِرَاءُ الشَّفِيعِ مِنْ الْمُشْتَرِي) لِأَنَّهُ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ الْمُشْتَرِي أَعْرَضَ عَنْ الطَّلَبِ وَبِهِ تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ مِنَحٌ (قَوْلُهُ فَلِمَنْ دُونَهُ) كَمَا إذَا كَانَ شَرِيكًا وَلِلْمَبِيعِ جَارٌ (قَوْلُهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي) اُنْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُفْسَخُ بِحُضُورِهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَاهَا ابْتِدَاءً) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْأَخْذِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَضَمَّنْ إعْرَاضًا لِإِقْبَالِهِ عَلَى التَّمَلُّكِ وَهُوَ مَعْنَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَإِنَّمَا اشْتَرَاهَا لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ أَخْذِهَا بِطَرِيقٍ آخَرَ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا شُفْعَةَ لِمَنْ دُونَهُ) بَلْ تَكُونُ لَهُ وَلِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ قُبَيْلَ هَذَا الْبَابِ (قَوْلُهُ إنْ اسْتَأْجَرَهَا أَوْ سَاوَمَهَا إلَخْ) أَيْ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ مِعْرَاجٌ، وَقَيَّدَ بِضَمِيرِ الْمَشْفُوعَةِ، لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة: اشْتَرَى دَارًا فَسَاوَمَ الشَّفِيعُ دَارِهِ وَقَدْ أَشْهَدَ عَلَى طَلَبِهِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ (قَوْلُهُ أَوْ طَلَبَ مِنْهُ) أَيْ طَلَبَ الشَّفِيعُ مِنْ الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ أَنْ يُوَلِّيَهُ) أَيْ يَبِيعَهُ تَوْلِيَةً وَهِيَ الْبَيْعُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ح، وَمِثْلُ التَّوْلِيَةِ الْمُرَابَحَةُ ط وَكَذَا لَوْ طَلَبَهَا مُزَارَعَةً أَوْ مُسَاقَاةً بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مُسْتَدْرَكٌ بِمَا مَرَّ آنِفًا) لَمْ يَمُرَّ فِي هَذَا الْبَابِ الْمَعْقُودِ لِلْبُطْلَانِ، وَقَدْ مَرَّ قُبَيْلَهُ ط (قَوْلُهُ قِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ) وَكَذَا لَوْ أَقَلَّ بِالْأَوْلَى كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ كَانَ لِاسْتِكْثَارِ الثَّمَنِ فِي الْأَوَّلِ أَوْ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الدَّرَاهِمِ فِي الثَّانِي فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّسْلِيمُ مِنْهُ (قَوْلُهُ قِيمَتُهَا أَلْفٌ) أَيْ أَوْ أَكْثَرُ بِالْأَوْلَى، بِخِلَافِ الْأَقَلِّ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْعَرْضِ وَبَيْنَ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ أَنَّ الْعَرْضَ قِيَمِيٌّ وَالْوَاجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ وَهِيَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ فَلَا يَظْهَرُ فِيهِ التَّيْسِيرُ، وَذَاكَ مِثْلِيٌّ يُؤْخَذُ بِمِثْلِهِ فَرُبَّمَا يَسْهُلُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الدَّرَاهِمِ، وَأَمَّا الْفَرْقُ فِي مَسْأَلَةِ الدَّنَانِيرِ فَلِأَنَّهُمَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ الثَّمَنِيَّةُ عِنْدَنَا وَمُبَادَلَةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَيَسِّرَةٌ عَادَةً. وَقَالَ زُفَرُ لَهُ الشُّفْعَةُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ. [تَنْبِيهٌ] أَخْبَرَ أَنَّ الثَّمَنَ عُرُوضٌ كَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ فَبَانَ أَنَّهُ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ أَوْ أَخْبَرَ أَنَّهُ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ فَبَانَ أَنَّهُ جِنْسٌ آخَرُ مِنْهُ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ، وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ جِنْسٌ آخَرُ مِنْ عُرُوضٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ كَقِيمَةِ مَا بَلَغَهُ فَلَا شُفْعَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 242 وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُوَ مَعَ غَيْرِهِ كَانَ لَهُ أَخْذُ نَصِيبِ غَيْرِهِ) لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ فِي حَقِّهِ (وَلَوْ بَلَغَهُ شِرَاءُ النِّصْفِ فَسَلَّمَ ثُمَّ بَلَغَهُ شِرَاءُ الْكُلِّ، فَلَهُ الشُّفْعَةُ فِي الْكُلِّ وَفِي عَكْسِهِ) بِأَنَّ أُخْبِرَ بِشِرَاءِ الْكُلِّ فَسَلَّمَ ثُمَّ ظَهَرَ شِرَاءُ النِّصْفِ (لَا شُفْعَةَ لَهُ عَلَى الظَّاهِرِ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي الْكُلِّ تَسْلِيمٌ فِي كُلِّ أَبْعَاضِهِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحِيَلِ فَقَالَ (وَإِنْ بَاعَ) رَجُلٌ (عَقَارًا إلَّا ذِرَاعًا) مَثَلًا (فِي جَانِبٍ) حَدِّ (الشَّفِيعِ فَلَا شُفْعَةَ) لِعَدَمِ الِاتِّصَالِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ نَصْبَ ذِرَاعًا سَهْوٌ سَهْوٌ (وَكَذَا) لَا شُفْعَةَ (لَوْ وَهَبَ هَذَا الْقَدْرَ لِلْمُشْتَرِي) وَقَبَضَهُ (وَإِنْ ابْتَاعَ سَهْمًا مِنْهُ بِثَمَنٍ ثُمَّ ابْتَاعَ بِقِيمَتِهَا فَالشُّفْعَةُ لِلْجَارِ فِي السَّهْمِ الْأَوَّلِ فَقَطْ) وَالْبَاقِي لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ شَرِيكٌ.   [رد المحتار] لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُوَ مَعَ غَيْرِهِ) الْأَنْسَبُ وَلَوْ بَانَ كَمَا لَا يَخْفَى ح (قَوْلُهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ ثَمَنُ النِّصْفِ مِثْلَ ثَمَنِ الْكُلِّ بِأَنْ أَخْبَرَ بِشِرَاءِ الْكُلِّ بِأَلْفٍ فَسَلَّمَ فَظَهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى النِّصْفَ بِالْأَلْفِ، فَلَوْ ظَهَرَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ جَوْهَرَةٌ، وَعَبَّرَ عَنْهُ الزَّيْلَعِيُّ بِقُبِلَ (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: احْتِرَازًا عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَى عَكْسِ هَذَا لِأَنَّهُ قَدْ يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِ ثَمَنِ النِّصْفِ دُونَ الْجَمِيعِ، وَقَدْ تَكُونُ حَاجَتُهُ إلَى النِّصْفِ لِتَتِمَّ بِهِ مَرَافِقُ مِلْكِهِ (قَوْلُهُ إلَّا ذِرَاعًا مَثَلًا) أَيْ مِقْدَارَ عَرْضِ ذِرَاعٍ أَوْ شِبْرٍ أَوْ أُصْبُعٍ وَطُولُهُ تَمَامُ مَا يُلَاصِقُ دَارَ الشَّفِيعِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الِاتِّصَالِ) اسْتَشْكَلَ السَّائِحَانِيُّ هَذِهِ الْحِيلَةَ بِمَا نَقَلَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ عُيُونِ الْمَسَائِلِ: دَارٌ كَبِيرَةٌ ذَاتُ مَقَاصِيرَ بَاعَ مِنْهَا مَقْصُورَةً فَلِجَارِ الدَّارِ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مِنْ جُمْلَةِ الدَّارِ وَجَارُ الدَّارِ جَارُ الْمَبِيعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا بِهِ اهـ. أَقُولُ: الْمُشْكِلُ مَا فِي الْعُيُونِ لَا مَا هُنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ) مُبْتَدَأٌ وَسَهْوٌ الثَّانِي خَبَرُهُ، وَهَذَا رَدٌّ عَلَى صَاحِبِ الدُّرَرِ حَيْثُ قَالَ: وَكَذَا لَا تَثْبُتُ فِيمَا بِيعَ إلَّا ذِرَاعٌ، وَمَا فِي الْوِقَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا ذِرَاعًا: بِالنَّصْبِ كَأَنَّهُ سَهْوٌ اهـ. وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ بِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ مَا لَا مِنْ ضَمِيرِ بِيعَ، فَالنَّصْبُ عَلَى التَّبَعِيَّةِ بِاعْتِبَارِ مَحِلِّ الْمَجْرُورِ وَالتَّعْبِيَةُ لِضَمِيرِ بِيعَ تَقْتَضِي الرَّفْعَ لِأَنَّهُ كَلَامٌ تَامٌّ غَيْرُ مُوجَبٍ اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: أَمَّا النَّصْبُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَوَاجِبٌ بِلَا شُبْهَةٍ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ كَلَامٍ تَامٍّ مُوجَبٍ. وَأَمَّا فِي عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ وَالدُّرَرِ فَكَذَلِكَ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ ضَمِيرِ بِيعَ لَا مِنْ الْمَوْصُولِ وَهُوَ مِنْ كَلَامٍ تَامٍّ مُوجَبٍ أَيْضًا لِأَنَّ النَّفْيَ غَيْرُ مُتَوَجِّهٍ إلَيْهِ، يُوَضِّحُهُ لَوْ أَهَانَك جَمَاعَةٌ إلَّا زَيْدًا مِنْهُمْ فَقُلْت لَا أُكْرِمُ مَنْ أَهَانُونِي إلَّا زَيْدًا عَلَى أَنَّ زَيْدًا مُسْتَثْنًى مِنْ الْوَاوِ وَلَا مِنْ الْمَوْصُولِ وَجَبَ فِيهِ النَّصْبُ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْوَاوِ قَبْلَ دُخُولِ النَّفْيِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى مَنْ أَهَانُونِي إلَّا زَيْدًا لَا أُكْرِمُهُمْ وَصَارَ زَيْدٌ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ فِي حُصُولِ الْإِكْرَامِ لَهُ وَعَدَمِهِ، وَلَوْ جَعَلْته مُسْتَثْنًى مِنْ الْمَوْصُولِ بِأَنْ كَانَ مِنْ الْمُهِينِينَ أَيْضًا جَازَ فِيهِ النَّصْبُ وَالرَّفْعُ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامٍ تَامٍّ غَيْرِ مُوجَبٍ وَصَارَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِالْإِكْرَامِ قَطْعًا. وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى مَا بِيعَ إلَّا ذِرَاعًا لَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الذِّرَاعُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمَوْصُولِ لَكَانَ الْمَعْنَى أَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ فِيهِ وَلَا يَخْفَى فَسَادُهُ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَقَدْ زَلَّ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَفْهَامِ (قَوْلُهُ لَوْ وَهَبَ هَذَا الْقَدْرَ) أَيْ الذِّرَاعَ مَثَلًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ وَهَبَهُ بَعْدَ بَيْعِ مَا عَدَا هَذَا الْقَدْرَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ لِلْمُشْتَرِي: وَمِثْلُهُ مَا لَوْ بَاعَهُ لَهُ لِأَنَّهُ صَارَ شَرِيكًا فِي الْحُقُوقِ فَلَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ، وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَتْ هَذِهِ حِيلَةً ثَانِيَةً بَلْ مِنْ تَتِمَّةِ الْأُولَى وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْهِبَةَ قَبْلَ الْبَيْعِ، فَقَوْلُهُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ مَجَازِ الْأَوَّلِ، فَيُشْتَرَطُ فِي الْهِبَةِ أَنْ لَا تَكُونَ بِعِوَضٍ مَشْرُوطٍ عَلَيْهِ فَهِيَ حِيلَةٌ ثَانِيَةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَالشُّفْعَةُ لِلْجَارِ فِي السَّهْمِ الْأَوَّلِ فَقَطْ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: تَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا بَلَغَهُ بَيْعُ سَهْمٍ مِنْهَا فَرَدَّهُ، أَمَّا إذَا بَلَغَهُ الْبَيْعَانِ فَلَهُ الشُّفْعَةُ، وَالتَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الشَّفِيعَ جَارٌ فِيهَا إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي الثَّانِي شَرِيكٌ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي الْإِطْلَاقَ، وَعَلَى هَذَا عِبَارَةُ عَامَّةِ الْكُتُبِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 243 وَحِيلَةُ كُلِّهِ أَنْ يَشْتَرِيَ الذِّرَاعَ أَوْ السَّهْمَ بِكُلِّ الثَّمَنِ إلَّا دِرْهَمًا ثُمَّ الْبَاقِيَ بِالْبَاقِي، وَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُهُ بِاَللَّهِ مَا أَرَدْت بِهِ إبْطَالَ شُفْعَتِي، وَلَهُ تَحْلِيفُهُ بِاَللَّهِ إنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ مَا كَانَ تَلْجِئَةً مُؤَيَّدُ زَادَهْ مَعْزِيًّا لِلْوَجِيزِ (وَإِنْ) (ابْتَاعَهُ بِثَمَنٍ) كَثِيرٍ (ثُمَّ دَفَعَ ثَوْبًا عَنْهُ فَالشُّفْعَةُ بِالثَّمَنِ لَا بِالثَّوْبِ) فَلَا يَرْغَبُ فِيهِ، وَهَذِهِ حِيلَةٌ تَعُمُّ الشَّرِيكَ وَالْجَارَ لَكِنَّهَا تَضُرُّ بِالْبَائِعِ، إذْ يَلْزَمُهُ كُلُّ الثَّمَنِ إذَا اسْتَحَقَّ الْمَنْزِلَ، فَالْأَوْلَى بَيْعُ دَرَاهِمِ الثَّمَنِ بِدِينَارٍ لِيَبْطُلَ الصَّرْفُ إذَا اُسْتُحِقَّ. وَحِيلَةٌ أُخْرَى أَحْسَنُ وَأَسْهَلُ وَهِيَ الْمُتَعَارَفَةُ فِي الْأَمْصَارِ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ)   [رد المحتار] أَيْ نَظَرًا إلَى مَا قَبْلَ الْأَخْذِ مِنْهُ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: لِأَنَّهُ حِينَ اشْتَرَى الْبَاقِيَ كَانَ شَرِيكًا بِشِرَاءِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ، وَاسْتِحْقَاقُ الشَّفِيعِ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ لَا يُبْطِلُ شُفْعَةَ الْمُشْتَرِي فِي الْجُزْءِ الثَّانِي قَبْلَ الْخُصُومَةِ لِكَوْنِهِ فِي مِلْكِهِ بَعْدُ فَيَتَقَدَّمُ عَلَى الْجَارِ اهـ. قُلْت: وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ إذَا اشْتَرَى دَارًا لَصِيقَ دَارِهِ ثُمَّ بَاعَ دَارِهِ الْأُولَى ثُمَّ حَضَرَ جَارٌ آخَرُ لِلثَّانِيَةِ يُقْضَى بِهِ بِالنِّصْفِ (قَوْلُهُ وَحِيلَةُ كُلِّهِ) أَيْ حِيلَةُ مَنْعِ الشُّفْعَةِ فِي كُلِّ الْعَقَارِ أَيْ لِأَنَّهُ وَإِنْ ثَبَتَ لَهُ الشُّفْعَةُ فِي السَّهْمِ الْأَوَّلِ، لَكِنَّهُ إذَا رَآهُ بِيعَ بِمُعْظَمِ الثَّمَنِ تَقِلُّ رَغْبَتُهُ فَيَمْتَنِعُ عَنْ أَخْذِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأُولَى حِيلَةُ كُلِّهِ أَيْضًا لِأَنَّ مُشْتَرِيَ الذِّرَاعِ صَارَ شَرِيكًا فِي الْحُقُوقِ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْجَارِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَكَلَامُهُ بِالنَّظَرِ إلَى الثَّانِيَةِ فَقَطْ (قَوْلُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الذِّرَاعَ أَوْ السَّهْمَ) أَيْ يَشْتَرِيَ جُزْءًا مُعَيَّنًا كَذِرَاعٍ مَثَلًا مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ أَوْ جُزْءًا شَائِعًا كَتِسْعٍ أَوْ عَشْرٍ. أَقُولُ: وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي كَلَامِهِمْ مِنْ حَمْلِ الذِّرَاعِ عَلَى الْمَذْكُورِ فِي الْحِيلَةِ الْأُولَى فَفِيهِ نَظَرٌ لِاسْتِقْلَالِهِ فِيهَا بِمَنْعِ الشَّفِيعِ عَنْ الْكُلِّ بِلَا وَقْفٍ عَلَى كَثْرَةِ الثَّمَنِ فَافْهَمْ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ لِتَقْلِيلِ رَغْبَةِ الشَّفِيعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَالْأُولَى لِإِبْطَالِ شُفْعَتِهِ، وَأَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ مُضِرَّةٌ لِلْمُشْتَرِي لَوْ كَانَتْ الدَّارُ لِصَغِيرٍ لِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْبَاقِي بِالْبَاقِي لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ السَّهْمُ بِالثَّمَنِ الْكَثِيرِ، وَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ لِلْبَاقِي كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. [فَائِدَةٌ] إذَا خَافَ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يُوفِيَ صَاحِبَهُ يَشْتَرِطُ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِذَا لَمْ يُوفِ لَهُ فِي الْمُدَّةِ فَسَخَ فِيهَا وَإِنْ خَافَا شَرَطَ كُلٌّ مِنْهَا الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ يُجِيزَانِ مَعًا، وَإِنْ خَافَ كُلٌّ مِنْهُمَا إذَا أَجَازَ أَنْ لَا يُجِيزَ صَاحِبُهُ يُوَكِّلُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَكِيلًا وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيزَ بِشَرْطِ أَنْ يُجِيزَ صَاحِبُهُ زَيْلَعِيٌّ بِزِيَادَةٍ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُهُ إلَخْ) سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ تَحْقِيقُ ذَلِكَ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ مَا كَانَ تَلْجِئَةً) بَيْعُ التَّلْجِئَةِ: هُوَ أَنْ يُظْهِرَا عَقْدًا وَهُمَا لَا يُرِيدَانِهِ يُلْجِئُ إلَيْهِ خَوْفُ عَدُوِّهِ وَهُوَ لَيْسَ بِبَيْعٍ فِي الْحَقِيقَةِ، بَلْ كَالْهَزْلِ كَمَا تَقَدَّمَ قُبَيْلَ كِتَابِ الْكَفَالَةِ ح (قَوْلُهُ وَإِنْ ابْتَاعَهُ) أَيْ ابْتَاعَ الْعَقَارَ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّرْحِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ إرْجَاعِ الضَّمِيرِ إلَى السَّهْمِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ) كَأَضْعَافِ قِيمَتِهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ دَفَعَ ثَوْبًا عَنْهُ) أَيْ دَفَعَ عَنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ الْكَثِيرِ أَيْ بَدَلَهُ ثَوْبًا قِيمَتُهُ كَقِيمَةِ الْمَبِيعِ (قَوْلُهُ لَا بِالثَّوْبِ) لِأَنَّ الثَّوْبَ عِوَضٌ عَمَّا فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ الْبَائِعُ مُشْتَرِيًا لِلثَّوْبِ بِعَقْدٍ آخَرَ غَيْرِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا يَرْغَبُ) أَيْ الشَّفِيعُ فِي ذَلِكَ الْمَبِيعِ لِكَثْرَةِ الثَّمَنِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ لَا تُبْطِلُ شُفْعَتَهُ إذْ لَوْ رَضِيَ بِدَفْعِ ذَلِكَ الثَّمَنِ لَهُ الْأَخْذُ، بِخِلَافِ الْحِيلَةِ الْأُولَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ حِيلَةٌ تَعُمُّ الشَّرِيكَ وَالْجَارَ) أَيْ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا فَإِنَّهُمَا لَا يُحْتَالُ بِهِمَا فِي حَقِّ الشَّرِيكِ، أَمَّا الْأُولَى فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّ لِلشَّرِيكِ أَخْذَ نِصْفِ الْبَاقِي بِنِصْفِ الْبَاقِي مِنْ الثَّمَنِ الْقَلِيلِ (قَوْلُهُ لَكِنَّهَا تَضُرُّ بِالْبَائِعِ) الْأَوْلَى قَدْ تَضُرُّ (قَوْلُهُ إذْ يَلْزَمُهُ كُلُّ الثَّمَنِ إلَخْ) لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ الثَّانِي ثُمَّ بَرَاءَتُهُ، كَأَنْ حَصَلَتْ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ بِثَمَنِ الْعَقَارِ، فَإِذَا اُسْتُحِقَّ بَطَلَتْ الْمُقَاصَّةُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ بِدِينَارٍ) الْأَوْلَى بِدَنَانِيرَ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْعَقَارِ كَمَا عَبَّرَ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ لِيُبْطِلَ الصَّرْفَ إذَا اُسْتُحِقَّ) لِأَنَّهُ يَكُونُ صَرْفًا بِمَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ الْعَقَارَ تَبَيَّنَ أَنْ لَا دَيْنَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَبْطُلُ الصَّرْفُ لِلِافْتِرَاقِ قَبْلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 244 بِوَزْنٍ أَوْ إشَارَةٍ (مَعَ قَبْضَةِ فُلُوسٍ أُشِيرَ إلَيْهَا وَجَهِلَ قَدْرَهَا وَضَيَّعَ الْفُلُوسَ بَعْدَ الْقَبْضِ) فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّ جَهَالَةَ الثَّمَنِ تَمْنَعُ الشُّفْعَةَ دُرَرٌ. قُلْت: وَنَحْوُهُ فِي الْمُضْمَرَاتِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ الشَّفِيعَ لَوْ قَالَ أَنَا أَعْلَمُ قِيمَةَ الْفُلُوسِ وَهِيَ كَذَا أَنْ يَأْخُذَ بِالدَّرَاهِمِ وَقِيمَتِهَا، كَمَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا بِعَرَضِ أَوْ عَقَارٍ لِلشَّفِيعِ أَخْذُهَا بِقِيمَتِهِ كَمَا مَرَّ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ مُقَطَّعَاتِ الظَّهِيرِيَّةِ مَا يُوَافِقُهُ. قُلْت: وَوَافَقَهُ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ، وَأَقَرَّهُ شَيْخُنَا، لَكِنْ تَعَقَّبَهُ ابْنُهُ فِي زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ، وَمَا فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى كَمَا مَرَّ مِرَارًا اهـ.   [رد المحتار] الْقَبْضِ فَيَجِبُ رَدُّ الدَّنَانِيرِ لَا غَيْرُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ مَعَ قَبْضَةِ فُلُوسٍ إلَخْ) الْقَبْضَةُ بِالْفَتْحِ وَضَمُّهُ أَكْثَرُ: مَا قَبَضْت عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ قَامُوسٌ، وَمِثْلُهَا الْخَاتَمُ الْمَعْلُومُ الْعَيْنِ الْمَجْهُولُ الْمِقْدَارِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ أُشِيرَ إلَيْهَا) قَيَّدَ بِهِ لِيَصِحَّ إلْحَاقُهَا بِالثَّمَنِ، وَبِقَوْلِهِ وَجَهِلَ قَدْرَهَا لِتَسْقُطَ الشُّفْعَةُ، وَبِقَوْلِهِ وَضَيَّعَ إلَخْ لِئَلَّا يُمْكِنَ لِلشَّفِيعِ مَعْرِفَتُهَا، وَلِذَا زَادَ فِي الْمَجْلِسِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْمِنَحِ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ ثُمَّ يَسْتَهْلِكُهُ مِنْ سَاعَتِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَنْ مُقَطَّعَاتِ الظَّهِيرِيَّةِ) أَيْ مِنْ كِتَابِ الشُّفْعَةِ، وَعَادَتُهُ التَّعْبِيرُ عَنْ الْمُتَفَرِّقَاتِ بِالْمُقَطَّعَاتِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمِنَحِ لَفْظَ مُقَطَّعَاتٍ بَلْ ذَكَرَهُ الرَّمْلِيُّ، وَنَصُّ مَا فِيهَا: اشْتَرَى عَقَارًا بِدَرَاهِمَ جُزَافًا وَاتَّفَقَ الْمُتَبَايِعَانِ عَلَى أَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ مِقْدَارَ الدَّرَاهِمِ وَقَدْ هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ التَّقَابُضِ فَالشَّفِيعُ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: يَأْخُذُ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ يُعْطِي الثَّمَنَ عَلَى زَعْمِهِ إلَّا إذَا أَثْبَتَ الْمُشْتَرِي زِيَادَةً عَلَيْهِ اهـ. أَقُولُ: وَهَذَا مُشْكِلٌ، إذْ كَيْفَ يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ جَبْرًا عَلَى الْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ زَعْمِهِ مَعَ أَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا لَهُ الْأَخْذُ بِمَا قَامَ عَلَى الْمُشْرِي مِنْ الثَّمَنِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِقَدْرِهِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ إلَّا إذَا أَثْبَتَ الْمُشْتَرِي زِيَادَةً عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ عُلِمَ قَبْلَ هَلَاكِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَقَرَّهُ شَيْخُنَا) أَيْ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ وَفِي فَتَاوَاهُ الْخَيْرِيَّةِ (قَوْلُهُ لَكِنْ تَعَقَّبَهُ ابْنُهُ) ابْنُ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ) أَيْ مَا فِي الْمَتْنِ. أَقُولُ: لَا مُخَالَفَةَ، بَلْ غَايَتُهُ أَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِإِطْلَاقِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ بَاطِلَةٌ بَلْ إنَّ صِحَّتَهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا إذَا وَافَقَهُمَا الشَّفِيعُ عَلَى عَدَمِ مَعْرِفَةِ الْفُلُوسِ، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُهَا وَادَّعَى ذَلِكَ فَقَدْ بَطَلَتْ الْحِيلَةُ لِعَدَمِ الْجَهَالَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّخْصِيصِ نَفْسُ كَلَامِ الْمُضْمَرَاتِ حَيْثُ عَلَّلَ السُّقُوطَ بِهَا بِأَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الْمَبِيعَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ قِيمَتِهِ، وَهُنَا يَعْجِزُ الْقَاضِي عَنْ الْقَضَاءِ بِهِمَا جَمِيعًا بِسَبَبِ الْجَهَالَةِ. وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: ظَاهِرُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يَحْلِفُ عَلَى مَا زَعَمَ، لِأَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَمْ يَدَّعِيَا قَدْرًا مُعَيَّنًا أَنْكَرَهُ الشَّفِيعُ بَلْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ قَدْرَ الثَّمَنِ، فَلَا يُقَالُ إنَّهُ مُنْكِرٌ فَلَا يَحْلِفُ. وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ إنَّمَا تَتِمُّ لَوْ وَافَقَهُمَا الشَّفِيعُ عَلَى عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُمْ لِتَعَذُّرِ الْحُكْمِ فَتَأَمَّلْ اهـ وَهُوَ عَيْنُ مَا قُلْنَاهُ (قَوْلُهُ وَمَا فِي الْمُتُونِ) كَالْغُرَرِ وَالشُّرُوحِ كَالْمُضْمَرَاتِ فَإِنَّهُ شَرْحٌ عَلَى الْقُدُورِيِّ، وَقَوْلُهُ مُقَدَّمٌ خَبَرُ مَا وَذَلِكَ لِأَنَّ مَسَائِلَ الْمُتُونِ هِيَ الْمَنْقُولَةُ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ أَوْ بَعْضِهِمْ وَكَذَلِكَ الشُّرُوحُ، بِخِلَافِ مَا فِي الْفَتَاوَى فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى وَقَائِعَ تَحْدُثُ لَهُمْ وَيُسْأَلُونَ عَنْهَا وَهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّخْرِيجِ فَيُجِيبُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَهُ تَخْرِيجًا عَلَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ إنْ لَمْ يَجِدْ نَصًّا وَلِذَا تَرَى فِي كَثِيرٍ مِنْهَا اخْتِلَافًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَيْسَ كَالْمَنْقُولِ عَمَّنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْمَشَايِخِ وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ مَسْأَلَتَنَا هَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ فِي الْمُتُونِ الَّتِي شَأْنُهَا كَذَلِكَ كَمُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَالْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَالْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَالْمَجْمَعِ وَالْمُلْتَقَى وَالْمَوَاهِبِ وَالْإِصْلَاحِ. وَقَدْ قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذِهِ الْحِيلَةِ فِي غَيْرِ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ يَعْنِي الدُّرَرَ وَالْغُرَرَ ثُمَّ رَأَيْتهَا فِي الْمُضْمَرَاتِ اهـ: وَذِكْرُهَا فِي الْمُضْمَرَاتِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 245 وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيمَا بِيعَ فَاسِدًا وَلَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ لِاحْتِمَالِ الْفَسْخِ نَعَمْ إذَا سَقَطَ الْفَسْخُ بِالْبِنَاءِ وَنَحْوِهِ وَجَبَتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تُكْرَهُ الْحِيلَةُ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وِفَاقًا) كَقَوْلِهِ لِلشَّفِيعِ اشْتَرِهِ مِنِّي ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ. وَأَمَّا الْحِيلَةُ لِدَفْعِ ثُبُوتِهَا ابْتِدَاءً، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تُكْرَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُكْرَهُ، وَيُفْتَى بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الشُّفْعَةِ قَيَّدَهُ فِي السِّرَاجِيَّةِ بِمَا إذَا كَانَ الْجَارُ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، وَاسْتَحْسَنَهُ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ (وَبِضِدِّهِ) وَهُوَ الْكَرَاهَةُ (فِي الزَّكَاةِ) وَالْحَجِّ وَآيَةِ السَّجْدَةِ جَوْهَرَةٌ (وَلَا حِيلَةَ) مَوْجُودَةٌ فِي كَلَامِهِمْ (لِإِسْقَاطِ الْحِيلَةِ) بَزَّازِيَّةٌ. قَالَ: وَطَلَبْنَاهَا كَثِيرًا فَلَمْ نَجِدْهَا. (إذَا اشْتَرَى جَمَاعَةٌ عَقَارًا وَالْبَائِعُ وَاحِدٌ يَتَعَدَّدُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بِتَعَدُّدِهِمْ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ بَعْضِهِمْ وَيَتْرُكَ الْبَاقِيَ وَبِعَكْسِهِ) وَهُوَ مَا إذَا تَعَدَّدَ الْبَائِعُ وَاتَّحَدَ الْمُشْتَرِي (لَا) يَتَعَدَّدُ الْأَخْذُ، بَلْ يَأْخُذُ الْكُلَّ أَوْ يَتْرُكُ   [رد المحتار] مَنْقُولَةٌ عَنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ حَتَّى تَتَرَجَّحَ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى، كَيْفَ وَكَثِيرٌ مِنْ الشُّرُوحِ كَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا يَنْقُلُونَ عَنْ أَصْحَابِ الْفَتَاوَى فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَقَلَهَا عَنْهُمْ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ مُنْصِفًا (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا إلَخْ) هَذِهِ ذَكَرَهَا الرَّمْلِيُّ عَنْ حَاوِي الزَّاهِدِيِّ مِنْ جُمْلَةِ الْحِيَلِ. أَقُولُ: وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ فِعْلُهَا وَأَنَّهَا مُضِرَّةٌ لِفَاعِلِهَا فِي دِينِهِ بِمُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَفِي دُنْيَاهُ إذَا طَلَبَ الشَّفِيعُ بَعْدَ مَا سَقَطَ الْفَسْخُ بِبِنَاءٍ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ) أَقُولُ: مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْبَزَّازِيُّ لَا يَصْلُحُ مُسْقِطًا، إذْ لَوْ سَكَتَ الشَّفِيعُ أَوْ قَالَ لَا أَشْتَرِي لَا تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ. وَعِبَارَةُ النِّهَايَةِ: وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ أَنَا أَبِيعُهَا مِنْك بِمَا أَخَذْت فَلَا فَائِدَةَ لَك فِي الْأَخْذِ فَيَقُولَ الشَّفِيعُ نَعَمْ أَوْ يَقُولَ اشْتَرَيْت فَتَبْطُلَ شُفْعَتُهُ اهـ. أَقُولُ: وَمِنْهَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ الشُّفْعَةَ أَوْ يُصَالِحَهُ عَلَيْهَا بِمَالٍ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ وَيَسْتَرِدُّ الْمَالَ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ وَيُفْتَى بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الشُّفْعَةِ) بَلْ نَقَلَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهَا. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ قَبْلَ الثُّبُوتِ لَا بَأْسَ بِهِ عَدْلًا كَانَ يَعْنِي الشَّفِيعَ أَوْ فَاسِقًا فِي الْمُخْتَارِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِبْطَالٍ (قَوْلُهُ وَاسْتَحْسَنَهُ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ) هُوَ الْعَلَّامَةُ شَرَفُ الدِّينِ الْغَزِّيِّ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ، حَيْثُ قَالَ وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُ هَذَا الْقَوْلِ لِحُسْنِهِ اهـ ط (قَوْلُهُ فِي الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَآيَةِ السَّجْدَةِ) كَأَنْ يَبِيعَ السَّائِمَةَ بِغَيْرِهَا قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ يَهَبَ لِابْنِهِ الْمَالَ قَبْلَهُ أَوْ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ يَقْرَأَ سُورَةَ السَّجْدَةِ وَيَدَعَ آيَتَهَا. قَالَ ط: قُلْت: أَوْ يَقْرَأَهَا سِرًّا بِحَيْثُ لَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ اهـ أَيْ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ إسْمَاعُ نَفْسِهِ لَا مُجَرَّدُ تَصْحِيحِ الْحُرُوفِ (قَوْلُهُ لِإِسْقَاطِ الْحِيلَةِ) أَيْ فِي الشُّفْعَةِ، أَمَّا فِي غَيْرِهَا فَقَدْ وُجِدَ كَمَا بَيَّنَهُ الْبِيرِيُّ (قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. أَقُولُ: أَصْلُ هَذَا الْكَلَامِ لِصَاحِبِ الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ وَالِدِهِ، وَذَكَرَ الرَّحْمَتِيُّ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ أَنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ مَا كَانَ تَلْجِئَةً، وَكَذَا قَوْلُهُ أَنَا أَعْلَمُ قِيمَةَ الْفُلُوسِ يَصْلُحُ حِيلَةً لِإِسْقَاطِ الْحِيلَةِ. مَطْلَبٌ لَا شُفْعَةَ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِدَارٍ. [تَتِمَّةٌ] رَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا مُنْلَا عَلِيٍّ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى مَا حَاصِلُهُ: أَقَرَّ بِسَهْمٍ مِنْ الدَّارِ ثُمَّ بَاعَ مِنْهُ الْبَقِيَّةَ لَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ، ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَأَنْكَرَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ؛ وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ، فَالرِّوَايَةُ مَنْصُوصَةٌ فِيمَنْ أَقَرَّ بِدَارٍ لِآخَرَ وَسَلَّمَهَا، ثُمَّ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا لَا شُفْعَةَ لِلْمُقَرِّ لَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ أَيْ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا شُفْعَةَ لِلْمُقَرِّ أَيْضًا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْبَائِعُ وَاحِدٌ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 246 لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِقِيَامِ الشَّفِيعِ مَقَامَ أَحَدِهِمْ فَلَمْ تَنْفَرِقْ الصَّفْقَةُ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ سَمَّى لِكُلِّ بَعْضٍ ثَمَنًا أَوْ سَمَّى لِلْكُلِّ جُمْلَةً، لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ لَا لِاتِّحَادِ الثَّمَنِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ الْحِصَّةَ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ، وَلَوْ اشْتَرَى دَارَيْنِ أَوْ قَرْيَتَيْنِ بِمِصْرَيْنِ صَفْقَةً أَخَذَهُمَا شَفِيعُهَا مَعًا أَوْ تَرَكَهُمَا لَا أَحَدَهُمَا وَلَوْ إحْدَاهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَالْأُخْرَى بِالْمَغْرِبِ شَرْحُ مَجْمَعِ وَيَأْتِي (وَالْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا) أَيْ الْعَدَدِ وَالِاتِّحَادِ (الْعَاقِدُ) لِتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعَقْدِ بِهِ (دُونَ الْمَالِكِ) فَلَوْ وَكَّلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ نَصِيبِ بَعْضِهِمْ. (اشْتَرَى نِصْفَ دَارٍ غَيْرَ مَقْسُومٍ فَقَاسَمَ) الْمُشْتَرِي (الْبَائِعُ أَخَذَ الشَّفِيعُ نَصِيبَ الْمُشْتَرِي الَّذِي حَصَلَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ) وَإِنْ وَقَعَ فِي غَيْرِ جَانِبِهِ عَلَى الْأَصَحِّ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلشَّفِيعِ (نَقْضُهَا مُطْلَقًا) سَوَاءٌ قُسِمَ بِحُكْمٍ   [رد المحتار] أَقُولُ: فَلَوْ تَعَدَّدَ كُلٌّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لَمْ أَرَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ لَا كَالْعَكْسِ كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ الْآتِي وَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي) أَيْ فَيَتَضَرَّرُ بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ. وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: لَوْ اشْتَرَى نَصِيبَ كُلٍّ بِصَفْقَةٍ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ رَضِيَ بِهَذَا الْعَيْبِ حَيْثُ اشْتَرَى نَصِيبَ كُلٍّ بِصَفْقَةٍ اهـ ثُمَّ بَيَّنَ مَا تَتَفَرَّقُ بِهِ الصَّفْقَةُ وَمَا تَتَّحِدُ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ لِقِيَامِ الشَّفِيعِ إلَخْ) وَلِأَنَّ الْجَارَ مُتَعَدِّدٌ فَلَهُ أَنْ يَرْضَى بِأَحَدِهِمْ دُونَ غَيْرِهِ، أَمَّا إذَا رَضِيَ بِجِوَارِ الْمُشْتَرِي فِي نَصِيبٍ وَاحِدٍ فَقَدْ رَضِيَ أَيْضًا فِي نَصِيبٍ آخَرَ لِعَدَمِ تَجَزُّؤِ جِوَارِ الْوَاحِدِ دُرَرُ الْبِحَارِ (قَوْلُهُ بِلَا فَرْقٍ إلَخْ) هُوَ الصَّحِيحُ إلَّا أَنَّ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُمْكِنُهُ أَخْذُ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إذَا نَقَدَ مَا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَنْقُدْ الْآخَرَ حِصَّتَهُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْرِيقِ الْيَدِ عَلَى الْبَائِعِ بِمَنْزِلَةِ أَحَدِ الْمُشْتَرِينَ هِدَايَةٌ أَيْ إذَا نَقَدَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ لَا يَقْبِضُ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْمُشْتَرُونَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ وَكَذَا الشَّفِيعُ (قَوْلُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الدَّارَ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ) أَيْ فِي الْبَاقِي، وَقِيلَ بَطَلَتْ قُهُسْتَانِيٌّ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي وَاحِدًا وَالْبَائِعُ اثْنَيْنِ وَطَلَبَ الشَّفِيعُ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ هَلْ يَكُونُ عَلَى شُفْعَتِهِ؟ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ نَعَمْ. قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بَعْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ وَطَلَبِ الْإِشْهَارِ فِي الْكُلِّ فَلَوْ طَلَبَ فِي النِّصْفِ أَوَّلًا بَطَلَتْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى إطْلَاقِهِ اهـ. قُلْت: يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ قُبَيْلَ بَابِ الطَّلَبِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّ شَرْطَ صِحَّتِهَا أَنْ يَطْلُبَ الْكُلَّ، وَبِهِ يَتَأَيَّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ مِنْ التَّوْفِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ الْمَجْمَعِ وَلَا يُجْعَلُ قَوْلُهُ آخُذُ نِصْفَهَا تَسْلِيمًا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لَا أَحَدَهُمَا) وَقَالَ زُفَرُ: لَهُ شُفْعَةُ أَحَدِهِمَا، قِيلَ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ، وَقَيَّدَ بِمِصْرَيْنِ لِمَا فِي الْحَقَائِقِ لَوْ كَانَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ، فَقَوْلُهُ كَقَوْلِنَا: وَفِي الْمُصَفَّى وَالْإِيضَاحِ أَنَّهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ وَبِصَفْقَةٍ إذْ لَوْ بِيعَتَا بِصَفْقَتَيْنِ لَهُ أَخْذُ أَيِّهِمَا شَاءَ اتِّفَاقًا وَبِكَوْنِهِ شَفِيعًا لَهُمَا، إذْ لَوْ كَانَ شَفِيعًا لِأَحَدِهِمَا يَأْخُذُ الَّتِي هُوَ شَفِيعُهَا اتِّفَاقًا، لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَإِنْ اتَّحَدَتْ فَقَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى مَا فِيهِ الشُّفْعَةُ، وَعَلَى مَا لَيْسَتْ فِيهِ حُكِمَ بِهَا فِيمَا تَثْبُتُ فِيهِ أَدَاءً لِحَقِّ الْعَبْدِ كَذَا فِي دُرَرِ الْبِحَارِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ وَيَأْتِي) أَيْ عَنْ النَّظْمِ الْوَهْبَانِيِّ (قَوْلُهُ فَلَوْ وَكَّلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً) أَيْ بِالشِّرَاءِ فَاشْتَرَوْا لَهُ عَقَارًا وَاحِدًا بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مُتَعَدِّدَةٍ زَيْلَعِيٌّ، وَتَمَامُ التَّفْرِيغِ وَلَوْ وَكَّلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا بِهِ لَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ نَصِيبِ بَعْضِهِمْ (قَوْلُهُ فَلِلشَّفِيعِ إلَخْ) هَذَا إذَا وَكَّلَ كُلًّا فِي نَصِيبٍ، وَأَمَّا إذَا وَكَّلَ كُلًّا فِي شِرَاءِ الْجَمِيعِ فَلَا شُفْعَةَ إلَّا فِي الْجَمِيعِ فَلْيُتَأَمَّلْ ط. أَقُولُ: هَذَا مَقْبُولٌ لِلنَّفْسِ لَوْ لَمْ يُخَالِفْهُ مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ وَقَعَ فِي غَيْرِ جَانِبِهِ) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ إذَا وَقَعَ فِي جَانِبِ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى جَارًا فِيمَا يَقَعُ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ هِدَايَةٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 247 أَوْ رِضًا عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهَا مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ، حَتَّى لَوْ قَاسَمَ الشَّرِيكُ كَانَ لِلشَّفِيعِ النَّقْضُ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ وَقَاسَمَ الْمُشْتَرِي الشَّرِيكَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ حَيْثُ يَكُونُ لِلشَّفِيعِ نَقْضُهُ) كَنَقْضِهِ بَيْعَهُ وَهِبَتَهُ (كَمَا لَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ دَارًا وَهُمَا شَفِيعَانِ ثُمَّ جَاءَ شَفِيعٌ ثَالِثٌ بَعْدَ مَا اقْتَسَمَا بِقَضَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَهُ) أَيْ لِلشَّفِيعِ (أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ) ضَرُورَةَ صَيْرُورَةِ النِّصْفِ ثُلُثًا شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ. (اخْتَلَفَ الْجَارُ وَالْمُشْتَرِي فِي مِلْكِيَّةِ الدَّارِ الَّتِي يَسْكُنُ فِيهَا) الشَّفِيعُ الَّذِي هُوَ الْجَارُ (فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي) لِأَنَّهُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ الشُّفْعَةِ (وَلِلْجَارِ تَحْلِيفُهُ) أَيْ تَحْلِيفُ الْمُشْتَرِي (عَلَى الْعِلْمِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ يُفْتَى، كَمَا لَوْ أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ) فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ (وَإِنْ أَنْكَرَ) الْمُشْتَرِي (طَلَبَ الْإِشْهَادِ عِنْدَ لِقَائِهِ حَلَفَ) الْمُشْتَرِي (عَلَى الْبَتَاتِ) لِأَنَّهُ يُحِيطُ بِهِ عِلْمًا دُونَ الْأَوَّلِ حَاوِي الزَّاهِدِيِّ، وَلَوْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَةُ الشَّفِيعِ أَحَقُّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي. [فُرُوعٌ] بَاعَ مَا فِي إجَارَةِ الْغَيْرِ وَهُوَ شَفِيعُهَا، فَإِنْ أَجَازَ الْبَيْعَ أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَإِلَّا بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ رَدَّهَا شَرَى لِطِفْلِهِ وَالْأَبُ شَفِيعٌ لَهُ   [رد المحتار] قَوْلُهُ أَوْ رِضًا عَلَى الْأَصَحِّ) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَهُ النَّقْضُ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ) لِمَا عُرِفَ أَنَّ قَبْضَ الْمُشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ قَبْضٌ نَاقِصٌ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ قَاسَمَ) أَيْ الْمُشْتَرِي وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى التَّعْلِيلِ بِكَوْنِ الْقِسْمَةِ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ حَيْثُ يَكُونُ لِلشَّفِيعِ نَقْضُهُ) لِأَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ لَمْ تَجْرِ بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا قَبْضًا بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَجُعِلَتْ مُبَادَلَةً، وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَنْقُضَ الْمُبَادَلَةَ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى إلَخْ) تَشْبِيهٌ فِي النَّقْضِ ط (قَوْلُهُ وَلِلْجَارِ تَحْلِيفُهُ عَلَى الْعِلْمِ) لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ مِنَحٌ فَيَقُولُ لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا يَشْفَعُ بِهِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ) مُوَافِقٌ لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَالَ الشَّفِيعُ عَلِمْت أَمْسِ وَطَلَبْت فَإِنَّهُ يُكَلَّفُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا حَلَفَ الْمُشْتَرِي، أَمَّا لَوْ قَالَ طَلَبْت حِينَ عَلِمْت أَيْ وَلَمْ يَسْنُدْهُ لِمَا مَضَى فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ فَيَحْصُلُ التَّوْفِيقُ، أَفَادَهُ الرَّمْلِيُّ وَقَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ عِنْدَ لِقَائِهِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ طَلَبَ الْإِشْهَادِ عِنْدَ لِقَاءِ الْبَائِعِ أَوْ عِنْدَ الدَّارِ حَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ لِعَدَمِ إحَاطَةِ الْعِلْمِ اهـ ح (قَوْلُهُ فَبَيِّنَةُ الشَّفِيعِ أَحَقُّ) لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْأَخْذَ وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ ط [فروع بَاعَ مَا فِي إجَارَةِ الْغَيْرِ وَهُوَ شَفِيعُهَا] (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الْغَيْرُ الَّذِي هُوَ الْمُسْتَأْجِرُ (قَوْلُهُ أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ) لِوُجُودِ سَبَبِهَا وَبُطْلَانِ الْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ وَإِنْ رَدَّهَا) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ بِأَنْ رَدَّهَا وَعَزَا الْمَسْأَلَةَ إلَى الْوَلْوَالِجيَّةِ: قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ عَدَمَ إجَازَةِ الْبَيْعِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْإِجَارَةِ، وَاَلَّذِي فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَلَوْ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ وَلَكِنْ طَلَبَ الشُّفْعَةَ أُبْطِلَتْ الْإِجَارَةُ لِأَنَّهُ لَا صِحَّةَ لِلطَّلَبِ إلَّا بَعْدَ بُطْلَانِ الْإِجَارَةِ اهـ. فَالصَّوَابُ أَنَّ طَلَبَهَا يَعْنِي الشُّفْعَةَ اهـ مُلَخَّصًا. وَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَذْكُورٌ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْقُنْيَةِ وَالْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ. قَالَ ط: وَأَفَادَ هَذَا أَنَّ لَهُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ لِنَفَاذِ الْبَيْعِ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُجِيزَ وَيَطْلُبَ أَوْ يَطْلُبَ الشُّفْعَةَ فَقَطْ، وَالْعِبَارَةُ لَا تَخْلُو عَنْ رَكَاكَةٍ اهـ أَيْ لِإِيهَامِهَا أَنْ لَا شُفْعَةَ لَهُ إنْ طَلَبَ فَقَطْ أَنَّ لَهُ الشُّفْعَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ. أَقُولُ: الْمَسْأَلَةُ مَسُوقَةٌ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا إذَا بَاعَ دَارًا عَلَى أَنْ يَكْفُلَ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ فَكَفَلَ لَا شُفْعَةَ لَهُ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْكَفَالَةُ شَرْطًا فِي الْبَيْعِ صَارَ جَوَازُهُ مُضَافًا إلَيْهَا وَصَارَ الشَّفِيعُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ، أَمَّا هُنَا الْبَيْعُ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ الْمُسْتَأْجِرِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرُوهُ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 248 الشُّفْعَةُ وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ. قُلْت: لَكِنْ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مَا يُخَالِفُهُ فَتَنَبَّهْ. لَوْ كَانَتْ دَارُ الشَّفِيعِ مُلَاصِقَةً لِبَعْضِ الْمَبِيعِ كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ فِيمَا لَاصَقَهُ فَقَطْ وَلَوْ فِيهِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ. الْإِبْرَاءُ الْعَامُّ مِنْ الشَّفِيعِ يُبْطِلُهَا قَضَاءً مُطْلَقًا لَا دِيَانَةً إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا. .   [رد المحتار] وَحَاصِلُهُ أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ الشُّفْعَةَ سَوَاءٌ أَجَازَ الْبَيْعَ صَرِيحًا أَوْ ضِمْنًا بِخِلَافِ الْكَفِيلِ، فَلَا رَكَاكَةَ فِي كَلَامِهِمْ بَعْدَ الْوُقُوفِ عَلَى مَرَامِهِمْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ الشُّفْعَةُ) فَيَقُولُ اشْتَرَيْت وَأَخَذْت بِالشُّفْعَةِ فَتَصِيرُ الدَّارُ لَهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ خَانِيَّةٌ، وَقَيَّدَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ لِلصَّبِيِّ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ كَمَا فِي شِرَائِهِ مَالَ ابْنِهِ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ لِلْوَصِيِّ شِرَاءُ مَالِ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فَلَهُ الشُّفْعَةُ أَيْضًا، لَكِنْ يَقُولُ اشْتَرَيْت وَطَلَبْت الشُّفْعَةَ ثُمَّ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَنْصِبَ قَيِّمًا عَنْ الصَّغِيرِ فَيَأْخُذَ الْوَصِيُّ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ وَيُسَلِّمَ الثَّمَنَ إلَيْهِ ثُمَّ هُوَ يُسَلِّمُ الثَّمَنَ إلَى الْوَصِيِّ وَلْوَالِجِيَّةٌ وَخَانِيَّةٌ وَقُنْيَةٌ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مَا يُخَالِفُهُ) حَيْثُ قَالَ: وَقَيَّدَ بِالْأَبِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ أَخْذَهَا لِنَفْسِهِ اتِّفَاقًا، لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَلَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَشْتَرِيَ مَالَ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي دُرَرِ الْبِحَارِ وَالْخَانِيَّةِ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَكِنْ بِلَا ذِكْرِ الِاتِّفَاقِ. وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِلَا رَفْعٍ إلَى الْقَاضِي وَنَصْبِ قَيِّمٍ، لَكِنْ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ أَنَّ الْوَصِيَّ يَطْلُبُ وَيُشْهِدَ وَيُؤَخِّرُ الْخُصُومَةَ لِبُلُوغِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ مَا يَأْتِي عَنْ الْمَنْظُومَةِ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَبِهِ وَفَّقَ الطَّرَسُوسِيُّ فَحَمَلَ مَا مَرَّ آنِفًا عَلَى نَفْيِ طَلَبِ التَّمَلُّكِ لِلْحَالِ كَمَا نَقَلَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ. أَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لُزُومُ التَّأْخِيرِ الْمَذْكُورِ إذَا لَمْ يُرْفَعْ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي، وَبِهِ يُوَفَّقُ بَيْنَ مَا فِي الْخِزَانَةِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا. هَذَا: وَقَدْ ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ وَتَبِعَهُمَا الزَّيْلَعِيُّ تَفْصِيلًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْوَصِيَّ لَهُ الْأَخْذُ إذَا كَانَ فِيهِ لِلصَّغِيرِ نَفْعٌ ظَاهِرٌ بِأَنْ كَانَ فِي الشِّرَاءِ غَبْنٌ يَسِيرٌ وَإِلَّا بِأَنْ وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلصَّغِيرِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَلَا بِالِاتِّفَاقِ، كَمَا فِي شِرَائِهِ مَالَ صَغِيرٍ لِنَفْسِهِ اهـ مُلَخَّصًا. وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ والتتارخانية، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ النُّقُولِ السَّابِقَةِ أَيْضًا. وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ لِلْوَصِيِّ الشُّفْعَةَ إنْ كَانَ ثَمَّةَ نَفْعٌ ظَاهِرٌ لِلصَّغِيرِ بِشَرْطِ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي وَأَلَّا يُؤَخِّرَ الْخُصُومَةَ إلَى الْبُلُوغِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَفْعٌ ظَاهِرٌ فَلَا، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّوْفِيقَ الْمُفْرَدَ بَيْنَ كَلَامِهِمْ الْمُبَدَّدِ (قَوْلُهُ لِبَعْضِ الْمَبِيعِ) كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ، وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مُتَعَدِّدًا كَدَارَيْنِ لَهُ جِوَارٌ بِإِحْدَاهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ الْحَمَوِيُّ وَغَيْرُهُ؛ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْأَتْقَانِيُّ: لَوْ كَانَ أَحَدُ الْجَارَيْنِ مُلَاصِقًا لِلْمَبِيعِ مِنْ جَانِبٍ وَالْآخَرُ مِنْ ثَلَاثٍ فَهُمَا سَوَاءٌ فَتَنَبَّهْ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: قَرْيَةٌ خَاصَّةٌ بَاعَهَا بِدُورِهَا وَنَاحِيَةٌ مِنْهَا تَلِي أَرْضَ إنْسَانٍ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ النَّاحِيَةِ الَّتِي تَلِيهِ اهـ أَيْ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمُتَعَدِّدِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ الْإِبْرَاءُ الْعَامُّ مِنْ الشَّفِيعِ) كَمَا إذَا قَالَ لَهُ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي أُبْرِئْنَا مِنْ كُلِّ خُصُومَةٍ لَك قِبَلَنَا وَلْوَالِجِيَّةٌ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهُ وَجَبَتْ لَهُ قِبَلَهُمَا شُفْعَةٌ أَوْ لَا (قَوْلُهُ لَا دِيَانَةً إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا) قَالَ فِي زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ: هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَيَبْرَأُ قَضَاءً وَدِيَانَةً فِي الْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَجْهُولِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَالْخُلَاصَةِ اهـ ح. أَقُولُ: عَلَّلَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ عَدَمَ الْبَرَاءَةِ دِيَانَةً بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ الْحَقِّ لَمْ يُبَرِّئْهُمَا قَالَ: وَنَظِيرُهُ لَوْ قَالَ الْآخَرُ اجْعَلْنِي فِي حِلٍّ لَا يَبْرَأُ دِيَانَةً إذَا كَانَ بِحَالٍ لَوْ عَلِمَ ذَلِكَ الْحَقَّ لَمْ يُبَرِّئْهُ اهـ فَتَأَمَّلْ. هَذَا وَاسْتَشْكَلَ الْمَسْأَلَةَ الْحَمَوِيُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 249 إذَا صَبَغَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ فَجَاءَ الشَّفِيعُ خُيِّرَ، إنْ شَاءَ أَعْطَاهُ مَا زَادَ الصَّبْغُ أَوْ تَرَكَ. أَخَّرَ الْجَارُ طَلَبَهُ لِكَوْنِ الْقَاضِي لَا يَرَاهَا فَهُوَ مَعْذُورٌ. يَهُودِيٌّ سَمِعَ بِالْبَيْعِ يَوْمَ السَّبْتِ فَلَمْ يَطْلُبْ لَمْ يَكُنْ عُذْرًا. قُلْت: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْيَهُودِيَّ إذَا طَلَبَ خَصْمُهُ مِنْ الْقَاضِي إحْضَارَهُ يَوْمِ سَبْتِهِ فَإِنَّهُ يُكَلِّفُهُ الْحُضُورَ وَلَا يَكُونُ سَبْتُهُ عُذْرًا، وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. قُلْت: وَهِيَ فِي وَاقِعَاتِ الْحُسَامِيِّ. ادَّعَى الشَّفِيعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ احْتَالَ لِإِبْطَالِهَا يَحْلِفُ. وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ خِلَافُهُ. قُلْت: وَسَنَذْكُرُهُ لِأَنَّ ابْنَ الْمُصَنِّفِ فِي حَاشِيَتِهِ لِلْأَشْبَاهِ أَيَّدَهُ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فَلْيُحْفَظْ.   [رد المحتار] بِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَجِئْ بِالثَّمَنِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الشُّفْعَةِ فَلَمْ يَجِئْ. قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ: لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهَا مَتَى ثَبَتَتْ بِطَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ وَتَقَرَّرَتْ بِالْإِشْهَادِ لَا تَبْطُلُ مَا لَمْ يُسَلِّمْ بِلِسَانِهِ اهـ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالْإِبْرَاءِ الْخَاصِّ فَبِالْعَامِّ أَوْلَى اهـ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِهَذَا الِاسْتِشْكَالِ، لِأَنَّ غَايَةَ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا يُبْطِلُهَا الْإِبْرَاءُ الْعَامُّ فِي الصَّحِيحِ اهـ. أَقُولُ: وَفِيهِ غَفْلَةٌ عَنْ كَوْنِ هَذَا الْمُسْتَفَادِ هُوَ مَنْشَأُ الْإِبْرَادِ. وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الشُّفْعَةِ بِالطَّلَبَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَسْأَلَتَنَا فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إذَا صَبَغَ الْمُشْتَرِي إلَخْ) مُسْتَدْرَكٌ هُوَ وَمَا بَعْدَهُ بِمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الطَّلَبِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ أَخَّرَ الْجَارُ طَلَبَهُ إلَخْ) قَدَّمْنَا أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ (قَوْلُهُ يَهُودِيٌّ سَمِعَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ فَلَيْسَ الْأَحَدُ عُذْرًا لَهُ لِلنَّصْرَانِيِّ، وَلَكِنَّ تَخْصِيصَ الْيَهُودِيِّ بِالذِّكْرِ أَنَّهُمْ نُهُوا عَنْ الْأَعْمَالِ يَوْمَ السَّبْتِ وَلَمْ تُنْهَ النَّصَارَى عَنْهَا يَوْمَ الْأَحَدِ لَكِنَّهُ نُسِخَ فِي شَرْعِنَا حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ عُذْرًا) وَكَذَا لَوْ كَانَ الشَّفِيعُ فِي عَسْكَرِ الْخَوَارِجِ أَوْ أَهْلِ الْبَغْيِ فَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَسْكَرِ الْعَدْلِ فَلَمْ يَطْلُبْهَا بَطَلَتْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ) . أَيْ قُبَيْلَ بَابِ مَا تَثْبُتُ هِيَ فِيهِ أَوْ لَا ح (قَوْلُهُ وَسَنَذْكُرُهُ) أَيْ كَلَامَ الْوَهْبَانِيَّةِ قَرِيبًا ح (قَوْلُهُ لِأَنَّ ابْنَ الْمُصَنِّفِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِلْإِعَادَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَسَنَذْكُرُهُ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي الْعِنَايَةَ وَالتَّأْكِيدَ ط (قَوْلُهُ أَيَّدَهُ) حَيْثُ قَالَ. أَقُولُ: مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ وَهْبَانَ أَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ، لِأَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَوْضِعٍ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لَوْ أَنْكَرَهُ لَا يَحْلِفُ، وَهُنَا لَوْ أَقَرَّ بِالْحِيلَةِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهَا ابْتِدَاءً لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَلَا يَحْلِفُ، وَالْحِيلَةُ لِعَدَمِ ثُبُوتِهَا ابْتِدَاءً لَا تُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَعَلَى قَوْلِهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ بَعْدَ ذِكْرِ جُمْلَةٍ مِنْ الْحِيَلِ الْمُبْطِلَةِ لِلشُّفْعَةِ: فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَلَوْ أَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُشْتَرِيَ أَوْ الْبَائِعَ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا فَعَلَ هَذَا فِرَارًا عَنْ الشُّفْعَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَدَّعِي شَيْئًا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ اهـ. أَقُولُ: وَالْعَبْدُ الضَّعِيفُ إلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ وَهْبَانَ وَأَفَادَهُ الْعَلَّامَةُ فَقِيهُ النَّفْسِ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ أَمْيَلُ. أَقُولُ: وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: ثُمَّ ذَكَرَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الشُّفْعَةِ عَقِبَ هَذِهِ الْحِيَلِ وَقَالَ يُسْتَحْلَفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا فَعَلْت هَذَا فِرَارًا مِنْ الشُّفْعَةِ، وَلَا مَعْنَى لِهَذَا لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَكَيْفَ يُسْتَحْلَفُ اهـ كَلَامُ ابْنِ الْمُصَنِّفِ فِي الزَّوَاهِرِ ح. أَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: ذَكَرَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَيْضًا أَوَّلَ الْفَصْلِ الثَّالِثِ تَصَدَّقَ بِالْحَائِطِ الَّذِي يَلِي جَارَهُ عَلَى رَجُلٍ بِمَا تَحْتَهُ وَقَبَضَهُ ثُمَّ بَاعَ مِنْهُ مَا بَقِيَ فَلَيْسَ لِلْجَارِ شُفْعَةٌ، فَإِنْ طَلَبَ يَمِينَ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا فَعَلَ الْأَوَّلَ ضَرَرًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 250 تَعْلِيقُ إبْطَالِهَا بِالشَّرْطِ جَائِزٌ. لَهُ دَعْوَى فِي رَقَبَةِ الدَّارِ وَشُفْعَةٌ فِيهَا يَقُولُ هَذِهِ الدَّارُ دَارِي وَأَنَا أَدَّعِيهَا، فَإِنْ وَصَلَتْ إلَيَّ وَإِلَّا فَأَنَا عَلَى شُفْعَتِي فِيهَا. اسْتَوْلَى الشَّفِيعُ عَلَيْهَا بِلَا قَضَاءٍ، إنْ اعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِ عَالِمٍ لَا يَكُونُ ظَالِمًا   [رد المحتار] وَلَا فِرَارًا مِنْ الشُّفْعَةِ عَلَى وَجْهِ التَّلْجِئَةِ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ وَهُوَ خَصْمٌ، فَإِنْ حَلَفَ فَلَا شُفْعَةَ وَإِلَّا ثَبَتَتْ لِأَنَّهُ ثَبَتَ كَوْنُهُ جَارًا مُلَازِقًا اهـ. وَقَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ بَعْدَ عِبَارَتِهِ السَّابِقَةِ: لَكِنْ إنْ أَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ مَا كَانَ تَلْجِئَةً لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ يَلْزَمُهُ، قَالَ: وَمَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الشَّفِيعَ إذَا أَرَادَ تَحْلِيفَهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ إبْطَالَ الشُّفْعَةِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ مَعْنَاهُ إذَا ادَّعَى أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ تَلْجِئَةً اهـ وَمِثْلُهُ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ عَنْ مُؤَيَّدِ زَادَهْ مَعْزُوًّا لِلْوَجِيزِ، وَبِهِ ظَهَرَ عَدَمُ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا تَبَعًا لِلْأَشْبَاهِ وَبَيْنَ مَا يَأْتِي عَنْ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ بَيْعَ التَّلْجِئَةِ هُوَ أَنْ يُظْهِرَا عَقْدًا لَا يُرِيدَانِهِ إلَخْ فَيَكُونُ الْبَيْعُ بَاطِلًا. هَذَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِمَّا نَقَلْنَاهُ أَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إنْ قَصَدَا حَقِيقَةَ الْبَيْعِ فِرَارًا مِنْ الشُّفْعَةِ كَانَ بَيْعًا جَائِزًا، وَإِلَّا بَلْ أَظْهَرَاهُ لِلشَّفِيعِ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا لِأَنَّهُ تَلْجِئَةٌ وَلِذَا يُجَابُ الشَّفِيعُ إلَى التَّحْلِيفِ لَوْ ادَّعَى الثَّانِيَ دُونَ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ أَنَّ كُلَّ مَا يُحْتَالُ بِهِ لِإِبْطَالِ الشُّفْعَةِ يَكُونُ تَلْجِئَةً وَإِلَّا بَطَلَ قَوْلُهُمْ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ أَنَّهُ مَا فَعَلَ هَذَا فِرَارًا مِنْ الشُّفْعَةِ إلَخْ، فَمَنْ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ وَقَالَ: لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذِكْرِهِ ثُمَّ أَجَابَ بِمَا لَا يُجْدِي فَقَدْ خَفِيَ عَلَيْهِ الْمَرَامُ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْقِيقَ فِي هَذَا الْمَقَامِ (قَوْلُهُ تَعْلِيقُ إبْطَالِهَا بِالشَّرْطِ جَائِزٌ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَوْ قَالَ الشَّفِيعُ سَلَّمْت لَك الشُّفْعَةَ إنْ كُنْت اشْتَرَيْتهَا لِنَفْسِك وَقَدْ اشْتَرَاهَا لِغَيْرِهِ فَلَيْسَ بِتَسْلِيمٍ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَصَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَلَا يَنْزِلُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِهِ اهـ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَهَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي صَاحِبَ الْهِدَايَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشُّرُوطِ فَبِالْفَاسِدِ أَوْلَى اهـ. قَالَ الطُّورِيُّ: وَقَدْ يُجَابُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ شَرْطٍ وَشَرْطٍ، فَمَا سَبَقَ فِي الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ الشُّفْعَةِ وَالرِّضَا بِالْمُجَاوَرَةِ وَمَا هُنَا فِيمَا لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اهـ. أَقُولُ: وَأَوْرَدَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ مَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ إسْقَاطِهِ بِالشَّرْطِ وَلَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ إلَى الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ إسْقَاطًا مَحْضًا وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ لَا تَبْطُلُ. قَالَ: وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ تَسْلِيمَهَا لَيْسَ بِإِسْقَاطٍ مَحْضٍ وَإِلَّا لَصَحَّ مَعَ الْإِكْرَاهِ كَعَامَّةِ الْإِسْقَاطَاتِ اهـ وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَنَّ الشَّفِيعَ لَوْ قَالَ قَبْلَ الْبَيْعِ إنْ اشْتَرَيْت فَقَدْ سَلَّمْتهَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَقَدَّمْنَا ذَلِكَ قُبَيْلَ بَابِ الصَّرْفِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ يَقُولُ هَذِهِ الدَّارُ دَارِي إلَخْ) لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى رَقَبَتَهَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، وَإِذَا ادَّعَى الشُّفْعَةَ تَبْطُلُ دَعْوَاهُ فِي الرَّقَبَةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُتَنَاقِضًا، فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ السُّكُوتُ عَنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ كَلَامٌ وَاحِدٌ، وَأَفَادَ أَبُو السُّعُودِ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّلَبِ فَوْرًا، وَأَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ لَهُ الطَّلَبَ فِي مَجْلِسٍ عَلِمَهُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَدَّعِيَ رَقَبَتَهَا وَهُوَ فِي الْمَجْلِسِ ثُمَّ يَطْلُبَ الشُّفْعَةَ فِيهِ إنْ مُنِعَ (قَوْلُهُ إنْ اعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِ عَالِمٍ) بَحَثَ فِيهِ فِي الزَّوَاهِرِ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلشَّفِيعِ إلَّا بَعْدَ الْأَخْذِ بِالتَّرَاضِي أَوْ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي يَقْتَضِي أَنَّ اسْتِيلَاءَهُ حَرَامٌ، وَلَا يَنْفَعُهُ قَوْلُ الْعَالِمِ اهـ ح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 251 وَإِلَّا كَانَ ظَالِمًا. أَشْيَاءُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ: الْعَقْلُ وَالشُّفْعَةُ وَأُجْرَةُ الْقَسَّامِ وَالطَّرِيقُ إذَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، الْكُلُّ فِي الْأَشْبَاهِ. لَا شُفْعَةَ لِمُرْتَدٍّ عِنَايَةٌ. . صَبِيٌّ شَفِيعٌ لَا وَلِيَّ لَهُ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، وَإِنْ نَصَبَ الْقَاضِي قَيِّمًا يَطْلُبُهَا جَازَ جَوَاهِرُ. شَرَى كَرْمًا وَلَهُ شَفِيعٌ غَائِبٌ فَأَثْمَرَتْ الْأَشْجَارُ فَأَكَلَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَتَى الشَّفِيعُ وَأَخَذَهُ، إنْ الْأَشْجَارُ وَقْتَ الْقَبْضِ مُثْمِرَةً سَقَطَ بِقَدْرِهِ وَإِلَّا لَا، لِأَنَّهُ لَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ حِينَئِذٍ مُؤَيَّدُ زَادَهْ مَعْزِيًّا لِوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيِّ، وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ:   [رد المحتار] أَقُولُ: عِبَارَةُ الْوَلْوَالِجيَّةِ: إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِنْبَاطِ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَالَ ذَلِكَ لَا يَصِيرُ فَاسِقًا لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ ظَالِمًا إلَخْ، فَالْبَحْثُ غَيْرُ مُتَوَجِّهٍ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَإِلَّا كَانَ ظَالِمًا) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يُعَزَّرُ اهـ. أَبُو السُّعُودِ عَنْ الزَّوَاهِرِ (قَوْلُهُ أَشْيَاءُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ) أَيْ تُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ لَا عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ (قَوْلُهُ الْعَقْلُ) أَيْ الدِّيَةُ أَوْ الْقِيمَةُ، فَإِذَا وُجِدَ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ قَتِيلًا فِي مَكَان مَمْلُوكٍ قُسِمَتْ الْقِيمَةُ أَوْ الدِّيَةُ عَلَى عَدَدِ الْمُلَّاكِ دُونَ قَدْرِ الْمِلْكِ، وَتَمَامُ بَيَانِهِ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلْحَمَوِيِّ. قَالَ: وَعَلَى كَوْنِ الْعَقْلِ بِمَعْنَى الدِّيَةِ اسْتَحْسَنَ الدَّمَامِينِيُّ قَوْلَ ابْنِ نَبَاتَةَ: أُعِيذُ سَنَاهُ وَالْعِذَارَ وَرِيقَهُ ... بِمَا قَدْ أَتَى فِي النُّورِ وَالنَّمْلِ وَالنَّحْلِ وَأَصْبُو إلَى السِّحْرِ الَّذِي فِي جُفُونِهِ ... وَإِنْ كُنْت أَدْرِي أَنَّهُ جَالِبٌ قَتْلِي وَأَرْضَى بِأَنْ أَمْضِيَ قَتِيلًا كَمَا مَضَى ... بِلَا قَوَدٍ مَجْنُونُ لَيْلَى وَلَا عَقْلِ (قَوْلُهُ وَأُجْرَةُ الْقَسَّامِ) قَيَّدَ بِالْقَسَّامِ لِمَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ قَرِيبًا فِي الْقِسْمَةِ أَنَّ أُجْرَةَ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ بِقَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ إجْمَاعًا، وَكَذَا سَائِرُ الْمُؤَنِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَالطَّرِيقُ إذَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) لَمْ يُرِدْ بِهِ هُنَا طَرِيقًا عَامًّا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ، بَلْ مَا يَكُونُ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ حَمَوِيٌّ. [تَتِمَّةٌ] تَقَدَّمَ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ أَنَّ سَاحَةَ الدَّارِ إذَا اخْتَلَفُوا فِيهَا تُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ، فَذُو بَيْتٍ مِنْ دَارٍ كَذِي بُيُوتٍ مِنْهَا، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ آخِرَ الْقِسْمَةِ أَنَّ الْغَرَامَاتِ لَوْ لِحِفْظِ الْأَنْفُسِ فَكَذَلِكَ، وَكَذَا مَا اتَّفَقُوا عَلَى إلْقَائِهِ مِنْ السُّفُنِ لَوْ خَافُوا الْغَرَقَ، وَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَالْمَجْمُوعُ سَبْعَةٌ نَظَمَهَا الْفَاضِلُ الْحَمَوِيُّ بِقَوْلِهِ: إنَّ التَّقَاسُمَ بِالرُّءُوسِ يَكُونُ فِي ... سَبْعٍ لَهُنَّ حَلْيُ عِقْدِ نِظَامِ فِي سَاحَةٍ مَعَ شُفْعَةٍ وَنَوَائِب ... إنْ مِنْ هَوَاءٍ أُجْرَةُ الْقَسَّامِ وَكَذَاك مَا يُرْمَى مِنْ السُّفُنِ الَّتِي ... يُخْشَى بِهَا غَرَقٌ وَطُرُقُ كِرَامِ وَكَذَاكَ عَاقِلَةٌ وَقَدْ تَمَّ الَّذِي ... حَرَّرْته لِأَفَاضِلِ الْأَعْلَامِ قَالَ: وَبَقِيَ مَا فِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ، وَهُوَ أَنَّ الضِّيَافَةَ الَّتِي جَرَتْ بِهَا الْعَادَةُ فِي الْأَوْقَافِ تُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ لَا قَدْرِ الْوَظَائِفِ. وَمِنْهَا مَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا يَعْنِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ تَبَعًا لِمَشَايِخِهِ، وَهُوَ الْحُلْوَانُ الَّذِي جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي الْأَوْقَافِ يُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ لَا عَلَى قَدْرِ الْوَظَائِفِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ النَّاظِرُ. وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ بَحْثًا لَوْ قَتَلَ صَيْدَ الْحَرَمِ حَلَالَانِ فَعَلَى كُلٍّ نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْسَمَ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ إذَا قَتَلَهُ جَمَاعَةٌ اهـ (قَوْلُهُ لَا وَلِيَّ لَهُ) أَيْ مِنْ أَب أَوْ جَدٍّ أَوْ وَصِيِّ أَحَدِهِمَا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْخَصْمَ عَنْ الصَّبِيِّ فِي الشُّفْعَةِ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ مَنْ ذُكِرَ وَعِنْدَ عَدَمِهِمْ الْقَاضِي أَوْ قَيِّمُهُ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ الْكَلَامُ فِي تَسْلِيمِهِمْ شُفْعَتَهُ وَالسُّكُوتِ عَنْهَا (قَوْلُهُ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ) فَلَهُ أَنْ يَطْلُبَهَا إذَا بَلَغَ ط (قَوْلُهُ إنْ الْأَشْجَارُ وَقْتَ الْقَبْضِ مُثْمِرَةً) سَوَاءٌ كَانَتْ مُثْمِرَةً الجزء: 6 ¦ الصفحة: 252 وَيَأْخُذُ فِيمَا يُشْتَرَى لِصَغِيرِهِ ... أَبٌ وَوَصِيٌّ لِلْبُلُوغِ يُؤَخَّرُ وَلَيْسَ لَهُ تَفْرِيقُ دَارَيْنِ بِيعَتَا ... وَلَوْ غَيْرَ جَارٍ وَالتَّفَرُّقُ أَجْدَرُ وَمَا ضَرَّ إسْقَاطُ التَّحَيُّلِ مُسْقِطًا ... وَتَحْلِيفُهُ فِي النُّكْرِ لَا شَكَّ أَنْكَرُ. كِتَابُ الْقِسْمَةِ مُنَاسَبَتُهُ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَرَادَ الِافْتِرَاقَ بَاعَ فَتَجِبُ الشُّفْعَةُ أَوْ قَسْمٌ. (هِيَ) لُغَةً اسْمٌ لِلِاقْتِسَامِ كَالْقُدْوَةِ لِلِاقْتِدَاءِ. وَشَرْعًا (جَمْعُ نَصِيبٍ شَائِعٍ لَهُ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ. وَسَبَبُهَا طَلَبُ الشُّرَكَاءِ أَوْ بَعْضِهِمْ الِانْتِفَاعَ بِمِلْكِهِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ) فَلَوْ لَمْ يُوجَدْ طَلَبُهُمْ لَا تَصِحُّ الْقِسْمَةُ. (وَرُكْنُهَا هُوَ الْفِعْلُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِفْرَازُ وَالتَّمَيُّزُ بَيْنَ الْأَنْصِبَاءِ)   [رد المحتار] عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ أَثْمَرَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ سَابِقًا ط (قَوْلُهُ وَيَأْخُذُ إلَخْ) فِي الْبَيْتِ مَسْأَلَتَانِ قَدَّمْنَا قَرِيبًا الْكَلَامَ عَلَيْهِمَا مُسْتَوْفًى، وَقَوْلُهُ أَبٌ تَنَازَعَ فِيهِ يَأْخُذُ وَيُشْتَرَى، وَقَوْلُهُ وَوَصِيٌّ مُبْتَدَأٌ وَالْوَاوُ فِيهِ لِلِاسْتِئْنَافِ وَجُمْلَةُ يُؤَخَّرُ خَبَرُهُ وَلِلْبُلُوغِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلشَّفِيعِ، وَقَوْلُهُ بِيعَتَا: أَيْ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَهُوَ شَفِيعُهُمَا فَيَأْخُذُهُمَا جَمِيعًا أَوْ يَتْرُكُهُمَا لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ غَيْرَ جَارٍ: أَيْ لَهُمَا جَمِيعًا بَلْ لِأَحَدِهِمَا، وَلَوْ فِيهِ وَصَلْيَةٌ، وَقَوْلُهُ وَالتَّفَرُّقُ أَجْدَرُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ تَرْجِيحٌ لِلْقَوْلِ بِأَنَّ لَهُ أَخْذَ مَا يُجَاوِرُهُ فَقَطْ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَقَوْلُ الْإِمَامِ آخِرًا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي نُسَخِ الْوَهْبَانِيَّةِ: فَالتَّفَرُّقُ بِالْفَاءِ بَدَلَ الْوَاوِ، فَلَوْ شَرْطِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَمَا ضَرَّ إلَخْ) أَيْ لَا بَأْسَ بِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ بِالْحِيلَةِ وَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ: أَيْ الشُّفْعَةَ وَفَاعِلُ ضَرَّ الْمَصْدَرُ وَمَفْعُولُهُ قَوْلُهُ مُسْقِطًا لَا مَحْذُوفٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَتَحْلِيفُهُ إلَخْ) أَيْ تَحْلِيفُ الشَّفِيعِ أَحَدَ الْعَاقِدَيْنِ فِي وَقْتِ إنْكَارِهِ التَّحَيُّلَ أَنْكَرُ: أَيْ مُنْكَرٌ شَرْعًا لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَدَّعِ أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ تَلْجِئَةً وَإِلَّا فَلَهُ التَّحْلِيفُ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ سَابِقًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى وَلِيَّ كُلِّ نِعْمَةٍ، أَنْ يَقْسِمَ لَنَا مِنْ شَفَاعَةِ رَسُولِهِ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْفَرَ الْقِسْمَةِ، إنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ، رَءُوفٌ رَحِيمٌ. [كِتَابُ الْقِسْمَةِ] ِ هِيَ مَشْرُوعَةٌ بِالْكِتَابِ. قَالَ تَعَالَى: - {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: 28]- أَيْ لِكُلٍّ شِرْبٌ مُحْتَضَرٌ: وَقَالَ: - {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155]- وَقَالَ - {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} [النساء: 8]- وَبِالسُّنَّةِ فَإِنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَاشَرَهَا فِي الْغَنَائِمِ وَالْمَوَارِيثِ وَقَالَ أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَكَانَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ» وَهَذَا مَشْهُورٌ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ مُنَاسَبَتُهُ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الْمُنَاسَبَةُ أَنَّ الشَّفِيعَ يَمْلِكُ مَالَ الْمُشْتَرِي جَبْرًا عَلَيْهِ، وَفِي الْقِسْمَةِ يَمْلِكُ نَصِيبَ الشَّرِيكِ جَبْرًا عَلَيْهِ إذْ هِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ مُطْلَقًا فِي الْقِيَمِيِّ وَالْمِثْلِيِّ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الشُّفْعَةَ لِأَنَّهَا تَمَلُّكٌ كُلِّيٌّ وَهَذَا تَمَلُّكُ الْبَعْضِ فَكَانَتْ أَقْوَى رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ اسْمٌ لِلِاقْتِسَامِ) كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَغَيْرِهِ أَوْ التَّقْسِيمِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، لَكِنَّ الْأَنْسَبَ بِمَا يَأْتِي مِنْ لَفْظِ الْقَاسِمِ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرَ قَسَمَ الشَّيْءَ بِالْفَتْحِ: أَيْ جَزَّأَهُ كَمَا فِي الْمُقَدِّمَةِ وَغَيْرِهَا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَالْقُدْوَةِ) مُثَلَّثَةُ الْأَوَّلِ وَكَعُدَّةِ مَا تَسَنَّنْت بِهِ وَاقْتَدَيْت بِهِ قَامُوسٌ، فَقَوْلُهُ لِلِاقْتِدَاءِ الْمُنَاسِبُ فِيهِ مِنْ الِاقْتِدَاءِ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّهُ اسْمُ مَصْدَرٍ لَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي مَكَان) مُتَعَلِّقٌ بِجَمْعُ (قَوْلُهُ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُنْتَفِعٌ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ فَالطَّالِبُ لِلْقِسْمَةِ يَسْأَلُ الْقَاضِيَ أَنْ يَخُصَّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 253 كَكَيْلٍ وَذَرْعٍ (وَشَرْطُهَا عَدَمُ فَوْتِ الْمَنْفَعَةِ بِالْقِسْمَةِ) وَلِذَا لَا يُقْسَمُ نَحْوُ حَائِطٍ وَحَمَّامٍ (وَحُكْمُهَا تَعْيِينُ نَصِيبِ كُلٍّ) مِنْ الشُّرَكَاءِ (عَلَى حِدَةٍ وَتَشْتَمِلُ) مُطْلَقًا (عَلَى) مَعْنَى (الْإِفْرَازِ) وَهُوَ أَخْذُ عَيْنِ حَقِّهِ (وَ) عَلَى مَعْنَى (الْمُبَادَلَةِ) وَهُوَ أَخْذُ عِوَضِ حَقِّهِ (وَ) الْإِفْرَازُ (هُوَ لِلْغَالِبِ فِي الْمِثْلِيِّ) وَمَا فِي حُكْمِهِ وَهُوَ الْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ، فَإِنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ غَالِبٌ فِيهِ أَيْضًا ابْنُ كَمَالٍ عَنْ الْكَافِي (وَالْمُبَادَلَةُ) غَالِبَةٌ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ وَهُوَ الْقِيَمِيُّ. إذَا: تَقَرَّرَ هَذَا الْأَصْلُ (فَيَأْخُذُ الشَّرِيكُ حِصَّتَهُ بِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ الْمِثْلِيِّ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ (لَا الثَّانِي) أَيْ الْقِيَمِيِّ لِتَفَاوُتِهِ. فِي الْخَانِيَّةِ: مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ بَيْنَ حَاضِرٍ وَغَائِبٍ أَوْ بَالِغٍ وَصَغِيرٍ فَأَخَذَ الْحَاضِرُ أَوْ الْبَالِغُ نَصِيبَهُ نَفَذَتْ الْقِسْمَةُ إنْ سَلَّمَ حَظَّ الْآخَرَيْنِ وَإِلَّا لَا كَصُبْرَةٍ بَيْنَ دُهْقَانٍ وَزَرَّاعٍ أَمَرَهُ الدِّهْقَانُ بِقِسْمَتِهَا، إنْ ذَهَبَ بِمَا أَفْرَزَهُ لِلدِّهْقَانِ أَوَّلًا فَبِهَلَاكِ الْبَاقِي عَلَيْهِمَا، وَإِنْ بِحَظِّ نَفْسِهِ أَوَّلًا فَالْهَلَاكُ عَلَى الدِّهْقَانِ خَاصَّةً كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ انْتَهَى مُلَخَّصًا.   [رد المحتار] وَيَمْنَعَ الْغَيْرَ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي إجَابَتُهُ إلَى ذَلِكَ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ كَكَيْلٍ وَذَرْعٍ) وَكَذَا الْوَزْنُ وَالْعَدُّ نِهَايَةٌ. وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ أُجْرَةَ الْقِسْمَةِ عَلَى الرُّءُوسِ أَوْ الْأَنْصِبَاءِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أُجْرَةَ الْكَيْلِ وَنَحْوِهِ عَلَى الْأَنْصِبَاءِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ: أَيْ وَمُقْتَضَى كَوْنِهِ رُكْنًا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا. قَالَ أَبُو السُّعُودِ: وَيُجَابُ بِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ إنْ كَانَ لِلْقِسْمَةِ قِيلَ هُوَ مَحِلُّ الْخِلَافِ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَشَرْطُهَا إلَخْ) أَيْ شَرْطُ لُزُومِهَا بِطَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ الْمَنْفَعَةِ) أَيْ الْمَعْهُودَةِ، وَهِيَ مَا كَانَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، إذْ الْحَمَّامُ بَعْدَهَا يُنْتَفَعُ بِهِ لِنَحْوِ رَبْطِ الدَّوَابِّ، وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ وَلِذَا لَا يُقْسَمُ نَحْوُ حَائِطٍ) يَعْنِي عِنْدَ عَدَمِ الرِّضَا مِنْ الْجَمِيعِ، أَمَّا إذَا رَضِيَ الْجَمِيعُ صَحَّتْ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا اهـ ح (قَوْلُهُ وَحُكْمُهَا) وَهُوَ الْأَثَرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهَا مِنَحٌ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْمِثْلِيَّاتِ أَوْ الْقِيَمِيَّاتِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ وَالْإِفْرَازُ هُوَ الْغَالِبُ فِي الْمِثْلِيِّ) لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أَحَدُهُمَا نِصْفُهُ مَلَكَهُ حَقِيقَةً وَنِصْفُهُ الْآخَرُ بَدَلُ النِّصْفِ الَّذِي بِيَدِ الْآخَرِ، فَبِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ إفْرَازٌ وَبِاعْتِبَارِ الثَّانِي مُبَادَلَةٌ، إلَّا أَنَّ الْمِثْلِيَّ إذَا أُخِذَ بَعْضُهُ بَدَلَ بَعْضٍ كَانَ الْمَأْخُوذُ عَيْنُ الْمَأْخُوذِ عَنْهُ حُكْمًا لِوُجُودِ الْمُمَاثَلَةِ، بِخِلَافِ الْقِيَمِيِّ (قَوْلُهُ وَمَا فِي حُكْمِهِ) أَيْ حُكْمِ الْمِثْلِيِّ. أَقُولُ: نَقَلَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ كُلُّ كَيْلِيٍّ وَوَزْنِيٍّ غَيْرِ مَصُوغٍ وَعَدَدِيٍّ مُتَقَارِبٍ كَفُلُوسٍ وَبَيْضٍ وَجَوْزٍ وَنَحْوِهَا مِثْلِيَّاتٌ وَالْحَيَوَانَاتُ وَالذَّرْعِيَّاتُ وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَفَاوِتُ كَرُمَّانٍ وَسَفَرْجَلٍ، وَالْوَزْنِيُّ الَّذِي فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ وَهُوَ الْمَصُوغُ قِيَمِيَّاتٌ اهـ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْجَامِعِ الْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ كُلُّهُ مِثْلِيٌّ كَيْلًا وَعَدًّا وَوَزْنًا. وَعِنْدَ زُفَرَ قِيَمِيٌّ، وَمَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ فِي الْقِيمَةِ فَعَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ لَيْسَ بِمِثْلِيٍّ إلَخْ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) أَرَادَ بِهِ بَيَانَ فَائِدَةٍ هِيَ أَنَّهُ إذَا قَسَمَ ذُو الْيَدِ حِصَّتَهُ بِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ كَمَا قَالَ فِي الْمَتْنِ لَا تَنْفُذُ الْقِسْمَةُ مَا لَمْ تُسَلَّمْ حِصَّةُ الْآخَرِ (قَوْلُهُ إنْ سَلَّمَ حَظَّ الْآخَرَيْنِ) أَيْ الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ سَلَامَةَ مَا أَخَذَهُ لَا تُشْتَرَطُ كَمَا سَيَظْهَرُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسَلَّمْ بِأَنْ هَلَكَ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهِمَا لَا تَنْفُذُ الْقِسْمَةُ بَلْ تُنْتَقَضُ وَيَكُونُ الْهَالِكُ عَلَى الْكُلِّ وَيُشَارِكُهُ الْآخَرَانِ فِيمَا أَخَذَ لِمَا فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ مِنْ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ (قَوْلُهُ بَيْنَ دُهْقَانٍ) هُوَ مَنْ لَهُ عَقَارٌ كَثِيرٌ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا رَبُّ الْأَرْضِ (قَوْلُهُ أَمَرَهُ الدِّهْقَانُ بِقِسْمَتِهَا) أَيْ فَقَسَمَهَا وَالدِّهْقَانُ غَائِبٌ مِنَحٌ (قَوْلُهُ فَهَلَاكُ الْبَاقِي عَلَيْهِمَا) أَيْ إذَا رَجَعَ فَوَجَدَ مَا أَفْرَزَ لِنَفْسِهِ قَدْ هَلَكَ فَهُوَ عَلَيْهِمَا وَيُشَارِكُ الدِّهْقَانُ فِيمَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ بِحَظِّ نَفْسِهِ: أَيْ وَإِنْ ذَهَبَ بِنَصِيبِ نَفْسِهِ إلَى بَيْتِهِ أَوَّلًا فَلَمَّا رَجَعَ وَجَدَ مَا أَفْرَزَهُ لِلدِّهْقَانِ قَدْ هَلَكَ فَهُوَ عَلَى الدِّهْقَانِ خَاصَّةً كَمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 254 (وَإِنْ أُجْبِرَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى قِسْمَةِ غَيْرِ الْمِثْلِ (فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ) مِنْهُ (فَقَطْ) سِوَى رَقِيقِ غَيْرِ الْمَغْنَمِ (عِنْدَ طَلَبِ الْخَصْمِ) فَيُجْبَرُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْإِفْرَازِ، عَلَى أَنَّ الْمُبَادَلَةَ قَدْ يَجْرِي فِيهَا الْجَبْرُ عِنْدَ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ كَمَا فِي الشُّفْعَةِ وَبَيْعِ مِلْكِ الْمَدْيُونِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ. (وَيُنْصَبُ قَاسِمٌ يُرْزَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِيَقْسِمَ بِلَا) أَخْذٍ (أَجْرٍ) مِنْهُمْ (وَهُوَ أَحَبُّ) وَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ   [رد المحتار] فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ فِي الْأُولَى لَمَّا ذَهَبَ بِحِصَّةِ الدِّهْقَانِ أَوَّلًا قَصَدَ الْقَبْضَ لِلدِّهْقَانِ أَوَّلًا وَالْقَبْضَ لِنَفْسِهِ فِيمَا بَقِيَ بَعْدَ رُجُوعِهِ فَلَمَّا رَجَعَ وَرَأَى الْبَاقِيَ قَدْ هَلَكَ كَانَ الْهَلَاكُ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْهُمَا فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا كَهَلَاكِ الْبَعْضِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَصْلًا، بِخِلَافِ مَا إذَا حَمَلَ نَصِيبَ نَفْسِهِ إلَى بَيْتِهِ أَوَّلًا فَإِنَّهُ بِمُجَرَّدِ التَّحْمِيلِ وَالذَّهَابِ صَارَ قَابِضًا فَقَدْ هَلَكَ الْبَاقِي بَعْدَ قَبْضِ نَصِيبِهِ يَقِينًا فَيَكُونُ هَلَاكُهُ عَلَى صَاحِبِهِ، لَكِنْ لَا يَخْفَى مُخَالَفَتُهُ لِقَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى نَفَذَتْ الْقِسْمَةُ إنْ سَلَّمَ حَظَّ الْآخَرَيْنِ وَإِلَّا لَا، فَإِنَّهُ هُنَا لَمَّا سَلَّمَ حَظَّ الْغَائِبِ وَهُوَ الدِّهْقَانُ انْتَقَضَتْ الْقِسْمَةُ فَجَعَلَ الْهَلَاكَ عَلَيْهِمَا، وَلَمَّا سَلَّمَ حَظَّ الْحَاضِرِ وَهُوَ الزَّارِعُ دُونَ الْغَالِبِ نَفَذَتْ؛ وَكَوْنُ الْقِسْمَةِ هُنَا مَأْمُورًا بِهَا مِنْ الْغَائِبِ بِخِلَافِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَا يَظْهَرُ بِهِ الْفَرْقُ، وَلَئِنْ سَلَّمَ فَالْمُرَادُ عَدَمُ الْفَرْقِ كَمَا يَقْتَضِيهِ التَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ كَصُبْرَةٍ فَلْيُتَأَمَّلْ. هَذَا، وَقَدْ نَقَلَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ وَاقِعَاتِ سَمَرْقَنْدَ مَا نَصُّهُ: إذَا تَلِفَ حِصَّةُ الدِّهْقَانِ قَبْلَ قَبْضِهِ نَقَضَهَا وَيَرْجِعُ عَلَى الْأَكَّارِ بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ، وَإِنْ تَلِفَ حِصَّةُ الْأَكَّارِ لَا تُنْقَضُ لِأَنَّ تَلَفَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ وَالْغَلَّةُ كُلُّهَا فِي يَدِهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ هَلَاكَ حِصَّةِ الَّذِي الْمَكِيلُ فِي يَدِهِ قَبْلَ قَبْضِ الْآخَرِ نَصِيبُهُ لَا يُوجِبُ انْتِقَاضَ الْقِسْمَةِ، وَبِهَلَاكِ حِصَّةِ مَنْ لَمْ يَكُنْ الْمَكِيلُ فِي يَدِهِ قَبْلَ قَبْضِ حِصَّتِهِ يُوجِبُ انْتِقَاضَهَا اهـ. وَهَذَا التَّقْرِيرُ وَالْأَصْلُ وَاضِحٌ وَمُوَافِقٌ لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَقَدْ أَطَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ فِي تَقْرِيرِهِ وَعَزَاهُ إلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ عَلَيْهِ يُخَرَّجُ جِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ الْحَاكِمُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَسَاقَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَلَعَلَّ قَوْلَ الْخَانِيَّةِ كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَرَادَ بِهِ الْحَاكِمَ الْمَذْكُورَ، وَأَشَارَ بِلَفْظِ كَذَا إلَى عَدَمِ اخْتِيَارِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَإِنْ أُجْبِرَ عَلَيْهَا إلَخْ) إنْ وَصَلْيَةٌ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ بَيَانَ عَدَمِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ كَوْنِ الْمُبَادَلَةِ غَالِبَةً فِي الْقِيَمِيِّ وَبَيْنَ كَوْنِهِ يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ مِنْهُ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ لِمَا فِيهَا إلَخْ. [فَائِدَةٌ] الْقِسْمَةُ ثَلَاثُهُ أَنْوَاعٍ: قِسْمَةٌ لَا يُجْبَرُ الْآبِي عَلَيْهَا كَقِسْمَةِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ. وَقِسْمَةٌ يُجْبَرُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ. وَقِسْمَةٌ يُجْبَرُ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ كَالثِّيَابِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. وَالْخِيَارَاتُ ثَلَاثَةٌ: شَرْطٌ، وَعَيْبٌ، وَرُؤْيَةٌ، فَفِي قِسْمَةِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ نُثْبِتُ الثَّلَاثَةَ، وَفِي الْمِثْلِيَّاتِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ فَقَطْ، وَفِي غَيْرِهَا كَالثِّيَابِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ، وَكَذَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ، وَقَوْلُهُ فَقَطْ قَيْدٌ لِمُتَّحِدِ الْجِنْسِ، وَيَدْخُلُ مُتَّحِدُ الْجِنْسِ الْمِثْلِيِّ بِالْأَوْلَى كَمَا أَفَادَهُ ط. وَظَنَّ الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَنَّهُ قَيْدٌ لِغَيْرِ الْمِثْلِيِّ فَقَالَ فِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ الْمِثْلِيِّ لَا يُجْبَرُ الْآبِي عَلَيْهَا وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ اهـ (قَوْلُهُ سِوَى رَقِيقِ غَيْرِ الْمَغْنَمِ) لِأَنَّ رَقِيقَ الْمَغْنَمِ يُقْسَمُ بِالِاتِّفَاقِ، وَرَقِيقُ غَيْرِ الْمَغْنَمِ لَا يُقْسَمُ بِطَلَبِ أَحَدِهِمْ وَلَوْ كَانَ إمَاءً خُلَّصًا أَوْ عَبِيدًا خُلَّصًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَ الرَّقِيقِ وَغَيْرِهِ مِنْ مُتَّحِدِ الْجِنْسِ فُحْشُ تَفَاوُتِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ كَالذِّهْنِ وَالْكِيَاسَةِ، وَبَيْنَ الْغَانِمِينَ وَغَيْرِهِمْ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغَانِمِينَ بِالْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ، حَتَّى كَانَ لِلْإِمَامِ بَيْعُ الْغَنَائِمِ وَقَسْمُ ثَمَنِهَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُبَادَلَةَ إلَخْ) تَرَقٍّ فِي الْجَوَابِ: أَيْ وَإِنْ نَظَرْنَا إلَى مَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فَلَا مُنَافَاةَ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ إلَخْ، وَهَذِهِ مُبَادَلَةٌ تَعَلَّقَ فِيهَا حَقُّ الْغَيْرِ لِأَنَّ الطَّالِبَ لِلْقِسْمَةِ يُرِيدُ الِاخْتِصَاصَ بِمِلْكِهِ وَمَنْعَ غَيْرِهِ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَيَجْرِي الْجَبْرُ فِيهَا أَيْضًا (قَوْلُهُ وَيُنْصَبُ قَاسِمٌ) أَيْ نُدِبَ لِلْقَاضِي أَوْ لِلْإِمَامِ نَصْبُهُ مُلْتَقًى وَشَرْحُهُ (قَوْلُهُ يُرْزَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ الْمُعَدِّ لِمَالِ الْخَرَاجِ وَغَيْرِهِ مِمَّا أُخِذَ مِنْ الْكُفَّارِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 255 وَاجِبٌ غَلَطٌ (وَإِنْ نُصِبَ بِأَجْرِ) الْمِثْلِ (صَحَّ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقَضَاءٍ حَقِيقَةً فَجَازَ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْقَضَاءِ ذَكَرَهُ أَخِي زَادَهْ (وَهُوَ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ) مُطْلَقًا لَا الْأَنْصِبَاءِ خِلَافًا لَهُمَا، قَيَّدَ بِالْقَاسِمِ لِأَنَّ أُجْرَةَ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ بِقَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ إجْمَاعًا، وَكَذَا سَائِرُ الْمُؤَنِ كَأُجْرَةِ الرَّاعِي وَالْحَمْلِ وَالْحِفْظِ وَغَيْرِهَا شَرْحُ مَجْمَعٍ، زَادَ فِي الْمُلْتَقَى: إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقِسْمَةِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا فَعَلَى الْخِلَافِ لَكِنْ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِلَفْظِ قِيلَ، وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَيْهِ. (وَ) الْقَاسِمُ (يَجِبُ كَوْنُهُ عَدْلًا   [رد المحتار] كَالْجِزْيَةِ وَصَدَقَةِ بَنَى تَغْلِبَ فَلَا يُرْزَقُ مِنْ بُيُوتِ الْأَمْوَالِ الثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ كَبَيْتِ مَالِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهِ إلَّا بِطَرِيقِ الْقَرْضِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ غَلَطٌ) لِمُنَاقَضَتِهِ لِمَا بَعْدَهُ إنْ عَادَ ضَمِيرُ هُوَ إلَى قَوْلِهِ بِلَا أَجْرٍ، وَإِنْ عَادَ إلَى النَّصْبِ فَلِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِ الْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ نُدِبَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقَضَاءٍ حَقِيقَةً إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْسِمَ بِنَفْسِهِ بِأَجْرٍ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْخُذَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَيْسَتْ بِقَضَاءٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَتَّى لَا يُفْتَرَضُ عَلَى الْقَاضِي مُبَاشَرَتُهَا، وَإِنَّمَا الَّذِي يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ جَبْرُ الْآبِي عَلَى الْقِسْمَةِ إلَّا أَنَّ لَهَا شَبَهًا بِالْقَضَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُسْتَفَادُ بِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ، فَإِنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجَبْرِ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَيْسَتْ بِقَضَاءٍ جَازَ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهَا، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُشْبِهُ الْقَضَاءَ يُسْتَحَبُّ عَدَمُ الْأَخْذِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ وَالتَّبْيِينِ: وَفِي الدُّرَرِ مَا يُخَالِفُهُ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقُضَاةِ. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ بَاشَرَهَا الْقَاضِي بِنَفْسِهِ، فَعَلَى رِوَايَةِ كَوْنِهَا مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقُضَاةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ وَعَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ كَوْنِهَا مِنْهُ جَازَ اهـ وَمُقْتَضَاهُ تَرْجِيحُ عَدَمِ الْجَوَازِ، وَنَقَلَهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الْخُلَاصَةِ والوهبانية قَالَ: وَأَقَرَّهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ. قُلْت: لَكِنَّ الْمُتُونَ عَلَى الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ. هَذَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْقَاسِمِ الْقَاضِيَ أَوْ مَنْصُوبَهُ فَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ فَجَازَ لَهُ: أَيْ لِلْقَاضِي كَمَا فِي الْمِنَحِ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَنْصُوبِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ تَسَاوَوْا فِي الْأَنْصِبَاءِ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ طَلَبُوا جَمِيعًا أَوْ أَحَدُهُمْ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَعَنْهُ أَنَّهُ عَلَى الطَّالِبِ دُونَ الْمُمْتَنِعِ لِنَفْعِهِ وَمَضَرَّةِ الْمُمْتَنِعِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) حَيْثُ قَالَا الْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ وَلَهُ أَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِالتَّمْيِيزِ وَهُوَ قَدْ يَصْعُبُ فِي الْقَلِيلِ وَقَدْ يَنْعَكِسُ فَتَعَذَّرَ اعْتِبَارُهُ فَاعْتُبِرَ أَصْلُ التَّمْيِيزِ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِالْقَاسِمِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَيُنْصَبُ قَاسِمٌ أَوْ هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ بِأَجْرِ الْقَاسِمِ الَّذِي عَادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ وَهَذَا أَنْسَبُ بِمَا بَعْدَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَغَيْرِهَا) كَأُجْرَةِ بِنَاءِ الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ أَوْ تَطْيِينِ السَّطْحِ أَوْ كَرْيِ النَّهْرِ أَوْ إصْلَاحِ الْقَنَاةِ لِأَنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِنَقْلِ التُّرَابِ أَوْ الْمَاءِ وَالطِّينِ وَذَلِكَ يَتَفَاوَتُ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، أَمَّا التَّمْيِيزُ فَيَقَعُ لَهُمَا بِعَمَلٍ وَاحِدٍ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ زَادَ فِي الْمُلْتَقَى) أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ لِلْقِسْمَةِ بَلْ كَانَ لِلتَّقْدِيرِ. قَالَ الشَّارِحُ بِأَنْ اشْتَرَيَا مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا وَأَمَرَا إنْسَانًا بِكَيْلِهِ لِيَعْلَمَا قَدْرَهُ، فَالْأَجْرُ بِقَدْرِ السِّهَامِ اهـ (قَوْلُهُ لَكِنْ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ) أَيْ ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ بِلَفْظِ قِيلَ فَأَشْعَرَ بِضَعْفِهِ، بَلْ صَرَّحَ بَعْدَهُ بِنَفْيِهِ حَيْثُ قَالَ وَلَا يُفَصَّلُ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: يَعْنِي لَا تَفْصِيلَ فِي أُجْرَةِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ بَلْ هِيَ بِقَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَالْأَصَحُّ الْإِطْلَاقُ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ إلَخْ) أَيْ تَمَامُ هَذَا الْكَلَامِ، وَهُوَ بَيَانُ الْفَرْقِ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَسَّامِ بِأَنَّ الْأَجْرَ هُنَا عَلَى الْأَنْصِبَاءِ وَإِنْ كَانَ الْكَيْلُ لِلْقِسْمَةِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْعَمَلِ، لِأَنَّ عَمَلَهُ لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ أَكْثَرُ فَكَانَ أَصْعَبَ وَالْأَجْرُ بِقَدْرِ الْعَمَلِ بِخِلَافِ الْقَسَّامِ (قَوْلُهُ يَجِبُ كَوْنُهُ عَدْلًا إلَخْ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقُضَاةِ هِدَايَةٌ، وَأَفَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ غَيْرُ وَاجِبٍ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ فِي الْقَضَاءِ، فَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ الْعُرْفِيُّ الَّذِي مَرْجِعُهُ إلَى الْأَوْلَوِيَّةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَخِزَانَةِ الْمُفْتِينَ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 256 أَمِينًا عَالِمًا بِهَا، وَلَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ لَهَا) لِئَلَّا يَتَحَكَّمَ بِالزِّيَادَةِ (وَلَا يَشْتَرِكُ الْقَسَّامُ) خَوْفَ تَوَاطُئِهِمْ (وَصَحَّتْ بِرِضَا الشُّرَكَاءِ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ) أَوْ مَجْنُونٌ (لَا نَائِبَ عَنْهُ) أَوْ غَائِبٌ لَا وَكِيلَ عَنْهُ لِعَدَمِ لُزُومِهَا حِينَئِذٍ إلَّا بِإِجَازَةِ الْقَاضِي أَوْ الْغَائِبِ أَوْ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ أَوْ وَلِيِّهِ، هَذَا لَوْ وَرَثَةً، وَلَوْ شُرَكَاءَ بَطَلَتْ مُنْيَةُ الْمُفْتِي وَغَيْرِهَا. (وَقُسِمَ نَقْلِيٌّ يَدَّعُونَ إرْثَهُ بَيْنَهُمْ) أَوْ مِلْكَهُ مُطْلَقًا (أَوْ شِرَاءَهُ) صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فَلَا فَرْقَ فِي النَّقْلِيِّ بَيْنَ شِرَاءِ وَارِثٍ وَمِلْكٍ مُطْلَقٍ. قُلْت: وَمِنْ النَّقْلِيِّ الْبِنَاءُ وَالْأَشْجَارُ حَيْثُ لَمْ تَتَبَدَّلْ الْمَنْفَعَةُ بِالْقِسْمَةِ وَإِنْ تَبَدَّلَتْ فَلَا جَبْرَ قَالَهُ شَيْخُنَا. (وَعَقَارٌ يَدَّعُونَ شِرَاءَهُ) أَوْ مِلْكَهُ مُطْلَقًا (فَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّهُ مِيرَاثٌ عَنْ زَيْدٍ لَا) يُقْسَمُ (حَتَّى يُبَرْهِنُوا عَلَى مَوْتِهِ   [رد المحتار] أَقُولُ: تَقَدَّمَ فِي الْقَضَاءِ أَنَّ الْفَاسِقَ أَهْلٌ لَهُ لَكِنَّهُ لَا يُقَلَّدُ وُجُوبًا وَيَأْثَمُ مُقَلِّدُهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي صِحَّةِ الْقَضَاءِ الْعَدَالَةُ بَلْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُوَلِّيَ عَدْلًا، وَكَذَا يُقَالُ هُنَا يَجِبُ أَنْ يَنْصِبَ قَاسِمًا عَدْلًا، وَلَا يَجِبُ فِي صِحَّةِ نَصْبِهِ الْعَدَالَةُ وَالْوُجُوبُ الْأَوَّلُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَالثَّانِي بِمَعْنَى الِاشْتِرَاطِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ أَمِينًا) ذَكَرَ الْأَمَانَةَ بَعْدَ الْعَدَالَةِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ لَوَازِمِهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ ظَاهِرِ الْأَمَانَةِ كِفَايَةٌ: وَاعْتَرَضَهُ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ بِأَنَّ ظُهُورَ الْعَدَالَةِ يَسْتَلْزِمُ ظُهُورَهَا كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ الْعَدَالَةُ لَا ظُهُورُهَا (قَوْلُهُ وَلَا يَتَعَيَّنُ إلَخْ) الْأَوْلَى قَوْلُ الْمُلْتَقَى كَالْهِدَايَةِ، وَلَا يُجْبَرُ النَّاسُ عَلَى قَاسِمٍ وَاحِدٍ وَلَا يُتْرَكُ الْقَسَّامُ لِيَشْتَرِكُوا (قَوْلُهُ بِالزِّيَادَةِ) أَيْ عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ (قَوْلُهُ الْقُسَّامُ) بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ جَمْعُ قَاسِمٍ (قَوْلُهُ خَوْفَ تَوَاطُئِهِمْ) أَيْ عَلَى مُغَالَاةِ الْأَجْرِ وَعِنْدَ عَدَمِ الشَّرِكَةِ يَتَبَادَرُ كُلٌّ مِنْهُمْ إلَيْهِ خِيفَةَ الْفَوْتِ فَيُرَخِّصُ الْأَجْرَ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَصَحَّتْ إلَخْ) مَا مَرَّ فِي الْقِسْمَةِ بِالْجَبْرِ، وَهَذَا فِي الْقِسْمَةِ بِالتَّرَاضِي (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ بَعْدُ لِعَدَمِ لُزُومِهَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مَحْذُوفٍ أَيْ وَلَزِمَتْ اهـ ط، وَأَرَادَ بِالصِّحَّةِ اللُّزُومَ (قَوْلُهُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْقَاضِي) الظَّاهِرُ رُجُوعُهُ لِلْمُسْتَثْنَيَاتِ الثَّلَاثِ (قَوْلُهُ أَوْ الْغَائِبِ أَوْ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ) وَلَوْ مَاتَ الْغَائِبُ أَوْ الصَّبِيُّ فَأَجَازَتْ وَرَثَتُهُ نَفَذَتْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ مُنْيَةُ الْمُفْتِي، وَالْأَوَّلُ اسْتِحْسَانٌ وَالثَّانِي قِيَاسٌ، وَكَمَا تَثْبُتُ الْإِجَازَةُ صَرِيحًا بِالْقَوْلِ تَثْبُتُ دَلَالَةً بِالْفِعْلِ كَالْبَيْعِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَفِي الْمِنَحِ عَنْ الْجَوَاهِرِ: طِفْلٌ وَبَالِغٌ اقْتَسَمَا شَيْئًا ثُمَّ بَلَغَ الطِّفْلُ وَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِهِ وَبَاعَ الْبَعْضَ يَكُونُ إجَازَةً (قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ لُزُومُهَا بِإِجَازَةِ الْقَاضِي وَنَحْوِهِ لَوْ كَانُوا شُرَكَاءَ فِي الْمِيرَاثِ فَلَوْ شُرَكَاءَ فِي غَيْرِهِ تَبْطُلُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَا تَنْفُذُ بِالْإِجَازَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ الْمُنْيَةِ هَكَذَا: اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ لَا بِأَمْرِ الْقَاضِي وَفِيهِمْ صَغِيرٌ أَوْ غَائِبٌ لَا تَنْفُذُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْغَائِبِ أَوْ وَلِيِّ الصَّغِيرِ أَوْ يُجِيزَ إذَا بَلَغَ اقْتَسَمَ الشُّرَكَاءُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَفِيهِمْ صَغِيرٌ أَوْ غَائِبٌ لَا تَصِحُّ الْقِسْمَةُ، فَإِنْ أَمَرَهُمْ الْقَاضِي بِذَلِكَ صَحَّ اهـ. أَقُولُ: سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِسَائِرِ الْمُتُونِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْسِمُ لَوْ كَانُوا مُشْتَرِينَ وَغَابَ أَحَدُهُمْ فَكَيْفَ تَصِحُّ قِسْمَةُ الشُّرَكَاءِ بِأَمْرِ الْقَاضِي؟ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الشُّرَكَاءُ فِي الْمِيرَاثِ، لَكِنْ يَبْقَى قَوْلُ الشَّارِحِ: وَلَوْ شُرَكَاءَ بَطَلَتْ مُحْتَاجًا إلَى نَقْلٍ. وَنَقَلَ الزَّاهِدِيُّ فِي قُنْيَتِهِ: قُسِمَتْ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ وَفِيهِمْ شَرِيكٌ غَائِبٌ فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهَا قَالَ لَا أَرْضَى لِغَبْنٍ فِيهَا ثُمَّ أَذِنَ لِحُرَّاثِهِ فِي زِرَاعَةِ نَصِيبِهِ لَا يَكُونُ رِضًا بَعْدَ مَا رَدَّ اهـ فَلْيُحَرَّرْ، وَلَا تَنْسَ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ لِلشَّرِيكِ أَخْذَ حِصَّتِهِ مِنْ الْمِثْلِيِّ بِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ، وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ فَإِنَّهُ مُخَصِّصٌ لِمَا هُنَا (قَوْلُهُ أَوْ مِلْكَهُ مُطْلَقًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ سَبَبٍ ط (قَوْلُهُ أَوْ شِرَاءَهُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَوْ بِسَبَبٍ لِيَعُمَّ نَحْوَ الْهِبَةِ ط (قَوْلُهُ فَلَا فَرْقَ إلَخْ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُقْسَمُ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْإِرْثِ، لِأَنَّ الْعَقَارَ الْمَوْرُوثَ يَفْتَقِرُ إلَى الْبُرْهَانِ وَلِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ، فَمَا سَكَتَ عَنْهُ يُفْهَمُ حُكْمُهُ مِمَّا ذَكَرَهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ وَمِنْ النَّقْلِيِّ الْبِنَاءُ وَالْأَشْجَارُ) يَعْنِي فَتُقْسَمُ؛ وَقَوْلُهُ حَيْثُ لَمْ تَتَبَدَّلْ إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِهَذَا الْمُقَدَّرِ: وَعِبَارَةُ شَيْخِهِ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 257 وَعَدَدِ وَرَثَتِهِ) وَقَالَا يُقْسَمُ بِاعْتِرَافِهِمْ كَمَا فِي الصُّوَرِ الْأُخَرِ (وَلَا إنْ بَرْهَنَا أَنَّ الْعَقَارَ مَعَهُمَا حَتَّى يُبَرْهِنَا أَنَّهُ لَهُمَا) اتِّفَاقًا فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَعَهُمَا بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ فَتَكُونُ قِسْمَةَ حِفْظٍ وَالْعَقَارُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ. (وَلَوْ بَرْهَنَا عَلَى الْمَوْتِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ وَهُوَ) أَيْ الْعَقَارُ. قُلْت: قَالَ شَيْخُنَا وَكَذَا الْمَنْقُولُ بِالْأَوْلَى (مَعَهُمَا وَفِيهِمْ صَغِيرٌ أَوْ غَائِبٌ قُسِمَ بَيْنَهُمْ   [رد المحتار] فِي هَذَا الْمَحِلِّ: أَقُولُ دَخَلَ فِي النَّقْلِيِّ الْبِنَاءُ وَالْأَشْجَارُ لِأَنَّهَا مِنْ قِسْمِ الْمَنْقُولَاتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى؛ فَتَجْرِي فِيهِ قِسْمَةُ الْجَبْرِ حَيْثُ لَمْ تَتَبَدَّلْ الْمَنْفَعَةُ بِالْقِسْمَةِ وَإِنْ تَبَدَّلَتْ بِهَا لَا تَجُوزُ كَالْبِئْرِ وَالْحَائِطِ وَالْحَمَّامِ وَنَحْوِهَا تَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ: وَبَعْدَ التَّقْيِيدِ بِالْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ لَا يُنَافِيهِ مَا فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ: بِنَاءٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فِي أَرْضِ رَجُلٍ قَدْ بَنَيَاهُ بِإِذْنِهِ ثُمَّ أَرَادَا قِسْمَتَهُ وَصَاحِبُ الْأَرْضِ غَائِبٌ فَلَهُمَا ذَلِكَ بِالتَّرَاضِي، وَإِنْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ اهـ وَنَظَمَهُ ابْنُ وَهْبَانَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَالَا يُقْسَمُ) أَيْ الْعَقَارُ الْمُدَّعَى إرْثُهُ بِاعْتِرَافِهِمْ كَمَا يُقْسَمُ فِي الصُّوَرِ الْأُخَرِ، وَهِيَ النَّقْلِيُّ مُطْلَقًا وَالْعَقَارُ الْمُدَّعَى شِرَاؤُهُ أَوْ مِلْكِيَّتُهُ الْمُطْلَقَةُ، لَهُمَا أَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ، وَهُوَ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ. وَلَهُ أَنَّ التَّرِكَةَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ حَقِّهِ فِي الزَّوَائِدِ كَأَوْلَادِ مِلْكِهِ وَأَرْبَاحِهِ حَتَّى تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتَنْفُذُ وَصَايَاهُ، وَبِالْقِسْمَةِ يَنْقَطِعُ حَقُّهُ عَنْهَا فَكَانَتْ قَضَاءً عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِمْ، وَهُوَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ لِأَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ وَالْعَقَارُ مُحْصَنٌ، وَبِخِلَافِ الْعَقَارِ الْمُشْتَرَى لِأَنَّهُ زَالَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ عَلَى الْغَيْرِ، وَبِخِلَافِ الْمُدَّعَى مِلْكِيَّتُهُ الْمُطْلَقَةُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا بِالْمِلْكِيَّةِ لِغَيْرِهِمْ، هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الدُّرَرِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ وَلَا إنْ بَرْهَنَا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا يُقْسَمُ. قَالَ الْعَيْنِيُّ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِعَيْنِهَا هِيَ الْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ أَوْ مَلَكَهُ مُطْلَقًا، لِأَنَّ الْمُرَادَ فِيهَا أَنْ يَدَّعُوا الْمِلْكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُمْ وَهُوَ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ وَشَرْطٌ هَا هُنَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَإِنْ كَانَ قَصْدُ الشَّيْخِ تَعْيِينَ الرِّوَايَتَيْنِ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَتَقَعُ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةً اهـ: وَأَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ بِحَمْلِ مَا فِي الْجَامِعِ عَلَى مَا إذَا ذَكَرَا أَنَّهُ بِأَيْدِيهِمَا فَقَطْ وَبَرْهَنَا عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مِنْ اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ فَلَا تَكْرَارَ اهـ. أَقُولُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَرْضٌ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا لَمْ تُقْسَمْ حَتَّى يُبَرْهِنَا أَنَّهَا لَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهِمَا: أَيْ بِوَدِيعَةٍ أَوْ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، وَهَكَذَا قَرَّرَهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ اتِّفَاقًا فِي الْأَصَحِّ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ بَعْدَ مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا ثُمَّ قِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً وَقِيلَ قَوْلُ الْكُلِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّ قِسْمَةَ الْحِفْظِ فِي الْعَقَارِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا وَقِسْمَةَ الْمِلْكِ تَفْتَقِرُ إلَى قِيَامِهِ وَلَا مِلْكَ فَامْتَنَعَ الْجَوَازُ (قَوْلُهُ فَتَكُونُ قِسْمَةَ حِفْظٍ إلَخْ) وَهِيَ مَا تَكُونُ بِحَقِّ الْيَدِ لِأَجْلِ الْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ كَقِسْمَةِ الْمُودِعَيْنِ الْوَدِيعَةَ بَيْنَهُمَا لِلْحِفْظِ، وَقِسْمَةُ الْمِلْكِ مَا تَكُونُ بِحَقِّ الْمِلْكِ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَرْهَنَا) أَيْ بَرْهَنَ بَالِغَانِ حَاضِرَانِ فَيَكُونُ الصَّغِيرُ أَوْ الْغَائِبُ ثَالِثَهُمَا فَصَارَ الْوَرَثَةُ مُتَعَدِّدِينَ فَلِذَا أَتَى بِضَمِيرِ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ فِيهِمْ وَبَيْنَهُمْ، وَأَتَى بِهِ مُثَنًّى فِي قَوْلِهِ فِي مَعَهُمَا أَيْ مَعَ اللَّذَيْنِ بَرْهَنَا مُخَالِفًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ لِمَا سَيَذْكُرُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَ الصَّغِيرِ أَوْ الْغَائِبِ شَيْءٌ مِنْهُ لَا يُقْسَمُ وَإِنْ أُجِيبَ عَنْ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ (قَوْلُهُ بِالْأَوْلَى) إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْبُرْهَانُ عَلَى الْمَوْتِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ عِنْدَهُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَفِيهِمْ صَغِيرٌ) أَيْ حَاضِرٌ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ قُسِمَ بَيْنَهُمْ) أَفَادَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 258 وَنُصِبَ قَابِضٌ لَهُمَا) نَظَرًا لِلْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَصْلِ الْمِيرَاثِ عِنْدَهُ أَيْضًا خِلَافًا لَهُمَا كَمَا مَرَّ (فَإِنْ بَرْهَنَ) وَارِثٌ (وَاحِدٌ) لَا يُقْسَمُ، إذْ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ اثْنَيْنِ، وَلَوْ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا أَوْ مُوصًى لَهُ (أَوْ كَانُوا) أَيْ الشُّرَكَاءُ (مُشْتَرِينَ) أَيْ شُرَكَاءَ بِغَيْرِ الْإِرْثِ (وَغَابَ أَحَدُهُمْ) لِأَنَّ فِي الشِّرَاءِ لَا يَصْلُحُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ بِخِلَافِ الْإِرْثِ   [رد المحتار] أَنَّ الْقَاضِيَ فَعَلَ ذَلِكَ، قَالَ فِي الْمُحِيطِ: فَلَوْ قُسِمَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَمْ تَجُزْ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ أَوْ يُبَلَّغَ فَيُجِيزَ طُورِيٌّ، وَهَذَا مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ وَنُصِبَ قَابِضٌ لَهُمَا) وَهُوَ وَصِيٌّ عَنْ الطِّفْلِ وَوَكِيلٌ عَنْ الْغَائِبِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَصْلِ الْمِيرَاثِ) كَذَا فِي الدُّرَرِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ جِهَةُ الْإِرْثِ كَالْأُبُوَّةِ وَنَحْوِهَا. وَاَلَّذِي فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ: وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ هُنَا أَيْضًا عِنْدَهُ وَلَيْسَ فِيهِمَا ذِكْرُ أَصْلِ الْمِيرَاثِ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، فَالْمُرَادُ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَوْ بَرْهَنَا عَلَى الْمَوْتِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ لَا بُدَّ مِنْهُ عِنْدَهُ أَيْضًا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْوَرَثَةَ هُنَاكَ كُلُّهُمْ كِبَارٌ حُضُورٌ وَاشْتُرِطَ الْبُرْهَانُ وَهُنَا فِيهِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ الصَّغِيرِ كَمَا أَفَادَهُ فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا بِإِقْرَارِهِمَا (قَوْلُهُ لَا يُقْسَمُ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ مُخَاصِمًا وَمُخَاصَمًا، وَكَذَا مُقَاسِمًا وَمُقَاسَمًا هِدَايَةٌ وَالْأَوَّلُ عِنْدَ الْإِمَامِ لِقَوْلِهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَالثَّانِي عِنْدَهُمَا لِقَوْلِهِمَا بِعَدَمِهَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَنْصِبُ عَنْ الْغَائِبِ خَصْمًا، وَيَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَيَقْسِمُ أَفَادَهُ فِي الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا) فَيَنْصِبُ الْقَاضِي عَنْهُ وَصِيًّا كَمَا مَرَّ. وَاعْلَمْ أَنَّ هُنَا مَسْأَلَةً لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا، هِيَ أَنَّهُ إنَّمَا يَنْصِبُ الْقَاضِي وَصِيًّا عَنْ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ حَاضِرًا فَلَوْ غَائِبًا فَلَا لِأَنَّ الْخَصْمَ لَا يُنْصَبُ عَنْ الْغَائِبِ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَمَتَى كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَبِيًّا وَوَقَعَ الْعَجْزُ عَنْ جَوَابِهِ لَمْ يَقَعْ عَنْ إحْضَارِهِ، فَلَا يَنْصِبُ خَصْمًا عَنْهُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْحَضْرَةِ فَلَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى لِأَنَّهَا مِنْ غَيْرِ مُدَّعًى عَلَيْهِ حَاضِرٍ وَلَا كَذَلِكَ إذَا حَضَرَ، لِأَنَّهُ إنَّمَا عَجَزَ عَنْ الْجَوَابِ فَيَنْصِبُ مَنْ يُجِيبُ عَنْهُ بِخِلَافِ الدَّعْوَى عَلَى الْمَيِّتِ، لِأَنَّ إحْضَارَهُ وَجَوَابَهُ لَا يُتَصَوَّرُ فَيَنْصِبُ عَنْهُ وَاحِدًا فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا كِفَايَةٌ، وَنَحْوُهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ وَغَيْرهمَا. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى صَغِيرٍ بِحَضْرَةِ وَصِيِّهِ عِنْدَ غَيْبَةِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَقَدْ مَرَّ خِلَافُهُ فِي الدَّعْوَى اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمُنْيَةِ. قُلْت: وَفِي أَوَائِلِ دَعْوَى الْبَحْرِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْأَطْفَالِ الرُّضَّعِ عِنْدَ الدَّعْوَى اهـ فَتَأَمَّلْ. وَيُرَدُّ عَلَى مَا فِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِالْغَائِبِ الْبَالِغِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ، لَكِنْ ذَكَرَ أَبُو السُّعُودِ أَنَّهُ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ حُضُورِهِ لِلنَّصْبِ خَاصٌّ بِمَا إذَا كَانَ الْوَارِثُ الْحَاضِرُ وَاحِدًا لِأَنَّهُ لِتَصْحِيحِ الدَّعْوَى، أَمَّا إذَا كَانَا اثْنَيْنِ فَالنَّصْبُ لِلْقَبْضِ، إذْ صِحَّةُ الدَّعْوَى وَالْقِسْمَةُ مَوْجُودَةً قَبْلَهُ يَجْعَلُ أَحَدَهُمَا خَصْمًا (قَوْلُهُ أَوْ مُوصًى لَهُ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَرِيكًا بِمَنْزِلَةِ الْوَارِثِ فَكَأَنَّهُ حَضَرَ وَارِثَانِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ مُشْتَرِينَ) بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ لَا بِيَاءَيْنِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ لِأَنَّهُ مِثْلُ مُفْتِينَ وَقَاضِينَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ أَيْ شُرَكَاءَ إلَخْ) أَفَادَ بِهِ أَنَّ الْمُرَادَ مُطْلَقُ الشَّرِكَةِ فِي الْمِلْكِ بِغَيْرِ الْإِرْثِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِهِ الرَّمْلِيِّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْإِرْثِ) قَالَ فِي الدُّرَرِ: فَإِنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ مِلْكٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 259 (أَوْ كَانَ) فِي صُورَةِ الْإِرْثِ الْعَقَارِ أَوْ بَعْضِهِ (مَعَ الْوَارِثِ الطِّفْلُ أَوْ الْغَائِبُ أَوْ) كَانَ (شَيْءٌ مِنْهُ لَا) يُقْسَمُ لِلُّزُومِ الْقَضَاءِ عَلَى الطِّفْلِ أَوْ الْغَائِبِ بِلَا خَصْمٍ حَاضِرٍ عَنْهُمَا (وَقُسِمَ) الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ (بِطَلَبِ أَحَدِهِمْ إنْ انْتَفَعَ كُلٌّ) بِحِصَّتِهِ (بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَبِطَلَبِ ذِي الْكَثِيرِ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ الْآخَرُ لِقِلَّةِ حِصَّتِهِ) وَفِي الْخَانِيَّةِ: يُقْسَمُ بِطَلَبِ كُلٍّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، لَكِنَّ الْمُتُونَ عَلَى الْأَوَّلِ فَعَلَيْهَا لِلْعَوْلِ (وَإِنْ تَضَرَّرَ الْكُلُّ لَمْ يُقْسَمْ إلَّا بِرِضَاهُمْ) لِئَلَّا يَعُودَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ. فِي الْمُجْتَبَى: حَانُوتٌ لَهُمَا يَعْمَلَانِ فِيهِ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ إنْ أَمْكَنَ لِكُلٍّ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِيهِ قَبْلَهَا قُسِمَ وَإِلَّا لَا.   [رد المحتار] خِلَافُهُ، حَتَّى يُرَدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعِ الْمُوَرَّثِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُوَرَّثِ، حَتَّى لَوْ وَطِئَ أَمَةً اشْتَرَاهَا مُوَرِّثُهُ فَوَلَدَتْ فَاسْتُحِقَّتْ رَجَعَ الْوَارِثُ عَلَى الْبَائِعِ بِثَمَنِهَا وَقِيمَةِ الْوَلَدِ لِلْغُرُورِ مِنْ جِهَتِهِ، فَانْتَصَبَ أَحَدُهُمْ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا فِي يَدِهِ وَالْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ، فَصَارَتْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً بِحَضْرَةِ الْمُتَقَاسِمَيْنِ: وَأَمَّا الْمِلْكُ الثَّابِتُ بِالشِّرَاءِ فَمِلْكٌ جَدِيدٌ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ فِي نَصِيبِهِ وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعِ بَائِعِهِ فَلَا يَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ، فَتَكُونُ الْبَيِّنَةُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ قَائِمَةً بِلَا خَصْمٍ فَلَا تُقْبَلُ اهـ. [تَتِمَّةٌ] الشَّرِكَةُ إذَا كَانَ أَصْلُهَا الْمِيرَاثَ فَجَرَى فِيهَا الشِّرَاءُ بِأَنْ بَاعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ نَصِيبَهُ أَوْ كَانَتْ أَصْلُهَا الشِّرَاءَ فَجَرَى فِيهَا الْمِيرَاثُ بِأَنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَقْسِمُ الْقَاضِي إذَا حَضَرَ الْبَعْضُ لَا فِي الثَّانِي لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ قَامَ الْمُشْتَرِي مَقَامَ الْبَائِعِ فِي الشَّرِكَةِ الْأُولَى وَكَانَتْ أَصْلُهَا وِرَاثَةً، وَفِي الثَّانِي قَامَ الْوَارِثُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِي الشَّرِكَةِ الْأُولَى وَكَانَ أَصْلُهَا الشِّرَاءَ، فَيُنْظَرُ فِي هَذَا الْبَابِ إلَى الْأَوَّلِ وَلْوَالِجِيَّةٌ وَغَيْرُهَا (قَوْلُهُ فِي صُورَةِ الْإِرْثِ) وَهِيَ قَوْلُهُ وَلَوْ بَرْهَنَا إلَخْ، وَهَذِهِ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ هُنَاكَ وَهُوَ أَيْ الْعَقَارُ مَعَهُمَا (قَوْلُهُ أَوْ بَعْضُهُ) مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِ الْمَتْنِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ ح (قَوْلُهُ مَعَ الْوَارِثِ الطِّفْلُ أَوْ الْغَائِبُ) أَوْ يَدُ مُودَعِ الْغَائِبِ أَوْ يَدُ أُمِّ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرُ غَائِبٌ فَلَا يَقْسِمُ وَإِنْ كَانَ الْحَاضِرُ أَمِينًا بَزَّازِيَّةٌ وَغَيْرُهَا (قَوْلُهُ لِلُّزُومِ الْقَضَاءِ) أَيْ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِمَا بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمَا بِلَا خَصْمٍ حَاضِرٍ مِنْهُمَا أَيْ مِنْ جِهَتِهِمَا. وَاَلَّذِي فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا عَنْهُمَا. هَذَا وَذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّهُ لَا يَقْسِمُ إلَّا أَنْ يَنْصِبَ عَنْهُ خَصْمًا وَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ فَإِنَّهُ يَقْسِمُ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ الثَّانِي انْتَهَى وَأَقَرَّهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ قُلْت: لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ: أَيْ عَلَى الْإِرْثِ وَعَدَمِهَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا أَطْلَقَ فِي الْكِتَابِ: أَيْ فِي قَوْلِهِ لَا يَقْسِمُ، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ يُقْسَمُ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ كِفَايَةٌ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقُسِمَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ) أَيْ الَّذِي تَجْرِي فِيهِ الْقِسْمَةُ جَبْرًا بِأَنْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَبِطَلَبِ ذِي الْكَثِيرِ) أَيْ إنْ انْتَفَعَ بِحِصَّتِهِ وَأَطْلَقَهُ لِعِلْمِهِ مِنْ الْمَقَامِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ بِطَلَبِ ذِي الْقَلِيلِ الَّذِي لَا يَنْتَفِعُ إذَا أَبَى الْمُنْتَفِعُ. وَوَجْهُهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ مُنْتَفِعٌ فَاعْتُبِرَ طَلَبُهُ وَالثَّانِي مُتَعَنِّتٌ فَلَمْ يُعْتَبَرْ اهـ وَلِذَا لَا يَقْسِمُ الْقَاضِي بَيْنَهُمْ إنْ تَضَرَّرَ الْكُلُّ وَإِنْ طَلَبُوا كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَأْمُرُ الْقَاضِي بِالْمُهَايَأَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ) وَقِيلَ بِعَكْسِ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهَا الْمُعَوَّلُ) وَصَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا بِأَنَّهُ الْأَصَحُّ، زَادَ فِي الدُّرَرِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ لَمْ يُقْسَمْ إلَّا بِرِضَاهُمْ) ظَاهِرُهُ كَعِبَارَةِ سَائِرِ الْمُتُونِ أَنَّ لِلْقَاضِي مُبَاشَرَتَهَا وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: لَكِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُبَاشِرُ ذَلِكَ وَإِنْ طَلَبُوا مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْهُ، لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْنَعُ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى إتْلَافِ مَالِهِ فِي الْحُكْمِ اهـ وَعَزَاهُ ابْنُ الْكَمَالِ لِلْمَبْسُوطِ، وَذَكَرَ الطُّورِيُّ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَعُودَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ) يَعْنِي أَنَّ مَوْضُوعَ الْقِسْمَةِ الِانْتِفَاعُ بِمِلْكِهِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا حَلَبِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) أَرَادَ بِهِ بَيَانَ الْمُرَادِ بِالِانْتِفَاعِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ؛ وَإِلَّا فَنَحْوُ الْحَمَّامِ قَدْ يُنْتَفَعُ بِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لِرَبْطِ الدَّوَابِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 260 (وَقُسِمَ عُرُوضٌ اتَّحَدَ جِنْسُهَا لَا الْجِنْسَانِ) بَعْضُهُمَا فِي بَعْضٍ لِوُقُوعِهِمَا مُعَاوَضَةً لَا تَمْيِيزًا فَتَعْتَمِدُ التَّرَاضِيَ دُونَ جَبْرِ الْقَاضِي (وَ) لَا (الرَّقِيقُ) وَحْدَهُ لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ فِي الْآدَمِيِّ. وَقَالَا: يُقْسَمُ لَوْ ذُكُورًا فَقَطْ وَإِنَاثًا فَقَطْ كَمَا تُقْسَمُ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ وَرَقِيقُ الْمَغْنَمِ (وَ) لَا (الْجَوَاهِرُ) لِفُحْشِ تَفَاوُتِهَا (وَالْحَمَّامُ) وَالْبِئْرُ وَالرَّحَى وَالْكُتُبُ وَكُلُّ مَا فِي قَسْمِهِ ضَرَرٌ (إلَّا بِرِضَاهُمْ) لِمَا مَرَّ، وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ وَأَبَى الْآخَرُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى بَيْعِ نَصِيبِهِ خِلَافًا لِمَالِكٍ. وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا تُقْسَمُ الْكُتُبُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَلَكِنْ يَنْتَفِعُ كُلٌّ بِالْمُهَايَأَةِ، وَلَا تُقْسَمُ بِالْأَوْرَاقِ وَلَوْ بِرِضَاهُمْ؛ وَكَذَا لَوْ كَانَ كِتَابًا ذَا مُجَلَّدَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَلَوْ تَرَاضَيَا أَنْ تُقَوَّمَ الْكُتُبُ وَيَأْخُذَ كُلٌّ بَعْضَهَا بِالْقِيمَةِ لَوْ كَانَ بِالتَّرَاضِي جَازَ وَإِلَّا لَا خَانِيَّةٌ. دَارٌ أَوْ حَانُوتٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا تَشَاجَرَا فِيهِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لَا أَكْرِي وَلَا أَنْتَفِعُ، وَقَالَ الْآخَرُ أُرِيدُ   [رد المحتار] وَنَحْوِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَقُسِمَ عُرُوضٌ اتَّحَدَ جِنْسُهَا) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تُمَيِّزُ الْحُقُوقَ وَذَلِكَ مُمْكِنٌ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ كَالْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ أَوْ الْغَنَمِ أَوْ الثِّيَابِ أَوْ الدَّوَابِّ أَوْ الْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ يُقْسَمُ كُلُّ صِنْفٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى حِدَةٍ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ بَعْضُهُمَا فِي بَعْضٍ) أَيْ بِإِدْخَالِ بَعْضٍ فِي بَعْضٍ، بِأَنْ أُعْطِيَ أَحَدُهُمَا بَعِيرًا وَالْآخَرُ شَاتَيْنِ مَثَلًا جَاعِلًا بَعْضَ هَذَا فِي مُقَابَلَةِ ذَاكَ دُرَرٌ (قَوْلُهُ فَتَعْتَمِدُ التَّرَاضِيَ إلَخْ) لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِجْبَارِ لِلْقَاضِي تَثْبُتُ بِمَعْنَى التَّمْيِيزِ لَا الْمُعَاوَضَةِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَلَا الرَّقِيقِ) لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْآدَمِيِّ فَاحِشٌ فَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُ الْمُسَاوَاةِ، لِأَنَّ الْمَعَانِيَ الْمَقْصُودَةَ مِنْهُ: الْعَقْلُ وَالْفَطِنَةُ وَالصَّبْرُ عَلَى الْخِدْمَةِ وَالِاحْتِمَالُ وَالْوَقَارُ وَالصِّدْقُ وَالشَّجَاعَةُ وَالْوِفَاقُ وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ فَصَارُوا كَالْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَقَدْ يَكُونُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ خَيْرًا مِنْ أَلْفٍ مِنْ جِنْسِهِ قَالَ الشَّاعِرُ: وَلَمْ أَرَ أَمْثَالَ الرِّجَالِ تَفَاوُتًا ... إلَى الْفَضْلِ حَتَّى عُدَّ أَلْفٌ بِوَاحِدِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ لِأَنَّ تَفَاوُتَهَا يَقِلُّ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ وَمِنْ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ وَحْدَهُ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَ الرَّقِيقِ دَوَابٌّ أَوْ عُرُوضٌ أَوْ شَيْءٌ آخَرُ قَسَمَ الْقَاضِي الْكُلَّ فِي قَوْلِهِمْ وَإِلَّا فَإِنْ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ، وَإِنْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَلَا إلَّا بِرِضَاهُمْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْجَبْرُ عَلَى قِسْمَةِ الرَّقِيقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ هُوَ مَحِلٌّ لِقِسْمَةِ الْجَمْعِ كَالْغَنَمِ وَالثِّيَابِ فَيُقْسَمُ الْكُلُّ قِسْمَةَ جَمْعٍ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَقُولُ: تَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَقْسِمُ بِرِضَا الشُّرَكَاءِ فَأَمَّا مَعَ كَرَاهَةِ بَعْضِهِمْ فَالْقَاضِي لَا يَقْسِمُ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ قِسْمَةَ الْجَبْرِ تَجْرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْجِنْسَ الْآخَرَ الَّذِي مَعَ الرَّقِيقِ يُجْعَلُ أَصْلًا فِي الْقِسْمَةِ، وَالْقِسْمَةُ جَبْرًا تَثْبُتُ فِيهِ فَتَثْبُتُ فِي الرَّقِيقِ أَيْضًا تَبَعًا. وَقَدْ يَثْبُتُ حُكْمُ الْعَقْدِ فِي الشَّيْءِ تَبَعًا وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ مَقْصُودًا كَالشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ فِي الْبَيْعِ وَالْمَنْقُولَاتِ فِي الْوَقْفِ، كَذَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَالدُّرَرِ، فَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمِنَحِ خِلَافُ الْأَظْهَرِ (قَوْلُهُ كَمَا تُقْسَمُ الْإِبِلُ) أَيْ وَنَحْوُهَا كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (قَوْلُهُ وَرَقِيقُ الْمَغْنَمِ) قَدَّمْنَا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَقِيقِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَالْحَمَّامُ وَالْبِئْرُ وَالرَّحَى) يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ صَغِيرًا لَا يُمْكِنُ لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَمَا كَانَ، فَلَوْ كَبِيرًا بِأَنْ كَانَ الْحَمَّامُ ذَا خِزَانَتَيْنِ وَالرَّحَى ذَاتَ حَجَرَيْنِ يُقْسَمُ. وَقَدْ أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ بِقِسْمَةِ مِعْصَرَةِ زَيْتٍ لِاثْنَيْنِ مُنَاصَفَةً وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى عُودَيْنِ وَمَطْحَنَيْنِ وَبِئْرَيْنِ لِلزَّيْتِ قَابِلَةٌ لِلْقِسْمَةِ بِلَا ضَرَرٍ، مُسْتَدِلًّا بِمَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى: لَا يُقْسَمُ الْحَمَّامُ وَالْحَائِطُ وَالْبَيْتُ الصَّغِيرُ إذَا كَانَ بِحَالٍ لَوْ قُسِمَ لَا يَبْقَى لِكُلٍّ مَوْضِعٌ يَعْمَلُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَا فِي قَسْمِهِ ضَرَرٌ) فَلَا يُقْسَمُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ لِاشْتِمَالِ الْقِسْمَةِ عَلَى الضَّرَرِ إذْ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْقَطْعِ هِدَايَةٌ، لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافَ جَزْءٍ عِنَايَةٌ، وَلَا يُقْسَمُ الطَّرِيقُ لَوْ فِيهِ ضَرَرٌ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) مِنْ قَوْلِهِ لِئَلَّا يَعُودَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ وَهُوَ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْقِسْمَةِ (قَوْلُهُ وَلَا تُقْسَمُ بِالْأَوْرَاقِ وَلَوْ بِرِضَاهُمْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يُبَاشِرُ الْقَاضِي قِسْمَتَهَا، لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُبَاشِرُ ذَلِكَ وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْهُ، وَتَأَمَّلْ عِبَارَةَ الْمِنَحِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 261 ذَلِكَ أَمَرَ الْقَاضِي بِالْمُهَايَأَةِ، ثُمَّ يُقَالُ لِمَنْ لَا يُرِيدُ الِانْتِفَاعَ إنْ شِئْت فَانْتَفِعْ، وَإِنْ شِئْت فَأَغْلِقْ الْبَابَ. . [مَطْلَبٌ لِكُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ السُّكْنَى فِي بَعْضِ الدَّارِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ] (دُورٌ مُشْتَرَكَةٌ أَوْ دَارٌ وَضِيعَةٌ أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ قُسِمَ كُلٌّ وَحْدَهَا) مُنْفَرِدَةً مُطْلَقًا وَلَوْ مُتَلَازِقَةً أَوْ فِي مَحَلَّتَيْنِ أَوْ مِصْرَيْنِ مِسْكِينٌ (إذَا كَانَتْ كُلُّهَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ أَوْ لَا) وَقَالَا: إنْ الْكُلُّ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فَالرَّأْيُ فِيهِ لِلْقَاضِي، وَإِنْ فِي مِصْرَيْنِ فَقَوْلُهُمَا كَقَوْلِهِ (وَيُصَوِّرُ الْقَاسِمُ مَا يَقْسِمُهُ عَلَى قِرْطَاسٍ) لِيَرْفَعَهُ لِلْقَاضِي (وَيُعَدِّلُهُ عَلَى سِهَامِ الْقِسْمَةِ وَبِذَرْعِهِ، وَيُقَوِّمُ الْبِنَاءَ وَيُفْرِزُ كُلَّ نَصِيبٍ بِطَرِيقِهِ وَشِرْبِهِ، وَيُلَقِّبُ الْأَنْصِبَاءَ بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ) وَهَلُمَّ جَرًّا (وَيَكْتُبُ أَسَامِيَهُمْ وَيَقْرَعُ) لِتَطِيبَ الْقُلُوبُ،   [رد المحتار] مَطْلَبٌ لِكُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ السُّكْنَى فِي بَعْضِ الدَّارِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ (قَوْلُهُ أَمَرَ الْقَاضِي بِالْمُهَايَأَةِ) أَقُولُ: ذَكَرَ فِي الْعِمَادِيَّةِ فِي الْفَصْلِ 34 لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَسْكُنَ فِي بَعْضِ الدَّارِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ اهـ، وَبِمِثْلِهِ أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ. وَانْظُرْ إذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا ذَلِكَ وَالْآخَرُ الْمُهَايَأَةَ أَيُّهُمَا يُقَدَّمُ؟ وَهِيَ تَقَعُ كَثِيرًا، يَقُولُ لِي خَشَبَةٌ أَسْكُنُ تَحْتُهَا فَلْيُحَرَّرْ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْمُهَايَأَةِ وَأَحْكَامُهَا آخِرَ الْبَابِ وَأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْقَاضِيَ يَجْبُرُ عَلَيْهَا بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا وَمِنْهُ يَظْهَرُ الْجَوَابُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ دُورٌ مُشْتَرَكَةٌ) مِثْلُهَا الْأَقْرِحَةُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَهِيَ جَمْعُ قِرَاحٍ: قِطْعَةٌ مِنْ الْأَرْضِ عَلَى حِيَالِهَا لَا شَجَرَ فِيهَا وَلَا بِنَاءَ. وَاحْتَرَزَ بِالدُّورِ عَنْ الْبُيُوتِ وَالْمَنَازِلِ جَمْعُ مَنْزِلٍ أَصْغَرُ مِنْ الدَّارِ وَأَكْبَرُ مِنْ الْبَيْتِ، لِأَنَّهُ دُوَيْرَةٍ صَغِيرَةٌ فِيهَا بَيْتَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ وَالْبَيْتُ مُسْقَفٌ وَاحِدٌ لَهُ دِهْلِيزٌ (قَوْلُهُ مُنْفَرِدَةً) أَيْ يُقْسَمُ كُلٌّ مِنْ الدُّورِ أَوْ الدَّارِ وَالضَّيْعَةِ: وَهِيَ عَرْصَةٌ غَيْرُ مَبْنِيَّةٍ أَوْ الدَّارِ وَالْحَانُوتِ: وَهُوَ الدُّكَّانُ قِسْمَةَ فَرْدٍ، فَتُقْسَمُ الْعَرْصَةُ بِالذِّرَاعِ وَالْبِنَاءُ بِالْقِيمَةِ قُهُسْتَانِيٌّ لَا قِسْمَةَ جَمْعٍ، بِأَنْ يَجْمَعَ حِصَّةَ بَعْضِهِمْ فِي الدَّارِ مَثَلًا وَحِصَّةَ الْآخَرِ فِي غَيْرِهَا لِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ أَوْ فِي حُكْمِهَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْهِدَايَةِ، وَلِذَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: لَوْ اكْتَفَى بِمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا الْجِنْسَانِ لَكَانَ أَخْصَرَ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَنَازِلَ وَالْبُيُوتَ الْمُحْتَرَزَ عَنْهَا. قَالَ مِسْكِينٌ: وَالْبُيُوتُ تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً مُتَبَايِنَةً أَوْ مُتَلَازِقَةً، وَالْمَنَازِلُ كَالْبُيُوتِ لَوْ مُتَلَازِقَةً وَكَالدُّورِ لَوْ مُتَبَايِنَةً. وَقَالَا فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا بِنَظَرِ الْقَاضِي إلَى أَعْدِلْ الْوُجُوهِ فَيُمْضِي الْقِسْمَةَ عَلَى ذَلِكَ اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا كَانَا فِي مِصْرَيْنِ فَقَوْلُهُمَا كَقَوْلِهِ اهـ. أَقُولُ: وَلَعَلَّ هَذَا فِي زَمَانِهِمْ وَإِلَّا فَالْمَنَازِلُ وَالْبُيُوتُ وَلَوْ مِنْ دَارٍ وَاحِدَةٍ تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا فِي زَمَانِنَا، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ هُنَا لِأَنَّ الْبُيُوتَ لَا تَتَفَاوَتُ فِي مَعْنَى السُّكْنَى وَلِهَذَا تُؤْجَرُ أُجْرَةً وَاحِدَةً فِي كُلِّ مَحَلَّةٍ، وَكَذَا مَا ذَكَرُوهُ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَإِفْتَاؤُهُمْ هُنَاكَ بِقَوْلِ زُفَرَ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةٍ دَاخِلَ الْبُيُوتِ لِتَفَاوُتِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ مِصْرَيْنِ) مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِ الْمَتْنِ أَوَّلًا اهـ ح (قَوْلُهُ إذَا كَانَتْ كُلُّهَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ أَوْ لَا) لَوْ قَالَ وَلَوْ فِي مِصْرٍ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَظْهَرَ اَ هـ ح (قَوْلُهُ فَقَوْلُهُمَا كَقَوْلِهِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَكَقَوْلِهِ (قَوْلُهُ وَيُصَوِّرُ الْقَاسِمُ إلَخْ) أَيْ يَنْبَغِي إذَا شَرَعَ فِي الْقِسْمَةِ أَنْ يُصَوِّرَ مَا يَقْسِمُهُ بِأَنْ يَكْتُبَ فِي كَاغِدِهِ أَنَّ فُلَانًا نَصِيبُهُ كَذَا وَفُلَانًا كَذَا لِيُمْكِنَهُ حِفْظُهُ إنْ أَرَادَ رَفْعَهُ لِلْقَاضِي لِيَتَوَلَّى الْإِقْرَاعَ بَيْنَهُمْ بِنَفْسِهِ وَيُعَدِّلُهُ أَيْ يُسَوِّيهِ، وَيُرْوَى بِعَزْلِهِ: أَيْ يَقْطَعُهُ بِالْقِسْمَةِ عَنْ غَيْرِهِ لِيَعْرِفَ قَدْرَهُ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ وَيَذْرَعُهُ) شَامِلٌ لِلْبِنَاءِ، لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَيَذْرَعُهُ وَيُقَوِّمُ الْبِنَاءَ لِأَنَّ قَدْرَ الْمِسَاحَةِ يُعْرَفُ بِالذَّرْعِ وَالْمَالِيَّةِ بِالتَّقْوِيمِ، وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِمَا لِيُمْكِنَ التَّسْوِيَةُ فِي الْمَالِيَّةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْوِيمِ الْأَرْضِ وَذَرْعِ الْبِنَاءِ اهـ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَيُفْرِزُ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ جَازَ هِدَايَةٌ وَغَيْرُهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهَا إذَا شَرَطَ الْقَاسِمُ ذَلِكَ فَلَا يُنَافِيَ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا صَرْفٌ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فُسِخَتْ الْقِسْمَةُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِتَطِيبَ الْقُلُوبُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْقُرْعَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ حَتَّى إنَّ الْقَاضِيَ لَوْ عَيَّنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ نَصِيبًا مِنْ غَيْرِ إقْرَاعٍ جَازَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ فَمَلَكَ الْإِلْزَامَ هِدَايَةٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 262 (فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ، وَمَنْ خَرَجَ ثَانِيًا فَلَهُ السَّهْمُ الثَّانِي إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْأَخِيرِ وَ) اعْلَمْ أَنَّ (الدَّرَاهِمَ لَا تَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ) لِعَقَارٍ أَوْ مَنْقُولٍ (إلَّا بِرِضَاهُمْ) فَلَوْ كَانَ أَرْضٌ وَبِنَاءٌ قُسِمَ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ الثَّانِي وَعِنْدَ الثَّالِثِ يَرُدُّ مِنْ الْعَرْصَةِ بِمُقَابَلَةِ الْبِنَاءِ، فَإِنْ بَقِيَ فَضْلٌ وَلَا تُمْكِنُ التَّسْوِيَةُ رَدَّ الْفَضْلَ دَرَاهِمَ لِلضَّرُورَةِ، وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الِاخْتِيَارِ (قُسِمَ وَلِأَحَدِهِمْ مَسِيلُ مَاءٍ أَوْ طَرِيقٌ فِي مِلْكِ الْآخَرِ وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْقِسْمَةِ صُرِفَ عَنْهُ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فُسِخَتْ الْقِسْمَةُ) إجْمَاعًا وَاسْتُؤْنِفَتْ، وَلَوْ اخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ أَبْقَيْنَاهُ مُشْتَرَكًا كَمَا كَانَ إنْ أَمْكَنَ إفْرَازُ كُلٍّ فُعِلَ كَمَا بَسَطَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ عَرْضِ الطَّرِيقِ جُعِلَ) عَرْضُهَا (قَدْرَ عَرْضِ بَابِ الدَّارِ) وَأَمَّا فِي الْأَرْضِ فَبِقَدْرِ مَمَرِّ الثَّوْرِ   [رد المحتار] مَطْلَبٌ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الْقُرْعَةِ [تَنْبِيهٌ] إذَا قَسَمَ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ بِالْقُرْعَةِ فَلَيْسَ لِبَعْضِهِمْ الْإِبَاءُ بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِ السِّهَامِ كَمَا لَا يُلْتَفَتُ إلَى إبَائِهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ، وَلَوْ الْقِسْمَةُ بِالتَّرَاضِي لَهُ الرُّجُوعُ إلَّا إذَا خَرَجَ جَمِيعُ السِّهَامِ إلَّا وَاحِدًا لِتَعَيُّنِ نَصِيبِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ، وَلَا رُجُوعَ بَعْدَ تَمَامِ الْقِسْمَةِ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا إلَخْ) بَيَانُهُ: أَرْضٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ لِأَحَدِهِمْ سُدُسُهَا وَلِآخَرَ نِصْفُهَا وَلِآخَرَ ثُلُثُهَا يَجْعَلُهَا أَسْدَاسًا اعْتِبَارًا بِالْأَقَلِّ ثُمَّ يُلَقِّبُ السِّهَامَ بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي إلَى السَّادِسِ وَيَكْتُبُ أَسَامِيَ الشُّرَكَاءِ وَيَضَعُهَا فِي كُمِّهِ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا أُعْطِيَ السَّهْمَ الْأَوَّلَ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ السُّدُسِ فَلَهُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ صَاحِبَ الثُّلُثِ فَلَهُ الْأَوَّلُ وَاَلَّذِي يَلِيهِ، وَإِنْ صَاحِبَ النِّصْفِ فَلَهُ الْأَوَّلُ وَاَللَّذَانِ يَلِيَانِهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الدَّرَاهِمَ) قَيَّدَ الدَّرَاهِمَ فِي الدُّرَرِ بِاَلَّتِي لَيْسَتْ مِنْ التَّرِكَةِ، وَذَكَرَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَنَّهُ غَيْرُ احْتِرَازِيٌّ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ وَلَوْ مِنْ التَّرِكَةِ. أَقُولُ: وَمَا فِي الدُّرَرِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَالْقُهُسْتَانِيُّ وَشُرَّاحُ الْهِدَايَةِ كَالْمِعْرَاجِ وَالنِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ. وَعَلَّلَ الْمَسْأَلَةَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ فِيهَا، وَيَفُوتُ بِهِ التَّعْدِيلُ أَيْضًا فِي الْقِسْمَةِ، لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يَصِلُ إلَى عَيْنِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي الْحَالِ وَدَرَاهِمُ الْآخَرِ فِي الذِّمَّةِ فَيُخْشَى عَلَيْهَا التَّوَى، وَلِأَنَّ الْجِنْسَيْنِ الْمُشْتَرَكَيْنِ لَا يُقْسَمَانِ فَمَا ظَنُّك عِنْدَ عَدَمِ الِاشْتِرَاكِ اهـ. فَقَدْ يُقَالُ: التَّعْلِيلُ الْأَخِيرُ يُفِيدُ مَا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ مَنْقُولٍ) صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ إلَّا بِرِضَاهُمْ) فَلَوْ كَانَ بَعْضُ الْعَقَارِ مِلْكًا وَبَعْضُهُ وَقْفًا، فَإِنْ كَانَ الْمُعْطَى هُوَ الْوَاقِفُ جَازَ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ أَخَذَ الْوَقْفَ وَاشْتَرَى بَعْضَ مَا لَيْسَ بِوَقْفٍ مِنْ شَرِيكِهِ، وَإِنْ الْعَكْسُ فَلَا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ نَقْضُ بَعْضِ الْوَقْفِ، وَحِصَّةُ الْوَقْفِ وَقْفٌ وَمَا اشْتَرَاهُ مِلْكٌ لَهُ وَلَا يَصِيرُ وَقْفًا كَذَا فِي الْإِسْعَافِ مِنْ فَصْلِ الْمَشَاعِ (قَوْلُهُ وَلَا تُمْكِنُ التَّسْوِيَةُ) بِأَنْ لَمْ تَفِ الْعَرْصَةُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الِاخْتِيَارِ) وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إنَّهُ يُوَافِقُ رِوَايَةَ الْأُصُولِ (قَوْلُهُ لَمْ يَشْتَرِطْ) أَمَّا لَوْ اُشْتُرِطَ تَرْكَهُمَا عَلَى حَالِهِمَا فَلَا تُفْسَخُ، وَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ وَاسْتُؤْنِفَتْ) أَيْ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ أَنْ يَجْعَلَ لِنَفْسِهِ طَرِيقًا وَمَسِيلًا لِقَطْعِ الشَّرِكَةِ. بَقِيَ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ أَصْلًا وَإِنْ اُسْتُؤْنِفَتْ فَكَيْفَ الْحُكْمُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تُسْتَأْنَفُ أَيْضًا لِشَرْطٍ فِيهَا فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ أَبْقَيْنَاهُ) الْمُنَاسِبُ لِمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ نُبْقِيهِ. وَنَصُّهُ: وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي إدْخَالِ الطَّرِيقِ فِي الْقِسْمَةِ بِأَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُقْسَمُ الطَّرِيقُ بَلْ يَبْقَى مُشْتَرَكًا كَمَا كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ نَظَرَ فِيهِ الْحَاكِمُ، فَإِنْ كَانَ يَسْتَقِيمُ أَنْ يَفْتَحَ كُلٌّ فِي نَصِيبِهِ قَسَمَ الْحَاكِمُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ لِجَمَاعَتِهِمْ تَكْمِيلًا لِلْمَنْفَعَةِ وَتَحْقِيقًا لِلْإِفْرَازِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ رَفَعَ طَرِيقًا بَيْنَ جَمَاعَتِهِمْ لِتَحَقُّقِ تَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا وَرَاءَ الطَّرِيقِ اهـ (قَوْلُهُ إنْ أَمْكَنَ إفْرَازُ كُلٍّ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ: أَيْ إفْرَازُ كُلٍّ مِنْهُمْ طَرِيقًا عَلَى حِدَةٍ (قَوْلُهُ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ عَرْضِ الطَّرِيقِ) أَيْ فِي سِعَتِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 263 زَيْلَعِيٌّ (بِطُولِهِ) أَيْ ارْتِفَاعِهِ حَتَّى يَخْرُجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَنَاحًا فِي نَصِيبِهِ، إنْ فَوْقَ الْبَابِ لَا فِيمَا دُونَهُ لِأَنَّ قَدْرَ طُولِ الْبَابِ مِنْ الْهَوَاءِ مُشْتَرَكٌ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْهَوَاءِ الْمُشْتَرَكِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَا الشُّرَكَاءِ جَلَالِيَّةٌ. (وَلَوْ شَرَطُوا أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ فِي قِسْمَةِ الدَّارِ عَلَى التَّفَاوُتِ جَازَ وَإِنْ) وَصَلْيَةٌ (كَانَ سِهَامُهُمْ فِي الدَّارِ مُتَسَاوِيَةً وَ) ذَلِكَ لِأَنَّ (الْقِسْمَةَ عَلَى التَّفَاوُتِ بِالتَّرَاضِي فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ جَائِزَةٌ) فَجَازَ قِسْمَةُ التِّينِ بِالْأَكْرَارِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَزْنِيٍّ، لَا الْعِنَبِ بِالشَّرِيحَةِ عَلَى الصَّحِيحِ بَلْ بِالْقَبَّانِ أَوْ الْمِيزَانِ لِأَنَّهُ وَزْنِيٌّ. (سُفْلٌ لَهُ) أَيْ فَوْقُهُ (عُلُوٌّ) مُشْتَرَكَانِ (وَسُفْلٌ مُجَرَّدٌ) مُشْتَرَكٌ وَالْعُلُوُّ لِآخَرَ (وَعُلُوٌّ مُجَرَّدٌ) مُشْتَرَكٌ وَالسُّفْلُ لِآخَرَ (قُوِّمَ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْ ذَلِكَ (عَلَى حِدَةٍ، وَقُسِمَ بِالْقِيمَةِ) عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَبِهِ يُفْتَى. (أَنْكَرَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ اسْتِيفَاءَ نَصِيبِهِ وَشَهِدَ الْقَاسِمَانِ بِالِاسْتِيفَاءِ) لِحَقِّهِ (تُقْبَلُ) وَإِنْ قَسَمَا بِأَجْرٍ فِي الْأَصَحِّ ابْنُ مَلَكٍ (وَلَوْ شَهِدَ قَاسِمٌ وَاحِدٌ لَا) لِأَنَّهُ فَرْدٌ. (وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمْ أَنَّ مِنْ نَصِيبِهِ شَيْئًا) وَقَعَ (فِي يَدِ صَاحِبِهِ غَلَطًا وَقَدْ) كَانَ (أَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ) أَوْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ ذَكَرَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ (لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبُرْهَانٍ) أَوْ إقْرَارِ الْخَصْمِ أَوْ نُكُولِهِ،   [رد المحتار] وَضِيقِهِ وَطُولِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُجْعَلُ سِعَتُهُ أَكْبَرَ مِنْ عَرْضِ الْبَابِ الْأَعْظَمِ وَطُولُهُ مِنْ الْأَعْلَى إلَى السَّمَاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ غَيْرَ ذَلِكَ عِنَايَةٌ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي تَقْدِيرِ الطَّرِيقِ الْمُشْتَرَكِ لَا فِي طَرِيقِ كُلِّ نَصِيبٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَيْ ارْتِفَاعِهِ) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الطُّولُ مِنْ حَيْثُ الْأَعْلَى لَا مِنْ حَيْثُ الْمَشْيُ وَهُوَ ضِدُّ الْعَرْضِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ إلَى حَيْثُ يَنْتَهُونَ بِهَا إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ، أَفَادَهُ فِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ، وَأَفَادُوا أَنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ مَا فَوْقَ طُولِ الْبَابِ مِنْ الْأَعْلَى وَيَبْقَى قَدْرُ طُولِ الْبَابِ مِنْ الْهَوَاءِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ (قَوْلُهُ إنْ فَوْقَ الْبَابِ) أَيْ لَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ فِيمَا فَوْقَ طُولِ الْبَابِ لِأَنَّهُ مَقْسُومٌ بَيْنَهُمْ كَمَا عَلِمْت، فَصَارَ بَانِيًا عَلَى خَالِصِ حَقِّهِ لَا فِيمَا دُونَهُ لِبَقَائِهِ مُشْتَرَكًا، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ انْدَفَعَ مَا بَحَثَهُ الْحَمَوِيُّ (قَوْلُهُ مُشْتَرَكٌ) لِأَنَّ اخْتِلَافَ الشُّرَكَاءِ فِي تَقْدِيرِ طَرِيقٍ وَاحِدٍ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ كَمَا أَفَادَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعِنَايَةِ لَا فِي طَرِيقٍ لِكُلِّ نَصِيبٍ بِانْفِرَادِهِ حَتَّى يَرِدُ أَنَّهُ حَقُّ الْمُقَاسِمِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ جَازَ) لِأَنَّ رَقَبَةَ الطَّرِيقِ مِلْكٌ لَهُمْ وَهِيَ مَحِلٌّ لِلْمُعَاوَضَةِ وَلْوَالِجِيَّةٌ (قَوْلُهُ بِالْأَكْرَارِ) جَمْعُ كُرٍّ: كَيْلٌ مَعْرُوفٌ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: تَجُوزُ بِالْأَحْمَالِ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِ قَلِيلٌ (قَوْلُهُ بِالشَّرِيجَةِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ فِي فَصْلِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ بَابِ الْجِيمِ: الشَّرِيجَةُ شَيْءٌ مِنْ سَعَفٍ يُحْمَلُ فِيهِ الْبِطِّيخُ وَنَحْوُهُ (قَوْلُهُ سُفْلٌ) بِضَمِّ السِّينِ وَكَسْرِهَا (قَوْلُهُ وَعُلْوٌ مُجَرَّدٌ مُشْتَرَكٌ) أَيْ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ فِي السُّفْلِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَتَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ عَلَى قَوْلِهِمَا تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَقُسِمَ بِالْقِيمَةِ) لِأَنَّ السُّفْلَ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْعُلْوُ مِنْ اتِّخَاذِهِ بِئْرَ مَاءٍ أَوْ سِرْدَابًا أَوْ إصْطَبْلًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِيمَةِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ بِالذِّرَاعِ ثُمَّ اخْتَلَفَا، فَقَالَ الْإِمَامُ: ذِرَاعٌ مِنْ سُفْلٍ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ عُلْوٍ، وَقَالَ الثَّانِي ذِرَاعٌ بِذِرَاعٍ، وَبَيَانُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا، ثُمَّ الِاخْتِلَافُ فِي السَّاحَةِ. وَأَمَّا الْبِنَاءُ فَيُقْسَمُ بِالْقِيمَةِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْإِيضَاحِ (قَوْلُهُ تُقْبَلُ) لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِالِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ فِعْلُ غَيْرِهِمَا لَا بِالْقِسْمَةِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: هَذَا قَوْلُهُمَا، وَقَسْمُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَسَمَا بِأَجْرٍ فِي الْأَصَحِّ) مِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ مَعْزُوًّا لِلْمُسْتَصْفَى. وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُقْبَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا لِأَنَّ فِعْلَهُمَا التَّمْيِيزُ. وَأَمَّا إذَا قَسَمَا بِالْأَجْرِ فَلِأَنَّ لَهُمَا مَنْفَعَةً إذَا صَحَّتْ الْقِسْمَةُ إلَخْ (قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ) أَقُولُ: هَذَا يُفْهَمُ بِالْأَوْلَى مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ بِالْبُرْهَانِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَنَاقَضْ أَصْلًا، فَإِذَا صُدِّقَ بِهِ مَعَ الْإِقْرَارِ فَمَعَ عَدَمِهِ بِالْأَوْلَى، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ لِلْبُرْهَانِ هُنَا أَيْضًا لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُ الْقِسْمَةِ عَلَى وَجْهِ الْمُعَادَلَةِ فَلَا تُنْقَضُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ لَا بَيِّنَةَ فَبِالنُّكُولِ (قَوْلُهُ أَوْ نُكُولِهِ) فَلَوْ كَانُوا جَمَاعَةً وَنَكَلَ وَاحِدٌ جَمَعَ نَصِيبِهِ مَعَ نَصِيبِ الْمُدَّعِي وَقُسِمَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 264 فَلَوْ قَالَا إلَّا بِحُجَّةٍ لَعَمَّتْ وَلَا تَنَاقُضَ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى فِعْلِ الْأَمِينِ ثُمَّ ظَهَرَ غَلَطُهُ (وَإِنْ قَالَ قَبَضْته فَأَخَذَ شَرِيكِي بَعْضَهُ وَأَنْكَرَ) شَرِيكُهُ ذَلِكَ (حَلَفَ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ (وَإِنْ قَالَ قَبْلَ إقْرَارِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ أَصَابَنِي مِنْ ذَلِكَ كَذَا إلَى كَذَا وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيَّ) وَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ (تَحَالَفَا وَتُفْسَخُ الْقِسْمَةُ) كَالِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ. (وَلَوْ اقْتَسَمَا دَارًا وَأَصَابَ كُلًّا طَائِفَةٍ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا بَيْتًا فِي يَدِ الْآخَرِ أَنَّهُ مِنْ نَصِيبِهِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ) لِأَنَّهُ مُدَّعٍ (وَإِنْ أَقَامَاهَا فَالْعِبْرَةُ لِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي) لِأَنَّهُ خَارِجٌ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْإِشْهَادِ عَلَى الْقَبْضِ تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْحُدُودِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ إلَخْ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْبُرْهَانُ الْحُجَّةُ، فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ، إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَعُمُّ الْبَيِّنَةَ وَإِقْرَارَ الْخَصْمِ أَوْ نُكُولَهُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا تَنَاقُضَ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ أَصْلًا لِتَنَاقُضِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ مِنْ بَعْدُ اهـ أَيْ أَشَارَ الْقُدُورِيُّ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ، وَإِنْ قَالَ قَبْلَ إقْرَارِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ أَصَابَنِي مِنْ كَذَا إلَى كَذَا إلَخْ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ فَلَا تَحَالُفَ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِعَدَمِ صِحَّةِ الدَّعْوَى بِسَبَبِ التَّنَاقُضِ، وَأَقَرَّهُ الشُّرَّاحُ عَلَى هَذَا الْبَحْثِ. وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِمَا يَأْتِي مَتْنًا وَشَرْحًا عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَبِمَا فِي الْمَبْسُوطِ: اقْتَسَمَا الدَّارَ وَأَشْهَدَا عَلَى الْقِسْمَةِ وَالْقَبْضِ وَالْوَفَاءِ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا بَيْتًا فِي يَدِ صَاحِبِهِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِهِ صَاحِبُهُ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ، وَوَفَّقَ ابْنُ الْكَمَالِ بِحَمْلِ الْحُجَّةِ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَزَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَوْ يُرَادُ بِالْغَلَطِ الْغَصْبُ اهـ. وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: وَجْهُ رِوَايَةِ الْمَتْنِ أَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى فِعْلِ الْقَاسِمِ فِي إقْرَارِهِ، ثُمَّ لَمَّا تَأَمَّلَ حَقَّ التَّأَمُّلِ ظَهَرَ الْغَلَطُ فِي فِعْلِهِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ عِنْدَ ظُهُورِ الْحَقِّ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الدُّرَرِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَأَخَذَ مِنْهُ فِي الْحَامِدِيَّةِ تَوْفِيقًا حَسَنًا بِحَمْلِ مَا فِي الْمَتْنِ عَلَى مَا إذَا بَاشَرَ الْقِسْمَةَ غَيْرُهُ، وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمَبْسُوطِ عَلَى مَا إذَا بَاشَرَ الْقِسْمَةَ بِنَفْسِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمَبْسُوطِ: اقْتَسَمَا فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ بِأَنْفُسِهِمَا تَأَمَّلْ، وَظَاهِرُ كَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّوْفِيقِ، بَلْ الْأَهَمُّ التَّرْجِيحُ، فَنَقُولُ: عَامَّةُ الْمُتُونِ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَهِيَ الْمَوْضُوعَةُ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ، وَلِمَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمَوَاهِبِ: تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَقِيلَ لَا. وَفِي الِاخْتِيَارِ: وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ لِلتَّنَاقُضِ، فَأَفَادَا عَدَمَ اعْتِمَادِ الثَّانِيَةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ أَقَرَّ وَبَرْهَنَ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى إلَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّ دَعْوَى الْهَزْلِ فِي الْإِقْرَارِ تَصِحُّ وَيَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى أَنَّهُ مَا كَانَ كَاذِبًا فِي إقْرَارِهِ اهـ. قُلْت: وَقَدَّمَ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ قُبَيْلَ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُ بِهَا يُفْتَى لَكِنْ تَبْقَى الْمُنَافَاةُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَفْهُومِ مَا يَأْتِي مَتْنًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ لَا يَدْفَعُ الْمُنَافَاةَ، لِأَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ إنْ كَانَ مَانِعًا مِنْ صِحَّةِ الدَّعْوَى لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ لِابْتِنَاءِ سَمَاعِهَا عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَالَفَا كَمَا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا وَقَدْ أَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ صَرِيحٌ، وَقَوْلَهُمْ الْآتِيَ قَبْلَ إقْرَارِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ مَفْهُومٌ، وَالْمُصَرَّحُ بِهِ أَنَّ الصَّرِيحَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَفْهُومِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ) أَيْ وَالْآخَرُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْغَصْبَ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ قَبْلَ إقْرَارِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ) الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ إقْرَارٌ أَصْلًا ط عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ أَصَابَنِي مِنْ ذَلِكَ كَذَا إلَى كَذَا) الْأَوْلَى حَذْفُ لَفْظِ ذَلِكَ كَمَا عَبَّرَ فِي الْغُرَرِ (قَوْلُهُ تَحَالَفَا وَتُفْسَخُ الْقِسْمَةُ) لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مِقْدَارِ مَا حَصَلَ لَهُ بِهَا هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ اقْتَسَمَا دَارًا إلَخْ) هَذِهِ عَيْنُ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَلَوْ ادَّعَى إلَخْ إلَّا أَنَّهَا أُعِيدَتْ لِبِنَاءِ مَسَائِلَ أُخَرَ عَلَيْهَا كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ خَارِجٌ) فَتُرَجَّحُ بَيِّنَتُهُ عَلَى بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ كَمَا مَرَّ فِي مَحِلِّهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْإِشْهَادِ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَأَصَابَ كُلًّا طَائِفَةٌ، فَإِنَّ الْمُرَادَ وَأَشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ اهـ ح (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْحُدُودِ) بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا هَذَا الْحَدُّ لِي قَدْ دَخَلَ فِي نَصِيبِهِ وَقَالَ الْآخَرُ كَذَلِكَ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ بِالْجُزْءِ الَّذِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 265 (وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ مُعَيَّنٌ مِنْ نَصِيبِهِ لَا تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ اتِّفَاقًا) عَلَى الصَّحِيحِ (وَفِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ شَائِعٍ فِي الْكُلِّ تُفْسَخُ) اتِّفَاقًا (وَفِي) اسْتِحْقَاقِ (بَعْضٍ شَائِعٍ مِنْ نَصِيبِهِ لَا تُفْسَخُ) جَبْرًا خِلَافًا لِلثَّانِي (بَلْ) الْمُسْتَحَقُّ مِنْهُ (يَرْجِعُ) بِحِصَّةِ ذَلِكَ (فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ) إنْ شَاءَ أَوْ نَقَضَ الْقِسْمَةَ دَفْعًا لِضَرَرِ التَّشْقِيصِ. قُلْت: قَدْ بَقِيَ هَاهُنَا احْتِمَالٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يُسْتَحَقَّ بَعْضٌ مِنْ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَ شَائِعًا فُسِخَتْ، وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا، فَإِنْ تَسَاوَيَا فَظَاهِرٌ وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ لِذَلِكَ الزَّائِدِ كَمَا مَرَّ فَلِذَا لَمْ يُفْرِدُوهَا بِالذِّكْرِ. (ظَهَرَ دَيْنٌ فِي التَّرِكَةِ الْمَقْسُومَةِ تُفْسَخُ) الْقِسْمَةُ (إلَّا إذَا قَضَوْهُ) أَيْ الدَّيْنَ (أَوْ أَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ   [رد المحتار] فِي يَدِ صَاحِبِهِ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ قَامَتْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قُضِيَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لِوَاحِدٍ تَحَالَفَا كَمَا فِي الْبَيْعِ هِدَايَةٌ وَكِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ مُعَيَّنٌ إلَخْ) قَيَّدَ بِالْبَعْضِ لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ جَمِيعُ مَا فِي يَدِهِ يَرْجِعُ بِنِصْفِ مَا فِي يَدِ شَرِيكِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَى الصَّوَابِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ تُفْسَخُ اتِّفَاقًا) لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَتْ لَتَضَرَّرَ الْمُسْتَحِقُّ بِتَفَرُّقِ نَصِيبِهِ فِي النَّصِيبَيْنِ، بِخِلَافِ النَّصِيبِ الْوَاحِدِ إذْ لَا ضَرَرَ أَفَادَهُ فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لَا تُفْسَخُ جَبْرًا) أَيْ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ لِأَنَّ لَهُ الْخِيَارُ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) فَعِنْدَهُ تُفْسَخُ لِأَجْلِ الْمُسْتَحِقِّ، لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ شَرِيكٌ ثَالِثٌ وَالْقِسْمَةُ بِلَا رِضَاهُ بَاطِلَةٌ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ كَقَوْلِ الْإِمَامِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ بَلْ الْمُسْتَحَقُّ مِنْهُ يَرْجِعُ إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّهُ فِي الْأُولَى لَيْسَ كَذَلِكَ، فَلَوْ قَالَ كَابْنِ الْكَمَالِ وَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ حِصَّةِ أَحَدِهِمَا مَشَاعٌ أَوَّلًا لَمْ تُفْسَخْ وَرَجَعَ بِقِسْطِهِ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ أَوْ نَقَضَهَا وَتُفْسَخُ فِي بَعْضِ مَشَاعٍ فِي الْكُلِّ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَظْهَرَ (قَوْلُهُ أَوْ نَقَضَ الْقِسْمَةَ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَاعَ شَيْئًا مِمَّا فِي يَدِهِ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ وَإِلَّا فَلَهُ الرُّجُوعُ فَقَطْ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ لِابْنِ الْكَمَالِ مُلَخَّصَةً مِنْ كَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ الْمَذْكُورِ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ شَائِعًا) كَالنِّصْفِ مِمَّا فِي يَدِ كُلٍّ مَشَاعًا أَوْ نِصْفِ أَحَدِهِمَا وَرُبْعِ الْآخَرِ فَهَذَا صَادِقٌ عَلَى التَّسَاوِي وَالتَّفَاوُتِ، بِخِلَافِ الشُّيُوعِ فِي الْكُلِّ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فَإِنَّهُ عَلَى التَّسَاوِي فَقَطْ، كَمَا لَوْ اقْتَسَمَا دَارًا مُثَالَثَةً فَاسْتُحِقَّ نِصْفُهَا مَشَاعًا فَلَهُ نِصْفُ مَا فِي يَدِ كُلٍّ، لَكِنَّ الْحُكْمَ فِي كُلِّ الشُّيُوعِيَّيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ الْفَسْخُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَسَاوَيَا فَظَاهِرٌ) أَيْ أَنَّهُ لَا فَسْخَ وَلَا رُجُوعَ كَمَا لَوْ اُسْتُحِقَّ مِنْ نَصِيبِ كُلٍّ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَتَسَاوَيَا كَأَرْبَعَةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا وَسِتَّةٍ مِنْ الثَّانِي، فَلَا فَسْخَ أَيْضًا لِعَدَمِ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَيَرْجِعُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِذِرَاعٍ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَيْهِ بِهِ (قَوْلُهُ فَلِذَا إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ كَمَا مَرَّ: أَيْ لَمَّا شَابَهَتْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ مَا مَرَّ فِي الْأَحْكَامِ لَمْ يُفْرِدُوهَا بِالذِّكْرِ لِفَهْمِهَا مِنْ الْعِلَلِ السَّابِقَةِ، أَمَّا الْفَسْخُ فِي الشَّائِعِ وَعَدَمُهُ فِي الْمُعَيَّنِ فَلِلضَّرَرِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ وَعَدَمِهِ كَمَا عَلِمْته، وَأَمَّا الرُّجُوعُ عَلَى الشَّرِيكِ عِنْدَ عَدَمِ التَّسَاوِي فَإِنَّهُ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ يَرْجِعُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ أَيْ لِيَصِلَ كُلٌّ إلَى حَقِّهِ بِلَا زِيَادَةٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ لَهُ نَقْضَ الْقِسْمَةِ أَيْضًا دَفْعًا لِضَرَرِ التَّشْقِيصِ، وَأَمَّا عَدَمُ الرُّجُوعِ عِنْدَ التَّسَاوِي فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ فَافْهَمْ. [تَتِمَّةٌ] إذَا جَرَتْ الْقِسْمَةُ فِي دَارَيْنِ أَوْ أَرْضَيْنِ وَأَخَذَ كُلٌّ وَاحِدَةً ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ إحْدَاهُمَا بَعْدَ مَا بَنَى فِيهَا صَاحِبُهَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ، قِيلَ هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ لِأَنَّ عِنْدَهُ قِسْمَةُ الْجَبْرِ لَا تَجْرِي فِي الدَّارَيْنِ فَكَانَتْ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ خَانِيَّةٌ، وَلَوْ فِي دَارٍ لَمْ يَرْجِعْ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ ظَهَرَ دَيْنٌ إلَخْ) وَمِثْلُهُ لَوْ ظَهَرَ مُوصًى لَهُ بِأَلْفٍ مُرْسَلَةٍ فَتُفْسَخُ إلَّا إذَا قَضَوْهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الدَّائِنِ وَالْمُوصَى لَهُ مُرْسَلًا بِالْمَالِيَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 266 ذِمَمَ الْوَرَثَةِ أَوْ يَبْقَى مِنْهَا) أَيْ مِنْ التَّرِكَةِ (مَا يَفِي بِهِ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ (وَلَوْ ظَهَرَ غَبْنٌ فَاحِشٌ) لَا يَدْخُلُ تَحْتَ التَّقْوِيمِ (فِي الْقِسْمَةِ) فَإِنْ كَانَتْ بِقَضَاءٍ (بَطَلَتْ) اتِّفَاقًا لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْقَاضِي مُقَيَّدٌ بِالْعَدْلِ وَلَمْ يُوجَدْ (وَلَوْ وَقَعَتْ بِالتَّرَاضِي) تَبْطُلُ أَيْضًا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ شَرْطَ جَوَازِهَا الْمُعَادَلَةُ وَلَمْ تُوجَدْ فَوَجَبَ نَقْضُهَا خِلَافًا لِتَصْحِيحِ الْخُلَاصَةِ. قُلْت: فَلَوْ قَالَ كَالْكَنْزِ تُفْسَخُ لَكَانَ أَوْلَى (وَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ (إنْ لَمْ يُقِرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لَا) تُسْمَعُ دَعْوَى الْغَلَطِ وَالْغَبْنِ لِلتَّنَاقُضِ، إلَّا إذَا ادَّعَى الْغَصْبَ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ. (ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ) لِلتَّرِكَةِ (دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ صَحَّ) دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ لِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالْمَعْنَى وَالْقِسْمَةِ لِلصُّورَةِ (وَلَوْ ادَّعَى عَيْنًا) بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ (لَا) تُسْمَعُ لِلتَّنَاقُضِ، إذْ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقِسْمَةِ اعْتِرَافٌ بِالشَّرِكَةِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: اقْتَسَمُوا دَارًا أَوْ أَرْضًا ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمْ فِي قَسْمِ الْآخَرِ بِنَاءً أَوْ نَخْلًا زَعَمَ أَنَّهُ بَنَاهُ أَوْ غَرَسَهُ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ   [رد المحتار] ظَهَرَ وَارِثٌ آخَرُ أَوْ مُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبْعِ فَقَالَ الْوَرَثَةُ نَقْضِي حَقَّهُ وَلَا تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمَا بِعَيْنِ التَّرِكَةِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى مَالٍ آخَرَ إلَّا بِرِضَاهُمَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ، لَكِنْ هَذَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِغَيْرِ قَاضٍ، فَلَوْ بِهِ فَظَهَرَ وَارِثٌ وَقَدْ عَزَلَ الْقَاضِي نَصِيبَهُ لَا تُنْقَضُ، وَكَذَا لَوْ ظَهَرَ الْمُوصَى لَهُ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ ذِمَمَ الْوَرَثَةِ) كَذَا فِي الدُّرَرِ. قَالَ ط: فِيهِ إنَّ الدَّيْنَ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ بَعْدَ تَعَلُّقِهِ بِذِمَّةِ الْمَيِّتِ اهـ. [تَتِمَّةٌ] أَجَازَ الْغَرِيمُ قِسْمَةَ الْوَرَثَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدِّينِ لَهُ نَقْضُهَا وَكَذَا إذَا ضَمِنَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ دَيْنَ الْمَيِّتِ بِرِضَا الْغَرِيمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهَا تَصِيرُ حَوَالَةً فَيَنْتَقِلُ الدِّينُ عَلَيْهِ وَتَخْلُو التَّرِكَةُ عَنْهُ وَهِيَ الْحِيلَةُ لِقِسْمَةِ تَرِكَةٍ فِيهَا دَيْنٌ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ ظَهَرَ غَبْنٌ فَاحِشٌ فِي الْقِسْمَةِ) أَيْ فِي التَّقْوِيمِ لِلْقِسْمَةِ، بِأَنْ قُوِّمَ بِأَلْفٍ فَظَهَرَ أَنَّهُ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ، قَيَّدَ بِالْفَاحِشِ لِأَنَّهُ لَوْ يَسِيرًا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ كَمَا فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِتَصْحِيحِ الْخُلَاصَةِ) مِنْ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ: وَالصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَافِي وَقَاضِي خَانْ، وَبِهِ جَزَمَ أَصْحَابُ الْمُتُونِ وَصَحَّحَهُ أَصْحَابُ الشُّرُوحِ، وَبِهِ أَفْتَيْت مِرَارًا (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) مَأْخُوذٌ مِنْ حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ حَيْثُ قَالَ وَقَوْلُهُ بَطَلَتْ. قَالَ فِي الْكَنْزِ: وَلَوْ ظَهَرَ غَبْنٌ فَاحِشٌ فِي الْقِسْمَةِ تُفْسَخُ، وَفِي مَتْنِ الْغُرَرِ تَبْطُلُ فَتَبِعَهُ بِقَوْلِهِ هُنَا بَطَلَتْ فَيُفْهِمُ ظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى الْفَسْخِ مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِهِ، فَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ مُوَافَقَتُهُ دُونَ مَتْنِ الْغُرَرِ اهـ. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْخَانِيَّةِ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ فِي الْغَبْنِ وَلَهُ أَنْ يُبْطِلَ الْقِسْمَةَ كَمَا لَوْ كَانَتْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى الْفَسْخِ وَأَنَّ مَعْنَى تَبْطُلُ وَبَطَلَتْ لَهُ إبْطَالُهَا، وَبِهِ يُشْعِرُ قَوْلُ الْكَنْزِ تُفْسَخُ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ تَنْفَسِخُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَةَ لَا سَاقِطَةٌ مِنْ قَلَمِ الرَّمْلِيِّ قَبْلَ قَوْلِهِ تَحْتَاجُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْغَلَطِ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى وَأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمُتُونِ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ) ذَكَرَ عِبَارَتَهَا فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ صَحَّ دَعْوَاهُ) فَتُنْقَضُ الْقِسْمَةُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ كَانَ بَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ بَطَلَ الْبَيْعُ كَالْقِسْمَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ لِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالْمَعْنَى) وَهُوَ مَالِيَّةُ التَّرِكَةِ وَلِذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَقْضُوا الْغَرِيمَ وَيَسْتَقِلُّوا بِهَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ) أَيْ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَنَقَلَ السَّائِحَانِيُّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ: اقْتَسَمَا التَّرِكَةَ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبَاهُ كَانَ جَعَلَ هَذَا الْمُعَيَّنَ لَهُ، إنْ كَانَ قَالَ فِي صُغْرَى يُقْبَلُ، وَإِنْ مُطْلَقًا لَا اهـ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ فِي مَوْضِعِ الْخَفَاءِ عَفْوٌ كَمَا مَرَّ فِي مَحِلِّهِ (قَوْلُهُ إذْ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقِسْمَةِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ جَبْرًا عَلَى الْمُدَّعِي تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا يَكُونُ تَنَاقُضًا رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ) لِدُخُولِ الْبِنَاءِ وَالنَّخْلِ تَبَعًا، فَلَوْ اقْتَسَمُوا شَجَرًا أَوْ بِنَاءً فَادَّعَى أَحَدُهُمْ الْأَرْضَ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا جَازَ لِعَدَمِ التَّبَعِيَّةِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ مُشْتَرَكًا دُونَ الْأَرْضِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 267 (وَقَعَتْ شَجَرَةٌ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا أَغْصَانُهَا مُتَدَلِّيَةٌ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْبُرَهُ عَلَى قَطْعِهَا، بِهِ يُفْتَى) لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الشَّجَرَةَ بِأَغْصَانِهَا اخْتِيَارٌ. (بَنَى أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ (بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ) فِي عَقَارٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا (فَطَلَبَ شَرِيكُهُ رَفْعَ بِنَائِهِ قُسِمَ) الْعَقَارُ (فَإِنْ وَقَعَ) الْبِنَاءُ (فِي نَصِيبِ الْبَانِي فَبِهَا) وَنِعْمَتْ (وَإِلَّا هَدَمَ) الْبِنَاءَ، وَحُكْمُ الْغَرْسِ كَذَلِكَ بَزَّازِيَّةٌ. (الْقِسْمَةُ تَقْبَلُ النَّقْضَ، فَلَوْ اقْتَسَمُوا وَأَخَذُوا حِصَّتَهُمْ ثُمَّ تَرَاضَوْا عَلَى الِاشْتِرَاكِ بَيْنَهُمْ صَحَّ) وَعَادَتْ الشَّرِكَةُ فِي عَقَارٍ أَوْ غَيْرِهِ، لِأَنَّ قِسْمَةَ التَّرَاضِي مُبَادَلَةٌ وَيَصِحُّ فَسْخُهَا وَمُبَادَلَتُهَا بِالتَّرَاضِي بَزَّازِيَّةٌ. (الْمَقْبُوضُ بِالْقِسْمَةِ الْفَاسِدَةِ) كَقِسْمَةٍ عَلَى شَرْطِ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَيْعٍ مِنْ الْمَقْسُومِ أَوْ غَيْرِهِ (يَثْبُتُ الْمِلْكُ وَيُفِيدُ) جَوَازَ (التَّصَرُّفِ فِيهِ) لِقَابِضِهِ وَيَضْمَنُهُ بِالْقِيمَةِ (كَالْمَقْبُوضِ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ) فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (وَقِيلَ لَا) يُثْبِتُهُ جَزَمَ بِالْقِيلِ فِي الْأَشْبَاهِ، وَبِالْأَوَّلِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْقُنْيَةِ.   [رد المحتار] فَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا: لَوْ ادَّعَى شَجَرًا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَاوِمْنِي ثَمَرَهُ أَوْ اشْتَرِ مِنِّي لَا يَكُونُ دَفْعًا لِجَوَازِ كَوْنِ الشَّجَرِ لَهُ وَالثَّمَرَةِ لِغَيْرِهِ وَهِيَ وَاقِعَةٌ لِلْفَتْوَى، وَأَفْتَيْت بِسَمَاعِهَا لِمَا ذُكِرَ رَمْلِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْبُرَهُ عَلَى قَطْعِهَا) أَيْ الْأَغْصَانِ، قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: كَمَا لَوْ وَقَعَ فِي قَسْمِ أَحَدِهِمَا حَائِطٌ عَلَيْهِ جُذُوعٌ لِلْآخَرِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِرَفْعِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الشَّجَرَةَ بِأَغْصَانِهَا) أَيْ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ ط (قَوْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ) وَكَذَا لَوْ بِإِذْنِهِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ مُسْتَعِيرٌ لِحِصَّةِ الْآخَرِ، وَلِلْمُعِيرِ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ. أَمَّا لَوْ بِإِذْنِهِ لِلشَّرِكَةِ يَرْجِعُ بِحِصَّتِهِ عَلَيْهِ بِلَا شُبْهَةٍ رَمْلِيٌّ عَلَى الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا هَدَمَ الْبِنَاءَ) أَوْ أَرْضَاهُ بِدَفْعِ قِيمَتِهِ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. أَقُولُ: وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ: وَإِنْ وَقَعَ الْبِنَاءُ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ قَلَعَ وَضَمِنَ مَا نَقَصَتْ الْأَرْضُ بِذَلِكَ اهـ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مَتْنًا أَنَّ مَنْ بَنَى أَوْ غَرَسَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ أُمِرَ بِالْقَلْعِ وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ قِيمَةَ بِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ أُمِرَ بِقَلْعِهِ إنْ نَقَصَتْ الْأَرْضُ بِهِ، وَالظَّاهِرُ جَرَيَانُ التَّفْصِيلِ هُنَا كَذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي عَقَارٍ أَوْ غَيْرِهِ) لَمْ أَرَ هَذَا التَّعْمِيمَ لِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ الْمَتْنِ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ عَزَاهُ لِلْبَزَّازِيَّةِ. وَعِبَارَتُهَا: قَسَمُوا الْأَرَاضِيَ وَأَخَذُوا حِصَّتَهُمْ إلَخْ فَهُوَ خَاصٌّ بِالْعَقَارِ كَمَا يَظْهَرُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ لِأَنَّ قِسْمَةَ التَّرَاضِي) كَذَا فِي غَالِبِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا الْأَرَاضِيَ وَهُوَ الَّذِي فِي الْمَتْنِ، وَهَكَذَا رَأَيْته فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا. وَعَلَّلَ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فَكَانَ نَقْضُهَا بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ اهـ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّ الْقِسْمَةَ فِي الْمِثْلِيِّ لَا تَنْتَقِضُ بِمُجَرَّدِ التَّرَاضِي لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَقْدِ مُبَادَلَةٍ لِأَنَّ الرَّاجِحَ فِيهَا جَانِبُ الْإِفْرَازِ كَمَا مَرَّ، نَعَمْ إذَا خَلَطُوا مَا قَسَمُوهُ مِنْ الْمِثْلِيِّ بِرِضَاهُ تَجَدَّدَتْ شَرِكَةٌ أُخْرَى، وَبِهِ ظَهَرَ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمُبَادَلَتُهَا) عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ وَإِقَالَتُهَا (قَوْلُهُ جَزَمَ بِالْقِيلِ فِي الْأَشْبَاهِ) لَكِنْ اعْتَرَضَهُ الْبِيرِيُّ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ظَنَّهُ مِنْ أَنَّ الْبَاطِلَ وَالْفَاسِدَ فِي الْقِسْمَةِ سَوَاءٌ وَالْمَنْقُولُ خِلَافُهُ. وَنَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَشْبَاهِ، وَذَكَرَ هُوَ أَيْضًا أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا وَقَعَتْ سَهْوًا. ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى كُلٍّ فَالْفَتْوَى وَالْعَمَلُ عَلَى أَنَّهَا تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَنْقُولُ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ، وَغَيْرُهُ لَمْ يُطَّلَعْ عَلَيْهِ إلَّا فِي عِبَارَةِ الْأَشْبَاهِ مَعَ مَا فِيهَا مِنْ الِاحْتِمَالِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهَا اهـ. أَقُولُ: وَالْعَجَبُ مِنْ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ ذَكَرَهُ فِي مَتْنِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ لَمْ أَطَّلِعْ عَلَيْهِ وَكَانَ فِي سِعَةٍ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِهِ وَلَا سِيَّمَا الْمُتُونُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الِاخْتِصَارِ وَمَوْضُوعَةٌ لِمَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى. [تَتِمَّةٌ] اقْتَسَمُوا أَرْضًا مَوْقُوفَةً بِتَرَاضِيهِمْ ثُمَّ أَرَادَ أَحَدُهُمْ بَعْدَ سِنِينَ إبْطَالَ الْقِسْمَةِ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ قِسْمَتَهَا بَيْنَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 268 (وَلَوْ تَهَايَآ فِي سُكْنَى دَارٍ) ؛ وَاحِدَةٍ يَسْكُنُ هَذَا بَعْضًا وَذَا بَعْضًا أَوْ هَذَا شَهْرًا وَذَا شَهْرًا (أَوْ دَارَيْنِ) يَسْكُنُ كُلٌّ دَارًا (أَوْ فِي خِدْمَةِ عَبْدٍ) يَخْدُمُ هَذَا يَوْمًا وَذَا يَوْمًا (أَوْ عَبْدَيْنِ) يَخْدُمُ هَذَا هَذَا وَالْآخَرُ الْآخَرَ (أَوْ فِي غَلَّةِ دَارٍ أَوْ دَارَيْنِ) كَذَلِكَ (صَحَّ) التَّهَايُؤُ فِي الْوُجُوهِ السِّتَّةِ اسْتِحْسَانًا اتِّفَاقًا. وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَاضِيَ يُهَايِئُ بَيْنَهُمَا جَبْرًا بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا، وَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِهِمَا، وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ فِيمَا يُقْسَمُ بَطَلَتْ، وَلَوْ اتَّفَقَا   [رد المحتار] الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ لَا تَجُوزُ عِنْدَ الْجَمِيعِ حَاوِي الزَّاهِدِيِّ: وَفِيهِ: أَرْضٌ قُسِمَتْ فَلَمْ يَرْضَ أَحَدُهُمْ بِنَصِيبِهِ ثُمَّ زَرَعَهُ لَمْ يُعْتَبَرْ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَهَايَآ) الْهَيْئَةُ الْحَالَةُ الظَّاهِرَةُ لِلْمُتَهَيِّئِ لِلشَّيْءِ وَالتَّهَايُؤُ تَفَاعُلٌ مِنْهَا، وَهُوَ أَنْ يَتَوَاضَعُوا عَلَى أَمْرٍ فَيَتَرَاضَوْا بِهِ وَالْمُهَايَأَةُ بِإِبْدَالِ الْهَمْزَةِ أَلِفًا لُغَةً، وَهِيَ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ، وَإِنَّهَا جَائِزَةٌ فِي الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ الَّتِي يُمْلَكُ الِانْتِفَاعُ بِهَا عَلَى بَقَاءِ عَيْنِهَا، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ يَسْكُنُ هَذَا بَعْضًا إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ التَّهَايُؤَ قَدْ يَكُونُ فِي الزَّمَانِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ، وَالْأَوَّلُ مُتَعَيِّنٌ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ وَنَحْوِهِ كَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّهَايُؤِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ فِي مَحِلٍّ يَحْتَمِلُهَا يَأْمُرُ الْقَاضِي بِأَنْ يَتَّفِقَا لِأَنَّهُ فِي الْمَكَانِ أَعْدَلُ لِانْتِفَاعِ كُلٍّ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ وَفِي الزَّمَانِ أَكْمَلُ لِانْتِفَاعِ كُلٍّ بِالْكُلِّ، فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاتِّفَاقِ، فَإِنْ اخْتَارَاهُ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ يُقْرَعُ فِي الْبِدَايَةِ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ هِدَايَةٌ، وَقَيَّدَ بِالزَّمَانِ لِأَنَّ التَّسْوِيَةَ فِي الْمَكَانِ تُمْكِنُ فِي الْحَالِ بِأَنْ يَسْكُنَ هَذَا بَعْضًا وَالْآخَرُ بَعْضًا، أَمَّا الزَّمَانُ فَلَا تُمْكِنُ إلَّا بِمُضِيِّ مُدَّةِ أَحَدِهِمَا كِفَايَةٌ. أَقُولُ: لَكِنْ قَدْ يَقَعُ الِاخْتِلَافُ فِي تَعْيِينِ الْمَكَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْرَعَ تَأَمَّلْ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَلَوْ تَشَاحَّا فِي تَعْيِينِ الْمُدَّةِ مَثَلًا بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا سَنَةٌ بِسَنَةٍ وَالْآخَرُ شَهْرٌ بِشَهْرٍ لَمْ أَرَهُ، وَالظَّاهِرُ تَفْوِيضُهُ لِلْقَاضِي: وَلَا يُقَالُ يَأْمُرُهُمَا بِالِاتِّفَاقِ كَالِاخْتِلَافِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ لِأَنَّ مَعَ كُلٍّ وَجْهًا فِيهَا، بِخِلَافِهِ هُنَا وَإِنْ قِيلَ يُقَدَّمُ الْأَقَلُّ حَيْثُ لَا ضَرَرَ بِالْآخَرِ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ وُصُولًا إلَى الْحَقِّ فَلَهُ وَجْهٌ تَأَمَّلْ اهـ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْهِدَايَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَسْتَغِلَّ مَا أَصَابَهُ بِالْمُهَايَأَةِ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ لِحُدُوثِ الْمَنَافِعِ عَلَى مِلْكِهِ اهـ. قَالَ السَّائِحَانِيُّ: أَفَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إنَّ تَهَايُؤَ الْمُسْتَأْجَرِينَ صَحِيحٌ غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِنْ شَرَطَا عَلَى الْمُؤَجِّرِ أَنَّ لِأَحَدِهِمَا مُقَدَّمُ الدَّارِ وَلِلْآخَرِ مُؤَخَّرُهَا فَسَدَ الْعَقْدُ، وَلَوْ لَمْ تَسَعْ سُكْنَاهُمَا وَأَحَدُهُمَا سَاكِنٌ وَطَلَبَ الْآخَرُ التَّهَايُؤَ زَمَانًا يُجَابُ كَمَا فِي حِيطَانِ الْخَانِيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ كَذَلِكَ) أَيْ يَأْخُذُ هَذَا شَهْرًا وَالْآخَرُ شَهْرًا أَوْ يَأْخُذُ هَذَا غَلَّةَ هَذِهِ وَالْآخَرُ غَلَّةَ الْأُخْرَى (قَوْلُهُ وَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا إلَخْ) لِأَنَّهَا لَوْ بَطَلَتْ لَاسْتَأْنَفَهَا الْحَاكِمُ وَلَا فَائِدَةَ. الِاسْتِئْنَافُ زَيْلَعِيٌّ، وَإِذَا تَهَايَآ فِي مَمْلُوكَيْنِ اسْتِخْدَامًا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَبَقَ انْتَقَضَتْ، وَلَوْ اسْتَخْدَمَهُ الشَّهْرَ كُلَّهُ إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ نُقِصَ مِنْ الشَّهْرِ الْآخِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَلَوْ زَادَ ثَلَاثَةً لَا يَزِيدُ الْآخَرُ، وَلَوْ أَبَقَ الشَّهْرَ كُلَّهُ وَاسْتَخْدَمَ الْآخَرَ فِيهِ فَلَا أَجْرَ وَلَا ضَمَانَ، وَلَوْ عَطِبَ أَحَدُ الْخَادِمَيْنِ أَوْ انْهَدَمَ الْمَنْزِلُ مِنْ السُّكْنَى أَوْ احْتَرَقَ مِنْ نَارٍ أَوْقَدَهَا فَلَا ضَمَانَ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ بَطَلَتْ) عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ يُقْسَمُ وَتَبْطُلُ الْمُهَايَأَةُ، وَقَدْ أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْمُهَايَأَةَ وَالْآخَرُ الْقِسْمَةَ يُجَابُ الثَّانِي كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: أَجَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا الدَّارَ الَّتِي فِي يَدِهِ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا نَقْضَ الْمُهَايَأَةِ وَقِسْمَةَ رَقَبَةِ الدَّارِ لَهُ ذَلِكَ إذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ وَذَكَرَ قَبْلَهُ لِكُلٍّ نَقْضُ الْمُهَايَأَةِ وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: هَذَا إذَا قَالَ أُرِيدُ بَيْعَ نَصِيبِي أَوْ قِسْمَتَهُ، أَمَّا لَوْ أَرَادَ عَوْدَ الْمَنَافِعِ مُشْتَرَكَةً فَلَا. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: مَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّ لَهُ نَقْضَهَا وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ إذَا حَصَلَتْ بِتَرَاضِيهِمَا، فَلَوْ بِالْفَضَاءِ فَلَا مَا لَمْ يَصْطَلِحَا لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يَحْتَاجُ إلَى مَا هُوَ أَعْدَلُ وَهُوَ الْقِسْمَةُ بِالْقَضَاءِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اتَّفَقَا إلَخْ) وَكَذَا لَوْ سَكَتَا فَطَعَامُ كُلٍّ عَلَى مَخْدُومِهِ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ عَلَيْهِمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 269 عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ كُلِّ عَبْدٍ عَلَى مَنْ يَخْدُمُهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا بِخِلَافِ الْكِسْوَةِ، وَمَا زَادَ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ مُشْتَرَكٌ لَا فِي الدَّارَيْنِ، وَتَجُوزُ فِي عَبْدٍ وَدَارٍ عَلَى السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ وَكَذَا فِي كُلِّ مُخْتَلِفِي الْمَنْفَعَةِ مُلْتَقًى، وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَيْهِ. (وَلَوْ) تَهَايَآ (فِي غَلَّةِ عَبْدٍ أَوْ فِي غَلَّةِ عَبْدَيْنِ أَوْ) تَهَايَآ (فِي غَلَّةِ بَغْلٍ أَوْ بَغْلَيْنِ أَوْ) فِي (رُكُوبِ بَغْلٍ أَوْ بَغْلَيْنِ أَوْ) فِي (ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ أَوْ) فِي (لَبَنِ شَاةٍ لَا) يَصِحُّ فِي الْمَسَائِلِ الثَّمَانِ: وَحِيلَةُ الثِّمَارِ وَنَحْوِهَا أَنْ يَشْتَرِيَ حَظَّ شَرِيكِهِ ثُمَّ يَبِيعَ كُلَّهَا بَعْدَ مُضِيِّ نَوْبَتِهِ أَوْ يَنْتَفِعَ بِاللَّبَنِ بِمِقْدَارٍ مَعْلُومٍ اسْتِقْرَاضًا لِنَصِيبِ صَاحِبِهِ،   [رد المحتار] وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْكِسْوَةِ فِيهِ تَفْصِيلٌ، إنْ لَمْ يُبَيِّنَا مِقْدَارًا مَعْلُومًا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ بَيَّنَا يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا؛ أَمَّا الطَّعَامُ فَجَائِزٌ اشْتِرَاطُهُ عَلَى مَنْ يُخْدَمُ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَهُ اسْتِحْسَانًا أَفَادَهُ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ وَمَا زَادَ إلَخْ) أَيْ مِنْ الْغَلَّةِ وَهُوَ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ فِي غَلَّةِ دَارٍ أَوْ دَارَيْنِ (قَوْلُهُ مُشْتَرَكٌ) لِتَحْقِيقِ التَّعْدِيلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ التَّهَايُؤُ عَلَى الْمَنَافِعِ فَاسْتَغَلَّ أَحَدُهُمَا فِي نَوْبَتِهِ زِيَادَةً لِأَنَّ التَّعْدِيلَ فِيمَا وَقَعَ عَلَيْهِ التَّهَايُؤُ حَاصِلٌ وَهُوَ الْمَنَافِعُ فَلَا يَضُرُّهُ زِيَادَةُ الِاسْتِغْلَالِ هِدَايَةٌ. أَقُولُ: ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ زِيَادَةَ الْغَلَّةِ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا لَا تُنَافِي صِحَّةَ الْمُهَايَأَةِ وَالْجَبْرَ عَلَيْهَا، وَيُتَأَمَّلُ هَذَا مَعَ مَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ أَنَّ السَّفِينَةَ لَا يُجْبَرُ حَمْلًا وَلَا اسْتِغْلَالًا مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ بِأَنْ يَسْتَغِلَّهَا هَذَا شَهْرًا وَالْآخَرُ شَهْرًا بَلْ يُؤْجَرَانِهَا وَالْأُجْرَةُ لَهُمَا اهـ وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ قَدْ تَكُونُ غَلَّةَ شَهْرٍ أَزْيَدَ مِنْ غَلَّةِ آخَرَ فَلَا يُوجَدُ التَّسَاوِي اهـ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ لَا يُجْبَرُ عَلَى وَجْهٍ يَخْتَصُّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالزَّائِدِ مِنْ الْغَلَّةِ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا فِي الدَّارَيْنِ) لِأَنَّ فِيهِمَا مَعْنَى التَّمْيِيزِ وَالْإِفْرَازِ رَاجِحٌ لِاتِّحَادِ زَمَانِ الِاسْتِيفَاءِ، وَفِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ يَتَعَاقَبُ الْوُصُولُ فَاعْتُبِرَ قَرْضًا وَجُعِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي نَوْبَتِهِ كَالْوَكِيلِ عَنْ صَاحِبِهِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ عَلَى السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ) بِأَنْ يَسْكُنَ أَحَدُهُمَا الدَّارَ سَنَةً وَيَسْتَخْدِمَ الْآخَرُ الْعَبْدَ سَنَةً، وَعَلَى الْغَلَّةِ بَاطِلَةٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا ذَخِيرَةٌ: قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: الْجَوَازُ فِي الْمُتَّحِدِ، فَفِي الْمُخْتَلِفِ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي كُلِّ مُخْتَلِفِي الْمَنْفَعَةِ) قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: كَسُكْنَى الدُّورِ وَزَرْعِ الْأَرَضِينَ وَكَحَمَّامٍ وَدَارٍ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ إلَخْ) هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ فِي الْمَسَائِلِ الثَّمَانِ) لَكِنَّ الثَّانِيَةَ وَالرَّابِعَةَ وَالْخَامِسَةَ وَالسَّادِسَةَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْبَاقِيَ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْمِنَحِ. قَالَ فِي الدُّرَرِ: أَمَّا فِي عَبْدٍ أَوْ بَغْلٍ وَاحِدٍ فَلِأَنَّ النَّصِيبَيْنِ يَتَعَاقَبَانِ فِي الِاسْتِيفَاءِ، فَالظَّاهِرُ التَّغَيُّرُ فِي الْحَيَوَانِ فَتَفُوتُ الْمُعَادَلَةُ، بِخِلَافِ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ فِي الْعَقَارِ، وَأَمَّا فِي عَبْدَيْنِ أَوْ بَغْلَيْنِ فَلِأَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْخِدْمَةِ جَوَّزَ لِلضَّرُورَةِ لِامْتِنَاعِ قِسْمَتِهَا وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْغَلَّةِ لِأَنَّهَا تُقْسَمُ، وَأَمَّا فِي رُكُوبِ بَغْلٍ أَوْ بَغْلَيْنِ فَلِتَفَاوُتِهِ بِالرَّاكِبِينَ فَلَا تَتَحَقَّقُ التَّسْوِيَةُ فَلَا يَجْبُرُ الْقَاضِي عَلَيْهِ، وَأَمَّا فِي ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ أَوْ لَبَنِ شَاةٍ وَنَحْوِهِ فَلِأَنَّ التَّهَايُؤَ مُخْتَصٌّ بِالْمَنَافِعِ لِامْتِنَاعِ قِسْمَتِهَا بَعْدَ وُجُودِهَا بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ اهـ مُلَخَّصًا، وَلَوْ لَهُمَا جَارِيَتَانِ فَتَهَايَآ عَلَى أَنْ تُرْضِعَ إحْدَاهُمَا وَلَدَ أَحَدِهِمَا وَالْأُخْرَى وَلَدَ الْآخَرِ جَازَ، لِأَنَّ لَبَنَ الْآدَمِيِّ لَا قِيمَةَ لَهُ فَجَرَى مَجْرَى الْمَنَافِعِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهَا) أَيْ مِنْ الْأَعْيَانِ الَّتِي لَا تَجْرِي فِيهَا الْمُهَايَأَةُ: أَقُولُ: وَمِنْهَا عُدَّةُ الْحَمَّامِ كَالْمَزْبَلَةِ وَالْحَمِيرِ وَالْمَنَاشِفِ وَنَحْوِهَا، فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ مِمَّا يُغْفَلُ عَنْهُ (قَوْلُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ حَظَّ شَرِيكِهِ) أَيْ مِنْ الشَّجَرَةِ وَالشَّاةِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ لَا مِنْ الثَّمَرَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَبِيعَ كُلَّهَا) أَيْ حِصَّتَهُ وَمَا اشْتَرَاهُ مِنْ شَرِيكِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ يَنْتَفِعَ بِاللَّبَنِ) هَذَا مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَكِنَّهُ نَاظِرٌ إلَى الشَّاةِ: أَيْ إمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ حَظَّهُ مِنْ الشَّاةِ، وَإِمَّا أَنْ يَسْتَقْرِضَ لَبَنَهَا فَلَا يَصِحُّ عَطْفُهُ بِالْوَاوِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِمِقْدَارٍ مَعْلُومٍ) بِأَنْ يَزِنَ مَا يَحْلِبُهُ كُلَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 270 إذْ قَرْضُ الْمَشَاعِ جَائِزٌ. [فُرُوعٌ] الْغَرَامَاتُ إنْ كَانَتْ لِحِفْظِ الْأَمْلَاكِ فَالْقِسْمَةُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ، وَإِنْ لِحِفْظِ الْأَنْفُسِ فَعَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ وَلَا يَدْخُلُ صِبْيَانٌ وَنِسَاءٌ، فَلَوْ غَرَّمَ السُّلْطَانُ قَرْيَةً تُقْسَمُ عَلَى هَذَا، وَلَوْ خِيفَ الْغَرَقُ فَاتَّفَقُوا عَلَى إلْقَاءِ أَمْتِعَةٍ فَالْغُرْمُ بِعَدَدِ الرُّءُوسِ لِأَنَّهَا لِحِفْظِ الْأَنْفُسِ. الْمُشْتَرَكُ إذَا انْهَدَمَ فَأَبَى أَحَدُهُمَا الْعِمَارَةَ، إنْ احْتَمَلَ الْقِسْمَةَ لَا جَبْرَ وَقُسِمَ   [رد المحتار] يَوْمٍ حَتَّى تَفْرُغَ الْمُدَّةُ ثُمَّ يَسْتَوْفِيَ صَاحِبُهُ مِقْدَارَهُ، فِي نَوْبَتِهِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: تَوَاضَعَا فِي بَقَرَةٍ عَلَى أَنْ تَكُونَ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَحْلُبُ لَبَنَهَا كَانَ بَاطِلًا، وَلَا يَحِلُّ فَضْلُ اللَّبَنِ لِأَحَدِهِمَا وَإِنْ جَعَلَهُ صَاحِبُهُ فِي حِلٍّ لِأَنَّهُ هِبَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ اسْتَهْلَكَهُ فَيَكُونَ إبْرَاءً عَنْ الضَّمَانِ فَيَجُوزَ (قَوْلُهُ إذْ قَرْضُ الْمَشَاعِ جَائِزٌ) وَمِنْهُ مَا فِي هِبَةِ النِّهَايَةِ: إذَا دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا وَقَالَ خَمْسُمِائَةٍ قَرْضًا وَخَمْسُمِائَةٍ شَرِكَةٌ جَازَ. وَاعْتَرَضَ فِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّ قَرْضَ الْمَشَاعِ وَإِنْ جَازَ لَكِنَّ تَأْجِيلَهُ لَا يَجُوزُ. قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ لَا غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ فَتَدَبَّرْ. [تَتِمَّةٌ] لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ الْمُهَايَأَةَ عَلَى لُبْسِ الثَّوْبَيْنِ. قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي اللُّبْسِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا طُورِيٌّ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ إنْ كَانَتْ) هَذَا أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ حَكَاهَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا، ثَانِيهَا عَلَى الْأَمْلَاكِ مُطْلَقًا، ثَالِثُهَا عَكْسُهُ. بَقِيَ الْكَلَامُ فِي مَعْرِفَةِ مَا هِيَ لِحِفْظِ الْأَمْلَاكِ وَمَا هِيَ لِحِفْظِ الرُّءُوسِ فِي زَمَانِنَا وَهُوَ عَسِيرٌ، فَإِنَّ الظَّلَمَةَ يَأْخُذُونَ الْمَالَ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ أَوْ مَحَلَّةٍ أَوْ حِرْفَةٍ مُرَتَّبًا فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ وَغَيْرَ مُرَتَّبٍ بِسَبَبٍ وَبِلَا سَبَبٍ. وَرَأَيْت فِي آخِرِ قِسْمَةِ الْحَامِدِيَّةِ مَا مُلَخَّصُهُ مُوَضَّحًا: وَلَمْ أَرَ أَحَدًا تَعَرَّضَ لِلتَّفْصِيلِ غَيْرَ الْمَرْحُومِ وَالِدِي عَلِيٍّ أَفَنْدِي الْعِمَادِيِّ، وَهُوَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّهُ إذَا قُطِعَ النَّظَرُ عَنْ إضَافَةِ الْأَمْلَاكِ إلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ صَارَ أَهْلُهَا كَالتُّرْكُمَانِ وَالْعُرْبَانِ فَلَا يُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ إلَّا مَا يَطْلُبُهُ السُّلْطَانُ مِنْ نَحْوِ التُّرْكُمَانِ كَالْعَوَارِضِ وَجَرِيمَةِ مَا يُتَّهَمُونَ بِهِ مِنْ سَرِقَةٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ عَدَمِ مُدَافَعَةِ ذَلِكَ، وَكَالْقِيَامِ بِالضَّيْفِ إلَّا نَحْوَ الْعَلَفِ لِأَنَّهُمْ لَا يَزْرَعُونَ، وَمَا يَأْخُذُهُ الْوَالِي مِنْ الْمُشَاهَرَةِ وَمَا عَدَاهُ مِمَّا يُطْلَبُ بِسَبَبِ الْأَمْلَاكِ كَالتِّبْنِ وَالشَّعِيرِ وَالْحَطَبِ وَالذَّخِيرَةِ فَعَلَى الْمُلَّاكِ بِحَسَبِ أَمْلَاكِهِمْ اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا يَدْخُلُ صِبْيَانٌ وَنِسَاءٌ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ خَاصٌّ فِيمَا لِحِفْظِ الْأَنْفُسِ يُرْشِدُ إلَيْهِ التَّعْلِيلُ. قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: فَإِنْ لِتَحْصِينِ الْأَمْلَاكِ فَعَلَى قَدْرِهَا لِأَنَّهَا لِتَحْصِينِ الْمِلْكِ فَصَارَتْ كَمُؤْنَةِ حَفْرِ النَّهْرِ، وَإِنْ لِتَحْصِينِ الْأَبَدَانِ فَعَلَى قَدْرِ الرُّءُوسِ الَّتِي يَتَعَرَّضُ لَهُمْ لِأَنَّهَا مُؤْنَةُ الرَّأْسِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ اهـ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَلَوْ خِيفَ الْغَرَقُ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ فَاتَّفَقُوا إلَخْ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى الْإِلْقَاءِ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ بَلْ عَلَى الْمُلْقِي وَحْدَهُ وَبِهِ صَرَّحَ الزَّاهِدِيُّ فِي حَاوِيهِ. قَالَ رَامِزًا: أَشْرَفَتْ السَّفِينَةُ عَلَى الْغَرَقِ فَأَلْقَى بَعْضُهُمْ حِنْطَةَ غَيْرِهِ فِي الْبَحْرِ حَتَّى خَفَّتْ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ اهـ رَمْلِيٌّ عَلَى الْأَشْبَاهِ، وَقَوْلُهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ مُتَعَلِّقٌ بِقِيمَتِهَا أَيْ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا مُشْرِفَةً عَلَى الْغَرَقِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ. ثُمَّ قَالَ رَمْلِيٌّ: وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَى الْغَائِبِ الَّذِي لَهُ مَالٌ فِيهَا وَلَمْ يَأْذَنْ بِالْإِلْقَاءِ، فَلَوْ أَذِنَ بِأَنْ قَالَ: إذَا تَحَقَّقَتْ هَذِهِ الْحَالَةُ فَأَلْقُوا اُعْتُبِرَ إذْنُهُ اهـ (قَوْلُهُ بِعَدَدِ الرُّءُوسِ) يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا قُصِدَ حِفْظُ الْأَنْفُسِ خَاصَّةً كَمَا يُفْهَمُ مِنْ تَعْلِيلِهِ. أَمَّا إذَا قُصِدَ حِفْظُ الْأَمْتِعَةِ فَقَطْ، كَمَا إذَا لَمْ يُخْشَ عَلَى الْأَنْفُسِ وَخُشِيَ عَلَى الْأَمْتِعَةِ بِأَنْ كَانَ الْمَوْضِعُ لَا تَغْرَقُ فِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَتْلَفُ فِيهِ الْأَمْتِعَةُ فَهِيَ عَلَى قَدْرِ الْأَمْوَالِ، وَإِذَا خُشِيَ عَلَى الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ فَأَلْقَوْا بَعْدَ الِاتِّفَاقِ لِحِفْظِهِمَا فَعَلَى قَدْرِهِمَا، فَمَنْ كَانَ غَائِبًا وَأَذِنَ بِالْإِلْقَاءِ إذَا وَقَعَ ذَلِكَ اُعْتُبِرَ مَالُهُ لَا نَفْسُهُ، وَمَنْ كَانَ حَاضِرًا بِمَالِهِ اُعْتُبِرَ مَالُهُ وَنَفْسُهُ، وَمَنْ كَانَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ اُعْتُبِرَ نَفْسُهُ فَقَطْ، وَلَمْ أَرَ هَذَا التَّحْرِيرَ لِغَيْرِي وَلَكِنْ أَخَذْته مِنْ التَّعْلِيلِ فَتَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ عَلَى الْأَشْبَاهِ، وَأَقَرَّهُ الْحَمَوِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ الْمُشْتَرَكُ إذَا انْهَدَمَ إلَخْ) اسْتَثْنَى الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ مِنْهُ مَسْأَلَةً، وَهِيَ جِدَارٌ بَيْنَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 271 وَإِلَّا بَنَى ثُمَّ آجَرَهُ لِيَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَ لَوْ بِأَمْرِ الْقَاضِي، وَإِلَّا فَبِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَقْتَ الْبِنَاءِ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ تَضَرَّرَ جَارُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْكُلُّ فِي الْأَشْبَاهِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَبِهِ يُفْتَى، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: الْفَتْوَى عَلَى الْمَنْعِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ. قُلْت: وَمَرَّ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَشَرْحِهَا:   [رد المحتار] يَتِيمَيْنِ خِيفَ سُقُوطُهُ وَفِي تَرْكِهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمَا وَلَهُمَا وَصِيَّانِ فَأَبَى أَحَدُهُمَا الْعِمَارَةَ يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ مَعَ صَاحِبِهِ، وَلَيْسَ كَإِبَاءِ أَحَدِ الْمَالِكِينَ لِرِضَاهُ بِدُخُولِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ فَلَا يُجْبَرُ وَهُنَا الضَّرَرُ عَلَى الصَّغِيرِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ كَذَلِكَ اهـ أَبُو السُّعُودِ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَإِلَّا بَنَى إلَخْ) فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ صَالِحٍ عَلَى الْأَشْبَاهِ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي عَدَمِ الْجَبْرِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَشَمِلَ مَا إذَا انْهَدَمَ كُلُّهُ وَصَارَ صَحْرَاءَ أَوْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: طَاحُونَةٌ أَوْ حَمَّامٌ مُشْتَرَكٌ انْهَدَمَ وَأَبَى الشَّرِيكُ الْعِمَارَةَ يُجْبَرُ، هَذَا إذَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ، أَمَّا إذَا انْهَدَمَ الْكُلُّ وَصَارَ صَحْرَاءَ لَا يُجْبَرُ، وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ مُعْسِرًا يُقَالُ لَهُ أَنْفِقْ وَيَكُونُ دَيْنًا عَلَى الشَّرِيكِ إلَخْ. وَفِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا: وَلَوْ أَبَى أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْقِيَ الْحَارِثَ يُجْبَرُ. وَفِي أَدَبِ الْقَضَاءِ مِنْ الْفَتَاوَى: لَا يُجْبَرُ وَلَكِنْ يُقَالُ اسْقِهِ وَأَنْفِقْ ثُمَّ ارْجِعْ بِنِصْفِ مَا أَنْفَقْت اهـ أَبُو السُّعُودِ. أَقُولُ: اُسْتُفِيدَ مِمَّا فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ عَدَمَ الْجَبْرِ لَوْ مُعْسِرًا تَأَمَّلْ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ نَحْوَ الْحَمَّامِ مِمَّا لَا يُقْسَمُ إذَا انْهَدَمَ كُلُّهُ وَصَارَ صَحْرَاءَ صَارَ مِمَّا يُقْسَمُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَلَا يَرُدُّ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَافْهَمْ. هَذَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخُلَاصَةِ الثَّانِي أَنَّ الْجَبْرَ بِنَحْوِ الضَّرْبِ وَالْحَبْسِ، وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَمْرِ الْقَاضِي بِأَنْ يُنْفِقَ وَيَرْجِعَ بِنِصْفِهِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ تَأَمَّلْ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ سَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْوَهْبَانِيَّةِ. [تَتِمَّةٌ] زَرْعٌ بَيْنَهُمَا فِي أَرْضِهِمَا طَلَبَا قِسْمَتَهُ دُونَ الْأَرْضِ، فَلَوْ بَقْلًا وَاتَّفَقَا عَلَى الْقَلْعِ جَازَتْ، وَإِنْ شَرَطَا الْبَقَاءَ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا وَلَوْ مُدْرِكًا، فَإِنْ شَرَطَا الْحَصَادَ جَازَتْ اتِّفَاقًا أَوْ التَّرْكَ فَلَا عِنْدَهُمَا وَجَازَتْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَكَذَلِكَ الطَّلْعُ عَلَى النَّخِيلِ عَلَى التَّفْصِيلِ، وَلَوْ طَلَبَا مِنْ الْقَاضِي لَا يَقْسِمُهُ بِشَرْطِ التَّرْكِ، وَأَمَّا بِشَرْطِ الْقَلْعِ فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ لَا يَقْسِمُ مُطْلَقًا تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِهِ إلَخْ) إنْ أُرِيدَ بِالْمِلْكِ مَا يَعُمُّ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ شَمِلَ الْمَوْقُوفَ لِلسُّكْنَى أَوْ الِاسْتِغْلَالِ أَفَادَهُ الْحَمَوِيُّ (قَوْلُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) وَنَقَلَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَعَنْ زُفَرَ وَابْنِ زِيَادٍ، وَقَالَ: وَهُوَ الَّذِي أَمِيلُ إلَيْهِ وَأَعْتَمِدُهُ، وَأُفْتِي بِهِ تَبَعًا لِوَالِدِي اهـ وَجَعَلَهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ لِلْقِيَاسِ وَقَالَ: لَكِنْ تَرَكَ الْقِيَاسَ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَتَعَدَّى ضَرَرُ تَصَرُّفِهِ إلَى غَيْرِهِ ضَرَرًا بَيِّنًا، وَبِهِ أَخَذَ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ وَهَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ: وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ أَضَرَّ بِغَيْرِهِ مَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرًا بَيِّنًا، وَهُوَ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْهَدْمِ أَوْ مَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ أَوْ يَخْرُجُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهُوَ مَا يَمْنَعُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ كَسَدِّ الضَّوْءِ بِالْكُلِّيَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ صَالِحٍ: وَالْمَنْعُ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ، وَهُوَ الَّذِي أَمِيلُ إلَيْهِ إذَا كَانَ الضَّرَرُ بَيِّنًا اهـ وَبِهِ أَفْتَى أَبُو السُّعُودِ مُفْتِي الرُّومِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي زَمَانِنَا، وَمَشَى عَلَيْهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَكَذَا الْمُصَنِّفُ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ، وَارْتَضَاهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ. ثُمَّ قَالَ: وَبَقِيَ مَا لَوْ أَشْكَلَ هَلْ يَضُرُّ أَمْ لَا، وَقَدْ حَرَّرَ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ الْمَنْعَ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ السُّفْلِ وَالْعُلْوِ أَنَّهُ لَا يَتَّدِ إذَا ضَرَّ، وَكَذَا إنْ أَشْكَلَ عَلَى الْمُخْتَارِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَشَرْحِهَا) الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ مِنْ الْوَهْبَانِيَّةِ وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ نَظْمِ شَارِحِهَا ابْنُ الشِّحْنَةِ، لَكِنَّهُ ذَكَرَ الْأَخِيرَ بَعْدَ أَبْيَاتٍ فَافْهَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 272 وَلَوْ زَرَعَ الْإِنْسَانُ أُرْزًا بِدَارِهِ ... فَلَيْسَ لِجَارٍ مَنْعُهُ لَوْ يُضَرَّرُ وَحَيْطٌ لَهُ أَهْلٌ فَحِمْلٌ وَاحِدٌ ... وَلَا حِمْلَ فِيهِ قَبْلَ لَيْسَ يُغَيَّرُ وَمَا لِشَرِيكٍ أَنْ يُعَلِّيَ حَيْطَهُ ... وَقِيلَ التَّعَلِّي جَائِزٌ فَيُعَمَّرُ وَمَمْنُوعُ قَسْمٍ عِنْدَ مَنْعِ مُشَارِكٍ ... مِنْ الرَّمِّ قَاضٍ مُؤْجِرٌ فَيُعَمَّرُ وَيُنْفِقُ فِي الْمُخْتَارِ رَاضٍ بِإِذْنِهِ ... وَيَمْنَعُ نَفْعًا مَنْ أَبَى قَبْلَ يُخَسَّرُ وَخُذْ مُنْفَقًا بِالْإِذْنِ مِنْهُ كَحَاكِمٍ ... وَخُذْ قِيمَةً إلَّا وَهَذَا الْمُحَرَّرُ.   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَلَوْ زَرَعَ الْإِنْسَانُ أُرْزًا إلَخْ) الْأُرْزُ كَقُفْلٍ وَقَدْ تُضَمُّ رَاؤُهُ وَتُشَدَّدُ الزَّايُ وَبَعْضُهُمْ يَفْتَحُ الْهَمْزَةَ وَبَعْضُهُمْ يَحْذِفُهَا، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَالْفَتْوَى عَلَى التَّفْصِيلِ شُرُنْبُلَالِيٌّ (قَوْلُهُ وَحَيْطٌ) جَعَلَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ مَجْرُورًا بِوَاوِ رُبَّ، وَالْأَوْلَى رَفْعُهُ مُبْتَدَأً وَجُمْلَةٌ لَهُ أَهْلٌ أَيْ أَصْحَابٌ صِفَةٌ لَهُ، وَقَوْلُهُ فَحِمْلٌ وَاحِدٌ، أَيْ وَضَعَ عَلَيْهِ جُذُوعَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مُتَعَلِّقِ الْجَارِ، وَقَوْلُهُ وَلَا حِمْلَ فِيهِ قَبْلُ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَفِي بِمَعْنَى عَلَى، أَيْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جُذُوعٌ قَبْلَ ذَلِكَ، وَجُمْلَةُ لَيْسَ يُغَيَّرُ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ: أَيْ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ رَفْعُ مَا حَمَلَهُ أَحَدُهُمْ. قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: وَهَذَا لَوْ الْحَائِطُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيُقَالُ لِلْآخَرِ ضَعْ أَنْتَ مِثْلَ ذَلِكَ إنْ شِئْت، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُمَا عَلَيْهِ خَشَبٌ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَزِيدَ عَلَى خَشَبِ صَاحِبِهِ أَوْ يَتَّخِذَ عَلَيْهِ سِتْرًا أَوْ يَفْتَحَ كُوَّةً أَوْ بَابًا فَلِلْآخَرِ مَنْعُهُ لِأَنَّ الْقِيَاسَ الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمُشْتَرَكِ، إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِي الْأُولَى لِلضَّرُورَةِ إذْ رُبَّمَا لَا يَأْذَنُ لَهُ شَرِيكُهُ فَيَتَعَطَّلُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الْحَائِطِ اهـ بِمَعْنَاهُ (قَوْلُهُ وَمَا لِشَرِيكٍ إلَخْ) صُورَةُ ذَلِكَ حَائِطٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ قَدْرُ قَامَةٍ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَزِيدَ فِي طُولِهِ وَأَبَى الْآخَرُ فَلَهُ مَنْعُهُ ذَخِيرَةٌ وَغَيْرُهَا وَإِلَى تَرْجِيحِهِ لِكَوْنِهِ رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ أَشَارَ بِتَقْدِيمِهِ، وَتَعْبِيرُهُ عَنْ الثَّانِي بِقِيلِ أَفَادَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ ثُمَّ نَقَلَ تَقْيِيدَ الْمَنْعِ بِمَا إذَا كَانَ شَيْئًا خَارِجًا عَنْ الْعَادَةِ، وَوَفَّقَ بِهِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، وَاعْتَمَدَهُ وَنَظَمَهُ فِي بَيْتٍ غَيَّرَ بِهِ نَظْمَ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يُعَوِّلْ عَلَيْهِ لِظُهُورِ الْوَجْهِ لِلْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي الْمُشْتَرَكِ بِلَا ضَرُورَةٍ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ مِنْ الْمَنْعِ، وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْخَانِيَّةِ فِي بَابِ الْحِيطَانِ وَقَالَ لَيْسَ لَهُ الزِّيَادَةُ بِلَا إذْنٍ أَضَرَّ الشَّرِيكَ أَوْ لَا. وَفِي الْخَيْرِيَّةِ: وَمِثْلُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَالْفِقْهِ، فِيهِ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمِلًا لِمِلْكِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ فَيُمْنَعُ، وَهَذَا مِمَّا لَا شُبْهَةَ فِيهِ اهـ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ وَمَمْنُوعُ قَسْمٍ) أَيْ مَا لَا تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ كَالْحَمَّامِ، وَقَوْلُهُ مِنْ الرَّمِّ مُتَعَلِّقٌ بِمَنْعِ: أَيْ عِنْدَ امْتِنَاعِ الشَّرِيكِ مِنْ التَّرْمِيمِ، وَقَوْلُهُ قَاضٍ مُؤْجِرٌ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ يُؤَجِّرُهُ وَيُعَمِّرُهُ بِالْأُجْرَةِ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَيُنْفِقُ فِي الْمُخْتَارِ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: وَالْمُرَادُ بِالرَّاضِي الرَّاضِي بِالرَّمِّ وَالْعِمَارَةِ، يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ مُقَابَلَتِهِ بِالْآبِي، وَضَمِيرُ إذْنِهِ لِلْقَاضِي، وَقَبْلَ يُخَسَّرُ: أَيْ قَبْلَ أَنْ يَخْسَرَ لِلِبَانِي مَا يَخُصُّهُ مِمَّا صَرَفَهُ اهـ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ يُنْفِقُ الرَّاضِي بِالتَّرْمِيمِ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَيَمْنَعُ الْآبِيَ مِنْ الِانْتِفَاعِ قَبْلَ أَدَاءِ مَا يَخُصُّهُ. وَقَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: وَمَفْهُومُ التَّقْيِيدِ بِالرَّمِّ أَنَّهُ لَوْ انْهَدَمَ جَمِيعُهُ حَتَّى صَارَ صَحْرَاءَ لَا يَجْرِي مَا ذُكِرَ مِنْ الِاخْتِلَافِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حِينَئِذٍ مِمَّا يُقْسَمُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَخُذْ مُنْفَقًا) بِفَتْحِ الْفَاءِ اسْمُ مَفْعُولٍ، وَهَذَا زَادَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ تَفْصِيلًا لِبَيْتٍ مِنْ الْوَهْبَانِيَّةِ وَهُوَ هَذَا: وَذُو الْعُلْوِ لَمْ يَلْزَمْ لِصَاحِبِ سُفْلِهِ ... بَنَاهُ خَلَا مَنْ هَذِهِ مِنْهُ يَصْدُرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 273 كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ مُنَاسَبَتُهَا ظَاهِرَةٌ (هِيَ) لُغَةً مُفَاعَلَةٌ مِنْ الزَّرْعِ. وَشَرْعًا (عَقْدٌ عَلَى الزَّرْعِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ) وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: أَرْضٌ، وَبَذْرٌ، وَعَمَلٌ، وَبَقَرٌ   [رد المحتار] قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: عَدَّى اللُّزُومَ إلَى مَفْعُولَيْنِ بِالْهَمْزَةِ فِي بَنَاهُ وَهُوَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ وَبِاللَّامِ فِي الثَّانِي وَهُوَ لِصَاحِبِ وَيُقَالُ هَدَّ الْبِنَاءَ: إذَا هَدَمَهُ، وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ الذَّخِيرَةِ إذَا انْهَدَمَ السُّفْلُ بِغَيْرِ صُنْعٍ لَا يُجْبَرُ صَاحِبُهُ عَلَى الْبِنَاءِ، وَيُقَالُ لِذِي الْعُلْوِ: إنْ شِئْت فَابْنِ السُّفْلَ مِنْ مَالِكَ لِتَصِلَ لِنَفْعِك فَإِذَا بَنَاهُ بِإِذْنِ الْقَاضِي أَوْ أَمْرِ شَرِيكِهِ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ وَإِلَّا فَبِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَقْتَ الْبِنَاءِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى، فَيُمْنَعُ صَاحِبُ السُّفْلِ مِنْ الِانْتِفَاعِ حَتَّى يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ جَبْرًا. وَأَمَّا إذَا هَدَمَهُ بِصُنْعِهِ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِالْبِنَاءِ لِتَفْوِيتِهِ حَقًّا اُسْتُحِقَّ وَلِيَصِلَ صَاحِبُ الْعُلْوِ لِنَفْعِهِ وَنَظَمَ الشَّارِحُ التَّفْصِيلَ. وَالتَّصْحِيحَ فِي بَيْتٍ فَقَالَ: وَخُذْ مُنْفَقًا إلَخْ اهـ وَنَقَلَ الشَّارِحُ ابْنُ الشِّحْنَةِ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الْجِدَارِ أَيْضًا فَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ أَوْ الشَّرِيكِ فِي الْجِدَارِ، وَقَوْلُهُ كَحَاكِمٍ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ كَإِذْنِ حَاكِمٍ، وَقَوْلُهُ إلَّا بِكَسْرِ هَمْزَةِ إنْ الشَّرْطِيَّةِ: أَيْ إنْ لَا إذْنَ مِمَّنْ ذُكِرَ فَافْهَمْ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الَّتِي قَدَّمَهَا الشَّارِحُ عَنْ الْأَشْبَاهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَاكَ عَدَمُ اخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِالسُّفْلِ وَالْجِدَارِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [كِتَابُ الْمُزَارَعَةُ] ُ وَتُسَمَّى الْمُخَابَرَةَ وَالْمُحَاقَلَةَ، وَيُسَمِّيهَا أَهْلُ الْعِرَاقِ الْقَرَاحَ، وَبَيَانُهُ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ مُنَاسَبَتُهَا ظَاهِرَةٌ) وَهِيَ قِسْمَةُ الْخَارِجِ (قَوْلُهُ هِيَ لُغَةً: مُفَاعَلَةٌ مِنْ الزَّرْعِ) ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْمُفَاعَلَةَ عَلَى بَابِهَا؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ هُوَ الْإِنْبَاتُ لُغَةً وَشَرْعًا، وَالْمُتَصَوَّرُ مِنْ الْعَبْدِ التَّسَبُّبُ فِي حُصُولِ النَّبَاتِ، وَقَدْ وُجِدَ مِنْ أَحَدِهِمَا بِالْعَمَلِ وَمِنْ الْآخَرِ بِالتَّمْكِينِ مِنْهُ بِإِعْطَاءِ الْآلَاتِ إلَّا أَنَّهُ اخْتَصَّ الْعَامِلُ بِهَذَا الِاسْمِ فِي الْعُرْفِ كَاسْمِ الدَّابَّةِ لِذَوَاتِ الْأَرْبَعِ ا. هـ. أَوْ يُقَالُ: إنَّ الْمُفَاعَلَةَ قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَا يُوجَدُ إلَّا مِنْ وَاحِدٍ كَالْمُدَاوَاةِ وَالْمُعَالَجَةِ قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا كُلِّهِ، فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ نَقَلُوا هَذَا اللَّفْظَ وَجَعَلُوهُ عَلَمًا عَلَى هَذَا الْعَقْدِ ا. هـ. أَبُو السُّعُودِ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لَا الِاصْطِلَاحِيِّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مِنْ الزَّرْعِ) هُوَ طَرْحُ الزُّرَاعَةِ بِالضَّمِّ: وَهُوَ الْبَذْرِ، وَمَوْضِعُهُ الْمَزْرَعَةُ مُثَلَّثَةُ الرَّاءِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ إلَّا أَنَّهُ مَجَازٌ حَقِيقَتُهُ الْإِنْبَاتُ، وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ زَرَعْتُ بَلْ حَرَثْتُ» أَيْ طَرَحْتُ الْبَذْرَ كَمَا فِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ عَقْدٌ عَلَى الزَّرْعِ) يَصِحُّ أَنَّهُ يُرَادُ بِالزَّرْعِ الصَّدْرُ وَاسْمُ الْمَفْعُولِ، لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: زَرَعَ أَرْضَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، ثُمَّ قَالَ لِرَبِّ الْأَرْضِ: ادْفَعْ إلَيَّ بَذْرِي فَأَكُونُ أَكَّارًا، إنَّ الْبَذْرَ صَارَ مُسْتَهْلَكًا فِي الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ قَائِمًا يَجُوزُ؛ مَعْنَاهُ أَنَّ الْحِنْطَةَ الْمَبْذُورَةَ قَائِمَةٌ فِي الْأَرْضِ وَيَصِيرُ الزَّارِعُ مُمَلَّكًا الْحِنْطَةَ الْمَزْرُوعَةَ بِمِثْلِهَا وَذَا جَائِزٌ، لَكِنْ تَفْسُدُ الْمُزَارَعَةُ لِعَدَمِ الشَّرَائِطِ، وَإِذَا لَمْ يَتَنَاهَ الزَّرْعُ فَدَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ مُزَارَعَةً لِيَتَعَاهَدَهُ صَحَّ لَا إنْ تَنَاهَى ا. هـ. سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِبَعْضِ الْخَارِجِ) لَا يَنْتَقِضُ بِمَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَوْ الْعَامِلِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مُزَارَعَةً، إذْ الْأَوَّلُ اسْتِعَانَةٌ مِنْ الْعَامِلِ وَالثَّانِي إعَارَةٌ مِنْ الْمَالِكِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَأَرْكَانُهَا إلَخْ) وَحُكْمُهَا فِي الْحَالِ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ وَفِي الْمَآلِ الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ، وَصِفَتُهَا أَنَّهَا لَازِمَةٌ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَا بَذْرَ لَهُ فَلَا يُفْسَخُ بِلَا عُذْرٍ، وَغَيْرُ لَازِمَةٍ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ قَبْلَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ فَمَلَكَ الْفَسْخَ بِلَا عُذْرٍ حَذَرًا عَنْ إتْلَافِ بَذْرِهِ، بِخِلَافِ الْمُسَاقَاةِ، فَإِنَّهَا لَازِمَةٌ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 274 (وَلَا تَصِحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ) ؛ لِأَنَّهَا كَقَفِيزِ الطَّحَّانِ (وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ، وَبِهِ يُفْتَى) لِلْحَاجَةِ، وَقِيَاسًا عَلَى الْمُضَارَبَةِ (بِشُرُوطٍ) ثَمَانِيَةٍ (صَلَاحِيَةُ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ وَأَهْلِيَّةِ الْعَاقِدَيْنِ، وَذِكْرُ الْمُدَّةِ) أَيِّ مُدَّةٍ مُتَعَارَفَةٍ، فَتَفْسُدُ بِمَا لَا يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْهَا، وَبِمَا لَا يَعِيشُ إلَيْهَا أَحَدُهُمَا غَالِبًا، وَقِيلَ فِي بِلَادِنَا تَصِحُّ بِلَا بَيَانِ مُدَّةٍ، وَيَقَعُ عَلَى أَوَّلِ زَرْعٍ وَاحِدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى مُجْتَبَى وَبَزَّازِيَّةٌ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ (وَ) ذَكَرَ رَبَّ الْبَذْرِ وَقِيلَ يُحَكَّمُ الْعُرْفُ   [رد المحتار] الْجَانِبَيْنِ لِعَدَمِ لُزُومِ الْإِتْلَافِ فِيهَا بَزَّازِيَّةٌ مُوَضِّحًا. (قَوْلِهِ وَلَا تَصِحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ) إلَّا إذَا كَانَ الْبَذْرُ وَالْآلَاتُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ، فَيَكُونُ الصَّاحِبُ مُسْتَأْجِرًا لِلْعَامِلِ وَالْعَامِلُ لِلْأَرْضِ بِأُجْرَةٍ وَمُدَّةٍ مَعْلُومَتَيْنِ، وَيَكُونُ لَهُ بَعْضُ الْخَارِجِ بِالتَّرَاضِي، وَهَذَا حِيلَةُ زَوَالِ الْخُبْثِ عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ بِدُونِهَا لِاخْتِلَافٍ فِيهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لِتَعَارُضِ الْأَخْبَارِ عَنْ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ إلَى يَوْمِ الدِّينِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَقَضَى أَبُو حَنِيفَةَ بِفَسَادِهَا بِلَا حَدٍّ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا أَشَدَّ النَّهْيِ كَمَا فِي الْحَقَائِقِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَرَّعَ عَلَيْهَا مَسَائِلَ كَثِيرَةً، حَتَّى قَالَ مُحَمَّدٌ: أَنَا فَارِسٌ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ فَرَّعَ عَلَيْهَا وَرَاجِلٌ فِي الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّعْ عَلَيْهِ كَمَا فِي النَّظْمِ قُهُسْتَانِيٌ. وَفِي الْهِدَايَةِ: وَإِذَا فَسَدَتْ عِنْدَهُ فَإِنْ سَقَى الْأَرْضَ وَكَرَبَهَا وَلَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَوْ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، وَلَوْ مِنْهُ فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ وَالْخَارِجُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِرَبِّ الْبَذْرِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا كَقَفِيزِ الطَّحَّانِ) ؛ لِأَنَّهَا اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ فَتَكُونُ بِمَعْنَاهُ، وَقَدْ نَهَى عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَجُلًا لِيَطْحَنَ لَهُ كَذَا مَنًّا مِنْ الْحِنْطَةِ بِقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقِهَا، وَتَمَامُ الْأَدِلَّةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَبْسُوطٌ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْإِمَامَ فَرَّعَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَوَّزَهَا لِعِلْمِهِ أَنَّ النَّاسَ لَا يَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ. (قَوْلُهُ صَلَاحِيَةُ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ) فَلَوْ سَبِخَةً أَوْ نُزَّةً لَا تَجُوزُ، وَلَوْ لَمْ تَصْلُحْ وَقْتَ الْعَقْدِ بِعَارِضٍ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ كَانْقِطَاعِ الْمَاءِ وَزَمَنِ الشِّتَاءِ وَنَحْوِهِ تَجُوزُ ا. هـ. مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَأَهْلِيَّةُ الْعَاقِدَيْنِ) بِكَوْنِهِمَا حُرَّيْنِ بَالِغَيْنِ أَوْ عَبْدًا وَصَبِيًّا مَأْذُونَيْنِ أَوْ ذِمِّيَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَقْدٌ بِدُونِ الْأَهْلِيَّةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، فَلَا تَخْتَصُّ بِهِ فَتَرْكُهُ أَوْلَى قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ مُجْتَبَى وَبَزَّازِيَّةٌ) عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ جَوَازُهَا بِلَا بَيَانِ الْمُدَّةِ وَتَقَعُ عَلَى أَوَّلِ زَرْعٍ يَخْرُجُ وَاحِدٌ، وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَإِنَّمَا شَرَطَ مُحَمَّدٌ بَيَانَ الْمُدَّةِ فِي الْكُوفَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا مُتَفَاوِتٌ عِنْدَهُمْ وَابْتِدَاؤُهَا وَانْتِهَاؤُهَا مَجْهُولٌ عِنْدَهُمْ اهـ لَكِنْ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَالْفَتْوَى عَلَى جَوَابِ الْكِتَابِ أَيْ مِنْ أَنَّهُ شَرْطٌ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: فَقَدْ تَعَارَضَ مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. (قَوْلُهُ وَذَكَرَ رَبُّ الْبَذْرِ) وَلَوْ دَلَالَةً بِأَنْ قَالَ: دَفَعْتُهَا إلَيْكَ لِتَزْرَعَهَا لِي أَوْ أَجَرْتُكَ إيَّاهَا أَوْ اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَعْمَلَ فِيهَا، فَإِنَّ فِيهِ بَيَانَ أَنَّ الْبَذْرَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ، وَلَوْ قَالَ: لِتَزْرَعَهَا بِنَفْسِكَ فَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْبَذْرَ مِنْ الْعَامِلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ: يُحَكَّمُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 275 (وَ) ذَكَرَ (جِنْسَهُ) لَا قَدْرَهُ لِعِلْمِهِ بِأَعْلَامِ الْأَرْضِ، وَشَرَطَهُ فِي الِاخْتِيَارِ (وَ) ذَكَرَ (قِسْطَ) الْعَامِلِ (الْآخَرِ) وَلَوْ بَيَّنَّا حَظَّ رَبِّ الْبَذْرِ وَسَكَتْنَا عَنْ حَظِّ الْعَامِلِ جَازَ اسْتِحْسَانًا (وَ) بِشَرْطِ (التَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْأَرْضِ) وَلَوْ مَعَ الْبَذْرِ (وَالْعَامِلُ وَ) بِشَرْطِ (الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ) ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْأَخِيرِ بِقَوْلِهِ (فَتَبْطُلُ إنْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانٍ مُسَمَّاةٍ أَوْ مَا يَخْرُجُ مِنْ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ رَفَعَ) رَبُّ الْبَذْرِ (بَذْرَهُ أَوْ رَفَعَ الْخَرَاجَ الْمُوَظَّفُ وَتَنْصِيفُ الْبَاقِي)   [رد المحتار] الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ إنْ اتَّحَدَ وَإِلَّا فَسَدَتْ؛ لِأَنَّ الْبَذْرَ إذَا كَانَ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ فَهُوَ مُسْتَأْجِرٌ لِلْعَامِلِ، أَوْ مِنْ الْعَامِلِ فَهُوَ مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ. وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْحُكْمِ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ جِنْسَهُ) ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ بَعْضُ الْخَارِجِ، وَإِعْلَامُ جِنْسِ الْأَجْرِ شَرْطٌ، وَلِأَنَّ بَعْضَهَا أَضَرَّ بِالْأَرْضِ، فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ، فَإِنَّ الْبَذْرَ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ جَازَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَأَكَّدُ عَلَيْهِ قَبْلَ إلْقَائِهِ، وَعِنْدَ الْإِلْقَاءِ يَصِيرُ الْأَجْرُ مَعْلُومًا، وَإِنْ مِنْ الْعَامِلِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا عَمَّمَ بِأَنْ قَالَ تَزْرَعُ مَا بَدَا لَك وَإِلَّا فَسَدَتْ، فَإِنْ زَرَعَهَا تَنْقَلِبُ جَائِزَةً خَانِيَّةٌ وَظَهِيرِيَّةٌ. وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي: قَالَ إنْ زَرَعْتَهَا حِنْطَةً، فَبِكَذَا أَوْ شَعِيرًا فَبِكَذَا جَازَ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ تَزْرَعَ بَعْضَهَا حِنْطَةً وَبَعْضَهَا شَعِيرًا لَا (قَوْلُهُ لَا قَدْرَهُ إلَخْ) كَذَا قَالَهُ فِي الْخَانِيَّةِ، وَمُفَادُ التَّعْلِيلِ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْأَرْضِ شَرْطٌ، لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ يَعْرِفُ الْأَرْضَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ، وَالْأَرَاضِي مُتَفَاوِتَةٌ لَا يَصِيرُ الْعَمَلُ مَعْلُومًا ا. هـ تَأَمَّلْ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْقَدْرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ إنْ عُلِمَتْ الْأَرْضُ وَإِلَّا فَهُوَ شَرْطٌ، وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَمَا فِي الِاخْتِيَارِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَذَكَرَ قِسْطَ الْعَامِلِ الْآخَرِ) الْمُرَادُ مِنْهُ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْهُ. وَكَانَ الْأَوْضَحُ ذِكْرَ الْعَامِلِ بَعْدَ لَفْظِ الْآخَرِ لِئَلَّا يُوهِمَ تَعَدُّدَ الْعَامِلِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: الشَّرْطُ الرَّابِعُ بَيَانُ نَصِيبِ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ إمَّا أَجْرٌ لِعَمَلِهِ أَوْ لِأَرْضِهِ فَيُشْتَرَطُ إعْلَامُ الْأَجْرِ، وَإِنْ بَيَّنَا نَصِيبَ الْعَامِلِ وَسَكَتَا عَنْ نَصِيبِ رَبِّ الْبَذْرِ جَازَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْبَذْرَ يَسْتَحِقُّ الْخَارِجَ بِحُكْمِ أَنَّهُ نَمَاءٌ مَلَكَهُ لَا بِطَرِيقِ الْأَجْرِ، وَبِالْعَكْسِ لَا يَجُوزُ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أَجْرٌ فَيُشْتَرَطُ إعْلَامُهُ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَجُوزُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ نَصِيبَ رَبِّ الْبَذْرِ كَانَ ذَلِكَ بَيَانَ أَنَّ الْبَاقِيَ لِلْأَجِيرِ ا. هـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ بَيَانُ نَصِيبِ مَنْ لَا بَذْرٌ مِنْهُ صَرِيحًا أَوْ ضِمْنًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَبِشَرْطِ التَّخْلِيَةِ. إلَخْ) وَهِيَ أَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الْأَرْضِ لِلْعَامِلِ سَلَّمْتُ إلَيْكَ الْأَرْضَ، فَكُلُّ مَا يَمْنَعُ التَّخْلِيَةَ كَاشْتِرَاطِ عَمَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ مَعَ الْعَامِلِ يَمْنَعُ الْجَوَازَ، وَمِنْ التَّخْلِيَةِ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ فَارِغَةً عِنْدَ الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ قَدْ نَبَتَ يَجُوزُ الْعَقْدُ وَيَكُونُ مُعَامَلَةً لَا مُزَارَعَةً، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَدْرَكَ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْعَمَلِ فَيَتَعَذَّرُ تَجْوِيزُهَا مُعَامَلَةً أَيْضًا خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَعَ الْبَذْرِ) يَعْنِي وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا قَالَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ الْعَامِلِ تُشْتَرَطُ التَّخْلِيَةُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْتَأْجِرًا لِلْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُ، فَهُوَ الْمُسْتَأْجِرُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فَقَدْ صَرَّحَ بِالْمُتَوَهَّمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ يَكُونُ مُسْتَأْجِرًا لِلْعَامِلِ، فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُسْتَأْجَرَةٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَبِشَرْطِ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ) أَيْ بَعْدَ حُصُولِهِ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ شَرِكَةً فِي الِانْتِهَاءِ، فَمَا يَقْطَعُ هَذِهِ الشَّرِكَةَ كَانَ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ هِدَايَةٌ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُسْتَدْرَكٌ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِاشْتِرَاطِ ذِكْرِ قِسْطِ الْعَامِلِ. (قَوْلُهُ فَتَبْطُلُ) أَيْ تَفْسُدُ كَمَا يُفِيدُهُ مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ أَوْ رَفْعٌ) بِالرَّفْعِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَطْفًا عَلَى قُفْزَانِ الْمَرْفُوعِ عَلَى النِّيَابَةِ عَنْ الْفَاعِلِ لِشَرْطِ الْمَذْكُورِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَتَنْصِيفُ الْبَاقِي) بِالرَّفْعِ مَعْمُولٌ لِشَرْطٍ أَيْضًا. قَالَ ح: وَهُوَ رَاجِعٌ لِلْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ ا. هـ. وَإِنَّمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 276 بَعْدَ رَفْعِهِ (بِخِلَافِ) شَرْطِ رَفْعِ (خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ) كَثُلُثٍ أَوْ رُبْعٍ (أَوْ) شَرَطَ رَفْعَ (الْعُشْرِ) لِلْأَرْضِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ مُشَاعٌ فَلَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ (أَوْ) شَرَطَ (التِّبْنَ لِأَحَدِهِمَا وَالْحَبَّ لِلْآخَرِ) أَيْ تَبْطُلُ لِقَطْعِ الشَّرِكَةِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ (أَوْ) شَرَطَ (تَنْصِيفَ الْحَبِّ وَالتِّبْنِ لِغَيْرِ رَبِّ الْبَذْرِ) ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ (أَوْ) شَرَطَ (تَنْصِيفَ التِّبْنِ وَالْحَبِّ لِأَحَدِهِمَا) لِقَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الْمَقْصُودِ (وَإِنْ شَرَطَ تَنْصِيفَ الْحَبِّ وَالتِّبْنِ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ) كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ (أَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتِّبْنِ صَحَّتْ) ، وَحِينَئِذٍ التِّبْنُ لِرَبِّ الْبَذْرِ، وَقِيلَ بَيْنَهُمَا تَبَعًا لِلْحَبِّ كَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلصَّدْرِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ اعْتَمَدَ صَاحِبُ الْمُلْتَقَى الثَّانِي حَيْثُ قَدَّمَهُ فَقَالَ: وَالتِّبْنُ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ لِرَبِّ الْبَذْرِ. قُلْت: وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْقُنْيَةِ: الْمُزَارِعُ بِالرُّبْعِ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ التِّبْنِ شَيْئًا، وَبِالثُّلُثِ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ   [رد المحتار] فَسَدَتْ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ، فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا تُخْرِجَ الْأَرْضُ إلَّا ذَلِكَ الْمَشْرُوطَ (قَوْلُهُ بَعْدَ رَفْعِهِ) أَيْ رَفْعِ ذَلِكَ الْمَشْرُوطِ وَالظُّرُوفُ مُتَعَلِّقٌ بِالْبَاقِي فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ لِلْأَرْضِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا) اللَّامُ فِيهِمَا لِلتَّعْلِيلِ ا. هـ. ح أَيْ الْعُشْرُ لِلْأَرْضِ، بِأَنْ كَانَتْ عُشْرِيَّةً أَوْ لِأَحَدِهِمَا بِأَنْ شَرَطَا رَفْعَ الْعُشْرِ مِنْ الْخَارِجِ لِأَحَدِهِمَا وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَهَذَا حِيلَةٌ لِرَبِّ الْأَرْضِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ بَذْرَهُ. وَقَالَ السَّائِحَانِيُّ: فَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ رَفْعَ عُشْرِ الْأَرْضِ، قَالَ الشَّارِحُ فِي الزَّكَاةِ: إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، فَعَلَيْهِ، وَلَوْ مِنْ الْعَامِلِ فَعَلَيْهِمَا. أَقُولُ: هُوَ تَفْضِيلٌ حَسَنٌ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ شَرَطَ التِّبْنَ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى ثَمَانِ صُوَرٍ سِتَّةٌ مِنْهَا فَاسِدَةٌ وَثِنْتَانِ صَحِيحَتَانِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَأَسْقَطَ هُنَا وَاحِدَةً، وَهِيَ مَا إذَا شَرَطَا تَنْصِيفَ التِّبْنِ وَسَكَتَا عَنْ الْحَبِّ، وَهِيَ غَيْرُ جَائِزَةٍ، وَذَكَرَ سَبْعَةً؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هُنَا لِأَحَدِهِمَا، وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ وَالْحَبُّ لِأَحَدِهِمَا تَحْتَهُمَا أَرْبَعُ صُوَرٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحَدِ فِيهِمَا إمَّا رَبُّ الْبَذْرِ أَوْ الْعَامِلُ (قَوْلُهُ وَالتِّبْنُ لِغَيْرِ رَبِّ الْبَذْرِ) بِرَفْعِ التِّبْنِ عَطْفًا عَلَى تَنْصِيفٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَالْحَبُّ لِأَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ) ؛ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ، إذْ رُبَّمَا يُصِيبُ الزَّرْعَ آفَةٌ فَلَا يَخْرُجُ إلَّا التِّبْنُ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَكَتَا عَنْهُ كَانَ لَهُ فَمَعَ الشَّرْطِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُوجِبُ الْعَقْدِ، وَبِهِ لَا تَتَغَيَّرُ صِفَةُ الْعَقْدِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ تَبَعًا لِلصَّدْرِ) أَيْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرِهِ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ: ثُمَّ التِّبْنُ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهِ وَفِي حَقِّهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الشَّرْطِ. وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ: التِّبْنُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ فِيمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الْمُتَعَاقِدَانِ؛ وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْحَبِّ وَالتَّبَعُ يَقُومُ بِشَرْطِ الْأَصْلِ ا. هـ. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبَلَالِيِّ: وَيَكُونُ التِّبْنُ لِرَبِّ الْبَذْرِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ا. هـ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا عَدَمُ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ مَعَ الْمُنَافِي، فَبِقَدْرِ مَا وُجِدَ الْمُجَوِّزُ يُعْمَلُ بِهِ وَمَا لَمْ يُوجَدْ فَلَا ا. هـ. (قَوْلُهُ الْمُزَارِعُ بِالرُّبْعِ إلَخْ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ شَرْطٌ أَوْ عُرْفٌ فِي الصُّورَتَيْنِ بِدَلِيلِ مَا مَرَّ عَنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ، وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْفِقْهُ الْمُشَارَكَةَ عَلَى حَسَبِ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَذَا حَقَّقَهُ السَّيِّدُ الْمُرْشِدِيُّ ا. هـ. ح مُلَخَّصًا. أَقُولُ: وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْقُنْيَةِ بِالتَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ لِمَكَانِ التَّعَارُفِ، ثُمَّ قَالَ أَيْضًا: قَالَ أُسْتَاذُنَا: وَالْمُخْتَارُ فِي زَمَانِنَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْمُزَارِعِ بِالرُّبْعِ مِنْ التِّبْنِ لِمَكَانِ الْعُرْفِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ا. هـ. وَذَكَرَ ابْنُ الشِّحْنَةِ أَنَّ كَلَامَ الْقُنْيَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَمَلُ خَاصَّةً مِنْ الْمُزَارِعِ ا. هـ. أَقُولُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَبْنَى كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْبَلْخِيِّينَ، لَكِنْ انْضَمَّ إلَى الْأُولَى مَعَ الْعُرْفِ مُوَافَقَتُهَا لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ كَوْنِ التِّبْنِ لِرَبِّ الْبَذْرِ فَصَارَتْ وِفَاقِيَّةً وَبَقِيَتْ الثَّانِيَةُ مَبْنِيَّةً عَلَى مَذْهَبِهِمْ فَقَطْ، هَذَا هُوَ التَّحْرِيرُ لِهَذَا الْمَحَلِّ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا كَوْنُ مُقْتَضَى الْفِقْهِ الْمُشَارَكَةَ حَيْثُ لَا عُرْفَ وَلَا شَرْطَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 277 (وَكَذَا) صَحَّتْ (لَوْ كَانَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ لِزَيْدٍ وَالْبَقَرُ وَالْعَمَلُ لِلْآخَرِ) أَوْ الْأَرْضُ لَهُ وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ (أَوْ الْعَمَلُ لَهُ وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ) فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ جَائِزَةٌ (وَبَطَلَتْ) فِي أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ (لَوْ كَانَ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ لِزَيْدٍ، أَوْ الْبَقَرُ وَالْبَذْرُ لَهُ وَالْآخَرَانِ لِلْآخَرِ) أَوْ الْبَقَرُ أَوْ الْبَذْرُ لَهُ (وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ) ، فَهِيَ بِالتَّقْسِيمِ الْعَقْلِيِّ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا أَحَدُهَا وَالثَّلَاثَةُ مِنْ الْآخَرِ، فَهِيَ أَرْبَعَةٌ، وَإِذَا كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا اثْنَانِ وَاثْنَانِ مِنْ الْآخَرِ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ، وَمَتَى دَخَلَ ثَالِثٌ، فَأَكْثَرُ بِحِصَّةٍ فَسَدَتْ، وَإِذَا صَحَّتْ، فَالْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ إنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ   [رد المحتار] فَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ مُقْتَضَى الْفِقْهِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ بَلْ هِيَ الْفِقْهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَكَذَا صَحَّتْ إلَخْ) هَذِهِ الْجُمَلُ مِنْ جُمْلَةِ شُرُوطِهَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ جَائِزَةٌ) ؛ لِأَنَّ مَنْ جَوَّزَهَا إنَّمَا جَوَّزَهَا عَلَى أَنَّهَا إجَارَةٌ، فَفِي الْأُولَى يَكُونُ رَبُّ الْبَذْرِ وَالْأَرْضِ مُسْتَأْجِرًا لِلْفَاعِلِ وَبَقَرُهُ تَبَعًا لَهُ لِاتِّحَادِ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ الْبَقَرَ آلَةٌ لَهُ؛ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ بِإِبْرَتِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ يَكُونُ رَبُّ الْبَذْرِ مُسْتَأْجِرًا لِلْأَرْضِ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْخَارِجِ، فَتَجُوزُ كَاسْتِئْجَارِهَا بِدَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ وَفِي الثَّالِثَةِ يَكُونُ مُسْتَأْجِرًا لِلْعَامِلِ وَحْدَهُ. وَالْأَصْلُ فِيهَا أَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ هُوَ الْمُسْتَأْجِرُ، وَتَخْرُجُ الْمَسَائِلُ عَلَى هَذَا كَمَا رَأَيْت زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا، وَقَدْ نَظَمْتُ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَقُلْت: أَرْضٌ وَبَذْرٌ كَذَا أَرْضٌ كَذَا عَمَلٌ ... مِنْ وَاحِدٍ ذِي ثَلَاثٍ كُلُّهَا قُبِلَتْ (قَوْلُهُ وَبَطَلَتْ فِي أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إلَخْ) أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّ رَبَّ الْبَذْرِ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ، وَاشْتِرَاطُ الْبَقَرِ عَلَى صَاحِبِهَا مُفْسِدٌ لِلْإِجَارَةِ، إذْ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْبَقَرِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ لِاخْتِلَافِ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لِلْإِنْبَاتِ وَالْبَقَرَ لِلشَّقِّ، وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ الْأَرْضَ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا تَبَعًا لِعَمَلِهِ كَذَلِكَ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَقَالُوا هُوَ فَاسِدٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ قِيَاسًا عَلَى الْعَامِلِ وَحْدَهُ أَوْ الْأَرْضِ وَحْدَهَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا تَجُوزَ الْمُزَارَعَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ الِاسْتِئْجَارِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ، وَإِنَّمَا تَرَكَ بِالْأَثَرِ وَهُوَ وَرَدَ فِي اسْتِئْجَارِ الْعَامِلِ أَوْ الْأَرْضَ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِمَا ذَكَرْنَا فِي الثَّانِي زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا. وَفِي الْيَعْقُوبِيَّةِ: مَا صَدَرَ فِعْلُهُ عَنْ الْقُوَّةِ الْحَيَوَانِيَّةِ جِنْسٌ، وَمَا صَدَرَ عَنْ غَيْرِهَا جِنْسٌ آخَرُ اهـ. وَفِي الْكِفَايَةِ: وَاعْلَمْ أَنَّ مَسَائِلَ الْمُزَارَعَةِ فِي الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّهَا تَنْعَقِدُ إجَارَةً وَتَتِمُّ شَرِكَةً، وَإِنَّمَا تَنْعَقِدُ إجَارَةً عَلَى مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ أَوْ الْعَامِلِ، وَلَا تَجُوزُ عَلَى مَنْفَعَةٍ غَيْرِهِمَا مِنْ بَقَرٍ وَبَذْرٍ ا. هـ. وَقَدْ جَمَعْتُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ فِي بَيْتٍ أَيْضًا فَقُلْتُ: وَالْبَذْرُ مَعَ بَقَرٍ أَوْ لَا كَذَا بَقَرُ ... لَا غَيْرُ أَوْ مَعَ أَرْضٍ أَرْبَعٍ بَطَلَتْ (قَوْلُهُ فَهِيَ بِالتَّقْسِيمِ الْعَقْلِيِّ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ) الْحَصْرُ صَحِيحٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْأَرْبَعَةِ مِنْ وَاحِدٍ وَالْبَاقِي مِنْ آخَرَ، أَمَّا لَوْ كَانَ بَعْضُهَا مِنْ وَاحِدٍ وَالْبَاقِي مِنْهُمَا فَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةٍ كَمَا لَا يَخْفَى بَقِيَ الْكَلَامُ فِي حُكْمِ مَا عَدَا هَذِهِ السَّبْعَةَ، وَقَدْ ذَكَرَ لَهُ الْبَزَّازِيُّ ضَابِطًا فَقَالَ: كُلُّ مَا لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مِنْ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مِنْ اثْنَيْنِ، وَفَرَّعَ عَلَيْهِ مَا لَوْ أَخَذَ رَجُلَانِ أَرْضَ رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْبَقَرُ وَالْعَمَلُ مِنْ آخَرَ لَا يَصِحُّ ا. هـ. أَيْ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ هُنَا مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا يَصِحُّ وَنَقَلَ هَذَا الضَّابِطَ الرَّمْلِيُّ وَقَالَ: وَبِهِ تُسْتَخْرَجُ الْأَحْكَامُ، مَثَلًا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مُشْتَرَكًا، وَالْبَاقِي مِنْ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ، فَكَذَا إذَا كَانَ مِنْهُمَا وَمِثْلُهُ إذَا كَانَ الْكُلُّ مُشْتَرَكًا، لَكِنْ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ يَكُونُ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ بَذْرِهِمَا وَلَا أَجْرَ لِلْعَامِلِ لِعَمَلِهِ فِي الْمُشْتَرَكِ، فَافْهَمْ وَاسْتَخْرِجْ بَقِيَّةَ الْأَحْكَامِ بِفَهْمِك ا. هـ. وَيَأْتِي فِي عِبَارَةِ الْمَتْنِ مَا هُوَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ أَقُولُ: وَقَدْ ذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ مَا يُخَالِفُ هَذَا الضَّابِطَ فَرَاجِعْهُ مُتَأَمِّلًا (قَوْلُهُ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ) ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا الْبَذْرُ أَوْ الْبَقَرُ أَوْ الْعَمَلُ وَالْبَاقِيَانِ مِنْ الْآخَرِ ا. هـ. ط (وَقَوْلُهُ وَمَتَى دَخَلَ ثَالِثٌ فَأَكْثَرُ بِحِصَّةٍ فَسَدَتْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 278 فِي الصَّحِيحَةِ (وَيُجْبَرُ مَنْ أَبَى عَلَى الْمُضِيِّ إلَّا رَبُّ الْبَذْرِ، فَلَا يُجْبَرُ قَبْلَ إلْقَائِهِ) وَبَعْدَهُ يُجْبَرُ دُرَرٌ. (مَتَى فَسَدَتْ، فَالْخَارِجُ لِرَبِّ الْبَذْرِ) ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءٌ مَلَكَهُ (وَ) يَكُونُ لِلْآخَرِ أَجْرٌ مِثْلُ عَمَلِهِ أَوْ أَرْضِهِ وَلَا يُزَادُ عَلَى (الشَّرْطِ) وَبَالِغًا مَا بَلَغَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ) فِي الْفَاسِدَةِ (فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ، فَعَلَيْهِ أَجْرٌ مِثْلُ الْأَرْضِ وَالْبَقَرِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ، فَعَلَيْهِ أَجْرٌ مِثْلُ الْعَامِلِ) حَاوِي. (وَلَوْ امْتَنَعَ رَبُّ الْأَرْضِ مِنْ الْمُضِيِّ فِيهَا وَقَدْ كَرَبَ الْعَامِلُ) فِي الْأَرْضِ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِكِرَابِهِ (حُكْمًا) أَيْ فِي الْقَضَاءِ إذْ لَا قِيمَةَ لِلْمَنَافِعِ (وَيُسْتَرْضَى دِيَانَةً) فَيُفْتَى بِأَنْ يُوفِيَهُ أَجْرَ مِثْلِهِ.   [رد المحتار] لَوْ اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ وَمِنْ الْبَعْضِ الْبَقَرَ وَحْدَهُ أَوْ الْبَذْرَ وَحْدَهُ فَسَدَتْ، وَكَذَا لَوْ مِنْ أَحَدِهِمْ الْبَذْرُ فَقَطْ أَوْ الْبَقَرُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْبَذْرِ مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ، فَلَا بُدَّ مِنْ التَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَهِيَ فِي يَدِ الْعَامِلِ لَا فِي يَدِهِ ا. هـ. وَعَدَّ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَاسِدَةِ مَا لَوْ كَانَ الْبَذْرُ لِوَاحِدٍ، وَالْأَرْضُ لِثَانٍ، وَالْبَقَرُ لِثَالِثٍ، وَالْعَمَلُ لِرَابِعٍ أَوْ الْبَذْرُ وَالْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالْبَقَرُ لِثَانٍ وَالْعَمَلُ لِثَالِثٍ؛ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَ الْبَقَرِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ لَمْ يَرِدْ بِهِ أَثَرٌ، فَإِذَا فَسَدَتْ فِي حِصَّةِ الْبَقَرِ تَفْسُدُ فِي الْبَاقِي، وَعِنْدَهُمَا فَسَادُ الْبَعْضِ لَا يَشِيعُ فِي الْكُلِّ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَصْلِ الثَّلَاثِينَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا بِبَذْرِهِ وَبَقَرِهِ، وَيَعْمَلَ هَذَا الْأَجْنَبِيُّ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا لَمْ يَجُزْ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ، وَيَجُوزُ بَيْنَهُمَا وَثُلُثُ الْخَارِجِ لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَالثُّلُثَانِ لِلْعَامِلِ وَعَلَى الْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِ الْأَجْنَبِيِّ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ جَازَ بَيْنَ الْكُلِّ ا. هـ. وَبِهِ يَظْهَرُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مِنْ الْإِجْمَالِ (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحَةِ) يَأْتِي مُحْتَرَزُهُ قَرِيبًا وَلَكِنْ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ وَإِذَا صَحَّتْ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ شَرِكَةً وَلَا شَرِكَةَ فِي غَيْرِ الْخَارِجِ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَسَدَتْ؛ لِأَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ فِي الذِّمَّةِ وَلَا تَفُوتُ الذِّمَّةُ بِعَدَمِ الْخَارِجِ هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ إلَّا رَبَّ الْبَذْرِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ إلَّا بِإِتْلَافِ مَالِهِ، وَهُوَ إلْقَاءُ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ، وَلَا يَدْرِي هَلْ يَخْرُجُ أَمْ لَا؟ فَصَارَ نَظِيرُ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِهَدْمِ دَارِهِ، ثُمَّ امْتَنَعَ مِنَحٌ قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَمَّا إذَا لَمْ يَأْبَ لَكِنْ وَجَدَ عَامِلًا أَرْخَصَ مِنْهُ، أَوْ أَرَادَ الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ يُجْبَرُ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّشْبِيهُ، إذْ لَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ عَنْ الْهَدْمِ لَكِنْ وَجَدَ أَرْخَصَ مِنْهُ، أَوْ أَرَادَ هَدْمَهَا بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا لِلْعَامِلِ تَحْلِيفُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَلَى الِامْتِنَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ غَيْرَ مَا أَظْهَرَهُ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ فِي الْإِجَارَةِ فِي مَسْأَلَةِ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ عَنْ السَّفَرِ مَا يُفِيدُ هَذِهِ الْأَحْكَامَ، وَهِيَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ تَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ وَمَتَى فَسَدَتْ إلَخْ) ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُطَيِّبَ الْخَارِجَ لَهُمَا يُمَيِّزَا نَصِيبَهُمَا، ثُمَّ يُصَالِحَ كُلٌّ صَاحِبَهُ بِهَذَا الْقَدْرِ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْبَذْرِ صَاحِبَ الْأَرْضِ لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِالزَّائِدِ عَمَّا غَرِمَهُ مِنْ نَفَقَةٍ وَأَجْرٍ، وَلَا يَعْتَبِرُ أُجْرَةَ نَفْسِهِ لِعَدَمِ الْعَقْدِ عَلَى مَنَافِعِهِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْبَذْرُ كَمَا فِي الْمَقْدِسِيَّ سَائِحَانِيٍّ (قَوْلُهُ وَيَكُونُ لِلْآخَرِ) أَيْ لِلْعَامِلِ لَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ أَوْ لِرَبِّ الْأَرْضِ لَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، فَقَوْلُهُ: أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ أَوْ أَرْضِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْبَقَرِ حَتَّى فَسَدَتْ فَعَلَى الْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ وَالْبَقَرِ هُوَ الصَّحِيحُ هِدَايَةٌ، وَقِيلَ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ مَكْرُوبَةً نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ وَبَالِغًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يُزَادُ إلَخْ، وَانْتِصَابُ بَالِغًا عَلَى الْحَالِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا اسْمٌ مَوْصُولٌ أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ مَفْعُولُ بَالِغًا، وَجُمْلَةُ بَلَغَ صِلَةٌ أَوْ صِفَةٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ امْتَنَعَ رَبُّ الْأَرْضِ) أَيْ وَالْبَذْرِ مِنْ قِبَلِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِلَّا فَيُجْبَرُ عَلَى الْمُضِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ إذْ لَا قِيمَةَ لِلْمَنَافِعِ) فِيهِ إيجَازٌ. وَعِبَارَةُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ مُجَرَّدُ الْمَنْفَعَةِ، وَهِيَ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ مُقَوَّمٌ بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ، وَقَدْ فَاتَ (قَوْلُهُ وَيَسْتَرْضِي دِيَانَةً) أَيْ يَلْزَمُهُ اسْتِرْضَاؤُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا حَكَاهُ فِي الْهِدَايَةِ يُقْبَلُ لَكِنْ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَى وَالتَّبْيِينِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ فَيُفْتَى) أَيْ يُفْتِيهِ الْمُفْتِي بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 279 لِغَرَرِهِ (وَتُفْسَخُ الْمُزَارَعَةُ بِدَيْنٍ مُحْوِجٍ إلَى بَيْعِهَا إذَا لَمْ يَنْبُتْ الزَّرْعُ) لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَسْتَرْضِيَ الْمُزَارِعُ دِيَانَةً إذَا عَمِلَ (كَمَا مَرَّ، أَمَّا إذَا نَبَتَ وَلَمْ يُسْتَحْصَدْ لَمْ تُبَعْ الْأَرْضُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُزَارِعِ) حَتَّى لَوْ أَجَازَ جَازَ (فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ فَعَلَى الْعَامِلِ أَجْرٌ مِثْلُ نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ إلَى إدْرَاكِهِ) أَيْ الزَّرْعَ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ حَيْثُ يَكُونُ الْكُلُّ عَلَى الْعَامِلِ أَوْ وَارِثِهِ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ اسْتِحْسَانًا كَمَا سَيَجِيءُ.   [رد المحتار] قَوْلُهُ لِغَرَرِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا فِي عَمَلِهِ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْأَرْضِ بِالْعَقْدِ ط ثُمَّ تَعْيِينُهُ الِاسْتِرْضَاءَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي التَّبْيِينِ، لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ رِوَايَةٌ فِي مِقْدَارِ مَا بِهِ الِاسْتِرْضَاءُ ا. هـ. تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَتُفْسَخُ) أَيْ وَيَجُوزُ فَسْخُ الْمُزَارَعَةِ وَلَوْ بِلَا قَضَاءٍ وَرِضًا كَمَا فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَحَدُهُمَا فِي رِوَايَةٍ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُهُمْ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ قُهُسْتَانِيٌّ. بَقِيَ مَا لَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُ وَفِي الْمَقْدِسِيَّ: وَيَضْمَنُ لَهُ بَذْرَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تُقَوَّمُ الْأَرْضُ مَبْذُورَةً وَغَيْرَ مَبْذُورَةٍ، فَيَضْمَنُ مَا زَادَ الْبَذْرُ، وَقِيلَ لَا تُبَاعُ؛ لِأَنَّ الْإِلْقَاءَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ حَتَّى مَلَكَهُ الْوَصِيُّ وَنَحْوُهُ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِدَيْنٍ مُحْوِجٍ إلَى بَيْعِهَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ سِوَاهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ مَا يُوجِبُ الْفَسْخَ مِنْ جَانِبِ الْمُزَارِعِ كَمَرَضِهِ وَخِيَانَتِهِ اكْتِفَاءً بِمَا سَيَأْتِي فِي الْمُسَاقَاةِ، وَمِنْهُ عَزِيمَةُ سَفَرِهِ وَالدُّخُولُ فِي حِرْفَةٍ أُخْرَى كَمَا فِي النَّظْمِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ بَعْدَ الزَّرْعِ بِلَا عُذْرٍ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْمُزَارِعِ، فَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ لَمْ تُفْسَخْ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ أَوْ تَمْضِيَ الْمُدَّةُ عَلَى مَا قَالَ الْفَضْلِيُّ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَسْتَرْضِيَ إلَخْ) كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْكَمَالِ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ. وَعِبَارَةُ الْمُلْتَقَى: وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ إنْ كَرَبَ الْأَرْضَ أَوْ حَفَرَ النَّهْرَ، وَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَالدُّرَرِ وَغَيْرِهَا مَعَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ أَنَّهُ يَسْتَرْضِي إلَّا أَنْ يُحْمَلَ نَفْيُهُمْ هُنَا عَلَى الْقَضَاءِ كَمَا حَمَلَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ عِبَارَةَ الْمُلْتَقَى فِي شَرْحِهِ تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي النِّهَايَةِ قَالَ: إنَّ قَوْلَهُ، وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ الْبَذْرُ مِنْهُ، فَلَوْ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يَكُونُ الْعَامِلُ مُسْتَأْجِرًا لِلْأَرْضِ، فَيَكُونُ الْعَقْدُ وَارِدًا عَلَى مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ، فَيَبْقَى عَمَلُ الْعَامِلِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَلَا شُبْهَةِ عَقْدٍ فَلَا يَتَقَوَّمُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ. وَفِي الثَّانِي يَكُونُ رَبُّ الْأَرْضِ مُسْتَأْجِرًا لِلْعَامِلِ، فَكَانَ الْعَقْدُ وَارِدًا عَلَى مَنَافِعِ الْأَجِيرِ، فَتُقَوَّمُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ مُزَارَعَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ اهـ فَتَأَمَّلْهُ مُمْعِنًا. (قَوْلُهُ فَإِنْ مَضَتْ إلَخْ) الْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِالْوَاوِ بَدَلَ الْفَاءِ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ لِئَلَّا يُوهَمَ التَّفْرِيعُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْفَسْخِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ تَتِمَّةِ أَحْكَامِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَوْنُ نَفَقَةِ الزَّرْعِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ الْحِصَصِ إلَى أَنْ يُدْرَكَ، وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَخِّرَ قَوْلَهُ فَإِنْ مَضَتْ إلَخْ عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي فَصَلَ بِهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَمَامِ أَحْكَامِهِ، لِيَتِمَّ نِظَامُ كَلَامِهِ وَلِيَتَّضِحَ فَهْمُ مَرَامِهِ. وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ: مَضَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ، فَعَلَى الْمُزَارِعِ أَجْرُ مِثْلِ نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ حَتَّى يُدْرِكَ الزَّرْعُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ بَعْضِ الْأَرْضِ لِتَرْبِيَةِ حِصَّتِهِ فِيهَا إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ، وَنَفَقَةُ الزَّرْعِ كَأَجْرِ السَّقْيِ وَالْمُحَافَظَةِ وَالْحَصَادِ وَالرِّفَاعِ وَالدَّوْسِ، وَالتَّذْرِيَةُ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ حُقُوقِهِمَا حَتَّى يُدْرِكَ: وَفِي مَوْتِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ يُتْرَكُ فِي مَكَانِهِ إلَى إدْرَاكِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُزَارِعِ؛ لِأَنَّا أَبْقَيْنَا عَقْدَ الْإِجَارَةِ هَاهُنَا اسْتِحْسَانًا لِبَقَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، فَأَمْكَنَ اسْتِمْرَارُ الْعَامِلِ أَوْ وَارِثِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ، أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلَا يُمْكِنُ الْإِبْقَاءُ لِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ اهـ (قَوْلُهُ أَجْرُ مِثْلِ نَصِيبِهِ) أَيْ أَجْرُ مِثْلِ مَا فِيهِ نَصِيبُهُ مِنْ الْأَرْضِ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ) أَيْ إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَمَضَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ يَبْقَى الزَّرْعُ فِيهَا إلَى إدْرَاكِهِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ حَيْثُ يَكُونُ الْكُلُّ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 280 (دَفَعَ) رَجُلٌ (أَرْضَهُ إلَى آخَرَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا بِنَفْسِهِ وَبَقَرِهِ وَالْبَذْرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ، فَعَمِلَا عَلَى هَذَا فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ وَيَكُونُ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ أَجْرٌ) لِشَرِكَتِهِ فِيهِ (وَ) الْعَامِلُ (يَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ نِصْفِ الْأَرْضِ لِصَاحِبِهَا) لِفَسَادِ الْعَقْدِ (وَكَذَا لَوْ كَانَ الْبَذْرُ ثُلُثَاهُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَثُلُثُهُ مِنْ الْآخَرِ وَالرَّابِعُ بَيْنَهُمَا) أَوْ (عَلَى قَدْرِ بَذْرِهِمَا) نِصْفَيْنِ فَهُوَ فَاسِدٌ أَيْضًا لِاشْتِرَاطِهِ الْإِعَارَةَ فِي الْمُزَارَعَةِ عِمَادِيَّةٌ. (وَ) اعْلَمْ أَنَّ (نَفَقَةَ الزَّرْعِ) مُطْلَقًا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ (عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ الْحِصَصِ) وَأَمَّا قَبْلَ مُضِيِّهَا فَكُلُّ عَمَلٍ قَبْلَ انْتِهَاءِ الزَّرْعِ كَنَفَقَةِ بَذْرٍ وَمُؤْنَةِ حِفْظٍ وَكَرْيِ نَهْرٍ عَلَى الْعَامِلِ وَلَوْ بِلَا شَرْطٍ، فَإِذَا تَنَاهَى بَقِيَ مَالًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، فَتَجِبُ عَلَيْهِمَا مُؤْنَتُهُ كَحَصَادٍ وَدِيَاسٍ، كَذَا حَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ أَصْلُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فَلْيُحْفَظْ (فَإِنْ شَرَطَاهُ عَلَى الْعَامِلِ فَسَدَتْ) كَمَا لَوْ شَرَطَاهُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ   [رد المحتار] أَيْ مِنْ أَجْرِ السَّقْيِ وَالْمُحَافَظَةِ إلَى آخِرِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ: حَيْثُ يَكُونُ الْعَمَلُ. (قَوْلُهُ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا) أَيْ الْآخَرُ، وَكَذَا الضَّمِيرَانِ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ) لِمَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِعَارَةِ (قَوْلُهُ وَيَكُونُ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ) تَبَعًا لِلْبَذْرِ (قَوْلُهُ أَجْرُ نِصْفِ الْأَرْضِ لِصَاحِبِهَا) فَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِبَيْتِ الْمَالِ يَدْفَعُ لِبَيْتِ الْمَالِ مَا هُوَ لَهُ، ثُمَّ يُقَسِّمُ الْبَاقِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَهَذِهِ وَاقِعَةُ الْحَالِ، رَمْلِيٌّ عَلَى جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ لِفَسَادِ الْعَقْدِ) أَيْ وَقَدْ اسْتَوْفَى بِهَذَا الْعَقْدِ الْفَاسِدِ مَنَافِعَ نِصْفِ الْأَرْضِ، فَيَجِبُ أَجْرُهُ (قَوْلُهُ وَالرَّيْعُ) الْفَتْحُ وَسُكُونُ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ الْفَضْلُ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْخَارِجُ (قَوْلُهُ لِاشْتِرَاطِهِ الْإِعَارَةَ فِي الْمُزَارَعَةِ) أَيْ إعَارَةَ بَعْضِ الْأَرْضِ لِلْعَامِلِ فَافْهَمْ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ:؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ يَصِيرُ قَائِلًا لِلْعَامِلِ ازْرَعْ أَرْضِي بِبَذْرِي عَلَى أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِي، وَازْرَعْهَا بِبَذْرِكَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لَكَ فَتَفْسُدُ؛ لِأَنَّهَا مُزَارَعَةٌ بِجَمِيعِ الْخَارِجِ بِشَرْطِ إعَارَةِ نِصْفِ الْأَرْضِ مِنْ الْعَامِلِ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَاهُ أَثْلَاثًا اهـ وَالْمُرَادُ بِالْخَارِجِ الْأَوَّلُ الْخَارِجُ مِنْ بَذْرِ رَبِّ الْأَرْضِ، وَبِالثَّانِي الْخَارِجُ مِنْ بَذْرِ الْعَامِلِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَإِذَا فَسَدَتْ، فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ بَذْرِهِمَا، وَسَلَّمَ لِرَبِّ الْأَرْضِ مَا أَخَذَ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءٌ مَلَكَهُ فِي أَرْضِهِ، وَيُطَيِّبُ لِلْعَامِلِ قَدْرُ بَذْرِهِ وَيَرْفَعُ قَدْرَ أَجْرِ نِصْفِ الْأَرْضِ وَمَا أَنْفَقَ أَيْضًا، وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ لِحُصُولِهِ مِنْ أَرْضِ الْغَيْرِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِأَحَدِهِمَا وَالْبَذْرُ مِنْهُمَا وَشَرَطَا الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ نِصْفَانِ جَازَ؛ لِأَنَّ كُلًّا عَامِلٌ فِي نِصْفِ الْأَرْضِ بِبَذْرِهِ فَكَانَتْ إعَارَةً لَا بِشَرْطِ الْعَمَلِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ اهـ أَيْ فَلَمْ تَكُنْ مُزَارَعَةً حَتَّى يُقَالَ شَرَطَ فِيهَا إعَارَةً كَمَا أَفَادَهُ فِي الْفُصُولَيْنِ، وَتَمَامُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي الْخَانِيَّةِ فَرَاجِعْهَا. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ اُحْتِيجَ إلَيْهَا قَبْلَ انْتِهَاءِ الزَّرْعِ أَوْ بَعْدَهُ ح (قَوْلُهُ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ) الَّذِي أَحْوَجَهُ إلَى هَذَا التَّقْيِيدِ فَصْلُ الْمُصَنِّفِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ، وَلَوْ وَصَلَهُ بِهِ كَغَيْرِهِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ عَلَيْهِمَا) ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ عَلَى الْعَامِلِ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَأْجِرٌ فِي الْمُدَّةِ، فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ انْتَهَى الْعَقْدُ، فَتَجِبُ عَلَيْهِمَا مُؤْنَتُهُ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا مِنَحٌ (قَوْلُهُ كَنَفَقَةِ بَذْرٍ) أَيْ بَذَرَهُ فِي الْأَرْضِ، وَحَمَلَهُ إلَى مَوْضِعِ إلْقَائِهِ ط (قَوْلُهُ كَحَصَادٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا، وَكَذَا الرِّفَاعُ: وَهُوَ جَمْعُ الزَّرْعِ إلَى مَوْضِعِ الدِّيَاسِ: أَيْ الدِّرَاسِ، وَهَذَا الْمَوْضِعُ يُسَمَّى الْجُرْنَ وَالْبَيْدَرَ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَحُمِلَ عَلَيْهِ أَصْلُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ) حَيْثُ قَالَ: وَبِهَذَا يَنْكَشِفُ لَك أَنَّ قَوْلَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ، فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ لِيُتَصَوَّرَ بَقَاءُ الْعَقْدِ وَاسْتِحْقَاقُ الْعَمَلِ عَلَى الْعَامِلِ، إذْ لَوْ مَضَتْ، فَلَا عَقْدَ وَلَا اسْتِحْقَاقَ (قَوْلُهُ فَإِنْ شَرَطَاهُ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى نَفَقَةِ الزَّرْعِ لَا مُطْلَقًا بَلْ النَّفَقَةِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا بَعْدَ الِانْتِهَاءِ، فَفِي الْكَلَامِ شِبْهُ الِاسْتِخْدَامِ اهـ ح (قَوْلُهُ فَسَدَتْ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَيَأْتِي تَصْحِيحُ خِلَافِهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَنَفَقَةُ الزَّرْعِ عَلَيْهِمَا بِالْحِصَصِ ح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 281 بَقْلٌ فَإِنَّ الْعَمَلَ فِيهِ جَمِيعًا عَلَى الْعَامِلِ أَوْ وَارِثِهِ) لِبَقَاءِ مُدَّةِ الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ يُوجِبُ عَلَى الْعَامِلِ عَمَلًا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَى انْتِهَاءِ الزَّرْعِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْبَذْرِ بَطَلَتْ وَلَا شَيْءَ لِكِرَابِهِ كَمَا مَرَّ، وَكَذَا لَوْ فُسِخَتْ بِدَيْنٍ مُحْوِجٍ مُجْتَبَى. (وَصَحَّ اشْتِرَاطُ الْعَمَلِ) كَحَصَادٍ وَدِيَاسٍ وَنَسْفٍ عَلَى الْعَامِلِ (عِنْدَ الثَّانِي لِلتَّعَامُلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى مُلْتَقًى (الْغَلَّةُ فِي الْمُزَارَعَةِ مُطْلَقًا) وَلَوْ فَاسِدَةً (أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُزَارِعِ) . ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَوْ هَلَكَتْ) الْغَلَّةُ فِي يَدِهِ بِلَا صُنْعِهِ، فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا؛ نَعَمْ لَوْ كَفَلَهُ بِحِصَّتِهِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ أَوْ وَارِثُهُ) فِيمَا لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ الْعَامِلُ، وَسَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ عَنْ الْمُلْتَقَى، أَوْ كَانَ الْمَيِّتُ كُلٌّ مِنْهُمَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِبَقَاءِ مُدَّةِ الْعَقْدِ) أَيْ فَيَكُونُ الْعَقْدُ بَاقِيًا اسْتِحْسَانًا، فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ لِلْأَرْضِ، لَكِنْ يُنْتَقَضُ الْعَقْدُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ السِّنِينَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَهَذَا إذَا قَالَ الْمُزَارِعُ لَا أَقْلَعُ الزَّرْعَ، فَإِنْ قَالَ أَقْلَعُ لَا يَبْقَى عَقْدُ الْإِجَارَةِ، وَحَيْثُ اخْتَارَ الْقَلْعَ فَلِوَرَثَةِ رَبِّ الْأَرْضِ خِيَارَاتٌ ثَلَاثَةٌ: إنْ شَاءُوا قَلَعُوا، وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمْ، أَوْ أَنْفَقُوا عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِيَرْجِعُوا عَلَى الْمُزَارِعِ بِجَمِيعِ النَّفَقَةِ مُقَدَّرًا بِالْحِصَّةِ، أَوْ غَرِمُوا حِصَّةَ الْمُزَارِعِ، وَالزَّرْعُ لَهُمْ، هَذَا إذَا مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ، فَلَوْ قَبِلَهَا بَعْدَ عَمَلِ الْمُزَارِعِ فِي الْأَرْضِ انْتَقَضَتْ، وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ النَّبَاتِ، فَفِي الِانْتِقَاضِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُزَارِعُ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ، فَإِنْ أَرَادَ وَرَثَتُهُ الْقَلْعَ لَا يُجْبَرُونَ عَلَى الْعَمَلِ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ الْخِيَارَاتُ الثَّلَاثَةُ اهـ. مُلَخَّصًا. وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَفَرَّقَ بَيْنَ مَوْتِ الدَّافِعِ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ وَبَيْنَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ كَذَلِكَ أَنَّ وَرَثَةَ الدَّافِعِ فِي الثَّانِي يَرْجِعُونَ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ مُقَدَّرًا بِالْحِصَّةِ؛ لِأَنَّ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ، وَفِي الْمَوْتِ عَلَى الْعَامِلِ فَقَطْ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ، وَفَرَّقَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ هُوَ أَنَّ وَرَثَةَ الدَّافِعِ لَوْ غَرِمُوا حِصَّةَ الْعَامِلِ مِنْ الزَّرْعِ يَغْرَمُونَهُ نَابِتًا غَيْرَ مَقْلُوعٍ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقُّ الْقَرَارِ وَالتَّرْكِ لِقِيَامِ الْمُزَارَعَةِ، وَفِي انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ يَغْرَمُونَهُ مَقْلُوعًا ا. هـ. بِالْمَعْنَى، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُسَاقَاةِ مَزِيدُ بَيَانٍ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) مِنْ قَوْلِهِ وَأَمَّا قَبْلَ مُضِيِّهَا إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ لِكِرَابِهِ) بِخِلَافِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ رَبُّ الْأَرْضِ مِنْ الْمُضِيِّ فِيهَا وَقَدْ كَرَبَ الْعَامِلُ يُسْتَرْضَى دِيَانَةً قَالَ الزَّيْلَعِيُّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ بِالِامْتِنَاعِ بِاخْتِيَارِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَأْتِي بِدُونِ اخْتِيَارٍ اهـ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) لَمْ أَرَ مَا يُفِيدُهُ فِي كَلَامِهِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ فُسِخَتْ بِدِينٍ مُحْوِجٍ) أَيْ لَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِشَيْءٍ زَيْلَعِيٌّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِاسْتِرْضَائِهِ دِيَانَةً وَهُوَ خِلَافُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدَّمَنَا الْكَلَامَ فِيهِ. (قَوْلُهُ وَصَحَّ اشْتِرَاطُ الْعَمَلِ) أَيْ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ بَعْدَ الِانْتِهَاءِ، وَهَذَا مُقَابِلُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الَّذِي قَدَّمَهُ (قَوْلُهُ وَنَسْفٍ) هُوَ تَخْلِيصُ الْحَبِّ مِنْ تِبْنِهِ وَيُسَمَّى بِالتَّذْرِيَةِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِلتَّعَامُلِ) فَصَارَ كَالِاسْتِصْنَاعِ دُرٌّ مُنْتَقَى. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَكِنْ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ يَكُونُ عَلَيْهِمَا، كَمَا لَوْ اشْتَرَى حَطَبًا فِي الْمِصْرِ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَحْمِلَهُ إلَى مَنْزِلِ الْمُشْتَرِي، وَإِذَا شَرَطَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ لِلْعُرْفِ، وَلَوْ شَرَطَ الْجِذَاذَ عَلَى الْعَامِلِ فِي الْمُعَامَلَةِ فَسَدَ عِنْدَ الْكُلِّ لِعَدَمِ الْعُرْفِ. وَعَنْ نَصْرِ بْنِ يَحْيَى وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ عَلَى الْعَامِلِ شَرَطَ عَلَيْهِ أَمْ لَا لِلْعُرْفِ. قَالَ السَّرَخْسِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي دِيَارِنَا أَيْضًا، وَإِنْ شَرَطَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ فَسَدَ الْعَقْدُ عِنْدَ الْكُلِّ لِعَدَمِ الْعُرْفِ اهـ. . (قَوْلُهُ وَلَوْ فَاسِدَةً) بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا) أَيْ بِحِصَّةِ رَبِّ الْأَرْضِ مِنْهَا، فَلَا يَضْمَنُ الْكَفِيلُ مَا هَلَكَ عِنْدَ الْعَامِلِ بِلَا صُنْعِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ أَوْ مِنْ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ حِصَّتَهُ أَمَانَةٌ عِنْدَ الْمُزَارِعِ، وَتَفْسُدُ الْمُزَارَعَةُ إنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ شَرْطًا فِيهَا كَالْمُعَامَلَةِ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ كَفَلَهُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 282 إنْ اسْتَهْلَكَهَا صَحَّتْ الْمُزَارَعَةُ وَالْكَفَالَةُ إنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ وَإِلَّا فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ خَانِيَّةٌ (وَمِثْلُهُ) فِي الْحُكْمِ (الْمُعَامَلَةُ) أَيْ الْمُسَاقَاةُ، فَإِنَّ حِصَّةَ الدِّهْقَانِ فِي يَدِ الْعَامِلِ أَمَانَةٌ. (وَإِذَا قَصَّرَ الْمُزَارِعُ فِي سَقْيِ الْأَرْضِ حَتَّى هَلَكَ الزَّرْعُ) بِهَذَا السَّبَبِ (لَمْ يَضْمَنْ) الْمُزَارِعُ (فِي) الْمُزَارَعَةِ (الْفَاسِدَةِ، وَيَضْمَنُ فِي الصَّحِيحَةِ) لِوُجُوبِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ فِيهَا كَمَا مَرَّ؛ وَهِيَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ فَيَضْمَنُ بِالتَّقْصِيرِ. فِي السِّرَاجِيَّةِ: أَكَّارٌ تَرَكَ السَّقْيَ عَمْدًا حَتَّى يَبِسَ ضَمِنَ وَقْتَ مَا تَرَكَ السَّقْيَ قِيمَتَهُ نَابِتًا فِي الْأَرْضِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّرْعِ قِيمَةٌ قُوِّمَتْ الْأَرْضُ مَزْرُوعَةً وَغَيْرَ مَزْرُوعَةٍ فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا. [فُرُوعٌ] أَخَّرَ الْأَكَّارُ السَّقْيَ، إنَّ تَأْخِيرًا مُعْتَادًا لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا ضَمِنَ. شَرَطَ عَلَيْهِ الْحَصَادَ فَتَغَافَلَ حَتَّى هَلَكَ ضَمِنَ إلَّا أَنْ يُؤَخِّرَ تَأْخِيرًا مُعْتَادًا تَرَكَ حِفْظَ الزَّرْعِ حَتَّى أَكَلَهُ الدَّوَابُّ ضَمِنَ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ الْجَرَادَ حَتَّى أَكَلَهُ كُلَّهُ، إنْ أَمْكَنَ طَرْدَهُ ضَمِنَ وَإِلَّا لَا بَزَّازِيَّةٌ. زَرَعَ أَرْضَ رَجُلٍ بِلَا أَمَرَهُ طَالَبَهُ بِحِصَّةِ الْأَرْضِ، فَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ جَرَى فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ بِالنِّصْفِ أَوْ بِالثُّلُثِ وَنَحْوِهِ وَجَبَ ذَلِكَ. حَرَثَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَبَى أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْقِيَهُ أُجْبِرَ، فَلَوْ فَسَدَ قَبْلَ رَفْعِهِ لِلْحَاكِمِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَفَعَ إلَى الْقَاضِي وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ امْتَنَعَ ضَمِنَ جَوَاهِرُ الْفَتَاوَى.   [رد المحتار] أَيْ كَفَلَ لَهُ رَجُلٌ عَنْ صَاحِبِهِ بِحِصَّتِهِ ط (قَوْلُهُ إنْ اسْتَهْلَكَهَا) شَرْطٌ لِكَفَلَ لَا لِصَحَّتْ (قَوْلُهُ صَحَّتْ الْمُزَارَعَةُ وَالْكَفَالَةُ) ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ أُضِيفَتْ إلَى سَبَبِ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الِاسْتِهْلَاكُ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الِاسْتِهْلَاكِ لَا يَجِبُ بِعَقْدِ الْمُزَارَعَةِ فَتَفْسُدُ الْمُزَارَعَةُ، كَمَنْ كَفَّلَ لِلْبَائِعِ عَنْ الْمُشْتَرِي بِمَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا بِعَقْدِ الْبَيْعِ خَانِيَّةٌ، وَتَخْصِيصُ الْفَسَادِ بِالْمُزَارَعَةِ يُفْهِمُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ فِيمَا يَظْهَرُ لِي فَلْيُرَاجَعْ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ صَرِيحًا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ بِهَذَا السَّبَبِ) هُوَ التَّقْصِيرُ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) فِي قَوْلِهِ وَأَمَّا قَبْلَ مُضِيِّهَا إلَخْ (قَوْلُهُ وَهِيَ) أَيْ حِصَّةُ الْآخَرِ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ، إذْ لَيْسَ كُلُّ الزَّرْعِ فِي يَدِهِ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ لَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فِي السِّرَاجِيَّةِ إلَخْ) الْمَقْصُودُ مِنْ نَقْلِهِ بَيَانُ الْمَضْمُونِ (قَوْلُهُ فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا) أَيْ نِصْفَ الْفَضْلِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ لَا يَضْمَنُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَقْصِيرٍ (قَوْلُهُ وَإِلَّا ضَمِنَ) أَيْ لَوْ الْمُزَارَعَةُ صَحِيحَةً كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ شَرَطَ عَلَيْهِ الْحَصَادَ إلَخْ) هَذَا بِنَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ صِحَّةِ اشْتِرَاطِهِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ تَرَكَ حِفْظَ الزَّرْعِ إلَخْ) هَذَا إذَا لَمْ يُدْرِكْ الزَّرْعَ، فَأَمَّا إذَا أَدْرَكَ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُزَارِعِ بِتَرْكِ الْحِفْظِ هِنْدِيَّةٌ عَنْ الذَّخِيرَةِ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ عَلَى الْعَامِلِ لِلْعُرْفِ ط (قَوْلُهُ حَتَّى أَكَلَهُ كُلَّهُ) التَّقْيِيدُ بِالْكُلِّ اتِّفَاقِيٌّ فِيمَا يَظْهَرُ ط. (قَوْلُهُ زَرَعَ أَرْضَ رَجُلٍ إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مُسْتَوْفًى فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ حَرَثَ) أَيْ زَرَعَ قَامُوسٌ، وَقَوْلُهُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ: أَيْ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا لَا بِالْمُزَارَعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ يَضْمَنُ إذَا قَصَّرَ بِلَا مُرَافَعَةٍ كَمَا قَدَّمَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا ذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَكَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ أَبَى أَحَدُهُمَا) أَيْ امْتَنَعَ عَنْ السَّقْيِ لَمَّا طَلَبَ الْآخَرُ مِنْهُ أَنْ يَسْقِيَهُ مَعَهُ (قَوْلُهُ أُجْبِرَ) أَيْ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ قَدَّمْنَاهُمَا فِي آخِرِ الْقِسْمَةِ عَنْ الْخُلَاصَةِ. ثَانِيهُمَا أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ وَيُقَالُ لِلطَّالِبِ اسْقِهِ وَأَنْفِقْ، ثُمَّ ارْجِعْ بِنِصْفِ مَا أَنْفَقْتَ، وَنَقَلَ الثَّانِي فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ رُفِعَ إلَى الْقَاضِي إلَخْ) وَجْهُ الضَّمَانِ أَنَّهُ بِأَمْرِ الْقَاضِي تَحَقَّقَ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ كَالْإِشْهَادِ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ، فَإِذَا امْتَنَعَ بَعْدَهُ، وَفَسَدَ الزَّرْعُ صَارَ مُتَعَدِّيًا، فَيَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ مُشَاعٌ بَيْنَهُمَا لَا يُمْكِنُ شَرِيكَهُ أَنْ يَسْقِيَ حِصَّتَهُ مِنْهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ سَقْيُ الْجَمِيعِ وَحْدَهُ، وَلَا يُمْكِنُهُ قِسْمَتُهُ جَبْرًا وَلَا بِالتَّرَاضِي مَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى الْقَلْعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 283 شَرَطَ الْبَذْرَ عَلَى الْمُزَارِعِ ثُمَّ زَرَعَهَا رَبُّ الْأَرْضِ، إنْ عَلَى وَجْهِ الْإِعَانَةِ فَمُزَارَعَةٌ وَإِلَّا فَنَقْضٌ لَهَا. دَفَعَ الْأَرْضَ الْمُسْتَأْجَرَةَ مِنْ الْآجِرِ مُزَارَعَةً جَازَ، إنْ الْبَذْرُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَمُعَامَلَةٌ لَمْ يَجُزْ. اسْتَأْجَرَ أَرْضًا، ثُمَّ اسْتَأْجَرَ صَاحِبَهَا لِيَعْمَلَ فِيهَا جَازَ، الْكُلُّ مِنْ مِنَحِ الْمُصَنِّفِ. قُلْت: وَفِيهِ فِي آخِرِ بَابِ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ مَعْزِيًّا لِلْخُلَاصَةِ: بُسْتَانِيٌّ ضَيَّعَ أَمْرَ الْبُسْتَانِ وَغَفَلَ حَتَّى دَخَلَ الْمَاءُ وَتَلِفَتْ الْكُرُومُ وَالْحِيطَانُ، قَالَ: يَضْمَنُ الْكُرُومَ لَا الْحِيطَانَ، وَلَوْ فِيهِ حِصْرِمٌ ضَمِنَ الْحِصْرِمَ لَا الْعِنَبَ لِنِهَايَتِهِ فَصَارَ حِفْظُهُ عَلَيْهِمَا. قُلْتُ: قَالَ قِ: وَيَضْمَنُ الْعِنَبَ فِي عُرْفِنَا اهـ. أَنْفَقَ بِلَا إذْنِ الْآخَرِ وَلَا أَمْرَ قَاضٍ، فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ كَمَرَمَّةِ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ. مَاتَ الْعَامِلُ فَقَالَ وَارِثُهُ أَنَا أَعْمَلُ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ أَبَى رَبُّ الْأَرْضِ مُلْتَقًى. وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: وَيَأْخُذُ أَرْضًا لِلْيَتِيمِ وَصِيُّهُ ... مُزَارَعَةً إنْ كَانَ مَا هُوَ يَبْذُرُ   [رد المحتار] فِي الْقِسْمَةِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ شَرَطَ الْبَذْرَ إلَخْ) ذَكَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مَسَائِلَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، ثُمَّ قَالَ: فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْبَذْرُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَوْ الْمُزَارِعِ وَزَرَعَهُ أَحَدُهُمَا بِلَا إذْنِ الْآخَرِ، وَنَبَتَ الزَّرْعُ أَوْ لَمْ يَنْبُتْ حَتَّى قَامَ عَلَيْهِ الْآخَرُ بِلَا إذْنِهِ حَتَّى أَدْرَكَ، فَفِي كُلِّ الصُّوَرِ يَكُونُ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَزَرَعَهَا رَبُّهَا بِلَا إذْنِ الْمُزَارِعِ، وَنَبَتَ ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ الْمُزَارِعُ فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ الْآجِرِ) بِالْجِيمِ: أَيْ الْمُؤَجِّرِ مُتَعَلِّقٌ بِدَفَعَ (قَوْلُهُ جَازَ أَنَّ الْبَذْرَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ) إذْ لَوْ كَانَ مِنْ الْمُؤَجِّرِ مَعَ أَنَّ الْأَرْضَ لَهُ وَالْعَمَلُ مِنْهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْآخَرِ شَيْءٌ فَيَنْتَفِي مَفْهُومُ الْمُزَارَعَةِ ا. هـ. ح. أَقُولُ: وَهَذَا التَّفْصِيلُ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ، فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ الْبَذْرُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُؤَجِّرِ يَجُوزُ. ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ لَا، وَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ أَرْضِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اسْتَأْجَرَ الرَّجُلَ بِدَرَاهِمَ ا. هـ. وَذُكِرَ فِي الْمِنَحِ أَيْضًا أَنَّهُ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ وَمُعَامَلَةٌ) أَيْ مُسَاقَاةٌ مَعْطُوفٌ عَلَى مُزَارَعَةٍ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) قَالَ ح: لِمَا قَدَّمْنَا. (قَوْلُهُ لِيَعْمَلَ فِيهَا) أَيَّ عَمَلٍ كَانَ غَيْرَ الْمُعَامَلَةِ، فَإِنَّ حُكْمَهَا عَدَمُ الْجَوَازِ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: وَمُعَامَلَةٌ لَمْ يَجُزْ ط (قَوْلُهُ بُسْتَانِيٌّ) أَيْ مُعَامَلٌ لَا أَجِيرٌ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي ح (قَوْلُهُ وَتَلِفَتْ الْكُرُومُ) أَيْ الْأَشْجَارُ (قَوْلُهُ يَضْمَنُ الْكُرُومَ) إذْ يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُهَا لَا الْحِيطَانِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ الْعِنَبَ إلَخْ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلَكِنْ يَجِبُ نُقْصَانُ الْكَرْمِ إذْ حِفْظُهُ يَلْزَمُهُ، فَيُقَوَّمُ الْكَرْمُ مَعَ الْعِنَبِ، وَبِدُونِهِ، فَيَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا وَهَذَا جَوَابُ الْكِتَابِ. أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْمَشَايِخِ يَضْمَنُ مِثْلَ الْعِنَبِ حِصَّةَ رَبِّ الْكَرْمِ. (قَوْلُهُ أَنْفَقَ بِلَا إذْنِ الْآخَرِ) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْآخَرَ حَيٌّ: قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي: مَاتَ الْعَامِلُ فَأَنْفَقَ رَبُّ الْكَرْمِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا وَرَجَعَ فِي الثَّمَرِ بِقَدْرِ مَا أَنْفَقَ، وَكَذَا فِي الْمُزَارَعَةِ، وَلَوْ غَابَ الْعَامِلُ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَرْجِعْ اهـ. (قَوْلُهُ كَمَرَمَّةِ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ آخِرَ الْقِسْمَةِ. (قَوْلُهُ فَلَهُ ذَلِكَ) لِبَقَاءِ الْعَقْدِ حُكْمًا نَظَرًا لِلْوَارِثِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ إنْ اخْتَارَ الْقَلْعَ لَهُ ذَلِكَ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ خِيَارَاتٌ ثَلَاثَةٌ. (قَوْلُهُ إنْ كَانَ مَا هُوَ يَبْذُرُ) مَا نَافِيَةٌ وَضَمِيرُ هُوَ لِلْيَتِيمِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ الْوَصِيِّ يَجُوزُ، وَإِنْ مِنْ جِهَةِ الْيَتِيمِ لَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا أَرْضَ الْيَتِيمِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ، وَفِي الثَّانِي يَصِيرُ مُؤَجِّرًا نَفْسَهُ مِنْ الْيَتِيمِ وَالْأَوَّلُ جَائِزٌ لَا الثَّانِي وَلْوَالِجِيَّةُ. قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ: وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْغِبْطَةُ فِيمَا يُشْتَرَطُ لِلْيَتِيمِ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لِلْيَتِيمِ، وَعَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 284 وَلَوْ قَالَ بَذْرُ الْأَرْضِ مِنِّي مُزَارِعٌ ... لَهُ الْقَوْلُ بَعْدَ الْحَصْدِ وَالْخَصْمُ يُنْكِرُ كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ لَا تَخْفَى مُنَاسَبَتُهَا (وَهِيَ) الْمُعَامَلَةُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ فَهِيَ لُغَةً وَشَرْعًا مُعَاقَدَةٌ (دَفْعُ الشَّجَرِ) وَالْكُرُومُ، وَهَلْ الْمُرَادُ بِالشَّجَرِ مَا يَعُمُّ غَيْرَ الْمُثْمِرِ كَالْحُورِ وَالصَّفْصَافِ؟ لَمْ أَرَهُ   [رد المحتار] هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِلْوَصِيِّ الْمُعَامَلَةُ فِي أَشْجَارِ الْيَتِيمِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ ابْنِ الشِّحْنَةِ (قَوْلُهُ مُزَارِعٌ) فَاعِلُ قَالَ وَالْحَصْدُ مَصْدَرُ حَصَدَ، وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ قَاضِي خَانْ: زَرَعَ أَرْضَ غَيْرِهِ فَلَمَّا حَصَدَ الزَّرْعَ قَالَ صَاحِبُهَا كُنْتَ أَجِيرِي زَرَعْتَهَا بِبَذْرِي وَقَالَ الْمُزَارِعُ كُنْتُ أَكَّارًا وَزَرَعْتُ بِبَذْرِي فَالْقَوْلُ لِلْمُزَارِعِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْبَذْرَ كَانَ فِي يَدِهِ اهـ. وَتَمَامُهُ فِي الشَّرْحِ. [خَاتِمَةٌ بِفَرْعٍ مُهِمٍّ] يَقَعُ كَثِيرًا ذَكَرَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا: مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ أَوْلَادًا صِغَارًا وَكِبَارًا وَامْرَأَةً وَالْكِبَارُ مِنْهَا أَوْ مِنْ امْرَأَةٍ غَيْرِهَا فَحَرَثَ الْكِبَارُ وَزَرَعُوا فِي أَرْضِ الْغَيْرِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ وَالْأَوْلَادُ كُلُّهُمْ فِي عِيَالٍ الْمَرْأَةِ تَتَعَاهَدُهُمْ وَهُمْ يَزْرَعُونَ وَيَجْمَعُونَ الْغَلَّاتِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَيُنْفِقُونَ مِنْ ذَلِكَ جُمْلَةً صَارَتْ هَذِهِ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى: وَاتَّفَقَتْ الْأَجْوِبَةُ أَنَّهُمْ إنْ زَرَعُوا مِنْ بَذْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمْ بِإِذْنِ الْبَاقِينَ لَوْ كِبَارًا أَوْ إذْنِ الْوَصِيِّ لَوْ صِغَارًا فَالْغَلَّةُ مُشْتَرَكَةٌ، وَإِنْ مِنْ بَذْرِ أَنْفُسِهِمْ أَوْ بَذْرٍ مُشْتَرَكٍ بِلَا إذْنٍ فَالْغَلَّةُ لِلزَّارِعِينَ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ] ِ (قَوْله لَا تَخْفَى مُنَاسَبَتُهَا) وَهِيَ الِاشْتِرَاكُ فِي الْخَارِجِ ثُمَّ مَعَ كَثْرَةِ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِهَا وَوُرُودِ الْأَحَادِيثِ فِي مُعَامَلَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ، قُدِّمَتْ الْمُزَارَعَةُ عَلَيْهَا لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَةِ أَحْكَامِهَا وَكَثْرَةِ فُرُوعِهَا وَمَسَائِلِهَا كَمَا أَفَادَهُ فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ هِيَ الْمُعَامَلَةُ إلَخْ) وَآثَرَ الْمُسَاقَاةَ لِأَنَّهَا أَوْفَقُ بِحَسَبِ الِاشْتِقَاقِ قُهُسْتَانِيٌّ: أَيْ لِمَا فِيهَا مِنْ السَّقْيِ غَالِبًا، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى الْمُفَاعَلَةِ (قَوْلُهُ فَهِيَ لُغَةً وَشَرْعًا مُعَاقَدَةُ) أَفَادَ اتِّحَادَ الْمَعْنَى فِيهِمَا تَبَعًا لِمَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ أَخْذًا مِمَّا فِي الصِّحَاحِ: أَنَّهَا اسْتِعْمَالُ رَجُلٍ فِي نَخِيلٍ أَوْ كُرُومٍ أَوْ غَيْرِهَا لِإِصْلَاحِهَا عَلَى سَهْمٍ مَعْلُومٍ مِنْ غَلَّتِهَا، وَفَسَّرَهَا الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ لُغَةً بِأَنَّهَا مُفَاعَلَةٌ مِنْ السَّقْيِ، وَشَرْعًا بِالْمُعَاقَدَةِ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ الْمُغَايَرَةُ لِاعْتِبَارِ شُرُوطٍ لَهَا فِي الشَّرْعِ لَمْ تُعْتَبَرْ فِي اللُّغَةِ، وَالشُّرُوطُ قُيُودٌ، وَالْأَخَصُّ غَيْرُ الْأَعَمِّ مَفْهُومًا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ مُعَاقَدَةُ دَفْعِ الشَّجَرِ) أَيْ كُلِّ نَبَاتٍ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقُوَّةِ يَبْقَى فِي الْأَرْضِ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ بِقَرِينَةِ الْآتِي فَيَشْمَلُ أُصُولَ الرَّطْبَةِ وَالْفُوَّةِ وَبَصَلَ الزَّعْفَرَانِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ دَفَعْت إلَيْك هَذِهِ النَّخْلَةَ مَثَلًا مُسَاقَاةً بِكَذَا وَيَقُولُ الْمُسَاقِي قَبِلْت، فَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ رُكْنَهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الْكَرْمَانِيِّ وَغَيْرِهِ قُهُسْتَانِيٌ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَقَيَّدَ بِالشَّجَرِ لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ الْغَنَمَ وَالدَّجَاجَ وَدُودِ الْقَزِّ مُعَامَلَةً لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ، وَكَذَا النَّخْلُ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: أَعْطَاهُ بَذْرَ الْفَلِيقِ لِيَقُومَ عَلَيْهِ وَيَعْلِفَهُ بِالْأَوْرَاقِ عَلَى أَنَّ الْحَاصِلَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ لِرَبِّ الْبَذْرِ وَلِلرَّجُلِ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْأَوْرَاقِ وَأَجْرُ مِثْلِهِ، وَكَذَا لَوْ دَفَعَ بَقَرَةً بِالْعَلَفِ لِيَكُونَ الْحَادِثُ نِصْفَيْنِ اهـ (قَوْلُهُ وَهَلْ الْمُرَادُ إلَخْ) الْجَوَابُ نَعَمْ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْقُهُسْتَانِيِّ الْمَارُّ، وَلَا يُنَافِيه تَصْرِيحُ التَّعْرِيفِ بِالثَّمَرِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ، فَيَتَنَاوَلُ الرَّطْبَةَ وَغَيْرَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيِّ أَيْضًا، أَوْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَالِبِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَمْ أَرَهُ) أَقُولُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَا نَصُّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 285 (إلَى مَنْ يُصْلِحُهُ بِجُزْءٍ) مَعْلُومٍ مِنْ ثَمَرِهِ وَهِيَ كَالْمُزَارَعَةِ حُكْمًا وَخِلَافًا (وَ) كَذَا (شُرُوطًا) تُمْكِنُ هُنَا لِيَخْرُجَ بَيَانُ الْبَذْرِ وَنَحْوِهِ (إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ) فَلَا تُشْتَرَطُ هُنَا: (إذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ) إذْ لَا ضَرَرَ (بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ) كَمَا مَرَّ (وَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ تُتْرَكُ بِلَا أَجْرٍ) وَيَعْمَلُ بِلَا أَجْرٍ وَفِي الْمُزَارَعَةِ بِأَجْرٍ (وَإِذَا اُسْتُحِقَّ النَّخِيلُ يَرْجِعُ الْعَامِلُ بِأَجْرِ مِثْلِهِ، وَفِي الْمُزَارَعَةِ بِقِيمَةِ الزَّرْعِ وَ) الرَّابِعُ (بَيَانُ الْمُدَّةِ   [رد المحتار] يَجُوزُ دَفْعُ شَجَرِ الْحُورِ مُعَامَلَةً لِاحْتِيَاجِهِ إلَى السَّقْيِ وَالْحِفْظِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَحْتَجْ لَا يَجُوزُ اهـ وَفِيهَا آخِرَ الْبَابِ: مُعَامَلَةُ الْغَيْضَةِ لِأَجْلِ السَّعَفِ وَالْحَطَبِ جَائِزَةٌ كَمُعَامَلَةِ أَشْجَارِ الْخِلَافِ اهـ. وَالْخِلَافُ بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ عَلَى وَزْنٍ ضِدُّ الْوِفَاقِ: نَوْعٌ مِنْ الصَّفْصَافِ وَلَيْسَ بِهِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ إلَى مَنْ يُصْلِحُهُ) بِتَنْظِيفِ السَّوَاقِي وَالسَّقْيِ وَالتَّلْقِيحِ وَالْحِرَاسَةِ وَغَيْرِهَا قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ حُكْمًا) وَهُوَ الصِّحَّةُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ، وَخِلَافًا: أَيْ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ (قَوْلُهُ تُمْكِنُ) صِفَةٌ لِقَوْلِهِ شُرُوطًا، وَقَوْلُهُ لِيَخْرُجَ إلَخْ تَعْلِيلٌ لِلتَّقْيِيدِ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْبَذْرِ هُنَا: أَيْ بَيَانُ جِنْسِهِ، وَكَذَا بَيَانُ رَبِّهِ وَصَلَاحِيَّةِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ، فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ لَا تُمْكِنُ هُنَا فَلَا تُشْتَرَطُ، وَكَذَا بَيَانُ الْمُدَّةِ. وَبَقِيَ مِنْ شُرُوطِ الْمُزَارَعَةِ الثَّمَانِيَةِ الْمُمْكِنَةِ هُنَا أَهْلِيَّةُ الْعَاقِدَيْنِ، وَذِكْرُ حِصَّةِ الْعَامِلِ، وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَشْجَارِ، وَالشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ وَيَدْخُلُ فِي الْأَخِيرِ كَوْنُ الْجُزْءِ الْمَشْرُوطِ لَهُ مُشَاعًا فَافْهَمْ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَمِنْ شُرُوطِ الْمُعَامَلَةِ أَنْ يَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى مَا هُوَ فِي حَدِّ النُّمُوِّ بِحَيْثُ يَزِيدُ فِي نَفْسِهِ بِعَمَلِ الْعَامِلِ اهـ وَأَمَّا صِفَتُهَا فَقَدَّمْنَا أَنَّهَا لَازِمَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ (قَوْلُهُ فَلَا تُشْتَرَطُ هُنَا إلَخْ) تَبِعَ فِيهِ الْمُصَنِّفَ حَيْثُ قَالَ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَشُرُوطًا اهـ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ وَهِيَ كَالْمُزَارَعَةِ فَإِنَّ الْمُسْتَثْنَيَاتِ لَيْسَتْ كُلُّهَا شُرُوطًا فِي الْمُزَارَعَةِ فَتَدَبَّرْ ط (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ) فَإِنَّ رَبَّ الْبَذْرِ إذَا امْتَنَعَ قَبْلَ الْإِلْقَاءِ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ لِلضَّرَرِ (قَوْلُهُ تُتْرَكُ بِلَا أَجْرٍ) أَيْ لِلْعَامِلِ الْقِيَامُ عَلَيْهَا إلَى انْتِهَاءِ الثَّمَرَةِ لَكِنْ بِلَا أَجَلٍ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الشَّجَرَ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُزَارَعَةِ بِأَجْرٍ) أَيْ فِي التَّرْكِ وَالْعَمَلِ، لِأَنَّ الْأَرْضَ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا وَالْعَمَلُ عَلَيْهِمَا بِحَسَبِ مِلْكِهَا فِي الزَّرْعِ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ لَمَّا اسْتَوْجَبَ الْأَجْرَ عَلَى الْعَامِلِ لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ فِي نَصِيبِهِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ، وَهُنَا الْعَمَلُ عَلَى الْعَامِلِ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ رَبُّ النَّخْلِ عَلَيْهِ أَجْرًا كَمَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَيَكُونُ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ كَمَا كَانَ قَبْلَ الِانْقِضَاءِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِذَا اُسْتُحِقَّ النَّخِيلُ يَرْجِعُ إلَخْ) مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ وَإِلَّا فَلَا أَجْرَ لَهُ. قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَإِذَا لَمْ تُخْرِجْ النَّخِيلُ شَيْئًا حَتَّى اُسْتُحِقَّتْ لَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ، لِأَنَّ فِي الْمُزَارَعَةِ لَوْ اُسْتُحِقَّتْ الْأَرْضُ بَعْدَ الْعَمَلِ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ لَا شَيْءَ لِلْمُزَارِعِ فَكَذَا هُنَا، وَلَوْ أَخْرَجَتْ رَجَعَ الْعَامِلُ بِأَجْرِ مِثْلِهِ عَلَى الدَّافِعِ، لِأَنَّ الْأُجْرَةَ صَارَتْ عَيْنًا انْتِهَاءً وَهُوَ كَالتَّعْيِينِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَمَتَى كَانَتْ عَيْنًا وَاسْتُحِقَّتْ رَجَعَ بِقِيمَةِ الْمَنَافِعِ، وَكَذَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ زَرْعًا بَقْلًا مُزَارَعَةً فَقَامَ عَلَيْهِ حَتَّى عَقَدَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِ نِصْفِ الْمَقْلُوعِ أَوْ رَدِّهِ وَرَجَعَ عَلَى الدَّافِعِ بِأَجْرِ مِثْلِهِ، وَكَذَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً وَالْبَذْرُ مِنْ الدَّافِعِ فَزَرَعَهَا وَنَبَتَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْصَدَ فَاخْتَارَ الْمُزَارِعُ رَدَّ الْمَقْلُوعِ يَرْجِعُ بِأَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ. وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ نَابِتًا (قَوْلُهُ وَفِي الْمُزَارَعَةِ بِقِيمَةِ الزَّرْعِ) كَذَا أَطْلَقَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَقَدْ عَلِمْت التَّفْصِيلَ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: دَفَعَ أَرْضَهُ مُزَارَعَةً وَالْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ أَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ بِدُونِ الزَّرْعِ، وَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْقَلْعِ وَلَوْ الزَّرْعُ بَقْلًا وَمُؤْنَةُ الْقَلْعِ عَلَى الدَّافِعِ وَالْمُزَارِعِ نِصْفَيْنِ، وَالْمُزَارِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِنِصْفِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 286 لَيْسَ بِشَرْطٍ) هُنَا اسْتِحْسَانًا لِلْعِلْمِ بِوَقْتِهِ عَادَةً (وَ) حِينَئِذٍ (يَقَعُ عَلَى أَوَّلِ ثَمَرٍ يَخْرُجُ) فِي أَوَّلِ السَّنَةِ، وَفِي الرَّطْبَةِ عَلَى إدْرَاكِ بَذْرِهَا إنَّ الرَّغْبَةَ فِيهِ وَحْدَهُ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ ثَمَرٌ فَسَدَتْ. (وَلَوْ ذَكَرَ مُدَّةً لَا تَخْرُجُ الثَّمَرَةُ فِيهَا فَسَدَتْ، وَلَوْ تَبْلُغُ) الثَّمَرَةُ فِيهَا (أَوْ لَا) تَبْلُغُ (صَحَّ) لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ (فَلَوْ خَرَجَ فِي الْوَقْتِ الْمُسَمَّى فَعَلَى الشَّرْطِ) لِصِحَّةِ الْعَقْدِ (وَإِلَّا) فَسَدَتْ (فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ الْمِثْلِ) لِيَدُومَ عَمَلُهُ إلَى إدْرَاكِ الثَّمَرِ.   [رد المحتار] الْمَقْلُوعِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الدَّافِعِ بِشَيْءٍ أَوْ رَدَّ الْمَقْلُوعَ عَلَيْهِ وَضَمَّنَهُ قِيمَةَ حِصَّتِهِ ثَابِتًا لَهُ حَقُّ الْقَرَارِ، وَلَوْ الْبَذْرُ مِنْ الدَّافِعِ خُيِّرَ الْمُزَارِعُ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِنِصْفِ الْمَقْلُوعِ أَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ وَرَجَعَ بِأَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ عِنْدَ الْبَلْخِيّ، وَبِقِيمَتِهِ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ هُنَا) أَيْ فِي الْمُسَاقَاةِ إنْ عُلِمَتْ الْمُدَّةُ كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ لَا مُطْلَقًا بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ لِلْعِلْمِ بِوَقْتِهِ عَادَةً) لِأَنَّ الثَّمَرَةَ لِإِدْرَاكِهَا وَقْتٌ مَعْلُومٌ قَلَّمَا يَتَفَاوَتُ بِخِلَافِ الزَّرْعِ، لِأَنَّهُ إنْ قُدِّمَ فِي إبْقَاءِ الْبَذْرِ يَتَقَدَّمُ حَصَادُهُ وَإِنْ أُخِّرَ يَتَأَخَّرُ لِأَنَّهُ قَدْ يَزْرَعُ خَرِيفًا وَصَيْفًا وَرَبِيعًا أَتْقَانِيٌّ، فَإِذَا كَانَ لِابْتِدَاءِ الزَّرْعِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ عُرْفًا جَازَ أَيْضًا، وَتَقَدَّمَ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى فَلَا فَرْقَ (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ لَمْ يُشْتَرَطْ بَيَانُ الْمُدَّةِ وَلَمْ يُبَيِّنَاهَا. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَأَوَّلُ الْمُدَّةِ وَقْتُ الْعَمَلِ فِي الثَّمَرِ الْمَعْلُومِ، وَآخِرُهَا وَقْتُ إدْرَاكِهِ الْمَعْلُومُ اهـ. [فَرْعٌ] تَجُوزُ إضَافَةُ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ) عِبَارَةُ ابْنِ مَلَكٍ: فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ وَمَا بَعْدَهُ مَشْكُوكٌ اهـ وَهِيَ أَوْلَى ط (قَوْلُهُ وَفِي الرَّطْبَةِ) بِالْفَتْحِ بِوَزْنِ كَلْبَةٍ: الْقَضْبُ مَا دَامَ رَطْبًا وَالْجَمْعُ رِطَابٌ بِوَزْنِ كِلَابٍ، وَقِيلَ جَمِيعُ الْبُقُولِ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ وَيَأْتِي مَا فِيهِ (قَوْلُهُ عَلَى إدْرَاكِ بَذْرِهَا) يَعْنِي إذَا دَفَعَهَا مُسَاقَاةً لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْمُدَّةِ فَيَمْتَدُّ إلَى إدْرَاكِ بَذْرِهَا لِأَنَّهُ كَإِدْرَاكِ الثَّمَرِ فِي الشَّجَرِ ابْنُ كَمَالٍ، وَهَذَا إذَا انْتَهَى جِذَاذُهَا كَمَا قَيَّدَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ، وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِلَّا كَانَ الْمَقْصُودُ الرَّطْبَةَ وَيَقَعُ عَلَى أَوَّلِ جَذَّةٍ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ إنَّ الرَّغْبَةَ فِيهِ وَحْدَهُ) كَذَا قَيَّدَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ أَيْضًا قَالَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي مَعْنَى الثَّمَرِ لِلشَّجَرِ وَإِدْرَاكُهُ لَهُ وَقْتٌ مَعْلُومٌ وَهُوَ يَحْصُلُ بِعَمَلِ الْعَامِلِ فَصَحَّ اشْتِرَاطُ الْمُنَاصَفَةِ فِيهِ وَالرَّطْبَةُ لِصَاحِبِهَا، وَلَوْ ذَكَرَ هَذَا الْقَيْدَ عِنْدَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَظْهَرَ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِالْمَتْنِ، وَقَدْ نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَهَذَا إذَا لَمْ يُسَمِّ مُدَّةً، وَإِذَا سَمَّى مُدَّةً فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ تَبْلُغُ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ ذَكَرَ مُدَّةً تَبْلُغُ فِيهَا أَوْ لَا تَبْلُغُ أَيْ يُحْتَمَلُ بُلُوغُهَا فِيهَا وَعَدَمُهُ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ إلَخْ) بَلْ هُوَ مُتَوَهِّمٌ فِي كُلِّ مُزَارَعَةٍ وَمُسَاقَاةٍ بِأَنْ يَصْطَلِمَ الزَّرْعَ أَوْ الثَّمَرَ آفَةٌ سَمَاوِيَّةٌ دُرَرٌ (قَوْلُهُ فَعَلَى الشَّرْطِ) هَذَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ يَرْغَبُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَرْغَبْ فِي مِثْلِهِ فِي الْمُعَامَلَةِ لَا يَجُوزُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ، لِأَنَّ مَا لَا يُرْغَبُ فِيهِ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ خُلَاصَةٌ. قُلْت: وَأَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ بِأَنَّهُ لَوْ بَرَزَ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ فِي الْمُدَّةِ فَلَهُ أَخْذُ مَا بَرَزَ بِعَمَلِهِ فِيهَا دُونَ الْبَارِزِ بَعْدَهَا (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَسَدَتْ) أَيْ وَإِلَّا يَخْرُجْ فِي الْوَقْتِ الْمُسَمَّى بَلْ تَأَخَّرَ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ فِي الْمُدَّةِ الْمُسَمَّاةِ فَصَارَ كَمَا إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ أَصْلًا لِأَنَّ الذَّهَابَ بِآفَةٍ فَلَا يَتَبَيَّنُ فَسَادُ الْمُدَّةِ فَبَقِيَ الْعَقْدُ صَحِيحًا، وَلَا شَيْءَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِيَدُومَ عَمَلُهُ إلَخْ) عِبَارَةُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ: لِيَعْمَلَ إلَى إدْرَاكِ الثَّمَرِ. وَاعْتَرَضَهَا الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْيَعْقُوبِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ مُفَادَهَا أَنَّ الْأُجْرَةَ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ اللَّاحِقِ إلَى النُّضْجِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ فَسَادُ الْعَقْدِ بِعَدَمِ الْخُرُوجِ لَزِمَ أَجْرُ الْعَمَلِ السَّابِقِ. وَأَجَابُوا بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ لِيَعْمَلَ لِيَدُومَ عَمَلُهُ وَالْإِدْرَاكُ بِمَعْنَى الْخُرُوجِ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَخْرُجْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ أَصْلًا لِجَوَازِ أَنْ لَا يَخْرُجَ أَصْلًا لِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 287 (وَلَوْ دَفَعَ غِرَاسًا فِي أَرْضٍ لَمْ تَبْلُغْ الثَّمَرَةُ عَلَى أَنْ يُصْلِحَهَا فَمَا خَرَجَ كَانَ بَيْنَهُمَا تَفْسُدُ) هَذِهِ الْمُسَاقَاةُ (إنْ لَمْ يَذْكُرَا أَعْوَامًا مَعْلُومَةً) فَإِنْ ذَكَرًا ذَلِكَ صَحَّ (وَكَذَا لَوْ دَفَعَ أُصُولَ رَطْبَةٍ فِي أَرْضٍ مُسَاقَاةٍ وَلَمْ يُسَمِّ الْمُدَّةَ، بِخِلَافِ الرَّطْبَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ) وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْمُدَّةَ (وَيَقَعُ عَلَى أَوَّلِ جَزٍّ يَكُونُ، وَلَوْ دَفَعَ رَطْبَةً انْتَهَى جِذَاذُهَا عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا حَتَّى يُخْرِجَ بَذْرَهَا وَيَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ جَازَ بِلَا بَيَانِ مُدَّةٍ وَالرَّطْبَةُ لِصَاحِبِهَا، وَلَوْ) (شَرَطَا الشَّرِكَةَ فِيهَا) أَيْ فِي الرَّطْبَةِ (فَسَدَتْ) لِشَرْطِهِمَا الشَّرِكَةَ فِيمَا لَا يَنْمُو بِعَمَلِهِ. (وَتَصِحُّ فِي) (الْكَرْمِ وَالشَّجَرِ وَالرِّطَابِ) الْمُرَادُ مِنْهَا جَمِيعُ الْبُقُولِ (وَأُصُولِ الْبَاذِنْجَانِ وَالنَّخْلِ) وَخَصَّهَا الشَّافِعِيُّ بِالْكَرْمِ وَالنَّخْلِ (لَوْ فِيهِ) أَيْ الشَّجَرُ الْمَذْكُورُ (ثَمَرَةٌ غَيْرُ مُدْرَكَةٍ) يَعْنِي تَزِيدُ الْعَمَلَ (وَإِنْ مُدْرَكَةً) قَدْ انْتَهَتْ (لَا) تَصِحُّ (كَالْمُزَارَعَةِ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ.   [رد المحتار] وَأَجَابَ ابْنُ الْكَمَالِ بِأَنَّ الْمَعْنَى أَجْرُ مِثْلِ الْعَامِلِ الْمُسْتَأْجَرِ لِيَعْمَلَ إلَى إدْرَاكِ الثَّمَرِ لَا أَجْرُ مِثْلِ الْعَامِلِ الْمُسْتَأْجَرِ إلَى زَمَانِ ظُهُورِ فَسَادِ الْعَقْدِ فَإِنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ يَتَفَاوَتُ بِقِلَّةِ الْمُدَّةِ وَكَثْرَتِهَا فَافْهَمْ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَمْ تَبْلُغْ الثَّمَرَةَ) أَيْ لَمْ تَبْلُغْ الْغِرَاسُ الثَّمَرَةَ كَذَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ فَالثَّمَرَةُ بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ تَبْلُغْ وَفَاعِلُهُ ضَمِيرُ الْغِرَاسِ. وَالْمَعْنَى أَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ زَمَنًا تَصْلُحُ فِيهِ لِلْإِثْمَارِ لَا أَنَّهَا لَمْ تُثْمِرْ بِالْفِعْلِ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ صَالِحَةً لِلْإِثْمَارِ لَكِنَّهَا وَقْتَ الدَّفْعِ لَمْ تَكُنْ مُثْمِرَةً يَصِحُّ بِلَا بَيَانِ الْمُدَّةِ وَيَقَعُ عَلَى أَوَّلِ ثَمَرَةٍ تَخْرُجُ كَمَا مَرَّ، وَلِهَذَا عَبَّرَ هُنَاكَ بِالشَّجَرِ وَهُنَا عَبَّرَ بِالْغِرَاسِ فَتَفَطَّنْ لِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ (قَوْلُهُ تَفْسُدُ) لِأَنَّ الْغِرَاسَ يَتَفَاوَتُ بِقُوَّةِ الْأَرْضِ وَضَعْفِهَا تَفَاوُتًا فَاحِشًا فَلَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ إلَى أَوَّلِ ثَمَرَةٍ تَخْرُجُ مِنْهُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ دَفَعَ أُصُولَ رَطْبَةٍ إلَخْ) أَيْ تَفْسُدُ، وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الرَّطْبَةِ إلَخْ يُوهِمُ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَدْفُوعَ فِي الْأُولَى أُصُولُ الرَّطْبَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ الرَّطْبَةُ نَفْسُهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَوَّلَ جَزَّةٍ مِنْهَا مَتَى تَكُونُ تَفْسُدُ، وَإِنْ عَلِمَ تَجُوزُ. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَلَوْ دَفَعَ أُصُولَ رَطْبَةٍ يَقُومُ عَلَيْهَا حَتَّى تَذْهَبَ أُصُولُهَا وَيَنْقَطِعَ نَبْتُهَا وَمَا خَرَجَ نِصْفَانِ فَهُوَ فَاسِدٌ، وَكَذَلِكَ النَّخْلُ وَالشَّجَرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِذَلِكَ وَقْتٌ مَعْلُومٌ فَكَانَتْ الْمُدَّةُ مَجْهُولَةً. أَمَّا إذَا دَفَعَ النَّخِيلَ أَوْ أُصُولَ الرَّطْبَةِ مُعَامَلَةً وَلَمْ يَقُلْ حَتَّى تَذْهَبَ أُصُولُهَا إلَخْ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّةَ إذَا كَانَ لِلرَّطْبَةِ جَزَّةٌ مَعْلُومَةٌ فَيَقَعُ عَلَى أَوَّلِ جَزَّةٍ، وَفِي النَّخِيلِ عَلَى أَوَّلِ ثَمَرَةٍ تَخْرُجُ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلرَّطْبَةِ جَزَّةٌ مَعْلُومَةٌ، فَلَا يَجُوزُ بِلَا بَيَانِ الْمُدَّةِ (قَوْلُهُ عَلَى أَوَّلِ جَزٍّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ: أَيْ مَجْزُوزٍ بِمَعْنَى مَقْطُوعٍ (قَوْلُهُ جَازَ) أَيْ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِمَّا يُرْغَبُ فِيهِ كَمَا مَرَّ. [مُطْلَبٌ فِي الْمُسَاقَاةِ عَلَى الْحُورِ وَالصَّفْصَافِ] 1 ِ [تَنْبِيهٌ] قَدَّمْنَا صِحَّةَ الْمُعَامَلَةِ فِي نَحْوِ الْحُورِ وَالصَّفْصَافِ مِمَّا لَا ثَمَرَةَ لَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ كَالرَّطْبَةِ فَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْمُدَّةَ وَيَقَعُ عَلَى أَوَّلِ جَزَّةٍ، وَكَذَا إذَا دَفَعَ لَهُ أُصُولَهُ وَسَمَّى مُدَّةً تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ الْمُرَادُ مِنْهَا جَمِيعُ الْبُقُولِ) كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَالضَّمِيرُ لِلرِّطَابِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: الرِّطَابُ جَمْعُ رَطْبَةٍ كَالْقَصْعَةِ وَالْقِصَاعِ وَالْبُقُولُ غَيْرُ الرِّطَابِ، فَالْبُقُولُ مِثْلُ الْكُرَّاثِ وَالسَّلْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالرِّطَابُ كَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَالْعِنَبِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَوْ فِيهِ إلَخْ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّقْيِيدِ الِاحْتِرَازَ عَنْ شَجَرٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ لِمَا عَلِمْت، بَلْ عَمَّا فِيهِ ثَمَرَةٌ مُدْرَكَةٌ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ يَعْنِي تَزِيدُ بِالْعَمَلِ) أَقُولُ: أَرَادَ بِالْعَمَلِ مَا يَشْمَلُ الْحِفْظَ، لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا: دَفَعَ كَرْمًا مُعَامَلَةً لَا يَحْتَاجُ لِمَا سِوَى الْحِفْظِ، إنْ بِحَالٍ لَوْ لَمْ يُحْفَظْ يَذْهَبُ ثَمَرُهُ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ جَازَ وَيَكُونُ الْحِفْظُ زِيَادَةً فِي الثِّمَارِ، وَإِنْ بِحَالٍ لَا يَحْتَاجُ لِلْحِفْظِ لَا يَجُوزُ وَلَا نَصِيبَ لِلْعَامِلِ مِنْ ذَلِكَ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ مُدْرَكَةً إلَخْ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 288 (دَفَعَ أَرْضًا بَيْضَاءَ مُدَّةً مَعْلُومَةً لِيَغْرِسَ وَتَكُونُ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا) (لَا تَصِحُّ) لِاشْتِرَاطِ الشَّرِكَةِ   [رد المحتار] قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: دَفَعَ إلَيْهِ نَخْلًا فِيهِ طَلْعٌ مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ جَازَ، وَكَذَا لَوْ دَفَعَهُ وَقَدْ صَارَ بُسْرًا أَخْضَرَ أَوْ أَحْمَرَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتَنَاهَ عِظَمُهُ، فَإِنْ دَفَعَهُ وَقَدْ انْتَهَى عِظَمُهُ وَلَا يَزِيدُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرْطُبْ فَسَدَ، فَإِنْ أَقَامَ عَلَيْهِ وَحَفِظَهُ حَتَّى صَارَ ثَمَرًا فَهُوَ لِصَاحِبِ النَّخْلِ وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ وَجَمِيعُ الْفَاكِهَةِ فِي الْأَشْجَارِ، وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ مَا لَمْ يَبْلُغْ الِاسْتِحْصَادَ، وَإِذَا اُسْتُحْصِدَ لَمْ يَجُزْ دَفْعُهُ لِمَنْ يَقُومُ عَلَيْهِ بِبَعْضِهِ، وَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بَيْضَاءَ) أَيْ لَا نَبَاتَ فِيهَا (قَوْلُهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً) وَبِدُونِهَا بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَتَكُونُ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا) قَيَّدَ بِهِ إذْ لَوْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الشَّجَرُ بَيْنَهُمَا فَقَطْ صَحَّ. مُطْلَبٌ يُشْتَرَطُ فِي الْمُنَاصَبَةِ بَيَانُ الْمُدَّةِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا مُدَّةً مَعْلُومَةً عَلَى أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا غِرَاسًا عَلَى أَنَّ مَا تَحَصَّلَ مِنْ الْأَغْرَاسِ وَالثِّمَارِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا جَازَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَتَصْرِيحُهُمْ بِضَرْبِ الْمُدَّةِ صَرِيحٌ فِي فَسَادِهَا بِعَدَمِهِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِإِدْرَاكِهَا مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ، كَمَا قَالُوا فِيمَا لَوْ دَفَعَ غِرَاسًا لَمْ تَبْلُغْ الثَّمَرَةَ عَلَى أَنْ يُصْلِحَهَا خَيْرِيَّةٌ مِنْ الْوَقْفِ وَالْمُسَاقَاةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْحَامِدِيَّةِ وَالْمُرَادِيَةِ وَهَكَذَا حَقَّقَهُ الرَّمْلِيُّ فِي الْحَاشِيَةِ، وَهَذِهِ تُسَمَّى مُنَاصَبَةً وَيَفْعَلُونَهَا فِي زَمَانِنَا بِلَا بَيَانِ مُدَّةٍ، وَقَدْ عَلِمْت فَسَادَهَا. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَإِذَا فَسَدَتْ لِعَدَمِ الْمُدَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الثَّمَرُ وَالْغَرْسُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَلِلْآخَرِ قِيمَةُ الْغَرْسِ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ، كَمَا لَوْ فَسَدَتْ بِاشْتِرَاطِ بَعْضِ الْأَرْضِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْعِلَّةِ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى اهـ. أَقُولُ: وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ يُخَيَّرُ رَبُّ الْأَرْضِ، إنْ شَاءَ غَرِمَ نِصْفَ قِيمَةِ الشَّجَرَةِ وَيَمْلِكُهَا، وَإِنْ شَاءَ قَلَعَهَا اهـ. وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيهَا فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ فَرَاجِعْهَا. هَذَا، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالذَّخِيرَةِ: دَفَعَ إلَى ابْنٍ لَهُ أَرْضًا لِيَغْرِسَ فِيهَا أَغْرَاسًا عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَمْ يُؤَقِّتْ لَهُ وَقْتًا فَغَرَسَ فِيهَا ثُمَّ مَاتَ الدَّافِعُ عَنْهُ وَعَنْ وَرَثَةِ سِوَاهُ فَأَرَادَ الْوَرَثَةُ أَنْ يُكَلِّفُوهُ قَلَعَ الْأَشْجَارَ كُلَّهَا لِيَقْسِمُوا الْأَرْضَ، فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ قُسِمَتْ، وَمَا وَقَعَ فِي نَصِيبِ غَيْرِهِ كُلِّفَ قَلْعَهُ وَتَسْوِيَةَ الْأَرْضِ مَا لَمْ يَصْطَلِحُوا، وَإِنْ لَمْ تَحْتَمِلْ يُؤْمَرُ الْغَارِسُ بِقَلْعِ الْكُلِّ مَا لَمْ يَصْطَلِحُوا اهـ، فَهَذَا كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْمُنَاصَبَةَ تَفْسُدُ بِلَا بَيَانِ الْمُدَّةِ كَمَا فَهِمَهُ الرَّمْلِيُّ مِنْ تَقْيِيدِهِمْ بِالْمُدَّةِ، إذْ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَ الْغِرَاسُ مُنَاصَفَةً كَمَا شَرَطَا، لَكِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ حَيْثُ فَسَدَتْ فَالْغِرَاسُ لِلْغَارِسِ لَا لِلدَّافِعِ وَهُوَ خِلَافُ مَا بَحَثَهُ الرَّمْلِيُّ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَيُمْكِنُ ادِّعَاءُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا فَسَدَتْ بِاشْتِرَاطِ نِصْفِ الْأَرْضِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ مِمَّا عَلَّلُوا بِهِ الْفَسَادَ فَإِنَّهُمْ عَلَّلُوا لَهُ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: مِنْهَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ الْأَرْضِ عِوَضًا عَنْ جَمِيعِ الْغِرَاسِ وَنِصْفَ الْخَارِجِ عِوَضًا لِعَمَلِهِ فَصَارَ الْعَامِلُ مُشْتَرِيًا نِصْفَ الْأَرْضِ بِالْغِرَاسِ الْمَجْهُولِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ، فَإِذَا زَرَعَهُ فِي الْأَرْضِ بِأَمْرِ صَاحِبِهَا فَكَأَنَّ صَاحِبَهَا فَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ قَابِضًا وَمُسْتَهْلِكًا بِالْعُلُوقِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَأَجْرُ الْمِثْلِ اهـ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا بَلْ هُوَ فِي مَعْنَى اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ بِنِصْفِ الْخَارِجِ: وَإِذَا فَسَدَ الْعَقْدُ لِعَدَمِ الْمُدَّةِ يَبْقَى الْغِرَاسُ لِلْغَارِسِ، وَنَظِيرُهُ مَا مَرَّ فِي الْمُزَارَعَةِ أَنَّهَا إذَا فَسَدَتْ فَالْخَارِجُ لِرَبِّ الْبَذْرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْغَرْسَ كَالْبَذْرِ، وَيَنْبَغِي لُزُومُ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْمُزَارَعَةِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ لِاشْتِرَاطِ الشَّرِكَةِ إلَخْ) هَذَا ثَانِي الْأَوْجُهِ الَّتِي عَلَّلُوا بِهَا الْفَسَادَ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْهِدَايَةِ، وَقَالَ إنَّهُ أَصَحُّهَا. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: لِأَنَّهُ نَظِيرُ مَنْ اسْتَأْجَرَ صَبَّاغًا لِيَصْبُغَ ثَوْبَهُ بِصَبْغِ نَفْسِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ نِصْفُ الْمَصْبُوغِ لِلصَّبَّاغِ فَإِنَّ الْغِرَاسَ آلَةٌ تُجْعَلُ الْأَرْضُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 289 فِيمَا هُوَ مَوْجُودٌ قَبْلَ الشَّرِكَةِ فَكَانَ كَقَفِيزِ الطَّحَّانِ فَتَفْسُدُ (وَالثَّمَرُ وَالْغَرْسُ لِرَبِّ الْأَرْضِ) تَبِعَا لِأَرْضِهِ (وَلِلْآخَرِ قِيمَةُ غَرْسِهِ) يَوْمَ الْغَرْسِ (وَأَجْرُ) مِثْلِ (عَمَلِهِ) وَحِيلَةُ الْجَوَازِ أَنْ يَبِيعَ نِصْفَ الْغِرَاسِ بِنِصْفِ الْأَرْضِ وَيَسْتَأْجِرَ رَبُّ الْأَرْضِ الْعَامِلَ ثَلَاثَ سِنِينَ مَثَلًا بِشَيْءٍ قَلِيلٍ لِيَعْمَلَ فِي نَصِيبِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ. [مُطْلَبٌ يُشْتَرَطُ فِي الْمُنَاصَبَةِ بَيَانُ الْمُدَّةِ] (ذَهَبَتْ الرِّيحُ بِنَوَاةِ رَجُلٍ وَأَلْقَتْهَا فِي كَرْمِ آخَرَ فَنَبَتَ مِنْهَا شَجَرَةٌ) (فَهِيَ لِصَاحِبِ الْكَرْمِ) إذْ لَا قِيمَةَ لِلنَّوَاةِ (وَكَذَا لَوْ) (وَقَعَتْ خَوْخَةٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَنَبَتَ) لِأَنَّ الْخَوْخَةَ لَا تَنْبُتُ إلَّا بَعْدَ ذَهَابِ لَحْمِهَا. (وَتَبْطُلُ) أَيْ الْمُسَاقَاةُ (كَالْمُزَارَعَةِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَمُضِيِّ مُدَّتِهَا وَالثَّمَرُ نِيءٌ) هَذَا قَيْدٌ لِصُورَتَيْ الْمَوْتِ وَمُضِيِّ الْمُدَّةِ (فَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ تَقُومُ وَرَثَتُهُ عَلَيْهِ) إنْ شَاءُوا حَتَّى يُدْرَكَ الثَّمَرُ (وَإِنْ كَرِهَ الدَّافِعُ) أَيْ رَبُّ الْأَرْضِ، وَإِنْ أَرَادُوا الْقَلْعَ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَى الْعَمَلِ (وَإِنْ مَاتَ الدَّافِعُ يَقُومُ الْعَامِلُ كَمَا كَانَ وَإِنْ كَرِهَ وَرَثَةُ الدَّافِعِ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ   [رد المحتار] بِهَا بُسْتَانًا كَالصَّبْغِ لِلثَّوْبِ، فَإِذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ بَقِيَتْ الْآلَةُ مُتَّصِلَةً بِمِلْكِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَهِيَ مُتَقَوِّمَةٌ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا كَمَا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ قِيمَةُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِي ثَوْبِهِ وَأَجْرُ عَمَلِهِ اهـ (قَوْلُهُ فِيمَا هُوَ مَوْجُودٌ قَبْلَ الشَّرِكَةِ) وَهُوَ الْأَرْضُ (قَوْلُهُ فَكَانَ كَقَفِيزِ الطَّحَّانِ) إذْ هُوَ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ وَهُوَ نِصْفُ الْبُسْتَانِ هِدَايَةٌ. هَذَا: وَأَمَّا وَجْهُ صِحَّةِ الْمُنَاصَبَةِ فَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لِأَنَّهُمَا شَرَطَا الشَّرِكَةَ فِي جَمِيعِ مَا يَخْرُجُ بِعَمَلِ الْعَامِلِ وَهَذَا جَائِزٌ فِي الْمُزَارَعَةِ فَكَذَا فِي الْمُعَامَلَةِ اهـ. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ كَوْنَهَا فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ لَا يَضُرُّ إذْ هُوَ جَارٍ فِي مُعْظَمِ مَسَائِلِ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ، وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ بِفَسَادِهِمَا، وَتَرَكَ صَاحِبَاهُ الْقِيَاسَ اسْتِدْلَالًا «بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» ، وَهَذَا يُفِيدُ تَرْجِيحَ الْوَجْهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ النِّهَايَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ يَوْمَ الْغَرْسِ) كَذَا أَفَادَهُ الرَّمْلِيُّ، وَقَالَ: لِأَنَّ الضَّمَانَ فِي مِثْلِهِ مِنْ وَقْتِ الِاسْتِهْلَاكِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ مِنْ وَقْتِهِ لَا مِنْ وَقْتِ صَيْرُورَتِهِ شَجَرًا مُثْمِرًا وَلَا مِنْ وَقْتِ الْمُخَاصَمَةِ، فَاعْلَمْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَحَلَّ قَدْ يَشْتَبِهُ اهـ (قَوْلُهُ وَحِيلَةُ الْجَوَازِ إلَخْ) هَذِهِ الْحِيلَةُ وَإِنْ أَفَادَتْ صِحَّةَ الِاشْتِرَاكِ فِي الْأَرْضِ وَالْغِرَاسِ لَكِنَّهَا تَضُرُّ صَاحِبَ الْأَرْضِ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَ الشَّرِيكِ عَلَى الْعَمَلِ فِي الْمُشْتَرَكِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَسْتَحِقُّ أَجْرًا إنْ عَمِلَ، فَقَدْ يَمْتَنِعُ عَنْ الْعَمَلِ وَيَأْخُذُ نِصْفَ الْأَرْضِ بِالثَّمَنِ الْيَسِيرِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُمَا أَفْرَزَا الْغِرَاسَ وَغَرَسَ كُلٌّ نِصْفَهُ فِي جَانِبٍ فَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا بَعْدَ ذَهَابِ لَحْمِهَا) أَيْ وَبَعْدَ ذَهَابِهِ لَا قِيمَةَ لِلنَّوَاةِ فَكَانَتْ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ط. قَالَ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: بِخِلَافِ الصَّيْدِ إذَا فَرَّخَتْ فِي أَرْضِ إنْسَانٍ أَوْ بَاضَتْ لِأَنَّ الصَّيْدَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَلَا مُتَّصِلًا بِهَا (قَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْعَقْدَ وَإِنْ بَطَلَ لَكِنَّهُ يَبْقَى حُكْمًا أَيْ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، فَانْدَفَعَ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مِنْ دَعْوَى التَّنَافِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَرَادُوا الْقَلْعَ) التَّعْبِيرُ بِهِ يُنَاسِبُ الْمُزَارَعَةَ لَا الْمُسَاقَاةَ اهـ ح. قُلْت: وَالْأَحْسَنُ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ أَشْمَلُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَى الْعَمَلِ) أَيْ بَلْ يُخَيَّرُ الْآخَرُ بَيْنَ أَنْ يَقْسِمَ الْبُسْرَ عَلَى الشَّرْطِ، وَبَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ قِيمَةَ نَصِيبِهِمْ مِنْ الْبُسْرِ، وَبَيْنَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الْبُسْرِ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَرْجِعَ بِذَلِكَ فِي حِصَّتِهِمْ مِنْ الثَّمَرِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ ح (قَوْلُهُ يَقُومُ الْعَامِلُ إلَخْ) وَلَوْ الْتَزَمَ الضَّرَرُ تُتَخَيَّرُ وَرَثَةُ الْآخَرِ كَمَا مَرَّ، وَنَظِيرُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَيْضًا. وَاسْتَشْكَلَ الزَّيْلَعِيُّ الرُّجُوعَ عَلَى الْعَامِلِ أَوْ وَرَثَتِهِ فِي حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَرِ فَقَطْ، وَكَانَ يَنْبَغِي الرُّجُوعُ بِجَمِيعِ النَّفَقَةِ لِأَنَّ الْعَامِلَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْعَمَلِ وَكَانَ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا إذَا اخْتَارَ الْمُضِيَّ أَوْ لَمْ يَمُتْ صَاحِبُهُ كَانَ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ الرُّجُوعُ بِحِصَّتِهِ فَقَطْ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ الْعَمَلَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا حَتَّى تُسْتَحَقَّ الْمُؤْنَةُ بِحِصَّتِهِ فَقَطْ وَهَذَا خُلْفٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 290 (وَإِنْ مَاتَا) (فَالْخِيَارُ فِي ذَلِكَ لِوَرَثَةِ الْعَامِلِ) كَمَا مَرَّ (وَإِنْ) (لَمْ يَمُتْ أَحَدُهُمَا بَلْ انْقَضَتْ مُدَّتُهَا) أَيْ الْمُسَاقَاةِ (فَالْخِيَارُ لِلْعَامِلِ) إنْ شَاءَ عَمِلَ عَلَى مَا كَانَ (وَتُفْسَخُ بِالْعُذْرِ) (كَالْمُزَارَعَةِ) كَمَا فِي الْإِجَارَاتِ (وَمِنْهُ كَوْنُ الْعَامِلِ عَاجِزًا عَنْ الْعَمَلِ، وَكَوْنُهُ سَارِقًا يُخَافُ عَلَى ثَمَرِهِ وَسَعَفِهِ مِنْهُ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ. [فُرُوعٌ] مَا قَبْلَ الْإِدْرَاكِ كَسَقْيٍ وَتَلْقِيحٍ وَحِفْظٍ فَعَلَى الْعَامِلِ، وَمَا بَعْدَهُ كَجِذَاذٍ وَحِفْظٍ فَعَلَيْهِمَا، وَلَوْ شَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ فَسَدَتْ اتِّفَاقًا مُلْتَقًى. وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ كَسَقْيٍ فَعَلَى الْعَامِلِ وَبَعْدَهُ كَحَصَادٍ   [رد المحتار] لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِحْقَاقِ الْعَامِلِ بِلَا عَمَلٍ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ وَكَذَا هَذَا الْإِشْكَالُ وَارِدٌ فِي الْمُزَارَعَةِ أَيْضًا اهـ. وَأَجَابَ فِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الرُّجُوعَ فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ بِجَمِيعِ النَّفَقَةِ لَا بِحِصَّتِهِ كَمَا فَهِمَهُ هَذَا الْفَاضِلُ اهـ. وَهَذَا الْجَوَابُ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى التَّتَارْخَانِيَّة، مِنْ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِجَمِيعِ النَّفَقَةِ مُقَدَّرًا بِالْحِصَّةِ، وَلِقَوْلِ الْهِدَايَةِ هُنَاكَ يَرْجِعُ بِمَا يُنْفِقُهُ فِي حِصَّتِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِنِصْفِهِ وَلَا بِحِصَّتِهِ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ مُقَدَّرًا بِالْحِصَّةِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ إنْ كَانَ قَدْرَهَا أَوْ دُونَهَا لَا بِالزَّائِدِ عَلَيْهَا كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ. قَالَ الْحَمَوِيُّ: نَعَمْ يَرِدُ هَذَا: أَيْ إشْكَالُ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى مَا فِي الْكَافِي وَالْغَايَةِ وَالْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنِصْفِ مَا أَنْفَقَهُ. هَذَا، وَاعْلَمْ أَنَّ الرُّجُوعَ بِجَمِيعِ النَّفَقَةِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَرَّرَهُ فِي الْمُزَارَعَةِ، وَتَقَدَّمَ مَتْنًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ فَالْعَمَلُ عَلَى الْعَامِلِ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ، وَلَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَعَلَيْهِمَا بِالْحِصَصِ وَعَنْ هَذَا صَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ وَرَثَةَ رَبِّ الْأَرْضِ إذَا أَنْفَقُوا بِأَمْرِ الْقَاضِي رَجَعُوا بِجَمِيعِ النَّفَقَةِ مُقَدَّرًا بِالْحِصَّةِ، وَفِي انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ يَرْجِعُ رَبُّ الْأَرْضِ عَلَى الْمُزَارِعِ بِالنِّصْفِ مُقَدَّرًا بِالْحِصَّةِ. وَالْفَرْقُ بَقَاءُ الْعَقْدِ فِي الْأَوَّلِ، وَكَوْنُ الْعَمَلِ عَلَى الْعَامِلِ فَقَطْ، بِخِلَافِ الثَّانِي، وَتَمَامُهُ مَرَّ فِي الْمُزَارَعَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْمُزَارَعَةِ لَكِنَّ الْمُسَاقَاةَ مِثْلُهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْهِدَايَةِ وَيَأْتِي، وَلَمْ يُفَرِّقُوا هُنَا بَيْنَهُمَا إلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ يَأْتِي قَرِيبًا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ التَّقْيِيدِ بِأَمْرِ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا رُجُوعَ بِدُونِهِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَا إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: فَإِنْ أَبَى وَرَثَةُ الْعَامِلِ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ كَانَ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ لِوَرَثَةِ رَبِّ الْأَرْضِ عَلَى مَا وَصَفْنَا (قَوْلُهُ بَلْ انْقَضَتْ مُدَّتُهَا) أَيْ وَالثَّمَرُ نِيءٌ، فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ إنْ شَاءَ عَمِلَ) أَيْ كَالْمُزَارَعَةِ لَكِنْ هُنَا لَا يَجِبُ عَلَى الْعَامِلِ أَجْرُ حِصَّتِهِ إلَى أَنْ يُدْرَكَ لِأَنَّ الشَّجَرَ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ، بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ، وَكَذَا الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ وَفِي الْمُزَارَعَةِ عَلَيْهِمَا زَيْلَعِيٌّ، وَإِنْ أَبَى عَنْ الْعَمَلِ خُيِّرَ الْآخَرُ بَيْنَ خِيَارَاتٍ ثَلَاثَةٍ كَمَا بَيَّنَّا أَتْقَانِيٌّ. [فَرْعٌ قَامَ الْعَامِلُ عَلَى الْكَرْمِ أَيَّامًا ثُمَّ تَرَكَ فَلَمَّا أَدْرَكَ الثَّمَرَ جَاءَ يَطْلُبُ الْحِصَّةَ] 1 [فَرْعٌ] قَامَ الْعَامِلُ عَلَى الْكَرْمِ أَيَّامًا ثُمَّ تَرَكَ فَلَمَّا أَدْرَكَ الثَّمَرَ جَاءَ يَطْلُبُ الْحِصَّةَ إنْ تَرَكَ فِي وَقْتٍ صَارَ لِلثَّمَرَةِ قِيمَةٌ لَهُ الطَّلَبُ، وَإِنْ قَبْلَهُ فَلَا بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَتُفْسَخُ بِالْعُذْرِ) وَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي الْمُزَارَعَةِ أَتْقَانِيٌّ، وَهَلْ سَفَرُ الْعَامِلِ عُذْرٌ فِيهِ رِوَايَتَانِ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُوَفِّقُ بَيْنَهُمَا، فَهُوَ عُذْرٌ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ عَمَلَ نَفْسِهِ، وَغَيْرُ عُذْرٍ إذَا أَطْلَقَ وَكَذَا التَّفْصِيلُ فِي مَرَضِ الْعَامِلِ اهـ (قَوْلُهُ وَسَعَفِهِ) بِالتَّحْرِيكِ جَمْعُ سَعَفَةٍ: غُصْنُ النَّخْلِ صِحَاحٌ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْكَمَالِ عَنْ الْمُغْرِبِ، وَكَتَبَ فِي الْهَامِشِ أَنَّ مَا فِي زَكَاةِ الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّهُ وَرَقُ الْجَرِيدِ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْهُ الْمَرَاوِحُ لَيْسَ بِذَاكَ اهـ، لَكِنْ ذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَامِلِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُخَافُ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ فَسَدَتْ اتِّفَاقًا) عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ: وَلَوْ شَرَطَ الْجِذَاذَ عَلَى الْعَامِلِ فَسَدَتْ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَا عُرْفَ فِيهِ اهـ، وَقَدَّمَ الشَّارِحُ آخِرَ الْمُزَارَعَةِ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ يَضْمَنُ الْعِنَبَ بِتَرْكِ الْحِفْظِ لِلْعُرْفِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ إلَخْ) لَمْ يُفِدْ شَيْئًا زَائِدًا عَلَى مَا قَبْلَهُ، فَإِنَّ مَا قَبْلَهُ أَصْلٌ لِذِكْرِهِ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ تَأَمَّلْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 291 عَلَيْهِمَا كَمَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَلْيُحْفَظْ. دَفَعَ كَرْمَةً مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ ثُمَّ زَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى النِّصْفِ، إنْ زَادَ رَبُّ الْكَرْمِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ هِبَةُ مَشَاعٍ يُقْسَمُ، وَإِنْ زَادَ الْعَامِلُ جَازَ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ. دَفَعَ الشَّجَرَ لِشَرِيكِهِ مُسَاقَاةً لَمْ يَجُزْ فَلَا أَجْرَ لَهُ   [رد المحتار] وَذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْيَنَابِيعِ أَنَّ اشْتِرَاطَ مَا لَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ بَعْدَ الْمُدَّةِ عَلَى الْمُسَاقِي كَالتَّلْقِيحِ وَالتَّأْبِيرِ وَالسَّقْيِ جَائِزٌ، وَمَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ بَعْدَهَا كَإِلْقَاءِ السِّرْقِينِ وَنَصْبِ الْعَرَائِشِ وَغَرْسِ الْأَشْجَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مُفْسِدٌ (قَوْلُهُ كَمَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ) أَيْ كَالْعَمَلِ الَّذِي بَعْدَ قِسْمَةِ الْخَارِجِ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: كَالْحَمْلِ إلَى الْبَيْتِ وَالطَّحْنِ وَأَشْبَاهِهِمَا وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَعْمَالِهَا فَيَكُونَانِ عَلَيْهِمَا، لَكِنْ فِيمَا هُوَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ، وَفِيمَا هُوَ بَعْدَهَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً لِتَمَيُّزِ مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ مِلْكِ الْآخَرِ (قَوْلُهُ ثُمَّ زَادَ أَحَدُهُمَا إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْهِنْدِيَّةِ أَصْلًا حَسَنًا فَقَالَ: الْأَصْلُ مَا مَرَّ مِرَارًا أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ احْتَمَلَ إنْشَاءَ الْعَقْدِ احْتَمَلَ الزِّيَادَةَ وَإِلَّا فَلَا، وَالْحَظُّ جَائِزٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، فَإِذَا دَفَعَ نَخْلًا بِالنِّصْفِ مُعَامَلَةً فَخَرَجَ الثَّمَرُ، فَإِنْ لَمْ يَتَنَاهَ عِظَمُهُ جَازَتْ الزِّيَادَةُ مِنْهُمَا أَيَّهُمَا كَانَ، وَلَوْ تَنَاهَى عِظَمُ الْبُسْرِ جَازَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْعَامِلِ لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ لِلْعَامِلِ شَيْئًا اهـ، فَإِنْ حُمِلَ مَا ذُكِرَ هُنَا عَلَى مَا إذَا تَنَاهَى الْعِظَمُ حَصَلَ التَّوْفِيقُ، أَمَّا قَبْلَ التَّنَاهِي فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ الْعَقْدِ، وَإِنْشَاؤُهُ حِينَئِذٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ جَائِزٌ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ أَصْلُ الْهِنْدِيَّةِ فَتَدَبَّرْ اهـ ط. قُلْت: وَذُكِرَ نَحْوُ هَذَا الْأَصْلِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَذَكَرَ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ وَالْمُعَامَلَةَ سَوَاءٌ (قَوْلُهُ دَفَعَ الشَّجَرَ لِشَرِيكِهِ مُسَاقَاةً لَمْ يَجُزْ) أَيْ إذَا شَرَطَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ نَصِيبِهِ. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِذَا فَسَدَتْ فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِمَا فِي النَّخِيلِ، وَلَوْ اشْتَرَطَا أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ جَازَ اهـ وَفَسَادُ مُسَاقَاةِ الشَّرِيكِ مَذْكُورٌ فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهَا، وَبِهِ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ وَالْحَامِدِيَّةِ، فَمَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا فَاسِدٌ فَتَنَبَّهْ، وَقَيَّدَ بِالْمُسَاقَاةِ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ فِي أَرْضٍ وَبَذْرٍ مِنْهُمَا تَصِحُّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَالْفَرْقُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ مَعْنَى الْإِجَارَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ رَاجِحٌ عَلَى مَعْنَى الشَّرِكَةِ، وَفِي الْمُزَارَعَةِ بِالْعَكْسِ. [فَرْعٌ] لَوْ سَاقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى نَصِيبِهِ أَجْنَبِيًّا بِلَا إذْنِ الْآخَرِ هَلْ يَصِحُّ؟ فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ نَعَمْ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَذْهَبَنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ إجَارَةٌ وَهِيَ تَجُوزُ فِي الْمُشَاعِ عِنْدَهُمَا، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ مَذْهَبُهُمَا، فَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي الْمَشَاعِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ ثُمَّ رَأَيْت الْمُؤَلِّفَ أَجَابَ بِأَنَّهَا تَصِحُّ عِنْدَهُمَا كَمَا تَفَقَّهْت وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّ مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَإِنْ كَانَ رَاجِحًا فِي الْمُسَاقَاةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا، لَكِنَّ الْإِجَارَةَ فِيهَا مِنْ جَانِبِ الْعَامِلِ لَا الشَّجَرِ، لِأَنَّ اسْتِئْجَارَ الشَّجَرِ لَا يَجُوزُ كَمَا مَرَّ، فَالْعَامِلُ فِي الْحَقِيقَةِ أَجِيرٌ لِرَبِّ الشَّجَرِ بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ، وَلَا شُيُوعَ فِي الْعَامِلِ بَلْ الشُّيُوعُ فِي الْأُجْرَةِ فَلَمْ يُوجَدْ هُنَا إجَارَةُ الْمُشَاعِ الَّتِي فِيهَا الْخِلَافُ فَتَدَبَّرْ. عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ مَا نَصُّهُ: إذَا دَفَعَ النَّخِيلَ مُعَامَلَةً إلَى رَجُلَيْنِ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ، وَلَوْ دَفَعَ نِصْفَ النَّخِيلِ مُعَامَلَةً لَا يَجُوزُ اهـ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ النَّخِيلَ كُلَّهُ الدَّافِعُ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ فَعَدَمُ الْجَوَازِ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ فِي الْمُشْتَرَكِ بِالْأَوْلَى، بَلْ يُفِيدُ عَدَمَ الْجَوَازِ وَلَوْ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ النَّخِيلَ مُشْتَرَكٌ وَدَفَعَ أَحَدُهُمَا لِأَجْنَبِيِّ فَالْأَمْرُ أَظْهَرُ، فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَاهُ وَثَبَتَ أَنَّ مُسَاقَاةَ الشَّرِيكِ لِأَجْنَبِيٍّ وَلَوْ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ لَا تَصِحُّ كَمُسَاقَاةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ لِلْآخِرِ، هَذَا مَا ظَهَرَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 292 لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فَيَقَعُ الْعَمَلُ لِنَفْسِهِ. وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: وَمَا لِلْمُسَاقِي أَنْ يُسَاقِيَ غَيْرَهُ ... وَإِنْ أَذِنَ الْمَوْلَى لَهُ لَيْسَ يُنْكَرُ وَفِي مُعَايَاتِهَا: وَأَيُّ شِيَاهٍ دُونَ ذَبْحٍ يُحِلُّهَا ... وَأَيُّ الْمَسَاقِي وَالْمَزَارِعِ يُكْفِرُ كِتَابُ الذَّبَائِحِ مُنَاسَبَتُهَا لِلْمُزَارَعَةِ كَوْنُهُمَا إتْلَافًا فِي الْحَالِ لِلِانْتِفَاعِ بِالنَّبَاتِ وَاللَّحْمِ فِي الْمَآلِ. الذَّبِيحَةُ اسْمُ مَا يُذْبَحُ كَالذِّبْحِ بِالْكَسْرِ، وَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَقَطْعُ الْأَوْدَاجِ.   [رد المحتار] لِفَهْمِي الْقَاصِرِ؛ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ إلَخْ) هَذَا يُوَضِّحُ لَك مَا أَرَدْنَاهُ عَلَى الْحِيلَةِ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ (قَوْلُهُ فَيَقَعُ الْعَمَلُ لِنَفْسِهِ) أَيْ أَصَالَةً وَلِغَيْرِهِ تَبَعًا ط (قَوْلُهُ وَمَا لِلْمُسَاقِي إلَخْ) فَلَوْ سَاقَى بِلَا إذْنٍ فَالْخَارِجُ لِلْمَالِكِ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: دَفَعَ إلَيْهِ مُعَامَلَةً وَلَمْ يَقُلْ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَدَفَعَ إلَى آخَرَ فَالْخَارِجُ لِمَالِكِ النَّخِيلِ وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ عَلَى الْعَامِلِ الْأَوَّلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَلَا أَجْرَ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الدَّفْعَ، إذْ هُوَ إيجَابُ الشَّرِكَةِ فِي مَالِ الْغَيْرِ، وَعَمَلُ الثَّانِي غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ، وَلَوْ هَلَكَ الثَّمَرُ فِي يَدِ الْعَامِلِ الثَّانِي بِلَا عَمَلِهِ وَهُوَ عَلَى رُءُوسِ النَّخِيلِ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ مِنْ عَمَلِ الْأَجِيرِ فِي أَمْرٍ يُخَالِفُ فِيهِ أَمْرَ الْأَوَّلِ يَضْمَنُ لِصَاحِبِ النَّخِيلِ الْعَامِلُ الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ، وَإِنْ هَلَكَ مِنْ عَمَلِهِ فِي أَمْرٍ لَمْ يُخَالِفْ أَمْرَ الْأَوَّلِ فَلِرَبِّ النَّخِيلِ أَنْ يُضَمِّنَ أَيًّا شَاءَ، وَلِلْأَخِيرِ إنْ ضَمِنَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْأَوَّلِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْبَزَّازِيَّةِ، وَبِهِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ، وَنَقَلَهُ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ، فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ خَفِيَ عَلَى كَثِيرِينَ. بَقِيَ أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ الْمُزَارِعِ، وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، فَلَيْسَ لِلْمُزَارِعِ دَفْعُهَا مُزَارَعَةً إلَّا بِإِذْنٍ وَلَوْ دَلَالَةً لِأَنَّ فِيهِ اشْتِرَاكُ غَيْرِهِ فِي مَالِ رَبِّ الْأَرْضِ بِلَا رِضَاهُ. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُزَارِعِ فَلَهُ الدَّفْعُ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ لِأَنَّهُ يُشْرِكُ غَيْرَهُ فِي مَالِهِ، وَتَفَاصِيلُ الْمَسْأَلَةِ طَوِيلَةٌ فَلْتُرَاجَعْ (قَوْلُهُ وَأَيُّ شِيَاهٍ إلَخْ) هِيَ الشَّاةُ الَّتِي نَدَّتْ خَارِجَ الْمِصْرِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا يَكْفِي فِيهَا الْجَرْحُ فِي أَيِّ مَكَان مَعَ التَّسْمِيَةِ كَالصَّيْدِ، وَالْمُرَادُ بِالْكَفْرِ السَّتْرُ، سُمِّيَ الزَّارِعُ كَافِرًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْحَبَّ فَكُلُّ مُزَارِعٍ وَمُسَاقٍ إذَا بَذَرَ يَكْفُرُ أَيْ يَسْتُرُ شُرُنْبُلَالِيٌّ، وَفِي كَوْنِ الْمُسَاقِي يَسْتُرُ نَظَرٌ، فَتَدَبَّرْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الذَّبَائِحِ] ِ (قَوْلُهُ مُنَاسَبَتُهَا لِلْمُزَارَعَةِ إلَخْ) كَذَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُبَيَّنَ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الذَّبَائِحِ وَالْمُسَاقَاةِ لِذِكْرِهَا بَعْدَ الْمُسَاقَاةِ، وَيَقُولُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إصْلَاحُ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِالْأَكْلِ فِي الْحَالِ لِلِانْتِفَاعِ فِي الْمَآلِ اهـ. أَقُولُ: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ مُتَّحِدَةً مَعَ الْمُزَارَعَةِ شُرُوطًا وَحُكْمًا وَخِلَافًا كَمَا مَرَّ، وَذُكِرَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ فِي تَرْجَمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَنَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ النُّتَفِ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ مِنْ الْمُزَارَعَةِ تَسَامَحُوا فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ إتْلَافًا فِي الْحَالِ) لِأَنَّ فِيهِمَا إلْقَاءَ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ وَاسْتِهْلَاكَهُ فِيهَا وَإِزْهَاقَ رُوحِ الْحَيَوَانِ وَتَخْرِيبَ بِنْيَتِهِ، لَكِنَّ هَذَا الْإِتْلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ إصْلَاحٌ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ الذَّبِيحَةُ اسْمُ مَا يُذْبَحُ) فَالْإِطْلَاقُ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ (قَوْلُهُ كَالذِّبْحِ بِالْكَسْرِ) فَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى - {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107]- (قَوْلُهُ وَأَمَّا بِالْفَتْحِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَأَمَّا الْفَتْحُ، وَالْمُرَادُ الْمَفْتُوحُ (قَوْلُهُ فَقَطْعُ الْأَوْدَاجِ) فِيهِ تَغْلِيبٌ كَمَا يَأْتِي، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 293 (حُرِّمَ) (حَيَوَانٌ مِنْ شَأْنِهِ الذَّبْحُ) خَرَجَ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ فَيَحِلَّانِ بِلَا ذَكَاةٍ، وَدَخَلَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَكُلُّ (مَا لَمْ يُذَكَّ) ذَكَاءً شَرْعِيًّا اخْتِيَارِيًّا كَانَ أَوْ اضْطِرَارِيًّا (وَذَكَاةُ الضَّرُورَةِ جَرْحٌ) وَطَعْنٌ وَإِنْهَارُ دَمٍ (فِي أَيِّ مَوْضِعٍ وَقَعَ مِنْ الْبَدَنِ،) (وَ) ذَكَاةُ (الِاخْتِيَارِ) (ذَبْحٌ بَيْنَ الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ) بِالْفَتْحِ: الْمَنْحَرُ مِنْ الصَّدْرِ (وَعُرُوقُهُ الْحُلْقُومُ) كُلُّهُ وَسَطُهُ أَوْ أَعْلَاهُ أَوْ أَسْفَلُهُ: وَهُوَ مَجْرَى النَّفَسِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ مِنْ شَأْنِهِ الذَّبْحُ) أَيْ شَرْعًا لِأَنَّ السَّمَكَ وَالْجَرَادَ يُمْكِنُ ذَبْحُهُمَا ط أَيْ إنْ كَانَ لَهُمَا أَوْدَاجٌ، وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ فِيهِمَا أَصْلًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَدَخَلَ) أَيْ فِيمَا يَحْرُمُ الْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ، وَكَذَا الْمَرِيضَةُ وَاَلَّتِي بَقَرَ الذِّئْبُ بَطْنَهَا عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَا لَمْ يُذَكَّ) هَذَا الدُّخُولُ اقْتَضَى خُرُوجَ الْمَتْنِ عَنْ كَوْنِهِ قَيْدًا فِي التَّعْرِيفِ اهـ ح (قَوْلُهُ ذَكَاءً شَرْعِيًّا) الْمَعْرُوفُ الذَّكَاةُ بِالْهَاءِ فَلْيُرَاجَعْ اهـ ح. أَقُولُ: فِي الْقَامُوسِ التَّذْكِيَةُ الذَّبْحُ كَالذَّكَاءِ وَالذَّكَاةِ (قَوْلُهُ وَذَكَاةُ الضَّرُورَةِ) أَيْ فِي صَيْدٍ غَيْرِ مُسْتَأْنَسٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَأْتِي مَتْنًا وَشَرْحًا (قَوْلُهُ وَطَعْنٌ وَإِنْهَارُ دَمٍ) كَذَا فِي الْمِنَحِ، فَالْأَوَّلُ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ وَالثَّانِي مُسَبَّبٌ عَنْهُمَا. قَالَ ط: وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْجَرْحِ كَمَا اقْتَصَرَ غَيْرُهُ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ) الْحَلْقُ فِي الْأَصْلِ الْحُلْقُومُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ: أَيْ مِنْ الْعُقْدَةِ إلَى مَبْدَإِ الصَّدْرِ، وَكَلَامُ التُّحْفَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعُنُقِ بِعَلَاقَةِ الْجُزْئِيَّةِ، فَالْمَعْنَى بَيْنَ مَبْدَأَ الْحَلْقِ: أَيْ أَصْلِ الْعُنُقِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُحْتَمِلٌ لِلرِّوَايَتَيْنِ الْآتِيَتَيْنِ (قَوْلُهُ بِالْفَتْحِ) أَيْ وَالتَّشْدِيدِ (قَوْلُهُ وَعُرُوقُهُ) أَيْ الْحَلْقُ لَا الذَّبْحُ قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ الْحُلْقُومُ) هُوَ الْحَلْقُ زِيدَ فِيهِ الْوَاوُ وَالْمِيمُ كَمَا فِي الْمَقَايِيسِ قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ وَسَطِهِ أَوْ أَعْلَاهُ أَوْ أَسْفَلهُ) الْعِبَارَةُ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَكِنَّهَا بِالْوَاوِ، وَأَتَى الشَّارِحُ بِأَوْ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْوَاوَ فِيهَا بِمَعْنَى أَوْ، إذْ لَيْسَ الشَّرْطُ وُقُوعَ الذَّبْحِ فِي الْأَعْلَى وَالْأَوْسَطِ وَالْأَسْفَلِ بَلْ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا فَافْهَمْ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ كُلِّهِ وَسَطِهِ وَأَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الذَّكَاةُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ» وَلِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْعُرُوقِ فَيَحْصُلُ بِالْفِعْلِ فِيهِ إنْهَارُ الدَّمِ عَلَى أَبْلَغِ الْوُجُوهِ فَكَانَ حُكْمُ الْكُلِّ سَوَاءً اهـ. وَعِبَارَةُ الْمَبْسُوطِ: الذَّبْحُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ كَالْحَدِيثِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَبَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ لِأَنَّ رِوَايَةَ الْمَبْسُوطِ تَقْتَضِي الْحِلَّ فِيمَا إذَا وَقَعَ الذَّبْحُ قَبْلَ الْعُقْدَةِ لِأَنَّهُ بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ، وَرِوَايَةُ الْجَامِعِ تَقْتَضِي عَدَمَهُ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ قَبْلَهَا لَمْ يَكُنْ الْحَلْقُ مَحَلَّ الذَّبْحِ فَكَانَتْ رِوَايَةُ الْجَامِعِ مُقَيِّدَةً لِإِطْلَاقِ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ الذَّبْحَ إذَا وَقَعَ أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ لَا يَحِلُّ لِأَنَّ الْمَذْبَحَ هُوَ الْحُلْقُومُ لَكِنْ رِوَايَةُ الْإِمَامِ الرُّسْتُغْفَنِيِّ تُخَالِفُ هَذِهِ، حَيْثُ قَالَ: هَذَا قَوْلُ الْعَوَامّ وَلَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ، فَتَحِلُّ سَوَاءٌ بَقِيَتْ الْعُقْدَةُ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ أَوْ الصَّدْرَ، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَنَا قَطْعُ أَكْثَرِ الْأَوْدَاجِ وَقَدْ وُجِدَ، وَكَانَ شَيْخِي يُفْتِي بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَيَقُولُ: الرُّسْتُغْفَنِيُّ إمَامٌ مُعْتَمَدٌ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَلَوْ أَخَذَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْعَمَلِ بِرِوَايَتِهِ نَأْخُذُهُ كَمَا أَخَذَنَا اهـ مَا فِي النِّهَايَةِ مُلَخَّصًا. وَذَكَرَ فِي الْعِنَايَةِ أَنَّ الْحَدِيثَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ تُسَاعِدُهَا، وَمَا فِي الذَّخِيرَةِ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ اهـ. أَقُولُ: بَلْ رِوَايَةُ الْجَامِعِ تُسَاعِدُ رِوَايَةَ الرُّسْتُغْفَنِيِّ أَيْضًا، وَلَا تُخَالِفُ رِوَايَةَ الْمَبْسُوطِ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ إطْلَاقِ الْحَلْقِ عَلَى الْعُنُقِ، وَقَدْ شَنَّعَ الْأَتْقَانِيُّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَلَى مَنْ خَالَفَ تِلْكَ الرِّوَايَةِ غَايَةَ التَّشْنِيعِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 294 عَلَى الصَّحِيحِ (وَالْمَرِيءُ) هُوَ مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ (وَالْوَدَجَانِ) مَجْرَى الدَّمِ (وَحَلَّ) الْمَذْبُوحُ (بِقَطْعِ أَيِّ ثَلَاثٍ مِنْهَا) إذْ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ وَهَلْ يَكْفِي قَطْعُ أَكْثَرِ كُلٍّ مِنْهَا؟ خِلَافٌ وَصَحَّحَ الْبَزَّازِيُّ قَطْعَ كُلِّ حُلْقُومٍ وَمَرِيءٍ وَأَكْثَرِ وَدَجٍ وَسَيَجِيءُ أَنَّهُ يَكْفِي مِنْ الْحَيَاةِ قَدْرُ مَا يَبْقَى فِي الْمَذْبُوحِ (وَ) حَلَّ الذَّبْحُ (بِكُلِّ مَا أَفْرَى الْأَوْدَاجَ) أَرَادَ بِالْأَوْدَاجِ كُلَّ الْأَرْبَعَةِ تَغْلِيبًا (وَأَنْهَرَ الدَّمَ) أَيْ أَسَالَهُ   [رد المحتار] وَقَالَ: أَلَا تَرَى قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ أَوْ أَعْلَاهُ فَإِذَا ذَبَحَ فِي الْأَعْلَى لَا بُدَّ أَنْ تَبْقَى الْعُقْدَةُ تَحْتُ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى الْعُقْدَةِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا كَلَامِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ الذَّكَاةُ بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ بِالْحَدِيثِ، وَقَدْ حَصَلَتْ لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِثَلَاثٍ مِنْ الْأَرْبَعِ أَيًّا كَانَتْ. وَيَجُوزُ تَرْكُ الْحُلْقُومِ أَصْلًا فَبِالْأَوْلَى إذَا قُطِعَ مِنْ أَعْلَاهُ وَبَقِيَتْ الْعُقْدَةُ أَسْفَلَ اهـ، وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَالْمُلْتَقَى وَالْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُمْ، لَكِنْ جَزَمَ فِي النُّقَايَةِ وَالْمَوَاهِبِ وَالْإِصْلَاحِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْعُقْدَةُ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ وَإِلَيْهِ مَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ: مَا قَالَهُ الرُّسْتُغْفَنِيُّ مُشْكِلٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَلَا الْمَرِيءِ وَأَصْحَابُنَا وَإِنْ اشْتَرَطُوا قَطْعَ الْأَكْثَرِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ أَحَدِهِمَا عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ الْعُقْدَةِ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ لَمْ يَحْصُلْ قَطْعُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يُؤْكَلُ بِالْإِجْمَاعِ إلَخْ. وَرَدَّهُ مُحَشِّيهِ الشَّلَبِيُّ وَالْحَمَوِيُّ. وَقَالَ الْمَقْدِسِيَّ: قَوْلُهُ لَمْ يَحْصُلْ قَطْعُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَمْنُوعٌ بَلْ خِلَافُ الْوَاقِعِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَطْعِهِمَا فَصْلُهُمَا عَنْ الرَّأْسِ أَوْ عَنْ الِاتِّصَالِ بِاللَّبَّةِ اهـ. وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ قَطْعِ الْمَرِيءِ إذْ يُمْكِنُ أَنْ يَقْطَعَ الْحَرْقَدَ كَزِبْرِجٍ وَهُوَ أَصْلُ اللِّسَانِ وَيَنْزِلَ عَلَى الْمَرِيءِ فَيَقْطَعُهُ فَيَحْصُلُ قَطْعُ الثَّلَاثَةِ اهـ. أَقُولُ: وَالتَّحْرِيرُ لِلْمَقَامِ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ بِالذَّبْحِ فَوْقَ الْعُقْدَةِ حَصَلَ قَطْعُ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْعُرُوقِ. فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ تَبَعًا للرستغفني، وَإِلَّا فَالْحَقُّ خِلَافُهُ، إذْ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحِلِّ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ سُؤَالِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا الْمَقَالَ وَدَعْ عَنْك الْجِدَالَ (قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِ اللُّغَةِ وَالطِّبِّ. وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ مَجْرَى الْعَلَفِ وَالْمَاءِ، وَالْمَرِيءُ مَجْرَى النَّفْسِ. قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: وَهُوَ سَهْوٌ، لَكِنْ نَقَلَ مِثْلَهُ ابْنُ الْكَمَالِ عَنْ الْكَشَّافِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ وَالْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْمَبْسُوطِينَ. وَقَالَ فِي الطَّلَبَةِ: الْحُلْقُومُ مَجْرَى الطَّعَامِ، وَالْمَرِيءُ مَجْرَى الشَّرَابِ. وَفِي الْعَيْنِيِّ أَنَّهُ مَجْرَاهُمَا (قَوْلُهُ وَالْمَرِيءُ) بِالْهَمْزِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ كَأَمِيرٍ (قَوْلُهُ وَالْوَدَجَانِ) تَثْنِيَةُ وَدَجٍ بِفَتْحَتَيْنِ: عِرْقَانِ عَظِيمَانِ فِي جَانِبَيْ قُدَّامِ الْعُنُقِ بَيْنَهُمَا الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ إذْ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ) وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت» وَهُوَ اسْمُ جَمْعٍ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَالْفَرْيُ الْقَطْعُ لِلْإِصْلَاحِ، وَالْإِفْرَاءُ لِلْإِفْسَادِ فَكَسْرُ الْهَمْزَةِ أَنْسَبُ (قَوْلُهُ وَهَلْ يَكْفِي قَطْعُ أَكْثَرِ كُلٍّ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَرْبَعَةِ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْإِمَامِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُشْتَرَطُ قَطْعُ الْأَوَّلَيْنِ وَأَحَدُ الْوَدَجَيْنِ، وَكَانَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْإِمَامِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ، وَهِيَ اشْتِرَاطُ قَطْعِ الْحُلْقُومِ مَعَ آخَرَيْنِ ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَ الْبَزَّازِيُّ إلَخْ) عِبَارَتُهُ: أَصَحُّ الْأَجْوِبَةِ فِي الْأَكْثَرِ عَنْهُ: إذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ الْأَكْثَرَ مِنْ كُلِّ وَدَجَيْنِ يُؤْكَلُ وَمَا لَا فَلَا اهـ. وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي عَنْهُ رَاجِعٌ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فَتَأَمَّلْ، (وَقَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ قُبَيْلَ قَوْلِهِ ذَبَحَ شَاةً. وَفِي الْمِنَحِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ وَالْيَنَابِيعِ: إذَا مَرِضَتْ الشَّاةُ وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا مِنْ الْحَيَاةِ إلَّا مِقْدَارُ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ، فَعِنْدَهُمَا لَا تَحِلُّ بِالذَّكَاةِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ ذُبِحَ وَهُوَ حَيٌّ أُكِلَ، عَلَيْهِ الْفَتْوَى - {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3]- مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ (قَوْلُهُ بِكُلِّ) مُتَعَلِّقٌ بِقَطْعُ (قَوْلُهُ أَرَادَ بِالْأَوْدَاجِ إلَخْ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 295 (وَلَوْ) بِنَارٍ أَوْ (بِلِيطَةٍ) أَيْ قِشْرِ قَصَبٍ (أَوْ مَرْوَةِ) هِيَ حَجَرٌ أَبْيَضُ كَالسِّكِّينِ يُذْبَحُ بِهَا (إلَّا سِنًّا وَظُفْرًا قَائِمَيْنِ، وَلَوْ كَانَا مَنْزُوعَيْنِ حَلَّ) عِنْدَنَا (مَعَ الْكَرَاهَةِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِالْحَيَوَانِ كَذَبْحِهِ بِشَفْرَةٍ كَلِيلَةٍ. (وَنُدِبَ إحْدَادُ شَفْرَتِهِ قَبْلَ الْإِضْجَاعِ، وَكُرِهَ بَعْدَهُ كَالْجَرِّ بِرِجْلِهَا إلَى الْمَذْبَحِ وَذَبْحُهَا مِنْ قَفَاهَا) إنْ بَقِيَتْ حَيَّةً حَتَّى تُقْطَعَ الْعُرُوقُ وَإِلَّا لَمْ تَحِلَّ لِمَوْتِهَا بِلَا ذَكَاةٍ (وَالنَّخْعُ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ: بُلُوغُ السِّكِّينِ النُّخَاعَ، وَهُوَ عِرْقٌ أَبْيَضُ فِي جَوْفِ عَظْمِ الرَّقَبَةِ. (وَ) كُرِهَ كُلُّ تَعْذِيبٍ بِلَا فَائِدَةٍ مِثْلُ (قَطْعِ الرَّأْسِ وَالسَّلْخِ قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ) أَيْ تَسْكُنَ عَنْ الِاضْطِرَابِ وَهُوَ تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ كَمَا لَا يَخْفَى (وَ) كُرِهَ (تَرْكُ التَّوَجُّهِ إلَى الْقِبْلَةِ) لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ. (وَشُرِطَ كَوْنُ الذَّابِحِ مُسْلِمًا حَلَالًا خَارِجَ الْحَرَمِ إنْ كَانَ صَيْدًا)   [رد المحتار] يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ الْوَدَجَيْنِ وَالْجَمْعُ لِمَا فَوْقَ الْوَاحِدِ، بَلْ الْمُرَادُ الْأَرْبَعَةُ تَغْلِيبًا أَيْ بِكُلِّ آلَةٍ تَقْطَعُهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ وَصْفَ الْآلَةِ بِذَلِكَ لَا يُفِيدُ اشْتِرَاطَ قَطْعِ الْأَرْبَعَةِ لِلْحِلِّ يُنَافِي مَا مَرَّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِنَارٍ) قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَهَلْ تَحِلُّ بِالنَّارِ عَلَى الْمَذْبَحِ؟ قَوْلَانِ، الْأَشْبَهُ لَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الزَّاهِدِيِّ. قُلْت: لَكِنْ صَرَّحُوا فِي الْجِنَايَاتِ بِأَنَّ النَّارَ عَمْدٌ وَبِهَا تَحِلُّ الذَّبِيحَةُ، لَكِنْ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْكِفَايَةِ إنْ سَالَ بِهَا الدَّمُ تَحِلُّ وَإِنْ تَجَمَّدَ لَا اهـ فَلْيُحْفَظْ وَلْيَكُنْ التَّوْفِيقُ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ بِلِيطَةٍ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْيَاءِ آخِرَ الْحُرُوفِ: هِيَ قِشْرُ الْقَصَبِ اللَّازِقِ وَالْجَمْعُ لِيطٌ اهـ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ أَوْ مَرْوَةِ) صَحَّحَهَا بَعْضُ شُرَّاحِ الْوِقَايَةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَلَمْ نَجِدْهُ فِي الْمُعْتَبَرَاتِ مِنْ اللُّغَاتِ، وَقَدْ أَوْرَدَهَا صَاحِبُ الدُّسْتُورِ فِي الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ كَذَا قَالَهُ أَخِي زَادَهْ مِنَحٌ (قَوْلُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ) أَيْ كَرَاهَةِ الذَّبْحِ بِهَا، وَأَمَّا أَكْلُ الذَّبِيحِ بِهَا لَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَالِاخْتِيَارِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ بِشَفْرَةٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ ح عَنْ جَامِعِ اللُّغَةِ. وَفِي الْقَامُوسِ أَنَّهَا السِّكِّينُ الْعَظِيمُ، وَمَا عَرَضَ مِنْ الْحَدِيدِ وَحُدَّ وَجَمْعُهُ شِفَارٌ (قَوْلُهُ وَنُدِبَ إلَخْ) لِلْأَمْرِ بِهِ فِي الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهَا تَعْرِفُ مَا يُرَادُ بِهَا كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ «أَبْهَمَتْ الْبَهَائِمُ إلَّا عَنْ أَرْبَعَةٍ: خَالِقِهَا، وَرَازِقِهَا، وَحَتْفِهَا، وَسِفَادِهَا» ، شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ إنْ بَقِيَتْ حَيَّةً إلَخْ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ: وَهَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ لَوْ كَانَتْ تَعِيشُ قَبْلَ قَطْعِ الْعُرُوقِ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ حَتَّى تَحِلَّ بِقَطْعِ الْعُرُوقِ لِيَكُونَ الْمَوْتُ مُضَافًا إلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا تَحِلُّ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ الْمَوْتُ مُضَافًا إلَى الْفِعْلِ السَّابِقِ أَتْقَانِيٌّ " لَكِنْ رَأَيْت بِهَامِشِهِ، قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ: هَذَا التَّفْصِيلُ يَصِحُّ فِيمَا إذَا قَطَعَهُ بِدَفْعَتَيْنِ، فَلَوْ بِدَفْعَةٍ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ كَمَا قُلْنَا فِي الدِّيَاتِ: لَوْ شَجَّهُ مُوضِحَتَيْنِ بِضَرْبَةٍ فَفِيهِ أَرْشٌ وَبِضَرْبَتَيْنِ أَرْشَانِ اهـ. أَقُولُ: وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِمَنْ تَدَبَّرَ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ هَذَا التَّفْصِيلَ (قَوْلُهُ وَالنَّخَعُ) بِالنُّونِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (قَوْلُهُ بُلُوغُ السِّكِّينِ النُّخَاعَ) الْمُنَاسِبُ إبْلَاغُ السِّكِّينِ اهـ ح. وَقِيلَ النَّخَعُ: أَنْ يَمُدَّ رَأْسَهُ حَتَّى يُظْهِرَ مَذْبَحَهُ، وَقِيلَ أَنْ يُكْسَرَ عُنُقُهُ قَبْلَ أَنْ يَسْكُنَ عَنْ الِاضْطِرَابِ، فَإِنَّ الْكُلَّ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِ حَيَوَانٍ بِلَا فَائِدَةٍ هِدَايَةٌ. وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيّ أَنَّ الْأَخِيرَ هُوَ الْبَخْعُ بِالْبَاءِ دُونَ النُّونِ، وَصَوَّبَهُ الْمُطَرِّزِيُّ وَغَيْرُهُ إلَّا أَنَّ الْكَوَاشِيَّ رَدَّهُ بِأَنَّ الْبُخَاعَ بِالْبَاءِ لَمْ يُوجَدْ فِي اللُّغَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: طَالَمَا بَحَثْت عَنْهُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَالطِّبِّ وَالتَّشْرِيحِ فَلَمْ أَجِدْهُ فَمُجَرَّدُ مَنْعِ الْفَاضِلِ التَّفْتَازَانِيُّ لِذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ قُهُسْتَانِيٌ. وَالنُّخَاعُ بِالنُّونِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَالضَّمُّ لُغَةٌ (قَوْلُهُ وَكُرِهَ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْجَامِعُ فِي إفَادَةِ مَعْنَى الْكَرَاهَةِ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ أَيْ تَسْكُنُ عَنْ الِاضْطِرَابِ) كَذَا فَسَّرَهُ فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ) لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ بُرُودَتِهَا سُكُوتُهَا بِلَا عَكْسٍ (قَوْلُهُ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ) أَيْ الْمُؤَكَّدَةِ لِأَنَّهُ تَوَارَثَهُ النَّاسُ فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ بِلَا عُذْرٍ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ صَيْدًا) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 296 فَصَيْدُ الْحَرَمِ لَا تُحِلُّهُ الذَّكَاةُ فِي الْحَرَمِ مُطْلَقًا (أَوْ كِتَابِيًّا ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا) إلَّا إذَا سُمِعَ مِنْهُ عِنْدَ الذَّبْحِ ذِكْرُ الْمَسِيحِ (فَتَحِلُّ ذَبِيحَتَهُمَا، وَلَوْ) الذَّابِحُ (مَجْنُونًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَالذَّبْحَ) وَيَقْدِرُ   [رد المحتار] حَلَالًا، وَقَوْلُهُ خَارِجَ الْحَرَمِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ ذَبْحِ الشَّاةِ وَنَحْوِهَا فَتَحِلُّ مِنْ مُحْرِمٍ وَغَيْرِهِ وَلَوْ فِي الْحَرَمِ (قَوْلُهُ فَصَيْدُ الْحَرَمِ لَا تُحِلُّهُ الذَّكَاةُ فِي الْحَرَمِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمُذَكِّي حَلَالًا أَوْ مُحْرِمًا كَمَا أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يُحِلُّ الصَّيْدُ بِذَكَاتِهِ فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ، وَتَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ فِي الْحَرَمِ يُفِيدُ أَنَّ الْحَلَالَ لَوْ أَخْرَجَهُ إلَى الْحَرَمِ وَذَبَحَهُ فِيهِ يَحِلُّ. قَالَ ط: وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ اهـ. أَقُولُ: يُؤَيِّدُهُ إطْلَاقُ الْأَتْقَانِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَكَذَا صَيْدُ الْحَرَمِ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ أَصْلًا لَا لِلْمُحْرِمِ وَلَا لِلْحَلَالِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُ الْهِدَايَةِ: لِأَنَّ الذَّكَاةَ فِعْلٌ مَشْرُوعٌ، وَهَذَا الصَّنِيعُ مُحَرَّمٌ فَلَمْ يَكُنْ ذَكَاةً (قَوْلُهُ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا) وَكَذَا عَرَبِيًّا أَوْ تَغْلِبِيًّا، لِأَنَّ الشَّرْطَ قِيَامُ الْمِلَّةِ هِدَايَةٌ، وَكَذَا الصَّابِئَةُ لِأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِعِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قُهُسْتَانِيٌ. وَفِي الْبَدَائِعِ: كِتَابُهُمْ الزَّبُورُ وَلَعَلَّهُمْ فِرَقٌ، وَقَدَّمَ الشَّارِحُ فِي الْجِزْيَةِ أَنَّ السَّامِرَةَ تَدْخُلُ فِي الْيَهُودِ لِأَنَّهُمْ يَدِينُونَ بِشَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَيَدْخُلُ فِي النَّصَارَى الْإِفْرِنْجُ وَالْأَرْمَنُ سَائِحَانِيٌّ. وَفِي الْحَامِدِيَّةِ: وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْيَهُودِيِّ أَنْ يَكُونَ إسْرَائِيلِيًّا وَفِي النَّصْرَانِيِّ أَنْ لَا يَعْتَقِدَ أَنَّ الْمَسِيحَ إلَهٌ؟ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا عَدَمُهُ، وَبِهِ أَفْتَى الْجَدُّ فِي الْإِسْرَائِيلِيِّ، وَشَرَطَ فِي الْمُسْتَصْفَى لِحِلِّ مُنَاكَحَتِهِمْ عَدَمَ اعْتِقَادِ النَّصْرَانِيِّ ذَلِكَ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَيَجِبُ أَنْ لَا يَأْكُلُوا ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ إنْ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْمَسِيحَ إلَهٌ وَأَنَّ عُزَيْرًا إلَهٌ، وَلَا يَتَزَوَّجُوا بِنِسَائِهِمْ، لَكِنْ فِي مَبْسُوطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ: وَتَحِلُّ ذَبِيحَةُ النَّصَارَى مُطْلَقًا سَوَاءٌ قَالَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ أَوْ لَا، وَمُقْتَضَى الدَّلَائِلِ الْجَوَازُ كَمَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ فِي فَتَاوَاهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْكُلَ ذَبِيحَتَهُمْ وَلَا يَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ إلَّا لِلضَّرُورَةِ كَمَا حَقَّقَهُ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ اشْتِرَاطَ مَا ذُكِرَ فِي النَّصَارَى مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الرِّوَايَاتِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا سُمِعَ مِنْهُ عِنْدَ الذَّبْحِ ذِكْرُ الْمَسِيحِ) فَلَوْ سُمِعَ مِنْهُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنَّهُ عَنِيَ بِهِ الْمَسِيحَ قَالُوا يُؤْكَلُ إلَّا إذَا نَصَّ فَقَالَ بِاسْمِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ هِنْدِيَّةٌ، وَأَفَادَ أَنَّهُ يُؤْكَلُ إذَا جَاءَ بِهِ مَذْبُوحًا عِنَايَةٌ، كَمَا إذَا ذَبَحَ بِالْحُضُورِ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ الذَّابِحُ مَجْنُونًا) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَعْتُوهُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ عَنْ النِّهَايَةِ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَا قَصْدَ لَهُ وَلَا نِيَّةَ، لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ شَرْطٌ بِالنَّصِّ وَهِيَ بِالْقَصْدِ وَصِحَّةُ الْقَصْدِ بِمَا ذَكَرْنَا، يَعْنِي قَوْلَهُ إذَا كَانَ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَالذَّبِيحَةَ وَيَضْبِطُ اهـ، وَلِذَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ اهـ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ، لَكِنْ فِي التَّبْيِينِ: وَلَوْ سَمَّى وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ صَحَّ اهـ فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّأْوِيلِ كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ بَعْدَهُ لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ اهـ فَإِنَّ الْمَجْنُونَ الْمُسْتَغْرِقَ لَا قَصْدَ لَهُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ إلَخْ) زَادَ فِي الْهِدَايَةِ: وَيَضْبِطُ، وَهُمَا قَيْدٌ لِكُلِّ الْمَعْطُوفَاتِ السَّابِقَةِ وَاللَّاحِقَةِ، إذْ الِاشْتِرَاكُ أَصْلٌ فِي الْقُيُودِ، كَمَا تَقَرَّرَ قُهُسْتَانِيٌ، فَالضَّمِيرُ فِيهِ لِلذَّابِحِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ وَشَرْطُ كَوْنِ الذَّابِحِ لَا لِلصَّبِيِّ كَمَا وَهَمَ. وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ، فَفِي الْعِنَايَةِ قِيلَ يَعْنِي يَعْقِلُ لَفْظَ التَّسْمِيَةِ، وَقِيلَ يَعْقِلُ أَنَّ حِلَّ الذَّبِيحَةِ بِالتَّسْمِيَةِ وَيَقْدِرُ عَلَى الذَّبْحِ وَيَضْبِطُ: أَيْ يَعْلَمُ شَرَائِطَ الذَّبْحِ مِنْ فَرْيِ الْأَوْدَاجِ وَالْحُلْقُومِ اهـ. وَنَقَلَ أَبُو السُّعُودِ عَنْ مَنَاهِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَنَّ الْأَوَّلَ الَّذِي يَنْبَغِي الْعَمَلُ بِهِ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ شَرْطٌ فَيُشْتَرَطُ حُصُولُهُ لَا تَحْصِيلُهُ، فَلَا يَتَوَقَّفُ الْحِلُّ عَلَى عِلْمِ الصَّبِيِّ أَنَّ الذَّبِيحَةَ إنَّمَا تَحِلُّ بِالتَّسْمِيَةِ اهـ وَهَكَذَا ظَهَرَ لِي قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ مَسْطُورًا، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 297 (أَوْ أَقْلَفَ أَوْ أَخْرَسَ) (لَا) تَحِلُّ (ذَبِيحَةُ) غَيْرِ كِتَابِيٍّ مِنْ (وَثَنِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ وَمُرْتَدٍّ) وَجِنِّيٍّ وَجَبْرِيٍّ لَوْ أَبُوهُ سُنِّيًّا،   [رد المحتار] وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْحَقَائِقِ وَالْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ ذَاكِرًا لَهَا غَيْرَ عَالِمٍ بِشَرْطِيَّتِهَا فَهُوَ فِي مَعْنَى النَّاسِي اهـ (قَوْلُهُ أَوْ أَقْلَفَ) هُوَ الَّذِي لَمْ يُخْتَنْ وَكَذَا الْأَغْلَفُ. وَذَكَرَهُ احْتِرَازًا عَمَّا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ ذَبِيحَتَهُ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ أَخْرَسَ) مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا، لِأَنَّ عَجْزَهُ عَنْ التَّسْمِيَةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ ذَكَاتِهِ كَصَلَاتِهِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ غَيْرِ كِتَابِيٍّ) وَكَذَا الدُّرُوزُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحِصْنِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، حَتَّى قَالَ: لَا تَحِلُّ الْقَرِيشَةُ الْمَعْمُولَةُ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ وَقَوَاعِدُنَا تُوَافِقُهُ، إذْ لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ مُنَزَّلٌ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِنَبِيٍّ مُرْسَلٍ. وَالْكِتَابِيُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِنَبِيٍّ وَيُقِرُّ بِكِتَابٍ رَمْلِيٌّ. أَقُولُ: وَفِي بِلَادِ الدُّرُوزِ كَثِيرٌ مِنْ النَّصَارَى، فَإِذَا جِيءَ بِالْقَرِيشَةِ أَوْ الْجُبْنِ مِنْ بِلَادِهِمْ لَا يُحْكَمُ بِعَدَمِ الْحِلِّ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهَا مَعْمُولَةٌ بِإِنْفَحَةِ ذَبِيحَةِ دَرْزِيٍّ، وَإِلَّا فَقَدْ تُعْمَلُ بِغَيْرِ إنْفَحَةٍ، وَقَدْ يَذْبَحُ الذَّبِيحَةَ نَصْرَانِيٌّ تَأَمَّلْ، وَسَيَأْتِي عَنْ الْمُصَنِّفِ آخِرَ كِتَابِ الصَّيْدِ أَنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِ الذَّابِحِ أَهْلًا لِلذَّكَاةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَيَأْتِي بَيَانُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَجِنِّيٍّ) لِمَا فِي الْمُلْتَقَطِ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَبَائِحِ الْجِنِّ» اهـ أَشْبَاهٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَتَصَوَّرْ بِصُورَةِ الْآدَمِيِّ وَيَذْبَحُ وَإِلَّا فَتَحِلُّ نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ الصُّورَةِ وَيُحَرَّرُ اهـ ط (قَوْلُهُ وَجَبْرِيٍّ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ الْأَشْبَاهِ أَخَذَهُ مِنْ الْقُنْيَةِ، وَنَصُّ عِبَارَتِهَا بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ: وَعَنْ أَبِي عَلِيٍّ أَنَّهُ تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمُجْبِرَةِ إنْ كَانَ آبَاؤُهُمْ مُجْبِرَةً فَإِنَّهُمْ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ، وَإِنْ كَانَ آبَاؤُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ لَمْ تَحِلَّ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَدِّينَ اهـ وَمُرَادُهُ بِأَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ رَئِيسُ أَهْلِ الِاعْتِزَالِ، وَبِالْمُجْبِرَةِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةُ فَإِنَّهُمْ يُسَمُّونَ أَهْلَ السُّنَّةِ بِذَلِكَ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ الْجُشَمِيِّ مِنْهُمْ فِي تَفْسِيرِهِ، وَالْمُرَادُ بِأَهْلِ الْعَدْلِ أَنْفُسُهُمْ كَمَا عُلِمَ ذَلِكَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ، فَقَدْ غَيَّرَ صَاحِبُ الْأَشْبَاهِ الْمُجْبِرَةَ بِالْجَبْرِيَّةِ اهـ مِنَحٌ. أَقُولُ: وَأَيْضًا غَيَّرَ أَهْلَ الْعَدْلِ بِالسُّنِّيِّ، فَإِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ لَمْ يَتَسَمَّوْا بِأَهْلِ السُّنَّةِ بَلْ بِأَهْلِ الْعَدْلِ لِقَوْلِهِمْ بِوُجُوبِ الصَّلَاحِ وَالْأَصْلَحِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَخْلُقُ الشَّرَّ لِزَعْمِهِمْ الْفَاسِدِ أَنَّ خِلَافَ ذَلِكَ ظُلْمٌ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ عُلُوًّا كَبِيرًا، لَكِنْ تَغْيِيرُهُ الْمُجْبِرَةَ بِالْجَبْرِيَّةِ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ، لِمَا فِي تَعْرِيفَاتِ السَّيِّدِ الشَّرِيفِ: الْجَبْرُ إسْنَادُ فِعْلِ الْعَبْدِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَالْجَبْرِيَّةُ اثْنَتَانِ: مُتَوَسِّطَةٌ تُثْبِتُ لِلْعَبْدِ كَسْبًا فِي الْفِعْلِ كَالْأَشْعَرِيَّةِ، وَخَالِصَةٌ لَا تُثْبِتُهُ كَالْجَهْمِيَّةِ اهـ. فَالْجَبْرِيَّةُ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا لَكِنَّ الْجَبْرِيَّةَ الْخَالِصَةَ يَقُولُونَ إنَّ الْعَبْدَ بِمَنْزِلَةِ الْجَمَادَاتِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَعْلَمُ الشَّيْءَ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وَإِنَّ عِلْمَهُ حَادِثٌ لَا فِي مَحَلٍّ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَتَّصِفُ بِمَا يُوصَفُ بِهِ غَيْرُهُ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ يَفْنَيَانِ. وَوَافَقُوا الْمُعْتَزِلَةَ فِي نَفْيِ الرُّؤْيَةِ وَخَلْقِ الْكَلَامِ كَمَا فِي الْمَوَاقِفِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْجَبْرِيِّ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَنَّ ذَبِيحَتَهُ لَا تَحِلُّ لَوْ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، فَهَذَا الْفَرْعُ مُخَرَّجٌ عَلَى عَقَائِدِ الْمُعْتَزِلَةِ الْفَاسِدَةِ، وَعَلَى تَكْفِيرِهِمْ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لِقَوْلِهِمْ بِإِثْبَاتِ صِفَاتٍ قَدِيمَةٍ لَهُ تَعَالَى، فَإِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ قَالُوا: إنَّ النَّصَارَى كَفَرَتْ بِإِثْبَاتِ قَدِيمَيْنِ فَكَيْفَ بِإِثْبَاتِ قُدَمَاءَ كَثِيرَةٍ؟ وَرَدُّ ذَلِكَ مُوَضَّحٌ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْجَهْمِيَّةَ، وَأَنَّ ذَبِيحَةَ الْجَهْمِيِّ لَا تَحِلُّ لَوْ أَبُوهُ سُنِّيًّا لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ. وَالرَّاجِحُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ خِلَافُهُ، وَأَنَّهُمْ فُسَّاقٌ عُصَاةٌ ضُلَّالٌ وَيُصَلَّى خَلْفَهُمْ وَعَلَيْهِمْ وَيُحْكَمُ بِتَوَارُثِهِمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مِنَّا. قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: نَعَمْ يَقَعُ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ تَكْفِيرُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ هُمْ الْمُجْتَهِدُونَ بَلْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْفُقَهَاءِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ عَدَمُ تَكْفِيرِهِمْ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 298 وَلَوْ أَبُوهُ جَبْرِيًّا حَلَّتْ أَشْبَاهٌ، لِأَنَّهُ صَارَ كَمُرْتَدٍّ قُنْيَةٌ، بِخِلَافِ يَهُودِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ تَنَصَّرَ لِأَنَّهُ يُقَرَّ عَلَى مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ عِنْدَنَا فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ عِنْدَ الذَّبْحِ؛ حَتَّى لَوْ تَمَجَّسَ يَهُودِيٌّ لَا تَحِلُّ ذَكَاتُهُ، وَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ مُشْرِكٍ وَكِتَابِيٍّ كَكِتَابِيٍّ لِأَنَّهُ أَخَفُّ (وَتَارِكُ تَسْمِيَةٍ عَمْدًا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (فَإِنْ) (تَرَكَهَا نَاسِيًا) (حَلَّ) خِلَافًا لِمَالِكٍ. (وَإِنْ) (ذَكَرَ مَعَ اسْمِهِ) تَعَالَى (غَيْرَهُ) (، فَإِنْ وَصَلَ) بِلَا عَطْفٍ   [رد المحتار] فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ إنْ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى عَقَائِدِ الْمُعْتَزِلَةِ فَهُوَ بَاطِلٌ بِلَا شُبْهَةٍ وَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى عَقَائِدِنَا، وَصَاحِبُ الْأَشْبَاهِ قَاسَهُ عَلَى تَفْرِيعِ الْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُمْ فَرَضُوهُ فِينَا وَهُوَ فَرَضَهُ فِي أَمْثَالِهِمْ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ لَوْ سُنِّيًّا فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الرَّاجِحِ، وَمَا كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ وَلَا التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ يَنْبَغِي الْقَوْلُ بِعَدَمِ حِلِّ ذَبِيحَتِهِ مَعَ قَوْلِنَا بِحِلِّ ذَبِيحَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الْقَائِلِينَ بِالثَّلِيثِ، وَانْتِقَالُهُ عَنْ مَذْهَبِ أَبِيهِ السُّنِّيِّ إلَى مَذْهَبِ الْجَبْرِيَّةِ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ مُصَدِّقٌ بِنَبِيٍّ مُرْسَلٍ وَبِكِتَابٍ مُنَزَّلٍ وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَّا بِدَلِيلٍ مِنْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا فِيهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ أَدْنَى حَالًا مِنْ النَّصْرَانِيِّ الْمُثَلِّثِ بِلَا شُبْهَةِ دَلِيلٍ أَصْلًا بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ لِرَسُولِهِ وَكِتَابِهِ - {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا} [الأنبياء: 25]- {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]- وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى التَّوْفِيقِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ صَارَ كَمُرْتَدٍّ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْحِلِّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ يَهُودِيٍّ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَمُرْتَدٍّ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُقِرُّ إلَخْ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إذَا انْتَقَلَ إلَى أَيِّ دِينٍ كَانَ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ) أَيْ مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ دُونَ مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَخَفُّ) لِمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أَخَفَّ الْأَبَوَيْنِ ضَرَرًا. وَلَا شُبْهَةَ أَنَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِكِتَابٍ وَإِنْ نُسِخَ أَخَفُّ مِنْ مُشْرِكٍ يَعْبُدُ الْأَوْثَانَ، إذْ لَا شُبْهَةَ لَهُ يَلْتَجِئُ إلَيْهَا فِي الْمُحَاجَّةِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ كَانَ لَهُ دِينٌ حَقٌّ قَبْلَ نَسْخِهِ (قَوْلُهُ وَتَارِكِ تَسْمِيَةٍ عَمْدًا) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى وَثَنِيٍّ: أَيْ وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ التَّسْمِيَةِ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا لِنَصِّ الْقُرْآنِ وَلِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ مِمَّنْ قَبْلَ الشَّافِعِيِّ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ كَانَ فِي النَّاسِي وَلِذَا قَالُوا لَا يُسْمَعُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ لَا يَنْفُذُ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ» مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ النِّسْيَانِ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ «قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ سَأَلَهُ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا وَجَدَ مَعَ كَلْبِهِ كَلْبًا آخَرَ لَا تَأْكُلُ، إنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبِ غَيْرِك» عَلَّلَ الْحُرْمَةَ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ، وَتَمَامُ الْمَبَاحِثِ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ إرْسَالِ الْبَازِي وَالْكَلْبِ وَعِنْدَ الرَّمْيِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) يُوجَدُ بَعْدَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ كَمَا بَسَطَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَرَكَهَا نَاسِيًا حَلَّ) قَدَّمْنَا عَنْ الْحَقَائِقِ وَالْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ فِي مَعْنَى النَّاسِي مَنْ تَرَكَهَا جَهْلًا بِشَرْطِيَّتِهَا. وَاسْتُشْكِلَ بِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا: لَوْ سَمَّى وَذَبَحَ بِهَا وَاحِدَةً ثُمَّ ذَبَحَ أُخْرَى وَظَنَّ أَنَّ الْوَاحِدَةَ تَكْفِي لَهَا لَا تَحِلُّ. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ غَيْرِ الْعَالِمِ بِالشَّرْطِيَّةِ أَصْلًا وَبَيْنَ الْعَالِمِ بِهَا بِالْجُمْلَةِ، فَيُعْذَرُ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي لِوُجُودِ عِلْمِهِ بِأَصْلِ الشَّرْطِيَّةِ، عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ فِي التَّسْمِيَةِ الْفَوْرُ كَمَا يَأْتِي وَبِذَبْحِ الْأُولَى انْقَطَعَ الْفَوْرُ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِالشَّرْطِيَّةِ تَأَمَّلْ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ ظَنَّهُ الْإِجْزَاءَ عَنْ الثَّانِيَةِ عُذْرًا كَالنِّسْيَانِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْجَهْلِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ وَذَلِكَ لَيْسَ بِعُذْرٍ، بِخِلَافِ النِّسْيَانِ كَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْأَكْلَ لَا يُفْطِرُ الصَّائِمَ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ) كَذَا فِي أَكْثَرِ كُتُبِنَا إلَّا أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي مَشَاهِيرِ كُتُبِ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ يُسَمَّى عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَعِنْدَ الذَّبْحِ، فَإِنْ تَرَكَهَا عَامِدًا لَا يُؤْكَلُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَنَاسِيًا يُؤْكَلُ غُرَرُ الْأَفْكَارِ (قَوْلُهُ بِلَا عَطْفٍ) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَصْلِ هُنَا تَرْكُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 299 (كُرِهَ) (كَقَوْلِهِ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ) أَوْ مِنِّي، وَمِنْهُ: بِسْمِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بِالرَّفْعِ لِعَدَمِ الْعَطْفِ وَيَكُونُ مُبْتَدِئًا، لَكِنْ يُكْرَهُ لِلْوَصْلِ صُورَةً، وَلَوْ بِالْجَرِّ أَوْ النَّصْبِ حُرِّمَ دُرَرٌ، قِيلَ هَذَا إذَا عَرَفَ النَّحْوَ. وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ الْإِعْرَابُ، بَلْ يَحْرُمُ مُطْلَقًا بِالْعَطْفِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ زَيْلَعِيٌّ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ عَطَفَ حُرِّمَتْ نَحْوُ بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ) لِأَنَّهُ أَهَلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَوْطِنَانِ لَا أَذْكُرُ فِيهِمَا: عِنْدَ الْعُطَاسِ، وَعِنْدَ الذَّبْحِ» ، (فَإِنْ فُصِلَ صُورَةً وَمَعْنًى كَالدُّعَاءِ قَبْلَ الْإِضْجَاعِ وَ) الدُّعَاءِ (قَبْلَ التَّسْمِيَةِ أَوْ بَعْدَ الذَّبْحِ   [رد المحتار] الْعَاطِفِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وَإِنْ عَطَفَ عَلَى خِلَافِ اصْطِلَاحِ الْبَيَانِيِّينَ فِي الْوَصْلِ وَالْفَصْلِ (قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ) أَقُولُ: فَلَوْ عَطَفَ هُنَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضُرَّ لِمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: لَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ يَحِلُّ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ، وَلَوْ قَالَ مَعَ الْوَاوِ يَحِلُّ أَكْلُهُ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْوَصْلِ بِلَا عَطْفٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِالْجَرِّ أَوْ النَّصْبِ حَرُمَ) نَقَلَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الْفَتَاوَى وَالرَّوْضَةِ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَدَلًا مِمَّا قَبْلَهُ عَلَى اللَّفْظِ أَوْ الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ قِيلَ هَذَا) أَيْ التَّحْرِيمُ فِيمَا لَوْ وَصَلَ مَعَ الْجَرِّ أَوْ النَّصْبِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: فِيمَا لَوْ وَصَلَ بِلَا عَطْفٍ، إنْ بِالرَّفْعِ يَحِلُّ وَبِالْخَفْضِ لَا، كَذَا فِي النَّوَازِلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا إذَا كَانَ يَعْرِفُ النَّحْوَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَرَى الْخَطَأَ فِي النَّحْوِ مُعْتَبَرًا فِي الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا: لَا تَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّ وَصْلَهُ بِلَا وَاوٍ يَحِلُّ فِي الْأَوْجُهِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَذْكُورٍ عَلَى سَبِيلِ الْعَطْفِ فَيَكُونُ مُبْتَدِئًا، لَكِنْ يُكْرَهُ لِوُجُودِ الْوَصْلِ صُورَةً، وَإِنْ مَعَ الْوَاوِ، فَإِنْ خَفَضَهُ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ذَابِحًا بِهِمَا، وَإِنْ رَفَعَهُ يَحِلُّ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ، وَإِنْ نَصَبَهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ، وَجَزَمَ فِي الْبَدَائِعِ بِمَا قَالَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ (قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ إلَخْ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ هَكَذَا: وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ الْإِعْرَابُ بَلْ يَحْرُمُ مُطْلَقًا بِالْعَطْفِ لِأَنَّ كَلَامَ النَّاسِ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ الشَّلَبِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ: هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ النُّسَخِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَطْفٌ، وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ بَلْ لَا يَحْرُمُ مُطْلَقًا بِدُونِ الْعَطْفِ اهـ أَبُو السُّعُودِ، وَأَيَّدَهُ ط بِمَا مَرَّ آنِفًا عَنْ النِّهَايَةِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ جَزَمَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ عَطَفَ إلَخْ) فَإِنَّ ظَاهِرَهُ الْحُرْمَةُ مَعَ الْعَطْفِ فِي حَالَةِ الْجَرِّ وَغَيْرِهَا حَيْثُ أَطْلَقَ وَلَمْ يَقُلْ كَقَوْلِ الْهِدَايَةِ وَمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بِكَسْرِ الدَّالِ، وَكَوْنُ هَذَا مُفَادَ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ حَمَلَ كَلَامَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ ابْنَ مَلَكٍ قَالَ فِي صُورَةِ الْعَطْفِ: قِيلَ وَلَوْ رَفَعَ يَحِلُّ، لَكِنْ الْأَوْجَهُ إلَى آخِرِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَلَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ، نَعَمْ عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ مَفْرُوضَةٌ فِي صُورَةِ عَدَمِ الْعَطْفِ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ فَيَتَرَجَّحُ ادِّعَاءُ مَا مَرَّ عَنْ الشَّلَبِيِّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَإِنْ عَطَفَ حَرُمَتْ) هُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ ابْنُ سَلَمَةَ لَا تَصِيرُ مَيْتَةً لِأَنَّهَا لَوْ صَارَتْ مَيْتَةً يَصِيرُ الرَّجُلُ كَافِرًا خَانِيَّةٌ. قُلْت: تُمْنَعُ الْمُلَازَمَةُ بِأَنَّ الْكُفْرَ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ وَالْحَكَمُ بِهِ صَعْبٌ فَيُفَرَّقُ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ أَوْ فُلَانٍ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ وَفُلَانٍ بِالْوَاوِ بَعْدَ أَوْ وَهِيَ أَظْهَرُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْعَطْفِ بَيْنَ تَكْرَارِ اسْمٍ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَهَلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، لِأَنَّ الْإِهْلَالَ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَكُونُ إلَّا بِذِكْرِ اسْمِهِ مُجَرَّدًا لَا شَرِيكَ لَهُ (قَوْلُهُ لَا أَذْكُرُ فِيهِمَا) يُؤْخَذُ مِنْ الْمَقَامِ أَنَّ هَذَا النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ فَإِنَّهُ بِذِكْرِهِ عَلَى الذَّبِيحَةِ تَحْرُمُ وَتَصِيرُ مَيْتَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَهَلْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَ الْعُطَاسِ أَوْ يَكُونُ ذِكْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَهُ خِلَافَ الْأَوْلَى. يُحَرَّرُ اهـ ط (قَوْلُهُ فَإِنْ فَصَلَ) أَيْ بَيْنَ التَّسْمِيَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَوْلُهُ صُورَةً وَمَعْنًى الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْوَاوَ فِيهِ بِمَعْنَى أَوْ مَانِعَةِ الْخُلُوِّ، فَقَوْلُهُ قَبْلَ الْإِضْجَاعِ مِثَالٌ لِلْفَصْلِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَكَذَا قَوْلُهُ أَوْ بَعْدَ الذَّبْحِ، وَقَوْلُهُ وَقَبْلَ التَّسْمِيَةِ مِثَالٌ لِلْفَصْلِ مَعْنًى، فَقَطْ فَإِنَّهُ إذَا أَضْجَعَهَا ثُمَّ دَعَا وَأَعْقَبَ الدُّعَاءَ بِالتَّسْمِيَةِ وَالذَّبْحِ لَمْ يَحْصُلْ الْفَصْلُ صُورَةً أَيْ حِسًّا بَلْ مَعْنًى: أَيْ تَقْدِيرًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ تَجْرِيدُ التَّسْمِيَةِ وَقَدْ حَصَلَ، بِخِلَافِ مَا إذَا دَعَا بَعْدَ التَّسْمِيَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 300 لَا بَأْسَ بِهِ) لِعَدَمِ الْقِرَانِ أَصْلًا. (وَالشَّرْطُ فِي التَّسْمِيَةِ) (هُوَ الذِّكْرُ الْخَالِصُ عَنْ شَوْبِ الدُّعَاءِ) وَغَيْرِهِ (فَلَا يَحِلُّ بِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي) لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَسُؤَالٌ (بِخِلَافِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ مُرِيدًا بِهِ التَّسْمِيَةَ) فَإِنَّهُ يَحِلُّ. (وَلَوْ) (عَطَسَ عِنْدَ الذَّبْحِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ) (لَا يَحِلُّ فِي الْأَصَحِّ) لِعَدَمِ قَصْدِ التَّسْمِيَةِ (بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ) حَيْثُ يُجْزِئُهُ. قُلْت: يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا نَوَى وَإِلَّا لَا لِيُوَفِّقْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي الْجُمُعَةِ فَتَأَمَّلْ. (وَالْمُسْتَحَبُّ) (أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ بِلَا وَاوٍ، وَكُرِهَ بِهَا) لِأَنَّهُ يَقْطَعُ فَوْرَ التَّسْمِيَةِ كَمَا عَزَاهُ الزَّيْلَعِيُّ لِلْحَلْوَانِيِّ وَقَالَ قَبْلَهُ: وَالْمُتَدَاوَلُ الْمَنْقُولُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوَاوِ.   [رد المحتار] قَبْلَ الذَّبْحِ نَحْوَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي أَوْ اغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُجَرِّدْ التَّسْمِيَةَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ لَا يُكْرَهُ، لِمَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ الذَّبْحِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ هَذَا عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ مِمَّنْ شَهِدَ لَك بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِي بِالْبَلَاغِ» «وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ قَالَ اللَّهُمَّ هَذَا مِنْك وَلَك، إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ ذَبَحَ» وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ زَيْلَعِيٌّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَالشَّرْطُ فِي التَّسْمِيَةِ هُوَ الذِّكْرُ الْخَالِصُ) بِأَيِّ اسْمٍ كَانَ مَقْرُونًا بِصِفَةٍ كَاللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ أَوْ لَا كَاَللَّهِ أَوْ الرَّحْمَنِ وَبِالتَّهْلِيلِ وَالتَّسْبِيحِ جَهِلَ التَّسْمِيَةَ أَوْ لَا بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ لَا وَلَوْ قَادِرًا عَلَيْهَا، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا مِنْ الذَّابِحِ لَا مِنْ غَيْرِهِ هِنْدِيَّةٌ، وَبَاقِي شُرُوطِهَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَقْصِدَ مَعَهَا تَعْظِيمَ مَخْلُوقٍ، لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ لِقُدُومِ أَمِيرٍ وَنَحْوِهِ يَحْرُمُ وَلَوْ سَمَّى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَنْ شَوْبٍ) أَيْ خَلْطٍ (قَوْلُهُ مُرِيدًا بِهِ التَّسْمِيَةَ) قَيَّدَ بِهِ لِمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: لَوْ لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّسْمِيَةَ لَا يُؤْكَلُ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ: لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَيْسَتْ بِصَرِيحٍ فِي بَابِ التَّسْمِيَةِ إنَّمَا الصَّرِيحُ بِسْمِ اللَّهِ فَتَكُونُ كِنَايَةً وَالْكِنَايَةُ إنَّمَا تَقُومُ مَقَامَ الصَّرِيحِ بِالنِّيَّةِ كَمَا فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ قَصْدِ التَّسْمِيَةِ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ التَّحْمِيدَ لِلْعُطَاسِ، إذْ لَوْ أَرَادَهُ لِلذَّبِيحَةِ حَلَّتْ، وَكَذَا لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. أَقُولُ: وَفِي الْأَخِيرِ نَظَرٌ لِمَا عَلِمْت آنِفًا أَنَّهُ كِنَايَةٌ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ بِسْمِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَوْ لَمْ تَحْضُرْهُ نِيَّةٌ كَمَا يَأْتِي لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ قُلْت يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا نَوَى) أَيْ نَوَى بِهِ التَّحْمِيدَ لِلْخُطْبَةِ، وَفِيهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ فِي الذَّبْحِ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ لَهُ أَيْضًا. وَفِي الْخَانِيَّةِ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ عَطَسَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ يُرِيدُ التَّحْمِيدَ عَلَى الْعَاطِسِ فَذَبَحَ لَا يَحِلُّ، بِخِلَافِ الْخَطِيبِ إذَا عَطَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَإِنَّهُ تَجُوزُ بِهِ الْجُمُعَةُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الْجُمُعَةِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا، وَهَهُنَا الشَّرْطُ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الذَّبْحِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ، فَقَوْلُهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يَظْهَرُ مِنْهُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ مَا مَرَّ فِي الْجُمُعَةِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ الْأَصَحُّ. وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ هُنَاكَ: فَلَوْ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى لِعَاطِسِهِ لَمْ يَنُبْ عَنْهَا عَلَى الْمَذْهَبِ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ) بِإِظْهَارِ الْهَاءِ، فَإِنْ لَمْ يُظْهِرْهَا إنْ قَصَدَ ذِكْرَ اللَّهِ يَحِلُّ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَقَصَدَ تَرْكَ الْهَاءِ لَا يَحِلُّ أَتْقَانِيٌّ عَنْ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ فَوْرَ التَّسْمِيَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ. وَوَجْهُهُ يَظْهَرُ مِمَّا يَأْتِي قَرِيبًا فِيمَا يَقْطَعُ الْفَوْرَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ كَمَالُ الْفَوْرِيَّةِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الذَّبِيحَةُ مَيْتَةً، وَأَنْ يَكُونَ الْفَصْلُ حَرَامًا لَا مَكْرُوهًا لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ قَاصِدًا بِهِ التَّسْمِيَةَ يَكْفِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَالَ قَبْلَهُ إلَخْ) وَنَصُّهُ: وَمَا تَدَاوَلَتْهُ الْأَلْسُنُ عِنْدَ الذَّبْحِ وَهُوَ بِسْمِ اللَّهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 301 (وَلَوْ) (سَمَّى وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ) (صَحَّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَصَدَ بِهَا التَّبَرُّكَ فِي ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ) أَوْ نَوَى بِهَا أَمْرًا آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فَلَا تَحِلُّ (كَمَا لَوْ) (قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَرَادَ بِهِ مُتَابَعَةَ الْمُؤَذِّنِ) (فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ) بَزَّازِيَّةٌ وَفِيهَا (وَتُشْتَرَطُ) التَّسْمِيَةُ مِنْ الذَّابِحِ (حَالَ الذَّبْحِ) أَوْ الرَّمْيِ لِصَيْدٍ أَوْ الْإِرْسَالِ أَوْ حَالَ وَضْعِ الْحَدِيدِ لِحِمَارِ الْوَحْشِ إذَا لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ كَمَا سَيَجِيءُ. (وَالْمُعْتَبَرُ) (الذَّبْحُ عَقِبَ التَّسْمِيَةِ قَبْلَ تَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ) حَتَّى لَوْ أَضْجَعَ شَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى فَذَبَحَهُمَا ذَبْحَةً وَاحِدَةً بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ حَلَّا، بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَبَحَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَتَعَدَّدُ فَتَتَعَدَّدُ التَّسْمِيَةُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الصَّيْدِ، وَلَوْ سَمَّى الذَّابِحُ ثُمَّ اشْتَغَلَ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ ثُمَّ ذَبَحَ، إنْ طَالَ وَقَطَعَ الْفَوْرَ حَرُمَ وَإِلَّا لَا، وَحَدُّ الطُّولِ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ، وَإِذَا حَدَّ الشَّفْرَةَ يَنْقَطِعُ الْفَوْرُ بَزَّازِيَّةٌ.   [رد المحتار] وَاَللَّهُ أَكْبَرُ مَنْقُولٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى - {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36]- اهـ وَنَقَلَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْبَقَّالِ أَنَّهُ الْمُسْتَحَبُّ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَإِنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ حَسَنٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَمَّى) أَيْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْخَانِيَّةِ، لِمَا مَرَّ أَنَّ الْكِنَايَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ (قَوْلُهُ صَحَّ) عِنْدَ الْعَامَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَالَ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ إلَخْ (قَوْلُهُ مِنْ الذَّابِحِ) أَرَادَ بِالذَّابِحِ مُحَلِّلَ الْحَيَوَانِ لِيَشْمَلَ الرَّامِيَ وَالْمُرْسِلَ وَوَاضِعَ الْحَدِيدِ اهـ ح. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ سَمَّى لَهُ غَيْرُهُ فَلَا تَحِلُّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الذَّابِحُ اثْنَيْنِ، فَلَوْ سَمَّى أَحَدُهُمَا وَتَرَكَ الثَّانِي عَمْدًا حُرِّمَ أَكْلُهُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَسَيَذْكُرُهُ لُغْزًا مَعَ جَوَابِهِ نَظْمًا فِي آخِرِ الْأُضْحِيَّةَ (قَوْلُهُ حَالَ الذَّبْحِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: ثُمَّ التَّسْمِيَةُ فِي ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الذَّبْحِ، وَهِيَ عَلَى الْمَذْبُوحِ وَفِي الصَّيْدِ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَالرَّمْيِ، وَهِيَ عَلَى الْآلَةِ حَتَّى إذَا أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى وَذَبَحَ غَيْرَهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ وَسَمَّى وَأَصَابَ غَيْرَهُ حَلَّ، وَكَذَا فِي الْإِرْسَالِ، وَلَوْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى ثُمَّ رَمَى بِالشَّفْرَةِ وَذَبَحَ بِأُخْرَى أُكِلَ، وَإِنْ سَمَّى عَلَى سَهْمٍ ثُمَّ رَمَى بِغَيْرِهِ صَيْدًا لَا يُؤْكَلُ اهـ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ) قَيْدٌ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ اهـ ح. فَإِنْ قُلْت: ذَكَرُوا أَنَّهُ إذَا وَضَعَ مِنْجَلًا لِيَصِيدَ بِهِ حِمَارَ الْوَحْشِ ثُمَّ وَجَدَ الْحِمَارَ مَيِّتًا لَا يَحِلُّ. قُلْت: قَالَ الْبَزَّازِيُّ وَالتَّوْفِيقُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لِلتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْوَضْعِ اهـ مِنَحٌ. أَقُولُ: يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي مَسَائِلَ شَتَّى قُبَيْلَ الْفَرَائِضِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَلَوْ وَجَدَهُ مَيِّتًا مِنْ سَاعَتِهِ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَجْرَحَهُ إنْسَانٌ أَوْ يَذْبَحَهُ وَبِدُونِ ذَلِكَ هُوَ كَالنَّطِيحَةِ أَوْ الْمُتَرَدِّيَةِ وَبِهِ جَزَمَ الشَّارِحُ هُنَاكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ قَالَ: فَجَاءَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَوَجَدَهُ مَجْرُوحًا مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ، فَهَذَا يُؤَيِّدُ تَوْفِيقَ الْبَزَّازِيِّ وَإِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ إنَّ تَقْيِيدَهُ بِالْيَوْمِ الثَّانِي وَقَعَ اتِّفَاقًا، وَلَعَلَّ مُرَادَ الزَّيْلَعِيِّ لَا يَحِلُّ إذَا قَدَرَ عَلَى الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَإِلَّا فَجَرْحُ الْإِنْسَانِ مُبَاشَرَةً لَيْسَ شَرْطًا فِي الذَّكَاةِ الِاضْطِرَارِيَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ وَعُلِمَتْ مُخَالَفَتُهُ لِمَا هُنَا (قَوْلُهُ قَبْلَ تَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَالْفَاصِلِ الطَّوِيلِ كَمَا يَأْتِي فَافْهَمْ: قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: حَتَّى إذَا سَمَّى وَاشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ مِنْ كَلَامٍ قَلِيلٍ أَوْ شُرْبِ مَاءً أَوْ أَكَلَ لُقْمَةٍ أَوْ تَحْدِيدِ شَفْرَةٍ ثُمَّ ذَبَحَ يَحِلُّ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا يَحِلُّ لِأَنَّ إيقَاعَ الذَّبْحِ مُتَّصِلًا بِالتَّسْمِيَةِ بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِحَرَجٍ عَظِيمٍ فَأُقِيمَ الْمَجْلِسُ مَقَامَ الِاتِّصَالِ، وَالْعَمَلُ الْقَلِيلُ لَا يَقْطَعُهُ وَالْكَثِيرُ يَقْطَعُ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَتَعَدَّدُ) فَيَتَبَدَّلُ بِهِ الْمَجْلِسُ حُكْمًا (قَوْلُهُ وَإِذَا حَدَّ الشَّفْرَةَ يَنْقَطِعُ الْفَوْرُ) مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا كَثُرَ يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ، وَقَوْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ أَوْ شَحَذَ السِّكِّينَ قَلِيلًا أَجْزَأَهُ، لَكِنْ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 302 (وَحُبَّ) بِالْحَاءِ (نَحْرُ الْإِبِلِ) فِي سُفْلِ الْعُنُقِ (وَكُرِهَ) (ذَبْحُهَا) ، (وَالْحَكَمُ فِي غَنْمٍ وَبَقَرٍ) (عَكْسُهُ) فَنُدِبَ ذَبْحُهَا (وَكُرِهَ نَحْرُهَا لِتَرْكِ السُّنَّةِ) وَمَنَعَهُ مَالِكٌ (وَلَا بُدَّ مِنْ) (ذَبْحِ صَيْدٍ مُسْتَأْنَسٍ) لِأَنَّ زَكَاةَ الِاضْطِرَارِ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ (وَكَفَى) (جَرْحُ نَعَمٍ) كَبَقَرٍ وَغَنَمٍ (تَوَحَّشَ) فَيُجْرَحُ كَصَيْدٍ (أَوْ تَعَذَّرَ ذَبْحُهُ) كَأَنْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ أَوْ نَدَّ أَوْ صَالَ، حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ مُرِيدًا ذَكَاتَهُ حَلَّ. وَفِي النِّهَايَةِ: بَقَرَةٌ تَعَسَّرَتْ وِلَادَتُهَا فَأَدْخَلَ رَبُّهَا يَدَهُ وَذَبَحَ الْوَلَدَ حَلَّ، وَإِنْ جَرَحَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الذَّبْحِ، إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَبْحِهِ حَلَّ وَإِنْ قَدَرَ لَا. قُلْت: وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ مِنْ التَّعَذُّرِ مَا لَوْ أَدْرَكَ صَيْدَهُ حَيًّا أَوْ أَشْرَفَ ثَوْرُهُ عَلَى الْهَلَاكِ وَضَاقَ الْوَقْتُ عَلَى الذَّبْحِ أَوْ لَمْ يَجِدْ آلَةَ الذَّبْحِ فَجَرَحَهُ حَلَّ فِي رِوَايَةٍ.   [رد المحتار] وَفِي أَضَاحِي الزَّعْفَرَانِيِّ إذَا حَدَّدَ الشَّفْرَةَ تَنْقَطِعُ التَّسْمِيَةُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيِّنٍ مَا إذَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ: وَفِي الْقَامُوسِ شَحَذَ السِّكِّينَ كَمَنْعِ أَحَدُهَا كَأَشْحَذَهَا. وَفِيهِ أَيْضًا: حَدَّ السِّكِّينَ وَأَحَدَّهَا وَحَدَّدَهَا مَسَحَهَا بِحَجَرٍ أَوْ مِبْرَدٍ (قَوْلُهُ وَحُبَّ) مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حُبَّ مُتَعَدٍّ وَهِيَ لُغَةٌ اهـ ح، وَعَبَّرَ بِهِ تَبَعًا لِقَوْلِ الْهِدَايَةِ: وَالْمُسْتَحَبُّ. وَقَدْ قَالَ فِي الْكَنْزِ: وَسُنَّ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَا الْمُسْتَحَبُّ الِاصْطِلَاحِيُّ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: أَمَّا الِاسْتِحْبَابُ فَلِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ الْمُتَوَارَثَةِ اهـ فَلَا مُخَالَفَةَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا تَصْرِيحُهُ بِكَرَاهَةِ تَرْكِهِ (قَوْلُهُ نَحْرُ الْإِبِلِ) النَّحْرُ: قَطْعُ الْعُرُوقِ فِي أَسْفَلِ الْعُنُقِ عِنْدَ الصَّدْرِ، وَالذَّبْحُ: قَطْعُهَا فِي أَعْلَاهُ تَحْتَ اللَّحْيَيْنِ زَيْلَعِيٌّ. وَاعْلَمْ أَنَّ النَّعَامَ وَالْإِوَزَّ كَالْإِبِلِ، وَالضَّابِطُ كُلُّ مَا لَهُ عُنُقٌ طَوِيلٌ أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْأَبْيَارِيِّ. وَفِي الْمُضْمَرَاتِ: السُّنَّةُ أَنْ يَنْحَرَ الْبَعِيرَ قَائِمًا، وَتُذْبَحُ الشَّاةُ أَوْ الْبَقَرَةُ مُضْجَعَةً قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ وَكُرِهَ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الدِّيرِيِّ (قَوْلُهُ وَمَنَعَهُ مَالِكٌ) الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ لِلضَّرُورَةِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَإِلَّا كُرِهَ أَكْلُهُ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الدِّيرِيِّ (قَوْلُهُ وَكَفَى جَرْحُ نَعَمٍ إلَخْ) النَّعَمُ بِفَتْحَتَيْنِ وَقَدْ يُسَكَّنُ قُهُسْتَانِيٌ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: أَطْلَقَ فِيمَا تَوَحَّشَ مِنْ النَّعَمِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّاةَ إذَا نَدَّتْ فِي الصَّحْرَاءِ فَذَكَاتُهَا الْعَقْرُ، وَإِنْ نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَا تَحِلُّ بِالْعَقْرِ لِأَنَّهَا لَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا فَيُمْكِنُ أَخْذُهَا فِي الْمِصْرِ فَلَا عَجْزَ، وَالْمِصْرُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ فِي الْبَقَرِ وَالْبَعِيرِ لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا فَلَا يُقْدَرُ عَلَى أَخْذِهِمَا وَإِنْ نِدًّا فِي الْمِصْرِ اهـ. وَبِهَذَا التَّفْصِيلُ جَزَمَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالدُّرَرِ، وَهُوَ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ فِي ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ (قَوْلُهُ تَوَحَّشَ) أَيْ صَارَ وَحْشِيًّا وَمُتَنَفِّرًا وَلَمْ يُمْكِنْ ذَبْحُهُ قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ فَيَخْرُجُ كَصَيْدٍ) فَإِنْ أَصَابَ قَرْنَهُ أَوْ ظِلْفَهُ، إنْ أَدْمَى حَلَّ وَإِلَّا فَلَا أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ تَعَذَّرَ ذَبْحُهُ) أَعَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي: بَعِيرٌ أَوْ ثَوْرٌ نَدَّ فِي الْمِصْرِ، إنْ عَلِمَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ فَلَهُ أَنْ يَرْمِيَهُ اهـ فَلَمْ يُشْتَرَطْ التَّعَذُّرُ بَلْ التَّعَسُّرُ اهـ (قَوْلُهُ كَأَنْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ) أَيْ سَقَطَ وَعَلِمَ مَوْتَهُ بِالْجُرْحِ أَوْ أَشْكَلَ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَوْتَ مِنْهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْ الْجُرْحِ لَمْ يُؤْكَلْ، وَكَذَا الدَّجَاجَةُ إذَا تَعَلَّقَتْ عَلَى شَجَرَةٍ وَخِيفَ فَوْتُهَا فَذَكَاتُهَا الْجُرْحُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ نَدَّ) أَيْ نَفَرَ (قَوْلُهُ مُرِيدًا ذَكَاتَهُ) أَيْ بِأَنْ سَمَّى عِنْدَ جَرْحِهِ، أَمَّا إذَا لَمْ يُرِدْهَا وَلَمْ يُسَمِّ بَلْ أَرَادَ ضَرْبَهُ لِدَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا شُبْهَةَ فِي عَدَمِ حِلِّهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ حَلَّ) أَيْ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي النِّهَايَةِ إلَخْ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّمَا تُعْتَبَرُ حَيَاةُ الْوَلَدِ بَعْدَ خُرُوجِ أَكْثَرِهِ مَخْصُوصٌ بِالْآدَمِيِّ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ الْوَلَدُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ حَيًّا لَمْ تُعْتَبَرْ ذَكَاتُهُ وَلْيُحَرَّرْ اهـ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَذَبَحَ الْوَلَدَ) أَيْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِحَيَاتِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ حَلَّ فِي رِوَايَةٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي قَوْلٍ لِأَنَّهُ نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْقُنْيَةِ مَعْزُوًّا إلَى بَعْضِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 303 وَفِي مَنْظُومَةِ النَّسَفِيِّ قَوْلُهُ: إنَّ الْجَنِينَ مُفْرَدٌ بِحُكْمِهِ ... لَمْ يَتَذَكَّ بِذَكَاةِ أُمِّهِ فَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ إنَّ وَقَالَا إنْ تَمَّ خَلْقُهُ أُكِلَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» وَحَمَلَهُ الْإِمَامُ عَلَى التَّشْبِيهِ أَيْ كَذَكَاةِ أُمِّهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ رُوِيَ بِالنَّصْبِ، وَلَيْسَ فِي ذَبْحِ الْأُمِّ إضَاعَةُ الْوَلَدِ لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِمَوْتِهِ. (وَلَا يَحِلُّ) (ذُو نَابٍ يَصِيدُ بِنَابِهِ) فَخَرَجَ نَحْوُ الْبَعِيرِ (أَوْ مِخْلَبٍ يَصِيدُ بِمِخْلَبِهِ) أَيْ ظُفْرِهِ فَخَرَجَ نَحْوُ الْحَمَامَةِ (مِنْ سَبُعٍ) بَيَانٌ لِذِي نَابٍ. وَالسَّبُعُ: كُلُّ مُخْتَطِفٍ مُنْتَهِبٍ جَارِحٍ قَاتِلٍ عَادَةً (أَوْ طَيْرٍ) بَيَانٌ لِذِي مِخْلَبٍ (وَلَا) (الْحَشَرَاتُ) هِيَ صِغَارُ دَوَابِّ الْأَرْضِ وَاحِدُهَا حَشَرَةٌ (وَالْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ) بِخِلَافِ الْوَحْشِيَّةِ فَإِنَّهَا وَلَبَنَهَا حَلَالٌ (وَالْبَغْلُ) الَّذِي أُمُّهُ حِمَارَةٌ، فَلَوْ أُمُّهُ بَقَرَةٌ أُكِلَ اتِّفَاقًا وَلَوْ فَرَسًا فَكَأُمِّهِ   [رد المحتار] الْمَشَايِخِ. وَقَالَ الْبَعْضُ الْآخَرُ: لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إلَّا إذَا قَطَعَ الْعُرُوقَ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَفِي مَنْظُومَةِ النَّسَفِيِّ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَلَفْظَةُ قَوْلُهُ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ: أَيْ قَوْلُ النَّسَفِيِّ وَمَا بَعْدَهُ مَقُولُ الْقَوْلِ، وَقَوْلُهُ فَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ إنْ أَيْ وَأَتَى بَدَلَهَا بِالْوَاوِ. وَقَالَ فِي الْمِنَحِ: فَفِيهِ بَعْضُ تَغْيِيرٍ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْجَنِينُ إلَخْ مِنْ الْمَتْنِ كَمَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي الْمِنَحِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا رَأَيْته فِي عِدَّةِ نُسَخٍ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ فَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ بِالْأَسْوَدِ. وَمَعْنَى الْبَيْتِ أَنَّ الْجَنِينَ وَهُوَ الْوَلَدُ فِي الْبَطْنِ إنْ ذُكِّيَ عَلَى حِدَةٍ حَلَّ وَإِلَّا لَا، وَلَا يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي تَذْكِيَتِهَا لَوْ خَرَجَ مَيِّتًا فَالشَّطْرُ الثَّانِي مُفَسِّرٌ لِلْأَوَّلِ (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ رُوِيَ بِالنَّصْبِ) وَعَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ، وَإِنْ كَانَ مَرْفُوعًا فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَقْوَى فِي التَّشْبِيهِ مِنْ الْأَوَّلِ كَمَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ، قِيلَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَقْدِيمُ ذَكَاةِ الْجَنِينِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَعَيْنَاك عَيْنَاهَا وَجِيدُك جِيدُهَا ... سِوَى أَنَّ عَظْمَ السَّاقِ مِنْك دَقِيقُ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي ذَبْحِ الْأُمِّ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّهُ لَوْ لَمْ يَحِلَّ بِذَبْحِ أُمِّهِ لَمَا حَلَّ ذَبْحُهَا حَامِلًا لِإِتْلَافِ الْحَيَوَانِ وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ ظَاهِرٌ، لَكِنْ فِي الْكِفَايَةِ إنْ تَقَارَبَتْ الْوِلَادَةُ يُكْرَهُ ذَبْحُهَا، وَهَذَا الْفَرْعُ لِقَوْلِ الْإِمَامِ: وَإِذَا خَرَجَ حَيًّا وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يَقْدِرُ عَلَى ذَبْحِهِ فَمَاتَ يُؤْكَلُ، وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يَحِلُّ ذُو نَابٍ إلَخْ) كَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَهُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ لِأَنَّهَا مِنْهُ إلَّا الْفَرَسَ وَالْبَغْلَ وَالْحِمَارَ أَتْقَانِيٌّ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَجَمَاعَةٌ. وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّ طَبِيعَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَذْمُومَةٌ شَرْعًا فَيُخْشَى أَنْ يَتَوَلَّدَ مِنْ لَحْمِهَا شَيْءٌ مِنْ طِبَاعِهَا فَيَحْرُمُ إكْرَامًا لِبَنِي آدَمَ، كَمَا أَنَّهُ يَحِلُّ مَا أُحِلَّ إكْرَامًا لَهُ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ. وَفِي الْكِفَايَةِ: وَالْمُؤَثِّرُ فِي الْحُرْمَةِ الْإِيذَاءُ وَهُوَ طُورًا يَكُونُ بِالنَّابِ وَتَارَةً يَكُونُ بِالْمِخْلَبِ أَوْ الْخُبْثِ، وَهُوَ قَدْ يَكُونُ خِلْقَةً كَمَا فِي الْحَشَرَاتِ وَالْهَوَامِّ، وَقَدْ يَكُونُ بِعَارِضٍ كَمَا فِي الْجَلَّالَةِ (قَوْلُهُ أَوْ مِخْلَبٍ) مَفْعَلُ مِنْ الْخَلْبِ: وَهُوَ مَزْقُ الْجِلْدِ زَيْلَعِيٌّ، وَهُوَ ظُفْرُ كُلِّ سَبْعٍ مِنْ الْمَاشِي وَالطَّائِرِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ مِنْ سَبْعٍ) بِفَتْحَتَيْنِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا: هُوَ حَيَوَانٌ مُنْتَهِبٌ مِنْ الْأَرْضِ مُخْتَطِفٌ مِنْ الْهَوَاءِ جَارِحٌ قَاتِلٌ عَادَةً فَيَكُونُ شَامِلًا لِسِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ أَوْ طَيْرٍ، وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ لِمُوَافَقَةِ الْحَدِيثِ قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ وَاحِدُهَا حَشَرَةٌ) بِالتَّحْرِيكِ فِيهِمَا: كَالْفَأْرَةِ وَالْوَزَغَةِ وَسَامِّ أَبْرَصَ وَالْقُنْفُذُ وَالْحَيَّةُ وَالضُّفْدُعُ وَالزُّنْبُورُ وَالْبُرْغُوثُ وَالْقُمَّلُ وَالذُّبَابُ وَالْبَعُوضُ وَالْقُرَادُ، وَمَا قِيلَ إنَّ الْحَشَرَاتِ هَوَامُّ الْأَرْضِ كَالْيَرْبُوعِ وَغَيْرِهِ، فَفِيهِ أَنَّ الْهَامَّةَ مَا تَقْتُلُ مِنْ ذَوَاتِ السُّمِّ كَالْعَقَارِبِ قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ وَالْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ) وَلَوْ تَوَحَّشَتْ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَحْشِيَّةِ) وَإِنْ صَارَتْ أَهْلِيَّةً وَوَضَعَ عَلَيْهَا الْإِكَافَ قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ الَّذِي أُمُّهُ حِمَارَةٌ) الْحِمَارَةُ بِالْهَاءِ الْأَتَانُ قَامُوسٌ. وَقَالَ فِي بَابِ النُّونِ: الْأَتَانُ الْحِمَارَةُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَكَأُمِّهِ) فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي فِي الْخَيْلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 304 (وَالْخَيْلُ) وَعِنْدَهُمَا، وَالشَّافِعِيُّ تَحِلُّ. وَقِيلَ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ عَنْ حُرْمَتِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى عِمَادِيَّةٌ وَلَا بَأْسَ بِلَبَنِهَا عَلَى الْأَوْجَهِ (وَالضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ) لِأَنَّ لَهُمَا نَابًا، وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ يَحِلُّ (وَالسُّلَحْفَاةُ) بَرِّيَّةٌ وَبَحْرِيَّةٌ (وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ) الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْخَبَائِثِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. ثُمَّ قَالَ: وَالْخَبِيثُ مَا تَسْتَخْبِثُهُ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ   [رد المحتار] لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ الْأُمُّ فِيمَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ ط، وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ فِيهِ آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ وَالْخَيْلِ) كَذَا قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ لَا يَحِلُّ ذُو نَابٍ، وَمِثْلُهُ فِي الِاخْتِيَارِ. وَعِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ وَالْهِدَايَة: وَيُكْرَهُ أَكْلُ لَحْمِ الْفَرَسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. وَالْمَكْرُوهُ تَحْرِيمًا يُطْلَقُ عَلَيْهِ عَدَمُ الْحِلِّ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ، فَأَفَادَ أَنَّ التَّحْرِيمَ لَيْسَ لِنَجَاسَةِ لَحْمِهَا وَلِهَذَا أَجَابَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَمَّا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مِنْ طَهَارَةِ سُؤْرِ الْفَرَسِ بِأَنَّ حُرْمَةَ الْأَكْلِ لِلِاحْتِرَامِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَقَعُ بِهِ إرْهَابُ الْعَدُوِّ لَا لِلنَّجَاسَةِ فَلَا يُوجِبُ نَجَاسَةَ السُّؤْرِ كَمَا فِي الْآدَمِيِّ اهـ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي كِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ قُهُسْتَانِيٌ، ثُمَّ نَقَلَ تَصْحِيحَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُحِيطِ وَالْمُغْنِي وَقَاضِي خَانْ وَالْعِمَادِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ، وَأَفَادَ أَبُو السُّعُودِ أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ قَالَا بِالْحِلِّ لَكِنْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ: قَالَ ط: وَالْخِلَافُ فِي خَيْلِ الْبَرِّ، أَمَّا خَيْلُ الْبَحْرِ فَلَا تُؤْكَلُ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِلَبَنِهَا عَلَى الْأَوْجُهِ) نَقَلَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ قَاضِي خَانْ أَنَّ عَامَّةَ الْمَشَايِخِ قَالُوا: إنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِهِ وَإِنْ زَالَ عَقْلُهُ كَالْبَنْجِ. وَفِي الْهِدَايَةِ: وَأَمَّا لَبَنُهُ فَقَدْ قِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شُرْبِهِ تَقْلِيلُ آلَةِ الْجِهَادِ، وَسَمَّاهُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ مُبَاحًا فَقَالَ: السُّكْرُ مِنْ الْمُبَاحِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مِنَحِهِ: قُلْت هَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ وَجْهُهُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ اخْتَارَهُ الْوَانِجَانِيُّ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ عَلَى الْأَوْجَهِ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءٌ عَلَى الْقَوْلِ بِكَرَاهَةِ الْأَكْلِ تَحْرِيمًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالضَّبُعِ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِهَا قُهُسْتَانِيٌ اسْمٌ لِلْأُنْثَى وَيُقَالُ لِلذَّكَرِ ضِبْعَانُ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ. وَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِهِ أَنَّهُ يَحِيضُ وَيَكُونُ ذَكَرًا سَنَةً وَأُنْثَى أُخْرَى أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْأَبْيَارِيِّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ لَهُمَا نَابًا) أَيْ يَصِيدَانِ بِهِ فَيَدْخُلَانِ تَحْتَ الْحَدِيثِ الْمَارِّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَمَا رُوِيَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَتِهِمَا فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ مَتَى تَعَارَضَ نَصَّانِ غَلَبَ الْمُحَرِّمُ عَلَى الْمُبِيحِ كَمَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي الضَّبِّ (قَوْلُهُ وَالسُّلَحْفَاةِ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَبِمُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ رَمْلِيٌّ عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ، وَضَبَطَهَا غَيْرُهُ بِكَسْرِ السِّينِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ وَالْغُرَابِ الْأَبْقَعِ) أَيْ الَّذِي فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ قُهُسْتَانِيٌ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَأَمَّا الْغُرَابُ الْأَبْقَعُ وَالْأَسْوَدُ فَهُوَ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: نَوْعٌ يَلْتَقِطُ الْحَبَّ وَلَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ. وَنَوْعٌ لَا يَأْكُلُ إلَّا الْجِيَفَ وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُصَنِّفُ الْأَبْقَعَ وَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ. وَنَوْعٌ يَخْلِطُ يَأْكُلُ الْحَبَّ مَرَّةً وَالْجِيَفَ أُخْرَى وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ عِنْدَهُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اهـ وَالْأَخِيرُ هُوَ الْعَقْعَقُ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَالْخَبِيثُ إلَخْ) قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَخْبَثَاتِ حَرَامٌ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى - {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]- وَمَا اسْتَطَابَهُ الْعَرَبُ حَلَالٌ - {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [الأعراف: 157]- وَمَا اسْتَخْبَثَهُ الْعَرَبُ فَهُوَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ، وَاَلَّذِينَ يُعْتَبَرُ اسْتِطَابَتُهُمْ أَهْلُ الْحِجَازِ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ، لِأَنَّ الْكِتَابَ نَزَلَ عَلَيْهِمْ وَخُوطِبُوا بِهِ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ أَهْلُ الْبَوَادِي لِأَنَّهُ لِلضَّرُورَةِ وَالْمَجَاعَةِ يَأْكُلُونَ مَا يَجِدُونَ، وَمَا وُجِدَ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا لَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْحِجَازِ رُدَّ إلَى أَقْرَبِ مَا يُشْبِهُهُ فِي الْحِجَازِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْهَا فَهُوَ مُبَاحٌ لِدُخُولِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 305 (وَالْغُدَافُ) بِوَزْنِ غُرَابٍ: وَالنَّسْرُ جَمْعُهُ غِدْفَانٌ قَامُوسٌ (وَالْفِيلُ) وَالضَّبُّ، وَمَا رُوِيَ مِنْ أَكْلِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ (وَالْيَرْبُوعُ وَابْنُ عُرْسٍ وَالرَّخَمَةُ وَالْبُغَاثُ) هُوَ طَائِرٌ دَنِيءُ الْهِمَّةِ يُشْبِهُ الرَّخَمَةَ وَكُلُّهَا مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ. وَقِيلَ الْخُفَّاشُ لِأَنَّهُ ذُو نَابٍ. (وَلَا) يَحِلُّ (حَيَوَانٌ مَائِيٌّ إلَّا السَّمَكُ) الَّذِي مَاتَ بِآفَةٍ وَلَوْ مُتَوَلِّدًا فِي مَاءٍ نَجِسٍ   [رد المحتار] تَحْتَ قَوْله تَعَالَى - {قُلْ لا أَجِدُ} [الأنعام: 145]- الْآيَةَ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا سَكَتَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ» اهـ (قَوْلُهُ قَامُوسٌ) نَصُّ عِبَارَتِهِ: الْغُدَافُ كَغُرَابٍ غُرَابُ الْقَيْظِ، وَالنِّسْرُ الْكَثِيرُ الرِّيشُ جَمْعُهُ غِدْفَانٌ اهـ. وَقَالَ مِسْكِينٌ: إنَّهُ الْعَقْعَقُ، وَلَمَّا كَانَ الْأَصَحُّ فِي الْعَقْعَقِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ اقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي فَافْهَمْ، نَعَمْ اقْتَصَرَ الْأَتْقَانِيُّ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَالَ: وَكَذَا الْغُدَافُ لَا يُؤْكَلُ، وَهُوَ غُرَابُ الْقَيْظِ الْكَبِيرِ مِنْ الْغَرْبَانِ وَافِي الْجَنَاحَيْنِ اهـ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْعَقْعَقَ غَيْرُهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ تَأَمَّلْ. وَالْقَيْظُ: الْحَرُّ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يَجِيءُ فِي زَمَنِ الْحَرِّ (قَوْلُهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ) أَيْ ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى - {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]- لِلْأَصْلِ الْمَارِّ (قَوْلُهُ وَالْيَرْبُوعُ) بِوَزْنِ يَفْعُولٍ: دُوَيْبَّةٌ نَحْوُ الْفَأْرَةِ لَكِنْ ذَنْبُهُ وَأُذُنَاهُ أَطْوَلُ مِنْهَا وَرِجْلَاهُ أَطْوَلُ مِنْ يَدِهِ عَكْسُ الزَّرَافَةِ وَالْجَمْعُ يَرَابِيعُ، وَالْعَامَّةُ تَقُولُ جَرْبُوعٌ بِالْجِيمِ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ وَابْنُ عِرْسٍ) دُوَيْبَّةٌ أَشْتَرُ أَصْلَمُ أَصَكُّ جَمْعُهُ بَنَاتُ عِرْسٍ هَكَذَا يُجْمَعُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَالرَّخَمَةُ) بِفَتْحَتَيْنِ: طَائِرٌ أَبْقَعُ يُشْبِهُ النِّسْرَ خِلْقَةً، وَيُسَمَّى آكِلُ الْعَظْمِ غُرَرُ الْأَفْكَارِ (قَوْلُهُ وَالْبُغَاثُ) بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ وَتَثْلِيثِ الْبَاءِ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ وَكُلُّهَا مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ) ثُمَّ أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ الطَّيْرَ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْبَهِيمَةُ كُلُّ ذَاتِ أَرْبَعِ قَوَائِمَ وَلَوْ فِي الْمَاءِ وَكُلُّ حَيٍّ لَا يُمَيِّزُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ الْخُفَّاشُ) أَيْ كَذَلِكَ لَا يَحِلُّ فَهُوَ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ وَالْقَائِلُ قَاضِي خَانْ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ كُلَّ ذِي نَابٍ لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ إذَا كَانَ لَا يَصْطَادُ بِنَابِهِ اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْخُفَّاشُ كَرُمَّانٍ الْوَطْوَاطُ سُمِّيَ لِصِغَرِ عَيْنَيْهِ وَضَعْفِ بَصَرِهِ. [تَتِمَّةٌ] قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: عِنْدَنَا يُؤْكَلُ الْخُطَّافُ وَالْبُومُ، وَيُكْرَهُ الصُّرَدُ وَالْهُدْهُدُ، وَفِي الْخُفَّاشِ اخْتِلَافٌ. وَأَمَّا الدُّبْسِيُّ وَالصَّلْصَلُ وَالْعَقْعَقُ وَاللَّقْلَقُ وَاللَّحَّامُ فَلَا يُسْتَحَبُّ أَكْلُهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ حَلَالًا لِتَعَارُفِ النَّاسِ بِإِصَابَةِ آفَةٍ لِآكِلِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَحَرَّزَ عَنْهُ. وَحَرَّمَ الشَّافِعِيُّ الْخُطَّافَ وَالْبَبَّغَاءَ وَالطَّاوُوسَ وَالْهُدْهُدَ اهـ وَلَا يُؤْكَلُ السِّنَّوْرُ الْأَهْلِيُّ وَالْوَحْشِيُّ وَالسَّمُّورُ وَالسِّنْجَابُ وَالْفَنَكُ وَالدَّلَقُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَكُلُّ مَا لَا دَمَ لَهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ أَكْلُهُ إلَّا الْجَرَادُ كَالزُّنْبُورِ وَالذُّبَابِ أَتْقَانِيٌّ. وَلَا بَأْسَ بِدُودِ الزُّنْبُورِ قَبْلَ أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ لِأَنَّ مَا لَا رُوحَ لَهُ لَا يُسَمَّى مَيْتَةً خَانِيَّةٌ وَغَيْرُهَا: قَالَ ط: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ أَكْلَ الْجُبْنِ أَوْ الْخَلِّ أَوْ الثِّمَارِ كَالنَّبْقِ بِدُودِهِ لَا يَجُوزُ إنْ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُتَوَلِّدًا فِي مَاءٍ نَجِسٍ) فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا لِلْحَالِ لِحِلِّهِ بِالنَّصِّ وَكَوْنِهِ يَتَغَذَّى بِالنَّجَاسَةِ لَا يَمْنَعُ حِلَّهُ، وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْجَلَّالَةِ وَالدَّجَاجَةِ، وَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَوَقَّفَ فِيهَا الْإِمَامُ فَقَالَ لَا أَدْرِي مَتَى يَطِيبُ أَكْلُهَا. وَفِي التَّجْنِيسِ: إذَا كَانَ عَلَفُهَا نَجَاسَةً تُحْبَسُ الدَّجَاجَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَالشَّاةُ أَرْبَعَةً، وَالْإِبِلُ وَالْبَقَرُ عَشَرَةً، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عَلَى الظَّاهِرِ. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: الْأَصَحُّ عَدَمُ التَّقْدِيرِ وَتُحْبَسُ حَتَّى تَزُولَ الرَّائِحَةُ الْمُنْتِنَةُ. وَفِي الْمُلْتَقَى: الْمَكْرُوهُ الْجَلَّالَةُ الَّتِي إذَا قَرُبَتْ وُجِدَ مِنْهَا رَائِحَةٌ فَلَا تُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ لَبَنُهَا وَلَا يُعْمَلُ عَلَيْهَا، وَيُكْرَهُ بَيْعُهَا وَهِبَتُهَا وَتِلْكَ حَالُهَا. وَذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ أَنَّ عَرَقَهَا نَجِسٌ. وَفِي مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ: وَلَا تُكْرَهُ الدَّجَاجَةُ الْمُخَلَّاةُ وَإِنْ أَكَلَتْ النَّجَاسَةُ اهـ يَعْنِي إذَا لَمْ تُنْتِنْ بِهَا لِمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهَا تَخْلِطُ وَلَا يَتَغَيَّرُ لَحْمُهَا وَحَبْسُهَا أَيَّامًا تَنْزِيهٌ شُرُنْبُلَالِيٌّ عَلَى الْوَهْبَانِيَّةِ، وَبِهِ يَحْصُلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 306 وَلَوْ طَافِيَةً مَجْرُوحَةً وَهْبَانِيَّةٌ (غَيْرُ الطَّافِي) عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ الَّذِي مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَهُوَ مَا بَطْنُهُ مِنْ فَوْقُ، فَلَوْ ظَهْرُهُ مِنْ فَوْقُ فَلَيْسَ بِطَافٍ فَيُؤْكَلُ كَمَا يُؤْكَلُ مَا فِي بَطْنِ الطَّافِي، وَمَا مَاتَ بِحَرِّ الْمَاءِ أَوْ بَرْدِهِ وَبِرَبْطِهِ فِيهِ أَوْ إلْقَاءِ شَيْءٍ فَمَوْتُهُ بِآفَةٍ وَهْبَانِيَّةٌ (وَ) إلَّا (الْجِرِّيثَ) سَمَكٌ أَسْوَدُ (وَالْمَارْمَا هِيَ) سَمَكٌ فِي صُورَةِ الْحَيَّةِ، وَأَفْرَدَهُمَا بِالذِّكْرِ لِلْخَفَاءِ وَخِلَافِ مُحَمَّدٍ. (وَحَلَّ الْجَرَادُ) وَإِنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، بِخِلَافِ السَّمَكِ (وَأَنْوَاعُ السَّمَكِ بِلَا ذَكَاةٍ) لِحَدِيثِ «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ: السَّمَكُ وَالْجَرَادُ، وَدَمَانِ: الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» بِكَسْرِ الطَّاءِ (وَ) حَلَّ (غُرَابُ الزَّرْعِ) الَّذِي يَأْكُلُ   [رد المحتار] الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ فِي حَاشِيَةِ الدُّرَرِ، وَيُنْظَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ السَّمَكَةِ وَبَيْنَ الْجَلَّالَةِ اهـ بِأَنْ تُحْمَلْ السَّمَكَةُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تُنْتِنْ وَيُرَادُ بِالْجَلَّالَةِ الْمُنْتِنَةُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ طَافِيَةً مَجْرُوحَةً وَهْبَانِيَّةٌ) لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَلَا فِي شَرْحِهَا، وَإِنَّمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ: الْأَصْلُ فِي إبَاحَةِ السَّمَكِ أَنَّ مَا مَاتَ بِآفَةٍ يُؤْكَلُ، وَمَا مَاتَ بِغَيْرِ آفَةٍ لَا يُؤْكَلُ ط، نَعَمْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ فِي الْأَشْبَاهِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ الْعَزْوُ إلَيْهَا (قَوْلُهُ غَيْرَ الطَّافِي) اسْمُ فَاعِلٍ كَالسَّامِي. فِي الْقَامُوسِ: طَفَا فَوْقَ الْمَاءِ طَفْوًا وَطُفُوًّا عَلَا (قَوْلُهُ حَتْفَ أَنْفِهِ) الْحَتْفُ: الْمَوْتُ، وَمَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَحَتْفَ فِيهِ قَلِيلٌ وَحَتْفَ أَنْفِهِ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ وَلَا ضَرْبٍ، وَخَصَّ الْأَنْفَ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ رُوحَهُ تَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ بِتَتَابُعِ نَفَسِهِ، أَوْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَخَيَّلُونَ أَنَّ الْمَرِيضَ تَخْرُجُ رُوحُهُ مِنْ أَنْفِهِ وَالْجَرِيحَ مِنْ جِرَاحَتِهِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ كَمَا يُؤْكَلُ مَا فِي بَطْنِ الطَّافِي) لِمَوْتِهِ بِضَيِّقِ الْمَكَانِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمَظْرُوفَةُ صَحِيحَةً كَمَا يَأْتِي مَتْنًا. وَفِي الْكِفَايَةِ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي سَمَكَةٍ تُوجَدُ فِي بَطْنِ الْكَلْبِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ يُرِيدُ إذَا لَمْ تَتَغَيَّرْ اهـ. قَالَ ط: وَلَوْ وُجِدْت جَرَادَةٌ فِي بَطْنِ سَمَكَةٍ أَوْ فِي بَطْنِ جَرَادَةٍ حَلَّتْ مَكِّيٌّ عَنْ الْبَحْرِ الزَّاخِرِ اهـ (قَوْلُهُ وَمَا مَاتَ بِحَرِّ الْمَاءِ أَوْ بَرْدِهِ) وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ أَظْهَرُ وَأَرْفَقُ تَجْنِيسٌ، وَبِهِ يُفْتَى شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي (قَوْلُهُ وَبِرَبْطِهِ فِيهِ) أَيْ الْمَاءِ لِأَنَّهُ مَاتَ بِآفَةٍ أَتْقَانِيٌّ، وَكَذَا إذَا مَاتَ فِي شَبَكَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهَا كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ إلْقَاءُ شَيْءٍ) وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّهَا تَمُوتُ مِنْهُ. قَالَ فِي الْمِنَحِ: أَوْ أَكَلَتْ شَيْئًا أَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ لِتَأْكُلَهُ فَمَاتَتْ مِنْهُ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ ط (قَوْلُهُ فَمَوْتُهُ بِآفَةٍ) أَيْ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْحِلِّ كَمَا مَرَّ، وَمِنْهُ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ مَا لَوْ جَمَعَهُ فِي حَظِيرَةٍ لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مِنْهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ بِغَيْرِ صَيْدٍ فَمَاتَ فِيهَا، لِأَنَّ ضِيقَ الْمَكَانِ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ، فَلَوْلَا يُؤْخَذُ بِغَيْرِ صَيْدٍ فَلَا، وَمَا لَوْ انْجَمَدَ الْمَاءُ فَبَقِيَ بَيْنَ الْجَمْدِ. وَفِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: لَوْ وَجَدَهُ مَيِّتًا وَرَأْسُهُ خَارِجَ الْمَاءِ يُؤْكَلُ، وَلَوْ رَأْسُهُ فِي الْمَاءِ وَفِي الْخَارِجِ قَدْرَ النِّصْفِ أَوْ الْأَقَلِّ لَا يُؤْكَلُ وَإِلَّا يُؤْكَلُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا الْجِرِّيثَ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ كَسِكِّيتٍ (قَوْلُهُ سَمَكٌ أَسْوَدُ) كَذَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ: وَقَالَ الْوَانِيُّ: نَوْعٌ مِنْ السَّمَكِ مُدَوَّرٌ كَالتُّرْسِ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ لِلْخَفَاءِ) أَيْ لِخَفَاءِ كَوْنِهِمَا مِنْ جِنْسِ السَّمَكِ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ وَخِلَافُ مُحَمَّدٍ) نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمُغْرِبِ، قَالَ فِي الدُّرَرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ» إلَخْ) وَهُوَ مَشْهُورٌ مُؤَيَّدٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى - {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3]- عَلَى أَنَّ حِلَّ السَّمَكِ ثَبَتَ بِمُطْلَقٍ قَوْله تَعَالَى - {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14]- كِفَايَةٌ، وَمَا عَدَا أَنْوَاعِ السَّمَكِ مِنْ نَحْوِ إنْسَانِ الْمَاءِ وَخِنْزِيرِهِ خَبِيثٌ فَبَقِيَ دَاخِلًا تَحْتَ التَّحْرِيمِ، وَحَدِيثُ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ» الْمُرَادُ مِنْهُ السَّمَكُ كَآيَةِ - {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96]- لِأَنَّ السَّمَكَ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ وَبِهِ تَنْتَفِي الْمُعَارَضَةُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، فَإِثْبَاتُ الْحِلِّ فِيمَا سِوَاهُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ، وَتَحْرِيمُ الطَّافِي بِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «وَمَا مَاتَ فِيهِ وَطَفَا فَلَا تَأْكُلُوهُ» أَتْقَانِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَحَلَّ غُرَابُ الزَّرْعِ) وَهُوَ غُرَابٌ أَسْوَدُ صَغِيرٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 307 الْحَبَّ (وَالْأَرْنَبَ وَالْعَقْعَقَ) هُوَ غُرَابٌ يَجْمَعَ بَيْنَ أَكْلِ جِيَفٍ وَحَبٍّ، وَالْأَصَحُّ حِلُّهُ (مَعَهَا) أَيْ مَعَ الذَّكَاةِ: (وَذَبْحُ مَا لَا يُؤْكَلُ يُطَهِّرُ لَحْمَهُ وَشَحْمَهُ وَجِلْدَهُ) تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ تَرْجِيحُ خِلَافِهِ (إلَّا الْآدَمِيَّ وَالْخِنْزِيرَ) كَمَا مَرَّ. (ذَبَحَ شَاةً) مَرِيضَةً (فَتَحَرَّكَتْ أَوْ خَرَجَ الدَّمُ) (حَلَّتْ وَإِلَّا لَا إنْ لَمْ تُدْرَ حَيَاتُهُ) عِنْدَ الذَّبْحِ، وَإِنْ عُلِمَ حَيَاتُهُ (حَلَّتْ) مُطْلَقًا (وَإِنْ لَمْ تَتَحَرَّكْ وَلَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ) وَهَذَا يَتَأَتَّى فِي مُنْخَنِقَةٍ وَمُتَرَدِّيَةٍ وَنَطِيحَةٍ، وَاَلَّتِي فَقَرَ الذِّئْبُ بَطْنَهَا فَذَكَاةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تُحَلَّلُ، وَإِنْ كَانَتْ حَيَاتُهَا خَفِيفَةً وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، - {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3]- مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَسَيَجِيءُ فِي الصَّيْدِ.   [رد المحتار] يُقَالُ لَهُ الزَّاغُ، وَقَدْ يَكُونُ مُحْمَرَّ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ رَمْلِيٌّ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَأُرِيدَ بِهِ غُرَابٌ لَمْ يَأْكُلْ إلَّا الْحَبَّ سَوَاءٌ كَانَ أَبْقَعَ أَوْ أَسْوَدَ أَوْ زَاغًا، وَتَمَامُهُ فِي الذَّخِيرَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْعَقْعَقُ) وِزَانُ جَعْفَرٍ: طَائِرٌ نَحْوَ الْحَمَامَةِ طَوِيلُ الذَّنَبِ فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْغِرْبَانِ يُتَشَاءَمُ بِهِ وَيُعَقْعِقُ بِسَوْطٍ يُشْبِهُ الْعَيْنَ وَالْقَافَ ط عَنْ الْمَكِّيِّ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ حِلُّهُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُكْرَهُ ط (قَوْلُهُ مَعَهَا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَحَلَّ الَّذِي قَدَّرَهُ الشَّارِحُ، قَالَ ط وَالْأَوْلَى بِهَا (قَوْلُهُ وَذَبْحُ مَا لَا يُؤْكَلُ) يَعْنِي ذَكَاتُهُ لِمَا فِي الدُّرَرِ وَبِالصَّيْدِ يَطْهُرُ لَحْمٌ غَيْرُ نَجِسِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ ذَكَاةٌ حُكْمًا (قَوْلُهُ يَطْهُرُ لَحْمُهُ وَشَحْمُهُ وَجِلْدُهُ) حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يُفْسِدُهُ، وَهَلْ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ؟ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْأَكْلِ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ كَالزَّيْتِ إذَا خَالَطَهُ وَدَكُ الْمَيْتَةِ وَالزَّيْتُ غَالِبٌ لَا يُؤْكَلُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ تَرْجِيحُ خِلَافِهِ) وَهُوَ أَنَّ اللَّحْمَ لَا يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ وَالْجِلْدَ يَطْهُرُ بِهَا اهـ ح. أَقُولُ: وَهُمَا قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ، وَبِعَدَمِ التَّفْصِيلِ جَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ هُنَا، نَعَمْ التَّفْصِيلُ أَصْبَحَ مَا يُفْتَى بِهِ. هَذَا، وَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُوجِبِ لِطَهَارَةِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ هَلْ هُوَ مُجَرَّدُ الذَّبْحِ أَوْ الذَّبْحُ مَعَ التَّسْمِيَةِ؟ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي وَإِلَّا يَلْزَمُ تَطْهِيرُ مَا ذَبَحَهُ الْمَجُوسُ اهـ لَكِنْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ أَنَّ ذَبْحَ الْمَجُوسِيِّ وَتَارِكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا يُوجِبُ الطَّهَارَةَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَيَّدَهُ بِأَنَّهُ فِي النِّهَايَةِ حَكَى خِلَافَهُ بِقِيلِ (قَوْله إلَّا الْآدَمِيَّ) هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ لَازِمِ الْمَتْنِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ الِاسْتِعْمَالِ، فَالْآدَمِيُّ وَإِنْ طَهُرَ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ كَرَامَةً لَهُ، وَالْخِنْزِيرُ لَا يُسْتَعْمَلُ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى نَجَاسَتِهِ لِأَنَّ كُلَّ أَجْزَائِهِ نَجِسَةٌ ط (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ فَتَحَرَّكَتْ) أَيْ بِغَيْرِ نَحْوِ مَدِّ رِجْلٍ وَفَتْحِ عَيْنٍ مِمَّا لَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ أَوْ خَرَجَ الدَّمُ) أَيْ كَمَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَيِّ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: خُرُوجُ الدَّمِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ إلَّا إذَا كَانَ يَخْرُجُ كَمَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَيِّ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ حَلَّتْ) لِوُجُودِ عَلَامَةِ الْحَيَاةِ (قَوْلُهُ حَيَاتُهُ) الْأَوْلَى حَيَاتُهَا كَمَا عَبَّرَ فِي الْمِنَحِ لَكِنْ ذَكَرَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ الْمَذْبُوحِ (قَوْلُهُ حَلَّتْ مُطْلَقًا) يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ. قَالَ فِي الْمِنَحِ: لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ فَلَا يُحْكَمُ بِزَوَالِ الْحَيَاةِ بِالشَّكِّ (قَوْلُهُ وَهَذَا يَتَأَتَّى فِي مُنْخَنِقَةٍ إلَخْ) أَيْ وَمَرِيضَةٍ كَمَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الصَّيْدِ (قَوْلُهُ وَاَلَّتِي فَقَرَ الذِّئْبُ بَطْنَهَا) الْفَقْرُ: الْحَفْرُ، وَثَقْبُ الْخَرَزِ لِلنَّظْمِ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَقَرَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ: أَيْ شَقَّ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ حَيَاتُهَا خَفِيفَةً) فِي بَعْضِ النُّسَخِ خَفِيَّةً وَالْأُولَى أَوْلَى، وَذَلِكَ بِأَنْ يَبْقَى فِيهَا مِنْ الْحَيَاةِ بِقَدْرِ مَا يَبْقَى فِي الْمَذْبُوحِ بَعْدَ الذَّبْحِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهَا: شَاةٌ قَطَعَ الذِّئْبُ أَوْدَاجَهَا وَهِيَ حَيَّةٌ لَا تُذَكَّى لِفَوَاتِ مَحَلِّ الذَّبْحِ، وَلَوْ انْتَزَعَ رَأْسَهَا وَهِيَ حَيَّةٌ تَحِلُّ بِالذَّبْحِ بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) خِلَافًا لَهُمَا (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 308 (ذَبَحَ شَاةً لَمْ تُدْرَ حَيَاتُهَا وَقْتَ الذَّبْحِ) وَلَمْ تَتَحَرَّكْ وَلَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ (إنْ فَتَحَتْ فَاهَا لَا تُؤْكَلُ، وَإِنْ ضَمَّتْهُ أُكِلَتْ، وَإِنْ فَتَحَتْ عَيْنَهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ ضَمَّتهَا أُكِلَتْ، وَإِنْ مَدَّتْ رِجْلَهَا لَا تُؤْكَلُ، وَإِنْ قَبَضَتْهَا أُكِلَتْ، وَإِنْ نَامَ شَعْرُهَا لَا تُؤْكَلُ، وَإِنْ قَامَ أُكِلَتْ) لِأَنَّ الْحَيَوَانَ يُسْتَرْخَى بِالْمَوْتِ؛ فَفَتْحُ فَمٍ وَعَيْنٍ وَمَدِّ رِجْلٍ وَنَوْمِ شَعْرٍ عَلَامَةُ الْمَوْتِ لِأَنَّهَا اسْتِرْخَاءٌ وَمُقَابِلُهَا حَرَكَاتٌ تَخْتَصُّ بِالْحَيِّ فَدَلَّ عَلَى حَيَاتِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تُعْلَمْ الْحَيَاةُ (وَإِنْ عُلِمَتْ حَيَاتُهَا) وَإِنْ قَلَّتْ (وَقْتَ الذَّبْحِ أُكِلَتْ مُطْلَقًا) بِكُلِّ حَالٍ زَيْلَعِيٌّ. (سَمَكَةٌ فِي سَمَكَةٍ) (فَإِنْ كَانَتْ الْمَظْرُوفَةُ صَحِيحَةً حَلَّتَا) يَعْنِي الْمَظْرُوفَةُ، وَالظَّرْفُ لِمَوْتِ الْمَبْلُوعَةِ بِسَبَبٍ حَادِثٍ (وَإِلَّا) تَكُنْ صَحِيحَةً (حَلَّ الظَّرْفُ لَا الْمَظْرُوفُ) كَمَا لَوْ خَرَجَتْ مِنْ دُبُرِهَا لِاسْتِحَالَتِهَا عُذْرَةً جَوْهَرَةٌ، وَقَدْ غَيَّرَ الْمُصَنِّفُ عِبَارَةَ مَتْنِهِ إلَى مَا سَمِعْته، وَلَوْ وَجَدَ فِيهَا دُرَّةً مَلَكَهَا حَلَالًا وَلَوْ خَاتَمًا أَوْ دِينَارًا مَضْرُوبًا لَا وَهُوَ لُقَطَةٌ. (ذُبِحَ لِقُدُومِ الْأَمِيرِ) وَنَحْوِهِ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعُظَمَاءِ (يَحْرُمُ) لِأَنَّهُ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى) (وَلَوْ) ذُبِحَ (لِلضَّيْفِ) (لَا) يَحْرُمُ لِأَنَّهُ سُنَّةُ الْخَلِيلِ وَإِكْرَامُ الضَّيْفِ إكْرَامُ اللَّهِ تَعَالَى. وَالْفَارِقُ أَنَّهُ إنْ قَدَّمَهَا لِيَأْكُلَ مِنْهَا كَانَ الذَّبْحُ لِلَّهِ وَالْمَنْفَعَةُ لِلضَّيْفِ أَوْ لِلْوَلِيمَةِ أَوْ لِلرِّبْحِ، وَإِنْ لَمْ يُقَدِّمْهَا لِيَأْكُلَ مِنْهَا بَلْ يَدْفَعُهَا لِغَيْرِهِ كَانَ   [رد المحتار] أَيْ تَفْصِيلٍ بَيْنَ حَيَاةٍ خَفِيفَةٍ وَكَامِلَةٍ (قَوْلُهُ ذَبَحَ شَاةً إلَخْ) بَيَانٌ لِعَلَامَاتٍ أُخَرَ (قَوْلُهُ وَلَمْ تَتَحَرَّكْ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ الذَّبْحِ بِحَرَكَةٍ اضْطِرَابِيَّةٍ كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَإِلَّا فَضَمُّ الْعَيْنِ وَقَبْضُ الرِّجْلِ حَرَكَةٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا كُلُّهُ إلَخْ) أَعَادَهُ لِلدُّخُولِ عَلَى الْمَتْنِ (قَوْلُهُ بِكُلِّ حَالٍ) سَوَاءٌ وُجِدَتْ تِلْكَ الْعَلَامَاتِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ لِاسْتِحَالَتِهَا عُذْرَةً) فَلَوْ فَرَضَ خُرُوجَهَا غَيْرَ مُسْتَحِيلَةٍ حَلَّتْ أَيْضًا، لِأَنَّ مَنَاطَ الْحُرْمَةِ اسْتِحَالَتُهَا لَا خُرُوجُهَا مِنْ الدُّبُرِ، وَلِذَا يَحِلُّ شَعِيرٌ وُجِدَ فِي سِرْقِينِ دَابَّةٍ إذَا كَانَ صَلْبًا تَأَمَّلْ رَحْمَتِيٌّ. قُلْت: وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: لَوْ وُجِدَتْ سَمَكَةٌ فِي حَوْصَلَةِ الطَّائِرِ تُؤْكَلُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تُؤْكَلُ لِأَنَّهُ كَالرَّجِيعِ وَرَجِيعُ الطَّائِرِ عِنْدَهُ نَجِسٌ، وَقُلْنَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ رَجِيعًا إذَا تَغَيَّرَ. وَفِي السَّمَكِ الصِّغَارِ الَّتِي تُقْلَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشَقَّ جَوْفُهُ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِأَنَّ رَجِيعَهُ نَجِسٌ، وَعِنْدَ سَائِرِ الْأَئِمَّةِ يَحِلُّ اهـ (قَوْلُهُ وَقَدْ غَيَّرَ الْمُصَنِّفُ عِبَارَةَ مَتْنِهِ) الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مِنَحِهِ أَنَّهُ غَيْرُ عِبَارَةِ الْفَوَائِدِ، وَهِيَ: فَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً حَلَّا وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا يَخْفَى قُصُورُهَا عَنْ إفَادَةِ الْمَطْلُوبِ، وَمِنْ ثَمَّ غَيَّرْتهَا فِي الْمُخْتَصَرِ إلَى مَا سَمِعْته اهـ لَكِنْ ذَكَرَ الْمُحَشِّي أَنَّهُ رَأَى فِي نُسْخَةِ مَتْنٍ: فَإِنْ كَانَتْ الْمَظْرُوفَةُ صَحِيحَةً حَلَّتْ وَإِلَّا لَا (قَوْلُهُ مَلَكَهَا حَلَالًا) أَيْ إنْ كَانَتْ فِي الصَّدَفِ، وَإِنْ بَاعَ الصَّيَّادُ السَّمَكَةَ مَلَكَ الْمُشْتَرِي اللُّؤْلُؤَةَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي الصَّدَفِ فَهِيَ لِلصَّيَّادِ وَتَكُونُ لُقَطَةً لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُصُولُهَا إلَيْهَا مِنْ يَدِ النَّاسِ وَلْوَالْجِيَّةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَهُوَ لُقَطَةٌ) فَلَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى نَفْسِهِ إنْ كَانَ مُحْتَاجًا بَعْدَ التَّعْرِيفِ لَا إنْ كَانَ غَنِيًّا مِنَحٌ، وَقَوْلُ الْأَشْبَاهِ: وَكَذَا إنْ كَانَ غَنِيًّا سَبْقُ قَلَمٍ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ لَا يَحْرُمُ إلَخْ) قَالَ الْبَزَّازِيُّ: وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ ذَبْحٌ لِإِكْرَامِ ابْنِ آدَمَ فَيَكُونُ أَهَلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَدْ خَالَفَ الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ وَالْعَقْلَ فَإِنَّهُ لَا رَيْبَ أَنَّ الْقَصَّابَ يَذْبَحُ لِلرِّبْحِ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ نَجِسٌ لَا يَذْبَحُ فَيَلْزَمُ هَذَا الْجَاهِلَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مَا ذَبَحَهُ الْقَصَّابُ وَمَا ذُبِحَ لِلْوَلَائِمِ وَالْأَعْرَاسِ وَالْعَقِيقَةِ (قَوْلُهُ وَالْفَارِقُ) أَيْ بَيْنَ مَا أَهَلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ بِسَبَبِ تَعْظِيمِ الْمَخْلُوقِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا فَالذَّبْحُ عِنْدَ وَضْعِ الْجِدَارِ أَوْ عُرُوضِ مَرَضٍ أَوْ شِفَاءٍ مِنْهُ لَا شَكَّ فِي حِلِّهِ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ التَّصَدُّقُ حَمَوِيٌّ، وَمِثْلُهُ النَّذْرُ بِقُرْبَانٍ مُعَلَّقًا بِسَلَامَتِهِ مِنْ بَحْرٍ مَثَلًا فَيَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَقَطْ كَمَا فِي فَتَاوَى الشَّلَبِيِّ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُقَدِّمْهَا لِيَأْكُلَ مِنْهَا) هَذَا مَنَاطُ الْفَرْقِ لَا مُجَرَّدُ دَفْعِهَا لِغَيْرِهِ: أَيْ غَيْرِ مَنْ ذُبِحَتْ لِأَجْلِهِ أَوْ غَيْرِ الذَّابِحِ فَإِنَّ الذَّابِحَ قَدْ يَتْرُكُهَا أَوْ يَأْخُذُهَا كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا فَافْهَمْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 309 لِتَعْظِيمِ غَيْرِ اللَّهِ فَتَحْرُمُ، وَهَلْ يَكْفُرُ؟ قَوْلَانِ بَزَّازِيَّةٌ وَشَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ. قُلْت: وَفِي صَيْدِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ وَلَا يَكْفُرُ لِأَنَّا لَا نُسِيءُ الظَّنَّ بِالْمُسْلِمِ أَنَّهُ يَتَقَرَّبُ إلَى الْآدَمِيِّ بِهَذَا النَّحْرِ، وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ، وَنَظَمَهُ فَقَالَ: وَفَاعِلُهُ جُمْهُورُهُمْ قَالَ كَافِرُ ... وَفَضْلِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ لَيْسَ يُكَفِّرُ (الْعُضْوُ) يَعْنِي الْجُزْءَ (الْمُنْفَصِلَ مِنْ الْحَيِّ) حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فَيَنْصَرِفُ لِلْكَامِلِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ. قُلْت: لَكِنْ ظَاهِرُ الْمَتْنِ التَّعْمِيمُ بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ فَتَأَمَّلْهُ (كَمَيْتَتِهِ) كَالْأُذُنِ الْمَقْطُوعَةِ وَالسِّنِّ السَّاقِطَةِ إلَّا فِي حَقِّ صَاحِبِهِ فَطَاهِرٌ وَإِنْ كَثُرَ أَشْبَاهٌ مِنْ الطَّهَارَةِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ (إلَّا) (مِنْ مَذْبُوحٍ قَبْلَ مَوْتِهِ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ لَوْ مِنْ) الْحَيَوَانِ (الْمَأْكُولِ) لِأَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْحَيَاةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَصْلًا بَزَّازِيَّةٌ. قُلْت: لَكِنْ يُكْرَهُ كَمَا مَرَّ وَحَرَّرْنَا فِي الطَّهَارَةِ قَوْلُ الْوَهْبَانِيَّةِ:   [رد المحتار] وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْقَصْدِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الذَّبْحِ فَلَا يَلْزَمُ أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ لِلضَّيْفِ غَيْرَهَا أَنْ لَا تَحِلَّ لِأَنَّهُ حِينَ الذَّبْحِ لَمْ يَقْصِدْ تَعْظِيمَهُ بَلْ إكْرَامَهُ بِالْأَكْلِ مِنْهَا وَإِنْ قَدَّمَ إلَيْهِ غَيْرَهَا، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ أَيْضًا فِيمَا لَوْ ضَافَهُ أَمِيرٌ فَذَبَحَ عِنْدَ قُدُومِهِ، فَإِنْ قَصَدَ التَّعْظِيمَ لَا تَحِلُّ وَإِنْ أَضَافَهُ بِهَا وَإِنْ قَصَدَ الْإِكْرَامَ تَحِلُّ وَإِنْ أَطْعَمَهُ غَيْرَهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَهَلْ يَكْفُرُ) أَيْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، إذْ لَا يُفْتَى بِكُفْرِ مُسْلِمٍ أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِ أَوْ فِعْلِهِ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ أَوْ كَانَ فِي كُفْرِهِ خِلَافٌ (قَوْلُهُ أَنَّهُ يَتَقَرَّبُ إلَى الْآدَمِيِّ) أَيْ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ لِأَنَّهُ الْمُكَفِّرُ وَهَذَا بَعِيدٌ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَصَدَ الدُّنْيَا أَوْ الْقَبُولَ عِنْدَهُ بِإِظْهَارِ الْمَحَبَّةِ بِذَبْحِ فِدَاءٍ عَنْهُ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي ذَلِكَ تَعْظِيمٌ لَهُ لَمْ تَكُنْ التَّسْمِيَةُ مُجَرَّدَةً لِلَّهِ تَعَالَى حُكْمًا كَمَا لَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ فُلَانٍ حُرِّمَتْ، وَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ الْحُرْمَةِ وَالْكُفْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَفَضْلِيُّ وَإِسْمَاعِيلِيُّ) أَيْ قَالَا لَيْسَ يَكْفُرُ، وَالْمُرَادُ بِهِمَا الْإِمَامُ الْفَضْلِيُّ وَغُيِّرَ اسْمُهُ لِلضَّرُورَةِ وَالْإِمَامُ إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدِ (قَوْلُهُ الْمُنْفَصِلُ مِنْ الْحَيِّ) أَيْ غَيْرَ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ، وَالْمُرَادُ الْمُنْفَصِلُ عَنْ اللَّحْمِ، فَلَوْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِجِلْدِهِ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بِخِلَافِ الْمُتَعَلِّقِ بِاللَّحْمِ حَيْثُ يُؤْكَلُ كَمَا فِي شَرْحِ الْبِيرِيِّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَأَطْلَقَ الْحَيَّ فَشَمِلَ الصَّيْدَ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ عَنْ الْمُلْتَقَى أَنَّهُ لَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَقَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ وَلَمْ يُبِنْهُ، فَإِنْ اُحْتُمِلَ الْتِئَامُهُ أَكَلَ الْعُضْوَ أَيْضًا وَإِلَّا لَا (قَوْلُهُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا) مُتَعَلِّقٌ بِالْحَيِّ، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْحَيِّ بَعْدَ الذَّبْحِ، فَإِنَّ الْمُنْفَصِلَ مِنْهُ لَيْسَ بِمَيْتَةٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ لِكَوْنِهَا حَيَاةً حُكْمِيَّةً اهـ ح. وَاحْتَرَزَ بِهِ فِي صَيْدِ الْهِدَايَةِ عَنْ الْمُبَانِ مِنْ الْحَيِّ صُورَةً لَا حُكْمًا بِأَنْ يَبْقَى فِي الْمُبَانِ مِنْهُ حَيَاةً كَحَيَاةِ الْمَذْبُوحِ فَيُؤْكَلُ الْكُلُّ. وَفِي الْعِنَايَةِ: وَلَا يُؤْكَلُ الْعُضْوُ إنْ أَمْكَنَ حَيَاتُهُ بَعْدَ الْإِبَانَةِ وَلَا يُؤْكَلُ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ أَبَانَ الرَّأْسَ أُكِلَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مُنْفَصِلًا مِنْ حَيٍّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا بَلْ حَقِيقَةً فَقَطْ لِأَنَّهُ عِنْدَ الِانْفِصَالِ مَيِّتٌ حُكْمًا، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الصَّيْدِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْمَتْنِ التَّعْمِيمُ) يَعْنِي تَعْمِيمَ الْحَيِّ فِي الْحَيِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَفِي الْحَيِّ حُكْمًا فَقَطْ. فَيُفِيدُ أَنَّ الْمُنْفَصِلَ مِنْ الْمَذْبُوحِ مَيْتَةً لَكِنَّهُ يَخْرُجُ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْآتِي فَلَا مُخَالَفَةَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ، غَايَتُهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ عَلَى الْأَوَّلِ مُتَّصِلٌ عَلَى الثَّانِي اهـ ح (قَوْلُهُ وَالسِّنُّ السَّاقِطَةُ) تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ أَنَّ الْمَذْهَبَ طَهَارَةُ السِّنِّ اهـ ح (قَوْلُهُ وَإِنْ كَثُرَ) أَيْ زَادَ عَلَى وَزْنِ الدِّرْهَمِ، فَلَوْ صَلَّى بِهِ وَهُوَ مَعَهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ الْمُتَّصِلِ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُنْفَصِلِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ مَا تُحِلُّهُ الْحَيَاةُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَقَطْعُ الرَّأْسِ وَالسَّلْخِ قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ اهـ ح (قَوْلُهُ وَحَرَّرْنَا فِي الطَّهَارَةِ) أَيْ قُبَيْلَ التَّيَمُّمِ، وَاَلَّذِي حَرَّرَهُ هُنَاكَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِغَلَبَةِ الشَّبَهِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِحِلِّ ذِئْبٍ وَلَدَتْهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 310 وَقَدْ حَلَّلَا لَحْمَ الْبِغَالِ وَأُمُّهَا ... مِنْ الْخَيْلِ قَطْعًا وَالْكَرَاهَةُ تُذْكَرُ وَإِنْ يَنْزُ كَلْبٌ فَوْقَ عَنْزٍ فَجَاءَهَا ... نِتَاجٌ لَهُ رَأْسٌ كَكَلْبٍ فَيُنْظَرُ فَإِنْ أَكَلَتْ لَحْمًا فَكَلْبٌ جَمِيعُهَا ... وَإِنْ أَكَلَتْ تِبْنًا فَذَا الرَّأْسُ يُبْتَرُ وَيُؤْكَلُ بَاقِيَهَا وَإِنْ أَكَلَتْ لِذَا ... وَذَا فَاضْرِبْنَهَا وَالصِّيَاحُ يُخْبِرُ وَإِنْ أَشْكَلَتْ فَاذْبَحْ فَإِنْ كَرِشُهَا بَدَا ... فَعَنْزٌ وَإِلَّا فَهُوَ كَلْبٌ فَيُطْمَرُ وَفِي مُعَايَاتِهَا: وَأَيُّ شِيَاهٍ دُونَ ذَبْحٍ يُحِلُّهَا ... وَمِنْ ذَا الَّذِي ضَحَّى وَلَا دَمَ يَنْهَرُ كِتَابُ الْأُضْحِيَّةَ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ (هِيَ) لُغَةً اسْمٌ لِمَا يُذْبَحُ أَيَّامَ الْأَضْحَى،   [رد المحتار] شَاةٌ اعْتِبَارًا لِلْأُمِّ اهـ ح (قَوْلُهُ وَأُمُّهَا مِنْ الْخَيْلِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، فَلَوْ أُمُّهَا أَتَانٌ لَا تُؤْكَلُ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ وَالْكَرَاهَةُ تُذْكَرُ) أَيْ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَفَهِمَ الطَّرَسُوسِيُّ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ، وَنَازَعَهُ النَّاظِمُ بِأَنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَكْرُوهٍ حَرَامٌ، وَعِنْدَهُمَا إلَى الْحِلِّ أَقْرَبُ. وَرَجَحَ ابْنُ الشِّحْنَةِ الْأَوَّلَ بِمَسْأَلَةِ الشَّاةِ إذَا نَزَا عَلَيْهَا ذِئْبٌ فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِلَا كَرَاهَةٍ. قَالَ: لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ وَالْبَغْلُ لَا يُؤْكَلُ وَلَمْ يُفَصِّلْ، وَمَا سَيَأْتِي مِنْ التَّعْوِيلِ عَلَى الشَّبَهِ يَقْتَضِي الْحُرْمَةَ لِأَنَّ الْبَغْلَ أَشْبَهُ بِالْحِمَارِ مِنْ الْفَرَسِ اهـ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، لِمَا مَرَّ أَنَّ كَرَاهَةَ الْفَرَسِ عِنْدَهُمَا تَنْزِيهِيَّةٌ فَكَذَا وَلَدُهَا وَأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالشَّبَهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ يَنْزُ إلَخْ) يُقَالُ نَزَا الْفَحْلُ إذَا وَثَبَ عَلَى الْأُنْثَى فَوَاقَعَهَا وَالنِّتَاجُ بِالْكَسْرِ اسْمٌ يَشْمَلُ وَضْعَ الْبَهَائِمِ مِنْ الْغَنَمِ وَغَيْرِهَا شَارِحٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَكَلَتْ إلَخْ) تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ فَيُنْظَرُ. وَتِبْنًا بِتَقْدِيمِ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَبْتًا بِتَأْخِيرِهَا وَتَقْدِيمِ النُّونِ، وَالْبَتْرُ الْقَطْعُ: أَيْ يُقْطَعُ الرَّأْسُ وَيُرْمَى وَيُؤْكَلُ الْبَاقِي (قَوْلُهُ وَالصِّيَاحُ يُخْبِرُ) أَيْ فَإِنْ نَبَحَ لَا يُؤْكَلُ، وَإِنْ ثَغَا يُرْمَى رَأْسُهُ وَيُؤْكَلُ الْبَاقِي (قَوْلُهُ وَإِنْ أَشُكِلَتْ) بِأَنْ نَبَحَ كَالْكَلْبِ وَثَغَا كَالْعَنْزِ (قَوْلُهُ فَعَنْزٌ) أَيْ فَيُؤْكَلُ مَا سِوَى رَأْسُهُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) بِأَنْ خَرَجَ لَهُ أَمْعَاءٌ بِلَا كَرِشٍ. وَالطَّمْرُ: الدَّفْنُ فِي الْأَرْضِ. هَذَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ اعْتِبَارَ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فَبَعْدَ وُضُوحِ عَلَامَةِ الْأَكْلِ لَا يُعْتَبَرُ الصِّيَاحُ مُطْلَقًا، وَبَعْدَ وُضُوحِ عَلَامَةِ الصِّيَاحِ لَا يُعْتَبَرُ مَا فِي الْجَوْفِ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ فَإِذَا أَكَلَ لَحْمًا وَثَغَا أَوْ ظَهَرَ لَهُ كَرِشٌ لَا يُؤْكَلُ، وَإِذَا أَكَلَ تِبْنًا وَنَبَحَ أَوْ ظَهَرَ لَهُ أَمْعَاءٌ يُؤْكَلُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَيُّ شِيَاهٍ إلَخْ) هِيَ الَّتِي نَدَّتْ خَارِجَ الْمِصْرِ تَحِلُّ بِالْجَرْحِ، وَقَدْ مَرَّ قُبَيْلَ الذَّبَائِحِ (قَوْلُهُ وَمَنْ ذَا الَّذِي ضَحَّى إلَخْ) جَوَابُهُ: رَجُلٌ أَقَامَ فِي بَيْتِهِ إلَى وَقْتِ الضُّحَى فَقَدْ ضَحَّى بِلَا دَمٍ. [تَتِمَّةٌ] مَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولُ سَبْعَةٌ: الدَّمُ الْمَسْفُوحُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَيَانِ وَالْقُبُلُ وَالْغُدَّةُ وَالْمَثَانَةُ وَالْمَرَارَةُ بَدَائِعُ، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى آخِرَ الْكِتَابِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْأُضْحِيَّةَ] َ أَفَعُولَةٌ أَصْلُهُ أُضْحُويَةٌ اجْتَمَعَتْ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَتْ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ الْيَاءُ فِي الْيَاءِ وَكُسِرَتْ الْحَاءُ لِثَبَاتِ الْيَاءِ وَتُجْمَعُ عَلَى أَضَاحِيُّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ عِنَايَةٌ. وَنَقَلَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَنَّ فِيهَا ثَمَانِي لُغَاتٍ أُضْحِيَّةٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَضَحِيَّةٌ بِلَا هَمْزَةٍ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا وَأُضْحَاةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا (قَوْلُهُ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ) فِيهِ بَيَانُ الْمُنَاسَبَةِ مَعَ وَجْهِ التَّعْقِيبِ كَمَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ. أَوْرَدَهَا عَقِبَ الذَّبَائِحِ لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ ذَبْحٌ خَاصٌّ وَالْخَاصُّ بَعْدَ الْعَامِّ اهـ، بَيَانُهُ أَنَّ الْعَامَّ جَزْءٌ مِنْ الْخَاصِّ، فَالْحَيَوَانُ مَثَلًا جَزْءٌ مِنْ مَاهِيَّةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 311 مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ وَقْتِهِ. وَشَرْعًا (ذَبْحُ حَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ. وَشَرَائِطُهَا: الْإِسْلَامُ وَالْإِقَامَةُ وَالْيَسَارُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ) وُجُوبُ (صَدَقَةِ الْفِطْرِ) كَمَا مَرَّ (لَا الذُّكُورَةُ فَتَجِبُ عَلَى الْأُنْثَى) خَانِيَّةٌ (وَسَبَبُهَا الْوَقْتُ) وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ   [رد المحتار] الْإِنْسَانِ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ وَالْجُزْءُ مُقَدَّمٌ طَبْعًا فَقُدِّمَ وَضْعًا (قَوْلُهُ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ وَقْتِهِ) يَعْنِي بِاسْمٍ مَأْخُوذٍ مِنْ اسْمِ وَقْتِ ذَبْحِهِ فَافْهَمْ. وَفِي الْمُغْرِبِ: يُقَالُ ضَحَّى، إذَا ذَبَحَ الْأُضْحِيَّةَ وَقْتَ الضُّحَى هَذَا أَصْلُهُ، ثُمَّ كُسِرَ حَتَّى قِيلَ ضَحَّى فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَوْ آخِرَ النَّهَارِ اهـ. وَقِيلَ مَنْسُوبَةٌ إلَى أَضْحَى (قَوْلُهُ وَشَرْعًا ذَبْحُ حَيَوَانٍ) كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. وَاَلَّذِي فِي الدُّرَرِ أَنَّهَا اسْمٌ لِحَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: هِيَ مَا يُذْبَحُ، وَكَتَبَ فِي هَامِشِهِ أَنَّ مَنْ قَالَ ذَبْحُ حَيَوَانٍ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الْأُضْحِيَّةَ وَالتَّضْحِيَةِ اهـ وَقَدْ خَطَرَ لِي قَبْلَ رُؤْيَتِهِ (قَوْلُهُ مَخْصُوصٍ) أَيْ نَوْعًا وَسِنًّا ط (قَوْلُهُ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ) أَيْ الْمَعْهُودَةِ وَهِيَ التَّضْحِيَةُ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: فَلَا تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ بِدُونِهَا لِأَنَّ الذَّبْحَ قَدْ يَكُونُ لِلَّحْمِ وَقَدْ يَكُونُ لِلْقُرْبَةِ، وَالْفِعْلُ لَا يَقَعُ قُرْبَةً بِدُونِ النِّيَّةِ، وَلِلْقُرْبَةِ جِهَاتٌ مِنْ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَالْإِحْصَارِ وَغَيْرِهِ فَلَا تَتَعَيَّنُ الْأُضْحِيَّةَ إلَّا بِنِيَّتِهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ مَا نَوَى بِقَلْبِهِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ ذَبَحَ الْمُشْتَرَاةَ لَهَا بِلَا نِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ جَازَتْ اكْتِفَاءً بِالنِّيَّةِ عِنْدَ الشِّرَاءِ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا أَنَّ مِنْ الشُّرُوطِ مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ لِلتَّضْحِيَةِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ، فَلَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْقِرَانِ إلَّا لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الصَّوْمِ لِتَعَذُّرِ قِرَانِهَا بِوَقْتِ الشُّرُوعِ اهـ وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ فِي الْقَاعِدَةِ الْأُولَى مِنْ الْأَشْبَاهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَشَرَائِطُهَا) أَيْ شَرَائِطُ وُجُوبِهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْحُرِّيَّةَ صَرِيحًا لِعِلْمِهَا مِنْ قَوْلِهِ وَالْيَسَارُ، وَلَا الْعَقْلَ وَالْبُلُوغَ لِمَا فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ كَمَا يَأْتِي، وَالْمُعْتَبَرُ وُجُودُ هَذِهِ الشَّرَائِطِ آخِرَ الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي أَوَّلِهِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَالْإِقَامَةُ) فَالْمُسَافِرُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ تَطَوَّعَ بِهَا أَجْزَأَتْهُ عَنْهَا وَهَذَا إذَا سَافَرَ قَبْلَ الشِّرَاءِ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ شَاةً لَهَا ثُمَّ سَافَرَ فَفِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ يَبِيعُهَا وَلَا يُضَحِّي بِهَا أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ فَصَّلَ فَقَالَ: إنْ كَانَ مُوسِرًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَإِلَّا يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ وَلَا تَسْقُطُ بِسَفَرِهِ، وَإِنْ سَافَرَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ اهـ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَالْيَسَارُ إلَخْ) بِأَنْ مَلَك مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ عَرْضًا يُسَاوِيهَا غَيْرَ مَسْكَنِهِ وَثِيَابِ اللُّبْسِ أَوْ مَتَاعٍ يَحْتَاجُهُ إلَى أَنْ يَذْبَحَ الْأُضْحِيَّةَ وَلَوْ لَهُ عَقَارٌ يَسْتَغِلُّهُ فَقِيلَ تَلْزَمُ لَوْ قِيمَتُهُ نِصَابًا، وَقِيلَ لَوْ يَدْخُلُ مِنْهُ قُوتُ سَنَةٍ تَلْزَمُ، وَقِيلَ قُوتُ شَهْرٍ، فَمَتَى فَضَلَ نِصَابٌ تَلْزَمُهُ. وَلَوْ الْعَقَارُ وَقْفًا، فَإِنْ وَجَبَ لَهُ فِي أَيَّامِهَا نِصَابٌ تَلْزَمُ، وَصَاحِبُ الثِّيَابِ الْأَرْبَعَةِ لَوْ سَاوَى الرَّابِعُ نِصَابًا غِنًى وَثَلَاثَةً فَلَا، لِأَنَّ أَحَدَهَا لِلْبِذْلَةِ وَالْآخَرُ لِلْمِهْنَةِ وَالثَّالِثُ لِلْجَمْعِ وَالْوَفْدِ وَالْأَعْيَادِ، وَالْمَرْأَةُ مُوسِرَةٌ بِالْمُعَجَّلِ لَوْ الزَّوْجُ مَلِيًّا وَبِالْمُؤَجَّلِ لَا، وَبِدَارٍ تَسْكُنُهَا مَعَ الزَّوْجِ إنْ قَدَرَ عَلَى الْإِسْكَانِ. لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ غَائِبٌ فِي يَدِ مُضَارِبِهِ أَوْ شَرِيكِهِ وَمَعَهُ مِنْ الْحَجَرَيْنِ أَوْ مَتَاعِ الْبَيْتِ مَا يُضَحِّي بِهِ تَلْزَمُ، وَتَمَامُ الْفُرُوعِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَسَبَبُهَا الْوَقْتُ) سَبَبُ الْحُكْمِ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ مِمَّا لَا يُدْرِكُ الْعَقْلُ تَأْثِيرَهُ وَلَا يَكُونُ بِصُنْعِ الْمُكَلَّفِ كَالْوَقْتِ لِلصَّلَاةِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِلَّةِ وَالشَّرْطِ مَذْكُورٌ فِي حَاشِيَتِنَا [نَسَمَاتِ الْأَسْحَارِ عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ] لِلشَّارِحِ. وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ وَوَصْفُ الْقُدْرَةِ فِيهَا بِأَنَّهَا مُمْكِنَةٌ أَوْ مُيَسَّرَةٌ لَمْ يُذْكَرْ لَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَلَا فِي فُرُوعِهِ، ثُمَّ حَقَّقَ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْوَقْتُ لِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِنِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ وَتَعَلُّقِهِ بِهِ إذْ الْأَصْلُ فِي إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا وَكَذَا إذَا لَازَمَهُ فَتَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِهِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ وُجُوبُ الْأُضْحِيَّةِ بِتَكَرُّرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 312 وَقِيلَ الرَّأْسُ وَقَدَّمَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة. (وَرُكْنُهَا) ذَبْحُ (مَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ) مِنْ النَّعَمِ لَا غَيْرُ، فَيُكْرَهُ ذَبْحُ دَجَاجَةٍ وَدِيكٍ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْمَجُوسِ بَزَّازِيَّةٌ (وَحُكْمُهَا) (الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ) فِي الدُّنْيَا (وَالْوُصُولُ إلَى الثَّوَابِ) بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فِي الْعُقْبَى) مَعَ صِحَّةِ النِّيَّةِ إذْ لَا ثَوَابَ بِدُونِهَا (فَتَجِبُ) التَّضْحِيَةُ: أَيْ إرَاقَةُ الدَّمِ مِنْ النَّعَمِ عَمَلًا لَا اعْتِقَادًا   [رد المحتار] الْوَقْتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَوُجِدَتْ الْإِضَافَةُ فَإِنَّهُ يُقَالُ يَوْمُ الْأَضْحَى كَمَا يُقَالُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَوْ الْعِيدِ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ، لَكِنْ قَدْ يُعْكَسُ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى سَبَبِيَّةِ الْوَقْتِ امْتِنَاعُ التَّقْدِيمِ عَلَيْهِ كَامْتِنَاعِ تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ عَلَى الْفَقْدِ لِفَقْدِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْغِنَى وَإِنْ وُجِدَ السَّبَبُ اهـ وَتَبِعَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ الرَّأْسُ) فِيهِ نَظَرٌ يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ؛ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُعْرَفُ السَّبَبُ بِنِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي حَاشِيَةِ الْمَنَارِ قُبَيْلَ بَحْثِ السُّنَّةِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَرُكْنُهَا ذَبْحُ إلَخْ) لِأَنَّ رُكْنَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَالْأُضْحِيَّةَ إنَّمَا تَقُومُ بِهَذَا الْفِعْلِ فَكَانَ رُكْنًا نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ فَيُكْرَهُ ذَبْحُ دَجَاجَةٍ وَدِيكٍ إلَخْ) أَيْ بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةٌ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ ط، وَهَذَا فِيمَنْ لَا أُضْحِيَّةَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالْأَمْرُ أَظْهَرُ (قَوْلُهُ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى) هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَالَى شَيْءٌ (قَوْلُهُ مَعَ صِحَّةِ النِّيَّةِ) أَيْ بِخُلُوصِهَا بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ (قَوْلُهُ إذْ لَا ثَوَابَ بِدُونِهَا) أَيْ بِدُونِ النِّيَّةِ لِأَنَّ ثَوَابَ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ أَوْ بِدُونِ صِحَّتِهَا، إذْ لَوْ خَالَطَهَا رِيَاءٌ مَثَلًا فَلَا ثَوَابَ أَيْضًا وَإِنْ سَقَطَ الْوَاجِبُ، لِأَنَّ الثَّوَابَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَبُولِ وَبَعْدَ جَوَازِ الْفِعْلِ لَا يَلْزَمُ حُصُولُ الْقَبُولِ فِي الْمُخْتَارِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ. قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: رَجُلٌ تَوَضَّأَ وَصَلَّى الظُّهْرَ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَالْقَبُولُ لَا يَدْرِي هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ - {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]- وَشَرَائِطُ التَّقْوَى عَظِيمَةٌ اهـ وَتَمَامُهُ فِي [نَسَمَاتِ الْأَسْحَارِ] (قَوْلُهُ فَتَجِبُ التَّضْحِيَةُ) إسْنَادُ الْوُجُوبِ إلَى الْفِعْلِ أَوْلَى مِنْ إسْنَادِهِ إلَى الْعَيْنِ كَالْأُضْحِيَّةِ كَمَا فَعَلَهُ الْقُدُورِيُّ ط. وَالْوُجُوبُ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَعَنْهُ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ هِدَايَةٌ، وَالْأَدِلَّةُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ (قَوْلُهُ أَيْ إرَاقَةُ الدَّمِ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا الْإِرَاقَةُ لَوْ تَصَدَّقَ بَيْنَ الْحَيَوَانِ لَمْ يَجُزْ، وَالتَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا بَعْدَ الذَّبْحِ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ اهـ (قَوْلُهُ عَمَلًا لَا اعْتِقَادًا) اعْلَمْ أَنَّ الْفَرْضَ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ لَا شُبْهَةَ فِيهِ كَالْإِيمَانِ وَالْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ، وَحُكْمُهُ اللُّزُومُ عِلْمًا: أَيْ حُصُولُ الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ بِثُبُوتِهِ وَتَصْدِيقًا بِالْقَلْبِ: أَيْ لُزُومُ اعْتِقَادِ حَقِّيَّتِهِ وَعَمَلًا بِالْبَدَنِ حَتَّى يَكْفُرَ جَاحِدُهُ وَيَفْسُقُ تَارِكُهُ بِلَا عُذْرٍ. وَالْوَاجِبُ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ فِيهِ شُبْهَةٌ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ، وَحُكْمُهُ اللُّزُومُ عَمَلًا كَالْفَرْضِ لَا عِلْمًا عَلَى الْيَقِينِ لِلشُّبْهَةِ، حَتَّى لَا يَكْفُرَ جَاحِدُهُ وَيَفْسُقَ تَارِكُهُ بِلَا تَأْوِيلٍ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ. ثُمَّ إنَّ الْوَاجِبَ عَلَى مَرَاتِبَ كَمَا قَالَ الْقُدُورِيُّ بَعْضُهَا آكَدُّ مِنْ بَعْضٍ. فَوُجُوبُ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ آكَدُّ مِنْ وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَوُجُوبُهَا آكَدُّ مِنْ وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةَ اهـ وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ تَفَاوُتِ الْأَدِلَّةِ فِي الْقُوَّةِ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي التَّلْوِيحِ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْفَرْضِ فِيمَا ثَبَتَ بِظَنِّيٍّ، وَالْوَاجِبُ فِيمَا ثَبَتَ بِقَطْعِيٍّ شَائِعٌ مُسْتَفِيضٌ كَقَوْلِهِمْ الْوِتْرُ فَرْضٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَيُسَمَّى فَرْضًا عَمَلِيًّا، وَكَقَوْلِهِمْ الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ وَنَحْوُهُ، فَلَفْظُ الْوَاجِبِ يَقَعُ عَلَى مَا هُوَ فَرْضٌ عِلْمًا وَعَمَلًا كَصَلَاةِ الْفَجْرِ، وَعَلَى ظَنِّيٍّ هُوَ فِي قُوَّةِ الْفَرْضِ فِي الْعَمَلِ كَالْوِتْرِ حَتَّى يَمْنَعَ تَذَكُّرُهُ صِحَّةَ الْفَجْرِ كَتَذَكُّرِ الْعِشَاءِ، وَعَلَى ظَنِّيٍّ هُوَ دُونَ الْفَرْضِ فِي الْعَمَلِ وَفَوْقَ السُّنَّةِ كَتَعْيِينِ الْفَاتِحَةِ حَتَّى لَا تَفْسُدَ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا بَلْ تَجِبُ سَجْدَةُ السَّهْوِ اهـ وَتَمَامُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ بِمَا لَمْ يُوجَدْ مَجْمُوعَةٌ فِي كِتَابٍ مَذْكُورٍ فِي حَاشِيَتِنَا عَلَى الْمَنَارِ بِتَوْفِيقِ الْمَلِكِ الْوَهَّابِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 313 بِقُدْرَةٍ مُمْكِنَةٍ هِيَ مَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ؛ فَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهَا لِبَقَاءِ الْوُجُوبِ لِأَنَّهَا شَرْطٌ مَحْضٌ لَا مُيَسَّرَةٌ، هِيَ مَا يَجِبُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ بِصِفَةِ الْيُسْرِ فَغَيَّرَتْهُ مِنْ الْعُسْرِ إلَى الْيُسْرِ، فَيُشْتَرَطُ بَقَاؤُهَا لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ كَمَا مَرَّ فِي الْفِطْرَةِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ تَصَدُّقِهِ   [رد المحتار] إذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ كُلًّا مِنْ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ اشْتَرَكَا فِي لُزُومِ الْعَمَلِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ مَرَاتِبُ اللُّزُومِ كَمَا تَفَاوَتَتْ مَرَاتِبُ الْوُجُوبِ. وَاخْتَلَفَا فِي لُزُومِ الِاعْتِقَادِ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِيَّةِ وَلِهَذَا يُسَمَّى الْوَاجِبُ فَرْضًا عَمَلًا فَقَطْ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُطْلَقُ عَلَى الْآخَرِ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ عَمَلًا لَا اعْتِقَادًا احْتِرَازٌ عَنْ الْفَرْضِ الْقَطْعِيِّ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمِنَحِ أَيْ فَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ، فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَاجِبُ الظَّنِّيُّ كَالْوِتْرِ وَنَحْوِهِ، لَا الْقَطْعِيُّ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ عِلْمًا وَعَمَلًا فَإِنَّ مُنْكِرَهُ كَافِرٌ كَمَا مَرَّ، بِخِلَافِ مُنْكَرِ الْوَاجِبِ الظَّنِّيِّ: أَيْ مُنْكَرِ وُجُوبِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكْفُرُ لِلشُّبْهَةِ فِيهِ. أَمَّا إذَا أَنْكَرَ أَصْلَ مَشْرُوعِيَّتِهِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا بَيْنَ الْأُمَّةِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ، فَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ سُنَّةَ الْفَجْرِ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ. ثُمَّ رَأَيْته فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ مَا يَكْفُرُ بِهِ نَقْلٌ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ: لَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْوِتْرِ وَأَصْلُ الْأُضْحِيَّةِ كَفَرَ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الزَّنْدَوَسْتِيِّ أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الْفَرْضِيَّةَ لَا يَكْفُرُ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْأَصْلَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَالْفَرْضِيَّةُ وَالْوُجُوبُ مُخْتَلِفٌ فِيهِمَا اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِقُدْرَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِتَجِبُ (قَوْلُهُ مُمْكِنَةٍ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ التَّمْكِينِ ط (قَوْلُهُ هِيَ مَا يَجِبُ) الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ وَالْوَاجِبُ بِهَذِهِ الْقُدْرَةِ مَا يَجِبُ إلَخْ ط. بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْقُدْرَةَ الَّتِي يَتَمَكَّنُ بِهَا الْعَبْدُ مِنْ أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ نَوْعَانِ: مُطْلَقٌ، وَهُوَ أَدْنَى مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ الْعَبْدُ مِنْ أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ، وَهُوَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ أَدَاءِ كُلِّ مَأْمُورٍ بِهِ، وَكَامِلٌ وَهُوَ الْقُدْرَةُ الْمُيَسَّرَةُ لِلْأَدَاءِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ، وَدَوَامُهَا شَرْطٌ لِدَوَامِ الْوَاجِبِ الشَّاقِّ عَلَى النَّفْسِ كَأَكْثَرِ الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ، حَتَّى بَطَلَتْ الزَّكَاةُ وَالْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ، لِأَنَّ الْقُدْرَةَ الْمُيَسَّرَةَ وَهِيَ وَصْفُ النَّمَاءِ قَدْ فَاتَتْ بِالْهَلَاكِ فَيَفُوتُ دَوَامُ الْوُجُوبِ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، بِخِلَافِ الْأَوْلَى فَلَيْسَ بَقَاؤُهَا شَرْطًا لِبَقَاءِ الْوَاجِبِ، حَتَّى لَا يَسْقُطَ الْحَجُّ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ بِهَلَاكِ الْمَالِ لِوُجُوبِهِمَا بِقُدْرَةٍ مُمْكِنَةٍ وَهِيَ الْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَمِلْكِ النِّصَابِ، وَلَا يَقَعُ الْيُسْرُ فِيهِمَا إلَّا بِخَدَمٍ وَمَرَاكِبَ وَأَعْوَانٍ فِي الْأَوَّلِ وَمِلْكُ أَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ فِي الثَّانِي وَلَيْسَ بِشَرْطٍ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ) أَيْ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ الْمُجَرَّدِ عَنْ اشْتِرَاطِ دَوَامِ الْقُدْرَةِ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا شَرْطٌ مَحْضٌ) أَيْ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ، وَالشَّرْطُ يَكْفِي مُطْلَقُ وُجُودِهِ لِتَحَقُّقِ وُجُودِهِ لِتَحَقُّقِ الْمَشْرُوطِ اهـ ط (قَوْلُهُ هِيَ مَا يَجِبُ إلَخْ) الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ وَالْوَاجِبُ بِهَا مَا يَجِبُ إلَخْ ط (قَوْلُهُ بِصِفَةِ الْيُسْرِ) الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ ط (قَوْلُهُ فَغَيَّرَتْهُ مِنْ الْعُسْرِ) وَهُوَ الْوُجُوبُ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ إلَى الْيُسْرِ وَهُوَ الْوُجُوبُ بِصِفَةِ الْيُسْرِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ، وَهَذَا مِنْهُ بَيَانٌ لِوَجْهِ التَّسْمِيَةِ بِمُيَسَّرَةٍ وَالتَّغْيِيرُ تَقْدِيرِيٌّ، إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا بِالْعُسْرَةِ بِقُدْرَةٍ مُمْكِنَةٍ ثُمَّ تَغَيَّرَ إلَى الْيُسْرِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَوْ وَجَبَ بِالْمُمْكِنَةِ كَبَاقِي الْوَاجِبَاتِ بِهَا لَكَانَ جَائِزًا فَلَمَّا تَوَقَّفَ عَلَيْهَا صَارَ كَأَنَّهُ تَغَيَّرَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ) لِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ، وَلَمَّا أَثَّرَ هَذَا الشَّرْطُ بِتَغْيِيرِ الْوَاجِبِ إلَى صِفَةِ الْيُسْرِ كَانَ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ وَالْعِلَّةُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ بَقَاءُ الْحُكْمِ بِدُونِهَا إذْ لَا يُسْرَ بِدُونِ قُدْرَةٍ مُيَسَّرَةٍ، وَالْوَاجِبُ الَّذِي لَمْ يُشْرَعْ إلَّا بِصِفَةِ الْيُسْرِ لَا يَبْقَى بِدُونِهَا (قَوْلُهُ بِدَلِيلٍ) عِلَّةٌ لِكَوْنِهَا بِقُدْرَةٍ مُمْكِنَةٍ لَا مُيَسَّرَةٍ اهـ ح. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَهِيَ وَاجِبَةٌ بِالْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُوسِرَ إذَا اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةٍ فِي أَوَّلِ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَمْ يُضَحِّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ ثُمَّ افْتَقَرَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِعَيْنِهَا وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْأُضْحِيَّةَ، فَلَوْ كَانَتْ بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسَّرَةِ كَانَ دَوَامُهَا شَرْطًا كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ وَالْخُرَاجِ حَيْثُ تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 314 بِعَيْنِهَا أَوْ بِقِيمَتِهَا لَوْ مَضَتْ أَيَّامُهَا (عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ) بِمِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ بَادِيَةٍ عَيْنِيٌّ، فَلَا تَجِبُ عَلَى حَاجٍّ مُسَافِرٍ؛ فَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَتَلْزَمُهُمْ وَإِنْ حَجُّوا، وَقِيلَ لَا تَلْزَمُ الْمُحْرِمَ سِرَاجٌ (مُوسِرٌ) يَسَارَ الْفِطْرَةِ (عَنْ نَفْسِهِ لَا عَنْ طِفْلِهِ) عَلَى الظَّاهِرِ، بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ (شَاةٌ) بِالرَّفْعِ بَدَلٌ مِنْ ضَمِيرِ تَجِبُ أَوْ فَاعِلِهِ (أَوْ سُبْعُ بَدَنَةٍ) هِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ؛ سُمِّيَتْ بِهِ لِضَخَامَتِهَا، وَلَوْ لِأَحَدِهِمْ أَقَلُّ مِنْ سُبْعٍ   [رد المحتار] وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ إذَا افْتَقَرَ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ كَانَتْ الْقُدْرَةُ الْمُيَسَّرَةُ حَاصِلَةً فِيهَا فَلِذَا لَمْ تَسْقُطْ بَعْدُ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ أَيْضًا بِأَنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ وَتَفُوتُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ لَيْسَ بِالْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ وَإِلَّا لَمْ تَسْقُطْ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِ شَاةً فِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَبِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ كَالزَّكَاةِ تَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ، بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَهَذَا كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا هُوَ الْقُدْرَةُ الْمُيَسَّرَةُ اهـ. أَقُولُ: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَهَا وَقْتٌ مُقَدَّرٌ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْعِبْرَةُ لِلْوُجُوبِ فِي آخِرِهِ كَمَا يَأْتِي، فَمَنْ كَانَ غَنِيًّا آخِرَهُ تَلْزَمُهُ، وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا آخِرَهُ لَا تَلْزَمُهُ وَلَوْ كَانَ فِي أَوَّلِهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَمَنْ اشْتَرَاهَا غَنِيًّا ثُمَّ افْتَقَرَ بَعْدَ أَيَّامِهَا كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ مُتَمَكِّنًا بِالْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ حَتَّى لَزِمَهُ الْقَضَاءُ لَا بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسَّرَةِ وَإِلَّا لَاشْتَرَطَ دَوَامَهَا بِأَنْ تَسْقُطَ عَنْهُ إذَا افْتَقَرَ، وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ؛ وَمَعْنَى قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَتَفُوتُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ فَوَاتُ أَدَائِهَا بِدَلِيلِ أَنَّ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِقِيمَتِهَا أَوْ بِعَيْنِهَا كَمَا يَأْتِي فِي بَيَانِهِ، وَسُقُوطُهَا بِهَلَاكِ الْمَالِ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِهَا لَا يُفِيدُ أَنَّ الْقُدْرَةَ مُيَسَّرَةٌ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِآخِرِ الْوَقْتِ وَلَمْ تُوجَدْ الْقُدْرَةُ فِيهِ أَصْلًا، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ إذْ لَيْسَ لَهُمَا وَقْتٌ يَفُوتُ الْأَدَاءُ بِفَوْتِهِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ وَقْتٍ زَكَاةٌ وَكَذَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ، بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةَ فَإِنَّ الْوَاقِعَ بَعْدَ وَقْتِهَا خَلَفٌ عَنْهَا، فَحَيْثُ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ بِالْهَلَاكِ فِي وَقْتِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَلَمْ تَسْقُطْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عُلِمَ أَنَّ الْأُولَى وَجَبَتْ بِقُدْرَةٍ مُيَسَّرَةٍ وَالثَّانِيَةَ بِقُدْرَةٍ مُمْكِنَةٍ، وَهَلَاكُ الْمَالِ فِي الْأُضْحِيَّةَ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ إلَّا إذَا كَانَ بَعْدَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَذَلِكَ فِي آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ، لِأَنَّ وَقْتَهَا مُقَدَّرٌ كَمَا عَلِمْت؛ فَحَيْثُ هَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ أَيَّامِهَا وَأَلْزَمْنَاهُ بِالتَّصَدُّقِ بِعَيْنِهَا أَوْ بِقِيمَتِهَا عَلِمْنَا أَنَّهَا لَمْ تَسْقُطْ بِهِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَكَانَ وُجُوبُهَا بِقُدْرَةٍ مُمْكِنَةٍ. وَأَمَّا إذَا هَلَكَ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِهَا كَانَ الْهَلَاكُ قَبْلَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَتَدَبَّرْ هَذَا التَّحْقِيقَ فَهُوَ بِالْقَبُولِ حَقِيقٌ، وَاَللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ (قَوْلُهُ بِعَيْنِهَا) أَيْ لَوْ نَذَرَهَا أَوْ كَانَ فَقِيرًا شَرَاهَا لَهَا، وَقَوْلُهُ أَوْ بِقِيمَتِهَا أَيْ لَوْ كَانَ غَنِيًّا وَلَمْ يَنْذِرْهَا كَمَا يَأْتِي فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَتَلْزَمُهُمْ وَإِنْ حَجُّوا) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ مُقِيمُونَ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا تَلْزَمُ الْمُحْرِمَ) وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ جَوْهَرَةٌ عَنْ الْخُجَنْدِيِّ، وَحَمَلَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَلَى الْمُسَافِرِ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ لَا عَنْ طِفْلِهِ) أَيْ مِنْ مَالِ الْأَبِ ط (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَلَا يَجِبُ، بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ الَّذِي لَا أَب لَهُ، وَالْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ وَلَوْ ضَحَّى عَنْ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ وَزَوْجَتِهِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِمْ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا بِلَا إذْنِهِمْ بَزَّازِيَّةٌ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَعَلَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْعَادَةَ إذَا جَرَتْ مِنْ الْأَبِ فِي كُلِّ سَنَةٍ صَارَ كَالْإِذْنِ مِنْهُمْ، فَإِنْ كَانَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَمَا اسْتَحْسَنَهُ أَبُو يُوسُفَ مُسْتَحْسَنٌ (قَوْلُهُ شَاةٌ) أَيْ ذَبَحَهَا لِمَا مَرَّ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْإِرَاقَةُ (قَوْلُهُ بَدَلٌ مِنْ ضَمِيرِ تَجِبُ أَوْ فَاعِلُهُ) كَذَا فِي الْمِنَحِ وَهَذَا بِالنَّظَرِ إلَى مُجَرَّدِ الْمَتْنِ، وَإِلَّا فَالشَّارِحُ ذَكَرَ فَاعِلَ تَجِبُ فِيمَا مَرَّ وَهُوَ التَّضْحِيَةُ تَبَعًا لِلْمِنَحِ أَيْضًا، فَبِالنَّظَرِ إلَى الشَّرْحِ تَكُونُ شَاةٌ بَدَلًا مِنْ التَّضْحِيَةِ أَوْ خَبَرًا لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ مَعَ تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ الْوَاجِبُ ذَبْحُ شَاةٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِضَخَامَتِهَا) أَيْ عِظَمِ بَدَنِهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ لِأَحَدِهِمْ) أَيْ أَحَدِ السَّبْعَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 315 لَمْ يُجْزِ عَنْ أَحَدٍ، وَتُجْزِي عَمَّا دُونَ سَبْعَةٍ بِالْأَوْلَى (فَجْرَ) نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ (يَوْمَ النَّحْرِ إلَى آخِرِ أَيَّامِهِ) وَهِيَ ثَلَاثَةٌ أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا. (وَيُضَحِّي عَنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ مِنْ مَالِهِ) صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ (وَقِيلَ لَا) صَحَّحَهُ فِي الْكَافِي. قَالَ: وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ مِنْ مَالِ طِفْلِهِ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ. قُلْت: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِمَا فِي مَتْنِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ مِنْ أَنَّهُ أَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ. وَعَلَّلَهُ فِي الْبُرْهَانِ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْإِتْلَافُ فَالْأَبُ لَا يَمْلِكُهُ فِي مَالِ وَلَدِهِ كَالْعِتْقِ أَوْ التَّصَدُّقِ بِاللَّحْمِ فَمَالُ الصَّبِيِّ لَا يَحْتَمِلُ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ، وَعَزَاهُ لِلْمَبْسُوطِ فَلْيُحْفَظْ.   [رد المحتار] الْمَعْلُومِينَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ سُبْعُ بَدَنَةٍ، لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا تُجْزِي عَنْ سَبْعَةٍ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ وَلَوْ اخْتَلَفَتْ جِهَاتُ الْقُرْبَةِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ لَمْ يُجْزِ عَنْ أَحَدٍ) مِنْ الْجَوَازِ أَوْ مِنْ الْإِجْزَاءِ وَالثَّانِي أَنْسَبُ بِمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَتُجْزِي عَمَّا دُونَ سَبْعَةٍ) الْأَوْلَى عَمَّنْ لِأَنَّ مَا لِمَا لَا يَعْقِلُ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا اتَّفَقَتْ الْأَنْصِبَاءُ قَدْرًا أَوْ لَا لَكِنْ بَعْدَ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ السَّبْعِ، وَلَوْ اشْتَرَكَ سَبْعَةٌ فِي خَمْسِ بَقَرَاتٍ أَوْ أَكْثَرَ صَحَّ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ فِي بَقَرَةٍ سُبُعُهَا لَا ثَمَانِيَةُ فِي سَبْعِ بَقَرَاتِ أَوْ أَكْثَرَ، لِأَنَّ كُلَّ بَقَرَةٍ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ فَلِكُلٍّ مِنْهُمْ أَقَلُّ مِنْ السَّبْعِ وَلَا رِوَايَةَ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ وَلَوْ اشْتَرَكَ سَبْعَةٌ فِي سَبْعِ شِيَاهٍ لَا يُجْزِيهِمْ قِيَاسًا لِأَنَّ كُلَّ شَاةٍ بَيْنَهُمْ عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُجْزِيهِمْ وَكَذَا اثْنَانِ فِي شَاتَيْنِ، وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْأَوَّلِ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ، وَالْمَذْكُورُ فِيهِ جَوَابُ الْقِيَاسِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ) أَيْ لِقَوْلِهِ تَجِبُ، وَهَذَا بَيَانٌ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا مُطْلَقًا لِلْمِصْرِيِّ وَالْقَرَوِيِّ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إلَى آخِرِ أَيَّامِهِ) دَخَلَ فِيهَا اللَّيْلُ وَإِنْ كُرِهَ كَمَا يَأْتِي، وَأَفَادَ أَنَّ الْوُجُوبَ مُوَسَّعٌ فِي جُمْلَةِ الْوَقْتِ غَيْرَ عَيْنٍ. وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا وَجَبَ كَذَلِكَ يَتَعَيَّنُ الْجُزْءُ الَّذِي أَدَّى فِيهِ لِلْوُجُوبِ أَوْ آخِرَ الْوَقْتِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ يَتَخَرَّجُ مَا إذَا صَارَ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ فِي آخِرِهِ، بِأَنْ أَسْلَمَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ أَيْسَرَ أَوْ أَقَامَ تَلْزَمُهُ، لَا إنْ ارْتَدَّ أَوْ أَعْسَرَ أَوْ سَافَرَ فِي آخِرِهِ، وَلَوْ أَعْسَرَ بَعْدَ خُرُوجٍ صَارَ قِيمَةُ شَاةٍ صَالِحَةٍ لِلْأُضْحِيَّةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَلَوْ مَاتَ الْمُوسِرُ فِي أَيَّامِهَا سَقَطَتْ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَمْ تَجِبْ، وَلَوْ ضَحَّى الْفَقِيرُ ثُمَّ أَيْسَرَ فِي آخِرِهِ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْأُولَى تَطَوُّعٌ بَدَائِعُ مُلَخَّصًا، لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالُوا لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَبِهِ نَأْخُذُ (قَوْلُهُ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ) وَكَذَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةٌ، وَالْكُلُّ يَمْضِي بِأَرْبَعَةٍ أَوَّلُهَا نَحْرٌ لَا غَيْرُ وَآخِرُهَا تَشْرِيقٌ لَا غَيْرُ وَالْمُتَوَسِّطَانِ نَحْرٌ وَتَشْرِيقٌ هِدَايَةٌ. وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ التَّضْحِيَةَ تَجُوزُ فِي اللَّيْلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ لَا الْأُولَى، إذْ اللَّيْلُ فِي كُلِّ وَقْتٍ تَابِعٌ لِنَهَارٍ مُسْتَقْبَلٍ إلَّا فِي أَيَّامِ الْأُضْحِيَّةَ فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِنَهَارٍ مَاضٍ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ وَغَيْرِهِ، وَفِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ لَيْلَةَ الرَّابِعِ لَمْ تَكُنْ وَقْتًا لَهَا بِلَا خِلَافٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ فِيمَا بَيْنَ أَيَّامِ الْأُضْحِيَّةَ قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا) ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ (قَوْلُهُ وَيُضَحِّي عَنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ مِنْ مَالِهِ) أَيْ مَالِ الصَّغِيرِ وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَأَمَّا الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ فَلَيْسَا مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ فِي قَوْلِهِمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مِنْ الشَّرَائِطِ حَتَّى لَا تَجِبَ التَّضْحِيَةُ فِي مَالِهِمَا لَوْ مُوسِرَيْنِ، وَلَا يَضْمَنُ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَضْمَنُ. وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ يُعْتَبَرُ حَالُهُ، فَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ وَإِنْ مُفِيقًا تَجِبُ بِلَا خِلَافٍ اهـ. قُلْت: لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ، وَأَمَّا الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ اهـ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ) حَيْثُ قَالَ: وَالْأَصَحُّ أَنْ يُضَحِّيَ مِنْ مَالِهِ، فَقَوْلُ ابْنِ الشِّحْنَةِ إنَّهُ فِي الْهِدَايَةِ لَمْ يُصَحِّحْ شَيْئًا بَلْ مُقْتَضَى صَنِيعِهِ تَرْجِيحُ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَعَلَّهُ سَاقِطٌ مِنْ نُسْخَتِهِ (قَوْلُهُ قُلْت وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 316 ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (وَأَكَلَ مِنْهُ الطِّفْلُ) وَادَّخَرَ لَهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ (وَمَا بَقِيَ يُبَدَّلُ بِمَا يَنْتَفِعُ) الصَّغِيرُ (بِعَيْنِهِ) كَثَوْبٍ وَخُفٍّ لَا بِمَا يُسْتَهْلَكُ كَخُبْزٍ وَنَحْوِهِ ابْنُ كَمَالٍ وَكَذَا الْجَدُّ وَالْوَصِيُّ. (وَصَحَّ) (اشْتِرَاكُ سِتَّةٍ فِي بَدَنَةٍ شُرِيَتْ لِأُضْحِيَّةٍ) أَيْ إنْ نَوَى وَقْتَ الشِّرَاءِ الِاشْتِرَاكَ صَحَّ اسْتِحْسَانًا وَإِلَّا لَا (اسْتِحْسَانًا وَذَا) أَيْ الِاشْتِرَاكُ (قَبْلَ الشِّرَاءِ أَحَبُّ، وَيُقْسَمُ اللَّحْمُ وَزْنًا   [رد المحتار] وَاخْتَارَهُ فِي الْمُلْتَقَى حَيْثُ قَدَّمَهُ، وَعَبَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ بِقِيلَ، وَرَجَّحَهُ الطَّرَسُوسِيُّ بِأَنَّ الْقَوَاعِدَ تَشْهَدُ لَهُ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ، وَلَيْسَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا أَوْلَى مِنْ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ (قَوْلُهُ بِمَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ يَشْتَرِيَ بِهَا مَا ذُكِرَ ط، وَيُفِيدُهُ مَا نَذْكُرُهُ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْجَدُّ وَالْوَصِيُّ) أَيْ كَالْأَبِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ وَصَحَّ اشْتِرَاكُ سِتَّةٍ) كَذَا فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ النُّسَخِ مِنْ الِافْتِعَالِ بِالتَّاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي عِدَّةِ كُتُبٍ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ مُضَافٌ إلَى مَفْعُولِهِ وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ الشَّارِي، وَلِذَا قَالَ فِي الدُّرَرِ: أَيْ جَعَلَهُمْ شُرَكَاءَ لَهُ (قَوْلُهُ فِي بَدَنَةٍ شُرِيَتْ لِأُضْحِيَّةٍ) أَيْ لِيُضَحِّيَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ هِدَايَةٌ وَغَيْرُهَا، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْغَنِيِّ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَعَيَّنْ لِوُجُوبِ الضَّحِيَّةِ بِهَا وَمَعَ ذَلِكَ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ خَلْفِ الْوَعْدِ. وَقَدْ قَالُوا إنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ نَصًّا، فَأَمَّا الْفَقِيرُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُشْرَكَ فِيهَا لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ بِالشِّرَاءِ لِلْأُضْحِيَّةِ فَتَعَيَّنَتْ لِلْوُجُوبِ بَدَائِعُ وَغَايَةُ الْبَيَانِ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ سَوَّى بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ ثُمَّ حَكَى التَّفْصِيلَ عَنْ بَعْضِهِمْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَيْ إنْ نَوَى وَقْتَ الشِّرَاءِ الِاشْتِرَاكَ صَحَّ اسْتِحْسَانًا وَإِلَّا لَا) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَالْوَاجِبُ إسْقَاطُهُ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ الاستحسانية أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِيُضَحِّيَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا، وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ قَوْلِهِ اسْتِحْسَانًا وَذَا قَبْلَ الشِّرَاءِ أَحَبُّ. وَفِي الْهِدَايَةِ: وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ الْخِلَافِ وَعَنْ صُورَةِ الرُّجُوعِ فِي الْقُرْبَةِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ لَمْ يَنْوِ عِنْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ أَشْرَكَهُمْ فَقَدْ كَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. أَقُولُ: وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الْهَدْيِ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزُوًّا إلَى الْأَصْلِ وَالْمَبْسُوطِ: إذَا اشْتَرَى بَدَنَةً لِمُتْعَةٍ مَثَلًا ثُمَّ أَشْرَكَ فِيهَا سِتَّةً بَعْدَمَا أَوْجَبَهَا لِنَفْسِهِ خَاصَّةً لَا يَسَعُهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْجَبَهَا صَارَ الْكُلُّ وَاجِبًا بَعْضُهَا بِإِيجَابِ الشَّرْعِ وَبَعْضُهَا بِإِيجَابِهِ، فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ نَوَى أَنْ يُشْرِكَ فِيهَا سِتَّةً أَجْزَأَتْهُ لِأَنَّهُ مَا أَوْجَبَ الْكُلَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالشِّرَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ عِنْدَ الشِّرَاءِ وَلَكِنْ لَمْ يُوجِبْهَا حَتَّى شَرَّك السِّتَّةَ جَازَ. وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الشِّرَاءِ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمْ بِأَمْرِ الْبَاقِينَ حَتَّى تَثْبُتَ الشَّرِكَةُ فِي الِابْتِدَاءِ اهـ وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْفَقِيرِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ أَوْجَبَهَا بِالنَّذْرِ، أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيُقْسَمُ اللَّحْمُ) اُنْظُرْ هَلْ هَذِهِ الْقِسْمَةُ مُتَعَيِّنَةٌ أَوْ لَا، حَتَّى لَوْ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ وَلِزَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ الْكِبَارِ بَدَنَةً وَلَمْ يَقْسِمُوهَا تُجْزِيهِمْ أَوْ لَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْإِرَاقَةُ وَقَدْ حَصَلَتْ. وَفِي فَتَاوَى الْخُلَاصَةِ وَالْفَيْضِ: تَعْلِيقُ الْقِسْمَةِ عَلَى إرَادَتِهِمْ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا سَبَقَ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِمْ فَقِيرٌ وَالْبَاقِي أَغْنِيَاءُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَخْذُ نَصِيبِهِ لِيَتَصَدَّقَ بِهِ اهـ ط. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ شَرْطِ الْقِسْمَةِ إنْ فُعِلَتْ لَا أَنَّهَا شَرْطٌ، لَكِنْ فِي اسْتِثْنَائِهِ الْفَقِيرَ نَظَرٌ إذْ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ كَمَا يَأْتِي، نَعَمْ النَّاذِرُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَا جُزَافًا) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، وَلَوْ حَلَّلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: أَمَّا عَدَمُ جَوَازِ الْقِسْمَةِ مُجَازَفَةً فَلِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَاللَّحْمُ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا فَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ مُجَازَفَةً. وَأَمَّا عَدَمُ جَوَازِ التَّحْلِيلِ فَلِأَنَّ الرِّبَا لَا يَحْتَمِلُ الْحِلَّ بِالتَّحْلِيلِ، وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْهِبَةِ وَهِبَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا تَصِحُّ اهـ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يَحِلُّ لِفَسَادِ الْمُبَادَلَةِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 317 لَا جُزَافًا إلَّا إذَا ضَمَّ مَعَهُ الْأَكَارِعَ أَوْ الْجِلْدَ) صَرْفًا لِلْجِنْسِ لِخِلَافِ جِنْسِهِ. (وَأَوَّلُ وَقْتِهَا) (بَعْدَ الصَّلَاةِ إنْ ذَبَحَ فِي مِصْرٍ) أَيْ بَعْدَ أَسْبَقِ صَلَاةِ عِيدٍ، وَلَوْ قَبْلَ الْخُطْبَةِ لَكِنْ بَعْدَهَا أَحَبُّ وَبَعْدَ مُضِيِّ وَقْتِهَا لَوْ لَمْ يُصَلُّوا لِعُذْرٍ، وَيَجُوزُ فِي الْغَدِ وَبَعْدَهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْغَدِ تَقَعُ قَضَاءً لَا أَدَاءً زَيْلَعِيٌّ وَغَيْرُهُ (وَبَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إنْ ذَبَحَ فِي غَيْرِهِ) وَآخِرُهُ قُبَيْلَ غُرُوبِ يَوْمِ الثَّالِثِ. وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الرَّابِعِ، وَالْمُعْتَبَرُ مَكَانُ الْأُضْحِيَّةَ لَا مَكَانُ مَنْ عَلَيْهِ، فَحِيلَةُ مِصْرِيٍّ أَرَادَ التَّعْجِيلَ أَنْ يُخْرِجَهَا   [رد المحتار] مِنْ أَنَّهُ فِيهِ بِمَعْنًى لَا يَصِحُّ وَلَا حُرْمَةَ فِيهِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا ضَمَّ مَعَهُ إلَخْ) بِأَنْ يَكُونَ مَعَ أَحَدِهِمَا بَعْضُ اللَّحْمِ مَعَ الْأَكَارِعِ وَمَعَ الْآخَرِ الْبَعْضُ مَعَ الْبَعْضِ مَعَ الْجِلْدِ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ وَأَوَّلُ وَقْتِهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ إلَخْ) فِيهِ تَسَامُحٌ إذْ التَّضْحِيَةُ لَا يَخْتَلِفُ وَقْتُهَا بِالْمِصْرِيِّ وَغَيْرِهِ بَلْ شَرْطُهَا، فَأَوَّلُ وَقْتِهَا فِي حَقِّ الْمِصْرِيِّ وَالْقَرَوِيِّ طُلُوعُ الْفَجْرِ إلَّا أَنَّهُ شَرَطَ لِلْمِصْرِيِّ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا فَعَدَمُ الْجَوَازِ لِفَقْدِ الشَّرْطِ لَا لِعَدَمِ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَأُشِيرَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا قُهُسْتَانِيٌ، وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ الْكَمَالِ فِي مَنْهِيَّاتِ شَرْحِهِ أَنَّ هَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي أَخْطَأَ فِيهَا تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَلَمْ يَتَنَبَّهْ لَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (قَوْلُهُ بَعْدَ أَسْبَقِ صَلَاةِ عِيدٍ) وَلَوْ ضَحَّى بَعْدَمَا صَلَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُصَلِّ أَهْلُ الْجَبَّانَةِ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ، حَتَّى لَوْ اكْتَفَوْا بِهَا أَجْزَأَتْهُمْ، وَكَذَا عَكْسُهُ هِدَايَةٌ وَلَوْ ضَحَّى بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَيَكُونُ مُسِيئًا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَبْلَ الْخُطْبَةِ) قَالَ فِي الْمِنَحِ وَعَنْ الْحَسَنِ: لَوْ ضَحَّى قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ فَقَدْ أَسَاءَ (قَوْلُهُ وَبَعْدَ مُضِيِّ وَقْتِهَا) أَيْ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَوَقْتُ الصَّلَاةِ مِنْ الِارْتِفَاعِ إلَى الزَّوَالِ (قَوْلُهُ لِعُذْرٍ) أَيْ غَيْرِ الْفِتْنَةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدُ اهـ ط. أَقُولُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الزَّيْلَعِيُّ لَفْظَ الْعُذْرِ مَعَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ عَنْ الْيَنَابِيعِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: وَإِنْ أَخَّرَ الْإِمَامُ صَلَاةَ الْعِيدِ فَلَا ذَبْحَ حَتَّى يَنْتَصِفَ النَّهَارُ، فَإِنْ اشْتَغَلَ الْإِمَامُ فَلَمْ يُصَلِّ أَوْ تَرَكَ عَمْدًا حَتَّى زَالَتْ فَقَدْ حَلَّ الذَّبْحُ بِغَيْرِ صَلَاةٍ فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ بِالزَّوَالِ فَاتَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ الْإِمَامُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَالتَّرْتِيبُ شَرْطٌ فِي الْأَدَاءِ لَا فِي الْقَضَاءِ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ اهـ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْمُحِيطِ، وَنَقَلَ قَبْلَهُ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا تُجْزِيهِمْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي قَبْلَ الزَّوَالِ إلَّا إذَا كَانُوا لَا يَرْجُونَ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ بِهِمْ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ صَلَاةُ الْعِيدِ لِأَنَّهُمْ فِي وَقْتِهَا مَشْغُولُونَ بِأَدَاءِ الْمَنَاسِكِ، وَتَجُوزُ لَهُمْ التَّضْحِيَةُ بَعْدَ انْشِقَاقِ الْفَجْرِ كَمَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْقُرَى اهـ. وَمِنْ الظَّاهِرِ أَنَّ أَهْلَ مِنًى هُمْ مَنْ بِهَا مِنْ الْحُجَّاجِ وَأَهْلِ مَكَّةَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ أَيْ أَهْلِ مَكَّةَ الْمُحْرِمِينَ، ثُمَّ إنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي خِلَافِ مَا ذَكَرَهُ الْبِيرِيُّ حَيْثُ قَالَ: إنَّ مِنًى لَا تَجُوزُ فِيهَا الْأُضْحِيَّةُ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّهَا مَوْضِعٌ تَجُوزُ فِيهِ صَلَاةُ الْعِيدِ إلَّا أَنَّهَا سَقَطَتْ عَنْ الْحَاجِّ وَلَمْ نَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا مَعَ كَثْرَةِ الْمُرَاجَعَةِ، وَلَا صَلَاةُ الْعِيدِ بِمَكَّةَ يَوْمَ النَّحْرِ لِأَنَّا وَمَنْ أَدْرَكْنَاهُ مِنْ الْمَشَايِخِ لَمْ يُصَلِّهَا بِمَكَّةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا السَّبَبُ فِي ذَلِكَ اهـ (قَوْلُهُ إنْ ذَبَحَ فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرَ الْمِصْرِ شَامِلٌ لِأَهْلِ الْبَوَادِي، وَقَدْ قَالَ قَاضِي خَانْ: فَأَمَّا أَهْلُ السَّوَادِ وَالْقُرَى وَالرِّبَاطَاتِ عِنْدَنَا يَجُوزُ لَهُمْ التَّضْحِيَةُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْبَوَادِي لَا يُضَحُّونَ إلَّا بَعْدَ صَلَاةِ أَقْرَبِ الْأَئِمَّةِ إلَيْهِمْ اهـ وَعَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى النَّظْمِ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي التَّبْيِينِ وَلِإِطْلَاقِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ مَكَانُ الْأُضْحِيَّةَ إلَخْ) فَلَوْ كَانَتْ فِي السَّوَادِ وَالْمُضَحِّي فِي الْمِصْرِ جَازَتْ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَفِي الْعَكْسِ لَمْ تَجُزْ قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ أَنْ يُخْرِجَهَا) أَيْ يَأْمُرَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 318 لِخَارِجِ الْمِصْرِ، فَيُضَحِّي بِهَا إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مُجْتَبًى. (وَالْمُعْتَبَرُ) (آخِرُ وَقْتِهَا لِلْفَقِيرِ وَضِدُّهُ وَالْوِلَادَةِ وَالْمَوْتِ، فَلَوْ كَانَ غَنِيًّا فِي أَوَّلِ الْأَيَّامِ فَقِيرًا فِي آخِرِهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنْ وُلِدَ فِي يَوْمِ الْآخِرِ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ فِيهِ لَا) تَجِبُ عَلَيْهِ (تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ) (تُعَادُ الصَّلَاةُ دُونَ الْأُضْحِيَّةَ) لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ إلَّا الْإِمَامُ وَحْدَهُ فَكَانَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا زَيْلَعِيٌّ. وَفِي الْمُجْتَبَى: إنَّمَا تُعَادُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَا بَعْدَهُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: بَلْدَةٌ فِيهَا فِتْنَةٌ فَلَمْ يُصَلُّوا وَضَحَّوْا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ فِي الْمُخْتَارِ، لَكِنْ فِي الْيَنَابِيعِ: وَلَوْ تَعَمَّدَ التَّرْكَ فَسَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ اهـ. وَقِيلَ لَا تَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَتَجُوزُ فِي بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ. قُلْت: وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مُخْتَارُ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْمَوَاهِبِ فَتَنَبَّهْ. (كَمَا لَوْ) (شَهِدُوا أَنَّهُ يَوْمَ الْعِيدِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَصَلَّوْا ثُمَّ ضَحَّوْا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ) (أَجْزَأَتْهُمْ الصَّلَاةُ وَالتَّضْحِيَةُ)   [رد المحتار] بِإِخْرَاجِهَا (قَوْلُهُ لِخَارِجِ الْمِصْرِ) أَيْ إلَى مَا يُبَاحُ فِيهِ الْقَصْرُ قُهُسْتَانِيٌ وَزَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ مُجْتَبًى) لَا حَاجَةَ إلَى الْعَزْوِ إلَيْهِ بَعْدَ وُجُودِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ (قَوْلُهُ وَالْوِلَادَةِ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا فِي مَالِ الصَّغِيرِ أَوْ الْأَبِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ تُعَادُ الصَّلَاةُ دُونَ التَّضْحِيَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: فَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ قَبْلَ تَفَرُّقِ النَّاسِ يُعِيدُ بِهِمْ الصَّلَاةَ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَهَلْ يَجُوزُ مَا ضَحَّى قَبْلَ الْإِعَادَةِ ذَكَرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ ذَبَحَ بَعْدَ صَلَاةٍ يُجِيزُهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ الشَّافِعِيُّ، لِأَنَّ فَسَادَ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي عِنْدَهُ فَكَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ مُعْتَبَرَةً عِنْدَهُ، فَعَلَى هَذَا يُعِيدُ الْإِمَامُ وَحْدَهُ وَلَا يُعِيدُ الْقَوْمُ وَذَلِكَ اسْتِحْسَانٌ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ فَكَانَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا) كَذَا فِي الْمِنَحِ وَبَعْضِ نُسَخِ التَّبْيِينِ أَيْضًا وَصَوَابُهُ مَسَاغٌ بِالرَّفْعِ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) هَذَا تَقْيِيدٌ لِإِطْلَاقِ الْمَتْنِ، وَهُوَ وَجِيهٌ لِمَا فِي الْإِعَادَةِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ مِنْ الْمَشَقَّةِ اهـ ح (قَوْلُهُ لَا بَعْدَهُ) أَقُولُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَوْ نَادَى بِالنَّاسِ لِيُعِيدُوهَا، فَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ جَازَتْ، وَمَنْ عَلِمَ بِهِ لَمْ يَجُزْ ذَبْحُهُ إذَا ذَبَحَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ يَجُوزُ اهـ لَكِنْ مُقْتَضَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ عَدَمُ الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي الْبَدَائِعِ ذَكَرَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ رِوَايَةٌ أُخْرَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَلَمْ يُصَلُّوا) لِعَدَمِ وَالٍ يُصَلِّيهَا بِهِمْ أَتْقَانِيٌّ وَزَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ جَازَ فِي الْمُخْتَارِ) لِأَنَّ الْبَلْدَةَ صَارَتْ فِي هَذَا الْحُكْمِ كَالسَّوَادِ أَتْقَانِيٌّ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا، وَلَا يُعَارِضُ مَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْهُ كَمَا ظَنَّهُ ح لِأَنَّ الْإِمَامَ هُنَاكَ مَوْجُودٌ فَلَمْ تَصِرْ فِي حُكْمِ السَّوَادِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْيَنَابِيعِ إلَخْ) سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ الْأَوْلَى. إذْ لَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ لِعُذْرٍ وَهَذَا لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَعَمَّدَ التَّرْكَ) مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ أَوْ لِلْمَعْلُومِ وَفَاعِلُهُ الْإِمَامُ (قَوْلُهُ فَسَنَّ) يُقَالُ سَنَّ فُلَانًا طَعَنَهُ بِالسِّنَانِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الذَّبْحُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّهُ مُعَارِضٌ لِمَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ كَمَا فَهِمَهُ الْمُحَشِّي وَالْمُعَارَضَةُ مُنْدَفِعَةٌ بِمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) لَيْسَ فِي عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ مَا يُفِيدُهُ لِأَنَّهُ حَكَى الْقَوْلَيْنِ عَنْ الْمُحِيطِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَمْ يُرَجِّحْ (قَوْلُهُ أَجْزَأَتْهُمْ الصَّلَاةُ وَالتَّضْحِيَةُ) كَذَا فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا. وَفِيهَا: وَلَوْ شَهِدُوا بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ أَنَّهُ الْعَاشِرُ جَازَ لَهُمْ أَنْ يُضَحُّوا وَيَخْرُجُ الْإِمَامُ مِنْ الْغَدِ فَيُصَلِّي بِهِمْ الْعِيدَ، وَإِنْ عَلِمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ فَشُغِلَ الْإِمَامُ عَنْ الْخُرُوجِ أَوْ غَفَلَ فَلَمْ يَخْرُجْ وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا يُصَلِّي بِهِمْ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُضَحِّيَ حَتَّى يُصَلِّيَ بِهِمْ الْإِمَامُ إلَى أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ، فَإِذَا زَالَتْ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ ضَحَّى النَّاسُ، وَإِنْ ضَحَّى أَحَدٌ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ ضَحَّى بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ جَازَتْ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 319 لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْخَطَأِ فَيُحْكَمُ بِالْجَوَازِ صِيَانَةً لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ زَيْلَعِيٌّ (وَكُرِهَ) تَنْزِيهًا (الذَّبْحُ لَيْلًا) لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ. (وَلَوْ) (تُرِكَتْ التَّضْحِيَةُ وَمَضَتْ أَيَّامُهَا) (تَصَدَّقَ بِهَا حَيَّةً نَاذِرٌ) فَاعِلُ تَصَدَّقَ (لِمُعَيَّنَةٍ) وَلَوْ فَقِيرًا، وَلَوْ ذَبَحَهَا   [رد المحتار] فِي وَقْتِهِ اهـ (قَوْلُهُ صِيَانَةً لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ) الَّذِي رَأَيْته فِي الزَّيْلَعِيِّ لِجَمْعِ بِدُونِ يَاءٍ: أَيْ صَلَاتُهُمْ بِالْجَمَاعَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ تَنْزِيهًا) بَحْثٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ: قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ لِلتَّنْزِيهِ وَمَرْجِعُهَا إلَى خِلَافِ الْأَوْلَى إذْ احْتِمَالُ الْغَلَطِ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ اهـ. أَقُولُ: وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي ذَبَائِحِ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ لَيْلًا) أَيْ فِي اللَّيْلَتَيْنِ الْمُتَوَسِّطَتَيْنِ لَا الْأُولَى وَلَا الرَّابِعَةُ، إذْ لَا تَصِحُّ فِيهِمَا الْأُضْحِيَّةَ أَصْلًا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ وَنَبَّهَ عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ وَمَعَ هَذَا خَفِيَ عَلَى الْبَعْضِ (قَوْلُهُ وَلَوْ تُرِكَتْ التَّضْحِيَةُ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ قَضَاءِ الْأُضْحِيَّةِ إذَا فَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا فَإِنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالْقَضَاءِ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَمَضَتْ أَيَّامُهَا إلَخْ) قَيَّدَ بِهِ لِمَا فِي النِّهَايَةِ: إذَا وَجَبَتْ بِإِيجَابِهِ صَرِيحًا أَوْ بِالشِّرَاءِ لَهَا، فَإِنْ تَصَدَّقَ بِعَيْنِهَا فِي أَيَّامِهَا فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا مَكَانَهَا، لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِرَاقَةُ وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الصَّدَقَةِ إذَا وَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ التَّضْحِيَةِ بِمُضِيِّ أَيَّامِهَا، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِ مِثْلَهَا حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُهَا تَصَدَّقَ بِقِيمَتِهَا، لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ إنَّمَا عُرِفَتْ قُرْبَةً فِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ وَلَا تُجْزِيه الصَّدَقَةُ الْأُولَى عَمَّا يَلْزَمُهُ بَعْدُ لِأَنَّهَا قَبْلَ سَبَبِ الْوُجُوبِ اهـ (قَوْلُهُ تَصَدَّقَ بِهَا حَيَّةً) لِوُقُوعِ الْيَأْسِ عَنْ التَّقَرُّبِ بِالْإِرَاقَةِ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِقِيمَتِهَا أَجْزَأَهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَا التَّصَدُّقُ بِعَيْنِهَا وَهَذَا مِثْلُهُ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ اهـ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ نَاذِرٌ لِمُعَيِّنَةٍ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: أَمَّا الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ فَالْمَنْذُورُ بِهِ، بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ شَاةً أَوْ بَدَنَةً أَوْ هَذِهِ الشَّاةَ أَوْ الْبَدَنَةَ، أَوْ قَالَ جَعَلْت هَذِهِ الشَّاةَ أُضْحِيَّةً لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مِنْ جِنْسِهَا إيجَابٌ وَهُوَ هَدْيُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَالْإِحْصَارِ فَتَلْزَمُ بِالنَّذْرِ كَسَائِرِ الْقُرَبِ وَالْوُجُوبُ بِالنَّذْرِ يَسْتَوِي فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ اهـ وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ الْجَعْلَ الْمَذْكُورَ نَذْرٌ وَأَنَّ النَّذْرَ بِالْوَاجِبِ صَحِيحٌ. وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ النَّذْرِ أَنْ لَا يَكُونَ وَاجِبًا قَبْلَهُ. وَأَجَابَ أَبُو السُّعُودِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ التَّضْحِيَةُ مُطْلَقًا وَصِحَّةُ النَّذْرِ بِالنِّسْبَةِ الْمُعَيَّنَةِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ صِحَّةِ النَّذْرِ بِغَيْرِ مُعَيَّنَةٍ أَيْضًا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ شَاةً وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَهُوَ مُوسِرٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاتَيْنِ عِنْدَنَا شَاةٌ بِالنَّذْرِ وَشَاةٌ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً إلَّا إذَا عَنِيَ بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا وَاحِدَةٌ، وَلَوْ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ شَاتَانِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَا تَحْتَمِلُ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ إذْ لَا وُجُوبَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَكَذَا لَوْ كَانَ مُعْسِرًا ثُمَّ أَيْسَرَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ شَاتَانِ اهـ. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْمُوسِرَ إذَا نَذَرَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَقَصَدَ الْإِخْبَارَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ نَذْرًا حَقِيقَةً وَإِنَّ لُزُومَ الشَّاةِ عَلَيْهِ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ. أَمَّا إذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يَقْصِدْ الْإِخْبَارَ أَوْ كَانَ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ أَوْ كَانَ مُعْسِرًا فَأَيْسَرَ فِيهَا، فَإِنَّهُ وَإِنْ لَزِمَتْهُ شَاةٌ أُخْرَى بِالنَّذْرِ لَكِنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً قَبْلُ بَلْ الْوَاجِبَةُ غَيْرُهَا فَهُوَ نَذْرٌ حَقِيقَةً. وَعَلَى كُلٍّ فَلَمْ يُوجَدْ نَذْرٌ حَقِيقِيٌّ بِوَاجِبٍ قَبْلَهُ فَاتَّضَحَ الْحَالُ وَطَاحَ الْإِشْكَالُ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْأُضْحِيَّةَ زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ لِهَذَا الْبَحْثِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُ حَيْثُ قَصَدَ الْإِخْبَارَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَلْزَمْ بِالنَّذْرِ. [فَرْعٌ] قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ شَاةً فَضَحَّى بِبَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ جَازَ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ فَقِيرًا) الْأَنْسَبُ أَنْ يُقَالَ وَلَوْ غَنِيًّا، لِأَنَّ الْفَقِيرَ لَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ صِحَّةِ نَذْرِهِ بِالْمُعَيَّنَةِ لِعَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ قَبْلَهُ بِخِلَافِ الْغَنِيِّ، وَلِأَنَّ الْفَقِيرَ إذَا شَرَاهَا لَهُ يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِعَيْنِهَا بِلَا نَذْرٍ، بِخِلَافِ الْغَنِيِّ. وَقَاعِدَةُ لَوْ الْوَصْلِيَّةِ أَنَّ نَقِيضَ مَا بَعْدَهَا أَوْلَى بِالْحُكْمِ تَأَمَّلْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 320 تَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا، وَلَوْ نَقَصَهَا تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ النُّقْصَانِ أَيْضًا وَلَا يَأْكُلُ النَّاذِرُ مِنْهَا؛ فَإِنْ أَكَلَ تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ مَا أَكَلَ (وَفَقِيرٌ) عُطِفَ عَلَيْهِ (شَرَاهَا لَهَا) لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ حَتَّى يَمْتَنِعَ عَلَيْهِ بَيْعُهَا (وَ) تَصَدَّقَ (بِقِيمَتِهَا غَنِيٌّ شَرَاهَا أَوَّلًا) لِتَعَلُّقِهَا بِذِمَّتِهِ بِشِرَائِهَا أَوَّلًا، فَالْمُرَادُ بِالْقِيمَةِ قِيمَةُ شَاةٍ تُجْزِي فِيهَا. (وَصَحَّ الْجَذَعُ) ذُو سِتَّةِ أَشْهُرٍ (مِنْ الضَّأْنِ)   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَلَوْ نَقَصَهَا) أَيْ الذَّبْحُ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا بَعْدَ الذَّبْحِ أَقَلَّ مِنْهُ قَبْلَهُ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ بِقِيمَةِ النُّقْصَانِ) الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ قِيمَةٍ، أَوْ يَقُولَ بِقَدْرِ النُّقْصَانِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ النُّقْصَانَ مِنْ الْقِيمَةِ لَا مِنْ ذَاتِ الشَّاةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا يَأْكُلُ النَّاذِرُ مِنْهَا) أَيْ نَذْرًا عَلَى حَقِيقَتِهِ كَمَا عَلِمْت. وَأَقُولُ: النَّاذِرُ لَيْسَ بِقَيْدٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا مَضَى وَقْتُهَا وَوَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهَا حَيَّةً أَوْ بِقِيمَتِهَا، وَلِذَا لَوْ ذَبَحَهَا وَنَقَصَهَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ وَهَذَا يَشْمَلُ الْفَقِيرَ إذَا شَرَاهَا لَهَا، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إذَا أَوْجَبَ شَاةً بِعَيْنِهَا أَوْ اشْتَرَاهَا لِيُضَحِّيَ بِهَا فَمَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَهَا تَصَدَّقَ بِهَا حَيَّةً، وَلَا يَأْكُلُ مِنْ لَحْمِهَا لِأَنَّهُ انْتَقَلَ الْوَاجِبُ مِنْ إرَاقَةِ الدَّمِ إلَى التَّصَدُّقِ، وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ وَلَمْ يَشْتَرِ وَهُوَ مُوسِرٌ وَقَدْ مَضَتْ أَيَّامُهَا تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ شَاةٍ تُجْزِي لِلْأُضْحِيَّةِ اهـ فَفِيهِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى مَا قُلْنَا، ثُمَّ رَأَيْته فِي الْكِفَايَةِ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ فَقِيرٌ شَرَاهَا لَهَا وَإِنْ ذَبَحَ لَا يَأْكُلُ مِنْهَا، وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيدُ بَيَانٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ عُطِفَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى فَاعِلِ تَصَدَّقَ (قَوْلُهُ شَرَاهَا لَهَا) فَلَوْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ فَنَوَى أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا أَوْ اشْتَرَاهَا وَلَمْ يَنْوِ الْأُضْحِيَّةَ وَقْتَ الشِّرَاءِ ثُمَّ نَوَى بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ، لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تُقَارِنْ الشِّرَاءَ فَلَا تُعْتَبَرُ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ) أَيْ بِالشِّرَاءِ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ شِرَاءَهُ لَهَا يَجْرِي مَجْرَى الْإِيجَابِ وَهُوَ النَّذْرُ بِالتَّضْحِيَةِ عُرْفًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَوَقَعَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة التَّعْبِيرُ بِقَوْلِهِ شَرَاهَا لَهَا أَيَّامَ النَّحْرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ شَرَاهَا لَهَا قَبْلَهَا لَا تَجِبُ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ وَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهَا غَنِيٌّ شَرَاهَا أَوْ لَا) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا كَالدُّرَرِ. وَتَعَقَّبَهُ الشَّيْخُ شَاهِينُ بِأَنَّ وُجُوبَ التَّصَدُّقِ بِالْقِيمَةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَشْتَرِ، أَمَّا إذَا اشْتَرَى فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّصَدُّقِ بِالْقِيمَةِ أَوْ التَّصَدُّقِ بِهَا حَيَّةً كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ أَبُو السُّعُودِ. وَأَقُولُ: ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الشَّاةَ الْمُشْتَرَاةَ لِلْأُضْحِيَّةِ إذَا لَمْ يُضَحِّ بِهَا حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ يَتَصَدَّقُ الْمُوسِرُ بِعَيْنِهَا حَيَّةً كَالْفَقِيرِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَالَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُنَا اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ، وَعَلَى كُلٍّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا إذَا ذَبَحَهَا كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ حَبْسُ شَيْءٍ مِنْ قِيمَتِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَالْمُرَادُ بِالْقِيمَةِ إلَخْ) بَيَانٌ لِمَا أَجْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ تَصَدَّقَ بِقِيمَتِهَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا اشْتَرَاهَا لِأَنَّ قِيمَتَهَا تُعْلَمُ، أَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَرِهَا فَمَا مَعْنَى أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهَا فَإِنَّهَا غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ؛ فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ إذَا لَمْ يَشْتَرِهَا قِيمَةُ شَاةٍ تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ، أَوْ قِيمَةُ شَاةٍ وَسَطٍ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ وَصَحَّ الْجَذَعُ) بِفَتْحَتَيْنِ قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ ذُو سِتَّةِ أَشْهُرٍ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفَسَّرَهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى شَرْعًا بِمَا أَتَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْحَوْلِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَفَسَّرَ الْأَكْثَرُ فِي الْمُحِيطِ بِمَا دَخَلَ فِي الشَّهْرِ الثَّامِنِ. وَفِي الْخِزَانَةِ بِمَا أَتَى عَلَيْهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَشَيْءٌ. وَذَكَرَ الزَّعْفَرَانِيُّ أَنَّهُ ابْنُ سَبْعَةٍ، وَعَنْهُ ثَمَانِيَةٌ أَوْ تِسْعَةٌ، وَمَا دُونَهُ حَمَلٌ اهـ. قُلْت: وَاقْتَصَرَ فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى مَا فِي الْخِزَانَةِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ شَرْعًا لِأَنَّهُ فِي اللُّغَةِ مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ مِنْ الضَّأْنِ) هُوَ مَا لَهُ أَلْيَةٌ مِنَحٌ، قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَذَعُ مِنْ الْمَعْزِ وَغَيْرِهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ قُهُسْتَانِيٌ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 321 إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ خُلِطَ بِالثَّنَايَا لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ مِنْ بُعْدٍ. (وَ) صَحَّ (الثَّنِيُّ) فَصَاعِدًا مِنْ الثَّلَاثَةِ وَالثَّنِيُّ (هُوَ ابْنُ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ، وَحَوْلَيْنِ مِنْ الْبَقَرِ وَالْجَامُوسِ، وَحَوْلٌ مِنْ الشَّاةِ) وَالْمَعْزِ وَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ الْأَهْلِيِّ، وَالْوَحْشِيِّ يَتْبَعُ الْأُمَّ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. [فُرُوعٌ] الشَّاةُ أَفْضَلُ مِنْ سُبْعِ الْبَقَرَةِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الْقِيمَةِ وَاللَّحْمِ، وَالْكَبْشُ أَفْضَلُ مِنْ النَّعْجَةِ إذَا اسْتَوَيَا فِيهِمَا، وَالْأُنْثَى مِنْ الْمَعْزِ أَفْضَلُ مِنْ التَّيْسِ إذَا اسْتَوَيَا قِيمَةً، وَالْأُنْثَى مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ أَفْضَلُ حَاوِيٌّ. وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّ الْأُنْثَى أَفْضَلُ مِنْ الذَّكَرِ إذَا اسْتَوَيَا قِيمَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَدَتْ الْأُضْحِيَّةُ وَلَدًا قَبْلَ الذَّبْحِ يُذْبَحُ الْوَلَدُ مَعَهَا.   [رد المحتار] وَالْجَذَعُ: مِنْ الْبَقَرِ ابْنُ سَنَةٍ، وَمِنْ الْإِبِلِ ابْنُ أَرْبَعٍ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ إلَخْ) فَلَوْ صَغِيرَ الْجُثَّةِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَتِمَّ لَهُ سَنَةٌ وَيَطْعَنَ فِي الثَّانِيَةِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مِنْ الثَّلَاثَةِ) أَيْ الْآتِيَةِ، وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ بِنَوْعَيْهِ وَالشَّاةُ بِنَوْعَيْهِ (قَوْلُهُ وَالثَّنِيُّ هُوَ ابْنُ خَمْسٍ إلَخْ) ذَكَرَ سِنَّ الثَّنِيِّ وَالْجَذَعِ فِي الْمِنَحِ مَنْظُومًا فِي أَرْبَعِ أَبْيَاتٍ لِبَعْضِهِمْ، وَقَدْ نَظَمْتهَا فِي بَيْتَيْنِ فَقُلْت: ذُو الْحَوْلِ مِنْ غَنْمٍ وَالْخَمْسُ مِنْ إبِلٍ ... وَاثْنَيْنِ مِنْ بَقَرٍ ذَا بِالثَّنِيِّ دُعِي وَالْحَوْلِ مِنْ بَقَرٍ وَالنِّصْفِ مِنْ غَنْمٍ ... وَأَرْبَعٍ مِنْ بَعِيرٍ سَمِّ بِالْجَذَعِ وَفِي الْبَدَائِعِ: تَقْدِيرُ هَذِهِ الْأَسْنَانِ بِمَا ذُكِرَ لِمَنْعِ النُّقْصَانِ لَا الزِّيَادَةِ، فَلَوْ ضَحَّى بِسِنٍّ أَقَلَّ لَا يَجُوزُ، وَبِأَكْبَرَ يَجُوزُ وَهُوَ أَفْضَلُ. وَلَا تَجُوزُ بِحَمَلٍ وَجَدْيٍ وَعُجُولٍ وَفَصِيلٍ لِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا وَرَدَ بِالْأَسْنَانِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ وَالْجَامُوسِ) نَوْعٌ مِنْ الْبَقَرِ، وَكَذَا الْمَعْزُ نَوْعٌ مِنْ الْغَنَمِ بِدَلِيلِ ضَمِّهَا فِي الزَّكَاةِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ) تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: فَلَوْ نَزَا ثَوْرٌ وَحْشِيٌّ عَلَى بَقَرَةٍ أَهْلِيَّةٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُضَحِّي بِهِ دُونَ الْعَكْسِ لِأَنَّهُ يَنْفَصِلُ عَنْ الْأُمِّ وَهُوَ حَيَوَانٌ مُتَقَوِّمٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ، وَمِنْ الْأَبِ مَاءٌ مَهِينٌ وَلِذَا يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ (قَوْلُهُ فُرُوعٌ إلَى قَوْلِهِ يَنَابِيعُ) يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ أَفْضَلُ مِنْ سُبْعِ الْبَقَرَةِ إلَخْ) وَكَذَا مِنْ تَمَامِ الْبَقَرَةِ. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ: وَكَانَ الْأُسْتَاذُ يَقُولُ بِأَنَّ الشَّاةَ الْعَظِيمَةَ السَّمِينَةَ تُسَاوِي الْبَقَرَةَ قِيمَةً وَلَحْمًا أَفْضَلُ مِنْ الْبَقَرَةِ لِأَنَّ جَمِيعَ الشَّاةِ تَقَعُ فَرْضًا بِلَا خِلَافٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْبَقَرَةِ. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يَقَعُ سُبُعُهَا فَرْضًا وَالْبَاقِي تَطَوُّعٌ اهـ (قَوْلُهُ إذَا اسْتَوَيَا إلَخْ) فَإِنْ كَانَ سُبُعَ الْبَقَرَةِ أَكْثَرَ لَحْمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا إذَا اسْتَوَيَا فِي اللَّحْمِ وَالْقِيمَةِ فَأَطْيَبُهُمَا لَحْمًا أَفْضَلُ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِيهِمَا فَالْفَاضِلُ أَوْلَى تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ أَفْضَلُ مِنْ النَّعْجَةِ) هِيَ الْأُنْثَى مِنْ الضَّأْنِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ إذَا اسْتَوَيَا فِيهِمَا) فَإِنْ كَانَتْ النَّعْجَةُ أَكْثَرَ قِيمَةً أَوْ لَحْمًا فَهِيَ أَفْضَلُ ذَخِيرَةٌ ط (قَوْلُهُ وَالْأُنْثَى مِنْ الْمَعْزِ أَفْضَلُ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ ط: مَشَى ابْنُ وَهْبَانَ عَلَى أَنَّ الذَّكَرَ فِي الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ أَفْضَلُ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ مَوْجُوءًا، أَيْ مَرْضُوضَ الْأُنْثَيَيْنِ: أَيْ مَدْقُوقَهُمَا. قَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ: وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُوءًا لَا يَكُونُ أَفْضَلَ (قَوْلُهُ وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِلْإِطْلَاقِ بِالِاسْتِوَاءِ أَيْ: أَنَّ الْأُنْثَى مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ أَفْضَلُ إذَا اسْتَوَيَا. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة لِأَنَّ لَحْمَهَا أَطْيَبُ اهـ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَصْلِ الْمَارِّ (قَوْلُهُ قَبْلَ الذَّبْحِ) فَإِنْ خَرَجَ مِنْ بَطْنِهَا حَيًّا فَالْعَامَّةُ أَنَّهُ يَفْعَلُ بِهِ مَا يَفْعَلُ بِالْأُمِّ، فَإِنْ لَمْ يَذْبَحْهُ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ يَتَصَدَّقُ بِهِ حَيًّا، فَإِنْ ضَاعَ أَوْ ذَبَحَهُ وَأَكَلَهُ يَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ، فَإِنْ بَقِيَ عِنْدَهُ وَذَبَحَهُ لِلْعَامِ الْقَابِلِ أُضْحِيَّةً لَا يَجُوزُ، وَعَلَيْهِ أُخْرَى لِعَامَّةِ الَّذِي ضَحَّى وَيَتَصَدَّقُ بِهِ مَذْبُوحًا مَعَ قِيمَةِ مَا نَقَصَ بِالذَّبْحِ، وَالْفَتْوَى عَلَى هَذَا خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ يَذْبَحُ الْوَلَدَ مَعَهَا) إلَّا أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ بَلْ يَتَصَدَّقُ بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 322 وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يَتَصَدَّقُ بِهِ بِلَا ذَبْحٍ. ضَلَّتْ أَوْ سُرِقَتْ فَاشْتَرَى أُخْرَى ثُمَّ وَجَدَهَا فَالْأَفْضَلُ ذَبْحُهُمَا، وَإِنْ ذَبَحَ الْأُولَى جَازَ، وَكَذَا الثَّانِيَةُ لَوْ قِيمَتُهَا كَالْأُولَى أَوْ أَكْثَرُ، وَإِنْ أَقَلُّ ضَمِنَ الزَّائِدَ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ وَجَبَتْ عَنْ يَسَارٍ فَكَذَا الْجَوَابُ، وَإِنْ عَنْ إعْسَارٍ ذَبَحَهُمَا يَنَابِيعُ. (وَيُضَحِّي بِالْجَمَّاءِ وَالْخَصِيِّ وَالثَّوْلَاءِ) أَيْ الْمَجْنُونَةِ (إذَا لَمْ يَمْنَعْهَا مِنْ السَّوْمِ وَالرَّعْيِ) (، وَإِنْ مَنَعَهَا لَا) تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهَا (وَالْجَرْبَاءِ السَّمِينَةِ) فَلَوْ مَهْزُولَةَ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ الْجَرَبَ فِي اللَّحْمِ نَقْصٌ (لَا) (بِالْعَمْيَاءِ وَالْعَوْرَاءِ وَالْعَجْفَاءِ) الْمَهْزُولَةِ الَّتِي لَا مُخَّ فِي عِظَامِهَا (وَالْعَرْجَاءِ الَّتِي لَا تَمْشِي إلَى الْمَنْسَكِ) أَيْ الْمَذْبَحِ، وَالْمَرِيضَةِ الْبَيِّنِ مَرَضُهَا (وَمَقْطُوعِ أَكْثَرِ الْأُذُنِ أَوْ الذَّنَبِ أَوْ الْعَيْنِ) أَيْ الَّتِي ذَهَبَ أَكْثَرُ نُورُ عَيْنِهَا فَأُطْلِقَ الْقَطْعُ عَلَى الذَّهَابِ   [رد المحتار] فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ مَا أَكَلَ. وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ خَانِيَّةٌ، قِيلَ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ عَدَمُ بُلُوغِ الْوَلَدِ سِنَّ الْإِجْزَاءِ فَكَانَتْ الْقُرْبَةُ فِي اللَّحْمِ بِذَاتِهِ لَا فِي إرَاقَةِ دَمِهِ اهـ تَأَمَّلْ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَقَالَ فِي الْأَصْلِ: وَإِنْ بَاعَهُ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ لِأَنَّ الْأُمَّ تَعَيَّنَتْ لِلْأُضْحِيَّةِ وَالْوَلَدُ يَحْدُثُ عَلَى صِفَاتِ الْأُمِّ الشَّرْعِيَّةِ. وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ هَذَا فِي الْأُضْحِيَّةَ الْمُوجِبَةِ بِالنَّذْرِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ كَشِرَاءِ الْفَقِيرِ وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِغَيْرِهَا فَكَذَا وَلَدُهَا (قَوْلُهُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يَتَصَدَّقُ بِهِ بِلَا ذَبْحٍ) قَدَّمْنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ الْمُسْتَحَبُّ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَانْظُرْ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ ثُمَّ وَجَدَهَا) أَيْ الضَّالَّةَ أَوْ الْمَسْرُوقَةَ بِمَعْنًى وَصَلَتْ إلَى يَدِهِ وَهَذَا إذَا وَجَدَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ. وَقَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَبِهِ جَزَمَ الشُّمُنِّيُّ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ لَمْ يَذْبَحْ الثَّانِيَةَ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ ثُمَّ وَجَدَ الْأُولَى عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَفْضَلِهَا وَلَا يَذْبَحَ (قَوْلُهُ وَيُضَحِّي بِالْجَمَّاءِ) هِيَ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا خِلْقَةً وَكَذَا الْعُظَمَاءُ الَّتِي ذَهَبَ بَعْضُ قَرْنِهَا بِالْكَسْرِ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ بَلَغَ الْكَسْرُ إلَى الْمُخِّ لَمْ يَجُزْ قُهُسْتَانِيٌ، وَفِي الْبَدَائِعِ إنْ بَلَغَ الْكَسْرُ الْمُشَاشَ لَا يُجْزِئُ وَالْمُشَاشُ رُءُوسُ الْعِظَامِ مِثْلُ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ اهـ (قَوْلُهُ وَالثَّوْلَاءُ) بِالْمُثَلَّثَةِ. فِي الْقَامُوسِ الثَّوَلُ بِالتَّحْرِيكِ اسْتِرْخَاءٌ فِي أَعْضَاءِ الشَّاةِ خَاصَّةً، أَوْ كَالْجُنُونِ يُصِيبُهَا فَلَا تَتْبَعُ الْغَنَمَ وَتَسْتَدِيرُ فِي مَرْتَعِهَا (قَوْلُهُ وَالرَّعْيِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ ط (قَوْلُهُ فَلَوْ مَهْزُولَةً إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَتَجُوزُ بِالثَّوْلَاءِ وَالْجَرْبَاءِ السَّمِينَتَيْنِ، فَلَوْ مَهْزُولَتَيْنِ لَا تُنَقِّي لَا يَجُوزُ إذَا ذَهَبَ مُخُّ عَظْمِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مَهْزُولَةً فِيهَا بَعْضُ الشَّحْمِ جَازَ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ اهـ قَوْلُهُ لَا تُنَقِّي مَأْخُوذٌ مِنْ النِّقْيِ بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ: هُوَ الْمُخُّ: أَيْ لَا مُخَّ لَهَا، وَهَذَا يَكُونُ مِنْ شِدَّةِ الْهُزَالِ فَتَنَبَّهْ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْكُلَّ لَا يَخْلُو عَنْ عَيْبٍ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ سَلِيمًا عَنْ الْعُيُوبِ الظَّاهِرَةِ، فَمَا جُوِّزَ هَهُنَا جُوِّزَ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ (قَوْلُهُ الْمَهْزُولَةُ إلَخْ) تَفْسِيرٌ مُرَادٌ، لِأَنَّ الْعَجَفَ مُحَرَّكًا: ذَهَابُ السِّمَنِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، فَلَا يَضُرُّ أَصْلُ الْهُزَالِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ، وَلِذَا قَيَّدْت فِي حَدِيثِ الْمُوَطَّإِ «وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنَقِّي» (قَوْلُهُ وَالْعَرْجَاءِ) أَيْ الَّتِي لَا يُمْكِنُهَا الْمَشْيُ بِرِجْلِهَا الْعَرْجَاءِ إنَّمَا تَمْشِي بِثَلَاثِ قَوَائِمَ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ تَضَعُ الرَّابِعَةَ عَلَى الْأَرْضِ وَتَسْتَعِينُ بِهَا جَازَ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ إلَى الْمَنْسِكِ) بِكَسْرِ السِّينِ وَالْقِيَاسُ الْفَتْحُ (قَوْلُهُ وَمَقْطُوعِ أَكْثَرِ الْأُذُنِ إلَخْ) فِي الْبَدَائِعِ: لَوْ ذَهَبَ بَعْضُ الْأُذُنِ أَوْ الْأَلْيَةِ أَوْ الذَّنَبِ أَوْ الْعَيْنِ. ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنْ كَانَ كَثِيرًا يَمْنَعُ، وَإِنْ يَسِيرًا لَا يَمْنَعُ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْفَاصِلِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؟ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ. رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ فِي الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْمَانِعَ ذَهَابُ أَكْثَرِ مِنْ الثُّلُثِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ الثُّلُثُ، وَعَنْهُ أَنَّهُ الرُّبُعُ، وَعَنْهُ أَنْ يَكُونَ الذَّاهِبُ أَقَلَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 323 مَجَازًا، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِتَقْرِيبِ الْعَلَفِ (أَوْ) أَكْثَرِ (الْأَلْيَةِ) لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ بَقَاءً وَذَهَابًا فَيَكْفِي بَقَاءُ الْأَكْثَرِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى مُجْتَبًى (وَلَا) (بِالْهَتْمَاءِ) الَّتِي لَا أَسْنَانَ لَهَا، وَيَكْفِي بَقَاءُ الْأَكْثَرِ، وَقِيلَ مَا تَعْتَلِفُ بِهِ (وَالسَّكَّاءِ) الَّتِي لَا أُذُنَ لَهَا خِلْقَةً فَلَوْ لَهَا أُذُنٌ صَغِيرَةٌ خِلْقَةً أَجْزَأَتْ زَيْلَعِيٌّ (وَالْجَذَّاءُ) مَقْطُوعَةِ رُءُوسِ ضَرْعِهَا أَوْ يَابِسَتِهَا، وَلَا الْجَدْعَاءِ: مَقْطُوعَةِ الْأَنْفِ، وَلَا الْمُصَرِّمَةِ أَطْبَاؤُهَا: وَهِيَ الَّتِي عُولِجَتْ حَتَّى انْقَطَعَ لَبَنُهَا،   [رد المحتار] مِنْ الْبَاقِي أَوْ مِثْلَهُ اهـ بِالْمَعْنَى وَالْأُولَى هِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَصَحَّحَهَا فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ الثُّلُثُ، وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ وَمَشَى عَلَيْهَا فِي مُخْتَصَرِ الْوِقَايَةِ وَالْإِصْلَاحِ. وَالرَّابِعَةُ هِيَ قَوْلُهُمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَا: إذَا بَقِيَ الْأَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ أَجْزَأَهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَخْبَرْت بِقَوْلِي أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ قَوْلِي هُوَ قَوْلُك، قِيلَ هُوَ رُجُوعٌ مِنْهُ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ قَوْلِي قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِك. وَفِي كَوْنِ النِّصْفِ مَانِعًا رِوَايَتَانِ عَنْهُمَا اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَظَاهِرُ مَذْهَبِهِمَا أَنَّ النِّصْفَ كَثِيرٌ اهـ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الرَّابِعَةِ وَهِيَ قَوْلُهُمَا وَإِلَيْهَا رَجَعَ الْإِمَامُ أَنَّ الْكَثِيرَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَكْثَرُهُ، وَفِي النِّصْفِ تَعَارَضَ الْجَانِبَانِ اهـ أَيْ فَقَالَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ احْتِيَاطًا بَدَائِعُ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ كَالْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى هُوَ الرَّابِعَةُ، وَعَلَيْهَا الْفَتْوَى كَمَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُجْتَبَى، وَكَأَنَّهُمْ اخْتَارُوهَا لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ السَّابِقِ هُوَ الرُّجُوعُ عَمَّا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ إلَى قَوْلِهِمَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَهَلْ تُجْمَعُ الْخُرُوقُ فِي أُذُنَيْ الْأُضْحِيَّةِ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ. قُلْت: وَقَدَّمَ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَنَّهُ يَنْبَغِي الْجَمْعُ احْتِيَاطًا (قَوْلُهُ مَجَازًا) مِنْ إطْلَاقِ السَّبَبِ أَوْ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةِ الْمُسَبَّبِ أَوْ اللَّازِمِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَمَعْرِفَةُ الْمِقْدَارِ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ مُتَيَسِّرَةٌ. وَفِي الْعَيْنِ قَالُوا: تُشَدُّ الْمَعِيبَةُ بَعْدَ أَنْ لَا تَعْتَلِفَ الشَّاةُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يُقَرَّبُ الْعَلَفُ إلَيْهَا قَلِيلًا قَلِيلًا فَإِذَا رَأَتْهُ مِنْ مَوْضِعٍ أُعْلِمَ عَلَيْهِ ثُمَّ تُشَدُّ الصَّحِيحَةُ وَقُرِّبَ إلَيْهَا الْعَلَفُ كَذَلِكَ فَإِذَا رَأَتْهُ مِنْ مَكَان أُعْلِمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ ثُلُثًا فَالذَّاهِبُ هُوَ الثُّلُثُ وَإِنْ نِصْفًا فَالنِّصْفُ اهـ (قَوْلُهُ الْأَلْيَةُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ كَسَجْدَةٍ وَجَمْعُهُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ أَلْيَاتٌ وَأَلَايَا (قَوْلُهُ وَقِيلَ مَا تَعْتَلِفُ بِهِ) هُوَ وَمَا قَبْلَهُ رِوَايَتَانِ حَكَاهُمَا فِي الْهِدَايَةِ عَنْ الثَّانِي، وَجَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ بِالثَّانِيَةِ، وَقَالَ قَبْلَهُ: وَاَلَّتِي لَا أَسْنَانَ لَهَا وَهِيَ تَعْتَلِفُ أَوْ لَا تَعْتَلِفُ لَا تَجُوزُ (قَوْلُهُ الَّتِي لَا أُذُنَ لَهَا خِلْقَةً) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَا تَجُوزُ مَقْطُوعَةُ إحْدَى الْأُذُنَيْنِ بِكَمَالِهَا وَاَلَّتِي لَهَا أُذُنٌ وَاحِدَةٌ خِلْقَةٌ اهـ (قَوْلُهُ فَلَوْ لَهَا أُذُنٌ صَغِيرَةٌ خِلْقَةٌ أَجْزَأَتْ) وَهَذِهِ تُسَمَّى صَمْعَاءَ بِمُهْمَلَتَيْنِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ وَالْجَذَّاءُ إلَخْ) هِيَ بِالْجِيمِ: الَّتِي يَبِسَ ضَرْعُهَا، وَبِالْحَاءِ: الْمَقْطُوعَةُ الضَّرْعِ عَيْنِيٌّ وَهِيَ فِي عِدَّةِ نُسِخَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْقَامُوسِ شَيْئًا مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ، نَعَمْ ذَكَرَ الْجَذَّ بِالْجِيمِ الْقَطْعُ الْمُسْتَأْصِلُ وَبِالْحَاءِ خِفَّةُ الذَّنَبِ، وَذَكَرَ الْجَدَّاءَ بِالْجِيمِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الصَّغِيرَةُ الثَّدْيِ، وَالْمَقْطُوعَةُ الْأُذُنِ، وَالذَّاهِبَةُ اللَّبَنِ، وَمِثْلُهُ فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ. وَالذَّاهِبَةُ اللَّبَنِ يَأْتِي حُكْمُهَا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَا بَأْسَ بِالْجَدَّاءِ، وَهِيَ الصَّغِيرَةُ الْأَطْبَاءِ جَمْعُ طُبْيٍ: وَهُوَ الضَّرْعُ (قَوْلُهُ وَلَا الْجَدْعَاءُ) بِالْجِيمِ وَالدَّالِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ تَحْرِيفٌ وَفِي بَعْضِهَا بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمِيمِ بَعْدَهَا وَلَا يُنَاسِبُ تَفْسِيرُ الشَّارِحِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى صَحِيحًا لِأَنَّ الْأَجْذَمَ مَقْطُوعَ الْيَدِ أَوْ الذَّاهِبُ الْأَنَامِلِ قَامُوسٌ، وَصَرَّحَ فِي الدُّرَرِ بِأَنَّ مَقْطُوعَةَ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ لَا تَجُوزُ (قَوْلُهُ وَلَا الْمُصَرِّمَةُ أَطْبَاؤُهَا) مُصَرِّمَةٌ كَمُعَظِّمَةٍ، مِنْ الصِّرْمِ: وَهُوَ الْقَطْعُ، وَالْأَطْبَاءُ بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ جَمَعَ طُبْيٍ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ: حَلَمَاتُ الضَّرْعِ الَّتِي مِنْ خُفٍّ وَظِلْفٍ وَحَافِرٍ وَسَبْعٍ قَامُوسٌ، وَمَا رَأَيْنَاهُ فِي عِدَّةِ نُسَخٍ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ تَحْرِيفٌ (قَوْلُهُ وَهِيَ إلَخْ) فَسَّرَهَا الزَّيْلَعِيُّ بِاَلَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرْضِعَ فَصِيلَهَا، وَهُوَ تَفْسِيرُ بِلَازِمِ الْمَعْنَى؛ لِمَا فِي الْقَامُوسِ: هِيَ نَاقَةٌ يُقْطَعُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 324 وَلَا الَّتِي لَا أَلْيَةَ لَهَا خِلْقَةً مُجْتَبًى، وَلَا بِالْخُنْثَى لِأَنَّ لَحْمَهَا لَا يَنْضَجُ شَرْحٌ وَهْبَانِيَّةٌ، وَتَمَامُهُ فِيهِ (وَ) لَا (الْجَلَّالَةُ) الَّتِي تَأْكُلُ الْعُذْرَةَ وَلَا تَأْكُلُ غَيْرَهَا. (وَلَوْ) (اشْتَرَاهَا سَلِيمَةً ثُمَّ تَعَيَّبَتْ بِعَيْبٍ مَانِعٍ) كَمَا مَرَّ (فَعَلَيْهِ إقَامَةُ غَيْرِهَا مَقَامَهَا إنْ) كَانَ (غَنِيًّا، وَإِنْ) كَانَ (فَقِيرًا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ) وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مَعِيبَةً وَقْتَ الشِّرَاءِ لِعَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْغَنِيِّ، وَلَا يَضُرُّ تَعَيُّبُهَا مِنْ اضْطِرَابِهَا عِنْدَ الذَّبْحِ وَكَذَا لَوْ مَاتَتْ فَعَلَى الْغَنِيِّ غَيْرُهَا لَا الْفَقِيرِ   [رد المحتار] أَطْبَاؤُهَا لِيُبْسِ الْإِحْلِيلِ فَلَا يُخْرِجُ اللَّبَنَ لِيَكُونَ أَقْوَى لَهَا، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ انْقِطَاعِ اللَّبَنِ بِأَنْ يُصِيبَ ضَرْعَهَا شَيْءٌ فَيَكُونَ فَيَنْقَطِعَ لَبَنُهَا اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: مَقْطُوعَةُ رُءُوسِ ضُرُوعِهَا لَا تَجُوزُ، فَإِنْ ذَهَبَ مِنْ وَاحِدَةٍ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخِلَافِ فِي الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ. وَفِي الشَّاةِ وَالْمَعْزِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا إحْدَى حَلَمَتَيْهِمَا خِلْقَةً أَوْ ذَهَبَتْ بِآفَةٍ وَبَقِيَتْ وَاحِدَةٌ لَمْ يَجُزْ، وَفِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ إنْ ذَهَبَتْ وَاحِدَةٌ يَجُوزُ أَوْ اثْنَتَانِ لَا اهـ وَذَكَرَ فِيهَا جَوَازَ الَّتِي لَا يَنْزِلُ لَهَا لَبَنٌ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالشُّطُورِ لَا تُجْزِئُ، وَهِيَ مِنْ الشَّاةِ مَا قَطَعَ اللَّبَنَ عَنْ إحْدَى ضَرْعَيْهَا، وَمِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ مَا قُطِعَ مِنْ ضَرْعَيْهَا لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعُ أَضْرُعَ (قَوْلُهُ وَلَا الَّتِي لَا أَلْيَةَ لَهَا خِلْقَةً) الشَّاةُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أُذُنٌ وَلَا ذَنَبٌ خِلْقَةً. قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَكُونُ هَذَا وَلَوْ كَانَ لَا يَجُوزُ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ خَانِيَّةٌ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ لَهَا أَلْيَةٌ صَغِيرَةٌ مِثْلُ الذَّنَبِ خِلْقَةً جَازَ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أُذُنٌ أَصْلًا وَلَا أَلْيَةٌ جَازَ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ صَغِيرَةُ الْأُذُنَيْنِ جَائِزَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَلْيَةٌ وَلَا أُذُنٌ خِلْقَةً لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ لَحْمَهَا لَا يَنْضَجُ) مِنْ بَابِ سَمِعَ. وَبِهَذَا التَّعْلِيلِ انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ وَهْبَانَ مِنْ أَنَّهَا لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَعَلَى كُلٍّ تَجُوزُ (قَوْلُهُ وَلَا الْجَلَّالَةُ إلَخْ) أَيْ قَبْلَ الْحَبْسِ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: فَإِنْ كَانَتْ إبِلًا تُمْسَكُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى يَطِيبَ لَحْمُهَا وَالْبَقَرُ عِشْرِينَ وَلِلْغَنَمِ عَشَرَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا تَأْكُلُ غَيْرَهَا) أَفَادَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ تَخْلِطُ تُجْزِي ط. [تَتِمَّةٌ] تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِالْمَجْبُوبِ الْعَاجِزِ عَنْ الْجِمَاعِ، وَاَلَّتِي بِهَا سُعَالٌ، وَالْعَاجِزَةُ عَنْ الْوِلَادَةِ لِكِبَرِ سِنِّهَا، وَاَلَّتِي لَهَا كَيٌّ، وَاَلَّتِي لَا لِسَانَ لَهَا فِي الْغَنَمِ خُلَاصَةٌ: أَيْ لَا الْبَقَرِ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْعَلَفَ بِاللِّسَانِ وَالشَّاةُ بِالسِّنِّ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُنْيَةِ، وَقِيلَ إنْ انْقَطَعَ مِنْ اللِّسَانِ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَجُوزُ. أَقُولُ: وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ قِيَاسًا عَلَى الْأُذُنِ وَالذَّنَبِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِالْأَكْلِ، وَقَدْ يُخِلُّ قَطْعُهُ بِالْعَلَفِ تَأَمَّلْ وَفِي الْبَدَائِعِ: وَتُجْزِي الشَّرْقَاءُ مَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ طُولًا وَالْخَرْقَاءُ: مَثْقُوبَةُ الْأُذُنِ، وَالْمُقَابَلَةُ مَا قُطِعَ مِنْ مُقَدِّمِ أُذُنِهَا شَيْءٌ وَتُرِكَ مُعَلَّقًا؛ وَالْمُدَابِرَةُ: مَا فُعِلَ ذَلِكَ بِمُؤَخِّرِ الْأُذُنِ مِنْ الشَّاةِ، وَالنَّهْيُ الْوَارِدُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ، وَفِي الْخَرْقَاءِ عَلَى الْكَثِيرِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا اهـ بَدَائِعُ، وَتَجُوزُ الْحَوْلَاءُ: مَا فِي عَيْنِهَا حَوَلٌ، وَالْمَجْزُوزَةُ الَّتِي جُزَّ صُوفُهَا خَانِيَّةٌ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ مَا جُوِّزَ هُنَا جُوِّزَ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ كَالْمَوَانِعِ الَّتِي مَرَّتْ ط (قَوْلُهُ وَإِنْ فَقِيرًا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهَا إنَّمَا تَعَيَّنَتْ بِالشِّرَاءِ فِي حَقِّهِ، حَتَّى لَوْ أَوْجَبَ أُضْحِيَّةً عَلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَاشْتَرَى صَحِيحَةً ثُمَّ تَعَيَّبَتْ عِنْدَهُ فَضَحَّى بِهَا لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْوَاجِبُ لِوُجُوبِ الْكَامِلَةِ عَلَيْهِ كَالْمُوسِرِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مَعِيبَةً وَقْتَ الشِّرَاءِ) أَيْ وَبَقِيَ الْعَيْبُ، فَإِنْ زَالَ أَجْزَأَتْ الْغَنِيَّ أَيْضًا. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ كَانَتْ مَهْزُولَةً عِنْدَ الشِّرَاءِ فَسَمِنَتْ بَعْدَهُ جَازَ (قَوْلُهُ وَلَا يَضُرُّ تَعَيُّبُهَا مِنْ اضْطِرَابِهَا إلَخْ) وَكَذَا لَوْ تَعَيَّبَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَانْفَلَتَتْ ثُمَّ أَخَذَتْ مِنْ فَوْرِهَا، وَكَذَا بِهِ فَوْرُهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِمُقَدَّمَاتِ الذَّبْحِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فَعَلَى الْغَنِيِّ غَيْرُهَا لَا الْفَقِيرِ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الْمَيِّتَةُ مَنْذُورَةً بِعَيْنِهَا لِمَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْمَنْذُورَةَ لَوْ هَلَكَتْ أَوْ ضَاعَتْ تَسْقُطُ التَّضْحِيَةُ بِسَبَبِ النَّذْرِ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا تَلْزَمُهُ أُخْرَى بِإِيجَابِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً لَا بِالنَّذْرِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 325 وَلَوْ ضَلَّتْ أَوْ سُرِقَتْ فَشَرَى أُخْرَى فَظَهَرَتْ فَعَلَى الْغَنِيِّ إحْدَاهُمَا وَعَلَى الْفَقِيرِ كِلَاهُمَا شُمُنِّيٌّ. (وَإِنْ) (مَاتَ أَحَدُ السَّبْعَةِ) الْمُشْتَرِكِينَ فِي الْبَدَنَةِ (وَقَالَ الْوَرَثَةُ اذْبَحُوا عَنْهُ وَعَنْكُمْ) (صَحَّ) عَنْ الْكُلِّ اسْتِحْسَانًا لِقَصْدِ الْقُرْبَةِ مِنْ الْكُلِّ، وَلَوْ ذَبَحُوهَا بِلَا إذْنِ الْوَرَثَةِ لَمْ يُجْزِهِمْ لِأَنَّ بَعْضَهَا لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً (وَإِنْ) (كَانَ شَرِيكُ السِّتَّةِ نَصْرَانِيًّا أَوْ مُرِيدًا اللَّحْمَ) (لَمْ يُجْزِ عَنْ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَا تَتَجَزَّأُ هِدَايَةٌ لِمَا مَرَّ.   [رد المحتار] وَلَوْ مُعْسِرًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَصْلًا هـ (قَوْلُهُ وَلَوْ ضَلَّتْ أَوْ سُرِقَتْ إلَخْ) مُسْتَدْرَكٌ بِمَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ عَلَى مَا فِي أَغْلَبِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ فَظَهَرَتْ) أَيْ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ زَيْلَعِيٌّ، وَقَدَّمْنَا مَفْهُومَهُ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ فَعَلَى الْغَنِيِّ إحْدَاهُمَا) أَيْ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَارِّ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ ضَحَّى بِالْأَوْلَى أَجْزَأَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَوْ قِيمَتُهَا أَقَلَّ، وَإِنْ ضَحَّى بِالثَّانِيَةِ وَقِيمَتُهَا أَقَلُّ تَصَدَّقَ بِالزَّائِدِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إلَّا إذَا ضَحَّى بِالْأُولَى أَيْضًا فَتَسْقُطُ الصَّدَقَةُ لِأَنَّهُ أَدَّى الْأَصْلَ فِي وَقْتِهِ فَيَسْقُطُ الْخَلَفُ (قَوْلُهُ شُمُنِّيٌّ) وَمِثْلُهُ فِي التَّبْيِينِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْوَرَثَةُ) أَيْ الْكِبَارُ مِنْهُمْ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ لِقَصْدِ الْقُرْبَةِ مِنْ الْكُلِّ) هَذَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يَمْنَعُ التَّقَرُّبَ عَنْ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْهُ وَيَحُجَّ عَنْهُ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْآخَرُ عَمَّنْ لَمْ يَذْبَحْ مِنْ أُمَّتِهِ» وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ قَدْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ اهـ لِأَنَّ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وِلَايَةٌ عَلَيْهِمْ أَتْقَانِيٌّ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمْ أُمَّ وَلَدٍ ضَحَّى عَنْهَا مَوْلَاهَا أَوْ صَغِيرًا ضَحَّى عَنْهُ أَبُوهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ بَعْضَهَا لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً) فَكَذَا الْكُلُّ لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ كَمَا يَأْتِي. [فَرْعٌ] مَنْ ضَحَّى عَنْ الْمَيِّتِ يَصْنَعُ كَمَا يَصْنَعُ فِي أُضْحِيَّةِ نَفْسِهِ مِنْ التَّصَدُّقِ وَالْأَكْلِ وَالْأَجْرُ لِلْمَيِّتِ وَالْمِلْكُ لِلذَّابِحِ. قَالَ الصَّدْرُ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ بِأَمْرِ الْمَيِّتِ لَا يَأْكُلْ مِنْهَا وَإِلَّا يَأْكُلُ بَزَّازِيَّةٌ، وَسَيَذْكُرُهُ فِي النَّظْمِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ شَرِيكُ السِّتَّةِ نَصْرَانِيًّا إلَخْ) وَكَذَا إذَا كَانَ عَبْدًا أَوْ مُدَبَّرًا يُرِيدُ الْأُضْحِيَّةَ لِأَنَّ نِيَّتَهُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقُرْبَةِ فَكَانَ نَصِيبُهُ لَحْمًا فَمَنَعَ الْجَوَازَ أَصْلًا بَدَائِعُ. [تَنْبِيهٌ] قَدْ عُلِمَ أَنَّ الشَّرْطَ قَصْدُ الْقُرْبَةِ مِنْ الْكُلِّ، وَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ مُرِيدًا لِلْأُضْحِيَّةِ عَنْ عَامِهِ وَأَصْحَابُهُ عَنْ الْمَاضِي تَجُوزُ الْأُضْحِيَّةَ عَنْهُ وَنِيَّةُ أَصْحَابِهِ بَاطِلَةٌ وَصَارُوا مُتَطَوِّعِينَ، وَعَلَيْهِمْ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا وَعَلَى الْوَاحِدِ أَيْضًا لِأَنَّ نَصِيبَهُ شَائِعٌ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْهَا تَأَمَّلْ، وَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَتْ الْقُرْبَةُ وَاجِبَةً عَلَى الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ اتَّفَقَتْ جِهَاتُهَا أَوْ لَا: كَأُضْحِيَّةٍ وَإِحْصَارٍ وَجَزَاءِ صَيْدٍ وَحَلْقٍ وَمُتْعَةٍ وَقِرَانٍ خِلَافًا لِزُفَرَ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكُلِّ الْقُرْبَةُ، وَكَذَا لَوْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ الْعَقِيقَةَ عَنْ وَلَدٍ قَدْ وُلِدَ لَهُ مِنْ قِبَلِ لِأَنَّ ذَلِكَ جِهَةُ التَّقَرُّبِ بِالشُّكْرِ عَلَى نِعْمَةِ الْوَلَدِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَلِيمَةَ. وَيَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ لِأَنَّهَا تُقَامُ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى نِعْمَةِ النِّكَاحِ وَوَرَدَتْ بِهَا السُّنَّةُ، فَإِذَا قَصَدَ بِهَا الشُّكْرَ أَوْ إقَامَةَ السُّنَّةِ فَقَدْ أَرَادَ الْقُرْبَةَ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كُرِهَ الِاشْتِرَاكُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ، وَأَنَّهُ قَالَ لَوْ كَانَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، وَهَكَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ بَدَائِعُ. وَاسْتَشْكَلَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ الْجَوَازَ مَعَ الْعَقِيقَةِ بِمَا قَالُوا مِنْ أَنَّ وُجُوبَ الْأُضْحِيَّةَ نَسَخَ كُلَّ دَمٍ كَانَ قَبْلَهَا مِنْ الْعَقِيقَةِ وَالرَّجَبِيَّةِ وَالْعَتِيرَةِ، وَبِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي الْعَقِيقَةِ مَنْ شَاءَ فَعَلَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ. وَقَالَ فِي الْجَامِعِ: وَلَا يَعِقُّ وَالْأَوَّلُ يُشِيرُ إلَى الْإِبَاحَةِ وَالثَّانِي إلَى الْكَرَاهَةِ إلَخْ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمُرَادَ لَا يَعِقُّ عَلَى سَبِيلِ السُّنِّيَّةِ بِدَلِيلِ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ؛ وَقَدْ ذَكَرَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ أَنَّ الْعَقِيقَةَ مُبَاحَةٌ عَلَى مَا فِي جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ أَوْ تَطَوُّعٌ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اهـ وَمَا مَرَّ يُؤَيِّدُ أَنَّهَا تَطَوُّعٌ. عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا مُبَاحَةٌ لَكِنْ بِقَصْدِ الشُّكْرِ تَصِيرُ قُرْبَةً، فَإِنَّ النِّيَّةَ تُصَيِّرُ الْعَادَاتِ عِبَادَاتٍ وَالْمُبَاحَاتِ طَاعَاتٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَا تَتَجَزَّأُ إلَى قَوْلِهِ يَنَابِيعُ) وُجِدَ عَلَى هَامِشِ نُسْخَةِ الشَّارِحِ بِخَطِّهِ وَسَقَطَ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 326 فُرُوعٌ] وَلَوْ أَنَّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَاةً لِلْأُضْحِيَّةٍ أَحَدُهُمْ بِعَشَرَةٍ وَالْآخَرُ بِعِشْرِينَ وَالْآخَرُ بِثَلَاثِينَ وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِثْلُ ثَمَنِهَا فَاخْتَلَطَتْ حَتَّى لَا يَعْرِفُ كُلُّ وَاحِدٍ شَاتَه بِعَيْنِهَا وَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَاةً يُضَحِّي أَجْزَأَتْهُمْ، وَيَتَصَدَّقُ صَاحِبُ الثَّلَاثِينَ بِعِشْرِينَ وَصَاحِبُ الْعِشْرِينَ بِعَشَرَةٍ وَلَا يَتَصَدَّقُ صَاحِبُ الْعَشَرَةِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَذْبَحَهَا عَنْهُ أَجْزَأَتْهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ ضَحَّى أُضْحِيَّةً غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمَرَهُ يَنَابِيعُ. (وَيَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ   [رد المحتار] مِنْ أَنَّ بَعْضَهَا لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً [فُرُوعٌ] (قَوْلُهُ فُرُوعٌ) جَمَعَهَا نَظَرًا إلَى صُورَتَيْ الْمَسْأَلَةِ وَمَا قَاسَهَا عَلَيْهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَاةً) وَأَوْجَبَ كُلٌّ مِنْهُمْ شَاتَه تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَبِهِ يَظْهَرُ وَجْهُ لُزُومِ التَّصَدُّقِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِثْلُ ثَمَنِهَا) فَلَوْ أَزْيَدَ أَوْ أَنْقَصَ تَصَدَّقَ بِاعْتِبَارِهِ فِيمَا يَظْهَرُ ط (قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَعْرِفُ كُلٌّ شَاتَه) بِأَنْ كَانُوا فِي ظُلْمَةٍ مَثَلًا، وَإِلَّا فَعَدَمُ التَّمْيِيزِ وَالْحَالَةُ مَا ذُكِرَ بَعِيدٌ كَمَا قَالَهُ ط (قَوْلُهُ وَيَتَصَدَّقُ صَاحِبُ الثَّلَاثِينَ بِعِشْرِينَ إلَخْ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَبَحَ مَا اُشْتُرِيَتْ بِعَشَرَةٍ وَكَذَا صَاحِبُ الْعِشْرِينَ، فَيَتَصَدَّقُ بِعَشَرَةٍ لِيَبْرَأَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَقِينًا عَمَّا أَوْجَبَهُ، وَأَمَّا صَاحِبُ الْعَشَرَةِ فَأَيًّا ذَبَحَ بَرِئَ يَقِينًا (قَوْلُهُ أَجْزَأَتْهُ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ كُلُّ مَنْ ذَبَحَ مِنْهُمْ شَاةَ غَيْرِهِ وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهَا (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ ضَحَّى أُضْحِيَّةً غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمَرَهُ) ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْيَنَابِيعِ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَلَا يَظْهَرُ التَّشْبِيهُ إلَّا بِإِسْقَاطِ لَفْظَةِ غَيْرٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةَ إلَخْ) هَذَا فِي الْأُضْحِيَّةَ الْوَاجِبَةِ وَالسُّنَّةِ سَوَاءٌ إذَا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً بِالنَّذْرِ، وَإِنْ وَجَبَتْ بِهِ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا شَيْئًا وَلَا يُطْعِمُ غَنِيًّا سَوَاءٌ كَانَ النَّاذِرُ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا لِأَنَّ سَبِيلَهَا التَّصَدُّقُ وَلَيْسَ لِلْمُتَصَدِّقِ ذَلِكَ، وَلَوْ أَكَلَ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ زَيْلَعِيٌّ، وَأَرَادَ بِالْأُضْحِيَّةِ السُّنَّةِ أُضْحِيَّةَ الْفَقِيرِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّهَا تَقَعُ مِنْهُ سُنَّةً قُبَيْلَ قَوْلِ الْكَنْزِ، وَيُضَحِّي بِالْجَمَّاءِ لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّهَا لَا تَقَعُ مِنْهُ وَاجِبَةً وَلَا سُنَّةً بَلْ تَطَوُّعًا مَحْضًا، وَكَذَا صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهَا تَكُونُ تَطَوُّعًا وَهِيَ أُضْحِيَّةُ الْمُسَافِرِ وَالْفَقِيرِ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ النَّذْرُ بِهَا وَلَا الشِّرَاءُ لِلْأُضْحِيَّةِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَشَرْطِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالسُّنَّةِ التَّطَوُّعَ تَأَمَّلْ. ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْوَاجِبَةَ عَلَى الْفَقِيرِ بِالشِّرَاءِ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا. وَذَكَرَ أَبُو السُّعُودِ أَنَّ شِرَاءَهُ لَهَا بِمَنْزِلَةِ النَّذْرِ فَعَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهَا اهـ. أَقُولُ: التَّعْلِيلُ بِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ النَّذْرِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ، وَمُفَادُهُ مَا ذُكِرَ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: سُئِلَ الْقَاضِي بَدِيعُ الدِّينِ عَنْ الْفَقِيرِ إذَا اشْتَرَى شَاةً لَهَا هَلْ يَحِلُّ لَهُ الْأَكْلُ؟ قَالَ نَعَمْ. وَقَالَ الْقَاضِي بُرْهَانُ الدِّينِ لَا يَحِلُّ اهـ فَتَأَمَّلْ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِيمَا إذَا ذَبَحَهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ إذَا أَوْجَبَ شَاةً بِعَيْنِهَا أَوْ اشْتَرَاهَا لِيُضَحِّيَ بِهَا فَمَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ تَصَدَّقَ بِهَا حَيَّةً وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا لِانْتِقَالِ الْوَاجِبِ مِنْ الْإِرَاقَةِ إلَى التَّصَدُّقِ وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ وَلَمْ يَشْتَرِ وَهُوَ مُوسِرٌ تَصَدَّقَ بِالْقِيمَةِ اهـ وَقَدَّمْنَا أَنَّ مُفَادَ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْغَنِيَّ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ الْمَنْذُورَةِ إذَا قَصَدَ بِنَذْرِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، فَالْمُرَادُ بِالنَّذْرِ فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ هُنَا النَّذْرُ ابْتِدَاءً. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّتِي لَا يُؤْكَلُ مِنْهَا هِيَ الْمَنْذُورَةُ ابْتِدَاءً وَاَلَّتِي وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِعَيْنِهَا بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ وَاَلَّتِي ضَحَّى بِهَا عَنْ الْمَيِّتِ بِأَمْرِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. وَالْوَاجِبَةُ عَلَى الْفَقِيرِ بِالشِّرَاءِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمَارَّيْنِ وَاَلَّذِي وَلَدَتْهُ الْأُضْحِيَّةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ سَبْعَةٍ نَوَى بَعْضُهُمْ بِحِصَّتِهِ الْقَضَاءَ عَنْ الْمَاضِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْخَانِيَّةِ أَيْضًا، فَهَذِهِ كُلُّهَا سَبِيلُهَا التَّصَدُّقُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 327 وَيَأْكُلُ غَنِيًّا وَيَدَّخِرُ، وَنُدِبَ أَنْ لَا يَنْقُصَ التَّصَدُّقُ عَنْ الثُّلُثِ) . وَنُدِبَ تَرْكُهُ لِذِي عِيَالٍ تَوْسِعَةً عَلَيْهِمْ (وَأَنْ يَذْبَحَ بِيَدِهِ إنْ عَلِمَ ذَلِكَ وَإِلَّا) يَعْلَمْهُ (شَهِدَهَا) بِنَفْسِهِ وَيَأْمُرُ غَيْرَهُ بِالذَّبْحِ كَيْ لَا يَجْعَلَهَا مَيْتَةً. (وَكُرِهَ) (ذَبْحُ الْكِتَابِيِّ) وَأَمَّا الْمَجُوسِيُّ فَيَحْرُمُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ دُرَرٌ (وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا أَوْ يَعْمَلُ مِنْهُ نَحْوَ غِرْبَالٍ وَجِرَابٍ) وَقِرْبَةٍ وَسُفْرَةٍ وَدَلْوٍ (أَوْ يُبَدِّلَهُ بِمَا يَنْتَفِعُ بِهِ بَاقِيًا) كَمَا مَرَّ (لَا بِمُسْتَهْلَكٍ كَخَلٍّ وَلَحْمٍ وَنَحْوِهِ) كَدَرَاهِمَ (فَإِنْ) (بِيعَ اللَّحْمُ أَوْ الْجِلْدُ بِهِ) أَيْ بِمُسْتَهْلَكٍ (أَوْ بِدَرَاهِمَ) (تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ) وَمُفَادُهُ صِحَّةُ الْبَيْعِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَعَنْ الثَّانِي بَاطِلٌ لِأَنَّهُ كَالْوَقْفِ مُجْتَبًى. (وَلَا يُعْطَى أَجْرُ الْجَزَّارِ مِنْهَا) لِأَنَّهُ كَبَيْعٍ،   [رد المحتار] عَلَى الْفَقِيرِ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ، وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَيْضًا بَعْضُ مَسَائِلِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ (قَوْلُهُ وَيَأْكُلُ غَنِيًّا وَيَدَّخِرُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعْدَ النَّهْيِ عَنْ الِادِّخَارِ «كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا» الْحَدِيثُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَحْمَدُ (قَوْلُهُ وَنُدِبَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ وَيَتَّخِذَ الثُّلُثَ ضِيَافَةً لِأَقْرِبَائِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَيَدَّخِرَ الثُّلُثَ؛ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، وَلَوْ حَبَسَ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ جَازَ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِي الْإِرَاقَةِ وَالتَّصَدُّقِ بِاللَّحْمِ تَطَوُّعٌ (قَوْلُهُ وَنُدِبَ تَرْكُهُ) أَيْ تَرْكُ التَّصَدُّقِ الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ (قَوْلُهُ لِذِي عِيَالٍ) غَيْرِ مُوَسَّعِ الْحَالِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ شَهِدَهَا بِنَفْسِهِ) لِمَا رَوَى الْكَرْخِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قُومِي يَا فَاطِمَةُ فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَك فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَك بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ عَمِلْته وَقُولِي - {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162] {لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام: 163]-» أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَيْ لَا يَجْعَلَهَا مَيِّتَةً) عِلَّةٌ لِعَدَمِ ذَبْحِهَا بِيَدِهِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ شَهِدَهَا وَيَأْمُرُ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ وَكُرِهَ ذَبْحُ الْكِتَابِيِّ) أَيْ بِالْأَمْرِ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَعَانَ بِالْكَافِرِ فِي أُمُورِ الدِّينِ، وَلَوْ ذَبَحَ جَازَ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّبْحِ بِخِلَافِ الْمَجُوسِيِّ أَتْقَانِيٌّ وَقُهُسْتَانِيٌّ وَغَيْرُهُمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ لَوْ كَانَ بِأَمْرِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ مِسْكِينٌ مُسْتَدِلًّا عَلَيْهِ بِقَوْلِ الْكَافِي: وَلَوْ أَمَرَ الْمُسْلِمُ كِتَابِيًّا بِأَنْ يَذْبَحَ أُضْحِيَّتَهُ جَازَ، وَكُرِهَ بِدُونِ أَمْرِهِ، لَكِنْ نَقَلَ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ أَنَّ عِبَارَةَ الْكَافِي عَلَى خِلَافِ مَا نُقِلَ عَنْهُ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: فَإِذَا ذَبَحَهَا لِلْمُسْلِمِ بِأَمْرِهِ أَجْزَأَهُ وَيُكْرَهُ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْمَجُوسِيُّ فَيَحْرُمُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ دُرَرٌ كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا) وَكَذَا بِجِلَالِهَا وَقَلَائِدِهَا فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ إذَا أَوْجَبَ بَقَرَةً أَنْ يُجَلِّلَهَا وَيُقَلِّدَهَا، وَإِذَا ذَبَحَهَا تَصَدَّقَ بِذَلِكَ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ بِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ بَاقِيًا) لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُبْدَلِ فَكَأَنَّ الْجِلْدَ قَائِمٌ مَعْنًى بِخِلَافِ الْمُسْتَهْلَكِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي أُضْحِيَّةِ الصَّغِيرِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: مِمَّا مَرَّ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ نَحْوَ غِرْبَالٍ إلَخْ (قَوْلُهُ فَإِنْ بِيعَ اللَّحْمُ أَوْ الْجِلْدُ بِهِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُمَا بِمُسْتَهْلَكٍ وَأَنَّ لَهُ بَيْعُ الْجِلْدِ بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ، وَسَكَتَ عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِهِ لِلْخِلَافِ فِيهِ. فَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا: لَوْ أَرَادَ بَيْعَ اللَّحْمِ لِيَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ إلَّا أَنْ يُطْعِمَ أَوْ يَأْكُلَ اهـ وَالصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي جَوَازِ بَيْعِهِمَا بِمَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ دُونَ مَا يَسْتَهْلِكُ، وَأَيَّدَهُ فِي الْكِفَايَةِ بِمَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ اشْتَرَى بِاللَّحْمِ ثَوْبًا فَلَا بَأْسَ بِلُبْسِهِ اهـ. [فُرُوعٌ] فِي الْقُنْيَةِ: اشْتَرَى بِلَحْمِهَا مَأْكُولًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِقِيمَتِهِ اسْتِحْسَانًا، وَإِذَا دَفَعَ اللَّحْمَ إلَى فَقِيرٍ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ لَا يُحْسَبُ عَنْهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، لَكِنْ إذَا دَفَعَ لِغَنِيٍّ ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ بِنِيَّتِهَا يُحْسَبُ قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ) أَيْ وَبِالدَّرَاهِمِ فِيمَا لَوْ أَبْدَلَهُ بِهَا (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ صِحَّةُ الْبَيْعِ) هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ بَدَائِعُ لِقِيَامِ الْمِلْكِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ) لِلْحَدِيثِ الْآتِي (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَبَيْعٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُعَاوَضَةٌ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 328 وَاسْتُفِيدَتْ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ» هِدَايَةٌ. (وَكُرِهَ) (جَزُّ صُوفِهَا قَبْلَ الذَّبْحِ) لِيَنْتَفِعَ بِهِ، فَإِنْ جَزَّهُ تَصَدَّقَ بِهِ، وَلَا يَرْكَبُهَا وَلَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا شَيْئًا وَلَا يُؤَجِّرَهَا فَإِنْ فَعَلَ تَصَدَّقَ بِالْأُجْرَةِ حَاوِيٌّ الْفَتَاوَى لِأَنَّهُ الْتَزَمَ إقَامَةَ الْقُرْبَةِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا (بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مُجْتَبًى (وَيُكْرَهُ) (الِانْتِفَاعُ بِلَبَنِهَا قَبْلَهُ) كَمَا فِي الصُّوفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُمَا لِلْغَنِيِّ لِوُجُوبِهِمَا فِي الذِّمَّةِ فَلَا تَتَعَيَّنُ زَيْلَعِيٌّ. (وَلَوْ) (غَلِطَ اثْنَانِ وَذَبَحَ كُلٌّ شَاةَ صَاحِبِهِ) يَعْنِي عَنْ نَفْسِهِ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ غَلِطَ أَوْ لَمْ يَغْلَطَا فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ وَكِيلًا عَنْ الْآخَرِ دَلَالَةً هِدَايَةٌ قَالَهُ ابْنُ الْكَمَالِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرِهِ وُقُوعُهُ عَنْ صَاحِبِهِ   [رد المحتار] لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْطَى الْجَزَّارُ بِمُقَابَلَةِ جَزْرِهِ وَالْبَيْعُ مَكْرُوهٌ فَكَذَا مَا فِي مَعْنَاهُ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَاسْتُفِيدَتْ إلَخْ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالضَّمِيرُ لِلْكَرَاهَةِ، لَكِنْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَدِيثَ فِي الْبَيْعِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَا يُعْطَى أَجْرُ الْجَزَّارِ مِنْهَا «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَصَدَّقْ بِجِلَالِهَا وَخِطَامِهَا وَلَا تُعْطِ أَجْرَ الْجَزَّازِ مِنْهَا شَيْئًا» وَالنَّهْيُ عَنْهُ نَهْيٌ عَنْ الْبَيْعِ أَيْضًا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ دَلَالَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ (قَوْلُهُ فَإِنْ جَزَّهُ تَصَدَّقَ بِهِ إلَى قَوْلِهِ حَاوِي الْفَتَاوَى) يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَقَوْلُهُ فَإِنْ فَعَلَ تَصَدَّقَ بِالْأُجْرَةِ: أَيْ فِيمَا لَوْ آجَرَهَا، وَأَمَّا إذَا رَكِبَهَا أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا تَصَدَّقَ بِمَا نَقَصَتْهُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: وَعَمِلَ الْجَلْدَ جِرَابًا وَأَجْرُهُ لَمْ يَجُزْ وَعَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِالْأُجْرَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ إقَامَةَ الْقُرْبَةِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا) فِيهِ أَنَّ الْقُرْبَةَ تَتَأَدَّى بِالْإِرَاقَةِ فَهِيَ تَقُومُ بِهَا لَا بِغَيْرِهَا فَكَيْفَ يُكْرَهُ مِنَحٌ، وَيَأْتِي دَفْعُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ الِانْتِفَاعُ بِلَبَنِهَا) فَإِنْ كَانَتْ التَّضْحِيَةُ قَرِيبَةً يَنْضَحُ ضَرْعُهَا بِالْمَاءِ الْبَارِدِ وَإِلَّا حَلَبَهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ لِوُجُوبِهَا فِي الذِّمَّةِ فَلَا تَتَعَيَّنُ) وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُشْتَرَاةَ لِلْأُضْحِيَّةِ مُتَعَيِّنَةٌ لِلْقُرْبَةِ إلَى أَنْ يُقَامَ غَيْرُهَا مَقَامَهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا مَا دَامَتْ مُتَعَيِّنَةً وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ لَحْمُهَا إذَا ذَبَحَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا بَدَائِعُ، وَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُبَدِّلَ بِهَا غَيْرَهَا فَيُفِيدُ التَّعَيُّنَ أَيْضًا، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا مَرَّ عَنْ الْمِنَحِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَلَوْ غَلِطَ اثْنَانِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: قَوْلُهُ غَلِطَ شَرْطٌ، لِمَا فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ تَعَمَّدَ فَذَبَحَ أُضْحِيَّةً رَجُلٍ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ عَنْ صَاحِبِهَا وَفِي الْغَلَطِ جَازَ عَنْ صَاحِبِهَا وَلَا يُشْبِهُ الْعَمْدَ الْغَلَطَ، وَلَوْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا فِي الْعَمْدِ جَازَتْ عَنْ الذَّابِحِ. وَفِي الْإِمْلَاءِ قَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ ذَبَحَهَا مُتَعَمِّدًا عَنْ صَاحِبِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ جَازَ أَيْضًا اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهَا هُيِّئَتْ لِلذَّبْحِ اهـ. (قَوْلُهُ وَذَبَحَ كُلٌّ شَاةَ صَاحِبِهِ) يَعْنِي شَاةَ الْأُضْحِيَّةَ، وَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِهِ كَمَا فِي الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ لِيُفِيدَ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ لِلْأُضْحِيَّةِ تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ يَعْنِي عَنْ نَفْسِهِ) صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا، فَلَوْ نَوَاهَا، عَنْ صَاحِبِهِ مَعَ ظَنِّهِ أَنَّهَا أُضْحِيَّةٌ نَفْسِهِ هَلْ تَقَعُ عَنْ الْمَالِكِ أَيْضًا؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ، وَلَمْ أَرَهُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ غَلِطَ) لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ ظَنَّ كَوْنَهَا شَاتُه فَلَا يَذْبَحُهَا إلَّا عَنْ نَفْسِهِ عَادَةً (قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَغْلَطَا) مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ عَنْ صَاحِبِهِ يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَفْظَةُ أَوْ لَمْ يَغْلَطَا سَبْقُ قَلَمٍ إذْ لَا وُجُودَ لَهَا فِي كَلَامِ غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ وَكِيلًا عَنْ الْآخَرِ دَلَالَةً هِدَايَةٌ كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ عَقِبَ قَوْلِهِ صَحَّ اسْتِحْسَانًا. وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا تَعَيَّنَتْ لِلذَّبْحِ لِتَعَيُّنِهَا لِلْأُضْحِيَّةِ، حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَيْ لَوْ كَانَ الْمُضَحِّي فَقِيرًا نِهَايَةٌ. وَيُكْرَهُ أَنْ يُبَدِّلَ بِهَا غَيْرَهَا أَيْ إذَا كَانَ غَنِيًّا نِهَايَةٌ، فَصَارَ الْمَالِكُ مُسْتَعِينًا بِكُلِّ مَنْ يَكُونُ أَهْلًا لِلذَّبْحِ آذِنًا لَهُ دَلَالَةً اهـ، فَقَوْلُهُ هِدَايَةٌ نَقْلٌ لِحَاصِلِ الْمَعْنَى، وَقَوْلُهُ قَالَهُ ابْنُ الْكَمَالِ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْهُ ابْنُ الْكَمَالِ عَنْ الْهِدَايَةِ، وَلَعَلَّ ضَمِيرَ قَالَهُ زَائِدٌ وَمَقُولُ الْقَوْلِ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 329 (صَحَّ) اسْتِحْسَانًا (بِلَا غُرْمٍ) وَيَتَحَالَّانِ وَلَوْ أَكَلَا وَلَمْ يَعْرِفَا ثُمَّ عَرَفَا هِدَايَةٌ، وَإِنْ تَشَاحَّا ضَمِنَ كُلٌّ لِصَاحِبِهِ قِيمَةَ لَحْمِهِ وَتَصَدَّقَ بِهَا. قُلْت: وَفِي أَوَائِلِ الْقَاعِدَةِ الْأُولَى مِنْ الْأَشْبَاهِ: لَوْ شَرَاهَا بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ فَذَبَحَهَا غَيْرُهُ بِلَا إذْنِهِ، فَإِنْ أَخَذَهَا مَذْبُوحَةً وَلَمْ يَضْمَنْهُ أَجْزَأَتْهُ، وَإِنْ ضَمِنَهُ لَا تُجْزِئُهُ، وَهَذَا إذَا ذَبَحَهَا عَنْ نَفْسِهِ. أَمَّا إذَا ذَبَحَهَا عَنْ مَالِكِهَا فَلَا ضَمَانَ   [رد المحتار] صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرِهِ وُقُوعُهُ عَنْ صَاحِبِهِ، لَكِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ ابْنَ الْكَمَالِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي مَنْهُوَّاتِهِ عَلَى الْهَامِشِ. ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَ أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ هُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ط: أَهْلُ الْمَذْهَبِ إلَّا زُفَرَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا تَقَعُ عَنْ الْمَالِكِ لِلْإِذْنِ دَلَالَةً (قَوْلُهُ صَحَّ اسْتِحْسَانًا بِلَا غُرْمٍ) أَيْ صَحَّ عَنْ صَاحِبِهِ، فَتَقَعُ كُلُّ أُضْحِيَّةٍ عَنْ مَالِكِهَا كَمَا عَلِمْت فَيَأْخُذُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَسْلُوخَتَهُ وَقَدَّمْنَا وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ. وَأَمَّا الْقِيَاسُ وَهُوَ قَوْلُ زَفَرَ فَهُوَ أَنَّهُ يَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهَا لِأَنَّهُ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (قَوْلُهُ وَيَتَحَالَّانِ) أَيْ إنْ كَانَا قَدْ أَكَلَا ثُمَّ عَلِمَا فَلْيُحْلِلْ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَشَاحَّا) أَيْ عَنْ التَّحْلِيلِ (قَوْلُهُ وَتَصَدَّقَ بِهَا) لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ اللَّحْمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ، لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ لَمَّا وَقَعَتْ عَنْ صَاحِبِهِ كَانَ اللَّحْمُ لَهُ، وَمَنْ أَتْلَفَ لَحْمَ أُضْحِيَّةٍ غَيْرِهِ فَالْحُكْمُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا هِدَايَةٌ. أَقُولُ: وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ اللَّحْمِ إلَخْ أَنَّ التَّضْمِينَ لِقِيمَةِ اللَّحْمِ لَا لَقِيمَتِهَا حَيَّةً وَلِذَا وَقَعَتْ عَنْ الْمَالِكِ. بَقِيَ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ السَّابِقِ بِلَا غُرْمٍ وَكَذَا قَوْلُ الْهِدَايَةِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا وَقَوْلُهُمْ لِأَنَّهُ صَارَ ذَابِحًا لِإِذْنِ دَلَالَةً يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ كُلٌّ تَضْمِينَ صَاحِبِهِ قِيمَتَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ: لَوْ تَشَاحَّا وَأَدَّى كُلٌّ مِنْهُمَا الضَّمَانَ عَنْ نَفْسِهِ تَقَعُ الْأُضْحِيَّةَ لَهُ وَجَازَتْ عَنْهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ اهـ فَعَلَى هَذَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْخِيَارُ بَيْنَ تَضْمِينِ صَاحِبِهِ وَتَكُونُ ذَبِيحَةُ كُلٍّ أُضْحِيَّةً عَنْ نَفْسِهِ وَبَيْنَ عَدَمِ التَّضْمِينِ فَتَكُونُ ذَبِيحَةُ كُلٍّ أُضْحِيَّةً عَنْ صَاحِبِهِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُمْ بِلَا غُرْمٍ عَلَى مَا إذَا رَضِيَ كُلٌّ بِفِعْلِ الْآخَرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) لَمَّا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ فِيمَا إذَا غَلِطَ الذَّابِحُ وَذَبَحَ عَنْ نَفْسِهِ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ مَا إذَا تَعَمَّدَ ذَبْحَ أُضْحِيَّةٍ بِلَا أَمْرِهِ صَرِيحًا فَذَبَحَ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ الْمَالِكِ وَقَدَّمْنَاهُ مُلَخَّصًا عَنْ الْأَتْقَانِيِّ (قَوْلُهُ أَجْزَأَتْهُ) أَيْ أَجْزَأَتْ الشَّارِي عَنْ التَّضْحِيَةِ لِأَنَّهُ قَدْ نَوَاهَا فَلَا يَضُرُّهُ ذَبْحُهَا غَيْرَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ ضَمَّنَهُ إلَخْ) أَيْ ضَمَّنَهُ الشَّارِي قِيمَتَهَا لَا تُجْزِي الشَّارِي وَتَجُوزُ عَنْ الذَّابِحِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْإِرَاقَةَ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ وُقُوعُهَا عَنْ الْمَالِكِ إنْ لَمْ يُضَمِّنْ الذَّابِحَ وَعَدَمُ وُقُوعِهَا عَنْهُ بَلْ عَنْ الذَّابِحِ إنْ ضَمَّنَهُ (قَوْلُهُ أَمَّا إذَا ذَبَحَهَا إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي: وَإِذَا ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ الْغَيْرِ نَاوِيًا مَالِكَهَا بِغَيْرِ أَمَرَهُ جَازَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اهـ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ لِوُجُودِ الْإِذْنِ دَلَالَةً كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: أَطْلَقَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَصْلِ وَقَيَّدَهَا فِي الْأَجْنَاسِ بِمَا إذَا أَضْجَعَهَا صَاحِبُهَا لِلْأُضْحِيَّةِ. وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُخْتَارُ اهـ أَيْ لِلِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ عِنْدَ الشِّرَاءِ فَتَعَيَّنَتْ لَهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ صَفْحَةٍ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لَا تُجْزِي وَضَمِنَ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: اشْتَرَى خَمْسَ شِيَاهٍ فِي أَيَّامِ الْأُضْحِيَّةِ وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهَا فَذَبَحَ رَجُلٌ وَاحِدَةً مِنْهَا يَوْمَ الْأَضْحَى بِنِيَّةِ صَاحِبِهَا بِلَا أَمَرَهُ ضَمِنَ اهـ. وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ أَنَّهُ لَوْ غَلِطَ فَذَبَحَ أُضْحِيَّةً غَيْرِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ ضَمَّنَهُ وَقَعَتْ عَنْ الذَّابِحِ وَإِلَّا فَعَنْ الْمَالِكِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَكَذَا لَوْ تَعَمَّدَ وَذَبَحَهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَتَأَمَّلْهُ مَعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 330 عَلَيْهِ اهـ فَرَاجِعْهُ (كَمَا) يَصِحُّ (لَوْ ضَحَّى بِشَاةِ الْغَصْبِ) إنْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا حَيَّةً؛ كَمَا إذَا بَاعَهَا وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَهَا ضَمِنَ لِصَاحِبِهَا قِيمَتَهَا هِدَايَةٌ لِظُهُورِ أَنَّهُ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ (لَا الْوَدِيعَةِ وَإِنْ ضَمِنَهَا) لِأَنَّ سَبَبَ ضَمَانِهِ هُنَا بِالذَّبْحِ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ وَهُوَ الذَّبْحُ فَيَقَعُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ. قُلْت: وَيَظْهَرُ أَنَّ الْعَارِيَّةَ كَالْوَدِيعَةِ وَالْمَرْهُونَةَ كَالْمَغْصُوبَةِ لِكَوْنِهَا مَضْمُونَةً بِالدَّيْنِ، وَكَذَا الْمُشْتَرَكَةُ فَلْيُرَاجَعْ. [فُرُوعٌ] لَوْنُ أُضْحِيَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَوْدَاءُ.   [رد المحتار] مَا قَدَّمْنَا عَنْ الْأَتْقَانِيِّ أَنَّ الْعَمْدَ لَا يُشْبِهُ الْغَلَطَ. وَأَمَّا لَوْ ذَبَحَهَا عَنْ الْمَالِكِ وَقَعَتْ عَنْ الْمَالِكِ، وَهَلْ لَهُ الْخِيَارُ أَيْضًا؟ لَمْ أَرَهُ، وَالظَّاهِرُ نَعَمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ كَمَا يَصِحُّ) أَيْ عَنْ الذَّابِحِ (قَوْلُهُ إنْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا حَيَّةً لِظُهُورِ إلَخْ) كَذَا فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ زِيَادَةٌ يَجِبُ إسْقَاطُهَا إذْ لَا مَعْنَى لَهَا هُنَا سِوَى قَوْلِهِ كَمَا إذَا بَاعَهَا أَيْ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ إذَا ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ لِوُقُوعِ الْمِلْكِ مُسْتَنِدًا، وَأَفَادَ أَنَّ الْمَالِكَ لَهُ أَخْذُهَا مَذْبُوحَةً. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: غَصَبَ شَاةً فَضَحَّى بِهَا عَنْ نَفْسِهِ لَا تُجْزِئُهُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَلَا عَنْ صَاحِبِهَا لِعَدَمِ الْإِذْنِ، ثُمَّ إنْ أَخَذَهَا صَاحِبُهَا مَذْبُوحَةً وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ فَكَذَلِكَ لَا تَجُوزُ عَنْهُمَا وَعَلَى كُلٍّ أَنْ يُضَحِّيَ بِأُخْرَى، وَإِنْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا حَيَّةً تُجْزِئُ عَنْ الذَّابِحِ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ فَصَارَ ذَابِحًا شَاةً هِيَ مِلْكُهُ فَتُجْزِيه وَلَكِنَّهُ يَأْثَمُ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ فِعْلِهِ وَقَعَ مَحْظُورًا فَيَلْزَمُهُ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ اهـ. أَقُولُ: وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا مَرَّ عَنْ الْأَشْبَاهِ وَالزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّهُ إنْ ضَمَّنَهُ وَقَعَتْ عَنْ الذَّابِحِ وَإِلَّا فَعَنْ الْمَالِكِ لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا أَعَدَّهَا صَاحِبُهَا لِلْأُضْحِيَّةِ فَيَكُونُ الذَّابِحُ مَأْذُونًا دَلَالَةً كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ وَهُنَا فِي غَيْرِهِ، وَلِذَا عَبَّرُوا هُنَا بِشَاةِ الْغَصْبِ وَلَمْ يُعَبِّرُوا بِأُضْحِيَةِ الْغَيْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِظُهُورِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِتَقْيِيدِ الصِّحَّةِ بِالضَّمَانِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَقِيلَ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا أَدَّى الضَّمَانَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ فَيَقَعُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ) بِخِلَافِ الْغَصْبِ لِظُهُورِ الْمِلْكِ فِيهِ مُسْتَنِدًا كَمَا مَرَّ، وَلِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ هُنَا بَحْثٌ مَذْكُورٌ مَعَ جَوَابِهِ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ قُلْت وَيَظْهَرُ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: الْمُرَادُ الْوَدِيعَةِ كُلُّ شَاةٍ كَانَتْ أَمَانَةً كَمَا فِي الْفَيْضِ عَنْ الزَّنْدَوَسْتِيِّ اهـ ح وَفِي الْبَدَائِعِ: وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْته فِي الْوَدِيعَةِ فَهُوَ الْجَوَابُ فِي الْعَارِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ بِأَنْ اسْتَعَارَ نَاقَةً أَوْ ثَوْرًا أَوْ بَعِيرًا أَوْ اسْتَأْجَرَهُ فَضَحَّى بِهِ أَنَّهُ لَا يُجْزِيه عَنْ الْأُضْحِيَّةَ سَوَاءٌ أَخَذَهَا الْمَالِكُ، أَوْ ضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَإِنَّمَا يَضْمَنُهَا بِالذَّبْحِ فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ اهـ. وَزَادَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ النَّظْمِ: الْمُسْتَبْضِعُ وَالْمُرْتَهِنُ وَالْوَكِيلُ بِشِرَاءِ الشَّاةِ وَالْوَكِيلُ بِحِفْظِ مَالِهِ إذَا ضَحَّى بِشَاةِ مُوَكِّلِهِ وَالزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ إذَا ضَحَّى بِشَاةِ صَاحِبِهِ بِلَا إذْنِهِ (قَوْلُهُ وَالْمَرْهُونَةُ كَالْمَغْصُوبَةِ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّهَا كَالْوَدِيعَةِ، وَكَذَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا، لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ: إذَا ضَحَّى الْمُرْتَهِنُ بِالشَّاةِ الْمَرْهُونَةِ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ: يَجُوزُ وَلَوْ ضَحَّى بِهَا الرَّاهِنُ يَجُوزُ اهـ خَانِيَّةٌ. وَفِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ كَانَ مَرْهُونًا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِلْكًا لَهُ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ كَمَا فِي الْغَصْبِ بَلْ أَوْلَى، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ فَصَّلَ فَقَالَ: إنْ كَانَ قَدْرُ الدَّيْنِ يَجُوزُ، وَإِنْ أَكْثَرَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ بَعْضَهُ مَضْمُونٌ وَبَعْضَهُ أَمَانَةٌ، فَفِي قَدْرِ الْأَمَانَةِ إنَّمَا يَضْمَنُهُ بِالذَّبْحِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمُشْتَرَكَةُ) يَعْنِي أَنَّهَا أَمَانَةٌ لِظُهُورِ أَنَّ نَصِيبَ شَرِيكِهِ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ اهـ ح أَيْ فَلَا تُجْزِي كَالْوَدِيعَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ شَاةٌ وَاحِدَةٌ مُشْتَرَكَةٌ، بِخِلَافِ شَاتَيْنِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ ضَحَّيَا بِهِمَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا يَذْكُرُهُ قَرِيبًا [فُرُوعٌ لَوْنُ أُضْحِيَّتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ سَوْدَاءُ] (قَوْلُهُ لَوْنُ أُضْحِيَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَوْدَاءُ) فِيهِ حَمْلُ الْعَيْنِ عَلَى الْعَرْضِ اهـ ح. وَأَجَابَ ط بِأَنَّهُ أَنَّثَهُ نَظَرًا لِلْمُضَافِ إلَيْهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 331 نَذَرَ عَشْرَ أُضْحِيَّاتٍ لَزِمَهُ ثِنْتَانِ لِمَجِيءِ الْأَثَرِ بِهَا خَانِيَّةٌ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْكُلِّ لِإِيجَابِهِ مَا لِلَّهِ مِنْ جِنْسِهِ إيجَابٌ شَرْحٌ وَهْبَانِيَّةٌ. قُلْت: وَمَفَادُهُ لُزُومُ النَّذْرِ بِمَا ضَمِنَ جِنْسَهُ وَاجِبٌ اعْتِقَادِيٌّ أَوْ اصْطِلَاحِيٌّ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَلْيُحْفَظْ.   [رد المحتار] أَقُولُ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهَا سَوْدَاءُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فَهِمَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ وَهْبَانَ فِي شَرْحِهِ أَوْقَعَهُ فِيهِ التَّحْرِيفُ. وَالصَّوَابُ أَنَّهَا بَيْضَاءُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَسَنَذْكُرُ كَلَامَهُ عِنْدَ النَّظْمِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْهِدَايَةِ: قَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ» اهـ وَالْوِجَاءُ عَلَى وَزْنِ فِعَالٍ: نَوْعٌ مِنْ الْخِصَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَاخْتَلَفَ فِي الْأَمْلَحِ، فَفِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ فَتْحِ الْبَارِي لِابْنِ حَجَرٍ: هُوَ الَّذِي بَيَاضُهُ أَكْثَرُ مِنْ سَوَادِهِ وَيُقَالُ هُوَ الْأَغْبَرُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَصْمَعِيِّ وَزَادَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ الَّذِي فِي خَلَلِ صُوفِهِ طَبَقَاتٌ سُودٌ، وَيُقَالُ الْأَبْيَضُ الْخَالِصُ، قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، وَبِهِ تَمَسَّك الشَّافِعِيَّةُ فِي تَفْضِيلِ الْأَبْيَضِ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَقِيلَ الَّذِي يَعْلُوهُ حُمْرَةٌ وَقِيلَ الَّذِي يَنْظُرُ فِي سَوَادٍ وَيَأْكُلُ فِي سَوَادٍ وَيَمْشِي فِي سَوَادٍ وَيُبْرَكُ فِي سَوَادٍ: أَيْ إنَّ مَوَاضِعَ هَذِهِ مِنْهُ سَوَادٌ وَمَا عَدَاهُ أَبْيَضُ اهـ. أَقُولُ: وَفِي الْبَدَائِعِ: أَفْضَلُ الشَّاءِ أَنْ يَكُونَ كَبْشًا أَمْلَحَ أَقْرَنَ مَوْجُوءًا وَالْأَقْرَنُ: الْعَظِيمِ الْقَرْنِ. وَالْأَمْلَحُ: الْأَبْيَضُ اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَبْيَضُ الْخَالِصُ فَيُوَافِقُ قَوْلَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفَسَّرَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَالْكِفَايَةِ بِالْأَبْيَضِ الَّذِي فِيهِ شَعَرَاتٌ سُودٌ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْقَامُوسِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الْبَدَائِعِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ ثِنْتَانِ) عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ قَالُوا: لَزِمَهُ ثِنْتَانِ (قَوْلُهُ مَجِيءُ الْأَمْرِ بِهِمَا) الَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا الْأَثَرُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ» قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ: قَدْ يُقَالُ لَمَّا بَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ أَحَدَهُمَا عَنْهُ وَعَنْ آلِهِ وَالْآخَرَ عَنْ أُمَّتِهِ لَمْ يَقْضِ بِثِنْتَيْنِ عَلَى شَخْصٍ بِالسُّنِّيَّةِ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْكُلِّ) كَذَا صَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ. وَنَقَلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَنَّهُ الظَّاهِرُ وَسَيَأْتِي فِي النَّظْمِ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُضَحِّيَ بِالْعَشْرِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَبَعْدَهَا يَتَصَدَّقُ بِهَا حَيَّةً لَوْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ مَتْنًا. قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَأَقُولُ فِي صِحَّةِ إلْزَامِهِ بِثِنْتَيْنِ أَوْ بِعَشْرٍ تَأَمُّلٌ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ مِثْلُ إلْزَامِهِ عَلَى نَفْسِهِ الظُّهْرَ عَشْرًا فَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ مَا أَوْجَبَهُ تَعَالَى، لِأَنَّ نَذْرَ ذَاتِ الْوَاجِبِ وَتَعَدُّدِهِ لَيْسَ صَحِيحًا نَعَمْ نَذَرَ مِثْلَهُ كَقَوْلِهِ نَذَرْت ذَبْحَ عَشْرِ شِيَاهٍ وَقْتَ كَذَا يَصِحُّ وَيَلْغُو ذِكْرُ الْوَقْتِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ: لَوْ قَالَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيَّ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ مَرَّتَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ غَيْرُ الْمَشْرُوعِ مَعَ أَنَّ الْحَجَّ نَفْلًا مَشْرُوعٌ وَلَكِنْ لَا يُسَمَّى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ الْأُضْحِيَّةَ لَمْ تُشْرَعْ لَازِمَةً إلَّا وَاحِدَةً فَنَذْرُ تَعَدُّدِهَا إلْزَامُ غَيْرِ الْمَشْرُوعِ وُجُوبًا فَلَا يَلْزَمُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ إنَّ كُتُبَ الْمَذْهَبِ طَافِحَةٌ بِصِحَّةِ النَّذْرِ بِالْأُضْحِيَّةِ مِنْ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْغَنِيَّ إذَا قَصَدَ بِالنَّذْرِ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَكَانَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ وَاحِدَةٌ وَإِلَّا فَثِنْتَانِ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ اسْمٌ لِشَاةٍ مَثَلًا تُذْبَحُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَاجِبَةً كَانَتْ أَوْ تَطَوُّعًا، فَإِذَا نَذَرَ أُضْحِيَّةً لَمْ تَنْصَرِفْ إلَى الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَنْوِ بِالنَّذْرِ الْإِخْبَارَ، كَمَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ حَجَّةٌ، وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: يَلْزَمُهُ أُخْرَى إلَّا إذَا عَنِيَ بِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ اهـ، فَإِذَا نَذَرَ عَشْرَ أُضْحِيَّاتٍ لَمْ يَحْتَمِلْ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ أَصْلًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الْغَنِيَّ لَوْ نَذَرَ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ أَنْ يُضَحِّيَ شَاةً لَزِمَهُ شَاتَانِ إحْدَاهُمَا بِالنَّذْرِ وَالْأُخْرَى بِالْغِنَى لِعَدَمِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 332 غَنَمٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ ضَحَّيَا بِهَا جَازَ؛ بِخِلَافِ الْعِتْقِ لِصِحَّةِ قِسْمَةِ الْغَنَمِ لَا الرَّقِيقِ. ضَحَّى بِثِنْتَيْنِ فَالْأُضْحِيَّةُ كِلَاهُمَا، وَقِيلَ الزَّائِدُ لَحْمٌ؛ وَالْأَفْضَلُ الْأَكْثَرُ قِيمَةً، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَالْأَكْثَرُ لَحْمًا، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَأَطْيَبُهُمَا، وَلَوْ ضَحَّى بِالْكُلِّ فَالْكُلُّ فَرْضٌ كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْفَرْضَ مِنْهَا مَا يَنْطَلِقُ الِاسْمُ عَلَيْهِ، فَإِذَا طَوَّلَهَا يَقَعُ الْكُلُّ فَرْضًا مُجْتَبًى. شَرَى أُضْحِيَّةً وَأَمَرَ رَجُلًا بِذَبْحِهَا فَقَالَ تَرَكْت التَّسْمِيَةَ عَمْدًا لَزِمَهُ قِيمَتُهَا لِيَشْتَرِيَ الْآمِرُ بِهَا أُخْرَى وَيُضَحِّيَ، وَيَتَصَدَّقُ وَلَا يَأْكُلُ   [رد المحتار] احْتِمَالِ الصِّيغَةِ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ إذْ لَا وُجُوبَ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَكَذَا لَوْ نَذَرَ وَهُوَ فَقِيرٌ ثُمَّ اسْتَغْنَى وَهُنَا كَذَلِكَ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْعَشْرِ فَتَلْزَمُهُ الْعَشْرُ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ مَرَّتَيْنِ لِأَنَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ اسْمٌ لِلْفِعْلِ الْمَخْصُوصِ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِيَّةِ فَإِذَا قَالَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْمَرَّةَ لَازِمَةٌ قَبْلَ النَّذْرِ وَالثَّانِيَةَ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا حَجَّةَ الْإِسْلَامِ الَّتِي هِيَ فَرْضُ الْعُمُرِ، وَمِثْلُهُ نَذَرَ رَمَضَانَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأُضْحِيَّةَ الَّتِي تُطْلَقُ عَلَى الْوَاجِبِ وَالتَّطَوُّعِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَبَيْنَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ أَظْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ، وَحَيْثُ عَلِمْت أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ اسْمٌ لِمَا يُذْبَحُ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلْغَاءُ الْوَقْتِ، فَإِذَا نَذَرَهَا يَلْزَمُ فِعْلُهَا فِيهِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ آتَيَا بِالْمَنْذُورِ لِأَنَّهَا بَعْدَهَا لَا تُسَمَّى أُضْحِيَّةً وَلِذَا يَتَصَدَّقُ بِهَا حَيَّةً إذَا خَرَجَ وَقْتُهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَذَرَ ذَبْحَ شَاةٍ فِي وَقْتِ كَذَا يَلْغُو ذِكْرُ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ وَصْفٌ زَائِدٌ عَلَى مُسَمَّى الشَّاةِ وَلِذَا أَلْغَى عُلَمَاؤُنَا تَعْيِينَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةَ فَإِنَّ الْوَقْتَ قَدْ جُعِلَ جُزْءًا مِنْ مَفْهُومِهَا فَلَزِمَ اعْتِبَارُهُ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا لَوْ نَذَرَ هَدْيَ شَاةٍ فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنَّمَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْعُهْدَةِ ذَبْحُهَا فِي الْحَرَمِ وَالتَّصَدُّقُ بِهَا هُنَاكَ مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِدِرْهَمٍ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ لَهُ التَّصَدُّقُ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِكَوْنِ الْهَدْيِ اسْمًا لِمَا يُهْدَى إلَى مَكَّةَ وَيُتَصَدَّقُ بِهِ فِيهَا فَقَدْ جَعَلَ الْمَكَانَ جُزْءًا مِنْ مَفْهُومِهِ كَالزَّمَانِ فِي الْأُضْحِيَّةَ فَإِذَا تَصَدَّقَ بِهِ فِي غَيْرِ مَكَّةَ لَمْ يَأْتِ بِمَا نَذَرَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِالدِّرْهَمِ فِيهَا فَإِنَّ الْمَكَانَ لَمْ يُجْعَلْ جُزْءًا مِنْ مَفْهُومِ الدِّرْهَمِ فَإِنَّ الدِّرْهَمَ دِرْهَمٌ سَوَاءٌ تَصَدَّقَ بِهِ فِي مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا بِخِلَافِ الْهَدْيِ، فَقَدْ ظَهَرَ وَجْهُ تَصْحِيحِ الْعَشْرِ وَوَجْهُ لُزُومِ ذَبْحِهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَاغْتَنِمْ هَذِهِ الْفَائِدَةَ الْجَلِيلَةَ، الَّتِي هِيَ مِنْ نَتَائِجِ فِكْرَتِي الْعَلِيلَةِ؛ فَإِنِّي لَمْ أَرَهَا فِي كِتَابٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَلِكِ الْوَهَّابِ (قَوْلُهُ غَنَمٌ) الَّذِي فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهَا شَاتَانِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْعِتْقِ إلَخْ) أَيْ لَوْ كَانَ عَبْدَانِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا كَفَّارَتَانِ فَأَعْتَقَاهُمَا عَنْ كَفَارَتَيْهِمَا لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الْأَنْصِبَاءَ تَجْتَمِعُ فِي الشَّاتَيْنِ لَا الرَّقِيقِ بِدَلِيلِ جَرَيَانِ الْجَبْرِ فِي قِسْمَةِ الْغَنَمِ دُونَ الرَّقِيقِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ فَالْأُضْحِيَّةُ كِلَاهُمَا) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ ضَحَّى بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَالْوَاحِدَةُ فَرِيضَةٌ وَالزِّيَادَةُ تَطَوُّعٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَحْمٌ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجُوزُ كِلَاهُمَا اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ الزَّائِدُ لَحْمٌ) أَيْ وَلَا يَصِيرُ أُضْحِيَّةً تَطَوُّعًا خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ إلَخْ) أَيْ الْأَكْثَرُ ثَوَابًا، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ ضَحَّى بِالْكُلِّ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ لَوْ ضَحَّى بِبَدَنَةٍ يَكُونُ الْوَاجِبُ كُلُّهَا لَا سُبُعُهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مُوسِرًا ضَحَّى بِبَدَنَةٍ عَنْ نَفْسِهِ خَاصَّةً كَانَ الْكُلُّ أُضْحِيَّةً وَاجِبَةً عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ قَبْلَهُ بِأَسْطُرٍ لَوْ ضَحَّى الْغَنِيُّ بِشَاتَيْنِ فَالزِّيَادَةُ تَطَوُّعٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ كَانَ الْكُلُّ أُضْحِيَّةً وَاجِبَةً، وَلَا يَحْصُلُ تَكْرَارٌ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَافْهَمْ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ أَنَّ التَّضْحِيَةَ بِشَاتَيْنِ تَحْصُلُ بِفِعْلَيْنِ مُنْفَصِلِينَ وَإِرَاقَةِ دَمَيْنِ فَيَقَعُ الْوَاجِبُ إحْدَاهُمَا فَقَطْ وَالزَّائِدَةُ تَطَوُّعٌ بِخِلَافِ الْبَدَنَةِ فَإِنَّهَا بِفِعْلٍ وَاحِدٍ وَإِرَاقَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَقَعُ كُلُّهَا وَاجِبًا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ فَالْكُلُّ فَرْضٌ) أَيْ عَمَلِيٌّ ح (قَوْلُهُ وَلَا يَأْكُلُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّتِهِ غَيْرَ مُتَعَيِّنَةٍ عَلَيْهِ، حَتَّى جَازَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 333 لَوْ أَيَّامُ النَّحْرِ بَاقِيَةً وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِقِيمَتِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ خَانِيَّةٌ. وَفِيهَا أَرَادَ التَّضْحِيَةَ فَوَضَعَ يَدَهُ مَعَ يَدِ الْقَصَّابِ فِي الذَّبْحِ وَأَعَانَهُ عَلَى الذَّبْحِ سَمَّى كُلٌّ وُجُوبًا، فَلَوْ تَرَكَهَا أَحَدُهُمَا أَوْ ظَنَّ أَنَّ تَسْمِيَةَ أَحَدِهِمَا تَكْفِي حُرِّمَتْ، وَهِيَ تَصْلُحُ لُغْزًا فَيُقَالُ: أَيُّ شَاةٍ لَا تَحِلُّ بِالتَّسْمِيَةِ مَرَّةً بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُسَمَّى عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ؟ وَقَدْ نَظَمَهُ شَيْخُنَا الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فَقَالَ: أَيُّ ذَبْحٍ لَا بُدَّ لِلْحِلِّ فِيهِ ... أَنْ يُثَنَّى بِذِكْرِ ذِي التَّنْزِيهِ فَأَجِبْ عَنْهُ بِالْقَرِيضِ فَإِنَّا ... لَا نَرَاهُ نَثْرًا وَلَا نَرْتَضِيه فَقُلْت فِي الْجَوَابِ: خُذْ جَوَابًا نَظْمًا كَمَا نَبْتَغِيه ... مِنْ فَقِيهٍ يَرْوِيهِ عَنْ فَقِيهِ هِيَ شَاةٌ فِي ذَبْحِهَا اشْتَرَكَ اثْنَانِ ... فَتَكْرَارُ الذِّكْرِ شَرْطٌ كَمَا تَرْوِيهِ ذَاكَ ذَبْحُ قَصَّابِهِ وَضَعَ الْيَدَ ... مَعَ الصَّاحِبِ الَّذِي يَرْتَجِيه فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ ... يَذْكُرَ اللَّهَ جَلَّ عَنْ تَشْبِيهِ وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَشَرْحِهَا قَالَ: وَلَوْ ذَبَحَا شَاةً مَعًا ثُمَّ وَاحِدٌ ... أَخَلَّ بِبَسْمِ اللَّهِ فَالشَّاةُ تُهْجَرُ   [رد المحتار] لَهُ أَنْ يُبَدِّلَهَا بِغَيْرِهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ ط (قَوْلُهُ لَوْ أَيَّامُ النَّحْرِ بَاقِيَةٌ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ لِيَشْتَرِيَ وَمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) بِأَنْ مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ لَا يَشْتَرِي بِالْقِيمَةِ غَيْرَهَا لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ عُهِدَتْ قُرْبَةً فِي أَيَّامِ النَّحْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ خَانِيَّةٌ) وَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَنَظَمَهَا ابْنُ وَهْبَانَ وَابْنُ الشِّحْنَةِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ وَجْهَ عَدَمِ الْأَكْلِ مِنْهَا. وَلَا يُقَالُ إنَّ أَخْذَ قِيمَتِهَا كَبَيْعِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بَدَلُ أُضْحِيَّةٍ إذْ هِيَ مَيْتَةٌ، عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِالدَّرَاهِمِ كَمَا لَوْ بَاعَ لَحْمَ أُضْحِيَّتِهِ كَمَا مَرَّ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مَنْذُورَةٌ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَلَوْ تَرَكَهَا) أَيْ التَّسْمِيَةَ الْمَفْهُومَةَ مِنْ سَمَّى (قَوْلُهُ وَقَدْ نَظَمَهُ شَيْخُنَا إلَخْ) قَدْ نَظَمَهُ أَيْضًا الْمُصَنِّفُ فِي مِنَحِهِ سُؤَالًا وَجَوَابًا لَكِنَّهُ ارْتَكَبَ فِيهِ ضَرُورَاتٍ لَا تُرْتَكَبُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ اخْتِلَالِ النَّظْمِ فِي بَعْضِ الْأَبْيَاتِ (قَوْلُهُ أَنْ يُثَنَّى) مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ نَائِبُ الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ بِالْقَرِيضِ) أَيْ الشِّعْرِ (قَوْلُهُ فَقُلْت فِي الْجَوَابِ إلَخْ) الشَّطْرُ الْأَوَّلُ وَالْبَيْتُ الثَّانِي بِتَمَامِهِ مِنْ نَظْمِ صَاحِبِ الْمِنَحِ، وَالْبَاقِي مِنْ نَظْمِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ نَظْمِهِ السُّؤَالَ السَّابِقَ وَقُلْت فِي الْجَوَابِ: خُذْ جَوَابًا لَا نَقْدَ يُوجَدُ فِيهِ ... مِنْ فَقِيهٍ مَرْوِيِّهِ عَنْ فَقِيهِ ذَاكَ ذَبْحُ قَصَّابِهِ وَضَعَ الْيَدَ ... مَعَ الصَّاحِبِ الَّذِي يَرْتَجِيه (قَوْلُهُ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ إلَخْ) وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الشَّارِحَ لَيْسَ لَهُ مِنْ الْجَوَابِ سِوَى التَّلْفِيقِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامِ شَيْخِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُوَارَدَةِ (قَوْلُهُ هِيَ شَاةٌ إلَخْ) يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ بَيْتٌ آخَرُ وَهُوَ ذَاكَ ذَبْحُ إلَى آخِرِ الْبَيْتِ الْمَارِّ عَنْ الرَّمْلِيِّ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْسَبَ، لِأَنَّ قَوْلَهُ هِيَ شَاةٌ إلَخْ غَيْرُ مَوْزُونٍ، وَلِئَلَّا يُسْتَدْرَكَ قَوْلُهُ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ إلَخْ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْدِ شَيْئًا زَائِدًا عَلَى مَا أَفَادَهُ (قَوْلُهُ هِيَ شَاةٌ إلَخْ) بَلْ لَوْ اقْتَصَرَ الشَّارِحُ فِي الْجَوَابِ عَلَى الْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَأَبْدَلَ قَوْلَهُ شَرْطٌ كَمَا نَرْوِيه الَّذِي اخْتَلَّ بِهِ النَّظْمُ بِقَوْلِهِ شَرْطٌ نَعِيه أَوْ شَرْطٌ فِيهِ لَاسْتَقَامَ الْوَزْنُ وَأَغْنَاهُ عَمَّا بَعْدَهُ، وَكَأَنَّهُ قَصَدَ ذِكْرَ الْجَوَابِ مَرَّتَيْنِ، لِأَنَّ الْبَيْتَ الْأَوَّلَ مَعَ الثَّانِي جَوَابٌ وَالْبَيْتُ الثَّالِثُ الَّذِي فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَعَ الرَّابِعِ جَوَابٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَشَرْحِهَا) لَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ مِنْ نَظْمِ ابْنِ وَهْبَانَ بِلَا تَغْيِيرٍ سِوَى الْبَيْتِ الثَّانِي وَالْأَخِيرِ، وَمَا عَدَاهُمَا تَصَرَّفَ فِيهِ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَأَصْلَحَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 334 وَإِنْ يَشْتَرِي مِنْهَا ثَلَاثًا ثَلَاثَةً ... وَأَشْكَلَ فَالتَّوْكِيلُ بِالذَّبْحِ يُذْكَرُ وَكِيلُ شِرَاءِ الشَّاةِ لِلْعَنْزِ إنْ شَرَى ... يَصِحُّ خِلَافُ الْعَكْسِ وَالْقَوْدُ يُخْسَرُ وَلَوْ قَالَ سَوْدَاء فَغَيْرُ صَحٍّ لَا ... إذَا كَانَ فِي قَرْنَاءَ عَيْنًا يُغَيَّرُ بِثِنْتَيْنِ مِمَّنْ يَنْذُرُ الْعُشْرَ أَلْزَمُوا ... وَتَصْحِيحُ إيجَابِ الْجَمِيعِ مُحَرَّرُ وَعَنْ مَيِّتٍ بِالْأَمْرِ الْزَمْ تَصَدُّقًا ... وَإِلَّا فَكُلْ مِنْهَا وَهَذَا الْمُخْبَرُ وَمِنْ مَالِ طِفْلٍ فَالصَّحِيحُ سُقُوطُهَا ... وَعَنْ أَبِهِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ أَظْهَرُ وَوَاهِبُ شَاةٍ رَاجِعٌ بَعْدَ ذَبْحِهَا ... فَيُجْزِئُ مَنْ ضَحَّى عَلَيْهَا وَيُؤْجَرُ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَإِنْ يَشْتَرِي) بِإِثْبَاتِ حَرْفِ الْعِلَّةِ لِلضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الشَّاةِ أَوْ الْأَضَاحِيِّ (قَوْلُهُ وَأُشْكِلَ) بِأَنْ اخْتَلَطَتْ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ مَا لِكُلٍّ (قَوْلُهُ فَالتَّوْكِيلُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ: يَنْبَغِي أَنْ يُوَكِّلَ كُلُّ وَاحِدٍ أَصْحَابَهُ بِالذَّبْحِ؛ حَتَّى لَوْ ذَبَحَ شَاةَ نَفْسِهِ جَازَ، وَلَوْ ذَبَحَ عَنْ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ جَازَ أَيْضًا اهـ شَارِحٌ (قَوْلُهُ يُذْكَرُ) الَّذِي فِي الْوَهْبَانِيَّةِ يُحْسَرُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَيَجُوزُ فِيهِ الْفَتْحُ وَالضَّمُّ، مِنْ حَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ إذَا كَشَفَ اهـ شَارِحٌ (قَوْلُهُ لِلْعَنْزِ) اللَّامُ لِلتَّقْوِيَةِ وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى مَعْمُولٍ تَقَدَّمَ عَلَى عَامِلِهِ وَهُوَ هُنَا شَرَى، مِثْلُ - {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43]- (قَوْلُهُ يَصِحُّ) لِأَنَّ الشَّاةَ اسْمُ جِنْسٍ يَتَنَاوَلُ الضَّأْنَ وَالْمَعْزَ شَارِحٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ خِلَافُ الْعَكْسِ) أَيْ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَنْزٍ فَاشْتَرَى شَاةً مِنْ الضَّأْنِ لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ شَارِحٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَالْقَوْدُ يُخْسَرُ) أَيْ لَوْ اسْتَأْجَرَ الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ الْأُضْحِيَّةِ مَنْ يَقُودُهَا بِدِرْهَمٍ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ ظَهِيرِيَّةٌ اهـ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ سَوْدَاء) بِالْمَدِّ وَالتَّنْوِينِ لِلضَّرُورَةِ، وَالضَّمِيرُ فِي كَانَ لِلْقَوْلِ، وَقَرْنَاءُ بِالْمَدِّ وَعَيْنَا بِالْقَصْرِ. وَالْأَقْرَنُ: الْعَظِيمُ الْقَرْنِ. وَالْأَعْيَنُ: مَا عَظُمَ سَوَادُ عَيْنَيْهِ فِي سَعَةٍ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ: وَالْبَيْتُ مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ. وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ بَقَرَةٍ سَوْدَاءَ لِلْأُضْحِيَّةٍ فَاشْتَرَى بَيْضَاءَ أَوْ حَمْرَاءَ أَوْ بَلْقَاءَ وَهِيَ الَّتِي اجْتَمَعَ فِيهَا السَّوَادُ وَالْبَيَاضُ لَزِمَ الْآمِرُ وَإِنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ كَبْشٍ أَقْرَنَ أَعْيَنَ لِلْأُضْحِيَّةٍ فَاشْتَرَى أَجَمَّ لَيْسَ أَعْيَنَ لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُرْغَبُ لِلْأُضْحِيَّةِ فَخَالَفَ أَمْرَهُ. قَالَ النَّاظِمُ: يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا أَمَرَهُ بِشِرَاءِ بَيْضَاءَ فَاشْتَرَى سَوْدَاءَ أَنْ لَا يَقَعَ لِلْآمِرِ. قُلْت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ أَسْقَطَ الْكَاتِبُ لَا النَّافِيَةَ مِنْ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ ابْنُ الشِّحْنَةِ يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُ النَّاظِمِ لِأَنَّ لَوْنَ أُضْحِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَبْيَضَ وَلِأَنَّهُ أَحْسَنُ الْأَلْوَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ مَوْلَاةِ وَرَقَةَ بِنْتِ سَعْدٍ أَنَّهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَمُ عَفْرَاءَ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ مِنْ دَمِ سَوْدَاءَ» وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: دَمُ بَيْضَاءَ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ مِنْ دَمِ سَوْدَاءَ اهـ فَالدَّلِيلُ يُخَالِفُ مُدَّعَاهُ بِإِسْقَاطِ لَا النَّافِيَةِ لِأَنَّ الْبَيَاضَ أَزْكَى مِنْ غَيْرِهِ، وَالْعَفْرَاءُ أَزْكَى مِنْ السَّوْدَاءِ فَكَيْفَ يَلْزَمُ بِالْآمِرِ مَعَ الْمُخَالَفَةِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ بِثِنْتَيْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَلْزَمُوا، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ وَعَنْ مَيِّتٍ) أَيْ لَوْ ضَحَّى عَنْ مَيِّتٍ وَارِثُهُ بِأَمْرِهِ أَلْزَمَهُ بِالتَّصَدُّقِ بِهَا وَعَدَمِ الْأَكْلِ مِنْهَا، وَإِنْ تَبَرَّعَ بِهَا عَنْهُ لَهُ الْأَكْلُ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى مِلْكِ الذَّابِحِ وَالثَّوَابُ لِلْمَيِّتِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ عَلَى الذَّابِحِ وَاحِدَةٌ سَقَطَتْ عَنْهُ أُضْحِيَّتُهُ كَمَا فِي الْأَجْنَاسِ. قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: لَكِنْ فِي سُقُوطِ الْأُضْحِيَّةَ عَنْهُ تَأَمُّلٌ اهـ. أَقُولُ: صَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ بِلَا أَمْرٍ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْفَاعِلِ فَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ عَنْهُ وَلِلْآخَرِ الثَّوَابُ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَهَذَا الْمُخَيَّرُ) أَيْ الْمُخْتَارُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ سَابِقًا (قَوْلُهُ وَمِنْ مَالِ طِفْلٍ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ وُجُوبِهَا فِي مَالِ الطِّفْلِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ فِي حَقِّ طِفْلِهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا مَرَّ مَبْسُوطًا، وَقَوْلُهُ وَعَنْ أَبِهِ بِلَا يَاءٍ عَلَى لُغَةِ النَّقْصِ (قَوْلُهُ وَوَاهِبٌ شَاةً إلَخْ) أَيْ لَوْ وَهَبَهُ شَاةً فَضَحَّى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 335 كِتَابُ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ مُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ. وَالْحَظْرُ لُغَةً: الْمَنْعُ وَالْحَبْسُ. وَشَرْعًا: مَا مُنِعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ شَرْعًا، وَالْمَحْظُورُ ضِدُّ الْمُبَاحِ، وَالْمُبَاحُ مَا أُجِيزَ لِلْمُكَلَّفِينَ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ بِلَا اسْتِحْقَاقِ ثَوَابٍ وَعِقَابٍ، نَعَمْ يُحَاسَبُ عَلَيْهِ حِسَابًا يَسِيرًا اخْتِيَارٌ. (كُلُّ مَكْرُوهٍ)   [رد المحتار] بِهَا ثُمَّ رَجَعَ الْوَاهِبُ صَحَّ الرُّجُوعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَجْزَأَتْ الذَّابِحَ شَارِحٌ. [خَاتِمَةٌ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ] 1 [خَاتِمَةٌ] يُسْتَحَبُّ لِمَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ أَنْ يُسَمِّيَهُ يَوْمَ أُسْبُوعِهِ وَيَحْلِقَ رَأْسَهُ وَيَتَصَدَّقَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا ثُمَّ يَعِقُّ عِنْدَ الْحَلْقِ عَقِيقَةً إبَاحَةً عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ، أَوْ تَطَوُّعًا عَلَى مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَهِيَ شَاةٌ تَصْلُحُ لِلْأُضْحِيَّةِ تُذْبَحُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ فَرَّقَ لَحْمَهَا نِيئًا أَوْ طَبَخَهُ بِحُمُوضَةٍ أَوْ بِدُونِهَا مَعَ كَسْرِ عَظْمِهَا أَوْ لَا وَاِتِّخَاذِ دَعْوَةٍ أَوْ لَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَسَنَّهَا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً شَاتَانِ عَنْ الْغُلَامِ وَشَاةٌ عَنْ الْجَارِيَةِ غُرَرُ الْأَفْكَارِ مُلَخَّصًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ] كَذَا تَرْجَمَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالتُّحْفَةِ، وَتَرْجَمَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْهِدَايَةِ بِالْكَرَاهِيَةِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ بِالِاسْتِحْسَانِ، فَإِنَّ مَسَائِلَ هَذَا الْكِتَابِ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ فَلُقِّبَ بِذَلِكَ لِمَا وُجِدَ فِي عَامَّةِ مَسَائِلِهِ مِنْ الْكَرَاهِيَةِ وَالْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَتَرْجَمَ بَعْضُهُمْ بِكِتَابِ الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ لِأَنَّ فِيهِ كَثِيرًا مِنْ الْمَسَائِلِ أَطْلَقَهَا الشَّرْعُ، وَالزُّهْدُ وَالْوَرَعُ تَرْكُهَا، وَفِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ طِلْبَةِ الطَّلَبَةِ: الِاسْتِحْسَانُ اسْتِخْرَاجُ الْمَسَائِلِ الْحِسَانِ وَهُوَ أَشْبَهُ مَا قِيلَ فِيهِ، أَمَّا الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ الْمَذْكُورَانْ فِي جَوَابِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ فَبَيَانُهَا فِي الْأُصُولِ (قَوْلُهُ مُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ مُنَاسَبَتُهَا وَالْأُولَى أَوْلَى، وَهِيَ كَمَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ كَوْنُ عَامَّةِ مَسَائِلِ كُلٍّ مِنْهُ وَمِنْ الْأُضْحِيَّةَ لَمْ تَخْلُ مِنْ أَصْلٍ وَفَرْعٍ تَرِدُ فِيهِ الْكَرَاهَةُ، وَعَلَى تَرْجَمَةِ الْمُصَنِّفِ يُقَالُ يَرِدُ فِيهِ الْحَظْرُ أَوْ الْإِبَاحَةُ، وَلَمَّا ذُكِرَتْ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْأُضْحِيَّةَ وَمَا قَبْلَهَا كَانَتْ الْأُضْحِيَّةَ وَاقِعَةً فِي مَحَلِّهَا، فَلَا يَرِدُ أَنَّ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةَ لَا تُفِيدُ وَجْهَ ذِكْرِ هَذَا الْكِتَابِ عَقِبَ الْأُضْحِيَّةَ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ لَهُ مُنَاسَبَةٌ بِكُلِّ كِتَابٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْحَظْرُ لُغَةً الْمَنْعُ وَالْحَبْسُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 20]- أَيْ مَا كَانَ رِزْقُ رَبِّك مَحْبُوسًا عَنْ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ جَوْهَرَةٌ، وَالْإِبَاحَةُ الْإِطْلَاقُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالْمَصْدَرِ اسْمَ الْمَفْعُولِ، فَلَا يَرِدُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ تَعْرِيفٌ لِلْمَحْظُورِ وَالْمُبَاحِ لَا لِلْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْمَحْظُورُ ضِدُّ الْمُبَاحِ) أَلْ فِي الْمَحْظُورِ لِلْعَهْدِ أَيْ الْمَحْظُورُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ مَا مُنِعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ شَرْعًا ضِدٌّ لِلْمُبَاحِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّ لِلْمُبَاحِ ضِدًّا آخَرَ وَهُوَ الْوَاجِبُ، إذْ لَيْسَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ تَعْرِيفَهُ بِمَا ذَكَرَ لِأَنَّهُ قَدَّمَ تَعْرِيفِهِ كَمَا عَلِمْت. وَبِهِ انْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّهُ تَعْرِيفٌ بِالْأَعَمِّ لِأَنَّهُ كَمَا يَصْدُقُ عَلَى الْمَكْرُوهِ وَالْحَرَامِ يَصْدُقُ عَلَى الْوَاجِبِ. وَلَيْسَ تَعْرِيفُهُ الْخَاصُّ مَا ثَبَتَ حَظْرُهُ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ بَلْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ مَا مُنِعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ شَرْعًا لِيَشْمَلَ مَا ثَبَتَ بِظَنِّيٍّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْمُبَاحُ مَا أُجِيزَ لِلْمُكَلَّفِينَ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ) كَذَا فِي الْمِنَحِ. وَاَلَّذِي فِي الْجَوْهَرَةِ: مَا خُيِّرَ الْمُكَلَّفُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ (قَوْلُهُ بِلَا اسْتِحْقَاقِ) اسْتَحَقَّهُ: اسْتَوْجَبَهُ قَامُوسٌ. وَيُطْلَقُ عَلَى جَزَاءِ الْعَبْدِ مِنْ ثَوَابٍ أَوْ عِقَابٍ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِفَضْلِ اللَّهِ وَعَدْلِهِ (قَوْلُهُ نَعَمْ يُحَاسَبُ عَلَيْهِ حِسَابًا يَسِيرًا) لَا يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ عَذَابٌ، بِدَلِيلِ مَا وَرَدَ «مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ» لِأَنَّ الْمُنَاقَشَةَ الِاسْتِقْصَاءُ فِي الْحِسَابِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ كُلُّ مَكْرُوهٍ) يُقَالُ: كَرِهْت الشَّيْءَ أَكْرَهُهُ كَرَاهَةً الجزء: 6 ¦ الصفحة: 336 أَيْ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ (حَرَامٌ) أَيْ كَالْحَرَامِ فِي الْعُقُوبَةِ بِالنَّارِ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ فَإِلَى الْحِلِّ أَقْرَبُ اتِّفَاقًا (وَعِنْدَهُمَا) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ، وَمِثْلُهُ الْبِدْعَةُ وَالشُّبْهَةُ (إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ) فَالْمَكْرُوهُ تَحْرِيمًا (نِسْبَتُهُ إلَى الْحَرَامِ كَنِسْبَةِ الْوَاجِبِ إلَى الْفَرْضِ) فَيَثْبُتُ بِمَا يَثْبُت بِهِ الْوَاجِبُ يَعْنِي بِظَنِّيِّ الثُّبُوتِ، وَيَأْثَمُ بِارْتِكَابِهِ كَمَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ، وَمِثْلُهُ السُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ. وَفِي الزَّيْلَعِيِّ فِي بَحْثِ حُرْمَةِ الْخَيْلِ: الْقَرِيبُ مِنْ الْحَرَامِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مَحْذُورٌ دُونَ اسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ بِالنَّارِ، بَلْ الْعِتَابِ كَتَرْكِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عُقُوبَةُ النَّارِ، وَلَكِنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحِرْمَانُ عَنْ شَفَاعَةِ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَدِيثِ «مَنْ تَرَكَ سُنَّتِي لَمْ يَنَلْ شَفَاعَتِي» فَتَرْكُ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ قَرِيبٌ مِنْ الْحَرَامِ، وَلَيْسَ بِحَرَامٍ اهـ.   [رد المحتار] وَكَرَاهِيَةً فَهُوَ كَرِيهٌ وَمَكْرُوهٌ صِحَاحٌ. وَالْكَرَاهَةُ: عَدَمُ الرِّضَا. وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ: عَدَمُ الْإِرَادَةِ، فَتَفْسِيرُ الْمُطَرِّزِيُّ لَهَا فِي الْمُغْرِبِ بِعَدَمِ الْإِرَادَةِ مَيْلٌ إلَى مَذْهَبِهِ كَمَا أَفَادَ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ أَيْ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ) ، وَهِيَ الْمُرَادَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا فِي الشَّرْعِ، وَقَيَّدَهُ بِمَا إذَا كَانَ فِي بَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ اهـ بِيرِيّ (قَوْلُهُ حَرَامٌ) أَيْ يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ حَرَامٌ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِدْ فِيهِ نَصَّا قَاطِعًا لَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهِ لَفْظَ الْحَرَامِ اهـ. فَإِذَا وَجَدَ نَصًّا يَقْطَعُ الْقَوْلَ بِالتَّحْرِيمِ أَوْ التَّحْلِيلِ، وَإِلَّا قَالَ فِي الْحِلِّ لَا بَأْسَ وَفِي الْحُرْمَةِ أَكْرَهُ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْ كَالْحَرَامِ إلَخْ) كَذَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ حَرَامًا حَقِيقَةً عِنْدَهُ بَلْ هُوَ شَبِيهٌ بِهِ مِنْ جِهَةِ أَصْلِ الْعُقُوبَةِ فِي النَّارِ وَإِنْ كَانَ عَذَابُهُ دُونَ الْعَذَابِ عَلَى الْحَرَامِ الْقَطْعِيِّ، وَهُوَ خِلَافُ مَا اقْتَضَاهُ ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْخَيْنِ وَتَصْحِيحُ قَوْلِهِمَا، نَعَمْ هُوَ مُوَافِقٌ لِمَا حَقَّقَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ إنَّهُ حَرَامٌ فِيهِ نَوْعٌ مِنْ التَّجَوُّزِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ، وَقَوْلُهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا لَا يُكَفِّرُ جَاحِدَ الْوَاجِبِ وَالْمَكْرُوهِ كَمَا يُكَفِّرُ جَاحِدَ الْفَرْضِ وَالْحَرَامِ فَلَا اخْتِلَافٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى كَمَا يُظَنُّ اهـ وَأَيَّدَهُ شَارِحُهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ بِمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ لِأَبِي حَنِيفَةَ: إذَا قُلْتَ فِي شَيْءٍ أَكْرَهُهُ فَمَا رَأْيُكَ فِيهِ؟ قَالَ التَّحْرِيمُ، وَيَأْتِي فِيهِ أَيْضًا مَا فِي لَفْظِ مُحَمَّدٍ لِلْقَطْعِ أَيْضًا بِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُكَفِّرُ جَاحِدَ الْمَكْرُوهِ اهـ وَعَلَى هَذَا فَالِاخْتِلَافُ فِي مُجَرَّدِ صِحَّةِ الْإِطْلَاقِ، وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ فَإِلَى الْحِلِّ أَقْرَبُ) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ فَاعِلُهُ أَصْلًا، لَكِنْ يُثَابُ تَارِكُهُ أَدْنَى ثَوَابٍ تَلْوِيحٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَلَالِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْحِلِّ الْحُرْمَةُ وَلَا كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ، لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ تَنْزِيهًا كَمَا فِي الْمِنَحِ مَرْجِعُهُ إلَى تَرْكِ الْأَوْلَى. وَالْفَاصِلُ بَيْنَ الْكَرَاهَتَيْنِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْمِنَحِ عَنْ الْجَوَاهِرِ: إنْ كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ الْحُرْمَةَ، فَإِنْ سَقَطَتْ لِعُمُومِ الْبَلْوَى فَتَنْزِيهٌ كَسُؤْرِ الْهِرَّةِ، وَإِلَّا فَتَحْرِيمٌ كَلَحْمِ الْحِمَارِ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْأَصْلِ الْإِبَاحَةَ وَعَرَضَ مَا أَخْرَجَهُ عَنْهَا، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وُجُودُ الْمُحَرِّمِ فَتَحْرِيمٌ كَسُؤْرِ الْبَقَرَةِ الْجَلَّالَةِ وَإِلَّا فَتَنْزِيهٌ كَسُؤْرِ سِبَاعِ الطَّيْرِ (قَوْلُهُ مِثْلُهُ الْبِدْعَةُ وَالشُّبْهَةُ) الَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ الْبِدْعَةَ مُرَادِفَةٌ لِلْمَكْرُوهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشُّبْهَةَ مُرَادِفَةٌ لِلْمَكْرُوهِ عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ نِسْبَتُهُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ، وَقَوْلُهُ فَيَثْبُتُ إلَخْ بَيَانٌ لَهَا لَكِنْ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى ظَنِّيِّ الثُّبُوتِ قُصُورٌ فِي الْعِبَارَةِ. بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَدِلَّةَ السَّمْعِيَّةَ أَرْبَعَةٌ، الْأَوَّلُ قَطْعِيُّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ كَنُصُوصِ الْقُرْآنِ الْمُفَسَّرَةِ أَوْ الْمُحْكَمَةِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ الَّتِي مَفْهُومُهَا قَطْعِيٌّ الثَّانِي قَطْعِيُّ الثُّبُوتِ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ كَالْآيَاتِ الْمُؤَوَّلَةِ الثَّالِثُ عَكْسُهُ كَأَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي مَفْهُومُهَا قَطْعِيٌّ الرَّابِعُ ظَنِّيُّهُمَا كَأَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي مَفْهُومُهَا ظَنِّيٌّ، فَبِالْأَوَّلِ يَثْبُتُ الِافْتِرَاضُ وَالتَّحْرِيمُ، وَبِالثَّانِي وَالثَّالِثِ الْإِيجَابُ وَكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ؛ وَبِالرَّابِعِ تَثْبُتُ السُّنِّيَّةُ وَالِاسْتِحْبَابُ. (قَوْلُهُ وَفِي الزَّيْلَعِيِّ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْمُرَادِ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 337 (الْأَكْلُ) لِلْغِذَاءِ وَالشُّرْبُ لِلْعَطَشِ وَلَوْ مِنْ حَرَامٍ أَوْ مَيْتَةٍ أَوْ مَالٍ غَيْرِهِ وَإِنْ ضَمِنَهُ (فَرْضٌ) يُثَابُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْحَدِيثِ، وَلَكِنْ (مِقْدَارُ مَا يَدْفَعُ) الْإِنْسَانُ (الْهَلَاكَ عَنْ نَفْسِهِ) وَمَأْجُورٌ عَلَيْهِ (وَ) هُوَ مِقْدَارُ مَا (يَتَمَكَّنُ   [رد المحتار] الْإِثْمِ فِي قَوْلِهِ وَيَأْثَمُ بِارْتِكَابِهِ إلَخْ؛ وَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ مُوَافِقٌ لِمَا فِي التَّلْوِيحِ حَيْثُ قَالَ: مَعْنَى الْقُرْبِ إلَى الْحُرْمَةِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَحْذُورٌ دُونَ اسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ بِالنَّارِ؛ وَتَرْكُ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ قَرِيبٌ مِنْ الْحُرْمَةِ يَسْتَحِقُّ حِرْمَانَ الشَّفَاعَةِ اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنْ تَرْكَ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا لِجَعْلِهِ قَرِيبًا مِنْ الْحَرَامِ، وَالْمُرَادُ سُنَنُ الْهُدَى كَالْجَمَاعَةِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَإِنَّ تَارِكَهَا مُضَلَّلٌ مَلُومٌ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ وَالْمُرَادُ التَّرْكُ عَلَى وَجْهِ الْإِصْرَارِ بِلَا عُذْرٍ وَلِذَا يُقَاتِلُ الْمُجْمِعُونَ عَلَى تَرْكِهَا لِأَنَّهَا مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ، فَالْإِصْرَارُ عَلَى تَرْكِهَا اسْتِخْفَافٌ بِالدَّيْنِ فَيُقَاتَلُونَ عَلَى ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَمِنْ هُنَا لَا يَكُونُ قِتَالُهُمْ عَلَيْهَا دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِهَا أَوْ تَمَامُهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ إنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ اسْتِحْقَاقِهِ مَحْذُورًا دُونَ الْعُقُوبَةِ بِالنَّارِ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ آنِفًا وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ مِنْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِالنَّارِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا مَرَّ خَاصٌّ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَكْرُوهَ عِنْدَهُ مِنْ الْحَرَامِ، وَمَا هُنَا عَلَى قَوْلِهِمَا بِأَنَّهُ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ لَفْظِيًّا وَهُوَ خِلَافُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّحْرِيرِ وَلِذَا نَقَلَ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّ حَاصِلَ الْخِلَافِ أَنَّ مُحَمَّدًا جَعَلَهُ حَرَامًا لِعَدَمِ قَاطِعٍ بِالْحِلِّ، وَجَعَلَاهُ حَلَالًا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ وَلِعَدَمِ الْقَاطِعِ بِالْحُرْمَةِ اهـ وَلَا تُنَافِي الْكَرَاهَةُ الْحِلَّ لِمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ خُلْعِ النِّهَايَةِ، كُلٌّ مُبَاحٍ حَلَالٌ بِلَا عَكْسٍ كَالْبَيْعِ عِنْدَ النِّدَاءِ فَإِنَّهُ حَلَالٌ غَيْرُ مُبَاحٍ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ اهـ. وَفِي التَّلْوِيحِ: مَا كَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى فَمَعَ الْمَنْعِ عَنْ الْفِعْلِ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ حَرَامٌ، وَبِظَنِّيٍّ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، وَبِدُونِ مَنْعٍ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا، وَهَذَا عَلَى رَأْيِ مُحَمَّدٍ. وَعَلَى رَأْيِهِمَا مَا تَرْكُهُ أَوْلَى، فَمَعَ الْمَنْعِ حَرَامٌ، وَبِدُونِهِ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا لَوْ إلَى الْحِلِّ أَقْرَبَ؛ وَتَحْرِيمًا لَوْ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبَ اهـ. فَأَفَادَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ فِعْلِهِ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا، وَبِهِ يَظْهَرُ مُسَاوَاتُهُ لِلسُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ عَلَى رَأْيِهِمَا فِي اتِّحَادِ الْجَزَاءِ بِحِرْمَانِ الشَّفَاعَةِ؛ وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الشَّفَاعَةُ بِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ أَوْ بِعَدَمِ دُخُولِ النَّارِ لَا الْخُرُوجِ مِنْهَا، أَوْ حِرْمَانٍ مُؤَقَّتٍ، أَوْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، فَلَا يُنَافِي وُقُوعَهَا. وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أُورِدَ أَنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ فِي الْجُرْمِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» كَمَا ذَكَرَهُ حَسَنٌ جَلَبِي فِي حَوَاشِي التَّلْوِيحِ؛ وَتَمَامُهُ فِي حَوَاشِينَا عَلَى الْمَنَارِ (قَوْلُهُ الْأَكْلُ لِلْغِذَاءِ إلَخْ) وَكَذَا سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَمَا يَدْفَعُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ الشُّرُنْبُلَالِيَّةُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ حَرَامٍ) فَلَوْ خَافَ الْهَلَاكَ عَطَشًا وَعِنْدَهُ خَمْرٌ لَهُ شُرْبُهُ قَدْرَ مَا يَدْفَعُ الْعَطَشَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَدْفَعُهُ بَزَّازِيَّةٌ وَيُقَدَّمُ الْخَمْرُ عَلَى الْبَوْلِ تَتَارْخَانِيَّةٌ؛ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ فِيهِ (قَوْلُهُ أَوْ مَيْتَةٍ) عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ (قَوْلُهُ وَإِنْ ضَمِنَهُ) لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لِلِاضْطِرَارِ لَا تُنَافِي الضَّمَانَ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: خَافَ الْمَوْتَ جُوعًا وَمَعَ رَفِيقِهِ طَعَامٌ أَخَذَ بِالْقِيمَةِ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَسُدُّ جَوْعَتَهُ، وَكَذَا يَأْخُذُ قَدْرَ مَا يَدْفَعُ الْعَطَشَ؛ فَإِنْ امْتَنَعَ قَاتَلَهُ بِلَا سِلَاحٍ؛ فَإِنْ خَافَ الرَّفِيقُ الْمَوْتَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا تَرَكَ لَهُ الْبَعْضَ؛ وَإِنْ قَالَ لَهُ آخَرُ اقْطَعْ يَدِيَ وَكُلْهَا لَا يَحِلُّ، لِأَنَّ لَحْمَ الْإِنْسَانِ لَا يُبَاحُ فِي الِاضْطِرَارِ لِكَرَامَتِهِ (قَوْلُهُ يُثَابُ عَلَيْهِ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الِاخْتِيَارِ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ لَيُؤْجِرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى اللُّقْمَةَ يَرْفَعُهَا الْعَبْدُ إلَى فِيهِ» ، فَإِنْ تَرَكَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ حَتَّى هَلَكَ فَقَدْ عَصَى؛ لِأَنَّ فِيهِ إلْقَاءَ النَّفْسِ إلَى التَّهْلُكَةِ وَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ اهـ بِخِلَافِ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ التَّدَاوِي حَتَّى مَاتَ إذْ لَا يَتَيَقَّنُ بِأَنَّهُ يَشْفِيهِ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى وَشَرْحِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 338 بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ قَائِمًا وَ) مِنْ (صَوْمِهِ) مُفَادُهُ جَوَازُ تَقْلِيلِ الْأَكْلِ بِحَيْثُ يَضْعُفُ عَنْ الْفَرْضِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ. قُلْت: وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ: الْفَرْضُ بِقَدْرِ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْهَلَاكُ وَيُمْكِنُ مَعَهُ الصَّلَاةُ قَائِمًا اهـ فَتَنَبَّهْ. (وَمُبَاحٌ إلَى الشِّبَعِ لِتَزِيدَ قُوَّتُهُ، وَحَرَامٌ) عَبَّرَ فِي الْخَانِيَّةِ بِيُكْرَهُ (وَهُوَ مَا فَوْقَهُ) أَيْ الشِّبَعِ وَهُوَ أَكْلُ طَعَامٍ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ أَفْسَدَ مَعِدَتَهُ، وَكَذَا فِي الشُّرْبِ قُهُسْتَانِيُّ (إلَّا أَنْ يَقْصِدَ قُوَّةَ صَوْمِ الْغَدِ أَوْ لِئَلَّا يَسْتَحِيَ ضَيْفُهُ) أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَلَا تَجُوزُ الرِّيَاضَةُ بِتَقْلِيلِ الْأَكْلِ حَتَّى يَضْعُفَ عَنْ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْوَاعِ الْفَوَاكِهِ وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ. وَاِتِّخَاذُ الْأَطْعِمَةِ سَرَفٌ، وَكَذَا وَضْعُ الْخُبْزِ فَوْقَ الْحَاجَةِ.   [رد المحتار] (قَوْلُهُ مُفَادُهُ إلَخْ) أَيْ مُفَادُ قَوْلِهِ وَمَأْجُورٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ وَبِهِ صَرَّحَ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى فَيُفِيدُ جَوَازَ التَّرْكِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى) هُوَ مَا يَذْكُرُهُ قَرِيبًا حَيْثُ قَالَ: وَلَا تَجُوزُ الرِّيَاضَةُ بِتَقْلِيلِ الْأَكْلِ حَتَّى يَضْعُفَ عَنْ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) تَأْيِيدٌ لِقَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ (قَوْلُهُ فَتَنَبَّهْ) إشَارَةٌ إلَى الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُلْتَقَى أَوَّلًا (قَوْلُهُ وَمُبَاحٌ) أَيْ لَا أَجْرَ وَلَا وِزْرَ فِيهِ، فَيُحَاسَبُ عَلَيْهِ حِسَابًا يَسِيرًا لَوْ مِنْ حِلٍّ، لِمَا جَاءَ: «أَنَّهُ يُحَاسَبُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ إلَّا ثَلَاثًا: خِرْقَةٌ تَسْتُرُ عَوْرَتَك، وَكِسْرَةٌ تَسُدُّ جَوْعَتَك، وَحَجَرٌ يَقِيكَ مِنْ الْحَرِّ وَالْقَرِّ» وَجَاءَ «حَسْبُ ابْنُ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ وَلَا يُلَامُ عَلَى كَفَافٍ» دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ إلَى الشِّبَعِ) بِكَسْرِ الشِّينِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَسُكُونِهَا: مَا يُغَذِّيهِ وَيُقَوِّي بَدَنَهُ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَحَرَامٌ) لِأَنَّهُ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ وَإِمْرَاضٌ لِلنَّفْسِ: وَجَاءَ «مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ الْبَطْنِ، فَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلْمَاءِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ، وَأَطْوَلُ النَّاسِ عَذَابًا أَكْثَرُهُمْ شِبَعًا» دُرٌّ مُنْتَقًى. [تَتِمَّةٌ] قَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ: وَزَادَ بَعْضُهُمْ مَرْتَبَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ مَنْدُوبٌ، وَهُوَ مَا يُعِينُهُ عَلَى تَحْصِيلِ النَّوَافِلِ وَتَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَتَعَلُّمِهِ. وَمَكْرُوهٌ: وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الشِّبَعِ قَلِيلًا وَلَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ وَرُتْبَةُ الْعَابِدِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْأَكْلِ الْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ وَيَنْوِي بِهِ أَنْ يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الْعِبَادَةِ فَيَكُونُ مُطِيعًا، وَلَا يَقْصِدُ بِهِ التَّلَذُّذَ وَالتَّنَعُّمَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّ الْكَافِرِينَ بِأَكْلِهِمْ لِلتَّمَتُّعِ وَالتَّنَعُّمِ. وَقَالَ - {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} [محمد: 12]- وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا، وَتَخْصِيصُ السَّبْعَةِ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّكْثِيرِ، قِيلَ هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُؤْمِنِ وَزُهْدِهِ فِي الدُّنْيَا وَلِلْكَافِرِ وَحِرْصِهِ عَلَيْهَا، فَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ بُلْغَةً وَقُوتًا وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ شَهْوَةً وَحِرْصًا طَلَبًا لِلَّذَّةِ، فَهَذَا يُشْبِعُهُ الْقَلِيلُ وَذَاكَ لَا يُشْبِعُهُ الْكَثِيرُ اهـ. (قَوْلُهُ عَبَّرَ فِي الْخَانِيَّةِ بِيُكْرَهُ) لَعَلَّ الْأَوْجَهَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ إسْرَافٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى - {وَلا تُسْرِفُوا} [الأعراف: 31]- وَهُوَ قَطْعِيُّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَكْلُ طَعَامٍ إلَخْ) عَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى أَشْرِبَةِ الْكَرْمَانِيِّ وَغَيْرِهِ. قَالَ ط وَأَفَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالشِّبَعِ الَّذِي تَحْرُمُ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ مَا يُعَدُّ شِبَعًا شَرْعًا كَمَا إذَا أَكَلَ ثُلُثَ بَطْنِهِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّأْوِيلِ، فَإِنَّهُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إفْسَادُ مَعِدَتِهِ كَيْفَ يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَوْ خَافَ الْمَرَضَ يَحِلُّ لَهُ الْإِفْطَارُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ إفْسَادٌ لَا يَحْصُلُ بِهِ زِيَادَةُ إضْرَارٍ تَأَمَّلْ، وَمَا ذُكِرَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ أَوْ لِئَلَّا يَسْتَحِيَ ضَيْفُهُ) أَيْ الْحَاضِرُ مَعَهُ الْآتِي بَعْدَمَا أَكَلَ قَدْرَ حَاجَتِهِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ) كَمَا إذَا أَكَلَ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ لِيَتَقَايَأَهُ قَالَ الْحَسَنُ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ: رَأَيْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَأْكُلُ أَلْوَانًا مِنْ الطَّعَامِ وَيُكْثِرُ ثُمَّ يَتَقَايَأُ وَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ خَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ عَنْ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ) أَيْ الْمَفْرُوضَةِ قَائِمًا فَلَوْ عَلَى وَجْهٍ لَا يُضْعِفُهُ فَمُبَاحٌ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ) كَيْ لَا تَنْقُصَ دَرَجَتُهُ، وَيَدْخُلَ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى - {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20]- وَالتَّصَدُّقُ بِالْفَضْلِ أَفْضَلُ تَكْثِيرًا لِلْحَسَنَاتِ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَاِتِّخَاذُ الْأَطْعِمَةِ سَرَفٌ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 339 وَسُنَّةُ الْأَكْلِ الْبَسْمَلَةُ أَوَّلَهُ وَالْحَمْدُ لَهُ آخِرَهُ، وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، وَيُبْدَأُ بِالشَّبَابِ قَبْلَهُ وَبِالشُّيُوخِ بَعْدَهُ مُلْتَقًى (وَكُرِهَ لَحْمُ الْأَتَانِ) أَيْ الْحِمَارَةِ الْأَهْلِيَّةِ خِلَافًا لِمَالِكٍ (وَلَبَنُهَا وَ) لَبَنُ (الْجَلَّالَةِ) الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ (وَ) لَبَنُ (الرَّمَكَةِ) أَيْ الْفَرَسِ وَبَوْلُ الْإِبِلِ، وَأَجَازَهُ أَبُو يُوسُفَ لِلتَّدَاوِي (وَ) كُرِهَ (لَحْمُهُمَا) أَيْ لَحْمُ الْجَلَّالَةِ وَالرَّمَكَةِ، وَتُحْبَسُ الْجَلَّالَةُ حَتَّى يَذْهَبَ نَتَنُ لَحْمِهَا. وَقُدِّرَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِدَجَاجَةٍ وَأَرْبَعَةٍ لِشَاةٍ، وَعَشَرَةٍ لِإِبِلٍ وَبَقَرٍ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَلَوْ أَكَلَتْ النَّجَاسَةَ وَغَيْرَهَا بِحَيْثُ لَمْ يَنْتُنْ لَحْمُهَا   [رد المحتار] إلَّا إذَا قَصَدَ قُوَّةَ الطَّاعَةِ أَوْ دَعْوَةَ الْأَضْيَافِ قَوْمًا بَعْدَ قَوْمٍ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَسُنَّةُ الْأَكْلِ إلَخْ) فَإِنْ نَسِيَ الْبَسْمَلَةَ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ عَلَى أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ اخْتِيَارٌ، وَإِذَا قُلْتَ بِسْمِ اللَّهِ فَارْفَعْ صَوْتَك حَتَّى تُلَقِّنَ مَنْ مَعَك، وَلَا يَرْفَعُ بِالْحَمْدِ إلَّا أَنْ يَكُونُوا فَرَغُوا مِنْ الْأَكْلِ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَإِنَّمَا يُسَمِّي إذَا كَانَ الطَّعَامُ حَلَالًا وَيَحْمَدُ فِي آخِرِهِ كَيْفَمَا كَانَ قُنْيَةٌ ط. (قَوْلُهُ وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَهُ) لِنَفْيِ الْفَقْرِ وَلَا يَمْسَحُ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ لِيَبْقَى أَثَرُ الْغَسْلِ وَبَعْدَهُ لِنَفْيِ اللَّمَمِ وَيَمْسَحُهَا لِيَزُولَ أَثَرُ الطَّعَامِ، وَجَاءَ أَنَّهُ بَرَكَةُ الطَّعَامِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ بِدَقِيقٍ، وَهَلْ غَسْلُ فَمِهِ لِلْأَكْلِ سُنَّةٌ كَغَسْلِ يَدِهِ، الْجَوَابُ لَا لَكِنْ يُكْرَهُ لِلْجُنُبِ قَبْلَهُ، بِخِلَافِ الْحَائِضِ دُرٌّ مُنْتَقًى، وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ وَيَبْدَأُ) أَيْ فِي الْغَسْلِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ بِالشَّبَابِ قَبْلَهُ) لِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ أَكْلًا وَالشُّيُوخُ أَقَلُّ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَبِالشُّيُوخِ بَعْدَهُ) لِحَدِيثِ «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا» وَهَذَا مِنْ التَّوْقِيرِ ط. [تَتِمَّةٌ] يُكْرَهُ وَضْعُ الْمَمْلَحَةِ وَالْقَصْعَةِ عَلَى الْخُبْزِ وَمَسْحُ الْيَدِ أَوْ السِّكِّينِ بِهِ وَلَا يُعَلِّقُهُ بِالْخِوَانِ، وَلَا بَأْسَ بِالْأَكْلِ مُتَّكِئًا أَوْ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ فِي الْمُخْتَارِ، وَمِنْ الْإِسْرَافِ أَنْ يَأْكُلَ وَسَطَ الْخُبْزِ وَيَدَعَ حَوَاشِيَهُ أَوْ يَأْكُلَ مَا انْتَفَخَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ يَأْكُلُ مَا تَرَكَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا لَوْ اخْتَارَ رَغِيفًا دُونَ رَغِيفٍ. وَمِنْ إكْرَامِ الْخُبْزِ أَنْ لَا يَنْتَظِرَ الْإِدَامَ إذَا حَضَرَ، وَأَنْ لَا يَتْرُكَ لُقْمَةً سَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ فَإِنَّهُ إسْرَافٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَبْتَدِئَ بِهَا. وَمِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ وَسَطِ الْقَصْعَةِ فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ فِي وَسَطِهَا، وَأَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ طَبَقٍ فِيهِ أَلْوَانُ الثِّمَارِ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ لِأَنَّهُ أَلْوَانٌ؛ بِكُلِّ ذَلِكَ وَرَدَ الْآثَارُ، وَيَبْسُطُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى، وَلَا يَأْكُلُ الطَّعَامَ حَارًّا وَلَا يَشُمُّهُ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ النَّفْخُ فِي الطَّعَامِ إلَّا بِمَا لَهُ صَوْتٌ نَحْوَ أُفٍّ وَهُوَ مَحْمَلُ النَّهْيِ. وَيُكْرَهُ السُّكُوتُ حَالَةَ الْأَكْلِ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْمَجُوسِ وَيَتَكَلَّمُ بِالْمَعْرُوفِ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَكَلَ مِنْ قَصْعَةٍ ثُمَّ لَحِسَهَا تَقُولُ لَهُ الْقَصْعَةُ أَعْتَقَك اللَّهُ مِنْ النَّارِ كَمَا أَعْتَقْتنِي مِنْ الشَّيْطَانِ» وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ «اسْتَغْفَرَتْ لَهُ الْقَصْعَةُ» " وَمِنْ السُّنَّةِ الْبُدَاءَةُ بِالْمِلْحِ وَالْخَتْمُ بِهِ بَلْ فِيهِ شِفَاءٌ مِنْ سَبْعِينَ دَاءً، وَلَعْقُ الْقَصْعَةِ وَكَذَا الْأَصَابِعُ قَبْلَ مَسْحِهَا بِالْمِنْدِيلِ وَتَمَامُهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ (قَوْلُهُ الْأَهْلِيَّةُ) بِخِلَافِ الْوَحْشِيَّةِ فَإِنَّهَا وَلَبَنَهَا حَلَالَانِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ) وَلِلْخِلَافِ لَمْ يَقُلْ حَرُمَ مِنَحٌ أَيْ فَإِنَّهُ دَلِيلُ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ (قَوْلُهُ وَلَبَنُهَا) لِتَوَلُّدِهِ مِنْ اللَّحْمِ فَصَارَ مِثْلَهُ مِنَحٌ (قَوْلُهُ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ) أَيْ فَقَطْ حَتَّى أَنْتَنَ لَحْمُهَا قَالَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: وَفِي الْمُنْتَقَى: الْجَلَّالَةُ الْمَكْرُوهَةُ الَّتِي إذَا قَرُبَتْ وَجَدْت مِنْهَا رَائِحَةً فَلَا تُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ لَبَنُهَا. وَلَا يُعْمَلُ عَلَيْهَا وَتِلْكَ حَالُهَا وَيُكْرَهُ بَيْعُهَا وَهِبَتُهَا وَتِلْكَ حَالُهَا، وَذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ أَنَّ عَرَقَهَا نَجِسٌ اهـ وَقَدَّمْنَاهُ فِي الذَّبَائِحِ (قَوْلُهُ وَلَبَنُ الرَّمَكَةِ) قَدَّمَ فِي الذَّبَائِحِ عَنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى الْأَوْجَهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شُرْبِهِ تَقْلِيلُ آلَةِ الْجِهَادِ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْإِمَامَ رَجَعَ إلَى قَوْلِ صَاحِبَيْهِ بِأَنَّ أَكْلَ لَحْمِهَا مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا (قَوْلُهُ وَأَجَازَهُ أَبُو يُوسُفَ لِلتَّدَاوِي) فِي الْهِنْدِيَّةِ وَقَالَا: لَا بَأْسَ بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ وَلَحْمِ الْفَرَسِ لِلتَّدَاوِي كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ ط. قُلْت: وَفِي الْخَانِيَّةِ أَدْخَلَ مَرَارَةً فِي أُصْبُعِهِ لِلتَّدَاوِي رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَرَاهَتُهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَدَمُهَا، وَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي شُرْبِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ) قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 340 حَلَّتْ كَمَا حَلَّ أَكْلُ جَدْيٍ غُذِّيَ بِلَبَنِ خِنْزِيرٍ لِأَنَّ لَحْمَهُ لَا يَتَغَيَّرُ، وَمَا غُذِّيَ بِهِ يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ. (وَلَوْ سُقِيَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ خَمْرًا فَذُبِحَ مِنْ سَاعَتِهِ حَلَّ أَكْلُهُ وَيُكْرَهُ) زَيْلَعِيٌّ وَصَيْدٌ وَشَرْحٌ وَوَهْبَانِيَّةٌ. (وَ) كُرِهَ (الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالِادِّهَانُ وَالتَّطَيُّبُ مِنْ إنَاءِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ) لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ (وَكَذَا) يُكْرَهُ (الْأَكْلُ بِمِلْعَقَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالِاكْتِحَالُ بِمَيْلِهِمَا) وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ كَمُكْحُلَةٍ وَمِرْآةٍ وَقَلَمٍ وَدَوَاةٍ وَنَحْوِهَا؛ يَعْنِي إذَا اُسْتُعْمِلَتْ ابْتِدَاءً فِيمَا صُنِعَتْ لَهُ بِحَسَبِ مُتَعَارَفِ النَّاسِ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ حَتَّى لَوْ نَقَلَ الطَّعَامَ مِنْ إنَاءِ الذَّهَبِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ أَوْ صَبَّ الْمَاءَ أَوْ الدُّهْنَ فِي كَفِّهِ لَا عَلَى رَأْسِهِ ابْتِدَاءً ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ لَا بَأْسَ بِهِ مُجْتَبًى وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مَا حَرَّرَهُ فِي الدُّرَرِ فَلْيُحْفَظْ   [رد المحتار] فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ التَّجْنِيسِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ عَلَى الظَّاهِرِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ طَهَارَتَهُمْ تَحْصُلُ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي الَّتِي لَا تَأْكُلُ إلَّا الْجِيَفَ؛ وَلَكِنَّهُ جَعَلَ التَّقْدِيرَ فِي الْإِبِلِ بِشَهْرٍ، وَفِي الْبَقَرِ بِعِشْرِينَ، وَفِي الشَّاةِ بِعَشَرَةٍ، وَقَالَ: قَالَ السَّرَخْسِيُّ: الْأَصَحُّ عَدَمُ التَّقْدِيرِ، وَتُحْبَسُ حَتَّى تَزُولَ الرَّائِحَةُ الْمُنْتِنَةُ اهـ (قَوْلُهُ حَلَّتْ) وَعَنْ هَذَا قَالُوا: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الدَّجَاجِ لِأَنَّهُ يُخْلَطُ وَلَا يَتَغَيَّرُ لَحْمُهُ. وَرُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَأْكُلُ الدَّجَاجَ» وَمَا رُوِيَ أَنَّ الدَّجَاجَةَ تُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تُذْبَحُ فَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ لَحْمَهُ لَا يَتَغَيَّرُ إلَخْ) كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ النَّتَنُ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ، وَأَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ قَالَ: مَعْنَاهُ إذَا اُعْتُلِفَ أَيَّامًا بَعْدَ ذَلِكَ كَالْجَلَّالَةِ، وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْقُنْيَةِ رَاقِمًا أَنَّهُ يَحِلُّ إذَا ذُبِحَ بَعْدَ أَيَّامٍ وَإِلَّا لَا. [فَرْعٌ] فِي أَبِي السُّعُودِ: الزُّرُوعُ الْمَسْقِيَّةُ بِالنَّجَاسَاتِ لَا تَحْرُمُ وَلَا تُكْرَهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ (قَوْلُهُ حَلَّ أَكْلُهُ وَيُكْرَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ، وَعَلَيْهِ يُنْظَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَلَّالَةِ الَّتِي تَأْكُلُ النَّجَاسَةَ وَغَيْرَهَا وَالْجَدْيِ (قَوْلُهُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَالنِّسَاءُ فِيمَا سِوَى الْحُلِيِّ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالِادِّهَانِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْعُقُودِ بِمَنْزِلَةِ الرِّجَالِ، وَلَا بَأْسَ لَهُنَّ بِلُبْسِ الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ وَالْفِضَّةِ وَاللُّؤْلُؤِ اهـ (قَوْلُهُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ) هُوَ مَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا تَلْبِسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ، وَأَحَادِيثُ أُخَرُ سَاقَهَا الزَّيْلَعِيُّ؛ ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الشُّرْبِ وَالْأَكْلِ فَكَذَا فِي التَّطَيُّبِ وَغَيْرٍ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ (قَوْلُهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إلَخْ) وَمِنْهُ الْخِوَانُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْوُضُوءُ مِنْ طَسْتٍ أَوْ إبْرِيقٍ مِنْهُمَا، وَالِاسْتِجْمَارُ بِمِجْمَرَةٍ مِنْهُمَا، وَالْجُلُوسُ عَلَى كُرْسِيٍّ مِنْهُمَا، وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَمِرْآةٍ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا بَأْسَ بِحَلْقَةِ الْمِرْآةِ مِنْ الْفِضَّةِ إذَا كَانَتْ الْمِرْآةُ حَدِيدًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا خَيْرَ فِيهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ يَعْنِي إلَخْ) هَذِهِ الْعِنَايَةُ مِنْ صَاحِبِ الدُّرَرِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهَا. وَأَمَّا عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ فَمِنْ قَوْلِهِ لَوْ نَقَلَ الطَّعَامَ إلَخْ (قَوْلُهُ مُجْتَبًى وَغَيْرِهِ) كَالنِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ، فَقَدْ نَقَلَا عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِصَاحِبِ الذَّخِيرَةِ مَا نَصُّهُ: قِيلَ صُورَةُ الِادِّهَانِ أَنْ يَأْخُذَ آنِيَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيَصُبَّ الدُّهْنَ عَلَى الرَّأْسِ، أَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا وَأَخَذَ الدُّهْنَ ثُمَّ صَبَّهُ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ الْيَدِ فَلَا يُكْرَهُ اهـ. زَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَكَذَا أَخْذُ الطَّعَامِ مِنْ الْقَصْعَةِ وَوَضْعُهُ عَلَى خُبْزٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ثُمَّ أَكَلَ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ. قَالَ فِي الدُّرَرِ: وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُكْرَهَ إذَا أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِمِلْعَقَةٍ ثُمَّ أَكَلَهُ مِنْهَا، وَكَذَا لَوْ أَخَذَهُ بِيَدِهِ وَأَكَلَهُ مِنْهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْرَهَ، ثُمَّ قِيلَ: وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُفْتَى بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ لِئَلَّا يَنْفَتِحَ بَابُ اسْتِعْمَالِهَا اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا حَرَّرَهُ فِي الدُّرَرِ) حَيْثُ أَجَابَ عَنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ بِمَا أَشَارَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 341 وَاسْتَثْنَى الْقُهُسْتَانِيُّ وَغَيْرُهُ اسْتِعْمَالَ الْبَيْضَةِ وَالْجَوْشَنِ وَالسَّاعِدَانِ مِنْهُمَا فِي الْحَرْبِ لِلضَّرُورَةِ وَهَذَا فِيمَا يَرْجِعُ لِلْبَدَنِ وَأَمَّا لِغَيْرِهِ تَجَمُّلًا بِأَوَانٍ مُتَّخَذَةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَسَرِيرٌ كَذَلِكَ وَفُرُشٌ عَلَيْهِ مِنْ دِيبَاجٍ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ بَلْ فَعَلَهُ السَّلَفُ خُلَاصَةٌ حَتَّى أَبَاحَ أَبُو حَنِيفَةَ تَوَسُّدَ الدِّيبَاجِ وَالنَّوْمَ عَلَيْهِ   [رد المحتار] إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الِاسْتِعْمَالُ فِيمَا صُنِعَتْ لَهُ فِي مُتَعَارَفِ النَّاسِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي الْعَزْمِيَّةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْوَانِيِّ وَنُوحٍ أَفَنْدِي وَغَيْرِهِمَا عَدَمُ تَسْلِيمِهِ، وَكَذَا قَالَ الرَّمْلِيُّ: إنَّ نَقْلَ الطَّعَامِ مِنْهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ اسْتِعْمَالٌ لَهَا ابْتِدَاءً وَأَخْذُ الدُّهْنِ بِالْيَدِ ثُمَّ صَبُّهُ عَلَى الرَّأْسِ اسْتِعْمَالٌ مُتَعَارَفٌ اهـ. وَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقِ: إنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الدُّرَرِ مِنْ إنَاطَةِ الْحُرْمَةِ بِالِاسْتِعْمَالِ فِيمَا صُنِعَتْ لَهُ عُرْفًا فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ شَرِبَ أَوْ اغْتَسَلَ بِآنِيَةِ الدُّهْنِ أَوْ الطَّعَامِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ اسْتِعْمَالٌ بِلَا شُبْهَةٍ دَاخِلٌ تَحْتَ إطْلَاقِ الْمُتُونِ، وَالْأَدِلَّةِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي تَقْرِيرِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا مَرَّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ وَضْعَ الدُّهْنِ أَوْ الطَّعَامِ مَثَلًا فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ الْمُحَرَّرِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهُ قَطْعًا ثُمَّ بَعْدَ وَضْعِهِ إذَا تُرِكَ فِيهِ بِلَا انْتِفَاعٍ لَزِمَ إضَاعَةُ الْمَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَنَاوُلِهِ مِنْهُ ضَرُورَةً، فَإِذَا قَصَدَ الْمُتَنَاوِلُ نَقْلَهُ مِنْ ذَلِكَ الْإِنَاءِ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ لَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعْمَالِ، بَلْ لِيَسْتَعْمِلَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْآخَرِ كَمَا إذَا نَقَلَ الدُّهْنَ إلَى كَفِّهِ ثُمَّ دَهَنَ بِهِ رَأْسَهُ أَوْ نَقَلَ الطَّعَامَ إلَى الْخُبْزِ أَوْ إلَى إنَاءٍ آخَرَ وَاسْتَعْمَلَهُ مِنْهُ لَا يُسَمَّى مُسْتَعْمِلًا آنِيَةَ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ لَا شَرْعًا وَلَا عُرْفًا، بِخِلَافِ مَا إذَا تَنَاوَلَ مِنْهُ ابْتِدَاءً عَلَى قَصْدِ الِادِّهَانِ أَوْ الْأَكْلِ، فَإِنَّهُ اسْتِعْمَالٌ سَوَاءٌ تَنَاوَلَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِمِلْعَقَةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ كَأَخْذِ الْكُحْلِ بِالْمِيلِ، وَسَوَاءٌ اسْتَعْمَلَهُ فِيمَا صُنِعَ لَهُ عُرْفًا أَوْ لَا. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِأَخْذِ الدُّهْنِ صَبَّهُ فِي الْكَفِّ، لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ مُتَعَارَفٌ بَلْ الْمُرَادُ تَنَاوُلُهُ بِالْيَدِ مِنْ فَمِ الْمُدْهِنِ، لِيَكُونَ تَنَاوُلًا عَلَى قَصْدِ النَّقْلِ، دُونَ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا مَرَّ عَنْ النِّهَايَةِ، فَلَا يُنَافِي مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُدْهِنَ رَأْسَهُ بِمُدْهِنِ فِضَّةٍ وَكَذَا إنْ صَبَّهُ عَلَى رَاحَتِهِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ اهـ وَمِنْهُ يَظْهَرُ حُكْمُ الِادِّهَانِ مِنْ قُمْقُمِ مَاءِ الْوَرْدِ فَإِنَّهُ تَارَةً يُرَشُّ مِنْهُ عَلَى الْوَجْهِ ابْتِدَاءً، وَتَارَةً بِوَاسِطَةِ الصَّبِّ فِي الْكَفِّ، فَكِلَاهُمَا اسْتِعْمَالٌ عُرْفًا وَشَرْعًا خِلَافًا لِمَا يَزْعُمُهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي زَمَانِنَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَبَّ فِي الْكَفِّ لَا يَكُونُ اسْتِعْمَالًا اغْتِرَارًا بِظَاهِرِ كَلَامِ الشَّارِحِ فَقَدْ أَسْمَعْنَاك التَّصْرِيحَ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة، بِخِلَافِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَفَادَ ط حُرْمَةَ اسْتِعْمَالِ ظُرُوفِ فَنَاجِينِ الْقَهْوَةِ وَالسَّاعَاتِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَسَنَذْكُرُهُ عَنْهُ بَعْدُ (قَوْلِهِ وَاسْتَثْنَى الْقُهُسْتَانِيُّ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالُوا هَذَا قَوْلُهُمَا لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُ فَكَذَا الذَّهَبُ، ثُمَّ إنَّهُمَا فَرَّقَا بَيْنَ الْجَوْشَنِ وَالْبَيْضَةِ مِنْ الذَّهَبِ، وَبَيْنَ حَلَبَةِ السَّيْفِ مِنْهُ بِأَنَّ السَّهْمَ يَزْلُقُ عَلَى الذَّهَبِ، وَأَمَّا الْحِلْيَةُ لَا تَنْفَعُ شَيْئًا وَإِنَّمَا هِيَ لِلزِّينَةِ فَتُكْرَهُ اهـ (قَوْلُهُ الْبَيْضَةُ) هِيَ طَاسَةُ الدِّرْعِ الَّتِي تُلْبَسُ عَلَى الرَّأْسِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْبَيْضَةُ بَيْضَةُ النَّعَامَةِ، وَكُلِّ طَائِرٍ اُسْتُعِيرَتْ لِبَيْضَةِ الْحَدِيدِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الشَّبَهِ الشَّكْلِيِّ اهـ وَتُسَمَّى الْمِغْفَرَ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْمِغْفَرُ مَا يُلْبَسُ تَحْتَ الْبَيْضَةِ وَالْبَيْضَةُ أَيْضًا اهـ. (قَوْلُهُ وَالْجَوْشَنُ) هُوَ الدِّرْعُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَالسَّاعِدَانِ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْأَحْسَنُ وَالسَّاعِدَيْنِ بِالْجَرِّ، وَذَكَرَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَلَعَلَّهُ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْجَوْشَنِ، لِأَنَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَضَعُهُ الْقَاتِلُ عَلَى سَاعِدَيْهِ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَهَذَا فِيمَا يَرْجِعُ لِلْبَدَنِ) يَعْنِي أَنَّ تَحْرِيمَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِيمَا يَرْجِعُ اسْتِعْمَالُهُ إلَى الْبَدَنِ: أَيْ فِيمَا يُسْتَعْمَلُ بِهِ لُبْسًا أَوْ أَكْلًا أَوْ كِتَابَةً، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ فِيمَا يَرْجِعُ نَفْعُهُ إلَى الْبَدَنِ، لَكِنْ لَا يَشْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْقَلَمِ وَالدَّوَاةِ، وَالْأَحْسَنُ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الِاسْتِعْمَالِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ الْأَوَانِي مِنْهُمَا لِلتَّجَمُّلِ (قَوْلُهُ تَجَمُّلًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ أَصْلًا (قَوْلُهُ بَلْ فَعَلَهُ السَّلَفُ) هَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْخُلَاصَةِ بَلْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْله حَتَّى أَبَاحَ إلَخْ) لِمَا كَانَ كَلَامُهُ الْآنَ فِي الِاتِّخَاذِ بِدُونِ اسْتِعْمَالٍ وَذَكَرَ اتِّخَاذَ الدِّيبَاجِ أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 342 كَمَا يَأْتِي وَيُكْرَهُ الْأَكْلُ فِي نُحَاسٍ أَوْ صُفْرٍ وَالْأَفْضَلُ الْخَزَفُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اتَّخَذَ أَوَانِي بَيْتِهِ خَزَفًا زَارَتْهُ الْمَلَائِكَةُ» اخْتِيَارٌ. (لَا) يُكْرَهُ مَا ذَكَرَ (مِنْ) إنَاءِ (رَصَاصٍ وَزُجَاجٍ وَبَلُّورٍ وَعَقِيقٍ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَحَلَّ الشُّرْبُ مِنْ إنَاءٍ مُفَضَّضٍ) أَيْ مُزَوَّقٍ بِالْفِضَّةِ (وَالرُّكُوبُ عَلَى سَرْجٍ مُفَضَّضٍ وَالْجُلُوسُ عَلَى كُرْسِيٍّ مُفَضَّضٍ) وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ (يُتَّقَى) أَيْ يُجْتَنَبَ (مَوْضِعُ الْفِضَّةِ) بِفَمٍ قِيلَ وَيَدٍ وَجُلُوسِ سَرْجٍ وَنَحْوِهِ   [رد المحتار] تَوَسُّدُهُ وَالنَّوْمُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ كَمَا يَأْتِي) أَيْ فِي فَصْلِ اللُّبْسِ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ الْأَكْلُ فِي نُحَاسٍ أَوْ صُفْرٍ) عَزَاهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى إلَى الْمُفِيدِ وَالشِّرْعَةِ وَالصُّفْرُ مِثْلُ قُفْلٍ وَكَسْرُ الصَّادِ لُغَةً النُّحَاسُ، وَقِيلَ أَجْوَدُهُ مِصْبَاحٌ وَفِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ هُوَ شَيْءٌ مُرَكَّبٌ مِنْ الْمَعْدِنِيَّاتِ كَالنُّحَاسِ وَالْأَشْرُبِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ اهـ. ثُمَّ قَيَّدَ النُّحَاسَ بِالْغَيْرِ الْمَطْلِيِّ بِالرَّصَاصِ وَهَكَذَا قَالَ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ: أَيْ قَبْلَ طَلْيِهِ بِالْقَصْدِيرِ وَالذَّهَبِ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ الصَّدَأَ فِي الطَّعَامِ فَيُورِثُ ضَرَرًا عَظِيمًا وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا اهـ. أَقُولُ: وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الِاخْتِيَارِ وَاِتِّخَاذُهَا مِنْ الْخَزَفِ أَفْضَلُ إذْ لَا سَرَفَ فِيهِ وَلَا مَخْيَلَةَ. وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ اتَّخَذَ أَوَانِيَ بَيْتِهِ خَزَفًا زَارَتْهُ الْمَلَائِكَةُ» وَيَجُوزُ اتِّخَاذُهَا مِنْ نُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ اهـ وَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَأَمَّا الْآنِيَةُ مِنْ غَيْرِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فَلَا بَأْسَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِيهَا، وَالِانْتِفَاعِ بِهَا كَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْخَشَبِ وَالطِّينِ اهـ فَتَنَبَّهْ وَالْخَزَفُ بِالزَّايِ مُحَرَّكَةٌ الْجَرُّ وَكُلُّ مَا عُمِلَ مِنْ طِينٍ وَشُوِيَ بِالنَّارِ حَتَّى يَكُونَ فَخَّارًا قَامُوسٌ. (قَوْلُهُ مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالِادِّهَانِ وَالتَّطَيُّبِ (قَوْلُهُ رَصَاصٌ) بِالْفَتْحِ كَسَحَابٍ وَلَا يُكْسَرُ وَزُجَاجٍ مُثَلَّثُ الزَّايِ وَبَلُّورٍ كَتَنُّورٍ وَسِنَّوْرٍ وَسِبَطْرٍ جَوْهَرٌ مَعْرُوفٌ وَالْعَقِيقُ كَأَمِيرٍ خَرَزٌ أَحْمَرُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ مُفَضَّضٍ) وَفِي حُكْمِهِ الْمُذَهَّبُ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْ مُزَوَّقٍ بِفِضَّةٍ) كَذَا فِي الْمِنَحِ وَفَسَّرَهُ الشُّمُنِّيُّ بِالْمُرَصَّعِ بِهَا ط وَيُقَالُ لِكُلِّ مُنَقَّشٍ وَمُزَيَّنٍ مُزَوَّقٌ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ بِفَمٍ) فَيَضَعُ فَمَهُ عَلَى الْخَشَبِ وَإِنْ كَانَ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْفِضَّةِ حَالَ التَّنَاوُلِ ط (قَوْلُهُ قِيلَ وَيَدٍ) كَذَا عَبَّرَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالِاخْتِيَارِ وَالتَّبْيِينِ وَغَيْرِهَا فَأَفَادَ ضَعْفَ مَا فِي الدُّرَرِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ وَجُلُوسِ سَرْجٍ) عَطْفٌ عَلَى الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ بِفَمٍ لَا عَلَى يَدٍ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: بِأَنْ يَجْتَنِبَ فِي الْمُصْحَفِ وَنَحْوِهِ مَوْضِعَ الْأَخْذِ وَفِي السَّرْجِ وَنَحْوِهِ مَوْضِعَ الْجُلُوسِ وَفِي الرِّكَابِ مَوْضِعَ الرِّجْلِ وَفِي الْإِنَاءِ مَوْضِعَ الْفَمِ وَقِيلَ وَمَوْضِعَ الْأَخْذِ أَيْضًا اهـ وَنَحْوُهُ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ، وَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّهُ يَجْتَنِبُ فِي النَّصْلِ وَالْقَبْضَةِ وَاللِّجَامِ مَوْضِعَ الْيَدِ. فَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمُرَادَ الِاتِّقَاءُ بِالْعُضْوِ الَّذِي يُقْصَدُ الِاسْتِعْمَالُ بِهِ، فَفِي الشُّرْبِ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ الِاسْتِعْمَالَ بِالْفَمِ اُعْتُبِرَ الِاتِّقَاءُ بِهِ دُونَ الْيَدِ وَلِذَا لَوْ حَمَلَ الرِّكَابَ بِيَدِهِ مِنْ مَوْضِعِ الْفِضَّةِ لَا يَحْرُمُ، فَلَيْسَ الْمَدَارُ عَلَى الْفَمِ إذْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِنَا مُتَّقِيًا فِي السَّرْجِ وَالْكُرْسِيِّ مَوْضِعَ الْفَمِ فَافْهَمْ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُفَضَّضِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي كُلُّهُ فِضَّةٌ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَوْ بِلَامِسٍ بِالْجَسَدِ، وَلِذَا حَرُمَ إيقَادُ الْعُودِ فِي مِجْمَرَةِ الْفِضَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَمِثْلُهُ بِالْأَوْلَى ظَرْفُ فِنْجَانِ الْقَهْوَةِ وَالسَّاعَةِ وَقُدْرَةُ التُّنْبَاكِ الَّتِي يُوضَعُ فِيهَا الْمَاءُ وَإِنْ كَانَ لَا يَمَسُّهَا بِيَدِهِ وَلَا بِفَمِهِ، لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ فِيمَا صُنِعَتْ لَهُ بِخِلَافِ الْقَصَبِ الَّذِي يُلَفُّ عَلَى طَرَفِ قَصَبَةِ التُّتْن فَإِنَّهُ تَزْوِيقٌ فَهُوَ مِنْ الْمُفَضَّضِ فَيُعْتَبَرُ اتِّقَاؤُهُ بِالْيَدِ وَالْفَمِ وَلَا يُشْبِهُ ذَلِكَ مَا يَكُونُ كُلُّهُ فِضَّةً كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَالَ ط: وَقَدْ تَجَرَّأَ جَمَاعَةٌ عَلَى الشَّرْعِ فَقَالُوا بِإِبَاحَةِ اسْتِعْمَالِ نَحْوِ الظَّرْفِ زَاعِمِينَ أَنَّهُ اتِّقَاءٌ بِفَمِهِ وَمَسُّ الْيَدِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَهَذَا جَهْلٌ عَظِيمٌ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، فَإِنَّ الْخِوَانَ وَإِنَاءَ الطَّعَامِ لَا يَمَسُّهُمَا بِيَدِهِ وَقَدْ حَرُمَا وَمِنْ الْجُرْأَةِ قَوْلُ أَبِي السُّعُودِ عَنْ شَيْخِهِ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 343 وَكَذَا الْإِنَاءُ الْمُضَبَّبُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَالْكُرْسِيُّ الْمُضَبَّبُ بِهَا وَحِلْيَةُ مِرْآةٍ وَمُصْحَفٍ بِهَا (كَمَا لَوْ جُلُّهُ) أَيْ التَّفْضِيضِ (فِي نَصْلِ سَيْفٍ وَسِكِّينٍ أَوْ فِي قَبْضَتِهِمَا أَوْ لِجَامٍ أَوْ رِكَابٍ وَلَمْ يَضَعْ يَدَهُ مَوْضِعَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) وَكَذَا كِتَابَهُ الثَّوْبِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَفِي الْمُجْتَبَى: لَا بَأْسَ بِالسِّكِّينِ الْمُفَضَّضِ وَالْمَحَابِرِ وَالرِّكَابِ وَعَنْ الثَّانِي يُكْرَهُ الْكُلُّ وَالْخِلَافُ فِي الْمُفَضَّضِ أَمَّا الْمَطْلِيُّ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ لِجَامٍ وَرِكَابٍ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ الطِّلَاءَ مُسْتَهْلَكٌ لَا يَخْلُصُ فَلَا عِبْرَةَ لِلَوْنِهِ عَيْنِيٌّ وَغَيْرُهُ (وَيُقْبَلُ قَوْلُ كَافِرٍ) وَلَوْ مَجُوسِيًّا (قَالَ اشْتَرَيْت اللَّحْمَ مِنْ كِتَابِيٍّ فَيَحِلُّ أَوْ قَالَ) اشْتَرَيْته (مِنْ مَجُوسِيٍّ فَيَحْرُمُ) وَلَا يَرُدُّهُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ   [رد المحتار] وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي عَلَى مَا هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ اتِّقَاءِ مَوْضِعِ الْأَخْذِ حِلُّ شُرْبِ الْقَهْوَةِ مِنْ الْفِنْجَانِ فِي تَبُسَّ الْفِضَّةِ اهـ فَإِنَّ الْمَقَامَ مُخْتَلِفٌ فَلْيُتَدَبَّرْ حَقَّ التَّدَبُّرِ اهـ. أَقُولُ: وَكَذَا رَدَّهُ السَّائِحَانِيُّ بِقَوْلِهِ فَرْقٌ كَبِيرٌ بَيْنَ الْإِنَاءِ الْفِضَّةِ الْمُسْتَعْمَلِ لِدَفْعِ حَرَارَةِ الْفِنْجَانِ وَبَيْنَ الْفِضَّةِ الْمُرَصَّعَةِ لِلتَّزْوِيقِ اهـ وَالْمُرَادُ بالتبس ظَرْفُ الْفِنْجَانِ وَلَمْ أَرَهُ فِيمَا عِنْدِي مِنْ كُتُبٍ ثُمَّ قَالَ ط: وَانْظُرْ مَا لَوْ كَانَ الْإِنَاءُ لَا يُوضَعُ عَلَى الْفَمِ بِأَنْ لَا يُسْتَعْمَلَ إلَّا بِالْيَدِ كَالْمِحْبَرَةِ الْمُضَبَّبَةِ، هَلْ يُتَّقَى وَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهَا، وَحَرَّرَهُ وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ فِي السَّيْفِ مِنْ اشْتِرَاطِ اتِّقَاءِ مَحَلِّ الْيَدِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَنْ لَا يَضَعَ يَدَهُ عَلَى ضَبَّةِ الْقَصَبَةِ فِي الْمِحْبَرَةِ وَنَحْوِهِ اهـ. أَقُولُ: هُوَ نَظِيرُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي قَصَبَةِ التُّتْن (قَوْلُهُ وَكَذَا الْإِنَاءُ الْمُضَبَّبُ) أَيْ الْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الْمُفَضَّضِ يُقَالُ بَابٌ مُضَبَّبٌ أَيْ مَشْدُودٌ بِالضِّبَابِ وَهِيَ الْحَدِيدَةُ الْعَرِيضَةُ الَّتِي يُضَبَّبُ بِهَا وَضَبَّبَ أَسْنَانَهُ بِالْفِضَّةِ إذَا شَدَّهَا بِهَا مَغْرِبٌ (قَوْلُهُ وَحِلْيَةُ مِرْآةٍ) الَّذِي فِي الْمِنَحِ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا حَلْقَةٌ بِالْقَافِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمُرَادُ بِهَا الَّتِي تَكُونُ حَوَالَيْ الْمِرْآةِ لَا مَا تَأْخُذُ الْمَرْأَةُ بِيَدِهَا فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ اتِّفَاقًا اهـ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَضَعْ يَدَهُ) لَا يَشْمَلُ الرِّكَابَ فَالْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ وَرِجْلَهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا كِتَابَةُ الثَّوْبِ إلَخْ) سَيَأْتِي أَنَّ الْمَنْسُوجَ بِذَهَبٍ يَحِلُّ إنْ كَانَ مِقْدَارَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَنْ الثَّانِي) ظَاهِرُهُ أَنَّ عَنْهُ رِوَايَةً أُخْرَى وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ عَكْسُ مَا رَأَيْته فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ وَعِبَارَةُ الْمِنَحِ كَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُكْرَهُ ذَلِكَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ يُرْوَى مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُرْوَى مَعَ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ يُكْرَه الْكُلُّ) أَيْ الْكُلُّ مَا مَرَّ مِنْ الْمُفَضَّضِ وَالْمُضَبَّبِ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ الْمَارَّةِ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ مُطْلَقَةٌ وَلِأَنَّ مَنْ اسْتَعْمَلَ إنَاءً كَانَ مُسْتَعْمِلًا لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْكَسَرَ، فَاِتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِأَحْمَدَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ: «رَأَيْت عِنْدَ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدَحَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ ضَبَّةُ فِضَّةٍ» وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ وَالشَّعْبُ كَالْمَنْعِ الصَّدْعُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَالْخِلَافُ فِي الْمُفَضَّضِ) أَرَادَ بِهِ مَا فِيهِ قِطْعَةُ فِضَّةٍ فَيَشْمَلُ الْمُضَبَّبَ وَالْأَظْهَرُ عِبَارَةُ الْعَيْنِيِّ وَغَيْرِهِ وَهِيَ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا يَخْلُصُ وَأَمَّا التَّمْوِيهُ الَّذِي لَا يَخْلُصُ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ مُسْتَهْلَكٌ فَلَا عِبْرَةَ بِبَقَائِهِ لَوْنًا اهـ (قَوْلُهُ أَوْ قَالَ اشْتَرَيْته مِنْ مَجُوسِيٍّ فَيَحْرُمُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَبِيحَةَ مَجُوسِيٍّ وَعِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ مَعْنَاهُ إذَا قَالَ كَانَ ذَبِيحَةَ غَيْرِ الْكِتَابِيِّ وَالْمُسْلِمِ اهـ تَأَمَّلْ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قُبَيْلَ الْأُضْحِيَّةَ عَنْ جَامِعِ الْجَوَامِعِ لِأَبِي يُوسُفَ مَنْ اشْتَرَى لَحْمًا فَعَلِمَ أَنَّهُ مَجُوسِيٌّ وَأَرَادَ الرَّدَّ فَقَالَ ذَبَحَهُ مُسْلِمٌ يُكْرَهُ أَكْلُهُ اهـ وَمُفَادُهُ أَنَّ مُجَرَّدَ كَوْنِ الْبَائِعِ مَجُوسِيًّا يُثْبِتُ الْحُرْمَةَ، فَإِنَّهُ بَعْدَ إخْبَارِهِ بِالْحِلِّ بِقَوْلِهِ ذَبَحَهُ مُسْلِمٌ كُرِهَ أَكْلُهُ فَكَيْفَ بِدُونِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا يَرُدُّهُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: مُسْلِمٌ شَرَى لَحْمًا وَقَبَضَهُ فَأَخْبَرَهُ مُسْلِمٌ ثِقَةٌ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ، لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَلَا يُطْعِمُ غَيْرَهُ، لِأَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِحُرْمَةِ الْعَيْنِ، وَهِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَتَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 344 وَأَصْلُهُ أَنَّ خَبَرَ الْكَافِرِ مَقْبُولٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي الْمُعَامَلَاتِ لَا فِي الدِّيَانَاتِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الْكَنْزِ وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ يَعْنِي الْحَاصِلَيْنِ فِي ضِمْنِ الْمُعَامَلَاتِ لَا مُطْلَقِ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ كَمَا تَوَهَّمَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَ) يُقْبَلُ قَوْلُ (الْمَمْلُوكِ) وَلَوْ أُنْثَى (وَالصَّبِيِّ فِي الْهَدِيَّةِ) سَوَاءٌ أَخْبَرَ بِإِهْدَاءِ الْمَوْلَى غَيْرَهُ أَوْ نَفْسَهُ (وَالْإِذْنِ) سَوَاءٌ كَانَ بِالتِّجَارَةِ أَوْ بِدُخُولِ الدَّارِ مَثَلًا وَقَيَّدَهُ فِي السِّرَاجِ بِمَا إذَا غَلَبَ عَلَى رَأْيِهِ صِدْقُهُمْ فَلَوْ شَرَى صَغِيرٌ نَحْوَ صَابُونٍ وَأُشْنَانٍ لَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ وَلَوْ نَحْوَ زَبِيبٍ وَحَلْوَى لَا يَنْبَغِي بَيْعُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ كَذِبُهُ وَتَمَامُهُ فِيهِ (وَ) يُقْبَلُ قَوْلُ الْفَاسِقِ وَالْكَافِرِ وَالْعَبْدِ فِي (الْمُعَامَلَاتِ) لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا (كَمَا إذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ وَكِيلُ فُلَانٍ فِي بَيْعِ كَذَا فَيَجُوزُ الشِّرَاءُ مِنْهُ) إنْ غَلَبَ عَلَى الرَّأْيِ صِدْقُهُ كَمَا مَرَّ وَسَيَجِيءُ آخِرَ الْحَظْرِ.   [رد المحتار] بُطْلَانُ الْمِلْكِ فَتَثْبُتُ مَعَ بَقَائِهِ وَحِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُهُ الرَّدُّ عَلَى بَائِعِهِ، وَلَا أَنْ يَحْبِسَ الثَّمَنَ عَنْهُ إذْ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ إلَخْ) أَيْ أَصْلُ مَا ذَكَرَ مِنْ ثُبُوتِ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ، وَهُوَ يُشِيرُ بِهِ إلَى سُؤَالٍ، وَجَوَابِهِ مَذْكُورَيْنِ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا. حَاصِلُ السُّؤَالِ: أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُنَاقِضَةٌ لِقَوْلِهِ الْآتِي: وَشُرِطَ الْعَدَالَةُ فِي الدِّيَانَاتِ، فَإِنَّ مِنْ الدِّيَانَاتِ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ كَمَا إذَا أَخْبَرَ بِأَنَّ هَذَا حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ، وَقَدْ شُرِطَ فِيهَا الْعَدْلُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُسْلِمُ الْمَرْضِيُّ، وَهُنَا قَوْلُهُ شَرَيْته مِنْ كِتَابِيٍّ إلَخْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ، وَقَدْ قُبِلَ فِيهِ خَبَرُ الْكَافِرِ، وَلَوْ مَجُوسِيًّا، وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ شَرَيْته مِنْ الْمُعَامَلَاتِ، وَثُبُوتُ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ فِيهِ ضِمْنِيٌّ فَلَمَّا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الشِّرَاءِ ثَبَتَ مَا فِي ضِمْنِهِ، بِخِلَافِ مَا يَأْتِي وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا لَا قَصْدًا كَوَقْفِ الْمَنْقُولِ وَبَيْعِ الشِّرْبِ وَبِهِ يَتَّضِحُ الْجَوَابُ عَنْ الْكَنْزِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى هَذَا الْجَوَابِ الْعَيْنِيُّ، وَصَاحِبُ الدُّرَرِ وَتَبِعَهُمَا الْمُصَنِّفُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَقْرِيرُ صَاحِبِ الْكَنْزِ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي (قَوْلُهُ لَا مُطْلَق الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ) أَيْ الشَّامِلِ لِلْقَصْدِيِّ كَهَذَا حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ أَخْبَرَ بِإِهْدَاءِ الْمَوْلَى غَيْرَهُ أَوْ نَفْسَهُ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْوَلِيِّ مُشَدَّدًا بِدُونِ مِيمٍ الضَّمِيرُ فِي غَيْرِهِ أَوْ نَفْسَهُ لِلْمُخْبِرِ الْمَفْهُومِ مِنْ أَخْبَرَ قَالَ فِي الْمِنَحِ بِأَنْ قَالَ عَبْدٌ أَوْ جَارِيَةٌ أَوْ صَبِيٌّ هَذِهِ هَدِيَّةٌ أَهْدَاهَا إلَيْك سَيِّدِي أَوْ أَبِي وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا قَالَتْ جَارِيَةٌ لِرَجُلٍ بَعَثَنِي مَوْلَايَ إلَيْك هَدِيَّةً وَسِعَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَخْبَرَتْ بِإِهْدَاءِ الْمَوْلَى غَيْرَهَا أَوْ نَفْسَهَا، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُ هَؤُلَاءِ فِيهَا لِأَنَّ الْهَدِيَّةَ تُبْعَثُ عَادَةً عَلَى أَيْدِي هَؤُلَاءِ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ بِدُخُولِ الدَّارِ مَثَلًا) قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَأَمَّا الْإِذْنُ بِدُخُولِ الدَّارِ إذَا أَذِنَ ذَلِكَ لِعَبْدِهِ أَوْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ، فَالْقِيَاسُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ جَرَتْ الْعَادَةُ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ عَنْ ذَلِكَ فَجُوِّزَ لِأَجْلِ ذَلِكَ اهـ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ فِي السِّرَاجِ إلَخْ) ثُمَّ قَالَ كَمَا فِي الْمِنَحِ: وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى رَأْيِهِ ذَلِكَ لَمْ يَسَعْهُ قَبُولُهُ مِنْهُمْ، لِأَنَّ الْأَمْرَ مُشْتَبِهٌ عَلَيْهِ اهـ قَالَ الأتقاني: لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَالْإِذْنُ طَارِئٌ، فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِالشَّكِّ وَإِنَّمَا قَبِلْنَا قَوْلَ الْعَبْدِ إذَا كَانَ ثِقَةً لِأَنَّهُ مِنْ أَخْبَارِ الْمُعَامَلَاتِ، وَهُوَ أَضْعَفُ مِنْ أَخْبَارِ الدِّيَانَاتِ فَإِذَا قُبِلَ فِي أَخْبَارِ الدِّينِ فَفِي الْمُعَامَلَاتِ أَوْلَى اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَحْوَ زَبِيبٍ وَحَلْوَى) أَيْ مِمَّا يَأْكُلُهُ الصِّبْيَانُ عَادَةً خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ كَذِبُهُ) وَقَدْ عَثَرَ عَلَى فُلُوسِ أُمِّهِ فَأَخَذَهَا لِيَشْتَرِيَ بِهَا حَاجَةَ نَفْسِهِ مِنَحٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَهَذَا لَا يَظْهَرُ فِي كُلِّ الصِّبْيَانِ لِجَرَيَانِ عَادَةِ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى صِبْيَانِهِمْ، وَإِعْطَائِهِمْ مَا يَشْتَرُونَ بِهِ شَهْوَةَ أَنْفُسِهِمْ وَكَذَلِكَ غَالِبُ الْفُقَرَاءِ اهـ ط. أَقُولُ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ فَلْيَنْظُرْ الْمُبْتَلَى فِي الْقَرَائِنِ (قَوْلُهُ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا) فَاشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فِيهَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ وَقَلَّمَا يَجِدُ الْإِنْسَانُ الْمُسْتَجْمِعَ لِشَرَائِطِ الْعَدَالَةِ لِيُعَامِلَهُ أَوْ يَسْتَخْدِمَهُ أَوْ يَبْعَثَهُ إلَى وُكَلَائِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 345 (وَشُرِطَ الْعَدَالَةُ فِي الدِّيَانَاتِ) هِيَ الَّتِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَالرَّبِّ (كَالْخَبَرِ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ فَيَتَيَمَّمُ) وَلَا يَتَوَضَّأُ (إنْ أَخْبَرَ بِهَا مُسْلِمٌ عَدْلٌ) مُنْزَجِرٌ عَمَّا يَعْتَقِدُ حُرْمَتَهُ (وَلَوْ عَبْدًا) أَوْ أَمَةً (وَيَتَحَرَّى فِي) خَبَرِ (الْفَاسِقِ) بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ (وَ) خَبَرِ (الْمَسْتُورِ ثُمَّ يَعْمَلُ بِغَالِبِ ظَنِّهِ، وَلَوْ أَرَاقَ الْمَاءَ فَتَيَمَّمَ فِيمَا إذَا غَلَبَ عَلَى رَأْيِهِ صِدْقُهُ وَتَوَضَّأَ وَتَيَمَّمَ فِيمَا إذَا غَلَبَ) عَلَى رَأْيِهِ (كَذِبُهُ كَانَ أَحْوَطَ) وَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَتَيَمُّمُهُ بَعْدَ الْوُضُوءِ أَحْوَطُ. قُلْت: وَأَمَّا الْكَافِرُ إذَا غَلَبَ صِدْقُهُ عَلَى كَذِبِهِ فَإِرَاقَتُهُ أَحَبُّ قُهُسْتَانِيٌّ وَخُلَاصَةٌ وَخَانِيَّةٌ. قُلْت: لَكِنْ لَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ إرَاقَتِهِ لَمْ يَجُزْ تَيَمُّمُهُ بِخِلَافِ خَبَرِ الْفَاسِقِ لِصَلَاحِيَّتِهِ مُلْزِمًا فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْكَافِرِ   [رد المحتار] ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُعَامَلَاتِ عَلَى مَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ. الْأَوَّلُ: مَا لَا إلْزَامَ فِيهِ كَالْوَكَالَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ وَالْإِذْنِ بِالتِّجَارَةِ، وَالثَّانِي: مَا فِيهِ إلْزَامٌ مَحْضٌ كَالْحُقُوقِ الَّتِي تَجْرِي فِيهَا الْخُصُومَاتُ. وَالثَّالِثُ: مَا فِيهِ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ وَحَجْرِ الْمَأْذُونِ، فَإِنَّ فِيهِ إلْزَامَ الْعُهْدَةِ عَلَى الْوَكِيلِ وَفَسَادَ الْعَقْدِ بَعْدَ الْحَجْرِ وَفِيهِ عَدَمَ إلْزَامٍ، لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَوْ الْمَوْلَى يَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ حَقِّهِ، فَصَارَ كَالْإِذْنِ. فَفِي الْأَوَّلِ يُعْتَبَرُ التَّمْيِيزُ فَقَطْ. وَفِي الثَّانِي شُرُوطُ الشَّهَادَةِ وَفِي الثَّالِثِ إمَّا الْعَدَدُ وَإِمَّا الْعَدَالَةُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُرَادَ هُنَا النَّوْعُ الْأَوَّلُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْعَزْمِيَّةِ (قَوْلُهُ فِي الدِّيَانَاتِ) أَيْ الْمَحْضَةِ دُرَرٌ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا تَضَمَّنَتْ زَوَالَ مِلْكٍ كَمَا إذَا أَخْبَرَ عَدْلٌ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ ارْتَضَعَا مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ زَوَالَ مِلْكِ الْمُتْعَةِ فَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ وَالْعَدَالَةُ جَمِيعًا إتْقَانِيٌّ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِخْبَارِ، بِأَنَّ مَا اشْتَرَاهُ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٌّ، لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ لَا يَتَضَمَّنُ زَوَالَ الْمِلْكِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَتَثْبُتُ لِجَوَازِ اجْتِمَاعِهَا مَعَ الْمِلْكِ (قَوْلُهُ هِيَ) أَيْ الدِّيَانَاتُ (قَوْلُهُ إنْ أَخْبَرَ بِهَا مُسْلِمٌ عَدْلٌ) لِأَنَّ الْفَاسِقَ مُتَّهَمٌ وَالْكَافِرَ لَا يَلْتَزِمُ الْحُكْمَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ الْمُسْلِمَ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ مُنْزَجِرٌ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْعَدْلِ (قَوْلُهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً) تَعْمِيمٌ لَهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ أَوْ لَا (قَوْلُهُ وَيَتَحَرَّى فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ) أَمَّا مَعَ الْعَدَالَةِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ احْتِمَالُ الْكَذِبِ فَلَا مَعْنًى لِلِاحْتِيَاطِ بِالْإِرَاقَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَخَبَرِ الْمَسْتُورِ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَنْهُ أَنَّهُ كَالْعَدْلِ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَعْمَلُ بِغَالِبِ ظَنِّهِ) فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ تَيَمَّمَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ أَوْ كِذْبُهُ تَوَضَّأَ بِهِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِهِ هَذَا هُوَ جَوَابُ الْحُكْمِ. أَمَّا فِي السَّعَةِ وَالِاحْتِيَاطِ، فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بَعْدَ الْوُضُوءِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَتَوَضَّأَ) عَطْفٌ عَلَى أَرَاقَ (قَوْلُهُ أَحْوَطُ) لِأَنَّ التَّحَرِّيَ مُجَرَّدُ ظَنٍّ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْجَوْهَرَةِ إلَخْ) كَلَامُ الْجَوْهَرَةِ فِيمَا إذَا غَلَبَ عَلَى رَأْيِهِ كَذِبُهُ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ شَيْئًا فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْكَافِرُ) وَمِثْلُهُ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ فَإِرَاقَتُهُ أَحَبُّ) فَهُوَ كَالْفَاسِقِ وَالْمَسْتُورِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ تَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى جَازَتْ صَلَاتُهُ (قَوْلُهُ قُلْت لَكِنْ إلَخْ) هَذَا تَوْفِيقٌ مِنْهُ بَيْنَ الْعِبَارَاتِ فَإِنَّ مُقْتَضَى مَا قَدَّمَهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَاسِقِ كَمَا قُلْنَا، لَكِنْ وَقَعَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَإِنْ أَخْبَرَهُ ذِمِّيٌّ أَوْ صَبِيٌّ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ، بَلْ يُسْتَحَبُّ فَإِنْ تَيَمَّمَ لَا يَجْزِيهِ مَا لَمْ يُرِقْ الْمَاءَ أَوَّلًا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْبَرَهُ مَسْتُورٌ فَتَيَمَّمَ قَبْلَ الْإِرَاقَةِ، فَإِنَّهُ يَجْزِيهِ وَرَأَيْت بِخَطِّ الشَّارِحِ فِي هَامِشِ التَّتَارْخَانِيَّة عِنْدَ قَوْلِهِ بَلْ يُسْتَحَبُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَيَمَّمُ بَعْدَ الْوُضُوءِ، حَتَّى يَفْقِدَ الْمَاءَ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ فَتَأَمَّلْ وَحِينَئِذٍ، فَقَدْ سَاوَى الْفَاسِقَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَإِنْ خَالَفَهُ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا تَأَمَّلْ وَرَاجِعْ فَإِنَّ عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ نَدْبُ الْإِرَاقَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى هَذَا فَلْيُحَرَّرْ اهـ مَا رَأَيْته بِخَطِّهِ. وَأَنْتَ تَرَاهُ قَدْ جَزَمَ فِي شَرْحِهِ بِمَا كَانَ مُتَرَدِّدًا فِيهِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الذَّخِيرَةِ التَّصْرِيحَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَالْفَاسِقِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: هَذَا وَالثَّانِي: أَنَّهُ فِي الْفَاسِقِ يَجِبُ التَّحَرِّي وَفِي الذِّمِّيِّ يُسْتَحَبُّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ خَبَرِ الْفَاسِقِ) أَيْ إذَا غَلَبَ عَلَى رَأْيِهِ صِدْقُهُ فِي النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ (قَوْلُهُ لِصَلَاحِيَّتِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ لِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 346 وَلَوْ أَخْبَرَ عَدْلٌ بِطَهَارَتِهِ وَعَدْلٌ بِنَجَاسَتِهِ حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ بِخِلَافِ الذَّبِيحَةِ وَتُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ فِي أَوَانٍ طَاهِرَةٍ وَنَجِسَةٍ وَذَكِيَّةٍ وَمَيْتَةٍ، فَإِنْ الْأَغْلَبُ طَاهِرًا تَحَرَّى وَبِالْعَكْسِ وَالسَّوَاءُ لَا إلَّا لِعَطَشٍ وَفِي الثِّيَابِ يَتَحَرَّى مُطْلَقًا (دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ   [رد المحتار] عَلَى الْمُسْلِمِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا اهـ أَيْ فَإِنَّ الْفَاسِقَ إذَا قَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَإِنْ أَثِمَ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَخْبَرَ عَدْلٌ بِطَهَارَتِهِ إلَخْ) أَقُولُ: ذَكَرَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ عَنْ كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ: رَجُلٌ دَخَلَ عَلَى قَوْمٍ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ فَدَعَوْهُ إلَيْهِمْ فَقَالَ لَهُ مُسْلِمٌ عَدْلٌ: اللَّحْمُ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ وَالشَّرَابُ خَالَطَهُ خَمْرٌ فَقَالُوا لَا بَلْ هُوَ حَلَالٌ، يَنْظُرُ فِي حَالِهِمْ فَإِنْ عُدُولًا أَخَذَ بِقَوْلِهِمْ وَإِنْ مُتَّهَمِينَ لَا يَتَنَاوَلُ شَيْئًا، وَلَوْ فِيهِمْ ثِقَتَانِ أَخَذَ بِقَوْلِهِمَا أَوْ وَاحِدٌ عَمِلَ بِأَكْبَرَ رَأْيِهِ فَإِنْ لَا رَأْيٌ وَاسْتَوَى الْحَالَانِ عِنْدَهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَتَوَضَّأَ، فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مَمْلُوكَانِ ثِقَتَانِ أَخَذَ بِقَوْلِهِمَا لِاسْتِوَاءِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي الْخَبَرِ الدِّينِيِّ، وَتَرَجَّحَ الْمُثَنَّى وَلَوْ أَخْبَرَهُ بِأَحَدِهِمَا عَبْدٌ ثِقَةٌ وَبِالْآخَرِ حُرٌّ تَحَرَّى لِلْمُعَارِضَةِ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ بِأَحَدِهِمَا حُرَّانِ ثِقَتَانِ وَبِالْآخَرِ مَمْلُوكَانِ ثِقَتَانِ أَخَذَ بِقَوْلِ الْحُرَّيْنِ، لِأَنَّ قَوْلَهُمَا حُجَّةٌ فِي الدِّيَانَةِ وَالْحُكْمِ جَمِيعًا فَتَرَجَّحَا وَإِنْ أَخْبَرَهُ بِأَحَدِهِمَا ثَلَاثَةُ عَبِيدٍ ثِقَاتٌ وَبِالْآخَرِ مَمْلُوكَانِ ثِقَتَانِ أَخَذَ بِقَوْلِ الْعَبِيدِ، وَكَذَا إذَا أَخْبَرَ بِأَحَدِهِمَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَبِالْآخَرِ رَجُلَانِ أَخَذَ بِالْأَوَّلِ. فَالْحَاصِلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ: أَنَّ خَبَرَ الْعَبْدِ وَالْحَرِّ فِي الْأَمْرِ الدِّينِيِّ عَلَى السَّوَاءِ بَعْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْعَدَالَةِ فَيُرَجَّحُ أَوَّلًا بِالْعَدَدِ ثُمَّ بِكَوْنِهِ حُجَّةً فِي الْأَحْكَامِ بِالْجُمْلَةِ ثُمَّ بِالتَّحَرِّي اهـ وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا فَقَدْ اعْتَبَرُوا التَّحَرِّيَ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْمُعَارَضَةِ بِالتَّسَاوِي بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ الذَّبِيحَةِ وَالْمَاءِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَتُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ إلَخْ) أَقُولُ: حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ أَنَّهُ فِي الْأَوَانِي إنْ غَلَبَ الطَّاهِرُ تَحَرَّى فِي حَالَتَيْ الِاضْطِرَارِ وَالِاخْتِيَارِ لِلشُّرْبِ وَالْوُضُوءِ، وَإِلَّا بِأَنْ غَلَبَ النَّجَسُ أَوْ تَسَاوَيَا فَفِي الِاخْتِيَارِ: لَا يَتَحَرَّى أَصْلًا وَفِي الِاضْطِرَارِ: يَتَحَرَّى لِلشُّرْبِ لَا الْوُضُوءِ وَفِي الذَّكِيَّةِ وَالْمَيْتَةِ يَتَحَرَّى فِي الِاضْطِرَارِ مُطْلَقًا، وَفِي الِاخْتِيَارِ وَإِنْ غَلَبَتْ الْمَيْتَةُ أَوْ تَسَاوَيَا لَا يَتَحَرَّى، وَكَذَا فِي الثِّيَابِ يَتَحَرَّى فِي الِاضْطِرَارِ مُطْلَقًا وَفِي الِاخْتِيَارِ إنْ غَلَبَ الطَّاهِرُ وَإِلَّا لَا اهـ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إنْ غَلَبَ الطَّاهِرُ تَحَرَّى فِي الْحَالَتَيْنِ فِي الْكُلِّ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ، وَإِلَّا فَفِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ لَا يَتَحَرَّى فِي الْكُلِّ وَفِي الِاضْطِرَارِ يَتَحَرَّى فِي الْكُلِّ إلَّا فِي الْأَوَانِي لِلْوُضُوءِ إذْ لَهُ خَلَفٌ وَهُوَ التَّيَمُّمُ، بِخِلَافِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ إذْ لَا خَلَفَ لَهُ. وَسَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ، وَبِهِ يَظْهَرُ مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ الْإِيجَازِ الْبَالِغِ حَدَّ الْإِلْغَازِ، فَلَوْ قَالَ فَإِنْ الْأَغْلَبُ طَاهِرًا تَحَرَّى مُطْلَقًا وَإِلَّا فَلَا إلَّا حَالَةَ الضَّرُورَةِ لِغَيْرِ وُضُوءٍ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَظْهَرَ فَتَدَبَّرْ نَعَمْ كَلَامُهُ هُنَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمَهُ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ تَبَعًا لِنُورِ الْإِيضَاحِ (قَوْلُهُ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ) وَهِيَ طَعَامُ الْعُرْسِ وَقِيلَ الْوَلِيمَةُ اسْمٌ لِكُلِّ طَعَامٍ. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ التُّمُرْتَاشِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي إجَابَةِ الدَّعْوَى قَالَ بَعْضُهُمْ: وَاجِبَةٌ لَا يَسَعُ تَرْكُهَا وَقَالَ الْعَامَّةُ: هِيَ سُنَّةٌ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُجِيبَ إذَا كَانَتْ وَلِيمَةً وَإِلَّا فَهُوَ مُخَيَّرٌ وَالْإِجَابَةُ أَفْضَلُ، لِأَنَّ فِيهَا إدْخَالَ السُّرُورِ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ وَإِذَا أَجَابَ فَعَلَ مَا عَلَيْهِ أَكَلَ أَوْ لَا، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَأْكُلَ لَوْ غَيْرَ صَائِمٍ وَفِي الْبِنَايَةِ إجَابَةُ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ وَلِيمَةً أَوْ غَيْرَهَا، وَأَمَّا دَعْوَةٌ يَقْصِدُ بِهَا التَّطَاوُلَ أَوْ إنْشَاءَ الْحَمْدِ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ فَلَا يَنْبَغِي إجَابَتُهَا لَا سِيَّمَا أَهْلُ الْعِلْمِ فَقَدْ قِيلَ مَا وَضَعَ أَحَدٌ يَدَهُ فِي قَصْعَةِ غَيْرِهِ إلَّا ذَلَّ لَهُ اهـ ط مُلَخَّصًا. وَفِي الِاخْتِيَارِ: وَلِيمَةُ الْعُرْسِ سُنَّةٌ قَدِيمَةٌ إنْ لَمْ يُجِبْهَا أَثِمَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا أَجَابَ وَدَعَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا أَكَلَ وَدَعَا، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يُجِبْ أَثِمَ وَجَفَا» لِأَنَّهُ اسْتِهْزَاءٌ بِالْمُضِيفِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْ دُعِيت إلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْت» اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَصَرَّحَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنْ الْوَاجِبِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 347 وَثَمَّةَ لَعِبٌ أَوْ غِنَاءٌ قَعَدَ وَأَكَلَ) لَوْ الْمُنْكَرُ فِي الْمَنْزِلِ، فَلَوْ عَلَى الْمَائِدَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْعُدَ بَلْ يَخْرُجُ مُعْرِضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: - {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]- (فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَنْعِ فَعَلَ وَإِلَّا) يَقْدِرُ (صَبَرَ إنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ فَإِنْ كَانَ) مُقْتَدًى (وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَنْعِ خَرَجَ وَلَمْ يَقْعُدْ) لِأَنَّ فِيهِ شَيْنَ الدِّينِ وَالْمَحْكِيُّ عَنْ الْإِمَامِ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُقْتَدًى بِهِ (وَإِنْ عَلِمَ أَوَّلًا) بِاللَّعِبِ (لَا يَحْضُرُ أَصْلًا) سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ أَوْ لَا لِأَنَّ حَقَّ الدَّعْوَةِ إنَّمَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ الْحُضُورِ لَا قَبْلَهُ ابْنُ كَمَالٍ. وَفِي السِّرَاجِ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ أَنَّ الْمَلَاهِيَ كُلَّهَا حَرَامٌ وَيُدْخَلُ عَلَيْهِمْ بِلَا إذْنِهِمْ لِإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ   [رد المحتار] عَنْ الْيَنَابِيعِ: لَوْ دُعِيَ إلَى دَعْوَةٍ فَالْوَاجِبُ الْإِجَابَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَعْصِيَةٌ وَلَا بِدْعَةٌ وَالِامْتِنَاعُ أَسْلَمُ فِي زَمَانِنَا إلَّا إذَا عَلِمَ يَقِينًا أَنْ لَا بِدْعَةَ وَلَا مَعْصِيَةَ اهـ وَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْوَلِيمَةِ لِمَا مَرَّ وَيَأْتِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَثَمَّةَ لَعِبٌ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِهَا وَالْغِنَاءُ بِالْكَسْرِ مَمْدُودًا السَّمَاعُ وَمَقْصُورًا الْيَسَارُ (قَوْلُهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْعُدَ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ اسْتِمَاعَ اللَّهْوِ حَرَامٌ وَالْإِجَابَةُ سُنَّةٌ وَالِامْتِنَاعَ عَنْ الْحَرَامِ أَوْلَى اهـ وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَى الْمَائِدَةِ قَوْمٌ يَغْتَابُونَ لَا يَقْعُدُ فَالْغِيبَةُ أَشَدُّ مِنْ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَى الْمَائِدَةِ إلَخْ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي: وَإِنْ عَلِمَ كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، فَإِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ قَدَرَ إلَخْ فِيمَا لَوْ كَانَ الْمُنْكَرُ فِي الْمَنْزِلِ لَا عَلَى الْمَائِدَةِ فَفِي كَلَامِهِ إيهَامٌ لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ بَعْدَ الذِّكْرَى) أَيْ تَذَكُّرِ النَّهْيِ ط. (قَوْلُهُ فَعَلَ) أَيْ فَعَلَ الْمَنْعَ وُجُوبًا إزَالَةً لِلْمُنْكَرِ (قَوْلُهُ صَبَرَ) أَيْ مَعَ الْإِنْكَارِ بِقَلْبِهِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» اهـ أَيْ أَضْعَفُ أَحْوَالِهِ فِي ذَاتِهِ: أَيْ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا اشْتَدَّ ضَعْفُ الْإِيمَانِ، فَلَا يَجِدُ النَّاهِي أَعْوَانًا عَلَى إزَالَةِ الْمُنْكَرِ اهـ ط وَهَذَا لِأَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ فَلَا يَتْرُكُهَا لِمَا اُقْتُرِنَ بِهِ مِنْ الْبِدْعَةِ مِنْ غَيْرِهِ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَاجِبَةُ الْإِقَامَةِ وَإِنْ حَضَرَتْهَا نِيَاحَةٌ هِدَايَةٌ، وَقَاسَهَا عَلَى الْوَاجِبِ لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنْهُ لِوُرُودِ الْوَعِيدِ بِتَرْكِهَا كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْمَحْكِيُّ عَنْ الْإِمَامِ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ اُبْتُلِيت بِهَذَا مَرَّةً فَصَبَرْت هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَإِنْ عَلِمَ أَوَّلًا) أَفَادَ أَنَّ مَا مَرَّ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ قَبْلَ حُضُورِهِ (قَوْلُهُ لَا يَحْضُرُ أَصْلًا) إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ يَتْرُكُونَ ذَلِكَ احْتِرَامًا لَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَذْهَبَ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ ابْنُ كَمَالٍ) لَمْ أَرَهُ فِيهِ نَعَمْ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ ط وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوْضَحُ مَا فِي التَّبْيِينِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إجَابَةُ الدَّعْوَةِ إذَا كَانَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ اهـ. قُلْت: لَكِنَّهُ لَا يُفِيدُ وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْحُضُورِ وَمَا بَعْدَهُ، وَسَاقَ بَعْدَ هَذَا فِي التَّبْيِينِ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ «أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: صَنَعْت طَعَامًا فَدَعَوْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ فَرَأَى فِي الْبَيْتِ تَصَاوِيرَ فَرَجَعَ» اهـ. قُلْت: مُفَادُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَرْجِعُ وَلَوْ بَعْدَ الْحُضُورِ وَأَنَّهُ لَا تَلْزَمُ الْإِجَابَةُ مَعَ الْمُنْكَرِ أَصْلًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ إلَخْ) لِأَنَّ مُحَمَّدًا أَطْلَقَ اسْمَ اللَّعِبِ وَالْغِنَاءِ فَاللَّعِبُ وَهُوَ اللَّهْوُ حَرَامٌ بِالنَّصِّ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَهْوُ الْمُؤْمِنِ بَاطِلٌ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: تَأْدِيبُهُ فَرَسَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «مُلَاعَبَتُهُ بِفَرَسِهِ وَرَمْيُهُ عَنْ قَوْسِهِ وَمُلَاعَبَتُهُ مَعَ أَهْلِهِ» كِفَايَةٌ وَكَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ اُبْتُلِيت دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ حَرَامٌ إتْقَانِيٌّ، وَفِيهِ كَلَامٌ لِابْنِ الْكَمَالِ فِيهِ فَرَاجِعْهُ مُتَأَمِّلًا (قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ عَلَيْهِمْ إلَخْ) لِأَنَّهُمْ أَسْقَطُوا حُرْمَتَهُمْ بِفِعْلِهِمْ الْمُنْكَرَ فَجَازَ هَتْكَهَا كَمَا لِلشُّهُودِ أَنْ يَنْظُرُوا إلَى عَوْرَةِ الزَّانِي حَيْثُ هَتَكَ حُرْمَةَ نَفْسِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إلَخْ) رَوَاهُ فِي السُّنَنِ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَفْظِ: «إنَّ الْغِنَاءَ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ» " كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقِيلَ إنْ تَغَنَّى لِيَسْتَفِيدَ نَظْمَ الْقَوَافِي وَيَصِيرَ فَصِيحَ اللِّسَانِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقِيلَ: إنْ تَغَنَّى وَحْدَهُ لِنَفْسِهِ لِدَفْعِ الْوَحْشَةِ لَا بَأْسَ بِهِ وَبِهِ أَخَذَ السَّرَخْسِيُّ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 348 صَوْتُ اللَّهْوِ وَالْغِنَاءِ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ النَّبَاتَ. قُلْت: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اسْتِمَاعُ صَوْتِ الْمَلَاهِي كَضَرْبِ قَصَبٍ وَنَحْوِهِ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتِمَاعُ الْمَلَاهِي مَعْصِيَةٌ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهَا فِسْقٌ وَالتَّلَذُّذُ بِهَا كُفْرٌ» أَيْ بِالنِّعْمَةِ فَصَرْفُ الْجَوَارِحِ إلَى غَيْرِ مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ كُفْرٌ بِالنِّعْمَةِ لَا شُكْرٌ فَالْوَاجِبُ كُلُّ الْوَاجِبِ أَنْ يَجْتَنِبَ كَيْ لَا يَسْمَعَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي أُذُنِهِ عِنْدَ سَمَاعِهِ» وَأَشْعَارُ الْعَرَبِ لَوْ فِيهَا ذِكْرُ الْفِسْقِ   [رد المحتار] أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا. وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6]- الْآيَةَ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: أَنَّ الْمُرَادَ الْغِنَاءُ وَحَمَلَ مَا وَقَعَ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى إنْشَاءِ الشِّعْرِ الْمُبَاحِ الَّذِي فِيهِ الْحِكَمُ وَالْمَوَاعِظُ، فَإِنَّ لَفْظَ الْغِنَاءِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْرُوفِ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ «مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ فَلَيْسَ مِنَّا» وَتَمَامُهُ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا. [تَنْبِيهٌ] عَرَّفَ الْقُهُسْتَانِيُّ الْغِنَاءَ بِأَنَّهُ تَرْدِيدُ الصَّوْتِ بِالْأَلْحَانِ فِي الشِّعْرِ مَعَ انْضِمَامِ التَّصْفِيقِ الْمُنَاسِبِ لَهَا قَالَ فَإِنْ فُقِدَ قَيْدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْغِنَاءُ اهـ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَقَدْ تُعُقِّبَ بِأَنَّ تَعْرِيفَهُ هَكَذَا لَمْ يُعْرَفْ فِي كُتُبِنَا فَتَدَبَّرْ اهـ. أَقُولُ: وَفِي شَهَادَاتِ فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَ كَلَامٍ عَرَفْنَا مِنْ هَذَا أَنَّ التَّغَنِّيَ الْمُحَرَّمَ مَا كَانَ فِي اللَّفْظِ مَا لَا يَحِلُّ كَصِفَةِ الذُّكُورِ وَالْمَرْأَةِ الْمُعَيَّنَةِ الْحَيَّةِ وَوَصْفِ الْخَمْرِ الْمُهَيِّجِ إلَيْهَا وَالْحَانَاتِ وَالْهِجَاءِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ إذَا أَرَادَ الْمُتَكَلِّمُ هِجَاءَهُ لَا إذَا أَرَادَ إنْشَادَهُ لِلِاسْتِشْهَادِ بِهِ أَوْ لِيَعْلَمَ فَصَاحَتَهُ وَبَلَاغَتَهُ، وَكَانَ فِيهِ وَصْفُ امْرَأَةٍ لَيْسَتْ كَذَلِكَ أَوْ الزَّهْرِيَّاتُ الْمُتَضَمِّنَةُ وَصْفَ الرَّيَاحِينِ وَالْأَزْهَارِ وَالْمِيَاهِ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ عَلَى هَذَا، نَعَمْ إذَا قِيلَ ذَلِكَ عَلَى الْمَلَاهِي امْتَنَعَ وَإِنْ كَانَ مَوَاعِظَ وَحِكَمًا لِلْآلَاتِ نَفْسِهَا لَا لِذَلِكَ التَّغَنِّي اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِيهِ فَرَاجِعْهُ، وَفِي الْمُلْتَقَى وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَرِهَ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْجِنَازَةِ وَالزَّحْفِ وَالتَّذْكِيرِ، فَمَا ظَنُّك بِهِ عِنْدَ الْغِنَاءِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ وَجْدًا وَمَحَبَّةً فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الدِّينِ. قَالَ الشَّارِحُ: زَادَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَمَا يَفْعَلُهُ مُتَصَوِّفَةُ زَمَانِنَا حَرَامٌ لَا يَجُوزُ الْقَصْدُ وَالْجُلُوسُ إلَيْهِ وَمَنْ قَبْلَهُمْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَلِكَ، وَمَا نُقِلَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَمِعَ الشِّعْرَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى إبَاحَةِ الْغِنَاءِ. وَيَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الشِّعْرِ الْمُبَاحِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْحِكْمَةِ وَالْوَعْظِ، وَحَدِيثُ تَوَاجُدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَصِحَّ، وَكَانَ النصرآباذي يَسْمَعُ فَعُوتِبَ فَقَالَ: إنَّهُ خَيْرٌ مِنْ الْغِيبَةِ فَقِيلَ لَهُ هَيْهَاتَ بَلْ زَلَّةُ السَّمَاعِ شَرٌّ مِنْ كَذَا وَكَذَا سَنَةً يَغْتَابُ النَّاسَ، وَقَالَ السِّرِّيُّ: شَرْطُ الْوَاجِدِ فِي غِيبَتِهِ أَنْ يَبْلُغَ إلَى حَدٍّ لَوْ ضُرِبَ وَجْهُهُ بِالسَّيْفِ لَا يَشْعُرُ فِيهِ بِوَجَعٍ اهـ. قُلْت: وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْعُيُونِ إنْ كَانَ السَّمَاعُ سَمَاعَ الْقُرْآنِ وَالْمَوْعِظَةِ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ سَمَاعَ غِنَاءٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَمَنْ أَبَاحَهُ مِنْ الصُّوفِيَّةِ، فَلِمَنْ تَخَلَّى عَنْ اللَّهْوِ، وَتَحَلَّى بِالتَّقْوَى، وَاحْتَاجَ إلَى ذَلِكَ احْتِيَاجَ الْمَرِيضِ إلَى الدَّوَاءِ. وَلَهُ شَرَائِطُ سِتَّةٌ: أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ أَمْرَدُ، وَأَنْ تَكُونَ جَمَاعَتُهُمْ مِنْ جِنْسِهِمْ، وَأَنْ تَكُونَ نِيَّةُ الْقَوْلِ الْإِخْلَاصَ لَا أَخْذَ الْأَجْرِ وَالطَّعَامِ، وَأَنْ لَا يَجْتَمِعُوا لِأَجْلِ طَعَامٍ أَوْ فُتُوحٍ، وَأَنْ لَا يَقُومُوا إلَّا مَغْلُوبِينَ وَأَنْ لَا يُظْهِرُوا وَجْدًا إلَّا صَادِقِينَ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا رُخْصَةَ فِي السَّمَاعِ فِي زَمَانِنَا لِأَنَّ الْجُنَيْدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى تَابَ عَنْ السَّمَاعِ فِي زَمَانِهِ اهـ وَانْظُرْ مَا فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ (قَوْلُهُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ) أَيْ الْعَمَلِيَّ (قَوْلُهُ كَضَرْبِ قَصَبٍ) الَّذِي رَأَيْته فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَضِيبٍ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا (قَوْلُهُ فِسْقٌ) أَيْ خُرُوجٌ عَنْ الطَّاعَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي الْجُلُوسِ عَلَيْهَا اسْتِمَاعًا لَهَا وَالِاسْتِمَاعُ مَعْصِيَةٌ فَهُمَا مَعْصِيَتَانِ (قَوْلُهُ فَصَرْفُ الْجَوَارِحِ إلَخْ) سَاقَهُ تَعْلِيلًا لِبَيَانِ صِحَّةِ إطْلَاقِ الْكُفْرِ عَلَى كُفْرَانِ النِّعْمَةِ ط (قَوْلُهُ فَالْوَاجِبُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ اسْتِمَاعُ الْمَلَاهِي مَعْصِيَةٌ ط (قَوْلُهُ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي أُذُنِهِ) الَّذِي رَأَيْته فِي الْبَزَّازِيَّةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 349 تُكْرَهُ اهـ أَوْ لِتَغْلِيظِ الذَّنْبِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ أَوْ لِلِاسْتِحْلَالِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ. [فَائِدَةٌ] وَمِنْ ذَلِكَ ضَرْبُ النَّوْبَةِ لِلتَّفَاخُرِ، فَلَوْ لِلتَّنْبِيهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا إذَا ضَرَبَ فِي ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ لِتَذْكِيرِ ثَلَاثِ نَفَخَاتِ الصُّوَرِ لِمُنَاسِبَةٍ بَيْنَهُمَا فَبَعْدَ الْعَصْرِ لِلْإِشَارَةِ إلَى نَفْخَةِ الْفَزَعِ، وَبَعْدَ الْعِشَاءِ إلَى نَفْخَةِ الْمَوْتِ وَبَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى نَفْخَةِ الْبَعْثِ وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْمُلْتَقَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [رد المحتار] وَالْمِنَحِ بِالتَّثْنِيَةِ (قَوْلُهُ تُكْرَهُ) أَيْ تُكْرَهُ قِرَاءَتُهَا فَكَيْفَ التَّغَنِّي بِهَا. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: قِرَاءَةُ الْأَشْعَارِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ذِكْرُ الْفِسْقِ وَالْغُلَامِ وَنَحْوِهِ لَا تُكْرَهُ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: قِيلَ مَعْنَى الْكَرَاهَةِ فِي الشِّعْرِ أَنْ يَشْغَلَ الْإِنْسَانَ عَنْ الذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ. وَقَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ: وَاعْلَمْ أَنَّ مَا كَانَ حَرَامًا مِنْ الشِّعْرِ مَا فِيهِ فُحْشٌ أَوْ هَجْوُ مُسْلِمٍ أَوْ كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَلَى الصَّحَابَةِ أَوْ تَزْكِيَةُ النَّفْسِ أَوْ الْكَذِبُ أَوْ التَّفَاخُرُ الْمَذْمُومُ، أَوْ الْقَدْحُ فِي الْأَنْسَابِ، وَكَذَا مَا فِيهِ وَصْفُ أَمْرَدَ أَوْ امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا إذَا كَانَا حَيَّيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَصْفُ امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ حَيَّةٍ وَلَا وَصْفُ أَمْرَدَ مُعَيَّنٍ حَيٍّ حَسَنِ الْوَجْهِ بَيْنَ يَدَيْ الرِّجَالِ وَلَا فِي نَفْسِهِ، وَأَمَّا وَصْفُ الْمَيِّتَةِ أَوْ غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَا بَأْسَ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْأَمْرَدِ وَلَا وَصْفُ الْخَمْرِ الْمُهَيِّجِ إلَيْهَا وَالدِّيرِيَّاتِ وَالْحَانَاتِ وَالْهِجَاءِ وَلَوْ لِذِمِّيٍّ كَذَا فِي ابْنِ الْهُمَامِ وَالزَّيْلَعِيِّ. وَأَمَّا وَصْفُ الْخُدُودِ وَالْأَصْدَاغِ وَحُسْنِ الْقَدِّ وَالْقَامَةِ وَسَائِرِ أَوْصَافِ النِّسَاءِ وَالْمُرْدِ قَالَ بَعْضُهُمْ: فِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ فِي الْمَعَارِفِ: لَا يَلِيقُ بِأَهْلِ الدِّيَانَاتِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ إنْشَادُهُ عِنْدَ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْهَوَى وَالشَّهْوَةُ لِأَنَّهُ يُهَيِّجُهُ عَلَى إجَالَةِ فِكْرِهِ فِيمَنْ لَا يَحِلُّ، وَمَا كَانَ سَبَبًا لِمَحْظُورٍ فَهُوَ مَحْظُورٌ اهـ. أَقُولُ: وَقَدَّمْنَا أَنَّ إنْشَادَهُ لِلِاسْتِشْهَادِ لَا يَضُرُّ وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ إنْشَادُهُ أَوْ عَمَلُهُ لِتَشْبِيهَاتٍ بَلِيغَةٍ وَاسْتِعَارَاتٍ بَدِيعَةٍ (قَوْلُهُ أَوْ لِتَغْلِيظِ الذَّنْبِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَيْ بِالنِّعْمَةِ يَعْنِي إنَّمَا أَطْلَقَ عَلَيْهِ لَفْظَ الْكُفْرِ تَغْلِيظًا اهـ ح (قَوْلُهُ وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الْمَلَاهِي ط (قَوْلُهُ ثَلَاثِ نَفَخَاتِ الصُّورِ) هِيَ طَرِيقَةٌ لِبَعْضِهِمْ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُمَا نَفْخَتَانِ نَفْخَةُ الصَّعْقِ وَنَفْخَةُ الْبَعْثِ ط (قَوْلُهُ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ النَّفَخَاتِ وَالضَّرْبِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَوْقَاتِ (قَوْلُهُ فَبَعْدَ الْعَصْرِ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْمُنَاسَبَةِ فَإِنَّ النَّاسَ بَعْدَ الْعَصْرِ يَفْزَعُونَ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ إلَى مَنَازِلِهِمْ، وَبَعْدَ الْعِشَاءِ وَقْتُ نَوْمِهِمْ وَهُوَ الْمَوْتُ الْأَصْغَرُ، وَبَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ يَخْرُجُونَ مِنْ بُيُوتِهِمْ الَّتِي هِيَ كَقُبُورِهِمْ إلَى أَعْمَالِهِمْ. أَقُولُ: وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ آلَةَ اللَّهْوِ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً لِعَيْنِهَا، بَلْ لِقَصْدِ اللَّهْوِ مِنْهَا إمَّا مِنْ سَامِعِهَا أَوْ مِنْ الْمُشْتَغِلِ بِهَا وَبِهِ تُشْعِرُ الْإِضَافَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ ضَرْبَ تِلْكَ الْآلَةِ بِعَيْنِهَا حَلَّ تَارَةً وَحَرُمَ أُخْرَى بِاخْتِلَافِ النِّيَّةِ بِسَمَاعِهَا وَالْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا وَفِيهِ دَلِيلٌ لِسَادَاتِنَا الصُّوفِيَّةِ الَّذِينَ يَقْصِدُونَ أُمُورًا هُمْ أَعْلَمُ بِهَا، فَلَا يُبَادِرُ الْمُعْتَرِضُ بِالْإِنْكَارِ كَيْ لَا يُحَرِّمَ بَرَكَتَهُمْ، فَإِنَّهُمْ السَّادَةُ الْأَخْيَارُ أَمَدَّنَا اللَّهُ تَعَالَى بِإِمْدَادَاتِهِمْ، وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ صَالِحِ دَعَوَاتِهِمْ وَبَرَكَاتِهِمْ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْمُلْتَقَى) حَيْثُ قَالَ بَعْدَ عَزْوِهِ مَا مَرَّ إلَى الْمَلَاعِبِ لِلْإِمَامِ الْبَزْدَوِيِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بُوقُ الْحَمَامِ يَجُوزُ كَضَرْبِ النَّوْبَةِ. وَعَنْ الْحَسَنِ لَا بَأْسَ بِالدُّفِّ فِي الْعُرْسِ لِيَشْتَهِرَ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ جَلَاجِلُ وَلَمْ يُضْرَبْ عَلَى هَيْئَةِ التَّطَرُّبِ اهـ. أَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ طَبْلُ الْمُسَحِّرِ فِي رَمَضَانَ لِإِيقَاظِ النَّائِمِينَ لِلسُّحُورِ كَبُوقِ الْحَمَامِ تَأَمَّلْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 350 فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ (يَحْرُمُ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَلَوْ بِحَائِلٍ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَدَنِهِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) الصَّحِيحِ وَعَنْ الْإِمَامِ إنَّمَا يَحْرُمُ إذَا مَسَّ الْجِلْدَ. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: وَهِيَ رُخْصَةٌ عَظِيمَةٌ فِي مَوْضِعٍ عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى (أَوْ فِي الْحَرْبِ) فَإِنَّهُ يَحْرُمُ أَيْضًا عِنْدَهُ. وَقَالَا يَحِلُّ فِي الْحَرْبِ (عَلَى الرَّجُلِ لَا الْمَرْأَةِ إلَّا قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ) كَأَعْلَامِ الثَّوْبِ (مَضْمُومَةٍ) وَقِيلَ مَنْشُورَةٍ وَقِيلَ   [رد المحتار] [فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ] ِ اعْلَمْ أَنَّ الْكِسْوَةَ مِنْهَا فَرْضٌ وَهُوَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَيَدْفَعُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ مِنْ الْقُطْنِ أَوْ الْكَتَّانِ أَوْ الصُّوفِ عَلَى وِفَاقِ السُّنَّةِ بِأَنْ يَكُونَ ذَيْلُهُ لِنِصْفِ سَاقِهِ وَكُمُّهُ لِرُءُوسِ أَصَابِعِهِ وَفَمُهُ قَدْرَ شِبْرٍ كَمَا فِي النُّتَفُ بَيْنَ النَّفِيسِ وَالْخَسِيسِ إذْ خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا، وَلِلنَّهْيِ عَنْ الشُّهْرَتَيْنِ وَهُوَ مَا كَانَ فِي نِهَايَةِ النَّفَاسَةِ أَوْ الْخَسَاسَةِ، وَمُسْتَحَبٌّ: وَهُوَ الزَّائِدُ لِأَخْذِ الزِّينَةِ وَإِظْهَارِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ» وَمُبَاحٌ وَهُوَ الثَّوْبُ الْجَمِيلُ لِلتَّزَيُّنِ فِي الْأَعْيَادِ وَالْجُمَعِ وَمَجَامِعِ النَّاسِ لَا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ لِأَنَّهُ صَلَفٌ وَخُيَلَاءُ، وَرُبَّمَا يَغِيظُ الْمُحْتَاجِينَ فَالتَّحَرُّزُ عَنْهُ أَوْلَى وَمَكْرُوهٌ وَهُوَ اللُّبْسُ لِلتَّكَبُّرِ، وَيُسْتَحَبُّ الْأَبْيَضُ وَكَذَا الْأَسْوَدُ لِأَنَّهُ شِعَارُ بَنِي الْعَبَّاسِ «وَدَخَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» وَلُبْسُ الْأَخْضَرِ سُنَّةٌ كَمَا فِي الشِّرْعَةِ اهـ مِنْ الْمُلْتَقَى وَشَرْحِهِ. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ: لُبْسُ الثِّيَابِ الْجَمِيلَةِ مُبَاحٌ إذَا لَمْ يَتَكَبَّرْ وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا كَمَا كَانَ قَبْلَهَا اهـ وَمِنْ اللِّبَاسِ الْمُعْتَادِ: لُبْسُ الْفَرْوِ وَلَا بَأْسَ بِهِ مِنْ السِّبَاعِ كُلِّهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَيِّتَةِ الْمَدْبُوغَةِ وَالْمُذَكَّاةِ وَدِبَاغُهَا ذَكَاتُهَا مُحِيطٌ، وَلَا بَأْسَ بِجُلُودِ النَّمِرِ وَالسِّبَاعِ كُلِّهَا إذَا دُبِغَتْ أَنْ يُجْعَلَ مِنْهَا مُصَلًّى أَوْ مِنْبَرُ السَّرْجِ مُلْتَقَطٌ. وَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ السَّرَاوِيلُ الَّتِي تَقَعُ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمَيْنِ عَتَّابِيَّةٌ، وَلَا بَأْسَ بِنَعْلٍ مَخْصُوفٍ بِمَسَامِيرِ الْحَدِيدِ وَفِي الذَّخِيرَةِ مَا فِيهِ نَجَاسَةٌ تَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ هَلْ يَجُوزُ لُبْسُهُ ذَكَرَ فِي كَرَاهِيَةِ أَبِي يُوسُفَ فِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ قَلَنْسُوَةَ الثَّعَالِبِ، وَلَا يُصَلِّي بِهَا أَنَّ هَذَا زَلَّةٌ مِنْهُ. قُلْت: هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ تَتَارْخَانِيَّةٌ لَكِنْ قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّ لَهُ لُبْسَ ثَوْبٍ نَجِسٍ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَعَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ يَحْرُمُ لُبْسُ الْحَرِيرِ إلَخْ) أَيْ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَا يَأْتِي، قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْحَرِيرُ الْإِبْرَيْسَمُ الْمَطْبُوخُ وَسُمِّيَ الثَّوْبُ الْمُتَّخَذُ مِنْهُ حَرِيرًا (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ إلَخْ) نَقَلَهُ عَنْ أُسْتَاذِهِ بَدِيعٌ وَأَنَّهُ قَالَ لَكِنْ طَلَبْت هَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ فَلَمْ أَجِدْ سِوَى مَا عَنْ بُرْهَانِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ قَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُتُونِ الْمَوْضُوعَةِ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ وَالْفَتْوَى بِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَا يَحِلُّ فِي الْحَرْبِ) أَيْ لَوْ صَفِيقًا يَحْصُلُ بِهِ اتِّقَاءُ الْعَدُوِّ كَمَا يَأْتِي وَالْخِلَافُ فِيمَا لُحْمَتُهُ حَرِيرٌ وَسَدَاهُ، أَمَّا مَا لُحْمَتُهُ فَقَطْ حَرِيرٌ أَوْ سَدَاه حَرِيرٌ فَقَطْ يُبَاحُ لُبْسُهُ حَالَةَ الْحَرْبِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَيَأْتِي (قَوْلُهُ إلَّا قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إلَخْ) لِمَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إنَّمَا «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنْ الْحَرِيرِ» فَأَمَّا الْعَلَمُ وَسَدَى الثَّوْبِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَالْمُصْمَتُ الْخَالِصُ، وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا مَوْضِعَ أُصْبُعٍ أَوْ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ» وَهَلْ الْمُرَادُ قَدْرُ الْأَرْبَعِ أَصَابِعَ طُولًا وَعَرْضًا بِأَنْ لَا يَزِيدَ طُولُ الْعَلَمِ وَعَرْضُهُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ الْمُرَادُ عَرْضُهَا فَقَطْ، وَإِنْ زَادَ طُولُهُ عَلَى طُولِهَا الْمُتَبَادِرِ مِنْ كَلَامِهِمْ الثَّانِي، وَيُفِيدُهُ أَيْضًا مَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عَنْ الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ وَعَلَمُ الثَّوْبِ رَقْمُهُ وَهُوَ الطِّرَازُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا كَانَ مِنْ خَالِصِ الْحَرِيرِ نَسْجًا أَوْ خِيَاطَةً، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُطَرَّفِ، وَهُوَ مَا جُعِلَ طَرْفُهُ مُسَجَّفًا بِالْحَرِيرِ فِي أَنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِأَرْبَعِ أَصَابِعَ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ حَيْثُ قَيَّدُوا الْمُطَرَّزَ بِالْأَرْبَعِ أَصَابِعَ، وَبَنَوْا الْمُطَرَّفَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 351 بَيْنَ بَيْنَ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَدَمُ جَمْعِ الْمُتَفَرِّقِ وَلَوْ فِي عِمَامَةٍ كَمَا بَسَطَ فِي الْقُنْيَةِ وَفِيهَا عِمَامَةٌ طَرَّزَهَا قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ مِنْ إبْرَيْسَمٍ مِنْ أَصَابِعِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَلِكَ قَيْسُ شِبْرِنَا يُرَخَّصُ فِيهِ (وَكَذَا الْمَنْسُوجُ بِذَهَبٍ إذَا كَانَ هَذَا الْمِقْدَارُ) أَرْبَعَ أَصَابِعَ (وَإِلَّا لَا) يَحِلُّ لِلرَّجُلِ زَيْلَعِيٌّ. وَفِي الْمُجْتَبَى: الْعَلَمُ فِي الْعِمَامَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ يُجْمَعُ، وَقِيلَ لَا وَفِيهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عِمَامَةٌ عَلَيْهَا عَلَمٌ مِنْ قَصَبِ فِضَّةٍ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ لَا بَأْسَ وَمِنْ ذَهَبٍ يُكْرَهُ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ وَفِيهِ تُكْرَهُ الْجُبَّةُ الْمَكْفُوفَةُ بِالْحَرِيرِ.   [رد المحتار] عَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَإِنْ جَاوَزَ أَرْبَعَ أَصَابِعَ فَالْمُرَادُ بِالْعَلَمِ عِنْدَنَا مَا يَشْمَلُهُمَا، فَيَدْخُلُ فِيهِ السِّجَافُ وَمَا يُحِيطُ عَلَى أَطْرَافِ الْأَكْمَامِ وَمَا يُجْعَلُ فِي طَوْقِ الْجُبَّةِ وَهُوَ الْمُسَمَّى قُبَّةً وَكَذَا الْعُرْوَةُ وَالزِّرُّ كَمَا سَيَأْتِي،. وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ طُرَّةُ الطَّرْبُوشِ: أَيْ الْقَلَنْسُوَةُ مَا لَمْ تَزِدْ عَلَى عَرْضِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ وَكَذَا بَيْتُ تِكَّةِ السَّرَاوِيلِ، وَمَا عَلَى أَكْتَافِ الْعَبَاءَةِ وَعَلَى ظَهْرِهَا وَإِزَارُ الْحَمَّامِ الْمُسَمَّى بِالشِّطْرَنْجِيِّ، وَمَا فِي أَطْرَافِ الشَّاشِ سَوَاءٌ كَانَ تَطْرِيزًا بِالْإِبْرَةِ أَوْ نَسْجًا وَمَا يُرَكَّبُ فِي أَطْرَافِ الْعِمَامَةِ الْمُسَمَّى صجقا فَجَمِيعُ ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ عَرْضَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، وَإِنْ زَادَ عَلَى طُولِهَا بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ، وَمِثْلُهُ لَوْ رَقَعَ الثَّوْبَ بِقِطْعَةِ دِيبَاجٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ جَعَلَهَا حَشْوًا. قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: وَلَوْ جَعَلَ الْقَزَّ حَشْوًا لِلْقَبَاءِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ، وَلَوْ جُعِلَتْ ظِهَارَتُهُ أَوْ بِطَانَتُهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا مَقْصُودٌ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ، وَفِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَكْرَهُ بَطَائِنَ الْقَلَانِسِ مِنْ إبْرَيْسَمَ اهـ وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَتْ قُبَّةُ الْجُبَّةِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ أَصَابِعَ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فِي زَمَانِنَا فَخَيَّطَ فَوْقَهَا قِطْعَةَ كِرْبَاسٍ يَجُوزُ لُبْسُهَا لِأَنَّ الْحَرِيرَ صَارَ حَشْوًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَدَمُ جَمْعِ الْمُتَفَرِّقِ) أَيْ إلَّا إذَا كَانَ خَطَّ مِنْهُ قَزًّا وَخَطَّ مِنْهُ غَيْرَهُ بِحَيْثُ يُرَى كُلُّهُ قَزًّا فَلَا يَجُوزُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ عَنْ الْحَاوِي، وَمُقْتَضَاهُ حِلُّ الثَّوْبِ الْمَنْقُوشِ بِالْحَرِيرِ تَطْرِيزًا وَنَسْجًا إذَا لَمْ تَبْلُغْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ نُقُوشِهِ أَرْبَعَ أَصَابِعَ، وَإِنْ زَادَتْ بِالْجَمْعِ مَا لَمْ يُرَ كُلُّهُ حَرِيرًا تَأَمَّلْ. قَالَ ط: وَهَلْ حُكْمُ الْمُتَفَرِّقِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ كَذَلِكَ يُحَرَّرُ (قَوْلُهُ وَفِيهَا) أَيْ الْقُنْيَةِ وَقَدْ رَمَزَ فِيهَا بَعْدَ هَذَا النَّجْمِ الْأَئِمَّةُ الْمُعْتَبَرُ أَرْبَعُ أَصَابِعَ كَمَا هِيَ عَلَى هَيْئَتِهَا لَا أَصَابِعِ السَّلَفِ ثُمَّ رَمَزَ لِلْكَرْمَانِيِّ مَنْشُورَةً ثُمَّ رَمَزَ لِلْكَرَابِيسِيِّ التَّحَرُّزُ عَنْ مِقْدَارِ الْمَنْشُورَةِ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ زَيْلَعِيٌّ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ مُطْلَقَةٌ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالرَّجُلِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْحُلِيِّ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ النِّسَاءِ فِيهِ كَالرِّجَالِ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْحُلِيَّ كَمَا فِي الْقَامُوسِ مَا يُتَزَيَّنُ بِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الثَّوْبَ الْمَنْسُوجَ بِالذَّهَبِ حُلِيٌّ. وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ النِّسَاءَ فِيمَا سِوَى الْحُلِيِّ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالِادِّهَانِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْعُقُودِ بِمَنْزِلَةِ الرِّجَالِ؛ وَلَا بَأْسَ لَهُنَّ بِلُبْسِ الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَاللُّؤْلُؤِ اهـ. وَفِي الْهِدَايَةِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُلْبِسَ الذُّكُورُ مِنْ الصِّبْيَانِ الذَّهَبَ وَالْحَرِيرَ اهـ وَسَيَأْتِي وَفِي الْقُنْيَةِ لَا بَأْسَ بِالْعَلَمِ الْمَنْسُوجِ بِالذَّهَبِ لِلنِّسَاءِ فَأَمَّا لِلرِّجَالِ فَقَدْرُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ وَمَا فَوْقَهُ يُكْرَهُ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَهَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ فِي عِمَامَةٍ (قَوْلُهُ وَفِيهِ) أَيْ فِي الْمُجْتَبَى وَكَذَا الضَّمَائِرُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَمِنْ ذَهَبٍ يُكْرَهُ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ كَأَنَّهُ اعْتَبَرَهُ بِالْخَاتَمِ اهـ وَفِيهَا وَكَذَا فِي الْقَلَنْسُوَةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ يَجُوزُ قَدْرُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ كَانَتْ مِنْ حَرِيرٍ اهـ. قُلْت: وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي عَلَمِ الثَّوْبِ مِنْ الذَّهَبِ (قَوْلُهُ تُكْرَهُ الْجُبَّةُ الْمَكْفُوفَةُ بِالْحَرِيرِ) هَذَا غَيْرُ مَا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ فَإِنَّهُ نَقَلَ فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: أَنَّ لُبْسَ الْمَكْفُوفِ بِالْحَرِيرِ مُطْلَقٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ. وَفِي التَّبْيِينِ «عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 352 قُلْت: وَبِهَذَا ثَبَتَ كَرَاهَةُ مَا اعْتَادَهُ أَهْلُ زَمَانِنَا مِنْ الْقُمُصِ الْبَصْرِيَّةِ وَفِيهِ الْمُرَخَّصُ الْعَلَمُ فِي عَرْضِ الثَّوْبِ. قُلْت: وَمُفَادُهُ أَنَّ الْقَلِيلَ فِي طُولِهِ يُكْرَهُ اهـ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَبِهِ جَزَمَ مُنْلَا خُسْرو وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ لَكِنَّ إطْلَاقَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا يُخَالِفُهُ. وَفِي السِّرَاجِ عَنْ السَّيْرِ الْكَبِيرِ: الْعَلَمُ حَلَالٌ مُطْلَقًا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِأَرْبَعِ أَصَابِعَ وَفِيهِ رُخْصَةٌ عَظِيمَةٌ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ فِي زَمَانِنَا اهـ. قُلْت: قَالَ شَيْخُنَا وَأَظُنُّ أَنَّهُ الرَّايَةُ وَمَا يُعْقَدُ عَلَى الرُّمْحِ فَإِنَّهُ حَلَالٌ وَلَوْ كَبِيرًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلُبْسٍ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ (وَلَا بَأْسَ بِكِلَّةِ الدِّيبَاجِ) هُوَ مَا سَدَاه وَلُحْمَتُهُ إبْرَيْسَمَ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ (لِلرِّجَالِ) الْكِلَّةُ بِالْكَسْرِ الْبُشْخَانَةُ وَالنَّامُوسِيَّةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ يُلْبَسُ وَنَظَمَهُ شَارِحُ الْوَهْبَانِيَّةِ فَقَالَ: وَفِي كِلَّةِ الدِّيبَاجِ فَالنَّوْمُ جَائِزٌ ... وَفِي قُنْيَةٌ وَالْمُنْتَقَى ذَا مُسَطَّرُ (وَتُكْرَهُ التِّكَّةُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدِّيبَاجِ هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهَا   [رد المحتار] أَخْرَجَتْ جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ عَلَيْهَا لَبِنَةُ شِبْرٍ مِنْ دِيبَاجٍ كِسْرَوَانِيٍّ وَفَرْجَاهَا مَكْفُوفَانِ بِهِ فَقَالَتْ هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَلْبَسُهَا وَكَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - فَلَمَّا قُبِضَتْ عَائِشَةُ قَبَضْتُهَا إلَيَّ فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرِيضِ فَيَشْتَفِي بِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَةَ الشَّبْرِ اهـ ط. وَفِي الْهِدَايَةِ وَعَنْهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ جُبَّةً مَكْفُوفَةً بِالْحَرِيرِ» اهـ وَفِي الْقَامُوسِ: كَفَّ الثَّوْبَ كَفًّا خَاطَ حَاشِيَتَهُ وَهُوَ الْخِيَاطَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ الشَّلِّ وَفِيهِ لَبِنَةُ الْقَمِيصِ نَبِيقَتُهُ (قَوْلُهُ قُلْت) الْقَائِلُ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى، وَقَدْ عَلِمْت حُكْمَ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ هَذَا الْقَوْلُ (قَوْلُهُ الْبَصْرِيَّةِ) الَّذِي رَأَيْته فِي الْمُجْتَبَى الْمَضْرَبَةِ مِنْ التَّضْرِيبِ (قَوْلُهُ قُلْت وَمُفَادُهُ) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى أَيْضًا (قَوْلُهُ وَبِهِ جَزَمَ) أَيْ بِالتَّقْيِيدِ بِالْعَرْضِ، وَكَذَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْكَمَالِ وَالْقُهُسْتَانِيُّ وَنَقَلَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ جَامِعِ الْجَوَامِعِ (قَوْلُهُ لَكِنْ إطْلَاقُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا يُخَالِفُهُ) أَيْ يُخَالِفُ التَّقْيِيدَ بِالْعَرْضِ، وَقَدْ يُقَالُ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ مِنْ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ وَالْحَادِثَةِ عَلَى أَنَّ الْمُتُونَ كَثِيرًا مَا تُطْلِقُ الْمَسَائِلَ عَنْ بَعْضِ قُيُودِهَا تَأَمَّلْ وَلَكِنَّ إطْلَاقَ الْمُتُونِ مُوَافِقٌ لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ، وَهُوَ أَرْفَقُ بِأَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ لِئَلَّا يَقَعُوا فِي الْفِسْقِ وَالْعِصْيَانِ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُخَالِفٌ إلَخْ) نَعَمْ هَذَا مُخَالِفٌ لِلْمُتُونِ صَرِيحًا فَتُقَدَّمُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) هَذَا بَعِيدٌ جِدًّا فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَأَمَّا لُبْسُ مَا عَلَمُهُ حَرِيرٌ أَوْ مَكْفُوفٌ فَمُطْلَقٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ خِلَافًا لِبَعْضِ النَّاسِ وَعَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ وَلَمْ يُقَدِّرْ اهـ. فَكَلَامُهُمْ فِي الْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ الْمَلْبُوسِ لَا الْعَلَمُ الَّذِي هُوَ الرَّايَةُ؛ وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ مَعْنًى لِقَوْلِهِمْ فِي الثَّوْبِ، وَلَا لِلتَّعْلِيلِ بِالتَّبَعِيَّةِ. هَذَا: وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مَا نَصُّهُ: بَقِيَ الْكَلَامُ فِي النِّسَاءِ قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ: يَحِلُّ لَهُنَّ لُبْسُ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: لَا يَحِلُّ، وَأَمَّا لُبْسُ مَا عَلَمُهُ حَرِيرٌ إلَى آخِرِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ إطْلَاقِ الْعَلَمِ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا فَلَا إشْكَالَ وَالتَّوْفِيقُ بِهِ أَحْسَنُ وَإِلَّا فَهُمَا رِوَايَتَانِ (قَوْلُهُ هُوَ مَا سَدَاه إلَخْ) السَّدَى بِالْفَتْحِ مَا مُدَّ مِنْ الثَّوْبِ وَاللُّحْمَةُ بِالضَّمِّ مَا تُدْخَلُ بَيْنَ السَّدَى وَالْإِبْرَيْسَمِ بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا الْحَرِيرُ (قَوْلُهُ الْكِلَّةُ بِالْكَسْرِ الْبُشْخَانَةُ وَالنَّامُوسِيَّةُ) كَذَا قَالَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَفِي الْقَامُوسِ: الْكِلَّةُ بِالْكَسْرِ السِّتْرُ الرَّقِيقُ وَغِشَاءٌ رَقِيقٌ يُتَوَقَّى بِهِ مِنْ الْبَعُوضِ (قَوْلُهُ وَتُكْرَهُ التِّكَّةُ) بِالْكَسْرِ رِبَاطُ السَّرَاوِيلِ جَمْعُهَا تِكَكٌ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 353 (وَكَذَا) تُكْرَهُ (الْقَلَنْسُوَةُ وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ الْعِمَامَةِ وَالْكِيسُ الَّذِي يُعَلَّقُ) قُنْيَةٌ. (وَاخْتُلِفَ فِي عَصْبِ الْجِرَاحَةِ بِهِ) أَيْ بِالْحَرِيرِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَفِيهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُزَيِّنَ بَيْتَهُ بِالدِّيبَاجِ وَيَتَجَمَّلَ   [رد المحتار] وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَا تُكْرَهُ تِكَّةُ الْحَرِيرِ، لِأَنَّهَا لَا تُلْبَسُ وَحْدَهَا وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ لَا بَأْسَ بِتِكَّةِ الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ يُكْرَهُ عِنْدَهُمَا اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَذَا تُكْرَهُ الْقَلَنْسُوَةُ) ذَكَرَ مُنْلَا مِسْكِينٍ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ، وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْقَلَانِسِ لَفْظُ الْجَمْعِ يَشْمَلُ قَلَنْسُوَةَ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْكِرْبَاسِ وَالسَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا هُنَا لِذِكْرِهِ فِي مَحَلِّهِ صَرِيحًا لَا أَخْذًا مِنْ الْعُمُومِ ط وَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: يُكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَ الذُّكُورُ قَلَنْسُوَةً مِنْ الْحَرِيرِ أَوْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ الْكِرْبَاسِ الَّذِي خِيطَ عَلَيْهِ إبْرَيْسَمَ كَثِيرٌ أَوْ شَيْءٌ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ اهـ وَبِهِ يُعْلَمُ حُكْمُ الْعَرَقِيَّةِ الْمُسَمَّاةِ بِالطَّاقِيَّةِ، فَإِذَا كَانَتْ مُنَقَّشَةً بِالْحَرِيرِ وَكَانَ أَحَدُ نُقُوشِهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ أَصَابِعَ لَا تَحِلُّ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ تَحِلُّ، وَإِنْ زَادَ مَجْمُوعُ نُقُوشِهَا عَلَى أَرْبَعِ أَصَابِعَ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ عَدَمُ جَمْعِ الْمُتَفَرِّقِ (قَوْلُهُ وَالْكِيسُ الَّذِي يُعَلَّقُ) أَيْ يُعَلِّقُهُ الرَّجُلُ مَعَهُ لَا الَّذِي يُوضَعُ وَلَا الَّذِي يُعَلِّقُهُ فِي الْبَيْتِ، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الَّذِي لَا يُعَلَّقُ وَالظَّاهِرُ فِي وَجْهِهِ أَنَّ التَّعْلِيقَ يُشْبِهُ اللُّبْسَ، فَحَرُمَ لِذَلِكَ لِمَا عُلِمَ أَنَّ الشُّبْهَةَ فِي بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ مُلْحَقَةٌ بِالْيَقِينِ رَمْلِيٌّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكِيسِ الْمُعَلَّقِ نَحْوُ كِيسِ التَّمَائِمِ الْمُسَمَّاةِ بِالْحَمَائِلِ، فَإِنَّهُ يُعَلَّقُ بِالْعُنُقِ بِخِلَافِ كِيسِ الدَّرَاهِمِ إذَا كَانَ يَضَعُهُ فِي جَيْبِهِ مَثَلًا بِدُونِ تَعْلِيقٍ. وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَى سَجَّادَةٍ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ، لِأَنَّ الْحَرَامَ هُوَ اللُّبْسُ أَمَّا الِانْتِفَاعُ بِسَائِرِ الْوُجُوهِ، فَلَيْسَ بِحَرَامٍ كَمَا فِي صَلَاةِ الْجَوَاهِرِ وَأَقَرَّهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَغَيْرُهُ. قُلْت: وَمِنْهُ يُعْلَمُ حُكْمُ مَا كَثُرَ السُّؤَالُ عَنْهُ مِنْ بَنْدِ السُّبْحَةِ فَلْيُحْفَظْ اهـ فَقَوْلُهُ هُوَ اللُّبْسُ أَيْ وَلَوْ حُكْمًا لِمَا فِي الْقُنْيَةِ اسْتِعْمَالُ اللِّحَافِ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ نَوْعُ لُبْسٍ بَقِيَ الْكَلَامُ فِي بَنْدِ السَّاعَةِ الَّذِي تُرْبَطُ بِهِ، وَيُعَلِّقُهُ الرَّجُلُ بِزِرِّ ثَوْبِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَبَنْدِ السُّبْحَةِ الَّذِي تُرْبَطُ بِهِ تَأَمَّلْ، وَمِثْلُهُ بَنْدُ الْمَفَاتِيحِ وَبُنُودُ الْمِيزَانِ وَلَيْقَةُ الدَّوَاةِ وَكَذَا الْكِتَابَةُ فِي وَرَقِ الْحَرِيرِ وَكِيسُ الْمُصْحَفِ وَالدَّرَاهِمِ، وَمَا يُغَطَّى بِهِ الْأَوَانِي وَمَا تُلَفُّ فِيهِ الثِّيَابُ وَهُوَ الْمُسَمَّى بقجة وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ انْتِفَاعٌ بِدُونِ لُبْسٍ أَوْ مَا يُشْبِهُ اللُّبْسَ. وَفِي الْقُنْيَةِ دَلَّالٌ يُلْقِي ثَوْبَ الدِّيبَاجِ عَلَى مَنْكِبَيْهِ لِلْبَيْعِ يَجُوزُ إذَا لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي الْكُمَّيْنِ وَقَالَ عَيْنُ الْأَئِمَّةِ الْكَرَابِيسِيُّ فِيهِ كَلَامٌ بَيْنَ الْمَشَايِخِ اهـ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ: أَنَّ إلْقَاءَ الثَّوْبِ عَلَى الْكَتِفَيْنِ إنَّمَا قَصَدَ بِهِ الْحَمْلَ دُونَ الِاسْتِعْمَالِ فَلَمْ يُشْبِهْ اللُّبْسَ الْمَقْصُودَ لِلِانْتِفَاعِ تَأَمَّلْ. وَنَقَلَ فِي الْقُنْيَةِ: أَنَّهُ تُكْرَهُ اللِّفَافَةُ الإبْرَيْسَمِيَّة وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا شَيْءٌ يُلَفُّ عَلَى الْجَسَدِ أَوْ بَعْضُهَا لَا مَا يُلَفُّ بِهَا الثِّيَابُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَاخْتُلِفَ إلَخْ) فِي الْهِنْدِيَّةِ وَعَلَى الْخِلَافِ لُبْسُ التِّكَّةِ مِنْ الْحَرِيرِ قِيلَ: يُكْرَهُ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا عِصَابَةُ الْمُفْتَصِدِ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، لِأَنَّهُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ كَذَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ اهـ ط (قَوْلُهُ أَنْ يُزَيِّنَ بَيْتَهُ إلَخْ) ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي شَرْحِ السِّيَرِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَسْتُرَ حِيطَانَ الْبُيُوتِ بِاللُّبُودِ الْمُنَقَّشَةِ وَإِذَا كَانَ قَصْدُ فَاعِلِهِ الزِّينَةَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ إرْخَاءُ السِّتْرِ عَلَى الْبَابِ مَكْرُوهٌ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ، لِأَنَّهُ زِينَةٌ وَتَكَبُّرٌ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّكَبُّرِ يُكْرَهُ وَإِنْ فُعِلَ لِحَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ لَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ هِنْدِيَّةٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِمُجَرَّدِ الزِّينَةِ بِلَا تَكَبُّرٍ وَلَا تَفَاخُرٍ يُكْرَهُ لَكِنْ نَقَلَ بَعْدَهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مَا يُخَالِفُهُ تَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ مَا يُفْعَلُ أَيَّامَ الزِّينَةِ مِنْ فَرْشِ الْحَرِيرِ وَوَضْعِ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِلَا اسْتِعْمَالٍ جَائِزٌ إذَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّفَاخُرَ بَلْ مُجَرَّدُ امْتِثَالِ أَمْرِ السُّلْطَانِ، بِخِلَافِ إيقَادِ الشُّمُوعِ وَالْقَنَادِيلِ فِي النَّهَارِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ إلَّا إذَا خَافَ مِنْ مُعَاقَبَةِ الْحَاكِمِ وَحَيْثُ كَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى مُنْكَرَاتٍ لَا يَجُوزُ التَّفَرُّجُ عَلَيْهَا، وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 354 بِأَوَانٍ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ بِلَا تَفَاخُرٍ وَفِي الْقُنْيَةِ يَحْسُنُ لِلْفُقَهَاءِ لَفُّ عِمَامَةٍ طَوِيلَةٍ وَلُبْسُ ثِيَابٍ وَاسِعَةٍ وَفِيهَا لَا بَأْسَ بِشَدِّ خِمَارٍ أَسْوَدَ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنْ إبْرَيْسَمٍ لِعُذْرٍ قُلْت وَمِنْهُ الرَّمَدُ وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْمُنْتَقَى لَا بَأْسَ بِعُرْوَةِ الْقَمِيصِ وَزِرِّهِ مِنْ الْحَرِيرِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَا بَأْسَ بِأَزْرَارِ الدِّيبَاجِ وَالذَّهَبِ وَفِيهَا عَنْ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ لَا يُكْرَهُ عَلَمُ الثَّوْبِ مِنْ الْفِضَّةِ وَيُكْرَهُ مِنْ الذَّهَبِ قَالُوا وَهَذَا مُشْكِلٌ فَقَدْ رَخَّصَ الشَّرْعُ فِي الْكَفَافِ وَالْكَفَافُ قَدْ يَكُونُ الذَّهَبُ (وَيَحِلُّ تَوَسُّدُهُ وَافْتِرَاشُهُ) وَالنَّوْمُ عَلَيْهِ وَقَالَا وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ حَرَامٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ قُلْت فَلْيُحْفَظْ هَذَا لَكِنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَأَمَّا جَعْلُهُ دِثَارًا أَوْ إزَارًا فَإِنَّهُ يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ سِرَاجٌ وَأَمَّا الْجُلُوسُ   [رد المحتار] الشَّهَادَاتِ مِمَّا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ الْخُرُوجُ لِفُرْجَةِ قُدُومِ أَمِيرٍ أَيْ لِمَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ وَمِنْ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ لِهَذَا أَوْلَى فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ لَفُّ عِمَامَةٍ طَوِيلَةٍ) لَعَلَّهُمْ تَعَافُّوهَا كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ عُرْفُ بِلَادٍ أُخَرَ أَنَّهَا تُعَظِّمُ بِغَيْرِ الطُّولِ يُفْعَلُ لِإِظْهَارِ مَقَامِ الْعِلْمِ وَلِأَجْلِ أَنْ يُعْرَفُوا فَيُسْأَلُوا عَنْ أُمُورِ الدِّينِ ط (قَوْلُهُ وَفِيهَا) أَيْ فِي الْقُنْيَةِ وَنِصْفُهَا يَضُرُّهُ النَّظَرُ الدَّائِمُ إلَيَّ الثَّلْجِ وَهُوَ يَمْشِي فِيهِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَشُدَّ عَلَى عَيْنَيْهِ خِمَارًا أَسْوَدَ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ قُلْت فَفِيهِ الْعَيْنُ الرَّمِدَةُ أَوْلَى اهـ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَمَّا لِلْحَاجَةِ فَلَا بَأْسَ بِلُبْسِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ «عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ بِهِمَا جَرَبٌ كَثِيرٌ فَاسْتَأْذَنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ فَأَذِنَ لَهُمَا» اهـ أَقُولُ لَكِنْ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ قُبَيْلَ الْفَصْلِ الْآتِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَخَّصَ ذَلِكَ خُصُوصِيَّةً لَهُمَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَقَدْ رَخَّصَ الشَّرْعُ فِي الْكَفَافِ إلَخْ) الْكَفَافُ مَوْضِعُ الْكَفِّ مِنْ الْقَمِيصِ، وَذَلِكَ فِي مُوَاصِلِ الْبَدَنِ وَالدَّخَارِيصِ أَوْ حَاشِيَةِ الذَّيْلِ مُغْرِبٌ قَالَ ط وَفِيهِ أَنَّ الْوَارِدَ عَنْ الشَّارِعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَبِسَ الْجُبَّةَ الْمَكْفُوفَةَ بِحَرِيرٍ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ فِضَّةٍ وَلَا ذَهَبٍ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُحَرَّرْ اهـ أَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَ الِاسْتِشْكَالِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْعَلَمِ وَالْكَفَافِ فِي الثَّوْبِ إنَّمَا حَلَّ لِكَوْنِهِ قَلِيلًا وَتَابِعًا غَيْرَ مَقْصُودٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَقَدْ اسْتَوَى كُلٌّ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَرِيرِ فِي الْحُرْمَةِ فَتَرْخِيصُ الْعَلَمِ وَالْكَفَافِ مِنْ الْحَرِيرِ تَرْخِيصٌ لَهُمَا مِنْ غَيْرِهِ أَيْضًا بِدَلَالَةِ الْمُسَاوَاةِ وَيُؤَيِّدُ عَدَمَ الْفَرْقِ مَا مَرَّ مِنْ إبَاحَةِ الثَّوْبِ الْمَنْسُوجِ مِنْ ذَهَبٍ أَرْبَعَةَ أَصَابِعَ وَكَذَا كِتَابَةُ الثَّوْبِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَالْإِنَاءُ وَنَحْوُهُ الْمُضَبَّبُ بِهِمَا فَتَأَمَّلْ وَالْإِشْكَالُ الْوَارِدُ هُنَا وَارِدٌ أَيْضًا عَلَى مَا قَدَّمَهُ عَنْ الْمُجْتَبَى فِي عَلَمِ الْعِمَامَةِ (قَوْلُهُ وَيَحِلُّ تَوَسُّدُهُ) الْوِسَادَةُ الْمِخَدَّةُ مِنَحٌ وَتُسَمَّى مُرْفَقَةً وَإِنَّمَا حَلَّ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَسَ عَلَى مُرْفَقَةِ حَرِيرٍ» وَكَانَ عَلَى بِسَاطِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مُرْفَقَةُ حَرِيرٍ وَرُوِيَ أَنَّ أَنَسًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَضَرَ وَلِيمَةً فَجَلَسَ عَلَى وِسَادَةِ حَرِيرٍ وَلِأَنَّ الْجُلُوسَ عَلَى الْحَرِيرِ اسْتِخْفَافٌ وَلَيْسَ بِتَعْظِيمٍ فَجَرَى مَجْرَى الْجُلُوسِ عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ مِنَحٌ عَنْ السِّرَاجِ (قَوْلُهُ وَقَالَا إلَخْ) قِيلَ أَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي ح وَقِيلَ مَعَ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ) وَمِثْلُهُ فِي مَتْنِ دُرَرِ الْبِحَارِ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَبِهِ أَخَذَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ اهـ وَنَقَلَ مِثْلَهُ ابْنُ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ) قَالَ فِيهِ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قُلْت هَذَا التَّصْحِيحُ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْمُتُونُ الْمُعْتَبَرَةُ الْمَشْهُورَةُ وَالشُّرُوحُ (قَوْلُهُ وَأَمَّا جَعْلُهُ دِثَارًا) الدِّثَارُ بِالْكَسْرِ مَا فَوْقَ الشِّعَارِ مِنْ الثِّيَابِ وَالشِّعَارُ كَكِتَابٍ مَا تَحْتَ الدِّثَارِ مِنْ اللِّبَاسِ وَهُوَ مَا يَلِي شَعْرَ الْجَسَدِ وَيُفْتَحُ جَمْعُهُ أَشْعُرُ قَامُوسٌ فَالدِّثَارُ مَالًا يُلَاقِي الْجَسَدَ وَالشِّعَارُ بِخِلَافِهِ وَشَمِلَ الدِّثَارُ مَا لَوْ كَانَ بَيْنَ ثَوْبَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا إلَّا إذَا كَانَ حَشْوًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ) وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يَحْرُمُ مَا مَسَّ الْجِلْدَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 355 عَلَى الْفِضَّةِ فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ شَرْحُ مَجْمَعٍ (وَ) يَحِلُّ (لُبْسُ مَا سَدَاه إبْرَيْسَمٌ وَلُحْمَتُهُ غَيْرُهُ) كَكَتَّانٍ وَقُطْنٍ وَخَزٍّ لِأَنَّ الثَّوْبَ إنَّمَا يَصِيرُ ثَوْبًا بِالنَّسْجِ وَالنَّسْجُ بِاللُّحْمَةِ فَكَانَتْ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ السَّدَى. قُلْت: وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْمَوَاهِبِ يُكْرَهُ مَا سَدَاه ظَاهِرٌ كَالْعَتَّابِي وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ وَنَحْوُهُ فِي الِاخْتِيَارِ. قُلْت: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَجَّحَ اعْتِبَارُ اللُّحْمَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْعَزْمِيَّةِ بَلْ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ أَكْثَرَ الْمَشَايِخِ أَفْتَوْا بِخِلَافِهِ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ الْخَزُّ صُوفُ غَنَمِ الْبَحْرِ اهـ.   [رد المحتار] تَقَدَّمَ، فَلَعَلَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْهُ لِضَعْفِهِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ) لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ تَامٌّ إذْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ لَا يُلْبَسَانِ زَيْلَعِيٌّ. أَقُولُ: وَلَعَلَّهُ عَبَّرَ هُنَا بِالْحُرْمَةِ وَفِيمَا قَبْلَهُ بِالْكَرَاهَةِ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ؛ فَإِنَّ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ عَنْ الْإِمَامِ قَدْ نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - تَأَمَّلْ. [تَتِمَّةٌ] يَجْرِي الِاخْتِلَافُ الْمَارُّ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي سِتْرِ الْحَرِيرِ وَتَعْلِيقِهِ عَلَى الْأَبْوَابِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَكَذَا لَا يُكْرَهُ وَضْعُ مُلَاءَةِ الْحَرِيرِ عَلَى مَهْدِ الصَّبِيِّ، وَقَدَّمْنَا كَرَاهَةَ اسْتِعْمَالِ اللِّحَافِ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ، لِأَنَّهُ نَوْعُ لُبْسٍ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ عَلَى السَّجَّادَةِ مِنْهُ، لِأَنَّ الْحَرَامَ هُوَ اللُّبْسُ دُونَ الِانْتِفَاعِ. أَقُولُ: وَمُفَادُهُ جَوَازُ اتِّخَاذِ خِرْقَةِ الْوُضُوءِ مِنْهُ بِلَا تَكَبُّرٍ إذْ لَيْسَ بِلُبْسٍ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا بِخِلَافِ اللِّحَافِ وَالتِّكَّةِ وَعِصَابَةِ الْمُفْتَصِدِ تَأَمَّلْ لَكِنْ نَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ شَرْحِ الْهَامِلِيَّةِ لِلْحَدَّادِيِّ أَنَّهُ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الثَّوْبِ الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ اهـ. قُلْت: وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ بَيْنَ الِافْتِرَاشِ لِلْجُلُوسِ أَوْ النَّوْمِ أَوْ الصَّلَاةِ تَدَبَّرْ وَيُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ اللِّحَافِ وَالْكِيسِ الْمُعَلَّقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَنَّ مَا يُمَدُّ عَلَى الرُّكَبِ عِنْدَ الْأَكْلِ فَيَقِي الثَّوْبَ مَا يَسْقُطُ مِنْ الطَّعَامِ وَالدَّسَمِ وَيُسَمَّى بَشْكِيرًا يُكْرَهُ إذَا كَانَ مِنْ حَرِيرٍ لِأَنَّهُ نَوْعٌ لُبْسٍ وَمَا اُشْتُهِرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَامَّةِ أَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ الْإِهَانَةُ فَذَلِكَ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ نَوْعُ لُبْسٍ كَالتَّوَسُّدِ وَالْجُلُوسِ، فَإِنَّ الْإِهَانَةَ فِي التِّكَّةِ وَعِصَابَةِ الْفِصَادَةِ أَبْلَغُ وَمَعَ هَذَا تُكْرَهُ فَكَذَا مَا ذُكِرَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلُحْمَتُهُ غَيْرُهُ) سَوَاءٌ كَانَ مَغْلُوبًا أَوْ غَالِبًا أَوْ مُسَاوِيًا لِلْحَرِيرِ وَقِيلَ لَا يُلْبَسُ إلَّا إذَا غَلَبَتْ اللُّحْمَةُ عَلَى الْحَرِيرِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَأَقَرَّهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَغَيْرُهُ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَخَزٌّ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الزَّاي وَيَأْتِي مَعْنَاهُ (قَوْلُهُ فَكَانَتْ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ السَّدَى) لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْحُكْمِ لِآخِرِ وَصْفَيْ الْعِلَّةِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ كَالْعَتَّابِيِّ) هُوَ مِثْلُ الْقُطْنِيِّ وَالْأَطْلَسِ فِي زَمَانِنَا (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ فِي الِاخْتِيَارِ) حَيْثُ قَالَ: وَمَا كَانَ سَدَاه ظَاهِرًا كَالْعَتَّابِيِّ قِيلَ يُكْرَهُ، لِأَنَّ لَابِسَهُ فِي مَنْظَرِ الْعَيْنِ لَابِسُ حَرِيرٍ وَفِيهِ خُيَلَاءُ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ اعْتِبَارًا بِاللُّحْمَةِ اهـ ط (قَوْلُهُ قُلْت وَلَا يَخْفَى إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُتُونَ مُطْلَقَةٌ فِي حِلِّ لُبْسِ مَا سَدَاه إبْرَيْسَمٍ وَلُحْمَتُهُ غَيْرُهُ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ: وَهِيَ كَذَلِكَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ عَلَّلَ الْمَشَايِخُ الْمَسْأَلَةَ بِتَعْلِيلَيْنِ الْأَوَّلُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْهِدَايَةِ وَالثَّانِي مَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ أَنَّ اللُّحْمَةَ تَكُونُ عَلَى ظَاهِرِ الثَّوْبِ تُرَى وَتُشَاهَدُ فَالتَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ نَاظِرٌ إلَى اعْتِبَارِ اللُّحْمَةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا كَآخِرِ وَصْفَيْ الْعِلَّةِ كَمَا مَرَّ، وَالثَّانِي نَاظِرٌ إلَى ظُهُورِهَا فَعَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ لُبْسُ الْعَتَّابِيِّ وَنَحْوِهِ وَعَلَى الثَّانِي يُكْرَهُ كَمَا ذَكَرَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَفِي تَقْرِيرِ الزَّيْلَعِيِّ هُنَا خَفَاءٌ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ اعْتِبَارُ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ بَعْدَهُ وَالِاعْتِبَارُ لِلُّحْمَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. (قَوْلُهُ بَلْ فِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) وَنَصُّهُ إنَّمَا يَجُوزُ مَا كَانَ سَدَاهُ إبْرَيْسَمًا وَلُحْمَتُهُ قُطْنٌ إذَا كَانَ مَخْلُوطًا لَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ الْإِبْرَيْسَمُ، أَمَّا إذَا صَارَ عَلَى وَجْهِهِ كَالْعَتَّابِيِّ فِي زَمَانِنَا وَالشَّشْتَرِيِّ وَالْقَتِبِي فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِلتَّشَبُّهِ بِزِيِّ الْجَبَابِرَةِ قُلْت: وَلَكِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 356 قُلْت: وَهَذَا كَانَ فِي زَمَانِهِمْ وَأَمَّا الْآنَ فَمِنْ الْحَرِيرِ وَحِينَئِذٍ فَيَحْرُمُ بُرْجُنْدِيٌّ وتتارخانية فَلْيُحْفَظْ (وَ) حَلَّ (عَكْسُهُ فِي الْحَرْبِ فَقَطْ) لَوْ صَفِيقًا يَحْصُلُ بِهِ اتِّقَاءُ الْعَدُوِّ فَلَوْ رَقِيقًا حَرُمَ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ سِرَاجٌ وَأَمَّا خَالِصُهُ فَيُكْرَهُ فِيهَا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا مُلْتَقًى. قُلْت: وَلَمْ أَرَ مَا لَوْ خُلِطَتْ اللُّحْمَةُ بِإِبْرَيْسَمٍ وَغَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُ الْغَالِبِ وَفِي حَاوِي الزَّاهِدِيِّ: يُكْرَهُ مَا كَانَ ظَاهِرُهُ قَزٌّ أَوْ خَطٌّ مِنْهُ خَزُّ وَخَطٌّ مِنْهُ قَزٌّ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَدَمُ جَمْعِ الْمُتَفَرِّقِ إلَّا إذَا كَانَ خَطٌّ مِنْهُ قَزٌّ وَخَطٌّ مِنْهُ غَيْرُهُ بِحَيْثُ يُرَى كُلُّهُ قَزًّا فَأَمَّا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مُسْتَبِينًا كَالطِّرَازِ فِي الْعِمَامَةِ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ اهـ وَأَقَرَّهُ شَيْخُنَا.   [رد المحتار] أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ أَفْتَوْا عَلَى خِلَافِهِ اهـ (قَوْلُهُ قُلْت وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ الْخَزِّ صُوفَ غَنَمٍ الْبَحْرِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَالْخَزُّ اسْمٌ لِدَابَّةٍ يَكُونُ عَلَى جِلْدِهَا خَزٌّ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ الْحَرِيرِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ قَالَ الْإِمَامُ نَاصِرُ الدِّينِ الْخَزَفِيُّ زَمَانِهِمْ مِنْ أَوْبَارِ الْحَيَوَانِ الْمَائِيِّ (قَوْلُهُ وَحَلَّ عَكْسُهُ فِي الْحَرْبِ فَقَطْ) حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَا لُحْمَتُهُ غَيْرُ حَرِيرٍ وَسَدَاهُ حَرِيرٌ يُبَاحُ لُبْسُهُ فِي حَالَةِ الْحَرْبِ أَيْ وَغَيْرِهَا وَمَا لُحْمَتُهُ حَرِيرٌ وَسَدَاهُ غَيْرُ حَرِيرٍ يُبَاحُ لُبْسُهُ فِي حَالَةِ الْحَرْبِ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا مَا لُحْمَتُهُ وَسَدَاهُ حَرِيرٌ فَفِي لُبْسِهِ حَالَةَ الْحَرْبِ خِلَافٌ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَعُلَمَائِنَا اهـ وَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِحَالَةِ الْحَرْبِ أَنَّ الْمُرَادَ وَقْتُ الِاشْتِغَالِ بِهَا لَكِنَّ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ لِلْجُنْدِيِّ إذَا تَأَهَّبَ لِلْحَرْبِ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ الْعَدُوُّ وَلَكِنْ لَا يُصَلِّي فِيهِ إلَّا أَنْ يَخَافَ الْعَدُوَّ اهـ. (قَوْلُهُ لَوْ صَفِيقًا) ضِدُّ الرَّقِيقِ (قَوْلُهُ فَلَوْ رَقِيقًا إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ لُبْسَ الْحَرِيرِ لَا يَجُوزُ بِلَا ضَرُورَةٍ مُطْلَقًا فَمَا كَانَ سَدَاهُ غَيْرَ حَرِيرٍ وَلُحْمَتُهُ حَرِيرٌ يُبَاحُ لُبْسُهُ فِي الْحَرْبِ لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ شَيْئَانِ التَّهَيُّبُ بِصُورَتِهِ وَهُوَ بَرِيقُهُ وَلَمَعَانُهُ وَالثَّانِي ضَعْفُ مَعَرَّةِ السِّلَاحِ أَيْ مَضَرَّتِهِ إتْقَانِيٌّ فَإِذَا كَانَ رَقِيقًا لَمْ تَتِمَّ الضَّرُورَةُ فَحَرَامٌ إجْمَاعًا بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ (قَوْلُهُ فَيُكْرَهُ فِيهَا) أَيْ فِي الْحَرْبِ عِنْدَهُ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَنْدَفِعُ بِالْأَدْنَى، وَهُوَ الْمَخْلُوطُ وَهُوَ مَا لُحْمَتُهُ حَرِيرٌ فَقَطْ، لِأَنَّ الْبَرِيقَ وَاللَّمَعَانَ بِظَاهِرِهِ وَاللُّحْمَةُ عَلَى الظَّاهِرِ، وَيَدْفَعُ مَعَرَّةَ السِّلَاحِ أَيْضًا وَالْمَخْلُوطُ وَإِنْ كَانَ حَرِيرًا فِي الْحُكْمِ فَفِيهِ شُبْهَةُ الْغَزْلِ فَكَانَ دُونَ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ وَالضَّرُورَةُ انْدَفَعَتْ بِالْأَدْنَى فَلَا يُصَارُّ إلَى الْأَعْلَى وَمَا رَوَاهُ الشَّعْبِيُّ إنْ صَحَّ يُحْمَلُ عَلَى الْمَخْلُوطِ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إنَّمَا لَا يُكْرَهُ عِنْدَهُمَا لُبْسُ الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ إذَا كَانَ صَفِيقًا يَدْفَعُ مَعَرَّةَ السِّلَاحِ، فَلَوْ رَقِيقًا لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ كُرِهَ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. أَقُولُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ لَا يُبَاحُ الْحَرِيرُ الْخَالِصُ فِي الْحَرْبِ مُطْلَقًا، بَلْ يُبَاحُ مَا لُحْمَتُهُ فَقَطْ حَرِيرٌ لَوْ صَفِيقًا وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيُبَاحُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْحَرْبِ لَوْ صَفِيقًا وَلَوْ رَقِيقًا فَلَا خِلَافَ فِي الْكَرَاهَةِ فَافْهَمْ وَتَأَمَّلْ فِيمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ قُلْت وَلَمْ أَرَ إلَخْ) مَأْخُوذٌ مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِهِ الرَّمْلِيِّ وَتَمَامُ عِبَارَتِهِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ بِعَلَامَةِ جَمْعِ التَّفَارِيقِ، وَمَا كَانَ مِنْ الثِّيَابِ الْغَالِبُ عَلَيْهِ غَيْرُ الْقَزِّ كَالْخَزِّ وَنَحْوِهِ لَا بَأْسَ بِهِ فَقَدْ وَافَقَ بَحْثَنَا الْمَنْقُولَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ اهـ ثُمَّ نَقَلَ عِبَارَةَ الْحَاوِي الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ وَلَمْ يَزِدْ بَعْدَهَا شَيْئًا، فَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ وَأَقَرَّهُ شَيْخُنَا وَأَجَابَ الشَّارِحُ أَيْضًا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى بِقَوْلِهِ: ثُمَّ رَأَيْته فِي الْأَشْبَاهِ فِي قَاعِدَةِ إذَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ أَلْحَقَهُ بِمَسْأَلَةِ الْأَوَانِي وَحِينَئِذٍ فَيَحِلُّ لَوْ حَرِيرًا لِلُّحْمَةِ مُسَاوِيًا وَزْنًا أَوْ أَقَلَّ لَا أَزْيَدَ اهـ وَبَيْنَ الْجَوَابَيْنِ فَرْقٌ فَإِنَّ مَا فِي الْأَشْبَاهِ مُصَرِّحٌ بِحِلِّ الْمُسَاوَاةِ، وَمَا ذَكَرَهُ الرَّمْلِيُّ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ سَاكِتٌ عَنْهُ، وَقَدْ أَجَابَ الْبِيرِيُّ بِعِبَارَةِ الزَّاهِدِيِّ الْمَارَّةِ أَيْضًا: وَأَقُولُ: تَحْتَمِلُ عِبَارَةُ الزَّاهِدِيِّ أَنْ تَكُونَ مَبْنِيَّةً عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ مِنْ اعْتِبَارِ غَلَبَةِ اللُّحْمَةِ عَلَى الْحَرِيرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلَا تَصْلُحُ لِلْجَوَابِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مَا كَانَ ظَاهِرُهُ قَزٌّ) اسْمُ كَانَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَالْجُمْلَةُ مِنْ الْمُبْتَدَإِ وَالْخَبَرِ خَبَرُهَا وَالْقَزُّ الْإِبْرَيْسَمُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ أَوْ نَوْعٌ مِنْهُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ (قَوْلُهُ أَوْ خَطٌّ مِنْهُ خَزٌّ إلَخْ) أَقُولُ: لَيْسَ الْمُرَادُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 357 قُلْت: وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلُّحْمَةِ لَا لِلظَّاهِرِ عَلَى الظَّاهِرِ فَافْهَمْ (وَكُرِهَ لُبْسُ الْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ الْأَحْمَرِ وَالْأَصْفَرِ لِلرِّجَالِ) مُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ (وَلَا بَأْسَ بِسَائِرِ الْأَلْوَانِ) وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَشَرْحِ النُّقَايَةِ لِأَبِي الْمَكَارِمِ: لَا بَأْسَ بِلُبْسِ الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ اهـ. وَمُفَادُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ لَكِنْ صَرَّحَ فِي التُّحْفَةِ بِالْحُرْمَةِ فَأَفَادَ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ وَهِيَ الْمَحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. قُلْت: وُلِلشُّرُنْبُلَالِيِّ فِيهِ رِسَالَةٌ نَقَلَ فِيهَا ثَمَانِيَةَ أَقْوَالٍ مِنْهَا: أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ (وَلَا يَتَحَلَّى) الرَّجُلُ (بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ)   [رد المحتار] بِالْخَطِّ مَا يَكُونُ فِي السَّدَى طُولًا، لِأَنَّ السَّدَى لَا يُعْتَبَرُ وَلَوْ كَانَ كُلُّهُ قَزًّا بَلْ الْمُرَادُ بِالْخَطِّ مَا يَكُونُ فِي اللُّحْمَةِ عَرْضًا، فَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ ظَهَرَ مِنْهُ جَوَابٌ آخَرُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ بِأَنْ يُقَالَ إذَا خُلِطَتْ اللُّحْمَةُ بِإِبْرَيْسَمٍ وَغَيْرِهِ بِحَيْثُ يُرَى كُلُّهُ إبْرَيْسَمًا كُرِهَ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مُسْتَبِينًا كَالطِّرَازِ لَمْ يُكْرَهُ، لِأَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْجَمْعِ فِيمَا لَمْ يَبْلُغْ أَرْبَعَ أَصَابِعَ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ أَحْسَنُ مِنْ الْجَوَابِ السَّابِقِ فَتَأَمَّلْ فِيهِ (قَوْلُهُ قُلْت وَقَدْ عَلِمْت إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا فِي الْحَاوِي وَعَلَى شَيْخِهِ حَيْثُ أَقَرَّهُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ يُكْرَهُ مَا كَانَ ظَاهِرُهُ قَزٌّ مُفَرَّعٌ عَلَى اعْتِبَارِ الظَّاهِرِ وَكَرَاهَةُ نَحْوِ الْعَتَّابِيِّ وَالْمُرَجَّحُ خِلَافُهُ كَمَا مَرَّ وَلَا يَرِدُ هَذَا عَلَى مَا اسْتَظْهَرْنَاهُ آنِفًا فِي الْجَوَابِ، لِأَنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِ الظَّاهِرِ إنَّمَا هُوَ فِي السَّدَى وَكَلَامُنَا السَّابِقُ فِي اللُّحْمَةِ (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ الرَّاجِحِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُهُ فِي إطْلَاقِ هَذَا اللَّفْظِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِلُبْسِ الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ) وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْمُلْتَقَطِ اهـ ط (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ) لِأَنَّ كَلِمَةَ لَا بَأْسَ تُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِيمَا تَرْكُهُ أَوْلَى مِنَحٌ (قَوْلُهُ فِي التُّحْفَةِ) أَيْ تُحْفَةِ الْمُلُوكِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ فَأَفَادَ أَنَّهَا تَحْرِيمٌ إلَخْ) هَذَا مُسَلَّمٌ لَوْ لَمْ يُعَارِضْهُ تَصْرِيحُ غَيْرِهِ بِخِلَافِهِ فَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ: يَجُوزُ لُبْسُ الْمُعَصْفَرِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: مَكْرُوهٌ بِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، وَفِي مُنْتَخَبِ الْفَتَاوَى قَالَ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ يَجُوزُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لُبْسُ الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ وَالْأَخْضَرِ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَفِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ يُكْرَهُ لِلرِّجَالِ لُبْسُ الْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ وَالْمُوَرَّسِ وَالْمُحَمَّرِ أَيْ الْأَحْمَرِ حَرِيرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ إذَا كَانَ فِي صَبْغِهِ دَمٌ وَإِلَّا فَلَا، وَنَقَلَهُ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ، وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى لُبْسُ الْأَحْمَرِ مَكْرُوهٌ وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا يُكْرَهُ، وَقِيلَ يُكْرَهُ إذَا صُبِغَ بِالْأَحْمَرِ الْقَانِي لِأَنَّهُ خُلِطَ بِالنَّجَسِ وَفِي الْوَاقِعَاتِ مِثْلُهُ وَلَوْ صُبِغَ بِالشَّجَرِ الْبَقَّمِ لَا يُكْرَهُ وَلَوْ صُبِغَ بِقِشْرِ الْجَوْزِ عَسَلِيًّا لَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ إجْمَاعًا اهـ فَهَذِهِ النُّقُولُ مَعَ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُجْتَبَى وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَشَرْحِ أَبِي الْمَكَارِمِ تُعَارِضُ الْقَوْلَ بِكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ إنْ لَمْ يَدَّعِ التَّوْفِيقَ بِحَمْلِ التَّحْرِيمِ عَلَى الْمَصْبُوغِ أَوْ بِالنَّجَسِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وُلِلشُّرُنْبُلَالِيِّ فِيهِ رِسَالَةٌ) سَمَّاهَا تُحْفَةَ الْأَكْمَلِ وَالْهُمَامِ الْمُصَدَّرِ لِبَيَانِ جَوَازِ لُبْسِ الْأَحْمَرِ وَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا كَثِيرًا مِنْ النُّقُولِ مِنْهَا مَا قَدَّمْنَاهُ وَقَالَ لَمْ نَجِدْ نَصَّا قَطْعِيًّا لِإِثْبَاتِ الْحُرْمَةِ وَوَجَدْنَا النَّهْيَ عَنْ لُبْسِهِ لِعِلَّةٍ قَامَتْ بِالْفَاعِلِ مِنْ تَشَبُّهٍ بِالنِّسَاءِ أَوْ بِالْأَعَاجِمِ أَوْ التَّكَبُّرِ وَبِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ تَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِإِخْلَاصِ النِّيَّةِ لِإِظْهَارِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعُرُوضُ الْكَرَاهَةِ لِلصَّبْغِ بِالنَّجَسِ تَزُولُ بِغَسْلِهِ، وَوَجَدْنَا نَصَّ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ عَلَى الْجَوَازِ وَدَلِيلًا قَطْعِيًّا عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَهُوَ إطْلَاقُ الْأَمْرِ بِأَخْذِ الزِّينَةِ وَوَجَدْنَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مُوجَبَهُ، وَبِهِ تَنْتَفِي الْحُرْمَةُ وَالْكَرَاهَةُ بَلْ يَثْبُتُ الِاسْتِحْبَابُ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ وَمَنْ أَرَادَ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ فَعَلَيْهِ بِهَا. أَقُولُ: وَلَكِنْ جُلُّ الْكُتُبِ عَلَى الْكَرَاهَةِ كَالسِّرَاجِ وَالْمُحِيطِ وَالِاخْتِيَارِ وَالْمُنْتَقَى وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا وَبِهِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَفِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ وَلَا يُكْرَهُ فِي الرَّأْسِ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ) نَقَلَهَا عَنْ الْقَسْطَلَّانِيِّ (قَوْلُهُ مِنْهَا أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ) هَذَا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بَحْثًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَيْسَ مِنْ الثَّمَانِيَةِ (قَوْله وَلَا يَتَحَلَّى) أَيْ لَا يَتَزَيَّنُ دُرَرٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 358 مُطْلَقًا (إلَّا بِخَاتَمٍ وَمِنْطَقَةٍ وَجَلِيَّةِ سَيْفٍ مِنْهَا) أَيْ الْفِضَّةِ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّزَيُّنَ. وَفِي الْمُجْتَبَى: لَا يَحِلُّ اسْتِعْمَالُ مِنْطَقَةٍ وَسَطُهَا مِنْ دِيبَاجٍ وَقِيلَ يَحِلُّ إذَا لَمْ يَبْلُغْ عَرْضُهَا أَرْبَعَ أَصَابِعَ وَفِيهَا بَعْدَ سَبْعِ وَرَقٍ وَلَا يُكْرَهُ فِي الْمِنْطَقَةِ حَلْقَةُ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ وَعَظْمٍ وَسَيَجِيءُ حُكْمُ لُبْسِ اللُّؤْلُؤِ (وَلَا يَتَخَتَّمُ) إلَّا بِالْفِضَّةِ لِحُصُولِ الِاسْتِغْنَاءِ بِهَا فَيَحْرُمُ (بِغَيْرِهَا كَحَجَرٍ) وَصَحَّحَ السَّرَخْسِيُّ   [رد المحتار] قَوْلُهُ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ فِي حَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ ط وَأَمَّا جَوَازُ الْجَوْشَنِ وَالْبَيْضَةِ فِي الْحَرْبِ فَقَدَّمْنَا أَنَّهُ قَوْلُهُمَا (قَوْلُهُ وَمِنْطَقَةٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الطَّاءِ قُهُسْتَانِيٌّ وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُسَمِّيهِ النَّاسُ بِالْحِيَاصَةِ مِصْبَاحٌ، وَالْحِيَاصَةُ: سَيْرٌ يُشَدُّ بِهِ حِزَامُ السَّرْجِ قَامُوسٌ وَفِيهِ مِنْطَقَةٌ كَمِكْنَسَةٍ مَا يُنْتَطَقُ بِهِ، وَانْتَطَقَ الرَّجُلُ شَدَّ وَسْطَهُ بِمِنْطَقَةٍ كَتَنَطَّقَ اهـ وَهَذَا أَنْسَبُ هُنَا، لِأَنَّ الْحِيَاصَةَ لِلدَّابَّةِ وَالْكَلَامُ فِي تَحْلِيَةِ الرَّجُلِ نَفْسَهُ تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ الْمِنْطَقَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ الْكَمَرُ وَعَلَى عُرْفِ النَّاسِ الْحِيَاصَةُ اهـ (قَوْلُهُ وَحِلْيَةِ سَيْفٍ) وَحَمَائِلُهُ مِنْ جُمْلَةِ حِلْيَتِهِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَالشَّرْطُ أَنْ لَا يَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَوْضِعِ الْفِضَّةِ كَمَا قَدَّمَهُ (قَوْلُهُ مِنْهَا) أَيْ الْفِضَّةِ لَا مِنْ الذَّهَبِ دُرَرٌ وَقَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: حَالَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ الْخَاتَمِ وَالْمِنْطَقَةِ وَالْحِلْيَةِ مِنْهَا أَيْ الْفِضَّةِ لِوُرُودِ آثَارٍ اقْتَضَتْ الرُّخْصَةَ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ خَاصَّةً اهـ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّزَيُّنَ) الظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي بِهِ رَاجِعٌ إلَى الْخَاتَمِ فَقَطْ لِأَنَّ تَحْلِيَةَ السَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةِ لِأَجْلِ الزِّينَةِ، لَا لِشَيْءٍ آخَرَ بِخِلَافِ الْخَاتَمِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْكِفَايَةِ، حَيْثُ قَالَ: قَوْلُهُ إلَّا بِالْخَاتَمِ هَذَا إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّزَيُّنَ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ، وَإِنْ تَخَتَّمَ بِالْفِضَّةِ قَالُوا إنْ قَصَدَ بِهِ التَّجَبُّرَ يُكْرَهُ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّخَتُّمَ وَنَحْوَهُ لَا يُكْرَهُ اهـ لَكِنْ سَيَأْتِي أَنْ تَرْكَ التَّخَتُّمِ لِمَنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْخَتْمِ أَفْضَلُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلزِّينَةِ بِلَا تَجَبُّرٍ وَيَأْتِي تَمَامُهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَحِلُّ إلَخْ) لَمْ يُعَبِّرْ فِي الْمُجْتَبَى بِلَفْظَةِ قِيلَ بَلْ رَمَزَ لِلْأَوَّلِ إلَى كِتَابٍ ثُمَّ رَمَزَ لِهَذَا إلَى كِتَابٍ آخَرَ وَمُقْتَضَى الْأَوَّلِ عَدَمُ التَّقْدِيرِ بِشَيْءٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ فِي الْفِضَّةِ. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: إلَّا الْخَاتَمَ قَدْرَ دِرْهَمٍ وَالْمِنْطَقَةَ وَحِلْيَةَ السَّيْفِ مِنْ الْفِضَّةِ اهـ وَهَكَذَا عَامَّةُ عِبَارَاتِهِمْ مُطْلَقَةٌ، لَكِنْ فِي الْقُنْيَةِ لَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ مِنْطَقَةٍ حَلْقَتَاهَا فِضَّةٌ لَا بَأْسَ إذَا كَانَ قَلِيلًا وَإِلَّا فَلَا اهـ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَجْعَلَ فِي أَطْرَافِ سُيُورِ اللِّجَامِ، وَالْمِنْطَقَةِ الْفِضَّةَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ جَمِيعَهُ أَوْ عَامَّتَهُ الْفِضَّةَ اهـ فَتَأَمَّلْ وَلَمْ أَرَ مِنْ قَدَّرَ حِلْيَةَ السَّيْفِ بِشَيْءٍ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ آخِرًا قُبَيْلَ الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَخَتَّمُ إلَّا بِالْفِضَّةِ) هَذِهِ عِبَارَةُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَيْ بِخِلَافِ الْمِنْطَقَةِ فَلَا يُكْرَهُ فِيهَا حَلْقَةُ حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ كَمَا قَدَّمَهُ، وَهَلْ حِلْيَةُ السَّيْفِ كَذَلِكَ يُرَاجَعُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَقَدْ وَرَدَتْ آثَارٌ فِي جَوَازِ التَّخَتُّمِ بِالْفِضَّةِ وَكَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمُ فِضَّةٍ وَكَانَ فِي يَدِهِ الْكَرِيمَةِ، حَتَّى تُوُفِّيَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَى أَنْ تُوُفِّيَ، ثُمَّ فِي يَدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَى أَنْ تُوُفِّيَ، ثُمَّ فِي يَدِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَى أَنْ وَقَعَ مِنْ يَدِهِ فِي الْبِئْرِ فَأَنْفَقَ مَالًا عَظِيمًا فِي طَلَبِهِ فَلَمْ يَجِدْهُ، وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَالتَّشْوِيشُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى أَنْ اُسْتُشْهِدَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. (قَوْلُهُ فَيَحْرُمُ بِغَيْرِهَا إلَخْ) لِمَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ» ، وَرَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ شَبَهٍ فَقَالَ لَهُ: مَالِي أَجِدُ مِنْك رِيحَ الْأَصْنَامِ فَطَرَحَهُ ثُمَّ جَاءَ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ: مَالِي أَجِدُ عَلَيْك حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ فَطَرَحَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَتَّخِذُهُ؟ قَالَ: اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ وَلَا تُتِمّهُ مِثْقَالًا» " فَعُلِمَ أَنَّ التَّخَتُّمَ بِالذَّهَبِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ حَرَامٌ فَأُلْحِقَ الْيَشْبُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَّخَذُ مِنْهُ الْأَصْنَامُ، فَأَشْبَهَ الشَّبَهَ الَّذِي هُوَ مَنْصُوصٌ مَعْلُومٌ بِالنَّصِّ إتْقَانِيٌّ وَالشَّبَهُ مُحَرَّكًا النُّحَاسُ الْأَصْفَرُ قَامُوسٌ وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَالتَّخَتُّمُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 359 جَوَازَ الْيَشْبِ وَالْعَقِيقِ وَعَمَّمَ مُنْلَا خُسْرو (وَذَهَبٍ وَحَدِيدٍ وَصُفْرٍ) وَرَصَاصٍ وَزُجَاجٍ وَغَيْرِهَا لِمَا مَرَّ فَإِذَا ثَبَتَ كَرَاهَةُ لُبْسِهَا لِلتَّخَتُّمِ ثَبَتَ كَرَاهَةُ بَيْعِهَا وَصِيَغِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ وَكُلُّ مَا أَدَّى إلَى مَا لَا يَجُوزُ لَا يَجُوزُ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ (وَالْعِبْرَةُ بِالْحَلْقَةِ) مِنْ الْفِضَّةِ (لَا بِالْفَصِّ) فَيَجُوزُ مِنْ حَجَرٍ وَعَقِيقٍ وَيَاقُوتٍ وَغَيْرِهَا وَحَلَّ مِسْمَارُ الذَّهَبِ فِي حَجَرِ الْفَصِّ   [رد المحتار] بِالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ مَكْرُوهٌ لِلرَّجُلِ وَالنِّسَاءِ (قَوْلُهُ جَوَازُ الْيَشْبِ) بِالْبَاءِ أَوْ الْفَاءِ أَوْ الْمِيمِ وَفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَتَحْرِيكُهُ خَطَأٌ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَقِيلَ إنَّهُ لَيْسَ بِحَجَرٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْعَقِيقِ) قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَخَتَّمَ بِعَقِيقٍ» وَقَالَ: «تَخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ» وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَجَرٍ إذْ لَيْسَ لَهُ ثِقْلُ الْحَجَرِ، وَبَعْضُهُمْ أَطْلَقَ التَّخَتُّمَ بِيَشْبٍ وَبَلُّورٍ وَزُجَاجٍ (قَوْلُهُ وَعَمَّمَ مُنْلَا خُسْرو) أَيْ عَمَّمَ جَوَازَ التَّخَتُّمِ بِسَائِرِ الْأَحْجَارِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ فَالْحَاصِلُ: أَنَّ التَّخَتُّمَ بِالْفِضَّةِ حَلَالٌ لِلرِّجَالِ بِالْحَدِيثِ وَبِالذَّهَبِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ بِالْحَدِيثِ وَبِالْحَجَرِ حَلَالٌ عَلَى اخْتِيَارٍ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَقَاضِي خَانْ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الرَّسُولِ وَفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ حِلَّ الْعَقِيقِ لَمَّا ثَبَتَ بِهِمَا ثَبَتَ حِلُّ سَائِرِ الْأَحْجَارِ، لِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ حَجَرٍ وَحَجَرٍ وَحَرَامٌ عَلَى اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي أَخْذًا مِنْ عِبَارَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُحْتَمَلَةِ: لَأَنْ يَكُونَ الْقَصْرُ فِيهَا بِالْإِضَافَةِ إلَى الذَّهَبِ، وَلَا يَخْفَى مَا بَيْنَ الْمَأْخَذَيْنِ مِنْ التَّفَاوُتِ اهـ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ النَّصَّ مَعْلُولٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، فَالْإِلْحَاقُ بِمَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ فِي الْعِلَّةِ الَّتِي فِيهِ أَخْذٌ مِنْ النَّصِّ أَيْضًا وَالنَّصُّ عَلَى الْجَوَازِ بِالْعَقِيقِ يَحْتَمِلُ عَدَمَ الثُّبُوتِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ أَوْ تَرْجِيحَ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، عَلَى أَنَّ الْعَقِيقَ أَوْ الْيَشْبَ لَيْسَا مِنْ الْحَجَرِ كَمَا مَرَّ، فَقِيَاسُ غَيْرِهِمَا عَلَيْهِمَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ، وَاتِّبَاعُ الْمُجْتَهِدِ اتِّبَاعٌ لِلنَّصِّ، لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلنَّصِّ غَيْرُ مُشَرِّعٍ قَطْعًا وَتَأْوِيلُ عِبَارَةِ الْمُجْتَهِدِ الْعَارِفِ بِمُحَاوَرَاتِ الْكَلَامِ عُدُولٌ عَنْ الِانْتِظَامِ، كَيْفَ وَلَوْ كَانَ الْقَصْرُ فِيهَا بِالْإِضَافَةِ إلَى الذَّهَبِ لَزِمَ مِنْهَا إبَاحَةُ نَحْوِ الصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ مَعَ أَنَّ مُرَادَ الْمُجْتَهِدِ عَدَمُهَا (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَتَخَتَّمُ إلَّا بِالْفِضَّةِ الَّذِي هُوَ لَفْظُ مُحَرِّرِ الْمَذْهَبِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ فَإِذَا ثَبَتَ إلَخْ) نَقَلَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ ابْنِ وَهْبَانَ، ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى التَّصْرِيحِ بِكَرَاهَةِ بَيْعِهَا، وَقَدْ وَقَفْت عَلَيْهِ فِي الْقُنْيَةِ قَالَ وَيُكْرَهُ بَيْعُ خَاتَمِ الْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَنَحْوُهُ بَيْعُ طِينِ الْأَكْلِ أَمَّا بَيْعُ الصُّورَةِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا وَالْوَجْهُ فِيهَا ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَصِيَغُهَا) صَوَابُهُ وَصَوْغُهَا اهـ ح وَرَأَيْت فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَصُنْعُهَا بِالنُّونِ بَيْنَ الصَّادِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ صِيغَتُهَا، وَفِي الْقَامُوسِ: صَاغَ اللَّهُ فُلَانًا صِيغَةً حَسَنَةً خَلَقَهُ وَالشَّيْءَ هَيَّأَهُ عَلَى مِثَالٍ مُسْتَقِيمٍ فَانْصَاغَ وَهُوَ صَوَّاغٌ وَصَائِغٌ وَصُيَّاغٌ وَالصِّيَاغَةُ بِالْكَسْرِ حِرْفَتُهُ اهـ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَصُيَّاغٌ أَنَّهُ جَاءَ يَائِيُّ الْعَيْنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعَانَةِ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ إلَّا أَنَّ الْمَنْعَ فِي الْبَيْعِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي اللُّبْسِ إذْ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ سَبْكُهَا وَتَغْيِيرُ هَيْئَتِهَا (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَا أَدَّى إلَخْ) يُتَأَمَّلُ فِيهِ مَعَ قَوْلِ أَئِمَّتِنَا بِجَوَازِ بَيْعِ الْعَصِيرِ مِنْ خَمَّارٍ شُرُنْبُلَالِيٌّ، وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَمْ تَقُمْ بِعَيْنِ الْعَصِيرِ بَلْ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ. [فَرْعٌ] لَا بَأْسَ بِأَنْ يُتَّخَذَ خَاتَمُ حَدِيدٍ قَدْ لُوِيَ عَلَيْهِ فِضَّةٌ وَأُلْبِسَ بِفِضَّةٍ حَتَّى لَا يُرَى تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَحَلَّ مِسْمَارُ الذَّهَبِ إلَخْ) يُرِيدُ بِهِ الْمِسْمَارَ لِيَحْفَظَ بِهِ الْفَصَّ تَتَارْخَانِيَّةٌ لِأَنَّهُ تَابِعٌ كَالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ فَلَا يُعَدُّ لَابِسًا لَهُ هِدَايَةٌ، وَفِي شَرْحِهَا لِلْعَيْنِيِّ فَصَارَ كَالْمُسْتَهْلَكِ أَوْ كَالْأَسْنَانِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الذَّهَبِ عَلَى حَوَالَيْ خَاتَمِ الْفِضَّةِ، فَإِنَّ النَّاسَ يُجَوِّزُونَهُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَيَلْبَسُونَ تِلْكَ الْخَوَاتِمَ قَالَ ط: وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ جَوَازَ الدَّائِرَةِ الْعُلْيَا مِنْ الذَّهَبِ بَلْ ذِكْرُهُمْ حِلَّ الْمِسْمَارِ فِيهِ يَقْتَضِي حُرْمَةَ غَيْرِهِ اهـ. أَقُولُ: مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الْمَارِّ جَوَازُهَا وَيُمْكِنُ دُخُولُهَا فِي الْفِضَّةِ أَيْضًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي حَجَرِ الْفَصِّ) أَيْ ثُقْبِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 360 وَيَجْعَلُهُ لِبَطْنِ كَفِّهِ فِي يَدِهِ الْيُسْرَى وَقِيلَ الْيُمْنَى إلَّا أَنَّهُ مِنْ شِعَارِ الرَّوَافِضِ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ قُهُسْتَانِيٌّ وَغَيْرُهُ. قُلْت: وَلَعَلَّهُ كَانَ وَبَانَ فَتَبَصَّرْ وَيَنْقُشُهُ اسْمَهُ أَوْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تِمْثَالَ إنْسَانٍ أَوْ طَيْرٍ وَلَا مُحَمَّدٌ رَسُولٌ اللَّهِ وَلَا يَزِيدُهُ عَلَى مِثْقَالٍ (وَتَرْكُ التَّخَتُّمِ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ وَالْقَاضِي) وَذِي حَاجَةٍ إلَيْهِ كَمُتَوَلٍّ (أَفْضَلُ) (وَلَا يَشُدُّ سِنَّهُ)   [رد المحتار] هِدَايَةٌ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ عَلَى الْحَاءِ وَهِيَ رِوَايَةٌ وَفِي أُخْرَى بِالْعَكْسِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَهِيَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الْجُحْرَ جُحْرُ الضَّبِّ أَوْ الْحَيَّةِ أَوْ الْيَرْبُوعِ وَهُوَ غَيْرُ لَائِقٍ هُنَا (قَوْلُهُ وَيَجْعَلُهُ) أَيْ الْفَصَّ لِبَطْنِ كَفِّهِ بِخِلَافِ النِّسْوَانِ لِأَنَّهُ تَزَيُّنٌ فِي حَقِّهِنَّ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي يَدِهِ الْيُسْرَى) وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي خِنْصَرِهَا دُونَ سَائِرِ أَصَابِعِهِ وَدُونَ الْيُمْنَى ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ) عِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ: جَازَ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي الْيُمْنَى إلَّا أَنَّهُ شِعَارُ الرَّوَافِضِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُ كَانَ وَبَانَ) أَيْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ شِعَارِهِمْ فِي الزَّمَنِ السَّابِقِ، ثُمَّ انْفَصَلَ وَانْقَطَعَ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ، فَلَا يُنْهَى عَنْهُ كَيْفَمَا كَانَ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَدْ سَوَّى الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ، وَهُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّهُ فِي الْيَمِينِ مِنْ عَلَامَاتِ أَهْلِ الْبَغْيِ لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ النَّقْلَ الصَّحِيحَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْفِي ذَلِكَ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ أَوْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى) فَلَوْ نَقَشَ اسْمَهُ تَعَالَى أَوْ اسْمَ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُسْتُحِبَّ أَنْ يَجْعَلَ الْفَصَّ فِي كُمِّهِ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ فِي يَمِينِهِ إذَا اسْتَنْجَى قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ لَا تِمْثَالَ إنْسَانٍ) التِّمْثَالُ بِالْفَتْحِ التَّمْثِيلُ وَبِالْكَسْرِ الصُّورَةُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ أَوْ طَيْرٍ) لِحُرْمَةِ تَصْوِيرِ ذِي الرُّوحِ لَكِنَّهُ سَبَقَ فِي مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ أَنَّ نَقْشَ غَيْرِ الْمُسْتَبِينِ الَّذِي لَا يُبْصِرُ مِنْ بُعْدٍ لَا يَضُرُّ، وَقَدْ نُقِشَ فِي خَاتَمِ دَانْيَالَ لَبُؤَةٌ بَيْنَ يَدَيْهَا صَغِيرٌ تُرْضِعُهُ، وَكَانَ فِي خَاتَمِ بَعْضِ السَّلَفِ ذُبَابَتَانِ فَلْيُرَاجَعْ ط. أَقُولُ: الَّذِي سَبَقَ إنَّمَا هُوَ فِي عَدَمِ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ بِهَا لَا فِي نَقْشِهَا وَالْكَلَامُ هُنَا فِي فِعْلِ النَّقْشِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ الْفَقِيهُ لَوْ كَانَ عَلَى خَاتَمِ فِضَّةٍ تَمَاثِيلُ لَا يُكْرَهُ، وَلَيْسَ كَتَمَاثِيلَ فِي الثِّيَابِ فِي الْبُيُوتِ لِأَنَّهُ صَغِيرٌ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى خَاتَمِهِ ذُبَابَتَانِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَطْفًا عَلَى تِمْثَالٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ «نَقْشُ خَاتَمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ كُلُّ كَلِمَةٍ سَطْرٌ» . وَقَدْ «نَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَنْقُشَ أَحَدٌ عَلَيْهِ» كَمَا رَوَاهُ فِي الشَّمَائِلِ: أَيْ عَلَى هَيْئَتِهِ أَوْ مِثْلِ نَقْشِهِ، وَنَقْشُ خَاتَمِ أَبِي بَكْرٍ، نِعْمَ الْقَادِرُ اللَّهُ، وَعُمَرُ كَفَى بِالْمَوْتِ وَاعِظًا وَعُثْمَانَ: لَتَصْبِرَنَّ أَوْ لَتَنْدَمَنَّ، وَعَلِيٍّ: الْمُلْكُ لِلَّهِ وَأَبِي حَنِيفَةَ: قُلْ الْخَيْرَ وَإِلَّا فَاسْكُتْ وَأَبِي يُوسُفَ: مَنْ عَمِلَ بِرَأْيِهِ فَقَدْ نَدِمَ وَمُحَمَّدٍ: مَنْ صَبَرَ ظَفِرَ اهـ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْبُسْتَانِ (قَوْلُهُ وَلَا يَزِيدُهُ عَلَى مِثْقَالٍ) وَقِيلَ لَا يَبْلُغُ بِهِ الْمِثْقَالَ ذَخِيرَةٌ. أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ نَصُّ الْحَدِيثِ السَّابِقِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلَا تُتْمِمْهُ مِثْقَالًا» (قَوْلُهُ وَتَرْكُ التَّخَتُّمِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ التَّخَتُّمَ سُنَّةٌ لِمَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَفِي الْكَرْمَانِيِّ نَهَى الْحَلْوَانِيُّ بَعْضَ تَلَامِذَتِهِ عَنْهُ، وَقَالَ: إذَا صِرْت قَاضِيًا فَتَخَتَّمْ وَفِي الْبُسْتَانِ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ لَا يَتَخَتَّمُ إلَّا ثَلَاثَةٌ: أَمِيرٌ، أَوْ كَاتِبٌ، أَوْ أَحْمَقُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِغَيْرِ ذِي الْحَاجَةِ لَكِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَفْضَلُ كَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا يُفِيدُ الْجَوَازَ، وَعَبَّرَ فِي الدُّرَرِ بِأَوْلَى وَفِي الْإِصْلَاحِ بِأَحَبَّ، فَالنَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْبُسْتَانِ: كَرِهَ بَعْضُ النَّاسِ اتِّخَاذَ الْخَاتَمِ إلَّا لِذِي سُلْطَانٍ وَأَجَازَهُ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَعَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: رَأَيْت قَيْسَ بْنَ أَبِي حَازِمٍ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ وَالشَّعْبِيَّ وَغَيْرَهُمْ يَتَخَتَّمُونَ فِي يَسَارِهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ سُلْطَانٌ وَلِأَنَّ السُّلْطَانَ يَلْبِسُ لِلزِّينَةِ وَالْحَاجَةُ إلَى الْخَتْمِ وَغَيْرِهِ فِي حَاجَةِ الزِّينَةِ وَالْخَتْمِ سَوَاءٌ فَجَازَ لِغَيْرِهِ وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ فَهُوَ اخْتِيَارٌ لِلْجَوَازِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ، وَلَا يُنَافِي أَنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى لِغَيْرِ ذِي حَاجَةٍ فَافْهَمْ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِقَصْدِ الزِّينَةِ وَالْخَتْمِ وَأَمَّا لِقَصْدِ الزِّينَةِ فَقَطْ فَقَدْ مَرَّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَذِي حَاجَةٍ إلَيْهِ كَمُتَوَلٍّ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 361 الْمُتَحَرِّكَ (بِذَهَبٍ بَلْ بِفِضَّةٍ) وَجَوَّزَهُمَا مُحَمَّدٌ (وَيَتَّخِذُ أَنْفًا مِنْهُ) لِأَنَّ الْفِضَّةَ تُنْتِنُهُ (وَكُرِهَ إلْبَاسُ الصَّبِيِّ ذَهَبًا أَوْ حَرِيرًا)   [رد المحتار] قَالَ فِي الْمِنَحِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لَهُمَا أَيْ لِلسُّلْطَانِ وَالْقَاضِي؛ بَلْ الْحُكْمُ فِي كُلِّ ذِي حَاجَةٍ كَذَلِكَ، فَلَوْ قِيلَ وَتَرْكُهُ لِغَيْرِ ذِي حَاجَةٍ إلَيْهِ أَفْضَلُ، لَيَدْخُلَ فِيهِ الْمُبَاشِرُ وَمُتَوَلِّي الْأَوْقَافِ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ يَحْتَاجُ إلَى الْخَتْمِ لِضَبْطِ الْمَالِ كَانَ أَعَمَّ فَائِدَةٍ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. أَقُولُ: قَوْلُ الِاخْتِيَارِ: التَّخَتُّمُ سُنَّةٌ لِمَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَالسُّلْطَانِ وَالْقَاضِي وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمَا صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَانْظُرْ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْحَاجَةِ خَتْمُهُ لِنَحْوِ إجَازَةٍ أَوْ شَهَادَةٍ، أَوْ إرْسَالِ كِتَابٍ وَلَوْ نَادِرًا فَلَا يَكُونُ تَرْكُ التَّخَتُّمِ فِي حَقِّهِ أَوْلَى يُحَرَّرُ. [تَتِمَّةٌ] إنَّمَا يَجُوزُ التَّخَتُّمُ بِالْفِضَّةِ لَوْ عَلَى هَيْئَةِ خَاتَمِ الرِّجَالِ أَمَّا لَوْ لَهُ فَصَّانِ أَوْ أَكْثَرُ حَرُمَ قُهُسْتَانِيٌّ وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ أَنَّ وَالِدَهُ أَنْشَدَهُ قَوْلَهُ: تَخَتَّمْ كَيْفَ شِئْت وَلَا تُبَالِي ... بِخِنْصَرِك الْيَمِينِ أَوْ الشِّمَالِ سِوَى حَجَرٍ وَصُفْرٍ أَوْ حَدِيدِ ... أَوْ الذَّهَبِ الْحَرَامِ عَلَى الرِّجَالِ وَإِنْ أَحْبَبْت بِاسْمِك فَانْقُشَنَّهْ ... وَبِاسْمِ اللَّهِ رَبِّك ذِي الْجَلَالِ (قَوْلُهُ الْمُتَحَرِّكَ) قَيَّدَ بِهِ لِمَا قَالَ الْكَرْخِيُّ إذَا سَقَطَتْ ثَنِيَّةُ رَجُلٍ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَكْرَهُ أَنْ يُعِيدَهَا، وَيَشُدَّهَا بِفِضَّةِ أَوْ ذَهَبٍ وَيَقُولُ هِيَ كَسِنٍّ مَيِّتَةٍ وَلَكِنْ يَأْخُذُ سِنَّ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ يَشُدُّ مَكَانَهَا وَخَالَفَهُ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا يُشْبِهُ سِنُّهُ سِنَّ مَيِّتَةٍ اُسْتُحْسِنَ ذَلِكَ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ عِنْدِي وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْنِي اهـ إتْقَانِيٌّ. زَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ بِشْرٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَلَمْ يَرَ بِإِعَادَتِهَا بَأْسًا (قَوْلُهُ وَجَوَّزَهُمَا مُحَمَّدٌ) أَيْ جَوَّزَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ أَيْ جَوَّزَ الشَّدَّ بِهِمَا وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَقِيلَ مَعَهُ وَقِيلَ مَعَ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْفِضَّةَ تُنْتِنُهُ) الْأَوْلَى تُنْتِنُ بِلَا ضَمِيرٍ وَأَشَارَ إلَى الْفَرْقِ لِلْإِمَامِ بَيْنَ شَدِّ السِّنِّ، وَاِتِّخَاذِ الْأَنْفِ فَجَوَّزَ الْأَنْفَ مِنْ الذَّهَبِ لِضَرُورَةِ نَتَنِ الْفِضَّةِ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يُبَاحُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَقَدْ انْدَفَعَتْ فِي السِّنِّ بِالْفِضَّةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَعْلَى وَهُوَ الذَّهَبُ. قَالَ الأتقاني: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مُسَاعَدَةً لِمُحَمَّدٍ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا فِي السِّنِّ تَرْتَفِعُ بِالْفِضَّةِ لِأَنَّهَا تُنْتِنُ أَيْضًا وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى «عَرْفَجَةَ بْنِ أَسَعْدَ أَنَّهُ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَاِتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ، فَفَعَلَ» ، وَالْكُلَابُ بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفِ: اسْمُ وَادٍ كَانَتْ فِيهِ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ لِلْعَرَبِ هَذَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ جَوَازُ الْأَنْفِ مِنْهُمَا اتِّفَاقًا، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ أَيْضًا. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا جُدِعَ أَنْفَهُ أَوْ أُذُنُهُ أَوْ سَقَطَ سِنُّهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ سِنًّا آخَرَ فَعِنْدَ الْإِمَامِ يَتَّخِذُ وَذَلِكَ مِنْ الْفِضَّةِ فَقَطْ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مِنْ الذَّهَبِ أَيْضًا اهـ، وَأَنْكَرَ الأتقاني ثُبُوتَ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَنْفِ بِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي كُتُبِ مُحَمَّدٍ وَالْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ، وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ مُخَالَفَةُ الْإِمَامِ لِلنَّصِّ وَنَازَعَهُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ الْإِسْبِيجَابِيَّ حُجَّةٌ فِي النَّقْلِ، وَبِأَنَّ الْحَدِيثَ قَابِلٌ لِلتَّأْوِيلِ، وَاحْتِمَالِ أَنَّ ذَلِكَ خُصُوصِيَّةٌ لِعَرْفَجَةَ كَمَا خَصَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الزُّبَيْرَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ لِحَكَّةٍ فِي جَسَدِهِمَا، كَمَا فِي التَّبْيِينِ أَقُولُ: يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ عَنْ الْإِمَامِ فَلِذَا لَمْ تُذْكَرْ فِي كُتُبِ مُحَمَّدٍ وَالْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَكُرِهَ إلَخْ) لِأَنَّ النَّصَّ حَرَّمَ الذَّهَبَ وَالْحَرِيرَ عَلَى ذُكُورِ الْأُمَّةِ بِلَا قَيْدِ الْبُلُوغِ، وَالْحُرِّيَّةِ وَالْإِثْمُ عَلَى مَنْ أَلْبَسَهُمْ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِحِفْظِهِمْ ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ. وَفِي الْبَحْرِ الزَّاخِرِ: وَيُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُخَضِّبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَكَذَا الصَّبِيُّ إلَّا لِحَاجَةٍ بِنَايَةٌ، وَلَا بَأْسَ بِهِ لِلنِّسَاءِ اهـ مَزِيدٌ اهـ ط. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 362 فَإِنَّ مَا حَرُمَ لُبْسُهُ وَشُرْبُهُ حَرُمَ إلْبَاسُهُ وَإِشْرَابُهُ (لَا) يُكْرَه (خِرْقَةٌ لِوَضُوءٍ) بِالْفَتْحِ بَقِيَّةُ بَلَلِهِ (أَوْ مُخَاطٍ) أَوْ عَرَقٍ لَوْ لِحَاجَةٍ وَلَوْ لِلتَّكَبُّرِ تُكْرَهُ (وَ) لَا (الرَّتِيمَةُ) هِيَ خَيْطٌ يُرْبَطُ بِأُصْبُعٍ أَوْ خَاتَمٍ لِتَذَكُّرِ الشَّيْءِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا فُعِلَ تَجَبُّرًا كُرِهَ وَمَا فُعِلَ لِحَاجَةٍ لَا، عِنَايَةٌ. [فَرْعٌ] فِي الْمُجْتَبَى: التَّمِيمَةُ الْمَكْرُوهَةُ مَا كَانَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ   [رد المحتار] أَقُولُ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَمَا يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ فِعْلُ ذَلِكَ بِالصَّبِيِّ يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَيْضًا وَإِنْ حَلَّ لَهَا فِعْلُهُ لِنَفْسِهَا (قَوْلُهُ لَا يُكْرَهُ خِرْقَةٌ إلَخْ) هَذَا هُوَ مَا صَحَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ لِتَعَامُلِ الْمُسْلِمِينَ، وَذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ أَبِي عِيسَى التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ أَيْ مِنْ كَرَاهَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ وَقَدْ رَخَّصَ قَوْمٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ التَّمَنْدُلَ بَعْدَ الْوُضُوءِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ. ثُمَّ هَذَا فِي خَارِجِ الصَّلَاةِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَ الْخِرْقَةِ الَّتِي يُمْسَحُ بِهَا الْعَرَقُ، وَيُؤْخَذُ بِهَا الْمُخَاطُ لَا لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ، بَلْ لِأَنَّ الْمُصَلَّى مُعَظَّمٌ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهَا لَا تَعْظِيمَ فِيهَا (قَوْلُهُ بَقِيَّةُ بَلَلِهِ) الْوُضُوءُ بِالضَّمِّ الْفِعْلُ وَبِالْفَتْحِ مَاؤُهُ قَامُوسٌ فَمَا ذَكَرَهُ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافَيْنِ، بَلْ ثَلَاثَةٍ أَيْ لِمَسْحِ بَقِيَّةِ بَلَلِ وُضُوئِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى لَفْظِ بَقِيَّةِ وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى - {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} [طه: 96]- أَيْ مِنْ أَثَرِ حَافِرِ فَرَسِ الرَّسُولِ. (قَوْلُهُ لَوْ لِحَاجَةٍ) الْأَوْلَى لِأَنَّهُ لِحَاجَةٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ لِلتَّكَبُّرِ تُكْرَهُ) وَالْخِرْقَةُ الْمُقَوَّمَةُ دَلِيلُ الْكِبْرِ بَزَّازِيَّةٌ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْخِرْقَةِ مَا يَشْمَلُ الْحَرِيرَ وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ. [تَتِمَّةٌ] كَرِهَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَضْعَ السُّتُورِ وَالْعَمَائِمِ وَالثِّيَابِ عَلَى قُبُورِ الصَّالِحِينَ وَالْأَوْلِيَاءِ قَالَ فِي فَتَاوَى الْحُجَّةِ وَتُكْرَهُ السُّتُورُ عَلَى الْقُبُورِ اهـ. وَلَكِنْ نَحْنُ نَقُولُ الْآنَ إذَا قَصَدَ بِهِ التَّعْظِيمَ فِي عُيُونِ الْعَامَّةِ حَتَّى لَا يَحْتَقِرُوا صَاحِبَ الْقَبْرِ، وَلِجَلْبِ الْخُشُوعِ وَالْأَدَبِ لِلْغَافِلِينَ الزَّائِرِينَ، فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنْ كَانَ بِدْعَةً فَهُوَ كَقَوْلِهِمْ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ يَرْجِعُ الْقَهْقَرَى، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إجْلَالًا لِلْبَيْتِ حَتَّى قَالَ فِي مِنْهَاجِ السَّالِكِينَ إنَّهُ لَيْسَ فِيهِ سُنَّةٌ مَرْوِيَّةٌ، وَلَا أَثَرٌ مَحْكِيٌّ وَقَدْ فَعَلَهُ أَصْحَابُنَا اهـ كَذَا فِي كَشْفِ النُّورِ عَنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ لِلْأُسْتَاذِ عَبْدِ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيِّ قُدِّسَ سِرُّهُ (قَوْلُهُ وَلَا الرَّتِيمَةُ) جَمْعُهَا رَتَائِمُ وَتُسَمَّى رَتَمَةً بِالْفَتَحَاتِ الثَّلَاثِ وَجَمْعُهَا رَتَمٌ بِالْفَتَحَاتِ أَيْضًا يُقَالُ: أَرْتَمْتُ الرَّجُلَ إرْتَامًا إذَا عَقَدْتَ فِي أُصْبُعِهِ خَيْطًا يَسْتَذْكِرُ بِهِ حَاجَتَهُ إتْقَانِيٌّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ الشَّاعِرُ: إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَاتُنَا فِي نُفُوسِكُمْ ... فَلَيْسَ بِمُغْنٍ عَنْك عَقْدُ الرَّتَائِمِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ بِذَلِكَ اهـ. وَفِي الْمِنَحِ إنَّمَا ذُكِرَ هَذَا لِأَنَّ مِنْ عَادَةِ بَعْضِ النَّاسِ شَدَّ الْخُيُوطَ عَلَى بَعْضِ الْأَعْضَاءِ، وَكَذَا السَّلَاسِلُ وَغَيْرُهَا، وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ مَحْضُ عَبَثٍ فَقَالَ إنَّ الرَّتْمَ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ كَذَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ اهـ قَالَ ط: عُلِمَ مِنْهُ كَرَاهَةُ الدُّمْلُجِ الَّذِي يَضَعُهُ بَعْضُ الرِّجَالِ فِي الْعَضُدِ. (قَوْلُهُ التَّمِيمَةُ الْمَكْرُوهَةُ) أَقُولُ: الَّذِي رَأَيْته فِي الْمُجْتَبَى التَّمِيمَةُ الْمَكْرُوهَةُ مَا كَانَ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ، وَقِيلَ: هِيَ الْخَرَزَةُ الَّتِي تُعَلِّقُهَا الْجَاهِلِيَّةُ اهـ فَلْتُرَاجَعْ نُسْخَةٌ أُخْرَى. وَفِي الْمُغْرِبِ وَبَعْضُهُمْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُعَاذَاتِ هِيَ التَّمَائِمُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا التَّمِيمَةُ الْخَرَزَةُ، وَلَا بَأْسَ بِالْمُعَاذَاتِ إذَا كُتِبَ فِيهَا الْقُرْآنُ، أَوْ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُقَالُ رَقَاهُ الرَّاقِي رَقْيًا وَرُقْيَةً إذَا عَوَّذَهُ وَنَفَثَ فِي عُوذَتِهِ قَالُوا: إنَّمَا تُكْرَهُ الْعُوذَةُ إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِ، وَلَا يُدْرَى مَا هُوَ وَلَعَلَّهُ يَدْخُلُهُ سِحْرٌ أَوْ كُفْرٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ الدَّعَوَاتِ فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: ثُمَّ الرَّتِيمَةُ قَدْ تَشْتَبِهُ بِالتَّمِيمَةِ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ: وَهِيَ خَيْطٌ كَانَ يُرْبَطُ فِي الْعُنُقِ أَوْ فِي الْيَدِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِدَفْعِ الْمَضَرَّةِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ عَلَى زَعْمِهِمْ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَذَكَرَ فِي حُدُودِ الْإِيمَانِ أَنَّهُ كُفْرٌ اهـ. وَفِي الشَّلَبِيِّ عَنْ ابْنِ الْأَثِيرِ: التَّمَائِمُ جَمْعُ تَمِيمَةٍ وَهِيَ خَرَزَاتٌ كَانَتْ الْعَرَبُ تُعَلِّقُهَا عَلَى أَوْلَادِهِمْ يَتَّقُونَ بِهَا الْعَيْنَ فِي زَعْمِهِمْ، فَأَبْطَلَهَا الْإِسْلَامُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 363 فَصْلٌ فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ) وَمِنْ غُلَامٍ بَلَغَ حَدَّ الشَّهْوَةِ مُجْتَبًى   [رد المحتار] وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ» لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ تَمَامُ الدَّوَاءِ وَالشِّفَاءِ، بَلْ جَعَلُوهَا شُرَكَاءَ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهَا دَفْعَ الْمَقَادِيرِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَيْهِمْ وَطَلَبُوا دَفْعَ الْأَذَى مِنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ دَافِعُهُ اهـ ط وَفِي الْمُجْتَبَى: اُخْتُلِفَ فِي الِاسْتِشْفَاءِ بِالْقُرْآنِ بِأَنْ يُقْرَأَ عَلَى الْمَرِيضِ أَوْ الْمَلْدُوغِ الْفَاتِحَةُ، أَوْ يُكْتَبَ فِي وَرَقٍ وَيُعَلَّقَ عَلَيْهِ أَوْ فِي طَسْتٍ وَيُغَسَّلَ وَيُسْقَى. وَعَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يُعَوِّذُ نَفْسَهُ» قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَعَلَى الْجَوَازِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَبِهِ وَرَدَتْ الْآثَارُ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشُدَّ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ التَّعَاوِيذَ عَلَى الْعَضُدِ إذَا كَانَتْ مَلْفُوفَةً اهـ قَالَ ط: وَانْظُرْ هَلْ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ فِي نَحْوِ التَّمَائِمِ حُرُوفًا مُقَطَّعَةً تَجُوزُ أَمْ لَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَا وَرَدَتْ بِهِ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ وَحَرَّرَهُ اهـ وَفِي الْخَانِيَّةِ: بِسَاطٌ أَوْ مُصَلَّى كُتِبَ عَلَيْهِ فِي النَّسْجِ الْمُلْكُ لِلَّهِ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ وَبَسْطُهُ، وَالْقُعُودُ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَطَعَ الْحَرْفَ مِنْ الْحَرْفِ أَوْ خَيَّطَ عَلَى بَعْضِ الْحُرُوفِ: حَتَّى لَمْ تَبْقَ الْكَلِمَةُ مُتَّصِلَةً لَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ لِأَنَّ لِلْحُرُوفِ الْمُفْرَدَةِ حُرْمَةً وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَيْهَا الْمُلْكُ أَوْ الْأَلِفُ وَحْدَهَا أَوْ اللَّامُ اهـ وَفِيهَا: امْرَأَةٌ أَرَادَتْ أَنْ تَضَعَ تَعْوِيذًا لِيُحِبَّهَا زَوْجُهَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ، وَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ قُبَيْلَ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ، وَفِيهَا يُكْرَهُ كِتَابَةُ الرِّقَاعِ فِي أَيَّامِ النَّيْرُوزِ وَإِلْزَاقُهَا بِالْأَبْوَابِ، لِأَنَّ فِيهِ إهَانَةَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْمِ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَفِيهَا لَا بَأْسَ بِوَضْعِ الْجَمَاجِمِ فِي الزَّرْعِ وَالْمَبْطَخَةِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْعَيْنِ، لِأَنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ تُصِيبُ الْمَالَ، وَالْآدَمِيَّ وَالْحَيَوَانَ وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي ذَلِكَ عُرِفَ بِالْآثَارِ فَإِذَا نَظَرَ النَّاظِرُ إلَى الزَّرْعِ يَقَعُ نَظَرُهُ أَوَّلًا عَلَى الْجَمَاجِمِ، لِارْتِفَاعِهَا فَنَظَرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْحَرْثِ لَا يَضُرُّهُ رُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَتْ نَحْنُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْثِ وَإِنَّا نَخَافُ عَلَيْهِ الْعَيْنَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُجْعَلَ فِيهِ الْجَمَاجِمُ» اهـ. [تَتِمَّةٌ] فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِلْإِمَامِ الْعَيْنِيِّ مِنْ بَابِ: الْعَيْنُ حَقٌّ. رَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعِينُ» قَالَ عِيَاضٌ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يَنْبَغِي إذَا عُرِفَ وَاحِدٌ بِالْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ أَنْ يُجْتَنَبَ وَيُحْتَرَزَ مِنْهُ، وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ مَنْعُهُ مِنْ مُدَاخَلَةِ النَّاسِ، وَيُلْزِمُهُ بَيْتَهُ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا رَزَقَهُ مَا يَكْفِيهِ فَضَرَرُهُ أَكْثَرُ مِنْ ضَرَرِ آكِلِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ، وَمِنْ ضَرَرِ الْمَجْذُومِ الَّذِي مَنَعَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي النَّسَائِيّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَخِيهِ شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ» " وَالدُّعَاءُ بِالْبَرَكَةِ أَنْ يَقُولَ: تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ وَيُؤْمَرُ الْعَائِنُ بِالِاغْتِسَالِ وَيُجْبَرُ إنْ أَبَى اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ] (قَوْلُهُ وَالْمَسِّ) زَادَهُ لِتَكَلُّمِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ وَعَدَمُ الذِّكْرِ فِي التَّرْجَمَةِ لَا يُعَدُّ عَيْبًا وَإِنْ كَانَ الذِّكْرُ أَوْلَى لِيُعْلَمَ مَحَلُّهُ فَلِيُرَاجَعْ عِنْدَ الْحَاجَةِ ط (قَوْلُهُ وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ مَسَائِلَ النَّظَرِ أَرْبَعٌ: نَظَرُ الرَّجُلِ إلَى الْمَرْأَةِ وَنَظَرُهَا إلَيْهِ، وَنَظَرُ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ، وَنَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ وَالْأُولَى عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: نَظَرُهُ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ الْحُرَّةِ، وَنَظَرُهُ إلَى مَنْ تَحِلُّ لَهُ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ وَنَظَرُهُ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ وَنَظَرُهُ إلَى أَمَةِ الْغَيْرِ فَافْهَمْ اهـ (قَوْلُهُ بَلَغَ حَدَّ الشَّهْوَةِ) أَيْ بِأَنْ صَارَ مُرَاهِقًا فَالْمُرَادُ حَدُّ الشَّهْوَةِ الْكَائِنَةِ مِنْهُ ط. أَقُولُ: وَقَدَّمَ الشَّارِحُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ مَا نَصُّهُ وَفِي السِّرَاجِ لَا عَوْرَةَ لِلصَّغِيرِ جِدًّا ثُمَّ مَا دَامَ لَمْ يُشْتَهَ فَقُبُلٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 364 وَلَوْ أَمْرَدَ صَبِيحَ الْوَجْهِ وَقَدْ مَرَّ فِي الصَّلَاةِ وَالْأَوْلَى تَنْكِيرُ الرَّجُلِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْأَوَّلَ عَيْنُ الثَّانِي؛ وَكَذَا الْكَلَامُ فِيمَا بَعْدُ قُهُسْتَانِيٌّ. قُلْت: وَقَرِينَةُ الْمَقَامِ تَكْفِي فَتَدَبَّرْ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الزَّاهِدِيِّ أَنَّهُ لَوْ نَظَرَ لِعَوْرَةِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ لَمْ يَأْثَمْ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ بَلْ لَفْظُ الزَّاهِدِيِّ نَظَرَ لِعَوْرَةِ غَيْرِهِ وَهِيَ غَيْرُ بَادِيَةٍ لَمْ يَأْثَمْ انْتَهَى فَلْيُحْفَظْ (سِوَى مَا بَيْنَ   [رد المحتار] وَدُبُرٌ ثُمَّ تَتَغَلَّظُ إلَى عَشْرِ سِنِينَ ثُمَّ كَبَالِغٍ، وَفِي الْأَشْبَاهِ يَدْخُلُ عَلَى النِّسَاءِ إلَى خَمْسَ عَشْرَةَ سُنَّةً اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَمْرَدَ صَبِيحَ الْوَجْهِ) قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ وَالْغُلَامُ إذَا بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ وَلَمْ يَكُنْ صَبِيحًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الرِّجَالِ وَإِنْ كَانَ صَبِيحًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ النِّسَاءِ، وَهُوَ عَوْرَةٌ مِنْ قَرْنِهِ إلَى قَدَمِهِ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ عَنْ شَهْوَةٍ، وَأَمَّا الْخَلْوَةُ وَالنَّظَرُ إلَيْهِ لَا عَنْ شَهْوَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلِذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالنِّقَابِ كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّهْوَةَ الْمُوجِبَةَ لِلتَّحْرِيمِ، هَلْ هِيَ مَيْلُ الْقَلْبِ أَوْ الِانْتِشَارُ وَيُحَرَّرُ ط. أَقُولُ: ذَكَرَ الشَّارِحُ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ النِّكَاحِ أَنَّ حَدَّ الشَّهْوَةِ فِي الْمَسِّ وَالنَّظَرِ الْمُوجِبَةَ لِحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ تَحَرُّكُ آلَتِهِ أَوْ زِيَادَتُهُ بِهِ يُفْتَى وَفِي امْرَأَةٍ وَنَحْوِ شَيْخٍ تَحَرُّكُ قَلْبِهِ أَوْ زِيَادَتُهُ اهـ وَنَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ: أَنْ يَمِيلَ بِالْقَلْبِ وَيَشْتَهِيَ أَنْ يُعَانِقَهَا وَقِيلَ أَنْ يَقْصِدَ مُوَاقَعَتَهَا، وَلَا يُبَالِي مِنْ الْحَرَامِ كَمَا فِي النَّظْمِ وَفِي حَقِّ النِّسَاءِ الِاشْتِهَاءُ بِالْقَلْبِ لَا غَيْرُ اهـ وَقَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: فِي هَذَا الْفَصْلِ وَشُرِطَ لِحِلِّ النَّظَرِ إلَيْهَا وَإِلَيْهِ الْأَمْنُ بِطَرِيقِ الْيَقِينِ مِنْ شَهْوَةٍ أَيْ مَيْلِ النَّفْسِ إلَى الْقُرْبِ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ أَوْ الْمَسِّ لَهَا أَوْ لَهُ مَعَ النَّظَرِ، بِحَيْثُ يُدْرِكُ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْوَجْهِ الْجَمِيلِ وَالْمَتَاعِ الْجَزِيلِ، فَالْمَيْلُ إلَى التَّقْبِيلِ فَوْقَ الشَّهْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَلِذَا قَالَ السَّلَفُ: اللُّوطِيُّونَ أَصْنَافٌ: صِنْفٌ يَنْظُرُونَ، وَصِنْفٌ يُصَافِحُونَ، وَصِنْفٌ يَعْمَلُونَ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى إنَّهُ لَوْ عَلِمَ مِنْهُ الشَّهْوَةَ أَوْ ظَنَّ أَوْ شَكَّ حَرُمَ النَّظَرُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ اهـ. أَقُولُ: حَاصِلُهُ أَنَّ مُجَرَّدَ النَّظَرِ وَاسْتِحْسَانَهُ لِذَلِكَ الْوَجْهِ الْجَمِيلِ، وَتَفْضِيلَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْقَبِيحِ كَاسْتِحْسَانِ الْمَتَاعِ الْجَزِيلِ لَا بَأْسَ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْهُ الطَّبْعُ الْإِنْسَانِيُّ، بَلْ يُوجَدُ فِي الصِّغَارِ، فَالصَّغِيرُ الْمُمَيِّزُ يَأْلَفُ صَاحِبَ الصُّورَةِ الْحَسَنَةِ أَكْثَرَ مِنْ صَاحِبِ الصُّورَةِ الْقَبِيحَةِ وَيَرْغَبُ فِيهِ، وَيُحِبُّهُ أَكْثَرَ بَلْ قَدْ يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الْبَهَائِمِ، فَقَدْ أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى جَمَلًا يَمِيلُ إلَى امْرَأَةٍ حَسْنَاءَ وَيَضَعُ رَأْسَهُ عَلَيْهَا، كُلَّمَا رَآهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنْ النَّاسِ، فَلَيْسَ هَذَا نَظَرُ شَهْوَةٍ، وَإِنَّمَا الشَّهْوَةُ مَيْلُهُ بَعْدَ هَذَا مَيْلَ لَذَّةٍ إلَى الْقُرْبِ مِنْهُ أَوْ الْمَسِّ لَهُ زَائِدًا عَلَى مَيْلِهِ إلَى الْمَتَاعِ الْجَزِيلِ، أَوْ الْمُلْتَحِي لِأَنَّ مَيْلَهُ إلَيْهِ مُجَرَّدُ اسْتِحْسَانٍ لَيْسَ مَعَهُ لَذَّةٌ وَتَحَرُّكُ قَلْبٍ إلَيْهِ كَمَا فِي مَيْلِهِ إلَى ابْنِهِ أَوْ أَخِيهِ الصَّبِيحِ، وَفَوْقَ ذَلِكَ الْمَيْلُ إلَى التَّقْبِيلِ أَوْ الْمُعَانَقَةِ أَوْ الْمُبَاشَرَةِ أَوْ الْمُضَاجَعَةِ، وَلَوْ بِلَا تَحَرُّكِ آلَةٍ وَأَمَّا اشْتِرَاطُهُ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ، فَلَعَلَّهُ لِلِاحْتِيَاطِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَحْوَطَ عَدَمُ النَّظَرِ مُطْلَقًا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ صَبِيحًا، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْلِسُهُ فِي دَرْسِهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ. أَوْ خَلْفَ سَارِيَةٍ مَخَافَةَ خِيَانَةِ الْعَيْنِ مَعَ كَمَالِ تَقْوَاهُ اهـ وَرَاجِعْ مَا كَتَبْنَاهُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُمْ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْأَوَّلَ عَيْنُ الثَّانِي) لِأَنَّ الثَّانِيَ مَعْرِفَةٌ كَالْأَوَّلِ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ لَيْسَتْ كُلِّيَّةً قَالَ تَعَالَى - {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ} [المائدة: 48]- وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: أَنَّ أَلْ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي جِنْسِيَّةٌ وَالْمُعَرَّفَ بِهَا فِي حُكْمِ النَّكِرَةِ ط (قَوْلُهُ وَكَذَا الْكَلَامُ فِيمَا بَعْدُ) وَهُوَ قَوْلُهُ وَنَظَرُ الْمَرْأَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ أَوْ النَّكِرَةَ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً، فَهِيَ عَيْنُ الْأَوَّلِ، أَوْ نَكِرَةً فَغَيْرُهُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَخُلُوِّ الْمَقَامِ عَنْ الْقَرَائِنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّلْوِيحِ (قَوْلُهُ وَهِيَ غَيْرُ بَادِيَةٍ) أَيْ ظَاهِرَةٍ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَرْأَةِ ثِيَابٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَأَمَّلَ جَسَدَهَا وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 365 سُرَّتِهِ إلَى مَا تَحْتَ رُكْبَتِهِ) فَالرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ لَا السُّرَّةُ (وَمِنْ عِرْسِهِ وَأَمَتِهِ الْحَلَالِ) لَهُ وَطْؤُهَا فَخَرَجَ الْمَجُوسِيَّةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُشْرِكَةُ وَمَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ وَالْمُحَرَّمَةُ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ فَحُكْمُهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ مُجْتَبًى. وَيُشْكِلُ بِالْمُفْضَاةِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَيَنْظُرُ إلَيْهَا قُهُسْتَانِيٌّ. قُلْت: وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ أَغْلَبِيٌّ (إلَى فَرْجِهَا) بِشَهْوَةٍ وَغَيْرِهَا وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ   [رد المحتار] ثِيَابُهَا مُلْتَزِقَةً بِهَا بِحَيْثُ تَصِفُ مَا تَحْتَهَا، وَلَمْ يَكُنْ رَقِيقًا بِحَيْثُ يَصِفُ مَا تَحْتَهُ، فَإِنْ كَانَتْ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَغُضَّ بَصَرَهُ اهـ. وَفِي التَّبْيِينِ قَالُوا: وَلَا بَأْسَ بِالتَّأَمُّلِ فِي جَسَدِهَا وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ مَا لَمْ يَكُنْ ثَوْبٌ يُبَيِّنُ حَجْمَهَا، فَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِ حِينَئِذٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَأَمَّلَ خَلْفَ امْرَأَةٍ وَرَأَى ثِيَابَهَا حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ حَجْمُ عِظَامِهَا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» وَلِأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَصِفْ ثِيَابُهَا مَا تَحْتَهَا مِنْ جَسَدِهَا يَكُونُ نَاظِرًا إلَى ثِيَابِهَا وَقَامَتِهَا دُونَ أَعْضَائِهَا فَصَارَ كَمَا إذَا نَظَرَ إلَى خَيْمَةٍ هِيَ فِيهَا وَمَتَى كَانَ يَصِفُ يَكُونُ نَاظِرًا إلَى أَعْضَائِهَا اهـ. أَقُولُ: مُفَادُهُ أَنَّ رُؤْيَةَ الثَّوْبِ بِحَيْثُ يَصِفُ حَجْمَ الْعُضْوِ مَمْنُوعَةٌ وَلَوْ كَثِيفًا لَا تُرَى الْبَشَرَةُ مِنْهُ، قَالَ فِي الْمُغْرِبِ يُقَالُ مَسِسْت الْحُبْلَى، فَوَجَدْت حَجْمَ الصَّبِيَّ فِي بَطْنِهَا وَأَحْجَمَ الثَّدْيُ عَلَى نَحْرِ الْجَارِيَةِ إذَا نَهَزَ، وَحَقِيقَتُهُ صَارَ لَهُ حَجْمٌ أَيْ نُتُوٌّ وَارْتِفَاعٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَجْمُ عِظَامِهَا اهـ وَعَلَى هَذَا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى عَوْرَةِ غَيْرِهِ فَوْقَ ثَوْبٍ مُلْتَزِقٍ بِهَا يَصِفُ حَجْمَهَا فَيُحْمَلُ مَا مَرَّ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَصِفْ حَجْمَهَا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَالرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ) لِرِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيّ «مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ عَوْرَةٌ» وَالرُّكْبَةُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ هِيَ مُلْتَقَى عَظْمَيْ السَّاقِ وَالْفَخِذِ، وَفِي الْبُرْجَنْدِيِّ: مَا تَحْتَ السُّرَّةِ هُوَ مَا تَحْتَ الْخَطِّ الَّذِي يَمُرُّ بِالسُّرَّةِ، وَيَدُورُ عَلَى مُحِيطِ بَدَنِهِ بِحَيْثُ يَكُونُ بُعْدُهُ عَنْ مَوْقِعِهِ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهِ عَلَى السَّوَاءِ اهـ وَفِي الْهِدَايَةِ: السُّرَّةُ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ خِلَافًا لِأَبِي عِصْمَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالْفَخِذُ عَوْرَةٌ خِلَافًا لِأَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ، وَمَا دُونَ السُّرَّةِ إلَى مَنْبَتِ الشَّعْرِ عَوْرَةٌ خِلَافًا لِابْنِ الْفَضْلِ مُعْتَمِدًا فِيهِ الْعَادَةَ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِالْعَادَةِ مَعَ النَّصِّ بِخِلَافِهَا وَحُكْمُ الْعَوْرَةِ فِي الرُّكْبَةِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْفَخِذِ وَفِي الْفَخِذِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي السَّوْأَةِ حَتَّى أَنَّ كَاشِفَ الرُّكْبَةِ يُنْكَرُ عَلَيْهِ بِرِفْقٍ، وَكَاشِفَ الْفَخِذِ يُعَنَّفُ عَلَيْهِ وَكَاشِفَ السَّوْأَةِ يُؤَدَّبُ عَلَيْهِ إنْ لَجَّ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَمِنْ عِرْسِهِ وَأَمَتِهِ) فَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْهُمَا وَبِالْعَكْسِ إلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ مِنْ الْفَرْقِ إلَى الْقَدَمِ وَلَوْ عَنْ شَهْوَةٍ، لِأَنَّ النَّظَرَ دُونَ الْوَطْءِ الْحَلَالِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُ الْحَلَالِ) جَعَلَهُ فِي الْمِنَحِ قَيْدًا لِلْأَمَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْأَوْلَى جَعْلُهُ قَيْدًا لِلْعِرْسِ أَيْضًا لِمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَا يَنْظُرُ إلَى فَرْجِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ، وَيَنْظُرُ إلَى الشَّعْرِ وَالظَّهْرِ وَالصَّدْرِ مِنْهَا كَمَا فِي قَاضِي خَانْ اهـ وَأَمَّا الْحَائِضُ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قُرْبَانُ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ قَالَ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْحَيْضِ: وَأَمَّا حِلُّ النَّظَرِ وَمُبَاشَرَتُهَا لَهُ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ (قَوْلُهُ لَهُ وَطْؤُهَا) الْجَارُ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِالْحَلَالِ وَوَطْؤُهَا فَاعِلٌ أَيْ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا (قَوْلُهُ أَوْ مُصَاهَرَةٍ) بِأَنْ كَانَتْ مَوْطُوءَتَهُ أَوْ بِنْتَهَا ط (قَوْلُهُ فَحُكْمُهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ) أَيْ كَالْأَمَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِدَلِيلِ مَا فِي الْعِنَايَةِ، حَيْثُ قَالَ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ مِنْ أَمَتِهِ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ، لِأَنَّ حُكْمَ أَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ، وَاَلَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ حُكْمُ أَمَةِ الْغَيْرِ فِي النَّظَرِ إلَيْهَا لِأَنَّ إبَاحَةَ النَّظَرِ إلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى حِلِّ الْوَطْءِ فَيَنْتَفِي بِانْتِفَائِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَيُشْكِلُ) أَيْ تَقْيِيدُ الْأَمَةِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمَا لَوْ كَانَتْ مُفْضَاةً وَهِيَ الَّتِي احْتَلَطَ مَسْلَكَاهَا (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا) إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَهَا فِي الْقُبُلِ مِنْ غَيْرِ الْوُقُوعِ فِي الدُّبُرِ، فَإِنْ شَكَّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: الْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْظُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يَتَجَرَّدَانِ تَجَرُّدَ الْعِيرِ» وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 366 لِأَنَّهُ يُورِثُ النِّسْيَانَ (وَمِنْ مَحْرَمِهِ) هِيَ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا أَبَدًا بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ وَلَوْ بِزِنًا (إلَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَالصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَالْعَضُدِ إنْ أَمِنَ شَهْوَتَهُ) وَشَهْوَتَهَا أَيْضًا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ فَمَنْ قَصَرَهُ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَدْ قَصَّرَ ابْنُ كَمَالٍ (وَإِلَّا لَا، لَا إلَى الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَالْفَخِذِ) وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى - {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31]- الْآيَةَ وَتِلْكَ الْمَذْكُورَاتُ مَوَاضِعُ الزِّينَةِ بِخِلَافِ الظَّهْرِ وَنَحْوِهِ (وَحُكْمُ أَمَةِ غَيْرِهِ) وَلَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ (كَذَلِكَ) فَيَنْظُرُ إلَيْهَا كَمَحْرَمِهِ (وَمَا حَلَّ نَظَرُهُ) مِمَّا مَرَّ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (حَلَّ لَمْسُهُ) إذَا أَمِنَ الشَّهْوَةَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُقَبِّلُ رَأْسَ فَاطِمَةَ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ قَبَّلَ رِجْلَ أُمِّهِ فَكَأَنَّمَا قَبَّلَ عَتَبَةَ الْجَنَّةِ» وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ ذَلِكَ أَوْ شَكَّ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ وَالْمَسُّ كَشْفُ الْحَقَائِقِ لِابْنِ سُلْطَانٍ وَالْمُجْتَبَى (إلَّا مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ) فَلَا يَحِلُّ مَسُّ وَجْهِهَا وَكَفِّهَا وَإِنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ؛ لِأَنَّهُ أَغْلَظُ وَلِذَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَهَذَا فِي الشَّابَّةِ،   [رد المحتار] النِّسْيَانَ لِوُرُودِ الْأَثَرِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يَقُولُ: الْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَحْصِيلِ مَعْنَى اللَّذَّةِ اهـ لَكِنْ فِي شَرْحِهَا لِلْعَيْنِيِّ أَنَّ هَذَا لَمْ يَثْبُتْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَلَا بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ فَرْجَ امْرَأَتِهِ، وَهِيَ تَمَسُّ فَرْجَهُ لِيَتَحَرَّك عَلَيْهَا هَلْ تَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا قَالَ: لَا وَأَرْجُو أَنْ يَعْظُمَ الْأَجْرُ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُورِثُ النِّسْيَانَ) وَيُضْعِفُ الْبَصَرَ اهـ ط. [تَنْبِيهٌ] قَدَّمْنَا أَنَّ الرَّجُلَ يَنْظُرُ مِنْ أَمَتِهِ الْحَلَالِ، وَهِيَ مِنْهُ إلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ قَالَ مُنْلَا مِسْكِينٍ: وَأَمَّا حُكْمُ نَظَرِ السَّيِّدَةِ إلَى جَمِيعِ بَدَنِ أَمَتِهَا وَالْأَمَةِ إلَى سَيِّدَتِهَا فَغَيْرُ مَعْلُومٍ اهـ وَذَكَرَ مُحَشِّيهِ أَبُو السُّعُودِ أَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَرْأَةُ لِلْمَرْأَةِ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ إذْ لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي ذَلِكَ لَنَصُّوا عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُمْ أَنَاطُوا حِلَّ النَّظَرِ إلَى غَيْرِ مَوَاضِعِ الزِّينَةِ بِحِلِّ الْوَطْءِ كَمَا مَرَّ وَفِي الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ قُبَيْلَ الِاسْتِبْرَاءِ مَا نَصَّهُ وَالنِّسَاءُ كُلُّهُنَّ فِي حِلِّ نَظَرِ بَعْضِهِنَّ إلَى بَعْضِهِنَّ سَوَاءٌ (قَوْلُهُ أَوْ سَبَبٍ) كَالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِزِنًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ عَدَمُ حِلِّ نِكَاحِهَا لَهُ بِسَبَبِ زِنَاهُ بِأُصُولِهَا أَوْ فُرُوعِهَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَقِيلَ: إنَّهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ، لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ (قَوْلُهُ فَمَنْ قَصَرَهُ عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ قَصَرَ التَّقْيِيدَ عَلَى الْأَمْنِ مِنْ جَانِبِ الرَّجُلِ، وَهُوَ تَعْرِيضٌ بِتَاجِ الشَّرِيعَةِ وَالْمُصَنِّفِ أَيْضًا (قَوْلُهُ لَا إلَى الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ إلَخْ) أَيْ مَعَ مَا يَتْبَعُهُمَا مِنْ نَحْوِ الْجَنْبَيْنِ وَالْفَرْجَيْنِ وَالْأَلْيَتَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَتِلْكَ الْمَذْكُورَاتُ مَوَاضِعُ الزِّينَةِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ نَفْسَ الزِّينَةِ، لِأَنَّ النَّظَرَ إلَيْهَا مُبَاحٌ مُطْلَقًا، بَلْ الْمُرَادُ مَوَاضِعُهَا فَالرَّأْسُ مَوْضِعُ التَّاجِ، وَالْوَجْهُ مَوْضِعُ الْكُحْلِ، وَالْعُنُقُ وَالصَّدْرُ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ وَالْأُذُنُ مَوْضِعُ الْقُرْطِ، وَالْعَضُدُ مَوْضِعُ الدُّمْلُوجِ، وَالسَّاعِدُ مَوْضِعُ السِّوَارِ وَالْكَفُّ مَوْضِعُ الْخَاتَمِ وَالْخِضَابِ، وَالسَّاقُ مَوْضِعُ الْخَلْخَالِ، وَالْقَدَمُ مَوْضِعُ الْخِضَابِ زَيْلَعِيٌّ وَالشَّعْرُ مَوْضِعُ الْعَقْصِ إتْقَانِيٌّ وَالدُّمْلُوجُ كَعُصْفُورِ وَالدُّمْلُجُ مَقْصُورٌ مِنْهُ مِصْبَاحٌ وَهُوَ مِنْ حُلِيِّ الْعَضُدِ وَالْعَقْصُ سَيْرٌ يُجْمَعُ بِهِ الشَّعْرُ وَقِيلَ خُيُوطٌ سُودٌ تَصِلُ بِهَا الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا مَغْرِبٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُدْبِرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ) وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ وَمُعْتَقَةُ الْبَعْضِ عِنْدَهُ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَنْظُرُ إلَيْهَا كَمَحْرَمِهِ) لِأَنَّهَا تَخْرُجُ لِحَوَائِجِ مَوْلَاهَا وَتَخْدُمُ أَضْيَافَهُ وَهِيَ فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا، فَصَارَ حَالُهَا خَارِجَ الْبَيْتِ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ كَحَالِ الْمَرْأَةِ دَاخِلَهُ فِي حَقِّ الْمَحَارِمِ الْأَقَارِبِ، وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا رَأَى جَارِيَةً مُتَقَنِّعَةً عَلَاهَا بِالدُّرَّةِ وَقَالَ: أَلْقِي عَنْك الْخِمَارَ يَا دَفَارِ أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ هِدَايَةٌ وَدَفَارِ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ كَفَعَالِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرِ مِنْ الدَّفْرِ وَهُوَ النَّتْنُ (قَوْلُهُ أَوْ شَكَّ) مَعْنَاهُ اسْتِوَاءُ الْأَمْرَيْنِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ إلَّا مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ) أَيْ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ اهـ (قَوْلُهُ فَلَا يَحِلُّ مَسُّ وَجْهِهَا) أَيْ وَإِنْ جَازَ النَّظَرُ إلَيْهِ عَلَى مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَلِذَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ) تَعْلِيلٌ لِكَوْنِهِ أَغْلَظَ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 367 أَمَّا الْعَجُوزُ الَّتِي لَا تُشْتَهَى فَلَا بَأْسَ بِمُصَافَحَتِهَا وَمَسِّ يَدِهَا إذَا أَمِنَ، وَمَتَى جَازَ الْمَسُّ جَازَ سَفَرُهُ بِهَا وَيَخْلُو إذَا أَمِنَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا وَإِلَّا لَا وَفِي الْأَشْبَاهِ: الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ حَرَامٌ إلَّا لِمُلَازَمَةِ مَدْيُونَةٍ هَرَبَتْ وَدَخَلَتْ خَرِبَةً أَوْ كَانَتْ عَجُوزًا شَوْهَاءَ أَوْ بِحَائِلٍ، وَالْخَلْوَةُ بِالْمَحْرَمِ مُبَاحَةٌ   [رد المحتار] النَّظَرِ وَالْمُرَادُ إذَا كَانَ عَنْ شَهْوَةٍ وَيَشْمَلُ الْمَحَارِمَ وَالْإِمَاءَ حَتَّى لَوْ مَسَّ عَمَّتَهُ أَوْ أَمَتَهُ بِشَهْوَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِنْتُهَا (قَوْلُهُ أَمَّا الْعَجُوزُ إلَخْ) وَفِي رِوَايَةٍ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَيْضًا غَيْرَ مُشْتَهًى اهـ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا لَا تَشْتَهِي، فَلَا بَأْسَ بِمُصَافَحَتِهَا أَوْ مَسِّ يَدِهَا، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ شَيْخًا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَافِحَهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَيْهَا فَلْيَجْتَنِبْ، ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا أَبَاحَ الْمَسَّ لِلرَّجُلِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ عَجُوزًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ كَوْنَ الرَّجُلِ بِحَالٍ لَا يُجَامِعُ مِثْلُهُ، وَفِيمَا إذَا كَانَ الْمَاسُّ هِيَ الْمَرْأَةُ فَإِنْ كَانَا كَبِيرَيْنِ لَا يُجَامِعُ مِثْلُهُ، وَلَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَلَا بَأْسَ بِالْمُصَافَحَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى اهـ (قَوْلُهُ جَازَ سَفَرُهُ بِهَا) وَلَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمَحَارِمِ وَأَمَةِ الْغَيْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ الْخَلْوَةَ وَالْمُسَافَرَةَ بِإِمَاءِ الْغَيْرِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْحِلِّ وَعَدَمِهِ، وَهُمَا قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ ط. أَقُولُ: لَكِنْ هَذَا فِي زَمَانِهِمْ لِمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ عَنْ ابْنِ كَمَالٍ أَنَّهُ لَا تُسَافِرُ الْأَمَةُ بِلَا مَحْرَمٍ فِي زَمَانِنَا لِغَلَبَةِ أَهْلِ الْفَسَادِ وَبِهِ يُفْتَى فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ) أَيْ الْحُرَّةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ الْخِلَافِ فِي الْأَمَةِ، وَقَوْلُهُ: حَرَامٌ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ بِتَحْرِيمٍ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَتْ عَجُوزًا شَوْهَاءَ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْعَجُوزَ لَا تُسَافِرُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، فَلَا تَخْلُو بِرَجُلٍ شَابًّا أَوْ شَيْخًا، وَلَهَا أَنْ تُصَافِحَ الشُّيُوخَ فِي الشِّفَاءِ عَنْ الْكَرْمِينِيِّ الْعَجُوزُ الشَّوْهَاءُ وَالشَّيْخُ الَّذِي لَا يُجَامِعُ مِثْلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَارِمِ اهـ. وَالْمُتَبَادِرُ أَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْمَحَارِمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَجَانِبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ مَعَهَا كَالْمَحَارِمِ وَيُؤَيِّدُ احْتِمَالَ الْوَجْهَيْنِ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الذَّخِيرَةِ وَعَلَى الثَّانِي فَفِي إطْلَاقِ الشَّارِحِ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ أَوْ بِحَائِلٍ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: سَكَنَ رَجُلٌ فِي بَيْتٍ مِنْ دَارٍ وَامْرَأَةٌ فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْهَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ غَلْقٌ عَلَى حِدَةٍ، لَكِنْ بَابُ الدَّارِ وَاحِدٌ لَا يُكْرَهُ مَا لَمْ يَجْمَعْهُمَا بَيْتٌ اهـ وَرَمَزَ لَهُ ثَلَاثَةَ رُمُوزٍ، ثُمَّ رَمَزَ إلَى كِتَابٍ آخَرَ هِيَ خَلْوَةٌ فَلَا تَحِلُّ ثُمَّ رَمَزَ وَلَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا، وَلَيْسَ إلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ يَجْعَلُ بَيْنَهُمَا سُتْرَةً لِأَنَّهُ لَوْلَا السُّتْرَةُ تَقَعُ الْخَلْوَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَحْرَمٌ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالُوهُ اهـ لِأَنَّ الْبَيْتَيْنِ مِنْ دَارٍ كَالسُّتْرَةِ بَلْ أَوْلَى وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالسُّتْرَةِ مَشْرُوطٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ فَاسِقًا إذْ لَوْ كَانَ فَاسِقًا يُحَالُ بَيْنَهُمَا بِامْرَأَةٍ ثِقَةٍ تَقْدِرُ عَلَى الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ الْإِحْدَادِ. وَقَدْ بَحَثَ صَاحِبُ الْبَحْرِ هُنَاكَ بِمِثْلِ مَا قَالَهُ فِي الْقُنْيَةِ فَقَالَ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّتَهُ إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ بِخِلَافِهِ، وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ كَذَلِكَ حُكْمَ السُّتْرَةِ إذَا مَاتَ زَوْجُهَا؛ وَكَانَ مِنْ وَرَثَتِهِ مَنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لَهَا. أَقُولُ: وَقَوْلُ الْقُنْيَةِ وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَحْرَمٌ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فَلَا خَلْوَةَ وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْخَلْوَةَ الْمُحَرَّمَةَ تَنْتَفِي بِالْحَائِلِ، وَبِوُجُودِ مَحْرَمٍ أَوْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ قَادِرَةٍ وَهَلْ تَنْتَفِي أَيْضًا بِوُجُودِ رَجُلٍ آخَرَ أَجْنَبِيٍّ لَمْ أَرَهُ لَكِنْ فِي إمَامَةِ الْبَحْرِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ يُكْرَهُ أَنْ يُؤَمَّ النِّسَاءَ فِي بَيْتٍ وَلَيْسَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ وَلَا مَحْرَمٌ، مِثْلُ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ وَأُخْتِهِ فَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، فَلَا يُكْرَهُ وَكَذَا إذَا أَمَّهُنَّ فِي الْمَسْجِدِ لَا يُكْرَهُ اهـ وَإِطْلَاقُ الْمَحْرَمِ عَلَى مَنْ ذَكَرَهُ تَغْلِيبٌ بَحْرٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ عِلَّةَ الْكَرَاهَةِ الْخَلْوَةُ، وَمُفَادُهُ أَنَّهَا تَنْتَفِي بِوُجُودِ رَجُلٍ آخَرَ، لَكِنَّهُ يُفِيدُ أَيْضًا أَنَّهَا لَا تَنْتَفِي بِوُجُودِ امْرَأَةٍ أُخْرَى فَيُخَالِفُ مَا مَرَّ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِامْرَأَةٍ ثِقَةٍ ثُمَّ رَأَيْت فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي مَا نَصُّهُ: الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ مَكْرُوهَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مَعَهَا أُخْرَى كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ اهـ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْمَرْأَةِ الثِّقَةِ أَنْ تَكُونَ عَجُوزًا لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا مَعَ كَوْنِهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 368 إلَّا الْأُخْتَ رَضَاعًا، وَالصِّهْرَةَ الشَّابَّةَ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مَعْزِيًّا لِلْجَوْهَرَةِ: وَلَا يُكَلِّمُ الْأَجْنَبِيَّةَ إلَّا عَجُوزًا عَطَسَتْ أَوْ سَلَّمَتْ فَيُشَمِّتُهَا لَا يَرُدُّ السَّلَامَ عَلَيْهَا وَإِلَّا لَا انْتَهَى، وَبِهِ بَانَ أَنَّ لَفْظَهُ لَا فِي نَقْلِ الْقُهُسْتَانِيِّ، وَيُكَلِّمُهَا بِمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ زَائِدَةٌ فَتَنَبَّهْ (وَلَهُ مَسُّ ذَلِكَ) أَيْ مَا حَلَّ نَظَرُهُ (إذَا أَرَادَ الشِّرَاءَ وَإِنْ خَافَ شَهْوَتَهُ) لِلضَّرُورَةِ وَقِيلَ لَا فِي زَمَانِنَا وَبِهِ جَزَمَ فِي الِاخْتِيَارِ (وَأَمَةٌ بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ لَا تُعْرَضُ) عَلَى الْبَيْعِ (فِي إزَارٍ وَاحِدٍ) يَسْتُرُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لِأَنَّ ظَهْرَهَا وَبَطْنَهَا عَوْرَةٌ (وَ) يَنْظُرُ (مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ) وَلَوْ كَافِرَةً مُجْتَبًى (إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا فَقَطْ) لِلضَّرُورَةِ قِيلَ وَالْقَدَمِ وَالذِّرَاعِ إذَا أَجَرَتْ نَفْسَهَا لِلْخَبْزِ تَتَارْخَانِيَّةٌ.   [رد المحتار] قَادِرَةً عَلَى الدَّفْعِ عَنْهَا وَعَنْ الْمُطَلَّقَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا الْأُخْتَ رَضَاعًا) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: وَفِي اسْتِحْسَانِ الْقَاضِي الصَّدْرِ الشَّهِيدِ، وَيَنْبَغِي لِلْأَخِ مِنْ الرَّضَاعِ أَنْ لَا يَخْلُوَ بِأُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ، لِأَنَّ الْغَالِبَ هُنَاكَ الْوُقُوعُ فِي الْجِمَاعِ اهـ. وَأَفَادَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ أَنْ يَنْبَغِي مَعْنَاهُ الْوُجُوبُ هُنَا (قَوْلُهُ وَالصِّهْرَةَ الشَّابَّةَ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: مَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ وَأُمٍّ فَلَهُمَا أَنْ يَسْكُنَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ إذَا لَمْ يَخَافَا الْفِتْنَةَ وَإِنْ كَانَتْ الصِّهْرَةُ شَابَّةً، فَلِلْجِيرَانِ أَنْ يَمْنَعُوهَا مِنْهُ إذَا خَافُوا عَلَيْهِمَا الْفِتْنَةَ اهـ وَأَصْهَارُ الرَّجُلِ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ زَوْجَتِهِ عَلَى اخْتِيَارِ مُحَمَّدٍ وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ هُنَا فِي أُمِّهَا وَالْعِلَّةُ تُفِيدُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فِي بِنْتِهَا وَنَحْوِهَا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِلَّا تَكُنْ عَجُوزًا بَلْ شَابَّةً لَا يُشَمِّتُهَا، وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ بِلِسَانِهِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَكَذَا الرَّجُلُ مَعَ الْمَرْأَةِ إذَا الْتَقَيَا يُسَلِّمُ الرَّجُلُ أَوَّلًا، وَإِذَا سَلَّمَتْ الْمَرْأَةُ الْأَجْنَبِيَّةُ عَلَى رَجُلٍ إنْ كَانَتْ عَجُوزًا رَدَّ الرَّجُلُ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - بِلِسَانِهِ بِصَوْتٍ تَسْمَعُ، وَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً رَدَّ عَلَيْهَا فِي نَفْسِهِ، وَكَذَا الرَّجُلُ إذَا سَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ فَالْجَوَابُ فِيهِ عَلَى الْعَكْسِ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَإِذَا عَطَسَ فَشَمَّتَتْهُ الْمَرْأَةُ فَإِنْ عَجُوزًا رَدَّ عَلَيْهَا وَإِلَّا رَدَّ فِي نَفْسِهِ اهـ وَكَذَا لَوْ عَطَسَتْ هِيَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ فِي نَقْلِ الْقُهُسْتَانِيِّ) أَيْ عَنْ بَيْعِ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ زَائِدَةٌ) يُبْعِدُهُ قَوْلُهُ فِي الْقُنْيَةِ رَامِزًا وَيَجُوزُ الْكَلَامُ الْمُبَاحُ مَعَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ اهـ وَفِي الْمُجْتَبَى رَامِزًا، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَ النِّسَاءِ بِمَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْخَوْضِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ إنَّمَا ذَلِكَ فِي كَلَامٍ فِيهِ إثْمٌ اهـ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَوْلٌ آخَرُ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَجُوزِ تَأَمَّلْ، وَتَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّ صَوْتَ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ عَلَى الرَّاجِحِ وَمَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ لِلضَّرُورَةِ) وَهِيَ مَعْرِفَةُ لِينِ بَشَرَتِهَا وَذَلِكَ غَرَضٌ صَحِيحٌ فَحَلَّ اللَّمْسُ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي زَمَانِنَا) لَعَلَّ وَجْهَ التَّقْيِيدِ بِهِ أَنَّهُ لِغَلَبَةِ الشَّرِّ فِي زَمَانِنَا رُبَّمَا يُؤَدِّي الْمَسُّ إلَى مَا فَوْقَهُ، بِخِلَافِهِ فِي زَمَنِ السَّلَفِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: وَإِنَّمَا حَرُمَ الْمَسُّ لِإِفْضَائِهِ إلَى الِاسْتِمْتَاعِ وَهُوَ الْوَطْءُ (قَوْلُهُ وَبِهِ جَزَمَ فِي الِاخْتِيَارِ) وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمُبْتَغَى وَعَزَاهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا لِمَشَايِخِهِ دُرٌّ مُنْتَقًى، وَنَقَلَ الأتقاني عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ، عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ لِلشَّابِّ الْمَسَّ، لِأَنَّ بِالنَّظَرِ كِفَايَةٌ، وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ بِذَلِكَ بَأْسًا لِضَرُورَةِ الْعِلْمِ بِبَشَرَتِهَا (قَوْلُهُ وَأَمَةٌ بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ) بِأَنْ تَصْلُحَ لِلْجِمَاعِ، وَلَا اعْتِبَارَ لِلسِّنِّ مِنْ سَبْعٍ أَوْ تِسْعٍ كَمَا صَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ فِي بَاب الْإِمَامَةِ ثُمَّ إنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلدُّرَرِ هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ خِلَافُ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى وَمُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَغَيْرِهَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَإِذَا حَاضَتْ الْأَمَةُ لَمْ تُعْرَضْ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ، وَمَعْنَاهُ بَلَغَتْ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَتْ تُشْتَهَى، وَيُجَامَعُ مِثْلُهَا فَهِيَ كَالْبَالِغَةِ لَا تُعْرَضُ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ لِوُجُودِ الِاشْتِهَاءِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَفَّيْهَا) تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّ ظَهْرَ الْكَفِّ عَوْرَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ اهـ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ هُنَا (قَوْلُهُ قِيلَ وَالْقَدَمِ) تَقَدَّمَ أَيْضًا فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْقَدَمَيْنِ لَيْسَا عَوْرَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ وَفِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ، وَالتَّصْحِيحُ، وَصَحَّحَ فِي الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ عَوْرَةٌ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَا فِيهَا وَرَجَحَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ كَوْنَهُ عَوْرَةً مُطْلَقًا بِأَحَادِيثَ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إذَا أَجَرَتْ نَفْسَهَا لِلْخَبْزِ) أَيْ وَنَحْوِهِ مِنْ الطَّبْخِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ قَالَ الأتقاني، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 369 (وَعَبْدُهَا كَالْأَجْنَبِيِّ مَعَهَا) فَيَنْظُرُ لِوَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا فَقَطْ. نَعَمْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا بِلَا إذْنِهَا إجْمَاعًا، وَلَا يُسَافِرُ بِهَا إجْمَاعًا خُلَاصَةٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ يَنْظُرُ كَمَحْرَمِهِ (فَإِنْ خَافَ الشَّهْوَةَ) أَوْ شَكَّ (امْتَنَعَ نَظَرُهُ إلَى وَجْهِهَا) فَحِلُّ النَّظَرِ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الشَّهْوَةِ وَإِلَّا فَحَرَامٌ وَهَذَا فِي زَمَانِهِمْ، وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَمَنَعَ مِنْ الشَّابَّةِ قُهُسْتَانِيٌّ وَغَيْرُهُ (إلَّا) النَّظَرَ لَا الْمَسَّ (لِحَاجَةٍ) كَقَاضٍ وَشَاهِدٍ يَحْكُمُ (وَيَشْهَدُ عَلَيْهَا) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ لَا لِتَتَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ فِي الْأَصَحِّ (وَكَذَا مَرِيدُ نِكَاحِهَا) وَلَوْ عَنْ شَهْوَةٍ بِنِيَّةِ السُّنَّةِ لَا قَضَاءِ الشَّهْوَةِ (وَشِرَائِهَا وَمُدَاوَاتِهَا يَنْظُرُ) الطَّبِيبُ (إلَى مَوْضِعِ مَرَضِهَا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ) إذْ الضَّرُورَاتُ تَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَكَذَا نَظَرُ قَابِلَةٍ وَخَتَّانٍ   [رد المحتار] سَاعِدِهَا وَمَرْفِقِهَا لِلْحَاجَةِ إلَى إبْدَائِهِمَا إذَا أَجَرَتْ نَفْسَهَا لِلطَّبْخِ وَالْخُبْزِ اهـ وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ: أَنَّ جَوَازَ النَّظَرِ لَيْسَ خَاصًّا بِوَقْتِ الِاشْتِغَالِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالْإِجَارَةِ بِخِلَافِ الْعِبَارَةِ الْأُولَى، وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ أَوْفَى بِالْمُرَادِ، وَهِيَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى ذِرَاعِهَا أَيْضًا لِأَنَّهُ يَبْدُو مِنْهَا عَادَةً اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَعَبْدُهَا كَالْأَجْنَبِيِّ مَعَهَا) لِأَنَّ خَوْفَ الْفِتْنَةِ مِنْهُ كَالْأَجْنَبِيِّ بَلْ أَكْثَرُ لِكَثْرَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالنُّصُوصُ الْمُحَرِّمَةُ مُطْلَقَةً، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْله تَعَالَى - {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31]- الْإِمَاءُ دُونَ الْعَبِيدِ قَالَهُ الْحَسَنُ وَابْنُ جُبَيْرٍ اهـ اخْتِيَارٌ وَتَمَامُهُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ. (قَوْلُهُ خُلَاصَةً) عَزْوٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ وَذَكَرَهُمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ فَإِنْ خَافَ الشَّهْوَةَ) قَدَّمْنَا حَدَّهَا أَوَّلَ الْفَصْلِ (قَوْلُهُ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الشَّهْوَةِ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَفِي شَرْحِ الْكَرْخِيِّ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ الْحُرَّةِ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ اهـ وَظَاهِرُهُ الْكَرَاهَةُ وَلَوْ بِلَا شَهْوَةٍ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَحَرَامٌ) أَيْ إنْ كَانَ عَنْ شَهْوَةٍ حَرُمَ (قَوْلُهُ وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَمُنِعَ مِنْ الشَّابَّةِ) لَا لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ بَلْ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ كَمَا قَدَّمَهُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ لَا الْمَسَّ) تَصْرِيحٌ بِالْمَفْهُومِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ يُوجَدُ مَنْ لَا يَشْتَهِي، فَلَا ضَرُورَةَ بِخِلَافِ حَالَةِ الْأَدَاءِ هِدَايَةٌ وَالْمَفْهُومُ مِنْهُ أَنَّ الْخِلَافَ عِنْدَ خَوْفِ الشَّهْوَةِ لَا مُطْلَقًا فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَنْ شَهْوَةٍ) رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ وَصَرَّحَ بِهِ لِلتَّوْضِيحِ، وَإِلَّا فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي النَّظَرِ بِشَهْوَةٍ بِمُقْتَضَى الِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ بِنِيَّةِ السُّنَّةِ) الْأَوْلَى جَعْلُهُ قَيْدًا لِلْجَمِيعِ أَيْضًا عَلَى التَّجَوُّزِ لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ إهْمَالُ الْقَيْدِ فِي الْأَوَّلَيْنِ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ: وَيَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْقَاضِي أَنْ يَقْصِدَ الشَّهَادَةَ وَالْحُكْمَ لَا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ تَحَرُّزًا عَنْ الْقَبِيحِ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا، وَإِنْ خَافَ أَنْ يَشْتَهِيَهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ حِينَ خَطَبَ امْرَأَةً «اُنْظُرْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إقَامَةُ السُّنَّةِ لَا قَضَاءُ الشَّهْوَةِ اهـ وَالْأَدْوَمُ وَالْإِيدَامُ الْإِصْلَاحُ وَالتَّوْفِيقُ إتْقَانِيٌّ. [تَنْبِيهٌ] تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي جَوَازِ الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ لِلشِّرَاءِ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الشَّارِحِ لَا الْمَسَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلنِّكَاحِ، وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمَسَّ وَجْهَهَا وَلَا كَفَّيْهَا وَإِنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ لِوُجُودِ الْحُرْمَةِ وَانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى اهـ. وَمِثْلُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ الْأَقْطَعِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْمَسَّ أَغْلَظُ فَمُنِعَ بِلَا حَاجَةٍ، وَفِي دُرَرِ الْبِحَارِ وَشَرْحِهِ لَا يَحِلُّ الْمَسُّ لِلْقَاضِي وَالشَّاهِدِ وَالْخَاطِبِ، وَإِنْ أَمِنُوا الشَّهْوَةَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ، وَعِبَارَةُ الْمُلْتَقَى مُوهِمَةٌ وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ وَأَمَّا الْمَسُّ مَعَ الشَّهْوَةِ لِلنِّكَاحِ، فَلَمْ أَرَ مَنْ أَجَازَهُ بَلْ جَعَلُوهُ كَالْحَاكِمِ لَا يَمَسُّ، وَإِنْ أَمِنَ فَلْيُحْفَظْ وَلْيُحَرَّرْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ اهـ بَقِيَ لَوْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ ابْنٌ أَمْرَدُ وَبَلَغَ لِلْخَاطِبِ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْحُسْنِ، فَظَاهِرُ تَخْصِيصِ النَّظَرِ إلَيْهَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْخَاطِبِ النَّظَرُ إلَى ابْنِهَا إذَا خَافَ الشَّهْوَةَ وَمِثْلُهُ بِنْتُهَا، وَتَقْيِيدُ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَا كَانَ لِحَاجَةٍ أَنَّهُ لَوْ اكْتَفَى بِالنَّظَرِ إلَيْهَا بِمَرَّةٍ حَرُمَ الزَّائِدُ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لِضَرُورَةٍ فَيَتَقَيَّدُ بِهَا، وَظَاهِرُ مَا فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ جَوَازُ النَّظَرِ إلَى الْكَفَّيْنِ أَيْضًا، وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ النَّظَرُ يَجُوزُ إرْسَالُ نَحْوِ امْرَأَةٍ تَصِفُ لَهُ حَلَاهَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَلَوْ غَيْرَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَهَلْ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ لِلْخَاطِبِ مَعَ خَوْفِ الشَّهْوَةِ لَمْ أَرَهُ وَالظَّاهِرُ: نَعَمْ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ، بَلْ هِيَ أَوْلَى مِنْهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مُفَارَقَةُ مَنْ لَا يَرْضَاهَا بِخِلَافِهَا (قَوْلُهُ وَخِتَانٍ) كَذَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 370 وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّمَ امْرَأَةً تُدَاوِيهَا لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَخَفُّ. (وَتَنْظُرُ الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ كَالرَّجُلِ مِنْ الرَّجُلِ) وَقِيلَ كَالرَّجُلِ لِمَحْرَمِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ سِرَاجٌ (وَكَذَا) تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ (مِنْ الرَّجُلِ) كَنَظَرِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ (إنْ أَمِنَتْ شَهْوَتَهَا) فَلَوْ لَمْ تَأْمَنْ أَوْ خَافَتْ أَوْ شَكَّتْ حَرُمَ اسْتِحْسَانًا كَالرَّجُلِ هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْفَصْلَيْنِ تَتَارْخَانِيَّةٌ مَعْزِيًّا لِلْمُضْمَرَاتِ (وَالذِّمِّيَّةُ كَالرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ فِي الْأَصَحِّ فَلَا تَنْظُرُ إلَى بَدَنِ الْمُسْلِمَةِ) مُجْتَبًى (وَكُلُّ عُضْوٍ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ لَا يَجُوزُ بَعْدَهُ) وَلَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ كَشَعْرِ عَانَةٍ وَشَعْرِ رَأْسِهَا وَعَظْمِ ذِرَاعِ حُرَّةٍ مَيِّتَةٍ وَسَاقِهَا   [رد المحتار] وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا وَقِيلَ: إنَّ الِاخْتِتَانَ لَيْسَ بِضَرُورَةٍ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً أَوْ يَشْتَرِيَ أَمَةً تَخْتِنُهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَخْتِنَ نَفْسَهُ كَمَا سَيَأْتِي. وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ الْخَافِضَةَ أَيْضًا لِأَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ مِنْ جُمْلَةِ الْفِطْرَةِ لَا يُمْكِنُ تَرْكُهَا وَهِيَ مَكْرُمَةٌ فِي حَقِّ النِّسَاءِ أَيْضًا كَمَا فِي الْكِفَايَةِ، وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَوْضِعِ الِاحْتِقَانِ لِأَنَّهُ مُدَاوَاةٌ وَيَجُوزُ الِاحْتِقَانُ لِلْمَرَضِ، وَكَذَا لِلْهُزَالِ الْفَاحِشِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ أَمَارَةُ الْمَرَضِ هِدَايَةٌ، لِأَنَّ آخِرَهُ يَكُونُ الدَّقُّ وَالسَّلُّ، فَلَوْ احْتَقَنَ لَا لِضَرُورَةٍ بَلْ لِمَنْفَعَةٍ ظَاهِرَةٍ بِأَنْ يَتَقَوَّى عَلَى الْجِمَاعِ لَا يَحِلُّ عِنْدَنَا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ) كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخَانِيَّةِ. وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: إذَا كَانَ الْمَرَضُ فِي سَائِرِ بَدَنِهَا غَيْرَ الْفَرْجِ يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ عِنْدَ الدَّوَاءِ، لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ، وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ الْفَرْجِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّمَ امْرَأَةً تُدَاوِيهَا فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ وَخَافُوا عَلَيْهَا أَنْ تَهْلِكَ أَوْ يُصِيبَهَا وَجَعٌ لَا تَحْتَمِلُهُ يَسْتُرُوا مِنْهَا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مَوْضِعَ الْعِلَّةِ ثُمَّ يُدَاوِيهَا الرَّجُلُ وَيَغُضُّ بَصَرَهُ مَا اسْتَطَاعَ إلَّا عَنْ مَوْضِعِ الْجُرْحِ اهـ فَتَأَمَّلْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ " يَنْبَغِيَ " هُنَا لِلْوُجُوبِ (قَوْلُهُ سِرَاجٌ) وَمِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَكَذَا تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إلَخْ) وَفِي كِتَابِ الْخُنْثَى مِنْ الْأَصْلِ أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ مِنْ الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ بِمَنْزِلَةِ نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ، لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ أَغْلَظُ هِدَايَةٌ وَالْمُتُونُ عَلَى الْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ (قَوْلُهُ حَرُمَ اسْتِحْسَانًا إلَخْ) أَقُولُ: الَّذِي فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُضْمَرَاتِ فَأَمَّا إذَا عَلِمْت أَنَّهُ يَقَعُ فِي قَلْبِهَا شَهْوَةٌ أَوْ شَكَّتْ وَمَعْنَى الشَّكِّ اسْتِوَاءُ الظَّنَّيْنِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَغُضَّ بَصَرَهَا هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ، فَقَدْ ذَكَرَ الِاسْتِحْبَابَ فِي نَظَرِ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ وَفِي عَكْسِهِ قَالَ: فَلْيُجْتَنَبْ وَهُوَ دَلِيلُ الْحُرْمَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا اهـ مُلَخَّصًا وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَنَقَلَهُ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ وَفِي نُسْخَةِ التَّتَارْخَانِيَّة الَّتِي عَلَيْهَا خَطُّ الشَّارِحِ الِاسْتِحْسَانُ بِالسِّينِ وَالنُّونِ بَعْدَ الْحَاءِ بَدَلَ الِاسْتِحْبَابِ بِالْبَاءَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيفٌ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ فَيُوَافِقُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْهِنْدِيَّةِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ حَرُمَ اسْتِحْسَانًا أَوْقَعَهُ فِيهِ التَّحْرِيفُ تَأَمَّلْ، ثُمَّ عَلَى مُقَابِلِ الصَّحِيحِ وَجْهُ الْفَرْقِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الشَّهْوَةَ عَلَيْهِنَّ غَالِبَةٌ، وَهُوَ كَالْمُحَقَّقِ اعْتِبَارًا، فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ كَانَتْ الشَّهْوَةُ مَوْجُودَةً فِي الْجَانِبَيْنِ، وَلَا كَذَلِكَ إذَا اشْتَهَتْ الْمَرْأَةُ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي جَانِبِهِ حَقِيقَةً وَاعْتِبَارًا فَكَانَتْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَالْمُتَحَقَّقُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْمُحَرَّمِ أَقْوَى مِنْ الْمُتَحَقَّقِ فِي جَانِبٍ وَاحِدٍ اهـ (قَوْلُهُ وَالذِّمِّيَّةُ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ الْمُسْلِمَةُ (قَوْلُهُ فَلَا تَنْظُرُ إلَخْ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وقَوْله تَعَالَى - {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31]- أَيْ الْحَرَائِرِ الْمُسْلِمَاتِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُؤْمِنَةِ أَنْ تَتَجَرَّدَ بَيْنَ يَدَيْ مُشْرِكَةٍ أَوْ كِتَابِيَّةٍ اهـ وَنَقَلَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَهُوَ تَفْسِيرٌ مَأْثُورٌ وَفِي شَرْحِ الْأُسْتَاذِ عَبْدِ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيِّ عَلَى هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ عَنْ شَرْحِ وَالِدِهِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَلَى الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ: لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمَةِ أَنْ تَنْكَشِفَ بَيْنَ يَدَيْ يَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ أَوْ مُشْرِكَةٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَمَةً لَهَا كَمَا فِي السِّرَاجِ، وَنِصَابِ الِاحْتِسَابِ وَلَا تَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ أَنْ تَنْظُرَ إلَيْهَا الْمَرْأَةُ الْفَاجِرَةُ لِأَنَّهَا تَصِفُهَا عِنْدَ الرِّجَالِ، فَلَا تَضَعُ جِلْبَابَهَا وَلَا خِمَارَهَا كَمَا فِي السِّرَاجِ اهـ (قَوْلُهُ وَشَعْرِ رَأْسِهَا) الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَمَّا بَعْدَهُ لِيَكُونَ نَصَّا فِي عَوْدِ الضَّمِيرِ إلَى الْحُرَّةِ (قَوْلُهُ وَعَظْمِ ذِرَاعِ حُرَّةٍ مَيِّتَةٍ) اُحْتُرِزَ بِالذِّرَاعِ عَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 371 وَقُلَامَةِ ظُفْرِ رِجْلِهَا دُونَ يَدِهَا مُجْتَبًى وَفِيهِ النَّظَرُ إلَى مُلَاءَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِشَهْوَةٍ حَرَامٌ وَفِي اخْتِيَارٍ وَوَصْلُ الشَّعْرِ بِشَعْرِ الْآدَمِيِّ   [رد المحتار] عَظْمِ الْكَفِّ وَالْوَجْهِ مِمَّا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ فِي الْحَيَاةِ، وَقَيَّدَ بِالْحُرَّةِ لِأَنَّ ذِرَاعَ الْأَمَةِ يَحِلُّ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فِي حَيَاتِهَا بِخِلَافِ نَحْوِ عَظْمِ ظَهْرِهَا. [تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ] ذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ أُبِينَ شَعْرُ الْأَمَةِ ثُمَّ عَتَقَتْ لَمْ يَحْرُمْ النَّظَرُ إلَيْهِ، لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْمُنْفَصِلِ اهـ وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا وَكَذَا لَمْ أَرَ مَا لَوْ كَانَ الْمُنْفَصِلُ مِنْ حُرْمَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَ مِنْ التَّعْلِيلِ حُرْمَةُ النَّظَرِ إلَيْهِ، وَقَدْ يُقَالُ إذَا حَلَّ لَهُ جَمِيعُ مَا اتَّصَلَ بِهَا فَحِلُّ الْمُنْفَصِلِ بِالْأَوْلَى، وَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا قَبْلَ زَمَنِ الْحِلِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الثَّانِي: لَمْ أَرَ مَا لَوْ نَظَرَ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ الْمِرْآةِ أَوْ الْمَاءِ وَقَدْ صَرَّحُوا فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِرُؤْيَةِ فَرْجٍ مِنْ مِرْآةٍ أَوْ مَاءٍ، لِأَنَّ الْمَرْئِيَّ مِثَالُهُ لَا عَيْنُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَظَرَ مِنْ زُجَاجٍ أَوْ مَاءٍ هِيَ فِيهِ لِأَنَّ الْبَصَرَ يَنْفُذُ فِي الزُّجَاجِ وَالْمَاءِ، فَيَرَى مَا فِيهِ وَمُفَادُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ نَظَرُ الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ الْمِرْآةِ أَوْ الْمَاءِ، إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِالنَّظَرِ وَنَحْوِهِ شُدِّدَ فِي شُرُوطِهَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْحِلُّ، بِخِلَافِ النَّظَرِ لِأَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ وَالشَّهْوَةِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ هُنَا وَرَأَيْت فِي فَتَاوَى ابْنِ حَجَرٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ ذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَهُمْ وَرَجَّحَ الْحُرْمَةَ بِنَحْوِ مَا قُلْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّالِثُ: ذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ النَّظَرُ لِمَا لَا يَحِلُّ يَحْرُمُ التَّفَكُّرُ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 32]- فَمَنَعَ مِنْ التَّمَنِّي كَمَا مَنَعَ مِنْ النَّظَرِ، وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي التُّحْفَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ مَا لَوْ وَطِئَ حَلِيلَتَهُ مُتَفَكِّرًا فِي مَحَاسِنِ أَجْنَبِيَّةٍ حَتَّى خُيِّلَ إلَيْهِ أَنَّهُ يَطَؤُهَا، وَنَقَلَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ وَالتَّقِيُّ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ يَحِلُّ لِحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا» وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَخَيُّلِهِ ذَلِكَ عَزْمُهُ عَلَى الزِّنَا بِهَا، حَتَّى يَأْثَمَ إذَا صَمَّمَ عَلَى ذَلِكَ لَوْ ظَفِرَ بِهَا، وَإِنَّمَا اللَّازِمُ فَرْضُ مَوْطُوءَتِهِ تِلْكَ الْحَسْنَاءَ، وَقِيلَ يَنْبَغِي كَرَاهَةُ ذَلِكَ وَرُدَّ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ الْمَالِكِيِّ: إنَّهُ يَحْرُمُ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الزِّنَا كَمَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا فِيمَنْ أَخَذَ كُوزًا يَشْرَبُ مِنْهُ، فَتَصَوَّرَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ أَنَّهُ خَمْرٌ فَشَرِبَهُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ يَصِيرُ حَرَامًا عَلَيْهِ اهـ وَرُدَّ بِأَنَّهُ فِي غَايَةِ الْبَعْدِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ اهـ مُلَخَّصًا وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِلْمَسْأَلَةِ عِنْدَنَا وَإِنَّمَا قَالَ فِي الدُّرَرِ: إذَا شَرِبَ الْمَاءَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ بِلَهْوٍ وَطَرَبٍ عَلَى هَيْئَةِ الْفَسَقَةِ حَرُمَ اهـ وَالْأَقْرَبُ لِقَوَاعِد مَذْهَبِنَا عَدَمُ الْحِلِّ، لِأَنَّ تَصَوُّرَ تِلْكَ الْأَجْنَبِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْهِ يَطَؤُهَا فِيهِ تَصْوِيرُ مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى هَيْئَتِهَا، فَهُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الشُّرْبِ ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ مِنْ عُلَمَائِنَا نَقَلَ عِبَارَةَ ابْنِ الْحَاجِّ الْمَالِكِيِّ، وَأَقَرَّهَا وَفِي آخِرِهَا حَدِيثٌ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا شَرِبَ الْعَبْدُ الْمَاءَ عَلَى شَبَهِ الْمُسْكِرِ كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَرَامًا» اهـ. فَإِنْ قُلْت: لَوْ تَفَكَّرَ الصَّائِمُ فِي أَجْنَبِيَّةٍ حَتَّى أَنْزَلَ لَمْ يُفْطِرْ فَإِنَّهُ يُفِيدُ إبَاحَتَهُ؟ قُلْت: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ أَجْنَبِيَّةٍ حَتَّى أَنْزَلَ لَا يُفْطِرُ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ حَرَامٌ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ وَقُلَامَةِ ظُفْرِ رِجْلِهَا) أَيْ الْحُرَّةِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهَا مَيِّتَةً وَهَذَا بِنَاءً عَلَى كَوْنِ الْقَدَمَيْنِ عَوْرَةً كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ النَّظَرُ إلَى مُلَاءَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِشَهْوَةٍ حَرَامٌ) قَدَّمْنَا عَنْ الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا لَوْ كَانَ عَلَى الْمَرْأَةِ ثِيَابٌ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَأَمَّلَ جَسَدَهَا، مَا لَمْ تَكُنْ مُلْتَزِقَةً بِهَا تَصِفُ مَا تَحْتَهَا لِأَنَّهُ يَكُونُ نَاظِرًا إلَى ثِيَابِهَا وَقَامَتِهَا، فَهُوَ كَنَظَرِهِ إلَى خَيْمَةٍ هِيَ فِيهَا وَلَوْ كَانَتْ تَصِفُ يَكُونُ نَاظِرًا إلَى أَعْضَائِهَا، وَيُؤْخَذُ مِمَّا هُنَا تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَلَوْ بِهَا مُنِعَ مُطْلَقًا وَالْعِلَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ خَوْفُ الْفِتْنَةِ، فَإِنَّ نَظَرَهُ بِشَهْوَةٍ إلَى مُلَاءَتِهَا أَوْ ثِيَابِهَا وَتَأَمُّلَهُ فِي طُولِ قَوَامِهَا وَنَحْوِهِ قَدْ يَدْعُوهُ إلَى الْكَلَامِ مَعَهَا إلَى غَيْرِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ كَوْنَ ذَلِكَ اسْتِمْتَاعًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 372 حَرَامٌ سَوَاءٌ كَانَ شَعْرَهَا أَوْ شَعْرَ غَيْرِهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَالْوَاشِرَةَ وَالْمُسْتَوْشِرَةَ وَالنَّامِصَةَ وَالْمُتَنَمِّصَةَ» النَّامِصَةُ الَّتِي تَنْتِفُ الشَّعْرَ مِنْ الْوَجْهِ وَالْمُتَنَمِّصَةُ الَّتِي يُفْعَلُ بِهَا ذَلِكَ (وَالْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ وَالْمُخَنَّثُ فِي النَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ كَالْفَحْلِ) وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِمَجْبُوبٍ جَفَّ مَاؤُهُ لَكِنْ فِي الْكُبْرَى أَنَّ مَنْ جَوَّزَهُ فَمِنْ قِلَّةِ التَّجْرِبَةِ وَالدِّيَانَةِ. (وَجَازَ عَزْلُهُ عَنْ أَمَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَعَنْ عِرْسِهِ بِهِ) أَيْ بِإِذْنِ حُرَّةٍ أَوْ مَوْلَى أَمَةٍ   [رد المحتار] بِمَا لَا يَحِلُّ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَلْيُنْظَرَ هَلْ يَحْرُمُ النَّظَرُ بِشَهْوَةٍ إلَى الصُّورَةِ الْمَنْقُوشَةِ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ وَلَمْ أَرَهُ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ شَعْرَهَا أَوْ شَعْرَ غَيْرِهَا) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّزْوِيرِ كَمَا يَظْهَرُ مِمَّا يَأْتِي وَفِي شَعْرِ غَيْرِهَا انْتِفَاعٌ بِجُزْءِ الْآدَمِيِّ أَيْضًا: لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِذَا وَصَلَّتْ الْمَرْأَةُ شَعْرَ غَيْرِهَا بِشَعْرِهَا فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَإِنَّمَا الرُّخْصَةُ فِي غَيْرِ شَعْرِ بَنِي آدَمَ تَتَّخِذُهُ الْمَرْأَةُ لِتَزِيدَ فِي قُرُونِهَا، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا بَأْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَجْعَلَ فِي قُرُونِهَا وَذَوَائِبهَا شَيْئًا مِنْ الْوَبَرِ (قَوْلُهُ «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ» إلَخْ) الْوَاصِلَةُ: الَّتِي تَصِلُ الشَّعْرَ بِشَعْرِ الْغَيْرِ وَاَلَّتِي يُوصَلُ شَعْرُهَا بِشَعْرٍ آخَرَ زُورًا وَالْمُسْتَوْصِلَةُ: الَّتِي يُوصَلُ لَهَا ذَلِكَ بِطَلَبِهَا وَالْوَاشِمَةُ: الَّتِي تَشِمُ فِي الْوَجْهِ وَالذِّرَاعِ، وَهُوَ أَنْ تَغْرِزَ الْجِلْدَ بِإِبْرَةٍ ثُمَّ يُحْشَى بِكُحْلٍ أَوْ نِيلٍ فَيَزْرَقُّ وَالْمُسْتَوْشِمَةُ: الَّتِي يُفْعَلُ بِهَا ذَلِكَ بِطَلَبِهَا وَالْوَاشِرَةُ: الَّتِي تُفْلِجُ أَسْنَانَهَا أَيْ تُحَدِّدُهَا وَتُرَقِّقُ أَطْرَافَهَا تَفْعَلُهُ الْعَجُوزُ تَتَشَبَّهُ بِالشَّوَابِّ وَالْمُسْتَوْشِرَةُ: الَّتِي يُفْعَلُ بِهَا بِأَمْرِهَا اهـ اخْتِيَارٌ، وَمِثْلُهُ فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ وَزَادَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: لَيْسَ الْوَاصِلَةُ بِاَلَّتِي تَعْنُونَ. وَلَا بَأْسَ أَنْ تَعْرَى الْمَرْأَةُ عَنْ الشَّعْرِ، فَتَصِلَ قَرْنًا مِنْ قُرُونِهَا بِصُوفٍ أَسْوَدَ وَإِنَّمَا الْوَاصِلَةُ الَّتِي تَكُونُ بَغِيًّا فِي شَبِيهَتِهَا فَإِذَا أَسَنَّتْ وَصَلَتْهَا بِالْقِيَادَةِ وَالْوَاشِرَةُ كَأَنَّهُ مِنْ وَشَرَتْ الْخَشَبَةَ بِالْمِيشَارِ غَيْرِ مَهْمُوزٍ اهـ (قَوْلُهُ وَالنَّامِصَةُ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الِاخْتِيَارِ أَيْضًا وَفِي الْمُغْرِبِ. النَّمْصُ: نَتْفُ الشَّعْرِ وَمِنْهُ الْمِنْمَاصُ الْمِنْقَاشُ اهـ وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا فَعَلَتْهُ لِتَتَزَيَّنَ لِلْأَجَانِبِ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ فِي وَجْهِهَا شَعْرٌ يَنْفِرُ زَوْجُهَا عَنْهَا بِسَبَبِهِ، فَفِي تَحْرِيمِ إزَالَتِهِ بُعْدٌ، لِأَنَّ الزِّينَةَ لِلنِّسَاءِ مَطْلُوبَةٌ لِلتَّحْسِينِ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ لِمَا فِي نَتْفِهِ بِالْمِنْمَاصِ مِنْ الْإِيذَاءِ. وَفِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ إزَالَةُ الشَّعْرِ مِنْ الْوَجْهِ حَرَامٌ إلَّا إذَا نَبَتَ لِلْمَرْأَةِ لِحْيَةٌ أَوْ شَوَارِبُ فَلَا تَحْرُمُ إزَالَتُهُ بَلْ تُسْتَحَبُّ اهـ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُضْمَرَاتِ: وَلَا بَأْسَ بِأَخْذِ الْحَاجِبَيْنِ وَشَعْرِ وَجْهِهِ مَا لَمْ يُشْبِهْ الْمُخَنَّثَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمُجْتَبَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْخَصِيُّ) فَعِيلٌ مِنْ خَصَاهُ نَزَعَ خُصْيَتَيْهِ وَالْمَجْبُوبُ مَنْ قُطِعَ ذَكَرُهُ وَخُصْيَتَاهُ، وَالْمُخَنَّثُ الْمُتَزَيِّي بِزِيِّ النِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهُ بِهِنَّ فِي مَحَلِّيَّةِ الْوَطْءِ، وَتَلْيِينِ الْكَلَامِ عَنْ اخْتِيَارٍ قُهُسْتَانِيٌّ: أَيْ الَّذِي يُمَكِّنُ غَيْرَهُ مِنْ نَفْسِهِ احْتِرَازًا عَنْ الْمُخَنَّثِ الَّذِي فِي أَعْضَائِهِ لِينٌ وَتَكَسُّرٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَلَا يَشْتَهِي النِّسَاءَ فَإِنَّهُ رَخَّصَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فِي تَرْكِ مِثْلِهِ مَعَ النِّسَاءِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور: 31]- قِيلَ هُوَ الْمُخَنَّثُ الَّذِي لَا يَشْتَهِي النِّسَاءَ، وَقِيلَ هُوَ الْمَجْبُوبُ الَّذِي جَفَّ مَاؤُهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَبْلَهُ الَّذِي لَا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ بِالنِّسَاءِ، وَإِنَّمَا هَمُّهُ بَطْنُهُ إذَا كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا مَاتَتْ شَهْوَتُهُ وَالْأَصَحُّ أَنْ نَقُولَ إنَّ قَوْله تَعَالَى - {أَوِ التَّابِعِينَ} [النور: 31]- مِنْ الْمُتَشَابِهَاتِ وقَوْله تَعَالَى - {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30]- مُحْكَمٌ فَنَأْخُذُ بِهِ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ كَالْفَحْلِ) لِأَنَّ الْخَصِيَّ قَدْ يُجَامِعُ، وَقِيلَ هُوَ أَشَدُّ جِمَاعًا لِأَنَّهُ لَا يُنْزِلُ دَفْقًا بَلْ قَطْرَةً فَقَطْرَةً، وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهِ مِنْهُ وَالْمَجْبُوبُ يَسْحَقُ وَيُنْزِلُ وَالْمُخَنَّثُ فَحْلٌ فَاسِقٌ قُهُسْتَانِيٌّ مَزِيدًا (قَوْلُهُ وَجَازَ عَزْلُهُ) هُوَ أَنْ يُجَامِعَ، فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ الْإِنْزَالِ نَزَعَ فَأَنْزَلَ خَارِجَ الْفَرْجِ (قَوْلُهُ أَيْ بِإِذْنِ حُرَّةٍ أَوْ مَوْلَى أَمَةٍ) ظَاهِرُ الْمَتْنِ أَنَّ الْإِذْنَ لِلْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ لِأَنَّ الْعِرْسَ يَشْمَلُهَا لَكِنْ حَاوَلَ الشَّارِحُ لِمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الْإِذْنَ لِمَوْلَاهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا بِلَا خِلَافٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَعَنْهُمَا أَنَّهُ لَهَا اهـ. ثُمَّ هَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 373 وَقِيلَ يَجُوزُ بِدُونِهِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ ذَكَرَهُ ابْنُ سُلْطَانٍ. بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ (مَنْ) مَلَك اسْتِمْتَاعَ (أَمَةٍ) بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمِلْكِ كَشِرَاءٍ وَإِرْثِ سَبْيٍ وَدَفْعِ جِنَايَةٍ وَفَسْخِ بَيْعٍ بَعْدَ الْقَبْضِ وَنَحْوِهَا وَقُيِّدَتْ بِالِاسْتِمْتَاعِ لِيَخْرُجَ شِرَاءُ الزَّوْجَةِ كَمَا سَيَجِيءُ   [رد المحتار] فِي الْبَالِغَةِ، أَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلَهُ الْعَزْلُ عَنْهَا بِلَا إذْنٍ كَمَا مَرَّ فِي نِكَاحِ الرَّقِيقِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَجُوزُ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: ظَاهِرُ جَوَابِ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يَسَعُهُ، وَذَكَرَ هُنَا يَسَعُهُ كَذَا فِي الْكُبْرَى وَلَهُ مَنْعُ امْرَأَتِهِ مِنْ الْعَزْلِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ اهـ ط. وَفِي الذَّخِيرَةِ اقْتَصَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ فِي نِكَاحِ الرَّقِيقِ تَبَعًا لِلْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ النَّهْرِ بَحْثًا أَنَّ لَهَا سَدَّ فَمِ رَحِمِهَا كَمَا تَفْعَلُهُ النِّسَاءُ مُخَالِفًا لِمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ يَحْرُمُ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ، لَكِنْ يُخَالِفُ مَا فِي الْكُبْرَى إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عَدَمِ خَوْفِ الْفَسَادِ تَأَمَّلْ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ أَرَادَتْ إلْقَاءَ الْمَاءِ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى الرَّحِمِ قَالُوا إنْ مَضَتْ مُدَّةٌ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ لَا يُبَاحُ لَهَا وَقَبْلَهُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالنَّفْخُ مُقَدَّرٌ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا بِالْحَدِيثِ اهـ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَا أَقُولُ بِهِ لِضَمَانِ الْمُحْرِمِ بَيْضَ الصَّيْدِ لِأَنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ، فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَلْحَقَهَا إثْمٌ وَهَذَا لَوْ بِلَا عُذْرٍ اهـ وَيَأْتِي تَمَامُهُ قُبَيْلَ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ] ِ يُقَالُ اسْتَبْرَأَ الْجَارِيَةَ أَيْ طَلَبَ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا مِنْ الْحَمْلِ وَهُوَ وَاجِبٌ لَوْ أَنْكَرَهُ كَفَرَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِهِ كَمَا لَوْ أَنْكَرَ الْمَعْرُوفِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ لِثُبُوتِهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا فِي النَّظْمِ، وَسَبَبُهُ: حُدُوثُ الْمِلْكِ وَعِلَّتُهُ: إرَادَةُ الْوَطْءِ وَشَرْطُهُ: حَقِيقَةُ الشُّغْلِ كَمَا فِي الْحَامِلِ أَوْ تَوَهُّمُهُ كَمَا فِي الْحَائِلِ وَحُكْمُهُ: تَعَرُّفُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَحِكْمَتُهُ: صِيَانَةُ الْمِيَاهِ الْمُحْتَرَمَةِ، لَكِنَّهَا لَا تَصْلُحُ مُوجِبَةً لِلْحُكْمِ لِتَأَخُّرِهَا عَنْهُ بِخِلَافِ السَّبَبِ لِسَبْقِهِ فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ الْوَطْءِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ الْآتِيَةِ اهـ دُرٌّ مُنْتَقًى وَالْأَصْلُ فِيهِ «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ عَامٌّ، إذْ لَا تَخْلُو السَّبَايَا مِنْ الْبِكْرِ وَنَحْوِهَا فَلَمْ يَخْتَصَّ بِالْحِكْمَةِ لِعَدَمِ اطِّرَادِهَا وَالْحَبَالَى جَمْعُ حُبْلَى وَالْحَيَالَى جَمْعُ حَائِلٍ مَنْ لَا حَمْلَ لَهَا وَقَوْلُهُ " حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ " بِالْهَمْزِ لَا غَيْرُ وَتَرْكُهَا خَطَأٌ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، ثُمَّ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْهُ مَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ) مِنْ التَّقْبِيلِ وَالْمُعَانَقَةِ وَالْمُصَافَحَةِ. (قَوْلُهُ مَنْ مَلَكَ اسْتِمْتَاعَ أَمَةٍ) أَيْ الِانْتِفَاعَ بِهَا وَطْئًا وَغَيْرَهُ أَيْ مِلْكًا حَادِثًا احْتِرَازًا عَنْ عَوْدِ الْآبِقَةِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَأْتِي، وَالْمُرَادُ مِلْكُ الْيَمِينِ فَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً وَكَانَ الْمَوْلَى يَطَؤُهَا، فَفِي الذَّخِيرَةِ لَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَسْتَبْرِئُهَا اسْتِحْسَانًا كَيْ لَا يُؤَدِّي إلَى اجْتِمَاعِ رَجُلَيْنِ عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ مَتَى صَحَّ تَضَمَّنَ الْعِلْمَ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ شَرْعًا وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ اهـ. بَقِيَ الْكَلَامُ فِي مَوْلَاهَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: إذَا أَرَادَ بَيْعَهَا وَكَانَ يَطَؤُهَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ثُمَّ يَبِيعَهَا، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا، وَكَانَ يَطَؤُهَا بَعْضُهُمْ قَالُوا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ هُنَا يَجِبُ وَإِلَيْهِ مَالَ السَّرَخْسِيُّ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْبَيْعِ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ فَلَا مَعْنًى لِإِيجَابِهِ عَلَى الْبَائِعِ، وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَكْرَهُ أَنْ يَبِيعَ مَنْ كَانَ يَطَؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا اهـ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهَا) كَهِبَةٍ وَرُجُوعٍ عَنْهَا وَصَدَقَةٍ وَوَصِيَّةٍ، وَبَدَلِ خُلْعٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 374 (وَلَوْ بِكْرًا أَوْ مَشْرِيَّةً مِنْ عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ) وَلَوْ عَبْدَهُ كَمُكَاتَبِهِ وَمَأْذُونِهِ لَوْ مُسْتَغْرَقًا بِالدَّيْنِ وَإِلَّا لَا اسْتِبْرَاءَ (أَوْ) مِنْ (مَحْرَمِهَا) غَيْرِ رَحِمِهَا كَيْ لَا تُعْتَقَ عَلَيْهِ (أَوْ مِنْ مَالِ صَبِيٍّ) وَلَوْ طِفْلَهُ (حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا وَ) كَذَا (دَوَاعِيهِ) فِي الْأَصَحِّ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ بِظُهُورِهَا حُبْلَى (حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ فِيمَنْ تَحِيضُ وَبِشَهْرٍ فِي ذَاتِ أَشْهُرٍ) وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَآيِسَةٌ وَمُنْقَطِعَةُ حَيْضٍ وَلَوْ حَاضَتْ فِيهِ بَطَلَ الِاسْتِبْرَاءُ بِالْأَيَّامِ وَلَوْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا بِأَنْ صَارَتْ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ اسْتَبْرَأَهَا بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَبِهِ يُفْتَى وَالْمُسْتَحَاضَةُ يَدَعُهَا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بُرْجُنْدِيٌّ وَغَيْرُهُ فَلْيُحْفَظْ (وَيُوضَعَ الْحَمْلُ فِي الْحَامِلِ) (وَلَا يُعْتَدُّ بِحَيْضَةٍ مَلَكَهَا فِيهَا وَلَا الَّتِي) بَعْدَ الْمِلْكِ (قَبْلَ قَبْضِهَا   [رد المحتار] أَوْ صُلْحٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ إجَارَةٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِكْرًا إلَخْ) لِمَا مَرَّ مِنْ إدَارَةِ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ، وَهُوَ حُدُوثُ الْمِلْكِ لِسَبْقِهِ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا تَيَقَّنَ بِفَرَاغِ رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ الْبَائِعِ لَمْ يَسْتَبْرِئْ (قَوْلُهُ لَوْ مُسْتَغْرَقًا بِالدَّيْنِ) أَيْ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ رَقَبَتَهُ وَمَا فِي يَدِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمَوْلَى حِينَئِذٍ لَا يَمْلِكُ مَكَاسِبَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ إتْقَانِيٌّ وَالْأَوَّلُ اسْتِحْسَانٌ وَالثَّانِي قِيَاسٌ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرَقًا أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ أَصْلًا لَا اسْتِبْرَاءَ، وَهَذَا إذَا حَاضَتْ عِنْدَ الْعَبْدِ، وَأَمَّا لَوْ بَاعَهَا لِمَوْلَاهُ قَبْلَ حَيْضِهَا كَانَ عَلَى الْمَوْلَى اسْتِبْرَاؤُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَأْذُونُ مَدْيُونًا كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي مَتْنِ الدُّرَرِ. (قَوْلُهُ أَوْ مِنْ مَحْرَمِهَا غَيْرِ رَحِمِهَا) أَيْ مَحْرَمِ الْأَمَةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ أُمَّ الْبَائِعِ أَوْ أُخْتَهُ أَوْ بِنْتَه رَضَاعًا أَوْ زَوْجَةَ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ أَوْ وَطِئَ أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا (قَوْلُهُ كَيْ لَا تُعْتَقَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْبَائِعِ الْمَحْرَمِ لَوْ كَانَ رَحِمًا فَهُوَ تَعْلِيلٌ لِتَقْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ غَيْرِ رَحِمِهَا (قَوْلُهُ وَكَذَا دَوَاعِيهِ) كَالْقُبْلَةِ وَالْمُعَانَقَةِ وَالنَّظَرِ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا تَحْرُمُ الدَّوَاعِي فِي الْمَسْبِيَّةِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) قَيْدٌ لِلدَّوَاعِي وَلِذَا فَصَلَهُ بِكَذَا احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ لَا تَحْرُمُ الدَّوَاعِي لِأَنَّ حُرْمَةَ الْوَطْءِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْمَاءُ وَيَشْتَبِهَ النَّسَبُ (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا إلَخْ) أَيْ الدَّوَاعِي تَعْلِيلٌ لِلْأَصَحِّ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَظْهَرَ حُبْلَى فَيَدَّعِيَ الْبَائِعُ الْوَلَدَ فَيَظْهَرَ وُقُوعُهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، لَكِنْ هَذَا لَا يَظْهَرُ فِي الْمَسْبِيَّةِ كَمَا قَالَ ط (قَوْلُهُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا) فَلَوْ وَطِئَهَا قَبْلَهُ أَثِمَ وَلَا اسْتِبْرَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَالْمُبْتَغَى شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَمُنْقَطِعَةُ حَيْضٍ) كَذَا فِي الْمِنَحِ وَالدُّرَرِ وَاعْتَرَضَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ الْآيِسَةَ، فَهُوَ عَيْنُ مَا قَبْلَهُ، وَإِنْ أَرَادَ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ نَاقَضَهُ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَوْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا إلَخْ. وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: اعْلَمْ أَنَّ مُنْقَطِعَةَ الْحَيْضِ هِيَ الَّتِي بَلَغَتْ بِالسِّنِّ، وَلَمْ تَحِضْ قَطُّ، وَهَذِهِ حُكْمُهَا كَصَغِيرَةٍ اتِّفَاقًا وَأَمَّا مُرْتَفِعَةُ الْحَيْضِ، فَهِيَ مَنْ حَاضَتْ وَلَوْ مَرَّةً ثُمَّ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا وَامْتَدَّ طُهْرُهَا، وَلِذَا تُسَمَّى مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ وَفِيهَا الْخِلَافُ، وَقَدْ خَفِيَ هَذَا عَلَى الشُّرُنْبُلَالِيُّ مُحَشِّي الدُّرَرِ فَتَبَصَّرْ (قَوْلُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) هَذَا مَا رَجَعَ إلَيْهِ وَكَانَ أَوَّلًا يَقُولُ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا تُتْرَكُ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي مُدَّةِ التَّبْيِينِ عَلَى أَقْوَالٍ أَحْوَطُهَا: سَنَتَانِ وَأَرْفَقُهَا هَذَا، لِأَنَّهَا مُدَّةٌ صَلَحَتْ لِتُعْرَفَ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ لِلْأَمَةِ فِي النِّكَاحِ فَفِي مِلْكِ الْيَمِينِ وَهُوَ دُونَهُ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتَى) نَقَلَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْكَافِي (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَحَاضَةُ يَدَعُهَا إلَخْ) هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَنْ عُلِمَتْ عَادَتُهَا أَوَّلَ الشَّهْرِ وَحِينَئِذٍ لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُ مُدَّةِ الْحَيْضِ عَشْرًا، وَيَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَنْ نَزَلَ عَلَيْهَا الدَّمُ أَوَّلَ الْبُلُوغِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَإِنَّ حَيْضَهَا عَشَرَةٌ وَطُهْرَهَا عِشْرُونَ، وَيَظْهَرُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَيْهَا وَلَا يَظْهَرُ فِي الْمُحَيَّرَةِ فَلْيُحَرَّرْ وَعِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ، فَلَوْ اشْتَرَى مُسْتَحَاضَةً لَا يَعْلَمُ حَيْضَهَا يَدَعُهَا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَقَيَّدَ بِعَدَمِ الْعِلْمِ ط وَفِي الذَّخِيرَةِ مِثْلُ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ فِي الْحَامِلِ) وَلَوْ مِنْ زِنًا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ قَبْلَ قَبْضِهَا) أَيْ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ وَكِيلِهِ وَلَوْ وُضِعَتْ الْمُشْتَرَاةُ فِي يَدِ عَدْلٍ، حَتَّى يَنْقُدَ الثَّمَنَ فَحَاضَتْ عِنْدَهُ لَمْ تُحْتَسَبْ مِنْهُ كَمَا فِي الْخِزَانَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 375 وَلَا بِوِلَادَةٍ حَصَلَتْ كَذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ مِلْكِهَا قَبْلَ قَبْضِهَا (كَمَا لَا يُعْتَدُّ بِالْحَاصِلِ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ حَيْضَةٍ وَنَحْوِهَا بَعْدَ الْبَيْعِ (قَبْلَ إجَازَةِ بَيْعِ فُضُولِيٍّ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَلَا) يُعْتَدُّ أَيْضًا (بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا) شِرَاءً (صَحِيحًا) لِانْتِفَاءِ الْمِلْكِ (وَيَجِبُ بِشِرَاءِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ) مِنْ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا لِتَمَامِ مِلْكِهِ الْآنَ (وَيَجْتَزِئُ بِحَيْضَةٍ حَاضَتْهَا وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ مُكَاتَبَةٌ بِأَنْ) اشْتَرَى أَمَةً مَجُوسِيَّةً أَوْ مُسْلِمَةً وَ (كَاتَبَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ) قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ فَحَاضَتْ (ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْمَجُوسِيَّةُ أَوْ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ لِوُجُودِهَا بَعْدَ الْمِلْكِ) وَلَا يَجِبُ عِنْدَ عَوْدِ الْآبِقَةِ أَيْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ خَانِيَّةٌ (وَرَدِّ الْمَغْصُوبَةِ) أَيْ إذَا لَمْ يُصِبْهَا الْغَاصِبُ خَانِيَّةٌ (وَالْمُسْتَأْجَرَةِ وَفَكِّ الْمَرْهُونَةِ) لِعَدَمِ اسْتِحْدَاثِ الْمِلْكِ وَلَوْ أَقَالَ الْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى الْبَائِعِ كَمَا لَوْ بَاعَهَا بِخِيَارٍ وَقَبَضَتْ ثُمَّ أَبْطَلَهُ بِخِيَارِهِ لِعَدَمِ خُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ وَكَذَا لَوْ بَاعَ مُدَبَّرَتَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ وَقَبَضَتْ إنْ لَمْ يَطَأَهَا الْمُشْتَرِي وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ   [رد المحتار] قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا بِوِلَادَةٍ إلَخْ) فَتُسْتَبْرَأُ بَعْدَ النِّفَاسِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهَا) كَمُضِيِّ شَهْرٍ وَوِلَادَةٍ ط (قَوْلُهُ قَبْلَ إجَازَةِ بَيْعِ فُضُولِيٍّ) شَمِلَ مَا لَوْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً فَبَاعَهَا أَحَدُهُمَا بِلَا إذْنِ الْآخَرِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ الْمِلْكِ) أَيْ الْكَامِلِ الْمُسْتَنِدِ إلَى عَقْدٍ صَحِيحٍ، وَإِلَّا فَالشِّرَاءُ الْفَاسِدُ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ كَمَا عُلِمَ فِي مَحَلِّهِ اهـ ح وَمِثْلُهُ فِي السَّعْدِيَّةِ، وَلِذَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْبَائِعِ فِي الرَّدِّ بَعْدَ الْقَبْضِ بِفَسَادٍ أَوْ عَيْبٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَيَّدَ الرَّدَّ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ بِالْقَضَاءِ (قَوْلُهُ وَيَجْتَزِئُ بِحَيْضَةٍ) أَيْ وَنَحْوِهَا (قَوْلُهُ حَاضَتْهَا) أَيْ بَعْدَ الْقَبْضِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ مُكَاتَبَةٌ) سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي الْحِيَلِ أَنَّهُ إذَا كَاتَبَهَا الْمُشْتَرِي يَسْقُطُ الِاسْتِبْرَاءُ فَمَا مَعْنَى الِاجْتِزَاءِ هُنَا، ثُمَّ رَأَيْت ط اسْتَشْكَلَهُ كَذَلِكَ، وَسَنَذْكُرُ التَّوْفِيقَ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ لِوُجُودِهَا) أَيْ الْحَيْضَةِ بَعْدَ الْمِلْكِ وَهُوَ عِلَّةٌ لِلِاجْتِزَاءِ أَيْ لِوُجُودِهَا بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ لَا تَمْنَعُ مِنْ الِاجْتِزَاءِ بِهَا عَنْ الِاسْتِبْرَاءِ كَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً مُحْرِمَةً فَحَاضَتْ فِي حَالِ إحْرَامِهَا إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) أَيْ وَلَمْ يُحْرِزْهَا أَهْلُ الْحَرْبِ إلَى دَارِهِمْ فَإِنْ أَحْرَزُوهَا مَلَكُوهَا فَإِذَا عَادَتْ إلَى صَاحِبِهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَعَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَلَوْ أَبَقَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ عَادَتْ لَا يَجِبُ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهَا، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا أَفَادَهُ الأتقاني وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ أَيْ إذَا لَمْ يُصِبْهَا الْغَاصِبُ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: إذَا لَمْ يَبِعْهَا، وَهِيَ الصَّوَابُ مُوَافِقًا لِمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَفِيهَا فَإِنْ بَاعَهَا وَسَلَّمَ لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَلِمَ بِالْغَصْبِ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْمَالِكِ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ، أَوْ لَمْ يَطَأْ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي وَقْتَ الشِّرَاءِ أَنَّهَا غَصْبٌ إنْ لَمْ يَطَأْ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِنْ وَطِئَهَا فَالْقِيَاسُ لَا يَجِبُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ اهـ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا الْغَاصِبُ لَا اسْتِبْرَاءَ كَمَا إذَا وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي مِنْهُ الْعَالِمُ بِهِ لِأَنَّهُ زِنًا. (قَوْلُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَلَوْ بَعْدَهُ يَلْزَمُ الِاسْتِبْرَاءُ وَلَوْ تَقَايَلَا فِي الْمَجْلِسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا تَقَايَلَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لَا يَجِبُ ظَهِيرِيَّةٌ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ بَاعَهَا بِخِيَارٍ) أَيْ خِيَارِ شَرْطٍ لِلْبَائِعِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ أَبْطَلَهُ بِخِيَارِهِ فَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَفَسَخَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَكَذَلِكَ إجْمَاعًا، وَإِنْ فَسَخَ بَعْدَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ، وَقَالَا عَلَى الْبَائِعِ الِاسْتِبْرَاءُ، لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لَهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَمْنَعُ، وَأَمَّا إنْ رَدَّ الْمُشْتَرِي بِخِيَارِ عَيْبٍ أَوْ رُؤْيَةٍ وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ الِاسْتِبْرَاءُ لِعَدَمِ مَنْعِ ذَلِكَ وُقُوعَ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي أَفَادَهُ الأتقاني (قَوْلُهُ وَقُبِضَتْ) وَكَذَا بِدُونِ الْقَبْضِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَكَذَا إلَخْ) أَيْ لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى الْبَائِعِ بَعْدَ الِاسْتِرْدَادِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَلَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَطَأْهَا الْمُشْتَرِي) فَإِنْ وَطِئَهَا يَسْتَبْرِئُهَا زَيْلَعِيٌّ وَنِهَايَةٌ. قَالَ ط: وَفِيهِ أَنَّ بَيْعَ الْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ بَاطِلٌ لَا يَمْلِكُ الْمَبِيعَ فِيهِ بِالْقَبْضِ فَوَطْءُ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ زِنًا لَا اسْتِبْرَاءٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 376 إنْ كَانَ زَوْجَهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَإِنْ قَبْلَهُ فَالْمُخْتَارُ وُجُوبُهُ زَيْلَعِيٌّ. قُلْت: وَفِي الْجَلَّالِيَّةِ شَرَى مُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ وَقَبَضَهَا ثُمَّ مَضَتْ عِدَّتُهَا لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا لِعَدَمِ حِلِّ وَطْئِهَا لِلْبَائِعِ وَقْتَ وُجُودِ السَّبَبِ. (وَلَا بَأْسَ بِحِيلَةِ إسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ إذَا عُلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَقْرَبْهَا فِي طُهْرِهَا ذَلِكَ وَإِلَّا لَا) يَفْعَلُهَا بِهِ يُفْتَى (وَهِيَ إذَا لَمْ تَكُنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ) أَوْ أَرْبَعُ إمَاءٍ (أَنْ يَنْكِحَهَا) وَيَقْبِضَهَا (ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا) فَتَحِلُّ لَهُ لِلْحَالِ لِأَنَّهُ بِالنِّكَاحِ لَا يَجِبُ   [رد المحتار] لَهُ فَلْيُحَرَّرْ اهـ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَوَطْءِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ كَمَا مَرَّ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ شُبْهَةُ الْخِلَافِ، فَإِنَّ بَيْعَ الْمُدَبَّرَةِ يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَفِي بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ فَلَمَّا جَازَ الْبَيْعُ عِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ لَمْ يَكُنْ وَطْءُ الْمُشْتَرِي زِنًا فَلِذَا وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْبَائِعِ إذَا اسْتَرَدَّهَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. (قَوْلُهُ إنْ كَانَ زَوْجَهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ مَلَكَهَا فَاسْتَبْرَأَهَا ثُمَّ زَوَّجَهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ قَبْلَهُ) وَإِنْ كَانَ زَوْجَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَالْمُخْتَارُ وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْمَالِكِ بَقِيَ مَا لَوْ حَاضَتْ بَعْدَ التَّزَوُّجِ هَلْ يُجْتَزَأُ بِهَا الظَّاهِرُ، نَعَمْ كَمَا لَوْ شَرَاهَا فَكَاتَبَهَا فَحَاضَتْ فَعَجَزَتْ كَمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لِلْبَائِعِ) صَوَابُهُ لِلْمُشْتَرِي لِوُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ فِي الْمُشْتَرَاةِ مِنْ مَحْرَمِهَا أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: اشْتَرَى أَمَةً وَقَبَضَهَا وَعَلَيْهَا عِدَّةُ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاءٌ بَعْدَ الْعِدَّةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ حَالَةَ الْقَبْضِ كَمَا لَوْ كَانَتْ مَشْغُولَةً بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ مِلْكَ الْوَطْءِ اهـ فَقَوْلُهُ: لَا يَسْتَفِيدُ أَيْ الْمُشْتَرِي، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا وَلَوْ مَضَتْ عِدَّتُهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ بِلَحْظَةٍ، وَيُشْكِلُ بِالْمَجُوسِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ الْقَبْضِ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا إذَا أَسْلَمَتْ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ بِشِرَاءِ الْمَجُوسِيَّةِ اسْتَفَادَ مِلْكَ الْوَطْءِ، لَكِنَّهُ حَرُمَ لِمَانِعٍ كَالْحَائِضِ وَالْمُحْرِمَةِ بِخِلَافِ مُعْتَدَّةِ الْغَيْرِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَفِدْهُ أَصْلًا كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِمَّا مَرَّ، وَكَذَا لَوْ وَلَدَتْ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ زَوْجِهَا لَا مِنْ الْمُشْتَرِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا مُطْلَقًا لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ الْتِزَامِ حُكْمِهَا خَوْفًا مِنْ أَنْ لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ الْوَفَاءِ بِهِ لَوْ لَزِمَهُ، وَكَرِهَهُ مُحَمَّدٌ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ فِرَارٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَأْخُوذُ بِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إنْ عَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَقْرَبْهَا وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ إذَا قَرِبَهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ لِرَجُلَيْنِ يُؤْمِنَانِ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ» فَإِذَا لَمْ يَقْرَبْهَا الْبَائِعُ فِي هَذَا الطُّهْرِ لَمْ يَتَحَقَّقْ هَذَا النَّهْيُ. قَالَ أَبُو السُّعُودِ: فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا فَالظَّاهِرُ الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ لِتَوَهُّمِ الشَّغْلِ وَرَأَيْت فِي حَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي مَا يُفِيدُهُ اهـ (قَوْلُهُ فِي طُهْرِهَا ذَلِكَ) فَلَوْ وَطِئَ فِي الْحَيْضِ لَمْ تُكْرَهْ الْحِيلَةُ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ أَرْبَعُ إمَاءٍ) أَيْ بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَابْنِ الْكَمَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ مَنْ يَمْنَعُ نِكَاحَهَا لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ أَنْ يَنْكِحَهَا) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ، أَوْ فَتْحِهَا مُضَارِعُ نَكَحَ الْمُجَرَّدِ: أَيْ يَتَزَوَّجَهَا بِخِلَافِ يَنْكِحَهَا الْآتِي فَإِنَّهُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ مِنْ الْمَزِيدِ (قَوْلُهُ وَيَقْبِضَهَا) اشْتِرَاطُ الْقَبْضِ قَبْلَ الشِّرَاءِ قَوْلُ الْحَلْوَانِيِّ وَبِهِ اسْتَدْرَكَ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَقَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: ذَكَرَ هَذَا الْقَيْدَ فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ كَيْ لَا يُوجَدَ الْقَبْضُ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ بَعْدَ فَسَادِ النِّكَاحِ اهـ وَمَا فِي الْهِدَايَةِ قَوْلُ السَّرَخْسِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُلْتَقَى وَالْمَوَاهِبِ وَالْوِقَايَةِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَبِمَا ذَكَرْنَا أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ بِالنِّكَاحِ ثَبَتَ لَهُ الْفِرَاشُ الدَّالُّ شَرْعًا عَلَى فَرَاغِ الرَّحِمِ وَلَمْ يَحْدُثْ بِالْبَيْعِ إلَّا مِلْكُ الرَّقَبَةِ ظَهَرَ أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ قَوْلُ السَّرَخْسِيِّ الَّذِي هُوَ الْإِمَامُ فَلَا عَلَيْهِ بِتَرْكِ قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 377 ثُمَّ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لَا يَجِبُ أَيْضًا وَنَقَلَ فِي الدُّرَرِ عَنْ ظَهِيرِ الدِّينِ اشْتِرَاطُ وَطْئِهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَذَكَرَ وَجْهَهُ (وَإِنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ) فَالْحِيلَةُ (أَنْ يُنْكِحَهَا الْبَائِعُ) أَيْ يُزَوِّجَهَا مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ كَمَا سَيَجِيءُ (قَبْلَ الشِّرَاءِ أَوْ) أَنْ يَنْكِحَهَا (الْمُشْتَرِي قَبْلَ قِبْضِهِ) لَهَا فَلَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَسْقُطْ (مِنْ مَوْثُوقٍ بِهِ) لَيْسَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ (أَوْ يُزَوِّجُهَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا) أَوْ بِيَدِهِ يُطَلِّقُهَا مَتَى شَاءَ إنْ خَافَ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا (ثُمَّ يَشْتَرِيَ) الْأَمَةَ (وَيَقْبِضَ أَوْ يَقْبِضْ فَيُطَلِّقْ الزَّوْجُ) قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَيَسْقُطَ الِاسْتِبْرَاءُ وَقِيلَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهَا مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ أَنَّ زُبَيْدَةَ حَلَّفَتْ الرَّشِيدَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ عَلَيْهَا جَارِيَةً وَلَا يَسْتَوْهِبَهَا فَقَالَ يَشْتَرِي نِصْفَهَا وَيُوهَبُ لَهُ نِصْفَهَا مُلْتَقَطٌ (أَوْ يُكَاتِبُهَا) الْمُشْتَرِي (بَعْدَ الشِّرَاءِ) وَالْقَبْضِ   [رد المحتار] مَلَامٌ اهـ (قَوْلُهُ ثُمَّ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لَا يَجِبُ أَيْضًا) أَيْ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ لِمَا مَرَّ، وَيَبْطُلُ النِّكَاحُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ جَمِيعُ الْمَهْرِ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَنَقَلَ فِي الدُّرَرِ) حَيْثُ قَالَ وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ: رَأَيْت فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ إنَّمَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي وَطْؤُهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ تَزَوَّجَهَا وَوَطِئَهَا، ثُمَّ اشْتَرَاهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَمْلِكُهَا، وَهِيَ فِي عِدَّتِهِ أَمَّا إذَا اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا فَكَمَا اشْتَرَاهَا بَطَلَ النِّكَاحُ، وَلَا نِكَاحَ حَالَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ لِتَحَقُّقِ سَبَبِهِ، وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ حِلِّ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَقَالَ: هَذَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْكِتَابِ وَهَذَا دَقِيقٌ حَسَنٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى اهـ كَلَامُ الدُّرَرِ، وَفِيهِ أَنَّ الْمَنَاطَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ وَلَمْ يُوجَدْ الثَّانِي هُنَا تَأَمَّلْ اهـ ح أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ بِالْبَيْعِ إلَّا مِلْكُ الرَّقَبَةِ وَحِلُّ الْوَطْءِ الثَّابِتِ قَبْلَهُ دَلَّ عَلَى فَرَاغِ الرَّحِمِ شَرْعًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ. وَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ ظَهِيرِ الدِّينِ لَكِنْ عِنْدِي فِيهِ شُبْهَةٌ اهـ قَالَ ط نَقْلًا عَنْ الْحَمَوِيِّ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ: تَلَخَّصَ أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةٌ: قَوْلٌ بِاشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ الْقَبْضِ وَالدُّخُولِ، وَقَوْلٌ بِاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فَقَطْ وَقَوْلٌ بِالْإِطْلَاقِ وَالِاكْتِفَاءِ بِالْعَقْدِ وَهَذَا أَوْسَعُ وَالثَّانِي أَعْدَلُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ) أَيْ يَثِقُ بِهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا مَتَى أَرَادَ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ بَعْدَ سَطْرٍ وَهُوَ مُسْتَغْنًى بِهِ عَمَّا ذَكَرَهُ هُنَا (قَوْلُهُ فَلَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَسْقُطْ) أَيْ عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا قَدَّمَهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ، لِأَنَّهَا عِنْدَ الْقَبْضِ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ كَانَتْ حَلَالًا لَهُ فَوَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ لِوُجُودِ سَبَبِهِ (قَوْلُهُ أَوْ يُزَوِّجُهَا) أَيْ الْبَائِعُ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَوْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِهِ اهـ ح (قَوْلُهُ ثُمَّ يَشْتَرِي وَيَقْبِضُ) رَاجِعٌ لِمَا إذَا زَوَّجَهَا الْبَائِعُ، وَقَوْلُهُ: أَوْ يَقْبِضُ رَاجِعٌ لِمَا إذَا زَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى يَشْتَرِي اهـ ح (قَوْلُهُ فَيُطَلِّقُ الزَّوْجُ إلَخْ) وَيَلْزَمُهُ لِمَوْلَى الْجَارِيَةِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَهُ أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْ ذَلِكَ إتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي) أَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ فَعَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ كَمَا فِي الْأَصْلِ، وَفِي كِتَابِ الْحِيَلِ لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الشِّرَاءِ فَإِنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِحَقِّ الْغَيْرِ وَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ اُعْتُبِرَ وَقْتُ الْقَبْضِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ فَيَسْقُطُ الِاسْتِبْرَاءُ) لِأَنَّ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ، وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ الْمُؤَكَّدِ بِالْقَبْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَرْجُهَا حَلَالًا لَهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِنْ حَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَوَانُ وُجُودِ السَّبَبِ كَمَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ هِدَايَةٌ، وَاسْتَشْكَلَهُ الْمَقْدِسِيَّ بِالْمَجُوسِيَّةِ. أَقُولُ: الْمُرَادُ بِالْحِلِّ اسْتِفَادَةُ مِلْكِ الْوَطْءِ بِالشِّرَاءِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إلَخْ) هَذَا مِنْ رُمُوزِ الشَّارِحِ الْخَفِيَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِهَذِهِ الْقِصَّةِ فِي حِيَلِ الِاسْتِبْرَاءِ، لَكِنْ أَشَارَ بِهِ إلَى مَا لَهُ مَدْخَلٌ وَهُوَ مُقَابِلُ هَذَا الْقَوْلِ. وَمَا حَكَاهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الرَّشِيدَ أَحْضَرَ أَبَا يُوسُفَ لَيْلًا وَعِنْدَهُ عِيسَى بْنُ جَعْفَرٍ فَقَالَ: طَلَبْت مِنْ هَذَا جَارِيَتَهُ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: بِعْهُ النِّصْفَ وَهَبْهُ النِّصْفَ فَفَعَلَ فَأَرَادَ الرَّشِيدُ سُقُوطَ الِاسْتِبْرَاءِ فَقَالَ: أَعْتِقْهَا وَأُزَوِّجُكهَا فَفَعَلَ، وَأَمَرَ لَهُ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَعِشْرِينَ دَسْتُ ثِيَابٍ (قَوْلُهُ يَشْتَرِي نِصْفَهَا إلَخْ) فَصَدَقَ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ جَارِيَةً أَيْ كَامِلَةً وَلَمْ تُوهَبَ لَهُ كَذَلِكَ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ السِّينَ وَالتَّاءَ فِي يَسْتَوْهِبُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 378 كَمَا يُفِيدُهُ إطْلَاقُهُمْ وَعَلَيْهِ فَيُطْلَبُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكِتَابَةِ وَالنِّكَاحِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَقَدْ نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ شَيْخِهِ بَحْثًا كَمَا سَنَذْكُرُهُ لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْمَوَاهِبِ التَّصْرِيحُ بِتَقْيِيدِ الْكِتَابَةِ بِكَوْنِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلْيُحَرَّرْ. قُلْت: ثُمَّ وَقَفْت عَلَى الْبُرْهَانِ شَرْحِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ فَلَمْ أَرَ الْقَيْدَ الْمَذْكُورَ فَتَدَبَّرْ (ثُمَّ يَنْفَسِخَ بِرِضَاهَا فَيَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ بِلَا اسْتِبْرَاءٍ) لِزَوَالِ مِلْكِهِ بِالْكِتَابَةِ ثُمَّ يُجَدِّدَهُ بِالتَّعْجِيزِ لَكِنْ لَمْ يَحْدُثْ مِلْكٌ حَقِيقَةً فَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ الِاسْتِبْرَاءِ وَهَذِهِ أَسْهَلُ الْحِيَلِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (لَهُ أَمَتَانِ) لَا يَجْتَمِعَانِ نِكَاحًا (أُخْتَانِ) أَمْ لَا (قَبَّلَهُمَا) فَلَوْ قَبَّلَ أَوْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا   [رد المحتار] زَائِدَتَانِ، وَإِلَّا لَوْ كَانَتَا لِلطَّلَبِ وَوَهَبَ لَهُ أَمَةً كَامِلَةً مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ لَمْ يَحْنَثْ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ لِاسْتِحْدَاثِ الْمِلْكِ وَالْيَدِ اهـ ط (قَوْلُهُ كَمَا يُفِيدُهُ إطْلَاقُهُمْ) أَقُولُ إنَّمَا يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ الْإِطْلَاقِ لَوْ لَمْ يُعَارِضْهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ يُجْتَزَأُ بِحَيْضَةٍ حَاضَتْهَا بَعْدَ الْقَبْضِ، وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ مُكَاتَبَةٌ بِأَنْ كَاتَبَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْمَجُوسِيَّةُ وَعَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ لِوُجُودِهَا بَعْدَ السَّبَبِ، وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ اهـ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ إذَا كَاتَبَهَا بَعْدَ الْقَبْضِ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ فَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى مَا قَبْلَ الْقَبْضِ مُوَافَقَةً لِمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ وَتَوْفِيقًا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ (قَوْلُهُ وَالنِّكَاحِ) الْأَوْلَى الْإِنْكَاحُ اهـ ح (قَوْلُهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ) فِي قَوْلِهِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ بِالْكِتَابَةِ إلَخْ. وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ عَنْ شَيْخِهِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ بِالْكِتَابَةِ خَرَجَتْ عَنْ يَدِ السَّيِّدِ حَيْثُ صَارَتْ حُرَّةَ يَدٍ وَصَارَتْ أَحَقَّ بِأَكْسَابِهَا فَصَارَ كَأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ زَالَ بِالْكِتَابَةِ. ثُمَّ تَجَدَّدَ بِالتَّعْجِيزِ وَلَكِنْ لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ مِلْكُ الرَّقَبَةِ حَقِيقَةً، فَلَمْ يُوجَدْ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلِاسْتِبْرَاءِ وَيُرَشِّحُهُ قَوْلُ النِّهَايَةِ إنَّ الْأَمَةَ إذَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى وَلَكِنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: لَوْ صَحَّ هَذَا الْفَرْقُ بَطَلَ كَلَامُ الْهِدَايَةِ السَّابِقِ الَّذِي أَقَرَّهُ الشُّرَّاحُ، وَكَيْفَ وَقَدْ وُجِدَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلِاسْتِبْرَاءِ، وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ، وَبِالْيَدِ بَعْضُ الْقَبْضِ وَبِالْكِفَايَةِ زَالَتْ الْيَدُ فَقَطْ الْمُوجِبَةُ لِحِلِّ الْوَطْءِ، وَبَقِيَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ فَهُوَ مِثْلُ مَا إذَا زَوَّجَهَا بَعْدَ الْقَبْضِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ النِّهَايَةِ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ، بَلْ قَدْ يُدَّعَى أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ مُدَّعَاهُ، لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ زَوَالَ الْيَدِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَصْلًا وَلِذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ، وَمِنْ نَظَائِرِ ذَلِكَ مَا إذَا كَاتَبَ أَمَتَهُ، ثُمَّ عَجَزَتْ أَوْ بَاعَهَا عَلَى أَنَّهَا بِالْخِيَارِ، ثُمَّ أَبْطَلَ الْبَيْعَ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ، فَقَدْ فَرَضَ كَلَامَهُ فِي أَمَةٍ ثَابِتَةٍ فِي مِلْكِهِ وَيَدِهِ إذَا كَاتَبَهَا أَوْ بَاعَهَا، ثُمَّ رُدَّتْ إلَى يَدِهِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ فَانْظُرْ بِعَيْنِ الْإِنْصَافِ هَلْ يُفِيدُ مَحَلَّ النِّزَاعِ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهَا وَقَبَضَهَا فَكَاتَبَهَا سَقَطَ عَنْهُ الِاسْتِبْرَاءُ كَيْفَ، وَلَوْ أَفَادَ ذَلِكَ لَأَفَادَ أَنَّ الْبَيْعَ بِالْخِيَارِ كَالْكِتَابَةِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فِيمَا أَعْلَمُ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ وَهِيَ أَنْ يُكَاتِبَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَقْبِضَهَا فَيُفْسَخَ بِرِضَاهَا كَذَا فِي الْمَوَاهِبِ وَغَيْرِهَا، وَهِيَ أَسْهَلُ الْحِيَلِ خُصُوصًا إذَا كَانَتْ عَلَى مَالٍ كَثِيرٍ أَوْ مُنَجَّمٍ بِقَرِيبٍ فَتُعَجِّزُ نَفْسَهَا اهـ. (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) قَدْ يُقَالُ إنَّ الشُّرُنْبُلَالِيُّ قَالَ كَذَا فِي الْمَوَاهِبِ وَغَيْرِهَا فَعِبَارَتُهُ مَجْمُوعَةٌ مِنْ عِدَّةِ كُتُبٍ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَوَاهِبِ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْقَيْدِ يُمْكِنُ أَنَّ غَيْرَهُ صَرَّحَ بِهِ اهـ ط. أَقُولُ: بَلْ لَوْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ أَحَدٌ فَالْمَعْنَى عَلَيْهِ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ لِزَوَالِ مِلْكِهِ) أَيْ تَقْدِيرًا لِأَنَّ الزَّائِلَ حَقِيقَةً هُوَ الْيَدُ (قَوْلُهُ لَا يَجْتَمِعَانِ نِكَاحًا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ ذَلِكَ فَذِكْرُ الْأُخْتَيْنِ تَمْثِيلٌ لَا تَقْيِيدٌ لَكِنْ صَارَ فِي ارْتِفَاعِ أُخْتَانِ بِالْأَلِفِ رَكَاكَةٌ تَأَمَّلْ قَالَ ط: وَظَاهِرُهُ يَشْمَلُ الْأُمَّ وَبِنْتَهَا وَعَلَيْهِ نَصَّ الْقُهُسْتَانِيُّ مَعَ أَنَّهُ إذَا قَبَّلَهُمَا بِشَهْوَةٍ وَجَبَتْ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ فَيَحْرُمَانِ عَلَيْهِ جَمِيعًا. [فَرْعٌ] لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً وَلَمْ يَطَأْهَا فَشَرَى أُخْتَهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِالْمُشْتَرَاةِ لِأَنَّ الْفِرَاشَ ثَبَتَ بِالنِّكَاحِ فَلَوْ وَطِئَهَا صَارَ جَامِعًا فِي الْفِرَاشِيَّةِ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ قَبَّلَهُمَا) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْوَطْءَ لِأَنَّ كِتَابَ النِّكَاحِ أَغْنَانَا عَنْهُ قُهُسْتَانِيٌّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 379 يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَتَقْبِيلُهَا دُونَ الْأُخْرَى (بِشَهْوَةٍ) الشَّهْوَةُ فِي الْقُبْلَةِ لَا تُعْتَبَرُ بَلْ فِي الْمَسِّ وَالنَّظَرِ ابْنُ كَمَالٍ (حُرِّمَتَا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ) يَحْرُمُ عَلَيْهِ (الدَّوَاعِي كَالنَّظَرِ وَالتَّقْبِيلِ حَتَّى يَحْرُمُ فَرْجُ إحْدَاهُمَا) عَلَيْهِ وَلَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ كَاسْتِيلَاءِ كُفَّارٍ عَلَيْهَا ابْنُ كَمَالٍ (بِمِلْكٍ) وَلَوْ لِبَعْضِهَا بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ (أَوْ نِكَاحٍ) صَحِيحٍ لَا فَاسِدٍ إلَّا بِالدُّخُولِ (أَوْ عِتْقٍ) وَلَوْ لِبَعْضِهَا أَوْ كِتَابَةٍ لِأَنَّهَا تُحَرِّمُ فَرْجَهَا، بِخِلَافِ تَدْبِيرٍ وَرَهْنٍ وَإِجَارَةٍ. قُلْت: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَمَسَّهَا حَتَّى تَمْضِيَ حَيْضَةٌ عَلَى الْمُحَرَّمَةِ كَمَا بَسَطْته فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى. (وَكُرِهَ) تَحْرِيمًا قُهُسْتَانِيٌّ (تَقْبِيلُ الرَّجُلِ) فَمَ الرَّجُلِ أَوْ يَدَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ وَكَذَا تَقْبِيلُ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ عِنْدَ لِقَاءٍ أَوْ وَدَاعٍ قُنْيَةٌ وَهَذَا لَوْ عَنْ شَهْوَةٍ، وَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ فَجَائِزٌ عِنْدَ الْكُلِّ خَانِيَّةٌ، وَفِي الِاخْتِيَارِ عَنْ بَعْضِهِمْ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا قَصَدَ الْبِرَّ وَأَمِنَ الشَّهْوَةَ كَتَقْبِيلِ وَجْهِ فَقِيهٍ وَنَحْوِهِ (وَ) كَذَا (مُعَانَقَتُهُ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بَأْسَ   [رد المحتار] قَوْلُهُ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا إلَخْ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بِوَطْءِ الْأُخْرَى لَا بِوَطْءِ الْمَوْطُوءَةِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ الشَّهْوَةُ فِي الْقُبْلَةِ لَا تُعْتَبَرُ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ: بِشَهْوَةٍ لِأَنَّ تَقْبِيلَهَا إذَا لَمْ تَكُنْ عَنْ شَهْوَةٍ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُقَبِّلْهُمَا أَصْلًا اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْعِنَايَةِ لَكِنْ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ إذَا أَقَرَّ بِالتَّقْبِيلِ، وَأَنْكَرَ الشَّهْوَةَ اُخْتُلِفَ فِيهِ قِيلَ لَا يُصَدَّقُ وَلَا يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ خِلَافُهُ وَقِيلَ يُقْبَلُ وَقِيلَ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ كَوْنِهِ عَلَى الرَّأْسِ وَالْجَبْهَةِ فَيُصَدَّقُ أَوْ عَلَى الْفَمِ فَلَا وَالْأَرْجَحُ هَذَا اهـ وَاسْتَظْهَرَ إلْحَاقَ الْخَدَّيْنِ بِالْفَمِ. قُلْت: فَقَدْ حَصَلَ التَّوْفِيقُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ حَتَّى يَحْرُمَ) بِفَتْحِ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ مِنْ الْمُجَرَّدِ لَا مِنْ التَّحْرِيمِ وَفَرْجٌ بِالرَّفْعِ فَاعِلٌ لِيَشْمَلَ مَا بِغَيْرِ فِعْلِهِ (قَوْلُهُ بِمِلْكٍ) أَرَادَ بِهِ مِلْكَ الْيَمِينِ وَقَوْلُهُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ تَعْمِيمٌ لَهُ قَالَ الأتقاني كَالشِّرَاءِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا بِالدُّخُولِ) لِأَنَّهُ تَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا وَالْعِدَّةُ كَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ فِي التَّحْرِيمِ هِدَايَةٌ. [تَنْبِيهٌ] لَوْ ارْتَفَعَ الْمُحَرِّمُ فَالظَّاهِرُ عَوْدُ الْحُرْمَةِ ثُمَّ رَأَيْت فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ لَوْ زَوَّجَ إحْدَاهُمَا لَهُ وَطْءُ الْبَاقِيَةِ فَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا لَمْ يَطَأْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُزَوِّجَ إحْدَاهُمَا أَوْ يَبِيعَ، لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ سَقَطَ عَنْهَا بِالطَّلَاقِ وَلَمْ يَبْقَ أَثَرُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَعَادَ الْحُكْمُ الَّذِي كَانَ قَبْلَ التَّزْوِيجِ اهـ (قَوْلُهُ كَمَا بَسَطْته فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى) نَصُّهُ: لَكِنْ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَمَسَّهَا حَتَّى تَمْضِيَ حَيْضَةٌ عَلَى الْمُحَرَّمَةِ بِالْإِخْرَاجِ عَنْ الْمِلْكِ. قُلْت: وَهَذَا أَحَدُ أَنْوَاعِ الِاسْتِبْرَاءِ الْمُسْتَحَبِّ وَمِنْهَا: إذَا رَأَى امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ تَزْنِي، وَلَمْ تَحْبَلْ فَلَوْ حَبِلَتْ لَمْ يَطَأْ حَتَّى تَضَعَ الْحَمْلَ، وَمِنْهَا: إذَا زَنَى بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ أَوْ بِعَمَّتِهَا أَوْ بِخَالَتِهَا أَوْ بِنْتِ أَخِيهَا أَوْ أُخْتِهَا بِلَا شُبْهَةٍ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ الْمَزْنِيَّةُ فَلَوْ زَنَى بِهَا بِشُبْهَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعِدَّةُ فَلَا يَطَأُ امْرَأَتَهُ، حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمَزْنِيَّةِ، وَمِنْهَا: إذَا رَأَى امْرَأَةً تَزْنِي ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَإِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلَا يَطَأُ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَكَذَا الْجَوَابُ فِيمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةَ الْغَيْرِ أَوْ مُدَبَّرَتَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ وَكَذَا لِمَوْلَاهَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ النَّظْمِ فَلْيُلْحَظْ اهـ (قَوْلُهُ وَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ فَجَائِزٌ عِنْدَ الْكُلِّ) قَالَ الْإِمَامُ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ كَلَامٍ فَعُلِمَ إبَاحَةُ تَقْبِيلِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالرَّأْسِ وَالْكَشْحِ كَمَا عُلِمَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ إبَاحَتُهَا عَلَى الْجَبْهَةِ، وَبَيْنَ الْعَيْنَيْنِ وَعَلَى الشَّفَتَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْمَبَرَّةِ وَالْإِكْرَامِ اهـ وَيَأْتِي قَرِيبًا تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى التَّقْبِيلِ وَالْقِيَامِ (قَوْلُهُ وَكَذَا مُعَانَقَتُهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَبِّلَ الرَّجُلُ فَمَ الرَّجُلِ أَوْ يَدَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ أَوْ يُعَانِقَهُ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِالتَّقْبِيلِ وَالْمُعَانَقَةِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَانَقَ جَعْفَرًا حِينَ قَدِمَ مِنْ الْحَبَشَةِ وَقَبَّلَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ» وَلَهُمَا مَا رُوِيَ " «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الْمُكَامَعَةِ» ؟ " وَهِيَ الْمُعَانَقَةُ «وَعَنْ الْمُكَاعَمَةِ» وَهِيَ التَّقْبِيلُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 380 بِالتَّقْبِيلِ وَالْمُعَانَقَةِ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ (وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ أَوْ جُبَّةٌ جَازَ) بِلَا كَرَاهَةٍ بِالْإِجْمَاعِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ وَفِي الْحَقَائِقِ لَوْ الْقُبْلَةُ عَلَى وَجْهِ الْمَبَرَّةِ دُونَ الشَّهْوَةِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ (كَالْمُصَافَحَةِ) أَيْ كَمَا تَجُوزُ الْمُصَافَحَةُ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ قَدِيمَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَافَحَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ وَحَرَّكَ يَدَهُ تَنَاثَرَتْ ذُنُوبُهُ» وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ وَالْكَنْزِ وَالْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَالْمَجْمَعِ وَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ يُفِيدُ جَوَازَهَا مُطْلَقًا وَلَوْ بَعْدَ الْعَصْرِ وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ بِدْعَةٌ أَيْ مُبَاحَةٌ حَسَنَةٌ كَمَا أَفَادَهُ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ وَغَيْرُهُ فِي غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ شَارِحُ الْمَجْمَعِ مِنْ أَنَّهَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ لَيْسَ بِشَيْءٍ تَوْفِيقًا فَتَأَمَّلْهُ. وَفِي الْقُنْيَةِ: السُّنَّةُ فِي الْمُصَافَحَةِ بِكِلْتَا يَدَيْهِ وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْمُلْتَقَى.   [رد المحتار] وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ، قَالُوا الْخِلَافُ فِي الْمُعَانَقَةِ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ أَوَجُبَّةٌ لَا بَأْسَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَفِي الْعِنَايَةِ: وَوَفَّقَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فَقَالَ: الْمَكْرُوهُ مِنْ الْمُعَانَقَةِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: فِي إزَارٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ سَبَبٌ يُفْضِي إلَيْهَا فَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ وَالْكَرَامَةِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ وَاحِدٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ لَوْ عَنْ شَهْوَةٍ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ أَيْ سَاتِرٍ لِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مَعَ كَشْفِ الْبَاقِي، وَأَنَّ مَا قَبْلَهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْهَدِيَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ وَفِي الْحَقَائِقِ إلَخْ) يُغْنِي عَنْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا عَنْ الْخَانِيَّةِ ط (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي شَرْحِهَا لِلْعَيْنِيِّ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا لَقِيَ الْمُؤْمِنَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَأَخَذَ بِيَدِهِ فَصَافَحَهُ تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا كَمَا يَتَنَاثَرُ وَرَقُ الشَّجَرِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ. (قَوْلُهُ كَمَا أَفَادَهُ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ) حَيْثُ قَالَ اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَافَحَةَ مُسْتَحَبَّةٌ عِنْدَ كُلِّ لِقَاءٍ، وَأَمَّا مَا اعْتَادَهُ النَّاسُ مِنْ الْمُصَافَحَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ، فَلَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَكِنْ لَا بَأْسَ بِهِ فَإِنَّ أَصْلَ الْمُصَافَحَةِ سُنَّةٌ وَكَوْنُهُمْ حَافَظُوا عَلَيْهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَفَرَّطُوا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْوَالِ أَوْ أَكْثَرِهَا لَا يُخْرِجُ ذَلِكَ الْبَعْضَ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ الْمُصَافَحَةِ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِأَصْلِهَا اهـ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْبِكْرِيُّ: وَتَقْيِيدُهُ بِمَا بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ عَلَى عَادَةٍ كَانَتْ فِي زَمَنِهِ، وَإِلَّا فَعَقِبَ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا كَذَلِكَ كَذَا فِي رِسَالَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي الْمُصَافَحَةِ، وَنُقِلَ مِثْلُهُ عَنْ الشَّمْسِ الْحَانُوتِيِّ، وَأَنَّهُ أَفْتَى بِهِ مُسْتَدِلًّا بِعُمُومِ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُتُونِ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهَا بَعْدَ الصَّلَوَاتِ خَاصَّةً قَدْ يُؤَدِّي الْجَهَلَةِ إلَى اعْتِقَادِ سُنِّيَّتِهَا فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَأَنَّ لَهَا خُصُوصِيَّةً زَائِدَةً عَلَى غَيْرِهَا مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، وَكَذَا قَالُوا بِسُنِّيَّةِ قِرَاءَةِ السُّوَرِ الثَّلَاثَةِ فِي الْوَتْرِ مَعَ التَّرْكِ أَحْيَانَا لِئَلَّا يُعْتَقَدَ وُجُوبُهَا وَنَقَلَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ عَنْ الْمُلْتَقَطِ أَنَّهُ تُكْرَهُ الْمُصَافَحَةُ بَعْدَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ بِكُلِّ حَالٍ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مَا صَافَحُوا بَعْدَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّهَا مِنْ سُنَنِ الرَّوَافِضِ اهـ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا فِي الشَّرْعِ، وَأَنَّهُ يُنَبَّهُ فَاعِلُهَا أَوَّلًا وَيُعَزَّرُ ثَانِيًا ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْمَدْخَلِ إنَّهَا مِنْ الْبِدَعِ، وَمَوْضِعُ الْمُصَافَحَةِ فِي الشَّرْعِ، إنَّمَا هُوَ عِنْدَ لِقَاءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ لَا فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ فَحَيْثُ وَضَعَهَا الشَّرْعُ يَضَعُهَا فَيُنْهَى عَنْ ذَلِكَ وَيُزْجَرُ فَاعِلُهُ لِمَا أَتَى بِهِ مِنْ خِلَافِ السُّنَّةِ اهـ. ثُمَّ أَطَالَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ فِي غَيْرِهِ) الضَّمِيرُ الْأَوَّلُ لِلنَّوَوِيِّ وَالثَّانِي لِكِتَابِ الْأَذْكَارِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِهِ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ مَلَكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ فَافْهَمْ. أَقُولُ: وَهَذَا الْحَمْلُ بَعِيدًا جِدًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ رَأْيِ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ فِي كِتَابَيْهِ، وَأَنَّهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ نَظَرَ إلَى مَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَحْظُورِ، وَإِلَى أَنَّ ذَلِكَ بِخُصُوصِهِ غَيْرُ مَأْثُورٍ وَلَا سِيَّمَا بَعْدَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُلْتَقَطِ مِنْ أَنَّهَا مِنْ سُنَنِ الرَّوَافِضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ إلَخْ) وَنَصُّهُ: وَهِيَ إلْصَاقُ صَفْحَةِ الْكَفِّ بِالْكَفِّ وَإِقْبَالُ الْوَجْهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 381 (وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ مُضَاجَعَةُ الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي جَانِبٍ مِنْ الْفِرَاشِ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُفْضِي الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ» وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ الصَّبِيَّةُ عَشْرَ سِنِينَ يَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا بَيْنَ أَخِيهِ وَأُخْتِهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ فِي الْمَضْجَعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ» وَفِي النُّتَفِ إذَا بَلَغُوا سِتًّا كَذَا فِي الْمُجْتَبَى، وَفِيهِ الْغُلَامُ إذَا بَلَغَ حَدَّ الشَّهْوَةِ كَالْفَحْلِ وَالْكَافِرَةُ كَالْمُسْلِمَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِصَاحِبِ الْحَمَّامِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْعَوْرَةِ وَحُجَّتُهُ الْخِتَانُ وَقِيلَ فِي خِتَانِ الْكَبِيرِ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَخْتِنَ نَفْسَهُ فَعَلَ، وَإِلَّا لَمْ يَفْعَلْ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَهُ النِّكَاحُ أَوْ شِرَاءُ الْجَارِيَةِ   [رد المحتار] بِالْوَجْهِ فَأَخْذُ الْأَصَابِعِ لَيْسَ بِمُصَافَحَةٍ خِلَافًا لِلرَّوَافِضِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ بِكِلْتَا يَدَيْهِ، وَبِغَيْرِ حَائِلٍ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ وَعِنْدَ اللِّقَاءِ بَعْدَ السَّلَامِ وَأَنْ يَأْخُذَ الْإِبْهَامَ، فَإِنَّ فِيهِ عِرْقًا يُنْبِتُ الْمَحَبَّةَ كَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ (قَوْلُهُ مُضَاجَعَةُ الرَّجُلِ) أَيْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَا حَاجِزَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْحَدِيثِ الْآتِي، وَبِهِ فَسَّرَ الأتقاني الْمُكَامَعَةَ عَلَى خِلَافِ مَا مَرَّ عَنْ الْهِدَايَةِ، وَهَلْ الْمُرَادُ أَنْ يَلْتَفَّا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا فِي ثَوْبٍ دُونَ الْآخَرِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، يُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَهُ عَنْ مَجْمَعِ الْبِحَارِ أَيْ مُتَجَرِّدَيْنِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ، فَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بَيْنَ أَخِيهِ وَأُخْتِهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَبَيْنَ بِالْوَاوِ وَهَكَذَا رَأَيْته فِي الْمُجْتَبَى قَالَ فِي الشِّرْعَةِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الصِّبْيَانِ فِي الْمَضَاجِعِ إذَا بَلَغُوا عَشْرَ سِنِينَ، وَيَحُولُ بَيْنَ ذُكُورِ الصِّبْيَانِ وَالنِّسْوَانِ وَبَيْنَ الصِّبْيَانِ وَالرِّجَالِ فَإِنَّ ذَلِكَ دَاعِيَةٌ إلَى الْفِتْنَةِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ اهـ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ عَشْرًا لَا يَنَامُ مَعَ أُمِّهِ وَأُخْتِهِ وَامْرَأَةٍ إلَّا بِامْرَأَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ اهـ فَالْمُرَادُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ النَّوْمِ خَوْفًا مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْمَحْذُورِ، فَإِنَّ الْوَلَدَ إذَا بَلَغَ عَشْرًا عَقَلَ الْجِمَاعَ، وَلَا دِيَانَةَ لَهُ تَرُدُّهُ فَرُبَّمَا وَقَعَ عَلَى أُخْتِهِ أَوْ أُمِّهِ، فَإِنَّ النَّوْمَ وَقْتُ رَاحَةٍ مُهَيِّجٌ لِلشَّهْوَةِ وَتَرْتَفِعُ فِيهِ الثِّيَابُ عَنْ الْعَوْرَةِ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ، فَيُؤَدِّي إلَى الْمَحْظُورِ وَإِلَى الْمُضَاجَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ خُصُوصًا فِي أَبْنَاءِ هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّهُمْ يَعْرِفُونَ الْفِسْقَ أَكْثَرَ مِنْ الْكِبَارِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ تَفْرِيقُهُ عَنْ أُمِّهِ وَأَبِيهِ بِأَنْ لَا يَتْرُكَاهُ يَنَامُ مَعَهُمَا فِي فِرَاشِهِمَا، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَطَّلِعُ عَلَى مَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ نَائِمًا وَحْدَهُ أَوْ مَعَ أَبِيهِ وَحْدَهُ أَوْ الْبِنْتُ مَعَ أُمِّهَا وَحْدَهَا، وَكَذَا لَا يُتْرَكُ الصَّبِيُّ يَنَامُ مَعَ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّيْنِ خَوْفًا مِنْ الْفِتْنَةِ، وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ صَبِيحًا فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فِي تِلْكَ النَّوْمَةِ شَيْءٌ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ قَلْبُ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ فَتَحْصُلُ الْفِتْنَةُ بَعْدَ حِينٍ فَلِلَّهِ دُرُّ هَذَا الشَّرْعِ الطَّاهِرِ فَقَدْ حَسَمَ مَادَّةَ الْفَسَادِ وَمَنْ لَمْ يُحَطْ فِي الْأُمُورِ يَقَعْ فِي الْمَحْذُورِ وَفِي الْمَثَلِ لَا تَسْلَمُ الْجَرَّة فِي كُلِّ مَرَّة (قَوْلُهُ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى) الْإِشَارَةُ إلَى مَا فِي الْمَتْنِ وَمَا بَعْدَهُ إلَى هُنَا (قَوْلُهُ كَالْفَحْلِ) أَيْ كَالْبَالِغِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَيْ فِي النَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ وَالْمُضَاجَعَةِ. (قَوْلُهُ وَالْكَافِرَةُ كَالْمُسْلِمَةِ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ نَظَرَ الْكَافِرَةِ إلَى الْمُسْلِمَةِ كَنَظَرِ الْمُسْلِمَةِ إلَى الْمُسْلِمَةِ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصَحِّ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَالذِّمِّيَّةُ كَالرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ فِي الْأَصَحِّ إلَخْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الرَّجُلَ يَنْظُرُ مِنْ الْكَافِرَةِ، كَمَا يَنْظُرُ إلَى الْمُسْلِمَةِ وَمُقَابِلُهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة رُوِيَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلَى شَعْرِ الْكَافِرَةِ (قَوْلُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) هَذَا غَيْرُ الْمُعْتَمَدِ لِمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَلَّى طَلْيَ عَوْرَتِهِ بِيَدِهِ، دُونَ الْخَادِمِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ مَسُّهُ إلَّا فَوْقَ الثِّيَابِ وَعَنْ ابْنِ مُقَاتِلٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَطْلِيَ عَوْرَةَ غَيْرِهِ بِالنُّورَةِ كَالْخِتَانِ وَيَغُضّ بَصَرَهُ اهـ. قُلْت: وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ لَا غَيْرُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إلَخْ) مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ وَحُجَّتُهُ الْخِتَانُ فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ يَشْمَلُ خِتَانَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، وَكَذَا أَطْلَقَهُ فِي النِّهَايَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَقَرَّهُ الشُّرَّاحُ، وَالظَّاهِرُ تَرْجِيحُهُ وَلِذَا عَبَّرَ هُنَا عَنْ التَّفْصِيلِ بِقِيلَ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَهُ النِّكَاحُ) كَذَا رَأَيْته فِي الْمُجْتَبَى وَالصَّوَابُ إسْقَاطُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 382 وَالظَّاهِرُ فِي الْكَبِيرِ أَنَّهُ يُخْتَنُ وَيَكْفِي قَطْعُ الْأَكْثَرِ. (وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ يَدِ) الرَّجُلِ (الْعَالِمِ) وَالْمُتَوَرِّعِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ دُرَرٌ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْجَامِعِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ يَدِ الْحَاكِمِ وَالْمُتَدَيِّنِ (السُّلْطَانِ الْعَادِلِ) وَقِيلَ سُنَّةٌ مُجْتَبًى (وَتَقْبِيلُ رَأْسِهِ) أَيْ الْعَالِمِ (أَجْوَدُ) كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (وَلَا رُخْصَةَ فِيهِ) أَيْ فِي تَقْبِيلِ الْيَدِ (لِغَيْرِهِمَا) أَيْ لِغَيْرِ عَالِمٍ وَعَادِلٍ هُوَ الْمُخْتَارُ مُجْتَبًى وَفِي الْمُحِيطِ إنْ لِتَعْظِيمِ إسْلَامِهِ وَإِكْرَامِهِ جَازَ وَإِنْ لِنَيْلِ الدُّنْيَا كُرِهَ. (طَلَبَ مِنْ عَالِمٍ أَوْ زَاهِدٍ أَنْ) يَدْفَعَ إلَيْهِ قَدَمَهُ وَ (يُمَكِّنَهُ مِنْ قَدَمِهِ لِيُقَبِّلَهُ أَجَابَهُ وَقِيلَ لَا) يُرَخَّصُ فِيهِ كَمَا يُكْرَهُ تَقْبِيلُ الْمَرْأَةِ فَمَ أُخْرَى أَوْ خَدَّهَا عِنْدَ اللِّقَاءِ أَوْ الْوَدَاعِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ مُقَدِّمًا لِلْقِيلِ قَالَ (وَ) كَذَا مَا يَفْعَلُهُ الْجُهَّالُ مِنْ (تَقْبِيلِ يَدِ نَفْسِهِ إذَا لَقِيَ غَيْرَهُ) فَهُوَ (مَكْرُوهٌ) فَلَا رُخْصَةَ فِيهِ وَأَمَّا تَقْبِيلُ يَدِ صَاحِبِهِ عِنْدَ اللِّقَاءِ فَمَكْرُوهٌ بِالْإِجْمَاعِ (وَكَذَا) مَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ (تَقْبِيلِ الْأَرْضِ بَيْنَ يَدَيْ الْعُلَمَاءِ) وَالْعُظَمَاءِ فَحَرَامٌ وَالْفَاعِلُ وَالرَّاضِي بِهِ آثِمَانِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَةَ الْوَثَنِ وَهَلْ يَكْفُرَانِ: عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ وَالتَّعْظِيمِ كُفْرٌ وَإِنْ عَلَى وَجْهِ التَّحِيَّةِ لَا وَصَارَ آثِمًا مُرْتَكِبًا لِلْكَبِيرَةِ،   [رد المحتار] لَا بَعْدَ أَنْ كَمَا وَجَدْته فِي بَعْضِ النُّسَخِ مُوَافِقًا لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا، وَالْمُرَادُ أَنْ لَا يُمْكِنَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تَخْتِنُهُ أَوْ يَشْتَرِي أَمَةً كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ فِي الْكَبِيرِ أَنَّهُ يُخْتَنُ) الظَّاهِرُ أَنْ يُخْتَنَ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ أَيْ يَخْتِنُهُ غَيْرُهُ فَيُوَافِقُ إطْلَاقَ الْهِدَايَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيَكْفِي قَطْعُ الْأَكْثَرِ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة غُلَامٌ خُتِنَ فَلَمْ تُقْطَعْ الْجِلْدَةُ كُلُّهَا فَإِنْ قُطِعَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ يَكُونُ خِتَانًا وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ وَالسُّلْطَانُ إذْ هُوَ مَنْ لَهُ سَلْطَنَةٌ وَوِلَايَةٌ ط (قَوْلُهُ وَقِيلَ سُنَّةٌ) أَيْ تَقْبِيلُ يَدِ الْعَالِمِ وَالسُّلْطَانِ الْعَادِلِ قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَعَلِمْت أَنَّ مُفَادَ الْأَحَادِيثِ سُنِّيَّتُهُ أَوْ نَدْبُهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْعَيْنِيُّ (قَوْلُهُ أَيْ الْعَالِمِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَجْوَدَ فِي السُّلْطَانِ الْيَدُ حِفْظًا لِأُبَّهَةِ الْإِمَارَةِ وَلْيُحَرَّرْ ط (قَوْلُهُ أَجْوَدُ) لَعَلَّ مَعْنَاهُ أَكْثَرُ ثَوَابًا ط (قَوْلُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ) قَدَّمَ عَلَى الْخَانِيَّةِ وَالْحَقَائِقِ أَنَّ التَّقْبِيلَ عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ بِلَا شَهْوَةٍ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ يَدْفَعَ إلَيْهِ قَدَمَهُ) يُغْنِي عَنْهُ مَا فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ أَجَابَهُ) لِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ: «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرِنِي شَيْئًا أَزْدَادُ بِهِ يَقِينًا فَقَالَ اذْهَبْ إلَى تِلْكَ الشَّجَرَةِ فَادْعُهَا فَذَهَبَ إلَيْهَا فَقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُوك فَجَاءَتْ حَتَّى سَلَّمَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهَا: ارْجِعِي فَرَجَعَتْ قَالَ: ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ وَقَالَ لَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» : وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ اهـ مِنْ رِسَالَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ (قَوْلُهُ كَمَا يُكْرَهُ إلَخْ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ فَإِنَّهُ نَقَلَهُ سَابِقًا عَنْ الْقُنْيَةِ ط وَهَذَا لَوْ عَنْ شَهْوَةٍ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ مُقَدِّمًا لِلْقِيلِ) أَيْ الْوَاقِعِ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ رَمَزَ لَهُ إلَى كِتَابٍ ثُمَّ رَمَزَ بَعْدَهُ لِلْأَوَّلِ (قَوْلُهُ قَالَ) الظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِصَاحِبِ الْقُنْيَةِ وَلَمْ أَرَهُ فِيهَا نَعَمْ ذَكَرَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فِي الْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ) أَيْ تَحْرِيمًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ فَلَا رُخْصَةَ فِيهِ ط (قَوْلُهُ فَمَكْرُوهٌ بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ عَالِمًا وَلَا عَادِلًا، وَلَا قَصَدَ تَعْظِيمَ إسْلَامِهِ وَلَا إكْرَامَهُ، وَسَيَأْتِي أَنَّ قُبْلَةَ يَدِ الْمُؤْمِنِ تَحِيَّةً تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ، وَلَا يُقَالُ حَالَةَ اللِّقَاءِ مُسْتَثْنَاةٌ لِأَنَّا نَقُولُ حَيْثُ نَدَبَ فِيهَا الشَّارِعُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمُصَافَحَةِ عُلِمَ أَنَّهَا تَزِيدُ عَنْ غَيْرِهَا فِي التَّعْظِيمِ، فَكَيْفَ لَا تُسَاوِيهَا سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ إنْ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ أَوْ التَّعْظِيمِ كَفَرَ إلَخْ) تَلْفِيقٌ لِقَوْلَيْنِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِهَذَا السُّجُودِ، لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ التَّحِيَّةَ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: إنْ كَانَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ كَفَرَ اهـ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ يَكْفُرُ بِالسَّجْدَةِ مُطْلَقًا وَفِي الزَّاهِدِيِّ الْإِيمَاءُ فِي السَّلَامِ إلَى قَرِيبِ الرُّكُوعِ كَالسُّجُودِ وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِانْحِنَاءُ لِلسُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ اهـ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إطْلَاقُ السُّجُودِ عَلَى هَذَا التَّقْبِيلِ. [تَتِمَّةٌ] اخْتَلَفُوا فِي سُجُودِ الْمَلَائِكَةِ قِيلَ: كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالتَّوَجُّهُ إلَى آدَمَ لِلتَّشْرِيفِ، كَاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 383 وَفِي الْمُلْتَقَطِ التَّوَاضُعُ لِغَيْرِ اللَّهِ حَرَامٌ. وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: يَجُوزُ بَلْ يَنْدُبُ الْقِيَامُ تَعْظِيمًا لِلْقَادِمِ كَمَا يَجُوزُ الْقِيَامُ، وَلَوْ لِلْقَارِئِ بَيْنَ يَدَيْ الْعَالِمِ وَسَيَجِيءُ نَظْمًا. [فَائِدَةٌ] قِيلَ التَّقْبِيلُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: قُبْلَةُ الْمَوَدَّةِ لِلْوَلَدِ عَلَى الْخَدِّ، وَقُبْلَةُ الرَّحْمَةِ لِوَالِدَيْهِ عَلَى الرَّأْسِ، وَقُبْلَةُ الشَّفَقَةِ لِأَخِيهِ عَلَى الْجَبْهَةِ وَقُبْلَةُ الشَّهْوَةِ لِامْرَأَتِهِ وَأَمَتِهِ عَلَى الْفَمِ وَقُبْلَةُ التَّحِيَّةِ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْيَدِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ، قُبْلَةُ الدِّيَانَةِ لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ جَوْهَرَةٌ. قُلْت: وَتَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ تَقْبِيلُ عَتَبَةَ الْكَعْبَةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَقَابِرِ تَقْبِيلُ الْمُصْحَفِ قِيلَ بِدْعَةٌ لَكِنْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْمُصْحَفَ كُلَّ غَدَاةٍ وَيُقَبِّلُهُ وَيَقُولُ: عَهْدُ رَبِّي وَمَنْشُورُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَكَانَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُقَبِّلُ الْمُصْحَفَ وَيَمْسَحُهُ عَلَى وَجْهِهِ، وَأَمَّا تَقْبِيلُ الْخُبْزِ فَحَرَّرَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ بِدْعَةٌ مُبَاحَةٌ وَقِيلَ حَسَنَةٌ وَقَالُوا يُكْرَهُ دَوْسُهُ لَا بَوْسُهُ ذَكَرَهُ ابْنُ قَاسِمٍ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِابْنِ حَجَرٍ فِي بَحْثِ الْوَلِيمَةِ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ وَجَاءَ «لَا تَقْطَعُوا الْخُبْزَ بِالسِّكِّينِ وَأَكْرِمُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ» .   [رد المحتار] وَقِيلَ: بَلْ لِآدَمَ عَلَى وَجْهِ التَّحِيَّةِ وَالْإِكْرَامِ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْ أَمَرْت أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْت الْمِرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» تَتَارْخَانِيَّةٌ قَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ، وَالصَّحِيحُ الثَّانِي وَلَمْ يَكُنْ عِبَادَةً لَهُ بَلْ تَحِيَّةً وَإِكْرَامًا، وَلِذَا امْتَنَعَ عَنْهُ إبْلِيسُ وَكَانَ جَائِزًا فِيمَا مَضَى كَمَا فِي يُوسُفَ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ (قَوْلُهُ التَّوَاضُعُ لِغَيْرِ اللَّهِ حَرَامٌ) أَيْ إذْلَالُ النَّفْسِ لِنَيْلِ الدُّنْيَا، وَإِلَّا فَخَفْضُ الْجَنَاحِ لِمَنْ دُونَهُ مَأْمُورٌ بِهِ سَيِّدُ الْأَنَامِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " مَنْ خَضَعَ لِغَنِيٍّ وَوَضَعَ لَهُ نَفْسَهُ إعْظَامًا لَهُ وَطَمَعًا فِيمَا قِبَلَهُ ذَهَبَ ثُلُثَا مُرُوءَتِهِ وَشَطْرُ دِينِهِ ". (قَوْلُهُ يَجُوزُ بَلْ يُنْدَبُ الْقِيَامُ تَعْظِيمًا لِلْقَادِمِ إلَخْ) أَيْ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: قِيَامُ الْجَالِسِ فِي الْمَسْجِدِ لِمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ تَعْظِيمًا، وَقِيَامُ قَارِئِ الْقُرْآنِ لِمَنْ يَجِيءُ تَعْظِيمًا لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ، وَفِي مُشْكِلِ الْآثَارِ الْقِيَامُ لِغَيْرِهِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ لِعَيْنِهِ إنَّمَا الْمَكْرُوهُ مَحَبَّةُ الْقِيَامِ لِمَنْ يُقَامُ لَهُ، فَإِنْ قَامَ لِمَنْ لَا يُقَامُ لَهُ لَا يُكْرَهُ. قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ أَقُولُ: وَفِي عَصْرِنَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَحَبَّ ذَلِكَ أَيْ الْقِيَامُ لِمَا يُورِثُ تَرْكُهُ مِنْ الْحِقْدِ وَالْبَغْضَاءِ وَالْعَدَاوَةِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِي مَكَان اُعْتِيدَ فِيهِ الْقِيَامُ، وَمَا وَرَدَ مِنْ التَّوَعُّدِ عَلَيْهِ فِي حَقِّ مَنْ يُحِبُّ الْقِيَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا يَفْعَلُهُ التُّرْكُ وَالْأَعَاجِمُ اهـ. قُلْت: يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ الشَّيْخِ الْحَكِيمِ أَبِي الْقَاسِمِ كَانَ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ غَنِيٌّ يَقُومُ لَهُ وَيُعَظِّمُهُ، وَلَا يَقُومُ لِلْفُقَرَاءِ وَطَلَبَةِ الْعِلْمِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ الْغَنِيُّ يَتَوَقَّعُ مِنِّي التَّعْظِيمَ، فَلَوْ تَرَكْته لَتَضَرَّرَ وَالْفُقَرَاءُ وَالطَّلَبَةُ إنَّمَا يَطْمَعُونَ فِي جَوَابِ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ مَعَهُمْ فِي الْعِلْمِ، وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي رِسَالَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ (قَوْلُهُ تَقْبِيلُ عَتَبَةِ الْكَعْبَةِ) هِيَ مِنْ قِلَّةِ الدِّيَانَةِ ط وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَاخْتُلِفَ فِي تَقْبِيلِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ فَقِيلَ سُنَّةٌ وَقِيلَ بِدْعَةٌ (قَوْلُهُ وَمَنْشُورُ رَبِّي) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْمَنْشُورُ: الرَّجُلُ الْمُنْتَشِرُ الْأَمْرِ وَمَا كَانَ غَيْرَ مَخْتُومٍ مِنْ كُتُبِ السُّلْطَانِ وَالْمُرَادُ كِتَابُ رَبِّي فَفِيهِ تَجْرِيدٌ عَنْ بَعْضِ الْمَعْنَى ط (قَوْلُهُ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ) قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَحِينَئِذٍ فَيُزَادُ عَلَى السِّتَّةِ سِتَّةٌ أَيْضًا بِدْعَةٌ مُبَاحَةٌ أَوْ حَسَنَةٌ، وَسُنَّةٌ لِعَالِمٍ وَعَادِلٍ مَكْرُوهٌ لِغَيْرِهِمَا عَلَى الْمُخْتَارِ وَحَرَامٌ لِلْأَرْضِ تَحِيَّةٌ وَكُفْرٌ لَهَا تَعْظِيمًا كَمَا مَرَّ اهـ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَجَاءَ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ الْجِرَاحِيُّ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَهِرَةِ " «لَا تَقْطَعُوا الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ بِالسِّكِّينِ كَمَا تَقْطَعُ الْأَعَاجِمُ وَلَكِنْ انْهَشُوهُ نَهْشًا» قَالَ الصَّغَانِيُّ مَوْضُوعٌ اهـ وَفِي الْمُجْتَبَى لَا يُكْرَهُ قَطْعُ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ اهـ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 384 فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ (كُرِهَ بَيْعُ الْعَذِرَةِ) رَجِيعِ الْآدَمِيِّ (خَالِصَةً لَا) يُكْرَهُ بَلْ يَصِحُّ بَيْعُ (السِّرْقِينِ) أَيْ الزِّبْلِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَصَحَّ) بَيْعُهَا (مَخْلُوطَةً بِتُرَابٍ أَوْ رَمَادٍ غَلَبَ عَلَيْهَا) فِي الصَّحِيحِ (كَمَا صَحَّ الِانْتِفَاعُ بِمَخْلُوطِهَا) أَيْ الْعَذِرَةِ بَلْ بِهَا خَالِصَةً عَلَى مَا صَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ خِلَافًا لِتَصْحِيحِ الْهِدَايَةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَفِي الْمُلْتَقَى أَنَّ الِانْتِفَاعَ كَالْبَيْعِ أَيْ فِي الْحُكْمِ فَافْهَمْ. (وَجَازَ أَخْذُ دَيْنٍ عَلَى كَافِرٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ) لِصِحَّةِ بَيْعِهِ (بِخِلَافِ) دَيْنٍ عَلَى (الْمُسْلِمِ) لِبُطْلَانِهِ إلَّا إذَا وَكَّلَ ذِمِّيًّا بِبَيْعِهِ فَيَجُوزُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ وَتَرَكَ ثَمَنَ خَمْرٍ بَاعَهُ مُسْلِمٌ لَا يَحِلُّ لِوَرَثَتِهِ كَمَا بَسَطَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَفِي الْأَشْبَاهِ الْحُرْمَةُ تَنْتَقِلُ   [رد المحتار] [فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ] ِ (قَوْلُهُ كُرِهَ بَيْعُ الْعَذِرَةِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الذَّالِ قُهُسْتَانِيٌّ وَالْكَرَاهَةُ لَا تَقْتَضِي الْبُطْلَانَ لَكِنْ يَأْخُذُ مِنْ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ وَصَحَّ مَخْلُوطُهُ أَنَّ بَيْعَ الْخَالِصَةِ بَاطِلٌ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَفِي الْهِدَايَةِ إشَارَةٌ إلَيْهِ وَنَقَلَهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الْبُرْجَنْدِيُّ عَنْ الْخِزَانَةِ، وَقَالَ وَكَذَا بَيْعُ كُلِّ مَا انْفَصَلَ عَنْ الْآدَمِيِّ كَشَعْرٍ وَظُفْرٍ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْآدَمِيِّ، وَلِذَا وَجَبَ دَفْنُهُ كَمَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ بَلْ يَصِحُّ بَيْعُ السِّرْقِينِ) بِالْكَسْرِ مُعَرَّبُ سِرْكِينٍ بِالْفَتْحِ وَيُقَالُ سِرْجِينٌ بِالْجِيمِ (قَوْلُهُ أَيْ الزِّبْلِ) وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ هُوَ رَجِيعُ مَا سِوَى الْإِنْسَانِ (قَوْلُهُ غَلَبَ عَلَيْهَا) كَذَا قَيَّدَهُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمُحِيطِ وَالْكَافِي وَالظَّهِيرِيَّةِ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالِاخْتِيَارِ وَالْمُحِيطِ فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَوْ يُحْمَلَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، أَوْ عَلَى الرُّخْصَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ، لَكِنْ فِي زِيَادَاتِ الْعَتَّابِيِّ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ إلَّا إذَا قَامَ دَلِيلُ التَّقْيِيدِ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً فَاحْفَظْهُ فَإِنَّهُ لِلْفَقِيهِ ضَرُورِيٌّ قُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَصَحَّ بَيْعُهَا مَخْلُوطَةً، وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْإِصْلَاحِ، وَصَحَّ فِي الصَّحِيحِ مَخْلُوطَةٌ وَعِبَارَةُ شَرْحِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُلْتَقَى إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَشَارَ بِنَقْلِهِ إلَى أَنَّ تَصْحِيحَ الِانْتِفَاعِ بِالْخَالِصَةِ تَصْحِيحٌ لِجَوَازِ بَيْعِهَا أَيْضًا وَقَوْلُهُ فَافْهَمْ تَنْبِيهٌ عَلَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ) بِأَنْ بَاعَ الْكَافِرُ خَمْرًا وَأَخَذَ ثَمَنَهَا وَقَضَى بِهِ الدَّيْنَ (قَوْلُهُ لِصِحَّةِ بَيْعِهِ) أَيْ بَيْعِ الْكَافِرِ الْخَمْرَ، لِأَنَّهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِ فَمَلَكَ الثَّمَنَ فَيَحِلُّ الْأَخْذُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ لِعَدَمِ تَقَوُّمِهَا فِي حَقِّهِ فَبَقِيَ الثَّمَنُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ بَاعَهُ مُسْلِمٌ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ بَاعَهُ هُوَ لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمُسْلِمَ الْمَيِّتَ أَوْ مُسْلِمٌ غَيْرُهُ بِالْوَكَالَةِ عَنْهُ (قَوْلُهُ كَمَا بَسَطَهُ الزَّيْلَعِيُّ) حَيْثُ قَالَ لِأَنَّهُ كَالْمَغْصُوبِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: كَسْبُ الْمُغَنِّيَةِ كَالْمَغْصُوبِ لَمْ يَحِلَّ أَخْذُهُ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ مَاتَ الرَّجُلُ وَكَسْبُهُ مِنْ بَيْعِ الْبَاذَقِ أَوْ الظُّلْمِ أَوْ أَخْذِ الرِّشْوَةِ يَتَوَرَّعُ الْوَرَثَةُ، وَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا وَهُوَ أَوْلَى بِهِمْ وَيَرُدُّونَهَا عَلَى أَرْبَابِهَا إنْ عَرَفُوهُمْ، وَإِلَّا تَصَدَّقُوا بِهَا لِأَنَّ سَبِيلَ الْكَسْبِ الْخَبِيثِ التَّصَدُّقُ إذَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ عَلَى صَاحِبِهِ اهـ لَكِنْ فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ فِي كَسْبِ النَّائِحَةِ، وَصَاحِبُ طَبْلٍ أَوْ مِزْمَارٍ، لَوْ أَخَذَ بِلَا شَرْطٍ، وَدَفَعَهُ الْمَالِكُ بِرِضَاهُ فَهُوَ حَلَالٌ وَمِثْلُهُ فِي الْمَوَاهِبِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَمَا جَمَعَ السَّائِلُ مِنْ الْمَالِ فَهُوَ خَبِيثٌ (قَوْلُهُ وَفِي الْأَشْبَاهِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الشَّعْرَانِيُّ فِي كِتَابِ الْمِنَنِ: وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْحَرَامَ لَا يَتَعَدَّى إلَى ذِمَّتَيْنِ سَأَلْت عَنْهُ الشِّهَابَ ابْنَ الشَّلَبِيِّ فَقَالَ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ، أَمَّا مَنْ رَأَى الْمَكَّاسَ يَأْخُذُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا مِنْ الْمَكْسِ، ثُمَّ يُعْطِيهِ آخَرَ ثُمَّ يَأْخُذُهُ مِنْ ذَلِكَ الْآخَرِ فَهُوَ حَرَامٌ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 385 مَعَ الْعِلْمِ إلَّا لِلْوَارِثِ إلَّا إذَا عَلِمَ رَبُّهُ. قُلْت: وَمَرَّ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَكِنْ فِي الْمُجْتَبَى مَاتَ وَكَسْبُهُ حَرَامٌ فَالْمِيرَاثُ حَلَالٌ ثُمَّ رَمَزَ وَقَالَ لَا نَأْخُذُ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ حَرَامٌ مُطْلَقًا عَلَى الْوَرَثَةِ فَتَنَبَّهْ. (وَ) جَازَ (تَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِهِ كَمَا فِي نَقْشِ الْمَسْجِدِ (وَتَعْشِيرُهُ وَنَقْطُهُ) أَيْ إظْهَارُ إعْرَابِهِ وَبِهِ يَحْصُلُ الرِّفْقُ جِدًّا خُصُوصًا لِلْعَجَمِ فَيُسْتَحْسَنُ وَعَلَى هَذَا لَا بَأْسَ بِكِتَابَةِ أَسَامِي السُّوَرِ وَعَدِّ الْآيِ وَعَلَامَاتِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهَا فَهِيَ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ دُرَرٌ وَقُنْيَةٌ وَفِيهَا لَا بَأْسَ بِكَوَاغِدِ أَخْبَارٍ وَنَحْوِهَا فِي مُصْحَفٍ وَتَفْسِيرٍ وَفِقْهٍ وَتُكْرَهُ فِي كُتُبِ نُجُومٍ وَأَدَبٍ وَيُكْرَهُ تَصْغِيرُ مُصْحَفٍ وَكِتَابَتُهُ بِقَلَمٍ دَقِيقٍ يَعْنِي تَنْزِيهًا وَلَا يَجُوزُ لَفُّ شَيْءٍ فِي كَاغِدِ فِقْهٍ وَنَحْوِهِ وَفِي كُتُبِ الطِّبِّ يَجُوزُ.   [رد المحتار] وَفِي الذَّخِيرَةِ: سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ عَمَّنْ اكْتَسَبَ مَالَهُ مِنْ أَمْرِ السُّلْطَانِ وَالْغَرَامَاتِ الْمُحَرَّمَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ هَلْ يَحِلُّ لِمَنْ عَرَفَ ذَلِكَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ طَعَامِهِ؟ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ فِي دِينِهِ أَنْ لَا يَأْكُلَ وَيَسَعُهُ حُكْمًا إنْ لَمْ يَكُنْ غَصْبًا أَوْ رِشْوَةً اهـ وَفِي الْخَانِيَّةِ: امْرَأَةٌ زَوْجُهَا فِي أَرْضِ الْجَوْرِ إذَا أَكَلَتْ مِنْ طَعَامِهِ، وَلَمْ يَكُنْ عَيْنُهُ غَصْبًا أَوْ اشْتَرَى طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً مِنْ مَالٍ أَصْلُهُ لَيْسَ بِطَيِّبٍ فَهِيَ فِي سَعَةٍ مِنْ ذَلِكَ وَالْإِثْمُ عَلَى الزَّوْجِ اهـ حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ مَعَ الْعِلْمِ) أَمَّا بِدُونِهِ فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة اشْتَرَى جَارِيَةً أَوْ ثَوْبًا، وَهُوَ لِغَيْرِ الْبَائِعِ فَوَطِئَ أَوْ لَبِسَ، ثُمَّ عَلِمَ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْجِمَاعَ وَاللُّبْسَ حَرَامٌ إلَّا أَنَّهُ وَضَعَ عَنْهُ الْإِثْمَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، الْوَطْءُ حَلَالٌ مَأْجُورٌ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْخِلَافِ لَوْ تَزَوَّجَ وَوَطِئَهَا فَبَانَ أَنَّهَا مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا عَلِمَ رَبُّهُ) أَيْ رَبُّ الْمَالِ فَيَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ رَدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ حَرَامٌ مُطْلَقًا عَلَى الْوَرَثَةِ) أَيْ سَوَاءٌ عَلِمُوا أَرْبَابَهُ أَوْ لَا فَإِنْ عَلِمُوا أَرْبَابَهُ رَدُّوهُ عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا تَصَدَّقُوا بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. أَقُولُ: وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ لِأَنَّ الطَّعَامَ أَوْ الْكِسْوَةَ لَيْسَ عَيْنَ الْمَالِ الْحَرَامِ فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِهِ شَيْئًا يَحِلُّ أَكْلُهُ عَلَى تَفْصِيلٍ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ بِخِلَافِ مَا تَرَكَهُ مِيرَاثًا فَإِنَّهُ عَيْنُ الْمَالِ الْحَرَامِ وَإِنْ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ وَالْخَلْطِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ أَدَاءُ ضَمَانِهِ، وَكَذَا لِوَارِثِهِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ حُرْمَتَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي الدِّيَانَةِ لَا الْحُكْمِ فَلَا يَجُوزُ لِوَصِيِّ الْقَاصِرِ التَّصَدُّقُ بِهِ وَيُضَمِّنَهُ الْقَاصِرُ إذَا بَلَغَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَتَنَبَّهْ) أَشَارَ بِهِ إلَى ضَعْفِ مَا فِي الْأَشْبَاهِ ط. (قَوْلُهُ وَجَازَ تَحْلِيَةٌ الْمُصْحَفِ) أَيْ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ كَمَا فِي نَقْشِ الْمَسْجِدِ) أَيْ مَا خَلَا مِحْرَابَهُ أَيْ بِالْجِصِّ وَمَاءِ الذَّهَبِ لَا مِنْ مَالِ الْوَقْفِ وَضَمِنَ مُتَوَلِّيهِ لَوْ فَعَلَ إلَّا إذَا فَعَلَ الْوَاقِفُ مِثْلَهُ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ نَقْشَ حَائِطِ الْقِبْلَةِ، وَيَجُوزُ حَفْرُ بِئْرٍ فِي مَسْجِدٍ لَوْلَا ضَرَرٍ فِيهِ أَصْلًا وَفِيهِ نَفْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا يَضْمَنُ فِيهِ الْحَافِرُ لِمَا حَفَرَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا أَفَادَهُ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ وَتَعْشِيرُهُ) هُوَ جَعْلُ الْعَوَاشِرَ فِي الْمُصْحَفِ وَهُوَ كِتَابَةُ الْعَلَامَةِ عِنْدَ مُنْتَهَى عَشْرِ آيَاتٍ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ أَيْ إظْهَارُ إعْرَابِهِ) تَفْسِيرٌ لِلنَّقْطِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: نَقَطَ الْحَرْفَ أَعْجَمَهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِعْجَامَ لَا يَظْهَرُ بِهِ الْإِعْرَابُ إنَّمَا يَظْهَرُ بِالشَّكْلِ فَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا مَا يَعُمُّهُ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَبِهِ يَحْصُلُ الرِّفْقُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ جَوِّدُوا الْقُرْآنَ كَانَ فِي زَمَنِهِمْ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ كَمَا بَسَطَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى اعْتِبَارِ حُصُولِ الرِّفْقِ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهَا) كَالسَّجْدَةِ وَرُمُوزِ التَّجْوِيدِ (قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِكَوَاغِدِ أَخْبَارٍ) أَيْ بِجَعْلِهَا غِلَافًا لِمُصْحَفٍ وَنَحْوِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَخْبَارِ التَّوَارِيخُ دُونَ الْأَحَادِيثِ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ تَصْغِيرُ مُصْحَفٍ) أَيْ تَصْغِيرُ حَجْمِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَهُ بِأَحْسَنِ خَطٍّ وَأَبْيَنِهِ عَلَى أَحْسَنِ وَرَقٍ وَأَبْيَضِهِ بِأَفْخَمِ قَلَمٍ وَأَبْرَقِ مِدَادٍ وَيُفَرِّجُ السُّطُورِ وَيُفَخِّمُ الْحُرُوفَ وَيُضَخِّمُ الْمُصْحَفَ اهـ قُنْيَةٌ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ) الَّذِي فِي الْمِنَحِ وَنَحْوُهُ فِي الْهِنْدِيَّةِ، وَلَا يَجُوزُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 386 (وَ) جَازَ (دُخُولُ الذِّمِّيِّ مَسْجِدًا) مُطْلَقًا وَكَرِهَهُ مَالِكٌ مُطْلَقًا وَكَرِهَهُ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. قُلْنَا: النَّهْيُ تَكْوِينِيٌّ لَا تَكْلِيفِيٌّ وَقَدْ جَوَّزُوا عُبُورَ عَابِرِ السَّبِيلِ جُنُبًا وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى لَا يَقْرَبُوا لَا يَحُجُّوا وَلَا يَعْتَمِرُوا عُرَاةً بَعْدَ حَجِّ عَامِهِمْ هَذَا عَامِ تِسْعٍ حِينَ أَمَرَ الصِّدِّيقُ وَنَادَى عَلِيٌّ بِهَذِهِ السُّورَةِ قَالَ: أَلَا لَا يَحُجُّ بَعْدَ عَامِنَا هَذَا مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ عُرْيَانٌ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا فَلْيُحْفَظْ قُلْت: وَلَا تَنْسَ مَا مَرَّ فِي فَصْلِ الْجِزْيَةِ   [رد المحتار] لَفُّ شَيْءٍ فِي كَاغَدٍ فِيهِ مَكْتُوبٌ مِنْ الْفِقْهِ، وَفِي الْكَلَامِ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ وَفِي كِتَابِ الطِّبِّ يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ اسْمُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَجُوزُ مَحْوُهُ لِيُلَفَّ فِيهِ شَيْءٌ وَمَحْوُ بَعْضِ الْكِتَابَةِ بِالرِّيقِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ مَحْوِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْبُصَاقِ، وَلَمْ يُبَيَّنْ مَحْوُ كِتَابَةِ الْقُرْآنِ بِالرِّيقِ هَلْ هُوَ كَاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ كَغَيْرِهِ ط. (قَوْلُهُ وَجَازَ دُخُولُ الذِّمِّيِّ مَسْجِدًا) وَلَوْ جُنُبًا كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ، وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ التَّتِمَّةِ يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ الدُّخُولُ فِي الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَجْمَعُ الشَّيَاطِينِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الدُّخُولِ اهـ وَانْظُرْ هَلْ الْمُسْتَأْمَنُ وَرَسُولُ أَهْلِ الْحَرْبِ مِثْلُهُ وَمُقْتَضَى اسْتِدْلَالِهِمْ عَلَى الْجَوَازِ بِإِنْزَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفْدَ ثَقِيفٍ فِي الْمَسْجِدِ جَوَازُهُ وَيُحَرَّرُ ط (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ قُلْنَا) أَيْ فِي الْجَوَابِ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمَانِعُونَ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى - {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28]- وَمَا ذَكَرَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ (قَوْلُهُ تَكْوِينِيٌّ) نِسْبَةً إلَى التَّكْوِينِ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ قَدِيمَةٌ تَرْجِعُ إلَيْهَا صِفَاتُ الْأَفْعَالِ عِنْدَ الْمَاتُرِيدِيَّةِ، فَمَعْنَى لَا يَقْرَبُوا: لَا يَخْلُقُ اللَّهُ فِيهِمْ الْقُرْبَانَ، وَمِثَالُ الْأَمْرِ التَّكْوِينِيِّ: {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} [فصلت: 11] : وَمِثَالُ الْأَمْرِ التَّكْلِيفِيِّ وَيُقَالُ التَّدْوِينِيُّ أَيْضًا: أَقِيمُوا الصَّلَاةَ: وَالْفَرْقُ أَنَّ الِامْتِثَالَ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْ الْأَوَّلِ عَقْلًا بِخِلَافِ الثَّانِي اهـ ح وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ خَبَرٌ مَنْفِيٌّ فِي صُورَةِ النَّهْيِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا تَكْلِيفِيٌّ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ لَيْسُوا مُخَاطَبِينَ بِالْفُرُوعِ (قَوْلُهُ وَقَدْ جَوَّزُوا إلَخْ) هَذَا إنَّمَا يَحْسُنُ لَوْ ذُكِرَ دَلِيلُ الشَّافِعِيِّ الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ، وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَخْلُو عَنْ الْجَنَابَةِ فَوَجَبَ تَنْزِيهُ الْمَسْجِدِ عَنْهُ وَحَاصِلُ كَلَامِهِ: أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ لَا يَتِمُّ لِأَنَّهُ قَدْ جَوَّزَ إلَخْ ط (قَوْلُهُ فَمَعْنَى لَا يَقْرَبُوا إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ تَكْوِينِيٌّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ حَجُّوا وَاعْتَمَرُوا عُرَاةً كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَافْهَمْ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْزَلَ وَفْدَ ثَقِيفٍ فِي مَسْجِدِهِ وَهُمْ كُفَّارٌ» ، وَلِأَنَّ الْخُبْثَ فِي اعْتِقَادِهِمْ فَلَا يُؤَدِّي إلَى تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْحُضُورِ اسْتِيلَاءً وَاسْتِغْلَاءً أَوْ طَائِفِينَ عُرَاةً كَمَا كَانَتْ عَادَتُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ اهـ أَيْ فَلَيْسَ الْمَمْنُوعُ نَفْسَ الدُّخُولِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِإِسْنَادِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَرَهُ فِيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ أَلَا لَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» ، إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ عَامِ تِسْعٍ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ عَامِهِمْ ط (قَوْلُهُ وَنَادَى عَلِيٌّ بِهَذِهِ السُّورَةِ) كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْتهَا وَفِي نُسْخَةٍ وَنَادَى عَلَى بَعِيرِهِ بِسُورَةِ بَرَاءَةَ، وَهِيَ الَّتِي كَتَبَ عَلَيْهَا ط وَقَالَ إنَّ الْمُنَادِيَ عَلَى الْبَعِيرِ بِأَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ بَرَاءَةَ هُوَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَقَدْ أَرْسَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَقِبَ الصِّدِّيقِ، فَلَحِقَهُ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ لِيَكُونَ الْآمِرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اهـ (قَوْلُهُ وَلَا تَنْسَ مَا مَرَّ فِي فَصْلِ الْجِزْيَةِ) حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا دُخُولُهُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ الْمَنْعَ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَدَمَهُ وَالسِّيَرُ الْكَبِيرُ آخِرُ تَصْنِيفِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَوْرَدَ فِيهِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْحَالُ اهـ. أَقُولُ: غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُهُ وَلِذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ آنِفًا مَعَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، لِأَنَّ شَأْنَ الْمُتُونِ ذَلِكَ غَالِبًا تَأَمَّلْ هَذَا. وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِي الْجِزْيَةِ أَيْضًا أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ اسْتِيطَانِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 387 (وَ) جَازَ (عِيَادَتُهُ) بِالْإِجْمَاعِ وَفِي عِيَادَةِ الْمَجُوسِيِّ قَوْلَانِ (وَ) جَازَ (عِيَادَةُ فَاسِقٍ) عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَالْعِيَادَةُ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ. (وَ) جَازَ (خِصَاءُ الْبَهَائِمِ) حَتَّى الْهِرَّةِ، وَأَمَّا خِصَاءُ الْآدَمِيِّ فَحَرَامٌ قِيلَ وَالْفَرَسِ وَقَيَّدُوهُ بِالْمَنْفَعَةِ وَإِلَّا فَحَرَامٌ. (وَإِنْزَاءُ الْحَمِيرِ عَلَى الْخَيْلِ) كَعَكْسِهِ قُهُسْتَانِيُّ. (وَالْحُقْنَةُ)   [رد المحتار] «لَا يَجْتَمِعُ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ دِينَانِ» وَلَوْ دَخَلَ لِتِجَارَةٍ جَازَ وَلَا يُطِيلُ اهـ (قَوْلُهُ وَجَازَ عِيَادَتُهُ) أَيْ عِيَادَةُ مُسْلِمٍ ذِمِّيًّا نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا، لِأَنَّهُ نَوْعُ بِرٍّ فِي حَقِّهِمْ وَمَا نُهِينَا عَنْ ذَلِكَ، وَصَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ اللَّهُ «عَادَ يَهُودِيًّا مَرِضَ بِجِوَارِهِ» هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي عِيَادَةِ الْمَجُوسِيِّ قَوْلَانِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِهِ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُمْ أَبْعَدُ عَنْ الْإِسْلَامِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تُبَاحُ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِ وَنِكَاحُهُمْ اهـ. قُلْت: وَظَاهِرُ الْمَتْنِ كَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ اخْتِيَارُ الْأَوَّلِ لِإِرْجَاعِهِ الضَّمِيرَ فِي عِيَادَتِهِ إلَى الذِّمِّيِّ وَلَمْ يَقُلْ عِيَادَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، كَمَا قَالَ الْقُدُورِيُّ وَفِي النَّوَادِرِ جَارٌ يَهُودِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ مَاتَ ابْنٌ لَهُ أَوْ قَرِيبٌ يَنْبَغِي أَنْ يُعَزِّيَهُ، وَيَقُولَ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك خَيْرًا مِنْهُ، وَأَصْلَحَك وَكَانَ مَعْنَاهُ أَصْلَحَك اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ يَعْنِي رَزَقَك الْإِسْلَامَ وَرَزَقَك وَلَدًا مُسْلِمًا كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَجَازَ عِيَادَةُ فَاسِقٍ) وَهَذَا غَيْرُ حُكْمِ الْمُخَالَطَةِ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُلْتَقَطِ يُكْرَهُ لِلْمَشْهُورِ الْمُقْتَدَى بِهِ الِاخْتِلَاطُ بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ وَالشَّرِّ إلَّا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، لِأَنَّهُ يَعْظُمُ أَمْرُهُ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَوْ كَانَ رَجُلًا لَا يَعْرِفُ يُدَارِيهِ لِيَدْفَعَ الظُّلْمَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إثْمٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ. [تَنْبِيهٌ] مِنْ الْعِيَادَةِ الْمَكْرُوهَةِ إذَا عُلِمَ أَنَّك تُثْقِلُ عَلَى الْمَرِيضِ: فَلَا تَعُدْهُ فَقَدْ قِيلَ مُجَالَسَةُ الثَّقِيلِ حُمَّى الرُّوحِ، وَلَا تُهَوِّلْ عَلَى الْمَرِيضِ، وَلَا تُحَرِّكْ رَأْسَك وَلَا تَقُلْ مَا عَلِمْت أَنَّك عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ الشَّدِيدَةِ، بَلْ هَوِّنْ عَلَيْهِ الْمَرَضَ وَطَيِّبِ قَلْبَهُ، وَقُلْ لَهُ أَرَاك فِي خَيْرٍ بِتَأْوِيلٍ وَاذْكُرْ لَهُ مَا يُزِيدُ رَجَاءَهُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَشُوبًا بِشَيْءٍ مِنْ التَّخْوِيفِ وَلَا تَضَعْ يَدَك عَلَى رَأْسِهِ فَرُبَّمَا يُؤْذِيهِ إلَّا إذَا طَلَبَهُ وَقُلْ لَهُ إذَا دَخَلْت عَلَيْهِ، كَيْف تَجِدُك هَكَذَا جَاءَ عَنْ السَّلَفِ وَلَا تَقُلْ لَهُ أَوْصِ فَإِنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْجُهَّالِ اهـ مُجْتَبًى ط. [فَائِدَةٌ] يَتَشَاءَمُ النَّاسُ فِي زَمَانِنَا مِنْ الْعِيَادَةِ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ، فَيَنْبَغِي تَرْكُهَا إذَا كَانَ يَحْصُلُ لِلْمَرِيضِ بِذَلِكَ ضَرَرٌ وَرَأَيْت فِي تَارِيخِ الْمُحِبِّي فِي تَرْجَمَةِ الشَّيْخِ فَتْحِ اللَّهِ الْبَيْلُونِيِّ أَنَّهُ قَالَ: السَّبْتُ وَالِاثْنَيْنِ وَالْأَرْبَعَا ... تَجَنَّبْ الْمَرْضَى بِهَا أَنْ تُزَارَ فِي طَيْبَةَ يُعْرَفُ هَذَا فَلَا ... تَغْفُلْ فَإِنَّ الْعُرْفَ عَالِي الْمَنَارِ قَالَ الْمُحِبِّيُّ قُلْت: هَذَا عُرْفٌ مَشْهُورٌ لَكِنْ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مَا يَرُدُّ السَّبْتَ مِنْهُ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَفْقِدُ أَهْلَ قَبَاءٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَيَسْأَلُ عَنْ الْمَفْقُودِ فَيُقَالُ لَهُ إنَّهُ مَرِيضٌ، فَيَذْهَبُ يَوْمَ السَّبْتِ لِزِيَارَتِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَجَازَ خِصَاءُ الْبَهَائِمِ) عَبَّرَ فِي الْهِدَايَةِ بِالْإِخْصَاءِ، وَالصَّوَابُ مَا هُنَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ نَزْعُ الْخُصْيَةِ، وَيُقَالُ: خَصِيٌّ وَمَخْصِيٌّ (قَوْلُهُ قِيلَ وَالْفَرَسُ) ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ حَرَامٌ ط (قَوْلُهُ وَقَيَّدُوهُ) أَيْ جَوَازُ خِصَاءِ الْبَهَائِمِ بِالْمَنْفَعَةِ وَهِيَ إرَادَةُ سِمَنِهَا أَوْ مَنْعُهَا عَنْ الْعَضِّ بِخِلَافِ بَنِي آدَمَ فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْمَعَاصِي فَيَحْرُمُ أَفَادَهُ الأتقاني عَنْ الطَّحَاوِيِّ. [تَنْبِيهٌ] لَا بَأْسَ بِكَيِّ الْبَهَائِمِ لِلْعَلَامَةِ وَثَقْبِ أُذُنِ الطِّفْلِ مِنْ الْبَنَاتِ لِأَنَّهُمْ «كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ» ، وَلَا بَأْسَ بِكَيِّ الصِّبْيَانِ لِدَاءٍ إتْقَانِيٌّ وَالْهِرَّةُ الْمُؤْذِيَةُ لَا تُضْرَبُ، وَلَا تُعْرَكُ أُذُنُهَا بَلْ تُذْبَحُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 388 لِلتَّدَاوِي وَلَوْ لِلرَّجُلِ بِطَاهِرٍ لَا بِنَجَسٍ وَكَذَا كُلُّ تَدَاوٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِطَاهِرٍ وَجَوَّزَهُ فِي النِّهَايَةِ بِمُحَرَّمٍ إذَا أَخْبَرَهُ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً وَلَمْ يَجِدْ مُبَاحًا يَقُومُ مَقَامَهُ. قُلْت: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ» نَفْيُ الْحُرْمَةِ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالشِّفَاءِ دَلَّ عَلَيْهِ جَوَازُ شُرْبِهِ لِإِزَالَةِ الْعَطَشِ اهـ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ (وَ) جَازَ إسَاغَةُ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ. وَجَازَ (رِزْقُ الْقَاضِي) مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَوْ بَيْتُ الْمَالِ حَلَالًا جُمِعَ بِحَقٍّ وَإِلَّا لَمْ يَحِلَّ وَعَبَّرَ بِالرِّزْقِ لِيُفِيدَ تَقْدِيرَهُ بِقَدْرِ مَا يَكْفِيهِ وَأَهْلَهُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَلَوْ غَنِيًّا فِي الْأَصَحِّ وَهَذَا لَوْ بِلَا شَرْطٍ وَلَوْ بِهِ كَالْأُجْرَةِ فَحَرَامٌ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ طَاعَةٌ،   [رد المحتار] بِسِكِّينٍ حَادٍّ، وَلَوْ مَاتَتْ حَامِلٌ وَأَكْبَرُ رَأْيِهِمْ أَنَّ الْوَلَدَ حَيٌّ شُقَّ بَطْنُهَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ، وَبِالْعَكْسِ قُطِعَ الْوَلَدُ إرْبًا إرْبًا تَتَارْخَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ لِلتَّدَاوِي) أَيْ مِنْ مَرَضٍ أَوْ هُزَالٍ مُؤَدٍّ إلَيْهِ لَا لِنَفْعٍ ظَاهِرٍ كَالتَّقَوِّي عَلَى الْجِمَاعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَا لِلسِّمَنِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ لِلرَّجُلِ) الْأَوْلَى وَلَوْ لِلْمَرْأَةِ (قَوْلُهُ وَجَوَّزَهُ فِي النِّهَايَةِ إلَخْ) وَنَصُّهُ وَفِي التَّهْذِيبِ: يَجُوزُ لِلْعَلِيلِ شُرْبُ الْبَوْلِ وَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ لِلتَّدَاوِي إذَا أَخْبَرَهُ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ أَنَّ شِفَاءَهُ فِيهِ، وَلَمْ يَجِدْ مِنْ الْمُبَاحِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَإِنْ قَالَ الطَّبِيبُ يَتَعَجَّلُ شِفَاؤُك بِهِ فِيهِ وَجْهَانِ، وَهَلْ يَجُوزُ شُرْبُ الْقَلِيلِ مِنْ الْخَمْرِ لِلتَّدَاوِي؟ فِيهِ وَجْهَانِ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ اهـ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى بَعْدَ نَقْلِهِ مَا فِي النِّهَايَةِ: وَأَقَرَّهُ فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهَا وَقَدَّمْنَاهُ فِي الطَّهَارَةِ وَالرَّضَاعِ أَنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ اهـ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ نَفْيُ الْحُرْمَةِ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالشِّفَاءِ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ كَمَا مَرَّ. وَحَاصِلُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ لَكُمْ بِالتَّدَاوِي، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَإِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ الدَّوَاءِ شَيْءٌ مُحَرَّمٌ وَعَلِمْتُمْ بِهِ الشِّفَاءَ، فَقَدْ زَالَتْ حُرْمَةُ اسْتِعْمَالِهِ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ (قَوْلُهُ دَلَّ عَلَيْهِ إلَخْ) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ إسَاغَةَ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ وَشُرْبَهُ لِإِزَالَةِ الْعَطَشِ إحْيَاءٌ لِنَفْسِهِ مُتَحَقِّقُ النَّفْعِ، وَلِذَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ كَمَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ بِخِلَافِ التَّدَاوِي وَلَوْ بِغَيْرِ مُحَرَّمٍ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ لَا يَأْثَمُ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَظْنُونٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ) أَيْ أَوَّلَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ حَيْثُ قَالَ الْأَكْلُ لِلْغِذَاءِ وَالشُّرْبُ لِلْعَطَشِ وَلَوْ مِنْ حَرَامٍ أَوْ مَيْتَةٍ أَوْ مَالِ غَيْرٍ وَإِنْ ضَمِنَهُ فَرْضٌ اهـ. [تَتِمَّةٌ] لَا بَأْسَ بِشُرْبِ مَا يَذْهَبُ بِالْعَقْلِ فَيَقْطَعُ الْأَكْلَةَ وَنَحْوَهُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ آخِرَ كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ. (قَوْلُهُ وَجَازَ رِزْقُ الْقَاضِي) الرِّزْقُ بِالْكَسْرِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَبِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَمْ يَحِلَّ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ حَرَامًا جُمِعَ بِبَاطِلٍ لَمْ يَحِلَّ أَخْذُهُ لِأَنَّ سَبِيلَ الْحَرَامِ وَالْغَصْبِ رَدُّهُ عَلَى أَهْلِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَالِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ اهـ. أَقُولُ: ظَاهِرُ الْعِلَّةِ أَنَّ أَهْلَهُ مَعْلُومُونَ فَحُرْمَةُ الْأَخْذِ مِنْهُ ظَاهِرَةٌ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمُوا فَهُوَ كَاللُّقَطَةِ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَيُصْرَفُ فِي مَصَارِفِ اللُّقَطَةِ فَقَدْ صَرَّحُوا فِي الْهَدِيَّةِ وَالرِّشْوَةِ لِلْقُضَاةِ وَنَحْوِهِمْ أَنَّهَا تُرَدُّ عَلَى أَرْبَابِهَا إنْ عُلِمُوا وَإِلَّا أَوْ كَانُوا بَعِيدًا حَتَّى تَعَذَّرَ الرَّدُّ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ اللُّقَطَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي كُلِّ زَمَانٍ) مُتَعَلِّقٌ بِتَقْدِيرٍ أَوْ بِيَكْفِيهِ أَيْ يُقَدَّرُ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ، لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ (قَوْلُهُ وَلَوْ غَنِيًّا فِي الْأَصَحِّ) عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ ثَمَّ الْقَاضِي إذَا كَانَ فَقِيرًا، فَالْأَفْضَلُ بَلْ الْوَاجِبُ الْأَخْذُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إقَامَةُ فَرْضِ الْقَضَاءِ إلَّا بِهِ إذْ الِاشْتِغَالُ بِالْكَسْبِ يُقْعِدُهُ عَنْ إقَامَتِهِ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَالْأَفْضَلُ الِامْتِنَاعُ عَلَى مَا قِيلَ رِفْقًا بِبَيْتِ الْمَالِ، وَقِيلَ الْأَخْذُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ صِيَانَةً لِلْقَضَاءِ عَنْ الْهَوَانِ، وَنَظَرًا لِمَنْ تَوَلَّى بَعْدَهُ مِنْ الْمُحْتَاجِينَ، لِأَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ زَمَانًا تَعَذَّرَ إعَادَتُهُ اهـ (قَوْلُهُ وَهَذَا لَوْ بِلَا شَرْطٍ إلَخْ) بِأَنْ تَقَلَّدَ الْقَضَاءَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 389 فَلَمْ تَجُزْ كَسَائِرِ الطَّاعَاتِ قُلْت: وَهَلْ يَجْرِي فِيهِ كَلَامُ الْمُتَأَخِّرِينَ يُحَرَّرُ. (وَ) جَازَ (سَفَرُ الْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ) وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُبَعَّضَةِ (بِلَا مَحْرَمٍ) هَذَا فِي زَمَانِهِمْ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا لِغَلَبَةِ أَهْلِ الْفَسَادِ وَبِهِ يُفْتِي ابْنُ كَمَالٍ. (وَ) جَازَ (شِرَاءُ مَا لَا بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ وَبَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ مَا لَا بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ (لِأَخٍ وَعَمٍّ وَأُمٍّ وَمُلْتَقِطٍ هُوَ فِي حِجْرِهِمْ) أَيْ فِي كَنَفِهِمْ وَإِلَّا لَا (وَ) جَازَ (إجَارَتُهُ لِأُمِّهِ فَقَطْ) لَوْ فِي حِجْرِهَا وَكَذَا الْمُلْتَقِطُ عَلَى الْأَصَحِّ كَذَا عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ لِشَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلَمْ أَرَهُ فِيهِ وَيَأْتِي مَتْنًا مَا يُنَافِيهِ فَتَنَبَّهْ. وَكَذَا لِعَمِّهِ عِنْدَ الثَّانِي خِلَافًا لِلثَّالِثِ وَلَوْ أَجَرَ الصَّغِيرُ نَفْسَهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا إذَا فَرَغَ الْعَمَلُ لِتَمَحُّضِهِ نَفْعًا فَيَجِبُ الْمُسَمَّى وَصَحَّ إجَارَةُ أَبٍ وَجَدٍّ وَقَاضٍ وَلَوْ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ فِي الصَّحِيحِ   [رد المحتار] ثُمَّ رَزَقَهُ الْوَالِي كِفَايَتَهُ، أَمَّا إنْ قَالَ ابْتِدَاءً إنَّمَا أَقْبَلُ الْقَضَاءَ إنْ رَزَقَنِي الْوَالِي كَذَا بِمُقَابَلَةِ قَضَائِي، وَإِلَّا فَلَا أَقْبَلُ فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى الطَّاعَةِ اهـ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ فَلَمْ تَجُزْ) أَيْ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِ أَيْ لَمْ يَجُزْ أَخْذُهَا (قَوْلُهُ يُحَرَّرُ) أَقُولُ: قَدَّمْنَا تَحْرِيرَهُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ كَلَامَ الْمُتَأَخِّرِينَ لَيْسَ عَامًّا فِي كُلِّ طَاعَةٍ بَلْ فِيمَا فِيهِ ضَرُورَةٌ كَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ وَالْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ (قَوْلُهُ وَجَازَ سَفَرُ الْأَمَةِ) لِأَنَّ الْأَجَانِبَ فِي حَقِّ الْإِمَاءِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى النَّظَرِ وَالْمَسِّ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَارِمِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَأُمِّ الْوَلَدِ إلَخْ) عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَأُمُّ الْوَلَدِ أَمَةٌ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهَا وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ، لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةُ الرَّقَبَةِ وَكَذَا مُعْتَقَةُ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَهُ اهـ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحُرَّةَ لَا تُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَا مَحْرَمٍ. وَاخْتُلِفَ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ وَقِيلَ: إنَّهَا تُسَافِرُ مَعَ الصَّالِحِينَ، وَالصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ غَيْرُ مَحْرَمَيْنِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ قُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ وَجَازَ شِرَاءُ مَا لَا بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ) كَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَاسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ فِي حِجْرِهِمْ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا مِنَحٌ (قَوْلُهُ لِشَرْحِ الْمَجْمَعِ) أَيْ لِابْنِ مَلَكٍ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَهُ فِيهِ) بَلْ الَّذِي فِيهِ بَعْدَ قَوْلِ الْمَجْمَعِ، وَيُسَلِّمُهُ فِي صِنَاعَةٍ وَلَا يُؤَجِّرُهُ فِي الْأَصَحِّ مَا نَصُّهُ قَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ مِنْ أَنَّ إجَارَتَهُ جَائِزَةٌ كَإِجَارَةِ الْأُمِّ الصَّغِيرَ، لِأَنَّ فِيهَا صَوْنًا عَنْ الْفَسَادِ بِكَوْنِهِ مَشْغُولًا بِعَمَلٍ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْمُلْتَقِطَ لَا يَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ، فَلَا يُؤَجِّرُهُ كَالْعَمِّ بِخِلَافِ الْأُمِّ، لِأَنَّهَا تَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ مَجَّانًا فَتَمْلِكُهُ بِعِوَضٍ اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْوِقَايَةِ نَعَمْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ رِوَايَةَ الْقُدُورِيِّ أَقْرَبُ. أَقُولُ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمَعِ وَالْوِقَايَةِ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كِتَابِ اللَّقِيطِ وَوَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ هُنَا اضْطِرَابٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا لِعَمِّهِ) أَيْ لِعَمِّ الصَّغِيرِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمِنَحِ وَنَصُّهُ وَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي يَدِ الْعَمِّ فَآجَرَهُ صَحَّ لِأَنَّهُ مِنْ الْحِفْظِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَصِحُّ اهـ، وَفِي نُسْخَةٍ مُصَحَّحَةٍ كُشِطَ الضَّمِيرُ مِنْ قَوْلِهِ فَآجَرَهُ وَأَبْدَلَهُ بِقَوْلِهِ فَأَجَّرَتْهُ أُمُّهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي التَّبْيِينِ والشُّرُنبُلالِيَّة، لَكِنْ رَأَيْت فِي النِّهَايَةِ عَنْ جَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ مَا نَصُّهُ: وَالْأُمُّ لَوْ آجَرَتْهُ يَجُوزُ إذَا كَانَ فِي حِجْرِهَا وَكَذَا ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْهُ اهـ فَرَاجِعْهُ وَفِي 27 مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ وَلَا جَدٌّ وَلَا وَصِيٌّ فَآجَرَهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ هُوَ فِي حِجْرِهِ صَحَّ وَلَوْ فِي حِجْرِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَآجَرَهُ آخَرُ أَقْرَبُ كَمَا لَوْ لَهُ أُمٌّ وَعَمَّةٌ وَهُوَ فِي حِجْرِ عَمَّتِهِ فَآجَرَتْهُ أُمُّهُ صَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلِمَنْ آجَرَهُ قَبَضَ أُجْرَتَهُ اهـ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) أَيْ لَمْ يَلْزَمْ كِفَايَةً لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِالضَّرَرِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَصَحَّ إجَارَةُ أَبٍ وَجَدٍّ) وَكَذَا تَصِحُّ إجَارَةُ وَصِيِّهِمَا بِخِلَافِ وَصِيِّ الْقَاضِي حَمَوِيٌّ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ عِبَارَةِ الدُّرَرِ فَرَاجِعْهَا. نَعَمْ عَدَّهَا الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي خَالَفَ فِيهَا وَصِيُّ الْأَبِ وَصِيَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 390 كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الدُّرَرِ فَتَبَصَّرْ. (وَ) جَازَ (بَيْعُ عَصِيرِ) عِنَبٍ (مِمَّنْ) يُعْلَمُ أَنَّهُ (يَتَّخِذُهُ خَمْرًا) لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَقُومُ بِعَيْنِهِ بَلْ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ وَقِيلَ يُكْرَهُ لِإِعَانَتِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ السِّرَاجِ وَالْمُشْكِلَاتِ أَنَّ قَوْلَهُ مِمَّنْ أَيْ مِنْ كَافِرٍ أَمَّا بَيْعُهُ مِنْ الْمُسْلِمِ فَيُكْرَهُ وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْبَاقَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا زَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ مَعْزِيًّا لِلْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ بِالِاتِّفَاقِ. (بِخِلَافِ بَيْعِ أَمْرَدَ مِمَّنْ يَلُوطُ بِهِ وَبَيْعِ سِلَاحٍ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ) لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَقُومُ بِعَيْنِهِ ثُمَّ الْكَرَاهَةُ فِي مَسْأَلَةِ الْأَمْرَدِ مُصَرَّحٌ بِهَا فِي بُيُوعِ الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْعَيْنِيِّ وَإِنْ أَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْبُغَاةِ. قُلْت: وَقَدَّمْنَا ثَمَّةَ مَعْزِيًّا لِلنَّهْرِ أَنَّ مَا قَامَتْ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ يُكْرَهُ بَيْعُهُ تَحْرِيمًا وَإِلَّا فَتَنْزِيهًا. فَلْيُحْفَظْ تَوْفِيقًا. (وَ) جَازَ تَعْمِيرُ كَنِيسَةٍ وَ (حَمْلُ خَمْرِ ذِمِّيٍّ) بِنَفْسِهِ أَوْ دَابَّتِهِ (بِأَجْرٍ) .   [رد المحتار] الْقَاضِي (قَوْلُهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الدُّرَرِ) أَيْ صَرِيحًا وَعِبَارَتُهَا وَفِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ إذَا آجَرَ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ أَوْ الْقَاضِي الصَّغِيرَ فِي عَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ قِيلَ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ، حَتَّى إذَا آجَرَهُ أَحَدُهُمْ بِأَقَلَّ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ وَلَوْ بِالْأَقَلِّ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَلَوْ حُمِلَ الْأَقَلُّ عَلَى الْغَبْنِ الْيَسِيرِ دُونَ الْفَاحِشِ انْتَفَتْ الْمُخَالَفَةُ. (قَوْلُهُ وَجَازَ) أَيْ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا بَيْعُ عَصِيرِ عِنَبٍ أَيْ مَعْصُورُهُ الْمُسْتَخْرَجُ مِنْهُ فَلَا يُكْرَهُ بَيْعُ الْعِنَبِ وَالْكَرْمِ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ، كَمَا فِي الْمُحِيطِ لَكِنْ فِي بَيْعِ الْخِزَانَةِ أَنَّ بَيْعَ الْعِنَبِ عَلَى الْخِلَافِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ مِمَّنْ يَعْلَمُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يُكْرَهْ بِلَا خِلَافٍ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا تَقُومُ بِعَيْنِهِ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا لَا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ مَا يَحْدُثُ لَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَصْفٌ آخَرُ يَكُونُ فِيهِ قِيَامُ الْمَعْصِيَةِ وَأَنَّ مَا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ مَا تُوجَدُ فِيهِ عَلَى وَصْفِهِ الْمَوْجُودِ حَالَةَ الْبَيْعِ كَالْأَمْرَدِ وَالسِّلَاحِ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَمَّا بَيْعُهُ مِنْ الْمُسْلِمِ فَيُكْرَهُ) لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْجَوَاهِرِ. أَقُولُ: وَهُوَ خِلَافُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ وَتَعْلِيلِ الشُّرُوحِ بِمَا مَرَّ وَقَالَ ط: وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الْكُفَّارَ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَالْأَصَحُّ خِطَابُهُمْ وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ إعَانَةً عَلَى الْمَعْصِيَةِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فِي بَيْعِ الْعَصِيرِ مِنْهُمَا فَتَدَبَّرْ اهـ وَلَا يَرِدُ هَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالتَّعْلِيلِ الْمَارِّ. (قَوْلُهُ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْعَيْنِيِّ) وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ عَنْ إجَارَاتِ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ (قَوْلُهُ مَعْزِيًّا لِلنَّهْرِ) قَالَ فِيهِ مِنْ بَابِ الْبُغَاةِ وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بَيْعُ مَا لَمْ تَقُمْ الْمَعْصِيَةُ بِهِ كَبَيْعِ الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَالْكَبْشِ النَّطُوحِ وَالْحَمَامَةِ الطَّيَّارَةِ وَالْعَصِيرِ وَالْخَشَبِ مِمَّنْ يُتَّخَذَ مِنْهُ الْمَعَازِفُ، وَأَمَّا فِي بُيُوعِ الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ بَيْعُ الْأَمْرَدِ مِنْ فَاسِقٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْصِي بِهِ مُشْكِلٌ. وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بَيْعُ جَارِيَةٍ مِمَّنْ يَأْتِيهَا فِي دُبُرِهَا أَوْ بَيْعُ غُلَامٍ مِنْ لُوطِيٍّ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ وَعِنْدِي أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، وَهُوَ الَّذِي تَطْمَئِنُّ إلَيْهِ النُّفُوسُ إذْ لَا يُشْكِلُ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعِينًا أَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ فِي الْإِعَانَةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذَا اهـ وَفِي حَاشِيَةِ الشَّلَبِيِّ عَلَى الْمُحِيطِ اشْتَرَى الْمُسْلِمُ الْفَاسِقُ عَبْدًا أَمْرَدَ وَكَانَ مِمَّنْ يَعْتَادُ إتْيَانَ الْأَمْرَدِ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ (قَوْلُهُ فَلْيُحْفَظْ تَوْفِيقًا) بِأَنْ يُحْمَلَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ إثْبَاتِ الْكَرَاهَةِ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ نَفْيِهَا عَلَى التَّحْرِيمِ، فَلَا مُخَالَفَةَ وَأَقُولُ هَذَا التَّوْفِيقُ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّ الْأَمْرَدَ مِمَّا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ وَعَلَى مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ هُنَا يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ فِيهِ لِلتَّحْرِيمِ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَإِنَّمَا مَبْنَى كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَدَ لَيْسَ مِمَّا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ عِبَارَتِهِ قَرِيبًا عِنْدَ قَوْلِهِ وَجَازَ إجَارَةُ بَيْتٍ. (قَوْلُهُ وَجَازَ تَعْمِيرُ كَنِيسَةٍ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ آجَرَ نَفْسَهُ لِيَعْمَلَ فِي الْكَنِيسَةِ وَيُعَمِّرَهَا لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا مَعْصِيَةَ فِي عَيْنِ الْعَمَلِ (قَوْلُهُ وَحَمْلُ خَمْرِ ذِمِّيٍّ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 391 لَا عَصْرُهَا لِقِيَامِ الْمَعْصِيَةِ بِعَيْنِهِ. (وَ) جَازَ (إجَارَةُ بَيْتٍ بِسَوَادِ الْكُوفَةِ) أَيْ قُرَاهَا (لَا بِغَيْرِهَا عَلَى الْأَصَحِّ) وَأَمَّا الْأَمْصَارُ وَقُرَى غَيْرِ الْكُوفَةِ فَلَا يُمَكَّنُونَ لِظُهُورِ شِعَارِ الْإِسْلَامِ فِيهَا وَخُصَّ سَوَادُ الْكُوفَةِ، لِأَنَّ غَالِبَ أَهْلِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ (لِيُتَّخَذَ بَيْتَ نَارٍ أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بِيعَةً أَوْ يُبَاعَ فِيهِ الْخَمْرُ) وَقَالَا لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ زَيْلَعِيٌّ. (وَ) جَازَ (بَيْعُ بِنَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ   [رد المحتار] قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذَا عِنْدَهُ وَقَالَا هُوَ مَكْرُوهٌ " لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً وَعَدَّ مِنْهَا حَامِلَهَا» وَلَهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الْحَمْلِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَلَا سَبَبَ لَهَا وَإِنَّمَا تَحْصُلُ الْمَعْصِيَةُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَلَيْسَ الشُّرْبُ مِنْ ضَرُورَاتِ الْحَمْلِ، لِأَنَّ حَمْلَهَا قَدْ يَكُونُ لِلْإِرَاقَةِ أَوْ لِلتَّخْلِيلِ، فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِعَصْرِ الْعِنَبِ أَوْ قَطْعِهِ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَمْلِ الْمَقْرُونِ بِقَصْدِ الْمَعْصِيَةِ اهـ زَادَ فِي النِّهَايَةِ وَهَذَا قِيَاسٌ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ، ثُمَّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ آجَرَهُ دَابَّةً لِيَنْقُلَ عَلَيْهَا الْخَمْرَ أَوْ آجَرَهُ نَفْسَهُ لِيَرْعَى لَهُ الْخَنَازِيرَ يَطِيبُ لَهُ الْأَجْرُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ. وَفِي الْمُحِيطِ لَا يُكْرَهُ بَيْعُ الزَّنَانِيرِ مِنْ النَّصْرَانِيِّ وَالْقَلَنْسُوَةِ مِنْ الْمَجُوسِيِّ، لِأَنَّ ذَلِكَ إذْلَالٌ لَهُمَا وَبَيْعُ الْمُكَعَّبِ الْمُفَضَّضِ لِلرَّجُلِ إنْ لِيَلْبَسَهُ يُكْرَهُ، لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى لُبْسِ الْحَرَامِ وَإِنْ كَانَ إسْكَافًا أَمَرَهُ إنْسَانٌ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ خُفًّا عَلَى زِيِّ الْمَجُوسِ أَوْ الْفَسَقَةِ أَوْ خَيَّاطًا أَمَرَهُ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ ثَوْبًا عَلَى زِيِّ الْفُسَّاقِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّشَبُّهِ بِالْمَجُوسِ وَالْفَسَقَةِ اهـ (قَوْلُهُ لَا عَصْرُهَا لِقِيَامِ الْمَعْصِيَةِ بِعَيْنِهِ) فِيهِ مُنَافَاةٌ ظَاهِرَةٌ لِقَوْلِهِ سَابِقًا لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَقُومُ بِعَيْنِهِ ط وَهُوَ مُنَافٍ أَيْضًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ جَوَازِ اسْتِئْجَارِهِ لِعَصْرِ الْعِنَبِ أَوْ قَطْعِهِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ هُنَا عَصْرُ الْعِنَبِ عَلَى قَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ فَإِنَّ عَيْنَ هَذَا الْفِعْلِ مَعْصِيَةٌ بِهَذَا الْقَصْدِ، وَلِذَا أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى الْخَمْرِ مَعَ أَنَّ الْعَصْرَ لِلْعِنَبِ حَقِيقَةٌ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الْعَصِيرِ وَاسْتِئْجَارِهِ عَلَى عَصْرِ الْعِنَبِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَجَازَ إجَارَةُ بَيْتٍ إلَخْ) هَذَا عِنْدَهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى مَنْفَعَةِ الْبَيْتِ، وَلِهَذَا يَجِبُ الْأَجْرُ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ، وَلَا مَعْصِيَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ بِفِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ وَهُوَ مُخْتَارٌ فَيَنْقَطِعُ نِسْبِيَّتُهُ عَنْهُ، فَصَارَ كَبَيْعِ الْجَارِيَةِ مِمَّنْ لَا يَسْتَبْرِئُهَا أَوْ يَأْتِيهَا مِنْ دُبُرٍ وَبَيْعِ الْغُلَامِ مِنْ لُوطِيٍّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ آجَرَهُ لِلسُّكْنَى جَازَ وَهُوَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عِبَادَتِهِ فِيهِ اهـ زَيْلَعِيٌّ وَعَيْنِيٌّ وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ، قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْغُلَامِ مِنْ اللُّوطِيِّ، وَالْمَنْقُولُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْفَتَاوَى أَنَّهُ يُكْرَهُ وَهُوَ الَّذِي عَوَّلْنَا عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ اهـ. أَقُولُ: هُوَ صَرِيحٌ أَيْضًا فِي أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ، وَلِذَا كَانَ مَا فِي الْفَتَاوَى مُشْكِلًا كَمَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْغُلَامِ وَبَيْنَ الْبَيْتِ وَالْعَصِيرِ " فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ التَّعْوِيلُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى. نَعَمْ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ يُشْكِلُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ وَبَيْنَ مَا لَا تَقُومُ بِعَيْنِهِ، فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ فِي السِّلَاحِ وَالْمُكَعَّبِ الْمُفَضَّضِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا هِيَ بِفِعْلِ الشَّارِي فَلْيُتَأَمَّلْ فِي وَجْهِ الْفَرْقِ فَإِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ. نَعَمْ يَظْهَرُ الْفَرْقُ عَلَى مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنْ التَّعْلِيلِ، لِجَوَازِ بَيْعِ الْعَصِيرِ بِأَنَّهُ لَا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ، بَلْ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ فَهُوَ كَبَيْعِ الْحَدِيدِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يُعْمَلُ مِنْهُ السِّلَاحُ لَكِنْ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ أَيْضًا إلَى صِفَةٍ أُخْرَى. وَعَلَيْهِ يَظْهَرُ كَوْنُ الْأَمْرَدِ مِمَّا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْأَمْصَارُ) الْأَنْسَبُ فِي التَّعْبِيرِ كَالْأَمْصَارِ إلَخْ ط (قَوْلُهُ فَلَا يُمَكَّنُونَ) أَيْ مِنْ اتِّخَاذِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَإِظْهَارِ بَيْعِ الْخُمُورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بِيعَةً) الْأَوَّلُ مَعْبَدُ الْيَهُودِ وَالثَّانِي مَعْبَدُ النَّصَارَى ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ وَمَنْ ظَنَّ عَكَسَ هَذَا فَقَدْ سَهَا اهـ ابْنُ كَمَالٍ لَكِنْ تُطْلَقُ الْكَنِيسَةُ عَلَى الثَّانِي أَيْضًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْقَامُوسِ وَالْمُغْرِبِ وَالْبِيعَةُ بِالْكَسْرِ جَمْعُهُ بِيَعٌ كَعِنَبٍ. (قَوْلُهُ وَجَازَ بَيْعُ بِنَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ) أَيْ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِمَنْ بَنَاهُ كَمَنْ بَنَى فِي أَرْضِ الْوَقْفِ لَهُ بَيْعُهُ إتْقَانِيٌّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 392 وَأَرْضهَا) بِلَا كَرَاهَةٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبِهِ يُفْتَى عَيْنِيٌّ وَقَدْ مَرَّ فِي الشُّفْعَةِ وَفِي الْبُرْهَانِ فِي بَابِ الْعَشْرِ وَلَا يُكْرَهُ بَيْعُ أَرْضِهَا كَبِنَائِهَا وَبِهِ يُعْمَلُ وَفِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ بِنَائِهَا وَإِجَارَتِهَا لَكِنْ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ يُكْرَهُ إجَارَتُهَا وَفِي آخِرِ الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَإِجَارَةِ الْوَهْبَانِيَّةِ قَالَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَكْرَهُ إجَارَةَ بُيُوتِ مَكَّةَ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ وَكَانَ يُفْتِي لَهُمْ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَيْهِمْ فِي دُورِهِمْ - {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: 25]- وَرَخَّصَ فِيهَا فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْمَوْسِمِ اهـ فَلْيُحْفَظْ. قُلْت: وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ وَالتَّوْفِيقُ وَهَكَذَا كَانَ يُنَادِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيَّامَ الْمَوْسِمِ وَيَقُولُ يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَتَّخِذُوا لِبُيُوتِكُمْ أَبْوَابًا لِيَنْزِلْ الْبَادِي حَيْثُ شَاءَ ثُمَّ يَتْلُو الْآيَةَ فَلْيُحْفَظْ. (وَ) جَازَ (قَيْدُ الْعَبْدِ) تَحَرُّزًا عَنْ التَّمَرُّدِ وَالْإِبَاقِ وَهُوَ سُنَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْفُسَّاقِ (وَقَبُولُ هَدِيَّتِهِ تَاجِرًا وَإِجَابَةُ دَعْوَتِهِ وَاسْتِعَارَةُ دَابَّتِهِ) اسْتِحْسَانًا (وَكُرِهَ كِسْوَتُهُ) أَيْ قَبُولُ هَدِيَّةِ الْعَبْدِ (ثَوْبًا وَإِهْدَاؤُهُ النَّقْدَيْنِ) لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ. (وَاسْتِخْدَامُ الْخَصِيِّ) ظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ وَقِيلَ بَلْ دُخُولُهُ عَلَى الْحُرُمِ.   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَأَرْضِهَا) جَزَمَ بِهِ فِي الْكَنْزِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ، لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا لِظُهُورِ آثَارِ الْمِلْكِ فِيهَا وَهُوَ الِاخْتِصَاصُ بِهَا شَرْعًا وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَقَدْ مَرَّ فِي الشُّفْعَةِ) وَمَرَّ أَيْضًا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِي دُورِ مَكَّةَ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى مِلْكِيَّةِ أَرْضِهَا كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَإِجَارَتُهَا (قَوْلُهُ قَالَا) أَيْ صَاحِبَا الْكِتَابَيْنِ (قَوْلُهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ) أَقُولُ: فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَوْلُهُمَا أَيْضًا حِينَ نَقَلَ عَنْ تَقْرِيبِ الْإِمَامِ الْكَرْخِيِّ مَا نَصُّهُ، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَرِهَ إجَارَةَ بُيُوتِ مَكَّةَ فِي الْمَوْسِمِ، وَرَخَّصَ فِي غَيْرِهِ وَكَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ هِشَامٌ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ يُكْرَهُ كِرَاءُ بُيُوتِ مَكَّةَ فِي الْمَوْسِمِ وَيَقُولُ لَهُمْ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَيْهِمْ فِي دُورِهِمْ إذَا كَانَ فِيهَا فَضْلٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ اهـ فَأَفَادَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْإِجَارَةِ وِفَاقِيَّةٌ وَكَذَا قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى صَرَّحُوا بِكَرَاهَتِهَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ اهـ (قَوْلُهُ وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ) أَيْ بِحَمْلِ الْكَرَاهَةِ عَلَى أَيَّامِ الْمَوْسِمِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ جَوَازِ الْبَيْعِ دُونَ الْإِجَارَةِ، وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، حَيْثُ نَقَلَ كَرَاهَةَ إجَارَةِ أَرْضِهَا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالْكَافِي وَالْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ: فَلْيُنْظَرْ الْفَرْقُ بَيْنَ جَوَازِ الْبَيْعِ، وَبَيْنَ عَدَمِ جَوَازِ الْإِجَارَةِ اهـ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ كَرَاهَةَ الْإِجَارَةِ لِحَاجَةِ أَهْلِ الْمَوْسِمِ (قَوْلُهُ وَالتَّوْفِيقُ) بَيْنَ مَا فِي النَّوَازِلِ وَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ بِحَمْلِ الْكَرَاهَةِ عَلَى أَيَّامِ الْمَوْسِمِ وَعَدَمِهَا عَلَى غَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَهَكَذَا) أَيْ كَمَا كَانَ الْإِمَامُ يُفْتِي ط. (قَوْلُهُ وَاسْتِعَارَةُ دَابَّتِهِ) فَلَا يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ لَوْ عَطِبَتْ تَحْتَهُ (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَبِلَ هَدِيَّةَ سَلْمَانَ حِينَ كَانَ عَبْدًا وَقَبِلَ هَدِيَّةَ بَرِيرَةَ وَكَانَتْ مُكَاتَبَةً، وَأَجَابَ رَهْطٌ مِنْ الصَّحَابَةِ دَعْوَةَ مَوْلَى أَبِي أَسِيد وَكَانَ عَبْدًا» ، وَلِأَنَّ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ضَرُورَةً وَلَا يَجِدُ التَّاجِرُ بُدًّا مِنْهَا هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ أَيْ قَبُولُ هَدِيَّةِ الْعَبْدِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ كِسْوَتَهُ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ (قَوْلُهُ وَاسْتِخْدَامُ الْخَصِيِّ) لِأَنَّ فِيهِ تَحْرِيضَ النَّاسِ عَلَى الْخِصَاءِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ وَيُكْرَهُ كَسْبُ الْخُصْيَانِ وَمِلْكُهُمْ وَاسْتِخْدَامُهُمْ اهـ قَالَ الْحَمَوِيُّ: لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ كَرَاهَةِ كَسْبِهِ. أَقُولُ: لَعَلَّ الْمُرَادَ كَرَاهَةُ كَسْبِهِ عَلَى مَوْلَاهُ بِأَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهِ ضَرِيبَةً أَوْ مُطْلَقًا لِأَنَّ كَسْبَهُ عَادَةً فِي اسْتِخْدَامِهِ وَدُخُولِهِ عَلَى الْحُرُمِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت الثَّانِيَ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ وَنَصُّهُ لِأَنَّ كَسْبَهُ يَحْصُلُ بِالْمُخَالَطَةِ مَعَ النِّسْوَانِ اهـ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ بَلْ دُخُولُهُ) الْأَوْلَى بَلْ فِي دُخُولِهِ وَعَلَى الْقِيلِ اقْتَصَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ وَالْحَدِيثُ وَالْعِلَّةُ يُفِيدَانِ الْإِطْلَاقَ فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدَ ط وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ (قَوْلُهُ عَلَى الْحُرَمِ) جَمْعُ حُرْمَةٍ بِمَعْنَى الْمَرْأَةِ مِثْلُ غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ حَمَوِيٌّ، فَيَكُونُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى الْحَرِيمِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 393 لَوْ سِنُّهُ خَمْسَةَ عَشْرَ. (وَ) كُرِهَ (إقْرَاضُ) أَيْ إعْطَاءُ (بَقَّالٍ) كَخَبَّازٍ وَغَيْرِهِ (دَرَاهِمَ) أَوْ بُرًّا لِخَوْفِ هُلْكِهِ لَوْ بَقِيَ بِيَدِهِ. يُشْتَرَطُ (لِيَأْخُذَ) مُتَفَرِّقًا (مِنْهُ) بِذَلِكَ (مَا شَاءَ) وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ حَالَةَ الْعَقْدِ لَكِنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَدْفَعُ لِذَلِكَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ، لِأَنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ نَفْعًا وَهُوَ بَقَاءُ مَالِهِ فَلَوْ أَوْدَعَهُ لَمْ يُكْرَهْ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ لَا يَضْمَنُ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِقْرَاضِ ثُمَّ أَقْرَضَهُ يُكْرَهُ اتِّفَاقًا قُهُسْتَانِيُّ وشُرُنْبُلالِيَّة. (وَ) كُرِهَ تَحْرِيمًا (اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ وَ) كَذَا (الشِّطْرَنْجِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَيُهْمَلُ وَلَا يُفْتَحُ إلَّا نَادِرًا وَأَبَاحَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ وَنَظَمَهَا شَارِحُ الْوَهْبَانِيَّةِ فَقَالَ: وَلَا بَأْسَ بِالشِّطْرَنْجِ وَهِيَ رِوَايَةٌ ... عَنْ الْحَبْرِ قَاضِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ تُؤْثَرُ وَهَذَا إذْ لَمْ يُقَامِرْ وَلَمْ يُدَاوِمْ وَلَمْ يُخِلَّ بِوَاجِبٍ وَإِلَّا فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ.   [رد المحتار] وَفِي الْقَامُوسِ وَالْحَرِيمُ كَأَمِيرٍ مَا حَرُمَ فَلَمْ يُمَسَّ وَثَوْبُ الْمُحْرِمِ وَمَا كَانَ الْمُحْرِمُونَ يُلْقَوْنَهُ مِنْ الثِّيَابِ، فَلَا يَلْبَسُونَهُ وَمِنْ الدَّارِ مَا أُضِيفَ إلَيْهَا مِنْ حُقُوقِهَا وَمَرَافِقِهَا وَهَتْكِ مَا تَحْمِيهِ وَتُقَاتِلُ عَنْهُ كَالْحُرُمِ جَمْعُهُ أَحْرَامٌ وَحُرُمٌ بِضَمَّتَيْنِ وَحُرُمُك بِضَمِّ الْحَاءِ نِسَاؤُك وَمَا تَحْمِي وَهِيَ الْمَحَارِمُ الْوَاحِدَةُ كَمَكْرُمَةٍ وَتُفْتَحُ رَاؤُهُ اهـ فَالْحُرَمُ بِالْفَتْحِ وَالْحَرِيمُ بِمَعْنَى مَا يُحْمَى مُنَاسِبٌ هُنَا أَيْضًا (قَوْلُهُ لَوْ سِنُّهُ خَمْسَةَ عَشْرَ) قَيَّدَ بِالسِّنِّ لِمَا قِيلَ إنَّ الْخَصِيَّ لَا يَحْتَلِمُ. (قَوْلُهُ بَقَّالٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبَقَّالُ بَيَّاعُ الْأَطْعِمَةِ عَامِّيَّةٌ وَالصَّحِيحُ الْبَدَّالُ اهـ (قَوْلُهُ يُشْتَرَطُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ يُشْتَرَطُ الْأَخْذُ وَقَيَّدَ بِهِ لِمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّمَا يُكْرَهُ إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مَشْرُوطَةً فِي الْعَقْدِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِهَا فَصَارَ كَالرُّجْحَانِ الَّذِي دَفَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ حَالَةَ الْعَقْدِ إلَخْ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَسَقَطَ مِنْ بَعْضِهَا قَالَ ط وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ لِيُفِيدَ اتِّحَادَ الْحُكْمِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَيَكُونَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: يُشْتَرَطُ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَجَعَلَ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّنْجِيسِ وَالْمَزِيدِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ فِي الْقَرْضِ، أَنْ يَأْخُذَهَا تَبَرُّعًا أَوْ شِرَاءً، أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَلَكِنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَدْفَعُ لِهَذَا وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعَةً وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ: جَازَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطِ الْمَنْفَعَةِ، فَإِذَا أَخَذَ يَقُولُ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَأْخُذُ هُوَ عَلَى مَا قَاطَعْتُك عَلَيْهِ اهـ. أَقُولُ: الْوَجْهُ الثَّالِثُ يَلْزَمُ مِنْهُ الثَّانِي فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الثَّالِثُ عَلَى مَا إذَا أَعْرَضَا وَقْتَ الْقَرْضِ عَنْ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ بَيْنَهُمَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ وَهُوَ بَقَاءُ مَالِهِ) وَكِفَايَتُهُ لِلْحَاجَاتِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ لَخَرَجَ مِنْ سَاعَتِهِ. وَلَمْ يَبْقَ مِنَحٌ (قَوْلُهُ قُهُسْتَانِيٌّ وشُرُنْبُلالِيَّة) عِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ: فَلَوْ تَقَرَّرَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْإِقْرَاضِ أَنْ يُعْطِيَهُ كَذَا دِرْهَمًا لِيَأْخُذَ مِنْهُ مُتَفَرِّقًا ثُمَّ أَقْرَضَهُ لَمْ يُكْرَهْ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْمُحِيطِ اهـ وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِمَّا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ إنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى مَا قُلْنَاهُ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الشَّرْحِ: يُكْرَهُ اتِّفَاقًا صَوَابُهُ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ. (قَوْلُهُ بِالنَّرْدِ) هُوَ اسْمٌ مُعَرَّبٌ وَيُقَالُ لَهُ النَّرْدَشِيرُ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِ الشِّينِ وَالشَّيِّرُ اسْمُ مَلِكٍ وُضِعَ لَهُ النَّرْدُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ، وَفِي زَيْنِ الْعَرَبِ قِيلَ: إنَّ الشَّيِّرَ مَعْنَاهُ الْحُلْوُ، وَفِيهِ نَظَرٌ قَالُوا هُوَ مِنْ مَوْضُوعَاتِ سَابُورَ بْنِ أَرْدَشِيرَ ثَانِي مُلُوكِ السَّاسَانِيَّةِ وَهُوَ حَرَامٌ مُسْقِطٌ لِلْعَدَالَةِ بِالْإِجْمَاعِ قُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ وَالشِّطْرَنْجُ) مُعَرَّبُ شِدْرَنْجَ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لِأَنَّ مَنْ اشْتَغَلَ بِهِ ذَهَبَ عَنَاؤُهُ الدُّنْيَوِيُّ، وَجَاءَهُ الْعَنَاءُ الْأُخْرَوِيُّ فَهُوَ حَرَامٌ وَكَبِيرَةٌ عِنْدَنَا، وَفِي إبَاحَتِهِ إعَانَةُ الشَّيْطَانِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي الْكَافِي قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ إلَخْ) قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمَذْهَبَ مَنْعُ اللَّعِبِ بِهِ كَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ قَاضِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ) هُوَ الْإِمَامُ الثَّانِي أَبُو يُوسُفَ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ شَمَلَتْ الْمَشَارِقَ وَالْمَغَارِبَ، لِأَنَّهُ كَانَ قَاضِي الْخَلِيفَةِ هَارُونِ الرَّشِيدِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا إلَخْ) وَكَذَا إذَا لَمْ يَكْثُرْ الْخُلْفُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 394 (وَ) كُرِهَ (كُلُّ لَهْوٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ لَهْوِ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ إلَّا ثَلَاثَةً مُلَاعَبَتَهُ أَهْلَهُ وَتَأْدِيبَهُ لِفَرَسِهِ وَمُنَاضَلَتَهُ بِقَوْسِهِ» . (وَ) كُرِهَ (جَعْلُ الْغُلِّ) طَوْقٌ لَهُ رَايَةٌ (فِي عُنُقِ الْعَبْدِ) يُعْلَمُ بِإِبَاقِهِ وَفِي زَمَانِنَا لَا بَأْسَ بِهِ لِغَلَبَةِ الْإِبَاقِ خُصُوصًا فِي السُّودَانِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْعَيْنِيِّ (بِخِلَافِ الْقَيْدِ) فَإِنَّهُ حَلَالٌ كَمَا مَرَّ. (وَ) كُرِهَ (قَوْلُهُ فِي دُعَائِهِ بِمَقْعَدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك)   [رد المحتار] عَلَيْهِ وَبِدُونِ هَذِهِ الْمَعَانِي لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ لِلِاخْتِلَافِ فِي حُرْمَتِهِ عَبْدُ الْبَرِّ عَنْ أَدَبِ الْقَاضِي. [فَرْعٌ] اللَّعِبُ بِالْأَرْبَعَةِ عَشَرَ حَرَامٌ وَهُوَ قِطْعَةٌ مِنْ خَشَبٍ يُحْفَرُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَسْطُرٍ وَيُجْعَلُ فِي تِلْكَ الْحُفَرِ حَصًى صِغَارٌ يُلْعَبُ بِهَا اهـ مِنَحٌ: قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهَا الْمُسَمَّاةُ الْآنَ بِالْمِنْقَلَةِ لَكِنَّهَا تُحْفَرُ سَطْرَيْنِ، كُلُّ سَطْرٍ سَبْعُ حُفَرٍ (قَوْلُهُ وَكُرِهَ كُلُّ لَهْوٍ) أَيْ كُلُّ لَعِبٍ وَعَبَثٍ فَالثَّلَاثَةُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا فِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ وَالْإِطْلَاقُ شَامِلٌ لِنَفْسِ الْفِعْلِ، وَاسْتِمَاعُهُ كَالرَّقْصِ وَالسُّخْرِيَةِ وَالتَّصْفِيقِ وَضَرْبِ الْأَوْتَارِ مِنْ الطُّنْبُورِ وَالْبَرْبَطِ وَالرَّبَابِ وَالْقَانُونِ وَالْمِزْمَارِ وَالصَّنْجِ وَالْبُوقِ، فَإِنَّهَا كُلَّهَا مَكْرُوهَةٌ لِأَنَّهَا زِيُّ الْكُفَّارِ، وَاسْتِمَاعُ ضَرْبِ الدُّفِّ وَالْمِزْمَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ حَرَامٌ وَإِنْ سَمِعَ بَغْتَةً يَكُونُ مَعْذُورًا وَيَجِبُ أَنْ يَجْتَهِدَ أَنْ لَا يَسْمَعَ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمُنَاضَلَتَهُ بِقَوْسِهِ) قَالَ فِي مُخْتَصَرِ النُّقَايَةِ يُقَالُ: انْتَضَلَ الْقَوْمُ وَتَنَاضَلُوا أَيْ رَمَوْا لِلسَّبْقِ وَنَاضَلَهُ إذَا رَمَاهُ اهـ وَفِي الْجَوَاهِرِ قَدْ جَاءَ الْأَثَرُ فِي رُخْصَةِ الْمُسَارَعَةِ، لِتَحْصِيلِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُقَاتَلَةِ دُونَ التَّلَهِّي فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي تَأْدِيبِ الْفَرَسِ وَالْمُنَاضَلَةِ بِالْقَوْسِ ط. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ جَعْلُ الْغُلِّ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ (قَوْلُهُ طَوْقٌ لَهُ رَايَةٌ) الرَّايَةُ بِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَالدَّالُ غَلَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ غُلٌّ يُجْعَلُ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ مِنْ الْحَدِيدِ عَلَامَةً عَلَى أَنَّهُ آبِقٌ إتْقَانِيٌّ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ هُوَ طَوْقٌ مُسَمَّرٌ بِمِسْمَارٍ عَظِيمٍ يَمْنَعُهُ مِنْ تَحْرِيكِ رَأْسِهِ اهـ فَتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ يُعْلَمُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ مِنْ الْإِعْلَامِ وَضَمِيرُهُ لِلْغُلِّ وَهُوَ وَجْهُ تَسْمِيَتِهِ بِالرَّايَةِ (قَوْلُهُ بِمَعْقِدِ الْعِزِّ) بِكَسْرِ الْقَافِ شَلَبِيٌّ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: مَعْقِدُ الْعِزِّ مَوْضِعُ عَقْدِهِ اهـ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَ عِزِّهِ بِالْعَرْشِ وَالْعَرْشُ حَادِثٌ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ يَكُونُ حَادِثًا ضَرُورَةً وَاَللَّهُ تَعَالَى مُتَعَالٍ عَنْ تَعَلُّقِ عِزِّهِ بِالْحَادِثِ سُبْحَانَهُ، بَلْ عِزُّهُ قَدِيمٌ لِأَنَّهُ صِفَتُهُ، وَجَمِيعُ صِفَاتِهِ قَدِيمَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ لَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِهَا فِي الْأَزَلِ، وَلَا يَزَالُ فِي الْأَبَدِ وَلَمْ يَزِدْ شَيْئًا مِنْ الْكَمَالِ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَزَلِ بِحُدُوثِ الْعَرْشِ وَغَيْرِهِ زَيْلَعِيٌّ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَ عِزِّهِ تَعَالَى بِالْعَرْشِ تَعَلُّقًا خَاصًّا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَرْشُ مَبْدَأً وَمَنْشَأً لِعِزِّهِ تَعَالَى كَمَا تُوهِمُهُ كَلِمَةُ مِنْ فَإِنَّ جَمِيعَ مَعَانِيهَا تَرْجِعُ إلَى مَعْنَى ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَذَلِكَ الْمَعْنَى غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى فَإِنَّ مُؤَدَّاهُ أَنَّ صِفَةَ الْعِزِّ نَاشِئَةٌ مِنْ الْعَرْشِ الْحَادِثِ، فَتَكُونُ حَادِثَةً فَافْهَمْ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أُورِدَ أَنَّ حُدُوثَ تَعَلُّقِ الصِّفَةِ بِالْحَادِثِ لَا يُوجِبُ حُدُوثَهَا، لِعَدَمِ تَوَقُّفِهَا عَلَيْهِ كَتَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ وَنَحْوِهَا بِالْمُحْدَثَاتِ كَمَا بَسَطَهُ الطُّورِيُّ وَوَجْهُ الِانْدِفَاعِ أَنَّ مُجَرَّدَ إيهَامِ الْمَعْنَى الْمُحَالِ كَافٍ فِي الْمَنْعِ عَنْ التَّلَفُّظِ بِهَذَا الْكَلَامِ، وَإِنْ احْتَمَلَ مَعْنًى صَحِيحًا وَلِذَا عَلَّلَ الْمَشَايِخُ بِقَوْلِهِمْ لِأَنَّهُ يُوهِمُ إلَخْ وَنَظِيرُهُ مَا قَالُوا فِي أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ، وَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ دُونَ التَّعْلِيقِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيهَامِ كَمَا قَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ وَابْنُ الْهُمَامِ فِي الْمُسَايَرَةِ، وَعَلَى هَذَا يُمْنَعُ عَنْ هَذَا اللَّفْظِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْعِزِّ عِزُّ الْعَرْشِ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ لَهُ، لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ أَنَّ الْمُرَادَ عِزُّ اللَّهِ تَعَالَى فَيُشْكِلُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ، وَلَوْ جُعِلَ الْعِزُّ صِفَةً لِلْعَرْشِ كَانَ جَائِزًا لِأَنَّ الْعَرْشَ مَوْصُوفٌ فِي الْقُرْآنِ بِالْمَجْدِ وَالْكَرَمِ، فَكَذَا بِالْعِزِّ وَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّهُ مَوْضِعُ الْهَيْبَةِ وَإِظْهَارُ كَمَالِ الْقُدْرَةِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ اهـ لَكِنْ أَقَرَّهُ فِي الدُّرَرِ وَالْمِنَحِ وَكَذَا الْمَقْدِسِيَّ وَقَالَ: وَعَلَيْهِ تَكُونُ مِنْ بَيَانِيَّةً أَيْ بِمَعْقِدِ الْعِزِّ الَّذِي هُوَ عَرْشُك، وَهَذَا وَجْهٌ وَجِيهٌ لِمَا اخْتَارَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 395 وَلَوْ بِتَقْدِيمِ الْعَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ لِلْأَثَرِ وَالْأَحْوَطُ الِامْتِنَاعُ لِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ فِيمَا يُخَالِفُ الْقَطْعِيَّ إذْ الْمُتَشَابِهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَطْعِيِّ هِدَايَةٌ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا لِلْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ إلَّا بِهِ وَالدُّعَاءُ الْمَأْذُونُ فِيهِ الْمَأْمُورُ بِهِ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ قَوْله تَعَالَى - {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180]- قَالَ وَكَذَا لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ   [رد المحتار] الْفَقِيهُ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بِتَقْدِيمِ الْعَيْنِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الَّذِي فِي الْمَتْنِ بِتَقْدِيمِ الْقَافِ، وَهُوَ الَّذِي فِي أَغْلَبِ نُسَخِ الشَّرْحِ وَفِي بَعْضِهَا بِتَقْدِيمِ الْعَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي شَرَحَ عَلَيْهِ فِي الْمِنَحِ، وَهُوَ الْأَوْلَى لِمُوَافَقَتِهِ لِلْمُتُونِ، وَلِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْخِلَافِ وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا رَيْبَ فِي امْتِنَاعِ الثَّانِي لِأَنَّهُ مِنْ الْعُقُودِ (قَوْلُهُ لِلْأَثَرِ) وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ دُعَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك وَمُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتَابِك وَبِاسْمِك الْأَعْظَمِ وَجَدِّك الْأَعْلَى وَكَلِمَاتِك التَّامَّةِ» ، زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْأَحْوَطُ الِامْتِنَاعُ) وَعَزَاهُ فِي النِّهَايَةِ إلَى شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ والتمرتاشي وَالْمَحْبُوبِيِّ وَفِي الْفَصْلِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ آخِرِ الْحِلْيَةِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ قَالَ بَعْدَمَا تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْأَثَرِ وَسَنَدِهِ وَأَنَّهُ عَدَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ: قَدْ عَرَفْت أَنَّ هَذَا الْأَثَرَ لَيْسَ بِثَابِتٍ فَالْحَقُّ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُطْلَقَ إلَّا بِنَصٍّ قَطْعِيٍّ أَوْ بِإِجْمَاعٍ قَوِيٍّ، وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ فَالْوَجْهُ الْمَنْعُ، وَتُحْمَلُ الْكَرَاهَةُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ فِيمَا يُخَالِفُ الْقَطْعِيَّ) وَهُوَ تَنْزِيهُ الْحَقِّ تَعَالَى عَنْ مِثْلِهِ ط (قَوْلُهُ إذْ الْمُتَشَابِهُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَالْمُتَشَابِهُ أَيْ الَّذِي هُوَ كَهَذَا الدُّعَاءِ أَيْ مِمَّا كَانَ ظَاهِرُهُ مُحَالًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ هِدَايَةٌ) أَقُولُ: الْعِبَارَةُ الْمَذْكُورَةُ لِصَاحِبِ الْمِنَحِ، وَأَمَّا عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ فَنَصُّهَا، وَلَكِنَّا نَقُولُ هَذَا خَبَرٌ وَاحِدٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِامْتِنَاعِ اهـ. [تَنْبِيهٌ] لِيُنْظَرْ فِي أَنَّهُ يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي نَحْوِ مَا يُؤْثَرُ مِنْ الصَّلَوَاتِ مِثْلِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَدَدَ عِلْمِك وَحِلْمِك، وَمُنْتَهَى رَحْمَتِك، وَعَدَدَ كَلِمَاتِك، وَعَدَدَ كَمَالِ اللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُوهِمُ تَعَدُّدَ الصِّفَةِ الْوَاحِدَةِ أَوْ انْتِهَاءَ مُتَعَلِّقَاتِ نَحْوِ الْعِلْمِ وَلَا سِيَّمَا مِثْلُ عَدَدِ مَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُك، وَوَسِعَهُ سَمْعُك وَعَدَدِ كَلِمَاتِك إذْ لَا مُنْتَهَى لِعِلْمِهِ وَلَا لِرَحْمَتِهِ وَلَا لِكَلِمَاتِهِ تَعَالَى وَلَفْظَةُ عَدَدٍ وَنَحْوِهَا تُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ، وَرَأَيْت فِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الْفَاسِيِّ عَلَى دَلَائِلِ الْخَيْرَاتِ الْبَحْثَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ إطْلَاقِ الْمُوهِمِ عِنْدَ مَنْ لَا يَتَوَهَّمُ بِهِ أَوْ كَانَ سَهْلَ التَّأْوِيلِ وَاضِحَ الْمَحْمَلِ أَوْ تَخْصِيصٌ بِطُرُقِ الِاسْتِعْمَالِ فِي مَعْنًى صَحِيحٍ، وَقَدْ اخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَيْفِيَّاتٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالُوا إنَّهَا أَفْضَلُ الْكَيْفِيَّاتِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ عَفِيفُ الدِّينِ الْيَافِعِيُّ وَالشَّرَفُ الْبَارِزِيُّ وَالْبَهَاءُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ تِلْمِيذُهُ الْمَقْدِسِيَّ اهـ. أَقُولُ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ أَئِمَّتِنَا الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا فِيمَا وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْفَقِيهُ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ إلَّا بِهِ) أَيْ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ (قَوْلُهُ {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى أَلْفَ اسْمٍ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَهَذَا قَلِيلٌ فِيهَا وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إلَّا وَاحِدًا مِنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَصْرٌ فِيهَا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْإِخْبَارُ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِإِحْصَائِهَا. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِإِحْصَائِهَا فَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ مَعْنَاهُ: حِفْظُهَا وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهُ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ حَفِظَهَا وَقِيلَ عَدَّهَا فِي الدُّعَاءِ، وَقِيلَ أَحْسَنَ الْمُرَاعَاةَ لَهَا وَالْمُحَافَظَةَ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ بِمَعَانِيهَا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَكَذَا لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ) أَيْ اسْتِقْلَالًا أَمَّا تَبَعًا كَقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ جَازَ خَانِيَّةٌ، وَالْمُرَادُ غَيْرُ الْمَلَائِكَةِ، أَمَّا هُمْ فَيَجُوزُ عَلَيْهِمْ اسْتِقْلَالًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 396 إلَّا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَ) كُرِهَ قَوْلُهُ (بِحَقِّ رُسُلِك وَأَنْبِيَائِك وَأَوْلِيَائِك) أَوْ بِحَقِّ الْبَيْتِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْخَلْقِ عَلَى الْخَالِقِ تَعَالَى وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ بِحَقِّ اللَّهِ أَوْ بِاَللَّهِ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى فِعْلَهُ دُرَرٌ. وَفِي الْمُخْتَارَاتِ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: سَأَلَ لِوَجْهِ اللَّهِ أَوْ لِحَقِّ اللَّهِ يُعْجِبُنِي أَنْ لَا يُعْطِيَهُ شَيْئًا لِأَنَّهُ عَظَّمَ مَا حَقَّرَ اللَّهُ وَفِيهَا قَرَأَ الْقُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمُوجَبِهِ يُثَابُ عَلَى قِرَاءَتِهِ كَمَنْ يُصَلِّي وَيَعْصِي.   [رد المحتار] قَالَ فِي الْغَرَائِبِ: وَالسَّلَامُ يُجْزِي عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ط وَفِي خُطْبَةِ شَرْحِ الْبِيرِيِّ: فَمَنْ صَلَّى عَلَى غَيْرِهِمْ أَثِمَ وَيُكْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْمُسْتَصْفَى وَحَدِيثِ «صَلَّى اللَّهُ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى» الصَّلَاةُ حَقُّهُ، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى غَيْرِهِ ابْتِدَاءً أَمَّا الْغَيْرُ فَلَا اهـ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ آخِرَ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ إلَّا عَلَى النَّبِيِّ) أَلْ لِلْجِنْسِ، وَالْمُنَاسِبُ زِيَادَةُ الْمَلَائِكَةِ ط (قَوْلُهُ وَكُرِهَ قَوْلُهُ بِحَقِّ رُسُلِك إلَخْ) هَذَا لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَبُو يُوسُفَ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ السَّابِقَةِ كَمَا أَفَادَهُ الْأَتْقَانِيُّ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَجَاءَ فِي الْآثَارِ مَا دَلَّ عَلَى الْجَوَازِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْخَلْقِ عَلَى الْخَالِقِ) قَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ وُجُوبًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ لَهُمْ حَقًّا مِنْ فَضْلِهِ أَوْ يُرَادُ بِالْحَقِّ الْحُرْمَةُ وَالْعَظَمَةُ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْوَسِيلَةِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: - {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35]-: وَقَدْ عَدَّ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ التَّوَسُّلَ عَلَى مَا فِي الْحِصْنِ، وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْك، وَبِحَقِّ مَمْشَايَ إلَيْك، فَإِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشَرًا وَلَا بَطَرًا» الْحَدِيثَ اهـ ط عَنْ شَرْحِ النُّقَايَةِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِحَقِّهِمْ عَلَيْنَا مِنْ وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِهِمْ وَتَعْظِيمِهِمْ، وَفِي الْيَعْقُوبِيَّةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ مَصْدَرًا لَا صِفَةً مُشَبَّهَةً فَالْمَعْنَى بِحَقِّيَّةِ رُسُلِك فَلَا مَنْعَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ أَيْ الْمَعْنَى بِكَوْنِهِمْ حَقًّا لَا بِكَوْنِهِمْ مُسْتَحَقِّينَ. أَقُولُ: لَكِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا احْتِمَالَاتٌ مُخَالِفَةٌ لِظَاهِرِ الْمُتَبَادَرِ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ وَمُجَرَّدُ إيهَامِ اللَّفْظِ مَا لَا يَجُوزُ كَافٍ فِي الْمَنْعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلَا يُعَارِضُ خَبَرَ الْآحَادِ فَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَطْلَقَ أَئِمَّتُنَا الْمَنْعَ عَلَى أَنَّ إرَادَةَ هَذِهِ الْمَعَانِي مَعَ هَذَا الْإِيهَامِ فِيهَا الْإِقْسَامُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مَانِعٌ آخَرُ تَأَمَّلْ. نَعَمْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْمُنَاوِيُّ فِي حَدِيثِ «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك وَأَتَوَجَّهُ إلَيْك بِنَبِيِّك نَبِيِّ الرَّحْمَةِ» عَنْ الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ يَنْبَغِي كَوْنُهُ مَقْصُورًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْ لَا يُقْسِمَ عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِهِ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ خَصَائِصِهِ قَالَ وَقَالَ السُّبْكِيُّ: يَحْسُنُ التَّوَسُّلُ بِالنَّبِيِّ إلَى رَبِّهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ وَلَا الْخَلَفِ إلَّا ابْنَ تَيْمِيَّةَ فَابْتَدَعَ مَا لَمْ يَقُلْهُ عَالِمٌ قَبْلَهُ اهـ وَنَازَعَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي دَعْوَى الْخُصُوصِيَّةِ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثَ عَشَرَ آخِرَ شَرْحِهِ عَلَى الْمُنْيَةِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ سَأَلَ) أَيْ طَلَبَ مِنْ شَخْصٍ شَيْئًا مِنْ الدُّنْيَا الْحَقِيرَةِ (قَوْلُهُ يُعْجِبُنِي أَنْ لَا يُعْطِيَهُ شَيْئًا) مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ ضَرُورَتَهُ ط. أَقُولُ: وَلْيُتَأَمَّلْ الْمَنْعُ مَعَ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْجِرَاحِيُّ مِمَّا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ وَمَلْعُونٌ مَنْ سُئِلَ بِوَجْهِ اللَّهِ ثُمَّ مَنَعَ سَائِلَهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ هُجْرًا» يَعْنِي قَبِيحًا وَلِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رَفَعَهُ «مَنْ يَسْأَلْ بِوَجْهِ اللَّهِ فَأَعْطُوهُ» وَلِلطَّبَرَانِيِّ «مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ وَمَلْعُونٌ مَنْ يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ فَيَمْنَعُ سَائِلَهُ» " اهـ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى السُّؤَالِ مِنْ غَيْرِ الدُّنْيَا أَوْ عَلَى مَا إذَا عَلِمَ عَدَمَ حَاجَتِهِ وَأَنَّ سُؤَالَهُ لِلتَّكْثِيرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ يُثَابُ عَلَى قِرَاءَتِهِ) وَإِنْ كَانَ يَأْثَمُ بِتَرْكِ الْعَمَلِ فَالثَّوَابُ مِنْ جِهَةٍ وَالْإِثْمُ مِنْ أُخْرَى ط الجزء: 6 ¦ الصفحة: 397 فَرْعٌ] هَلْ يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ؟ قِيلَ نَعَمْ وَتَمَامُهُ قُبَيْلَ جِنَايَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ. (وَ) كُرِهَ (احْتِكَارُ قُوتِ الْبَشَرِ) كَتِبْنٍ وَعِنَبٍ وَلَوْزٍ (وَالْبَهَائِمِ) كَتِبْنٍ وَقَتٍّ (فِي بَلَدٍ يَضُرُّ بِأَهْلِهِ) لِحَدِيثِ «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» فَإِنْ لَمْ يَضُرَّ لَمْ يُكْرَهْ   [رد المحتار] (قَوْلُهُ قِيلَ نَعَمْ) يُشْعِرُ بِضَعْفِهِ مَعَ أَنَّهُ مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَارِ وَالْمُلْتَقَى قَالَ: وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَرِهَ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْجِنَازَةِ وَالزَّحْفِ وَالذِّكْرِ فَمَا ظَنُّك عِنْدَ الْغِنَاءِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ وَجْدًا وَمَحَبَّةً فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الدِّينِ اهـ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ قُبَيْلَ جِنَايَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ) أَقُولُ: اضْطَرَبَ كَلَامُ الْبَزَّازِيَّةِ فَنَقَلَ أَوَّلًا عَنْ فَتَاوَى الْقَاضِي أَنَّهُ حَرَامٌ لِمَا صَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَخْرَجَ جَمَاعَةً مِنْ الْمَسْجِدِ يُهَلِّلُونَ وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَهْرًا وَقَالَ لَهُمْ " مَا أَرَاكُمْ إلَّا مُبْتَدِعِينَ " ثُمَّ قَالَ الْبَزَّازِيُّ وَمَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِرَافِعِي أَصْوَاتِهِمْ بِالتَّكْبِيرِ «ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إنَّكُمْ لَنْ تَدْعُوا أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا قَرِيبًا إنَّهُ مَعَكُمْ» الْحَدِيثَ - يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلرَّفْعِ مَصْلَحَةٌ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ فِي غَزَاةٍ وَلَعَلَّ رَفْعَ الصَّوْتِ يَجُرُّ بَلَاءً وَالْحَرْبُ خُدْعَةٌ وَلِهَذَا نَهَى عَنْ الْجَرَسِ فِي الْمَغَازِي، وَأَمَّا رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ فَجَائِزٌ كَمَا فِي الْأَذَانِ وَالْخُطْبَةِ وَالْجُمُعَةِ وَالْحَجِّ اهـ وَقَدْ حَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْخَيْرِيَّةِ وَحَمَلَ مَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي عَلَى الْجَهْرِ الْمُضِرِّ وَقَالَ: إنَّ هُنَاكَ أَحَادِيثَ اقْتَضَتْ طَلَبَ الْجَهْرِ، وَأَحَادِيثَ طَلَبَ الْإِسْرَارِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ، فَالْإِسْرَارُ أَفْضَلُ حَيْثُ خِيفَ الرِّيَاءُ أَوْ تَأَذِّي الْمُصَلِّينَ أَوْ النِّيَامِ وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ حَيْثُ خَلَا مِمَّا ذُكِرَ، لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَلِتَعَدِّي فَائِدَتِهِ إلَى السَّامِعِينَ، وَيُوقِظُ قَلْبَ الذَّاكِرِ فَيَجْمَعُ هَمَّهُ إلَى الْفِكْرِ، وَيَصْرِفُ سَمْعَهُ إلَيْهِ، وَيَطْرُدُ النَّوْمَ وَيَزِيدُ النَّشَاطَ اهـ مُلَخَّصًا. زَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَأَمَّا رَفْعُ الصَّوْتِ عِنْدَ الْجَنَائِزِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ النَّوْحُ أَوْ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بَعْدَمَا افْتَتَحَ النَّاسُ الصَّلَاةَ أَوْ الْإِفْرَاطُ فِي مَدْحِهِ كَعَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ مِمَّا هُوَ شَبِيهُ الْمُحَالِ، وَأَمَّا أَصْلُ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ اهـ وَقَدْ شَبَّهَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ ذِكْرَ الْإِنْسَانِ وَحْدَهُ وَذِكْرَ الْجَمَاعَةِ بِأَذَانِ الْمُنْفَرِدِ، وَأَذَانِ الْجَمَاعَةِ قَالَ: فَكَمَا أَنَّ أَصْوَاتَ الْمُؤَذِّنِينَ جَمَاعَةً تَقْطَعُ جُرْمَ الْهَوَاءِ أَكْثَرَ مِنْ صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ الْوَاحِدِ كَذَلِكَ ذِكْرُ الْجَمَاعَةِ عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ أَكْثَرُ تَأْثِيرًا فِي رَفْعِ الْحُجُبِ الْكَثِيفَةِ مِنْ ذِكْرِ شَخْصٍ وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ احْتِكَارُ قُوتِ الْبَشَرِ) الِاحْتِكَارُ لُغَةً: احْتِبَاسُ الشَّيْءِ انْتِظَارًا لِغَلَائِهِ وَالِاسْمُ الْحُكْرَةُ بِالضَّمِّ وَالسُّكُونِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَشَرْعًا: اشْتِرَاءُ طَعَامٍ وَنَحْوِهِ وَحَبْسُهُ إلَى الْغَلَاءِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ» قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: أَيْ خَذَلَهُ وَالْخِذْلَانُ تَرْكُ النُّصْرَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ اهـ وَفِي أُخْرَى «فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» الصَّرْفُ: النَّفَلُ، وَالْعَدْلُ الْفَرْضُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَقِيلَ شَهْرًا وَقِيلَ أَكْثَرَ وَهَذَا التَّقْدِيرُ لِلْمُعَاقَبَةِ فِي الدُّنْيَا بِنَحْوِ الْبَيْعِ وَلِلتَّعْزِيرِ لَا لِلْإِثْمِ لِحُصُولِهِ وَإِنْ قَلَّتْ الْمُدَّةُ وَتَفَاوُتُهُ بَيْنَ تَرَبُّصِهِ لِعِزَّتِهِ أَوْ لِلْقَحْطِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى دُرٌّ مُنْتَقًى مَزِيدًا، وَالتَّقْيِيدُ بِقُوتِ الْبَشَرِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْكَافِي، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كُلُّ مَا أَضَرَّ بِالْعَامَّةِ حَبْسُهُ، فَهُوَ احْتِكَارٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ الِاحْتِكَارُ فِي الثِّيَابِ ابْنُ كَمَالٍ. (قَوْلُهُ كَتِينٍ وَعِنَبٍ وَلَوْزٍ) أَيْ مِمَّا يَقُومُ بِهِ بَدَنُهُمْ مِنْ الرِّزْقِ وَلَوْ دَخَنًا لَا عَسَلًا وَسَمْنًا دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَقَتٍّ) بِالْقَافِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ الْفِصْفِصَةُ بِكَسْرِ الْفَاءَيْنِ وَهِيَ الرَّطْبَةُ مِنْ عَلَفِ الدَّوَابِّ اهـ ح وَفِي الْمُغْرِبِ: الْقَتُّ الْيَابِسُ مِنْ الْإِسْفِسْتِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ فِي الْفِصْفِصَةِ بِالْكَسْرِ هُوَ نَبَاتٌ فَارِسِيَّتُهُ إسْفِسْتٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي بَلَدٍ) أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ كَالرُّسْتَاقِ وَالْقَرْيَةِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَضُرُّ بِأَهْلِهِ) بِأَنْ كَانَ الْبَلَدُ صَغِيرًا هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ) أَيْ مُبْعَدٌ عَنْ دَرَجَةِ الْأَبْرَارِ، وَلَا يُرَادُ الْمَعْنَى الثَّانِي لِلَّعْنِ وَهُوَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 398 وَمِثْلُهُ تَلَقِّي الْجَلَبِ (وَ) يَجِبُ أَنْ (يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِبَيْعِ مَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ أَهْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَبِعْ) بَلْ خَالَفَ أَمْرَ الْقَاضِي (عَزَّرَهُ) بِمَا يَرَاهُ رَادِعًا لَهُ (وَبَاعَ) الْقَاضِي (عَلَيْهِ) طَعَامَهُ (وِفَاقًا) عَلَى الصَّحِيحِ وَفِي السِّرَاجِ لَوْ خَافَ الْإِمَامُ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ الْهَلَاكَ أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ الْمُحْتَكِرِينَ وَفَرَّقَ عَلَيْهِمْ فَإِذَا وَجَدُوا سَعَةً رَدُّوا مِثْلَهُ وَهَذَا لَيْسَ بِحَجْرٍ بَلْ لِلضَّرُورَةِ وَمَنْ اُضْطُرَّ لِمَالِ غَيْرِهِ وَخَافَ الْهَلَاكَ تَنَاوَلَهُ بِلَا رِضَاهُ وَنَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الِاخْتِيَارِ وَأَقَرَّهُ (وَلَا يَكُونُ مُحْتَكِرًا بِحَبْسِ غَلَّةِ أَرْضِهِ) بِلَا خِلَافٍ (وَمَجْلُوبِهِ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ) خِلَافًا لِلثَّانِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ يُجْلَبُ مِنْهُ عَادَةً كُرِهَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. (وَلَا يُسَعِّرُ حَاكِمٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُسَعِّرُوا فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ   [رد المحتار] الْإِبْعَادُ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي حَقِّ الْكُفَّارِ إذْ الْعَبْدُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْإِيمَانِ بِارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ، وَأَقَرَّهُ الْقُهُسْتَانِيُّ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ تَلَقِّي الْجَلَبِ) أَيْ فِي التَّفْصِيلِ بَيْنَ كَوْنِهِ يَضُرُّ أَهْلَ الْبَلَدِ أَوْ لَا يَضُرُّ: وَصُورَتُهُ كَمَا مِنْ مُنْلَا مِسْكِينٍ: أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ إلَى الْقَافِلَةِ الَّتِي جَاءَتْ بِالطَّعَامِ، وَيَشْتَرِيَ مِنْهَا خَارِجَ الْبَلَدِ وَهُوَ يُرِيدُ حَبْسَهُ وَيَمْتَنِعَ عَنْ بَيْعِهِ وَلَمْ يَتْرُكْ حَتَّى تَدْخُلَ الْقَافِلَةُ الْبَلَدَ قَالُوا هَذَا إذَا لَمْ يُلَبِّسْ الْمُلْتَقِي سِعْرَ الْبَلَدِ عَلَى التُّجَّارِ، فَإِنْ لَبَّسَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ فِي الْوَجْهَيْنِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ يَأْمُرُ الْقَاضِي بِبَيْعِ مَا فَضَلَ إلَخْ) أَيْ إلَى زَمَنٍ يُعْتَبَرُ فِيهِ السَّعَةُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَيَنْهَاهُ عَنْ الِاحْتِكَارِ وَيَعِظُهُ وَيَزْجُرُهُ عَنْهُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَبِعْ إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَإِنْ رَفَعَ إلَيْهِ ثَانِيًا فَعَلَ بِهِ كَذَلِكَ وَهَدَّدَهُ فَإِنْ رَفَعَ إلَيْهِ ثَالِثًا حَبَسَهُ وَعَزَّرَهُ، وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَكَذَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَتَنَبَّهْ. (قَوْلُهُ وَبَاعَ الْقَاضِي عَلَيْهِ طَعَامَهُ) أَيْ إذَا امْتَنَعَ بَاعَهُ جَبْرًا عَلَيْهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهَلْ يَبِيعُ الْقَاضِي عَلَى الْمُحْتَكِرِ طَعَامَهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ قِيلَ: هُوَ عَلَى اخْتِلَافٍ عُرِفَ فِي بَيْعِ مَالِ الْمَدْيُونِ، وَقِيلَ: يَبِيعُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَرَى الْحَجْرَ لِدَفْعِ ضَرَرٍ عَامٍّ وَهَذَا كَذَلِكَ اهـ (قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) كَذَا نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ وَفِي السِّرَاجِ إلَخْ) مِثْلُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا بَيَانٌ لِلْعِلَّةِ الْأُخْرَى لِلْقَوْلِ الصَّحِيحِ غَيْرِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا عَنْ الْهِدَايَةِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ بِعَدَمِ الْحَجْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ الْمُحْتَكِرِينَ) أَيْ وَيُبْقِي لَهُمْ قُوتَهُمْ وَقُوتَ عِيَالِهِمْ كَمَا لَا يَخْفَى ط أَيْ كَمَا مَرَّ فِي أَمْرِهِ بِالْبَيْعِ (قَوْلُهُ وَلَا يَكُونُ مُحْتَكِرًا إلَخْ) لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَزْرَعَ فَكَذَا لَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ هِدَايَةٌ قَالَ ط وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ إثْمَ الْمُحْتَكِرِ وَإِنْ أَثِمَ بِانْتِظَارِ الْغَلَاءِ أَوْ الْقَحْطِ لِنِيَّةِ السُّوءِ لِلْمُسْلِمِينَ اهـ وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ الظَّاهِرُ نَعَمْ إنَّ اضْطَرَّ النَّاسُ إلَيْهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمَجْلُوبُهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ) لِأَنَّ حَقَّ الْعَامَّةِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا جُمِعَ فِي الْمِصْرِ وَجُلِبَ إلَى فِنَائِهَا هِدَايَةٌ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبِيعَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ كَرَاهَةٍ كَمَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) فَعِنْدَهُ يُكْرَهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَاعْتَرَضَهُ الْأَتْقَانِيُّ، بِأَنَّ الْفَقِيهَ جَعَلَهُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، وَبِأَنَّ الْقُدُورِيَّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ جَلَبَهُ مِنْ نِصْفِ مِيلٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحُكْرَةٍ، وَإِنْ اشْتَرَاهُ مِنْ رُسْتَاقٍ، وَاحْتَكَرَهُ حَيْثُ اشْتَرَاهُ فَهُوَ حُكْرَةٌ قَالَ فَعُلِمَ أَنَّ مَا جَلَبَهُ مِنْ مِصْرٍ آخَرَ لَيْسَ بِحُكْرَةٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُثْبِتُ الْحُكْرَةَ فِيمَا جَلَبَهُ مِنْ نِصْفِ مِيلٍ فَكَيْفَ فِيمَا جَلَبَهُ مِنْ مِصْرٍ آخَرَ نَصَّ عَلَى هَذَا الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ اهـ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ يُجْلَبُ مِنْهُ عَادَةً) احْتِرَازًا عَمَّا إذَا كَانَ الْبَلَدُ بَعِيدًا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالْحَمْلِ مِنْهُ إلَى الْمِصْرِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ مُلْتَقًى) قَالَ فِي شَرْحِهِ تَبَعًا للشُّرُنبُلاليَّة: وَقَدْ أَخَّرَ فِي الْهِدَايَةِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ بِدَلِيلِهِ اهـ أَيْ فَإِنَّ عَادَتَهُ تَأْخِيرُ دَلِيلَ مَا يَخْتَارُهُ. (قَوْلُهُ وَلَا يُسَعِّرُ حَاكِمٌ) أَيْ يُكْرَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ «لَا تُسَعِّرُوا» ) قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَلَّامَةُ إسْمَاعِيلُ الْجِرَاحِيُّ فِي الْأَحَادِيثِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 399 الرَّازِقُ» (إلَّا إذَا تَعَدَّى الْأَرْبَابُ عَنْ الْقِيمَةِ تَعَدِّيًا فَاحِشًا فَيُسَعِّرُ بِمَشُورَةِ أَهْلِ الرَّأْيِ) وَقَالَ مَالِكٌ: عَلَى الْوَالِي التَّسْعِيرُ عَامَ الْغَلَاءِ وَفِي الِاخْتِيَارِ ثُمَّ إذَا سَعَّرَ وَخَافَ الْبَائِعُ ضَرْبَ الْإِمَامِ لَوْ نَقَصَ لَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي وَحِيلَتُهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: بِعْنِي بِمَا تُحِبُّ وَلَوْ اصْطَلَحُوا عَلَى سِعْرِ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَوُزِنَ نَاقِصًا رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالنُّقْصَانِ فِي الْخُبْزِ لَا اللَّحْمِ لِشُهْرَةِ سِعْرِهِ عَادَةً. قُلْت: وَأَفَادَ أَنَّ التَّسْعِيرَ فِي الْقُوتَيْنِ لَا غَيْرُ وَبِهِ صَرَّحَ الْعَتَّابِيُّ وَغَيْرُهُ، لَكِنَّهُ إذَا تَعَدَّى أَرْبَابُ غَيْرِ الْقُوتَيْنِ وَظَلَمُوا عَلَى الْعَادَةِ فَيُسَعِّرُ عَلَيْهِمْ الْحَاكِمُ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ يَعْتَبِرُ حَقِيقَةَ الضَّرَرِ كَمَا تَقَرَّرَ فَتَدَبَّرْ.   [رد المحتار] الْمُشْتَهِرَةِ: قَالَ النَّجْمُ هَذَا اللَّفْظُ لَمْ يَرِدْ لَكِنْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى فِي مَسَانِيدِهِمْ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ «قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ غَلَا السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ» وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالتِّرْمِذِيُّ اهـ (قَوْلُهُ الرَّازِقُ) كَذَا فِي أَغْلَبِ النُّسَخِ وَفِي نُسْخَةٍ: الرَّزَّاقُ عَلَى صِيغَةِ فَعَّالٍ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ تَعَدِّيًا فَاحِشًا) بَيَّنَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْبَيْعِ بِضِعْفِ الْقِيمَةِ ط (قَوْلُهُ فَيُسَعِّرُ إلَخْ) أَيْ لَا بَأْسَ بِالتَّسْعِيرِ حِينَئِذٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ عَلَى الْوَالِي التَّسْعِيرُ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَيْضًا لَمْ يُشْتَرَطْ التَّعَدِّي الْفَاحِشُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ (قَوْلُهُ لَوْ نَقَصَ) أَيْ لَوْ نَقَصَ الْوَزْنُ عَمَّا سَعَّرَهُ الْإِمَامُ بِأَنْ سَعَّرَ الرِّطْلَ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا فَجَاءَ الْمُشْتَرِي وَأَعْطَاهُ دِرْهَمًا وَقَالَ بِعْنِي بِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي) أَيْ لَا يَحِلُّ لَهُ الشِّرَاءُ بِمَا سَعَّرَهُ الْإِمَامُ، لِأَنَّ الْبَائِعَ فِي مَعْنَى الْمُكْرَهِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. أَقُولُ: وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّهُ مِثْلُ مَا قَالُوا فِيمَنْ صَادَرَهُ السُّلْطَانُ بِمَالٍ، وَلَمْ يُعَيِّنْ بَيْعَ مَالِهِ فَصَارَ يَبِيعُ أَمْلَاكَهُ بِنَفْسِهِ يَنْفُذُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ عَلَى الْبَيْعِ وَهُنَا كَذَلِكَ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ أَصْلًا، وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ بِمَا قَدَّرَهُ الْإِمَامُ صَحَّ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَى الْبَيْعِ اهـ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَأْمُرْ بِالْبَيْعِ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ لَا يَزِيدَ الثَّمَنَ عَلَى كَذَا وَفَرْقٌ مَا بَيْنَهُمَا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِمَا تَجِبُ) فَحِينَئِذٍ بِأَيِّ شَيْءٍ بَاعَهُ يَحِلُّ زَيْلَعِيٌّ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ يَحِلُّ وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى رَجُلٌ وَبَاعَ بِأَكْثَرَ أَجَازَهُ الْقَاضِي، لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْقَاضِيَ يُمْضِيهِ وَلَا يَفْسَخُهُ، وَلِذَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: جَازَ وَأَمْضَاهُ الْقَاضِي، خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ أَبُو السُّعُودِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ مَا لَمْ يُجِزْهُ الْقَاضِي (قَوْلُهُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالنُّقْصَانِ فِي الْخُبْزِ لَا اللَّحْمِ) جَعَلَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ سِعْرَ الْخُبْزِ يَظْهَرُ عَادَةً فِي الْبُلْدَانِ وَسِعْرُ اللَّحْمِ لَا يَظْهَرُ إلَّا نَادِرًا اهـ أَيْ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْغَرِيبِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ فَالْبَلَدِيُّ يَرْجِعُ فِيهِمَا، وَالْمُرَادُ الرُّجُوعُ فِي حِصَّةِ النُّقْصَانِ مِنْ الثَّمَنِ. وَفِي بُيُوعِ الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ الْقَصَّابِ كُلَّ يَوْمٍ لَحْمًا بِدِرْهَمٍ، وَالْقَصَّابُ يَقْطَعُ وَيَزِنُ وَالْمُشْتَرِي يَظُنُّ أَنَّهُ مَنٌّ، لِأَنَّ اللَّحْمَ يُبَاعُ فِي الْبَلَدِ مَنًّا بِدِرْهَمٍ، فَوَزَنَهُ الْمُشْتَرِي يَوْمًا فَوَجَدَهُ أَنْقَصَ وَصَدَّقَهُ الْقَصَّابُ قَالُوا: إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ النُّقْصَانِ مِنْ الثَّمَنِ لَا مِنْ اللَّحْمِ لِأَنَّ الْبَائِعَ أَخَذَ حِصَّةَ النُّقْصَانِ مِنْ الثَّمَنِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَأَنْكَرَ الْقَصَّابُ أَنَّهُ دَفَعَ عَلَى أَنَّهُ مَنْ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ لِأَنَّ سِعْرَ الْبَلَدِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْغُرَبَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ وَأَفَادَ أَنَّ التَّسْعِيرَ فِي الْقُوتَيْنِ) أَيْ قُوتِ الْبَشَرِ وَقُوتِ الْبَهَائِمِ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ التَّسْعِيرَ فِي بَحْثِ الِاحْتِكَارِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَظَلَمُوا عَلَى الْعَامَّةِ) ضَمَّنَهُ مَعْنَى تَعَدَّى فَعَدَّاهُ بِعَلَى اهـ ح (قَوْلُهُ فَيُسَعِّرُ عَلَيْهِمْ الْحَاكِمُ) الْأَوْلَى فَسَعَّرَ بِلَفْظِ الْمَاضِي عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ تَعَدَّى لِأَنَّ جَوَابَ إذَا قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 400 (يُكْرَهُ إمْسَاكُ الْحَمَامَاتِ) وَلَوْ فِي بُرْجِهَا (إنْ كَانَ يَضُرُّ بِالنَّاسِ) بِنَظَرٍ أَوْ جَلَبٍ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا أَوْ تُوهَبَ لَهُ مُجْتَبًى (فَإِنْ كَانَ يُطَيِّرُهَا فَوْقَ السَّطْحِ مُطَّلِعًا عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَيَكْسِرُ زُجَاجَاتِ النَّاسِ بِرَمْيِهِ تِلْكَ الْحَمَامَاتِ عُزِّرَ وَمُنِعَ أَشَدَّ الْمَنْعِ فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ بِذَلِكَ ذَبَحَهَا) أَيْ الْحَمَامَاتِ (الْمُحْتَسِبُ) وَصَرَّحَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ بِوُجُوبِ التَّعْزِيرِ وَذَبْحِ الْحَمَامَاتِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا مَرَّ وَلَعَلَّهُ اعْتَمَدَ عَادَتَهُمْ. وَأَمَّا لِلِاسْتِئْنَاسِ فَمُبَاحٌ كَشِرَاءِ عَصَافِيرَ لِيُعْتِقَهَا إنْ قَالَ مَنْ أَخَذَهَا فَهِيَ لَهُ وَلَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِإِعْتَاقِهِ، وَقِيلَ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ تَضْيِيعُ الْمَالِ جَامِعُ الْفَتَاوَى. وَفِي الْمُخْتَارَاتِ سَيَّبَ دَابَّتَهُ وَقَالَ هِيَ لِمَنْ أَخَذَهَا لَمْ يَأْخُذْهَا مِمَّنْ أَخَذَهَا وَمَرَّ فِي الْحَجِّ وَجَازَ رُكُوبُ الثَّوْرِ وَتَحْمِيلُهُ وَالْكِرَابُ عَلَى الْحَمِيرِ بِلَا جَهْدٍ وَضَرْبٍ إذْ ظُلْمُ الدَّابَّةِ   [رد المحتار] أَيْ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا أَضَرَّ بِالْعَامَّةِ حَبْسُهُ فَهُوَ احْتِكَارٌ، وَلَوْ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ ثَوْبًا قَالَ ط: وَفِيهِ أَنَّ هَذَا فِي الِاحْتِكَارِ لَا فِي التَّسْعِيرِ اهـ. قُلْت: نَعَمْ وَلَكِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ قِيَاسًا أَوْ اسْتِنْبَاطًا بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ وَلِذَا قَالَ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ قَوْلَهُ تَأَمَّلْهُ عَلَى أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِمَامَ يَرَى الْحَجْرَ إذْ عَمَّ الضَّرَرُ كَمَا فِي الْمُفْتِي الْمَاجِنِ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ وَالطَّبِيبِ الْجَاهِلِ، وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ عَامَّةٌ فَتَدْخُلُ مَسْأَلَتُنَا فِيهَا لِأَنَّ التَّسْعِيرَ حَجْرٌ مَعْنًى، لِأَنَّهُ مَنَعَ عَنْ الْبَيْعِ بِزِيَادَةٍ فَاحِشَةٍ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَقَطْ كَذَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَالِاحْتِيَاطُ) يَعْنِي فِيمَا إذَا جَلَبَ حَمَامًا وَلَمْ يَدْرِ صَاحِبَهَا اهـ ح (قَوْلُهُ ذَبَحَهَا) أَيْ ثُمَّ يُلْقِيهَا لِمَالِكِهَا أَفَادَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ (قَوْلُهُ وَصَرَّحَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ) أَيْ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَوْرَاتِ وَكَسْرِ الزُّجَاجَاتِ قَالَ شَارِحُهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ: وَلَمْ أَرَ إطْلَاقَ التَّعْزِيرِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ (قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُ) أَيْ صَاحِبُ الْوَهْبَانِيَّةِ اعْتَمَدَ عَادَتَهُمْ أَيْ أَطْلَقَ اعْتِمَادًا عَلَى عَادَةِ الَّذِينَ يُطَيِّرُونَ الْحَمَامَ (قَوْلُهُ وَأَمَّا لِلِاسْتِئْنَاسِ فَمُبَاحٌ) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى رَامِزًا: لَا بَأْسَ بِحَبْسِ الطُّيُورِ وَالدَّجَاجِ فِي بَيْتِهِ، وَلَكِنْ يَعْلِفُهَا وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ إرْسَالِهَا فِي السِّكَكِ اهـ وَفِي الْقُنْيَةِ رَامِزًا: حَبَسَ بُلْبُلًا فِي الْقَفَصِ وَعَلَفهَا لَا يَجُوزُ اهـ. أَقُولُ: لَكِنْ فِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ: سُئِلَ هَلْ يَجُوزُ حَبْسُ الطُّيُورِ الْمُفْرَدَةِ وَهَلْ يَجُوزُ عِتْقُهَا، وَهَلْ فِي ذَلِكَ ثَوَابٌ، وَهَلْ يَجُوزُ قَتْلُ الْوَطَاوِيطِ لِتَلْوِيثِهَا حُصْرَ الْمَسْجِدِ بِخُرْئِهَا الْفَاحِشِ؟ فَأَجَابَ: يَجُوزُ حَبْسُهَا لِلِاسْتِئْنَاسِ بِهَا، وَأَمَّا إعْتَاقُهَا فَلَيْسَ فِيهِ ثَوَابٌ، وَقَتْلُ الْمُؤْذِي مِنْهَا وَمِنْ الدَّوَابِّ جَائِزٌ اهـ. قُلْت: وَلَعَلَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْحَبْسِ فِي الْقَفَصِ، لِأَنَّهُ سِجْنٌ وَتَعْذِيبٌ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ فَتَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ الْجَارِحِيُّ: وَمِنْ الْوَاهِي مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَادِ وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «اتَّخِذُوا الْمَقَاصِيصَ فَإِنَّهَا تُلْهِي الْجِنَّ عَنْ صِبْيَانِكُمْ» وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ الثَّوْرِيِّ «إنَّ اللَّعِبَ بِالْحَمَامِ مِنْ عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ» (قَوْلُهُ وَلَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِإِعْتَاقِهِ) فَإِذَا وَجَدَهَا بَعْدَهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ لَهَا أَخَذَهَا إلَّا إذَا كَانَ قَالَ مَنْ أَخَذَهَا فَهِيَ لَهُ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ لَمْ يَأْخُذْهَا) ذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْفَتَاوَى فِي بَابِ السِّيَرِ وَشَرَطَ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمٍ مَعْلُومِينَ: مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيَأْخُذْ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَا تَنَاوَلَ فُلَانٌ مِنْ مَالِي فَهُوَ حَلَالٌ لَهُ فَتَنَاوَلَ حَلَّ، وَفِي كُلِّ مَنْ تَنَاوَلَ مِنْ مَالِي فَهُوَ حَلَالٌ لَهُ فَتَنَاوَلَ رَجُلٌ شَيْئًا لَا يَحِلُّ وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ: يَحِلُّ وَلَا يَضْمَنُ. قَالَ أَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ مَالِي خُذْ مِنْهُ مَا شِئْت قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ حِلٌّ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ خَاصَّةً (قَوْلُهُ وَجَازَ رُكُوبُ الثَّوْرِ وَتَحْمِيلُهُ إلَخْ) وَقِيلَ لَا يَفْعَلُ لِأَنَّ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ الْأَنْعَامِ خُلِقَ لِعَمَلٍ فَلَا يُغَيَّرُ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ بِلَا جَهْدٍ وَضَرْبٍ) أَيْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 401 أَشَدُّ مِنْ الذِّمِّيِّ وَظُلْمُ الذِّمِّيِّ أَشَدُّ مِنْ الْمُسْلِمِ. (وَلَا بَأْسَ بِالْمُسَابَقَةِ فِي الرَّمْيِ وَالْفَرَسِ) وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ كَذَا فِي الْمُلْتَقَى وَالْمَجْمَعِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلَ شَتَّى فَتَنَبَّهْ (وَالْإِبِلِ وَ) عَلَى (الْأَقْدَامِ) لِأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الْجِهَادِ فَكَانَ مَنْدُوبًا وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ فِي الْأَقْدَامِ أَيْ بِالْجُعْلِ أَمَّا بِدُونِهِ فَيُبَاحُ فِي كُلِّ الْمَلَاعِبِ كَمَا يَأْتِي (حَلَّ الْجُعْلُ) وَطَابَ لَا أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا ذَكَرَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَلَّلَهُ الْبَزَّازِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ بِالشَّرْطِ شَيْءٌ لِعَدَمِ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ اهـ وَمُفَادُهُ لُزُومُهُ بِالْعَقْدِ كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ فَتَبَصَّرْ (إنْ شُرِطَ الْمَالُ) فِي الْمُسَابَقَةِ   [رد المحتار] لَا يُحَمِّلُهَا فَوْقَ طَاقَتِهَا وَلَا يَضْرِبُ وَجْهَهَا وَلَا رَأْسَهَا إجْمَاعًا، وَلَا تُضْرَبُ أَصْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ح وَإِنْ كَانَتْ مِلْكَهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تُضْرَبُ الدَّوَابُّ عَلَى النِّفَارِ وَلَا تُضْرَبُ عَلَى الْعِثَارِ» لِأَنَّ الْعِثَارَ مِنْ سُوءِ إمْسَاكِ الرَّاكِبِ اللِّجَامَ وَالنِّفَارَ مِنْ سُوءِ خُلُقِ الدَّابَّةِ فَتُؤَدَّبُ عَلَى ذَلِكَ كَذَا فِي فُصُولِ الْعَلَامِيِّ (قَوْلُهُ أَشَدُّ مِنْ الذِّمِّيِّ) لِأَنَّهُ لَا نَاصِرَ لَهُ إلَّا اللَّهَ تَعَالَى وَوَرَدَ " اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى «مَنْ ظَلَمَ مَنْ لَا يَجِدُ نَاصِرًا إلَّا اللَّهَ تَعَالَى» ط. (قَوْلُهُ أَشَدُّ مِنْ الْمُسْلِمِ) لِأَنَّهُ يُشَدِّدُ الطَّلَبَ عَلَى ظَالِمِهِ لِيَكُونَ مَعَهُ فِي عَذَابِهِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ طَرْحِ سَيِّئَاتِ غَيْرِ الْكُفْرِ عَلَى ظَالِمِهِ فَيُعَذَّبُ بِهَا بَدَلَهُ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ ط. (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِالْمُسَابَقَةِ إلَخْ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلِ حَافِرٍ» وَالسَّبَقُ بِفَتْحِ الْبَاءِ مَا يُجْعَلُ مِنْ الْمَالِ لِلسَّابِقِ عَلَى سَبْقِهِ، وَبِالسُّكُونِ: مَصْدَرُ سَبَقْت أَيْ لَا تَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ بِعِوَضٍ إلَّا فِي هَذِهِ الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَالرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ بِالْفَتْحِ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْمُنَاوِيِّ قَالَ الْجِرَاحِيُّ: وَزِيَادَةُ أَوْ جَنَاحٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ اهـ وَالْخُفُّ الْإِبِلُ وَالْحَافِرُ الْخَيْلُ وَالنَّصْلُ حَدِيدَةُ السَّهْمِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُرَامَاةُ وَالضَّادُ الْمُعْجَمَةُ تَصْحِيفٌ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ كَذَا فِي الْمُلْتَقَى وَالْمَجْمَعِ) وَمِثْلُهُ فِي الْمُخْتَارِ وَالْمَوَاهِبِ وَدُرَرِ الْبِحَارِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلَ شَتَّى) أَيْ قُبَيْلَ كِتَابِ الْفَرَائِضِ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَرَسِ وَالْإِبِلِ وَالْأَرْجُلِ وَالرَّمْيِ، وَمِثْلُهُ فِي الْكَنْزِ وَالزَّيْلَعِيِّ، وَأَقَرَّهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِبَاقُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ كَالْبَغْلِ بِالْجُعْلِ وَأَمَّا بِلَا جُعْلٍ فَيَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ والتتارخانية، وَنَقَلَ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ أَنَّهُ رَدَّ مَا فِي الْمَجْمَعِ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالْمُسَابَقَةِ عَلَى الْحَمِيرِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُعَلَّلٌ بِالتَّحْرِيضِ عَلَى الْجِهَادِ، وَلَمْ يُعْهَدْ فِي الْإِسْلَامِ الْجِهَادُ عَلَى الْحَمِيرِ اهـ وَلَمْ يُذْكَرْ الْبَغْلُ مَعَ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَعْتَبِرْهُ حَيْثُ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ سَهْمًا مِنْ الْغَنِيمَةِ، فَلَيْسَ فِيهِ تَحْرِيضٌ عَلَى الْجِهَادِ أَيْضًا؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ عَدَمُ السَّهْمِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْخُفَّ لَا سَهْمَ لَهُ، وَتَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهِ بِالنَّصِّ. أَقُولُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَافِرَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ عَامٌّ، فَمَنْ نَظَرَ إلَى عُمُومِهِ أَدْخَلَ الْبَغْلَ وَالْحِمَارَ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى الْعِلَّةِ أَخْرَجَهُمَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا آلَةَ جِهَادٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَكَانَ مَنْدُوبًا) إنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ بِالْقَصْدِ؛ أَمَّا إذَا قَصَدَ التَّلَهِّيَ أَوْ الْفَخْرَ أَوْ لِتُرَى شُجَاعَتُهُ فَالظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ، لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ فَكَمَا يَكُونُ الْمُبَاحُ طَاعَةً بِالنِّيَّةِ تَصِيرُ الطَّاعَةُ مَعْصِيَةً بِالنِّيَّةِ ط (قَوْلُهُ أَمَّا بِدُونِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُرْتَبِطٌ بِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَمَا يَأْتِي يُفِيدُ أَنَّ هَذَا لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ ط وَمِثْلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ مَسَائِلَ شَتَّى (قَوْلُهُ فَيُبَاحُ كُلُّ الْمَلَاعِبِ) أَيْ الَّتِي تُعَلِّمُ الْفُرُوسِيَّةَ وَتُعِينُ عَلَى الْجِهَادِ، لِأَنَّ جَوَازَ الْجُعْلِ فِيمَا مَرَّ إنَّمَا ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، فَيَجُوزُ مَا عَدَاهَا بِدُونِ الْجُعْلِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُلْتَقِطِ مَنْ لَعِبَ بِالصَّوْلَجَانِ يُرِيدُ الْفُرُوسِيَّةَ يَجُوزُ وَعَنْ الْجَوَاهِرِ قَدْ جَاءَ الْأَثَرُ فِي رُخْصَةِ الْمُصَارَعَةِ لِتَحْصِيلِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُقَاتَلَةِ دُونَ التَّلَهِّي فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ (قَوْلُهُ لَا أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا) حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ الْمَغْلُوبُ مِنْ الدَّفْعِ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي وَلَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ زَيْلَعِيٌّ فِي مَسَائِلَ شَتَّى (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ لُزُومُهُ بِالْعَقْدِ) اُنْظُرْ مَا صُورَتُهُ. وَقَدْ يُقَالُ مَعْنَى قَوْلِهِ لِعَدَمِ الْعَقْدِ: أَيْ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ عَلَى أَنَّ جَوَازَ الْجُعْلِ فِيمَا ذُكِرَ اسْتِحْسَانٌ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 402 (مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَحَرُمَ لَوْ شُرِطَ) فِيهَا (مِنْ الْجَانِبَيْنِ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ قِمَارًا (إلَّا إذَا أَدْخَلَا ثَالِثًا) مُحَلِّلًا (بَيْنَهُمَا) بِفَرَسٍ كُفْءٍ لِفَرَسَيْهِمَا يُتَوَهَّمُ أَنْ يَسْبِقَهُمَا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ ثُمَّ إذَا سَبَقَهُمَا أَخَذَ مِنْهُمَا وَإِنْ سَبَقَاهُ لَمْ يُعْطِهِمَا وَفِيمَا بَيْنَهُمَا أَيُّهُمَا سَبَقَ أَخَذَ مِنْ صَاحِبِهِ (وَ) كَذَا الْحُكْمُ (فِي الْمُتَفَقِّهَةِ) فَإِذَا شَرَطَ لِمَنْ مَعَهُ الصَّوَابَ صَحَّ وَإِنْ شَرْطَاهُ لِكُلٍّ عَلَى صَاحِبِهِ لَا دُرَرٌ وَمُجْتَبًى.   [رد المحتار] فِيهِ مِنْ تَعْلِيقِ التَّمْلِيكِ عَلَى الْخَطَرِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ فِيمَا عَدَا الْأَرْبَعَةَ كَالْبَغْلِ وَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مَشْرُوطًا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ اهـ فَتَأَمَّلْ. وَبِالْجُمْلَةِ فَيَحْتَاجُ فِي الْمَسْأَلَةِ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ، لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مُحْتَمَلٌ وَرَأَيْت فِي الْمُجْتَبَى مَا نَصُّهُ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَإِنْ سَبَقَهُ حَلَّ الْمَالُ وَإِنْ أَبَى يُجْبَرُ عَلَيْهِ اهـ. أَقُولُ: لَكِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمَشَاهِيرِ كَالزَّيْلَعِيِّ وَالذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ والتتارخانية وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا كَمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ) أَوْ مِنْ ثَالِثٍ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إنْ سَبَقْتنِي أَعْطَيْتُك كَذَا، وَإِنْ سَبَقْتُك لَا آخُذُ مِنْك شَيْئًا أَوْ يَقُولُ الْأَمِيرُ لِفَارِسَيْنِ أَوْ رَامِيَيْنِ مَنْ سَبَقَ مِنْكُمَا فَلَهُ كَذَا، وَإِنْ سَبَقَ فَلَا شَيْءَ لَهُ اخْتِيَارٌ وَغُرُرُ الْأَفْكَارِ (قَوْلُهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) بِأَنْ يَقُولَ إنْ سَبَقَ فَرَسُك فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، وَإِنْ سَبَقَ فَرَسِي فَلِي عَلَيْك كَذَا زَيْلَعِيٌّ وَكَذَا إنْ قَالَ إنْ سَبَقَ إبِلُك أَوْ سَهْمُك إلَخْ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قِمَارًا) لِأَنَّ الْقِمَارَ مِنْ الْقَمَرِ الَّذِي يَزْدَادُ تَارَةً وَيَنْقُصُ أُخْرَى، وَسُمِّيَ الْقِمَارُ قِمَارًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُقَامِرَيْنِ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ مَالُهُ إلَى صَاحِبِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَفِيدَ مَالَ صَاحِبِهِ وَهُوَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ، وَلَا كَذَلِكَ إذَا شُرِطَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ لَا تُمْكِنُ فِيهِمَا بَلْ فِي أَحَدِهِمَا تُمْكِنُ الزِّيَادَةُ، وَفِي الْآخَرِ الِانْتِقَاصُ فَقَطْ فَلَا تَكُونُ مُقَامَرَةً لِأَنَّهَا مُفَاعَلَةٌ مِنْهُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَسْبِقَهُمَا) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ كُفْءٍ، لِفَرَسَيْهِمَا أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَ أَوْ يُسْبَقَ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ) أَيْ إنْ كَانَ يَسْبِقُ أَوْ يُسْبَقُ لَا مَحَالَةَ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَهُوَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَهُوَ آمِنٌ أَنْ يَسْبِقَ فَهُوَ قِمَارٌ» ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ إذَا سَبَقَهُمَا إلَخْ) صُورَتُهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ سَبَقَهُمَا أَخَذَ مِنْهُمَا أَلْفًا إنْصَافًا، وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ لَمْ يُعْطِهِمَا شَيْئًا، وَإِنْ سَبَقَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ فَلَهُ مِائَةٌ مِنْ مَالِ الْآخَرِ فَلَا يُعْطِيهِمَا شَيْئًا إنْ لَمْ يَسْبِقْهُمَا، وَيَأْخُذُ مِنْهُمَا الْجُعْلَ إنْ سَبَقَهُمَا وَيَجُوزُ أَنْ يَعْكِسَ التَّصْوِيرَ أَخْذًا وَإِعْطَاءً وَفِيمَا بَيْنَهُمَا أَيُّهُمَا سَبَقَ أَخَذَ مِنْ صَاحِبِهِ مَا شَرَطَ لَهُ؛ وَإِنْ سَبَقَاهُ وَجَاءَا مَعًا فَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ سَبَقَ الْمُحَلِّلُ مَعَ أَحَدِهِمَا ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُ فَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ مَعَ الْمُحَلِّلِ بَلْ لَهُ مَا شَرَطَهُ الْآخَرُ لَهُ كَمَا لَوْ سَبَقَ، ثُمَّ جَاءَ الْمُحَلِّلُ ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُ وَلَا شَيْءَ لِلْمُحَلِّلِ اهـ غُرَرُ الْأَفْكَارِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا لِأَنَّ الثَّالِثَ لَا يَغْرَمُ عَلَى التَّقَادِيرِ كُلِّهَا قَطْعًا وَيَقِينًا وَإِنَّمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَأْخُذَ أَوْ لَا يَأْخُذَ فَخَرَجَ بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ قِمَارًا، فَصَارَ كَمَا إذَا شَرَطَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّ الْقِمَارَ هُوَ الَّذِي يَسْتَوِي فِيهِ الْجَانِبَانِ فِي احْتِمَالِ الْغَرَامَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا اهـ. [تَتِمَّةٌ] يُشْتَرَطُ فِي الْغَايَةِ أَنْ تَكُونَ مِمَّا تَحْتَمِلُهَا الْفَرَسُ، وَأَنْ يَكُونَ فِي كُلٍّ مِنْ الْفَرَسَيْنِ احْتِمَالُ السَّبْقِ زَيْلَعِيٌّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي السَّهْمِ وَالْأَقْدَامِ كَذَلِكَ تَأَمَّلْ. وَنَقَلَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ عَنْ الْمُحَرَّرِ إنْ كَانَتْ الْمُسَابَقَةُ عَلَى الْإِبِلِ فَاعْتِبَارٌ فِي السَّبَقِ بِالْكَتِفِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْخَيْلِ فَبِالْعُنُقِ وَقِيلَ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْأَقْدَامِ اهـ. [فَرْعٌ] فِي مُتَفَرِّقَاتِ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ السِّرَاجِيَّةِ يُكْرَهُ الرَّمْيُ إلَى هَدَفٍ نَحْوَ الْقِبْلَةِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُتَفَقِّهَةِ) أَيْ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَكَذَا الْمُصَارَعَةُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَإِنَّمَا جَازَ، لِأَنَّ فِيهِ حَثًّا عَلَى الْجِهَادِ وَتَعَلُّمِ الْعِلْمِ، فَإِنَّ قِيَامَ الدِّينِ بِالْجِهَادِ وَالْعِلْمِ فَجَازَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَيْهِمَا لَا غَيْرُ كَذَا فِي فُصُولِ الْعَلَامِيِّ (قَوْلُهُ فَإِذَا شَرَطَ لِمَنْ مَعَهُ الصَّوَابُ) أَيْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 403 وَالْمُصَارَعَةُ لَيْسَتْ بِبِدْعَةٍ إلَّا لِلتَّلَهِّي فَتُكْرَهُ بُرْجُنْدِيٌّ، وَأَمَّا السِّبَاقُ بِلَا جُعْلٍ فَيَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ كَمَا يَأْتِي وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: الْمُسَابَقَةُ بِالْأَقْدَامِ وَالطَّيْرِ وَالْبَقَرِ وَالسُّفُنِ وَالسِّبَاحَةِ وَالصَّوْلَجَانِ وَالْبُنْدُقِ وَرَمْيِ الْحَجَرِ وَإِشَالَتِهِ بِالْيَدِ وَالشِّبَاكِ وَالْوُقُوفِ عَلَى رَجُلٍ وَمَعْرِفَةِ مَا بِيَدِهِ مِنْ زَوْجٍ أَوْ فَرْدٍ وَاللَّعِبِ بِالْخَاتَمِ وَكَذَا يَحِلُّ كُلُّ لَعِبٍ خَطَرٍ لِحَاذِقٍ تَغْلِبُ سَلَامَتُهُ كَرَمْيٍ لِرَامٍ وَصَيْدٍ لِحَيَّةٍ وَيَحِلُّ التَّفَرُّجُ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ وَحَدِيثُ «حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ» يُفِيدُ حِلَّ   [رد المحتار] لِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ مَعَهُ الصَّوَابُ لَا مَا يُفِيدُهُ عُمُومُ مِنْ وَإِلَّا كَانَ عَيَّنَ مَا بَعْدَهُ اهـ ح أَيْ بِأَنْ يَقُولَ: إنْ ظَهَرَ الصَّوَابُ مَعَك فَلَكَ كَذَا، أَوْ ظَهَرَ مَعِي فَلَا شَيْءَ لِي أَوْ بِالْعَكْسِ. أَمَّا لَوْ قَالَا: مَنْ ظَهَرَ مَعَهُ الصَّوَابُ مِنَّا فَلَهُ عَلَى صَاحِبِهِ كَذَا فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَهُوَ قِمَارٌ إلَّا إذَا أَدْخَلَا مُحَلِّلًا بَيْنَهُمَا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَصَوَّرَهُ ط بِأَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ ذَاتَ أَوْجُهٍ ثَلَاثَةٍ، وَجَعَلَا لِلثَّالِثِ جُعْلًا إنْ ظَهَرَ مَعَهُ الصَّوَابُ وَإِنْ كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْمُصَارَعَةُ لَيْسَتْ بِبِدْعَةٍ) فَقَدْ «صَرَعَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَمْعًا مِنْهُمْ ابْنَ الْأَسْوَدِ الْجُمَحِيَّ، وَمِنْهُمْ رُكَانَةَ فَإِنَّهُ صَرَعَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ لِشَرْطِهِ أَنَّهُ إنْ صُرِعَ أَسْلَمَ» كَمَا فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ لِلْقَارِي، قَالَ الْجِرَاحِيُّ وَمُصَارَعَتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَبِي جَهْلٍ لَا أَصْلَ لَهَا (قَوْلُهُ فَيَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ) أَيْ مِمَّا يُعَلِّمُ الْفُرُوسِيَّةَ وَيُعِينُ عَلَى الْجِهَادِ بِلَا قَصْدِ التَّلَهِّي كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ فُقَهَائِنَا مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ شَيْئًا مِنْ الْمَلَاهِي سِوَى النِّضَالِ» أَيْ الرَّمْيِ وَالْمُسَابَقَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَسْمِيَتَهُ لَهْوًا لِلْمُشَابَهَةِ الصُّورِيَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا يَأْتِي) أَيْ فِي مَسَائِلَ شَتَّى وَقَدَّمْنَا عِبَارَتَهُ (قَوْلُهُ بِالْأَقْدَامِ) مُتَعَلِّقٌ بِعَدَّ أَيْ جَعَلُوهَا بِالْأَقْدَامِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ قَالَ ط: وَلَا أَدْرِي وَجْهَ ذِكْرِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ غَيْرَ أَنَّهَا أَوْهَمَتْ أَنَّ الْقَوَاعِدَ تَقْتَضِيهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي أَنَّ غَالِبَ هَذِهِ مِنْ اللَّهْوِ الْمُحَرَّمِ كَالصَّوْلَجَانِ وَمَا بَعْدَهُ اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: قَدَّمْنَا عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ جَوَازَ اللَّعِبِ بِالصَّوْلَجَانِ وَهُوَ الْكُرَةُ لِلْفُرُوسِيَّةِ وَفِي جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ بِالطَّيْرِ عِنْدَنَا نَظَرٌ وَكَذَا فِي جَوَازِ مَعْرِفَةِ مَا فِي الْيَدِ وَاللَّعِبِ بِالْخَاتَمِ فَإِنَّهُ لَهْوٌ مُجَرَّدٌ وَأَمَّا الْمُسَابَقَةُ بِالْبَقَرِ وَالسُّفُنِ وَالسِّبَاحَةِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْجَوَازُ وَرَمْيُ الْبُنْدُقِ وَالْحَجَرِ كَالرَّمْيِ بِالسَّهْمِ، وَأَمَّا إشَالَةُ الْحَجَرِ بِالْيَدِ وَمَا بَعْدَهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ قَصَدَ بِهِ التَّمَرُّنَ وَالتَّقَوِّي عَلَى الشَّجَاعَةِ لَا بَأْسَ بِهِ (قَوْلُهُ وَالْبُنْدُقُ) أَيْ الْمُتَّخَذُ مِنْ الطِّينِ ط وَمِثْلُهُ الْمُتَّخَذُ مِنْ الرَّصَاصِ (قَوْلُهُ وَإِشَالَتُهُ بِالْيَدِ) لِيُعْلَمَ الْأَقْوَى مِنْهُمَا ط (قَوْلُهُ وَالشِّبَاكُ) أَيْ الْمُشَابَكَةُ بِالْأَصَابِعِ مَعَ فَتْلِ كُلٍّ يَدَ صَاحِبِهِ لِيُعْلَمَ الْأَقْوَى كَذَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ وَمَعْرِفَةُ مَا بِيَدِهِ مِنْ زَوْجٍ أَوْ فَرْدٍ وَاللَّعِبُ بِالْخَاتَمِ) سَمِعْت مِنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ جَوَازَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ إذَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى قَوَاعِدَ حِسَابِيَّةٍ مِمَّا ذَكَرَهُ عُلَمَاءُ الْحِسَابِ فِي طَرِيقِ اسْتِخْرَاجِ ذَلِكَ بِخُصُوصِهِ لَا بِمُجَرَّدِ الْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ جَوَازُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ عِنْدَنَا أَيْضًا إنْ قَصَدَ بِهِ التَّمَرُّنَ عَلَى مَعْرِفَةِ الْحِسَابِ، وَأَمَّا الشِّطْرَنْجُ فَإِنَّهُ وَإِنْ أَفَادَ عِلْمَ الْفُرُوسِيَّةِ لَكِنَّ حُرْمَتَهُ عِنْدَنَا بِالْحَدِيثِ، لِكَثْرَةِ غَوَائِلِهِ بِإِكْبَابِ صَاحِبِهِ عَلَيْهِ، فَلَا بَقِيَ نَفْعُهُ بِضَرَرِهِ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَحَدِيثُ «حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ» ) تَمَامُهُ " وَلَا حَرَجَ " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ عَنْ جَابِرٍ «حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِمْ أَعَاجِيبُ» وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلَا تَكْذِبُوا عَلَيَّ» " فَقَدْ فَرَّقَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيْنَ الْحَدِيثِ عَنْهُ وَالْحَدِيثِ عَنْهُمْ، كَمَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 404 سَمَاعِ الْأَعَاجِيبِ وَالْغَرَائِبِ مِنْ كُلِّ مَا لَا يُتَيَقَّنُ كَذِبُهُ بِقَصْدِ الْفُرْجَةِ لَا الْحُجَّةِ بَلْ وَمَا يُتَيَقَّنُ كَذِبُهُ لَكِنْ بِقَصْدِ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ وَالْمَوَاعِظِ وَتَعْلِيمِ نَحْوِ الشَّجَاعَةِ عَلَى أَلْسِنَةِ آدَمِيِّينَ أَوْ حَيَوَانَاتٍ ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ. (وَيُسْتَحَبُّ قَلْمُ أَظَافِيرِهِ) إلَّا لِمُجَاهِدٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيُسْتَحَبُّ تَوْفِيرُ شَارِبِهِ وَأَظْفَارِهِ (يَوْمَ الْجُمُعَةِ) وَكَوْنُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَفْضَلَ إلَّا إذَا أَخَّرَهُ إلَيْهِ تَأْخِيرًا فَاحِشًا فَيُكْرَهُ لِأَنَّ مَنْ كَانَ ظُفْرُهُ طَوِيلًا كَانَ رِزْقُهُ ضَيِّقًا وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ قَلَّمَ أَظَافِيرَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ الْبَلَايَا إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَزِيَادَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» دُرَرٌ وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ   [رد المحتار] قَوْلُهُ بِقَصْدِ الْفُرْجَةِ لَا الْحُجَّةِ) الْفُرْجَةُ مُثَلَّثَةً التَّفَصِّي عَنْ الْهَمِّ وَالْحُجَّةُ بِالضَّمِّ الْبُرْهَانُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ لَكِنْ بِقَصْدِ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ إلَخْ) وَذَلِكَ كَمَقَامَاتِ الْحَرِيرِيِّ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحِكَايَاتِ الَّتِي فِيهَا عَنْ الْحَارِثِ بْنِ هَمَّامٍ وَالسَّرُوجِيِّ لَا أَصْلَ لَهَا، وَإِنَّمَا أَتَى بِهَا عَلَى هَذَا السِّيَاقِ الْعَجِيبِ لِمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ يُطَالِعُهَا، وَهَلْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِثْلُ قِصَّةِ عَنْتَرَةَ وَالْمِلْكُ الظَّاهِرُ وَغَيْرُهُمَا، لَكِنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إنَّمَا هُوَ عَنْ أُصُولِ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَسَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّ الْقَصَصَ الْمَكْرُوهَ أَنْ يُحَدِّثَ النَّاسَ بِمَا لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ مَعْرُوفٌ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَزِيدَ أَوْ يُنْقِصَ لِيُزَيِّنَ بِهِ قَصَصَهُ إلَخْ فَهَلْ يُقَالُ عِنْدَنَا بِجَوَازِهِ إذَا قَصَدَ بِهِ ضَرْبَ الْأَمْثَالِ وَنَحْوَهَا يُحَرَّرُ. (قَوْلُهُ عَلَى أَلْسِنَةِ آدَمِيِّينَ أَوْ حَيَوَانَاتٍ) أَيْ أَوْ جَمَادَاتٍ كَقَوْلِهِمْ قَالَ الْحَائِطُ لِلْوَتَدِ لِمَ تَخْرِقُنِي قَالَ سَلْ مَنْ يَدُقُّنِي (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ) أَيْ الْمَكِّيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ. (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ قَلْمُ أَظَافِيرِهِ) وَقَلْمُهَا بِالْأَسْنَانِ مَكْرُوهٌ يُورِثُ الْبَرَصَ، فَإِذَا قَلَّمَ أَظْفَارَهُ أَوْ جَزَّ شَعْرَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَدْفِنَهُ فَإِنْ رَمَى بِهِ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ أَلْقَاهُ فِي الْكَنِيفِ أَوْ فِي الْمُغْتَسَلِ كُرِهَ لِأَنَّهُ يُورِثُ دَاءً خَانِيَّةٌ وَيُدْفَنُ أَرْبَعَةٌ الظُّفْرُ وَالشَّعْرُ وَخِرْقَةُ الْحَيْضِ وَالدَّمُ عَتَّابِيَّةٌ ط (قَوْلُهُ فَيُسْتَحَبُّ تَوْفِيرُ شَارِبِهِ وَأَظْفَارِهِ) الْأَنْسَبُ فِي التَّعْبِيرِ: فَيُوَفِّرُ أَظْفَارَهُ، وَكَذَا شَارِبَهُ. وَفِي الْمِنَحِ ذُكِرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ إلَيْنَا: وَفِّرُوا الْأَظَافِيرَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَإِنَّهَا سِلَاحٌ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ السِّلَاحُ مِنْ يَدِهِ وَقَرُبَ الْعَدُوُّ مِنْهُ رُبَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ بِأَظَافِيرِهِ وَهُوَ نَظِيرُ قَصِّ الشَّارِبِ، فَإِنَّهُ سُنَّةٌ وَتَوْفِيرُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِلْغَازِي مَنْدُوبٌ، لِيَكُونَ أَهْيَبَ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ اهـ مُلَخَّصًا ط (قَوْلُهُ وَكَوْنُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَفْضَلَ) أَيْ لِتَنَالَهُ بَرَكَةُ الصَّلَاةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا فِي الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَخَّرَهُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِأَنْ طَالَ جِدًّا وَأَرَادَ تَأْخِيرَهُ إلَيْهِ فَيُكْرَهُ (قَوْلُهُ وَفِي الْحَدِيثِ إلَخْ) قَالَ الزَّرْقَانِيُّ: أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ مُسْنَدِ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْخُذُ مِنْ أَظْفَارِهِ وَشَارِبِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» وَلَهُ شَاهِدٌ مَوْصُولٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُصُّ شَارِبَهُ وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يَرُوحَ إلَى الصَّلَاةِ» ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ عُقْبَةُ قَالَ أَحْمَدُ: فِي هَذَا الْإِسْنَادِ مَنْ يُجْهَلُ قَالَ السُّيُوطِيّ: وَبِالْجُمْلَةِ فَأَرْجَحُهَا أَيْ الْأَقْوَالِ دَلِيلًا وَنَقْلًا يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَالْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِيهِ لَيْسَتْ بِوَاهِيَةٍ جِدًّا مَعَ أَنَّ الضَّعِيفَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ اهـ مَدَنِيٌّ وَقَالَ الْجِرَاحِيُّ: وَرَوَى الدَّيْلَمِيُّ بِسَنَدٍ وَاهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ «مَنْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ يَوْمَ السَّبْتِ خَرَجَ مِنْهُ الدَّاءُ وَدَخَلَ فِيهِ الشِّفَاءُ وَمَنْ قَلَّمَهَا يَوْمَ الْأَحَدِ خَرَجَ مِنْهُ الْفَاقَةُ وَدَخَلَ فِيهِ الْغِنَى وَمَنْ قَلَّمَهَا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ خَرَجَ مِنْهُ الْجُنُونُ وَدَخَلَتْ فِيهِ الصِّحَّةُ وَمَنْ قَلَّمَهَا يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ خَرَجَ مِنْهُ الْمَرَضُ وَدَخَلَ فِيهِ الشِّفَاءُ وَمَنْ قَلَّمَهَا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ خَرَجَ مِنْهُ الْوَسْوَاسُ وَالْخَوْفُ وَدَخَلَ فِيهِ الْأَمْنُ وَالشِّفَاءُ وَمَنْ قَلَّمَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ خَرَجَ مِنْهُ الْجُذَامُ وَدَخَلَتْ فِيهِ الْعَافِيَةُ وَمَنْ قَلَّمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَخَلَتْ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَخَرَجَتْ مِنْهُ الذُّنُوبُ» ". (قَوْلُهُ وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) لَمْ يَثْبُتْ حَدِيثًا بَلْ وَقَعَ فِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ كَالشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ فِي غُنْيَتِهِ وَكَابْنِ قُدَامَةَ فِي مُغْنِيهِ وَقَالَ السَّخَاوِيُّ: لَمْ أَجِدْهُ لَكِنْ كَانَ الْحَافِظُ الدِّمْيَاطِيُّ يَنْقُلُ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 405 مُخَالِفًا لَمْ تَرْمَدْ عَيْنُهُ أَبَدًا» يَعْنِي كَقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَلِّمُوا أَظْفَارَكُمْ بِسُنَّةٍ وَأَدَبْ ... يَمِينُهَا خَوَابِسُ يَسَارُهَا أوخسب وَبَيَانُهُ وَتَمَامُهُ فِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ. وَفِي شَرْحِ الْغَزَّاوِيَّةِ رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَ بِمُسَبِّحَتِهِ الْيُمْنَى إلَى الْخِنْصَرِ ثُمَّ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى إلَى الْإِبْهَامِ وَخَتَمَ بِإِبْهَامِ الْيُمْنَى» وَذَكَرَ لَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَجْهًا وَجِيهًا وَلَمْ يَثْبُتْ فِي أَصَابِعِ الرِّجْلِ نَقْلٌ، وَالْأَوْلَى تَقْلِيمُهَا كَتَخْلِيلِهَا. قُلْت: وَفِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنْيَّةِ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: إنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَيْفَمَا احْتَاجَ إلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي كَيْفِيَّتِهِ شَيْءٌ وَلَا فِي تَعْيِينِ يَوْمٍ لَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا يُعْزَى مِنْ النَّظْمِ فِي ذَلِكَ لِلْإِمَامِ عَلِيٍّ ثُمَّ لِابْنِ حَجَرٍ قَالَ شَيْخُنَا إنَّهُ بَاطِلٌ. (وَ) يُسْتَحَبُّ (حَلْقُ عَانَتِهِ وَتَنْظِيفُ بَدَنِهِ بِالِاغْتِسَالِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً) وَالْأَفْضَلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَجَازَ   [رد المحتار] وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ اهـ جِرَاحِيٌّ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مِنْ الْمُجَرَّبِ أَنَّ مَنْ قَصَّ كَذَلِكَ لَمْ يُصِبْهُ رَمَدٌ (قَوْلُهُ يَعْنِي إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مُخَالِفًا (قَوْلُهُ قَلِّمُوا أَظْفَارَكُمْ بِالسُّنَّةِ وَالْأَدَبِ ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْزُونٍ وَفِي بَعْضِهَا بِسُنَّةٍ وَأَدَبٍ مُنَكَّرًا فَيَكُونُ مِنْ مَجْزُوءِ بَحْرِ الرَّجَزِ بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ فِي آخَرِ الْبَيْتَيْنِ وَيَكُونُ قَدْ دَخَلَ الْبَيْتَ الْأَوَّلَ الْخَرْمُ بِنَقْصِ حَرْفٍ مِنْ أَوَّلِهِ قَالَهُ ح وَهُوَ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِيهِ (قَوْلُهُ يَمِينُهَا خَوَابِسُ إلَخْ) رَمَزَ لِكُلِّ أُصْبُعٍ بِحَرْفٍ: قَالَ السَّخَاوِيُّ وَكَذَبَ الْقَائِلُ: ابْدَأْ بِيُمْنَاك وَبِالْخِنْصَرِ ... فِي قَصِّ أَظْفَارِك وَاسْتَبْصَرَ وَثَنِّ بِالْوُسْطَى وَثَلِّثْ كَمَا ... قَدْ قِيلَ بِالْإِبْهَامِ وَالْبِنْصِرِ وَلْتَخْتُم الْكَفَّ بِسَبَّابَةٍ ... فِي الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَلَا تَمْتَرِ وَفِي الْيَدِ الْيُسْرَى بِإِبْهَامِهَا ... وَالْإِصْبَعِ الْوُسْطَى وَبِالْخِنْصَرِ وَبَعْدَ سَبَّابَتِهَا بِنْصِرُ ... فَإِنَّهَا خَاتِمَةُ الْأَيْسَرِ فَذَاكَ أَمْنٌ خُذْ بِهِ يَا فَتَى ... مِنْ رَمَدِ الْعَيْنِ فَلَا تَزْدَرِ هَذَا حَدِيثٌ قَدْ رُوِيَ مُسْنَدًا ... عَنْ الْإِمَامِ الْمُرْتَضَى حَيْدَرِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْأَوْلَى تَقْلِيمُهَا كَتَخْلِيلِهَا) يَعْنِي يَبْدَأُ بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيَمِينِ وَيَخْتِمُ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ عَنْ الْغَرَائِبِ: وَيَنْبَغِي الِابْتِدَاءُ بِالْيَدِ الْيُمْنَى وَالِانْتِهَاءُ بِهَا فَيَبْدَأُ بِسَبَّابَتِهَا وَيَخْتِمُ بِإِبْهَامِهَا، وَفِي الرِّجْلِ بِخِنْصَرِ الْيُمْنَى وَيَخْتِمُ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى اهـ وَنَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْمَسْعُودِيَّةِ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) وَكَذَا قَالَ السُّيُوطِيّ: قَدْ أَنْكَرَ الْإِمَامُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَقَالَ لَا تُعْتَبَرُ هَيْئَةً مَخْصُوصَةً، وَهَذَا لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ، وَلَا يَجُوزُ اعْتِقَادُ اسْتِحْبَابِهِ لِأَنَّ الِاسْتِحْبَابَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ وَلَيْسَ اسْتِسْهَالُ ذَلِكَ بِصَوَابٍ اهـ (قَوْلُهُ وَمَا يُعْزَى مِنْ النَّظْمِ) وَهُوَ قَوْلُهُ: فِي قَصِّ ظُفْرِك يَوْمَ السَّبْتِ آكِلَةٌ ... تَبْدُو وَفِيمَا يَلِيهِ تَذْهَبُ الْبَرَكَهْ وَعَالِمٌ فَاضِلٌ يَبْدَأُ بِتِلْوِهِمَا ... وَإِنْ يَكُنْ فِي الثَّلَاثِ فَاحْذَرْ الْهَلَكَهْ وَيُورِثُ السُّوقَ فِي الْأَخْلَاقِ رَابِعُهَا ... وَفِي الْخَمِيسِ الْغِنَى يَأْتِي لِمَنْ سَلَكَهْ وَالْعِلْمُ وَالرِّزْقُ زِيدَا فِي عُرُوبَتِهَا ... عَنْ النَّبِيِّ رَوَيْنَا فَاقْتَفُوا نُسُكَهْ اهـ. (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ حَلْقُ عَانَتِهِ) قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ وَيَبْتَدِئُ مِنْ تَحْتِ السُّرَّةِ وَلَوْ عَالَجَ بِالنُّورَةِ يَجُوزُ كَذَا فِي الْغَرَائِبِ وَفِي الْأَشْبَاهِ وَالسُّنَّةُ فِي عَانَةِ الْمَرْأَةِ النَّتْفُ (قَوْلُهُ وَتَنْظِيفُ بَدَنِهِ) بِنَحْوِ إزَالَةِ الشَّعْرِ مِنْ إبْطَيْهِ وَيَجُوزُ فِيهِ الْحَلْقُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 406 فِي كُلِّ خَمْسَةَ عَشْرَةَ وَكُرِهَ تَرْكُهُ وَرَاءَ الْأَرْبَعِينَ مُجْتَبًى وَفِيهِ حَلْقُ الشَّارِبِ بِدْعَةٌ وَقِيلَ سُنَّةٌ وَلَا بَأْسَ بِنَتْفِ الشَّيْبِ، وَأَخْذِ أَطْرَافِ اللِّحْيَةِ وَالسُّنَّةُ فِيهَا الْقَبْضَةُ. وَفِيهِ: قَطَعَتْ شَعْرَ رَأْسِهَا أَثِمَتْ وَلُعِنَتْ زَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ بِإِذْنِ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، وَلِذَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ قَطْعُ لِحْيَتِهِ، وَالْمَعْنَى الْمُؤَثِّرُ التَّشَبُّهُ بِالرِّجَالِ اهـ. قُلْت: وَأَمَّا حَلْقُ رَأْسِهِ فَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَقَدْ قِيلَ: حَلْقُ الرَّأْسِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ ... يُحَبُّ وَبَعْضٌ بِالْجَوَازِ يُعَبَّرُ. (رَجُلٌ تَعَلَّمَ عِلْمَ الصَّلَاةِ أَوْ نَحْوَهُ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ وَآخَرُ لِيَعْمَلَ بِهِ فَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ وَرُوِيَ «مُذَاكَرَةُ الْعِلْمِ   [رد المحتار] وَالنَّتْفُ أَوْلَى. وَفِي الْمُجْتَبَى عَنْ بَعْضِهِمْ وَكِلَاهُمَا حَسَنٌ، وَلَا يَحْلِقُ شَعْرَ حَلْقِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ ط. وَفِي الْمُضْمَرَاتِ: وَلَا بَأْسَ بِأَخْذِ الْحَاجِبَيْنِ وَشَعْرِ وَجْهِهِ مَا لَمْ يُشْبِهْ الْمُخَنَّثَ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَكُرِهَ تَرْكُهُ) أَيْ تَحْرِيمًا لِقَوْلِ الْمُجْتَبَى وَلَا عُذْرَ فِيمَا وَرَاءَ الْأَرْبَعِينَ وَيَسْتَحِقُّ الْوَعِيدَ اهـ وَفِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ شَرْحِ الْمَشَارِقِ لِابْنِ مَلَكٍ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «وُقِّتَ لَنَا فِي تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» وَهُوَ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ الَّتِي لَيْسَ لِلرَّأْيِ فِيهَا مَدْخَلٌ فَيَكُونُ كَالْمَرْفُوعِ اهـ (قَوْلُهُ وَقِيلَ سُنَّةٌ) مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُلْتَقَى، وَعِبَارَةُ الْمُجْتَبَى بَعْدَمَا رَمَزَ لِلطَّحَاوِيِّ حَلْقُهُ سُنَّةٌ وَنَسَبَهُ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَالْقَصُّ مِنْهُ حَتَّى يُوَازِيَ الْحَرْفَ الْأَعْلَى مِنْ الشَّفَةِ الْعُلْيَا سُنَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِنَتْفِ الشَّيْبِ) قَيَّدَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِأَنْ لَا يَكُونَ عَلَى وَجْهِ التَّزَيُّنِ. [تَنْبِيهٌ] نَتْفُ الْفَنْبَكَيْنِ بِدْعَةٌ وَهُمَا جَانِبَا الْعَنْفَقَةِ وَهِيَ شَعْرُ الشَّفَةِ السُّفْلَى كَذَا فِي الْغَرَائِبِ وَلَا يَنْتِفُ أَنْفَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْأَكِلَةَ وَفِي حَلْقِ شَعْرِ الصَّدْرِ وَالظَّهْرِ تَرْكُ الْأَدَبِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ اهـ ط (قَوْلُهُ وَالسُّنَّةُ فِيهَا الْقَبْضَةُ) وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَ الرَّجُلُ لِحْيَتَهُ فَمَا زَادَ مِنْهَا عَلَى قَبْضَةٍ قَطَعَهُ كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ عَنْ الْإِمَامِ، قَالَ وَبِهِ أَخَذَ. مُحِيطٌ اهـ ط. [فَائِدَةٌ] رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ «مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ خِفَّةُ لِحْيَتِهِ» " وَاشْتُهِرَ أَنَّ طُولَ اللِّحْيَةِ دَلِيلٌ عَلَى خِفَّةِ الْعَقْلِ وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ: مَا أَحَدٌ طَالَتْ لَهُ لِحْيَةٌ ... فَزَادَتْ اللِّحْيَةُ فِي هَيْئَتِهِ إلَّا وَمَا يَنْقُصُ مِنْ عَقْلِهِ ... أَكْثَرُ مِمَّا زَادَ فِي لِحْيَتِهِ [لَطِيفَةٌ] نُقِلَ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ قَالَ: حَفِظْت مَا لَمْ يَحْفَظْهُ أَحَدٌ وَنَسِيت مَا لَمْ يَنْسَهُ أَحَدٌ حَفِظْت الْقُرْآنَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَأَرَدْت أَنْ أَقْطَعَ مِنْ لِحْيَتِي مَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ فَنَسِيت فَقَطَعْت مِنْ أَعْلَاهَا (قَوْلُهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ إلَخْ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ اهـ جِرَاحِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمَعْنَى الْمُؤَثِّرُ) أَيْ الْعِلَّةُ الْمُؤَثِّرَةُ فِي إثْمِهَا التَّشَبُّهُ بِالرِّجَالِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَالتَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ حَتَّى قَالَ فِي الْمُجْتَبَى رَامِزًا: يُكْرَهُ غَزْلُ الرَّجُلِ عَلَى هَيْئَةِ غَزْلِ النِّسَاءِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا حَلْقُ رَأْسِهِ إلَخْ) وَفِي الرَّوْضَةِ للزَّنْدَوِيستي أَنَّ السُّنَّةَ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ إمَّا الْفَرْقُ أَوْ الْحَلْقُ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ: أَنَّ الْحَلْقَ سُنَّةٌ، وَنَسَبَ ذَلِكَ إلَى الْعُلَمَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْلِقَ وَسَطَ رَأْسِهِ وَيُرْسِلَ شَعْرَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْتِلَهُ وَإِنْ فَتَلَهُ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُشَبَّهًا بِبَعْضِ الْكَفَرَةِ وَالْمَجُوس فِي دِيَارِنَا يُرْسِلُونَ الشَّعْرَ مِنْ غَيْرِ فَتْلٍ، وَلَكِنْ لَا يَحْلِقُونَ وَسَطَ الرَّأْسِ بَلْ يَجُزُّونَ النَّاصِيَةَ تَتَارْخَانِيَّةٌ قَالَ ط: وَيُكْرَهُ الْقَزَعُ وَهُوَ أَنْ يَحْلِقَ الْبَعْضَ وَيَتْرُكَ الْبَعْضَ قَطْعًا مِقْدَارَ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ كَذَا فِي الْغَرَائِبِ، وَفِيهَا: كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَتْرُكُ سِبَالَيْهِ وَهُمَا أَطْرَافُ الشَّوَارِبِ. (قَوْلُهُ وَرُوِيَ إلَخْ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ فِقْهٍ فِي دِينٍ» . وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: طَلَبُ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ إذَا صَحَّتْ النِّيَّةُ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَكَذَا الِاشْتِغَالُ بِزِيَادَةِ الْعِلْمِ إذَا صَحَّتْ النِّيَّةُ، لِأَنَّهُ أَعَمُّ نَفْعًا، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَدْخُلَ النُّقْصَانُ فِي فَرَائِضِهِ، وَصِحَّةُ النِّيَّةِ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 407 سَاعَةً خَيْرٌ مِنْ إحْيَاءِ لَيْلَةٍ» وَلَهُ الْخُرُوجُ لِطَلَبِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ بِلَا إذْنِ وَالِدَيْهِ لَوْ مُلْتَحِيًا وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ (وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَضُرُّ النَّاسَ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ فَذِكْرُهُ بِمَا فِيهِ لَيْسَ بِغِيبَةٍ حَتَّى لَوْ أَخْبَرَ السُّلْطَانَ بِذَلِكَ لِيَزْجُرَهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ) وَقَالُوا إنْ عَلِمَ أَنَّ أَبَاهُ يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ أَعْلَمَهُ وَلَوْ بِكِتَابَةٍ وَإِلَّا لَا كَيْ لَا تَقَعَ الْعَدَاوَةُ وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ. (وَكَذَا) لَا إثْمَ عَلَيْهِ (لَوْ ذَكَرَ مَسَاوِئَ أَخِيهِ عَلَى وَجْهِ الِاهْتِمَامِ لَا يَكُونُ غِيبَةً إنَّمَا الْغِيبَةُ أَنْ يَذْكُرَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ يُرِيدُ السَّبَّ) وَلَوْ اغْتَابَ أَهْلَ قَرْيَةٍ فَلَيْسَ بِغِيبَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِهِ كُلَّهُمْ بَلْ بَعْضَهُمْ وَهُوَ مَجْهُولٌ خَانِيَّةٌ فَتُبَاحُ غِيبَةُ مَجْهُولٍ   [رد المحتار] تَعَالَى لَا طَلَبَ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَلَوْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ الْجَهْلِ وَمَنْفَعَةَ الْخَلْقِ وَإِحْيَاءَ الْعِلْمِ فَقِيلَ تَصِحُّ نِيَّتُهُ أَيْضًا، تَعَلَّمَ بَعْضَ الْقُرْآنِ وَوَجَدَ فَرَاغًا فَالْأَفْضَلُ الِاشْتِغَالُ بِالْفِقْهِ، لِأَنَّ حِفْظَ الْقُرْآنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَتَعَلُّمُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ الْفِقْهِ فَرْضُ عَيْنٍ قَالَ فِي الْخِزَانَةِ وَجَمِيعُ الْفِقْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ فِي الْمَنَاقِبِ: عَمِلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِائَتَيْ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ حِفْظِهَا وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ. (قَوْلُهُ وَلَهُ الْخُرُوجُ إلَخْ) أَيْ إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى وَالِدَيْهِ الضَّيْعَةَ بِأَنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ، وَلَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهُمَا عَلَيْهِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى الْحَجِّ وَكَرِهَ ذَلِكَ قَالُوا إنْ اسْتَغْنَى الْأَبُ عَنْ خِدْمَتِهِ فَلَا بَأْسَ، وَإِلَّا فَلَا يَسَعُهُ الْخُرُوجُ، فَإِنْ احْتَاجَا إلَى النَّفَقَةِ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّفَ لَهُمَا نَفَقَةً كَامِلَةً أَوْ أَمْكَنَهُ إلَّا أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الطَّرِيقِ الْخَوْفُ فَلَا يَخْرُجُ، وَلَوْ الْغَالِبُ السَّلَامَةُ يَخْرُجُ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لَا يَخْرُجُ إلَى الْجِهَادِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَلَوْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ لَا يَنْبَغِي لَهُ الْخُرُوجُ، لِأَنَّ مُرَاعَاةَ حَقِّهِمَا فَرْضُ عَيْنٍ وَالْجِهَادَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبَوَانِ وَلَهُ جَدَّانِ وَجَدَّتَانِ فَأَذِنَ لَهُ أَبُو الْأَبِ وَأُمُّ الْأُمِّ دُونَ الْآخَرَيْنِ لَا بَأْسَ بِالْخُرُوجِ لِقِيَامِهِمَا مَقَامَ الْأَبَوَيْنِ، وَلَوْ أَذِنَ الْأَبَوَانِ لَا يُلْتَفَتُ إلَى غَيْرِهِمَا هَذَا فِي سَفَرِ الْجِهَادِ، فَلَوْ فِي سَفَرِ تِجَارَةٍ أَوْ حَجٍّ لَا بَأْسَ بِهِ بِلَا إذْنِ الْأَبَوَيْنِ إنْ اسْتَغْنَيَا عَنْ خِدْمَتِهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِمَا إلَّا إذَا كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا كَالْبَحْرِ فَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَإِنْ اسْتَغْنَيَا عَنْ خِدْمَتِهِ وَلَوْ خَرَجَ الْمُتَعَلِّمُ وَضَيَّعَ عِيَالَهُ يُرَاعَى حَقُّ الْعِيَالِ اهـ (قَوْلُهُ لَوْ مُلْتَحِيًا) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرَدِ فِي كَلَامِ الدُّرَرِ الْآتِي خِلَافُ الْمُلْتَحِي إذْ لَوْ كَانَ مَعْذُورًا يُخْشَى عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ فَإِنَّ بَعْضَ الْفَسَقَةِ يُقَدِّمُهُ عَلَى الْأَمْرَدِ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ) قَالَ فِيهَا وَإِنْ كَانَ أَمْرَدَ فَلِأَبِيهِ أَنْ يَمْنَعَهُ وَمُرَادُهُمْ بِالْعِلْمِ الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ، وَمَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِيهِ دُونَ عِلْمِ الْكَلَامِ وَأَمْثَالِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ لَأَنْ يَلْقَى اللَّهَ عَبْدٌ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِعِلْمِ الْكَلَامِ فَإِذَا كَانَ حَالُ الْكَلَامِ الْمُتَدَاوَلِ بَيْنَهُمْ فِي زَمَانِهِمْ هَكَذَا، فَمَا ظَنُّك بِالْكَلَامِ الْمَخْلُوطِ بِهَذَيَانِ الْفَلَاسِفَةِ الْمَغْمُورِ بَيْنَ أَبَاطِيلِهِمْ الْمُزَخْرَفَةِ اهـ (قَوْلُهُ فَذِكْرُهُ بِمَا فِيهِ لَيْسَ بِغِيبَةٍ) أَيْ لِيَحْذَرَهُ النَّاسُ وَلَا يَغْتَرُّوا بِصَوْمِهِ وَصَلَاتِهِ فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ «أَتَوَرَّعُونَ فِي الْغِيبَةِ عَنْ ذِكْرِ الْفَاجِرِ اُذْكُرُوهُ بِمَا فِيهِ يَحْذَرْهُ النَّاسُ» " (قَوْلُهُ وَلَوْ بِكِتَابَةٍ) أَيْ إلَى الْأَبِ وَمِثْلُهُ السُّلْطَانُ، وَلَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَيْهَا حَيْثُ كَانَ الْمُكَاتَبُ مَعْرُوفًا بِالْعَدَالَةِ كَمَا فِي كِفَايَةِ النَّهْرِ بَحْثًا. وَفِيهِ لِلْقَاضِي تَعْزِيرُ الْمُتَّهَمِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ، فَمَا يُكْتَبُ مِنْ الْمَحَاضِرِ فِي حَقِّ إنْسَانٍ يُعْمَلُ بِهِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ وَمَرَّ فِي التَّعْزِيرِ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ) أَيْ مِنْ الْخَانِيَّةِ وَنَصُّ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ وَكَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَبَيْنَ السُّلْطَانِ وَالرَّعِيَّةِ وَالْحَشَمِ إنَّمَا يَجِبُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ (قَوْلُهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ أَوْ زِيَادَةُ وَلَوْ الْعَطْفُ قَبْلَ قَوْلِهِ: لَا يَكُونُ غِيبَةً لِيَرْتَبِطَ الْمَتْنُ مَعَ الشَّرْحِ (قَوْلُهُ لَا يَكُونُ غِيبَةً) لِأَنَّهُ لَوْ بَلَغَهُ لَا يَكْرَهُهُ لِأَنَّهُ مُهْتَمٌّ لَهُ مُتَحَزِّنٌ وَمُتَحَسِّرٌ عَلَيْهِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي اهْتِمَامِهِ وَإِلَّا كَانَ مُغْتَابًا مُنَافِقًا مُرَائِيًا مُزَكِّيًا لِنَفْسِهِ، لِأَنَّهُ شَتَمَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ وَأَظْهَرَ خِلَافَ مَا أَخْفَى وَأَشْعَرَ النَّاسَ أَنَّهُ يَكْرَهُ هَذَا الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ بِصَرِيحِ الْغِيبَةِ، وَإِنَّمَا أَتَى بِهَا فِي مَعْرِضِ الِاهْتِمَامِ فَقَدْ جَمَعَ أَنْوَاعًا مِنْ الْقَبَائِحِ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعِصْمَةَ. (قَوْلُهُ فَلَيْسَ بِغِيبَةٍ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ وَلَا غِيبَةَ إلَّا لِمَعْلُومِينَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِهِ كُلَّهُمْ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ كَانَ غِيبَةً تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَتُبَاحُ غِيبَةُ مَجْهُولٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْغِيبَةَ حَرَامٌ بِنَصِّ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَشَبَّهَ الْمُغْتَابَ بِآكِلِ لَحْمِ أَخِيهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 408 وَمُتَظَاهِرٍ بِقَبِيحٍ وَلِمُصَاهَرَةٍ وَلِسُوءِ اعْتِقَادٍ تَحْذِيرًا مِنْهُ، وَلِشَكْوَى ظِلَامَتِهِ لِلْحَاكِمِ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ (وَكَمَا تَكُونُ الْغِيبَةُ بِاللِّسَانِ) صَرِيحًا (تَكُونُ) أَيْضًا   [رد المحتار] مَيْتًا إذْ هُوَ أَقْبَحُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَمِنْ الْحَيِّ، فَكَمَا يَحْرُمُ لَحْمُهُ يَحْرُمُ عِرْضُهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» ؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، فَلَا تَحِلُّ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِقَدْرِهَا كَهَذِهِ الْمَوَاضِعِ. وَفِي تَنْبِيهِ الْغَافِلِينَ لِلْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ: الْغِيبَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: فِي وَجْهٍ هِيَ كُفْرٌ بِأَنْ قِيلَ لَهُ لَا تَغْتَبْ فَيَقُولُ: لَيْسَ هَذَا غِيبَةً، لِأَنِّي صَادِقٌ فِيهِ فَقَدْ اسْتَحَلَّ مَا حُرِّمَ بِالْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ، وَهُوَ كُفْرٌ، وَفِي وَجْهٍ: هِيَ نِفَاقٌ بِأَنْ يَغْتَابَ مَنْ لَا يُسَمِّيهِ عِنْدَ مَنْ يَعْرِفُهُ، فَهُوَ مُغْتَابٌ، وَيَرَى مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ مُتَوَرِّعٌ، فَهَذَا هُوَ النِّفَاقُ، وَفِي وَجْهٍ: هِيَ مَعْصِيَةٌ وَهُوَ أَنْ يَغْتَابَ مُعَيَّنًا وَيَعْلَمُ أَنَّهَا مَعْصِيَةٌ فَعَلَيْهِ التَّوْبَةُ، وَفِي وَجْهٍ: هِيَ مُبَاحٌ وَهُوَ أَنْ يَغْتَابَ مُعْلِنًا بِفِسْقِهِ أَوْ صَاحِبَ بِدْعَةٍ وَإِنْ اغْتَابَ الْفَاسِقَ لِيَحْذَرَهُ النَّاسُ يُثَابُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ اهـ. أَقُولُ: وَالْإِبَاحَةُ لَا تُنَافِي الْوُجُوبَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ وَمُتَظَاهِرٍ بِقَبِيحٍ) وَهُوَ الَّذِي لَا يَسْتَتِرُ عَنْهُ وَلَا يُؤَثِّرُ عِنْدَهُ إذَا قِيلَ عَنْهُ إنَّهُ يَفْعَلُ كَذَا اهـ ابْنُ الشِّحْنَةِ قَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ: فَيَجُوزُ ذِكْرُهُ بِمَا يُجَاهِرُ بِهِ لَا غَيْرِهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَلْقَى جِلْبَابَ الْحَيَاءِ عَنْ وَجْهِهِ فَلَا غِيبَةَ لَهُ» وَأَمَّا إذَا كَانَ مُسْتَتِرًا فَلَا تَجُوزُ غِيبَتُهُ اهـ. قُلْت: وَمَا اُشْتُهِرَ بَيْنَ الْعَوَّامِ مِنْ أَنَّهُ لَا غِيبَةَ لِتَارِكِ الصَّلَاةِ إنْ أُرِيدَ بِهِ ذِكْرُهُ بِذَلِكَ وَكَانَ مُتَجَاهِرًا فَهُوَ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ وَلِمُصَاهَرَةٍ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْمَشُورَةِ: أَيْ فِي نِكَاحٍ وَسَفَرٍ وَشَرِكَةٍ وَمُجَاوَرَةٍ وَإِيدَاعِ أَمَانَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَهُ أَنْ يَذْكُرَ مَا يَعْرِفُهُ عَلَى قَصْدِ النُّصْحِ (قَوْلُهُ وَلِسُوءِ اعْتِقَادٍ تَحْذِيرًا مِنْهُ) أَيْ بِأَنْ كَانَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ يُخْفِيهَا وَيُلْقِيهَا لِمَنْ ظَفِرَ بِهِ أَمَّا لَوْ تَجَاهَرَ بِهَا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمُتَجَاهِرِ تَأَمَّلْ. وَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالتَّحْذِيرِ، لِيَشْمَلَ التَّحْذِيرَ مِنْ سُوءِ الِاعْتِقَادِ وَلِمَا مَرَّ مَتْنًا مِمَّنْ يُصَلِّي وَيَصُومُ وَيَضُرُّ النَّاسَ (قَوْلُهُ وَلِشَكْوَى ظِلَامَتِهِ لِلْحَاكِمِ) فَيَقُولُ ظَلَمَنِي فُلَانٌ بِكَذَا لِيُنْصِفَهُ مِنْهُ. [تَتِمَّةٌ] يُزَادُ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ سِتَّةٌ أُخْرَى مَرَّ مِنْهَا فِي الْمَتْنِ ثِنْتَانِ، الْأُولَى: الِاسْتِعَانَةُ بِمَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى زَجْرِهِ، الثَّانِيَةُ: ذِكْرُهُ عَلَى وَجْهِ الِاهْتِمَامِ، الثَّالِثَةُ: الِاسْتِفْتَاءُ قَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ: بِأَنْ يَقُولَ لِلْمُفْتِي ظَلَمَنِي فُلَانٌ كَذَا وَكَذَا وَمَا طَرِيقُ الْخَلَاصِ، وَالْأَسْلَمُ أَنْ يَقُولَ مَا قَوْلُك فِي رَجُلٍ ظَلَمَهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ أَوْ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنَّ التَّصْرِيحَ مُبَاحٌ بِهَذَا الْقَدْرِ اهـ لِأَنَّ الْمُفْتِيَ قَدْ يُدْرِكُ مَعَ تَعْيِينِهِ مَا لَا يُدْرِكُ مَعَ إبْهَامِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّ هِنْدَ امْرَأَةَ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ قَالَ خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» الرَّابِعَةُ: بَيَانُ الْعَيْبِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا، وَهُوَ سَارِقٌ أَوْ زَانٍ فَيَذْكُرُهُ لِلْمُشْتَرِي، وَكَذَا لَوْ رَأَى الْمُشْتَرِي يُعْطِي الْبَائِعَ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةً فَيَقُولُ: احْتَرِزْ مِنْهُ بِكَذَا، الْخَامِسَةُ: قَصْدُ التَّعْرِيفِ كَأَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِلَقَبِهِ كَالْأَعْرَجِ وَالْأَعْمَشِ وَالْأَحْوَلِ، السَّادِسَةُ: جُرْحُ الْمَجْرُوحِينَ مِنْ الرُّوَاةِ وَالشُّهُودِ وَالْمُصَنِّفِينَ فَهُوَ جَائِزٌ بَلْ وَاجِبٌ صَوْنًا لِلشَّرِيعَةِ فَالْمَجْمُوعُ إحْدَى عَشَرَةَ جَمَعْتهَا بِقَوْلِي: بِمَا يَكْرَهُ الْإِنْسَانُ يَحْرُمُ ذِكْرُهُ ... سِوَى عَشْرَةٍ حَلَّتْ أَتَتْ تِلْوَ وَاحِدِ تَظَلَّمْ وَشِرْ وَاجْرَحْ وَبَيِّنْ مُجَاهِرًا ... بِفِسْقٍ وَمَجْهُولًا وَغِشًّا لِقَاصِدِ وَعَرِّفْ كَذَا اسْتَفْتِ اسْتَعِنْ عِنْدَ زَاجِرٍ ... كَذَاكَ اهْتَمِمْ حَذِّرْ فُجُورَ مُعَانِدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 409 بِالْفِعْلِ وَبِالتَّعْرِيضِ وَبِالْكِتَابَةِ وَبِالْحَرَكَةِ وَبِالرَّمْزِ وَ (بِغَمْزِ الْعَيْنِ وَالْإِشَارَةِ بِالْيَدِ) وَكُلُّ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْغِيبَةِ وَهُوَ حَرَامٌ؛ وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «دَخَلَتْ عَلَيْنَا امْرَأَةٌ فَلَمَّا وَلَّتْ أَوْمَأْتُ بِيَدِي أَيْ قَصِيرَةٌ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اغْتَبْتِيهَا» وَمِنْ ذَلِكَ الْمُحَاكَاةُ كَأَنْ يَمْشِي مُتَعَارِجًا أَوْ كَمَا يَمْشِي فَهُوَ غِيبَةٌ بَلْ أَقْبَحُ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ فِي التَّصْوِيرِ وَالتَّفْهِيمِ وَمِنْ الْغِيبَةِ أَنْ يَقُولَ: بَعْضُ مَنْ مَرَّ بِنَا الْيَوْمَ أَوْ بَعْضُ مَنْ رَأَيْنَاهُ إذَا كَانَ الْمُخَاطَبُ يَفْهَمُ شَيْخًا مُعَيَّنًا لِأَنَّ الْمَحْذُورَ تَفْهِيمُهُ دُونَ مَا بِهِ التَّفْهِيمُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَفْهَمْ عَيْنَهُ جَازَ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَفِيهَا: الْغِيبَةُ أَنْ تَصِفَ أَخَاك حَالَ كَوْنِهِ غَائِبًا بِوَصْفٍ يَكْرَهُهُ إذَا سَمِعَهُ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ اغْتَبْته، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ» وَإِذَا لَمْ تَبْلُغْهُ يَكْفِيهِ النَّدَمُ وَإِلَّا شُرِطَ بَيَانُ كُلِّ مَا اغْتَابَهُ بِهِ   [رد المحتار] (قَوْلُهُ بِالْفِعْلِ) كَالْحَرَكَةِ وَالرَّمْزِ وَالْغَمْزِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَبِالتَّعْرِيضِ) كَقَوْلِهِ مُنْذُ ذَكَرَ شَخْصٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانَا مِنْ كَذَا وَهَذَا مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ صَرِيحًا (قَوْلُهُ وَبِالْكِتَابَةِ) لِأَنَّ الْقَلَمَ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ وَعَبَّرَ فِي الشِّرْعَةِ بِالْكِنَايَةِ بِالنُّونِ وَالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ (قَوْلُهُ وَبِالْحَرَكَةِ) كَأَنْ يُذْكَرَ إنْسَانٌ عِنْدَهُ بِخَيْرٍ فَيُحَرِّكَ رَأْسَهُ مَثَلًا إشَارَةً إلَى أَنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ مِنْ السُّوءِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَبِالرَّمْزِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الرَّمْزُ وَيُضَمُّ وَيُحَرَّكُ الْإِشَارَةُ أَوْ الْإِيمَاءُ بِالشَّفَتَيْنِ أَوْ الْعَيْنَيْنِ أَوْ الْحَاجِبَيْنِ أَوْ الْفَمِ أَوْ اللِّسَانِ أَوْ الْيَدِ (قَوْلُهُ أَيْ قَصِيرَةً) تَفْسِيرٌ لِأَوْمَأْتُ ط (قَوْلُهُ اغْتَبْتِيهَا) بِيَاءِ الْإِشْبَاعِ ط (قَوْلُهُ الْغِيبَةُ أَنْ تَصِفَ أَخَاك) أَيْ الْمُسْلِمَ وَلَوْ مَيِّتًا وَكَذَا الذِّمِّيَّ لِأَنَّ لَهُ مَالَنَا وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا، وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الْمُسْتَأْمَنِ أَنَّهُ بَعْدَ مُكْثِهِ عِنْدَنَا سَنَةً، وَوَضَعَ الْجِزْيَةَ عَلَيْهِ كُفَّ الْأَذَى عَنْهُ وَتَحْرُمُ غِيبَتُهُ كَالْمُسْلِمِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا غِيبَةَ لِلْحَرْبِيِّ (قَوْلُهُ حَالَ كَوْنِهِ غَائِبًا) هَذَا الْقَيْدُ مَأْخُوذٌ مِنْ مَفْهُومِهَا اللُّغَوِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ فِي وَجْهِهِ، فَهُوَ سَبٌّ وَشَتْمٌ، وَهُوَ حَرَامٌ أَيْضًا بِالْأَوْلَى، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِيذَاءِ مِنْ حَالِ الْغِيبَةِ سِيَّمَا قَبْلَ بُلُوغِهَا الْمُغْتَابَ وَهُوَ أَحَدُ تَفْسِيرَيْنِ - {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [الحجرات: 11]- فَقِيلَ هُوَ ذِكْرُ مَا فِي الرَّجُلِ مِنْ الْعَيْبِ فِي غِيبَتِهِ وَقِيلَ فِي وَجْهِهِ (قَوْلُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَخْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَجَمَاعَةٌ. (قَوْلُهُ بِمَا يَكْرَهُ) سَوَاءٌ كَانَ نَقْصًا فِي بَدَنِهِ أَوْ نَسَبِهِ أَوْ خَلْقِهِ أَوْ فِعْلِهِ أَوْ قَوْلِهِ أَوْ دِينِهِ حَتَّى فِي ثَوْبِهِ أَوْ دَارِهِ أَوْ دَابَّتِهِ كَمَا فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ قَالَ ط: وَانْظُرْ مَا لَوْ ذَكَرَ مِنْ الصَّغِيرِ غَيْرِ الْعَاقِلِ مَا يَكْرَهُ لَوْ كَانَ عَاقِلًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ مِنْ الْأَقَارِبِ اهـ وَجَزَمَ ابْنُ حَجَرٍ بِحُرْمَةِ غِيبَةِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ (قَوْلُهُ فَقَدْ بَهَتَّهُ) أَيْ قُلْتَ فِيهِ بُهْتَانًا أَيْ كَذِبًا عَظِيمًا وَالْبُهْتَانُ: هُوَ الْبَاطِلُ الَّذِي يُتَحَيَّرُ مِنْ بُطْلَانِهِ وَشِدَّةِ ذِكْرِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ، وَفِيهِ أَنَّ الْمُسْتَمِعَ لَا يَخْرُجُ مِنْ إثْمِ الْغِيبَةِ إلَّا بِأَنْ يُنْكِرَ بِلِسَانِهِ، فَإِنْ خَافَ فَبِقَلْبِهِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ أَوْ قَطْعِ الْكَلَامِ بِكَلَامٍ آخَرَ فَلَمْ يَفْعَلْهُ لَزِمَهُ كَذَا فِي الْإِحْيَاءِ اهـ. وَقَدْ وَرَدَ " «بِأَنَّ الْمُسْتَمِعَ أَحَدُ الْمُغْتَابِينَ» وَوَرَدَ «مَنْ ذَبَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ بِالْغِيبَةِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُعْتِقَهُ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَجَمَاعَةٌ (قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ تَبْلُغْهُ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا مِنْ الْحَدِيثِ بَلْ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إذَا تَابَ الْمُغْتَابُ قَبْلَ وُصُولِهَا تَنْفَعُهُ تَوْبَتُهُ بِلَا اسْتِحْلَالٍ مِنْ صَاحِبِهِ فَإِنْ بَلَغَتْ إلَيْهِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ قِيلَ لَا تَبْطُلُ تَوْبَتُهُ، بَلْ يَغْفِرُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا جَمِيعًا لِلْأَوَّلِ بِالتَّوْبَةِ وَلِلثَّانِي لِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَقِيلَ بَلْ تَوْبَتُهُ مُعَلَّقَةٌ فَإِنْ مَاتَ الثَّانِي قَبْلَ بُلُوغِهَا إلَيْهِ فَتَوْبَتُهُ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ بَلَغَتْهُ فَلَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِحْلَالِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَلَوْ قَالَ بُهْتَانًا فَلَا بُدَّ أَيْضًا أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَنْ تَكَلَّمَ عِنْدَهُمْ وَيُكَذِّبَ نَفْسَهُ وَتَمَامُهُ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا شُرِطَ بَيَانُ كُلِّ مَا اغْتَابَهُ بِهِ) أَيْ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ وَالْمُرَادُ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ ذَلِكَ وَيَعْتَذِرَ إلَيْهِ لِيَسْمَحَ عَنْهُ بِأَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 410 (وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَاجِبَةٌ وَلَوْ) كَانَتْ (بِسَلَامٍ وَتَحِيَّةٍ وَهَدِيَّةٍ) وَمُعَاوَنَةٍ وَمُجَالَسَةٍ وَمُكَالَمَةٍ وَتَلَطُّفٍ وَإِحْسَانٍ وَيَزُورُهُمْ غِبًّا لِيَزِيدَ حُبًّا بَلْ يَزُورُ أَقْرِبَاءَهُ كُلَّ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ وَلَا يَرُدُّ حَاجَتَهُمْ لِأَنَّهُ مِنْ الْقَطِيعَةِ فِي الْحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ يَصِلُ مَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ وَيَقْطَعُ مَنْ قَطَعَهَا» وَفِي الْحَدِيثِ «صِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ»   [رد المحتار] يُبَالِغَ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالتَّوَدُّدِ إلَيْهِ وَيُلَازِمَ ذَلِكَ حَتَّى يَطِيبَ قَلْبُهُ، وَإِنْ لَمْ يَطِبْ قَلْبُهُ كَانَ اعْتِذَارُهُ وَتَوَدُّدُهُ حَسَنَةً يُقَابِلُ بِهَا سَيِّئَةَ الْغِيبَةِ فِي الْآخِرَةِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْلِصَ فِي الِاعْتِذَارِ، وَإِلَّا فَهُوَ ذَنْبٌ آخَرُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْقَى لِخَصْمِهِ عَلَيْهِ مُطَالَبَةٌ فِي الْآخِرَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُخْلِصٍ لَمَا رَضِيَ بِهِ. قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ أَيْضًا: فَإِنْ غَابَ أَوْ مَاتَ فَقَدْ فَاتَ أَمْرُهُ، وَلَا يُدْرَكُ إلَّا بِكَثْرَةِ الْحَسَنَاتِ لِتُؤْخَذَ عِوَضًا فِي الْقِيَامَةِ، وَيَجِبُ أَنْ يُفَصِّلَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّفْصِيلُ مُضِرًّا لَهُ كَذِكْرِهِ عُيُوبًا يُخْفِيهَا فَإِنَّهُ يَسْتَحِلُّ مِنْهَا مُبْهِمًا اهـ. وَقَالَ مُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ: وَهَلْ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ اغْتَبْتُك فَاجْعَلْنِي فِي حِلٍّ أَمْ لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ مَا اغْتَابَ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا فِي الْغِيبَةِ إلَّا بِعِلْمِهِ بِهَا، بَلْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ إعْلَامَهُ يُثِيرُ فِتْنَةً، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ جَائِزٌ عِنْدَنَا، وَالْمُسْتَحَبُّ لِصَاحِبِ الْغِيبَةِ أَنْ يُبْرِئَهُ عَنْهَا وَفِي الْقُنْيَةِ تَصَافُحُ الْخَصْمَيْنِ لِأَجْلِ الْعُذْرِ اسْتِحْلَالٌ قَالَ فِي النَّوَوِيِّ. وَرَأَيْت فِي فَتَاوَى الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يَكْفِي النَّدَمُ وَالِاسْتِغْفَارُ فِي الْغِيبَةِ، وَإِنْ بَلَغَتْ الْمُغْتَابَ وَلَا اعْتِبَارَ بِتَحْلِيلِ الْوَرَثَةِ. (قَوْلُهُ وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَاجِبَةٌ) نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ اتِّفَاقَ الْأُمَّةِ عَلَى وُجُوبِ صِلَتِهَا وَحُرْمَةِ قَطْعِهَا لِلْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ: وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّحِمِ الَّتِي يَجِبُ صِلَتُهَا قَالَ قَوْمٌ: هِيَ قَرَابَةُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَقَالَ آخَرُونَ. كُلُّ قَرِيبٍ مَحْرَمًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ اهـ وَالثَّانِي ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمَتْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهُوَ الصَّوَابُ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِالْأَحَادِيثِ. نَعَمْ تَتَفَاوَتُ دَرَجَاتُهَا فَفِي الْوَالِدَيْنِ أَشَدُّ مِنْ الْمَحَارِمِ، وَفِيهِمْ أَشَدُّ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَرْحَامِ وَفِي الْأَحَادِيثِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ كَمَا بَيَّنَهُ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ بِسَلَامٍ إلَخْ) قَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ: وَإِنْ كَانَ غَائِبًا يَصِلُهُمْ بِالْمَكْتُوبِ إلَيْهِمْ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَسِيرِ إلَيْهِمْ كَانَ أَفْضَلَ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَالِدَانِ لَا يَكْفِي الْمَكْتُوبُ إنْ أَرَادَا مَجِيئَهُ وَكَذَا إنْ احْتَاجَا إلَى خِدْمَتِهِ، وَالْأَخُ الْكَبِيرُ كَالْأَبِ بَعْدَهُ وَكَذَا الْجَدُّ وَإِنْ عَلَا وَالْأُخْتُ الْكَبِيرَةُ وَالْخَالَةُ كَالْأُمِّ فِي الصِّلَةِ، وَقِيلَ الْعَمُّ مِثْلُ الْأَبِ وَمَا عَدَلَ هَؤُلَاءِ تَكْفِي صِلَتُهُمْ بِالْمَكْتُوبِ أَوْ الْهَدِيَّةِ اهـ. وَتَمَامُهُ فِيهِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ أَنْ تَصِلَهُمْ إذَا وَصَلُوك لِأَنَّ هَذَا مُكَافَأَةٌ بَلْ أَنْ تَصِلَهُمْ وَإِنْ قَطَعُوك فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ «لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ الَّذِي إذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا» " (قَوْلُهُ وَيَزُورُهُمْ غِبًّا) الْغِبُّ بِالْكَسْرِ عَاقِبَةُ الشَّيْءِ وَفِي الزِّيَارَةِ أَنْ تَكُونَ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ، وَمِنْ الْحُمَّى مَا تَأْخُذُهُ يَوْمًا وَتَدَعُ يَوْمًا قَامُوسٌ لَكِنْ فِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ هُوَ أَنْ تَزُورَ يَوْمًا وَتَدَعَ يَوْمًا وَلَمَّا كَانَ فِيهِ نَوْعُ عُسْرٍ عَدَلَ إلَى مَا هُوَ أَسْهَلُ مِنْ الْغِبِّ فَقَالَ بَلْ يَزُورُ أَقْرِبَاءَهُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ عَلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ اهـ (قَوْلُهُ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ) وَكَذَا فِي الرِّزْقِ فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنَسَّأَ» بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ ثَالِثِهِ الْمُهْمَلِ وَبِالْهَمْزِ أَيْ يُؤَخَّرَ لَهُ فِي أَثَرِهِ أَيْ أَجَلِهِ «فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» . قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي تَنْبِيهِ الْغَافِلِينَ: اخْتَلَفُوا فِي زِيَادَةِ الْعُمُرِ فَقِيلَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَقِيلَ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} [النحل: 61]- الْآيَةَ، بَلْ الْمَعْنَى يُكْتَبُ ثَوَابُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقِيلَ إنَّ الْأَشْيَاءَ قَدْ تُكْتَبُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مُعَلَّقَةً كَأَنْ وَصَلَ فُلَانٌ رَحِمَهُ فَعُمُرُهُ كَذَا وَإِلَّا فَكَذَا وَلَعَلَّ الدُّعَاءَ وَالصَّدَقَةَ وَصِلَةَ الرَّحِمِ مِنْ جُمْلَتِهَا فَلَا يُخَالِفُ الْحَدِيثُ الْآيَةَ اهـ. زَادَ فِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ عَنْ شَرْحِ الْمَشَارِقِ أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ الْبَرَكَةُ فِي رِزْقِهِ وَبَقَاءُ ذِكْرِهِ الْجَمِيلِ بَعْدَهُ، وَهُوَ كَالْحَيَاةِ أَوْ يُقَالُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 411 وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ. (وَيُسَلِّمُ) الْمُسْلِمُ (عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ) لَوْ لَهُ حَاجَةٌ إلَيْهِ وَإِلَّا كُرِهَ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا كُرِهَ لِلْمُسْلِمِ مُصَافَحَةُ الذِّمِّيِّ كَذَا فِي نُسَخِ الشَّارِحِ وَأَكْثَرِ الْمُتُونِ بِلَفْظِ وَيُسَلِّمُ فَأَوَّلْتهَا هَكَذَا وَلَكِنْ بَعْضُ نُسَخِ الْمَتْنِ. وَلَا يُسَلِّمُ وَهُوَ الْأَحْسَنُ الْأَسْلَمُ فَافْهَمْ وَفِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِلْعَيْنِيِّ فِي حَدِيثِ «أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: تُطْعِمَ الطَّعَامَ وَتَقْرَأَ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْت وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» قَالَ وَهَذَا التَّعْمِيمُ مَخْصُوصٌ بِالْمُسْلِمِينَ، فَلَا يُسَلِّمُ ابْتِدَاءً عَلَى كَافِرٍ لِحَدِيثِ «لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إلَى أَضْيَقِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَكَذَا يَخُصُّ مِنْهُ الْفَاسِقَ بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَأَمَّا مَنْ شَكَّ فِيهِ فَالْأَصْلُ فِيهِ الْبَقَاءُ عَلَى الْعُمُومِ حَتَّى يَثْبُتَ الْخُصُوصُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ السَّلَامِ لِمَصْلَحَةِ التَّأْلِيفِ ثُمَّ وَرَدَ النَّهْيُ اهـ فَلْيُحْفَظْ. وَلَوْ سَلَّمَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ عَلَى مُسْلِمٍ فَلَا بَأْسَ بِالرَّدِّ   [رد المحتار] صَدَرَ الْحَدِيثُ فِي مَعْرِضِ الْحَثِّ عَلَى صِلَةِ الرَّحِمِ بِطَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ، يَعْنِي لَوْ كَانَ شَيْءٌ يُبْسَطُ بِهِ الرِّزْقُ وَالْأَجَلُ لَكَانَ صِلَةُ الرَّحِمِ اهـ. وَالظَّاهِرُ الثَّالِثُ لِمَا فِي التَّنْبِيهِ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى - {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39]- قَالَ إنَّ الرَّجُلَ لَيَصِلُ رَحِمَهُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَيَزِيدُ اللَّهُ تَعَالَى فِي عُمُرِهِ إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَإِنَّ الرَّجُلَ يَقْطَعُ الرَّحِمَ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ ثَلَاثُونَ سَنَةً فَيَرُدُّ أَجَلَهُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ) قَالَ فِيهَا وَتَكُونُ كُلُّ قَبِيلَةٍ وَعَشِيرَةٍ يَدًا وَاحِدَةً فِي التَّنَاصُرِ وَالتَّظَاهُرِ عَلَى كُلِّ مَنْ سِوَاهُمْ فِي إظْهَارِ الْحَقِّ اهـ. وَتَمَامُهُ أَيْضًا فِي الشِّرْعَةِ وَتَبْيِينِ الْمَحَارِمِ (قَوْلُهُ وَيُسَلِّمُ الْمُسْلِمُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، لَوْ كَانَ الذِّمِّيُّ وَاحِدًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي الرَّدِّ تَأَمَّلْ. لَكِنْ فِي الشِّرْعَةِ إذَا سَلَّمَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فَلْيَقُلْ: السَّلَامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى وَكَذَلِكَ يَكْتُبُ فِي الْكِتَابِ إلَيْهِمْ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا كَتَبْتَ إلَى يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ فِي حَاجَةٍ فَاكْتُبْ السَّلَامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى اهـ. (قَوْلُهُ لَوْ لَهُ حَاجَةٌ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الذِّمِّيِّ الْمَفْهُومِ مِنْ الْمَقَامِ، قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ السَّلَامِ لِتَوْقِيرِهِ وَلَا تَوْقِيرَ إذَا كَانَ السَّلَامُ لِحَاجَةٍ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) مُقَابِلُهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ بِلَا تَفْصِيلٍ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ (قَوْلُهُ كَمَا كُرِهَ لِلْمُسْلِمِ مُصَافَحَةُ الذِّمِّيِّ) أَيْ بِلَا حَاجَةٍ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ لَا بَأْسَ بِمُصَافَحَةِ الْمُسْلِمِ جَارَهُ النَّصْرَانِيَّ إذَا رَجَعَ بَعْدَ الْغِيبَةِ وَيَتَأَذَّى بِتَرْكِ الْمُصَافَحَةِ اهـ. تَأَمَّلْ وَهَلْ يُشَمِّتُهُ إذَا عَطَسَ وَحَمِدَ؟ قَالَ الْحَمَوِيُّ: الظَّاهِرُ لَا اهـ. لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّهُ يَقُولُ لَهُ يَهْدِيك اللَّهُ (قَوْلُهُ وَأَكْثَرِ الْمُتُونِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الشَّرْحِ: أَيْ نُسَخِ أَكْثَرِ الْمُتُونِ أَيْ الْمُتُونِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الشَّرْحِ وَجَمْعُهَا بِاعْتِبَارِ أَشْخَاصِهَا وَإِلَّا فَالْمُرَادُ مَتْنُ التَّنْوِيرِ لَا غَيْرُ (قَوْلُهُ بِلَفْظِ وَيُسَلِّمُ) وَهُوَ كَذَلِكَ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ مَتْنًا وَشَرْحًا رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ فَأَوَّلْتُهَا هَكَذَا) أَيْ بِالتَّقْيِيدِ بِالْحَاجَةِ لِيَكُونَ الْمَتْنُ مَاشِيًا عَلَى الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَحْسَنُ) لِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَصْلِيَّ الْمَنْعُ وَالْجَوَازُ لِحَاجَةٍ عَارِضٌ وَقَوْلُهُ الْأَسْلَمُ لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ مُطْلَقًا لَا يَقَعُ فِي مَحْذُورٍ بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ مُطْلَقًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ) أَيُّ خِصَالِ الْإِسْلَامِ ط (قَوْلُهُ تُطْعِمَ) بِتَأْوِيلِ أَنْ تُطْعِمَ وَيَأْتِي فِيهِ الْأَوْجُهُ الَّتِي ذَكَرَهَا النَّحْوِيُّونَ فِي: تَسْمَعَ بِالْمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ (قَوْلُهُ وَتَقْرَأَ) مِنْ الْقُرْآنِ لَا مِنْ الْإِقْرَاءِ ط (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَّارِي بِالسَّلَامِ) يُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ زِيَادَةُ: " «فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقِ فَاضْطَرُّوهُ إلَى أَضْيَقِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (قَوْلُهُ وَكَذَا يَخُصُّ مِنْهُ الْفَاسِقَ) أَيْ لَوْ مُعْلِنًا وَإِلَّا فَلَا يُكْرَهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ وَأَمَّا مَنْ شَكَّ فِيهِ) أَيْ هَلْ هُوَ مُسْلِمٌ أَوْ غَيْرُهُ وَأَمَّا الشَّكُّ بَيْنَ كَوْنِهِ فَاسِقًا أَوْ صَالِحًا فَلَا اعْتِبَارَ لَهُ بَلْ يَظُنُّ بِالْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ط (قَوْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ) أَيْ الْمَأْخُوذِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سَلِّمْ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» ط (قَوْلُهُ إنَّ الْحَدِيثَ) أَيْ الْأَوَّلَ الْمُفِيدَ عُمُومُهُ شُمُولَ الذِّمِّيِّ (قَوْلُهُ لِمَصْلَحَةِ التَّأْلِيفِ ) أَيْ تَأْلِيفِ قُلُوبِ النَّاسِ وَاسْتِمَالَتِهِمْ بِاللِّسَانِ وَالْإِحْسَانِ إلَى الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ ثُمَّ وَرَدَ النَّهْيُ) أَيْ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي لَمَّا أَعَزّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ (قَوْلُهُ فَلَا بَأْسَ بِالرَّدِّ) الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ الْأَوْلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 412 (وَ) لَكِنْ (لَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَيْك) كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى الذِّمِّيِّ تَبْجِيلًا يَكْفُرُ) لِأَنَّ تَبْجِيلَ الْكَافِرِ كُفْرٌ وَلَوْ قَالَ لِمَجُوسِيٍّ يَا أُسْتَاذُ تَبْجِيلًا كَفَرَ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَفِيهَا: لَوْ قَالَ لِذِمِّيٍّ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك إنْ نَوَى بِقَلْبِهِ لَعَلَّهُ يُسْلِمُ أَوْ يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ ذَلِيلًا فَلَا بَأْسَ بِهِ. (وَلَا يَجِبُ رَدُّ سَلَامِ السَّائِلِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلتَّحِيَّةِ وَلَا مَنْ يُسَلِّمُ وَقْتَ الْخُطْبَةِ خَانِيَّةٌ. وَفِيهَا وَإِذَا أَتَى دَارَ إنْسَانٍ يَجِبُ أَنْ يَسْتَأْذِنَ قَبْلَ السَّلَامِ، ثُمَّ إذَا دَخَلَ يُسَلِّمُ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَكَلَّمُ، وَلَوْ فِي قَضَاءٍ يُسَلِّمُ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَكَلَّمُ وَلَوْ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا زَيْدُ لَمْ يَسْقُطْ بِرَدِّ غَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ يَا فُلَانُ أَوْ أَشَارَ لِمُعَيَّنٍ سَقَطَ وَشُرِطَ فِي الرَّدِّ وَجَوَابُ الْعُطَاسِ إسْمَاعُهُ فَلَوْ أَصَمَّ يُرِيهِ تَحْرِيكَ شَفَتَيْهِ اهـ.   [رد المحتار] عَدَمُهُ ط لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِذَا سَلَّمَ أَهْلُ الذِّمَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ الْجَوَابَ وَبِهِ نَأْخُذُ. (قَوْلُهُ وَلَكِنْ لَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَيْك) لِأَنَّهُ قَدْ يَقُولُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ أَيْ الْمَوْتُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْيَهُودِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ " وَعَلَيْك " فَرَدَّ دُعَاءَهُ عَلَيْهِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ مُحَمَّدٌ: يَقُولُ الْمُسْلِمُ وَعَلَيْك يَنْوِي بِذَلِكَ السَّلَامَ لِحَدِيثٍ مَرْفُوعٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ فَرُدُّوا عَلَيْهِمْ» " (قَوْلُهُ تَبْجِيلًا) قَالَ فِي الْمِنَحِ قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ كَانَ لِغَرَضٍ مِنْ الْأَغْرَاضِ الصَّحِيحَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا كُفْرَ (قَوْلُهُ إنْ نَوَى بِقَلْبِهِ) وَأَمَّا إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا يُكْرَهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَذَكَرَ الْبِيرِيُّ أَخْذًا مِنْ نَظَائِرِهَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَلَيْسَ بَعْدَ النَّصِّ إلَّا الرُّجُوعُ إلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَيْسَ بِقَيْدٍ ط (قَوْلُهُ وَإِذَا أَتَى دَارَ إنْسَانٍ إلَخْ) وَفِي فُصُولِ الْعَلَامِيِّ وَإِنْ دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ يُسَلِّمُ أَوَّلًا، ثُمَّ يَتَكَلَّمُ وَإِنْ أَتَى غَيْرَهُ يَسْتَأْذِنُ لِلدُّخُولِ ثَلَاثًا يَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ أَيَدْخُلُ فُلَانٌ، وَيَمْكُثُ بَعْدَ كُلِّ مَرَّةٍ مِقْدَارَ مَا يَفْرُغُ الْآكِلُ وَالْمُتَوَضِّئُ وَالْمُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَإِذَا أُذِنَ لَهُ دَخَلَ وَإِلَّا رَجَعَ سَالِمًا عَنْ الْحِقْدِ وَالْعَدَاوَةِ وَلَا يَجِبُ الِاسْتِئْذَانُ عَلَى مَنْ أَرْسَلَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْبَيْتِ، فَإِذَا نُودِيَ مِنْ الْبَيْتِ مَنْ عَلَى الْبَابِ لَا يَقُولُ: أَنَا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِجَوَابٍ بَلْ يَقُولُ: أَيَدْخُلُ فُلَانٌ فَإِنْ قِيلَ لَا رَجَعَ سَالِمًا، وَإِذَا دَخَلَ بِالْإِذْنِ يُسَلِّمُ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَكَلَّمُ إنْ شَاءَ وَإِنْ دَخَلَ بَيْتًا لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَرُدُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَإِنْ لَقِيَهُ خَارِجَ الدَّارِ يُسَلِّمُ أَوَّلًا، ثُمَّ يَتَكَلَّمُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «السَّلَامُ قَبْلَ الْكَلَامِ» فَإِنْ تَكَلَّمَ قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا يُجِيبُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَكَلَّمَ قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا تُجِيبُوهُ» وَيُسَلِّمُ عَلَى الْقَوْمِ حِينَ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَحِينَ يُفَارِقُهُمْ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ شَارَكَهُمْ فِي كُلِّ خَيْرٍ عَمِلُوهُ بَعْدَهُ، وَإِنْ لَقِيَهُمْ وَفَارَقَهُمْ فِي الْيَوْمِ مِرَارًا وَحَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ جَدَّدَ السَّلَامَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الرَّحْمَةَ، وَيَنْوِي بِالسَّلَامِ تَجْدِيدَ عَهْدِ الْإِسْلَامِ أَنْ لَا يَنَالَ الْمُؤْمِنَ بِأَذَاهُ فِي عِرْضِهِ وَمَالِهِ فَإِذَا سَلَّمَ عَلَى الْمُؤْمِنِ حَرُمَ عَلَيْهِ تَنَاوُلُ عِرْضِهِ وَمَالِهِ، وَإِنْ دَخَلَ مَسْجِدًا وَبَعْضُ الْقَوْمِ فِي الصَّلَاةِ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَكُونُوا فِيهَا يُسَلِّمُ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ لَمْ يَكُنْ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ يَا فُلَانُ) أَيْ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَكِنَّ نَصَّ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ كَانَ جَالِسًا فِي قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا فُلَانُ فَرَدَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْضُ الْقَوْمِ سَقَطَ السَّلَامُ عَمَّنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ قِيلَ: إنْ سَمَّى رَجُلًا فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا زَيْدُ، فَرَدَّ عَلَيْهِ عَمْرٌو لَا يَسْقُطُ رَدُّ السَّلَامِ عَنْ زَيْدٍ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ وَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك، وَأَشَارَ إلَى رَجُلٍ فَرَدَّ غَيْرُهُ سَقَطَ السَّلَامُ عَنْ الْمُشَارِ إلَيْهِ اهـ وَجَزَمَ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا بِهَذَا التَّفْصِيلِ (قَوْلُهُ سَقَطَ) لِأَنَّ قَصْدَهُ التَّسْلِيمُ عَلَى الْكُلِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يُشَارَ لِلْجَمَاعَةِ بِخِطَابِ الْوَاحِدِ هِنْدِيَّةٌ، وَفِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ وَرَدَّ غَيْرُهُمْ لَمْ يَسْقُطْ الرَّدُّ عَنْهُمْ اهـ. ط (قَوْلُهُ وَشُرِطَ فِي الرَّدِّ إلَخْ) أَيْ كَمَا لَا يَجِبُ الرَّدُّ إلَّا بِإِسْمَاعِهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَصَمَّ يُرِيهِ تَحْرِيكَ شَفَتَيْهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ السَّلَامَ سُنَّةٌ وَاسْتِمَاعَهُ مُسْتَحَبٌّ، وَجَوَابُهُ أَيْ رَدُّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَإِسْمَاعُ رَدِّهِ وَاجِبٌ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ لَا يَسْقُطُ هَذَا الْفَرْضُ عَنْ السَّامِعِ حَتَّى قِيلَ لَوْ كَانَ الْمُسَلِّمُ أَصَمَّ يَجِبُ عَلَى الرَّادِّ أَنْ يُحَرِّكَ شَفَتَيْهِ وَيُرِيَهُ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 413 قُلْت: وَفِي الْمُبْتَغَى وَيَسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ بِرَدِّ صَبِيٍّ يَعْقِلُ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ إقَامَةِ الْفَرْضِ فِي الْجُمْلَةِ بِدَلِيلِ حِلِّ ذَبِيحَتِهِ وَقِيلَ لَا. وَفِي الْمُجْتَبَى: وَيَسْقُطُ بِرَدِّ الْعَجُوزِ وَفِي رَدِّ الشَّابَّةِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ قَوْلَانِ وَظَاهِرُ التَّاجِيَّةِ تَرْجِيحُ عَدَمِ السُّقُوطِ وَيُسَلِّمُ عَلَى الْوَاحِدِ بِلَفْظِ الْجَمَاعَةِ وَكَذَا الرَّدُّ وَلَا يَزِيدُ الرَّادُّ عَلَى وَبَرَكَاتُهُ. وَرَدُّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ عَلَى   [رد المحتار] أَصَمَّ لَسَمِعَهُ اهـ. (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ حِلِّ ذَبِيحَتِهِ) أَيْ مَعَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ فِيهَا فَرْضٌ، وَقَدْ أَجْزَأَتْ مِنْهُ وَاخْتُلِفَ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى الصِّبْيَانِ فَقِيلَ لَا يُسَلِّمُ وَقِيلَ: التَّسْلِيمُ أَفْضَلُ قَالَ الْفَقِيهُ وَبِهِ نَأْخُذُ تَتَارْخَانِيَّةٌ. وَأَمَّا السَّلَامُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَتَشْمِيتُهَا فَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي فَصْلِ النَّظَرِ وَالْمَسِّ (قَوْلُهُ بِلَفْظِ الْجَمَاعَةِ) لِأَنَّ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ حَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ فَكُلُّ وَاحِدٍ كَأَنَّهُ ثَلَاثَةٌ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَزِيدُ الرَّادُّ عَلَى وَبَرَكَاتُهُ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَالْأَفْضَلُ لِلْمُسَلِّمِ أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَالْمُجِيبُ كَذَلِكَ يَرُدُّ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ عَلَى الْبَرَكَاتِ شَيْءٌ اهـ. وَيَأْتِي بِوَاوِ الْعَطْفِ فِي وَعَلَيْكُمْ، وَإِنْ حَذَفَهَا أَجْزَأَهُ وَإِنْ قَالَ الْمُبْتَدِئُ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَلِلْمُجِيبِ أَنْ يَقُولَ فِي الصُّورَتَيْنِ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَلَكِنَّ الْأَلْفَ وَاللَّامَ أَوْلَى اهـ. (قَوْلُهُ وَرَدُّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ عَلَى الْفَوْرِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا أَخَّرَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ كُرِهَ تَحْرِيمًا وَلَا يَرْتَفِعُ الْإِثْمُ بِالرَّدِّ بَلْ بِالتَّوْبَةِ ط وَفِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ سُنَّةٌ وَعِنْدَ بَعْضِ الظَّاهِرِيَّةِ فَرْضُ عَيْنٍ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَاطِسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ التَّشْمِيتُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَوْ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ الدُّعَاءُ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْعَاطِسُ التَّشْمِيتَ إذَا حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَحْمَدْ لَا يَسْتَحِقُّ الدُّعَاءَ، لِأَنَّ الْعُطَاسَ نِعْمَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَمَنْ لَمْ يَحْمَدْ بَعْدَ عُطَاسِهِ لَمْ يَشْكُرْ نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَكُفْرَانُ النِّعْمَةِ لَا يَسْتَحِقُّ الدُّعَاءَ وَالْمَأْمُورُ بِهِ بَعْدَ الْعُطَاسِ أَنْ يَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَاذَا يَقُولُ الْمُشَمِّتُ فَقِيلَ يَقُولُ يَرْحَمُك اللَّهُ وَقِيلَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ تَعَالَى وَيَقُولُ لِلْمُشَمِّتِ: يَهْدِيك اللَّهُ، وَإِنْ كَانَ الْعَاطِسُ كَافِرًا فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ الْمُشَمِّتُ يَهْدِيك اللَّهُ، وَإِذَا تَكَرَّرَ الْعُطَاسُ قَالُوا يُشَمِّتُهُ ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْكُتُ قَالَ قَاضِي خَانْ: فَإِنْ عَطَسَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَمَنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ يُشَمِّتُهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَحَسَنٌ أَيْضًا اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ الْعَاطِسُ لِلْمُشَمِّتِ: غَفَرَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ أَوْ يَقُولُ: يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ وَلَا يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ. وَيَنْبَغِي لِلْعَاطِسِ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّحْمِيدِ، حَتَّى يُسْمِعَ مَنْ عِنْدَهُ فَيُشَمِّتَهُ، وَلَوْ شَمَّتَهُ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ أَجْزَأَ عَنْهُمْ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَقِيلَ: إذَا عَطَسَ رَجُلٌ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ تَحْمِيدٌ يَقُولُ مَنْ حَضَرَهُ يَرْحَمُك اللَّهِ إنْ كُنْتَ حَمِدْتَ اللَّهَ، وَإِذَا عَطَسَ مِنْ وَرَاءِ الْجِدَارِ، فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَهُ التَّشْمِيتُ اهـ. وَفِي فُصُولِ الْعَلَامِيِّ وَنُدِبَ لِلسَّامِعِ أَنْ يَسْبِقَ الْعَاطِسَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ لِحَدِيثِ «مَنْ سَبَقَ الْعَاطِسَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ أَمِنَ مِنْ الشَّوْصِ وَاللَّوْصِ وَالْعِلَّوْصِ» اهـ. وَهُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِ الْأَوَّلَيْنِ وَكَسْرِ أَوَّلِ الثَّالِثِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ لَامِهِ الْمُشَدَّدَةِ، وَسُكُونِ الْوَاوِ وَآخِرُ الْجَمِيعِ صَادٌ مُهْمَلَةٌ. وَفِي الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رَفَعَهُ «مَنْ عُطِسَ عِنْدَهُ فَسَبَقَ بِالْحَمْدُ لَمْ يَشْتَكِ خَاصِرَتَهُ» وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ «مَنْ سَبَقَ الْعَاطِسَ بِالْحَمْدُ وَقَاهُ اللَّهُ وَجَعَ الْخَاصِرَةِ وَلَمْ يَرَ فِي فِيهِ مَكْرُوهًا حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الدُّنْيَا» " وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ فَقَالَ: مَنْ يَبْتَدِي عَاطِسًا بِالْحَمْدُ يَأْمَنُ مِنْ ... شَوْصٍ وَلَوْصٍ وَعِلَّوْصٍ كَذَا وَرَدَا عَنَيْت بِالشَّوْصِ دَاءَ الرَّأْسِ ثُمَّ بِمَا ... يَلِيهِ ذَا الْبَطْنِ وَالضِّرْسِ اتَّبِعْ رَشَدًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 414 الْفَوْرِ وَيَجِبُ رَدُّ جَوَابِ كِتَابِ التَّحِيَّةِ كَرَدِّ السَّلَامِ. وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ: أَقْرِئْ فُلَانًا السَّلَامَ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْفَاسِقِ لَوْ مُعْلِنًا وَإِلَّا لَا كَمَا يُكْرَهُ عَلَى عَاجِزٍ عَنْ الرَّدِّ حَقِيقَةً كَآكِلٍ أَوْ شَرْعًا كَمُصَلٍّ وَقَارِئٍ وَلَوْ سَلَّمَ لَا يَسْتَحِقُّ الْجَوَابَ اهـ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ كَرَاهَتَهُ فِي نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ مَوْضِعًا وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ رَدُّ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِجَزْمِ الْمِيمِ   [رد المحتار] وَفِي الْمُغْرِب الشَّوْصُ: وَجَعُ الضِّرْسِ، وَاللَّوْصُ: وَجَعُ الْأُذُنِ، وَالْعِلَّوْصُ اللَّوِيُّ وَهِيَ التُّخَمَةُ اهـ. قَالَ فِي الشِّرْعَةِ: وَيُنَكِّسُ رَأْسَهُ عِنْدَ الْعُطَاسِ، وَيُخَمِّرُ وَجْهَهُ وَيَخْفِضُ مِنْ صَوْتِهِ فَإِنَّ التَّصَرُّخَ بِالْعُطَاسِ حُمْقٌ وَفِي الْحَدِيثِ «الْعَطْسَةُ عِنْدَ الْحَدِيثِ شَاهِدُ عَدْلٍ» وَلَا يَقُولُ الْعَاطِسُ أَبٌ أَوْ أَشْهَبُ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلشَّيْطَانِ اهـ. (قَوْلُهُ وَيَجِبُ رَدُّ جَوَابِ كِتَابِ التَّحِيَّةِ) لِأَنَّ الْكِتَابَ مِنْ الْغَائِبِ بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابِ مِنْ الْحَاضِرِ مُجْتَبًى وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ ط. أَقُولُ: الْمُتَبَادَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ رَدُّ سَلَامِ الْكِتَابِ لَا رَدُّ الْكِتَابُ. لَكِنْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ رَدُّ جَوَابِ الْكِتَابِ حَقٌّ كَرَدِّ السَّلَامِ قَالَ شَارِحُهُ الْمُنَاوِيُّ: أَيْ إذَا كَتَبَ لَك رَجُلٌ بِالسَّلَامِ فِي كِتَابٍ وَوَصَلَ إلَيْك وَجَبَ عَلَيْك الرَّدُّ بِاللَّفْظِ أَوْ بِالْمُرَاسَلَةِ وَبِهِ صَرَّحَ جَمْعُ شَافِعِيَّةٍ؛ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَوْ أَتَاهُ شَخْصٌ بِسَلَامٍ مِنْ شَخْصٍ أَيْ فِي وَرَقَةٍ وَجَبَ الرَّدُّ فَوْرًا؛ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْمُبَلِّغِ كَمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ، وَيَتَأَكَّدُ رَدُّ الْكِتَابِ فَإِنْ تَرَكَهُ رُبَّمَا أَوْرَثَ الضَّغَائِنَ وَلِهَذَا أَنْشَدَ: إذَا كَتَبَ الْخَلِيلُ إلَى الْخَلِيلِ ... فَحَقٌّ وَاجِبٌ رَدُّ الْجَوَابِ إذَا الْإِخْوَانُ فَاتَهُمْ التَّلَاقِي ... فَمَا صِلَةٌ بِأَحْسَنَ مِنْ كِتَابِ (قَوْلُهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ مِنْ إيصَالِ الْأَمَانَةِ لِمُسْتَحِقِّهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إذَا رَضِيَ بِتَحَمُّلِهَا تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْمُنَاوِيِّ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ التَّحْقِيقُ أَنَّ الرَّسُولَ إنْ الْتَزَمَهُ أَشْبَهَ الْأَمَانَةَ وَإِلَّا فَوَدِيعَةٌ اهـ. أَيْ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الذَّهَابُ لِتَبْلِيغِهِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: وَهَكَذَا عَلَيْهِ تَبْلِيغُ السَّلَامِ إلَى حَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ؛ وَقَالَ أَيْضًا: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْمُبَلِّغِ أَيْضًا فَيَقُولَ: وَعَلَيْك وَعَلَيْهِ السَّلَامُ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ تُحْفَةِ الْأَقْرَانِ لِلْمُصَنِّفِ، وَزَادَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يَجِبُ اهـ. لَكِنْ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة ذَكَرَ مُحَمَّدٌ حَدِيثًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ بَلَّغَ إنْسَانًا سَلَامًا عَنْ غَائِبٍ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الْجَوَابَ عَلَى الْمُبَلِّغِ أَوَّلًا ثُمَّ عَلَى ذَلِكَ الْغَائِبِ اهـ. وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَوْ مُعْلِنًا) تَخْصِيصٌ لِمَا قَدَّمَهُ عَنْ الْعَيْنِيِّ؛ وَفِي فُصُولِ الْعَلَامِيِّ: وَلَا يُسَلِّمُ عَلَى الشَّيْخِ الْمَازِحِ الْكَذَّابِ وَاللَّاغِي؛ وَلَا عَلَى مَنْ يَسُبُّ النَّاسَ أَوْ يَنْظُرُ وُجُوهَ الْأَجْنَبِيَّاتِ، وَلَا عَلَى الْفَاسِقِ الْمُعْلِنِ، وَلَا عَلَى مَنْ يُغَنِّي أَوْ يُطَيِّرُ الْحَمَامَ مَا لَمْ تُعْرَفْ تَوْبَتُهُمْ وَيُسَلِّمُ عَلَى قَوْمٍ فِي مَعْصِيَةٍ وَعَلَى مَنْ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ نَاوِيًا أَنْ يَشْغَلَهُمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكُرِهَ عِنْدَهُمَا تَحْقِيرًا لَهُمْ (قَوْلُهُ كَآكِلٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِحَالِ وَضْعِ اللُّقْمَةِ فِي الْفَمِ وَالْمَضْغِ وَأَمَّا قَبْلُ وَبَعْدُ فَلَا يُكْرَهُ لِعَدَمِ الْعَجْزِ وَبِهِ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ، وَفِي وَجِيزِ الْكَرْدَرِيِّ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ يَأْكُلُونَ إنْ كَانَ مُحْتَاجًا وَعَرَفَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَهُ سَلَّمَ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَهَذَا يَقْضِي بِكَرَاهَةِ السَّلَامِ عَلَى الْآكِلِ مُطْلَقًا إلَّا فِيمَا ذَكَرَهُ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ سَلَّمَ لَا يَسْتَحِقُّ الْجَوَابَ) أَقُولُ: فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ سَلَّمَ فِي حَالِ التِّلَاوَةِ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ بِخِلَافِ حَالِ الْخُطْبَةِ وَالْأَذَانِ وَتَكْرَارِ الْفِقْهِ اهـ. وَإِنْ سَلَّمَ فَهُوَ آثِمٌ تَتَارْخَانِيَّةٌ. وَفِيهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ اهـ. فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي الْقَارِئِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرُدُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَوْ عِنْدَ تَمَامِ الْآيَةِ وَفِي الِاخْتِيَارِ، وَإِذَا جَلَسَ الْقَاضِي نَاحِيَةً مِنْ الْمَسْجِدِ لِلْحُكْمِ لَا يُسَلِّمُ عَلَى الْخُصُومِ، وَلَا يُسَلَّمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ جَلَسَ لِلْحُكْمِ وَالسَّلَامُ تَحِيَّةُ الزَّائِرِينَ. فَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَغِلَ بِمَا جَلَسَ لِأَجْلِهِ، وَإِنْ سَلَّمُوا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَعَلَى هَذَا مَنْ جَلَسَ يُفَقِّهُ تَلَامِذَتَهُ وَيُقْرِئُهُمْ الْقُرْآنَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ دَاخِلٌ فَسَلَّمَ وَسِعَهُ أَنْ لَا يَرُدَّ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَلَسَ لِلتَّعْلِيمِ لَا لِرَدِّ السَّلَامِ اهـ. (قَوْلُهُ بِجَزْمِ الْمِيمِ) الْأَوْلَى بِسُكُونِ الْمِيمِ قَالَ ط: وَكَأَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ الَّتِي جَاءَتْ بِالتَّرْكِيبِ الْعَرَبِيِّ وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ الْجَمْعُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 415 وَلَوْ دَخَلَ وَلَمْ يَرَ أَحَدًا يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ.   [رد المحتار] بَيْنَ أَلْ وَالتَّنْوِينِ اهـ. وَظَاهِرُ تَقْيِيدِهِ بِجَزْمِ الْمِيمِ أَنَّهُ لَوْ نَوَّنَ الْمُجَرَّدَ مِنْ أَلْ كَمَا هُوَ تَحِيَّةُ الْمَلَائِكَةِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ يَجِبُ الرَّدُّ فَيَكُونُ لَهُ صِيغَتَانِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ سَابِقًا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة، ثُمَّ رَأَيْت فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَفْظُ السَّلَامِ فِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِالتَّنْوِينِ، وَبِدُونِ هَذَيْنِ كَمَا يَقُولُ الْجُهَّالُ، لَا يَكُونُ سَلَامًا قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ فِي الْمُصَافَحَةِ: وَلَا يَبْتَدِئُ بِقَوْلِهِ عَلَيْك السَّلَامُ، وَلَا بِعَلَيْكُمْ السَّلَامُ لِمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: «أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت عَلَيْك السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا تَقُلْ عَلَيْك السَّلَامُ فَإِنَّ عَلَيْك السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الرَّدُّ عَلَى الْمُبْتَدِئِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ، فَإِنَّهُ مَا ذُكِرَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَدَّ السَّلَامَ عَلَيْهِ بَلْ نَهَاهُ، وَهُوَ أَحَدُ احْتِمَالَاتٍ ثَلَاثَةٍ ذَكَرَهَا النَّوَوِيُّ، فَيَتَرَجَّحُ كَوْنُهُ لَيْسَ سَلَامًا، وَإِلَّا لَرَدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ عَلَّمَهُ كَمَا رَدَّ عَلَى الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ ثُمَّ عَلَّمَهُ، وَلَوْ زَادَ وَاوًا فَابْتَدَأَ بِقَوْلِهِ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ لَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَا تَصْلُحُ لِلِابْتِدَاءِ فَلَمْ يَكُنْ سَلَامًا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ اهـ. قُلْت: وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ: أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ أَبِي يُوسُفَ كَانَ إذَا مَرَّ بِالسُّوقِ يَقُولُ: سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: التَّسْلِيمُ تَحِيَّةٌ وَإِجَابَتُهَا فَرْضٌ، فَإِذَا لَمْ يُجِيبُونِي وَجَبَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، فَأَمَّا سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ فَدُعَاءٌ فَلَا يَلْزَمُهُمْ، وَلَا يَلْزَمُنِي شَيْءٌ فَأَخْتَارُهُ لِهَذَا اهـ. قُلْت: فَهَذَا مَعَ مَا مَرَّ يُفِيدُ اخْتِصَاصَ وُجُوبِ الرَّدِّ بِمَا إذَا ابْتَدَأَ بِلَفْظِ السَّلَامِ عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَقَدَّمْنَا أَنَّ لِلْمُجِيبِ أَنْ يَقُولَ فِي الصُّورَتَيْنِ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، أَوْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَمُفَادُهُ أَنَّ مَا صَلُحَ لِلِابْتِدَاءِ صَلُحَ لِلْجَوَابِ وَلَكِنْ عَلِمْت مَا هُوَ الْأَفْضَلُ فِيهِمَا. [تَتِمَّةٌ] قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَيُسَلِّمُ الَّذِي يَأْتِيك مِنْ خَلْفِك وَيُسَلِّمُ الْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَإِذَا الْتَقَيَا فَأَفْضَلُهُمَا يَسْبِقُهُمَا، فَإِنْ سَلَّمَا مَعًا يَرُدُّ كُلُّ وَاحِدٍ وَقَالَ الْحَسَنُ: يَبْتَدِئُ الْأَقَلُّ بِالْأَكْثَرِ اهـ. وَفِيهَا: السَّلَامُ سُنَّةٌ، وَيُفْتَرَضُ عَلَى الرَّاكِبِ الْمَارِّ بِالرَّاجِلِ فِي طَرِيقٍ عَامٍّ أَوْ فِي الْمَفَازَةِ لِلْأَمَانِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَيُسَلِّمُ الْآتِي مِنْ الْمِصْرِ عَلَى مَنْ يَسْتَقْبِلُهُ مِنْ الْقُرَى، وَقِيلَ يُسَلِّمُ الْقَرَوِيُّ عَلَى الْمِصْرِيِّ اهـ. وَفِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْأَدَبُ هُوَ فِيمَا إذَا الْتَقَيَا فِي طَرِيقٍ، أَمَّا إذَا وَرَدَ عَلَى قُعُودٍ فَإِنَّ الْوَارِدَ يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ بِكُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا أَوْ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا كَذَا فِي الطَّبَرَانِيِّ اهـ. قَالَ ط: وَالْقَوَاعِدُ تُوَافِقُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي أَيِّهِمَا أَفْضَلُ أَجْرًا قِيلَ الرَّادُّ وَقِيلَ الْمُسَلِّمُ مُحِيطٌ. وَإِنْ سَلَّمَ ثَانِيًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَا يَجِبُ رَدُّ الثَّانِي تَتَارْخَانِيَّةٌ وَفِيهَا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَتَيْتُمْ الْمَجْلِسَ فَسَلِّمُوا عَلَى الْقَوْمِ وَإِذَا رَجَعْتُمْ فَسَلِّمُوا عَلَيْهِمْ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ عِنْدَ الرُّجُوعِ أَفْضَلُ مِنْ التَّسْلِيمِ الْأَوَّلِ» (قَوْلُهُ وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) فَيَكُونُ مُسَلِّمًا عَلَى الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُ، وَصَالِحِي الْجِنِّ الْحَاضِرِينَ وَغَيْرِهِمْ وَقَالُوا إنَّ الْجِنَّ مُكَلَّفُونَ بِمَا كُلِّفْنَا بِهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الرَّدُّ وَلَا يَخْرُجُونَ عَنْهُ إلَّا بِالْإِسْمَاعِ، وَلَمْ أَرَ حُكْمَهُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُمْ أُمِرُوا بِالِاسْتِتَارِ عَنْ أَعْيُنِ الْإِنْسِ لِعَدَمِ الْأُنْسِ وَالْمُجَانَسَةِ وَرَدُّهُ ظَاهِرًا مِنْ قَبِيلِ الْإِعْلَانِ فَتَدَبَّرْ ط. أَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ مِمَّا يَجِبُ عَلَى سَامِعِهَا الرَّدُّ إذْ لَا خِطَابَ فِيهَا، وَلَيْسَتْ مِنْ الصِّيغَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ وَإِلَّا لَوَجَبَ الرَّدُّ أَيْضًا عَلَى مَنْ سَمِعَهَا مِنْ الْإِنْسِ، وَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ وَالظَّاهِرُ عَدَمُهُ، فَلَا يَجِبُ عَلَى الْجِنِّ بِالْأَوْلَى، بَلْ هِيَ لِمُجَرَّدِ الدُّعَاءِ كَمَا هِيَ فِي التَّشَهُّدِ وَكَمَا فِي الصِّيغَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي يُوسُفَ كَمَا مَرَّ تَأَمَّلْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 416 فَرْعٌ] يُكْرَهُ إعْطَاءُ سَائِلٍ الْمَسْجِدِ إلَّا إذَا لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ فِي الْمُخْتَارِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَمَتْنِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ لِأَنَّ عَلِيًّا تَصَدَّقَ بِخَاتَمِهِ فِي الصَّلَاةِ فَمَدَحَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ - {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55]-. . (أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ) وَجَازَ التَّسْمِيَةُ بِعَلِيٍّ وَرَشِيدٍ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ وَيُرَادُ فِي حَقِّنَا غَيْرُ مَا يُرَادُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنَّ التَّسْمِيَةَ بِغَيْرِ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا أَوْلَى لِأَنَّ الْعَوَّامَ يُصَغِّرُونَهَا عِنْدَ النِّدَاءِ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَفِيهَا (وَمَنْ كَانَ اسْمُهُ مُحَمَّدًا لَا بَأْسَ بِأَنْ يُكَنَّى أَبَا الْقَاسِمِ) لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي» قَدْ نُسِخَ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَنَّى ابْنَهُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ أَبَا الْقَاسِمِ.   [رد المحتار] [فَرْعٌ يُكْرَهُ إعْطَاءُ سَائِلِ الْمَسْجِدِ إلَّا إذَا لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ] قَوْلُهُ إلَّا إذَا لَمْ يَتَخَطَّ) أَيْ وَلَمْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّينً قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: فَإِنْ كَانَ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّينَ، وَيَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى أَذَى النَّاسِ، حَتَّى قِيلَ: هَذَا فَلْسٌ لَا يُكَفِّرُهُ سَبْعُونَ فَلْسًا اهـ. وَقَالَ ط فَالْكَرَاهَةُ لِلتَّخَطِّي الَّذِي يَلْزَمُهُ غَالِبًا الْإِيذَاءُ وَإِذَا كَانَتْ هُنَاكَ فُرْجَةٌ يَمُرُّ مِنْهَا لَا تُخَطَّى فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ مَفْهُومِهِ (قَوْلُهُ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ وَهِيَ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ فَتَمَّ الدَّلِيلُ أَوْ أَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ، فَلَأَنْ تَجُوزَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ دُونَهَا أَوْلَى ط (قَوْلُهُ أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَخْ) هَذَا لَفْظُ حَدِيثٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا. قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ: أَفْضَلُ مُطْلَقًا حَتَّى مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَفْضَلُهَا بَعْدَهُمَا مُحَمَّدٌ، ثُمَّ أَحْمَدُ ثُمَّ إبْرَاهِيمُ اهـ. وَقَالَ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَيُلْحَقُ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ أَيْ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا كَانَ مِثْلُهُمَا كَعَبْدِ الرَّحِيمِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ، وَتَفْضِيلُ التَّسْمِيَةِ بِهِمَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَرَادَ التَّسَمِّيَ بِالْعُبُودِيَّةِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ عَبْدَ شَمْسٍ وَعَبْدَ الدَّارِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ اسْمَ مُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ جَمِيعِ الْأَسْمَاءِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْتَرْ لِنَبِيِّهِ إلَّا مَا هُوَ أَحَبُّ إلَيْهِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ اهـ. وَوَرَدَ " «مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا كَانَ هُوَ وَمَوْلُودُهُ فِي الْجَنَّةِ» رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أُمَامَةَ رَفَعَهُ قَالَ السُّيُوطِيّ: هَذَا أَمْثَلُ حَدِيثٍ وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ اهـ. وَقَالَ السَّخَاوِيُّ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ خَيْرُ الْأَسْمَاءِ مَا عُبِّدَ وَمَا حُمِّدَ فَمَا عَلِمْته (قَوْلُهُ وَجَازَ التَّسْمِيَةُ بِعَلِيٍّ إلَخْ) الَّذِي فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ السِّرَاجِيَّةِ التَّسْمِيَةُ بِاسْمٍ يُوجَدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْعَلِيِّ وَالْكَبِيرِ وَالرَّشِيدِ وَالْبَدِيعِ جَائِزَةٌ إلَخْ، وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ عَنْهَا وَظَاهِرُهُ الْجَوَازُ وَلَوْ مُعَرَّفًا بِأَلْ. (قَوْلُهُ لَكِنَّ التَّسْمِيَةَ إلَخْ) قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: لَا أُحِبُّ لِلْعَجَمِ أَنْ يُسَمُّوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَعَبْدَ الرَّحِيمِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ تَفْسِيرَهُ، وَيُسَمُّونَهُ بِالتَّصْغِيرِ تَتَارْخَانِيَّةٌ وَهَذَا مُشْتَهِرٌ فِي زَمَانِنَا، حَيْثُ يُنَادُونَ مَنْ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ وَعَبْدُ الْكَرِيمِ أَوْ عَبْدُ الْعَزِيزِ مَثَلًا فَيَقُولُونَ: رُحَيِّمٌ وَكُرَيِّمٌ وَعُزَيِّزٌ بِتَشْدِيدِ يَاءِ التَّصْغِيرِ وَمَنْ اسْمُهُ عَبْدُ الْقَادِرِ قُوَيْدِرٌ وَهَذَا مَعَ قَصْدِهِ كُفْرٌ. فَفِي الْمُنْيَةِ: مَنْ أَلْحَقَ أَدَاةَ التَّصْغِيرِ فِي آخِرِ اسْمِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا أُضِيفَ إلَى وَاحِدٍ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى إنْ قَالَ ذَلِكَ عَمْدًا كَفَرَ وَإِنْ لَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ وَلَا قَصْدَ لَهُ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ ذَلِكَ يَحِقُّ عَلَيْهِ أَنْ يُعَلِّمَهُ اهـ. وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: رَحْمُونٌ لِمَنْ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَبَعْضُهُمْ كَالتُّرْكُمَانِ يَقُولُ حمور، وحسو لِمَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَحَسَنٌ، وَانْظُرْ هَلْ يُقَالُ الْأَوْلَى لَهُمْ تَرْكُ التَّسْمِيَةِ بِالْأَخِيرَيْنِ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَا تَكَنَّوْا) بِفَتْحِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ مَاضِي تَكَنَّى، وَهُوَ عَلَى حَذْفِ إحْدَى التَّاءَيْنِ أَيْ لِأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يُنَادُونَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَإِذَا الْتَفَتَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا لَا نَعْنِيك ط لَكِنَّ قَوْلَهُ مَاضِي تَكَنَّى صَوَابُهُ مُضَارِعُ تَكَنَّى كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ قَدْ نُسِخَ) لَعَلَّ وَجْهَهُ زَوَالُ عِلَّةِ النَّهْيِ السَّابِقَةِ بِوَفَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَأَمَّلْ. [تَتِمَّةٌ] التَّسْمِيَةُ بِاسْمٍ لَمْ يَذْكُرْهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي عِبَادَةٍ وَلَا ذَكَرَهُ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَسْتَعْمِلُهُ الْمُسْلِمُونَ تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ. وَرُوِيَ: إذَا وُلِدَ لِأَحَدِكُمْ وَلَدٌ فَمَاتَ فَلَا يَدْفِنْهُ حَتَّى يُسَمِّيَهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا بِاسْمِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 417 (وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْعُوَ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأَنْ تَدْعُوَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا بِاسْمِهِ) اهـ بِلَفْظِهِ. . (وَ) فِيهَا يُكْرَهُ (الْكَلَامُ فِي الْمَسْجِدِ وَخَلْفَ الْجِنَازَةِ وَفِي الْخَلَاءِ وَفِي حَالَةِ الْجِمَاعِ) وَزَادَ أَبُو اللَّيْثِ: فِي الْبُسْتَانِ وَعِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَزَادَ فِي الْمُلْتَقَى تَبَعًا لِلْمُخْتَارِ: وَعِنْدَ التَّذْكِيرِ   [رد المحتار] الذَّكَرِ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَبِاسْمِ أُنْثَى وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ فَبِاسْمٍ يَصْلُحُ لَهُمَا: وَلَوْ كَنَّى ابْنَهُ الصَّغِيرَ بِأَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ كَرِهَهُ بَعْضُهُمْ وَعَامَّتُهُمْ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ النَّاسَ يُرِيدُونَ بِهِ التَّفَاؤُلَ تَتَارْخَانِيَّةٌ. «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُغَيِّرُ الِاسْمَ الْقَبِيحَ إلَى الْحَسَنِ جَاءَهُ رَجُلٌ يُسَمَّى أَصْرَمُ فَسَمَّاهُ زُرْعَةَ وَجَاءَهُ آخَرُ اسْمُهُ الْمُضْطَجِعُ فَسَمَّاهُ الْمُنْبَعِثَ، وَكَانَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِنْتٌ تُسَمَّى عَاصِيَةً فَسَمَّاهَا جَمِيلَةً» ، وَلَا يُسَمَّى الْغُلَامُ يَسَارًا وَلَا رَبَاحًا وَلَا نَجَاحًا وَلَا بِأَفْلَحَ وَلَا بَرَكَةَ فَلَيْسَ مِنْ الْمَرَضِيِّ أَنْ يَقُولَ الْإِنْسَانُ عِنْدَك بَرَكَةٌ فَتَقُول لَا، وَكَذَا سَائِرُ الْأَسْمَاءِ، وَلَا يُسَمِّيهِ حَكِيمًا، وَلَا أَبَا الْحَكَمِ وَلَا أَبَا عِيسَى وَلَا عَبْدَ فُلَانٍ وَلَا يُسَمِّيهِ بِمَا فِيهِ تَزْكِيَةٌ نَحْوِ الرَّشِيدِ وَالْأَمِينِ فُصُولُ الْعَلَامِيِّ. أَيْ لِأَنَّ الْحَكَمَ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى فَلَا يَلِيقُ إضَافَةُ الْأَبِ إلَيْهِ أَوْ إلَى عِيسَى. أَقُولُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا عَبْدَ فُلَانٍ مَنْعُ التَّسْمِيَةِ بِعَبْدِ النَّبِيِّ وَنَقَلَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ الدَّمِيرِيِّ أَنَّهُ قِيلَ بِالْجَوَازِ بِقَصْدِ التَّشْرِيفِ بِالنِّسْبَةِ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْمَنْعِ خَشْيَةَ اعْتِقَادِ حَقِيقَةِ الْعُبُودِيَّةِ كَمَا لَا يَجُوزُ عَبْدُ الدَّارِ اهـ. وَمِنْ قَوْلِهِ وَلَا بِمَا فِيهِ تَزْكِيَةٌ الْمَنْعُ عَنْ نَحْوِ مُحْيِي الدِّينِ وَشَمْسِ الدِّينِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْكَذِبِ وَأَلَّفَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ مُؤَلَّفًا وَصَرَّحَ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: أَرَى الدِّينَ يَسْتَحْيِي مِنْ اللَّهِ أَنْ يُرَى ... وَهَذَا لَهُ فَخْرٌ وَذَاكَ نَصِيرُ فَقَدْ كَثُرَتْ فِي الدِّينِ أَلْقَابُ عُصْبَةٍ ... هُمْ فِي مَرَاعِي الْمُنْكَرَاتِ حَمِيرُ وَإِنِّي أُجِّلَ الدِّينَ عَنْ عِزِّهِ بِهِمْ ... وَأَعْلَمُ أَنَّ الذَّنْبَ فِيهِ كَبِيرُ وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ مَنْ يُلَقِّبُهُ بِمُحْيِي الدِّينِ، وَيَقُولُ لَا أَجْعَلُ مَنْ دَعَانِي بِهِ فِي حِلٍّ وَمَالَ إلَى ذَلِكَ الْعَارِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى الشَّيْخُ سِنَانٌ فِي كِتَابِهِ تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ، وَأَقَامَ الطَّامَّةَ الْكُبْرَى عَلَى الْمُتَّسِمِينَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ مِنْ التَّزْكِيَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فِي الْقُرْآنِ. وَمِنْ الْكَذِبِ قَالَ وَنَظِيرُهُ مَا يُقَالُ لِلْمُدَرِّسِينَ بِالتُّرْكِيِّ أَفَنْدِي وَسُلْطَانٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ مَجَازَاتٌ صَارَتْ كَالْأَعْلَامِ، فَخَرَجَتْ عَنْ التَّزْكِيَةِ. فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا يَرُدُّهُ مَا يُشَاهَدُ مِنْ أَنَّهُ إذَا نُودِيَ بِاسْمِهِ الْعَلَمِ وَجَدَ عَلَى مَنْ نَادَاهُ بِهِ فَعُلِمَ أَنَّ التَّزْكِيَةَ بَاقِيَةٌ، وَقَدْ كَانَ الْكِبَارُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ يُنَادَوْنَ بِأَعْلَامِهِمْ وَلَمْ يُنْقَلْ كَرَاهَتُهُمْ لِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ تَرْكُ تَعْظِيمٍ لِلْعِلْمِ وَأَهْلِهِ لَنَهَوْا عَنْهُ مَنْ نَادَاهُمْ بِهَا اهـ. مُلَخَّصًا. وَقَدْ أَطَالَ بِمَا يَنْبَغِي مُرَاجَعَتُهُ. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْعُوَ إلَخْ) بَلْ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يُفِيدُ التَّعْظِيمَ كَيَا سَيِّدِي وَنَحْوِهِ لِمَزِيدِ حَقِّهِمَا عَلَى الْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ التَّزْكِيَةِ، لِأَنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى الْمَدْعُوِّ بِأَنْ يَصِفَ نَفْسَهُ بِمَا يُفِيدُهَا لَا إلَى الدَّاعِي الْمَطْلُوبِ مِنْهُ التَّأَدُّبُ مَعَ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ. (قَوْلُهُ وَفِيهَا) أَيْ فِي السِّرَاجِيَّةِ (وَقَوْلُهُ يُكْرَهُ الْكَلَامُ فِي الْمَسْجِدِ) وَرَدَ «أَنَّهُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ» وَحَمَلَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا عَلَى مَا إذَا جَلَسَ لِأَجْلِهِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْمُبَاحِ لَا فِي غَيْرِهِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ وِزْرًا (قَوْلُهُ وَخَلْفَ الْجِنَازَةِ) أَيْ مَعَ رَفْعِ الصَّوْتِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ قُبَيْلَ الْمُسَابَقَةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْخَلَاءِ) لِأَنَّهُ يُورِثُ الْمَقْتَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ط (قَوْلُهُ وَفِي حَالَةِ الْجِمَاعِ) لِأَنَّ مَبْنِيٌّ عَلَى السِّتْرِ، وَكَانَ يَأْمُرُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ بِالْأَدَبِ ط. وَذَكَرَ فِي الشِّرْعَةِ: أَنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُكْثِرَ الْكَلَامَ فِي حَالَةِ الْوَطْءِ فَإِنَّ مِنْهُ خَرَسُ الْوَلَدِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ التَّذْكِيرِ) أَيْ مَعَ رَفْعِ الصَّوْتِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَيْسَ الْمُرَادُ رَفْعَ الْوَاعِظِ صَوْتَهُ عِنْدَ الْوَعْظِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ رَفْعُ بَعْضِ الْقَوْمِ صَوْتَهُ بِالتَّهْلِيلِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 418 فَمَا ظَنُّك بِهِ عِنْدَ الْغِنَاءِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ وَجْدًا. (لِلْعَرَبِيَّةِ فَضْلٌ عَلَى سَائِرِ الْأَلْسُنِ وَهُوَ لِسَانُ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْ تَعَلَّمَهَا أَوْ عَلَّمَهَا غَيْرَهُ فَهُوَ مَأْجُورٌ) وَفِي الْحَدِيثِ «أَحِبُّوا الْعَرَبَ لِثَلَاثٍ لِأَنِّي عَرَبِيٌّ وَالْقُرْآنُ عَرَبِيٌّ وَلِسَانُ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ عَرَبِيٌّ» . . وَفِيهَا (تَطْيِينُ الْقُبُورِ لَا يُكْرَهُ فِي الْمُخْتَارِ) وَقِيلَ يُكْرَهُ وَقَالَ الْبَزْدَوِيُّ: لَوْ اُحْتِيجَ لِلْكِتَابَةِ كَيْ لَا يَذْهَبَ الْأَثَرُ وَلَا يُمْتَهَنَ لَا بَأْسَ بِهِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي الْجَنَائِزِ. (يُكْرَهُ تَمَنَّى الْمَوْتِ) لِغَضَبٍ أَوْ ضِيقِ عَيْشٍ (إلَّا لِخَوْفِ الْوُقُوعِ فِي مَعْصِيَةٍ) أَيْ فَيُكْرَهُ لِخَوْفِ الدُّنْيَا لَا الدِّينِ لِحَدِيثِ «فَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا» خُلَاصَةٌ. (وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الصَّبِيِّ اللُّؤْلُؤَ وَكَذَا الْبَالِغُ) كَذَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مَعْزِيًّا لِلْمُنْيَةِ وَقَاسَ عَلَيْهِ الطَّرَسُوسِيُّ بَقِيَّةَ الْأَحْجَارِ كَيَاقُوتٍ وَزُمُرُّدٍ وَنَازَعَهُ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ، وَجَزَمَ فِي الْجَوْهَرَةِ بِحُرْمَةِ اللُّؤْلُؤِ.   [رد المحتار] وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ ذِكْرِهِ (قَوْلُهُ فَمَا ظَنُّك بِهِ) أَيْ بِرَفْعِ الصَّوْتِ عِنْدَ الْغِنَاءِ، وَالْمُرَادُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ (قَوْلُهُ أَحِبُّوا الْعَرَبَ) كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ مُسْنَدًا إلَى وَاوِ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: أُحِبُّ بِلَا وَاوٍ مُسْنَدٌ لِلْمُتَكَلِّمِ، أَوْ أَمْرٌ لِلْمُفْرَدِ، مِنْ أَحَبَّ قَالَ الْجِرَاحِيُّ: وَسَنَدُهُ فِيهِ ضَعِيفٌ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حُبِّ الْعَرَبِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ يَصِيرُ الْحَدِيثُ بِمَجْمُوعِهَا حَسَنًا، وَقَدْ أَفْرَدَهَا بِالتَّأْلِيفِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ وَمِنْهُمْ صَدِيقُنَا الْكَامِلُ السَّيِّدُ مُصْطَفَى الْبِكْرِيُّ، فَإِنَّهُ أَلَّفَ فِيهِ رِسَالَةً نَحْوَ الْعِشْرِينَ كُرَّاسَةً اهـ. وَالْمُرَادُ الْحَثُّ عَلَى حُبِّ الْعَرَبِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُمْ عَرَبًا، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُمْ مَا يَقْتَضِي زِيَادَةَ الْحُبِّ بِمَا فُهِمَ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْفَضَائِلِ وَقَدْ يَعْرِضُ مَا يُوجِبُ الْبُغْضَ بِمَا يَعْرِضُ لَهُمْ مِنْ كُفْرٍ وَنِفَاقٍ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنَاوِيِّ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ وَلِسَانُ أَهْلِ الْجَنَّةِ) الَّذِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكَلَامُ أَهْلِ الْجَنَّةِ (قَوْلُهُ أَيْ فَيُكْرَهُ) بَيَانٌ لِحَاصِلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَعِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ: رَجُلٌ تَمَنَّى الْمَوْتَ لِضِيقِ عَيْشِهِ أَوْ غَضَبٍ مِنْ عَدُوِّهِ يُكْرَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " «لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ» وَإِنْ كَانَ لِتَغَيُّرِ زَمَانِهِ وَظُهُورِ الْمَعَاصِي فِيهِ مَخَافَةَ الْوُقُوعِ فِيهَا لَا بَأْسَ بِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ «فَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا» اهـ. أَقُولُ: وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي» (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الصَّبِيِّ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْإِلْبَاسِ مَصْدَرُ الْمَزِيدِ وَأَنْ يَقُولَ وَكَذَا لُبْسُ الْبَالِغِ (قَوْلُهُ وَنَازَعَهُ ابْنُ وَهْبَانَ إلَخْ) وَقَالَ أَيْضًا فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ تَعَارَضَتْ فِي جَوَازِ لُبْسِهِ اهـ. لَكِنْ رَدَّهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ بِأَنَّهُ سَفْسَافٌ مِنْ الْقَوْلِ لَا نَعْلَمُ لَهُ دَلِيلًا، وَرَدَ فِي النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ شَيْءٍ مِنْهَا اهـ. أَقُولُ: قَدْ يُقَالُ إنَّ قَوْله تَعَالَى - {وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [النحل: 14]- أَيْ اللُّؤْلُؤَ وَالْمَرْجَانَ يُفِيدُ الْجَوَازَ وَكَذَا قَوْله تَعَالَى - {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]- وَأَمَّا النَّهْيُ فَمِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ تَشْبِيهًا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّهُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ» " لَكِنْ يَدْخُلُ فِي هَذَا اللُّؤْلُؤُ أَيْضًا بِالْأَوْلَى، لِأَنَّ تَحَلِّيهِنَّ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَحْجَارِ فَالتَّفْرِقَةُ غَيْرُ مُنَاسِبَةٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَجَزَمَ فِي الْجَوْهَرَةِ بِحُرْمَةِ اللُّؤْلُؤِ) وَكَذَا فِي السِّرَاجِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 419 قُلْت: وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ مَا فِي الْمُنْيَةِ عَلَى قَوْلِهِ: وَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا قَالَ، وَقَدْ رَجَّحُوا قَوْلَهُمَا. فَفِي الْكَافِي قَوْلُهُمَا أَقْرَبُ إلَى عُرْفِ دِيَارِنَا فَيُفْتَى بِهِ، ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَعَلَيْهِ فَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ حُرْمَةُ لُبْسِ اللُّؤْلُؤِ وَنَحْوِهِ عَلَى الرِّجَالِ لِأَنَّهُ مِنْ حُلِيِّ النِّسَاءِ. (وَيُكْرَهُ) لِلْوَلِيِّ إلْبَاسُ (الْخَلْخَالِ أَوْ السِّوَارِ لِصَبِيٍّ) وَلَا بَأْسَ بِثَقْبِ أُذُنِ الْبِنْتِ وَالطِّفْلِ اسْتِحْسَانًا مُلْتَقَطٌ. قُلْت: وَهَلْ يَجُوزُ الْخِزَامُ فِي الْأَنْفِ، لَمْ أَرَهُ، وَيُكْرَهُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى الْكِتَابَةُ بِالْقَلَمِ الْمُتَّخَذِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ مِنْ دَوَاةٍ كَذَلِكَ سِرَاجِيَّةٌ. ثُمَّ قَالَ: لَا بَأْسَ بِتَمْوِيهِ السِّلَاحِ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَلَا بَأْسَ بِسَرْجٍ وَلِجَامٍ وَثَفَرٍ مِنْ الذَّهَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. (وَجَارِيَةٌ لِزَيْدٍ قَالَ بَكْرٌ وَكَّلَنِي زَيْدٌ بِبَيْعِهَا حَلَّ لِعَمْرٍو شِرَاؤُهَا وَوَطْؤُهَا) لِقَبُولِ قَوْلِ بَكْرٍ إنَّ أَكْبَرَ رَأْيِهِ صِدْقُهُ كَمَا مَرَّ وَإِنَّ أَكْبَرَ رَأْيِهِ كَذِبُهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَا يَشْتَرِي مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يُخْبِرْهُ إنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ لِغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهِ مِنْهُ. (كَمَا حَلَّ وَطْءُ مَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ وَقَالَ النِّسَاءُ هِيَ امْرَأَتُك وَ) حَلَّ (نِكَاحُ مَنْ قَالَتْ طَلَّقَنِي زَوْجِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي أَوْ كُنْت أَمَةً لِفُلَانٍ وَأَعْتَقَنِي) إنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهَا وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ.   [رد المحتار] وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ مِنْ حُلِيِّ النِّسَاءِ (قَوْلُهُ وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ اللُّبْسِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ، ثُمَّ قِيلَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ لَا بَأْسَ لِلرِّجَالِ بِلُبْسِ اللُّؤْلُؤِ الْخَالِصِ (قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِهِمَا) أَيْ مِنْ أَنَّ لُبْسَ عِقْدِ اللُّؤْلُؤِ لُبْسُ حُلِيٍّ، وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ، فَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا فَلَبِسَ ذَلِكَ يَحْنَثُ لِلْعُرْفِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ كَوْنُ الْمُرَجَّحِ قَوْلَهُمَا وَأَقُولُ فِي اعْتِمَادِ الْحُرْمَةِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ نَظَرٌ، لِأَنَّ تَرْجِيحَ قَوْلِهِمَا بِكَوْنِهِ حُلِيًّا، لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ، وَكَوْنُ الْعُرْفِ يَعُدُّهُ حُلِيًّا يُفِيدُ الْحِنْثَ فِي حَلِفِهِ لَا يُلْبَسُ حُلِيًّا، وَلَا يُفِيدُ أَنَّهُ يَحْرُمُ لُبْسُهُ عَلَى الرِّجَالِ إذْ لَيْسَ كُلُّ حُلِيٍّ حَرَامًا عَلَى الرِّجَالِ بِدَلِيلِ حِلِّ الْخَاتَمِ وَالْعَلَمِ وَالثَّوْبِ الْمَنْسُوجِ بِالذَّهَبِ أَرْبَعَةَ أَصَابِعَ وَحِلْيَةِ السَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةِ. نَعَمْ التَّعْلِيلُ الْآتِي بِأَنَّهُ مِنْ حُلِيِّ النِّسَاءِ ظَاهِرٌ فِي إفَادَةِ الْحُرْمَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِهِنَّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ الْخَلْخَالُ) كَبِلْبَالٍ وَيُسَمَّى خَلْخَلًا وَيُضَمُّ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ لِلصَّبِيِّ) أَيْ الذَّكَرِ لِأَنَّهُ مِنْ زِينَةِ النِّسَاءِ ط (قَوْلُهُ وَالطِّفْلِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الذَّكَرُ مَعَ أَنَّ ثَقْبَ الْأُذُنِ لِتَعْلِيقِ الْقُرْطِ، وَهُوَ مِنْ زِينَةِ النِّسَاءِ، فَلَا يَحِلُّ لِلذُّكُورِ، وَاَلَّذِي فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ، وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة: لَا بَأْسَ بِثَقْبِ أُذُنِ الطِّفْلِ مِنْ الْبَنَاتِ وَزَادَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَلَا يَجُوزُ ثَقْبُ آذَانِ الْبَنِينَ فَالصَّوَابُ إسْقَاطُ الْوَاوِ (قَوْلُهُ لَمْ أَرَهُ) قُلْت: إنْ كَانَ مِمَّا يَتَزَيَّنُ النِّسَاءُ بِهِ كَمَا هُوَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ فَهُوَ فِيهَا كَثَقْبِ الْقُرْطِ اهـ ط وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى جَوَازِهِ مَدَنِيٌّ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى إلَخْ) قَدَّمْنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ النِّسَاءَ فِيمَا سِوَى الْحُلِيِّ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْأَدْهَانِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْعُقُودِ بِمَنْزِلَةِ الرِّجَالِ (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ إلَخْ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى قَبْلَ فَصْلِ اللُّبْسِ (قَوْلُهُ وَثَفَرٍ) بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْفَاءِ مُحَرَّكًا وَهُوَ مِنْ السَّرْجِ مَا يُجْعَلُ تَحْتَ ذَنَبِ الدَّابَّةِ اهـ مُغْرِبٌ وَقَدْ يُسَكَّنُ قَامُوسٌ. (قَوْلُهُ جَارِيَةٌ لِزَيْدٍ) أَيْ يَعْلَمُ عَمْرٌو أَنَّهَا لِزَيْدٍ أَوْ أَخْبَرَهُ بَكْرٌ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ إنْ أَكْبَرُ رَأْيِهِ صِدْقَهُ إلَخْ) أَكْبَرُ اسْمُ كَانَ الْمَحْذُوفَةِ وَصِدْقَهُ بِالنَّصْبِ خَبَرُهَا، وَهَذَا التَّفْصِيلُ إذَا كَانَ الْمُخْبِرُ غَيْرَ ثِقَةٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَإِنَّمَا قُبِلَ لِأَنَّ عَدَالَةَ الْمُخْبِرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ غَيْرُ لَازِمَةٍ لِلْحَاجَةِ كَمَا مَرَّ، وَأَكْبَرُ الرَّأْيِ يُقَامُ مَقَامَ الْيَقِينِ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُخْبِرْهُ إلَخْ) أَيْ وَلَمْ يَعْرِفْ الشَّارِي ذَلِكَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: فَإِنْ كَانَ عَرَّفَهَا لِلْأَوَّلِ لَمْ يَشْتَرِهَا حَتَّى يَعْلَمَ انْتِقَالَهَا إلَى مِلْكِ الثَّانِي اهـ زَادَ الزَّيْلَعِيُّ أَوْ أَنَّهُ وَكَّلَهُ (قَوْلُهُ فَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهِ مِنْهُ) وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا، لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِأَكْبَرِ الرَّأْيِ عِنْدَ وُجُودِ الدَّلِيلِ الظَّاهِرِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ لَا يَمْلِكُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَحِينَئِذٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَنَزَّهَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهَا صَحَّ لِاعْتِمَادِهِ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ، وَلَوْ الْبَائِعُ عَبْدًا لَمْ يَشْتَرِهَا حَتَّى يَسْأَلَ، لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا مِلْكَ لَهُ فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِالْإِذْنِ فَإِنْ كَانَ ثِقَةً قُبِلَ وَإِلَّا يُعْتَبَرُ أَكْبَرُ الرَّأْيِ، وَإِنْ كَانَ لَا رَأْيَ لَهُ لَا يَشْتَرِهَا لِقِيَامِ الْمَانِعِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ هِدَايَةٌ أَوْ غَيْرُهَا (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 420 قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَتَى أَخْبَرَتْ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ، فَإِنْ ثِقَةً أَوْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهَا لَا بَأْسَ بِتَزَوُّجِهَا، وَإِنْ بِأَمْرٍ مُسْتَنْكَرٍ لَا مَا لَمْ يَسْتَفْسِرْهَا. [فُرُوعٌ] كَتَبَ أَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ يَكْتُبُ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَإِذَا كَتَبَ الْمُفْتِي يَدِينُ يَكْتُبُ وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً لِيَقْضِيَ الْقَاضِي بِحِنْثِهِ. التَّرْجِيعُ بِالْقُرْآنِ وَالْأَذَانِ بِالصَّوْتِ الطَّيِّبِ طَيِّبٌ إنْ لَمْ يَزِدْ فِيهِ الْحُرُوفَ وَإِنْ زَادَ كُرِهَ لَهُ وَلِمُسْتَمِعِهِ، وَقَوْلُهُ أَحْسَنْت إنْ لِسُكُوتِهِ فَحَسَنٌ وَإِنْ لِتِلْكَ الْقِرَاءَةِ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ. الْمُنَاظَرَةُ فِي الْعِلْمِ لِنُصْرَةِ الْحَقِّ عِبَادَةٌ وَلِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ حَرَامٌ لِقَهْرِ مُسْلِمٍ وَإِظْهَارِ عِلْمٍ وَنَيْلِ دُنْيَا أَوْ مَالٍ أَوْ قَبُولٍ. التَّذْكِيرُ عَلَى الْمَنَابِرِ لِلْوَعْظِ وَالِاتِّعَاظِ سُنَّةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَلِرِيَاسَةٍ وَمَالٍ وَقَبُولِ عَامَّةٍ مِنْ ضَلَالَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.   [رد المحتار] وَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ فِي فَصْلِ الْبَيْعِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ (قَوْلُهُ وَإِنْ بِأَمْرٍ مُسْتَنْكَرٍ) كَمَا إذَا تَزَوَّجَتْ رَجُلًا ثُمَّ قَالَتْ لِرَجُلٍ آخَرَ: كَانَ نِكَاحِي فَاسِدًا أَوْ كَانَ الزَّوْجُ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ لَا يَسَعُ الثَّانِي أَنْ يَقْبَلَ قَوْلَهَا وَلَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ بِأَمْرٍ مُسْتَنْكَرٍ، وَكَمَا إذَا قَالَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ حَلَلْت لَك، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مَا لَمْ يَسْتَفْسِرْهَا، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي حِلِّهَا لَهُ بِمُجَرَّدِ نِكَاحِ الثَّانِي، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَحِلُّ لَهُ فَلَعَلَّهَا اعْتَمَدَتْ هَذَا الْقَوْلَ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِفْسَارِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ كَتَبَ إلَخْ) مِثْلُ الْكِتَابَةِ السُّؤَالُ بِالْقَوْلِ، وَمِثْلُ الشَّافِعِيِّ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ ط (قَوْلُهُ يَكْتُبُ جَوَابَ أَبِي حَنِيفَةَ) هَذَا بِنَاءً عَلَى مَا قَالُوا إنَّهُ يَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّ مَذْهَبَهُ صَوَابٌ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ وَمَذْهَبُ غَيْرِهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ، وَالْحَقُّ جَوَازُهُ، وَهَذَا الِاعْتِقَادُ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ لَا فِي حَقِّ التَّابِعِ الْمُقَلِّدِ، فَإِنَّ الْمُقَلِّدَ يَنْجُو بِتَقْلِيدِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي الْفُرُوعِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّرْجِيحُ اهـ. ط وَمِثْلُهُ فِي خُلَاصَةُ التَّحْقِيقِ فِي بَيَانِ حُكْمِ التَّقْلِيدِ، وَالتَّلْفِيقِ لِلْأُسْتَاذِ عَبْدِ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيِّ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ (قَوْلُهُ وَإِذَا كَتَبَ الْمُفْتِي يَدِينُ) أَيْ كَتَبَ هَذَا اللَّفْظَ بِأَنْ سُئِلَ مَثَلًا عَمَّنْ حَلَفَ وَاسْتَثْنَى وَلَمْ يَسْمَعْ أَحَدًا يُجِيبُ بِأَنَّهُ يَدِينُ أَيْ لَا يَحْنَثُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَلَكِنْ يَكْتُبُ بَعْدَهُ وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً لِأَنَّ الْقَضَاءَ تَابِعٌ لِلْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا لِجَهْلِ الْقُضَاةِ فَرُبَّمَا ظَنَّ الْقَاضِي أَنَّهُ يُصَدَّقُ قَضَاءً أَيْضًا (قَوْلُهُ التَّرْجِيعُ بِالْقُرْآنِ وَالْأَذَانِ إلَخْ) الْأَوْلَى التَّلْحِينُ أَيْ التَّغَنِّي، لِأَنَّ التَّرْجِيعَ فِي اللُّغَةِ التَّرْدِيدُ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَمِنْهُ التَّرْجِيعُ فِي الْأَذَانِ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ خَافِضًا بِهِمَا صَوْتَهُ، ثُمَّ يُرَجِّعُهُمَا رَافِعًا بِهِمَا صَوْتَهُ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَإِنْ كَانَتْ الْأَلْحَانُ لَا تُغَيِّرُ الْكَلِمَةَ عَنْ وَضْعِهَا، وَلَا تُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ الْحُرُوفِ الَّتِي حَصَلَ التَّغَنِّي بِهَا، حَتَّى يَصِيرَ الْحَرْفُ حَرْفَيْنِ، بَلْ لِتَحْسِينِ الصَّوْتِ، وَتَزَيُّنِ الْقِرَاءَةِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا، وَإِنْ كَانَ يُغَيِّرُ الْكَلِمَةَ مِنْ مَوْضِعِهَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ إدْخَالُ الْمَدِّ فِي حُرُوفِ الْمَدِّ وَاللِّينِ وَالْهَوَائِيَّةِ وَالْمُعْتَلِّ اهـ. وَوَرَدَ فِي تَحْسِينِ الْقِرَاءَةِ بِالصَّوْتِ أَحَادِيثُ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِلَفْظِ «حَسِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ فَإِنَّ الصَّوْتَ الْحَسَنَ يَزِيدُ الْقُرْآنَ حُسْنًا» " (قَوْلُهُ وَإِنْ زَادَ) بِأَنْ أَخْرَجَ الْكَلِمَةَ عَنْ مَعْنَاهَا كُرِهَ أَيْ حَرُمَ (قَوْلُهُ يَخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرَ) لِأَنَّهُ جَعَلَ الْحَرَامَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ حَسَنًا ط وَلَعَلَّهُ لَمْ يَكْفُرْ جَزْمًا لِأَنَّ تَحْسِينَهُ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَخْرَجَ الْقُرْآنَ عَنْ وَضْعِهِ، بَلْ مِنْ حَيْثُ تَنْعِيمُهُ وَتَطَيُّبُهُ تَأَمَّلْ. وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا مَا يُقَالُ فِي زَمَانِنَا لِمَنْ يُغْنِي لِلنَّاسِ الْغِنَاءَ الْمُحَرَّمَ: بَارَكَ اللَّهُ طَيَّبَ اللَّهُ الْأَنْفَاسَ، فَإِنْ قَصَدَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءَ لَهُ لِسُكُوتِهِ فَحَسَنٌ وَإِنْ لِغِنَائِهِ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ أُخْرَى مَعَ السَّمَاعِ يُخْشَى مِنْهَا ذَلِكَ فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَنَيْلِ دُنْيَا أَوْ مَالٌ أَوْ قَبُولٍ) عِبَارَةُ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ نَحْوُ الْمَالِ أَوْ الْقَبُولِ، وَهِيَ كَذَلِكَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 421 قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِقِرَاءَةٍ مَعْرُوفَةٍ وَشَاذَّةٍ دَفْعَةً وَاحِدَةً مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ. يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ خِضَابُ شَعْرِهِ وَلِحْيَتِهِ وَلَوْ فِي غَيْرِ حَرْبٍ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَفْعَلْهُ، وَيُكْرَهُ بِالسَّوَادِ، وَقِيلَ لَا مَجْمَعُ الْفَتَاوَى وَالْكُلُّ مِنْ مِنَحِ الْمُصَنِّفِ. الْكُتُبُ الَّتِي لَا يُنْتَفَعُ بِهَا يُمْحَى عَنْهَا اسْمُ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَيُحْرَقُ الْبَاقِي وَلَا بَأْسَ بِأَنْ تُلْقَى فِي مَاءٍ جَارٍ كَمَا هِيَ أَوْ تُدْفَنَ وَهُوَ أَحْسَنُ كَمَا فِي الْأَنْبِيَاءِ. الْقَصَصُ الْمَكْرُوهُ أَنْ يُحَدِّثَهُمْ بِمَا لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ مَعْرُوفٌ أَوْ يَعِظَهُمْ بِمَا لَا يُتَّعَظُ بِهِ أَوْ يَزِيدَ وَيُنْقِصَ يَعْنِي فِي أَصْلِهِ، أَمَّا لِلتَّزَيُّنِ بِالْعِبَارَاتِ اللَّطِيفَةِ الْمُرَقَّقَةِ وَالشَّرْحِ لِفَوَائِدِهِ فَذَلِكَ حَسَنٌ. وَالْأَفْضَلُ مُشَارَكَةُ أَهْلِ مَحَلَّتِهِ فِي إعْطَاءِ النَّائِبَةِ لَكِنْ فِي زَمَانِنَا أَكْثَرُهَا ظُلْمٌ فَمَنْ تَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ أَعْطَى فَلِيُعْطِ مِنْ عَجْزٍ. لَيْسَ لِذِي الْحَقِّ أَنْ يَأْخُذَ غَيْرَ جِنْسِ حَقِّهِ وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ الْأَوْسَعُ. مُعَلِّمٌ طَلَبَ مِنْ الصِّبْيَانِ أَثْمَانَ الْحُصْرِ فَجَمَعَهَا فَشَرَى بِبَعْضِهَا وَأَخَذَ بَعْضَهَا لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لَهُ مِنْ الْآبَاءِ.   [رد المحتار] فِي الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ وَشَاذَّةٍ) هِيَ مَا فَوْقَ الْعَشْرِ ط (قَوْلُهُ دَفْعَةً) وَأَوْلَى بِالْكَرَاهَةِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الشَّاذَّةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا تُفْسِدُهَا ط (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ التَّرْجِيعُ بِالْقُرْآنِ إلَى هُنَا (قَوْلُهُ خِضَابُ شَعْرِهِ وَلِحْيَتِهِ) لَا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِلتَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَفْعَلْهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ، لِأَنَّهُ تُوُفِّيَ وَلَمْ يَبْلُغْ شَيْبُهُ عِشْرِينَ شَعْرَةً فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، بَلْ كَانَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ. وَوَرَدَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَضَبَ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ مَدَنِيٌّ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ بِالسَّوَادِ) أَيْ لِغَيْرِ الْحَرْبِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: أَمَّا الْخِضَابُ بِالسَّوَادِ لِلْغَزْوِ، لِيَكُونَ أَهْيَبَ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ فَهُوَ مَحْمُودٌ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ لِيُزَيِّنَ نَفْسَهُ لِلنِّسَاءِ فَمَكْرُوهٌ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَهُ بِلَا كَرَاهَةٍ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: كَمَا يُعْجِبُنِي أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي يُعْجِبُهَا أَنْ أَتَزَيَّنَ لَهَا (قَوْلُهُ الْكُتُبُ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ مِنْ هُنَا إلَى النَّظْمِ كُلُّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُجْتَبَى كَمَا يَأْتِي الْعَزْوُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْأَنْبِيَاءِ) كَذَا فِي غَالِبِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ لَكِنَّ عِبَارَةَ الْمُجْتَبَى وَالدَّفْنُ أَحْسَنُ كَمَا فِي الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ إذَا مَاتُوا، وَكَذَا جَمِيعُ الْكُتُبِ إذَا بَلِيَتْ وَخَرَجَتْ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا اهـ. يَعْنِي أَنَّ الدَّفْنَ لَيْسَ فِيهِ إخْلَالٌ بِالتَّعْظِيمِ، لِأَنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ يُدْفَنُونَ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: الْمُصْحَفُ إذَا صَارَ خَلَقًا وَتَعَذَّرَ الْقِرَاءَةُ مِنْهُ لَا يُحْرَقُ بِالنَّارِ إلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ وَبِهِ نَأْخُذُ، وَلَا يُكْرَهُ دَفْنُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُلَفَّ بِخِرْقَةٍ طَاهِرَةٍ، وَيُلْحَدَ لَهُ لِأَنَّهُ لَوْ شُقَّ وَدُفِنَ يَحْتَاجُ إلَى إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ، وَفِي ذَلِكَ نَوْعُ تَحْقِيرٍ إلَّا إذَا جُعِلَ فَوْقَهُ سَقْفٌ وَإِنْ شَاءَ غَسَلَهُ بِالْمَاءِ أَوْ وَضَعَهُ فِي مَوْضِعٍ طَاهِرٍ لَا تَصِلُ إلَيْهِ يَدُ مُحْدِثٍ وَلَا غُبَارٌ، وَلَا قَذَرٌ تَعْظِيمًا لِكَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اهـ. (قَوْلُهُ الْقَصَصُ) بِفَتْحَتَيْنِ مَصْدَرُ قَصَّ (قَوْلُهُ يَعْنِي فِي أَصْلِهِ) أَيْ بِأَنْ يَزِيدَ عَلَى أَصْلِ الْكَلَامِ أَشْيَاءَ مِنْ عِنْدِهِ غَيْرَ ثَابِتَةٍ أَوْ يُنْقِصَ مَا يُخْرِجُ الْمَنْقُولَ الثَّابِتَ عَنْ مَعْنَاهُ (قَوْلُهُ فَمَنْ تَمَكَّنَ إلَخْ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا لَوْ تَحَمَّلَ غَيْرُهُ نَائِبَتَهُ. وَفِي الْقُنْيَةِ تَوَجَّهَ عَلَى جَمَاعَةٍ جِبَايَةٌ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلِبَعْضِهِمْ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ إذَا لَمْ يَحْمِلْ حِصَّتَهُ عَلَى الْبَاقِينَ، وَإِلَّا فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَدْفَعَهَا عَنْ نَفْسِهِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَفِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ إعْطَاءَهُ إعَانَةٌ لِلظَّالِمِ عَلَى ظُلْمِهِ ثُمَّ ذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ مُشَارَكَةَ جَرِيرٍ وَوَلَدِهِ مَعَ سَائِرِ النَّاسِ فِي دَفْعِ النَّائِبَةِ بَعْدَ الدَّفْعِ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ: هَذَا كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ، لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الطَّاعَةِ وَأَكْثَرُ النَّوَائِبِ فِي زَمَانِنَا بِطَرِيقِ الظُّلْمِ فَمَنْ تَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ اهـ. مَا فِي الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ) قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْحَجْرِ: أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ، أَمَّا الْيَوْمَ فَالْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَوْسَعُ) لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ فَيَنْتَقِلُ حَقُّهُ مِنْ الصُّورَةِ إلَى الْمَالِيَّةِ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ مُجْتَبًى، وَفِيهِ وَجَدَ دَنَانِيرَ مَدْيُونِهِ وَلَهُ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِاتِّحَادِهِمْ جِنْسًا فِي الثَّمَنِيَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لَهُ مِنْ الْآبَاءِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 422 لَا بَأْسَ بِوَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ بِمُعَايَنَةِ الْأَمَةِ دُونَ عَكْسِهِ. وَجَدَ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ وَلَوْ لَهُ قِيمَةٌ وَهُوَ غَنِيٌّ تَصَدَّقَ بِهِ. لَا بَأْسَ بِالْجِمَاعِ فِي بَيْتٍ فِيهِ مُصْحَفٌ لِلْبَلْوَى. لَا تَرْكَبُ مُسْلِمَةٌ عَلَى سَرْجٍ لِلْحَدِيثِ. هَذَا لَوْ لِلتَّلَهِّي، وَلَوْ لِحَاجَةِ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ مَقْصِدٍ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ. تَغَنَّى بِالْقُرْآنِ وَلَمْ يَخْرُجْ بِأَلْحَانِهِ عَنْ قَدْرٍ هُوَ صَحِيحٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ مُسْتَحْسَنٌ. ذِكْرُ اللَّهِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْلَى مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَتُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ عِنْدَ الطُّلُوعِ أَوْ الْغُرُوبِ. لَا بَأْسَ لِلْإِمَامِ عَقِبَ الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَخَوَاتِيمِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَالْإِخْفَاءُ أَفْضَلُ. قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ جَهْرًا لِلْمُهِمَّاتِ بِدْعَةٌ قَالَ أُسْتَاذُنَا: لَكِنَّهَا مُسْتَحْسَنَةٌ لِلْعَادَةِ وَالْآثَارِ. الرِّشْوَةُ لَا تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ. لَا بَأْسَ بِالرِّشْوَةِ إذَا خَافَ عَلَى دِينِهِ وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.   [رد المحتار] وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ لَا يَتَأَمَّلُونَ مِنْهُ أَنْ يَرُدَّ الزَّائِدَ عَلَى مَا يَشْتَرِي بِهِ مَعَ عِلْمِهِمْ غَالِبًا، بِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ يَزِيدُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَادَةَ مُحَكَّمَةٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِوَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَنَقَلَ فِي الْهِنْدِيَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ تَصَدَّقَ بِهِ) أَيْ بَعْدَ التَّعْرِيفِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ (قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِالْجِمَاعِ فِي بَيْتٍ فِيهِ مُصْحَفٌ لِلْبَلْوَى) قَيَّدَهُ فِي الْقُنْيَةِ بِكَوْنِهِ مَسْتُورًا وَإِنْ حُمِلَ مَا فِيهَا عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ زَالَ التَّنَافِي ط (قَوْلُهُ لِلْحَدِيثِ) وَهُوَ " «لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ عَلَى السُّرُوجِ» ذَخِيرَةٌ. لَكِنْ نَقَلَ الْمَدَنِيُّ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ اهـ. يَعْنِي بِهَذَا اللَّفْظِ وَإِلَّا فَمَعْنَاهُ ثَابِتٌ، فَفِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ» وَلِلطَّبَرَانِيِّ «أَنَّ امْرَأَةً مَرَّتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَقَلِّدَةً قَوْسًا فَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَالْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ» " (قَوْلُهُ وَلَوْ لِحَاجَةِ غَزْوٍ إلَخْ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مُتَسَتِّرَةً وَأَنْ تَكُونَ مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ (قَوْلُهُ أَوْ مَقْصِدٍ دِينِيٍّ) كَسَفَرٍ لِصِلَةِ رَحِمٍ ط (قَوْلُهُ تَغَنَّى بِالْقُرْآنِ إلَخْ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ وَتُسْتَحَبُّ إلَخْ) كَذَا ذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ رَامِزًا لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ، فَإِنَّ الْأُولَى تُفِيدُ اسْتِحْبَابَ الذِّكْرِ دُونَ الْقِرَاءَةِ، وَهُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْقُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدُّعَاءُ وَالتَّسْبِيحُ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا (قَوْلُهُ لَا بَأْسَ لِلْإِمَامِ) أَيْ وَالْمُقْتَدِينَ (قَوْلُهُ عَقِبَ الصَّلَاةِ) أَيْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ إمَامٌ يَعْتَادُ كُلَّ غَدَاةٍ مَعَ جَمَاعَتِهِ قِرَاءَةَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَآخِرَ الْبَقَرَةِ -، وَ {شَهِدَ اللَّهُ} [آل عمران: 18]- وَنَحْوَهَا جَهْرًا لَا بَأْسَ بِهِ وَالْإِخْفَاءُ أَفْضَلُ اهـ. وَتَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّ قِرَاءَةَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالْمُعَوِّذَاتِ وَالتَّسْبِيحَاتِ مُسْتَحَبَّةٌ وَأَنَّهُ يُكْرَهُ تَأْخِيرُ السُّنَّةِ إلَّا بِقَدْرِ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ إلَخْ (قَوْلُهُ قَالَ أُسْتَاذُنَا) هُوَ الْبَدِيعُ شَيْخُ صَاحِبِ الْمُجْتَبَى وَاخْتَارَ الْإِمَامُ جَلَالُ الدِّينِ إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ بَعْدَهَا سُنَّةٌ يُكْرَهُ وَإِلَّا فَلَا اهـ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ لَا تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ) فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهَا وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى بَعْدَ هَذَا وَلَوْ دَفَعَ الرِّشْوَةَ بِغَيْرِ طَلَبِ الْمُرْتَشِي، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ قَضَاءً وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْتَشِي رَدُّهَا وَكَذَا الْعَالِمُ إذَا أَهْدَى إلَيْهِ لِيَشْفَعَ أَوْ يَدْفَعَ ظُلْمًا فَهُوَ رِشْوَةٌ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ هَذَا سَعَى لَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَأَتَمَّ أَمْرَهُ لَا بَأْسَ بِقَبُولِ هَدِيَّتِهِ بَعْدُ وَقَبْلَهُ بِطَلَبِهِ سُحْتٌ وَبِدُونِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَمَشَايِخُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَفِي قَبُولِ الْهَدِيَّةِ مِنْ التَّلَامِذَةِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ ط (قَوْلُهُ إذَا خَافَ عَلَى دِينِهِ) عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى لِمَنْ يَخَافُ، وَفِيهِ أَيْضًا دَفْعُ الْمَالِ لِلسُّلْطَانِ الْجَائِرِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 423 كَانَ يُعْطِي الشُّعَرَاءَ وَلِمَنْ يَخَافُ لِسَانَهُ وَكَفَى بِسَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ مِنْ الصَّدَقَاتِ دَلِيلًا عَلَى أَمْثَالِهِ. جَمَعَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ لِلْإِمَامِ فَحَسَنٌ وَمِنْ السُّحْتِ مَا يُؤْخَذُ عَلَى كُلّ مُبَاحٍ كَمِلْحٍ وَكَلَأٍ وَمَاءٍ وَمَعَادِنَ وَمَا يَأْخُذُهُ غَازٍ لِغَزْوٍ وَشَاعِرٌ لِشَعْرٍ وَمَسْخَرَةٌ وَحَكَوَاتِيٌّ قَالَ تَعَالَى - {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6]- وَأَصْحَابُ مَعَازِفَ وَقُوَّادٌ وَكَاهِنٌ وَمُقَامِرٌ وَوَاشِمَةٌ وَفُرُوعُهُ كَثِيرَةٌ . قِيلَ لَهُ يَا خَبِيثُ وَنَحْوُهُ جَازَ لَهُ الرَّدُّ فِي كُلِّ شَتِيمَةٍ لَا تُوجِبُ الْحَدَّ وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ. كُرِهَ قَوْلُ الصَّائِمِ الْمُتَطَوِّعِ إذَا سُئِلَ أَصَائِمٌ حَتَّى أَنْظُرَ فَإِنَّهُ نِفَاقٌ أَوْ حُمْقٌ.   [رد المحتار] نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلِاسْتِخْرَاجِ حَقٍّ لَهُ لَيْسَ بِرِشْوَةٍ يَعْنِي فِي حَقِّ الدَّافِعِ اهـ. (قَوْلُهُ كَانْ يُعْطِيَ الشُّعَرَاءَ) فَقَدْ رَوَى الْخَطَّابِيُّ فِي الْغَرِيبِ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا قَالَ: «أَتَى شَاعِرٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا بِلَالُ اقْطَعْ لِسَانَهُ عَنِّي فَأَعْطَاهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا» " (قَوْلُهُ جَمَعَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ) أَيْ شَيْئًا مِنْ الْقُوتِ أَوْ الدَّرَاهِمِ ط (قَوْلُهُ فَحَسَنٌ) أَيْ إنْ فَعَلُوا فَهُوَ حَسَنٌ وَلَا يُسَمَّى أُجْرَةً كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ تَعْرِيفَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ الْمَانِعِينَ أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى الْإِمَامَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الطَّاعَاتِ لِتَظْهَرَ ثَمَرَةُ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَمُجَازَاةُ الْإِحْسَانِ بِالْإِحْسَانِ مَطْلُوبَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمِنْ السُّحْتِ) بِالضَّمِّ وَبِضَمَّتَيْنِ الْحَرَامُ أَوْ مَا خَبُثَ مِنْ الْمَكَاسِبِ فَلَزِمَ عَنْهُ الْعَارُ جَمْعُهُ أَسْحَاتٌ وَأَسْحُتٌ اكْتَسَبَهُ قَامُوسٌ، وَمِنْ السُّحْتِ: مَا يَأْخُذُهُ الصِّهْرُ مِنْ الْخَتَنِ بِسَبَبِ بِنْتِهِ بِطِيبِ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ بِطَلَبِهِ يَرْجِعُ الْخَتْنُ بِهِ مُجْتَبًى (قَوْلُهُ وَمَا يَأْخُذُهُ غَازٍ لِغَزْوٍ) مِنْ أَهْلِ الْبَلْدَةِ جَبْرًا فَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ لَا عَلَى الدَّافِعِ ط (قَوْلُهُ وَشَاعِرٌ لِشَعْرٍ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَدْفَعُ لَهُ عَادَةً قَطْعًا لِلِسَانِهِ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ كَانَ مِمَّنْ يُؤْمَنُ شَرُّهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا يُدْفَعُ لَهُ حَلَالٌ بِدَلِيلِ «دَفْعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بُرْدَتَهُ لِكَعْبٍ لَمَّا امْتَدَحَهُ بِقَصِيدَتِهِ الْمَشْهُورَةِ» تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمَسْخَرَةٌ وَحَكَوَاتِيٌّ) عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى أَوْ الْمُضْحِكُ لِلنَّاسِ أَوْ يَسْخَرُ مِنْهُمْ أَوْ يُحَدِّثُ النَّاسَ بِمَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ، لَا سِيَّمَا بِأَحَادِيثِ الْعَجَمِ مِثْلِ رُسْتُمَ وَاسْبِنْدِيَارَ وَنَحْوُهُمَا اهـ. تَأَمَّلْ وَانْظُرْ هَلْ النِّسْبَةُ فِي حَكَوَاتِيٍّ عَرَبِيَّةٌ. (قَوْلُهُ لَهْوَ الْحَدِيثِ) أَيْ مَا يُلْهِي عَمَّا يَعْنِي كَالْأَحَادِيثِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا وَالْأَسَاطِيرِ الَّتِي لَا اعْتِبَارَ لَهَا وَالْمُضَاحَكِ وَفُضُولِ الْكَلَامِ، وَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى مَنْ نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثُ بْنِ كِلْدَةَ، وَكَانَ يَتْجُرُ فَيَأْتِي الْحِيرَةَ، وَيَشْتَرِي أَخْبَارَ الْعَجَمِ، وَيُحَدِّثُ بِهَا قُرَيْشًا، وَيَقُولُ إنَّ مُحَمَّدًا يُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثِ عَادٍ وَثَمُودَ، وَأَنَا أُحَدِّثُكُمْ بِأَحَادِيثِ رُسْتُمَ وَأَخْبَارِ الْأَكَاسِرَةِ، فَيَسْتَمْلِحُونَ حَدِيثَهُ وَيَتْرُكُونَ اسْتِمَاعَ الْقُرْآنِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ اهـ. ط (قَوْلُهُ الْمَعَازِفِ) أَيْ الْمَلَاهِي (قَوْلُهُ وَكَاهِنٌ) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمُنَجِّمُ وَإِلَّا فَفِي الْمُغْرِبِ قَالُوا: إنَّ الْكَهَانَةَ كَانَتْ فِي الْعَرَبِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ. يُرْوَى " أَنَّ الشَّيَاطِينَ كَانَتْ تَسْتَرِقُ السَّمْعَ، فَتُلْقِيهِ إلَى الْكَهَنَةِ فَتَزِيدُ فِيهِ مَا تُرِيدُ، وَتَقْبَلُهُ الْكُفَّارُ مِنْهُمْ، فَلَمَّا بُعِثَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَحُرِسَتْ السَّمَاءُ بَطَلَتْ الْكَهَانَةُ " اهـ. (قَوْلُهُ وَفُرُوعُهُ كَثِيرَةٌ) مِنْهَا كَمَا فِي الْمُجْتَبَى مَا تَأْخُذُهُ الْمُغَنِّيَةُ عَلَى الْغِنَاءِ وَالنَّائِحَةِ وَالْوَاشِرَةُ وَالْمُتَوَسِّطَةُ لِعَقْدِ النِّكَاحِ وَالْمُصْلِحُ بَيْنَ الْمُتَشَاحِنَيْنِ وَثَمَنُ الْخَمْرِ وَالسُّكْرِ وَعَسْبِ التَّيْسِ وَثَمَنُ جَمِيعِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ وَالسِّبَاعِ قَبْلَ الدَّبَّاغِ وَمَهْرُ الْبَغْيِ وَأَجْرُ الْحَجَّامِ بِشَرْطٍ اهـ. لَكِنْ فِي الْمَوَاهِبِ: وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُغَنِّي وَالنَّائِحَةِ وَالْقَوَّالِ أَخْذُ الْمَالِ الْمَشْرُوطِ دُونَ غَيْرِهِ اهـ. وَكَذَا صَاحِبُ الطَّبْلِ وَالْمِزْمَارِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. (قَوْلُهُ جَازَ لَهُ الرَّدُّ) قَالَ تَعَالَى - {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 41]- (قَوْلُهُ وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ) قَالَ تَعَالَى - {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40]-. (قَوْلُهُ حَتَّى أَنْظُرَ) مَفْعُولُ الْقَوْلِ ط (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ نِفَاقٌ) أَيْ مِنْ عَمَلِ الْمُنَافِقِينَ أَيْ لِيَظْهَر أَنَّهُ يُخْفِي عَمَلَهُ ط (قَوْلُهُ أَوْ حُمْقٌ) أَيْ جَهَالَةٌ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: إنْ كَانَ صَائِمًا نَعَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 424 مَنْ لَهُ أَطْفَالٌ وَمَالٌ قَلِيلٌ لَا يُوصِي بِنَفْلٍ. مَنْ صَلَّى أَوْ تَصَدَّقَ يُرَائِي بِهِ النَّاسَ   [رد المحتار] فَإِنَّ الصَّوْمَ لَا يَدْخُلُهُ الرِّيَاءُ، وَهُوَ أَحَدُ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْقُدْسِيُّ «الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» ط. (قَوْلُهُ مَنْ لَهُ أَطْفَالٌ إلَخْ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى لَوْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا فَتَرْكُ الْوَصِيَّةِ أَفْضَلُ وَكَذَا لَوْ كَانُوا بَالِغِينَ فُقَرَاءَ وَلَا يَسْتَغْنُونَ بِالثُّلُثَيْنِ، وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَوْ يَسْتَغْنُونَ بِالثُّلُثَيْنِ فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى وَقَدْرُ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا تَرَكَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ دُونَ الْوَصِيَّةِ وَعَنْ الْإِمَامِ الْفَضْلِيِّ عَشَرَةَ آلَافٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَمَنْ صَلَّى أَوْ تَصَدَّقَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ إخْلَاصَ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَاجِبٌ وَالرِّيَاءَ فِيهَا، وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِهَا غَيْرَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ لِلنُّصُوصِ الْقَطْعِيَّةِ، وَقَدْ سُمِّيَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الرِّيَاءُ: الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ، وَقَدْ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْإِخْلَاصِ فِيهَا، وَفِي الْمِعْرَاجِ: أُمِرْنَا بِالْعِبَادَةِ وَلَا وُجُودَ لَهَا بِدُونِ الْإِخْلَاصِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَالْإِخْلَاصُ جَعْلُ أَفْعَالِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بِالنِّيَّةِ اهـ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: الْإِخْلَاصُ فِي الطَّاعَةِ تَرْكُ الرِّيَاءِ وَمَعْدِنُهُ الْقَلْبُ اهـ. وَهَذِهِ النِّيَّةُ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ لَا لِصِحَّةِ الْعَمَلِ لِأَنَّ الصِّحَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ وَالنِّيَّةُ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ مَثَلًا: أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي. قَالَ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ: وَأَمَّا الثَّوَابُ فَيَتَعَلَّقُ بِصِحَّةِ عَزِيمَتِهِ وَهُوَ الْإِخْلَاصُ، فَإِنَّ مَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ نَجَسٍ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى صَلَّى لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ فِي الْحُكْمِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَلَكِنْ يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ لِصِحَّةِ عَزِيمَتِهِ وَعَدَمِ تَقْصِيرِهِ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ الثَّوَابِ وَالصِّحَّةِ فَقَدْ يُوجَدُ الثَّوَابُ بِدُونِ الصِّحَّةِ كَمَا ذُكِرَ، وَبِالْعَكْسِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ بِلَا نِيَّةٍ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ، وَلَا ثَوَابَ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ صَلَّى مُرَائِيًا لَكِنَّ الرِّيَاءَ تَارَةً يَكُونُ فِي أَصْلِ الْعِبَادَةِ، وَتَارَةً يَكُونُ فِي وَصْفِهَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الرِّيَاءُ الْكَامِلُ الْمُحِيطُ لِلثَّوَابِ مِنْ أَصْلِهِ كَمَا إذَا صَلَّى لِأَجْلِ النَّاسِ، وَلَوْلَا هُمْ مَا صَلَّى، وَأَمَّا لَوْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ فِي أَثْنَائِهَا فَهُوَ لَغْوٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ لِأَجْلِهِمْ بَلْ صَلَاتُهُ كَانَتْ خَالِصَةً لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْجُزْءُ الَّذِي عَرَضَ لَهُ فِيهِ الرِّيَاءُ بَعْضُ تِلْكَ الصَّلَاةِ الْخَالِصَةِ. نَعَمْ إنْ زَادَ فِي تَحْسِينِهَا بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعَ إلَى الْقِسْمِ الثَّانِي، فَيَسْقُطُ ثَوَابُ التَّحْسِينِ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ فِيمَنْ أَطَالَ الرُّكُوعَ لِإِدْرَاكِ الْجَائِي لَا لِلْقُرْبَةِ حَيْثُ قَالَ: أَخَافُ عَلَيْهِ أَمْرًا عَظِيمًا أَيْ الشِّرْكَ الْخَفِيَّ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَوْ افْتَتَحَ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ دَخَلَ فِي قَلْبِهِ الرِّيَاءُ فَهُوَ عَلَى مَا افْتَتَحَ وَالرِّيَاءُ أَنَّهُ لَوْ خَلَا عَنْ النَّاسِ لَا يُصَلِّي، وَلَوْ كَانَ مَعَ النَّاسِ يُصَلِّي، فَأَمَّا إنْ كَانَ مَعَ النَّاسِ يُحْسِنُهَا، وَلَوْ صَلَّى وَحْدَهُ لَا يُحْسِنُ فَلَهُ ثَوَابُ أَصْلِ الصَّلَاةِ دُونَ الْإِحْسَانِ وَلَا يَدْخُلُ الرِّيَاءُ فِي الصَّوْمِ. وَفِي الْيَنَابِيعِ قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ: لَوْ صَلَّى رِيَاءً فَلَا أَجْرَ لَهُ وَعَلَيْهِ الْوِزْرُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَجْرَ لَهُ وَلَا وِزْرَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ اهـ.، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّوْمِ، لِأَنَّهُ لَا يُرَى إذْ هُوَ إمْسَاكٌ خَاصٌّ لَا فِعْلَ فِيهِ. نَعَمْ قَدْ يَدْخُلُ فِي إخْبَارِهِ وَتَحَدُّثِهِ بِهِ. تَأَمَّلْ. وَاسْتَدَلَّ لَهُ فِي الْوَاقِعَاتِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» فَفِي شَرِكَةِ الْغَيْرِ وَهَذَا لَمْ يُذْكَرْ فِي حَقِّ سَائِرِ الطَّاعَاتِ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مِنْ الرِّيَاءِ التِّلَاوَةَ وَنَحْوَهَا بِالْأُجْرَةِ، لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا غَيْرُ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ الْمَالُ وَلِذَا قَالُوا إنَّهُ لَا ثَوَابَ بِهَا لَا لِلْقَارِئِ وَلَا لِلْمَيِّتِ وَالْآخِذُ وَالْمُعْطِي آثِمَانِ، وَقَالُوا أَيْضًا إنَّ مَنْ نَوَى الْحَجَّ وَالتِّجَارَةَ لَا ثَوَابَ لَهُ إنْ كَانَتْ نِيَّةُ التِّجَارَةِ غَالِبَةً أَوْ مُسَاوِيَةً. وَفِي الذَّخِيرَةِ: إذَا سَعَى لِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ وَحَوَائِجَ لَهُ فِي الْمِصْرِ فَإِنْ مُعْظَمُ مَقْصُودِهِ الْأَوَّلَ فَلَهُ ثَوَابُ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَإِنْ الثَّانِي فَلَا اهـ. أَيْ وَإِنْ تَسَاوَيَا تَسَاقَطَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ، وَاخْتَارَ هَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 425 لَا يُعَاقَبُ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ وَلَا يُثَابُ بِهَا قِيلَ هَذَا فِي الْفَرَائِضِ وَعَمَّمَهُ الزَّاهِدِيُّ لِلنَّوَافِلِ لِقَوْلِهِمْ الرِّيَاءُ لَا يَدْخُلُ الْفَرَائِضَ. غَزْلُ الرَّجُلِ عَلَى هَيْئَةِ غَزْلِ الْمَرْأَةِ يُكْرَهُ. يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ سُؤْرُ الرَّجُلِ وَسُؤْرُهَا لَهُ. وَلَهُ ضَرْبُ زَوْجَتِهِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَظْهَرِ.   [رد المحتار] التَّفْصِيلَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ أَيْضًا وَغَيْرُهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَاخْتَارَ مِنْهُمْ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَدَمَ الثَّوَابِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ لَا يُعَاقَبُ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ وَلَا يُثَابُ بِهَا) هُوَ مَعْنَى مَا نَقَلَهُ فِي الْيَنَابِيعِ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُعَاقِبُ عَلَى الرِّيَاءِ، لِأَنَّهُ حَرَامٌ مِنْ الْكَبَائِرِ فَيَأْثَمُ بِهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا مَرَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُوسُفَ مِنْ أَنَّهُ لَا أَجْرَ لَهُ وَعَلَيْهِ الْوِزْرُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ عَلَى تِلْكَ الصَّلَاةِ عِقَابَ تَارِكِهَا لِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ مُسْقِطَةٌ لِلْفَرْضِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْوَاجِبِ. قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: أَفَادَ أَنَّ الْفَرَائِضَ مَعَ الرِّيَاءِ صَحِيحَةٌ مُسْقِطَةٌ لِلْوَاجِبِ اهـ. وَفِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ: وَإِذَا صَلَّى رِيَاءً وَسُمْعَةً تَجُوزُ صَلَاتُهُ فِي الْحُكْمِ لِوُجُودِ الشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ وَلَكِنْ لَا يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ اهـ. أَيْ ثَوَابَ الْمُضَاعَفَةِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: الرِّيَاءُ لَا يَدْخُلُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْفَرَائِضِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُسْتَقِيمُ أَنَّ الرِّيَاءَ لَا يُفَوِّتُ أَصْلَ الثَّوَابِ وَإِنَّمَا يُفَوِّتُ تَضَاعُفَ الثَّوَابِ اهـ. وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الثَّوَابَ يَتَعَلَّقُ بِصِحَّةِ الْعَزِيمَةِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى هَذَا، أَوْ يُحْمَلَ مَا هُنَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ أَصْلِ الثَّوَابِ سُقُوطُ الْفَرْضِ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ، وَعَدَمُ الْعِقَابِ عَلَيْهَا عِقَابَ تَارِكِهَا وَبِهِ يَظْهَرُ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ بِالْفَرَائِضِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَمَّمَهُ الزَّاهِدِيُّ لِلنَّوَافِلِ) أَيْ جَعَلَهُ عَامًّا فِي أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ النَّوَافِلِ فَقَطْ دُونَ الْفَرَائِضِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ عَمَّمَهُ فِي النَّوَافِلِ وَالْفَرَائِضِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيلُ الَّذِي بَعْدَهُ فَكَانَ الْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ وَخَصَّصَهُ الزَّاهِدِيُّ بِالنَّوَافِلِ، وَعِبَارَةُ الزَّاهِدِيِّ فِي الْمُجْتَبَى. وَلَكِنْ نَصَّ فِي الْوَاقِعَاتِ: أَنَّ الرِّيَاءَ لَا يَدْخُلُ فِي الْفَرَائِضِ فَتَعَيَّنَ النَّوَافِلُ اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ لَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِمَّا قَبْلَهُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ مُسْقِطَةٌ لِلْوَاجِبِ لَا يُؤَثِّرُ الرِّيَاءُ فِي بُطْلَانِهَا، بَلْ فِي إعْدَامِ ثَوَابِهَا، وَتَخْصِيصُ الزَّاهِدِيِّ النَّوَافِلَ مَعْنَاهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَنَّ الرِّيَاءَ يُحْبِطُ ثَوَابَهَا أَصْلًا كَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا، فَإِذَا صَلَّى سُنَّةَ الظُّهْرِ مَثَلًا رِيَاءً لِأَجْلِ النَّاسِ وَلَوْلَاهُمْ لَمْ يُصَلِّهَا لَا يُقَالُ أَتَى بِهَا فَيَكُونُ فِي حُكْمِ تَارِكِهَا بِخِلَافِ الْفَرْضِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي حُكْمِ تَارِكِهِ حَتَّى لَا يُعَاقَبَ عِقَابَ تَارِكِهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النَّوَافِلِ الثَّوَابُ لِتَكْمِيلِ الْفَرَائِضِ وَسَدِّ خَلَلِهَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ يُكْرَهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءٍ وَقَدْ «لَعَنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمُتَشَبِّهِينَ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ» كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ إلَخْ) تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الطَّهَارَةِ فِي بَحْثِ الْأَسْآرِ، وَالْعِلَّةُ فِيهَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمِنَحِ هُنَاكَ أَنَّ الرَّجُلَ يَصِيرُ مُسْتَعْمِلًا لِجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَهُوَ رِيقُهَا الْمُخْتَلِطُ بِالْمَاءِ وَبِالْعَكْسِ فِيمَا لَوْ شَرِبَتْ سُؤْرَهُ وَهُوَ لَا يَجُوزُ اهـ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ وَقَالَ الرَّمْلِيُّ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِ الزَّوْجَةِ وَالْمَحَارِمِ (قَوْلُهُ وَلَهُ ضَرْبُ زَوْجَتِهِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ) وَكَذَا عَلَى تَرْكِهَا الزِّينَةَ وَغُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَعَلَى خُرُوجِهَا مِنْ الْمَنْزِلِ وَتَرْكِ الْإِجَابَةِ إلَى فِرَاشِهِ وَمَرَّ تَمَامُهُ فِي التَّعْزِيرِ وَأَنَّ الضَّابِطَ أَنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا فَلِلزَّوْجِ وَالْمَوْلَى التَّعْزِيرُ، وَأَنَّ لِلْوَلِيِّ ضَرْبَ ابْنِ عَشْرٍ عَلَى الصَّلَاةِ وَيَلْحَقُ بِهِ الزَّوْجُ وَأَنَّ لَهُ إكْرَاهَ طِفْلِهِ عَلَى تَعْلِيمِ قُرْآنٍ وَأَدَبٍ وَعِلْمٍ وَلَهُ ضَرْبُ الْيَتِيمِ فِيمَا يَضْرِبُ وَلَدَهُ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ) وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى وَفِي رِوَايَةٍ لَيْسَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 426 لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ تَطْلِيقُ الْفَاجِرَةِ. لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْ الْحِيَاضِ الْمُعَدَّةِ لِلشُّرْبِ فِي الصَّحِيحِ وَيُمْنَعُ مِنْ الْوُضُوءِ مِنْهُ وَفِيهِ وَحَمْلُهُ لِأَهْلِهِ إنْ مَأْذُونًا بِهِ جَازَ وَإِلَّا لَا. الْكَذِبُ مُبَاحٌ لِإِحْيَاءِ حَقِّهِ وَدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ وَالْمُرَادُ التَّعْرِيضُ لِأَنَّ عَيْنَ الْكَذِبِ حَرَامٌ قَالَ: وَهُوَ الْحَقُّ قَالَ تَعَالَى - {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [الذاريات: 10]- الْكُلُّ مِنْ الْمُجْتَبَى وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ قَالَ: -   [رد المحتار] لَهُ ذَلِكَ وَعَلَيْهَا مَشَى الْمُصَنِّفُ فِي التَّعْزِيرِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ تَطْلِيقُ الْفَاجِرَةِ) وَلَا عَلَيْهَا تَسْرِيحُ الْفَاجِرِ إلَّا إذَا خَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَفَرَّقَا اهـ مُجْتَبًى وَالْفُجُورُ يَعُمُّ الزِّنَا وَغَيْرَهُ وَقَدْ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ زَوْجَتُهُ لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ وَقَدْ قَالَ إنِّي أُحِبُّهَا: اسْتَمْتِعْ بِهَا» اهـ ط (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْ الْحِيَاضِ الْمُعَدَّةِ لِلشُّرْبِ) وَلَا يَمْنَعُ جَوَازَ التَّيَمُّمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ كَثِيرًا فَيُسْتَدَلُّ بِكَثْرَتِهِ عَلَى أَنَّهُ وُضِعَ لِلشُّرْبِ وَالْوُضُوءِ جَمِيعًا اهـ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ) وَعَنْ ابْنِ الْفَضْلِ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ مِنْهُ وَالْمَوْضُوعُ لِلْوُضُوءِ لَا يُبَاحُ مِنْهُ الشُّرْبُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَيُمْنَعُ مِنْ الْوُضُوءِ مِنْهُ وَفِيهِ) وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ فِيهِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَيِّعٍ وَلَكِنْ كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ وَلَوْ فِيهِ ط (قَوْلُهُ وَحَمْلُهُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ الْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ ط (قَوْلُهُ الْكَذِبُ مُبَاحٌ لِإِحْيَاءِ حَقِّهِ) كَالشَّفِيعِ يَعْلَمُ بِالْبَيْعِ بِاللَّيْلِ، فَإِذَا أَصْبَحَ يَشْهَدُ وَيَقُولُ عَلِمْت الْآنَ، وَكَذَا الصَّغِيرَةُ تَبْلُغُ فِي اللَّيْلِ وَتَخْتَارُ نَفْسَهَا مِنْ الزَّوْجِ وَتَقُولُ: رَأَيْت الدَّمَ الْآنَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَذِبَ قَدْ يُبَاحُ وَقَدْ يَجِبُ وَالضَّابِطُ فِيهِ كَمَا فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ وَغَيْرِهِ عَنْ الْإِحْيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَقْصُودٍ مَحْمُودٍ يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَيْهِ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ جَمِيعًا، فَالْكَذِبُ فِيهِ حَرَامٌ، وَإِنْ أَمْكَنَ التَّوَصُّلُ إلَيْهِ بِالْكَذِبِ وَحْدَهُ فَمُبَاحٌ إنْ أُبِيحَ تَحْصِيلُ ذَلِكَ الْمَقْصُودِ، وَوَاجِبٌ إنْ وَجَبَ تَحْصِيلُهُ كَمَا لَوْ رَأَى مَعْصُومًا اخْتَفَى مِنْ ظَالِمٍ يُرِيدُ قَتْلَهُ أَوْ إيذَاءَهُ فَالْكَذِبُ هُنَا وَاجِبٌ وَكَذَا لَوْ سَأَلَهُ عَنْ وَدِيعَةٍ يُرِيدُ أَخْذَهَا يَجِبُ إنْكَارُهَا، وَمَهْمَا كَانَ لَا يَتِمُّ مَقْصُودُ حَرْبٍ أَوْ إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَوْ اسْتِمَالَةُ قَلْبِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إلَّا بِالْكَذِبِ فَيُبَاحُ، وَلَوْ سَأَلَهُ سُلْطَانٌ عَنْ فَاحِشَةٍ وَقَعَتْ مِنْهُ سِرًّا كَزِنًا أَوْ شُرْبٍ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ مَا فَعَلْته، لِأَنَّ إظْهَارَهَا فَاحِشَةٌ أُخْرَى، وَلَهُ أَيْضًا أَنْ يُنْكِرَ سِرَّ أَخِيهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَابِلَ مَفْسَدَةَ الْكَذِبِ بِالْمَفْسَدَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الصِّدْقِ، فَإِنْ كَانَتْ مَفْسَدَةُ الصِّدْقِ أَشَدَّ، فَلَهُ الْكَذِبُ، وَإِنْ الْعَكْسُ أَوْ شَكَّ حَرُمَ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِنَفْسِهِ اُسْتُحِبَّ أَنْ لَا يَكْذِبَ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِغَيْرِهِ لَمْ تَجُزْ الْمُسَامَحَةُ لِحَقِّ غَيْرِهِ وَالْحَزْمُ تَرْكُهُ حَيْثُ أُبِيحَ، وَلَيْسَ مِنْ الْكَذِبِ مَا اُعْتِيدَ مِنْ الْمُبَالَغَةِ كَجِئْتُك أَلْفَ مَرَّةٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ تَفْهِيمُ الْمُبَالَغَةِ لَا الْمَرَّاتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَاءَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَهُوَ كَاذِبٌ اهـ مُلَخَّصًا وَيَدُلُّ لِجَوَازِ الْمُبَالَغَةِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ «وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ» . قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ: وَمِمَّا يُسْتَثْنَى أَيْضًا الْكَذِبُ فِي الشِّعْرِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ كَقَوْلِهِ: أَنَا أَدْعُوك لَيْلًا وَنَهَارًا، وَلَا أُخَلِّي مَجْلِسًا عَنْ شُكْرِك، لِأَنَّ الْكَاذِبَ يُظْهِرُ أَنَّ الْكَذِبَ صِدْقٌ وَيُرَوِّجُهُ، وَلَيْسَ غَرَضُ الشَّاعِرِ الصِّدْقَ فِي شِعْرِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ صِنَاعَةٌ وَقَالَ الشَّيْخَانِ يَعْنِي الرَّافِعِيَّ وَالنَّوَوِيَّ بَعْدَ نَقْلِهِمَا ذَلِكَ عَنْ الْقَفَّالِ وَالصَّيْدَلَانِيِّ وَهَذَا حُسْنٌ بَالِغٌ اهـ (قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى وَعِبَارَتُهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ كَذِبٍ مَكْتُوبٌ لَا مَحَالَةَ إلَّا ثَلَاثَةً الرَّجُلَ مَعَ امْرَأَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ وَالرَّجُلَ يُصْلِحُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَالْحَرْبَ فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ» ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعَارِيضِ، لِأَنَّ عَيْنَ الْكَذِبِ حَرَامٌ. قُلْت: وَهُوَ الْحَقُّ قَالَ تَعَالَى - {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [الذاريات: 10]- وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْكَذِبُ مَعَ الْفُجُورِ وَهُمَا فِي النَّارِ» وَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَيْنُ الْكَذِبِ لِلنَّجَاةِ وَتَحْصِيلِ الْمَرَامِ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 427 وَلِلصُّلْحِ جَازَ الْكِذْبُ أَوْ دَفْعُ ظَالِمٍ ... وَأَهْلِ التَّرَضِّي وَالْقِتَالِ لِيَظْفَرُوا وَيُكْرَهُ فِي الْحَمَّامِ تَغْمِيزُ خَادِمٍ ... وَمَنْ شَاءَ تَنْوِيرًا فَقَالُوا يُنَوِّرُ وَيَفْسُقُ مُعْتَادُ الْمُرُورِ بِجَامِعٍ ... وَمَنْ عَلَّمَ الْأَطْفَالَ فِيهِ وَيُوزَرُ وَمَنْ قَامَ إجْلَالًا لِشَخْصٍ فَجَائِزٌ ... وَفِي غَيْرِ أَهْلِ الْعِلْمِ بَعْضٌ يُقَرِّرُ وَجَوَّزَ نَقْلَ الْمَيِّتِ الْبَعْضُ مُطْلَقًا ... وَعَنْ بَعْضِهِمْ مَا فَوْقَ مِيلَيْنِ يُحْظَرُ -   [رد المحتار] قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَغَيْرِهِمَا «إنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً عَنْ الْكَذِبِ» وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ كَمَا ذَكَرَهُ الْجِرَاحِيُّ " وَذَلِكَ كَقَوْلِ مَنْ دُعِيَ لِطَعَامٍ: أَكَلْتُ. يَعْنِي أَمْسِ، وَكَمَا فِي قِصَّةِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَحِينَئِذٍ فَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْحَدِيثِ لِمَا فِي الثَّلَاثَةِ مِنْ صُورَةِ الْكَذِبِ، وَحَيْثُ أُبِيحَ التَّعْرِيضُ لِحَاجَةٍ لَا يُبَاحُ لِغَيْرِهَا لِأَنَّهُ يُوهِمُ الْكَذِبَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ كَذِبًا قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ نَعَمْ الْمَعَارِيضُ تُبَاحُ بِغَرَضٍ حَقِيقِيٍّ كَتَطْيِيبِ قَلْبِ الْغَيْرِ بِالْمِزَاحِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَجُوزٌ» وَقَوْلِهِ «فِي عَيْنِ زَوْجِك بَيَاضٌ» وَقَوْلِهِ «نَحْمِلُكِ عَلَى وَلَدِ الْبَعِيرِ» وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ جَازَ الْكِذْبُ) بِوَزْنِ عِلْمٍ مُخْتَارٌ أَيْ بِالْكَسْرِ فَالسُّكُونُ قَالَ الشَّارِحُ ابْنُ الشِّحْنَةِ، نَقَلَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمَعَارِيضَ لَا الْكَذِبَ الْخَالِصَ (قَوْلُهُ وَأَهْلِ التَّرَضِّي) لِيَحْتَرِزَ بِهِ عَنْ الْوَحْشَةِ وَالْخُصُومَةِ شَارِحٌ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ عِنْدِي خَيْرٌ مِنْ ضَرَّتِك أَيْ مِنْ بَعْضِ الْجِهَاتِ، وَسَأُعْطِيك كَذَا أَيْ إنْ قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ فِي الْحَمَّامِ تَغْمِيزُ) أَيْ تَكْبِيسُ خَادِمٍ فَوْقَ الْإِزَارِ إذْ رُبَّمَا يَفْعَلُهُ لِلشَّهْوَةِ، وَهَذَا لَوْ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ وَالِاخْتِيَارُ تَرْكُهُ وَلَوْ الْإِزَارُ كَثِيفًا وَمَسُّ مَا تَحْتَهُ كَمَا يَفْعَلُهُ الْجَهَلَةُ حَرَامٌ شَارِحٌ (قَوْلُهُ فَقَالُوا يُنَوِّرُ) أَيْ يَطْلِي بِالنُّورَةِ بِنَفْسِهِ دُونَ الْخَادِمِ فِي الصَّحِيحِ وَيُكْرَهُ لَوْ جُنُبًا شَارِحٌ (قَوْلُهُ وَيَفْسُقُ مُعْتَادُ الْمُرُورِ) فَلَا تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ إذَا كَانَ مَشْهُورًا بِهِ ط وَالْحِيلَةُ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ حَالَ الدُّخُولِ، وَيَكْفِي فِيهِ السَّكَنَاتُ فِيمَا بَيْنَ الْخُطُوَاتِ شُرُنْبُلَالِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَنْ عَلَّمَ الْأَطْفَالَ إلَخْ) الَّذِي فِي الْقُنْيَةِ: أَنَّهُ يَأْثَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْفِسْقُ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ الْقَوْلُ بِهِ، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ بِالْإِصْرَارِ عَلَيْهِ يَفْسُقُ. أَفَادَهُ الشَّارِحُ. قُلْت: بَلْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْعُيُونِ جَلَسَ مُعَلِّمٌ أَوْ وَرَّاقٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنْ كَانَ يُعَلِّمُ أَوْ يَكْتُبُ بِأَجْرٍ يُكْرَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ تَعْلِيمُ الصِّبْيَانِ فِي الْمَسْجِدِ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ لَكِنْ اسْتَدَلَّ فِي الْقُنْيَةِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ» (قَوْلُهُ وَيُوزَرُ) بِسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَ الْيَاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ مِنْ الْوِزْرِ، وَهُوَ الْإِثْمُ وَاسْمُ الْمَفْعُولِ مَوْزُورٌ بِلَا هَمْزٍ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ» ، لِلِازْدِوَاجِ وَلَوْ أَفْرَدَ لَقِيلَ مَوْزُورَاتٍ اهـ وَلَوْ قَالَ فَيُوزَرُ بِالْفَاءِ لَسَلِمَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَامَ إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ قُبَيْلَ فَصْلِ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ وَفِي غَيْرِ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَخْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ " وَقِيلَ لَهُ أَنْ يَقُومَ بَيْنَ يَدَيْ الْعَالِمِ تَعْظِيمًا لَهُ أَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ اهـ فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ مَسْأَلَةِ الْقِيَامِ لِقُدُومِهِ تَعْظِيمًا فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ ش (قَوْلُهُ وَجَوَّزَ نَقْلَ الْمَيِّتِ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ هُنَا وَالْبَعْضُ فَاعِلُ جَوَّزَ وَالْمُرَادُ قَبْلَ الدَّفْنِ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ مِنْ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا بَعْدَ الدَّفْنِ أَيْضًا رَادًّا عَلَى الطَّرَسُوسِيِّ، قَالَ الشَّارِحُ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْخِلَافِ لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّوَابَ مَعَ الطَّرَسُوسِيِّ اهـ أَيْ حَيْثُ لَمْ يَحْكِ خِلَافًا فِيمَا بَعْدَ الدَّفْنِ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ قَصُرَتْ (قَوْلُهُ وَعَنْ بَعْضِهِمْ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: نَقْلُ الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ قَبْلَ الدَّفْنِ لَا يُكْرَهُ وَبَعْدَهُ يَحْرُمُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَقَبْلَهُ يُكْرَهُ أَيْضًا إلَّا قَدْرَ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ، وَنَقْلُ الْكَلِيمِ الصِّدِّيقَ - عَلَيْهِمَا وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَرِيعَةٌ مُتَقَدِّمَةٌ مَنْسُوخَةٌ أَوْ رِعَايَةٌ لِوَصِيَّتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهِيَ لَازِمَةٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 428 وَلِلزَّوْجَةِ التَّسْمِينُ لَا فَوْقَ شِبْعِهَا ... وَمِنْ ذِكْرِهَا التَّعْوِيذَ لِلْحُبِّ تُحْظَرُ وَيُكْرَهُ أَنْ تُسْقَى لِإِسْقَاطِ حَمْلِهَا ... وَجَازَ لِعُذْرٍ حَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ وَإِنْ أَسْقَطَتْ مَيْتًا فَفِي السِّقْطِ غُرَّةٌ ... لِوَالِدِهِ مِنْ عَاقِلِ الْأُمِّ تُحْضَرُ وَفِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكْرَهُ كَحْلُهُمْ ... وَلَا بَأْسَ بِالْمُعْتَادِ خَلْطًا وَيُؤْجَرُ   [رد المحتار] وَقَدْ كَانَ الصِّدِّيقُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْصَى بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلِلزَّوْجَةِ التَّسْمِينُ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: امْرَأَةٌ تَأْكُلُ الْفَتِيتَ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ لِأَجْلِ التَّسْمِينِ قَالَ أَبُو مُطِيعٍ: لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ تَأْكُلْ فَوْقَ شِبَعِهَا قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ فِي الزَّوْجَةِ: يَنْبَغِي أَنْ يُنْدَبَ لَهَا ذَلِكَ، وَتَكُونُ مَأْجُورَةً. قَالَ الشَّارِحُ وَلَا يُعْجِبُنِي إطْلَاقُ إبَاحَتِهِ ذَلِكَ فَضْلًا عَنْ نَدْبِهِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ يُحِبُّ السِّمَنَ وَإِلَّا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَوْزُورَةً اهـ (قَوْلُهُ لَا فَوْقَ شِبْعِهَا) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ (قَوْلُهُ وَمِنْ ذِكْرِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِتُحْظَرُ بِمَعْنَى تُمْنَعُ وَالتَّعْوِيذُ مَفْعُولُ الذِّكْرِ، وَلِلْحُبِّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَالذِّكْرُ يَكُونُ بِاللِّسَانِ، وَالْمُرَادُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ الْحَمْلِ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: امْرَأَةٌ تَصْنَعُ آيَاتِ التَّعْوِيذِ لِيُحِبَّهَا زَوْجُهَا بَعْدَ مَا كَانَ يُبْغِضُهَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَلَا يَحِلُّ اهـ وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبَانَ فِي تَوْجِيهِهِ: أَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ السِّحْرِ وَالسِّحْرُ حَرَامٌ اهـ ط وَمُقْتَضَاة أَنَّهُ لَيْسَ مُجَرَّدَ كِتَابَةِ آيَاتٍ، بَلْ فِيهِ شَيْءٌ زَائِدٌ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتُّوَلَةَ شِرْكٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتُّوَلَةُ أَيْ بِوَزْنِ عِنَبَةٍ ضَرْبٌ مِنْ السِّحْرِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: هُوَ تَحْبِيبُ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا، وَعَنْ «عُرْوَةَ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ نَرْقِي فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَقَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قُبَيْلَ فَصْلِ النَّظَرِ وَبِهِ انْدَفَعَ تَنْظِيرُ ابْنِ الشِّحْنَةِ فِي كَوْنِ التَّعْوِيذِ ضَرْبًا مِنْ السِّحْرِ. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ إلَخْ) أَيْ مُطْلَقًا قَبْلَ التَّصَوُّرِ وَبَعْدَهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الْخَانِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ الِاسْتِبْرَاءِ وَقَالَ إلَّا أَنَّهَا لَا تَأْثَمُ إثْمَ الْقَتْلِ (قَوْلُهُ وَجَازَ لِعُذْرٍ) كَالْمُرْضِعَةِ إذَا ظَهَرَ بِهَا الْحَبَلُ وَانْقَطَعَ لَبَنُهَا وَلَيْسَ لِأَبِي الصَّبِيِّ مَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ الظِّئْرَ وَيَخَافُ هَلَاكَ الْوَلَدِ قَالُوا يُبَاحُ لَهَا أَنْ تُعَالِجَ فِي اسْتِنْزَالِ الدَّمِ مَا دَامَ الْحَمْلُ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً وَلَمْ يُخْلَقْ لَهُ عُضْوٌ وَقَدَّرُوا تِلْكَ الْمُدَّةَ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَجَازَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِآدَمِيٍّ وَفِيهِ صِيَانَةُ الْآدَمِيِّ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ: وَجَازَ لِعُذْرٍ وَالتَّصَوُّرُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ شَعْرٌ أَوْ أُصْبُعٌ أَوْ رِجْلٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَسْقَطَتْ مَيْتًا) بِتَخْفِيفِ مَيِّتٍ: أَيْ بِعِلَاجٍ أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ تَتَعَمَّدُ بِهِ الْإِسْقَاطَ، أَمَّا إذَا أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَعَلَى عَاقِلَتِهَا الدِّيَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، إنْ كَانَتْ لَهَا عَاقِلَةٌ وَإِلَّا فَفِي مَالِهَا وَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ وَلَا تَرِثُ مِنْهُ شَيْئًا ش (قَوْلُهُ فَفِي السِّقْطِ غُرَّةٌ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ تُؤْخَذُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَنَفَاهَا الطَّرْطُوسِيُّ وَهُوَ وَهْمٌ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ لِوَالِدِهِ) الْأَوْلَى لِوَارِثِهِ ط (قَوْلُهُ مِنْ عَاقِلِ الْأُمِّ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَاقِلَةٌ فَفِي مَالِهَا فِي سَنَةٍ ش (قَوْلُهُ تُحْضَرُ) الْجُمْلَةُ صِفَةُ غُرَّةٍ ط (قَوْلُهُ وَفِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ إلَخْ) هُوَ الْعَاشِرُ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَالْكَحْلُ بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ كَحَلَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَحْلَ مُطْلَقًا سُنَّةُ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا كَوْنُهُ سُنَّةً فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَدْ قِيلَ بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا صَارَ عَلَامَةً لِلشِّيعَةِ وَجَبَ تَرْكُهُ، وَقِيلَ إنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّ يَزِيدَ وَابْنَ زِيَادٍ اكْتَحَلَا بِدَمِ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ وَقِيلَ بِالْإِثْمِدِ لِتَقَرَّ عَيْنُهُمَا بِقَتْلِهِ ش بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ إلَخْ) نَقَلَ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ الْوَبَرِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ أَثَرٌ قَوِيٌّ، وَلَا بَأْسَ اهـ، وَرُبَّمَا يُثَابُ قَالَ الشَّارِحُ: وَاَلَّذِي فِي حِفْظِي أَنَّهُ يُثَابُ بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى عِيَالِهِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 429 وَبَعْضُهُمْ الْمُخْتَارُ فِي الْكُحْلِ جَائِزٌ ... لِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ فَهُوَ الْمُقَرَّرُ وَضَرْبُ عَبِيدِ الْغَيْرِ جَازَ بِأَمْرِهِ ... وَمَا جَازَ فِي الْأَحْرَارِ وَالْأَبِ يَأْمُرُ وَأُثَوِّبُ مِنْ ذِكْرِ الْقِرَانِ اسْتِمَاعُهُ ... وَقَالُوا ثَوَابُ الطِّفْلِ لِلطِّفْلِ يُحْصَرُ   [رد المحتار] فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ «مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ» فَأَخَذَ النَّاسُ مِنْهُ أَنْ وَسَّعُوا بِاسْتِعْمَالِ أَنْوَاعٍ مِنْ الْحُبُوبِ، وَهُوَ مِمَّا يَصْدُقُ عَلَيْهِ التَّوْسِعَةُ. وَقَدْ رَأَيْت لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ كَلَامًا حَسَنًا مُحَصَّلُهُ: أَنَّهُ لَا يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى التَّوْسِعَةِ بِنَوْعٍ وَاحِدٍ بَلْ يَعُمُّهَا فِي الْمَآكِلِ وَالْمَلَابِسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ أَحَقُّ مِنْ سَائِرِ الْمَوَاسِمِ بِمَا يُعْمَلُ فِيهَا مِنْ التَّوَسُّعَاتِ الْغَيْرِ الْمَشْرُوعَةِ فِيهَا كَالْأَعْيَادِ وَنَحْوِهَا اهـ (قَوْلُهُ وَبَعْضُهُمْ إلَخْ) قَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدُ لَا بَأْسَ بِالِاكْتِحَالِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ هُوَ الْمُخْتَارُ، «لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَحَّلَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ» . وَفِي الْخَانِيَّةِ: أَنَّهُ سُنَّةٌ وَذَكَرَ فِيهَا: مَنْ اكْتَحَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَرْمَدْ سَنَتَهُ، قَالَ الشَّارِحُ وَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. قُلْت: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ وَرَدَتْ التَّوْسِعَةُ فِيهِ بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ، وَصَحِيحُ بَعْضِهَا يَرْتَقِي بِهَا الْحَدِيثُ إلَى الْحَسَنِ، وَتُعُقِّبَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي عَدِّهِ مِنْ الْمَوْضُوعَاتِ. وَأَمَّا حَدِيثُ «مَنْ اكْتَحَلَ بِالْإِثْمِدِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ تَرْمَدْ عَيْنُهُ» فَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي اللَّآلِئِ: إنَّهُ مُنْكَرٌ وَالِاكْتِحَالُ لَا يَصِحُّ فِيهِ أَثَرٌ وَهُوَ بِدْعَةٌ، وَأَوْرَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَقَالَ الْحَاكِمُ أَيْضًا لَمْ يُرْوَ فِيهِ أَثَرٌ وَهُوَ بِدْعَةٌ ابْتَدَعَهَا قَتَلَةُ الْحُسَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ: كُلُّ مَا رُوِيَ فِي فَضْلِ الِاكْتِحَالِ، وَالِاخْتِضَابِ وَالِاغْتِسَالِ فَمَوْضُوعٌ لَا يَصِحُّ، وَتَمَامُهُ فِي كَشْفِ الْخَفَاءِ وَالْإِلْبَاسِ لِلْجِرَاحِيِّ، وَبِهِ يَتَأَيَّدُ الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالتَّوْسِعَةُ عَلَى مَنْ وَسَّعَ مُجَرَّبَةٌ. نَقَلَ ذَلِكَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ. (قَوْلُهُ جَازَ بِأَمْرِهِ) أَيْ بِالْقَدْرِ الَّذِي يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ مَا لَمْ يَبْلُغْ بِهِ حَدًّا بِحَسَبِ الْجَرَائِمِ ش فَإِنْ لَزِمَهُ حَدٌّ لَا يَحُدُّهُ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ وَالْأَبُ يَأْمُرُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ لَا يَجُوزُ ضَرْبُ وَلَدِ الْحُرِّ بِأَمْرِ أَبِيهِ، أَمَّا الْمُعَلِّمُ فَلَهُ ضَرْبُهُ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ يَضْرِبُهُ نِيَابَةً عَنْ الْأَبِ لِمَصْلَحَتِهِ، وَالْمُعَلِّمُ يَضْرِبُهُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ بِتَمْلِيكِ أَبِيهِ لِمَصْلَحَةِ التَّعْلِيمِ، وَقَيَّدَهُ الطَّرَسُوسِيُّ بِأَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ آلَةٍ جَارِحَةٍ، وَبِأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى ثَلَاثِ ضَرَبَاتٍ وَرَدَّهُ النَّاظِمُ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ، وَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ وَأَقَرَّهُ الشَّارِحُ قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: وَالنَّقْلُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ يَضْرِبُ الصَّغِيرَ بِالْيَدِ لَا بِالْخَشَبَةِ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ ضَرَبَاتٍ وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ النَّاظِمِ أَنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ الْأَحْرَارِ الْقَاضِي، فَإِنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِضَرْبِ ابْنِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهُ بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ اهـ وَقَيَّدَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِكَوْنِ الْقَاضِي عَادِلًا، وَبِمُشَاهَدَةِ الْحُجَّةِ الْمُلْزِمَةِ قَالَ: وَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى مُجَرَّدِ أَمْرِ الْقَاضِي الْآنَ (قَوْلُهُ وَأَثْوَبُ) أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ مِنْ الثَّوَابِ وَهُوَ الْجَزَاءُ، وَالْقُرَانُ مَنْقُولٌ حَرَكَةَ الْهَمْزَةِ لِضَرُورَةِ الْوَزْنِ ش قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ كَمَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ فِي شَرْحِهِ اهـ أَيْ فَهُوَ لُغَةٌ لَا ضَرُورَةٌ. (قَوْلُهُ اسْتِمَاعُهُ) لِوُجُوبِهِ وَنُدِبَ الْقِرَاءَةُ (قَوْلُهُ ثَوَابُ الطِّفْلِ لِلطِّفْلِ) - {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39]- وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْتَفِعُ الْمَرْءُ بِعِلْمِ وَلَدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْعَبْدُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنْ يَتْرُكَ وَلَدًا عَلَّمَهُ الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ فَيَكُونَ لِوَالِدِهِ أَجْرُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الْوَلَدِ شَيْئًا اهـ جَامِعُ الصِّغَارِ للأستروشني، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» حَمَوِيٌّ وَتَمَامُ الْحَدِيثِ «صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» . وَفِي الْأَشْبَاهِ: وَتَصِحُّ عِبَادَتُهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 430 وَدَرْسُك بَاقِي الذِّكْرِ أَوْلَى مِنْ الصَّلَا ... ةِ نَفْلًا وَدُرُوسُ الْعِلْمِ أَوْلَى وَأَنْظَرُ وَقَدْ كَرِهُوا وَاَللَّهُ أَعْلَمْ وَنَحْوَهُ ... لِإِعْلَامِ خَتْمِ الدَّرْسِ حِينَ يُقَرَّرُ كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ لَعَلَّ مُنَاسَبَتَهُ أَنَّ فِيهِ مَا يُكْرَهُ وَمَا لَا يُكْرَهُ. الْحَيَاةُ نَوْعَانِ: حَاسَّةٌ وَنَامِيَةٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا النَّامِيَةُ وَسُمِّيَ مَوَاتًا لِبُطْلَانِ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَإِحْيَاؤُهُ بِبِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ أَوْ كَرْبٍ أَوْ سَقْيٍ (إذَا أَحْيَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ أَرْضًا غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهَا -   [رد المحتار] وَاخْتَلَفُوا فِي ثَوَابِهَا وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا لَهُ وَلِلْمُعَلِّمِ ثَوَابُ التَّعْلِيمِ، وَكَذَا جَمِيعُ حَسَنَاتِهِ اهـ. أَقُولُ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قِيلَ إنَّ ثَوَابَهَا لِوَالِدِهِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْمُعْتَمَدِ، وَبَيْنَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ، يُنْتَفَعُ بِعِلْمِ وَلَدِهِ عَلَى أَنَّ وَلَدَ الْمَرْءِ مِنْ سَعْيِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ خَيْرِ كَسْبِهِ كَمَا وَرَدَ لَكِنَّهُ يَشْمَلُ الْبَالِغَ، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الصَّغِيرِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ مُقَابِلَ الْمُعْتَمَدِ هُوَ أَنَّ الثَّوَابَ لِلْأَبِ فَقَطْ، وَأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقِينَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَدَرْسُك بَاقِي الذِّكْرِ) أَيْ تَعَلُّمُك بَاقِي الْقُرْآنِ عِنْدَ الْفَرَاغِ أَوْلَى مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ، وَعَلَّلَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي بِأَنَّ حِفْظَ الْقُرْآنِ عَلَى الْأُمَّةِ اهـ أَيْ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَصَلَاةُ التَّطَوُّعِ مَنْدُوبَةٌ ط (قَوْلُهُ مِنْ الصَّلَاةِ) التَّاءُ مِنْ الشَّطْرِ الثَّانِي (قَوْلُهُ وَدُرُوسُ الْعِلْمِ) أَيْ الْمُفْتَرَضُ عَلَيْك أَوْلَى وَأَنْظَرُ مَنْ تَعَلُّمِ بَاقِي الْقُرْآنِ قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي: لِأَنَّ تَعَلُّمَ جَمِيعِ الْقُرْآنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَتَعَلُّمُ مَا لَا بُدَّ مِنْ الْفِقْهِ فَرْضُ عَيْنٍ، وَالِاشْتِغَالُ بِفَرْضِ الْعَيْنِ أَوْلَى اهـ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ تَعَلُّمَ بَاقِي الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ تَعَلُّمِ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ مِنْ عِلْمِ الْفِقْهِ ط وَفِيهِ نَظَرٌ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّائِدِ مِنْهُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، بَلْ قَدَّمْنَا عَنْ الْخِزَانَةِ قُبَيْلَ بَحْثِ الْغِيبَةِ أَنَّ جَمِيعَ الْفِقْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ إلَخْ فَرَاجِعْهُ وَمُفَادُهُ: أَنَّ تَعَلُّمَ الْفِقْهِ أَفْضَلُ تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِهِ فِي شَرْحِ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَكَأَنَّهُ لِأَنَّ نَفْعَهُ مُتَعَدٍّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) مَفْعُولُ كَرِهُوا، وَأَسْكَنَ الْمِيمَ لِلْوَزْنِ أَوْ عَلَى حِكَايَةِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ وَنَحْوَهُ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ " اللَّهُ أَعْلَمُ " كَأَنْ يَقُولَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ لِإِعْلَامِ خَتْمِ الدَّرْسِ) أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ إعْلَامًا بِانْتِهَائِهِ لَا يُكْرَهُ، لِأَنَّهُ ذِكْرٌ فِيهِ وَتَفْوِيضٌ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ آلَةً لِلْإِعْلَامِ وَنَحْوِهِ إذَا قَالَ الدَّاخِلُ: يَا اللَّهُ مَثَلًا لِيُعْلِمَ الْجُلَّاسَ بِمَجِيئِهِ لِيُهَيِّئُوا لَهُ مَحَلًّا، وَيُوَقِّرُوهُ وَإِذَا قَالَ الْحَارِسُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَنَحْوَهُ لِيُعْلَمَ بِاسْتِيقَاظِهِ، فَلَمْ يَكُنْ الْمَقْصُودُ الذِّكْرَ أَمَّا إذَا اجْتَمَعَ الْقَصْدَانِ يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ كَمَا اُعْتُبِرَ فِي نَظَائِرِهِ اهـ ط. [كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ] ِ الْمَوَاتُ كَسَحَابٍ وَغُرَابٍ مَا لَا رَوْحَ فِيهِ، أَوْ أَرْضٌ لَا مَالِكَ لَهَا قَامُوسٌ. وَفِي الْمُغْرِبِ: هُوَ الْأَرْضُ الْخَرَابُ وَخِلَافُهُ الْعَامِرُ اهـ. وَجَعَلَهُ فِي الْمِصْبَاحِ مِنْ التَّسْمِيَةِ بِالْمَصْدَرِ، لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ مِثْلُ الْمَوْتِ، وَهَذَا حَدُّهُ اللُّغَوِيُّ وَزِيدَ عَلَيْهِ فِي الشَّرْحِ قُيُودٌ سَتُذْكَرُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ ، وَمِنْ مَحَاسِنِهِ: التَّسَبُّبُ لِلْخِصْبِ فِي أَقْوَاتِ الْأَنَامِ، وَمَشْرُوعِيَّتُهُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» ، وَشُرُوطُهُ: تُذْكَرُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ وَسَبَبُهُ: تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمُقَدَّرِ وَحُكْمُهُ: تَمَلُّكُ الْمُحْيِي مَا أَحْيَاهُ (قَوْلُهُ لَعَلَّ مُنَاسَبَتَهُ إلَخْ) كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ حَاسَّةٌ) نِسْبَةُ الْحِسِّ إلَيْهَا مَجَازٌ فَإِنَّ الْحَاسَّ الشَّخْصُ الْحَيُّ بِهَا ط (قَوْلُهُ لِبُطْلَانِ الِانْتِفَاعِ بِهِ) تَشْبِيهًا بِالْحَيَوَانِ إذَا مَاتَ لِبُطْلَانِ الِانْتِفَاعِ بِهِ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِحْيَاؤُهُ إلَخْ) قَالَ الأتقاني وَالْمُرَادُ بِإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ التَّسَبُّبُ لِلْحَيَاةِ النَّامِيَةِ (قَوْلُهُ غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهَا) لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 431 وَلَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ لِمُسْلِمٍ وَلَا ذِمِّيٍّ) فَلَوْ مَمْلُوكَةً لَمْ تَكُنْ مَوَاتًا فَلَوْ لَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهَا فَهِيَ لُقَطَةٌ يَتَصَرَّفُ فِيهَا الْإِمَامُ وَلَوْ ظَهَرَ مَالِكُهَا تُرَدُّ إلَيْهِ وَيَضْمَنُ نُقْصَانَهَا إنْ نَقَصَتْ بِالزَّرْعِ (وَهِيَ بَعِيدَةٌ مِنْ الْقَرْيَةِ إذَا صَاحَ مَنْ بِأَقْصَى الْعَامِرِ) وَهُوَ جَهْوَرِيُّ الصَّوْتِ بَزَّازِيَّةٌ (لَا يُسْمَعُ بِهَا صَوْتُهُ مَلَكَهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ وَغَيْرِهِ وَاعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ عَدَمَ ارْتِفَاقِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ بِهِ وَبِهِ وَقَالَتْ الثَّلَاثَةُ. قُلْت: وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي زَكَاةِ الْكُبْرَى ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَكَذَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ عَنْ الْمَنْصُورِيَّةِ عَنْ قَاضِي خَانْ: أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَالْعَجَبُ مِنْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ كَيْفَ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فَلْيُحْفَظْ (إنْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ) وَقَالَا يَمْلِكُهَا بِلَا إذْنِهِ وَهَذَا لَوْ مُسْلِمًا فَلَوْ ذِمِّيًّا شُرِطَ الْإِذْنُ اتِّفَاقًا وَلَوْ مُسْتَأْمَنًا لَمْ يَمْلِكْهَا أَصْلًا اتِّفَاقًا -   [رد المحتار] مِنْهَا أَوْ غَلَبَتِهِ عَلَيْهَا أَوْ غَلَبَةِ الرِّمَالِ أَوْ كَوْنِهَا سَبْخَةً، وَخَرَجَ بِهِ مَا لَا يَسْتَغْنِي الْمُسْلِمُونَ عَنْهُ كَأَرْضِ الْمِلْحِ وَنَحْوِهَا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ إلَخْ) عَرَفَ بِهِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى أَنَّ أَرْضَ الْوَقْفِ الْمَوَاتِ لَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهَا رَمْلِيٌّ وَكَذَا السُّلْطَانِيَّةُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ فَلَوْ مَمْلُوكَةً) أَيْ لِمَعْرُوفٍ (قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهَا فَهِيَ لُقَطَةٌ) قَالَ فِي الْمُلْتَقَى: الْمَوَاتُ أَرْضٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا، عَادِيَّةً أَوْ مَمْلُوكَةً فِي الْإِسْلَامِ، لَيْسَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ مُلِكَتْ فِي الْإِسْلَامِ لَا تَكُونُ مَوَاتًا اهـ وَمِثْلُهُ فِي الدُّرَرِ، وَالْإِصْلَاحِ وَالْقُدُورِيِّ وَالْجَوْهَرَةِ، وَقَوْلُهُ عَادِيَّةً: أَيْ قَدُمَ خَرَابُهَا كَأَنَّهَا خَرِبَتْ فِي عَهْدِ عَادٍ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْمِنَحِ، وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمَتْنِ كَالْكَنْزِ وَالْوِقَايَةِ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَأَرَاضِي بُخَارَى لَيْسَتْ بِمَوَاتٍ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي الْقِسْمَةِ فَتُصْرَفُ إلَى أَقْصَى مَالِكٍ فِي الْإِسْلَامِ، أَوْ وَرَثَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَالتَّصَرُّفُ إلَى الْقَاضِي، وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَجَعَلَ أَيْ الْقُدُورِيُّ الْمَمْلُوكَ فِي الْإِسْلَامِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ مَالِكَهُ مِنْ الْمَوَاتِ، لِأَنَّ حُكْمَهُ كَالْمَوَاتِ حَيْثُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْإِمَامُ كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي الْمَوَاتِ لَا لِأَنَّهُ مَوَاتٌ حَقِيقَةً اهـ وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْخِلَافِ فِي الْحَقِيقَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيَضْمَنُ) أَيْ زُرَّاعُهَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ بِأَقْصَى الْعَامِرِ) أَيْ مِنْ طَرَفِ الدُّورِ، لَا الْأَرَاضِي الْعَامِرَةِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ التَّجْنِيسِ (قَوْلُهُ جَهْوَرِيُّ الصَّوْتِ) أَيْ عَالِيهِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ مَلَكَهَا) جَوَابُ قَوْلِهِ: إذَا أَحْيَا أَيْ مَلَكَ رَقَبَةَ مَوْضِعٍ أَحْيَاهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ أَحْيَا أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ كَانَ إحْيَاءً لِلْجَمِيعِ دُرٌّ مُنْتَقًى وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ الْمَوَاتُ فِي وَسَطِ مَا أَحْيَا يَكُونُ إحْيَاءً لِلْكُلِّ، وَلَوْ فِي نَاحِيَةٍ فَلَا تَتَارْخَانِيَّةٌ وَيَجِبُ فِيهَا الْعُشْرُ، لِأَنَّ ابْتِدَاءَ تَوْظِيفِ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا سَقَاهَا بِمَاءِ الْخَرَاجِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ) أَيْ اشْتِرَاطُ الْبُعْدِ الْمَذْكُورِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا يَكُونُ قَرِيبًا مِنْ الْقَرْيَةِ لَا يَنْقَطِعُ ارْتِفَاقُ أَهْلِهَا عَنْهُ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَاعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ إلَخْ) حَاصِلُهُ: أَنَّهُ أَدَارَ الْحُكْمَ عَلَى حَقِيقَةِ الِانْتِفَاعِ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ (قَوْلُهُ كَيْفَ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ) أَيْ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْمُفْتَى بِهِ بَلْ عَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ مَعَ تَصْرِيحِهِ بِأَنَّ الْمُخْتَارَ الْأَوَّلُ وَذَلِكَ عَجِيبٌ لِمَا قَالُوا إنَّ مَا خَالَفَ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ لَيْسَ مَذْهَبًا لِأَصْحَابِنَا، وَلَا سِيَّمَا أَنَّ لَفْظَ بِهِ يُفْتَى آكَدُ أَلْفَاظِ التَّصْحِيحِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ إنْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ) وَالْقَاضِي فِي وِلَايَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْإِمَامِ تَتَارْخَانِيَّةٌ عَنْ النَّاطِفِيِّ. وَفِيهَا قُبَيْلَ كِتَابِ الْإِحْيَاءِ: سُئِلَ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي رَجُلٍ وَكَّلَ بِإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ هَلْ هُوَ لِلْوَكِيلِ كَمَا فِي التَّوْكِيلِ بِالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ أَمْ لِلْمُوَكِّلِ كَمَا فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ قَالَ: إنْ أَذِنَ الْإِمَامُ لِلْمُوَكِّلِ بِالْإِحْيَاءِ يَقَعُ لَهُ اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَا يَمْلِكُهَا بِلَا إذْنِهِ) مِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ مَا لَوْ أَمَرَ الْإِمَامُ رَجُلًا أَنْ يَعْمُرَ أَرْضًا مَيْتَةً عَلَى أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا، وَلَا يَكُونُ لَهُ الْمِلْكُ فَأَحْيَاهَا لَمْ يَمْلِكْهَا عِنْدَهُ، لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ صَحِيحٌ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 432 قُهُسْتَانِيٌّ. (وَلَوْ تَرَكَهَا بَعْدَ الْإِحْيَاءِ وَزَرَعَهَا غَيْرُهُ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهَا) فِي الْأَصَحِّ. (وَلَوْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً ثُمَّ أَحَاطَ الْإِحْيَاءُ بِجَوَانِبِهَا الْأَرْبَعَةِ مِنْ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَلَى التَّعَاقُبِ تَعَيَّنَ طَرِيقُ الْأَوَّلِ فِي الْأَرْضِ الرَّائِعَةِ) . (وَمَنْ حَجَّرَ أَرْضًا) أَيْ مَنَعَ غَيْرَهُ مِنْهَا (بِوَضْعِ عَلَامَةٍ مِنْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ أَهْمَلَهَا ثَلَاثَ سِنِينَ دُفِعَتْ إلَى غَيْرِهِ وَقَبْلَهَا هُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهَا) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُهَا بِالْإِحْيَاءِ وَالتَّعْمِيرِ لَا بِمُجَرَّدِ التَّحْجِيرِ. (وَلَوْ كَرَبَهَا أَوْ ضَرَبَ عَلَيْهَا الْمُسَنَّاةَ أَوْ شَقَّ لَهَا نَهْرًا أَوْ بَذَرَهَا فَهُوَ إحْيَاءٌ) مَبْسُوطٌ. (وَلَا يَجُوزُ إحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ) بَلْ يُتْرَكُ مَرْعًى لَهُمْ وَمَطْرَحًا لِحَصَائِدِهِمْ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ مَوَاتًا وَكَذَا لَوْ كَانَ مُحْتَطَبًا. (وَ) اعْلَمْ أَنَّهُ (لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ مَا لَا غِنَى لِلْمُسْلِمِينَ عَنْهُ) مِنْ الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ وَهِيَ مَا كَانَ جَوْهَرُهَا   [رد المحتار] وَلَا اعْتِبَارَ لِهَذَا الشَّرْطِ اهـ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا تَرَكَ الِاسْتِئْذَانَ جَهْلًا، أَمَّا إذَا تَرَكَهُ تَهَاوُنًا بِالْإِمَامِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا زَجْرًا أَفَادَهُ الْمَكِّيُّ أَيْ اتِّفَاقًا ط، وَقَوْلُ الْإِمَامِ: هُوَ الْمُخْتَارُ وَلِذَا قَدَّمَهُ فِي الْخَانِيَّةِ، وَالْمُلْتَقَى كَعَادَتِهَا وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ. بَقِيَ هَلْ يَكْفِي الْإِذْنُ اللَّاحِقُ؟ لَمْ أَرَهُ. (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ مَلَك رَقَبَتَهَا بِالْإِحْيَاءِ بِدَلِيلِ التَّعْبِيرِ فَاللَّامُ الْمِلْكِ فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ فَلَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِالتَّرْكِ، وَقِيلَ الثَّانِي أَحَقُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ مَلَكَ اسْتِغْلَالَهَا دُونَ رَقَبَتِهَا (قَوْلُهُ مِنْ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ) أَمَّا لَوْ كَانَ الْإِحْيَاءُ جَمِيعُهُ لِوَاحِدٍ فَلَهُ أَنْ يَتَطَرَّقَ إلَى أَرْضِهِ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ ط. أَقُولُ: يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ الْإِحْيَاءُ مِنْ ذَلِكَ الْوَاحِدِ عَلَى التَّعَاقُبِ أَيْضًا، وَهَلْ الْحُكْمُ فِيهِ كَذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنْ التَّعْلِيلِ الْآتِي أَنَّهُ كَالْأَرْبَعَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَلَى التَّعَاقُبِ) فَلَوْ مَعًا لَهُ التَّطَرُّقُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ ظَهِيرِيَّةٌ (قَوْلُهُ فِي الْأَرْضِ الرَّابِعَةِ) الْقَصْدُ الرَّابِعُ إبْطَالُ حَقِّهِ، لِأَنَّهُ حِينَ سَكَتَ عَنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ صَارَ الْبَاقِي طَرِيقًا لَهُ، فَإِذَا أَحْيَاهُ الرَّابِعُ فَقَدْ أَحْيَا طَرِيقَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، فَيَكُونُ لَهُ طَرِيقٌ كِفَايَةٌ وَعِنَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمَنْ حَجَّرَ) بِالتَّشْدِيدِ، وَيَجُوزُ فِيهِ التَّخْفِيفُ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِيهِ مَنْعُ الْغَيْرِ مِنْ الْإِحْيَاءِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: اشْتِقَاقُ الْكَلِمَةِ مِنْ الْحَجْرِ وَهُوَ الْمَنْعُ لِأَنَّهُ إذَا عَلَّمَ فِي مَوْضِعِ الْمَوَاتِ عَلَامَةً فَكَأَنَّهُ مَنَعَ مِنْ إحْيَاءِ ذَلِكَ فَسُمِّيَ فِعْلُهُ تَحْجِيرًا اهـ شَلَبِيٌّ عَنْ الْمُجْتَبَى ط (قَوْلُهُ مَنْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: ثُمَّ الِاحْتِجَارُ يَحْصُلُ بِوَضْعِ الْحَجَرِ عَلَى الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ وَكَذَا بِوَضْعِ الشَّوْكِ وَالْحَشِيشِ مَعَ وَضْعِ التُّرَابِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إتْمَامِ الْمُسَنَّاةِ، وَكَذَا إذَا غَرَسَ حَوْلَ الْأَرْضِ أَغْصَانًا يَابِسَةً أَوْ نَقَّى الْأَرْضَ مِنْ الْحَشِيشِ أَوْ أَحْرَقَ مَا فِيهَا مِنْ الشَّوْكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَوْ حَفَرَ مِنْ الْبِئْرِ ذِرَاعًا أَوْ ذِرَاعَيْنِ، وَفِي الْأَخِيرِ وَرَدَ الْخَبَرُ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ دُفِعَتْ إلَى غَيْرِهِ) لِأَنَّهُ تَحْجِيرٌ، وَلَيْسَ بِإِحْيَاءٍ حَتَّى لَوْ أَحْيَاهَا غَيْرُهُ، قَبْلَ ثَلَاثِ سِنِينَ مَلَكَهَا، لَكِنَّهُ يُكْرَهُ كَالسَّوْمِ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ، وَالتَّقْدِيرُ بِالثَّلَاثِ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِمُحْتَجِرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ حَقٌّ دُرٌّ مُنْتَقًى. وَفِي شَرْحِ خُوَاهَرْ زَادَهْ لِمُتَحَجِّرٍ: أَيْ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ عَلَى الْحَاءِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ مُغْرِبٌ أَيْ لِأَنَّهُ مِنْ الِاحْتِجَارِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهَا) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إنَّهُ يُفِيدُ مِلْكًا مُؤَقَّتًا بِثَلَاثِ سِنِينَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَحْيَاهَا غَيْرُهُ فِيهَا لَا يَمْلِكُهَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ، بِخِلَافِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَرَبَهَا إلَخْ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ، ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ كَرَبَهَا فَسَقَاهَا فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَحْيَاهَا، وَلَوْ فَعَلَ أَحَدُهُمَا يَكُونُ تَحْجِيرًا، وَإِنْ سَقَاهَا مَعَ حَفْرِ الْأَنْهَارِ كَانَ إحْيَاءً لِوُجُودِ الْفِعْلَيْنِ، وَإِنْ حَوَّطَهَا وَسَنَّمَهَا بِحَيْثُ يَعْصِمُ الْمَاءَ يَكُونُ إحْيَاءً لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْبِنَاءِ، وَكَذَا إذَا بَذَرَهَا اهـ. أَقُولُ: وَذَكَرَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَوَّلًا وَكَذَا جَمَعُوا بَيْنَ النَّقْلَيْنِ فِي الْفَتَاوَى، وَلَمْ أَرَ مَنْ رَجَّحَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَالْكِرَابُ قَلْبُ الْأَرْضِ لِلْحَرْثِ مِنْ بَابِ طَلَبَ وَالْمُسَنَّاةُ مَا يُبْنَى لِلسَّيْلِ لِيَرُدَّ الْمَاءَ مُغْرِبٌ. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ إلَخْ) التَّقْيِيدُ بِالْقُرْبِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ اعْتِبَارُ حَقِيقَةِ الِانْتِفَاعِ قَرُبَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 433 الَّذِي أَوْدَعَهُ اللَّهُ فِي جَوَاهِرِ الْأَرْضِ بَارِزًا (كَ) مَعَادِنِ (الْمِلْحِ) وَالْكُحْلِ وَالْقَارِ وَالنَّفْطِ. (وَالْآبَارِ الَّتِي يَسْتَقِي مِنْهَا النَّاسُ) زَيْلَعِيٌّ يَعْنِي الَّتِي لَمْ تُمْلَكْ بِالِاسْتِنْبَاطِ وَالسَّعْيِ، فَلَوْ أَقْطَعَ هَذِهِ الْمَعَادِنَ الظَّاهِرَةَ لَمْ يَكُنْ لِإِقْطَاعِهَا حُكْمٌ بَلْ الْمُقْطَعُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ، فَلَوْ مَنَعَهُمْ الْمُقْطَعُ كَانَ بِمَنْعِهِ مُتَعَدِّيًا وَكَانَ لِمَا أَخَذَهُ مَالِكًا لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْمَنْعِ لَا بِالْأَخْذِ وَكُفَّ عَنْ الْمَنْعِ وَصُرِفَ عَنْ مُدَاوَمَةِ الْعَمَلِ لِئَلَّا يَشْتَبِهَ إقْطَاعُهُ بِالصِّحَّةِ أَوْ يَصِيرَ مَعَهُ فِي حُكْمِ الْأَمْلَاكِ الْمُسْتَقِرَّةِ ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي رِسَالَتِهِ أَحْكَامُ إجَارَةِ إقْطَاعِ الْجُنْدِيِّ. (وَحَرِيمُ بِئْرِ النَّاضِحِ) وَهِيَ الَّتِي يُنْزَعُ الْمَاءُ مِنْهَا بِالْبَعِيرِ (كَبِئْرِ الْعَطَنِ) وَهِيَ الَّتِي يُنْزَعُ الْمَاءُ مِنْهَا بِالْيَدِ، وَالْعَطَنُ مُنَاخُ الْإِبِلِ حَوْلَ الْبِئْرِ (أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) وَقَالَا: إنْ لِلنَّاضِحِ فَسِتُّونَ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ: لَوْ عَمَّقَ الْبِئْرَ فَوْقَ أَرْبَعِينَ يُزَادُ عَلَيْهَا اهـ. -   [رد المحتار] أَوْ بَعُدَ كَمَا أَفَادَهُ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ فِي جَوَاهِرِ الْأَرْضِ) الْأَوْضَحُ بِقَاعُ الْأَرْضِ ط وَفِي الْقَامُوسِ: الْجَوْهَرُ كُلُّ حَجَرٍ يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ شَيْءٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَمِنْ الشَّيْءِ مَا وُضِعَتْ عَلَيْهِ جِبِلَّتُهُ اهـ (قَوْلُهُ وَالْآبَارُ) يُوجَدُ بَعْدَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ زِيَادَةٌ: ضَرَبَ عَلَيْهَا فِي بَعْضِهَا وَسَقَطَتْ مِنْ بَعْضِهَا أَصْلًا، وَهُوَ الْأَوْلَى. وَنَصُّهَا: وَالْآبَارُ الَّتِي لَمْ تُمْلَكْ بِالِاسْتِنْبَاطِ وَالسَّعْيِ. وَفِي الْمُسْتَنْبَطِ بِالسَّعْيِ كَالْمَاءِ الْمُحْرَزِ فِي الظَّرْفِ، فَمِلْكٌ لِلْمُحْرِزِ، وَالْمُسْتَنْبِطِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ فِي حَدِيثِ «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ» اهـ فَقَوْلُهُ: الَّتِي لَمْ تُمْلَكْ إلَخْ مُكَرَّرٌ بِمَا بَعْدَهُ، وَقَوْلُهُ: وَفِي الْمُسْتَنْبَطِ أَيْ الْمُسْتَخْرَجِ بِالْحَفْرِ. الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ أَمَّا الْمُسْتَنْبَطُ، وَقَوْلُهُ: كَالْمَاءِ الْمُحْرَزِ تَنْظِيرٌ لَا تَمْثِيلٌ ط، وَقَوْلُهُ: فَمِلْكٌ لِلْمُحْرِزِ وَالْمُسْتَنْبِطِ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْمَاءَ الْمُحْرَزَ فِي ظَرْفٍ مِلْكٌ لِلْمُحْرِزِ وَذَاتُ الْبِئْرِ مِلْكٌ لِلْمُسْتَنْبِطِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ قَبْلَ إحْرَازِهِ فِي ظَرْفٍ مِلْكٌ لَهُ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ، وَإِنْ وَافَقَ مَا بَحَثَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، فَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَلَوْ نَزَحَ مَاءَ بِئْرِ رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَتَّى يَبِسَتْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ صَاحِبَ الْبِئْرِ غَيْرُ مَالِكٍ، لِلْمَاءِ، وَلَوْ صَبَّ مَاءَ رَجُلٍ كَانَ فِي الْحُبِّ يُقَالُ لَهُ امْلَأْ الْمَاءَ، لِأَنَّ صَاحِبَ الْحُبِّ مَالِكٌ لِلْمَاءِ وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيَضْمَنُ مِثْلَهُ اهـ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ أَيْضًا بَعْدَ صَفْحَةٍ أَنَّ الْمَاءَ تَحْتَ الْأَرْضِ لَا يُمْلَكُ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَقْطَعَ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَطَعَ بِلَا هَمْزٍ وَهُوَ تَحْرِيفٌ (قَوْلُهُ وَكُفَّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ كَصُرِفَ وَالْكَافُ الْإِمَامُ أَوْ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ ط (قَوْلُهُ الْمُسْتَقِرَّةِ) أَيْ الثَّابِتَةِ فِي مِلْكِهِ سَابِقًا ط (قَوْلُهُ وَحَرِيمُ بِئْرِ النَّاضِحِ) الْإِضَافَةُ فِيهِ وَفِي بِئْرِ الْعَطَنِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ قُهُسْتَانِيٌّ: قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: حَرِيمُ الشَّيْءِ مَا حَوْلَهُ مِنْ حُقُوقِهِ وَمَرَافِقِهِ، يُسَمَّى بِهِ لِأَنَّهُ حَرُمَ عَلَى غَيْرِ مَالِكِهِ وَالنَّاضِحُ بَعِيرٌ يَنْضَحُ الْعَطَنَ أَيْ يَبُلُّهُ بِالْمَاءِ الَّذِي يَحْمِلُهُ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ بَعِيرٍ وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْ الْمَاءَ (قَوْلُهُ كَبِئْرِ الْعَطَنِ) أَتَى بِالْكَافِ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَالْعَطَنُ) بِفَتْحَتَيْنِ (قَوْلُهُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) وَقِيلَ مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ أَيْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مِمَّا حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا» عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحَرِيمِ دَفْعُ الضَّرَرِ كَيْ لَا يَحْفِرَ بِحَرِيمِهِ أَحَدٌ بِئْرًا أُخْرَى فَيَتَحَوَّلَ إلَيْهَا مَاءُ بِئْرِهِ وَهَذَا الضَّرَرُ لَا يَنْدَفِعُ بِعَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَإِنَّ الْأَرَاضِيَ تَخْتَلِفُ بِالصَّلَابَةِ وَالرَّخَاوَةِ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَا إنْ لِلنَّاضِحِ فَسِتُّونَ) أَيْ وَإِنْ لِلْعَطَنِ فَأَرْبَعُونَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَحَرِيمُ بِئْرِ الْعَطَنِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا وَحَرِيمُ بِئْرِ النَّاضِحِ سِتُّونَ ذِرَاعًا» وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى أَنْ يُسَيِّرَ دَابَّتَهُ لِلِاسْتِقَاءِ، وَقَدْ يَطُولُ الرِّشَاءُ وَبِئْرُ الْعَطَنِ لِلِاسْتِسْقَاءِ مِنْهُ بِالْيَدِ فَقَلَّتْ الْحَاجَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفَاوُتِ هِدَايَةٌ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَفِي الْكُبْرَى وَبِهِ يُفْتَى (قَوْلُهُ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ) وَمِثْلُهُ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ وَالْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ فَوْقَ الْأَرْبَعِينَ) أَيْ فِي بِئْرِ الْعَطَنِ أَوْ فَوْقَ السِّتِّينَ فِي بِئْرِ النَّاضِحِ، فَيَكُونُ لَهُ إلَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 434 لَكِنْ نَسَبَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ لِمُحَمَّدٍ ثُمَّ قَالَ: وَيُفْتَى بِقَوْلِ الْإِمَامِ وَعَزَاهُ لِلتَّتِمَّةِ. ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ التَّقْدِيرُ فِي بِئْرٍ وَعَيْنٍ بِمَا ذُكِرَ فِي أَرَاضِيِهِمْ لِصَلَابَتِهَا، وَفِي أَرَاضِيِنَا رَخَاوَةٌ فَيُزَادُ لِئَلَّا يَنْتَقِلَ الْمَاءُ إلَى الثَّانِي وَعَزَاهُ لِلْهِدَايَةِ، وَعَزَاهُ الْبُرْجَنْدِيُّ لِلْكَافِي فَلْيُحْفَظْ (إذَا حَفَرَهَا فِي مَوَاتٍ بِإِذْنِ الْإِمَامِ) فَلَوْ فِي غَيْرِ مَوَاتٍ أَوْ فِيهِ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَعِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ: وَفِيهِ رَمَزَ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَفَرَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَسْتَحِقُّ الْحَرِيمَ، فَلَوْ حَفَرَ فِي مِلْكِهِ فَلَهُ مِنْ الْحَرِيمِ مَا شَاءَ وَإِلَى أَنَّ الْمَاءَ لَوْ غَلَبَ عَلَى أَرْضٍ تَرَكَهَا الْمُلَّاكُ أَوْ مَاتُوا أَوْ انْقَرَضُوا لَمْ يَجُزْ إحْيَاؤُهَا فَلَوْ تَرَكَهَا الْمَاءُ بِحَيْثُ لَا يَعُودُ إلَيْهَا وَلَمْ تَكُنْ حَرِيمًا لِعَامِرٍ جَازَ إحْيَاؤُهَا وَعَزَاهُ لِلْمُضْمَرَاتِ. (وَحَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ) ذِرَاعٍ (مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) كَمَا فِي الْحَدِيثِ. وَالذِّرَاعُ هُوَ الْمُكَسَّرَةُ وَهُوَ سِتُّ قَبَضَاتٍ وَكَانَ ذِرَاعُ الْمَلِكِ أَيْ مَلِكِ الْأَكَاسِرَةِ سَبْعَ قَبَضَاتٍ فَكُسِرَ مِنْهُ قَبْضَةٌ (وَيَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ الْحَفْرِ) وَغَيْرُهُ (فِيهِ) لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَلَوْ حَفَرَ فَلِلْأَوَّلِ رَدْمُهُ أَوْ تَضْمِينُهُ   [رد المحتار] الْحَبْلُ أَتْقَانِيٌّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْيَنَابِيعِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الزِّيَادَةِ؛ وَمَنْ احْتَاجَ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَزِيدُ عَلَيْهِ وَكَانَ الِاعْتِبَارُ لِلْحَاجَةِ لَا لِلتَّقْدِيرِ وَلَا يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ فِي الْمَعْنَى اهـ وَنَقَلَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ عَنْ مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ أَنَّ الصَّحِيحَ اعْتِبَارُ قَدْرِ الْحَاجَةِ فِي الْبِئْرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (قَوْلُهُ وَيُفْتَى بِقَوْلِ الْإِمَامِ) وَقَدَّمَ الْإِفْتَاءَ بِقَوْلِهِمَا أَيْضًا لَكِنْ ظَاهِرُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ تَرْجِيحُ قَوْلِهِ: فَإِنَّهُمْ قَرَّرُوا دَلِيلَهُ وَأَيَّدُوهُ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَأَخَّرَ فِي الْهِدَايَةِ دَلِيلَهُ، فَاقْتَضَى تَرْجِيحَهُ أَيْضًا كَمَا هُوَ عَادَتُهُ، وَذَكَرَ تَرْجِيحَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَعَزَاهُ الْبُرْجَنْدِيُّ لِلْكَافِي) وَكَذَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ جَازِمًا بِهِ ط لَكِنَّ تَعْبِيرَ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي عَنْهُ بِقِيلَ يُفِيدُ ضَعْفَهُ (قَوْلُهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ) أَيْ عِنْدَهُ وَبِدُونِهِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ حَفْرَ الْبِئْرِ إحْيَاءٌ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ) أَيْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْحَرِيمُ الْمَذْكُورُ، لِتَوَقُّفِ الْمِلْكِ فِي الْإِحْيَاءِ عَلَى الْإِذْنِ عِنْدَهُ، وَبِدُونِهِ يُجْعَلُ الْحَفْرُ تَحْجِيرًا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَفِيهِ رَمَزَ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ فِي مَوَاتٍ. (قَوْلُهُ لَوْ حَفَرَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ) أَيْ بِإِبَاحَةٍ لِلْبُقْعَةِ أَوْ بِشِرَائِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ فَلَا حَرِيمَ لَهُ) أَيْ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ الِاسْتِقَاءَ بِالْيَدِ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بِالِاسْتِسْقَاءِ وَيُحَرَّرُ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْهِنْدِيَّةِ: بِئْرٌ لِرَجُلٍ فِي دَارِ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْبِئْرِ حَقُّ إلْقَاءِ الطِّينِ فِي دَارِهِ إذَا حَفَرَ الْبِئْرَ خَانِيَّةٌ، فَالْمَنْعُ عَنْ الْإِلْقَاءِ لَا عَنْ الِاسْتِقَاءِ فَتَدَبَّرْ ط وَانْظُرْ مَا سَيَأْتِي فِي النَّهْرِ وَالْحَوْضِ (قَوْلُهُ أَوْ انْقَرَضُوا) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ أَوْ مَاتُوا (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ إحْيَاؤُهَا) بَلْ هِيَ لُقَطَةٌ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ فَلَوْ تَرَكَهَا الْمَاءُ) لَا حَاجَةَ إلَى نَقْلِهِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِمَا يَأْتِي فِي الْمَتْنِ ط (قَوْلُهُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) وَقِيلَ مِنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ نَظِيرُ مَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَالذِّرَاعُ هُوَ الْمُكَسَّرَةُ) كَذَا فِي النُّسَخِ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ، وَالْأَوْلَى هِيَ بِضَمِيرِ الْمُؤَنَّثِ لِأَنَّ الذِّرَاعَ مُؤَنَّثَةٌ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، لَكِنْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ وَلْيُنْظَرْ هَلْ يَجُوزُ اعْتِبَارُهُمَا فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ كَمَا هُنَا (قَوْلُهُ وَهُوَ سِتُّ قَبَضَاتٍ) كُلُّ قَبْضَةٍ أَرْبَعُ أَصَابِعَ قُهُسْتَانِيٌّ، وَهَذِهِ تُسَمَّى ذِرَاعَ الْعَامَّةِ، وَذِرَاعَ الْكِرْبَاسِ، لِأَنَّهَا أَقْصَرُ مِنْ ذِرَاعِ الْمِلْكِ وَهِيَ ذِرَاعُ الْمِسَاحَةِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفَسَّرَ الذِّرَاعَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ هُنَا بِذِرَاعِ الْعَرَبِ فَقَالَ: وَالذِّرَاعُ مِنْ الْمِرْفَقِ إلَى الْأَنَامِلِ ذِرَاعُ الْعَرَبِ اهـ (قَوْلُهُ سَبْعُ. قَبَضَاتٍ) كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْمُغْرِبِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: سَبْعُ قَبَضَاتٍ مَعَ ارْتِفَاعِ الْإِبْهَامِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ اهـ وَفِيهِ خِلَافٌ تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ فَكَسَرَ مِنْهُ قَبْضَةً) وَلِذَا سُمِّيَ مُكَسَّرَةً (قَوْلُهُ فَلِلْأَوَّلِ رَدْمُهُ) أَيْ بِلَا تَضْمِينٍ أَيْ تَضْمِينِهِ النُّقْصَانَ؛ ثُمَّ يَرُدُّ بِنَفْسِهِ فَتُقَوَّمُ الْأَرْضُ بِلَا حَفْرٍ وَمَعَ الْحَفْرِ فَيُضَمِّنُهُ نُقْصَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 435 وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ (وَلَوْ حَفَرَ الثَّانِي بِئْرًا فِي مُنْتَهَى حَرِيمِ الْبِئْرِ الْأُولَى بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَذَهَبَ مَاءُ الْبِئْرِ الْأُولَى وَتَحَوَّلَ إلَى الثَّانِيَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ وَالْمَاءُ تَحْتَ الْأَرْضِ لَا يُمْلَكُ فَلَا مُخَاصَمَةَ كَمَنْ بَنَى حَانُوتًا بِجَنْبِ حَانُوتِ غَيْرِهِ فَكَسَدَتْ الْحَانُوتُ الْأُولَى بِسَبَبِهِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ دُرَرٌ وَزَيْلَعِيٌّ، وَفِيهِ لَوْ هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يُؤَاخِذَ بِقِيمَتِهِ لَا بِبِنَاءِ الْجِدَارِ هُوَ الصَّحِيحُ (وَلِلْحَافِرِ الثَّانِي الْحَرِيمُ مِنْ الْجَوَانِبِ الثَّلَاثَةِ دُونَ جَانِبِ الْأُولَى) لِسَبْقِ مِلْكِ الْأَوَّلِ فِيهِ. (وَلِلْقَنَاةِ) هِيَ مَجْرَى الْمَاءِ تَحْتَ الْأَرْضِ (حَرِيمٌ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ) لِإِلْقَاءِ الطِّينِ وَنَحْوِهِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ كَالْبِئْرِ وَلَوْ ظَهَرَ الْمَاءُ فَكَالْعَيْنِ. وَفِي الِاخْتِيَارِ فَوَّضَهُ لِرَأْيِ الْإِمَامِ أَيْ لَوْ بِإِذْنِهِ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ ذَكَرَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ. (وَحَرِيمُ شَجَرٍ يُغْرَسُ فِي الْأَرْضِ الْمَوَاتِ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَغْرِسَ فِيهِ، وَيُلْحَقُ مَا امْتَنَعَ عَوْدُ دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ إلَيْهِ بِالْمَوَاتِ (إذَا لَمْ يَكُنْ) ذَلِكَ (حَرِيمًا) لِعَامِرٍ (فَإِنْ) كَانَ حَرِيمًا أَوْ (جَازَ عَوْدُهُ لَمْ يَجُزْ إحْيَاؤُهُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوَاتٍ. (وَالنَّهْرُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا حَرِيمَ -   [رد المحتار] مَا بَيْنَهُمَا أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ) وَنَصُّهُ فَإِنْ حَفَرَ فَلِلْأَوَّلِ أَنْ يَسُدَّهُ، وَلَا يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ وَأَنْ يَأْخُذَهُ بِكَبْسِ مَا احْتَفَرَهُ، لِأَنَّهُ إزَالَةُ جِنَايَةِ حَفْرِهِ بِهِ كَمَا فِي كُنَاسَةٍ يُلْقِيهَا فِي دَارِ غَيْرِهِ يُؤْخَذُ بِرَفْعِهَا، وَقِيلَ يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ ثُمَّ يَكْبِسُهُ بِنَفْسِهِ كَمَا إذَا هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَفِيهَا وَمَا عَطِبَ فِي الْأُولَى فَلَا ضَمَانَ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ وَلَوْ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْحَفْرَ تَحْجِيرًا وَهُوَ بِسَبِيلٍ مِنْهُ بِلَا إذْنٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُهُ بِدُونِهِ، وَمَا عَطِبَ فِي الثَّانِيَةِ فِيهِ الضَّمَانُ لِتَعَدِّيهِ بِالْحَفْرِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ فِي مُنْتَهَى حَرِيمِ الْبِئْرِ الْأُولَى) أَيْ فِي قُرْبِ الْمُنْتَهِي، لِأَنَّ نِهَايَةَ الشَّيْءِ آخِرُهُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَآخِرُهُ بَعْضٌ مِنْهُ أَوْ أَرَادَ بِالْمُنْتَهَى مَا قَرُبَ مِنْهُ، وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَرَاءَ حَرِيمِ الْأُولَى، وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ فِي غَيْرِ حَرِيمِ الْأُولَى قَرِيبَةٌ مِنْهُ اهـ (قَوْلُهُ وَفِيهِ) أَيْ فِي الزَّيْلَعِيِّ، وَذِكْرُهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَا فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا وَمَحَلُّهَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الدُّرَرِ (قَوْلُهُ لَا بِبِنَاءِ الْجِدَارِ) قِيلَ إلَّا إذَا كَانَ جَدِيدًا، وَاسْتَثْنَى فِي الْأَشْبَاهِ جِدَارَ الْمَسْجِدِ فَيُؤْمَرُ بِإِعَادَتِهِ مُطْلَقًا وَحَقَّقْنَا الْمَسْأَلَةَ أَوَّلَ كِتَابِ الْغَصْبِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَلِلْحَافِرِ الثَّانِي إلَخْ) قَالَ أَبُو السُّعُودِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ حَفَرَ ثَالِثٌ كَانَ لَهُ الْحَرِيمُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ حَمَوِيٌّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ اهـ (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ كَالْبِئْرِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْمَشَايِخُ: الَّذِي فِي الْأَصْلِ أَيْ مِنْ أَنَّ الْقَنَاةَ كَالْبِئْرِ قَوْلُهُمَا وَعِنْدَهُ لَا حَرِيمَ لَهَا لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ النَّهْرِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مَاؤُهَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَلَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ عِنْدَهُ فَإِنْ ظَهَرَ كَالْعَيْنِ الْفَوَّارَةِ حَرِيمُهَا خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ (قَوْلُهُ فَوَّضَهُ لِرَأْيِ الْإِمَامِ) أَيْ فَوَّضَ تَقْدِيرَ حَرِيمِهَا لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي الشَّرْعِ أَتْقَانِيٌّ عَنْ الشَّامِلِ (قَوْلُهُ أَيْ لَوْ بِإِذْنِهِ) أَيْ لَوْ كَانَ الْإِحْيَاءُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَإِلَّا فَلَا يَمْلِكُ مَا أَحْيَا وَلَا يَسْتَحِقُّ لَهُ حَرِيمًا (قَوْلُهُ يُغْرَسُ) أَيْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ اتِّفَاقًا وَبِغَيْرِ إذْنِهِ عِنْدَهُمَا أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ) لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَجُذَّ ثَمَرَهُ وَيَضَعَهُ فِيهِ، وَالتَّقْدِيرُ بِالْخَمْسَةِ وَرَدَ الْحَدِيثُ بِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَذَكَرَ الرَّمْلِيُّ أَنَّ مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْيَنَابِيعِ فِي حَرِيمِ الْبِئْرِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْحَاجَةِ لَا لِلتَّقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ الْحَالُ بِكِبَرِ الشَّجَرَةِ وَصِغَرِهَا (قَوْلُهُ دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ) أَيْ مَثَلًا فَيَدْخُلُ فِيهِ النِّيلُ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَخَذَ مِنْ أَرْضِ الْغَيْرِ فِي النَّاحِيَةِ الَّتِي جَرَى فِيهَا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَنْزُولِ عَنْهُ بِمِثْلِ مَا أَخَذَ أَرْضَهُ ط (قَوْلُهُ بِالْمَوَاتِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَلْحَقُ فَيَجُوزُ إحْيَاؤُهُ، لِأَنَّهُ صَارَ كَسَائِرِ الْأَرَاضِيِ الَّتِي لَا يُنْتَفَعُ بِهَا وَلَيْسَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ (قَوْلُهُ أَوْ جَازَ عَوْدُهُ إلَخْ) يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِعَوْدِهِ زَمَانٌ مَخْصُوصٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَادٍ عَلَى شَطِّ جَيْحُونَ يُجْمَعُ فِيهِ الْمَاءُ أَيَّامَ الرَّبِيعِ ثُمَّ يَذْهَبُ فَزَرَعَ فِيهِ قَوْمٌ فَأَدْرَكَ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: الزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَرَقَبَةُ الْوَادِي لِمَنْ عُلِمَتْ لَهُمْ، وَإِلَّا فَلِمَنْ أَحْيَاهَا اهـ فَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِعَوْدِهِ زَمَانٌ مَخْصُوصٌ يَجُوزُ إحْيَاءُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالنَّهْرُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا حَرِيمَ لَهُ إلَخْ) قِيلَ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحْيَا نَهْرًا فِي مَوَاتٍ لَا يَسْتَحِقُّ لَهُ حَرِيمًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 436 لَهُ إلَّا بِبُرْهَانٍ) وَقَالَا لَهُ مُسَنَّاةُ النَّهْرِ لِمَشْيِهِ وَلَقِيَ طِينِهِ. وَقَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ بِقَدْرِ عَرْضِ النَّهْرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَهُوَ أَرْفَقُ مُلْتَقًى. وَقَدَّرَهُ أَبُو يُوسُفَ بِنِصْفِ بَطْنِ النَّهْرِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قُهُسْتَانِيٌّ مَعْزِيًّا لِلْكَرْمَانِيِّ، وَفِيهِ مَعْزِيًّا لِلِاخْتِيَارِ، وَالْحَوْضُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ. وَفِيهِ مَعْزِيًّا لِلْكَافِي، وَلَوْ كَانَ النَّهْرُ صَغِيرًا يَحْتَاجُ إلَى كَرِيهِ فِي كُلِّ حِينٍ فَلَهُ حَرِيمٌ بِالِاتِّفَاقِ وَفِيهِ مَعْزِيًّا لِلْكَرْمَانِيِّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي نَهْرٍ مَمْلُوكٍ لَهُ مُسَنَّاةٌ فَارِغَةٌ بِلِزْقِهَا أَرْضٌ لِغَيْرِ صَاحِبِ النَّهْرِ فَالْمُسَنَّاةُ لَهُ عِنْدَهُمَا وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ عِنْدَهُ وَفِيهِ مَعْزِيًّا لِلتَّتِمَّةِ الصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ حَرِيمًا بِالِاتِّفَاقِ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِلْقَاءِ الطِّينِ وَنَحْوِهِ اهـ قُلْت: وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ الِاخْتِيَارِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ. -   [رد المحتار] عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَسْتَحِقُّهُ. وَقَالَ عَامَّتُهُمْ: الصَّوَابُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالْإِجْمَاعِ أَتْقَانِيٌّ عَنْ شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ أَيْضًا أَنَّهَا لَيْسَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّ لِلنَّهْرِ فِي الْمَوَاتِ حَرِيمًا اتِّفَاقًا، وَمِثْلُهُ فِي الِاخْتِيَارِ. زَادَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ الْمُسَنَّاةَ فِي يَدِ مَنْ هِيَ بِأَنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْأَرْضِ مُسَاوِيَةً لَهَا، وَلَمْ تَكُنْ أَعْلَى مِنْهَا اهـ. فَلَوْ بَيْنَهُمَا فَاصِلٌ كَحَائِطٍ وَنَحْوِهِ فَالْمُسَنَّاةُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ بِالْإِجْمَاعِ عِنَايَةٌ، وَلَوْ مَشْغُولَةً بِغَرْسٍ لِأَحَدِهِمَا أَوْ طِينٍ وَنَحْوِهِ فَهِيَ لِصَاحِبِ الشُّغْلِ بِالِاتِّفَاقِ تَصْحِيحُ قَاسِمٍ، وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ الْكَلَامِ فَيَنْكَشِفُ بِهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحَرِيمُ مُوَازِيًا لِلْأَرْضِ لَا فَاصِلَ بَيْنَهُمَا، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْحَرِيمُ مَشْغُولًا بِحَقِّ أَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا مَعْلُومًا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَشْجَارٌ وَلَا يُدْرَى مَنْ غَرَسَهَا فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَمِنْهُ مَا يَأْتِي عَنْ الْكَرْمَانِيِّ، وَهَذَا كُلُّهُ يُؤَيِّدُ مَا مَرَّ مِنْ تَصْحِيحِ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ فِي مَوَاتٍ فَلَهُ حَرِيمٌ، وَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ مِنْ إجْرَائِهِ الْخِلَافَ فِي الْمَوَاتِ أَيْضًا فَهُوَ مُقَابِلٌ لِلصَّحِيحِ بَلْ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ كَمَا فَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ، ثُمَّ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا نِزَاعَ فِيمَا بِهِ اسْتِمْسَاكُ الْمَاءِ إنَّمَا النِّزَاعُ فِيمَا وَرَاءَهُ مِمَّا يَصْلُحُ لِلْغَرْسِ (قَوْلُهُ وَقَالَا إلَخْ) ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ أَنَّ وِلَايَةَ الْغَرْسِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لِصَاحِبِ النَّهْرِ، وَأَمَّا إلْقَاءُ الطِّينِ فَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ، وَقِيلَ: لِصَاحِبِ النَّهْرِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَفْحُشْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَأَمَّا الْمُرُورُ فَقِيلَ يُمْنَعُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ عَنْهُ، وَقِيلَ لَا لِلضَّرُورَةِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: آخُذُ بِقَوْلِهِ فِي الْغَرْسِ وَبِقَوْلِهِمَا فِي إلْقَاءِ الطِّينِ كِفَايَةٌ وَهِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِمَشْيِهِ) أَيْ لِيَجْرِيَ الْمَاءُ إذَا احْتَبَسَ. (قَوْلُهُ وَلَقِيَ طِينِهِ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَالْأَوْلَى وَإِلْقَاءِ طِينِهِ وَفِي الْقَامُوسِ لَقَاهُ الشَّيْءَ أَلْقَاهُ إلَيْهِ وَاللَّقَى كَفَتًى مَا طُرِحَ جَمْعُهُ أَلْقَاهُ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِقَدْرِ عَرْضِ النَّهْرِ) عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بِقَدْرِ بَطْنِهِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، لِأَنَّ النَّهْرَ اسْمٌ لِلْحُفْرَةِ (قَوْلُهُ وَقَدْرُهُ) يَعْنِي بَعْدَ مَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ لَهُ مُسَنَّاةً اخْتَلَفَا فِي تَقْدِيرِهَا (قَوْلُهُ مَعْزِيًّا لِلْكِفَايَةِ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ: الِاخْتِلَافُ فِي نَهْرٍ كَبِيرٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى كَرْبِهِ فِي كُلِّ حِينٍ إلَخْ وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ لِمَجْمُوعِ عِبَارَتِهِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ يُنَافِيهِ (قَوْلُهُ لَهُ مُسَنَّاةٌ فَارِغَةٌ) قَدَّمْنَا بَيَانَ مُحْتَرَزِهِ (قَوْلُهُ وَفِيهِ مَعْزِيًّا لِلتَّتِمَّةِ) قَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ تَصْحِيحَ الِاتِّفَاقِ فِيمَا لَوْ أَحْيَاهُ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ وَكَلَامُهُ لَوْ كَانَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَفِيهِ الْخِلَافُ، وَقَدَّمْنَا بَيَانَ مَوْضِعِ الْخِلَافِ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ، لَكِنَّ مُفَادَ كَلَامِ الْمَجْمَعِ أَنَّ الِاتِّفَاقَ فِيمَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ بَعْدَ مَا نَقَلَ الْخِلَافَ فِيهِ قَالَ وَقِيلَ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي دُرَرِ الْبِحَارِ، وَعَلَيْهِ فَالِاتِّفَاقُ جَارٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ تَأَمَّلْ. [خَاتِمَةٌ] بَنَى قَصْرًا فِي مَفَازَةٍ لَا يَسْتَحِقُّ حَرِيمًا، وَإِنْ احْتَاجَهُ لِإِلْقَاءِ الْكُنَاسَةِ فِيهِ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يُخْرِجَا نَفَقَةً لِحَفْرِ بِئْرٍ عَلَى أَنَّهُ لِأَحَدِهِمَا وَحَرِيمُهُ لِآخَرَ لَا يَجُوزُ وَهُمَا بَيْنَهُمَا، وَإِنْ عَلَى أَنْ يَكُونَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ وَلِمَنْ أَنْفَقَ أَكْثَرَ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الزِّيَادَةِ، وَإِنْ عَلَى أَنْ يَحْفِرَا نَهْرًا لِأَحَدِهِمَا وَأَرْضًا لِلْآخَرِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُمَا وَلِمَنْ أَنْفَقَ أَكْثَرَ أَنْ يَرْجِعَ تَتَارْخَانِيَّةٌ مُلَخَّصًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 437 فَصْلٌ الشِّرْبُ هُوَ لُغَةً (نَصِيبُ الْمَاءِ) وَشَرْعًا نَوْبَةُ الِانْتِفَاعِ بِالْمَاءِ سَقْيًا لِلزِّرَاعَةِ وَالدَّوَابِّ (وَالشَّفَةُ شِرْبُ بَنِي آدَمَ وَالْبَهَائِمِ) بِالشِّفَاءِ (وَلِكُلٍّ حَقُّهَا فِي كُلِّ مَاءٍ لَمْ يُحْرَزْ بِإِنَاءٍ) أَوْ حُبٍّ (وَ) لِكُلٍّ (سَقْيُ أَرْضِهِ مِنْ بَحْرٍ أَوْ نَهْرٍ عَظِيمٍ كَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ وَنَحْوِهِمَا) لِأَنَّ الْمِلْكَ بِالْإِحْرَازِ وَلَا إحْرَازَ لِأَنَّ قَهْرَ الْمَاءِ يَمْنَعُ قَهْرَ غَيْرِهِ (وَ) لِكُلٍّ (شَقُّ نَهْرٍ لِسَقْيِ أَرْضِهِ مِنْهَا أَوْ لِنَصْبِ الرَّحَى إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ) لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمُبَاحِ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ كَالِانْتِفَاعِ بِشَمْسٍ وَقَمَرٍ   [رد المحتار] [فَصْلٌ الشِّرْبُ] ذَكَرَهُ بَعْدَ الْمَوَاتِ لِاحْتِيَاجِ الْمَوَاتِ إلَيْهِ وَفَصْلٌ بِالتَّنْوِينِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَا بَعْدَهُ أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ. وَفِي الْقَامُوسِ الشِّرْبُ بِالْكَسْرِ الْمَاءُ وَالْحَظُّ مِنْهُ أَوْ الْمَوْرِدُ وَوَقْتُ الشُّرْبِ، وَجَعَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ اسْمَ مَصْدَرٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لُغَةً نَصِيبُ الْمَاءِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ. صَوَابُهُ مِنْ الْمَاءِ اهـ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْإِضَافَةَ عَلَى مَعْنَى مِنْ كَخَاتَمِ حَدِيدٍ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَإِنَّمَا خَالَفَ دَأْبَهُ وَذَكَرَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ دُونَ الشَّرْعِيِّ، لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ مُرَادٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا نَوْبَةُ الِانْتِفَاعِ بِالْمَاءِ) أَيْ وَقْتُهُ وَزَمَانُهُ وَهُوَ مَعْنًى لُغَوِيٌّ أَيْضًا كَمَا مَرَّ، وَانْظُرْ مَا وَجْهُ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ هُنَا دُونَ الثَّانِي مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ إرَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ وَالشَّفَةُ) بِفَتْحَتَيْنِ وَالْأَصْلُ شَفَهٌ أَوْ شُفُوفًا أُبْدِلَتْ الْوَاوُ تَخْفِيفًا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ شِرْبُ بَنِي آدَمَ وَالْبَهَائِمِ) فَتَكُونُ أَخَصَّ مِنْ الشِّرْبِ لِاخْتِصَاصِهَا بِالْحَيَوَانِ دُونَهُ (قَوْلُهُ بِالشِّفَاهِ) هَذَا أَصْلُهُ، وَالْمُرَادُ اسْتِعْمَالُ بَنِي آدَمَ لِدَفْعِ الْعَطَشِ أَوْ لِلطَّبْخِ، أَوْ الْوُضُوءِ، أَوْ الْغُسْلِ، أَوْ غَسْلِ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِي حَقِّ الْبَهَائِمِ الِاسْتِعْمَالُ لِلْعَطَشِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُنَاسِبُهَا أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ وَلِكُلٍّ) أَيْ مِنْ بَنِي آدَمَ وَالْبَهَائِمِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَقُّهَا) أَيْ حَقُّ الشَّفَةِ، وَعَبَّرَ بِالْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لَهُمْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْرَزٍ أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ فِي كُلِّ مَاءٍ لَمْ يُحْرَزْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمِيَاهَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ. الْأَوَّلُ: مَاءُ الْبِحَارِ وَلِكُلِّ أَحَدٍ فِيهَا حَقُّ الشَّفَةِ؛ وَسَقْيِ الْأَرَاضِيِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ شَاءَ، وَالثَّانِي: مَاءُ الْأَوْدِيَةِ الْعِظَامِ كَسِيحُونَ، وَلِلنَّاسِ فِيهِ حَقُّ الشَّفَةِ مُطْلَقًا وَحَقُّ سَقْيِ الْأَرَاضِيِ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ. وَالثَّالِثُ: مَا دَخَلَ فِي الْمَقَاسِمِ أَيْ الْمَجَارِي الْمَمْلُوكَةِ لِجَمَاعَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَفِيهِ حَقُّ الشَّفَةِ. وَالرَّابِعُ. الْمُحْرَزُ فِي الْأَوَانِي يَنْقَطِعُ حَقُّ غَيْرِهِ عَنْهُ وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٌ فِي الْأَوَّلَيْنِ حَقُّ الشَّفَةِ وَالسَّقْيِ لِأَرْضِهِ وَفِي الثَّالِثِ حَقُّ الشَّفَةِ فَقَطْ وَلَا حَقَّ فِي الرَّابِعِ لِأَحَدٍ. (قَوْلُهُ لَمْ يُحْرَزْ بِإِنَاءٍ) الْأَوْلَى فِي إنَاءٍ، فَلَوْ أَحْرَزَهُ فِي جَرَّةٍ أَوْ حُبٍّ أَوْ حَوْضِ مَسْجِدٍ مِنْ نُحَاسٍ أَوْ صُفْرٍ أَوْ حُصٍّ وَانْقَطَعَ جَرَيَانُ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْإِحْرَازِ: أَيْ لَا الْأَخْذِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَوْ مَلَأَ الدَّلْوَ مِنْ الْبِئْرِ وَلَمْ يُبْعِدْهُ مِنْ رَأْسِهَا لَمْ يَمْلِكْهُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ إذْ الْإِحْرَازُ جَعْلُ الشَّيْءِ فِي مَوْضِعٍ حَصِينٍ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ اغْتَرَفَ الْمَاءَ مِنْ حَوْضِ الْحَمَّامِ بِإِنَاءِ الْحَمَّامِيِّ، فَإِنَّهُ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْحَمَّامِيِّ، لَكِنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهَا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ حُبٍّ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ الْخَابِيَةُ كَمَا يَأْتِي قَالَ ط: وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَإِنَّ الْإِنَاءَ يَعُمُّهُ عَلَى مَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ بِأَوْ اهـ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْجِيمِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، لِأَنَّ الْجُبَّ الْبِئْرُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَالْمَاءُ فِي الْبِئْرِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَدَّمْنَاهُ وَيَأْتِي لَكِنْ فَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِالصِّهْرِيجِ، فَيَصِحُّ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ كَدِجْلَةَ) بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ نَهْرُ بَغْدَادَ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَالْفُرَاتِ) كَغُرَابٍ نَهْرٌ فِي الْكُوفَةِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهِمَا) كَسِيحُونَ وَهُوَ نَهْرُ التُّرْكِ وَجَيْحُونُ نَهْرُ خُوَارِزْمَ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا إحْرَازَ) أَيْ فِي هَذِهِ الْأَنْهَارِ (قَوْلُهُ وَلِكُلٍّ) أَيْ لِكُلِّ أَحَدٍ (قَوْلُهُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْمِيَاهِ الْغَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ) فَإِنْ أَضَرَّ بِأَنْ يَفِيضَ الْمَاءُ وَيُفْسِدَ حُقُوقَ النَّاسِ أَوْ يَنْقَطِعَ الْمَاءُ عَنْ النَّهْرِ الْأَعْظَمِ أَوْ يَمْنَعَ جَرَيَانَ السُّفُنِ تَتَارْخَانِيَّةٌ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُكَاتَبًا مَنْعُهُ بَزَّازِيَّةٌ، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ أَنَّ هَذَا فِي الْأَنْهَارِ، أَمَّا فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُ يُنْتَفَعُ وَإِنْ ضَرَّ وَبِهِ صَرَّحَ الْقُهُسْتَانِيُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 438 وَهَوَاءٍ (لَا سَقْيُ دَوَابِّهِ إنْ خِيفَ تَخْرِيبُ النَّهْرِ لِكَثْرَتِهَا) (وَلَا) سَقْيُ (أَرْضَهُ وَشَجَرِهِ وَزَرْعِهِ وَنَصْبُ دُولَابٍ) وَنَحْوِهَا (مِنْ نَهْرِ غَيْرِهِ وَقَنَاتِهِ وَبِئْرِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ. (وَلَهُ سَقْيُ شَجَرٍ أَوْ خُضْرٍ زُرِعَ فِي دَارِهِ حَمْلًا إلَيْهِ بِجِرَارِهِ) وَأَوَانِيهِ (فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ لَا إلَّا بِإِذْنِهِ (وَالْمُحْرَزُ فِي كُوزٍ وَحُبٍّ) بِمُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ الْخَانِيَّةُ (لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ) لِمِلْكِهِ بِإِحْرَازِهِ.   [رد المحتار] تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا سَقْيُ دَوَابِّهِ إلَخْ) هَذَا الْمَصْدَرُ يَتَعَلَّقُ بِهِ قَوْلُهُ الْآتِي مِنْ نَهْرِ غَيْرِهِ وَهَذَا شُرُوعٌ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ لَهُ حَقَّ الشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ فِيمَا دَخَلَ فِي الْمَقَاسِمِ الْمَمْلُوكَةِ وَكَذَا لِدَوَابِّهِ إلَّا إذَا خِيفَ تَخْرِيبُ النَّهْرِ بِكَثْرَتِهَا لَا سَقْيُ أَرْضِهِ وَنَحْوِهِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالشَّفَةُ إذَا كَانَتْ تَأْتِي عَلَى الْمَاءِ كُلِّهِ بِأَنْ كَانَ جَدْوَلًا صَغِيرًا وَفِيمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوَاشِي كَثْرَةٌ تَقْطَعُ الْمَاءَ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُمْنَعُ وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ يُمْنَعُ لِلضَّرَرِ اهـ وَجَزَمَ بِالثَّانِي فِي الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ وَلَا سَقْيُ أَرْضِهِ إلَخْ) اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ أَوْ لَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ سَقَى أَرْضَهُ أَوْ زَرْعَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ، وَإِنْ أَخَذَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ يُؤَدِّبُهُ السُّلْطَانُ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ إنْ رَأَى ذَلِكَ خَانِيَّةٌ ط (قَوْلُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ) لِأَنَّ الْمَاءَ مَتَى دَخَلَ فِي الْمَقَاسِمِ انْقَطَعَ شَرِكَةُ الشُّرْبِ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ هِدَايَةٌ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: نَهْرٌ خَاصٌّ بِقَوْمٍ لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَسْقِيَ بُسْتَانَه أَوْ أَرْضَهُ إلَّا بِإِذْنِهِمْ، فَإِنْ أَذِنُوا إلَّا وَاحِدًا أَوْ كَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ أَوْ غَائِبٌ لَا يَسَعُ الرَّجُلَ أَنْ يَسْقِيَ مِنْهُ زَرْعَهُ أَوْ أَرْضَهُ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ خُضْرٍ) جَمْعُ خُضْرَةٍ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ لَوْنُ الْأَخْضَرِ فَسُمِّيَ بِهِ وَلِذَا جُمِعَ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ زُرِعَ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ صِفَةٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَذَكَرَ الضَّمِيرَ لِلْعَطْفِ بِأَوْ، وَلِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مِنْ اسْمِ الْجِنْسِ الْجَمْعِيِّ الَّذِي يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ بِالتَّاءِ غَالِبًا، وَالْأَكْثَرُ فِيهِ التَّذْكِيرُ نَحْوُ - {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10]- {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: 46]- (قَوْلُهُ بِجِرَارِهِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ جَمْعِ جَرَّةٍ: وَهُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْ الْخَزَفِ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى جُرَرٍ قَامُوسٌ ط (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا إلَّا بِإِذْنِهِ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْوَجِيزِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَهُمَا قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ [فَرْعٌ] الْعَيْنُ أَوْ الْحَوْضُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ الْمَاءُ بِغَيْرِ إحْرَازٍ وَاحْتِيَالٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّهْرِ الْخَاصِّ ط (قَوْلُهُ وَالْمُحْرَزُ فِي كُوزٍ أَوْ حُبٍّ) مِثْلُهُ الْمُحْرَزُ فِي الصَّهَارِيجِ الَّتِي تُوضَعُ لِإِحْرَازِ الْمَاءِ فِي الدُّورِ كَمَا حَرَّرَهُ الرَّمْلِيُّ فِي فَتَاوَاهُ وَحَاشِيَتِهِ عَلَى الْبَحْرِ، وَأَفْتَى بِهِ مِرَارًا وَقَالَ: إنَّ الْأَصْلَ قَصْدُ الْإِحْرَازِ وَعَدَمُهُ، وَمِمَّا صَرَّحُوا بِهِ لَوْ وَضَعَ رَجُلٌ طَسْتًا عَلَى سَطْحٍ، فَاجْتَمَعَ فِيهِ مَاءُ الْمَطَرِ فَرَفَعَهُ آخَرُ، إنْ وَضَعَهُ الْأَوَّلُ لِذَلِكَ فَهُوَ لَهُ وَإِلَّا فَلِلرَّافِعِ اهـ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَلَى الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَخْ) إذْ لَا حَقَّ فِيهِ لِأَحَدٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ لِمِلْكِهِ بِإِحْرَازِهِ) فَلَهُ بَيْعُهُ مُلْتَقًى. 1 - [تَنْبِيهٌ] فِي الذَّخِيرَةِ وَالْهِنْدِيَّةِ: عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ أَمَةٌ مَلَأَ الْكُوزَ مِنْ الْحَوْضِ، وَأَرَاقَ بَعْضَهُ فِيهِ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ ذَلِكَ الْحَوْضِ، لِأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي الْكُوزِ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْآخِذِ، فَإِذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ الْمُبَاحِ وَلَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ لَا يَحِلُّ شُرْبُهُ، وَلَوْ أَمَرَ صَبِيًّا أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ بِإِتْيَانِ الْمَاءِ مِنْ الْوَادِي أَوْ الْحَوْضِ فِي كُوزٍ، فَجَاءَ بِهِ لَا يَحِلُّ لِأَبَوَيْهِ أَنْ يَشْرَبَا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ إذَا لَمْ يَكُونَا فَقِيرَيْنِ، لِأَنَّ الْمَاءَ صَارَ مِلْكَهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُمَا الْأَكْلُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ حَاجَةٍ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: يَحِلُّ لَهُمَا وَلَوْ غَنِيَّيْنِ لِلْعُرْفِ وَالْعَادَةِ حَمَوِيٌّ عَنْ الدِّرَايَةِ، وَفِي هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ حَرَجٌ عَظِيمٌ ط. أَقُولُ: وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إشْكَالٌ أَيْضًا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ، وَإِنْ مَلَكَ فَيَكُونُ لِمَالِكِهِ، لِأَنَّهُ مَالِكُ أَكْسَابِهِ، وَلِأَنَّهُ يُبَيِّنُ مَتَى يَحِلُّ الشُّرْبُ مِنْهُ وَهَلْ ثَمَّ فَرْقٌ بَيْنَ الْحَوْضِ الْجَارِي، أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ؟ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِمَّا أُرِيقَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْهُ بِسَبَبِ الْجَرَيَانِ أَوْ النَّضْحِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ هَجْرُ الْحَوْضِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 439 (وَلَوْ كَانَتْ الْبِئْرُ أَوْ الْحَوْضُ أَوْ النَّهْرُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ مُرِيدَ الشَّفَقَةِ مِنْ الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ إذَا كَانَ يَجِدُ مَاءً بِقُرْبِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ يُقَالُ لَهُ) أَيْ لِصَاحِبِ الْبِئْرِ وَنَحْوِهِ (إمَّا أَنْ تُخْرِجَ الْمَاءَ إلَيْهِ أَوْ تَتْرُكَهُ) لِيَأْخُذَ الْمَاءَ (بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكْسِرَ ضِفَّتَهُ) أَيْ جَانِبَ النَّهْرِ وَنَحْوَهُ (لِأَنَّ لَهُ حِينَئِذٍ حَقَّ الشَّفَةِ) لِحَدِيثِ أَحْمَدَ «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ» (وَحُكْمُ الْكَلَإِ كَحُكْمِ الْمَاءِ فَيُقَالُ لِلْمَالِكِ إمَّا أَنْ تَقْطَعَ وَتَدْفَعَ إلَيْهِ وَإِلَّا تَتْرُكْهُ لِيَأْخُذَ قَدْرَ مَا يُرِيدُ) زَيْلَعِيٌّ.   [رد المحتار] وَعَدَمُ الِانْتِفَاعِ بِهِ أَصْلًا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِالنَّجَاسَةِ فَيَحِلَّ الشُّرْبُ مِنْ نَحْوِ الْبِئْرِ بِالنَّزْحِ وَمِنْ غَيْرِهَا بِالْجَرَيَانِ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ نَجَاسَةٌ لَحُكِمَ بِطَهَارَتِهَا فَلْيُتَأَمَّلْ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَسْتَخْدِمَ وَلَدَهُ. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَلِلْأَبِ أَنْ يُعِيرَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ لِيَخْدُمَ أُسْتَاذَه لِتَعْلِيمِ الْحِرْفَةِ وَلِلْأَبِ أَوْ الْجَدِّ أَوْ الْوَصِيِّ اسْتِعْمَالُهُ بِلَا عِوَضٍ بِطَرِيقِ التَّهْذِيبِ وَالرِّيَاضَةِ اهـ. إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا يَلْزَمُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ مِلْكِهِ لِذَلِكَ الْمَاءِ الْمُبَاحِ وَإِنْ أَمَرَهُ بِهِ أَبُوهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ يَجِدُ مَاءً بِقُرْبِهِ) زَادَ فِي الْهِدَايَةِ فِي غَيْرِ مِلْكِ أَحَدٍ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ: وَلَمْ أَرَ تَقْدِيرَ الْقُرْبِ، وَيَنْبَغِي تَقْدِيرُهُ بِالْمِيلِ فِي التَّيَمُّمِ (قَوْلُهُ ضِفَّتَهُ) بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الدِّيوَانِ بِالْكَسْرِ جَانِبُ النَّهْرِ وَبِالْفَتْحِ جَمَاعَةُ النَّاسِ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ) أَيْ شَرِكَةَ إبَاحَةٍ لَا شَرِكَةَ مِلْكٍ، فَمَنْ سَبَقَ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي وِعَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَأَحْرَزَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَهُوَ مِلْكٌ لَهُ دُونَ مَنْ سِوَاهُ يَجُوزُ لَهُ تَمْلِيكُهُ بِجَمِيعِ وُجُوهِ التَّمْلِيكِ، وَهُوَ مَوْرُوثٌ عَنْهُ وَتَجُوزُ فِيهِ وَصَايَاهُ، وَإِنْ أَخَذَهُ أَحَدٌ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ضَمِنَهُ، وَمَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ أَحَدٌ فَهُوَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مُبَاحٌ لَيْسَ لِأَحَدٍ مَنْعُ مَنْ أَرَادَ أَخْذَهُ لِلشَّفَةِ إتْقَانِيٌّ عَنْ الْكَرْخِيِّ (قَوْلُهُ وَالْكَلَأُ) هُوَ مَا يَنْبَسِطُ وَيَنْتَشِرُ وَلَا سَاقَ لَهُ كَالْإِذْخِرِ وَنَحْوِهِ وَالشَّجَرُ مَا لَهُ سَاقٌ، فَعَلَى هَذَا الشَّوْكُ مِنْ الشَّجَرِ لِأَنَّ لَهُ سَاقًا، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا الْأَخْضَرُ، وَهُوَ الشَّوْكُ اللَّيِّنُ الَّذِي يَأْكُلُهُ الْإِبِلُ كَلَأٌ وَالْأَحْمَرُ شَجَرٌ وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ يَقُولُ: الْأَخْضَرُ لَيْسَ بِكَلَإٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ، ثُمَّ الْكَلَامُ فِي الْكَلَأِ عَلَى أَوْجُهٍ أَعَمَّهَا مَا نَبَتَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ، فَالنَّاسُ شُرَكَاءُ فِي الرَّعْيِ وَالِاحْتِشَاشِ مِنْهُ كَالشَّرِكَةِ فِي مَاءِ الْبِحَارِ وَأَخَصُّ مِنْهُ، وَهُوَ مَا نَبَتَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ بِلَا إنْبَاتِ صَاحِبِهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ الْمَنْعَ مِنْ الدُّخُولِ فِي أَرْضِهِ، وَأَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ أَنْ يَحْتَشَّ الْكَلَأَ أَوْ أَنْبَتَهُ فِي أَرْضِهِ فَهُوَ مِلْكٌ لَهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ بِوَجْهٍ لِحُصُولِهِ بِكَسْبِهِ ذَخِيرَةٌ وَغَيْرُهَا مُلَخَّصًا. قَالَ ط: وَالْقِيرُ وَالزِّرْنِيخُ وَالْفَيْرُوزُ كَالشَّجَرِ، وَمَنْ أَخَذَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ضَمِنَ خِزَانَةُ الْمُفْتِينَ. وَالْحَطَبُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْتَطِبَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مِلْكٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا يَضُرُّ نِسْبَتُهُ إلَى قَرْيَةٍ أَوْ جَمَاعَةٍ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لَهُمْ، وَكَذَلِكَ الزِّرْنِيخُ وَالْكِبْرِيتُ وَالثِّمَارُ فِي الْمُرُوجِ وَالْأَوْدِيَةِ مُضْمَرَاتٌ، وَيَمْلِكُ الْمُحْتَطِبُ الْحَطَبَ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِطَابِ وَإِنْ لَمْ يَشُدَّهُ وَلَمْ يَجْمَعْهُ، وَلَوْ أَخَذَ الْمَاءَ مِنْ أَرْضٍ غَيْرِ الَّتِي جُعِلَتْ مَمْلَحَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ صَارَ الْمَاءُ مِلْحًا فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ، وَالطِّينُ الَّذِي جَاءَ بِهِ النَّهْرُ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ وَضَمِنَ إنْ أَخَذَهُ بِلَا إذْنٍ اهـ وَنَحْوُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ وَالنَّارِ) يَعْنِي إذَا أَوْقَدَ نَارًا فِي مَفَازَةٍ فَإِنَّهُ تَكُونُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ أَجْمَعَ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَضِيءَ بِضَوْئِهَا أَوْ يَخِيطَ ثَوْبًا حَوْلَهَا، أَوْ يَصْطَلِيَ بِهَا، أَوْ يَتَّخِذَ مِنْهَا سِرَاجًا لَيْسَ لِصَاحِبِهَا مَنْعُهُ، فَأَمَّا إذَا أَوْقَدَهَا فِي مَوْضِعٍ مَمْلُوكٍ فَإِنَّ لَهُ مَنْعَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ، فَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ فَتِيلَةِ سِرَاجِهِ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْجَمْرِ فَلَهُ مَنْعُهُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ إتْقَانِيٌّ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: إذَا أَرَادَ الْأَخْذَ مِنْ الْجَمْرِ، شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ إذَا جَعَلَهُ صَاحِبُهُ فَحْمًا لَهُ أَيْ يَسْتَرِدُّهُ مِنْهُ، وَإِنْ يَسِيرًا لَا قِيمَةَ لَهُ فَلَا وَلَهُ أَخْذُهُ بِلَا إذْنِ صَاحِبِهِ (قَوْلُهُ فَيُقَالُ لِلْمَالِكِ إلَخْ) أَيْ إنْ لَمْ يَجِدْ كَلَأً فِي أَرْضٍ مُبَاحًا قَرِيبًا مِنْ تِلْكَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 440 (وَلَوْ مَنَعَهُ الْمَاءَ وَهُوَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ وَدَابَّتِهِ الْعَطَشَ كَانَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ) لِأَثَرِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَإِنْ كَانَ مُحْرَزًا فِي الْأَوَانِي قَاتَلَهُ بِغَيْرِ السِّلَاحِ) كَالطَّعَامِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ دُرَرٌ (إذَا كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ حَاجَتِهِ) لِمِلْكِهِ بِالْإِحْرَازِ فَصَارَ نَظِيرَ الطَّعَامِ، وَقِيلَ فِي الْبِئْرِ وَنَحْوِهَا فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَاتِلَهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ، لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً فَكَانَ كَالتَّعْزِيرِ كَافٍ. (وَكَرْيُ نَهْرٍ) أَيْ حَفْرُهُ (غَيْرِ مَمْلُوكٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ) أَيْ فِي بَيْتِ الْمَالِ (شَيْءٌ يُجْبَرُ النَّاسُ عَلَى كَرْيِهِ إنْ امْتَنَعُوا عَنْهُ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ (وَكَرْيُ) النَّهْرِ (الْمَمْلُوكِ عَلَى أَهْلِهِ وَيُجْبَرُ مَنْ أَبَى مِنْهُمْ) عَلَى ذَلِكَ -   [رد المحتار] الْأَرْضِ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. وَهَذَا إذَا كَانَ الْكَلَأُ نَابِتًا فِي مِلْكِهِ بِلَا إنْبَاتَةِ، وَلَمْ يَحْتَشَّهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ النَّارَ الْمُوقَدَةَ فِي مِلْكِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا لِلطَّالِبِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ فِيمَا يَظْهَرُ لِي أَنَّ الشَّرِكَةَ ثَابِتَةٌ فِي عَيْنِ الْمَاءِ وَالْكَلَإِ لَا فِي عَيْنِ الْجَمْرِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ لَهُ الْجَمْرَ لِيَصْطَلِيَ بِهِ، لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ لِغَيْرِهِ فِيهِ وَلِذَا لَهُ اسْتِرْدَادُ جَمْرٍ لَهُ قِيمَةٌ مِمَّنْ أَخَذَهُ بِخِلَافِ الْكَلَأِ وَالْمَاءِ الْغَيْرِ الْمُحْرَزَيْنِ، فَلَوْ أَخَذَهُمَا أَحَدٌ مِنْ أَرْضِهِ لَا يَسْتَرِدُّهُمَا مِنْهُ، لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي عَيْنِهِمَا تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي النِّهَايَةِ: أَنَّ الشَّرِكَةَ الَّتِي أَثْبَتَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّارِ وَالنَّارُ جَوْهَرُ الْحَرِّ دُونَ الْحَطَبِ وَالْفَحْمِ، إلَّا إنْ كَانَ لَا قِيمَةَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ عَادَةً وَالْمَانِعُ مُتَعَنِّتٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَنَعَهُ الْمَاءَ) أَيْ مَنَعَهُ صَاحِبُ الْبِئْرِ أَوْ الْحَوْضِ أَوْ النَّهْرِ الَّذِي فِي مِلْكِهِ بِأَنْ لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْ الدُّخُولِ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ إلَيْهِ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً بِقُرْبِهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الشَّخْصُ الْمَمْنُوعُ (قَوْلُهُ وَدَابَّتُهُ) عَبَّرَ الْقُهُسْتَانِيُّ بِأَوْ وَكَذَا فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ لِأَبِي يُوسُفَ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ كَمَا نَقَلَهُ الأتقاني (قَوْلُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ) لِأَنَّهُ قَصَدَ إتْلَافَهُ بِمَنْعِ حَقِّهِ وَهُوَ الشَّفَةُ وَالْمَاءُ فِي الْبِئْرِ مُبَاحٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ، بِخِلَافِ الْمُحْرَزِ فِي الْإِنَاءِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَثَرِ عُمَرَ) وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الأتقاني عَنْ كِتَابِ الْخَرَاجِ لِأَبِي يُوسُفَ إنَّ قَوْمًا وَرَدُوا مَاءً فَسَأَلُوا أَهْلَهُ أَنْ يَدُلُّوهُمْ عَلَى الْبِئْرِ فَلَمْ يَدُلُّوهُمْ عَلَيْهَا فَقَالُوا: إنَّ أَعْنَاقَنَا وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا قَدْ كَادَتْ تَنْقَطِعُ مِنْ الْعَطَشِ، فَدُلُّوا عَلَى الْبِئْرِ، وَأَعْطَوْا دَلْوًا نَسْتَقِي، فَلَمْ يَفْعَلُوا فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: فَهَلَّا وَضَعْتُمْ فِيهِمْ السِّلَاحَ (قَوْلُهُ قَاتَلَهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ) أَيْ وَيَضْمَنُ لَهُ مَا أَخَذَ لِأَنَّ حِلَّ الْأَخْذِ لِلِاضْطِرَارِ لَا يُنَافِي الضَّمَانَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، وَذَكَرَ الأتقاني أَنَّهُ لَوْ مَنَعَهُ الدَّلْوَ فَإِنْ كَانَ لِصَاحِبِ الْبِئْرِ قَاتَلَهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ وَإِنْ لِلْعَامَّةِ قَاتَلَهُ بِالسِّلَاحِ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ حَاجَتِهِ) بِأَنْ كَانَ يَكْفِي لِرَدِّ رَمَقِهِمَا، فَيَأْخُذُ مِنْهُ الْبَعْضَ وَيَتْرُكُ الْبَعْضَ وَإِلَّا تَرَكَهُ لِمَالِكِهِ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ الْأَوْلَى إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ حَيْثُ جَعَلَ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ بِهِ، فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِمَا ذَكَرْنَا زَيْلَعِيٌّ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ لِاتِّفَاقِ الْعِبَارَتَيْنِ عَلَى الْجَوَازِ (قَوْلُهُ وَكَرْيُ نَهْرٍ) وَكَذَا إصْلَاحُ مُسِنَّاتِهِ إنْ خِيفَ مِنْهَا تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ أَيْ حَفْرُهُ) قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: كَرْيُ النَّهْرِ إخْرَاجُ الطِّينِ وَنَحْوِهِ مِنْهُ فَالْكَرْيُ مُخْتَصٌّ بِالنَّهْرِ، بِخِلَافِ الْحَفْرِ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ إلَّا أَنَّ كَلَامَ الْمُطَرِّزِيُّ يَدُلُّ عَلَى التَّرَادُفِ اهـ وَعَلَيْهِ مَشَى الشَّارِحُ (قَوْلُهُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ) أَيْ لَمْ يَدْخُلْ مَاؤُهُ فِي الْمَقَاسِمِ كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ أَيْ مَالِ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ دُونَ الْعُشْرِ وَالصَّدَقَاتِ، لِأَنَّ الثَّانِيَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْأَوَّلَ لِلنَّوَائِبِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ يُجْبَرُ النَّاسُ) أَيْ الَّذِينَ يُطِيقُونَ الْكَرْيَ وَمُؤْنَتُهُمْ مِنْ مَالِ الْأَغْنِيَاءِ الَّذِينَ لَا يُطِيقُونَهُ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَرْيُ النَّهْرِ الْمَمْلُوكِ) بِأَنْ دَخَلَ فِي الْمَقَاسِمِ، وَهُوَ عَامٌّ وَخَاصٌّ، وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا تُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ خَاصٌّ وَمَا لَا فَعَامٌّ وَاخْتُلِفَ فِي تَحْدِيدِ ذَلِكَ فَقِيلَ: الْخَاصُّ مَا كَانَ لِعَشْرَةٍ أَوْ عَلَيْهِ قَرْيَةٌ وَاحِدَةٌ وَقِيلَ: لِمَا دُونَ أَرْبَعِينَ وَقِيلَ مِائَةٌ وَقِيلَ أَلْفٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ عَامٌّ، وَالْأَصَحُّ تَفْوِيضُهُ لِرَأْيِ الْمُجْتَهِدِ فَيَخْتَارُ أَيَّ قَوْلٍ شَاءَ. كِفَايَةٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ مُلَخَّصًا، وَقَدَّمْنَاهُ فِي الشُّفْعَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَلَكِنَّ أَحْسَنَ مَا قِيلَ فِيهِ إنْ كَانَ لِدُونِ مِائَةٍ فَالشَّرِكَةُ خَاصَّةٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 441 (وَقِيلَ فِي الْخَاصِّ لَا يُجْبَرُ) وَهَلْ يَرْجِعُونَ إنْ أَمَرَ الْقَاضِي نَعَمْ. (وَمُؤْنَةُ كَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَعْلَاهُ فَإِذَا جَازُوا أَرْضَ رَجُلٍ) مِنْهُمْ (بَرِئَ) مِنْ مُؤْنَةِ الْكَرْيِ وَقَالَا: عَلَيْهِمْ كَرْيُهُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ بِالْحِصَصِ كَمَا يَسْتَوُونَ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ وَلَا كَرْيَ (وَعَلَى أَهْلِ الشُّفْعَةِ   [رد المحتار] وَإِلَّا فَعَامَّةٌ لَا شُفْعَةَ فِيهَا لِلْكُلِّ وَإِنَّمَا هِيَ لِلْجَارِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ فِي الْخَاصِّ لَا يُجْبَرُ) قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي الْعَامِّ: لَوْ امْتَنَعَ عَنْهُ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ يُجْبَرُونَ عَلَيْهِ وَفِي الْخَاصِّ لَوْ امْتَنَعَ الْكُلُّ لَا يُجْبَرُونَ إلَّا عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْبَعْضُ أُجْبِرَ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْخِزَانَةِ اهـ وَقَوْلُهُ: لَا يُجْبَرُونَ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ وَهَلْ يَرْجِعُونَ) أَيْ عَلَى الْآبِي بِمَا أَنْفَقُوا هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ إنْ أَمَرَ الْقَاضِي نَعَمْ) أَيْ أَمْرُهُ الْبَاقِينَ بِكَرْيِ نَصِيبِ الْآبِي عَلَى أَنْ يَسْتَوْفُوا مُؤْنَةَ الْكَرْيِ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الشُّرْبِ مِقْدَارَ مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ مَا أَنْفَقُوا عَلَيْهِ ذَخِيرَةٌ، وَفِيهَا: وَإِنْ لَمْ يَرْفَعُوا الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي، هَلْ يَرْجِعُونَ عَلَى الْآبِي بِقِسْطِهِ مِنْ النَّفَقَةِ، وَيُمْنَعُ الْآبِي مِنْ شِرْبِهِ، حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ قِيلَ: نَعَمْ وَقِيلَ: لَا وَذَكَرَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: أَنَّ الْأَوَّلَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى اهـ مُلَخَّصًا، وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْبَزَّازِيَّةِ وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، فَلِذَا خَيَّرُوا الْمُفْتِي لَكِنَّ مَفْهُومَ كَلَامِ الشَّارِحِ كَالْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَغَيْرِهِمَا تَرْجِيحُ عَدَمِ الرُّجُوعِ بِلَا أَمْرِ الْقَاضِي، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْآبِّي فَإِنَّهُمْ فَرَّعُوهُ عَلَيْهِ وَقَدَّمْنَا تَصْحِيحَ الْجَبْرِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَعْلَاهُ إلَخْ) بَيَانُهُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الشُّرَكَاءُ فِي النَّهْرِ عَشْرَةً فَعَلَى كُلٍّ عُشْرُ الْمُؤْنَةِ، فَإِذَا جَاوَزُوا أَرْضَ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَهِيَ عَلَى التِّسْعَةِ الْبَاقِينَ أَتْسَاعًا لِعَدَمِ نَفْعِ الْأَوَّلِ فِيمَا بَعْدَ أَرْضِهِ، وَهَكَذَا فَمِنْ الْآخَرِ أَكْثَرُهُمْ غَرَامَةً، لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ إلَّا إذَا وَصَلَ الْكَرْيُ إلَى أَرْضِهِ وَدُونَهُ فِي الْغَرَامَةِ مَنْ قَبْلَهُ إلَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَقَالَا إلَخْ) الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ التَّتِمَّةِ (قَوْلُهُ بِالْحِصَصِ) أَيْ حِصَصِ الشِّرْبِ وَالْأَرْضِينَ هِدَايَةٌ. [تَنْبِيهَاتٌ] الْأَوَّلُ: قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: لَوْ كَانَ فَمُ نَهْرِهِ فِي وَسَطِ أَرْضِهِ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا بِالْمُجَاوَزَةِ عَنْ أَرْضِهِ، وَهَذَا فِي النَّهْرِ الْخَاصِّ أَمَّا الْعَامُّ فَقَدْ بَرِئَ إذَا بَلَغُوا فَمَ نَهْرِ قَرْيَتِهِمْ اهـ. الثَّانِي: قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَأَمَّا الطَّرِيقُ الْخَاصُّ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ إذَا اُحْتِيجَ إلَى إصْلَاحِهِ فَإِصْلَاحُ أَوَّلِهِ عَلَيْهِمْ إجْمَاعًا، فَإِذَا فَارَقُوا دَارَ رَجُلٍ قِيلَ: إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي النَّهْرِ وَقِيلَ يُرْفَعُ إجْمَاعًا اهـ زَادَ فِي الْخَيْرِيَّةِ: لَوْ امْتَنَعَ الْبَعْضُ قِيلَ: لَا يُجْبَرُ وَقِيلَ يُجْبَرُ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُ الطَّالِبِينَ، فَيَمْنَعُونَ الْآبِيَ عَنْ الِانْتِفَاعِ حَتَّى يُؤَدِّيَ. الثَّالِثُ: نَهْرُ الْمَسَاقِطِ وَالْأَوْسَاخِ الَّذِي يَسْقُطُ فِيهِ فَائِضُ الْمَاءِ وَالْكَنِيفُ الْخَارِجَةُ مِنْ الدُّورِ وَالْأَزِقَّةِ كَمَا فِي دِمَشْقَ إذَا احْتَاجَ إلَى الْكَرْيِ، فَهَلْ عَلَى عَكْسِ نَهْرِ الشُّرْبِ فَكُلَّمَا وَصَلُوا فِي الْكَرْيِ مِنْ أَعْلَاهُ إلَى دَارِ رَجُلٍ شَارَكَ مَنْ قَبْلَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ وَغَيْرِهَا، لِأَنَّ حَاجَةَ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى تَسْيِيلِ أَوْسَاخِهِ مِنْ دَارِهِ إلَى آخِرِ النَّهْرِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى مَا قَبْلَ دَارِهِ فَمَنْ فِي الْأَعْلَى أَكْثَرُهُمْ غَرَامَةً لِاحْتِيَاجِهِ إلَى جَمِيعِ النَّهْرِ، وَدُونَهُ فِيهَا مَنْ بَعْدَهُ إلَى الْآخِرِ فَهُوَ أَقَلُّهُمْ غَرَامَةً بِعَكْسِ نَهْرِ الشُّرْبِ. وَحَاصِلُ الْفَرْقِ: أَنَّ صَاحِبَ الشِّرْبِ مُحْتَاجٌ إلَى كَرْيِ مَا قَبْلَ أَرْضِهِ لِيَصِلَهُ الْمَاءُ وَصَاحِبُ الْأَوْسَاخِ مُحْتَاجٌ إلَى مَا بَعْدَ أَرْضِهِ لِيَذْهَبَ وَسَخُهُ (قَوْلُهُ وَلَا كَرْيَ عَلَى أَهْلِ الشَّفَةِ) لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تَلْحَقُ الْمَالِكَ لَا مَنْ لَهُ الْحَقُّ بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ بَزَّازِيَّةٌ، وَلِأَنَّهُمْ لَا يُحْصَوْنَ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الدُّنْيَا جَمِيعًا أَتْقَانِيٌّ وَغَيْرُهُ. [تَنْبِيهٌ] أَنْهَارُ دِمَشْقَ الَّتِي تَسْتَقِي أَرَاضِيهَا وَأَكْثَرُ دُورِهَا جَرَتْ الْعَادَةُ مِنْ قَدِيمٍ أَنَّ أَهْلَ الْأَرَاضِي يَكْرُونَهَا وَحْدَهُمْ دُونَ أَهْلِ الدُّورِ مَعَ أَنَّ لِكُلِّ دَارٍ حَقًّا مَعْلُومًا مِنْهَا يُبَاعُ وَيُشْرَى تَبَعًا فَهُوَ حَقُّ شِرْبٍ مَمْلُوكٍ لَهُمْ لَا حَقُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 442 تَصِحُّ دَعْوَى الشِّرْبِ بِغَيْرِ أَرْضِهِ) اسْتِحْسَانًا. (وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ أَرْضٌ وَلِآخَرَ فِيهَا نَهْرٌ وَأَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ لَا يَجْرِيَ النَّهْرُ فِي أَرْضِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَيَتْرُكُهُ عَلَى حَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَكُنْ جَارِيًا فِيهَا) أَيْ فِي الْأَرْضِ (فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ أَنَّ هَذَا النَّهْرَ لَهُ وَأَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ مَجْرَاهُ فِي هَذَا النَّهْرِ مَسُوقٌ لِسَقْيِ أَرَاضِيِهِ، وَعَلَى هَذَا الْمَصَبِّ فِي نَهْرٍ أَوْ عَلَى سَطْحٍ أَوْ الْمِيزَابِ أَوْ الْمَمْشَى كُلُّ ذَلِكَ فِي دَارِ غَيْرِهِ فَحُكْمُ الِاخْتِلَافِ فِيهِ نَظِيرُهُ فِي الشِّرْبِ) زَيْلَعِيٌّ. (نَهْرٌ بَيْنَ قَوْمٍ اخْتَصَمُوا فِي الشِّرْبِ فَهُوَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيِهِمْ) لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ (بِخِلَافِ اخْتِلَافِهِمْ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّهُمْ يَسْتَوُونَ فِي مِلْكِ رَقَبَتِهِ) بِلَا اعْتِبَارِ سَعَةِ الدَّارِ وَضِيقِهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِاسْتِطْرَاقُ (وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ) فِي النَّهْرِ (أَنْ يَشُقَّ مِنْهُ نَهْرًا أَوْ يَنْصِبَ عَلَيْهِ رَحًى) إلَّا رَحًى وُضِعَ فِي مِلْكِهِ وَلَا يَضُرُّ بِنَهْرٍ وَلَا بِمَاءٍ وِقَايَةٌ   [رد المحتار] شَفَةٍ بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ مُشَارَكَةُ أَهْلِ الْأَرَاضِي فِي كَرْيِهَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَرْغُوبٌ فِيهِ مُنْتَفَعٌ بِهِ وَيُمْكِنُ مِلْكُهُ بِلَا أَرْضٍ بِإِرْثٍ وَوَصِيَّةٍ كَمَا يَأْتِي وَقَدْ يَبِيعُ الْأَرْضَ وَحْدَهَا فَيَبْقَى لَهُ الشِّرْبُ وَحْدَهُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ الدَّعْوَى بِهِ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ جَهَالَةً لَا تَقْبَلُ الْإِعْلَامَ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ النَّهْرُ فِي يَدِ الْآخَرِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: عَلَامَةُ كَوْنِ النَّهْرِ فِي يَدِهِ كَرْيُهُ وَغَرْسُ الْأَشْجَارِ فِي جَانِبَيْهِ وَسَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ جَارِيًا فِيهَا) أَيْ وَقْتَ الْخُصُومَةِ، وَلَمْ يُعْلَمْ جَرَيَانُهُ قَبْلَهَا، أَمَّا إنْ كَانَ جَارِيًا وَقْتَهَا أَوْ عُلِمَ جَرَيَانُهُ قَبْلَهَا يَقْضِي بِهِ لَهُ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنَّهُ مَلَكَهُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ) أَيْ الْإِظْهَارُ بِبُرْهَانٍ أَوْ بِمَعْنَى الْبَيِّنَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَعَمَلُهُ فِيمَا بَعْدَهُ مِنْ عَمَلِ الْمَصْدَرِ الْمَقْرُونِ بِأَلْ وَهُوَ قَلِيلٌ كَقَوْلِهِ: ضَعِيفُ النِّكَايَةِ أَعْدَاءَهُ. وَعَلَى الثَّانِي فَفِيهِ حَذْفُ الْجَارِّ وَهُوَ عَلَى قَبْلَ أَنَّ وَهُوَ مُطَّرِدٌ (قَوْلُهُ أَنَّ هَذَا النَّهْرَ لَهُ) أَيْ إنْ كَانَ يَدَّعِي رَقَبَةَ النَّهْرِ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ مَجْرَاهُ) أَيْ إنْ كَانَ يَدَّعِي الْإِجْرَاءَ فِيهِ عِنَايَةٌ، فَالْمَوْضُوعُ مُخْتَلِفٌ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ الْإِتْيَانَ بِأَوْ بَدَلَ الْوَاوِ كَمَا فَعَلَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى، وَالضَّمِيرُ فِي الْمَصْدَرِ الْمِيمِيِّ، وَهُوَ مَجْرَاهُ لِلْمَاءِ أَوْ النَّهْرِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْرِ رَقَبَتُهُ، وَهُوَ الْحُفْرَةُ، فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ، وَعَلَى كُلٍّ فَقَوْلُهُ بَعْدَهُ فِي هَذَا النَّهْرِ صَحِيحٌ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ الصَّوَابَ أَنْ يَقُولَ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ، وَكَأَنَّهُ أَوْقَعَهُ فِيهِ تَفْسِيرُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ الْمُجْرَى بِمَوْضِعِ الْإِجْرَاءِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْمَصَبِّ) أَيْ مَوْضِعِ اجْتِمَاعِ مَا فَضَلَ مِنْ الْمَاءِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ فَحُكْمُ الِاخْتِلَافِ فِيهِ إلَخْ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَكُنْ جَارِيًا أَوْ مَاشِيًا وَقْتَ الْخُصُومَةِ، وَلَمْ يُعْهَدْ ذَلِكَ قَبْلَهَا لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّ الْمَصَبَّ وَالْمِيزَابَ وَالْمَمْشَى مِلْكُهُ أَوْ أَنَّهُ كَانَ لَهُ فِيهِ التَّسْيِيلُ، أَوْ الْمَشْيُ لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ، لَوْ كَانَ مَسِيلُ سُطُوحِهِ إلَى دَارِ رَجُلٍ وَلَهُ فِيهَا مِيزَابٌ قَدِيمٌ، فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، أَمَّا أَصْحَابُنَا فَقَدْ أَخَذُوا بِالْقِيَاسِ، وَقَالُوا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ حَقَّ الْمَسِيلِ وَالْفَتْوَى عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ اهـ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْقَاعِدَةِ الْآتِيَةِ أَنَّ الْقَدِيمَ يُتْرَكُ عَلَى قِدَمِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ اخْتَصَمُوا فِي الشِّرْبِ) أَيْ وَلَا تُعْرَفُ الْكَيْفِيَّةُ فِي الزَّمَانِ الْمُتَقَدِّمِ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ) أَيْ الْمَقْصُودُ فِيهَا الِانْتِفَاعُ بِسَقْيِهَا فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِاسْتِطْرَاقُ) أَيْ وَهُوَ فِي الدَّارِ الْوَاسِعَةِ وَالضَّيِّقَةِ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ هِدَايَةٌ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ يُقْسَمُ عَلَى الرُّءُوسِ سَائِحَانِيٌّ عَنْ الْمُلْتَقَطِ وَمِثْلُهُ الِاخْتِلَافُ فِي سَاحَةِ الدَّارِ كَمَا مَرَّ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ إلَخْ) لِأَنَّ فِيهِ كَسْرَ ضِفَّةِ النَّهْرِ وَشَغْلَ مَوْضِعٍ مُشْتَرَكٍ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ مِنْ الشُّرَكَاءِ فِي النَّهْرِ) أَفَادَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي النَّهْرِ الْمَمْلُوكِ، بِخِلَافِ الْأَنْهَارِ الْعِظَامِ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا قَدَّمَهُ أَوَّلَ الْفَصْلِ (قَوْلُهُ إلَّا رَحًى وُضِعَ فِي مِلْكِهِ) صُورَتُهُ: أَنْ يَكُونَ حَافَّتَا النَّهْرِ وَبَطْنُهُ مِلْكًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ حَقُّ إجْرَاءِ الْمَاءِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يَضُرُّ بِنَهْرٍ وَلَا بِمَاءٍ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الرَّحَى لَا يَضُرُّ وَعِبَارَةُ الْكَافِي بِأَوْ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: فَعَلَيْهِ الْوَاوُ هُنَا تَبَعًا لِلْوِقَايَةِ، وَفِي الْهِدَايَةِ بِمَعْنَى أَوْ لِيُوَافِقَ الْكَافِيَ قَالَهُ الْبَاقَانِيُّ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 443 (أَوْ دَالِيَةً كَنَاعُورَةٍ أَوْ جِسْرٍ) أَوْ قَنْطَرَةٍ (أَوْ يُوَسِّعُ فَمَ النَّهْرِ أَوْ يَقْسِمُ بِالْأَيَّامِ وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (قَدْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِالْكِوَى) بِكَسْرِ الْكَافِ جَمْعُ كَوَّةٍ بِفَتْحِهَا الثَّقْبُ لِأَنَّ الْقَدِيمَ يُتْرَكُ عَلَى قِدَمِهِ لِظُهُورِ الْحَقِّ فِيهِ (أَوْ يَسُوقُ نَصِيبَهُ إلَى أَرْضٍ لَهُ أُخْرَى لَيْسَ لَهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ النَّهْرِ (شِرْبٌ بِلَا رِضَاهُمْ) يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ وَلَهُمْ نَقْضُهُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَلِوَرَثَتِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ، وَلَيْسَ لِأَهْلِ الْأَعْلَى سَكْرُ النَّهْرِ بِلَا رِضَاهُمْ، وَإِنْ لَمْ تَشْرَبْ أَرْضُهُ بِدُونِهِ مُلْتَقًى   [رد المحتار] وَمَعْنَى الضَّرَرِ بِالنَّهْرِ مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ كَسْرِ ضِفَّتِهِ، وَبِالْمَاءِ أَنْ يَتَغَيَّرَ عَنْ سُنَنِهِ الَّذِي كَانَ يَجْرِي عَلَيْهِ هِدَايَةٌ: أَيْ بِأَنْ يَعْوَجَّ الْمَاءُ حَتَّى يَصِلَ إلَى الرَّحَى فِي أَرَضَةِ ثُمَّ يَجْرِيَ إلَى النَّهْرِ مِنْ أَسْفَلِهِ، لِأَنَّهُ يَتَأَخَّرُ وُصُولُ حَقِّهِمْ إلَيْهِمْ وَيَنْقُصُ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ دَالِيَةً إلَخْ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الدَّالِيَةُ جِذْعٌ طَوِيلٌ يُرَكَّبُ تَرْكِيبَ مِدَقِّ الْأُرْزِ فِي رَأْسِهِ مِغْرَفَةٌ كَبِيرَةٌ يُسْتَقَى بِهَا وَالنَّاعُورَةُ مَا يُدِيرُهُ الْمَاءُ وَالْجِسْرُ مَا يُعْبَرُ بِهِ النَّهْرُ وَغَيْرُهُ مَبْنِيًّا كَانَ أَوْ لَا وَالْفَتْحُ لُغَةٌ، وَالْقَنْطَرَةُ مَا يُبْنَى عَلَى الْمَاءِ لِلْعُبُورِ وَالْجِسْرِ عَامٌّ اهـ لَكِنْ فِي الْعِنَايَةِ الْجِسْرُ مَا يُوضَعُ وَيُرْفَعُ مِمَّا يُتَّخَذُ مِنْ الْخَشَبِ وَالْأَلْوَاحِ وَالْقَنْطَرَةِ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْحَجَرِ وَالْآجُرِّ مَوْضُوعًا لَا يُرْفَعُ (قَوْلُهُ أَوْ يُوَسِّعُ فَمَ النَّهْرِ) لِأَنَّهُ يَكْسِرُ ضِفَّتَهُ وَيَزِيدُ عَلَى مِقْدَارِ حَقِّهِ فِي أَخْذِ الْمَاءِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ بِكَسْرِ الْكَافِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَقَدْ تُضَمُّ فِي الْمُفْرَدِ وَالْجَمْعِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَدِيمَ يُتْرَكُ عَلَى قِدَمِهِ إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ مِيَاهٌ فِي أَوْقَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فِي قَرْيَةٍ لَمْ يَجُزْ جَمْعُهَا فِي وَقْتٍ إلَّا بِرِضَاهُمْ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ لَكِنْ فِي التَّتِمَّةِ إنَّهُ جَائِزٌ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ يَسُوقُ نَصِيبَهُ إلَخْ) لِأَنَّهُ إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ حَقُّهُ هِدَايَةٌ: أَيْ فَيَلْزَمُ أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِشِرْبِ الْأَرْضِينَ جَمِيعًا، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ يُقْسَمُ عَلَى مِقْدَارِ الْأَرَاضِيِ أَتْقَانِيٌّ، وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَسُوقَ شِرْبَهُ فِي أَرْضِهِ الْأُولَى حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْأُخْرَى، لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ إذْ الْأَرْضُ الْأُولَى تُنَشِّفُ بَعْضَ الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَسْقِيَ الْأُخْرَى هِدَايَةٌ. وَذَكَرَ خُوَاهَرْ زَادَهْ: أَنَّهُ إذَا مَلَأَ الْأُولَى وَسَدَّ فُوَّهَةَ النَّهْرِ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ الْأُخْرَى مِنْ هَذَا الْمَاءِ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَسْتَوْفِ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ وَإِنْ لَمْ يَسُدَّ فَلَا كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْأَرْضِ وَذِكْرُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ الْمَكَانِ ط (قَوْلُهُ وَلَهُمْ نَقْضُهُ إلَخْ) لِأَنَّهُ إعَارَةُ الشِّرْبِ فَإِنَّ مُبَادَلَةَ الشِّرْبِ بِالشِّرْبِ بَاطِلَةٌ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِأَهْلِ الْأَعْلَى سَكْرُ النَّهْرِ بِلَا رِضَاهُمْ) لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْبَاقِينَ، فَإِنْ تَرَاضَوْا عَلَى أَنْ يَسْكُرَ الْأَعْلَى النَّهْرَ، حَتَّى يُشْرِبَ بِحِصَّتِهِ أَوْ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يُسْكِرَ كُلٌّ مِنْهُمْ فِي نَوْبَتِهِ جَازَ، لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ إلَّا أَنَّهُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ بِلَوْحٍ لَا يُسْكِرُ بِمَا يَنْكَبِسَ بِهِ النَّهْرُ كَالطِّينِ وَغَيْرِهِ لِكَوْنِهِ إضْرَارًا بِهِمْ مَنَعَ مَا فَضَلَ مِنْ السَّكْرِ عَنْهُمْ إلَّا إذَا رَضُوا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ الشِّرْبُ إلَّا بِالسَّكْرِ وَلَمْ يَصْطَلِحُوا عَلَى شَيْءٍ يَبْدَأُ بِأَهْلِ الْأَسْفَلِ حَتَّى يَرْوُوا ثُمَّ بَعْدَهُ لِأَهْلِ الْأَعْلَى أَنْ يَسْكُرُوا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَهْلُ أَسْفَلِ النَّهْرِ أُمَرَاءُ عَلَى أَهْلِ أَعْلَاهُ، حَتَّى يَرْوُوا لِأَنَّ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا أَهْلَ الْأَعْلَى مِنْ السَّكْرِ وَعَلَيْهِمْ طَاعَتُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَمَنْ لَزِمَك طَاعَتُهُ، فَهُوَ أَمِيرُك عِنَايَةٌ وَهِدَايَةٌ. وَفِي الدُّرِّ الْمُلْتَقَى قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَاسْتَحْسَنَ مَشَايِخُ الْأَنَامِ قَسْمَ الْإِمَامِ بِالْأَيَّامِ اهـ: أَيْ إذَا لَمْ يَصْلُحُوا وَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِلَا سَكْرٍ يَقْسِمُ الْإِمَامُ بَيْنَهُمْ فَيَسْكُرُ كُلٌّ فِي نَوْبَتِهِ. قُلْت: لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا فِي الْمُتُونِ كَالْمُلْتَقَى وَالْهِدَايَةِ فَتَنَبَّهْ بَقِيَ لَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ مِنْ قَدِيمٍ عَلَى ذَلِكَ كَمَا يُفْعَلُ فِي أَنْهَارِ دِمَشْقَ الْآخِذَةِ مِنْ نَهْرِ بَرَدَى، وَقَدْ يَقِلُّ الْمَاءُ فِي بَعْضِ السِّنِينَ فَيَتَضَرَّرُ أَهْلُ الْأَسْفَلِ بِسَكْرِ الْأَعْلَى فَهَلْ يُقَالُ يَبْقَى الْقَدِيمُ عَلَى قِدَمِهِ؟ أَجَابَ فِي الْإِسْمَاعِيلِيَّة وَتَبِعَهُ فِي الْحَامِدِيَّةِ: بِأَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ شَرْعًا لِكَوْنِهِ تَصَرُّفًا فِي الْمُشْتَرَكِ بِلَا رِضَا الشُّرَكَاءِ وَرِضَا مَنْ تَقَدَّمَ لَا يُلْزَمُ بِهِ مَنْ تَأَخَّرَ فَيُبْدَأُ بِالْأَسْفَلِ ثُمَّ بِالْأَعْلَى اهـ مُلَخَّصًا. وَكَذَلِكَ سُئِلَ فِي الْخَيْرِيَّةِ عَنْ خُصُوصِ نَهْرِ بَرَدَى فَأَجَابَ: بِالْمَنْعِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فِي الْمُتُونِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا اسْتَحْسَنَهُ مَشَايِخُ الْأَنَامِ مِنْ الْقَسْمِ بِالْأَيَّامِ فِيهِ دَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ وَقَطْعُ التَّنَازُعِ وَالْخِصَامِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 444 (كَطَرِيقٍ مُشْتَرَكٍ أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يُفْتَحَ فِيهِ بَابًا إلَى دَارٍ أُخْرَى سَاكِنُهَا غَيْرُ سَاكِنِ هَذِهِ الدَّارِ الَّتِي مِفْتَحُهَا فِي هَذَا الطَّرِيقِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَاكِنُ الدَّارَيْنِ وَاحِدًا حَيْثُ لَا يُمْنَعُ) لِأَنَّ الْمَارَّةَ لَا تَزْدَادُ. (وَيُورَثُ الشِّرْبُ وَيُوصَى بِالِانْتِفَاعِ بِهِ) أَمَّا الْإِيصَاءُ بِبَيْعِهِ فَبَاطِلٌ (وَلَا يُبَاعُ) الشِّرْبُ (وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُؤْجَرُ وَلَا يُتَصَدَّقُ بِهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ   [رد المحتار] لِكُلٍّ فِي هَذَا الْمَاءِ حَقًّا فَتَخْصِيصُ أَهْلِ الْأَسْفَلِ بِهِ حِينَ قِلَّةِ الْمَاءِ فِيهِ ضَرَرٌ لِأَهْلِ الْأَعْلَى، وَكَذَا تَخْصِيصُ أَهْلِ الْأَعْلَى بِهِ فِيهِ ذَلِكَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكُلِّ فَلِذَا اسْتَحْسَنُوا مَا ذُكِرَ وَارْتَضَوْهُ. ثُمَّ رَأَيْت فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ كَانَ الْأَعْلَى مِنْهُمْ لَا يَشْرَبُ، حَتَّى يُسْكَرَ النَّهْرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْكُرَ النَّهْرَ عَلَى الْأَسْفَلِ؛ وَلَكِنْ يُشْرِبُ بِحِصَّتِهِ اهـ فَقَوْلُهُ: وَلَكِنْ يُشْرِبُ بِحِصَّتِهِ يُومِئُ إلَى هَذَا حَيْثُ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الشِّرْبِ أَصْلًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ كَطَرِيقٍ مُشْتَرَكٍ إلَخْ) وَجْهُ الشَّبَهِ هُوَ أَنَّهُ يَزِيدُ فِي الشِّرْبِ مَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ حَقُّ الشِّرْبِ وَيَزِيدُ فِي الطَّرِيقِ مَنْ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْمُرُورِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ سَاكِنُهَا) مُبْتَدَأٌ وَغَيْرُ خَبَرٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ لَهُ دَارَانِ بَابُ إحْدَاهُمَا فِي طَرِيقٍ خَاصٍّ، وَهُوَ سَاكِنٌ فِيهَا وَبَابُ الثَّانِيَةِ فِي طَرِيقٍ آخَرَ وَظَهْرُهَا فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ أَسْكَنَ فِيهَا غَيْرَهُ بِإِجَارَةٍ، أَوْ إعَارَةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ لِلثَّانِيَةِ بَابًا فِي طَرِيقِ الدَّارِ الْأُولَى، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَزِيدَ فِي الطَّرِيقِ الْخَاصِّ مَنْ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْمُرُورِ وَهُوَ سَاكِنُ الدَّارِ الثَّانِيَةِ بِلَا رِضَا أَصْحَابِ الطَّرِيقِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَارَّةَ لَا تَزْدَادُ) وَلَهُ حَقُّ الْمُرُورِ وَيَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ، وَهُوَ الْجِدَارُ بِالرَّفْعِ زَيْلَعِيٌّ وَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ يَطُولُ الزَّمَانُ، وَيَبِيعُ الَّتِي لَا مَمَرَّ لَهَا فَيَدَّعِي الْمُشْتَرِي أَنَّ لَهُ حَقَّ الْمُرُورِ، وَيُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِالْفِعْلِ السَّابِقِ ط. أَقُولُ: وَذَكَرَ فِي الْفَصْلِ 35 مِنْ نُورِ الْعَيْنِ خِلَافًا فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ لَهُ دَارٌ فِي سِكَّةٍ لَا تَنْفُذُ فَشَرَى بِجَانِبِ دَارِهِ بَيْتًا ظَهْرُهُ فِي هَذِهِ السِّكَّةِ قِيلَ لَهُ: أَنْ يَفْتَحَ مِنْ ظَهْرِهِ بَابًا فِي السِّكَّةِ، وَقِيلَ: لَا وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا لِلْبَيْتِ فِي دَارِهِ، وَيَتَطَرَّقَ مِنْ دَارِهِ إلَى السِّكَّةِ لَهُ ذَلِكَ مَا دَامَ هُوَ سَاكِنًا أَمَّا إذَا صَارَتْ لِرَجُلٍ، وَالْبَيْتُ لِآخَرَ لَيْسَ لِرَبِّ الْبَيْتِ أَنْ يَمُرَّ فِي هَذِهِ السِّكَّةِ اهـ وَبَيَانُ الْفَرْقِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَرَاجِعْهُ. 1 - [تَتِمَّةٌ] لَهُ كُوَّةٌ فِي أَسْفَلِ النَّهْرِ أَرَادَ أَنْ يَسُدَّهَا، وَيَفْتَحَ أُخْرَى فِي الْأَعْلَى لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ بَابَ دَارِهِ فِي أَعْلَى السِّكَّةِ الْغَيْرِ النَّافِذَةِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُسْفِلَهَا عَنْ مَوْضِعِهَا لِيَكْثُرَ أَخْذُ الْمَاءِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: لَهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ كَذَلِكَ ثُمَّ ارْتَفَعَتْ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: لَهُ مُطْلَقًا وَكَذَا الْخِلَافُ إنْ أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَهَا لِيَقِلَّ عَنْهُ الْمَاءُ اهـ تَتَارْخَانِيَّةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَيُورَثُ الشِّرْبُ إلَخْ) لِأَنَّ الْمِلْكَ بِالْإِرْثِ يَقَعُ حُكْمًا لَا قَصْدًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الشَّيْءُ حُكْمًا وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ قَصْدًا كَالْخَمْرِ تُمْلَكُ حُكْمًا بِالْمِيرَاثِ، وَإِنْ لَمْ تُمْلَكْ قَصْدًا بِسَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ وَمَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ تَجْرِي فِيهِ الْوَصِيَّةُ، لِأَنَّهَا أُخْتُهُ وَفِي الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا يَرِدُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ مَقْصُودًا أَتْقَانِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَيُوصِي بِالِانْتِفَاعِ بِهِ) وَتُعْتَبَرُ الْوَصِيَّةُ مِنْ الثُّلُثِ قَالَ بَعْضُهُمْ: بِأَنْ يَسْأَلَ مِنْ الْمُقَوِّمِينَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ مُنْفَرِدًا بِكَمْ يُشْتَرَى، فَإِنْ قَالُوا بِمِائَةٍ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا فِي إتْلَافِ الْمُدَبَّرِ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُضَمُّ إلَى هَذَا الشِّرْبِ جَرِيبٌ مِنْ أَقْرَبِ أَرْضٍ إلَيْهِ فَيُنْظَرُ بِكَمْ يُشْتَرَى مَعَهُ، وَبِدُونِهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ: أَيْ فَيَكُونُ فَضْلُ مَا بَيْنَهُمَا قِيمَتُهُ (قَوْلُهُ أَمَّا الْإِيصَاءُ بِبَيْعِهِ فَبَاطِلٌ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ وَلَا يُوصِي بِذَلِكَ ط وَفِيهِ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ أَوْصَى بِثُلُثِ شِرْبِهِ بِغَيْرِ أَرْضِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْحَجِّ أَوْ الرِّقَابِ كَانَتْ وَصِيَّةً بِبَيْعِهِ، إذْ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِثَمَنِهِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَلَا يُبَاعُ الشِّرْبُ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ شِرْبُ يَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ وَيَفْسُدُ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ، لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَإِلَّا بَطَلَ وَجَازَ مَعَ الْأَرْضِ فِي الصَّحِيحِ دُرُّ مُلْتَقًى: أَيْ تَبَعًا لَهَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 445 وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا سَيَجِيءُ (وَلَا يُوصَى بِذَلِكَ) أَيْ بِبَيْعِهِ وَأَخَوَيْهِ (وَلَا يَصْلُحُ) الْمَاءُ (بَدَلَ خُلْعٍ وَصُلْحٍ عَنْ دَمٍ عَمَّهُ وَمَهْرِ نِكَاحٍ وَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الْعُقُودُ) لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ لِأَنَّ الشِّرْبَ لَا يُمْلَكُ بِسَبَبٍ مَا حَتَّى لَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يُبَعْ الشِّرْبُ بِلَا أَرْضٍ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْضٌ قِيلَ يُجْمَعُ الْمَاءُ فِي كُلِّ نَوْبَةٍ فِي حَوْضٍ فَيُبَاعُ الْمَاءُ إلَى أَنْ يَنْقَضِيَ دَيْنُهُ وَقِيلَ يَنْظُرُ الْإِمَامُ لِأَرْضٍ لَا شِرْبَ لَهَا فَيَضُمُّهُ إلَيْهَا فَيَبِيعُهَا بِرِضَا رَبِّهَا فَيَنْظُرُ لِقِيمَةِ الْأَرْضِ بِلَا شِرْبٍ وَلِقِيمَتِهَا مَعَهُ فَيَصْرِفُ تَفَاوُتَ مَا بَيْنَهُمَا لِدَيْنِ الْمَيِّتِ وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (وَلَا يَضْمَنُ مَنْ مَلَأَ أَرْضَهُ مَاءً فَنَزَّتْ أَرْضُ جَارِهِ أَوْ غَرِقَتْ) لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ غَيْرُ مُتَعَدٍّ وَهَذَا إذَا سَقَاهَا سَقْيًا مُعْتَادًا تَتَحَمَّلُهُ أَرْضُهُ عَادَةً وَإِلَّا فَيَضْمَنُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَهَذَا إذَا سَقَى فِي نَوْبَتِهِ مِقْدَارَ حَقِّهِ وَأَمَّا إذَا سَقَى فِي غَيْرِ نَوْبَتِهِ أَوْ زَادَ عَلَى حَقِّهِ يَضْمَنُ عَلَى مَا قَالَ إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ قُهُسْتَانِيٌّ (وَلَا يَضْمَنُ مَنْ سَقَى أَرْضَهُ) أَوْ زَرْعَهُ (مِنْ شِرْبِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ) فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ وَابْنِ الْكَمَالِ عَنْ الْخُلَاصَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَلَوْ تَصَدَّقَ   [رد المحتار] بِعْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ وَبِعْتُك شِرْبَهَا قِيلَ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الشِّرْبِ، لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْبَيْعِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَذْكُرْ لَهُ ثَمَنًا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ التَّبَعِيَّةِ، حَتَّى لَوْ ذَكَرَ لَمْ يَجُزْ وِفَاقًا لِأَنَّهُ صَارَ أَصْلًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا مَعَ شِرْبِ أَرْضٍ أُخْرَى عَنْ ابْنِ سَلَّامٍ يَجُوزُ، وَلَوْ أَجَّرَ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الشِّرْبَ فِي الْبَيْعِ أَصْلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَقُومُ بِنَفْسِهِ وَتَبَعٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لِعَيْنِهِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَبَعٌ لَا يُبَاعُ مِنْ غَيْرِ أَرْضٍ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَصْلٌ يَجُوزُ مَعَ أَيِّ أَرْضٍ كَانَتْ وَفِي الْإِجَارَةِ تَبَعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ مُلَخَّصًا. وُلِلشُّرُنْبُلَالِيِّ رِسَالَةٌ فِي الشِّرْبِ ذَكَرَ فِيهَا الصُّوَرَ الصَّحِيحَةَ وَالْفَاسِدَةَ فِي جَدْوَلٍ فَرَاجِعْهَا وَذَكَرَ فِيهَا أَيْضًا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ أَيْضًا كَالْإِجَارَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) الَّذِي سَيَجِيءُ قَرِيبًا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ، لَكِنَّ عَدَمَ ضَمَانِهِ بِالْإِتْلَافِ مُفَرَّعٌ عَلَى كَوْنِهِ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ فَيَكُونُ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَأَخَوَيْهِ) أَيْ الْهِبَةِ وَالتَّصَدُّقِ (قَوْلُهُ وَلَا يَصْلُحُ الْمَاءُ) أَيْ مَاءُ الشِّرْبِ الْغَيْرِ الْمُحْرَزِ (قَوْلُهُ بَدَلَ خُلْعٍ) فَلَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الشِّرْبِ شَيْءٌ وَعَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ الْمَهْرَ الَّذِي أَخَذَتْهُ، لِأَنَّهَا غَرَّتْهُ بِالتَّسْمِيَةِ، كَمَا لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى مَا فِي بَيْتِهَا مِنْ مَتَاعٍ فَإِذَا لَيْسَ فِي بَيْتِهَا شَيْءٌ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَصَلَحَ إلَخْ) وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ لِوُجُودِ الْقَبُولِ، وَعَلَى الْقَاتِلِ رَدُّ الدِّيَةِ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَمْ يَرْضَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ مَجَّانًا أَتْقَانِيٌّ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ قِصَاصٍ فَالْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمَهْرُ نِكَاحٍ) وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ أَتْقَانِيٌّ زَادَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَلَا يُقْرَضُ وَلَا يُرْهَنُ وَلَا يُعَارُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ) يَعْنِي أَنَّ الْعَقْدَ بِبَدَلٍ هُوَ غَيْرُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ بِمَعْنَى الشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَهَذِهِ الْعُقُودُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشِّرْبَ إلَخْ) عِلَّةٌ أُخْرَى أَوْ بَيَانٌ لِكَوْنِهِ بِمَعْنَى الشَّرْطِ الْفَاسِدِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إلَخْ) صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ اشْتَرَى عَلَى تَرِكَةِ الْمَيِّتِ أَرْضًا بِغَيْرِ شِرْبٍ ثُمَّ ضَمَّ الشِّرْبَ إلَيْهَا وَبَاعَهَا فَيُصْرَفُ مِنْ الثَّمَنِ إلَى ثَمَنِ الْأَرْضِ، وَيُصْرَفُ الْفَاضِلُ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ غَيْرُ مُتَعَدٍّ) فَهُوَ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي أَرْضِهِ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ) كَمَا لَوْ أَوْقَدَ نَارًا فِي دَارٍ لَا يُوقَدُ مِثْلُهَا عَادَةً فَاحْتَرَقَتْ دَارُ جَارِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي أَرْضِهِ ثُقْبٌ فَغَرِقَتْ أَرْضُ جَارِهِ، فَإِنْ عَلِمَ بِهِ ضَمِنَ وَإِلَّا لَا أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا سَقَى) الْإِشَارَةُ إلَى عَدَمِ الضَّمَانِ إذَا سَقَاهَا مُعْتَادًا كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا سَقَى إلَخْ) أَيْ سَوَاءً كَانَ مُعْتَادًا أَوْ لَا كَمَا أَفَادَهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَرْجِعِ الْإِشَارَةِ قَالَ ط: وَقَدْ عَلِمْت مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمُعْتَادِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا قَالَ إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ) هَذَا يَقْتَضِي انْفِرَادَهُ مِمَّا ذُكِرَ وَأَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى الْأَوَّلِ ط وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الزَّاهِدِيُّ بِالْيَاءِ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا بِدُونِ يَاءٍ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَإِنَّمَا لَا يَضْمَنُ لِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِهْلَاكَهُ لِلشُّفْعَةِ، وَمَنْ مَلَكَ اسْتِهْلَاكَ شَيْءٍ بِجِهَةٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 446 بِنُزُلِهِ فَحَسَنٌ لِبَقَاءِ الْمَاءِ الْحَرَامِ فِيهِ بِخِلَافِ الْعَلَفِ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّ الدَّابَّةَ إذَا سَمُنَتْ بِهِ انْعَدَمَ وَصَارَ شَيْئًا آخَرَ قُهُسْتَانِيٌّ (فَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ) لَا ضَمَانَ وَ (أَدَّبَهُ الْإِمَامُ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ إنْ رَأَى) الْإِمَامُ (ذَلِكَ) خَانِيَّةٌ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ قَالَ وَجَوَّزَ بَعْضُ مَشَايِخِ بَلْخٍ بَيْعَ الشُّرْبِ لِتَعَامُلِ أَهْلِ بَلْخٍ وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ لِلتَّعَامُلِ، وَنُوقِضَ بِأَنَّهُ تَعَامُلُ أَهْلِ بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَفْتَى النَّاصِحِيُّ بِضَمَانِهِ ذَكَرَهُ فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى قَالَ: وَيَنْفُذُ الْحَكَمُ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ فَلْيُحْفَظْ قُلْت: وَفِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّهُ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ فَلَوْ سَقَى أَرْضَ نَفْسِهِ بِمَاءِ غَيْرِهِ ضَمِنَهُ وَبِهِ جَزَمَ فِي النُّقَايَةِ هُنَا فَافْهَمْ. قُلْت: وَقَدْ مَرَّ مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى فَتَنَبَّهْ وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: وَسَاقٍ بِشِرْبِ الْغَيْرِ لَيْسَ بِضَامِنٍ ... وَضَمَّنَهُ بَعْضٌ وَمَا مَرَّ أَظْهَرُ وَمَا جَوَّزُوا أَخْذَ التُّرَابِ الَّذِي عَلَى ... جَوَانِبِ نَهْرٍ دُونَ إذْنٍ يُقَرَّرُ   [رد المحتار] فَاسْتَهْلَكَهُ بِجِهَةٍ أُخْرَى لَا يَضْمَنُ كَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَاسْتَهْلَكَ الْعَلَفَ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِهْلَاكَهُ بِعَلَفِ دَابَّتِهِ، الثَّانِي أَنَّ الْمَاءَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِالْأَوَانِي لَا يُمْلَكُ فَقَدْ أَتْلَفَ مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لِغَيْرِهِ اهـ (قَوْلُهُ بِنُزُلِهِ) أَيْ بِضَمَّتَيْنِ أَيْ رِيعِهِ وَنَمَائِهِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ فَحَسَنٌ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ وَإِنَّمَا هُوَ لِلتَّنَزُّهِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّ الْمَاءَ وَقَعَ فِي كَرْمِ زَاهِدٍ فِي غَيْرِ نَوْبَتِهِ أَمَرَ بِقَطْعِهِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ ضَرَحَ مِنْهُ التُّرَابَ الْمَبْلُولَ وَقَالَ الْفَقِيهُ: لَا آمُرُ بِهِ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِنُزُلِهِ لَكَانَ حَسَنًا وَهَذَا أَفْضَلُ (قَوْلُهُ لِبَقَاءِ الْمَاءِ الْحَرَامِ فِيهِ) هَذَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا عَلَى مُقَابِلِ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ أَنَّهُ يُمْلَكُ فَيَضْمَنُهُ لِمَالِكِهِ أَيْ إنْ عَلِمَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ إذَا سَمُنَ) الْأَوْلَى سَمُنَتْ (قَوْلُهُ انْعَدَمَ وَصَارَ شَيْئًا آخَرَ) أَيْ دَمًا أَوْ فَرْثًا أَوْ لَحْمًا وَنَحْوَهُ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ التَّصَدُّقُ بِهَا ط (قَوْلُهُ فَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ) بِأَنْ فَعَلَهُ مَرَّةً أُخْرَى قَالَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَإِنْ فَعَلَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ إلَخْ ط (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ) أَيْ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ الشِّحْنَةِ حَيْثُ ذَكَرَ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الطَّرَسُوسِيَّ فَهِمَ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَارِّ، بِأَنَّ الْمَاءَ قَبْلَ إحْرَازِهِ لَا يُمْلَكُ أَنَّهُ يَكُونُ مُبَاحًا وَرَدَّهُ النَّاظِمُ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ، بَلْ يَكُونُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ وَيَكُونُ مُسْتَحَقًّا لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ، أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِلَا إذْنٍ، وَإِنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ وَفِي الْعُيُونِ لَا يَفْعَلُ، وَإِنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ لِأَنَّ الْمُرَخِّصَ فِي أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ خَوْفُ الْهَلَاكِ عَلَى النَّفْسِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَوْ فَعَلَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَنَّ الطَّرَسُوسِيَّ قَالَ: إنَّ كَلَامَ الْعُيُونِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دِيَانَةً فَيَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ بِلَا إذْنٍ وَلَوْ فُعِلَ لَا ضَمَانَ فِي الْقَضَاءِ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَوَّلَ الْفَصْلِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَيَنْفُذُ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ) لِمُصَادَفَتِهِ فَصْلًا مُجْتَهِدًا فِيهِ، لَكِنَّ الْقَاضِيَ الْآنَ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ بِغَيْرِ مُعْتَمَدِ مَذْهَبِهِ (قَوْلُهُ فَافْهَمْ) لَعَلَّهُ يُشِيرُ إلَى دَفْعِ مَا أُورِدَ عَلَى الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ هُنَا لَا يَضْمَنُ يُنَاقِضُ قَوْلَهُ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ: أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ، لِأَنَّهُ حَظٌّ مِنْ الْمَاءِ وَلِهَذَا يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ، وَلَهُ حَظٌّ مِنْ الثَّمَنِ يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ: وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَابِلِ الْمُفْتَى بِهِ، وَإِنْ أَوْهَمَ الِاتِّفَاقَ عَلَى الضَّمَانِ كَمَا هُوَ شَأْنُ التَّعْلِيلِ. (قَوْلُهُ قُلْت وَقَدْ مَرَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا يُضْمَنُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَصَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ فَتَنَبَّهْ) أَيْ فَإِنَّ مَا أَفْتَى بِهِ النَّاصِحِيُّ وَمَا فِي النُّقَايَةِ وَبُيُوعِ الْهِدَايَةِ خِلَافُ الْمُفْتَى بِهِ (قَوْلُهُ وَسَاقٍ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ط (قَوْلُهُ وَمَا جَوَّزُوا إلَخْ) التُّرَابُ الْمُسْتَخْرَجُ بِالْحَفْرِ، وَيُوضَعُ عَلَى حَافَّتَيْ النَّهْرِ قِيلَ لِمَنْ وُضِعَ بِجَانِبِهِ أَخْذُهُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالنَّهْرِ، وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ أَهْلِ النَّهْرِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي النَّظْمِ وَقِيلَ: يُبَاحُ لِكُلِّ مَنْ أَخَذَهُ إنْ لَمْ يَضُرَّ، لِأَنَّ الْحَافِرَ لَمْ يَقْصِدْ تَمَلُّكَهُ فَهُوَ كَمَنْ احْتَشَّ حَشِيشَ النَّهْرِ، لِيَجْرِيَ الْمَاءُ فَلِكُلِّ أَحَدٍ أَخْذُهُ وَصَوَّبَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَفِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ حَسَنٌ جِدًّا (قَوْلُهُ دُونَ إذْنٍ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 447 وَلَوْ حَفَرُوا نَهْرًا وَأَلْقَوْا تُرَابَهُ ... فَلَوْ فِي حَرِيمٍ لَيْسَ بِالنَّقْلِ يُؤْمَرُ كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ هِيَ جَمْعُ شَرَابٍ (وَالشَّرَابُ) لُغَةً: كُلُّ مَائِعٍ يُشْرَبُ وَاصْطِلَاحًا (مَا يُسْكِرُ وَالْمُحَرَّمُ مِنْهَا أَرْبَعَةُ) أَنْوَاعٍ. (الْأَوَّلُ: الْخَمْرُ وَهِيَ النِّيءُ) بِكَسْرِ النُّونِ فَتَشْدِيدِ الْيَاءِ (مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ) أَيْ رَمَى (بِالزَّبَدِ) أَيْ الرَّغْوَةِ وَلَمْ يَشْتَرِطَا قَذْفَهُ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْمَوَاهِبِ وَيَأْتِي مَا يُفِيدُهُ وَقَدْ تُطْلَقُ الْخَمْرُ عَلَى غَيْرِ مَا ذُكِرَ مَجَازًا. ثُمَّ شَرَعَ فِي أَحْكَامِهَا الْعَشَرَةِ فَقَالَ (وَحُرِّمَ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا) بِالْإِجْمَاعِ   [رد المحتار] النَّاظِمَ جَرَى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ، فَاشْتِرَاطُ الْإِذْنِ لَا بُدَّ مِنْهُ بِنَاءً عَلَيْهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَفَرُوا نَهْرًا إلَخْ) الشَّطْرُ الثَّانِي لَهُ غَيَّرَ بِهِ نَظْمَ الْأَصْلِ لِتَضَمُّنِهِ مَسْأَلَتَيْنِ: الْأُولَى: نَهْرٌ لِقَوْمٍ يَجْرِي فِي أَرْضٍ حَفَرُوهُ وَأَلْقَوْا تُرَابَهُ فَإِنْ أَلْقَوْهُ فِي غَيْرِ حَرِيمِ النَّهْرِ فَلَهُمْ أَخْذُهُ بِنَقْلِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَالثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ يَجْرِي فِي سِكَّةٍ فَكَذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ] ِ ذَكَرَهُ بَعْدَ الشِّرْبِ لِأَنَّهُمَا شُعْبَتَا عِرْقٍ وَاحِدٍ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَقَدَّمَ الشِّرْبَ لِمُنَاسَبَتِهِ لِإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ، وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ وَالْمِنَحِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَأُصُولُ الْأَشْرِبَةِ الثِّمَارُ كَالْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْحُبُوبَاتُ كَالْبُرِّ وَالذُّرَةِ وَالدَّخَنُ وَالْحَلَاوَاتُ كَالسُّكْرِ وَالْفَانِيذِ وَالْعَسَلِ وَالْأَلْبَانُ كَلَبَنِ الْإِبِلِ وَالرِّمَاكُ وَالْمُتَّخَذُ مِنْ الْعِنَبِ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ أَوْ سِتَّةٌ وَمِنْ الثَّمَرِ ثَلَاثَةٌ وَمِنْ الزَّبِيبِ اثْنَانِ وَمِنْ كُلِّ الْبَوَاقِي وَاحِدٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى نَوْعَيْنِ نِيءٌ وَمَطْبُوخٌ اهـ (قَوْلُهُ كُلُّ مَائِعٍ يُشْرَبُ) أَيْ هُوَ اسْمٌ مِنْ الشُّرْبِ أَيْ مَا يُشْرَبُ مَاءً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ حَلَالًا أَوْ غَيْرَهُ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهِيَ) أَنَّثَ الضَّمِيرَ، لِأَنَّ الْخَمْرَ مُؤَنَّثَةٌ سَمَاعًا قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَقَدْ تُذَكَّرُ أَيْ نَظَرًا لِلَّفْظِ (قَوْلُهُ بِكَسْرٍ فَتَشْدِيدٍ) هَذَا خِلَافُ الْأَصْلِ فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْقَامُوسِ فِي بَابِ الْهَمْزَةِ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ النِّيءُ بِكَسْرِ النُّونِ، وَسُكُونِ الْيَاءِ وَالْهَمْزَةِ، وَفِي الْمُغْرِبِ وَيَجُوزُ التَّشْدِيدُ عَلَى الْقَلْبِ وَالْإِدْغَامِ أَيْ غَيْرُ النَّضِيجِ، وَمِثْلُهُ فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ وَفِي الْعَزْمِيَّةِ الْإِبْدَالُ وَالْإِدْغَامُ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَقَالَ الْمَقْدِسِيَّ إنَّهُ عَامِّيٌّ (قَوْلُهُ إذَا غَلَى) أَيْ ارْتَفَعَ أَسْفَلُهُ إذْ أَصْلُهُ الِارْتِفَاعُ كَمَا فِي الْمَقَايِيسِ وَقَوْلُهُ: اشْتَدَّ أَيْ قَوِيَ بِحَيْثُ يَصِيرُ مُسْكِرًا قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ أَيْ رَمَى بِالزَّبَدِ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الزَّبَدِ فَيَصْفُوا وَيَرُوقُ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ) وَاعْتَمَدَهُ الْمَحْبُوبِيُّ وَالنَّسَفِيُّ وَغَيْرُهُمَا تَصْحِيحُ قَاسِمٍ، وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَأَنَا آخُذُ بِقَوْلِهِمَا دَفْعًا لِتَجَاسُرِ الْعَوَامّ، لِأَنَّهُمْ إذَا عَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ يَحِلُّ قَبْلَ قَذْفِ الزَّبَدِ يَقَعُونَ فِي الْفَسَادِ اهـ وَفِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا وَقِيلَ يُؤْخَذُ فِي حُرْمَةِ الشُّرْبِ بِمُجَرَّدِ الِاشْتِدَادِ وَفِي الْحَدِّ بِقَذْفِ الزَّبَدِ احْتِيَاطًا (قَوْلُهُ وَيَأْتِي مَا يُفِيدُهُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَالْكُلُّ حَرَامٌ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ اهـ ح (قَوْلُهُ وَقَدْ تُطْلَقُ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: هَذَا الِاسْمُ خُصَّ بِالشُّرْبِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَا نَقُولُ إنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ لِاشْتِقَاقِهِ مِنْ مُخَامَرَةِ الْعَقْلِ فَإِنَّ اللُّغَةَ لَا يَجْرِي فِيهَا الْقِيَاسُ، فَلَا يُسَمَّى الدَّنُّ قَارُورَةً لِقَرَارِ الْمَاءِ فِيهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» وَقَوْلُهُ «إنَّ مِنْ الْحِنْطَةِ خَمْرًا وَإِنْ مِنْ الشَّعِيرِ خَمْرًا وَمِنْ الزَّبِيبِ خَمْرًا وَمِنْ الْعَسَلِ خَمْرًا» فَجَوَابُهُ: أَنَّ الْخَمْرَ حَقِيقَةً تُطْلَقُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَغَيْرِهِ كُلُّ وَاحِدٍ لَهُ اسْمٌ مِثْلُ الْمُثَلَّثِ وَالْبَاذِقِ وَالْمُنَصَّفِ وَنَحْوِهَا وَإِطْلَاقُ الْخَمْرِ عَلَيْهَا مَجَازًا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ اهـ مُلَخَّصًا أَوْ هُوَ لِبَيَانِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعْث لَهُ لَا لِبَيَانِ الْحَقَائِقِ (قَوْلُهُ وَحَرُمَ قَلِيلُهَا) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 448 (لِعَيْنِهَا) أَيْ لِذَاتِهَا وَفِي قَوْله تَعَالَى: - {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: 90]- الْآيَةَ عَشْرُ دَلَائِلَ عَلَى حُرْمَتِهَا مَبْسُوطَةٌ فِي الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ (وَهِيَ نَجِسَةٌ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً كَالْبَوْلِ وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا وَسَقَطَ تَقَوُّمُهَا) فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ (لَا مَالِيَّتُهَا) فِي الْأَصَحِّ (وَحَرُمَ الِانْتِفَاعُ بِهَا) وَلَوْ لِسَقْيِ دَوَابَّ أَوْ لِطِينٍ أَوْ نَظَرٍ لِلتَّلَهِّي، أَوْ دَوَاءٍ أَوْ دُهْنٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا لِتَخْلِيلٍ أَوْ لِخَوْفِ عَطَشٍ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ فَلَوْ زَادَ فَسَكِرَ حُدَّ مُجْتَبَى (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا» (وَيُحَدُّ شَارِبُهَا وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ مِنْهَا وَ) يُحَدُّ (شَارِبُ غَيْرِهَا إنْ سَكِرَ   [رد المحتار] أَيْ شُرْبُ قَلِيلِهَا لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ الْآتِي مِنْ حُرْمَةِ الِانْتِفَاعِ وَالتَّدَاوِي اهـ ح وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا قَالَهُ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ إنَّ الْحَرَامَ هُوَ الْكَثِيرُ الْمُسْكِرُ لَا الْقَلِيلُ قُهُسْتَانِيٌّ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهَذَا كُفْرٌ لِأَنَّهُ جُحُودُ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ سَمَّاهُ رِجْسًا وَالرِّجْسُ مَا هُوَ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ مُتَوَاتِرَةً «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَرَّمَ الْخَمْرَ» وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الْأَمَةِ، وَلِأَنَّ قَلِيلَهُ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّ الْخَمْرِ (قَوْلُهُ لِعَيْنِهَا إلَخْ) أَيْ لَا لِعِلَّةِ الْإِسْكَارِ فَتَحْرُمُ الْقَطْرَةُ مِنْهَا وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ وَإِنَّمَا أُعِيدَ لِتَأْكِيدِ الرَّدِّ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ الْبَاطِلِ (قَوْلُهُ عَشْرُ دَلَائِلَ) هِيَ نَظْمُهَا فِي سِلْكِ الْمَيْسِرِ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَتَسْمِيَتُهَا رِجْسًا وَعَدُّهَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، وَالْأَمْرُ بِالِاجْتِنَابِ، وَتَعْلِيقُ الْفَلَاحِ بِاجْتِنَابِهَا وَإِرَادَةُ الشَّيْطَانِ إيقَاعَ الْعَدَاوَةِ بِهَا، وَإِيقَاعُ الْبَغْضَاءِ وَالصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَنْ الصَّلَاةِ وَالنَّهْيُ الْبَلِيغُ بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْمُؤْذِنِ بِالتَّهْدِيدِ اهـ ح (قَوْلُهُ وَهِيَ نَجِسَةٌ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا رِجْسًا فَكَانَتْ كَالْبَوْلِ وَالدَّمِ الْمَسْفُوحِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا) لِإِنْكَارِهِ الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَسَقَطَ تَقَوُّمُهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ) حَتَّى لَا يَضْمَنَهَا مُتْلِفُهَا وَغَاصِبُهَا، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا نَجَّسَهَا فَقَدْ أَهَانَهَا، وَالتَّقَوُّمُ يُشْعِرُ بِعِزَّتِهَا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا وَأَكْلَ ثَمَنِهَا» هِدَايَةٌ. وَعَدَمُ ضَمَانِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ إتْلَافِهَا. وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهَا فَقِيلَ: يُبَاحُ وَقِيلَ: لَا يُبَاحُ إلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ بِأَنْ كَانَتْ عِنْدَ شِرِّيبٍ خِيفَ عَلَيْهِ الشُّرْبُ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ عِنْدَ صَالِحٍ فَلَا يُبَاحُ لِأَنَّهُ يُخَلِّلُهَا عِنَايَةٌ وَفِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ مَجْدِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الصَّحِيحَ الثَّانِي. قَالَ أَبُو السُّعُودِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي سُقُوطِ مَالِيَّتِهَا فَمَنْ قَالَ إنَّهَا مَالٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ لَا يُبَاحُ إتْلَافُهَا إلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ اهـ وَهُوَ حَسَنٌ (قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ) أَمَّا الذِّمِّيُّ فَهِيَ مُتَقَوِّمَةٌ فِي حَقِّهِ كَالْخِنْزِيرِ حَتَّى صَحَّ بَيْعُهُ لَهُمَا، وَلَوْ أَتْلَفَهُمَا لَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ أَوْ مَأْمُورِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا لَهُ كَمَا مَرَّ فِي آخِرِ الْغَصْبِ (قَوْلُهُ لَا مَالِيَّتِهَا فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْمَالَ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ وَيَجْرِي فِيهِ الْبَذْلُ وَالْمَنْعُ، فَتَكُونُ مَالًا لَكِنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ لِمَا قُلْنَا أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ لِسَقْيِ دَوَابَّ) قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَوْ قَادَ الدَّابَّةَ إلَى الْخَمْرِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَوْ نَقَلَ إلَى الدَّابَّةِ يُكْرَهُ وَكَذَا قَالُوا فِيمَنْ أَرَادَ تَخْلِيلَ الْخَمْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْمِلَ الْخَلَّ إلَى الْخَمْرِ وَلَوْ عَكَسَ يُكْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ أَوْ لِطِينٍ) أَيْ لِبَلِّ طِينٍ (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) كَامْتِشَاطِ الْمَرْأَةِ بِهَا لِيَزِيدَ بَرِيقُ شَعْرِهَا أَوْ الِاكْتِحَالِ بِهَا أَوْ جَعْلِهَا فِي سَعُوطٍ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَمِنْهُ مَا يَأْتِي مِنْ الِاحْتِقَانِ بِهَا أَوْ إقْطَارِهَا فِي إحْلِيلٍ قَالَ الأتقاني: لِأَنَّ ذَلِكَ انْتِفَاعٌ بِالْخَمْرِ وَأَنَّهُ حَرَامٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِعَدَمِ الشُّرْبِ (قَوْلُهُ أَوْ لِخَوْفِ عَطَشٍ) الْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى مِنْ أَيْ خَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ عَطَشٍ بِأَنْ خَافَ هَلَاكَهُ مِنْهُ، وَلَا يَجِدُ مَا يُزِيلُهُ بِهِ إلَّا الْخَمْرَ (قَوْلُهُ فَلَوْ زَادَ فَسَكِرَ حُدَّ) وَكَذَا لَوْ رَوِيَ ثُمَّ شَرِبَ حُدَّ مُجْتَبَى، فَأَفَادَ أَنَّ السُّكْرَ غَيْرُ قَيْدٍ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الضَّرُورَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ فَإِنْ شَرِبَ مِقْدَارَ مَا يَرْوِيهِ وَزِيَادَةً وَلَمْ يُسْكِرْهُ قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ الْحَدُّ كَمَا لَوْ شَرِبَ هَذَا الْقَدْرَ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ وَلَمْ يَسْكَرْ (قَوْلُهُ وَيُحَدُّ شَارِبُهَا إلَخْ) فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ خَلَطَهَا بِالْمَاءِ إنْ الْمَاءُ أَقَلَّ أَوْ مُسَاوِيًا حُدَّ، وَإِنْ أَغْلَبَ فَلَا إلَّا إذَا سَكِرَ اهـ وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْقُدُورِيِّ إذَا غَلَبَ الْمَاءُ عَلَيْهَا حَتَّى زَالَ طَعْمُهَا وَرِيحُهَا فَلَا حَدَّ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 449 وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الطَّبْخُ) إلَّا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ فِيهِ مَا لَمْ يَسْكَرْ مِنْهُ لِاخْتِصَاصِ الْحَدِّ بِالنِّيءِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَاسْتَظْهَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَضَعَّفَ مَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْمُجْتَبَى ثُمَّ نَقَلَ عَنْ ابْنِ وَهْبَانَ أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ مُخَالِفًا لِلْقَوَاعِدِ مَا لَمْ يَعْضُدْهُ نَقْلٌ مِنْ غَيْرِهِ اهـ وَفِيهِ كَلَامٌ لِابْنِ الشِّحْنَةِ (وَلَا يَجُوزُ بِهَا التَّدَاوِي) عَلَى الْمُعْتَمَدِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ.   [رد المحتار] ثَرَدَ فِيهَا خُبْزًا وَأَكَلَهُ إنْ وَجَدَ الطَّعْمَ وَاللَّوْنَ حُدَّ وَمَا لَا لَوْنَ لَهَا يُحَدُّ إنْ وَجَدَ الطَّعْمَ (قَوْلُهُ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الطَّبْخُ) أَيْ فِي زَوَالِ الْحُرْمَةِ بِقَرِينَةِ الِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ) نَقَلَهُ فِي الْعِنَايَةِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ لَكِنْ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: يُحَدُّ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا بِالنَّصِّ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ التَّتِمَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ حُكْمُ الْعِرْقِ الْمُسْتَقْطَرِ مِنْ فَضَلَاتِ الْخَمْرِ، فَيَنْبَغِي جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي الْحَدِّ مِنْ شُرْبِ قَلِيلِهِ كَمَا بَحَثَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ، أَمَّا نَجَاسَتُهُ فَغَلِيظَةٌ كَأَصْلِهِ لَكِنْ لَيْسَ كَحُرْمَةِ الْخَمْرِ لِعَدَمِ إكْفَارِ مُسْتَحِلِّهِ لِلْخِلَافِ فِيهِ، وَقَوْلُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بَحْثًا لَا حَدَّ بِهِ بِلَا سُكْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْقُهُسْتَانِيِّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَاسْتَظْهَرَهُ الْمُصَنِّفُ) حَيْثُ قَالَ: وَالطَّبْخُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا لِأَنَّهُ لِلْمَنْعِ مِنْ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ لَا لِرَفْعِهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ فِيهِ مَا لَمْ يَسْكَرْ مِنْهُ عَلَى مَا قَالُوا لِأَنَّ الْحَدَّ فِي النِّيءِ خَاصَّةً لِمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْمَطْبُوخِ ذَكَرَهُ فِي تَبْيِينِ الْكَنْزِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ وَبِهِ يَظْهَرُ لَك ضَعْفُ مَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ قَوْلِهِ: خَمْرٌ طُبِخَتْ وَزَالَتْ مَرَارَتُهَا حَلَّتْ، وَضَعْفُ مَا فِي الْمُجْتَبَى عَنْ شَرْحِ السَّرَخْسِيِّ لَوْ صَبَّ فِيهَا سُكَّرًا أَوْ فَانِيذًا، حَتَّى صَارَ حُلْوًا حَلَّ، وَتَحِلُّ بِزَوَالِ الْمَرَارَةِ وَعِنْدَهُمَا بِقَلِيلِ الْحُمُوضَةِ اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الطَّبْخَ لَا يَرْفَعُ الْحُرْمَةَ بَعْدَ ثُبُوتِهَا لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ لَا إشَارَةً إلَى عَدَمِ الْحَدِّ، لِأَنَّ لَفْظَهُ قَالُوا تُذْكَرُ فِيمَا فِيهِ خِلَافٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى مَا قَالُوا يُفِيدُ بِظَاهِرِهِ التَّبَرِّي، وَالتَّضْعِيفَ، لِأَنَّ الْمُفْتَى بِهِ خِلَافُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَيْضًا فَإِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ بِهِ ضَعْفُ مَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْمُجْتَبَى هُوَ الْأَوَّلُ الْمَذْكُورُ، بِلَا خِلَافٍ لَا الثَّانِي الْمُشَارُ إلَى ضَعْفِهِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَفِيهِ كَلَامٌ لِابْنِ الشِّحْنَةِ) أَيْ فِي التَّضْعِيفِ الْمَفْهُومِ مِنْ ضَعْفِ وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: مُرَادُ صَاحِبِ الْقُنْيَةِ أَنَّهَا تَحِلُّ إذَا زَالَتْ عَنْهَا أَوْصَافُ الْخَمْرِيَّةِ: وَهِيَ الْمَرَارَةُ وَالْإِسْكَارُ لِتَحَقُّقِ انْقِلَابِ الْعَيْنِ، كَمَا لَوْ انْقَلَبَتْ خَلًّا وَمُرَادُ الْمَبْسُوطِ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ بِالطَّبْخِ، حَيْثُ كَانَتْ عَلَى أَوْصَافِ الْخَمْرِيَّةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ مِنْ الِانْقِلَابِ وَالِاسْتِحَالَةِ، وَكَوْنُ النَّارِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي إثْبَاتِ الْحِلِّ لَا يُنَافِي أَنَّ الْمُؤَثِّرَ هُوَ الِانْقِلَابُ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلنَّارِيَّةِ اهـ. أَقُولُ: وَلَمْ يُعَوِّلْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ، وَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، لِأَنَّ الْخَمْرَ حُرِّمَتْ لِعَيْنِهَا، وَلَا نُسَلِّمُ انْقِلَابَ الْعَيْنِ بِهَذَا الطَّبْخِ، وَلِذَا لَوْ وَقَعَتْ قَطْرَةٌ مِنْهَا فِي الْمَاءِ الْغَيْرِ الْجَارِي، أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ نَجَّسَتْهُ، وَإِنْ اُسْتُهْلِكَتْ فِيهِ وَصَارَ مَاءً وَكَذَا لَوْ وَقَعَتْ فِي قِدْرِ الطَّعَامِ نَجَّسَتْهُ، وَإِنْ صَارَتْ طَعَامًا كَمَا لَوْ وَقَعَتْ فِيهِ قَطْرَةُ بَوْلٍ، وَأَمَّا طَهَارَتُهَا بِانْقِلَابِهَا خَلًّا فَهِيَ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الْمُجْتَهِدِ أَخْذًا مِنْ إطْلَاقِ حَدِيثِ «نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ» فَلْيُتَأَمَّلْ. وَلَعَلَّ هَذَا الْفَرْعَ مُفَرَّعٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ أَنَّ الْحَرَامَ مِنْ الْخَمْرِ هُوَ الْمُسْكِرُ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي الْقُنْيَةِ نَقَلَهُ عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ أَحَدِ مَشَايِخِ الْمُعْتَزِلَةِ، ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الشِّحْنَةِ نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ وَهْبَانَ كَمَا خَطَرَ لِي لَكِنْ بَحَثَ فِيهِ بِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلِاعْتِزَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَأَقُولُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَخْصِيصِهِمْ الْحُرْمَةَ بِالْإِسْكَارِ، وَلَعَلَّ هَذَا وَجْهُ عَدَمِ الِاعْتِمَادِ عَلَى مَا يَقُولُهُ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ حَيْثُ يَذْكُرُ مَا يُخَرِّجُهُ مَشَايِخُ عَقِيدَتِهِ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي الذَّبَائِحِ وَأَمْثَالِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ) لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 450 قُلْت: وَلَوْ بِاحْتِقَانٍ أَوْ إقْطَارٍ فِي إحْلِيلٍ نِهَايَةٌ (وَلَا يَجُوزُ تَحْلِيلُهَا وَلَوْ بِطَرْحِ شَيْءٍ فِيهَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. (وَ) الثَّانِي (الطِّلَاءُ) بِالْكَسْرِ (وَهُوَ الْعَصِيرُ يُطْبَخُ حَتَّى يَذْهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ) وَيَصِيرُ مُسْكِرًا وَصَوَّبَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ هَذَا يُسَمَّى الْبَاذَقَ، وَأَمَّا الطِّلَاءُ فَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَقِيلَ مَا طُبِخَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ) وَصَارَ مُسْكِرًا (وَهُوَ الصَّوَابُ) كَمَا جَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَغَيْرُهُ، يَعْنِي فِي التَّسْمِيَةِ لَا فِي الْحَكَمِ، لِأَنَّ حِلَّ هَذَا الْمُثَلَّثِ الْمُسَمَّى بِالطِّلَاءِ عَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ ثَابِتٌ لِشُرْبِ كِبَارِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة. قَالَ: وَسُمِّيَ بِالطِّلَاءِ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا أَشْبَهَ هَذَا الطِّلَاءَ الْبَعِيرَ وَهُوَ الْقَطِرَانُ الَّذِي يُطْلَى بِهِ الْبَعِيرُ الْجَرْبَانُ (وَنَجَاسَتُهُ) أَيْ الطِّلَاءِ عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ كَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (كَالْخَمْرِ) بِهِ يُفْتَى (وَ) الثَّالِثُ (السَّكَرُ) بِفَتْحَتَيْنِ (وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الرُّطَبِ)   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَيَجُوزُ تَخْلِيلُهَا) وَهُوَ أَوْلَى هِدَايَةٌ أَقُولُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ وَإِنْ كَانَ فِي إرَاقَتِهَا ضَيَاعُهَا، لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ وَلِذَا لَا تُضْمَنُ كَمَا مَرَّ وَذَكَرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بَحْثًا أَنَّهُ يَجِبُ لِأَنَّهَا مَالٌ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِطَرْحِ شَيْءٍ فِيهَا) كَالْمِلْحِ وَالْمَاءِ وَالسَّمَكِ وَكَذَا بِإِيقَادِ النَّارِ عِنْدَهَا وَنَقْلِهَا إلَى الشَّمْسِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الشَّمْسُ عَلَيْهَا بِلَا نَقْلٍ كَرَفْعِ سَقْفٍ لَا يَحِلُّ نَقْلُهَا، وَلَوْ خُلِطَ الْخَلُّ بِالْخَمْرِ وَصَارَ حَامِضًا يَحِلُّ، وَإِنْ غَلَبَ الْخَمْرُ وَإِذَا دَخَلَ فِيهِ بَعْضُ الْحُمُوضَةِ لَا يَصِيرُ خَلًّا عِنْدَهُ، حَتَّى يَذْهَبَ تَمَامُ الْمَرَارَةِ وَعِنْدَهُمَا يَصِيرُ خَلًّا كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ، وَلَوْ وَقَعَتْ فِي الْعَصِيرِ فَأْرَةٌ فَأُخْرِجَتْ قَبْلَ التَّفَسُّخِ، وَتُرِكَ حَتَّى صَارَ خَمْرًا ثُمَّ تَخَلَّلَتْ أَوْ خَلَّلَهَا يَحِلُّ وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ، وَلَوْ وَقَعَتْ قَطْرَةُ خَمْرٍ فِي جَرَّةِ مَاءٍ، ثُمَّ صُبَّ فِي حُبِّ خَلٍّ لَمْ يَفْسُدْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَتَمَامُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَإِذَا صَارَ الْخَمْرُ خَلًّا يَطْهُرُ مَا يُوَازِيهَا مِنْ الْإِنَاءِ، وَأَمَّا أَعْلَاهُ فَقِيلَ يَطْهُرُ تَبَعًا وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ، لِأَنَّهُ خَمْرٌ يَابِسٌ إلَّا إذَا غُسِلَ بِالْخَلِّ فَتَخَلَّلَ مِنْ سَاعَتِهِ، فَيَطْهُرُ هِدَايَةٌ وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ بِالْكَسْرِ) أَيْ وَالْمَدِّ كَكِسَاءٍ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ يُطْبَخُ) أَيْ بِالنَّارِ أَوْ الشَّمْسِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ إذَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ فَمَا دَامَ حُلْوًا يَحِلُّ شُرْبُهُ عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِذَا غَلَى وَاشْتَدَّ يَحِلُّ شُرْبُهُ عِنْدَهُمَا مَا لَمْ يُسْكِرْ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ اهـ شَرْحُ مِسْكِينٍ وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَيَصِيرُ مُسْكِرًا) بِأَنْ غَلَى وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ أَمَّا مَا دَامَ حُلْوًا فَيَحِلُّ شُرْبُهُ أَتْقَانِيٌّ، وَهَذَا الْقَيْدُ ذِكْرُهُ هُنَا غَيْرُ ضَرُورِيٍّ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ: وَالْكُلُّ حَرَامٌ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ (قَوْلُهُ يُسَمَّى الْبَاذَقَ) بِكَسْرِ الذَّالِ وَفَتْحِهَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَيُسَمَّى الْمُنَصَّفَ أَيْضًا، وَالْمُنَصَّفُ: الذَّاهِبُ النِّصْفِ، وَالْبَاذِقُ الذَّاهِبُ مَا دُونَهُ، وَالْحُكْمُ فِيهِمَا وَاحِدٌ كَمَا فِي الْغَايَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَصَارَ مُسْكِرًا) أَيْ بِأَنْ اشْتَدَّ وَزَالَتْ حَلَاوَتُهُ، وَإِذَا أَكْثَرَ مِنْهُ أَسْكَرَ (قَوْلُهُ يَعْنِي فِي التَّسْمِيَةِ لَا فِي الْحُكْمِ إلَخْ) لَمَّا كَانَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُوهِمًا أَشَدَّ الْإِيهَامِ أَتَى بِالْعِنَايَةِ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَذَكَرَ مِنْهَا الطِّلَاءَ، وَفَسَّرَهُ أَوَّلًا بِتَفْسِيرٍ ثُمَّ بِآخَرَ وَحَكَمَ بِأَنَّهُ الصَّوَابُ، فَيُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ، فَالْبَاذِقُ وَالْمُنَصَّفُ حَرَامٌ اتِّفَاقًا. وَالطِّلَاءُ: وَهُوَ مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَيُسَمَّى الْمُثَلَّثَ حَلَالٌ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا سَيَأْتِي، فَلَا يَحْرُمُ مِنْهُ عِنْدَهُمَا إلَّا الْقَدَحُ الْأَخِيرُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِسْكَارُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ، فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمُنَصَّفُ أَنَّ الَّذِي يُسَمَّى الطِّلَاءَ هُوَ الَّذِي ذَهَبَ ثُلُثَاهُ، وَأَنَّ الْأَوَّلَ حَرَامٌ وَالثَّانِيَ حَلَالٌ. وَبَحَثَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي هَذَا التَّصْوِيبِ بِأَنَّ الطِّلَاءَ يُطْلَقُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ: مِنْهَا الْبَاذَقُ وَالْمُنَصَّفُ وَالْمُثَلَّثُ وَكُلُّ مَا طُبِخَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ اهـ أَقُولُ: وَفِي الْمُغْرِبِ الطِّلَاءُ كُلُّ مَا يُطْلَى بِهِ مِنْ قَطِرَانٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَيُقَالُ لِكُلِّ مَا خَثَرَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ طِلَاءٌ عَلَى التَّشْبِيهِ حَتَّى يُسَمَّى بِهِ الْمُثَلَّثُ (قَوْلُهُ عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ) أَمَّا عَلَى الثَّانِي فَظَاهِرٌ لِحِلِّ شُرْبِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَجِسٌ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) عَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى الْكَرْمَانِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الرُّطَبِ) هَذَا أَحَدُ الْأَشْرِبَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 451 إذَا اشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ (وَ) الرَّابِعُ (نَقِيعُ الزَّبِيبِ، وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ) بِشَرْطِ أَنْ يَقْذِفَ بِالزَّبَدِ بَعْدَ الْغَلَيَانِ (وَالْكُلُّ) أَيْ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ (حَرَامٌ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ) وَإِلَّا اتِّفَاقًا، وَإِنْ قَذَفَ حَرُمَ اتِّفَاقًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فَبَقِيَّةِ الْمُتُونِ أَنَّهُ اخْتَارَ هَاهُنَا قَوْلَهُمَا قَالَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ، نَعَمْ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَتَرَكَ الْقَيْدَ هُنَا لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى السَّابِقِ اهـ فَتَنَبَّهْ؛ وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ نَجَاسَةِ السَّكَرِ وَالنَّقِيعِ؛ وَمُفَادُ كَلَامِهِ أَنَّهَا خَفِيفَةٌ وَهُوَ مُخْتَارُ السَّرَخْسِيِّ، وَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهَا غَلِيظَةٌ (وَحُرْمَتُهَا دُونَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ فَلَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا) لِأَنَّ حُرْمَتَهَا بِالِاجْتِهَادِ. (وَالْحَلَالُ مِنْهَا) أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: الْأَوَّلُ (نَبِيذُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إنْ طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةً) يَحِلُّ شُرْبُهُ   [رد المحتار] الثَّلَاثَةِ الَّتِي تُتَّخَذُ مِنْ التَّمْرِ وَالثَّانِي النَّبِيذُ مِنْهُ: وَهُوَ مَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ، وَهُوَ حَلَالٌ. وَالثَّالِثُ الْفَضِيخُ: وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الْبُسْرِ الْمُذَنَّبِ، مُشْتَقٌّ مِنْ الْفَضْخِ: بِالضَّادِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَهُوَ الْكَسْرُ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يُكْسَرُ وَيُجْعَلُ فِي حُبٍّ وَيُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْحَارُّ لِتَخْرُجَ حَلَاوَتُهُ. وَحُكْمُهُ كَالسُّكْرِ أَفَادَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنَّفُ وَالثَّالِثُ النِّيءُ مِنْ مَاءِ التَّمْرِ لَشَمِلَ السُّكْرَ وَالْفَضِيخَ، فَإِنَّ التَّمْرَ اسْمُ جِنْسٍ يَشْمَلُ الْبُسْرَ وَغَيْرَهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إذَا اشْتَدَّ إلَخْ) ذِكْرُهُ غَيْرُ لَازِمٍ نَظِيرُ مَا مَرَّ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ نَقِيعُ الزَّبِيبِ) النَّقِيعُ: اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ الْمَزِيدِ أَوْ الثُّلَاثِيِّ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: أَنْقَعَ الزَّبِيبَ فِي الْخَابِيَةِ وَنَقَعَهُ: إذَا أَلْقَاهُ فِيهَا لِيَبْتَلَّ، وَتَخْرُجُ مِنْهُ الْحَلَاوَةُ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: إنَّهُ شَرَابٌ مُتَّخَذٌ مِنْ زَبِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الصِّحَاحِ وَالْأَسَاسِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ نَقِيعُ الْبُسْرِ وَالرُّطَبِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ قُهُسْتَانِيٌّ مُلَخَّصًا، لَكِنْ أَفَادَ الأتقاني أَنَّ الرُّطَبَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النَّقْعِ فِي الْمَاءِ أَيْ لِأَنَّ النَّقِيعَ مَا يَكُونُ يَابِسًا لِيَبْتَلَّ بِالْمَاءِ، فَلِذَا أَفْرَدَ الْمُصَنِّفُ الرُّطَبَ بِالذِّكْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ إلَخْ) يُغْنِي عَنْهُ مَا بَعْدَهُ نَظِيرَ مَا مَرَّ (قَوْلُهُ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ) أَيْ ذَهَبَتْ حَلَاوَتُهُ وَصَارَ مُسْكِرًا وَإِنْ لَمْ يَقْذِفْ بِالزَّبَدِ خِلَافًا لِلْإِمَامِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) بِأَنْ بَقِيَ حُلْوًا (قَوْلُهُ وَإِنْ قَذَفَ حَرُمَ اتِّفَاقًا) أَيْ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، لَكِنْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ إلَّا إذَا سَكِرَ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ) حَيْثُ لَمْ يَقُلْ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ (قَوْلُهُ قَوْلُهُمَا) أَيْ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَذْفِ (قَوْلُهُ وَتَرَكَ الْقَيْدَ) وَهُوَ الْقَذْفُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى السَّابِقِ) أَيْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ هُنَا اعْتِمَادًا عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي تَعْرِيفِ الْخَمْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمُفَادُ كَلَامِهِ) حَيْثُ صَرَّحَ بِأَنَّ نَجَاسَةَ الْبَاذَقِ كَالْخَمْرِ وَسَكَتَ عَنْ هَذَيْنِ، وَيَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ تَرَكَهُ هُنَا اعْتِمَادًا عَلَى مَا مَرَّ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهَا غَلِيظَةٌ) فِيهِ نَظَرٌ. وَنَصُّ مَا فِي الْهِدَايَةِ: وَنَجَاسَتُهَا خَفِيفَةٌ فِي رِوَايَةٍ وَغَلِيظَةٌ فِي أُخْرَى اهـ. وَعِبَارَتُهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى أَحْسَنُ مِمَّا هُنَا، حَيْثُ قَالَ: وَمُخْتَارُ السَّرَخْسِيِّ الْخِفَّةُ فِي الْأَخِيرَيْنِ وَإِنْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ بِالْغِلْظَةِ فِي رِوَايَةٍ اهـ وَعِبَارَتُهُ فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ هَكَذَا. وَفِي بَاقِي الْأَشْرِبَةِ رِوَايَاتُ التَّغْلِيظِ وَالتَّخْفِيفِ وَالطَّهَارَةِ، رَجَّحَ فِي الْبَحْرِ الْأَوَّلَ، وَفِي النَّهْرِ الْأَوْسَطُ اهـ (قَوْلُهُ وَحُرْمَتُهَا) أَيْ الْأَشْرِبَةِ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا بِالِاجْتِهَادِ) حَتَّى قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ بِإِبَاحَةِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ مِنْهَا. وَقَالَ شَرِيكٌ بِإِبَاحَةِ الثَّانِي لِامْتِنَانِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا بِقَوْلِهِ - {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل: 67]- وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَاكَ لَمَّا كَانَتْ الْأَشْرِبَةُ كُلُّهَا مُبَاحَةً وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْخَمْرِ، فَإِنَّ أَدِلَّتَهَا قَطْعِيَّةٌ، فَلِذَا كَفَرَ مُسْتَحِلُّهَا (قَوْلُهُ نَبِيذُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ) أَيْ وَنَبِيذُ الزَّبِيبِ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَالتَّمْرُ اسْمُ جِنْسٍ كَمَا مَرَّ، فَيَتَنَاوَلُ الْيَابِسَ وَالرَّطْبَ وَالْبُسْرَ، وَيَتَّحِدُ حُكْمُ الْكُلِّ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ وَالنَّبِيذُ يُتَّخَذُ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ أَوْ الْعَسَلِ أَوْ الْبُرِّ أَوْ غَيْرِهِ، بِأَنْ يُلْقَى فِي الْمَاءِ وَيُتْرَكَ حَتَّى يُسْتَخْرَجَ مِنْهُ مُشْتَقٌّ مِنْ النَّبْذِ: وَهُوَ الْإِلْقَاءُ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الطِّلْبَةِ وَغَيْرِهِ اهـ ثُمَّ قَالَ: فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيذِ بِالطَّبْخِ وَعَدَمِهِ كَمَا فِي النَّظْمِ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَبَيْنَ النَّبِيذِ سَبْقُ قَلَمٍ، وَالصَّوَابُ وَبَيْنَ النَّقِيعِ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي بَيْنَهُ لِلنَّبِيذِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إنْ طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ) وَهُوَ أَنْ يُطْبَخَ إلَى أَنْ يَنْضَجَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ. وَقَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَطْبُوخِ مِنْ الْأَنْبِذَةِ حَرَامٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 452 (وَإِنْ اشْتَدَّ) وَهَذَا (إذَا شَرِبَ) مِنْهُ (بِلَا لَهْوٍ وَطَرَبٍ) فَلَوْ شَرِبَ لِلَّهْوِ فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ حَرَامٍ (وَمَا لَمْ يُسْكِرْ) فَلَوْ شَرِبَ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مُسْكِرٌ فَيَحْرُمُ، لِأَنَّ السُّكْرَ حَرَامٌ فِي كُلِّ شَرَابٍ. (وَ) الثَّانِي (الْخَلِيطَانِ) مِنْ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ إذَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةً، وَإِنْ اشْتَدَّ يَحِلُّ بِلَا لَهْوٍ. (وَ) الثَّالِثُ (نَبِيذُ الْعَسَلِ وَالتِّينِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ) يَحِلُّ سَوَاءً (طُبِخَ أَوْ لَا) بِلَا لَهْوٍ وَطَرَبٍ. (وَ) الرَّابِعُ (الْمُثَلَّثُ) الْعِنَبِيُّ وَإِنْ اشْتَدَّ، وَهُوَ مَا طُبِخَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ وَيَبْقَى ثُلُثُهُ   [رد المحتار] بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حُرْمَةِ الْمُتَّخَذِ مِنْ التَّمْرِ أَحَادِيثُ وَفِي حِلِّهِ أَحَادِيثُ، فَإِذَا حُمِلَ الْمُحَرِّمُ عَلَى النِّيءِ وَالْمُحَلِّلُ عَلَى الْمَطْبُوخِ فَقَدْ حَصَلَ التَّوْفِيقُ وَانْدَفَعَ التَّعَارُضُ عَيْنِيٌّ، وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ كُلُّهَا صِحَاحٌ سَاقَهَا الزَّيْلَعِيُّ، وَوَفَّقَ بِمَا ذُكِرَ فَرَاجِعْهُ. قَالَ الأتقاني: وَقَدْ أَطْنَبَ الْكَرْخِيُّ فِي رِوَايَةِ الْآثَارِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاحِ فِي تَحْلِيلِ النَّبِيذِ الشَّدِيدِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَكَابِرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَهْلِ بَدْرٍ كَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يُحِلُّونَهُ، وَكَذَا الشَّعْبِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ. وَرُوِيَ أَنَّ الْإِمَامَ قَالَ لِبَعْضِ تَلَامِذَتِهِ إنَّ مِنْ إحْدَى شَرَائِطِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنْ لَا يُحَرَّمَ نَبِيذُ الْجَرِّ اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْ أُعْطِيت الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا لَا أُفْتِي بِحُرْمَتِهَا لِأَنَّ فِيهِ تَفْسِيقَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، وَلَوْ أُعْطِيت الدُّنْيَا لِشُرْبِهَا لَا أَشْرَبُهَا لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ وَهَذَا غَايَةُ تَقْوَاهُ اهـ. وَمَنْ أَرَادَ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ وَالتَّوْفِيقَ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ فَعَلَيْهِ بِغَايَةِ الْبَيَانِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَدَّ) أَيْ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ. قَالَ فِي الزُّمَرِ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَذْفَ اكْتِفَاءً بِمَا سَبَقَ اهـ ط (قَوْلُهُ بِلَا لَهْوٍ وَطَرَبٍ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: الطَّرَبُ خِفَّةٌ تُصِيبُ الْإِنْسَانَ لِشِدَّةِ حُزْنٍ أَوْ سُرُورٍ اهـ. قَالَ فِي الدُّرَرِ. وَهَذَا التَّقْيِيدُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهَذِهِ الْأَشْرِبَةِ بَلْ إذَا شَرِبَ الْمَاءَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ بِلَهْوٍ وَطَرَبٍ عَلَى هَيْئَةِ الْفَسَقَةِ حَرَامٌ اهـ ط. قُلْت: وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ التَّقْيِيدَ بِعَدَمِ اللَّهْوِ وَالطَّرَبِ وَعَدَمِ السُّكْرِ بَعْدَ الرَّابِعِ لِيَكُونَ قَيْدًا لِلْكُلِّ (قَوْلُهُ فَلَوْ شَرِبَ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ إلَخْ) أَيْ يَحْرُمُ الْقَدْرُ الْمُسْكِرُ مِنْهُ، وَهُوَ الَّذِي يَعْلَمُ يَقِينًا أَوْ بِغَالِبِ الرَّأْيِ أَنَّهُ يُسْكِرُهُ كَالْمُتْخِمِ مِنْ الطَّعَامِ، وَهُوَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَعْقُبُهُ التُّخَمَةُ تَتَارْخَانِيَّةٌ. فَالْحَرَامُ: هُوَ الْقَدَحُ الْأَخِيرُ الَّذِي يَحْصُلُ السُّكْرُ بِشُرْبِهِ كَمَا بَسَطَهُ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا؛ وَيُحَدُّ إذَا سَكِرَ بِهِ طَائِعًا. قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي شَرِبَ تِسْعَةَ أَقْدَاحٍ مِنْ نَبِيذِ التَّمْرِ فَأَوْجَرَ الْعَاشِرَ لَمْ يُحَدَّ اهـ. وَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِيمَا سِوَى الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ لَا يُحَدُّ مَا لَمْ يَسْكَرْ، ثُمَّ قَالَ فِي تَعْرِيفِ السَّكْرَانِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ مَنْ يَخْتَلِطُ كَلَامُهُ وَيَصِيرُ غَالِبُهُ الْهَذَيَانَ وَتَمَامُهُ فِي حُدُودِ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَالثَّانِي الْخَلِيطَانِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَقَاهُ لِابْنِ زِيَادٍ، وَمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَوْ عَلَى غَيْرِ الْمَطْبُوخِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ حَمَوِيٌّ، وَبِالْأَخِيرِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ وَبَيْنَ مَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ حُرْمَةِ نَقِيعِ الزَّبِيبِ النِّيءِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ مِنْ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ) أَوْ الْبُسْرِ أَوْ الرُّطَبِ الْمُجْتَمَعَيْنِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ إذَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ) كَذَا قَيَّدَهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَالْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَالْمَفْهُومُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُلْتَقَى عَدَمُ اشْتِرَاطِ الطَّبْخِ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدِ الْمَذْكُورَاتِ مَاءُ الْعِنَبِ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ ذَهَابِ الثُّلُثَيْنِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا طُبِخَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ) أَيْ طَبْخًا مَوْصُولًا، فَلَوْ مَفْصُولًا، فَإِنْ قِيلَ تَغَيُّرُهُ بِحُدُوثِ الْمَرَارَةِ وَغَيْرِهَا حَلَّ وَإِلَّا حَرُمَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى، وَتَمَامُهُ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ دُرُّ مُنْتَقَى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 453 إذَا قَصَدَ بِهِ اسْتِمْرَاءَ الطَّعَامِ وَالتَّدَاوِي وَالتَّقَوِّي عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ لِلَّهْوِ لَا يَحِلُّ إجْمَاعًا حَقَائِقُ. (وَصَحَّ بَيْعُ غَيْرِ الْخَمْرِ) مِمَّا مَرَّ، وَمُفَادُهُ صِحَّةُ بَيْعِ الْحَشِيشَةِ وَالْأَفْيُونِ. قُلْت: وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ نُجَيْمٍ عَنْ بَيْعِ الْحَشِيشَةِ هَلْ يَجُوزُ؟ فَكَتَبَ لَا يَجُوزُ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الْحِلِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَتُضْمَنُ) هَذِهِ الْأَشْرِبَةُ (بِالْقِيمَةِ لَا بِالْمِثْلِ) لِمَنْعِنَا عَنْ تَمَلُّكِ عَيْنِهِ وَإِنْ جَازَ فِعْلُهُ، بِخِلَافِ الصَّلِيبِ حَيْثُ تُضْمَنُ قِيمَتُهُ صَلِيبًا لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ زَيْلَعِيٌّ. (وَحَرَّمَهَا مُحَمَّدٌ) أَيْ الْأَشْرِبَةَ الْمُتَّخَذَةَ مِنْ الْعَسَلِ وَالتِّينِ وَنَحْوِهِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (مُطْلَقًا) قَلِيلَهَا وَكَثِيرَهَا   [رد المحتار] وَقَيَّدَ بِالْعِنَبِ لِأَنَّ الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ يَحِلَّانِ بِأَدْنَى طَبْخَةٍ كَمَا مَرَّ، لَكِنَّ الْمَاءَ غَيْرُ قَيْدٍ، لِأَنَّهُ لَوْ طُبِخَ الْعِنَبُ كَمَا هُوَ ثُمَّ عُصِرَ فَلَا بُدَّ مِنْ ذَهَابِ ثُلُثَيْهِ بِالطَّبْخِ فِي الْأَصَحِّ. وَفِي رِوَايَةٍ يُكْتَفَى بِأَدْنَى طَبْخَةٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِيهَا وَلَوْ جَمَعَ فِي الطَّبْخِ بَيْنَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ أَوْ بَيْنَ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ لَا يَحِلُّ مَا لَمْ يَذْهَبْ ثُلُثَاهُ لِأَنَّ التَّمْرَ وَإِنْ اُكْتُفِيَ فِيهِ بِأَدْنَى طَبْخَةٍ فَعَصِيرُ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ لَا بُدَّ أَنْ يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ فَيُعْتَبَرُ جَانِبُ الْعِنَبِ احْتِيَاطًا، وَكَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَنَقِيعِ التَّمْرِ. وَفِيهَا: وَلَوْ طُبِخَ نَقِيعُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ أَدْنَى طَبْخَةٍ ثُمَّ أُنْقِعَ فِيهِ تَمْرٌ أَوْ زَبِيبٌ، إنْ كَانَ مَا أُنْقِعَ فِيهِ شَيْئًا يَسِيرًا لَا يُتَّخَذُ النَّبِيذُ مِنْ مِثْلِهِ يَحِلُّ وَإِلَّا لَا. وَفِيهَا: وَاَلَّذِي يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ بَعْدَمَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ حَتَّى يَرِقَّ ثُمَّ يُطْبَخُ حُكْمُهُ كَالْمُثَلَّثِ، بِخِلَافِ مَا إذَا صُبَّ عَلَى الْعَصِيرِ ثُمَّ يُطْبَخُ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَا الْكُلِّ، لِأَنَّ الْمَاءَ يَذْهَبُ أَوَّلًا لِلَطَافَتِهِ أَوْ يَذْهَبُ الْمَاءُ مِنْهَا فَلَا يَكُونُ الذَّاهِبُ ثُلُثَيْ مَاءِ الْعِنَبِ أَيْ فَلَا يَحِلُّ (قَوْلُهُ إذَا قَصَدَ) مُتَعَلِّقٌ بِيَحِلُّ مِقْدَارٌ، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: فَإِنْ قَصَدَ بِهِ اسْتِمْرَاءَ الطَّعَامِ، وَالتَّقَوِّي فِي اللَّيَالِي عَلَى الْقِيَامِ، أَوْ فِي الْأَيَّامِ عَلَى الصِّيَامِ، أَوْ الْقِتَالِ لِأَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ، أَوْ التَّدَاوِي لِدَفْعِ الْآلَامِ، فَهُوَ الْمَحَلُّ لِلْخِلَافِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأَنَامِ. (قَوْلُهُ وَصَحَّ بَيْعُ غَيْرِ الْخَمْرِ) أَيْ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا فِي الْبَيْعِ وَالضَّمَانِ، لَكِنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ فِي الْبَيْعِ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا فِي الضَّمَانِ إنْ قَصَدَ الْمُتْلِفُ الْحِسْبَةَ وَذَلِكَ يُعْرَفُ بِالْقَرَائِنِ، وَإِلَّا فَعَلَى قَوْلِهِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا. ثُمَّ إنَّ الْبَيْعَ وَإِنْ صَحَّ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ كَمَا فِي الْغَايَةِ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرُ ذَلِكَ قُبَيْلَ الْأَشْرِبَةِ الْمُبَاحَةِ، فَيَقُولُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا: وَصَحَّ بَيْعُهَا إلَخْ كَمَا فَعَلَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا لَا فِي الْمُبَاحَةِ أَيْضًا إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِيمَا يَظْهَرُ مِمَّا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ بِحُرْمَةِ كُلِّ الْأَشْرِبَةِ وَنَجَاسَتِهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ مِمَّا مَرَّ) أَيْ مِنْ الْأَشْرِبَةِ السَّبْعَةِ (قَوْلُهُ وَمُفَادَةُ إلَخْ) أَيْ مُفَادُ التَّقْيِيدِ بِغَيْرِ الْخَمْرِ، وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا دُونَ الْخَمْرِ وَلَيْسَا فَوْقَ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ، فَصِحَّةُ بَيْعِهَا يُفِيدُ صِحَّةَ بَيْعِهِمَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَدَمُ الْحِلِّ) أَيْ لِقِيَامِ الْمَعْصِيَةِ بِعَيْنِهَا. وَذَكَرَ ابْنُ الشِّحْنَةِ أَنَّهُ يُؤَدَّبُ بَائِعُهَا وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَتُضْمَنُ هَذِهِ الْأَشْرِبَةُ) يَعْنِي الْمُحَرَّمَةَ مِنْهَا (قَوْلُهُ عَنْ تَمَلُّكِ عَيْنِهِ) أَيْ الْمِثْلِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَمْلِيكٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ جَازَ فِعْلُهُ) قَالَ الأتقاني فِي كِتَابِ الْغَصْبِ: يَعْنِي أَنَّا قُلْنَا بِضَمَانِ السُّكْرِ وَالْمُصَنِّفُ بِالْقِيمَةِ لَا بِالْمِثْلِ، لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَمْنَعُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَوْ أَخَذَ الْمِثْلَ جَازَ لِعَدَمِ سُقُوطِ التَّقْوِيمِ وَالْمَالِيَّةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الصَّلِيبِ إلَخْ) ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ، وَهِيَ مُرْتَبِطَةٌ بِمَا قَبْلَهَا مِنْ ضَمَانِ آلَاتِ اللَّهْوِ وَصَالِحَةٌ لِغَيْرِ اللَّهْوِ. قَالَ الأتقاني فِي الْغَصْبِ: أَيْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي ضَمَانِ الطَّبْلِ وَنَحْوِهِ مِنْ أَنَّ قِيمَتَهَا تَجِبُ غَيْرُ صَالِحَةٍ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، بِخِلَافِ صَلِيبِ النَّصْرَانِيِّ حَيْثُ تَجِبُ قِيمَتُهُ صَلِيبًا لِأَنَّا أَقْرَرْنَاهُمْ عَلَى هَذَا الصَّنِيعِ فَصَارَ كَالْخَمْرِ (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُمَا) كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْعِنَبِ، فَالْمُرَادُ الْأَشْرِبَةُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي هِيَ حَلَالٌ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ إذَا غَلَتْ وَاشْتَدَّتْ وَإِلَّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 454 (وَبِهِ يُفْتَى) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ؛ وَاخْتَارَهُ شَارِحُ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ الْكُلِّ وَنَظَمَهُ فَقَالَ: وَفِي عَصْرِنَا فَاخْتِيرَ حَدٌّ وَأَوْقَعُوا ... طَلَاقًا لِمَنْ مِنْ مُسْكِرِ الْحَبِّ يَسْكَرُ وَعَنْ كُلِّهِمْ يُرْوَى وَأَفْتَى مُحَمَّدٌ ... بِتَحْرِيمِ مَا قَدْ قَلَّ وَهُوَ الْمُحَرَّرُ قُلْت: وَفِي طَلَاقِ الْبَزَّازِيَّةِ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ، وَهُوَ نَجِسٌ أَيْضًا،   [رد المحتار] فَلَا تَحْرُمُ كَغَيْرِهَا اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتَى) أَيْ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ (قَوْلُهُ غَيْرُهُ) كَصَاحِبِ الْمُلْتَقَى وَالْمَوَاهِبِ وَالْكِفَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ وَشَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَالْعَيْنِيِّ، حَيْثُ قَالُوا الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ. وَعَلَّلَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْفُسَّاقَ يَجْتَمِعُونَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ وَيَقْصِدُونَ اللَّهْوَ وَالسُّكْرَ بِشُرْبِهَا. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا وَسَدُّ الْبَابِ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِلَّا فَالْحُرْمَةُ عِنْدَ قَصْدِ اللَّهْوِ لَيْسَتْ مَحَلَّ الْخِلَافِ بَلْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي، يَعْنِي لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ قَصْدَ اللَّهْوِ لَا التَّقَوِّي عَلَى الطَّاعَةِ مُنِعُوا مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ) أَيْ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَنَصُّهُ: وَفِي الْعِمَادِيَّةِ حُكِيَ عَنْ صَدْرِ الْإِسْلَامِ أَبِي الْيَسْرِ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهُ وَجَدَ رِوَايَةً عَنْ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ، فَإِنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يَجِبُ فِي سَائِرِ الْأَنْبِذَةِ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ حَلَالًا شُرْبُهُ فِي الِابْتِدَاءِ، لِأَنَّ مَا يَقَعُ بِهِ السُّكْرُ حَرَامٌ وَالسُّكْرُ سَبَبُ الْفَسَادِ، فَوَجَبَ الْحَدُّ لِيَنْزَجِرُوا عَنْ شُرْبِهِ فَيَرْتَفِعَ الْفَسَادُ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْأَشْرِبَةِ اهـ أَيْ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمَا حَيْثُ حَلَّلَا الْأَنْبِذَةَ وَأَوْجَبَا الْحَدَّ بِالْقَدَحِ الْمُسْكِرِ مِنْهَا لَزِمَ مِنْهُ وُجُوبُ الْحَدِّ بِالسُّكْرِ مِنْ بَاقِي الْأَشْرِبَةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ إنَّهُ مَرْوِيٌّ) يُوهِمُ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِتَحْرِيمِ الْأَشْرِبَةِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ رَاجِعٌ لِلْحَدِّ بِالسُّكْرِ مِنْهَا كَمَا عَلِمْت، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ بِمَا يَقَعُ بِهِ السُّكْرُ أَنْ يَحْرُمَ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ لِمَنْ مِنْ مُسْكِرِ الْحَبِّ يَسْكَرُ) مَنْ مَوْصُولَةٌ وَالثَّانِيَةُ بَيَانِيَّةٌ وَالْحَبُّ جِنْسٌ: أَيْ يَسْكَرُ مِنْ مُسْكِرِ الْحُبُوبِ وَحُكْمُ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ أَصْلِ الْخَمْرِ وَهُوَ الزَّبِيبُ وَالْعِنَبُ وَالتَّمْرُ كَذَلِكَ ش. (قَوْلُهُ وَفِي طَلَاقِ الْبَزَّازِيَّةِ) الْأَوْلَى حَذْفُ طَلَاقٍ، لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا أَسْكَرَ كَثِيرَةُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ وَهُوَ نَجِسٌ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ بَلْ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إلَخْ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالْأَشْرِبَةِ الْمَائِعَةِ دُونَ الْجَامِدِ كَالْبَنْجِ وَالْأَفْيُونِ، فَلَا يَحْرُمُ قَلِيلُهَا بَلْ كَثِيرُهَا الْمُسْكِرُ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ حَجَرٍ فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا لِأَنَّهُمْ عَدُّوهَا مِنْ الْأَدْوِيَةِ الْمُبَاحَةِ وَإِنْ حَرُمَ السُّكْرُ مِنْهَا بِالِاتِّفَاقِ كَمَا نَذْكُرُهُ، وَلَمْ نَرَ أَحَدًا قَالَ بِنَجَاسَتِهَا وَلَا بِنَجَاسَةِ نَحْوِ الزَّعْفَرَانِ مَعَ أَنَّ كَثِيرَهُ مُسْكِرٌ، وَلَمْ يُحَرِّمُوا أَكْلَ قَلِيلِهِ أَيْضًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِالسُّكْرِ مِنْهَا كَمَا يَأْتِي، بِخِلَافِ الْمَائِعَةِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: وَهَذِهِ الْأَشْرِبَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَمُوَافِقِيهِ كَخَمْرٍ بِلَا تَفَاوُتٍ فِي الْأَحْكَامِ، وَبِهَذَا يُفْتَى فِي زَمَانِنَا اهـ فَخُصَّ الْخِلَافُ بِالْأَشْرِبَةِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ بِلَا تَفَاوُتٍ أَنَّ نَجَاسَتَهَا غَلِيظَةٌ فَتَنَبَّهْ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْحَدُّ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِالسُّكْرِ، بِخِلَافِ الْخَمْرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْكَثِيرِ الْمُسْكِرِ حُرْمَةُ قَلِيلِهِ وَلَا نَجَاسَتُهُ مُطْلَقًا إلَّا فِي الْمَائِعَاتِ لِمَعْنًى خَاصٍّ بِهَا. أَمَّا الْجَامِدَاتُ فَلَا يَحْرُمُ مِنْهَا الْكَثِيرُ الْمُسْكِرُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَتِهِ نَجَاسَتُهُ كَالسُّمِّ الْقَاتِلِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ مَعَ أَنَّهُ طَاهِرٌ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 455 وَلَوْ سَكِرَ مِنْهَا الْمُخْتَارُ فِي زَمَانِنَا أَنَّهُ يُحَدُّ. زَادَ فِي الْمُلْتَقَى: وُقُوعُ طَلَاقٍ مِنْ سُكْرٍ مِنْهَا تَابِعٌ لِلْحُرْمَةِ، وَالْكُلُّ حَرَامٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَبِهِ يُفْتَى، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ قَصْدِ التَّقَوِّي. أَمَّا عِنْدَ قَصْدِ التَّلَهِّي فَحَرَامٌ إجْمَاعًا اهـ، وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَيْهِ. زَادَ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ: أَنَّ لَبَنَ الْإِبِلِ إذَا اشْتَدَّ لَمْ يَحِلَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لَهُمَا، وَالسُّكْرُ مِنْهُ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ، وَالْحَدُّ وَالطَّلَاقُ عَلَى الْخِلَافِ، وَكَذَا لَبَنُ الرِّمَاكِ: أَيْ الْفَرَسَةِ إذَا اشْتَدَّ لَمْ يَحِلَّ، وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ حِلَّهُ. وَفِي الْخِزَانَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَحْرِيمًا عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ عَلَى قَوْلِهِ.   [رد المحتار] هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ، وَسَنَذْكُرُ مَا يُؤَيِّدُهُ وَيُقَوِّيهِ وَيُشَيِّدُهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَكِرَ مِنْهَا إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِالْقَلِيلِ مِنْهَا الَّذِي لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِسْكَارُ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ حَرَامٌ، وَيُحَدُّ شَارِبُهُ إذَا سَكِرَ مِنْهُ، وَيَقَعُ طَلَاقُهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ اهـ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا فِيمَا مَرَّ: وَيُحَدُّ شَارِبُ غَيْرِهَا: أَيْ غَيْرِ الْخَمْرِ إنْ سَكِرَ (قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتَى) أَيْ بِتَحْرِيمِ كُلِّ الْأَشْرِبَةِ، وَكَذَا بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ. قَالَ فِي النَّهْرِ. وَفِي الْفَتْحِ: وَبِهِ يُفْتَى لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ حَرَامٌ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا حَلَالٌ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَالْخِلَافُ) أَيْ فِي إبَاحَةِ الشُّرْبِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْأَرْبَعَةِ. قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: وَسُئِلَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ عَنْهُ فَقَالَ. لَا يَحِلُّ، فَقِيلَ لَهُ: خَالَفْت أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ، فَقَالَ: إنَّهُمَا يُحِلَّانِهِ لِلِاسْتِمْرَاءِ وَالنَّاسُ فِي زَمَانِنَا يَشْرَبُونَ لِلْفُجُورِ وَالتَّلَهِّي. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ أَرَادَ السُّكْرَ فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ حَرَامٌ، وَقُعُودُهُ لِذَلِكَ حَرَامٌ، وَمَشْيُهُ إلَيْهِ حَرَامٌ اهـ. زَادَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ: وَيُحَدُّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ وَغَيْرِهَا اهـ. أَقُولُ: هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ تَقْيِيدِ الْحَدِّ بِالسُّكْرِ، وَلَعَلَّ صَوَابَهُ إنْ سَكِرَ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: وَصَحَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ قَوْلَهُمَا، وَعَلَّلَهُ فِي الْمُضْمَرَاتِ فَإِنَّ الْخَمْرَ مَوْعُودَةٌ فِي الْعُقْبَى فَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ مِنْ جِنْسِهَا فِي الدُّنْيَا أُنْمُوذَجٌ تَرْغِيبًا اهـ (قَوْلُهُ عَلَى الْخِلَافِ) أَيْ يَثْبُتَانِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ أَيْ الْفَرْسَةِ) صَرَّحَ فِي جَامِعِ اللُّغَةِ بِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فَرَسَّةٌ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ أَيْ الْإِنَاثِ مِنْ الْخَيْلِ اهـ ح (قَوْلُهُ لَمْ يَحِلَّ) أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِهِ) أَيْ قَوْلِ الْإِمَامِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا: لَبَنُ الْمَأْكُولِ حَلَالٌ، وَكَذَا لَبَنُ الرِّمَاكِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ يُكْرَهُ. قَالَ بَعْضُهُمْ تَنْزِيهًا. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: إنَّهُ مُبَاحٌ كَالْبَنْجِ. وَعَامَّتُهُمْ قَالُوا: يُكْرَهُ تَحْرِيمًا، لَكِنْ لَا يُحَدُّ وَإِنْ زَالَ عَقْلُهُ، كَمَا لَوْ زَالَ بِالْبَنْجِ يَحْرُمُ، وَلَا يُحَدُّ فِيهِ اهـ. زَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ تَنْزِيهٌ اهـ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الذَّبَائِحِ فَرَاجِعْهُ. ثُمَّ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَإِنْ زَالَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ لَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ عَلِمَ حِينَ تَنَاوُلِهِ أَنَّهُ بَنْجٌ يَقَعُ طَلَاقُهُ وَإِلَّا فَلَا. وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ مُطْلَقًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَكَذَا لَوْ شَرِبَ شَرَابًا حُلْوًا فَلَمْ يُوَافِقْهُ فَزَالَ عَقْلُهُ فَطَلَّقَ، قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَقَعُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ وَهَذَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْمَعْصِيَةَ وَإِلَّا فَيَقَعُ طَلَاقُهُ كَمَا يَأْتِي عَنْ الْبَحْرِ. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الصَّاحِبَيْنِ جَوَازُ شُرْبِهِ: أَيْ لَبَنِ الرِّمَاكِ وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ إذَا سَكِرَ مِنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَيْهِ كَمَا عَلَّلَ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ اهـ أَيْ إلَّا أَنْ يَشْرَبَهُ لِلَّهْوِ وَالْمَعْصِيَةِ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَإِلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الْمُشْتَدِّ، وَكَلَامُ الْقُهُسْتَانِيِّ فِي الْمُشْتَدِّ، وَبِهِ يُشْعِرُ كَلَامُ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ فِي تَعْلِيلِ حِلِّ لَبَنِ الرِّمَاكِ: لِأَنَّ كَرَاهِيَةَ لَحْمِهِ لِاحْتِرَامِهِ أَوْ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى قَطْعِ مَادَّةِ الْجِهَادِ فَلَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 456 (وَحَلَّ الِانْتِبَاذُ) اتِّخَاذُ النَّبِيذِ (فِي الدُّبَّاءِ) جَمْعِ دُبَّاءَةٍ وَهُوَ الْقَرْعُ (وَالْحَنْتَمِ) جَرَّةٌ خَضْرَاءُ (وَالْمُزَفَّتُ) الْمَطْلِيُّ بِالزِّفْتِ: أَيْ الْقِيرِ (وَالنَّقِيرِ) الْخَشَبَةُ الْمَنْقُورَةُ، وَمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ نُسِخَ. (وَكُرِهَ شُرْبُ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ) أَيْ عَكِرِهِ (وَالِامْتِشَاطُ) بِالدُّرْدِيِّ لِأَنَّ فِيهِ أَجْزَاءَ الْخَمْرِ، وَقَلِيلُهُ كَكَثِيرِهِ كَمَا مَرَّ (وَ) لَكِنْ (لَا يُحَدُّ شَارِبُهُ) عِنْدَنَا (بِلَا سُكْرٍ) وَبِهِ يُحَدُّ إجْمَاعًا. (وَيَحْرُمُ أَكْلُ الْبَنْجِ وَالْحَشِيشَةِ)   [رد المحتار] يَتَعَدَّى إلَى لَبَنِهِ اهـ. أَوْ يُقَالُ هَذَا فِيمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْمَعْصِيَةَ. وَكَلَامُ الْقُهُسْتَانِيِّ إذَا قَصَدَهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ ابْنِ الشِّحْنَةِ وَيَأْتِي مِثْلُهُ عَنْ الْبَحْرِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي الدُّبَّاءِ) بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ قُهُسْتَانِيٌّ: أَيْ مَعَ التَّشْدِيدِ (قَوْلُهُ جَمْعُ دُبَّاءَةٍ) بِالْمَدِّ اهـ ح (قَوْلُهُ وَالْحَنْتَمُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالتَّاءِ وَسُكُونِ النُّونِ بَيْنَهُمَا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ جَرَّةٌ خَضْرَاءُ) كَذَا فَسَّرَهُ فِي الْقَامُوسِ. وَفِي الْمُغْرِبِ: الْحَنْتَمُ الْخَزَفُ الْأَخْضَرُ أَوْ كُلُّ خَذْفٍ. وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ: هِيَ جِرَارٌ حُمْرٌ يُحْمَلُ فِيهَا الْخَمْرُ إلَى الْمَدِينَةِ، الْوَاحِدَةُ حَنْتَمَةٌ (قَوْلُهُ وَمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ نُسِخَ) أَيْ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ وَالنَّقِيرِ فَانْتَبِذُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا فِي كُلِّ ظَرْفٍ فَإِنَّ الظَّرْفَ لَا يُحِلُّ شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمُهُ، وَلَا تَشْرَبُوا الْمُسْكِرَ» وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ غُرَرِ الْأَفْكَارِ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ: إنَّمَا نَهَى عَنْ هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ عَلَى الْخُصُوصِ لِأَنَّ الْأَنْبِذَةَ تَشْتَدُّ بِهَذِهِ الظُّرُوفِ أَكْثَرَ مَا تَشْتَدُّ فِي غَيْرِهِ، يَعْنِي فَصَاحِبُهَا عَلَى خَطَرٍ مِنْ الْوُقُوعِ فِي شُرْبِ الْمُحْرِمِ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ وَكُرِهَ) عَبَّرَ فِي النُّقَايَةِ كَالزَّاهِدِيِّ بِقَوْلِهِ وَحَرُمَ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَإِنَّمَا آثَرَ الْحُرْمَةَ عَلَى الْكَرَاهَةِ الْوَاقِعَةِ فِي عِبَارَةِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتُونِ لِأَنَّهُ أَرَادَ التَّنْبِيهَ عَلَى الْمُرَادِ الدَّالِّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ أَيْ عَكَرَهُ) بِفَتْحَتَيْنِ وَيُسَكَّنُ قَامُوسٌ. وَدُرْدِيُّ الشَّيْءِ: مَا يَبْقَى أَسْفَلَهُ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالِامْتِشَاطُ) إنَّمَا خَصَّهُ لِأَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي تَحْسِينِ الشَّعْرِ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ عِنْدَنَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُحَدُّ لِأَنَّهُ شَرِبَ جُزْءًا مِنْ الْخَمْرِ. وَلَنَا أَنَّ قَلِيلَهُ لَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ لِمَا فِي الطِّبَاعِ مِنْ النَّبْوَةِ عَنْهُ فَكَانَ نَاقِصًا فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَلَا حَدَّ فِيهَا إلَّا بِالسُّكْرِ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ الثِّقَلُ فَصَارَ كَمَا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَاءُ بِالِامْتِزَاجِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ أَكْلُ الْبَنْجِ) هُوَ بِالْفَتْحِ: نَبَاتٌ يُسَمَّى فِي الْعَرَبِيَّةِ شَيْكَرَانُ، يُصَدِّعُ وَيُسْبِتُ وَيُخَلِّطُ الْعَقْلَ كَمَا فِي التَّذْكِرَةِ لِلشَّيْخِ دَاوُد. وَزَادَ فِي الْقَامُوسِ: وَأَخْبَثُهُ الْأَحْمَرُ ثُمَّ الْأَسْوَدُ وَأَسْلَمُهُ الْأَبْيَضُ، وَفِيهِ: السَّبْتُ يَوْمُ الْأُسْبُوعِ، وَالرَّجُلُ الْكَثِيرُ النَّوْمِ، وَالْمُسْبِتُ: الَّذِي لَا يَتَحَرَّكُ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: هُوَ أَحَدُ نَوْعَيْ شَجَرِ الْقَنْبِ، حَرَامٌ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْعَقْلَ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، بِخِلَافِ نَوْعٍ آخَرَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ كَالْأَفْيُونِ لِأَنَّهُ وَإِنْ اخْتَلَّ الْعَقْلُ بِهِ لَا يَزُولُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ إبَاحَةِ الْبَنْجِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ اهـ. أَقُولُ: هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّ مَا يُخِلُّ الْعَقْلَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا بِلَا شُبْهَةٍ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهُ مُبَاحٌ: بَلْ الصَّوَابُ أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ إبَاحَةُ قَلِيلِهِ لِلتَّدَاوِي وَنَحْوِهِ وَمَنْ صَرَّحَ بِحُرْمَتِهِ أَرَادَ بِهِ الْقَدْرَ الْمُسْكِرَ مِنْهُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: أَكْلُ قَلِيلِ السَّقَمُونْيَا وَالْبَنْجِ مُبَاحٌ لِلتَّدَاوِي، مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إذَا كَانَ يَقْتُلُ أَوْ يُذْهِبُ الْعَقْلَ حَرَامٌ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ مُؤَيِّدٌ لِمَا سَبَقَ بَحَثْنَاهُ مِنْ تَخْصِيصِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرُمَ قَلِيلُهُ بِالْمَائِعَاتِ، وَهَكَذَا يَقُولُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْجَامِدَةِ الْمُضِرَّةِ فِي الْعَقْلِ أَوْ غَيْرِهِ، يَحْرُمُ تَنَاوُلُ الْقَدْرِ الْمُضِرِّ مِنْهَا دُونَ الْقَلِيلِ النَّافِعِ، لِأَنَّ حُرْمَتَهَا لَيْسَتْ لِعَيْنِهَا بَلْ لِضَرَرِهَا. وَفِي أَوَّلِ طَلَاقِ الْبَحْرِ: مَنْ غَابَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ وَالْأَفْيُونِ يَقَعُ طَلَاقُهُ إذَا اسْتَعْمَلَهُ لِلَّهْوِ وَإِدْخَالِ الْآفَاتِ قَصْدًا لِكَوْنِهِ مَعْصِيَةً، وَإِنْ كَانَ لِلتَّدَاوِي فَلَا لِعَدَمِهَا، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي حُرْمَةِ الْبَنْجِ وَالْأَفْيُونِ لَا لِلدَّوَاءِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَالتَّعْلِيلُ يُنَادِي بِحُرْمَتِهِ لَا لِلدَّوَاءِ اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ. وَجَعَلَ فِي النَّهْرِ هَذَا التَّفْصِيلَ هُوَ الْحَقَّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 457 هِيَ وَرَقُ الْقَتَبِ (وَالْأَفْيُونُ) لِأَنَّهُ مُفْسِدٌ لِلْعَقْلِ وَيَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ (لَكِنْ دُونَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ، فَإِنْ أَكَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ سَكِرَ) مِنْهُ (بَلْ يُعَزَّرُ بِمَا دُونَ الْحَدِّ) كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَكَذَا تَحْرُمُ جَوْزَةُ الطِّيبِ لَكِنْ دُونَ حُرْمَةِ الْحَشِيشَةِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. وَنَقَلَ عَنْ الْجَامِعِ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِحِلِّ الْبَنْجِ وَالْحَشِيشَةِ فَهُوَ زِنْدِيقٌ مُبْتَدِعٌ؛   [رد المحتار] وَالْحَاصِلُ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْكَثِيرِ الْمُسْكِرِ مِنْهُ حَرَامٌ مُطْلَقًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْغَايَةِ. وَأَمَّا الْقَلِيلُ، فَإِنْ كَانَ لِلَّهْوِ حَرَامٌ، وَإِنْ سَكِرَ مِنْهُ يَقَعْ طَلَاقُهُ لِأَنَّ مَبْدَأَ اسْتِعْمَالِهِ كَانَ مَحْظُورًا، وَإِنْ كَانَ لِلتَّدَاوِي وَحَصَلَ مِنْهُ إسْكَارٌ فَلَا، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْمُفْرَدَ. بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا اعْتَادَ أَكْلَ شَيْءٍ مِنْ الْجَامِدَاتِ الَّتِي لَا يَحْرُمُ قَلِيلُهَا وَيُسْكِرُ كَثِيرُهَا حَتَّى صَارَ يَأْكُلُ مِنْهَا الْقَدْرَ الْمُسْكِرَ وَلَا يُسْكِرُهُ سَوَاءً أَسْكَرَهُ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ أَوْ لَا، فَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ يُسْكِرُ غَيْرَهُ أَوْ إلَى أَنَّهُ قَدْ أَسْكَرَهُ قَبْلَ اعْتِيَادِهِ أَمْ لَا يَحْرُمُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ طَاهِرٌ مُبَاحٌ، وَالْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِهِ الْإِسْكَارُ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ الِاعْتِيَادِ وَإِنْ كَانَ فِعْلُهُ الَّذِي أَسْكَرَهُ قَبْلَهُ حَرَامًا، كَمَنْ اعْتَادَ أَكْلَ شَيْءٍ مَسْمُومٍ حَتَّى صَارَ يَأْكُلُ مَا هُوَ قَاتِلٌ عَادَةً وَلَا يَضُرُّهُ كَمَا بَلَغَنَا عَنْ بَعْضِهِمْ فَلْيُتَأَمَّلْ، نَعَمْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ بِالنَّظَرِ لِغَالِبِ النَّاسِ بِلَا عَادَةٍ (قَوْلُهُ وَهِيَ وَرَقُ الْقَنْبِ) قَالَ ابْنُ الْبَيْطَارِ. وَمِنْ الْقَنْبِ الْهِنْدِيِّ نَوْعٌ يُسَمَّى بِالْحَشِيشَةِ يُسْكِرُ جِدًّا إذَا تَنَاوَلَ مِنْهُ يَسِيرًا قَدْرَ دِرْهَمٍ، حَتَّى إنَّ مَنْ أَكْثَرَ مِنْهُ أَخْرَجَهُ إلَى حَدِّ الرُّعُونَةِ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ قَوْمٌ فَاخْتَلَّتْ عُقُولُهُمْ وَرُبَّمَا قَتَلَتْ، بَلْ نَقَلَ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ فِي أَكْلِ الْحَشِيشَةِ مِائَةً وَعِشْرِينَ مَضَرَّةً دِينِيَّةً وَدُنْيَوِيَّةً، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ تَيْمِيَّةَ أَنَّ مَنْ قَالَ بِحِلِّهَا كَفَرَ. قَالَ: وَأَقَرَّهُ أَهْلُ مَذْهَبِهِ اهـ وَسَيَأْتِي مِثْلُهُ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ وَالْأَفْيُونُ) هُوَ عُصَارَةُ الْخَشْخَاشِ، يُكْرِبُ وَيُسْقِطُ الشَّهْوَتَيْنِ إذَا تُمُودِيَ عَلَيْهِ، وَيَقْتُلُ إلَى دِرْهَمَيْنِ، وَمَتَى زَادَ أَكْلُهُ عَلَى أَرْبَعِهِ أَيَّامٍ وِلَاءً اعْتَادَهُ بِحَيْثُ يُفْضِي تَرْكُهُ إلَى مَوْتِهِ لِأَنَّهُ يَخْرِقُ الْأَغْشِيَةَ خُرُوقًا لَا يَسُدُّهَا غَيْرُهُ، وَكَذَا فِي تَذْكِرَةِ دَاوُد (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُفْسِدٌ لِلْعَقْلِ) حَتَّى يَصِيرَ لِلرَّجُلِ فِيهِ خَلَاعَةٌ وَفَسَادٌ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ سَكِرَ) لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ الْحَدَّ بِالسُّكْرِ مِنْ الْمَشْرُوبِ لَا الْمَأْكُولِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ) الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ وَيَحْرُمُ أَكْلُ الْبَنْجِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَكَذَا جَوْزَةُ الطِّيبِ) وَكَذَا الْعَنْبَرُ وَالزَّعْفَرَانُ كَمَا فِي الزَّوَاجِرِ لِابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ، وَقَالَ: فَهَذِهِ كُلُّهَا مُسْكِرَةٌ، وَمُرَادُهُمْ بِالْإِسْكَارِ هُنَا تَغْطِيَةُ الْعَقْلِ لَا مَعَ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ لِأَنَّهَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْمُسْكِرِ الْمَائِعِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا تُسَمَّى مُخَدِّرَةً، فَمَا جَاءَ فِي الْوَعِيدِ عَلَى الْخَمْرِ يَأْتِي فِيهَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي إزَالَةِ الْعَقْلِ الْمَقْصُودِ لِلشَّارِعِ بَقَاؤُهُ اهـ. أَقُولُ: وَمِثْلُهُ زَهْرُ الْقُطْنِ فَإِنَّهُ قَوِيُّ التَّفْرِيحِ يَبْلُغُ الْإِسْكَارَ كَمَا فِي التَّذْكِرَةِ، فَهَذَا كُلُّهُ وَنَظَائِرُهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ الْقَدْرِ الْمُسْكِرِ مِنْهُ دُونَ الْقَلِيلِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَافْهَمْ، وَمِثْلُهُ بَلْ أَوْلَى الْبُرْشُ وَهُوَ شَيْءٌ مُرَكَّبٌ مِنْ الْبَنْجِ وَالْأَفْيُونِ وَغَيْرِهِمَا، وَذَكَرَ فِي التَّذْكِرَةِ أَنَّ إدْمَانَهُ يُفْسِدُ الْبَدَنَ وَالْعَقْلَ، وَيُسْقِطُ الشَّهْوَتَيْنِ، وَيُفْسِدُ اللَّوْنَ، وَيُنْقِصُ الْقُوَى، وَيُنْهِكُ وَقَدْ وَقَعَ بِهِ الْآنَ ضَرَرٌ كَثِيرٌ اهـ (قَوْلُهُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ) وَعِبَارَتُهُ: وَمِثْلُ الْحَشِيشَةِ فِي الْحُرْمَةِ جَوْزَةُ الطِّيبِ فَقَدْ أَفْتَى كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ بِحُرْمَتِهَا، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ ابْنُ حَجَرٍ نَزِيلُ مَكَّةَ فِي فَتَاوَاهُ وَالشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي رِسَالَةٍ وَضَعَهَا فِي ذَلِكَ، وَأَفْتَى بِحُرْمَتِهَا الْأَقْصَرَاوِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقَفْت عَلَى ذَلِكَ بِخَطِّهِ الشَّرِيفِ لَكِنْ قَالَ حُرْمَتُهَا دُونَ حُرْمَةِ الْحَشِيشِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. أَقُولُ: بَلْ سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ حُرْمَتَهَا عَنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ (قَوْلُهُ عَنْ الْجَامِعِ) أَيْ جَامِعِ الْفَتَاوَى (قَوْلُهُ وَالْحَشِيشَةُ) عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الْحَشِيشَةُ (قَوْلُهُ فَهُوَ زِنْدِيقٌ مُبْتَدِعٌ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ اتَّفَقَ عَلَى وُقُوعِ طَلَاقِهِ: أَيْ آكِلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 458 بَلْ قَالَ نَجْمُ الدِّينِ الزَّاهِدِيُّ: إنَّهُ يَكْفُرُ وَيُبَاحُ قَتْلُهُ. قُلْت: وَنَقَلَ شَيْخُنَا النَّجْمُ الْغَزِّيِّ الشَّافِعِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مَنْظُومَةِ أَبِيهِ الْبَدْرِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ أَنَّهُ صَرَّحَ بِتَحْرِيمِ جَوْزِهِ الطِّيبِ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَنَّهَا مُسْكِرَةٌ. ثُمَّ قَالَ شَيْخُنَا النَّجْمُ: وَالْتُتْنَ الَّذِي حَدَثَ وَكَانَ حُدُوثُهُ بِدِمَشْقَ فِي سَنَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْأَلْفِ يَدَّعِي شَارِبُهُ أَنَّهُ لَا يُسْكِرُ وَإِنْ سَلِمَ لَهُ فَإِنَّهُ مُفْتِرٌ   [رد المحتار] الْحَشِيشِ فَتْوَى مَشَايِخِ الْمَذْهَبَيْنِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ لِفَتْوَاهُمْ بِحُرْمَتِهِ وَتَأْدِيبِ بَاعَتِهِ، حَتَّى قَالُوا: مَنْ قَالَ بِحِلِّهِ فَهُوَ زِنْدِيقٌ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ وَتَبِعَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اهـ (قَوْلُهُ بَلْ قَالَ نَجْمُ الدِّينِ الزَّاهِدِيُّ إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ نَقْلًا عَنْ خَطِّ بَعْضِ الْأَفَاضِلِ. وَرَدَّهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ لَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ وَلَا تَعْوِيلَ عَلَيْهِ، وَإِذْ الْكُفْرُ بِإِنْكَارِ الْقَطْعِيَّاتِ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ مَتْنًا مِنْ أَنَّ الْأَشْرِبَةَ الْأَرْبَعَةَ الْمُحَرَّمَةَ حُرْمَتُهَا دُونَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ فَلَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا، فَعَلَى هَذَا يُشْكِلُ أَيْضًا الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ زِنْدِيقٌ مَعَ أَنَّهُ أَقَرَّهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهَا، وَالزِّنْدِيقُ يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، لَكِنْ رَأَيْت فِي الزَّوَاجِرِ لِابْنِ حَجَرٍ مَا نَصُّهُ: وَحَكَى الْقَرَافِيُّ وَابْنُ تَيْمِيَّةَ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَشِيشَةِ. وَقَالَ: وَمَنْ اسْتَحَلَّهَا فَقَدْ كَفَرَ. قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهَا الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِهِمْ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ فِي آخِرِ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ وَأَوَّلِ السَّابِعَةِ حِينَ ظَهَرَتْ دَوْلَةُ التَّتَارِ اهـ بِحُرُوفِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالتُّتْن إلَخْ) أَقُولُ: قَدْ اضْطَرَبَتْ آرَاءُ الْعُلَمَاءِ فِيهِ، فَبَعْضُهُمْ قَالَ بِكَرَاهَتِهِ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ بِحُرْمَتِهِ، وَبَعْضُهُمْ بِإِبَاحَتِهِ، وَأَفْرَدُوهُ بِالتَّأْلِيفِ. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ: وَيُمْنَعُ مِنْ بَيْعِ الدُّخَانِ وَشُرْبِهِ وَشَارِبُهُ فِي الصَّوْمِ لَا شَكَّ يُفْطِرُ وَفِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ النَّابْلُسِيِّ وَالِدِ سَيِّدِنَا عَبْدِ الْغَنِيِّ عَلَى شَرْحِ الدُّرَرِ بَعْدَ نَقْلِهِ أَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعَ الزَّوْجَةِ مِنْ أَكْلِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ وَكُلِّ مَا يُنْتِنُ الْفَمَ. قَالَ: وَمُقْتَضَاهُ الْمَنْعُ مِنْ شُرْبِهَا التُّتْن لِأَنَّهُ يُنْتِنُ الْفَمَ خُصُوصًا إذَا كَانَ الزَّوْجُ لَا يَشْرَبُهُ أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ. وَقَدْ أَفْتَى بِالْمَنْعِ مِنْ شُرْبِهِ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْمُسَيَّرَيْ وَغَيْرُهُ اهـ. وَلِلْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْأُجْهُورِيِّ الْمَالِكِيِّ رِسَالَةٌ فِي حِلِّهِ نَقَلَ فِيهَا أَنَّهُ أَفْتَى بِحِلِّهِ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ. قُلْت: وَأَلَّفَ فِي حِلِّهِ أَيْضًا سَيِّدُنَا الْعَارِفُ عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيُّ رِسَالَةً سَمَّاهَا (الصُّلْحُ بَيْنَ الْإِخْوَانِ فِي إبَاحَةِ شُرْبِ الدُّخَانِ) وَتَعَرَّضَ لَهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ تَآلِيفِهِ الْحِسَانِ، وَأَقَامَ الطَّامَّةَ الْكُبْرَى عَلَى الْقَائِلِ بِالْحُرْمَةِ أَوْ بِالْكَرَاهَةِ فَإِنَّهُمَا حُكْمَانِ شَرْعِيَّانِ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ دَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ إسْكَارُهُ وَلَا تَفْتِيرُهُ وَلَا إضْرَارُهُ، بَلْ ثَبَتَ لَهُ مَنَافِعُ، فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَاعِدَةِ الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ وَأَنَّ فَرْضَ إضْرَارِهِ لِلْبَعْضِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَحْرِيمُهُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، فَإِنَّ الْعَسَلَ يَضُرُّ بِأَصْحَابِ الصَّفْرَاءِ الْغَالِبَةِ وَرُبَّمَا أَمْرَضَهُمْ مَعَ أَنَّهُ شِفَاءٌ بِالنَّصِّ الْقَطْعِيِّ، وَلَيْسَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِافْتِرَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِإِثْبَاتِ الْحُرْمَةِ أَوْ الْكَرَاهَةِ اللَّذَيْنِ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ دَلِيلٍ بَلْ فِي الْقَوْلِ بِالْإِبَاحَةِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ، وَقَدْ تَوَقَّفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَنَّهُ هُوَ الْمُشَرِّعُ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ أُمِّ الْخَبَائِثِ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ النَّصُّ الْقَطْعِيُّ، فَاَلَّذِي يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ إذَا سُئِلَ عَنْهُ سَوَاءً كَانَ مِمَّنْ يَتَعَاطَاهُ أَوْ لَا كَهَذَا الْعَبْدِ الضَّعِيفِ وَجَمِيعِ مَنْ فِي بَيْتِهِ أَنْ يَقُولَ هُوَ مُبَاحٌ، لَكِنَّ رَائِحَتَهُ تَسْتَكْرِهُهَا الطِّبَاعُ؛ فَهُوَ مَكْرُوهٌ طَبْعًا لَا شَرْعًا إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهَذَا الَّذِي يُعْطِيهِ كَلَامُ الشَّارِحِ هُنَا حَيْثُ أَعْقَبَ كَلَامَ شَيْخِنَا النَّجْمِ بِكَلَامِ الْأَشْبَاهِ وَبِكَلَامِ شَيْخِهِ الْعِمَادِيِّ وَإِنْ كَانَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى جَزَمَ بِالْحُرْمَةِ، لَكِنْ لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِوُرُودِ النَّهْيِ السُّلْطَانِيِّ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ مُفْتِرٌ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: فَتَرَ جِسْمُهُ فُتُورًا لَانَتْ مَفَاصِلُهُ وَضَعُفَ، وَالْفُتَارُ كَغُرَابٍ ابْتِدَاءُ النَّشْوَةِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 459 وَهُوَ حَرَامٌ لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ» قَالَ: وَلَيْسَ مِنْ الْكَبَائِرِ تَنَاوُلُهُ الْمَرَّةَ وَالْمَرَّتَيْنِ، وَمَعَ نَهْيِ وَلِيِّ الْأَمْرِ عَنْهُ حَرُمَ قَطْعًا، عَلَى أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ رُبَّمَا أَضَرَّ بِالْبَدَنِ، نَعَمْ الْإِصْرَارُ عَلَيْهِ كَبِيرَةٌ كَسَائِرِ الصَّغَائِرِ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَفِي الْأَشْبَاهِ فِي قَاعِدَةِ: الْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ أَوْ التَّوَقُّفُ، وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِيمَا أَشْكَلَ حَالُهُ كَالْحَيَوَانِ الْمُشْكِلِ أَمْرُهُ وَالنَّبَاتِ الْمَجْهُولِ سَمْتُهُ اهـ. قُلْت: فَيُفْهَمُ مِنْهُ حُكْمُ النَّبَاتِ الَّذِي شَاعَ فِي زَمَانِنَا الْمُسَمَّى بِالتُّتُن فَتَنَبَّهْ، وَقَدْ كَرِهَهُ شَيْخُنَا الْعِمَادِيُّ فِي هَدِيَّتِهِ   [رد المحتار] وَأَفْتَرَ الشَّرَابُ فَتَرَ شَارِبُهُ (قَوْلُهُ وَهُوَ حَرَامٌ) مُخَالِفٌ لِمَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنَّهُمْ أَوْجَبُو عَلَى الزَّوْجِ كِفَايَتَهَا مِنْهُ اهـ أَبُو السُّعُودِ فَذَكَرُوا أَنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ حَجَرٍ ضَعِيفٌ، وَالْمَذْهَبُ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ إلَّا لِعَارِضٍ. وَذَكَرُوا أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا كَانَ لَهَا اعْتِيَادٌ وَلَا يَضُرُّهَا تَرْكُهُ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ التَّفَكُّهِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ تَتَضَرَّرُ بِتَرْكِهِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ التَّدَاوِي وَهُوَ لَا يَلْزَمُهُ ط (قَوْلُهُ وَمَعَ نَهْيِ وَلِيِّ الْأَمْرِ عَنْهُ إلَخْ) قَالَ سَيِّدِي الْعَارِفُ عَبْدُ الْغَنِيِّ: لَيْتَ شَعْرِي أَيُّ أَمْرٍ مِنْ أَمْرَيْهِ يُتَمَسَّكُ بِهِ، أَمْرُهُ النَّاسَ بِتَرْكِهِ أَمْ أَمْرُهُ بِإِعْطَاءِ الْمَكْسِ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ أَمْرٌ بِاسْتِعْمَالِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ فِي الْآيَةِ الْعُلَمَاءُ فِي أَصَحِّ الْأَقْوَالِ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي آخِرِ مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ شَرْحِ الْكَنْزِ. وَأَيْضًا هَلْ مَنْعُ السَّلَاطِينِ الظَّلَمَةِ الْمُصِرِّينَ عَلَى الْمُصَادَرَاتِ وَتَضْيِيعِ بُيُوتِ الْمَالِ وَإِقْرَارُهُمْ الْقُضَاةَ وَغَيْرَهُمْ عَلَى الرِّشْوَةِ وَالظُّلْمِ يُثْبِتُ حُكْمًا شَرْعِيًّا. وَقَدْ قَالُوا: مَنْ قَالَ لِسُلْطَانِ زَمَانِنَا عَادِلٌ كَفَرَ اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: مُقْتَضَاهُ أَنَّ أُمَرَاءَ زَمَانِنَا لَا يُفِيدُ أَمْرُهُمْ الْوُجُوبَ، وَقَدْ صَرَّحُوا فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُتُونِ أَمَرَك قَاضٍ بِرَجْمٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ ضَرْبٍ قَضَى فِيهِ وُسْعَك فِعْلَهُ بِقَوْلِهِمْ لِوُجُوبِ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ. قَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ: وَمَنَعَهُ مُحَمَّدٌ حَتَّى يُعَايِنَ الْحُجَّةَ، وَاسْتَحْسَنُوهُ فِي زَمَانِنَا وَبِهِ يُفْتَى إلَخْ. وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ فِي أَوَاخِرِ شَرْحِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْإِمَامَةِ: أَنْ يَكُونَ عَدْلًا بَالِغًا أَمِينًا وَرِعًا، ذَكَرًا مَوْثُوقًا بِهِ فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ وَالْأَمْوَالِ، زَاهِدًا مُتَوَاضِعًا مُسَايِسًا فِي مَوْضِعِ السِّيَاسَةِ. ثُمَّ إذَا وَقَعَتْ الْبَيْعَةُ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مَعَ مَنْ صِفَتُهُ مَا ذُكِرَ صَارَ إمَامًا يُفْتَرَضُ إطَاعَتُهُ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ. وَفِي شَرْحِ الْجَوَاهِرِ: تَجِبُ إطَاعَتُهُ فِيمَا أَبَاحَهُ الشَّرْعُ، وَهُوَ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الْعَامَّةِ، وَقَدْ نَصُّوا فِي الْجِهَادِ عَلَى امْتِثَالِ أَمْرِهِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة. إذَا أَمَرَ الْأَمِيرُ الْعَسْكَرَ بِشَيْءٍ فَعَصَاهُ وَاحِدٌ لَا يُؤَدِّبُهُ فِي أَوَّلِ وَهْلَةٍ بَلْ يَنْصَحُهُ، فَإِنْ عَادَ بِلَا عُذْرٍ أَدَّبَهُ اهـ مُلَخَّصًا. وَأَخَذَ الْبِيرِيُّ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ بِصَوْمِ أَيَّامِ الطَّاعُونِ وَنَحْوِهِ يَجِبُ امْتِثَالُهُ. أَقُولُ: وَظَاهِرُ عِبَارَةِ خِزَانَةِ الْفَتَاوَى لُزُومُ إطَاعَةِ مَنْ اسْتَوْفَى شُرُوطَ الْإِمَامَةِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ كَلَامَ الْعَارِفِ قُدِّسَ سِرُّهُ، لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لِرَفْعِ الْإِثْمِ لَا لِصِحَّةِ التَّوْلِيَةِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ رُبَّمَا أَضَرَّ بِالْبَدَنِ) الْوَاقِعُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِينَ ط (قَوْلُهُ الْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ أَوْ التَّوَقُّفُ) الْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ (قَوْلُهُ فَيُفْهَمُ مِنْهُ حُكْمُ النَّبَاتِ) وَهُوَ الْإِبَاحَةُ عَلَى الْمُخْتَارِ أَوْ التَّوَقُّفُ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ تَسْلِيمِ إسْكَارِهِ وَتَفْتِيرِهِ وَإِضْرَارِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ إدْخَالُهُ تَحْتَ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلِذَا أَمَرَ بِالتَّنَبُّهِ (قَوْلُهُ وَقَدْ كَرِهَهُ شَيْخُنَا الْعِمَادِيُّ فِي هَدِيَّتِهِ) أَقُولُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْعِمَادِيِّ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا وَيَفْسُقُ مُتَعَاطِيهِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي فَصْلِ الْجَمَاعَةِ. وَيُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمَعْرُوفِ بِأَكْلِ الرِّبَا أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ، أَوْ يُدَاوِمُ الْإِسْرَارَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَاتِ كَالدُّخَانِ الْمُبْتَدَعِ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ صُدُورِ مَنْعِ السُّلْطَانِ اهـ. وَرَدَّ عَلَيْهِ سَيِّدُنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي شَرْحِ الْهَدِيَّةِ بِمَا حَاصِلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ إلْحَاقًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 460 إلْحَاقًا لَهُ بِالثُّومِ وَالْبَصَلِ بِالْأَوْلَى فَتَدَبَّرْ، وَمِمَّنْ جَزَمَ بِحُرْمَةِ الْحَشِيشَةِ شَارِحُ الْوَهْبَانِيَّةِ فِي الْحَظْرِ، وَنَظَمَهُ فَقَالَ: وَأَفْتَوْا بِتَحْرِيمِ الْحَشِيشِ وَحَرْقِهِ وَتَطْلِيقِ مُحْتَشٍّ لِزَجْرٍ وَقَرَّرُوا ... لِبَائِعِهِ التَّأْدِيبَ وَالْفِسْقَ أَثْبَتُوا وَزَنْدَقَةً لِلْمُسْتَحِلِّ وَحَرَّرُوا كِتَابُ الصَّيْدِ لَعَلَّ مُنَاسَبَتَهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِمَّا يُورِثُ السُّرُورَ (هُوَ مُبَاحٌ) بَخَمْسَةَ عَشَرَ شَرْطًا مَبْسُوطَةٍ فِي الْعِنَايَةِ، وَسَنُقَرِّرُهُ   [رد المحتار] لَهُ بِالثُّومِ وَالْبَصَلِ فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا يُنَاسِبُ كَلَامَ الْعِمَادِيِّ، نَعَمْ إلْحَاقُهُ بِمَا ذُكِرَ هُوَ الْإِنْصَافُ. قَالَ أَبُو السُّعُودِ: فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةً، وَالْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا يُجَامِعُ الْإِبَاحَةِ اهـ. وَقَالَ ط: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ فِي الْمَسْجِدِ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِي الثُّومِ وَالْبَصَلِ وَهُوَ مُلْحَقٌ بِهِمَا، وَالظَّاهِرُ كَرَاهَةُ تَعَاطِيهِ حَالَ الْقِرَاءَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِتَعْظِيمِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ (قَوْلُهُ وَمِمَّنْ جَزَمَ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ. 1 - [تَتِمَّةٌ] لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى حُكْمِ قَهْوَةِ الْبَنْ، وَقَدْ حَرَّمَهَا بَعْضُهُمْ وَلَا وَجْهَ لَهُ كَمَا فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ وَفَتَاوَى الْمُصَنِّفِ وَحَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلرَّمْلِيِّ. وَقَالَ شَيْخُ الشَّارِحِ النَّجْمُ الْغَزِّيِّ فِي تَارِيخِهِ تَرْجَمَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الشَّاذِلِيِّ الْمَعْرُوفِ بِالْعَيْدَرُوسِ: إنَّهُ أَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَ الْقَهْوَةَ لَمَّا مَرَّ فِي سِيَاحَتِهِ بِشَجَرِ الْبُنِّ فَاقْتَاتَ مِنْ ثَمَرِهِ، فَوَجَدَ فِيهِ تَجْفِيفًا لِلدِّمَاغِ وَاجْتِلَابًا لِلسَّهَرِ وَتَنْشِيطًا لِلْعِبَادَةِ، فَاِتَّخَذَهُ قُوتًا وَطَعَامًا وَأَرْشَدَ أَتْبَاعَهُ إلَيْهِ، ثُمَّ انْتَشَرَتْ فِي الْبِلَادِ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَوَّلِ الْقَرْنِ الْعَاشِرِ، فَحَرَّمَهَا جَمَاعَةٌ تَرَجَّحَ عِنْدَ هُمْ أَنَّهَا مُضِرَّةٌ، آخِرُهُمْ بِالشَّامِ وَالِدُ شَيْخِنَا الْعِيتَاوِيِّ وَالْقُطْبُ ابْنُ سُلْطَانٍ الْحَنَفِيِّ وَبِمِصْرِ أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْحَقِّ السَّنْبَاطِيُّ تَبَعًا لِأَبِيهِ، وَالْأَكْثَرُونَ إلَى أَنَّهَا مُبَاحَةٌ، وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا يَنْضَمُّ إلَيْهَا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فَلَا شُبْهَةَ فِي تَحْرِيمِهِ اهـ مُلَخَّصًا. 1 - [خَاتِمَةٌ] سُئِلَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ عَمَّنْ اُبْتُلِيَ بِأَكْلِ نَحْوِ الْأَفْيُونِ وَصَارَ إنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ هَلَكَ. فَأَجَابَ: إنْ عُلِمَ ذَلِكَ قَطْعًا حَلَّ لَهُ، بَلْ وَجَبَ لِاضْطِرَارِهِ إلَى إبْقَاءِ رُوحِهِ كَالْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّدْرِيجُ فِي تَنْقِيصِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَزُولَ تَوَلُّعُ الْمَعِدَةِ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَشْعُرَ، فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ فَهُوَ آثِمٌ فَاسِقٌ اهـ مُلَخَّصًا. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَقَوَاعِدُنَا لَا تُخَالِفُهُ. [فَرْعٌ] قَدَّمْنَا فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِشُرْبِ مَا يَذْهَبُ بِالْعَقْلِ لِقَطْعِ نَحْوِ أَكْلِهِ. أَقُولُ: يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِ الْخَمْرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِنَحْوِ بَنْجٍ مِنْ غَيْرِ الْمَائِعِ، وَقَيَّدَهُ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الصَّيْدِ] مَصْدَرُ صَادَهُ: إذَا أَخَذَهُ فَهُوَ صَائِدٌ وَذَاكَ مَصِيدٌ وَيُسَمَّى الْمَصِيدُ صَيْدًا فَيُجْمَعُ صَيُودًا وَهُوَ كُلُّ مُمْتَنِعٍ مُتَوَحِّشٍ طَبْعًا لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِحِيلَةٍ مُغْرِبٌ، فَخَرَجَ بِالْمُمْتَنِعِ مِثْلُ الدَّجَاجِ وَالْبَطِّ، إذْ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ قَوَائِمُ أَوْ جَنَاحَانِ يَمْلِكُ عَلَيْهِمَا وَيَقْدِرُ عَلَى الْفِرَارِ مِنْ جِهَتِهِمَا، وَبِالْمُتَوَحِّشِ مِثْلُ الْحَمَامِ إذْ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يَأْلَفَ النَّاسَ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَبِطَبْعًا مَا يَتَوَحَّشُ مِنْ الْأَهْلِيَّاتِ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ بِالِاصْطِيَادِ وَتَحِلُّ بِذَكَاةِ الضَّرُورَةِ وَدَخَلَ بِهِ مُتَوَحِّشٌ بِإِلْفٍ كَالظَّبْيِ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِحِيلَةٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ: أَيْ فَالظَّبْيُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَأْلَفُ بَعْدَ الْأَخْذِ إلَّا أَنَّهُ صَيْدٌ قَبْلَهُ يَحِلُّ بِالِاصْطِيَادِ، وَدَخَلَ فِيهِ مَا لَا يُؤْكَلُ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ مِمَّا يُورِثُ السُّرُورَ) وَقِيلَ: الْغَفْلَةَ وَاللَّهْوَ، لِحَدِيثِ «مَنْ اتَّبَعَ الصَّيْدَ فَقَدْ غَفَلَ» وَفِي السَّعْدِيَّةِ وَلِأَنَّ الصَّيْدَ مِنْ الْأَطْعِمَةِ، وَمُنَاسَبَتُهَا لِلْأَشْرِبَةِ غَيْرُ خَفِيَّةٍ، وَكُلٌّ مِنْهَا فِيهِ مَا هُوَ حَلَالٌ وَحَرَامٌ. (قَوْلُهُ بَخَمْسَةَ عَشَرَ شَرْطًا) خَمْسَةٌ فِي الصَّائِدِ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ، وَأَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 461 فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ (إلَّا) لِمُحْرِمٍ فِي غَيْرِ الْمُحْرِمِ أَوْ (لِلتَّلَهِّي) كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (أَوْ حِرْفَةٍ) عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَإِنَّمَا زِدْته تَبَعًا لَهُ، وَإِلَّا فَالتَّحْقِيقُ عِنْدِي إبَاحَةُ اتِّخَاذِهِ حِرْفَةً لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الِاكْتِسَابِ، وَكُلُّ أَنْوَاعِ الْكَسْبِ فِي الْإِبَاحَةِ سَوَاءٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا. (نَصْبُ شَبَكَةٍ لِلصَّيْدِ مِلْكُ مَا تَعْقِلُ بِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا نَصَبَهَا لِلْجَفَافِ) فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا تَعْقِلُ بِهَا (وَإِنْ وَجَدَ) الْمُقَلِّشُ أَوْ غَيْرُهُ (خَاتَمًا أَوْ دِينَارًا مَضْرُوبًا) بِضَرْبِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ (لَا) يَمْلِكُهُ وَيَجِبُ تَعْرِيفُهُ.   [رد المحتار] يُوجَدَ مِنْهُ الْإِرْسَالُ، وَأَنْ لَا يُشَارِكَهُ فِي الْإِرْسَالِ مَنْ لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ، وَأَنْ لَا يَتْرُكَ التَّسْمِيَةَ عَامِدًا، وَأَنْ لَا يَشْتَغِلَ بَيْنَ الْإِرْسَالِ وَالْأَخْذِ بِعَمَلٍ آخَرَ، وَخَمْسَةٌ فِي الْكَلْبِ: أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا، وَأَنْ يَذْهَبَ عَلَى سُنَنِ الْإِرْسَالِ، وَأَنْ لَا يُشَارِكَهُ فِي الْأَخْذِ مَا لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ، وَأَنْ يَقْتُلَهُ جُرْحًا، وَأَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ. وَخَمْسَةٌ فِي الصَّيْدِ: أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ الْحَشَرَاتِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ بَنَاتِ الْمَاءِ إلَّا السَّمَكَ، وَأَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ بِجَنَاحَيْهِ أَوْ قَوَائِمِهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مُتَقَوِّيًا بِنَابِهِ أَوْ بِمِخْلَبِهِ، وَأَنْ يَمُوتَ بِهَذَا قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى ذَبْحِهِ اهـ. وَفِيهِ بَحْثٌ مَذْكُورٌ مَعَ جَوَابِهِ فِي الْمِنَحِ، وَمَجْمُوعُ هَذِهِ الشُّرُوطِ لِمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَلَمْ يُدْرِكْهُ حَيًّا (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَوْ فِي الْحَرَمِ لِيَشْمَلَ الصُّوَرَ الثَّلَاثِ وَهِيَ الصَّيْدُ الْمُحَرَّمُ فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ أَوْ الْحَلَالِ فِي الْحَرَمِ (قَوْلُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ) لِأَنَّ مُطْلَقَ اللَّهْوِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ كَمَا مَرَّ فِي الْحَظْرِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ) أَيْ أَخْذًا مِمَّا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ مُبَاحٌ إلَّا لِلتَّلَهِّي أَوْ حِرْفَةً. وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى: وَيُكْرَهُ لِلتَّلَهِّي، وَأَنْ يُتَّخَذَ خَمْرًا وَأَقَرَّهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الِاكْتِسَابِ) وَبِذَلِكَ اسْتَدَلَّ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى إبَاحَةِ الِاصْطِيَادِ بَعْدَ اسْتِدْلَالِهِ عَلَيْهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَأَقَرَّهُ الشُّرَّاحُ (قَوْلُهُ وَكُلُّ أَنْوَاعِ الْكَسْبِ إلَخْ) أَيْ أَنْوَاعُهُ الْمُبَاحَةُ، بِخِلَافِ الْكَسْبِ بِالرِّبَا وَالْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ) قَالَ بَعْدَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ قَالُوا: الزِّرَاعَةُ مَذْمُومَةٌ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي التِّجَارَةِ وَالزِّرَاعَةِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ. وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّ الزِّرَاعَةَ أَفْضَلُ اهـ وَفِي الْمُلْتَقَى وَالْمَوَاهِبِ: أَفْضَلُهُ الْجِهَادُ، ثُمَّ التِّجَارَةُ، ثُمَّ الْحِرَاثَةُ، ثُمَّ الصِّنَاعَةُ اهـ. أَقُولُ: فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ كُلُّ أَنْوَاعِ الْكَسْبِ فِي الْإِبَاحَةِ سَوَاءٌ أَنَّهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ لَا يُذَمُّ بَعْضُهَا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ تَأَمَّلْ. ثُمَّ إنَّ كُلَّ نَوْعٍ مِنْهَا تَارَةً يَتَّخِذُهُ الْإِنْسَانُ حِرْفَةً وَمَعَاشًا وَتَارَةً يَفْعَلُهُ وَقْتَ الْحَاجَةِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، وَحَيْثُ كَانَ الِاصْطِيَادُ نَوْعًا مِنْهَا دَلَّ عَلَى إبَاحَةِ اتِّخَاذِهِ حِرْفَةً وَلَا سِيَّمَا مَعَ إطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ. وَعِبَارَاتُ الْمُتُونِ: وَالْكَرَاهَةُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ خَاصٍّ، وَمَا قِيلَ إنَّ فِيهِ إزْهَاقَ الرُّوحِ وَهُوَ يُورِثُ قَسْوَةَ الْقَلْبِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ، بَلْ غَايَتُهُ أَنَّ غَيْرَهُ كَالتِّجَارَةِ وَالْحِرَاثَةِ أَفْضَلُ مِنْهُ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا طَلَبَ الصَّيْدَ لَهْوًا وَلَعِبًا فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَأَكْرَهُهُ، وَإِنْ طَلَبَ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ إدَامٍ أَوْ حَاجَةٍ أُخْرَى فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ (قَوْلُهُ تَعْقِلُ) بِتَقْدِيمِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْقَافِ: أَيْ عَلِقَ وَنَشِبَ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَهُوَ مَصْنُوعٌ غَيْرُ مَسْمُوعٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ وَجَدَ الْمُقَلِّشُ) بِالْقَافِ: وَهُوَ الَّذِي يُفَتِّشُ الْمَزَابِلَ بِيَدِهِ أَوْ بِالْغِرْبَالِ لِيُسْتَخْرَجَ مَا فِيهَا مِنْ النُّقُودِ وَغَيْرِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَفْظٌ عَامِّيٌّ غَيْرُ عَرَبِيٍّ، فَلْتُرَاجِعْ كُتُبَ اللُّغَةِ، وَلَا مُنَاسَبَةَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِبَابِ الصَّيْدِ، وَمَحَلُّهَا كِتَابُ اللُّقَطَةِ حَمَوِيٌّ مُلَخَّصًا. وَوُجِدَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمِنَحِ الْمُفَتِّشُ (قَوْلُهُ بِضَرْبِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ) أَمَّا الْمَضْرُوبُ بِضَرْبِ الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ رِكَازٌ يُخَمَّسُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا اشْتَبَهَ الضَّرْبُ يُجْعَلُ جَاهِلِيًّا ط (قَوْلُهُ وَيَجِبُ تَعْرِيفُهُ) إلَى أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَطْلُبُهُ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهِ أَوْ يُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهِ إنْ كَانَ مَصْرِفًا ط الجزء: 6 ¦ الصفحة: 462 اعْلَمْ أَنَّ أَسْبَابَ الْمِلْكِ ثَلَاثَةٌ: نَاقِلٌ كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ وَخِلَافَةٌ كَإِرْثٍ وَأَصَالَةٌ، وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ حَقِيقَةً بِوَضْعِ الْيَدِ أَوْ حُكْمًا بِالتَّهْيِئَةِ كَنَصْبِ الصَّيْدِ لَا لِجَفَافٍ عَلَى الْمُبَاحِ الْخَالِي عَنْ مَالِكٍ، فَلَوْ اسْتَوْلَى فِي مَفَازَةٍ عَلَى حَطَبِ غَيْرِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَمْ يَحِلَّ لِلْمُقَلِّشِ مَا يَجِدُهُ بِلَا تَعْرِيفٍ، وَتَمَامُ التَّفْرِيعِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ. (وَيَحِلُّ الصَّيْدُ بِكُلِّ ذِي نَابٍ وَمِخْلَبٍ) تَقَدَّمَا فِي الذَّبَائِحِ (مِنْ كَلْبٍ وَبَازٍ وَنَحْوِهِمَا بِشَرْطِ قَابِلِيَّةِ التَّعْلِيمِ وَ) بِشَرْطِ (كَوْنِهِ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ) . ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى مَا مَهَّدَ مِنْ الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَجُوزُ الصَّيْدُ بِدُبٍّ وَأَسَدٍ) لِعَدَمِ قَابِلِيَّتِهِمَا التَّعْلِيمَ فَإِنَّهُمَا لَا يَعْمَلَانِ لِلْغَيْرِ، الْأَسَدُ لِعُلُوِّ هِمَّتِهِ، وَالدُّبِّ لِخَسَاسَتِهِ. وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِالدُّبِّ الْحَدَأَةَ لِخَسَاسَتِهَا (وَلَا بِخِنْزِيرٍ) لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ بِالْكَلْبِ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ، وَإِلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِيهِ فَتَنَبَّهْ.   [رد المحتار] قَوْلُهُ نَاقِلٌ) أَيْ مِنْ مَالِكٍ إلَى مَالِكٍ، وَقَوْلُهُ وَخِلَافَةٍ: أَيْ ذُو خِلَافَةٍ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ ط (قَوْلُهُ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ حَقِيقَةً) شَمِلَ إحْيَاءَ الْمَوَاتِ فَلَا حَاجَةَ إلَى عَدِّهِ قِسْمًا رَابِعًا كَمَا فَعَلَ الْحَمَوِيُّ (قَوْلُهُ كَنَصْبِ شَبَكَةٍ لِصَيْدٍ لَا لِجَفَافٍ) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْأَشْبَاهِ، وَالْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ لِصَيْدٍ لِيَشْمَلَ مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا، لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالظَّهِيرِيَّةِ: وَالِاسْتِيلَاءُ الْحُكْمِيُّ بِاسْتِعْمَالِ مَا هُوَ مَوْضُوعٌ لِلِاصْطِيَادِ، حَتَّى إنَّ مَنْ نَصَبَ شَبَكَةً فَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدٌ مَلَكَهُ قَصَدَ بِهَا الِاصْطِيَادَ أَوْ لَا فَلَوْ نَصَبَهَا لِلتَّجْفِيفِ لَا يَمْلِكُهُ وَإِنْ نَصَبَ فُسْطَاطًا إنْ قَصَدَ الصَّيْدَ يَمْلِكُهُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِلصَّيْدِ اهـ مُلَخَّصًا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُبَاحِ) مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْتِيلَاءِ (قَوْلُهُ عَنْ مِلْكٍ) أَيْ مِلْكِ مَالِكٍ (قَوْلُهُ عَلَى حَطَبِ غَيْرِهِ) أَيْ بِأَنْ جَمَعَهُ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَحِلَّ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُ عَنْ مِلْكِ مَالِكٍ (قَوْلُهُ وَتَمَامُ التَّفْرِيعِ) أَيْ عَلَى السَّبَبِ الثَّالِثِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ، مِنْهَا مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا عَنْ الْمُنْتَقَى بِالنُّونِ: دَخَلَ صَيْدٌ دَارِهِ فَلَمَّا رَآهُ أَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ وَصَارَ بِحَالٍ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ بِلَا اصْطِيَادٍ بِشَبَكَةٍ أَوْ سَهْمٍ مَلَكَهُ، وَإِنْ أَغْلَقَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَا يَمْلِكُهُ وَلَوْ نَصَبَ حَبَّالَةً فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ فَقَطَعَهَا وَانْفَلَتَ فَأَخَذَهُ آخَرُ مَلَكَهُ، وَلَوْ جَاءَ صَاحِبُ الْحَبَّالَةِ لِيَأْخُذَهُ وَدَنَا مِنْهُ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ فَانْفَلَتَ لَا يَمْلِكُهُ الْآخِذُ، وَكَذَا لَوْ انْفَلَتَ مِنْ الشَّبَكَةِ فِي الْمَاءِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ مَلَكَهُ لَا لَوْ رَمَى خَارِجَ الْمَاءِ فِي مَوْضِعٍ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَتَمَامُ التَّعْرِيفِ، وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ تَقَدَّمَا فِي الذَّبَائِحِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ سَبُعٌ لَهُ نَابٌ أَوْ مِخْلَبٌ يَصِيدُ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ نَحْوِ الْبَعِيرِ وَالْحَمَامَةِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ مَا لَا نَابَ لَهُ وَلَا مِخْلَبَ لَمْ يَحِلَّ صَيْدُهُ بِلَا ذَبْحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ (قَوْلُهُ وَبَازٍ) فِي الصِّحَاحِ: الْبَازُ لُغَةً فِي الْبَازِي الَّذِي يَصِيدُ وَالْجَمْعُ أَبْوَازٌ وَبِيزَانٌ وَجَمْعُ الْبَازِي بُزَاةٌ فَالْأَوَّلُ أَجْوَفُ، وَالثَّانِي نَاقِصٌ، فَظَهَرَ مِنْهُ لَحْنُ قَوْلِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ: الْبَازِي بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا كَذَا فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: أَيْ حَيْثُ جَوَّزُوا فِيهِ التَّشْدِيدَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ (قَوْلُهُ بِدُبٍّ وَأَسَدٍ) ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ الذِّئْبَ بَدَلَ الدُّبِّ وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ، وَذَكَرَ فِي الِاخْتِيَارِ الثَّلَاثَةَ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ قَابِلِيَّتِهِمَا التَّعْلِيمَ) حَتَّى لَوْ تُصُوِّرَ التَّعَلُّمُ مِنْهُمَا وَعُرِفَ ذَلِكَ جَازَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ إلَخْ) هُوَ بَحْثٌ لِلْمُصَنِّفِ، أَيْ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ نَجَاسَةُ عَيْنِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ) الْفَاءُ فَصِيحَةٌ: أَيْ وَإِذَا بَنَيْنَا عَدَمَ الْجَوَازِ فِي الْخِنْزِيرِ عَلَى نَجَاسَةِ عَيْنِهِ فَلَا يَجُوزُ بِالْكَلْبِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ أَيْضًا. وَذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ النَّخَعِيّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «هُوَ شَيْطَانٌ» وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَمَا وَجَبَ قَتْلُهُ حَرُمَ اقْتِنَاؤُهُ وَتَعْلِيمُهُ فَلَمْ يُبَحْ صَيْدُهُ كَغَيْرِ الْمُعَلَّمِ. وَلَنَا عُمُومُ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِيهِ) وَهُوَ «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْك فَأَدْرَكْته قَدْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 463 وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ الْقُهُسْتَانِيِّ: إنَّ الْكَلْبَ نَجِسُ الْعَيْنِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَالْخِنْزِيرَ لَيْسَ بِنَجَسِ الْعَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا فِي التَّجْرِيدِ وَغَيْرِهِ فَتَأَمَّلْ (بِشَرْطِ عِلْمِهِمَا) عِلْمِ ذِي نَابٍ وَمِخْلَبٍ (وَذَا بِتَرْكِ الْأَكْلِ) أَمَّا الشُّرْبُ مِنْ دَمِ الصَّيْدِ فَلَا يَضُرُّ قُهُسْتَانِيٌّ وَيَأْتِي (ثَلَاثًا فِي الْكَلْبِ) وَنَحْوِهِ (وَبِالرُّجُوعِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ الْقُهُسْتَانِيِّ) حَيْثُ قَالَ: يَحِلُّ صَيْدُ كُلِّ ذِي نَابٍ، كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالْأَسَدِ وَابْنِ عُرْسٍ وَالدُّبِّ وَالْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهَا بِشَرْطِ الْعِلْمِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْخِنْزِيرُ لِكَوْنِهِ نَجِسَ الْعَيْنِ، وَالْأَسَدُ وَالدُّبُّ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْمَلَانِ لِلْغَيْرِ، وَقَدْ يُلْحَقُ الْحَدَأَةُ بِالدُّبِّ مُضْمَرَاتٌ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الشَّرْطُ قَبُولُ التَّعْلِيمِ. وَمَا قَالَ السِّغْنَاقِيُّ: إنَّ الْأَسَدَ وَالدُّبَّ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِمَا التَّعْلِيمُ، فَقَدْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ فِي الْبَيْعِ، وَالْخِنْزِيرُ عِنْدَ الْإِمَامِ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ عَلَى مَا فِي التَّجْرِيدِ وَغَيْرِهِ. عَلَى أَنَّ الْكَلْبَ نَجِسُ الْعَيْنِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَقَدْ حَلَّ صَيْدُهُ بِالِاتِّفَاقِ اهـ مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ الْبَحْثُ فِي اسْتِثْنَاءِ الْخِنْزِيرِ وَالْأَسَدِ وَالدُّبِّ. وَفِي التَّعْلِيلِ: لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَبُولُ التَّعْلِيمِ فَيَحِلُّ بِكُلِّ مُعَلَّمٍ وَلَوْ خِنْزِيرًا، وَكَوْنُهُ نَجِسَ الْعَيْنِ لَا يَمْنَعُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْكَلْبَ كَذَلِكَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِعَدَمِ حِلِّ صَيْدِهِ. وَوَجْهُ الدَّفْعِ الَّذِي أَفَادَهُ الشَّارِحُ الْفَاضِلُ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْكَلْبِ وَإِنْ قِيلَ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ الْخِنْزِيرُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ دَفَعَ بِهِ الشَّارِحُ شَيْئَيْنِ: الْأَوَّلُ مَا بَحَثَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ إلْحَاقِ الْكَلْبِ بِالْخِنْزِيرِ فِي عَدَمِ حِلِّ الصَّيْدِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِ الْكَلْبِ، وَالثَّانِي مَا بَحَثَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ مِنْ إلْحَاقِ الْخِنْزِيرِ بِالْكَلْبِ فِي حِلِّ الصَّيْدِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْكَلْبَ وَإِنْ قِيلَ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ، لَكِنْ لَمَّا وَرَدَ النَّصُّ فِيهِ بِخُصُوصِهِ وَجَبَ اتِّبَاعُهُ. وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْخِنْزِيرَ وَإِنْ دَخَلَ ظَاهِرًا فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى - {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4]- لَكِنَّهُ مُسْتَثْنًى لِحُرْمَةِ الِانْتِفَاعِ بِنَجِسِ الْعَيْنِ، وَمَا وَرَدَ بِهِ نَصٌّ بِخُصُوصِهِ حَتَّى يُتَّبَعَ بَلْ أُمِرْنَا بِاجْتِنَابِهِ، فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الْكَلْبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَلِذَا جَزَمَ بِاسْتِثْنَائِهِ الْمُصَنِّفُ كَالْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَالْبَدَائِعِ وَالِاخْتِيَارِ، هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِ الشَّارِحِ الْفَاضِلِ وَقَدْ خَفِيَ عَلَى غَيْرِ وَاحِدٍ وَنَسَبَهُ بَعْضُهُمْ لِلْغَفْلَةِ وَهُوَ بَرِيءٌ عَنْهَا وَلِلَّهِ تَعَالَى دَرُّهُ نَعَمْ فَاتَهُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ الْقُهُسْتَانِيِّ: وَالْخِنْزِيرُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ، لَكِنْ تَرَكَهُ لِظُهُورِ أَنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ، وَالتَّعْلِيلُ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ عِلْمِهِمَا) بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الْمَارِّ، وقَوْله تَعَالَى - {مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4]- أَيْ مُعَلِّمِينَ الِاصْطِيَادَ - {تُعَلِّمُونَهُنَّ} [المائدة: 4]- تُؤَدِّبُوهُنَّ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ، وَالْمُنَاسِبُ الْإِتْيَانُ بِالْوَاوِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ بِشَرْطِ التَّعْلِيمِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُغْنٍ عَنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَذَا) أَيْ الْعِلْمُ وَالْبَاءُ فِي بِتَرْكِ لِلتَّصْوِيرِ ط (قَوْلُهُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثًا) أَيْ مُتَوَالِيَاتٍ قُهُسْتَانِيٌّ وَهَذَا عِنْدَ هُمَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ لِأَنَّ فِيمَا دُونَهُ مَزِيدُ الِاحْتِمَالِ، فَلَعَلَّهُ تَرَكَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ شِبَعًا، فَإِذَا تَرَكَهُ ثَلَاثًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ صَارَ عَادَةً، وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَنَقَلَ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَرْكِ الْأَكْلِ مَعَ الْجُوعِ لَا الشِّبَعِ فَتَأَمَّلْ وَعَمَّ أَكْلُهُ مِنْ الْجِلْدِ وَالْعَظْمِ وَالْجَنَاحِ وَالظُّفْرِ وَغَيْرِهَا كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ قُهُسْتَانِيٌّ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بُدَّ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الصَّائِدِ وَأَنَّهُ مُعَلَّمٌ وَلَا يُقَدِّرُ بِالثَّلَاثِ، وَمَشَى فِي الْكَنْزِ وَالنُّقَايَةِ وَالِاصْطِلَاحِ وَمُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ عَلَى اعْتِبَارِ التَّقْدِيرِ بِالثَّلَاثِ، وَظَاهِرُ الْمُلْتَقَى تَرْجِيحُ عَدَمِهِ. ثُمَّ عَلَى رِوَايَةِ التَّقْدِيرِ عَنْ الْإِمَامِ يَحِلُّ مَا اصْطَادَهُ ثَالِثًا، وَعِنْدَهُمَا فِي حِلِّ الثَّالِثِ رِوَايَتَانِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ: وَالْأَصَحُّ الْحِلُّ (قَوْلُهُ فِي الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ) أَيْ مِنْ كُلِّ ذِي نَابٍ، فَشَمِلَ نَحْوَ الْفَهْدِ وَالنَّمِرِ، وَقَوْلُهُ بِالرُّجُوعِ إذَا دَعَوْته فِي الْبَازِي وَنَحْوِهِ أَيْ مِنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: لِأَنَّ بَدَنَ الْبَازِي لَا يَحْتَمِلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 464 إذَا دَعَوْته فِي الْبَازِي) وَنَحْوِهِ (وَ) بِشَرْطِ (جُرْحِهِمَا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْهُ) عَلَى الظَّاهِرِ وَبِهِ يُفْتَى، وَعَنْ الثَّانِي يَحِلُّ بِلَا جُرْحٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ (وَ) بِشَرْطِ (إرْسَالِ مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ) (وَ) بِشَرْطِ (التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ)   [رد المحتار] الضَّرْبَ وَبَدَنُ الْكَلْبِ يَحْتَمِلُ فَيُضْرَبُ لِيَتْرُكَهُ، وَلِأَنَّ آيَةَ التَّعْلِيمِ تَرْكُ مَا هُوَ مَأْلُوفُهُ عَادَةً وَالْبَازِي مُتَوَحِّشٌ مُتَنَفِّرُ فَكَانَتْ الْإِجَابَةُ آيَةَ تَعْلِيمِهِ. أَمَّا الْكَلْبُ فَهُوَ أَلُوفٌ يَعْتَادُ الِانْتِهَابَ، فَكَانَ آيَةُ تَعْلِيمِهِ تَرْكَ مَأْلُوفِهِ وَهُوَ الْأَكْلُ وَالِاسْتِلَابُ اهـ. وَالتَّعْلِيلُ الثَّانِي لَا يَتَأَتَّى فِي الْفَهْدِ وَالنَّمِرِ فَإِنَّهُ مُتَوَحِّشٌ كَالْبَازِي مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ وَفِي الْكَلْبِ سَوَاءٌ، فَالْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلِ كِفَايَةٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَنَحْوُهُ فِي الْعِنَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْكَافِي: وَالْحُكْمُ فِي الْفَهْدِ وَالْكَلْبِ سَوَاءٌ اهـ أَيْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا تَرْكُ الْأَكْلِ. وَفِي الِاخْتِيَارِ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ: وَالْفَهْدُ وَنَحْوُهُ يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ، وَعَادَتُهُ الِافْتِرَاسُ وَالنِّفَارُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ تَرْكُ الْأَكْلِ وَالْإِجَابَةُ جَمِيعًا، وَمِثْلُهُ فِي الدُّرِّ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ التَّعْلِيلِ الثَّانِي. أَقُولُ: وَمُقْتَضَى اعْتِمَادِ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ تَرْجِيحُ مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ. [تَنْبِيهٌ] لَمْ يَذْكُرْ الْبَازِيَ بِكَمْ إجَابَةً يَصِيرُ مُعَلَّمًا؟ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْكَلْبِ، وَلَوْ قِيلَ يَصِيرُ مُعَلَّمًا بِإِجَابَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ لَهُ وَجْهٌ لِأَنَّ الْخَوْفَ يُنَفِّرُهُ بِخِلَافِ الْكَلْبِ زَيْلَعِيٌّ. قُلْت: وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا: إذَا فَرَّ الْبَازِي مِنْ صَاحِبِهِ فَدَعَاهُ فَلَمْ يُجِبْهُ حَتَّى حَكَمَ بِكَوْنِهِ جَاهِلًا إذَا أَجَابَ صَاحِبَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْوِلَاءِ يُحْكَمُ بِتَعَلُّمِهِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ قَبْلَهُ عَنْ الْمُحِيطِ. وَأَمَّا الْبَازِي وَمَا بِمَعْنَاهُ فَتَرْكُ الْأَكْلِ فِي حَقِّهِ لَيْسَ عَلَامَةَ تَعَلُّمِهِ بَلْ أَنْ يُجِيبَ صَاحِبَهُ إذَا دَعَاهُ، حَتَّى إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ يُؤْكَلُ صَيْدُهُ. قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: هَذَا إذَا أَجَابَ عِنْدَ الدَّعْوَةِ لِإِلْفِهِ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْمَعَ فِي اللَّحْمِ، أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُجِيبُ إلَّا لِطَمَعٍ فِي اللَّحْمِ لَا يَكُونُ مُعَلَّمًا اهـ وَمِثْلُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ إذَا دَعَوْته) أَيْ دَعَوْت الْجَارِحَ الْمَعْلُومَ مِنْ الْمَقَامِ (قَوْلُهُ وَبِشَرْطِ جُرْحِهِمَا) أَيْ ذِي النَّابِ وَالْمِخْلَبِ (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي الْبَدَائِعِ الِاصْطِيَادُ بِذِي نَابٍ أَوْ مِخْلَبٍ كَالْبَازِي وَالشَّاهِينِ لَا يَحِلُّ مَا لَمْ يَجْرَحْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ. زَادَ فِي الْعِنَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِمَا وَالْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. أَقُولُ: وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ مَا فِي الْمُتُونِ. فَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ النَّظْمِ مِنْ أَنَّ الْبَازِيَ وَالصَّقْرَ: لَوْ قَتَلَاهُ خَنْقًا حَلَّ بِالِاتِّفَاقِ مُشْكِلٌ. وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَوْ أَرْسَلَ الْكَلْبَ فَأَصَابَ الصَّيْدَ وَكَسَرَ عُنُقَهُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ أَوْ جَثَمَ عَلَيْهِ: أَيْ جَلَسَ عَلَى صَدْرِهِ وَخَنَقَهُ لَا يُؤْكَلُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا يُشْتَرَطُ الْجُرْحُ، وَالْبَازِي إذَا قَتَلَ الصَّيْدَ حَلَّ وَإِنْ لَمْ يَجْرَحْ اهـ. قَالَ: بَعْضُهُمْ: وَهُوَ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. أَقُولُ: يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ، فَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ حَمْلِهِ كَلَامَ الْخَانِيَّةِ عَلَى مَا فِي النَّظْمِ وَرَدَّهُ قَوْلَ ذَلِكَ الْبَعْضِ فِيهِ نَظَرٌ، لِمَا عَلِمْت مِنْ مُخَالَفَةِ مَا فِي النَّظْمِ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْمُفْتَى بِهِ تَأَمَّلْ. وَذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّ الْإِدْمَاءَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَهُ إنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ صَغِيرَةً، وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَبِشَرْطِ إرْسَالِ مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ) سَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ وَهُوَ الْمَجُوسِيُّ وَالْوَثَنِيُّ وَالْمُرْتَدُّ، فَلَوْ انْفَلَتَ مِنْ صَاحِبِهِ فَأَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ، كَمَا لَوْ لَمْ يُعْلَمْ بِأَنَّهُ أَرْسَلَهُ أَحَدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُقْطَعْ بِوُجُودِ الشَّرْطِ قُهُسْتَانِيٌّ وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَبِشَرْطِ التَّسْمِيَةِ) أَيْ مِمَّنْ يَعْقِلُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَكْرَانَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ عِنْدَ الْإِرْسَالِ) فَالشَّرْطُ اقْتِرَانُ التَّسْمِيَةِ بِهِ، فَلَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا عِنْدَ الْإِرْسَالِ ثُمَّ زَجَرَهُ مَعَهَا فَانْزَجَرَ لَمْ يُؤْكَلْ صَيْدُهُ قُهُسْتَانِيٌّ، فَلَا تُعْتَبَرُ التَّسْمِيَةُ وَقْتَ الْإِصَابَةِ فِي الذَّكَاةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 465 وَلَوْ حُكْمًا، فَالشَّرْطُ عَدَمُ تَرْكِهَا عَمْدًا (عَلَى حَيَوَانٍ مُمْتَنِعٍ) أَيْ قَادِرٍ عَلَى الِامْتِنَاعِ بِقَوَائِمِهِ أَوْ بِجَنَاحَيْهِ (مُتَوَحِّشٍ) فَاَلَّذِي وَقَعَ فِي الشَّبَكَةِ أَوْ سَقَطَ فِي الْبِئْرِ أَوْ اسْتَأْنَسَ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ وَلِذَا قَالَ (يُؤْكَلُ) لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي صَيْدِ الْأَكْلِ وَإِنْ حَلَّ صَيْدُ غَيْرِهِ كَمَا سَيَجِيءُ، أَوْ أَعَمُّ لِحِلِّ الِانْتِفَاعِ بِالْجِلْدِ مَثَلًا كَمَا يَأْتِي فَتَأَمَّلْ (وَ) بِشَرْطِ (أَنْ لَا يُشْرِكَ الْكَلْبَ الْمُعَلَّمَ كَلْبٌ لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ كَكَلْبٍ) غَيْرِ مُعَلَّمٍ وَكَلْبِ (مَجُوسِيٍّ) أَوْ لَمْ يُرْسَلْ أَوْ لَمْ يُسَمِّ عَلَيْهِ (وَ) بِشَرْطِ أَنْ (لَا تَطُولَ وَقْفَتُهُ بَعْدَ إرْسَالِهِ) لِيَكُونَ الِاصْطِيَادُ مُضَافًا لِلْإِرْسَالِ   [رد المحتار] الِاضْطِرَارِيَّةِ، بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِيَّةِ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ تَقَعُ فِيهَا عَلَى الْمَذْبُوحِ لَا عَلَى الْآلَةِ، فَلَوْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى ثُمَّ أَرْسَلَهَا وَذَبَحَ أُخْرَى بِالتَّسْمِيَةِ الْأُولَى لَمْ تُجْزِهِ، وَلَوْ رَمَى صَيْدًا أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ كَلْبًا فَأَصَابَ آخَرَ فَقَتَلَهُ أُكِلَ، وَلَوْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى ثُمَّ أَلْقَى السِّكِّينَ وَأَخَذَ سِكِّينًا أُخْرَى فَذَبَحَ بِهَا تُؤْكَلُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ سَمَّى عَلَى سَهْمٍ ثُمَّ رَمَى بِغَيْرِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَلَوْ حُكْمًا) رَاجِعٌ إلَى التَّسْمِيَةِ وَقَصَدَ بِهِ إدْخَالَ النَّاسِي فِي حُكْمِ الْمُسَمِّي ط. (قَوْلُهُ عَلَى حَيَوَانٍ) وَلَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، فَلَوْ أَرْسَلَ عَلَى صَيْدٍ وَأَخَذَ صَيُودًا أَكَلَ لِكُلٍّ مَا دَامَ فِي وَجْهِ الْإِرْسَالِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيُودٍ كَثِيرَةٍ كَمَا يَأْتِي، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ مِنْ الشُّرُوطِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْإِرْسَالُ أَوْ الرَّمْيُ عَلَى الصَّيْدِ أَوْ إلَيْهِ قَالَ: حَتَّى لَوْ أَرْسَلَ عَلَى غَيْرِ صَيْدٍ أَوْ رَمَى إلَى غَيْرِ صَيْدٍ فَأَصَابَ صَيْدًا لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ اصْطِيَادًا فَلَا يُضَافُ إلَى الْمُرْسِلِ أَوْ الرَّامِي اهـ وَسَيَأْتِي تَمَامُ التَّفْرِيعِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَمِعَ حِسَّ إنْسَانٍ إلَخْ، وَعَلَيْهِ فَالظَّرْفُ تُنَازِعُهُ كُلٌّ مِنْ التَّسْمِيَةِ وَالْإِرْسَالِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ مُتَوَحِّشٌ) أَيْ طَبْعًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: رَمَى إلَى بُرْجِ الْحَمَامِ فَأَصَابَ حَمَامًا وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ ذَكَاتَهُ لَا يَحِلُّ، وَلِلْمَشَايِخِ فِيهِ كَلَامٌ أَنَّهُ هَلْ يَحِلُّ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ أَمْ لَا: قِيلَ يُبَاحُ لِأَنَّهُ صَيْدٌ، وَقِيلَ لَا لِأَنَّهُ يَأْوِي إلَى الْبُرْجِ فِي اللَّيْلِ اهـ (قَوْلُهُ فَاَلَّذِي إلَخْ) مُحْتَرَزُ الْقُيُودِ (قَوْلُهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ) أَيْ الْحِلُّ بِالِاصْطِيَادِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ ذَكَاتُهُمَا الذَّبْحُ، وَكَذَا الثَّانِي إنْ أَمْكَنَ ذَبْحُهُ، وَإِلَّا فَفِي الْبَدَائِعِ: مَا وَقَعَ فِي بِئْرٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إخْرَاجِهِ وَلَا ذَبْحِهِ فَذَكَاةُ الصَّيْدِ لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَاهُ اهـ. وَكَذَا تَقَدَّمَ فِي الذَّبَائِحِ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْجُرْحُ كَنَعَمٍ تَوَحَّشَ. إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْكَلَامَ الْآنَ فِي الصَّيْدِ بِذِي نَابٍ أَوْ مِخْلَبٍ وَذَا لَا يُمْكِنُ هُنَا وَإِنْ أَمْكَنَ ذَكَاتُهُ بِسَهْمٍ وَنَحْوِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلِذَا قَالَ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ مَا ذُكِرَ لَا يَحِلُّ بِالِاصْطِيَادِ بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الذَّبْحِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّيْدِ مَا يُؤْكَلُ أَوْ أَعَمُّ لِلِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ، وَلَا يَحِلُّ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ بِالِاصْطِيَادِ لَا لِلْأَكْلِ وَلَا لِلِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ، لِأَنَّ حِلَّ اللَّحْمِ أَوْ الْجِلْدِ بِالِاصْطِيَادِ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ تُمْكِنْ الذَّكَاةُ الِاخْتِيَارِيَّةُ وَمَا ذُكِرَ أَمْكَنَتْ فِيهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الِامْتِنَاعِ أَوْ التَّوَحُّشِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَبِشَرْطِ أَنْ لَا يَشْرَكَ إلَخْ) أَيْ لَا يَشْرَكَهُ فِي الْجُرْحِ. وَحَاصِلُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُشَارِكَ الْمُعَلَّمَ غَيْرُ الْمُعَلَّمِ فِي الْأَخْذِ وَالْجُرْحِ فَلَا يَحِلُّ، أَوْ فِي الْأَخْذِ فَقَطْ بِأَنْ فَرَّ مِنْ الْأَوَّلِ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ الثَّانِي وَلَمْ يَجْرَحْهُ وَمَاتَ بِجُرْحِ الْأَوَّلِ كُرِهَ أَكْلُهُ تَحْرِيمًا فِي الصَّحِيحِ، وَقِيلَ تَنْزِيهًا، بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ مَجُوسِيٌّ بِنَفْسِهِ حَيْثُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَجُوسِيِّ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْكَلْبِ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُشَارَكَةُ، بِخِلَافِ فِعْلِ الْكَلْبَيْنِ وَلَوْ لَمْ يَرُدَّهُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ، لَكِنْ اشْتَدَّ عَلَى الْأَوَّلِ فَاشْتَدَّ الْأَوَّلُ عَلَى الصَّيْدِ بِسَبَبِهِ فَقَتَلَهُ الْأَوَّلُ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ وَلَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ سَبُعٌ أَوْ ذُو مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ مِمَّا يُمْكِنُ تَعْلِيمُهُ وَالِاصْطِيَادُ بِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ رَدَّهُ الْكَلْبُ عَلَيْهِ لِلْمُجَانَسَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ مَا لَا يُصْطَادُ بِهِ كَالْجَمَلِ وَالْبَقَرِ ثُمَّ الْبَازِي كَالْكَلْبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا (قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يُرْسِلْ إلَخْ) الْعَطْفُ عَلَى غَيْرِ مُعَلَّمٍ، فَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ وَكَلْبُ مَجُوسِيٍّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَبِشَرْطِ أَنْ لَا تَطُولَ وَقْفَتُهُ) أَيْ وَقْفَةُ الْمُعَلَّمِ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَلَوْ أَكَلَ خُبْزًا بَعْدَ الْإِرْسَالِ أَوْ بَالَ لَمْ يُؤْكَلْ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ بِعَمَلٍ آخَرَ بَعْدَ الْإِرْسَالِ كَمَا فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ عَدَمَ الطُّولِ أَمْرٌ غَيْرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 466 (بِخِلَافِ مَا إذَا كَمَنَ) وَاسْتَخْفَى (كَالْفَهْدِ) أَيْ كَمَا يَكْمُنُ الْفَهْدُ عَلَى وَجْهِ الْحِيلَةِ لَا لِلِاسْتِرَاحَةِ. وَلِلْفَهْدِ خِصَالٌ حَسَنَةٌ يَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ الْعَمَلُ بِهَا كَمَا بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي أُكِلَ لِأَنَّ تَعْلِيمَهُ لَيْسَ بِتَرْكِ أَكْلِهِ. (وَإِنْ أَكَلَ الْكَلْبُ) وَنَحْوُهُ (لَا) يُؤْكَلُ مُطْلَقًا عِنْدَنَا (كَأَكْلِهِ مِنْهُ) أَيْ كَمَا لَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ الَّذِي أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْهُ (بَعْدَ تَرْكِهِ) لِلْأَكْلِ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) لِأَنَّهُ عَلَامَةُ الْجَهْلِ (وَكَذَا) لَا يَأْكُلُ (مَا صَادَ بَعْدَهُ حَتَّى يَتَعَلَّمَ) ثَانِيًا بِتَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثًا (أَوْ) مَا صَادَهُ (قَبْلَهُ لَوْ بَقِيَ فِي مِلْكِهِ) فَإِنَّ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ الصَّيْدِ لَا تَظْهَرُ فِيهِ الْحُرْمَةُ اتِّفَاقًا لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، وَفِيهِ إشْكَالٌ ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ   [رد المحتار] مَضْبُوطٍ قُهُسْتَانِيٌّ، وَلَوْ عَدَلَ عَنْ الصَّيْدِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً أَوْ تَشَاغَلَ فِي غَيْرِ طَلَبِ الصَّيْدِ وَفَتَرَ عَنْ سُنَنِهِ ثُمَّ اتَّبَعَهُ فَأَخَذَهُ لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا بِإِرْسَالٍ مُسْتَأْنَفٍ أَوْ أَنْ يَزْجُرَهُ صَاحِبُهُ وَيُسَمِّي فِيمَا يَحْتَمِلُ الزَّجْرَ فَيَنْزَجِرُ بَدَائِعُ، وَإِذَا رَدَّ السَّهْمَ رِيحٌ إلَى وَرَائِهِ أَوْ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً فَأَصَابَ صَيْدًا لَا يَحِلُّ، وَكَذَا لَوْ رَدَّهُ حَائِطٌ أَوْ شَجَرَةٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَمَنَ) عَلَى وَزْنِ نَصَرَ وَسَمِعَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَقَوْلُهُ وَاسْتَخْفَى عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَهَذَا كَالِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ كَمَا بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ) وَنَصُّهُ: قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ نَاقِلًا عَنْ شَيْخِهِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لِلْفَهْدِ خِصَالٌ يَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ: مِنْهَا أَنَّهُ يَكْمُنُ لِلصَّيْدِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْهُ وَهَذِهِ حِيلَةٌ مِنْهُ لِلصَّيْدِ فَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يُجَاهِرَ عَدُوَّهُ بِالْخِلَافِ وَلَكِنْ يَطْلُبُ الْفُرْصَةَ حَتَّى يُحَصِّلَ مَقْصُودَهُ مِنْ غَيْرِ إتْعَابِ نَفْسِهِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّمُ بِالضَّرْبِ وَلَكِنْ يُضْرَبُ الْكَلْبُ بَيْنَ يَدَيْهِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ فَيَتَعَلَّمُ بِذَلِكَ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَتَّعِظَ بِغَيْرِهِ كَمَا قِيلَ: السَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْخَبِيثَ وَإِنَّمَا يَطْلُبُ مِنْ صَاحِبِهِ اللَّحْمَ الطَّيِّبَ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ إلَّا الطَّيِّبَ. وَمِنْهَا أَنَّهُ يَثِبُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا فَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَخْذِهِ تَرَكَ وَيَقُولُ لَا أَقْتُلُ نَفْسِي فِيمَا أَعْمَلُ لِغَيْرِي، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَكَلَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ بِشَرْطِ عِلْمِهِمَا إلَخْ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا عِنْدَنَا) أَيْ سَوَاءً كَانَ نَادِرًا أَوْ مُعْتَادًا وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ فِيمَا إذَا كَانَ نَادِرًا؛ فَفِي قَوْلٍ يَحْرُمُ، وَفِي قَوْلٍ يَحِلُّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ بَعْدَ تَرْكِهِ لِلْأَكْلِ) اللَّامُ لِلتَّقْوِيَةِ وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى مَعْمُولِ عَامِلٍ ضَعُفَ بِالتَّأْخِيرِ أَوْ فَرْعِيَّتُهُ عَنْ غَيْرِهِ نَحْوَ - {لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154]- {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج: 16]- (قَوْلُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) أَيْ عِنْدَهُمَا وَبِرَأْيِ الصَّائِدِ عِنْدَهُ ط (قَوْلُهُ مَا صَادَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْأَكْلِ الْمَذْكُورِ الَّذِي هُوَ بَعْدَ تَرْكِهِ لَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَكَذَا الضَّمِيرُ فِي قَبْلَهُ (قَوْلُهُ لَوْ بَقِيَ فِي مِلْكِهِ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ أَوْ قَبْلَهُ، وَشَمِلَ مَا لَمْ يُحْرَزْ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَفَازَةِ بَعْدُ وَالْحُرْمَةُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ أَوْ أَحْرَزَهُ فِي بَيْتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَحْرُمُ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِمَامَ حَكَمَ بِجَهْلِ الْكَلْبِ مُسْتَنِدًا وَهُمَا بِالِاقْتِصَارِ عَلَى مَا أَكَلَ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ عِنَايَةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الزَّادِ (قَوْلُهُ فَإِنَّ مَا أَتْلَفَهُ) أَيْ بِالْأَكْلِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ لَوْ بَقِيَ فِي مِلْكِهِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَأَمَّا مَا بَاعَهُ فَلَا شَكَّ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يُنْقَضُ الْبَيْعُ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْقَضَ إذَا تَصَادَقَ مَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى جَهْلِ الْكَلْبِ (قَوْلُهُ وَفِيهِ إشْكَالٌ ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ) حَيْثُ قَالَ: وَهَاهُنَا إشْكَالٌ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي الْوُجُودَ، أَلَا تَرَى أَنَّا نَحْكُمُ بِحُرِّيَّةِ الْأَمَةِ الْمَيِّتَةِ عِنْدَ دَعْوَى الْوَلَدِ حُرِّيَّتَهَا اهـ. وَصُورَتُهَا فِيمَا ظَهَرَ لِي أَنَّ امْرَأَةً وَلَدَتْ بِنِكَاحٍ فَادَّعَى رَجُلٌ بَعْدَ مَوْتِهَا أَنَّهَا أَمَتُهُ زَوَّجَهَا مِنْ أَبِي الْوَلَدِ فَأَثْبَتَ الْوَلَدُ حُرِّيَّتَهَا تَثْبُتُ وَيَنْدَفِعُ عَنْهُ الرِّقُّ تَأَمَّلْ. وَعَلَيْهِ فَلَا يَظْهَرُ مَا أَجَابَ بِهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهَا بِالْحُرِّيَّةِ إنَّمَا سَرَى إلَيْهَا بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي دَعْوَى النَّسَبِ فَيَعْتِقُ فَتَتْبَعُهُ أُمُّ الْوَلَدِ، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا لَا قَصْدًا اهـ مُلَخَّصًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 467 (كَصَقْرٍ فَرَّ مِنْ صَاحِبِهِ فَمَكَثَ حِينًا ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَأَرْسَلَهُ) فَصَادَ لَمْ يُؤْكَلْ لِتَرْكِهِ مَا صَارَ بِهِ مُعَلَّمًا فَيَكُونُ كَالْكَلْبِ إذَا أَكَلَ. (وَلَوْ أَخَذَ) الصَّيَّادُ (الصَّيْدَ مِنْ الْكَلْبِ وَقَطَعَ مِنْهُ بَضْعَةً وَأَلْقَاهَا إلَيْهِ فَأَكَلَهَا أَوْ خَطَفَ الْكَلْبُ مِنْهُ وَأَكَلَهُ أَكَلَ مَا بَقِيَ؛ كَمَا لَوْ شَرِبَ الْكَلْبُ مِنْ دَمِهِ) لِأَنَّهُ مِنْ غَايَةِ عِلْمِهِ. (وَلَوْ نَهَشَ الصَّيْدَ فَقَطَعَ مِنْهُ بِضْعَةً فَأَكَلَهَا ثُمَّ أَدْرَكَهُ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ لَا يُؤْكَلُ) لِأَكْلِهِ حَالَةَ الِاصْطِيَادِ. (وَلَوْ أَلْقَى مَا نَهَشَهُ وَاتَّبَعَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ حَتَّى أَخَذَهُ صَاحِبُهُ ثُمَّ أَكَلَ مَا أَلْقَى حَلَّ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَوْ أَكَلَ مِنْ نَفْسِ الصَّيْدِ لَمْ يَضُرَّ كَمَا مَرَّ. (وَإِذَا أَدْرَكَ) الْمُرْسِلُ أَوْ الرَّامِي (الصَّيْدَ حَيًّا) بِحَيَاةٍ فَوْقَ مَا فِي الْمَذْبُوحِ (ذَكَّاهُ) وُجُوبًا (وَشُرِطَ لِحِلِّهِ بِالرَّمْيِ التَّسْمِيَةُ) وَلَوْ حُكْمًا كَمَا مَرَّ (وَ) شُرِطَ (الْجُرْحُ) لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الذَّكَاةِ (وَ) شُرِطَ (أَنْ لَا يَقْعُدَ عَنْ طَلَبِهِ لَوْ غَابَ) الصَّيْدُ (مُتَحَامِلًا بِسَهْمِهِ) فَمَا دَامَ فِي طَلَبِهِ يَحِلُّ، وَإِنْ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ ثُمَّ أَصَابَهُ مَيِّتًا لَا لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ: وَشَرَطَ فِي الْخَانِيَّةِ لِحِلِّهِ أَنْ لَا يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِهِ، وَفِيهِ كَلَامٌ مَبْسُوطٌ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ.   [رد المحتار] نَعَمْ يَظْهَرُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ ادَّعَى الْمَوْلَى أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ أَمَتِهِ الْمَيِّتَةِ تَأَمَّلْ. وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ بِأَنَّهُ لَا ثَمَرَةَ يَتَرَتَّبُ عَلَى ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ، وَمَا قِيلَ الثَّمَرَةُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ لَوْ بَاعَهُ وَالرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ أَوْ لُزُومُ التَّوْبَةِ، فَفِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْفَائِتِ بِنَحْوِ الْأَكْلِ، وَمَسْأَلَةُ الْبَيْعِ خِلَافِيَّةٌ كَمَا مَرَّ، وَهَذِهِ وِفَاقِيَّةٌ وَلَمْ يَكُنْ الْأَكْلُ مَعْصِيَةً قَبْلَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ حَتَّى تَلْزَمَ التَّوْبَةُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَصَقْرٍ فَرَّ مِنْ صَاحِبِهِ) بِأَنْ صَارَ لَا يُجِيبُ إذَا دَعَاهُ كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ كَالْكَلْبِ إذَا أَكَلَ) فَلَا يَحِلُّ صَيْدُهُ حَتَّى يَتَعَلَّمَ ثَانِيًا بِأَنْ يُجِيبَ صَاحِبَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى الْوِلَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ أَكَلَ مَا بَقِيَ) لِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ لَمْ يَبْقَ صَيْدًا، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ لِبَقَاءِ جِهَةِ الصَّيْدِيَّةِ فِيهِ أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مِنْ غَايَةِ عِلْمِهِ) حَيْثُ شَرِبَ مَا لَا يَصْلُحُ لِصَاحِبِهِ وَأَمْسَكَ عَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ لَهُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَهَشَ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَوْ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ: وَهُوَ أَخْذُ اللَّحْمِ بِمُقَدَّمِ الْأَسْنَانِ (قَوْلُهُ وَإِذَا أَدْرَكَ الْمُرْسِلُ) أَيْ مُرْسِلُ الْكَلْبِ أَوْ الْبَازِي، وَقَوْلُهُ أَوْ الرَّامِي: أَيْ رَامِي سَهْمٍ وَنَحْوِهِ، وَكَانَ يَنْبَغِي إسْقَاطُ هَذَا كُلِّهِ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُهُ مَبْسُوطًا (قَوْلُهُ وَشُرِطَ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي أَحْكَامِ الْآلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ آلَتَيْ الِاصْطِيَادِ، لِأَنَّهَا إمَّا حَيَوَانِيَّةٌ أَوْ جَمَادِيَّةٌ (قَوْلُهُ التَّسْمِيَةُ) أَيْ عِنْدَ الرَّمْيِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ حُكْمًا) كَالنَّاسِي (قَوْلُهُ وَشُرِطَ الْجُرْحُ) فَلَوْ دَقَّهُ السَّهْمُ لَمْ يُؤْكَلْ لِفَقْدِ الذَّكَاةِ، وَفِي خُرُوجِ الدَّمِ الْخِلَافُ السَّابِقُ أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ ط (قَوْلُهُ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الذَّكَاةِ) أَيْ التَّطْهِيرِ بِإِخْرَاجِ الدَّمِ الَّذِي أُقِيمَ الْجُرْحُ مَقَامَهُ ط (قَوْلُهُ وَشُرِطَ أَنْ لَا يَقْعُدَ) أَيْ الْمُرْسِلُ أَوْ الرَّامِي الصَّيْدِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ بَدَائِعُ: أَيْ كَخَادِمِهِ أَوْ رَفِيقِهِ (قَوْلُهُ مُتَحَامِلًا) التَّحَامُلُ فِي الْمَشْيِ: أَنْ يَتَكَلَّفَهُ عَلَى مَشَقَّةٍ وَإِعْيَاءٍ، وَمِنْهُ تَحَامَلَ الصَّيْدُ: أَيْ تَكَلَّفَ الطَّيَرَانَ مُغْرِبٌ. وَفَائِدَةُ ذِكْرِهِ أَنَّهُ لَوْ غَابَ وَتَوَارَى بِدُونِهِ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا لَا يَحِلُّ مَا لَمْ يَعْلَمْ جُرْحَهُ يَقِينًا مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ يَحِلُّ) أَيْ إلَّا إذَا وَجَدَ بِهِ جِرَاحَةً سِوَى جِرَاحَةِ سَهْمِهِ فَلَا يَحِلُّ هِدَايَةٌ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ) هَذَا الِاحْتِمَالُ مَوْجُودٌ أَيْضًا فِيمَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ لَكِنَّهُ سَقَطَ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَمُفَادُهُ كَظَاهِرِ الْمَتْنِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِهِ (قَوْلُهُ وَفِيهِ كَلَامٌ مَبْسُوطٌ فِي الزَّيْلَعِيِّ) حَيْثُ ذَكَرَ أَوَّلًا عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ، وَذَكَرَ أَنَّهَا نَصٌّ عَلَى اشْتِرَاطِهِ وَأَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِأَوَّلِ كَلَامِهِ، حَيْثُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الطَّلَبِ وَعَدَمِهِ لَا عَلَى التَّوَارِي وَعَدَمِهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ كُتُبِ أَصْحَابِنَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَبِي ثَعْلَبَةَ: «إذَا رَمَيْت سَهْمَك فَغَابَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَدْرَكْته فَكُلْهُ مَا لَمْ يَنْتُنْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَرُوِيَ " أَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 468 (فَإِنْ أَدْرَكَهُ الرَّامِي أَوْ الْمُرْسِلُ حَيًّا ذَكَّاهُ) وُجُوبًا فَلَوْ تَرَكَهَا حَرُمَ وَسَيَجِيءُ (وَالْحَيَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ هُنَا مَا) يَكُونُ (فَوْقَ ذَكَاةِ الْمَذْبُوحِ) بِأَنْ يَعِيش يَوْمًا، وَرُوِيَ أَكْثَرَهُ مَجْمَعٌ. أَمَّا مِقْدَارُهَا وَهُوَ مَا لَا يُتَوَهَّمُ بَقَاؤُهُ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى يُعْتَبَرُ هَاهُنَا، حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي مَاءٍ لَمْ يَحْرُمْ.   [رد المحتار] - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَرِهَ أَكْلَ الصَّيْدِ إذَا غَابَ عَنْ الرَّامِي وَقَالَ: لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلَتْهُ» فَيُحْمَلُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى مَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ وَالْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ اهـ مُلَخَّصًا. وَأَقُولُ: نَصُّ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ هَكَذَا: وَالسَّابِعُ أَنْ لَا يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِهِ أَوْ لَا يَقْعُدَ عَنْ طَلَبِهِ فَيَكُونَ فِي طَلَبِهِ وَلَا يَشْتَغِلُ بِعَمَلٍ آخَرَ حَتَّى يَجِدَهُ لِأَنَّهُ إذَا غَابَ عَنْ بَصَرِهِ رُبَّمَا يَكُونُ مَوْتُ الصَّيْدِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلَا يَحِلُّ إلَخْ. فَأَنْتَ تَرَى كَيْفَ جَعَلَ الشَّرْطَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا عَدَمَ التَّوَارِي، أَوْ عَدَمَ الْقُعُودِ لِتَعْبِيرِهِ بِأَوْ، فَلَعَلَّ نُسْخَةَ الزَّيْلَعِيِّ بِالْوَاوِ فَقَالَ مَا قَالَ. وَأَمَّا التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ إذَا غَابَ إلَخْ أَيْ مَعَ الْقُعُودِ عَنْ طَلَبِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْخَانِيَّةِ بَعْدَهُ: وَإِذَا تَوَارَى الْكَلْبُ وَالصَّيْدُ عَنْ الْمُرْسِلِ أَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَوَجَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَيِّتًا وَفِيهِ سَهْمُهُ لَيْسَ فِيهِ جُرْحٌ آخَرُ حَلَّ أَكْلُهُ إذَا لَمْ يَتْرُكْ الطَّلَبَ، لِأَنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْ التَّوَارِي عَلَى الْبَصَرِ فَيَكُونُ عَفْوًا اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْهِدَايَةِ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ مَا أَوْهَمَ خِلَافَهُ عَلَيْهِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: وَمِنْهَا أَنْ يَلْحَقَهُ قَبْلَ التَّوَارِي عَنْ بَصَرِهِ أَوْ قَبْلَ انْقِطَاعِ الطَّلَبِ، فَإِنْ تَوَارَى عَنْهُ وَقَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ لَمْ يُؤْكَلْ، أَمَّا إذَا لَمْ يَتَوَارَ عَنْهُ أَوْ تَوَارَى وَلَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ أُكِلَ اسْتِحْسَانًا اهـ وَهَذَا يُعَيِّنُ أَنَّ نُسْخَةَ الْخَانِيَّةِ بِأَوْ لَا بِالْوَاوِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ. [تَنْبِيهٌ] فِيمَا ذُكِرَ إشْعَارٌ بِأَنَّ مُدَّةَ الطَّلَبِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ، وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِنِصْفِ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ، فَإِنْ طَلَبَهُ أَكْثَرَ مِنْهُ لَمْ يَأْكُلْ. وَفِي الزِّيَادَاتِ إنْ طَلَبَهُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ أُكِلَ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ قُهُسْتَانِيٌّ، [فُرُوعٌ] فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ: رَمَى طَيْرًا فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ وَكَانَ لَوْ دَخَلَهُ بِخُفِّهِ أَدْرَكَهُ فَاشْتَغَلَ بِنَزْعِهِ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا حَرَّمَهُ بَدِيعُ الدِّينِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَحِلُّ لِأَنَّ دُخُولَهُ مَعَ الْخُفِّ إضَاعَةُ مَالٍ وَخِلَافُ الْعَادَةِ فَصَارَ كَنَزْعِ الثِّيَابِ. قَالَ السَّائِحَانِيُّ: هَذَا إذَا كَانَ فِيهِ حَيَاةُ غَيْرِ الْمَذْبُوحِ وَإِلَّا فَلَا تُعْتَبَرُ، وَلَوْ نَصَبَ شَبَكَةً أُحْبُولَةً وَسَمَّى وَوَقَعَ بِهَا صَيْدٌ وَمَاتَ مَجْرُوحًا لَا يَحِلُّ، وَلَوْ كَانَ بِهَا آلَةٌ جَارِحَةٌ كَمِنْجَلٍ وَسَمَّى عَلَيْهِ وَجَرَحَهُ حَلَّ عِنْدَنَا، كَمَا لَوْ رَمَاهُ بِهَا. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَضَعَ مِنْجَلًا فِي الصَّحْرَاءِ لِصَيْدِ حِمَارِ الْوَحْشِ فَجَاءَهُ فَإِذَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَهُوَ مَيِّتٌ وَكَانَ سَمَّى عِنْدَ الْوَضْعِ لَا يَحِلُّ. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ اهـ وَفِيهِ كَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ فِي الذَّبَائِحِ (قَوْلُهُ وَالْحَيَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ هُنَا) أَيْ فِي الصَّيْدِ احْتِرَازًا عَمَّا يَأْتِي مِنْ الْمُتَرَدِّيَةِ وَنَحْوِهَا (قَوْلُهُ فَوْقَ ذَكَاةِ الْمَذْبُوحِ) صَوَابُهُ حَيَاةُ الْمَذْبُوحِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ بِأَنْ يَعِيشَ يَوْمًا إلَخْ) أَقُولُ. ذَكَرَ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ ذَلِكَ فِي الْمُنْخَنِقَةِ وَنَحْوِهَا. وَعِبَارَتُهُ مَعَ شَرْحِهِ: وَلَوْ ذَكَّى الْمُنْخَنِقَةَ أَوْ الْمَوْقُوذَةَ وَبِهَا حَيَاةٌ حَلَّتْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَكَوْنُهَا بِحَيْثُ تَبْقَى يَوْمًا شَرْطٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيَعْتَبِرُ أَبُو يُوسُفَ أَكْثَرَ الْيَوْمِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ فِيهَا أَكْثَرُ مِمَّا فِي الْمَذْبُوحِ تُؤْكَلُ وَإِلَّا فَلَا اهـ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مُفَسَّرًا فَقَالَ: عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنْ لَمْ يَبْقَ مَعَهَا إلَّا اضْطِرَابُ الْمَوْتِ فَذَبَحَهَا لَا تَحِلُّ وَإِنْ كَانَتْ تَعِيشُ مُدَّةً كَالْيَوْمِ أَوْ كَنِصْفِهِ حَلَّتْ اهـ. وَبِهِ يَظْهَرُ تَفْسِيرُ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ وَمَا فَوْقَهَا. أَمَّا مَا فِي الْمَجْمَعِ فَلَيْسَ تَفْسِيرًا لَهَا تَأَمَّلْ. عَلَى أَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ هُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَذَكَرَ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الْحَيَاةِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهَا تَعِيشُ بِهِ، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ فَذَبَحَهَا لَا تُؤْكَلُ (قَوْلُهُ أَمَّا مِقْدَارُهَا) أَيْ مِقْدَارُ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ (قَوْلُهُ فَلَا يُعْتَبَرُ هَاهُنَا) أَيْ فِي الصَّيْدِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: أَمَّا إذَا شَقَّ الْكَلْبُ بَطْنَهُ وَأَخْرَجَ مَا فِيهِ ثُمَّ وَقَعَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ حَلَّ، لِأَنَّ مَا بَقِيَ اضْطِرَابُ الْمَذْبُوحِ فَلَا يُعْتَبَرُ، كَمَا إذَا وَقَعَتْ شَاةٌ فِي الْمَاءِ بَعْدَمَا ذُبِحَتْ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 469 (وَ) الْمُعْتَبَرُ (فِي الْمُتَرَدِّيَةِ وَأَخَوَاتِهَا) كَنَطِيحَةٍ وَمَوْقُوذَةٍ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ (وَالْمَرِيضَةُ) مُطْلَقُ (الْحَيَاةِ وَإِنْ قَلَّتْ) كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ (وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) وَتَقَدَّمَ فِي الذَّبَائِحِ (فَإِنْ تَرَكَهَا) أَيْ الذَّكَاةَ (عَمْدًا) مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا (فَمَاتَ) حَرُمَ، وَكَذَا يَحْرُمُ لَوْ عَجَزَ عَنْ التَّذْكِيَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ   [رد المحتار] وَفِي الْخَانِيَّةِ: أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ فَجَرَحَهُ وَبَقِيَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ مَا يَبْقَى فِي الْمَذْبُوحِ بَعْدَ الذَّبْحِ فَأَخَذَهُ الْمَالِكُ وَلَمْ يُذَكِّهِ حَلَّ أَكْلُهُ اهـ. زَادَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: يَحِلُّ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَقَعَ ذَكَاةً فَيَسْتَغْنِي عَنْ ذَكَاةٍ أُخْرَى اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا فِيهِ حَيَاةُ الْمَذْبُوحِ لَمْ يَبْقَ قَابِلًا لِلذَّكَاةِ اسْتِغْنَاءً بِالذَّكَاةِ الِاضْطِرَارِيَّةِ، حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَمَاتَ لَمْ يَحْرُمْ لِأَنَّ مَوْتَهُ لَمْ يُضَفْ إلَى وُقُوعِهِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ قَبْلَهُ فَلَمْ تُعْتَبَرْ هَذِهِ الْحَيَاةُ، بِخِلَافِ الْمُتَرَدِّيَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا تُعْتَبَرُ فِيهَا الْحَيَاةُ وَإِنْ قَلَّتْ فَتَحِلُّ بِالذَّكَاةِ. فَظَهَرَ أَنَّ بَيْنَ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ فَرْقًا. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُتَمَكِّنًا مِنْ ذَكَاةِ الصَّيْدِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَوْ لَا. وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّهُ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ فَلَمْ يَذْبَحْهُ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْحَيَاةُ فِيهِ بَيِّنَةً أَوْ خَفِيَّةً؛ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ، فَإِنْ كَانَتْ فَوْقَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ مِقْدَارَهَا أُكِلَ. اهـ مُلَخَّصًا. وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُحْمَلَ مَا قَدَّمْنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ. وَيُخَالِفُ جَمِيعَ ذَلِكَ مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ قَالَ مَا حَاصِلُهُ: إذَا أَدْرَكَهُ حَيًّا وَلَمْ يُذَكِّهِ حَرُمَ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ وَإِلَّا فَلَوْ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ قَدْرُ مَا فِي الْمَذْبُوحِ، بِأَنْ بَقَرَ أَيْ الْكَلْبُ بَطْنَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُضْطَرِبًا اضْطِرَابَ الْمَذْبُوحِ فَحَلَالٌ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ بِالْإِجْمَاعِ، وَقِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا. وَعِنْدَهُ لَا يَحِلُّ إلَّا إذَا ذَكَّاهُ لِأَنَّ الْحَيَاةَ الْخَفِيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْمُتَرَدِّيَةِ وَنَحْوِهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَوْقَ مَا فِي الْمَذْبُوحِ لَا يُؤْكَلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ. ثُمَّ قَالَ: فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّكَاةِ سَوَاءٌ كَانَتْ خَفِيَّةً أَوْ بَيِّنَةً بِجُرْحِ الْمُعَلَّمِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ السِّبَاعِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى - {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3]- فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ حَيٍّ مُطْلَقًا، وَكَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنْ أَدْرَكْته حَيًّا فَاذْبَحْهُ» مُطْلَقٌ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ اهـ وَهُوَ تَرْجِيحٌ لِمُقَابِلِ قَوْلِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ. وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الرَّازِيّ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ رَجَّحَهُ غَيْرَهُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَيَاةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الصَّيْدَ وَفِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ كَمَا فِي الْمَذْبُوحِ وَلَمْ يُذَكِّهِ، فَعَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ يَحِلُّ، وَعَلَى مَا فِي الْعِنَايَةِ يَحِلُّ إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ، وَعَلَى مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ لَا يَحِلُّ أَصْلًا إلَّا بِالذَّكَاةِ كَمَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ أَوْ كَانَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَوْقَ مَا فِي الْمَذْبُوحِ أَخْذًا مِنْ إطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ. وَحَكَى فِي الْبَدَائِعِ الْأَوَّلَ عَنْ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَالثَّالِثَ عَنْ الْجَصَّاصِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فَمَا إذَا أَدْرَكَهُ وَأَخَذَهُ، فَلَوْ أَدْرَكَهُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ، فَإِنْ كَانَ وَقْتَ لَوْ أَخَذَهُ أَمْكَنَهُ ذَبْحُهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ أُكِلَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ فِي الْمُتَرَدِّيَةِ) أَيْ الْوَاقِعَةِ فِي بِئْرٍ أَوْ مِنْ جَبَلٍ وَالنَّطِيحَةِ: الْمَقْتُولَةُ بِنَطْحِ أُخْرَى. وَالْمَوْقُوذَةُ: الْمَقْتُولَةُ ضَرْبًا (قَوْلُهُ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ) أَيْ مِنْ تَقْيِيدِهِ مَا مَرَّ بِقَوْلِهِ هُنَا (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) أَيْ فَتَحِلُّ بِالذَّكَاةِ وَكَذَا الْفَتْوَى عَلَى اعْتِبَارِ مُطْلَقِ الْحَيَاةِ فِي الصَّيْدِ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَرَكَهَا أَيْ الذَّكَاةَ) أَيْ ذَكَاةَ الصَّيْدِ، وَقَوْلُهُ حَرُمَ جَوَابُ الشَّرْطِ مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ لَكِنَّهُ لِبُعْدِهِ قَدَّرَهُ الشَّارِحُ هُنَا (قَوْلُهُ وَلَوْ عَجَزَ عَنْ التَّذْكِيَةِ) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ آلَةً أَصْلًا أَوْ يَجِدَ لَكِنْ لَا يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ الْآلَةِ وَالِاسْتِعْدَادُ لِلذَّابِحِ، وَهَذَا إذَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الْمَذْبُوحِ بَعْدَ الذَّبْحِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ مِثْلُهُ فَهُوَ مَيِّتٌ حُكْمًا فَيَحِلُّ إجْمَاعًا كَمَا فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 470 وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَفِي مَتْنِي وَمَتْنِ الْوِقَايَةِ إشَارَةٌ إلَى حِلِّهِ، وَالظَّاهِرُ مَا سَمِعْته اهـ. قُلْت: وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ التَّذْكِيَةِ فِي مِثْلِ هَذَا لَا يُحِلُّ الْحَرَامَ. (أَوْ أَرْسَلَ مَجُوسِيٌّ كَلْبًا فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ أَوْ قَتَلَهُ مِعْرَاضٌ بِعَرْضِهِ) وَهُوَ سَهْمٌ لَا رِيشَ لَهُ، سُمِّيَ بِهِ لِإِصَابَتِهِ بِعَرْضِهِ؛ وَلَوْ لِرَأْسِهِ حِدَّةٌ فَأَصَابَ بِحَدِّهِ حَلَّ (أَوْ بُنْدُقَةٍ ثَقِيلَةٍ ذَاتِ حِدَّةٍ) لِقَتْلِهَا بِالثِّقَلِ لَا بِالْحَدِّ، وَلَوْ كَانَتْ خَفِيفَةً بِهَا حِدَّةٌ حَلَّ؛ لِقَتْلِهَا بِالْجُرْحِ، وَلَوْ لَمْ   [رد المحتار] الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا قُهُسْتَانِيٌّ، وَالتَّفْصِيلُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَاَلَّذِي فِي التَّبْيِينِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ فَصَّلَ، فَقَالَ: إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الذَّبْحِ لِفَقْدِ الْآلَةِ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لِضِيقِ الْوَقْتِ أُكِلَ لِعَدَمِ التَّقْصِيرِ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِنْ كَانَ عَدَمُ التَّمَكُّنِ بِضِيقِ الْوَقْتِ، بِأَنْ بَقِيَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ مِقْدَارُ مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الذَّبْحُ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ عِنْدَنَا. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: يَحِلُّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ. وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي الْيَنَابِيعِ: وَرُوِيَ عَنْ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ يُؤْكَلُ اسْتِحْسَانًا، وَقِيلَ بِأَنَّ هَذَا أَصَحُّ اهـ. فَإِنْ قِيلَ: وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا حَيَاتُهُ فَوْقَ الْمَذْبُوحِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ ضِيقُ الْوَقْتِ عَنْ الذَّبْحِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمِقْدَارَ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ كَالْعَدَمِ لِكَوْنِ الصَّيْدِ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ، وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ قَدْ لَا يَسَعُ لِلذَّبْحِ فِيهِ فَكَانَ عَدَمُ التَّمَكُّنِ مُتَصَوَّرًا عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ إشَارَةً إلَى حِلِّهِ) حَيْثُ قَيَّدَ بِالْعَمْدِ (قَوْلُهُ أَنَّ الْعَجْزَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمِنَحِ لِأَنَّ الْعَجْزَ فِي مِثْلِ هَذَا لَا يُحِلُّ الْحَرَامَ اهـ. وَاحْتَرَزَ عَنْ الْعَجْزِ عَنْ تَحْصِيلِ الْمَاءِ وَالْأَكْلِ فَإِنَّهُ يُبِيحُ لَهُ تَنَاوُلَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ، وَهَذَا لَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ بِسَبَبِ قَوْلِهِ عَنْ التَّذْكِيَةِ أَفَادَهُ ط. [تَنْبِيهٌ] رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ عِنْدَ مَجُوسِيٍّ أَوْ نَائِمٍ لَوْ كَانَ مُسْتَيْقِظًا يَقْدِرُ عَلَى ذَكَاتِهِ فَمَاتَ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْمَجُوسِيَّ قَادِرٌ عَلَى ذَبْحِهِ بِتَقْدِيمِ الْإِسْلَامِ وَالنَّائِمِ كَالْمُسْتَيْقِظِ فِي جُمْلَةِ مَسَائِلَ عِنْدَ الْإِمَامِ مِنْهَا هَذِهِ خَانِيَّةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَأَرْسَلَ إلَخْ) هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ تَرَكَهَا وَالْأَصْلُ أَنَّ الْفِعْلَ يُرْفَعُ بِالْأَقْوَى وَالْمُسَاوِي دُونَ الْأَدْنَى؛ فَإِذَا أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ كَلْبَهُ فَزَجَرَهُ الْمَجُوسِيُّ حَلَّ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الزَّجْرِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ لِكَوْنِ الزَّجْرِ دُونَهُ لِبِنَائِهِ عَلَيْهِ وَبِالْعَكْسِ حَرُمَ، وَكُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ ذَكَاتُهُ كَالْمُرْتَدِّ وَالْمُحْرِمِ وَتَارِكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَجُوسِيِّ، وَإِنْ انْفَلَتَ وَلَمْ يُرْسِلْهُ أَحَدٌ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ حَلَّ لِأَنَّهُ مِثْلُ الِانْفِلَاتِ، وَالْمُرَادُ بِالزَّجْرِ الْإِغْرَاءُ بِالصِّيَاحِ عَلَيْهِ وَبِالِانْزِجَارِ إظْهَارُ زِيَادَةِ الطَّلَبِ وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَهَذَا إذَا زَجَرَهُ الْمَجُوسِيُّ فِي ذَهَابِهِ، فَلَوْ وَقَفَ ثُمَّ زَجَرَهُ لَمْ يُؤْكَلْ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ سَهْمُ إلَخْ) فِي الْقَامُوسِ: مِعْرَاضٌ كَمِحْرَابٍ سَهْمٌ بِلَا رِيشٍ، دَقِيقُ الطَّرَفَيْنِ، غَلِيظُ الْوَسَطِ يُصِيبُ بِعَرْضِهِ دُونَ حَدِّهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ لِرَأْسِهِ حِدَّةٌ) مُحْتَرَزُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِعَرْضِهِ (قَوْلُهُ فَأَصَابَ بِحَدِّهِ) أَيْ وَجَرَحَ (قَوْلُهُ أَوْ بُنْدُقَةٍ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَالدَّالِ: طِينَةٌ مُدَوَّرَةٌ يُرْمَى بِهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ خَفِيفَةً) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الثَّقِيلَةَ لَا تَحِلُّ وَإِنْ جَرَحَتْ. قَالَ قَاضِي خَانْ: لَا يَحِلُّ صَيْدُ الْبُنْدُقَةِ وَالْحَجَرِ وَالْمِعْرَاضِ وَالْعَصَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِنْ جَرَحَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرِقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَدْ حَدَّدَهُ وَطُولُهُ كَالسَّهْمِ وَأَمْكَنَ أَنْ يَرْمِيَ بِهِ؛ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ وَخَرَقَهُ بِحَدِّهِ حَلَّ أَكْلُهُ، فَأَمَّا الْجُرْحُ الَّذِي يُدَقُّ فِي الْبَاطِنِ وَلَا يَخْرِقُ فِي الظَّاهِرِ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ إنْهَارُ الدَّمِ؛ وَمُثَقَّلُ الْحَدِيدِ وَغَيْرِ الْحَدِيدِ سَوَاءٌ، إنْ خَزَقَ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَالْخَزْقُ بِالْخَاءِ وَالزَّايِ الْمُعْجَمَتَيْنِ: النَّفَاذُ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَالسِّينُ لُغَةٌ وَالرَّاءُ خَطَأٌ: وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: بِالزَّايِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْحَيَوَانِ؛ وَبِالرَّاءِ فِي الثَّوْبِ. وَفِي التَّبْيِينِ: وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَوْتَ إذَا حَصَلَ بِالْجُرْحِ بِيَقِينٍ حَلَّ؛ وَإِنْ بِالثِّقَلِ أَوْشَكَ فِيهِ فَلَا يَحِلُّ حَتْمًا أَوْ احْتِيَاطًا اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجُرْحَ بِالرَّصَاصِ إنَّمَا هُوَ بِالْإِحْرَاقِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 471 يَجْرَحْهُ لَا يُؤْكَلُ مُطْلَقًا. وَشُرِطَ فِي الْجُرْحِ الْإِدْمَاءُ، وَقِيلَ لَا. مُلْتَقًى، وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَيْهِ (أَوْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي مَاءِ) لِاحْتِمَالِ قَتْلِهِ بِالْمَاءِ فَتَحْرُمُ، وَلَوْ الطَّيْرُ مَائِيًّا فَوَقَعَ فِيهِ، فَإِنْ انْغَمَسَ جُرْحُهُ فِيهِ حَرُمَ وَإِلَّا حَلَّ مُلْتَقًى (أَوْ وَقَعَ عَلَى سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ فَتَرَدَّى مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ حَرُمَ) فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا، لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ مِثْلِ هَذَا مُمْكِنٌ (فَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً) إذْ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَيَحِلُّ (أَوْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ فَزَجَرَهُ) أَيْ أَغْرَاهُ بِصِيَاحِهِ (مَجُوسِيٌّ فَانْزَجَرَ) إذْ الزَّجْرُ دُونَ الْإِرْسَالِ وَالْفِعْلُ يُرْفَعُ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلُهُ كَنَسْخِ الْحَدِيثِ (أَوْ لَمْ يُرْسِلْهُ أَحَدٌ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ) إذْ الزَّجْرُ إرْسَالٌ حُكْمًا (أَوْ أَخَذَ غَيْرَ مَا أُرْسِلَ إلَيْهِ)   [رد المحتار] وَالثِّقَلِ بِوَاسِطَةِ انْدِفَاعِهِ الْعَنِيفِ إذَا لَيْسَ لَهُ حَدٌّ فَلَا يَحِلُّ. وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ نُجَيْمٍ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ ثَقِيلَةً أَوْ خَفِيفَةً (قَوْلُهُ وَشُرِطَ فِي الْجُرْحِ الْإِدْمَاءُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدْمٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ قِيلَ لَا يَحِلُّ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الذَّكَاةِ؛ وَهُوَ إخْرَاجُ الدَّمِ النَّجِسِ؛ وَشَرَطَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ " «أَنْهِرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا. وَقِيلَ يَحِلُّ لِإِتْيَانِ مَا فِي وُسْعِهِ وَهُوَ الْجُرْحُ لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يَنْجُسُ لِغِلَظِهِ أَوْ لِضِيقِ الْمَنْفَذِ. وَقِيلَ لَوْ الْجِرَاحَةُ كَبِيرَةً حَلَّ بِدُونِهِ وَلَوْ صَغِيرَةً فَلَا. وَإِذَا أَصَابَ السَّهْمُ ظِلْفَ الصَّيْدِ أَوْ قَرْنَهُ؛ فَإِنْ أَدْمَاهُ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ اهـ مُلَخَّصًا وَمِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ فِي الْمُنْتَقَى قُلْت: وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ اللَّحْمِ وَظَاهِرُ مَا مَرَّ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْإِدْمَاءَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَالْمُلْتَقَطِ اعْتِمَادُ اشْتِرَاطِهِ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ يُؤَيِّدهُ، وَقَدْ يُرَجَّحُ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ بِمَا فِي مَتْنِ الْمَوَاهِبِ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الذَّبَائِحِ مِنْ أَنَّهُ تَحِلُّ ذَبِيحَةٌ عُلِمَتْ حَيَاتُهَا وَإِنْ لَمْ تَتَحَرَّكْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا دَمٌ وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ إلَخْ) هُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ أَوْ رَمَى صَيْدًا إلَخْ) هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ يَحْرُمُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ مَوْتَهُ مُضَافٌ إلَى غَيْرِ الرَّمْيِ، وَإِنْ كَانَتْ حَيَاتُهُ دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي مَرَّ ذِكْرُهُ فِي إرْسَالِ الْكَلْبِ اهـ زَيْلَعِيٌّ وَنَحْوُهُ فِي ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ فَوَقَعَ فِيهِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ، فَمِثْلُهُ إذَا رَمَاهُ فِيهِ حَرُمَ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِالْمَاءِ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا حَلَّ) لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَمِلْ مَوْتَهُ بِسَبَبِ الْمَاءِ (قَوْلُهُ مُلْتَقًى) وَمِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ إنْ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَمَاتَ لَا يُؤْكَلُ لَعَلَّ أَنَّ وُقُوعَهُ فِي الْمَاءِ قَتَلَهُ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ طَيْرُ الْمَاءِ لِأَنَّ طَيْرَ الْمَاءِ إنَّمَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ غَيْرَ مَجْرُوحٍ اهـ وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ السَّرَخْسِيِّ. ثُمَّ قَالَ فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة (قَوْلُهُ فَتَرَدَّى مِنْهُ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَرَدَّ يَحِلُّ بِلَا خِلَافٍ. وَهَذَا أَيْضًا إذَا تَرَدَّى وَلَمْ يَقَعْ الْجُرْحُ مُهْلِكًا فِي الْحَالِ، إذْ لَوْ بَقِيَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ بِقَدْرِ مَا فِي الْمَذْبُوحِ ثُمَّ تَرَدَّى يَحِلُّ أَيْضًا مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَرْضِ مَا يَقْتُلُهُ كَحَدِّ الرُّمْحِ وَالْقَصَبَةِ الْمَنْصُوبَةِ عِنَايَةٌ، وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة (قَوْلُهُ إذْ الِاحْتِرَازُ) عِلَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَعْلُولِ، وَهُوَ قَوْلُهُ الْآتِي أُكِلَ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ. قَالَ تَعَالَى - {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} [نوح: 25]- وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ) أَيْ فِي ذَهَابِهِ، فَلَوْ وَقَفَ ثُمَّ زَجَرَهُ فَانْزَجَرَ لَمْ يُؤْكَلْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ كَنَسْخِ الْحَدِيثِ) فَلَا يُنْسَخُ الصَّحِيحُ إلَّا بِصَحِيحٍ أَوْ أَصَحَّ لَا بِضَعِيفٍ ط (قَوْلُهُ أَوْ أَخَذَ غَيْرَ مَا أُرْسِلَ إلَيْهِ) سَوَاءً أَخَذَ مَا أُرْسِلَ إلَيْهِ أَيْضًا أَوْ لَا بِشَرْطِ فَوْرِ الْإِرْسَالِ كَمَا مَرَّ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: فَلَوْ أَرْسَلَ الْكَلْبَ أَوْ الْبَازِيَ عَلَى صَيْدٍ وَسَمَّى فَأَخَذَ صَيْدًا ثُمَّ آخَرَ عَلَى فَوْرِهِ ذَلِكَ ثُمَّ وَثُمَّ أَكَلَ الْكُلَّ لِأَنَّ التَّعْيِينَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الصَّيْدِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فَصَارَ كَوُقُوعِ السَّهْمِ بِصَيْدَيْنِ اهـ مُلَخَّصًا، وَلَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَخْطَأَ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ حَلَّ، وَلَوْ عَرَضَ لَهُ بَعْدَمَا رَجَعَ لَا يَحِلُّ لِبُطْلَانِ الْإِرْسَالِ بِالرُّجُوعِ كَمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 472 لِأَنَّ غَرَضَهُ أَخْذُ كُلِّ صَيْدٍ يَتَمَكَّنُ مِنْهُ، حَتَّى لَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيُودٍ كَثِيرَةٍ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَتَلَ الْكُلَّ أَكَلَ الْكُلَّ (أَكَلَ) فِي الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ لِمَا ذَكَرْنَا (كَصَيْدٍ رُمِيَ فَقُطِعَ عُضْوٌ مِنْهُ) فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ (لَا الْعُضْوُ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيْتَةٌ» وَلَوْ قَطَعَهُ وَلَمْ يُبِنْهُ، فَإِنْ اشْتَمَلَ الْتِئَامُهُ أُكِلَ الْعُضْوُ أَيْضًا وَإِلَّا لَا مُلْتَقًى (وَإِنْ قَطَعَهُ) الرَّامِي (أَثْلَاثًا وَأَكْثَرُهُ مَعَ عَجْزِهِ أَوْ قَطَعَ نِصْفَ رَأْسِهِ أَوْ أَكْثَرَهُ أَوْ قَدَّهُ نِصْفَيْنِ أُكِلَ كُلُّهُ) لِأَنَّ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يُمْكِنُ حَيَاةٌ فَوْقَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ أَكْثَرُهُ مَعَ رَأْسِهِ لِلْإِمْكَانِ الْمَذْكُورِ. (وَحَرُمَ صَيْدُ مَجُوسِيٍّ وَوَثَنِيٍّ وَمُرْتَدٍّ) وَمُحْرِمٍ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ، بِخِلَافِ كِتَابِيٍّ لِأَنَّ ذَكَاةَ الِاضْطِرَارِ كَذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ. (وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَلَمْ يُثْخِنْهُ فَرَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلثَّانِي وَحَلَّ، وَإِنْ أَثْخَنَهُ) الْأَوَّلُ بِأَنْ أَخْرَجَهُ   [رد المحتار] فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ أَصَابَ غَيْرَ مَا رَمَاهُ حَلَّ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ، وَكَذَا لَوْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ وَنَفَذَ ثُمَّ أَصَابَ آخَرَ ثُمَّ وَثُمَّ حَلَّ الْكُلُّ كَمَا فِي النَّظْمِ اهـ فَالْإِرْسَالُ بِمَنْزِلَةِ الرَّمْيِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ، وَنَحْوُهُ فِي الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ لِأَنَّ غَرَضَهُ إلَخْ) أَيْ غَرَضُ الْمُرْسِلِ حُصُولُ أَيِّ صَيْدٍ تَمَكَّنَ مِنْهُ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْهِدَايَةِ: وَلَنَا أَنَّهُ: أَيْ التَّعْيِينُ شَرْطٌ غَيْرُ مُفِيدٍ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ حُصُولُ الصَّيْدِ، إذْ لَا يَقْدِرُ أَيْ الْكَلْبُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ: أَيْ يَأْخُذُ الْعَيْنَ إذْ لَا يُمْكِنُهُ تَعْلِيمُهُ عَلَى وَجْهٍ يَأْخُذُ مَا عَيَّنَهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ (قَوْلُهُ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ) أَيْ حَالَةَ الْإِرْسَالِ (قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ الْعِلَلِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ (قَوْلُهُ لَا الْعُضْوَ) أَيْ إنْ أَمْكَنَ حَيَاتُهُ بَعْدَ الْإِبَانَةِ وَإِلَّا أَكَلَا عِنَايَةٌ، وَهَذَا يُتَصَوَّرُ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ غَيْرِ الرَّأْسِ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) حَيْثُ قَالَ: أَكَلَا إنْ مَاتَ الصَّيْدُ مِنْهُ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ) هَذَا وَإِنْ تَنَاوَلَ السَّمَكَ إلَّا أَنَّ مَيْتَتَهُ حَلَالٌ بِالْحَدِيثِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) بِأَنْ بَقِيَ مُتَعَلِّقًا بِجِلْدِهِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ قَطَعَ نِصْفَ رَأْسِهِ) أَيْ طُولًا أَوْ عَرْضًا بَدَائِعُ (قَوْلُهُ أَوْ قَدَّهُ نِصْفَيْنِ) الْقَدُّ: الْقَطْعُ الْمُسْتَأْصِلُ أَوْ الْمُسْتَطِيلُ قَامُوسٌ، وَالضَّمِيرُ لِلصَّيْدِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَذَكَرَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ الْقَدِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْمَبْسُوطِ إنْ قَطَعَهُ نِصْفَيْنِ طُولًا أُكِلَ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الطُّولَ غَيْرُ قَيْدٍ هُنَا، يَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُ الْبَدَائِعِ بِقَوْلِهِ يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ وُجِدَ قَطْعُ الْأَوْدَاجِ لِكَوْنِهَا مُتَّصِلَةٌ مِنْ الْقَلْبِ بِالدِّمَاغِ فَأَشْبَهَ الذَّبْحَ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ) لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ الْحَيَّ مُطْلَقًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْحَيِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَهَذَا حَيٌّ صُورَةً لَا حُكْمًا إذْ لَا يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ بَعْدَ هَذَا الْجُرْحِ، وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَبِهِ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْحَيَاةِ أَوْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ لَا يَحْرُمُ، وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ. أَقُولُ: وَبِهَذَا سَقَطَ اعْتِرَاضُ ابْنِ الْمُصَنِّفِ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: إنْ كَانَ الصَّيْدُ يَعِيشُ بِدُونِ الْمُبَانِ فَالْمُبَانُ لَا يُؤْكَلُ وَإِنْ كَانَ لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ كَالرَّأْسِ يُؤْكَلَانِ اهـ حَيْثُ قَالَ إنَّ الْحَدِيثَ عَامٌّ فَمِنْ أَيْنَ لِلْبَزَّازِيِّ مَا قَالَهُ؟ اهـ. قُلْت: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْهِدَايَةِ وَصَرَّحَ بِهِ شُرَّاحُهَا وَغَيْرُهُمْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ أَكْثَرُهُ مَعَ رَأْسِهِ) بِأَنْ قَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا أَوْ فَخِذًا أَوْ أَلْيَةً أَوْ ثُلُثَهُ مِمَّا يَلِي الْقَوَائِمَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الرَّأْسِ، فَيَحْرُمُ الْمُبَانُ وَيَحِلُّ الْمُبَانُ مِنْهُ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمُرْتَدٍّ) وَلَوْ غُلَامًا مُرَاهِقًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ رِدَّتِهِ عِنْدَهُمَا بَدَائِعُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ ذَكَاةَ الِاضْطِرَارِ إلَخْ) أَيْ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ، فَكَذَا ذَكَاةُ الِاضْطِرَارِ (قَوْلُهُ فَلَمْ يُثْخِنْهُ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: أَثْخَنَتْهُ الْجِرَاحَاتُ أَوْهَنَتْهُ وَأَضْعَفَتْهُ. وَفِي التَّنْزِيلِ - {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: 67]- أَيْ يُكْثِرَ فِيهَا الْقَتْلَ (قَوْلُهُ فَهُوَ لِلثَّانِي) لِأَنَّهُ هُوَ الْآخِذُ لَهُ (قَوْلُهُ وَحَلَّ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَخْرُجْ بِالْأَوَّلِ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ كَانَ ذَكَاتُهُ ذَكَاةَ الِاضْطِرَارِ وَهُوَ الْجُرْحُ: أَيَّ مَوْضِعٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 473 عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ وَفِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ مَا يَعِيشُ (فَ) الصَّيْدُ (لِلْأَوَّلِ وَحَرُمَ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ، فَصَارَ قَائِلًا لَهُ فَيَحْرُمُ (وَضَمِنَ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ قِيمَتَهُ) كُلَّهَا وَقْتَ إتْلَافِهِ (غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ) (وَحَلَّ اصْطِيَادُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ) لَحْمُهُ لِمَنْفَعَةِ جِلْدِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ رِيشِهِ أَوْ لِدَفْعِ شَرِّهِ، وَكُلُّهُ مَشْرُوعٌ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ. وَفِي الْقُنْيَةِ يَجُوزُ ذَبْحُ الْهِرَّةِ وَالْكَلْبِ لِنَفْعٍ مَا (وَالْأَوْلَى ذَبْحُ الْكَلْبِ إذَا أَخَذَتْهُ حَرَارَةُ الْمَوْتِ، وَبِهِ يَطْهُرُ لَحْمُ غَيْرِ نَجِسِ الْعَيْنِ) كَخِنْزِيرٍ فَلَا يَطْهُرُ أَصْلًا (وَجِلْدُهُ) وَقِيلَ يَطْهُرُ جِلْدُهُ لَا لَحْمُهُ وَهَذَا أَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْمَوَاهِبِ هُنَا وَمَرَّ فِي الطَّهَارَةِ (أَخْذُ الطَّيْرِ لَيْلًا مُبَاحٌ وَالْأَوْلَى عَدَمُ فِعْلِهِ) خَانِيَّةٌ (يُكْرَهُ تَعْلِيمُ الْبَازِي بِالطَّيْرِ الْحَيِّ) لِتَعْذِيبِهِ (سَمِعَ) الصَّائِدُ (حِسَّ إنْسَانٍ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَهْلِيَّاتِ)   [رد المحتار] كَانَ وَقَدْ وُجِدَ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ مَا يَعِيشُ) أَيْ يَنْجُو مِنْهُ. أَمَّا إذَا كَانَ بِحَالٍ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ، بِأَنْ لَا يَبْقَى فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَبْقَى فِي الْمَذْبُوحِ، كَمَا إذَا أَبَانَ رَأْسَهُ يَحِلُّ لِأَنَّ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يَعِيشُ مِنْهُ إلَّا أَنَّ فِيهِ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الْمَذْبُوحِ بِأَنْ كَانَ يَعِيشُ يَوْمًا أَوْ دُونَهُ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْرُمُ بِالرَّمْيَةِ الثَّانِيَةِ إذْ لَا عِبْرَةَ بِهَذِهِ الْحَيَاةِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْرُمُ لِأَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُ زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ) أَيْ بِسَبَبِ خُرُوجِهِ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ فَصَارَ كَالرَّمْيِ إلَى الشَّاةِ، أَفَادَهُ فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَضَمِنَ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ قِيمَتَهُ إلَخْ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَ صَيْدًا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ، لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِثْخَانِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ مَا أَتْلَفَ وَقِيمَتُهُ وَقْتَ إتْلَافِهِ كَانَ نَاقِصًا بِجِرَاحَةِ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ. بَيَانُهُ أَنَّ الرَّامِيَ الْأَوَّلَ إذَا رَمَى صَيْدًا يُسَاوِي عَشْرَةً فَنَقَصَهُ دِرْهَمَيْنِ ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي دِرْهَمَيْنِ ثُمَّ مَاتَ يَضْمَنُ الثَّانِي ثَمَانِيَةً وَيَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ قِيمَتِهِ دِرْهَمَانِ، لِأَنَّ ذَلِكَ تَلِفَ بِجِرَاحَةِ الْأَوَّلِ زَيْلَعِيٌّ. وَفَرَضَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِالثَّانِي، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ حَصَلَ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ أَوْ لَا يُدْرَى فَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الضَّمَانِ يَخْتَلِفُ وَحَقَّقَ الزَّيْلَعِيُّ عَدَمَ الْفَرْقِ فَرَاجِعْهُ. [تَتِمَّةٌ] بَقِيَ لَوْ رَمَيَاهُ مَعًا فَأَصَابَهُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ فَأَثْخَنَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ الْآخَرُ أَوْ رَمَاهُ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ الْأَوَّلُ أَوْ بَعْدَمَا أَصَابَهُ قَبْلَ أَنْ يُثْخِنَهُ فَأَصَابَهُ الْأَوَّلُ وَأَثْخَنَهُ أَوْ أَثْخَنَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ الثَّانِي فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَيُؤْكَلُ خِلَافًا لِزُفَرَ. وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا وَأَصَابَا مَعًا فَمَاتَ مِنْهُمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَالْكَلْبُ فِي هَذَا كَالسَّهْمِ حَتَّى يَمْلِكَهُ بِإِثْخَانِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ إمْسَاكُهُ بِدُونِ الْإِثْخَانِ، حَتَّى لَوْ أَرْسَلَ بَازِيَهُ فَأَمْسَكَ الصَّيْدَ بِمِخْلَبِهِ وَلَمْ يُثْخِنْهُ فَأَرْسَلَ آخَرُ بَازِيَهُ فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلثَّانِي وَيَحِلُّ لِأَنَّ يَدَ الْبَازِي الْأَوَّلِ لَيْسَتْ بِيَدٍ حَافِظَةٍ لِتُقَامَ مَقَامَ يَدِ الْمَالِكِ، وَلَوْ رَمَى سَهْمًا فَأَثْخَنَهُ ثُمَّ رَمَاهُ ثَانِيًا فَقَتَلَهُ حَرُمَ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَيْنِ عَلَى صَيْدٍ فَضَرَبَهُ أَحَدُهُمَا فَوَقَذَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ الْآخَرُ فَقَتَلَهُ يُؤْكَلُ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ لِنَفْعٍ مَا) أَيْ وَلَوْ قَلِيلًا، وَالْهِرَّةُ لَوْ مُؤْذِيَةً لَا تُضْرَبُ وَلَا تُفْرَكُ أُذُنُهَا بَلْ تُذْبَحُ (قَوْلُهُ وَالْأَوْلَى إلَخْ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْفِيفِ الْأَلَمِ عَنْهُ. قَالَ ط: وَالتَّقْيِيدُ بِالْكَلْبِ لَيْسَ لَهُ مَفْهُومٌ (قَوْلُهُ وَبِهِ يَطْهُرُ) أَيْ بِالِاصْطِيَادِ وَكَذَا بِالذَّبْحِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الطَّهَارَةِ كَوْنُ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِهِ مَعَ التَّسْمِيَةِ، فِيهِ خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ آخِرَ الذَّبَائِحِ اسْتَظْهَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ الِاشْتِرَاطَ وَفِي الْبَحْرِ عَدَمَهُ (قَوْلُهُ كَخِنْزِيرٍ) تَمْثِيلٌ لِجِنْسِ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ فَلَا يَطْهُرُ أَصْلًا) أَيْ لَا جِلْدُهُ وَلَا لَحْمُهُ وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَهَذَا أَصَحُّ) وَكَذَا صَحَّحَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ مَعْزُوًّا لِلْكَافِي وَالْغَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ: إنَّ الْأَوَّلَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ سَمِعَ حِسَّ إنْسَانٍ) أَيْ صَوْتَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ حِينَ الرَّمْيِ يَعْلَمُ أَنَّهُ حِسُّ إنْسَانٍ، وَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ هُنَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْهِدَايَةِ فِيمَا إذَا سَمِعَ حِسًّا ظَنَّهُ حِسَّ صَيْدٍ فَرَمَاهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ إنْسَانٍ أَوْ صَيْدٍ فَلَا مُخَالَفَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 474 كَفَرَسٍ وَشَاةٍ (فَرَمَى إلَيْهِ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ بِخِلَافِ مَا إذَا سَمِعَ حِسَّ أَسَدٍ) أَوْ خِنْزِيرٍ (فَرَمَى إلَيْهِ) وَأَرْسَلَ كَلْبَهُ (فَإِذَا هُوَ صَيْدٌ حَلَالُ الْأَكْلِ حَلَّ) وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْحِسَّ حِسُّ صَيْدٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَحِلَّ جَوْهَرَةٌ، لِأَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْمُبِيحُ وَالْمُحَرِّمُ غُلِّبَ الْمُحَرَّمُ. (رَمَى ظَبْيًا فَأَصَابَ قَرْنَهُ أَوْ ظِلْفَهُ فَمَاتَ، إنْ أَدْمَاهُ أَكَلَ) لِوُجُودِ الْجُرْحِ (وَإِلَّا لَا، وَالْعِبْرَةُ بِحَالَةِ الرَّمْيِ فَحَلَّ الصَّيْدُ بِرِدَّتِهِ) إذَا رَمَى مُسْلِمًا   [رد المحتار] بَيْنَهُمَا كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ (قَوْلُهُ كَفَرَسٍ وَشَاةٍ) وَطَيْرٍ مُسْتَأْنِسٍ وَخِنْزِيرٍ أَهْلِيٍّ، فَالْمُرَادُ كُلُّ مَا لَا يَحِلُّ بِالِاصْطِيَادِ (قَوْلُهُ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ) لِأَنَّ الْفِعْلَ لَيْسَ بِاصْطِيَادٍ، وَلَوْ أَصَابَ الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ وَقَدْ ظَنَّهُ آدَمِيًّا فَإِذَا هُوَ صَيْدٌ يَحِلُّ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِظَنِّهِ مَعَ تَعْيِينِهِ هِدَايَةٌ. وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى بِالنُّونِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَيْضًا لِأَنَّهُ رَمَاهُ وَهُوَ لَا يُرِيدُ الصَّيْدَ. ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَحِلُّ الصَّيْدُ إلَّا بِوَجْهَيْنِ: أَنْ يَرْمِيَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الصَّيْدَ، وَأَنْ يَكُونَ الَّذِي أَرَادَهُ وَسَمِعَ حِسَّهُ وَرَمَى إلَيْهِ صَيْدًا، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ لَا. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا أَوْجَهُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ لِأَبِي يُوسُفَ فِيهِ قَوْلَيْنِ: فِي قَوْلٍ يَحِلُّ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَحِلُّ. وَقَالَ: فَيَحْمِلُ مَا فِي الْهِدَايَةِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ اهـ. أَقُولُ: مَا فِي الْهِدَايَةِ أَقَرَّهُ شُرَّاحُهَا وَمَشْي عَلَيْهِ فِي الْمُلْتَقَى وَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَالَ: نَظِيرُهُ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَأَشَارَ إلَيْهَا: هَذِهِ الْكَلْبَةُ طَالِقٌ أَنَّهَا تَطْلُقُ وَيَبْطُلُ الِاسْمُ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا: وَإِنْ أَرْسَلَ إلَى مَا يَظُنُّ أَنَّهُ شَجَرَةٌ أَوْ إنْسَانٌ فَإِذَا هُوَ صَيْدٌ يُؤْكَلُ هُوَ الْمُخْتَارُ اهـ فَالْمُخْتَارُ مَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا سَمِعَ حِسَّ أَسَدٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) أَيْ مُتَوَحِّشٍ وَالْمُرَادُ كُلُّ مَا يَحِلُّ اصْطِيَادُهُ. وَاسْتَثْنَى فِي النِّهَايَةِ مَا لَوْ كَانَ الْمَسْمُوعُ حِسُّهُ جَرَادًا أَوْ سَمَكًا فَأَصَابَ غَيْرَهُمَا لَا يُؤْكَلُ، لِأَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَقَعُ عَلَيْهِمَا فَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ ذَكَاةً. وَاعْتَرَضَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ رَمَى إلَى جَرَادٍ أَوْ سَمَكَةٍ وَتَرَكَ التَّسْمِيَةَ فَأَصَابَ طَائِرًا أَوْ صَيْدًا آخَرَ فَقَتَلَهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُؤْكَلُ اهـ. أَقُولُ: لَكِنَّ قَوْلَ الْخَانِيَّةِ وَتَرَكَ التَّسْمِيَةَ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مُشْكِلٌ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَقَالَ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُؤْكَلُ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ وَتَرَكَ التَّسْمِيَةَ، وَرَأَيْت بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ أَيْ نَاسِيًا وَهُوَ قَيْدٌ لَازِمٌ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَرَمَى إلَيْهِ) أَيْ وَأَصَابَ صَيْدًا آخَرَ غَيْرَ مَا سَمِعَهُ (قَوْلُهُ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْإِرْسَالَ كَالرَّمْيِ، وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: وَالْبَازِي وَالْفَهْدُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالْكَلْبِ صَوَابُهُ كَالرَّمْيِ (قَوْلُهُ حَلَّ) أَيْ الصَّيْدُ الْمُصَابُ لِوُقُوعِ الْفِعْلِ اصْطِيَادًا فَصَارَ كَأَنَّهُ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ هِدَايَةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ لَمْ يَحِلَّ) أَيْ الْمُصَابُ، كَمَا لَوْ رَمَى إلَى بَعِيرٍ لَا يَدْرِي أَهُوَ نَادٌّ أَوْ لَا فَأَصَابَ صَيْدًا لَا يَحِلُّ الْمُصَابُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الِاسْتِئْنَاسُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَمَى إلَى طَائِرٍ لَا يَدْرِي أَهُوَ وَحْشِيٌّ أَوْ لَا فَأَصَابَ صَيْدًا غَيْرَهُ حَلَّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيهِ التَّوَحُّشُ، فَيُحْكَمُ عَلَى كُلٍّ بِظَاهِرِ حَالِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الْجُرْحِ) فَإِنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِوُجُودِ الدَّمِ عَلَى وُجُودِ الْجُرْحِ وَإِنْ كَانَ لَا يُشْتَرَطُ الْإِدْمَاءُ فِي غَيْرِهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ ط (قَوْلُهُ وَالْعِبْرَةُ بِحَالَةِ الرَّمْيِ) إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا مُحَمَّدٌ. وَهِيَ: حَلَالٌ رَمَى صَيْدًا وَهُمَا فِي الْحِلِّ فَدَخَلَ الصَّيْدُ الْحَرَمَ فَأَصَابَهُ السَّهْمُ وَمَاتَ فِيهِ أَوْ فِي الْحِلِّ لَا يُؤْكَلُ، وَفِيمَا عَدَاهَا فَالْعِبْرَةُ بِحَالَةِ الرَّمْيِ تَتَارْخَانِيَّةٌ أَيْ فِي حَقِّ الْأَكْلِ. أَمَّا فِي حَقِّ الْمِلْكِ فَالْعِبْرَةُ لِوَقْتِ الْإِصَابَةِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، فَلَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ وَرَمَى بَعْدَهُ آخَرُ فَأَصَابَهُ الثَّانِي وَأَثْخَنَهُ قَبْلَ الْأَوَّلِ فَهُوَ لِلثَّانِي (قَوْلُهُ فَحَلَّ الصَّيْدُ بِرِدَّتِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْبَاءَ لِلْمُصَاحَبَةِ نَحْوَ - {اهْبِطْ بِسَلامٍ} [هود: 48]- أَيْ مَعَ رِدَّتِهِ بَعْدَ الرَّمْيِ وَقَبْلَ الْإِصَابَةِ أَوْ بَعْدَهَا، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ فَيَحِلُّ لِأَنَّهُ حِينَ الرَّمْيِ كَانَ مُسْلِمًا، وَكَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 475 (لَا بِإِسْلَامِهِ وَوَجَبَ الْجَزَاءُ بِحِلِّهِ) إذَا رَمَى مُحْرِمًا (لَا بِإِحْرَامِهِ) وَسَيَجِيءُ قُبَيْلَ كِتَابِ الدِّيَاتِ. [فَرْعٌ] لَوْ أَنَّ بَازِيًا مُعَلَّمًا أَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ وَلَا يُدْرَى أَرْسَلَهُ إنْسَانٌ أَوْ لَا لَا يُؤْكَلُ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي الْإِرْسَالِ وَلَا إبَاحَةَ بِدُونِهِ، وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَهُوَ مَالُ الْغَيْرِ فَلَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهُ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ زَيْلَعِيٌّ. قُلْت: وَقَدْ وَقَعَ فِي عَصْرِنَا حَادِثَةُ الْفَتْوَى، وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ شَاتَه مَذْبُوحَةً بِبُسْتَانِهِ هَلْ يَحِلُّ لَهُ أَكْلُهَا أَمْ لَا؟ وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي أَنَّ الذَّابِحَ مِمَّنْ تَحِلُّ ذَكَاتُهُ أَمْ لَا، وَهَلْ سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهَا أَمْ لَا. لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ اللُّقَطَةِ: قَوْمٌ أَصَابُوا بَعِيرًا مَذْبُوحًا فِي طَرِيقِ الْبَادِيَةِ، إنْ لَمْ يَكُنْ قَرِيبًا مِنْ الْمَاءِ وَوَقَعَ فِي الْقَلْبِ أَنَّ صَاحِبَهُ فَعَلَ ذَلِكَ إبَاحَةً لِلنَّاسِ لَا بَأْسَ بِالْأَخْذِ وَالْأَكْلِ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالدَّلَالَةِ كَالثَّابِتِ بِالصَّرِيحِ اهـ، فَقَدْ أَبَاحَ أَكْلَهَا بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِ الذَّابِحِ أَهْلًا لِلذَّكَاةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. قُلْت: قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ حَادِثَةِ الْفَتْوَى وَاللُّقَطَةِ بِأَنَّ الذَّابِحَ فِي الْأَوَّلِ غَيْرُ الْمَالِكِ قَطْعًا وَفِي الثَّانِي يَحْتَمِلُ. وَرَأَيْت بِخَطِّ ثِقَةٍ: سَرَقَ شَاةً فَذَبَحَهَا بِتَسْمِيَةٍ فَوَجَدَ صَاحِبَهَا هَلْ تُؤْكَلُ؟ الْأَصَحُّ لَا لِكُفْرِهِ بِتَسْمِيَتِهِ عَلَى الْحَرَامِ الْقَطْعِيِّ بِلَا تَمَلُّكٍ وَلَا إذْنٍ شَرْعِيٍّ اهـ فَلْيُحَرَّرْ. وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: وَمَا مَاتَ لَا تُطْعِمْهُ كَلْبًا فَإِنَّهُ ... خَبِيثٌ حَرَامٌ نَفْعُهُ مُتَعَذِّرُ   [رد المحتار] يَحِلُّ لَوْ رَمَى صَيْدًا فَانْكَسَرَ الصَّيْدُ بِسَبَبٍ آخَرَ ثُمَّ أَصَابَهُ السَّهْمُ لِأَنَّهُ حِينَ الرَّمْيِ كَانَ صَيْدًا خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ لَا بِإِسْلَامِهِ) أَيْ لَوْ رَمَاهُ مُرْتَدًّا (قَوْلُهُ وَوَجَبَ الْجَزَاءُ بِحِلِّهِ) أَيْ بِتَحَلُّلِهِ مِنْ إحْرَامِهِ (قَوْلُهُ لَا بِإِحْرَامِهِ) أَيْ إذَا رَمَاهُ حَلَالًا. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: حَلَالٌ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ فِي الْحِلِّ وَمَاتَ فِي الْحَرَمِ أَوْ رَمَاهُ مِنْ الْحَرَمِ وَأَصَابَهُ فِي الْحِلِّ وَمَاتَ فِيهِ لَا يَحِلُّ، وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ لِوُقُوعِ الشَّكِّ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْبَازِي الَّذِي طَبْعُهُ الِاصْطِيَادُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرْسَلٍ وَغَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ، بِخِلَافِ الذَّابِحِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَأَنَّهُ سَمَّى، وَاحْتِمَالُ عَدَمِ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي اللَّحْمِ الَّذِي يُبَاعُ فِي السُّوقِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي التَّحْرِيمِ قَطْعًا (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَحِلُّ إلَخْ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ قَرِيبًا مِنْ الْمَاءِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ احْتَمَلَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَأَخْرَجَهُ صَاحِبُهُ فَذَبَحَهُ عَلَى ظَنِّ حَيَاتِهِ فَلَمْ يَتَحَرَّكْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ دَمٌ فَتَرَكَهُ صَاحِبُهُ لِعِلْمِهِ بِمَوْتِهِ بِالْمَاءِ فَلَا يَتَأَتَّى احْتِمَالُ أَنَّهُ تَرَكَهُ إبَاحَةً لِلنَّاسِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَوَقَعَ فِي الْقَلْبِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الظَّنُّ الْغَالِبُ لَا مُجَرَّدُ الْخُطُورِ فَإِنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ ط (قَوْلُهُ إبَاحَةً لِلنَّاسِ) قَدْ شَاهَدْنَا فِي طَرِيقِ الْحَجِّ مَنْ يَفْعَلُهُ لِذَلِكَ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالدَّلَالَةِ) أَيْ دَلَالَةِ حَالِ صَاحِبِهِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي الْقَلْبِ، فَهُوَ كَصَرِيحِ قَوْلِهِ أَبَحْته لِمَنْ يَأْخُذُهُ وَخُصُوصًا الذَّبَائِحُ الَّتِي تُوجَدُ فِي مِنًى أَيَّامَ الْمَوْسِمِ. (قَوْلُهُ وَفِي الثَّانِي يَحْتَمِلُ) فِيهِ أَنَّ احْتِمَالَ الثَّانِي كَوْنُ الذَّابِحِ هُوَ الْمَالِكُ لَا يَنْفِي احْتِمَالَ أَنَّهُ مَجُوسِيٌّ أَوْ تَارِكُ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ الْمَوْضِعُ مِمَّا يَسْكُنُهُ أَوْ يَسْلُكُ فِيهِ مَجُوسِيٌّ لَا يُؤْكَلُ وَإِلَّا أُكِلَ، وَلَا يَتَعَرَّضُ بِشَأْنِ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ التَّسْمِيَةُ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهَا دِينًا، وَخِلَافُ هَذَا مَوْهُومٌ لَا يُعَارِضُ الرَّاجِحَ. اهـ ح. أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُ اعْتِبَارَ الْوَضْعِ مَا قَالُوا فِي اللَّقِيطِ إذَا ادَّعَاهُ ذِمِّيٌّ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَلَكِنْ هُوَ مُسْلِمٌ إنْ لَمْ يُوجَدْ فِي مَكَانِ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَقَرْيَتِهِمْ أَوْ بِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ (قَوْلُهُ وَرَأَيْت إلَخْ) تَأْيِيدٌ لِلتَّفْرِقَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ بِصِحَّةِ التَّضْحِيَةِ بِشَاةِ الْغَصْبِ وَاخْتِلَافِهِمْ فِي صِحَّتِهَا بِشَاةِ الْوَدِيعَةِ، وَلِهَذَا قَالَ السَّائِحَانِيُّ أَقُولُ: هَذَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ فِي الْغَصْبِ وَفِي الْأُضْحِيَّةِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لَا تُطْعِمْهُ كَلْبًا) الْإِطْعَامُ حَمْلُهُ إلَيْهِ. وَأَمَّا حَمْلُ الْكَلْبِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 476 وَتَمْلِيكَ عُصْفُورٍ لِوَاجِدِهِ أَجِزْ ... وَإِعْتَاقَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ يُنْكِرُ وَإِنْ يَلْقَهُ مَعْ غَيْرِهِ جَازَ أَخْذُهُ ... كَقِشْرٍ لِرُمَّانٍ رَمَاهُ الْمُقَشِّرُ وَفِي مُعَايَاتِهَا: وَأَيُّ حَلَالٍ لَا يَحِلُّ اصْطِيَادُهُ ... صَيُودًا وَمَا صِيدَتْ وَلَا هِيَ تَنْفِرُ كِتَابُ الرَّهْنِ مُنَاسَبَتُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّهْنِ وَالصَّيْدِ سَبَبٌ لِتَحْصِيلِ الْمَالِ. (هُوَ) لُغَةً: حَبْسُ الشَّيْءِ. وَشَرْعًا (حَبْسُ شَيْءٍ مَالِيٍّ) أَيْ جَعْلُهُ مَحْبُوسًا لِأَنَّ الْحَابِسَ هُوَ الْمُرْتَهِنُ   [رد المحتار] إلَيْهِ فَكَحَمْلِ الْهِرَّةِ لِمَيْتَةٍ جَائِزٌ شُرُنْبُلَالِيٌّ (قَوْلُهُ وَتَمْلِيكَ عُصْفُورٍ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ أَجِزْ مُقَدَّمٌ: أَيْ تَمْلِيكَهُ بِقَوْلِهِ جَعَلْته لِمَنْ أَخَذَهُ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لَهُ أَخْذُهُ مِمَّنْ أَخَذَهُ هُوَ الْمُخْتَارُ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْإِبَاحَةِ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِهِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْإِبَاحَةُ لِقَوْمٍ مَعْلُومِينَ خِلَافٌ (قَوْلُهُ وَإِعْتَاقَهُ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ يُنْكِرُ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ يُنْكِرُ أَنَّهُ يُجَوِّزُهُ أَكْثَرُهُمْ وَلَمْ يَنْقُلْ ذَلِكَ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْحُرْمَةُ. اهـ ش. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَقُلْ مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ وَإِلَّا فَهُوَ عَيْنُ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (قَوْلُهُ جَازَ أَخْذُهُ) أَيْ إنْ لَمْ يُبِحْهُ عِنْدَ الْإِرْسَالِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ كَقِشْرٍ لِرُمَّانٍ) تَشْبِيهٌ مِنْ حَيْثُ حِلُّ الْأَخْذِ، وَأَمَّا مِلْكُهُ وَمَنْعُ الْأَوَّلِ مِنْهُ فَفِيهِ خِلَافٌ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ. وَفِي الصَّيْدِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إذَا لَمْ يُبِحْهُ، وَكَذَا فِي الدَّابَّةِ إذَا سَيَّبَهَا كَمَا بَسَطَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ (قَوْلُهُ وَأَيُّ حَلَالٍ) يَعْنِي أَنَّ رَجُلًا لَيْسَ مُحْرِمًا وَلَا فِي أَرْضِ الْحَرَمِ وَرَأَى صَيْدًا لَمْ يَصِدْهُ غَيْرُهُ وَلَا نَفَرَ: أَيْ هَرَبَ مِمَّنْ هُوَ مَالِكُهُ وَلَا يَحِلُّ اصْطِيَادُهُ. وَالْجَوَابُ: رَجُلٌ دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ فَلَمَّا رَآهُ غَلَقَ بَابَهُ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ اصْطِيَادٍ مَلَكَهُ، حَتَّى لَوْ خَرَجَ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ الْحَلَالِ اصْطِيَادُهُ أَوْ الْمُرَادُ لَا يَحِلُّ لِصَاحِبِ الدَّارِ الْحَلَالِ اصْطِيَادُهُ بِآلَةٍ جَارِحَةٍ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الرَّهْنِ] ِ هُوَ مَشْرُوعٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]- وَبِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا وَرَهَنَهُ بِهِ دِرْعَهُ» وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ. وَمِنْ مَحَاسِنِهِ النَّظَرُ لِجَانِبِ الدَّائِنِ بِأَمْنِ حَقِّهِ عَنْ التَّوَى، وَلِجَانِبِ الْمَدْيُونِ بِتَقْلِيلِ خِصَامِ الدَّائِنِ لَهُ وَبِقُدْرَتِهِ عَلَى الْوَفَاءِ مِنْهُ إذَا عَجَزَ. وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ فَقَطْ أَوْ هُوَ وَالْقَبُولُ كَمَا يَجِيءُ. وَشُرُوطُهُ تَأْتِي. وَحُكْمُهُ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ. وَسَبَبُهُ تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمُقَدَّرِ، وَإِنَّمَا خُصَّ بِالسَّفَرِ فِي الْآيَةِ، لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الْكِتَابَةِ وَالِاسْتِشْهَادِ فَيَسْتَوْثِقُ بِالرَّهْنِ (قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً حَبْسُ الشَّيْءِ) أَيْ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ. قَالَ تَعَالَى - {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38]- أَيْ مَحْبُوسَةٌ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَرْهُونِ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ، يُقَالُ رَهَنْتُ الرَّجُلَ شَيْئًا وَرَهَنْتُهُ عِنْدَهُ وَأَرْهَنْتُهُ لُغَةٌ فِيهِ وَالْجَمْعُ رِهَانٌ وَرُهُونٌ وَرُهُنٌ. وَالرَّهِينُ وَالرَّهِينَةُ الرَّهْنُ أَيْضًا، وَالتَّرْكِيبُ دَالٌّ عَلَى الثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ. وَالرَّاهِنُ: الْمَالِكُ، وَالْمُرْتَهِنُ: آخِذُ الرَّهْنِ (قَوْلُهُ أَيْ جَعْلُهُ مَحْبُوسًا) قَالَ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ: هُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ، لَمْ يَقُلْ حَبْسُ الشَّيْءِ بِحَقٍّ لِأَنَّ الْحَابِسَ هُوَ الْمُرْتَهِنُ لَا الرَّاهِنُ، بِخِلَافِ الْجَاعِلِ إيَّاهُ مَحْبُوسًا اهـ ح وَهَذَا تَعْرِيفٌ لِلرَّهْنِ التَّامِّ أَوْ اللَّازِمِ، وَإِلَّا فَفِي انْعِقَادِ الرَّهْنِ لَا يَلْزَمُ الْحَبْسُ بَلْ ذَلِكَ بِالْقَبْضِ اهـ سَعْدِيٌّ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَالْمُتَبَادِرُ أَنْ يَكُونَ الْحَبْسُ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ، فَلَوْ أُكْرِهَ الْمَالِكُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 477 بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ) أَيْ أَخْذُهُ (مِنْهُ) كُلًّا أَوْ بَعْضًا كَأَنْ كَانَ قِيمَةُ الْمَرْهُونِ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ (كَالدَّيْنِ) كَافُ الِاسْتِقْصَاءِ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ الرَّهْنِ إلَّا إذَا صَارَ دَيْنًا حُكْمًا كَمَا سَيَجِيءُ (حَقِيقَةً) وَهُوَ دَيْنٌ وَاجِبٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا فَقَطْ كَثَمَنِ عَبْدٍ أَوْ خَلٍّ وُجِدَ حُرًّا أَوْ خَمْرًا (أَوْ حُكْمًا) كَالْأَعْيَانِ (الْمَضْمُونَةِ بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ) (كَمَا سَيَجِيءُ) كَوْنُهُ. (وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ) حَالٌ (غَيْرُ لَازِمٍ)   [رد المحتار] لَمْ يَكُنْ رَهْنًا كَمَا فِي الْكُبْرَى فَلَا عَلَيْهِ ذِكْرُ الْإِذْنِ كَمَا ظَنَّ اهـ. وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ الْآتِي أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ عِمَامَةَ الْمَدْيُونِ تَكُونُ رَهْنًا إنْ رَضِيَ بِتَرْكِهَا (قَوْلُهُ بِحَقٍّ) أَيْ بِسَبَبِ حَقٍّ مَالِيٍّ وَلَوْ مَجْهُولًا. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ نَحْوِ الْقِصَاصِ وَالْحَدِّ وَالْيَمِينِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَدَخَلَ فِيهِ بَدَلُ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ الرَّهْنَ بِهِ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ بِهِ الْكَفَالَةُ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْحَانِيَّةِ (قَوْلُهُ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ) أَيْ اسْتِيفَاءُ هَذَا الْحَقِّ مِنْهُ: أَيْ مِنْ الرَّهْنِ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ: وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا يَفْسُدُ كَالثَّلْجِ، وَعَنْ نَحْوِ الْأَمَانَةِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: وَأَمَّا الْخَمْرُ فَهُوَ مَالٌ أَيْضًا. وَيُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ بِتَوْكِيلِ ذِمِّيٍّ يَبِيعُهُ أَوْ بِنَفْسِهِ إنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ وَالرَّاهِنُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ اهـ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ رَهْنُهُ وَلَا ارْتِهَانُهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَإِنْ ضَمِنَهُ لِلذِّمِّيِّ كَمَا يَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا) تَمْيِيزَانِ مِنْ هَاءِ اسْتِيفَاؤُهُ الرَّاجِعَةِ إلَى الْحَقِّ الَّذِي هُوَ الدَّيْنُ اهـ ح فَهُمَا مُحَوَّلَانِ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ الْمَفْعُولُ فِي الْمَعْنَى إذْ الْأَصْلُ اسْتِيفَاءُ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ، وَفِيمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ جَوَابٌ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ لَا يَتَنَاوَلُ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ كَالدَّيْنِ) تَمْثِيلٌ لِلْحَقِّ (قَوْلُهُ كَافٍ الِاسْتِقْصَاءَ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، يَعْنِي أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلتَّمْثِيلِ بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا سِوَى الدَّيْنِ، وَالدَّاعِي إلَى هَذَا جَعْلُ الْمُصَنِّفِ الدَّيْنَ شَامِلًا لِلْعَيْنِ، أَمَّا لَوْ أَطْلَقَهُ أَمْكَنَ جَعْلُ الْكَافِ لِلتَّمْثِيلِ، بِأَنْ يُرَادَ بِالدَّيْنِ الدَّيْنُ حَقِيقَةً (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ أَوْ حُكْمًا (قَوْلُهُ وَجَدَ حُرًّا أَوْ خَمْرًا) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ؛ وَكَثَمَنِ ذَبِيحَةٍ وَبَدَلِ صُلْحٍ عَنْ إنْكَارٍ وَإِنْ وُجِدَتْ مَيِّتَةً أَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ، لِأَنَّ الدَّيْنَ وَجَبَ ظَاهِرًا، وَهُوَ كَافٍ لِأَنَّهُ آكَدُ مِنْ دَيْنٍ مَوْعُودٍ كَمَا سَيَأْتِي دُرَرٌ أَيْ فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ. وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا شَيْءَ بِهَلَاكِهِ: كَمَا لَوْ رُهِنَ بِالْحُرِّ وَالْخَمْرِ ابْتِدَاءً. وَنَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ رَهْنٍ فَاسِدٍ مَضْمُونٌ بِالْأَكْلِ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ. وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ أَبُو السُّعُودِ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ كَالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ) وَيُقَالُ لَهَا الْمَضْمُونَةُ بِنَفْسِهَا لِقِيَامِ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ مَقَامَهَا كَالْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ مِمَّا سَيَجِيءُ. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَمَبِيعٍ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ، وَعَنْ غَيْرِ الْمَضْمُونَةِ أَصْلًا كَالْأَمَانَاتِ. فَالرَّهْنُ بِهَذَيْنِ بَاطِلٌ وَسَمَّاهَا دَيْنًا حُكْمًا لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِيهَا هُوَ الْقِيمَةُ أَوْ الْمِثْلُ، وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ إنْ أَمْكَنَ رَدُّهَا عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَذَلِكَ دَيْنٌ. وَأَمَّا عَلَى مَا عَلَيْهِ الْبَعْضُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ لَا تَجِبُ إلَّا بَعْدَ الْهَلَاكِ وَلَكِنَّهَا تَجِبُ عِنْدَ الْهَلَاكِ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ، وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ) كَرَهَنْتُكَ بِمَا لَكَ عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ خُذْ هَذَا الشَّيْءَ رَهْنًا بِهِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَلَفْظُ الرَّهْنِ غَيْرُ شَرْطٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَقَبُولٌ) كَارْتَهَنْتُهُ سَوَاءٌ صَدَرَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ أَصِيلٍ أَوْ وَكِيلٍ، فَالْقَبُولُ رُكْنٌ كَالْإِيجَابِ وَإِلَيْهِ مَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ فَإِنَّهُ كَالْبَيْعِ وَلِذَا لَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَرْهَنُ بِدُونِ الْقَبُولِ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ شَرْطُ صَيْرُورَةِ الْإِيجَابِ عِلَّةً لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ وَلِذَا لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَاقْتَصَرَ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى الثَّانِي، وَنَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ بِطَرِيقِ الْعَاطِي (قَوْلُهُ غَيْرُ لَازِمٍ) لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَسْتَوْجِبُ بِمُقَابَلَتِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 478 وَحِينَئِذٍ فَلِلرَّهْنِ تَسْلِيمُهُ وَالرُّجُوعِ عَنْهُ كَمَا فِي الْهِبَةِ (فَإِذَا سَلَّمَهُ وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ) حَالَ كَوْنِهِ (مَحُوزًا) لَا مُتَفَرِّقًا كَثَمَرٍ عَلَى شَجَرٍ (مُفَرَّغًا) لَا مَشْغُولًا بِحَقِّ الرَّاهِنِ كَشَجَرٍ بِدُونِ الثَّمَرِ (مُمَيَّزًا) لَا مُشَاعًا وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ اتَّصَلَ الْمَرْهُونُ بِغَيْرِ الْمَرْهُونِ خِلْقَةً كَالشَّجَرِ وَسَيَتَّضِحُ (لَزِمَ) أَفَادَ أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ اللُّزُومِ كَمَا فِي الْهِبَةِ، وَصُحِّحَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ شَرْطُ الْجَوَازِ (وَالتَّخْلِيَةِ) بَيْنَ الرَّهْنِ وَالْمُرْتَهِنِ (قَبَضَ) حُكْمًا عَلَى الظَّاهِرِ (كَالْبَيْعِ) فَإِنَّهَا فِيهِ أَيْضًا قَبْضٌ (وَهُوَ مَضْمُونٌ إذَا هَلَكَ   [رد المحتار] شَيْئًا (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ انْعَقَدَ غَيْرُ لَازِمٍ، وَيُغْنِي عَنْهُ فَاءُ التَّفْرِيعِ كَمَا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَقَبَضَهُ) أَيْ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ صَرِيحًا أَوْ مَا جَرَى مَجْرَاهُ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ كَأَبٍ وَوَصِيٍّ وَعَدْلٍ هِنْدِيَّةٌ مُلَخَّصًا، وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ وَالرَّاهِنُ سَاكِتٌ يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ رَهْنًا فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ حَالَ كَوْنِهِ) أَيْ الرَّهْنِ، وَهَذِهِ الْأَحْوَالُ مُتَرَادِفَةٌ أَوْ مُتَدَاخِلَةٌ عَيْنِيٌّ وَأَفَادَ بِهَا أَنَّ الرَّهْنَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ لَيْسَ بِلَازِمٍ عِنْدَ الْعَقْدِ بَلْ عِنْدَ الْقَبْضِ، فَلَوْ اتَّصَلَ أَوْ اشْتَغَلَ بِغَيْرِهِ كَانَ فَاسِدًا لَا بَاطِلًا، وَكَذَا لَوْ كَانَ شَائِعًا. وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يَكُونُ بَاطِلًا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ، فَلَوْ ارْتَفَعَ الْفَسَادُ عِنْدَ الْقَبْضِ صَارَ صَحِيحًا لَازِمًا كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ مُحَوِّزًا) مِنْ الْحَوْزِ: وَهُوَ الْجَمْعُ وَضَمُّ الشَّيْءِ قَامُوسٌ، وَانْظُرْ مَا فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ كَثَمَرٍ عَلَى شَجَرٍ) مِثَالٌ لِلْمُتَفَرِّقِ وَكَزَرْعٍ عَلَى أَرْضٍ أَيْ بِدُونِ الشَّجَرِ وَالْأَرْضِ لِأَنَّ الثَّمَرَ وَالزَّرْعَ لَمْ يُحَازَا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِمَعْنَى أَنَّ يَدَهُ لَمْ تَحْوِهِمَا وَتَجْمَعْهُمَا إذْ لَا يُمْكِنُ حِيَازَةُ ثَمَرٍ بِدُونِ شَجَرٍ وَلَا زَرْعٍ بِدُونِ أَرْضٍ ط (قَوْلُهُ لَا مَشْغُولًا) أَمَّا الشَّاغِلُ فَرَهْنُهُ جَائِزٌ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِحَقِّ الرَّاهِنِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ كَانَ مَشْغُولًا بِمِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا يُمْنَعُ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ حَمَوِيٌّ. أَقُولُ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الشَّاغِلِ الَّذِي يَجُوزُ رَهْنُهُ بِغَيْرِ الْمُتَّصِلِ لِمَا عَلِمْتَهُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ رَهْنِ الثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ وَكَذَا الْبِنَاءُ وَحْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ لَا مُشَاعًا) كَنِصْفِ عَبْدٍ أَوْ دَارٍ وَلَوْ مِنْ الشَّرِيكِ، وَسَيَجِيءُ تَمَامُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا ثَبَتَ الشُّيُوعُ فِيهِ ضَرُورَةً (قَوْلُهُ وَلَوْ حُكْمًا إلَخْ) يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَحُوزًا (قَوْلُهُ خِلْقَةً) فِي التَّقْيِيدِ بِهِ نَظَرٌ سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ وَسَيَتَّضِحُ) أَيْ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ لَزِمَ) جَوَابُ إذَا (قَوْلُهُ شَرْطُ اللُّزُومِ) مَشَى عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِمَا. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ الْعَامَّةِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا، وَمِثْلُهُ فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي السَّعْدِيَّةِ أَقُولُ: سَبَقَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً» وَالْقَبْضُ لَيْسَ بِشَرْطِ الْجَوَازِ فِي الْهِبَةِ، فَلْيَكُنْ هُنَا كَذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُفَسَّرَ هُنَا أَيْضًا الْجَوَازُ بِاللُّزُومِ لَا بِالصِّحَّةِ كَمَا فَعَلُوا فِي الْهِبَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ وَبَيْنَ الْحَدِيثِ إلَّا بِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَصُحِّحَ فِي الْمُجْتَبَى) وَكَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَالتَّخْلِيَةُ) هِيَ رَفْعُ الْمَوَانِعِ وَالتَّمْكِينُ مِنْ الْقَبْضِ (قَوْلُهُ قَبْضٌ حُكْمًا) لِأَنَّهَا تَسْلِيمٌ فَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْحُكْمُ بِالْقَبْضِ. فَقَدْ ذَكَرَ الْغَايَةَ الَّتِي يُبْنَى عَلَيْهَا الْحُكْمُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ. وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: الصَّوَابُ أَنَّ التَّخْلِيَةَ تَسْلِيمٌ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْمَانِعِ مِنْ الْقَبْضِ، وَهُوَ فِعْلُ الْمُسَلِّمِ دُونَ الْمُتَسَلِّمِ وَالْقَبْضُ فِعْلُ الْمُتَسَلِّمِ اهـ أَفَادَهُ فِي الْمِنَحِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَنْقُولِ إلَّا بِالنَّقْلِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَضْمُونٌ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ مَالِيَّتَهُ مَضْمُونَةٌ، وَأَمَّا عَيْنُهُ فَأَمَانَةٌ. قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: وَيَهْلِكُ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ حَتَّى يُكَفِّنَهُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ حَقِيقَةً، وَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهَا لَا يَنُوبُ قَبْضُ الرَّهْنِ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فَلَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الضَّمَانِ، وَإِذَا كَانَ مِلْكُهُ فَمَاتَ كَانَ كَفَنُهُ عَلَيْهِ اهـ حَمَوِيٌّ عَلَى الْأَشْبَاهِ. وَاحْتَرَزَ عَمَّا إذَا اسْتَهْلَكَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَهُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا شَرَطَ عَدَمَ الضَّمَانِ لَوْ ضَاعَ، فَالرَّهْنُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَيَهْلِكُ بِالدَّيْنِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 479 بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ أَمَانَةٌ (وَالْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ) لَا يَوْمَ الْهَلَاكِ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْأَشْبَاهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمَنْقُولِ كَمَا حَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ. (الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِقْدَارَ) أَيْ مِقْدَارَ مَا يُرِيدُ أَخْذَهُ مِنْ الدَّيْنِ (لَيْسَ بِمَضْمُونٍ فِي الْأَصَحِّ)   [رد المحتار] وَشَمِلَ مَا لَوْ نَقَصَ بِعَيْبٍ. فَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ رَهَنَا قِنًّا فَأَبَقَ سَقَطَ الرَّهْنُ، فَلَوْ وَجَدَهُ عَادَ رَهْنًا وَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ لَوْ كَانَ أَوَّلَ إبَاقِهِ وَإِلَّا فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ اهـ وَسَيَجِيءُ آخِرَ الرَّهْنِ، وَشَمِلَ الرَّهْنَ الْفَاسِدَ أَيْضًا فَإِنَّهُ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الصَّحِيحِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي آخِرِ الرَّهْنِ. [تَنْبِيهٌ] ذُكِرَ فِي الْفَصْلِ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْعِمَادِيَّةِ: لَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ وَهَلَكَ أَحَدُهُمَا وَقِيمَةُ الْهَالِكِ أَكْثَرُ مِنْ الدَّيْنِ لَا يَسْقُطُ كُلُّ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ بَلْ يُقَوَّمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْحَيِّ وَقِيمَةِ الْهَالِكِ، فَمَا أَصَابَ الْهَالِكَ يَسْقُطُ، وَمَا أَصَابَ الْبَاقِي يَبْقَى، وَكَذَا إذَا رَهَنَ دَارًا بِأَلْفٍ وَخَرِبَتْ يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَقِيمَةِ الْعَرْصَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ، فَمَا أَصَابَ الْبِنَاءَ يَسْقُطُ، وَمَا أَصَابَ الْعَرْصَةَ يَبْقَى كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ اهـ. وَبَيَانُهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة: رَهَنَ فَرْوًا قِيمَتُهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَأَكَلَهُ السُّوسُ فَصَارَ قِيمَتُهُ عَشَرَةً فَإِنَّهُ يَفْتَكُّهُ بِدِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ اهـ أَيْ لِأَنَّ الْهَالِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الرَّهْنِ فَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَلْيُحْفَظْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ. وَسَيُذْكَرُ آخِرَ الْبَابِ الْآتِي: لَوْ ذَهَبَتْ عَيْنُ الدَّابَّةِ يَسْقُطُ رُبْعُ الدَّيْنِ وَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَسَيَأْتِي أَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الدَّيْنِ بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْعَيْنِ وَأَنَّ نَمَاءَ الرَّهْنِ الَّذِي صَارَ رَهْنًا تَبَعًا يَهْلِكُ مَجَّانًا إلَّا إذَا هَلَكَ بَعْدَ هَلَاكِ الْأَصْلِ، وَيَأْتِي بَيَانُ الْجَمِيعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيُّ بِأَقَلَّ بِدُونِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهُوَ خَطَأٌ، وَاعْتُبِرَ هَذَا بِقَوْلِ الرَّجُلِ مَرَرْت بِأَعْلَمَ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو يَكُونُ الْأَعْلَمُ غَيْرَهُمَا، وَلَوْ كَانَ بِالْأَعْلَمِ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو يَكُونُ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَكَلِمَةُ مِنْ لِلتَّمْيِيزِ اهـ. وَقَالَ فِي الْمُوَصَّلِ شَرْحِ الْمُفَصَّلِ: إنَّ مِنْ هَذِهِ لَيْسَتْ " مِنْ " التَّفْضِيلِيَّةَ الَّتِي لَا تُجَامِعُ اللَّامَ وَإِنَّمَا هِيَ " مِنْ " التَّبْيِينِيَّةُ فِي قَوْلِكَ أَنْتَ الْأَفْضَلُ مِنْ قُرَيْشٍ كَمَا تَقُولُ أَنْتَ مِنْ قُرَيْشٍ اهـ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا الَّذِي هُوَ أَحَدُهُمَا، وَلَوْ قِيلَ بِأَقَلَّ مُنْكِرًا اقْتَضَى أَنَّهُ يَضْمَنُ بِشَيْءٍ ثَالِثٍ غَيْرِهِمَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُمَا وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَيْ بِدَيْنٍ أَوْ بِقِيمَةٍ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مِنْ الدَّيْنِ مُرَتَّبًا، فَكَلِمَةُ مِنْ تَفْضِيلِيَّةٌ وَالْمُفَضَّلُ الدَّيْنُ أَوَّلًا وَالْقِيمَةُ ثَانِيًا وَالْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ بِالْعَكْسِ اهـ. فَالْمَعْنَى بِدَيْنٍ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ بِقِيمَةٍ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ أَمَانَةٌ) أَيْ كُلُّهُ لَهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَحُكْمُ الرَّهْنِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْعَدْلِ يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَإِلَى الدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ سَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ إلَخْ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ هَلَكَ بِاسْتِهْلَاكِهِ وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ. زَادَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: وَالْقَوْلُ فِيهَا لِلْمُرْتَهِنِ وَالْبَيِّنَةُ لِلرَّاهِنِ (قَوْلُهُ لَا يَوْمَ الْهَلَاكِ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْأَشْبَاهِ) أَيْ فِي بَحْثِ ثَمَنِ الْمِثْلِ مِنْ الْفَنِّ الثَّالِثِ. أَقُولُ: يُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الْأَشْبَاهِ عَلَى مَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ، وَلِذَا قَالَ الرَّمْلِيِّ بَعْدَ كَلَامٍ: وَأَنْتَ إذَا أَمْعَنْتَ النَّظَرَ ظَهَرَ لَكَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ، فَقَطَعْت فِي صُورَةِ الْهَلَاكِ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَفِي صُورَةِ الِاسْتِهْلَاكِ يَوْمَ الْهَلَاكِ لِوُرُودِهِ عَلَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ اهـ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِقْدَارَ) أَمَّا لَوْ بَيَّنَ يَكُونُ مَضْمُونًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 480 كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْأَشْبَاهِ (فَإِنْ) هَلَكَ وَ (سَاوَتْ قِيمَتُهُ الدَّيْنَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا) دَيْنَهُ (حُكْمًا، أَوْ زَادَتْ كَانَ الْفَضْلُ أَمَانَةً) فَيَضْمَنُ بِالتَّعَدِّي (أَوْ نَقَصَتْ سَقَطَ بِقَدْرِهِ وَرَجَعَ) الْمُرْتَهِنُ (بِالْفَضْلِ) لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ بِقَدْرِ الْمَالِيَّةِ (وَضَمِنَ) الْمُرْتَهِنُ (بِدَعْوَى الْهَلَاكِ بِلَا بُرْهَانٍ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَمْوَالٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ بَاطِنَةٍ، وَخَصَّهُ مَالِكٌ بِالْبَاطِنَةِ (وَلَهُ طَلَبُ دَيْنِهِ مِنْ رَاهِنِهِ، وَلَهُ حَبْسُهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ لِأَنَّ) الْحَبْسَ جَزَاءُ مَطْلِهِ (وَلَهُ حَبْسُ رَهْنِهِ بَعْدَ الْفَسْخِ) لِلْعَقْدِ (حَتَّى يَقْبِضَ دَيْنَهُ أَوْ يُبْرِئَهُ) لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الْفَسْخِ بَلْ يَبْقَى رَهْنًا مَا بَقِيَ الْقَبْضُ وَالدَّيْنُ مَعًا   [رد المحتار] وَصُورَتُهُ: أَخْذُ الرَّهْنِ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ كَذَا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ هَلَكَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِمَّا سُمِّيَ لَهُ مِنْ الْقَرْضِ، لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِسَوْمِ الرَّهْنِ وَالْمَقْبُوضُ بِسَوْمِ الرَّهْنِ كَالْمَقْبُوضِ بِسَوْمِ الشِّرَاءِ إذَا هَلَكَ فِي الْمُسَاوَمَةِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ) وَنَصُّهَا: الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ إذَا لَمْ يُبَيَّنْ الْمِقْدَارُ الَّذِي بِهِ رَهْنُهُ وَلَيْسَ فِيهِ دَيْنٌ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يُعْطِيهِ الْمُرْتَهَنَ وَمَا شَاءَ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَا أَسْتَحْسِنُ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا ضَاعَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ اهـ. أَقُولُ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الرَّهْنِ بِدَيْنٍ مَوْعُودٍ، وَسَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ الْآتِي أَيْضًا (قَوْلُهُ فَإِنْ هَلَكَ إلَخْ) الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ مَا قَبْلَهُ ط. وَبَيَانُ ذَلِكَ إذَا رَهَنَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ سَقَطَ دَيْنُهُ، وَلَوْ قِيمَتُهُ خَمْسَةً رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِخَمْسَةٍ أُخْرَى، وَلَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَالْفَضْلُ أَمَانَةُ كِفَايَةٍ، وَأَطْلَقَ الْهَلَاكَ فَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَيَسْتَرِدُّ الرَّاهِنُ مَا قَضَاهُ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالْهَلَاكِ أَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ السَّابِقِ بَزَّازِيَّةٌ وَغَيْرُهَا، وَيَأْتِي آخِرَ الرَّهْنِ (قَوْلُهُ يَضْمَنُ بِالتَّعَدِّي) فَلَوْ رَهَنَ ثَوْبًا يُسَاوِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةٍ فَلَبِسَهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ فَانْتَقَصَ سِتَّةً ثُمَّ لَبِسَهُ بِلَا إذْنٍ فَانْتَقَصَ أَرْبَعَةً ثُمَّ هَلَكَ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ مِنْ دَيْنِهِ وَيَسْقُطُ تِسْعَةٌ لِأَنَّ الثَّوْبَ يَوْمَ الرَّهْنِ كَانَ نِصْفُهُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ وَنِصْفُهُ أَمَانَةً، وَمَا انْتَقَصَ بِلُبْسِهِ بِالْإِذْنِ وَهُوَ سِتَّةٌ لَا يُضْمَنُ، وَمَا انْتَقَصَ بِلَا إذْنٍ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ يُضْمَنُ وَيَصِيرُ قِصَاصًا بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّيْنِ، فَإِذَا هَلَكَ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ نِصْفُهُ مَضْمُونٌ وَنِصْفُهُ أَمَانَةٌ فَبِقَدْرِ الْمَضْمُونِ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ وَيَبْقَى لَهُ دِرْهَمٌ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ ظَهِيرِيَّةٌ وَخَانِيَّةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَضَمِنَ بِدَعْوَى الْهَلَاكِ بِلَا بُرْهَانٍ) كَذَا فِي الدُّرَرِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ الْمَلَكِيِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ بِلَا بُرْهَانٍ، وَأَنَّهُ بِإِقَامَتِهِ يَنْتَفِي الضَّمَانُ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ. أَمَّا مَذْهَبُنَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ ثُبُوتِ الْهَلَاكِ بِقَوْلِهِ مَعَ يَمِينِهِ أَوْ بِالْبُرْهَانِ، وَهُوَ فِي الصُّورَتَيْنِ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْحَقَائِقِ، وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ الْحَلَبِيِّ، وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى الْكَازَرُونِي وَفِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ. وَقَدْ زَلَّ قَدَمُ الْعَلَّامَةِ الرَّمْلِيِّ فِي ذَلِكَ تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ هُنَا، فَأَفْتَى بِضَمَانِ الْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي فَتَاوَاهُ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَيْضًا فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ. وَمِمَّنْ رَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الرَّحِيمِيَّةِ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فَقَالَ: هَذَا مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ رَأْسًا وَاحِدًا وَالرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ أَحَقُّ (قَوْلُهُ ظَاهِرَةٍ) كَالْحَيَوَانِ وَالْعَبِيدِ وَالْعَقَارِ أَوْ بَاطِنَةٍ كَالنَّقْدَيْنِ وَالْحُلِيِّ وَالْعُرُوضِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَخَصَّهُ مَالِكٌ بِالْبَاطِنَةِ) أَيْ خَصَّ الضَّمَانَ بِالْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ لِلتُّهْمَةِ غُرَرُ الْأَفْكَارِ (قَوْلُهُ وَلَهُ حَبْسُهُ بِهِ) أَيْ حَبْسُ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ (قَوْلُهُ لِلْعَقْدِ) أَيْ عَقْدُ الرَّهْنِ (قَوْلُهُ لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الْفَسْخِ) بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ رَدِّهِ عَلَى الرَّاهِنِ (قَوْلُهُ بَلْ يَبْقَى عَلَى الرَّهْنِ رَهْنًا) أَيْ مَضْمُونًا، فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ سَقَطَ الدَّيْنُ إذَا كَانَ بِهِ وَفَاءٌ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ مَا بَقِيَ الْقَبْضُ وَالدَّيْنُ مَعًا) أَيْ قَبْضُ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَالدِّينُ فِي ذِمَّةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 481 فَإِذَا فَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَبْقَ رَهْنًا زَيْلَعِيٌّ وَدُرَرٌ وَغَيْرُهُمَا (لَا انْتِفَاعَ بِهِ مُطْلَقًا) لَا بِاسْتِخْدَامٍ، وَلَا سُكْنَى وَلَا لُبْسٍ وَلَا إجَارَةٍ وَلَا إعَارَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ مُرْتَهِنٍ أَوْ رَاهِنٍ (إلَّا بِإِذْنِ) كُلٍّ لِلْآخَرِ، وَقِيلَ لَا يَحِلُّ لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ رِبًا، وَقِيلَ إنْ شَرَطَهُ كَانَ رِبًا وَإِلَّا لَا. وَفِي الْأَشْبَاهِ وَالْجَوَاهِرِ: أَبَاحَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ أَكْلَ الثِّمَارِ أَوْ سُكْنَى الدَّارِ أَوْ لَبَنِ الشَّاةِ الْمَرْهُونَةِ فَأَكَلَهَا   [رد المحتار] الرَّاهِنِ وانى (قَوْلُهُ فَإِذَا فَاتَ أَحَدُهُمَا) بِأَنْ رَدَّ الرَّهْنَ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ لَمْ يَبْقَ رَهْنًا فَيَسْقُطُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ إذَا كَانَتْ ذَاتَ وَصْفَيْنِ يُعْدَمُ الْحُكْمُ بِعَدَمِ أَحَدِهِمَا. وَيُرَدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَبَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَيَضْمَنُ وَيَسْتَرِدُّ الرَّاهِنُ مَا قَضَاهُ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي، وَجَوَابُهُ مَعَ مَا فِيهِ فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَا إجَارَةَ) فَلَوْ أَجَرَهُ الْمُرْتَهِنُ بِلَا إذْنٍ فَالْأُجْرَةُ لَهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ آخِرَ الرَّهْنِ مَعَ بَقِيَّةِ فُرُوعِهِ (قَوْلُهُ وَلَا إعَارَةَ) سَيَذْكُرُ فِي بَابِ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ أَحْكَامَ إعَارَتِهِ مِنْ الرَّاهِنِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِإِذْنٍ أَوْ بِدُونِهِ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ) أَيْ الِانْتِفَاعُ (قَوْلُهُ مِنْ مُرْتَهِنٍ أَوْ رَاهِنٍ) الْأَوَّلُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي عَامَّةِ الْمُتُونِ، وَالثَّانِي صُرِّحَ بِهِ فِي دُرَرِ الْبِحَارِ وَشَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَشَرْحِ الزَّاهِدِيِّ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ فَعِنْدَهُ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِغَيْرِ الْوَطْءِ، وَالْأَوَّلُ لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ. بَقِيَ لَوْ سَكَنَ فِي دَارِ الرَّهْنِ هَلْ تَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ؟ أَجَابَ فِي الْخَيْرِيَّةِ أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ مُطْلَقًا أَذِنَ الرَّاهِنُ أَوْ لَا مُعَدَّةً لِلِاسْتِغْلَالِ أَوْ لَا، وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَأَجَابَ فِي الْخَيْرِيَّةِ بِذَلِكَ أَيْضًا لَوْ كَانَتْ لِيَتِيمٍ، وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ آخِرَ الْغَصْبِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ إلَّا بِإِذْنٍ) فَإِذَا انْتَفَعَ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَهَلَكَ الرَّهْنُ حَالَةَ اسْتِعْمَالِهِ يَهْلِكُ أَمَانَةً بِلَا خِلَافٍ، أَمَّا قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ أَوْ بَعْدَهُ يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ، وَلَوْ كَانَ أَمَةً لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا لِأَنَّ الْفَرْجَ أَشَدُّ حُرْمَةً، لَكِنْ لَا يُحَدُّ بَلْ يَجِبُ الْعُقْرُ عِنْدَنَا مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَحِلُّ لِلْمُرْتَهِنِ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ السَّمَرْقَنْدِيِّ وَكَانَ مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ سَمَرْقَنْدَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الرَّاهِنُ، لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الرِّبَا لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي دَيْنَهُ كَامِلًا فَتَبْقَى لَهُ الْمَنْفَعَةُ فَضْلًا فَيَكُونُ رِبًا، وَهَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ. قُلْت: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ مِنْ أَنَّهُ يَحِلُّ بِالْإِذْنِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الدِّيَانَةِ، وَمَا فِي الْمُعْتَبَرَاتِ عَلَى الْحُكْمِ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: إذَا كَانَ مَشْرُوطًا صَارَ قَرْضًا فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَهُوَ رِبًا وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ اهـ مَا فِي الْمِنَحِ مُلَخَّصًا وَأَقَرَّهُ ابْنُهُ الشَّيْخُ صَالِحٌ. وَتَعَقَّبَهُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّ مَا كَانَ رِبًا لَا يَظْهَرُ فِيهِ فَرْقٌ بَيْنَ الدِّيَانَةِ وَالْقَضَاءِ. عَلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّوْفِيقِ بَعْدُ لِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ: أَيْ مِنْ أَنَّهُ يُبَاحُ. أَقُولُ: مَا فِي الْجَوَاهِرِ يَصْلُحُ لِلتَّوْفِيقِ وَهُوَ وَجِيهٌ، وَذَكَرُوا نَظِيرَهُ فِيمَا لَوْ أَهْدَى الْمُسْتَقْرِضُ لِلْمُقْرِضِ، إنْ كَانَتْ بِشَرْطٍ كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا، وَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْجَوَاهِرِ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ لَا يَضْمَنُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِرِبًا، لِأَنَّ الرِّبَا مَضْمُونٌ فَيُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوطِ وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْمَشْرُوطِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي آخِرَ الرَّهْنِ إنَّ التَّعْلِيلَ بِأَنَّهُ رِبًا يُفِيدُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ فَتَأَمَّلْ. وَإِذَا كَانَ مَشْرُوطًا ضَمِنَ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ فِيمَنْ رَهَنَ شَجَرَ زَيْتُونٍ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ الْمُرْتَهِنُ ثَمَرَتَهُ نَظِيرَ صَبْرِهِ بِالدَّيْنِ. قَالَ ط: قُلْتُ وَالْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُرِيدُونَ عِنْدَ الدَّفْعِ الِانْتِفَاعَ، وَلَوْلَاهُ لَمَا أَعْطَاهُ الدَّرَاهِمَ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ، لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ وَهُوَ مِمَّا يُعَيِّنُ الْمَنْعَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. [فَائِدَةٌ] قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَا نَصُّهُ: وَلَوْ اسْتَقْرَضَ دَرَاهِمَ وَسَلَّمَ حِمَارَهُ إلَى الْمُقْرِضِ لِيَسْتَعْمِلَهُ إلَى شَهْرَيْنِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ دَيْنَهُ أَوْ دَارِهِ لِيَسْكُنَهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، إنْ اسْتَعْمَلَهُ فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَا يَكُونُ رَهْنًا اهـ. وَقَدَّمْنَاهُ فِي الْإِجَارَاتِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ فَأَكَلَهَا) سَيَأْتِي آخِرَ الرَّهْنِ عَنْ فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْأَكْلَ يَشْمَلُ أَكْلَ ثَمَنِهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 482 لَمْ يَضْمَنْ وَلَهُ مَنْعُهُ، ثُمَّ أَفَادَ فِي الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُرْتَهِنِ الِانْتِفَاعُ بِذَلِكَ، وَسَيَجِيءُ آخِرَ الرَّهْنِ. (مَاتَتْ الشَّاةُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قُسِّمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ وَلَبَنِهَا الَّذِي شَرِبَهُ، فَحَظُّ الشَّاةِ يَسْقُطُ وَحَظُّ اللَّبَنِ يَأْخُذُهُ الْمُرْتَهِنِ، فَلَوْ فَعَلَ) الِانْتِفَاعَ قَبْلَ إذْنِهِ (صَارَ مُتَعَدِّيًا وَلَمْ يَبْطُلْ) الرَّهْنُ (بِهِ) . (وَإِذَا طَلَبَ) الْمُرْتَهِنُ (دَيْنَهُ أَمَرَ بِإِحْضَارِ رَهْنِهِ) لِئَلَّا يَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا مَرَّتَيْنِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ حَمْلٌ أَوْ عِنْدَ الْعَدْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُ شَرْحُ مَجْمَعٍ (فَإِنْ أَحْضَرَ سَلَّمَ) لَهُ (كُلَّ دَيْنِهِ أَوَّلًا ثُمَّ) سَلَّمَ الْمُرْتَهِنُ (رَهْنَهُ) تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ (وَإِنْ طَلَبَ) دَيْنَهُ (فِي غَيْرِ بَلَدِ الْعَقْدِ) لِلرَّهْنِ (فَكَذَلِكَ) الْحُكْمُ (إنْ لَمْ يَكُنْ لِلرَّهْنِ مُؤْنَةٌ، وَإِنْ كَانَ) لِحِمْلِهِ مُؤْنَةٌ (سَلَّمَ دَيْنَهُ وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِمَعْنَى التَّخْلِيَةِ لَا النَّقْلِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان. وَنَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إحْضَارِهِ أَصْلًا مَعَ قِيَامِهِ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ اهـ فَلْيُحْفَظْ (وَ) لَكِنْ (لِلرَّاهِنِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ قُنْيَةٌ يَعْنِي إذَا لَمْ يَهْلِكْ الْأَصْلُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ هَذَا الْبَحْثُ بِزِيَادَةِ بَيَانٍ (قَوْلُهُ مَاتَتْ الشَّاةُ إلَخْ) يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَتْنًا وَسَقَطَ مِنْ بَعْضِهَا وَلَمْ يَكْتُبْ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ الَّذِي شَرِبَهُ) أَيْ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَحَظُّ اللَّبَنِ يَأْخُذُهُ الْمُرْتَهِنُ) أَيْ يَأْخُذُهُ مِنْ الرَّاهِنِ، لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ نَمَاءَ الرَّهْنِ رَهْنٌ مَعَ الْأَصْلِ وَلِمَا أَتْلَفَهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ صَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ أَتْلَفَهُ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَكَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الدَّيْنِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا آنِفًا يَعْنِي إذَا لَمْ يَهْلِكْ الْأَصْلُ، وَسَيَأْتِي تَمَامُ بَيَانِ ذَلِكَ آخِرَ الرَّهْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ صَارَ مُتَعَدِّيًا) فَيَضْمَنُهُ كَالْغَصْبِ، وَلَوْ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ عَادَ رَهْنًا وَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا مَرَّتَيْنِ) أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ هَلَاكِ الرَّهْنِ. قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: فَإِنَّهُ لَوْ أَمَرَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْإِحْضَارِ فَرُبَّمَا يَهْلِكُ الرَّهْنُ أَوْ كَانَ هَالِكًا فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ مَرَّتَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ حِمْلٌ) لِأَنَّهُ عَاجِزٌ شَرْحُ مَجْمَعٍ: أَيْ عَاجِزٌ حُكْمًا بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْمُؤْنَةِ. وَنَقَلَ الشَّلَبِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي بَلَدِ الرَّهْنِ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهِ مُطْلَقًا، وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَكَذَا، وَإِنْ كَانَ لَهُ حِمْلٌ لَا يُؤْمَرُ، وَحَمَلَ ط مَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَلَيْهِ. أَقُولُ: هَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّخْلِيَةُ لَا النَّقْلُ كَمَا يَأْتِي عَلَى أَنَّهُ يُخَالِفُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: إنْ لَمْ يَلْحَقْهُ مُؤْنَةٌ فِي الْإِحْضَارِ يُؤْمَرُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَلْحَقُهُ مُؤْنَةٌ بِأَنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يُؤْمَرُ بِهِ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: الْأَصْلُ أَنَّهُ إنْ قَدَرَ عَلَى إحْضَارِهِ بِلَا مُؤْنَةٍ فَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَصْلًا مَعَ قِيَامِ الرَّهْنِ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا بِمُؤْنَةٍ فَلَا. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ وَإِنْ لَقِيَهُ فِي بَلَدِ الرَّهْنِ، وَالرَّهْنُ جَارِيَةٌ أُمِرَ بِإِحْضَارِهَا لِقُدْرَتِهِ بِلَا مُؤْنَةٍ، وَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِيمَا يَلْحَقُهُ مُؤْنَةٌ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ اهـ مُلَخَّصًا فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَوْ عِنْدَ الْعَدْلِ) سَيَأْتِي مَتْنًا قَرِيبًا (قَوْلُهُ ثُمَّ سَلَّمَ الْمُرْتَهِنُ رَهْنَهُ) فَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ اسْتَرَدَّ الرَّاهِنُ مَا قَضَاهُ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا عِنْدَ الْهَلَاكِ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ، فَكَانَ الثَّانِي اسْتِيفَاءً بَعْدَ اسْتِيفَاءٍ فَيَجِبُ رَدُّهُ هِدَايَةٌ، وَسَيَأْتِي آخِرَ الرَّهْنِ (قَوْلُهُ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ) أَيْ فِي تَعْيِينِ حَقِّ كُلٍّ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ عَيَّنَ حَقَّ الرَّاهِنِ فَيَجِبُ عَلَى الرَّاهِنِ تَعْيِينُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ إلَّا أَنَّ تَعْيِينَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَا يَقَعُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ لِيَحْصُلَ التَّعْيِينُ اهـ فَهُوَ تَعْلِيلٌ لِوُجُوبِ تَسْلِيمِ الدَّيْنِ أَوَّلًا. وَأَمَّا عِلَّةُ الْإِحْضَارِ فَقَدْ مَرَّتْ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ لِئَلَّا يَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا مَرَّتَيْنِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ لِلرَّهْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْعَقْدِ (قَوْلُهُ مَعَ قِيَامِهِ) أَيْ قِيَامِ الرَّهْنِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا لَمْ يُقَدِّرْ لِهَلَاكِهِ (قَوْلُهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ) أَيْ كَمَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ إلَّا بِمُؤْنَةٍ تَلْحَقُهُ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَلَكِنْ لِلرَّاهِنِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ، وَقَوْلُهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فَهُوَ تَقْيِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ تُفِيدُهُ وَإِنَّمَا أَتَى بِلَكِنْ مُتَابَعَةً لِعِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ وَالْكِفَايَةِ وَغَيْرِهِمَا فَافْهَمْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 483 أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا هَلَكَ) وَهَذَا كُلُّهُ إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ هَلَاكَهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يَدَّعِ فَلَا فَائِدَةَ فِي إحْضَارِهِ، وَكَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ كُلِّ نَجْمٍ حَلَّ كَمَا حَرَّرَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَقَالَ نَظْمًا: وَلَا دَفْعَ مَا لَمْ يُحْضِرْ الرَّهْنَ أَوْ يَكُنْ ... بِغَيْرِ مَكَانِ الْعَقْدِ وَالْحَمْلُ يَعْسُرُ   [رد المحتار] قَوْلُهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ) أَيْ عَلَى الْبَتَاتِ لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى الْهَلَاكِ فِي يَدِهِ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ كُلِّ نَجْمٍ حَلَّ) أَيْ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُقَسَّطًا فَحَلَّ قِسْطٌ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَكَمَا يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ إحْضَارَ الرَّهْنِ لِاسْتِيفَاءِ كُلِّ الدَّيْنِ يُكَلَّفُ لِاسْتِيفَاءِ نَجْمٍ قَدْ حَلَّ، هَذَا إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْإِحْضَارِ لِيَظْهَرَ حَالُهُ فَيَأْمُرُهُ بِهِ إنْ كَانَ فِي بَلَدِ الرَّهْنِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَدَّعِ هَلَاكَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إحْضَارِهِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ اهـ مُلَخَّصًا، وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. وَاعْتَرَضَهُ الْعَلَامَةُ الطَّرَسُوسِيُّ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِقَوْلِهِ هَذَا إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ إلَخْ مِنْ عِنْدِهِ لَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الِاحْتِيَاطِ فِي الْقَضَاءِ، بَلْ يَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِإِحْضَارِهِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الرَّاهِنُ الْهَلَاكَ لِئَلَّا يَصِيرَ قَاضِيًا بِالِاسْتِيفَاءِ مَرَّتَيْنِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الرَّاهِنُ عَلَى بَقَائِهِ، وَأَقَرَّهُ ابْنُ وَهْبَانَ فَقَالَ: تَتَبَّعْتُ مَا عِنْدِي مِنْ الْكُتُبِ فَلَمْ أَجِدْ هَذَا الْقَيْدَ، وَعِبَارَاتُهُمْ تُفِيدُ صِحَّةَ مَا ذَكَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي صِحَّةَ مَا فِي النِّهَايَةِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْهَلَاكِ وَطَلَبُ إحْضَارِ الْمَرْهُونِ حَقُّ الرَّاهِنِ فَإِذَا لَمْ يَطْلُبْهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ جَبْرُ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ وَالتَّحْلِيفُ عَلَى عَدَمِ الْهَلَاكِ فِيمَا لَوْ كَانَ لِلرَّهْنِ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ كَالْأَمْرِ بِالْإِحْضَارِ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ: ثُمَّ حَرَّرَ ابْنُ الشِّحْنَةِ الْمَسْأَلَةَ وَاخْتَارَ تَفْصِيلًا فِيهَا وَهُوَ لُزُومُ الْإِحْضَارِ مُطْلَقًا فِي مَسْأَلَةِ قَضَاءِ الدَّيْنِ بِتَمَامِهِ لِلتَّعْلِيلِ الْمَارِّ. وَأَمَّا فِي قَضَاءِ نَجْمٍ مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِدَعْوَى الرَّاهِنِ الْهَلَاكَ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ نَجْمٌ مِنْهُ لَا يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِجَمِيعِ الْحَقِّ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى إحْضَارِ جَمِيعِ الرَّهْنِ لَكِنْ بِدَعْوَى الْهَلَاكِ تَوَجَّهَ الطَّلَبُ فَيَلْزَمُ الْإِحْضَارُ ثُمَّ إنَّ التَّحْلِيفَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ اهـ مُلَخَّصًا. وَقَدْ أُورِدَ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي نَظْمِهِ الْآتِي: قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: وَقَدْ فَهِمَ الشَّارِحُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي فِيمَا إذَا أَرَادَ وَفَاءَ نَجْمٍ فَقَطْ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُسَلِّمٍ لِمَا عَلِمْتَهُ مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ الْمُوَافِقِ لِكَلَامِ النِّهَايَةِ اهـ. وَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ أَسْتَعِينُ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْحَقَّ مَعَ صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَأَنَّ الْقَيْدَ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا فَهِمَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، فَلَا يَلْزَمُ الْقَاضِي أَمْرَ الْمُرْتَهِنِ بِالْإِحْضَارِ إلَّا إذَا طَلَبَهُ الرَّاهِنُ وَادَّعَى الْهَلَاكَ لِأَنَّهُ حَقُّهُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي الذَّخِيرَةِ قَيَّدَ التَّحْلِيفَ عَلَى عَدَمِ الْهَلَاكِ بِطَلَبِ الرَّاهِنِ وَتَبِعَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَمِثْلُهُ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ ادَّعَى أَيْ الرَّاهِنُ هَلَاكَهُ يَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى قِيَامِهِ، فَإِذَا حَلَفَ أُمِرَ: أَيْ الرَّاهِنُ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ اهـ وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِصُورَةِ وَفَاءِ الدَّيْنِ بِتَمَامِهِ أَوْ وَفَاءِ نَجْمٍ مِنْهُ، وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا مَرَّ اسْتِوَاءَ الْأَمْرِ بِالْإِحْضَارِ وَالتَّحْلِيفِ وَجَرَيَانِ النِّزَاعِ فِيهِمَا، فَحَيْثُ كَانَ الْمَنْقُولُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي تَحْلِيفُهُ إلَّا بِطَلَبِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِالْإِحْضَارِ إلَّا بِالطَّلَبِ مُطْلَقًا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ كَمَا حَرَّرَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ) الَّذِي حَرَّرَهُ هُوَ التَّفْصِيلُ كَمَا عَلِمْتُهُ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَلَا دَفْعَ إلَخْ) أَيْ لَا يَدْفَعُ الرَّاهِنُ الدَّيْنَ بِتَمَامِهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الرَّاهِنُ الْهَلَاكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ بَلَدِ الرَّهْنِ وَلِحَمْلِهِ مُؤْنَةً فَيَدْفَعُ الدَّيْنَ، وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُرْتَهِنِ عَلَى عَدَمِ الْهَلَاكِ، قَوْلُهُ كَذَا النَّجْمُ: أَيْ لَا يَدْفَعُ نَجْمًا حَلَّ مَا لَمْ يُحْضِرْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْهَلَاكَ، وَحِينَئِذٍ فَحُكْمُ النَّجْمِ وَالدَّيْنِ بِتَمَامِهِ سَوَاءٌ، وَهَذَا عَلَى غَيْرِ مَا فِي النِّهَايَةِ: أَمَّا عَلَى مَا فِيهَا فَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِي النَّجْمِ لَا يُؤْمَرُ الْمُرْتَهِنُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ بِدُونِ دَعْوَى الْمَدْيُونِ الْهَلَاكَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا إلَى آخِرِهِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ كَذَا النَّجْمُ، وَالْمَنْفِيُّ بِلَا مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَضْمُونُ الْكَلَامِ قَبْلَهُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ مَا لَمْ يُحْضِرْ الرَّهْنَ يُفِيدُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِحْضَارِ: أَيْ وَلَا يُؤْمَرُ الْمُرْتَهِنُ فِي صُورَةِ النَّجْمِ بِالْإِحْضَارِ إلَّا بِدَعْوَى الرَّاهِنِ الْهَلَاكَ، هَذَا تَقْرِيرُ النَّظْمِ عَلَى مَا فَهِمَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ مِنْ إرْجَاعِ التَّقْيِيدِ بِدَعْوَى الْهَلَاكِ فِي كَلَامِ النِّهَايَةِ إلَى مَسْأَلَةِ النَّجْمِ فَقَطْ، وَادِّعَاءِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ (قَوْلُهُ أَوْ يَكُنْ إلَخْ) هَذَا يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّلَبِيِّ مِنْ التَّفْصِيلِ ط. قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَأَوْ هُنَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 484 كَذَا النَّجْمُ أَوَّلًا دُونَ دَعْوَى مَدِينِهْ ... هَلَاكًا وَهَذَا فِي النِّهَايَةِ يُذْكَرُ (وَلَا يُكَلَّفُ مُرْتَهِنٌ) قَدْ (طَلَبَ دَيْنَهُ إحْضَارَ رَهْنٍ قَدْ وُضِعَ عِنْدَ الْعَدْلِ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ وَلَا) إحْضَارَ (ثَمَنِ رَهْنٍ بَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ بِأَمْرِهِ) أَيْ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ (حَتَّى يَقْبِضَهُ) لِإِذْنِهِ بِذَلِكَ (وَ) حِينَئِذٍ فَ (إذَا قَبَضَهُ) أَيْ الثَّمَنَ (يُكَلَّفُ إحْضَارَهُ) لِقِيَامِ الْبَدَلِ مَقَامَ الْمُبْدَلِ (وَلَا) يُكَلَّفُ (مُرْتَهِنٌ مَعَهُ رَهْنُهُ تَمْكِينُ الرَّاهِنِ مِنْ بَيْعِهِ لِيَقْضِيَ دَيْنَهُ) بِثَمَنِهِ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ الْحَبْسُ الدَّائِمُ حَتَّى يَقْبِضَ دَيْنَهُ (وَلَا) يُكَلَّفُ (مَنْ قُضِيَ بَعْضُ دَيْنِهِ) أَوْ أَبْرَأَ بَعْضَهُ (تَسْلِيمَ بَعْضَ رَهْنِهِ حَتَّى يَقْبِضَ الْبَقِيَّةَ مِنْ الدَّيْنِ) أَوْ يُبْرِئَهَا اعْتِبَارًا بِحَبْسِ الْمَبِيعِ. (وَيَجِبُ) عَلَى الْمُرْتَهِنِ (أَنْ يَحْفَظَهُ بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ) كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ (وَضَمِنَ إنْ حَفِظَ بِغَيْرِهِمْ) كَمَا مَرَّ فِيهَا (وَ) ضَمِنَ (بِإِيدَاعِهِ) وَإِعَارَتِهِ وَإِجَارَتِهِ وَاسْتِخْدَامِهِ (وَتَعَدِّيهِ كُلَّ قِيمَتِهِ) فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ (وَكَذَا) يَضْمَنُ (كُلَّ قِيمَتِهِ بِجَعْلِ خَاتَمِ الرَّهْنِ فِي خِنْصَرِهِ) سَوَاءٌ جَعَلَ فَصَّهُ لِبَطْنِ كَفِّهِ أَوْ لَا، وَبِهِ يُفْتَى بُرْجُنْدِيٌّ (الْيُسْرَى   [رد المحتار] بِمَعْنَى إلَّا وَالْفِعْلُ بَعْدَهَا حَقُّهُ النَّصْبُ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ إلَّا أَنَّهُ وَرَدَ الْجَزْمُ بِهَا وَيَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى يُحْضِرْ: أَيْ لَا دَفْعَ مَا لَمْ يَكُنْ إلَخْ اهـ. فَالْمَعْنَى لَا دَفْعَ مُدَّةَ لَمْ يَكُنْ فِي غَيْرِ مَكَانِ الْعَقْدِ. أَيْ بِأَنْ كَانَ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ لِأَنَّ النَّفْيَ نَفْيُ إثْبَاتٍ، لَكِنْ يَبْعُدُ قَوْلُهُ وَالْحَمْلُ يَعْسُرُ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَمْلٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: يُمْكِنُ أَنَّهُ نَقَلَهُ إلَى دَارِهِ فَيَصِيرُ مَعْنَى الْبَيْتِ لَا دَفْعَ إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي بَلْدَةِ الْعَقْدِ إلَّا إذَا أَحْضَرَهُ الْمُرْتَهِنُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ. وَعَلَى هَذَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الشَّلَبِيِّ مُؤَيِّدًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا يُكَلَّفُ مُرْتَهِنٌ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ حَيْثُ وُضِعَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَسْلِيمُهُ فِي قُدْرَتِهِ (قَوْلُهُ عِنْدَ الْعَدْلِ) هُوَ مَنْ يُوضَعُ عِنْدَهُ الرَّهْنُ وَيَأْتِي لَهُ بَابٌ مَخْصُوصٌ (قَوْلُهُ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ) مُتَعَلِّقٌ بِوُضِعَ. (قَوْلُهُ لِإِذْنِهِ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْبَيْعِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا تَفَاسَخَا الرَّهْنَ وَصَارَ الثَّمَنُ رَهْنًا وَلَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ بَلْ وَضَعَهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا (قَوْلُهُ تَمْكِينُ الرَّاهِنِ مِنْ بَيْعِهِ) يَعْنِي لَا يُكَلَّفُ تَسْلِيمَ الرَّهْنِ لِيُبَاعَ بِالدَّيْنِ، لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَا قُدْرَةَ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ نَعَمْ يَتَوَقَّفُ نَفَاذُ الْبَيْعِ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ، وَلَا يَنْفَسِخُ بِفَسْخِهِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَلَا يُكَلَّفُ مَنْ قُضِيَ إلَخْ) " مَنْ " وَاقِعَةٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَقُضِيَ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ " وَبَعْضُ " نَائِبُ الْفَاعِلِ أَيْ بَعْضُ دَيْنِهِ الثَّابِتِ لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَقَوْلُهُ أَوْ أَبْرَأَ مَبْنِيٌّ لِلْمَعْلُومِ (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِحَبْسِ الْمَبِيعِ) أَيْ عِنْدَ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَسْلِيمُ بَعْضِهِ بِقَبْضِ بَعْضِ الثَّمَنِ، لَكِنْ لَوْ رَهَنَهُ عَبْدَيْنِ وَسَمَّى لِكُلٍّ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ لَهُ قَبْضُ أَحَدِهِمَا بِأَدَاءِ مَا سُمِّيَ لَهُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَعِيَالِهِ) الْمُعْتَبَرُ فِي كَوْنِ الشَّخْصِ عِيَالًا لَهُ أَنْ يُسَاكِنَهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي نَفَقَتِهِ أَمْ لَا كَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ وَالْخَادِمِ الَّذِينَ فِي عِيَالِهِ وَالزَّوْجُ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً لَا مُيَاوَمَةً، وَيَجْرِي مَجْرَى الْعِيَالِ شَرِيكُ الْمُفَاوَضَةِ وَالْعِنَانِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ كَوْنُهُمَا فِي عِيَالِهِ اهـ غُرَرِ الْأَفْكَارِ (قَوْلُهُ وَضَمِنَ إلَخْ) مَفْعُولُهُ قَوْلُهُ: الْآتِي كُلُّ قِيمَتِهِ فَهُوَ ضَمَانُ الْغَصْبِ لَا ضَمَانُ الرَّهْنِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذَا هَلَكَ بِسَبَبِهَا، وَكُلُّ فِعْلٍ يَغْرَمُ بِهِ الْمُودِعُ يَغْرَمُ بِهِ الْمُرْتَهِنُ وَمَا لَا فَلَا، إلَّا أَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا تُضْمَنُ بِالتَّلَفِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَفِيهِ: لَوْ خَالَفَ ثُمَّ عَادَ فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ، فَلَوْ ادَّعَى الْوِفَاقَ وَكَذَّبَهُ رَاهِنُهُ صُدِّقَ رَاهِنُهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ. [تَنْبِيهٌ] لَوْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَرِدًّا يَضْمَنُ كَمَا فِي الْخَيْرِيَّةِ وَغَيْرِهَا. (قَوْلُهُ وَتَعَدِّيهِ) عَطْفٌ عَامٌّ عَلَى خَاصٍّ أَيْ كَالْقِرَاءَةِ وَالْبَيْعِ وَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالسُّكْنَى بِلَا إذْنٍ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ كُلَّ قِيمَتِهِ) أَيْ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا إتْقَانِيٌّ. وَفِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ وَالْأَمَانَاتُ تُضْمَنْ بِالتَّعَدِّي (قَوْلُهُ فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 485 أَوْ الْيُمْنَى) عَلَى مَا اخْتَارَهُ الرَّضِيُّ لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي الْحَظْرِ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ هُنَا أَنَّهُ شِعَارُ الرَّوَافِضِ وَأَنَّهُ يَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَتَنَبَّهْ. قُلْتُ: وَلَكِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي زَمَانِنَا بِلُبْسِهِ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي لُزُومُ الضَّمَانِ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ السَّيْفِ الْآتِيَةِ فَلْيُحَرَّرْ لَا يَجْعَلُهُ فِي أُصْبُعٍ أُخْرَى إلَّا إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ امْرَأَةً فَتَضْمَنُ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَلْبَسْنَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ اسْتِعْمَالًا لَا حِفْظًا ابْنُ كَمَالٍ مَعْزِيًّا لِلزَّيْلَعِيِّ (وَ) مِثْلُهُ (تَقَلُّدُ سَيْفَيْ الرَّهْنِ لَا الثَّلَاثَةِ) فَإِنَّ الشُّجْعَانَ يَتَقَلَّدُونَ فِي الْعَادَةِ بِسَيْفَيْنِ لَا الثَّلَاثَةِ (وَ) فِي (لُبْسِ خَاتَمِهِ) أَيْ خَاتَمِ الرَّهْنِ (فَوْقَ آخَرَ يَرْجِعُ إلَى الْعَادَةِ) فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَجَمَّلُ بِلُبْسِ خَاتَمَيْنِ ضَمِنَ وَإِلَّا كَانَ حَافِظًا فَلَا يَضْمَنُ (ثُمَّ إنْ قَضَى بِهَا) أَيْ بِالْقِيمَةِ الْمَذْكُورَةِ (مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا بِمُجَرَّدِهِ) أَيْ بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ (إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَطَالَبَ) الْمُرْتَهِنُ (الرَّاهِنَ بِالْفَضْلِ إنْ كَانَ) ثَمَّةَ فَضْلٌ (وَإِنْ) كَانَ الدَّيْنُ (مُؤَجَّلًا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَهُ بِدَيْنِهِ وَإِنْ قَضَى بِالْقِيمَةِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ كَانَ الضَّمَانُ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ) لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّهْنِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ.   [رد المحتار] أَيْ يَسْقُطُ الدَّيْنُ جَمِيعُهُ حَالَةَ كَوْنِهِ بِقَدْرِ مَا ضَمِنْ وَإِلَّا رَجَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا فَضَلَ وَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفُ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا يَأْتِي فِي الْمَتْنِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الرَّضِيُّ) أَقُولُ: الَّذِي فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ اخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ، وَكَأَنَّ مَا هُنَا مِنْ تَحْرِيفِ النُّسَّاخِ إذَا لَمْ يَشْتَهِرْ هَذَا الِاسْمُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا فِيمَا أَعْلَمُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي الْحَظْرِ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ هُنَا) أَيْ عَنْ شَرْحِ الْبُرْجَنْدِيِّ فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَهُوَ كِتَابُ الرَّهْنِ. ثُمَّ إنَّ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْحَظْرِ لَمْ يَعْزُهُ إلَى الْبُرْجَنْدِيِّ، نَعَمْ عَزَاهُ إلَيْهِ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى حَيْثُ قَالَ: كَذَا نَقَلَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ فِي الرَّهْنِ عَنْ كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ اهـ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَدَلُ لَفْظٍ فِيهَا فَقَالَ ط: أَيْ فِي الْيَمِينِ (قَوْلُهُ إنَّهُ) أَيْ إنْ جَعَلَهُ فِي الْيَمِينِ (قَوْلُهُ قُلْتُ وَلَكِنْ إلَخْ) هَذَا مَعْنَى مَا قَدَّمَهُ فِي الْحَظْرِ أَنَّ ذَاكَ الشِّعَارَ كَانَ وَبَانَ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْحَقَّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ لِثُبُوتِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ سَيِّدِ الْأَخْيَارِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ إنَّ هَذَا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الِاسْتِدْرَاكِ، فَهُوَ تَأْيِيدٌ لِمَا فِي الْمَتْنِ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُلْبَسُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَهُوَ اسْتِعْمَالٌ لَا حِفْظٌ فَلِذَا يَضْمَنُ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ فَيَنْبَغِي إلَخْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَا فِي الْمَتْنِ وَهُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهِ بِالْبَحْثِ وَالْقِيَاسِ الَّذِي لَيْسَا أَهْلًا لَهُ (قَوْلُهُ لَا يَجْعَلُهُ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِجَعْلِ خَاتَمِ الرَّهْنِ فِي خِنْصَرِهِ أَيْ لَا يَضْمَنُ بِجَعْلِهِ فِي غَيْرِ الْخِنْصَرِ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْمُرْتَهِنَ مَأْذُونٌ بِالْحِفْظِ دُونَ الِاسْتِعْمَالِ، فَجَعْلُ الْخَاتَمِ فِي الْخِنْصَرِ اسْتِعْمَالٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَفِي غَيْرِهَا حِفْظٌ لَا لُبْسٌ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ فِي الْعَادَةِ فَلَا يُضْمَنُ، وَكَذَلِكَ الطَّيْلَسَانُ إنْ لَبِسَهُ كَمَا تُلْبَسُ الطَّيَالِسَةُ ضَمِنَ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ وَإِلَّا كَانَ وَضْعُهُ عَلَى عَاتِقِهِ، فَلَا لِأَنَّهُ حِفْظٌ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِيمَا يُعَدُّ حِفْظًا لَا اسْتِعْمَالًا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ ضَمَانَ الْغَصْبِ لَا أَنَّهُ لَا يُضْمَنُ أَصْلًا لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إتْقَانِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ فَإِنَّ الشُّجْعَانَ إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ، وَظَاهِرُهُ لُزُومُ الضَّمَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الشُّجْعَانِ مَعَ أَنَّهُمْ فِي لُبْسِ الْخَاتَمِ اعْتَبَرُوا حَالَ الْمُرْتَهِنِ نَفْسِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا مَا إذَا كَانَ مِنْهُمْ بِدَلِيلِ قَوْلِ قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ وَفِي السَّيْفَيْنِ إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ يَتَقَلَّدُ بِسَيْفَيْنِ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ اهـ فَقَدْ نَظَرَ إلَى حَالِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا فِي الْخَاتَمِ وَبِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَيْهِ تَنْدَفِعُ الْمُنَافَاةُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ لَا الثَّلَاثَةِ) فَيَكُونُ حِفْظًا لَا اسْتِعْمَالًا فَلَا يَضْمَنُ (قَوْلُهُ وَفِي لُبْسِ خَاتَمِهِ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ رَهَنَهُ خَاتَمَيْنِ فَلَبِسَ خَاتَمًا فَوْقَ خَاتَمٍ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ يُرْجَعُ إلَى الْعَادَةِ) أَيْ عَادَةِ الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ خَالَفَتْ عَادَةَ غَيْرِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ قَضَى بِهَا إلَخْ) تَفْصِيلٌ وَبَيَانٌ لِمَا أَجْمَلَهُ سَابِقًا (قَوْلُهُ أَيْ بِالْقِيمَةِ الْمَذْكُورَةِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ كُلُّ قِيمَتِهِ (قَوْلُهُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ) وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ شَرْحِ الْحَمَوِيِّ أَبُو السُّعُودِ، قَالَ ط: وَبِهِ صُرِّحَ فِي الْمَعْدِنِ مَكِّيٌّ اهـ (قَوْلُهُ وَطَالَبَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ بِالْفَضْلِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 486 (وَأُجْرَةُ بَيْتِ حِفْظِهِ وَحَافِظِهِ) وَمَأْوَى الْغَنَمِ (عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَأُجْرَةُ رَاعِيهِ) لَوْ حَيَوَانًا (وَنَفَقَةُ الرَّهْنِ وَالْخَرَاجِ) وَالْعُشْرُ (عَلَى الرَّاهِنِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ الرَّهْنِ بِنَفْسِهِ وَتَبْقِيَتُهُ فَعَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَكُلُّ مَا كَانَ لِحِفْظِهِ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ حَبْسَهُ لَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْهُ لَوْ اشْتَرَطَ عَلَى الرَّاهِنِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَأَمَّا مُؤْنَةُ رَدِّهِ كَجُعْلِ آبِقٍ (أَوْ رَدِّ جُزْءٍ مِنْهُ) كَمُدَاوَاةِ جَرِيحٍ (إلَى يَدِهِ) أَيْ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ (فَتَنْقَسِمُ عَلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةِ فَالْمَضْمُونُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَالْأَمَانَةُ مَضْمُونَةٌ عَلَى الرَّاهِنِ) لَوْ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ الدَّيْنِ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَكَذَا مُعَالَجَةُ أَمْرَاضٍ وَقُرُوحٍ وَفِدَاءِ جِنَايَةٍ (وَكُلُّ مَا وَجَبَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَأَدَّاهُ الْآخَرُ كَانَ مُتَبَرِّعًا إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِهِ وَيَجْعَلُهُ دَيْنًا عَلَى الْآخَرِ) فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَبِمُجَرَّدِ أَمْرِ الْقَاضِي بِلَا تَصْرِيحٍ يَجْعَلُهُ دَيْنًا عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ كَمَا فِي الْمُلْتَقَطِ. وَعَنْ الْإِمَامِ لَا يَرْجِعُ لَوْ صَاحِبُهُ حَاضِرًا مُطْلَقًا   [رد المحتار] أَيْ بِمَا زَادَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى مَا ضَمِنَهُ وَلَوْ الدَّيْنُ أَقَلَّ طَالَبَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ بِالْفَضْلِ، فَلَوْ قَالَ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ: وَطَالَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِالْفَضْلِ لَكَانَ أَشْمَلَ (قَوْلُهُ وَحَافِظِهِ) عَطْفٌ عَلَى بَيْتٍ (قَوْلُهُ وَنَفَقَةُ الرَّهْنِ) كَمَأْكَلِهِ وَمَشْرَبِهِ وَكِسْوَةِ الرَّقِيقِ وَأُجْرَةِ ظِئْرِ وَلَدِ الرَّهْنِ وَسَقْيِ الْبُسْتَانِ وَكَرْيِ النَّهْرِ وَتَلْقِيحِ نَخِيلِهِ وَجُذَاذِهِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ هِدَايَةٌ. [فَرْعٌ] بَاعَ عَبْدًا بِرَغِيفٍ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى أَكَلَ الْعَبْدُ الرَّغِيفَ صَارَ الْبَائِعُ مُسْتَوْفِيًا لِلثَّمَنِ بِخِلَافِهِ مَا لَوْ رَهَنَ دَابَّةً بِقَفِيزِ شَعِيرٍ فَأَكَلَتْهُ لَا يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِلدَّيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّفَقَةَ فِي الْأَوَّلِ عَلَى الْبَائِعِ وَفِي الثَّانِي عَلَى الرَّاهِنِ جَوْهَرَةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَالْخَرَاجُ وَالْعُشْرُ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى أُجْرَةِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: أَخَذَ السُّلْطَانُ الْخَرَاجَ أَوْ الْعُشْرَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّهُ إنْ تَطَوَّعَ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ، وَإِنْ أُكْرِهَ فَقَدْ ظَلَمَهُ السُّلْطَانُ وَالْمَظْلُومُ لَا يَرْجِعُ إلَّا عَلَى الظَّالِمِ اهـ (قَوْلُهُ فَعَلَى الرَّاهِنِ) سَوَاءٌ كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ أَوْ لَا هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ) فَعَلَيْهِ كِفَايَتُهُ وَمُؤْنَتُهُ (قَوْلُهُ شَيْءٌ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: لَوْ شَرَطَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ أُجْرَةً عَلَى حِفْظِ الرَّهْنِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِأَنَّ الْحِفْظَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ الْحِفْظَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْمُودِعِ اهـ (قَوْلُهُ كَمُدَاوَاةِ جَرِيحٍ) أَيْ مُدَاوَاةِ عُضْوٍ جَرِيحٍ أَوْ عَيْنٍ ابْيَضَّتْ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَضْمُونِ) أَيْ مَا دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ، وَالْأَمَانَةُ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ) أَيْ فَقَطْ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى إعَادَةِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ الَّتِي كَانَتْ لَهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا) أَيْ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَثَمَنُ الدَّوَاءِ وَأُجْرَةُ الطَّبِيبِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ. وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ حِصَّةِ الْأَمَانَةِ فَعَلَى الرَّاهِنِ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ ثَمَنُ الدَّوَاءِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ حَدَثَتْ الْجِرَاحَةُ فِي يَدِهِ، فَلَوْ عِنْدَ الرَّاهِنِ فَعَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِكُلِّ حَالٍ وَإِطْلَاقُ مُحَمَّدٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ كَانَ مُتَبَرِّعًا) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِيهِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي (قَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ عَلَيْهِ) فَلَوْ كَانَ الْآبِي هُوَ الرَّاهِنَ يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَرْهُونُ قَائِمًا أَوْ لَا وَلَا يَكُونُ رَهْنًا بِالنَّفَقَةِ فَلَيْسَ لَهُ الْحَبْسُ بِذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ لَا يَرْجِعُ) وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَيْسَ لِلْإِلْزَامِ بَلْ لِلنَّظَرِ وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْأَمْرِ حِسْبَةً أَوْ لِيَكُونَ دَيْنًا، وَالْأَدْنَى أَوْلَى مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْأَعْلَى كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ. بَقِيَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلْدَةِ قَاضٍ أَوْ كَانَ مِنْ قُضَاةِ الْجَوْرِ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ: لَا يُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى النَّفَقَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ اهـ يَعْنِي لَا يُصَدَّقُ عَلَى أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى الرُّجُوعِ عَلَى مَا يَظْهَرُ لِي سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَنْ الْإِمَامِ إلَخْ) أَفَادَ بِحِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الْحَاضِرِ أَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ مَفْرُوضٌ فِي الْغَائِبِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 487 خِلَافًا لِلثَّانِي، وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ زَيْلَعِيٌّ. (قَالَ الرَّاهِنُ الرَّهْنُ غَيْرُ هَذَا وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ بَلْ هَذَا هُوَ الَّذِي رَهَنْتَهُ عِنْدِي فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّهُ الْقَابِضُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ رَدَّهُ عَلَى الرَّاهِنِ بَعْدَ قَبْضِهِ فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلرَّاهِنِ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ، فَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلرَّاهِنِ أَيْضًا وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ لِإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ، وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ لِإِنْكَارِهِ دُخُولَهُ فِي ضَمَانِهِ، وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلرَّاهِنِ لِإِثْبَاتِهِ الضَّمَانَ بَزَّازِيَّةٌ.   [رد المحتار] لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُرْفَعَ إلَى الْقَاضِي فَيَأْمُرَ صَاحِبَهُ بِذَلِكَ اهـ ح (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) حَيْثُ قَالَ يَرْجِعُ حَاضِرًا وَغَائِبًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَأَبَى عَنْ الْإِنْفَاقِ فَأَمَرَ الْقَاضِي بِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ وَبِهِ يُفْتِي اهـ قُهُسْتَانِيٌّ، فَالْمُفْتَى بِهِ قَوْلُ الثَّانِي. وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلِي عَلَى الْحَاضِرِ وَلَا يَنْفُذُ أَمْرُهُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَ أَمْرُهُ عَلَيْهِ لَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ حَجْرَهُ عِنْدَهُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَمْلِكُ فَيَنْفُذُ أَمْرُهُ عَلَيْهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ رَدَّهُ إلَخْ) أَيْ وَأَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ الرَّدِّ وَادَّعَى عَلَيْهِ الرَّاهِنُ أَنَّهُ هَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ) لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى دُخُولِهِ فِي الضَّمَانِ وَالْمُرْتَهِنُ يَدَّعِي الْبَرَاءَةَ وَالرَّاهِنُ يُنْكِرُهَا، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ) أَيْ بِهَلَاكِهِ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِيهِ ط. (قَوْلُهُ لِإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ فَلِلرَّاهِنِ أَيْضًا اهـ ط. وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ: وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا لِأَنَّهَا تُثْبِتُ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ وَبَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ تَنْفِي ذَلِكَ فَالْمُثَبِّتَةُ أَوْلَى اهـ. وَهِيَ تُفِيدُ قَبُولَ بَيِّنَةِ الْمُرْتَهِنِ إذَا انْفَرَدَتْ شُرُنْبُلَالِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلَوْ فِي هَلَاكِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَيْ لَوْ اخْتَلَفَا فِي هَلَاكِ الرَّهْنِ فَزَعَمَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَالَ الرَّاهِنُ بَعْدَ الْقَبْضِ ط (قَوْلُهُ بَزَّازِيَّةٌ) عِبَارَتُهَا: زَعَمَ الرَّاهِنُ هَلَاكَهُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ وَسُقُوطَ الدَّيْنِ وَزَعَمَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ رَدَّهُ إلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَهَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ، لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الرَّدَّ الْعَارِضَ وَهُوَ يُنْكِرُ، فَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلرَّاهِنِ أَيْضًا وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ لِإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ زَعَمَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ لِإِنْكَارِهِ دُخُولَهُ فِي ضَمَانِهِ، وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلرَّاهِنِ لِإِثْبَاتِهِ الضَّمَانَ اهـ وَهِيَ عِبَارَةٌ وَاضِحَةٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهَا ط. [تَنْبِيهٌ] قَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِي دَعْوَى الْهَلَاكِ وَالِاخْتِلَافُ فِي زَمَنِهِ هَلْ هُوَ قَبْلَ الرَّدِّ أَوْ بَعْدَهُ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ. أَمَّا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْهَلَاكِ فَقَدْ أَلَّفَ فِيهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ رِسَالَةً سَمَّاهَا [الْإِقْنَاعُ فِي الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ إذَا اخْتَلَفَا فِي رَدِّ الرَّهْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ الضِّيَاعَ] وَقَدْ تَرَدَّدَ فِي جَوَابِ الْحُكْمِ فِيهَا فَقَالَ: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْقَوْلَ لِلرَّاهِنِ بِيَمِينِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي رَدِّ الرَّهْنِ فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ اهـ قَالَ لَكِنْ قَدْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الرَّدِّ وَالْهَلَاكِ لِأَنَّ سِيَاقَ كَلَامِ الْمِعْرَاجِ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْهَلَاكِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الرَّهْنَ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَبِأَنَّ كُلَّ أَمِينٍ ادَّعَى إيصَالَ الْأَمَانَةِ إلَى مُسْتَحِقِّهَا قَبْلَ قَوْلِهِ فِي حَيَاةِ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَمَنْ ادَّعَى اسْتِثْنَاءَ الْمُرْتَهِنِ مِنْ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ، وَيُعَارِضُ كَلَامَ الْمِعْرَاجِ بِمَا لَوْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ عِنْدَهُ وَأَنْكَرَهُ الرَّاهِنُ فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلْمُرْتَهِنِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ كَالْمُودِعِ وَالْمُسْتَعِيرِ مَعَ أَنَّ الرَّاهِنَ مُنْكِرٌ. ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى مَا فِي الْمِعْرَاجِ هَلْ يَسْقُطُ قَدْرُ الدَّيْنِ وَلَا يَضْمَنُ الزَّائِدَ أَوْ لَا ضَمَانَ أَصْلًا نَظَرًا لِلْأَمَانَةِ، وَإِقْرَارُ الرَّاهِنِ بِعَدَمِ قَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ يَضْمَنُ كُلَّ الْقِيمَةِ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ تَعَالَى الْحَاكِمُ وَالْمُفْتِي، وَلْيَنْظُرْ نَصًّا يُفِيدُ ذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: لَكِنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ بَيْنَ الرَّهْنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَمَانَاتِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ فَكَيْفَ يُصَدَّقُ فِي الرَّدِّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 488 يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ بِهِ) بِالرَّهْنِ (إذَا كَانَ الطَّرِيقُ أَمْنًا) كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ (وَإِنْ كَانَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ) وَكَذَا الِانْتِقَالُ عَنْ الْبَلَدِ، وَكَذَا الْعَدْلُ الَّذِي الرَّهْنُ فِي يَدِهِ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ مَعْزِيًّا لِلْعُدَّةِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِيَيْنِ، وَلَعَلَّ مَا فِي الْعُدَّةِ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَمَا فِي الْفَتَاوَى قَوْلُهُمَا كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْقُنْيَةِ. [فَائِدَةٌ] فِي الْحَدِيثِ «إذَا عَمَّى الرَّهْنَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ» قَالُوا: مَعْنَاهُ إذَا اشْتَبَهَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ هَلَاكِهِ بِأَنْ قَالَ كُلٌّ لَا أَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ضَمِنَ بِمَا فِيهِ مِنْ الدَّيْنِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلَ الْبَابِ. بَابُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ (لَا يَصِحُّ رَهْنُ مَشَاعٍ) لِعَدَمِ كَوْنِهِ مُمَيَّزًا كَمَا مَرَّ (مُطْلَقًا)   [رد المحتار] وَأَمَّا مَا عَارَضَ بِهِ كَلَامَ الْمِعْرَاجِ فَلَا يَخْفَى عَدَمُ وُرُودِهِ، لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي عِنْدِهِ إنْ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ فَلَا مَعْنَى لِكَوْنِ الْقَوْلِ لَهُ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَسْقُطُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَلَا مُعَارَضَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفِ الضَّمَانَ عَنْ نَفْسِهِ، وَفِي دَعْوَاهُ الرَّدَّ يَنْفِي الضَّمَانَ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ لِلرَّاهِنِ فَإِنَّمَا يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ بِيَمِينِهِ إذَا ادَّعَى الْهَلَاكَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا بَعْدَهُ كَمَا مَرَّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَعْوَى مُجَرَّدِ الرَّدِّ بَعْدَ الْقَبْضِ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى. وَرَأَيْتُ فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ مَا نَصُّهُ: سُئِلَ عَنْ الْمُرْتَهِن إذَا ادَّعَى رَدَّ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ وَكَذَّبَهُ الرَّاهِنُ هَلْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ؟ أَجَابَ: لَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّهِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْأَمَانَاتِ لَا الْمَضْمُونَاتِ بَلْ الْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ فِي عَدَمِ رَدِّهِ إلَيْهِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى ابْنِ الشَّلَبِيِّ وَفَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ وَهُوَ عَيْنُ مَا فِي الْمِعْرَاجِ فَلَزِمَ اتِّبَاعُ الْمَنْقُولِ، كَيْفَ وَهُوَ الْمَعْقُولُ، وَمُقْتَضَى عَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ ضَمَانُهُ الْجَمِيعُ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ غَيْرُ زَائِدٍ عَلَى الدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ زَائِدًا لَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ لِتَمَحُّضِهَا أَمَانَةً غَيْرَ مَضْمُونَةٍ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيهَا سَوَاءٌ ادَّعَى مُجَرَّدَ الرَّدِّ أَوْ مَعَ الْهَلَاكِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَهَذَا التَّحْرِيرُ مِنْ خَوَاصِّ كِتَابِنَا هَذَا، وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ أَمْنًا) أَيْ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْمِصْرِ، أَمَّا إذَا قَيَّدَ بِهِ لَا يَمْلِكُهُ وَتَمَامُهُ فِي ط (قَوْلُهُ وَكَذَا الِانْتِقَالُ عَنْ الْبَلَدِ) أَيْ الِانْتِقَالُ عَنْ بَلَدٍ لِلسُّكْنَى فِي بَلَدٍ آخَرَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَكَذَا الْعَدْلُ) أَيْ كَالْمُرْتَهِنِ فِيمَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ عَلَى خِلَافِ مَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِيَيْنِ) أَيْ قَاضِي خَانٍ وَالْقَاضِي ظَهِيرِ الدِّينِ حَيْثُ قَالَا: لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُسَافِرَ بِالرَّهْنِ، وَزَادَ الْأَوَّلُ وَهَذَا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ (قَوْلُهُ وَلَعَلَّ مَا فِي الْعُدَّةِ) سَبَقَهُ إلَى هَذَا التَّوْفِيقِ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. وَاعْتَرَضَهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّوْفِيقِ، فَإِنَّ مَا فِي قَاضِي خَانْ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ قَوْلُهُمَا (قَوْلُهُ إذَا عَمِيَ الرَّهْنُ) عَمِيَ عَلَيْهِ الْخَبَرُ: أَيْ خَفِيَ مَجَازٌ مِنْ عَمِيَ الْبَصَرُ مُغْرِبٌ. قَالَ ط: لَمْ أَقِفْ عَلَى ضَبْطِهِ، وَقَدْ قُرِئَ قَوْله تَعَالَى {فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ} [هود: 28] بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ، وَالْمُرَادُ إذَا خَفِيَ حَالُهُ وَلَمْ تَدْرِ قِيمَتَهُ وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى هَلَاكِهِ اهـ (قَوْلُهُ فَهُوَ بِمَا فِيهِ) الْبَاءُ لِلْمُقَابَلَةِ وَالْمُعَاوَضَةِ سَعْدِيٌّ (قَوْلُهُ ضَمِنَ بِمَا فِيهِ مِنْ الدَّيْنِ) فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ عَنْ الرَّاهِنِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ أَقَلُّ فَإِنْ عَلِمَ وَاشْتَبَهَتْ قِيمَتُهُ يُرَاجَعُ حُكْمُهُ ط (قَوْلُهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ) وَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْعِنَايَةِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ حَاكِيًا هَذَا التَّأْوِيلَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ اهـ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ] ُ (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ رَهْنُ مُشَاعٍ) أَيْ إلَّا إذَا كَانَ عَبْدًا بَيْنَهُمَا رَهْنَاهُ عِنْدَ رَجُلٍ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَهْنًا وَاحِدًا، فَلَوْ رَهَنَ كُلٌّ نُصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الذَّخِيرَةِ، وَإِلَّا إذَا ثَبَتَ الشُّيُوعُ فِيهِ ضَرُورَةٌ كَمَا يَأْتِي آخِرَ السَّوَادَةِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ مُوجِبَ الرَّهْنِ الْحَبْسُ الدَّائِمُ، وَفِي الْمُشَاعِ يَفُوتُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 489 مُقَارَنًا أَوْ طَارِئًا مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِقَسْمٍ أَوْ لَا، ثُمَّ الصَّحِيحُ إنَّهُ فَاسِدٌ يُضْمَنُ بِالْقَبْضِ، وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: مَا قَبِلَ الْبَيْعَ قَبِلَ الرَّهْنَ إلَّا فِي أَرْبَعَةٍ: الْمُشَاعُ وَالْمَشْغُولُ وَالْمُتَّصِلُ بِغَيْرِهِ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِشَرْطٍ قَبْلَ وُجُودِهِ غَيْرِ الْمُدَبَّرِ   [رد المحتار] الدَّوَامُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُهَايَأَةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ رَهَنْتُكَ يَوْمًا دُونَ يَوْمٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ مُقَارِنًا) كَنِصْفِ دَارِ أَوْ عَبْدٍ (قَوْلُهُ أَوْ طَارِئًا) كَأَنْ يَرْهَنَ الْجَمِيعُ ثُمَّ يُتَفَاسَخَا فِي الْبَعْضِ أَوْ يَأْذَنُ الرَّاهِنُ لِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ كَيْفَ شَاءَ فَبَاعَ نِصْفَهُ اهـ مِنَحٌ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الطَّارِئَ لَا يَضُرُّ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَالدُّرَرِ، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ آخِرَ الرَّهْنِ لَوْ اسْتَحَقَّ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ (قَوْلُهُ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ غَيْرِهِ) لِأَنَّ الشَّرِيكَ يُمْسِكُهُ يَوْمًا رَهْنًا وَيَوْمًا يَسْتَخْدِمُهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ رَهْنٌ يَوْمًا دُونَ يَوْمٍ. وَأَمَّا إجَارَةُ الْمُشَاعِ فَإِنَّمَا جَازَتْ عِنْدَهُ مِنْ الشَّرِيكِ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ مَا اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ إلَّا بِالْمُهَايَأَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي الشَّرِيكِ أَفَادَهُ الأتقاني أَيْ لِأَنَّ الشَّرِيكَ يَنْتَفِعُ بِهِ بِلَا مُهَايَأَةٍ فِي الْمُدَّةِ كُلِّهَا بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَالْمِلْكِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ يُقْسَمُ أَوْ لَا) بِخِلَافِ الْهِبَةِ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِيهَا غَرَامَةُ الْقِسْمَةِ أَيْ أُجْرَةُ الْقَسَّامِ وَهِيَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا. مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ فَاسِدٌ) وَقِيلَ بَاطِلٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْبَاطِلَ مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ مَالًا أَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُقَابِلُ بِهِ مَضْمُونًا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ تَمَامِ الْعَقْدِ لَا شَرْطُ جَوَازِهِ اهـ عِنَايَةٌ، وَسَيَأْتِي آخِرَ الرَّهْنِ، وَسَيَأْتِي أَيْضًا هُنَاكَ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ عُرِفَ فِي الرَّهْنِ الصَّحِيحِ فَهُوَ الْحُكْمُ فِي الرَّهْنِ الْفَاسِدِ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ سَابِقًا عَلَى الدَّيْنِ وَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ مَا قَبِلَ الْبَيْعُ قَبِلَ الرَّهْنُ) أَيْ كُلُّ مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ صَحَّ رَهْنُهُ (قَوْلُهُ وَالْمَشْغُولُ) أَيْ بِحَقِّ الرَّاهِنِ كَمَا قَيَّدَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ الرَّهْنِ احْتِرَازًا عَنْ الْمَشْغُولِ بِمِلْكِ غَيْرِ الرَّاهِنِ فَلَا يُمْنَعُ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ. أَقُولُ: وَكَذَا يُمْنَعُ الْمَشْغُولُ بِالرَّاهِنِ نَفْسَهُ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ: وَيَمْنَعُ التَّسْلِيمَ كَوْنُ الرَّاهِنِ أَوْ مَتَاعِهِ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ اهـ. قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا يَحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمٍ جَدِيدٍ لِأَنَّهُ شَاغِلٌ لَهَا كَشَغْلِهَا بِالْمَتَاعِ، وَكَذَا مَتَاعُهُ فِي الْوِعَاءِ الْمَرْهُونِ يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ. وَالْحِيلَةُ أَنْ يُودِعَ أَوَّلًا مَا فِيهِ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ يُسَلِّمُهُ مَا رَهَنَ اهـ (قَوْلُهُ وَالْمُتَّصِلُ بِغَيْرِهِ) صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَالشَّاغِلُ الْمُتَّصِلُ بِغَيْرِهِ كَالْبِنَاءِ وَحْدَهُ أَوْ النَّخْلِ أَوْ الثَّمَرِ بِدُونِ الْأَرْضِ أَوْ الشَّجَرِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الشَّاغِلِ الْمُنْفَصِلِ كَمَا لَوْ رَهَنَ مَا فِي الدَّارِ أَوْ الْوِعَاءِ بِدُونِهِمَا وَسَلَّمَ الْكُلَّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْخَانِيَّةِ فَافْهَمْ. وَأَرَادَ بِالْمُتَّصِلِ التَّابِعَ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ: رَهَنَ سَرْجًا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ لِجَامًا فِي رَأْسِهَا وَدَفَعَ الدَّابَّةَ مَعَ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ لَا يَكُونُ رَهْنًا حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْهَا ثُمَّ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّابَّةِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ لِلنَّخِيلِ حَتَّى قَالُوا يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ اهـ، يَعْنِي لَوْ رَهَنَ دَابَّةً عَلَيْهَا سَرْجٌ أَوْ لِجَامٌ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ مِعْرَاجٌ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ تَقْيِيدَهُ الْمُتَّصِلَ فِيمَا مَرَّ وَفِيمَا يَأْتِي بِقَوْلِهِ خِلْقَةً غَيْرُ ظَاهِرٍ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِشَرْطٍ قَبْلَ وُجُودِهِ) كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْتَ هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ لَا رَهْنُهُ، وَلَعَلَّهُ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ الْحَبْسُ الدَّائِمُ إلَى الِاسْتِيفَاءِ، وَحَبْسُ مِثْلِ هَذَا لَا يَدُومُ لِأَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ الدَّارَ فَيُعْتَقُ فَلَا يُمْكِنُ مِنْهُ الِاسْتِيفَاءُ اهـ ط. أَقُولُ: وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ نَقَلَهُ الْبِيرِيُّ عَنْ شَرْحِ الْأَقْطَعِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ رَوْضَةِ الْقُضَاةِ: لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِصِفَةٍ ثُمَّ رَهَنَهُ جَازَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ اهـ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ غَيْرِ الْمُدَبَّرِ) شَمِلَ الْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ حَمَوِيٌّ أَيْ فَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ فِي بَابِهِ أَنَّ الْمُقَيَّدَ يُبَاعُ وَيُوهَبُ وَيُرْهَنُ، وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا هُنَاكَ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى، وَهُوَ مَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ لَا مُطْلَقًا بَلْ عَلَى صِفَةٍ خَاصَّةٍ، كَإِنْ مِتَّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ فِي سَفَرِي أَوْ نَحْوِهِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 490 فَيَجُوزُ بَيْعُهَا لَا رَهْنُهَا : وَفِيهَا: الْحِيلَةُ فِي جَوَازِ رَهْنِ الْمُشَاعُ أَنْ يَبِيعَهُ النِّصْفَ بِالْخِيَارِ: ثُمَّ يَرْهَنَهُ النِّصْفَ ثُمَّ يَفْسَخُ الْبَيْعَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَعَلَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الضَّعِيفِ فِي الشُّيُوعِ الطَّارِئِ. قُلْتُ: بَلْ وَلَا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ بِالْخِيَارِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَبْقَى فِي مِلْكِهِ أَوْ يَعُودَ لِمِلْكِهِ. وَعَلَى كُلٍّ يَكُونُ رَهْنُ الْمَشَاعِ ابْتِدَاءً كَمَا بَسَطَهُ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ فَتَنَبَّهْ. قُلْتُ: وَالْحِيلَةُ الصَّحِيحَةُ مَا فِي حِيَلِ مُنْيَةِ الْمُفْتِي: أَرَادَ رَهْنَ نِصْفِ دَارِهِ مُشَاعًا بِبَيْعِ نِصْفِهَا مِنْ طَالِبِ الرَّهْنِ وَيَقْبِضُ مِنْهُ الثَّمَنَ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ وَيَقْبِضُ الدَّارَ ثُمَّ يَنْقُضُ بِحُكْمِ الْخِيَارِ فَتَبْقَى فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ بِالثَّمَنِ، وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ الْمُصَنِّفِ فِي زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ وَفِيهَا الشُّيُوعُ الثَّابِتُ ضَرُورَةً لَا يَضُرُّ، لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَلَوْ جَاءَ بِثَوْبَيْنِ وَقَالَ خُذْ أَحَدَهُمَا رَهْنًا وَالْآخَرَ بِضَاعَةً عِنْدَكَ، فَإِنَّ نِصْفَ كُلٍّ مِنْهُمَا يَصِيرُ رَهْنًا بِالدَّيْنِ، لِأَنَّ -   [رد المحتار] وَلْيُنْظَرْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِشَرْطِ غَيْرِ الْمَوْتِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ حَيْثُ لَمْ يَجُزْ رَهْنُهُ وَبَيْنَ الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ حَيْثُ جَازَ. (قَوْلُهُ فَيَجُوزُ بَيْعُهَا لَا رَهْنُهَا) أَيْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرِ الْمُدَبَّرِ، فَإِنَّ الْمُطْلَقَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا رَهْنُهُ، وَالْمُقَيَّدُ يَجُوزَانِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَفِيهَا) أَيْ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْفَنِّ الْخَامِسِ فِي الْحِيَلِ وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي حِيَلِ الْوَلْوَالِجيَّةِ آخِرَ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُرْتَهِنِ بِثَمَنِ قَدْرِ الدَّيْنِ الَّذِي يُرِيدُ الرَّهْنَ بِهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَفْسَخُ الْبَيْعَ) أَيْ بِحُكْمِ الْخِيَارِ (قَوْلُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي الْمِنَحِ آخِرَ هَذَا الْبَابِ. وَنَصُّهُ قُلْتُ: وَعِنْدِي فِي صِحَّةِ هَذِهِ الْحِيلَةِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، لِمَا تَقَرَّرَ سَابِقًا مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ مُفْسِدٌ كَالْمُقَارَنِ: وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى الْقَوْلِ الْمُقَابِلِ لِلصَّحِيحِ، وَهُوَ أَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ غَيْرُ مُفْسِدٍ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالنَّظَرِ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بَعْدُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ إمَّا أَنْ يَبْقَى فِي مِلْكِهِ) أَيْ مِلْكِ الْبَائِعِ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ لِأَنَّ خِيَارَهُ يَمْنَعُ مِنْ خُرُوجِ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ فَيَكُونُ رَهْنُهُ النِّصْفَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ رَهْنًا لِبَعْضِ مِلْكِهِ وَهُوَ رَهْنُ الْمَشَاعِ ابْتِدَاءً فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ أَوْ يَعُودُ لِمِلْكِهِ) أَيْ الْبَائِعِ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، لِأَنَّ الْمَبِيعَ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُ وَيَمْلِكُهُ عِنْدَهُمَا، فَعَلَى قَوْلِهِمَا يَكُونُ رَهْنُ الْمَشَاعِ ابْتِدَاءً مِنْ الشَّرِيكِ سَوَاءٌ فَسَخَ الْبَيْعَ أَوْ أَجَازَهُ، وَعَلَى قَوْلِهِ إنْ أَجَازَهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ وَإِلَّا عَادَ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، وَعَلَى كُلٍّ فَرَهْنُهُ النِّصْفَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ يَكُونُ رَهْنَ مَشَاعٍ ابْتِدَاءً مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يَزِيدَ أَوْ يُدْخِلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ يَعُودُ لِمِلْكِهِ (قَوْلُهُ كَمَا بَسَطَهُ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ) أَيْ لِلشَّرَفِ الْغَزِّيِّ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ، وَحَاصِلُهُ مَعَ الْإِيضَاحِ مَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ فَتَبْقَى فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ بِالثَّمَنِ) فَإِنْ أَصَابَهَا عَيْبٌ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ مِنَحٌ عَنْ حِيَلِ الْخَصَّافِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ رَهْنًا حَقِيقَةً لَا صَحِيحًا وَلَا فَاسِدًا، إذْ لَمْ يُوجَدْ عَقْدُهُ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ لِأَنَّ حَبْسَ الدَّارِ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ، كَمَا إذَا فَسَخَ الْإِجَارَةَ فَإِنَّ لَهُ حَبْسَ الْمَأْجُورِ حَتَّى يَقْبِضَ الْأُجْرَةَ، وَلَمَّا كَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْحَبْسِ مَنْفَعَةٌ كَانَ الْمَحْبُوسُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ إذَا هَلَكَ، بِخِلَافِ الْأَمَانَاتِ فَإِنَّهَا لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالِاسْتِهْلَاكِ، وَبِخِلَافِ الرَّهْنِ الْحَقِيقِيِّ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ، فَقَدْ ظَهَرَ بِمَا قَرَرْنَاهُ وَجْهُ قَوْلِهِ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ أَيْ بِمَنْزِلَتِهِ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُ حَقِّ الْحَبْسِ فَقَطْ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَضْمَنُ كَضَمَانِ الرَّهْنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَسَائِرِ الْأَمَانَاتِ مَا فِي خِيَارَاتِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: بَاعَ أَرْضًا بِخِيَارٍ وَتَقَابَضَا فَنَقَضَهُ الْبَائِعُ فِي الْمُدَّةِ تَبْقَى الْأَرْضُ مَضْمُونَةً بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَهُ حَبْسُهَا بِثَمَنِ دَفْعِهِ إلَى الْبَائِعِ اهـ. وَعَلَيْهِ فَلَوْ هَلَكَتْ وَقِيمَتُهَا مِثْلُ الثَّمَنِ الَّذِي قَبَضَهُ الْبَائِعُ سَقَطَ، وَلَوْ أَقَلَّ سَقَطَ مِنْهُ بِحِسَابِهِ، وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَفِيهَا إلَخْ) تَأَمَّلْهُ مَعَ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ فِي الْمَتْنِ آخِرَ هَذَا الْبَابِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 491 أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيَشِيعَ الرَّهْنُ فِيهِمَا بِالضَّرُورَةِ فَلَا يَضُرُّ (وَ) لَا رَهْنُ (ثَمَرَةٍ عَلَى نَخْلٍ دُونَهُ وَ) لَا (زَرْعُ أَرْضٍ أَوْ نَخْلٍ) أَوْ بِنَاءٍ (بِدُونِهَا وَكَذَا عَكْسُهَا) كَرَهْنِ الشَّجَرِ لَا الثَّمَرِ وَالْأَرْضِ لَا النَّخْلِ. وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَرْهُونَ مَتَى اتَّصَلَ بِغَيْرِ الْمَرْهُونِ خِلْقَةً لَا يَجُوزُ لِامْتِنَاعِ قَبْضِ الْمَرْهُونِ وَحْدَهُ دُرَرٌ. وَعَنْ الْإِمَامِ جَوَازُ رَهْنِ الْأَرْضِ بِلَا شَجَرٍ. وَلَوْ رَهَنَ الشَّجَرَ بِمَوَاضِعِهَا أَوْ الدَّارَ بِمَا فِيهَا جَازَ مُلْتَقًى لِأَنَّهُ اتِّصَالُ مُجَاوِرَةٍ. وَفِي الْقُنْيَةِ: رَهَنَ دَارًا وَالْحِيطَانُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِيرَانِ صَحَّ فِي الْعَرْصَةِ، وَلَا يَضُرُّ اتِّصَالُ السَّقْفِ بِالْحِيطَانِ الْمُشْتَرَكَةِ لِكَوْنِهِ تَبَعًا (وَ) لَا (رَهْنُ الْحُرِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ) وَالْوَقْفِ. ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ مَا لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ ذَكَرَ مَا لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهِ فَقَالَ (وَ) لَا (بِالْأَمَانَاتِ) كَوَدِيعَةٍ وَأَمَانَةٍ (وَ) لَا (بِالدَّرَكِ) خَوْفَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ فَالرَّهْنُ بِهِ بَاطِلٌ، بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ -   [رد المحتار] قَوْلُهُ لَيْسَ بِأَوْلَى) أَيْ بِكَوْنِهِ رَهْنًا (قَوْلُهُ أَوْ بِنَاءٍ) كَعِمَارَةٍ قَائِمَةٍ فِي أَرْضٍ وَقْفٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ أَوْ فِي أَرْضٍ سُلْطَانِيَّةٍ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ بِدُونِهَا) أَيْ بِدُونِ الْأَرْضِ (قَوْلُهُ كَرَهْنِ الشَّجَرِ لَا الثَّمَرِ) أَيْ كَرَهْنِ الشَّجَرِ بِمَوَاضِعِهَا أَوْ تَبَعًا لِلْأَرْضِ مَعَ التَّنْصِيصِ عَلَى نَفْيِ الثَّمَرِ لِيَكُونَ الْفَسَادُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ فَلَوْ لَمْ يَنُصَّ دَخَلَ الثَّمَرُ تَبَعًا تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ بَيْعَهُ بِدُونِ الثَّمَرِ جَائِزٌ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى إدْخَالِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَبِخِلَافِ الْمَتَاعِ فِي الدَّارِ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ فِي رَهْنِ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَابِعٍ بِوَجْهٍ وَكَذَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالرَّطْبَةُ وَالْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فِي رَهْنِ الْأَرْضِ وَالدَّارِ وَالْقِرْبَةِ لِمَا ذَكَرْنَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ خِلْقَةً) الْمُنَاسِبُ حَذْفُهُ كَمَا فُعِلَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا لِيَشْمَلَ الْبِنَاءَ وَالسَّرْجَ وَاللِّجَامَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَعَنْ الْإِمَامِ إلَخْ) لِأَنَّ الشَّجَرَ اسْمٌ لِلنَّابِتِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً لِلْأَشْجَارِ بِمَوَاضِعِهَا، بِخِلَافِ رَهْنِ الدَّارِ دُونَ الْبِنَاءِ لِأَنَّ الْبِنَاءَ اسْمٌ لِلْمَبْنَى فَيَصِيرُ رَاهِنًا جَمِيعَ الْأَرْضِ وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِمِلْكِ الرَّاهِنِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ اتِّصَالُ مُجَاوِرَةٍ) عِلَّةٌ لِجَوَازِ رَهْنِ الشَّجَرِ بِمَوَاضِعِهَا: أَيْ لِأَنَّ اتِّصَالَ الشَّجَرِ وَمَوَاضِعَهَا الْقَائِمَةَ فِيهَا بِبَاقِي الْأَرْضِ اتِّصَالُ مُجَاوِرَةٍ لَا اتِّصَالُ تَبَعِيَّةٍ كَالْبِنَاءِ وَسَرْجِ الدَّابَّةِ، وَلَا اتِّصَالُ خِلْقَةٍ كَالثَّمَرِ فَهُوَ كَرَهْنِ مَتَاعٍ فِي وِعَاءٍ فَلَا يَضُرُّ (قَوْلُهُ صَحَّ فِي الْعَرْصَةِ) أَيْ وَالسَّقْفِ وَالْحِيطَانِ الْخَاصَّةِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ تَبَعًا) مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ فِي رَهْنِ السَّرْجِ عَلَى الدَّابَّةِ، مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَنْزِعَهُ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهَا فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَا رَهْنُ الْحُرِّ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ هَؤُلَاءِ لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ فِي الْحُرِّ وَقِيَامِ الْمَانِعِ فِي الْبَاقِينَ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْمُدَبَّرِ) أَيْ الْمُطْلَقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ وَلَا بِالْأَمَانَاتِ) أَيْ لَا يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ بِهَا لِأَنَّ الضَّمَانَ عِبَارَةٌ عَنْ رَدِّ مَثِيلِ الْهَالِكِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، أَوْ قِيمَتُهُ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا فَالْأَمَانَةُ إنْ هَلَكَتْ فَلَا شَيْءَ فِي مُقَابَلَتِهَا، وَإِنْ اُسْتُهْلِكَتْ لَا تَبْقَى أَمَانَةً بَلْ تَكُونُ مَغْصُوبَةً حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ كَوَدِيعَةٍ وَأَمَانَةٍ) الْأَصْوَبُ وَعَارِيَّةٍ وَكَذَا مَالُ مُضَارَبَةٍ وَشَرِكَةٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَمَرَّ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ أَنَّ شَرْطَ وَاقِفِ الْكُتُبِ - أَنْ لَا تَخْرُجَ إلَّا بِرَهْنٍ - شَرْطٌ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ، فَإِذَا هَلَكَ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ. وَذُكِرَ فِي الْأَشْبَاهِ فِي بَحْثِ الدَّيْنِ أَنَّ وُجُوبَ اتِّبَاعِ شَرْطُهُ وَحَمْلُ الرَّهْنِ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ غَيْرُ بَعِيدٍ (قَوْلُهُ وَلَا بِالدَّرَكِ) بِالتَّحْرِيكِ (قَوْلُهُ خَوْفُ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ) تَفْسِيرٌ لِحَاصِلِ الْمَعْنَى لِأَنَّ الرَّهْنَ إنَّمَا هُوَ بِالثَّمَنِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَخَافَ الْمُشْتَرِي اسْتِحْقَاقَ الْمَبِيعِ فَيَأْخُذَ مِنْ الْبَائِعِ رَهْنًا بِالثَّمَنِ (قَوْلُهُ فَالرَّهْنُ بِهِ بَاطِلٌ) فَيَكُونُ أَمَانَةً كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ) أَيْ بِالدَّرَكِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّهْنَ لِلِاسْتِيفَاءِ وَلَا اسْتِيفَاءَ قَبْلَ الْوُجُوبِ، لِأَنَّ ضَمَانَ الدَّرَكِ هُوَ الضَّمَانُ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ فَلَا يَصِحُّ مُضَافًا إلَى حَالِ وُجُوبِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 492 كَمَا مَرَّ (وَ) لَا بِعَيْنٍ مَضْمُونَةٍ بِغَيْرِهَا: أَيْ بِغَيْرِ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ مِثْلُ (الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ) فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ فَإِذَا هَلَكَ ذَهَبَ بِالثَّمَنِ (وَ) وَلَا (بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَ) لَا (بِالْقِصَاصِ مُطْلَقًا) فِي نَفْسٍ وَمَا دُونَهَا (بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ خَطَأً) لِإِمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الْأَرْشِ مِنْ الرَّهْنِ (وَلَا بِالشُّفْعَةِ وَبِأُجْرَةِ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ وَبِالْعَبْدِ الْجَانِي أَوْ الْمَدْيُونِ) وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ فَلِلرَّاهِنِ أَخْذُهُ، فَلَوْ هَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ الطَّلَبِ هَلَكَ مَجَّانًا إذْ لَا حُكْمَ لِلْبَاطِلِ فَبَقِيَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ كَمَالٍ (وَ) لَا (رَهْنُ خَمْرٍ وَارْتِهَانُهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لِلْمُسْلِمِ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَرْهَنَ خَمْرًا أَوْ يَرْتَهِنَهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ (وَلَا يَضْمَنُ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْلِمِ (مُرْتَهِنَهَا) حَالَ كَوْنِهِ (ذِمِّيًّا، وَفِي عَكْسِهِ الضَّمَانُ) لِتَقَوُّمِهَا عِنْدَهُمْ وَلَا عِنْدَنَا.   [رد المحتار] الدَّيْنِ، لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مُعَاوَضَةٌ وَإِضَافَةُ التَّمْلِيكِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ لَا تَجُوزُ. أَمَّا الْكَفَالَةُ فَهِيَ لِالْتِزَامِ الْمُطَالَبَةِ لَا لِالْتِزَامِ أَصْلِ الدَّيْنِ، وَلِذَا لَوْ كُفِلَ بِمَا يَذُوبُ لَهُ عَلَى فُلَانٍ يَجُوزُ، وَلَوْ رَهَنَ بِهِ لَا يَجُوزُ كِفَايَةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ (قَوْلُهُ أَيْ بِغَيْرِ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ) لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْعَيْنِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ مِثْلُ الْمَبِيعِ) بِأَنْ اشْتَرَى عَيْنًا وَلَمْ يَقْبِضْهَا ثُمَّ أَخَذَ بِهَا رَهْنًا مِنْ الْبَائِعِ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ شَيْءٌ يُسْتَوْفَى مِنْ الرَّهْنِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَيَسْقُطُ الثَّمَنُ، وَتَمَامُهُ فِي الْكِفَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ، وَهَذَا. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إنَّهُ فَاسِدٌ، لِأَنَّ الرَّهْنَ مَالٌ وَالْبَيْعُ مُتَقَوِّمٌ وَالْفَاسِدُ يَلْحَقُ بِالصَّحِيحِ فِي الْأَحْكَامِ كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ، وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ جَائِزٌ فَيَضْمَنُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ قِيمَةِ الْعَيْنِ، وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيُّ وَأَبُو اللَّيْثِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ وَغَيْرِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ) كَأَنْ كُفِلَ زَيْدٌ بِنَفْسِ عَمْرٍو عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ إلَى سَنَةٍ فَعَلَيْهِ الْأَلْفُ الَّذِي عَلَيْهِ ثُمَّ أَعْطَاهُ عَمْرُو بِالْمَالِ رَهْنًا إلَى سَنَةٍ فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ الْمَالُ عَلَى عَمْرٍو بَعْدُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: إنْ مَاتَ عَمْرٌو وَلَمْ يُؤَدِّكَ فَهُوَ عَلَيَّ ثُمَّ أَعْطَاهُ عَمْرٌو رَهْنًا لَمْ يَجُزْ، وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَا بِالْقِصَاصِ) لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ مِنْ الْمَرْهُونِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ خَطَأٌ) وَبِخِلَافِ الدِّيَةِ وَجِرَاحَةٍ لَا يُسْتَطَاعُ فِيهَا الْقِصَاصُ قُضِيَ بِأَرْشِهَا، فَلَوْ أَخَذَ بِهِ رَهْنًا جَازَ اهـ در مُنْتَقَى (قَوْلُهُ وَلَا بِالشُّفْعَةِ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ مِنْ الْمُشْتَرِي الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ مِنْ أَجْلِ الشُّفْعَةِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ وَبِأُجْرَةِ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ) لِبُطْلَانِ الْإِجَارَةِ فَلَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مَضْمُونًا إذْ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مَضْمُونٌ (قَوْلُهُ وَبِالْعَبْدِ الْجَانِي أَوْ الْمَدْيُونِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمَوْلَى، لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَحٌ (قَوْلُهُ قَبْلَ الطَّلَبِ) مَفْهُومُهُ الضَّمَانُ بَعْدَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ حَيْثُ قَالَ: الرَّهْنُ بِأَمَانَةٍ كَوَدِيعَةٍ بَاطِلٌ يَهْلِكُ أَمَانَةً لَوْ هَلَكَ قَبْل حَبْسِهِ وَضَمِنَ لَوْ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَلَا رَهْنُ خَمْرٍ إلَخْ) لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَمْلِكُ الْإِيفَاءَ إذَا كَانَ هُوَ الرَّهْنَ وَلَا الِاسْتِيفَاءَ إذَا كَانَ هُوَ الْمُرْتَهِنَ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْخِنْزِيرِ إتْقَانِيٌّ. أَقُولُ: وَالْكَلَامُ الْآنَ فِيمَا لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا بَيَانُ أَنَّ الْخَمْرَ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ فَهُوَ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ تَأَمَّلْ. وَقَدْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الرَّهْنِ بِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَقَالَ: الرَّهْنُ بِخَمْرٍ بَاطِلٌ فَهُوَ أَمَانَةٌ، وَهَذَا فِي مُسْلِمَيْنِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ مُسْلِمًا وَالرَّاهِنُ كَافِرًا وَصَحَّ بَيْنَهُمَا لَوْ كَافِرَيْنِ اهـ لَكِنْ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّ الرَّهْنَ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَاسِدٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ اهـ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْعِنَايَةِ أَنَّ الْبَاطِلَ مَا لَمْ يَكُنْ مَالًا أَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُقَابِلُ بِهِ مَضْمُونًا فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ لَهُ) كَمَا لَا يَضْمَنُهَا بِالْغَصْبِ مِنْهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ وَفِي عَكْسِهِ الضَّمَانُ) أَيْ إنْ كَانَ الرَّاهِنُ ذِمِّيًّا وَالْمُرْتَهِنُ مُسْلِمًا يَضْمَنُ الْخَمْرَ لِلذِّمِّيِّ، كَمَا إذَا غَصَبَ مِنَحٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تُضْمَنُ بِلَا تَعَدٍّ ضَمَانَ الرَّهْنِ لِأَنَّ الرَّهْنَ هُنَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 493 وَصَحَّ) الرَّهْنُ (بِعَيْنٍ مَضْمُونَةٍ بِنَفْسِهَا) أَيْ بِالْمِثْلِ أَوْ بِالْقِيمَةِ (كَالْمَغْصُوبِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ عَمْدٍ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْيَانَ ثَلَاثَةٌ: عَيْنٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ أَصْلًا كَالْأَمَانَاتِ. وَعَيْنٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ وَلَكِنَّهَا تُشْبِهُ الْمَضْمُونَةَ كَمَبِيعٍ فِي يَدِ الْبَائِعِ. وَعَيْنٌ مَضْمُونَةٌ بِنَفْسِهَا كَالْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ. (وَ) صَحَّ (بِالدَّيْنِ وَلَوْ مَوْعُودًا بِأَنْ رَهَنَ لِيُقْرِضَهُ كَذَا) كَأَلْفٍ مَثَلًا، فَلَوْ دَفَعَ لَهُ الْبَعْضَ وَامْتَنَعَ لَأُجْبِرَ أَشْبَاهٌ (فَإِذَا هَلَكَ) هَذَا الرَّهْنُ (فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِمَا وَعَدَ) مِنْ الدَّيْنِ فَيُسَلَّمُ الْأَلْفُ لِلرَّاهِنِ جَبْرًا (إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُسَاوِيًا لِلْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ، أَمَّا إذَا كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ) هَذَا إذَا سَمَّى قَدْرَ الدَّيْنِ، فَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ بِأَنْ رَهَنَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ هَلْ يَضْمَنُ خِلَافٌ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ مَذْكُورٌ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ إذْ لَمْ يُبَيَّنْ الْمِقْدَارُ غَيْرُ مَضْمُونٍ فِي الْأَصَحِّ. (وَ) صَحَّ (بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَمِمَّنْ الصَّرْفُ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ، فَإِنْ هَلَكَ) الرَّهْنُ (فِي الْمَجْلِسِ) ثُمَّ الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ   [رد المحتار] مَالٌ عِنْدَ الذِّمِّيِّ وَالْمُقَابِلُ بِهِ مَضْمُونٌ فَهُوَ رَهْنٌ صَحِيحٌ لَا فَاسِدٌ وَلَا بَاطِلٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَيْ بِالْمِثْلِ أَوْ بِالْقِيمَةِ) فَسَّرَ النَّفْسَ بِهِمَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمَا قَائِمَانِ مَقَامَهَا، وَلِمُرَادِ أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالْمِثْلِ لَوْ مِثْلِيَّةً، وَبِالْقِيمَةِ لَوْ قِيَمِيَّةً (قَوْلُهُ كَالْمَغْصُوبِ إلَخْ) أَيْ كَالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ الْمَجْعُولَةِ بَدَلَ خُلْعٍ أَوْ مَهْرٍ أَوْ صُلْحٍ لِأَنَّ الضَّمَانَ مُتَقَرِّرٌ، فَإِنَّهَا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَجَبَ تَسْلِيمُهَا وَإِنْ هَالِكَةً وَجَبَ قِيمَتُهَا فَكَانَ الرَّهْنُ بِهَا رَهْنًا بِمَا هُوَ مَضْمُونٌ فَيَصِحُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ كَالْأَمَانَاتِ) أَيْ وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا وَجْهُهُ عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ وَعَيْنٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ) أَيْ حَقِيقَةً لِأَنَّهَا إذَا هَلَكَتْ يَهْلِكُ مِلْكُ الْبَائِعِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَمَا إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ، وَقَوْلُهُ لَكِنَّهَا تُشْبِهُ الْمَضْمُونَةَ بِاعْتِبَارِ سُقُوطِ الثَّمَنِ إنْ لَمْ يُقْبَضْ وَرَدُّهُ إذَا قُبِضَ وَلِذَا سُمِّيَتْ فِيمَا مَرَّ مَضْمُونَةً بِغَيْرِهَا، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الرَّهْنَ بِهَا بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ أَوْ جَائِزٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ دَفَعَ لَهُ الْبَعْضَ) أَيْ بَعْضَ مَا وَعَدَهُ بِهِ وَامْتَنَعَ عَنْ دَفْعِ الْبَاقِي لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنْ كَانَ الرَّهْنُ بَاقِيًا وَإِلَّا فَحُكْمُهُ مَا فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ فَإِذَا هَلَكَ) أَيْ قَبْلَ الْإِقْرَاضِ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ لِلْقِيمَةِ) أَيْ قِيمَةِ الرَّهْنِ يَوْمَ الْقَبْضِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ بِأَنْ رَهَنَهُ إلَخْ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا: فَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا فِي الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ فِي الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ بِأَنْ رَهَنَهُ إلَخْ. وَعَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ كَانَ يَنْبَغِي إسْقَاطُ قَوْلِهِ هَلْ يَضْمَنُ إلَخْ لِيَنْتَفِيَ التَّكْرَارُ. (قَوْلُهُ خِلَافٌ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ) أَيْ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ، وَقَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ كِتَابِ الرَّهْنِ عَنْ الْقُنْيَةِ وَأَنَّ الْإِمَامَ وَصَاحِبَيْهِ قَالُوا يُعْطِيهِ الْمُرْتَهِنُ مَا شَاءَ، وَعَلَيْهِ مَشَى الزَّيْلَعِيُّ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ بِالْهَلَاكِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا شَيْئًا فَيَكُونُ بَيَانُهُ إلَيْهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرِّوَايَةَ قَدْ اخْتَلَفَتْ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ) أَيْ الْأَصَحُّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ) أَيْ مَتْنًا أَوَّلَ الرَّهْنِ وَهَذَا قَدْ عُلِمَ مِمَّا قَبْلُهُ، لَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا: أَيْ أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ هُوَ مَعْنَى الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي التَّعْبِيرِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالرَّهْنُ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ مَقْبُوضٌ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] الرَّهْنُ الْمَوْعُودُ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَاعَ عَبْدًا إلَخْ (قَوْلُهُ وَصَحَّ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ إلَخْ) صُورَةُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنْ يُسْلِمَ مِائَةً بِطَعَامٍ مَثَلًا أَوْ يَبِيعَ دِينَارًا بِدِرْهَمٍ ثُمَّ قَبْلَ الْقَبْضِ يَدْفَعُ إلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَهْنًا بِالْمِائَةِ أَوْ يَأْخُذُ رَهْنًا بِالدِّرْهَمِ أَوْ بِالطَّعَامِ. وَصَوَّرَ الْأُولَى بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَأْخُذَ الْمُسَلِّمُ مِنْ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ رَهْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ. وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الصَّوَابَ مَا صَوَّرْتُهُ لِأَنَّهُ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ فِي الْمَجْلِسِ يَصِيرُ الْمُسْلِمُ مُسْتَرِدًّا لِرَأْسِ الْمَالِ فَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّ الْعَقْدَ يَتِمُّ بِذَلِكَ، وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْهَلَاكِ بَطَلَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَإِنْ هَلَكَ إلَخْ) بَيَانٌ لِفَائِدَةِ الرَّهْنِ بِالْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ عَيْنِيٌّ. وَأَفَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ هَلَكَ الرَّهْنُ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِثَمَنِ الصَّرْفِ دُونَ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِمُنَافَاتِهِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَإِنْ افْتَرَقَا إلَخْ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ يَصِحُّ مُطْلَقًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 494 وَ (صَارَ) الْمُرْتَهِنُ (مُسْتَوْفِيًا) حُكْمًا خِلَافًا لِلثَّلَاثَةِ (وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ نَقْدٍ وَهَلَاكٍ بَطَلَا) أَيْ السَّلَمُ وَالصَّرْفُ، وَأَمَّا الْمُسْلَمُ فِيهِ فَيَصِحُّ مُطْلَقًا، فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ ثُمَّ الْعَقْدُ وَصَارَ عِوَضًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ (وَلَوْ) لَمْ يَهْلِكْ وَلَكِنْ (تَفَاسَخَا السَّلَمَ، وَبِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنٌ فَهُوَ رَهْنٌ بِرَأْسِ الْمَالِ) اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ بَدَلُهُ فَقَامَ مَقَامَهُ (وَإِنْ هَلَكَ) الرَّهْنُ (بَعْدَ الْفَسْخِ) الْمَذْكُورِ (هَلَكَ بِهِ) أَيْ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَلْزَمُ رَبَّ السَّلَمِ دَفْعُ مِثْلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِبَقَاءِ الرَّهْنِ حُكْمًا إلَى أَنْ يَهْلِكَ. (وَلِلْأَبِ أَنْ يَرْهَنَ بِدَيْنٍ) كَائِنٍ (عَلَيْهِ عَبْدًا لِطِفْلِهِ) لِأَنَّ لَهُ إيدَاعَهُ، فَهَذَا أَوْلَى لِهَلَاكِهِ مَضْمُونًا الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ (وَالْوَصِيُّ كَذَلِكَ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَمْلِكَانِ ذَلِكَ، ثُمَّ إذَا هَلَكَ ضَمِنَا قَدْرَ الدَّيْنِ لِلصَّغِيرِ لَا الْفَضْلِ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ، وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: يَضْمَنُ الْوَصِيُّ الْقِيمَةَ لِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَالِ الصَّبِيِّ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ، لَكِنْ جُزِمَ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا (وَلَهُ) أَيْ لِلْأَبِ (رَهْنُ مَالِهِ عِنْدَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِدَيْنٍ لَهُ) أَيْ لِلصَّغِيرِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْأَبِ (وَيَحْبِسُهُ لِأَجْلِهِ) أَيْ لِأَجْلِ الصَّغِيرِ (بِخِلَافِ الْوَصِيِّ) فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ سِرَاجِيَّةٌ (وَكَذَا عَكْسُهُ) فَلِلْأَبِ رَهْنُ مَتَاعِ طِفْلِهِ مِنْ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ جُعِلَ كَشَخْصَيْنِ وَعِبَارَتَيْنِ كَشِرَائِهِ مَالَ طِفْلِهِ، -   [رد المحتار] أَقُولُ: وَلِهَذَا ذُكِرَ فِي الدُّرَرِ مَسْأَلَةُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مُؤَخَّرَةً وَحْدَهَا (قَوْلُهُ وَصَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا) أَيْ لِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ ثَمَنِ الصَّرْفِ أَوْ الْمُسْلَمِ فِيهِ اهـ ط عَنْ الشُّمُنِّيِّ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ. وَالْمُرَادُ بِالْمُرْتَهِنِ هُوَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ وَأَحَدُ عَاقِدِي الصَّرْفِ فِي الثَّانِيَةِ وَرَبُّ الْمَالِ فِي الثَّالِثَةِ اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: لَا دَخْلَ لِلثَّالِثَةِ هُنَا كَمَا عَلِمْتَ ثُمَّ إنَّ تَفْسِيرَ الْمُرْتَهِنِ بِالْمُسْلَمِ إلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ مُؤَيِّدٌ لِمَا صَوَّرْنَا بِهِ الْمَسْأَلَةَ سَابِقًا. هَذَا وَأَفَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا إنَّمَا هُوَ لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ مُسَاوِيَةً لِرَأْسِ الْمَالِ وَثَمَنِ الصَّرْفِ، فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِقَدْرِهِ (قَوْلُهُ قَبْلَ نَقْدٍ وَهَلَاكٍ) أَيْ قَبْلَ نَقْدِ الْمَرْهُونِ بِهِ وَقَبْلَ هَلَاكِ الرَّهْنِ (قَوْلُهُ بَطَلَا) لِعَدَمِ الْقَبْضِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا. قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَعَلَيْهِ رَدُّ الرَّهْنِ، فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الرَّدِّ هَلَكَ بِرَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ الْمَالِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ بَعْدَ بُطْلَانِ عَقْدِ السَّلَمِ وَلَا يَنْقَلِبُ السَّلَمُ جَائِزًا (قَوْلُهُ فَيَصِحُّ مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ لِأَنَّ قَبْضَهُ لَا يَجِبُ فِي الْمَجْلِسِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَصَارَ عِوَضًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ) أَيْ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ وَيَكُونُ فِي الزِّيَادَةِ أَمِينًا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِهَا جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَهْلِكْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي الشَّرْحِ فَإِنْ هَلَكَ. (قَوْلُهُ فَقَامَ مَقَامَهُ) فَصَارَ كَالْمَغْصُوبِ إذَا هَلَكَ وَبِهِ رَهْنٌ يَكُونُ رَهْنًا بِقِيمَتِهِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ هَلَكَ بِهِ) لِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِغَيْرِهِ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ لِأَخْذِ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الثَّمَنِ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَرْهُونُ يَهْلِكُ بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ مَرْهُونٌ بِهِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ فَيَلْزَمُ إلَخْ) أَيْ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ فِي مَسْأَلَتِنَا يَجِبُ عَلَى رَبِّ السَّلَمِ أَنْ يَدْفَعَ مِثْلَ الْمُسْلَمِ فِيهِ إلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَيَأْخُذُ رَأْسَ الْمَالِ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِهِ، وَقَدْ بَقِيَ حُكْمُ الرَّهْنِ إلَى أَنْ يَهْلِكَ فَصَارَ رَبُّ السَّلَمِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ، وَلَوْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً ثُمَّ تَقَايَلَا أَوْ اسْتَوْفَاهُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ لَزِمَهُ رَدُّ الْمُسْتَوْفَى وَارْتِدَادُ رَأْسِ الْمَالِ فَكَذَا هُنَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ بِدَيْنٍ) أَيْ لِأَجْنَبِيٍّ (قَوْلُهُ عَبْدًا) مَفْعُولُ يَرْهَنُ، وَقَوْلُهُ لِطِفْلِهِ صِفَةٌ لَهُ (قَوْلُهُ لِهَلَاكِهِ مَضْمُونًا) بَيَانٌ لِلْأَوْلَوِيَّةِ، وَلِأَنَّ قِيَامَ الْمُرْتَهِنِ بِحِفْظِهِ أَبْلَغُ مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، أَيْ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْأَمَانَةَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) أَيْ وَزُفَرُ وَقَوْلُهُمَا قِيَاسٌ، وَالْأَوَّلُ الظَّاهِرُ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ هِدَايَةٌ وَزَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ إذَا هَلَكَ) أَيْ بِنَاءً عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ لَا الْفَضْلِ) أَيْ لَا الزَّائِدَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ لَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْهُ (قَوْلُهُ يَضْمَنُ الْوَصِيُّ الْقِيمَةَ) أَيْ جَمِيعَهَا وَإِنْ زَادَتْ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّارِحُ فِيمَا يَأْتِي فِي بَابِ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهَا) كَالْمُغْنِي وَالْعِنَايَةِ وَالْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا) هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ. (قَوْلُهُ وَيَحْبِسُهُ) أَيْ يَحْبِسُ الْأَبُ عِنْدَهُ الرَّهْنَ (قَوْلُهُ وَكَذَا عَكْسُهُ إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَ لِلْأَبِ دَيْنٌ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَلِلْأَبِ إلَخْ، وَكَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 495 بِخِلَافِ الْوَصِيِّ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَحْضٌ فَلَا يَتَوَلَّى طَرَفَ الْعَقْدِ فِي رَهْنٍ وَلَا بَيْعٍ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (وَ) صَحَّ (بِثَمَنِ عَبْدٍ أَوْ خَلٍّ أَوْ ذَكِيَّةٍ إنْ ظَهَرَ الْعَبْدُ حُرًّا وَالْخَلُّ خَمْرًا وَالذَّكِيَّةُ مَيِّتَةً، وَ) صَحَّ (بِبَدَلِ صُلْحٍ عَنْ إنْكَارٍ إنْ أَقَرَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ) وَالْأَصْلُ مَا مَرَّ أَنَّ وُجُوبَ الدَّيْنِ ظَاهِرًا يَكْفِي لِصِحَّةِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ (وَ) صَحَّ (رَهْنُ الْحَجَرَيْنِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، فَإِنْ رَهَنَ) الْمَذْكُورَ بِخِلَافِ جِنْسِهِ هَلَكَ بِقِيمَتِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ (بِجِنْسِهِ وَهَلَكَ، هَلَكَ بِمِثْلِهِ) وَزْنًا أَوْ كَيْلًا لَا قِيمَةً خِلَافًا لَهُمَا (مِنْ الدَّيْنِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْجَوْدَةِ) عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ. ثُمَّ إنْ تَسَاوَيَا فَظَاهِرٌ، وَإِنْ الدَّيْنُ أَزْيَدَ فَالزَّائِدُ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ، وَإِنْ الرَّهْنُ أَزِيدَ فَالزَّائِدُ أَمَانَةٌ دُرَرٌ وَصَدْرُ شَرِيعَةٍ.   [رد المحتار] لَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِابْنٍ آخَرَ لَهُ صَغِيرٍ أَوْ عَبْدٍ تَاجِرٍ لِلْأَبِ فَلَهُ أَنْ يَرْهَنَ مَتَاعَ طِفْلِهِ الْمَدْيُونِ عِنْدَ ابْنِهِ الْآخَرَ أَوْ عَبْدِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ) أَيْ لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى الصَّغِيرِ دَيْنٌ فَلَيْسَ لَهُ رَهْنُ مَتَاعِ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَلَا بَيْعٍ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى وَصِيِّ الْقَاضِي. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَصِيِّ: وَإِنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ وَصِيَّ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا؛ وَإِنْ كَانَ وَصِيَّ الْأَبِ: جَازَ بِشَرْطِ مَنْفَعَةٍ ظَاهِرَةٍ لِلصَّغِيرِ، وَبَيْعُ الْأَبِ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ جَائِزٌ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَبِمَا يُتَغَابَنُ فِيهِ ط. (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ) فَقَدْ أَطَالَ هُنَا فِي التَّعْلِيلِ وَتَفْرِيعِ الْمَسَائِلِ كَالْهِدَايَةِ وَالْمِنَحِ. وَفِي الْمُلْتَقَى: وَإِنْ اسْتَدَانَ الْوَصِيُّ لِلْيَتِيمِ فِي كِسْوَتِهِ وَطَعَامِهِ وَرَهَنَ بِهِ مَتَاعَهُ صَحَّ، وَلَيْسَ لِلطِّفْلِ إذَا بَلَغَ نَقْضُ الرَّهْنِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ. (قَوْلُهُ وَصَحَّ بِثَمَنِ عَبْدٍ إلَخْ) أَيْ فَيَضْمَنُ ضَمَانَ الرَّهْنِ، فَإِنْ هَلَكَ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرُ يُؤَدِّي قَدْرَ الدَّيْنِ إلَى الرَّاهِنِ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْهُ يُؤَدِّي الْقِيمَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِدَيْنٍ وَاجِبٍ ظَاهِرًا ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ إنْ أَقَرَّ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ بَعْدَ الرَّهْنِ. وَصُورَتُهَا ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَلْفًا فَأَنْكَرَ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ وَأَعْطَاهُ رَهْنًا يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ مَا مَرَّ) أَيْ فِي أَوَّلِ الرَّهْنِ (قَوْلُهُ يَكْفِي لِصِحَّةِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ) كَذَا فِي الْمِنَحِ، وَلَمْ أَرَهُ فِي غَيْرِهَا. وَعِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا: يَكْفِي لِصِحَّةِ الرَّهْنِ وَلِصَيْرُورَتِهِ مَضْمُونًا وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْكَفِيلِ الْكَفِيلَ بِالْغَرَامَاتِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بِهَا صَحِيحَةٌ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ، وَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى الْكَفَالَةِ بِثَمَنِ الْعَبْدِ وَمَا بَعْدَهُ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ، لِمَا فِي كَفَالَةِ الذَّخِيرَةِ عَنْ الْمُنْتَقَى: لَوْ أَقَامَ الْكَفِيلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الطَّالِبِ بِأَنَّ الْمَالَ ثَمَنُ خَمْرٍ أَوْ بَيْعٍ فَاسِدٍ تُقْبَلُ وَيَبْطُلُ الْمَالُ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَصَحَّ رَهْنُ الْحَجَرَيْنِ) أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ) كَالثِّيَابِ مَثَلًا (قَوْلُهُ هَلَكَ بِقِيمَتِهِ) أَيْ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْحَجَرَيْنِ وَنَحْوِهِمَا هَلَكَ بِقِيمَتِهِ لَا بِالْوَزْنِ أَوْ الْكَيْلِ، وَعَلَيْهِ فَتُعْتَبَرُ فِيهِ الْجَوْدَةُ لِأَنَّهُ مَرْهُونٌ، بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَهُوَ الثِّيَابُ مَثَلًا، وَإِنَّمَا لَا تُعْتَبَرُ الْجَوْدَةُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ كَمَا يَأْتِي فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَإِنْ بِجِنْسِهِ) كَمَا إذَا رَهَنَ فِضَّةً بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ أَوْ حِنْطَةً بِحِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرًا بِشَعِيرٍ (قَوْلُهُ وَزْنًا أَوْ كَيْلًا) سَوَاءٌ قَلَّتْ الْقِيمَةُ أَوْ كَثُرَتْ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لَا قِيمَةَ خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْقِيمَةَ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ وَتَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ الْهَالِكَ بِالضَّمَانِ عَيْنِيٌّ. وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ. أَمَّا لَوْ كَانَتْ مِثْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ فَالْجَوَابُ فِيهِمَا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ عِنْدَهُ بِالْوَزْنِ. وَعِنْدَهُمَا بِالْقِيمَةِ، وَهِيَ مِثْلُ الدَّيْنِ فِي الْأَوَّلِ وَزَائِدَةٌ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي فَيَصِيرُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ مُسْتَوْفِيًا وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَا عِبْرَةَ بِالْجَوْدَةِ إلَخْ) لِأَنَّهُمَا لَا قِيمَةَ لَهَا إذَا قَابَلَتْ الْجِنْسَ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الرِّبَا (قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ تَسَاوَيَا) أَيْ إنْ تَسَاوَى الرَّهْنُ وَالْمَرْهُونُ بِهِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا فَظَاهِرٌ: أَيْ أَنَّهُ يَسْقُطُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 496 (بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ شَيْئًا بِعَيْنِهِ أَوْ يُعْطِيَ كَفِيلًا كَذَلِكَ) بِعَيْنِهِ (صَحَّ، وَلَا يُجْبَرُ) الْمُشْتَرِي (عَلَى الْوَفَاءِ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ (وَلِلْبَائِعِ فَسْخُهُ) لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ (إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا) أَوْ يَدْفَعَ (قِيمَةَ الرَّهْنِ) الْمَشْرُوطِ (رَهْنًا) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (وَإِنْ قَالَ) الْمُشْتَرِي (لِبَائِعِهٍ) وَقَدْ أَعْطَاهُ شَيْئًا غَيْرَ مَبِيعِهِ (أَمْسِكْ هَذَا حَتَّى أُعْطِيَكَ الثَّمَنَ فَهُوَ رَهْنٌ) لِتَلَفُّظِهِ بِمَا يُفِيدُ الرَّهْنَ، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي خِلَافًا لِلثَّانِي وَالثَّلَاثَةِ، وَ (لَوْ كَانَ) ذَلِكَ الشَّيْءُ الَّذِي قَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي أَمْسِكْهُ هُوَ (الْمَبِيعُ) الَّذِي اشْتَرَاهُ بِعَيْنِهِ لَوْ (بَعْدَ قَبْضِهِ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا بِثَمَنِهِ (وَلَوْ قَبْلَهُ لَا) يَكُونُ رَهْنًا لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِالثَّمَنِ كَمَا مَرَّ. بَقِيَ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يَفْسُدُ بِمُكْثِهِ كَلَحْمٍ وَجَمْدٍ فَأَبْطَأَ الْمُشْتَرِي وَخَافَ الْبَائِعُ تَلَفَهُ جَازَ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ، وَلَوْ بَاعَهُ -   [رد المحتار] الدَّيْنُ بِلَا نَظَرٍ إلَى الْقِيمَةِ وَلَا إلَى الْجَوْدَةِ عِنْدَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا هَلَكَ. وَأَمَّا إذَا انْتَقَصَ بِأَنْ كَانَ إبْرِيقَ فِضَّةٍ فَانْكَسَرَ فَفِيهِ كَلَامٌ آخَرَ. وَحَاصِلُ صُوَرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْهَلَاكِ وَالنُّقْصَانِ تَبْلُغُ سِتًّا وَعِشْرِينَ صُورَةً مَبْسُوطَةً فِي الْمُطَوَّلَاتِ، وَقَدْ أَوْضَحَهَا فِي التَّبْيِينِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ أَوْ يُعْطِي كَفِيلًا) أَيْ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ فَقَبِلَ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ وَلَا الْكَفِيلُ مُعَيَّنًا أَوْ كَانَ الْكَفِيلُ غَائِبًا حَتَّى افْتَرَقَا فَسَدَ الْعَقْدُ، وَلَوْ حَضَرَ الْكَفِيلُ وَقَبِلَ أَوْ اتَّفَقَا عَلَى تَعْيِينِ الرَّهْنِ أَوْ نَقَدَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا جَازَ الْبَيْعُ وَبَعْدَ الْمَجْلِسِ لَا يَجُوزُ زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَلَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي) أَيْ عَلَى دَفْعِ الرَّهْنِ. وَأَمَّا الْكَفِيلُ فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الشَّرْطَ حُضُورُهُ وَقَبُولُهُ فِي الْمَجْلِسِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الِامْتِنَاعُ وَالْإِجْبَارُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ أَوَّلَ الرَّهْنِ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ، حَتَّى لَوْ عَقَدَ الرَّهْنَ لَا يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ فَلَا يُجْبَرُ بِمُجَرَّدِ الْوَعْدِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ) لِأَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي بِهِ رَهْنٌ أَوْثَقُ مِمَّا لَا رَهْنَ بِهِ فَصَارَ الرَّهْنُ صِفَةً لِلثَّمَنِ وَهُوَ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فَلَهُ الْخِيَارُ بِفَوَاتِهِ، وَتَمَامُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ) فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ قِيمَتُهُ لَا عَيْنُهُ (قَوْلُهُ وَقَدْ أَعْطَاهُ) الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ لِلْمُشْتَرِي وَالْبَارِزُ لِلْبَائِعِ (قَوْلُهُ شَيْئًا غَيْرَ مَبِيعِهِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِيَحْسُنَ التَّعْمِيمُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي: وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ، فَإِنَّ " لَوْ " فِيهِ وَصْلِيَّةٌ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَا بَعْدَهَا وَبَيْنَ نَقِيضِهِ، فَلَا يُقَالُ أُكْرِمُكَ إنْ جِئْتنِي وَلَوْ لَمْ تَجِئْنِي (قَوْلُهُ لِتَلَفُّظِهِ بِمَا يُفِيدُ الرَّهْنَ) وَهُوَ الْحَبْسُ إلَى إيفَاءِ الثَّمَنِ (قَوْلُهُ وَالْعِبْرَةُ) أَيْ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي، وَلِهَذَا كَانَتْ الْكِفَايَةُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةٌ وَالْحَوَالَةُ بِشَرْطِ عَدَمِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ كَفَالَةٌ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي وَالثَّلَاثَةِ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الرَّهْنَ وَالْإِيدَاعَ وَالثَّانِي أَقَلُّهُمَا فَيُقْضَى بِثُبُوتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَمْسِكْهُ بِدَيْنِكَ أَوْ بِمَالِكَ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَابَلَهُ بِالدَّيْنِ فَقَدْ عَيَّنَ جِهَةَ الرَّهْنِ. قُلْنَا لَمَّا مَدَّهُ إلَى وَقْتِ الْإِعْطَاءِ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الرَّهْنُ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ) " لَوْ " هَذِهِ وَصْلِيَّةٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَمَا بَعْدَهَا شَرْطِيَّةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُصْلَحُ إلَخْ) أَيْ لِتَعَيُّنِ مِلْكِهِ فِيهِ؛ حَتَّى لَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِالثَّمَنِ) أَيْ وَضَمَانُهُ يُخَالِفُ ضَمَانَ الرَّهْنِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِضَمَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا، حَتَّى لَوْ قَالَ أَمْسِكْ الْمَبِيعَ حَتَّى أُعْطِيكَ الثَّمَنَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهَلَكَ انْفَسَخَ الْبَيْعُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا بِالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ (قَوْلُهُ بَقِيَ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ) أَيْ الَّذِي جَعَلَهُ الْمُشْتَرِي رَهْنًا قَبْلَ قَبْضِهِ ط. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بَعْدَ الْقَبْضِ لَيْسَ كَذَلِكَ. أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ مُتَفَرِّقَاتِ الْبُيُوعِ: لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَغَابَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَنَقَدَ الثَّمَنَ غَيْبَةً مَعْرُوفَةً فَأَقَامَ بَائِعُهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ لَمْ يَبِعْ فِي دَيْنِهِ، وَإِنْ جَهِلَ مَكَانَهُ بِيعَ: أَيْ بَاعَهُ الْقَاضِي. وَقَالَ فِي النَّهْرِ هُنَاكَ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ خِيفَ تَلَفُهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ عُلِمَ مَكَانُهُ أَوْ لَا. اهـ. وَلَمْ يُقَيِّدْ بِكَوْنِهِ جَعَلَهُ رَهْنًا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَجَمَدٍ) بِالتَّحْرِيكِ: الثَّلْجُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ جَازَ بَيْعُهُ) ظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الَّذِي يَبِيعُهُ الْقَاضِي وَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ وَشِرَاؤُهُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 497 بِأَزْيَدَ تَصَدَّقَ بِهِ لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةً. (رَهَنَ) رَجُلٌ (عَيْنًا عِنْدَ رَجُلَيْنِ بِدَيْنٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا صَحَّ وَكُلُّهُ رَهْنٌ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا) وَلَوْ غَيْرَ شَرِيكَيْنِ (فَإِنْ تَهَايَأَ فَكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَوْبَتِهِ كَالْعَدْلِ فِي حَقِّ الْآخَرِ) هَذَا لَوْ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ، وَإِنْ مِمَّا يَتَجَزَّأُ فَعَلَى كُلٍّ حَبْسُ النِّصْفِ فَلَوْ دَفَعَ لَهُ كُلَّهُ ضَمِنَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَأَصْلُهُ مَسْأَلَةُ الْوَدِيعَةِ زَيْلَعِيٌّ. (وَلَوْ هَلَكَ ضَمِنَ كُلٌّ حِصَّتَهُ) لِتَجَزُّئِ الِاسْتِيفَاءِ (فَإِنْ قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا فَكُلُّهُ رَهْنُ الْآخَرِ) لِمَا مَرَّ أَنَّ كُلَّ الْعَيْنِ رَهْنٌ فِي يَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِلَا تَفَرُّقٍ (وَإِنْ رَهَنَا رَجُلًا رَهْنًا) وَاحِدًا (بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا صَحَّ بِكُلِّ الدَّيْنِ وَيُمْسِكُهُ إلَى اسْتِيفَاءِ كُلِّ الدَّيْنِ) إذْ لَا شُيُوعَ. (وَلَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ لَا يَأْخُذُ أَحَدَهُمَا بِقَضَاءِ حِصَّتِهِ) لِحَبْسِ الْكُلِّ بِكُلِّ الدَّيْنِ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ -   [رد المحتار] أَيْ وَجَازَ لِلْمُشْتَرِي شِرَاؤُهُ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ تَصَدَّقَ بِهِ) أَيْ بِمَا زَادَ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةً) أَيْ شُبْهَةَ مَالِ الْغَيْرِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ عِنْدَ رَجُلَيْنِ) أَيْ وَقَبِلَا، فَلَوْ قَبِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَا يَصِحُّ، كَمَا لَوْ قَالَ رَهَنْتُ النِّصْفَ مِنْ ذَا وَالنِّصْفَ مِنْ ذَا سَائِحَانِيٌّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ (قَوْلُهُ وَكُلُّهُ رَهْنٌ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ يَصِيرُ كُلُّهُ مَحْبُوسًا بِدَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّ نِصْفَهُ يَكُونُ رَهْنًا مِنْ هَذَا وَنِصْفُهُ مِنْ ذَاكَ ابْنُ كَمَالٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ لِأَنَّ مُوجِبَهَا ثُبُوتُ الْمِلْكِ وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ كُلُّهُ مِلْكًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ رَجُلَيْنِ عَلَى الْكَمَالِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ فَدَخَلَهُ الشُّيُوعُ ضَرُورَةً وَحُكْمُ الرَّهْنِ الْحَبْسُ، وَيَجُوزُ كَوْنُ الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ مَحْبُوسَةً بِحَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ، وَتَمَامُهُ فِي الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ غَيْرَ شَرِيكَيْنِ) أَيْ فِي الدَّيْنِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ دَيْنُ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ وَدَيْنُ الْآخَرِ دَنَانِيرَ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ ضَمِنَ عِنْدَهُ) أَيْ ضَمِنَ الدَّافِعُ ضَمَانَ الْغَصْبِ ط (قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ مَسْأَلَةُ الْوَدِيعَةِ) أَيْ إذَا أَوْدَعَ عِنْدَ رَجُلَيْنِ شَيْئًا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ فَدَفَعَ أَحَدُهُمَا كُلَّهُ إلَى الْآخَرِ فَإِنَّ الدَّافِعَ يَضْمَنُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ ضَمِنَ كُلٌّ حِصَّتَهُ) كُلٌّ فَاعِلُ ضَمِنَ وَحِصَّتُهُ مَفْعُولُهُ. قَالَ ط عَنْ الْمَكِّيِّ: صُورَتُهُ كَمَا فِي الْبِنَايَةِ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا عَشَرَةً عَلَى الرَّاهِنِ وَلِلْآخَرِ خَمْسَةٌ عَلَيْهِ وَالرَّهْنُ ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا فَهَلَكَ عِشْرُونَ مِنْ الرَّهْنِ فَتَبْقَى الْعَشَرَةُ فِي يَدِهِمَا أَثْلَاثًا وَيَسْقُطُ مِنْ صَاحِبِ الْعَشَرَةِ ثُلُثَاهُ وَمِنْ صَاحِبِ الْخَمْسَةِ ثُلُثَاهُ، فَيَكُونُ عَلَى الرَّاهِنِ لِصَاحِبِ الْعَشَرَةِ ثُلُثُ الْعَشَرَةِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ وَلِصَاحِبِ الْخَمْسَةِ ثُلُثُ الْخَمْسَةِ وَهُوَ دِرْهَمٌ وَثُلُثَا دِرْهَمٍ اهـ (قَوْلُهُ لِتَجَزُّئِ الِاسْتِيفَاءِ) أَيْ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَقْبَلُ التَّجْزِيءَ (قَوْلُهُ فَإِنْ قَضَى إلَخْ) الْأَصْوَبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ هَلَكَ إلَخْ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْكَمَالِ لِيُفِيدَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَضْمَنُ حِصَّتَهُ؛ وَلَوْ قَضَى الرَّاهِنُ دَيْنَ أَحَدِهِمَا لِمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الثَّانِي يَسْتَرِدُّ الرَّاهِنُ مَا قَضَاهُ إلَى الْأَوَّلِ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ ارْتِهَانَ كُلٍّ مِنْهُمَا بَاقٍ مَا لَمْ يَصِلْ الرَّهْنُ إلَى الرَّاهِنِ، لِمَا مَرَّ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِي نَوْبَتِهِ كَالْعَدْلِ فِي نَوْبَةِ الْآخَرِ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ قَرِيبًا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَكُلُّهُ رَهْنٌ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ بِلَا تَفَرُّقٍ) أَيْ بِلَا تَجَزُّؤٍ فَلَا يَكُونُ لَهُ اسْتِرْدَادُ شَيْءٍ مِنْهُ مَا دَامَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بَاقِيًا كَمَا لَوْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ وَاحِدًا (قَوْلُهُ رَهْنًا وَاحِدًا) يَعْنِي صَفْقَةً وَاحِدَةً، لِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ وَهُوَ عَبْدٌ أَوْ عَبْدَانِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ تَوَحُّدَ الْمَرْهُونِ بَلْ تَوَحُّدَ الرَّهْنِ أَيْ الْعَقْدِ. (قَوْلُهُ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا) سَوَاءٌ كَانَ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنٌ عَلَى حِدَةٍ إتْقَانِيٌّ عَنْ الْكَرْخِيِّ (قَوْلُهُ وَيُمْسِكُهُ إلَخْ) أَيْ فَلَوْ أَدَّى أَحَدُهُمَا مَا عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ الرَّهْنِ شَيْئًا لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي الْإِمْسَاكِ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إذْ لَا شُيُوعَ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ صَحَّ قَالَ الأتقاني: وَذَلِكَ لِأَنَّ رَهْنَ الِاثْنَيْنِ مِنْ الْوَاحِدِ يَحْصُلُ بِهِ الْقَبْضُ مِنْ غَيْرِ إشَاعَةٍ فَصَارَ كَرَهْنِ الْوَاحِدِ مِنْ الْوَاحِدِ. (قَوْلُهُ لِحَبْسِ الْكُلِّ بِكُلِّ الدَّيْنِ) فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ مُبَالَغَةً فِي حَمْلِهِ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ هِدَايَةٌ، إذْ لَوْ أَمْكَنَ الرَّاهِنُ أَخْذَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ يَتَكَاسَلُ فِي قَضَاءِ الْبَاقِي (قَوْلُهُ كَالْمَبِيعِ إلَخْ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 498 فَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ أَحَدَهُمَا إذَا أَدَّى مَا سَمَّى لَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ) لِتَعَدُّدِ الْعَقْدِ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ فِي الرَّهْنِ لَا الْبَيْعِ هُوَ الْأَصَحُّ (وَبَطَلَ بَيِّنَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ رَجُلَيْنِ (عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ) أَيْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ (رَهَنَهُ هَذَا الشَّيْءَ) كَعَبْدٍ مَثَلًا عِنْدَهُ (وَقَبَضَهُ) لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ كُلِّهِ رَهْنًا لِهَذَا وَكُلِّهِ رَهْنًا لِذَاكَ فِي آنٍ وَاحِدٍ وَلَا يُمْكِنُ تَنْصِيفُهُ لِلُزُومِ الشُّيُوعِ -   [رد المحتار] فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إذْ أَدَّى حِصَّةَ بَعْضِ الْمَبِيعِ مِنْ الثَّمَنِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ سَمَّى إلَخْ) بِأَنْ قَالَ رَهَنْتُكَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَسَلَّمَهُمَا إلَيْهِ ثُمَّ نَقَدَ خَمْسَمِائَةٍ وَقَالَ أَدَّيْتُ عَنْ هَذَا الْعَبْدِ وَأَرَادَ أَخْذَهُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَهُ ذَلِكَ كِفَايَةٌ، فَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا بِعِشْرِينَ وَالْآخَرُ بِالْبَاقِي وَلَمْ يُبَيِّنْ هَذَا مِنْ هَذَا لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ لِأَنَّهَا جَهَالَةٌ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ عِنْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا أَوْ اسْتِرْدَادِهِ كَمَا أَفَادَهُ الأتقاني عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ لِتَعَدُّدِ الْعَقْدِ لِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ) الْأَصْوَبُ إبْدَالُ الثَّمَنِ بِنَحْوِ الْبَدَلِ لِأَنَّ الْمُفَصَّلَ فِي الرَّهْنِ هُوَ الدَّيْنُ (قَوْلُهُ فِي الرَّهْنِ لَا الْبَيْعِ) لِأَنَّ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي أَحَدِ الْمَرْهُونَيْنِ لَا يَكُونُ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ، حَتَّى إذَا قَبِلَ فِي أَحَدِهِمَا صَحَّ فِيهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ لَا يَتَعَدَّدُ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ، وَلِهَذَا لَوْ قَبِلَ الْبَيْعَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ، لِأَنَّ الْبَائِعَ يَتَضَرَّرُ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ بِضَمِّ الرَّدِيءِ إلَى الْجَيِّدِ فِي الْبَيْعِ فَيَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِالتَّفْرِيقِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ هُوَ الْأَصَحُّ) أَيْ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا إذَا سَمَّى لِكُلٍّ مِنْ الْمَرْهُونَيْنِ شَيْئًا وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْكِفَايَةِ وَهُوَ رِوَايَاتُ الزِّيَادَاتِ (قَوْلُهُ وَبَطَلَ بَيِّنَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَخْ) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا سَبَقَ دُرَرٌ، فَقَوْلُهُ فِي الْعِنَايَةِ إنَّهَا مِنْ شُعَبِ قَوْلِهِ رَهَنَا رَجُلًا فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الرَّجُلَيْنِ هُنَا يَدَّعِيَانِ أَنَّهُمَا مُرْتَهِنَانِ وَأَنَّ الرَّجُلَ رَاهِنٌ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمِعْرَاجِ بِقَوْلِهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ اثْنَانِ وَالرَّاهِنُ وَاحِدٌ اهـ فَتَنَبَّهْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ، لِأَنَّ الدَّعْوَى إمَّا فِي حَيَاةِ الرَّاهِنِ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، لِأَنَّ الرَّهْنَ إمَّا فِي يَدِ أَحَدِ الْمُدَّعِيَيْنِ فَيَقْضِيَ بِهِ لَهُ وَإِنْ أَرَّخَ الْآخَرُ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تُنْقَضُ بِالتَّارِيخِ لِاحْتِمَالِ سَبْقِهِ عَلَى التَّارِيخِ إلَّا إذَا أَثْبَتَ الْآخَرُ أَنَّ عَقْدَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ فِي يَدِ الرَّاهِنِ وَفِيهِمَا إنْ أَرَّخَا وَأَحَدُهُمَا أَسْبَقُ يُقْضَى لَهُ، وَكَذَا إنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا عَلَى السَّوَاءِ بَطَلَ، وَالثَّانِي عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَيْضًا. وَفِيهَا كُلِّهَا إنْ أَرَّخَا وَأَحَدُهُمَا أَسْبَقُ قُضِيَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا عَلَى السَّوَاءِ، فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ فِي يَدِ الرَّاهِنِ نُصِّفَ بَيْنَهُمَا اسْتِحْسَانًا وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ وَالتَّتَارْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ أَيْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ) تَبِعَ فِيهِ الْمُصَنِّفِ فِي مِنَحِهِ. قَالَ ح: صَوَابُهُ رُجُوعُ ضَمِيرِ أَنَّهُ وَالْمُسْتَتِرُ فِي رَهْنِهِ لِلرَّجُلِ وَالْبَارِزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اهـ أَيْ لِأَنَّ الرَّجُلَيْنِ مُرْتَهِنَانِ لَا رَاهِنَانِ كَمَا عَلِمْتَ. وَأَقُولُ: يُوهِمُ أَنَّ حَلَّ الشَّارِحِ خَطَأٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، نَعَمْ لَوْ أَرْجَعَ الْمُسْتَتِرَ فِي رَهْنِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَانَ خَطَأً أَمَّا ضَمِيرُ أَنَّهُ فَلَا فَرْقَ فِي صِحَّةِ الْمَعْنَى بَيْنَ إرْجَاعِهِ لِلرَّجُلِ أَوْ لِكُلِّ وَاحِدٍ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ رَهَنَهُ هَذَا الشَّيْءَ عِنْدَهُ) أَقُولُ: الصَّوَابُ حَذْفُ الضَّمِيرِ أَوْ حَذْفُ عِنْدِهِ لِأَنَّ فِيهِ الْجَمْعَ بَيْنَ تَعْدِيَةِ (رَهَنَ) إلَى مَفْعُولِهِ الْآخَرِ بِنَفْسِهِ وَبِالظَّرْفِ مَعًا، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يُقَالُ رَهَنْتُ الرَّجُلَ شَيْئًا وَرَهَنْتُهُ عِنْدَهُ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ كُلِّهِ رَهْنًا لِهَذَا وَكُلِّهِ رَهْنًا لِذَاكَ) أَيْ عَلَى الِانْفِرَادِ بِعَقْدَيْنِ، بِأَنْ يَنْفَرِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِحَبْسِهِ وَلَا حَقَّ فِيهِ لِصَاحِبِهِ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فِي قَوْلِهِ رَهَنَ عَيْنًا عِنْدَ رَجُلَيْنِ، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِهَذَا وَلِذَاكَ لِلتَّعْلِيلِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا يُمْكِنُ تَنْصِيفُهُ إلَخْ) وَكَذَا لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِكُلِّهِ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُمَا ارْتَهَنَاهُ مَعًا حِينَ جَهَالَةِ التَّارِيخِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 499 فَتَهَاتَرَتَا وَحِينَئِذٍ فَتَهْلِكُ أَمَانَةً إذْ الْبَاطِلُ لَا حُكْمَ لَهُ هَذَا (إنْ لَمْ يُؤَرِّخَا، فَإِنْ أَرَّخَا كَانَ صَاحِبُ التَّارِيخِ الْأَقْدَمِ أَوْلَى وَكَذَا إذَا كَانَ) الرَّهْنُ (فِي يَدِ أَحَدِهِمَا كَانَ) ذُو الْيَدِ (أَحَقَّ) لِقَرِينَةِ سَبْقِهِ. (وَلَوْ مَاتَ رَاهِنُهُ) أَيْ رَاهِنُ الْعَبْدِ مَثَلًا (وَ) الْحَالُ أَنَّ (الرَّهْنَ مَعَهُمَا) أَيْ فِي أَيْدِيهِمَا (أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَيْسَ الْعَبْدُ مَعَهُمَا فَإِنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ زَيْلَعِيٌّ (فَبَرْهَنَ كُلٌّ كَذَلِكَ) كَمَا وَصَفْنَا (كَانَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ) أَيْ الْعَبْدُ (رَهْنًا بِحَقِّهِ) اسْتِحْسَانًا لِانْقِلَابِهِ بِالْمَوْتِ اسْتِيفَاءً وَالشَّائِعُ يَقْبَلُهُ. (أَخَذَ عِمَامَةَ الْمَدْيُونِ لِتَكُونَ رَهْنًا عِنْدَهُ لَمْ تَكُنْ رَهْنًا) وَإِذَا هَلَكَتْ تَهْلِكُ هَلَاكَ الْمَرْهُونِ. قَالَ: وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا رَضِيَ الْمَطْلُوبُ بِتَرْكِهِ رَهْنًا عِمَادِيَّةٌ، وَمَفَادُهُ أَنَّهُ إنْ رَضِيَ بِتَرْكِهِ كَانَ رَهْنًا وَإِلَّا لَا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ السِّرَاجِيَّةِ وَغَيْرِهَا كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ. وَفِي الْمُجْتَبَى لِرَبِّ الْمَالِ مَسْكُ مَالِ الْمَدْيُونِ   [رد المحتار] لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَثْبَتُ بِبَيِّنَتِهِ رَهْنُ الْكُلِّ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ بِخِلَافِ الدَّعْوَى، أَفَادَهُ فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ فَتَرَاهَنَا) أَيْ تَسَاقَطَتْ الْبَيِّنَتَانِ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِمَا، وَهَذَا قِيَاسٌ وَالِاسْتِحْسَانُ التَّنْصِيفُ بَيْنَهُمَا، فَهَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي رُجِّحَ فِيهَا الْقِيَاسُ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ. (قَوْلُهُ هَذَا إنْ لَمْ يُؤَرِّخَا) وَكَذَا إنْ أَرَّخَا وَتَارِيخُهُمَا سَوَاءٌ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَانَ صَاحِبُ التَّارِيخِ الْأَقْدَمِ أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْعَقْدَ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ صَاحِبُهُ، وَكَذَلِكَ إنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ لِظُهُورِ الْعَقْدِ فِي حَقِّهِ مِنْ وَقْتِ التَّارِيخِ وَفِي حَقِّ الْآخَرِ لِلْحَالِ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا) أَفَادَ أَنَّ مَا مَرَّ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ أَوْ فِي أَيْدِيهِمَا (قَوْلُهُ كَانَ ذُو الْيَدِ أَحَقَّ) أَيْ سَوَاءٌ أَرَّخَ الْآخَرُ أَوْ لَمْ يُؤَرِّخْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ لِقَرِينَةِ سَبْقِهِ) أَيْ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ دَلِيلُ سَبْقِ عَقْدِهِ فَهُوَ أَوْلَى نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ رَاهِنُهُ) أَفَادَ أَنَّ مَا مَرَّ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي حَيَاةِ الرَّاهِنِ (قَوْلُهُ أَيْ رَاهِنُ الْعَبْدِ مَثَلًا) الْأَوْلَى: أَيْ رَاهِنُ الشَّيْءِ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ زَيْلَعِيٌّ) حَيْثُ قَالَ وَقَوْلُهُ: أَيْ قَوْلُهُ الْكَنْزُ وَالْعَبْدُ فِي أَيْدِيهِمَا وَقَعَ اتِّفَاقًا، حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ فِي أَيْدِيهِمَا وَأَثْبَتَ كُلُّ وَاحِدٍ فِيهِ الرَّهْنَ وَالْقَبْضَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْيَدَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ لِذِي الْيَدِ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ كَمَا نَقَلَهُ أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَرْحِ بَاكَبْرٍ عَلَى الْكَنْزِ وَعَنْ الشَّلَبِيِّ وَنَقَلَهُ ط عَنْ الْكَشْفِ (قَوْلُهُ فَبِرَهْنِ كُلٍّ إلَخْ) أَيْ وَلَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا عَلَى السَّوَاءِ أَمَّا لَوْ أَحَدُهُمَا أَسْبَقَ قُضِيَ لَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَبَقِيَ مَا لَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَقِيَاسُ مَا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْآخَرُ ذَا يَدٍ وَحْدَهُ قُضِيَ لَهُ وَإِلَّا فَلِلْمُؤَرِّخِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ كَمَا وَصَفْنَا) أَيْ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنْ بَرْهَنَ كُلٌّ أَنَّ الرَّجُلَ رَهَنَهُ هَذَا الشَّيْءَ (قَوْلُهُ نِصْفُهُ) اسْمُ كَانَ وَرَهْنًا خَبَرُهَا وَفِي يَدِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ أَوْ بِمَحْذُوفٍ وَرَهْنًا تَمْيِيزٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِانْقِلَابِهِ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ حَيْثُ أَخَذَ فِي الْأُولَى بِالْقِيَاسِ وَفِي هَذِهِ بِالِاسْتِحْسَانِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَفِي الْقِيَاسِ هَذَا بَاطِلٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يُرَادُ لِذَاتِهِ بَلْ لِحُكْمِهِ وَحُكْمُهُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ الْحَبْسُ وَالشَّائِعُ لَا يَقْبَلُهُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ الِاسْتِيفَاءُ بِالْبَيْعِ مِنْ ثَمَنِهِ وَالشَّائِعُ يَقْبَلُهُ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ فِي الْعِمَادِيَّةِ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ قَوْلُهُ تَهْلِكُ هَلَاكَ الْمَرْهُونِ (قَوْلُهُ ظَاهِرٌ إذَا رَضِيَ) وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ فَتَاوَى النَّسَفِيّ. هَذَا مُسْتَقِيمٌ إذَا أَمْكَنَهُ اسْتِرْدَادُهَا فَتَرَكَهَا، أَمَّا إذَا تَرَكَهَا لِعَجْزِهِ فَفِيهِ نَظَرٌ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَحْمَلُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْعَتَّابِيِّ: تَقَاضَى دَيْنَهُ فَلَمْ يَقْضِهِ فَرَفَعَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ رَهْنًا وَأَعْطَاهُ مِنْدِيلًا يَلُفُّهُ عَلَى رَأْسِهِ فَالْعِمَامَةُ رَهْنٌ لِأَنَّ الْغَرِيمَ بِتَرْكِهَا عِنْدَهُ رَضِيَ بِكَوْنِهَا رَهْنًا. اهـ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ إلَخْ) تَطْوِيلٌ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ، وَلَوْ قَالَ: وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ يَهْلِكُ هَلَاكَ الْغَصْبِ لَكَانَ أَوْضَحَ ط (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ وَإِلَّا لَا، وَهُوَ أَنَّهُ يَهْلِكُ هَلَاكَ الْغَصْبِ يَحْمِلُ إطْلَاقَ السِّرَاجِيَّةِ. وَنَصُّهَا: إذَا أَخَذَ عِمَامَةَ الْمَدْيُونِ بِغَيْرِ رِضَاهُ لِتَكُونَ رَهْنًا عِنْدَهُ لَمْ تَكُنْ رَهْنًا بَلْ غَصْبًا اهـ فَقَوْلُهُ بَلْ غَصْبًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَرَكَهَا بِلَا رِضَاهُ (قَوْلُهُ لِرَبِّ الْمَالِ مَسْكُ مَالِ الْمَدْيُونِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 500 رَهْنًا بِلَا إذْنِهِ، وَقِيلَ إذَا أَيِسَ فَلَهُ أَخْذُهُ مَكَانَ حَقِّهِ قَضَاءً عَنْ دَيْنِهِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ. (دَفَعَ ثَوْبَيْنِ فَقَالَ خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ رَهْنًا بِكَذَا فَأَخَذَهُمَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا رَهْنًا قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ أَحَدَهُمَا) سِرَاجِيَّةٌ. [فُرُوعٌ] غَصْبُ الرَّهْنِ كَهَلَاكِهِ إلَّا إذَا غُصِبَ فِي حَالِ انْتِفَاعِ مُرْتَهِنٍ بِإِذْنِ رَاهِنٍ أَمَرَهُ بِدَفْعِهِ لِلدَّلَّالِ فَدَفَعَ فَهَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ. حَمَّامِيٌّ. وَضَعَ الْمُصْحَفَ الرَّهْنَ فِي صُنْدُوقِهِ وَوَضَعَ عَلَيْهِ قَصْعَةَ مَاءٍ لِلشُّرْبِ فَانْصَبَّ الْمَاءُ عَلَى الْمُصْحَفِ فَهَلَكَ   [رد المحتار] عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى أَنْ يُمْسِكَ وَهِيَ أَوْلَى إلَّا أَنْ يَثْبُتَ مَجِيءُ الْفِعْلِ مُجَرَّدًا مُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ. وَفِي الْقَامُوسِ: مَسَكَ بِهِ وَأَمْسَكَ وَتَمَاسَكَ وَتَمَسَّكَ وَاسْتَمْسَكَ: احْتَبَسَ، وَاعْتَصَمَ بِهِ وَأَمْسَكَهُ: حَبَسَهُ وَعَنْ الْكَلَامِ سَكَتَ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ رَهْنًا بِلَا إذْنِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَهْلِكُ هَلَاكَ الرَّهْنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ شَرْطُ الرَّهْنِ كَوْنُهُ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: صَاحِبُ الدَّيْنِ ظَفِرَ بِغَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ مِنْ مَالِ مَدْيُونِهِ لَا يَحْبِسُهُ رَهْنًا إلَّا بِرِضَا مَدْيُونِهِ اهـ فَتَأَمَّلْ. [فَرْعٌ] رَجُلٌ دَخَلَ خَانًا فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الْخَانِ لَا أَدَعُكَ تَنْزِلُ مَا لَمْ تُعْطِيَنِي رَهْنًا فَدَفَعَ إلَيْهِ ثِيَابَهُ فَهَلَكَتْ عِنْدَهُ، إنْ رَهَنَهَا بِأَجْرِ الْبَيْتِ فَالرَّهْنُ بِمَا فِيهِ، وَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ لِأَجْلِ أَنَّهُ سَارِقٌ أَوْ خَفِيَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: وَعِنْدِي لَا ضَمَانَ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ فِي الدَّفْعِ خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إذَا أَيِسَ إلَخْ) كَذَا عَبَّرَ فِي الْمِنَحِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ، وَإِلَّا فَلَوْ مِنْ جِنْسِهِ فَلَهُ أَخْذُ قَدْرِ حَقِّهِ مِنْهُ بِلَا كَلَامٍ وَلَا وَجْهَ لِحِكَايَتِهِ بِقِيلَ. عَلَى أَنَّا قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْحَجْرِ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ) فِيهِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّوْفِيقِ يُفِيدُ اشْتِرَاطَ الرِّضَا فَلَمْ يَكُنْ مُعَرَّجًا عَلَى مَا فِي الْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا رَهْنًا) فَلَا يَذْهَبُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ عَلَيْهِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا فَدَفَعَ إلَى الطَّالِبِ مِائَةً وَقَالَ خُذْ مِنْهَا عِشْرِينَ فَضَاعَتْ قَبْلَ الْأَخْذِ فَإِنَّهَا مِنْ مَالِ الدَّافِعِ وَالدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ عَنْ الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ. زَادَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبَيْنِ وَقَالَ خُذْ أَحَدَهُمَا رَهْنًا بِدَيْنِكَ فَأَخْذُهُمَا وَقِيمَتُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ: قَالَ مُحَمَّدٌ: يَذْهَبُ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالدَّيْنِ إنْ كَانَ مِثْلَ الدَّيْنِ اهـ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ الْبَابِ عَنْ الزَّوَاهِرِ، وَقَالَ: إنَّ الشُّيُوعَ الثَّابِتَ ضَرُورَةٌ لَا يَضُرُّ، وَلْيُنْظَرْ وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَعَلَّهُ هُوَ أَنَّ فِي الْأُولَى إنَّمَا جَعَلَ الرَّهْنَ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ مَشِيئَةُ الْمُرْتَهِنِ، فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَقَدْ تَعَيَّنَ، وَقَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَصِرْ أَحَدُهُمَا رَهْنًا، فَيَبْقَى كُلٌّ مِنْهُمَا عِنْدَهُ أَمَانَةً. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَقَدْ جُعِلَ أَحَدُهُمَا رَهْنًا فِي الْحَالِ بِلَا خِيَارٍ لَكِنَّهُ أَبْهَمَهُ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَصَارَ نِصْفُ كُلٍّ مِنْهُمَا رَهْنًا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، لَكِنْ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ بَعْدَ صَفْحَةٍ رَجُلٌ رَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ ثَوْبَيْنِ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقَالَ أَحَدُهُمَا رَهْنٌ لَكَ بِعَشَرَتِكَ أَوْ قَالَ خُذْ أَيَّهمَا شِئْتَ رَهْنًا بِدَيْنِكَ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ ضَاعَا جَمِيعًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَدَيْنُهُ عَلَى حَالِهِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ أَحَدَهُمَا) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ رَهْنًا إذَا اخْتَارَهُ، أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا وَلْوَالَجِيَّةٌ، وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْفَرْقِ، فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ دُونَ الْآخَرِ. (قَوْلُهُ غَصَبَ الرَّهْنَ) أَيْ إذَا غَصَبَهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُرْتَهِنِ كَانَ كَهَلَاكِهِ فَيَضْمَنُ بِالْأَقَلِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ غَصَبَهُ الْمُرْتَهِنُ بِأَنْ رَكِبَ الدَّابَّةَ أَوْ اسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ بِلَا إذْنٍ فَهَلَكَ كَانَ مُسْتَهْلِكًا فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا غَصَبَ إلَخْ) لِأَنَّهُ فِي حَالِ الِانْتِفَاعِ مُسْتَعِيرٌ فَبَطَل حُكْمُ الرَّهْنِ، فَإِذَا غَصَبَ مِنْهُ أَوْ هَلَكَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الِانْتِفَاعِ عَادَ رَهْنًا مَضْمُونًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ سَابِقًا، وَيَأْتِي فِي بَابِ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ (قَوْلُهُ أَمَرَهُ) أَيْ أَمَرَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ (قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ لِأَنَّهُ هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ حُكْمًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 501 ضَمِنَ ضَمَانَ الرَّهْنِ لَا الزِّيَادَةِ، وَالْمُودِعُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا قُنْيَةٌ. الْأَجَلُ فِي الرَّهْنِ يُفْسِدُهُ. سَلَّطَهُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ وَمَاتَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُهُ بِلَا مَحْضَرِ وَارِثِهِ. غَابَ الرَّاهِنُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فَرَفَعَ الْمُرْتَهِنُ أَمَرَهُ لِلْقَاضِي لِيَبِيعَهُ بِدَيْنِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ. وَلَوْ مَاتَ وَلَا يُعْلَمُ لَهُ وَارِثٌ فَبَاعَ الْقَاضِي دَارِهِ جَازَ، كَذَا فِي مُتَفَرِّقَاتِ بُيُوعِ النَّهْرِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُ ثَمَرَةِ الرَّهْنِ وَإِنْ خَافَ تَلَفَهَا لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْحَبْسِ لَا الْبَيْعِ وَيُمْكِنُ رَفْعُهُ إلَى الْقَاضِي، حَتَّى لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُهُ الرَّفْعُ لِلْقَاضِي، أَوْ كَانَ بِحَالٍ يَفْسُدُ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. بَابُ الرَّهْنِ يُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ سُمِّيَ بِهِ لِعَدَالَتِهِ فِي زَعْمِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ ضَمِنَ ضَمَانَ الرَّهْنِ) لِأَنَّ قَبْضَهُ مَضْمُونٌ بِخِلَافِ الْمُودِعِ، وَقَوْلُهُ لَا الزِّيَادَةَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِأَنَّ الْحَمَّامِيَّ يَحْفَظُ فِي صُنْدُوقِهِ وَيَضَعُ قَصْعَةَ الْمَاءِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَدَّى بِأَنْ أَرَاقَهُ قَصْدًا فَيَضْمَنُ الزِّيَادَةَ (قَوْلُهُ وَالْمُودَعُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا) لِمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ الْأَجَلُ فِي الرَّهْنِ يُفْسِدُهُ) لِأَنَّ حُكْمَهُ الْحَبْسُ الدَّائِمُ وَالتَّأْجِيلُ يُنَافِيهِ، بِخِلَافِ تَأْجِيلِ دَيْنِ الرَّهْنِ حَمَوِيٌّ عَنْ الْقُنْيَةِ: فَإِذَا هَلَكَ يَضْمَنُ ضَمَانَ الرَّهْنِ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مِنْهُ كَالصَّحِيحِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ سَلَّطَهُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ) الْأَوْلَى عَلَى بَيْعِهِ كَأَنَّهُ ضَمَّنَهُ مَعْنَى أَمْرٍ فَعَدَّاهُ بِالْبَاءِ (قَوْلُهُ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُهُ) فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ نَقْضُ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يُقَالُ إنَّهُ وَكَالَةٌ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، وَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْبَابِ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ) كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَانَتْ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى اهـ. وَجَزَمَ فِي الْأَشْبَاهِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ، وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ الْبِيرِيُّ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْمُنْيَةِ: لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُ الرَّهْنِ بِإِجَازَةِ الْحَاكِمِ وَأَخْذِ دَيْنِهِ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ غَالِبًا لَا يَعْرِفُ مَوْتَهُ وَلَا حَيَاتَهُ اهـ. أَقُولُ: يُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الْأَشْبَاهِ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْغَيْبَةُ مُنْقَطِعَةٌ وَإِنْ كَانَ أَطْلَقَ الْغَيْبَةَ تَأَمَّلْ. بَقِيَ مَا إذَا كَانَ حَاضِرًا وَامْتَنَعَ عَنْ بَيْعِهِ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ بَاعَهُ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ لِلْمُرْتَهِنِ وَأَوْفَاهُ حَقَّهُ وَالْعُهْدَةُ عَلَى الرَّاهِنِ اهـ مُلَخَّصًا، وَبِهِ أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ، وَحُرِّرَ فِي الْخَيْرِيَّةِ أَنَّهُ يُجْبِرُهُ عَلَى بَيْعِهِ وَإِنْ كَانَ دَارًا لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا يَسْكُنُهَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهَا بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ (قَوْلُهُ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُ ثَمَرَةِ الرَّهْنِ إلَخْ) أَيْ إذَا لَمْ يُبِحْهَا لَهُ الرَّاهِنُ. وَفِي الْبِيرِيِّ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَيَبِيعُ مَا خَافَ عَلَيْهِ الْفَسَادَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَيَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِهِ لِأَنَّ إمْسَاكَهُ لَيْسَ مِنْ الْهَلَاكِ، وَإِنْ بَاعَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ضَمِنَ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْبَيْعِ نَظَرًا لِلْمَالِكِ لَا تَثْبُتُ إلَّا لِلْحَاكِمِ اهـ. قَالَ الْبِيرِيُّ: أَقُولُ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا جَوَازُ بَيْعِ الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ إذَا تَدَاعَتْ لِلْخَرَابِ وَكَانَتْ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى اهـ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الرَّهْنِ يُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ] لَمَّا أَنْهَى الْقَوْلَ فِي الْأَحْكَامِ الرَّاجِعَةِ إلَى نَفْسِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ ذَكَرَ مَا يَرْجِعُ إلَى نَائِبِهِمَا وَهُوَ الْعَدْلُ وَالنَّائِبُ بَعْدَ الْأَصْلِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَنْ رَضِيَا بِوَضْعِ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ سَوَاءٌ رَضِيَا بِبَيْعِهِ أَمْ لَا كَمَا أَفَادَهُ سَعْدِيٌّ فَافْهَمْ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 502 إذَا وَضَعَا الرَّهْنَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ صَحَّ وَيَتِمُّ بِقَبْضِهِ وَلَا يَأْخُذْهُ أَحَدُهُمَا مِنْهُ، وَضَمِنَ لَوْ دَفَعَ إلَى أَحَدِهِمَا) لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمَا بِهِ، فَلَوْ دَفَعَهُ فَتَلِفَ ضَمِنَ لِتَعَدِّيهِ وَأَخَذَا مِنْهُ قِيمَتَهُ وَجَعَلَهَا عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ لِلْعَدْلِ جَعْلُهَا رَهْنًا فِي يَدِهِ لِئَلَّا يَصِيرَ قَاضِيًا وَمَقْضِيًّا، وَهَلْ لِلْعَدْلِ الرُّجُوعُ مَبْسُوطٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ. (وَإِذَا هَلَكَ يَهْلِكُ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ) ، (فَإِنْ وَكَّلَ) الرَّاهِنُ (الْمُرْتَهِنَ أَوْ) وَكَّلَ (الْعَدْلَ أَوْ غَيْرَهُمَا بِبَيْعِهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ صَحَّ) تَوْكِيلُهُ (لَوْ) الْوَكِيلُ (أَهْلًا لِذَلِكَ) أَيْ لِلْبَيْعِ (عِنْدَ التَّوْكِيلِ وَإِلَّا) يَكُنْ أَهْلًا لِذَلِكَ عِنْدَ التَّوْكِيلِ (لَا) تَصِحُّ الْوَكَالَةُ وَحِينَئِذٍ (فَلَوْ وَكَّلَ بَيْعَهُ صَغِيرًا) لَا يَعْقِلُ (فَبَاعَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَمْ يَصِحَّ) خِلَافًا لَهُمَا (فَإِنْ شُرِطَتْ) الْوَكَالَةُ (فِي عَقْدِ الرَّهْنِ لَمْ يَنْعَزِلْ بِعَزْلِهِ -   [رد المحتار] وَبَابُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ هَذَا، وَأَلِ فِي الرَّهْنِ لِلْجِنْسِ وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ صِفَةٌ أَوْ حَالٌ لِصِحَّةِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْمُضَافِ وَالْعَامِلُ فِيهَا الْمُبْتَدَأُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى أُشِيرُ (قَوْلُهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ) بِأَنْ شَرَطَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ ذَلِكَ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ صَحَّ وَيَتِمُّ بِقَبْضِهِ) أَيْ صَحَّ الرَّهْنُ وَيَتِمُّ وَيَلْزَمُ بِقَبْضِ الْعَدْلِ، لِأَنَّ يَدَهُ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ يَدُ الْمُرْتَهِنِ، وَلِذَا لَوْ هَلَكَ كَانَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا يَأْتِي. وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ سَلَّطَ الْعَدْلُ عَلَى بَيْعِهِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَلَمْ يَقْبِضْ الْعَدْلُ الرَّهْنَ حَتَّى حَلَّ الدَّيْنُ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ وَالْوَكَالَةُ بِالْبَيْعِ بَاقِيَةٌ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يَأْخُذُهُ أَحَدُهُمَا) وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَضْعَ فَوَضَعَ جَازَ أَخْذُهُ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَضَمِنَ إلَخْ) لَمْ يُوجَدْ مَتْنًا فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ شَرْحًا بَعْدَ قَوْلِهِ وَإِذَا هَلَكَ إلَخْ (قَوْلُهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمَا بِهِ) فَحَقُّ الرَّاهِنِ بِالْعَيْنِ وَالْمُرْتَهِنِ بِالْمَالِيَّةِ، فَهُوَ مُودِعٌ لَهُمَا وَأَحَدُهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآخَرِ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ وَلَا لِلْعَدْلِ دَفْعُهُ إلَيْهِ، فَإِنَّ الْمُودِعَ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ (قَوْلُهُ وَأَخَذَا مِنْهُ قِيمَتَهُ إلَخْ) فَإِنْ تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا يَرْفَعُ أَحَدُهُمَا الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَفْعَلَ ذَلِكَ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَصِيرَ قَاضِيًا وَمَقْضِيًّا) الَّذِي فِي الْهِدَايَةِ وَالْمِنَحِ وَمُقْتَضِيًا لِأَنَّهُ يُقَالُ قَضَاهُ الدَّيْنَ وَأَعْطَاهُ وَاقْتَضَى دَيْنَهُ وَتَقَاضَاهُ قَبَضَهُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقِيمَةَ وَجَبَتْ فِي ذِمَّتِهِ، فَلَوْ جَعَلَهَا رَهْنًا فِي يَدِ نَفْسِهِ صَارَ قَاضِيًا مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَمُقْتَضِيًا لَهُ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ (قَوْلُهُ مَبْسُوطٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ) أَيْ جَوَابُهُ مَبْسُوطٌ فِيهَا كَالزَّيْلَعِيِّ وَشُرُوحِ الْهِدَايَةِ. بَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا جُعِلَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا بِرَأْيِهِمَا أَوْ بِرَأْيِ الْقَاضِي عِنْدَ الْعَدْلِ الْأَوَّلِ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ ثُمَّ قَضَى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ فَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ ضَمِنَ الْقِيمَةَ بِسَبَبِ دَفْعِهِ الْمَرْهُونَ إلَى الرَّاهِنِ فَالْقِيمَةُ لِلْعَدْلِ يَأْخُذُهَا مِمَّنْ هِيَ عِنْدَهُ لِوُصُولِ الْمَرْهُونِ إلَى الرَّاهِنِ بِالتَّسْلِيمِ الْأَوَّلِ إلَيْهِ وَوُصُولِ الدَّيْنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِدَفْعِ الرَّاهِنِ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْقِيمَةُ لِلرَّاهِنِ لَزِمَ اجْتِمَاعُ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ ضَمِنَ بِسَبَبِ الدَّفْعِ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَالْقِيمَةُ لِلرَّاهِنِ يَأْخُذُهَا مِمَّنْ هِيَ عِنْدَهُ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ، وَلَا جَمْعَ فِيهِ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَمْ تَصِلْ إلَى يَدِ الرَّاهِنِ وَقَدْ مَلَكَهَا الْعَدْلُ بِالضَّمَانِ، ثُمَّ إذَا ضَمِنَ الْعَدْلُ بِالدَّفْعِ إلَى الْمُرْتَهِنِ هَلْ يَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، يُنْظَرُ إنْ دَفَعَ الْعَيْنَ إلَيْهِ عَارِيَّةً أَوْ وَدِيعَةً لَا يَرْجِعُ إلَّا إذَا اسْتَهْلَكَهَا الْمُرْتَهِنُ لِأَنَّ الْعَدْلَ مَلَكَهَا بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَعَارَ أَوْ أَوْدَعَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَلَا يَضْمَنُ الْمُودِعُ أَوْ الْمُسْتَعِيرُ إلَّا بِالتَّعَدِّي، وَإِنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ رَهْنًا بِحَقِّهِ بِأَنْ قَالَ خُذْهُ بِحَقِّكَ أَوْ احْبِسْهُ بِهِ رَجَعَ الْعَدْلُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ لِدَفْعِهِ عَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ (قَوْلُهُ وَإِذَا هَلَكَ) أَيْ فِي يَدِ الْعَدْلِ أَوْ يَدِ امْرَأَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ خَادِمِهِ أَوْ أَجِيرِهِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ) أَوْ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالدُّرِّ الْمُنْتَقَى. وَفِي الْخَانِيَّةِ: فَلَوْ لَمْ يَقُلْ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَلِلْعَدْلِ بَيْعُهُ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ صَحَّ تَوْكِيلُهُ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ الْعَدْلُ الرَّهْنَ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ وَإِنْ بَطَلَ الرَّهْنُ كَمَا مَرَّ قَوْلُهُ فَإِنْ شُرِطَتْ الْوَكَالَةُ أَفَادَ أَنَّ الرِّضَا بِبَيْعِهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي الْعَدْلِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ سَعْدِيٍّ (قَوْلُهُ لَمْ يَنْعَزِلْ بِعَزْلِهِ) أَيْ بِعَزْلِ الرَّاهِنِ إلَّا إذَا رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ بِذَلِكَ إتْقَانِيٌّ وَأَطْلَقَ فِي الْعَزْلِ فَشَمِلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 503 وَ) لَا (بِمَوْتِ الرَّاهِنِ وَ) لَا (الْمُرْتَهِنِ) لِلُزُومِهَا بِلُزُومِ الْعَقْدِ، فَهِيَ تُخَالِفُ الْوَكَالَةَ الْمُفْرَدَةَ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا هَذَا (وَ) الثَّانِي أَنَّ الْوَكِيلَ هُنَا (يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ) وَكَذَا لَوْ شُرِطَتْ بَعْدَ الرَّهْنِ فِي الْأَصَحِّ زَيْلَعِيٌّ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ صَحَّحَهَا قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَغَيْرُهُ فَتَنَبَّهْ، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمُفْرِدَةِ، (وَ) الثَّالِثُ أَنَّهُ (يَمْلِكُ بَيْعَ الْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَ) الرَّابِعُ (إذَا بَاعَ بِخِلَافِ جِنْسِ الدَّيْنِ كَانَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى جِنْسِهِ) أَيْ الدَّيْنِ، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ (وَ) الْخَامِسُ (إذَا كَانَ عَبْدًا وَقَتَلَهُ عَبْدٌ خَطَأً فَدَفَعَ -   [رد المحتار] مَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ بِالنَّسِيئَةِ لَمْ يَعْمَلْ نَهْيُهُ لِأَنَّهُ لَازِمٌ بِأَصْلِهِ فَكَذَا بِوَصْفِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَا بِمَوْتِ الرَّاهِنِ) أَيْ لَا بِالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ كَمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَارْتِدَادِهِ وَلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ لِتَقَدُّمِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا الْمُرْتَهِنِ) إلَّا أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا ط، وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ لِلُزُومِهَا بِلُزُومِ الْعَقْدِ) لِأَنَّهَا لَمَّا شُرِطَتْ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الرَّهْنِ صَارَتْ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِهِ وَحَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ عَقْدَ الْوَكَالَةِ لِزِيَادَةِ الْوَثِيقَةِ فَيَلْزَمُ بِلُزُومِ أَصْلِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ فَهِيَ تُخَالِفُ الْوَكَالَةَ الْمُفْرَدَةَ) أَيْ الَّتِي لَمْ تُذْكَرْ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الرَّهْنِ. وَيُسْتَثْنَى الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي إذَا غَابَ الْمُوَكِّلُ، وَكَذَا لَوْ خَافَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ أَنْ يَغِيبَ الْآخَرُ فَيَأْخُذَ وَكِيلًا لِيَرُدَّ عَلَيْهِ فَلَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ، وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالْأَمْرِ بِالْيَدِ كَمَا مَرَّ فِي بَابَا عَزْلِ الْوَكِيلِ (قَوْلُهُ مِنْ وُجُوهٍ) ذَكَرَ مِنْهَا هُنَا خَمْسَةً. وَمِنْهَا مَا فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْعَدْلَ إذَا ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ ثُمَّ عَادَ مُسْلِمًا يَعُودُ وَكِيلًا، بِخِلَافِ الْمُفْرَدِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ حَيْثُ لَا يَعُودُ (قَوْلُهُ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ إلَخْ) أَيْ لَوْ غَابَ الرَّاهِنُ وَحَلَّ الْأَجَلُ وَامْتَنَعَ الْوَكِيلُ عَنْ الْبَيْعِ يُجْبَرُ وَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ شُرِطَتْ إلَخْ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَإِنْ بَاعَهُ الْعَدْلُ فَتَكُونُ الْوَكَالَةُ غَيْرُ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ كَالْمَشْرُوطَةِ فِيهِ فِي حَقِّ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ (قَوْلُهُ زَيْلَعِيٌّ) أَيْ صَرَّحَ بِالتَّصْحِيحِ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ، وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَى، وَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِيهَا: وَيُؤَيِّدُهُ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي الْأَصْلِ اهـ وَأَقَرَّهُ الشُّرَّاحُ (قَوْلُهُ وَإِنْ صَحَّحَهَا قَاضِي خَانْ) أَنَّثَ الضَّمِيرَ مَعَ أَنَّهُ عَائِدٌ إلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ لِاكْتِسَابِ الْمُضَافِ التَّأْنِيثَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ، ثُمَّ إنَّ نِسْبَةَ ذَلِكَ إلَى قَاضِي خَانْ عَجِيبَةٌ وَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، فَإِنَّ الَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ هَكَذَا: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ شَرْطًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ ثُمَّ سُلِّطَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ الْعَدْلُ عَلَى الْبَيْعِ صَحَّ التَّوْكِيلُ، وَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَفْسَخَ هَذِهِ الْوَكَالَةَ وَيَمْنَعَهُ عَنْ الْبَيْعِ، وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُطَالِبَ الْعَدْلَ بِالْبَيْعِ فِي هَذَا الْوَجْهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَبْطُلُ كَالْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا: رَجُلٌ رَهَنَ شَيْئًا وَوَضَعَهُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ وَسُلِّطَ الْعَدْلُ عَلَى الْبَيْعِ ثُمَّ غَابَ الرَّاهِنُ فَالْعَدْلُ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ، قِيلَ هَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ، وَقِيلَ بِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ بِحُرُوفِهِ، وَكَذَا صَحَّحَ الْجَبْرَ عَلَى كُلِّ حَالٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَ خِلَافَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَفِي الْمِعْرَاجِ: وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ (قَوْلُهُ إنَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَ الْوَلَدِ وَالْأَرْشِ) أَيْ وَلَدِ الْمَرْهُونِ وَأَرْشِهِ فِيمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ أَحَدٌ فَدَفَعَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ عُرُوضًا مَثَلًا فَلِلْوَكِيلِ هُنَا بَيْعُ ذَلِكَ لِمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الْمُتَفَرِّقَاتِ، أَيْ نَمَاءِ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ وَأَنَّهُ رَهْنٌ مَعَ الْأَصْلِ، وَالْوَكِيلُ الْمُفْرِدُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى جِنْسِهِ) لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَجَعْلِ الثَّمَنِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ مِنْ ضَرُورَاتِهِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ الْمُفْرِدِ فَإِنَّهُ كَمَا بَاعَ انْتَهَتْ وَكَالَتُهُ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ) أَيْ الْمَرْهُونُ (قَوْلُهُ فَدَفَعَ) أَيْ الْعَبْدُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 504 بِالْجِنَايَةِ كَانَ لَهُ بَيْعُهُ، بِخِلَافِ الْمُفْرَدَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمِيعِ (وَلَهُ بَيْعُهُ فِي غَيْبَةِ وَرَثَتِهِ) أَيْ وَرَثَةِ الرَّاهِنِ (كَمَا كَانَ لَهُ حَالَ حَيَاتِهِ الْبَيْعُ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ) أَيْ حَضْرَةِ الرَّاهِنِ وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ (بِمَوْتِ الْوَكِيلِ مُطْلَقًا) وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ وَصِيَّهُ يَخْلُفُهُ لَكِنَّهُ خِلَافَ جَوَابِ الْأَصْلِ. (وَلَوْ أَوْصَى إلَى آخَرَ بِبَيْعِهِ لَمْ يَصِحَّ) إلَّا إذَا كَانَ مَشْرُوطًا لَهُ ذَلِكَ فِي الْوَكَالَةِ (وَلَا يَمْلِكُ رَاهِنٌ وَلَا مُرْتَهِنٌ بَيْعَهُ بِغَيْرِ رِضَا الْآخَرِ) ، (فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَغَابَ الرَّاهِنُ أُجْبِرَ الْوَكِيلُ عَلَى بَيْعِهِ كَمَا هُوَ) الْحُكْمُ (فِي الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ) إذَا غَابَ مُوَكِّلُهُ وَأَبَاهَا فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا بِأَنْ يَحْبِسَهُ أَيَّامًا لِيَبِيعَ، فَإِنْ لَحَّ بَعْدَ ذَلِكَ بَاعَ الْقَاضِي دَفْعًا لِلضَّرَرِ (وَإِنْ بَاعَهُ الْعَدْلُ فَالثَّمَنُ رَهْنٌ) كَالثَّمَنِ (فَيَهْلِكُ كَهَلْكِهِ، فَإِنْ أَوْفَى ثَمَنَهُ) بَعْدَ بَيْعِهِ (الْمُرْتَهَنَ فَاسْتَحَقَّ الرَّهْنَ) وَضَمِنَ (فَإِنْ)   [رد المحتار] الْقَاتِلُ (قَوْلُهُ كَانَ لَهُ بَيْعُهُ) لِأَنَّهُ صَارَ هُوَ الرَّهْنُ لِقِيَامِهِ (قَوْلُهُ وَلَهُ بَيْعُهُ) أَيْ لِلْوَكِيلِ الْمَذْكُورِ سَوَاءٌ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَوْ الْعَدْلِ أَوْ غَيْرِهِمَا بَيْعُ الرَّهْنِ بِغَيْبَةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَزِلْ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ كَمَا مَرَّ. قَالَ ط: وَكَذَا بِغَيْبَةِ وَرَثَةِ الْمُرْتَهِنِ اهـ أَيْ لَوْ كَانَ الْوَكِيلُ غَيْرَهُ. بَقِيَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَكِيلٌ بِالْبَيْعِ وَمَاتَ الرَّاهِنُ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ) يَعْنِي وَالرَّهْنُ بَاقٍ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَمَاتَ لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ بِهِ فَلَأَنْ لَا يَبْطُلَ بِمَوْتِ الْعَدْلِ أَوْلَى عِنَايَةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَفْعَلُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْعَدْلِ وَبُطْلَانِ وَكَالَتِهِ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا وَلَوْ مَاتَ الْعَدْلُ يُوضَعُ عَلَى يَدِ آخَرَ عَنْ تَرَاضٍ: فَإِنْ اخْتَلَفَا وَضَعَهُ الْقَاضِي عَلَى يَدِ عَدْلٍ آخَرَ، وَلَيْسَ لِلْعَدْلِ الثَّانِي أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مُسَلَّطًا عَلَى الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ الرَّاهِنُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَتَوَلَّى قَضَاءَ دُيُونِهِ اهـ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَ مُرْتَهِنًا أَوْ عَدْلًا أَوْ غَيْرَهُمَا، وَلَا يَقُومُ وَارِثُهُ وَلَا وَصِيُّهُ مَقَامَهُ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا يَجْرِي فِيهَا الْإِرْثُ وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِ لَا رَأْيِ غَيْرِهِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ الثَّانِي إلَخْ) لَوْ أَخَّرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ أَوْصَى إلَى آخَرَ بِبَيْعِهِ لَمْ يَصِحَّ لَكَانَ أَنْسَبَ ط (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ جَوَابِ الْأَصْلِ) كَذَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيِّ، وَالْمُرَادُ بِالْأَصْلِ مَبْسُوطُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِمَامَ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي أَصْلِهِ جَوَابَ أَبِي يُوسُفَ كَقَوْلِهِمَا ط (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ مَشْرُوطًا لَهُ) بِأَنْ قَالَ لَهُ فِي أَصْلِ الْوَكَالَةِ وَكَّلْتُكَ بِبَيْعِهِ وَأَجَزْتُ لَكَ مَا صَنَعْتَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ فَحِينَئِذٍ لِوَصِيِّهِ بَيْعُهُ، وَلَا يَجُوزُ لِوَصِيِّهِ أَنْ يُوصِيَ بِهِ إلَى ثَالِثٍ إتْقَانِيٌّ. [فَرْعٌ] وَكَّلَ الْعَدْلُ وَكِيلًا فَبَاعَهُ، إنْ بِحَضْرَةِ الْعَدْلِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ وَلَوْ بَاعَ الْعَدْلُ بَعْضَ الرَّهْنِ بَطَلَ فِي الْبَاقِي هِنْدِيَّةٌ. أَيْ فَسَدَ لِلشُّيُوعِ الطَّارِئِ (قَوْلُهُ وَلَا يَمْلِكُ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ الْعَدْلِ كَمَا رَأَيْتَهُ بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ مُقْتَضَى السِّيَاقِ لَكِنَّهُ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ (قَوْلُهُ فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ إلَخْ) تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَغَابَ الرَّاهِنُ) أَيْ أَوْ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَأَبَى الْوَكِيلُ أَنْ يَبِيعَهُ أُجْبِرَ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِيهِ رَمْزٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ الرَّاهِنُ لَمْ يُجْبَرْ الْوَكِيلُ بَلْ أُجْبِرَ الرَّاهِنُ، فَإِنْ أَبَى بَاعَهُ الْقَاضِي عِنْدَهُمَا وَلَمْ يُبَعْ عِنْدَهُ قُهُسْتَانِيٌّ: قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَهَذَا فَرْعُ الْحَجْرِ عَلَى الْحُرِّ، وَتَقَدَّمَ فِي الْحَجْرِ أَنَّ قَوْلَهُمَا بِهِ يُفْتَى اهـ. قُلْتُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ لِتَقَدُّمِ الرِّضَا مِنْهُ عَلَى الْبَيْعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ أُجْبِرَ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ (قَوْلُهُ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ) يَعْنِي بِطَلَبِ الْمُدَّعِي. قَالَ الأتقاني: الْمُدَّعِي إذَا طَالَبَ خَصْمَهُ عِنْدَ الْقَاضِي بِوَكِيلٍ فَنَصَبَ لَهُ وَكِيلًا لَمْ يَجُزْ لِلْمُوَكِّلِ عَزْلُهُ، لِأَنَّ حَقَّ الْخَصْمِ تَعَلَّقَ بِهَذِهِ الْوَكَالَةِ حِينَ ثَبَتَتْ بِمُطَالَبَتِهِ، وَلَوْ كَانَ وَكَّلَهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَةٍ جَازَ عَزْلُهُ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَحْبِسَهُ) تَصْوِيرٌ لِقَوْلِهِ أُجْبِرَ الْوَكِيلُ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَكَيْفِيَّةُ الْإِجْبَارِ بِأَنْ يَحْبِسَهُ (قَوْلُهُ فَإِنَّ لَجَّ) بِالْجِيمِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ لَجَّ فِي الْأَمْرِ لَجَجًا مِنْ بَابِ تَعِبَ وَلَجَاجًا وَلَجَاجَةً فَهُوَ لَجُوجٌ وَلَجُوجَةٌ مُبَالَغَةٌ إذَا لَازَمَ الشَّيْءَ وَوَاظَبَهُ وَمِنْ بَابِ ضَرَبَ. اهـ ط (قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَهُ الْعَدْلُ) أَيْ الْمُسَلِّطُ عَلَى بَيْعِهِ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ أَوْ بَعْدَهُ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ فَالثَّمَنُ رَهْنٌ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ لِقِيَامِهِ مَقَامَ مَا كَانَ مَقْبُوضًا هِدَايَةٌ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 505 كَانَ الْمَبِيعُ (هَالِكًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الرَّاهِنَ قِيمَتَهُ) إنْ شَاءَ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ (وَ) حِينَئِذٍ (صَحَّ الْبَيْعُ وَالْقَبْضُ) لِتَمَلُّكِهِ بِضَمَانِهِ (أَوْ) ضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ (الْعَدْلَ) لِتَعَدِّيهِ بِالْبَيْعِ (ثُمَّ هُوَ) أَيْ الْعَدْلُ (يُضَمِّنُ الرَّاهِنَ وَصَحَّا) أَيْضًا (أَوْ) ضَمَّنَ (الْمُرْتَهِنَ ثَمَنَهُ الَّذِي) أَدَّاهُ إلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ الثَّمَنُ (لَهُ) أَيْ الْعَدْلِ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ (وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى رَاهِنِهِ بِدَيْنِهِ) ضَرُورَةَ بُطْلَانِ قَبْضِهِ (وَإِنْ) كَانَ الرَّهْنُ (قَائِمًا) فِي يَدِ مُشْتَرِيهِ (أَخَذَهُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ مُشْتَرِيهِ وَرَجَعَ هُوَ) أَيْ الْمُشْتَرِي (عَلَى الْعَدْلِ بِثَمَنِهِ)   [رد المحتار] فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْعَدْلِ سَقَطَ الدَّيْنُ، كَمَا إذَا هَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ الثَّمَنُ بِالتَّوَى عَلَى الْمُشْتَرِي فَالْتَوَى عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ قِيمَةُ الرَّهْنِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الثَّمَنُ بَزَّازِيَّةٌ، وَلَا يُقَالُ كَيْفَ يَكُونُ مَضْمُونًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَكَأَنَّهُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ فِي يَدِ الْبَائِعِ إتْقَانِيٌّ. وَإِذَا أَقَرَّ الْعَدْلُ أَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ فَالْقَوْلُ لِلْعَدْلِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَبَطَل دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ وَلْوَالَجِيَّةٌ وَجَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ وَضُمِنَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ لَا لِلْفَاعِلِ كَمَا ظُنَّ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ ضَمِيرُ الرَّهْنِ أَيْ طَلَبَ ضَمَانَهُ وَالطَّالِبُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ وَإِنَّمَا أَتَى بِهَذَا الْفِعْلِ لِيَكُونَ مَا بَعْدَهُ تَفْصِيلًا لِمَذْكُورٍ، فَلِلَّهِ دَرُّهُ وَمَا أَخْفَى دَقَائِقَهُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ ضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الرَّاهِنَ) أَيْ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الرَّهْنِ فَالْمَفْعُولُ الثَّانِي مَحْذُوفٌ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ) حَيْثُ أَخَذَ الْعَيْنَ وَسَلَّمَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا ط (قَوْلُهُ وَالْقَبْضُ) أَيْ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ الثَّمَنَ اهـ ح (قَوْلُهُ لِتَمَلُّكِهِ بِضَمَانِهِ) أَيْ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعِ مِلْكِ نَفْسِهِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِتَعَدِّيهِ بِالْبَيْعِ) يَعْنِي مَعَ التَّسْلِيمِ وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ يُضَمِّنُ الرَّاهِنَ) أَيْ الْقِيمَةَ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَصَحَّا أَيْضًا) أَيْ الْبَيْعُ وَالْقَبْضُ إنْ نَفَذَ الْبَيْعُ، لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَمَّا كَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَضَمِنَهُ مَلَكَهُ كَمَا مَرَّ وَصَحَّ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ الثَّمَنَ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِنْ دَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَوْلُ الْمِنَحِ كَالدُّرَرِ عَلَى الْعَدْلِ سَبْقُ قَلَمٍ (قَوْلُهُ أَوْ ضَمَّنَ) الْأَوْلَى يُضَمِّنُ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى يُضَمَّنُ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْفَاعِلُ فِيهِمَا ضَمِيرُ الْعَدْلِ (قَوْلُهُ الَّذِي أَدَّاهُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّهُ أَخَذَ الثَّمَنَ بِغَيْرِ حَقٍّ، لِأَنَّ الْعَدْلَ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ) فَإِنَّهُ لَمَّا أَدَّى ضَمَانَهُ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ فِيهِ وَلَمْ يُضَمِّنْ الْعَدْلَ الرَّاهِنُ حَتَّى يَنْتَقِلَ إلَى الرَّاهِنِ. بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ إذَا ضَمَّنَ الْعَدْلَ الْقِيمَةَ فَقَدْ تَكُونُ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ الْعَدْلُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ فَمَنْ يَضْمَنُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ؟ وَرَأَيْتُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ ذَكَرَ بَحْثًا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الرَّاهِنِ اهـ. وَذَكَرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بَحْثًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ رُجُوعَ الْمُشْتَرِي فِي هَذَا الشِّقِّ. بَلْ سَيَذْكُرُهُ فِيمَا لَوْ كَانَ الرَّهْنُ قَائِمًا فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ سَلَّمَ الثَّمَنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ إلَى الْعَدْلِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ ثُمَّ الْعَدْلُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، ثُمَّ الْمُرْتَهِنُ يَرْجِعُ بِدَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ إلَخْ مَا ذَكَرَهُ. وَأَقُولُ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ صِحَّتِهِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا فَكَيْفَ يَرْجِعُ بِثَمَنِ مَا هَلَكَ فِي يَدِهِ، نَعَمْ لَوْ ذَكَرُوا أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَرْجِعُ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ غَاصِبٌ أَيْضًا بِالْقَبْضِ وَقَدْ هَلَكَ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ الَّذِي أَدَّاهُ إلَى الْعَدْلِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِهِ عَلَى الْعَدْلِ وَالْعَدْلُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَلْيُنْظَرْ مَا وَجْهُ عَدَمِ ذَكَرِهِمْ ذَلِكَ بَلْ اقْتَصَرُوا عَلَى رُجُوعِ الْمُسْتَحِقِّ عَلَى الرَّاهِنِ أَوْ الْعَدْلِ مَعَ أَنَّهُ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ أَيْضًا. ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ قَالَ مَا نَصُّهُ، وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْتَحِقِّ خِيَارُ تَضْمِينِ الْمُشْتَرِي أَيْضًا لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْأَخْذِ وَالتَّسْلِيمِ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ اهـ (قَوْلُهُ وَرَجَعَ هُوَ عَلَى الْعَدْلِ بِثَمَنِهِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا سَلَّمَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ بِنَفْسِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 506 لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ (ثُمَّ) يَرْجِعُ (هُوَ) أَيْ الْعَدْلُ (عَلَى الرَّاهِنِ بِهِ) أَيْ بِثَمَنِهِ (وَ) إذَا رَجَعَ عَلَيْهِ (صَحَّ الْقَبْضُ) وَسَلَّمَ الثَّمَنَ لِلْمُرْتَهِنِ (أَوْ) رَجَعَ الْعَدْلُ (عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِثَمَنِهِ ثُمَّ) رَجَعَ (هُوَ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ (عَلَى الرَّاهِنِ بِهِ) أَيْ بِدَيْنِهِ. زَادَ هُنَا فِي الدُّرَرِ وَالْوُقَايَةِ: وَإِنْ شُرِطَتْ الْوَكَالَةُ بَعْدَ الرَّهْنِ رَجَعَ الْعَدْلُ عَنْ الرَّاهِنِ فَقَطْ سَوَاءٌ قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ ثَمَنَهُ أَوْ لَا (فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَاسْتَحَقَّ) الرَّهْنَ (وَضَمِنَ الرَّاهِنُ قِيمَتَهُ هَلَكَ) الرَّهْنُ (بِدَيْنِهِ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ) الْقِيمَةَ (يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِقِيمَتِهِ) الَّتِي ضَمِنَهَا لِضَرَرِهِ (وَبِدَيْنِهِ) لِانْتِقَاضِ قَبْضِهِ. [فَرْعٌ] فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: ذَهَبَتْ عَيْنُ دَابَّةِ الْمُرْتَهِنِ يَسْقُطُ رُبْعُ الدَّيْنِ وَسَيَجِيءُ.   [رد المحتار] إلَى الْعَدْلِ، وَلَوْ أَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْعَدْلِ بِهِ لِأَنَّ الْعَدْلَ فِي الْبَيْعِ عَامِلٌ لِلرَّاهِنِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا قَبَضَ وَلَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا فَبَقِيَ ضَمَانُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَالدَّيْنُ عَلَى الرَّاهِنِ شُرُنْبُلَالِيٌّ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ) فَتَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ هُوَ عَلَى الرَّاهِنِ) لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي الْعُهْدَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ بِهِ) أَيْ بِثَمَنِهِ. وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَتَبِعَهُ الزَّيْلَعِيُّ التَّعْبِيرُ بِالْقِيمَةِ، وَذَكَرَ الشَّارِحُونَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الثَّمَنُ (قَوْلُهُ صَحَّ الْقَبْضُ) أَيْ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ الثَّمَنَ (قَوْلُهُ وَسَلَّمَ الثَّمَنَ لِلْمُرْتَهِنِ) ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ تَعْلِيلًا وَهُوَ الْأَحْسَنُ (قَوْلُهُ أَوْ رَجَعَ الْعَدْلُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِثَمَنِهِ) لِأَنَّهُ إذَا انْتَقَضَ الْعَقْدُ بَطَلَ الثَّمَنُ وَقَدْ قَبَضَهُ ثَمَنًا فَيَجِبُ نَقْضُ قَبْضِهِ ضَرُورَةً هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَمَّا انْتَقَضَ قَبْضُهُ عَادَ حَقُّهُ فِي الدَّيْنِ كَمَا كَانَ (قَوْلُهُ أَيْ بِدَيْنِهِ) كَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ التَّصْرِيحُ بِهِ لِئَلَّا يَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ فِي كَلَامِهِ مَعَ الْإِيهَامِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَإِنْ شُرِطَتْ الْوَكَالَةُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ التَّفْصِيلَ الْمَارَّ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا شُرِطَتْ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِخِلَافِ الْمَشْرُوطَةِ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقُّهُ فَلَا يَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَيْهِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ لَا يَرَى جَبْرَ هَذَا الْوَكِيلِ عَلَى الْبَيْعِ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، إلَّا أَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ وَشَيْخَ الْإِسْلَامِ قَالَا الْأَصَحُّ جَبْرُهُ لِإِطْلَاقِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ وَالْأَصْلِ فَتَكُونُ الْوَكَالَةُ غَيْرُ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ كَالْمَشْرُوطَةِ فِيهِ فِي حَقِّ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ هُنَاكَ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ فَقَطْ) أَيْ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ (قَوْلُهُ أَوْ لَا) بِأَنْ ضَاعَ الثَّمَنُ فِي يَدِ الْعَدْلِ " بِلَا " تَعَدِّيه دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَضَمِنَ الرَّاهِنُ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ مِنْ الثُّلَاثِيِّ الْمُجَرَّدِ، أَوْ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْمَزِيدِ وَالْفَاعِلُ ضَمِيرُ الْمُسْتَحِقِّ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ لَهُ تَضْمِينَ الرَّاهِنِ لِتَعَدِّيهِ بِالتَّسْلِيمِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ لِتَعَدِّيهِ بِالْقَبْضِ (قَوْلُهُ هَلَكَ الرَّهْنُ بِدَيْنِهِ) أَيْ بِمُقَابَلَتِهِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَإِنْ ضَمِنَ الرَّاهِنُ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ، لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى مَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهْنُ مِلْكٍ ثُمَّ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا بِهَلَاكِهِ (قَوْلُهُ لِضَرَرِهِ) الْأَوْلَى لِغَرَرِهِ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ فِي الدُّرَرِ: أَمَّا الْقِيمَةُ فَلِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ بِالتَّسْلِيمِ اهـ وَنَحْوِهِ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ ط (قَوْلُهُ لِانْتِقَاضِ قَبْضِهِ) أَيْ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ بِتَضْمِينِهِ فَيَعُودُ حَقُّهُ كَمَا كَانَ، لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَكُنْ مِلْكَ الرَّاهِنِ حَتَّى يَكُونَ بِهَلَاكِهِ مُسْتَوْفِيًا عِنَايَةٌ: وَهُنَا إشْكَالٌ وَجَوَابٌ مَذْكُورَانِ فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ (قَوْلُهُ ذَهَبَتْ عَيْنُ دَابَّةِ الْمُرْتَهِنِ) الْإِضَافَةُ إلَى الْمُرْتَهِنِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ. وَالْأَصْوَبُ إبْدَالُهُ بِالرَّهْنِ. وَعِبَارَةُ الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَلَوْ ذَهَبَتْ عَيْنُ دَابَّةِ الرَّهْنِ سَقَطَ رُبْعُ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْعَيْنَ مِنْ الدَّابَّةِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُ عَلَيْهَا رُبْعُهَا فَقَدْ فَاتَ رُبْعُهَا فَيَسْقُطُ رُبْعُ الدَّيْنِ اهـ. وَهُوَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا مِثْلَ الدَّيْنِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُ عَلَيْهَا كَالْبَقَرَةِ وَالْفَرَسِ عَنْ نَحْوِ الشَّاةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي بَابِ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ أَنَّ إقَامَةَ الْعَمَلِ بِهَا إنَّمَا تُمْكِنُ بِأَرْبَعِ أَعْيُنٍ عَيْنَاهَا وَعَيْنَا مُسْتَعْمِلِهَا اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 507 بَابُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتُهُ أَيْ الرَّهْنُ عَلَى غَيْرِهِ (تَوَقَّفَ بَيْعُ الرَّاهِنِ رَهْنَهُ عَلَى إجَازَةِ مُرْتَهِنِهِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ، فَإِنْ وَجَدَ أَحَدَهُمَا نَفَذَ وَصَارَ ثَمَنُهُ رَهْنًا) فِي صُورَةِ الْإِجَازَةِ (وَإِنْ لَمْ يُجِزْ) الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ (وَفَسَخَ) بَيْعَهُ (لَا يَنْفَسِخُ) بِفَسْخِهِ فِي الْأَصَحِّ (وَ) إذَا بَقِيَ مَوْقُوفًا فَ (الْمُشْتَرِي) بِالْخِيَارِ (إنْ شَاءَ صَبَرَ إلَى فِكَاكِ الرَّهْنِ أَوْ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَفْسَخَ الْبَيْعَ) وَهَذَا إذَا اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ رَهْنٌ ابْنُ كَمَالٍ. (وَلَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ بَاعَهُ) الرَّاهِنُ أَيْضًا (مِنْ) رَجُلٍ (آخَرَ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ الْمُرْتَهِنُ) الْبَيْعَ (فَالثَّانِي مَوْقُوفٌ أَيْضًا عَلَى إجَازَتِهِ) إذْ الْمَوْقُوفُ لَا يَمْنَعُ تَوَقُّفَ الثَّانِي (فَأَيُّهُمَا أَجَازَ لَزِمَ ذَلِكَ وَبَطَلَ الْآخَرُ) (وَلَوْ بَاعَهُ)   [رد المحتار] [خَاتِمَةٌ] الْمَوْلَى لَا يَصْلُحُ عَدْلًا فِي رَهْنِ مَأْذُونِهِ وَلَوْ مَدْيُونًا حَتَّى لَوْ شَرَطَ لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ وَصَحَّ عَكْسُهُ، وَالْمُكَاتَبُ يَصْلُحُ عَدْلًا فِي رَهْنِ مَوْلَاهُ كَعَكْسِهِ، وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ لَا يَصْلُحُ عَدْلًا فِي رَهْنِ الْكَفِيلِ كَعَكْسِهِ، وَكَذَا رَبُّ الْمَالِ فِي رَهْنِ الْمُضَارِبِ كَعَكْسِهِ، وَكَذَا أَحَدُ شَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ أَوْ الْعِنَانِ إلَّا فِيمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ التِّجَارَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ صَاحِبِهِ فِيهِ، وَكَذَا الرَّاهِنُ لَا يَصْلُحُ عَدْلًا فِي الرَّهْنِ وَيَفْسُدُ الْعَقْدُ إلَّا إنْ كَانَ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ وَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ جَازَ بَيْعُهُ اهـ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ مُلَخَّصًا. [بَابُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتُهُ أَيْ الرَّهْنُ عَلَى غَيْرِهِ] بَابُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ لَمَّا ذَكَرَ الرَّهْنَ وَأَحْكَامَهُ ذَكَرَ مَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ إذَا عَارَضَهُ بَعْدَ وُجُودِهِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ تَوَقَّفَ بَيْعُ الرَّاهِنِ رَهْنَهُ إلَخْ) وَكَذَا تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الرَّاهِنِ بَيْعَ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ وَيُعِيدَهُ رَهْنًا؛ وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَمْ تَجُزْ الْإِجَازَةُ بَعْدَهُ، وَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَضْمَنَ أَيَّهُمَا شَاءَ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الصَّحِيحُ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَقِيلَ يَنْفُذُ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. [فَرْعٌ] قَالَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ: بِعْ الرَّهْنَ مِنْ فُلَانٍ فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ لِلْمُؤَجِّرِ ذَلِكَ جَازَ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِهِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ عَلَى إجَازَةِ مُرْتَهِنِهِ إلَخْ) أَوْ إبْرَائِهِ الرَّاهِنَ عَنْ الدَّيْنِ حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ نَفَذَ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَهُوَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ وَعَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَصَارَ ثَمَنُهُ رَهْنًا) أَيْ سَوَاءٌ قَبَضَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْعَيْنِ وَالثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ ابْتِدَاءً لَكِنَّهُ يَصِحُّ رَهْنُهُ بَقَاءً كَالْعَبْدِ الْمَرْهُونِ إذَا قُتِلَ تَكُونُ قِيمَتُهُ رَهْنًا بَقَاءً، حَتَّى لَوْ تَوَى الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي يَكُونُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ يَسْقُطُ بِهِ دَيْنُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ بَزَّازِيَّةٌ. وَلِبَعْضِ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ هُنَا كَلَامٌ مُنْشَؤُهُ عَدَمُ التَّأَمُّلِ وَالْمُرَاجَعَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الصَّحِيحُ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَقِيلَ إنَّ الْمُرْتَهِنَ إنْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ رَهْنًا عِنْدَ الْإِجَازَةِ كَانَ رَهْنًا وَإِلَّا فَلَا، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ امْتِنَاعَ النَّفَاذِ لَحِقَهُ وَهُوَ الْحَبْسُ وَالتَّوَقُّفُ لَا يَفُوتُهُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَنْفَسِخُ بِفَسْخِهِ، حَتَّى لَوْ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ لَا سَبِيلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بَعْدَهُ زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ أَوْ رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي) لِأَنَّ هَذَأ الْفَسْخَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَهُوَ إلَى الْقَاضِي عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا إلَخْ) أَيْ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي، لَكِنْ عَدَمُ الْفَرْقِ هُوَ الْأَصَحُّ رَمْلِيٌّ عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى حَمَوِيٌّ وَغَيْرُهُ عَنْ التَّجْنِيسِ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: يُتَخَيَّرُ مُشْتَرِي مَرْهُونٍ وَمَأْجُورٍ وَلَوْ عَالِمًا بِهِ عِنْدَهُمَا: وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُتَخَيَّرُ جَاهِلًا لَا عَالِمًا، وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَوْلُهُمَا اهـ قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ) سَيَأْتِي تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِ الْمُرْتَهِنِ (قَوْلُهُ فَأَيُّهُمَا أَجَازَ لَزِمَ) فَلَوْ قَضَى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ هَلْ يَنْفُذُ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي؟ يُحَرَّرُ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ ط. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 508 الرَّاهِنُ (ثُمَّ أَجَّرَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ وَهَبَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْإِجَارَةَ أَوْ الرَّهْنَ أَوْ الْهِبَةَ جَازَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ) لِحُصُولِ النَّفْعِ بِتَحَوُّلِ حَقِّهِ لِلثَّمَنِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ وَفِي مَحَلِّهِ تَحَرُّرٌ (دُونَ غَيْرِهِ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ) إذْ لَا مَنْفَعَةَ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهَا فَكَانَتْ إجَازَتُهُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ فَزَالَ الْمَانِعُ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ مِنْ زَيْدٍ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ انْفَسَخَ الْأَوَّلُ (وَصَحَّ إعْتَاقُهُ وَتَدْبِيرُهُ وَاسْتِيلَادُهُ) أَيْ نَفَذَ إعْتَاقُ الرَّاهِنِ (رَهْنَهُ، فَإِنْ) كَانَ (غَنِيًّا وَ) كَانَ (دَيْنُهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ (حَالًّا أَخَذَ) الْمُرْتَهِنُ (دَيْنَهُ مِنْ الرَّاهِنِ، وَإِنْ مُؤَجَّلًا أَخَذَ قِيمَتَهُ لِلرَّهْنِ بَدَلَهُ إلَى) زَمَانِ (حُلُولِهِ) فَإِنْ حَلَّ اسْتَوْفَى حَقَّهُ لَوْ مِنْ جِنْسِهِ   [رد المحتار] قُلْتُ: يُؤَيِّدُهُ مَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا عَنْ الْكِفَايَةِ تَأَمَّلْ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يُخَالِفُ الْإِجَارَةَ، فَلَوْ تَكَرَّرَ بَيْعُ الْمُؤَجِّرِ فَأَجَازَ الْمُسْتَأْجِرُ الثَّانِيَ نَفَذَ الْأَوَّلُ وَيَأْتِي وَجْهُهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَجَرَهُ إلَخْ) أَيْ قَبْلَ نَقْضِ الْقَاضِي الْبَيْعَ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ وَهَبَهُ) أَيْ مَعَ التَّسْلِيمِ، إذْ لَا عِبْرَةَ لِهَذَيْنِ بِدُونِهِ إتْقَانِيٌّ عَنْ أَبِي الْمُعِينِ (قَوْلُهُ جَازَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ) سَمَّاهُ أَوْ لَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْعَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذِهِ الْعُقُودِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْبَيْعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَاعَهُ مِنْ وَاحِدٍ ثُمَّ مِنْ آخَرَ ثُمَّ بَاشَرَ هَذِهِ الْعُقُودَ فَأَجَازَهَا الْمُرْتَهِنُ نَفَذَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي لِرُجْحَانِ الْأَوَّلِ بِالسَّبْقِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ لِحُصُولِ النَّفْعِ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ حَيْثُ جَازَ الْبَيْعُ الثَّانِي بِالْإِجَازَةِ فِي الْأُولَى وَلَمْ تَجُزْ التَّصَرُّفَاتُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ الْبَيْعِ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ وُجُودِ الْإِجَازَةِ لِلْكُلِّ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ تَصَرُّفَ الرَّاهِنِ إذَا كَانَ يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِذَا أَجَازَهُ، فَإِنْ كَانَ تَصَرُّفًا يَصْلُحُ حَقًّا لِلْمُرْتَهِنِ يَنْفُذُ مَا لَحِقَتْهُ الْإِجَازَةُ، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ فَبِالْإِجَازَةِ يَبْطُلُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَيَنْفُذُ السَّابِقُ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الرَّاهِنِ وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أَجَازَ اللَّاحِقَ. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْمُرْتَهِنُ ذُو حَظٍّ مِنْ الْبَيْعِ الثَّانِي لِأَنَّهُ يَتَحَوَّلُ حَقُّهُ إلَى الثَّمَنِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ إذْ لَا بَدَلَ فِي الْهِبَةِ، وَالرَّهْنُ وَالْبَدَلُ فِي الْإِجَارَةِ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ وَحَقُّهُ فِي مَالِيَّةِ الْعَيْنِ لَا فِي الْمَنْفَعَةِ فَكَانَتْ إجَازَتُهُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ فَزَالَ الْمَانِعُ مِنْ النَّفَاذِ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ السَّابِقُ، كَمَا لَوْ بَاعَ الْمُؤَجِّرُ الْعَيْنَ مِنْ اثْنَيْنِ وَأَجَازَ الْمُسْتَأْجِرُ الْبَيْعَ الثَّانِي نَفَذَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الثَّمَنِ فَكَانَتْ الْإِجَازَةُ إسْقَاطًا اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَفِي الْأَشْبَاهِ إلَخْ) هَذَا كَالِاسْتِدْرَاكِ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا فَالثَّانِي مَوْقُوفٌ، كَأَنَّهُ يَقُولُ مَحَلُّ تَوَقُّفِ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ إذَا كَانَ الْبَيْعُ الثَّانِي مِنْ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْهُ فَلَا يَتَوَقَّفُ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ طَرَأَ مِلْكٌ بَاتَ عَلَى مِلْكِ مَوْقُوفٍ فَأَبْطَلَهُ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ وَصَحَّ إعْتَاقُهُ إلَخْ) مَا تَقَدَّمَ كَانَ فِي تَصَرُّفَاتٍ تَقْبَلُ الْفَسْخَ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْكِتَابَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِقْرَارِ، فَلَمْ تَجُزْ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ أَصْلًا وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَمَا هُنَا فِي تَصَرُّفَاتٍ لَا تَقْبَلُ الْفَسْخَ فَتَنْفُذُ وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ وَهُوَ مِلْكُهُ فَلَا يَلْغُو تَصَرُّفُهُ بِعَدَمِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَامْتِنَاعِ النَّفَاذِ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لِانْعِدَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَمِثْلُ الْإِعْتَاقِ الْوَقْفُ. وَفِي الْإِسْعَافِ وَغَيْرِهِ: لَوْ وَقَفَ الْمَرْهُونُ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى دَفْعِ مَا عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا أَبْطَلَ الْوَقْفَ وَبَاعَهُ فِيمَا عَلَيْهِ. اهـ (قَوْلُهُ أَيْ نَفَذَ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ التَّعْبِيرَ بِهِ أَوْلَى، لِأَنَّ التَّصَرُّفَاتِ السَّابِقَةِ صَحِيحَةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ وَالتَّعْبِيرُ بِيَصِحُّ يُوهِمُ أَنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ ط، وَقَوْلُهُ إعْتَاقُ الرَّاهِنِ أَيْ وَمَا بَعْدَهُ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَصْدَرَ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ، وَ (قَوْلُهُ رَهْنَهُ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولُهُ (قَوْلُهُ لِلرَّهْنِ) أَيْ لِلِارْتِهَانِ، وَقَوْلُهُ بَدَلَهُ: أَيْ بَدَلَ الرَّهْنِ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ تَأَمَّلْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 509 وَرَدَّ الْفَضْلَ (وَإِنْ) كَانَ الرَّاهِنُ (مُعْسِرًا) فَفِي الْعِتْقِ سَعَى الْعَبْدُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَيَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ غَنِيًّا، وَفِي التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ (سَعَى كُلٌّ فِي كُلِّ الدَّيْنِ) بِلَا رُجُوعٍ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ مِلْكُ الْمَوْلَى (فَإِذَا أَتْلَفَ) الرَّاهِنُ (الرَّهْنَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا إذَا أَعْتَقَهُ غَنِيًّا) كَمَا مَرَّ (وَ) الرَّهْنُ (إنْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ) أَيْ غَيْرُ الرَّاهِنِ (فَالْمُرْتَهِنُ يَضْمَنُهُ) أَيْ الْمُتْلِفُ (قِيمَتَهُ يَوْمَ هَلَكَ وَتَكُونُ) الْقِيمَةُ (رَهْنًا عِنْدَهُ) كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا ضَمَانُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ زَيْلَعِيٌّ (وَبِإِعَارَتِهٍ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ (مِنْ رَاهِنِهِ يَخْرُجُ مِنْ ضَمَانِهِ) تَسْمِيَتُهَا عَارِيَّةً مَجَازًا.   [رد المحتار] وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَأْخُذُ قِيمَتَهُ وَتُجْعَلُ رَهْنًا مَكَانَهُ (قَوْلُهُ وَرَدَّ الْفَضْلَ) أَيْ إنْ كَانَ فَضَلٌ، وَيَرْجِعُ بِالزِّيَادَةِ إنْ نَقَصَتْ عَنْ دَيْنِهِ ط (قَوْلُهُ فَفِي الْعِتْقِ) أَيْ الَّذِي بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ جَوْهَرَةٌ فَلَوْ بِإِذْنِهِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ سَعَى الْعَبْدُ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ لِلْمُرْتَهِنِ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ مِنْ الرَّاهِنِ يَأْخُذُهُ مِمَّنْ يَنْتَفِعُ بِالْعِتْقِ، وَالْعَبْدُ إنَّمَا يَنْتَفِعُ بِمِقْدَارِ مَالِيَّتِهِ فَلَا يَسْعَى فِيمَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ مِنْ الدَّيْنِ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ) وَكَيْفِيَّتِهِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ يَوْمَ الْعِتْقِ وَيَوْمَ الرَّهْنِ وَإِلَى الدَّيْنِ، فَيَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا زَيْلَعِيٌّ وَيَقْضِي الدَّيْنَ بِالْكَسْبِ إلَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَيُبَدِّلُ بِجِنْسِهِ وَيَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ غَنِيًّا) أَيْ إذَا أَيْسَرَ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ وَهُوَ مُضْطَرٌّ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا تَحَمَّلَ عَنْهُ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ سَعَى كُلٌّ) أَيْ مِنْ الْمُدَبَّرِ وَالْمُسْتَوْلَدَةِ (قَوْلُهُ فِي كُلِّ الدَّيْنِ) أَيْ وَلَوْ زَائِدًا عَلَى الْقِيمَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُدَبَّرِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فِي كُلِّ الدَّيْنِ وَلِقَوْلِهِ بِلَا رُجُوعٍ. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَخَذَ مِنْهُ كُلِّهِ وَإِلَّا أَخَذَ الْقِيمَةَ لِتَكُونَ رَهْنًا إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ (قَوْلُهُ فَالْمُرْتَهِنُ يَضْمَنُهُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرْتَهِنَ هُوَ الْخَصْمُ فِي تَضْمِينِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ هَلَكَ) فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَهُ خَمْسَمِائَةٍ وَقَدْ كَانَتْ يَوْمَ الرَّهْنِ أَلْفًا كَالدَّيْنِ ضَمِنَ خَمْسَمِائَةٍ وَصَارَتْ رَهْنًا وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ كَأَنَّهَا هَلَكَتْ بِآفَةٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا ضَمَانُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ) بَيَانٌ لِوَجْهِ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ الزِّيَادَةَ حَيْثُ سَقَطَ مِثْلُهَا مِنْ الدَّيْنِ. قَالَ الأتقاني لِأَنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ وَحِينَئِذٍ كَانَتْ أَلْفًا فَيَضْمَنُ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا غَرِمَ الْأَجْنَبِيُّ اهـ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَلَا يُقَالُ الرَّهْنُ لَوْ كَانَ بَاقِيًا كَمَا كَانَ وَقَدْ تَرَاجَعَ السُّعْرُ وَانْتَقَصَتْ قِيمَتُهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ. قُلْنَا لِأَنَّ ثَمَّةَ الْعَيْنَ بَاقٍ كَمَا كَانَ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ التَّغَيُّرُ بِسَبَبِ التَّرَاجُعِ وَالْعَيْنُ بِحَالٍ يُمْكِنُ أَنْ تَصِيرَ مَالِيَّتُهُ بِالتَّرَاجُعِ كَمَا كَانَ يَوْمَ الْقَبْضِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ التَّغَيُّرُ وَهَا هُنَا التَّغَيُّرُ الْحَاصِلُ بِالتَّرَاجُعِ اسْتَقَرَّ بِالْهَلَاكِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَى حَالِ تَعَوُّدِ مَالِيَّتِهِ كَمَا كَانَ اهـ. بَقِيَ مَا إذَا أَتْلَفَهُ الْمُرْتَهِنُ فَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ وَتَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِهِ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَالدَّيْنُ مِنْ جِنْسِ الْقِيمَةِ اسْتَوْفَى مِنْهَا وَلَوْ فِيهَا فَضْلٌ رَدَّهُ، وَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ قَبْلَ الْإِتْلَافِ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إلَى خَمْسِمِائَةٍ وَكَانَتْ أَلْفًا وَجَبَ بِالِاسْتِهْلَاكِ خَمْسُمِائَةٍ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ لِأَنَّ مَا انْتَقَصَ كَالْهَالِكِ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الرَّهْنِ يَوْمَ الْقَبْضِ السَّابِقِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْبَاقِي بِالْإِتْلَافِ وَهُوَ قِيمَتُهُ يَوْمَ أُتْلِفَ هِدَايَةٌ مُلَخَّصًا، وَيَجْعَلُهُ مَضْمُونًا بِالْقَبْضِ السَّابِقِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ انْدَفَعَ اسْتِشْكَالُ الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّ تَرَاجُعَ السِّعْرِ غَيْرُ مَضْمُونٍ. وَبَيَانُ الْجَوَابِ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الْقُدُورِيِّ أَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ لَا يُضْمَنُ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ، أَمَّا إذَا تَلِفَتْ فَالضَّمَانُ بِالْقَبْضِ، وَضَمَانُ الْإِتْلَافِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ ضَمَانِ الرَّهْنِ فَلِذَا وَجَبَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ وَوَجَبَ الْفَضْلُ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ عَلَى ضَمَانِ الرَّهْنِ. اهـ مُلَخَّصًا، وَمِثْلُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ مَجَازًا) جَعَلَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ تَسَامُحًا قَالُوا لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِلَا عِوَضٍ وَالْمُرْتَهِنُ لَمْ يَمْلِكْهَا فَكَيْفَ يَمْلِكُهَا غَيْرُهُ. لَكِنْ لَمَّا عُومِلَ ذَلِكَ مُعَامَلَةَ الْإِعَارَةِ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ وَمِنْ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْإِعَارَةِ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 510 فَلَوْ هَلَكَ) الرَّهْنُ (فِي يَدِ الرَّاهِنِ هَلَكَ مَجَّانًا) حَتَّى لَوْ كَانَ أَعْطَاهُ بِهِ كَفِيلًا لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ شَيْءٌ لِخُرُوجِهِ مِنْ الرَّهْنِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ الرَّاهِنُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ جَازَ ضَمَانُ الْكَفِيلِ تَتَارْخَانِيَّةٌ. (فَإِنْ عَادَ) قَبَضَهُ (عَادَ ضَمَانُهُ وَلِلْمُرْتَهِنِ اسْتِرْدَادُهُ مِنْهُ إلَى يَدِهِ، فَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ الِاسْتِرْدَادِ (فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ) لِبَقَاءِ حُكْمِ الرَّهْنِ. (وَلَوْ أَعَارَهُ) أَوْ أَوْدَعَهُ (أَحَدُهُمَا أَجْنَبِيًّا بِإِذْنِ الْآخَرِ سَقَطَ ضَمَانُهُ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يُعِيدَهُ رَهْنًا) كَمَا كَانَ (بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ) وَالرَّهْنِ (مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ إذَا بَاشَرَهَا أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ)   [رد المحتار] وَفَسَّرَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ التَّسَامُحَ بِأَنَّهُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ حَقِيقَتِهِ بِلَا قَصْدِ عِلَاقَةٍ مُعْتَبَرَةٍ وَلَا نَصْبِ قَرِينَةٍ اعْتِمَادًا عَلَى ظُهُورِهِ مِنْ الْمَقَامِ اهـ فَهُوَ لَيْسَ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ لَفْظَ الْإِعَارَةِ هُنَا اسْتِعَارَةً تَصْرِيحِيَّةً عِلَاقَتُهَا الْمُشَابَهَةُ وَالْقَرِينَةُ إسْنَادُ الْإِعَارَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ إسْنَادَهَا حَقِيقَةً لِلْمَالِكِ. قَالَ: وَحَيْثُ وُجِدَتْ الْقَرِينَةُ وَالْجَامِعُ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَجَازٌ سَائِغٌ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ هَلَكَ مَجَّانًا) أَيْ بِلَا سُقُوطِ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ لِارْتِفَاعِ الْقَبْضِ الْمَضْمُونِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ) أَيْ الرَّاهِنُ أَعْطَى الْمُرْتَهِنَ بِالرَّهْنِ الْمُعَارِ كَفِيلًا: أَيْ أَعْطَاهُ كَفِيلًا بِتَسْلِيمِهِ لَا بِعَيْنِهِ لِقَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ وَلَا تَصِحُّ بِمَبِيعٍ قَبْلَ قَبْضِهِ وَمَرْهُونٍ وَأَمَانَةٍ بِأَعْيَانِهَا، فَلَوْ بِتَسْلِيمِهَا صَحَّ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِخُرُوجِهِ مِنْ الرَّهْنِ) أَيْ مِنْ حُكْمِ الرَّهْنِ وَهُوَ الضَّمَانُ وَإِلَّا فَالْعَقْدُ بَاقٍ (قَوْلُهُ جَازَ ضَمَانُ الْكَفِيلِ) أَيْ إلْزَامُهُ بِتَسْلِيمِهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ عَادَ ضَمَانُهُ) لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ بَاقٍ إلَّا فِي حُكْمِ الضَّمَانِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ) أَيْ غُرَمَاءِ الرَّاهِنِ فَلَا يُشَارِكُونَ الْمُرْتَهِنَ فِيهِ (قَوْلُهُ لِبَقَاءِ حُكْمِ الرَّهْنِ) الْأَصْوَبُ أَنْ يُقَالَ لِبَقَاءِ عَقْدِ الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْحُكْمِ هُنَا يَدُ الِاسْتِيفَاءِ لَا الضَّمَانِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَعَارَهُ إلَخْ) جُمْلَةُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ سِتَّةٌ: الْعَارِيَّةُ الْوَدِيعَةُ وَالرَّهْنُ وَالْإِجَارَةُ وَالْبَيْعُ وَالْهِبَةُ، فَالْعَارِيَّةُ تُوجِبُ سُقُوطَ الضَّمَانِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ هُوَ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ إذَا هَلَكَ حَالَةَ الِاسْتِعْمَالِ أَوْ أَجْنَبِيًّا وَلَا تَرْفَعُ عَقْدَ الرَّهْنِ وَحُكْمُ الْوَدِيعَةِ كَحُكْمِ الْعَارِيَّةِ، وَالرَّهْنُ يُبْطِلُ عَقْدَ الرَّهْنِ. وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَالْمُسْتَأْجِرُ إنْ كَانَ هُوَ الرَّاهِنُ فَهِيَ بَاطِلَةٌ وَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا أَعَارَ مِنْهُ أَوْ أَوْدَعَهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَهِنُ وَجَدَّدَ الْقَبْضَ لِلْإِجَارَةِ أَوْ أَجْنَبِيًّا بِمُبَاشَرَةِ أَحَدِهِمَا الْعَقْدَ بِإِذْنِ الْآخَرِ بَطَلَ الرَّهْنُ وَالْأُجْرَةُ لِلرَّاهِنِ وَوِلَايَةُ الْقَبْضِ لِلْعَاقِدِ وَلَا يَعُودُ رَهْنًا إلَّا بِالِاسْتِئْنَافِ. وَأَمَّا الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ بِهِمَا إذَا كَانَا مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِمُبَاشَرَةِ أَحَدِهِمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ، وَأَمَّا مِنْ الرَّاهِنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ اهـ عِنَايَةٌ. وَفِي حَاشِيَتِهَا لِسَعْدِيٍّ أَفَنْدِي: إذَا كَانَ الْإِيدَاعُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ الْعَدْلُ اهـ. أَقُولُ: وَهُوَ بَحْثٌ وَجِيهٌ ثُمَّ رَأَيْتُهُ مَنْصُوصًا فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا: إذَا أَجَازَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُودِعَهُ إنْسَانًا أَوْ يُعِيرَ، فَإِنْ أَوْدَعَ فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ، إنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُودِعِ سَقَطَ الدَّيْنُ، وَإِنْ أَعَارَهُ خَرَجَ مِنْ ضَمَانِ الرَّهْنِ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُعِيدَهُ اهـ فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَتَبِعَهُ فِيهِ الشَّارِحُ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ إلَخْ) حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُعِيدَهُ رَهْنًا. وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِجَارَةِ تَجْدِيدُ الْقَبْضِ كَمَا عَلِمْتَ آنِفًا. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا الْمُرْتَهِنُ فَاسِدًا وَوَصَلَ إلَيْهَا وَمَضَى زَمَانٌ بِمِقْدَارِ مَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ بَطَلَ الرَّهْنُ اهـ. وَفِيهَا: وَإِنْ أَخَذَ الْمُرْتَهِنُ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً بَطَلَ الرَّهْنُ لَوْ الْبَذْرُ مِنْهُ، وَلَوْ مِنْ الرَّاهِنِ فَلَا اهـ. أَيْ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ رَبَّ الْبَذْرِ هُوَ الْمُسْتَأْجِرُ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْعَامِلَ كَانَ مُسْتَأْجَرًا لِلْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ رَبَّ الْأَرْضِ كَانَ مُسْتَأْجِرًا لِلْعَامِلِ (قَوْلُهُ وَالرَّهْنِ) أَيْ وَبِخِلَافِ رَهْنِ الرَّهْنِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ إلَخْ) " مِنْ " هَذِهِ صِلَةٌ لِمَا قَبْلَهَا لَا لِلِابْتِدَاءِ، تَقُولُ: أَجَرْتُ مِنْهُ الدَّارَ وَكَذَا بِعْتهَا أَوْ وَهَبْتُهَا مِنْهُ إذَا كَانَ هُوَ الْقَابِلَ لِلْعَقْدِ وَأَنْتَ الْمُبَاشِرُ فَالْمُرْتَهِنُ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ هُنَا هُوَ الْقَابِلُ وَالْمُبَاشِرُ: أَيْ الْعَاقِدُ مَعَ الْمُرْتَهِنِ هُوَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 511 حَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ الرَّهْنِ ثُمَّ لَا يَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ مُبْتَدَأٍ لِأَنَّهَا عُقُودٌ لَازِمَةٌ، بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ، وَبِخِلَافِ بَيْعِ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الرَّاهِنِ لِعَدَمِ لُزُومِهَا. بَقِيَ لَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ رَهْنِهِ ثَانِيًا فَالْمُرْتَهِنُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. (وَلَوْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي اسْتِعْمَالِهِ أَوْ إعَارَتِهِ لِلْعَمَلِ فَهَلَكَ) الرَّهْنُ (قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ هَلَكَ) بِالدَّيْنِ لِبَقَاءِ عَقْدِ الرَّهْنِ. (وَلَوْ هَلَكَ فِي حَالَةِ الْعَمَلِ) وَالِاسْتِعْمَالِ (هَلَكَ أَمَانَةً) لِثُبُوتِ يَدِ الْعَارِيَّةِ حِينَئِذٍ. (لَوْ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِهِ) أَيْ وَقْتِ هَلَاكِهِ فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ هَلَكَ فِي وَقْتِ الْعَمَلِ وَقَالَ الرَّاهِنُ فِي غَيْرِهِ (فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ (وَالْبَيِّنَةُ لِلرَّاهِنِ) لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى زَوَالِ يَدِ الرَّهْنِ فَلَا يُصَدَّقُ الرَّاهِنُ فِي عَوْدِهِ إلَّا بِحُجَّةٍ بَزَّازِيَّةٌ. وَفِيهَا: أَذِنَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي لُبْسِ ثَوْبِ الرَّهْنِ يَوْمًا فَجَاءَ بِهِ الْمُرْتَهِنُ مُتَخَرِّقًا وَقَالَ تَخَرَّقَ فِي لُبْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَالَ الرَّاهِنُ مَا لَبِسْتُهُ فِيهِ وَلَا تَخَرَّقَ فِيهِ فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ، وَإِنْ أَقَرَّ الرَّاهِنُ بِاللُّبْسِ فِيهِ وَلَكِنْ قَالَ تَخَرَّقَ قَبْلَ لُبْسِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي قَدْرِ مَا عَادَ مِنْ الضَّمَانِ.   [رد المحتار] الرَّاهِنُ وَمَعَ الْأَجْنَبِيِّ أَحَدُهُمَا، لَكِنْ فِي هَذَا التَّعْمِيمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّهْنِ نَظَرٌ لِأَنَّ رَهْنَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لَا يُفِيدُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَاصٌّ فِيمَا إذَا رَهَنَهُ أَحَدُهُمَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْهَنَ الرَّهْنَ، فَإِنْ رَهَنَ بِلَا إذْنِ الرَّاهِنِ، فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الثَّانِي قَبْلَ الْإِعَادَةِ إلَى يَدِ الْأَوَّلِ فَلِلرَّاهِنِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُرْتَهِنَ الْأَوَّلَ وَيَصِيرُ ضَمَانُهُ رَهْنًا وَيَمْلِكُهُ الْمُرْتَهِنُ الثَّانِي بِالدَّيْنِ أَوْ يُضَمِّنَ الْمُرْتَهِنَ الثَّانِي وَيَكُونُ الضَّمَانُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ وَبَطَلَ رَهْنُ الثَّانِي وَيَرْجِعُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا ضُمِّنَ وَبِدَيْنِهِ، وَإِنْ رَهَنَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ صَحَّ الثَّانِي وَبَطَلَ الْأَوَّلُ. اهـ (قَوْلُهُ حَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ الرَّهْنِ) بَيَانٌ لِجِهَةِ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَهَذِهِ الْعُقُودِ؛ لَكِنْ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ يَتَحَوَّلُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ إلَى الثَّمَنِ سَوَاءٌ قَبَضَهُ أَوْ لَا حَتَّى لَوْ هَلَكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي سَقَطَ الدَّيْنُ بِخِلَافِ بَدَلِ الْإِجَارَةِ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا نُصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا عُقُودٌ لَازِمَةٌ) وَلِذَا لَا يُمْكِنُهُ فَسْخُهَا (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ بَيْعِ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الرَّاهِنِ) وَكَذَا إجَارَتُهُ وَهِبَتُهُ وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ لُزُومِهَا) أَيْ لُزُومِ الْعَارِيَّةِ وَالْبَيْعِ وَالْأَوْلَى لُزُومُهُمَا بِالتَّثْنِيَةِ أَيْ لِعَدَمِ لُزُومِهِمَا فِي حَقِّ الرَّاهِنِ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ فِي الْمَرْهُونِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ (قَوْلُهُ بَقِيَ لَوْ مَاتَ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ فَالْمُرْتَهِنُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ) أَيْ مُسَاوٍ لَهُمْ فِي الْمَرْهُونِ لِبُطْلَانِ عَقْدِ الرَّهْنِ بِهَذِهِ الْعُقُودِ. مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ بِاسْتِعْمَالِهِ إلَخْ) فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَخَالَفَ ثُمَّ عَادَ فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ وَلَوْ هَلَكَ فِي حَالَةِ الْعَمَلِ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ أَوْ إعَارَتِهِ، وَقَوْلُهُ وَالِاسْتِعْمَالُ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ فِي اسْتِعْمَالِهِ فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ (قَوْلُهُ لِثُبُوتِ يَدِ الْعَارِيَّةِ) وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِيَدِ الرَّهْنِ فَانْتَفَى الضَّمَانُ مِنَحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ) أَيْ مُنْكِرٌ لِمُوجِبِ الضَّمَانِ. قَالَ ط: وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ الْآتِي لِلْمَسْأَلَتَيْنِ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الرَّاهِنُ فِي غَيْرِهِ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا فَيَشْمَلُ مَا إذَا قَالَ قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى زَوَالِ يَدِ الرَّهْنِ) أَيْ زَوَالِ الْقَبْضِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ لِاعْتِرَافِهِمَا بِوُجُودِ الْعَمَلِ الْمُزِيلِ لِلضَّمَانِ. (قَوْلُهُ فِي عَوْدِهِ) أَيْ عَوْدِ الرَّهْنِ أَيْ عَوْدِ يَدِهِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي حَقِّهِ وَفِي بَعْضِهَا فِي دَعْوَاهُ، وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ فِي الْعَوْدِ (قَوْلُهُ مَا لَبِسْتَهُ) بِفَتْحِ تَاءِ الْمُخَاطَبِ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِوُجُودِ الْعَمَلِ فَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى زَوَالِ الْيَدِ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ أَصَابَهُ فِي اللُّبْسِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى خُرُوجِهِ مِنْ الضَّمَانِ فَكَانَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي قَدْرِ مَا عَادَ الضَّمَانُ إلَيْهِ، بِخِلَافِ أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ لِعَدَمِ الِاتِّفَاقِ ثَمَّةَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ الضَّمَانِ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 512 فُرُوعٌ] رَهَنَ الْأَبُ مِنْ مَالِ طِفْلِهِ شَيْئًا بِدَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ جَازَ، فَلَوْ الرَّهْنُ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ فَهَلَكَ ضَمِنَ الْأَبُ قَدْرَ الدَّيْنِ دُونَ الزِّيَادَةِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَالِ الصَّغِيرِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيُّ. وَلَوْ أَدْرَكَ الِابْنُ وَمَاتَ الْأَبُ لَيْسَ لِلِابْنِ أَخْذُهُ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَيَرْجِعُ الِابْنُ فِي مَالِ الْأَبِ إنْ كَانَ رَهْنُهُ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ. وَلَوْ رَهَنَ شَيْئًا ثُمَّ أَقَرَّهُ بِالرَّهْنِ لِغَيْرِهِ لَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَيُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَرَدِّهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ. وَلَوْ رَهَنَ دَارَ غَيْرِهِ فَأَجَازَ صَاحِبُهَا جَازَ، وَبَيِّنَةُ الرَّاهِنِ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ أَوْلَى. وَزَوَائِدُ الرَّهْنِ كَوَلَدٍ وَثَمَرَةِ رَهْنٍ لَا غَلَّةِ دَارٍ وَأَرْضٍ وَعَبْدٍ فَلَا يَصِيرُ رَهْنًا. وَالرَّهْنُ الْفَاسِدُ كَالصَّحِيحِ فِي ضَمَانِهِ. (وَصَحَّ اسْتِعَارَةُ شَيْءٍ لِيَرْهَنَهُ فَيَرْهَنُ بِمَا شَاءَ) إذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِشَيْءٍ (وَإِنْ قَيَّدَهُ بِقَدْرٍ أَوْ جِنْسٍ أَوْ مُرْتَهِنٍ أَوْ بَلَدٍ تَقَيَّدَ بِهِ) وَحِينَئِذٍ (فَإِنْ خَالَفَ) مَا قَيَّدَهُ بِهِ الْمُعِيرُ -   [رد المحتار] وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمَا لَمَّا اتَّفَقَا عَلَى خُرُوجِهِ مِنْ الضَّمَانِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي أَنَّهُ لَمْ يَعُدْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ضَمَانُ الرَّهْنِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الضَّمَانِ إلَّا ذَلِكَ الثَّوْبَ الْمُتَخَرِّقَ أَيْ فَإِذَا هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مُتَخَرِّقًا. [فروع رَهَنَ الْأَبُ مِنْ مَالِ طِفْلِهِ شَيْئًا بِدَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ] (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ) قَدَّمَ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ الْإِمَامِ التُّمُرْتَاشِيِّ وَأَنَّهُ جَزَمَ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ كَالْعِنَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَقَدَّمْنَا وَجْهَهُ (قَوْلُهُ لَيْسَ لِلِابْنِ أَخْذُهُ إلَخْ) لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْأَبِ نَافِذٌ لَازِمٌ (قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ الِابْنُ) أَيْ إذَا قَضَى دَيْنَ الْأَبِ وَافْتَكَّ الرَّهْنَ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ) أَيْ الْأَبُ رَهَنَهُ لِنَفْسِهِ أَيْ لِأَجْلِ دَيْنٍ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ رَهَنَ بِدَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ وَبِدَيْنٍ عَلَى الصَّغِيرِ فَحُكْمُهُ فِي حِصَّةِ دَيْنِ الْأَبِ كَحُكْمِهِ فِيمَا لَوْ كَانَ كُلُّهُ رَهْنًا بِدَيْنِ الْأَبِ كَمَا فِي الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ الِابْنُ مُضْطَرٌّ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ لِافْتِكَاكِ الرَّهْنِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا نَظِيرَ مُعِيرِ الرَّهْنِ الْآتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِالرَّهْنِ إلَخْ) أَيْ أَقَرَّ بِأَنَّ ذَلِكَ الْمَرْهُونَ مِلْكٌ لِزَيْدٍ مَثَلًا لَا يَصْدُقُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، حَتَّى إنَّهُ لَا يُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ بِدُونِ بُرْهَانٍ مِنْ الْمُقِرِّ لَهُ بَلْ يُؤَاخَذُ الْمُقِرُّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، حَتَّى إنَّهُ يُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَرَدِّ الْمَرْهُونِ إلَى الْمُقِرِّ لَهُ، وَهَلْ يُؤْمَرُ بِقَضَائِهِ حَالًّا لَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا أَوْ يُؤْمَرُ بِدَفْعِ قِيمَتِهِ لِلْمُرْتَهِنِ ثُمَّ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَوْ يُنْظَرُ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ جَازَ) وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَعَارَهَا لِيَرْهَنَهَا ط (قَوْلُهُ أَوْلَى) أَيْ مِنْ بَيِّنَةِ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ زِيَادَةَ ضَمَانٍ وَلَوْ لَمْ يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ كَذَا يُفَادُ مِنْ الْهِنْدِيَّةِ ط (قَوْلُهُ وَزَوَائِدُ الرَّهْنِ إلَخْ) سَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُفَصَّلَةً كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَلِذَا لَمْ تُوجَدْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ط (قَوْلُهُ وَصَحَّ اسْتِعَارَةُ شَيْءٍ لِيَرْهَنَهُ) لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِتَعَلُّقِ دَيْنِ الْمُسْتَعِيرِ بِمَالِهِ وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ كَمَا يَمْلِكُ تَعَلُّقَهُ بِذِمَّتِهِ بِالْكَفَالَةِ ط (قَوْلُهُ فَيَرْهَنُ بِمَا شَاءَ) أَيْ بِأَيِّ جِنْسٍ أَوْ قَدْرٍ، وَكَذَا عِنْدَ أَيِّ مُرْتَهِنٍ وَفِي أَيِّ بَلَدٍ شَاءَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ إذَا أَطْلَقَ) أَيْ الْمُعِيرُ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ وَاجِبُ الِاعْتِبَارِ خُصُوصًا فِي الْإِعَارَةِ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ هِدَايَةٌ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُسَامَحَةِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ تَقَيَّدَ بِهِ) فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ وَلَا يَنْقُصَ، أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا احْتَاجَ إلَى فِكَاكِ الرَّهْنِ فَيُؤَدِّيَ قَدْرَ الدَّيْنِ وَمَا رَضِيَ بِأَدَاءِ الْقَدْرِ الزَّائِدِ أَوْ لِأَنَّهُ يَتَعَسَّرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ، وَأَمَّا النُّقْصَانُ فَلِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الدَّيْنِ يَكُونُ أَمَانَةً وَمَا رَضِيَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا كُلُّهُ فَكَانَ التَّعْيِينُ مُفِيدًا وَكَذَلِكَ التَّقْيِيدُ بِالْحَبْسِ وَبِالْمُرْتَهِنِ وَبِالْبَلَدِ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُفِيدٌ لِتَيَسُّرِ الْبَعْضِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْبَعْضِ وَتَفَاوُتِ الْأَشْخَاصِ فِي الْأَمَانَةِ وَالْحِفْظِ اهـ مِنْ الْهِدَايَةِ وَالِاخْتِيَارِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 513 ضَمَّنَ) الْمُعِيرُ (الْمُسْتَعِيرَ أَوْ الْمُرْتَهِنَ) لِتَعَدِّي كُلٍّ مِنْهُمَا (إلَّا إذَا خَالَفَ إلَى خَيْرٍ بِأَنْ عَيَّنَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَرَهَنَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ) لَمْ يَضْمَنْ لِمُخَالَفَتِهِ إلَى خَيْرٍ (فَإِنْ ضَمَّنَ) الْمُعِيرُ (الْمُسْتَعِيرَ تَمَّ عَقْدُ الرَّهْنِ) لِتَمَلُّكِهِ بِالضَّمَانِ (وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ وَبِالدَّيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ) كَمَا مَرَّ فِي الِاسْتِحْقَاقِ (فَإِنْ وَافَقَ وَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ صَارَ) الْمُرْتَهِنُ (مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ وَوَجَبَ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الدَّيْنِ (لِلْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) وَهُوَ الرَّاهِنُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ بِهِ (إنْ كَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا وَإِلَّا) يَكُنْ كُلُّهُ مَضْمُونًا (ضَمِنَ قَدْرَ الْمَضْمُونِ وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ) وَكَذَا لَوْ تَعَيَّبَ فَيَذْهَبُ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ   [رد المحتار] [تَنْبِيهٌ] أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ فِيمَا لَوْ قَيَّدَ الْعَارِيَّةَ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ بِأَنَّ لِلْمُعِيرِ أَخْذَهَا مِنْ الْمُسْتَعِيرِ، قَالَ: وَبِهِ أُفْتِيَ فِي الْخَيْرِيَّةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ قَائِلًا وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالرَّهْنِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَإِذَا مَضَتْ وَامْتَنَعَ مِنْ خَلَاصِهِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ اهـ. أَقُولُ وَلَا يُخَالِفُهُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ اسْتَعَارَهُ لِيَرْهَنَهُ بِدَيْنِهِ فَرَهَنَهُ بِمِائَةٍ إلَى سَنَةٍ فَلِلْمُعِيرِ طَلَبُهُ مِنْهُ وَإِنْ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ يَرْهَنُهُ إلَى سَنَةٍ اهـ لِأَنَّ الرَّهْنَ هُنَا فَاسِدٌ لِتَأْجِيلِهِ كَمَا مَرَّ وَكَلَامُنَا فِي تَأْجِيلِ الْعَارِيَّةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ ضَمَّنَ الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ أَوْ الْمُرْتَهِنَ إلَخْ) أَيْ يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ الرَّهْنِ إنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ فَصَارَ غَاصِبًا، وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَيَفْسَخَ الرَّهْنَ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ فَرَهَنَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ بِأَقَلَّ مِمَّا عُيِّنَ لَهُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ بَلْ إمَّا بِمِثْلِهَا أَوْ بِأَكْثَرَ كَمَا أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا: لَوْ سَمَّى لَهُ شَيْئًا فَرَهَنَهُ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الثَّوْبِ مِثْلَ الدَّيْنِ الْمُسَمَّى، الثَّانِي أَنْ تَكُونَ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَفِيهَا إذَا رَهَنَ بِأَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ بِأَقَلَّ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ، الثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ أَقَلَّ مِنْهُ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى ضَمِنَ الْقِيمَةَ، وَإِنْ نَقَصَ فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ إلَى تَمَامِ قِيمَةِ الثَّوْبِ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ إلَى أَقَلَّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ اهـ مُلَخَّصًا؛ وَنَقَلَهُ فِي النِّهَايَةِ. ثُمَّ قَالَ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُعِيرَ لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرَ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ، وَكَذَا لَا يَضْمَنُهُ جَمِيعَ قِيمَةِ الثَّوْبِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ وَإِنَّمَا يَضْمَنُهُ قَدْرَ الدَّيْنِ وَالزَّائِدُ يَهْلِكُ أَمَانَةً اهـ (قَوْلُهُ لِتَمَلُّكِهِ بِالضَّمَانِ) فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَهُ مِلْكَ نَفْسِهِ اهـ تَبْيِينٌ، قَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ: وَلِي فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى وَقْتِ الْقَبْضِ إذَا الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ؛ وَإِنَّمَا يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْمُخَالَفَةِ وَهُوَ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَعَقْدُ الرَّهْنِ كَانَ قَبْلَهُ فَيَقْتَصِرُ مِلْكُهُ عَلَى وَقْتِ التَّسْلِيمِ فَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ اهـ أَبُو السُّعُودِ وَطَّ عَنْ الشَّلَبِيِّ. أَقُولُ قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ وَلِذَا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ الرُّجُوعُ عَنْهُ قَبْلَهُ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الرَّهْنِ، فَإِذَا تَوَقَّفَ الْعَقْدُ عَلَى التَّسْلِيمِ لَمْ يُعْتَبَرْ سَابِقًا عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُمَا وُجِدَا مَعًا عِنْدَ التَّسْلِيمِ الَّذِي هُوَ وَقْتُ الْمُخَالَفَةِ فَلَمْ يَكُنْ مِلْكَهُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي مِنْ فَيْضِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ فَاغْتَنِمْهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِقَبْضِ مَالِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ فَهُوَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ فِي الِاسْتِحْقَاقِ) أَيْ قُبَيْلَ هَذَا الْبَابِ (قَوْلُهُ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ) أَيْ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِقَدْرِهِ وَيَرْجِعُ بِالْفَضْلِ عَلَى الرَّاهِنِ اهـ مِسْكِينٌ (قَوْلُهُ أَيْ مِثْلُ الدَّيْنِ) كَذَا فِي الدُّرَرِ وَالْأَصْوَبُ أَنْ يُقَالَ أَيْ مِثْلُ الرَّهْنِ أَيْ صُورَةً وَمَعْنًى إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَمَعْنًى فَقَطْ وَهُوَ قِيمَتُهُ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا لِئَلَّا يَلْزَمَ تَشْتِيتُ الضَّمَائِرِ بَعْدَهُ رَحْمَتِيٌّ مُلَخَّصًا؛ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الطُّورِيِّ (قَوْلُهُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ بِهِ) أَيْ لِأَنَّ الرَّاهِنَ صَارَ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِمَالِ الْمُعِيرِ وَهُوَ الرَّهْنُ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ كُلُّهُ) أَيْ الرَّهْنُ مَضْمُونًا بِأَنْ كَانَ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا إلَخْ) أَيْ بِأَنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ بِحِسَابِهِ) أَيْ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْعَيْبِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 514 وَيَجِبُ مِثْلُهُ لِلْمُعِيرِ. (وَلَوْ افْتَكَّهُ) أَيْ الرَّهْنَ (الْمُعِيرُ أُجْبِرَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْقَبُولِ ثُمَّ يَرْجِعُ) الْمُعِيرُ (عَلَى الرَّاهِنِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ لِتَخْلِيصِ مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ (بِمَا أَدَّى) بِأَنْ سَاوَى الدَّيْنُ الْقِيمَةَ، وَإِنْ الدَّيْنُ أَزْيَدَ فَالزَّائِدُ تَبَرُّعٌ، وَإِنْ أَقَلَّ فَلَا جَبْرَ دُرَرٌ، لَكِنْ اسْتَشْكَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فَلِذَا لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ فِي مَتْنِهِ مَعَ مُتَابَعَتِهِ لِلدُّرَرِ فَتَدَبَّرْ. (وَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ الْمُسْتَعَارُ مَعَ الرَّاهِنِ قَبْلَ رَهْنِهِ أَوْ بَعْدَ فَكِّهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ اسْتَخْدَمَهُ أَوْ رَكِبَهُ) وَنَحْوَ ذَلِكَ (مِنْ قَبْلُ) لِأَنَّهُ أَمِينٌ خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ فَلَا يَضْمَنُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ: الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ الْمُسْتَعِيرُ إذَا خَالَفَا ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ.   [رد المحتار] إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ مِثْلُهُ) أَيْ وَيَجِبُ لِلْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مِثْلُ مَا ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِالْعَيْبِ (قَوْلُهُ لِتَخْلِيصِ مِلْكِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَخْلِيصَ مِلْكِهِ فَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ) أَيْ إذَا قَضَى الدَّيْنَ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ إذْ هُوَ لَا يَسْعَى فِي تَخْلِيصِ مِلْكِهِ وَلَا فِي تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ فَكَانَ لِلطَّالِبِ أَنْ لَا يَقْبَلَ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَلَّ فَلَا جَبْرَ) أَيْ لَا يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى تَسْلِيمِ الرَّهْنِ دُرَرٌ عَنْ تَاجِ الشَّرِيعَةِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ أَمَانَةٌ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ، كَذَا قَبْلُ وَلَمْ نَجِدْ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الشُّرَّاحِ، وَعَزْوُهُ إلَى تَاجِ الشَّرِيعَةِ فِرْيَةٌ بِلَا مِرْيَةٍ كَذَا أَفَادَهُ عَزْمِي زَادَهْ (قَوْلُهُ لَكِنْ اسْتَشْكَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ) أَيْ اسْتَشْكَلَ كَوْنَ الزَّائِدِ تَبَرُّعًا حَيْثُ قَالَ وَهَذَا مُشْكِلٌ، لِأَنَّ تَخْلِيصَ الرَّهْنِ لَا يَحْصُلُ بِإِيفَاءِ الْبَعْضِ فَكَانَ مُضْطَرًّا؛ وَهَذَا لِأَنَّ غَرَضَهُ تَخْلِيصُهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِأَدَاءِ الدَّيْنِ كُلِّهِ، إذْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْكُلَّ اهـ. وَالْإِشْكَالُ ذَكَرَهُ جَمِيعُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ مَعَ جَوَابِهِ بِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِاعْتِبَارِ إيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مِلْكِهِ فَكَانَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا تَحَقَّقَ الْإِيفَاءُ اهـ وَنَقَلُوهُ عَنْ الْإِيضَاحِ وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا وَكَأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ لَمْ يَرْتَضِ بِهَذَا الْجَوَابِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ وَلِذَا قَالَ فِي السَّعْدِيَّةِ إنَّ لِلْكَلَامِ فِيهِ مَجَالًا (قَوْلُهُ فَلِذَا لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ إلَخْ) أَقُولُ يَجِبُ اتِّبَاعُ الْمَنْقُولِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِلْعُقُولِ مَعَ أَنَّ الْجَوَابَ لَائِحٌ وَهُوَ تَقْصِيرُ الْمُعِيرِ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالرَّهْنِ بِالْقِيمَةِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ، فَإِذَا تَرَكَ مَا يَدْفَعُ الْإِضْرَارَ كَانَ فِي دَفْعِ الزَّائِدِ مُخْتَارًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَكُنْ مِنْ ذَوِي الْأَبْصَارِ اهـ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ مَعَ مُتَابَعَتِهِ لِلدُّرَرِ) أَيْ إنَّ عَادَتَهُ ذَلِكَ غَالِبًا، وَقَدْ نَصَّ فِي الدُّرَرِ عَلَى أَنَّ الزَّائِدَ تَبَرُّعٌ فَدَلَّ عَدَمُ مُتَابَعَتِهِ لَهُ أَنَّهُ أَقَرَّ الزَّيْلَعِيَّ عَلَى الِاسْتِشْكَالِ (قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَخْدَمَهُ أَوْ رَكِبَهُ إلَخْ) " إنَّ " هَذِهِ وَصْلِيَّةٌ أَيْ بِأَنْ كَانَ عَبْدًا فَاسْتَخْدَمَهُ أَوْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُمَا ثُمَّ رَهَنَهُمَا بِمَالٍ مِثْلِ قِيمَتِهِمَا ثُمَّ قَضَى الْمَالَ فَلَمْ يَقْبِضْهُمَا حَتَّى هَلَكَا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاهِنِ هِدَايَةٌ أَيْ ضَمَانَ التَّعَدِّي لَا ضَمَانَ قَضَاءِ الدَّيْنِ، لِأَنَّ الرَّاهِنَ بَعْدَ مَا قَضَى الدَّيْنَ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمَّا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ مِنْ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ فَيَرْجِعُ الْمُعِيرُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا وَقَعَ بِهِ الْإِيفَاءُ اهـ كِفَايَةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَأَنْ لَبِسَ الثَّوْبَ (قَوْلُهُ مِنْ قَبْلُ) أَيْ مِنْ قَبْلِ الرَّهْنِ، وَكَذَا إنْ افْتَكَّهُ ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ فَلَمْ يَعْطَبْ ثُمَّ عَطِبَ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفِكَاكِ بِمَنْزِلَةِ الْمُودِعِ لَا بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَعِيرِ لِانْتِهَاءِ حُكْمِ الِاسْتِعَارَةِ بِالْفِكَاكِ، وَقَدْ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ فَيَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَخْ) هَذَا فِي الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُسْتَعِيرِ لِشَيْءٍ يَنْتَفِعُ بِهِ وَكَلَامُنَا فِي مُسْتَعِيرِ شَيْءٍ لِيَرْهَنَهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُودِعِ لَا الْمُسْتَعِيرِ كَمَا مَرَّ آنِفًا وَالْمُودِعُ يَبْرَأُ بِالْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ. وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا بِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَعِيرِ يَدُ نَفْسِهِ فَلَا يَصِيرُ بِالْعَوْدِ رَادًّا عَلَى الْمَالِكِ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا بِخِلَافِ الْمُودِعِ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْمَالِكِ فَبِالْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ يَصِيرُ رَادًّا عَلَيْهِ حُكْمًا. قُلْتُ: وَكَذَا الْمُسْتَأْجِرُ يَدُهُ يَدُ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ يُمْسِكُ الْعَيْنَ لِنَفْسِهِ لَا لِصَاحِبِهَا (قَوْلُهُ إذَا خَالَفَا) الْأَوْلَى إفْرَادُ الضَّمِيرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 515 بَقِيَ لَوْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْإِيفَاءَ بِمَالِهِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَا أَمَرَهُ بِالرَّهْنِ بِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُعِيرِ هِدَايَةٌ. اخْتَلَفَا فِي الدَّيْنِ وَالْقِيمَةِ بَعْدَ الْهَلَاكِ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ وَقِيمَةِ الرَّهْنِ. شَرْحُ تَكْمِلَةٍ. (وَلَوْ مَاتَ مُسْتَعِيرُهُ مُفْلِسًا) مَدْيُونًا (فَالرَّهْنُ) بَاقٍ (عَلَى حَالِهِ فَلَا يُبَاعُ إلَّا بِرِضَا الْمُعِيرِ) لِأَنَّهُ مِلْكُهُ (وَلَوْ أَرَادَ الْمُعِيرُ بَيْعَهُ وَأَبَى الرَّاهِنُ) الْبَيْعَ (بِيعَ بِغَيْرِ رِضَاهُ إنْ كَانَ بِهِ) أَيْ بِالرَّهْنِ (وَفَاءٌ وَإِلَّا لَا) يُبَاعُ (إلَّا بِرِضَاهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ (وَلَوْ مَاتَ الْمُعِيرُ مُفْلِسًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أُمِرَ الرَّاهِنُ بِقَضَاءِ دَيْنِ نَفْسِهِ وَيُرَدُّ الرَّهْنَ) لِيَصِلَ كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ (وَإِنْ عَجَزَ لِفَقْرِهِ فَالرَّهْنُ عَلَى حَالِهِ) كَمَا لَوْ كَانَ الْمُعِيرُ حَيًّا (وَلِوَرَثَتِهِ) أَيْ وَرَثَةِ الْمُعِيرِ (أَخْذُهُ) أَيْ الرَّهْنِ (بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ) كَمُوَرِّثٍ (فَإِنْ طَلَب غُرَمَاءُ الْمُعِيرِ مِنْ وَرَثَتِهِ بَيْعَهُ، فَإِنْ بِهِ وَفَاءٌ بِيعَ وَإِلَّا فَلَا) يُبَاعُ (إلَّا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ) كَمَا مَرَّ لِمَا مَرَّ. (وَ) اعْلَمْ أَنَّ (جِنَايَةَ الرَّاهِنِ عَلَى الرَّهْنِ) كُلًّا أَوْ بَعْضًا (مَضْمُونَةٌ كَجِنَايَةِ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ وَيَسْقُطُ مِنْ دَيْنِهِ) أَيْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ (بِقَدْرِهَا) أَيْ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَ غَيْرِهِ فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ وَإِذَا لَزِمَهُ وَقَدْ حَلَّ الدَّيْنُ سَقَطَ بِقَدْرِهِ -   [رد المحتار] لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ وَلِيُوَافِقَ مَا بَعْدَهُ ط وَقَدْ وُجِدَ كَذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ (قَوْلُهُ بَقِيَ لَوْ اخْتَلَفَا) أَيْ فِي زَمَنِ الْهَلَاكِ فَقَالَ الْمُعِيرُ هَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ وَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ قَبْلَ الرَّهْنِ أَوْ بَعْدَ الِافْتِكَاكِ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ) أَيْ مَعَ يَمِينِهِ مِعْرَاجٌ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُعِيرِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الضَّمَانَ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يُنْكِرُ الْإِيفَاءَ بِمَالِ الْمُعِيرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَا أَمَرَهُ بِالرَّهْنِ بِهِ) بِأَنْ قَالَ الْمُعِيرُ أَمَرْتُكَ أَنْ تَرْهَنَهُ بِخَمْسَةٍ وَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ بِعَشَرَةٍ فَالْقَوْلُ لِلْمُعِيرِ، لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الْأَمْرَ أَصْلًا كَانَ الْقَوْلُ لَهُ فَكَذَا إذَا أَنْكَرَ وَصْفًا فِيهِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُسْتَعِيرِ لِأَنَّهُ الْمُثْبِتُ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ اخْتَلَفَا فِي الدَّيْنِ وَالْقِيمَةِ إلَخْ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا: لَوْ كَانَ الرَّاهِنُ يَدَّعِي الرَّهْنَ بِأَلْفٍ وَالْمُرْتَهِنُ بِخَمْسِمِائَةٍ، فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ قَائِمًا يُسَاوِي أَلْفًا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا، وَلَوْ هَالِكًا فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ زِيَادَةَ سُقُوطِ الدَّيْنِ اهـ. زَادَ الأتقاني: وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ بِأَلْفٍ وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ وَقَالَ الرَّاهِنُ أَلْفٌ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ الرَّاهِنُ لِأَنَّهُ ادَّعَى زِيَادَةَ الضَّمَانِ اهـ مُلَخَّصًا، وَبِهِ يَظْهَرُ مَا فِي الْعِبَارَةِ مِنْ الْإِيجَازِ الشَّبِيهِ بِالْأَلْغَازِ (قَوْلُهُ مَدْيُونًا) زَادَهُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِفْلَاسِ الدَّيْنُ، لَكِنْ إنْ قُرِئَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مُفَلِّسًا بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مِنْ الْمُضَاعَفِ اسْتَغْنَى عَنْهُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ حَكَمَ الْقَاضِي بِإِفْلَاسِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ) أَيْ مَحْبُوسًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ (قَوْلُهُ وَأَبَى الرَّاهِنُ) كَذَا فِي الْمِنَحِ، وَصَوَابُهُ الْمُرْتَهِنُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّمْلِيُّ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّاهِنَ وَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ قَدْ مَاتَ. (قَوْلُهُ بِيعَ بِغَيْرِ رِضَاهُ إلَخْ) لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَقَدْ حَصَلَ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءٌ لَا يُبَاعُ إلَّا بِرِضَاهُ، لِأَنَّ لَهُ فِي الْحَبْسِ مَنْفَعَةً فَلَعَلَّ الْمُعِيرَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى الرَّهْنِ فَيُخَلِّصُهُ بِالْإِيفَاءِ، أَوْ تُزَادُ قِيمَتُهُ بِتَغَيُّرِ السِّعْرِ فَيَسْتَوْفِي مِنْهُ حَقَّهُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ أُمِرَ الرَّاهِنُ بِقَضَاءِ دَيْنِ نَفْسِهِ) أَيْ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَانْظُرْ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا هَلْ يُجْبَرُ أَوْ يُنْظَرُ (قَوْلُهُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ) أَيْ دَيْنِ الرَّاهِنِ (قَوْلُهُ كَمُوَرِّثٍ) أَيْ كَمُوَرِّثِهِمْ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ (قَوْلُهُ مِنْ وَرَثَتِهِ) أَيْ وَرَثَةِ الْمُعِيرِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ لِمَا مَرَّ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ مَوْتِ الْمُسْتَعِيرِ، وَسَقَطَ قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ الْأَصْوَبُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ التَّعْلِيلَ سَابِقًا وَهُوَ قَوْلُنَا لِأَنَّ لَهُ فِي الْحَبْسِ مَنْفَعَةً إلَخْ (قَوْلُهُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا) مَنْصُوبَانِ عَلَى التَّمْيِيزِ أَيْ مِنْ جِهَةِ الْكُلِّيَّةِ أَوْ الْبَعْضِيَّةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ مَضْمُونَةٌ إلَخْ) لِأَنَّ حَقَّ كُلٍّ مِنْهُمَا مُحْتَرَمٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَ عَلَى صَاحِبِهِ وَجُعِلَ الْمَالِكُ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ، وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّهْنِ: أَيْ الْمَرْهُونِ (قَوْلُهُ وَإِذَا لَزِمَهُ وَقَدْ حَلَّ الدَّيْنُ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا لَا يُحْكَمُ بِالسُّقُوطِ بِمُجَرَّدِ اللُّزُومِ، بَلْ مَا لَزِمَهُ يُحْبَسُ بِالدَّيْنِ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ فَإِذَا حَلَّ أَخَذَهُ بِدَيْنِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَإِلَّا فَحَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَأَمَّا ضَمَانُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ (قَوْلُهُ سَقَطَ بِقَدْرِهِ) أَيْ سَقَطَ مِنْ الضَّمَانِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 516 وَلَزِمَهُ الْبَاقِي بِالْإِتْلَافِ لَا بِالرَّهْنِ، وَهَذَا لَوْ الدَّيْنُ مِنْ جِنْسِ الضَّمَانِ وَإِلَّا لَمْ يَسْقُطْ مِنْهُ شَيْءٌ. وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ، لَكِنْ لَوْ اعْوَرَّ عَيْنُهُ يَسْقُطُ نِصْفُ دَيْنِهِ عَنْهُ قُهُسْتَانِيٌّ وَبُرْجُنْدِيٌّ. (وَجِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الرَّاهِنِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ (وَعَلَى مَا لَهُمَا هَدْرٌ) أَيْ بَاطِلٌ (إذَا كَانَتْ) الْجِنَايَةُ (غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلْقِصَاصِ) فِي النَّفْسِ دُونَ الْأَطْرَافِ، إذْ لَا قَوَدَ بَيْنَ طَرَفَيْ عَبْدٍ وَحُرٍّ (وَإِنْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ فَمُعْتَبَرَةٌ) فَيُقْتَصُّ مِنْهُ وَيَبْطُلُ الدَّيْنُ خَانِيَّةٌ. وَعِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ وَشَرْحُ الْمَجْمَعِ يَبْطُلُ الرَّهْنُ (كَجِنَايَتِهِ) أَيْ الرَّهْنِ -   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَلَزِمَهُ الْبَاقِي) أَيْ مِنْ الضَّمَانِ إذَا زَادَ الضَّمَانُ عَلَى الدَّيْنِ (قَوْلُهُ بِالْإِتْلَافِ) لِأَنَّ الزَّائِدَ كَانَ أَمَانَةً فَهُوَ كَالْوَدِيعَةِ إذَا أَتْلَفَهَا الْمُودِعُ (قَوْلُهُ لَا بِالرَّهْنِ) أَيْ لَا بِعَقْدِهِ حَتَّى يُشْكِلَ عَلَيْهِ ضَمَانُ ذَلِكَ الزَّائِدِ (قَوْلُهُ مِنْ جِنْسِ الضَّمَانِ) بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ كِفَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ يَسْقُطْ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَالْجِنَايَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَالدَّيْنُ بَاقٍ عَلَى الرَّاهِنِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَخْذُ حَقِّهِ مِنْ صَاحِبِهِ. (قَوْلُهُ لَكِنْ لَوْ اعْوَرَّ عَيْنُهُ) أَقُولُ: عِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ: وَلَوْ اعْوَرَّ الْعَبْدُ الرَّهْنُ إلَخْ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ: رَهَنَ مِنْ آخَرَ عَبْدًا يُسَاوِي مِائَتَيْنِ مَثَلًا بِمِائَةٍ فَاعْوَرَّ الْعَبْدُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ: ذَهَبَ نِصْفُ الْمِائَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: يُقَوَّمُ الْعَبْدُ صَحِيحًا وَأَعْوَرَ فَيَذْهَبُ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِ النُّقْصَانِ اهـ مُلَخَّصًا. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ اعْوَرَّ هُنَا مُشَدَّدُ الرَّاءِ مِنْ الِاعْوِرَارِ وَمَا بَعْدَهُ فَاعِلُهُ وَإِسْنَادُهُ إلَى الْعَيْنِ لَا يُوجِبُ تَأْنِيثَهُ لِأَنَّهَا ظَاهِرٌ مَجَازِيُّ التَّأْنِيثِ فَيَجُوزُ فِيهِ الْوَجْهَانِ كَمَا قَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ، وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ مُتَعَدِّيًا وَالْفَاعِلُ مُسْتَتِرٌ عَائِدٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَعَيْنُهُ مَفْعُولُهُ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ حِينَئِذٍ لُزُومُ دِيَةِ الْعَيْنِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَمَا تُفْهِمُهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ لَا سُقُوطُ نِصْفِ الدَّيْنِ. وَأَيْضًا لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا تَأَتَّى الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَلَا لِلِاسْتِدْرَاكِ بِهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا، إذْ لَيْسَتْ مِنْ الْجِنَايَةِ عَلَى الرَّهْنِ بَلْ مِنْ تَعَيُّبِهِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ فَافْهَمْ وَاغْنَمْ (قَوْلُهُ هَدْرٌ) أَمَّا عَلَى الرَّاهِنِ فَلِكَوْنِهَا جِنَايَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَى مَالِكِهِ وَهِيَ فِيمَا يُوجِبُ الْمَالَ هَدْرٌ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ. وَأَمَّا عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَلِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَاهَا لَوَجَبَ عَلَيْهِ التَّخَلُّصُ مِنْهَا لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ دُرَرٌ مُلَخَّصًا وَهَذَا عِنْدَهُ. وَقَالَا: جِنَايَتُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مُعْتَبَرَةٌ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى مَالِ الْمُرْتَهِنِ هَدْرٌ اتِّفَاقًا إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ بِقَدْرِ الْأَمَانَةِ. وَعَنْهُ أَنَّهَا هَدْرٌ كَالْمَضْمُونِ هِدَايَةٌ. وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: لَوْ كَانَ قِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ وَالدَّيْنُ أَلْفًا فَجَنَى عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَوْ رَقِيقَهُ قِيلَ لِلرَّاهِنِ: ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَغَيْرُ مُشْكِلٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَجِنَايَتُهُ هَهُنَا مُعْتَبَرَةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ النِّصْفَ مِنْهُ أَمَانَةٌ هُنَا وَجِنَايَةٌ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمُودِعِ مُعْتَبَرَةٌ فَيُقَالُ لِلرَّاهِنِ ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ، فَإِنْ دَفَعَهُ وَقَبِلَ الْمُرْتَهِنُ صَارَ عَبْدًا لِلْمُرْتَهِنِ فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ لِأَنَّهُ يَكُونُ كَالْهَالِكِ فِي يَدِهِ فِي حُكْمِ سُقُوطِ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى أَجْنَبِيٍّ وَدَفَعَاهُ بِهِ، وَإِنْ فَدَاهُ كَانَ عَلَى الرَّاهِنِ نِصْفُ الْفِدَاءِ حِصَّةُ الْأَمَانَةِ وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ نِصْفُ الْفِدَاءِ حِصَّةُ الْمَضْمُونِ فَتَسْقُطُ حِصَّتُهُ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى نَفْسِهِ دَيْنًا وَيُسْتَوْفَى مِنْ الرَّاهِنِ حِصَّتُهُ مِنْ الْفِدَاءِ وَيَكُونُ الْفِدَاءُ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلْقِصَاصِ) بِأَنْ كَانَتْ خَطَأً فِي النَّفْسِ أَوْ فِيمَا دُونَهَا دُرَرٌ (قَوْلُهُ فِي النَّفْسِ دُونَ الْأَطْرَافِ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ أَوْ الْأَطْرَافِ هَدْرٌ، وَأَمَّا الْمُوجِبَةُ لَهُ فَمُعْتَبَرَةٌ إنْ أَوْجَبَتْهُ فِي النَّفْسِ دُونَ الْأَطْرَافِ فَيُفْهَمُ أَنَّهَا فِي الْأَطْرَافِ هَدْرٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ الدَّيْنُ) يَعْنِي إنْ كَانَ الْعَبْدُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَقَدَّمْنَا وَجْهَهُ آنِفًا عَنْ الْمِعْرَاجِ، فَلَوْ أَقَلَّ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي هَلَاكِ الرَّهْنِ أَفَادَهُ ح. وَقَالَ: فَقَدْ ظَهَرَ وَجْهُ التَّعْبِيرِ بِالدَّيْنِ، كَمَا أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالرَّهْنِ لَهُ وَجْهٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 517 عَلَى ابْنِ الرَّاهِنِ أَوْ عَلَى ابْنِ الْمُرْتَهِنِ) فَإِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ فِي الصَّحِيحِ حَتَّى يَدْفَعَ بِهَا أَوْ يَفْدِيَ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمَالِ فَيُبَاعُ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى الْأَجْنَبِيِّ إذْ هُوَ أَجْنَبِيٌّ لِتَبَايُنِ الْأَمْلَاكِ زَيْلَعِيٌّ. (وَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ مُؤَجَّلٍ فَرَجَعَتْ قِيمَتُهُ إلَى مِائَةٍ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ وَغَرِمَ مِائَةً وَحَلَّ الْأَجَلُ فَالْمُرْتَهِنُ يَقْبِضُهَا) أَيْ الْمِائَةَ قَضَاءً لِحَقِّهِ (وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ) كَمَوْتِهِ بِلَا قَتْلٍ، وَالْأَصْلُ أَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الدَّيْنِ بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْعَيْنِ، فَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ بَاقِيًا، وَيَدُ الْمُرْتَهِنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْكُلِّ مِنْ الِابْتِدَاءِ. (وَلَوْ بَاعَهُ) أَيْ الْعَبْدَ الْمَذْكُورَ (بِمِائَةٍ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ قَبَضَ الْمِائَةَ قَضَاءً لِحَقِّهِ وَرَجَعَ بِتِسْعِمِائَةٍ) لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الدَّيْنُ بَاقِيًا وَقَدْ أَذِنَ بِبَيْعِهِ بِمِائَةٍ كَانَ الْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ كَأَنَّهُ اسْتَرَدَّهُ وَبَاعَهُ لِنَفْسِهِ.   [رد المحتار] أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى اهـ أَيْ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الدَّيْنِ بُطْلَانُ الرَّهْنِ. قَالَ ط: وَانْظُرْ مَا إذَا عَفَا عَنْهُ وَلِيُّ الدَّمِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى رَهْنِيَّتِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمَالِ فَيُبَاعُ) أَيْ إنْ لَمْ يَفْدِهِ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: أَتْلَفَ الْمَرْهُونَ مَالَ إنْسَانٍ مُسْتَغْرِقًا قِيمَتَهُ، فَإِنْ فَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ فَالرَّهْنُ وَالدَّيْنُ بِحَالِهِ وَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلرَّاهِنِ افْدِهِ، فَإِنْ فَدَاهُ بَطَلَ الدَّيْنُ وَالرَّهْنُ لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ بِأَمْرٍ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَكَانَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْدِهِ الرَّاهِنُ أَيْضًا يُبَاعُ فَيَأْخُذُ الْعَبْدُ دَيْنَهُ وَبَطَلَ مِقْدَارُهُ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ إنْ دَيْنُهُ أَقَلَّ وَمَا بَقِيَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ لِلرَّاهِنِ، وَإِنْ كَانَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِ الْعَبْدِ اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ الْبَاقِي إنْ حَلَّ دَيْنُهُ وَإِلَّا كَانَ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى أَنْ يَحِلَّ فَيَأْخُذَهُ قِصَاصًا اهـ (قَوْلُهُ إذْ هُوَ) أَيْ الِابْنُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ أَبِيهِ أَيْ فِي حَقِّ الْمَالِكِ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِكَوْنِ جِنَايَةِ الْمَرْهُونِ عَلَى ابْنِ الرَّاهِنِ أَوْ ابْنِ الْمُرْتَهِنِ مُعْتَبَرَةً. [تَتِمَّةٌ] فِي جِنَايَةِ الرَّهْنِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ كَمَا لَوْ كَانَ عَبْدَيْنِ فَجَنَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَ الْكُلُّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مَضْمُونًا فَالْجِنَايَةُ هَدْرٌ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ وَإِلَّا تَحَوَّلَ إلَى الْجَانِي مِنْ حِصَّةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ نِصْفُ مَا سَقَطَ، لِأَنَّ الْجِنَايَةَ أَرْبَعَةٌ: جِنَايَةُ مَشْغُولٍ عَلَى مَشْغُولٍ، أَوْ عَلَى فَارِغٍ. وَجِنَايَةُ فَارِغٍ عَلَى فَارِغٍ أَوْ عَلَى مَشْغُولٍ وَكُلُّهَا هَدْرٌ إلَّا الرَّابِعَ، فَإِذَا كَانَا رَهْنًا بِأَلْفٍ وَقِيمَةُ كُلٍّ أَلْفٌ فَالْمَقْتُولُ نِصْفُهُ فَارِغٌ فَيُهْدَرُ. بَقِيَ النِّصْفُ الْمَشْغُولُ مُتْلَفًا بِفَارِغٍ وَمَشْغُولٍ فَيُهْدَرُ نِصْفُ هَذَا النِّصْفِ لِتَلَفِهِ بِمَشْغُولٍ، وَيُعْتَبَرُ نِصْفُهُ الْآخَرُ لِتَلَفِهِ بِفَارِغٍ فَالْهَدْرُ يَسْقُطُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَالْمُعْتَبَرُ يَتَحَوَّلُ إلَى الْجَانِي وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فَصَارَ الْجَانِي رَهْنًا بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَتَمَامُهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَمُتَفَرِّقَاتِ التَّتَارْخَانِيَّة، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا مَا لَوْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدًا وَدَابَّةً. (قَوْلُهُ فَرَجَعَتْ قِيمَتُهُ) أَيْ بِنُقْصَانِ السِّعْرِ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ إلَخْ) لَا يُقَالُ: هَذَا الْأَصْلُ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ قَدْ اُعْتُبِرَ فِيهِ نُقْصَانُ السِّعْرِ. لِأَنَّا نَقُولُ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً حَتَّى كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ مُطَالَبَةُ الرَّاهِنِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ عِنْدَ رَدِّهَا نَاقِصَةً بِالسِّعْرِ. أَمَّا إذَا تَلِفَتْ فَالضَّمَانُ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ اسْتِيفَاءٍ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَبِالْهَلَاكِ يَتَقَرَّرُ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْكُلِّ مِنْ الِابْتِدَاءِ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الْأَصْلَ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، هَكَذَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَحَلِّ أَخْذًا مِنْ صَرِيحِ كَلَامِ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ الْمَارِّ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ. ثُمَّ رَأَيْتُ الطُّورِيَّ وَغَيْرَهُ صَرَّحَ هُنَا بِذَلِكَ، وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْعَيْنِ) فَإِنَّهُ يَذْهَبُ قِسْطُهُ مِنْ الدَّيْنِ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ) الْمُرَادُ أَمْرُهُ بِالْبَيْعِ غَيْرُ مُتَقَيِّدٍ بِمِائَةٍ فَالْمِائَةُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهَا شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الدَّيْنُ بَاقِيًا إلَخْ) يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَبْلَ هَذَا التَّعْلِيلِ تَعْلِيلٌ آخَرُ هُوَ بِمَعْنَاهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ هُنَا لَا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ لِبَقَاءِ الْعَيْنِ وَانْتِقَاضِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 518 وَلَوْ قَتَلَهُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَدَفَعَ بِهِ افْتَكَّهُ) الرَّاهِنُ وُجُوبًا (بِكُلِّ الدَّيْنِ وَهُوَ الْأَلْفُ) لِقِيَامِ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِكُلِّ دَيْنِهِ أَوْ تَرَكَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْمَوَاهِبِ، لَكِنَّ عَامَّةَ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ عَلَى الْأَوَّلِ (فَإِنْ جَنَى) تَرْكُ التَّفْرِيعِ أَوْلَى (الرَّهْنَ خَطَأً فَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ) لِأَنَّهُ مِلْكُهُ (وَلَمْ يَرْجِعْ) عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ (وَلَا) يَمْلِكُ أَنْ (يَدْفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّمْلِيكَ (فَإِنْ أَبَى) الْمُرْتَهِنُ مِنْ الْفِدَاءِ (دَفَعَهُ الرَّاهِنُ) إنْ شَاءَ (أَوْ فَدَاهُ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ) بِكُلٍّ مِنْهُمَا (لَوْ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ أَوْ مُسَاوِيًا وَلَوْ أَكْثَرَ يَسْقُطُ قَدْرُ قِيمَةِ الْعَبْدِ) فَقَطْ، وَ (لَا) يَسْقُطُ (الْبَاقِي) مِنْ الدَّيْنِ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَ مَا لَا يَسْتَغْرِقُ رَقَبَتَهُ فَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ، فَإِنْ أَبَى بَاعَهُ الرَّاهِنُ أَوْ فَدَاهُ. وَلَوْ قَتَلَ وَلَدُ الرَّهْنِ إنْسَانًا أَوْ اسْتَهْلَكَ مَالًا دَفَعَهُ الرَّاهِنُ وَخَرَجَ عَنْ الرَّهْنِ أَوْ فَدَاهُ وَبَقِيَ رَهْنًا مَعَ أُمِّهِ. وَأَمَّا جِنَايَةُ الدَّابَّةِ فَهَدْرٌ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ. (مَاتَ الرَّاهِنُ بَاعَ وَصِيُّهُ رَهْنَهُ بِإِذْنِ مُرْتَهِنِهِ وَقَضَى دَيْنَهُ) لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ نَصَّبَ الْقَاضِي لَهُ وَصِيًّا وَأَمَرَهُ بِبَيْعِهِ) لِأَنَّ نَظَرَهُ عَامٌّ وَهَذَا لَوْ وَرَثَتُهُ صِغَارًا، فَلَوْ كِبَارًا خَلَفُوا الْمَيِّتَ فِي الْمَالِ فَكَانَ عَلَيْهِمْ تَخْلِيصُهُ جَوْهَرَةٌ.   [رد المحتار] الرَّاهِنُ بِبَيْعِهِ فَكَأَنَّهُ اسْتَرَدَّهُ مِنْهُ وَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَتَلَهُ) أَيْ الْعَبْدُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ لَحْمًا وَدَمًا) يَعْنِي صُورَةً وَمَعْنًى. أَمَّا صُورَةً فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ الْقَاتِلَ كَالْمَقْتُولِ فِي الْآدَمِيَّةِ وَالشَّرْعُ اعْتَبَرَهُ جُزْءًا مِنْ حَيْثُ الْآدَمِيَّةُ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ تَرَكَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّهُ تَغَيُّرٌ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ) أَيْ وَيَبْقَى الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ) غَيْرُ ظَاهِرٍ. وَعِبَارَةُ الشُّرَّاحِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ (قَوْلُهُ بِشَيْءٍ) أَيْ مِنْ الْفِدَاءِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَبَى إلَخْ) إنَّمَا بُدِئَ بِالْمُرْتَهِنِ لِأَنَّا لَوْ خَاطَبْنَا الرَّاهِنَ فَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَخْتَارَ الدَّفْعَ فَيَمْنَعَهُ الْمُرْتَهِنُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ أَنَا أَفْدِي حَتَّى أُصْلِحَ رَهْنِي مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَمَّا بِالدَّفْعِ فَلِأَنَّ الْعَبْدَ اسْتَحَقَّ لِمَعْنًى فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَصَارَ كَالْهَلَاكِ، وَأَمَّا بِالْفِدَاءِ فَلِأَنَّهُ كَالْحَاصِلِ لَهُ بِعِوَضٍ كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ) أَيْ وَدَيْنُهُ عَلَى حَالِهِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ فَإِنْ أَبَى إلَخْ) أَيْ إنْ أَبَى الْمُرْتَهِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ قِيلَ لِلرَّاهِنِ بِعْهُ فِي الدَّيْنِ. (قَوْلُهُ بَاعَهُ الرَّاهِنُ أَوْ فَدَاهُ) فَإِنْ فَدَاهُ بَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ بَاعَهُ أَخَذَ غَرِيمُ الْعَبْدِ دَيْنَهُ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ وَدَيْنِ الْغَرِيمِ مِثْلُ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ أَكْثَرُ فَالْفَضْلُ لِلرَّاهِنِ وَبَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ، وَلَوْ أَقَلَّ سَقَطَ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ دَيْنِ الْعَبْدِ وَالْفَضْلُ مِنْ الثَّمَنِ عَنْ دَيْنِ الْعَبْدِ يَبْقَى رَهْنًا كَمَا كَانَ، فَإِنْ حَلَّ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ أَخَذَهُ بِدَيْنِهِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ وَإِلَّا أَمْسَكَهُ حَتَّى يَحِلَّ، وَإِنْ لَمْ يَفِ الثَّمَنُ بِدَيْنِ الْغَرِيمِ أَخَذَ الْغَرِيمُ الثَّمَنَ وَرَجَعَ بِالْبَاقِي عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهِ، وَلَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى أَحَدٍ وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ دَفَعَهُ الرَّاهِنُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرْتَهِنَ هُنَا لَا يُؤْمَرُ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْوَلَدَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الأتقاني. قَالَ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ: وَلَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ أَنَا أَفْدِي قَبْلُ لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِدَيْنِهِ وَلَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ بِزِيَادَةِ الِاسْتِيثَاقِ وَلَا ضَرَرَ لِلرَّاهِنِ اهـ (قَوْلُهُ وَخَرَجَ عَنْ الرَّهْنِ) أَيْ وَلَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ هَلَكَ ابْتِدَاءً زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ) أَيْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ) حَيْثُ ذُكِرَ حَاصِلُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ مِنْ جِنَايَةِ أَحَدِ عَبْدَيْ الرَّهْنِ عَلَى الْآخَرِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا وَدَابَّةً فَجِنَايَةُ الدَّابَّةِ عَلَى الْعَبْدِ هَدْرٌ، وَبِالْعَكْسِ مُعْتَبَرَةٌ كَجِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى عَبْدٍ آخَرَ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ لِقِيَامِهِ) أَيْ الْوَصِيِّ مَقَامَ الرَّاهِنِ (قَوْلُهُ فَلَوْ كِبَارًا إلَخْ) هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانُوا حَاضِرَيْنِ، فَلَوْ كَانُوا غَائِبَيْنِ فَفِي الْعِمَادِيَّةِ مِنْ الْفَصْلِ الْخَامِسِ عَنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ لِلْقَاضِي: نَصَّبَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 519 فُرُوعٌ] رَهَنَ الْوَصِيُّ بَعْضَ التَّرِكَةِ لِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ عِنْدَ غَرِيمٍ مِنْ غُرَمَائِهِ تَوَقَّفَ عَلَى رِضَا الْبَقِيَّةِ وَلَهُمْ رَدُّهُ، فَإِنْ قَضَى دَيْنَهُمْ قَبْلَ الرَّدِّ نَفَذَ، وَلَوْ اتَّحَدَ الْغَرِيمُ جَازَ وَبِيعَ فِي دَيْنِهِ. وَإِذَا ارْتَهَنَ بِدَيْنٍ لِلْمَيِّتِ عَلَى آخَرَ جَازَ دُرَرٌ. وَفِي مُعِينِ الْمُفْتِي لِلْمُصَنِّفِ: لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ وَلَا بِمَوْتِ الْمُرْتَهِنِ وَلَا بِمَوْتِهِمَا وَيَبْقَى الرَّهْنُ رَهْنًا عِنْدَ الْوَرَثَةِ. فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ (رَهَنَ عَصِيرًا قِيمَتُهُ عَشَرَةً بِعَشَرَةٍ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ وَهُوَ يُسَاوِي الْعَشَرَةَ فَهُوَ رَهْنٌ بِعَشَرَةٍ) كَمَا كَانَ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ الْقَدْرُ لَا الْقِيمَةُ عَلَى مَا أَفَادَهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، فَإِنْ انْتَقَصَ شَيْءٌ مِنْ قَدْرِهِ سَقَطَ بِقَدْرِهِ وَإِلَّا فَلَا. (وَلَوْ رَهَنَ شَاةً قِيمَتُهَا عَشَرَةً بِعَشَرَةٍ) هَذَا قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ يَكُونُ الْجِلْدُ   [رد المحتار] الْوَصِيُّ إذَا كَانَ الْوَارِثُ غَائِبًا وَيَكْتُبُ فِي نُسْخَةِ الْوَصَايَا أَنَّهُ جَعَلَهُ وَصِيًّا وَوَارِثُ الْمَيِّتِ غَائِبٌ مُدَّةَ السَّفَرِ اهـ [فروع رَهَنَ الْوَصِيُّ بَعْضَ التَّرِكَةِ لِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ عِنْدَ غَرِيمٍ مِنْ غُرَمَائِهِ] (قَوْلُهُ تَوَقَّفَ عَلَى رِضَا الْبَقِيَّةِ) أَيْ بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ (قَوْلُهُ وَلَهُمْ رَدُّهُ) لِأَنَّهُ إيثَارٌ لِبَعْضِ الْغُرَمَاءِ بِالْإِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ فَأَشْبَهَ الْحَقِيقِيَّ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ نَفَذَ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ لِوُصُولِ حَقِّهِمْ إلَيْهِمْ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِذَا ارْتَهَنَ) أَيْ أَخَذَ الْوَصِيُّ رَهْنًا (قَوْلُهُ جَازَ) لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ حُكْمًا وَهُوَ يَمْلِكُهُ دُرَرٌ (قَوْلُهُ عِنْدَ الْوَرَثَةِ) أَيْ أَوْ الْوَصِيِّ الْمُخْتَارِ أَوْ الْمَنْصُوبِ وَوَرَثَةُ الرَّاهِنِ يَقُومُونَ مَقَامَهُ كَمَا سَبَقَ ط. [خَاتِمَةٌ] الْمُرْتَهِنُ يَنْفَرِدُ بِفَسْخِ الرَّهْنِ وَالرَّاهِنُ لَا يَنْفَرِدُ بِهِ، حَتَّى لَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ فَسَخْتُ الرَّهْنَ وَلَمْ يَرْضَ الرَّاهِنُ وَهَلَكَ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ، وَفِي الْعَكْسِ يَسْقُطُ بِقَدْرِهِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا. [فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ] (قَوْلُهُ رَهَنَ عَصِيرًا إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْعَصِيرَ الْمَرْهُونَ إذَا تَخَمَّرَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ أَوْ الرَّاهِنُ وَحْدَهُ مُسْلِمًا أَوْ بِالْعَكْسِ، فَلَوْ كَافِرَيْنِ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ تَخَلَّلَ أَوْ لَا، وَفِي الْأَقْسَامِ الْبَاقِيَةِ إنْ تَخَلَّلَ فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا فَهَلْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُخَلِّلَهُ فِيهِ تَفْصِيلٌ، فَلَوْ مُسْلِمَيْنِ أَوْ الرَّاهِنُ فَقَطْ جَازَ تَخْلِيلُهُ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ وَإِنْ تَلِفَتْ بِالتَّخَمُّرِ لَكِنَّ إعَادَتَهَا مُمْكِنَةٌ بِالتَّخْلِيلِ فَصَارَ كَتَخْلِيصِ الرَّهْنِ مِنْ الْجِنَايَةِ. وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي الْمُسْلِمَيْنِ وَالْخَمْرُ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ فَلَأَنْ يَجُوزَ فِي الْمُرْتَهِنِ الْكَافِرِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهَا مَحَلٌّ. وَأَمَّا لَوْ الرَّاهِنُ كَافِرًا فَلَهُ أَخْذُ الرَّهْنِ، وَالدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ الْخَمْرِيَّةَ لَا تُعْدِمُ الْمَالِيَّةَ فِي حَقِّهِ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ الْمُسْلِمِ تَخْلِيلُهَا، فَإِنْ خَلَّلَهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا يَوْمَ خَلَّلَهَا، كَمَا لَوْ غَصَبَ خَمْرَ ذِمِّيٍّ فَخَلَّلَهَا وَالْخَلُّ لَهُ، وَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ لَوْ دَيْنُهُ مِنْ جِنْسِ الْقِيمَةِ وَيَرْجِعُ بِالزِّيَادَةِ إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَ التَّخْلِيلِ، وَلِهَذَا إذَا اشْتَرَى عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِاحْتِمَالِ صَيْرُورَتِهِ خَلًّا دُرَرٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ إلَخْ) يُشِيرُ إلَى مَا قَالَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُنْتَقَصْ شَيْءٌ مِنْ كَيْلِهِ وَأَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ يُسَاوِي الْعَشَرَةَ وَقَعَ اتِّفَاقًا، فَإِنَّهُ إذَا بَقِيَ كَيْلُهُ عَلَى حَالِهِ وَانْتَقَصَتْ قِيمَتُهُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ، لِأَنَّ الْفَائِتَ مُجَرَّدُ وَصْفٍ وَبِفَوَاتِهِ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ وَلَكِنَّ الرَّاهِنَ يَتَخَيَّرُ كَمَا إذَا انْكَسَرَ الْقَلْبُ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ نَاقِصًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَهُ وَتَكُونُ قِيمَتُهُ رَهْنًا عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَفْتَكُّهُ نَاقِصًا أَوْ يَجْعَلُهُ بِالدَّيْنِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَإِنْ لَمْ تُنْتَقَصْ قِيمَتُهُ لَا يُخَيَّرُ فَيَبْقَى رَهْنًا كَمَا كَانَ إتْقَانِيٌّ وَعِنَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا) إذْ لَا اعْتِبَارَ بِنُقْصَانِ السِّعْرِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ مَا يُفْهَمُ مِنْ مُسَاوَاةِ الْقِيمَةِ لِلدَّيْنِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ) كَمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَشَرَةً وَالشَّاةُ بِعِشْرِينَ وَالْجِلْدُ بِدِرْهَمٍ فَالْجِلْدُ رَهْنٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 520 أَيْضًا بَعْضُهُ أَمَانَةٌ بِحِسَابِهِ فَتَنَبَّهْ (فَمَاتَتْ) بِلَا ذَبْحٍ (فَدُبِغَ جِلْدُهَا بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ) فَلَوْ لَهُ قِيمَةٌ ثَبَتَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ حَبْسِهِ بِمَا زَادَ دِبَاغُهُ، وَهَلْ يَبْطُلُ الرَّهْنُ؟ قَوْلَانِ (وَهُوَ) أَيْ الْجِلْدُ (يُسَاوِي دِرْهَمًا فَهُوَ رَهْنٌ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ الشَّاةُ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَدُبِغَ جِلْدُهَا) حَيْثُ لَا يَعُودُ الْبَيْعُ بِقَدْرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّهْنَ يَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ وَالْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ يُفْسَخُ بِهِ. (وَلَوْ أَبَقَ عَبْدُ الرَّهْنِ وَجُعِلَ) الْعَبْدُ (بِالدَّيْنِ ثُمَّ عَادَ يَعُودُ الدَّيْنُ وَالرَّهْنُ) خِلَافًا لِزُفَرَ (وَنَمَاءُ الرَّهْنِ) كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ وَالْوَبَرِ وَالْأَرْشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (لِلرَّاهِنِ) لِتَوَلُّدِهِ مِنْ مِلْكِهِ (وَهُوَ رَهْنٌ مَعَ الْأَصْلِ) تَبَعًا لَهُ (بِخِلَافِ مَا هُوَ بَدَلٌ عَنْ الْمَنْفَعَةِ كَالْكَسْبِ وَالْأُجْرَةِ) وَكَذَا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ (فَإِنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي الرَّهْنِ وَتَكُونُ لِلرَّاهِنِ) الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْ عَيْنِ الرَّهْنِ يَسْرِي إلَيْهِ حُكْمُ الرَّهْنِ وَمَا لَا فَلَا مَجْمَعُ الْفَتَاوَى. (وَإِذَا هَلَكَ النَّمَاءُ) الْمَذْكُورُ (هَلَكَ مَجَّانًا) لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْعَقْدِ مَقْصُودٌ (وَإِذَا بَقِيَ) النَّمَاءُ أَيْ وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ أَكَلَ بِالْإِذْنِ فَإِنَّهُ لَا يُسْقِطُ حِصَّةَ مَا أَكَلَ مِنْهُ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ، كَمَا إذَا هَلَكَ الْأَصْلُ بَعْدَ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ   [رد المحتار] لِأَنَّ بِإِزَاءِ كُلِّ دِرْهَمٍ مِنْ الشَّاةِ نِصْفَ دِرْهَمٍ مِنْ الدَّيْنِ فَيَكُونُ الْجِلْدُ رَهْنًا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَيَسْقُطُ بِإِزَاءِ اللَّحْمِ تِسْعَةٌ وَنِصْفٌ وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهَا أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَتْ بِخَمْسَةٍ وَالْجِلْدُ بِدِرْهَمٍ فَالْجِلْدُ رَهْنٌ بِسِتَّةٍ، وَإِذَا هَلَكَ الْجِلْدُ بَعْدَ ذَلِكَ هَلَكَ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ فَيَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ الدَّيْنِ، وَتَمَامُ بَيَانِهِ فِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ بِلَا ذَبْحٍ) أَمَّا إذَا ذُبِحَتْ كَانَتْ بِتَمَامِهَا مَضْمُونَةٌ. ط (قَوْلُهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ) بِأَنْ تَرَّبَهُ أَوْ شَمَّسَهُ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ وَهَلْ يَبْطُلُ الرَّهْنُ: قَوْلَانِ) أَحَدُهُمَا يَبْطُلُ وَيَصِيرُ الْجِلْدُ رَهْنًا بِقِيمَةِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ، حَتَّى لَوْ أَدَّاهَا الرَّاهِنُ أَخَذَ الْجِلْدَ لِأَنَّهُ صَارَ مَرْهُونًا بِالدَّيْنِ الثَّانِي حُكْمًا. ثَانِيهِمَا: لَا يَبْطُلُ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَبْطُلُ بِمَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ فَوْقَهُ لَا بِمَا دُونَهُ، وَالرَّهْنُ الثَّانِي هُنَا دُونَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّ حَبْسَ الْجِلْدِ بِالْمَالِيَّةِ الَّتِي اتَّصَلَتْ بِالْجِلْدِ بِحُكْمِ الدَّبْغِ وَهِيَ تَبَعٌ لِلْجِلْدِ. وَالرَّهْنُ الْأَوَّلُ بِمَا هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَهُوَ الدَّيْنُ فَيَكُونُ أَقْوَى فَلَمْ يَرْتَفِعْ بِالثَّانِي وَيَثْبُتُ الثَّانِي أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ كِفَايَةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَهُوَ يُسَاوِي دِرْهَمًا) يَعْنِي يَوْمَ الرَّهْنِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ دِرْهَمَيْنِ فَهُوَ رَهْنٌ بِدِرْهَمَيْنِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ الشَّاةِ حَيَّةً وَمَسْلُوخَةً، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا حَيَّةً عَشَرَةً وَمَسْلُوخَةً تِسْعَةً كَانَتْ قِيمَةُ الْجِلْدِ يَوْمَ الِارْتِهَانِ دِرْهَمًا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مَسْلُوخَةً ثَمَانِيَةً كَانَتْ دِرْهَمَيْنِ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ بِعَوْدِ الْبَيْعِ كَالرَّهْنِ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ) لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِالْهَلَاكِ فَيَتَأَكَّدُ عَقْدُ الرَّهْنِ، فَإِذَا عَادَتْ الْمَالِيَّةُ بِالدِّبَاغِ صَادَفَتْ عَقْدًا قَائِمًا فَيَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُهُ بِقِسْطِهِ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ يُفْسَخُ بِهِ) أَيْ يُنْتَقَضُ بِالْهَلَاكِ وَلَا عَوْدَ بَعْدَ انْتِقَاضٍ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَجُعِلَ الْعَبْدُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ: أَيْ جَعَلَ الرَّاهِنُ أَوْ الْقَاضِي الْعَبْدَ بِمُقَابَلَةِ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ ط (قَوْلُهُ يَعُودُ الدَّيْنُ) أَيْ إلَّا بِقَدْرِ نُقْصَانِ عَيْبِ الْإِبَاقِ كَمَا يَأْتِي لَهُ ط. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: يَعُودُ الرَّهْنُ، وَفِي بَعْضِهَا يَعُودُ الدَّيْنُ فِي الرَّهْنِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ رَهْنٌ مَعَ الْأَصْلِ) فَيَكُونُ لِلرَّاهِنِ حَبْسُهُ وَيَنْقَسِمُ الدَّيْنُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا بِشَرْطِ بَقَاءِ النَّمَاءِ إلَى وَقْتِ الْفِكَاكِ، وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَمَا سَيُوَضِّحُهُ. (قَوْلُهُ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْ عَيْنِ الرَّهْنِ) أَيْ أَوْ يَكُونُ بَدَلًا عَنْ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ عَيْنِ الرَّهْنِ كَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ هِنْدِيَّةٌ (قَوْلُهُ هَلَكَ مَجَّانًا) أَيْ إلَّا الْأَرْشَ فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ مَا بِإِزَائِهِ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْئِهِ فَقَامَ مَقَامَ الْمُبْدَلِ كَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ ح (قَوْلُهُ أَيْ وَلَوْ حُكْمًا إلَخْ) هَذَا التَّعْمِيمُ هُوَ مَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي وَإِنْ لَمْ يُفْتَكَّ الرَّهْنُ إلَخْ (قَوْلُهُ كَمَا إذَا هَلَكَ الْأَصْلُ بَعْدَ الْأَكْلِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " أَوْ لَا بِأَنْ أَكَلَ بِالْإِذْنِ " عَكْسَ هَذَا وَهُوَ مَا إذَا أَكَلَ بَعْدَ هَلَاكِ الْأَصْلِ، بِأَنْ هَلَكَ وَبَقِيَ نَمَاؤُهُ كَالثَّمَرَةِ ثُمَّ أَكَلَهُ وَإِلَّا لَزِمَ تَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 521 يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَتِهِمَا قُهُسْتَانِيٌّ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (بَعْدَ هَلَاكِ الْأَصْلِ فَكَّ بِحِصَّتِهِ) مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْفِكَاكِ، وَالتَّبَعُ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ إذَا كَانَ مَقْصُودًا (وَ) حِينَئِذٍ (يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْفِكَاكِ وَقِيمَةُ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ حِصَّةُ الْأَصْلِ وَفَكِّ النَّمَاءِ بِحِصَّتِهِ) كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَشَرَةً وَقِيمَةُ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ عَشَرَةٌ وَقِيمَةُ النَّمَاءِ يَوْمَ الْفَكِّ خَمْسَةٌ فَثُلُثَا الْعَشَرَةِ حِصَّةُ الْأَصْلِ فَيَسْقُطُ وَثُلُثُ الْعَشَرَةِ حِصَّةُ النَّمَاءِ فَيَفُكُّ بِهِ (وَلَوْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي أَكْلِ الزَّوَائِدِ) أَيْ أَكْلِ زَوَائِدِ الرَّهْنِ بِأَنْ قَالَ لَهُ مَهْمَا زَادَ فَكُلْهُ (فَأَكَلَهَا) ظَاهِرُهُ يَعُمُّ أَكْلَ ثَمَنِهَا، وَبِهِ أَفْتَى الْمُصَنِّفُ. قَالَ: إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ يُخَصِّصُ حَقِيقَةَ الْأَكْلِ فَيَتْبَعَ (فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَالْإِطْلَاقُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَالْخَطَرِ، بِخِلَافِ التَّمْلِيكِ (وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ) قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: رَجُلٌ رَهَنَ دَارًا وَأَبَاحَ السُّكْنَى لِلْمُرْتَهِنِ فَوَقَعَ بِسُكْنَاهُ خَلَلٌ وَخَرِبَ الْبَعْضُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَبَاحَ لَهُ السُّكْنَى أَخَذَ حُكْمَ الْعَارِيَّةِ، حَتَّى لَوْ أَرَادَ مَنْعَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ. وَفِي الْمُضْمَرَاتِ: وَلَوْ رَهَنَ شَاةً فَقَالَ لَهُ الرَّاهِنُ كُلْ وَلَدَهَا وَاشْرَبْ لَبَنَهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي ثَمَرَةِ الْبُسْتَانِ فَصَارَ أَكْلُهُ كَأَكْلِ الرَّاهِنِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الرَّاهِنُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُرْتَهِنِ ذَلِكَ وَلَوْ بِالْإِذْنِ لِأَنَّهُ رِبًا. -   [رد المحتار] وَعِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ: وَإِنْ هَلَكَ الْأَصْلُ وَبَقِيَ النَّمَاءُ وَلَوْ حُكْمًا، كَمَا إذَا أَكَلَ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ مِنْ النَّمَاءِ بِالْإِذْنِ فَإِنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ حِصَّةَ مَا أَكَلَ مِنْهُ فَيَرْجِعْ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَكَمَا إذَا هَلَكَ الْأَصْلُ بَعْدَ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَتِهَا وَيُرْجَعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِقِيمَةِ مَا أَكَلَ الْكُلُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ) اُنْظُرْ مَا مَرْجِعُ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ (قَوْلُهُ فَكَّ) أَيْ النَّمَاءُ بِحِصَّتِهِ، فَلَوْ هَلَكَ أَيْضًا بَعْدَ هَلَاكِ الْأَصْلِ ذَهَبَ بِلَا شَيْءٍ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَذَهَبَ كُلُّ الدَّيْنِ بِهَلَاكِ الْأَصْلِ، وَتَمَامُهُ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ (قَوْلُهُ وَالتَّبَعُ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ إذَا كَانَ مَقْصُودًا) كَوَلَدِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَبِيعًا تَبَعًا وَلَا يَصِيرُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِالْقَبْضِ عِنْدَنَا مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ يَوْمَ الْفِكَاكِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ مَضْمُونًا بِالْفِكَاكِ، إذْ لَوْ هَلَكَ قَبْلَهُ يَهْلِكُ مَجَّانًا عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ) لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ فَيَسْقُطُ) أَيْ بِسَبَبِ هَلَاكِ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ وَبِهِ أَفْتَى الْمُصَنِّفُ) حَيْثُ سُئِلَ عَمَّنْ رَهَنَ نَخْلًا وَأَبَاحَ لِلْمُرْتَهِنِ ثِمَارَهَا هَلْ يَمْلِكُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَتَمَوَّلُهَا أَمْ يَمْلِكُ الْأَكْلَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ؟ فَأَجَابَ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ لَهُ التَّصَرُّفَ مُطْلَقًا إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ فَأَكَلَهَا أَكْلَهَا أَوْ أَكْلَ ثَمَنِهَا إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ صَرِيحٌ بِتَخْصِيصِ الْأَكْلِ دُونَ غَيْرِهِ اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ مُلَخَّصًا. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ هُوَ الظَّاهِرُ، وَمُدَّعِي الَأَعَمِّيَّةِ مُحْتَاجٌ إلَى الدَّلِيلِ. قُلْتُ: وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ عَنْ الْجَوَاهِرِ: وَلَوْ أَبَاحَ لَهُ نَفْعَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ تَأَمَّلْ. وَقَالَ السَّائِحَانِيُّ: أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّ أَكْلَ الزَّوَائِدِ الْمَأْكُولَةِ إنَّمَا هُوَ أَكْلُ نَفْسِهَا لَا أَكْلُ بَدَلِهَا وَهَذَا أَمْرٌ مَكْشُوفٌ لِكُلِّ أَحَدٍ بِالْبَدِيهَةِ اهـ نَعَمْ يَظْهَرُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّحْمَتِيُّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ضَمِنَ وَكَانَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا مَعَ الشَّاةِ، وَكَذَا لَوْ فَعَلَ الرَّاهِنُ ذَلِكَ بِدُونِ إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْإِطْلَاقُ) أَيْ الْإِبَاحَةُ اهـ ح (قَوْلُهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِالشَّرْطِ) وَهُوَ قَوْلُهُ هُنَا مَهْمَا زَادَ فَكُلُّهُ (قَوْلُهُ وَالْخَطَرُ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ: الْإِشْرَافُ عَلَى الْهَلَاكِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَالْمُغْرِبِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا احْتَمَلَ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ فَهُوَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إلَخْ) بِأَنْ يُرَادَ مِنْ نَفْيِ الْحِلِّ الْكَرَاهَةُ (قَوْلُهُ مَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ) الَّذِي فِي الْمِنَحِ أَوَّلَ كِتَابِ الرَّهْنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ اهـ ح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 522 قُلْتُ: وَتَعْلِيلُهُ يُفِيدُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ فَتَأَمَّلْهُ (وَإِنْ لَمْ يَفْتَكَّ) الرَّاهِنُ (الرَّهْنَ) بَلْ بَقِيَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ عَلَى حَالِهِ (حَتَّى لَوْ هَلَكَ) الرَّهْنُ كَمَا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ (قُسِّمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ النَّمَاءِ) أَيْ الزِّيَادَةِ (الَّتِي أَكَلَهَا الْمُرْتَهِنُ وَعَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ، فَمَا أَصَابَ الْأَصْلَ سَقَطَ وَمَا أَصَابَ الزِّيَادَةَ أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ) كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الْجَوَاهِرِ الْأَصْلُ أَنَّ الْإِتْلَافَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ كَإِتْلَافِ الرَّاهِنِ بِنَفْسِهِ لِتَسْلِيطِهِ، وَفِيهَا أَبَاحَ لِلْمُرْتَهِنِ نَفْعَهُ هَلْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ؟ قَالَ لَا، قِيلَ فَلَوْ أَجَّرَهُ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَالْأُجْرَةُ لَهُ أَمْ لِلرَّاهِنِ؟ قَالَ لَهُ إنْ أَجَّرَهُ بِلَا إذْنٍ، وَإِنْ بِإِذْنٍ فَلِلْمَالِكِ وَبَطَلَ الرَّهْنُ. وَفِيهَا: رَهَنَ كَرْمًا وَتَسَلَّمَهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ دَفَعَهُ لِلرَّاهِنِ لِيَسْقِيَهُ وَيَقُومَ بِمَصَالِحِهِ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ. رَهَنَ كَرْمًا وَأَبَاحَ ثَمَرَهُ ثُمَّ بَاعَ الْكَرْمَ فَقَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الثَّمَنَ، إنْ ثَمَرُهُ حَصَلَ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ قَبْلَهُ. فَلِلرَّاهِنِ إنْ قَضَى دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ وَإِلَّا يَكُونُ رَهْنًا وَيُجْعَلُ الْبَيْعُ رُجُوعًا عَنْ الْإِبَاحَةِ فَإِنَّهَا تَقْبَلُ الرُّجُوعَ كَمَا مَرَّ. وَفِيهَا: زَرَعَ الْمُرْتَهِنُ أَرْضَ الرَّهْنِ، إنْ أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يُبَحْ لَزِمَهُ نُقْصَانُ الْأَرْضِ وَضَمَانُ الْمَاءِ لَوْ مِنْ قَنَاةٍ مَمْلُوكَةٍ فَلْيُحْفَظْ. زَرَعَهَا الرَّاهِنُ أَوْ غَرَسَهَا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ يَنْبَغِي أَنْ تَبْقَى رَهْنًا وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ فَتَنَبَّهْ اسْتَحَقَّ الرَّهْنَ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ طَلَبُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ. اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ إنْ شَائِعًا يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِيمَا بَقِيَ، وَإِنْ مَفْرُوزًا بَقِيَ فِيمَا بَقِيَ وَيُحْبَسُ بِكُلِّ الدَّيْنِ لَكِنْ هَلَكُهُ بِحِصَّتِهِ. آجَرَ دَارِهِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ رَهَنَهَا مِنْهُ صَحَّ وَبَطَلَتْ الْإِجَارَةُ، وَلَوْ ارْتَهَنَ ثُمَّ آجَرَهُ مِنْ رَاهِنِهِ -   [رد المحتار] أَقُولُ: مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمِنَحِ هُنَاكَ وَمِثْلُهُ فِي غَيْرِهَا مُوَافِقٌ لِمَا هُنَا وَلَعَلَّ النُّسَخَ مُخْتَلِفَةٌ (قَوْلُهُ قُلْتُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ تَسْلِيمُ الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ مَعَ الْإِذْنِ وَأَنَّهُ رِبًا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ مَضْمُونٌ، لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ الْمِنَحِ أَوَّلَ الرَّهْنِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ كُلِّهِ مُسْتَوْفًى فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ وَمَا أَصَابَ الزِّيَادَةَ) كَثُلُثِ الْعَشَرَةِ فِي مِثَالِهِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ كَإِتْلَافِ الرَّاهِنِ بِنَفْسِهِ) فَلَا يَسْقُطُ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الدَّيْنِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، بِخِلَافِ الْهَالِكِ فِي يَدِهِ. (قَوْلُهُ قَالَ لَهُ إلَخْ) فِي التَّتَارْخَانِيَّة: آجَرَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِلَا إذْنٍ فَالْغَلَّةُ لَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَلَهُ أَنْ يُعِيدَهُ فِي الرَّهْنِ (قَوْلُهُ وَبَطَلَ الرَّهْنُ) حَتَّى لَا يَسْقُطَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ بِهَلَاكِهِ عِنْدَ الْمُسْتَأْجِرِ ط، وَلَا يَعُودُ رَهْنًا إلَّا بِتَجْدِيدٍ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَكَذَا لَوْ آجَرَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ وَتَسَلَّمَهُ الْمُرْتَهِنُ) أَمَّا إذَا لَمْ يَتَسَلَّمْهُ لَا يَتِمُّ الرَّهْنُ أَوْ لَا يَصِحُّ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ ط (قَوْلُهُ ثُمَّ بَاعَ) أَيْ الرَّاهِنُ. (قَوْلُهُ فَقَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الثَّمَنَ) لِأَنَّهُ إذَا جَازَ الْبَيْعُ يَصِيرُ الثَّمَنُ رَهْنًا، لَكِنَّ الْقَبْضَ غَيْرُ شَرْطٍ فَإِنَّهُ يَصِيرُ رَهْنًا وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا يَكُونُ رَهْنًا) أَيْ مَعَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ الَّذِي قَبَضَهُ ط (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ مَنْعَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ لَوْ مِنْ قَنَاةٍ مَمْلُوكَةٍ) هَذَا خِلَافُ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا مَا مَلَكَهُ بِالْإِحْرَازِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الشُّرْبِ، وَمَاءُ الْقَنَاةِ غَيْرُ مُحْرَزٍ. (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ تَبْقَى رَهْنًا إلَخْ) جَزَمَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ فَقَالَ: زَرَعَ أَوْ سَكَنَ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ، وَمَا دَامَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ لَا يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ. (قَوْلُهُ بَقِيَ فِيمَا بَقِيَ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُ رَهْنُ ذَلِكَ الْبَاقِي ابْتِدَاءً لِعَدَمِ الشُّيُوعِ. (قَوْلُهُ لَكِنْ هَلَكَهُ بِحِصَّتِهِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءً بِجَمِيعِ الدَّيْنِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ رَهَنَهَا مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ. (قَوْلُهُ وَبَطَلَتْ الْإِجَارَةُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الرَّهْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ. وَأَمَّا عَكْسُهُ وَهُوَ مَا إذَا آجَرَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ يَنْفَسِخُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ قَبْضٍ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْبَزَّازِيَّةِ، لَكِنْ فِي الْعِمَادِيَّةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ، حَتَّى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 523 فَالْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ. أَبَقَ الرَّهْنُ سَقَطَ الدَّيْنُ كَهَلَاكِهِ، فَإِنْ عَادَ سَقَطَ بِحِسَابِ نَقْصِهِ لِأَنَّ الْإِبَاقَ عَيْبٌ حَدَثَ فِيهِ. ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الزِّيَادَةِ الضِّمْنِيَّةِ ذَكَرَ الزِّيَادَةَ الْقَصْدِيَّةَ فَقَالَ (وَالزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ تَصِحُّ) وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْقَبْضِ أَيْضًا (وَفِي الدَّيْنِ لَا) تَصِحُّ خِلَافًا لِلثَّانِي. وَالْأَصْلُ أَنَّ الْإِلْحَاقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي مَعْقُودٍ بِهِ أَوْ عَلَيْهِ وَالزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ لَيْسَتْ مِنْهُمَا (فَإِنْ رَهَنَ) . نُسَخُ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ بِالْفَاءِ مَعَ أَنَّهُ نَبَّهَ فِي شَرْحِهِ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا عَطَفَهَا بِالْوَاوِ لَا بِالْفَاءِ لِيُفِيدَ أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَا فَرْعٌ لِلْأُولَى فَتَنَبَّهْ. (عَبْدًا بِأَلْفٍ فَدَفَعَ عَبْدًا آخَرَ رَهْنًا مَكَانَ الْأَوَّلِ وَقِيمَةُ كُلٍّ) مِنْ الْعَبْدَيْنِ (أَلْفٌ فَالْأَوَّلُ رَهْنٌ حَتَّى رَدَّهُ إلَى الرَّاهِنِ. وَالْمُرْتَهِنُ فِي الْآخَرِ أَمِينٌ حَتَّى يُجْعَلَ مَكَانَ الْأَوَّلِ) بِأَنْ يُرَدَّ الْأَوَّلُ إلَى الرَّاهِنِ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ الثَّانِي مَضْمُونًا. (أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ عَنْ الدَّيْنِ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ) اسْتِحْسَانًا لِسُقُوطِ -   [رد المحتار] لَوْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يُجَدِّدَ قَبْضًا لِلْإِجَارَةِ يَهْلِكُ الرَّهْنُ اهـ وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ قَرَّرَ فِي الْعِمَادِيَّةِ أَنَّ قَبْضَ الْمَضْمُونِ بِغَيْرِهِ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ غَيْرِ الْمَضْمُونِ، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلشَّرَفِ الْغَزِّيِّ، وَقَدَّمْنَا فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ عَنْ الْعِنَايَةِ اشْتِرَاطَ تَجْدِيدِ الْقَبْضِ. (قَوْلُهُ فَالْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ) وَتَكُونُ كَمَا لَوْ أَعَارَهُ أَوْ أَوْدَعَهُ مِنْهُ فَلَا تُبْطِلُ عَقْدَ الرَّهْنِ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي النِّهَايَةِ: سُئِلَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاتُرِيدِيُّ عَمَّنْ بَاعَ دَارِهِ مِنْ آخَرَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ بَيْعَ وَفَاءً، وَتَقَابَضَا ثُمَّ اسْتَأْجَرَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي مَعَ شَرَائِطَ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ وَقَبَضَهَا وَمَضَتْ مُدَّةٌ هَلْ تَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ قَالَ لَا، فَإِنَّهُ عِنْدَنَا رَهْنٌ وَالرَّاهِنُ إذَا اسْتَأْجَرَ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ. اهـ خَيْرِيَّةٌ. ثُمَّ نُقِلَ فِيهَا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مَا يُوَافِقُهُ، وَأَفْتَى بِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَالْكُلُّ فِي فَتَاوَاهُ الْمَشْهُورَةِ حَامِدِيَّةٌ فَلْيُحْفَظْ فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ. . (قَوْلُهُ سَقَطَ بِحِسَابِ نَقْصِهِ) أَيْ سَقَطَ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ مَا نَقَصَتْهُ قِيمَةُ الْآبِقِ بِسَبَبِ إبَاقِهِ ط، وَهَذَا إذَا كَانَ أَوَّلَ إبَاقٍ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ التَّعْلِيلُ، فَإِنْ كَانَ أَبَقَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الزِّيَادَةِ الضِّمْنِيَّةِ) وَهِيَ نَمَاءُ الرَّهْنِ وَمُرَادُهُ بِالضِّمْنِيَّةِ مَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الرَّهْنُ قَصْدًا ط. (قَوْلُهُ وَالزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ تَصِحُّ) مِثْلُ أَنْ يَرْهَنَ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ يُسَاوِي عَشَرَةً ثُمَّ يَزِيدُ الرَّاهِنُ ثَوْبًا آخَرَ لِيَكُونَ مَعَ الْأَصْلِ رَهْنًا بِالْعَشَرَةِ عِنَايَةٌ. (قَوْلُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ أَيْضًا) أَيْ يَوْمَ قَبْضِ الزِّيَادَةِ كَمَا تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْأَصْلِ يَوْمَ قَبْضِهِ. (قَوْلُهُ وَفِي الدَّيْنِ لَا تَصِحُّ) الْمُرَادُ أَنْ لَا يَكُونَ الرَّهْنُ بِهَا مَضْمُونًا، فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي نَفْسِهَا فَجَائِزَةٌ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَرْهَنَ عِنْدَهُ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ بِأَلْفٍ ثُمَّ اسْتَقْرَضَ مِنْهُ أَلْفًا أُخْرَى عَلَى أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِهِمَا جَمِيعًا، فَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ بِالْأَلْفِ الْأُولَى لَا بِالْأَلْفَيْنِ وَلَوْ قَضَاهُ أَلْفًا وَقَالَ: " إنَّمَا قَضَيْتُهَا عَنْ الْأُولَى " لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْعَبْدَ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي مَعْقُودٍ بِهِ) كَالثَّمَنِ أَوْ عَلَيْهِ كَالْمَبِيعِ ط. (قَوْلُهُ وَالزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ لَيْسَتْ مِنْهُمَا) بَلْ أَصْلُ الدَّيْنِ لَيْسَ مِنْهُمَا. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: أَمَّا إنَّهُ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إنَّهُ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ بِهِ فَلِوُجُوبِهِ بِسَبَبِهِ قَبْلَ عَقْدِ الرَّهْنِ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَحْبُوسًا قَبْلَ عَقْدِ الرَّهْنِ وَلَا يَبْقَى بَعْدَهُ. [تَتِمَّةٌ] قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَفِي الْعُيُونِ عَنْ مُحَمَّدٍ رَهَنَ غُلَامَيْنِ بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ الْمُرْتَهِنُ: احْتَجْتُ إلَى أَحَدِهِمَا فَرُدَّهُ عَلَيَّ. فَفَعَلَ فَإِنَّ الْبَاقِيَ رَهْنٌ بِنِصْفِ الْأَلْفِ فَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ مِنْ الدَّيْنِ نِصْفُهُ وَلَكِنْ لَا يَفْتَكَّهُ إلَّا بِجَمِيعِ الْأَلْفِ اهـ فَلْيُحْفَظْ. (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ) أَيْ الْمُصَنِّفَ. (قَوْلُهُ لِيُفِيدَ أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ) وَهِيَ بَيَانُ حُكْمِ تَبْدِيلِ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ بِرَهْنٍ آخَرَ. (قَوْلُهُ وَقِيمَةُ كُلٍّ مِنْ الْعَبْدَيْنِ أَلْفٌ) كَذَا قَيَّدَ فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّجْرِيدِ: وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْأَوَّلِ خَمْسَمِائَةٍ وَالثَّانِي أَلْفًا وَالدَّيْنُ كَذَلِكَ فَهَلَكَ يَهْلِكُ بِأَلْفٍ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الثَّانِي خَمْسَمِائَةٍ وَالْأَوَّلُ أَلْفًا فَهَلَكَ الثَّانِي فِي يَدِهِ هَلَكَ بِخَمْسِمِائَةٍ اهـ وَلِذَا تُرِكَ الْقَيْدُ فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ حَتَّى يُجْعَلَ مَكَانَ الْأَوَّلِ) لِأَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 524 الدَّيْنِ إلَّا إذَا مَنَعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ فَيَصِيرُ غَاصِبًا بِالْمَنْعِ. (وَلَوْ قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ) كُلَّهُ (أَوْ بَعْضَهُ مِنْ رَاهِنِهِ أَوْ غَيْرِهِ) كَمُتَطَوِّعٍ (أَوْ شَرَى) الْمُتَّهَمُ (بِالدَّيْنِ عَيْنًا أَوْ صَالَحَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ دَيْنِهِ (عَلَى شَيْءٍ) لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ (أَوْ أَحَالَ الرَّاهِنُ مُرْتَهِنَهُ بِدَيْنِهِ عَلَى آخَرَ ثُمَّ هَلَكَ رَهْنُهُ مَعَهُ) أَيْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ (هَلَكَ بِالدَّيْنِ وَرَدَّ مَا قَبَضَ إلَى مِنْ أَدَّى) فِي صُورَةِ إيفَاءِ رَاهِنٍ أَوْ مُتَطَوِّعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ صُلْحٍ (وَبَطَلَتْ الْحَوَالَةُ وَهَلَكَ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْإِبْرَاءِ بِطَرِيقِ الْأَدَاءِ هِدَايَةٌ، وَمُفَادُهُ عَدَمُ بُطْلَانِ الصُّلْحِ وَأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَبْطُلَ الْحَوَالَةُ فِي قَدْرِ الزِّيَادَةِ قُهُسْتَانِيٌّ (وَكَذَا) أَيْ كَمَا   [رد المحتار] الْأَوَّلَ إنَّمَا دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ وَالدَّيْنِ وَهُمَا بَاقِيَانِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الضَّمَانِ إلَّا بِنَقْضِ الْقَبْضِ مَا دَامَ الدَّيْنُ بَاقِيًا وَإِذَا بَقِيَ الْأَوَّلُ فِي ضَمَانِهِ لَا يَدْخُلُ الثَّانِي فِي ضَمَانِهِ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِدُخُولِ أَحَدِهِمَا فِيهِ لَا بِدُخُولِهِمَا، فَإِذَا رَدَّ الْأَوَّلَ دَخَلَ الثَّانِي فِي ضَمَانِهِ، ثُمَّ قِيلَ: يُشْتَرَطُ تَجْدِيدُ الْقَبْضِ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الثَّانِي يَدُ أَمَانَةٍ وَيَدُ الرَّاهِنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ وَضَمَانٍ فَلَا يَنُوبُ عَنْهُ، وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ قَاضِي خَانْ. وَأَفَادَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنَّ عَادَةَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ اخْتِيَارُ الْأَخِيرِ عَكْسُ عَادَةِ قَاضِي خَانْ وَمُقْتَضَاهُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا مَنَعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ) أَيْ عِنْدَ طَلَبِهِ مِنْهُ ثُمَّ هَلَكَ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ أَوْ شَرَى الْمُرْتَهِنُ) أَيْ مِنْ الرَّاهِنِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشِّرَاءِ وَالصُّلْحِ عَلَى عَيْنِ اسْتِيفَاءٍ عِنَايَةٌ أَيْ إذَا كَانَ عَنْ قَرَارٍ فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الدَّائِنِ مِثْلُهُ بِالشِّرَاءِ وَالصُّلْحِ عَنْهُ كِفَايَةٌ أَيْ فَيَسْقُطُ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ. (قَوْلُهُ عَلَى آخَرَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لِلرَّاهِنِ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ لِلرَّاهِنِ أَخْذَ الرَّهْنِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ الْحَوَالَةِ كَمَا فِي مَوْضِعٍ مِنْ الزِّيَادَاتِ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَيْسَ لَهُ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ هَلَكَ بِالدَّيْنِ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَسْقُطُ بِهِ الدَّيْنُ أَصْلًا كَمَا قَدَّمَهُ، وَبِالِاسْتِيفَاءِ لَا يَسْقُطُ، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا أَنْفُسِهَا لِأَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ لَا يُمْكِنُ أَدَاؤُهُ، لَكِنْ إذَا أَدَّى الْمَدْيُونُ وَجَبَ لَهُ عَلَى الدَّائِنِ مِثْلُهُ فَتَسْقُطُ الْمُطَالَبَةُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَهُ تَقَرَّرَ الِاسْتِيفَاءُ الْأَوَّلُ الْحُكْمِيُّ وَانْتَقَضَ الثَّانِي لِئَلَّا يَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا مَرَّتَيْنِ. (قَوْلُهُ أَوْ مُتَطَوِّعٍ) وَيَعُودُ إلَى مِلْكِ الْمُتَطَوِّعِ لَا الْمُتَطَوَّعِ عَنْهُ خَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ صُلْحٍ) كَذَا فِي الْمِنَحِ وَالدُّرَرِ، وَلِي فِيهِ نَظَرٌ: فَإِنَّ الَّذِي قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ فِي صُورَتَيْ الشِّرَاءِ وَالصُّلْحِ هُوَ الْعَيْنُ الْمَبِيعَةُ وَالْمَصَالِحُ عَلَيْهَا، وَقَدْ صُرِّحَ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ رَدُّ قِيمَتِهِ، وَلَمْ يَقُولُوا يَجِبُ رَدُّ الْعَيْنِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ الشِّرَاءُ وَالصُّلْحُ، وَقَدْ رَأَيْتُ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَمَا وَجْهُ بُطْلَانِهِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ، بِخِلَافِ الِاسْتِيفَاءِ بِالْأَدَاءِ وَالْحَوَالَةِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي مِنْ فَيْضِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ. (قَوْلُهُ وَهَلَكَ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ) أَعَادَهُ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ التَّعْلِيلَ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ عَقْدَ الْحَوَالَةِ فِي مَعْنَى الْإِبْرَاءِ بِطَرِيقِ الْأَدَاءِ دُونَ الْإِسْقَاطِ. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ فِي مَعْنَى الْبَرَاءَةِ وَهِيَ أَظْهَرُ. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ أَنَّ الْحَوَالَةَ لَا تُسْقِطُ الدَّيْنَ وَلَكِنْ ذِمَّةُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ تَقُومُ مَقَامَ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ وَلِهَذَا يَعُودُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إذَا مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا. (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ الْبُطْلَانُ بِالْحَوَالَةِ (قَوْلُهُ عَدَمُ بُطْلَانِ الصُّلْحِ) قَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهِ عَنْ السَّعْدِيَّةِ وَأَنَّهُ مُقْتَضَى كَلَامِ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُهُ السَّابِقُ خِلَافَهُ، وَالشِّرَاءُ مِثْلُ الصُّلْحِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَأَنَّ الدَّيْنَ إلَخْ) هَذَا إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ. وَعِبَارَتُهُ: وَتَبْطُلُ الْحَوَالَةُ بِالْهَلَاكِ لِحُصُولِ الِاسْتِيفَاءِ كَمَا فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَبْطُلَ الْحَوَالَةُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ التَّامَّ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَإِلَى أَنَّ الصُّلْحَ لَمْ يَبْطُلْ اهـ. ط الجزء: 6 ¦ الصفحة: 525 يَهْلِكُ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ يَهْلِكُ بِهِ أَيْضًا (لَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ) عَلَيْهِ (ثُمَّ هَلَكَ) الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ لِتَوَهُّمِ وُجُوبِ الدَّيْنِ بِتَصَادُقِهِمَا عَلَى قِيَامِهِ فَتَكُونُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ بَاقِيَةً، بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ الدَّيْنَ أَصْلًا. (كُلُّ حُكْمٍ) عُرِفَ (فِي الرَّهْنِ الصَّحِيحِ فَهُوَ الْحُكْمُ فِي الرَّهْنِ الْفَاسِدِ) كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. قَالَ: وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ. وَفِيهَا أَيْضًا (وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَ الرَّهْنُ مَالًا وَالْمُقَابِلُ بِهِ مَضْمُونًا إلَّا أَنَّهُ فَقَدَ بَعْضَ شَرَائِطِ الْجَوَازِ) كَرَهْنِ الْمَشَاعِ (يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ) لِوُجُودِ شَرْطِ الِانْعِقَادِ لَكِنْ (بِصِفَةِ الْفَسَادِ) كَالْفَاسِدِ مِنْ الْبُيُوعِ (وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ) الرَّهْنُ (كَذَلِكَ) أَيْ لَمْ يَكُنْ مَالًا وَلَمْ يَكُنْ الْمُقَابِلُ بِهِ مَضْمُونًا (لَا يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ أَصْلًا) وَحِينَئِذٍ (فَإِذَا هَلَكَ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ) بِخِلَافِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ يَهْلِكُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمَنْ الدَّيْنِ وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ غُرَمَاءُ فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِهِ كَمَا فِي الرَّهْنِ الصَّحِيحِ. [فَرْعٌ] رَهْنُ الرَّهْنِ بَاطِلٌ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي الْعَارِيَّةِ مَعْزِيًّا لِلْوَهْبَانِيَّةِ: وَفِي مُعَايَاتِهَا قَالَ: وَأَيُّ رَهِينٍ لَا يُرَامُ انْفِكَاكَهُ ... وَمَجْنِيُّهُ لَوْ مَاتَ بِالْمَوْتِ يُشْطَرُ -   [رد المحتار] أَقُولُ: قَدَّمَ الشَّارِحُ أَوَّلَ كِتَابِ الْإِجَارَةِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ اعْتَمَدَ أَنَّهُ إذَا فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الْبَعْضِ فَسَدَ فِي الْكُلِّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ قَوْلِهِ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَهْلِكُ بِهِ مُغْنٍ عَنْهُ (قَوْلُهُ لِتَوَهُّمِ وُجُوبِ الدَّيْنِ إلَخْ) لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الْوُجُودِ كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمَوْعُودِ، وَقَدْ بَقِيَتْ الْجِهَةُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَصَادَقَا عَلَى قِيَامِ الدَّيْنِ بَعْدَ تَصَادُقِهِمَا عَلَى عَدَمِهِ، بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ لِأَنَّهُ سَقَطَ بِهِ دُرَرٌ لَكِنْ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ عَنْ مَبْسُوطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ لَوْ تَصَادَقَا قَبْلَ هَلَاكِ الرَّهْنِ ثُمَّ هَلَكَ يَهْلِكُ أَمَانَةً لِأَنَّهُ بِتَصَادُقِهِمَا يَنْتَفِي الدَّيْنُ مِنْ الْأَصْلِ، وَضَمَانُ الرَّهْنِ لَا يَبْقَى بِدُونِ الدَّيْنِ، وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ الصَّوَابُ اهـ. وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هَلَاكَهُ مَضْمُونًا فِي الصُّورَتَيْنِ سَعْدِيَّةٌ. (قَوْلُهُ فَهُوَ الْحُكْمُ فِي الرَّهْنِ الْفَاسِدِ) أَيْ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَالْمَمَاتِ، فَلَوْ نَقَضَ الرَّاهِنُ الْعَقْدَ بِحُكْمِ الْفَسَادِ وَأَرَادَ اسْتِرْدَادَ الْمَرْهُونِ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ حَبْسُهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَيْهِ الرَّاهِنُ مَا قَبَضَ، وَإِذَا مَاتَ الرَّاهِنُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ كَثِيرَةٌ فَالْمُرْتَهِنُ أَوْلَى مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الرَّهْنُ الْفَاسِدُ سَابِقًا عَلَى الدَّيْنِ، فَلَوْ كَانَ بِدَيْنٍ عَلَى الرَّاهِنِ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبْسُهُ لِأَنَّهُ مَا اسْتَفَادَ تِلْكَ الْيَدَ بِمُقَابَلَةِ هَذَا الْمَالِ وَيَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَلَى الْمَحَلِّ يَدٌ مُسْتَحَقَّةٌ بِخِلَافِ الرَّهْنِ الصَّحِيحِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ، وَتَمَامُهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ) صَوَابُهُ لَا يَتَعَلَّقُ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْكَرْخِيِّ فِي الْعِمَادِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ يَهْلِكُ أَمَانَةً. وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ حَبْسُهُ لِأَنَّهُ إصْرَارٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَلَكِنْ مَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَصَحُّ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَمَّا نَقَضَ فَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْمَعْصِيَةُ، وَحَبَسَ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَ لِيَصِلَ إلَى حَقِّهِ لَا يَكُونُ إصْرَارًا لِأَنَّ الرَّاهِنَ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ مَا قَبَضَ، فَإِذَا امْتَنَعَ فَهُوَ الْمُصِرُّ، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ لِلْمُشْتَرِي الْحَبْسَ إلَى اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ أَيْ لَمْ يَكُنْ مَالًا) كَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّ لِلرَّاهِنِ أَخْذَهُمَا لِأَنَّ رَهْنَهُمَا بَاطِلٌ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ الْمُقَابِلُ بِهِ مَضْمُونًا) كَمَا لَوْ رَهَنَ عَيْنًا بِخَمْرِ مُسْلِمٍ فَلَهُ أَخْذُهَا مِنْهُ وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: فَلَوْ فَقَدَ أَحَدَهُمَا لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْفَاسِدِ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ كُلُّ حُكْمٍ إلَخْ. ط [فَرْعٌ رَهْن الرَّهْن] (قَوْلُهُ رَهْنُ الرَّهْنِ بَاطِلٌ) أَيْ إذَا رَهَنَهُ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ بِلَا إذْنٍ، فَلَوْ بِإِذْنٍ صَحَّ الثَّانِي وَبَطَلَ الْأَوَّلُ، وَقَدَّمْنَا بَيَانَهُ فِي بَابِ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ (قَوْلُهُ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي الْعَارِيَّةِ) حَيْثُ قَالَ فِيهَا. وَأَمَّا الرَّهْنُ فَكَالْوَدِيعَةِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْعَارِيَّةِ: وَلَا تُؤَجَّرُ وَلَا تُرْهَنُ كَالْوَدِيعَةِ اهـ ط. (قَوْلُهُ وَمَجْنِيُّهُ إلَخْ) خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَيُّ جَانٍ وَضَمِيرُ يُشْطَرُ يَعُودُ إلَى الْوَاجِبِ بِالْجِنَايَةِ ط. قَالَ ح: يَعْنِي أَيُّ جَانٍ إذَا مَاتَ مَنْ جَنَى عَلَيْهِ يَجِبُ شَطْرُ الدِّيَةِ وَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 526 هَذَا تَفْسِيرُ - {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38]- وَالْمَعْنَى كُلُّ نَفْسٍ تُرْتَهَنُ بِكَسْبِهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى اهـ. كِتَابُ الْجِنَايَاتِ مُنَاسَبَتُهُ أَنَّ الرَّهْنَ لِصِيَانَةِ الْمَالِ وَحُكْمُ الْجِنَايَةِ لِصِيَانَةِ الْأَنْفُسِ وَالْمَالُ وَسِيلَةٌ لِلنَّفْسِ فَقُدِّمَ، ثُمَّ الْجِنَايَةُ لُغَةً اسْمٌ لِمَا يُكْتَسَبُ مِنْ الشَّرِّ. وَشَرْعًا اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ حَلَّ بِمَالٍ أَوْ نَفْسٍ، وَخَصَّ الْفُقَهَاءُ الْغَصْبَ وَالسَّرِقَةَ بِمَا حَلَّ بِمَالٍ وَالْجِنَايَةَ بِمَا حَلَّ بِنَفْسٍ وَأَطْرَافٍ. (الْقَتْلُ) الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ الْآتِيَةِ مِنْ قَوَدٍ وَدِيَةٍ وَكَفَّارَةٍ وَإِثْمٍ وَحِرْمَانِ إرْثٍ (خَمْسَةٌ) وَإِلَّا فَأَنْوَاعُهُ كَثِيرَةٌ كَرَجْمٍ وَصَلْبٍ وَقَتْلِ حَرْبِيٍّ، الْأَوَّلُ (عَمْدٌ، وَهُوَ أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ) أَيْ ضَرْبَ الْآدَمِيِّ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ جَسَدِهِ (بِ) آلَةٍ تُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ مِثْلِ (سِلَاحٍ) وَمُثْقَلٍ لَوْ مِنْ حَدِيدِ جَوْهَرَةٌ   [رد المحتار] عَاشَ تَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً الْجَوَابُ: خِتَانٌ قَطْعُ الْحَشَفَةِ إنْ مَاتَ الصَّبِيُّ وَجَبَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَإِنْ عَاشَ وَجَبَتْ كَامِلَةً؛ وَكَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ يَجِبُ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَتَمَامُهَا لِأَنَّهُ حَصَلَ التَّلَفُ بِمَأْذُونٍ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْقُلْفَةِ؛ وَغَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْحَشَفَةِ. اهـ وَتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ ضَمَانِ الْأَجِيرِ؛ وَسَتَأْتِي أَيْضًا قُبَيْلَ بَابِ الْقَسَامَةِ. (قَوْلُهُ هَذَا التَّفْسِيرُ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ تَفْسِيرٌ بِدُونِ أَلْ، وَهُوَ الْأَوْضَحُ وَالْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ وَأَيُّ رَهِينٍ إلَخْ أَيْ هَذَا تَفْسِيرُ وَبَيَانُ قَوْله تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ} [المدثر: 38] الْآيَةَ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْجِنَايَاتِ] ِ (قَوْلُهُ وَحُكْمُ الْجِنَايَةِ) هُوَ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَحِرْمَانُ الْإِرْثِ ط (قَوْلُهُ وَالْمَالُ وَسِيلَةٌ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ الْجِنَايَاتِ لِأَهَمِّيَّتِهَا بِتَعَلُّقِهَا بِالْأَنْفُسِ ط. قُلْت: وَمَا مَرَّ مِنْ مُنَاسَبَةِ الرَّهْنِ لِمَا قَبْلَهُ تُغْنِي عَنْ هَذَا (قَوْلُهُ اسْمٌ لِمَا يُكْتَسَبُ) وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ ثُمَّ أُرِيدَ بِهِ اسْمُ الْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ وَالْجِنَايَةُ بِمَا حَلَّ بِنَفْسٍ وَأَطْرَافٍ) أَيْ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَإِلَّا فِي جِنَايَاتِ الْحَجِّ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِنَفْسِ الْآدَمِيِّ وَلَا طَرَفٍ مِنْ إطْلَاقِ الْفُقَهَاءِ عَلَيْهَا الْجِنَايَةَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِالْقَتْلِ هُنَا الْقَتْلَ الْمَذْكُورَ لَمْ يَصِحَّ الْحَصْرُ فِي الْخَمْسَةِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا قَتْلٌ مُحَرَّمٌ، فَلَا يَشْمَلُ الْقَتْلَ الْمَأْذُونَ بِهِ شَرْعًا كَقِصَاصٍ وَرَجْمٍ (قَوْلُهُ أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ) أَيْ ضَرْبَ الْمَقْتُولِ، فَيَخْرُجُ الْعَمْدُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ سَعْدِيٌّ، وَلَمْ يَقُلْ أَنْ يَتَعَمَّدَ قَتْلَهُ لِمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ قَرِيبًا أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ يَدَ رَجُلٍ فَأَصَابَ عُنُقَهُ فَهُوَ عَمْدٌ، وَلَوْ عُنُقَ غَيْرِهِ فَخَطَأٌ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى: إنَّ قَصْدَ الْقَتْلِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِكَوْنِهِ عَمْدًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ جَسَدِهِ، وَاحْتَرَزَ بِالتَّعَمُّدِ عَنْ الْخَطَأِ وَبِقَوْلِهِ بِآلَةٍ إلَخْ عَنْ الْبَاقِي (قَوْلُهُ بِآلَةٍ تُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ) إنَّمَا شُرِطَ فِيهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلِهِ، وَدَلِيلُهُ اسْتِعْمَالُ الْقَاتِلِ آلَتَهُ فَأُقِيمَ الدَّلِيلُ مَقَامَ الْمَدْلُولِ، لِأَنَّ الدَّلَائِلَ تَقُومُ مَقَامَ مَدْلُولَاتِهَا فِي الْمَعَارِفِ الظَّنِّيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنَحٌ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الشُّهُودُ الْعَمْدَ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَتْقَانِيُّ. وَفِي أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاتِلِ لَمْ أَقْصِدْ قَتْلَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ وَقَالَ أَرَدْت غَيْرَهُ فَيُحْمَلُ عَلَى الْأَدْنَى وَهُوَ الْخَطَأُ، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ، وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْقَتْلِ (قَوْلُهُ جَوْهَرَةٌ) عِبَارَتُهَا الْعَمْدُ مَا تَعَمَّدَ قَتْلَهُ بِالْحَدِيدِ كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَالرُّمْحِ وَالْخِنْجَرِ وَالنُّشَّابَةِ وَالْإِبْرَةِ وَإِلَّا شُفِيَ وَجَمِيعُ مَا كَانَ مِنْ الْحَدِيدِ، سَوَاءٌ كَانَ يَقْطَعُ أَوْ يُبْضِعُ كَالسَّيْفِ وَمِطْرَقَةِ الْحَدَّادِ وَالزُّبْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ الْغَالِبُ مِنْهُ الْهَلَاكُ أَمْ لَا. وَلَا يُشْتَرَطُ الْجُرْحُ فِي الْحَدِيدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 527 (وَمُحَدَّدٍ مِنْ خَشَبٍ) وَزُجَاجٍ (وَحَجَرٍ) وَإِبْرَةٍ فِي مَقْتَلٍ بُرْهَانٌ (وَلِيطَةٍ) وَقَوْلُهُ (وَنَارٍ) عَطْفٌ عَلَى مُحَدَّدٍ لِأَنَّهَا تَشُقُّ الْجِلْدَ وَتَعْمَلُ عَمَلَ الذَّكَاةِ، حَتَّى لَوْ وُضِعَتْ فِي الْمَذْبَحِ فَأَحْرَقَتْ الْعُرُوقَ أُكِلَ، يَعْنِي إنْ سَالَ بِهَا الدَّمُ وَإِلَّا لَا كَمَا فِي الْكِفَايَةِ قُلْت: فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: كُلُّ مَا بِهِ الذَّكَاةُ بِهِ الْقُوَّةُ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَفِي الْبُرْهَانِ: وَفِي حَدِيدٍ غَيْرِ مُحَدَّدٍ كَالسَّنْجَةِ رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهَا عَمْدٌ. وَفِي الْمُجْتَبَى وَإِحْمَاءُ التَّنُّورِ يَكْفِي لِلْقَوَدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَارٌ. وَفِي مُعِينِ الْمُفْتِي لِلْمُصَنِّفِ: الْإِبْرَةُ إذَا أَصَابَتْ الْمَقْتَلَ فَفِيهِ الْقَوَدُ وَإِلَّا فَلَا اهـ فَيُحْفَظُ. وَقَالَا الثَّلَاثَةُ: ضَرْبُهُ قَصْدًا بِمَا لَا تُطِيقُهُ الْبِنْيَةُ كَخَشَبٍ عَظِيمٍ عَمْدٌ (وَمُوجَبُهُ الْإِثْمُ) فَإِنَّ حُرْمَتَهُ أَشَدُّ مِنْ حُرْمَةِ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ لِجَوَازِهِ لِمُكْرَهٍ، بِخِلَافِ الْقَتْلِ.   [رد المحتار] وَضِعَ لِلْقَتْلِ، قَالَ تَعَالَى - {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الحديد: 25]- وَكَذَا كُلُّ مَا يُشْبِهُ الْحَدِيدَ كَالصُّفْرِ وَالرَّصَاصِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، سَوَاءٌ كَانَ يَبْضَعُ أَوْ يَرُضُّ: حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ بِالْمُثَقَّلِ مِنْهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَمَا إذَا ضَرَبَهُ بِعَمُودٍ مِنْ صُفْرٍ أَوْ رَصَاصٍ اهـ. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ الْإِمَامِ اعْتِبَارَ الْجُرْحِ فِي الْحَدِيدِ وَنَحْوِهِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَرَجَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْآتِي فِي مَسْأَلَةِ الْمَرِّ. قُلْت: وَعَلَى كُلٍّ فَالْقَتْلُ بِالْبُنْدُقَةِ الرَّصَاصِ عَمْدٌ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْحَدِيدِ وَتَجْرَحُ فَيُقْتَصُّ بِهِ، لَكِنْ إذَا لَمْ تَجْرَحْ لَا يُقْتَصُّ بِهِ عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ كَمَا أَفَادَهُ ط عَنْ الشَّلَبِيِّ. والإشفن بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ: مَا يُخْرَزُ بِهِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ وَمُحَدَّدٍ مِنْ خَشَبٍ) أَيْ بِأَنْ نُحِتَ حَتَّى صَارَ لَهُ حِدَةٌ يُقْطَعُ بِهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا يَكُونُ فِي طَرَفِهِ حَدِيدٌ كَمَا وُهِمَ؛ لِأَنَّهُ مَسْأَلَةُ الْمَرِّ الْآتِيَةِ، وَفِيهَا تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ (قَوْلُهُ وَإِبْرَةٍ فِي مَقْتَلٍ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا بِإِبْرَةٍ وَمَا يُشْبِهُهَا عَمْدًا فَمَاتَ لَا قَوَدَ فِيهِ، وَفِي الْمِسَلَّةِ وَنَحْوِهَا الْقَوَدُ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَةَ لَا يُقْصَدُ بِهَا الْقَتْلُ عَادَةً وَيُقْصَدُ بِالْمِسَلَّةِ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إنْ غَرَزَ بِالْإِبْرَةِ فِي الْمَقْتَلِ قُتِلَ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: غَرَزَهُ بِإِبْرَةٍ حَتَّى مَاتَ يُقْتَصُّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْحَدِيدِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا قِصَاصَ إلَّا إذَا غَرَزَهُ فِي الْمَقْتَلِ، وَكَذَا لَوْ عَضَّهُ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: فِي الْإِبْرَةِ الْقَوَدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ وَجَزَمَ بِعَدَمِهِ فِي الْخَانِيَّةِ. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ التَّقْيِيدُ بِالْمَقْتَلِ تَوْفِيقًا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلِيطَةٍ) بِكَسْرِ اللَّامِ: قِشْرُ الْقَصَبِ اللَّازِقُ بِهِ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ عَطْفٌ عَلَى مُحَدَّدٍ) أَيْ لَا عَلَى خَشَبٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمُحَدَّدِ: قَالَ سَعْدِيٌّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا إذْ الْوَاقِعُ فِي صُورَةِ النَّارِ هُوَ الْإِلْقَاءُ فِيهَا لَا الضَّرْبُ بِهَا اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا تَشُقُّ الْجِلْدَ إلَخْ) بَيَانٌ لِكَوْنِهَا مِنْ الْعَمْدِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ) قَالَ ط: وَنَحْوُهُ فِي الْخِزَانَةِ وَالنِّهَايَةِ حَمَوِيٌّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ اهـ (قَوْلُهُ وَفِي الْبُرْهَانِ إلَخْ) ذَكَرَ هَذِهِ النُّقُولَ الثَّلَاثَةَ نَقْضًا لِعَكْسِ الْكُلِّيَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ فِي الذَّكَاةِ فَرْيُ الْأَوْدَاجِ وَإِنْهَارُ الدَّمِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالسَّنْجَةِ وَالتَّنُّورِ الْمَحْمِيِّ وَالْإِبْرَةِ، وَلِذَا أَعَادَ مَسْأَلَةَ الْإِبْرَةِ وَإِنْ كَانَ ذَكَرَهَا آنِفًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ غَيْرُ مُحَدَّدٍ) أَيْ لَا حَدَّ لَهُ (قَوْلُهُ كَالسَّنْجَةِ) فِي الْقَامُوسِ: سَنْجَةُ الْمِيزَانِ مَفْتُوحَةٌ وَبِالسِّينِ أَفْصَحُ مِنْ الصَّادِ اهـ. وَذَكَرَ فِي فَصْلِ الصَّادِ: الصَّنْجُ شَيْءٌ يُتَّخَذُ مِنْ صُفْرٍ يُضْرَبُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، وَآلَةٌ بِأَوْتَارٍ يُضْرَبُ بِهَا اهـ. زَادَ فِي الْمُغْرِبِ: وَيُقَالُ لِمَا يُجْعَلُ فِي إطَارِ الدُّفِّ مِنْ الْهِنَاتِ الْمُدَوَّرَةِ صُنُوجٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهَا عَمْدٌ) بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْجُرْحِ فِي الْحَدِيدِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَارٌ) أَيْ عَلَى الصَّحِيحِ قُهُسْتَانِيٌّ. وَفِيهِ: لَوْ قُيِّدَ بِحَبْلٍ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي قِدْرٍ فِيهِ مَاءٌ مَغْلِيٌّ جِدًّا فَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ فِيهِ مَاءٌ حَارٌّ فَأَنْضَجَ جَسَدَهُ وَمَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ مَاتَ قُتِلَ بِهِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ بِمَا لَا تُطِيقُهُ الْبِنْيَةُ) أَيْ الْبَدَنُ. فِي الْقَامُوسِ: الْبِنْيَةُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ مَا بَنَيْته. وَبَنَى الطَّعَامُ بَدَنَهُ: سَمَّنَهُ، وَلَحْمَهُ أَنْبَتَهُ (قَوْلُهُ فَإِنَّ حُرْمَتَهُ) الْأَوْلَى وَحُرْمَتُهُ ط (قَوْلُهُ أَشَدُّ مِنْ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ) أَيْ أَشَدُّ مِنْ الْكُفْرِ الصُّورِيِّ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 528 (وَ) مُوجَبُهُ (الْقَوَدُ عَيْنًا) فَلَا يَصِيرُ مَالًا إلَّا بِالتَّرَاضِي فَيَصِحُّ صُلْحًا وَلَوْ بِمِثْلِ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ ابْنُ كَمَالٍ عَنْ الْحَقَائِقِ (لَا الْكَفَّارَةُ) لِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ، وَفِي الْكَفَّارَةِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَلَا يُنَاطُ بِهَا. قُلْت: لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ، لَوْ قَتَلَ مَمْلُوكَهُ أَوْ وَلَدَهُ الْمَمْلُوكَ لِغَيْرِهِ عَمْدًا كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ (وَ) الثَّانِي (شِبْهُهُ وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ ضَرْبَهُ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ) أَيْ بِمَا لَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ وَلَوْ بِحَجَرٍ وَخَشَبٍ كَبِيرَيْنِ عِنْدَهُ خِلَافًا لِغَيْرِهِ   [رد المحتار] فَإِنَّهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِمُلْجِئٍ يُرَخَّصُ مَعَ اطْمِئْنَانِ الْقَلْبِ إحْيَاءً لِنَفْسِهِ، وَلَوْ أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ لَا يُرَخَّصُ أَصْلًا لِاسْتِوَاءِ النَّفْسَيْنِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْكُفْرِ الْقَلْبِيِّ فَإِنَّهُ أَشَدُّ وَلَا يُرَخَّصُ بِحَالٍ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَاعْلَمْ أَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الْكُفْرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَتُقْبَلُ التَّوْبَةُ مِنْهُ فَإِنْ قَتَلَ مُسْلِمًا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ التَّوْبَةِ مِنْهُ لَا يَتَحَتَّمُ دُخُولُهُ النَّارَ بَلْ هُوَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَسَائِرِ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ، فَإِنْ دَخَلَهَا لَمْ يُخَلَّدْ فِيهَا اهـ. وَأَمَّا الْآيَةُ فَمُؤَوَّلَةٌ بِقَتْلِهِ لِإِيمَانِهِ أَوْ بِالِاسْتِحْلَالِ أَوْ بِأَنْ يُرَادَ بِالْخُلُودِ الْمُكْثُ الطَّوِيلُ، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الْآتِي عَنْ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ تَوْبَةُ الْقَاتِلِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ نَفْسَهُ لِلْقَوَدِ (قَوْلُهُ وَمُوجَبُهُ الْقَوَدُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ الْقِصَاصُ، وَسُمِّيَ قَوَدًا؛ لِأَنَّهُمْ يَقُودُونَ الْجَانِيَ بِحَبْلٍ وَغَيْرِهِ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ اهـ سَعْدِيٌّ. ثُمَّ إنَّمَا يَجِبُ الْقَوَدُ بِشَرْطٍ فِي الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ يُذْكَرُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ فَلَا يَصِيرُ مَالًا إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ عَيْنًا: أَيْ لَيْسَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْعُدُولُ إلَى أَخْذِ الدِّيَةِ إلَّا بِرِضَا الْقَاتِلِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَيَتَعَيَّنُ بِاخْتِيَارِهِ وَالْأَدِلَّةُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ (قَوْلُهُ فَيَصِحُّ صُلْحًا) أَيْ إذَا كَانَ الْقَوَدُ عِنْدَنَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي الْعَمْدِ فَلَا يَنْقَلِبُ مَالًا إلَّا مِنْ جِهَةِ الصُّلْحِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِمِثْلِ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَأَشَارَ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ عَلَى قَوْلِهِ الثَّانِي لَوْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ مِنْ جِنْسِهَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ رِبًا وَيَصِحُّ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ، وَتَمَامُهُ فِي الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ) وَذَلِكَ بِنَصِّ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَقَتْلُ النَّفْسِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَوْلُ الزُّورِ، أَوْ قَالَ شَهَادَةُ الزُّورِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (قَوْلُهُ وَفِي الْكَفَّارَةِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ) بِدَلِيلِ أَنَّ لِلصَّوْمِ وَالْإِعْتَاقِ فِيهَا مَدْخَلًا فَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا أَيْضًا دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لِتَعَلُّقِ الْعِبَادَةِ بِالْمُبَاحِ وَالْعُقُوبَةِ بِالْمَحْظُورِ كَالْخَطَأِ فَإِنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِبَاحَةِ. أَمَّا الْعَمْدُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالرِّبَا، وَلَا يُقَاسُ عَلَى الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ فَلَا تَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ وَلِأَنَّ الْخَطَأَ دُونَهُ فِي الْإِثْمِ، وَتَمَامُهُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) أَيْ فِي آخِرِ فَصْلِ الْمَعَاقِلِ. أَقُولُ: لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمَشْرُوحِ كَالنِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ مِنْ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي الْعَمْدِ وَجَبَ فِيهِ الْقِصَاصُ أَوْ لَا كَالْأَبِ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا وَالْمُسْلِمِ إذَا قَتَلَ مِنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا عَمْدًا اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالثَّانِي شَبَهُهُ) بِفَتْحَتَيْنِ أَوْ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ: أَيْ نَظِيرُ الْعَمْدِ وَيُقَالُ لَهُ شَبَهُ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْعَمْدِيَّةِ بِاعْتِبَارِ قَصْدِ الْفَاعِلِ إلَى الضَّرْبِ، وَمَعْنَى الْخَطَأِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ قَصْدِهِ إلَى الْقَتْلِ إذْ لَيْسَتْ الْآلَةُ آلَةَ قَتْلٍ اهـ مِنْ الدُّرَرِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ. وَزَادَ الْأَتْقَانِيُّ أَنَّهُ يُسَمَّى خَطَأَ الْعَمْدِ (قَوْلُهُ كَبِيرَيْنِ) فَلَوْ صَغِيرَيْنِ فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ خِلَافًا لِغَيْرِهِ) أَيْ لِلْإِمَامَيْنِ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ عَمْدٌ عِنْدَهُمْ لِمَا مَرَّ مِنْ تَعْرِيفِهِ عِنْدَهُمْ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَحْكَامِ الْإِثْمِ وَالْقَوَدِ وَالْكَفَّارَةِ كَمَا لَزِمَ فِي الْعَمْدِ وَشِبْهِهِ عِنْدَهُ لَزِمَ عِنْدَ هُمَا إلَّا أَنَّ الْعَمْدَ عِنْدَهُمَا ضَرْبُهُ قَصْدًا بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا وَشِبْهُ الْعَمْدِ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، فَلَوْ غَرِقَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ وَمَاتَ لَيْسَ بِعَمْدٍ وَلَا شِبْهَ عَمْدٍ عِنْدَهُمْ، وَلَوْ أُلْقِيَ فِي بِئْرٍ أَوْ مِنْ سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ وَلَا يُرْجَى مِنْهُ النَّجَاةُ كَانَ شِبْهَ عَمْدٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 529 (وَمُوجَبُهُ الْإِثْمُ وَالْكَفَّارَةُ وَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ) سَيَجِيءُ تَفْسِيرُ ذَلِكَ (لَا الْقَوَدُ) لِشَبَهِهِ بِالْخَطَأِ نَظَرًا لِآلَتِهِ إلَّا أَنْ يَتَكَرَّرَ مِنْهُ فَلِلْإِمَامِ قَتْلُهُ سِيَاسَةً اخْتِيَارٌ (وَهُوَ) أَيْ شِبْهُ الْعَمْدِ (فِيمَا دُونَ النَّفْسِ) مِنْ الْأَطْرَافِ (عَمْدٌ) مُوجِبٌ لِلْقِصَاصِ، فَلَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ شِبْهُ عَمْدٍ (وَ) الثَّالِثُ (خَطَأٌ وَهُوَ) نَوْعَانِ: لِأَنَّهُ إمَّا خَطَأٌ فِي ظَنِّ الْفَاعِلِ كَ (أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا ظَنَّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا) أَوْ مُرْتَدًّا (فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ أَوْ) خَطَأٌ فِي نَفْسِ الْفِعْلِ كَأَنْ يَرْمِيَ (غَرَضًا) أَوْ صَيْدًا (فَأَصَابَ آدَمِيًّا) أَوْ رَمَى غَرَضًا فَأَصَابَهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ أَوْ تَجَاوَزَ عَنْهُ إلَى مَا وَرَاءَهُ فَأَصَابَ رَجُلًا أَوْ قَصَدَ رَجُلًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ أَوْ أَرَادَ يَدَ رَجُلٍ فَأَصَابَ عُنُقَ غَيْرِهِ، وَلَوْ عُنُقَهُ فَعَمْدٌ قَطْعًا أَوْ أَرَادَ رَجُلًا فَأَصَابَ حَائِطًا ثُمَّ رَجَعَ السَّهْمُ فَأَصَابَ الرَّجُلَ فَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ أَخْطَأَ فِي إصَابَةِ الْحَائِطِ وَرُجُوعُهُ سَبَبٌ آخَرُ وَالْحَكَمُ يُضَافُ لِآخِرِ أَسْبَابِهِ ابْنُ كَمَالٍ عَنْ الْمُحِيطِ. قَالَ: وَكَذَا لَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ خَشَبَةٌ أَوْ لَبِنَةٌ فَقَتَلَ رَجُلًا يَتَحَقَّقُ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ وَلَا قَصْدَ فِيهِ فَكَلَامُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِيهِ مَا فِيهِ. وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ:   [رد المحتار] عِنْدَهُ وَعَمْدًا عِنْدَهُمَا وَيُفْتَى بِقَوْلِهِ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ اهـ وَتَمَامُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ يُذْكَرُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي. وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُجْتَبَى: يُشْتَرَطُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ أَنْ يَقْصِدَ التَّأْدِيبَ دُونَ الْإِتْلَافِ (قَوْلُهُ وَمُوجَبُهُ الْإِثْمُ) أَيْ إثْمُ الْقَتْلِ لِتَعَمُّدِ الضَّرْبِ اهـ مَكِّيٌّ عَنْ الْبُرْهَانِ وَاَلَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ عَلَيْهِ إثْمَ الضَّرْبِ لَا الْقَتْلِ حَيْثُ قَالَ أَثِمَ إثْمَ الضَّرْبِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَهُ لَا إثْمَ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ، وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ تَجِبُ بِالْقَتْلِ وَهُوَ فِيهِ مُخْطِئٌ وَلَا تَجِبُ بِالضَّرْبِ اهـ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَعْلِيلُ الْبُرْهَانِ بِقَوْلِهِ لِتَعَمُّدِ الضَّرْبِ فَتَعْلِيلُهُ يُنَافِي مُدَّعَاهُ، وَلَوْ قِيلَ بِإِنَاطَةِ الْإِثْمِ بِالْقَصْدِ، فَإِنْ قَصَدَ الْقَتْلَ أَثِمَ إثْمَهُ، وَإِنْ قَصَدَ الضَّرْبَ أَثِمَ إثْمَهُ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ اهـ ط (قَوْلُهُ وَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ) أَيْ مِنْ مِائَةِ إبِلٍ، فَلَوْ قَضَى بِالدِّيَةِ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ لَمْ تَتَغَلَّظْ قُهُسْتَانِيُّ، وَتُؤْخَذُ أَرْبَاعًا مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ وَبِنْتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٍ وَجَذَعَةٍ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) أَيْ النَّاصِرَةِ لِلْقَاتِلِ قُهُسْتَانِيٌّ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً لَا لِمَعْنًى يَحْدُثُ مِنْ بَعْدُ فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ اعْتِبَارًا بِالْخَطَأِ وَتَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ هِدَايَةٌ. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ ابْتِدَاءً عَنْ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِالصُّلْحِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ أَوْ عَلَى الْوَالِدِ بِقَتْلِ وَلَدِهِ عَمْدًا كِفَايَةٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ كَالْخَطَأِ إلَّا فِي حَقِّ الْإِثْمِ، وَصِفَةِ التَّغْلِيظِ فِي الدِّيَةِ زَيْلَعِيٌّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَالَ الْوَاجِبَ بِالْعَمْدِ الْمَحْضِ يَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَفِي النَّفْسِ وَفِي الْخَطَأِ فِيهِمَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَفِي شِبْهِ الْعَمْدِ لَوْ نَفْسًا عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَفِيمَا دُونَهَا وَإِنْ بَلَغَ الدِّيَةُ عَلَى الْقَاتِلِ اهـ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ سَيَجِيءُ تَفْسِيرُ ذَلِكَ) أَيْ تَفْسِيرُ الْكَفَّارَةِ وَالدِّيَةِ وَالْمُغَلَّظِ مِنْهَا فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ وَتَفْسِيرُ الْعَاقِلَةِ فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَتَكَرَّرَ مِنْهُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مَرَّتَيْنِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَذْكُرُهُ بَعْدُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ فَلَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ شِبْهُ عَمْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِآلَةٍ دُونَ آلَةٍ، فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ شِبْهُ الْعَمْدِ، بِخِلَافِ النَّفْسِ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ وَالثَّالِثُ خَطَأٌ) قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: وَلَوْ عَلَى عَبْدٍ، إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ إلَى الْوَهْمِ مِنْ كَوْنِ الْعَبْدِ مَالًا أَنْ يَكُونَ مَا ذُكِرَ مِنْ قَبِيلِ ضَمَانِ الْأَمْوَالِ فَلَا يَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ نَوْعَانِ) ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ إلَى شَيْءٍ مَثَلًا مُشْتَمِلٌ عَلَى فِعْلِ الْقَلْبِ وَهُوَ الْقَصْدُ وَعَلَى الْجَارِحَةِ وَهُوَ الرَّمْيُ، فَإِنْ اتَّصَلَ الْخَطَأُ بِالْأَوَّلِ فَهُوَ الْأَوَّلُ، وَإِنْ اتَّصَلَ بِالثَّانِي فَهُوَ الثَّانِي عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ ظَنَّهُ صَيْدًا) اُنْظُرْ هَلْ يُعْتَبَرُ ادِّعَاءُ الظَّنِّ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهِ أَوَّلًا بِأَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ ط، ثُمَّ نَقْلُ مَا لَا يَتِمُّ مِنْهُ الْمُرَادُ وَسَنُوَضِّحُ ذَلِكَ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْقَتْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ غَرَضًا) بِمُعْجَمَتَيْنِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ مُتَحَرِّكَةٌ وَهُوَ الْهَدَفُ الَّذِي يَرْمِي إلَيْهِ (قَوْلُهُ فَأَصَابَ رَجُلًا) مُرَتَّبٌ عَلَى قَوْلِهِ ثُمَّ رَجَعَ أَوْ تَجَاوَزَ (قَوْلُهُ وَرُجُوعُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ) وَهُوَ إصَابَةُ الْحَائِطِ الْمُسَبَّبَةِ عَنْ الرَّمْيِ (قَوْلُهُ فَكَلَامُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِيهِ مَا فِيهِ) فَإِنَّهُ شَرَطَ فِي الْخَطَأِ فِي الْفِعْلِ أَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 530 وَقَاصِدِ شَخْصٍ إنْ أَصَابَ خِلَافَهُ ... فَذَا خَطَأٌ وَالْقَتْلُ فِيهِ مُعَذَّرُ وَقَاصِدِ شَخْصٍ حَالَةَ النَّوْمِ إنْ يَمَنَ ... فَيُقْتَصُّ إنْ أَبْقَى دَمًا مِنْهُ يُنْهَرُ (وَ) الرَّابِعُ (مَا جَرَى مَجْرَاهٌ) مَجْرَى الْخَطَأِ (كَنَائِمٍ انْقَلَبَ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ كَالْمُخْطِئِ (وَمُوجَبُهُ) أَيْ مُوجَبُ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْفِعْلِ وَهُوَ الْخَطَأُ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ (الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) وَالْإِثْمُ دُونَ إثْمِ الْقَاتِلِ إذْ الْكَفَّارَةُ تُؤْذِنُ بِالْإِثْمِ لِتَرْكِ الْعَزِيمَةِ (وَ) الْخَامِسُ (قَتْلٌ بِسَبَبٍ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ حَجَرٍ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ) بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ السُّلْطَانِ ابْنُ كَمَالٍ؛ وَكَذَا وَضْعُ خَشَبَةٍ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَنَحْوُ ذَلِكَ إلَّا إذَا مَشَى عَلَى الْبِئْرِ وَنَحْوِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْحَفْرِ وَنَحْوِهِ دُرَرٌ (وَمُوجَبُهُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا الْكَفَّارَةُ) وَلَا إثْمُ الْقَتْلِ بَلْ إثْمُ الْحَفْرِ وَالْوَضْعِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ دُرَرٌ (وَكُلُّ ذَلِكَ يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ)   [رد المحتار] لَا يَصْدُرَ عَنْهُ الْفِعْلُ الَّذِي قَصَدَهُ بَلْ يَصْدُرُ فِعْلٌ آخَرُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ مِنْ إنَّهُ إذَا رَمَى غَرَضًا فَأَصَابَهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ أَوْ تَجَاوَزَ عَنْهُ فَأَصَابَ رَجُلًا يَتَحَقَّقُ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ وَالشَّرْطُ مَفْقُودٌ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَإِذَا سَقَطَ مِنْ يَدِهِ خَشَبَةٌ أَوْ لَبِنَةٌ فَقَتَلَ رَجُلًا يَتَحَقَّقُ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ وَلَا قَصْدَ فِيهِ أَفَادَهُ ابْنُ الْكَمَالِ. قَالَ ط: لَكِنْ سَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّهُ مِمَّا جَرَى مَجْرَى الْخَطَأِ (قَوْلُهُ إنْ أَصَابَ خِلَافَهُ) أَيْ شَخْصًا غَيْرَهُ (قَوْلُهُ وَالْقَتْلُ فِيهِ مُعَذَّرٌ) أَيْ الْقِصَاصُ فِيهِ مُمْتَنِعٌ (قَوْلُهُ حَالَةَ النَّوْمِ) أَيْ نَوْمِ الشَّخْصِ (قَوْلُهُ إنْ أَبْقَى دَمًا) أَيْ تَرَكَهُ يَنْهَرُ. أَيْ يَسِيلُ مِنْهُ، وَاَلَّذِي فِي الْوَهْبَانِيَّةِ يَقْطُرُ، وَانْظُرْ مَا وَجْهُ التَّقْيِيدِ بِحَالَةِ النَّوْمِ: وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْإِبْرَةَ إذَا أَصَابَتْ الْمَقْتَلَ فَفِيهِ الْقَوَدُ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ مَحَلَّ الْقَصْدِ غَيْرُ مَقْتَلٍ، وَإِذَا كَانَ غَيْرَ نَائِمٍ وَتَرَكَ دَمَ نَفْسِهِ يَسِيلُ يَكُونُ مَوْتُهُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالرَّابِعُ مَا جَرَى مَجْرَاهُ إلَخْ) فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْخَطَأِ فِي الشَّرْعِ، لَكِنَّهُ دُونَ الْخَطَأِ حَقِيقَةً فَإِنَّ النَّائِمَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقَصْدِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ لِتَرْكِ التَّحَرُّزِ عَنْ نَوْمِهِ فِي مَوْضِعٍ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَصِيرَ قَاتِلًا، وَالْكَفَّارَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ إنَّمَا تَجِبُ لِتَرْكِ التَّحَرُّزِ أَيْضًا، وَحِرْمَانُ الْمِيرَاثِ لِمُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ وَتَوَهُّمِ أَنْ يَكُونَ مُتَنَاعِسًا لَمْ يَكُنْ نَائِمًا قَصْدًا مِنْهُ إلَى اسْتِعْجَالِ الْإِرْثِ، وَاَلَّذِي سَقَطَ مِنْ سَطْحٍ فَوَقَعَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ أَوْ كَانَ فِي يَدِهِ لَبِنَةٌ أَوْ خَشَبَةٌ فَسَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ عَلَى إنْسَانٍ أَوْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ فَأَوْطَأَتْ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ مِثْلُ النَّائِمِ لِكَوْنِهِ قَتْلًا لِلْمَعْصُومِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ لِتَرْكِ الْعَزِيمَةِ) وَهِيَ هُنَا الْمُبَالَغَةُ فِي التَّثَبُّتِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَهَذَا الْإِثْمُ إثْمُ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ تَرْكِ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّثَبُّتِ لَيْسَ بِإِثْمٍ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ بِهِ آثِمًا إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَتْلُ فَتَصِيرُ الْكَفَّارَةُ لِذَنْبِ الْقَتْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إثْمُ قَصْدِ الْقَتْلِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَوَاضِعِ حَجَرٍ) أَيْ إذَا لَمْ يُنَحِّهِ غَيْرُهُ، فَإِنْ نَحَّاهُ فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ ضَمِنَ الْمُنَحِّي كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ) قَيْدٌ لِلْحَفْرِ وَالْوَضْعِ دُرَرٌ، فَلَوْ فِي مِلْكِهِ فَلَا تَعَدِّي فَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ ط (قَوْلُهُ مِنْ السُّلْطَانِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَعُمُّ نَائِبَهُ ط (قَوْلُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ إلَخْ) أَيْ نَحْوُ الْخَشَبَةِ كَقُشُورِ بِطِّيخٍ فَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ، وَكَذَا إذَا رَشَّ الطَّرِيقَ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْكِتَابِ، قَالُوا إنَّمَا يَضْمَنُ الرَّاشُّ إذَا مَرَّ الْمَارُّ عَلَى الرَّشِّ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ بِأَنْ كَانَ لَيْلًا أَوْ الْمَارُّ أَعْمَى، وَكَذَا الْمُرُورُ عَلَى الْخَشَبَةِ أَوْ الْحَجَرِ. وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ فَصَّلَ بِوَجْهٍ آخَرَ وَقَالَ: إنْ رَشَّ بَعْضَ الطَّرِيقِ حَتَّى أَمْكَنَهُ الْمُرُورُ فِي الْجَافِّ لَا ضَمَانَ، وَإِنْ رَشَّ فِنَاءَ حَانُوتٍ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا وَتَمَامُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة. [فَرْعٌ] تَعَقَّلَ بِحَجَرٍ فَسَقَطَ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا رَجُلٌ فَالضَّمَانُ عَلَى وَاضِعِ الْحَجَرِ فَلَوْ لَمْ يَضَعْهُ أَحَدٌ فَعَلَى الْحَافِرِ، وَكَذَا لَوْ زَلِقَ بِمَاءٍ صَبَّهُ رَجُلٌ فَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ فَالضَّمَانُ عَلَى الصَّابِّ، وَلَوْ بِمَاءِ مَطَرٍ فَعَلَى الْحَافِرِ تَتَارْخَانِيَّةٌ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْحَافِرِ أَنَّهُ أَسْقَطَ نَفْسَهُ اسْتِحْسَانًا (قَوْلُهُ وَكُلُّ ذَلِكَ) أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَقْسَامِ الْقَتْلِ الْغَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ ط الجزء: 6 ¦ الصفحة: 531 لَوْ الْجَانِي مُكَلَّفًا ابْنُ كَمَالٍ (إلَّا هَذَا) أَيْ الْقَتْلَ بِسَبَبٍ لِعَدَمِ قَتْلِهِ وَأَلْحَقَهُ الشَّافِعِيُّ بِالْخَطَأِ فِي أَحْكَامِهِ. فَصْلٌ فِيمَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ (يَجِبُ الْقَوَدُ) أَيْ الْقِصَاصُ (بِقَتْلِ كُلِّ مَحْقُونِ الدَّمِ) بِالنَّظَرِ لِقَاتِلِهِ دُرَرٌ، وَسَيَتَّضِحُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَقَتَلَ الْقَاتِلَ أَجْنَبِيٌّ (عَلَى التَّأْبِيدِ عَمْدًا) وَهُوَ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ لَا الْمُسْتَأْمَنُ وَالْحَرْبِيُّ (بِشَرْطِ كَوْنِ الْقَاتِلِ مُكَلَّفًا) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَيْسَ لِصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ عَمْدٌ. فِي الْبَزَّازِيَّةِ: حُكِمَ عَلَيْهِ بِقَوَدٍ فَجُنَّ قَبْلَ دَفْعِهِ لِلْوَلِيِّ انْقَلَبَ دِيَةً. مَنْ يُجَنُّ وَيُفِيقُ قَتَلَ فِي إفَاقَتِهِ قُتِلَ، فَإِنْ جُنَّ بَعْدَهُ، إنْ مُطْبِقًا سَقَطَ، وَإِنْ غَيْرَ مُطْبِقٍ قُتِلَ قَتَلَ عَبْدٌ مَوْلَاهُ عَمْدًا لَا رِوَايَةَ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرَ: يُقْتَلُ. قَتَلَ عَبْدَ الْوَقْفِ عَمْدًا لَا قَوَدَ فِيهِ.   [رد المحتار] قَوْلُهُ لَوْ الْجَانِي مُكَلَّفًا) فَلَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا يَرِثُ كَمَا فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِلسَّيِّدِ ط (قَوْلُهُ لِعَدَمِ قَتْلِهِ) أَيْ مُبَاشَرَةً، وَإِنَّمَا أُلْحِقَ بِالْمُبَاشِرِ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ صِيَانَةً لِلدَّمِ عَنْ الْهَدْرِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَبَقِيَ فِي الْكَفَّارَةِ وَحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ عَلَى الْأَصْلِ كِفَايَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِيمَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ] ُ (قَوْلُهُ مَحْقُونِ الدَّمِ) الْحَقْنُ هُوَ الْمَنْعُ: قَالَ فِي الْمُغْرِبِ حَقَنَ دَمَهُ إذَا مَنَعَهُ أَنْ يُسْفَكَ. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ مُبَاحِ الدَّمِ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ وَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ، وَالْمُرَادُ الْحَقْنُ الْكَامِلُ، فَمَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَدْ صَارَ مَحْقُونَ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَلَا يُقْتَصُّ مِنْ قَاتِلِهِ هُنَاكَ؛ لِأَنَّ كَمَالَ الْحَقْنِ بِالْعِصْمَةِ الْمُقَوِّمَةِ وَالْمُؤَثِّمَةِ وَبِالْإِسْلَامِ حَصَلَتْ الْمُؤَثِّمَةُ دُونَ الْمُقَوِّمَةِ؛ لِأَنَّهَا تَحْصُلُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ، أَفَادَهُ فِي الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ بِالنَّظَرِ لِقَاتِلِهِ) أَيْ لَا مُطْلَقًا، فَإِنَّهُ لَوْ قَتَلَ الْقَاتِلَ عَمْدًا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمَقْتُولِ يُقْتَصُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ الْقَاتِلِ إنْ قَتَلَهُ الْأَجْنَبِيُّ عَمْدًا. قَالَ الْوَانِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ لِاحْتِمَالِ عَفْوِ الْأَوْلِيَاءِ بَعْدَ الْحُكْمِ اهـ ط (قَوْلُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمُسْتَأْمَنِ. وَلَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْحَدِّ قَتْلُ الْمُسْلِمِ ابْنَهُ الْمُسْلِمَ عَمْدًا حَيْثُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ،؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ وَاجِبٌ فِي الْأَصْلِ لَكِنْ انْقَلَبَ مَالًا بِشُبْهَةِ الْأُبُوَّةِ وَذَلِكَ عَارِضٌ، وَالْكَلَامُ فِي الْأَصْلِ وَلِهَذَا كَانَ الِابْنُ شَهِيدًا بِهَذَا الْقَتْلِ فَلَا يُغَسَّلُ، وَكَذَا قَتْلُ عَبْدِ الْوَقْفِ عَمْدًا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ كَمَا يَأْتِي؛ لِأَنَّ الْقَوَدَ هُوَ الْمُوجَبُ الْأَصْلِيُّ وَانْقَلَبَ مَالًا لِعَارِضِ مُرَاعَاةِ نَفْعِ الْوَقْفِ اهـ ط عَنْ الْمَكِّيِّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ لِمَا تَقَرَّرَ إلَخْ) سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ قُبَيْلَ فَصْلِ الْجَنِينِ (قَوْلُهُ انْقَلَبَ دِيَةً) أَيْ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا. وَلَوْ جُنَّ بَعْدَ الدَّفْعِ لَهُ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ كَوْنُهُ مُخَاطَبًا حَالَةَ الْوُجُوبِ وَذَلِكَ بِالْقَضَاءِ وَيَتِمُّ بِالدَّفْعِ، فَإِذَا جُنَّ قَبْلَ الدَّفْعِ تَمَكَّنَ الْخَلَلُ فِي الْوُجُوبِ فَصَارَ كَمَا لَوْ جُنَّ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة (قَوْلُهُ مَنْ يُجَنُّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَيُفِيقُ مِنْ أَفَاقَ ط وَمَنْ مُبْتَدَأٌ وَقَتَلَ الْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ حَالٌ أَوْ شَرْطٌ لِأَدَاةِ شَرْطٍ مَحْذُوفَةٍ وَقُتِلَ الثَّانِي مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ خَبَرٌ بِمَعْنَى يُحْكَمُ بِقَتْلِهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ جُنَّ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ مَا قَتَلَ فِي إفَاقَتِهِ، وَالظَّاهِرُ بِأَنْ يُقَيِّدَ بِمَا إذَا كَانَ جُنُونُهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَالدَّفْعِ أَخْذًا مِمَّا قَبْلَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إنْ مُطْبِقًا) بِأَنْ كَانَ شَهْرًا أَوْ سَنَةً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِيهِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة (قَوْلُهُ سَقَطَ) أَيْ الْقِصَاصُ (قَوْلُهُ وَإِنْ غَيْرَ مُطْبِقٍ قُتِلَ) يَعْنِي بَعْدَ الْإِفَاقَةِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ يُقْتَلُ) وَهَذَا تَقَدَّمَ صَرِيحًا عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَجِنَايَتُهُ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ مُعْتَبَرَةٌ. وَقَالَ الْحَمَوِيُّ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مِنْ جِهَةِ الْآدَمِيَّةِ وَهُوَ فِيهَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمَوْلَى سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا قَوَدَ فِيهِ) بَلْ يَنْقَلِبُ مَالًا لِكَوْنِهِ أَنْفَعَ لِلْوَقْفِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَكِّيِّ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: لَعَلَّ وَجْهَ اشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ حَقُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 532 قَتَلَ خَتَنَهُ عَمْدًا وَبِنْتَهُ فِي نِكَاحِهِ سَقَطَ الْقَوَدُ اهـ (وَ) بِشَرْطِ (انْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ) كَوِلَادٍ أَوْ مِلْكٍ أَوْ أَعَمَّ كَقَوْلِهِ: اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ (بَيْنَهُمَا) كَمَا سَيَجِيءُ (فَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَبِالْعَبْدِ) غَيْرِ الْوَقْفِ كَمَا مَرَّ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّ. وَلَنَا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] فَإِنَّهُ نَاسِخٌ {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة: 178] الْآيَةَ كَمَا رَوَاهُ السُّيُوطِيّ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ عَنْ النَّحَّاسِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَلَى أَنَّهُ تَخْصِيصٌ بِالذَّكَرِ فَلَا يَنْفِي مَا عَدَاهُ. كَيْفَ وَلَوْ دَلَّ لَوَجَبَ أَنْ لَا يُقْتَلَ الذَّكَرُ بِالْأُنْثَى وَلَا قَائِلَ بِهِ. قِيلَ وَلَا الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَرُدَّ بِدُخُولِهِ بِالْأَوْلَى: وَلِأَبِي الْفَتْحِ الْبُسْتِيِّ نَظْمًا قَوْلُهُ: خُذُوا بِدَمِي هَذَا الْغَزَالَ فَإِنَّهُ ... رَمَانِي بِسَهْمَيْ مُقْلَتَيْهِ عَلَى عَمْدِ وَلَا تَقْتُلُوهُ إنَّنِي أَنَا عَبْدُهُ ... وَلَمْ أَرَ حُرًّا قَطُّ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ فَأَجَابَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ رَادًّا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: خُذُوا بِدَمِي مَنْ رَامَ قَتْلِي بِلَحْظِهِ ... وَلَمْ يَخْشَ بَطْشَ اللَّهِ فِي قَاتِلِ الْعَمْدِ وَقُودُوا بِهِ جَبْرًا وَإِنْ كُنْت عَبْدَهُ ... لِيَعْلَمَ أَنَّ الْحُرَّ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ   [رد المحتار] الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا يَلْزَمُ الْقَاتِلَ وَلَعَلَّهُ الْقِيمَةُ فَلْيُنْظَرْ اهـ. أَقُولُ: قَالَ فِي وَقْفِ الْبَحْرِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَجِبُ قِيمَتُهُ، كَمَا لَوْ قُتِلَ خَطَأً وَيَشْتَرِي بِهَا الْمُتَوَلِّي عَبْدًا وَيَصِيرُ وَقْفًا كَمَا لَوْ قُتِلَ الْمُدَبَّرُ خَطَأً، وَأَخَذَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ فَإِنَّهُ يَشْتَرِي بِهَا عَبْدًا وَيَصِيرُ مُدَبَّرًا، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ اهـ (قَوْلُهُ قَتَلَ خَتَنَهُ) الْخَتَنُ: هُوَ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ مِثْلُ الْأَبِ وَالْأَخِ هَكَذَا عِنْدَ الْعَرَبِ، وَعِنْدَ الْعَامَّةِ زَوْجُ ابْنَتِهِ مُغْرِبٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي (قَوْلُهُ سَقَطَ الْقَوَدُ) ؛ لِأَنَّهَا وَرِثَتْ قِصَاصًا عَلَى أَبِيهَا اهـ ح. أَقُولُ: بَلْ قَدْ ثَبَتَ لَهَا ابْتِدَاءً لَا إرْثًا كَمَا أَوْرَدَهُ الشَّارِحُ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِيمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَيَسْقُطُ قَوَدٌ وَرِثَهُ عَلَى أَبِيهِ (قَوْلُهُ أَوْ أَعَمَّ كَقَوْلِهِ اُقْتُلْنِي) هَذَا سَقَطَ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا أَوْ أَمَرَ بَدَلَ قَوْلِهِ أَوْ أَعَمَّ وَهُوَ أَوْلَى، وَسَيَأْتِي آخِرَ الْفَصْلِ أَنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَتْنًا (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) فَعِنْدَهُ لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ (قَوْلُهُ أَنَّ النَّفْسَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْمُولُ {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} [المائدة: 45] (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ تَخْصِيصٌ بِالذَّكَرِ إلَخْ) الِاقْتِصَارُ فِي الْآيَةِ عَلَى الْحُرِّ وَهُوَ بَعْضُ مَا شَمِلَهُ قَوْله تَعَالَى {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] لَا يَقْتَضِي نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ الْعَبْدِ فَهُوَ كَالْمُقَابَلَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى} [البقرة: 178] وَلَمْ يُمْنَعْ قَتْلُ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَفِي مُقَابَلَةِ الْأُنْثَى بِالْأُنْثَى دَلِيلٌ عَلَى جَرَيَانِ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ (قَوْلُهُ قِيلَ وَلَا الْحُرُّ بِالْعَبْدِ) صَوَابُهُ وَلَا الْعَبْدُ بِالْحُرِّ كَمَا هُوَ فِي الْمِنَحِ اهـ ح، يَعْنِي أَنَّهُ قِيلَ فِي الْإِيرَادِ عَلَى الشَّافِعِيِّ: لَوْ دَلَّ قَوْله تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] عَلَى أَنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ لِلتَّخْصِيصِ بِالذَّكَرِ لَوَجَبَ أَنْ لَا يُقْتَلَ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ (قَوْلُهُ وَرُدَّ) أَيْ هَذَا الْقِيلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قُتِلَ الْحُرُّ بِالْحُرِّ بِعِبَارَةِ النَّصِّ يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِهِ بِدَلَالَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ كَمَا دَلَّتْ حُرْمَةُ التَّأْفِيفِ عَلَى حُرْمَةِ الضَّرْبِ وَأَصْلُ الْإِيرَادِ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَالرَّادُّ عَلَيْهِ مُنْلَا خُسْرو وَابْنُ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي الْفَتْحِ إلَخْ) سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ خُذُوا بِدَمِي إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ صِدْقِ الْمَحَبَّةِ (قَوْلُهُ وَلَا تَقْتُلُوهُ إلَخْ) فِيهِ مُنَافَاةٌ لِمَا قَبْلَهُ فَإِنَّ الْأَخْذَ بِالدَّمِ يَقْتَضِي الْقَتْلَ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا تَجِبُ دِيَتُهُ عَلَى مَوْلَاهُ ط (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ حُرًّا قَطُّ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي مَذْهَبِي لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ (قَوْلُهُ لِيَعْلَمَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِعَبْدِ نَفْسِهِ فَإِنْ أَرَادَ عَبْدَ غَيْرِهِ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ وَإِنْ كُنْت عَبْدَهُ اهـ ح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 533 (وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ) خِلَافًا لَهُ (لَا هُوَ بِمُسْتَأْمَنٍ بَلْ هُوَ بِمِثْلِهِ قِيَاسًا) لِلْمُسَاوَاةِ لَا اسْتِحْسَانًا لِقِيَامِ الْمُبِيحِ هِدَايَةٌ وَمُجْتَبًى وَدُرَرٌ وَغَيْرُهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِالْعَمَلِ بِهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ مَضْبُوطَةٍ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا، وَقَدْ اقْتَصَرَ مُنْلَا خُسْرو فِي مَتْنِهِ عَلَى الْقِيَاسِ اهـ، يَعْنِي فَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى عَادَتِهِ. قُلْت: وَيَعْضُدُهُ عَامَّةُ الْمُتُونِ حَتَّى الْمُلْتَقَى (وَ) يُقْتَلُ (الْعَاقِلُ بِالْمَجْنُونِ وَالْبَالِغُ بِالصَّبِيِّ وَالصَّحِيحُ بِالْأَعْمَى وَالزَّمِنِ وَنَاقِصِ الْأَطْرَافِ وَالرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ) بِالْإِجْمَاعِ. (وَالْفَرْعُ بِأَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا لَا بِعَكْسِهِ) خِلَافًا لِمَالِكٍ فِيمَا إذَا ذَبَحَ ابْنَهُ ذَبْحًا أَيْ لَا يَقْتَصُّ الْأُصُولُ وَإِنْ عَلَوْا مُطْلَقًا وَلَوْ إنَاثًا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فِي نَفْسٍ أَوْ أَطْرَافٍ بِفُرُوعِهِمْ وَإِنْ سَفَلُوا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ   [رد المحتار] أَقُولُ: الْمُرَادُ إظْهَارُ الْحُكْمِ بِأُسْلُوبٍ لَطِيفٍ، فَلَا يُدَقَّقُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يُعْتَرَضَ بِأَنَّهُ قَالَ مَنْ رَامَ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالْقَتْلِ، وَبِأَنَّ الْقَتْلَ بِمُجَرَّدِ اللَّحْظِ لَا يُقَادُ بِهِ إذْ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الْعَمْدِ، وَقَدْ نَظَمْت ذَلِكَ خَالِيًا عَنْ الطَّعْنِ مَعَ الْأَدَبِ وَمُرَاعَاةِ مَا لِلْحَبِيبِ عَلَى مَنْ أَحَبَّ فَقُلْت: دَعُوا مَنْ بِرُمْحِ الْقَدِّ قَدْ قَدَّ مُهْجَتِي ... وَصَارِمِ لَحْظٍ سَلَّهُ لِي عَلَى عَمْدِ فَلَا قَوَدٌ فِي قَتْلِ مَوْلًى لِعَبْدِهِ ... وَإِنْ كَانَ شَرْعًا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ (قَوْلُهُ وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ) لِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَحَدِيثِ ابْنِ السَّلْمَانِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ " ' «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ قَتَلَ مُعَاهَدًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ عُنُقُهُ وَقَالَ أَنَا أَوْلَى مَنْ وَفَى بِذِمَّتِهِ» وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا، وَلِهَذَا يُقْطَعُ الْمُسْلِمُ بِسَرِقَةِ مَالِ الذِّمِّيِّ مَعَ أَنَّ أَمْرَ الْمَالِ أَهْوَنُ مِنْ النَّفْسِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ وَلَا ذِمِّيٌّ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ، فَقَوْلُهُ وَلَا ذُو عَهْدٍ: أَيْ ذِمِّيٌّ عَطْفٌ عَلَى مُؤْمِنٍ. وَلَئِنْ صَحَّ أَنَّهُ رُوِيَ ذِي عَهْدٍ بِالْجَرِّ فَعَلَى الْجِوَارِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِسَيِّدِنَا الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ لَا هُمَا بِمُسْتَأْمَنٍ) أَيْ لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ بِمُسْتَأْمَنٍ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَإِنَّهُ عَلَى عَزْمِ الْعَوْدِ وَالْمُحَارَبَةِ اخْتِيَارٌ (قَوْلُهُ لِلْمُسَاوَاةِ) أَيْ بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِينَ مِنْ حَيْثُ حَقْنُ الدَّمِ (قَوْلُهُ لِقِيَامِ الْمُبِيحِ) وَهُوَ عَزْمُهُ عَلَى الْمُحَارَبَةِ بِالْعَوْدِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ) يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ط (قَوْلُهُ وَيُعَضِّدُهُ) أَيْ الْقِيَاسَ (قَوْلُهُ عَامَّةُ الْمُتُونِ) كَالْوِقَايَةِ وَالْإِصْلَاحِ وَالْغُرَرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَسْأَلَةَ فِي الْكَنْزِ وَالْمَجْمَعِ وَالْمَوَاهِبِ وَدُرَرِ الْبِحَارِ. وَأَمَّا فِي الْهِدَايَةِ فَقَالَ: وَيُقْتَلُ الْمُسْتَأْمَنُ بِالْمُسْتَأْمَنِ قِيَاسًا، وَلَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا، وَمِثْلُهُ فِي التَّبْيِينِ وَالْجَوْهَرَةِ، نَعَمْ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: وَقِيلَ لَا يُقْتَلُ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ (قَوْلُهُ وَالْبَالِغُ بِالصَّبِيِّ) قَتَلَ صَبِيًّا خَرَجَ رَأْسُهُ وَاسْتَهَلَّ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَلَوْ خَرَجَ نِصْفُهُ مَعَ الرَّأْسِ أَوْ الْأَكْثَرِ مَعَ الْقَدَمَيْنِ فَفِيهِ الْقَوَدُ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي قَطْعِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ مُجْتَبًى وتتارخانية عَنْ الْمُنْتَقَى (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ) عَبَّرَ ابْنُ الْكَمَالِ بِالسَّالِمِ، ثُمَّ قَالَ لَمْ يَقُلْ وَالصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَفْقُودَ فِي الْأَعْمَى هُوَ السَّلَامَةُ دُونَ الصِّحَّةِ، وَلِذَا اُحْتِيجَ إلَى ذِكْرِ سَلَامَةِ الْعَيْنَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِ الصِّحَّةِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ وَالزَّمِنُ) هُوَ مَنْ طَالَ مَرَضُهُ زَمَانًا مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ وَنَاقِصُ الْأَطْرَافِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعُمُومَاتِ، وَلِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا التَّفَاوُتَ فِيمَا وَرَاءَ الْعِصْمَةِ مِنْ الْأَطْرَافِ وَالْأَوْصَافِ امْتَنَعَ الْقِصَاصُ وَأَدَّى ذَلِكَ إلَى التَّقَاتُلِ وَالتَّغَابُنِ اخْتِيَارٌ، حَتَّى لَوْ قَتَلَ رَجُلًا مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالْمَذَاكِيرِ وَمَفْقُودَ الْعَيْنَيْنِ يَجِبُ الْقِصَاصُ إذَا كَانَ عَمْدًا جَوْهَرَةٌ عَنْ الْخُجَنْدِيِّ (قَوْلُهُ لَا بِعَكْسِهِ) الْأَصْوَبُ حَذْفُ الْبَاءِ (قَوْلُهُ أَيْ لَا يُقْتَصُّ إلَخْ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 534 بِوَلَدِهِ» وَهُوَ وَصْفٌ مُعَلَّلٌ بِالْجُزْئِيَّةِ فَيَتَعَدَّى لِمَنْ عَلَا؛ لِأَنَّهُمْ أَسْبَابٌ فِي إحْيَائِهِ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِإِفْنَائِهِمْ، وَحِينَئِذٍ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْأَبِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ هَذَا عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ حَالَّةً كَبَدَلِ الصُّلْحِ زَيْلَعِيٌّ وَجَوْهَرَةٌ، وَسَيَجِيءُ فِي الْمَعَاقِلِ. وَفِي الْمُلْتَقَى: وَلَا قِصَاصَ عَلَى شَرِيكِ الْأَبِ أَوْ الْمَوْلَى أَوْ الْمُخْطِئِ أَوْ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ وَكُلِّ مَنْ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ عَدَمِ تَجَزُّؤِ الْقِصَاصِ فَلَا يُقْتَلُ الْعَامِدُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ بُرْهَانٌ (وَلَا سَيِّدٌ بِعَبْدِهِ) أَيْ بِعَبْدِ نَفْسِهِ (وَمُدَبَّرِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَعَبْدِ وَلَدِهِ) هَذَا دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِمْ: وَمَنْ مَلَك قِصَاصًا عَلَى أَبِيهِ سَقَطَ كَمَا سَيَجِيءُ (وَلَا بِعَبْدٍ يَمْلِكُ بَعْضَهُ) ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَجَزَّأُ (وَلَا بِعَبْدِ الرَّهْنِ حَتَّى يَجْتَمِعَ الْعَاقِدَانِ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا قَوَدَ وَإِنْ اجْتَمَعَا جَوْهَرَةٌ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الدُّرَرِ مَعْزِيًّا لِلْكَافِي كَمَا فِي الْمِنَحِ، لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ. بَقِيَ لَوْ اخْتَلَفَا فَلَهُمَا الْقِيمَةُ تَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَلَوْ قَتَلَ عَبْدَ الْإِجَارَةِ فَالْقَوَدُ لِلْمُؤَجِّرِ. وَأَمَّا الْمَبِيعُ إذَا قُتِلَ فِي يَدِ بَائِعِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِنْ أَجَازَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ فَالْقَوَدُ لَهُ، وَإِنْ رَدَّهُ فَلِلْبَائِعِ الْقَوَدُ، وَقِيلَ الْقِيمَةُ جَوْهَرَةٌ   [رد المحتار] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ لَا بِعَكْسِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ إنَاثًا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ) تَفْسِيرٌ لِلْإِطْلَاقِ فَلَا يُقْتَلُ الْجَدُّ لِأَبٍ أَوْ أُمٍّ وَإِنْ عَلَا وَكَذَا الْجَدَّاتُ (قَوْلُهُ بِفُرُوعِهِمْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا يُقْتَصُّ (قَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِإِفْنَائِهِمْ) أَيْ كُلًّا أَوْ جُزْءًا لِيَدْخُلَ الْأَطْرَافُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُلْتَقَى إلَخْ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَلَوْ اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فِي قَتْلِ إنْسَانٍ أَحَدُهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَوْ انْفَرَدَ وَالْآخَرُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَالْأَبِ وَالْخَاطِئِ وَالْعَامِدِ، أَوْ أَحَدُهُمَا بِالسَّيْفِ وَالْآخَرُ بِالْعَصَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ، وَاَلَّذِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَوْ انْفَرَدَ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَالْخَاطِئِ، وَاَلَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَوْ انْفَرَدَ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَهَذَا فِي غَيْرِ شَرِيكِ الْأَبِ، فَأَمَّا الْأَبُ وَالْأَجْنَبِيُّ إذَا اشْتَرَكَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ انْفَرَدَ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ اهـ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ آخِرَ الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ لَا سَيِّدٌ بِعَبْدِهِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ عَبْدَهُ مَالُهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ عَلَى نَفْسِهِ وَالْمُدَبَّرُ مَمْلُوكٌ، وَالْمُكَاتَبُ رَقِيقُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَعَبْدُ وَلَدِهِ فِي حُكْمِ مِلْكِهِ لِحَدِيثِ «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» لَكِنْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْكُلِّ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ قَوْلُهُ وَعَبْدُ وَلَدِهِ وَأَرَادَ بِهِ بَيَانَ الْعِلَّةِ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَلَا بِعَبْدِ الرَّهْنِ) أَيْ وَلَا يُقْتَلُ قَاتِلُ عَبْدِ الرَّهْنِ حَتَّى يَجْتَمِعَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَا يَلِي الْقِصَاصَ وَالرَّاهِنُ لَوْ تَوَلَّاهُ لَبَطَلَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ، فَيُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمَا لِيَسْقُطَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِرِضَاهُ اهـ دُرَرٌ. وَفِيهِ أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمُرْتَهِنِ قَدْ تَمَّ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ فَمَا الدَّاعِي لِرِضَاهُ بَعْدَ سُقُوطِ حَقِّهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ غَيْرُ مُتَقَرِّرٍ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْقَوَدِ إمَّا بِالصُّلْحِ أَوْ بِدَعْوَى الشُّبْهَةِ بِالْقَتْلِ فَيَصِيرُ خَطَأً اهـ ط (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يُحْمَلُ مَا فِي الدُّرَرِ مِنْ أَنَّهُ لَا قَوَدَ وَإِنْ اجْتَمَعَا (قَوْلُهُ أَنَّهُ) أَيْ مَا فِي الدُّرَرِ أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الطَّلَبُ كَمُكَاتَبٍ تَرَكَ وَفَاءً وَوَارِثًا، لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَلَا وَلَاءَ فَلَمْ يُشْبِهْ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ بَقِيَ لَوْ اخْتَلَفَا) أَيْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِصَاصَ وَالْآخَرُ الدِّيَةَ، وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ حَتَّى يَجْتَمِعَ الْعَاقِدَانِ (قَوْلُهُ فَالْقَوَدُ لِلْمُؤَجِّرِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ وَلَمْ يَبْقَ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَقٌّ فِيهِ وَلَا فِي بَدَلِهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَجَازَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ) أَيْ أَمْضَاهُ عَلَى حَالِهِ وَلَمْ يَخْتَرْ فَسْخَهُ وَالرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْقُوفًا وَإِلَّا لَمَا صَحَّتْ الْإِجَازَةُ بَعْدَ هَلَاكِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَالْقَوَدُ لَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَدَّهُ) أَيْ فَسَخَ الْبَيْعَ وَرَجَعَ بِالثَّمَنِ (قَوْلُهُ فَلِلْبَائِعِ الْقَوَدُ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ ارْتَفَعَ وَظَهَرَ أَنَّهُ الْمَالِكُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ الْقِيمَةُ) هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْقِصَاصُ عِنْدَ الْجِرَاحَةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي جَوْهَرَةٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 535 (وَلَا بِمُكَاتَبٍ) وَكَذَا ابْنَهِ وَعَبْدَهُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قُتِلَ عَمْدًا) لَا حَاجَةَ لِقَيْدِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي كُلِّ قَوَدٍ (عَنْ وَفَاءٍ وَوَارِثٍ وَسَيِّدٍ وَإِنْ اجْتَمَعَا) لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي مَوْتِهِ حُرًّا أَوْ رَقِيقًا فَاشْتَبَهَ الْوَلِيُّ فَارْتَفَعَ الْقَوَدُ (فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ وَارِثًا غَيْرَ سَيِّدِهِ سَوَاءٌ تَرَكَ وَفَاءً أَوْ لَا أَوْ تَرَكَ وَارِثًا وَلَا وَفَاءَ أَقَادَ سَيِّدَهُ) لِتَعَيُّنِهِ. وَفِي أُولَى الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ. (وَيَسْقُطُ قَوَدٌ) قَدْ (وَرِثَهُ عَلَى أَبِيهِ) أَيْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ لَا يَسْتَوْجِبُ الْعُقُوبَةَ عَلَى أَصْلِهِ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا قَتَلَ الْأَبُ أَب امْرَأَتِهِ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهَا ثُمَّ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ فَإِنَّ ابْنَهَا مِنْهُ يَرِثُ الْقَوَدَ الْوَاجِبَ عَلَى أَبِيهِ فَسَقَطَ لِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا تَصْوِيرُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فَثُبُوتُهُ فِيهِ لِلِابْنِ ابْتِدَاءً لَا إرْثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ اتَّحَدَ الْحَكْمُ كَمَا لَا يَخْفَى.   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَكَذَا ابْنُهُ وَعَبْدُهُ) الضَّمِيرُ لِلْمُكَاتَبِ (قَوْلُهُ عَنْ وَفَاءٍ) أَيْ عَنْ مَالٍ يَفِي بِبَدَلِ كِتَابَتِهِ (قَوْلُهُ فَاشْتَبَهَ الْوَلِيُّ) فَإِنْ قُلْنَا مَاتَ حُرًّا فَالْوَلِيُّ وَارِثُهُ أَوْ رَقِيقًا فَسَيِّدُهُ (قَوْلُهُ لِتَعَيُّنِهِ) أَيْ تَعَيُّنِ الْوَلِيِّ فِي الثَّلَاثِ وَهُوَ السَّيِّدُ (قَوْلُهُ وَفِي أُولَى الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ) سَبْقُ قَلَمٍ تَبِعَ فِيهِ ابْنَ كَمَالٍ: قَالَ ح: وَصَوَابُهُ ثَانِيَةُ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ، وَهِيَ مَا إذَا لَمْ يَدَّعِ وَارِثًا غَيْرَ سَيِّدِهِ وَتَرَكَ وَفَاءً؛ لِأَنَّ خِلَافَ مُحَمَّدٍ فِيهَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ اهـ. لَهُ أَنَّهُ اشْتَبَهَ سَبَبُ الِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لَهُ إنْ مَاتَ حُرًّا وَالْمِلْكَ إنْ مَاتَ عَبْدًا. وَلَهُمَا أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لِلْمَوْلَى بِيَقِينٍ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَوَدَ فِي الرَّابِعَةِ وَهِيَ مَا إذَا تَرَكَ وَارِثًا وَلَا وَفَاءَ لَهُ قَيَّدَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالْمُكَاتَبَةِ أَيْضًا، فَإِنْ كَانَ فِيهَا وَفَاءٌ لَا قِصَاصَ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْعَمْدِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْقِصَاصَ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى الْمَالِ بِغَيْرِ رِضَا الْقَاتِلِ مُرَاعَاةً لِحَقِّ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ، كَمَا إذَا كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءَ كَانَ لِلْمَقْطُوعِ يَدُهُ الْعُدُولُ إلَى الْمَالِ بِلَا رِضَاهُ مُرَاعَاةً لِحَقِّهِ لِمَا لَمْ يَجِبْ مِثْلُ حَقِّهِ بِكَمَالِهِ فَكَذَا هُنَا؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ أَنْفَعُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ وَحُرِّيَّةِ أَوْلَادِهِ إذَا أَدَّى الْبَدَلَ مِنْهَا وَبِالْقِصَاصِ بِمَوْتِ عَبْدٍ أَوْ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْقِيمَةِ أَوْلَى اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَالْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ وَرِثَهُ عَلَى أَبِيهِ) أَيْ اسْتَحَقَّهُ قُهُسْتَانِيٌّ فَيَشْمَلُ ثُبُوتَهُ ابْتِدَاءً، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ قَبْلَهُ وَمَنْ مَلَكَ قِصَاصًا إلَخْ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِيرَادُ الْآتِي، لَكِنْ فِيهِ أَنَّ صُورَةَ ثُبُوتِ الْقَوَدِ لِلْفَرْعِ عَلَى أَصْلِهِ ابْتِدَاءً تَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ لَا بِعَكْسِهِ فَلِذَا عَبَّرَ هُنَا بِالْإِرْثِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ أَيْ أَصْلِهِ) لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ كَانَ فِي وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ وَلَدُ الْقَاتِلِ أَوْ وَلَدُ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ بَطَلَ الْقِصَاصُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ اهـ (قَوْلُهُ مَثَلًا) أَيْ أَوْ أَخَاهَا أَوْ ابْنَهَا مِنْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ) كَذَا أَطْلَقُوهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْتُهَا بَعْدَ مَا أَبَانَهَا زَوْجُهَا الْقَاتِلُ حَتَّى يَظْهَرَ كَوْنُ الْعِلَّةِ هِيَ إرْثُ ابْنِهِ قِصَاصًا عَلَيْهِ، وَإِلَّا كَانَ وَارِثًا مِنْهَا جُزْءًا مِنْ الْقِصَاصِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقِصَاصُ بِذَلِكَ أَيْضًا. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ قَتَلَ أَحَدُهُمْ أَبَاهُمْ عَمْدًا فَلِلْبَاقِينَ قَتْلُهُ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ لِلثَّالِثِ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ وَرِثَ جُزْءًا مِنْ نَصِيبِ الْمَيِّتِ مِنْ الْقِصَاصِ فَسَقَطَ عَنْهُ وَانْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا فَعَلَيْهِ لِلْآخَرِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ فِي فَثَلَاثَ سِنِينَ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: قَتَلَ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَبِيهِمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ أُمَّهُمَا فَلِلْأَوَّلِ قَتْلُ الثَّانِي بِالْأُمِّ وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ عَنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ وَرِثَ مِنْ الْأُمِّ الثُّمُنَ مِنْ دَمِ نَفْسِهِ فَسَقَطَ عَنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَانْقَلَبَ الْبَاقِي مَالًا فَيَغْرَمُ لِوَرَثَةِ الثَّانِي سَبْعَةَ أَثْمَانِ الدِّيَةِ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا تَصْوِيرُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ) حَيْثُ قَالَ: أَيْ إذَا قَتَلَ الْأَبُ شَخْصًا وَوَلِيَ الْقِصَاصَ ابْنُ الْقَاتِلِ يَسْقُطُ اهـ. وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يَقْتُلَ أُمَّ ابْنِهِ عَمْدًا أَوْ أَخَا وَلَدِهِ مِنْ أُمِّهِ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ فَثُبُوتُهُ فِيهِ لِلِابْنِ ابْتِدَاءً لَا إرْثًا) بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ عَفْوُ الْوَارِثِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَالْمُوَرِّثُ لَا يَمْلِكُ الْقِصَاصَ بَعْدَ الْمَوْتِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 536 وَفِي الْجَوْهَرَةِ: لَوْ عَفَا الْمَجْرُوحُ أَوْ وَارِثُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ صَحَّ اسْتِحْسَانًا لِانْعِقَادِ السَّبَبِ لَهُمَا. (لَا قَوَدَ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ مُسْلِمًا ظَنَّهُ مُشْرِكًا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مِنْ الْخَطَأِ وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِيُبَيِّنَ مُوجَبَهُ بِقَوْلِهِ (بَلْ) الْقَاتِلُ (عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَدِيَةٌ) قَالُوا هَذَا إذَا اخْتَلَطُوا، فَإِنْ كَانَ فِي صَفِّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِسُقُوطِ عِصْمَتِهِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» . قُلْت: فَإِذَا كَانَ مُكَثِّرُ سَوَادِهِمْ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَتَزَيَّ بِزِيِّهِمْ فَكَيْفَ بِمَنْ تَزَيَّا قَالَهُ الزَّاهِدِيُّ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: حَتَّى لَوْ تَشَكَّلَ جِنِّيٌّ بِمَا يُبَاحُ قَتْلُهُ كَحَيَّةٍ فَيَنْبَغِي الْإِقْدَامُ عَلَى قَتْلِهِ ثُمَّ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ جِنِّيٌّ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَلَا يُقَادُ إلَّا بِالسَّيْفِ) وَإِنْ قَتَلَهُ بِغَيْرِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. وَفِي الدُّرَرِ عَنْ الْكَافِي: الْمُرَادُ بِالسَّيْفِ السِّلَاحُ. قُلْت: وَبِهِ صَرَّحَ فِي حَجِّ الْمُضْمَرَاتِ حَيْثُ قَالَ: وَالتَّخْصِيصُ بِاسْمِ الْعَدَدِ لَا يَمْنَعُ إلْحَاقَ غَيْرِهِ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّا أَلْحَقْنَا الرُّمْحَ وَالْخِنْجَرَ بِالسَّيْفِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» فَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ: مَنْ لَهُ قَوَدٌ قَادَ بِالسَّيْفِ، فَلَوْ أَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ أَوْ قَتَلَهُ بِحَجَرٍ أَوْ بِنَوْعٍ آخَرَ عُزِّرَ وَكَانَ مُسْتَوْفِيًا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالسَّيْفِ السِّلَاحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [رد المحتار] وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّمْلِيكِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً اهـ جَوْهَرَةٌ. ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ عِنْدَ الْبَعْضِ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ. وَأَجَابَ فِي الْمُجْتَبَى بِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلْقِصَاصِ أَوَّلًا هُوَ الْمَقْتُولُ ثُمَّ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ وَالْوِرَاثَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَجْرُوحَ إذَا عَفَا سَقَطَ الْقِصَاصُ وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ أَوَّلًا لِمَا سَقَطَ بِعَفْوِهِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَوْ عَفَا الْمَجْرُوحُ إلَخْ) أَرَادَ بِهِ الْحُرَّ، إذْ الْعَبْدُ لَا يَصِحُّ عَفْوُهُ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِمَوْلَاهُ لَا لَهُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ هَلْ الْعَفْوُ عَنْ الْجِرَاحَةِ أَوْ عَنْ الْجِرَاحَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَنْ الْجِنَايَةِ؟ وَهَلْ ذَلِكَ فِي الْعَمْدِ أَوْ الْخَطَأِ؟ وَهَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْجَانِي أَوْ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ تَسْقُطُ؟ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَصْلٍ فِي الْفِعْلَيْنِ (قَوْلُهُ لِانْعِقَادِ السَّبَبِ لَهُمَا) أَيْ لِلْمَجْرُوحِ أَصَالَةً وَلِلْوَارِثِ نِيَابَةً قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ، تَأَمَّلْ وَارْجِعْ إلَى مَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ كَأَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا ظَنَّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا (قَوْلُهُ لِيُبَيِّنَ مُوجَبَهُ) فِيهِ أَنَّهُ بَيَّنَ مُوجَبَ الْخَطَأِ فِيمَا تَقَدَّمَ فَهُوَ تَكْرَارٌ اهـ ح (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ الزَّاهِدِيِّ فِي الْمُجْتَبَى وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ خِلَافَهُ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: عَلِمَ مُسْلِمًا بِعَيْنِهِ قَدْ جَاءَ بِهِ الْعَدُوُّ مُكْرَهًا فَعَمِدَهُ بِالرَّمْيِ وَهُوَ يَعْلَمُ يَجِبُ الْقَوَدُ قِيَاسًا وَلَا يَجِبُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ فِي مَوْضِعِ إبَاحَةِ الْقَتْلِ يَصِيرُ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْقِصَاصِ، وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَلَا كَفَّارَةَ. وَلَوْ قَالَ وَلِيُّهُ قَصَدْتَهُ بِرَمْيِك بَعْدَ عِلْمِك أَنَّهُ مُكْرَهٌ وَقَالَ الرَّامِي بَلْ قَصَدْتُ الْمُشْرِكِينَ فَالْقَوْلُ لِلرَّامِي لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ وَهُوَ إبَاحَةُ الرَّمْيِ إلَى صَفِّهِمْ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي الْإِقْدَامُ عَلَى قَتْلِهِ) أَيْ يَنْبَغِي جَوَازُ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ وَالْأَوْلَى حَذْفُ الْفَاءِ؛ لِأَنَّهُ جَوَابُ لَوْ. وَفِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَحْكَامِ الْجَانِّ: لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْجِنِّيِّ بِغَيْرِ حَقٍّ كَالْإِنْسِيِّ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْتَلَ الْحَيَّةُ الْبَيْضَاءُ الَّتِي تَمْشِي مُسْتَوِيَةً؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْجَانِّ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ، وَإِيَّاكُمْ وَالْحَيَّةَ الْبَيْضَاءَ فَإِنَّهَا مِنْ الْجِنِّ» وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الْكُلِّ "؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَاهَدَ الْجِنَّ أَنْ لَا يَدْخُلُوا بُيُوتَ أُمَّتِهِ وَلَا يُظْهِرُوا أَنْفُسَهُمْ» ، فَإِذَا خَالَفُوا فَقَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ فَلَا حُرْمَةَ لَهُمْ " وَالْأَوْلَى هُوَ الْإِنْذَارُ وَالْإِعْذَارُ، فَيُقَالُ لَهَا ارْجِعِي بِإِذْنِ اللَّهِ أَوْ خَلِّي طَرِيقَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ أَبَتْ قَتَلَهَا، وَالْإِنْذَارُ إنَّمَا يَكُونُ خَارِجَ الصَّلَاةِ اهـ وَتَمَامُهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) حَيْثُ قَالَ يُقْتَلُ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ بِهِ إلَّا إذَا قَتَلَ بِاللِّوَاطَةِ أَوْ إيجَارِ الْخَمْرِ فَيُقْتَلُ بِالسَّيْفِ (قَوْلُهُ أَوْ بِنَوْعٍ آخَرَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ السِّلَاحِ كَأَنْ سَاقَ عَلَيْهِ دَابَّتَهُ أَوْ أَلْقَاهُ فِي نَارٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 537 (وَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ الْقَوَدُ) تَشَفِّيًا لِلصَّدْرِ (وَ) إذَا مَلَكَهُ مَلَكَ (الصُّلْحَ) بِالْأَوْلَى (لَا الْعَفْوَ) مَجَّانًا (بِقَطْعِ يَدِهِ) أَيْ فِي يَدِ الْمَعْتُوهِ (وَقَتْلِ قَرِيبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ إبْطَالُ حَقِّهِ وَلَا يَمْلِكُهُ (وَتَقَيَّدَ صُلْحُهُ بِقَدْرِ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَإِنْ وَقَعَ بِأَقَلَّ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ) الصُّلْحُ (وَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً) ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ لِلْمَعْتُوهِ (وَالْقَاضِي كَالْأَبِ) فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْأَصَحِّ كَمَنْ قُتِلَ وَلَا وَلِيَّ لَهُ لِلْحَاكِمِ قَتْلُهُ وَالصُّلْحُ لَا الْعَفْوُ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ لِلْعَامَّةِ (وَالْوَصِيُّ) كَالْأَخِ   [رد المحتار] (قَوْلُهُ وَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ) هُوَ النَّاقِصُ الْعَقْلَ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ مِنَحٌ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ الْقَوَدُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْوِلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي فَيَلِيهِ الْأَبُ كَالْإِنْكَاحِ وَلَكِنْ كُلُّ مَنْ مَلَكَ الْإِنْكَاحَ لَا يَمْلِكُ الْقَوَدَ فَإِنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ وَلَا يَمْلِكُ الْقَوَدَ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِتَشَفِّي الصَّدْرِ، وَلِلْأَبِ شَفَقَةٌ كَامِلَةٌ يَعُدُّ ضَرَرَ الْوَلَدِ ضَرَرَ نَفْسِهِ فَلِذَا جُعِلَ التَّشَفِّيَ لِلْأَبِ كَالْحَاصِلِ لِلِابْنِ بِخِلَافِ الْأَخِ كَذَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ. وَاعْتَرَضَهُمْ الْأَتْقَانِيُّ بِأَنَّ الْأَخَ يَمْلِكُهُ أَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ أَقْرَبُ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ أَقْرَبُ مِنْهُ لَمْ يَمْلِكْ الْإِنْكَاحَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الدَّمَ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ مَالَ الْمَقْتُولِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ حَتَّى الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْخِيُّ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَتَلَ ابْنَ الْمَعْتُوهِ مَثَلًا كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِمَالِهِ. وَإِذَا كَانَ لِلْمَعْتُوهِ أَخٌ أَوْ عَمٌّ وَلَا أَبَ لَهُ كَيْفَ يُقَالُ أَنَّ الْأَخَ أَوْ الْعَمَّ يَسْتَحِقُّ دَمَ ابْنِ الْمَعْتُوهِ فِي حَيَاةِ الْمَعْتُوهِ مَعَ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمَعْتُوهِ أَصْلًا: عَلَى أَنَّ وَصِيَّ الْمَعْتُوهِ الَّذِي لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ الْقَوَدُ فَكَيْفَ الْأَخُ الَّذِي لَا وِلَايَةَ لَهُ، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ هُوَ الْمَعْتُوهَ نَفْسَهُ صَحَّ مَا قَالَهُ وَكَأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحَالُ وَلِهَذَا قَالَ فِي السَّعْدِيَّةِ إنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا قُتِلَ وَلِيُّ الْمَعْتُوهِ كَابْنِهِ وَأَبُو الْمَعْتُوهِ حَيٌّ لَا فِيمَا إذَا قُتِلَ الْمَعْتُوهُ اهـ (قَوْلُهُ مَلَكَ الصُّلْحَ بِالْأَوْلَى) ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ فِي حَقِّ الْمَعْتُوهِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ بِقَطْعِ يَدِهِ وَقَتْلِ وَلِيِّهِ) تَنَازَعَهُ كُلٌّ مِنْ الْقَوَدِ وَالصُّلْحِ وَالْعَفْوِ (قَوْلُهُ وَقَتْلِ وَلِيِّهِ) أَيْ وَلِيِّ الْمَعْتُوهِ كَابْنِهِ وَأُمِّهِ مِنَحٌ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَقَتْلِ قَرِيبِهِ وَهُوَ أَظْهَرُ، وَبِهِ فُسِّرَ الْوَلِيُّ فِي النِّهَايَةِ. ثُمَّ قَالَ يَعْنِي إذَا كَانَ لِلْمَعْتُوهِ ابْنٌ فَقُتِلَ ابْنُهُ فَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ وَهُوَ جَدُّ الْمَقْتُولِ وِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَوِلَايَةُ الصُّلْحِ اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إبْطَالُ حَقِّهِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا الْعَفْوَ مَجَّانًا (قَوْلُهُ وَتَقَيَّدَ صُلْحُهُ) أَيْ صُلْحُ الْأَبِ (قَوْلُهُ وَإِنْ وَقَعَ بِأَقَلَّ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ) اعْتَرَضَهُ الأتقاني بِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَدْرِ الدِّيَةِ بَلْ أَطْلَقَ. وَفِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ: وَإِذَا وَجَبَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ قِصَاصٌ فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا دُونَهَا فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ جَازَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا. وَنَقَلَ الشَّلَبِيُّ عَنْ قَارِئِ الْهِدَايَةِ أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ وَهْمٌ. قَالَ أَبُو السُّعُودِ: كَيْفَ يَكُونُ وَهْمًا مَعَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْكَرْخِيُّ اهـ. أَقُولُ: عَبَّرَ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ بَدَلَ قَوْلِهِ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ بِقَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ الْحَطُّ، وَإِنْ قَلَّ يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ الصُّلْحَ صَحِيحٌ دُونَ الْحَطِّ وَلِذَا وَجَبَ كَمَالُ الدِّيَةِ وَإِلَّا كَانَ الْوَاجِبُ الْقَوَدَ، وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ، فَمَا صَرَّحَ بِهِ الْكَرْخِيُّ وَأَفَادَهُ كَلَامُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ مِنْ صِحَّةِ الصُّلْحِ الْمُرَادُ بِهِ صِحَّتُهُ بِإِلْزَامِ تَمَامِ الدِّيَةِ، وَهُوَ مُرَادُ مَنْ قَالَ لَمْ يَجُزْ الْحَطُّ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ هُنَا تَبَعًا لِلْمِنَحِ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ مُرَادُهُ لَمْ يَلْزَمْ بِذَلِكَ الْقَدْرِ النَّاقِصِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِمَا قَالَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ لَكَانَ أَنْسَبَ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ اعْتِرَاضَ الْإِمَامِ الأتقاني فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ لِلْمَعْتُوهِ) الْوَاقِعُ فِي كَلَامِهِمْ ذِكْرُ هَذَا التَّعْلِيلِ عِنْدَ قَوْلِهِ مَلَكَ الصُّلْحَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَالظَّاهِرُ التَّعْلِيلُ هُنَا بِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّهِ نَظِيرَ مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ وَالصُّلْحَ) يَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَبِ أَنْ يَتَقَيَّدَ صُلْحُهُ بِقَدْرِ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ ط: أَيْ فَلَا يَجُوزُ الْحَطُّ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَالْوَصِيُّ كَالْأَخِ يُصَالِحُ) الْوَصِيُّ مُبْتَدَأٌ وَجُمْلَةُ يُصَالِحُ خَبَرٌ وَكَالْأَخِ حَالٌ وَالْكَافُ فِيهِ لِلتَّنْظِيرِ، وَالصَّوَابُ إسْقَاطُهُ، لَكِنْ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ أَيْ فِي كَوْنِهِ لَا يَمْلِكُ الْقَوَدَ لَا فِي أَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 538 (يُصَالِحُ) عَنْ الْقَتْلِ (فَقَطْ) بِقَدْرِ الدِّيَةِ، وَلَهُ الْقَوَدُ فِي الْأَطْرَافِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ (وَالصَّبِيُّ كَالْمَعْتُوهِ) فِيمَا ذُكِرَ (وَلِلْكِبَارِ الْقَوَدُ قَبْلَ كِبَرِ الصِّغَارِ) خِلَافًا لَهُمَا. وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَتَجَزَّأُ إذَا وُجِدَ سَبَبُهُ كَامِلًا ثَبَتَ لِكُلٍّ عَلَى الْكَمَالِ كَوِلَايَةِ إنْكَاحٍ   [رد المحتار] الْأَخَ يُصَالِحُ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِ أَخِيهِ اهـ وَهُوَ بَعِيدٌ. (قَوْلُهُ يُصَالِحُ عَنْ الْقَتْلِ فَقَطْ) أَيْ لَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ لِمَا مَرَّ، وَلَا الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَهَذَا مِنْ قَبِيلِهِ ابْنُ كَمَالٍ وَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَ قَوْلِهِ عَنْ الْقَتْلِ فَإِنَّ لَهُ الصُّلْحَ عَنْ الطَّرَفِ أَيْضًا، نَعَمْ فِي صُلْحِهِ عَنْ الْقَتْلِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّ الرِّوَايَاتِ اتَّفَقَتْ فِي أَنَّ الْأَبَ لَهُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا وَأَنَّ لَهُ الصُّلْحَ فِيهِمَا جَمِيعًا لَا الْعَفْوَ، وَفِي أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ النَّفْسِ وَيَمْلِكُ مَا دُونَهَا وَيَمْلِكُ الصُّلْحَ فِيمَا دُونَهَا وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي صُلْحِ الْوَصِيِّ فِي النَّفْسِ عَلَى مَالٍ. فَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هُنَا يَصِحُّ وَفِي كِتَابِ الصُّلْحِ لَا يَصِحُّ اهـ مُلَخَّصًا، وَذَكَرَ الرَّمْلِيُّ تَرْجِيحَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُتَّحِدٌ وَهُوَ التَّشَفِّي هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ) وَلِهَذَا جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ الْقَضَاءَ بِالنُّكُولِ فِي الطَّرَفِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالصَّبِيُّ كَالْمَعْتُوهِ) أَيْ إذَا قَتَلَ قَرِيبَ الصَّبِيِّ فَلِأَبِيهِ وَوَصِيِّهِ مَا يَكُونُ لِأَبِي الْمَعْتُوهِ وَوَصِيِّهِ فَلِأَبِيهِ الْقَوَدُ وَالصُّلْحُ لَا الْعَفْوُ وَلِلْوَصِيِّ الصُّلْحُ فَقَطْ، وَلَيْسَ لِلْأَخِ وَنَحْوِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ كَمَا قَرَرْنَاهُ فِي الْمَعْتُوهِ، وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ إذَا كَانَ كُلَّهُ لِلصَّغِيرِ لَيْسَ لِلْأَخِ الْكَبِيرِ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ، وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا. [تَتِمَّةٌ] أَفْتَى الْحَانُوتِيُّ بِصِحَّةِ صُلْحِ وَصِيِّ الصَّغِيرِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّيَةِ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مُنْكِرًا وَلَمْ يَقْدِرْ الْوَصِيُّ عَلَى إثْبَاتِ الْقَتْلِ قِيَاسًا عَلَى الْمَالِ لِمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا صَالَحَ عَنْ حَقِّ الْمَيِّتِ أَوْ عَنْ حَقِّ الصَّغِيرِ عَلَى رَجُلٍ، فَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِالْمَالِ أَوْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِهِ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الْحَقِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ يَجُوزُ اهـ. (قَوْلُهُ وَلِلْكِبَارِ الْقَوَدُ إلَخْ) أَيْ إذَا قُتِلَ رَجُلٌ لَهُ وَلِيٌّ كَبِيرٌ وَصَغِيرٌ كَانَ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَقْتُلَ قَاتِلَهُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ، وَفِي الْأَصْلِ إنْ كَانَ الْكَبِيرُ أَبًا اسْتَوْفَى الْقَوَدَ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا بِأَنْ قُتِلَ عَبْدٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ أَجْنَبِيَّيْنِ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَفِي الْكَلَامِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْكُلُّ صِغَارًا لَيْسَ لِلْأَخِ وَالْعَمِّ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ كَمَا فِي جَامِعِ الصَّفَّارِ، فَقِيلَ يُنْتَظَرُ بُلُوغُ أَحَدِهِمْ، وَقِيلَ يَسْتَوْفِي السُّلْطَانُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَالْقَاضِي كَالسُّلْطَانِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْكُلُّ كِبَارًا لَيْسَ لِلْبَعْضِ أَنْ يَقْتَصَّ دُونَ الْبَعْضِ وَلَا أَنْ يُوَكِّلَ بِاسْتِيفَائِهِ؛ لِأَنَّ فِي غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ احْتِمَالَ الْعَفْوِ فَالْقِصَاصُ يَسْتَحِقُّهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ مَالَهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَاضِي كَمَا فِي الْخِزَانَةِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً لَمْ يَكُنْ لِلْكَبِيرِ إلَّا اسْتِيفَاءُ حِصَّةِ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْجَامِعِ قُهُسْتَانِيُّ، وَقَوْلُهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَاضِي أَيْ قَضَاؤُهُ: فَمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ سَوَاءٌ قُضِيَ بِهِ أَوْ لَا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّرِيكُ الْكَبِيرُ أَبًا لِلصَّغِيرِ نِهَايَةٌ. وَقَاسَاهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ كَبِيرَيْنِ وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ إلَخْ) اسْتِدْلَالٌ لِقَوْلِ الْإِمَامِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَهُ أَنَّهُ حَقٌّ لَا يَتَجَزَّأُ لِثُبُوتِهِ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْقَرَابَةُ وَاحْتِمَالُ الْعَفْوِ مِنْ الصَّغِيرِ مُنْقَطِعٌ أَيْ فِي الْحَالِ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَامِلًا كَمَا فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ، بِخِلَافِ الْكَبِيرَيْنِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْعَفْوِ مِنْ الْغَائِبِ ثَابِتٌ اهـ. وَاعْتَرَضَ سَعْدِيٌّ كَوْنَ السَّبَبِ هُوَ الْقَرَابَةُ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ لِلزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَلَا قَرَابَةَ. وَأَجَابَ الطُّورِيُّ بِأَنَّهُ عَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 539 وَأَمَانٍ (إلَّا إذَا كَانَ الْكَبِيرُ أَجْنَبِيًّا عَنْ الصَّغِيرِ فَلَا) يَمْلِكُ الْقَوَدَ (حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ) إجْمَاعًا زَيْلَعِيٌّ فَلْيُحْفَظْ. (وَلَوْ قَتَلَ الْقَاتِلَ أَجْنَبِيٌّ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ فِي) الْقَتْلِ (الْعَمْدِ) ؛ لِأَنَّهُ مَحْقُونُ الدَّمِ بِالنَّظَرِ لِقَاتِلِهِ كَمَا مَرَّ (وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) أَيْ الْقَاتِلِ (فِي الْخَطَأِ، وَلَوْ قَالَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ بَعْدَ الْقَتْلِ) أَيْ بَعْدَ قَتْلِ الْأَجْنَبِيِّ (كُنْت أَمَرْته بِقَتْلِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ) عَلَى مَقَالَتِهِ (لَا يُصَدَّقُ) وَيُقْتَلُ الْأَجْنَبِيُّ دُرَرٌ، بِخِلَافِ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي دَارِ رَجُلٍ فَمَاتَ فِيهَا شَخْصٌ فَقَالَ رَبُّ الدَّارِ كُنْت أَمَرْتُهُ بِالْحَفْرِ صُدِّقَ مُجْتَبًى، يَعْنِي؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ لِلْحَالِ فَيُصَدَّقُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ بِالْقَتْلِ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ حَقَّ الْوَلِيِّ يَسْقُطُ رَأْسًا كَمَا لَوْ مَاتَ الْقَاتِلُ حَتْفَ أَنْفِهِ. (وَلَوْ اسْتَوْفَاهُ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا) وَفِي الْمُجْتَبَى وَالدُّرَرِ:   [رد المحتار] التَّغْلِيبِ، أَوْ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الِاتِّصَالُ الْمُوجِبُ لِلْإِرْثِ (قَوْلُهُ وَأَمَانٍ) أَيْ أَمَانِ الْمُسْلِمِ الْحَرْبِيَّ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ الْكَبِيرُ أَجْنَبِيًّا عَنْ الصَّغِيرِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: بِأَنْ كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ صَغِيرٍ وَأَجْنَبِيٍّ فَقُتِلَ عَمْدًا لَيْسَ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ قَبْلَ بُلُوغِهِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ أَبٌ فَيَسْتَوْفِيَانِهِ حِينَئِذٍ اهـ. ثُمَّ قَالَ نَاقِلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمِلْكُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَكَامِلٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ السَّبَبَ فِيهِ الْقَرَابَةُ وَهُوَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ وَتَمَامُهُ فِيهِ. مَبْحَثٌ شَرِيفٌ وَظَاهِرُ هَذَا التَّصْوِيرِ وَالتَّعْلِيلِ، وَمِثْلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْأَصْلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَجْنَبِيِّ مَنْ كَانَ شَرِيكًا فِي الْمِلْكِ لَا فِي الْقَرَابَةِ فَلَوْ قُتِلَ رَجُلٌ وَلَهُ ابْنُ عَمَّةٍ كَبِيرٌ وَابْنُ خَالَةٍ صَغِيرٌ وَهُمَا أَجْنَبِيَّانِ فَلِلْكَبِيرِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْقَرَابَةُ لِلْمَقْتُولِ وَهُوَ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ، وَكَذَا لَوْ قُتِلَ عَنْ زَوْجَةٍ وَابْنٍ صَغِيرٍ مِنْ غَيْرِهَا فَلِلزَّوْجَةِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْقَرَابَةِ مَا يَشْمَلُ الزَّوْجِيَّةَ كَمَا مَرَّ وَبِهِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّلَبِيِّ فِي فَتَاوَاهُ الْمَشْهُورَةِ فِيمَنْ قَتَلَ امْرَأَةً عَمْدًا وَلَهَا زَوْجٌ وَابْنٌ صَغِيرٌ مِنْ غَيْرِهِ فَأَجَابَ لِلزَّوْجِ الْقِصَاصُ قَبْلَ بُلُوغِ الْوَلَدِ، لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا فِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ الْحَانُوتِيِّ حَيْثُ أَفْتَى فِيمَنْ قُتِلَ عَمْدًا وَلَهُ بِنْتٌ بَالِغَةٌ وَابْنٌ صَغِيرٌ وَأَرْبَعُ زَوْجَاتٍ بِأَنَّهُ يَنْتَظِرُ بُلُوغَ الِابْنِ لِكَوْنِ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ أَجْنَبِيَّاتٍ عَنْهُ أَخْذًا مِنْ عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ أَوَّلَ الْفَصْلِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ وَلِيَّ الْقِصَاصِ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ بِنَفْسِهِ وَأَمْرُ غَيْرِهِ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، لَكِنْ لَيْسَ لِلْغَيْرِ اسْتِيفَاؤُهُ بِغَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ أَيْ بَعْدَ قَتْلِ الْأَجْنَبِيِّ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ (قَوْلُهُ كُنْت أَمَرْتُهُ) أَيْ أَمَرْت الْأَجْنَبِيَّ (قَوْلُهُ لَا يُصَدَّقُ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إسْقَاطَ حَقِّ غَيْرِهِ وَهُوَ وَلِيُّ الْقَاتِلِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ يَعْنِي إلَخْ) أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ، وَبِهِ عَلَّلَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ حَيْثُ قَالَ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا يَمْلِكُ (قَوْلُهُ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ) وَهِيَ أَنَّ مَنْ حَكَى أَمْرًا إنْ مَلَكَ اسْتِئْنَافَهُ لِلْحَالِ صُدِّقَ وَإِلَّا فَلَا؛ كَمَا لَوْ أَخْبَرَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ أَنَّهُ رَاجَعَهَا صُدِّقَ، وَلَوْ بَعْدَهَا فَلَا إنْ كَذَّبَتْهُ إلَّا بِبُرْهَانٍ، وَهُنَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَ الْإِذْنِ بِالْحَفْرِ وَلَا يَمْلِكُ الْإِذْنَ بِالْقَتْلِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَهُوَ الْمَقْتُولُ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ إلَخْ) أَيْ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَوْ قَتَلَ الْقَاتِلَ أَجْنَبِيٌّ وَجَبَ الْقِصَاصُ إلَخْ أَنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ يَسْقُطُ حَقُّهُ رَأْسًا أَيْ يَسْقُطُ مِنْ الدِّيَةِ كَمَا سَقَطَ مِنْ الْقِصَاصِ، مِثْلُ لَوْ مَاتَ الْقَاتِلُ بِلَا قَتْلِ أَحَدٍ. وَوَجْهُ الظُّهُورِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ الْقَوَدُ عَيْنًا فَلَا يَصِيرُ مَالًا إلَّا بِالتَّرَاضِي وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا ثُمَّ رَأَيْته فِي التَّتَارْخَانِيَّة حَيْثُ قَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِذَا قُتِلَ الْقَاتِلُ بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ سَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ بِغَيْرِ مَالٍ، وَكَذَا إذَا مَاتَ (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَوْفَاهُ) إلَخْ أَيْ اسْتَوْفَى الْقِصَاصَ الْوَاجِبَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 540 دَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا وَقَتَلَهُ الْآخَرُ إنْ عَلِمَ أَنَّ عَفْوَ بَعْضِهِمْ يُسْقِطُ حَقَّهُ يُقَادُ وَإِلَّا فَلَا وَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ، بِخِلَافِ مُمْسِكِ رَجُلٍ لِيَقْتُلَ عَمْدًا فَقَتَلَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْمُمْسِكَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُشْكِلُ عَلَى النَّاسِ. (جَرَحَ إنْسَانًا وَمَاتَ) الْمَجْرُوحُ (فَأَقَامَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبِ الْجُرْحِ، وَأَقَامَ الضَّارِبُ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَرِيءَ) مِنْ الْجُرْحِ (وَمَاتَ بَعْدَ مُدَّةٍ فَبَيِّنَةُ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَوْلَى) كَذَا فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ مَعْزِيًّا لِلْحَاوِي. (أَقَامَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ جَرَحَهُ زَيْدٌ وَقَتَلَهُ وَأَقَامَ زَيْدٌ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الْمَقْتُولَ قَالَ إنَّ زَيْدًا لَمْ يَجْرَحْنِي وَلَمْ يَقْتُلْنِي فَبَيِّنَةُ زَيْدٍ أَوْلَى) كَذَا فِي الْمُشْتَمِلِ مَعْزِيًّا لِمَجْمَعِ الْفَتَاوَى. (قَالَ الْمَجْرُوحُ لَمْ يَجْرَحْنِي فُلَانٌ ثُمَّ مَاتَ) الْمَجْرُوحُ (وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ الدَّعْوَى عَلَى الْجَارِحِ بِهَذَا السَّبَبِ) مُطْلَقًا، وَقِيلَ إنْ كَانَ الْجُرْحُ مَعْرُوفًا عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ النَّاسِ قُبِلَتْ قُنْيَةٌ.   [رد المحتار] لِجَمَاعَةٍ، وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ قَوْلِهِ وَلَوْ قَتَلَ الْقَاتِلَ أَجْنَبِيٌّ فَإِنَّهَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ مَا قَبْلَهَا، وَقَدْ ذَكَرَهَا الشُّرَّاحُ تَأْيِيدًا لِأَصْلِ الْإِمَامِ أَنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ لِكُلٍّ عَلَى الْكَمَالِ فَقَالُوا: وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ لَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمْ لَا يَضْمَنُ لِلْبَاقِينَ شَيْئًا وَلَا لِلْقَاتِلِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَمِيعُ الْقِصَاصِ وَاجِبًا لَهُ لَكَانَ ضَامِنًا بِاسْتِيفَاءِ الْكُلِّ (قَوْلُهُ دَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ) أَيْ وَجَبَ لَهُمَا عَلَى آخَرَ وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا. وَأَمَّا عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى فَنَصُّهَا: وَلَوْ كَانَ الدَّمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا وَقَتَلَهُ الْآخَرُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعَفْوِ شَرِيكِهِ يُقْتَلُ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا وَإِنْ عَلِمَ بِعَفْوِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِحُرْمَتِهِ وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهُ يَحِلُّ لِي قَتْلُهُ لَا يُقْتَلُ وَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ عَلِمَ بِالْحُرْمَةِ يُقْتَلُ سَوَاءٌ قَضَى الْقَاضِي بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ فِي نَصِيبِ السَّاكِتِ أَوْ لَمْ يَقْضِ، وَهَذَا كَمَنْ أَمْسَكَ رَجُلًا حَتَّى قَتَلَهُ الْآخَرُ عَمْدًا فَقَتَلَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْمُمْسِكِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ قَضَى الْقَاضِي بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ عَنْ الْمُمْسِكِ أَوْ لَمْ يَقْضِ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا وَالْمُمْسِكَ بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ قَتَلَ، وَفِي تَعْبِيرِهِ نَوْعُ خَفَاءٍ وَمُؤَدَّاهُ مَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ مِمَّا لَا يُشْكِلُ عَلَى النَّاسِ) أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ أَنَّ الْمُمْسِكَ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ، بِخِلَافِ مَنْ عَفَا عَنْهُ أَحَدُ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ فَإِنَّهُ يَخْفَى أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّ الْبَاقِي أَوْ لَا، بَلْ فِي الدُّرَرِ عَلَى الْمُحِيطِ أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ؛ فَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ بِعَفْوِ أَحَدِهِمَا فَصَارَ ظَنُّهُ شُبْهَةً (قَوْلُهُ فَبَيِّنَةُ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَوْلَى) هَذَا مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَضَادَّتَيْنِ. وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ بَيِّنَةَ الْأَوْلِيَاءِ مُثْبِتَةٌ وَبَيِّنَةَ الضَّارِبِ نَافِيَةٌ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الدَّعْوَى بِقَوْلِهِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ ضَرَبَ بَطْنَ أَمَتِهِ وَمَاتَتْ بِضَرْبِهِ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الدَّفْعِ إنَّهَا خَرَجَتْ بَعْدَ الضَّرْبِ عَلَى السُّوقِ لَا يَصِحُّ الدَّفْعُ؛ وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا صَحَّتْ بَعْدَ الضَّرْبِ يَصِحُّ؛ وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ هَذَا عَلَى الصِّحَّةِ وَالْآخَرُ عَلَى الْمَوْتِ بِالضَّرْبِ فَبَيِّنَةُ الصِّحَّةِ أَوْلَى كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمُشْتَمِلِ الْأَحْكَامِ، وَبِهِ أَفْتَى الْفَاضِلُ أَبُو السُّعُودِ اهـ كَذَا فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَةِ لِلشَّيْخِ غَانِمٍ الْبَغْدَادِيِّ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَشَى عَلَيْهِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ قُبَيْلَ بَابِ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَبَيِّنَةُ زَيْدٍ أَوْلَى) ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْحَقِّ لَا عَلَى النَّفْيِ ط (قَوْلُهُ لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ الدَّعْوَى) ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَدَّعِي الْحَقَّ لِلْمَيِّتِ أَوَّلًا ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِالْإِرْثِ، وَالْمُوَرِّثُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ فَكَذَا لَا تَصِحُّ دَعْوَى مَنْ يَدَّعِي لَهُ وَلْوَالِجِيَّةٌ، وَقُيِّدَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْقَوْلِ لِمَنْ بِقَوْلِهِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ هَذَا إذَا كَانَ الْجَارِحُ أَجْنَبِيًّا، فَإِنْ كَانَ وَارِثًا لَا يَصِحُّ اهـ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُحِيطِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ خَطَأً؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي الْمَعْنَى إبْرَاءً لِوَرَثَتِهِ عَنْ الْمَالِ. وَقَيَّدَ ط كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ مُقَيَّدٌ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ خَطَأً وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنَّهَا تَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ وَيَسْقُطُ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 541 وَفِي الدُّرَرِ عَنْ الْمَسْعُودِيَّةِ: لَوْ عَفَا الْمَجْرُوحُ أَوْ الْأَوْلِيَاءُ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ جَازَ الْعَفْوُ اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: جَرِيحٌ قَالَ قَتَلَنِي فُلَانٌ وَمَاتَ فَبَرْهَنَ وَارِثُهُ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ لَمْ تُسْمَعْ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْمُورَثِ وَقَدْ أَكْذَبَهُمْ وَلَوْ قَالَ: جَرَحَنِي فُلَانٌ وَمَاتَ فَبَرْهَنَ ابْنُهُ عَلَى ابْنِ آخَرَ أَنَّهُ جَرَحَهُ خَطَأً قُبِلَتْ لِقِيَامِهَا عَلَى حِرْمَانِهِ الْإِرْثَ. (سَقَاهُ سُمًّا حَتَّى مَاتَ، إنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ حَتَّى أَكَلَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَمَاتَ لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ لَكِنَّهُ يُحْبَسُ وَيُعَزَّرُ، وَلَوْ أَوْجَرَهُ) السُّمَّ (إيجَارًا تَجِبُ الدِّيَةُ) عَلَى عَاقِلَتِهِ (وَإِنْ دَفَعَهُ لَهُ فِي شَرْبَةٍ فَشَرِبَهُ وَمَاتَ) مِنْهُ (فَكَالْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّهُ شَرِبَ مِنْهُ بِاخْتِيَارِهِ إلَّا أَنَّ الدَّفْعَ خُدْعَةٌ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا التَّعْزِيرُ وَالِاسْتِغْفَارُ خَانِيَّةٌ (وَإِنْ قَتَلَهُ بِمَرٍّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ: مَا يُعْمَلُ فِي الطِّينِ (يُقْتَصُّ إنْ أَصَابَهُ حَدُّ الْحَدِيدِ) أَوْ ظَهْرُهُ وَجَرَحَهُ إجْمَاعًا كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُجْتَبَى (وَإِلَّا) يُصِبْهُ حَدُّهُ بَلْ قَتَلَهُ بِظَهْرِهِ وَلَمْ يَجْرَحْهُ (لَا) يُقْتَصُّ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ، وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يُقْتَصُّ بِلَا جُرْحٍ فِي حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَذَهَبٍ وَنَحْوِهَا، وَعَزَاهُ فِي الدُّرَرِ لِقَاضِي خَانْ؛ لَكِنْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْخُلَاصَةِ   [رد المحتار] الدِّيَةِ ثُلُثُهَا وَيُعَدُّ قَوْلُهُ لَمْ يَجْرَحْنِي إسْقَاطًا لِلْمَالِ فَلَا يَنْفُذُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ اهـ وَلَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ (قَوْلُهُ وَفِي الدُّرَرِ عَنْ الْمَسْعُودِيَّةِ إلَخْ) تَكْرَارٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ قُبَيْلَ قَوْلِهِ لَا قَوَدَ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ مُسْلِمًا اهـ ح (قَوْلُهُ عَلَى آخَرَ) أَيْ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ أَجْنَبِيٍّ عَنْ الْمُوَرِّثِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَقَدْ أَكْذَبَهُمْ) أَيْ أَكْذَبَ الشُّهُودَ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ عَنْ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ (قَوْلُهُ فَبَرْهَنَ ابْنُهُ عَلَى ابْنٍ آخَرَ) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ: فَبَرْهَنَ ابْنُهُ أَنَّ فُلَانًا آخَرَ جَرَحَهُ، وَالصَّوَابُ مَا هُنَا وَلِذَا قَالَ الْبِيرِيُّ: إنَّ مَا فِي الْأَشْبَاهِ خِلَافُ الْمَنْقُولِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ لِقِيَامِهَا عَلَى حِرْمَانِهِ الْإِرْثَ) بَيَانٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَلَا تُقْبَلُ كَمَا تَقَدَّمَ وَبَيْنَ مَا إذَا أُقِيمَتْ عَلَى ابْنِ الْمَجْرُوحِ. قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَوَجْهُهُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ عَلَى حِرْمَانِ الْوَلَدِ الْإِرْثَ فَلَمَّا أَجَزْنَا ذَلِكَ فِي الْمِيرَاثِ جَعَلْنَا الدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَتِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ) وَكَذَا إذَا عَلِمَ بِالْأَوْلَى ط (قَوْلُهُ لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ) وَيَرِثُ مِنْهُ هِنْدِيَّةٌ ط (قَوْلُهُ حَتَّى أَكَلَهُ) أَيْ بِاخْتِيَارِهِ، وَالْأَوْلَى حَتَّى شَرِبَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَوْجَرَهُ إلَخْ) أَيْ صَبَّهُ فِي حَلْقِهِ عَلَى كُرْهٍ، وَكَذَا لَوْ نَاوَلَهُ وَأَكْرَهَهُ عَلَى شُرْبِهِ حَتَّى شَرِبَ فَلَا قِصَاصَ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ تَتَارْخَانِيَّةٌ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَصْلِ مُطْلَقًا بِلَا خِلَافٍ وَلَمْ يُفَصِّلْ. وَلَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِمَا لَا يَجْرَحُ فَكَانَ خَطَأَ الْعَمْدِ عَلَى مَذْهَبِهِ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عِنْدَ هُمَا عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ مَا أَوْجَرَ مِنْ السُّمِّ مِقْدَارًا يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا فَهُوَ عَمْدٌ وَإِلَّا فَخَطَأُ الْعَمْدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمْ جَمِيعًا خَطَأُ الْعَمْدِ مُطْلَقًا اهـ مُلَخَّصًا: وَذَكَرَ السَّائِحَانِيُّ أَنَّ شَيْخَهُ أَبَا السُّعُودِ ذَكَرَ فِي بَابِ قَطْعِ الطَّرِيقِ أَنَّهُ لَوْ قُتِلَ بِالسُّمِّ قِيلَ يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ النَّارِ وَالسِّكِّينِ، وَرَجَّحَهُ السَّمَرْقَنْدِيُّ اهـ أَيْ إذَا أَوْجَرَهُ أَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى شُرْبِهِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا التَّعْزِيرُ وَالِاسْتِغْفَارُ) أَيْ لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً بِتَسَبُّبِهِ لِقَتْلِ النَّفْسِ. [تَنْبِيهٌ] أَقَرَّ أَنَّهُ أَهْلَكَ فُلَانًا بِالدُّعَاءِ أَوْ بِالسِّهَامِ الْبَاطِنَةِ أَوْ بِقِرَاءَةِ الْأَنْفَالِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى ادِّعَاءِ عِلْمِ الْغَيْبِ الْمَنْفِيِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: " لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إلَّا اللَّهُ " وَلَمْ يُوجَدْ نَصٌّ بِإِهْلَاكِهِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَبِالْإِقْرَارِ كَاذِبًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِبُنُوَّةِ رَجُلٍ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْمُقِرِّ سِنًّا، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَهْلَكَ فُلَانًا بِقِرَاءَةِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْقَهْرِيَّةِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ لِوُقُوعِهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ آلَةِ الْقَتْلِ وَسَبَبِهِ اهـ بِيرِيٌّ عَنْ حَاوِي الْقُنْيَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِالْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مَا يُعْمَلُ بِهِ فِي الطِّينِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ: الْمَرُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ: وَهُوَ خَشَبَةٌ طَوِيلَةٌ فِي رَأْسِهَا حَدِيدَةٌ عَرِيضَةٌ مِنْ فَوْقِهَا خَشَبَةٌ عَرِيضَةٌ يَضَعُ الرَّجُلُ رِجْلَهُ عَلَيْهَا وَيَحْفِرُ بِهَا الْأَرْضَ (قَوْلُهُ بَلْ قَتَلَهُ بِظَهْرِهِ إلَخْ) وَإِنْ أَصَابَهُ بِالْعُودِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ، وَقَدْ مَرَّتْ أَوَّلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 542 أَنَّ الْأَصَحَّ اعْتِبَارُ الْجُرْحِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِوُجُوبِ الْقَوَدِ، وَعَلَيْهِ جَرَى ابْنُ الْكَمَالِ. وَفِي الْمُجْتَبَى: ضَرَبَ بِسَيْفٍ فِي غِمْدِهِ فَخَرَقَ السَّيْفُ الْغِمْدَ وَقَتَلَهُ فَلَا قَوَدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (كَالْخَنِقِ وَالتَّغْرِيقِ) خِلَافًا لَهُمَا وَالشَّافِعِيِّ. وَلَوْ أَدْخَلَهُ بَيْتًا فَمَاتَ فِيهِ جُوعًا لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا وَقَالَا: تَجِبُ الدِّيَةُ وَلَوْ دَفَنَهُ حَيًّا فَمَاتَ، عَنْ مُحَمَّدٍ يُقَادُ بِهِ مُجْتَبًى بِخِلَافِ قَتْلِهِ بِمُوَالَاةِ ضَرْبِ السَّوْطِ كَمَا سَيَجِيءُ. وَفِيهِ: لَوْ اعْتَادَ الْخَنْقَ قُتِلَ سِيَاسَةً وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ   [رد المحتار] الْكِتَابِ مِعْرَاجٌ: أَيْ يَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ (قَوْلُهُ أَنَّ الْأَصَحَّ اعْتِبَارُ الْجَرْحِ إلَخْ) صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ أَيْضًا، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ الشُّرَّاحُ فَكَانَ النَّقْلُ عَنْهَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى. (قَوْلُهُ فَلَا قَوَدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ ضَرْبَهُ بِآلَةٍ جَارِحَةٍ وَلْوَالِجِيَّةٌ. أَقُولُ: وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْرِيفِ الْعَمْدِ بِأَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِآلَةٍ تُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ ضَرْبَهُ بِالسَّيْفِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ لِحُصُولِ الْجُرْحِ بِآلَةِ الْقَتْلِ مَعَ قَصْدِ الضَّرْبِ. وَأَمَّا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُجْتَبَى أَوَّلَ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَمْدِ قَصْدُ الْقَتْلِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ بَعْدَ قَصْدِ ضَرْبِهِ بِالْمُحَدَّدِ لَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ الْقَتْلِ، فَالشَّرْطُ هُوَ قَصْدُ الضَّرْبِ دُونَ الْقَتْلِ، ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْقَتْلِ بِالْمُحَدَّدِ كَوْنُهُ عَمْدًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ خَطَأً فَلِذَا شُرِطَ قَصْدُ الضَّرْبِ بِهِ وَهُنَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ ضَرْبَهُ بِالسَّيْفِ لَمْ يَكُنْ عَمْدًا وَإِنْ حَصَلَ الْقَتْلُ بِهِ (قَوْلُهُ كَالْخَنِقِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا لَا. وَالْخَنِقُ بِكَسْرِ النُّونِ قَالَ الْفَارَابِيُّ وَلَا يُقَالُ بِالسُّكُونِ وَهُوَ مَصْدَرُ خَنَقَهُ: إذَا عَصَرَ حَلْقَهُ؛ وَالْخَنَّاقُ فَاعِلُهُ وَالْخِنَاقُ بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ: مَا يُخْنَقُ بِهِ مِنْ حَبْلٍ أَوْ وَتَرٍ اهـ مَغْرِبٌ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا فِيهِ الْقَوَدُ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: هَذَا إذَا دَامَ عَلَى الْخَنِقِ حَتَّى مَاتَ؛ أَمَّا إذَا تَرَكَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ يُنْظَرُ إنْ دَامَ عَلَى الْخَنِقِ بِمِقْدَارِ مَا يَمُوتُ مِنْهُ الْإِنْسَانُ غَالِبًا يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَهُمَا وَإِلَّا فَلَا إجْمَاعًا اهـ. وَكَذَا فِي التَّغْرِيقِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ عَظِيمًا بِحَيْثُ لَا تُمْكِنُهُ النَّجَاةُ لِيَكُونَ عِنْدَهُمَا عَمْدًا مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ، فَلَوْ قَلِيلًا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا أَوْ عَظِيمًا تُمْكِنُ النَّجَاةُ مِنْهُ بِالسِّبَاحَةِ بِأَنْ كَانَ غَيْرَ مَشْدُودٍ وَهُوَ يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ أَفَادَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ أَدْخَلَهُ بَيْتًا) كَذَا أَطْلَقَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ. وَفِيهَا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ قَيَّدَهُ وَحَبَسَهُ فِي بَيْتٍ إلَخْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْخُرُوجِ سَوَاءٌ قَيَّدَهُ أَوْ لَا (قَوْلُهُ وَقَالَا تَجِبُ الدِّيَةُ) فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ وَالْكُبْرَى تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ. وَفِيهَا عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ: تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوَّلَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَأَمَّلْ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ ط أَوَّلَ الْكِتَابِ: وَفِي شَرْحِ الْحَمَوِيِّ عَنْ خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ: وَلَوْ طَرَحَهُ فِي بِئْرٍ أَوْ مِنْ ظَهْرِ جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ، وَلَوْ طَيَّنَ عَلَى إنْسَانٍ بَيْتًا حَتَّى مَاتَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا لَمْ يَضْمَنْ: وَقَالَا عَلَيْهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ فِي زَمَانِنَا لِمَنْعِ الظَّلَمَةِ مِنْ الظُّلْمِ اهـ (قَوْلُهُ عَنْ مُحَمَّدٍ يُقَادُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عِنْدَهُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ الْقَوَدُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمِعْرَاجِ أَوْ عَلَى أَنَّ هَذَا عَمْدٌ. فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة يُقَادُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَالْفَتْوَى أَنَّهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ اهـ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا حَبَسَهُ حَتَّى مَاتَ جُوعًا حَيْثُ كَانَ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ هُوَ أَنَّ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِنْسَانِ، أَمَّا هُنَا فَقَدْ مَاتَ غَمًّا وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِهِ فَيُضَافُ لِلْفَاعِلِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَتْلِهِ إلَخْ) فَإِنَّهُ لَا قَوَدَ فِيهِ. قَالَ الأتقاني: إذَا وَالَى الضَّرَبَاتِ بِالسَّوْطِ الصَّغِيرِ وَالْعَصَا الصَّغِيرَةِ لَا يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ إذَا وَالَى عَلَى وَجْهٍ لَا تَحْتَمِلُهُ النَّفْسُ عَادَةً اهـ وَنُقِلَ قَبْلَهُ أَنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَمْدٌ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) لَمْ أَرَهُ (قَوْلُهُ لَوْ اعْتَادَ الْخَنِقَ إلَخْ) فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ خَنَقَ رَجُلًا لَا يُقْتَلُ إلَّا إذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 543 لَوْ بَعْدَ مَسْكِهِ كَالسَّاحِرِ. وَفِيهِ (قَمَطَ رَجُلًا وَطَرَحَهُ قُدَّامَ أَسَدٍ أَوْ سَبُعٍ فَقَتَلَهُ فَلَا قَوَدَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ وَيُعَزَّرُ وَيُضْرَبُ وَيُحْبَسُ إلَى أَنْ يَمُوتَ) زَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَعَنْ الْإِمَامِ عَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَلَوْ قَمَطَ صَبِيًّا وَأَلْقَاهُ فِي الشَّمْسِ أَوْ الْبَرْدِ حَتَّى مَاتَ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: قَمَطَ رَجُلًا وَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ فَرَسَّبَ وَغَرِقَ كَمَا أَلْقَاهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ سَبَحَ سَاعَةً ثُمَّ غَرِقَ فَلَا دِيَةَ لِأَنَّهُ غَرِقَ بِعَجْزِهِ، وَفِي الْأُولَى غَرِقَ بِطَرْحِهِ فِي الْمَاءِ. (قَطَعَ عُنُقَهُ وَبَقِيَ مِنْ الْحُلْقُومِ قَلِيلٌ وَفِيهِ الرُّوحُ فَقَتَلَهُ آخَرُ فَلَا قَوَدَ فِيهِ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ. (وَلَوْ قَتَلَهُ وَهُوَ فِي) حَالَةِ (النَّزْعِ) (قُتِلَ بِهِ) إلَّا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ مِنْهُ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: شَقَّ بَطْنَهُ بِحَدِيدَةٍ وَقَطَعَ آخَرُ عُنُقَهُ، وَإِنْ تَوَهَّمَ بَقَاءَهُ حَيًّا بَعْدَ الشَّقِّ قُتِلَ قَاطِعُ الْعُنُقِ وَإِلَّا قُتِلَ الشَّاقُّ وَعُزِّرَ الْقَاطِعُ.   [رد المحتار] كَانَ خَنَّاقًا مَعْرُوفًا خَنَقَ غَيْرَ وَاحِدٍ فَيُقْتَلُ سِيَاسَةً اهـ. وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْجِهَادِ، وَإِلَّا بِأَنْ خَنَقَ مَرَّةً لَا يُقْتَلُ ذَكَرَهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ هُنَاكَ وَمَنْ تَكَرَّرَ الْخَنِقُ مِنْهُ فِي الْمِصْرِ قُتِلَ بِهِ، وَمُفَادُهُ أَنَّ التَّكْرَارَ يَحْصُلُ بِمَرَّتَيْنِ ثُمَّ هَذَا غَيْرُ خَاصٍّ بِالْخَنِقِ لِمَا قَدَّمَهُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ أَنَّهُ لَا قَوَدَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَتَكَرَّرَ مِنْهُ فَلِلْإِمَامِ قَتْلُهُ سِيَاسَةً (قَوْلُهُ لَوْ بَعْدَ مَسْكِهِ) أَيْ بَعْدَ مَا وَقَعَ فِي يَدِ الْإِمَامِ وَإِنْ تَابَ قَبْلَهُ قُبِلَتْ مُجْتَبًى (قَوْلُهُ فَلَا قَوَدَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ) وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَهُ فِي بَيْتٍ وَأَدْخَلَ مَعَهُ سَبُعًا وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ فَقَتَلَهُ السَّبُعُ، وَكَذَا لَوْ نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ أَوْ لَسَعَتْهُ عَقْرَبٌ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِصَبِيٍّ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ تَتَارْخَانِيَّةٌ وَنَقَلَ ط مِثْلَهُ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ، وَقَوْلُهُ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ: أَيْ عَلَى عَاقِلَتِهِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي إذْ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَتْلُ الْعَمْدِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ تَأَمَّلْ. وَانْظُرْ الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالرَّجُلِ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ قُبَيْلَ بَابِ الْقَسَامَةِ لَوْ غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا فَمَاتَ بِصَاعِقَةٍ أَوْ نَهْشِ حَيَّةٍ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ، وَعَلَّلَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ بِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ نُقِلَ الْحُرُّ الْكَبِيرُ مُقَيَّدًا وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ضَمِنَ إلَخْ، وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا هُنَا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَلَوْ قَمَطَ صَبِيًّا إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَذَكَرَ قَبْلَهُ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَمَطَ صَبِيًّا أَوْ رَجُلًا ثُمَّ وَضَعَهُ فِي الشَّمْسِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ اهـ أَيْ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا قَدَّمْنَا تَأَمَّلْ. وَلْيُنْظَرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّمْسِ وَبَيْنَ السَّبُعِ فَإِنَّهُ لَا حُكْمَ لِفِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَفِي كُلٍّ هُوَ مُتَسَبِّبٌ بِالْقَتْلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ فَرَسَبَ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: رَسَبَ فِي الْمَاءِ رُسُوبًا: سَفَلَ مِنْ بَابِ طَلَبَ (قَوْلُهُ وَغَرِقَ إلَخْ) أَيْ وَعُلِمَ مَوْتُهُ مِنْهُ. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَوْ أَنَّهُ حِينَ طُرِحَ رَسَبَ فِي الْمَاءِ وَلَا يَدْرِي مَاتَ أَوْ خَرَجَ وَلَمْ يُرَ لَهُ أَثَرٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ (قَوْلُهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ) أَيْ مُغَلَّظَةٌ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَبَحَ سَاعَةً إلَخْ) وَكَذَا لَوْ كَانَ جَيِّدَ السِّبَاحَةِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ) فَلَوْ مَاتَ ابْنُهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ وَرِثَهُ ابْنُهُ وَلَمْ يَرِثْ هُوَ مِنْ ابْنِهِ ذَخِيرَةٌ ط (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ يَعْلَمُ إلَخْ) تَبِعَ فِيهِ الْمُصَنِّفَ فِي الْمِنَحِ، وَصَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ الْقَاتِلُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ بِهِ فَإِنَّهُ الَّذِي رَأَيْته فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ والتتارخانية وَالْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ شَقَّ بَطْنَهُ إلَخْ) فِي التَّتَارْخَانِيَّة: شَقَّ بَطْنَهُ وَأَخْرَجَ أَمْعَاءَهُ ثُمَّ ضَرَبَ رَجُلٌ عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ عَمْدًا فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ وَعَلَى الشَّاقِّ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَإِنْ نَفَذَتْ إلَى جَانِبٍ آخَرَ فَثُلُثَاهَا، هَذَا إذَا كَانَ مِمَّا يَعِيشُ بَعْدَ الشَّقِّ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يُتَوَهَّمُ مَعَهُ وُجُودُ الْحَيَاةِ وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إلَّا اضْطِرَابُ الْمَوْتِ، فَالْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ فَيُقْتَصُّ بِالْعَمْدِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ بِالْخَطَأِ اهـ مُلَخَّصًا، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ هُوَ فِي النِّزَاعِ أَنَّ النِّزَاعَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فَإِنَّ الْمَرِيضَ قَدْ يَصِلُ إلَى حَالَةِ شِبْهِ النِّزَاعِ بَلْ قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ وَيُفْعَلُ بِهِ كَالْمَوْتَى ثُمَّ يَعِيشُ بَعْدَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 544 (وَمَنْ جَرَحَ رَجُلًا عَمْدًا فَصَارَ ذَا فِرَاشٍ وَمَاتَ يُقْتَصُّ) إلَّا إذَا وُجِدَ مَا يَقْطَعُهُ كَحَزِّ الرَّقَبَةِ وَالْبُرْءِ مِنْهُ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ عَفَا الْمَجْرُوحُ أَوْ الْأَوْلِيَاءُ قَبْلَ مَوْتِهِ صَحَّ اسْتِحْسَانًا (وَإِنْ مَاتَ) شَخْصٌ (بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَزَيْدٍ وَأَسَدٍ وَحَيَّةٍ ضَمِنَ زَيْدٌ ثُلُثَ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ إنْ) كَانَ الْقَتْلُ (عَمْدًا وَإِلَّا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ) ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْأَسَدِ وَالْحَيَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ هَدَرٌ فِي الدَّارَيْنِ وَفِعْلُ زَيْدٍ مُعْتَبَرٌ فِي الدَّارَيْنِ وَفِعْلُ نَفْسِهِ هَدَرٌ فِي الدُّنْيَا لَا الْعُقْبَى حَتَّى يَأْثَم بِالْإِجْمَاعِ فَصَارَتْ ثَلَاثَةَ أَجْنَاسٍ وَمُفَادُهُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْمَقْتُولِ التَّكْلِيفُ لِيَصِيرَ فِعْلُهُ جِنْسًا آخَرَ غَيْرَ جِنْسِ فِعْلِ الْأَسَدِ وَالْحَيَّةِ وَأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ لَوْ تَعَدَّدَ قَاتِلُهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ كُلِّ جِنْسٍ وَاحِدٌ ابْنُ كَمَالٍ. (وَيَجِبُ قَتْلُ مَنْ شَهَرَ سَيْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ) يَعْنِي فِي الْحَالِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْكَمَالِ حَيْثُ غَيَّرَ عِبَارَةَ الْوِقَايَةِ فَقَالَ: وَيَجِبُ دَفْعُ مَنْ شَهَرَ سَيْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ بِقَتْلِهِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُ ضَرَرِهِ إلَّا بِهِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ: أَيْ   [رد المحتار] طَوِيلًا، بِخِلَافِ مَنْ شُقَّ بَطْنُهُ وَأُخْرِجَ أَمْعَاؤُهُ فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ مَوْتُهُ، لَكِنْ إذَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ مَا يَعِيشُ مَعَهَا يَوْمًا فَإِنَّهَا حَيَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا كَمَا مَرَّ فِي الذَّبَائِحِ فَلِذَا كَانَ الْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي، وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَضْطَرِبُ اضْطِرَابَ الْمَوْتِ مِنْ الشَّقِّ فَالْحَيَاةُ فِيهِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ أَصْلًا فَهُوَ مَيِّتٌ حُكْمًا فَلِذَا كَانَ الْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا وَجَدَ مَا يَقْطَعُهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ لِمَوْتِهِ فَيُحَالُ الْمَوْتُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْطَعُهُ كَحَزِّ الرَّقَبَةِ وَالْبُرْءِ مِنْهُ اهـ وَالْحَزُّ بِالْمُهْمَلَةِ فَالْمُعْجَمَةُ: الْقَطْعُ، وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ لِلْجُرْحِ (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا إلَخْ) أَيْ فِي هَذَا الْفَصْلِ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى قَاطِعٍ آخَرَ (قَوْلُهُ ضَمِنَ زَيْدٌ ثُلُثَ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ الْعَمْدَ وَإِنَّمَا لَمْ يُقْتَصَّ لِمَا مَرَّ، وَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى شَرِيكٍ مِنْ قِصَاصٍ بِقَتْلِهِ لِعَدَمِ تَجَزُّئِهِ (قَوْلُهُ فَصَارَتْ ثَلَاثَةَ أَجْنَاسٍ) فَكَأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَتْ بِثَلَاثَةِ أَفْعَالٍ، فَالتَّالِفُ بِفِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ لِيَكُونَ فِعْلُهُ إلَخْ) إذْ لَوْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ لَهُدِرَ فِي الدَّارَيْنِ كَفِعْلِ الْأَسَدِ فَيَكُونُ عَلَى زَيْدٍ نِصْفُ الدِّيَةِ (قَوْلُهُ وَأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ لَوْ تَعَدَّدَ قَاتِلُهُ) بِأَنْ كَانَ مَعَ زَيْدٍ غَيْرُهُ فَيَشْتَرِكُ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي الثُّلُثِ. وَأَقُولُ: ذُكِرَ فِي مُتَفَرِّقَاتِ التَّتَارْخَانِيَّة، لَوْ جَرَحَهُ رَجُلٌ جِرَاحَةً وَجَرَحَهُ آخَرُ جِرَاحَةً ثُمَّ انْضَمَّ إلَيْهِ مَا هُوَ هَدَرٌ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ الدِّيَةِ وَثُلُثُهَا هَدَرٌ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ قُبَيْلَ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ. وَفِي تَكْمِلَةِ الطُّورِيِّ: وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ وَجَرَحَهُ آخَرُ وَجَرَحَ هُوَ أَيْضًا نَفْسَهُ وَافْتَرَسَهُ سَبُعٌ ضَمِنَ الْقَاطِعُ رُبُعَ الدِّيَةِ وَالْجَارِحُ رُبُعَهَا؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَتْ بِجِنَايَاتٍ أَرْبَعَةٍ ثِنْتَانِ مِنْهَا مُعْتَبَرَتَانِ اهـ وَمِثْلُهُ يَأْتِي مَتْنًا آخِرَ بَابِ مَا يُحْدِثُهُ فِي الطَّرِيقِ: لَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْبَعَةً لِحَفْرِ بِئْرٍ فَوَقَعَتْ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ سَقَطَ الرُّبُعُ وَوَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ الرُّبُعُ فَظَهَرَ أَنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ فَتَنَبَّهْ. أَقُولُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا فِيمَنْ جَرَحَ صَبِيًّا بِسِكِّينٍ فِي بَطْنِهِ فَظَهَرَ بَعْضُ أَمْعَائِهِ جِيءَ لَهُ بِمَنْ يَخِيطُ الْجُرْحَ وَيَرُدُّ الْأَمْعَاءَ فَلَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ إلَّا بِتَوْسِيعِ الْجُرْحِ فَأَذِنَ لَهُ أَبُو الصَّبِيِّ بِذَلك فَفَعَلَ ثُمَّ مَاتَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى الْجَارِحِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْآخَرَ مَأْذُونٌ بِهِ فَكَانَ هَدْرًا كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَيَجِبُ قَتْلُ مَنْ شَهَرَ سَيْفًا) شَهَرَ سَيْفَهُ كَمَنَعَ وَشَهَرَهُ: انْتَضَاهُ فَرَفَعَهُ عَلَى النَّاسِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ) تَنَازَعَهُ كُلٌّ مِنْ يَجِبُ وَشَهَرَ. وَعِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا قَالَ حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْتُلُوهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ اهـ وَذَكَرَ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الشَّيْخِ عَبْدِ الْحَيِّ بَحْثًا أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ كَالْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ يَعْنِي فِي الْحَالِ) أَيْ فِي حَالِ شَهْرِهِ السَّيْفَ عَلَيْهِمْ قَاصِدًا ضَرْبَهُمْ لَا بَعْدَ انْصِرَافِهِ عَنْهُمْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْكَمَالِ) أَيْ عَلَى كَوْنِهِ حَالًا، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أُخِذَ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ مِنْ قَوْلِهِ دَفَعَ فَإِنَّ الدَّفْعَ لَا بُطْءَ فِيهِ ط (قَوْلُهُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ) لَيْسَ هَذَا فِي عِبَارَةِ ابْنِ الْكَمَالِ. وَعِبَارَةُ الْكِفَايَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 545 لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ دَفْعِ الصَّائِلِ صَرَّحَ بِهِ الشُّمُنِّيُّ وَغَيْرُهُ، وَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ (وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ) بِخِلَافِ الْحَمْلِ الصَّائِلِ. (وَلَا) يُقْتَلُ (مَنْ شَهَرَ سِلَاحًا عَلَى رَجُلٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي مِصْرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ شَهَرَ عَلَيْهِ عَصًا لَيْلًا فِي مِصْرٍ أَوْ نَهَارًا فِي غَيْرِهِ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ) وَإِنْ شَهَرَ الْمَجْنُونُ عَلَى غَيْرِهِ سِلَاحًا فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ (عَمْدًا تَجِبُ الدِّيَةُ) فِي مَالِهِ (وَمِثْلُهُ الصَّبِيُّ وَالدَّابَّةٌ) الصَّائِلَةُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا ضَمَانَ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ الشَّرِّ. (وَلَوْ ضَرَبَهُ الشَّاهِرُ فَانْصَرَفَ) وَكَفَّ عَنْهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُرِيدُ ضَرْبَهُ ثَانِيًا (فَقَتَلَهُ الْآخَرُ) أَيْ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرُهُ، كَذَا عَمَّمَهُ ابْنُ الْكَمَالِ تَبَعًا لِلْكَافِي وَالْكِفَايَةِ (قُتِلَ الْقَاتِلُ) ؛ لِأَنَّهُ بِالِانْصِرَافِ عَادَتْ عِصْمَتُهُ. قُلْت: فَتَحَرَّرَ أَنَّهُ مَا دَامَ شَاهِرًا السَّيْفِ ضَرَبَهُ وَإِلَّا لَا فَلْيُحْفَظْ. (وَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَيْلًا فَأَخْرَجَ السَّرِقَةَ) مِنْ بَيْتِهِ (فَاتَّبَعَهُ) رَبُّ الْبَيْتِ (فَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ» وَكَذَا لَوْ قَتَلَهُ قَبْلَ الْأَخْذِ إذَا قَصَدَ أَخْذَ مَالِهِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ دَفْعِهِ إلَّا بِالْقَتْلِ صَدْرُ شَرِيعَةٍ. وَفِي الصُّغْرَى: قَصَدَ مَالَهُ، إنْ عَشَرَةً أَوْ أَكْثَرَ لَهُ قَتْلُهُ، وَإِنْ أَقَلَّ قَاتَلَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ، وَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ كَابَرَهُ   [رد المحتار] أَيْ إنَّمَا يَجِبُ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ وَاجِبٌ اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ: مَعْنَى الْوُجُوبِ وُجُوبُ دَفْعِ الضَّرَرِ لَا أَنْ يَكُونَ عَيْنُ الْقَتْلِ وَاجِبًا (قَوْلُهُ وَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ) أَيْ يُؤَيِّدُ أَنَّ الْمُرَادَ لَهُ قَتْلُهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُ ضَرَرِهِ إلَّا بِهِ، وَذَلِكَ فِي عِبَارَةِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ الْآتِيَةِ قَرِيبًا وَعِبَارَةِ الْمَتْنِ بَعْدَهَا (قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ) أَيْ إذَا كَانَ مُكَلَّفًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي وَإِنْ شَهَرَ الْمَجْنُونُ إلَخْ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ عَيْنُ الْقَتْلِ وَاجِبًا كَانَ مُحْتَمَلًا أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ فَصَرَّحَ بِعَدَمِهِ أَفَادَهُ ابْنُ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ وَلَا يُقْتَلُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ (قَوْلُهُ عَلَى رَجُلٍ) أَيْ قَاصِدًا قَتْلَهُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ لَا مِزَاحًا وَلَعِبًا أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الطَّلَاقِ، وَأَفَادَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْوَاحِدَ كَالْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا إلَخْ) ؛ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ فَيُحْتَاجُ إلَى دَفْعِهِ بِالْقَتْلِ هِدَايَةٌ أَيْ لَيْسَ فِيهِ مُهْلَةٌ لِلدَّفْعِ بِغَيْرِ الْقَتْلِ (قَوْلُهُ أَوْ شَهَرَ عَلَيْهِ عَصًا إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْعَصَا الصَّغِيرَةَ وَإِنْ كَانَتْ تَلْبَثُ وَلَكِنْ فِي اللَّيْلِ لِمَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فَيُضْطَرُّ إلَى دَفْعِهِ بِالْقَتْلِ، وَكَذَا فِي النَّهَارِ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ فِي الطَّرِيقِ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ، قَالُوا فَإِنْ كَانَ عَصًا لَا يَلْبَثُ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ السِّلَاحِ عِنْدَهُمَا هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ) أَيْ أَوْ غَيْرُهُ دَفْعًا عَنْهُ زَيْلَعِيٌّ. وَفِي الْكِفَايَةِ: وَلَوْ تَرَكَ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ قَتْلَهُ يَأْثَمُ (قَوْلُهُ عَمْدًا) أَيْ بِمُحَدَّدٍ وَنَحْوِهِ وَكَذَا شِبْهُ الْعَمْدِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ تَجِبُ الدِّيَةُ) أَيْ لَا الْقِصَاصُ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ، وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ الصَّبِيُّ وَالدَّابَّةُ) أَيْ مِثْلُ الْمَجْنُونِ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ، لَكِنَّ الْوَاجِبَ فِي الصَّبِيِّ الدِّيَةُ أَيْضًا. وَفِي الدَّابَّةِ الْقِيمَةُ، وَذَكَرَ الرَّمْلِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَجْنُونُ أَوْ الصَّبِيُّ عَبْدًا فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ كَالدَّابَّةِ الْمَمْلُوكَةِ تَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ: وَفِي النِّهَايَةِ مَا نَصُّهُ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الصَّائِلُ عَبْدًا أَوْ صَيْدَ الْحَرَمِ لَا يَضْمَنُ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمِعْرَاجِ. وَذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الدَّابَّةِ الْعَلَّامَةُ الْأَتْقَانِيُّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرُهُ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَلَيْسَ بِمَحَلِّ وَهْمٍ حَتَّى يُقَوِّيَهُ بِالنَّقْلِ فَتَدَبَّرْ ط (قَوْلُهُ عَادَتْ عِصْمَتُهُ) فَإِذَا قَتَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ قَتَلَ شَخْصًا مَعْصُومًا مَظْلُومًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ مَا دَامَ شَاهِرًا السَّيْفَ) أَيْ مَعَ قَصْدِ الضَّرْبِ (قَوْلُهُ لَيْلًا) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ نَهَارًا لَيْسَ لَهُ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ بِالصُّرَاخِ (قَوْلُهُ دُونَ مَالِكِ) أَيْ لِأَجْلِ مَالِكِ عِنَايَةٌ وَغَيْرُهَا (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَتَلَهُ قَبْلَ الْأَخْذِ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: رَأَى رَجُلًا يَسْرِقُ مَالَهُ فَصَاحَ بِهِ وَلَمْ يَهْرُبْ أَوْ رَأَى رَجُلًا يَثْقُبُ حَائِطَهُ أَوْ حَائِطَ غَيْرِهِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالسَّرِقَةِ فَصَاحَ بِهِ وَلَمْ يَهْرُبْ حَلَّ لَهُ قَتْلُهُ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ وَفِي الصُّغْرَى إلَخْ) يُرِيدُ بِهِ تَقْيِيدَ مَا أَطْلَقَهُ الْمُتُونُ وَالشُّرُوحُ مَعَ أَنَّهَا لَا تُقَيَّدُ بِمَا فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 546 إنْ بِبَيِّنَةٍ نَعَمْ، وَإِلَّا فَإِنْ الْمَقْتُولُ مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ وَالشَّرِّ لَمْ يُقْتَصَّ اسْتِحْسَانًا وَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ بَزَّازِيَّةٌ هَذَا (إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ صَاحَ عَلَيْهِ طَرَحَ مَالَهُ، وَإِنْ عَلِمَ) ذَلِكَ (فَقَتَلَهُ مَعَ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ) لِقَتْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ (كَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذَا قَتَلَ الْغَاصِبَ) فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَوَدُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى دَفْعِهِ بِالِاسْتِغَاثَةِ بِالْمُسْلِمِينَ وَالْقَاضِي. (مُبَاحُ الدَّمِ الْتَجَأَ إلَى الْحَرَمِ لَمْ يُقْتَلْ فِيهِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَلَمْ يُخْرَجْ عَنْهُ لِلْقَتْلِ لَكِنْ يُمْنَعُ عَنْهُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ حَتَّى يُضْطَرَّ فَيَخْرُجَ مِنْ الْحَرَمِ فَحِينَئِذٍ يُقْتَلُ خَارِجَهُ) وَأَمَّا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْحَرَمِ إجْمَاعًا. (وَلَوْ أَنْشَأَ الْقَتْلَ فِي الْحَرَمِ قُتِلَ فِيهِ) إجْمَاعًا سِرَاجِيَّةٌ؛ وَلَوْ قَتَلَ فِي الْبَيْتِ لَا يُقْتَلُ فِيهِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْحَجِّ. (وَلَوْ قَالَ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ) بِسَيْفٍ (فَلَا قِصَاصَ وَتَجِبُ الدِّيَةُ) فِي مَالِهِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تَجْرِي فِي النَّفْسِ وَسَقَطَ الْقَوَدُ لِشُبْهَةِ الْإِذْنِ وَكَذَا لَوْ قَالَ اُقْتُلْ أَخِي أَوْ ابْنِي أَوْ أَبِي فَتَلْزَمُهُ الدِّيَةُ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْكِفَايَةِ. وَفِيهَا عَنْ الْوَاقِعَاتِ أَوْ ابْنَهُ صَغِيرًا يُقْتَصُّ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: بِعْتُك دَمِي بِفَلْسٍ أَوْ بِأَلْفٍ فَقَتَلَهُ يُقْتَصُّ. وَفِي اُقْتُلْ   [رد المحتار] الْفَتَاوَى. قَالَ الْمَاتِنُ فِي آخِرِ قَطْعِ الطَّرِيقِ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَ دُونَ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا، وَيَقْتُلُ مَنْ يُقَاتِلُهُ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْبَحْرِ: اسْتَقْبَلَهُ اللُّصُوصُ وَمَعَهُ مَالٌ لَا يُسَاوِي عَشَرَةً حَلَّ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَاتِلْ دُونَ مَالِكِ» وَاسْمُ الْمَالِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ اهـ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ بَزَّازِيَّةٌ) وَنَصُّهَا قُبَيْلَ كِتَابِ الْوَصَايَا قَتَلَهُ صَاحِبُ الدَّارِ وَبَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ كَابَرَهُ فَدَمُهُ هَدَرٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْتُولُ مَعْرُوفًا بِالشَّرِّ وَالسَّرِقَةِ قُتِلَ صَاحِبُ الدَّارِ قِصَاصًا، وَإِنْ مُتَّهَمًا بِهِ فِي الْقِيَاسِ يُقْتَصُّ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ أَوْرَثَتْ شُبْهَةً فِي الْقِصَاصِ لَا الْمَالِ اهـ (قَوْلُهُ مَعَ ذَلِكَ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ط (قَوْلُهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى دَفْعِهِ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ الْمُسْلِمُونَ وَالْقَاضِي كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي زَمَانِنَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ ط (قَوْلُهُ مُبَاحُ الدَّمِ) بِأَنْ قَتَلَ أَوْ زَنَى، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ أَوْ فَعَلَ غَيْرَهُ مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ السِّنْدِيُّ فِي الْمَنْسَكِ الْمُتَوَسِّطِ، وَصَرَّحَ بِأَنَّ الْمُرْتَدَّ كَذَلِكَ، لَكِنْ قَدَّمْنَا آخِرَ كِتَابِ الْحَجِّ عَنْ الْمُنْتَقَى بِالنُّونِ أَنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ، فَإِنْ أَسْلَمَ سَلِمَ وَإِلَّا قُتِلَ وَنَقَلَهُ الْقَارِيّ فِي شَرْحِ الْمَنْسَكِ عَنْ النُّتَفِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِهِمْ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إبَاءُ الْمُرْتَدِّ عَنْ الْإِسْلَامِ جِنَايَةٌ فِي الْحَرَمِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ الْتَجَأَ إلَى الْحَرَمِ لَا يُقْتَلُ فِيهِ وَلَا يُخْرَجُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُبَاحُ إخْرَاجُهُ مِنْهُ (قَوْلُهُ فَيَخْرُجَ مِنْ الْحَرَمِ) أَيْ يَخْرُجُ هُوَ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ) وَكَذَا يُحَدُّ. فَفِي الْخَانِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي الْحَرَمِ خِلَافًا لَهُمَا، وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَتَلَ فِي الْبَيْتِ إلَخْ) وَمِثْلُهُ سَائِرُ الْمَسَاجِدِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ يُصَانُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ اهـ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ بِسَيْفٍ) قَيَّدَ بِهِ لِقَوْلِهِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، فَلَوْ قَتَلَهُ بِمُثَقَّلٍ فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ط (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ) وَبِهِ جَزَمَ فِي عُمْدَةِ الْمُفْتِي، بَلْ فِي مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ أَنَّهُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَسَقَطَ الْقَوَدُ) كَالِاسْتِدْرَاكِ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تَجْرِي فِي النَّفْسِ فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ الْقِصَاصُ ط (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ) أَيْ وَكَانَ هُوَ الْوَارِثَ (قَوْلُهُ لَوْ ابْنُهُ صَغِيرًا يَقْتَصُّ) أَيْ قِيَاسًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّغِيرَ غَيْرُ قَيْدٍ وَمِثْلُهُ الْأَخُ. وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ: وَفِي الْوَاقِعَاتِ اُقْتُلْ ابْنِي وَهُوَ صَغِيرٌ فَقَتَلَهُ يَقْتَصُّ. وَلَوْ قَالَ اقْطَعْ يَدَهُ فَقَطَعَهَا عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَلَوْ قَالَ اُقْتُلْ أَخِي فَقَتَلَهُ وَهُوَ وَارِثُهُ فَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الثَّانِي وَهُوَ الْقِيَاسُ يَجِبُ الْقِصَاصُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ الْإِمَامِ الدِّيَةُ وَسَوَّى فِي الْكِفَايَةِ بَيْنَ الِابْنِ وَالْأَخِ وَقَالَ فِي الْقِيَاسِ: يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْكُلِّ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الدِّيَةُ. وَفِي الْإِيضَاحِ ذَكَرَ قَرِيبًا مِنْهُ اهـ (قَوْلُهُ فَقَتَلَهُ يَقْتَصُّ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بَاطِلٌ وَهُوَ لَيْسَ بِإِذْنٍ بِالْقَتْلِ فَلَيْسَ كَقَوْلِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 547 أَبِي عَلَيْهِ دِيَةٌ لِابْنِهِ. وَفِي اقْطَعْ يَدَهُ فَقَطَعَ يَدَهُ يُقْتَصُّ. وَفِي: شُجَّ ابْنِي فَشَجَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ مَاتَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ (وَقِيلَ لَا) تَجِبُ الدِّيَةُ أَيْضًا وَصَحَّحَهُ رُكْنُ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ، وَاسْتَظْهَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ، لَكِنْ رَدَّهُ ابْنُ وَهْبَانَ. (كَمَا لَوْ قَالَ: اُقْتُلْ عَبْدِي أَوْ اقْطَعْ يَدَهُ فَفَعَلَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) إجْمَاعًا كَقَوْلِهِ: اقْطَعْ يَدِي أَوْ رِجْلِي وَإِنْ سَرَى لِنَفْسِهِ وَمَاتَ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ كَالْأَمْوَالِ فَصَحَّ الْأَمْرُ. وَلَوْ قَالَ: اقْطَعْهُ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي هَذَا الثَّوْبَ أَوْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ فَقَطَعَ يَجِبُ أَرْشُ الْيَدِ لَا الْقَوَدُ وَبَطَلَ الصُّلْحُ بَزَّازِيَّةٌ. [فُرُوعٌ] هِبَةُ الْقِصَاصِ لِغَيْرِ الْقَاتِلِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ التَّمْلِيكُ. عَفْوُ الْوَلِيِّ عَنْ الْقَاتِلِ أَفْضَلُ مِنْ الصُّلْحِ وَالصُّلْحُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِصَاصِ، وَكَذَا عَفْوُ الْمَجْرُوحِ. لَا تَصِحُّ تَوْبَةُ الْقَاتِلِ حَتَّى يُسْلِمَ نَفْسَهُ لِلْقَوَدِ وَهْبَانِيَّةٌ.   [رد المحتار] اُقْتُلْنِي ط (قَوْلُهُ وَفِي اقْطَعْ يَدَهُ يُقْتَصُّ) ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الِاسْتِيفَاءِ لَيْسَتْ لَهُ بَلْ لِلْأَبِ فَلَمْ يَكُنْ أَمْرُهُ مُسْقِطًا لِلْقِصَاصِ رَحْمَتِيٌّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي شُجَّ ابْنِي إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَمْ أَرَهَا فِي الْخَانِيَّةِ بَلْ هِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْمُجْتَبَى. وَنَصُّهُ: وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشُجَّهُ فَشَجَّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ مَاتَ مِنْهَا كَانَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ اهـ وَالضَّمِيرُ فِي شَجَّهُ يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ عَلَى الْآمِرِ أَوْ عَلَى الِابْنِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُجْتَبَى قَبْلَهُ. وَالثَّانِي هُوَ مَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَطْعِ وَالشَّجَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ وَإِنْ سَرَى لِنَفْسِهِ وَمَاتَ) عُزِيَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ. وَفِيهَا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: قَالَ لِآخَرَ اقْطَعْ يَدِي، فَإِنْ كَانَ بِعِلَاجٍ كَمَا إذَا وَقَعَتْ فِي يَدِهِ أَكَلَةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ مِنْ غَيْرِ عِلَاجٍ لَا يَحِلُّ، وَلَوْ قَطَعَ فِي الْحَالَيْنِ فَسَرَى إلَى النَّفْسِ لَا يَضْمَنُ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ اقْطَعْهُ) أَيْ الطَّرَفَ الْمَفْهُومَ مِنْ الْأَطْرَافِ (قَوْلُهُ وَبَطَلَ الصُّلْحُ) أَيْ مَا رَضِيَ بِهِ بَدَلًا عَنْ الْأَرْشِ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْفَصْلِ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَقَدْ وَقَعَتْ فِي بُخَارَى وَاقِعَةٌ، وَهِيَ رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ ارْمِ السَّهْمَ إلَيَّ حَتَّى آخَذَهُ فَرَمَى إلَيْهِ فَأَصَابَ عَيْنَهُ فَذَهَبَ. قَالَ ح: لَمْ يَضْمَنْ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ اجْنِ عَلَيَّ فَجَنَى، وَهَكَذَا أَفْتَى بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِهِ، وَقَاسُوهُ عَلَى مَا لَوْ قَالَ اقْطَعْ يَدِي. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ؛ الْكَلَامُ فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ: لَوْ تَضَارَبَا بِالْوَكْزِ فَذَهَبَتْ عَيْنُ أَحَدِهِمَا يُقَادُ لَوْ أَمْكَنَ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ، وَإِنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِآخَرَ دَهٍ دَهٍ، وَكَذَا لَوْ بَارَزَا عَلَى وَجْهِ الْمُلَاعَبَةِ أَوْ التَّعْلِيمِ فَأَصَابَتْ الْخَشَبَةُ عَيْنَهُ فَذَهَبَتْ يُقَادُ إنْ أَمْكَنَ اهـ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ أَقُولُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ دَهٍ دَهٍ وَوَكَزَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَكَسَرَ سِنَّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهَا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ اهـ. وَاَلَّذِي ظَهَرَ فِي وَجْهِ مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ لَازِمِ قَوْلِهِ دَهٍ دَهٍ إبَاحَةُ عَيْنِهِ لِاحْتِمَالِ السَّلَامَةِ مَعَ الْمُضَارَبَةِ بِالْوَكْزَةِ كَاحْتِمَالِهَا مَعَ رَمْيِ السَّهْمِ فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ ارْمِ السَّهْمَ إلَيَّ وَقَوْلُهُ دَهٍ دَهٍ صَرِيحًا فِي إتْلَافِ عُضْوِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ اقْطَعْ يَدِي أَوْ اجْنِ عَلَيَّ فَلَمْ يَصِحَّ قِيَاسُ الْوَاقِعَةِ عَلَيْهِ، وَالْمُصَرَّحُ بِهِ أَنَّ الْأَطْرَافَ كَالْأَمْوَالِ يَصِحُّ الْأَمْرُ فِيهَا تَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ لِغَيْرِ الْقَاتِلِ) وَكَذَا لِلْقَاتِلِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِ أَفَادَهُ الْحَمَوِيُّ، وَانْظُرْ هَلْ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ فِي الصُّورَتَيْنِ ط، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ فِي عَدَمِ السُّقُوطِ إذْ لَا مَعْنَى لِعَدَمِ جَوَازِهِ إلَّا ذَلِكَ (قَوْلُهُ عَفْوُ الْوَلِيِّ عَنْ الْقَاتِلِ أَفْضَلُ) وَيَبْرَأُ الْقَاتِلُ فِي الدُّنْيَا عَنْ الدِّيَةِ وَالْقَوَدِ؛ لِأَنَّهُمَا حَقُّ الْوَارِثِ بِيرِيٌّ (قَوْلُهُ لَا تَصِحُّ تَوْبَةُ الْقَاتِلِ حَتَّى يُسْلِمَ نَفْسَهُ لِلْقَوَدِ) أَيْ لَا تَكْفِيهِ التَّوْبَةُ وَحْدَهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 548 الْإِمَامُ شَرْطُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ كَالْحُدُودِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ. وَفَرَّقَ الْفُقَهَاءُ أَشْبَاهَهُ، وَفِيهَا فِي قَاعِدَةِ: الْحُدُودِ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَكَالْحُدُودِ الْقِصَاصُ إلَّا فِي سَبْعٍ. يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِعِلْمِهِ فِي الْقِصَاصِ دُونَ الْحُدُودِ. الْقِصَاصُ يُورَثُ وَالْحَدُّ لَا. يَصِحُّ عَفْوُ الْقِصَاصِ لَا الْحَدِّ. التَّقَادُمُ لَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ بِالْقَتْلِ، بِخِلَافِ الْحَدِّ سِوَى حَدِّ الْقَذْفِ. وَيَثْبُتُ بِإِشَارَةِ أَخْرَسَ وَكِتَابَتِهِ، بِخِلَافِ الْحَدِّ. تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِي الْقِصَاصِ لَا الْحَدِّ.   [رد المحتار] قَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ: وَاعْلَمْ أَنَّ تَوْبَةَ الْقَاتِلِ لَا تَكُونُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالنَّدَامَةِ فَقَطْ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إرْضَاءِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا لَا بُدَّ أَنْ يُمَكِّنَهُمْ مِنْ الْقِصَاصِ مِنْهُ، فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ، وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ مَجَّانًا، فَإِنْ عَفَوْا عَنْهُ كَفَتْهُ التَّوْبَةُ اهـ مُلَخَّصًا، وَقَدَّمْنَا آنِفًا أَنَّهُ بِالْعَفْوِ عَنْهُ يَبْرَأُ فِي الدُّنْيَا، وَهَلْ يَبْرَأُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ عَلَى رَجُلٍ فَمَاتَ الطَّالِبُ وَأَبْرَأَتْهُ الْوَرَثَةُ يَبْرَأُ فِيمَا بَقِيَ؛ أَمَّا فِي ظُلْمِهِ الْمُتَقَدِّمِ لَا يَبْرَأُ فَكَذَا الْقَاتِلُ لَا يَبْرَأُ عَنْ ظُلْمِهِ وَيَبْرَأُ عَنْ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ تَتَارْخَانِيَّةٌ. أَقُولُ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الظُّلْمَ الْمُتَقَدِّمَ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَقْتُولِ بِهِ، وَأَمَّا ظُلْمُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِإِقْدَامِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَيَسْقُطُ بِهَا تَأَمَّلْ. وَفِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ فَتَاوَى الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ قَتَلَ مَظْلُومًا فَاقْتَصَّ وَارِثُهُ أَوْ عَفَا عَنْ الدِّيَةِ أَوْ مَجَّانًا هَلْ لِلْقَاتِلِ بَعْدَ ذَلِكَ مُطَالَبَةٌ فِي الْآخِرَةِ الْجَوَابُ: ظَوَاهِرُ الشَّرْعِ تَقْتَضِي سُقُوطَ الْمُطَالَبَةِ فِي الْآخِرَةِ اهـ، وَكَذَا قَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ: ظَاهِرُ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ. وَقَالَ فِي مُخْتَارِ الْفَتَاوَى: الْقِصَاصُ مُخَلِّصٌ مِنْ حَقِّ الْأَوْلِيَاءِ، وَأَمَّا الْمَقْتُولُ فَيُخَاصِمُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ بِالْقِصَاصِ مَا حَصَلَ فَائِدَةٌ لِلْمَقْتُولِ وَحَقُّهُ بَاقٍ عَلَيْهِ اهـ وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا اسْتَظْهَرْتُهُ (قَوْلُهُ وَفَرَّقَ الْفُقَهَاءُ) أَيْ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ فَيُشْتَرَطُ الْإِمَامُ لِاسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ دُونَ الْقِصَاصِ حَمَوِيٌّ. قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: وَإِذَا قُتِلَ الرَّجُلُ عَمْدًا وَلَهُ وَلِيٌّ وَاحِدٌ فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ قِصَاصًا قَضَى الْقَاضِي بِهِ أَوْ لَمْ يَقْضِ اهـ ط (قَوْلُهُ يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِعِلْمِهِ فِي الْقِصَاصِ) مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ. وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ مُطْلَقًا حَمَوِيٌّ اهـ ط وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي أَوَّلِ جِنَايَاتِ الْمَمْلُوكِ (قَوْلُهُ الْقِصَاصُ يُورَثُ) سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ (قَوْلُهُ لَا الْحَدِّ) شَمِلَ حَدَّ الْقَذْفِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ. أَمَّا قَبْلَهَا فَهُوَ جَائِزٌ. وَفِي الْحَاوِي إذَا ثَبَتَ الْحَدُّ لَمْ يَجُزْ الْإِسْقَاطُ، وَإِذَا عَفَا الْمَقْذُوفُ عَنْ الْقَاذِفِ فَعَفَوْهُ بَاطِلٌ، وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ اهـ إلَّا إذَا قَالَ لَمْ يَقْذِفْنِي أَوْ كَذَبَ شُهُودِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الشَّامِلِ وَالْمُرَادُ مِنْ بُطْلَانِ الْعَفْوِ أَنَّهُ إذَا عَادَ وَطَلَبَهُ حُدَّ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ كَانَ لَغْوًا فَكَأَنَّهُ لَمْ يُخَاصِمْ إلَى الْآنَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْإِمَامَ لَهُ أَنْ يُقِيمَهُ بَعْدَ ذَهَابِ الْمَقْذُوفِ وَعَفْوِهِ، أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ ط (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْحَدِّ) فَإِنَّ التَّقَادُمَ يَمْنَعُهُ وَالتَّقَادُمُ فِي الشُّرْبِ بِذَهَابِ الرِّبْحِ، وَفِي حَدِّ غَيْرِهِ بِمُضِيِّ شَهْرٍ وَقَدْ مَضَى فِي الْحُدُودِ ط (قَوْلُهُ لَا الْحَدِّ) فَلَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ بَعْدَ الْوُصُولِ لِلْحَاكِمِ أَمَّا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ وَالثُّبُوتِ عِنْدَهُ فَتَجُوزُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَ الرَّافِعِ لَهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُطْلِقَهُ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَمْ يَثْبُتْ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْبِيرِيِّ قَالَ الْأَكْمَلُ فِي حَدِيثِ «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا» وَلَا يَتَنَاوَلُ الْحَدِيثُ الْحُدُودَ فَتَبْقَى الشَّفَاعَةُ لِأَرْبَابِ الْحَوَائِجِ الْمُبَاحَةِ كَدَفْعِ الظُّلْمِ أَوْ تَخْلِيصِ خَطَأٍ وَأَمْثَالِهِمَا، وَكَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 549 السَّابِعَةُ لَا بُدَّ فِي الْقِصَاصِ مِنْ الدَّعْوَى، بِخِلَافِ الْحَدِّ سِوَى حَدِّ الْقَذْفِ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ: نَظَرَ فِي بَابِ دَارِ رَجُلٍ فَفَقَأَ الرَّجُلُ عَيْنَهُ لَا يَضْمَنُ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ تَنْحِيَتُهُ مِنْ غَيْرِ فَقْئِهَا وَإِنْ أَمْكَنَهُ ضَمِنَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَضْمَنُ فِيهِمَا. وَلَوْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ فَرَمَاهُ بِحَجَرٍ فَفَقَأَهَا لَا يَضْمَنُ إجْمَاعًا، إنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَنْ نَظَرَ مِنْ خَارِجِهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. بَابُ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ (وَهُوَ فِي كُلِّ مَا يُمْكِنُ فِيهِ رِعَايَةُ حِفْظِ الْمُمَاثَلَةِ) وَحِينَئِذٍ (فَيُقَادُ قَاطِعُ الْيَدِ عَمْدًا مِنْ الْمَفْصِلِ) فَلَوْ الْقَطْعُ مِنْ نِصْفِ سَاعِدٍ أَوْ سَاقٍ   [رد المحتار] الْعَفْوُ عَنْ ذَنْبٍ لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُذْنِبُ مُصِرًّا، فَإِنْ كَانَ مُصِرًّا لَا يَجُوزُ حَتَّى يَرْتَدِعَ عَنْ الذَّنْبِ وَالْإِصْرَارِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ عَنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلْإِمَامِ النَّوَوِيِّ (قَوْلُهُ السَّابِعَةُ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: تُسْمَعُ الشَّهَادَةُ بِدُونِ الدَّعْوَى فِي الْحَدِّ الْخَالِصِ وَالْوَقْفِ وَعِتْقِ الْأَمَةِ وَحُرِّيَّتِهَا الْأَصْلِيَّةِ، وَفِيمَا تَمَحَّضَ لِلَّهِ تَعَالَى كَرَمَضَانَ؛ وَفِي الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ اهـ (قَوْلُهُ سِوَى حَدِّ الْقَذْفِ) وَكَذَا حَدُّ السَّرِقَةِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي مَحَلِّهِ إنَّ طَلَبَ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ الْمَالَ شَرْطُ الْقَطْعِ، فَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مَالَ الْغَائِبِ تَوَقَّفَ عَلَى حُضُورِهِ وَمُخَاصَمَتِهِ. [تَنْبِيهٌ] زَادَ الْحَمَوِيُّ ثَامِنَةً، وَهِيَ اشْتِرَاطُ الْإِمَامِ لِاسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ دُونَ الْقِصَاصِ. قَالَ أَبُو السُّعُودِ وَيُزَادُ تَاسِعَةٌ وَهِيَ جَوَازُ الِاعْتِيَاضِ فِي الْقِصَاصِ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ حَتَّى لَوْ دَفَعَ الْقَاذِفُ مَالًا لِلْمَقْذُوفِ لِيُسْقِطَ حَقَّهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ اهـ. أَقُولُ: وَيُزَادُ عَاشِرَةٌ، وَهِيَ صِحَّةُ رُجُوعِهِ عَنْ الْإِقْرَارِ فِي الْحَدِّ (قَوْلُهُ لَا يَضْمَنُ إجْمَاعًا) ؛ لِأَنَّهُ شَغَلَ مِلْكَهُ؛ كَمَا لَوْ قَصَدَ أَخْذَ ثِيَابِهِ فَدَفَعَهُ حَتَّى قَتَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ مِنَحٌ عَنْ الْقُنْيَةِ. وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَمَنْ نَظَرَ فِي بَيْتِ إنْسَانٍ مِنْ ثَقْبٍ أَوْ شَقِّ بَابٍ أَوْ نَحْوِهِ فَطَعَنَهُ صَاحِبُ الدَّارِ بِخَشَبَةٍ أَوْ رَمَاهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأَ عَيْنَهُ يَضْمَنُ عِنْدَنَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَضْمَنُ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْك بِغَيْرِ إذْنٍ فَحَذَفْته بِحَصَاةٍ وَفَقَأْت عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك جُنَاحٌ» . وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْعَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ» وَهُوَ عَامٌّ، وَلِأَنَّ مُجَرَّدَ النَّظَرِ إلَيْهِ لَا يُبِيحُ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ نَظَرَ مِنْ الْبَابِ الْمَفْتُوحِ وَكَمَا لَوْ دَخَلَ بَيْتَهُ وَنَظَرَ فِيهِ أَوْ نَالَ مِنْ امْرَأَتِهِ مَا دُونَ الْفَرَجِ لَمْ يَجُزْ قَلْعُ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» الْحَدِيثُ يَقْتَضِي عَدَمَ سُقُوطِ عِصْمَتِهِ، وَالْمُرَادُ بِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ الْمُبَالَغَةُ فِي الزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي ط عَنْ الشُّمُنِّيِّ، وَقَوْلُهُ وَكَمَا لَوْ دَخَلَ بَيْتَهُ إلَخْ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا ذَكَرَهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَنْحِيَتُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا أَمْكَنَ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ] ِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ أَتْبَعَهُ بِمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّبَعِ وَهُوَ الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ عِنَايَةٌ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُقَادُ جُرْحٌ إلَّا بَعْدَ بُرْئِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الشِّجَاجِ (قَوْلُهُ رِعَايَةُ حِفْظِ الْمُمَاثَلَةِ) الْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَتْنِ، فَإِنَّ الرِّعَايَةَ الْحِفْظُ ط (قَوْلُهُ فَيُقَادُ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ حَصَلَ الضَّرْبُ بِسِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ، لِمَا قَدَّمَهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ شِبْهُ عَمْدٍ (قَوْلُهُ مِنْ الْمَفْصِلِ) وِزَانُ مَسْجِدٍ أَحَدُ مَفَاصِلِ الْأَعْضَاءِ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ مِنْ نِصْفِ سَاعِدٍ إلَخْ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 550 أَوْ مِنْ قَصَبَةِ أَنْفٍ لَمْ يُقَدْ لِامْتِنَاعِ حِفْظِ الْمُمَاثَلَةِ وَهِيَ الْأَصْلُ فِي جَرَيَانِ الْقِصَاصِ (وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ أَكْبَرَ مِنْهَا) لِاتِّحَادِ الْمَنْفَعَةِ (وَكَذَا) الْحُكْمُ فِي (الرِّجْلِ وَالْمَارِنِ وَالْأُذُنِ، وَ) كَذَا (عَيْنٌ ضُرِبَتْ فَزَالَ ضَوْءُهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ) غَيْرُ مُنْخَسِفَةٍ (فَيُجْعَلُ عَلَى وَجْهِهِ قَطَنٌ رَطْبٌ وَتُقَابَلُ عَيْنُهُ بِمِرْآةٍ مُحْمَاةٍ، وَلَوْ قُلِعَتْ لَا) قِصَاصَ لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ. وَفِي الْمُجْتَبَى: فَقَأَ الْيُمْنَى وَيُسْرَى الْفَاقِئِ ذَاهِبَةٌ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَتُرِكَ أَعْمَى. وَعَنْ الثَّانِي لَا قَوَدَ فِي فَقْءِ عَيْنٍ حَوْلَاءَ   [رد المحتار] الْمُرَادُ بِهِ مَا لَا يَكُونُ مِنْ الْمَفْصِلِ (قَوْلُهُ أَوْ قَصَبَةِ أَنْفٍ) أَتَى بِمِنْ عَطْفًا عَلَى مِنْ الْأُولَى لَا عَلَى سَاعِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ بِقَطْعِ الْقَصَبَةِ كُلِّهَا أَوْ نِصْفِهَا؛ لِأَنَّهَا عَظْمٌ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ لِامْتِنَاعِ حِفْظِ الْمُمَاثَلَةِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَكْسِرُ زِيَادَةً مِنْ عُضْوِ الْجَانِي أَوْ يَقَعُ خَلَلٌ فِيهِ زَائِدٌ ط (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ أَكْبَرَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْمَقْطُوعَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً فَأَخَذَتْ الشَّجَّةُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ وَلَا تَأْخُذُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ لِكِبَرِ رَأْسِهِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ الْكِبَرُ، وَخُيِّرَ الْمَشْجُوجُ بَيْنَ الِاقْتِصَاصِ بِمِقْدَارِ شَجَّتِهِ وَبَيْنَ أَخْذِ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الشَّيْنُ، وَبِالِاقْتِصَاصِ بِمِقْدَارِهَا يَكُونُ الشَّيْنُ فِي الثَّانِيَةِ أَقَلَّ، وَبِأَخْذِهِ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ فَانْتَفَتْ الْمُمَاثَلَةُ صُورَةً وَمَعْنًى، فَإِنْ شَاءَ اسْتَوْفَاهَا مَعْنًى وَهُوَ بِمِقْدَارِ شَجَّتِهِ وَيَتْرُكُ الصُّورَةَ؛ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ أَرْشَهَا. أَمَّا الْيَدُ الْكَبِيرَةُ وَالصَّغِيرَةُ فَمَنْفَعَتُهُمَا لَا تَخْتَلِفُ عِنَايَةٌ وَغَيْرُهَا، وَقُيِّدَ بِالْكِبَرِ لِأَنَّهُ لَا تُقْطَعُ الصَّحِيحَةُ بِالشَّلَّاءِ وَلَا الْيَمِينُ بِالْيُسْرَى وَعَكْسُهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ وَالْمَارِنِ) هُوَ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْقَصَبَةِ كَمَا مَرَّ. قَالَ ط: وَإِذَا قُطِعَ بَعْضُهُ لَا يَجِبُ ذَخِيرَةٌ. وَفِي الْأَرْنَبَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ عَلَى صَحِيحِ خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ؛ وَإِنْ كَانَ أَنْفُ الْقَاطِعِ أَصْغَرَ خُيِّرَ الْمَقْطُوعُ أَنْفُهُ الْكَبِيرُ إنْ شَاءَ قَطَعَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ مُحِيطٌ. وَكَذَا إذَا كَانَ قَاطِعُ الْأَنْفِ أَخْشَمَ لَا يَجِدُ الرِّيحَ، أَوْ أَصْرَمَ الْأَنْفِ أَوْ بِأَنْفِهِ نُقْصَانٌ مِنْ شَيْءٍ أَصَابَهُ فَإِنَّ الْمَقْطُوعَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَطْعِ وَبَيْنَ أَخْذِ دِيَةِ أَنْفِهِ ظَهِيرِيَّةٌ اهـ (قَوْلُهُ وَالْأُذُنِ) أَيْ كُلِّهَا؛ وَكَذَا بَعْضُهَا إنْ كَانَ لِلْقَطْعِ حَدٌّ يُعْرَفُ تُمْكِنُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ وَإِلَّا سَقَطَ الْقِصَاصُ إتْقَانِيٌّ، وَلَوْ كَانَتْ أُذُنُ الْقَاطِعِ صَغِيرَةً أَوْ خَرْقَاءَ أَوْ مَشْقُوقَةً وَالْمَقْطُوعَةُ كَبِيرَةً أَوْ سَالِمَةً خُيِّرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، إنْ شَاءَ قَطَعَ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ نِصْفَ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَقْطُوعَةُ نَاقِصَةً كَانَ لَهُ حُكُومَةُ عَدْلٍ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا عَيْنٌ إلَخْ) وَلَوْ كَبِيرَةً بِصَغِيرَةٍ وَعَكْسُهُ، وَكَذَا يُقْتَصُّ مِنْ الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى لَا بِالْعَكْسِ بَلْ فِيهِ الدِّيَةُ خِلَافًا لِلْخَانِيَّةِ. وَلَوْ ذَهَبَ بَيَاضُهَا ثُمَّ أَبْصَرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْ إنْ عَادَ كَمَا كَانَ، فَلَوْ دُونَهُ فَحُكُومَةٌ كَمَا لَوْ ابْيَضَّتْ مَثَلًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الذَّخِيرَةِ دُرٌّ مُنْتَقًى. أَقُولُ: قَوْلُهُ وَكَذَا يُقْتَصُّ إلَخْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ خِلَافُهُ. وَاَلَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ هُوَ مَا يَذْكُرُهُ عَنْ الْمُجْتَبَى قَرِيبًا. وَفِي الْجَوْهَرَةِ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا تُؤْخَذُ الْعَيْنُ الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى وَلَا الْيُسْرَى بِالْيُمْنَى اهـ وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ فَزَالَ ضَوْءُهَا) قَالَ بَعْضُهُمْ: يُعْرَفُ ذَلِكَ إذَا أَخْبَرَ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ بِأَنْ لَا تَدْمَعَ إذَا قُوبِلَتْ مَفْتُوحَةً لِلشَّمْسِ (قَوْلُهُ فَيُجْعَلُ إلَخْ) هَذِهِ الْحَادِثَةُ وَقَعَتْ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ فَلَمْ يُجِيبُوهُ حَتَّى جَاءَ عَلِيٌّ وَقَضَى بِالْقِصَاصِ وَبَيَّنَ هَكَذَا وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ فَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ بِمِرْآةٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَمَدِّ الْهَمْزَةِ: آلَةُ الرُّؤْيَةِ. وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا هُنَا فُولَاذٌ صَقِيلٌ يُرَى بِهِ الْوَجْهُ لَا الْمِرْآةُ الْمَعْرُوفَةُ مِنْ الزُّجَاجِ (قَوْلُهُ وَعَنْ الثَّانِي إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى: وَلَوْ فَقَأَ عَيْنًا حَوْلَاءَ وَالْحَوَلُ لَا يَضُرُّ بِبَصَرِهِ يُقْتَصُّ مِنْهُ وَإِلَّا فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ. عَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا قِصَاصَ فِي فَقْءِ الْعَيْنِ الْحَوْلَاءِ مُطْلَقًا اهـ. وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْخَانِيَّةِ نَقْلًا عَنْ أَبِي الْحَسَنِ، لَكِنْ قَالَ قَبْلَهُ بِوَرَقَةٍ: وَلَا قِصَاصَ فِي عَيْنِ الْأَحْوَلِ، وَظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ، وَعَادَتُهُ تَقْدِيمُ مَا هُوَ الْأَشْهَرُ فَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ، وَكَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ الْمَيْلُ إلَيْهِ فَافْهَمْ. [تَنْبِيهٌ] ضَرَبَ عَيْنَ إنْسَانٍ فَابْيَضَّتْ بِحَيْثُ لَا يُبْصِرُ بِهَا لَا قِصَاصَ فِيهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ فَقَأَ عَيْنَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 551 (وَ) كَذَا هُوَ أَيْضًا (فِي كُلِّ شَجَّةٍ يُرَاعَى) وَيَتَحَقَّقُ (فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ) كَمُوضِحَةٍ. (وَلَا قَوَدَ فِي عَظْمٍ إلَّا السِّنَّ وَإِنْ تَفَاوَتَا) طُولًا أَوْ كِبَرًا لِمَا مَرَّ (فَتُقْطَعُ إنْ قُلِعَتْ؛ وَقِيلَ تُبْرَدُ إلَى) اللَّحْمِ (مَوْضِعِ أَصْلِ السِّنِّ) وَيَسْقُطُ مَا سِوَاهُ لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ إذْ رُبَّمَا تُقْصَدُ لَهَاتُهُ، وَبِهِ أَخَذَ صَاحِبُ الْكَافِي. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَفِي الْمُجْتَبَى وَبِهِ يُفْتَى (كَمَا تُبْرَدُ) إلَى أَنْ يَتَسَاوَيَا إنْ كُسِرَتْ.   [رد المحتار] رَجُلٍ وَفِي عَيْنِ الْفَاقِئِ بَيَاضٌ يَنْقُصُهَا فَلِلرَّجُلِ أَنْ يَفْقَأَ الْبَيْضَاءَ أَوْ أَنْ يَأْخُذَ أَرْشَ عَيْنِهِ. جَنَى عَلَى عَيْنٍ فِيهَا بَيَاضٌ يُبْصِرُ بِهَا وَعَيْنُ الْجَانِي كَذَلِكَ فَلَا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا. وَفِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ الذَّاهِبِ نُورُهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَكَذَا لَوْ ضَرَبَهَا فَابْيَضَّ بَعْضُ النَّاظِرِ أَوْ أَصَابَهَا قُرْحَةٌ أَوْ رِيحٌ أَوْ سَبَلٌ أَوْ شَيْءٌ مِمَّا يَهِيجُ بِالْعَيْنِ فَنَقَصَ مِنْ ذَلِكَ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ كَمُوضِحَةٍ) هِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ: أَيْ تُظْهِرُهُ، وَكَذَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشِّجَاجِ (قَوْلُهُ إلَّا السِّنَّ) اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ أَوْ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ الْأَطِبَّاءَ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ إنَّهُ عَصَبٌ يَابِسٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ وَيَنْمُو بَعْدَ تَمَامِ الْخِلْقَةِ؛ وَقِيلَ عَظْمٌ وَكَأَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ عَظْمٌ، حَتَّى قَالَ: وَالْمُرَادُ مِنْهُ غَيْرُ السِّنِّ، وَعَلَيْهِ فَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ إمْكَانُ الْمُسَاوَاةِ بِأَنْ يُبْرَدَ بِالْمِبْرَدِ مِعْرَاجٌ وَعِنَايَةٌ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ اتِّحَادِ الْمَنْفَعَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا أَصْلِيَّةٌ سَلِيمَةٌ. فَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: أَلْ لِلْعَهْدِ أَيْ سِنٌّ أَصْلِيَّةٌ فَلَا قِصَاصَ فِي السِّنِّ الزَّائِدَةِ اهـ أَيْ بَلْ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَفِيهَا أَيْضًا: وَسِنُّ الْجَانِي سَوْدَاءُ أَوْ صَفْرَاءُ أَوْ حَمْرَاءُ أَوْ خَضْرَاءُ، إنْ شَاءَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ اقْتَصَّ أَوْ ضَمَّنَهُ أَرْشَ سِنِّهِ خَمْسَمِائَةٍ، وَلَوْ الْمَعِيبُ سِنَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَلَهُ الْأَرْشُ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَلَا قِصَاصَ (قَوْلُهُ مَوْضِعِ أَصْلِ السِّنِّ) بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ ط (قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ مَا سِوَاهُ) أَيْ مَا كَانَ دَاخِلًا فِي اللَّحْمِ (قَوْلُهُ إذْ رُبَّمَا تَفْسُدُ لَهَاتُهُ) أَيْ لَوْ قَلَعَ، وَالتَّعْبِيرُ بِاللَّهَاةِ وَقَعَ فِي النِّهَايَةِ وَتَبِعَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَالصَّوَابُ لِثَاتُهُ كَمَا وَقَعَ فِي الْكِفَايَةِ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: اللَّهَاةُ لَحْمَةٌ مُشْرِفَةٌ عَلَى الْحَلْقِ، قَوْلُهُ مَنْ تَسَحَّرَ بِسَوِيقٍ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَلَهَاتِهِ شَيْءٌ كَأَنَّهُ تَصْحِيفُ لِثَاتِهِ وَهِيَ لَحْمَاتُ أُصُولِ الْأَسْنَانِ اهـ (قَوْلُهُ وَبِهِ أَخَذَ صَاحِبُ الْكَافِي) أَيْ بِالْقَوْلِ بِالْبَرْدِ وَعَلَيْهِ مَشَى شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ، وَعَزَوْهُ إلَى الذَّخِيرَةِ وَالْمَبْسُوطِ، وَتَبِعَهُمْ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالتَّبْيِينِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْقَوْلِ بِالْقَلْعِ أَصْلًا، بَلْ قَالُوا لَا تُقْلَعُ، وَإِنَّمَا تُبْرَدُ مَعَ أَنَّهُ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ: وَلَوْ قُلِعَ مِنْ أَصْلِهِ يُقْلَعُ الثَّانِي فَيَتَمَاثَلَانِ، وَكَأَنَّ الشُّرَّاحَ لَمْ يَرْتَضُوا بِهِ لَكِنْ مَشَى عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرِ الْوِقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَالِاخْتِيَارِ وَالدُّرَرِ وَغَيْرِهَا. وَنَقَلَ الطُّورِيُّ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ. وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي اخْتِيَارُ الْبَرْدِ خُصُوصًا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْقَلْعِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ أَسْنَانُهُ غَيْرَ مُفَلَّجَةٍ بِحَيْثُ يُخَافُ مِنْ قَلْعِ وَاحِدٍ أَنْ يَتْبَعَهُ غَيْرُهُ أَوْ أَنْ تَفْسُدَ اللِّثَةُ اهـ. قُلْت: يُؤَيِّدُهُ مَا فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ عَنْ الْخُلَاصَةِ: النَّزْعُ مَشْرُوعٌ، وَالْأَخْذُ بِالْمِبْرَدِ احْتِيَاطٌ اهـ (قَوْلُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) لَمْ أَرَهُ فِي الْمِنَحِ وَلَا فِي الْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ كَمَا تُبْرَدُ إلَى أَنْ يَتَسَاوَيَا إنْ كُسِرَتْ) هَذَا إذَا لَمْ يَسْوَدَّ الْبَاقِي وَإِنْ اسْوَدَّ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ، فَإِنْ طَلَبَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءَ قَدْرِ الْمَكْسُورَةِ وَتَرَكَ مَا اسْوَدَّ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إذَا كَسَرَ السِّنَّ لَا قِصَاصَ فِيهِ خَانِيَّةٌ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ: وَفِي كَسْرِ بَعْضِ السِّنِّ إنَّمَا يُبْرَدُ بِالْمِبْرَدِ إذَا كُسِرَ عَنْ عَرْضٍ، أَمَّا لَوْ عَنْ طُولٍ فَفِيهِ الْحُكُومَةُ اهـ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إنْ كُسِرَ مُسْتَوِيًا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ مِنْهُ اُقْتُصَّ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ أَرْشُ ذَلِكَ، فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ اهـ فَعُلِمَ تَقْيِيدُهُ أَيْضًا بِمَا إذَا أَمْكَنَ فِيهِ الْمُسَاوَاةُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ ضَرَبَ سِنَّ رَجُلٍ فَاسْوَدَّ فَنَزَعَهَا آخَرُ فَعَلَى الْأَوَّلِ أَرْشٌ تَامٌّ خَمْسُمِائَةٍ وَعَلَى الثَّانِي حُكُومَةُ عَدْلٍ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 552 وَفِي الْمُجْتَبَى: يُؤَجَّلُ حَوْلًا، فَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ يُقْتَصُّ. وَقِيلَ يُؤَجَّلُ الصَّبِيُّ لَا الْبَالِغُ، فَلَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ فِي الْحَوْلِ بَرِئَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَكَذَا الْخِلَافُ إذَا أَجَّلَ فِي تَحْرِيكِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلِ الْأَلَمِ: أَيْ أَجْرُ الْقِلَاعِ وَالطَّبِيبِ اهـ وَسَنُحَقِّقُهُ. (وَتُؤْخَذُ الثَّنِيَّةُ بِالثَّنِيَّةِ وَالنَّابُ بِالنَّابِ، وَلَا تُؤْخَذُ الْأَعْلَى بِالْأَسْفَلِ وَلَا الْأَسْفَلُ بِالْأَعْلَى) مُجْتَبًى. الْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ عُضْوٌ إلَّا بِمِثْلِهِ. (وَ) لَا قَوَدَ عِنْدَنَا فِي (طَرَفَيْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَ) طَرَفَيْ (حُرٍّ وَعَبْدٍ وَ) طَرَفَيْ (عَبْدَيْنِ) لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ   [رد المحتار] وَفِيهَا: كَسَرَ رُبُعَ سِنِّ رَجُلٍ وَرُبُعُ سِنِّ الْكَاسِرِ مِثْلُ سِنِّ الْمَكْسُورِ ذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ أَنَّهُ يُكْسَرُ مِنْ الْكَاسِرِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الصِّغَرُ وَالْكِبَرُ بَلْ يَكُونُ عَلَى قَدْرِ مَا كَسَرَ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ أُذُنَ إنْسَانٍ أَوْ يَدَهُ وَأُذُنُ الْقَاطِعِ أَوْ يَدُهُ أَطْوَلُ اهـ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ كَسَرَ بَعْضَ السِّنِّ فَسَقَطَ الْبَاقِي لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ، وَلَوْ ضَرَبَهَا فَتَحَرَّكَتْ وَلَمْ تَتَغَيَّرْ فَقَلَعَهَا آخَرُ فَعَلَى كُلٍّ حُكُومَةُ عَدْلٍ اهـ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ يُقْتَصُّ) أَيْ فِيمَا إذَا قُلِعَتْ، وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى أَيْضًا أَنَّهُ إذَا كُسِرَ بَعْضُهَا يَنْتَظِرُ حَوْلًا، فَإِذَا لَمْ تَتَغَيَّرْ تُبْرَدُ، وَكَذَا ذُكِرَ فِيمَا إذَا تَحَرَّكَتْ يَنْتَظِرُ حَوْلًا فَإِنْ احْمَرَّتْ أَوْ اخْضَرَّتْ أَوْ اسْوَدَّتْ تَجِبُ دِيَتُهَا فِي مَالِهِ قَالَ: وَفِي الِاصْفِرَارِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُؤَجَّلُ الصَّبِيُّ) عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى وَالْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُسْتَأْنَى فِي الْجِنَايَاتِ كُلِّهَا عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً وَمُحَمَّدٌ ذَكَرَ الِاسْتِينَاءَ فِي التَّحْرِيكِ دُونَ الْقَلْعِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْقَلْعِ. قَالَ الْقُدُورِيُّ: يُسْتَأْنَى الصَّبِيُّ دُونَ الْبَالِغِ، وَقِيلَ يُسْتَأْنَى فِيهِمَا اهـ. وَنَقَلَ ط عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ إنْ ضَرَبَ سِنَّ رَجُلٍ فَسَقَطَتْ يَنْتَظِرُ حَتَّى يَبْرَأَ مَوْضِعُ السِّنِّ وَلَا يَنْتَظِرُ حَوْلًا إلَّا فِي رِوَايَةِ الْمُجَرَّدِ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ نَبَاتَ سِنِّ الْبَالِغِ نَادِرٌ اهـ وَسَيَنْقُلُهُ الشَّارِحُ فِي الشِّجَاجِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالنِّهَايَةِ، وَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ فَلَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ فِي الْحَوْلِ بَرِئَ) أَيْ أَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْجَانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُجْتَبًى (قَوْلُهُ وَكَذَا الْخِلَافُ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى: إذَا اسْتَأْنَى فِي التَّحْرِيكِ فَلَمْ يَسْقُطْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلِ الْأَلَمِ: أَيْ أَجْرُ الْقِلَاعِ وَالطَّبِيبِ، وَإِنْ سَقَطَ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ، وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ، فَإِنْ قَالَ الضَّارِبُ سَقَطَ لَا بِضَرْبَتِي فَالْقَوْلُ لِلْمَضْرُوبِ اسْتِحْسَانًا اهـ زَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَيْسَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْجِنَايَاتِ إلَّا فِي السِّنِّ لِلْأَثَرِ، فَإِنْ جَاءَ بَعْدَ السَّنَةِ وَالسِّنُّ سَاقِطٌ فَقَالَ الضَّارِبُ سَقَطَ فِي السَّنَةِ فَالْقَوْلُ لِلْمَضْرُوبِ أَنَّهَا سَقَطَتْ مِنْ ضَرْبِهِ، وَإِنْ قَالَ بَعْدَ السَّنَةِ فَلِلضَّارِبِ (قَوْلُهُ حُكُومَةُ عَدْلِ الْأَلَمِ) حُكُومَةُ الْعَدْلِ بِمَعْنَى الْأَرْشِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَرْشُ الْأَلَمِ اهـ ح، أَوْ يُقَالُ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ، أَيْ حُكُومَةٌ هِيَ عَدْلُ الْأَلَمِ: أَيْ مَا يُعَادِلُهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَيْ أَجْرُ الْقِلَاعِ) الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَخَّرَ الْعِلَاجَ (قَوْلُهُ وَسَنُحَقِّقُهُ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ فَصْلِ الشِّجَاجِ وَفِي آخِرِهِ (قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ خَاصًّا فِي السِّنِّ بَلْ غَيْرُهَا كَذَلِكَ. قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا تُؤْخَذُ الْعَيْنُ الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى وَلَا الْيُسْرَى بِالْيُمْنَى وَكَذَا الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَكَذَا أُصْبُعُهُمَا، وَيُؤْخَذُ إبْهَامُ الْيُمْنَى بِالْيُمْنَى وَالسَّبَّابَةُ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى بِالْوُسْطَى، وَلَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ مِنْ أَعْضَاءِ الْيُمْنَى إلَّا بِالْيُمْنَى وَلَا الْيُسْرَى إلَّا بِالْيُسْرَى اهـ (قَوْلُهُ وَلَا قَوَدَ عِنْدَنَا إلَخْ) فَيَجِبُ الْأَرْشُ فِي مَالِهِ حَالًّا جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ فِي طَرَفَيْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ) عِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ: وَلَا قِصَاصَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إلَخْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 553 بِدَلِيلِ اخْتِلَافِ دِينِهِمْ وَقِيمَتِهِمْ وَالْأَطْرَافُ كَالْأَمْوَالِ قُلْت: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، لَكِنْ فِي الْوَاقِعَاتِ: لَوْ قَطَعَتْ الْمَرْأَةُ يَدَ رَجُلٍ كَانَ لَهُ الْقَوَدُ لِأَنَّ النَّاقِصَ يُسْتَوْفَى بِالْكَامِلِ إذَا رَضِيَ صَاحِبُ الْحَقِّ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَلَا بَيْنَ عَبْدَيْنِ وَأَقَرَّهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَالْبُرْجُنْدِيُّ. (وَطَرَفُ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ سِيَّانِ) لِلتَّسَاوِي فِي الْأَرْشِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَنْ يُقْتَلُ بِهِ يُقْطَعُ بِهِ وَمَا لَا فَلَا (وَ) لَا فِي (قَطْعِ يَدٍ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ) لِمَا مَرَّ (وَ) لَا فِي (جَائِفَةٍ بَرِئَتْ) فَلَوْ لَمْ تَبْرَأْ، فَإِنْ سَارِيَةً يُقْتَصُّ وَإِلَّا يُنْتَظَرُ الْبُرْءُ أَوْ السِّرَايَةُ ابْنُ كَمَالٍ (وَلِسَانٍ وَذَكَرٍ) وَلَوْ مِنْ أَصْلِهِمَا بِهِ يُفْتَى شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ. قُلْت: لَكِنْ جَزَمَ قَاضِي خَانَ بِلُزُومِ الْقِصَاصِ، وَجَعَلَهُ فِي الْمُحِيطِ قَوْلُ الْإِمَامِ. وَنَصُّهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ:   [رد المحتار] وَمُفَادُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّرَفِ مَا دُونَ النَّفْسِ فَيَشْمَلُ السِّنَّ وَالْعَيْنَ وَالْأَنْفَ وَنَحْوَهَا، وَهُوَ مُفَادُ الدَّلِيلِ الْآتِي. وَفِي الْكِفَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ قَوْله تَعَالَى - {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ} [المائدة: 45]- مُطْلَقٌ يَتَنَاوَلُ مَوَاضِعَ النِّزَاعِ. قُلْنَا: قَدْ خُصَّ مِنْهُ الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ وَالْعَامُّ إذَا خُصَّ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ اهـ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ: قِيلَ لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ فِي الشِّجَاجِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَاوَاةِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْقِيمَةِ وَلَمْ تُوجَدْ. وَقِيلَ يَجْرِي، وَنَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ لِأَنَّ فِي قَطْعِ الْأَطْرَافِ تَفْوِيتَ الْمَنْفَعَةِ وَإِلْحَاقَ الشَّيْنِ وَقَدْ تَفَاوَتَا، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الشِّجَاجِ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إلْحَاقُ الشَّيْنِ وَقَدْ تَسَاوَيَا فِيهِ اهـ وَاقْتَصَرَ فِي الِاخْتِيَارِ عَلَى الثَّانِي فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِدَلِيلٍ إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهَا وِقَايَةُ الْأَنْفُسِ كَالْأَمْوَالِ، وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ طَرَفَيْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فِي الْقِيمَةِ بِتَقْوِيمِ الشَّارِعِ، وَلَا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَلَا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْقِيمَةِ، وَإِنْ تَسَاوَيَا فِيهَا فَذَلِكَ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ وَلَيْسَ بِيَقِينٍ فَصَارَ شُبْهَةً فَامْتَنَعَ الْقِصَاصُ، بِخِلَافِ طَرَفَيْ الْحُرَّيْنِ لِأَنَّ اسْتِوَاءَهُمَا مُتَيَقَّنٌ بِتَقْوِيمِ الشَّرْعِ، وَبِخِلَافِ الْأَنْفُسِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِيهَا يَتَعَلَّقُ بِإِزْهَاقِ الرُّوحِ وَلَا تَفَاوُتَ فِيهِ اهـ؛ وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ الْآتِي حَيْثُ أَلْحَقَ الْأَطْرَافَ بِالْأَنْفُسِ (قَوْلُهُ قُلْت هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ) وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الشُّرُوحِ وَالْمُسْتَفَادُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُتُونِ فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدَ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْكِفَايَةِ الْفَرْقُ بَيْنَ عَدَمِ جَوَازِ اسْتِيفَاءِ النَّاقِصِ بِالْكَامِلِ هُنَا وَبَيْنَ جَوَازِهِ فِيمَا يَأْتِي فِيمَا إذَا كَانَ الْقَاطِعُ أَشَلَّ أَوْ نَاقِصَ الْأَصَابِعِ بِمَا حَاصِلُهُ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ هُنَا أَصْلِيٌّ فَيَمْنَعُ الْقِصَاصَ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَفِيمَا يَأْتِي كَانَ التَّسَاوِي ثَابِتًا فِي الْأَصْلِ وَالتَّفَاوُتُ بِأَمْرٍ عَارِضٍ (قَوْلُهُ وَلَا بَيْنَ عَبْدَيْنِ) فَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ الْأَعْلَى اخْتِيَارُ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْأَدْنَى ط (قَوْلُهُ وَطَرَفُ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ) أَيْ وَطَرَفُ الْكَافِرِ: أَيْ الذِّمِّيِّ سِيَّانِ أَيْ مُتَسَاوِيَانِ فَيَجْرِي فِيهِمَا الْقِصَاصُ، وَكَذَا بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ، وَكَذَا بَيْنَ الْكِتَابِيَّتَيْنِ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا فِي قَطْعِ يَدٍ إلَخْ) أَيْ بَلْ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ امْتِنَاعِ رِعَايَةِ الْمُمَاثَلَةِ ط (قَوْلُهُ وَلَا فِي جَائِفَةٍ بَرِئَتْ) ؛ لِأَنَّ الْبُرْءَ نَادِرٌ فَيُفْضِي الثَّانِي إلَى الْهَلَاكِ ظَاهِرًا هِدَايَةٌ. وَالْجَائِفَةُ: هِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الْبَطْنِ مِنْ الصَّدْرِ أَوْ الظَّهْرِ أَوْ الْبَطْنِ فَلَا قِصَاصَ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ بَلْ يَجِبُ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَلَا تَكُونُ الْجَائِفَةُ فِي الرَّقَبَةِ وَالْحَلْقِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَلَوْ فِي الْأُنْثَيَيْنِ وَالدُّبُرِ فَهِيَ جَائِفَةٌ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنْ سَارِيَةً) بِأَنْ مَاتَ مِنْهَا. وَالْأَخْصَرُ مَنْ يُقَالُ فَلَوْ لَمْ تَبْرَأْ يُنْتَظَرُ الْبُرْءُ أَوْ السِّرَايَةُ فَيُقْتَصُّ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) وَهُوَ الصَّحِيحُ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ، وَهُوَ مُفَادُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ وَلَا سِيَّمَا وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ أَدَوَاتِ الْعُمُومِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ إلَّا أَنْ يُقْطَعَ الْحَشَفَةُ فَيُفِيدُ أَنْ لَا قِصَاصَ فِي قَطْعِ غَيْرِهَا أَصْلًا (قَوْلُهُ لَكِنْ جَزَمَ قَاضِي خَانْ بِلُزُومِ الْقِصَاصِ) يَعْنِي فِي الذَّكَرِ وَحْدَهُ إذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ لَا فِي اللِّسَانِ فَإِنْ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ قَطَعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 554 إنْ قَطَعَ الذَّكَرُ ذَكَرَهُ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ الْحَشَفَةِ اُقْتُصَّ مِنْهُ إذْ لَهُ حَدٌّ مَعْلُومٌ، وَأَقَرَّهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فَلْيُحْفَظْ (إلَّا أَنْ يَقْطَعَ) كُلَّ (الْحَشَفَةِ) فَيُقْتَصُّ، وَلَوْ بَعْضُهَا لَا، وَسَيَجِيءُ مَا لَوْ قَطَعَ بَعْضَ اللِّسَانِ. (وَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الشَّفَةِ إنْ اسْتَقْصَاهَا بِالْقَطْعِ) لِإِمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ (وَإِلَّا) يَسْتَقْصِهَا (لَا) يُقْتَصُّ مُجْتَبًى وَجَوْهَرَةٌ، وَفِي لِسَانِ أَخْرَسَ وَصَبِيٍّ لَا يَتَكَلَّمُ حُكُومَةُ عَدْلٍ (فَإِنْ كَانَ الْقَاطِعُ أَشَلَّ أَوْ نَاقِصَ الْأَصَابِعِ أَوْ كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ) مِنْ الْمَشْجُوجِ (خُيِّرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَيْنَ الْقَوَدِ وَ) أَخْذِ (الْأَرْشِ) وَعَلَى هَذَا فِي السِّنِّ وَسَائِرِ الْأَطْرَافِ الَّتِي تُقَادُ إذَا كَانَ طَرَفُ الضَّارِبِ وَالْقَاطِعِ مَعِيبًا يَتَخَيَّرُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَيْنَ أَخْذِ الْمَعِيبِ وَالْأَرْشِ كَامِلًا. قَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ هَذَا لَوْ الشَّلَّاءُ يَنْتَفِعُ بِهَا، فَلَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا لَمْ تَكُنْ مَحِلًّا لِلْقَوَدِ، فَلَهُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ بِلَا خِيَارٍ، وَعَلَيْهِ   [رد المحتار] لِسَانَ إنْسَانٍ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا قِصَاصَ فِي بَعْضِ اللِّسَانِ اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَفِي قَطْعِ الذَّكَرِ مِنْ الْأَصْلِ عَمْدًا قِصَاصٌ، وَإِنْ قُطِعَ مِنْ وَسَطِهِ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ وَهَذَا فِي ذَكَرِ الْفَحْلِ، فَأَمَّا فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ حُكُومَةُ عَدْلٍ. وَفِي ذَكَرِ الْمَوْلُودِ إنْ تَحَرَّكَ يَجِبُ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ عَمْدًا، وَالدِّيَةُ إنْ كَانَ خَطَأً، وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ كَانَ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ. وَلَا قِصَاصَ فِي قَطْعِ اللِّسَانِ اهـ فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ اللِّسَانِ وَالذَّكَرِ كَمَا تَرَى، وَلَعَلَّهُ لِعُسْرِ اسْتِقْصَاءِ اللِّسَانِ مِنْ أَصْلِهِ، بِخِلَافِ الذَّكَرِ، لَكِنَّ قَاضِيَ خَانْ نَفْسَهُ حَكَى فِي شَرْحِهِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رِوَايَةَ أَبِي يُوسُفَ فِي الذَّكَرِ وَاللِّسَانِ وَصَحَّحَ قَوْلَ الْإِمَامِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَا إذَا قَطَعَ ذَكَرَ مَوْلُودٍ بَدَا صَلَاحُهُ بِالتَّحَرُّكِ، وَإِنْ قُطِعَ الذَّكَرُ مِنْ أَصْلِهِ عَمْدًا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيهِ: رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمَهُ اهـ مُلَخَّصًا. ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ قَطَعَ لِسَانَ صَبِيٍّ قَدْ اسْتَهَلَّ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ صَلَاحُهُ بِالدَّلِيلِ، وَإِنْ تَكَلَّمَ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْقَوَدَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي اللِّسَانِ قُطِعَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا قُطِعَ الْكُلُّ يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّهُ ظَاهِرُ رِوَايَةٍ. وَفِي تَصْحِيحِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ إنْ قَطَعَ الذَّكَرُ ذَكَرَهُ مِنْ أَصْلِهِ) كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَلَفْظُ الذَّكَرِ سَاقِطٌ مِنْ عِبَارَةِ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الرَّجُلُ وَهُوَ فَاعِلُ قَطَعَ وَذَكَرَهُ مَفْعُولُهُ أَيْ ذَكَرَ رَجُلٍ آخَرَ، وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَمَّا لَوْ كَانَ الْقَاطِعُ أَوْ الْمَقْطُوعُ امْرَأَةً فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَأَقَرَّهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ) لَكِنْ قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْوَهْبَانِيَّةِ: وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي اللِّسَانِ وَالذَّكَرِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا اهـ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الدِّيَاتِ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ الْقَاطِعُ أَشَلَّ) أَيْ فِي حَالِ الْقَطْعِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ صَحِيحَةً ثُمَّ شُلَّتْ بَعْدَ الْقَطْعِ فَلَا حَقَّ لِلْمَقْطُوعِ فِي الْأَرْشِ لِأَنَّ حَقَّ الْمَقْطُوعِ كَانَ مُتَقَرِّرًا فِي الْيَدِ فَيَسْقُطُ بِقَدْرِ هَلَاكِ الْمَحَلِّ اهـ ط عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ) بِأَنْ كَانَتْ الشَّجَّةُ تَسْتَوْعِبُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ دُونَ الشَّاجِّ، وَفِي عَكْسِهِ يُخَيَّرُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ كَمَلًا لِلتَّعَدِّي إلَى غَيْرِ حَقِّهِ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الشَّجَّةُ فِي طُولِ الرَّأْسِ وَهِيَ تَأْخُذُ مِنْ جَبْهَتِهِ إلَى قَفَاهُ وَلَا تَبْلُغُ إلَى قَفَا الشَّاجِّ فَهُوَ بِالْخِيَارِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ خُيِّرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ إلَخْ) لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْحَقِّ كَمَلًا مُتَعَذِّرٌ فَلَهُ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِدُونِ حَقِّهِ، وَلَهُ أَنْ يَعْدِلَ إلَى الْعِوَضِ. وَلَوْ سَقَطَتْ: أَيْ يَدُ الْجَانِي لِآفَةٍ قَبْلَ اخْتِيَارِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ قُطِعَتْ ظُلْمًا فَلَا شَيْءَ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَيِّنٌ فِي الْقِصَاصِ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْمَالِ بِاخْتِيَارِهِ فَيَسْقُطُ بِفَوَاتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتْ بِحَقٍّ عَلَيْهِ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ سَرِقَةٍ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَرْشُ؛ لِأَنَّهُ: أَيْ الْجَانِي أَوْفَى بِهِ حَقًّا مُسْتَحَقًّا فَصَارَتْ سَالِمَةً لَهُ هِدَايَةٌ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: بِخِلَافِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 555 الْفَتْوَى مُجْتَبًى. وَفِيهِ: لَا تُقْطَعُ الصَّحِيحَةُ بِالشَّلَّاءِ. (وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ بِمَوْتِ الْقَاتِلِ) لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ (وَيَعْفُو الْأَوْلِيَاءُ وَيُصَالِحُهُمْ عَلَى مَالٍ وَلَوْ قَلِيلًا، وَيَجِبُ حَالًا) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (وَبِصُلْحِ أَحَدِهِمْ وَعَفْوِهِ، وَلِمَنْ بَقِيَ) مِنْ الْوَرَثَةِ (حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ) فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى الْقَاتِلِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ عَلَى الْعَاقِلِ مُلْتَقًى. (أَمَرَ الْحُرُّ الْقَاتِلَ وَسَيِّدُ) الْعَبْدِ (الْقَاتِلِ رَجُلًا بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِهِمَا) الَّذِي اشْتَرَكَا فِيهِ (عَلَى أَلْفٍ فَفَعَلَ الْمَأْمُورُ) الصُّلْحَ عَنْ دَمِهِمَا (فَالْأَلْفُ عَلَى) الْحُرِّ وَالسَّيِّدِ (الْآمِرَيْنِ نِصْفَانِ) لِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْقَوَدِ وَهُوَ عَلَيْهِمَا سَوِيَّةً فَبَدَلُهُ كَذَلِكَ. (وَيُقْتَلُ جَمْعٌ بِمُفْرَدٍ إنْ جَرَحَ كُلُّ وَاحِدٍ جُرْحًا مُهْلِكًا) لِأَنَّ زَهُوقَ الرُّوحِ يَتَحَقَّقُ بِالْمُشَارَكَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ   [رد المحتار] النَّفْسِ إذَا وَجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ الْقِصَاصُ لِغَيْرِهِ فَقُتِلَ بِهِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَعْنَى الْمَالِ فَلَمْ تُسَلَّمْ لَهُ (قَوْلُهُ مُجْتَبًى) نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَأَقَرَّهُ، وَذَكَرَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَيْضًا (قَوْلُهُ لَا تُقْطَعُ الصَّحِيحَةُ بِالشَّلَّاءِ) هَذَا نَظِيرُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا تُقَادُ الْعَيْنُ الصَّحِيحَةُ بِالْحَوْلَاءِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا كَانَ بِالْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ جِرَاحَةٌ لَا تُوجِبُ نُقْصَانَ دِيَةِ الْيَدِ بِأَنْ كَانَ نُقْصَانًا لَا يُوهِنُ فِي الْبَطْشِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقِصَاصِ، وَإِنْ كَانَ يُوهِنُ حَتَّى يَجِبَ بِقَطْعِهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ لَا نِصْفُ الدِّيَةِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْيَدِ الشَّلَّاءِ، لَا تُقْطَعُ الصَّحِيحَةُ بِالشَّلَّاءِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ بِمَوْتِ الْقَاتِلِ) وَلَا يَجِبُ لِلْمَوْلَى شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَكَذَا يَسْقُطُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَفَادَهُ الرَّمْلِيُّ، وَقَدَّمْنَا آنِفًا أَنَّهُ يَسْقُطُ أَيْضًا لَوْ تَلِفَتْ يَدُ الْقَاطِعِ لِآفَةٍ أَوْ ظُلْمًا لَا لَوْ بِحَقٍّ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَلِيلًا) بِخِلَافِ الْخَطَأِ فَإِنَّ الدِّيَةَ مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا وَالصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا رِبًا. وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَلَيْسَ بِمَالٍ فَكَانَ التَّقْوِيمُ بِالْعَقْدِ فَيُقَوَّمُ بِقَدْرِ مَا أَوْجَبَهُ الصُّلْحُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ مِعْرَاجٌ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يَقُولَ وَلَوْ كَثِيرًا لِيَكُونَ إشَارَةً إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْخَطَإِ وَالْعَمْدِ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ حَالًّا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ) ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِعَقْدٍ وَالْأَصْلُ فِي مِثْلِهِ الْحُلُولُ كَثَمَنٍ وَمَهْرٍ حَمَوِيٌّ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَأَجَّلُ إلَّا بِالشَّرْطِ أَفَادَهُ الْبَدْرُ الْعَيْنِيُّ آخِرَ فَصْلِ الشِّجَاجِ ط (قَوْلُهُ وَقِيلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ) جَرَى عَلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَرَدَّهُ مُحَشِّيهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ بِمَا فِي الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمَبْسُوطِ وَالْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَسَائِرِ الْكُتُبِ أَنَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ. قَالَ: وَهُوَ الثَّابِتُ رِوَايَةً وَدِرَايَةً، وَتَمَامُهُ فِي ط، وَكَذَا رَدَّهُ فِي تَصْحِيحِهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ قَوْلًا لِأَحَدٍ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ بِالصُّلْحِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَمَرَ (قَوْلُهُ إنْ جَرَحَ كُلُّ وَاحِدٍ جُرْحًا مُهْلِكًا) أَيْ مَعًا لَا مُتَعَاقِبًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ قَطَعَ عُنُقَهُ وَبَقِيَ مِنْ الْحُلْقُومِ قَلِيلٌ إلَخْ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: إذَا جَرَحَهُ جِرَاحَةً لَا يَعِيشُ مَعَهَا وَجَرَحَهُ آخَرُ أُخْرَى فَالْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَتَانِ عَلَى التَّعَاقُبِ، فَلَوْ مَعًا فَهُمَا قَاتِلَانِ اهـ زَادَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ رَجُلٌ عَشْرَ جِرَاحَاتٍ وَالْآخَرُ وَاحِدَةً فَكِلَاهُمَا قَاتِلَانِ؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ قَدْ يَمُوتُ بِوَاحِدَةٍ وَيَسْلَمُ مِنْ الْكَثِيرِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَتَلَا رَجُلًا أَحَدُهُمَا بِعَصًا وَالْآخَرُ بِحَدِيدٍ عَمْدًا لَا قِصَاصَ وَعَلَيْهِمَا الدِّيَةُ مُنَاصَفَةً. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ: وَلَوْ جَرَحَ جِرَاحَاتٍ مُتَعَاقِبَةً وَمَاتَ وَلَمْ يُعْلَمْ الْمُثْخِنُ مِنْهَا وَغَيْرُ الْمُثْخِنِ يُقْتَصُّ مِنْ الْجَمِيعِ لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى الْمُثْخِنِ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي فَتَاوَى أَبِي السُّعُودِ أَيْ مُفْتِي الرُّومِ. وَأَمَّا إذَا وَقَفَ عَلَى الْمُثْخِنِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ إلَّا قَبْلَ مَوْتِهِ فَالْقِصَاصُ عَلَى الَّذِي جَرَحَ جُرْحًا مُهْلِكًا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ) وَاشْتَرَكَ الْجَمَاعَةُ فِيمَا لَا يَتَجَزَّأُ يُوجِبُ التَّكَامُلَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَيُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 556 بِخِلَافِ الْأَطْرَافِ كَمَا سَيَجِيءُ (وَإِلَّا لَا) كَمَا فِي تَصْحِيحِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ. وَفِي الْمُجْتَبَى: إنَّمَا يُقْتَلُونَ إذَا وُجِدَ مِنْ كُلٍّ جُرْحٌ يَصْلُحُ لِزَهُوقِ الرُّوحِ، فَأَمَّا إذَا كَانُوا نَظَّارَةً أَوْ مُغْرِينَ أَوْ مُعِينِينَ بِإِمْسَاكِ وَاحِدٍ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِمْ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَرَّفَ الْجَمْعُ فَاللَّامُ الْعَهْدِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ قَتَلَ فَرْدٌ جَمْعًا أَحَدُهُمْ أَبُوهُ أَوْ مَجْنُونٌ سَقَطَ الْقَوَدُ قُهُسْتَانِيٌّ. (وَ) يُقْتَلُ (فَرْدٌ بِجَمْعٍ اكْتِفَاءً) بِهِ لِلْبَاقِينَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (إنْ حَضَرَ وَلِيُّهُمْ، فَإِنْ حَضَرَ) وَلِيٌّ (وَاحِدٌ قُتِلَ بِهِ وَسَقَطَ) عِنْدَنَا (حَقُّ الْبَقِيَّةِ كَمَوْتِ الْقَاتِلِ) حَتْفَ أَنْفِهِ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ كَمَا مَرَّ. (قَطَعَ رَجُلَانِ) فَأَكْثَرُ (يَدَ رَجُلٍ) أَوْ رِجْلَهُ أَوْ قَلَعَا سِنَّهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا دُونَ النَّفْسِ جَوْهَرَةٌ (بِأَنْ أَخَذَا سِكِّينًا وَأَمَرَّاهَا عَلَى يَدِهِ حَتَّى انْفَصَلَتْ فَلَا قِصَاصَ) عِنْدَنَا (عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا) أَوْ مِنْهُمْ لِانْعِدَامِ الْمُمَاثَلَةِ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الْأَطْرَافِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْقِيمَةِ، بِخِلَافِ النَّفْسِ فَإِنَّ الشَّرْطَ فِيهَا الْمُسَاوَاةُ فِي الْعِصْمَةِ فَقَطْ دُرَرٌ (وَضَمِنَا) أَوْ ضَمِنُوا (دِيَتَهَا) عَلَى عَدَدِهِمْ بِالسَّوِيَّةِ (وَإِنْ قَطَعَ وَاحِدٌ يَمِينَيْ رَجُلَيْنِ فَلَهُمَا قَطْعُ يَمِينِهِ وَدِيَةُ يَدٍ) بَيْنَهُمَا إنْ   [رد المحتار] كَمَلًا كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ زَيْلَعِيٌّ وَذَكَرَ أَنَّهُ ثَبَتَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَطْرَافِ) فَإِنَّ الْقَطْعَ فِيهَا يَتَجَزَّأُ فَلَا تُقْطَعُ الْجَمَاعَةُ بِقَطْعِ الْوَاحِدِ كَمَا سَيَجِيءُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) شَامِلٌ لِمَا إذَا جَرَحَ الْبَعْضُ جُرْحًا مُهْلِكًا وَالْبَعْضُ جُرْحًا غَيْرَ مُهْلِكٍ وَمَاتَ فَالْقَوَدُ عَلَى ذِي الْجُرْحِ الْمُهْلِكِ وَعَلَى الْبَاقِينَ التَّعْزِيرُ، وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ غَيْرُ التَّعْزِيرِ يُحَرَّرُ، وَشَامِلٌ لِمَا إذَا جَرَحَ كُلٌّ جُرْحًا غَيْرَ مُهْلِكٍ أَفَادَهُ ط. وَأَقُولُ: الظَّاهِرُ فِي الثَّانِيَةِ وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ لَوْ عَمْدًا، أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ لَوْ غَيْرَ عَمْدٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ نَظَّارَةً) بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْقَوْمُ يَنْظُرُونَ إلَى الشَّيْءِ (قَوْلُهُ أَوْ مُغْرِينَ) مِنْ الْإِغْرَاءِ: أَيْ حَامِلِينَ لَهُ عَلَى قَتْلِهِ (قَوْلُهُ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِمْ) أَيْ وَلَا دِيَةَ ط، بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ الطَّرِيقَ وَاحِدٌ وَاسْتَعَدَّ الْبَاقُونَ لِمُعَاوَنَتِهِ حَيْثُ يَجْرِي حَدُّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ عَلَى جَمِيعِهِمْ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الشَّيْخِ حَمِيدِ الدِّينِ (قَوْلُهُ فَاللَّامُ الْعَهْدِ) أَيْ الْجَمْعُ الْمَعْهُودُ فِي ذِهْنِ الْفَقِيهِ وَهُوَ الْجَمْعُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَوَدُ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ وَيَأْتِي قَرِيبًا. [تَتِمَّةٌ] عَفَا الْوَلِيُّ عَنْ أَحَدِ الْقَاتِلَيْنِ أَوْ صَالَحَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ غَيْرُهُ كَمَا فِي جَوَاهِرِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ فِي قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ أَنَّ لَهُ اقْتِصَاصَهُ قُهُسْتَانِيٌّ. قُلْت: وَبِالثَّانِي أَفْتَى الرَّمْلِيُّ كَمَا فِي أَوَّلِ الْجِنَايَاتِ مِنْ فَتَاوَاهُ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) حَيْثُ قَالَ: يُقْتَلُ بِالْأَوَّلِ مِنْهُمْ إنْ قَتَلَهُمْ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَيُقْضَى بِالدِّيَةِ لِمَنْ بَعْدَهُ فِي تَرِكَتِهِ، وَإِنْ قَتَلَهُمْ جَمِيعًا مَعًا أَوْ لَمْ يُعْرَفْ الْأَوَّلُ مِنْهُمْ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَيُقْضَى بِالْقَوَدِ لِمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ وَبِالدِّيَةِ لِلْبَاقِينَ، قِيلَ لَهُمْ جَمِيعًا وَتُقْسَمُ الدِّيَاتُ بَيْنَهُمْ مِنَحٌ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ قَرِيبًا (قَوْلُهُ بِأَنْ أَخَذَ إلَخْ) قُيِّدَ بِهِ،؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَّ أَحَدُهُمَا السِّكِّينَ مِنْ جَانِبٍ وَالْآخَرُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ حَتَّى الْتَقَى السِّكِّينَانِ فِي الْوَسَطِ وَبَانَتْ الْيَدُ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا اتِّفَاقًا إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا إمْرَارُ السِّلَاحِ إلَّا عَلَى بَعْضِ الْعُضْوِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ عِنْدَنَا) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُقْطَعُ يَدَاهُمَا اعْتِبَارًا بِالْأَنْفُسِ (قَوْلُهُ لِانْعِدَامِ الْمُمَاثَلَةِ إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاطِعٌ لِلْبَعْضِ؛ لِأَنَّ مَا قُطِعَ بِقُوَّةٍ أَحَدِهِمَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِقُوَّةِ الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ الْكُلُّ بِالْبَعْضِ وَلَا الثِّنْتَانِ بِالْوَاحِدَةِ لِانْعِدَامِ الْمُسَاوَاةِ، فَصَارَ كَمَا إذَا أَمَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَانِبٍ زَيْلَعِيٌّ، وَانْظُرْ مَا فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ وَالْقِيمَةِ) أَيْ الدِّيَةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ النَّفْسِ إلَخْ) وَلِهَذَا لَا تُقْطَعُ الصَّحِيحَةُ بِالشَّلَّاءِ، وَلَا يَدُ الْحُرِّ بِعَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ، وَتُقْتَلُ النَّفْسُ السَّالِمَةُ عَنْ الْعُيُوبِ بِقَتْلِ الْمَعِيبَةِ، وَكَذَا الِاثْنَانِ بِالْوَاحِدِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى النَّفْسِ (قَوْلُهُ يَمِينَيْ رَجُلَيْنِ) قُيِّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَطَعَ يَمِينَ رَجُلٍ وَيَسَارَ آخَرَ تُقْطَعُ يَدَاهُ لَهُمَا جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَهُمَا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ لِعَدَمِ التَّضَايُقِ وَوُجُودِ الْمُمَاثَلَةِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَهُمَا قَطْعُ يَمِينِهِ إلَخْ) سَوَاءٌ قَطَعَهُمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي التَّعَاقُبِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 557 حَضَرَا مَعًا (وَإِنْ أَحْضَرَا أَحَدَهُمَا وَقَطَعَ لَهُ فَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَاطِعِ (نِصْفُ الدِّيَةِ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْأَطْرَافَ لَيْسَتْ كَالنُّفُوسِ. (وَلَوْ قَضَى بِالْقِصَاصِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ عَفَا أَحَدُهُمَا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الدِّيَةِ فَلِلْآخَرِ الْقَوَدُ) وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ الْأَرْشُ (وَيُقَادُ عَبْدٌ أَقَرَّ بِقَتْلٍ عَمْدًا) خِلَافًا لِزُفَرَ (وَلَوْ أَقَرَّ بِخَطَأٍ) أَوْ بِمَالٍ (لَمْ يَنْفُذْ إقْرَارُهُ) عَلَى مَوْلَاهُ، بَلْ يَكُونُ فِي رَقَبَتِهِ إلَى أَنْ يُعْتَقَ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْجَوْهَرَةِ. قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ بُطْلَانُ إقْرَارِهِ بِالْخَطَإِ أَصْلًا يَعْنِي لَا فِي حَقِّهِ وَلَا فِي حَقِّ سَيِّدِهِ، وَنَحْوُهُ فِي أَحْكَامِ الْعَبِيدِ مِنْ الْأَشْبَاهِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ مُوجِبَهُ الدَّفْعُ أَوْ الْفِدَاءُ اهـ فَتَأَمَّلْهُ،   [رد المحتار] يُقْطَعُ بِالْأَوَّلِ، وَفِي الْقِرَانِ يُقْرَعُ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ أَيْ عَلَى الْقَاطِعِ) أَيْ قَاطِعِ الرَّجُلَيْنِ (قَوْلُهُ نِصْفُ الدِّيَةِ) خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَهِيَ دِيَةُ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ أَتْقَانِيٌّ، فَالْمُرَادُ نِصْفُ دِيَةِ النَّفْسِ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ إلَخْ) أَيْ قَرِيبًا، وَأَرَادَ بَيَانَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَطْرَافِ وَبَيْنَ النَّفْسِ، فَإِنَّهُ لَوْ قُتِلَ لِمَنْ حَضَرَ سَقَطَ حَقُّ مَنْ غَابَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَطْرَافَ فِي حُكْمِ الْأَمْوَالِ وَالْقَوَدِ ثَابِتٌ لِكُلٍّ عَلَى الْكَمَالِ، فَإِذَا اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا تَمَامَ حَقِّهِ بَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ فِي تَمَامِ دِيَةِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلْحَاضِرِ الِاسْتِيفَاءُ لِثُبُوتِ حَقِّهِ بِيَقِينٍ وَحَقُّ الْآخَرِ مُتَرَدِّدٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَطْلُبَ أَوْ يَعْفُوَ مَجَّانًا أَوْ صُلْحًا كَمَا فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَضَى بِالْقِصَاصِ بَيْنَهُمَا) أَيْ وَبِدِيَةِ الْيَدِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ الْأَرْشُ) أَيْ دِيَةُ يَدٍ كُلِّهَا وَلِلْعَافِي نِصْفُهَا مَجْمَعٌ. قَالَ شَارِحُهُ:؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ وَالْأَرْشَ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِالْقَضَاءِ فَلَمَّا أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ فِي نِصْفِ الْقِصَاصِ بِالْعَفْوِ انْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا، فَيَسْتَوْفِي الْعَافِي نِصْفَ الْأَرْشِ الَّذِي كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَغَيْرُ الْعَافِي تَمَامَ الْأَرْشِ، نِصْفُهُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ وَنِصْفُهُ مِنْ الْمُنْقَلِبِ مَالًا اهـ. قَالَ ط: وَذُكِرَ فِي الْبُرْهَانِ أَنَّهُ الِاسْتِحْسَانُ وَجَعَلَ قَوْلَهُمَا قِيَاسًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ اهـ. قُلْت: وَظَاهِرُ الشُّرُوحِ تَرْجِيحُ قَوْلِهِمَا، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الأتقاني نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْكَافِي وَمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ مُعَلِّلًا بِأَنَّ حَقَّ كُلٍّ ثَبَتَ فِي جَمِيعِ الْيَدِ، وَإِنَّمَا يُنْتَقَصُ بِالْمُزَاحَمَةِ، فَإِذَا زَالَتْ بِالْعَفْوِ بَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ بِحَالِهِ كَالْغَرِيمَيْنِ وَالشَّفِيعَيْنِ (قَوْلُهُ وَيُقَادُ عَبْدٌ أَقَرَّ بِقَتْلٍ عَمْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُضِرٌّ بِهِ فَيُقْبَلُ وَلِأَنَّهُ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّة فِي حَقِّ الدَّمِ عَمَلًا بِالْآدَمِيَّةِ، حَتَّى لَا يَصِحَّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَبُطْلَانِ حَقِّ الْمَوْلَى بِطَرِيقِ الضَّمَانِ فَلَا يُبَالِي بِهِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ) حَيْثُ قَالَ: بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْمَوْلَى بِإِبْطَالِ حَقِّهِ قَصْدًا؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ بَيْعُ الْعَبْدِ أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ، وَكَذَا إقْرَارُهُ بِالْقَتْلِ خَطَأً؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ دَفْعُ الْعَبْدِ أَوْ الْفِدَاءُ عَلَى الْمَوْلَى. وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ وَلَا يَصِحُّ سَوَاءٌ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَيَكُونُ بَاطِلًا اهـ (قَوْلُهُ يَعْنِي لَا فِي حَقِّهِ إلَخْ) الْأَوْلَى حَذْفُ لَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ ط (قَوْلُهُ مُعَلِّلًا) أَيْ الزَّيْلَعِيِّ لَا صَاحِبِ الْأَشْبَاهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ تَعْلِيلًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَكَذَا إقْرَارُهُ بِجِنَايَةٍ مُوجِبَةٍ لِلدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ غَيْرُ صَحِيحٍ بِخِلَافِهِ بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ اهـ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ وَصْفُهُ الْجِنَايَةَ بِقَوْلِهِ مُوجِبَهُ إلَخْ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ فَتَأَمَّلْهُ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ مُفَادَ التَّعْلِيلِ بُطْلَانُ الْإِقْرَارِ فِي حَالَةِ الرُّقْيَةِ إذْ لَا يَتَأَتَّى إلْزَامُ الْمَوْلَى بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَيُطَالَبُ بِهِ الْعَبْدُ إذَا عَتَقَ لِعَدَمِ وُجُودِ الْعِلَّةِ فَافْهَمْ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَعْلِيلُ الزَّيْلَعِيِّ أَيْضًا لِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ بِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْمَوْلَى. وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ. وَلَا شُبْهَةَ أَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ بِالْمَالِ مُؤَخَّرٌ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ، إذْ لَا ضَرَرَ بِالْمَوْلَى بَعْدَهُ، وَلِذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ إنَّ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ هُوَ مَحْمَلُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَالْأَشْبَاهِ بِلَا اشْتِبَاهٍ اهـ. قُلْت: لَكِنْ سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي بَابِ جِنَايَةِ الْمُلُوكِ نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْخَطَأَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَإِقْرَارِ الْمَوْلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 558 لَكِنْ عَلَّلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ بِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ اهـ فَتَدَبَّرْهُ. إذْ قَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ عَبْدًا وَلَا عَمْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا» حَتَّى لَوْ أَقَرَّ الْحُرُّ بِالْقَتْلِ خَطَأً لَمْ يَكُنْ إقْرَارُهُ إقْرَارًا عَلَى الْعَاقِلَةِ: أَيْ إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ وَكَذَا قَرَّرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي الْمَعَاقِلِ فَتَنَبَّهْ. (رَمَى رَجُلًا عَمْدًا فَنَفَذَ السَّهْمُ مِنْهُ إلَى آخَرَ فَمَاتَا يُقْتَصُّ لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ عَمْدٌ (وَلِلثَّانِي الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) لِأَنَّهُ خَطَأٌ. (وَقَعَتْ حَيَّةٌ عَلَيْهِ فَدَفَعَهَا عَنْ نَفْسِهِ فَسَقَطَتْ عَلَى آخَرَ فَدَفَعَهَا عَنْ نَفْسِهِ فَوَقَعَتْ عَلَى ثَالِثٍ فَلَسَعَتْهُ) أَيْ الثَّالِثَ (فَهَلَكَ) فَعَلَى مَنْ الدِّيَةُ؟ هَكَذَا سُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ، فَقَالَ: لَا يَضْمَنُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْحَيَّةَ لَمْ تَضُرَّ الثَّانِي، وَكَذَلِكَ لَا يَضْمَنُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ لَوْ كَثُرُوا وَأَمَّا الْأَخِيرُ (فَإِنْ لَسَعَتْهُ مَعَ سُقُوطِهَا) فَوْرًا (مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ فَعَلَى الدَّافِعِ الدِّيَةُ) لِوَرَثَةِ الْهَالِكِ (وَإِلَّا) تَلْسَعْهُ فَوْرًا (لَا) يَضْمَنُ دَافِعُهَا عَلَيْهِ أَيْضًا فَاسْتَصْوَبُوهُ جَمِيعًا، وَهَذِهِ مِنْ مَنَاقِبِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَيْرَفِيَّةٌ وَمَجْمَعُ الْفَتَاوَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ أَجَبْت فِي حَادِثَةِ الْفَتْوَى، وَهِيَ أَنَّ كَلْبًا عَقُورًا وَقَعَ عَلَى آخَرَ فَأَلْقَاهُ عَلَى الثَّانِي وَالثَّانِي عَلَى الثَّالِثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فُرُوعٌ] أَلْقَى حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا فِي الطَّرِيقِ فَلَدَغَتْ رَجُلًا ضَمِنَ إلَّا إذَا تَحَوَّلَتْ ثُمَّ لَدَغَتْهُ. وَضَعَ سَيْفًا فِي الطَّرِيقِ فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ وَمَاتَ وَكَسَرَ السَّيْفَ فَدِيَتُهُ عَلَى رَبِّ السَّيْفِ وَقِيمَتُهُ عَلَى الْعَاثِرِ.   [رد المحتار] لَا بِإِقْرَارِهِ أَصْلًا، وَقَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْحَجْرِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَيَأْتِي تَمَامُ بَيَانِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ لَكِنْ عَلَّلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَخْ) أَيْ عَلَّلَ عَدَمَ جَوَازِ إقْرَارِهِ الْعَبْدِ بِالْخَطَأِ وَالْمُرَادُ بِالْعَاقِلَةِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَاقِلَةُ عَبْدِهِ، وَحَيْثُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ عَاقِلَةً فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْعَبْدِ عَلَيْهِ. ثُمَّ إنَّ كَلَامَ الْقُهُسْتَانِيِّ لَا يُفِيدُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُؤْخَذُ بِذَلِكَ بَعْدَ عِتْقِهِ خِلَافًا لِمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ إقْرَارَهُ بَاطِلٌ أَصْلًا، وَبِهِ ظَهَرَ وَجْهُ الِاسْتِدْرَاكِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَتَدَبَّرْهُ) أَيْ فَإِنَّهُ تَعْلِيلٌ صَحِيحٌ مُوَافِقٌ لِلْحَدِيثِ الْمُجْمَعِ عَلَى الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ، فَإِنَّ الْعَوَاقِلَ إذَا كَانَتْ لَا تَعْقِلُ عَبْدًا وَلَا اعْتِرَافًا لَمْ يَجُزْ إقْرَارُ الْعَبْدِ هُنَا مَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمَوْلَى، إذْ لَوْ جَازَ إقْرَارُهُ لَزِمَ عَقْلُ الْعَبْدِ وَالِاعْتِرَافُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ فَتَأَمَّلْ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ بَيَانُ مَعْنَى الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ بِالرَّمْيِ حَيْثُ قَصَدَ غَيْرَهُ وَلَكِنَّهُ أَصَابَهُ بِالنَّفَاذِ مِنْ الْأَوَّلِ: وَهُوَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْخَطَأِ وَهُوَ الْخَطَأُ فِي الْقَوَدِ، فَصَارَ كَمَنْ قَصَدَ صَيْدًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ أَتْقَانِيٌّ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَهُمَا مَعًا كَانَ الثَّانِي عَمْدًا أَيْضًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ) مِنْهُمْ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَشَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ لَوْ كَثُرُوا) أَيْ الدَّافِعُونَ (قَوْلُهُ فَعَلَى الدَّافِعِ الدِّيَةُ) أَيْ عَلَى الدَّافِعِ الْأَخِيرِ الدِّيَةُ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَتَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ تَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ مِنْ مَنَاقِبِهِ) فَإِنَّ فُقَهَاءَ زَمَانِهِ أَخْطَئُوا فِيهَا مِنَحٌ [فروع أَلْقَى حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا فِي الطَّرِيقِ فَلَدَغَتْ رَجُلًا] (قَوْلُهُ فَلَدَغَتْ رَجُلًا) بِالْمُهْلَةِ فَالْمُعْجَمَةِ: يُقَالُ لَدَغَتْهُ الْعَقْرَبُ وَالْحَيَّةُ كَمَنَعَ لَدْغًا وَتَلْدَاغًا، وَيُقَالُ لَذَعَتْهُ النَّارُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَأَمَّا بِالْمُعْجَمَتَيْنِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَلَمْ أَرَهُ (قَوْلُهُ ضَمِنَ) مُقْتَضَى جَوَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ تَقَيُّدَ هَذِهِ بِاللَّدْغِ فَوْرًا، أَمَّا إذَا مَكَثَتْ سَاعَةً بَعْدَ الْإِلْقَاءِ ثُمَّ لَسَعَتْ لَا يَضْمَنُ فَتَدَبَّرْهُ ط. قُلْت: وَهُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ فَلَدَغَتْ حَيْثُ عَبَّرُوا بِالْفَاءِ، وَلَكِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا لَوْ أَلْقَاهَا عَلَى رَجُلٍ، فَلَوْ فِي الطَّرِيقِ فَقَدْ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: أَيْ أَلْقَى حَيَّةً فِي الطَّرِيقِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ حَتَّى تَزُولَ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ اهـ (قَوْلُهُ فَدِيَتُهُ عَلَى رَبِّ السَّيْفِ) أَيْ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَحَافِرِ الْبِئْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقِيمَتُهُ عَلَى الْعَاثِرِ) زَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بَعْدَهُ فَقَالَ: وَإِنْ عَثَرَ بِالسَّيْفِ ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهِ فَانْكَسَرَ وَمَاتَ الرَّجُلُ ضَمِنَ صَاحِبُ السَّيْفِ دِيَةَ الْعَاثِرِ وَلَا يَضْمَنُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 559 ثَوْرٌ نَطُوحٌ سَيَّرَهُ لِلْمَرْعَى فَنَطَحَ ثَوْرَ غَيْرِهِ فَمَاتَ، إنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ ضَمِنَ وَإِلَّا لَا. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لَا ضَمَانَ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْحَائِطِ لَا فِي الْحَيَوَانِ نَاجِيَةٌ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا (اشْتَرَكَ قَاتِلُ الْعَمْدِ مَعَ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَوَدُ كَأَجْنَبِيٍّ شَارَكَ الْأَبَ فِي قَتْلِ ابْنِهِ) وَكَأَجْنَبِيٍّ شَارَكَ الزَّوْجَ فِي قَتْلِ زَوْجَتِهِ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، وَكَعَامِدٍ مَعَ مُخْطِئٍ وَعَاقِلٍ مَعَ مَجْنُونٍ وَبَالِغٍ مَعَ صَغِيرٍ وَشَرِيكِ حَيَّةٍ وَسَبُعٍ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (فَلَا قَوَدَ عَلَى أَحَدِهِمَا) أَيْ لَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا ذُكِرَ. (دَخَلَ رَجُلٌ بَيْتَهُ فَرَأَى رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ فَقَتَلَهُ حَلَّ) لَهُ ذَلِكَ (وَلَا قِصَاصَ) عَلَيْهِ هَذَا سَاقِطٌ مِنْ نُسَخِ الْمَتْنِ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الشَّرْحِ مَعْزِيًّا لِشَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ. [فُرُوعٌ] صَبِيٌّ مَحْجُورٌ قَالَ لَهُ رَجُلٌ شُدَّ فَرَسِي فَأَرَادَ شَدَّهَا فَرَفَسَتْهُ فَمَاتَ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْآمِرِ. وَكَذَا لَوْ أَعْطَى صَبِيًّا عَصًا أَوْ سِلَاحًا وَأَمَرَهُ بِحَمْلِ شَيْءٍ أَوْ كَسْرِ حَطَبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ فَمَاتَ. وَلَوْ أَعْطَاهُ السِّلَاحَ وَلَمْ يَقُلْ امْسِكْهُ فَقَوْلَانِ. صَبِيٌّ عَلَى حَائِطٍ صَاحَ بِهِ رَجُلٌ فَوَقَعَ فَمَاتَ، إنْ صَاحَ بِهِ فَقَالَ لَا تَقَعْ فَوَقَعَ لَا يَضْمَنُ، وَلَوْ قَالَ قَعْ فَوَقَعَ   [رد المحتار] الْعَاثِرُ شَيْئًا اهـ. وَفِيهَا: عَثَرَ مَاشٍ بِنَائِمٍ فِي الطَّرِيقِ فَانْكَسَرَ أَصَابِعُهُمَا فَمَاتَ فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مَا أَصَابَ الْآخَرَ (قَوْلُهُ إنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ ضَمِنَ) وَالْوَاجِبُ فِي الدِّمَاءِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَفِي الْأَمْوَالِ عَلَى الْمَالِكِ خَاصَّةً كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ فِي الْبَدَائِعُ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ بَعْدَهُ قُلْت: وَبِهِ جَزَمَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَلَا أَشْعَرَ بِهِ اهـ أَقُولُ: الَّذِي فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَهُ كَلْبٌ عَقُورٌ كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَارٌّ عَضَّهُ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ أَنْ يَقْتُلُوهُ. وَإِنْ عَضَّ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ فَإِنْ قَبْلَ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ بَعْدَهُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ كَالْحَائِطِ قَبْلَ الْإِشْهَادِ وَبَعْدَهُ. وَفِي الْمُنْيَةِ فِي مَسْأَلَةِ نَطْحِ الثَّوْرِ يَضْمَنُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ النَّفْسَ وَالْمَالَ اهـ فَأَيْنَ الْجَزْمُ بِهِ. وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَبْلَ هَذَا أَدْخَلَ بَقَرًا نَطُوحًا فِي سَرْحِ إنْسَانٍ فَنَطَحَ جَحْشًا لَا يَضْمَنُ اهـ فَإِنْ كَانَ تَوَهَّمَ مِنْ هَذَا الْجَزْمِ فَهُوَ تَوَهُّمٌ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ وَضْعَهُ فِيمَا لَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ رَمْلِيٌّ، وَسَيَأْتِي تَمَامُ ذَلِكَ فِي آخِرِ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَحَلُّ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ) أَيْ فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَسْقُطُ عَنْ الدَّمِ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ وَيَسْقُطُ قَوَدُ وِرْثِهِ عَلَى أَبِيهِ فَلِذَا سَقَطَ عَنْ الشَّرِيكِ (قَوْلُهُ وَكَعَامِدٍ مَعَ مُخْطِئٍ) أَوْ مَعَ مَنْ كَانَ فِعْلُهُ شِبْهَ عَمْدٍ كَضَرْبٍ بِعَصًا كَمَا سَبَقَ (قَوْلُهُ فَرَأَى رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِهِ) أَوْ امْرَأَةَ رَجُلٍ آخَرَ يَزْنِي بِهَا خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ حَلَّ لَهُ) قَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بِمَا إذَا كَانَ مُحْصَنًا وَبِمَا إذَا صَاحَ فَلَمْ يَمْتَنِعْ عَنْ الزِّنَا، وَفِي الْقَيْدِ الْأَوَّلِ كَلَامٌ، فَقَدْ رَدَّهُ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْحَدِّ بَلْ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ. قَالَ فِي النَّهْرِ، وَهُوَ حَسَنٌ، فَإِنَّ هَذَا الْمُنْكَرَ حَيْثُ تَعَيَّنَ الْقَتْلُ طَرِيقًا فِي إزَالَتِهِ طَرِيقًا فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْإِحْصَانِ فِيهِ وَلِذَا أَطْلَقَهُ الْبَزَّازِيُّ اهـ (قَوْلُهُ وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ) أَيْ فِي أَوَّلِهِ. وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً قَتَلَهُمَا، وَأَنَّهُ لَوْ أَكْرَهَهَا فَلَهَا قَتْلُهُ وَدَمُهُ هَدَرٌ وَكَذَا الْغُلَامُ اهـ أَيْ إنْ لَمْ يُمْكِنْ التَّخَلُّصُ مِنْهُ بِدُونِ قَتْلِهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ أَعْطَى صَبِيًّا عَصًا أَوْ سِلَاحًا) أَيْ لِيُمْسِكَهُ لَهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِشَيْءٍ فَعَطِبَ الصَّبِيُّ بِذَلِكَ مِنَحٌ. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ عَطِبَ أَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُعْطِي، إنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ عَلَى بَعْضِ بَدَنِهِ فَعَطِبَ بِهِ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: دَفَعَ السِّلَاحَ إلَى الصَّبِيِّ فَقَتَلَ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ لَا يَضْمَنُ الدَّافِعُ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ فَمَاتَ) أَيْ فِي هَذَا الْعَمَلِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ أُمِرَ عَبْدُ الْغَيْرِ بِكَسْرِ الْحَطَبِ أَوْ بِعَمَلٍ آخَرَ ضَمِنَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ ط (قَوْلُهُ فَقَوْلَانِ) وَالْمُخْتَارُ الضَّمَانُ أَيْضًا تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ صَبِيٌّ عَلَى حَائِطٍ إلَخْ) قُيِّدَ بِالصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَ إذَا صَاحَ بِهِ شَخْصٌ لَا يَضْمَنُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُمْ هُنَا وَفِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: صَاحَ عَلَى آخَرَ فَجْأَةً فَمَاتَ مِنْ صَيْحَتِهِ تَجِبُ فِيهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 560 ضَمِنَ بِهِ يُفْتَى. وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا نَاجِيَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَصْلٌ فِي الْفِعْلَيْنِ (قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَهُ أُخِذَ بِالْأَمْرَيْنِ) أَيْ بِالْقَطْعِ وَالْقَتْلِ. (وَلَوْ كَانَا عَمْدَيْنِ أَوْ) كَانَا (خَطَأَيْنِ أَوْ) كَانَا (مُخْتَلِفَيْنِ) أَيْ أَحَدُهُمَا عَمْدٌ وَالْآخَرُ خَطَأٌ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ أَوْ لَا فَيُؤْخَذُ بِالْأَمْرَيْنِ فِي الْكُلِّ بِلَا تَدَاخُلٍ (إلَّا فِي الْخَطَأَيْنِ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ) فَإِنَّهُمَا يَتَدَاخَلَانِ (فَيَجِبُ فِيهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ) وَإِنْ تَخَلَّلَ بُرْءٌ لَمْ يَتَدَاخَلَا كَمَا عَلِمْت. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَطْعَ إمَّا عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ وَالْقَتْلُ كَذَلِكَ صَارَ أَرْبَعَةً، ثُمَّ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ أَوْ لَا صَارَ ثَمَانِيَةً وَقَدْ عُلِمَ حُكْمُ كُلٍّ مِنْهَا (كَمَنْ ضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَبَرَأَ مِنْ تِسْعِينَ وَلَمْ يَبْقَ أَثَرُهَا) أَيْ أَثَرُ الْجِرَاحَةِ (وَمَاتَ مِنْ عَشْرَةٍ) فَفِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا بَرَأَ مِنْ تِسْعِينَ لَمْ تَبْقَ مُعْتَبَرَةً إلَّا فِي حَقِّ التَّعْزِيرِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ جِرَاحَةٍ انْدَمَلَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي مِثْلِهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ تَجِبُ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الْأَدْوِيَةِ دُرَرٌ وَصَدْرُ شَرِيعَةٍ وَهِدَايَةٌ وَغَيْرُهَا. (وَتَجِبُ حُكُومَةُ) عَدْلٍ   [رد المحتار] الدِّيَةُ اهـ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فَجْأَةً أَوْ اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ. وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى، لَوْ غَيَّرَ صُورَتَهُ وَخَوَّفَ صَبِيًّا فَجُنَّ يَضْمَنُ اهـ رَمْلِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ ضَمِنَ) كَمَا لَوْ قَالَ أَلْقِ نَفْسَك فِي الْمَاءِ أَوْ فِي النَّارِ وَفَعَلَ فَهُنَاكَ يَضْمَنُ كَذَا هُنَا تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الْفِعْلَيْنِ] ِ أَخَّرَهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْمُفْرَدِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَا عَمْدَيْنِ) الصَّوَابُ إسْقَاطُ الْوَاوِ لِتَكُونَ لَوْ شَرْطِيَّةً؛ لِأَنَّهَا مَعَ الْوَاوِ تَكُونُ وَصْلِيَّةً فَتُفِيدُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْأَمْرَيْنِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ فَيُنَاقِضُ قَوْلَهُ إلَّا فِي الْخَطَأَيْنِ إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَيُؤْخَذُ بِالْأَمْرَيْنِ فِي الْكُلِّ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ، اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ مِنْ أَنْ يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ أَوْ لَا، فَإِنْ تَخَلَّلَ يُعْتَبَرُ كُلٌّ فِعْلًا. وَيُؤْخَذُ بِمُوجِبِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَوَّلَ تَقَرَّرَ بِالْبُرْءِ فَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ حَتَّى لَوْ كَانَا عَمْدَيْنِ فَلِلْوَلِيِّ الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ، وَلَوْ خَطَأَيْنِ يَجِبُ دِيَةٌ وَنِصْفُ دِيَةٍ، وَلَوْ الْقَطْعُ عَمْدًا وَالْقَتْلُ خَطَأً فَفِي الْيَدِ الْقَوَدُ وَفِي النَّفْسِ الدِّيَةُ، وَلَوْ بِالْعَكْسِ فَفِي الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي النَّفْسِ الْقَوَدُ، وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بُرْءٌ فَلَوْ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ خَطَأً اُعْتُبِرَ كُلٌّ عَلَى حِدَةٍ، فَفِي الْخَطَإِ الدِّيَةُ، وَفِي الْعَمْدِ الْقَوَدُ، وَلَوْ خَطَأَيْنِ فَالْكُلُّ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ اتِّفَاقًا فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ عَمْدَيْنِ، فَعِنْدَهُمَا يُقْتَلُ وَلَا يُقْطَعُ. وَعِنْدَهُ إنْ شَاءَ الْوَلِيُّ قَطَعَ وَقَتَلَ، إنْ شَاءَ قَتَلَ، وَلَا يُعْتَبَرُ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَرُوِيَ عَنْ نَصْرِ بْنِ سَلَّامٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَطَعَ يَدَهُ فِي مَجْلِسٍ وَقَتَلَهُ فِي آخَرَ، فَلَوْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ يُقْتَلُ وَلَا يُقْطَعُ عِنْدَهُمْ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ إلَّا فِي الْخَطَأَيْنِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ أَخَذَ بِالْأَمْرَيْنِ طُورِيٌّ (قَوْلُهُ فَتَجِبُ فِيهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ) أَيْ دِيَةُ الْقَتْلِ،؛ لِأَنَّ دِيَةَ الْقَطْعِ إنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ اسْتِحْكَامِ أَثَرِ الْفِعْلِ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ عَدَمَ السِّرَايَةِ، وَتَمَامُهُ فِي ابْنِ كَمَالٍ (قَوْلُهُ صَارَ ثَمَانِيَةً) وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ أَوْ شَخْصَيْنِ صَارَ سِتَّةَ عَشَرَ، فَإِنْ كَانَا مِنْ شَخْصَيْنِ يُفْعَلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوجِبُ فِعْلِهِ مِنْ الْقِصَاصِ وَأَخْذِ الْأَرْشِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ التَّدَاخُلَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ لَا غَيْرُ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ فَبَرِئَ مِنْ تِسْعِينَ إلَخْ) هَذَا إذَا ضَرَبَ عَشَرَةً فِي مَوْضِعٍ وَتِسْعِينَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَبَرِئَ مَوْضِعُ التِّسْعِينَ وَسَرَى مَوْضِعُ الْعَشَرَةِ، وَإِلَّا لَا يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ سِرَايَةِ الْعَشَرَةِ وَبُرْءِ التِّسْعِينَ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي مِثْلِهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) أَيْ مَعَ الدِّيَةِ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ وَتَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ) تَفْسِيرُهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَبْدًا مَجْرُوحًا بِهَذَا كَمْ قِيمَتُهُ وَبِدُونِ الْجِرَاحَةِ كَمْ قِيمَتُهُ، فَيَضْمَنُ التَّفَاوُتَ الَّذِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 561 مَعَ دِيَةِ النَّفْسِ (فِي مِائَةِ سَوْطٍ جَرَحَتْهُ وَبَقِيَ أَثَرُهَا) بِالْإِجْمَاعِ لِبَقَاءِ الْأَثَرِ وَوُجُوبِ الْأَرْشِ بِاعْتِبَارِ الْأَثَرِ هِدَايَةٌ وَغَيْرُهَا وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: رَجُلٌ جَرَحَ رَجُلًا فَعَجَزَ الْمَجْرُوحُ عَنْ الْكَسْبِ يَجِبُ عَلَى الْجَارِحِ النَّفَقَةُ وَالْمُدَاوَاةُ. وَفِيهَا: رَجُلٌ جَاءَ بِعَوَانٍ إلَى رَجُلٍ فَضَرَبَهُ الْعَوَانُ فَعَجَزَ عَنْ الْكَسْبِ فَمُدَاوَاةُ الْمَضْرُوبِ وَنَفَقَتُهُ عَلَى الَّذِي جَاءَ بِالْعَوَانِ اهـ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَظَاهِرٌ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. قُلْت: وَقَدَّمْنَاهُ مَعْزِيًّا لِلْمُجْتَبَى أَبِي يُوسُفَ وَنَحْوِهِ، وَسَنُحَقِّقُهُ فِي الشِّجَاجِ. (وَمَنْ قُطِعَ) أَيْ عَمْدًا أَوْ خَطَأً بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبُرْهَانِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْخَطَإِ، وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهَا عَلَى الْقَاطِعِ فِي الْخَطَأِ فَقَدْ أَخْطَأَ وَكَذَا لَوْ شَجَّ أَوْ جَرَحَ (فَعَفَا عَنْ قَطْعِهِ) أَوْ شَجَّتِهِ أَوْ جِرَاحَتِهِ (فَمَاتَ مِنْهُ   [رد المحتار] بَيْنَهُمَا فِي الْحُرِّ مِنْ الدِّيَةِ وَفِي الْعَبْدِ مِنْ الْقِيمَةِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ مَعَ دِيَةِ النَّفْسِ) فِيهِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا بَقِيَ أَثَرُ الْجِرَاحَةِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ وَلِذَا قَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمُلْتَقَى بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَمُتْ (قَوْلُهُ فَعَجَزَ الْمَجْرُوحُ عَنْ الْكَسْبِ) أَيْ مُدَّةَ الْجُرْحِ. وَانْظُرْ مَا لَوْ عَجَزَ عَنْ الْكَسْبِ أَصْلًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِمُوجِبِهِ مِنْ الْأَرْشِ أَوْ حُكُومَةِ الْعَدْلِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ ط (قَوْلُ جَاءَ بِعَوَانٍ) الْمُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ مِنْ أَتْبَاعِ الظَّلَمَةِ، وَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْعَوْنِ فَإِنَّهُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ الظَّهِيرُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالْمُؤَنَّثِ وَيُكَسَّرُ أَعْوَانًا اهـ؛ لِأَنَّهُ يُظَاهِرُ الظَّالِمَ وَيُعِينُهُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: أَفْتَوْا بِأَنَّ قَتْلَ الْأَعْوِنَةِ وَالسُّعَاةِ جَائِزٌ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ ط مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ) أَيْ أَنَّ مَا فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَيْ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْجِرَاحَةَ الَّتِي لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ تَجِبُ فِيهَا أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الْأَدْوِيَةِ أَفَادَهُ الرَّمْلِيُّ، فَافْهَمْ، هَذَا. وَفِي الْفَتَاوَى النُّعْمِيَّةِ لِشَيْخِ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيِّ: إذَا ضَرَبَ يَدَ غَيْرِهِ فَكَسَرَهَا وَعَجَزَ عَنْ الْكَسْبِ فَعَلَى الضَّارِبِ الْمُدَاوَاةُ وَالنَّفَقَةُ إلَى أَنْ يَبْرَأَ، وَإِذَا بَرِئَ وَتَعَطَّلَتْ يَدُهُ وَشُلَّتْ وَجَبَتْ دِيَتُهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحْسَبُ الْمَصْرُوفُ مِنْ الدِّيَةِ اهـ. وَفِيهَا: الْمَجْرُوحُ إذَا صَحَّ وَزَالَ الْأَثَرُ فَعَلَى الْجَارِحِ مَا لَحِقَهُ مِنْ أُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَثَمَنِ الْأَدْوِيَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَالِاسْتِحْسَانُ ذَكَرَهُ الصَّدْرُ اهـ مُلَخَّصًا تَأَمَّلْ، وَيَأْتِي فِي الشِّجَاجِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا) أَيْ فِي الْبَابِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ نَحْوَهُ) أَيْ نَحْوَ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ وَسَنُحَقِّقُهُ فِي الشِّجَاجِ) أَيْ فِي آخِرِ بَابِهَا وَحَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَلَمِ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْمُتَقَدِّمِ (قَوْلُهُ وَمَنْ قُطِعَ إلَخْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعَفْوَ إمَّا عَنْ عَمْدٍ أَوْ خَطَإٍ، وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا عَنْ الْقَطْعِ وَحْدَهُ أَوْ عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا وَعَفَا عَنْ الْقَطْعِ لَا يَكُونُ عَفْوًا عَنْ السِّرَايَةِ خِلَافًا لَهُمَا، وَإِنْ عَفَا عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ يَبْرَأُ عَنْ الْقَطْعِ وَالسِّرَايَةِ، وَإِذَا كَانَتْ خَطَأً فَعَفَا عَنْ الْقَطْعِ ثُمَّ سَرَى فَعَلَى الْخِلَافِ، وَلَوْ عَفَا عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ أَوْ عَنْ الْجِنَايَةِ صَحَّ عَنْ الْكُلِّ، وَالْعَمْدُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَالْخَطَأُ مِنْ الثُّلُثِ (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي) حَيْثُ فَصَّلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ وَأَطْلَقَ هُنَا (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ اشْتِرَاكَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِ الْقَطْعِ مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ فِي مَالِ الْقَاطِعِ فَيَتَعَيَّنُ كَوْنُ الْمُرَادِ الْعَمْدَ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ الدِّيَةَ فِي الْخَطَإِ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَأَجَابَ فِي الْكِفَايَةِ بِأَنَّ قَوْلَهُ فِي مَالِهِ بَيَانٌ لِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ أَيْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ عَمْدًا اهـ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُقَيِّدْ بِقَوْلِهِ فِي مَالِهِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ شُجَّ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَالشَّجَّةُ مِثْلُهُ ط (قَوْلُهُ فَعَفَا عَنْ قَطْعٍ إلَخْ) أَيْ وَلَمْ يَقُلْ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 562 ضَمِنَ قَاطِعُهُ الدِّيَةَ) فِي مَالِهِ خِلَافًا لَهُمَا. قُلْنَا إنَّهُ عَفَا عَنْ الْقَطْعِ وَهُوَ غَيْرُ الْقَتْلِ. (وَلَوْ عَفَا عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ) فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا، وَحِينَئِذٍ (فَالْخَطَأُ يُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ) فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ فِيهَا وَإِلَّا فَعَلَى الْعَاقِلَةِ ثُلُثَا الدِّيَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، فَمَنْ ظَنَّ أَنَّهَا عَلَى الْقَاطِعِ فَقَدْ أَخْطَأَ قَطْعًا، وَمُفَادُهُ أَنَّ عَفْوَ الصَّحِيحِ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ (وَالْعَمْدُ مِنْ كُلِّهِ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِالدِّيَةِ لَا بِالْقَوَدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ (وَالشَّجَّةُ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْقَطْعِ حُكْمًا وَخِلَافًا. (قَطَعَتْ امْرَأَةٌ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا) أَيْ أَوْ خَطَأً لِمَا يَأْتِي؛ فَلَوْ أَطْلَقَ كَمَا سَبَقَ وَكَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ كَانَ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ (فَنَكَحَهَا) الْمَقْطُوعُ يَدُهُ (عَلَى يَدِهِ ثُمَّ مَاتَ) فَلَوْ لَمْ يَمُتْ مِنْ السِّرَايَةِ فَمَهْرُهَا الْأَرْشُ، وَلَوْ عَمْدًا إجْمَاعًا (يَجِبُ)   [رد المحتار] وَلَمْ يَقُلْ عَنْ الْجِنَايَةِ (قَوْلُهُ ضَمِنَ قَاطِعُهُ) وَكَذَا شَاجُّهُ أَوْ جَارِحُهُ (قَوْلُهُ فِي مَالِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ الْعَمْدَ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) حَيْثُ قَالَا هُوَ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْعَفْوُ عَنْ مُوجِبِهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ غَيْرُ الْقَتْلِ) وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْعَمْدِ إلَّا أَنَّ فِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْعَفْوِ أَوْرَثَتْ شُبْهَةً، وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْقَوَدِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَفَا عَنْ الْجِنَايَةِ) أَيْ الْوَاقِعَةِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً سَوَاءٌ ذَكَرَ مَعَهَا مَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَذْكُرْ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ) ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَشْمَلُ السَّارِيَ مِنْهَا وَغَيْرَهُ، وَعَفْوُهُ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الْقَطْعِ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ غَيْرُ الْقَتْلِ كَمَا قَدَّمَهُ فَلَا يَشْمَلُ السَّارِيَ (قَوْلُهُ فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا) أَيْ مِنْ الدِّيَةِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْعَمْدِ، وَكَذَا فِي الْخَطَأِ لَوْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِلَّا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ بِقَدْرِهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. (قَوْلُهُ فَالْخَطَأُ إلَخْ) أَيْ الْعَفْوُ فِي الْخَطَأِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَيَكُونُ هَذَا وَصِيَّةً لِلْعَاقِلَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ إذَا لَمْ تَصِحَّ لِلْقَاتِلِ تَصِحُّ لِلْعَاقِلَةِ كَمَنْ أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ فَالْوَصِيَّةُ كُلُّهَا لِلْحَيِّ اهـ، وَبِهِ ظَهَرَ فَسَادُ مَا اُعْتُرِضَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ لَا تَصِحُّ وَبِأَنَّهُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ فَكَيْفَ جَازَتْ بِجَمِيعِ الثُّلُثِ فَتَأَمَّلْ طُورِيٌّ (قَوْلُهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ) ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ مُوجِبُهُ الْمَالُ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَعَلَى الْعَاقِلَةِ ثُلُثَا الدِّيَةِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَافِي مَالٌ غَيْرُهَا، فَإِنْ كَانَ فَبِحِسَابِهِ، فَلَوْ قَالَ وَإِلَّا فَعَلَى الْعَاقِلَةِ بِقَدْرِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَظْهَرَ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ اعْتِبَارِ الْعَفْوِ مِنْ الثُّلُثِ أَنَّ الْعَافِيَ لَوْ كَانَ صَحِيحًا أَيْ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ، بِأَنْ لَمْ يَصِرْ صَاحِبَ فِرَاشٍ، وَفَسَّرَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِأَنْ كَانَ يَخْرُجُ وَيَجِيءُ وَيَذْهَبُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ بَلْ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ مِنْ الثُّلُثِ (قَوْلُهُ وَالْعَمْدُ مِنْ كُلِّهِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمُوجِبَ هُنَا هُوَ الْقَوَدُ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ اهـ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْقَوَدَ هُنَا سَقَطَ بِالْعَفْوِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ لِلْعَافِي أَنْ يُصَالِحَ عَلَى الدِّيَةِ كَانَ مَظِنَّةَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ فِي عَفْوِهِ إبْطَالًا لِحَقِّ الْوَرَثَةِ فِيهَا فَقَالَ: إنَّهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْقَوَدُ، وَحَقُّهُمْ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالشَّجَّةُ مِثْلُهُ) وَكَذَا الْجِرَاحَةُ كَمَا قَدَّمَهُ فَالْعَفْوُ عَنْ الشَّجَّةِ أَوْ الْجِرَاحَةِ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقَطْعِ فِي ضَمَانِ الدِّيَةِ بِالسِّرَايَةِ خِلَافًا لَهُمَا، وَالْعَفْوُ عَنْهُمَا مَعَ مَا يَحْدُثُ مِنْهُمَا كَالْعَفْوِ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ (قَوْلُهُ قَطَعَتْ امْرَأَةٌ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُفَرَّعَةٌ عَلَى الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ لِمَا يَأْتِي) أَيْ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَطْلَقَ) أَيْ لَمْ يُقَيَّدْ بِالْعَمْدِ كَمَا فَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ (قَوْلُهُ عَلَى يَدِهِ) أَيْ مُوجِبُ يَدِهِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ مِنْ السِّرَايَةِ) أَيْ سِرَايَةِ الْقَطْعِ إلَى الْهَلَاكِ، وَقُيِّدَ بِهِ لِيَشْمَلَ مَا إذَا لَمْ يَمُتْ أَصْلًا أَوْ مَاتَ مِنْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ فَمَهْرُهَا الْأَرْشُ) وَهُوَ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَمْدًا) وَسَوَاءٌ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْقَطْعِ أَوْ عَلَى الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 563 عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (مَهْرُ مِثْلِهَا وَالدِّيَةُ فِي مَالِهَا إنْ تَعَمَّدَتْ) وَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بَيْنَ الْمَهْرِ وَالدِّيَةِ إنْ تَسَاوَيَا وَإِلَّا تَرَادَّا الْفَضْلَ (وَعَلَى عَاقِلَتِهَا إنْ أَخْطَأَتْ) فِي قَطْعِ يَدِهِ وَلَا يَتَقَاصَّانِ لِأَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْخَطَإِ، بِخِلَافِ الْعَمْدِ فَإِنَّ الدِّيَةَ عَلَيْهَا، وَالْمَهْرُ عَلَى الزَّوْجِ فَيَتَقَاصَّانِ. قُلْت: وَقَالَ صَاحِبُ الدُّرَرِ: يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ الْمُقَاصَّةُ فِي الْخَطَإِ أَيْضًا لِأَنَّهَا عَلَيْهَا دُونَ الْعَاقِلَةِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ فِي الدِّيَةِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِي الْعَجَمِ وَلَعَلَّهُ أَطْلَقَهُ لِإِحَالَتِهِ لِمَحَلِّهِ فَلْيُحْفَظْ. (وَإِنْ نَكَحَهَا عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ ثُمَّ مَاتَ مِنْهُ وَجَبَ لَهَا فِي الْعَمْدِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا) لِرِضَاهُ بِالسُّقُوطِ   [رد المحتار] ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَرِئَ تَبَيَّنَ أَنَّ مُوجِبَهَا الْأَرْشُ دُونَ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجْرِي فِي الْأَطْرَافِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْأَرْشُ يَصْلُحُ صَدَاقًا كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَصْلُهُ مَا مَرَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقَتْلِ أَوْ الشَّجَّةِ أَوْ الْيَدِ إذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ لَيْسَ بِعَفْوٍ عَنْ النَّفْسِ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا عَفْوٌ عَنْهَا أَتْقَانِيٌّ. فَعِنْدَهُمَا الْحُكْمُ هُنَا كَالْحُكْمِ الْأَتْي فِيمَا إذَا نَكَحَهَا عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا (قَوْلُهُ إنْ تَعَمَّدَتْ) قُيِّدَ لِقَوْلِهِ وَالدِّيَةُ فِي مَالِهَا. أَمَّا وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ فَهُوَ مُطْلَقٌ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ إنْ كَانَ عَمْدًا يَكُونُ تَزَوُّجًا عَلَى الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَيَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. لَا يُقَالُ: الْقِصَاصُ لَا يَجْرِي بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الطَّرَفِ فَكَيْفَ يَكُونُ تَزَوُّجًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ لِلْعَمْدِ الْقِصَاصُ، وَإِنَّمَا سَقَطَ لِلتَّعَذُّرِ، ثُمَّ عَلَيْهَا الدِّيَةُ فِي مَالِهَا؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ وَإِنْ كَانَ يَتَضَمَّنُ الْعَفْوَ لَكِنْ عَنْ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ، وَإِذَا سَرَى يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ قَتْلُ النَّفْسِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَفْوُ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهَا؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً يَكُونُ هَذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَرْشِ الْيَدِ، وَإِذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ تَبَيَّنَ أَنْ لَا أَرْشَ لِلْيَدِ وَأَنَّ الْمُسَمَّى مَعْدُومٌ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ وَإِلَّا تَرَادَّا الْفَضْلَ) أَيْ إنْ كَانَ فِي الدِّيَةِ فَضْلٌ تَرُدُّهُ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَهْرِ فَضْلٌ يَرُدُّهُ الْوَرَثَةُ عَلَيْهَا ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْخَطَأِ) أَيْ وَالْمَهْرُ لِلْمَرْأَةِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْمُقَاصَّةُ إذَا اتَّحَدَتْ الذِّمَّةُ فِي الْوُجُوبِ لَهَا وَعَلَيْهَا كَمَا فِي الْعَمْدِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ إلَخْ) هُوَ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ فِي حَاشِيَةِ الدُّرَرِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ فِي الْخَطَأِ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَجَمِ: أَيْ مَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ، فَلَا تَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ مُطْلَقًا، وَهَذَا مُرَادُ صَاحِبِ الدُّرَرِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيَّدْ بِالْعَجَمِ إحَالَةٌ إلَى مَحَلِّهِ: أَيْ اعْتِمَادًا عَلَى ذِكْرِهِ فِي مَحَلِّهِ. وَأَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ مُرَادُ صَاحِبِ الدُّرَرِ أَنَّهَا عَلَى الْقَاتِلِ مُطْلَقًا، يُوَضِّحُهُ مَا فِي الْكِفَايَةِ حَيْثُ قَالَ. مَطْلَبٌ الصَّحِيحُ أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْقَاتِلِ ثُمَّ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ لَا يُقَالُ: إنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ ثُمَّ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ فَيَكُونُ أَصْلُ الْوُجُوبِ عَلَى الْقَاتِلِ، وَاعْتِبَارُ هَذَا يُوجِبُ جَوَازَ الْمُقَاصَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: عِنْدَ الْبَعْضِ الْعَاقِلَةُ ابْتِدَاءً. وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ عَنْ الْقَاتِلِ بِطَرِيقِ الْحَوَالَةِ وَالْحَوَالَةُ تُوجِبُ الْبَرَاءَةَ فَلَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ثُمَّ مَاتَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقَطْعِ (قَوْلُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ) ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ عَلَى الْقِصَاصِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي الْعَمْدِ وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا إذَا نَكَحَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ (قَوْلُهُ لِرِضَاهُ بِالسُّقُوطِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْقِصَاصَ مَهْرًا فَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِهِ لِجِهَةِ الْمَهْرِ فَيَسْقُطُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 564 (لَوْ خَطَأً رُفِعَ عَنْ الْعَاقِلَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَالْبَاقِي وَصِيَّةٌ لَهُمْ) أَيْ لِلْعَاقِلَةِ (فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ سَقَطَ وَإِلَّا سَقَطَ ثُلُثُ الْمَالِ) فَقَطْ. (وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ فَاقْتُصَّ لَهُ فَمَاتَ) الْمَقْطُوعُ (الْأَوَّلُ قَبْلَ الثَّانِي قُتِلَ) الثَّانِي (بِهِ) لِسِرَايَتِهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا قَوَدَ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَى الْقَطْعِ فَقَدْ أَبْرَأَهُ عَمَّا وَرَاءَهُ. وَظَاهِرُ إشْكَالِ ابْنِ الْكَمَالِ يُفِيدُ تَقْوِيَةَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَوْ مَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُقْتَصِّ لَهُ) خِلَافًا لَهُمَا. قُلْت: هَذَا إذَا اسْتَوْفَاهُ بِنَفْسِهِ بِلَا حُكْمِ الْحَاكِمِ، وَأَمَّا الْحَاكِمُ وَالْحَجَّامُ وَالْخَتَّانُ وَالْفَصَّادُ وَالْبَزَّاغُ فَلَا يَتَقَيَّدُ فِعْلُهُمْ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْأَجِيرِ وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ. وَالْأَصْلُ أَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ وَالْمُبَاحُ يَتَقَيَّدُ بِهِ وَمِنْهُ ضَرْبُ الْأَبِ ابْنَهُ تَأْدِيبًا أَوْ الْأُمِّ أَوْ الْوَصِيِّ   [رد المحتار] أَصْلًا ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ خَطَأً رُفِعَ عَنْ الْعَاقِلَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا إلَخْ) ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ تَزَوُّجٌ عَلَى مُوجِبِهَا وَمُوجِبُهَا الدِّيَةُ هُنَا وَهِيَ تَصْلُحُ مَهْرًا فَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ إلَّا أَنَّ قَدْرَ مَهْرِ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مُحَابَاةٌ. وَالْمَرِيضُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي التَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ فَيَسْقُطُ قَدْرُ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَالدِّيَةُ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَقَدْ صَارَتْ مَهْرًا فَسَقَطَ كُلُّهَا عَنْهُمْ إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَا تَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَمَّلُونَ عَنْهَا بِسَبَبِ جِنَايَتِهَا، فَإِذَا صَارَ ذَلِكَ مِلْكًا لَهَا سَقَطَ عَنْهُمْ قَدْرُ مَهْرِ مِثْلِهَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يُنْظَرُ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ سَقَطَ عَنْهُمْ قَدْرُ الثُّلُثِ وَأَدَّوْا الزِّيَادَةَ إلَى الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا نَفَاذَ لَهَا إلَّا مِنْ الثُّلُثِ اهـ زَيْلَعِيٌّ. قُلْت: وَوَجْهُ كَوْنِهِ وَصِيَّةً لِلْعَاقِلَةِ أَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ الدِّيَةَ بِمُقَابَلَةِ الْمَهْرِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَيَكُونُ قَدْ أَسْقَطَ لَهُمْ مَا زَادَ عَلَى الْمَهْرِ تَبَرُّعًا، فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ لِسَرَايَتِهِ) أَيْ لِسِرَايَةِ الْقَطْعِ الْأَوَّلِ إلَى الْقَتْلِ، وَاسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ لَا يُسْقِطُ الْقَوَدَ كَمَنْ لَهُ الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ إذَا قَطَعَ يَدَ الْقَاتِلِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ إلَخْ) جَوَابُهُ أَنَّهُ إنَّمَا أَقْدَمَ عَلَى الْقَطْعِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ حَقَّهُ فِيهِ وَبَعْدَ السِّرَايَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَوَدِ فَلَمْ يَكُنْ مُبْرَأً عَنْهُ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَاسْتَشْكَلَهُ ابْنُ الْكَمَالِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ وَهِيَ مَا إذَا قَطَعَ فَعَفَا عَنْ الْقَطْعِ فَمَاتَ عَلَّلُوا سُقُوطَ الْقِصَاصِ بِأَنَّ صُورَةَ الْعَفْوِ تَكْفِي فِي سُقُوطِهِ؛ لِأَنَّهَا تُورِثُ شُبْهَةً وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُبْرَأً عَنْهُ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ فَأَوْجَبُوا الدِّيَةَ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَيُجَابُ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الْعَافِيَ عَنْ الْقَطْعِ ظَهَرَ مِنْهُ الْمَيْلُ إلَى الْعَفْوِ، بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ اسْتَوْفَى مَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ وَاجِبٌ لَهُ فَلَمْ تُوجَدْ مِنْهُ صُورَةُ الْعَفْوِ (قَوْلُهُ يُفِيدُ تَقْوِيَةَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يُعَارِضُ مَا عَلَيْهِ الْمُتُونُ وَالشُّرُوحُ ط. عَلَى أَنَّك سَمِعْت الْجَوَابَ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ فَمَاتَ الْمَقْطُوعُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُقْتَصِّ لَهُ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَطْعِ وَقَدْ قُتِلَ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَلَكِنْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْخَطَإِ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ مِنْ الْقَطْعِ وَلَمْ يُرِدْ الْقَتْلَ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَهُوَ الْقَطْعُ، وَلَا يُمْكِنُ التَّقْيِيدُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ سَدِّ بَابِ الْقِصَاصِ، إذْ الِاحْتِرَازُ عَنْ السِّرَايَةِ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ بِلَا حُكْمِ الْحَاكِمِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَوْفَاهُ بِنَفْسِهِ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ لَا يَضْمَنُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْحَاكِمُ إلَخْ) أَيْ إذَا قَطَعَ يَدَ السَّارِقِ فَمَاتَ: وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ اسْتَشْهَدَ بِهَا الْإِمَامَانِ لِقَوْلِهِمَا، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيهَا فَنَبَّهَ الشَّارِحُ عَلَى الْفَرْقِ بِأَنَّ إقَامَةَ الْحُدُودِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْإِمَامِ، وَكَذَا فِعْلُ الْحَجَّامِ وَنَحْوِهِ وَاجِبُ الْعَقْدِ، فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالسَّلَامَةِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْوَلِيُّ مُخَيَّرٌ بَلْ الْعَفْوُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَيَتَقَيَّدُ بِهَا لِلْأَصْلِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ وَالْبَزَّاغُ) أَيْ الْبَيْطَارُ (قَوْلُهُ وَالْمُبَاحُ يَتَقَيَّدُ بِهِ) اسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ فَأَفْضَاهَا أَوْ مَاتَتْ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِهِ مُبَاحًا لِكَوْنِ الْوَطْءِ أَخَذَ مُوجِبَهُ وَهُوَ الْمَهْرُ، فَلَا يَجِبُ بِهِ آخَرُ أَيْ ضَمَانٌ آخَرُ أَشْبَاهٌ ط وَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُبَاحِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 565 وَمِنْ الْأَوَّلِ ضَرْبُ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ أَوْ الْمُعَلِّمِ بِإِذْنِ الْأَبِ تَعْلِيمًا فَمَاتَ لَا ضَمَانَ فَضَرْبُ التَّأْدِيبِ مُقَيَّدٌ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ وَضَرْبُ التَّعْلِيمِ لَا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَمَحَلُّهُ فِي الضَّرْبِ الْمُعْتَادِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَمُوجِبٌ لِلضَّمَانِ فِي الْكُلِّ وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ (وَإِنْ قَطَعَ) وَلِيُّ الْقَتْلِ (يَدَ الْقَاتِلِ وَ) بَعْدَ ذَلِكَ (عَفَا) عَنْ الْقَتْلِ (ضَمِنَ الْقَاطِعُ دِيَةَ الْيَدِ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ لَكِنْ لَا يُقْتَصُّ لِلشُّبْهَةِ وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَضَمَانُ الصَّبِيِّ إذَا مَاتَ مِنْ ضَرْبِ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ تَأْدِيبًا) أَيْ لِلتَّأْدِيبِ (عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الْأَبِ وَالْوَصِيِّ؛ لِأَنَّ التَّأْدِيبَ يَحْصُلُ بِالزَّجْرِ وَالتَّعْرِيكِ وَقَالَا لَا يَضْمَنُ لَوْ مُعْتَادًا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعْتَادِ فَفِيهِ الضَّمَانُ اتِّفَاقًا (كَضَرْبِ مُعَلِّمٍ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا بِغَيْرِ إذْنِ أَبِيهِ وَمَوْلَاهُ) لَفٌّ وَنَشْرٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُعَلِّمِ إجْمَاعًا (وَإِنْ) الضَّرْبُ (بِإِذْنِهِمَا لَا) ضَمَانَ عَلَى الْمُعَلِّمِ إجْمَاعًا قِيلَ هَذَا رُجُوعٌ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى قَوْلِهِمَا (وَكَذَا يَضْمَنُ زَوْجُ امْرَأَةٍ ضَرَبَهَا تَأْدِيبًا) ؛ لِأَنَّ تَأْدِيبَهَا لِلْوَلِيِّ كَذَا عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ لِشَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْعَيْنِيِّ. قُلْت: وَهُوَ فِي الْأَشْبَاهِ وَغَيْرِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَفِي دِيَاتِ الْمُجْتَبَى: لِلزَّوْجِ وَالْوَصِيِّ كَالْأَبِ تَفْصِيلًا وَخِلَافًا فَعَلَيْهِمْ   [رد المحتار] الْإِمَامِ وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَمِنْ الْأَوَّلِ) أَيْ الْوَاجِبُ قَالَ الشَّارِحُ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ: وَفِي الْقُنْيَةِ لَهُ إكْرَاهُ طِفْلِهِ عَلَى تَعَلُّمِ قُرْآنٍ وَأَدَبٍ وَعِلْمٍ لِفَرْضِيَّتِهِ عَلَى الْوَالِدَيْنِ، وَلَهُ ضَرْبُ الْيَتِيمِ فِيمَا يَضْرِبُ وَلَدَهُ اهـ وَأَفَادَ أَنَّ الْأُمَّ كَالْأَبِ فِي التَّعْلِيمِ بِخِلَافِ التَّأْدِيبِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ بِإِذْنِ الْأَبِ) أَيْ أَوْ بِإِذْنِ الْوَصِيِّ وَلَوْ ضَرَبَ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا يَضْمَنُ كَمَا يَأْتِي ط (قَوْلُهُ تَعْلِيمًا) عِلَّةً لِقَوْلِهِ ضَرَبَ (قَوْلُهُ مُقَيَّدٌ) أَيْ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ (قَوْلُهُ وَمَحَلُّهُ فِي الضَّرْبِ الْمُعْتَادِ) أَيْ كَمًّا وَكَيْفًا وَمَحَلًّا فَلَوْ ضَرَبَهُ عَلَى الْوَجْهِ أَوْ عَلَى الْمَذَاكِيرِ، يَجِبُ الضَّمَانُ بِلَا خَوْفٍ وَلَوْ سَوْطًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ أَبُو السُّعُودِ عَنْ تَلْخِيصِ الْكُبْرَى ط (قَوْلُهُ مِنْ ضَرْبِ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ) قُيِّدَ بِهِمَا؛ لِأَنَّ الْأُمَّ إذَا ضَرَبَتْ لِلتَّأْدِيبِ تَضْمَنُ اتِّفَاقًا، وَبِقَوْلِهِ تَأْدِيبًا إذْ لَوْ ضَرَبَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلتَّعْلِيمِ لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا اهـ غُرَرُ الْأَفْكَارِ (قَوْلُهُ وَإِنْ الضَّرْبُ بِإِذْنِهِمَا) أَيْ إذْنِ الْأَبِ وَالْمَوْلَى، وَكَذَا الْوَصِيُّ وَمُفَادُهُ أَنَّهُمَا لَوْ ضَرَبَاهُ بِنَفْسِهِمَا لَا ضَمَانَ أَيْضًا اتِّفَاقًا. وَقَدَّمْنَاهُ آنِفًا لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ: ضَرَبَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ فِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَمَاتَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. يَضْمَنُ الدِّيَةَ وَلَا يَرِثُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَرِثُهُ وَلَا يَضْمَنُ، وَإِنْ ضَرَبَهُ الْمُعَلِّمُ بِإِذْنِ الْوَالِدِ لَا يَضْمَنُ الْمُعَلِّمُ اهـ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: ضَرَبَ ابْنَهُ فِي أَدَبٍ أَوْ الْوَصِيُّ ضَرَبَ الْيَتِيمَ فَمَاتَ يَضْمَنُ عِنْدَهُ، وَكَذَا إنْ ضَرَبَهُ الْمُعَلِّمُ بِلَا إذْنِهِمْ ضَمِنَ، وَإِنْ بِإِذْنٍ فَلَا؛ لِأَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ مَأْذُونَانِ فِي التَّأْدِيبِ، بِشَرْطِ السَّلَامَةِ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ التَّصَرُّفَ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ لَوْ خُيِّرَا لَهُ أَمَّا الْمُعَلِّمُ إنَّمَا أَدَّبَهُ بِإِذْنِهِمْ وَالْإِذْنُ مِنْهُمْ وُجِدَ مُطْلَقًا لَا مُقَيَّدًا اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ضَمَانِ الْأَبِ فِي التَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قِيلَ هَذَا) أَيْ قَوْلُ الْإِمَامِ بِعَدَمِ ضَمَانِ الْمُعَلِّمِ بِالْإِذْنِ مِنْ الْأَبِ، وَفِيهِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي ضَرْبِ التَّأْدِيبِ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي ضَرْبِ التَّعْلِيمِ، وَهُوَ وَاجِبٌ لَا يَتَقَيَّدُ بِالسَّلَامَةِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ أَفَادَهُ ط. أَقُولُ: فِي حَاشِيَةِ الشَّرَفِ الْغَزِّيِّ عَنْ الصُّغْرَى قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: إذَا ضَرَبَ ابْنَهُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَوْ الْأَدَبِ فَمَاتَ ضَمِنَ عِنْدَهُ لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اهـ وَقَدَّمْنَا آنِفًا عَنْ الْخَانِيَّةِ مِثْلَهُ وَعَلَيْهِ يَظْهَرُ الرُّجُوعُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَضَمِنَ بِضَرْبِهَا وَكَبْحِهَا عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الْأَصَحَّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا وَكَذَا نَقَلَهُ الْبِيرِيُّ عَنْ كِفَايَةِ الْمُجِيبِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ تَأْدِيبَهَا لِلْوَلِيِّ) هَذَا التَّعْلِيلُ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ مُفَادَهُ أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَضْمَنُ مَعَ أَنَّ الْأَبَ يَضْمَنُ بِضَرْبِ ابْنِهِ تَأْدِيبًا عَلَى مَا مَرَّ، وَالْأَظْهَرُ قَوْلُ الْبِيرِيِّ؛ لِأَنَّهُ لِنَفْعِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ تَعْزِيرِ الْقَاضِي، فَإِنَّهُ لِنَفْعِ الْمَضْرُوبِ اهـ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ مَا لِلزَّوْجِ ضَرْبُهَا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ مَا فِي الْمَتْنِ مَذْكُورٌ فِي الْأَشْبَاهِ وَغَيْرِهَا مُطْلَقًا، وَقَوْلُهُ: كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَيْ فِي ضِمْنِ قَوْلِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ، وَإِلَّا لَمْ يُقَدِّمْهُ صَرِيحًا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْأَشْبَاهِ وَغَيْرِهَا مُطْلَقًا عَنْ ذِكْرِ الْخِلَافِ كَمَا قَدَّمْنَا فِي الْمَتْنِ، فَإِنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 566 الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَقِيلَ: رَجَعَ الْإِمَامُ إلَى قَوْلِهِمَا وَتَمَامُهُ ثَمَّةَ. [فُرُوعٌ] ضَرَبَ امْرَأَةً فَأَفْضَاهَا، فَإِنْ كَانَتْ تَسْتَمْسِكُ بَوْلَهَا فَفِيهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَإِلَّا فَكُلُّ الدِّيَةِ وَإِنْ افْتَضَّ بِكْرًا بِالزِّنَا فَأَفْضَاهَا فَإِنْ مُطَاوِعَةً حُدَّا وَلَا غُرْمَ، وَإِنْ مُكْرَهَةً فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَأَرْشُ الْإِفْضَاءِ لَا الْعُقْرُ حَاوِي الْقُدْسِيِّ. قَطَعَ الْحَجَّامُ لَحْمًا مِنْ عَيْنِهِ وَكَانَ غَيْرَ حَاذِقٍ فَعَمِيَتْ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ أَشْبَاهٌ. وَفِي الْقُنْيَةِ: سُئِلَ مُحَمَّدٌ نَجْمُ الدِّينِ عَنْ صَبِيَّةٍ سَقَطَتْ مِنْ سَطْحٍ فَانْفَتَحَ رَأْسُهَا فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْجَرَّاحِينَ: إنْ شَقَقْتُمْ رَأْسَهَا تَمُوتُ وَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إنْ لَمْ تَشُقُّوهُ الْيَوْمَ تَمُوتُ وَأَنَا أَشُقُّهُ وَأُبْرِئُهَا فَشَقَّهُ فَمَاتَتْ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ هَلْ يَضْمَنُ؟ فَتَأَمَّلَ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ: لَا   [رد المحتار] عِبَارَةَ الْمَتْنِ تُفِيدُ أَنَّ الزَّوْجَ يَضْمَنُ اتِّفَاقًا، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ مَلَكٍ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: وَفِي دِيَاتِ الْمُجْتَبَى إلَخْ كَالِاسْتِدْرَاكِ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ ثَمَّةَ) قَالَ فِيهِ: وَلَوْ ضَرَبَ ابْنَهُ تَأْدِيبًا إنْ ضَرَبَهُ حَيْثُ لَا يُضْرَبُ لِلتَّأْدِيبِ، أَوْ فَوْقَ مَا يُضْرَبُ لِلتَّأْدِيبِ فَعَطِبَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ، وَإِذَا ضَرَبَهُ حَيْثُ يُضْرَبُ لِلتَّأْدِيبِ، وَمِثْلُ مَا يُضْرَبُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، وَالْخِلَافِ الْوَصِيُّ وَالزَّوْجُ إذَا ضَرَبَ الْيَتِيمَ أَوْ زَوْجَتَهُ تَأْدِيبًا، وَكَذَا الْمُعَلِّمُ إذَا ضَرَبَ الصَّبِيَّ بِإِذْنِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَوْ عَمَلٍ آخَرَ مِثْلِ مَا يُضْرَبُ فِيهِ لَا يَضْمَنُ هُوَ وَلَا الْأَبُ وَلَا الْوَصِيُّ بِالْإِجْمَاعِ، فَأَبُو حَنِيفَةَ أَوْجَبَ الدِّيَةَ وَالْكَفَّارَةَ عَلَى الْأَبِ، وَلَمْ يُوجِبْهَا عَلَى الْمُعَلِّمِ إذَا كَانَ بِإِذْنِهِ وَقِيلَ هَذَا رُجُوعٌ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى قَوْلِهِمَا فِي حَقِّ الْأَبِ وَلَوْ ضَرَبَ الْمُعَلِّمُ بِدُونِ إذْنِهِ فَمَاتَ يَضْمَنُ، وَالْوَالِدَةُ إذَا ضَرَبَتْ وَلَدَهَا تَأْدِيبًا لَا شَكَّ أَنَّهَا تَضْمَنُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ اهـ مِنَحٌ (قَوْلُهُ ضَرَبَ امْرَأَةً فَأَفْضَاهَا) أَيْ جَعَلَ مَسْلَكَ بَوْلِهَا وَحَيْضِهَا أَوْ حَيْضِهَا وَغَائِطِهَا وَاحِدًا وَالْوَطْءُ كَالضَّرْبِ كَمَا يَأْتِي وَالْمُرَادُ بِهَا الْأَجْنَبِيَّةُ أَمَّا الزَّوْجَةُ إذَا وَطِئَهَا فَأَفْضَاهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ بَوْلُهَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ وَهْبَانَ بِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ عَشْرَةَ أَشْيَاءَ تَجِبُ بِهَا الدِّيَةُ كَامِلَةً مِنْهَا سَلَسُ الْبَوْلِ، وَرَدَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِأَنَّهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِنَصِّ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ، عَلَى أَنْ لَا شَيْءَ هُنَا أَيْ؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَقَيَّدَ قَوْلَهُمَا بِمَا إذَا كَانَتْ بَالِغَةً مُخْتَارَةً مُطِيقَةً لِوَطْئِهِ، وَلَمْ تَمُتْ مِنْهُ فَلَوْ صَغِيرَةً أَوْ مُكْرَهَةً أَوْ لَا تُطِيقُ تَلْزَمُ دِيَتُهَا اتِّفَاقًا بِالْمَوْتِ وَالْإِفْضَاءِ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ جِدًّا فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ فَفِيهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّهَا جَائِفَةٌ ط (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَكُلُّ الدِّيَةِ) أَيْ دِيَةِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْكَمَالِ (قَوْلُهُ حُدَّا) أَيْ حُدَّ كُلٌّ مِنْهُمَا وَلَا غُرْمَ أَيْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْإِفْضَاءِ لِرِضَاهَا بِهِ وَلَا مَهْرَ لِوُجُوبِ الْحَدِّ، وَلَوْ ادَّعَى شُبْهَةً فَلَا حَدَّ وَلَا شَيْءَ فِي الْإِفْضَاءِ وَيَجِبُ الْعَقْدُ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) أَيْ دُونَهَا لِإِكْرَاهِهَا (قَوْلُهُ وَأَرْشُ الْإِفْضَاءِ) أَيْ ثُلُثُ الدِّيَةِ إنْ اسْتَمْسَكَتْ، وَإِلَّا فَكُلُّهَا وَقَوْلُهُ لَا الْعُقْرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْحَدِّ وَتَمَامُهُ فِي ط. [تَتِمَّةٌ] لَوْ زَنَى بِأَمَةٍ فَقَتَلَهَا بِهِ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِالزِّنَا وَالْقِيمَةُ بِالْقَتْلِ، وَلَوْ أَذْهَبَ عَيْنَهَا لَزِمَهُ قِيمَتُهَا وَسَقَطَ الْحَدُّ لِتَمَلُّكِهِ الْجُثَّةَ الْعَمْيَاءَ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَتَفْصِيلُ مَا لَوْ أَفْضَاهَا فِي الشَّرْحِ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ قُبَيْلَ بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ نِصْفُ دِيَةٍ) أَيْ نِصْفُ دِيَةِ الْعَيْنِ أَبُو السُّعُودِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بِفِعْلٍ مَأْذُونٍ ط. أَقُولُ: يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْمُرَادَ نِصْفُ دِيَةِ النَّفْسِ الَّتِي هِيَ دِيَةُ الْعَيْنِ ثُمَّ رَأَيْت الرَّحْمَتِيَّ فَسَّرَهَا كَذَلِكَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الْخِتَانِ الْآتِيَةِ قُبَيْلَ الْقَسَامَةِ، فَإِنَّهُ إذَا أَمَرَ لِيَخْتِنَ صَبِيًّا فَقَطَعَ الْحَشَفَةَ، وَلَمْ يَمُتْ الصَّبِيُّ فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْحَشَفَةِ كَامِلَةً وَهِيَ دِيَةُ النَّفْسِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ سُئِلَ مُحَمَّدٌ) لَفْظَةُ مُحَمَّدٍ زَائِدَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ فَانْفَتَحَ) الَّذِي فِي الْقُنْيَةِ فَانْتَفَخَ بِالتَّاءِ قَبْلَ الْفَاءِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ (قَوْلُهُ مَلِيًّا) أَيْ سَاعَةً طَوِيلَةً (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ لَا إلَخْ) لَا يُنَافِي مَسْأَلَةَ الْعَيْنِ الْمَارَّةِ آنِفًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 567 إذَا كَانَ الشَّقُّ بِإِذْنٍ وَكَانَ الشَّقُّ مُعْتَادًا وَلَمْ يَكُنْ فَاحِشًا خَارِجَ الرَّسْمِ، قِيلَ لَهُ فَلَوْ قَالَ إنْ مَاتَتْ فَأَنَا ضَامِنٌ هَلْ يَضْمَنُ؟ قَالَ لَا اهـ. قُلْت: إنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ شَرْطُ الضَّمَانِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ شَرْطَهُ عَلَى الْأَمِينِ بَاطِلٌ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ وَاعْتِبَارِ حَالَتِهِ أَيْ حَالَةُ الْقَتْلِ (الْقَوَدُ يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ) مِنْ غَيْرِ سَبْقِ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ، لِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الْقَوَدِ لِتُشْفَى الصُّدُورُ وَدَرْكِ الثَّأْرِ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُ وقَوْله تَعَالَى - {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33]- نَصَّ فِيهِ (وَقَالَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ) كَمَا لَوْ انْقَلَبَ مَالًا وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ مَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَصِيرُ أَحَدُهُمْ) أَيْ أَحَدُ الْوَرَثَةِ (خَصْمًا عَنْ الْبَقِيَّةِ) فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، خِلَافًا لَهُمَا، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَمْلِكُهُ الْوَرَثَةُ بِطَرِيقِ الْوِرَاثَةِ فَأَحَدُهُمْ خَصْمٌ عَنْ الْبَاقِينَ وَقَائِمٌ مَقَامَ الْكُلِّ فِي الْخُصُومَةِ، وَمَا يَمْلِكُهُ الْوَرَثَةُ لَا بِطَرِيقِ الْوِرَاثَةِ لَا يَصِيرُ أَحَدُهُمْ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَلَوْ أَقَامَ حُجَّةً بِقَتْلِ أَبِيهِ عَمْدًا مَعَ غَيْبَةِ أَخِيهِ يُرِيدُ الْقَوَدَ لَا يُقَيَّدُ إجْمَاعًا حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ لَكِنَّهُ يُحْبَسُ، لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ يُعِيدُهَا ثَانِيًا لِيَقْتُلَا الْقَاتِلَ وَقَالَا لَا يُعِيدُ   [رد المحتار] ؛ لِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يُجَاوِزْ مَا أُمِرَ بِهِ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ الشَّقُّ بِإِذْنٍ) فَلَوْ بِدُونِهِ فَالظَّاهِرُ الْقِصَاصُ وَيُحَرَّرُ ط (قَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ فَاحِشًا) تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ ط (قَوْلُهُ خَارِجَ الرَّسْمِ) أَيْ الْعَادَةِ ط (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) قَائِلُهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ، وَاعْتَرَضَهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ بَعِيدٌ عَنْ اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ لِعَدَمِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْأَمَانَةِ إذْ هِيَ الْمَالُ الْقَابِلُ لِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ، وَاسْتَظْهَرَ أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ شَرْطُ الْمَكْفُولِ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ وَاعْتِبَارِ حَالَتِهِ] ِ أَيْ بَابُ الشَّهَادَةِ الْوَاقِعَةِ فِي شَأْنِ الْقَتْلِ وَبَابُ اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ أَيْ حَالَةِ إيقَاعِ سَبَبِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الرَّمْيِ لَا الْوُصُولِ كَمَا يَأْتِي، وَلَمَّا كَانَ الْقَتْلُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ رُبَّمَا يَجْحَدُ، فَيَحْتَاجُ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ إلَى إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ وَحَالَةُ الشَّيْءِ صِفَةٌ لَهُ تَابِعَةٌ ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ بَيَانِ حُكْمِهِ. قَالَ ط: وَاعْلَمْ أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ وَالْقَتْلِ الَّذِي لَا يُوجِبُ الْقَوَدَ، وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّ مُوجِبَهَا الْمَالُ وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلٌ بِقَتْلٍ يُحْبَسُ فَإِنْ جَاءَ بِشَاهِدٍ آخَرَ وَإِلَّا خَلَّى سَبِيلَهُ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ مَسْتُورَانِ بِقَتْلٍ عَمْدٍ يُحْبَسُ حَتَّى تَظْهَرَ عَدَالَةُ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا، وَكَذَا فِي الْخَطَإِ عَلَى الْأَظْهَرِ اهـ. (قَوْلُهُ الْقَوَدُ يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ مَنْ يَسْتَحِقُّ مِيرَاثَهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى يَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ اهـ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخِلَافَةِ هُنَا مَا قَابَلَ الْوِرَاثَةَ، وَإِلَّا فَالْوِرَاثَةُ خِلَافَةٌ أَيْضًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، لَكِنَّهَا تَسْتَدْعِي سَبْقَ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ، وَلَا يَرِدُ صِحَّةُ عَفْوِ الْمُوَرِّثِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ انْعَقَدَ لَهُ، لِهَذَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: إنَّهُ حَقُّ الْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً عِنْدَ الْإِمَامِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي وَدَرْكِ الثَّأْرِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَحَقُّ الْمَيِّتِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ، وَلِذَا إذَا انْقَلَبَ مَالًا تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتَنْفُذُ مِنْهُ وَصَايَاهُ وَتَمَامُهُ فِيهِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْفُرُوعَ الْآتِيَةَ وَتَفْسِيرُ الْخِلَافَةِ بِمَا ذُكِرَ بِاعْتِبَارِ الْحَيْثِيَّةِ الْأُولَى، وَصِحَّةُ عَفْوِ الْمُوَرِّثِ بِاعْتِبَارِ الثَّانِيَةِ فَقَدْ رَاعَى الْإِمَامُ الْحَيْثِيَّتَيْنِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ كَمَا حَقَّقَهُ الطُّورِيُّ (قَوْلُهُ نَصَّ فِيهِ) فَإِنَّ اللَّامَ لِلتَّمْلِيكِ فَقَدْ مَلَّكَ تَعَالَى التَّسَلُّطَ لِلْوَلِيِّ بَعْدَ الْقَتْلِ، وَفِيهِ أَنَّ التَّسَلُّطَ قَدْ يَكُونُ لِثُبُوتِ الْحَقِّ لَهُ ابْتِدَاءً، وَقَدْ يَكُونُ الْحَقُّ انْتَقَلَ لَهُ مِنْ مُوَرِّثِهِ فَلَا تَكُونُ الْآيَةُ نَصًّا اهـ ط (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ انْقَلَبَ مَالًا) أَيْ بِنَحْوِ صُلْحٍ أَوْ عَفْوِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ. (قَوْلُهُ فَأَحَدُهُمْ عَنْ الْبَاقِينَ) ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ جَمِيعُ الْحَقِّ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَيِّتُ فَيَثْبُتُ لِلْبَقِيَّةِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يُثْبِتُ حَقًّا لِنَفْسِهِ لَا حَقَّ غَيْرِهِ ط (قَوْلُهُ لَا يُقَيَّدُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 568 وَفِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ وَالدَّيْنِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا مَرَّ فَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى الْقَاتِلِ عَلَى عَفْوِ الْغَائِبِ فَالْحَاضِرُ خَصْمٌ لِانْقِلَابِهِ مَالًا وَسَقَطَ الْقَوَدُ وَكَذَا لَوْ قَتَلَ عَبْدَهُمَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَالْحَالُ أَنَّ السَّيِّدَيْنِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ (وَلَوْ أُخْبِرَ وَلِيَّا قَوَدٍ بِعَفْوِ أَخِيهِمَا) الثَّالِثِ (فَهُوَ) أَيْ إخْبَارُهُمَا (عَفْوٌ لِلْقِصَاصِ مِنْهُمَا) عَمَلًا بِزَعْمِهِمَا وَهِيَ رُبَاعِيَّةٌ فَالْأَوَّلُ (إنْ صَدَّقَهُمَا) أَيْ الْمُخْبِرَيْنِ (الْقَاتِلَ وَالْأَخَ) الشَّرِيكُ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ لِلشَّرِيكِ عَمَلًا بِتَصْدِيقِهِ (وَلَهُمَا ثُلُثَا الدِّيَةِ وَ) الثَّانِي (إنْ كَذَّبَهُمَا فَلَا شَيْءَ لِلْمُخْبِرَيْنِ وَلِأَخِيهِمَا ثُلُثُ الدِّيَةِ وَ) الثَّالِثُ (إنْ صَدَّقَهُمَا الْقَاتِلُ وَحْدَهُ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا ثُلُثُهَا وَ) الرَّابِعُ (إنْ صَدَّقَهُمَا الْأَخُ فَقَطْ فَلَهُ ثُلُثُهَا) لِأَنَّ إقْرَارَهُ ارْتَدَّ بِتَكْذِيبِ الْقَاتِلِ إيَّاهُ فَوَجَبَ لَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ (وَ) لَكِنَّهُ (يُصْرَفُ ذَلِكَ إلَى الْمُخْبِرَيْنِ) اسْتِحْسَانًا   [رد المحتار] بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ أَقَادَ الْأَمِيرُ الْقَاتِلَ قَتَلَهُ بِهِ قَوَدًا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِالْقِصَاصِ إجْمَاعًا مَا لَمْ يَحْضُرْ الْغَائِبُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقَضَاءِ الِاسْتِيفَاءُ، وَالْحَاضِرُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ. (قَوْلُهُ وَفِي الْخَطَأِ) أَيْ فِي قَتْلِ أَبِيهِ خَطَأً وَفِي الدَّيْنِ لِأَبِيهِ عَلَى آخَرَ، لَوْ أَقَامَ الْحَاضِرُ حُجَّةً عَلَى ذَلِكَ لَا يُعِيدُهَا الْغَائِبُ، إذَا حَضَرَ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ إرْثًا عِنْدَ الْكُلِّ، وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ اتَّحَدَ الْقَاضِي لِلْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ، فَلَوْ أَثْبَتَ قَدْرَ نَصِيبِهِ مِنْهُ أَوْ كَانَ الْقَاضِي مُتَعَدِّدًا أَعَادَ الْحُجَّةَ وَإِنَّمَا خَصَّ الدَّيْنَ؛ لِأَنَّ فِي إعَادَةِ الْحُجَّةِ لِلْعَقَارِ اخْتِلَافًا، وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعِيدُهَا كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ فَالْحَاضِرُ خَصْمٌ) ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى حَقًّا عَلَى الْحَاضِرِ، وَهُوَ سُقُوطُ حَقِّهِ فِي الْقِصَاصِ وَانْقِلَابِهِ مَالًا وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِهِ لَا بِإِثْبَاتِ عَفْوِ الْغَائِبِ فَانْتَصَبَ خَصْمًا عَنْهُ، فَإِذَا قُضِيَ عَلَيْهِ صَارَ الْغَائِبُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ تَبَعًا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَسَقَطَ الْقَوَدُ) أَيْ وَإِنْ جَاءَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ الْعَفْوَ وَيَصِيرُ حَقُّهُ نِصْفَ الدِّيَةِ (قَوْلُهُ فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ) فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةٌ أَقَامَهَا الْحَاضِرُ مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ بَعْدَ عَوْدِ الْغَائِبِ، وَلَوْ أَقَامَ الْقَاتِلُ بَيِّنَةً أَنَّ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا فَالشَّاهِدُ خَصْمٌ وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ. فَحَاصِلُهُ: أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِثْلُ الْأُولَى فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَا يَكُونُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا فِي الْكُلِّ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْخَطَأِ أَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ خَصْمٌ عَنْ الْبَاقِينَ وَلَا كَذَلِكَ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ أُخْبِرَ إلَخْ) غَيَّرَ بِالْإِخْبَارِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَظِمُ الْأَوْجُهَ الْأَرْبَعَةَ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهَا لَمْ تُوجَدْ حَقِيقَةً إلَّا فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ عَفْوٌ لِلْقِصَاصِ مِنْهُمَا) قُيِّدَ بِالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَفْوًا مِنْهُمَا لِلْمَالِ إلَّا فِي بَعْضِ الْأَوْجُهِ كَمَا تَعْرِفُهُ (قَوْلُهُ عَمَلًا بِزَعْمِهِمَا) ؛ لِأَنَّهُمَا زَعَمَا عَفْوَ الثَّالِثِ وَبِعَفْوِ الْبَعْضِ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ (قَوْلُهُ وَهِيَ رُبَاعِيَّةٌ) أَيْ أَوْجُهُهَا أَرْبَعَةٌ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا ثُلُثَا الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُمَا صَارَ مَالًا دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَالثَّانِي إنْ كَذَّبَهُمَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ مَتْنًا وَشَرْحًا وَالصَّوَابُ كَذَّبَاهُمَا (قَوْلُهُ فَلَا شَيْءَ لِلْمُخْبِرَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُمَا بِإِخْبَارِهِمَا أَسْقَطَا حَقَّهُمَا فِي الْقِصَاصِ، فَانْقَلَبَ مَالًا وَلَا مَالَ لَهُمَا لِتَكْذِيبِ الْقَاتِلِ وَالشَّرِيكِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَلِأَخِيهِمَا ثُلُثُ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُمَا الْعَفْوَ وَهُوَ يُنْكِرُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْعَفْوِ مِنْهُمَا فِي حَقٍّ فَيَنْقَلِبُ نَصِيبُهُ مَالًا ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلَهُ وَحْدَهُ) أَيْ دُونَ الْأَخِ الشَّرِيكِ (قَوْلُهُ فَلِكُلٍّ مِنْهُمْ ثُلُثُهَا) ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ لَمَّا صَدَّقَهُمَا أَقَرَّ لَهُمَا بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ، فَلَزِمَ وَادَّعَى بُطْلَانَ حَقِّ الثَّالِثِ بِالْعَفْوِ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ فَتَحَوَّلَ مَالًا فَيَدْفَعُهُ إلَيْهِ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ إنْ صَدَّقَهُمَا الْأَخُ فَقَطْ) أَيْ وَكَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ إلَخْ) أَيْ فَلَا يُقَالُ إنَّهُ قَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْئًا إقْرَارُهُ لَهُ بِالْعَفْوِ فَكَيْفَ يَجِبُ لَهُ الثُّلُثُ (قَوْلُهُ فَوَجَبَ لَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ) وَسَقَطَ الثُّلُثَانِ لِتَكْذِيبِ الْقَاتِلِ إيَّاهُمَا وَلَا يَتَأَتَّى الْقِصَاصُ مَعَ إقْرَارِ الثَّالِثِ بِعَفْوِهِ ط (قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ يُصْرَفُ ذَلِكَ إلَى الْمُخْبِرَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْأَخَ زَعَمَ الْعَفْوَ بِتَصْدِيقِهِ الْمُخْبِرَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ، وَإِنَّمَا عَلَى الْقَاتِلِ ثُلُثَا الدِّيَةِ لَهُمَا، وَمَا فِي يَدِهِ مَالُ الْقَاتِلِ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمَا، فَيُصْرَفُ إلَيْهِمَا، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 569 وَهُوَ الْأَصَحُّ زَيْلَعِيٌّ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِرًّا لَهُمَا بِمَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ الْقَاتِلُ (وَإِنْ شَهِدَ أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِشَيْءٍ جَارِحٍ فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبُ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ يُقْتَصُّ) لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً وَلَا يَحْتَاجُ الشَّاهِدُ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ مَاتَ مِنْ جِرَاحَتِهِ بَزَّازِيَّةٌ (وَإِنْ اخْتَلَفَ شَاهِدَا قَتْلٍ فِي زَمَانٍ أَوْ فِي الْمَكَانِ أَوْ فِي آلَتِهِ أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِعَصًا وَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ أَدْرِ بِمَاذَا قَتَلَهُ أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الْقَاتِلِ بِهِ بَطَلَتْ) ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَكَرَّرُ   [رد المحتار] وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمَا ادَّعَيَا الْمَالَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَالْقَاتِلُ مُنْكِرٌ فَلَمْ يَثْبُتْ وَمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاتِلُ لِلْأَخِ قَدْ بَطَلَ بِإِقْرَارِ الْأَخِ بِالْعَفْوِ لِكَوْنِهِ تَكْذِيبًا لِلْقَاتِلِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَاتِلَ بِتَكْذِيبِهِ أَقَرَّ لِلْأَخِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ لِزَعْمِهِ أَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ بِإِخْبَارِهِمَا بِالْعَفْوِ كَابْتِدَاءِ الْعَفْوِ مِنْهُمَا وَالْمُقَرُّ لَهُ مَا كَذَّبَ الْقَاتِلَ حَقِيقَةً، بَلْ أَضَافَ الْوُجُوبَ إلَى غَيْرِهِ، وَفِي مِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ الْإِقْرَارُ كَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةٌ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَيْسَ لِي وَلَكِنَّهَا لِفُلَانٍ، فَالْمَالُ لِلْمُقَرِّ لَهُ الثَّانِي كَذَا هُنَا دُرَرٌ مُوَضِّحًا (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ زَيْلَعِيٌّ) عِبَارَتُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَانَ هَذَا الثُّلُثُ لِلشَّاهِدَيْنِ، لَا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ إلَخْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ كَوْنُهُ لِلْأَخِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ يُقْتَصُّ) لَا يُقَالُ الضَّرْبُ بِسِلَاحٍ قَدْ يَكُونُ خَطَأً فَكَيْفَ يَجِبُ الْقَوَدُ. لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا شَهِدُوا بِالضَّرْبِ بِالسِّلَاحِ ثَبَتَ الْعَمْدُ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خَطَأً لَقَالُوا إنَّهُ قَصَدَ غَيْرَهُ فَأَصَابَهُ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْأَلَ الشُّهُودُ أَنَّهُ مَاتَ بِذَلِكَ أَمْ لَا وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ ضُرِبَ بِالسَّيْفِ حَتَّى مَاتَ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا الْعَمْدَ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ بِالْقَلْبِ، وَهُوَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يُعْرَفُ بِدَلِيلِهِ وَهُوَ الضَّرْبُ بِآلَةٍ قَاتِلَةٍ عَادَةً وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا، وَأَنَّهُ مَاتَ فَهُوَ أَحْوَطُ اهـ أَتْقَانِيٌّ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَوَّلُ الْجِنَايَاتِ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْقَتْلِ بِالْآلَةِ الْجَارِحَةِ بِالْبَيِّنَةِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاتِلِ لَمْ أَقْصِدْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ وَقَالَ أَرَدْت غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ جِهَتِهِ مُطْلَقًا عَنْ قَيْدِ الْعَمْدِيَّةِ وَالْخَطَئِيَّةِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَيُحْمَلُ عَلَى الْأَدْنَى. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَفِي الْمُجَرَّدِ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا بِحَدِيدَةٍ أَوْ سَيْفٍ، ثُمَّ قَالَ أَرَدْت غَيْرَهُ فَقَتَلْته لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ وَيُقْتَلُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ ضَرَبْت فُلَانًا بِالسَّيْفِ فَقَتَلْته، قَالَ هَذَا خَطَأٌ حَتَّى يَقُولَ عَمْدًا اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ إنَّمَا تَظْهَرُ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا يَحْتَاجُ الشَّاهِدُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ مَتَى وُجِدَ عَقِيبَ سَبَبٍ صَالِحٍ يُضَافُ إلَيْهِ لَا إلَى شَيْءٍ آخَرَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الظَّاهِرِ سَبَبٌ آخَرُ، وَإِنْ احْتَمَلَ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ خِلَافِ الظَّاهِرِ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْأَحْكَامِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ فِي الْمَكَانِ) أَيْ الْمُتَبَاعِدِ فَإِنْ كَانَ مُتَقَارِبًا كَبَيْتٍ شَهِدَ أَحَدُهُمَا إنِّي رَأَيْته قَتَلَهُ فِي هَذَا الْجَانِبِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ إنِّي رَأَيْته قَتَلَهُ فِي هَذَا الْجَانِبِ فَتُقْبَلُ وَلْوَالِجِيَّةٌ (قَوْلُهُ أَوْ فِي آلَتِهِ) بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِعَصًا وَالْآخَرُ قَتَلَهُ بِالسَّيْفِ. قَالَ فِي الْخِزَانَةِ: وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ وَالْآخَرُ بِالسِّكِّينِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ كَانَتْ الشَّهَادَتَانِ بِإِقْرَارِهِ جَازَ اهـ وَمِنْهُ يَظْهَرُ أَنَّ وَجْهَ بُطْلَانِ الشَّهَادَةِ مُجَرَّدُ الِاخْتِلَافِ لَا كَوْنُ مُوجِبِ شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا الْعَمْدَ وَالْآخَرِ الْخَطَأَ عَزْمِيَّةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَكَرَّرُ) هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ الْآلَةِ، فَإِنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَحَدَ الشَّاهِدَيْنِ شَهِدَ فِيهِ بِقَتْلٍ، وَالْآخَرُ بِآخَرَ وَيَلْزَمُ مِنْهُ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ. وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ فَالْعِلَّةُ أَنَّ أَحَدَهُمَا شَهِدَ بِشِبْهِ الْعَمْدِ، وَالْآخَرُ بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ يَحْتَمِلُ الْعَمْدَ، وَشِبْهُ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فَلَمْ يَثْبُتْ اتِّفَاقُهُمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، وَكَذَا فِي الْخَامِسَةِ لِشَهَادَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْفِعْلِ وَالْآخَرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 570 (وَكَذَا) تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ (لَوْ كَمَّلَ النِّصَابَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِتَيَقُّنِ الْقَاضِي بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ وَلَا أَوْلَوِيَّةَ (وَلَوْ كَمَّلَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ دُونَ الْآخَرِ قَبْلَ الْكَامِلِ مِنْهُمَا) لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ (وَلَوْ شَهِدَا) بِقَتْلِهِ (وَقَالَا جَهِلْنَا آلَتَهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ) فِي ثَلَاثِ سِنِينَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ اسْتِحْسَانًا حَمْلًا عَلَى الْأَدْنَى وَهُوَ الدِّيَةُ وَكَانَتْ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْفِعْلِ الْعَمْدُ (وَإِنْ أَقَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الرَّجُلَيْنِ (أَنَّهُ قَتَلَهُ وَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا لَهُ قَتْلُهُمَا) عَمَلًا بِإِقْرَارِهِمَا (وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْإِقْرَارِ) وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا (شَهَادَةٌ لَغَتْ) الشَّهَادَتَانِ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ تَفْسِيقٌ وَفِسْقُ الشَّاهِدِ يُبْطِلُ شَهَادَتَهُ أَمَّا فِسْقُ الْمُقِرِّ لَا يُبْطِلُ الْإِقْرَارَ (وَلَوْ قَالَ) الْوَلِيُّ (فِي) صُورَةِ (الْإِقْرَارِ) السَّابِقَةِ صَدَّقْتُمَا (لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا) لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ بِانْفِرَادِ كُلٍّ بِقَتْلِهِ وَحْدَهُ إقْرَارٌ بِأَنَّ الْآخَرَ لَمْ يَقْتُلْهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ قَتَلْتُمَاهُ، لِأَنَّهُ دَعْوَى الْقَتْلِ بِلَا تَصْدِيقٍ فَيَقْتُلُهُمَا بِإِقْرَارِهِمَا زَيْلَعِيٌّ (وَلَوْ أَقَرَّ) رَجُلٌ (بِأَنَّهُ قَتَلَهُ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلَهُ كِلَاهُمَا كَانَ لَهُ) لِلْوَلِيِّ (قَتْلُ الْمُقِرِّ دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ) لِأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبًا لِبَعْضِ مُوجِبِهِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِأَحَدِ الْمُقِرِّينَ صَدَقْت أَنْتَ قَتَلْته وَحْدَك كَانَ لَهُ قَتْلُهُ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى وُجُوبِ الْقَتْلِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ (كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِأَحَدِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا) كَانَ لَهُ قَتْلُهُ لِعَدَمِ تَكْذِيبِهِ شُهُودَهُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كَذَّبَ الْآخَرِينَ وَكَذَا حُكْمُ الْخَطَأِ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِقَتْلِهِ خَطَأً وَحَكَمَ بِالدِّيَةِ) عَلَى الْعَاقِلَةِ (فَجَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا   [رد المحتار] عَلَى الْقَوْلِ فَلَوْ قَالَ لِاخْتِلَافِ الْمَشْهُودِ بِهِ لَشَمَلَ الْكُلَّ (قَوْلُهُ وَكَذَا تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ بُطْلَانُهَا فِي الصُّوَرِ الْخَمْسِ مَعَ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَقَطْ، وَبِهِ تَظْهَرُ الْعِلَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ شَهِدَ بِقَتْلٍ آخَرَ، وَالْقَتْلُ لَا يَتَكَرَّرُ فَيُتَيَقَّنُ بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، أَمَّا فِي الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ فَلَا يَظْهَرُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَلَا أَوْلَوِيَّةَ) أَيْ لَيْسَ إحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ الْأُخْرَى، وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا إذَا تَعَارَضَتَا قَبْلَ الْحُكْمِ بِإِحْدَاهُمَا وَإِلَّا فَلَا تُسْمَعُ الثَّانِيَةُ تَأَمَّلْ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَيِّنَتَيْنِ مُتَعَارِضَتَيْنِ إذَا سَبَقَ الْحُكْمُ بِإِحْدَاهُمَا لَغَتْ الْأُخْرَى (قَوْلُهُ وَلَوْ كَمَّلَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ) أَيْ تَمَّ نِصَابُ الشَّهَادَةِ فِي جَانِبٍ دُونَ آخَرَ (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ فَجَهِلَ الْمَشْهُودُ بِهِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ حَمْلًا عَلَى الْأَدْنَى) ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ وَالْمُطْلَقُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ، فَيَجِبُ أَقَلُّ مُوجِبَيْهِ وَهُوَ الدِّيَةُ وَلَا يُحْتَمَلُ قَوْلُهُمَا لَا نَدْرِي عَلَى الْغَفْلَةِ، بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمَا سَعَيَا لِلدَّرْءِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ فِي الْعُقُوبَاتِ إحْسَانًا لِلظَّنِّ بِهِمَا عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ لَغَتْ) إلَّا إذَا صَدَّقَ الْوَلِيُّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ كَمَا يَأْتِي ط أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِأَحَدِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا أَيْ قَالَ لَهُ أَنْتَ قَتَلْته. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ تَفْسِيقٌ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ قَتَلْتُمَاهُ تَكْذِيبٌ لِلشُّهُودِ فِي بَعْضِ الْمَشْهُودِ بِهِ، حَيْثُ ادَّعَى اشْتِرَاكَهُمَا فِي الْقَتْلِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِقَتْلِهِ، بَلْ شَارَكَهُ آخَرُ وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ التَّكْذِيبِ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِادِّعَائِهِ فِسْقَهُمْ بِهِ دُونَ الْإِقْرَارِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا) وَلَيْسَ لَهُ دِيَةٌ أَيْضًا لِمَا ذَكَرَهُ اهـ ط (قَوْلُهُ إقْرَارٌ بِأَنَّ الْآخَرَ لَمْ يَقْتُلْهُ) فَكَانَ مُكَذِّبًا لَهُمَا فِي إخْبَارِهِمَا بِالْقَتْلِ ط (قَوْلُهُ بِلَا تَصْدِيقٍ) أَيْ فِي الِانْفِرَادِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَقَرَّ بِانْفِرَادِهِ بِكُلِّ الْقَتْلِ وَبِالْقِصَاصِ عَلَيْهِ، وَالْمُقَرُّ لَهُ صَدَّقَهُ فِي وُجُوبِ الْقَتْلِ عَلَيْهِ أَيْضًا لَكِنَّهُ كَذَّبَهُ فِي انْفِرَادِهِ بِالْقَتْلِ وَتَكْذِيبُ الْمُقِرِّ فِي بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ لَا يَضُرُّ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ إلَخْ) صُورَتُهُ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى رَجُلَيْنِ بِالْقَتْلِ وَجَاءَ بِبَيِّنَةٍ فَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَأَقَرَّ الْآخَرُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ قَتَلَهُ كِلَاهُمَا (قَوْلُهُ لِبَعْضِ مُوجِبِهِ) أَيْ مُوجِبِ مَا شَهِدَا بِهِ؛ لِأَنَّهُمَا أَثْبَتَا انْفِرَادَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ، وَالْمُدَّعِي يَقُولُ لَا بَلْ قَتَلَهُ هُوَ وَالْآخَرُ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّ التَّكْذِيبَ تَفْسِيقٌ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ) أَيْ أَنْتَ قَتَلْته وَحْدَك (قَوْلُهُ شَهِدَا عَلَى رَجُلَيْنِ بِقَتْلِهِ خَطَأً) أَيْ بِأَنَّهُ قَتَلَ آخَرَ خَطَأً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 571 ضُمِّنَ الْعَاقِلَةَ الْوَلِيُّ) لِقَبْضِهِ الدِّيَةَ بِلَا حَقٍّ (أَوْ الشُّهُودُ وَرَجَعُوا) أَيْ الشُّهُودُ (عَلَيْهِ) عَلَى الْوَلِيِّ لِتَمَلُّكِهِمْ الْمَضْمُونَ الَّذِي فِي يَدِ الْوَلِيِّ (وَ) الشَّهَادَةُ عَلَى الْقَتْلِ (الْعَمْدِ) فِي هَذَا الْحُكْمِ (كَالْخَطَأِ) فَإِذَا جَاءَ حَيًّا يُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ بَيْنَ تَضْمِينِ الْوَلِيِّ الدِّيَةَ أَوْ الشُّهُودِ (إلَّا فِي الرُّجُوعِ) فَلَا رُجُوعَ لِلشُّهُودِ عَلَى الْوَلِيِّ لِأَنَّهُمْ أَوْجَبُوا لَهُ الْقَوَدَ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَقَالَا يَرْجِعُونَ كَالْخَطَأِ (وَلَوْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِهِ) أَيْ إقْرَارِ الْقَاتِلِ بِالْخَطَأِ أَوْ الْعَمْدِ ثُمَّ جَاءَ حَيًّا (أَوْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمَا فِي الْخَطَإِ) وَقَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ ثُمَّ جَاءَ حَيًّا (لَمْ يَضْمَنَا) إذْ لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُمَا فِي شَهَادَتِهِمَا (وَضَمِنَ الْوَلِيُّ الدِّيَةَ) فِي الصُّورَتَيْنِ (لِلْعَاقِلَةِ) إذْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ (وَالْمُعْتَبَرُ حَالَةُ الرَّمْيِ) فِي حَقِّ الْحِلِّ وَالضَّمَانِ (لَا الْوُصُولِ) وَحِينَئِذٍ (فَتَجِبُ الدِّيَةُ) فِي مَالِهِ وَسَقَطَ الْقَوَدُ لِلشُّبْهَةِ (بِرِدَّةِ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ قَبْلَ الْوُصُولِ) وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (لَا) تَجِبُ دِيَةُ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ (بِإِسْلَامِهِ) بِالْإِجْمَاعِ (وَ) تَجِبُ (الْقِيمَةُ بِعِتْقِهِ) بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ (وَ) يَجِبُ (الْجَزَاءُ عَلَى مُحْرِمٍ رَمَى صَيْدًا فَحَلَّ) فَوَصَلَ لَا عَلَى حَلَالٍ رَمَاهُ فَأَحْرَمَ   [رد المحتار] وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ: وَالْمُعْتَبَرُ حَالَةُ الرَّمْيِ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الدُّرَرِ وَأَصْلُهَا مَذْكُورٌ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ ضُمِّنَ الْعَاقِلَةَ الْوَلِيُّ) وَلَا يَرْجِعُ الْوَلِيُّ عَلَى أَحَدٍ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ أَوْ الشُّهُودُ) ؛ لِأَنَّ الْمَالَ تَلِفَ بِشَهَادَتِهِمْ دُرَرٌ (قَوْلُهُ لِتَمَلُّكِهِمْ الْمَضْمُونَ إلَخْ) عِبَارَةُ الدُّرَرِ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا الْمَضْمُونَ وَهُوَ مَا فِي يَدِ الْوَلِيِّ كَالْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ (قَوْلُهُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْقَتْلِ الْعَمْدِ إلَخْ) أَيْ إذَا شَهِدُوا بِالْقَتْلِ عَمْدًا وَاقْتُصَّ مِنْ الْقَاتِلِ، ثُمَّ جَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا لَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّ وَرَثَةَ الْقَاتِلِ بِالْخِيَارِ فَإِنْ ضَمَّنُوا الْوَلِيَّ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ ضَمَّنُوا الشُّهُودَ لَا يَرْجِعُونَ بِذَلِكَ عَلَى الْوَلِيِّ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُونَ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ أَيْ إقْرَارِ الْقَاتِلِ بِالْخَطَأِ أَوْ الْعَمْدِ) أَيْ وَقَضَى عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ فِي صُورَةِ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْإِقْرَارَ، وَالْقِصَاصَ فِي صُورَةِ الْعَمْدِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فِي الْخَطَأِ) قُيِّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا تُقْبَلُ فِي الْقَوَدِ كَالْحَدِّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ ثُمَّ جَاءَ) أَيْ الْمَشْهُودُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِقَتْلِهِ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُمَا) ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدُوا بِقَتْلِهِ بَلْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ الْقَاتِلِ بِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَقَرَّ كَاذِبًا وَفِي الثَّانِيَةِ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ لَا عَلَى نَفْسِ الْقَتْلِ (قَوْلُهُ وَضَمِنَ الْوَلِيُّ الدِّيَةَ فِي الصُّورَتَيْنِ) أَيْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِهِ وَفِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فَيَرُدُّ الْوَلِيُّ مَا قَبَضَهُ، لَكِنْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ عَمْدًا لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ مُوجِبَهَا الْقَوَدُ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا اقْتَصَّ مِنْ الْمُقِرِّ يَضْمَنُ دِيَتَهُ لِأَوْلِيَائِهِ لِظُهُورِ أَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْقِصَاصِ بَعْدَ مَجِيءِ الْمُقْتَصِّ لِأَجْلِهِ حَيًّا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِلْعَاقِلَةِ) كَذَا فِي الدُّرَرِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ إقْرَارًا وَلَا عَمْدًا بَلْ ضَمَانُهُ لِلْعَاقِلَةِ مَقْصُورٌ عَلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ قَضَى بِهَا عَلَيْهِمْ كَمَا مَرَّ وَعِبَارَةُ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْجَامِعِ لَا غُبَارَ عَلَيْهَا، حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي الْخَطَإِ أَوْ فِي الْعَمْدِ عَلَى إقْرَارِ الْقَاتِلِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الشُّهُودِ، وَإِنَّمَا الضَّمَانُ عَلَى الْوَلِيِّ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا، وَكَذَا لَوْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عَلَى قَتْلِ الْخَطَإِ وَقَضَى الْقَاضِي بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا لَا ضَمَانَ عَلَى الْفُرُوعِ وَلَكِنْ يَرُدُّ الْوَلِيُّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ اهـ وَأَرَادَ بِبَاقِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِقَتْلِهِ جَاءَ حَيًّا (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ حَالَةُ الرَّمْيِ) ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ الرَّمْيُ إذْ لَا فِعْلَ مِنْهُ بَعْدَهُ فَتُعْتَبَرُ حَالَةُ الرَّمْيِ وَالْمَرْمِيُّ إلَيْهِ فِيهَا مُتَقَوِّمٌ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْحِلِّ وَالضَّمَانِ) أَرَادَ بِالْحِلِّ الْخُرُوجَ عَنْ إحْرَامِ الْحَجِّ كَمَا تَجِيءُ مَسْأَلَتُهُ عَزْمِيَّةٌ. (قَوْلُهُ لِلشُّبْهَةِ) أَيْ شُبْهَةِ سُقُوطِ الْعِصْمَةِ حَالَ الْوُصُولِ (قَوْلُهُ بِرِدَّةِ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ) أَيْ فِيمَا إذَا رَمَى مُسْلِمًا فَارْتَدَّ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ وَقَعَ بِهِ السَّهْمُ (قَوْلُهُ وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي مَحَلٍّ لَا عِصْمَةَ لَهُ مِنَحٌ (قَوْلُهُ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ بِعِتْقِهِ إلَخْ) وَالْقِيَاسُ الْقِصَاصُ لَكِنْ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ لِلْمَوْلَى لَوْ اُعْتُبِرَ الرَّمْيُ، وَلِلْعَبْدِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِهِ لَوْ اُعْتُبِرَ الْوُصُولُ، فَأَوْرَثَ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْقِصَاصِ شَرْحُ الْمَجْمَعِ لِمُصَنِّفِهِ، فَتَقْيِيدُ الْقُهُسْتَانِيِّ الْقَتْلَ هُنَا بِالْخَطَأِ مَحَلُّ نَظَرٍ أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 572 فَوَصَلَ وَلَا يَضْمَنُ مَنْ رَمَى مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِرَجْمٍ فَرَجَعَ شَاهِدُهُ فَوَصَلَ وَحَلَّ صَيْدٌ رَمَاهُ مُسْلِمٌ فَتَمَجَّسَ فَوَصَلَ لَا يَحِلُّ (مَا رَمَاهُ مَجُوسِيٌّ فَأَسْلَمَ فَوَصَلَ) لِمَا عَرَفْت أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الرَّمْيِ. [لُغْزٌ] أَيْ جَانٍ لَوْ مَاتَ مَجْنِيُّهُ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَوْ عَاشَ فَالدِّيَةُ؟ فَقُلْ خَتَّانٌ قَطَعَ الْحَشَفَةَ بِإِذْنِ أَبِيهِ. أَيُّ إنْسَانٍ بِقَطْعِ أُذُنِهِ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَبِقَطْعِ رَأْسِهِ نِصْفُ عُشْرِهَا؟ فَقُلْ جَنِينٌ خَرَجَ رَأْسُهُ فَقَطَعَهُ فَفِيهِ الْغُرَّةُ. أَيُّ شَيْءٌ يَجِبُ بِإِتْلَافِهِ دِيَةٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا؟ فَقُلْ دِيَةٌ لِأَسْنَانِهِ أَشْبَاهٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. كِتَابُ الدِّيَاتِ الدِّيَةُ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِلْمَالِ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ لِلنَّفْسِ لَا تَسْمِيَةَ لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ، لِأَنَّهُ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ الشَّرْعِيَّةِ. وَالْأَرْشُ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ (دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَاعًا مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ وَبِنْتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٍ إلَى جَذَعَةٍ) بِإِدْخَالِ الْغَايَةِ (وَهِيَ) الدِّيَةُ (الْمُغَلَّظَةُ لَا غَيْرُ وَ) الدِّيَةُ (فِي الْخَطَإِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ فَوَصَلَ) أَيْ السَّهْمُ الْمَرْمِيُّ (قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ حَالَ الرَّمْيِ مُبَاحُ الدَّمِ، وَإِنَّمَا الضَّمَانُ عَلَى الرَّاجِعِ، فَيَضْمَنُ الرُّبُعَ لَوْ وَاحِدًا وَلَوْ كُلُّهُمْ فَكُلَّ الدِّيَةِ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ فَرَجَعَ شَاهِدُهُ) الْإِضَافَةُ لِلْجِنْسِ؛ لِأَنَّهَا تَأْتِي لِمَا تَأْتِي لَهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فَيَشْمَلُ رُجُوعَ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَوْ الْكُلِّ (قَوْلُهُ أَيُّ جَانٍ إلَخْ) يَأْتِي بَيَانُهُ قُبَيْلَ الْقَسَامَةِ (قَوْلُهُ بِإِذْنِ أَبِيهِ) مُتَعَلِّقٌ بِخِتَانٍ لَا بِقَطْعٍ، إذْ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ فِي قَطْعِ الْحَشَفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ رَحْمَتِيٌّ. (قَوْلُهُ جَنِينٌ خَرَجَ رَأْسُهُ) أَيْ فَقَطَعَهُ كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، فَفِيهِ الْغُرَّةُ أَيْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَعِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ: خَرَجَ رَأْسُهُ فَقَطَعَ أُذُنَهُ وَلَمْ يَمُتْ فَفِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِنْ قُطِعَ رَأْسُهُ فَفِيهِ الْغُرَّةُ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ إذَا اسْتَهَلَّ وَلَمْ يَخْرُجْ نِصْفُهُ مَعَ الرَّأْسِ أَوْ الْأَكْثَرُ مَعَ الْقَدَمَيْنِ، فَإِنْ اسْتَهَلَّ وَخَرَجَ مِنْهُ ذَلِكَ فَفِيهِ الْقَوَدُ فِي الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْجِنَايَاتِ عَنْ الْمُجْتَبَى والتتارخانية (قَوْلُهُ فَقُلْ دِيَةُ الْأَسْنَانِ) سَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا وَهَذَا مِنْ لِطَافَاتِهِ حَيْثُ يَدْخُلُ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ بِمَسْأَلَةٍ تُنَاسِبُهُ غَالِبًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الدِّيَاتِ] ِ قَدَّمَ الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَصِيَانَةُ الْحَيَاةِ وَالْأَنْفُسِ فِيهِ أَقْوَى وَالدِّيَةُ كَالْخَلَفِ لَهُ، وَلِهَذَا تَجِبُ بِالْعَوَارِضِ كَالْخَطَأِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ الدِّيَةُ فِي الشَّرْعِ إلَخْ) وَفِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ وَدَى الْقَاتِلُ الْمَقْتُولَ إذَا أَعْطَى وَلِيَّهُ الْمَالَ الَّذِي هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ وَالتَّاءُ فِي آخِرِهَا عِوَضٌ عَنْ الْوَاوِ فِي أَوَّلِهَا كَالْعِدَّةِ (قَوْلُهُ الَّذِي هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ) زَادَ الْأَتْقَانِيُّ أَوْ الطَّرَفِ (قَوْلُهُ لَا تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ إلَخْ) كَذَا قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ رَادًّا عَلَى الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ مَجَازٌ فِي اللُّغَةِ حَقٌّ فِي الْعُرْفِ كَمَا قَالَ النَّحْوِيُّونَ فِي إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَلْفُوظِ، وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ الْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ الْحَقِيقِيِّ وَالْحَقَائِقُ لَا يُطْلَبُ لَهَا أَصْلٌ، وَبَيَانُ أَنَّهُ تَسْمِيَةٌ لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ يُؤْذِنُ بِبَيَانِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الْمَجَازِيِّ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْأَرْشُ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ) وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى بَدَلِ النَّفْسِ وَحُكُومَةُ الْعَدْلِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَرْبَاعًا) حَالٌ مِنْ مِائَةٍ أَوْ مِنْ الْإِبِلِ أَيْ مُقَسَّمَةً مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْأَنْوَاعِ الْآتِيَةِ رُبُعُ الْمِائَةِ (قَوْلُهُ مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ) هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَبِنْتِ لَبُونٍ فِي الثَّالِثَةِ وَالْحِقَّةِ فِي الرَّابِعَةِ وَالْجَذَعَةِ فِي الْخَامِسَةِ (قَوْلُهُ وَهِيَ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ لَا غَيْرُ) اعْلَمْ أَنَّ عِبَارَاتِ الْمُتُونِ هُنَا مُخْتَلِفَةُ الْمَفْهُومِ، فَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ وَالِاخْتِيَارِ وَالْكَنْزِ، وَالْمُلْتَقَى أَنَّ الدِّيَةَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ لَا تَكُونُ مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَيْضًا، وَعَلَيْهِ فَالتَّغْلِيظُ ظَاهِرٌ، لِعَدَمِ التَّخْيِيرِ وَظَاهِرُ الْوِقَايَةِ وَالْإِصْلَاحِ وَالْغُرَرِ وَغَيْرِهَا أَنَّهَا تَكُونُ مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي مَتْنِ الْقُدُورِيِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 573 أَخْمَاسٌ مِنْهَا وَمِنْ ابْنِ مَخَاضٍ أَوْ أَلْفِ دِينَارٍ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ عَشْرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ مِنْ الْوَرِقِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا وَقَالَا مِنْهَا وَمِنْ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ، وَمِنْ الْغَنَمِ أَلْفَا شَاةٍ وَمِنْ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةٍ كُلُّ حُلَّةٍ ثَوْبَانِ إزَارٌ وَرِدَاءٌ هُوَ الْمُخْتَارُ (وَكَفَّارَتُهُمَا) أَيْ الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ (عِتْقُ قِنٍّ مُؤْمِنٍ فَإِنْ عُجِزَ عَنْهُ صَامَ شَهْرَيْنِ وَلَاءً وَلَا إطْعَامَ فِيهِمَا) إذْ لَمْ يَرِدْ بِهِ النَّصَّ وَالْمَقَادِيرَ تَوْقِيفِيَّةٌ (وَصَحَّ) إعْتَاقُ (رَضِيعِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ) ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا (لَا الْجَنِينُ وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِي دِيَةِ النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا (وَالذِّمِّيُّ وَالْمُسْتَأْمَنُ وَالْمُسْلِمُ) فِي الدِّيَةِ (سَوَاءٌ)   [رد المحتار] حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَثْبُتُ التَّغْلِيظُ إلَّا فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً فَإِنْ قَضَى مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ لَمْ تَتَغَلَّظْ اهـ وَعَلَيْهِ فَمَعْنَى التَّغْلِيظِ فِيهَا: أَنَّهَا إذَا دُفِعَتْ مِنْ الْإِبِلِ تُدْفَعُ أَرْبَاعًا، بِخِلَافِ دِيَةِ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ أَخْمَاسٌ، وَفِي الْمَجْمَعِ: تَتَغَلَّظُ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ فِي الْإِبِلِ قَالَ شَارِحُهُ: حَتَّى لَوْ قَضَى بِالدِّيَةِ مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ لَمْ تُغَلَّظْ، وَكَذَا فِي دُرَرِ الْبِحَارِ وَشَرْحِهِ غُرَرِ الْأَفْكَارِ وَفِي جِنَايَاتِ غَايَةِ الْبَيَانِ، وَتُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ فِي الْإِبِلِ إذَا فُرِضَتْ الدِّيَةُ فِيهَا فَأَمَّا غَيْرُ الْإِبِلِ فَلَا يُغَلَّظُ فِيهَا وَفِي الْجَوْهَرَةِ حَتَّى أَنَّهُ لَا يُزَادُ فِي الْفِضَّةِ عَلَى عَشْرَةِ آلَافٍ وَلَا فِي الذَّهَبِ عَلَى أَلْفِ دِينَارِ. وَفِي دُرَرِ الْبِحَارِ: اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ مِنْ الذَّهَبِ فِي الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ أَلْفُ دِينَارٍ، فَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ دِيَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ لَا تَخْتَصُّ بِالْإِبِلِ. قَالَ ط: وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَوَّلَ الْكِتَابِ أَنَّ الدِّيَةَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ الْإِبِلِ مُغَلَّظَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ يُؤْخَذُ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثُ الْمِائَةِ مِنْ الْإِبِلِ وَرَجَّحَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْإِبِلِ، لَمْ يَكُنْ لِلتَّغْلِيظِ فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَارُ الْأَخَفَّ فَتَفُوتُ حِكْمَةُ التَّغْلِيظِ اهـ. أَقُولُ: مَا نَقَلَهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ لَمْ أَرَهُ فِي نُسْخَتِي فَلْيُرَاجَعْ وَعَلَى ثُبُوتِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ أَخْمَاسٌ مِنْهَا وَمِنْ ابْنِ مَخَاضٍ) أَيْ تُؤْخَذُ الْمِائَةُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَارَّةِ وَمِنْ ابْنِ مَخَاصٍ أَخْمَاسًا مِنْ كُلِّ نَوْعٍ عِشْرُونَ (قَوْلُهُ وَقَالَا مِنْهَا) أَيْ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَاضِيَةِ: وَهِيَ الْإِبِلُ وَالدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وَمِنْ الْبَقَرِ إلَخْ، فَتَجُوزُ عِنْدَهُمَا مِنْ سِتَّةِ أَنْوَاعٍ وَعِنْدَ الْإِمَامِ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَقَطْ. قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: يُؤْخَذُ الْبَقَرُ مِنْ أَهْلِ الْبَقَرِ وَالْحُلَلُ مِنْ أَهْلِهَا وَكَذَا الْغَنَمُ، وَقِيمَةُ كُلِّ بَقَرَةٍ أَوْ حُلَّةٍ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَقِيمَةُ كُلِّ شَاةٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ زَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَالشِّيَاهُ ثَنَايَا وَقِيلَ كَالضَّحَايَا وَعَنْ الْإِمَامِ كَقَوْلِهِمَا، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا وَجَازَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ صَالَحَ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الدِّيَةِ، قَدْ مَرَّ وَالصَّحِيحُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ، وَأَفَادَ أَنَّ كُلَّ الْأَنْوَاعِ أُصُولٌ وَعَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَأَنَّ التَّعَيُّنَ بِالرِّضَا أَوْ الْقَضَاءِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ وَقِيلَ لِلْقَاتِلِ ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ اهـ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ) أَيْ تَفْسِيرُ الْحُلَّةِ بِذَلِكَ وَقِيلَ فِي دِيَارِنَا قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ عِتْقُ قِنٍّ) أَيْ كَامِلٍ فَيَكْفِي الْأَعْوَرُ لَا الْأَعْمَى دُرٌّ مُنْتَقَى (قَوْلُهُ مُؤْمِنٍ) بِخِلَافِ سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ، لِوُرُودِ النَّصِّ بِهِ، وَالنَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ فِي الْخَطَأِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ شِبْهُ الْعَمْدِ فِيهِ مَعْنَى الْخَطَأِ ثَبَتَ فِيهِ حُكْمُ الْخَطَأِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ) أَيْ وَقْتَ الْأَدَاءِ لَا الْوُجُوبِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَاءً) أَيْ مُتَتَابِعَيْنِ (قَوْلُهُ وَلَا إطْعَامَ فِيهِمَا) بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْكَفَّارَاتِ (قَوْلُهُ وَصَحَّ إعْتَاقُ رَضِيعٍ) أَيْ إنْ عَاشَ بَعْدَهُ حَتَّى ظَهَرَتْ سَلَامَةُ أَعْضَائِهِ وَأَطْرَافِهِ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَتَأَدَّ بِهِ الْكَفَّارَةُ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا الْجَنِينُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُعْرَفْ حَيَاتُهُ، وَلَا سَلَامَتُهُ، وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ النَّصِّ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ إلَخْ) فَفِي قَتْلِ الْمَرْأَةِ خَطَأً خَمْسَةُ آلَافٍ، وَفِي قَطْعِ يَدِهَا أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ، وَهَذَا فِيمَا فِيهِ دِيَةٌ مُقَدَّرَةٌ، وَأَمَّا فِيمَا فِيهِ الْحُكُومَةُ فَقِيلَ كَالْمُقَدَّرَةِ، وَقِيلَ يُسَوَّى بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَا يَرِدُ جَنِينٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 574 خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. وَصَحَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ: أَنَّهُ لَا دِيَةَ فِي الْمُسْتَأْمَنِ وَأَقَرَّهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ لَكِنْ بِالتَّسْوِيَةِ جَزَمَ فِي الِاخْتِيَارِ وَصَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَفِي النَّفْسِ) خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ وَهُوَ قَوْلُهُ الْآتِي الدِّيَةُ (وَالْأَنْفِ) وَمَارِنِهِ وَأَرْنَبَتِهِ وَقِيلَ فِي أَرْنَبَتِهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ عَلَى الصَّحِيحِ (وَالذَّكَرُ وَالْحَشَفَةُ وَالْعَقْلُ   [رد المحتار] فِيهِ غُرَّةٌ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى، كَمَا يَأْتِي دُرٌّ مُنْتَقَى. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ شَرْحِ الطَّوَاوِيسِيِّ: مَا لَيْسَ لَهُ بَذْرٌ مُقَدَّرٌ يَسْتَوِي فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا. [تَنْبِيهٌ] فِي أَحْكَامِ الْخُنْثَى مِنْ الْأَشْبَاهِ لَا قِصَاصَ عَلَى قَاطِعِ يَدِهِ وَلَوْ عَمْدًا وَلَوْ كَانَ الْقَاطِعُ امْرَأَةً وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ إذَا قَطَعَ يَدَ غَيْرِهِ عَمْدًا، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ أَرْشُهَا، وَإِذَا قُتِلَ خَطَأً وَجَبَتْ دِيَةُ الْمَرْأَةِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي إلَى التَّبَيُّنِ، وَكَذَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ؛ وَيَصِحُّ إعْتَاقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) حَيْثُ قَالَ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَصُحِّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ نَاقِلًا عَنْ النِّهَايَةِ: وَلَا دِيَةَ لِلْمُسْتَأْمَنِ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الَّذِي فِي النِّهَايَةِ هُوَ التَّصْرِيحُ بِالتَّسْوِيَةِ فِي الدِّيَةِ وَالتَّفْرِقَةِ فِي الْقِصَاصِ اهـ. قُلْت: وَهَكَذَا رَأَيْت فِي النِّهَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ وَأَقَرَّهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ) غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَ تَصْحِيحَ الْجَوْهَرَةِ الْمَذْكُورَ وَنَقَلَ بَعْدَهُ مَا نَصُّهُ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْمُسْتَأْمَنُ دِيَتُهُ مِثْلُ دِيَةِ الذِّمِّيِّ فِي الصَّحِيحِ لِمَا رَوَيْنَا، فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ اهـ ط. أَقُولُ: وَاسْتَظْهَرَ الرَّمْلِيُّ مَا صَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَاخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ ثُبُوتِ مَا نَقَلَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ النِّهَايَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَفِي النَّفْسِ) فِي لِلسَّبَبِيَّةِ وَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِ النَّفْسِ لِعِلْمِ حُكْمِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ ط (قَوْلُهُ وَالْأَنْفِ إلَخْ) الْأَصْلُ فِي قَطْعِ طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِ الْآدَمِيِّ أَنَّهُ إنْ فَوَّتَ جِنْسَ مَنْفَعَةٍ عَلَى الْكَمَالِ أَوْ أَزَالَ جَمَالًا مَقْصُودًا عَلَى الْكَمَالِ فَفِيهِ كُلُّ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لِلنَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ لِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدِّيَةِ فِي اللِّسَانِ وَالْأَنْفِ فَقِسْنَا مَا فِي مَعْنَاهُ عَلَيْهِ أَتْقَانِيٌّ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا لَا ثَانِيَ بَدَلُهُ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِنْ الْأَعْضَاءِ أَوْ الْمَعَانِي الْمَقْصُودَةِ فِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَالْأَعْضَاءُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ أَفْرَادٌ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: الْأَنْفُ وَاللِّسَانُ وَالذَّكَرُ وَالْمَعَانِي الَّتِي هِيَ أَفْرَادٌ فِي الْبَدَنِ: الْعَقْلُ وَالنَّفْسُ وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ، وَأَمَّا الْأَعْضَاءُ الَّتِي هِيَ أَزْوَاجٌ: فَالْعَيْنَانِ وَالْأُذُنَانِ الشَّاخِصَتَانِ وَالْحَاجِبَانِ وَالشَّفَتَانِ وَالْيَدَانِ وَثَدْيَا الْمَرْأَةِ وَالْأُنْثَيَانِ وَالرِّجْلَانِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا وَاَلَّتِي هِيَ أَرْبَاعُ أَشْفَارِ الْعَيْنِ وَفِي كُلِّ شَفْرٍ رُبُعُ الدِّيَةِ وَاَلَّتِي هِيَ أَعْشَارٌ أَصَابِعُ الْيَدَيْنِ وَأَصَابِعُ الرِّجْلَيْنِ فَفِي الْعَشَرَةِ الدِّيَةُ وَفِي الْوَاحِدَةِ عُشْرُهَا وَاَلَّتِي تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ الْأَسْنَانُ وَفِي كُلٍّ مِنْهَا عُشْرُ الدِّيَةِ وَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَمَارِنِهِ) هُوَ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ وَأَرْنَبَتُهُ طَرَفُ الْأَنْفِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ، وَكَذَا الْمَنْفَعَةُ؛ لِأَنَّ الْمَارِنَ لِاشْتِمَامِ الرَّوَائِحِ فِي الْأَنْفِ لِتَعْلُوَ مِنْهُ إلَى الدِّمَاغِ، وَذَلِكَ يَفُوتُ بِقَطْعِ الْمَارِنِ وَلَوْ قَطَعَ الْمَارِنَ مَعَ الْقَصَبَةِ لَا يُزَادُ عَلَى دِيَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ وَاحِدٌ وَلَوْ قَطَعَ أَنْفَهُ فَذَهَبَ شَمُّهُ فَعَلَيْهِ دِيَتَانِ؛ لِأَنَّ الشَّمَّ فِي غَيْرِ الْأَنْفِ، فَلَا تَدْخُلُ دِيَةُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ كَالسَّمْعِ مَعَ الْأُذُنِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إلَخْ) حَكَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَجَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بِالْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَالذَّكَرِ وَالْحَشَفَةِ) ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِالذَّكَرِ مَنْفَعَةُ الْوَطْءِ وَالْإِيلَادِ وَاسْتِمْسَاكِ الْبَوْلِ وَالرَّمْيِ بِهِ وَدَفْعِ الْمَاءِ وَالْإِيلَاجِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الْأَعْلَاقِ عَادَةً، وَالْحَشَفَةُ أَصْلٌ فِي مَنْفَعَةِ الْإِيلَاجِ وَالدَّفْقِ وَالْقَصَبَةُ كَالتَّابِعِ لَهُ هِدَايَةٌ، وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ وُجُوبَ الْقِصَاصِ فِي قَطْعِ الْحَشَفَةِ عَمْدًا، وَفِي الذَّكَرِ خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَالْعَقْلِ) ؛ لِأَنَّ بِهِ نَفْعَ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ وَفِي الْخَيْرِيَّةِ سُئِلَ فِي رَجُلٍ طَرَحَ آخَرَ عَلَى الْأَرْضِ، وَضَرَبَهُ فَصَارَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 575 وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَاللِّسَانُ إنْ مَنَعَ النُّطْقَ) أَفَادَ أَنَّ فِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ حُكُومَةَ عَدْلٍ جَوْهَرَةٌ وَهَذَا سَاقِطٌ مِنْ نُسَخِ الشَّارِحِ فَتَنَبَّهْ (أَوْ مَنَعَ أَدَاءَ أَكْثَرِ الْحُرُوفِ) وَإِلَّا قُسِمَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَدَدِ حُرُوفِ الْهِجَاءِ الثَّمَانِيَةِ وَعِشْرِينَ أَوْ حُرُوفِ اللِّسَانِ السِّتَّةَ عَشَرَ تَصْحِيحَانِ فَمَا أَصَابَ الْغَائِبَ يَلْزَمُهُ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا (وَلِحْيَةٌ حُلِقَتْ   [رد المحتار] يُصْرَعُ فَمَاذَا عَلَيْهِ أَجَابَ: إنْ ثَبَتَ زَوَالُ عَقْلِهِ بِمَا ذُكِرَ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَإِنْ زَالَ بَعْضُهُ فَبِقَدْرِهِ إنْ انْضَبَطَ بِزَمَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِلَّا فَحُكُومَةُ عَدْلٍ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يُقَدِّرَهَا بِاجْتِهَادِهِ وَهَذَا قُلْته تَفَقُّهًا أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ، وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ الْإِصْرَاعَ ضَرْبٌ مِنْ الْجُنُونِ اهـ (قَوْلُهُ وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ) ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً وَقَدْ رُوِيَ: أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ ذَهَبَ بِهَا الْعَقْلُ وَالْكَلَامُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ هِدَايَةٌ، وَيُعْرَفُ تَلَفُهَا بِتَصْدِيقِ الْجَانِي أَوْ نُكُولِهِ أَوْ الْخِطَابِ مَعَ الْغَفْلَةِ وَتَقْرِيبِ الْكَرِيهِ وَإِطْعَامِ الشَّيْءِ الْمُرِّ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَفَادَ أَنَّ فِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ حُكُومَةَ عَدْلٍ) أَيْ إذَا لَمْ يَذْهَبْ بِهِ ذَوْقُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْكَلَامُ، وَلَا كَلَامَ فِيهِ فَصَارَ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَآلَةِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ وَالرِّجْلِ الْعَرْجَاءِ وَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ الْعَوْرَاءِ وَالسِّنِّ السَّوْدَاءِ اهـ مِعْرَاجٌ: أَيْ فَإِنَّ فِي الْكُلِّ حُكُومَةَ عَدْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ مَنْفَعَةً، وَلَا فَوَّتَ جَمَالًا عَلَى الْكَمَالِ عِنَايَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا ذَهَبَ بِهِ ذَوْقُهُ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ قَوْلُهُ إنْ مَنَعَ النُّطْقَ (قَوْلُهُ وَإِلَّا قُسِمَتْ الدِّيَةُ إلَخْ) أَيْ إنْ لَمْ يَمْنَعْ أَدَاءَ أَكْثَرِ الْحُرُوفِ بِأَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ قُسِمَتْ الدِّيَةُ إلَخْ لَكِنْ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ فَإِنْ تَكَلَّمَ بِالْأَكْثَرِ فَالْحُكُومَةُ، وَقِيلَ: يُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ فَمَا تَكَلَّمَ بِهِ مِنْهَا حُطَّ مِنْ الدِّيَةِ بِحِصَّتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ نِصْفًا أَوْ رُبُعًا أَوْ غَيْرَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ: عَلَى حُرُوفِ اللِّسَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ اهـ مُلَخَّصًا. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةٌ وَبِهَا صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ مَشَى فِي الْمُلْتَقَى وَالدُّرَرِ، وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالِاخْتِيَارِ، وَغُرَرِ الْأَفْكَارِ وَالْإِصْلَاحِ وَغَيْرِهَا، وَصَرَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ بِتَصْحِيحِ الْأَخِيرَيْنِ كالقهستاني، وَالْأَوَّلُ مُصَحَّحٌ أَيْضًا لِمَا عَلِمْته وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْأَخِيرَيْنِ تَفْسِيرٌ لِلْحُكُومَةِ الَّتِي أَوْجَبَهَا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا وَهُوَ حَسَنٌ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْمَفْهُومِ مِنْ كَلَامِهِمْ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ السِّتَّةَ عَشَرَ) وَهِيَ التَّاءُ وَالثَّاءُ وَالْجِيمُ وَالدَّالُ وَالذَّالُ وَالرَّاءُ وَالزَّايُ وَالسِّينُ وَالشِّينُ وَالصَّادُ وَالضَّادُ وَالطَّاءُ وَالظَّاءُ وَاللَّامُ وَالنُّونُ وَالْيَاءُ زَيْلَعِيٌّ، وَعَدَّهَا فِي الْجَوْهَرَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بِزِيَادَةِ الْقَافِ وَالْكَافِ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ قَوْلُ النُّحَاةِ وَالْقُرَّاءِ وَعَدَّهَا الْخَاصِّيُّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، لَكِنْ بِلَا حَصْرٍ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِكَافِ التَّشْبِيهِ اهـ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ) حَيْثُ أَفَادَ أَنَّهُ عَلَى كَوْنِهَا سِتَّةَ عَشَرَ يَكُونُ فِي كُلِّ حَرْفٍ سِتُّمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَمِنْ الذَّهَبِ اثْنَانِ وَسِتُّونَ وَنِصْفٌ، وَعَلَى كَوْنِهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَفِي الْحَرْفِ مِنْ الذَّهَبِ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ وَخَمْسَةُ أَتْسَاعٍ وَمِنْ الدَّرَاهِمِ خَمْسُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ وَخَمْسَةُ أَتْسَاعٍ اهـ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ وَلَوْ ذَهَبَ بِجِنَايَتِهِ عَلَى الْحَلْقِ أَوْ الشَّفَةِ بَعْضُ الْحُرُوفِ الْحَلْقِيَّةِ أَوْ الشَّفَوِيَّةِ، يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بِقَدْرِهِ مِنْ الثَّمَانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ، وَلَوْ بَدَّلَ حَرْفًا مَكَانَ حَرْفٍ فَقَالَ فِي الدِّرْهَمِ دَلْهَمُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ الْحَرْف لِتَلَفِهِ، وَمَا يُبَدِّلُهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ اهـ (قَوْلُهُ وَلِحْيَةٍ حُلِقَتْ) وَكَذَا لَوْ نُتِفَتْ قُهُسْتَانِيٌّ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ وَلِحْيَةُ الْمَرْأَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 576 لَمْ تَنْبُتْ) وَيُؤَجَّلُ سَنَةً فَإِنْ مَاتَ فِيهَا بَرِئَ وَفِي نِصْفِهَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِيمَا دُونَهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ كَشَارِبٍ وَلِحْيَةِ عَبْدٍ فِي الصَّحِيحِ، وَلَا شَيْءَ فِي كَوْسَجٍ عَلَى ذَقَنِهِ شَعَرَاتٌ مَعْدُودَةٌ وَلَوْ عَلَى خَدِّهِ أَيْضًا، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ فَحُكُومَةُ عَدْلٍ وَلَوْ مُتَّصِلًا فَكُلُّ الدِّيَةِ (وَشَعْرُ الرَّأْسِ كَذَلِكَ) أَيْ إذَا حُلِقَ وَلَمْ يَنْبُتْ كَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: فِيهِمَا حُكُومَةُ عَدْلٍ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي الشَّعْرِ مُطْلَقًا، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ وَلَمْ يَنْبُتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَشَعْرِ صَدْرٍ وَسَاعِدٍ وَسَاقٍ (وَالْعَيْنَيْنِ وَالشَّفَتَيْنِ وَالْحَاجِبَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالْأُنْثَيَيْنِ) أَيْ الْخُصْيَتَيْنِ (وَثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ) وَحَلَمَتَيْهِمَا وَالْأَلْيَتَيْنِ إذَا اسْتَأْصَلَهُمَا وَإِلَّا فَحُكُومَةُ عَدْلٍ وَكَذَا فَرْجُ الْمَرْأَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (الدِّيَةُ)   [رد المحتار] لَا شَيْءَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا نَقْصٌ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ فِيهَا بَرِئَ) أَيْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَا حُكُومَةُ عَدْلٍ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي نِصْفِهَا نِصْفُ الدِّيَةِ) وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كَمَالُ الدِّيَةِ لِفَوَاتِ الْجَمَالِ بِحَلْقِ الْبَعْضِ مِعْرَاجٌ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَوْ حَلَقَ بَعْضَ اللِّحْيَةِ وَلَمْ تَنْبُتْ قَالَ بَعْضُهُمْ: تَجِبُ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي: وَالصَّحِيحُ كُلُّ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الشَّيْنِ فَوْقَ مَنْ لَا لِحْيَةَ لَهُ أَصْلًا (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّ الشَّارِبَ تَابِعٌ لِلِّحْيَةِ فَصَارَ كَبَعْضِ أَطْرَافِهَا، وَالْمَقْصُودُ فِي الْعَبْدِ الْمَنْفَعَةُ بِالِاسْتِعْمَالِ دُونَ الْجَمَالِ بِخِلَافِ الْحُرِّ هِدَايَةٌ. قُلْت: وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ حَلَقَ الشَّارِبَ مَعَ اللِّحْيَةِ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهَا؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ، وَنَقَلَ السَّائِحَانِيُّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ يَدْخُلُ (قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ فِي لِحْيَةِ كَوْسَجٍ) بِالْفَتْحِ وَبِضَمٍّ قَامُوسٌ؛ لِأَنَّهَا تَشِينُهُ لَا تُزَيِّنُهُ (قَوْلُهُ فَحُكُومَةُ عَدْلٍ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَعْضَ الْجَمَالِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فَكُلُّ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَوْسَجٍ وَفِيهِ مَعْنَى الْجَمَالِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَشَعْرُ الرَّأْسِ كَذَلِكَ) سَوَاءٌ كَانَ شَعْرَ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ أَيْ إذَا حُلِقَ وَلَمْ يَنْبُتْ) أَيْ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ فِيهِ الْقَرَعُ، فَإِنَّهُ يُعَدُّ عَيْبًا عَظِيمًا، وَلِهَذَا يَتَكَلَّفُ الْأَقْرَعُ فِي سَتْرِ رَأْسِهِ كَمَا يَتَكَلَّفُ سَتْرَ سَائِرِ عُيُوبِهِ أَتْقَانِيٌّ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا فَسَدَ الْمَنْبَتُ فَإِنْ نَبَتَ حَتَّى اسْتَوَى كَمَا كَانَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَثَرُ الْجِنَايَةِ وَيُؤَدَّبُ عَلَى ارْتِكَابِهِ مَا لَا يَحِلُّ هِدَايَةٌ، وَإِنْ نَبَتَ أَبْيَضَ فَإِنْ فِي أَوَانِهِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ أَنَّ فِيهِ حُكُومَةَ عَدْلٍ أَتْقَانِيٌّ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَفِيهِ أَرْشُ النُّقْصَانِ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ فِيهِمَا) أَيْ فِي اللِّحْيَةِ وَشَعْرِ الرَّأْسِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ عَمْدًا فِي اللِّحْيَةِ وَشَعْرِ الرَّأْسِ، وَكَذَا شَعْرُ الْحَاجِبِ مِعْرَاجٌ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ، فَلَا يَثْبُتُ قِيَاسًا، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً وَالنَّصُّ إنَّمَا وَرَدَ فِي النَّفْسِ وَالْجِرَاحَاتِ، وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَأَلَّمْ بِهِ، وَلَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ السِّرَايَةُ زَيْلَعِيٌّ: وَالْعَمْدُ فِي مَالِهِ وَالْخَطَأُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا فِي الْقَتْلِ أَفَادَهُ الْأَتْقَانِيُّ. وَفِي الْمِعْرَاجِ ثُمَّ قِيلَ: صُورَةُ الْخَطَأِ فِي حَلْقِ الشَّعْرِ أَنْ يَظُنَّهُ مُبَاحٌ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ غَيْرُ مُبَاحِ الدَّمِ (قَوْلُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ عِنْدَهُ وَقَالَا تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ مِعْرَاجٌ، وَمَرَّ نَظِيرُهُ فِي اللِّحْيَةِ (قَوْلُهُ وَالْعَيْنَيْنِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ فِي تَفْوِيتِ الِاثْنَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ كَمَالِ الْجَمَالِ فَيَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَفِي تَفْوِيتِ أَحَدِهَا تَفْوِيتُ النِّصْفِ فَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأُنْثَيَيْنِ) لِتَفْوِيتِ مَنْفَعَةِ الْإِمْنَاءِ وَالنَّسْلِ زَيْلَعِيٌّ. [تَنْبِيهٌ] فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التُّحْفَةِ: إذَا قَطَعَهُمَا مَعَ الذَّكَرِ مَعًا فَعَلَيْهِ دِيَتَانِ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ الذَّكَرَ أَوَّلًا فَإِنَّ بِقَطْعِهِ مَنْفَعَةَ الْأُنْثَيَيْنِ وَهِيَ إمْسَاكُ الْمَنِيِّ قَائِمَةٌ، وَأَمَّا عَكْسُهُ فَفِيهِ دِيَةٌ لِلْأُنْثَيَيْنِ وَحُكُومَةٌ لِلذَّكَرِ اهـ مُلَخَّصًا: أَيْ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الذَّكَرِ قَبْلَ قَطْعِهِ وَفِيهَا قَطْعُ إحْدَى أُنْثَيَيْهِ فَانْقَطَعَ مَاؤُهُ فَدِيَةٌ وَنِصْفٌ (قَوْلُهُ وَثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ وَحَلَمَتَيْهِمَا) لِتَفْوِيتِ مَنْفَعَةِ الْإِرْضَاعِ زَيْلَعِيٌّ، وَالصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ سَوَاءٌ أَتْقَانِيٌّ، وَهَلْ فِي الثَّدْيَيْنِ الْقِصَاصُ حَالَةَ الْعَمْدِ لَا ذِكْرَ لَهُ فِي الْكُتُبِ الظَّاهِرَةِ، وَكَذَا الْأُنْثَيَانِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا فَرْجُ الْمَرْأَةِ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ قَطَعَ فَرْجَ الْمَرْأَةِ وَصَارَتْ بِحَالٍ لَا تَسْتَمْسِكُ الْبَوْلَ فَفِيهِ الدِّيَةُ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَوْ صَارَتْ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُ جِمَاعُهَا فَفِيهِ الدِّيَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 577 وَفِي ثَدْيِ الرَّجُلِ حُكُومَةُ عَدْلٍ (وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ) الْمُزْدَوِجَةِ (نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ الْأَرْبَعَةِ) جَمْعُ شُفْرَةٍ بِضَمِّ الشِّينِ وَتُفْتَحُ: الْجَفْنُ أَوْ الْهُدْبُ (الدِّيَةُ) إذَا قَلَعَهَا لَمْ تَنْبُتْ (وَفِي أَحَدِهَا رُبُعُهَا) وَلَوْ قَطَعَ جُفُونَ أَشْفَارِهَا فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُمَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ وَفِي جَفْنٍ لَا شَعْرَ عَلَيْهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ فِي كُلِّ دِيَةٍ كَامِلَةٍ جَفْنًا أَوْ شَعْرًا (وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ عُشْرُهَا وَمَا فِيهَا مَفَاصِلُ فَفِي أَحَدِهِمَا ثُلُثُ دِيَةِ الْإِصْبَعِ وَنِصْفُهَا) أَيْ نِصْفُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ (لَوْ فِيهَا مِفْصَلَانِ) كَالْإِبْهَامِ (وَفِي كُلِّ سِنٍّ) يَعْنِي مِنْ الرَّجُلِ إذْ دِيَةُ سِنِّ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ جَوْهَرَةٌ (خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ) أَوْ خَمْسُونَ دِينَارًا (أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» يَعْنِي نِصْفَ عُشْرِ دِيَتِهِ لَوْ حُرًّا وَنِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ عَبْدًا. فَإِنْ قُلْت: تَزِيدُ حِينَئِذٍ دِيَةُ الْأَسْنَانِ كُلِّهَا عَلَى دِيَةِ النَّفْسِ بِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِهَا.   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَفِي ثَدْيِ الرَّجُلِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَفْوِيتُ الْمَنْفَعَةِ، وَلَا الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ زَيْلَعِيٌّ. وَفِي حَلَمَةِ ثَدْيِهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ دُونَ ذَلِكَ خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ جَمْعُ شُفْرَةٍ) كَذَا فِي الْمِنَحِ بِالتَّاءِ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَالْمَذْكُورُ فِي كَلَامِهِمْ شُفْرٌ بِلَا تَاءٍ (قَوْلُهُ الْجَفْنُ) أَيْ طَرَفُهُ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ جَمْعُ شُفْرٍ بِالضَّمِّ وَهُوَ حَرْفُ مَا غَطَّى الْعَيْنَ مِنْ الْجَفْنِ لَا مَا عَلَيْهِ مِنْ الشَّعْرِ وَهُوَ الْهُدْبُ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مَجَازًا اهـ. وَفِي الْمُغْرِبِ: شُفْرُ كُلِّ شَيْءٍ حَرْفُهُ وَشُفْرُ الْعَيْنِ مَنْبَتُ الْأَهْدَابِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَأَيُّهُمَا أُرِيدَ كَانَ مُسْتَقِيمًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّفْرِ وَمَنَابِتُهُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ كَقَطْعِهِمَا مَعًا؛ لِأَنَّهُمَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ كَالْمَارِنِ مَعَ الْقَصَبَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَمْ تُنْبِتْ) بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ مِنْ الْإِنْبَاتِ إنْ أُرِيدَ بِهَا الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ، وَهُوَ الْأَجْفَانُ، وَبِالْفَتْحِ إنْ أُرِيدَ بِهَا الْأَهْدَابُ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَلَمْ يَذْكُرْ التَّأْجِيلَ وَلَعَلَّهُ كَاللِّحْيَةِ (قَوْلُهُ وَفِي أَحَدِهِمَا رُبُعُهَا) ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْجَمَالُ عَلَى الْكَمَالِ، وَيَتَعَلَّقُ بِهَا دَفْعُ الْأَذَى وَالْقَذَى عَنْ الْعَيْنِ، وَتَفْوِيتُ ذَلِكَ يُنْقِصُ الْبَصَرَ، وَيُورِثُ الْعَمَى، فَإِذَا وَجَبَ فِي الْكُلِّ الدِّيَةُ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ، فَفِي الْوَاحِدِ رُبُعُ الدِّيَةِ وَفِي الِاثْنَيْنِ نِصْفُهَا، وَفِي الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا زَيْلَعِيٌّ وَيَجِبُ فِي الْمَرْأَةِ مِثْلُ نِصْفِ مَا يَجِبُ فِي الرَّجُلِ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَطَعَ جُفُونَ أَشْفَارِهَا) كَذَا فِي الْمِنَحِ وَالْأَوْضَحُ الْجُفُونُ بِأَشْفَارِهَا. قَالَ فِي التَّبْيِينِ: وَلَوْ قَطَعَ الْجُفُونَ بِأَهْدَابِهَا تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَشْفَارَ مَعَ الْجُفُونِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ كَالْمَارِنِ مَعَ الْقَصَبَةِ وَالْمُوضِحَةِ مَعَ الشَّعْرِ اهـ وَلَوْ قَلَعَ الْعَيْنَ بِأَجْفَانِهَا تَجِبُ دِيَتَانِ دِيَةُ الْعَيْنِ وَدِيَةُ أَجْفَانِهَا؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ كَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ جَوْهَرَةٌ ط (قَوْلُهُ وَفِي جَفْنٍ لَا شَعْرَ عَلَيْهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ التُّحْفَةِ نَقَلَهُ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ إلَخْ) لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ هَذَا ط. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَقَطْ. أَمَّا قَوْلُهُ: وَلَوْ قَطَعَ جُفُونَ أَشْفَارِهَا فَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الشُّرَّاحِ. وَحَاصِلُ كَلَامِهِ: أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الْجَفْنِ الَّذِي لَا شَعْرَ عَلَيْهِ أَوْ الشَّعْرِ وَحْدَهُ إذَا قَطَعَهُ بِانْفِرَادِهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الِاخْتِيَارِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قَطَعَ الْأَشْفَارَ وَحْدَهَا، وَلَيْسَ فِيهَا أَهْدَابٌ فَفِيهَا الدِّيَةُ وَكَذَلِكَ الْأَهْدَابُ، وَإِنْ قَطَعَهُمَا مَعًا فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ اهـ (قَوْلُهُ جَفْنًا أَوْ شَعْرًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ جَفْنًا أَوْ شَعْرَ الْجَفْنِ فَهُوَ خَبَرٌ لَكَانَ الْمَحْذُوفَةِ وَفِي نُسْخَةٍ شُفْرَهُ بِالْفَاءِ ط (قَوْلُهُ كَالْإِبْهَامِ) الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ ط (قَوْلُهُ وَفِي كُلِّ سِنٍّ) السِّنُّ اسْمُ جِنْسٍ يَدْخُلُ تَحْتَهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ: أَرْبَعٌ مِنْهَا ثَنَايَا، وَهِيَ الْأَسْنَانُ الْمُتَقَدِّمَةُ اثْنَانِ فَوْقُ وَاثْنَانِ أَسْفَلُ، وَمِثْلُهَا رُبَاعِيَّاتٌ وَهِيَ مَا يَلِي الثَّنَايَا وَمِثْلُهَا أَنْيَابٌ تَلِي الرُّبَاعِيَّاتِ، وَمِثْلُهَا ضَوَاحِكُ تَلِي الْأَنْيَابَ، وَاثْنَانِ عَشَرَ سِنًّا تُسَمَّى بِالطَّوَاحِنِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ثَلَاثٌ فَوْقَ وَثَلَاثٌ أَسْفَلَ وَبَعْدَهَا سِنٌّ وَهِيَ آخِرُ الْأَسْنَانِ يُسَمَّى ضِرْسَ الْحُلُمِ؛ لِأَنَّهُ يَنْبُتُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقْتَ كَمَالِ الْعَقْلِ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ) أَيْ نِصْفُ دِيَةِ سِنِّهِ (قَوْلُهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ) قِيمَةُ كُلِّ بَعِيرٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَعْنِي إلَخْ) أَيْ الْمُرَادُ فِيمَا ذُكِرَ الْحُرُّ أَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّ دِيَتَهُ قِيمَتُهُ فَيَجِبُ نِصْفُ عُشْرِهَا (قَوْلُهُ بِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِهَا) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْأَسْنَانَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ؛ فَيَجِبُ فِيهَا سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَذَلِكَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 578 قُلْت: نَعَمْ وَلَا بَأْسَ فِيهِ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَمَا فِي الْغَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الْعِنَايَةِ: وَلَيْسَ فِي الْبَدَنِ مَا يَجِبُ بِتَفْوِيتِهِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّيَةِ سِوَى الْأَسْنَانِ وَقَدْ تُوجَدُ نَوَاجِذُ أَرْبَعَةٌ فَتَكُونُ أَسْنَانُهُ سِتًّا وَثَلَاثِينَ ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ. قُلْت: وَحِينَئِذٍ فَلِلْكَوْسَجِ دِيَةٌ وَخُمُسَا دِيَةٍ وَلِغَيْرِهِ إمَّا دِيَةٌ وَنِصْفٌ أَوْ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ أَوْ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ وَعَلِمْت أَنَّ الْمَرْأَةَ عَلَى النِّصْفِ فَتَبَصَّرْ (وَتَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ فِي كُلِّ عُضْوٍ ذَهَبَ نَفْعُهُ) بِضَرْبِ ضَارِبٍ (كَيَدٍ شُلَّتْ وَعَيْنٍ ذَهَبَ ضَوْءُهَا وَصُلْبٍ انْقَطَعَ مَاؤُهُ) وَكَذَا أَوْ سَلَسِ بَوْلِهِ أَوْ أَحْدَبِهِ وَلَوْ زَالَتْ الْحُدُوبَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.، وَلَوْ بَقِيَ أَثَرُ الضَّرْبَةِ فَحُكُومَةُ عَدْلٍ (وَيَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ بِإِتْلَافِ عُضْوٍ ذَهَبَ نَفْعُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ جَمَالٌ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ أَوْ أَرْشُهُ كَامِلًا إنْ كَانَ فِيهِ جَمَالٌ كَالْأُذُنِ الشَّاخِصَةِ)   [رد المحتار] دِيَةُ النَّفْسِ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ فِيهِ) أَيْ وَإِنْ خَالَفَ الْقِيَاسَ إذْ لَا قِيَاسَ مَعَ النَّصِّ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْغَايَةِ) أَيْ غَايَةِ الْبَيَانِ لِلْإِمَامِ قُوَامِ الدِّينِ الأتقاني (قَوْلُهُ وَقَدْ تُوجَدُ نَوَاجِذُ أَرْبَعَةٌ) النَّوَاجِذُ أَضْرَاسُ الْحُلْمِ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ فَلِلْكَوْسَجِ إلَخْ) أَيْ إذَا نُزِعَتْ أَسْنَانُهُ كُلُّهَا فَلَهُ دِيَةٌ وَخُمُسَا دِيَةٍ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ،؛ لِأَنَّ أَسْنَانَهُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ. حُكِيَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِزَوْجِهَا: يَا كَوْسَجُ فَقَالَ. إنْ كُنْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَسُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: تُعَدُّ أَسْنَانُهُ إنْ كَانَتْ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ فَهُوَ كَوْسَجٌ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ وَلِغَيْرِهِ إلَخْ) أَيْ غَيْرُ الْكَوْسَجِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ إمَّا لَهُ ثَلَاثُونَ سِنًّا فَلَهُ دِيَةٌ وَنِصْفٌ وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا أَوْ لَهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ فَلَهُ دِيَةٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفًا أَوْ لَهُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ فَلَهُ دِيَةٌ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفًا. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: ضَرَبَ سِنَّ رَجُلٍ حَتَّى تَحَرَّكَتْ وَسَقَطَتْ إنْ كَانَ خَطَأً يَجِبُ خَمْسُمِائَةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا يُقْتَصُّ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ الدِّيَةَ وَثَلَاثَةَ أَخْمَاسِهَا وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفًا تَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لَكِنْ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا إنَّهُ يَجِبُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى ثُلُثَا دِيَةٍ ثُلُثٌ مِنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ وَثُلُثٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِهَا، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَمَا بَقِيَ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأَخْمَاسِ، وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَهُوَ مَا بَقِيَ مِنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ اهـ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الدِّيَةَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثُهَا، وَيَجِبُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا وَهِيَ سِتَّةُ آلَافٍ فِي سَنَتَيْنِ فِي الْأُولَى مِنْهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَالْبَاقِي فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ أَتْقَانِيٌّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. قُلْت: وَعَلَيْهِ فَفِي السَّنَةِ الْأُولَى سِتَّةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ وَفِي الثَّانِيَةِ سِتَّةُ آلَافٍ وَفِي الثَّالِثَةِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ لَكِنْ فِي الْمُجْتَبَى والتتارخانية وَغَيْرِهِمَا عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ سِتَّةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَتَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ) أَيْ دِيَةُ ذَلِكَ الْعُضْوِ رَمْلِيٌّ، فَإِنَّ فِي الْيَدِ أَوْ الْعَيْنِ لَا تَجِبُ دِيَةُ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ دِيَةَ النَّفْسِ تَجِبُ فِي عَشْرَةِ أَشْيَاءَ: وَهِيَ كَمَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْمُجْتَبَى: الْعَقْلُ وَشَعْرُ الرَّأْسِ وَالْأَنْفُ وَاللِّسَانُ وَاللِّحْيَةُ وَالصُّلْبُ إذَا كَسَرَهُ وَإِذَا انْقَطَعَ مَاؤُهُ وَإِذَا سَلِسَ بَوْلُهُ وَالدُّبُرُ إذَا طَعَنَهُ فَلَا يُمْسِكُ الطَّعَامَ وَالذَّكَرُ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهَا (قَوْلُهُ أَوْ أَحْدَبَهُ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةِ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ جَمَالَ الْآدَمِيِّ فِي كَوْنِهِ مُنْتَصِبَ الْقَامَةِ، وَقِيلَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4]- زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) وَقَالَا عَلَيْهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. (قَوْلُهُ أَوْ أَرْشُهُ) عَطْفٌ عَلَى حُكُومَةُ وَالْأَرْشُ فِي الْمِثَالِ الْآتِي نِصْفُ الدِّيَةِ (قَوْلُهُ كَالْأُذُنِ الشَّاخِصَةِ) هِيَ الْمُرْتَفِعَةُ مِنْ شَخْصٍ بِالْفَتْحِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 579 هُوَ الطَّرَشُ وَسَيَجِيءُ مَا لَوْ أَلْصَقَهُ فَالْتَحَمَ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْفَصْلِ. فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ (وَتَخْتَصُّ) الشَّجَّةُ (بِمَا يَكُونُ بِالْوَجْهِ وَالرَّأْسِ) لُغَةً (وَمَا يَكُونُ بِغَيْرِهِمَا فَجِرَاحَةٌ) أَيْ تُسَمَّى جِرَاحَةً وَفِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ مُجْتَبًى وَمِسْكِينٌ. (وَهِيَ) أَيْ الشِّجَاجُ (عَشْرَةٌ الْحَارِصَةُ) بِمُهْمَلَاتٍ وَهِيَ الَّتِي تَحْرِصُ الْجِلْدَ أَيْ تَخْدِشُهُ (وَالدَّامِعَةُ) بِمُهْمَلَاتٍ الَّتِي تُظْهِرُ الدَّمَ كَالدَّمْعِ وَلَا تُسِيلُهُ (وَالدَّامِيَةُ) الَّتِي تُسِيلُهُ (وَالْبَاضِعَةُ) الَّتِي تُبْضِعُ الْجِلْدَ أَيْ تَقْطَعُهُ (وَالْمُتَلَاحِمَةُ) الَّتِي تَأْخُذُ فِي اللَّحْمِ (وَالسِّمْحَاقُ) الَّتِي تَصِلُ إلَى السِّمْحَاقِ أَيْ جِلْدَةٍ رَقِيقَةٍ بَيْنَ اللَّحْمِ وَعَظْمِ الرَّأْسِ (وَالْمُوضِحَةُ) الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ أَيْ تُظْهِرُهُ (وَالْهَاشِمَةُ الَّتِي تُهَشِّمُ الْعَظْمَ) أَيْ تَكْسِرُهُ (وَالْمُنَقِّلَةُ) الَّتِي تَنْقُلُهُ بَعْدَ الْكَسْرِ (وَالْآمَّةُ الَّتِي) تَصِلُ إلَى أُمِّ الدِّمَاغِ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي فِيهَا الدِّمَاغُ وَبَعْدَهَا الدَّامِغَةُ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَهِيَ الَّتِي تُخْرِجُ الدِّمَاغَ   [رد المحتار] ارْتَفَعَ مِعْرَاجٌ وَعَزْمِيَّةٌ، وَالتَّقْيِيدُ بِهِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنْ يُرَادَ بِهَا السَّمْعُ عِنَايَةٌ،؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا فِيهِ تَفْوِيتُ الْجَمَالِ وَذَهَابُ السَّمْعِ فِيهِ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ (قَوْلُهُ هُوَ الطَّرَشُ) لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَلَمْ أَدْرِ مِنْ أَيْنَ أَخَذَهُ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ مَا لَوْ أَلْصَقَهُ) أَيْ الْأُذُنَ وَذَكَرَ ضَمِيرَهَا بِاعْتِبَارِ الْعُضْوِ، وَاَلَّذِي يَجِيءُ هُوَ وُجُوبُ الْأَرْشِ لَوْ أَلْصَقَهَا فَالْتَحَمَتْ إذْ لَا تَعُودُ كَمَا كَانَتْ (قَوْلُهُ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْفَصْلِ) أَيْ الَّذِي أَرَادَ الشُّرُوعَ فِيهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ] هِيَ جَمْعُ شَجَّةٍ. وَلَمَّا كَانَتْ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ مَا دُونَ النَّفْسِ، وَتَكَاثَرَتْ مَسَائِلُهُ ذَكَرَهُ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ مِنَحٌ (قَوْلُهُ وَتَخْتَصُّ الشَّجَّةُ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْحُكْمُ مُرَتَّبٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ: أَيْ حُكْمُ الشِّجَاجِ يَثْبُتُ فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ عَلَى مَا هُوَ حَقِيقَةُ اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ الشَّجَّةَ لُغَةً مَا كَانَ فِيهِمَا لَا غَيْرُ ، وَفِي غَيْرِهِمَا لَا يَجِبُ الْمُقَدَّرُ فِيهِمَا بَلْ يَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ أَتْقَانِيٌّ فَلَوْ تَحَقَّقَتْ الْمُوضِحَةُ مَثَلًا فِي نَحْوِ السَّاقِ وَالْيَدِ لَا يَجِبُ الْأَرْشُ الْمُقَدَّرُ لَهَا؛ لِأَنَّهَا جِرَاحَةٌ لَا مُوضِحَةٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ الْجِرَاحِ لَهُ أَرْشٌ مَعْلُومٌ إلَّا الْجَائِفَةُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَاللَّحْيَانِ عِنْدَنَا مِنْ الْوَجْهِ، حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ فِيهِمَا الْمُوضِحَةُ وَالْهَاشِمَةُ وَالْمُنَقِّلَةُ كَانَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَيْسَ فِي الشِّجَاجِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ إلَّا فِي الْمُوضِحَةِ وَالْهَاشِمَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَالْآمَّةِ كَمَا سَيَتَّضِحُ (قَوْلُهُ وَفِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ) ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالتَّوْقِيفِ وَهَذَا إنَّمَا وَرَدَ فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْوَجْهِ وَالرَّأْسِ هِدَايَةٌ، وَلَا تُلْحَقُ الْجِرَاحَةُ بِالشَّجَّةِ دَلَالَةً أَوْ قِيَاسًا إذْ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا إذْ الْوَجْهُ وَالرَّأْسُ يَظْهَرَانِ غَالِبًا فَالشَّيْنُ فِيهِمَا أَعْظَمُ أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ أَيْ تَخْدِشُهُ) مِنْ بَابِ ضَرَبَ مُخْتَارٌ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ قَاضِي خَانْ: هِيَ الَّتِي تَخْدِشُ الْبَشَرَةَ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا دَمٌ وَتُسَمَّى خَادِشَةً. (قَوْلُهُ الَّتِي تُبْضِعُ الْجِلْدَ) كَذَا فَسَّرَهَا الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَرَدَّهُ الطُّورِيُّ بِأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ نَفْسَهُ صَرَّحَ بِتَحْقِيقِ قَطْعِ الْجِلْدِ فِي الْأَنْوَاعِ الْعَشَرَةِ فَالظَّاهِرُ فِي تَفْسِيرِهَا مَا فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ أَنَّهَا الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ وَمِثْلُهُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ، وَعَلَى هَذَا فَيُزَادُ فِي الْمُتَلَاحِمَةِ قَيْدٌ آخَرُ فَيُقَالُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا هِيَ الَّتِي تُذْهِبُ فِي اللَّحْمِ أَكْثَرَ مِمَّا تُذْهِبُ الْبَاضِعَةُ (قَوْلُهُ الَّتِي تَأْخُذُ فِي اللَّحْمِ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَهِيَ الَّتِي تَشُقُّ اللَّحْمَ دُونَ الْعَظْمِ، ثُمَّ تَتَلَاحَمُ بَعْدَ شَقِّهَا وَتَتَلَاصَقُ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ اللَّاحِمَةُ أَيْ الْقَاطِعَةُ اللَّحْمَ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ عَلَى مَا تَئُولُ إلَيْهِ أَوْ عَلَى التَّفَاؤُلِ اهـ (قَوْلُهُ وَالسِّمْحَاقُ) كَقِرْطَاسٍ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَالْمُوضِحَةُ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ قُهُسْتَانِيٌّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا بِالْكَسْرِ (قَوْلُهُ الَّتِي تُهَشِّمُ) مِنْ بَابِ ضَرَبَ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ وَالْمُنَقِّلَةُ) بِتَشْدِيدِ الْقَافِ مَفْتُوحَةً أَوْ مَكْسُورَةً شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ (قَوْلُهُ وَالْآمَّةُ) بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ وَتُسَمَّى مَأْمُونَةً أَيْضًا وَالدِّمَاغُ كَكِتَابٍ مُخُّ الرَّأْسِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ تُخْرِجُ الدِّمَاغَ) أَيْ تَقْطَعُ الْجِلْدَ وَتُظْهِرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 580 وَلَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ لِلْمَوْتِ بَعْدَهَا عَادَةً فَتَكُونُ قَتْلًا لَا شَجًّا فَعُلِمَ بِالِاسْتِقْرَاءِ بِحَسَبِ الْآثَارِ أَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَى الْعَشَرَةِ (وَيَجِبُ فِي الْمُوضِحَةِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ) أَيْ لَوْ غَيْرَ أَصْلَعَ وَإِلَّا فَفِيهَا حُكُومَةٌ، لِأَنَّ جِلْدَهَا أَنْقَصُ زِينَةً مِنْ غَيْرِهِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الذَّخِيرَةِ (وَفِي الْهَاشِمَةِ عُشْرُهَا وَفِي الْمُنَقِّلَةِ عُشْرٌ وَنِصْفُ عُشْرٍ وَفِي الْآمَّةِ وَالْجَائِفَةِ ثُلُثُهَا فَإِنْ نَفَذَتْ الْجَائِفَةُ فَثُلُثَاهَا) لِأَنَّهَا إذَا نَفَذَتْ صَارَتْ جَائِفَتَيْنِ فَيَجِبُ فِي كُلٍّ ثُلُثُهَا (وَفِي الْحَارِصَةِ وَالدَّامِعَةِ وَالدَّامِيَةِ وَالْبَاضِعَةِ وَالْمُتَلَاحِمَةِ وَالسِّمْحَاقِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) إذْ لَيْسَ فِيهِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ مِنْ جِهَةِ السَّمْعِ، وَلَا يُمْكِنُ إهْدَارُهَا فَوَجَبَ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ (وَهِيَ) أَيْ حُكُومَةُ الْعَدْلِ (أَنْ يَنْظُرَ كَمْ مِقْدَارُ هَذِهِ الشَّجَّةِ مِنْ الْمُوضِحَةِ فَيَجِبُ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ) قَالَهُ الْكَرْخِيُّ: وَصَحَّحَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ (وَقِيلَ) قَائِلُهُ الطَّحَاوِيُّ (يُقَوَّمُ) الْمَشْجُوجُ (عَبْدًا بِلَا هَذَا الْأَثَرِ ثُمَّ مَعَهُ فَقَدْرُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ)   [رد المحتار] الدِّمَاغَ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ) وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْحَارِصَةَ؛ لِأَنَّهَا لَا يَبْقَى لَهَا أَثَرٌ فِي الْغَالِبِ وَمَا لَا أَثَرَ لَهَا لَا حُكْمَ لَهَا أَتْقَانِيٌّ وَلِذَا قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ كَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ لَا يَذْكُرَهَا لَكِنَّهُ تَأَسَّى بِمَا فِي غَالِبِ الْكُتُبِ (قَوْلُهُ لِلْمَوْتِ بَعْدَهَا عَادَةً) فَإِنْ عَاشَ فَفِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ غُرَرُ الْأَفْكَارِ. (قَوْلُهُ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ) إنْ كَانَتْ خَطَأً، فَلَوْ عَمْدًا فَالْقِصَاصُ كَمَا يَأْتِي، وَفِي الْكَافِي مِنْ الْمُتَفَرِّقَاتِ شَجَّهُ عِشْرِينَ مُوضِحَةً إنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ الْبُرْءُ تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَإِنْ تَخَلَّلَ الْبُرْءُ يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ ط (قَوْلُهُ أَيْ لَوْ غَيْرَ أَصْلَعَ) قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: رَجُلٌ أَصْلَعُ ذَهَبَ شَعْرُهُ مِنْ كِبَرٍ فَشَجَّهُ مُوضِحَةَ إنْسَانٍ مُتَعَمِّدًا قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُقْتَصُّ وَعَلَيْهِ الْأَرْشُ، وَإِنْ قَالَ الشَّاجُّ رَضِيتُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنِّي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الشَّاجُّ أَيْضًا أَصْلَعَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ. وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ: مُوضِحَةُ الْأَصْلَعِ أَنْقَصُ مِنْ مُوضِحَةِ غَيْرِهِ فَكَانَ الْأَرْشُ أَنْقَصَ أَيْضًا وَفِي الْهَاشِمَةِ يَسْتَوِيَانِ وَفِي الْمُنْتَقَى شَجَّ رَجُلًا أَصْلَعَ مُوضِحَةً خَطَأً فَعَلَيْهِ أَرْشُ دُونَ الْمُوضِحَةِ فِي مَالِهِ، وَإِنْ شَجَّهُ هَاشِمَةً فَفِيهَا أَرْشٌ دُونَ أَرْشِ الْهَاشِمَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ ط (قَوْلُهُ وَالْجَائِفَةِ) قَالُوا الْجَائِفَةُ تَخْتَصُّ بِالْجَوْفِ جَوْفِ الرَّأْسِ أَوْ جَوْفِ الْبَطْنِ هِدَايَةٌ. وَعَلَيْهِ فَذِكْرُهَا مَعَ الشِّجَاجِ لَهُ وَجْهٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا قَدْ تَكُونُ فِي الرَّأْسِ، لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ الْأَتْقَانِيُّ بِمَا فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ مِنْ أَنَّهَا لَا تَكُونُ فِي الرَّقَبَةِ وَلَا فِي الْحَلْقِ، وَلَا تَكُونُ إلَّا فِيمَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ مِنْ الصَّدْرِ وَالظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْجَنْبَيْنِ وَبِمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ مِنْ أَنَّهَا لَا تَكُونُ فَوْقَ الذَّقَنِ وَلَا تَحْتَ الْعَانَةِ اهـ قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَلَا تَدْخُلُ الْجَائِفَةُ فِي الْعَشَرَةِ إذْ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا الشَّجَّةُ، وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ مَعَ الْآمَّةِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُكْمِ (قَوْلُهُ فَيَجِبُ فِي كُلٍّ ثُلُثُهَا) أَيْ ثُلُثُ الدِّيَةِ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ مَا كَانَ أَرْشُهُ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ إلَى ثُلُثِهَا فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْخَطَأِ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فَكُلُّ مَا وَجَبَ بِهِ ثُلُثُهَا فَهُوَ فِي سَنَةٍ، وَإِنْ زَادَ فَالزِّيَادَةُ فِي سَنَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ انْفَرَدَتْ، وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثَيْنِ فَالثُّلُثَانِ إلَى سَنَتَيْنِ وَالزَّائِدُ فِي الثَّالِثَةِ وَمَا كَانَ دُونَ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ أَوْ كَانَ عَمْدًا فَهُوَ فِي مَالِ الْجَانِي اهـ مُلَخَّصًا أَيْ لِمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ، وَلَا مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ (قَوْلُهُ حُكُومَةُ عَدْلٍ) أَيْ فِي الْخَطَأِ كَذَا فِي الْعَمْدِ إنْ لَمْ نَقُلْ بِالْقِصَاصِ عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ مِنْ جِهَةِ السَّمْعِ) أَيْ الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ لِمَا مَرَّ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالتَّوْقِيفِ (قَوْلُهُ مِنْ الْمُوضِحَةِ) خَصَّهَا؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الشِّجَاجِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ: وَهِيَ الْمُرَادَةُ مِنْ قَوْلِ الْمُحِيطِ مِنْ أَقَلِّ شَجَّةٍ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَيَجِبُ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ) أَيْ الَّذِي هُوَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ. بَيَانُهُ: أَنَّ الشَّجَّةَ لَوْ كَانَتْ بَاضِعَةً مَثَلًا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ كَمْ مِقْدَارُ الْبَاضِعَةِ مِنْ الْمُوضِحَةِ، فَإِنْ كَانَ ثُلُثَ الْمُوضِحَةِ وَجَبَ ثُلُثُ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ وَإِنْ كَانَ رُبُعَ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ رُبُعُ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 581 فِي الْحُرِّ (مِنْ الدِّيَةِ) وَفِي الْعَبْدِ مِنْ الْقِيمَةِ فَإِنْ نَقَصَ الْحُرُّ عُشْرَ قِيمَتِهِ أَخَذَ عُشْرَ دِيَتِهِ، وَكَذَا فِي النِّصْفِ وَالثُّلُثِ (هُوَ) أَيْ هَذَا التَّفَاوُتُ (هِيَ) أَيْ حُكُومَةُ الْعَدْلِ (بِهِ يُفْتَى) كَمَا فِي الْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَالدُّرَرِ وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمَعِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: إنَّمَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ لَوْ الْجِنَايَةُ فِي وَجْهٍ وَرَأْسٍ فَحِينَئِذٍ يُفْتَى بِهِ وَلَوْ فِي غَيْرِهِمَا أَوْ تَعَسَّرَ عَلَى الْمُفْتِي يُفْتِي بِقَوْلِ الطَّحَاوِيِّ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ أَيْسَرُ انْتَهَى، وَنَحْوُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ بِزِيَادَةٍ وَقِيلَ تَفْسِيرُ الْحُكُومَةِ: هُوَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ، وَأُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَالْأَدْوِيَةِ إلَى أَنْ يَبْرَأَ (وَلَا قِصَاصَ) فِي جَمِيعِ الشِّجَاجِ (إلَّا فِي الْمُوضِحَةِ عَمْدًا) وَمَا لَا قَوَدَ فِيهِ يَسْتَوِي الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ فِيهِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِيمَا قَبْلَ الْمُوضِحَةِ أَيْضًا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ دُرَرٌ وَمُجْتَبًى وَابْنُ الْكَمَالِ وَغَيْرُهَا لِإِمْكَانِ الْمُسَاوَاةِ، بِأَنْ يَسْبُرَ غَوْرَهَا بِمِسْبَارٍ ثُمَّ يَتَّخِذُ حَدِيدَةً بِقُدْرَةٍ فَيَقْطَعُ وَاسْتَثْنَى فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ السِّمْحَاقَ فَلَا يُقَادُ إجْمَاعًا كَمَا لَا قَوَدَ فِيمَا بَعْدَهَا كَالْهَاشِمَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَعَزَاهُ لِلْجَوْهَرَةِ فَلْيُحْفَظْ. قَالَ فِي الْمُجْتَبَى: وَلَا قَوَدَ فِي جِلْدِ رَأْسٍ وَبَدَنٍ وَلَحْمِ خَدٍّ وَبَطْنٍ وَظَهْرٍ   [رد المحتار] لِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ حُكُومَةَ الْعَدْلِ فِي الَّذِي قَطَعَ طَرَفَ لِسَانِهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ بِالْعَبْدِ وَلِأَنَّ مُوضِحَةَ الْحُرِّ الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ سَوَاءٌ، وَفِي الْعَبْدِ يَجِبُ فِي الصَّغِيرَةِ أَقَلُّ مِمَّا يَجِبُ فِي الْكَبِيرَةِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ فِي الْحُرِّ) أَيْ هُوَ فِي شَجَّةِ الْحُرِّ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٍ، وَقَوْلُهُ مِنْ الدِّيَةِ أَيْ يُؤْخَذُ مِنْهَا، وَهُوَ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَفِي الْعَبْدِ مِنْ الْقِيمَةِ) أَيْ وَقَدْرُ التَّفَاوُتِ فِي شَجَّةِ الْعَبْدِ يُؤْخَذُ مِنْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ دِيَتُهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ نَقَصَ إلَخْ) مِثَالُهُ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِنْ غَيْرِ جِرَاحَةٍ تَبْلُغُ أَلْفًا وَمَعَ الْجِرَاحَةِ تَبْلُغُ تِسْعَمِائَةٍ عُلِمَ أَنَّ الْجِرَاحَةَ أَوْجَبَتْ نُقْصَانَ عُشْرِ قِيمَتِهِ فَأَوْجَبَتْ عُشْرَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْحُرِّ دِيَتُهُ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) وَبِهِ أَخَذَ الْحَلْوَانِيُّ وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ قَوْلُ كُلِّ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمَ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ لَوْ الْجِنَايَةُ فِي وَجْهٍ وَرَأْسٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا مَوْضِعُ الْمُوضِحَةِ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ تَعَسَّرَ عَلَى الْمُفْتِي) أَيْ مَا اعْتَبَرَهُ الْكَرْخِيُّ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ بِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِهِ أَوْ تَعَسَّرَ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إلَخْ) فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بِإِضَافَةِ زِيَادَةٍ إلَيْهِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ بَعْدَهُ: وَهَذَا كُلُّهُ إذَا بَقِيَ لِلْجِرَاحَةِ أَثَرٌ، وَإِلَّا فَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ قَدْرُ مَا أَنْفَقَ إلَى أَنْ يَبْرَأَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ حُكُومَةُ الْعَدْلِ فِي الْأَلَمِ اهـ وَيَأْتِي تَمَامُهُ آخِرَ الْفَصْلِ (قَوْلُهُ وَلَا قِصَاصَ فِي جَمِيعِ الشِّجَاجِ) أَيْ مَا فَوْقَ الْمُوضِحَةِ إجْمَاعًا وَمَا دُونَهَا عَلَى الْخِلَافِ ط (قَوْلُهُ إلَّا فِي الْمُوضِحَةِ عَمْدًا) أَيْ إذَا لَمْ يَخْتَلَّ بِهِ عُضْوٌ آخَرُ فَلَوْ شَجَّ مُوضِحَةً عَمْدًا فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ فَلَا قِصَاصَ عِنْدَهُ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِيهِمَا، وَقَالَا فِي الْمُوضِحَةِ قِصَاصٌ وَفِي الْبَصَرِ دِيَةٌ شَرْحُ الْمَجْمَعِ عَنْ الْكَافِي (قَوْلُهُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ) أَيْ فِي الْعَمْدِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ) وَفِي الْكَافِي هُوَ الصَّحِيحُ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى - {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45]- وَيُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ مِعْرَاجٌ وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَسْبُرَ غَوْرُهَا) السَّبْرُ امْتِحَانُ غَوْرِ الْجُرْحِ وَغَيْرِهِ كَالِاسْتِبَارِ وَالْغَوْرُ الْقَعْرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَالسِّبَارُ كَكِتَابٍ وَالْمِسْبَارُ مَا يُسْبَرُ بِهِ الْجُرْحُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ السِّمْحَاقَ) حَيْثُ قَالَ: إلَّا السِّمْحَاقَ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْدَرُ أَنْ يُشَقَّ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى جِلْدَةٍ رَقِيقَةٍ فَوْقَ الْعَظْمِ اهـ. أَقُولُ: لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ عَامَّةُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِيمَا قَبْلَ الْمُوضِحَةِ وَهُوَ سِتَّةٌ مِنْ الْحَارِصَةِ إلَى السِّمْحَاقِ اهـ (قَوْلُهُ كَالْهَاشِمَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا كَسْرَ عَظْمٍ فَلَا تُمْكِنُ الْمُسَاوَاةُ، وَكَذَا الْآمَّةُ لِغَلَبَةِ الْهَلَاكِ فِيهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا عِنْدَ عَدَمِ السِّرَايَةِ (قَوْلُهُ وَعَزَاهُ لِلْجَوْهَرَةِ) وَعَزَاهُ ط لِلْبَحْرِ الزَّاخِرِ (قَوْلُهُ وَلَا قَوَدَ فِي جِلْدِ رَأْسٍ) لَعَلَّهُ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَكَذَا يُقَالُ فِي لَحْمِ الْخَدِّ أَوْ يُحْمَلُ فِي الرَّأْسِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 582 وَلَا فِي لَطْمَةٍ وَوَكْزَةٍ وَوِجَاءَةٍ وَفِي سَلْخِ جِلْدِ الْوَجْهِ كَمَالُ الدِّيَةِ (وَفِي) كُلِّ أَصَابِعِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ دِيَةٍ وَلَوْ مَعَ الْكَفِّ (لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ) وَمَعَ نِصْفِ سَاعِدٍ نِصْفُ دِيَةٍ (لِلْكَفِّ) وَحُكُومَةُ عَدْلٍ لِنِصْفِ السَّاعِدِ وَكَذَا السَّاقُ (وَفِي) قَطْعِ (كَفٍّ وَفِيهِ أُصْبُعٌ أَوْ أُصْبُعَانِ عُشْرُهَا أَوْ خُمُسُهَا) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ (وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْكَفِّ ثَلَاثُ أَصَابِعَ، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ إجْمَاعًا، إذْ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ. وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: ضَرَبَ يَدَ رَجُلٍ وبَرِئَ إلَّا أَنَّهُ لَا تَصِلُ يَدُهُ إلَى قَفَاهُ فَبِقَدْرِ النُّقْصَانِ يُؤْخَذُ مِنْ جُمْلَةِ الدِّيَةِ إنْ نَقَصَ الثُّلُثَانِ فَثُلُثَا الدِّيَةِ وَهَكَذَا وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَوْ قَطَعَ مِفْصَلًا مِنْ أُصْبُعٍ فَشَلَّ الْبَاقِي أَوْ قَطَعَ الْأَصَابِعَ فَشَلَّ الْكَفُّ لَزِمَ دِيَةُ الْمَقْطُوعِ فَقَطْ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ فَافْهَمْهُ   [رد المحتار] عَلَى السِّمْحَاقِ، وَأَمَّا جِلْدُ الْبَدَنِ وَلَحْمُ الْبَطْنِ وَالظَّهْرِ فَقَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: وَالْجِرَاحَاتُ الَّتِي هِيَ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ إذَا أَوْضَحَتْ الْعَظْمَ وَكَسَرَتْهُ إذَا بَقِيَ لَهَا أَثَرٌ، وَإِلَّا فَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ قِيمَةُ مَا أَنْفَقَ إلَى أَنْ يَبْرَأَ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ اهـ ط (قَوْلُهُ وَلَا فِي لَطْمَةٍ) اللَّطْمُ ضَرْبُ الْخَدِّ وَصَفْحَةُ الْجَسَدِ بِالْكَفِّ مَفْتُوحَةٌ، وَالْوَكْزُ الدَّفْعُ وَالضَّرْبُ بِجَمْعِ الْكَفِّ قَامُوسٌ وَالْوَجْءُ الضَّرْبُ بِالْيَدِ وَبِالسِّكِّينِ قَامُوسٌ قَالَ ط: وَالْمُرَادُ ضَرْبُهُ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّ الْوَجْءَ بِالسِّكِّينِ دَاخِلٌ فِي الْجِرَاحَاتِ فَالثَّلَاثَةُ رَاجِعَةٌ إلَى الضَّرْبِ بِالْيَدِ وَمَا ذَكَرَهُ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ التَّعْزِيرِ (قَوْلُهُ وَفِي سَلْخِ الْوَجْهِ كَمَالُ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ (قَوْلُهُ نِصْفُ دِيَةٍ لِلْكَفِّ) أَيْ مَعَ الْأَصَابِعِ (قَوْلُهُ وَفِيهَا أُصْبُعٌ) غَيْرَ قَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ الْأُصْبُعِ إلَّا مَفْصِلٌ وَاحِدٌ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ فِيهِ أَرْشُ ذَلِكَ الْمَفْصِلِ وَيُجْعَلُ الْكَفُّ تَبَعًا لَهُ؛ لِأَنَّ أَرْشَ ذَلِكَ الْمَفْصِلِ مُقَدَّرٌ، وَمَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْأَصْلِ وَإِنْ قَلَّ فَلَا حُكْمَ لِلتَّبَعِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا قُطِعَ الْكَفُّ وَلَا أَصَابِعَ فِيهَا، قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيهَا حُكُومَةُ الْعَدْلِ، وَلَا يَبْلُغُ بِهَا أَرْشَ أُصْبُعٍ؛ لِأَنَّ الْأُصْبُعَ الْوَاحِدَةَ تَتْبَعُهَا الْكَفُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا تَبْلُغُ قِيمَةُ التَّبَعِ قِيمَةَ الْمَتْبُوعِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَعِنْدَهُمَا يُنْظَرُ إلَى أَرْشِ الْكَفِّ وَالْأُصْبُعِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَيَدْخُلُ الْقَلِيلُ فِي الْكَثِيرِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ) بَلْ عَلَيْهِ لِلْأَصَابِعِ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِ الدِّيَةِ (قَوْلُهُ إذَا لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ) أَيْ فِي تَبَعِيَّةِ الْكَفِّ لِلْأَصَابِعِ فَكَمَا يَتْبَعُ الْخَمْسَةَ وَهِيَ الْكُلُّ يَتْبَعُ الثَّلَاثَةَ، فَلَا يَجِبُ إلَّا دِيَةُ الْأَصَابِعِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ لِتَبَعِيَّتِهِ لَهَا وَهَذَا التَّعْلِيلُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ لِقَوْلِهِمَا أَمَّا عِنْدَهُ فَالْكَفُّ يَتْبَعُ الْأَقَلَّ أَيْضًا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فَبِقَدْرِ النُّقْصَانِ) أَيْ مِنْ قِيمَتِهِ لَوْ فَرَضَ عَبْدًا مَعَ هَذَا الْعَيْبِ وَبِدُونِهِ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَشُلَّ الْبَاقِي) أَيْ مِنْ تِلْكَ الْأُصْبُعِ (قَوْلُهُ لَزِمَ دِيَةُ الْمَقْطُوعِ فَقَطْ) يَعْنِي دِيَةَ الْأُصْبُعِ بِتَمَامِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَدِيَةُ الْأَصَابِعِ كُلِّهَا فِي الثَّانِيَةِ، وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ كَمَا مَرَّ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فَقَطْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَقْطُوعِ فِي الْأُولَى الْمَفْصِلُ فَقَطْ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ لِمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْوَانِيُّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْبُرْهَانِيِّ وَالْقَاضِي خَانْ أَنَّهُ يَجِبُ دِيَةُ الْأُصْبُعِ إذَا شُلَّ الْبَاقِي مِنْ الْأُصْبُعِ وَدِيَةُ الْيَدِ إذَا شُلَّتْ الْيَدُ اهـ وَفِي النِّهَايَةِ: إذَا قُطِعَ مِنْ أُصْبُعٍ مَفْصِلٌ وَاحِدٌ فَشُلَّ الْبَاقِي مِنْ الْأُصْبُعِ أَوْ الْكَفِّ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَلَكِنْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِيمَا شُلَّ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ أُصْبُعًا فَدِيَةُ الْأُصْبُعِ، وَإِنْ كَانَ كَفًّا فَدِيَةُ الْكَفِّ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا بَقِيَ وَإِلَّا فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: قَطَعَ الْأُصْبُعَ مِنْ الْمَفْصِلِ الْأَعْلَى فَشُلَّ مَا بَقِيَ مِنْهَا يُكْتَفَى بِأَرْشٍ وَاحِدٍ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا بَقِيَ، وَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ تَجِبُ دِيَةُ الْمَقْطُوعِ، وَتَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِي الْبَاقِي بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا إذَا كَسَرَ نِصْفَ السِّنِّ وَاسْوَدَّ مَا بَقِيَ أَوْ اصْفَرَّ أَوْ احْمَرَّ تَجِبُ دِيَةُ السِّنِّ كُلِّهِ اهـ وَذَكَرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ يُكْتَفَى بِأَرْشٍ وَاحِدٍ أَرْشِ أُصْبُعٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَكَذَا إذَا كُسِرَ السِّنُّ إلَخْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 583 وَإِنْ خَالَفَ الدُّرَرَ ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَسَيَجِيءُ مَتْنًا (وَفِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَعَيْنِ الصَّبِيِّ وَذَكَرِهِ وَلِسَانِهِ إنْ لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهُ يُنْظَرُ) فِي الْعَيْنِ (وَحَرَكَةٍ) فِي الذَّكَرِ (وَكَلَامٍ) فِي اللِّسَانِ (حُكُومَةُ عَدْلٍ) فَإِنْ عُلِمَتْ الصِّحَّةُ فَكَبَالِغٍ فِي خَطَأٍ أَوْ عَمْدٍ إذَا ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارِ الْجَانِي وَإِنْ أَنْكَرَ أَوْ قَالَ لَا أَعْرِفُ صِحَّتَهُ فَحُكُومَةُ الْعَدْلِ جَوْهَرَةٌ (وَدَخَلَ أَرْشُ مُوضِحَةٍ أَذْهَبَتْ عَقْلَهُ أَوْ شَعْرَ رَأْسِهِ فِي الدِّيَةِ) لِدُخُولِ الْجُزْءِ فِي الْكُلِّ كَمَنْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَشَلَّتْ الْيَدُ (وَإِنْ ذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ نُطْقُهُ لَا) تَدْخُلُ لِأَنَّهُ كَأَعْضَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ بِخِلَافِ الْعَقْلِ لِعَوْدِ نَفْعِهِ لِلْكُلِّ (وَلَا قَوَدَ إنْ ذَهَبَتْ عَيْنَاهُ بَلْ الدِّيَةُ فِيهِمَا) خِلَافًا لَهُمَا (وَلَا يُقْطَعُ أُصْبُعٌ شُلَّ جَارُهُ) خِلَافًا لَهُمَا (وَ) لَا (أُصْبُعٌ قُطِعَ مِفْصَلُهُ الْأَعْلَى فَشَلَّ مَا بَقِيَ) مِنْ الْأَصَابِعِ (بَلْ دِيَةُ الْمِفْصَلِ وَالْحُكُومَةُ فِيمَا بَقِيَ وَلَا) قَوَدَ (بِكَسْرِ نِصْفِ سِنٍّ أَسْوَدَ)   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَإِنْ خَالَفَ الدُّرَرَ) حَيْثُ قَالَ: تَجِبُ دِيَةُ الْمَفْصِلِ فَقَطْ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا بَقِيَ وَالْحُكُومَةُ فِيمَا بَقِيَ إنْ انْتَفَعَ بِهِ اهـ فَإِنَّ الصَّوَابَ أَنْ يَقُولَ دِيَةُ الْأُصْبُعِ وَكَأَنَّهُ أَوْهَمَتْهُ عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ الْمَارَّةِ وَقَدْ عَلِمْت الْمُرَادَ بِهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ بَعْدَ أَسْطُرٍ (قَوْلُهُ وَفِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ إلَخْ) خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ الْآتِي وَهُوَ قَوْلُهُ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الدِّيَةُ فِي الْأُولَى لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْجَمَالِ بِهَا وَفِي الْبَوَاقِي؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا مَنَافِعُهَا، فَإِذَا جُهِلَ وُجُودُ الْمَنْفَعَةِ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ بِالشَّكِّ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَإِنْ كَانَ لِلْقَاطِعِ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَحَرَكَةٍ) أَيْ لِلْبَوْلِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَلَامٍ فِي اللِّسَانِ) وَالِاسْتِهْلَالُ لَيْسَ بِكَلَامٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ صَوْتٍ، وَمَعْرِفَةُ الصِّحَّةِ فِيهِ بِالْكَلَامِ هِدَايَةٌ وَغَيْرُهَا. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: لَوْ اسْتَهَلَّ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنَّ فِيهِ الْحُكُومَةَ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ فَكَبَالِغٍ) وَكَذَا فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَنْفِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَغَيْرِهَا كَالْبَالِغِ فِي الْقَوَدِ بِالْعَمْدِ وَالدِّيَةِ بِالْخَطَأِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ شَعْرَ رَأْسِهِ) يَعْنِي جَمِيعَهُ، أَمَّا إذَا تَنَاثَرَ بَعْضُهُ أَوْ شَيْءٌ يَسِيرٌ مِنْهُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ وَدَخَلَ فِيهِ الشَّعْرُ وَذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى أَرْشِ الْمُوضِحَةِ وَإِلَى الْحُكُومَةِ فِي الشَّعْرِ، فَإِنْ كَانَا سَوَاءً يَجِبُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ دَخَلَ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ، أَمَّا إذَا نَبَتَ وَرَجَعَ كَمَا كَانَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ لِدُخُولِ الْجُزْءِ فِي الْكُلِّ) ؛ لِأَنَّ بِفَوَاتِ الْعَقْلِ تَبْطُلُ مَنْفَعَةُ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ، فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْضَحَهُ وَمَاتَ وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ بِفَوَاتِ جَزْءٍ مِنْ الشَّعْرِ حَتَّى لَوْ نَبَتَ سَقَطَ هِدَايَةٌ، لَمْ يَدْخُلْ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ كَمَنْ قَطَعَ أُصْبُعًا إلَخْ) فَإِنَّ دِيَةَ الْأُصْبُعِ تَدْخُلُ فِي دِيَةِ الْيَدِ (قَوْلُهُ لَا تَدْخُلُ) فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ مَعَ الدِّيَةِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْجِنَايَةِ مَوْتٌ، أَمَّا إذَا حَصَلَ سَقَطَ الْأَرْشُ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي مَالِهِ لَوْ عَمْدًا وَعَلَى الْعَاقِلَةِ لَوْ خَطَأً كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ كَأَعْضَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ) أَفْرَدَ الضَّمِيرَ لِلْعَطْفِ بِأَوْ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ؛ لِأَنَّهَا (قَوْلُهُ وَلَا قَوَدَ) أَيْ فِي الشَّجَّةِ بِأَنْ شَجَّهُ فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ بَلْ الدِّيَةُ فِيهِمَا مَعَ أَرْشِ الشَّجَّةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا فِي الْمُوضِحَةِ الْقِصَاصُ وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ مِنَحٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُقْطَعُ أُصْبُعٌ شُلَّ جَارُهُ) بَلْ يَجِبُ أَرْشُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا مِنَحٌ وَالْأُصْبُعُ قَدْ يُذَكَّرُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الْأُولَى وَالْأَرْشُ فِي الْأُخْرَى جَوْهَرَةٌ؛ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَا قَوَدَ إنْ ذَهَبَ عَيْنَاهُ أَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَشُلَّ جَارُهُ بَلْ الدِّيَةُ فِيهِمَا خِلَافًا لَهُمَا لَكَانَ أَظْهَرَ (قَوْلُهُ مِنْ الْأَصَابِعِ) الْأَظْهَرُ قَوْلُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْأُصْبُعِ (قَوْلُهُ بَلْ دِيَةُ الْمَفْصِلِ وَالْحُكُومَةُ فِيمَا بَقِيَ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالْمُلْتَقَى، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَنْتَفِعُ بِمَا بَقِيَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ، فَلَا يُنَافِي مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ وُجُوبِ دِيَةِ الْأُصْبُعِ، لَكِنْ حَمَلَهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ قَوْلٌ آخَرُ، وَاسْتَبْعَدَ التَّوْفِيقَ بِالِانْتِفَاعِ وَعَدَمِهِ بِأَنَّ الشَّلَلَ لَا يُفَارِقُهُ عَدَمُ الِانْتِفَاعِ بِهِ لَا مَحَالَةَ تَأَمَّلْ، وَأَمَّا عِبَارَةُ الدُّرَرِ فَهِيَ سَهْوٌ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فَافْهَمْ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ الْخِلَافِ هُنَا إشَارَةً إلَى أَنَّهُمَا لَا يَقُولَانِ بِالْقِصَاصِ هُنَا، بِخِلَافِ مَا مَرَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 584 أَوْ أَصْفَرَ أَوْ أَحْمَرَ (بَاقِيهَا بَلْ كُلُّ دِيَةِ السِّنِّ) إذَا فَاتَ مَنْفَعَةُ الْمَضْغِ وَإِلَّا فَلَوْ مِمَّا يُرَى حَالَ التَّكَلُّمِ فَالدِّيَةُ أَيْضًا وَإِلَّا فَحُكُومَةُ عَدْلٍ زَيْلَعِيٌّ فَقَوْلُ الدُّرَرِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ فِيهِ فِيهِ مَا فِيهِ ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّ الْجِنَايَةَ مَتَى وَقَعَتْ عَلَى مَحَلَّيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ حَقِيقَةً فَأَرْشُ أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ قَوَدَ الْآخَرِ، وَمَتَى وَقَعَتْ عَلَى مَحَلٍّ وَأَتْلَفَتْ شَيْئَيْنِ فَأَرْشُ أَحَدِهِمَا يَمْنَعُ الْقَوَدَ (وَيَجِبُ الْأَرْشُ عَلَى مَنْ أَقَادَ سِنَّهُ) بَعْدَ مُضِيِّ حَوْلٍ (ثُمَّ نَبَتَ) بَعْدَ ذَلِكَ لِتَبَيُّنِ الْخَطَأِ حِينَئِذٍ وَسَقَطَ الْقَوَدُ لِلشُّبْهَةِ وَفِي الْمُلْتَقَى وَيُسْتَأْنَى فِي اقْتِصَاصِ السِّنِّ وَالْمُوضِحَةِ حَوْلًا وَكَذَا لَوْ ضَرَبَ سِنَّهُ فَتَحَرَّكَتْ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ الْكَبِيرِ الَّذِي لَا يُرْجَى نَبَاتُهُ لَا يُؤَجَّلُ بِهِ يُفْتَى. قُلْت: وَقَدْ يُوَفَّقُ بِمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَنْ النِّهَايَةِ الصَّحِيحِ تَأْجِيلُ الْبَالِغِ لِيَبْرَأَ لَا سِنُّهُ؛ لِأَنَّ نَبَاتَهُ نَادِرٌ (أَوْ قَلَعَهَا فَرُدَّتْ) أَيْ رَدَّهَا صَاحِبُهَا (إلَى مَكَانِهَا وَنَبَتَ عَلَيْهَا اللَّحْمُ) لِعَدَمِ عَوْدِ الْعُرُوقِ كَمَا كَانَتْ فِي النِّهَايَةِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنْ عَادَتْ إلَى حَالَتِهَا الْأُولَى فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْجَمَالِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ نَبَتَتْ (وَكَذَا الْأُذُنُ) إذَا أَلْصَقَهَا فَالْتَحَمَتْ يَجِبُ الْأَرْشُ لِأَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ دُرَرٌ (إلَّا إنْ قُلِعَتْ) السِّنُّ (فَنَبَتَتْ أُخْرَى فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْأَرْشُ عِنْدَهُ كَسِنٍّ صَغِيرٍ)   [رد المحتار] لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ أَصْحَابَنَا اتَّفَقُوا فِي الْعُضْوِ الْوَاحِدِ إذَا قُطِعَ بَعْضُهُ فَشُلَّ بَاقِيهِ أَوْ شُلَّ مَا هُوَ تَبَعٌ لِلْمَقْطُوعِ: أَيْ كَالْكَفِّ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ. وَاخْتَلَفُوا فِي عُضْوَيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ اهـ أَيْ كَالْأُصْبُعِ وَجَارِهِ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي الْأُصْبُعِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا مَرَّ، وَالْمُرَادُ عُضْوَانِ غَيْرُ مُتَبَايِنَيْنِ، وَإِلَّا فَأَرْشُ أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ قَوَدَ الْآخَرِ عِنْدَهُ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ أَوْ أَصْفَرَ أَوْ أَحْمَرَ) أَيْ أَوْ دَخَلَهُ عَيْبٌ بِوَجْهٍ مَا مَكِّيٌّ عَنْ الْكَافِي ط وَمَا ذَكَرَهُ فِي الِاصْفِرَارِ هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَبِهِ جَزَمَ فِي التَّبْيِينِ أَوَّلًا، لَكِنْ ذَكَرَ بَعْدَهُ بِنَحْوِ وَرَقَةٍ فِيمَا لَوْ اصْفَرَّتْ بِالضَّرْبِ وُجُوبُ الْحُكُومَةِ؛ لِأَنَّ الصُّفْرَةَ لَا تُوجِبُ تَفْوِيتَ الْجَمَالِ وَلَا الْمَنْفَعَةِ إلَّا أَنَّ كَمَالَ الْجَمَالِ فِي الْبَيَاضِ اهـ. وَلَعَلَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الِاصْفِرَارِ بِالْكَسْرِ وَالِاصْفِرَارِ بِالضَّرْبِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَوْ مِمَّا يُرَى إلَخْ) عِبَارَةُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ مُطْلَقَةٌ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِيهَا عَلَى التَّفْصِيلِ إلَخْ (قَوْلُهُ فَالدِّيَةُ أَيْضًا) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ جَمَالًا ظَاهِرًا عَلَى الْكَمَالِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ فِيهِ مَا فِيهِ) أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَعْنَى فَلَا شَيْءَ فِيهِ مُقَدَّرٌ فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ حُكُومَةِ الْعَدْلِ ط (قَوْلُهُ مُتَبَايِنَيْنِ حَقِيقَةً) كَيَدٍ وَرِجْلٍ ط (قَوْلُهُ عَلَى مَحَلٍّ) كَمُوضِحَةٍ أَزَالَتْ عَقْلَهُ أَوْ سَمْعَهُ أَوْ بَصَرَهُ أَوْ نُطْقَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَحَلُّ عُضْوًا وَاحِدًا أَوْ عُضْوَيْنِ غَيْرَ مُتَبَايِنَيْنِ كَأُصْبُعٍ شُلَّ جَارُهُ خِلَافًا لَهُمَا فِي الْعُضْوَيْنِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْأَرْشُ) أَيْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ أَقَادَ سِنَّهُ) يُقَالُ أَقَادَ الْقَاتِلُ بِالْقَتِيلِ إذَا قَتَلَهُ بِهِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَالْقَامُوسِ، فَيَتَعَدَّى إلَى الْأَوَّلِ بِالْهَمْزَةِ وَإِلَى الثَّانِي بِالْبَاءِ وَعَلَيْهِ فَحَقُّهُ أَقَادَ بِسِنِّهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ثُمَّ نَبَتَ) أَيْ كُلُّهُ غَيْرُ مُعْوَجٍّ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ بَعْدَ مُضِيِّ حَوْلٍ) أَفَادَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْقَوَدُ قَبْلَهُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ بَعْدَ الْإِقَادَةِ (قَوْلُهُ لِتَبَيُّنِ الْخَطَأِ) أَيْ فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لَهُ فَسَادُ الْمَنْبَتِ وَلَمْ يَفْسُدْ حَيْثُ نَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى، فَانْعَدَمَتْ الْجِنَايَةُ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِلشُّبْهَةِ) أَيْ شُبْهَةِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ قَبْلَ النَّبَاتِ ط (قَوْلُهُ وَيُسْتَأْنَى) بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ أَيْ يُنْتَظَرُ، وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْقَالِعِ ضَمِينًا كَمَا فِي الْكِفَايَةِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا) أَيْ يُسْتَأْنَى حَوْلًا (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ) حَيْثُ قَالَ: قَلَعَ سِنَّ بَالِغٍ لَا يُؤَجَّلُ سَنَةً إنَّمَا ذَلِكَ فِي الصَّبِيِّ، وَلَكِنْ يُنْتَظَرُ حَتَّى يَبْرَأَ مَوْضِعُ السِّنِّ، أَمَّا إذَا ضَرَبَهُ فَتَحَرَّكَ يُنْتَظَرُ حَوْلًا وَفِي نُسْخَةِ السَّرَخْسِيِّ يُسْتَأْنَى حَوْلًا فِي الْكَبِيرِ الَّذِي لَا يُرْجَى نَبَاتُهُ فِي الْكَسْرِ وَالْقَلْعِ وَبِالْأَوَّلِ يُفْتَى اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَقَدْ يُوَفَّقُ إلَخْ) أَيْ بِحَمْلِ مَا فِي الْمُلْتَقَى عَلَى الصَّغِيرِ وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى الْكَبِيرِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَتِهَا (قَوْلُهُ أَوْ قَلَعَهَا فَرُدَّتْ) أَيْ قَبْلَ الْقَوَدِ ط (قَوْلُهُ لِعَدَمِ عَوْدِ الْعُرُوقِ) عِلَّةً لِوُجُوبِ الْأَرْشِ ط، وَوُجُوبُهُ هُنَا عَلَى الْجَانِي (قَوْلُهُ إنْ عَادَتْ) أَيْ إنْ تَصَوَّرَ عَوْدَهَا (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعُودُ) الظَّاهِرُ جَرَيَانُ مَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ هُنَا أَيْضًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْأَرْشُ) أَيْ عَنْ الْجَانِي لِانْعِدَامِ الْجِنَايَةِ مَعْنًى (قَوْلُهُ كَسِنٍّ صَغِيرٍ) فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 585 خِلَافًا لَهُمَا وَلَوْ نَبَتَتْ مُعْوَجَّةً فَحُكُومَةُ عَدْلٍ، وَلَوْ نَبَتَتْ إلَى النِّصْفِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْأَرْشِ، وَلَا شَيْءَ فِي ظُفْرٍ نَبَتَ كَمَا كَانَ (أَوْ الْتَحَمَ شَجَّهُ أَوْ) الْتَحَمَ (جُرْحٌ) حَاصِلٌ ذَلِكَ (بِضَرْبٍ وَلَمْ يَبْقَ) لَهُ (أَثَرٌ) فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَلَمِ وَهِيَ حُكُومَةُ عَدْلٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: قَدْرُ مَا لَحِقَهُ مِنْ النَّفَقَةِ إلَى أَنْ يَبْرَأَ مِنْ أُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَثَمَنِ دَوَاهُ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَسَّرَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ أَرْشُ الْأَلَمِ بِأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَالْمُدَاوَاةِ فَعَلَيْهِ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. قُلْت: وَقَدْ قَدَّمْنَا نَحْوَهُ عَنْ الْمُجْتَبَى وَذَكَرَ هُنَا عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ فَتَنَبَّهْ (وَلَا يُقَادُ جُرْحٌ إلَّا بَعْدَ بُرْئِهِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ) وَالْمَعْتُوهِ (خَطَأٌ) بِخِلَافِ السَّكْرَانِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ   [رد المحتار] الْأَرْشُ بِالْإِجْمَاعِ إذَا نَبَتَتْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَفُتْ عَلَيْهِ مَنْفَعَةٌ وَلَا زِينَةٌ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) حَيْثُ قَالَا: عَلَيْهِ الْأَرْشُ كَامِلًا لِتَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ وَالْحَادِثُ نِعْمَةٌ مُبْتَدَأَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فَحُكُومَةُ عَدْلٍ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ زَيْلَعِيٌّ وَلَوْ نَبَتَتْ سَوْدَاءَ جُعِلَ كَأَنَّهَا لَمْ تَنْبُتْ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ فِي ظُفْرٍ إلَخْ) فَهُوَ كَالسِّنِّ. بَقِيَ مَا إذَا لَمْ يَنْبُتْ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: وَفِي قَلْعِ الْأَظْفَارِ تَنْبُتُ حُكُومَةُ عَدْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ اهـ وَإِنْ نَبَتَ الظُّفْرُ عَلَى عَيْبٍ فَحُكُومَةٌ دُونَ الْأُولَى ظَهِيرِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ) فَإِنْ بَقِيَ لَهُ أَثَرٌ فَإِنْ شَجَّةٌ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ لَزِمَ وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ) أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ كَنَبَاتِ السِّنِّ. وَفِي الْبُرْجَنْدِيِّ عَنْ الْخِزَانَةِ وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ دُرٌّ مُنْتَقَى وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ وَالنَّسَفِيُّ وَغَيْرُهُمَا، لَكِنْ قَالَ فِي الْعُيُونِ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ قِيَاسًا وَقَالَا: يُسْتَحْسَنُ أَنْ تَجِبَ حُكُومَةُ عَدْلٍ مِثْلُ أُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَهَكَذَا كُلُّ جِرَاحَةٍ بَرِئَتْ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ تَصْحِيحِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ. قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَيَظْهَرُ لِي رُجْحَانُ الِاسْتِحْسَانِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُشَاحَحَةِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَيْضًا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الْحُكُومَةُ وَهُوَ قَوْلُ الثَّانِي. قَالَ الْفَقِيهُ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا ثَمَنَ الْأَدْوِيَةِ قَالَ الْقَاضِي: أَنَا لَا أَتْرُكُ قَوْلَهُمَا وَإِنْ بَقِيَ أَثَرٌ يَجِبُ أَرْشُ ذَلِكَ الْأَثَرِ إنْ مُنَقِّلَةٌ مَثَلًا فَأَرْشُ الْمُنَقِّلَةِ اهـ قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَتَأَمَّلْ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا هُنَا مِنْ الْمُخَالَفَةِ فِي سُوقِ الْخِلَافِ، وَمَا هُنَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْعَيْنِيِّ وَغَالِبِ الشُّرُوحِ (قَوْلُهُ وَهِيَ حُكُومَةُ عَدْلٍ) أَنَّثَ الضَّمِيرَ مُرَاعَاةً لِلْخَبَرِ (قَوْلُهُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ) وَغَيْرُهُ كَالزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا) أَيْ فِي بَابِ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ نَحْوَهُ أَيْ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ هُنَا) أَيْ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْهُ: أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَيْنِ حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَلَمِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الْأَدْوِيَةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ زَجْرًا لِلسَّفِيهِ وَجَبْرًا لِلضَّرَرِ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ أَبُو يُوسُفَ أَرْشَ الْأَلَمِ وَأَرَادَ بِهِ حُكُومَةَ عَدْلٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَوَّمَ عَبْدًا صَحِيحًا وَيُقَوَّمَ بِهَذَا الْأَلَمِ. ثُمَّ قَالَ قُلْت: فَسَّرَ حُكُومَةَ الْعَدْلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِأُجْرَةِ الطَّبِيبِ، وَهَكَذَا رَأَيْته فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّهُ أَرَادَ أُجْرَةَ الطَّبِيبِ وَثَمَنَ الْأَدْوِيَةِ. وَقَالَ الْقُدُورِيُّ: إنَّ أُجْرَةَ الطَّبِيبِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ فَتَنَبَّهْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ تَفْسِيرَ الطَّحَاوِيِّ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى إحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ط (قَوْلُهُ وَلَا يُقَادُ جُرْحٌ إلَّا بَعْدَ بُرْئِهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ جُرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ صَاحِبُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَلِأَنَّ الْجِرَاحَاتِ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَا لَهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَسْرِيَ إلَى النَّفْسِ فَيَظْهَرَ أَنَّهُ قَتْلٌ فَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ جُرْحٌ إلَّا بِالْبُرْءِ فَيَسْتَقِرُّ بِهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ خَطَأً) أَيْ فِي حُكْمِ الْخَطَأِ فِي وُجُوبِ الْمَالِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ السَّكْرَانِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ) كَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ السَّكْرَانُ بِغَيْرِ مُبَاحٍ زَجْرًا لَهُ، وَإِلَّا فَالْعَمْدُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْقَصْدِ وَالسَّكْرَانُ بِمُبَاحٍ لَا قَصْدَ لَهُ وَلَا زَجْرَ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمُغْمَى فَإِنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُ كَالنَّائِمِ بَلْ هُوَ أَشَدُّ، وَأَيْضًا فَالصَّبِيُّ لَهُ قَصْدٌ بِالْجُمْلَةِ، وَقَدْ جُعِلَ عَمْدُهُ خَطَأً فَهَذَا أَوْلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 586 (وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ) إنْ بَلَغَ نِصْفَ الْعُشْرِ فَأَكْثَرَ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْعَجَمِ وَإِلَّا فَفِي مَالِهِ دُرَرٌ (وَلَا كَفَّارَةَ وَلَا حِرْمَانَ إرْثٍ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَلَوْ جُنَّ بَعْدَ الْقَتْلِ قُتِلَ وَقِيلَ لَا وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْمُلْتَقَى. (صَبِيٌّ ضَرَبَ سِنَّ صَبِيٍّ فَانْتَزَعَهَا يُنْتَظَرُ بُلُوغُ الْمَضْرُوبِ) إنْ بَلَغَ وَلَمْ يَنْبُتْ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَلَوْ مِنْ الْعَجَمِ فَفِي مَالِهِ دُرَرٌ وَسَنُحَقِّقُهُ فِي الْمَعَاقِلِ. [مُهِمَّةٌ] حُكُومَةُ الْعَدْلِ لَا نَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ مَعْزِيًّا لِلتَّتَارْخَانِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَصْلٌ فِي الْجَنِينِ (ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ) حَامِلٍ   [رد المحتار] فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: السَّكْرَانُ مِنْ مُحَرَّمٍ مُكَلَّفٌ، وَإِنْ مِنْ مُبَاحٍ فَلَا فَهُوَ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ) الْأَوْلَى عَاقِلَتِهِمَا (قَوْلُهُ إنْ بَلَغَ) الْأَوْلَى بَلَغَتْ (قَوْلُهُ نِصْفَ الْعُشْرِ) هُوَ خَمْسُمِائَةٍ فِي الرَّجُلِ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فِي الْمَرْأَةِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَفِي مَالِهِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ تَبْلُغْ نِصْفَ الْعُشْرِ، فَإِنَّهُ يُسْلَكُ فِيهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ زَيْلَعِيٌّ، أَوْ كَانَ مِنْ الْعَجَمِ فَإِنَّ الْمُخْتَارَ فِيهِمْ أَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُمْ سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَا كَفَّارَةَ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا ذَنْبَ لَهُمَا تَسْتُرُهُ وَحِرْمَانُ الْإِرْثِ عُقُوبَةٌ وَلَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا، وَأَمَّا حِرْمَانُ الصَّبِيِّ الْمُرْتَدِّ مِنْ مِيرَاثِ أَبِيهِ فَلِاخْتِلَافِ الدِّينِ لَا جَزَاءً لِلرِّدَّةِ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْمُلْتَقَى) حَيْثُ قَالَ: وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ جُنَّ بَعْدَمَا قَتَلَ قُتِلَ، وَهَذَا لَوْ الْجُنُونُ غَيْرُ مُطْبِقٍ، وَإِلَّا فَيَسْقُطُ الْقَوَدُ كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَعَنْهُمَا لَا يُقْتَلُ مُطْلَقًا إلَّا إذَا قَضَى عَلَيْهِ بِالْقَوَدِ. وَفِي الْمُنْتَقَى: لَوْ جُنَّ قَبْلَ الدَّفْعِ إلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ لَمْ يُقْتَلْ كَمَا لَوْ عَتَقَ بَعْدَ الْقَتْلِ وَفِيهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ اهـ وَتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي فَصْلِ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ. (قَوْلُهُ يُنْتَظَرُ بُلُوغُ الْمَضْرُوبِ) الَّذِي تَحَرَّرَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الْمَضْرُوبَ لَوْ كَانَ بَالِغًا يُؤَجَّلُ حَتَّى يَبْرَأَ، وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا يُؤَجَّلُ حَوْلًا، وَأَمَّا تَأْجِيلُهُ إلَى الْبُلُوغِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَوْلٌ آخَرُ أَوْ أَنَّهُ خَاصٌّ بِمَا إذَا كَانَ الضَّارِبُ صَبِيًّا كَالْمَضْرُوبِ، وَلَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَ الضَّارِبُ بَالِغًا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَنْبُتْ) أَمَّا إذَا نَبَتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ ط (قَوْلُهُ وَسَنُحَقِّقُهُ فِي الْمَعَاقِلِ) أَيْ نُحَقِّقُ أَنَّ الدِّيَةَ فِي الْعَجَمِ مِنْ مَالِ الْجَانِي ط (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ ط (قَوْلُهُ كَمَا فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ) عِبَارَتُهُ مُهِمَّةٌ حُكُومَةُ الْعَدْلِ إنْ كَانَتْ دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ أَوْ مِثْلَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِيَقِينٍ فَلَا، رِوَايَةٌ عَنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة اهـ ط وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [فَصْلٌ فِي الْجَنِينِ] ِ لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى أَحْكَامِ الْأَجْزَاءِ الْحَقِيقِيَّةِ عَقَّبَهُ بِأَحْكَامِ الْجُزْءِ الْحُكْمِيِّ وَهُوَ الْجَنِينُ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الْجُزْءِ مِنْ الْأُمِّ، وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنْ جَنَّهُ إذَا سَتَرَهُ مِنْ بَابِ طَلَبَ، وَهُوَ الْوَلَدُ مَا دَامَ فِي الرَّحِمِ ط مُلَخَّصًا وَيَكْفِي اسْتِبَانَةُ بَعْضِ خَلْقِهِ كَظُفْرٍ وَشَعْرٍ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا (قَوْلُهُ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ) وَكَذَا لَوْ ضَرَبَ ظَهْرَهَا أَوْ جَنْبَهَا أَوْ رَأْسَهَا أَوْ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهَا فَتَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ، وَنَحْوُهُ فِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ التَّحْرِيرِ، وَقَالَ السَّائِحَانِيُّ: يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ: أَسْقَطَتْهُ بِدَوَاءٍ أَوْ فِعْلٍ أَنَّ الْبَطْنَ وَالضَّرْبَ لَيْسَا بِقَيْدٍ، حَتَّى لَوْ ضَرَبَ رَأْسَهَا أَوْ عَالَجَتْ فَرْجَهَا فَفِيهِ الضَّمَانُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 587 خَرَجَ الْأَمَةُ وَالْبَهِيمَةُ وَسَيَجِيءُ حُكْمُهُمَا. قُلْت: بَلْ الشَّرْطُ حُرِّيَّةُ الْجَنِينِ دُونَ أُمِّهِ كَأَمَةٍ عَلِقَتْ مِنْ سَيِّدِهَا أَوْ مِنْ الْمَغْرُورِ فَفِيهِ الْغُرَّةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ دُرَرٌ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ فَالْعَجَبُ مِنْ الْمُصَنِّفِ كَيْفَ لَمْ يَذْكُرْهُ (وَلَوْ) كَانَتْ (الْمَرْأَةُ كِتَابِيَّةً أَوْ مَجُوسِيَّةً) أَوْ زَوْجَتَهُ (فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا) حُرًّا (وَجَبَ) عَلَى الْعَاقِلَةِ (غُرَّةٌ) غُرَّةُ الشَّهْرِ أَوَّلُهُ وَهَذِهِ أَوَّلُ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ (نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ) أَيْ دِيَةِ الرَّجُلِ لَوْ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا وَعُشْرُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ لَوْ أُنْثَى وَكُلٌّ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ (فِي سَنَةٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَالدِّيَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: فِي مَالِهِ وَلَنَا فِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (فَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا فَمَاتَ فَدِيَةٌ كَامِلَةٌ   [رد المحتار] وَقَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ: وَقَدْ أَفْتَى وَالِدُ شَيْخِنَا أَمِينِ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ الْعَالِ إذَا صَاحَ عَلَى امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا لَا يَضْمَنُ وَإِذَا خَوَّفَهَا بِالضَّرْبِ يَضْمَنُ. وَأَقُولُ: وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ فِي مَوْتِهَا بِالتَّخْوِيفِ وَهُوَ فِعْلٌ صَادِرٌ مِنْهُ نُسِبَ إلَيْهِ وَبِالصِّيَاحِ مَوْتُهَا بِالْخَوْفِ الصَّادِرِ مِنْهَا وَصَرَّحُوا أَنَّهُ لَوْ صَاحَ عَلَى كَبِيرٍ فَمَاتَ لَا يَضْمَنُ، وَأَنَّهُ لَوْ صَاحَ عَلَيْهِ فَجْأَةً فَمَاتَ مِنْهَا تَجِبُ الدِّيَةُ. وَأَقُولُ: لَا مُخَالَفَةَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ مَاتَ بِالْخَوْفِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ، وَفِي الثَّانِي بِالصَّيْحَةِ فَجْأَةً الْمَنْسُوبَةِ إلَى الصَّائِحِ وَالْقَوْلُ لِلْفَاعِلِ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ الْخَوْفِ، وَعَلَى الْأَوْلِيَاءِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ مِنْ التَّخْوِيفِ. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ صَاحَ عَلَى الْمَرْأَةِ فَجْأَةً فَأَلْقَتْ مِنْ صَيْحَتِهِ يَضْمَنُ وَلَوْ أَلْقَتْ امْرَأَةً غَيْرَهَا لَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ عَلَيْهَا فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ تَحْرِيرٌ جَيِّدٌ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ خَرَجَ الْأَمَةُ وَالْبَهِيمَةُ) فِيهِ نَشْرٌ مُشَوَّشٌ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ حُكْمُهَا) أَيْ فِي هَذَا الْفَصْلِ (قَوْلُهُ أَوْ مِنْ الْمَغْرُورِ) كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ أَوْ شَرَاهَا فَاسْتُحِقَّتْ وَقَدْ عَلِقَتْ مِنْهُ (قَوْلُهُ فَالْعَجَبُ مِنْ الْمُصَنِّفِ كَيْفَ لَمْ يَذْكُرْهُ) أَيْ مَعَ شِدَّةِ مُتَابَعَتِهِ لِلدُّرَرِ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُسْقِطَ التَّقْيِيدَ بِالْحُرِّيَّةِ أَوَّلًا وَيَذْكُرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ، أَوْ يَقُولُ: ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ حَامِلٍ بَحْرٌ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّ حُرِّيَّةَ الْأُمِّ شَرْطٌ (قَوْلُهُ غُرَّةُ الشَّهْرِ أَوَّلُهُ إلَخْ) بَيَانٌ لِوَجْهِ التَّسْمِيَةِ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ أَوَّلُ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ) فَإِنَّ أَقَلَّ أَرْشٍ مُقَدَّرٍ نِصْفُ الْعُشْرِ كَمَا مَرَّ فِي الشِّجَاجِ (قَوْلُهُ أَيْ دِيَةُ الرَّجُلِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الدِّيَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ دِيَةُ الرَّجُلِ وَنِصْفُ عُشْرِهَا هُوَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَذَلِكَ هُوَ غُرَّةُ الْجَنِينِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّ غُرَّةَ الْجَنِينِ الْأُنْثَى عُشْرُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ غُرَّةِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَلِهَذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى (قَوْلُهُ فِي سَنَةٍ) أَيْ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ وَهَذَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ، أَمَّا الْأَمَةُ فَفِي مَالِ الضَّارِبِ حَالًّا كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَنَا فِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ «بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ» زَيْلَعِيٌّ. وَاعْلَمْ أَنَّ وُجُوبَ الْغُرَّةِ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ. رُوِيَ أَنَّ سَائِلًا قَالَ لِزُفَرَ: لَا يَخْلُو مِنْ أَنَّهُ مَاتَ بِالضَّرْبِ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، أَوْ لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ فَلَا شَيْءَ فِيهِ فَسَكَتَ زُفَرُ فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: أَعْتَقْتُك سَائِبَةً فَجَاءَ زُفَرُ إلَى أَبِي يُوسُفَ فَقَالَ التَّعَبُّدُ التَّعَبُّدُ: أَيْ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْرَكَ بِالْعَقْلِ عِنَايَةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ فَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا) تَثْبُتُ حَيَاتُهُ بِكُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ مِنْ الِاسْتِهْلَالِ، وَالرَّضَاعِ، وَالنَّفَسِ، وَالْعُطَاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: أَمَّا لَوْ تَحَرَّكَ عُضْوٌ مِنْهُ فَلَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ اخْتِلَاجٍ أَوْ مِنْ خُرُوجٍ مِنْ ضِيقٍ اهـ ط عَنْ الْمَكِّيِّ (قَوْلُهُ فَدِيَةٌ كَامِلَةٌ) أَيْ وَكَفَّارَةٌ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَسَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ أَوْ خَطَأٌ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ هُنَا أَيْضًا، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالِاخْتِيَارِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ: عَلَى الضَّارِبِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَوْ مَبْنِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الضَّارِبِ أَوَّلًا، ثُمَّ تَتَحَمَّلُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 588 وَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَمَاتَتْ الْأُمُّ فَدِيَةٌ) فِي الْأُمِّ (وَغُرَّةٌ) فِي الْجَنِينِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْفِعْلَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ أَثَرِهِ وَصَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ بِتَعَدُّدِ الْغُرَّةِ لَوْ مَيِّتَيْنِ فَأَكْثَرَ اهـ. قُلْت: وَظَاهِرُهُ تَعَدُّدُ الدِّيَةِ وَلَمْ أَرَهُ فَلْيُرَاجَعْ (وَإِنْ مَاتَتْ فَأَلْقَتْهُ فَدِيَةٌ فَقَطْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: غُرَّةٌ وَدِيَةٌ (وَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا بَعْدَمَا مَاتَتْ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ كَمَا إذَا أَلْقَتْهُ حَيًّا وَمَاتَا وَمَا يَجِبُ فِيهِ) مِنْ غُرَّةٍ أَوْ دِيَةٍ (يُورَثُ عَنْهُ وَتَرِثُ) مِنْهُ (أُمُّهُ وَلَا يَرِثُ ضَارِبُهُ) مِنْهَا (فَلَوْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَتِهِ فَأَلْقَتْ ابْنَهُ مَيِّتًا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ غُرَّةٌ وَلَا يَرِثُ مِنْهَا) لِأَنَّهُ قَاتِلٌ (وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ) الرَّقِيقِ الذَّكَرِ (نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ حَيًّا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ أُنْثَى) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ دِيَةَ الرَّقِيقِ قِيمَتُهُ وَلَا يَلْزَمُ زِيَادَةُ الْأُنْثَى لِزِيَادَةِ قِيمَةِ الذَّكَرِ غَالِبًا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْوُقُوفُ عَلَى كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا إذَا أُلْقِيَ بِلَا رَأْسٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَجِبُ الْقِيمَةُ إذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ وَلَا تُنْفَخُ مِنْ غَيْرِ رَأْسٍ ذَخِيرَةٌ (فِي مَالِ الضَّارِبِ) لِلْأَمَةِ (حَالًا) وَلَوْ أَلْقَتْهُ حَيًّا وَقَدْ نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْجَنِينِ لَا نُقْصَانُهَا لَوْ بِقِيمَتِهِ   [رد المحتار] عَنْهُ الْعَاقِلَةُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ الْفِعْلَيْنِ، وَلِذَا لَمْ يَقُلْ فِي مَالِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَمَاتَتْ الْأُمُّ إلَخْ) بَيَانٌ لِمَوْتِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ أَرْبَعُ صُوَرٍ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ إمَّا فِي حَالِ حَيَاةِ الْأُمِّ فَقَطْ أَوْ حَالِ مَوْتِهِمَا أَوْ مَوْتِهَا فَقَطْ أَوْ حَيَاتِهِمَا. (قَوْلُهُ لِمَا تَقَرَّرَ إلَخْ) كَمَا إذَا رَمَى فَأَصَابَ شَخْصًا وَنَفَذَ مِنْهُ إلَى آخَرَ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ إنْ كَانَا خَطَأً وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ تَعَدُّدُ الدِّيَةِ) أَيْ لَوْ أَلْقَهُمَا حَيَّيْنِ فَمَاتَا (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَهُ فَلْيُرَاجَعْ) أَقُولُ: صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالدُّرَرِ، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَلَوْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ تَجِبُ غُرَّتَانِ، وَإِنْ أَحَدُهُمَا حَيًّا فَمَاتَ وَالْآخَرُ مَيِّتًا فَغُرَّةٌ وَدِيَةٌ، وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ ثُمَّ خَرَجَا مَيِّتَيْنِ تَجِبُ دِيَةُ الْأُمِّ وَحْدَهَا إلَّا إذَا خَرَجَا حَيَّيْنِ فَمَاتَا فَثَلَاثُ دِيَاتٍ وَعَلَى هَذَا يُقَاسُ، وَإِنْ خَرَجَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الْأُمِّ وَالْآخَرُ بَعْدَ مَوْتِهَا وَهُمَا مَيِّتَانِ فَفِي الَّذِي خَرَجَ قَبْلَ الْغُرَّةِ وَلَا شَيْءَ فِي الَّذِي خَرَجَ بَعْدُ، وَاَلَّذِي خَرَجَ قَبْلَ مَوْتِ أُمِّهِ لَا يَرِثُ مِنْ دِيَةِ أُمِّهِ شَيْئًا وَتَرِثُ الْأُمُّ مِنْهُ، وَالْآخَرُ لَا يَرِثُ مِنْ أَحَدٍ، وَلَا يُورَثُ عَنْهُ إلَّا إذَا خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ، وَيَرِثُهَا وَرَثَتُهُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة مُخْتَصَرًا اهـ (قَوْلُهُ فَدِيَةٌ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ مَوْتَ الْأُمِّ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ ظَاهِرًا إذْ حَيَاتُهُ بِحَيَاتِهَا وَتَنَفُّسُهُ بِتَنَفُّسِهَا فَيَتَحَقَّقُ مَوْتُهُ بِمَوْتِهَا، فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ إذْ الِاحْتِمَالُ فِيهِ أَقَلُّ فَلَا يَضْمَنُ بِالشَّكِّ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَا يَرِثُ ضَارِبُهُ مِنْهَا) أَيْ وَلَا مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ مُبَاشَرَةً (قَوْلُهُ وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ) أَيْ الَّذِي أَلْقَتْهُ مَيِّتًا كَمَا هُوَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ، قَوْلُهُ لَوْ حَيًّا رَاجِعٌ إلَى قِيمَتِهِ: أَيْ قِيمَتِهِ لَوْ فُرِضَ حَيًّا، أَمَّا لَوْ أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ فَفِيهِ الْقِيمَةُ بِتَمَامِهَا كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ الشَّارِحُ، وَقَوْلُهُ: الرَّقِيقُ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا كَانَ مِنْ مَوْلَاهَا أَوْ مِنْ الْمَغْرُورِ فَإِنَّهُ حُرٌّ، وَفِيهِ الْغُرَّةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا قَدَّمَهُ، وَقَوْلُهُ لَوْ أُنْثَى مُقَابِلُ قَوْلِهِ الذَّكَرُ لَا قَوْلُهُ لَوْ حَيًّا. (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ زِيَادَةُ الْأُنْثَى) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْغُلَامِ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ وَالْغَالِبُ زِيَادَةُ قِيمَةِ الذَّكَرِ. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَدْ يُقَالُ: لَا مَحْذُورَ فِي اللُّزُومِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ زِيَادَةِ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى إنَّمَا هُوَ فِي الْأَحْرَارِ لِشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ، لَا فِي الْأَرِقَّاءِ؛ لِأَنَّهُمْ كَالْمَتَاعِ وَلِذَا لَمْ تُقَدَّرْ لَهُمْ دِيَةٌ (قَوْلُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) تَبِعَ فِيهِ الْقُهُسْتَانِيَّ وَاَلَّذِي فِي الْكِفَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْمُتْقِنِ كَقَتْلِ عَبْدٍ خُنْثَى خَطَأً، وَلَوْ ضَاعَ الْجَنِينُ وَوَقَعَ النِّزَاعُ فِي قِيمَتِهِ بِاعْتِبَارِ لَوْنِهِ وَهَيْئَتِهِ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ فَالْقَوْلُ لِلضَّارِبِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ (قَوْلُهُ كَمَا إذَا أُلْقِيَ بِلَا رَأْسٍ) تَنْظِيرٌ لَا تَمْثِيلٌ. أَقُولُ: وَسَيَأْتِي أَنَّ مَا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ كَتَامِّ الْخِلْقَةِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بَعْدَ اسْتِبَانَةِ الرَّأْسِ إذْ لَا حَيَاةَ بِدُونِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي مَالِ الضَّارِبِ) ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الرَّقِيقَ اخْتِيَارٌ تَأَمَّلْ، وَقَوْلُهُ لِلْأَمَةِ كَذَا فِي بَعْضِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 589 وَفَاءً بِهِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ إتْمَامُ ذَلِكَ مُجْتَبًى. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: فِيهِ لِنُقْصَانِهَا كَالْبَهِيمَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا لِلْمَوْلَى (فَإِنْ حَرَّرَهُ) أَيْ الْجَنِينَ (سَيِّدُهُ بَعْدَ ضَرْبِهِ) ضَرْبِ بَطْنِ الْأَمَةِ (فَأَلْقَتْهُ) حَيًّا (فَمَاتَ فَفِيهِ قِيمَتُهُ حَيًّا) لِلْمَوْلَى لَا دِيَتُهُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الضَّرْبِ، وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ تَجِبُ دِيَةٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنَّا. (وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْجَنِينِ) عِنْدَنَا وُجُوبًا بَلْ نَدْبًا زَيْلَعِيٌّ (إنْ وَقَعَ مَيِّتًا وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ) كَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِهِمْ لِتَصْرِيحِهِمْ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ حِينَئِذٍ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُحْفَظْ (وَمَا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ) كَظُفْرٍ وَشَعْرٍ (كَتَامٍّ فِيمَا ذُكِرَ) مِنْ الْأَحْكَامِ وَعِدَّةٍ وَنِفَاسٍ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ (وَضَمِنَ الْغُرَّةَ عَاقِلَةُ امْرَأَةٍ) حُرَّةٍ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا عَاقِلَةٌ فَفِي مَالِهَا فِي سَنَةٍ أَيْضًا صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَلَا تَأْثَمُ مَا لَمْ يَسْتَبِنْ بَعْضُ خَلْقِهِ وَمَرَّ فِي الْحَظْرِ نَظْمًا.   [رد المحتار] النُّسَخِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالضَّارِبِ. قَالَ ط: وَهَذَا حُكْمُ الْجَنِينِ، وَأَمَّا إذَا مَاتَتْ الْأُمُّ قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَى الضَّارِبِ قِيمَةُ الْأُمِّ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجَنِينَ كَعُضْوٍ مِنْهَا، سَيَأْتِي آخِرَ الْمَعَاقِلِ أَنَّ الْحُرَّ إذَا جَنَى عَلَى نَفْسِ عَبْدٍ خَطَأً فَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ إذَا قَتَلَهُ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ أَطْرَافَ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ بِهِ) أَيْ بِنُقْصَانِ الْوِلَادَةِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) بِأَنْ انْتَقَصَتْ عَشَرَةً مَثَلًا وَقِيمَةُ الْجَنِينِ خَمْسَةٌ فَعَلَيْهِ عَشَرَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إلَخْ) هَذَا غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: ثُمَّ وُجُوبُ الْبَدَلِ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا نُقْصَانُ الْأُمِّ إنْ تَمَكَّنَ فِيهَا نَقْصٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ بَعْدَ ضَرْبِهِ) فَلَوْ حَرَّرَهُ قَبْلَهُ وَلَهُ أَبٌ حُرٌّ فَفِيهِ الْغُرَّةُ لِلْأَبِ دُونَ الْمَوْلَى تَتَارْخَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ ضَرَبَ بَطْنَ الْأَمَةِ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ ضَرَبَهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَصْدَرَ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ، وَيَجُوزُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى الْجَنِينِ، فَيَتَّحِدُ مَرْجِعُ الضَّمَائِرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِلْمَوْلَى) قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ أَنَّهَا لِلْمَوْلَى أَوْ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا لِلْمَوْلَى لِاسْتِنَادِ الضَّمَائِرِ إلَى الضَّرْبِ وَوَقْتُ الضَّرْبِ كَانَ مَمْلُوكًا أَتْقَانِيٌّ مُلَخَّصًا وَذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِيهِ: فَقِيلَ لِوَرَثَتِهِ وَقِيلَ لِلْجَنِينِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الضَّرْبِ) ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِالضَّرْبِ السَّابِقِ، وَقَدْ كَانَ فِي حَالَةِ الرِّقِّ، فَلِهَذَا تَجِبُ الْقِيمَةُ دُونَ الدِّيَةِ وَتَجِبُ قِيمَتُهُ حَيًّا؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاتِلًا إيَّاهُ وَهُوَ حَيٌّ فَنَظَرْنَا إلَى حَالَتَيْ السَّبَبِ وَالتَّلَفِ هِدَايَةٌ يَعْنِي أَوْجَبْنَا الْقِيمَةَ دُونَ الدِّيَةِ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الضَّرْبِ، وَأَوْجَبْنَا قِيمَتَهُ حَيًّا لَا مَشْكُوكًا فِي حَيَاتِهِ بِاعْتِبَارِ حَالَةِ التَّلَفِ إذْ لَوْ اعْتَبَرَ حَالَةَ الضَّرْبِ فَقَطْ جَازَ أَنْ لَا يَكُونَ حَيًّا فَلَا تَجِبُ قِيمَتُهُ بَلْ تَجِبُ الْغُرَّةُ كِفَايَةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ آدَمِيًّا خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ (قَوْلُهُ كَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ) أَقُولُ: وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي الِاخْتِيَارِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْهُ، وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ عَنْ الْوَاقِعَاتِ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَفْهُومُ إلَخْ) فِيهِ اعْتِذَارٌ عَنْ عَدَمِ التَّصْرِيحِ بِالتَّفْصِيلِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ حَيْثُ أَطْلَقُوا قَوْلَهُمْ وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْجَنِينِ (قَوْلُهُ وَمَا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ إلَخْ) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَيْضِ أَنَّهُ لَا يَسْتَبِينُ خَلْقُهُ إلَّا بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الرَّأْسِ، وَفِي الشُّمُنِّيِّ: وَلَوْ أَلْقَتْ مُضْغَةً وَلَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ فَشَهِدَتْ ثِقَاتٌ مِنْ الْقَوَابِلِ أَنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ وَلَوْ بَقِيَ لَتَصَوَّرَ فَلَا غُرَّةَ فِيهِ وَتَجِبُ فِيهِ عِنْدَنَا حُكُومَةٌ اهـ (قَوْلُهُ وَعِدَّةٍ وَنِفَاسٍ) أَيْ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرُ بِهِ أُمُّهُ نُفَسَاءَ (قَوْلُهُ فَفِي مَالِهَا) أَيْ فِي رِوَايَةٍ وَعَلَى عَاقِلَتِهَا فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ: أَيْ لِمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْمَعَاقِلِ أَنَّ مَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَإِنَّ رِوَايَةَ وُجُوبِهَا فِي مَالِهِ شَاذَّةٌ وَيَأْتِي تَمَامُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَلَا تَأْثَمُ) الْأَنْسَبُ فِي التَّعْبِيرِ وَأَثِمَتْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَ وُجُوبِ الْغُرَّةِ وَهِيَ لَا تَجِبُ إلَّا بِاسْتِبَانَةِ بَعْضِ الْخَلْقِ، ثُمَّ يَقُولُ: وَلَوْ لَمْ يَسْتَبِنْ بَعْضُ خَلْقِهِ فَلَا إثْمَ ط. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 590 (أَسْقَطَتْهُ مَيِّتًا) عَمْدًا (بِدَوَاءٍ أَوْ فِعْلٍ) كَضَرْبِهَا بَطْنَهَا (بِلَا إذْنِ زَوْجِهَا فَإِنْ أَذِنَ) أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ (لَا) غُرَّةَ لِعَدَمِ التَّعَدِّي، وَلَوْ أَمَرَتْ امْرَأَةً فَفَعَلَتْ لَا تَضْمَنُ الْمَأْمُورَةَ، وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ إذَا فَعَلَتْهُ بِنَفْسِهَا حَتَّى أَسْقَطَتْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِاسْتِحَالَةِ الدَّيْنِ عَلَى مَمْلُوكِهِ مَا لَمْ تَسْتَحِقَّ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ لِلْمَوْلَى الْغُرَّةُ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ: شَرِبَتْ دَوَاءً لِتُسْقِطَهُ عَمْدًا فَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا فَمَاتَ فَعَلَيْهَا الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ، وَإِنْ مَيِّتًا فَالْغُرَّةُ وَلَا تَرِثُ فِي الْحَالَيْنِ   [رد المحتار] وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالُوا إنْ لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ لَا تَأْثَمُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَلَا أَقُولُ بِهِ إذْ الْمُحَرَّمُ إذَا كَسَرَ بَيْضَ الصَّيْدِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ فَلَمَّا كَانَ مُؤَاخَذًا بِالْجَزَاءِ ثَمَّةَ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَلْحَقَهَا إثْمٌ هُنَا إذَا أَسْقَطَتْ بِلَا عُذْرٍ إلَّا أَنَّهَا لَا تَأْثَمُ إثْمَ الْقَتْلِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا تَأْثَمُ إثْمَ الْقَتْلِ لَوْ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ وَمَاتَ بِفِعْلِهَا. (قَوْلُهُ أَسْقَطَتْهُ عَمْدًا) كَذَا قُيِّدَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَفِي حَقِّ غَيْرِهَا لَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ إسْقَاطِ الْوَلَدِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ كَضَرْبِهَا بَطْنَهَا) وَكَمَا إذَا عَالَجَتْ فَرْجَهَا حَتَّى أَسْقَطَتْ كِفَايَةٌ أَوْ حَمَلَتْ حَمْلًا ثَقِيلًا تَتَارْخَانِيَّةٌ أَيْ عَلَى قَصْدِ إسْقَاطِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَذِنَ لَا) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْكَافِي وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: أَقُولُ هَذَا يَتَمَشَّى عَلَى الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ لَا عَلَى الصَّحِيحِ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي قَالَ لِغَيْرِهِ: اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تَجْرِي فِي النُّفُوسِ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ لِلشَّبَهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَجِبُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ حَقُّهُ، وَقَدْ أَذِنَ بِإِتْلَافِ حَقِّهِ انْتَهَى، فَكَذَا الْغُرَّةُ أَوْ دِيَةُ الْجَنِينِ حَقُّهُ غَيْرَ أَنَّ الْإِبَاحَةَ مُنْتَفِيَةٌ، فَلَا تَسْقُطُ الْغُرَّةُ عَنْ عَاقِلَةِ الْمَرْأَةِ بِمُجَرَّدِ أَمْرِ زَوْجِهَا بِإِتْلَافِ الْجَنِينِ، وَلِأَنَّ أَمْرَهَا لَا يُنَزَّلُ عَنْ فِعْلِهِ، فَإِنَّهُ إذَا ضَرَبَ امْرَأَتَهُ فَأَلْقَتْ جَنِينًا لَزِمَ عَاقِلَتَهُ الْغُرَّةُ وَلَا يَرِثُ مِنْهَا، فَلَوْ نَظَرْنَا لِكَوْنِ الْغُرَّةِ حَقَّهُ لَمْ يَجِبْ بِضَرْبِهِ شَيْءٌ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْآدَمِيُّ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ إهْدَارَ آدَمِيَّتِهِ لَزِمَ مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ بِإِتْلَافِهِ، وَاسْتَحَقَّهُ غَيْرُ الْجَانِي اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ الْجَنِينَ لَمْ يُعْتَبَرْ نَفْسًا عِنْدَنَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ آدَمِيَّتِهِ وَأَنَّهُ اُعْتُبِرَ جُزْءًا مِنْ أُمِّهِ مِنْ وَجْهٍ وَلِذَا لَا تَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَلَا الْكَفَّارَةُ مَا لَمْ تَتَحَقَّقْ حَيَاتُهُ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ وُجُوبَ الْغُرَّةِ تَعَبُّدِيٌّ فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُهُ بِالنَّفْسِ الْمُحَقَّقَةِ حَتَّى يُقَالَ: إنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تَجْرِي فِي النُّفُوسِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَصْحِيحِ الضَّمَانِ فِي الْفَرْعِ الْمَارِّ تَصْحِيحُهُ فِي هَذَا، وَتَقَدَّمَ أَوَّلُ الْجِنَايَاتِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ اقْطَعْ يَدَيَّ أَوْ رِجْلَيَّ لَا شَيْءَ فِيهِ وَإِنْ سَرَى لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ كَالْأَمْوَالِ فَصَحَّ الْأَمْرُ، فَإِلْحَاقُهُ بِهَذَا الْفَرْعِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ الضَّارِبُ فَالْحَقُّ لَهُ وَقَدْ رَضِيَ بِإِتْلَافِ حَقِّهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ هُوَ الضَّارِبَ فَإِنَّهَا حَقُّ غَيْرِهِ وَلِذَا لَا يَرِثُ مِنْهُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَمَرَتْ امْرَأَةٌ) أَيْ أَمَرَتْ الزَّوْجَةُ غَيْرَهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ الضَّمَانِ بَعْدَ أَنْ أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا فِي الْإِسْقَاطِ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سَوْقُ كَلَامِ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ أَمْرِ الْأُمِّ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِسُقُوطِ حَقِّ الْأَبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ وَانِيٌّ، لَكِنْ ذَكَرَ عَزْمِيٌّ أَنَّ نَفْيَ الضَّمَانِ عَنْ الْمَأْمُورَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُهُ عَنْ الْآمِرَةِ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهَا زَوْجُهَا، وَقَدْ اعْتَرَضَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ هُنَا بِنَظِيرِ مَا مَرَّ وَعَلِمْت مَا فِيهِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لِاسْتِحَالَةِ الدَّيْنِ) أَيْ لِاسْتِحَالَةِ وُجُوبِ دَيْنٍ وَهُوَ الْغُرَّةُ لِلْمَوْلَى عَلَى مَمْلُوكِهِ ط. (قَوْلُهُ مَا لَمْ تَسْتَحِقَّ إلَخْ) قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: اشْتَرَى أَمَةً وَقَبَضَهَا وَحَبِلَتْ مِنْهُ ثُمَّ ضَرَبَتْ بَطْنَهَا عَمْدًا فَأَسْقَطَتْهُ مَيِّتًا، ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ بِالْبَيِّنَةِ وَقَضَى لَهُ بِهَا أَوْ بِعُقْرِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي يُقَالُ لِلْمُسْتَحِقِّ إنَّهَا قَتَلَتْ وَلَدَهَا الْحُرَّ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ وَالْجَنِينُ الْحُرُّ مَضْمُونٌ بِالْغُرَّةِ فَادْفَعْ أَمَتَك أَوْ افْدِهَا بِغُرَّتِهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ. ثُمَّ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَقُولُ: إذَا أَخَذَ الْغُرَّةَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُطَالِبَهُ بِقِيمَةِ الْجَنِينِ إذْ قِيَامُ الْبَدَلِ كَقِيَامِ الْمُبْدَلِ اهـ لَكِنْ سَلَّمَ لَهُ الْغُرَّةَ فَيَغْرَمُ بِحِسَابِهَا وَتَمَامُهُ فِي ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ لِلْمَوْلَى) أَيْ الْمُسْتَوْلِدِ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهَا الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ) أَيْ وَلَوْ بِإِذْنِ الزَّوْجِ لِتَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ عَلَى نَفْسٍ حَيَّةٍ فَلَا تَجْرِي فِيهَا الْإِبَاحَةُ، بِخِلَافِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 591 (وَيَجِبُ فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ مَا نَقَصَتْ الْأُمُّ) إنْ نَقَصَتْ (وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ) الْأُمُّ (لَا يَجِبُ) فِيهِ (شَيْءٌ) سِرَاجِيَّةٌ. [فَرْعٌ] فِي الْبَزَّازِيَّةِ: ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَتِهِ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَ الْبَطْنَ وَوَقَعَ أَحَدُ الْوَلَدَيْنِ حَيًّا مَجْرُوحًا بِالسَّيْفِ وَالْآخَرُ مَيِّتًا وَبِهِ جِرَاحَةُ السَّيْفِ وَمَاتَتْ أَيْضًا يُقْتَصُّ لِأَجْلِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ الْوَلَدِ الْحَيِّ إذَا مَاتَ، وَتَجِبُ غُرَّةُ الْوَلَدِ الْمَيِّتِ، لِأَنَّهُ لَمَّا ضَرَبَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَلَدَيْنِ فِي بَطْنِهَا كَانَ الضَّرْبُ خَطَأً. بَابُ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ وَغَيْرِهِ لَمَّا ذَكَرَ الْقَتْلَ مُبَاشَرَةً فِيهِ تَسَبُّبًا فَقَالَ (أَخْرَجَ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ كَنِيفًا) هُوَ بَيْتُ الْخَلَاءِ (أَوْ مِيزَابًا أَوْ جُرْصُنًا كَبُرْجٍ وَجِذْعٍ وَمَمَرِّ عُلُوٍّ وَحَوْضِ طَاقَةٍ وَنَحْوِهَا عَيْنِيٌّ أَوْ دُكَّانًا جَازَ) إحْدَاثُهُ (وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ) وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ، فَإِنْ ضَرَّ لَمْ يَحِلَّ كَمَا سَيَجِيءُ (وَلِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْخُصُومَةِ) وَلَوْ ذِمِّيًّا (مَنْعُهُ) ابْتِدَاءً (وَمُطَالَبَتُهُ بِنَقْضِهِ)   [رد المحتار] مَا إذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَتَسْقُطُ الْغُرَّةُ عَنْهَا لَوْ بِإِذْنِهِ كَمَا مَرَّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ إلَخْ) هَذَا إذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا، أَمَّا إذَا أَلْقَتْهُ حَيًّا فَمَاتَ مِنْ الضَّرْبِ تَجِبُ قِيمَتُهُ فِي مَالِهِ حَالَّةً وَلَا يُجْبَرُ بِهَا نُقْصَانُ الْأُمِّ كَمَا يُجْبَرُ نُقْصَانُ الْأَمَةِ بِقِيمَةِ جَنِينِهَا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ أَتْلَفَهُ فَيَضْمَنُهُ مَعَ نُقْصَانِ الْأُمِّ تَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ وَوَقَعَ أَحَدُ الْوَلَدَيْنِ حَيًّا إلَخْ) أَيْ ثُمَّ مَاتَ (قَوْلُهُ وَمَاتَتْ أَيْضًا) أَيْ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ أَيْضًا كَمَا عَبَّرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَأَفَادَ أَنَّ مَوْتَهَا بَعْدَ مَوْتِ الَّذِي وَقَعَ حَيًّا إذْ لَوْ مَاتَتْ قَبْلَهُ لَوَرِثَ الْقِصَاصَ عَلَى أَبِيهِ فَيَسْقُطُ كَمَا قَالَهُ الْمُحَشِّي الْحَلَبِيُّ (قَوْلُهُ وَتَجِبُ غُرَّةُ الْوَلَدِ الْمَيِّتِ) لَوْ أَسْقَطَ تَجِبُ وَعَطَفَ الْغُرَّةَ عَلَى الدِّيَةِ لَكَانَ أَوْلَى، لِيُفِيدَ أَنَّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ فِيهِ الدِّيَةُ أَيْضًا لِعَدَمِ التَّحَقُّقِ بِحَيَاتِهِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ضَرَبَ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِوُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ لَا فِي مَالِهِ، إذْ لَوْ كَانَ الضَّرْبُ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَلَدِ عَمْدًا لَمْ تَجِبْ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَمُقْتَضَاهُ لَوْ عَلِمَ بِالْوَلَدَيْنِ وَقَصَدَ ضَرْبَهُمَا أَيْضًا أَنَّهُ تَجِبُ دِيَةُ الْحَيِّ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِسُقُوطِ الْقِصَاصِ بِشُبْهَةِ الْأُبُوَّةِ، أَمَّا لَوْ عَلِمَ بِهِمَا وَلَمْ يَقْصِدْ ضَرْبَهُمَا بَلْ قَصَدَ ضَرْبَ الْأُمِّ فَقَطْ لَا تَجِبُ دِيَةُ الْحَيِّ فِي مَالِهِ كَمَنْ قَصَدَ رَمْيَ شَخْصٍ فَنَفَذَ مِنْهُ السَّهْمُ إلَى آخَرَ تَأَمَّلْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [بَابُ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ وَغَيْرِهِ] ِ (قَوْلُهُ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ) أَيْ النَّافِذَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى دُونَ الطَّرِيقِ فِي الْمَفَاوِزِ وَالصَّحَارِي؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْعُدُولُ عَنْهَا غَالِبًا كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ، وَطَرِيقُ الْعَامَّةِ مَا لَا يُحْصَى قَوْمُهُ، أَوْ مَا تَرَكَهُ لِلْمُرُورِ قَوْمٌ بَنَوْا دُورًا فِي أَرْضِ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْعَامَّةِ وَهَذَا مُخْتَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْأَوَّلُ مُخْتَارُ الْإِمَامِ الْحَلْوَانِيِّ كَمَا فِي الْعِمَادِيِّ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ جُرْصُنًا) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ دَخِيلٌ أَيْ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ أَصْلِيٍّ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ الْبُرْجُ وَقِيلَ مَجْرَى مَاءٍ يَرْكَبُ فِي الْحَائِطِ. وَعَنْ الْإِمَامِ الْبَزْدَوِيِّ جِذْعٌ يُخْرِجُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ الْحَائِطِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ مُغْرِبٌ. قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَقِيلَ هُوَ الْمَمَرُّ عَلَى الْعُلُوِّ وَهُوَ مِثْلُ الرَّفِّ، وَقِيلَ هُوَ الْخَشَبَةُ الْمَوْضُوعَةُ عَلَى جِدَارِ السَّطْحَيْنِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْمُرُورِ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يُعْمَلُ قُدَّامَ الطَّاقَةِ لِتُوضَعَ عَلَيْهِ كِيزَانٌ وَنَحْوُهَا اهـ (قَوْلُهُ كَبُرْجٍ إلَخْ) حِكَايَةً لِلْأَقْوَالِ الْمَارَّةِ فِي تَفْسِيرِ الْجُرْصُنِ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهَا) هُوَ فِي عِبَارَةِ الْعَيْنِيِّ بِمَعْنَى نَحْوِ الْكِيزَانِ (قَوْلُهُ أَوْ دُكَّانًا) هُوَ الْمَوْضِعُ الْمُرْتَفِعُ مِثْلُ الْمِصْطَبَةِ عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنْ ضَرَّ لَمْ يَحِلَّ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ فَإِنْ ضَرَّ أَوْ مَنَعَ لَمْ يَحِلَّ اهـ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَيَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَإِنْ مُنِعَ عَنْهُ كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنَّهُ لَوْ مُنِعَ عَنْهُ لَا يُبَاحُ لَهُ الْإِحْدَاثُ وَيَأْثَمُ بِالِانْتِفَاعِ وَالتَّرْكِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْخُصُومَةِ) هُوَ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ الْمَحْجُورِينَ، وَأَفَادَ فِي الدُّرَرِ الْمُنْتَقَى أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ بِالْإِذْنِ (قَوْلُهُ وَلَوْ ذِمِّيًّا) ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الطَّرِيقِ كِفَايَةٌ. وَعِبَارَةُ التَّتَارْخَانِيَّة: وَيَدْخُلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 592 وَرَفْعُهُ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْبِنَاءِ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ لَا وَقِيلَ إنَّمَا يَنْقُصُ بِخُصُومَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ وَإِلَّا كَانَ تَعَنُّتًا زَيْلَعِيٌّ (هَذَا) كُلُّهُ (إذَا بَنَى لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ) زَادَ الصَّفَّارُ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَطَالِبِ مِثْلُهُ (وَإِنْ بَنَى لِلْمُسْلِمِينَ كَمَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ) أَوْ بَنَى بِإِذْنِ الْإِمَامِ (لَا) يُنْتَقَضُ (وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِالْعَامَّةِ لَا يَجُوزُ إحْدَاثُهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» (وَالْقُعُودُ فِي الطَّرِيقِ لِبَيْعٍ وَشِرَاءٍ) يَجُوزُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ وَإِلَّا لَا (عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ) السَّابِقِ وَهَذَا فِي النَّافِذِ (وَفِي غَيْرِ النَّافِذِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِإِحْدَاثٍ مُطْلَقًا) أَضَرَّ بِهِمْ أَوْ لَا   [رد المحتار] فِيهِ الْكَافِرُ خُصُوصًا إذَا كَانَ ذِمِّيًّا اهـ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ لَا) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ الْمَنْعُ لَا الرَّفْعُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا وَلَا، وَهَذَا إذَا عَلِمَ إحْدَاثَهُ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ جُعِلَ حَدِيثًا فَلِلْإِمَامِ نَقْضُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّمَا يَنْقُضُهُ إنْ ضَرَّ بِهِمْ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَقِيلَ إلَخْ) قَائِلُهُ إسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا كَانَ تَعَنُّتًا) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ إزَالَةَ الضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ لَبَدَأَ بِنَفْسِهِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ) فَإِنْ أَذِنَ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُلْزِمَهُ وَأَنْ يُنَازِعَهُ، لَكِنْ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ بِهِ إذَا ضَرَّ بِالنَّاسِ بِأَنْ كَانَ الطَّرِيقُ ضَيِّقًا، وَلَوْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ مَعَ ذَلِكَ وَأَذِنَ جَازَ اهـ حَمَوِيٌّ عَنْ مِسْكِينٍ وَفِي الشُّمُنِّيِّ أَنَّهُ مَعَ الضَّرَرِ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ أَذِنَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ اهـ ط وَلَعَلَّ الْمُرَادَ يَأْثَمُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مُنَازَعَتُهُ؛ لِأَنَّ مُنَازَعَةَ مَا يُوضَعُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ افْتِيَاتٌ عَلَى الْإِمَامِ، فَلَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ زَادَ الصَّفَّارُ إلَخْ) هُوَ الْقِيلُ الْمُتَقَدِّمُ الْمُفَصَّلُ، فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَتِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اعْتِمَادُ الْإِطْلَاقِ لِحِكَايَتِهِمْ، هَذَا الْقَوْلَ مَنْسُوبًا إلَى الْكُفَّارِ بِهِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْحُكْمِ أَوَّلًا مُطْلَقًا، فَكَأَنَّهُ قَوْلُ الْجَمِيعِ، وَالْوَجْهُ: أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ لَا يَتَقَيَّدُ بِكَوْنِ النَّاهِي مُتَبَاعِدًا عَنْ هَذَا الْمُنْكَرِ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَظْرِ ط. أَقُولُ: هَذَا الْوَجْهُ إنَّمَا يَظْهَرُ لَوْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُنْكَرٌ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَإِنْ بَنَى لِلْمُسْلِمِينَ) أَيْ وَلَمْ يَضُرَّ بِهِمْ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ أَوْ بَنَى بِإِذْنِ الْإِمَامِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ بَنَى بِإِذْنِهِ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مُنَازَعَتُهُ، وَإِنْ ضَرَّ وَقَدَّمْنَاهُ صَرِيحًا عَنْ مِسْكِينٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ لَوْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَفِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ عَرَضِ النَّاسِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْوَضْعِ، وَأَنْ يُكَلِّفَهُ الرَّفْعَ بَعْدَ الْوَضْعِ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ لَا إذَا وُضِعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِيمَا يَكُونُ لِلْعَامَّةِ إلَى الْإِمَامِ لِتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ فَاَلَّذِي وَضَعَ بِغَيْرِ إذْنِهِ يَفْتَاتُ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فِيهِ فَلِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُنْكِرَهُ عَلَيْهِ اهـ وَالِافْتِيَاتُ السَّبْقُ صِحَاحٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ جَازَ إنْ لَمْ يَضُرَّ (قَوْلُهُ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) أَيْ لَا يَضُرُّ الرَّجُلُ أَخَاهُ ابْتِدَاءً وَلَا جَزَاءً؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ بِمَعْنَى الضُّرِّ، وَيَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ وَالضِّرَارُ مِنْ اثْنَيْنِ بِمَعْنَى الْمُضَارَّةِ، وَهُوَ أَنْ تَضُرَّ مَنْ ضَرَّكَ مُغْرِبٌ، وَالضَّرَرُ فِي الْجَزَاءِ هُوَ أَنْ يَتَعَدَّى الْمَجَازِيُّ عَنْ قَدْرِ حَقِّهِ فِي الْقِصَاصِ وَغَيْرِهِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْقُعُودُ) وَكَذَا الْغَرْسُ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَجُوزُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ) الْأَنْسَبُ فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يَضَعَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ ط (قَوْلُهُ وَفِي غَيْرِ النَّافِذِ إلَخْ) الْمُرَادُ بِغَيْرِ النَّافِذَةِ الْمَمْلُوكَةُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعِلَّةِ الْمِلْكِ فَقَدْ تَنْفُذُ: وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ وَقَدْ يُسَدُّ مَنْفَذُهَا: وَهِيَ لِلْعَامَّةِ لَكِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى الْمِلْكِ غَالِبًا فَأُقِيمَ مَقَامَهُ وَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ كِفَايَةٌ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِإِحْدَاثٍ) أَقُولُ فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الطَّرِيقُ لَوْ كَانَ غَيْرَ نَافِذٍ فَلِأَصْحَابِهِ أَنْ يَضَعُوا فِيهِ الْخَشَبَةَ، وَيَرْبِطُوا فِيهِ الدَّوَابَّ، وَيَتَوَضَّئُوا فِيهِ فَلَوْ عَطِبَ أَحَدٌ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ بَنَى أَوْ حَفَرَ بِئْرًا ضَمِنَ اهـ. وَفِي الْجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ طِينًا فِيهِ لَوْ تَرَكَ مِنْ الطَّرِيقِ قَدْرَ الْمُرُورِ، وَيَتَّخِذَ فِي الْأَحَايِينِ مَرَّةً وَيَرْفَعَهُ سَرِيعًا فَلَهُ ذَلِكَ، وَلِكُلٍّ إمْسَاكُ الدَّوَابِّ عَلَى بَابِ دَارِهِ؛ لِأَنَّ السِّكَّةَ الَّتِي لَا تَنْفُذُ كَدَارٍ مُشْتَرَكَةٍ، وَلِكُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَسْكُنَ فِي بَعْضِ الدَّارِ لَا أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا وَإِمْسَاكُ الدَّوَابِّ فِي بِلَادِنَا مِنْ السُّكْنَى اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 593 (إلَّا بِإِذْنِهِمْ) لِأَنَّهُ كَالْمِلْكِ الْخَاصِّ بِهِمْ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيمَا جُهِلَ حَالُهُ أَنْ يُجْعَلَ حَدِيثًا لَوْ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ وَقَدِيمًا لَوْ فِي طَرِيقِ الْخَاصَّةِ بُرْجُنْدِيٌّ (فَإِنْ مَاتَ أَحَدٌ) مِنْ النَّاسِ (بِسُقُوطِهَا عَلَيْهِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) أَيْ عَاقِلَةِ الْمُخْرِجِ لِتَسَبُّبِهِ (كَمَا) تَدِي الْعَاقِلَةُ. (لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقٍ أَوْ وَضَعَ حَجَرًا) أَوْ تُرَابًا أَوْ طِينًا مُلْتَقًى (فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ) لِأَنَّهُ سَبَبٌ (فَإِنْ تَلِفَ بِهِ) أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ (بَهِيمَةٌ ضَمِنَ) فِي مَالِهِ (إنْ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الْإِمَامُ فَإِنْ أَذِنَ) الْإِمَامُ (فِي ذَلِكَ أَوْ مَاتَ وَاقِعٌ فِي بِئْرِ طَرِيقٍ جُوعًا أَوْ عَطَشًا أَوْ غَمًّا لَا) ضَمَانَ بِهِ يُفْتَى خُلَاصَةٌ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (وَلَوْ سَقَطَ الْمِيزَابُ فَأَصَابَ مَا كَانَ فِي الدَّاخِلِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ) أَصْلًا لِكَوْنِهِ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَعَدِّيًا (وَإِنْ أَصَابَ الْخَارِجَ) أَوْ وَسَطَهُ   [رد المحتار] وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: إنْ فَعَلَ فِي غَيْرِ النَّافِذَةِ مَا لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ السُّكْنَى لَا يَضْمَنُ حِصَّةَ نَفْسِهِ وَيَضْمَنُ حِصَّةَ شُرَكَائِهِ، وَإِنْ مِنْ جُمْلَةِ السُّكْنَى فَالْقِيَاسُ كَذَلِكَ وَالِاسْتِحْسَانُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ أَقُولُ: وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَجُوزُ إحْدَاثُ شَيْءٍ مِمَّا مَرَّ كَالْمِيزَابِ وَالدُّكَّانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَبْقَى كَمَا أَفَادَهُ السَّائِحَانِيُّ (قَوْلُهُ إلَّا بِإِذْنِهِمْ) أَيْ كُلِّهِمْ حَتَّى الْمُشْتَرِي مِنْ أَحَدِهِمْ بَعْدَ الْإِذْنِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ أَحْدَثَ بِنَاءً أَوْ غُرْفَةً عَلَى سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ، وَرَضِيَ بِهَا أَهْلُ السِّكَّةِ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا وَاشْتَرَى دَارًا مِنْهَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْمُرَ صَاحِبَ الْغُرْفَةِ بِرَفْعِهَا اهـ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَالْمِلْكِ) الْأَوْلَى لِأَنَّهُ مِلْكٌ بِلَا تَشْبِيهٍ كَمَا فَعَلَ فِي الْهِدَايَةِ وَدَلَّ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجَامِعِ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَصْلُ إلَخْ) فَائِدَتُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ لِلْإِمَامِ نَقْضُهُ وَالْقَدِيمُ لَا يَنْقُضُهُ أَحَدٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ قَالَ السَّائِحَانِيُّ: فَإِنْ بَرَّ هُنَا فَبَيِّنَةُ الْقِدَمِ فِي الْبِنَاءِ تُقَدَّمُ وَفِي الْكَافِي بَيِّنَةُ الْحُدُوثِ فَعَلَهَا فِي غَيْرِ الْبِنَاءِ كَمَسِيلٍ وَاسْتِطْرَاقٍ وَقَالَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ عَنْ الصُّغْرَى: يَجْعَلُ أَقْصَى الْوَقْتِ الَّذِي تَحْفَظُهُ النَّاسُ حَدَّ الْقَدِيمِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْحُسْنِ اهـ (قَوْلُهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ إنْ بَلَغَ أَرْشُهُ أَرْشَ الْمُوضِحَةِ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَفِي مَالِهِ كِفَايَةٌ وَأَشْعَرَ بِأَنَّهُ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ، وَلَا يَحْرُمُ مِنْ الْمِيرَاثِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ مُلْتَقًى) زَادَ فِي الشَّرْحِ وَكَذَا كُلُّ مَا فُعِلَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ اهـ وَفِي الْمُلْتَقَى أَيْضًا وَيَضْمَنُ مَنْ صَبَّ الْمَاءَ فِي الطَّرِيقِ مَا عَطِبَ بِهِ وَكَذَا إنْ رَشَّهُ بِحَيْثُ يَزْلَقُ أَوْ تَوَضَّأَ بِهِ وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ قَعَدَ فِيهَا أَوْ وَضَعَ مَتَاعَهُ لَا يَضْمَنُ، وَكَذَا إنْ رَشَّ مَالًا يَزْلَقُ عَادَةً أَوْ رَشَّ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَتَعَمَّدَ الْمَارُّ الْمُرُورَ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ الرَّاشُّ، وَوَضْعُ الْخَشَبَةِ كَالْمُرُورِ فِي اسْتِيعَابِ الطَّرِيقِ وَعَدَمِهِ، وَإِنْ رَشَّ فِنَاءَ حَانُوتٍ بِإِذْنِ صَاحِيهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا اهـ (قَوْلُهُ فِي مَالِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُ النَّفْسَ دُونَ الْمَالِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ) أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ إحْدَاثِ الْكَنِيفِ وَالْجُرْصُنِ وَالدُّكَّانِ، وَوَضْعُ الْحَجَرِ وَحَفْرُ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ الْإِمَامُ) أَيْ السُّلْطَانُ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَذِنَ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ حِينَئِذٍ فَإِنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةً عَامَّةً عَلَى الطَّرِيقِ إذْ نَابَ عَنْ الْعَامَّةِ، فَكَانَ كَمَنْ فَعَلَهُ فِي مِلْكِهِ قُهُسْتَانِيٌّ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: لَكِنْ إنَّمَا يَجُوزُ الْإِذْنُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ جُوعًا أَوْ عَطَشًا) ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَجِبُ إذَا مَاتَ مِنْ الْوُقُوعِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ غَمًّا) أَيْ انْخِنَاقًا بِالْعُفُونَةِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ يَوْمٌ غَمٌّ إذَا كَانَ يَأْخُذُ النَّفْسَ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ عِنَايَةٌ وَضَبَطَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِالضَّمِّ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ الْفَتْحُ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَأَوْجَبَ الضَّمَانَ فِي الْكُلِّ وَوَافَقَ أَبُو يُوسُفَ الْإِمَامَ فِي الْجُوعِ لَا الْغَمِّ ط (قَوْلُهُ أَوْ وَسَطَهُ) الْمُرَادُ وَسَطَهُ الَّذِي هُوَ خَارِجٌ عَنْ مِلْكِ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الضَّمَانِ هِيَ التَّعَدِّي بِشُغْلِ هَوَاءِ الطَّرِيقِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى يَشْمَلُهُ لَفْظُ الْخَارِجِ، فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْخَارِجِ الطَّرَفَ الْأَخِيرَ، فَصَحَّ لَهُ ذِكْرُ الْوَسَطِ، وَمَحَلِّ الضَّمَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 594 بَزَّازِيَّةٌ (فَالضَّمَانُ عَلَى وَاضِعِهِ) لِتَعَدِّيهِ وَلَوْ مُسْتَأْجِرًا أَوْ مُسْتَعِيرًا وَغَاصِبًا وَلَا يَبْطُلُ الضَّمَانُ بِالْبَيْعِ لِبَقَاءِ فِعْلِهِ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ بِخِلَافِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ كَمَا بَسَطَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَلَوْ أَصَابَهُ الطَّرَفَانِ) مِنْ الْمِيزَابِ (وَعُلِمَ ذَلِكَ وَجَبَ) عَلَى وَاضِعِهِ (النِّصْفُ وَهُدِرَ النِّصْفُ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَيَّ طَرَفٍ) مِنْهُمَا (أَصَابَهُ ضَمِنَ النِّصْفَ اسْتِحْسَانًا) زَيْلَعِيٌّ (وَمَنْ نَحَّى حَجَرًا وَضَعَهُ آخَرُ فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ ضَمِنَ) لِأَنَّ فِعْلَ الْأَوَّلِ نُسِخَ بِفِعْلِ الثَّانِي (كَمَنْ حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ) أَوْ ظَهْرِهِ (شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ فَسَقَطَ مِنْهُ عَلَى آخَرَ أَوْ دَخَلَ بِحَصِيرٍ أَوْ قِنْدِيلٍ أَوْ حَصَاةٍ فِي مَسْجِدِ غَيْرِهِ) أَيْ جَعَلَ فِيهِ حَصًى أَوْ بَوَارِي ابْنُ كَمَالٍ (أَوْ جَلَسَ فِيهِ لَا لِلصَّلَاةِ) وَلَوْ لِقُرْآنٍ أَوْ تَعْلِيمٍ (فَعَطِبَ بِهِ أَحَدٌ) كَأَعْمَى ضَمِنَ خِلَافًا لَهُمَا (لَا) يَضْمَنُ (مَنْ سَقَطَ مِنْهُ رِدَاءٌ لَبِسَهُ) عَلَيْهِ (أَوْ أَدْخَلَ هَذِهِ) الْأَشْيَاءَ الْمَذْكُورَاتِ (فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ)   [رد المحتار] فِيهِ وَفِيمَا قَبْلَهُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ أَوْ أَرْبَابُ الْمَحَلَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ بِالتَّعَدِّي اهـ (قَوْلُهُ فَالضَّمَانُ عَلَى وَاضِعِهِ) أَيْ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَكَذَا يُقَالُ بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ تَسَبُّبٌ ط (قَوْلُهُ كَمَا بَسَطَهُ الزَّيْلَعِيُّ) حَيْثُ قَالَ وَلَوْ أَشْرَعَ جَنَاحًا إلَى الطَّرِيقِ أَوْ وَضَعَ فِيهِ خَشَبَةً ثُمَّ بَاعَ الْكُلَّ وَتَرَكَهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى عَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَمْ يَنْتَسِخْ بِزَوَالِ مِلْكِهِ، بِخِلَافِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ إذَا بَاعَهُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، حَيْثُ لَا يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ وَلَا الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْإِشْهَادِ، فَيَبْطُلُ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِ مِلْكِ الْغَيْرِ، وَهُنَا الضَّمَانُ بِإِشْغَالِ هَوَاءِ الطَّرِيقِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ، وَالْإِشْغَالُ بَاقٍ فَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ حَصَلَ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ أَوْ مُسْتَعِيرٍ أَوْ غَاصِبٍ وَفِي الْحَائِطِ لَا يَضْمَنُ الْمَالِكُ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالٍ يَضْمَنُ الْكُلَّ وَفِي حَالٍ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا فَيَضْمَنُ النِّصْفَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ شَيْئًا لِلشَّكِّ وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. (قَوْلُهُ وَمَنْ نَحَّى حَجَرًا) أَيْ حَوَّلَهُ عَنْ مَوْضِعِهِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ (قَوْلُهُ فَسَقَطَ مِنْهُ عَلَى آخَرَ) وَكَذَا إذَا سَقَطَ فَتَعَثَّرَ بِهِ إنْسَانٌ هِدَايَةٌ؛ لِأَنَّ حَمْلَ الْمَتَاعِ فِي الطَّرِيقِ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ مُبَاحٌ لَهُ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ بِمَنْزِلَةِ الرَّمْيِ إلَى الْهَدَفِ أَوْ الصَّيْدِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ دَخَلَ بِحَصِيرٍ أَوْ قِنْدِيلٍ أَوْ حَصَاةٍ إلَخْ) أَيْ فَسَقَطَ الْحَصِيرُ أَوْ الْقِنْدِيلُ عَلَى أَحَدٍ أَوْ سَقَطَ الظَّرْفُ الَّذِي فِيهِ الْحَصَاةُ عَلَى أَحَدٍ مِنَحٌ أَقُولُ: وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَإِذَا كَانَ الْمَسْجِدُ لِلْعَشِيرَةِ، فَعَلَّقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فِيهِ قِنْدِيلًا، أَوْ جَعَلَ فِيهِ بَوَارِي أَوْ حَصَاهُ إلَخْ وَالظَّاهِرُ مِنْهَا أَنَّ حَصَاهُ فِعْلٌ مَاضٍ مُشَدَّدُ الصَّادِ مَعْطُوفٌ عَلَى جَعَلَ، وَيَدُلُّ عَلَى تَفْسِيرِ ابْنِ كَمَالٍ، وَأَمَّا جَعْلُهُ مُفْرَدًا بِتَاءِ الْوَحْدَةِ فَهُوَ بَعِيدٌ، وَكَذَا إرَادَةُ الظَّرْفِ أَبْعَدُ وَفِي مَنْهِيَّاتِ ابْنِ كَمَالٍ وَمَنْ وَهَمَ أَنَّ الْمُرَادَ الظَّرْفُ الَّذِي فِيهِ الْحَصَاةُ فَقَدْ وُهِمَ اهـ وَقَيَّدَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ الْخِلَافَ فِي الضَّمَانِ بِمَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِلَا إذْنِ أَهْلِ الْمَسْجِدِ فَلَوْ بِإِذْنِهِمْ فَلَا ضَمَانَ اتِّفَاقًا كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَعَلَّقَ الْقِنْدِيلَ لِلْإِضَاءَةِ فَلَوْ لِلْحِفْظِ ضَمِنَ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ اهـ وَجَعَلَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إذْنَ الْقَاضِي كَإِذْنِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ (قَوْلُهُ فِي مَسْجِدِ غَيْرِهِ) أَيْ مَسْجِدِ غَيْرِ حَيِّهِ وَيَأْتِي مَفْهُومُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَسْجِدَ الْجَمَاعَةِ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ مَسْجِدِ حَيِّهِ فَلَا يَضْمَنُ بِمَا ذُكِرَ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ لِقُرْآنٍ أَوْ تَعْلِيمٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا تَبَعٌ لَهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا ضَاقَ فَلِلْمُصَلِّي إزْعَاجُ الْقَاعِدِ لِلذِّكْرِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَوْ التَّدْرِيسِ؛ لِيُصَلِّيَ مَوْضِعَهُ دُونَ الْعَكْسِ (قَوْلُهُ لَا يَضْمَنُ مَنْ سَقَطَ مِنْهُ رِدَاءٌ أَلْبَسَهُ) أَيْ سَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَعَطِبَ بِهِ أَوْ سَقَطَ فَتَعَثَّرَ بِهِ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ: وَالْفَرْقُ أَيْ بَيْنَ الْمَحْمُولِ وَالْمَلْبُوسِ، أَنَّ حَامِلَ الشَّيْءِ قَاصِدٌ حِفْظَهُ، فَلَا حَرَجَ فِي التَّقْيِيدِ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ، وَاللَّابِسُ لَا يَقْصِدُ حِفْظًا مَا يَلْبَسُهُ، فَيَتَحَرَّجُ بِالتَّقْيِيدِ بِالسَّلَامَةِ؛ فَجُعِلَ مُبَاحًا مُطْلَقًا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ إذَا لَبِسَ مَا لَا يَلْبَسُهُ فَهُوَ كَالْحَامِلِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَى لُبْسِهِ اهـ وَكَالرِّدَاءِ السَّيْفُ وَالطَّيْلَسَانُ وَنَحْوُهُمَا كَمَا فِي الْغَايَةِ. (قَوْلُهُ عَلَيْهِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 595 أَيْ مَحَلَّتِهِ لِأَنَّ تَدْبِيرَ الْمَسْجِدِ لِأَهْلِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ فَفِعْلُ الْغَيْرِ مُبَاحٌ فَيَتَقَيَّدُ بِالسَّلَامَةِ (أَوْ جَلَسَ فِيهِ لِلصَّلَاةِ) . الْحَاصِلُ أَنَّ الْجَالِسَ لِلصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَضْمَنُ، وَلِغَيْرِ الصَّلَاةِ يَضْمَنُ مُطْلَقًا خِلَافًا لَهُمَا، وَاسْتَظْهَرَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مَعْزِيًّا لِلزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُمَا وَقَدْ حَقَّقْته فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى. وَفِيهِ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَبْنِيَ أَوْ لِيَحْفِرَ لَهُ فِي فِنَاءِ حَانُوتِهِ أَوْ دَارِهِ فَتَلِفَ بِهِ الْأَجِيرُ وَإِنْ بَعْدَهُ فَعَلَى شَيْءٍ إنْ قَبْلَ فَرَاغِهِ فَعَلَى الْآمِرِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْأَجِيرُ فَإِنْ عَلِمَهُ فَعَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِالْبِنَاءِ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ لِفَسَادِ الْأَمْرِ، وَلَوْ قَالَ الْآمِرُ هُوَ فِنَائِي وَلَيْسَ لِي حَقُّ الْحَفْرِ فَعَلَى الْأَجِيرِ قِيَاسًا أَيْ لِعِلْمِهِ بِفَسَادِ الْأَمْرِ فَمَا أَغَرَّهُ وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ اسْتِحْسَانًا اهـ.   [رد المحتار] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَبِسَهُ لَا يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِسَقَطَ لِفَسَادِ الْمَعْنَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَفِعْلُ الْغَيْرِ مُبَاحٌ) يُقَيَّدُ أَنَّ فِعْلَ الْأَهْلِ وَاجِبٌ مَثَلًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كِلَاهُمَا مُبَاحٌ غَيْرَ أَنَّ فِعْلَ الْأَهْلِ مُبَاحٌ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالسَّلَامَةِ، وَفِعْلُ غَيْرِهِ مُبَاحٌ مُقَيَّدٌ بِهَا ط (قَوْلُهُ الْحَاصِلُ أَنَّ الْجَالِسَ لِلصَّلَاةِ إلَخْ) ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ الْجَالِسَ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ لَا يَضْمَنُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي عَمَلٍ لَا يَكُونُ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِالْمَسْجِدِ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَدَرْسِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ، وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ إذَا قَعَدَ فِيهِ لِحَدِيثٍ، أَوْ نَامَ فِيهِ أَوْ قَامَ فِيهِ لِغَيْرِ صَلَاةٍ أَوْ مَرَّ فِيهِ مَارٌّ ضَمِنَ عِنْدَهُ، وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ قَعَدَ لِلْعِبَادَةِ كَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ أَوْ الِاعْتِكَافِ، أَوْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، أَوْ لِلتَّدْرِيسِ، أَوْ لِلذِّكْرِ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ بِالضَّمَانِ وَعَدَمِهِ زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ مَعْزِيًّا لِلزَّيْلَعِيِّ) فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ: أَنَّ أَكْثَرَ الْمَشَايِخِ أَخَذُوا بِقَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ وَنُقِلَ عَنْ صَدْرِ الْإِسْلَامِ: أَنَّ الْأَظْهَرَ مَا قَالَاهُ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ مِنْ ضَرُورَاتِ الصَّلَاةِ، فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهَا. وَفِي الْعَيْنِيِّ بِقَوْلِهِمَا قَالَتْ الثَّلَاثَةُ وَبِهِ يُفْتَى اهـ ط. (قَوْلُهُ وَقَدْ حَقَّقْته فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى) حَاصِلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ الْجُلُوسَ لِلْكَلَامِ الْمَحْظُورِ فِيهِ الضَّمَانُ اتِّفَاقًا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا أَطْلَقَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ وَفِيهِ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ إلَخْ) ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَشْرَعَ لَهُ جَنَاحًا فِي فِنَاءِ دَارِهِ، وَقَالَ لَهُ مِلْكِي أَوْلَى فِيهِ حَقُّ الْإِشْرَاعِ مِنْ الْقَدِيمِ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْأَجِيرُ فَظَهَرَ بِخِلَافِهِ، فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ قَبْلَ الْفَرَاغِ، أَوْ بَعْدَهُ. فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَجِيرِ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَإِنْ أَخْبَرَهُ بِأَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْإِشْرَاعِ، أَوْ لَمْ يُخْبِرْهُ حَتَّى بَنَى فَسَقَطَ فَأَتْلَفَ إنْ قَبْلَ الْفَرَاغِ ضَمِنَ، وَلَا يَرْجِعُ وَإِنْ بَعْدَهُ فَكَذَلِكَ قِيَاسًا بِفَسَادِ الْأَمْرِ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِالْبِنَاءِ فِي الطَّرِيقِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَضْمَنُ الْآمِرُ لِصِحَّةِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ فِنَاءَهُ مَمْلُوكٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ الِانْتِفَاعَ، بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَغَيْرُ مَمْلُوكٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ، فَمِنْ حَيْثُ الصِّحَّةُ يَكُونُ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْآمِرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ، مِنْ حَيْثُ الْفَسَادُ يَكُونُ عَلَى الْعَامِلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْفِرَ لَهُ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ ضَمِنَ الْآمِرُ دُونَ الْعَامِلِ، إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ غَيْرُ فِنَائِهِ لِصِحَّةِ الْأَمْرِ حِينَئِذٍ، فَنُقِلَ فِعْلُهُ إلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ فَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ ضَمِنَ إذْ لَا غُرُورَ، فَبَقِيَ الْفِعْلُ مُضَافًا إلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ إنَّهُ فِنَائِي وَلَيْسَ لِي فِيهِ حَقُّ الْحَفْرِ ضَمِنَ الْعَامِلُ قِيَاسًا إذْ لَا غُرُورَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَضْمَنُ الْآمِرُ اهـ. زَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ اهـ فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ التَّفْصِيلَ قَبْلَ الْفَرَاغِ أَوْ بَعْدَهُ جَارٍ فِي الْحَفْرِ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَافْهَمْ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَفْرِ وَالْإِشْرَاعِ، فَإِنَّ الْأَجِيرَ فِي الْإِشْرَاعِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ ضَمِنَ، وَرَجَعَ عَلَى الْآمِرِ؛ وَفِي الْحَفْرِ لَمْ يَضْمَنْ أَصْلًا هُوَ أَنَّ الْآمِرَ مُتَسَبِّبٌ وَمُشَرِّعُ الْجَنَاحِ مُبَاشِرٌ بِخِلَافِ الْحَافِرِ، فَإِنَّهُ مُتَسَبِّبٌ أَيْضًا وَالْمُتَسَبِّبُ يَضْمَنُ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا وَالْمُتَعَدِّي هُنَا هُوَ الْآمِرُ فَقَطْ أَتْقَانِيٌّ مُلَخَّصًا وَفِي الْمُغْرِبِ: الْفِنَاءُ سَعَةٌ أَمَامَ الْبُيُوتِ وَقِيلَ مَا امْتَدَّ مِنْ جَوَانِبِهَا (قَوْلُهُ فَمَا أَغَرَّهُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 596 قُلْت: وَقَدْ قَدَّمَ هُوَ وَغَيْرُهُ الْقِيَاسَ هُنَا وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُهُ سِيَّمَا عَلَى دَأْبِ صَاحِبِ الْمُلْتَقَى مِنْ تَقْدِيمِهِ الْأَقْوَى فَتَأَمَّلْ (وَمَنْ حَفَرَ بَالُوعَةً فِي طَرِيقٍ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ أَوْ فِي مِلْكِهِ أَوْ وَضَعَ خَشَبَةً فِيهَا) أَيْ الطَّرِيقِ (أَوْ قَنْطَرَةً بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ) وَكَذَا كُلُّ مَا فُعِلَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ (فَتَعَمَّدَ رَجُلٌ الْمُرُورَ عَلَيْهَا لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلْمُبَاشِرِ أَوْلَى مِنْ الْمُتَسَبِّبِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُتَسَبِّبَ إنَّمَا يَضْمَنُ فِي حَفْرِ الْبِئْرِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ الْوَاقِعُ الْمُرُورَ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى. وَفِيهِ حَفَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْفَيَافِي لَمْ يَضْمَنْ بِخِلَافِ الْأَمْصَارِ. قُلْت: وَبِهَذَا عُرِفَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّرِيقِ فِي الْكُتُبِ الطَّرِيقُ فِي الْأَمْصَارِ دُونَ الْفَيَافِي وَالصَّحَارِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْعُدُولُ عَنْهُ فِي الْأَمْصَارِ غَالِبًا دُونَ الصَّحَارِي (وَلَوْ اسْتَأْجَرَ) رَجُلٌ (أَرْبَعَةً لِحَفْرِ بِئْرٍ لَهُ فَوَقَعَتْ الْبِئْرُ عَلَيْهِمْ) جَمِيعًا (مِنْ حَفْرِهِمْ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ رُبُعُ الدِّيَةِ وَيَسْقُطُ رُبُعُهَا) لِأَنَّ الْبِئْرَ وَقَعَ عَلَيْهِمْ بِفِعْلِهِمْ فَقَدْ مَاتَ مِنْ جِنَايَتِهِ وَجِنَايَةِ أَصْحَابِهِ فَيَسْقُطُ مَا قَابَلَ فِعْلَهُ خَانِيَّةٌ وَغَيْرُهَا. زَادَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَهَذَا لَوْ الْبِئْرُ فِي الطَّرِيقِ فَلَوْ فِي مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ لِأَنَّ الْفِعْلَ مُبَاحٌ فَمَا يَحْدُثُ غَيْرُ مَضْمُونٍ اهـ.   [رد المحتار] كَذَا وَقَعَ لَهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى وَالْفِعْلُ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: غَرَّهُ خَدَعَهُ اهـ ط (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ) أَيْ التَّقْدِيمُ الْمَأْخُوذُ مَنْ قَدَّمَ تَرْجِيحَهُ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ، وَهَذَا وَإِنْ ظَهَرَ فِي عِبَارَةِ الْمُلْتَقَى لَا يَظْهَرُ فِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ خُصُوصًا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَإِنَّهُمَا يُؤَخِّرَانِ دَلِيلَ الْمُعْتَمَدِ، وَقَدْ أَخَّرَ الِاسْتِحْسَانَ مَعَ دَلِيلِهِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ أَوْ فِي مِلْكِهِ) وَكَذَا إذَا حَفَرَ فِي فِنَاءٍ لَهُ فِيهِ حَقُّ التَّصَرُّفِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَامَّةِ وَلَا مُشْتَرَكًا لِأَهْلِ سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ مُلْتَقًى (قَوْلُهُ وَكَذَا كُلُّ مَا فُعِلَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ) أَيْ مِنْ إخْرَاجِ الْكَنِيفِ وَالْمِيزَابِ وَالْجُرْصُنِ، وَبِنَاءِ الدُّكَّانِ وَإِشْرَاعِ الرَّوْشَنِ، وَحَفْرِ الْبِئْرِ وَبِنَاءِ الظُّلَّةِ وَغَرْسِ الشَّجَرِ وَرَمْيِ الثَّلْجِ، وَالْجُلُوسِ لِلْبَيْعِ إنْ فَعَلَهُ بِأَمْرِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْأَمْرِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِلَّا ضَمِنَ أَفَادَهُ فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ فَتَعَمَّدَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ وَضَعَ خَشَبَةً إلَخْ قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَيَتَعَيَّنُ حَذْفُهُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مُنْتَفٍ بِالتَّعَمُّدِ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ كَانَ الْوَضْعُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ اهـ لَكِنَّهُ يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى عَلَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي قَوْلِهِ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ، أَمَّا قَوْلُهُ فَتَعَمَّدَ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ الْمَعْنَى بِحَذْفِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ، وَعِلَّةُ الْأُولَيَيْنِ عَدَمُ التَّعَدِّي فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ مِنْ الْفَيَافِي) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْفَيْفُ الْمَكَانُ الْمُسْتَوِي أَوْ الْمَفَازَةُ لَا مَاءَ فِيهَا كَالْفَيْفَاةِ وَالْفَيْفَاءِ وَيُقْصَرُ جَمْعُهُ أَفْيَافٌ وَفُيُوفٌ وَفَيَافٍ اهـ. (قَوْلُ لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الِارْتِفَاقَ بِهَذَا الْمَوْضِعِ نُزُولًا وَرَبْطًا لِلدَّابَّةِ وَضَرْبًا لِلْفُسْطَاطِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ السَّلَامَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُرُورِ عَلَى النَّاسِ، فَكَانَ لَهُ حَقُّ الِارْتِفَاقِ مِنْ حَيْثُ الْحَفْرُ لِلطَّبْخِ أَوْ الِاسْتِقَاءِ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) مِنْ كَلَامِ الْمُجْتَبَى، وَقَدْ نُقِلَ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ بَعْضِ الْكُتُبِ تَقْيِيدُ الْحَفْرِ فِي الْفَيَافِي بِمَا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ مَمَرِّ النَّاسِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ كِتَابٍ آخَرَ، بِدُونِ هَذَا الْقَيْدِ ثُمَّ قَالَ: قُلْت وَبِهَذَا عُرِفَ إلَخْ فَالْإِشَارَةُ إلَى مَا نَقَلَهُ ثَانِيًا، وَهُوَ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ يَضْمَنُ لَوْ حَفَرَ فِي مَحَجَّةِ الطَّرِيقِ بِحَيْثُ يَمُرُّ النَّاسُ وَالدَّوَابُّ عَلَيْهَا لَا إنْ حَفَرَ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً بِحَيْثُ لَا يَمُرُّ عَلَيْهَا، وَهُوَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، عَنْ الْمُحِيطِ وَعَلَى الثَّانِي: لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا لِإِمْكَانِ الْعُدُولِ مِنْ الْمَارِّ عَنْ مَكَانِ الْحَفْرِ قَالَ ط: وَلَكِنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِي نَحْوِ الظُّلْمَةِ وَالْبَهَائِمِ الْمَارَّةِ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (قَوْلُهُ مِنْ حَفْرِهِمْ) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانُوا أَعْوَانًا لَهُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْحَافِرُ وَاحِدًا فَانْهَارَتْ عَلَيْهِ مِنْ حَفْرِهِ فَدَمُهُ هَدَرٌ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ خَانِيَّةٌ) عِبَارَتُهَا؛ لِأَنَّ الْبِئْرَ وَقَعَ بِفِعْلِهِمْ، وَكَانُوا مُبَاشِرِينَ وَالْمَيِّتُ مُبَاشِرٌ أَيْضًا إلَخْ (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت التَّصْرِيحَ بِأَنَّ ذَلِكَ قَتْلٌ مُبَاشَرَةً، فَيَسْتَوِي فِيهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 597 قُلْت: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَابُ حَادِثَةٍ هِيَ أَنَّ رَجُلًا لَهُ كَرْمٌ وَأَرْضُهُ تَارَةً تَكُونُ مَمْلُوكَةً وَعَلَيْهَا الْخَرَاجُ كَأَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ وَتَارَةً تَكُونُ لِلْوَقْفِ وَتَارَةً تَكُونُ فِي يَدِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً يُؤَدِّي خَرَاجَهَا وَيَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِهَا بِغَرْسٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَسْتَأْجِرُ هَذَا الرَّجُلُ جَمَاعَةً يَحْفِرُونَ لَهُ بِئْرًا لِيَغْرِسَ فِيهِ أَشْجَارَ الْعِنَبِ وَغَيْرِهِ فَسَقَطَ عَلَى أَحَدِهِمْ هَلْ لِوَرَثَتِهِ مُطَالَبَتُهُ بِدِيَتِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْحُكْمُ فِيهَا أَوْ شَبَهِهَا عَدَمُ وُجُوبِ شَيْءٍ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَكَذَا عَلَى الْأُجَرَاءِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْجَوْهَرَةِ وَيُحْمَلُ إطْلَاقُ الْفَتَاوَى عَلَى مَا وَقَعَ مُقَيَّدًا لِاتِّحَادِ الْحُكْمِ وَالْحَادِثَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فُرُوعٌ] لَوْ اسْتَأْجَرَ رَبُّ الدَّارِ الْفَعْلَةَ لِإِخْرَاجِ جَنَاحٍ أَوْ ظُلَّةٍ فَوَقَعَ فَقَتَلَ إنْسَانًا إنْ قَبْلَ فَرَاغِهِمْ مِنْ عَمَلِهِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا لِرَبِّ الدَّارِ، وَيَضْمَنُ لَوْ رَشَّ الْمَاءَ بِحَيْثُ يَزْلَقُ وَاسْتَوْعَبَ الطَّرِيقَ وَلَوْ رَشَّ فِنَاءَ حَانُوتٍ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا وَتَمَامُهُ فِي الْمُلْتَقَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. فَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ (مَالَ حَائِطٌ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ ضَمِنَ رَبُّهُ) أَيْ صَاحِبُهُ (مَا تَلِفَ) بِهِ مِنْ نَفْسِ إنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ   [رد المحتار] الْمِلْكُ وَعَدَمُهُ فَهُوَ بَحْثٌ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) هُوَ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ لَهُ كَرْمٌ) الْكَرْمُ الْعِنَبُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَأَرْضُهُ تَارَةً تَكُونُ مَمْلُوكَةً إلَخْ) الْمُرَادُ أَنَّ أَرْضَهُ لَا تَخْلُو عَنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَدَاوَلَتْ عَلَى أَرْضٍ وَاحِدَةٍ ط (قَوْلُهُ كَأَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ) الْكَافُ لِلتَّمْثِيلِ إنْ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ مَمْلُوكَةً أَيْ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ لِلتَّنْظِيرِ إنْ أُرِيدَ بِهِ مِلْكُهَا لِمَنْ هِيَ فِي يَدِهِ: أَيْ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ نَظِيرُ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّ أَغْلَبَهَا خَرَاجِيَّةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَتَارَةً تَكُونُ فِي يَدِهِ إلَخْ) الَّذِي رَأَيْته فِي الْمِنَحِ وَتَارَةً تَكُونُ لِلْوَقْفِ وَتَكُونُ فِي يَدِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً إلَخْ وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَا تَكُونُ فِي يَدِهِ كَذَلِكَ هِيَ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ يُؤَدِّي خَرَاجَهَا) الْمُنَاسِبُ أُجْرَتَهَا، وَلَوْ قُلْنَا إنَّهَا لِبَيْتِ الْمَالِ لِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: إنَّ الْمَأْخُوذَ الْآنَ مِنْ أَرَاضِي مِصْرَ أُجْرَةٌ لَا خَرَاجٌ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِلزُّرَّاعِ كَأَنَّهُ لِمَوْتِ الْمَالِكِينَ شَيْئًا فَشَيْئًا بِلَا وَارِثٍ فَصَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ اهـ (قَوْلُهُ عَلَى الْأُجَرَاءِ) بِمَدِّ آخِرِهِ جَمْعُ أَجِيرٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْآجِرِ بِمَدِّ أَوَّلِهِ، وَهُوَ الْأَجِيرُ؛ لِأَنَّهُ أَجَّرَ نَفْسَهُ وَالْأُولَى أَوْلَى (قَوْلُهُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْجَوْهَرَةِ) أَيْ السَّابِقُ وَهُوَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مُبَاحٌ فَمَا يَحْدُثُ غَيْرُ مَضْمُونٍ. (قَوْلُهُ وَيُحْمَلُ إطْلَاقُ الْفَتَاوَى) أَيْ إطْلَاقُ الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا الضَّمَانُ عَلَى مَا وَقَعَ مُقَيَّدًا فِي عِبَارَةِ الْجَوْهَرَةِ بِقَوْلِهِ، وَهَذَا لَوْ الْبِئْرُ فِي الطَّرِيقِ، لِوُجُودِ الشَّرْطِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ فِي حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَهُوَ اتِّحَادُ الْحُكْمِ وَالْحَادِثَةِ، وَالْحُكْمُ هُنَا هُوَ الضَّمَانُ وَالْحَادِثَةُ هِيَ الْحَفْرُ فِي الطَّرِيقِ، وَنَظِيرُهُ صَوْمُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّهُ فِي الْآيَةِ مُطْلَقٌ، وَقُيِّدَ بِالتَّتَابُعِ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِاتِّحَادِ الْحُكْمِ وَهُوَ الصَّوْمُ وَالْحَادِثَةُ وَهِيَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ ضَرُورَةُ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ، وَفِي هَذَا الْكَلَامِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَا نَصَّ هُنَا، وَتَقْيِيدُ الْجَوْهَرَةِ الضَّمَانَ بِمَا إذَا كَانَ فِي الطَّرِيقِ يُنَافِيهِ تَصْرِيحُهُمْ بِضَمَانِ الْمُبَاشِرِ وَلَوْ فِي الْمِلْكِ وَلِذَا قَالَ الرَّمْلِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَالَهُ بَحْثًا لَا نَقْلًا وَلَا يَخْفَى فَسَادُهُ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ مُبَاشَرَةٌ لَا تَسَبُّبٌ، وَفِي الْمُبَاشَرَةِ لَا يُنْظَرُ إلَى كَوْنِ الْفِعْل فِي مِلْكِهِ أَوْ لَا؛ كَمَنْ رَمَى سَهْمًا فِي مِلْكِهِ فَأَصَابَ شَخْصًا، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَإِذَا فُقِدَ عَرَفْت أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْحَادِثَةِ الَّتِي تَكَرَّرَ وُقُوعُهَا وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى الْأُجَرَاءِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ فُرُوعٌ إلَخْ) سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [فَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ] ِ (قَوْلُهُ مَالَ حَائِطٌ) أَيْ عَمَّا هُوَ أَصْلُهُ مِنْ الِاسْتِقَامَةِ وَغَيْرِهَا فَيَشْمَلُ الْمُنْصَدِعَ وَالْوَاهِيَ قُهُسْتَانِيٌّ وَكَذَا الْعُلُوُّ إذَا انْصَدَعَ فَأَشْهَدَ أَهْلُ السُّفْلِ عَلَى أَهْلِ الْعُلُوِّ، وَكَذَا الْحَائِطُ أَعْلَاهُ لِرَجُلٍ وَأَسْفَلُهُ لِآخَرَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ النَّوَازِلِ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ) أَيْ وَالْخَاصَّةِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الِاكْتِفَاءِ قُهُسْتَانِيٌّ، لَكِنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 598 أَوْ مَالٍ (إنْ طَالَبَ رَبُّهُ) حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَالْوَاقِفِ وَالْقَيِّمِ وَلَوْ حَائِطَ الْمَسْجِدِ فَتَضْمَنُ عَاقِلَةُ الْوَاقِفِ وَكَالْقَيِّمِ الْوَلِيُّ وَالرَّاهِنُ وَالْمُكَاتَبُ وَالْعَبْدُ التَّاجِرُ وَكَذَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ وَلَوْ الْوَرَثَةُ اسْتِحْسَانًا نَعَمْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ مَاتَ رَبُّهُ عَنْ ابْنٍ فَقَطْ وَدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ صَحَّ الْإِشْهَادُ عَلَى الِابْنِ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الدَّارَ بُرْجُنْدِيٌّ وَغَيْرُهُ (بِنَقْضِهِ مُكَلَّفٌ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ) يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الطَّلَبِ فَيُشْتَرَطُ فِي الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ إذْنُ وَلِيِّهِ وَمَوْلَاهُ بِالْخُصُومَةِ زَيْلَعِيٌّ (حُرٌّ أَوْ مُكَاتَبٌ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ)   [رد المحتار] بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ أَوْ مَالٍ) أَيْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ النَّفْسِ؛ وَلَوْ أَرَادَ بِالنَّفْسِ الْكَامِلَةَ: وَهِيَ نَفْسُ الْإِنْسَانِ، وَمَا لِمَالٍ مَا يَعُمُّ الْحَيَوَانَ لَوَافَقَ قَوْلَهُ الْآتِيَ، ثُمَّ مَا تَلِفَ بِهِ النُّفُوسُ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ فَإِنَّ الْحَيَوَانَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِمْ بَلْ هُوَ فِي مَالِهِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ إنْ طَالَبَ رَبَّهُ) بِنَصْبِ رَبَّهُ مَفْعُولُ طَالَبَ، وَفَاعِلُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي مُكَلَّفٌ، وَالْمُطَالَبَةُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: إنَّ حَائِطَك هَذَا مَخُوفٌ أَوْ يَقُولُ: مَائِلٌ فَانْقُضْهُ أَوْ اهْدِمْهُ حَتَّى لَا يَسْقُطَ وَلَا يُتْلِفَ شَيْئًا وَلَوْ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تَهْدِمَهُ فَذَلِكَ مَشُورَةٌ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ حُكْمًا) مِنْ حَيْثُ قُدْرَتُهُ عَلَى رَفْعِ هَذَا الضَّرَرِ. (قَوْلُهُ فَتَضْمَنُ عَاقِلَةُ الْوَاقِفِ) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقَيِّمَ نَائِبٌ عَنْهُ فَيَكُونُ الْإِشْهَادُ عَلَى الْقَيِّمِ إشْهَادًا عَلَى الْوَاقِفِ، كَمَا أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى الْوَلِيِّ إشْهَادٌ عَلَى مَنْ تَحْتَ وِلَايَتِهِ مِنْ صَغِيرٍ، وَمَجْنُونٍ، قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَيُؤْخَذُ مِنْ عَاقِلَةِ الْوَاقِفِ إنْ كَانَ لَهُ عَاقِلَةٌ فِيمَا تَتَحَمَّلُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ، أَوْ كَانَ مِمَّا لَا تَتَحَمَّلُهُ، فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْقَيِّمِ وَلَا يَرْجِعُ فِي الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا ذِمَّةَ لَهُ (قَوْلُهُ وَكَالْقَيِّمِ الْوَلِيُّ) أَيْ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ مِنْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ أَوْ وَصِيٍّ، وَزَادَ فِي الْهِدَايَةِ الْأُمَّ ثُمَّ قَالَ: لِأَنَّ فِعْلَ هَؤُلَاءِ كَفِعْلِهِ اهـ أَيْ فِعْلَ الْوَصِيِّ وَالْأَبِ وَالْأُمِّ كَفِعْلِ الصَّبِيِّ وَالتَّقَدُّمُ إلَيْهِمْ كَالتَّقَدُّمِ إلَى الصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ عِنَايَةٌ تَأَمَّلْ وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى فَلَوْ سَقَطَ حَائِطُ الصَّغِيرِ بَعْدَ الطَّلَبِ مِنْ وَلِيِّهِ كَانَ الضَّمَانُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَلَوْ بَلَغَ أَوْ مَاتَ الْوَلِيُّ بَعْدَ الطَّلَبِ فَلَا يَضْمَنُ بِالتَّلَفِ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَغَيْرِهَا اهـ (قَوْلُهُ وَالرَّاهِنُ) فَإِنَّهُ مَالِكٌ لَا الْمُرْتَهِنُ وَالرَّاهِنُ قَادِرٌ عَلَى الْهَدْمِ يَعْنِي بِفَكِّ الْعَيْنِ وَإِعَادَتِهَا إلَى يَدِهِ، وَكَذَا التَّقَدُّمُ إلَى الْمُؤَجِّرِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ وَهَذَا عُذْرٌ اهـ ط عَنْ الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ وَالْمُكَاتَبُ) لِمِلْكِهِ نَقْضُهُ فَإِنْ تَلِفَ بِهِ آدَمِيٌّ سَعَى فِي أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَدِيَةِ الْمَقْتُولِ أَوْ مَالٍ سَعَى فِي قِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ اعْتِبَارًا بِالْجِنَايَةِ الْحَقِيقِيَّةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ، وَهَذَا لَوْ التَّلَفُ حَالَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ، فَلَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى، وَلَوْ بَعْدَ الْعَجْزِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ عَلَى أَحَدٍ، وَيُهْدَرُ الدَّمُ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْمُكَاتَبِ، وَعَدَمِ الْإِشْهَادِ عَلَى الْمَوْلَى كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهَا وَفِي الْبُرْجَنْدِيِّ عَنْ قَاضِي خَانْ، فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَى الْمَوْلَى صَحَّ الْإِشْهَادُ أَيْضًا دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَالْعَبْدُ التَّاجِرُ) فَإِنَّ لَهُ وِلَايَةَ نَقْضِهِ مَدْيُونًا أَوْ لَا فَإِنْ تَلِفَ بِهِ آدَمِيٌّ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى أَوْ مَالٌ فَفِي رَقَبَتِهِ حَتَّى يُبَاعَ فِيهِ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَكَذَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَيَضْمَنُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَقَطْ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ بِمُبَاشَرَةِ طَرِيقِهِ وَهُوَ الْمُرَافَعَةُ إلَى الْقَاضِي بِمُطَالَبَةِ شُرَكَائِهِ، فَصَارَ مُفَرِّطًا فَيَضْمَنُ بِقِسْطِهِ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ النَّقْضِ وَحْدَهُ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ نَعَمْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) قِيلَ هُوَ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ طَالَبَ رَبَّهُ، وَاعْتِرَاضٌ بِأَنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ أَوْ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الدَّارَ لِلْمَيِّتِ وَلِذَا تُقْضَى بِهَا دُيُونُهُ وَالْوَارِثُ خَلِيفَتُهُ، وَلِذَا لَهُ أَخْذُهَا وَقَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ وَقَدْ يُقَالُ هُوَ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فَإِنَّ التَّقْيِيدَ بِقَوْلِهِ عَنْ ابْنٍ فَقَطْ يُفْهَمُ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَتْ الْوَرَثَةُ لَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ تَأَمَّلْ وَلَعَلَّ الْقَيْدَ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ صَحَّ الْإِشْهَادُ) أَيْ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ لَا الِابْنِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ بِنَقْضِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِطَالِبِ وَمُكَلَّفٌ فَاعِلُهُ (قَوْلُهُ يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الطَّلَبِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُكَلَّفِ مَنْ لَهُ حَقُّ الطَّلَبِ وَلَوْ صَبِيًّا لَا مَنْ كَانَ بَالِغًا لَكِنْ فِي الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ الْعَبِيدَ وَالصِّبْيَانَ بِالْإِذْنِ الْتَحَقُوا بِالْحُرِّ الْبَالِغِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ) أَيْ عَلَى طَلَبِ النَّقْضِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْإِشْهَادَ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ إثْبَاتِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 599 وَلَا يَصِحُّ الطَّلَبُ قَبْلَ الْمَيْلِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يَنْقُضْهُ) وَهُوَ يَمْلِكُ نَقْضَهُ فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ عَلَى نَقْضِهِ فِيهَا لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ الْعَامِّ وَاجِبٌ ثُمَّ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ النُّفُوسِ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ وَمِنْ الْأَمْوَالِ فَعَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْمَالَ، وَلَا ضَمَانَ إلَّا بِالْإِشْهَادِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ عَلَى التَّقَدُّمِ إلَيْهِ، وَعَلَى الْهَلَاكِ بِالسُّقُوطِ عَلَيْهِ، وَعَلَى كَوْنِ الْجِدَارِ مِلْكًا لَهُ مِنْ وَقْتِ الْإِشْهَادِ إلَى وَقْتِ السُّقُوطِ. وَلِذَا قَالَ (وَلَوْ تَقَدَّمَ إلَى مَنْ) لَا يَمْلِكُ نَقْضَهُ مِمَّنْ (يَسْكُنُهَا بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ إلَى الْمُرْتَهِنِ أَوْ إلَى الْمُودَعِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ) لِعَدَمِ قُدْرَتِهِمْ عَلَى التَّصَرُّفِ وَحِينَئِذٍ فَلَوْ سَقَطَ بَعْدَ التَّقَدُّمِ لِمَنْ ذُكِرَ (وَأَتْلَفَ شَيْئًا فَلَا ضَمَانَ أَصْلًا) لَا عَلَى سَاكِنٍ وَلَا مَالِكٍ (كَمَا لَوْ خَرَجَ) الْحَائِطُ (عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ) أَوْ غَيْرِهِ كَهِبَةٍ حَاوِي قُدْسِيٌّ. وَكَذَا لَوْ جُنَّ مُطْلَقًا أَوْ ارْتَدَّ وَلَحِقَ وَحُكِمَ بِلِحَاقِهِ ثُمَّ عَادَ أَوْ أَفَاقَ خَانِيَّةٌ (بَعْدَ الْإِشْهَادِ وَلَوْ قَبْلَ الْقَبْضِ) لِزَوَالِ وِلَايَتِهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ عَادَ مِلْكُهُ بَعْدَهُ حَاوِي وَخَانِيَّةٌ بِخِلَافِ الْجَنَاحِ لِبَقَاءِ فِعْلِهِ كَمَا مَرَّ (وَإِنْ مَالَ إلَى دَارِ إنْسَانٍ)   [رد المحتار] عِنْدَ جُحُودِهِ أَوْ جُحُودِ عَاقِلَتِهِ فَكَانَ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ لَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ إلَخْ) سَيَأْتِي مَتْنًا (قَوْلُهُ وَالْحَالُ إلَخْ) صَاحِبُ الْحَالِ فَاعِلُ ضَمِنَ أَوْ مَفْعُولُ طَالَبَ (قَوْلُهُ وَهُوَ يَمْلِكُ نَقْضَهُ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا بَعْدُ وَبِقَوْلِهِ: وَلَوْ تَقَدَّمَ إلَخْ (قَوْلُهُ فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ عَلَى نَقْضِهِ فِيهَا) فَلَوْ ذَهَبَ بَعْدَ الطَّلَبِ لِطَلَبِ مَنْ يَهْدِمُهُ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ حَتَّى سَقَطَ الْحَائِطُ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ التَّمَكُّنِ مِنْ إحْضَارِ الْأُجَرَاءِ مُسْتَثْنًى فِي الشَّرْعِ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ الْعَامِّ وَاجِبٌ) عِلَّةً لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا ضَمِنَ رَبُّهُ: أَيْ فَإِنَّا لَوْ لَمْ نُوجِبْ عَلَيْهِ الضَّمَانَ يَمْتَنِعُ مِنْ التَّفْرِيغِ وَكَمْ مِنْ ضَرَرٍ خَاصٍّ، يَجِبُ تَحَمُّلُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ (قَوْلُهُ مِنْ النُّفُوسِ) أَيْ الْأَحْرَارِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْأَمْوَالَ ط وَأَرَادَ بِالنُّفُوسِ مَا قَابَلَ الْأَمْوَالَ فَخَرَجَ الْحَيَوَانُ، وَدَخَلَ مَا دُونَ النَّفْسِ (قَوْلُهُ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ) أَيْ عَاقِلَةِ رَبِّ الْحَائِطِ (قَوْلُهُ وَلَا ضَمَانَ إلَخْ) أَيْ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَلَوْ أَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ وَاحِدًا مِنْ الثَّلَاثَةِ وَأَقَرَّ بِهَارِبِ الدَّارِ، لَزِمَهُ فِي مَالِهِ طُورِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ عَلَى التَّقَدُّمِ إلَيْهِ) أَيْ عَلَى طَلَبِ النَّقْضِ مِمَّنْ يَمْلِكُهُ (قَوْلُهُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْهَالِكِ (قَوْلُهُ وَعَلَى كَوْنِ الْجِدَارِ مِلْكًا لَهُ) ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الدَّارِ فِي يَدِهِ ظَاهِرٌ، وَالظَّاهِرُ لَا يُسْتَحَقُّ بِهِ حَقٌّ عَلَى الْغَيْرِ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ لِاشْتِرَاطِ كَوْنِ الدَّارِ مِلْكًا لَهُ إلَخْ ط (قَوْلُهُ وَلَا مَالِكَ) لِعَدَمِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ عَنْ مِلْكِهِ) أَيْ عَنْ وِلَايَتِهِ لِيَشْمَلَ قَوْلَهُ وَكَذَا لَوْ جَنَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَهِبَةٍ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّسْلِيمِ، حَتَّى يَبْطُلَ الْإِشْهَادُ، إذْ لَا حُكْمَ لَهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ ط (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ جُنَّ) أَيْ بَعْدَ الْإِشْهَادِ (قَوْلُهُ مُطْبِقًا) قُيِّدَ بِهِ لِإِخْرَاجِ الْمُقَطَّعِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْإِشْهَادُ، فَإِذَا أَتْلَفَ بَعْدَ الْإِشْهَادِ شَيْئًا يَكُونُ مَضْمُونًا ط (قَوْلُهُ ثُمَّ عَادَ) أَيْ مُسْلِمًا وَرُدَّتْ عَلَيْهِ الدَّارُ خَانِيَّةٌ، أَوْ أَفَاقَ أَيْ مِنْ جُنُونِهِ، فَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ: أَيْ فَلَا يُضَمُّ إلَّا بِإِشْهَادٍ مُسْتَقْبَلٍ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ، فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ كَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ، وَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِهِ اتِّفَاقِيّ أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ لِزَوَالِ وِلَايَتِهِ) أَيْ عَنْ مِلْكِ النَّقْضِ، وَهُوَ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الضَّمَانِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: كَمَا لَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ) أَيْ مِنْ الْهِبَةِ وَالْجُنُونِ وَالِارْتِدَادِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِنْ عَادَ مِلْكُهُ) أَيْ وِلَايَتُهُ بِعَوْدِهِ مُسْلِمًا أَوْ إفَاقَتِهِ وَكَذَا فِي الْبَيْعِ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَإِطْلَاقُ الْبَيْعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ رُدَّ عَلَى الْبَائِعِ بِقَضَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَضْمَنْ إلَّا إذَا طُولِبَ بَعْدَ الرَّدِّ اهـ وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَإِنْ نَقَضَ الْبَيْعَ، ثُمَّ سَقَطَ الْحَائِطُ، وَأَتْلَفَ شَيْئًا كَانَ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ لَا يُبْطِلُ وِلَايَةَ الْإِصْلَاحِ، فَلَا يُبْطِلُ الْإِشْهَادَ، وَلَوْ أَسْقَطَ الْبَائِعُ خِيَارَهُ بَطَلَ الْإِشْهَادُ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْحَائِطَ عَنْ مِلْكِهِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْجَنَاحِ) فَلَا يَزُولُ الضَّمَانُ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ فِيهِ بِنَفْسِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 600 مِنْ مَالِكٍ أَوْ سَاكِنٍ بِإِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ قُهُسْتَانِيٌّ (فَالطَّلَبُ إلَيْهِ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ (فَيَصِحُّ تَأْجِيلُهُ وَإِبْرَاؤُهُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْجِنَايَةِ (وَإِنْ مَالَ إلَى الطَّرِيقِ فَأَجَّلَهُ الْقَاضِي أَوْ مَنْ طَلَبَ) النَّقْضَ (لَا) يَبْرَأُ لِأَنَّهُ بِحَقِّ الْعَامَّةِ وَتَصَرُّفُ الْقَاضِي فِي حَقِّ الْعَامَّةِ نَافِذٌ فِيمَا يَنْفَعُهُمْ لَا فِيمَا يَضُرُّهُمْ ذَخِيرَةٌ بِخِلَافِ تَأْجِيلِ مَنْ بِالدَّارِ. وَلَوْ مَالَ بَعْضُهُ لِلطَّرِيقِ وَبَعْضُهُ لِلدَّارِ فَأَيُّ طَلَبٍ صَحَّ الطَّلَبُ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ الْإِشْهَادُ فِي الْبَعْضِ صَحَّ فِي الْكُلِّ بُرْجُنْدِيٌّ (فَإِنْ بُنِيَ مَائِلًا ابْتِدَاءً ضُمِنَ بِلَا طَلَبٍ كَمَا فِي إشْرَاعِ الْجَنَاحِ وَنَحْوِهِ) كَمِيزَابٍ لِتَعَدِّيهِ بِهِ (حَائِطٌ بَيْنَ خَمْسَةٍ أَشْهَدَ عَلَى أَحَدِهِمْ فَسَقَطَ عَلَى رَجُلٍ ضَمِنَ) عَاقِلَتُهُ (خُمُسَ الدِّيَةِ) أَيْ خُمُسَ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إصْلَاحِهِ بِمُرَافَعَتِهِ لِلْحَاكِمِ. (دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ حَفَرَ أَحَدُهُمْ فِيهَا بِئْرًا أَوْ بَنَى حَائِطًا فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ ضَمِنَ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ) لِتَعَدِّيهِ فِي الثُّلُثَيْنِ، وَقَدْ حَصَلَ التَّلَفُ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَيُقْسَمُ بِالْحِصَّةِ وَقَالَا أَنْصَافًا، لِأَنَّ التَّلَفَ قِسْمَانِ مُعْتَبَرٌ وَهَدَرٌ. (الْإِشْهَادُ عَلَى الْحَائِطِ إشْهَادٌ عَلَى النَّقْضِ) بِالْكَسْرِ مَا يَنْقُضُ مِنْ الْجِدَارِ وَحِينَئِذٍ (فَلَوْ وَقَعَ الْحَائِطُ عَلَى الطَّرِيقِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ فَعَثَرَ إنْسَانٌ بِنَقْضِهِ فَمَاتَ ضَمِنَ) لِأَنَّ النَّقْضَ مِلْكُهُ فَتَفْرِيعُهُ عَلَيْهِ (وَإِنْ عَثَرَ) رَجُلٌ (بِقَتِيلٍ مَاتَ بِسُقُوطِهَا) أَيْ الْحَائِطِ (لَا يَضْمَنُهُ) لِأَنَّ تَفْرِيغَهُ لِلْأَوْلِيَاءِ لَا إلَيْهِ بِخِلَافِ الْجَنَاحِ حَيْثُ يَضْمَنُ رَبُّهُ الْقَتِيلَ الثَّانِيَ أَيْضًا لِبَقَاءِ جِنَايَتِهِ فَيَلْزَمُهُ تَفْرِيغُ الطَّرِيقِ عَنْ الْقَتِيلِ أَيْضًا   [رد المحتار] الْوَضْعِ وَهُوَ بَاقٍ وَفِي الْحَائِطِ بِتَرْكِ النَّقْضِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ فَزَالَتْ الْجِنَايَةُ (قَوْلُهُ فَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ) أَيْ أَدْنَى تَعَلُّقٍ وَارْتِبَاطٍ كَكَوْكَبِ الْخَرْقَاءِ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ: إذَا كَوْكَبُ الْخَرْقَاءِ لَاحَ بِسُحْرَةِ ... سُهَيْلٍ أَذَاعَتْ غَزْلَهَا فِي الْأَقَارِبِ (قَوْلُهُ فَالطَّلَبُ إلَيْهِ) الْأَوْلَى لَهُ أَيْ لِلْمَالِكِ أَوْ السَّاكِنِ، وَلَوْ مَالَ إلَى سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ، فَالْخُصُومَةُ لِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهَا أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ مَالَ إلَى الطَّرِيقِ إلَخْ) ظَاهِرُ التَّعْلِيلِ الْآتِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْعَامَّةُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخَاصَّةَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْجِيلِ كُلِّ أَهْلِهَا أَوْ إبْرَائِهِمْ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ مَالَ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: حَائِطٌ لِرَجُلِ بَعْضُهُ مَائِلٌ إلَى الطَّرِيقِ وَبَعْضُهُ مَائِلٌ إلَى دَارِ قَوْمٍ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ أَهْلَ الدَّارِ، فَسَقَطَ مَا مَالَ إلَيْهَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ وَاحِدٌ فَصَحَّ الْإِشْهَادُ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ فِيمَا مَالَ إلَيْهِمْ، وَفِيمَا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ، فَإِنَّ أَهْلَ الدَّارِ مِنْ جُمْلَةِ الْعَامِلَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْهِدُ مِنْ غَيْرِهِمْ صَحَّ فِيمَا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ، وَإِذَا صَحَّ الْإِشْهَادُ فِي الْبَعْضِ صَحَّ فِي الْكُلِّ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ أَيْ خُمُسُ مَا تَلِفَ بِهِ) تَعْمِيمٌ لِلْمَتْنِ لَكِنْ كَانَ عَلَى الشَّارِحِ إسْقَاطُ قَوْلِهِ: عَاقِلَتُهُ اهـ ح. أَيْ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْأَمْوَالِ فِي مَالِهِ كَمَا سَلَفَ ط (قَوْلُهُ بِمُرَافَعَتِهِ لِلْحُكَّامِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ: أَيْ بِمُرَافَعَةِ الْمُشْهَدِ عَلَيْهِ بَقِيَّةَ شُرَكَائِهِ بِمُطَالَبَةِ نَقْضِهِ، وَالْمَذْكُورُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ، وَفِي الْقِيَاسِ: لَا يَضْمَنُ أَحَدٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ حَفَرَ أَحَدُهُمْ) أَيْ بِلَا إذْنِ الْبَقِيَّةِ (قَوْلُهُ ضَمِنَ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ) أَيْ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَيَضْمَنُ ثُلُثَيْ الْمَالِ فِي مَالِهِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ) وَهِيَ الثِّقَلُ الْمُقَدَّرُ فِي الْحَائِطِ وَالْعُمْقُ الْمُقَدَّرُ فِي الْبِئْرِ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الثِّقَلِ وَالْعُمْقِ لَيْسَ بِمُهْلِكٍ حَتَّى يُعْتَبَرَ كُلُّ جَزْءٍ عِلَّةً فَيَجْتَمِعُ الْعِلَلُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ الْوَاحِدَةِ، ثُمَّ يُقْسَمُ عَلَى أَرْبَابِهَا بِقَدْرِ الْمِلْكِ وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ وَقَالَا أَنْصَافًا) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ التَّلَفَ بِنَصِيبِ الْمُشْهَدِ عَلَيْهِ مُعْتَبَرٌ، وَبِنَصِيبِ غَيْرِهِ هَدَرٌ، وَفِي الْحَفْرِ وَالْبِنَاءِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ غَيْرُ مُتَعَدٍّ، وَبِاعْتِبَارِ مِلْكِ شَرِيكِهِ مُتَعَدٍّ، فَكَانَا قِسْمَيْنِ فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ إشْهَادٌ عَلَى النَّقْضِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ الشُّغْلِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ مَاتَ بِسُقُوطِهَا) صِفَةُ قَتِيلٍ وَتَأْنِيثُ الضَّمِيرِ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ فِي أَنَّ الْحَائِطَ قَدْ يُؤَنَّثُ وَلَمْ أَرَهُ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ لِبَقَاءِ جِنَايَتِهِ) ؛ لِأَنَّ إشْرَاعَ الْجَنَاحِ فِي جِنَايَةٍ، وَهُوَ فِعْلُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَلْقَاهُ بِيَدِهِ عَلَيْهِ، فَكَانَ حُصُولُ الْقَتِيلِ فِي الطَّرِيقِ كَحُصُولِ نَقْضِ الْجَنَاحِ فِي الطَّرِيقِ، وَمَنْ أَلْقَى شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 601 يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْحَائِطَ أَوْ النَّقْضَ بَرِئَ وَلَوْ بَاعَ الْجَنَاحَ لَا زَيْلَعِيٌّ (وَلَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ قَبْلَ أَنْ يَهِيَ الْحَائِطُ) لِانْعِدَامِ التَّعَدِّي ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً (وَتُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى التَّقَدُّمِ لَا عَلَى الْقَتْلِ. [فُرُوعٌ] حَائِطٌ بَعْضُهُ صَحِيحٌ وَبَعْضُهُ وَاهٍ فَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فَسَقَطَ كُلُّهُ وَقَتَلَ إنْسَانًا ضَمِنَهُ. إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَائِطُ طَوِيلًا فَيَضْمَنُ مَا أَصَابَ الْوَاهِي فَقَطْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَحَائِطَيْنِ فَالْإِشْهَادُ يَصِحُّ فِي الْوَاهِي لَا فِي الصَّحِيحِ. حَائِطَانِ أَحَدُهُمَا مَائِلٌ وَالْآخَرُ صَحِيحٌ: فَأَشْهَدَ عَلَى الْمَائِلِ فَسَقَطَ الصَّحِيحُ فَأَتْلَفَ شَيْئًا كَانَ هَدَرًا خَانِيَّةٌ مَسْجِدٌ مَالَ حَائِطُهُ فَالْإِشْهَادُ عَلَى مَنْ بَنَاهُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ بَنَاهُ وَحَائِطُ الْوَقْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَقْفِ، وَحَائِطُ الْعَبْدِ التَّاجِرِ عَلَى عَاقِلَةِ مَوْلَاهُ وَلَوْ مُسْتَغْرِقًا اسْتِحْسَانًا. قَالَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ إذَا جَاءَ غَدٌ عَفَوْت عَنْ الْقِصَاصِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الْأَصْلِ. جَارِيَةٌ قَتَلَتْ رَجُلًا عَمْدًا فَزَنَى بِهَا وَلِيُّ الْقَتِيلِ قَبْلَ أَنْ يَقْتَصَّ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَمْلُوكَةً وَلْوَالِجِيَّةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا الْأَصْلُ أَنَّ الْمُرُورَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ مُبَاحٌ   [رد المحتار] كَانَ ضَامِنًا لِمَا عَطِبَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ تَفْرِيغَ الطَّرِيقِ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحَائِطِ فَإِنَّ نَفْسَ الْبِنَاءِ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ وَبَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ يَصِيرُ بِهِ جَانِيًا لَكِنْ جُعِلَ كَالْفَاعِلِ بِتَرْكِ النَّقْضِ فِي الطَّرِيقِ، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّفْرِيغِ وَالتَّرْكِ مَعَ الْقُدْرَةِ وُجِدَ فِي حَقِّ النَّقْضِ، لَا فِي حَقِّ الْقَتِيلِ، فَلِذَلِكَ جُعِلَ فَاعِلًا فِي حَقِّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ لَا فِي حَقِّ الْقَتِيلِ الثَّانِي عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ يُؤَيِّدُهُ) أَيْ يُؤَيِّدُ أَنَّ الْجِنَايَةَ بَاقِيَةٌ فِي الْجَنَاحِ دُونَ الْحَائِطِ (قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَهِيَ) يُقَالُ: وَهَى الْحَائِطُ يَهِي وَهْيًا إذَا ضَعُفَ وَهَمَّ بِالسُّقُوطِ صِحَاحٌ (قَوْلُهُ لَا فِي الصَّحِيحِ) أَيْ لَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ فِي الْبَعْضِ الصَّحِيحِ فَلَا يَضْمَنُ مَا أَصَابَهُ كَمَا لَوْ كَانَا حَائِطَيْنِ حَقِيقَةً (قَوْلُهُ عَلَى مَنْ بَنَاهُ) أَيْ إنْ كَانَ حَيًّا، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْقَيِّمَ كَالْوَاقِفِ فَالْإِشْهَادُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ بَنَاهُ) وَأَمَّا جِنَايَاتُ الْأَمْوَالِ، فَلَيْسَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا فِي مَالِ الْبَانِي وَالْوَاقِفِ فَيُحَرَّرُ ط وَقَدَّمْنَا عَنْ الرَّمْلِيِّ: أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا ذِمَّةَ لَهُ (قَوْلُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَاقِفِ) أَيْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِيهِ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ عَلَى عَاقِلَةِ مَوْلَاهُ) وَأَمَّا الْمَالُ فَفِي رَقَبَتِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا حُكْمَ الْمُكَاتَبِ (قَوْلُهُ قَالَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ إلَخْ) الْمَسْأَلَةُ بِتَمَامِهَا فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ) أَيْ وَهُوَ لَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قُبَيْلَ بَابِ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجْرِي فِيهِ التَّمْلِيكُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ دَلَّ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْعَفْوَ تَمْلِيكٌ لِلْقِصَاصِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ الدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا أَفَادَ أَنَّ الْأَمَةَ صَارَتْ مِلْكَهُ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ، عَلَى أَنَّ كَوْنَهَا صَارَتْ مِلْكَهُ لَهُ مُشْكِلٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ: عِبَارَةُ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَوْ قَتَلَتْ أَمَةٌ رَجُلًا عَمْدًا فَزَنَى بِهَا الْوَلِيُّ عَمْدًا لَمْ يُحَدَّ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الشُّبْهَةَ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: الْمُوَلَّى وِلَايَةَ تَمَلُّكِهَا مِنْ غَيْرِ رِضَا مَوْلَاهَا إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهَا فَصَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ اهـ فَقَدْ جَعَلَ عِلَّةَ الدَّرْءِ أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ تَمَلُّكِهَا عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ، لَا أَنَّهَا صَارَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ جَارِيَةٌ) بَدَلٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْأَصْلِ وَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْتَصَّ تَصْرِيحٌ بِمَعْلُومٍ ط وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا] ذَكَرَهُ عُقَيْبَ جِنَايَةِ الْإِنْسَانِ، وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْبَهِيمَةُ مُلْحَقَةً بِالْجَمَادَاتِ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الْعَقْلِ، ذَكَرَهُ بَعْدَ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ جِنَايَةِ الرَّقِيقِ، وَنِسْبَةُ الْجِنَايَةِ إلَيْهَا لِمُشَاكَلَةِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ الْأَصْلُ) أَيْ فِي مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ، وَكَذَا الْأَصْلُ أَيْضًا أَنَّ الْمُتَسَبِّبَ ضَامِنٌ إذَا كَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 602 بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فِيمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ. (ضَمِنَ الرَّاكِبُ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ مَا وَطِئَتْ دَابَّتُهُ وَمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ رَأْسِهَا أَوْ كَدَمَتْ) بِفَمِهَا (أَوْ خَبَطَتْ) بِيَدِهَا أَوْ صَدَمَتْ (فَلَوْ حَدَثَتْ) الْمَذْكُورَاتُ (فِي السَّيْرِ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ رَبُّهَا إلَّا فِي الْوَطْءِ وَهُوَ رَاكِبُهَا لِأَنَّهُ) مُبَاشِرٌ لِقَتْلِهِ بِثِقَلِهِ فَيُحْرَمُ الْمِيرَاثُ. (وَلَوْ حَدَثَتْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ فَهُوَ كَمِلْكِهِ) فَلَا يَضْمَنُ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا قُهُسْتَانِيُّ (وَإِلَّا) يَكُنْ بِإِذْنِهِ (ضَمِنَ مَا تَلِفَ مُطْلَقًا) لِتَعَدِّيهِ (لَا) يَضْمَنُ الرَّاكِبُ (مَا نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا) أَوْ ذَنَبِهَا سَائِرَةً خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (أَوْ عَطِبَ إنْسَانٌ بِمَا رَاثَتْ أَوْ بِاَلَّتِي فِي الطَّرِيقِ سَائِرَةً أَوْ وَاقِفَةٌ لِأَجْلِ ذَلِكَ) لِأَنَّ بَعْضَ الدَّوَابِّ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا وَاقِفًا   [رد المحتار] مُتَعَدِّيًا، وَإِلَّا لَا يَضْمَنُ وَالْمُبَاشِرُ يَضْمَنُ مُطْلَقًا، كَمَا يَظْهَرُ مِنْ الْفُرُوعِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ إلَخْ) لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ، لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ كُلِّ النَّاسِ فَقُلْنَا بِالْإِبَاحَةِ مُقَيَّدًا بِالسَّلَامَةِ لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فِيمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لَا فِيمَا لَا يُمْكِنُ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ مَا وَطِئَتْ دَابَّتُهُ) أَيْ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ دُرٌّ مُنْتَقَى فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَاطِبُ عَبْدًا وَجَبَتْ قِيمَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَيْضًا، لِأَنَّ دِيَتَهُ قِيمَتُهُ، وَإِنْ مَالًا وَجَبَتْ قِيمَتُهُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ مَا دُونَ النَّفْسِ، فَمَا أَرْشُهُ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ فَفِي مَالِهِ وَإِنْ نِصْفَ الْعَشْرِ، فَصَاعِدًا فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ جَوْهَرَةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا) أَيْ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْوَطْءِ كَأَنْ أَتْلَفَتْ فِي حَالِ رَفْعِهَا أَوْ قَتَلَ وَضْعُهَا ط (قَوْلُهُ أَوْ كَدَمَتْ إلَخْ) الْكَدْمُ الْعَضُّ بِمُقَدَّمِ الْأَسْنَانِ كَمَا يَكْدِمُ الْحِمَارُ وَالْخَبْطُ الضَّرْبُ بِالْيَدِ وَالصَّدْمُ الدَّفْعُ، وَأَنْ تَضْرِبَ الشَّيْءَ بِجَسَدِك مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ فِي مِلْكِهِ) أَيْ الْخَاصِّ أَوْ الْمُشْتَرَكِ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ السَّيْرَ وَالْإِيقَافَ فِيهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ لَا مُبَاشِرٌ، وَلَيْسَ بِمُتَعَدٍّ بِتَسْيِيرِ الدَّابَّةِ فِي مِلْكِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُبَاشَرَةٌ) فَيَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ (قَوْلُهُ فَيُحْرَمُ مِنْ الْمِيرَاثِ) لِأَنَّهُ قَاتِلٌ حَقِيقَةً وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَدَثَتْ) أَيْ الْمَذْكُورَاتُ (قَوْلُهُ فَلَا يَضْمَنُ) أَيْ إلَّا فِي الْوَطْءِ وَهُوَ رَاكِبُهَا (قَوْلُهُ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا مَعَهَا) سَوَاءٌ دَخَلَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ أَدْخَلَهَا بِالْإِذْنِ (قَوْلُهُ ضَمِنَ) أَيْ الرَّاكِبُ مَا تَلِفَ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ وَطِئَتْ أَوْ خَبَطَتْ أَوْ صَدَمَتْ وَاقِفَةً أَوْ سَائِرَةً، وَكَالرَّاكِبِ السَّائِقُ وَالْقَائِدُ كَمَا يَأْتِي مَتْنًا، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا لَمْ تَدْخُلْ بِنَفْسِهَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي مِلْكِ غَيْرِ صَاحِبِهَا فَأَمَّا إنْ أَدْخَلَهَا صَاحِبُهَا فِيهِ أَوَّلًا فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُبَاشِرٍ وَلَا مُتَسَبِّبٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا سَائِقُهَا أَوْ قَائِدُهَا أَوْ رَاكِبُهَا أَوْ لَا وَاقِفَةً أَوْ سَائِرَةً لِأَنَّهُ إمَّا مُبَاشِرٌ، أَوْ مُتَسَبِّبٌ مُتَعَدٍّ إذْ لَيْسَ لَهُ إيقَافُ الدَّابَّةِ وَتَسْيِيرُهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ اهـ (قَوْلُهُ لَا يَضْمَنُ الرَّاكِبُ) أَيْ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ أَوْ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ لَا مَا نَفَحَتْ إلَخْ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ يُقَالُ نَفَحَتْ الدَّابَّةُ أَيْ ضَرَبَتْ بِحَدِّ حَافِرِهَا مُغْرِبٌ فَقَوْلُهُ: بِرِجْلِهَا مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمُقَيَّدِ فِي الْمُطْلَقِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَغَيْرُهُ، لَكِنْ فِي الصِّحَاحِ أَيْ ضَرَبَتْ بِرِجْلِهَا، فَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْحَافِرِ فَتَبْقَى دَعْوَى الْمَجَازِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِهِ أَوْ ذَنَبِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ سَائِرَةً) قَيْدٌ لِعَدَمِ الضَّمَانِ بِالنَّفْحَةِ، فَإِنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ النَّفْحَةِ مَعَ السَّيْرِ، غَيْرُ مُمْكِنٍ، لِأَنَّهَا مِنْ ضَرُورَاتِهِ فَلَوْ أَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ النَّفْحَةَ أَيْضًا، لِأَنَّ صِيَانَةَ الدَّوَابِّ عَنْ الْوُقُوفِ مُمْكِنَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُمْكِنَةٍ عَنْ النَّفْحَةِ فَصَارَ الْإِيقَافُ تَعَدِّيًا أَوْ مُبَاحًا مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ عَطِبَ) عَطْفٌ عَلَى نَفَحَتْ، وَفِيهِ رَكَاكَةٌ، وَعِبَارَةُ الْمُلْتَقَى وَلَا مَا عَطِبَ بِرَوْثِهَا أَوْ بَوْلِهَا (قَوْلُهُ أَوْ وَاقِفَةً) أَيْ بِإِيقَافِهِ أَوْ لَا بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ) أَيْ لِأَجْلِ الرَّوْثِ أَوْ الْبَوْلِ وَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ أَوْ وَاقِفَةً (قَوْلُهُ لِأَنَّ بَعْضَ الدَّوَابِّ إلَخْ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ الضَّمَانِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْبَوْلِ وَالرَّوْثِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَجُعِلَ عَفَوَا وَالْوُقُوفُ مِنْ ضَرُورَاتِهِ، لِأَنَّ الدَّابَّةَ لَا تَرُوثُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 603 (فَلَوْ) أَوْقَفَهَا (لِغَيْرِهِ) فَبَالَتْ (ضَمِنَ) لِتَعَدِّيهِ بِإِيقَافِهَا إلَّا فِي مَوْضِعِ إذْنِ الْإِمَامِ بِإِيقَافِهَا فَلَا يَضْمَنُ وَمِنْهُ سَوْقُ الدَّوَابِّ وَأَمَّا بَابُ الْمَسْجِدِ فَكَالطَّرِيقِ إلَّا إذَا أَعَدَّ الْإِمَامُ لَهَا مَوْضِعًا (فَإِنْ أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا حَصَاةٌ أَوْ نَوَاةً وَأَثَارَتْ غُبَارًا أَوْ حَجَرًا صَغِيرًا فَفَقَأَ عَيْنًا) أَوْ أَفْسَدَ ثَوْبًا (لَمْ يَضْمَنْ) لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ (وَلَوْ) الْحَجَرُ (كَبِيرًا ضَمِنَ) لِإِمْكَانِهِ (وَضَمِنَ السَّائِقُ وَالْقَائِدُ مَا ضَمِنَهُ الرَّاكِبُ) وَصَحَّحَ فِي الدُّرَرِ أَنَّهُ مَطْرُودٌ مُنْعَكِسٌ (وَ) الرَّاكِبُ (عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) فِي الْوَطْءِ كَمَا مَرَّ (لَا عَلَيْهِمَا) أَيْ لَا عَلَى سَائِقٍ وَقَائِدٍ، وَلَوْ كَانَ سَائِقٌ وَرَاكِبٌ لَمْ يَضْمَنْ السَّائِقُ عَلَى الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَا جَزَمَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ وَغَيْرُهُ، لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْمُبَاشِرِ أَوْلَى مِنْ الْمُتَسَبِّبِ   [رد المحتار] وَلَا تَبُولُ غَالِبًا إلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ فَجُعِلَ ذَلِكَ عَفْوًا أَيْضًا أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَوْقَفَهَا) فِي الْمُغْرِبِ، وَلَا يُقَالُ أَوْقَفَهُ إلَّا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ اهـ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ لِتَعَدِّيهِ بِإِيقَافِهِ) أَيْ إيقَافِ الدَّابَّةِ فَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ: أَيْ فَهُوَ مُتَسَبِّبٌ مُتَعَدٍّ، إذْ لَيْسَ لَهُ شَغْلُ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ بِإِيقَافِهَا فِيهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: فَلَوْ أَوْقَفَهَا لِلِازْدِحَامِ أَوْ لِضَرُورَةٍ أُخْرَى، يَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ الْعَوْدُ أَوْ التَّخَلُّصُ يَضْمَنُ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ إلَّا فِي مَوْضِعِ إذْنِ الْإِمَامِ بِإِيقَافِهَا) وَكَذَا إذَا أَوْقَفَهَا فِي الْمَفَاوِزِ فِي غَيْرِ الْمَحَجَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ النَّاسَ؛ بِخِلَافِ الْمَحَجَّةِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ قُهُسْتَانِيٌ وَالْمَحَجَّةُ الطَّرِيقُ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَعَدَّ الْإِمَامُ لَهَا) أَيْ الدَّوَابِّ أَوْ لِوُقُوفِهَا مَوْضِعًا عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَلَا ضَمَانَ فِيمَا حَدَثَ مِنْ الْوُقُوفِ فِيهِ ط وَقَيَّدَ بِالْوُقُوفِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ سَائِرًا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي أَذِنَ فِيهَا الْإِمَامُ بِالْوُقُوفِ، أَوْ قَائِدًا أَوْ سَائِقًا فَهُوَ ضَامِنٌ، وَلَا يُزِيلُ ذَلِكَ عَنْهُ إذْنُ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ مَا حَدَثَ مِنْ وُقُوفِ دَابَّتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ رَاكِبًا، وَلَا دُونَ السَّيْرِ وَالسَّوْقِ وَالْقَوْدِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْ) مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَنْخُسْهَا، وَلَمْ يُنَفِّرْهَا أَمَّا لَوْ نَخَسَهَا أَوْ نَفَّرَهَا فَأَثَارَتْ غُبَارًا أَوْ حَصَاةً فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا ضَمِنَهُ أَفَادَهُ الْمَكِّيُّ ط وَعِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ: وَقِيلَ لَوْ عَنَّفَ الدَّابَّةَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ ضَمِنَ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ لِإِمْكَانِهِ) أَيْ لِإِمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ عُنْفِهِ فِي السَّوْقِ، فَيُوصَفُ بِالتَّعَدِّي فَيُؤْخَذُ بِهِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مَا ضَمِنَهُ الرَّاكِبُ) أَيْ أَنَّهُمْ فِي الضَّمَانِ سَوَاءٌ وَكَذَا الْمُرْتَدِفُ أَتْقَانِيٌّ، فَيَضْمَنُونَ مَا حَدَثَ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ إلَّا النَّفْحَ وَلَا يَضْمَنُونَ مَا حَدَثَ فِي مِلْكِهِمْ، أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِمْ بِإِذْنِهِ إلَّا فِي الْوَطْءِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ إنَّهُ مُطَّرِدٌ وَمُنْعَكِسٌ) الِاطِّرَادُ التَّلَازُمُ فِي الثُّبُوتِ، وَالِانْعِكَاسُ التَّلَازُمُ فِي النَّفْيِ: أَيْ كُلُّ مَا يَضْمَنُ فِيهِ الرَّاكِبُ يَضْمَنُ فِيهِ السَّائِقُ وَالْقَائِدُ. وَمَا لَا فَلَا، وَخَالَفَ الْقُدُورِيُّ فِي السَّائِقِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ يَضْمَنُ النَّفْحَةَ بِالرِّجْلِ، لِأَنَّهُ بِمَرْأَى عَيْنِهِ فَيُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ، وَعَلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذْ لَيْسَ فِيهَا مَا يَمْنَعُهَا عَنْ النَّفْحَةِ؛ فَلَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ بِخِلَافِ الْكَدْمِ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ كَبْحُهَا بِلِجَامِهَا، كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَمَا صَحَّحَهُ فِي الدُّرَرِ هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ وَالرَّاكِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْوَطْءِ) أَيْ وَلَوْ وَطِئَتْ إنْسَانًا وَهُوَ رَاكِبُهَا وَكَذَا الرَّدِيفُ فَإِنَّهُمَا مُبَاشِرَانِ لِلْقَتْلِ حَقِيقَةً بِثِقَلِهِمَا، فَيَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ، وَيُحْرَمَانِ مِنْ الْمِيرَاثِ كَالنَّائِمِ إذَا انْقَلَبَ عَلَى إنْسَانٍ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) لَمْ يَمُرَّ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِ، وَالْأَظْهَرُ لِمَا مَرَّ بِاللَّامِ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ الْمَارِّ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ إلَخْ (قَوْلُهُ لَا عَلَيْهِمَا) لِأَنَّهُمَا مُتَسَبِّبَانِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا السَّوْقُ، أَوْ الْقَوْدُ لَمْ يُوجَدْ الْوَطْءُ، وَالْكَفَّارَةُ جَزَاءُ الْمُبَاشَرَةِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْ لَا عَلَى سَائِقٍ وَقَائِدٍ) زَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ الْمُرْتَدِفُ، وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَمُخَالِفٌ لِمَا سَمِعْته آنِفًا (قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْ السَّائِقُ عَلَى الصَّحِيحِ) اعْلَمْ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ قَالَ: قِيلَ لَا يَضْمَنُ السَّائِقُ مَا وَطِئَتْ الدَّابَّةُ، لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُبَاشِرٌ وَالسَّائِقَ مُتَسَبِّبٌ، وَالْإِضَافَةُ إلَى الْمُبَاشِرِ أَوْلَى، وَقِيلَ: الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ سَبَبُ الضَّمَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الرَّاكِبَ إذَا أَمَرَ إنْسَانًا فَنَخَسَ الْمَأْمُورُ الدَّابَّةَ فَوَطِئَتْ إنْسَانًا كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا فَاشْتَرَكَا فِي الضَّمَانِ، فَالنَّاخِسُ سَائِقٌ، وَالْآمِرُ رَاكِبٌ، فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 604 كَمَا مَرَّ أَيْ إذَا كَانَ سَبَبًا لَا يَعْمَلُ بِانْفِرَادِهِ إتْلَافًا كَمَا هُنَا أَمَّا فِي سَبَبٍ يَعْمَلُ بِانْفِرَادِهِ فَيَشْتَرِكَانِ كَمَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ نَفْسِ الدَّابَّةِ بِإِذْنِ رَاكِبِهَا فَلْيُحْفَظْ (وَضَمِنَ عَاقِلَةُ كُلِّ فَارِسٍ) أَوْ رَاجِلٍ (دِيَةَ الْآخَرِ إنْ اصْطَدَمَا وَمَاتَا مِنْهُ) فَوَقَعَا عَلَى الْقَفَا (لَوْ) كَانَا (حُرَّيْنِ) لَيْسَا مِنْ الْعَجَمِ وَلَا عَامِدَيْنِ وَلَا وَقَعَا عَلَى وُجُوهِهِمَا (وَلَوْ) كَانَا (عَبْدَيْنِ) أَوْ وَقَعَا عَلَى الْوَجْهِ ابْنُ كَمَالٍ (يَهْدِرُ دَمُهُمَا) فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَغَيْرُهَا، وَلَوْ كَانَ مِنْ الْعَجَمِ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِمْ كَمَا مَرَّ مِرَارًا وَلَوْ كَانَا عَامِدَيْنِ، فَعَلَى كُلٍّ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَلَوْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ هَدَرَ دَمُهُ فَقَطْ، وَلَوْ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ   [رد المحتار] وَالْجَوَابُ عَمَّا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْمُتَسَبِّبَ إنَّمَا لَا يَضْمَنُ مَعَ الْمُبَاشِرِ إذَا كَانَ السَّبَبُ شَيْئًا لَا يَعْمَلُ بِانْفِرَادِهِ فِي الْإِتْلَافِ كَمَا فِي الْحَفْرِ مَعَ الْإِلْقَاءِ، فَإِنَّ الْحَفْرَ لَا يَعْمَلُ بِانْفِرَادِهِ شَيْئًا بِدُونِ الْإِلْقَاءِ وَأَمَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ يَعْمَلُ بِانْفِرَادِهِ فَيَشْتَرِكَانِ وَهَذَا مِنْهُ، فَإِنَّ السَّوْقَ مُتْلِفٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الدَّابَّةِ رَاكِبٌ، بِخِلَافِ الْحَفْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُتْلِفٍ بِلَا إلْقَاءٍ، وَعِنْدَ الْإِلْقَاءِ وُجِدَ التَّلَفُ بِهِمَا فَأُضِيفَ إلَى آخِرِهِمَا اهـ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ فِي الْهَامِشِ هَذَا الْكَلَامُ يَحْتَاجُ إلَى مَزِيدِ تَحْرِيرٍ اهـ. وَذَكَرَ فِي السَّعْدِيَّةِ: أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي مَعْرِضِ الْجَوَابِ بِمَعْزِلٍ عَنْ هَذَا التَّقْرِيرِ، وَلَا يَصْلُحُ جَوَابًا عَمَّا فِي الْأَصْلِ، بَلْ هُوَ تَحْقِيقٌ وَتَفْصِيلٌ لَهُ، وَاللَّازِمُ مِنْهُ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى السَّائِقِ، وَهُوَ قَدْ صَحَّحَ عَدَمَ الْوُجُوبِ وَهَذَا مِنْ مِثْلِهِ غَرِيبٌ اهـ. وَذَكَرَ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْحَلَبِيِّ عَنْ قَارِئِ الْهِدَايَةِ مَا صُورَتُهُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ اهـ فَيَكُونُ التَّصْحِيحُ لِلْقَوْلِ الثَّانِي وَالْجَوَابُ عَنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ النِّهَايَةِ أَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ إلَخْ وَكَذَا قَوْلُ الْوَلْوَالِجيَّةِ الرَّاكِبُ وَالسَّائِقُ وَالْقَائِدُ وَالرَّدِيفُ فِي الضَّمَانِ سَوَاءٌ حَالَةَ الِانْفِرَادِ وَالِاجْتِمَاعِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ كَانَ الرَّاكِبُ مُبَاشِرًا، لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَا يَعْمَلُ فِي الْإِتْلَافِ، فَلَا يُلْغَى فَكَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْحَفْرِ اهـ مُلَخَّصًا. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الصَّحِيحَ مَا جَزَمَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَقَدْ أَخَّرَهُ فِي الْهِدَايَةِ فَأَشْعَرَ بِتَرْجِيحِهِ كَعَادَتِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمَوَاهِبِ وَالْمُلْتَقَى وَعَبَّرَا عَنْ مُقَابِلِهِ بِقِيلَ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي بَابِ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ (قَوْلُهُ كَمَا هُنَا) أَيْ فِي السَّائِقِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ كَالنَّاخِسِ يَعْمَلُ بِانْفِرَادِهِ إتْلَافًا وَأَنَّ الَّذِي لَا يَعْمَلُ كَحَفْرِ الْبِئْرِ (قَوْلُهُ بِإِذْنِ رَاكِبِهَا) فَلَوْ بِدُونِهِ ضَمِنَ النَّاخِسُ فَقَطْ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ أَوْ رَاجِلٍ) أَشَارَ إلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْفَارِسِ اتِّفَاقِيٌّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الرَّاجِلَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِالْبَهِيمَةِ أَفَادَهُ سَعْدِيٌّ (قَوْلُهُ إنْ اصْطَدَمَا) أَيْ تَضَارَبَا بِالْجَسَدِ اهـ دُرٌّ مُنْتَقَى وَهَذَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَقَابَلَا لِمَا فِي الِاخْتِيَارِ سَارَ رَجُلٌ عَلَى دَابَّةٍ فَجَاءَ رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِهِ فَصَدَمَهُ فَعَطِبَ الْمُؤَخَّرُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُقَدَّمِ، وَإِنْ عَطِبَ الْمُقَدَّمُ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُؤَخَّرِ وَكَذَا فِي سَفِينَتَيْنِ اهـ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ يَهْدِرُ دَمُهُمَا) لِأَنَّ جِنَايَةَ كُلٍّ مِنْ الْعَبْدَيْنِ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ دَفْعًا وَفِدَاءً وَقَدْ فَاتَتْ لَا إلَى الْخَلْفِ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ يَصِيرُ بِهِ الْمَوْلَى مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ مِنَحٌ، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الْحُرَّانِ عَلَى وَجَوِّهِمَا فَلِأَنَّ مَوْتَ كُلٍّ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَا عَامِدَيْنِ) أَيْ الْحُرَّانِ أَوَالْعَبْدَانِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْهِدَايَةِ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا قَدَّمَهُ عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَعَلَى كُلٍّ نِصْفُ الدِّيَةِ) الَّذِي فِي الزَّيْلَعِيِّ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ نِصْفُ الدِّيَةِ قَالَ الشَّلَبِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ: لِأَنَّ الْعَمْدَ هُنَا بِمَنْزِلَةِ الْخَطَأِ لِأَنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ، إذْ هُوَ تَعَمَّدَ الِاصْطِدَامَ، وَلَمْ يَقْصِدْ الْعَقْلَ وَلِذَا وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ اهـ ط وَإِنَّمَا نُصِّفَتْ الدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ لَا فِي الْخَطَأِ لِأَنَّ فِي الْخَطَأِ فِعْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُبَاحٌ وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الطَّرِيقِ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ كَالْوَاقِعِ فِي بِئْرٍ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنَّهُ لَوْلَا مَشْيُهُ مَا وَقَعَ وَيُعْتَبَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ لِتَقَيُّدِهِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، أَمَّا فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 605 عَبْدًا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ قِيمَةُ الْعَبْدِ فِي الْخَطَأِ وَنِصْفُهَا فِي الْعَمْدِ (كَمَا لَوْ تَجَاذَبَ رَجُلَانِ حَبْلًا فَانْقَطَعَ الْحَبْلُ فَسَقَطَا وَمَاتَا عَلَى الْقَفَا) هَدَرَ دَمُهُمَا لِمَوْتِ كُلٍّ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ (فَإِنْ وَقَعَا عَلَى الْوَجْهِ وَجَبَ دِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ) لِمَوْتِهِ بِقُوَّةِ صَاحِبِهِ (فَإِنْ تَعَاكَسَا) بِأَنْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْقَفَا وَالْآخَرُ عَلَى الْوَجْهِ (فَدِيَةُ الْوَاقِعِ عَلَى الْوَجْهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ) لِمَوْتِهِ بِقُوَّةِ صَاحِبَةٍ (وَهَدَرَ) دَمُ (مَنْ وَقَعَ عَلَى الْقَفَا) لِمَوْتِهِ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ (وَلَوْ قَطَعَ إنْسَانٌ الْحَبْلَ بَيْنَهُمَا فَوَقَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْقَفَا فَمَاتَ فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ) لِتَسَبُّبِهِ بِالْقَطْعِ (وَعَلَى سَائِقِ دَابَّةٍ وَقَعَ أَدَاتُهَا) أَيْ آلَاتُهَا كَسَرْجٍ وَنَحْوِهِ (عَلَى رَجُلٍ فَمَاتَ وَقَائِدِ قِطَارٍ) بِالْكَسْرِ قِطَارِ الْإِبِلِ (وَطِئَ بَعِيرٌ مِنْهُ رَجُلًا الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ ضَمِنَا) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّسَبُّبِ، لَكِنَّ ضَمَانَ النَّفْسِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَضَمَانَ الْمَالِ فِي مَالِهِ هَذَا لَوْ السَّائِقُ مِنْ جَانِبٍ مِنْ الْإِبِلِ فَلَوْ تَوَسَّطَهَا وَأَخَذَ بِزِمَامِ وَاحِدٍ ضَمِنَ مَا خَلْفَهُ وَضَمِنَا مَا قُدَّامَهُ   [رد المحتار] الْعَمْدِ فَلَيْسَ بِمُبَاحٍ، فَيُضَافُ إلَيْهِ مَا وَقَعَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَصَارَ هَالِكًا بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ فَيَهْدِرُ مَا كَانَ بِفِعْلِهِ، وَيَجِبُ مَا كَانَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ قِيمَةُ الْعَبْدِ فِي الْخَطَأِ وَنِصْفُهَا ثُمَّ الْعَمْدِ) أَيْ وَيَأْخُذُهَا وَرَثَةُ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَارَ قَاتِلًا لِصَاحِبِهِ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْحَرِّ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَوْ نِصْفُهَا ثُمَّ الْعَبْدُ الْجَانِي قَدْ تَلِفَ، وَأَخْلَفَ هَذَا الْبَدَلَ، فَيَأْخُذُهُ وَرَثَةُ الْحُرِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِجِهَةِ كَوْنِهِ مَقْتُولًا لَا قَاتِلًا، وَيَبْطُلُ حَقُّهُمْ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْخَلَفِ، وَلَا يُرَدُّ مَا إذَا قَطَعَتْ الْمَرْأَةُ يَدَ الرَّجُلِ، فَتَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ فَإِنَّ عَاقِلَتَهَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ الضَّمَانُ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَمَّلُونَ عَنْهَا، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا الْمَقْطُوعُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ عَنْ الْعَاقِلَةِ لَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ وَاجِبًا لَهَا، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَحَمَّلُوا عَنْهَا ضَامِنِينَ لَهَا أَمَّا هُنَا فَالْعَاقِلَةُ تَحَمَّلُوا عَنْ الْحُرِّ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ قَاتِلًا ثُمَّ تَأْخُذُهُ الْوَرَثَةُ بِجِهَةِ كَوْنِهِ مَقْتُولًا اهـ مِنْ الْكِفَايَةِ مَعَ غَيْرِهَا، وَاعْتَرَضَ الْوَانِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ. وَأَقُولُ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْعَمْدَ هُنَا بِمَنْزِلَةِ الْخَطَأِ لِأَنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا جَنَاهُ الْعَبْدُ لَا مَا جَنَى فَتَدَيَّرْ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ تَجَاذَبَ رَجُلَانِ إلَخْ) تَشْبِيهٌ فِي الْهَدَرِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يَهْدِرُ دَمُهُمَا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْحُكْمِ عَلَى عَكْسِ مَسْأَلَةِ الْمُصَادَمَةِ ط (قَوْلُهُ إنْ وَقَعَا عَلَى الْوَجْهِ إلَخْ) قِيلَ لِمُحَمَّدٍ إنْ وَقَعَا عَلَى وَجْهِهِمَا إذَا قُطِعَ الْحَبْلُ قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَكُونُ هَذَا مِنْ قَطْعِ الْحَبْلِ أَتْقَانِيٌّ. أَقُولُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِذَلِكَ نَفْيُ التَّصَوُّرِ أَوْ نَفْيُ الضَّمَانِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ) كَذَا فِي الْمُلْتَقَى وَالِاخْتِيَارِ وَالْخَانِيَّةِ وَفِيهَا أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ اهـ وَلَعَلَّهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَوْ الْمُرَادُ لَا دِيَةَ فِي مَالِهِ (قَوْلُهُ وَعَلَى سَائِقِ دَابَّةٍ) خَبَرٌ مُبْتَدَؤُهُ قَوْلُهُ الْآتِي الدِّيَةُ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي التَّسَبُّبِ، لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ، وَهُوَ تَرْكُ الشَّدِّ وَالْإِحْكَامِ فِيهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَلْقَاهُ بِيَدِهِ كَمَا فِي الدُّرَرِ ط فَهُوَ كَوُقُوعِ مَا حَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ، بِخِلَافِ الرِّدَاءِ الْمَلْبُوسِ إذَا سَقَطَ وَكَانَ مِمَّا يَلْبَسُهُ الْإِنْسَانُ عَادَةً لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَائِدِ قِطَارٍ) إنَّمَا ضَمِنَ لِأَنَّهُ بِيَدِهِ يَسِيرُ بِسَوْقِهِ، وَيَقِفُ بِإِيقَافِهِ فَيُضَافُ إلَيْهِ مَا حَدَثَ مِنْهُ لِتَسَبُّبِهِ، فَيَصِيرُ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ قَتَلَهُ خَطَأً فَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ: لَوْ قَادَ أَعْمَى فَوَطِئَ الْأَعْمَى إنْسَانًا فَقَتَلَهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الْقَائِدُ لِأَنَّ الْأَعْمَى مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ، فَفِعْلُهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَفِعْلُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ لَا عِبْرَةَ لَهُ فِي حُكْمِ نَفْسِهِ فَيُنْسَبُ إلَى الْقَائِدِ أَتْقَانِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ قِطَارِ الْإِبِلِ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْقِطَارُ الْإِبِلُ تُقْطَرُ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ وَالْجَمْعُ قُطُرٌ اهـ أَيْ كَكُتُبٍ (قَوْلُهُ الدِّيَةُ) أَيْ إذَا كَانَ الْمُتْلَفُ غَيْرَ مَالٍ وَكَانَ الْمُوجَبُ كَأَرْشِ الْمُوضِحَةِ فَمَا فَوْقَهَا كَمَا مَرَّ مِرَارًا مَكِّيٌّ اهـ ط (قَوْلُهُ هَذَا لَوْ السَّائِقُ مِنْ جَانِبٍ مِنْ الْإِبِلِ) أَيْ فِي الْوَسَطِ يَمْشِي فِي جَانِبِ الْقِطَارِ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ وَلَا يَأْخُذُ بِزِمَامِ بَعِيرٍ مِعْرَاجٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 606 وَرَاكِبُ وَسَطِهَا يَضْمَنُهُ فَقَطْ مَا لَمْ يَأْخُذْ بِزِمَامِ مَا خَلْفَهُ (فَإِنْ قَتَلَ بَعِيرٌ رُبِطَ عَلَى قِطَارٍ سَائِرٍ بِلَا عِلْمِ قَائِدِهِ رَجُلًا) مَفْعُولُ قَتَلَ (ضَمِنَ عَاقِلَةُ الْقَائِدِ الدِّيَةَ رَجَعُوا بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ) لِأَنَّهُ دِيَةٌ لَا خُسْرَانُ كَمَا تَوَهَّمَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فَلَوْ رَبَطَ وَالْقِطَارُ وَاقِفٌ ضَمِنَهَا عَاقِلَةُ الْقَائِدِ بِلَا رُجُوعٍ لِقَوَدِهِ بِلَا إذْنٍ. (وَمَنْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً) أَوْ كَلْبًا مُلْتَقًى (وَكَانَ خَلْفَهَا سَائِقًا لَهَا فَأَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا ضَمِنَ) لِأَنَّهُ الْحَامِلُ لَهَا وَإِنْ لَمْ يَمْشِ خَلْفًا فَمَا دَامَتْ فِي دَوْرِهَا فَسَائِقٌ حُكْمًا، وَإِنْ تَرَاخَى انْقَطَعَ السَّوْقُ فَالْمُرَادُ بِالسَّوْقِ الْمَشْيُ خَلْفَهَا   [رد المحتار] وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَهَذَا أَيْ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى السَّائِقِ وَالْقَائِدِ جَمِيعًا إذَا كَانَ السَّائِقُ يَسُوقُ الْإِبِلَ غَيْرَ آخِذٍ بِزِمَامِ بَعِيرٍ، أَمَّا إذَا أَخَذَ الزِّمَامَ، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ فِيمَا هَلَكَ خَلْفَهُ لَا عَلَى الْقَائِدِ الْمُتَقَدِّمِ لِأَنَّهُ لِمَا انْقَطَعَ الزِّمَامُ عَنْ الْقِطَارِ لَمْ يَكُنْ الْقَائِدُ الْمُقَدَّمُ قَائِدًا لَمَّا خَلَفَ السَّائِقَ، وَأَمَّا فِيمَا هَلَكَ قُدَّامَ السَّائِقِ فَيَضْمَنُهُ السَّائِقُ، وَالْقَائِدُ جَمِيعًا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي سَبَبِ وُجُوبِ الضَّمَانِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقَرِّبٌ إلَى الْجِنَايَةِ هَذَا بِسَوْقِهِ وَذَاكَ بِقَوْدِهِ (قَوْلُهُ وَرَاكِبٌ وَسَطَهَا يَضْمَنُهُ) أَيْ لَوْ كَانَ رَاكِبًا عَلَى بَعِيرٍ وَسَطَ الْقِطَارِ، وَلَا يَسُوقُ شَيْئًا مِنْهَا يَضْمَنُ مَا رَكِبَهُ أَيْ مَا أَصَابَهُ بَعِيرُهُ بِالْإِيطَاءِ لِأَنَّهُ جُعِلَ فِيهِ مُبَاشِرًا، أَمَّا مَا أَصَابَهُ بِغَيْرِ الْإِيطَاءِ، فَهُوَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْقَائِدِ أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ. قُلْت: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ سَابِقًا، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ، وَجَعَلَ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ الضَّمَانَ عَلَيْهِمَا بِلَا تَفْصِيلٍ وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى التَّصْحِيحِ (قَوْلُهُ فَقَطْ) أَيْ لَا يَضْمَنُ مَا قُدَّامَهُ: لِأَنَّهُ غَيْرُ سَائِقٍ لَهُ، وَلَا مَا خَلْفَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَائِدٍ إلَّا إذَا أَخَذَ بِزِمَامِ مَا خَلْفَهُ زَيْلَعِيٌّ، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَاكْتَفِي بِكَوْنِ زِمَامِ مَا خَلْفَهُ مَرْبُوطًا بِبَعِيرِهِ كَمَا بَسَطَهُ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ بِلَا عِلْمِ قَائِدِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِرُبِطَ، وَقَيَّدَ بِهِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَرَجَعُوا بِهَا إلَخْ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ لَا رُجُوعَ لَهُمْ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ ضَمِنَ عَاقِلَتُهُ الدِّيَةَ) لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ مُتَعَدٍّ بِتَرْكِ صَوْنِ قِطَارِهِ عَنْ الرَّبْطِ وَرَجَعُوا عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُمْ فِيهِ (قَوْلُهُ كَمَا تَوَهَّمَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ) حَيْثُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مَالِ الرَّابِطِ، لِأَنَّ الرَّابِطَ أَوْقَعَهُمْ فِي خُسْرَانِ الْمَالِ وَهَذَا مِمَّا لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ اهـ ح (قَوْلُهُ وَالْقِطَارُ وَاقِفٌ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ سَائِرٌ (قَوْلُهُ لِقَوْدِهِ بِلَا إذْنٍ) أَيْ بِلَا إذْنِ الرَّابِطِ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَإِنَّهُ لَمَّا رَبَطَهُ وَالْقِطَارُ سَائِرٌ وُجِدَ مِنْ الرَّابِطِ الْإِذْنُ دَلَالَةً بِقَوْدِ الْمَرْبُوطِ، فَلِذَا رَجَعُوا عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ صَارَ سَبَبًا كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً إلَخْ) اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ بَيْنَ إرْسَالِ الْكَلْبِ وَغَيْرِهِ فَرْقًا، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أُرْسِلَ الْكَلْبُ، وَلَمْ يَكُنْ سَائِقًا لَهُ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ أَصَابَ فِي فَوْرِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ إذْ لَا يُمْكِنُهُ اتِّبَاعُهُ، وَالْمُتَسَبِّبُ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا تَعَدَّى، وَلَوْ أَرْسَلَ دَابَّةً يَضْمَنُ مَا أَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا، سَوَاءٌ سَاقَهَا أَوْ لَا لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِإِرْسَالِهَا فِي الطَّرِيقِ، مَعَ إمْكَانِ اتِّبَاعِهَا أَفَادَهُ فِي النِّهَايَةِ، لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِكُلِّ حَالٍ وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّابَّةِ وَالْكَلْبِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَضْمَنُ مَا أَصَابَهُ الْكَلْبُ فِي فَوْرِهِ إلَّا إذَا سَاقَهُ، وَمَا أَصَابَتْهُ الدَّابَّةُ فِي فَوْرِهَا يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا، وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ جَارٍ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ فِي الضَّمَانِ السَّوْقَ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ إلَّا فِي الْكَلْبِ، وَلِذَا فَسَّرَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ الْبَهِيمَةَ بِالْكَلْبِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ أَخِيرًا لَكِنَّ قَوْلَهُ: أَوْ كَلْبًا لَا يُنَاسِبُهُ خُصُوصًا مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي وَالْمُرَادُ بِالدَّابَّةِ الْكَلْبُ (قَوْلُهُ فَسَائِقٌ حُكْمًا) لِأَنَّ سَيْرَهَا مُضَافٌ إلَيْهِ مَا دَامَتْ تَسِيرُ عَلَى سُنَّتِهَا، وَلَوْ انْعَطَفَتْ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً انْقَطَعَ حُكْمُ الْإِرْسَالِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيقٌ آخَرُ سِوَاهُ وَكَذَا إذَا وَقَفَتْ، ثُمَّ سَارَتْ وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَإِنْ رَدَّهَا رَادٌّ ضَمِنَ مَا أَصَابَتْ فِي فِعْلِهَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ سَائِقٌ لَهَا وَلَا يَرْجِعُ عَلَى سَائِقِهَا إلَّا إذَا كَانَ بِأَمْرِهِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَالْمُرَادُ بِالسَّوْقِ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَكَانَ خَلْفَهَا سَائِقًا لَهَا، وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ أَنَّهُ الْمَشْيُ خَلْفَهَا، وَإِنْ لَمْ يَطْرُدْهَا، وَنَقَلَ الْمَكِّيُّ عَنْ مُلَّا عَلَيَّ تَقْيِيدِهِ بِطَرْدِهِ إيَّاهَا ط مُلَخَّصًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 607 وَالْمُرَادُ بِالدَّابَّةِ الْكَلْبُ زَيْلَعِيٌّ (وَإِنْ أَرْسَلَ طَيْرًا) سَاقَهُ أَوْ لَا أَوْ دَابَّةً (أَوْ كَلْبًا وَلَمْ يَكُنْ سَائِقًا) لَهُ (أَوْ انْفَلَتَتْ دَابَّةٌ) بِنَفْسِهَا (فَأَصَابَتْ مَالًا أَوْ آدَمِيًّا نَهَارًا أَوْ لَيْلًا لَا ضَمَانَ) فِي الْكُلِّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» أَيْ الْمُنْفَلِتَةُ هَدَرٌ (كَمَا لَوْ جَمَحَتْ) الدَّابَّةُ (بِهِ) أَيْ بِالرَّاكِبِ وَلَوْ سَكْرَانَ (وَلَمْ يَقْدِرْ) الرَّاكِبُ (عَلَى رَدَّهَا) فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ كَالْمُنْفَلِتَةِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِمُسَيِّرٍ لَهَا فَلَا يُضَافُ سَيْرُهَا إلَيْهِ حَتَّى لَوْ أَتْلَفَتْ إنْسَانًا فَدَمُهُ هَدَرٌ عِمَادِيَّةٌ. (وَمَنْ ضَرَبَ دَابَّةً عَلَيْهَا رَاكِبٌ أَوْ نَخَسَهَا) بِعُودٍ بِلَا إذْنِ الرَّاكِبِ (فَنَفَحَتْ أَوْ ضَرَبَتْ بِيَدِهَا) شَخْصًا (آخَرَ) غَيْرَ الطَّاعِنِ (أَوْ نَفَرَتْ فَصَدَمَتْهُ وَقَتَلَتْهُ ضَمِنَ هُوَ) أَيْ النَّاخِسُ (لَا الرَّاكِبُ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَضْمَنَانِ نِصْفَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَ مُوقِفًا دَابَّتَهُ عَلَى الطَّرِيقِ   [رد المحتار] قُلْت: وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ يُرِيدُ بِهِ إذَا أَرْسَلَهُ وَضَرَبَهُ أَوْ زَجَرَهُ عِنْدَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَ لَهُ سَائِقًا (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالدَّابَّةِ) الْأَوْلَى الْبَهِيمَةُ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَقَدْ عَلِمْت وَجْهَ هَذَا التَّفْسِيرِ وَمَا فِيهِ (قَوْلُهُ سَاقَهُ أَوَّلًا) لِأَنَّ بَدَنَهُ لَا يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَلَمْ يُعْتَبَرْ بِخِلَافِ الْبَهِيمَةِ (قَوْلُهُ أَوْ دَابَّةً أَوْ كَلْبًا وَلَمْ يَكُنْ سَائِقًا لَهُ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَصَابَ الْكَلْبُ شَيْئًا فِي فَوْرِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ الْمُرْسِلُ، بِخِلَافِ الدَّابَّةِ نِهَايَةٌ وَقَدَّمْنَا وَجْهَ الْفَرْقِ وَأَنَّ الْمُفْتَى بِهِ الضَّمَانُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ فَالصَّوَابُ إسْقَاطُ الشَّارِحِ قَوْلَهُ أَوْ دَابَّةً (قَوْلُهُ أَوْ انْفَلَتَتْ دَابَّةٌ) وَلَوْ فِي الطَّرِيقِ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ لَيْلًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ ذَهَبَتْ لَيْلًا ضَمِنَ لِأَنَّ الْعَادَةَ حِفْظُهَا فِيهِ فَهُوَ مُفَرِّطٌ وَتَمَامُهُ فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» ) أَيْ فِعْلُهَا إذَا كَانَتْ مُنْفَلِتَةً، وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ، وَالْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ: «الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ» ط وَالْعَجْمَاءُ غَلَبَ عَلَى الْبَهِيمَةِ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ أَيْ الْمُنْفَلِتَةُ) تَقْيِيدٌ لِلْعَجْمَاءِ لَا تَفْسِيرٌ لَهَا كَمَا لَا يَخْفَى اهـ ح قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ: وَهَذَا صَحِيحٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَسُوقَةَ وَالْمَرْكُوبَةَ وَالْمَقُودَةَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ أَوْ الْمُرْسَلَةَ فِي الطَّرِيقِ فِعْلُهَا مُعْتَبَرٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا (قَوْلُهُ عِمَادِيَّةٌ) لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا قَوْلَهُ حَتَّى لَوْ أَتْلَفَتْ إنْسَانًا إلَخْ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ أَفْتَى بِهِ الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيُّ مُفْتِي الرُّومِ، لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَفْهُومًا مِنْ كَلَامِ الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ عَزَاهُ إلَيْهَا. هَذَا وَذَكَرَ الرَّمْلِيُّ أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى رَدِّهَا فَالْقَوْلُ لِلْخَصْمِ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى مُدَّعِي الْعَجْزِ لِأَنَّ إنْكَارَهُ لِأَصْلِ الضَّمَانِ فِي ضِمْنِ الدَّعْوَى لَا يُفِيدُ بَعْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِهِ تَأَمَّلْ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ أَوْ ضَرَبَتْ بِيَدِهَا) أَوْ كَيْفَمَا أَصَابَتْ اهـ خُلَاصَةٌ، فَدَخَلَ مَا إذَا وَطِئَتْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ وَثَبَتَ بِنَخْسَتِهِ عَلَى رَجُلٍ أَوْ وَطِئَتْهُ فَقَتَلَتْهُ كَانَ ذَلِكَ عَلَى النَّخَّاسِ دُونَ الرَّاكِبِ وَالْوَاقِفِ فِي مِلْكِهِ وَاَلَّذِي يَسِيرُ فِيهِ سِوَاهُ اهـ أَيْ بِخِلَافِ الْوَاقِفِ فِي الطَّرِيقِ لِتَعَدِّيَةِ كِفَايَةٌ وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ فَصَدَمَتْهُ) أَيْ الْآخَرَ وَقَتَلَتْهُ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: هَذَا إذَا كَانَتْ النَّفْحَةُ وَالضَّرْبَةُ وَالْوَثْبَةُ فِي فَوْرِ النَّخْسِ، وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لَا الرَّاكِبُ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ النَّاخِسِ فِي التَّغْرِيمِ لِلتَّعَدِّي وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ كَانَ مُوقِفًا دَابَّتَهُ عَلَى الطَّرِيقِ) أَيْ فَنَخَسَهَا رَجُلٌ فَقَتَلَتْ آخَرَ يَضْمَنَانِ نِصْفَيْنِ، لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْإِيقَافِ مِنَحٌ، وَغَيْرُهَا. قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ إذْ هُوَ مَوْضُوعُ مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ الَّتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا، وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ خِلَافُهُ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا إلَّا فِي النَّفْخَةِ بِالرِّجْلِ، وَالذَّنَبِ فَإِنَّهَا جُبَارٌ إلَّا إذَا كَانَ الرَّاكِبُ وَاقِفًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَأَمَرَ رَجُلًا، فَنَخَسَهَا فَنَفَحَتْ رَجُلًا، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَالضَّمَانُ كُلُّهُ عَلَى النَّاخِسِ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 608 لِتَعَدِّيهِ فِي الْإِيقَافِ أَيْضًا، وَكَمَا لَوْ كَانَ بِإِذْنِهِ وَوَطِئَتْ أَحَدًا فِي فَوْرِهَا فَدَمُهُ عَلَيْهِمَا؛ وَلَوْ نَفَحَتْ النَّاخِسَ فَدَمُهُ هَدَرٌ وَلَوْ أَلْقَتْ الرَّاكِبَ فَقَتَلَتْهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ النَّاخِسِ ثُمَّ النَّاخِسُ إنَّمَا يَضْمَنُ لَوْ الْوَطْءُ فَوْرَ النَّخْسِ وَإِلَّا فَالضَّمَانُ عَلَى الرَّاكِبِ لِانْقِطَاعِ أَثَرِ النَّخْسِ دُرَرٌ وَبَزَّازِيَّةَ (وَ) ضَمِنَ (فِي فَقْءِ عَيْنِ دَجَاجَةِ أَوْ شَاةِ قَصَّابٍ) أَوْ غَيْرِهِ (مَا نَقَصَهَا) لِأَنَّهَا لِلَّحْمِ   [رد المحتار] وَنَقَلَ ط عَنْ الْمُنْتَقَى بِالنُّونِ: رَجُلٌ وَاقِفٌ عَلَى دَابَّتِهِ فِي الطَّرِيقِ، فَأَمَرَ رَجُلًا فَنَخَسَهَا فَقَتَلَتْ رَجُلًا وَالْآمِرَ فَدِيَةُ الْأَجْنَبِيِّ عَلَيْهِمَا وَدَمُ الْآمِرِ هَدَرٌ، وَلَوْ سَارَتْ عَنْ مَوْضِعِهَا، ثُمَّ نَفَحَتْ مِنْ فَوْرِ النَّخْسَةِ، فَالضَّمَانُ عَلَى النَّاخِسِ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ تَسِرْ فَنَفَحَتْ النَّاخِسَ وَآخَرَ فَدِيَةُ الْأَجْنَبِيِّ عَلَيْهَا وَنِصْفُ دِيَةِ النَّاخِسِ عَلَى الرَّاكِبِ اهـ مُلَخَّصًا وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ ضَمَانَهُمَا مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ تَسِرْ مِنْ مَوْضِعِهَا وَإِلَّا ضَمِنَ النَّاخِسُ فَقَطْ كَمَا لَوْ نَخَسَ بِلَا إذْنِ الرَّاكِبِ (قَوْلُهُ لِتَعَدِّيهِ فِي الْإِيقَافِ) فَلَوْ حَرَنَتْ وَوَقَفَتْ فَنَخَسَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ لِتَسِيرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا نَقَلَهُ ط (قَوْلُنَا أَيْضًا) أَيْ كَتَعَدِّي النَّاخِسِ بِالنَّخْسِ ط (قَوْلُهُ وَوَطِئَتْ) أَيْ فِي سَيْرِهَا هِدَايَةٌ وَالتَّقْيِيدُ بِالْوَطْءِ لِإِخْرَاجِ نَحْوِ النَّفْحَةِ فَلَا يَضْمَنُهَا النَّاخِسُ بِالْإِذْنِ كَمَا مَرَّ وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَلَا يَضْمَنُ النَّاخِسُ هَاهُنَا مَا لَا يَضْمَنُهُ الرَّاكِبُ مِنْ نَفْحَةِ الرِّجْلِ وَالذَّنَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اهـ (قَوْلُهُ فَدَمُهُ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّ سَيْرَهَا حِينَئِذٍ مُضَافٌ إلَيْهِمَا، ثُمَّ هَلْ يَرْجِعُ النَّاخِسُ عَلَى الرَّاكِبِ بِمَا يَضْمَنُ فِي الْإِبْطَاءِ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِأَمْرِهِ قِيلَ نَعَمْ وَقِيلَ لَا وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ النَّاخِسِ) أَيْ لَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَوْ بِهِ لَا يَضْمَنُ خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ لَوْ الْوَطْءُ فَوْرَ النَّخْسِ) وَكَذَا النَّفْحَةُ وَالضَّرْبَةُ وَالْوَثْبَةُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. [تَتِمَّةٌ] : اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ النَّاخِسِ مَعَ الرَّاكِبِ قَالَ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى: وَكَذَا الْحُكْمُ فِي نَخْسِهَا وَمَعَهَا سَائِقٌ أَوْ قَائِدٌ، وَإِنْ نَخَسَهَا شَيْءٌ مَنْصُوبٌ فِي الطَّرِيقِ، فَالضَّمَانُ عَلَى مَنْ نَصَبَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ النَّاخِسِ صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَالضَّمَانُ فِي رَقَبَتِهِ، وَجَمِيعُ هَذَا الْفَصْلِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ إنْ كَانَ الْهَالِكُ آدَمِيًّا فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِنْ غَيْرَهُ كَدَوَابَّ فَالضَّمَانُ فِي مَالِ الْجَانِي اهـ وَأَمَّا قَوْلُ الْهِدَايَةِ: وَلَوْ النَّاخِسُ صَبِيًّا فَفِي مَالِهِ قَالَ الْعَلَّامَةُ النَّسَفِيُّ فِي الْكَافِي: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْمَالِ، أَوْ فِيمَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ قُلْت: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الصَّبِيُّ إذَا كَانَ مِنْ الْعَجَمِ، لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُمْ كِفَايَةٌ. وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَإِنَّمَا خَصَّ النَّاخِسَ لِأَنَّهُ لَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى ظَهْرِ فَرَسٍ عَادَتُهُ النَّفْحَةُ فَنَفَحَ فَأَتْلَفَ لَمْ يَضْمَنْ، بِخِلَافِ النَّخْسِ، لِأَنَّ الِاضْطِرَابَ لَازِمٌ لَهُ دُونَ وَضْعِ الْيَدِ كَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ عَنْ الْقُنْيَةِ اهـ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَضَعَ شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ فَنَفَرَتْ مِنْهُ دَابَّةٌ فَقَتَلَتْ رَجُلًا لَا شَيْءَ عَلَى الْوَاضِعِ إذَا لَمْ يُصِبْ ذَلِكَ الشَّيْءُ اهـ لَكِنْ فِي ط عَنْ الْمُحِيطِ لِلسَّرَخْسِيِّ: لَوْ نَفَرَتْ مِنْ حَجَرٍ وَضَعَهُ رَجُلٌ عَلَى الطَّرِيقِ فَالْوَاضِعُ بِمَنْزِلَةِ النَّاخِسِ اهـ (قَوْلُهُ وَفِي فَقْءِ عَيْنِ دَجَاجَةٍ) مِثْلُهَا الْحَمَامَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ الطُّيُورِ وَكَذَا الْكَلْبُ وَالسِّنَّوْرُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ قُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرُهُ) وَلِذَا تَرَكَ ابْنُ الْكَمَالِ الْإِضَافَةَ إلَى الْقَصَّابِ وَقَالَ لِمَا فِيهَا مِنْ مَظِنَّةِ الِاخْتِصَاصِ خُصُوصًا عِنْدَ مُلَاحَظَةِ التَّعْلِيلِ الْآتِي ذِكْرُهُ اهـ (قَوْلُهُ مَا نَقَصَهَا) فَتُقَوَّمُ صَحِيحَةَ الْعَيْنِ وَمَفْقُوءً، فَيَضْمَنُ الْفَضْلَ قُهُسْتَانِيٌ، وَالنُّقْصَانُ شَامِلٌ لِلْحَاصِلِ بِالْهُزَالِ مِنْ فَقْءِ الْعَيْنِ ط عَنْ الْوَانِيِّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لِلَّحْمِ) فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا إلَّا النُّقْصَانُ ابْنُ كَمَالٍ هـ أَقُولُ: لَا يَشْمَلُ نَحْوَ الْكَلْبِ، وَالسِّنَّوْرَ لَكِنَّ ضَمَانَ النُّقْصَانِ فِي ذَلِكَ جَارٍ عَلَى الْأَصْلِ فِي ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 609 وَفِي عَيْنَيْهَا يُخَيَّرُ رَبُّهَا إنْ شَاءَ تَرَكَهَا عَلَى الْفَاقِئِ وَضَمَّنَهُ قِيمَتَهُمَا أَوْ أَمْسَكَهَا وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ زَيْلَعِيٌّ (وَفِي عَيْنِ بَقَرَةِ جَزَّارٍ وَجَزُورِهِ) أَيْ إبِلِهِ فَائِدَةُ الْإِضَافَةِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْإِعْدَادِ لِلَّحْمِ فِي الْحُكْمِ الْآتِي ابْنُ كَمَالٍ (وَحِمَارٍ وَبَغْلٍ وَفَرَسٍ رُبْعُ الْقِيمَةِ) لِأَنَّهُ إقَامَةُ الْعَمَلِ، إنَّمَا يُمْكِنُ بِأَرْبَعِ أَعْيُنٍ وَعَيْنَاهَا وَعَيْنَا مُسْتَعْمَلِهَا فَصَارَتْ كَأَنَّهَا ذَاتُ أَعْيُنٍ أَرْبَعٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَالشَّاةِ وَالْفَرْقُ مَا قَدَّمْنَاهُ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ فَقَأَ عَيْنَيْ حِمَارٍ مَثَلًا أَنَّهُ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ. فَالْأَوْلَى التَّمَسُّكُ بِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ» وَالتَّقَيُّدُ بِالْعَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ أُذُنَهَا أَوْ ذَنَبَهَا يَضْمَنُ نُقْصَانَهَا، وَكَذَا لِسَانُ الثَّوْرِ وَالْحِمَارِ وَقِيلَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ كَمَا لَوْ قَطَعَ إحْدَى قِوَائِهِمَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى: أَيْ لَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ وَإِنْ مَأْكُولًا خُيِّرَ كَمَا مَرَّ فِي الْعَيْنَيْنِ لَكِنْ فِي الْعُيُونِ إنْ أَمْسَكَهُ لَا يُضَمِّنُهُ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى   [رد المحتار] أَمَّا ضَمَانُ رُبْعِ الْقِيمَةِ فِيمَا يَأْتِي، فَخِلَافُ الْقِيَاسِ عَمَلًا بِالنَّصِّ (قَوْلُهُ وَفِي عَيْنِهَا إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْبَقَرَةِ وَنَحْوِهَا، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمَعْمُولَ بِهِ النَّصُّ، وَهُوَ وَرَدَ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَيْ إبِلِهِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْإِبِلُ وَاحِدٌ يَقَعُ عَلَى الْجَمْعِ لَيْسَ بِجَمْعٍ وَلَا اسْمِ جَمْعٍ وَجَمْعُهُ آبَالٌ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَائِدَةُ الْإِضَافَةِ إلَخْ) أَيْ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُمَا لِكَوْنِهِمَا مُعَدَّيْنِ لِلَّحْمِ يَكُونُ حُكْمُهُمَا حُكْمَ الشَّاةِ بَلْ سَوَاءٌ كَانَا مُعَدَّيْنِ لَهُ أَوْ لِلْحَرْثِ أَوْ الرُّكُوبِ، فَفِيهِ رُبْعُ الْقِيمَةِ كَمَا فِي الَّذِي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنَحٌ (قَوْلُهُ وَحِمَارٍ) فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْمُنْتَقَى مَا لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ لِصِغَرِهِ كَالْفَصِيلِ وَالْجَحْشِ، فَفِي عَيْنِهِ رُبْعُ قِيمَتِهِ اهـ. قُلْت: وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْمُنْتَقَى أَنَّ فِي نَحْوِ الْفَصِيلِ النُّقْصَانَ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ الْمُنْتَقَى كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ مَا قَدَّمْنَاهُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ، لِأَنَّ إقَامَةَ الْعَمَلِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ» وَهَكَذَا قَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، لِأَنَّ فِيهَا مَقَاصِدَ سِوَى اللَّحْمِ كَالرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَالْحَمْلِ وَالْعَمَلِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ تُشْبِهُ الْآدَمِيَّ وَقَدْ تُمْسَكُ لِلْأَكْلِ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ تُشْبِهُ الْمَأْكُولَاتِ فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ بِشَبَهِ الْآدَمِيِّ فِي إيجَابِ الرُّبْعِ وَبِالشَّبَهِ الْآخَرِ فِي نَفْيِ النِّصْفِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْعَمَلِ بِهَا بِأَرْبَعَةِ أَعْيُنٍ إلَخْ (قَوْلُهُ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: وَالْمُعْتَمَدُ هُوَ التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ أَيْ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ، لِأَنَّ الْعَيْنَيْنِ لَا يُضْمَنَانِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ أَتْقَانِيٌّ: أَيْ وَأَمَّا التَّعْلِيلُ بِأَنَّهَا صَارَتْ كَذَاتِ أَرْبَعَةِ أَعْيُنٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ ضَمَانُ الْعَيْنَيْنِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ (قَوْلُهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: أَنَّهُ لَوْ فَقَأَ وَالْمَصْدَرُ فَاعِلٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، هُوَ جَوَابُ لَوْ تَقْدِيرُهُ وَيَلْزَمُ أَنَّهُ يَضْمَنُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ) أَيْ لَا يَضْمَنُ النِّصْفَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ، لَكِنْ نَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ الْقَوْلَ بِضَمَانِ النِّصْفِ عَنْ فَخْرِ الْقُضَاةِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ عَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمَعْمُولَ بِهِ النَّصُّ وَهُوَ وَرَدَ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ، فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ ضَمَانَ الْعَيْنِ بِالرُّبْعِ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ بَلْ يُقْتَصَرُ عَلَى النَّصِّ وَلِذَا قَالَ فَالْأَوْلَى التَّمَسُّكُ بِمَا رُوِيَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَالتَّقْيِيدِ بِالْعَيْنِ) أَيْ تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَفِي عَيْنِ بَقَرَةٍ (قَوْلُهُ وَقِيلَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ) أَيْ لِفَوَاتِ الِاعْتِلَافِ، وَفِي تُحْفَةِ الْأَقْرَانِ وَالْقُنْيَةِ جَزَمَ بِهَذَا وَحَكَى الْآخَرَ بِقِيلَ اهـ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْ لَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِهْلَاكٌ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ مَأْكُولًا خُيِّرَ) أَيْ بَيْنَ تَرْكِهَا عَلَى الْقَاطِعِ، وَتَضْمِينِهِ قِيمَتَهَا، وَبَيْنَ إمْسَاكِهَا؛ وَتَضْمِينَهُ النُّقْصَانَ قَالَ فِي غَصْبِ الْهِدَايَةِ: وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْهُ لَوْ شَاءَ أَخَذَهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ وَالشُّرُوحُ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْغَصْبِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْعُيُونِ إنْ أَمْسَكَهُ لَا يُضَمِّنُهُ شَيْئًا إلَخْ) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ الْمَأْكُولَ، وَيَضْمَنَ النُّقْصَانَ، وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ التَّخْيِيرُ فِي الْمَأْكُولِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ، وَبِهِ يُفْتَى كَمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 610 وَعَرَجُهَا كَقَطْعِهَا. [فُرُوعٌ] نَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الدُّرَرِ لَهُ كَلْبٌ يَأْكُلُ عِنَبَ الْكَرْمِ فَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فِيهِ فَلَمْ يَحْفَظْهُ حَتَّى أَكَلَ الْعِنَبَ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ فِيمَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ فِيمَا يُخَافُ تَلَفُ بَنِي آدَمَ كَالْحَائِطِ الْمَائِلِ وَنَطْحِ الثَّوْرِ وَعَقْرِ كَلْبٍ عَقُورٍ فَيَضْمَنُ إذَا لَمْ يَحْفَظْهُ اهـ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْمُتْلَفِ فِي قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ وَإِنْ أَتْلَفَ الْكَلْبُ فَعَلَى صَاحِبِهِ الضَّمَانُ إنْ كَانَ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِتْلَافِ وَإِلَّا فَلَا كَالْحَائِطِ الْمَائِلِ عَلَى الْآدَمِيِّ اهـ فَيَحْصُلُ التَّوْفِيقُ. قُلْت: وَقَدْ وَقَعَ الِاسْتِفْتَاءُ عَمَّنْ لَهُ نَحْلٌ يَضَعُهُ فِي بُسْتَانِهِ فَيَخْرُجُ فَيَأْكُلُ عِنَبَ النَّاسِ وَفَوَاكِهَهُمْ هَلْ يَضْمَنُ رَبُّ النَّحْلِ مَا أَتْلَفَهُ النَّحْلُ مِنْ الْعِنَبِ وَنَحْوِهِ أَمْ لَا وَهَلْ يُؤْمَرُ بِتَحْوِيلِهِ عَنْهُمْ إلَى مَكَان آخَرَ أَمْ لَا. وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ رَبُّهُ شَيْئًا مُطْلَقًا أَشْهَدُوا عَلَيْهِ أَمْ لَا أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْكَلْبِ بَلْ أَوْلَى وَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَعِينِهِ. لَكِنْ رَأَيْت فِي فَتْوَاهُ أَنَّهُ أَفْتَى بِالضَّمَانِ فِي مَسْأَلَةِ النَّحْلِ فَرَاجِعْهُ عِنْدَ الْفَتْوَى وَأَمَّا تَحْوِيلُهُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَا يُؤْمَرُ بِذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَأَمَّا جَوَابُ الْمَشَايِخِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْمَرَ بِتَحْوِيلِهِ إذَا كَانَ الضَّرَرُ بَيِّنًا   [رد المحتار] فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ حَيْثُ قَالَ: وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ لَوْ أَخَذَ الشَّاةَ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَيُفْتَى بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَكِنْ نَقَلَ بَعْدَهُ أَنَّ مَا يُؤْكَلُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَوْ أَمْسَكَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَ: وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ اهـ. أَقُولُ: وَحَيْثُ اخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالْإِفْتَاءِ فَالْعَمَلُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُتُونُ وَالشُّرُوحُ، وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَعَرَجُهَا كَقَطْعِهَا) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَلَوْ ضَرَبَ دَابَّةً فَصَارَتْ عَرْجَاءَ فَهُوَ كَالْقَطْعِ اهـ [فُرُوعٌ لَهُ كَلْبٌ يَأْكُلُ عِنَبَ الْكَرْمِ فَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فِيهِ فَلَمْ يَحْفَظْهُ حَتَّى أَكَلَ الْعِنَبَ] (قَوْلُهُ فَيَحْصُلُ التَّوْفِيقُ) كَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ كَلَامِ الدُّرَرِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِي الْكَلْبِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ، وَهَذَا غَيْرُ مُرَادٍ وَإِنَّمَا مَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ مَا يُخَافُ مِنْهُ تَلَفُ الْآدَمِيِّ فَالْإِشْهَادُ فِيهِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ إذَا أَعْقَبَهُ تَلَفٌ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُتْلَفُ مَالًا أَوْ آدَمِيًّا وَمَا لَا يُخَافُ مِنْهُ تَلَفُ الْآدَمِيِّ بَلْ يُخَافُ مِنْهُ تَلَفُ الْمَالِ فَقَطْ كَعِنَبِ الْكُرُومِ، فَلَا يُفِيدُ فِيهِ الْإِشْهَادُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَشْبِيهُهُ بِالْحَائِطِ الْمَائِلِ، فَإِنَّ الْإِشْهَادَ فِيهِ مُوجِبٌ لِضَمَانِ الْمَالِ وَالنَّفْسِ اهـ رَمْلِيٌّ وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ دَافِعٌ لِلْمُخَالَفَةِ مِنْ أَصْلِهَا فَيُحْمَلُ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى الْإِتْلَافِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَلْبِ الْوَاقِعِ فِي كَلَامِهِ الْكَلْبُ الْعَقُورُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ، فَهُوَ مِمَّا يُخَافُ مِنْهُ تَلَفُ الْآدَمِيِّ كَالْحَائِطِ الْمَائِلِ وَالثَّوْرِ النَّطُوحِ، بِخِلَافِ كَلْبِ الْعِنَبِ. قُلْت: وَهَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَنْ الْقَاضِي بَدِيعٍ أَنَّ الْإِشْهَادَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْحَائِطِ لَا فِي الْحَيَوَانِ اهـ. وَقَدْ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ بِالضَّمَانِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ فِي حِصَانٍ اعْتَادَ الْكَدْمَ وَكَذَا فِي ثَوْرٍ نُطَوِّح قَالَ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْمُنْيَةِ فِي نَطْحِ الثَّوْرِ يَضْمَنُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ النَّفْسَ وَالْمَالَ اهـ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَالْأَكْثَرُ عَلَى الضَّمَانِ كَالْحَائِطِ الْمَائِلِ اهـ وَأَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) مِنْ مَقُولِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْكَلْبِ) أَيْ كَلْبِ الْعِنَبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُخَافُ مِنْهُ تَلَفُ الْآدَمِيِّ (قَوْلُهُ بَلْ أَوْلَى) لِأَنَّهُ طَيْرٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ، إذَا أَرْسَلَ طَيْرًا سَاقَهُ أَوْ لَا بِخِلَافِ الدَّابَّةِ وَالْكَلْبِ، وَهُنَا لَمْ يُرْسِلْهُ وَلَمْ يَسُقْهُ أَصْلًا فَعَدَمُ الضَّمَانِ فِيهِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ النَّحْلَ مَأْذُونَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [النحل: 69] : (قَوْلُهُ فِي مَعِينِهِ) أَيْ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى مَعِينُ الْمُفْتَى (قَوْلُهُ فَرَاجِعْهُ عِنْدَ الْفَتْوَى) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُوَافِقَ لِلْمَنْقُولِ صَرِيحًا وَدَلَالَةً هُوَ الْأَوَّلُ فَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ (قَوْلُهُ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ) وَهُوَ مَا قَدَّمَهُ آخِرَ كِتَابِ الْقِسْمَةِ مِنْ أَنَّ لَهُ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ تَضَرَّرَ جَارُهُ (قَوْلُهُ وَأَمَّا جَوَابُ الْمَشَايِخِ) مِنْ أَنَّهُ يَمْنَعُ إذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 611 عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ حِمَارٌ يَأْكُلُ حِنْطَةَ إنْسَانٍ فَلَمْ يَمْنَعْهُ حَتَّى أَكَلَ الصَّحِيحُ ضَمَانُهُ أَدْخَلَ غَنَمًا أَوْ ثَوْرًا أَوْ فَرَسًا أَوْ حِمَارًا فِي زَرْعٍ أَوْ كَرْمٍ إنْ سَائِقًا ضَمِنَ مَا أَتْلَفَ وَإِلَّا لَا، وَقِيلَ يَضْمَنُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ اهـ. بَابُ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ اعْلَمْ أَنَّ جِنَايَاتِ الْمَمْلُوكِ لَا تُوجِبُ إلَّا دَفْعًا وَاحِدًا لَوْ مَحَلًّا وَإِلَّا فَقِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ فَدَى الْقِنَّ ثُمَّ جَنَى فَكَالْأَوَّلِ ثَمَّ وَثَمَّ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُخْتَيْهِ فَإِنَّهَا لَا تُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً وَسَيَتَّضِحُ (جَنَى عَبْدٌ خَطَأً) التَّقْيِيدُ بِالْخَطَأِ هُنَا إنَّمَا يُفِيدُ فِي النَّفْسِ   [رد المحتار] كَانَ الضَّرَرُ بَيِّنًا (قَوْلُهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى) الْأَوْضَحُ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى ط (قَوْلُهُ حِمَارٌ يَأْكُلُ حِنْطَةَ إنْسَانٍ إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْحِمَارُ لِغَيْرِ الرَّائِي، وَهُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِهِ فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ، وَاَلَّذِي فِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا رَأَى حِمَارَهُ إلَخْ بِالْإِضَافَةِ إلَى ضَمِيرِ الرَّائِي تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَلَى جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي أَحْكَامِ السُّكُوتِ مَا نَصُّهُ أَقُولُ فَلَوْ رَأَى حِمَارَ غَيْرِهِ يَأْكُلُ حِنْطَةَ الْغَيْرِ فَلَمْ يَمْنَعْهُ صَارَتْ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى فَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ فِعْلَ حِمَارِهِ يُنْسَبُ إلَيْهِ مَعَ رُجُوعِ الْمَنْفَعَةِ لَهُ، وَإِمْكَانِ دَفْعِهِ فَقَوِيَتْ عِلَّةُ الضَّمَانِ بِخِلَافِ حِمَارِ الْغَيْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَضْمَنُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسُقْهَا قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي دَارِهِ بَعِيرٌ، فَأَدْخَلَ عَلَيْهِ بَعِيرًا مُغْتَلِمًا أَوْ لَا فَقَتَلَ بَعِيرَهُ إنْ بِلَا إذْنِ صَاحِبِهَا يَضْمَنُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَالْمُغْتَلِمُ الْهَائِجُ. أَقُولُ: وَيَظْهَرُ أَرْجَحِيَّةُ هَذَا الْقَوْلِ لِمُوَافَقَتِهِ لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا أَحْدَثَتْهُ الدَّابَّةُ مُطْلَقًا إذَا أَدْخَلَهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ لِتَعَدِّيهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُدْخِلْهَا فَفِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً فَأَفْسَدَتْ زَرْعًا عَلَى فَوْرِهَا ضَمِنَ الْمُرْسِلُ وَإِنْ مَالَتْ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ لَا يَضْمَنُ لِمَا مَرَّ اهـ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ) مِنْ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ سَائِقُ حِمَارِ الْحَطَبِ إذَا لَمْ يَقُلْ إلَيْك، إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا مَشَى الْحِمَارُ إلَى جَانِبِ صَاحِبِ الثَّوْبِ، لَا فِي عَكْسِهِ وَهُوَ يَرَاهُ وَلَمْ يَتَبَاعَدْ عَنْهُ وَوَجَدَ فُرْصَةَ الْفِرَارِ. 1 - وَجَدَ فِي زَرْعِهِ دَابَّةً فَأَخْرَجَهَا فَهَلَكَتْ فَالْمُخْتَارُ إنْ سَاقَهَا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ يَضْمَنُ وَإِلَّا لَا، وَالدَّارُ كَالزَّرْعِ لِأَنَّهَا تَضُرُّهُ بِخِلَافِ الْمَرْبِطِ لِأَنَّهُ مَحَلُّهَا. 1 - رَبَطَ حِمَارَهُ فِي سَارِيَةٍ فَرَبَطَ آخَرُ حِمَارَهُ فَعَضَّ حِمَارَ الْأَوَّلِ إنْ فِي مَوْضِعٍ لَهُمَا وِلَايَةُ الرَّبْطِ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا ضَمِنَ اهـ مُلَخَّصًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ] ِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ جِنَايَةِ الْمَالِكِ وَهُوَ الْحُرُّ، شَرَعَ فِي جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَلَمَّا كَانَتْ جِنَايَةُ الْبَهِيمَةِ بِاعْتِبَارِ الرَّاكِبِ وَأَخَوَيْهِ وَهُمْ مُلَّاكٌ قَدَّمَهَا (قَوْلُهُ لَا تُوجِبُ إلَّا دَفْعًا وَاحِدًا) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً فِي أَشْخَاصٍ مُتَعَدِّدَةٍ (قَوْلُهُ لَوْ مَحَلًّا) أَيْ لِلدَّفْعِ بِأَنْ كَانَ قِنًّا لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِ الْحُرِّيَّةِ كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَقِيمَةً وَاحِدَةً) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلدَّفْعِ بِأَنْ انْعَقَدَ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا تُوجِبُ جِنَايَتُهُ قِيمَةً وَاحِدَةً، وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهَا وَإِنْ تَكَرَّرَتْ الْجِنَايَةُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَالْأَوَّلِ) أَيْ يُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ (قَوْلُهُ وَأُخْتَيْهِ) أَيْ أُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ (قَوْلُهُ إنَّمَا يُفِيدُ) أَيْ يُفِيدُ التَّخْيِيرُ الْآتِي (قَوْلُهُ فِي النَّفْسِ) أَيْ نَفْسِ الْآدَمِيِّ وَفِي مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة فَرَّقَ بَيْنَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْآدَمِيِّ أَوْ عَلَى الْمَالِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 612 لِأَنَّ بِعَمْدِهِ يُقْتَصُّ وَأَمَّا فِيمَا دُونَهُ فَلَا يُفِيدُ لِاسْتِوَاءِ خَطَئِهِ وَعَمْدِهِ فِيهَا دُونَهَا، ثُمَّ إنَّمَا يَثْبُتُ الْخَطَأُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ إقْرَارِ مَوْلَاهُ، أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي لَا بِإِقْرَارِهِ أَصْلًا بَدَائِعُ. قُلْت: لَكِنَّ قَوْلَهُ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي عَلَى غَيْرِ الْمُفْتَى بِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِعِلْمِ الْقَاضِي فِي زَمَانِنَا شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْأَشْبَاهِ وَتَقَدَّمَ (دَفَعَهُ مَوْلَاهُ) إنْ شَاءَ (بِهَا فَيَمْلِكُهُ وَلِيُّهَا أَوْ) إنْ شَاءَ (فَدَاهُ بِأَرْشِهَا حَالًّا) لَكِنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الدَّفْعُ عَلَى الصَّحِيحِ وَلِذَا سَقَطَ الْوَاجِبُ بِمَوْتِهِ بِخِلَافِ مَوْتِ الْحُرِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ السِّرَاجِ وَالْجَوْهَرَةِ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ الْفِدَاءُ حَتَّى لَوْ اخْتَارَهُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ   [رد المحتار] فَفِي الْأَوَّلِ خُيِّرَ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ، وَالْفِدَاءِ، وَفِي الثَّانِي بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْبَيْعِ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ خُوَاهَرْ زَادَهُ مَحْجُورٌ جَنَى عَلَى مَالِ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ فَهُوَ فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهَا عَلَى مَنْ اشْتَرَاهُ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ اهـ وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ بِعَمْدِهِ) حُذِفَ اسْمُ أَنَّ وَالْأَوْلَى ذِكْرُهُ وَيَكُونُ الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ ط (قَوْلُهُ فِيمَا دُونَهَا) أَيْ دُونَ النَّفْسِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْمَالُ فِي الْحَالَيْنِ إذْ الْقِصَاصُ لَا يَجْرِي بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْعَبِيدِ، وَلَا بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ لَا بِإِقْرَارِهِ أَصْلًا) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الْعِتْقِ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ الْبَدَائِعِ: وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بَعْدَ الْعَتَاقِ أَنَّهُ كَانَ جَنَى فِي حَالَ الرِّقِّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ وَشَمِلَ الْمَحْجُورَ وَالْمَأْذُونَ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ أَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ. أَقُولُ: وَفِي حَجْرِ الْجَوْهَرَةِ، لَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِقَتْلِ الْخَطَأِ لَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى شَيْءٌ، وَكَانَ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ، وَفِي الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَلَوْ أَعْتَقَ بَعْدَهُ لَا يُتْبَعُ بِشَيْءٍ مِنْ الْجِنَايَةِ، أَمَّا الْمَحْجُورُ فَلِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَالٍ، فَلَا يَنْقَلِبُ حُكْمُهُ كَإِقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ وَأَمَّا الْمَأْذُونُ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ بِالدُّيُونِ الَّتِي لَزِمَتْهُ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ، لِأَنَّهَا هِيَ الْمَأْذُونُ فِيهَا، بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ فَهُوَ كَالْمَحْجُورِ فِيهَا اهـ (قَوْلُهُ وَتَقَدَّمَ) أَيْ قُبَيْلَ مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ دَفَعَهُ مَوْلَاهُ إنْ شَاءَ إلَخْ) أَيْ إنَّهُ يُخَيَّرُ تَخْفِيفًا لَهُ إذْ لَا عَاقِلَةَ لِمَمْلُوكِهِ إلَّا هُوَ غُرَرُ الْأَفْكَارِ (قَوْلُهُ حَالًّا) أَيْ كَائِنًا كُلٌّ مِنْ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ عَلَى الْحُلُولِ، لِأَنَّ تَأْجِيلَ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ وَالْفِدَاءُ بَدَلُهُ، فَلَهُ حُكْمُهُ؛ وَمُفَادُهُ أَنَّ الْخِيَارَ لِلْمَوْلَى، وَلَوْ مُفْلِسًا فَإِذَا اخْتَارَ الْمُفْلِسُ الْفِدَاءَ يُؤَدِّيهِ مَتَى يُوجَدُ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الْعَبْدِ عِنْدَهُ، خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي الْمَجْمَعِ دُرٌّ مُنْتَقَى (قَوْلُهُ لَكِنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ وَجَبَتْ الْجِنَايَةُ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى حَتَّى وَجَبَ التَّخْيِيرُ لَمَا سَقَطَ بِمَوْتِ الْعَبْدِ كَمَا فِي الْحُرِّ الْجَانِي إذَا مَاتَ فَإِنَّ الْعَقْلَ لَا يَسْقُطُ عَنْ عَاقِلَتِهِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ: هُوَ الدَّفْعُ وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْلِ إلَى الْفِدَاءِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِيهِ جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى الْقِيمَةِ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَأَقَرَّهُ غَيْرُهُ مِنْ الشُّرَّاحِ (قَوْلُهُ وَلِذَا سَقَطَ الْوَاجِبُ بِمَوْتِهِ) أَيْ قَبْلَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا لِانْتِقَالِهِ إلَى ذِمَّةِ الْمَوْلَى غُرَرُ الْأَفْكَارِ، وَأَطْلَقَ الْمَوْلَى فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بَعَثَهُ الْمَوْلَى فِي حَاجَتِهِ أَوْ اسْتَخْدَمَهُ، لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الِاسْتِخْدَامِ فِي الْعَبْدِ الْجَانِي، مَا لَمْ يَدْفَعْهُ فَلَا يَكُونُ تَعَدِّيًا مِعْرَاجٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ، أَمَّا لَوْ قَتَلَهُ صَارَ مُخْتَارًا لِلْأَرْشِ، وَلَوْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ فَإِنْ عَمْدًا بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَقْتَصَّ، وَإِنْ خَطَأً أَخَذَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ وَدَفَعَهَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَلَا يُخَيَّرُ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْأَرْشِ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ لَكِنَّ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ إلَخْ) هَذَا غَيْرُ الْمَشْهُورِ فَفِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ الْأَسْرَارِ، أَنَّ الرِّوَايَةَ بِخِلَافِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْعَبْدُ (قَوْلُهُ وَالْجَوْهَرَةِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 613 أَدَّاهُ مَتَى وَجَدَ، وَلَمْ يُبَرَّأْ بِهَلَاكِ الْعَبْدِ، وَعَلَّلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ، بِأَنَّهُ اخْتَارَ أَصْلَ حَقِّهِمْ، فَبَطَلَ حَقُّهُمْ فِي الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ الْفِدَاءُ لَا الدَّفْعُ وَأَفَادَ شَارِحُ الْمَجْمَعِ فِي تَعْلِيلِ الْإِمَامِ أَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُهُمَا وَأَنَّهُ مَتَى اخْتَارَ أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ لَكِنَّهُ قَدَّمَ أَنَّ الدَّفْعَ هُوَ الْأَصْلُ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي لَفْظِ الْكِتَابِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ (فَإِنْ فَدَاهُ فَجَنَى بَعْدَهُ فَهِيَ كَالْأُولَى) حُكْمًا (فَإِنْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ دَفَعَهُ بِهِمَا إلَى وَلِيِّهِمَا أَوْ فَدَاهُ بِأَرْشِهِمَا وَإِنْ وَهَبَهُ) أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَهَا الْمَوْلَى (أَوْ بَاعَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِهَا) بِالْجِنَايَةِ (ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَ) الْأَقَلَّ (مِنْ الْأَرْشِ وَإِنْ عَلِمَ بِهَا غَرِمَ الْأَرْشَ) فَقَطْ إجْمَاعًا (كَبَيْعِهِ) عَالِمًا بِهَا (وَكَتَعْلِيقِ عِتْقِهِ بِقَتْلِ زَيْدٍ أَوْ رَمْيِهِ أَوْ شَجِّهِ فَفَعَلَ) الْعَبْدُ ذَلِكَ   [رد المحتار] عَطْفٌ عَلَى السِّرَاجِ وَقَوْلُهُ عَنْ الْبَزْدَوِيِّ مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ مِنْ السِّرَاجِ وَالْجَوْهَرَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ اهـ ح (قَوْلُهُ وَعَلَّلَهُ الزَّيْلَعِيُّ إلَخْ) أَيْ عَلَّلَ الْحُكْمَ وَهُوَ صِحَّةُ الِاخْتِيَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَتِهِ (قَوْلُهُ أَصْلَ حَقِّهِمْ) أَيْ حَقِّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ تَعْلِيلِ الزَّيْلَعِيِّ بِمَا ذَكَرَ، فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّصْحِيحِ الثَّانِي، لَكِنَّ الزَّيْلَعِيَّ صَرَّحَ أَوَّلًا بِتَصْحِيحِ الْأَوَّلِ كَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ مُحَمَّدٍ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ وَأَفَادَ إلَخْ) هَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ التَّخْيِيرَ لَتَعَيَّنَ الْفِدَاءُ عِنْدَ هَلَاكِ الْعَبْدِ، وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمُخَيَّرِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ إذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْآخَرُ، فَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ بِسَدِيدٍ اهـ (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى أَنَّ الدَّفْعَ وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ مَتْنُ الْمَجْمَعِ وَرَدَّ شَارِحُهُ بِهَذَا عَلَى مُصَنَّفِهِ فِي ادِّعَائِهِ، أَنَّ فِي لَفْظِ مَتْنِهِ مَا يُفِيدُهُ ط مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ فَإِنْ فِدَاهُ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقُدْهُ فَجَنَى أُخْرَى كَانَ عَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ: وَهِيَ قَوْلُهُ فَإِنَّ جِنَايَتَيْنِ إلَخْ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ فَهِيَ كَالْأُولَى) لِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ عَنْ الْجِنَايَةِ بِالْفِدَاءِ جُعِلَ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ وَهَذَا ابْتِدَاءُ جِنَايَةٍ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ دَفَعَهُ بِهَا إلَخْ) فَيَقْتَسِمَانِهِ عَلَى قَدْرِ أَرْشِ جِنَايَتِهِمَا وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً يَقْتَسِمُونَهُ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ، وَإِنْ فَدَاهُ فَدَاهُ بِجَمِيعِ أُرُوشِهِمْ، وَلَوْ قَتَلَ وَاحِدًا وَفَقَأَ عَيْنَ آخَرَ يَقْتَسِمَانِهِ أَثْلَاثًا لِأَنَّ أَرْشَ الْعَيْنِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ أَرْشَيْ النَّفْسِ، وَعَلَى هَذَا حُكْمُ الشَّجَّاتِ، وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَ مِنْ بَعْضِهِمْ وَيَدْفَعَ إلَى بَعْضِهِمْ مِقْدَارَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ مِنْ الْعَبْدِ وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ وَهَبَهُ إلَخْ) الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى أَحْدَثَ فِيهِ تَصَرُّفًا يُعْجِزُهُ عَنْ الدَّفْعِ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَإِلَّا فَلَا. فَمِثَالُ الْأَوَّلِ مَا ذَكَرَهُ، وَمِثَالُ الثَّانِي وَطِئَ الثَّيِّبَ مِنْ غَيْرِ إعْلَاقٍ لِأَنَّهُ لَا يُنْقِصُ، وَكَذَا التَّزْوِيجُ وَالِاسْتِخْدَامُ وَكَذَا الْإِجَارَةُ وَالرَّهْنُ عَلَى الْأَظْهَرِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُنْقَضُ بِالْأَعْذَارِ، وَقِيَامُ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِيهِ عُذْرٌ، وَلِتَمَكُّنِ الرَّاهِنِ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ، فَلَمْ يَعْجَزْ وَكَذَا الْإِذْنُ بِالتِّجَارَةِ، وَإِنْ رَكِبَهُ دَيْنٌ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يُفَوِّتُ الدَّفْعَ وَلَا يُنْقِصُ الرَّقَبَةَ إلَّا أَنَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِهِ لِأَنَّ الدَّيْنَ مِنْ حَقِّهِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى فَيَلْزَمُ الْمَوْلَى قِيمَتُهُ اهـ مِنْ الْهِدَايَةِ وَالْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ أَوْ بَاعَهُ) أَيْ بَيْعًا صَحِيحًا، وَلَوْ بِخِيَارٍ لِلْمُشْتَرِي لَا لَوْ فَاسِدًا إلَّا إذَا سَلَّمَهُ، لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَزُولُ إلَّا بِهِ وَلَا لَوْ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ثُمَّ نَقَضَهُ أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ ضَمِنَ الْأَقَلَّ إلَخْ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ حَقَّهُ، فَيَضْمَنُهُ وَحَقُّهُ فِي أَقَلِّهِمَا، وَلَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، لِأَنَّهُ لَا اخْتِيَارَ بِدُونِ الْعِلْمِ هِدَايَةٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ حَقَّهُ أَقَلُّهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْأَكْثَرِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ كَبَيْعِهِ) يَجِبُ إسْقَاطُهُ لِأَنَّهُ تَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ اهـ ح. قُلْت: يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بَيْعُهُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ فِيهِ نَوْعُ مُغَايَرَةٍ لِمَا قَبْلَهُ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَانَ اخْتِيَارًا لَا لَوْ وَهَبَهُ لِأَنَّ لِلْمُسْتَحِقِّ أَخْذَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَقَدْ وُجِدَ فِي الْهِبَةِ دُونَ الْبَيْعِ اهـ (قَوْلُهُ وَكَتَعْلِيقِ عِتْقِهِ) لِأَنَّ تَعْلِيقَ عِتْقِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ يَعْتِقُ عِنْدَ الْقَتْلِ دَلِيلُ اخْتِيَارِهِ فَلَزِمَهُ الدِّيَةُ مِنَحٌ (قَوْلُهُ بِقَتْلِ زَيْدٍ إلَخْ) أَيْ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الدِّيَةَ فَلَوْ عَلَّقَهُ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ، ثُمَّ جُنَّ ثُمَّ دَخَلَ أَوْ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الْقِصَاصَ كَإِنْ ضَرَبْته بِالسَّيْفِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 614 كَمَا يَصِيرُ فَارًّا بِقَوْلِهِ إنْ مَرِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا. (وَإِنْ قَطَعَ عَبْدٌ يَدَ حُرٍّ عَمْدًا وَدُفِعَ إلَيْهِ فَأَعْتَقَهُ فَمَاتَ مِنْ السِّرَايَةِ فَالْعَبْدُ صُلْحٌ بِهَا) أَيْ بِالْجِنَايَةِ لِأَنَّ عِتْقَهُ دَلِيلُ تَصْحِيحِ الصُّلْحِ (وَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهُ) وَقَدْ سَرَى (يُرَدُّ عَلَى سَيِّدِهِ فَيُقْتَلُ أَوْ يُعْفَى) لِبُطْلَانِ الصُّلْحِ. (فَإِنْ جَنَى مَأْذُونٌ لَهُ مَدْيُونٌ خَطَأً فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ بِلَا عِلْمٍ بِهَا غَرِمَ لِرَبِّ الدَّيْنِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ دَيْنِهِ وَ) غَرِمَ (لِوَلِيِّهَا الْأَقَلَّ مِنْهَا) أَيْ الْقِيمَةِ (وَمِنْ الْأَرْشِ) (وَلَوْ أَتْلَفَهُ) أَيْ الْعَبْدَ الْجَانِيَ (أَجْنَبِيٌّ فَقِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِمَوْلَاهُ) لَا غَيْرُ (فَإِنْ وَلَدَتْ مَأْذُونَةٌ مَدْيُونَةٌ بِيعَتْ مَعَ وَلَدِهَا فِي الدَّيْنِ) إنْ كَانَتْ الْوِلَادَةُ بَعْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ، فَلَوْ وَلَدَتْ ثُمَّ لَحِقَهَا دَيْنٌ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالْوَلَدِ بِخِلَافِ أَكْسَابِهَا (فَإِنْ جَنَتْ فَوَلَدَتْ لَمْ يُدْفَعْ الْوَلَدُ لَهُ) أَيْ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ لِتَعَلُّقِهَا بِذِمَّةِ الْمَوْلَى لَا ذِمَّتِهَا بِخِلَافِ الدَّيْنِ (عَبْدٌ) لِرَجُلٍ،   [رد المحتار] فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْلَى اتِّفَاقًا لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ عِنْدَ التَّعْلِيقِ بِغَيْرِهَا، وَلِأَنَّ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، فَهُوَ عَلَى الْعَبْدِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، فَلَمْ يُفَوِّتْ الْمَوْلَى عَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِتَعْلِيقِهِ شَيْئًا عِنَايَةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ كَمَا يَصِيرُ فَارًّا) أَيْ مِنْ إرْثِ زَوْجَتِهِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُطَلِّقًا بَعْدَ وُجُودِ الْمَرَضِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ عِتْقَهُ دَلِيلُ تَصْحِيحِ الصُّلْحِ) لِأَنَّ الْعَاقِلَ يَقْصِدُ تَصْحِيحَ تَصَرُّفِهِ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِالصُّلْحِ عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فَيُقْتَلُ أَوْ يُعْفَى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَالضَّمِيرُ لِلْعَبْدِ وَصِلَةُ يُعْفَى مُقَدَّرَةٌ (قَوْلُهُ لِبُطْلَانِ الصُّلْحِ) لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى الْمَالِ وَهُوَ الْعَبْدُ عَنْ دِيَةِ الْيَدِ إذْ الْقِصَاصُ لَا يَجْرِي بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي الْأَطْرَافِ، وَبِالسِّرَايَةِ ظَهَرَ أَنَّ دِيَةَ الْيَدِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقَوَدُ، فَصَارَ الصُّلْحُ بَاطِلًا لِأَنَّ الصُّلْحَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُصَالَحٍ عَنْهُ وَالْمُصَالَحُ عَنْهُ الْمَالُ وَلَمْ يُوجَدْ زَيْلَعِيٌّ. قَالَ ط: وَظَاهِرُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ رَدَّ الْعَبْدِ وَاجِبٌ عَلَى وَلِيِّ الدَّمِ رَفْعًا لِلْعَقْدِ الْبَاطِلِ اهـ وَفِي الْعِنَايَةِ وَسَمَّاهُ صُلْحًا بِنَاءً عَلَى مَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْفِدَاءُ (قَوْلُهُ فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ) أَمَّا إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَنَى وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، فَإِنْ دَفَعَ بِيعَ فِي دَيْنِ الْغُرَمَاءِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِأَصْحَابِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ بِيعَ عَلَى مِلْكِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِالدَّيْنِ تَأَخَّرَ إلَى حَالِ الْحُرِّيَّةِ كَمَا لَوْ بِيعَ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى الْأَوَّلِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ بِلَا عِلْمٍ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ كَانَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْجِنَايَةِ لِوَلِيِّهَا وَقِيمَةُ الْعَبْدِ لِرَبِّ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ إلَخْ) وَأَمَّا قَوْلُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا عَلَيْهِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِرَبِّ الدَّيْنِ وَقِيمَةٌ لِوَلِيِّ الْجَنَابَةِ فَالْمُرَادُ إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الْأَرْشِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ أَيْ الْعَبْدَ الْجَانِي) أَيْ الْمَأْذُونَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ اهـ ح (قَوْلُهُ فَقِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِمَوْلَاهُ) أَيْ وَيَدْفَعُهَا لِلْغُرَمَاءِ لِأَنَّهَا مَالِيَّةُ الْعَبْدِ وَالْغَرِيمُ مُقَدَّمٌ فِي الْمَالِيَّةِ عَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ: وَإِنَّمَا لَزِمَ الْأَجْنَبِيَّ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ دُونَ الْمَوْلَى، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَأْخُوذًا بِالدَّفْعِ، وَلَا بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِمَّا أَتْلَفَهُ، أَمَّا الْمَوْلَى فَهُوَ مُطَالَبٌ بِذَلِكَ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ أَكْسَابِهَا) فَإِنَّهَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ قَبْلَ الدَّيْنِ وَبَعْدَهُ، لِأَنَّ لَهَا يَدًا مُعْتَبَرَةً فِي الْكَسْبِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ لَمْ يُدْفَعْ الْوَلَدُ لَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: الْفَرْقُ بَيْنَ وِلَادَةِ الْأَمَةِ بَعْدَ اسْتِدَانَتِهَا وَبَيْنَ وِلَادَتِهَا بِهِ فِي جِنَايَتِهَا فِي أَنَّ الْوَلَدَ يُبَاعُ مَعَهَا فِي الْأُولَى، دُونَ الثَّانِيَةِ أَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ حُكْمِيٌّ فِيهَا وَاجِبٌ فِي ذِمَّتِهَا مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهَا اسْتِيفَاءً، حَتَّى صَارَ الْمَوْلَى مَمْنُوعًا مِنْ التَّصَرُّفِ فِي رَقَبَتِهَا بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَكَانَتْ أَيْ الِاسْتِدَانَةُ مِنْ الْأَوْصَافِ الشَّرْعِيَّةِ الْقَارَّةِ، فَتَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالرَّهْنِ، وَأَمَّا مُوجَبُ الْجِنَايَةِ فَالدَّفْعُ أَوْ الْفِدَاءُ وَذَلِكَ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى لَا فِي ذِمَّتِهَا، حَتَّى لَمْ يَصِرْ الْمَوْلَى مَمْنُوعًا مِنْ التَّصَرُّفِ فِي رَقَبَتِهَا بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ اسْتِخْدَامٍ وَإِنَّمَا يُلَاقِيهَا أَثَرُ الْفِعْلِ الْحَقِيقِيِّ الْحِسِّيِّ، وَهُوَ الدَّفْعُ فَلَا يَسْرِي، لِكَوْنِهِ وَصْفًا غَيْرَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 615 (زَعَمَ رَجُلٌ أَنَّ سَيِّدَهُ حَرَّرَهُ فَقَتَلَ) الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ (وَلِيَّهُ) أَيْ وَلِيَّ الزَّاعِمِ عِتْقَهُ (خَطَأً فَلَا شَيْءَ لِلْحُرِّ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ بِزَعْمِهِ عِتْقَهُ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعَبْدَ، بَلْ الدِّيَةَ لَكِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إلَّا بِحُجَّةٍ (فَإِنْ قَالَ مُعْتِقٌ) رِقُّهُ مَعْرُوفٌ لِرَجُلٍ (قَتَلْت أَخَاك) يُخَاطِبُ بِهِ مَوْلَاهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ (خَطَأ قَبْلَ عِتْقِي فَقَالَ الْأَخُ) الَّذِي هُوَ الْمَوْلَى (لَا بَلْ بَعْدَهُ صُدِّقَ الْأَوَّلُ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلضَّمَانِ (وَإِنْ قَالَ لَهَا قَطَعْت يَدَك وَأَنْتِ أَمَتِي وَقَالَتْ) هِيَ لَا بَلْ (فَعَلْت بَعْدَ الْعِتْقِ فَالْقَوْلُ لَهَا) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ (وَكَذَا الْقَوْلُ لَهَا فِي كُلِّ مَا أَخَذَهُ) الْمَوْلَى (مِنْهَا) مِنْ الْمَالِ لِمَا ذَكَرْنَا اسْتِحْسَانًا (إلَّا الْجِمَاعَ وَالْغَلَّةَ) فَالْقَوْلُ لَهُ لِإِسْنَادِهِ لِحَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ. (عَبْدٌ مَحْجُورٌ أَوْ صَبِيٌّ أَمَرَ صَبِيًّا بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ) لِأَنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ خَطَأٌ (وَرَجَعُوا عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهِ) وَقِيلَ لَا (لَا عَلَى الصَّبِيِّ الْآمِرِ   [رد المحتار] قَارٍّ حَصَلَ عِنْدَ الدَّفْعِ وَالسِّرَايَةُ فِي الْأَوْصَافِ الشَّرْعِيَّةِ دُونَ الْأَوْصَافِ الْحَقِيقِيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ زَعَمَ رَجُلٌ) أَيْ أَقَرَّ (قَوْلُهُ فَقُتِلَ) ذَكَرَ الْإِقْرَارَ بِالْحُرِّيَّةِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ وَفِي الْمَبْسُوطِ بَعْدَهَا، وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَهُمَا عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ الْمُعْتَقُ) أَيْ فِي زَعْمِهِ (قَوْلُهُ فَلَا شَيْءَ لِلْحُرِّ) أَيْ الزَّاعِمِ (قَوْلُهُ عَلَيْهِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْعَاقِلَةِ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بِزَعْمِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ، فَقَدْ ادَّعَى الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَأَبْرَأَ الْعَبْدَ وَالْمَوْلَى إلَّا أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْ غَيْرِ الْحُجَّةِ اهـ وَإِنَّمَا كَانَ إبْرَاءً لِلْمَوْلَى، لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ عَلَى الْمَوْلَى بَعْدَ الْجِنَايَةِ إعْتَاقًا، حَتَّى يَصِيرَ الْمَوْلَى بِهِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ مُسْتَهْلِكًا حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعَبْدَ) أَيْ دَفْعَهُ أَوْ فِدَاءَهُ (قَوْلُهُ بَلْ الدِّيَةَ) لِأَنَّهُ مُوجَبُ جِنَايَةِ الْأَحْرَارِ (قَوْلُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) وَهُمْ قَبِيلَةُ السَّيِّدِ الْمُعْتِقِ كَمَا سَيَأْتِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ يُخَاطَبُ بِهِ مَوْلَاهُ إلَخْ) تَبِعَ فِيهِ الْمُصَنِّفَ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ وَعِبَارَةُ الْمُلْتَقَى وَالدُّرَرِ قَالَ مُعْتَقٌ: قَتَلْت أَخَا زَيْدٍ وَنَحْوَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْخَطْبُ سَهْلٌ إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْأَجْنَبِيِّ، لِأَنَّ قَوْلَ الْمَوْلَى بَلْ قَتَلَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ يُرِيدُ بِهِ إلْزَامَ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ، وَهُمْ قَبِيلَةُ الْمَوْلَى لِأَنَّهَا عَاقِلَةُ الْمُعْتِقِ لَا عَلَى نَفْسِهِ فَقَطْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلضَّمَانِ) لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ إذْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا عُرِفَ رِقُّهُ، فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ طَلَّقْت امْرَأَتِي وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ وَكَانَ جُنُونُهُ مَعْرُوفًا كَانَ الْقَوْلُ لَهُ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ) وَهَذَا لِأَنَّهُ مَا أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ، لِأَنَّهُ يَضْمَنُ يَدَهَا لَوْ قَطَعَهَا وَهِيَ مَدْيُونَةٌ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ مِنْ الْمَالِ) أَيْ مَالٍ لَمْ يَكُنْ غَلَّةً كَمَالٍ وُهِبَ لَهَا أَوْ أَوْصَى لَهَا بِهِ ط (قَوْلُهُ إلَّا الْجِمَاعَ وَالْغَلَّةَ) أَيْ إذَا قَالَ جَامَعْتهَا قَبْلَ الْإِعْتَاقِ، أَوْ أَخَذَتْ الْغَلَّةَ قَبْلَهُ لَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا، لِأَنَّ وَطْءَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ الْمَدْيُونَةَ لَا يُوجِبُ الْعُقْرَ، وَكَذَا أَخْذُهُ مِنْ غَلَّتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَدْيُونَةً لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ، فَحَصَلَ الْإِسْنَادُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ بِالضَّمَانِ ابْنُ كَمَالٍ وَاسْتَثْنَى فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ الْمَوَاهِبِ وَالزَّيْلَعِيِّ مَا كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ فِي يَدِ الْمُقِرِّ لِأَنَّهُ مَتَى أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهَا فَقَدْ أَقَرَّ بِيَدِهَا، ثُمَّ ادَّعَى التَّمَلُّكَ عَلَيْهَا وَهِيَ تُنْكِرُ، فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ فَلِذَا أُمِرَ بِالرَّدِّ اهـ (قَوْلُهُ عَبْدٌ مَحْجُورٌ) قَيَّدَ بِالْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْآمِرُ حُرًّا بَالِغًا تَرْجِعُ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْآمِرِ وَبِالْمَحْجُورِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْآمِرُ مُكَاتَبًا بَالِغًا تَرْجِعُ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ عَلَيْهِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ، وَمِنْ الدِّيَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْآمِرُ عَبْدًا مَأْذُونًا حَيْثُ لَا يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَرَجَعُوا عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهِ) لِأَنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِ قَوْلِهِ كَانَ لِحَقِّ الْمَوْلَى لَا لِنُقْصَانِ الْأَهْلِيَّةِ، وَقَدْ زَالَ حَقُّ الْمَوْلَى بِالْإِعْتَاقِ زَيْلَعِيٌّ، وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَقَاضِي خَانَ فِي شَرْحَيْهِمَا وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ خِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي الزِّيَادَاتِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا) هَذِهِ هِيَ رِوَايَةُ الزِّيَادَاتِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ جِنَايَةٍ وَهُوَ عَلَى الْمَوْلَى لَا عَلَى الْعَبْدِ وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُهُ عَلَى الْمَوْلَى لِمَكَانِ الْحَجْرِ، وَهَذَا أَوْفَقُ لِلْقَوَاعِدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 616 أَبَدًا) لِقُصُورِ أَهْلِيَّتِهِ (وَإِنْ كَانَ مَأْمُورُ الْعَبْدِ) عَبْدًا (مِثْلَهُ دَفَعَ سَيِّدُ الْقَاتِلِ أَوْ فَدَاهُ فِي الْخَطَأِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْآمِرِ فِي الْحَالِ وَيَرْجِعُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِالْأَقَلِّ مِنْ الْفِدَاءِ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ) لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي دَفْعِ الزِّيَادَةِ لَا مُضْطَرٌّ (وَكَذَا) الْحُكْمُ فِي الْعَمْدِ (إنْ كَانَ الْعَبْدُ الْقَاتِلُ صَغِيرًا) لِأَنَّ عَمْدَهُ خَطَأٌ (فَإِنْ كَبِيرًا اُقْتُصَّ) مِنْهُ. (عَبْدٌ حَفَرَ بِئْرًا فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ أَوْ أَكْثَرُ فَهَلَكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ لَا تُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا (وَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ) وَلَوْ الْوَاقِعُ أَلْفًا زَيْلَعِيٌّ (فَإِنْ قَتَلَ) عَبْدٌ (عَمْدًا) رَجُلَيْنِ (حُرَّيْنِ لِكُلٍّ) مِنْهُمَا (وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ كُلٍّ مِنْهُمَا دَفَعَ السَّيِّدُ نِصْفَهُ إلَى الْحُرَّيْنِ) اللَّذَيْنِ لَمْ يَعْفُوَا (أَوْ فَدَاهُ بِدِيَةٍ) كَامِلَةٍ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ الْعَفْوِ سَقَطَ الْقَوَدُ وَانْقَلَبَ مَالًا، وَهُوَ دِيَتَانِ وَسَقَطَ دِيَةُ نَصِيبِ الْعَافِيَيْنِ وَبَقِيَ دِيَةُ نَصِيبِ السَّاكِتَيْنِ أَوْ يَدْفَعُ نِصْفَهُ لَهُمَا. (فَإِنْ قَتَلَ) الْعَبْدُ أَحَدَهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرَ خَطَأً وَعَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ فَدَى بِدِيَةٍ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ وَنِصْفِهَا لِأَحَدِ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ الَّذِي لَمْ يَعْفُ (أَوْ دُفِعَ إلَيْهِمَا وَقُسِّمَ أَثْلَاثًا عَوْلًا) عِنْدَهُ وَأَرْبَاعًا مُنَازَعَةً عِنْدَهُمَا   [رد المحتار] اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ أَبَدًا) أَيْ وَإِنْ بَلَغَ (قَوْلُهُ عَبْدًا مِثْلَهُ) لَمْ يُقَيِّدْ بِكَوْنِهِ مَحْجُورًا أَيْضًا لِأَنَّهُ يَكْتَفِي بِكَوْنِ الْآمِرِ مَحْجُورًا فَإِذَا أَمَرَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ، فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْآمِرُ عَبْدًا مَأْذُونًا وَالْمَأْمُورُ عَبْدًا مَحْجُورًا، أَوْ مَأْذُونًا يَرْجِعُ مَوْلَى الْعَبْدِ الْقَاتِلِ بَعْدَ الدَّفْعِ، أَوْ الْفِدَاءِ عَلَى رَقَبَةِ الْعَبْدِ الْآمِرِ فِي الْحَالِ بِقِيمَةِ عَبْدِهِ، لِأَنَّ الْآمِرَ بِأَمْرِهِ صَارَ غَاصِبًا لِلْمَأْمُورِ، وَتَمَامُهُ فِي الْكِفَايَةِ وَلَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا تَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّ أَمْرَهُ لَمْ يَصِحَّ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ بَعْدَ الْعِتْقِ إلَخْ) عَلَى قِيَاسِ الْقِيلِ الْمَارِّ لَا يَجِبُ شَيْءٌ أَفَادَهُ فَالزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ) أَيْ الْقَاتِلِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ إلَخْ) أَيْ إذَا دَفَعَ الْفِدَاءَ وَكَانَ أَزْيَدَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ مَثَلًا لَا يَرْجِعُ إلَّا بِالْقِيمَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فَإِنَّهُ لَوْ دَفَعَ الْعَبْدَ أُجْبِرَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ عَلَى قَبُولِهِ (قَوْلُهُ فَأَعْتَقَهُ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْوَهْمِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَفِي الْهِنْدِيَّةِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ جَافِرَ الْبِئْرِ إذَا كَانَ عَبْدًا قِنًّا فَدَفَعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ إلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا آخَرُ وَمَاتَ فَإِنَّ الثَّانِيَ لَا يَتْبَعُ الْمَوْلَى بِشَيْءٍ سَوَاءٌ دَفَعَ الْوَلِيُّ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَتَمَامُهُ فِيهَا ط (قَوْلُهُ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ) فَلَوْ الْوُقُوعُ قَبْلَ الْعِتْقِ وَجَبَتْ الدِّيَةُ فَإِنْ وَقَعَ آخَرُ يُشَارِكُ وَلِيَّ الْأُولَى لَكِنْ يَضْرِبُ الْأَوَّلَ بِقَدْرِ الدِّيَةِ، وَالثَّانِي بِقَدْرِ الْقِيمَةِ مَقْدِسِيٌّ: أَيْ لِأَنَّ اخْتِيَارَ الْفِدَاءِ بِالْعِتْقِ وَقَعَ فِي الْأُولَى فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ وَلَمْ يَقَعْ فِي الثَّانِيَةِ فَلَمْ تَجِبْ إلَّا الْقِيمَةُ وَهَذَا لَوْ الْعِتْقُ بَعْدَ الْعِلْمِ، وَإِلَّا لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا الْقِيمَةُ، وَيُشَارِكُ وَلِيُّ الثَّانِيَةِ فِيهَا الْأُولَى كَمَا أَفَادَهُ بَعْدُ اهـ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ) اعْتِبَارًا لِابْتِدَاءِ حَالِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ كَانَ رَقِيقَهُ ط (قَوْلُهُ إلَى الْحُرَّيْنِ) عِبَارَةُ الْمَتْنِ فِي الْمِنَحِ إلَى الْآخَرَيْنِ وَكَذَا فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ أَوْ يَدْفَعُ نِصْفَهُ لَهُمَا) أَوْ بِمَعْنَى إلَّا وَالْفِعْلُ بَعْدَهَا مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ، لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ الْمَتْنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَوْلًا عِنْدَهُ) تَفْسِيرُ الْعَوْلِ، هُوَ أَنْ تَضْرِبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ حِصَّتِهِ أَحَدَهُمَا بِنِصْفِ الْمَالِ وَالْآخَرَ بِكُلِّهِ كِفَايَةٌ فَثُلُثَاهُ لوليي الْخَطَإِ، لِأَنَّهُمَا يَدَّعِيَانِ الْكُلَّ وَثُلُثُهُ لِلسَّاكِتِ مِنْ وَلِيِّيْ الْعَمْدِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي النِّصْفَ، فَيُضْرَبُ هَذَانِ بِالْكُلِّ وَذَلِكَ بِالنِّصْفِ (قَوْلُهُ وَأَرْبَاعًا مُنَازَعَةً عِنْدَهُمَا) أَيْ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ وَرُبْعُهُ لِوَلِيَّيْ الْعَمْدِ، بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ فَيُسَلِّمُ النِّصْفَ لِوَلِيَّيْ الْخَطَإِ بِلَا مُنَازَعَةٍ وَمُنَازَعَةُ الْفَرِيقَيْنِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيُنَصَّفُ فَلِهَذَا يُقَسَّمُ أَرْبَاعًا مِنَحٌ. وَبَيَانُهُ: أَنَّ الْأَصْلَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ أَنَّ قِسْمَةَ الْعَيْنِ إذَا وَجَبَتْ بِسَبَبِ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ كَالْغَرِيمَيْنِ فِي التَّرِكَةِ وَنَحْوِهَا فَالْقَمَسَةُ بِالْعَوْلِ، وَالْمُضَارَبَةِ لِعَدَمِ التَّضَايُقِ فِي الذِّمَّةِ فَيَثْبُتُ حَقُّ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَلًا فَيُضْرَبُ بِجَمِيعِ حَقَّةِ، وَإِنْ وَجَبَتْ لَا بِسَبَبِ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ بِأَنْ بَاعَ عَبْدَ إنْسَانٍ كُلَّهُ، وَآخَرُ بَاعَ نِصْفَهُ وَأَجَازَهُمَا الْمَالِكُ، فَالْعَبْدُ بَيْنَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 617 (فَإِنْ قَتَلَ عَبْدُهُمَا قَرِيبَهُمَا وَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ كُلُّهُ) وَقَالَا: يَدْفَعُ الَّذِي عَفَا نِصْفَ نَصِيبِهِ لِلْآخَرِ أَوْ يَفْدِيهِ بِرُبْعِ الدِّيَةِ وَقِيلَ: مُحَمَّدٌ مَعَ الْإِمَامِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ انْقَلَبَ بِالْعَفْوِ مَالًا وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا فَلَا تَخْلُفُهُ الْوَرَثَةُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَصْلٌ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ (دِيَةُ الْعَبْدِ قِيمَتُهُ فَإِنْ بَلَغَتْ هِيَ دِيَةَ الْحُرِّ وَ) بَلَغَتْ قِيمَةُ الْأَمَةِ دِيَةَ الْحُرَّةِ (نَقَصَ مِنْ كُلٍّ) مِنْ دِيَةِ عَبْدٍ وَأَمَةٍ (عَشَرَةَ) دَرَاهِمَ إظْهَارًا لِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ الرَّقِيقِ عَنْ الْحُرِّ وَتَعْيِينُ الْعَشَرَةِ بِأَثَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَعَنْهُ مِنْ الْأَمَةِ خَمْسَةٌ، وَيَكُونُ حِينَئِذٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ (وَفِي الْغَصْبِ تَجِبُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً   [رد المحتار] الْمُشْتَرِيَيْنِ أَرْبَاعًا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ، لِأَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ تَضِيقُ عَنْ الْحَقَّيْنِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَالَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ الْمَدْفُوعِ لِوَلِيَّيْ الْخَطَأِ وَرُبْعُهُ لِلسَّاكِتِ مِنْ وَلِيِّ الْعَمْدِ، لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّيْ الْعَمْدِ كَانَ فِي جَمِيعِ الرَّقَبَةِ فَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ حَقُّهُ، وَفَرَّغَ النِّصْفَ فَيَتَعَلَّقُ حَقُّ وَلِيِّيْ الْخَطَأِ بِهَذَا النِّصْفِ، بِلَا مُنَازَعَةَ، بَقِيَ النِّصْفُ الْآخَرُ وَاسْتَوَتْ فِيهِ مُنَازَعَةُ وَلِيِّيْ الْخَطَأِ وَالسَّاكِتِ فَنُصِبَ بَيْنَهُمْ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ أَصْلَ حَقِّهِمَا لَيْسَ فِي عَيْنِ الْعَبْدِ بَلْ فِي الْأَرْشِ الَّذِي هُوَ بَدَلُ الْمُتْلَفِ، وَالْقِسْمَةُ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّيْ الْخَطَأِ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ وَحَقُّ الْعَافِي فِي خَمْسَةٍ فَيُضْرَبُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِحِصَّةٍ كَمَنْ عَلَيْهِ أَلْفَانِ لِرَجُلٍ وَأَلْفٌ لِآخَرَ وَمَاتَ عَنْ أَلْفٍ فَهُوَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَثْلَاثًا بِخِلَافِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ، لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي ابْتِدَاءً عِنَايَةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ فَإِنْ قَتَلَ عَبْدُهُمَا قَرِيبَهُمَا) أَيْ قَتَلَ عَبْدٌ لِرَجُلَيْنِ قَرِيبًا لَهُمَا (قَوْلُهُ وَقَالَا يَدْفَعُ إلَخْ) لِأَنَّ نَصِيبَ مَنْ لَمْ يَعْفُ لَمَّا انْقَلَبَ مَالًا بِعَفْوِ صَاحِبِهِ صَارَ نِصْفُهُ فِي مِلْكِهِ، وَنِصْفُهُ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ، فَمَا أَصَابَ مِلْكَ صَاحِبِهِ لَمْ يَسْقُطْ، وَهُوَ الرُّبْعُ وَمَا أَصَابَ مِلْكَ نَفْسِهِ سَقَطَ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَوَجْهُهُ) أَيْ وَجْهُ الْإِمَامِ أَيْ وَجْهُ قَوْلِهِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: لَهُ أَنَّ الْقِصَاصَ وَاجِبٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، فَإِذَا انْقَلَبَ مَالًا احْتَمَلَ الْوُجُوبَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِأَنْ يُعْتَبَرَ مُتَعَلِّقًا بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ وَاحْتَمَلَ السُّقُوطَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِأَنْ يُعْتَبَرَ مُتَعَلِّقًا بِنَصِيبِ نَفْسِهِ، وَاحْتَمَلَ التَّنْصِيفَ بِأَنْ يُعْتَبَرَ مُتَعَلِّقًا بِهِمَا شَائِعًا فَلَا يَجِبُ الْمَالُ بِالشَّكِّ (قَوْلُهُ فَلَا تَخْلُفُهُ الْوَرَثَةُ فِيهِ) الْوَاجِبُ إسْقَاطُهُ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ لَيْسَ مَوْلًى لِلْقَاتِلِ نَعَمْ يَظْهَرُ هَذَا فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى ذُكِرَتْ هُنَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ حُكْمُهَا حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَهِيَ مَا لَوْ قَتَلَ عَبْدٌ مَوْلَاهُ وَلَهُ ابْنَانِ، فَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ كُلُّهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الدِّيَةَ حَقُّ الْمَقْتُولِ، ثُمَّ الْوَرَثَةُ تَخْلُفُهُ وَالْمَوْلَى لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ فَلَا تَخْلُفُهُ الْوَرَثَةُ فِيهِ اهـ وَاَلَّذِي أَوْقَعَ الشَّارِحَ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ] ِ (قَوْلُهُ فَإِنْ بَلَغَتْ هِيَ) أَيْ قِيمَتُهُ (قَوْلُهُ بِأَثَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ) وَهُوَ لَا يَبْلُغُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ دِيَةَ الْحُرِّ وَيَنْقُصُ مِنْهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَهَذَا كَالْمَرْوِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تُعْرَفُ بِالْقِيَاسِ وَإِنَّمَا طَرِيقُ مَعْرِفَتِهَا السَّمَاعُ مِنْ صَاحِبِ الْوَحْيِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مِنْ الْأَمَةِ) أَيْ يُنْقَصُ مِنْ دِيَتِهَا لَا مُطْلَقًا كَمَا ظَنَّ فَإِنَّهُ سَهْوٌ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَيَكُونُ حِينَئِذٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ إلَخْ) أَيْ يَكُونُ مَا ذَكَرَ مِنْ دِيَةِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ أَيْ دِيَةِ النَّفْسِ، لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ أَطْرَافَ الْعَبْدِ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْمَعَاقِلِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) حَيْثُ قَالَ: تَجِبُ قِيمَةٌ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فِي رِوَايَةٍ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ فِي أُخْرَى وَفِي الْجَوْهَرَةِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: فِي مَالِ الْقَاتِلِ لِقَوْلِ عُمَرَ: لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا قُلْنَا: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا جَنَاهُ الْعَبْدُ لَا عَلَى مَا جُنِيَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مَا جَنَاهُ الْعَبْدُ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ، لِأَنَّ الْمَوْلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 618 مَا بَلَغَتْ) بِالْإِجْمَاعِ (وَمَا قُدِّرَ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ قُدِّرَ مِنْ قِيمَتِهِ) وَحِينَئِذٍ (فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ) بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فِي الصَّحِيحِ دُرَرٌ، وَقِيلَ لَا يُزَادُ عَلَى خَمْسَةِ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً جَزَمَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَى (وَتَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِي لِحْيَتِهِ فِي) الصَّحِيحِ وَقِيلَ كُلُّ قِيمَتِهِ. (قَطَعَ يَدَ عَبْدِهِ فَحَرَّرَهُ سَيِّدُهُ فَسَرَى فَمَاتَ مِنْهُ) وَلَهُ (لِلْعَبْدِ وَرَثَةٌ غَيْرُهُ) غَيْرُ الْمَوْلَى (لَا يَنْقُصُ) لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ (وَإِلَّا) يَكُنْ لَهُ غَيْرُ الْمَوْلَى (اُقْتُصَّ مِنْهُ) خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (قَالَ) لِعَبْدَيْهِ (أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَشُجَّا فَبَيَّنَ الْمَوْلَى الْعِتْقَ فِي أَحَدِهِمَا) بَعْدَ الشَّجِّ (فَأَرْشُهُمَا لِلسَّيِّدِ) لِأَنَّ الْبَيَانَ كَالْإِنْشَاءِ وَلَوْ قَتَلَا   [رد المحتار] أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْهُمْ اهـ (قَوْلُهُ وَمَا قُدِّرَ) أَيْ مَا جُعِلَ مُقَدَّرًا مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ: أَيْ مِنْ أَرْشِهِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى أَطْرَافِهِ جُعِلَ مُقَدَّرًا مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ تَفْرِيعٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي يَدِ الْحُرِّ مُقَدَّرٌ مِنْ الدِّيَةِ بِالنِّصْفِ، فَيُقَدَّرُ فِي يَدِ الْعَبْدِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ فِي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ، لِأَنَّ فِي مُوضِحَةِ الْحُرِّ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ. قُلْت: وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ حَلْقُ اللِّحْيَةِ وَنَحْوُهُ فَفِيهِ حُكُومَةٌ كَمَا يَأْتِي، وَكَذَا فَقْءُ الْعَيْنَيْنِ، فَإِنَّ مَوْلَاهُ مُخَيَّرٌ كَمَا يَأْتِي أَيْضًا تَأَمَّلْ. وَكَذَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَطَعَ رِجْلَ عَبْدٍ مَقْطُوعِ الْيَدِ، فَإِنْ مِنْ جَانِبِ الْيَدِ فَعَلَيْهِ مَا انْتَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ مَقْطُوعَ الْيَدِ، لِأَنَّهُ إتْلَافٌ وَلَا يَجِبُ الْأَرْشُ الْمُقَدَّرُ لِلرِّجْلِ، وَإِنْ قَطَعَ لَا مِنْ جَانِبِهَا فَنِصْفُ قِيمَتِهِ مَقْطُوعَ الْيَدِ وَتَمَامُهُ فِيهَا. هَذَا. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَا تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهُ أُجْرِيَ مَجْرَى ضَمَانِ الْأَمْوَالِ اهـ أَيْ فَهُوَ فِي مَالِ الْجَانِي حَالًّا كَضَمَانِ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: الْقَوْلُ بِهَذَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَجِبَ بِقَطْعِ طَرَفِهِ فَوْقَ مَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ أَلْفًا يَضْمَنُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الشُّرُوحِ (قَوْلُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَى) وَهُوَ الَّذِي فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ كَالْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَشَرْحَيْهِ وَالِاخْتِيَارِ، وَفَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ، وَالْمُلْتَقَى وَفِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْمُحِيطِ: نُقْصَانُ الْخَمْسَةِ هُنَا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ بِخِلَافِ فَصْلِ الْأَمَةِ شَلَبِيٌّ اهـ ط وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَجَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ مُوضِحَةٌ لِعَبْدٍ مِثْلُ مُوضِحَةِ الْحُرِّ تُقْضَى بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَّا نِصْفَ دِرْهَمٍ، وَلَوْ قَطَعَ أُصْبُعَ عَبْدٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَقِيمَتُهُ عَشَرَةُ آلَافٍ، أَوْ أَكْثَرُ فَعَلَيْهِ عُشْرُ الدِّيَةِ إلَّا دِرْهَمٌ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ وَتَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِي لِحْيَتِهِ) أَيْ إذَا لَمْ تَنْبُتْ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَفِي الْعُيُونِ عَنْ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَطْعِ أُذُنِهِ أَوْ أَنْفِهِ أَوْ حَلَقَ لِحْيَتَهُ إذَا لَمْ تَنْبُتْ قِيمَتُهُ تَامَّةٌ إنْ دُفِعَ الْعَبْدُ إلَيْهِ وَحَكَى الْقُدُورِيُّ فِي شَعْرِهِ وَلِحْيَتِهِ الْحُكُومَةُ قَالَ الْقَاضِي: الْفَتْوَى فِي قَطْعِ أُذُنِهِ وَأَنْفِهِ وَحَلْقِ لِحْيَتِهِ إذَا لَمْ تَنْبُتْ عَلَى لُزُومِ نُقْصَانِ قِيمَتِهِ كَمَا قَالَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ إنْ مُسْتَهْلِكَةً بِأَنْ كَانَتْ تُوجِبُ فِي الْحُرِّ كَمَالَ الدِّيَةِ، فَفِيهِ كَمَالُ الْقِيمَةِ وَإِنْ غَيْرَ مُسْتَهْلَكَةٍ بِأَنْ أَوْجَبَتْ فِيهِ نِصْفَ الدِّيَةِ، فَفِيهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ، الْأَوَّلُ: كَقَطْعِ الْيَدَيْنِ وَأَمْثَالِهِ، وَقَطْعِ يَدٍ وَرِجْلٍ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَالثَّانِي: كَقَطْعِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ قَطْعِ يَدٍ وَرِجْلٍ مِنْ خِلَافٍ وَقَطْعِ الْأُذُنَيْنِ، وَحَلْقِ الْحَاجِبَيْنِ إذَا لَمْ يَنْبُتْ فِي رِوَايَةٍ مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ، وَفِي أُخْرَى مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الْخِدْمَةُ لَا الْجَمَالُ مِنَحٌ (قَوْلُهُ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عِنْدَ الْمَوْتِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْجُرْحِ، فَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْجُرْحِ يَكُونُ الْحَقُّ لِلْمَوْلَى، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ فَتَحَقَّقَ الِاشْتِبَاهُ مِنَحٌ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَعِنْدَهُ لَا قِصَاصَ فِي ذَلِكَ، وَعَلَى الْقَاطِعِ أَرْشُ الْيَدِ وَمَا نَقَصَهُ ذَلِكَ إلَى أَنْ أَعْتَقَهُ، لِأَنَّ سَبَبَ الْوِلَايَةِ قَدْ اخْتَلَفَ، لِأَنَّهُ الْمِلْكُ عَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْجُرْحِ وَالْوَرَثَةُ بِالْوَلَاءِ عَلَى اعْتِبَارِ الْأُخْرَى، فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ اخْتِلَافِ الْمُسْتَحِقِّ، وَلَهُمَا أَنَّا تَيَقَّنَّا بِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لِلْمَوْلَى، وَلَا مُعْتَبَرَ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ. وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْبَيَانَ كَالْإِنْشَاءِ) أَيْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 619 فَدِيَةُ حُرٍّ وَقِيمَةُ عَبْدٍ لَوْ الْقَاتِلُ وَاحِدًا مَعًا وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ وَإِنْ قَتَلَ كُلًّا وَاحِدٌ مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَلَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ فَقِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ زَيْلَعِيٌّ: (فَقَأَ) رَجُلٌ (عَيْنَيْ عَبْدٍ) خُيِّرَ مَوْلَاهُ إنْ شَاءَ (دَفَعَ مَوْلَاهُ عَبْدَهُ) الْمَفْقُوءَ لِلْفَاقِئِ (وَأَخَذَ) مِنْهُ (قِيمَتَهُ) كَامِلَةً (أَوْ أَمْسَكَهُ وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ النُّقْصَانَ وَقَالَا لَهُ أَخْذُ النُّقْصَانِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) ضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ وَأَمْسَكَ الْجُثَّةَ الْعَمْيَاءَ (وَلَوْ جَنَى مُدَبَّرٌ أَوْ أُمَّ وَلَدٍ ضَمِنَ السَّيِّدُ الْأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ الْأَرْشِ) لِقِيَامِ قِيمَتِهَا مَقَامَهَا (فَإِنْ دَفَعَ   [رد المحتار] إنَّهُ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يُشْتَرَطَ صَلَاحِيَةُ الْمَحَلِّ لِلْإِنْشَاءِ فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَبَيَّنَ الْعِتْقَ فِيهِ لَا يَصِحُّ، وَإِظْهَارٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يُجْبَرَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ ظَاهِرًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَمَا أُجْبِرَ لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يُجْبَرُ عَلَى إنْشَاءِ الْعِتْقِ وَالْعَبْدُ بَعْدَ الشَّجَّةِ مَحَلٌّ لِلْبَيَانِ فَاعْتُبِرَ إنْشَاءً عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ فَدِيَةُ حُرٍّ وَقِيمَةُ عَبْدٍ) لِأَنَّ الْعَبْدَ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَاعْتَبَرْنَاهُ إظْهَارًا مَحْضًا وَأَحَدُهُمَا حُرٌّ بِيَقِينٍ فَوَجَبَ مَا ذُكِرَ وَيُنَصَّفُ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْوَرَثَةِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لَوْ الْقَاتِلُ وَاحِدًا مَعًا) أَيْ لَوْ قَتَلَهُمَا مَعًا فَلَوْ الْقَاتِلُ اثْنَيْنِ فَيَجِيءُ، وَلَوْ وَاحِدًا وَقَتَلَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ، فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْأَوَّلِ لِلْمَوْلَى وَدِيَةُ الْآخَرِ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّهُ بِقَتْلِ أَحَدِهِمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَهُوَ حُرٌّ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ) فَلَوْ اخْتَلَفَتْ فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَدِيَةُ حُرٍّ، فَيُقَسَّمُ مِثْلُ الْأَوَّلِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ) فَلَوْ عَلِمَ فَعَلَى قَاتِلِهِ الْقِيمَةُ لِمَوْلَاهُ، وَعَلَى قَاتِلِ الثَّانِي دِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ لِتَعَيُّنِهِ لِلْعِتْقِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فَقِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ) لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَاتِلَيْنِ قَتَلَ حُرًّا وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْكِرٌ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى ثُبُوتَ الْعِتْقِ فِي الْمَجْهُولِ، فَتَجِبُ الْقِيمَةُ فِيهِمَا فَتَكُونُ نِصْفَيْنِ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْوَرَثَةِ، لِأَنَّ مُوجَبَ الْعِتْقِ ثَابِتٌ فِي أَحَدِهِمَا فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يَسْتَحِقُّ بَدَلَهُ أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ فَقَأَ رَجُلٌ عَيْنَيْ عَبْدٍ) وَكَذَا إذَا قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ يُقَالُ: فَقَأَ عَيْنَهُ إذَا قَلَعَهَا وَاسْتَخْرَجَهَا أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) هُوَ يَجْعَلُ الضَّمَانَ فِي مُقَابَلَةِ الْفَائِتِ، فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى مِلْكِهِ كَمَا إذَا فَقَأَ إحْدَى عَيْنَيْهِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالِيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ الْأَطْرَافِ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ فِي حَقِّ الذَّاتِ فَقَطْ، وَحُكْمُ الْأَمْوَالِ مَا ذُكِرَ كَمَا فِي الْخَرْقِ الْفَاحِشِ، وَلَهُ أَنَّ الْمَالِيَّةَ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فَالْآدَمِيَّةُ غَيْرُ مُهْدَرَةٍ، وَالْعَمَلُ بِالشَّبَهَيْنِ أَوْجَبَ مَا ذَكَرَ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ جَنَى مُدَبَّرٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ) أَيْ عَلَى النَّفْسِ خَطَأً أَوْ عَلَى مَا دُونَهُمَا جَوْهَرَةٌ فَلَوْ جَنَى عَلَى مَالٍ لَزِمَهُ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَةِ ذَلِكَ الْمَالِ لِمَالِكِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْلَى ط عَنْ الْمَكِّيِّ وَأَمَّا جِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ فَهِيَ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ سَيِّدِهِ وَدُونَ الْعَاقِلَةِ، لِأَنَّ أَكْسَابَهُ لِنَفْسِهِ، فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ، وَمِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ وَتَمَامُ تَفَارِيعِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ ضَمِنَ السَّيِّدُ) أَيْ فِيمَا لَهُ دُونَ عَاقِلَتِهِ حَالَّةً جَوْهَرَةٌ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ لِأَنَّهُ صَارَ مَانِعًا تَسْلِيمَهُ فِي الْجِنَايَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِمَا يَحْدُثُ، فَصَارَ كَمَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ الْأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ) أَيْ قِيمَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِوَصْفِ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ: وَتَمَامُهُ فِي الْكِفَايَةِ دُرٌّ مُنْتَقَى أَيْ لَا يَوْمَ الْمُطَالَبَةِ، وَلَا يَوْمَ التَّدْبِيرِ وَقِيمَةُ أُمِّ الْوَلَدِ ثُلُثُ قِيمَتِهَا وَالْمُدَبَّرُ ثُلُثَاهَا جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ لِقِيَامِ قِيمَتِهَا) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ، لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ، وَلَا مَنْعَ مِنْ الْمَوْلَى فِي أَكْثَرَ مِنْ الْعَيْنِ وَقِيمَتُهَا تَقُومُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 620 الْقِيمَةَ بِقَضَاءٍ فَجَنَى الْمُدَبَّرُ أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ جِنَايَةً أُخْرَى يُشَارِكُ الثَّانِي الْأَوَّلَ) إذْ لَيْسَ فِي جِنَايَاتِهِ كُلِّهَا إلَّا قِيمَةُ وَاحِدَةٍ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَى الدَّفْعِ (وَلَوْ) دَفَعَ الْقِيمَةَ لِوَلِيِّ الْأُولَى (بِغَيْرِ قَضَاءٍ اتَّبَعَ السَّيِّدَ) بِحِصَّتِهِ مِنْ الْقِيمَةِ وَرَجَعَ بِهَا عَلَى الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ (أَوْ) اتَّبَعَ (وَلِيَّ الْجِنَايَةِ) الْأُولَى وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْلَى (وَإِنْ أَعْتَقَ) الْمَوْلَى (الْمُدَبَّرَ وَقَدْ جَنَى جِنَايَاتٍ لَمْ تَلْزَمْهُ) أَيْ الْمَوْلَى (إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى عِلْمٍ بِالْجِنَايَةِ) قَبْلَ الْعِتْقِ (أَوْ لَا) لِأَنَّ حَقَّ الْوَلِيَّ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْعَبْدِ، فَلَمْ يَكُنْ مُفَوِّتًا بِالْإِعْتَاقِ (وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْمُدَبَّرِ) فِيمَا مَرَّ. (أَقَرَّ الْمُدَبَّرُ أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الْمَالَ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْمَوْلَى (بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ عَمْدًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ) عَلَى نَفْسِهِ (فَيُقْتَلُ بِهِ) وَلَوْ جَنَى الْمُدَبَّرُ خَطَأً فَمَاتَ لَمْ تَسْقُطْ قِيمَتُهُ عَنْ مَوْلَاهُ، وَلَوْ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ مَوْلَاهُ خَطَأً سَعْي فِي قِيمَتِهِ، وَلَوْ عَمْدًا قَتَلَهُ الْوَارِثُ أَوْ اسْتَسْعَاهُ فِي قِيمَتِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ دُرَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [رد المحتار] مَقَامَهَا (قَوْلُهُ يُشَارِكُ الثَّانِي الْأَوَّلَ إلَخْ) أَيْ فِي الْقِيمَةِ وَيُعْتَبَرُ فِيهَا تَفَاوُتُ الْأَحْوَالِ، فَلَوْ قَتَلَ حُرًّا خَطَأً وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ ثُمَّ آخَرَ، وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ ثُمَّ آخَرَ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ ضَمِنَ سَيِّدُهُ أَلْفَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْأَوْسَطِ يَأْخُذُ وَلِيُّهُ أَلْفًا وَاحِدَةً إذْ لَا تَعَلُّقَ فِيهَا لِلْأَوَّلِ، لِأَنَّ حَالَ جِنَايَتِهِ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفٌ، وَقَدْ أَبْقَيْنَاهَا وَلَا تَعَلُّقَ لِلْأَخِيرِ فِي أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ، فَنِصْفُ الْأَلْفِ الْبَاقِيَةِ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْأَوْسَطِ يَضْرِبُ فِيهَا الْأَوَّلُ بِدِيَتِهِ عَشَرَةَ آلَافٍ؛ وَالْأَوْسَطُ بِالْبَاقِي لَهُ، وَهُوَ تِسْعَةُ آلَافٍ، ثُمَّ الْخَمْسُمِائَةِ الْبَاقِيَةُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ فَيَضْرِبُ الثَّالِثُ بِكُلِّ الدِّيَةِ وَكُلٌّ مِنْ الْبَاقِينَ بِغَيْرِ مَا أَخَذَ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْ السَّيِّدِ إلَّا فِي رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَى الدَّفْعِ) أَيْ بِسَبَبِ الْقَضَاءِ بِهِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ اتَّبَعَ السَّيِّدَ) لِدَفْعِهِ حَقَّهُ بِلَا إذْنِهِ (قَوْلُهُ وَرَجَعَ) أَيْ السَّيِّدُ بِهَا عَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى مِنْهُ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ حَقِّهِ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ اتَّبَعَ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى) لِقَبْضِ حَقِّهِ ظُلْمًا وَإِنَّمَا خُيِّرَ فِي التَّضْمِينِ، لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُقَارِنَةٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يُشَارِكَهُ، وَمُتَأَخِّرَةٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى تُعْتَبَرَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي حَقِّهَا فَتُعْتَبَرُ مُقَارِنَةً فِي حَقِّ التَّضْمِينِ أَيْضًا أَفَادَهُ فِي الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْلَى) لِأَنَّهُ فَعَلَ عَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي (قَوْلُهُ لِأَنَّ حَقَّ الْوَلِيِّ) أَلْ لِلْجِنْسِ أَيْ حَقَّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَاتِ ط (قَوْلُهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْعَبْدِ) أَيْ بَلْ بِقِيمَتِهِ إذْ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ، وَالْقِيمَةُ تَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَكُنْ مُفَوِّتًا) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي يَكُنْ لِلْعَبْدِ وَمُفَوِّتًا اسْمُ الْمَفْعُولِ وَأَنْ يَكُونَ ضَمِيرُهُ إلَى الْمَوْلَى وَمُفَوِّتًا بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ ط (قَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ) وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَ الْمُدَبَّرَ أَمَّا الَّذِي قَبْلَهُ فَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِهِمَا ط (قَوْلُهُ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الْمَالَ) الْمُرَادُ بِهَا جِنَايَةُ الْخَطَأِ أَتْقَانِيٌّ عَنْ الْكَرْخِيِّ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ) وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ عِتْقِهِ مُلْتَقَى (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْمَوْلَى) لِأَنَّ مُوجَبَ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَوْلَى لَا عَلَى نَفْسِهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ جَنَى الْمُدَبَّرُ) مِثْلُهُ أُمُّ الْوَلَدِ ط (قَوْلُهُ لَمْ تَسْقُطْ قِيمَتُهُ عَنْ مَوْلَاهُ) لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ عَلَيْهِ بِسَبَبِ تَدْبِيرِهِ، وَبِالْمَوْتِ لَا يَسْقُطُ ذَلِكَ دُرَرٌ (قَوْلُهُ سَعَى فِي قِيمَتِهِ) لِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ بِرَقَبَتِهِ، وَقَدْ سُلِّمَتْ لَهُ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ، وَلَا وَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ رَقَبَتِهِ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْهُ فَعَلَيْهِ رَدُّ بَدَلِهَا وَهُوَ الْقِيمَةُ دُرَرٌ وَذَكَرَ السَّائِحَانِيُّ أَنَّهُ فِي الْخَطَأِ يَسْعَى فِي قِيمَتَيْنِ لِمَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ. أَعْتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَبْدَهُ، فَقَتَلَهُ الْعَبْدُ خَطَأً سَعَى فِي قِيمَتَيْنِ عِنْدَ الْإِمَامِ إحْدَاهُمَا لِنَقْضِ الْوَصِيَّةِ، لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ: وَهِيَ لِلْقَاتِلِ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنَّ الْعِتْقَ لَا يُنْقَضُ بَعْدَ وُقُوعِهِ، فَتَجِبُ قِيمَتُهُ، ثُمَّ عَلَيْهِ قِيمَةٌ أُخْرَى بِقَتْلِ مَوْلَاهُ، لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ، وَالْمُكَاتَبُ إذْ قَتَلَ مَوْلَاهُ، فَعَلَيْهِ أَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ، وَمِنْ الدِّيَةِ وَالْقِيمَةِ أَقَلُّ. وَقَالَا: يَسْعَى فِي قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لِرَدِّ الْوَصِيَّةِ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ اهـ (قَوْلُهُ قَتَلَهُ الْوَارِثُ أَوْ اسْتَسْعَاهُ إلَخْ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ إلَخْ دُرَرٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 621 فَصْلٌ فِي غَصْبِ الْقِنِّ وَغَيْرِهِ (قَطَعَ يَدَ عَبْدِهِ فَغَصَبَهُ رَجُلٌ) وَسَرَى فَمَاتَ (مِنْهُ ضَمِنَ) الْغَاصِبُ (قِيمَتَهُ أَقْطَعَ وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ وَهُوَ فِي يَدِ غَاصِبٍ فَمَاتَ مِنْهُ بَرِئَ) الْغَاصِبُ لِصَيْرُورَتِهِ مُتْلِفًا فَيَصِيرُ مُسْتَرِدًّا. (غَصَبَ عَبْدٌ مَحْجُورٌ مِثْلَهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ) لِأَنَّ الْمَحْجُورَ مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ لَا بِأَقْوَالِهِ إلَّا بَعْدَ عِتْقِهِ. (مُدَبَّرٌ جَنَى عِنْدَ غَاصِبِهِ) فَرَدَّ (ثُمَّ جَنَى عِنْدَ سَيِّدِهِ) أُخْرَى (ضَمِنَ السَّيِّدُ قِيمَتَهُ لَهُمَا) نِصْفَيْنِ (وَرَجَعَ) الْمَوْلَى (بِنِصْفِ) قِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ وَدَفَعَهُ أَيْ دَفَعَ الْمَوْلَى نِصْفَ قِيمَتِهِ (إلَى) وَلِيِّ الْجِنَايَةِ (الْأَوَّلِ) لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَجِبْ إلَّا وَالْمُزَاحِمُ قَائِمٌ (ثُمَّ رَجَعَ) الْمَوْلَى (بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ) لِأَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ (وَبِعَكْسِهِ) بِأَنْ جَنَى عِنْدَ مَوْلَاهُ ثُمَّ عِنْدَ غَاصِبِهِ (لَا يَرْجِعُ) الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ (بِهِ ثَانِيًا) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى كَانَتْ فِي يَدِ مَالِكِهِ   [رد المحتار] [فَصْلٌ فِي غَصْبِ الْقِنِّ وَغَيْرِهِ] ِ الْمُرَادُ بِالْغَيْرِ الْمُدَبَّرُ وَالصَّبِيُّ وَالْمُرَادُ حُكْمُ جِنَايَتِهِمْ حَالَةَ الْغَصْبِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: لَمَّا ذَكَرَ جِنَايَةَ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ، ذَكَرَ جِنَايَتَهُمَا مَعَ غَصْبِهِمَا، لِأَنَّ الْمُفْرَدَ قَبْلَ الْمُرَكَّبِ ثُمَّ جَرَّ كَلَامُهُ إلَى بَيَانِ غَصْبِ الصَّبِيِّ اهـ (قَوْلُهُ قَطَعَ يَدَ عَبْدِهِ إلَخْ) فَلَوْ الْقَاطِعُ أَجْنَبِيًّا فَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ مِنْهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ مَقْطُوعًا، وَلَوْ خَطَأً فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ صَحِيحًا مِنْ عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ وَرَجَعَتْ الْعَاقِلَةُ عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَتِهِ مَقْطُوعًا أَوْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ مَقْطُوعًا، وَاتَّبَعَ غَيْرَهُ فِي الْبَاقِي كَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ فُرُوعٍ فِي الْمَقْدِسِيَّ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ أَقْطَعَ) لِأَنَّهُ لَمَّا قَطَعَهُ الْمَوْلَى فِي يَدِهِ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَصِيرُ مُسْتَرِدًّا) لِاسْتِيلَاءِ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَبَرِئَ الْغَاصِبُ مِنْ ضَمَانِهِ لِوُصُولِ مِلْكِهِ إلَى يَدِهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ) أَيْ فِي حَالِ رِقِّهِ عِنَايَةٌ، حَتَّى لَوْ ثَبَتَ الْغَصْبُ بِالْبَيِّنَةِ يُبَاعُ فِيهِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ لَا بِأَقْوَالِهِ إلَخْ) أَيْ فِيمَا يَجِبُ بِهِ الْمَالُ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي رِقِّهِ، وَإِنَّمَا يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَأَمَّا فِيمَا يُوجِبُ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ، فَيُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ كَالْأَفْعَالِ أَفَادَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَأَمَّا الْمَأْذُونُ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِالْأَقْوَالِ أَيْضًا عِنْدَنَا مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ ضَمِنَ السَّيِّدُ قِيمَتَهُ لَهُمَا) لِأَنَّ مُوجَبَ جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَإِنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ وَاحِدَةٌ، فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْمَوْلَى، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعْجَزَ نَفْسَهُ عَنْ الدَّفْعِ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ زَيْلَعِيٌّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ الْقِيمَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الْأَرْشِ لِأَنَّ حُكْمَ جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ أَنْ يَلْزَمَ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا عَلَى الْمَوْلَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَرَجَعَ الْمَوْلَى بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ) لِأَنَّهُ ضَمِنَ الْقِيمَةَ بِالْجِنَايَتَيْنِ نِصْفَهَا بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ بِسَبَبٍ وُجِدَ عِنْدَهُ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ الْغَاصِبِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ نِصْفَ الْعَبْدِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْ دَفَعَ الْمَوْلَى نِصْفَ قِيمَتِهِ) أَيْ النِّصْفَ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْغَاصِبِ، وَهَذَا الدَّفْعُ الثَّانِي عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَجِبْ إلَخْ) حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ دُونَ الثَّانِي، لِأَنَّ حَقَّهُ إلَخْ كَمَا عَبَّرَ ابْنُ كَمَالٍ أَيْ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِي قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَلَهُمَا أَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ، لِأَنَّهُ حِينَ جَنَى فِي حَقِّهِ، لَا يُزَاحِمُهُ أَحَدٌ وَإِنَّمَا انْتَقَصَ حَقُّهُ بِمُزَاحَمَةِ الثَّانِي فَإِذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْعَبْدِ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَارِغًا أَخَذَهُ إتْمَامًا لِحَقِّهِ اهـ وَأَوْرَدَ أَنَّ هَذَا يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ: إنَّ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ لَا تُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً وَهُنَا أَوْجَبَتْ قِيمَةً وَنِصْفًا، وَأُجِيبَ أَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَتْ الْجِنَايَةُ فِي يَدِ شَخْصٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِهِ هُنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ الْمَوْلَى لَهُ) أَيْ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَلَا يَدْفَعُهُ إلَى أَحَدٍ، لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْوَالِيَيْنِ تَمَامُ حَقِّهِمَا أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى كَانَتْ فِي يَدِ مَالِكِهِ) أَيْ وَمَا دَفَعَهُ الْمَالِكُ ثَانِيًا إنَّمَا كَانَ بِسَبَبِهَا فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ كَانَ بِسَبَبٍ عِنْدَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 622 (وَالْقِنُّ) فِي الْفَصْلَيْنِ (كَالْمُدَبَّرِ غَيْرَ أَنَّ الْمَوْلَى يَدْفَعُ الْعَبْدَ) نَفْسَهُ (هُنَا وَثَمَّةَ) أَيْ فِي الْمُدَبَّرِ (الْقِيمَةَ) كَمَا مَرَّ (مُدَبَّرٌ جَنَى عِنْدَ غَاصِبٍ فَرَدَّهُ فَغَصَبَ) ثَانِيًا (فَجَنَى عِنْدَهُ) كَانَ (عَلَى سَيِّدِهِ قِيمَتُهُ لَهُمَا وَرَجَعَ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ) لِكَوْنِهِمَا عِنْدَهُ (وَدَفَعَ) الْمَوْلَى (نِصْفَهَا) أَيْ الْقِيمَةِ مَأْخُوذَةً ثَانِيًا (إلَى) وَلِيِّ الْجِنَايَةِ (الْأَوَّلِ وَرَجَعَ) الْمَوْلَى (بِذَلِكَ النِّصْفِ عَلَى الْغَاصِبِ) وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي كُلِّهَا كَمُدَبَّرٍ. (غَصَبَ) رَجُلٌ (صَبِيًّا حُرًّا) لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَالْمُرَادُ بِغَصْبِهِ الذَّهَابُ بِهِ بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ (فَمَاتَ) هَذَا الْحُرُّ (فِي يَدِهِ فُجَاءَةً أَوْ بِحُمَّى لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ مَاتَ بِصَاعِقَةٍ أَوْ نَهْشِ حَيَّةٍ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلِهِ الْغَاصِبِ) اسْتِحْسَانًا لِتَسَبُّبِهِ بِنَقْلِهِ لِمَكَانِ الصَّوَاعِقِ أَوْ الْحَيَّاتِ حَتَّى لَوْ نَقَلَهُ لِمَوَاضِعَ يَغْلِبُ فِيهِ الْحُمَّى وَالْأَمْرَاضُ ضَمِنَ فَتَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِكَوْنِهِ قَتْلًا تَسَبُّبًا هِدَايَةٌ وَغَيْرُهَا. قُلْت: بَقِيَ لَوْ نَقَلَ الْحُرُّ الْكَبِيرَ لِهَذِهِ الْأَمَاكِنِ تَعَدِّيًا إنْ مُقَيَّدًا وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ضَمِنَ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ   [رد المحتار] الْغَاصِبِ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ وَالْقِنُّ فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَالْمُدَبَّرِ: أَيْ أَنَّ التَّصْوِيرَ السَّابِقَ بِالْمُدَبَّرِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا عَنْ الْقِنِّ وَيَأْتِي أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ يَدْفَعُ الْعَبْدُ نَفْسَهُ) لِإِمْكَانِ نَقْلِهِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْفِدَاءِ وَالدَّفْعِ إلَى الْوَلِيَّيْنِ تَأَمَّلْ ثُمَّ إذَا دَفَعَهُ يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ (قَوْلُهُ فَغَصَبَ ثَانِيًا) أَيْ فَغَصَبَهُ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ غَصْبًا ثَانِيًا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَغَصَبَهُ بِالضَّمِيرِ وَهِيَ أَظْهَرُ (قَوْلُهُ كَانَ عَلَى سَيِّدِهِ قِيمَتُهُ لَهُمَا) أَيْ لِلْوَلِيَّيْنِ لِأَنَّهُ مَنَعَهُ بِالتَّدْبِيرِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِمَا) أَيْ الْجِنَايَتَيْنِ عِنْدَهُ أَيْ الْغَاصِبِ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ، لِأَنَّ إحْدَاهُمَا عِنْدَهُ فَلِذَا رَجَعَ بِالنِّصْفِ (قَوْلُهُ وَرَجَعَ الْمَوْلَى بِذَلِكَ النِّصْفِ) أَيْ الَّذِي دَفَعَهُ ثَانِيًا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى (قَوْلُهُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي كُلِّهَا) أَيْ كُلِّ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ كَمُدَبَّرٍ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَوْنِ الْمَانِعِ مِنْ الدَّفْعِ لِلْجِنَايَةِ مِنْ قِبَلِ الْمَوْلَى دُرَرٌ (قَوْلُهُ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُعَبِّرُ يُعَارِضُهُ بِلِسَانِهِ، فَلَا تَثْبُتُ يَدُهُ حُكْمًا كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ الْبُرْهَانِ؛ وَمِثْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: لَكِنَّ الْفَرْقَ الْآتِي بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَالصَّبِيِّ، يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مُطْلَقُ الصَّبِيِّ، فَإِنَّ الصَّبِيَّ الَّذِي يُزَوِّجُهُ وَلِيُّهُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِغَصْبِهِ إلَخْ) فَيَكُونُ ذِكْرُ الْغَصْبِ بِطَرِيقِ الْمُشَاكَلَةِ وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ الشَّيْءَ بِلَفْظِ غَيْرِهِ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهِ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ فَجْأَةً) بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ أَوْ بِالْفَتْحِ، وَسُكُونِ الْجِيمِ بِلَا مَدٍّ قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ بِصَاعِقَةٍ) أَيْ نَارٍ تَسْقُطُ مِنْ السَّمَاءِ أَوْ كُلِّ عَذَابٍ مُهْلِكٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، فَيَشْمَلُ الْحَرَّ الشَّدِيدَ وَالْبَرْدَ الشَّدِيدَ وَالْغَرَقَ فِي الْمَاءِ، وَالتَّرَدِّي مِنْ مَكَان عَالٍ كَمَا فِي الْجِنَايَةِ وَغَيْرِهَا قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الضَّمَانِ مُطْلَقًا، لِأَنَّ غَصْبَ الْحُرِّ لَا يَتَحَقَّقُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُكَاتَبًا صَغِيرًا لَا يَضْمَنُ مَعَ أَنَّهُ حُرٌّ يَدًا فَهَذَا أَوْلَى. وَالْجَوَابُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ: وَهُوَ أَنَّ الضَّمَانَ لَا بِالْغَصْبِ بَلْ بِالْإِتْلَافِ تَسَبُّبًا، وَقَدْ أَزَالَ حِفْظَ الْوَلِيِّ، فَيُضَافُ الْإِتْلَافُ إلَيْهِ أَمَّا الْمُكَاتَبُ، فَهُوَ فِي يَدٍ لِنَفْسِهِ وَلَوْ صَغِيرًا وَلِذَا لَا يُزَوِّجُهُ أَحَدٌ، فَهُوَ كَالْحُرِّ الْكَبِيرِ أَمَّا الصَّبِيُّ فَإِنَّهُ فِي يَدِ وَلِيِّهِ وَلِذَا يُزَوِّجُهُ اهـ مِنْ الْهِدَايَةِ وَالْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ لِمَوْضِعٍ يَغْلِبُ فِيهِ الْحُمَّى وَالْأَمْرَاضُ) أَيْ بِأَنْ كَانَ الْمَكَانُ مَخْصُوصًا بِذَلِكَ فَيَضْمَنُ لَا بِسَبَبِ الْعَدْوَى لِأَنَّ الْقَوْلَ بِهِ بَاطِلٌ بَلْ، لِأَنَّ الْهَوَاءَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى مُؤَثِّرٌ فِي بَنِي آدَمَ وَغَيْرِهِ كَالْغِذَاءِ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ لِهَذِهِ الْأَمَاكِنِ) أَيْ الْغَالِبِ فِيهَا الْهَلَاكُ وَاللَّامُ بِمَعْنَى إلَى (قَوْلُهُ ضَمِنَ) لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ عَجَزَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 623 حِفْظِ نَفْسِهِ لَا لِأَنَّهُ بِتَقْصِيرِهِ. فَحُكْمُ صَغِيرٍ كَكَبِيرٍ مُقَيَّدٌ عِنَايَةٌ (وَلَوْ غَصَبَ صَبِيًّا فَغَابَ عَنْ يَدِهِ حُبِسَ) الْغَاصِبُ (حَتَّى يَجِيءَ بِهِ أَوْ يُعْلَمَ مَوْتُهُ) خَانِيَّةٌ كَمَا لَوْ خَدَعَ امْرَأَةَ رَجُلٍ حَتَّى وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَرُدَّهَا أَوْ تَمُوتَ خُلَاصَةٌ. (أَمَرَ خِتَانًا لِيَخْتِنَ صَبِيًّا فَفَعَلَ) الْخِتَانُ ذَلِكَ (فَقَطَعَ حَشَفَتَهُ وَمَاتَ الصَّبِيُّ) مِنْ ذَلِكَ (فَعَلَى عَاقِلَةِ الْخَتَّانِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ كُلُّهَا) وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ ضَمَانِ الْأَجِيرِ وَفِي مُعَايَاةِ الْوَهْبَانِيَّةِ نَظْمًا: وَمَنْ ذَا الَّذِي إنْ مَاتَ مَجْنِيُّهُ فَمَا عَلَيْهِ إذَا مَاتَ بِالْمَوْتِ يُشْطَرُ (كَمَنْ حَمَلَ صَبِيًّا عَلَى دَابَّةٍ وَقَالَ: امْسِكْهَا لِي فَسَقَطَ الصَّبِيُّ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ تَسْيِيرٌ فَمَاتَ كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ حَمَلَهُ دِيَتُهُ) أَيْ دِيَةُ الصَّبِيِّ (كَانَ الصَّبِيُّ مِمَّنْ يَرْكَبُ مِثْلُهُ أَوْ لَا) يَرْكَبُ وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ (كَصَبِيٍّ أُودِعَ عَبْدًا فَقَتَلَهُ) أَيْ قَتَلَ الصَّبِيُّ الْعَبْدَ الْمُودَعُ ضَمِنَ عَاقِلَتُهُ قِيمَتَهُ   [رد المحتار] عَنْ حِفْظِ نَفْسِهِ بِمَا صُنِعَ فِيهِ عِنَايَةٌ وَكَذَا يَضْمَنُ لَوْ صَنَعَ بِالْمُكَاتَبِ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ فَحُكْمُ صَغِيرٍ كَكَبِيرٍ مُقَيَّدٍ) الْأَوْلَى فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ؛ فَحُكْمُ كَبِيرٍ مُقَيَّدٍ كَصَغِيرٍ، لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الصَّغِيرِ مَنْصُوصَةٌ فِي الْمُتُونِ، وَمَسْأَلَةَ الْكَبِيرِ ذَكَرَهَا الشُّرَّاحُ عَنْ الْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ: اسْتَشْكَلَ هَذَا الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ بِقَوْلِهِمْ لَوْ كَتَّفَ شَخْصًا، وَقَيَّدَهُ وَأَلْقَاهُ فَأَكَلَهُ السَّبُعُ لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ، وَلَكِنْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ، وَعَنْ الْإِمَامِ إنَّ عَلَيْهِ الدِّيَةَ، وَلَوْ قَمَطَ صَبِيًّا وَأَلْقَاهُ فِي الشَّمْسِ أَوْ الْبَرْدِ حَتَّى مَاتَ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ كَذَا فِي الْحَافِظِيَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَلَعَلَّ الْقَوْلَ بِالضَّمَانِ فِي الْحُرِّ الْكَبِيرِ الْمُقَيَّدِ مَحْمُولٌ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ وَأَصْلُ الِاسْتِشْكَالِ لِصَاحِبِ الْمِعْرَاجِ حَيْثُ قَالَ: وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ حَبَسَ إنْسَانًا فَمَاتَ مِنْهُ مِنْ الْجُوعِ، لَا يَضْمَنُ مَعَ أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ حِفْظِ نَفْسِهِ بِمَا صَنَعَ حَابِسُهُ اهـ أَقُولُ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ مَسْأَلَةَ الصَّبِيِّ عَلَى اسْتِحْسَانٍ، وَأَلْحَقُوا بِهِ الْكَبِيرَ فَهُوَ اسْتِحْسَانٌ أَيْضًا وَمَا أُورِدَ عَلَيْهِ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقِيَاسِ، وَالِاسْتِحْسَانُ رَاجِحٌ عَلَيْهِ، وَتِلْكَ الرِّوَايَةُ مُوَافِقَةٌ لِلِاسْتِحْسَانِ، فَقَدْ يَدَّعِي تَرْجِيحَهَا بِذَلِكَ، وَأَمَّا لَوْ حَبَسَهُ فَمَاتَ جُوعًا فَعَدَمُ ضَمَانِهِ قَوْلُ الْإِمَامِ؛ وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْجِنَايَاتِ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَأَنَّ الْفَرْقَ هُوَ أَنَّ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِنْسَانِ، فَلَا يُضَافُ لِلْجَانِي بِخِلَافِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ، فَلَا تُشْكِلُ عَلَى مَسْأَلَتِنَا، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَى مَا فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ (قَوْلُهُ حَتَّى وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بِالْأَبْدَانِ رَحْمَتِيٌّ أَيْ بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُ الزَّوْجُ مَكَانَهَا، وَمِثْلُهُ أَقَارِبُهَا فِيمَا يَظْهَرُ ط (قَوْلُهُ أَوْ تَمُوتُ) أَيْ أَوْ يَعْلَمُ مَوْتَهَا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ أَوْ يَمُوتُ أَيْ إلَى أَنْ يَمُوتَ ط (قَوْلُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْخَتَّانِ نِصْفُ دِيَتِهِ إلَخْ) أَيْ لَوْ حُرًّا وَلَوْ عَبْدًا يَجِبُ نِصْفُ الْقِيمَةِ أَوْ تَمَامُهَا، لِأَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِفِعْلَتَيْنِ أَحَدُهُمَا مَأْذُونٌ فِيهِ، وَهُوَ قَطْعُ الْقَلَفَةِ وَالْآخَرُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَهُوَ قَطْعُ الْحَشَفَةِ فَيَجِبُ نِصْفُ الضَّمَانِ أَمَّا إذَا بَرِئَ جُعِلَ قَطْعُ الْجِلْدَةِ وَهُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَقَطْعُ الْحَشَفَةِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، فَوَجَبَ ضَمَانُ الْحَشَفَةِ كَامِلًا وَهُوَ الدِّيَةُ مِنَحٌ وَعَزَا الْمَسْأَلَةَ إلَى الْخَانِيَّةِ وَالسِّرَاجِيَّةِ، وَذَكَرَ نَظْمَهَا لِلْعَلَّامَةِ الطَّرْطُوسِيِّ سُؤْلًا وَجَوَابًا (قَوْلُهُ فَمَا عَلَيْهِ إلَخْ) مَا الْأُولَى مَوْصُولَةٌ، وَالثَّانِيَةُ نَافِيَةٌ خِلَافُ مَا هُوَ الشَّائِعُ مِنْ زِيَادَتِهَا بَعْدَ إذَا وَالْمَعْنَى: إنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ وَقْتَ عَدَمِ الْمَوْتِ يُشْطَرُ أَيْ يُنَصَّفُ بِالْمَوْتِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ تَسْيِيرٌ) أَمَّا لَوْ سَيَّرَهَا وَهُوَ بِحَيْثُ يَصْرِفُهَا انْقَطَعَ التَّسَبُّبُ بِهَذِهِ الْمُبَاشَرَةِ الْحَادِثَةِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ) ذَكَرَ عِبَارَتَهَا فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ كَصَبِيٍّ أُودِعَ عَبْدًا) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (قَوْلُهُ فَقَتَلَهُ) أَمَّا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ كَانَ أَرْشُهُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ بِالْإِجْمَاعِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ ضَمِنَ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ قِيمَتَهُ) تَصْرِيحٌ بِمَا أَفَادَتْهُ كَافُ التَّشْبِيهِ، لَكِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 624 (فَإِنْ أُودِعَ طَعَامًا) بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ، وَلَيْسَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ (فَأَكَلَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ) لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ وَكَذَا لَوْ أُودِعَ عَبْدٌ مَحْجُورٌ مَالًا فَاسْتَهْلَكَهُ ضَمِنَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْحَالِ وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ أُعِيرَا أَوْ أُقْرِضَا، وَلَوْ كَانَ بِإِذْنٍ أَوْ مَأْذُونًا ضَمِنَ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَ الصَّبِيُّ مَالَ الْغَيْرِ بِلَا وَدِيعَةٍ ضَمِنَهُ لِلْحَالِ. قُلْت: وَهَذَا كُلُّهُ لَوْ الصَّبِيُّ عَاقِلًا، وَإِلَّا فَلَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ، وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الشَّلَبِيِّ وَمِسْكِينٍ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْمُلْتَقَى وَالْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ فَلْيُحْفَظْ. بَابُ الْقَسَامَةِ هِيَ لُغَةً بِمَعْنَى الْقَسَمِ وَهُوَ الْيَمِينُ مُطْلَقًا وَشَرْعًا: الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى   [رد المحتار] الْمَضْمُونُ فِي الْمُشَبَّهِ الدِّيَةُ وَهُنَا الْقِيمَةُ، وَعَبَّرَ فِي الْهِدَايَةِ هُنَا بِالدِّيَةِ أَيْضًا اعْتِمَادًا عَلَى مَا مَرَّ أَنَّ دِيَةَ الْعَبْدِ قِيمَتُهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ أُودِعَ طَعَامًا) أَيْ مَثَلًا دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ إلَخْ) سَيُذْكَرُ مُحْتَرَزُهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ) أَيْ وَلَهُ تَمْكِينُ غَيْرِهِ مِنْ اسْتِهْلَاكِهِ لِأَنَّ عِصْمَتَهُ حَقُّ مَالِكِهِ، بِخِلَافِ الْآدَمِيِّ الْمَمْلُوكِ فَعِصْمَتُهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ لَا لِحَقِّ مَوْلَاهُ، وَلِهَذَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ، وَلَيْسَ لِمَوْلَاهُ وِلَايَةُ اسْتِهْلَاكِهِ، فَلَا يَمْلِكُ تَمْكِينَ غَيْرِهِ مِنْهُ أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ (قَوْلُهُ يَضْمَنُ) أَيْ فِي الْحَالِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ أُودِعَ عَبْدٌ مَحْجُورٌ مَالًا) أَيْ وَقَبِلَ الْوَدِيعَةَ بِلَا إذْنِ مَوْلَاهُ أَمَّا لَوْ كَانَ مَأْذُونًا أَوْ مَحْجُورًا وَلَكِنْ قَبِلَهَا بِإِذْنِهِ فَاسْتَهْلَكَهَا لَا يَضْمَنُ فِي الْحَالِ، بَلْ بَعْدَ الْعِتْقِ لَوْ بَالِغًا عَاقِلًا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ فِي الْحَالِ، وَلَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا فَجَنَى عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ، أَوْ فِيمَا دُونَهَا أُمِرَ مَوْلَاهُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ إجْمَاعًا أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْخِلَافُ إلَخْ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: وَالِاخْتِلَافُ فِي الْإِيدَاعِ وَالْإِعَارَةِ وَالْقَرْضِ وَالْبَيْعِ، وَكُلُّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَاحِدٌ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ بِإِذْنٍ) أَيْ لَوْ كَانَ أُودِعَ الطَّعَامَ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ أَوْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ ضَمِنَ أَيْ فِي الْحَالِ، وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ الْمَارِّ بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ إلَخْ (قَوْلُهُ بِلَا وَدِيعَةٍ) أَيْ وَنَحْوِهَا مِمَّا فِيهِ تَسْلِيمٌ (قَوْلُهُ ضَمِنَهُ لِلْحَالِ) لِأَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْمُنْتَقَى إلَخْ) أَيْ مِنْ أَنَّ الصَّبِيَّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ، وَذَكَرَ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ مَذْهَبُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ، وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَإِنَّ غَيْرَهُ مِنْ شُرَّاحِ الْجَامِعِ ذَكَرُوا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ ط: فَتَحَصَّلَ أَنَّهُمَا طَرِيقَتَانِ لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ اهـ. [تَتِمَّةٌ صَبِيٌّ سَقَطَ مِنْ سَطْحٍ أَوْ فِي مَاءٍ فَمَاتَ] 1 [تَتِمَّةٌ] صَبِيٌّ سَقَطَ مِنْ سَطْحٍ أَوْ فِي مَاءٍ فَمَاتَ، فَلَوْ كَانَ مِمَّنْ يَحْفَظُ نَفْسَهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْأَبَوَيْنِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ لَوْ فِي حِجْرِهِمَا وَعَلَى أَحَدِهِمَا لَوْ فِي حِجْرِهِ كَذَا عَنْ نُصَيْرٍ، وَعَنْ أَبِي الْقَاسِمِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا إلَّا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَاخْتِيَارُ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَى أَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَسْقُطَ مِنْ يَدِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ظَهِيرِيَّةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْقَسَامَةِ] ِ لَمَّا كَانَ أَمْرُ الْقَتِيلِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ يَئُولُ إلَى الْقَسَامَةِ، ذَكَرَهَا فِي آخِرِ الدِّيَاتِ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهِيَ لُغَةً بِمَعْنَى الْقَسَمِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ: اخْتَلَفَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي الْقَسَامَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا مَصْدَرٌ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي نِهَايَتِهِ حَيْثُ قَالَ: الْقَسَامَةُ بِفَتْحٍ الْيَمِينُ كَالْقَسَمِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أَقْسَمَ قَسَمًا وَقَسَامَةً إذَا حَلَفَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا اسْمُ مَصْدَرٍ وَاخْتَارَهُ الْمُطَرِّزِيُّ فِي الْمُغْرِبِ، حَيْثُ قَالَ: الْقَسَمُ الْيَمِينُ يُقَالُ أَقْسَمَ بِاَللَّهِ إقْسَامًا، وَقَوْلُهُمْ حَكَمَ الْقَاضِي بِالْقَسَامَةِ اسْمٌ مِنْهُ وُضِعَ مَوْضِعَ الْأَقْسَامِ، وَاخْتَارَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ الْأَوَّلَ، وَاخْتَارَ مُنْلَا مِسْكِينٍ الثَّانِي اهـ ط الجزء: 6 ¦ الصفحة: 625 بِسَبَبٍ مَخْصُوصٍ وَعَدَدٍ مَخْصُوصٍ عَلَى شَخْصٍ مَخْصُوصٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ. (مَيِّتٌ) حُرٌّ وَلَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مَجْنُونًا شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (بِهِ جُرْحٌ أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ خَنْقٍ أَوْ خُرُوجِ دَمٍ مِنْ أُذُنِهِ أَوْ عَيْنِهِ وُجِدَ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ) وُجِدَ (بَدَنُهُ أَوْ أَكْثَرُهُ) مِنْ أَيِّ جَانِبٍ كَانَ (أَوْ نِصْفُهُ ثُمَّ مَعَ رَأْسِهِ) وَالنَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ فِي الْبَدَنِ لَكِنْ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ حَتَّى لَوْ وُجِدَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِهِ وَلَوْ مَعَ رَأْسِهِ لَا يُؤَدِّي لِتَكْرَارِ الْقَسَامَةِ فِي قَتِيلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ (وَلَمْ يَعْلَمْ قَاتِلُهُ) إذْ لَوْ عَلِمَ كَانَ هُوَ الْخَصْمُ وَسَقَطَ الْقَسَامَةُ (وَادَّعَى وَلِيُّهُ الْقَتْلَ عَلَى أَهْلِهَا) أَيْ الْمَحَلَّةِ كُلِّهِمْ (أَوْ) ادَّعَى عَلَى (بَعْضِهِمْ   [رد المحتار] قَوْلُهُ بِسَبَبٍ مَخْصُوصٍ) وَهُوَ وُجُودُ الْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا هُوَ مِلْكٌ لِأَحَدٍ أَوْ فِي يَدِ أَحَدٍ (قَوْلُهُ وَعَدَدٍ مَخْصُوصٍ) وَهُوَ خَمْسُونَ يَمِينًا (قَوْلُهُ عَلَى شَخْصٍ مَخْصُوصٍ) أَيْ مَخْصُوصِ النَّوْعِ وَهُوَ الرَّجُلُ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ أَوْ الْمَالِكُ الْمُكَلَّفُ وَلَوْ امْرَأَةً، الْحُرُّ وَلَوْ يَدًا كَمُكَاتَبٍ إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ لَهُ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى بَعْضِ الشُّرُوطِ (قَوْلُهُ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ) إشَارَةٌ إلَى مَا فِي الشُّرُوطِ مِنْهَا كَوْنُ الْعَدَدِ خَمْسِينَ وَتَكْرَارُ الْيَمِينِ إنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ وَقَوْلُهُمْ فِيهَا بِاَللَّهِ مَا قُلْنَاهُ، وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا وَكَوْنُهَا بَعْدَ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ بَعْدَ طَلَبِهَا إذْ لَا تَجِبُ الْيَمِينُ بِدُونِ ذَلِكَ، وَكَوْنُ الْمَيِّتِ مِنْ بَنِي آدَمَ وَوُجُودُ أَثَرِ الْقَتْلِ فِيهِ وَأَنْ لَا يُعْلَمَ قَاتِلُهُ، فَقَدْ تَضَمَّنَ مَا ذَكَرَهُ بَيَانَ مَعْنَى الْقَسَامَةِ وَسَبَبِهَا وَشَرْطِهَا قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَرُكْنُهَا إجْرَاءُ الْيَمِينِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى لِسَانِهِ، وَحُكْمُهَا: الْقَضَاءُ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ إنْ حَلَفُوا وَالْحَبْسُ إلَى الْحَلِفِ إنْ أَبَوْا إنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ الْعَمْدَ وَبِالدِّيَةِ عِنْدَ النُّكُولِ، إنْ ادَّعَى خَطَأً وَمَحَاسُّهَا خَطَرُ الدِّمَاءِ وَصِيَانَتُهَا عَنْ الْإِهْدَارِ وَخَلَاصُ الْمُتَّهَمِ بِالْقَتْلِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَدَلِيلُ شَرْعِيَّتِهَا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورَةُ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا (قَوْلُهُ مَيِّتٌ) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ وُجِدَ جَرِيحًا فِي مَحَلَّةٍ، فَنُقِلَ مِنْهَا ذَا فِرَاشٍ، حَتَّى مَاتَ مِنْ الْجِرَاحَةِ فَإِنَّ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى أَهْلِهَا كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا (قَوْلُهُ حُرٌّ) أَمَّا الْعَبْدُ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ وَالْقِيمَةُ إذَا وُجِدَ فِي غَيْرِ مِلْكِ سَيِّدِهِ، وَكَذَا الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمَأْذُونُ الْمَدْيُونُ، وَلَوْ فِي مِلْكِهِ فَهَدَرٌ إلَّا فِي الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ فَفِيهِمَا الْقِيمَةُ عَلَى الْمَوْلَى، لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ حَالَّةً لِلْغُرَمَاءِ فِي الْمَأْذُونِ، وَفِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي الْمُكَاتَبِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَسَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ وَلَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مَجْنُونًا) دَخَلَ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ، وَخَرَجَ الْبَهَائِمُ، فَلَا شَيْءَ فِيهَا كَمَا سِيَاتِي (قَوْلُهُ بِهِ جُرْحٌ إلَخْ) سَيَأْتِي مُحْتَرِزًا مَتْنًا (قَوْلُهُ فِي مَحَلَّةٍ) بِالْفَتْحِ الْمَكَانُ الَّذِي يَنْزِلُهُ الْقَوْمُ ط عَنْ الْمِصْبَاحِ. (قَوْلُهُ أَوْ نِصْفُهُ مَعَ رَأْسِهِ) وَلَوْ مَشْقُوقًا بِالطُّولِ مِنَحٌ أَيْ وَمَعَهُ الرَّأْسُ، وَأَمَّا إذَا شُقَّ طُولًا بِدُونِهِ أَوْ شُقَّ الرَّأْسُ مَعَهُ، فَلَا قَسَامَةَ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ فِي مَتْنِهِ ط (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ وُجِدَ إلَخْ) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَوْجُودَ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ وُجِدَ الْبَاقِي تَجْرِي فِيهِ الْقَسَامَةُ لَا تَجِبُ فِي الْمَوْجُودِ، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ وُجِدَ الْبَاقِي لَا تَجِبُ فِيهِ الْقَسَامَةُ تَجِبُ، وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ فِي هَذَا الْبَابِ تَنْسَحِبُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ لِتَكْرَارِ الْقَسَامَةِ إلَخْ) أَيْ وَالدِّيَةُ بِأَنْ وُجِدَ الْأَقَلُّ مِنْ بَدَنِهِ مَعَ رَأْسِهِ فِي مَحَلٍّ، وَالْبَاقِي فِي مَحَلٍّ آخَرَ فَإِنَّهُ إذَا وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ فِي الْأَقَلِّ لَزِمَ وُجُوبُهُمَا فِي الْأَكْثَرِ أَيْضًا (قَوْلُهُ إذْ لَوْ عَلِمَ) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ قُهُسْتَانِيٌ أَيْ إقْرَارُ الْقَاتِلِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَادَّعَى وَلِيُّهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِهَا الدَّعْوَى مِنْ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ، إذْ الْيَمِينُ لَا تَجِبُ بِدُونِهَا كَمَا فِي الطُّورِيِّ، وَقَدَّمْنَاهُ وَانْظُرْ مَا الْحُكْمُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ هَلْ يَدَّعِيهَا الْإِمَامُ أَمْ لَا، ثُمَّ رَأَيْت مَنْقُولًا عَنْ شَرْحِ الْحَمَوِيِّ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي التَّخَيُّرِ الْآتِي، حَيْثُ الْأَوْلَى هَلْ يَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ الْخَمْسِينَ أَمْ لَا وَقَالَ فَلْيُرْجَعْ. (قَوْلُهُ أَوْ ادَّعَى عَلَى بَعْضِهِمْ) وَلَوْ مُعَيَّنًا مَا لَوْ ادَّعَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 626 حَلَفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ يَخْتَارُهُمْ الْوَلِيُّ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا) بِأَنْ يَحْلِفَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا (لَا يَحْلِفُ الْوَلِيُّ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَ ثَمَّةَ لَوْثٌ اُسْتُحْلِفَ الْأَوْلِيَاءُ خَمْسِينَ يَمِينًا أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوهُ ثُمَّ يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَضَى مَالِكٌ بِالْقَوَدِ لَوْ الدَّعْوَى بِالْعَمْدِ (ثُمَّ قَضَى عَلَى أَهْلِهَا بِالدِّيَةِ) لَا مُطْلَقًا بَلْ (إنْ وَقَعَتْ الدَّعْوَى بِقَتْلٍ عَمْدٍ وَإِنْ) وَقَعَتْ الدَّعْوَى (بِخَطَأٍ فَعَلَى) أَيْ فَيُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى (عَوَاقِلِهِمْ) كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مَعْزِيًّا لِلذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْكَمَالِ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْقَسَامَةَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَالدِّيَةَ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ   [رد المحتار] عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّهَا تَسْقُطُ عَنْهُمْ كَمَا يَأْتِي مَتْنًا (قَوْلُهُ حَلَفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ إلَخْ) خَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ كَمَا مَرَّ، وَيَأْتِي وَهَذَا إنْ طَلَبَ الْوَلِيُّ التَّحْلِيفَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلَهُ تَرْكُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الرَّمْلِيُّ، وَإِذَا تَرَكَهُ فَهَلْ يُقْضَى لَهُ بِالدِّيَةِ أَمْ لَا، لِأَنَّهُ لَوْ حَلَّفَهُمْ أَمْكَنَ ظُهُورُ الْقَاتِلِ لَمْ أَرَهُ فَلْيُرَاجَعْ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَقَوْلُهُ يَخْتَارُهُمْ الْوَلِيُّ، نَصَّ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَخْتَارُ مَنْ يَتَّهِمُهُ بِالْقَتْلِ، أَوْ أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ أَوْ صَالِحِي أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِمَا أَنَّ تَحَرُّزَهُمْ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ أَبْلَغُ فَيَظْهَرُ الْقَاتِلُ، وَلَوْ اخْتَارَ أَعْمَى أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ جَازَ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَلَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ اهـ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَحْلِفَ إلَخْ) فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ تَقَابُلِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ قُهُسْتَانِيٌ، فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى نَفْيِ قَتْلِهِ، وَنَفْيِ عِلْمِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَحْدَهُ، فَيَتَجَرَّأُ عَلَى يَمِينِهِ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ يَعْنِي جَمِيعًا، وَلَا يَعْكِسُ لِأَنَّهُ إذَا قَتَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ كَانَ قَاتِلًا وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ: وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا مَعَ أَنَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِالْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، أَوْ عَلَى غَيْرِهِمْ مَرْدُودَةٌ أَنْ يُقِرَّ الْحَالِفُ عَلَى عَبْدِهِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ أَوْ يُقِرُّ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَيُصَدِّقُهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ، فَيَسْقُطُ الْحُكْمُ عَنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ مِنَحٌ مُلَخَّصًا وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ قَالَ: قَتَلَهُ زَيْدٌ يَقُولُ فِي حَلِفِهِ وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا غَيْرَ زَيْدٍ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) اللَّوْثُ أَنْ يَكُونَ عَلَامَةُ الْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ ظَاهِرٌ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي مِنْ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ يَشْهَدُ عَدْلٌ أَوْ جَمَاعَةٌ غَيْرُ عُدُولٍ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوهُ. وَحَاصِلُ مَذْهَبِهِ: أَنَّهُ إنْ وُجِدَ ظَاهِرٌ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ خَطَأً فَلَهُ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ، أَوْ عَمْدًا فَالْقِصَاصُ فِي قَوْلٍ، وَالدِّيَةُ فِي قَوْلٍ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفُوا، فَإِنْ حَلَفُوا لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ؛ وَإِلَّا فَعَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ فِي قَوْلٍ وَالدِّيَةُ فِي قَوْلٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْمُدَّعِي، حَلَفَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ عَلَى مَا قُلْنَا، فَحَيْثُ لَا لَوْثَ فَقَوْلُهُ كَقَوْلِنَا وَالِاخْتِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَحْلِفُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ يَحْلِفُ، وَالثَّانِي: بَرَاءَةُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي الْيَمِينِ اهـ مِنْ الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا وَبَيَانُ الْأَدِلَّةِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ وَاللَّوْثُ بِفَتْحِ اللَّامِ، وَسُكُونِ الْوَاوِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ كَمَا ضَبَطَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي لُغَاتِ الْمِنْهَاجِ (قَوْلُهُ وَقَضَى مَالِكٌ بِالْقَوَدِ) أَيْ عَلَى وَاحِدٍ يَخْتَارُهُ الْمُدَّعِي لِلْقَتْلِ مِنْ بَيْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ غُرَرُ الْأَفْكَارِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ) وَكَذَا فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْبُرْهَانِ مَعْزِيًّا لِلذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَنَقَلَ ابْنُ الْكَمَالِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ ابْنَ الْكَمَالِ لَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ بَلْ قَالَ ثُمَّ قُضِيَ عَلَى أَهْلِهَا بِدِيَتِهِ وَتَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ إلَخْ، ثُمَّ فَرَّقَ ابْنُ الْكَمَالِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ عَنْهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْإِطْلَاقَ هُنَا، وَكَذَا أَطْلَقَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وُجُوبَهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا: وَفِي الْمَبْسُوطِ ثُمَّ يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، لِأَنَّ حَالَهُمْ هُنَا دُونَ حَالِ مَنْ بَاشَرَ الْقَتْلَ خَطَأً وَإِذَا كَانَتْ الدِّيَةُ هُنَاكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فَهَاهُنَا أَوْلَى، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ كِلَاهُمَا عَلَى الْعَاقِلَةِ اهـ مُلَخَّصًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 627 أَيْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَكَذَا قِيمَةُ الْقِنِّ تُؤْخَذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ كُرِّرَ الْحَلِفُ عَلَيْهِمْ لِيَتِمَّ خَمْسِينَ يَمِينًا وَإِنْ تَمَّ) الْعَدَدُ (وَأَرَادَ الْوَلِيُّ تَكْرَارَهُ لَا، وَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمْ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ هُنَا) هَذَا فِي دَعْوَى الْقَتْلِ الْعَمْدِ أَمَّا فِي الْخَطَأِ فَيُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ وَلَا يُحْبَسُونَ ابْنُ كَمَالٍ مَعْزِيًّا لِلْخَانِيَّةِ. وَلَوْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَبْدِهِ قَبْلَ إقْرَارِهِ، وَلَوْ عَلَى غَيْرِهِ فَصَدَّقَهُ الْوَلِيُّ سَقَطَ التَّحْلِيفُ عَنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ (وَلَا قَسَامَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ وَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ فِي مَيِّتٍ لَا أَثَرَ بِهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَتِيلٍ، لِأَنَّ الْقَتِيلَ عُرْفًا هُوَ فَائِتُ الْحَيَاةِ بِسَبَبِ مُبَاشَرَةِ الْحَيِّ، وَأَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَالْغَرَامَةُ تَتْبَعُ فِعْلَ الْعَبْدِ   [رد المحتار] قُلْت: وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ الْمَوْجُودَ هُنَا مُجَرَّدُ دَعْوَى إذْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوهُ؛ فَهُوَ أَدْنَى حَالًا مِنْ حَالِ مَنْ بَاشَرَ الْقَتْلَ الْخَطَأَ عِيَانًا فَتَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ بِالْأَوْلَى، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى بِقَتْلِ الْعَمْدِ لِمَا قُلْنَا مِنْ عَدَمِ الثُّبُوتِ؛ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ، هَذَا وَعِبَارَاتُ الْمُتُونِ مُطْلَقَةٌ فِي أَنَّ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ تَخْصِيصِهَا بِدَعْوَى الْعَمْدِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ أَوْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ كَمَا فَعَلَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَاتِلَ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ، فَيَتَحَمَّلُ مَعَهُمْ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ، فَكَذَا هُنَا وَلِذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْقَسَامَةَ عَلَيْهِمْ وَالدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ وَعَلَيْهِمْ، لِأَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوا حُكْمًا فَيَكُونُ كَمَا لَوْ قَتَلُوا حَقِيقَةً (قَوْلُهُ أَيْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) أَتَى بِلَفْظِ أَيْ لِأَنَّ ابْنَ كَمَالٍ لَمْ يَذْكُرْهُ، لَكِنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ وَكَذَا قِيمَةُ الْقِنِّ) أَيْ إذَا وُجِدَ فِي غَيْرِ مِلْكِ سَيِّدِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَإِنْ أَرَادَ الْوَلِيُّ تَكْرَارَهُ) أَيْ عَلَى بَعْضِهِمْ كَأَنْ اخْتَارَ الصُّلَحَاءَ مِنْهُمْ مَثَلًا وَلَا يُتِمُّونَ خَمْسِينَ لَا يُكَرِّرُ عَلَيْهِمْ، بَلْ يَخْتَارُ تَمَامَ الْخَمْسِينَ مِنْ الْبَاقِينَ أَفَادَهُ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ حَتَّى يَحْلِفَ) أَيْ أَوْ يُقِرَّ فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُحْكَمْ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ، لِأَنَّ الْيَمِينَ هُنَا نَفْسُ الْحَقِّ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الدَّمِ لَا بَدَلًا عَنْ الدِّيَةِ، وَلِذَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْيَمِينِ فِي دَعْوَى الْمَالِ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْهُ وَلِذَا تَسْقُطُ بِالْأَدَاءِ أَتْقَانِيٌّ مُلَخَّصًا. وَهَذَا إذَا لَمْ يَدَّعِ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَإِلَّا فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ (قَوْلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ هُنَا) وَهُوَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ الْحَبْسُ بِالنُّكُولِ (قَوْلُهُ أَمَّا فِي الْخَطَأِ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ مُوجَبَهُ الْمَالُ، فَيُقْضَى بِهِ عِنْدَ النُّكُولِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَرِيبًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مَعْزِيًّا لِلْخَانِيَّةِ) أَقُولُ: هَذَا مَذْكُورٌ فِي الذَّخِيرَةِ، وَذَكَرَ عِبَارَتَهَا فِي الْمِنَحِ وَعَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى الْمُجْتَبَى وَالْكَرْمَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا الَّذِي رَأَيْته فِي الْخَانِيَّةِ فَهُوَ قَوْلُهُ: فَإِنْ امْتَنَعُوا عَنْ الْيَمِينِ حُبِسُوا حَتَّى يَحْلِفُوا اهـ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ (قَوْلُهُ أَوْ عَبْدِهِ) أَيْ فِي الْخَطَأِ أَمَّا الْعَمْدُ الْمُوجِبُ لِلْقِصَاصِ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَدَمُ قَبُولِهِ عَلَى عَبْدِهِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ وَلَيْسَ مِنْ مَحَلَّتِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمِنَحِ وَيُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ سَقَطَ التَّحْلِيفُ إلَخْ) وَكَذَا فِي إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَبْدِهِ، فَلَوْ قَالَ وَلَوْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَبْدِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ مَحَلَّتِهِ وَصَدَّقَهُ وَلِيُّهُ سَقَطَ التَّحْلِيفُ عَنْ أَهْلِ مَحَلَّتِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ (قَوْلُهُ وَلَا قَسَامَةَ عَلَى صَبِيٍّ إلَخْ) لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَإِنَّمَا هُمْ أَتْبَاعٌ وَالنُّصْرَةُ لَا تَكُونُ بِالِاتِّبَاعِ وَالْيَمِينُ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ، وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ الصَّحِيحِ وَالْيَمِينُ قَوْلٌ اهـ زَيْلَعِيٌّ. أَقُولُ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ مَعَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي قَسَامَةِ قَتِيلِهَا، فَلَا يُنَافِي مَا سَيَأْتِي مَتْنًا مِنْ وُجُوبِ الْقَسَامَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ لَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي قَرْيَةٍ لَهَا وَلَا مَا ذَكَرَهُ الطُّورِيُّ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ وُجُوبِهَا عَلَى مُكَاتَبٍ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِهِ وَإِنْ حَلَفَ يَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ، وَمِنْ الدِّيَةِ اهـ وَأَمَّا لَوْ وُجِدَ فِي دَارِ الْمَأْذُونِ فَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ أَنْ تَجِبَ الْقَسَامَةُ عَلَى الْمَوْلَى؛ وَيُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ أَقَرَّ بِالْجِنَايَةِ الْخَطَأِ لَا يَصْلُحُ إقْرَارُهُ فَلَا يَحْلِفُ اهـ (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ) الْوَاوُ لِلْحَالِ فَالْهَمْزَةُ مَكْسُورَةٌ وَالضَّمِيرُ لِلْمَيِّتِ الَّذِي لَا أَثَرَ بِهِ اهـ ح (قَوْلُهُ وَالْغَرَامَةُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 628 (أَوْ يَسِيلُ دَمٌ مِنْ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ) لِأَنَّ الدَّمَ يَخْرُجُ مِنْهَا عَادَةً بِلَا فِعْلِ أَحَدٍ بِخِلَافِ الْأُذُنِ وَالْعَيْنِ (أَوْ نِصْفٍ مِنْهُ) أَيْ وَلَا قَسَامَةَ فِي نِصْفِ مَيِّتٍ (شُقَّ طُولًا أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ نِصْفِهِ (وَلَوْ مَعَهُ الرَّأْسُ) لِمَا مَرَّ (أَوْ) (عَلَى رَقَبَتِهِ) أَيْ الْمَيِّتِ (حَيَّةٌ مُلْتَوِيَةٌ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَاتَ بِهَا بَزَّازِيَّةٌ (وَمَا تَمَّ خِلْقَةً كَكَبِيرٍ) أَيْ وُجِدَ سَقْطٌ تَامَّ الْخِلْقَةِ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مَا يُخَالِفُهُ (فَإِنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ) كَانَ إبْرَاءٌ مِنْهُ لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَ (سَقَطَتْ) الْقَسَامَةُ عَنْهُمْ (وَ) إنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ (عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ لَا) تَسْقُطُ وَقِيلَ تَسْقُطُ (قَتِيلٌ عَلَى دَابَّةٍ مَعَهَا سَائِقٌ أَوْ قَائِدٌ أَوْ رَاكِبٌ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) دُونَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ   [رد المحتار] أَيْ الدِّيَةُ تَتَّبِعُ فِعْلَ الْعَبْدِ أَيْ وَلَمْ يُوجَدْ فِعْلُهُ وَكَذَا الْقَسَامَةُ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِاحْتِمَالِ الْقَتْلِ مِنْهُمْ وَلَمْ يُحْتَمَلْ لِعَدَمِ أَثَرِهِ فَلَا تَجِبُ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ يَسِيلُ دَمٌ) عَطْفٌ عَلَى لَا أَثَرَ بِهِ اهـ ح (قَوْلُهُ مِنْ فَمِهِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ هَذَا إذَا نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ فَإِنْ عَلَا مِنْ الْجَوْفِ فَقَتِيلٌ قُهُسْتَانِيٌ وَأَتْقَانِيٌّ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ بِلَا فِعْلِ أَحَدٍ) فَإِنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْ الْفَمِ أَوْ الْأَنْفِ لِرُعَافٍ، وَمِنْ الدُّبُرِ لِعِلَّةٍ فِي الْبَاطِنِ أَوْ أَكْلِ مَا لَا يُوَافِقُ، وَمِنْ الْإِحْلِيلِ لِعِرْقٍ انْفَجَرَ فِي الْبَاطِنِ أَوْ ضَعْفِ الْكُلَى أَوْ الْكَبِدِ أَوْ شِدَّةِ الْخَوْفِ أَفَادَهُ الْأَتْقَانِيُّ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ بِالْأَوْلَى: لَوْ عُلِمَ مَوْتُهُ بِحَرْقٍ أَوْ سُقُوطٍ مِنْ سَطْحٍ أَوْ فِي مَاءٍ بِلَا فِعْلِ أَحَدٍ، فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ، لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ لَا يُحَالَ الْقَتْلُ عَلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ قَوِيٍّ يَمْنَعُ وُجُوبَهُمَا كَمَا فِي الْخَيْرِيَّةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأُذُنِ وَالْعَيْنِ) فَإِنَّهُ دَلَالَةُ الْقَتْلِ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا عَادَةً إلَّا بِفِعْلٍ حَادِثٍ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ نِصْفٍ مِنْهُ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَيِّتٍ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ وَلَوْ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْأَقَلِّ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) مِنْ قَوْلِهِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ لِتَكْرَارِ الْقَسَامَةِ فِي قَتِيلٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَامَّ الْخَلْقِ يَنْفَصِلُ حَيًّا، وَإِنْ كَانَ نَاقِصَ الْخَلْقِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَنْفَصِلُ مَيِّتًا هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مَا يُخَالِفُهُ) وَنِصْفُهَا وَالْجَنِينُ إذَا وُجِدَ قَتِيلًا فِي الْمَحَلَّةِ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ اهـ. أَقُولُ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الشُّرُوحِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَالْوِقَايَةِ وَالدُّرَرِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ كَانَ إبْرَاءً مِنْهُ لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ) لِأَنَّهُمْ لَا يَغْرَمُونَ بِمُجَرَّدِ ظُهُورِ الْقَتِيلِ فِيهِمْ؛ بَلْ بِدَعْوَى الْوَلِيِّ، فَإِذَا ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِمْ امْتَنَعَ دَعْوَاهُ عَلَيْهِمْ لِفَقْدِ شَرْطِهِ اهـ ط عَنْ الشُّمُنِّيِّ وَكَالْمَحَلَّةِ الْمِلْكُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ وَسَقَطَتْ الْقَسَامَةُ عَنْهُمْ) وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ ذَلِكَ وَبَاقِيهِمْ حَاضِرٌ سَاكِتٌ، وَلَوْ غَائِبًا لَا مَا لَمْ يَكُنْ الْمُدَّعِي وَكِيلًا عَنْهُ فِيهَا، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمْ: قَتَلَهُ زَيْدٌ وَآخَرُ: عَمْرٌو وَآخَرُ قَالَ: لَا أَعْرِفُهُ. فَلَا تَكَاذُبَ وَسَقَطَتْ سَائِحَانِيٌّ عَنْ الزَّاهِدِيِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَبَيَانُهُ مَا ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ أَنَّهُ إنْ بَرْهَنَ الْوَلِيُّ فِيهَا وَإِلَّا اسْتَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينًا وَاحِدَةً، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْمَالِ أَيْ الْقَتْلِ خَطَأً ثَبَتَ وَإِنْ فِي الْقِصَاصِ حُبِسَ، حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ أَوْ يَمُوتَ جُوعًا عِنْدَهُ وَقَالَا يَلْزَمُهُ الْأَرْشُ اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ لَا تَسْقُطُ) أَيْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَوَاهِبُ، لِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَهَا ابْتِدَاءً عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، فَتَعْيِينُهُ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَا يُنَافِي مَا شَرَعَهُ الشَّارِعُ، فَتَثْبُتُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ تَسْقُطُ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ وَالْأُصُولِ: أَنَّ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ تَسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَيُقَالُ لِلْوَلِيِّ أَلَكَ بَيِّنَةٌ فَإِنْ قَالَ: لَا يُسْتَحْلَفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينًا وَاحِدَةً وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلَهُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) أَيْ تَجِبُ الْقَسَامَةُ، فَإِذَا حَلَفَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ ثُمَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: إنَّ هَذَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلدَّابَّةِ مَالِكٌ مَعْرُوفٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ وَمِنْهُ إطْلَاقُ الْكِتَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنْ كَانَ لَهَا مَالِكٌ فَعَلَيْهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ قُهُسْتَانِيٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ مَشَى الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِلْكًا لَهُمْ وَحِينَئِذٍ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالدَّارِ حَيْثُ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى مَالِكِهَا دُونَ سَاكِنِهَا كَمَا سَيَأْتِي أَنَّ الدَّارَ لَا تَنْقَطِعُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 629 لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي دَارِهِ (وَلَوْ اجْتَمَعَ) فِيهَا (سَائِقٌ وَقَائِدٌ وَرَاكِبٌ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِلْكًا لَهُمْ) عَمَلًا بِيَدَيْهِمْ وَقِيلَ: الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى مَالِكِ الدَّابَّةِ كَالدَّارِ وَقِيلَ: لَا يَجِبُ عَلَى السَّائِقِ إلَّا إذَا كَانَ يَسُوقُهَا مُخْتَفِيًا وَبِهِ جَزَمَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَحَدٌ فَالدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الَّتِي فِيهَا الْقَتِيلُ عَلَى الدَّابَّةِ (وَإِنْ مَرَّتْ دَابَّةٌ عَلَيْهَا قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ) أَوْ قَبِيلَتَيْنِ (فَعَلَى أَقْرَبِهِمَا) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ بِأَنْ يُذْرَعَ فَوُجِدَ إلَى أَحَدِهِمَا أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَقَضَى عَلَيْهَا بِالْقَسَامَةِ» وَلَوْ اسْتَوَيَا فَعَلَيْهِمَا وَقَيْدُ الدَّابَّةِ اتِّفَاقِيٌّ قُهُسْتَانِيُّ (بِشَرْطِ سَمَاعِ الصَّوْتِ مِنْهُمْ) هَكَذَا عَبَّارُهُ الزَّيْلَعِيِّ.   [رد المحتار] يَدُ مِلْكِهَا عَنْهَا فِي الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ وَإِنْ أَجْرَاهَا بِخِلَافِ الدَّابَّةِ فَإِنَّ التَّصَرُّفَ فِيهَا لِذِي الْيَدِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ) الضَّمِيرُ الْأَوَّلُ لِلْقَتِيلِ وَالثَّانِي لِلسَّائِقِ وَكَذَا قَوْلُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي دَارِهِ (قَوْلُهُ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا) أَيْ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ وَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِمْ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِلْكًا لَهُمْ) إنْ وَصْلِيَّةٌ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مِلْكًا لَهُمْ أَوْ لَا وَلْيُنْظَرْ فِيمَا لَوْ كَانَ الْمَالِكُ أَحَدَهُمْ بِأَنْ كَانَ هُوَ السَّائِقُ مَثَلًا، وَالْقَائِدُ أَوْ الرَّاكِبُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَالْإِطْلَاقُ يَشْمَلُ هَذِهِ الصُّورَةَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ لَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي سَفِينَةٍ فَالدِّيَةُ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنْ مَالِكٍ وَرَاكِبٍ، لِأَنَّهَا تُنْقَلُ وَتَحُولُ فَالضَّمَانُ فِيهَا بِثُبُوتِ الْيَدِ لَا بِالنُّصْرَةِ كَالدَّابَّةِ اهـ أَفَادَهُ سَعْدِيٌّ (قَوْلُهُ عَمَلًا بِيَدِهِمْ) إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ الْمَارِّ بَيْنَ الدَّابَّةِ وَالدَّارِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَجِبُ عَلَى السَّائِقِ إلَخْ) هَذَا لَا يَخُصُّ السَّائِقَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَائِدُ وَالرَّاكِبُ مِثْلَهُ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ مَا فِي الْحَمَوِيِّ عَنْ الرَّمْزِ حَمَلُوا جِنَازَةً ظَاهِرَةً، فَإِذَا هُوَ قَتِيلٌ لَا شَيْءَ فِيهِ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْجَوْهَرَةِ) لَكِنْ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ الْأُصُولِ (قَوْلُهُ وَإِنْ مَرَّتْ دَابَّةٌ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَحَدٌ مِسْكِينٌ إذْ لَوْ مَعَهَا سَائِقٌ أَوْ نَحْوُهُ فَقَدْ مَرَّ آنِفًا (قَوْلُهُ أَوْ قَبِيلَتَيْنِ) أَوْ سِكَّتَيْنِ أَوْ مَحَلَّتَيْنِ قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ فَعَلَى أَقْرَبِهِمَا) أَيْ مِنْ الْقَتِيلِ وَهَذَا إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَكُونُ مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ، وَإِلَّا فَعَلَى مَالِكِهِ قُهُسْتَانِيٌ وَيَأْتِي قَرِيبًا وَقَالَ فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ بَيْنَ أَرْضِ قَرْيَةٍ فَعَلَى الْأَقْرَبِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَوَيَا فَعَلَيْهِمَا) فَلَوْ كَانَ فِي إحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ أَلْفُ رَجُلٍ، وَفِي الْأُخْرَى أَقَلُّ فَالدِّيَةُ عَلَى الْقَرْيَتَيْنِ نِصْفَانِ بِلَا خِلَافٍ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ أَقُولُ: وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مِنْ الشُّرُوطِ: الدَّعْوَى مِنْ الْوَلِيِّ، فَإِذَا ادَّعَى عَلَى إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى كَيْفَ الْحُكْمُ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي بَحْثًا أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَى إحْدَى الْمُسْتَوَيَيْنِ لَا تَسْقُطُ الْقَسَامَةُ عَنْ الْأُخْرَى، لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهِمَا فَهُوَ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْ أَهْلِ مَحَلَّةٍ، وَأَمَّا لَوْ ادَّعَى عَلَى الْبُعْدَى، فَهُوَ إبْرَاءٌ مِنْهُ لِلْقُرْبَى، لِأَنَّ أَصْلَ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا وَحْدَهَا كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ وَقَيْدُ الدَّابَّةِ أَتْقَانِيٌّ) فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ لَوْ وُجِدَ طَرِيحًا بَيْنَهُمَا ط (قَوْلُهُ بِشَرْطِ سَمَاعِ الصَّوْتِ مِنْهُمْ) عَبَّرَ عَنْهُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ يُقْبَلُ، لَكِنْ جَزَمَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة وَتَبِعَهُمَا ابْنُ كَمَالٍ وَصَاحِبُ الدُّرَرِ، وَجَعَلَهُ مَتْنًا كَالْمُصَنِّفِ وَكَذَا فِي الْمَوَاهِبِ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، وَمُفَادٌ أَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ الصَّوْتُ فَدَمُهُ هَدَرٌ، لَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَكَانُ مَمْلُوكًا أَوْ عَلَيْهِ يَدٌ خَاصَّةٌ أَوْ عَامَّةٌ كَمَا يَأْتِي تَقْرِيرُهُ. (قَوْلُهُ هَكَذَا عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ) أَيْ عَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا مِثْلُ مَا فِي الدُّرَرِ وَيُمْكِنُ إرْجَاعُ الْكُلِّ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ فَقَوْلُهُ: مِنْهُمْ صِلَةُ سَمَاعٍ، وَقَوْلُهُ: مِنْهُ حَالٌ مِنْ الصَّوْتِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْكَافِي عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ فَهُوَ يَسْمَعُ صَوْتَهُمْ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ مَدَارُ الضَّمَانِ عَلَى نِسْبَةِ التَّقْصِيرِ إلَيْهِمْ بِعَدَمِ إغَاثَتِهِ كَانَ الْمَلْحُوظُ سَمَاعَهُمْ صَوْتَهُ لَا بِالْعَكْسِ فَأَوْرَدَ الشَّارِحُ عِبَارَةَ الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا لِبَيَانِ الْمُرَادِ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 630 وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا مِنْهُ عِبَارَةُ الْبُرْجَنْدِيِّ نَقْلًا عَنْ الْكَافِي يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْحَقُهُ لِلْغَوْثِ فَيُنْسَبُونَ إلَى التَّقْصِيرِ فِي النُّصْرَةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ (لَا) تَلْزَمُهُمْ نُصْرَتُهُ فَلَا يُنْسَبُونَ إلَى التَّقْصِيرِ فَلَا يُجْعَلُونَ قَاتِلِينَ تَقْدِيرًا (وَيُرَاعَى حَالُ الْمَكَانِ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ الْقَتِيلُ فَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا تَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَى الْمُلَّاكِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ) وَكَذَا لَوْ مَوْقُوفًا عَلَى أَرْبَابٍ مَعْلُومِينَ، لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمِلْكِ وَالْوِلَايَةِ كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ مُسْتَنَدُ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ. قُلْت: وَسَيَجِيءُ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْمَتْنِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ وَغَيْرِهَا وَحِينَئِذٍ فَلَا عِبْرَةَ لِلْقُرْبِ إلَّا إذَا وُجِدَ فِي مَكَان مُبَاحٍ لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ وَلَا يَدَ وَإِلَّا فَعَلَى ذِي الْمِلْكِ وَالْيَدِ وَالْمُرَادُ بِالْوِلَايَةِ وَالْيَدِ: الْخُصُوصُ وَلَوْ لِجَمَاعَةٍ يُحْصَوْنَ فَلَوْ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ عَلَى أَحَدٍ بَدَائِعُ لَكِنْ سَيَجِيءُ وُجُوبًا فِي بَيْتِ الْمَالِ فَتَأَمَّلْ وَالْمُرَادُ بِالْيَدِ أَيْضًا الْمُحِقَّةُ. وَأَمَّا الْأَرَاضِي الَّتِي لَهَا مَالِكٌ أَخَذَهَا وَالٍ ظُلْمًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَتِيلُ فِيهَا هَدَرًا لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْغَاصِبِ دِيَةٌ قُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ فَلْيُحَرَّرْ   [رد المحتار] كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لَا يَسْمَعُونَ) كَذَا فِيمَا رَأَيْت مِنْ النُّسَخِ، وَالصَّوَابُ إسْقَاطُ لَا لِيُنَاسِبَ التَّعْلِيلَ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ مَوْقُوفًا عَلَى أَرْبَابٍ مَعْلُومِينَ) أَيْ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ عَلَى أَرْبَابٍ مَعْلُومِينَ) خَرَجَ بِهِ غَيْرُ الْمَعْلُومِينَ كَالْمَوْقُوفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْمُصَنِّفِ بَحْثًا. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمِلْكِ وَالْوِلَايَةِ) فِيهِ أَنَّ الْوِلَايَةَ فِي الْوَقْتِ لِوَاقِفِهِ أَوْ لِمَنْ جَعَلَهَا لَهُ لَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ كَانَتْ الدِّيَةُ فِي الْمَمْلُوكِ وَالْمَوْقُوفِ الْخَاصِّ عَلَى أَرْبَابِهِ، فَلَا عِبْرَةَ لِلْقُرْبِ الْمَشْرُوطِ بِسَمَاعِ الصَّوْتِ إلَّا فِي مُبَاحٍ لَا مِلْكَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ وَلَا يَدَ: أَيْ يَدَ خُصُوصٍ، وَدَخَلَ تَحْتَ ذَلِكَ الْمُبَاحِ شَيْئَانِ الْمَفَازَةُ الَّتِي لَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَحَدٌ وَالْفَلَاةُ الْمُنْتَفَعُ بِهَا الَّتِي فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَفِيهِمَا يُعْتَبَرُ لِلْقُرْبِ بِأَنْ يُنْظَرَ إلَى أَقْرَبِ مَوْضِعٍ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ فَتَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ الصَّوْتُ، فَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ قَرِيبًا، وَإِلَّا فَهَدَرٌ كَمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِشَرْطِ سَمَاعِ الصَّوْتِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَهَذَا مَا نَقَلَهُ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ الْقَتِيلَ إذَا وُجِدَ فِي فَلَاةٍ فَإِنْ مَمْلُوكَةً فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْمَالِكِ وَقَبِيلَتِهِ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ مِنْ مِصْرٍ أَيْ مَثَلًا فَعَلَيْهِمْ الْقَسَامَةُ، وَإِلَّا فَإِنَّ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ مَنْفَعَةَ الِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالْكَلَأِ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِلَّا فَدَمُهُ هَدَرٌ اهـ مُلَخَّصًا. وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْخَانِيَّةِ وَلَوْ فِي مَوْضِعٍ مُبَاحٍ إلَّا أَنَّهُ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِقُرْبِهِ مِصْرٌ أَوْ قَرْيَةٌ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ جَزَمَ بِاشْتِرَاطِ السَّمَاعِ أَوَّلًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَوَّلًا هُوَ الْمِلْكُ وَالْيَدُ الْخَاصَّةُ ثُمَّ الْقُرْبُ ثُمَّ الْيَدُ الْعَامَّةُ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ مِلْكًا وَكَانَ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ فَعَلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ مِنْ الْمِصْرِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ اهـ فَأَفَادَ أَنَّ الْقَسَامَةَ لَيْسَتْ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْمِصْرِ بَلْ عَلَى أَقْرَبِ قَبِيلَةٍ مِنْهَا إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَلْيُحْفَظْ (قَوْلُهُ وَلَوْ لِجَمَاعَةٍ يُحْصَوْنَ) أَيْ لَوْ كَانَ لِوَاحِدٍ أَوْ لِجَمَاعَةٍ يُحْصَوْنَ كَالْمَوْقُوفِ عَلَى مَعْلُومِينَ (قَوْلُهُ لَكِنْ سَيَجِيءُ) أَيْ فِي الْمَتْنِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ فَتَأَمَّلْ) أَشَارَ بِهِ إلَى إمْكَانِ الْجَمْعِ بِأَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الْبَدَائِعِ. وَلَا دِيَةَ عَلَى أَحَدٍ أَيْ مِنْ النَّاسِ اهـ ح: أَيْ فَلَا يُنَافِي فِي وُجُوبِهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَكِنَّ هَذَا حَيْثُ لَا قُرْبَ، وَإِلَّا فَالْوُجُوبُ عَلَى مَنْ يَسْمَعُ الصَّوْتَ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ فَلْيُحَرَّرْ) أَقُولُ: تَحْرِيرُهُ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا فَإِنَّ مَا عَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى الْكَرْمَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْغَاصِبِ دِيَةٌ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ الْآتِي، وَإِنْ بِيعَتْ وَلَمْ تُقْبَضْ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ هُنَاكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ وَدِيعَةً: أَيْ حَيْثُ يَضْمَنُ الْمَالِكُ، لِأَنَّ هَذَا الضَّمَانَ تَرْكُ الْحِفْظِ، وَهُوَ إنَّمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 631 (وَإِنْ مُبَاحًا لَكِنَّهُ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ بِحَالٍ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ، يَجِبُ عَلَيْهِ الْغَوْثُ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَفِيهَا (وَلَوْ وُجِدَ) قَتِيلٌ (فِي أَرْضِ رَجُلٍ إلَى جَانِبِ قَرْيَةٍ لَيْسَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ (فَهِيَ عَلَيْهِ) عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ (لَا عَلَى أَهْلِهَا) أَيْ الْقَرْيَةِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمِلْكِ وَالْوِلَايَةِ اهـ. قُلْت: فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْقُرْبَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا وُجِدَ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ لَا مَمْلُوكَةٍ وَلَا مَوْقُوفَةٍ لِأَنَّ تَدْبِيرَهُ لِأَرْبَابِهِ وَسَيَجِيءُ مَتْنًا فَتَنَبَّهْ (وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارِ إنْسَانٍ فَعَلَيْهِ الْقَسَامَةُ) وَلَوْ عَاقِلَتُهُ حُضُورًا دَخَلُوا فِي الْقَسَامَةِ أَيْضًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ مُلْتَقًى (وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) إنْ ثَبَتَ أَنَّهَا لَهُ بِالْحُجَّةِ كَمَا سَيَجِيءُ وَكَانَ لَهُ عَاقِلَةٌ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ (وَهِيَ) أَيْ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ (عَلَى أَهْلِ الْخِطَّةِ) الَّذِينَ خَطَّ لَهُمْ الْإِمَامُ أَوَّلَ الْفَتْحِ وَلَوْ بَقِيَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ (دُونَ السُّكَّانِ وَالْمُشْتَرِينَ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: كُلُّهُمْ مُشْتَرِكُونَ (فَإِنْ بَاعَ كُلُّهُمْ عَلَى الْمُشْتَرِينَ) بِالْإِجْمَاعِ (وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارٍ بَيْنَ قَوْمٍ لِبَعْضٍ   [رد المحتار] يَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْحِفْظِ، وَهُوَ مَنْ لَهُ يَدُ أَصَالَةٍ لَا يَدُ نِيَابَةٍ وَيَدُ الْمُودَعِ يَدُ نِيَابَةٍ، وَكَذَا الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُرْتَهِنُ وَكَذَا الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ لِأَنَّ الْعَقَارَ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَنَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ. وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ اهـ: أَيْ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْغَصْبَ يَتَحَقَّقُ فِي الْعَقَارِ وَرَجَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا مِنَحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ مُبَاحًا إلَخْ) أَيْ وَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجيَّةِ تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى أَقْرَبِ الْقَرْيَتَيْنِ إذَا كَانَ بِحَالٍ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ، لَكِنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ التَّعْلِيلِ وَالْمُعَلَّلِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَتْنًا مِنْ قَوْلِهِ: وَيُرَاعَى حَالُ الْمَكَانِ إلَخْ فَظَنَّ الشَّارِحُ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ مَحَلَّ الْوُجُوبِ هُنَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ إذَا كَانَ بَعِيدًا عَنْ الْعُمْرَانِ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ (قَوْلُهُ لَيْسَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مِنْهَا) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْهَا دُخُولًا مَعَهُ إذَا كَانُوا عَاقِلَتَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَهَذَا صَرِيحٌ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا عِبْرَةَ لِلْقُرْبِ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّ تَدْبِيرَهُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ، وَإِلَّا فَعَلَى الْمَالِكِ وَذِي الْوِلَايَةِ لِأَنَّ إلَخْ ط (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ الْقَسَامَةُ) فَتُكَرَّرُ عَلَيْهِ الْأَيْمَانُ وَلْوَالِجِيَّةٌ، وَلَوْ الدَّارُ مُغْلَقَةً لَا أَحَدَ فِيهَا طُورِيٌّ، وَهَذَا إذَا ادَّعَى وَلِيُّ الْقَتِيلِ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ، فَلَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ عَلَى رَبِّ الدَّارِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَاقِلَتُهُ حُضُورًا) أَيْ فِي بَلَدِهِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ قَوْلُهُ عَنْ الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) حَيْثُ قَالَ: لَا يَدْخُلُونَ مَعَهُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِغَيْرِهِ عَلَى دَارِهِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا اجْتَمَعُوا لِلْحِفْظِ وَالتَّنَاصُرِ ثَبَتَ لَهُمْ وِلَايَةُ حِفْظِ الدَّارِ يَحْفَظُ صَاحِبُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانُوا غُيَّبًا وَلْوَالِجِيَّةٌ (قَوْلُهُ أَيْ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ) الْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَسَامَةِ مُرَاعَاةً لِإِفْرَادِ الضَّمِيرِ، لِأَنَّ الدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَةِ أَهْلِ الْخِطَّةِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَحَلَّةِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي دَعْوَى الْعَمْدِ عَلَيْهِمْ وَفِي الْخَطَأِ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ اهـ وَاعْتَرَضَهُ أَبُو السُّعُودِ بِأَنَّ التَّفْصِيلَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ عَلَى أَهْلِ الْخِطَّةِ) بِالْكَسْرِ هِيَ مَا أَخَطَّهُ الْإِمَامُ أَيْ أَفْرَزَهُ وَمَيَّزَهُ عَلَى أَرَاضٍ، وَأَعْطَاهُ لِأَحَدِكُمَا فِي الطُّلْبَةِ قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ دُونَ السُّكَّانِ) كَالْمُسْتَأْجَرِينَ وَالْمُسْتَعْمَرِينَ فَالْقَسَامَةُ عَلَى أَرْبَابِهَا، وَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَكَالْمُشْتَرِينَ الَّذِينَ يَمْلِكُونَ بِالْهِبَةِ أَوْ الْمَهْرِ أَوْ الْوَصِيَّةِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانُوا يَقْبِضُونَهَا قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ بَاعَ كُلُّهُمْ فَعَلَى الْمُشْتَرِينَ) أَيْ دُونَ السُّكَّانِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مَحَلَّةٍ أَمْلَاكٌ قَدِيمَةٌ وَحَدِيثَةٌ وَسُكَّانٌ فَالْقَسَامَةُ عَلَى الْقَدِيمَةِ دُونَ أَخَوَيْهَا، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ وِلَايَةُ تَدْبِيرِ الْمَحَلَّةِ إلَيْهِمْ، وَإِذَا كَانَ فِيهَا أَمْلَاكٌ حَدِيثَةٌ وَسُكَّانٌ فَعَلَى الْحَدِيثَةِ، وَإِذَا كَانَ سُكَّانٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَالثَّلَاثَةُ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْقَسَامَةِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، قِيلَ: هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَعَلَى الْمُشْتَرِينَ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ إلَيْهِمْ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الْكَرْمَانِيِّ قُهُسْتَانِيٌ، وَقَيَّدَ بِالْمَحَلَّةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 632 أَكْثَرُ فَهِيَ عَلَى) عَدَدِ (الرُّءُوسِ) كَالشُّفْعَةِ (وَإِنْ بِيعَتْ وَلَمْ تُقْبَضْ) حَتَّى وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ (فَعَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ وَفِي الْبَيْعِ بِخِيَارٍ عَلَى عَاقِلَةِ ذِي الْيَدِ) خِلَافًا لَهُمَا (وَلَا تَعْقِلُ عَاقِلَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا) أَيْ الدَّارَ الَّتِي فِيهَا قَتِيلٌ (لِذِي الْيَدِ) وَلَوْ هُوَ قَتِيلٌ كَمَا سَيَجِيءُ وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الْيَدِ حَتَّى لَوْ كَانَ بِهِ لَمْ تَدَّعِ قَتْلَهُ وَلَا نَفْسَهُ دُرَرٌ مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْإِيجَابُ عَلَى الْوَرَثَةِ لِلْوَرَثَةِ، لَكِنْ فِيهِ بَحْثٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الدِّيَةَ لِلْمَقْتُولِ حَتَّى يَقْضِيَ مِنْهُ دُيُونَهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ لِلْوَرَثَةِ شَيْءٌ ثُمَّ الْوَرَثَةُ يَحْلِفُونَ، فَيَكُونُ الْإِيجَابُ عَلَى الْوَرَثَةِ لِلْمَيِّتِ كَذَا قِيلَ. قُلْت: وَقَدْ يُقَالُ لَمَّا كَانَ هُوَ لَا يَدِي لِنَفْسِهِ فَغَيْرُهُ بِالْأَوْلَى لِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ فَتَأَمَّلْ (وَإِنْ) وُجِدَ (فِي الْفُلْكِ فَالْقَسَامَةُ) وَالدِّيَةُ ضَرَرٌ (عَلَى مَنْ فِيهَا مِنْ الرُّكَّابِ وَالْمَلَّاحِينَ) اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ كَالدَّابَّةِ (وَكَذَا الْعَجَلَةُ) حُكْمُهَا كَفُلْكٍ   [رد المحتار] لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارٍ بَيْنَ مُشْتَرٍ وَذِي خِطَّةٍ فَإِنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ فَهِيَ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ) فَإِنْ كَانَ نِصْفُهَا لِزَيْدٍ وَعُشْرُهَا لِعَمْرٍو، وَالْبَاقِي لِبَكْرٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِمْ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ أَثْلَاثًا مُتَسَاوِيَةً لِأَنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ سَوَاءٌ فِي الْحِفْظِ وَالتَّدْبِيرِ، وَكَذَا لَوْ وُجِدَ فِي نَهْرٍ مُشْتَرَكٍ قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ) أَيْ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ هَكَذَا قَالَهُ الشُّرَّاحُ وَفِي الْمِنَحِ أَيْ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ اهـ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَارُّ وَهُوَ أَنَّ الْعَاقِلَةَ وَإِنْ كَانُوا حُضُورًا دَخَلُوا مَعَهُ فِي الْقَسَامَةِ وَإِلَّا فَلَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) حَيْثُ قَالَا إنْ لَمْ يَكُنْ خِيَارٌ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ فَعَلَى عَاقِلَةِ مَنْ يَصِيرُ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي ابْنُ كَمَالٍ. فَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْيَدَ وَهُمَا اعْتَبَرَا الْمِلْكَ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَلَى قَرَارِ الْمِلْكِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا تَعْقِلُ عَاقِلَةٌ إلَخْ) أَيْ إذَا أَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ كَوْنَ الدَّارِ لِذِي الْيَدِ وَقَالُوا إنَّهَا وَدِيعَةٌ أَوْ مُسْتَعَارَةٌ أَوْ مُسْتَأْجَرَةٌ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الْيَدِ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى عَاقِلَتِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ دُرَرٌ إلَخْ) عِبَارَةُ الدُّرَرِ وَتَدِي عَاقِلَتُهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا بِالْحُجَّةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ لَهُ عَاقِلَةٌ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ كَمَا مَرَّ مِرَارًا لَا بِمُجَرَّدِ الْيَدِ حَتَّى لَوْ كَانَ بِهِ لَا تَدِي عَاقِلَتُهُ وَلَا نَفْسُهُ اهـ فَقَوْلُهُ: وَلَا نَفْسُهُ مَعْنَاهُ وَلَا يَدِي وَهُوَ حَيْثُ لَا عَاقِلَةَ لَهُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إذَا كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ وَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ، سَوَاءٌ كَانَ الْقَتِيلُ ذَا الْيَدِ أَوْ غَيْرَهُ فَلَا تَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْيَدِ دِيَةُ الْقَتِيلِ فِي الصُّورَتَيْنِ لَا عَلَى عَاقِلَةِ ذِي الْيَدِ إنْ كَانَ لَهُ عَاقِلَةٌ، وَلَا عَلَى نَفْسِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا لِذِي الْيَدِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا لَهُ فَإِنْ كَانَ الْقَتِيلُ غَيْرَهُ، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ رَبِّ الدَّارِ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْقَتِيلُ هُوَ رَبُّ الدَّارِ فَهِيَ مَسْأَلَةٌ خِلَافِيَّةٌ سَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ بَعْدُ فَعِنْدَ الْإِمَامِ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ، وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْإِيجَابُ عَلَى الْوَرَثَةِ لِلْوَرَثَةِ، وَلِلْإِمَامِ: أَنَّ الدِّيَةَ لِلْمَقْتُولِ وَالْوَرَثَةُ يَخْلُفُونَهُ فَالْإِيجَابُ عَلَيْهِمْ لَهُ لَا لَهُمْ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ وَلَا لِوَرَثَتِهِ لَا يَدِي هُوَ لِنَفْسِهِ، فَلَا يَدِي لَهُ غَيْرُهُ بِالْأَوْلَى هَذَا تَقْرِيرُ مُرَادِ الشَّارِحِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَلَكِنَّ تَعْبِيرَهُ عَنْهُ غَيْرُ مُحَرَّرٍ فَتَدَبَّرْ: وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْخِلَافِيَّةِ فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ أَيْضًا عَلَيْهِمْ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِمْ لِعَدَمِ حُضُورِ الْعَاقِلَةِ فَلَا يَتَأَتَّى التَّفْصِيلُ الْمَارُّ فِي الدَّارِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَلَى مَنْ فِيهَا إلَخْ) يَشْمَلُ أَرْبَابَهَا حَتَّى تَجِبَ عَلَى الْأَرْبَابِ الَّذِينَ فِيهَا، وَعَلَى السُّكَّانِ وَكَذَا عَلَى مَنْ يَمُدُّهَا وَالْمَالِكُ فِي ذَلِكَ وَغَيْرُ الْمَالِكِ سَوَاءٌ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ اتِّفَاقًا إلَخْ) هَذَا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ يَجْعَلُ السُّكَّانَ وَالْمُلَّاكَ فِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ فِي الْمَحَلَّةِ، سَوَاءً الجزء: 6 ¦ الصفحة: 633 (وَفِي مَسْجِدٍ مَحَلَّةٍ وَشَارِعِهَا) الْخَاصِّ بِأَهْلِهَا كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ كَمَالٍ مُسْتَنِدًا لِلْبَدَائِعِ وَقَدْ حَقَّقَهُ مُنْلَا خُسْرو وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ (عَلَى أَهْلِهَا وَسَوْقُ مَمْلُوكٍ عَلَى الْمُلَّاكِ) وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى السُّكَّانِ مُلْتَقًى (وَفِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَمْلُوكِ (وَالشَّارِعِ الْأَعْظَمِ) هُوَ النَّافِذُ (وَالسِّجْنِ وَالْجَامِعِ) وَكُلِّ مَكَان يَكُونُ التَّصَرُّفُ فِيهِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ لَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَا لِجَمَاعَةٍ يُحْصَوْنَ (لَا قَسَامَةَ) وَلَا دِيَةَ عَلَى أَحَدٍ ابْنُ كَمَالٍ (وَ) إنَّمَا (الدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ ثُمَّ إنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِيمَا لَوْ ذُكِرَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ (إنْ كَانَ نَائِيًا) أَيْ بَعِيدًا (عَنْ الْمَحَلَّاتِ وَإِلَّا) يَكُنْ نَائِيًا بَلْ قَرِيبًا مِنْهَا (فَعَلَى أَقْرَبِ الْمَحَلَّاتِ إلَيْهِ) الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ بِحِفْظِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، فَتَكُونُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ،   [رد المحتار] فَكَذَا هُنَا، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَفِي الْمَحَلَّةِ السُّكَّانُ لَا يُشَارِكُونَ الْمُلَّاكَ، لِأَنَّ تَدْبِيرَ الْمَحَلَّةِ إلَى الْمُلَّاكِ دُونَ السُّكَّانِ، وَفِي السَّفِينَةِ هُمْ فِي تَدْبِيرِهَا سَوَاءٌ، لِأَنَّهَا تُنْقَلُ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا الْيَدُ دُونَ الْمِلْكِ كَالدَّابَّةِ وَهُمْ فِي الْيَدِ عَلَيْهَا سَوَاءٌ، بِخِلَافِ الْمَحَلَّةِ وَالدَّارِ لِأَنَّهَا لَا تُنْقَلُ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ) مِثْلُهُ مَسْجِدُ الْقَبِيلَةِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُنْتَقَى إنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ لِقَبِيلَةٍ، فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَبِيلَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُعْلَمُ لِمَنْ الْمَسْجِدُ وَإِنَّمَا يُصَلِّي فِيهِ غُرَبَاءُ، فَإِنْ كَانَ يُعْلَمُ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَبَنَاهُ كَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ الَّذِي بَنَاهُ كَانَ عَلَى أَقْرَبِ الدُّورِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ وَمُصَلَّاهُ وَاحِدٌ كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ أَصْحَابِ الدُّورِ الَّذِينَ فِي الدَّرْبِ، وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي قَبِيلَةٍ فِيهَا عِدَّةُ مَسَاجِدَ، فَهُوَ عَلَى الْقَبِيلَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَبِيلَةٌ فَهُوَ عَلَى أَصْحَابِ الْمَحَلَّةِ وَأَهْلِ كُلِّ مَسْجِدِ مَحَلَّتِهِ اهـ (قَوْلُهُ الْخَاصِّ بِأَهْلِهَا) وَهُوَ غَيْرُ النَّافِذِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الشَّارِعِ الْأَعْظَمِ هُوَ النَّافِذُ (قَوْلُهُ وَقَدْ حَقَّقَهُ ابْنُ كَمَالٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ مُنْلَا خُسْرو - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَسَّمَ فِي الدُّورِ الطَّرِيقَ إلَى قِسْمَيْنِ: خَاصٍّ، وَهُوَ غَيْرُ النَّافِذِ، وَعَامٍّ: وَهُوَ النَّافِذُ وَهُوَ قِسْمَانِ أَيْضًا شَارِعُ الْمَحَلَّةِ، وَهُوَ مَا يَكُونُ الْمُرُورُ فِيهِ أَكْثَرِيًّا لِأَهْلِهَا وَقَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِمْ أَيْضًا: وَالشَّارِعُ الْأَعْظَمُ، وَهُوَ مَا يَكُونُ مُرُورُ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ فِيهِ عَلَى السَّوِيَّةِ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ وَنَازَعَهُ ابْنُ كَمَالٍ وَكَذَا الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ الْحَمْلُ الصَّحِيحُ أَنْ يُرَادَ بِشَارِعِ الْمَحَلَّةِ الْخَاصُّ بِأَهْلِهَا، وَهُوَ مَا لَيْسَ نَافِذٌ الْآنَ لُزُومُ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ بِاعْتِبَارِ تَرْكِ التَّدْبِيرِ وَالْحِفْظِ، وَلَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْخُصُوصِ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَحَلِّ وَلِذَا فِي الْبَدَائِعِ: وَلَا قَسَامَةَ فِي قَتِيلٍ يُوجَدُ فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَلَا فِي شَوَارِعِ الْعَامَّةِ وَجُسُورِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمِلْكُ وَلَا يَدُ الْخُصُوصِ اهـ وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي قَوْلِ الشَّارِحِ وَقَدْ حَقَّقَهُ مُنْلَا خُسْرو (قَوْلُهُ وَالْجَامِعِ) هَذَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ بَانِيهِ وَإِلَّا فَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ قُهُسْتَانِيٌ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُنْتَقَى: وُجِدَ فِي الْجَامِعِ وَلَا يُدْرَى قَاتِلُهُ أَوْ زَحَمَهُ النَّاسُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَتَلُوهُ، وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ كَمَا يَكُونُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَوْ وُجِدَ فِيهَا، كَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهُ رَجُلٌ بِالسَّيْفِ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ لَا قَسَامَةَ) لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ يَقَعُ فِي اللَّيْلِ عَادَةً وَلَا يَكُونُ هُنَاكَ أَحَدٌ يَحْفَظُهُ وَالْقَسَامَةُ تَجْرِي فِي مَوْضِعٍ يَتَوَهَّمُ وُجُودَ مَنْ يَعْرِفُ قَاتِلَهُ أَفَادَهُ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا الدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) وَتُؤْخَذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، لِأَنَّ حُكْمَ الدِّيَةِ التَّأْجِيلُ كَمَا فِي الْعَاقِلَةِ، فَكَذَلِكَ غَيْرُهُمْ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ مَالِ الْمُقِرِّ بِقَتْلِ الْخَطَأِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اهـ اخْتِيَارٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ) أَيْ لَمَّا كَانَ عَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ هُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِالْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَالسِّجْنِ، وَالشَّارِعِ الْأَعْظَمِ كَانَ الْغُرْمُ عَلَيْهِمْ، فَيُدْفَعُ مِنْ مَالِهِمْ الْمَوْضُوعِ لَهُمْ فِي بَيْتِهِ ط (قَوْلُهُ فِيمَا ذُكِرَ) يَشْمَلُ الشَّارِعَ الْأَعْظَمَ وَالسِّجْنَ وَالْجَامِعَ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ ذِكْرَ هَذَا الْقَيْدِ أَعْنِي قَوْلَهُ: إذَا كَانَ نَائِيًا فِي السُّوقِ الْغَيْرِ الْمَمْلُوكِ، وَالظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ فِي فَلَاةٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ فَالْمُعْتَبَرُ الْقُرْبُ، لَكِنْ فِي الطُّورِيِّ عَنْ الْمُلْتَقَى، وَلَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ غَيْرِ زِحَامِ النَّاسِ، فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ قَسَامَةٍ اهـ فَإِنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ غَيْرُ نَاءٍ عَنْ الْمَحَلَّاتِ وَكَذَا السِّجْنُ عَادَةً فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بَلْ قَرِيبًا مِنْهَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي سَمَاعِ الصَّوْتِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 634 وَكَذَا فِي السُّوقِ النَّائِي إذَا كَانَ مَنْ يَسْكُنُهَا فِي اللَّيَالِي، أَوْ كَانَ لِأَحَدٍ فِيهَا دَارٌ مَمْلُوكَةٌ تَكُونُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ صِيَانَةُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَيُوصَفُ بِالتَّقْصِيرِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ مُوجَبُ التَّقْصِيرِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ مَعْزِيًّا لِلنِّهَايَةِ. قُلْت: وَبِهِ أَفْتَى الْمَرْحُومُ أَبُو السُّعُودِ أَفَنْدِي مُفْتِي الرُّومِ، وَاعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ خَلَا عَنْهُ الْمُتُونُ، لِأَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي غَالِبِ الْفَتَاوَى وَالشُّرُوحِ فَلْيُحْفَظْ (وَيَهْدِرُ لَوْ) وُجِدَ (فِي بَرِيَّةٍ أَوْ وَسَطِ الْفُرَاتِ) إذَا كَانَ يَمُرُّ بِهِ الْمَاءُ لَا مُحْتَبِسًا كَمَا سَيَجِيءُ إذْ لَا يَدَ لِأَحَدٍ وَقِيلَ: إذْ مَوْضِعُ انْبِعَاثِ مَائِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ ابْنُ كَمَالٍ (وَفِي نَهْرٍ صَغِيرٍ) هُوَ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ (عَلَى أَهْلِهِ) لِاخْتِصَاصِهِمْ بِهِ (وَلَوْ كَانَتْ الْبَرِيَّةُ مَمْلُوكَةً) أَوْ وَقْفًا (لِأَحَدٍ) كَمَا مَرَّ وَسَيَجِيءُ (أَوْ كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْ الْقَرْيَةِ) أَوْ الْأَخْبِيَةِ أَوْ الْفُسْطَاطِ بِحَيْثُ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ (تَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ) أَوْ ذِي الْيَدِ (أَوْ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ) لَوْ أَقْرَبَ الْأَخْبِيَةِ زَيْلَعِيٌّ (وَلَوْ مُحْتَبِسًا بِالشَّطِّ) أَوْ بِالْجَزِيرَةِ أَوْ مَرْبُوطًا أَوْ مُلْقًى عَلَى الشَّطِّ (فَعَلَى أَقْرَبِ) الْمَوَاضِعِ إلَيْهِ مِنْ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ زَادَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْأَرَاضِي وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ (إذَا كَانَ يَصِلُ صَوْتُ أَهْلِ الْأَرْضِ وَالْقُرَى إلَيْهِ وَإِلَّا لَا) كَمَا مَرَّ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَكَذَا فِي السُّوقِ النَّائِي إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ فِي الْمَعْنَى مِنْ قَوْلِهِ: إذَا كَانَ نَائِيًا أَيْ أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ فِي السُّوقِ النَّائِي إلَّا إذَا كَانَ فِيهَا مَنْ يَسْكُنُهَا لَيْلًا إلَخْ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِسُكْنَى النَّهَارِ تَأَمَّلْ وَالسُّوقُ مُؤَنَّثَةٌ وَتُذَكَّرُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ مُوجَبُ التَّقْصِيرِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ هُوَ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ ط (قَوْلُهُ مَعْزِيًّا لِلنِّهَايَةِ) وَعَزَاهُ فِيهَا إلَى مَبْسُوطِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ، وَمِثْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ، وَعَزَاهُ الْأَتْقَانِيُّ إلَى شَرْحِ الْكَافِي (قَوْلُهُ قُلْت وَبِهِ) أَيْ بِمَا فِي الْمَتْنِ مِنْ الْوُجُوبِ عَلَى أَقْرَبِ الْمَحَلَّاتِ أَقُولُ: وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَوَّلًا الْمِلْكُ وَالْيَدُ الْخَاصَّةُ ثُمَّ الْقُرْبُ ثُمَّ الْيَدُ الْعَامَّةُ (قَوْلُهُ فِي بَرِيَّةٍ) أَيْ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ وَلَا قَرِيبَةٍ مِنْ قَرْيَةٍ أَوْ نَحْوِهَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا بَعْدَهُ وَغَيْرِ مُنْتَفَعٍ بِهَا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِلَّا فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ أَوْ وَسَطَ الْفُرَاتِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمُرَادُ مُرُورُهُ فِي نَهْرٍ كَبِيرٍ احْتِرَازًا عَنْ الصَّغِيرِ، وَعَمَّا لَوْ كَانَ مُحْتَبَسًا فِي الشَّطِّ أَوْ مَرْبُوطًا أَوْ مُلْقًى عَلَى الشَّطِّ أَفَادَهُ ابْنُ كَمَالٍ وَغَيْرُهُ وَيُعْلَمُ مِمَّا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ ابْنُ كَمَالٍ) وَتَمَامُ عِبَارَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَوْضِعُ انْبِعَاثِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَتِيلَ أَهْلِ الْحَرْبِ اهـ وَعَزَاهُ إلَى الْكَرْخِيِّ جَازِمًا بِهِ، وَلَمْ يُعَبِّرْ عَنْهُ بِقِيلَ كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ، وَكَذَا جَزَمَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَعَزَاهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ إلَى مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأَتْقَانِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ، حَيْثُ لَمْ يَعْتَبِرُوا ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْفُرَاتَ وَنَحْوَهُ لَيْسَ فِي وِلَايَةِ أَحَدٍ، فَلَمْ يَلْزَمْ حِفْظُهُ عَلَى أَحَدٍ، وَإِلَّا لَزِمَ اعْتِبَارُ ذَلِكَ فِي الْمَفَازَةِ الْبَعِيدَةِ أَيْضًا، لِأَنَّهُ قَتِيلُ الْمُسْلِمِينَ لَا مَحَالَةَ اهـ مُلَخَّصًا قُلْت وَالْمُرَادُ بِمَوْضِعِ انْبِعَاثِهِ مَوْضِعُ انْفِجَارِهِ وَنَبْعِهِ (قَوْلُهُ عَلَى أَهْلِهِ) أَيْ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ هِدَايَةٌ أَيْ عَاقِلَتِهِمْ أَتْقَانِيٌّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ وَقْفًا لِأَحَدٍ) أَيْ لِأَرْبَابٍ مَعْلُومِينَ (قَوْلُهُ فَعَلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ كَمَا نَقَلَهُ الْأَتْقَانِيُّ، فَعَلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ الْمِصْرِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَرْيَةَ كَذَلِكَ لَوْ فِيهَا قَبَائِلُ، وَإِلَّا فَأَقْرَبِ الْبُيُوتِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: سُئِلَ مُحَمَّدٌ فِيمَا وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ هَلْ الْقُرْبُ مُعْتَبَرٌ بِالْحِيطَانِ أَوْ الْأَرَاضِي: قَالَ: الْأَرَاضِي لَيْسَتْ فِي مِلْكِهِمْ وَإِنَّمَا تُنْسَبُ إلَيْهِمْ كَمَا تُنْسَبُ الصَّحَارِي فَعَلَى أَقْرَبِهِمَا بُيُوتًا اهـ (قَوْلُهُ الْأَرَاضِي) أَيْ الْمَمْلُوكَةِ لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْبُنْيَانِ يَجِبُ عَلَى أَهْلِهَا حِفْظُهَا وَحِفْظُ مَا قَرُبَ إلَيْهَا رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ الصَّوْتُ لَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَالْقُرَى، بَلْ يُنْظَرُ إنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي مَوْضِعٍ يَنْتَفِعُ بِهِ الْعَامَّةُ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِلَّا فَهَدَرٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 635 (وَإِنْ الْتَقَى قَوْمٌ بِالسُّيُوفِ فَأَجْلَوْا) أَيْ تَفَرَّقُوا (عَنْ قَتِيلٍ فَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ) لِأَنَّ حِفْظَهُمَا عَلَيْهِمْ (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْوَلِيُّ عَلَى أُولَئِكَ أَوْ) يَدَّعِي (عَلَى) بَعْضٍ (مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ) فَلَمْ يَكُنْ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ شَيْءٌ وَلَا عَلَى أُولَئِكَ حَتَّى يُبَرْهِنَ، لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لَا يَثْبُتُ الْحَقُّ وَبَرِئَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ (وَمُسْتَحْلَفٌ) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ. (قَالَ قَتَلَهُ زَيْدٌ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا عَرَفْت لَهُ قَاتِلًا غَيْرَ زَيْدٍ) وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَتَلَهُ (وَبَطَلَ شَهَادَةُ بَعْضِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِقَتْلِ غَيْرِهِمْ) خِلَافًا لَهُمَا (أَوْ) بِقَتْلِ (وَاحِدٍ مِنْهُمْ) بِعَيْنِهِ لِلتُّهْمَةِ (وَمَنْ جُرِحَ فِي حَيٍّ فَنُقِلَ) مِنْهُ (فَبَقِيَ ذَا فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَالدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى) ذَلِكَ (الْحَيِّ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَلَوْ مَعَهُ جَرِيحٌ بِهِ رَمَقٌ فَحَمَلَهُ آخَرُ لِأَهْلِهِ فَمَكَثَ مُدَّةً فَمَاتَ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ   [رد المحتار] كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَإِنْ الْتَقَى قَوْمٌ بِالسُّيُوفِ إلَخْ) هَذَا إذَا اقْتَتَلُوا عَصَبِيَّةً؛ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ فِيهِ كَمَا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ مَعَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ عَلَى أُولَئِكَ) أَيْ الْقَوْمِ وَكَانَ التَّعْبِيرُ بِهِ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى أَظْهَرَ (قَوْلُهُ مِنْهُمْ) أَيْ الْقَوْمِ (قَوْلُهُ حَتَّى يُبَرْهِنَ) أَيْ بِإِقَامَةِ شَاهِدَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَا مِنْهُمْ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَلَا عَلَى أُولَئِكَ (قَوْلُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ) لِأَنَّ دَعْوَاهُ تَضَمَّنَتْ بَرَاءَةَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ (قَوْلُهُ حَلَفَ بِاَللَّهِ إلَخْ) يَعْنِي لَا يَسْقُطُ الْيَمِينُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ قَتَلَهُ فُلَانٌ، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ اسْتَثْنَى عَنْ يَمِينِهِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ شَرِيكَهُ فِي الْقَتْلِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ شَرِيكًا مَعَهُ وَفَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَحْلِفُ عَلَى أَنَّهُ مَا قَتَلَهُ وَلَا عَرَفَ لَهُ قَاتِلًا غَيْرَ فُلَانٍ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُقْبَلُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَتْ فَائِدَةُ الِاسْتِثْنَاءِ قَبُولَ قَوْلِهِ عَلَى زَيْدٍ (قَوْلُهُ وَبَطَلَ إلَخْ) أَيْ إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، وَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُ، وَقَالَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا بِعُرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرُوا خُصَمَاءَ، وَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ بِدَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِهِمْ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ إذَا عُزِلَ قَبْلَهَا وَلَهُ أَنَّهُمْ جُعِلُوا خُصَمَاءَ تَقْدِيرًا لِإِنْزَالِهِمْ قَاتِلِينَ لِلتَّقْصِيرِ الصَّادِرِ مِنْهُمْ، وَإِنْ خَرَجُوا مِنْ جُمْلَةِ الْخُصُومِ، فَلَا تُقْبَلُ كَالْوَصِيِّ إذَا خَرَجَ مِنْ الْوَصَايَا بِبُلُوغِ الْغُلَامِ أَوْ بِالْعَزْلِ، وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا وَأَمَّا لَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ، وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْمُلْتَقَى لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَائِمَةٌ مَعَ الْكُلِّ، لِأَنَّ الْقَسَامَةَ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُمْ قَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُعْمَلُ بِهَا. [تَنْبِيهٌ] نَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ قَالَ: تَوَقَّفْت عَنْ الْفَتْوَى بِقَوْلِ الْإِمَامِ، وَمَنَعْت مِنْ إشَاعَتِهِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ الْعَامِّ، فَإِنَّ مَنْ عَرَفَهُ مِنْ الْمُتَمَرِّدِينَ يَتَجَاسَرُ عَلَى قَتْلِ الْأَنْفُسِ فِي الْمَحَلَّاتِ الْخَالِيَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا مُعْتَمِدًا عَلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ عَلَيْهِ حَتَّى قُلْت: يَنْبَغِي الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لَا سِيَّمَا وَالْأَحْكَامُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَيَّامِ وَقَدْ خُيِّرَ الْمُفْتِي إذَا كَانَ الصَّاحِبَانِ مُتَّفِقَيْنِ وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الرَّحْمَتِيِّ، وَنَقَلَهُ السَّائِحَانِيُّ أَقُولُ: لَكِنْ فِي تَصْحِيحِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ أَنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُ الْإِمَامِ، عَلَى أَنَّ الضَّرَرَ الْمَذْكُورَ مَوْجُودٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا، وَقَدْ عَلِمْت الِاتِّفَاقَ فِيهَا إلَّا فِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ نَعَمْ الْقَلْبُ يَمِيلُ إلَى مَا ذَكَرَ، وَلَكِنْ اتِّبَاعُ النَّقْلِ أَسْلَمُ (قَوْلُهُ مِنْ جُرِحَ فِي حَيٍّ) يَعْنِي وَلَمْ يُعْلَمْ الْجَارِحُ، وَإِلَّا فَلَا قَسَامَةَ بَلْ فِيهِ الْقِصَاصُ عَلَى الْجَارِحِ أَوْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ فَبَقِيَ ذَا فِرَاشٍ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ صَارَ ذَا فِرَاشٍ حِينَ جُرِحَ، فَلَوْ كَانَ صَحِيحًا بِحَيْثُ يَجِيءُ، وَيَذْهَبُ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ فَالدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى ذَلِكَ الْحَيِّ) لِأَنَّ الْجُرْحَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ صَارَ قَتْلًا، وَلِهَذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) أَيْ قَالَ لَا ضَمَانَ وَلَا قَسَامَةَ، لِأَنَّ مَا حَصَلَ فِي ذَلِكَ الْحَيِّ مَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا قَسَامَةَ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَا فِرَاشٍ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ مَعَهُ) أَيْ مَعَ رَجُلٍ (قَوْلُهُ بِهِ رَمَقٌ) وَهُوَ بَقِيَّةُ الرُّوحِ أَتْقَانِيٌّ فَلَوْ كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فَلَا شَيْءَ فِيهِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ فَحَمَلَهُ آخَرُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 636 يَضْمَنُ (وَفِي رَجُلَيْنِ بِلَا ثَالِثٍ وُجِدَ أَحَدُهُمَا قَتِيلًا ضَمِنَ الْآخَرُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَقْتُلُ نَفْسَهُ (دِيَتَهُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (وَفِي قَتِيلِ قَرْيَةٍ لِامْرَأَةٍ كُرِّرَ الْحَلِفُ عَلَيْهَا وَتَدِي عَاقِلَتُهَا) وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَسَامَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَيْضًا قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ وَالْمَرْأَةُ تَدْخُلُ فِي التَّحَمُّلِ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَذَا فِي الْمُلْتَقَى، وَهُوَ الْأَصَحُّ   [رد المحتار] صَوَابُهُ إسْقَاطُ لَفْظَةِ آخَرَ وَعِبَارَةُ الْمُلْتَقَى: وَلَوْ مَعَ الْجَرِيحِ رَجُلٌ فَحُمِلَ وَمَاتَ فِي أَهْلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ يَضْمَنُ اهـ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ بِأَنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى مَا إذَا كَانَ جَرِيحًا فِي قَبِيلَةٍ ثُمَّ مَاتَ فِي أَهْلِهِ اهـ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الرَّجُلِ الَّذِي وُجِدَ فِي يَدِهِ الْجُرْحُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ يَضْمَنُ) لِأَنَّ يَدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَلَّةِ فَوُجُودُهُ جَرِيحًا فِي يَدِهِ كَوُجُودِهِ فِيهَا هِدَايَةٌ، فَتَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَيْهِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَكَأَنَّهُ حَمَلَهُ مَقْتُولًا أَتْقَانِيٌّ، وَقَدَّمَ فِي الْمُلْتَقَى قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ كَالشَّارِحِ فَظَاهِرُهُ اخْتِيَارُهُ (قَوْلُهُ وَفِي رَجُلَيْنِ) أَيْ كَانَا فِي بَيْتٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَفِي امْرَأَتَيْنِ وَامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ كَذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَالِكِ اهـ (قَوْلُهُ بِلَا ثَالِثٍ) إذْ لَوْ كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ يَقَعُ الشَّكُّ فِي الْقَاتِلِ فَلَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كِفَايَةٌ: وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ ثَالِثٌ كَانَ كَالدَّارِ اهـ أَيْ فَتَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ. أَقُولُ: وَمُفَادُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَقْيِيدُ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ. وَإِذَا وُجِدَ فِي دَارِ إنْسَانٍ، فَعَلَيْهِ الْقَسَامَةُ إلَخْ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْقَتِيلِ رَجُلٌ آخَرُ وَكَذَا قَوْلُهُ قَبْلَهُ، وَإِنْ وُجِدَ فِي مَكَان مَمْلُوكٍ، فَعَلَى الْمُلَّاكِ وَإِلَّا فَكَانَ الظَّاهِرُ هُنَا وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَى صَاحِبِ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ الرَّجُلَانِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى بَعْدَ ذِكْرِهِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَوْلَ مُحَمَّدٍ قَالَ: وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ تَكُونُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى صَاحِبِ الْبَيْتِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَبِهِ زَالَ الْإِشْكَالُ لَكِنْ بَقِيَ أَنَّهُ يُقَالُ إنَّهُمْ مَشَوْا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فِي الْمَسَائِلِ الْمَارَّةِ، حَيْثُ اعْتَبَرُوا الْمُلَّاكَ، فَلِمَ مَشَى هُنَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى، وَغَيْرِهِمَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَلَعَلَّهُ لِعَدَمِ رِوَايَةٍ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) حَيْثُ قَالَ: لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَتَلَهُ الْآخَرُ، فَلَا يَضْمَنُ بِالشَّكِّ هِدَايَةٌ قَالَ الرَّمْلِيُّ: يَعْنِي فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى مَالِكِ الْبَيْتِ أَعْنِي عَاقِلَتَهُ تَنَبَّهْ اهـ وَقَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا هُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْإِمَامِ فَتَأَمَّلْ. وَقَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْضًا: وَعِنْدِي أَنْ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَقْوَى مَدْرَكًا إذْ قَدْ يَقْتُلُهُ غَيْرُ الثَّانِي وَكَثِيرًا مَا وَقَعَ (قَوْلُهُ وَفِي قَتِيلِ قَرْيَةٍ) الْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى فِي (قَوْلُهُ وَتَدِي عَاقِلَتُهَا) أَيْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إلَيْهَا نَسَبًا لَا جِوَارًا أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) قَيَّدَ بِهِ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْعَوَالِقِ فِي تَحَمُّلِ الدِّيَةِ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي الْمَعَاقِلِ، وَتَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّا جَعَلْنَاهَا قَاتِلَةً، وَالْقَاتِلَةُ تُشَارِكُ الْعَاقِلَةَ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 637 ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَإِنْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارِ نَفْسِهِ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَعِنْدَهُمَا وَزُفَرَ وَلَا شَيْءَ فِيهِ) أَيْ فِي الْقَتِيلِ الْمَذْكُورِ (وَبِهِ يُفْتَى) كَذَا ذَكَرَهُ مُنْلَا خُسْرو تَبَعًا لِمَا رَجَّحَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ، وَتَبِعَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَخَالَفَهُمْ ابْنُ الْكَمَالِ فَقَالَ: لَهُمَا إنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ حِينَ وُجِدَ الْجُرْحُ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَيَكُونُ هَدَرًا وَلَهُ أَنَّ الْقَسَامَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِظُهُورِ الْقَتِيلِ، وَحَالَ ظُهُورِهِ الدَّارُ لِوَرَثَتِهِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ لَا يُقَالُ الْعَاقِلَةُ إنَّمَا يَتَحَمَّلُونَ مَا يَجِبُ عَلَى الْوَرَثَةِ تَخْفِيفًا لَهُمْ وَلَا يُمْكِنُ الْإِيجَابُ عَلَى الْوَرَثَةِ لِلْوَرَثَةِ، لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ بَلْ لِلْقَتِيلِ حَتَّى تَقْضِيَ مِنْهُ دُيُونَهُ وَتَنْفُذَ وَصَايَاهُ ثُمَّ يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِيهِ وَهُوَ نَظِيرُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ إنْ قَتَلَ أَبَاهُ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَتَكُونُ لَهُ مِيرَاثًا فَتَنَبَّهْ (وَلَوْ) (وُجِدَ فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ أَوْ دَارٍ كَذَلِكَ) يَعْنِي مَوْقُوفَةً (عَلَى أَرْبَابٍ مَعْلُومَةٍ فَالْقَسَامَةُ   [رد المحتار] لِأَنَّهَا لَمَّا وَجَبَتْ عَلَى غَيْرِ الْمُبَاشِرِ فَعَلَى الْمُبَاشِرِ أَوْلَى وَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارِ امْرَأَةٍ فِي مِصْرٍ لَيْسَ فِيهِ مِنْ عَشِيرَتِهَا أَحَدٌ أَمَّا إذَا كَانَتْ عَشِيرَتُهَا حُضُورًا تَدْخُلُ مَعَهَا الْقَسَامَةَ اهـ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ وُجِدَ قَتِيلٌ إلَخْ) هَذَا فِي الْحُرِّ أَمَّا الْمُكَاتَبُ إذَا وُجِدَ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ فَهَدَرٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّ حَالَ ظُهُورِ قَتْلِهِ بَقِيَتْ الدَّارُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَنْفَسِخُ إذَا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ لِجُعْلٍ كَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فِيهَا فَهَدَرَ دَمُهُ عِنَايَةٌ وَغُرَرُ الْأَفْكَارِ، ثُمَّ هَذَا حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ اللُّصُوصَ قَتَلَتْهُ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ بَابِ الشَّهِيدِ فِي الْجَنَائِزِ، لَوْ نَزَلَ عَلَيْهِ اللُّصُوصُ لَيْلًا فِي الْمِصْرِ، فَقُتِلَ بِسِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، لِأَنَّ الْقَتِيلَ لَمْ يُخَلِّفْ بَدَلًا هُوَ مَالٌ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ: وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ فِي بَيْتِهِ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ قَاتِلٌ مُعَيَّنٌ مِنْهُمْ، لِعَدَمِ وُجُودِهِمْ فَإِنَّهُ لَا قَسَامَةَ، وَلَا دِيَةَ عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّهُمَا لَا يَجِبَانِ إلَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ الْقَاتِلُ، وَهُنَا قَدْ عُلِمَ أَنَّ قَاتِلَهُ اللُّصُوصُ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِمْ لِفِرَارِهِمْ، فَلْيُحْفَظْ هَذَا فَإِنَّ النَّاسَ عَنْهُ غَافِلُونَ اهـ أَقُولُ: يَشْمَلُ أَيْضًا مَنْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ فِي غَيْرِ بَيْتِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ) وَقِيلَ عَلَى عَاقِلَتِهِ إذَا اخْتَلَفَتْ عَاقِلَتُهُ وَعَاقِلَةُ وَرَثَتِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَسَامَةَ فِي الْأَصْلِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا تَجِبُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ تَجِبُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ اهـ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا إلَخْ) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَيْضًا أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ تَبَعًا لِمَا رَجَّحَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ) حَيْثُ قَالَ: وَالْحَقُّ هَذَا لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ حَالَ ظُهُورِ الْقَتْلِ، فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَكَانَ هَدَرًا، وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ لِلْوَرَثَةِ فَالْعَاقِلَةُ إنَّمَا يَتَحَمَّلُونَ إلَخْ قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَبِهِ أَيْ بِقَوْلِهِمَا تَأْخُذُ اهـ (قَوْلُهُ وَخَالَفَهُمْ ابْنُ الْكَمَالِ) حَيْثُ جَزَمَ فِي مَتْنِهِ بِقَوْلِ الْإِمَامِ وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بَلْ رَدَّ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لَا يُقَالُ الْمُشْعِرُ بِالسُّقُوطِ رَأْسًا وَكَذَا تَبِعَ الْهِدَايَةَ وَشُرُوحَهَا فِي تَأْخِيرِ دَلِيلِ الْإِمَامِ الْمُتَضَمِّنِ لِنَقْضِ دَلِيلِهِمَا مَعَ دَفْعِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ وَكَيْفَ لَا وَالْمُتُونُ عَلَى قَوْلِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَا يُمْكِنُ الْإِيجَابُ عَلَى الْوَرَثَةِ) أَيْ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ فَإِنَّ مَا لَزِمَ الْعَاقِلَةَ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْإِيجَابِ عَلَيْهِمْ ابْتِدَاءً بَلْ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ وَإِنَّمَا أَصْلُ الْإِيجَابِ عَلَى الْوَرَثَةِ، كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ إنَّمَا يَتَحَمَّلُونَ إلَخْ، وَقِيلَ: إنَّهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ابْتِدَاءً وَهُوَ خِلَافُ الصَّحِيحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْجِنَايَاتِ فِي فَصْلٍ فِي الْفِعْلَيْنِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ إلَخْ) جَوَابُ قَوْلِهِ لَا يُقَالُ وَفِي هَذَا الْجَوَابِ عَمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ قَبْلَ وَرَقَةٍ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ يُقَالُ لَمَّا كَانَ هُوَ لِنَفْسِهِ لَا يَدِي فَغَيْرُهُ بِالْأَوْلَى لِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ اهـ فَيُقَالُ إذَا كَانَ الْإِيجَابُ لِنَفْسِهِ أَصَالَةً فَكَيْفَ يَدِي عَنْهَا فَلَا شُبْهَةَ أَصْلًا (قَوْلُهُ حَتَّى تُقْضَى مِنْهُ إلَخْ) أَيْ مِنْ الْوَاجِبِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْإِيجَابِ، وَأَجَابَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْضًا بِأَنَّ الْعَاقِلَةَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ وَرَثَةً أَوْ غَيْرَ وَرَثَةٍ فَمَا وَجَبَ عَلَى غَيْرِ الْوَرَثَةِ مِنْ الْعَاقِلَةِ يَجِبُ لِلْوَرَثَةِ مِنْهُمْ، وَهَذَا لِأَنَّ عَاقِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلُ دِيوَانِهِ عِنْدَنَا اهـ (قَوْلُهُ فَتَنَبَّهْ) أَيْ لِوَجْهِ الْمُخَالَفَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 638 وَالدِّيَةُ عَلَى أَرْبَابِهَا) لِأَنَّ تَدْبِيرَهُ إلَيْهِمْ (وَإِنْ كَانَتْ) الْأَرْضُ أَوْ الدَّارُ (مَوْقُوفَةً عَلَى الْمَسْجِدِ فَهُوَ كَمَا لَوْ وُجِدَ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ زَيْلَعِيٌّ وَدُرَرٌ وَسِرَاجِيَّةٌ وَغَيْرُهَا وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ. قُلْت: التَّقْيِيدُ بِكَوْنِ الْأَرْبَابِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ مَعْلُومِينَ لِيَخْرُجَ غَيْرُ الْمَعْلُومِينَ كَمَا لَوْ كَانَ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الدِّيَةَ تَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ مَا أُعِدَّ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَأَشْبَهَ الْجَامِعَ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ بَحْثًا (وَلَوْ وُجِدَ فِي مُعَسْكَرٍ فِي فَلَاةٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ فَفِي الْخَيْمَةِ وَالْفُسْطَاطِ عَلَى مَنْ يَسْكُنُهُمَا وَفِي خَارِجِهِمَا) أَيْ الْخَيْمَةِ وَالْفُسْطَاطِ (وَإِنْ كَانُوا) أَيْ سَاكِنُو خَارِجِهَا (قَبَائِلَ فَعَلَى قَبِيلَةٍ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِيهَا وَلَوْ بَيْنَ الْقَبِيلَتَيْنِ كَانَ) حُكْمُهُ (كَمَا) مَرَّ (بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ) وَلَوْ نَزَلُوا جُمْلَةً مُخْتَلِفَتَيْنِ فَعَلَى كُلِّ الْعَسْكَرِ وَلَوْ كَانُوا قَدْ قَاتَلُوا عَدُوًّا فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ مُلْتَقًى (وَلَوْ) كَانَتْ الْأَرْضُ الَّتِي نَزَلَ الْعَسْكَرُ (مَمْلُوكَةً فَعَلَى الْمَالِكِ) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُمْ سُكَّانٌ وَلَا يُزَاحِمُونَ الْمَالِكَ فِي الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ دُرَرٌ لَكِنْ فِي الْمُلْتَقَى خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَتَنَبَّهْ (وَ) فِيهَا (لَوْ وُجِدَ فِي قَرْيَةٍ لِأَيْتَامٍ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَيْتَامِ قَسَامَةٌ وَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ) لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ (وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُدْرِكٌ فَعَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ وَلْوَالِجِيَّةٌ. [فُرُوعٌ] لَوْ وُجِدَ فِي دَارِ صَبِيٍّ أَوْ مَعْتُوهٍ فَعَلَى عَاقِلَتِهِمَا، وَلَوْ فِي دَارِ ذِمِّيٍّ حَلَفَ خَمْسِينَ وَيَدِي مِنْ مَالِهِ   [رد المحتار] لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرِهِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ (قَوْلُهُ عَلَى أَرْبَابِهَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الدِّيَةَ تَتَحَمَّلُهَا عَنْهُمْ الْعَاقِلَةُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ وُجِدَ فِيهِ) فَالْمَوْجُودُ فِي وَقْفِ مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ أَوْ مَسْجِدِ الْجَامِعِ كَالْمَوْجُودِ فِيهِمَا، وَحُكْمُهُمَا قَدْ تَقَدَّمَ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ بَحْثًا) وَأَقَرَّهُ الرَّمْلِيُّ وَقَالَ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَفْهُومَ التَّصَانِيفِ حُجَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ وُجِدَ فِي مُعَسْكَرٍ فِي فَلَاةٍ) أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ فِي مُعَسْكَرٍ: أَقَامُوا فِي فَلَاةٍ لِأَنَّ الْمُعَسْكَرَ بِفَتْحِ الْكَافِّ مَنْزِلُ الْعَسْكَرِ وَهُوَ الْجُنْدُ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُقَالَ: فِي عَسْكَرٍ كَمَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا هُنَا فَيَصِحُّ إرَادَةُ الْمَكَانِ (قَوْلُهُ فَفِي الْخَيْمَةِ وَالْفُسْطَاطِ) أَيْ فَلَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الْخَيْمَةِ وَالْفُسْطَاطِ وَهُوَ الْخَيْمَةُ الْعَظِيمَةُ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ عَلَى مَنْ يَسْكُنُهُمَا) أَيْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ لِأَنَّهُمَا فِي يَدِهِ كَمَا فِي الدَّارِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي خَارِجِهِمَا إلَخْ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ، وَإِنْ كَانَ خَارِجًا مِنْهَا يُنْظَرُ فَإِنْ كَانُوا نَزَلُوا قَبَائِلَ مُتَفَرِّقِينَ فَعَلَى الْقَبِيلَةِ الَّتِي وُجِدَ فِيهَا الْقَتِيلُ إلَخْ، فَالْمُرَادُ كَوْنُ الْقَتِيلِ خَارِجَ الْخَيْمَةِ، وَالْفُسْطَاطِ لَا الْعَسْكَرِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَنْظُورٍ أَيْ كَوْنُهُمْ فِي الْخَارِجِ أَوْ الدَّاخِلِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ تَبَعًا لِلْمِنَحِ وَالدُّرَرِ أَيْ سَاكِنُو خَارِجَهَا فِيهِ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ فَعَلَى قَبِيلَةٍ إلَخْ) لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَزَلُوا قَبَائِلَ قَبَائِلَ فِي أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ صَارَتْ الْأَمْكِنَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَالِّ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الْمِصْرِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ) أَيْ عَلَى أَقْرَبِهِمَا وَإِنْ اسْتَوَوْا فَعَلَيْهِمَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ مُخْتَلِفَيْنِ) أَيْ مُخْتَلِطَيْنِ (قَوْلُهُ فَعَلَى كُلِّ الْعَسْكَرِ) أَيْ تَجِبُ غَرَامَةُ مَا وُجِدَ خَارِجَ الْخِيَامِ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعَدُوَّ قَتَلَهُ حَمْلًا لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّلَاحِ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ: وَهِيَ مَا إذَا اقْتَتَلَ الْمُسْلِمُونَ عَصَبِيَّةً فَأَجْلَوْا عَنْ قَتِيلٍ، فَلَيْسَ فِيهَا جِهَةُ الْحَمْلِ عَلَى الصَّلَاحِ، فَبَقِيَ حَالُ الْقَتْلِ مُشْكِلًا، فَأَوْجَبْنَا الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ لِوُرُودِ النَّصِّ بِإِضَافَةِ الْقَتْلِ إلَيْهِمْ عِنْدَ الْإِشْكَالِ وَكَانَ الْعَمَلُ بِمَا وَرَدَ فِي النَّصِّ أَوْلَى عِنْدَ الِاحْتِمَالِ أَفَادَهُ فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْمُلْتَقَى) اسْتَدْرَكَ عَلَى قَوْلِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي الْهِدَايَةِ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَحَلَّةِ وَالدَّارِ مِنْ أَنَّ السُّكَّانَ يُشَارِكُونَ الْمُلَّاكَ، وَعَلَى مَا فِي الدُّرَرِ يَحْتَاجُ أَبُو يُوسُفَ إلَى الْفَرْقِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ نُزُولَ الْعَسْكَرِ هُنَا لِلِارْتِحَالِ، فَلَا يُعْتَبَرُ وَالنُّزُولُ فِي الدَّارِ لِلْقَرَارِ فَيُعْتَبَرُ (قَوْلُهُ وَفِيهَا) اُنْظُرْ مَا مَرْجِعُ الضَّمِيرِ فَإِنِّي لَمْ أَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الدُّرَرِ وَلَا فِي الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ وَهِيَ عَاقِلَتُهُمْ) وَكَذَا الدِّيَةُ وَهُوَ ظَاهِرٌ ط (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ) أَيْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الدِّيَةَ تَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ عَاقِلَتُهُ، وَهَلْ عَلَيْهِ الْكُلُّ أَوْ تُقَسَّمُ عَلَى الرُّءُوسِ كَمَا مَرَّ فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ يُحَرَّرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 639 وَلَوْ تَعَاقَلُوا، فَعَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَوْ مَرَّ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةٍ فَأَصَابَهُ سَهْمٌ أَوْ حَجَرٌ وَلَمْ يُدْرَ مِنْ أَيْنَ وَمَاتَ مِنْهُ فَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ سِرَاجِيَّةٌ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: وُجِدَ بَهِيمَةٌ أَوْ دَابَّةٌ مَقْتُولَةٌ فَلَا شَيْءَ فِيهَا وَإِنْ وُجِدَ مُكَاتَبٌ أَوْ مُدَبَّرٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ قَتِيلًا فِي مَحَلَّةٍ فَالْقَسَامَةُ وَالْقِيمَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَوْ وُجِدَ الْعَبْدُ قَتِيلًا فِي دَارِ مَوْلَاهُ فَهَدَرٌ إلَّا مَدْيُونًا فَقِيمَتُهُ عَلَى مَوْلَاهُ لِغُرَمَائِهِ حَالَّةً وَإِلَّا مُكَاتَبًا فَقِيمَتُهُ عَلَى مَوْلَاهُ مُؤَجَّلَةً وَلَوْ وُجِدَ الْمَوْلَى قَتِيلًا فِي دَارِ مَأْذُونٍ مَدْيُونًا أَوْ لَا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى وَلَوْ وُجِدَ الْحُرُّ قَتِيلًا فِي دَارِ أَبِيهِ أَوْ إمَاءٌ أَوْ الْمَرْأَةُ فِي دَارِ زَوْجِهَا فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا يُحْرَمُ مِنْ الْمِيرَاثِ اهـ. كِتَابُ الْمَعَاقِلِ (هِيَ جَمْعُ مَعْقِلٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَضَمٍّ (وَالدِّيَةُ) تُسَمَّى عَقْلًا لِأَنَّهَا تَعْقِلُ الدِّمَاءَ مِنْ أَنْ تُسْفَكَ أَيْ تُمْسِكُهُ وَمِنْهُ الْعَقْلُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْقَبَائِحَ (وَالْعَاقِلَةُ أَهْلُ الدِّيوَانِ)   [رد المحتار] ثُمَّ رَأَيْت فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ الْكَافِي أَنَّ الْقَسَامَةَ عَلَى الْمُدْرِكِ، وَتُكَرَّرُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ، وَعَلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ مِنْهُمْ الدِّيَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَتَمَامُهُ فِيهَا [فُرُوعٌ وُجِدَ الْقَتِيل فِي دَارِ صَبِيٍّ أَوْ مَعْتُوه] (قَوْلُهُ وَلَوْ تَعَاقَلُوا) أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ فَلَا شَيْءَ فِيهَا) أَيْ لَا غَرَامَةَ وَلَا قَسَامَةَ لِوُرُودِ النَّصِّ فِي الْآدَمِيِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ فِي دَارِ مَوْلَاهُ) أَمَّا فِي غَيْرِ مِلْكِ مَوْلَاهُ فَتَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَتُؤْخَذُ الْقِيمَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ فَقِيمَتُهُ عَلَى مَوْلَاهُ إلَخْ) أَيْ فِي مَالِهِ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَالِيَّتِهِ وَجَعَلْنَاهُ كَأَنَّهُ أَهْلَكَهُ وَلْوَالِجِيَّةٌ (قَوْلُهُ عَلَى مَوْلَاهُ) أَيْ دُونَ الْعَاقِلَةِ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ مُؤَجَّلَةً) أَيْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ تُقْضَى مِنْهَا كِتَابَتُهُ وَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ وَمَا بَقِيَ يَكُونُ مِيرَاثًا عَنْهُ لِوَرَثَتِهِ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى) أَيْ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) أَيْ عَاقِلَةِ رَبِّ الدَّارِ وَعِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، وَأَنَّ الْقَسَامَةَ عَلَى رَبِّ الدَّارِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عَاقِلَتِهِ حَاضِرُونَ، فَتَكُونُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَإِذَا وُجِدَ الرَّجُلُ قَتِيلًا فِي دَارِ الْأَبِ أَوْ الْأَخِ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْوَارِثَ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْمَعَاقِلِ] ِ كَذَا تَرْجَمَ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ جَمْعَ مَعْقُلَةٍ: وَهِيَ الدِّيَةُ لَزِمَ التَّكْرَارُ، لِأَنَّ أَقْسَامَ الدِّيَاتِ مَرَّ مُسْتَوْفًى وَالْمَقْصُودُ هُنَا بَيَانُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ بِأَنْوَاعِهِمْ وَأَحْكَامِهِمْ وَهُمْ الْعَاقِلَةُ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُتَرْجِمَ بِالْعَوَاقِلِ لِأَنَّهُ جَمْعُ عَاقِلَةٍ طُورِيٌّ وشُرُنْبُلالِيَّة (قَوْلُهُ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ) كَمَكَارِمٍ جَمْعُ مَكْرُمَةٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَعْقِلُ الدِّمَاءَ مِنْ أَنْ تُسْفَكَ) أَوْ لِأَنَّ الْإِبِلَ كَانَتْ تُعْقَلُ بِفِنَاءِ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ ثُمَّ عَمَّ هَذَا الِاسْمُ، فَسُمِّيَتْ الدِّيَةُ مَعْقُلَةً، وَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْ تُمْسِكُهُ) الْأَوْلَى تُمْسِكُهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِدُونِ ضَمِيرٍ (قَوْلُهُ وَالْعَاقِلَةُ أَهْلُ الدِّيوَانِ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الدِّيوَانُ الْجَرِيدَةُ مِنْ دَوَّنَ الْكُتُبَ إذَا جَمَعَهَا، لِأَنَّهَا قِطَعٌ مِنْ الْقَرَاطِيسِ مَجْمُوعَةٌ وَيُرْوَى أَنَّ عُمَرَ أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ أَيْ رَتَّبَ الْجَرَائِدَ لِلْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ وَيُقَالُ فُلَانٌ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ أَيْ مِمَّنْ أَثْبَتَ اسْمَهُ فِي الْجَرِيدَةِ اهـ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ فَرَضَ الْمَعَاقِلَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ فَرَضَ الدِّيوَانَ، وَجَعَلَ الْعَقْلَ فِيهِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى عَشِيرَةِ الرَّجُلِ فِي أَمْوَالِهِمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 640 وَهُمْ الْعَسْكَرُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: أَهْلُ الْعَشِيرَةِ وَهُمْ الْعَصَبَاتُ (لِمَنْ هُوَ مِنْهُمْ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ كُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ) خَرَجَ مَا انْقَلَبَ مَا لَا يَصْلُحُ أَوْ بِشُبْهَةٍ كَقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ عَمْدًا فَدِيَتُهُ فِي مَالِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْجِنَايَاتِ (فَتُؤْخَذُ مِنْ عَطَايَاهُمْ) أَوْ مِنْ أَرْزَاقِهِمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَطِيَّةِ وَالرِّزْقِ أَنَّ الرِّزْقَ مَا يُفْرَضُ فِي بَيْتِ الْمَالِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْكِفَايَةِ مُشَاهَرَةً أَوْ مُيَاوَمَةً وَالْعَطَاءُ مَا يُفْرَضُ فِي كُلِّ سَنَةٍ لَا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ بَلْ بِصَبْرِهِ وَعَنَائِهِ فِي أَمْرِ الدِّينِ (فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ وَكَذَا مَا تَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ عَمْدًا بِأَنْ قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ يُؤْخَذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ حَالًا (فَإِنْ خَرَجَتْ الْعَطَايَا فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ أَوْ أَقَلَّ تُؤْخَذُ مِنْهُ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) الْقَاتِلُ (مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ فَعَاقِلَتُهُ قَبِيلَتُهُ) وَأَقَارِبُهُ   [رد المحتار] وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ تَغْيِيرًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ، بَلْ تَقْرِيرًا لَهُ لِأَنَّهُ عُرِفَ أَنَّ عَشِيرَتَهُ كَانُوا يَتَحَمَّلُونَ بِطَرِيقِ النُّصْرَةِ فَلَمَّا كَانَ التَّنَاصُرُ بِالرَّايَاتِ جُعِلَ الْعَقْلُ عَلَيْهِمْ، حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِمْ التَّنَاصُرُ اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ طَعَنَ بَعْضُ الْمُلْحِدِينَ وَقَالَ لَا جِنَايَةَ مِنْ الْعَاقِلَةِ، فَتَكُونُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . قُلْنَا إيجَابُهَا عَلَيْهِمْ مَشْهُورٌ ثَبَتَ بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَيُزَادُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ عَلَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ يَتَحَمَّلُونَ بِاعْتِبَارِ تَقْصِيرِهِمْ وَتَرْكِهِمْ حِفْظَهُ وَمُرَاقَبَتَهُ وَخُصُّوا بِالضَّمِّ، لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَّرَ لِفَوْتِهِ بِأَنْصَارِهِ فَكَانُوا هُمْ الْمُقَصِّرِينَ، وَكَانُوا قِبَلَ الشَّرْعِ يَتَحَمَّلُونَ عَنْهُ تَكَرُّمًا وَاصْطِنَاعًا بِالْمَعْرُوفِ، فَالشَّرْعُ قَرَّرَ ذَلِكَ وَتُوجَدُ هَذِهِ الْعَادَةُ بَيْنَ النَّاسِ فَإِنَّ مَنْ لَحِقَهُ خُسْرَانٌ مِنْ سَرِقَةٍ أَوْ حَرْقٍ يَجْمَعُونَ لَهُ مَالًا لِهَذَا الْمَعْنَى اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَهُمْ الْعَسْكَرُ) أَيْ الْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا الْعَسْكَرُ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: فَالنِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ مِمَّنْ لَهُ حَظٌّ فِي الدِّيوَانِ وَكَذَا الْمَجْنُونُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ مِنْ الدِّيَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي دُخُولِهِمْ لَوْ بَاشَرُوا الْقَتْلَ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي الْغَرَامَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ يُشَارِكُونَ الْعَاقِلَةَ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ التَّبْيِينِ اهـ (قَوْلُهُ لِمَنْ هُوَ مِنْهُمْ) أَيْ يَعْقِلُونَ لِقَاتِلٍ هُوَ مِنْهُمْ قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ فَإِنْ كَانَ غَازِيًا فَعَاقِلَتُهُ مَنْ يُرْزَقُ مِنْ دِيوَانِ الْغُزَاةِ، وَإِنْ كَانَ كَاتِبًا فَعَاقِلَتُهُ مَنْ يُرْزَقُ مِنْ دِيوَانِ الْكُتَّابِ اهـ وَقَيَّدَهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى كالقهستاني بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ مِصْرِهِمْ، لَا مِنْ مِصْرٍ آخَرَ وَقِيلَ مُطْلَقًا. قُلْت: وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَا يَعْقِلُ أَهْلُ مِصْرٍ لِأَهْلِ مِصْرٍ آخَرَ إذَا كَانَ لِأَهْلِ مِصْرٍ دِيوَانٌ عَلَى حِدَةٍ، وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا إذَا كَانَ دِيوَانُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمِصْرَيْنِ مُخْتَلِفًا لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ التَّنَاصُرُ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ دِيوَانُهُمَا وَاحِدًا وَكَانَ الْجَانِي مِنْ أَهْلِ دِيوَانِ ذَلِكَ الْمِصْرِ الْآخَرِ يَعْقِلُ عَنْهُ أَهْلُ ذَلِكَ الْمِصْرِ (قَوْلُهُ خَرَجَ مَا انْقَلَبَ مَالًا إلَخْ) أَيْ خَرَجَ الْقَتْلُ الَّذِي انْقَلَبَ مُوجَبُهُ إلَى الْمَالِ بِعَارِضِ صُلْحٍ أَوْ شُبْهَةٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَجِبْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ فَلَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ فَتُؤْخَذُ مِنْ عَطَايَاهُمْ أَوْ مِنْ أَرْزَاقِهِمْ) أَيْ لَا مِنْ أُصُولِ أَمْوَالِهِمْ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ كَانَتْ عَاقِلَةُ رَجُلٍ أَصْحَابَ الرِّزْقِ يُقْضَى بِالدِّيَةِ فِي أَرْزَاقِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، لِأَنَّ الرِّزْقَ فِي حَقِّهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْعَطَاءِ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ تَخْرُجُ أَرْزَاقُهُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَكُلَّمَا خَرَجَ رِزْقٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ الثُّلُثُ بِمَنْزِلَةِ الْعَطَاءِ أَوْ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ سُدُسُ الدِّيَةِ أَوْ فِي كُلِّ شَهْرٍ يُؤْخَذُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الشَّهْرِ حَتَّى يَكُونَ الْمُسْتَوْفَى فِي كُلِّ سَنَةٍ مِقْدَارَ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ أَرْزَاقٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ عَطِيَّةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ فُرِضَتْ فِي الْأَعْطِيَةِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ، لِأَنَّ الْأَعْطِيَةَ أَكْثَرُ وَالرِّزْقَ لِكِفَايَةِ الْوَقْتِ فَتَعَسَّرَ الْأَدَاءُ مِنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ إلَخْ) وَقِيلَ الْعَطِيَّةُ مَا يُفْرَضُ لِلْمُقَاتِلِ وَالرِّزْقُ مَا يُجْعَلُ لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يَكُونُوا مُقَاتِلِينَ وَنَظَرَ فِيهِ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) اعْلَمْ أَنَّ الْوَاجِبَ إذَا كَانَ ثُلُثَ الدِّيَةِ، أَوْ أَقَلَّ يَجِبُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ هِدَايَةٌ، وَفِيهَا: لَوْ قَتَلَ عَشَرَةٌ رَجُلًا خَطَأً فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ (قَوْلُهُ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ) أَيْ بِالدِّيَةِ لَا مِنْ يَوْمِ الْقَتْلِ وَالْجِنَايَةِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ غُرَرُ الْأَفْكَارِ (قَوْلُهُ فَإِنْ خَرَجَتْ الْعَطَايَا إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْمَجْمَعِ وَدُرَرِ الْبِحَارِ أَنَّهَا تُؤْخَذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، سَوَاءٌ خَرَجَتْ فِي أَقَلَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 641 وَكُلُّ مَنْ يَتَنَاصَرُ هُوَ بِهِ تَنْوِيرُ الْبَصَائِرِ. (وَتُقَسَّمُ) الدِّيَةُ (عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَا يُؤْخَذُ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَّا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَثُلُثٌ وَلَمْ تَزِدْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى أَرْبَعَةٍ) عَلَى الْأَصَحِّ ثُمَّ السِّنِينَ بِمَعْنَى الْعَطِيَّاتِ قُهُسْتَانِيُّ فَلْيُحْفَظْ (فَإِنْ لَمْ تَسْعَ الْقَبِيلَةُ لِذَلِكَ ضُمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ نَسَبًا عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ وَالْقَاتِلُ) عِنْدَنَا (كَأَحَدِهِمْ وَلَوْ) الْقَاتِلُ (امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا   [رد المحتار] أَوْ أَكْثَرَ قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ إنْ أُعْطِيت الْعَطَايَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مُسْتَقْبِلَةٍ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ فِي أَرْبَعِ سِنِينَ تُؤْخَذُ الدِّيَةُ كُلُّهَا مِنْهَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أَرْبَعِ سِنِينَ، لِأَنَّ وُجُوبَهَا فِي الْعَطَاءِ لِلتَّخْفِيفِ، وَذَا حَاصِلٌ فِي أَيِّ وَقْتٍ أُخِذَ، فَعَلَى هَذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ ثَلَاثَ أَعْطِيَةٍ، وَلَوْ اجْتَمَعَتْ عَطَايَا سِنِينَ مَاضِيَةٍ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ، ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا تُؤْخَذُ مِنْهَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالْقَضَاءِ اهـ أَقُولُ: فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْعَطَاءِ وَالرِّزْقِ فَإِنَّ الرِّزْقَ إذَا خَرَجَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ يُؤْخَذُ بِقَدْرِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَالسِّنِينَ فِيهِ عَلَى حَقِيقَتِهَا، بِخِلَافِ الْعَطَاءِ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِالْفَرْقِ فِي الْمُجْتَبَى مُعَلَّلًا بِأَنَّ الرِّزْقَ لَمَّا كَانَ مُقَدَّرًا بِالْكِفَايَةِ، لَزِمَ الْخَرْجُ بِالْأَخْذِ مِنْهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَنْ يَتَنَاصَرُ هُوَ بِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ: وَيَعْقِلُ أَهْلُ كُلِّ مِصْرٍ عَنْ أَهْلِ سَوَادِهِمْ، لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ لِأَهْلِ الْمِصْرِ، فَإِنَّهُمْ إذَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ اسْتَنْصَرُوا بِهِمْ فَيَعْقِلُونَهُمْ أَهْلُ الْمِصْرِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْقُرْبِ وَالنُّصْرَةِ، وَمَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بِالْبَصْرَةِ وَدِيوَانُهُ بِالْكُوفَةِ عَقَلَ عَنْهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ، لِأَنَّهُ يَسْتَنْصِرُ بِأَهْلِ دِيوَانِهِ لَا بِجِيرَانِهِ أَنَّهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاسْتِنْصَارَ بِالدِّيوَانِ أَظْهَرُ فَلَا يَظْهَرُ مَعَهُ حُكْمُ النُّصْرَةِ بِالْقَرَابَةِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ، وَقُرْبِ السُّكْنَى، وَبَعْدَ الدِّيوَانِ النُّصْرَةُ بِالنَّسَبِ، وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ كَثِيرٌ مِنْ مَسَائِلِ الْمَعَاقِلِ مِنْهَا أَخَوَانِ دِيوَانُ أَحَدِهِمَا بِالْبَصْرَةِ، وَدِيوَانُ الْآخَرِ بِالْكُوفَةِ لَا يَعْقِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ وَإِنَّمَا يَعْقِلُ عَنْهُ دِيوَانُهُ، وَمَنْ جَنَى جِنَايَةً مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَلَيْسَ لَهُ فِي أَهْلِ الدِّيوَانِ عَطَاءٌ، وَأَهْلُ الْبَادِيَةِ أَقْرَبُ إلَيْهِ نَسَبًا وَمَسْكَنُهُ الْمِصْرُ عَقَلَ عَنْهُ أَهْلُ الدِّيوَانِ مِنْ ذَلِكَ الْمِصْرِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ الدِّيوَانِ قَرَابَةٌ لِأَنَّ أَهْلَ الدِّيوَانِ هُمْ، الَّذِينَ يَذُبُّونَ عَنْ أَهْلِ الْمِصْرِ، وَيَقُومُونَ بِنُصْرَتِهِمْ، وَقِيلَ إذَا لَمْ يَكُونُوا قَرِيبًا لَهُ لَا يَعْقِلُونَهُ وَإِنَّمَا يَعْقِلُونَهُ إذَا كَانُوا قَرِيبًا لَهُ وَلَهُ فِي الْبَادِيَةِ أَقْرَبُ مِنْهُمْ نَسَبًا، لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِحُكْمِ الْقَرَابَةِ، وَأَهْلُ الْمِصْرِ أَقْرَبُ مِنْهُمْ مَكَانًا فَكَانَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى النُّصْرَةِ لَهُمْ، وَصَارَ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ اهـ أَيْ أَنَّ لِلْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ أَنْ يُزَوِّجَ إذَا كَانَ الْأَقْرَبُ غَائِبًا عِنَايَةٌ وَذَكَرَ الْأَتْقَانِيُّ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِي أَصَحُّ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) وَقِيلَ يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَلَاثُ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةٌ كَمَا فِي الْمُنْتَفَى (قَوْلُهُ ثُمَّ السِّنِينَ إلَخْ) كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَهُ بِالْفَاءِ عَقِبَ قَوْلِهِ: فَإِنْ خَرَجَتْ الْعَطَايَا إلَخْ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَسْمَعْ الْقَبِيلَةُ لِذَلِكَ) أَيْ بِأَنْ تَكُونَ قَلَائِلَ، فَتَصِيرُ الْحِصَّةُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ دُرٌّ مُنْتَقًى ثُمَّ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا تَتَّسِعُ بِتَاءَيْنِ فِي أَوَّلِهِ، فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ التَّعْبِيرُ بِهِ أَوْ حَذْفُ اللَّامِ مِنْ قَوْلِهِ لِذَلِكَ وَالْقَبِيلَةُ غَيْرُ قَيْدٍ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَعَلَى هَذَا حُكْمُ الرَّايَاتِ إذَا لَمْ تَتَّسِعْ لِذَلِكَ أَهْلُ رَايَةٍ ضُمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الرَّايَاتِ يَعْنِي أَقْرَبَهُمْ نُصْرَةً إذَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ: الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَيُفَوَّضُ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَالِمُ بِهِ اهـ (قَوْلُهُ عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ) فَيُقَدَّمُ الْإِخْوَةُ ثُمَّ بَنُوهُمْ ثُمَّ الْأَعْمَامُ ثُمَّ بَنُوهُمْ مَثَلًا إذَا كَانَ الْجَانِي مِنْ أَوْلَادِ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَمْ يَتَّسِعْ حَيُّهُ لِذَلِكَ ضُمَّ إلَيْهِ قَبِيلَةُ الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثُمَّ بَنُوهُمْ فَإِنْ لَمْ تَتَّسِعْ هَاتَانِ الْقَبِيلَتَانِ لَهُ ضُمَّ عَقِيلٌ ثُمَّ بَنُوهُمْ كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ وَآبَاءُ الْقَاتِلِ وَأَبْنَاؤُهُ لَا يَدْخُلُونَ فِي الْعَاقِلَةِ وَقِيلَ يَدْخُلُونَ، وَلَيْسَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَاقِلًا لِلْآخَرِ وَتَمَامُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ وَالْقَاتِلُ عِنْدَنَا كَأَحَدِهِمْ) يَعْنِي إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَطَاءِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الدِّيَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 642 أَوْ مَجْنُونًا) فَيُشَارِكَهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ زَيْلَعِيٌّ (وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ قَبِيلَةُ سَيِّدِهِ) وَيَعْقِلُ عَنْ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ مَوْلَاهُ وَقَبِيلَةُ مَوْلَاهُ. (وَ) اعْلَمْ أَنَّهُ (لَا تَعْقِلُ عَاقِلَةٌ جِنَايَةَ عَبْدٍ وَلَا عَمْدٍ) وَإِنْ سَقَطَ قَوَدُهُ بِشُبْهَةٍ أَوْ قَتَلَهُ ابْنُهُ عَمْدًا كَمَا مَرَّ (وَلَا مَا لَزِمَ بِصُلْحٍ أَوْ اعْتِرَافٍ) وَلَا مَا دُونَ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ وَعَمْدًا وَلَا عَبْدًا   [رد المحتار] عِنْدَنَا أَيْضًا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ فَيُشَارِكُهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ) تَقَدَّمَ فِي الْقَسَامَةِ أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَمَشَى فِي الْهِدَايَةِ هَذَا عَلَى عَدَمِ الْمُشَارَكَةِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ أَصْلُ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ اهـ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْعِنَايَةِ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ امْرَأَةٍ فَأَدْخَلَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ مَعَ الْعَاقِلَةِ لِتَقْدِيرِهَا قَاتِلَةً بِسَبَبِ وُجُوبِ الْقَسَامَةِ أَمَّا مَا هُنَا وَفِيمَا إذَا كَانَتْ قَاتِلَةً حَقِيقَةً، الْفَرْقُ أَنَّ الْقَسَامَةَ تَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ الدِّيَةِ عَلَى الْمُقْسِمِ، إمَّا بِاسْتِقْلَالٍ أَوْ بِالدُّخُولِ فِي الْعَاقِلَةِ عِنْدَنَا بِالِاسْتِقْرَاءِ وَقَدْ تَحَقَّقَ الْمَلْزُومُ، فَتَحَقَّقَ اللَّازِمُ بِخِلَافِ الْقَتِيلِ مُبَاشَرَةً فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَسْتَلْزِمُ الدِّيَةَ اهـ مُلَخَّصًا وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافٌ تَصْحِيحٌ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قَبِيلَةُ سَيِّدِهِ) أَيْ مَعَ سَيِّدِهِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ الْبُرْهَانِ، وَعِبَارَةُ الْمُلْتَقَى وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ، وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ مَوْلَاهُ وَعَاقِلَتُهُ وَهِيَ أَخْصَرُ وَأَظْهَرُ (قَوْلُهُ جِنَايَةَ عَبْدٍ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ وَأَمَّا إذَا جَنَى حُرٌّ عَلَى نَفْسِ عَبْدٍ فَسَيَأْتِي ط (قَوْلُهُ وَلَا عَمْدٍ) أَيْ فِي النَّفْسِ أَوْ الطَّرَفِ فَإِنَّ الْعَمْدَ لَا يُوجِبُ التَّخْفِيفَ بِتَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ فَوَجَبَ الْقَوَدُ بِهِ قُهُسْتَانِيٌ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ الْعَمْدَ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا عَفَا الْأَوْلِيَاءُ، وَصَالَحَ فَإِنَّ نَصِيبَ الْبَاقِينَ يَنْقَلِبُ مَالًا وَتَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ اهـ. أَقُولُ: وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَنْ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ أَنَّهُ خِلَافُ الرِّوَايَةِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَاَلَّذِي فِي سَائِرِ الْكُتُبِ أَنَّهُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ أَوْ قَتَلَهُ ابْنُهُ عَمْدًا) الْأَوْلَى كَقَتْلِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِيمَا مَرَّ آنِفًا لِيَكُونَ تَمْثِيلًا لِلشُّبْهَةِ، وَمِنْهَا مَا إذَا قَتَلَا رَجُلًا وَأَحَدُهُمَا صَبِيٌّ أَوْ مَعْتُوهٌ وَالْآخَرُ عَاقِلٌ بَالِغٌ أَوْ أَحَدُهُمَا بِحَدِيدٍ وَالْآخَرُ بِعَصًا (قَوْلُهُ وَلَا مَا لَزِمَ بِصُلْحٍ) أَيْ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ اهـ ط فَإِنَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ حَالًّا إلَّا إذَا أُجِّلَ قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ أَوْ اعْتِرَافٍ) أَيْ بِقَتْلٍ خَطَأٍ فَإِنَّهُ عَلَى الْمُقِرِّ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ وَلَا مَا دُونَ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ) أَيْ مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ، وَهَذَا خَاصٌّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، أَمَّا بَدَلُ النَّفْسِ فَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَإِنْ قَلَّ كَمَا لَوْ قَتَلَ مِائَةُ رَجُلٍ حُرًّا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِائَةُ دِرْهَمٍ، أَوْ قَتَلَ رَجُلٌ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ مَثَلًا لَزِمَتْ الْعَاقِلَةَ لِأَنَّ بَدَلَ النَّفْسِ ثَبَتَ بِالنَّصِّ وُجُوبُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْعِنَايَةِ وَالْكِفَايَةِ. [تَنْبِيهٌ] قَدَّمَ الشَّارِحُ قُبَيْلَ فَصْلِ الْجَنِينِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ حُكُومَةَ الْعَدْلِ لَا تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ مُطْلَقًا: أَيْ وَإِنْ بَلَغَتْ أَرْشَ الْمُوضِحَةِ وَذَكَرَ الْأَتْقَانِيُّ عَنْ الْكَرْخِيِّ، أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ جِنَايَةً وَقَعَتْ جِنَايَةً وَقَعَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَالدِّيَةُ فِي مَالِ الْجَانِي (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) ذَكَرَهُ فُقَهَاؤُنَا فِي كُتُبِهِمْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا لَكِنْ قِيلَ إنَّهُ مِنْ كَلَامِ الشَّعْبِيِّ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَيْسَ بِحَدِيثٍ كَمَا تَوَهَّمَ الْجَوْهَرِيُّ مَعْنَاهُ: أَنْ يَجْنِيَ الْحَرُّ عَلَى الْعَبْدِ لَا الْعَبْدُ عَلَى حُرٍّ كَمَا تَوَهَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَعْنَى عَلَى مَا تَوَهَّمَ، لَكَانَ الْكَلَامُ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَنْ عَبْدٍ، وَلَمْ يَكُنْ وَلَا تَعْقِلُ عَبْدًا. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ كَلَّمْت فِي ذَلِكَ أَبَا يُوسُفَ بِحَضْرَةِ الرَّشِيدِ، فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ عَقَلْته وَعَقَلْت عَنْهُ حَتَّى فَهِمْته اهـ أَيْ لِأَنَّهُ يُقَالُ عَقَلْت الْقَتِيلَ إذَا أَعْطَيْت دِيَتَهُ وَعَقَلْت عَنْ فُلَانٍ إذَا لَزِمَتْهُ دِيَةٌ فَأَعْطَيْتهَا عَنْهُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَقَلْته يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى عَقَلْت عَنْهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَمْدًا وَكَذَا السِّيَاقُ، وَهُوَ وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا لِأَنَّ مَعْنَاهُ عَنْ عَمْدٍ، وَعَنْ صُلْحٍ وَعَنْ اعْتِرَافٍ تَأَمَّلْ. وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ مِنْ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ، وَالْأَصْلُ عَنْ عَبْدٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 643 وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ» بَلْ الْجَانِي " (إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِي إقْرَارِهِ أَوْ تَقُومَ حُجَّةٌ) وَإِنَّمَا قُبِلَتْ بِالْبَيِّنَةِ هُنَا مَعَ الْإِقْرَارِ مَعَ أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ مَعَهُ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ الْوُجُوبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ (وَلَوْ تَصَادَفَ الْقَاتِلُ وَأَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ عَلَى أَنَّ قَاضِي بَلَدِ كَذَا قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِالْبَيِّنَةِ وَكَذَّبَهُمَا الْعَاقِلَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إلَّا حِصَّتُهُ لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا زَيْلَعِيٌّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَصْمَ فِي ذَلِكَ هُوَ الْجَانِي؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا فَالْخَصْمُ أَبُوهُ خَانِيَةٌ. قُلْت: يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ الْخَصْمُ هُوَ الْجَانِي لَا الْعَاقِلَةُ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى: وَهِيَ أَنَّ صَبِيًّا فَقَأَ عَيْنَ صَبِيَّةٍ فَمَاتَتْ فَأَرَادَ وَلِيُّهَا تَحْلِيفَ الْعَاقِلَةِ عَلَى نَفْيِ الصَّبِيِّ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ لِأَنَّ ذَلِكَ فَرْعُ الدَّعْوَى وَهِيَ غَيْرُ مُتَوَجِّهَةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَبَقِيَ هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ الْعَاقِلَةَ، لَوْ أَقَرُّوا بِفِعْلِ الْجَانِي هَلْ يَصِحُّ إقْرَارُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ حَتَّى   [رد المحتار] وَأَقْوَى دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي مُوَطَّئِهِ بِقَوْلِهِ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ؛ عَنْ ابْن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا مَا جَنَى الْمَمْلُوكُ اهـ فَقَدْ جُعِلَ الْجَانِي مَمْلُوكًا (قَوْلُهُ بَلْ الْجَانِي) لَيْسَ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَعْقِلُ عَاقِلَةٌ جِنَايَةَ عَبْدٍ إلَخْ أَيْ بَلْ يَتَحَمَّلُ ذَلِكَ الْجَانِي وَحْدَهُ: أَيْ وَلَوْ حُكْمًا كَمَوْلَى الْعَبْدِ كَمَا أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ، أَوْ هُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَا مَا لَزِمَ بِصُلْحٍ أَوْ اعْتِرَافٍ وَأَتَى بِهِ لِيَرْبِطَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ أَوْ تَقُومُ حُجَّةٌ) هَذَا إذَا أَقَامَهَا قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ بِهَا الْقَاضِي أَيْ بِالدِّيَةِ عَلَى الْمُقِرِّ، أَمَّا لَوْ قَضَى بِهَا فِي مَالِهِ ثُمَّ أَقَامَهَا لِيُحَوِّلَهَا إلَى الْعَاقِلَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَالَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ قَضَاءَهُ بِبَيِّنَتِهِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ اهـ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) مُتَعَلِّقٌ بِثَابِتٍ وَضَمِيرٍ وَهُوَ عَائِدٌ عَلَى مَا (قَوْلُهُ وَلَا عَلَيْهِ فِي مَالِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَالضَّمِيرُ لِلْقَاتِلِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا) عِلَّةٌ لِلُزُومِ الْقَاتِلِ حِصَّةً فَقَطْ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْ جَمِيعُ الدِّيَةِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ التَّصْدِيقُ مِنْ الْوَلِيِّ بِالْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْأُولَى وَقَدْ وُجِدَ هُنَا فَافْتَرَقَا أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ) أَيْ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ لَا الْعَاقِلَةِ) هَذَا لَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ، لَكِنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مَفْهُومِ الْحَصْرِ فِي قَوْلِهِ هُوَ الْجَانِي (قَوْلُهُ وَهِيَ غَيْرُ مُتَوَجِّهٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ) بَلْ عَلَى أَبِيهِ إنْ كَانَ لَهُ أَبٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ بِتِلْكَ الدَّعْوَى ط (قَوْلُهُ وَبَقِيَ هُنَا شَيْءٌ إلَخْ) تَخْرِيجٌ لِلْجَوَابِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُحَصِّلُهُ: أَنَّا إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ إقْرَارِهِمْ، يَلْزَمُ جَرَيَانُ الْحَلِفِ، لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ، فَإِذَا أَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ صُورَةً تَقَدَّمَتْ آخِرَ الْوَقْفِ، لَيْسَتْ مِنْهَا، لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْخَصْمَ هُوَ الْجَانِي كَمَا مَرَّ، وَلَا يُسْتَحْلَفُ مَنْ لَيْسَ بِخَصْمٍ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَصِحَّ إقْرَارُهُمْ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَلْزَمُهُمْ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ عَنْ الْقَاتِلِ فَإِقْرَارُهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ إقْرَارٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يَصْلُحْ إقْرَارُهُمْ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُمْ مُوجَبُهُ، إذْ لَا يُمْكِنُ تَحَمُّلُ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ، بِخِلَافِ إذَا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ وَصَدَّقُوهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُمْ كَمَا مَرَّ، لِأَنَّ تَصْدِيقَهُمْ أَلْزَمَهُمْ تَحَمُّلَ مَا هُوَ ثَابِتٌ بِإِقْرَارِهِ هَذَا. وَاَلَّذِي حَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ: لُزُومُ التَّحْلِيفِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كَفَلْت بِمَا لَك عَلَى زَيْدٍ وَأَقَرَّ الْكَفِيلُ بِأَنَّ لَهُ عَلَى زَيْدٍ كَذَا وَأَنْكَرَهُ زَيْدٌ، وَلَا بَيِّنَةَ لَزِمَ الْكَفِيلَ دُونَ الْأَصِيلِ فِيهِ عُلِمَ أَنَّ الْإِقْرَارَ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْمُقِرِّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْأَصْلِ، إذْ هُوَ حُجَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ قَاصِرَةً، وَمَسْأَلَتُنَا نَظِيرُ هَذِهِ قَالَ: وَقَدْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 644 يُقْضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْنَا: نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِي الْحَلِفُ فِي حَقِّهِمْ لِظُهُورِ فَائِدَتِهِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ بَحْثًا فَلْيُحَرَّرْ (وَإِنْ جَنَى حُرٌّ عَلَى نَفْسِ عَبْدٍ خَطَأً فَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ) يَعْنِي إذَا قَتَلَهُ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ أَطْرَافَ الْعَبْدِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَتَحَمَّلُ النَّفْسَ أَيْضًا (وَلَا يَدْخُلُ صَبِيٌّ وَامْرَأَةٌ وَمَجْنُونٌ فِي الْعَاقِلَةِ إذَا لَمْ يَتَنَاصَرُوا) يَعْنِي لَوْ الْقَاتِلُ غَيْرَهُمْ وَإِلَّا فَيَدْخُلُونَ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ (وَلَا يَعْقِلُ كَافِرٌ عَنْ مُسْلِمٍ وَلَا بِعَكْسِهِ) لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ (وَالْكُفَّارُ يَتَعَاقَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ) لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ يَعْنِي إنْ تَنَاصَرُوا وَإِلَّا فَفِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَالْمُسْلِمِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَاتِلِ عَاقِلَةٌ كَاللَّقِيطِ وَحَرْبِيٍّ أَسْلَمَ (فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى دُرَرٌ وَبَزَّازِيَّةٌ وَجَعَلَ الزَّيْلَعِيُّ رِوَايَةً وَجَوَابَهَا فِي مَالِهِ رِوَايَةً شَاذَّةً. قُلْت: وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُجْتَبَى عَنْ خَوَارِزْمَ مِنْ أَنَّ تَنَاصُرَهُمْ قَدْ انْعَدَمَتْ وَبَيْتُ الْمَالِ قَدْ انْهَدَمَ يُرَجَّحُ وُجُوبُهَا   [رد المحتار] ظَفِرْت بِالنَّقْلِ فَفِي الثَّالِثِ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: دَعْوَى الْقَتْلِ الْخَطَأِ عَلَى الْقَاتِلِ تُسْمَعُ وَالْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ تُقْبَلُ بِغَيْبَةِ الْعَاقِلَةِ وَدَعْوَى الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِغَيْبَةِ الْقَاتِلِ، هَلْ يَصِحُّ فَعَلَى قِيَاسِ مَا كَتَبْنَاهُ عَنْ بغ فِي آخِرِ الْفَصْلِ السَّادِسِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ دَعْوَاهُ كُلُّ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ اهـ مُلَخَّصًا أَيْ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنْ تَصِحَّ بِقَدْرِ مَا يَخُصُّهُمْ مِنْ الدِّيَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ قَالَ قُلْت يُؤْخَذُ إلَى هُنَا (قَوْلُهُ يَعْنِي إذَا قَتَلَهُ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِ الْمَتْنِ: نَفْسِ عَبْدٍ اهـ ح، نَعَمْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ ذَلِكَ عَلَى عِبَارَةِ الْكَنْزِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ النَّفْسِ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: قَيَّدَ بِالنَّفْسِ، لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ إلَخْ (قَوْلُهُ لَا تَتَحَمَّلُ أَطْرَافَ الْعَبْدِ) لِأَنَّهُ يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ، وَلِذَا لَا يَجْرِي فِيهَا الْقِصَاصُ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَتَنَاصَرُوا) كَذَا فِيمَا رَأَيْت مِنْ النُّسَخِ، وَصَوَابُهُ إذَا لَمْ يُبَاشِرُوا، لِأَنَّهُمْ عَلَّلُوا عَدَمَ دُخُولِهِمْ فِي الْعَاقِلَةِ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ، وَلِهَذَا كَانَ أَصْلُ الرِّوَايَةِ عَدَمَ دُخُولِهِمْ وَإِنْ بَاشَرُوا كَمَا قَدَّمْنَا تَقْرِيرَهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ) قَيَّدَهُ فِي الْمُلْتَقَى بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ تَكُنْ الْعَدَاوَةُ بَيْنَ الْمِلَّتَيْنِ ظَاهِرَةً كَالْيَهُودِ مَعَ النَّصَارَى اهـ وَهُوَ مُسْتَفَادُ قَوْلِ الشَّارِحِ يَعْنِي إنْ تَنَاصَرُوا (قَوْلُهُ كَالْمُسْلِمِ) عِبَارَةُ الْأَتْقَانِيِّ وَغَيْرِهِ، وَإِلَّا فَفِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يُقْضَى بِهِ كَمَا فِي الْمُسْلِمِ، وَهَذَا فِي الذِّمِّيِّ أَمَّا الْمُسْلِمُ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْمُجْتَبَى) حَيْثُ قَالَ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْأَصْلِ عَلَى الْقَاتِلِ، وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالْقَضَاءِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ عَاقِلَةٌ بَقِيَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِ كَتَاجِرَيْنِ مُسْلِمَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَعَقْلُهُ فِي مَالِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَحَرْبِيٍّ أَسْلَمَ) أَيْ وَلَمْ يُوَالِ أَحَدًا (قَوْلُهُ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ؛ هُمْ أَهْلُ نُصْرَتِهِ وَلِهَذَا إذَا مَاتَ كَانَ مِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَكَذَا مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْغَرَامَةِ يَلْزَمُ بَيْتَ الْمَالِ زَيْلَعِيٌّ وَهِدَايَةٌ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ لَا يَلْزَمُ بَيْتَ الْمَالِ وَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ (قَوْلُهُ وَجَعَلَ الزَّيْلَعِيُّ) وَكَذَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ عَنْ خَوَارِزْمَ) أَيْ حَاكِيًا عَنْ حَالِ أَهْلِ خَوَارِزْمَ اهـ ح وَعِبَارَةُ الْمُجْتَبَى. قُلْت: وَفِي زَمَانِنَا بِخَوَارِزْمَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي مَالِ الْجَانِي إلَّا إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ أَوْ مَحَلَّةٍ يَتَنَاصَرُونَ لِأَنَّ الْعَشَائِرَ فِيهَا قَدْ وَهَتْ وَرَحْمَةُ التَّنَاصُرِ مِنْ بَيْنِهِمْ قَدْ رُفِعَتْ وَبَيْتُ الْمَالِ قَدْ انْهَدَمَ، نَعَمْ أَسَامِي أَهْلِهَا مَكْتُوبَةٌ فِي الدِّيوَانِ أُلُوفًا وَمِئَاتٍ لَكِنْ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَجِبَ فِي مَالِهِ اهـ (قَوْلُهُ يُرَجَّحُ وُجُوبُهَا فِي مَالِهِ) خَبَرُ قَوْلِهِ وَظَاهِرٌ، قُلْت وَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهِ تَرْجِيحًا لِلرِّوَايَةِ الشَّاذَّةِ، بَلْ يُمْكِنُ تَرْجِيحُ مَا ذَكَرَ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّ أَصْلَ الْوُجُوبِ عَلَى الْقَاتِلِ، وَحَيْثُ لَا عَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُ عَنْهُ، وَلَا بَيْتَ مَالٍ يَدْفَعُ مِنْهُ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ كَمَا مَرَّ فِي الذِّمِّيِّ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى انْتِظَامِ بَيْتِ الْمَالِ، وَإِلَّا لَزِمَ إهْدَارُ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَتَدَبَّرْ، ثُمَّ رَأَيْته كَذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِ النُّقَايَةِ وَشُرُوحِهَا لِلْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَمَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ أَيْ عَلَى الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ يُعْطِي الدِّيَةَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 645 فِي مَالِهِ فَيُؤَدِّي فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةً كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ النَّاطِفِيِّ قَالَ هَذَا حَسَنٌ لَا بُدَّ مِنْ حِفْظِهِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فَلْيُحْفَظْ فَقَدْ وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ أَنَّهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَافْهَمْ وَهَذَا (إذَا كَانَ) الْقَاتِلُ (مُسْلِمًا) فَلَوْ ذِمِّيًّا فَفِي مَالِهِ إجْمَاعًا بَزَّازِيَّةٌ (وَمَنْ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ مُطْلَقًا) وَلَوْ بَعِيدًا أَوْ مَحْرُومًا بِرِقٍّ أَوْ كُفْرٍ (لَا يَعْقِلُهُ بَيْتُ الْمَالِ) وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْخَانِيَّةِ (وَلَا عَاقِلَةَ لِلْعَجَمِ) وَبِهِ جَزَمَ فِي الدُّرَرِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ لِعَدَمِ تَنَاصُرِهِمْ وَقِيلَ لَهُمْ عَوَاقِلُ لِأَنَّهُمْ يَتَنَاصَرُونَ كَالْأَسَاكِفَةِ وَالصَّيَّادِينَ وَالصَّرَّافِينَ وَالسَّرَّاجِينَ فَأَهْلُ مَحَلَّةِ الْقَاتِلِ وَصَنْعَتِهِ عَاقِلَتُهُ وَكَذَلِكَ طَلَبَةُ الْعِلْمِ. قُلْت: وَبِهِ أَفْتَى الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ خَانِيَّةٌ زَادَ فِي الْمُجْتَبَى: وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّنَاصُرَ أَصْلٌ فِي هَذَا الْبَابِ وَمَعْنَى التَّنَاصُرِ أَنَّهُ إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ قَامُوا مَعَهُ فِي كِفَايَتِهِ. وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَفِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ مَعْزِيًّا لِلْحَافِظِيَّةِ وَالْحَقُّ أَنَّ التَّنَاصُرَ فِيهِمْ بِالْحَرْفِ فَهُمْ عَاقِلَتُهُ إلَى آخِرِهِ فَلْيُحْفَظْ وَأَقَرَّهُ   [رد المحتار] أَوْ مَضْبُوطًا وَإِلَّا أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ كَذَلِكَ فَعَلَى الْجَانِي (قَوْلُهُ فَيُؤَدِّي فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَخْ) فَظَاهِرُهُ عَدَمُ التَّقَيُّدِ بِثَلَاثِ سِنِينَ وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ يَكُونُ الْبَاقِي عَلَى أَنَّهُ مَعَ هَذَا هُوَ مُشْكِلٌ أَيْضًا، لِأَنَّهُ إذَا أَدَّى فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ عُمْرِهِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةً فَمَتَى تَنْقَضِي الدِّيَةُ، وَإِذَا مَاتَ فَهَلْ يَسْقُطُ الْبَاقِي أَوْ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا: لَمْ نَرَ مَنْ أَوْضَحَ هَذَا الْمَقَامَ (قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى وَنَصُّهُ. قُلْت: وَهَذَا حَسَنٌ لَا بُدَّ مِنْ حِفْظِهِ فَقَدْ رَأَيْت فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ يَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اهـ. أَقُولُ: وُجُوبُهَا فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا ذَكَرُوهُ فِي الذِّمِّيِّ، وَلَا إشْكَالَ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ فَمَا ذَكَرَهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ هُوَ الْأَعْدَلُ فَعَنْهُ لَا يُعْدَلُ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ وُجُوبُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ الْخِلَافُ فِي وُجُوبِهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ فِي مَالِهِ (قَوْلُهُ فَلَوْ ذِمِّيًّا) أَيْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ (قَوْلُهُ وَمَنْ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ) هَذَا قَيْدٌ آخَرُ لِقَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاتِلِ عَاقِلَةٌ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ قَاضِي خَانَ، حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ مَا سَبَقَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَاتِلِ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ بِأَنْ كَانَ لَقِيطًا أَوْ مَنْ يُشْبِهُهُ اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مُفَادُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَالْهِدَايَةِ وَبَحْثِ الرَّمْلِيِّ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ عَامَّةِ الْكُتُبِ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ وَلَكِنَّ قَاضِي خَانَ مِنْ أَجَلِّ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَى تَصْحِيحِهِ لِأَنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ كَمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ (قَوْلُهُ أَوْ مَحْرُومًا بِرِقٍّ أَوْ كُفْرٍ) كَمُسْتَأْمَنٍ اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْمُسْتَأْمَنُ إلَى دَارِهِ فَاسْتُرِقَّ ثُمَّ جَنَى الْعَتِيقُ فَهُوَ فِي مَالِهِ لِأَنَّ لَهُ وَارِثًا مَعْرُوفًا، وَهُوَ الْمُعْتَقُ مَعَ أَنَّ مِيرَاثَهُ لَوْ مَاتَ لِبَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّ مُعْتَقَهُ رَقِيقٌ فِي الْحَالِ أَفَادَهُ فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ الْأَصْلِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُعْتَقُ ذِمِّيًّا يَكُونُ الْعَقْلُ فِي مَالِ الْجَانِي أَيْضًا لِمَا مَرَّ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَعْقِلُ الْمُسْلِمَ، فَلَا يَرِدُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ عَاقِلَةَ الْعَتِيقِ قَبِيلَةُ سَيِّدِهِ كَذَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ لَا يَعْقِلُهُ بَيْتُ الْمَالِ) بَلْ يَكُونُ فِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ مُسْتَحِقٌّ كَمَا يُسْتَفَادُ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ فَإِنَّهُ إذَا وَرِثَهُ بَيْتُ الْمَالِ وَلَمْ يَعْقِلْهُ، فَإِذَا لَمْ يَرِثْهُ فَعَقْلُهُ فِي مَالِهِ بِالْأَوْلَى، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْوَارِثِ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ (قَوْلُهُ وَلَا عَاقِلَةَ لِلْعَجَمِ) جَمْعُ عَجَمِيٍّ وَهُوَ خِلَافُ الْعَرَبِيِّ وَإِنْ كَانَ فَصِيحًا مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ وَبِهِ جَزَمَ فِي الدُّرَرِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ وَأَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ، لِأَنَّ الْعَجَمَ لَمْ يَحْفَظُوا أَنْسَابَهُمْ، وَلَا يَتَنَاصَرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَلَيْسَ لَهُمْ دِيوَانٌ وَتَحَمُّلُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْغَيْرِ عُرْفٌ، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فِي حَقِّ الْعَرَبِ، وَبِهِ أَخَذَ الْأُسْتَاذُ ظَهِيرُ الدِّينِ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ عَاقِلَتُهُ) أَيْ إذَا كَانُوا يَتَنَاصَرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ ط، وَلَا تَنْسَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ أَكْثَرُ مِنْ دِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمٍ وَثُلُثٍ (قَوْلُهُ إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ) فِي الْمُغْرِبِ حَزَبَهُمْ أَمْرٌ أَصَابَهُمْ مِنْ بَابِ طَلَبَ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِيهِ) حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ لَهُ مُتَنَاصَرُونَ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ وَالْعَشِيرَةِ وَالْمَحَلَّةِ وَالسُّوقِ، فَالْعَاقِلَةُ أَهْلُ الدِّيوَانِ ثُمَّ الْعَشِيرَةُ ثُمَّ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَبِهِ قَالَ النَّاطِفِيُّ ط (قَوْلُهُ وَالْحَقُّ إلَخْ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 646 الْقُهُسْتَانِيُّ لَكِنْ حَرَّرَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْحَانُوتِيُّ أَنَّ التَّنَاصُرَ مُنْتَفٍ الْآنَ لِغَلَبَةِ الْحَسَدِ وَالْبُغْضِ وَتَمَنِّي كُلِّ وَاحِدٍ الْمَكْرُوهَ لِصَاحِبِهِ فَتَنَبَّهْ. قُلْت: وَحَيْثُ لَا قَبِيلَةَ وَلَا تَنَاصُرَ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ. كِتَابُ الْوَصَايَا يَعُمُّ الْوَصِيَّةَ وَالْإِيصَاءَ يُقَالُ: أَوْصَى إلَى فُلَانٍ أَيْ جَعَلَهُ وَصِيًّا وَالِاسْمُ مِنْهُ الْوِصَايَةُ وَسَيَجِيءُ فِي بَابٍ مُسْتَقِلٍّ   [رد المحتار] قُلْت: الْمَدَارُ عَلَى التَّنَاصُرِ كَمَا ذَكَرُوهُ فَمَتَى وُجِدَ بِطَائِفَةٍ فَهُمْ عَاقِلَتُهُ وَإِلَّا فَلَا ط (قَوْلُهُ لَكِنْ حَرَّرَ إلَخْ) هُوَ تَأْيِيدٌ لِمَا جَزَمَ بِهِ فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ عَدَمِ انْتِظَامِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْوَصَايَا] إيرَادُهُ آخِرَ الْكِتَابِ ظَاهِرُ الْمُنَاسَبَةِ، لِأَنَّ آخِرَ أَحْوَالِ الْآدَمِيِّ فِي الدُّنْيَا الْمَوْتُ، وَالْوَصِيَّةُ مُعَامَلَةٌ وَقْتَ الْمَوْتِ وَلَهُ زِيَادَةُ اخْتِصَاصٍ بِالْجِنَايَاتِ وَالدِّيَاتِ لَمَّا أَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تُفْضِي إلَى الْمَوْتِ الَّذِي وَقْتُهُ وَقْتُ الْوَصِيَّةِ عِنَايَةٌ وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ آخِرٌ نِسْبِيٌّ نَعَمْ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ هُوَ حَقِيقِيٌّ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا الْفَرَائِضَ لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ بَعْدَهُ كِتَابَ الْخُنْثَى فَهُوَ نِسْبِيٌّ أَيْضًا كَمَا أَفَادَهُ الطُّورِيُّ (قَوْلُهُ يَعُمُّ الْوَصِيَّةَ وَالْإِيصَاءَ إلَخْ) فِي الْمُغْرِبِ أَوْصَى إلَى زَيْدٍ بِكَذَا إيصَاءً وَوَصَّى بِهِ تَوْصِيَةً وَالْوَصِيَّةُ وَالْوَصَاةُ اسْمَانِ فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ ثُمَّ سُمِّيَ الْمُوصَى بِهِ وَصِيَّةً وَالْوِصَايَةُ بِالْكَسْرِ مَصْدَرٌ لِوَصَّى وَقِيلَ الْإِيصَاءُ طَلَبُ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ عَلَى غَيْبٍ مِنْهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ. وَفِي حَدِيثِ الظِّهَارِ: «اسْتَوْصِي بِابْنِ عَمِّك خَيْرًا» أَيْ اقْبَلِي وَصِيَّتِي فِيهِ، وَانْتِصَابُ خَيْرًا عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ اسْتِيصَاءً خَيْرًا اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ: وَصَّيْت إلَى فُلَانٍ تَوْصِيَةً وَأَوْصَيْت إلَيْهِ إيصَاءً وَالِاسْمُ الْوِصَايَةُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحُ لُغَةٌ، وَأَوْصَيْت إلَيْهِ بِمَالٍ جَعَلْته اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ: أَوْصَاهُ وَوَصَّاهُ تَوْصِيَةً عَهِدَ إلَيْهِ وَالِاسْمُ الْوَصَاةُ وَالْوِصَايَةُ وَالْوَصِيَّةُ اهـ. وَنَقَلَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ: أَنَّهُ قَالَ أَوْصَيْته وَوَصَّيْته بِكَذَا وَأَوْصَيْت وَوَصَّيْت لَهُ وَأَوْصَيْت إلَيْهِ جَعَلْته وَصِيًّا. قُلْت: وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اللُّغَةِ بَيْنَ الْمُتَعَدِّي لِنَفْسِهِ أَوْ بِاللَّامِ أَوْ بِإِلَى فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهَا يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى جَعَلْته وَصِيًّا وَإِنَّ الْمُتَعَدِّيَ بِإِلَى يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى تَمْلِيكِ الْمَالِ، وَأَنَّ كُلًّا مِنْ الْوَصِيَّةِ وَالْإِيصَاءِ حَتَّى لَهُمَا، وَأَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْمُتَعَدِّي بِاللَّامِ وَالْمُتَعَدِّي بِإِلَى اصْطِلَاحِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الدُّرَرِ، وَبِهِ صَرَّحَ الطُّورِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَكَأَنَّهُمْ نَظَرُوا فِي ذَلِكَ إلَى أَصْلِ الْمَعْنَى، فَإِنَّ مَعْنَى أَوْصَيْت إلَيْهِ عَهِدْت إلَيْهِ بِأَمْرِ أَوْلَادِي مَثَلًا، وَمَعْنَى أَوْصَيْت لَهُ: مَلَّكْت لَهُ كَذَا فَعَدُّوا كُلًّا مِنْهُمَا بِمَا يَتَعَدَّى بِهِ مَا تَضَمَّنَا مَعْنَاهُ. ثُمَّ اعْلَمْ: أَنَّ جَمْعَ وَصِيَّةٍ وَصَايَا وَأَصْلُهُ وَصَايِيٌّ فَقُلِبَتْ الْيَاءُ الْأُولَى هَمْزَةً لِوُقُوعِهَا بَعْدَ أَلِفِ مُفَاعِلَ، ثُمَّ أُبْدِلَتْ كَسْرَتُهَا فَتْحَةً فَانْقَلَبَتْ الْيَاءُ الْأَخِيرَةُ أَلِفًا ثُمَّ أُبْدِلَتْ الْهَمْزَةُ يَاءً لِكَرَاهَةِ وُقُوعِهَا بَيْنَ أَلِفَيْنِ بَقِيَ أَنَّ عُمُومَهُ لِلْوَصِيَّةِ وَالْإِيصَاءُ لَيْسَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ جَمْعٌ لَهَا كَمَا لَا يَخْفَى، بَلْ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَأْتِي اسْمًا مِنْ الْمُتَعَدِّي بِإِلَى وَالْمُتَعَدِّي بِاللَّامِ فَجُمِعَتْ عَلَى وَصَايَا مُرَادًا بِهَا كُلٌّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ فَلَا يُرَدُّ أَنَّ ذِكْرَ بَابِ الْوَصِيِّ فِي هَذَا الْكِتَابِ عَلَى سَبِيلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 647 وَأَوْصَى لِفُلَانٍ بِمَعْنَى مَلَّكَهُ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ فَحِينَئِذٍ (هِيَ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ) عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا. قُلْت: يَعْنِي بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ لِيُخْرِجَ نَحْوَ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهُ نَافِذٌ مِنْ كُلِّ الْمَالِ كَمَا سَيَجِيءُ وَلَا يُنَافِيهِ وُجُوبُهَا لِحَقِّهِ تَعَالَى فَتَأَمَّلْهُ (وَهِيَ) عَلَى مَا فِي الْمُجْتَبَى أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ (وَاجِبَةٌ بِالزَّكَاةِ) وَالْكَفَّارَةِ (وَ) فِدْيَةِ (الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا) وَمُبَاحَةٌ لِغَنِيٍّ وَمَكْرُوهَةٌ لِأَهْلِ فُسُوقٍ (وَإِلَّا فَمُسْتَحَبَّةٌ) وَلَا تَجِبُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ لِأَنَّ آيَةَ الْبَقَرَةِ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ النِّسَاءِ.   [رد المحتار] التَّطَفُّلِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ بِمَعْنَى مَلَّكَهُ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ، وَالْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ: وَهِيَ تَمْلِيكٌ بِزِيَادَةِ وَاوٍ وَيَرْجِعُ الضَّمِيرُ إلَى الْوَصِيَّةِ فِي كَلَامِهِ ط (قَوْلُهُ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا) عِبَارَةُ الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ عَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً اهـ ح (قَوْلُهُ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَمْلِيكٍ اهـ ح وَهَذَا الْقَيْدُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ تَبَعًا لِلنِّهَايَةِ (قَوْلُهُ لِيُخْرِجَ نَحْوَ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ) أَيْ الْإِقْرَارَ بِهِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَفِيهِ أَنَّ الْقَائِلِينَ مِنْ عُلَمَائِنَا: بِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ لَا تَمْلِيكٌ اسْتَدَلُّوا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لَزِمَ أَنْ لَا يَنْفُذَ مِنْ كُلِّ الْمَالِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ، فَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ لِإِخْرَاجِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ قَيْدَ التَّبَرُّعِ لِإِخْرَاجِ التَّمَلُّكِ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ عَنْ نَحْوِ الْهِبَةِ فَإِنَّهَا تَمْلِيكُ تَبَرُّعٍ لِلْحَالِ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي أَوَّلِ بَابِ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ (قَوْلُهُ وَلَا يُنَافِيهِ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ يَعْنِي بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ تَقْرِيرُهُ ظَاهِرٌ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَتَأَمَّلْهُ إلَى دِقَّةِ الْجَوَابِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لِحَقِّهِ تَعَالَى لَمَّا سَقَطَ بِالْمَوْتِ أَشْبَهَ التَّبَرُّعَ وَلَمْ يَكُنْ كَدُيُونِ الْعِبَادِ اهـ ح. أَقُولُ: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّبَرُّعِ مَا إنْ شَاءَ فَعَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَعَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ يُرَادُ بِهِ مَا كَانَ مَجَّانًا لَا بِمُقَابَلَةِ عِوَضٍ وَبِهِ يَنْدَفِعُ السُّؤَالُ (قَوْلُهُ وَهِيَ عَلَى مَا فِي الْمُجْتَبَى) عِبَارَتُهُ وَالْوَصِيَّةُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ وَاجِبَةٌ كَالْوَصِيَّةِ بِرَدِّ الْوَدَائِعِ وَالدُّيُونِ الْمَجْهُولَةِ، وَمُسْتَحَبَّةٌ كَالْوَصِيَّةِ بِالْكَفَّارَاتِ وَفِدْيَةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَنَحْوِهَا وَمُبَاحَةٌ كَالْوَصِيَّةِ لِلْأَغْنِيَاءِ مِنْ الْأَجَانِبِ وَالْأَقَارِبِ، وَمَكْرُوهَةٌ كَالْوَصِيَّةِ لِأَهْلِ الْفُسُوقِ وَالْمَعَاصِي اهـ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لِمَا قَالَهُ فِي الْبَدَائِعِ الْوَصِيَّةُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ كَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَاجِبَةٌ اهـ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. وَمَشَى الزَّيْلَعِيُّ عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْمَوَاهِبِ تَجِبُ عَلَى مَدْيُونٍ بِمَا عَلَيْهِ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْعِبَادِ، وَهَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِمَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ حُقُوقِهِ تَعَالَى، وَحُقُوقِ الْعِبَادِ وَمَا مَرَّ مِنْ سُقُوطِ مَا وَجَبَ لِحَقِّهِ تَعَالَى بِالْمَوْتِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْمُرَادَ سُقُوطُ أَدَائِهَا، وَإِلَّا فَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ عَلَى مَا فِي الْمُجْتَبَى: أَيْ مِنْ حَيْثُ التَّقْسِيمُ إلَى الْأَرْبَعَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمُبَاحَةٌ لِغَنِيٍّ) لَعَلَّ الْمُرَادَ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْقُرْبَةَ أَمَّا لَوْ أَوْصَى لَهُ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ الصَّلَاحِ إعَانَةً لَهُ أَوْ لِكَوْنِهِ رَحِمًا كَاشِحًا أَوْ ذَا عِيَالٍ فَيَنْبَغِي نَدْبُهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمَكْرُوهَةٌ لِأَهْلِ فُسُوقٍ) يَرِدُ عَلَيْهِ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ لَعَلَّ الْغَنِيَّ يَعْتَبِرُ فَيَتَصَدَّقَ وَالسَّارِقَ يَسْتَغْنِي بِهَا عَنْ السَّرِقَةِ وَالزَّانِيَةَ عَنْ الزِّنَا وَكَانَ مُرَادُهُ مَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَصْرِفُهَا لِلْفُسُوقِ وَالْفُجُورِ اهـ رَحْمَتِيٌّ. أَقُولُ: وَظَاهِرُ مَا مَرَّ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ لَكِنْ سَيَأْتِي آخِرَ بَابِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ تَعْلِيلُ الْقَوْلِ بِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِتَطْيِينِ الْقَبْرِ بِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ بِالْمَكْرُوهِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَمُسْتَحَبَّةٌ) أَيْ إذَا لَمْ يَعْرِضْ لَهَا مَا يُبْطِلُهَا (قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ إلَخْ) رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهَا لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إذَا كَانُوا مِمَّنْ لَا يَرِثُونَ لِآيَةِ الْبَقَرَةِ، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البقرة: 180] الْآيَةَ وَالْمُرَادُ بِآيَةِ النِّسَاءِ آيَةُ الْمَوَارِيثِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَطَاءٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قَالَ: كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ، فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ فَنَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِأَحَبَّ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَجَعَلَ لِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 648 (سَبَبُهَا) مَا هُوَ (سَبَبُ التَّبَرُّعَاتِ) (وَشَرَائِطُهَا كَوْنُ الْمُوصِي أَهْلًا لِلتَّمْلِيكِ) فَلَمْ تَجُزْ مِنْ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَمُكَاتَبٍ إلَّا إذَا أَضَافَ لِعِتْقِهِ كَمَا سَيَجِيءُ (وَعَدَمُ اسْتِغْرَاقِهِ بِالدَّيْنِ) لِتَقَدُّمِهِ عَلَى الْوَصِيَّةِ كَمَا سَيَجِيءُ (وَ) كَوْنُ (الْمُوصَى لَهُ حَيًّا وَقْتَهَا) تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا لِيَشْمَلَ الْحَمْلَ الْمُوصَى لَهُ فَافْهَمْهُ فَإِنَّ بِهِ يَسْقُطُ إيرَادُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ (وَ) كَوْنُهُ (غَيْرَ وَارِثٍ) وَقْتَ الْمَوْتِ (وَلَا قَاتِلٍ) وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَعْلُومًا. قُلْت: نَعَمْ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ سُلْطَانٍ وَغَيْرُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي (وَ) كَوْنُ (الْمُوصَى بِهِ قَابِلًا لِلتَّمَلُّكِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي) بِعَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ مَالًا أَوْ نَفْعًا مَوْجُودًا لِلْحَالِ أَمْ مَعْدُومًا   [رد المحتار] السُّدُسُ، وَرُوِيَ فِي السُّنَنِ مُسْنَدًا إلَى أَبِي أُمَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ، وَنَسْخُ الْكِتَابِ جَائِزٌ عِنْدَنَا بِمِثْلِهِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ سَبَبُهَا مَا هُوَ سَبَبُ التَّبَرُّعَاتِ) وَهُوَ تَحْصِيلُ ذِكْرِ الْخَيْرِ فِي الدُّنْيَا وَوُصُولُ الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ فِي الْعُقْبَى نِهَايَةٌ، وَهَذَا فِي الْمُسْتَحَبَّةِ، أَمَّا الْوَاجِبَةُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ سَبَبَهَا سَبَبُ الْأَدَاءِ، وَهُوَ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَدَاءِ تِلْكَ الْوَاجِبَاتِ، وَقَدْ قَالُوا إنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ أَهْلًا لِلتَّمْلِيكِ) الْأَوْلَى قَوْلُ النِّهَايَةِ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ بَعْدَ نَحْوِ وَرَقَةٍ (قَوْلُهُ وَعَدَمُ اسْتِغْرَاقِهِ) أَيْ الْمُوصَى بِهِ الدَّيْنِ أَيْ إلَّا بِإِبْرَاءِ الْغُرَمَاءِ قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي الْمَتْنِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَقْتَهَا) أَقُولُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: الْمُوصَى لَهُ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ يُعْتَبَرُ صِحَّةُ الْإِيجَابِ يَوْمَ أَوْصَى وَمَتَى كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ يُعْتَبَرُ صِحَّةُ الْإِيجَابِ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَلَوْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِبَنِي فُلَانٍ، لَمْ يُسَمِّهِمْ وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِمْ فَهِيَ لِلْمَوْجُودِينَ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَإِنْ سَمَّاهُمْ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِمْ فَالْوَصِيَّةُ لَهُمْ، حَتَّى لَوْ مَاتُوا بَطَلَتْ الْوِلَايَةُ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ مُعَيَّنٌ فَتُعْتَبَرُ صِحَّةُ الْإِيجَابِ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ لِيَشْمَلَ الْحَمْلَ) أَيْ قَبْلَ أَنْ تُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ إذْ بَعْدَ النَّفْخِ يَكُونُ حَيًّا حَقِيقَةً اهـ ح (قَوْلُهُ إيرَادُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ) حَيْثُ قَالَ: يَرِدُ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ إذْ يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ لَا حَيَاتُهُ، لِأَنَّ نَفْخَ الرُّوحِ يَكُونُ بَعْدَ وِجْدَانِهِ وَقْتًا غَيْرُ حَيٍّ اهـ ح (قَوْلُهُ وَكَوْنُهُ غَيْرَ وَارِثٍ) أَيْ إنْ كَانَ ثَمَّةَ وَارِثٌ آخَرُ وَإِلَّا تَصِحُّ كَمَا لَوْ أَوْصَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ وَلَا وَارِثَ غَيْرَهُ كَمَا سَيَجِيءُ (قَوْلُهُ وَقْتَ الْمَوْتِ) أَيْ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ حَتَّى لَوْ أَوْصَى لِأَخِيهِ وَهُوَ وَارِثٌ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِلْأَخِ وَلَوْ أَوْصَى لِأَخِيهِ وَلَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا قَاتِلٍ) أَيْ مُبَاشَرَةً كَالْخَاطِئِ وَالْعَامِدِ بِخِلَافِ الْمُتَسَبِّبِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاتِلٍ حَقِيقَةً، وَهَذَا إذَا كَانَ ثَمَّةَ وَارِثٌ وَإِلَّا صَحَّتْ وَكَانَ الْقَاتِلُ مُكَلَّفًا، وَإِلَّا فَتَصِحُّ لِلْقَاتِلِ لَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ) أَيْ كَوْنُ الْمُوصَى لَهُ مَعْلُومًا أَيْ مُعَيَّنًا شَخْصِيًّا كَزَيْدٍ أَوْ نَوْعًا كَالْمَسَاكِينِ، فَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْت بِثُلُثِي لِفُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ بَطَلَتْ عِنْدَهُ لِلْجَهَالَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ قُبَيْلَ وَصَايَا الذِّمِّيِّ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَوْصَتْ أَنْ يُعْتَقَ عَنْهَا أَمَةٌ بِكَذَا وَيُعْطَى لَهَا مِنْ الثُّلُثِ كَذَا، فَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مُعَيَّنَةً جَازَتْ الْوَصِيَّتَانِ وَإِلَّا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ دُونَ الْمَالِ إلَّا أَنْ تُفَوِّضَ ذَلِكَ إلَى الْوَصِيِّ، وَتَقُولَ أَعْطِهَا إنْ أَحْبَبْت فَإِنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِيمَنْ أَوْصَى أَنْ تُبَاعَ أَمَتُهُ مِمَّنْ أَحْبَبْت تُجْبَرُ الْوَرَثَةُ عَلَى بَيْعِهَا مِمَّنْ أَحَبَّتْ فَإِنْ أَبَى الرَّجُلُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِقِيمَتِهَا يُحَطُّ عَنْهُ مِقْدَارُ ثُلُثِ مَالِ الْمُوصَى اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِمَجْهُولٍ تَصِحُّ عِنْدَ التَّخْيِيرِ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِارْتِفَاعِهَا بِتَعْيِينِ مَنْ لَهُ التَّخْيِيرُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ أَوْ قَالَ لِزَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِعَقْدٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّمْلِيكِ (قَوْلُهُ مَالًا أَوْ نَفْعًا إلَخْ) تَعْمِيمٌ لِلْمُوصَى بِهِ (قَوْلُهُ أَمْ مَعْدُومًا) أَيْ وَهُوَ قَابِلٌ لِلتَّمْلِيكِ مِنْ الْعُقُودِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَلِهَذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَا تُثْمِرُ نَخِيلُهُ الْعَامَ أَوْ أَبَدًا تَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ مَعْدُومًا لِأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ حَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 649 وَأَنْ يَكُونَ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ. (وَرُكْنُهَا قَوْلُهُ: وَأَوْصَيْت بِكَذَا لِفُلَانٍ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيهَا) وَفِي الْبَدَائِعِ: رُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَقَالَ زُفَرُ: الْإِيجَابُ فَقَطْ قُلْت وَالْمُرَادُ بِالْقَبُولِ مَا يَعُمُّ الصَّرِيحَ وَالدَّلَالَةَ بِأَنْ يَمُوتَ الْمُوصَيْ لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي بِلَا قَبُولٍ كَمَا سَيَجِيءُ (وَحُكْمُهَا كَوْنُ الْمُوصَى بِهِ مِلْكًا جَدِيدًا لِلْمُوصَى لَهُ) كَمَا فِي الْهِبَةِ فَيَلْزَمُهُ اسْتِبْرَاءُ الْجَارِيَةِ الْمُوصَى بِهَا. (وَتَجُوزُ بِالثُّلُثِ لِلْأَجْنَبِيِّ) عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ (وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْوَارِثُ ذَلِكَ لَا الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ   [رد المحتار] حَيَاةِ الْمُوصِي بِعَقْدِ الْمُعَامَلَةِ، وَقُلْنَا بِأَنَّ وَصِيَّتَهُ بِمَا تَلِدُ أَغْنَامُهُ لَا تَجُوزُ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ حَالَ حَيَاةِ الْمُوصِي بِعَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ اهـ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: الْمُوصَى بِهِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَهُوَ شَائِعٌ فِي بَعْضِ الْمَالِ يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ وَإِنْ كَانَ شَائِعًا فِي كُلِّهِ يُشْتَرَطُ عِنْدَ الْمَوْتِ كَمَا إذَا أَوْصَى بِمَعْزٍ مِنْ غَنَمِي أَوْ مِنْ مَالِي، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَعْزِ فِي الْأَوَّلِ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ وَفِي الثَّانِي عِنْدَ الْمَوْتِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَأَنْ يَكُونَ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ) أَيْ إنْ كَانَ ثَمَّةَ وَارِثٌ وَلَمْ يُجِزْهَا بِالْأَكْثَرِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ بَعْضُهَا شُرُوطُ لُزُومٍ وَهِيَ مَا تَوَقَّفَتْ لِحَقِّ الْغَيْرِ وَنَفَذَتْ بِإِجَازَتِهِ وَبَعْضُهَا شُرُوطُ صِحَّةٍ (قَوْلُهُ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ إلَخْ) فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِكَذَا وَلِفُلَانٍ بِكَذَا وَجَعَلْت رُبْعَ دَارِي صَدَقَةً لِفُلَانٍ، قَالَ مُحَمَّدٌ أُجِيزَ هَذَا عَلَى الْوَصِيَّةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي سُؤَالٍ عُرِضَ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: جَعَلْت هُوَ وَصِيَّةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَبْضُ وَالْإِفْرَازُ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي النِّهَايَةِ: وَأَمَّا بَيَانُ الْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيهَا فَفِي النَّوَادِرِ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَوْصَيْت أَنَّ لِفُلَانٍ فِي مَالِي أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَالْأُولَى وَصِيَّةٌ وَالْأُخْرَى إقْرَارٌ وَفِي الْأَصْلِ قَوْلُهُ سُدُسُ دَارِي لِفُلَانٍ وَصِيَّةٌ وَقَوْلُهُ لِفُلَانٍ سُدُسٌ فِي دَارِي إقْرَارٌ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ لِفُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي وَصِيَّةٌ اسْتِحْسَانًا إذَا كَانَ فِي ذِكْرِ وَصِيَّتِهِ، وَفِي مَالِي إقْرَارٌ وَإِذَا كَتَبَ وَصِيَّتِهِ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ فِي هَذَا الْكِتَابِ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ كَتَبَهَا غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَفِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) عِبَارَتُهَا عَلَى مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ. وَأَمَّا رُكْنُ الْوَصِيَّةِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ: أَيْ الْإِمَامُ وَصَاحِبَاهُ: وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَالْإِيجَابُ مِنْ الْمُوصِي وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُوصَى لَهُ فَمَا لَمْ يُوجَدْ جَمِيعًا لَا يَتِمُّ الرُّكْنُ، وَإِنْ شِئْت قُلْت رُكْنُ الْوَصِيَّةِ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُوصِي، وَعَدَمُ الرَّدِّ مِنْ الْمُوصَى لَهُ، وَهُوَ أَنْ يَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ رَدِّهِ، وَهَذَا أَشْمَلُ لِتَخْرِيجِ الْمَسَائِلِ وَقَالَ زُفَرُ الرُّكْنُ هُوَ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُوصِي فَقَطْ اهـ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِشُرَّاحِ الْهِدَايَةِ يُشِيرُ إلَى الْقَبُولِ شَرْطٌ لَا رُكْنٌ وَمَا فِي الْبَدَائِعِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا يَذْكُرُونَهُ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ مِنْ أَنَّ الرُّكْنَ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) عَزَاهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ إلَى الْخُلَاصَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَبُولِ دَلَالَةُ عَدَمِ الرَّدِّ فَهُوَ بِمَعْنَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ شِئْت قُلْت إلَخْ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الْقَبُولِ وَالرَّدِّ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَا مَا قَبْلَهُ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ بِأَنْ يَمُوتَ إلَخْ) : تَصْوِيرٌ لِلدَّلَالَةِ وَمِثْلُهُ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبَقِيَ لَوْ الْمُوصَى لَهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ شَرْطٍ أَوْ هُوَ مَوْجُودٌ دَلَالَةً تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي الْوَرَقَةِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ وَحُكْمُهَا إلَخْ) هَذَا فِي جَانِبِ الْمُوصَى لَهُ أَمَّا فِي جَانِبِ الْمُوصِي، فَقَدْ مَرَّ أَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ قَالَ ط وَفِيهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ هُنَا الْأَثَرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الشَّيْءِ وَفِيمَا مَرَّ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالصِّفَةِ (قَوْلُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ) أَيْ مِنْ قَتْلٍ أَوْ حِرَابَةٌ أَوْ اسْتِغْرَاقٍ بِالدَّيْنِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ لَا الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ إلَخْ) فَإِذَا أَوْصَى بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلَمْ يَكُنْ إلَّا وَارِثٌ يَرِدُ عَلَيْهِ وَأَجَازَهَا، فَالْبَقِيَّةُ لَهُ وَإِنْ أَجَازَ مَنْ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ فَفَرْضُهُ فِي الْبَقِيَّةِ، وَبَاقِيهَا لِبَيْتِ الْمَالِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 650 إلَّا أَنْ تُجِيزَ وَرَثَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ) وَلَا تُعْتَبَرُ إجَازَتُهُمْ حَالَ حَيَاتِهِ أَصْلًا بَلْ بَعْدَ وَفَاتِهِ (وَهُمْ كِبَارٌ) يَعْنِي يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثَهُ أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ عَلَى الْعَكْسِ إقْرَارُ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ (وَنُدِبَتْ بِأَقَلَّ مِنْهُ) وَلَوْ (عِنْدَ   [رد المحتار] فَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثَيْ مَالِهِ وَأَجَازَتْ الزَّوْجَةُ فَلَهَا رُبْعُ الثُّلُثِ وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ مَخْرَجُ الثُّلُثَيْنِ وَرُبْعُ الْبَاقِي، وَلِبَيْتِ الْمَالِ ثَلَاثَةٌ وَلِزَيْدٍ ثَمَانِيَةٌ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ السَّائِحَانِيِّ عَلَى مَنْظُومَةِ ابْنِ الشِّحْنَةِ فِي الْفَرَائِضِ، وَإِنْ لَمْ تُجِزْ وَأَوْصَى لَهَا أَيْضًا أَوَّلًا فَقَدْ أَوْضَحَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تُجِيزَ وَرَثَتُهُ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَا أَوْصَى بِهِ أَمَّا إذَا عَلِمُوا أَنَّهُ أَوْصَى بِوَصَايَا وَلَا يَعْلَمُونَ مَا أَوْصَى بِهِ، فَقَالُوا أَجَزْنَا ذَلِكَ لَا تَصِحُّ إجَازَتُهُمْ خَانِيَّةٌ عَنْ الْمُنْتَقَى: وَنَقَلَ السَّائِحَانِيُّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ إذَا أَجَازَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ جَازَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ لَوْ أَجَازَتْ كُلُّ الْوَرَثَةِ، حَتَّى لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِالنِّصْفِ، وَأَجَازَ أَحَدُ وَارِثَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ كَانَ لِلْمُجِيزِ الرُّبُعُ وَلِرَفِيقِهِ الثُّلُثُ وَلِلْوَصِيِّ لَهُ الثُّلُثُ الْأَصْلِيُّ وَنِصْفُ السُّدُسِ مِنْ قِبَلِ الْمُجِيزِ اهـ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. [تَنْبِيهٌ] إذَا صَحَّتْ الْإِجَازَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ يَتَمَلَّكُهُ الْمُجَازُ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ قِبَلِ الْمُجِيزِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَسَيَجِيءُ بَيَانُ ذَلِكَ آخِرَ الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَلَا يَتَغَيَّرُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهَا قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ لَهُمْ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِخِلَافِ الْإِجَازَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، لِأَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ تُعْتَبَرُ الْإِجَازَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ هَذَا فِي الْوَصِيَّةِ، أَمَّا فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمُفِيدَةِ لِأَحْكَامِهَا كَالْإِعْتَاقِ وَغَيْرِهِ إذَا صَدَرَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، وَأَجَازَهُ الْوَارِثُ قَبْلَ الْمَوْتِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ أَصْحَابِنَا قَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ السَّمَرْقَنْدِيُّ: أَعْتَقَ الْمَرِيضُ عَبْدَهُ وَرَضِيَ بِهِ الْوَرَثَةُ قَبْلَ الْمَوْتِ لَا يَسْعَى الْعَبْدُ فِي شَيْءٍ وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ وَارِثَ الْمَجْرُوحِ إذَا عَفَا عَنْ الْجَارِحِ يَصِحُّ وَلَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ الْمَجْرُوحُ اهـ (قَوْلُهُ وَهُمْ كِبَارٌ) الْمُرَادُ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ وَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ يَعْنِي يُعْتَبَرُ إلَخْ) الْأَنْسَبُ جَعْلُ هَذِهِ مَسْأَلَةً مُسْتَقِلَّةً فَيُعَبِّرُ بِالْوَاوِ ط. قُلْت: لَعَلَّ الشَّارِحَ يُشِيرُ إلَى أَخْذِ ذَلِكَ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ بِجَعْلِ الظَّرْفِ، وَهُوَ بَعْدَ مَوْتِهِ مِمَّا تَنَازَعَ فِيهِ قَوْلُهُ تُجِيزُ وَقَوْلُهُ وَرَثَتُهُ وَلَمَّا كَانَ فِيهِ خَفَاءٌ أَتَى بِلَفْظَةِ يَعْنِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ) لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ التَّمْلِيكُ وَقْتَهُ زَيْلَعِيٌّ وَقَدَّمْنَا عَنْهُ التَّفْرِيعَ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ عَلَى عَكْسِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ) فَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ عِنْدَ الْإِقْرَارِ، حَتَّى لَوْ أَقَرَّ لِغَيْرِ الْوَارِثِ جَازَ وَإِنْ صَارَ وَارِثًا بَعْدَ ذَلِكَ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ إرْثُهُ بِسَبَبٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْإِقْرَارِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ السَّبَبُ قَائِمًا لَكِنْ مَنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ ثُمَّ زَالَ بَعْدَهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِابْنِهِ الْكَافِرِ أَوْ الْعَبْدِ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ أُعْتِقَ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ كَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا فَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِلنِّهَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لِابْنِهِ الْعَبْدِ لَا يَبْطُلُ بِالْعِتْقِ، لِأَنَّ إرْثَهُ بِسَبَبٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَلِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى إقْرَارٌ لِمَوْلَاهُ الْأَجْنَبِيِّ، فَقَدْ رَدَّهُ الْأَتْقَانِيُّ بِأَنَّهُ سَهْوٌ لَا يَصِحُّ نَقْلُهُ فَقَدْ نَصَّ عَلَى خِلَافِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ. قُلْت: بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِلْمُتُونِ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْإِرْثِ فِيهِ بِسَبَبٍ حَادِثٍ مَحَلُّ نَظَرٍ نَعَمْ ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَوْ غَيْرَ مَدْيُونٍ يَصِحُّ وَإِلَّا فَلَا وَسَيَأْتِي فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَلَوْ عِنْدَ غَنِيٍّ وَرَثَتُهُ إلَخْ) أَشَارَ بِزِيَادَةِ لَوْ الْوَصْلِيَّةِ إلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَا دُونَ الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ الْغِنَى أَوْ الِاسْتِغْنَاءِ مُسْتَحَبَّةٌ أَيْضًا، وَهُوَ كَذَلِكَ لِمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوصَى بِدُونِ الثُّلُثِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ فُقَرَاءَ، لِأَنَّ فِي التَّنْقِيصِ صِلَةَ الْقَرِيبِ بِتَرْكِ مَالِهِ عَلَيْهِمْ، بِخِلَافِ اسْتِكْمَالِهِ الثُّلُثَ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءُ تَمَامِ حَقِّهِ فَلَا صِلَةَ ثُمَّ هَلْ الْوَصِيَّةُ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْلَى أَمْ تَرْكُهَا؟ قَالُوا وَإِنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ وَلَا يَسْتَغْنُونَ بِمَا يَرِثُونَ فَالتَّرْكُ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّدَقَةِ، عَلَى الْقَرِيبِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 651 غِنَى وَرَثَتِهِ أَوْ اسْتِغْنَائِهِمْ بِحِصَّتِهِمْ كَتَرْكِهَا) أَيْ كَمَا نُدِبَ تَرْكُهَا (بِلَا أَحَدِهِمَا) أَيْ غِنًى وَاسْتِغْنَاءٍ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صِلَةٌ وَصَدَقَةٌ (وَتُؤَخَّرُ عَنْ الدَّيْنِ) لِتَقَدُّمِ حَقِّ الْعَبْدِ (وَصَحَّتْ بِالْكُلِّ عِنْدَ عَدَمِ وَرَثَتِهِ) وَلَوْ حُكْمًا كَمُسْتَأْمَنٍ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ (وَلِمَمْلُوكِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ) اتِّفَاقًا وَتَكُونُ وَصِيَّةً بِالْعِتْقِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ فِيهَا وَإِلَّا سَعَى بَقِيَّةَ قِيمَتِهِ وَإِنْ فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ فَهُوَ لَهُ (وَبِدَرَاهِمَ أَوْ بِدَنَانِيرَ مُرْسَلَةٍ لَا) تَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ كَمَا لَا تَصِحُّ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ لَهُ   [رد المحتار] الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ حَقِّ الْفَقْرِ وَالْقَرَابَةِ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَوْ يَسْتَغْنُونَ بِنَصِيبِهِمْ فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى، لِأَنَّهُ يَكُونُ صَدَقَةً عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَالتَّرْكُ هِبَةٌ مِنْ الْقَرِيبِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ قِيلَ فِي هَذَا الْوَجْهِ يُخَيَّرُ لِاشْتِمَالِ كُلٍّ عَلَى فَضِيلَةٍ وَهُوَ الصَّدَقَةُ أَوْ الصِّلَةُ اهـ كَلَامُ الْهِدَايَةِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَا تَنْبَغِي الْوَصِيَّةُ بِتَمَامِ الثُّلُثِ بَلْ الْمُسْتَحَبُّ التَّنْقِيصُ عَنْهُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدْ اسْتَكْثَرَ الثُّلُثَ بِقَوْلِهِ «وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» لَكِنَّ التَّنْقِيصَ عِنْدَ فَقْرِ الْوَرَثَةِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَحَبًّا إلَّا أَنَّ ثَمَّةَ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ، وَهُوَ التَّرْكُ أَصْلًا فَإِنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَتَفَاوَتُ دَرَجَاتُهُ، وَكَذَا الْمَسْنُونُ وَالْمَكْرُوهُ وَغَيْرُهُمَا، وَبِهَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ إتْيَانَ الشَّارِحِ الْمُحَقِّقِ بِلَوْ الْوَصْلِيَّةِ مُوَافِقٌ لِلْهِدَايَةِ فَافْهَمْ هَذَا وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: إذَا كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُوصَى عَلَى مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَوْلَادُ كِبَارًا فَلَوْ صِغَارًا فَالتَّرْكُ أَفْضَلُ مُطْلَقُهَا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ الشَّيْخَيْنِ كَمَا فِي قَاضِي خَانَ اهـ. فَالتَّفْصِيلُ إنَّمَا هُوَ فِي الْكِبَارِ أَمَّا الصِّغَارُ فَتَرْكُ الْمَالِ لَهُمْ أَفْضَلُ وَلَوْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِ مَالِهِ بَعْدَ التَّصَدُّقِ بِيَدِهِ (قَوْلُهُ أَوْ اسْتِغْنَائِهِمْ بِحِصَّتِهِمْ) أَيْ صَيْرُورَتِهِمْ أَغْنِيَاءَ بِأَنْ يَرِثَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَوْ يَرِثُ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ الْفَضْلِيِّ قُهُسْتَانِيٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، وَاقْتَصَرَ الْأَتْقَانِيُّ عَلَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ أَيْ غِنًى وَالِاسْتِغْنَاءُ) عَبَّرَ بِالْوَاوِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ بِلَا إحْدَاهُمَا عَدَمُهُمَا مَعًا إذْ لَوْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخِرِ كَانَ الْمَنْدُوبُ الْفِعْلَ لَا التَّرْكَ فَيُنَاقِضُ مَا قَبْلَهُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ تَرْكُ الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ كَمُسْتَأْمَنٍ) فَإِنَّهُ إذَا أَوْصَى بِكُلِّ مَالِهِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ جَازَ لِأَنَّ الْمَنْعَ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالْكُلِّ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، وَلَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلْوَالِجِيَّةٌ، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي بَابِ وَصَايَا الذِّمِّيِّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَصَحَّتْ وَمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَتَكُونُ وَصِيَّةً بِالْعِتْقِ) أَيْ تَكُونُ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ وَصِيَّةً لِلْعَبْدِ بِنَفْسِهِ تَصْحِيحًا لَهَا وَبِمَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ (قَوْلُهُ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ إلَخْ) فِيهِ إجْمَالٌ وَبَيَانُهُ مَا نَقَلَهُ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْبَدَائِعِ إنْ كَانَ الْمَالُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَقِيمَةُ ثُلُثَيْ الْعَبْدِ مِثْلُ مَا وَجَبَ لَهُ صَارَ قِصَاصًا، وَلَوْ فِي الْمَالِ زِيَادَةٌ دُفِعَتْ إلَيْهِ أَوْ فِي ثُلُثَيْ الْعَبْدِ زِيَادَةٌ دُفِعَتْ إلَى الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ عُرُوضًا لَا يَصِيرُ قِصَاصًا إلَّا بِالتَّرَاضِي، لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَلَهُ ثُلُثُ سَائِرِ أَمْوَالِهِ وَهَذَا عِنْدَهُ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَكُلُّهُ مُدَبَّرٌ، فَيَعْتِقُ كُلُّهُ مُقَدَّمًا عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا فَإِنْ زَادَ الثُّلُثُ عَلَى قِيمَتِهِ دَفَعَ الْوَرَثَةُ إلَيْهِ وَإِنْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ سَعَى فِي الْفَضْلِ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَجْزِيءِ الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَأَشَارَ بِتَقَدُّمِ الْعِتْقِ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا إلَى ثَمَرَةِ الْخِلَافِ، وَأَوْضَحَهَا فِي الْعَزِيمَةِ بِمَا إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِقِنِّهِ الَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَأَوْصَى بِثُلُثَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ لِلْفُقَرَاءِ وَمَاتَ وَتَرَكَ الْعَبْدَ وَأَلْفَيْ دِرْهَمٍ عَتَقَ عِنْدَهُ ثُلُثُ الْعَبْدِ مَجَّانًا وَالثُّلُثَانِ مِنْ قِيمَتِهِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْفُقَرَاءِ سَوِيَّةً، وَيَدْفَعُ الْعَبْدُ لِلْفُقَرَاءِ ثُلُثَ قِيمَتِهِ وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ أَوَّلًا كُلُّ الْعَبْدِ مَجَّانًا وَلَا شَيْءَ لِلْفُقَرَاءِ اهـ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ إنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ كَوْنَ هَذِهِ وَصِيَّةَ الْعِتْقِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِمَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ بِدَنَانِيرَ إلَخْ) لَوْ صَدَرَ بِلَا فَقَالَ لَا بِدَنَانِيرَ لَكَانَ أَوْضَحَ وَالْمُرَادُ بِالْمُرْسَلَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي الْبَابِ الْآتِي الْمُطْلَقَةُ غَيْرُ الْمُقَيَّدَةِ بِثُلُثٍ أَوْ نِصْفٍ أَوْ نَحْوِهِمَا اهـ: أَيْ كَمَا إذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 652 (وَصَحَّتْ لِمُكَاتَبِ نَفْسِهِ أَوْ لِمُدَبَّرِهِ أَوْ لِأُمِّ وَلَدِهِ) اسْتِحْسَانًا لَا لِمُكَاتَبِ وَارِثِهِ (وَ) صَحَّتْ (لِلْحَمْلِ وَبِهِ) كَقَوْلِهِ (أَوْصَيْت بِحَمْلِ جَارِيَتِي أَوْ دَابَّتِي هَذِهِ لِفُلَانٍ ثُمَّ إنَّمَا تَصِحُّ إنْ وُلِدَ) الْحَمْلُ (لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) لَوْ زَوْجُ الْحَامِلِ حَيًّا وَلَوْ مَيِّتًا وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ حِينَ الْوَصِيَّةِ فَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ نَسَبِهِ. اخْتِيَارٌ وَجَوْهَرَةٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ، فَلَوْ أَوْصَى لِمَا فِي بَطْنِ دَابَّةِ فُلَانٍ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ صَحَّ وَمُدَّةُ الْحَمْلِ لِلْآدَمِيِّ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَلِلْفِيلِ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً وَلِلْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالْحِمَارِ سَنَةٌ وَلِلْبَقَرِ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ وَلِلشَّاةِ خَمْسَةُ أَشْهُرٍ، وَلِلسِّنَّوْرِ شَهْرَانِ، وَلِلْكَلْبِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَلِلطَّيْرِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا قُهُسْتَانِيُّ مَعْزِيًّا لِلِاسْتِيفَاءِ (مِنْ وَقْتِهَا) أَيْ مِنْ وَقْتِ   [رد المحتار] قَالَ بِمِائَةٍ مَثَلًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَصَحَّتْ لِمُكَاتَبِ نَفْسِهِ) أَيْ إذَا لَمْ يُعْجِزْ نَفْسَهُ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ، أَمَّا إذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ فَهَلْ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ لِلْمُلُوكِ حَرِّرْهُ نَقْلًا اهـ ط (قَوْلُهُ أَوْ لِمُدَبَّرِهِ أَوْ لِأُمِّ وَلَدِهِ) لِأَنَّ نَفَاذَهَا بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَهُمَا حِينَئِذٍ حُرَّانِ اهـ ط (قَوْلُهُ لَا لِمُكَاتَبِ وَارِثِهِ) لِأَنَّهُ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ، فَتَكُونُ وَصِيَّةً لِلْوَارِثِ تَأَمَّلْ، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَا تَصِحُّ لِعَبْدِ وَارِثِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ، لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِلْوُرَّاثِ حَقِيقَةً، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِابْنِ وَارِثِهِ كَمَا فِي النَّظْمِ اهـ (قَوْلُهُ وَصَحَّتْ لِلْحَمْلِ) لِأَنَّهَا اسْتِخْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ، لِأَنَّهُ يَجْعَلُهُ خَلِيفَةً فِي بَعْضِ مَالِهِ وَالْجَنِينُ يَصْلُحُ خَلِيفَةً فِي الْإِرْثِ، فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ وَلَا يُقَالُ شَرْطُهَا الْقَبُولُ وَالْجَنِينُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْهِبَةَ وَالْمِيرَاثَ فَلِشَبَهِهَا بِالْهِبَةِ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ، إذَا أَمْكَنَ وَلِشَبَهِهَا بِالْمِيرَاثِ يَسْقُطُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَبِهِ) أَيْ بِالْحَمْلِ لِأَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ، فَتَجْرِي فِيهِ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا لِأَنَّهَا أُخْتُهُ زَيْلَعِيٌّ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَمْلُ مِنْ الْمَوْلَى أَتْقَانِيٌّ وَأَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. [تَنْبِيهٌ] قَدَّمْنَا فِي بَابِ اللِّعَانِ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ تَوْرِيثَ الْحَمْلِ وَالْوَصِيَّةَ بِهِ، وَلَهُ لَا يَثْبُتَانِ إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَيَثْبُتَانِ لِلْوَلَدِ لَا لِلْحَمْلِ اهـ. أَقُولُ: وَالْمُرَادُ ثُبُوتُ حُكْمِهِمَا وَإِلَّا فَهُمَا ثَابِتَانِ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يُنَافِي كَلَامَهُمْ هُنَا. [فَرْعٌ] فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ أَعْتَقَ الْوَرَثَةُ الْحَمْلَ الْمُوصَى بِهِ جَازَ إعْتَاقُهُمْ وَيَضْمَنُونَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ اهـ. أَقُولُ: وَوَجْهُهُ مَا عَلِمْت أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِهِ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا إلَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَهُوَ قَبْلَهَا عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ تَبَعًا لِأُمِّهِ وَبِالْوِلَادَةِ ثَبَتَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ وَقَدْ أَتْلَفُوهُ عَلَيْهِ فَضَمِنُوا قِيمَتَهُ وَقْتَهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) إذْ لَوْ وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِأَكْثَرَ اُحْتُمِلَ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ فَلَا تَصِحُّ أَفَادَهُ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَيِّتًا) مِثْلُ الْمَوْتِ الطَّلَاقُ الْبَائِنُ ط. أَقُولُ: وَمِثْلُهُ لَوْ أَقَرَّ الْمُوصِي بِأَنَّهَا حَامِلٌ فَتَثْبُتُ الْوَصِيَّةُ لَهُ إنْ وَضَعَتْهُ مَا بَيْنَ سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ أَوْصَى، لِأَنَّ وُجُودَهُ فِي الْبَطْنِ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمُوصِي، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لَهُ مَا هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْإِقْرَارِ، وَهُوَ الثُّلُثُ فَيَلْحَقُ بِمَا لَوْ صَارَ مَعْلُومًا يَقِينًا بِأَنْ وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ اهـ كَذَا نَقَلَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ التَّافِلَاتِيُّ الْحَنَفِيُّ مُفْتِي الْقُدْسِ الشَّرِيفِ عَنْ مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ (قَوْلُهُ فَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ ط (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ) أَيْ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِلْحَمْلِ أَوْ بِهِ (قَوْلُهُ لِيُنْفَقَ عَلَيْهِ) قَيَّدَ بِهِ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ أَوْصَى بِهَذَا التِّبْنِ لِدَوَابِّ فُلَانٍ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ وَلَوْ قَالَ يُعْلَفُ بِهَا دَوَابُّ فُلَانٍ جَازَ (قَوْلُهُ صَحَّ) أَيْ إذَا قِيلَ فُلَانٌ أَتْقَانِيٌّ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ وَمُدَّةُ الْحَمْلِ) أَيْ أَقَلُّ مُدَّتِهِ وَهُوَ صَرِيحُ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ ط (قَوْلُهُ وَلِلْفِيلِ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً) الَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْ الْقُهُسْتَانِيِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 653 الْوَصِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ. وَفِي النِّهَايَةِ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْوَصِيِّ وَفِي الْكَافِي مَا يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ لَهُ وَمِنْ الثَّانِي إنْ كَانَ بِهِ زَادَ فِي الْكَنْزِ وَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ لِلْحَمْلِ لِعَدَمِ قَبْضِهِ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ لِيَقْبِضَ عَنْهُ زَيْلَعِيٌّ وَغَيْرُهُ فَلَوْ صَالَحَ أَبُو الْحَمْلِ عَنْهُ بِمَا أَوْصَى لَهُ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْأَبِ عَلَى الْجَنِينِ وَلْوَالِجِيَّةٌ. قُلْت: وَبِهِ عُلِمَ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى وَهِيَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ وَلَوْ مُخْتَارًا التَّصَرُّفُ فِيمَا وُقِفَ لِلْحَمْلِ بَلْ قَالُوا الْحَمْلُ لَا يَلِي وَلَا يُولَى عَلَيْهِ (وَصَحَّتْ بِالْأَمَةِ إلَّا حَمْلَهَا) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ كُلَّ مَا صَحَّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ   [رد المحتار] أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا فَلْتُرَاجَعْ نُسْخَةٌ أُخْرَى (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ) أَفَادَ بِذَلِكَ اعْتِمَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَفِي الْكَافِي إلَخْ) أَقُولُ هَذَا الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ فَإِنَّ أَصْحَابَ الْمُتُونِ كَمَا صَرَّحُوا بِمَا مَرَّ فَقَدْ صَرَّحُوا أَيْضًا فِي آخِرِ بَابِ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ بِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِصُوفِ غَنَمِهِ وَوَلَدِهَا أَيْ الْحَمْلِ لَهُ الْمَوْجُودِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَأَقَرَّهُ الشَّارِحُ فَهُوَ مُخَصِّصٌ لِإِطْلَاقِهِمْ هُنَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ لَهُ) أَيْ إنْ كَانَ الْإِيصَاءُ لِلْحَمْلِ لِمَا مَرَّ أَنَّ مِنْ الشَّرَائِطِ كَوْنَ الْوَصِيِّ لَهُ مَوْجُودًا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ وَلَا يُتَيَقَّنُ بِوُجُودِهِ إلَّا إذَا وُلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِهَا (قَوْلُهُ إنْ كَانَ بِهِ) لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ الْمُوصَى بِهِ إنْ كَانَ مَعْدُومًا لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِلتَّمْلِيكِ بِعَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ وَلِذَا لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ بِمَا تَلِدُ أَغْنَامُهُ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ قَبْضِهِ) بَيَانٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ فَإِنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ مَحْضٌ وَالْمِلْكُ بِالْهِبَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ وَالْجَنِينُ غَيْرُ صَالِحٍ لِذَلِكَ أَفَادَهُ فِي الْعِنَايَةِ أَمَّا الْوَصِيَّةُ فَهِيَ تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ وَاسْتِخْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ كَمَا قَدَّمْنَا. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْأَبِ عَلَى الْجَنِينِ) لِأَنَّ لَهُ ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ لِحَاجَةِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ إلَى النَّظَرِ وَلَا حَاجَةَ لِلْجَنِينِ إلَى ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْجَنِينَ فِي حُكْمِ جَزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْأُمِّ، وَكَمَا لَا يَثْبُتُ لِلْأَبِ الْوِلَايَةُ عَلَى الْأُمِّ فَكَذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ مِنْ أَجْزَائِهَا، وَكَذَلِكَ الْأُمُّ لَوْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي صَالَحَتْ، لِأَنَّ الْأُبُوَّةَ فِي الْوِلَايَةِ أَقْوَى فَإِذَا كَانَتْ لَا تَثْبُتُ لِلْأَبِ، فَالْأُمُّ أَوْلَى وَالْجَنِينُ وَإِنْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ جَزْءٍ مِنْهَا مِنْ وَجْهٍ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ نَفْسٌ مُودَعَةٌ فِيهَا فَلِاعْتِبَارِ مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْأَجْزَاءِ لَا تَصِحُّ، وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ هَذَا الصُّلْحِ مِنْ الْأُمِّ بِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ لِهَذَا الْمَعْنَى اهـ تَافِلَانِيٌّ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ قُلْت وَبِهِ عُلِمَ إلَخْ) هُوَ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ ط وَفِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلْحَمَوِيِّ فِي قَاعِدَةِ: التَّابِعُ تَابِعٌ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ شَيْئًا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ فَلِلْوَلِيِّ بَيْعُهُ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا فَكَذَلِكَ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُ تَسْتَغْرِقُهُ بِالنَّفَقَةِ، وَلَوْ عَقَارًا فَلَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي تَفَقُّهًا وَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِيهِ اهـ (قَوْلُهُ بَلْ قَالُوا إلَخْ) إضْرَابٌ انْتِقَالِيٌّ فَإِنَّهُ أَفَادَ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ وَعَدَمِهَا فَافْهَمْ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَالنَّقْلُ فِي عَدَمِ وِلَايَةِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ عَلَى الْجَنِينِ مُتَظَاهِرٌ كَثِيرٌ اهـ. [تَنْبِيهٌ] أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ أَخْذًا مِمَّا هُنَا بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَصْبُ الْأَبِ وَصِيًّا عَلَى حَمْلِهِ، لَكِنْ فِي الْأَشْبَاهِ أَوَّلَ كِتَابِ الْبُيُوعِ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَالْوَصِيَّةِ. قَالَ الْحَمَوِيُّ: أَيْ عَلَيْهِ فَأَفَادَ أَنَّهُ يَصِحُّ نَصْبُ وَصِيٍّ عَلَيْهِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِبَحْثِهِ الْمَارِّ وَبِهِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّلَبِيِّ مُسْتَنِدًا إلَى قَوْلِهِمْ إنَّ الْوَاقِفَ عَلَى الْحَادِثِينَ مِنْ أَوْلَادِهِ صَحِيحٌ، وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْوَقْفَ أَخُو الْوَصِيَّةِ، فَحَيْثُ دَخَلُوا فِي الْوَقْفِ دَخَلُوا فِيهَا أَيْضًا. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَهُمْ الْوَصِيَّةُ الَّتِي هِيَ التَّمْلِيكُ فَإِنَّ الْوَقْفَ أَخُوهَا لِأَنَّهُ تَصَدُّقٌ بِالْمَنْفَعَةِ وَالْكَلَامُ فِي نَصْبِ الْوَصِيِّ عَلَى الْحَمْلِ وَذَلِكَ لَا يُشْبِهُ الْوَقْفَ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَبِهِ ظَهَرَ مَا فِي كَلَامِ الْحَمَوِيِّ السَّابِقِ هَذَا وَلِمَوْلَانَا الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ التَّافِلَانِيِّ رِسَالَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفَّقَ فِيهَا بِأَنَّهُ صَحِيحٌ، وَلَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ إلَى الْوِلَادَةِ أَخْذًا مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ تَوْرِيثَهُ الْوَصِيَّةَ بِهِ وَلَهُ مَوْقُوفَانِ إلَيْهَا أَيْضًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَصَحَّتْ بِالْأَمَةِ إلَّا حَمْلَهَا) يَعْنِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 654 صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ وَمَا لَا فَلَا (وَمِنْ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ وَبِالْعَكْسِ لَا حَرْبِيٍّ فِي دَارِهِ) قَيَّدَ بِدَارِهِ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ كَالذِّمِّيِّ كَمَا أَفَادَهُ الْمُنْلَا بَحْثًا قُلْت وَبِهِ صَرَّحَ الْحَدَّادِيُّ وَالزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَسَيَجِيءُ مَتْنًا فِي وَصَايَا الذِّمِّيِّ (وَلَا لِوَارِثِهِ وَقَاتِلِهِ مُبَاشَرَةٌ)   [رد المحتار] إذَا قَالَ: أَوْصَيْت بِهَذِهِ الْأَمَةِ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ أَيْضًا، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ بِمَعْنَى لَكِنْ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْأَمَةِ لَفْظًا وَإِنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالْإِطْلَاقِ تَبَعًا وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ) أَيْ وَالْحَمْلُ يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْوَصِيَّةِ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لَا حَرْبِيٍّ فِي دَارِهِ) أَيْ وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ لِنَهْيِنَا عَنْ بِرِّهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ} [الممتحنة: 9] الْآيَةَ فَعَدَمُ الْجَوَازِ لِحَقِّ الشَّرْعِ لَا لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، بِخِلَافِ الْوَرَثَةِ لِلْوَارِثِ أَوْ لِلْأَجْنَبِيِّ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَإِنَّهُ لِحَقِّ الْوِرَاثَةِ، وَلِأَنَّ الْحَرْبِيَّ فِي دَارِهِ كَالْمَيِّتِ فِي حَقِّنَا وَالْوَصِيَّةُ لِلْمَيِّتِ بَاطِلَةٌ، وَنَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْحَرْبِيِّ صَرِيحًا وَكَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَذَكَرَ شُرَّاحُهُ أَنَّ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ وَرَدَّهُ الْعَلَّامَةُ قَاضِي زَادَهْ بِأَنَّ لَفْظَ السِّيَرِ الْكَبِيرِ: لَوْ أَوْصَى مُسْلِمٌ لِحَرْبِيٍّ وَالْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَجُوزُ، وَاعْتَرَضَهُ فِي الْعَزِيمَةِ بِأَنَّ نَاقِلِي الْجَوَازِ مُؤْتَمَنُونَ فِي الْأَخْذِ وَالنَّقْلِ، وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ جَوِي زَادَهْ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِلسَّرَخْسِيِّ بِقَوْلِهِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ الْمُشْرِكَ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا مُحَارِبًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا. وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَحَادِيث مِنْهَا «أَنَّهُ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ إلَى مَكَّةَ حِينَ قَحَطُوا وَأَمَرَ بِدَفْعِ ذَلِكَ إلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ لَيُفَرِّقَا عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ مَكَّةَ فَقَبِلَ ذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَبَى صَفْوَانُ» ، قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ وَلِأَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحْمُودَةٌ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ وَفِي كُلِّ دِينٍ وَالْإِهْدَاءُ إلَى الْغَيْرِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بُعِثْت لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» فَعَرَفْنَا أَنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ جَمِيعًا اهـ. فَالْخِلَافُ فِي جَوَازِ صِلَةِ الْحَرْبِيِّ وَعَدَمِهِ لَا فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ وَعَدَمِهِ اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ التَّعْلِيلَ بِأَنَّ الْحَرْبِيَّ كَالْمَيِّتِ اقْتَضَى عَدَمَ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لَهُ وَالتَّعْلِيلُ بِالنَّهْيِ اقْتَضَى عَدَمَ جَوَازِ كُلٍّ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَالصِّلَةِ، وَمَا فِي السِّيَرِ دَلَّ عَلَى جَوَازِ الصِّلَةِ دُونَ الْوَصِيَّةِ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ شُرَّاحُ الْجَامِعِ، فَصَارَ الْخِلَافُ فِي جَوَازِ الصِّلَةِ فَقَطْ. أَقُولُ: وَقَدْ رَأَيْت نَصَّيْ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ عَلَى جَوَازِ الْهَدِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فِي مُوَطَّئِهِ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ مِنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَلَا بَأْسَ أَيْضًا بِالْهَدِيَّةِ إلَى الْمُشْرِكِ الْمُحَارِبِ مَا لَمْ يُهْدَ إلَيْهِ سِلَاحٌ أَوْ دِرْعٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ كَالذِّمِّيِّ) فَإِذَا أَوْصَى لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِجَمِيعِ مَالِهِ جَازَ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ كَمَا أَفَادَهُ الْمُنْلَا) فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُنْلَا خُسْرو (قَوْلُهُ وَلَا لِوَارِثِهِ) أَيْ الْوَارِثِ وَقْتَ الْمَوْتِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ النَّاطِفِيَّ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا عَيَّنَ لِوَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ شَيْئًا كَالدَّارِ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فِي سَائِرِ التَّرِكَةِ حَقٌّ يَجُوزُ، وَقِيلَ هَذَا إذَا رَضِيَ ذَلِكَ الْوَارِثُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ تَعْيِينُ الْمَيِّتِ كَتَعْيِينِ بَاقِي الْوَرَثَةِ مَعَهُ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ اهـ. قُلْت: وَحَكَى الْقَوْلَيْنِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَقَالَ: قِيلَ جَازَ وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ وَقِيلَ لَا اهـ. [فَرْعٌ] قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْعَتَّابِيِّ: اجْتَمَعَ قَرَابَةُ الْمَرِيضِ عِنْدَهُ يَأْكُلُونَ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانُوا وَرَثَةً لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ الْمَرِيضُ إلَيْهِمْ لِتَعَاهُدِهِ فَيَأْكُلُونَ مَعَ عِيَالِهِ بِلَا إسْرَافٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا وَرَثَةً جَازَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ لَوْ بِأَمْرِ الْمَرِيضِ اهـ (قَوْلُهُ وَقَاتِلِهِ مُبَاشَرَةً) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا وَصِيَّةَ لِقَاتِلٍ» وَلِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ فَيُحْرَمُ الْوَصِيَّةَ، كَالْمِيرَاثِ سَوَاءٌ أَوْصَى لَهُ قَبْلَ الْقَتْلِ ثُمَّ قَتَلَهُ، أَوْ أَوْصَى لَهُ بَعْدَ الْجَرْحِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ زَيْلَعِيٌّ. أَقُولُ: وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِعْجَالِ مَا يَظْهَرُ مِنْ حَالِ الْقَاتِلِ وَإِلَّا فَمَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ تَأَمَّلْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 655 لَا تَسْبِيبًا كَمَا مَرَّ (إلَّا بِإِجَازَةِ وَرَثَتِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ» يَعْنِي عِنْدَ وُجُودِ وَارِثٍ آخَرَ كَمَا يُفِيدُهُ آخِرُ الْحَدِيثِ وَسَنُحَقِّقُهُ (وَهُمْ كِبَارٌ) عُقَلَاءُ فَلَمْ تَجُزْ إجَازَةُ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَإِجَازَةُ الْمَرِيضِ كَابْتِدَاءِ وَصِيَّةٍ وَلَوْ أَجَازَ الْبَعْضُ وَرَّدَ الْبَعْضُ جَازَ عَلَى الْمُجِيزِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ (أَوْ يَكُونُ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا) فَتَجُوزُ بِلَا إجَازَةٍ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا أَهْلًا لِلْعُقُوبَةِ (أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ سِوَاهُ) كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْ سِوَى الْمُوصَى لَهُ الْقَاتِلِ أَوْ الْوَارِثِ، حَتَّى لَوْ أَوْصَى لِزَوْجَتِهِ أَوْ هِيَ لَهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ وَارِثٌ آخَرُ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ ابْنُ كَمَالٍ. زَادَ فِي الْمُحِبِّيَّةِ: فَلَوْ أَوْصَتْ لِزَوْجِهَا بِالنِّصْفِ كَانَ لَهُ الْكُلُّ. قُلْت وَإِنَّمَا قَيَّدُوا بِالزَّوْجَيْنِ لِأَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ يَرِثُ الْكُلَّ بِرَدٍّ أَوْ رَحِمٍ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي الْإِقْرَارِ مَعْزِيًّا للشُّرُنبُلاليَّة، وَفِي فَتَاوَى النَّوَازِلِ: أَوْصَى لِرَجُلٍ بِكُلِّ مَالِهِ وَمَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا إلَّا امْرَأَتَهُ، فَإِنْ لَمْ تَجُزْ فَلَهَا السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ الثُّلُثَ بِلَا إجَازَةٍ فَيَبْقَى الثُّلُثَانِ فَلَهَا رُبْعُهُمَا وَهُوَ سُدُسُ الْكُلِّ وَلَوْ كَانَ مَكَانَهَا زَوْجٌ فَإِنْ لَمْ يَجُزْ فَلَهُ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْمُوصَى لَهُ (وَلَا مِنْ صَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ أَصْلًا) وَلَوْ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَكَذَا) لَا تَصِحُّ (مِنْ مُمَيِّزٍ إلَّا فِي تَجْهِيزِهِ وَأَمْرِ دَفْنِهِ) فَتَجُوزُ اسْتِحْسَانًا   [رد المحتار] [فَرْعٌ] جَرَحَهُ رَجُلٌ وَقَتَلَهُ آخَرُ جَازَتْ لِلْجَارِحِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَاتِلٍ وَلْوَالِجِيَّةٌ (قَوْلُهُ لَا تَسْبِيبًا) كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاتِلٍ حَقِيقَةً (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا بِإِجَازَةِ وَرَثَتِهِ) الِاسْتِثْنَاءُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ تَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تَجُوزُ وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ قَتْلِهِ عَمْدًا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ مُلْغَاةً بِالِاتِّفَاقِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَسَنُحَقِّقُهُ) أَيْ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَإِجَازَةُ الْمَرِيضِ كَابْتِدَاءِ وَصِيَّةٍ) فَإِذَا كَانَ وَارِثُ الْمُوصِي مَرِيضًا فَأَجَازَ الْوَصِيَّةَ وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ إنْ بَرِئَ صَحَّتْ إجَازَتُهُ وَإِنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرِيضُ، فَإِنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ وَارِثَهُ لَا تَجُوزُ إجَازَتُهُ إلَّا أَنْ تُجِيزَهُ وَرَثَةُ الْمَرِيضِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا تَجُوزُ إجَازَتُهُ وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ جَازَ عَلَى الْمُجِيزِ إلَخْ) بِأَنْ يُقَدَّرَ فِي حَقِّ الْمُجِيزِ كَأَنَّ كُلَّهُمْ أَجَازُوا وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ كَأَنَّ كُلَّهُمْ لَمْ يُجِيزُوا وَقَدَّمْنَا بَيَانَهُ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ (قَوْلُهُ أَوْ يَكُونَ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ بِإِجَازَةِ وَرَثَتِهِ، لِأَنَّهُ فِي تَأْوِيلِ أَنْ يُجِيزَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا أَهْلًا لِلْعُقُوبَةِ) وَلِذَا لَمْ يُحْرَمَا الْمِيرَاثَ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بَحْثًا مِنْهُ وَلِي فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي الْكَبِيرِ الْعُقُوبَةَ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ بِالْإِجَازَةِ كَالْمِيرَاثِ: نَعَمْ هُوَ ظَاهِرُهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِأَنَّهَا لَا تَجُوزُ لِلْقَاتِلِ، وَإِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ، وَعَلَّلُوا لَهُ بِأَنَّ جِنَايَتَهُ بَاقِيَةٌ وَالِامْتِنَاعُ لِأَجْلِهَا عُقُوبَةٌ لَهُ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَهُوَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ دَفْعًا لِلْغَيْظِ عَنْهُمْ حَتَّى لَا يُشَارِكَهُمْ فِي مَالِ مَنْ سَعَى فِي قَتْلِهِ، وَهَذَا يَنْعَدِمُ بِإِجَازَتِهِمْ وَالصَّبِيُّ بِمَعْزِلٍ مِنْ الْغَيْظِ، فَلَمْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ مَا ثَبَتَ فِي حَقِّ الْبَالِغِ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ أَيْ سِوَى الْمُوصَى لَهُ) تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ فِي سِوَاهُ وَقَوْلُهُ الْقَاتِلِ: أَوْ الْوَارِثِ بَدَلٌ مِنْ الْمُوصَى لَهُ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أَوْصَى إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ الْوَارِثِ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَلَوْ أَوْصَى لِقَاتِلِهِ وَلَا وَارِثَ لَهُ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ وَهَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (قَوْلُهُ فَلَهَا رُبُعُهُمَا) لِأَنَّ الْإِرْثَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَفَرْضهَا رُبُعُ الثُّلُثَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ (قَوْلُهُ فَلَهُ الثُّلُثُ) وَهُوَ نِصْفُ الْبَاقِي. [فَرْعٌ] تَرَكَ امْرَأَةً وَأَوْصَى لَهَا بِالنِّصْفِ، وَلِأَجْنَبِيٍّ بِالنِّصْفِ يُعْطَى لِلْأَجْنَبِيِّ أَوَّلًا الثُّلُثُ وَلِلْمَرْأَةِ رُبُعُ الْبَاقِي إرْثًا وَالْبَاقِي يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمَا تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَفِيهَا تَرَكَتْ زَوْجَهَا فَقَطْ وَقَدْ كَانَتْ أَوْصَتْ لِأَجْنَبِيٍّ بِالنِّصْفِ فَلِلْمُوصَى لَهُ نِصْفُ الْمَالِ وَلِلزَّوْجِ الثُّلُثُ وَالسُّدُسُ لِبَيْتِ الْمَالِ اهـ وَلَوْ أَوْصَى لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالْكُلِّ فَقَدْ أَوْضَحَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ إلَّا فِي تَجْهِيزِهِ وَأَمْرِ دَفْنِهِ) لَكِنَّهُ تُرَاعَى فِيهِ الْمَصْلَحَةُ لِمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الرَّوْضَةِ: لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ بِأَلْفِ دِينَارٍ يُكَفَّنُ بِكَفَنٍ وَسَطٍ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبَيْنِ لَا يُرَاعَى شَرَائِطُ الْوَصِيَّةِ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ أَوْ سِتَّةِ أَثْوَابٍ يُرَاعَى شَرَائِطُهُ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُدْفَنَ فِي مَقْبَرَةِ كَذَا بِقُرْبِ فُلَانٍ الزَّاهِدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 656 وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ إجَازَةُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِوَصِيَّةِ يَافِعٍ يَعْنِي الْمُرَاهِقَ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (مَاتَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ أَوْ أَضَافَهَا إلَيْهِ) كَأَنْ أَدْرَكْتُ فَثُلُثَيْ لِفُلَانٍ لَمْ يَحُزْ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ فَلَا يَمْلِكُ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا كَمَا فِي الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَا مِنْ عَبْدٍ وَمُكَاتَبٍ وَإِنْ تَرَكَ) الْمُكَاتَبُ (وَفَاءً) وَقِيلَ عِنْدَهُمَا تَصِحُّ فِي صُورَةِ تَرْكِ الْوَفَاءِ دُرَرٌ (إلَّا إذَا أَضَافَهَا) كُلٌّ مِنْهُمَا وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ: أَضَافَاهَا (إلَى الْعِتْقِ) فَتَصِحُّ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى (وَلَا مِنْ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ بِالْإِشَارَةِ إلَّا إذَا امْتَدَّتْ عُقْلَتُهُ حَتَّى صَارَتْ لَهُ إشَارَةٌ مَعْهُودَةٌ فَهُوَ كَأَخْرَسَ) وَقَدْرُ الِامْتِدَادِ سَنَةٌ وَقِيلَ: إنْ امْتَدَّتْ لِمَوْتِهِ جَازَ إقْرَارُهُ بِالْإِشَارَةِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ وَكَانَ كَأَخْرَسَ قَالُوا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى دُرَرٌ سَيَجِيءُ فِي مَسَائِلَ شَتَّى. (وَإِنَّمَا يَصِحُّ قَبُولُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ) لِأَنَّ أَوَانَ ثُبُوتِ حُكْمِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ (فَبَطَلَ قَبُولُهَا وَرَدُّهَا قَبْلَهُ) وَإِنَّمَا تُمْلَكُ بِالْقَبُولِ -   [رد المحتار] تُرَاعَى شَرَائِطُهُ إنْ لَمْ يَلْزَمْ فِي التَّرِكَةِ مُؤْنَةُ الْحَمْلِ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُدْفَنَ مَعَ فُلَانٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ لَا يُرَاعَى شَرْطُهُ اهـ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. أَقُولُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ يُوهِمُ أَنَّ صَاحِبَ الْخُلَاصَةِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي وَصِيَّةِ الصَّبِيِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ عِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ مُطْلَقَةٌ وَمِثْلُهَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ إجَازَةُ عُمَرَ إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَالْأَثَرُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْحُلُمِ يَعْنِي كَانَ بَالِغًا لَمْ يَمْضِ عَلَى بُلُوغِهِ زَمَانٌ كَثِيرٌ وَمِثْلُهُ يُسَمَّى يَافِعًا مَجَازًا أَوْ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ فِي تَجْهِيزِهِ وَأَمْرِ دَفْنِهِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ صَحَّ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ غُلَامًا لَمْ يَحْتَلِمْ، وَأَنَّهُ أَوْصَى لِابْنَةِ عَمٍّ لَهُ بِمَالٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّأْوِيلُ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَالِاحْتِجَاجُ بِهَذَا الْأَثَرِ لَا يَصِحُّ مِنْ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ وَعِنْدَنَا الْمُرْسَلُ، وَإِنْ كَانَ حُجَّةً لَكِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَلَمِ التَّكْلِيفُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْهُ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] الْآيَةَ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ مَمْنُوعٌ مِنْ مَالِهِ اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: قَدْ يُقَالُ رَفْعُ التَّكْلِيفِ دَلِيلُ الْحَجْرِ عَنْ الْأَقْوَالِ وَالتَّصَرُّفَاتِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ شَرْعًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ يَعْنِي الْمُرَاهِقَ) تَفْسِيرٌ لِيَافِعٍ وَالْمُرَاهِقُ مَنْ قَارَبَ الْبُلُوغَ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ عِنْدَهُمَا إلَخْ) هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ مَثَلًا أَمَّا لَوْ أَوْصَى بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهِ فَلَا تَصِحُّ إجْمَاعًا كَمَا أَنَّهُ يَصِحُّ إجْمَاعًا إذَا أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَى مَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَالدَّلِيلُ مَذْكُورٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ ط (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَضَافَهَا) بِأَنْ قَالَ إذَا عَتَقْت فَثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةٌ لِفُلَانٍ أَوْ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لَهُ، حَتَّى لَوْ عَتَقَ قَبْلَ الْمَوْتِ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ مَاتَ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ حَقِيقَةً لَمْ يُوجَدْ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ أَضَافَاهَا) كَأَنَّ نُسْخَتَهُ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَاَلَّذِي رَأَيْته فِيهَا كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ إلَخْ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّبِيِّ، فَإِنَّ أَهْلِيَّتَهُمَا كَامِلَةٌ، وَإِنَّمَا مُنِعَ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَتَصِحُّ إضَافَتُهَا إلَى حَالِ سُقُوطِ حَقِّ الْمَوْلَى أَمَّا الصَّبِيُّ فَأَهْلِيَّتُهُ قَاصِرَةٌ، فَلَيْسَ بِأَهْلٍ لِقَوْلٍ مُلْزِمٍ، فَلَا يَمْلِكُهُ تَنْجِيزًا وَلَا تَعْلِيقًا (قَوْلُهُ بِالْإِشَارَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَصِحُّ الْمُقَدَّرِ بَعْدَ أَدَاةِ النَّفْيِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إنْ امْتَدَّتْ لِمَوْتِهِ جَازَ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَذَكَرَ الْحَاكِمُ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ دَامَتْ الْعُقْلَةُ إلَى الْمَوْتِ يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالْإِشَارَةِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ النُّطْقِ بِمَعْنَى لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فَكَانَ كَالْأَخْرَسِ قَالُوا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. قَالَ السَّائِحَانِيُّ: سَوَاءٌ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ مَشْرُوطٌ بِالِامْتِدَادِ سَنَةً، وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا الْمَوْتُ هَذَا مَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ (قَوْلُهُ دُرَرٌ) وَبِهِ جَزَمَ فِي مَتْنِ الْمَوَاهِبِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تُمْلَكُ بِالْقَبُولِ) دُخُولٌ عَلَى الْمَتْنِ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى قَبُولِهِ، وَلَيْسَتْ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ وَلَا فِي مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ حَتَّى يَقْبَلَ أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 657 (إلَّا إذَا مَاتَ مُوصِيهِ ثُمَّ هُوَ بِلَا قَبُولِهَا فَهُوَ) أَيْ الْمَالُ الْمُوصَى بِهِ (لِوَرَثَتِهِ) بِلَا قَبُولٍ اسْتِحْسَانًا كَمَا مَرَّ وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لِلْجَنِينِ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِلَا قَبُولٍ اسْتِحْسَانًا لِعَدَمِ مَنْ يَلِي عَلَيْهِ لِيَقْبَلَ عَنْهُ كَمَا مَرَّ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُوصَى (الرُّجُوعُ عَنْهَا بِقَوْلٍ صَرِيحٍ) أَوْ فِعْلٍ يَقْطَعُ حَقَّ الْمَالِكِ عَنْ الْغَصْبِ (بِأَنْ يُزِيلَ اسْمَهُ) وَأَعْظَمَ مَنَافِعِهِ كَمَا عُرِفَ فِي الْغَصْبِ (أَوْ) فِعْلٍ (يَزِيدُ فِي الْمُوصَى بِهِ مَا يَمْنَعُ تَسْلِيمَهُ إلَّا بِهِ كَلَتِّ السَّوِيقِ) الْمُوصَى بِهِ (بِسَمْنٍ وَالْبِنَاءِ) فِي الدَّارِ الْمُوصَى بِهَا بِخِلَافِ تَجْصِيصِهَا وَهَدْمِ بِنَائِهَا لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي التَّابِعِ (وَتَصَرُّفٍ) عَطْفٌ عَلَى بِقَوْلٍ صَرِيحٍ وَعَطَفَ ابْنُ كَمَالٍ تَبَعًا لِلدُّرَرِ بِأَوْ وَعَلَيْهِ فَهُوَ أَصْلٌ ثَالِثٌ فِي كَوْنِ فِعْلِهِ يُفِيدُ رُجُوعَهُ عَنْهَا كَمَا يُفِيدُهُ مَتْنُ الدُّرَرِ فَتَدَبَّرْ (يُزِيلُ مِلْكَهُ) فَإِنَّهُ -   [رد المحتار] يَمُوتَ أَتْقَانِيٌّ عَنْ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ (قَوْلُهُ ثُمَّ هُوَ بِلَا قَبُولٍ) أَيْ وَلَا رَدٍّ (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ بُطْلَانُهَا لِأَنَّ تَمَامَهَا مَوْقُوفٌ عَلَى الْقَبُولِ، وَقَدْ فَاتَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا تَمَّتْ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي تَمَامًا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ، وَوُقِفَتْ عَلَى خِيَارِ الْمُوصَى لَهُ فَصَارَ كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي لَوْ مَاتَ فِي الثَّلَاثِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ يَتِمُّ وَالسِّلْعَةُ لِوَرَثَتِهِ فَكَذَا هُنَا فَيَكُونُ مَوْتُهُ بِلَا رَدٍّ كَقَبُولِهِ دَلَالَةً أَتْقَانِيٌّ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: وَإِذَا قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ مِلْكَ الْمُوصَى بِهِ وَإِلَّا فَلَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا يُمْكِنُ قَبُولُهُ بِخِلَافِ نَحْوِ الْفُقَرَاءِ وَبَنِي هَاشِمٍ وَمَصْلَحَةِ مَسْجِدٍ وَحَجٍّ وَغَزْوَةٍ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ: أَعْطُوا بَعْدَ مَوْتِي ثُلُثَ مَالِي مَسَاكِينِ مَكَّةَ كَذَا فَلَمَّا مَاتَ أَتَى الْوَصِيُّ بِالْمَالِ إلَيْهِمْ فَقَالُوا لَا نُرِيدُهُ، وَلَيْسَ بِنَا حَاجَةٌ إلَيْهِ. قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: يُرَدُّ الْمَالُ إلَى الْوَرَثَةِ، وَإِنْ رَجَعُوا قَبْلَ رَدِّهِ لِلْوَرَثَةِ لِبُطْلَانِ حَقِّهِمْ بِالرَّدِّ: وَفِي الْأَشْبَاهِ: وَإِذَا قَبِلَهَا ثُمَّ رَدَّهَا عَلَى الْوَرَثَةِ إنْ قَبِلُوهَا انْفَسَخَ مِلْكُهُ وَإِلَّا لَمْ يُجْبَرُوا اهـ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا) لِأَنَّ تَمَامَهَا بِمَوْتِ الْمُوصِي، وَلِأَنَّ الْقَبُولَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَوْتِ وَالْإِيجَابُ الْمُفْرَدُ يَجُوزُ إبْطَالُهُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْعِ، فَفِي التَّبَرُّعِ أَوْلَى عِنَايَةٌ وَاعْلَمْ أَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى أَنْوَاعٍ مَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ كَالْوَصِيَّةِ بِعَيْنٍ وَمَا لَا يَحْتَمِلُهُ إلَّا بِالْقَوْلِ كَالْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ، فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ لَمْ تَبْطُلْ وَتُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي، وَمَا لَا يَحْتَمِلُهُ إلَّا بِالْفِعْلِ كَالتَّدْبِيرِ الْمُقَيَّدِ، فَلَوْ بَاعَهُ صَحَّ لَكِنْ لَوْ اشْتَرَاهُ عَادَ لِحَالِهِ الْأَوَّلِ وَمَا لَا يَحْتَمِلُهُ بِهِمَا كَالتَّدْبِيرِ الْمُطْلَقِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْأَتْقَانِيِّ وَالْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ أَوْ فِعْلٍ إلَخْ) هَذَا رُجُوعٌ دَلَالَةً وَالْأَوَّلُ صَرِيحٌ، وَقَدْ يَثْبُتُ ضَرُورَةً بِأَنْ يَتَغَيَّرَ الْمُوصَى بِهِ وَيَتَغَيَّرَ اسْمُهُ كَمَا إذَا أَوْصَى بِعِنَبٍ فِي كَرْمِهِ فَصَارَ زَبِيبًا أَوْ بِبَيْضَةٍ فَحَضَنَتْهَا دَجَاجَةٌ؛ حَتَّى أَفْرَخَتْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي وَتَمَامُهُ فِي الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ بِأَنْ يُزِيلَ اسْمَهُ إلَخْ) كَمَا إذَا اتَّخَذَ الْحَدِيدَ سَيْفًا أَوْ الصُّفْرَ آنِيَةً لِأَنَّهُ لَمَّا أَثَّرَ فِي قَطْعِ مِلْكِ الْمَالِكِ فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي الْمَانِعِ أَوْلَى زَيْلَعِيٌّ أَيْ فِي الْمَنْعِ عَنْ حُصُولِ الْمِلْكِ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ الْمُوصَى بِهَا كَانَ مُجَرَّدُ الذَّبْحِ رُجُوعًا وَكَانَ يَنْبَغِي عَدَمُهُ، لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ كَقَطْعِهِ الثَّوْبَ وَلَمْ يَخِطْهُ، وَهَدْمِ بِنَاءِ الدَّارِ، وَلَكِنْ نَقُولُ الذَّبْحُ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِبْقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ فَكَانَ دَلِيلَ الرُّجُوعِ لِأَنَّ اللَّحْمَ قَلَّمَا يَبْقَى عَادَةً إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كِلْت السَّوِيقَ إلَخْ) وَكَالْقُطْنِ يَحْشُو بِهِ وَالْبِطَانَةِ يُبَطِّنُ بِهَا وَالظِّهَارَةِ يُظَهِّرُ بِهَا، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ بِدُونِ الزِّيَادَةِ، وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُهَا لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي مِلْكِ الْمُوصِي مِنْ جِهَتِهِ هِدَايَةٌ وَكَذَا لَوْ زَرَعَ فِيهَا شَجَرًا أَوْ كَرْمًا لَا لَوْ زَرَعَ رُطَبَةً خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي التَّابِعِ) وَهُوَ الْبِنَاءُ وَالتَّجْصِيصُ زِينَةً أَتْقَانِيٌّ. وَانْظُرْ هَلْ تَطْيِينُ الدَّارِ وَتَكْلِيسُهَا كَالْبِنَاءِ أَوْ كَالتَّجْصِيصِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْخَانِيَّةِ مَا نَصُّهُ: وَإِنْ طَيَّنَهَا يَكُونُ رُجُوعًا إذَا كَانَ كَثِيرًا اهـ وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ عَطْفٌ عَلَى بِقَوْلِ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْمَجْرُورِ بِدُونِ الْجَارِّ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ فَهُوَ أَصْلٌ ثَالِثٌ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهُ قِسْمٌ ثَالِثٌ لِلْفِعْلِ الْمُفِيدِ لِلرُّجُوعِ، خِلَافًا لِمَا يُفِيدُهُ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِلْفِعْلِ لَكِنْ قَالَ ح: هَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 658 رُجُوعٌ عَادَ لِمِلْكِهِ ثَانِيًا أَمْ لَا (كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ) وَكَذَا إذَا خَلَطَهُ بِغَيْرِهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَمَيُّزُهُ (لَا) يَكُونُ رَاجِعًا (بِغُسْلِ ثَوْبٍ أَوْصَى بِهِ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي التَّبَعِ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّغَيُّرَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي لَا يَضُرُّ أَصْلًا (وَلَا بِجُحُودِهَا) دُرَرٌ وَكَنْزٌ وَوِقَايَةٌ وَفِي الْمَجْمَعِ بِهِ يُفْتَى وَمِثْلُهُ فِي الْعَيْنِيِّ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْعُيُونِ: أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ رُجُوعٌ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ (وَكَذَا) لَا يَكُونُ رَاجِعًا (بِقَوْلِهِ كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَيْت بِهَا فَحَرَامٌ أَوْ رِيَاءٌ أَوْ أَخَّرْتهَا بِخِلَافِ) قَوْلِهِ تَرَكْتهَا وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ (كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَيْتهَا فَهِيَ بَاطِلَةٌ أَوْ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِزَيْدٍ فَهُوَ لِعَمْرٍو أَوْ لِفُلَانٍ وَارِثِي) فَكُلُّ ذَلِكَ رُجُوعٌ عَنْ الْأَوَّلِ تَكُونُ لِوَارِثِهِ بِالْإِجَازَةِ كَمَا مَرَّ (وَلَوْ كَانَ فُلَانٌ) لِآخَرَ (مَيِّتًا وَقْتَهَا فَالْأُولَى مِنْ الْوَصِيَّتَيْنِ بِحَالِهَا) لِبُطْلَانِ الثَّانِيَةِ وَلَوْ حَيًّا وَقْتَهَا فَمَاتَ قَبْلَ الْمُوصَى بَطَلَتَا الْأُولَى بِالرُّجُوعِ وَالثَّانِيَةُ بِالْمَوْتِ (وَتَبْطُلُ هِبَةُ الْمَرِيضِ وَوَصِيَّتُهُ لِمَنْ نَكَحَهَا بَعْدَهُمَا) أَيْ بَعْدَ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِجَوَازِ الْوَصِيَّةِ كَوْنُ الْمُوصَى لَهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ، لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ كَوْنَ الْمُقِرِّ لَهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ يَوْمَ الْإِقْرَارِ فَلَوْ أَقَرَّ لَهَا   [رد المحتار] إنَّمَا يَظْهَرُ فِي عِبَارَةِ الدُّرَرِ حَيْثُ قَالَ: أَوْ يَزِيدُ وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَةَ تَصَرُّفٍ وَأَمَّا عَلَى ذِكْرِهَا، فَلَا سَوَاءٌ كَانَ بِأَوْ أَوْ بِالْوَاوِ اهـ (قَوْلُهُ عَادَ لِمِلْكِهِ ثَانِيًا) أَيْ بِالشِّرَاءِ أَوْ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ زَيْلَعِيٌّ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ كَقَوْلِهِ إنْ مِتَّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ، فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ عَادَ إلَى الْحَالِ الْأَوَّلِ كَمَا نَقَلَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا خَلَطَهُ بِغَيْرِهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَمَيُّزُهُ) أَقُولُ: وَكَذَا إنْ أَمْكَنَهُ وَلَكِنْ بِعُسْرٍ كَشَعِيرٍ بِبُرٍّ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ أَوْ فِعْلٍ بِقَطْعِ حَقِّ الْمَالِكِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي التَّبَعِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا فِي النَّفْعِ بِالنُّونِ وَالْفَاءِ وَعَلَى كُلٍّ، فَالْمُرَادُ بِهِ إزَالَةُ الْوَسَخِ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ، لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ ثَوْبَهُ غَيْرَهُ يَغْسِلْهُ عَادَةً فَكَانَ تَقْرِيرًا اهـ أَيْ إبْقَاءً لِلْوَصِيَّةِ لَا رُجُوعًا عَنْهَا (قَوْلُهُ لَا يَضُرُّ أَصْلًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبُولِ أَوْ بَعْدَهُ زَيْلَعِيٌّ، لِأَنَّهُ حَصَلَ بَعْدَ تَمَامِهَا، لِأَنَّ تَمَامَهَا بِالْمَوْتِ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا بِجُحُودِهَا) لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الشَّيْءِ يَقْتَضِي سَبْقَ وُجُودِهِ وَجُحُودُ الشَّيْءِ يَقْتَضِي سَبْقَ عَدَمِهِ إذَا الْجُحُودُ نَفْيٌ لِأَصْلِ الْعَقْدِ، فَلَوْ كَانَ الْجُحُودُ رُجُوعًا اقْتَضَى وُجُودَ الْوَصِيَّةِ وَعَدَمَهَا فِيمَا سَبَقَ وَهُوَ مُحَالٌ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى وَلَكِنَّ الْمُتُونَ عَلَى الْأَوَّلِ وَلِذَا قَدَّمَهُ الْمُصَنَّفُ عَلَى عَادَتِهِ اهـ. أَقُولُ: وَأَخَّرَ فِي الْهِدَايَةِ دَلِيلَهُ فَكَانَ مُخْتَارًا لَهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَوَاهِبِ وَالْإِصْلَاحِ قَالَ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ مِنْ الْبَحْرِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَالْإِفْتَاءُ فَالْعَمَلُ بِمَا وَافَقَ الْمُتُونَ أَوْلَى (قَوْلُهُ فَحَرَامٌ أَوْ رِيَاءٌ إلَخْ) لِأَنَّ الْوَصْفَ يَسْتَدْعِي بَقَاءَ الْأَصْلِ وَالتَّأْخِيرُ لَيْسَ لِلسُّقُوطِ كَتَأْخِيرِ الدَّيْنِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فَكُلُّ ذَلِكَ رُجُوعٌ) لِأَنَّ التَّرْكَ إسْقَاطٌ وَالْبَاطِلَ الذَّاهِبُ الْمُتَلَاشِي، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ، لِأَنَّ الْمَحَلَّ يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ وَاللَّفْظُ صَالِحٌ لَهَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لِبُطْلَانِ الثَّانِيَةِ) أَيْ لِأَنَّ الْأُولَى إنَّمَا تَبْطُلُ ضَرُورَةَ كَوْنِهَا لِلثَّانِي، وَلَمْ تَكُنْ فَبَقِيَ الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَتَبْطُلُ هِبَةُ الْمَرِيضِ وَوَصِيَّتُهُ إلَخْ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ وَارِثَةٌ عِنْدَ ذَلِكَ وَلَا وَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ وَالْهِبَةُ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْجَزَةً صُورَةً فَهِيَ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا لِأَنَّ حُكْمَهَا يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْمَوْتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ وَعِنْدَ عَدَمِ الدَّيْنِ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ بَعْدَهَا) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْمِنَحِ بَعْدَهَا بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ وَهِيَ الْأَنْسَبُ (قَوْلُهُ لِجَوَازِ الْوَصِيَّةِ) أَيْ إثْبَاتًا وَنَفْيًا (قَوْلُهُ وَقْتَ الْمَوْتِ إلَخْ) فَتَصِحُّ لَوْ أَوْصَى لِزَوْجَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً وَمَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ إلَخْ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُلْزِمٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ إلَّا شَرْطٌ زَائِدٌ، كَتَوَقُّفِ الْوَصِيَّةِ إلَى الْمَوْتِ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ، لِأَنَّهُ حَصَلَ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَقَرَّ لَهَا) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 659 فَنَكَحَهَا فَمَاتَ جَازَ (وَيَبْطُلُ إقْرَارُهُ وَوَصِيَّتُهُ وَهِبَتُهُ لِابْنِهِ) كَافِرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا (إنْ أَسْلَمَ أَوْ أُعْتِقَ بَعْدَ ذَلِكَ) لِقِيَامِ الْبُنُوَّةِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَيُورِثُ تُهْمَةَ الْإِيثَارِ (وَهِبَةُ مُقْعَدٍ وَمَفْلُوجٍ وَأَشَلَّ وَمَسْلُولٍ) بِهِ عِلَّةُ السُّلِّ وَهُوَ قَرْحٌ فِي الرِّئَةِ (مِنْ كُلِّ مَالِهِ إنْ طَالَتْ مُدَّتُهُ) سَنَةً (وَلَمْ يُخَفْ مَوْتُهُ مِنْهُ وَإِلَّا) تَطُلْ وَخِيفَ مَوْتُهُ (فَمِنْ ثُلُثِهِ) لِأَنَّهَا أَمْرَاضٌ مُزْمِنَةٌ لَا قَاتِلَةٌ قَبْلَ مَرَضِ الْمَوْتِ أَنْ لَا يَخْرُجَ لِحَوَائِجِ نَفْسِهِ وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ فِي التَّجْرِيدِ بَزَّازِيَّةٌ   [رد المحتار] أَيْ لِلْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ الْكَلَامِ، وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ يَوْمَ الْإِقْرَارِ أَيْ جَازَ الْإِقْرَارُ لَهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ وَارِثَةٍ وَقْتَهُ، وَإِنْ صَارَتْ وَارِثَةً وَقْتَ الْمَوْتِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْإِرْثِ بِسَبَبٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْإِقْرَارِ كَالتَّزْوِيجِ هُنَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بِسَبَبٍ قَائِمٍ وَقْتَ الْإِقْرَارِ لَكِنْ مَنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ، ثُمَّ زَالَ عِنْدَ الْمَوْتِ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: وَيَبْطُلُ إلَخْ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَقَرَّ لِزَوْجَتِهِ الْكِتَابِيَّةِ أَوْ الْأَمَةِ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ أُعْتِقَتْ لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لِقِيَامِ السَّبَبِ حَالَ صُدُورِهِ كَمَا أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ أَوْ عَبْدًا) قَيَّدَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَقَعَ لَهُ، وَهُوَ وَارِثٌ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَيَبْطُلُ كَالْوَصِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ صَحَّ الْإِقْرَارُ لِأَنَّهُ وَقَعَ لِلْمَوْلَى إذْ الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ اهـ وَعَزَاهُ فِي الْهِدَايَةِ إلَى كِتَابِ الْإِقْرَارِ، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ أَوْرَاقٍ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالنِّهَايَةِ عَدَمُ بُطْلَانِ الْإِقْرَارِ بِعِتْقِ الِابْنِ الْمَقَرِّ لَهُ مُطْلَقًا وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ لِقِيَامِ الْبُنُوَّةِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ) عِلَّةٌ لِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ، وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ وَالْهِبَةُ فَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِمَا وَقْتُ الْمَوْتِ كَمَا قَدَّمَهُ، وَقَدْ صَارَ الِابْنُ وَارِثًا وَقْتَهُ فَبَطَلَا (قَوْلُهُ وَهِبَةُ مُقْعَدٍ إلَخْ) الْمُقْعَد بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ وَالْمَفْلُوجُ مَنْ ذَهَبَ نِصْفُهُ وَبَطَلَ عَنْ الْحِسِّ وَالْحَرَكَةِ وَالْأَشَلُّ مَنْ شُلَّتْ يَدُهُ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ بِهِ عِلَّةُ السُّلِّ) هُوَ أَوْلَى مِمَّا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمُغْرِبِ مِنْ أَنَّ الْمَسْلُولَ مَنْ سُلَّتْ خُصْيَتَاهُ لِمَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ هُنَا لِأَنَّهُ بَعْدَ تَطَاوُلِ الزَّمَانِ لَا يُسَمَّى مَرِيضًا أَصْلًا (قَوْلُهُ إنْ طَالَتْ مُدَّتُهُ سَنَةً) هَذَا عَلَى مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَبَعْضُهُمْ قَالُوا إنْ عُدَّ فِي الْعُرْفِ تَطَاوُلًا فَتَطَاوُلٌ وَإِلَّا فَلَا قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُخَفْ مَوْتُهُ مِنْهُ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَقَعَتْ مُوضِحَةً لِلْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ حَمَوِيٌّ عَنْ الْمِفْتَاحِ اهـ ط ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ الْخَوْفِ الْغَالِبُ مِنْهُ لَا نَفْسُ الْخَوْفِ كِفَايَةٌ. وَفَسَّرَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَدَمَ الْخَوْفِ بِأَنْ لَا يَزْدَادَ مَا بِهِ وَقْتًا فَوَقْتًا اهـ لِأَنَّهُ إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ صَارَ طَبْعًا مِنْ طِبَاعِهِ كَالْعَمَى وَالْعَرَجِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ مَرَضُ الْمَوْتِ، وَهُوَ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ غَالِبًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَزْدَادُ حَالًا فَحَالًا إلَى أَنْ يَكُونَ آخِرُهُ الْمَوْتَ، وَأَمَّا إذَا اسْتَحْكَمَ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يَزْدَادُ، وَلَا يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ كَالْعَمَى وَنَحْوِهِ إذْ لَا يُخَافُ مِنْهُ، وَلِهَذَا لَا يَشْتَغِلُ بِالتَّدَاوِي اهـ زَيْلَعِيٌّ وَغَيْرُهُ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا تَطُلْ وَخِيفَ مَوْتُهُ) عِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ، وَإِلَّا يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِأَنْ لَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ بِأَنْ مَاتَ قَبْلَ سَنَةٍ أَوْ خِيفَ مَوْتُهُ بِأَنْ يَزْدَادَ مَا بِهِ يَوْمًا فَيَوْمًا اهـ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَطُلْ وَلَمْ يُخَفْ مَوْتُهُ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ، وَيُخَالِفُهُ عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَنَصُّهَا أَيْ إنْ لَمْ يَتَطَاوَلْ يُعْتَبَرُ تَصَرُّفُهُ مِنْ الثُّلُثِ إذَا كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ، وَمَاتَ مِنْهُ فِي أَيَّامِهِ لِأَنَّهُ فِي ابْتِدَائِهِ يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ؛ وَلِهَذَا يَتَدَاوَى فَيَكُونُ مَرَضَ الْمَوْتِ، وَإِنْ صَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ بَعْدَ التَّطَاوُلِ فَهُوَ كَمَرَضٍ حَادِثٍ، حَتَّى تُعْتَبَرَ تَصَرُّفَاتُهُ مِنْ الثُّلُثِ اهـ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الشَّارِحِ. وَبَقِيَ مَا إذَا طَالَ وَخِيفَ مَوْتُهُ، وَمُقْتَضَى عِبَارَةِ الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّهُ مِنْ الثَّالِثِ أَيْضًا وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ مَا يَكُونُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُخَفْ مَوْتُهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا أَمْرَاضٌ مُزْمِنَةٌ) أَيْ طَوِيلَةُ الزَّمَانِ وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: مِنْ كُلِّ مَالِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ وَإِلَّا إلَخْ قَالَ فِي الْمِنَحِ، وَفِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ، وَأَمَّا الْمُقْعَدُ وَالْمَفْلُوجُ قَالَ فِي الْكِتَابِ: إنْ لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ، وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ لِأَنَّ هَذِهِ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ وَلَيْسَتْ بِقَاتِلَةٍ اهـ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ فِي التَّجْرِيدِ) وَفِي الْمِعْرَاجِ وَسُئِلَ صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ عَنْ حَدِّ مَرَضِ الْمَوْتِ فَقَالَ: كَثُرَتْ فِيهِ أَقْوَالُ الْمَشَايِخِ وَاعْتِمَادُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الْفَضْلِيِّ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 660 وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ مَا كَانَ الْغَالِبُ مِنْهُ الْمَوْتُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ فِرَاشٍ قُهُسْتَانِيُّ عَنْ هِبَةِ الذَّخِيرَةِ (وَإِذَا اجْتَمَعَ الْوَصَايَا قُدِّمَ الْفَرْضُ وَإِنْ أَخَّرَهُ الْمُوصِي وَإِنْ تَسَاوَتْ) قُوَّةً (قُدِّمَ مَا قَدَّمَ إذَا ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهَا) -   [رد المحتار] وَهُوَ أَنْ لَا يَقْدِرَ أَنْ يَذْهَبَ فِي حَوَائِجِ نَفْسِهِ خَارِجَ الدَّارِ وَالْمَرْأَةُ لِحَاجَتِهَا دَاخِلَ الدَّارِ لِصُعُودِ السَّطْحِ وَنَحْوِهِ اهـ هَذَا الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ فِي بَابِ طَلَاقِ الْمَرِيضِ، وَصَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ. أَقُولُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِغَيْرِ الْأَمْرَاضِ الْمُزْمِنَةِ الَّتِي طَالَتْ، وَلَمْ يُخَفْ مِنْهَا الْمَوْتُ كَالْفَالِجِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ صَيَّرَتْهُ ذَا فِرَاشٍ وَمَنَعَتْهُ عَنْ الذَّهَابِ فِي حَوَائِجِهِ، فَلَا يُخَالِفُ مَا جَرَى عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ هُنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ إلَخْ) كَذَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِهِ التَّجْنِيسِ. [تَنْبِيهٌ] تَبَرُّعُ الْحَامِلِ حَالَةَ الطَّلْقِ مِنْ الثُّلُثِ وَلَوْ اخْتَلَطَتْ الطَّائِفَتَانِ لِلْقِتَالِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُكَافِئَةٌ لِلْأُخْرَى أَوْ مَقْهُورَةٌ، فَهُوَ فِي حُكْمِ مَرَضِ الْمَوْتِ وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِطُوا فَلَا وَرَاكِبُ الْبَحْرِ إنْ كَانَ سَاكِنًا، فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ، وَإِنْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ اضْطَرَبَ، فَهُوَ مَخُوفٌ وَالْمَحْبُوسُ إذَا كَانَ عَادَتُهُ الْقَتْلَ، فَهُوَ خَائِفٌ وَإِلَّا فَلَا مِعْرَاجَ مُلَخَّصًا وَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا مَرَّ فِي بَابِ طَلَاقِ الْمَرِيضِ (قَوْلُهُ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْوَصَايَا إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْوَصَايَا إمَّا أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْعِبَادِ، أَوْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّ اعْتِبَارَ التَّقْدِيمِ مُخْتَصٌّ بِحُقُوقِهِ تَعَالَى لِكَوْنِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَاحِدًا، وَأَمَّا إذَا تَعَدَّدَ فَلَا يُعْتَبَرُ فَمَا لِلْعِبَادِ خَاصَّةً لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا التَّقْدِيمُ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِإِنْسَانٍ، ثُمَّ بِهِ لِآخَرَ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَى التَّقْدِيمِ، أَوْ يَكُونَ الْبَعْضُ عِتْقًا أَوْ مُحَابَاةً عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَمَا لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ كُلُّهُ فَرَائِضَ كَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ أَوْ وَاجِبَاتٍ كَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ أَوْ تَطَوُّعًا كَالْحَجِّ التَّطَوُّعِ وَالصَّدَقَةِ لِلْفُقَرَاءِ يُبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمَيِّتُ، وَإِنْ اخْتَلَطَتْ يُبْدَأُ بِالْفَرَائِضِ قَدَّمَهَا الْمُوصِي، أَوْ أَخَّرَهَا ثُمَّ بِالْوَاجِبَاتِ وَمَا جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ حَقِّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الْعِبَادِ، فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ عَلَى جَمِيعِهَا، وَيُجْعَلُ كُلُّ جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْقُرْبِ مُفْرَدَةً بِالضَّرْبِ وَلَا تُجْعَلُ كُلُّهَا جِهَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِجَمِيعِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي نَفْسِهَا مَقْصُودَةٌ فَتَنْفَرِدُ كَوَصَايَا الْآدَمِيِّينَ، ثُمَّ تُجْمَعُ فَيُقَدَّمُ فِيهَا الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ، فَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي فِي الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَلِزَيْدٍ وَالْكَفَّارَاتِ قُسِّمَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ، وَلَا يُقَدَّمُ الْفَرْضُ عَلَى حَقِّ الْآدَمِيِّ لِحَاجَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْآدَمِيُّ غَيْرَ مُعَيَّنٍ بِأَنْ أَوْصَى بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَلَا يُقَسَّمُ، بَلْ يُقَدَّمُ الْأَقْوَى فَالْأَقْوَى لِأَنَّ الْكُلَّ يَبْقَى حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مُسْتَحِقٌّ مُعَيَّنٌ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَصِيَّةِ عِتْقٌ مُنَفَّذٌ فِي الْمَرَضِ أَوْ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ كَالتَّدْبِيرِ وَلَا مُحَابَاةَ مُنَجَّزَةٌ فِي الْمَرَضِ، فَإِنْ كَانَ بُدِئَ بِهِمَا عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي بَابِ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ، ثُمَّ يُصْرَفُ الْبَاقِي إلَى سَائِرِ الْوَصَايَا اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالتَّبَيُّنِ. (قَوْلُهُ قُدِّمَ الْفَرْضُ) كَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ، لِأَنَّ الْفَرْضَ أَهَمُّ مِنْ النَّفْلِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْبُدَاءَةُ بِالْأَهَمِّ زَيْلَعِيٌّ وَأَرَادَ بِالْفَرْضِ مَا يَشْمَلُ الْوَاجِبَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَالْكَفَّارَاتِ لَكِنَّ الْفَرْضَ الْحَقِيقِيَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَاجِبِ كَمَا مَرَّ، وَفِي الْقُهُسْتَانِيُّ: فَيُبْدَأُ بِالْفَرْضِ حَقُّ الْعَبْدِ ثُمَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ الْوَاجِبُ ثُمَّ النَّفَلُ كَمَا رُوِيَ عَنْهُمْ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَسَاوَتْ قُوَّةً إلَخْ) قَالَ فِي الْمُلْتَقَى: وَإِنْ تَسَاوَتْ فِي الْفَرْضِيَّةِ وَغَيْرِهَا قُدِّمَ مَا قَدَّمَ. وَقِيلَ تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ عَلَى الْحَجِّ. وَقِيلَ بِالْعَكْسِ إلَخْ وَمِثْلُهُ فِي الِاخْتِيَارِ الْقُهُسْتَانِيُّ فَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ بَعْضُ الْفَرَائِضِ عَلَى الْبَعْضِ بِلَا تَقْدِيمٍ مِنْ الْمُوصِي إذَا تَسَاوَتْ قُوَّةً أَيْ بِأَنْ كَانَتْ كُلُّهَا فَرَائِضَ حَقِيقَةً احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ كَانَ فِيهَا وَاجِبَاتٌ، وَأَنَّ الْقَوْلَ بِتَقَدُّمِ بَعْضِ الْفَرَائِضِ عَلَى بَعْضٍ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ. وَالْقَائِلُ بِذَلِكَ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ، وَبِالْأَوَّلِ الْإِمَامُ الْكَرْخِيُّ، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ حَيْثُ قَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ: قَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كُلُّ شَيْءٍ كَانَ جَمِيعُهُ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ الْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ، فَأَوْصَى بِهِ رَجُلٌ وَالثُّلُثُ لَا يَبْلُغُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ كُلُّهُ تَطَوُّعًا بَدَأَ بِالْأَوَّلِ مِمَّا نَطَقَ بِهِ حَتَّى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 661 قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: كَفَّارَةُ قَتْلٍ وَظِهَارٍ وَيَمِينٍ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْفِطْرَةِ لِوُجُوبِهَا بِالْكِتَابِ دُونَ الْفِطْرَةِ وَالْفِطْرَةُ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ لِوُجُوبِهَا إجْمَاعًا دُونَ الْأُضْحِيَّةِ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ الْإِمَامِ الطَّوَاوِيسِيِّ يُبْدَأُ بِكَفَّارَةِ قَتْلٍ ثُمَّ يَمِينٍ ثُمَّ ظِهَارٍ ثُمَّ إفْطَارٍ ثُمَّ النَّذْرِ ثُمَّ الْفِطْرَةِ، ثُمَّ الْأُضْحِيَّةِ، وَقَدَّمَ الْعَشَرَ عَلَى الْخَرَاجِ، وَفِي الْبُرْجَنْدِيِّ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ آخَرُ أَنَّ حَجَّ النَّفْلِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ (أَوْصَى بِحَجٍّ) أَيْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَحَجَّ (عَنْهُ رَاكِبًا) فَلَوْ لَمْ تَبْلُغْ النَّفَقَةُ مِنْ بَلْدَةِ فَقَالَ رَجُلٌ: -   [رد المحتار] يَأْتِي عَلَى آخِرِهِ أَوْ يُنْتَقَصُ الثُّلُثُ، فَيَبْطُلُ مَا بَقِيَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ كُلُّهُ فَرِيضَةً بُدِئَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، حَتَّى يَكُونَ النُّقْصَانُ عَلَى الْآخِرِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ تَطَوُّعًا وَبَعْضُهُ فَرِيضَةً، أَوْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ بُدِئَ بِالْفَرْضِ أَوْ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ أَخَّرَهُ فِي نُطْقِهِ قَالَ هِشَامٌ إلَى هُنَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَتَمَامُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ إلَخْ) أَقُولُ: قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَإِنْ تَسَاوَتْ فِي الْقُوَّةِ إلَخْ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمَرْءِ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَهُ، وَالثَّابِتُ بِالظَّاهِرِ كَالثَّابِتِ نَصًّا فَكَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى تَقْدِيمِهِ فَتُقَدَّمُ الزَّكَاةُ عَلَى الْحَجِّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِهَا، وَهُمَا عَلَى الْكَفَّارَةِ لِرُجْحَانِهِمَا عَلَيْهَا لِأَنَّهُ جَاءَ مِنْ الْوَعِيدِ فِيهِمَا مَا لَمْ يَأْتِ فِي غَيْرِهِمَا وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْفِطْرَةِ إلَخْ وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ. أَقُولُ: صَدْرُ تَقْرِيرِهِ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ وَآخِرُهُ لِقَوْلِ الطَّحَاوِيِّ فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ مُفَرِّعًا أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخِرِ، وَقَدْ عَلِمْت مِنْ عِبَارَةِ الْمُلْتَقَى تُخَالِفُهُمَا وَأَنَّ الثَّانِي مِنْهُمَا ضَعِيفٌ فَتَدَبَّرْ: وَلَمْ أَرَ مَنْ أَوْضَحَ هَذَا الْمَحَلَّ فَتَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت الْأَتْقَانِيَّ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ كَفَّارَةَ الْقَتْلِ تُقَدَّمُ عَلَى كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِقُوَّتِهَا بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ فِيهَا ثُمَّ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ عَلَى كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِوُجُوبِهَا بِهَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالثَّانِيَةُ بِإِيجَابِ حُرْمَةٍ عَلَى نَفْسِهِ وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ مِنْ الرِّوَايَةِ لَا تُقَدَّمُ الْفَرَائِضُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَكَذَلِكَ التَّطَوُّعُ بَلْ يُبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمُوصِي وَقَدْ مَرَّ نَصُّ الْكَرْخِيِّ عَلَى ذَلِكَ وَالْمَعْنَى فِي تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ عَلَى الْكَفَّارَاتِ ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ الْوَعِيدُ وَمِثْلُ هَذَا لَمْ يُوجَدْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكَفَّارَاتِ اهـ وَأَرَادَ بِالْبَعْضِ صَاحِبَ النِّهَايَةِ. أَقُولُ: وَتَقْدِيمُ الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ عَلَى الْكَفَّارَاتِ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْكَفَّارَاتِ وَاجِبَةٌ كَمَا مَرَّ لَكِنَّ الْأَتْقَانِيَّ نَفْسَهُ ذَكَرَ أَنَّهُ تُقَدَّمُ الْكَفَّارَاتُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَالْفِطْرَةُ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ كَمَا فَعَلَ الزَّيْلَعِيُّ وَالشَّارِحُ وَلَعَلَّهُ بَنَاهُ عَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ، وَعَلَيْهِ لَا مَانِعَ مِنْ تَقْدِيمِ بَعْضِ الْكَفَّارَاتِ عَلَى بَعْضٍ إذَا وُجِدَ الْمُرَجِّحُ كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَتَبِعَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَبِهِ يَسْقُطُ النَّظَرُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ يُبْدَأُ بِكَفَّارَةِ قَتْلٍ ثُمَّ يَمِينٍ ثُمَّ ظِهَارٍ) تَقَدَّمَ وَجْهُ تَرْتِيبِهَا (قَوْلُهُ ثُمَّ إفْطَارٍ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ تَقْدِيمِ الْفِطْرَةِ لِوُجُوبِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَبِأَخْبَارٍ مُسْتَقْضِيَةٍ عَلَى كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ لِثُبُوتِهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَعَلَى النَّذْرِ لِأَنَّهَا بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَتُقَدَّمُ عَلَى مَا يَجِبُ بِإِيجَابِ الْعَبْدِ وَالنَّذْرُ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهَا دُونَ وُجُوبِهِ (قَوْلُهُ وَقُدِّمَ الْعُشْرُ) لَعَلَّهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْعِبَادِ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ فَإِنَّهُ قُصِرَ عَلَى الثَّانِي ط (قَوْلُهُ أَنَّ حَجَّ النَّفْلِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ) يُشِيرُ إلَى تَقْدِيمَةِ عَلَيْهَا، وَإِنْ أَخَّرَهُ الْمُوصِي لَكِنْ فِي الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ أَنَّ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ قُدِّمَ فِيهِ مَا قَدَّمَهُ كَحَجِّ تَطَوُّعٍ وَعِتْقِ نَسَمَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَصَدَقَةٍ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالْأَفْضَلِ فَالْأَفْضَلِ يُبْدَأُ بِالصَّدَقَةِ ثُمَّ الْحَجِّ ثُمَّ الْعِتْقِ اهـ وَقَوْلُهُ: يُبْدَأُ بِالصَّدَقَةِ ثُمَّ الْحَجِّ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا كَانَ يَقُولُهُ الْإِمَامُ أَوَّلًا وَلَمَّا شَاهَدَ مَشَقَّةَ الْحَجِّ رَجَعَ فَإِذَا حَجَّ بِمِقْدَارِ مَا يُرِيدُ إنْفَاقَهُ كَانَ أَفْضَلَ (قَوْلُهُ أُحِجَّ عَنْهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ رَاكِبًا) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يُحِجَّ مَاشِيًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَزِمَهُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ تَبْلُغْ النَّفَقَةُ إلَخْ) وَمِثْلُهُ بِالْأَوْلَى مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَيْضًا لَوْ كَانَ فِي الْمَالِ الْمَدْفُوعِ وَفَاءٌ بِالرُّكُوبِ، فَمَشَى وَاسْتَبْقَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 662 أَنَا أَحُجُّ عَنْهُ بِهَذَا الْمَالِ مَاشِيًا لَا يَجْزِيهِ قُهُسْتَانِيُّ مَعْزِيًّا لِلتَّتِمَّةِ. (مِنْ بَلَدِهِ إنْ كَفَى نَفَقَتُهُ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ تَكْفِي وَإِنْ مَاتَ حَاجٌّ فِي طَرِيقِهِ وَأَوْصَى بِالْحَجِّ عَنْهُ يُحَجُّ مِنْ بَلَدِهِ) رَاكِبًا وَقَالَ مِنْ حَيْثُ مَاتَ اسْتِحْسَانًا هِدَايَةٌ وَمُجْتَبَى وَمُلْتَقَى. قُلْت: وَمُفَادُهُ أَنَّ قَوْلَهُ قِيَاسٌ وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ فَكَانَ الْقِيَاسُ هُنَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَافْهَمْ (إنْ بَلَغَ نَفَقَتُهُ لَك وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ) وَمَنْ لَا وَطَنَ لَهُ فَمِنْ حَيْثُ مَاتَ إجْمَاعًا (أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى بِكُلِّ مَالِهِ عَبْدٌ فَيَعْتِقُ عَنْهُ) عَنْ الْمُوصِي (وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ بَطَلَتْ كَذَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى لَهُ عَبْدٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَزَادَ الْأَلْفُ عَلَى الثُّلُثِ) وَقَالَا يَشْتَرِي بِكُلِّ الثُّلُثِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَجْمَعٌ. (مَرِيضٌ أَوْصَى وَصَايَا ثُمَّ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ وَعَاشَ سِنِينَ ثُمَّ مَرِضَ فَوَصَايَاهُ بَاقِيَةٌ إنْ لَمْ يَقُلْ إنْ مِتَّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَقَدْ أَوْصَيْت بِكَذَا) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ ثُمَّ جُنَّ إنْ أَطْبَقَ الْجُنُونُ) حَتَّى بَلَغَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ (بَطَلَتْ وَإِلَّا لَا) وَكَذَا لَوْ أَوْصَى ثُمَّ أَخَذَ بِالْوَسْوَاسِ فَصَارَ مَعْتُوهًا حَتَّى مَاتَ بَطَلَتْ خَانِيَّةٌ. (أَوْصَى بِأَنْ يُعَارَ بَيْتُهُ مِنْ فُلَانٍ أَوْ بِأَنْ يُسْقَى عَنْهُ الْمَاءُ شَهْرًا فِي الْمَوْسِمِ أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ) فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خَانِيَّةٌ (كَمَا لَوْ أَوْصَى بِهَذَا التِّبْنِ لِدَوَابِّ فُلَانٍ) فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ وَلَوْ قَالَ يُعْلَفُ بِهَا دَوَابُّ فُلَانٍ جَازَ،   [رد المحتار] النَّفَقَةَ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مُخَالِفٌ ضَامِنٌ لِلنَّفَقَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ ثَوَابُهَا لَهُ اهـ (قَوْلُهُ أَنَا أَحُجُّ عَنْهُ) أَيْ مِنْ بَلَدِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ حَاجٌّ فِي طَرِيقِهِ إلَخْ) قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ أَنَّهُ إنَّمَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِهِ إذَا أَخَّرَهُ بَعْدَ وُجُوبِهِ، أَمَّا إذَا حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَا (قَوْلُهُ مِنْ بَلَدِهِ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ مِنْ بَلَدِهِ وَالْوَصِيَّةُ لِأَدَاءِ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ زَيْلَعِيٌّ، فَإِنْ أَحَجَّ الْوَصِيُّ مِنْ غَيْرِ بَلَدِهِ يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَكَانُ بِحَيْثُ يَبْلُغُ إلَيْهِ وَيَرْجِعُ إلَى الْوَطَنِ قَبْلَ اللَّيْلِ اهـ مَنَاسِكُ السِّنْدِيِّ وَفِيهَا لَوْ وَصَّى أَنْ يَحُجَّ مِنْ غَيْرِ بَلَدِهِ يُحَجُّ عَنْهُ كَمَا أَوْصَى قَرُبَ مِنْ مَكَّةَ أَوْ بَعُدَ اهـ قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُوصِي يَأْثَمُ بِذَلِكَ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ لَوْ أَوْصَى بِمَا لَا يَكْفِي لِلْإِحْجَاجِ مِنْ بَلَدِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَلَيْهِ الْمُتُونُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَاخْتَارَهُ الْمَحْبُوبِيُّ وَالنَّسَفِيُّ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُمْ اهـ قَاسِمٌ (قَوْلُهُ فَافْهَمْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ مِمَّا خَرَجَ مِنْ قَاعِدَةِ تَقْدِيمِ الِاسْتِحْسَانِ عَلَى الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ وَمَنْ لَا وَطَنَ لَهُ إلَخْ) وَلَوْ لَهُ أَوْطَانٌ فَمِنْ أَقْرَبِهَا إلَى مَكَّةَ وَإِنْ مَكِّيًّا فَمَاتَ بِخُرَاسَانَ فَمِنْ مَكَّةَ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِالْقِرَانِ فَمِنْ خُرَاسَانَ جَوْهَرَةٌ، [فَرْعٌ] قَالَ أَحَجُّوا عَنِّي بِثُلُثِ مَالِي أَوْ بِأَلْفٍ وَهُوَ يَبْلُغُ حِجَجًا فَإِنْ صَرَّحَ بِوَاحِدَةٍ اتَّبَعَ وَرُدَّ الْفَضْلُ إلَى الْوَرَثَةِ وَإِلَّا حُجَّ عَنْهُ حِجَجًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الْأَفْضَلُ أَوْ فِي كُلِّ سَنَةٍ اهـ سِنْدِيٌّ (قَوْلُهُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ) لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى بِالْكُلِّ مُغَايِرٌ لِمَا اشْتَرَى بِالثُّلُثِ دُرَرٌ وَنَظِيرُهُ يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ ط (قَوْلُهُ فَصَارَ مَعْتُوهًا إلَخْ) عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ فَصَارَ مَعْتُوهًا فَمَكَثَ كَذَلِكَ زَمَانًا ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَصِيَّتُهُ بَاطِلَةٌ اهـ وَانْظُرْ هَلْ تُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُدَّةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْمَجْنُونِ وَالظَّاهِرُ. نَعَمْ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّ الزَّمَانَ مُنَكَّرًا سِتَّةُ أَشْهُرٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى اعْتِمَادِهِ ط وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: قَالَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِلَّهِ تَعَالَى فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ وَقَالَ مُحَمَّدٌ جَائِزَةٌ وَيُصْرَفُ إلَى وُجُوهِ الْبِرِّ وَبِهِ يُفْتَى اهـ (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ نَظَرًا إلَى لَفْظِ الْمُوصِي لَا إلَى قَصْدِهِ وَنَظِيرُهُ مَا فِي الْمِعْرَاجِ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَقُولَ يُنْفَقُ عَلَى الْمَسْجِدِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ، وَذِكْرُ النَّفَقَةِ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ عَلَى مَصَالِحِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَصِحُّ وَيُصْرَفُ إلَى مَصَالِحِهِ تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ اهـ (قَوْلُهُ جَازَ) أَيْ وَتَكُونُ وَصِيَّةً لِصَاحِبِ الْفَرَسِ خَانِيَّةٌ. أَقُولُ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ وَمِمَّا ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِمَا فِي بَطْنِ دَابَّةِ فُلَانٍ لِيُنْفَقَ عَلَيْهَا جَازَ إذَا قَبِلَ صَاحِبُهَا اهـ. أَنَّ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهَا فِي مَصَالِحِهِ وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ لَهُ وَأَنَّهَا تَبْطُلُ بِرَدِّهِ وَبِمَوْتِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 663 وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُنْفَقَ عَلَى فَرَسِ فُلَانٍ كُلَّ شَهْرٍ كَذَا جَازَ وَتَبْطُلُ بِبَيْعِهَا وَلَوْ أَوْصَى بِسُكْنَى دَارِهِ لِرَجُلٍ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهَا جَازَ وَلَهُ سُكْنَاهَا مَا دَامَ حَيًّا وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ بَيْعُ ثُلُثَيْهَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهُ ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يُقَاسِمَ الْوَرَثَةَ أَيْضًا وَيُفْرِزَ الثُّلُثَ لِلْوَصِيَّةِ خَانِيَّةٌ (وَلَوْ أَوْصَى بِقُطْنِهِ لِرَجُلٍ وَبِحَبِّهِ لِآخَرَ وَأَوْصَى بِلَحْمِ شَاةٍ مُعَيَّنَةٍ لِرَجُلٍ وَبِجِلْدِهَا لِآخَرَ وَأَوْصَى بِحِنْطَةٍ فِي سُنْبُلِهَا لِرَجُلٍ وَبِالتِّبْنِ لِآخَرَ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُمَا) وَعَلَى الْمُوصَى لَهُمَا أَنْ يَدُوسَ وَيَسْلَخَ الشَّاةَ. (أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ جَازَ ذَلِكَ وَيُنْفَقُ فِي عُمَارَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَفِي سِرَاجِهِ وَنَحْوِهِ) قَالُوا: وَهَذَا يُفِيدُ جَوَازَ النَّفَقَةِ مِنْ وَقْفِ الْمَسْجِدِ عَلَى قَنَادِيلِهِ وَسِرَاجِهِ وَأَنْ يُشْتَرَى بِذَلِكَ الزَّيْتُ وَالنِّفْطُ وَلِلْقَنَادِيلِ فِي رَمَضَانَ خَانِيَّةٌ. وَفِي الْمُجْتَبَى: أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْكَعْبَةِ جَازَ وَتُصْرَفُ لِفُقَرَاءِ الْكَعْبَةِ لَا غَيْرُ وَكَذَا لِلْمَسْجِدِ وَلِلْقُدْسِ وَفِي الْوَصِيَّةِ -   [رد المحتار] قَبْلَ الْمُوصِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَتَبْطُلُ بِبَيْعِهَا) وَكَذَا بِمَوْتِهَا خَانِيَّةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةً لِصَاحِبِهَا إلَّا أَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ فِي الْمَعْنَى عَلَى وُجُودِهَا فِي مِلْكِهِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَإِذَا بِيعَ الْفَرَسُ بَطَلَ مَا نَصُّهُ لِأَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ لِصَاحِبِ الْفَرَسِ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ. وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ أَوْ لَا أَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ اهـ. أَيْ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَبْطُلُ بِزَوَالِ الْإِضَافَةِ بِأَنْ بَاعَ الْعَبْدَ أَوْ الدَّابَّةَ مَثَلًا، لِأَنَّ الْعَبْدَ أَوْ الدَّابَّةَ لَا يُهْجَرُ لِذَاتِهِ بَلْ لِأَجْلِ صَاحِبِهِ كَمَا قَرَّرُوهُ فِي مَحَلِّهِ فَهُنَا تَبْقَى الْوَصِيَّةُ مَا دَامَتْ الْإِضَافَةُ مَوْجُودَةً، وَتَبْطُلُ بِزَوَالِهَا لَكِنْ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَيْضًا قُبَيْلَ هَذَا الْفَرْعِ لَوْ أَوْصَى لِمَمْلُوكِ فُلَانٍ بِأَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهِ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ وَتَدُورُ مَعَ الْعَبْدِ حَيْثُمَا دَارَ بِبَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ، عِبَارَةُ الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْعَبْدِ، وَتَدُورُ مَعَهُ حَيْثُمَا دَارَ بِيعَ أَوْ عَتَقَ وَإِنْ صَالَحَ مَوْلَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَأَجَازَ الْعَبْدُ جَازَ وَإِنْ عَتَقَ ثُمَّ أَجَازَ فَإِجَازَتُهُ بَاطِلَةٌ اهـ وَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِعَبْدِ الْوَارِثِ لَا تَجُوزُ، لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِلْوَارِثِ حَقِيقَةً (قَوْلُهُ وَلَهُ وَسُكْنَاهَا) أَيْ بِالْمُهَايَأَةِ مَعَ الْوَارِثِ زَمَانًا (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ بَيْعُ ثُلُثَيْهَا) لِثُبُوتِ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ فِي سُكْنَى كُلِّهَا بِظُهُورِ مَالٍ آخَرَ أَوْ بِخَرَابِ مَا فِي يَدِهِ، فَحِينَئِذٍ يُزَاحِمُهُمْ فِي بَاقِيهَا (قَوْلُهُ لَهُ ذَلِكَ) أَيْ لِلْوَارِثِ بَيْعُ ثُلُثَيْهَا (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يُقَاسِمَ الْوَرَثَةَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَهُ سُكْنَاهَا وَالضَّمِيرُ لِلرَّجُلِ أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ الْمُقَاسَمَةُ فِي عَيْنِ الدَّارِ بِالْأَجْزَاءِ إنْ احْتَمَلَتْ الْقِسْمَةَ، وَهَذَا أَعْدَلُ مِنْ الْمُهَايَأَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا زَمَانًا وَذَاتًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمَسْأَلَةُ سَتَأْتِي فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى (قَوْلُهُ وَعَلَى الْمُوصَى لَهُمَا أَنْ يَدُوسَ وَيَسْلُخَ الشَّاةَ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: أَنْ يَدُوسَا وَيَسْلُخَا الشَّاةَ بِأَلْفِ التَّثْنِيَةِ اهـ ح. قُلْت: وَأَنْ يَزِيدَ وَيَحْلِجَا الْقُطْنَ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إخْرَاجُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِدُهْنِ هَذَا السِّمْسِمِ لِرَجُلٍ، وَبِكَسْبِهِ لِآخَرَ وَبِمَا فِي اللَّبَنِ مِنْ الزُّبْدِ لِرَجُلٍ وَبِالْمَخِيضِ لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الدُّهْنِ وَالزُّبْدِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إخْرَاجُهُمَا فَقَطْ وَبِهِ يَتَغَيَّرُ مَا لِشَرِيكِهِ عَنْ حَالِهِ فَعَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ، وَلَوْ كَانَتْ الشَّاةُ حَيَّةً فَأَجَازَ الذَّبْحَ عَلَى صَاحِبِ اللَّحْمِ خَاصَّةً، لِأَنَّ التَّذْكِيَةَ لِأَجْلِ اللَّحْمِ لَا الْجِلْدِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ فِي رَمَضَانَ) لَعَلَّهُ إنَّمَا خَصَّهُ لِزِيَادَةِ ذَلِكَ فِيهِ وَإِلَّا فَغَيْرُ رَمَضَانَ مِثْلُهُ، وَانْظُرْ هَلْ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَ: ثُلُثُ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ لِغَزْوٍ فَإِنْ أَعْطَوْا حَاجًّا مُنْقَطِعًا جَازَ، وَفِي النَّوَازِلِ لَوْ صُرِفَ إلَى سِرَاجِ الْمَسْجِدِ يَجُوزُ لَكِنْ إلَى سِرَاجٍ وَاحِدٍ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ اهـ وَهَذَا يُسْتَأْنَسُ بِهِ فِي تَعْيِينِ قَدْرِ الْحَاجَةِ اهـ ط (قَوْلُهُ وَتُصْرَفُ لِفُقَرَاءِ الْكَعْبَةِ) الَّذِي فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا لِمَسَاكِينَ مَكَّةَ (قَوْلُهُ وَكَذَا لِلْمَسْجِدِ وَلِلْقُدْسِ) أَقُولُ الَّذِي فِي الْمِنَحِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 664 لِفُقَرَاءِ الْكُوفَةِ جَازَ لِغَيْرِهِمْ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: أَوْصَى بِعَبْدٍ يَخْدُمُ الْمَسْجِدَ وَيُؤَذِّنُ فِيهِ جَازَ وَيَكُونُ كَسْبُهُ لِوَارِثِ الْمُوصِي وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأَعْمَالِ الْبِرِّ لَا يُصْرَفُ ثُلُثُهُ لِبِنَاءِ السِّجْنِ، لِأَنَّ إصْلَاحَهُ عَلَى السُّلْطَانِ أَوْصَى (بِأَنْ يُتَّخَذَ الطَّعَامُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِلنَّاسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ) كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ، وَفِيهَا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: أَوْصَى بِاِتِّخَاذِ الطَّعَامِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيُطْعَمُ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ التَّعْزِيَةَ جَازَ مِنْ الثُّلُثِ، وَيَحِلُّ لِمَنْ طَالَ مُقَامُهُ وَمَسَافَتُهُ لَا لِمَنْ لَمْ يَطُلْ وَلَوْ فَضَلَ طَعَامٌ إنْ كَثِيرًا يَضْمَنُ وَإِلَّا لَا اهـ. قُلْت: وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ عَلَى طَعَامٍ يَجْتَمِعُ لَهُ النَّائِحَاتُ بِقَيْدِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَتَكُونُ وَصِيَّةً لَهُنَّ فَبَطَلَتْ وَالثَّانِي عَلَى مَا كَانَ لِغَيْرِهِنَّ.   [رد المحتار] عَنْ الْمُجْتَبَى: وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْإِيصَاءِ لِلْمَسْجِدِ قَوْلَيْنِ: قَوْلٌ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَقَوْلٌ بِالصِّحَّةِ كَمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ فَصْلِ وَصَايَا الذِّمِّيِّ ثُمَّ عَلَى الصِّحَّةِ هَلْ تُصْرَفُ عَلَى مَنَافِعِهِ، أَوْ عَلَى فُقَرَائِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ بِالْأَوَّلِ عَلَى مَا هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِهِمْ، وَأَمَّا الثَّانِي فَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى عَلَى مَا تَرَى وَالْقَائِلُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ هُوَ الشَّيْخَانِ إلَّا أَنْ يَقُولَ يُنْفَقُ عَلَى الْمَسْجِدِ، فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا، وَأَجَازَهُ مُحَمَّدٌ مُطْلَقًا حَمْلًا عَلَى إرَادَةِ مَصَالِحِهِ تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ لَا عَلَى إرَادَةِ عَيْنِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ سَوَاءٌ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ أَوْ لَا وَبِهِ أَفْتَى صَاحِبُ الْبَحْرِ كَمَا سَيَأْتِي. وَأَمَّا بَيْتُ الْمَقْدِسِ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَفْتَرِقُ عَنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى أَنَّ الْبَزَّازِيَّةَ عَزْوًا فِي الْمَتْنِ لِمُحَمَّدٍ فَافْهَمْ، وَلَا تَتَعَسَّفْ وَيَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْمَسْجِدِ وَصِيَّةٌ لِفُقَرَائِهِ فِي مِثْلِ الْأَزْهَرِ كَذَا حَرَّرَ هَذَا الْمَحَلَّ السَّائِحَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَانْظُرْ مَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ (قَوْلُهُ جَازَ لِغَيْرِهِمْ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِمْ وَإِنْ أُعْطَى غَيْرُهُمْ جَازَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَبِهِ يُفْتَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ اهـ. قُلْت: وَالْأَوَّلُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِمْ فِي النَّذْرِ بِإِلْغَاءِ تَعْيِينَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْفَقِيرِ (قَوْلُهُ لِوَارِثِ الْمُوصِي) لِأَنَّ الرَّقَبَةَ عَلَى مِلْكِهِ وَلْوَالِجِيَّةٌ وَهَلْ نَفَقَتُهُ فِي وَقْفِ الْمَسْجِدِ، كَمَا لَوْ أَوْصَى بِخِدْمَتِهِ لِزَيْدٍ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي لَمْ أَرَهُ (قَوْلُهُ لِأَعْمَالِ الْبِرِّ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَكُلُّ مَا لَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكٌ فَهُوَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ حَتَّى يَجُوزَ صَرْفُهُ إلَى عِمَارَةِ الْوَقْفِ وَسِرَاجِ الْمَسْجِدِ دُونَ تَزْيِينِهِ لِأَنَّهُ إسْرَافٌ اهـ (قَوْلُهُ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ) هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى (قَوْلُهُ وَيُطْعَمَ) أَيْ وَبِأَنْ يُطْعَمَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيَحِلُّ لِمَنْ طَالَ مُقَامُهُ وَمَسَافَتُهُ) وَيَسْتَوِي فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ خَانِيَّةٌ وَتَفْسِيرُ طُولِ الْمَسَافَةِ أَنْ لَا يَبِيتُوا فِي مَنَازِلِهِمْ ظَهِيرِيَّةٌ وَالْمُرَادُ أَنْ لَا يُمْكِنَهُمْ الْمَبِيتُ فِيهَا لَوْ أَرَادُوا الرُّجُوعَ إلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ (قَوْلُهُ يَضْمَنُ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يُقَدِّرْ الْمُوصِي مِقْدَارًا مَعْلُومًا (قَوْلُهُ وَحَمَلَ الْمُنَصَّفُ الْأَوَّلَ) أَيْ مَا فِي الْمَتْنِ مِنْ الْبُطْلَانِ (قَوْلُهُ بِقَيْدِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَمَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ مُقَيَّدٌ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ تَجْتَمِعُ النَّائِحَاتُ فَتَكُونُ وَصِيَّةً لَهُنَّ فَبَطَلَتْ اهـ الظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي عُرْفِهِمْ كَذَلِكَ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِمَّا فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ أَنَّ حَمْلَ الطَّعَامِ إلَى أَهْلِ الْمُصِيبَةِ فِي الِابْتِدَاءِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِاشْتِغَالِهِمْ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَلَا يُسْتَحَبُّ، لِأَنَّ فِيهِ تَجْتَمِعُ النَّائِحَاتُ فَيَكُونُ إعَانَةً عَلَى الْمَعْصِيَةِ. أَقْوَالٌ: وَعَلَّلَ السَّائِحَانِيُّ لِلْبُطْلَانِ بِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِلنَّاسِ، وَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ كَمَا لَوْ قَالَ أَوْصَيْت لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَاجَةِ فَوَقَعَتْ تَمْلِيكًا مِنْ مَجْهُولٍ فَلَمْ تَصِحَّ اهـ (قَوْلُهُ وَالثَّانِي) وَهُوَ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ. أَقُولُ: قَدَّمْنَا أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَصَحُّ، وَظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي آخِرِ الْجَنَائِزِ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ الضِّيَافَةِ مِنْ الطَّعَامِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي السُّرُورِ لَا فِي الشُّرُورِ وَهِيَ بِدْعَةٌ مُسْتَقْبَحَةٌ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ، وَصُنْعَهُمْ الطَّعَامَ مِنْ النِّيَاحَةِ وَيُسْتَحَبُّ لِجِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَالْأَقْرِبَاءِ الْأَبَاعِدِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ لَهُمْ يُشْبِعُهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اصْنَعُوا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 665 [فَرْعٌ] أَوْصَى بِأَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فُلَانٌ أَوْ يُحْمَلَ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ أَوْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبِ كَذَا أَوْ يُطَيَّنُ قَبْرُهُ أَوْ يُضْرَبَ عَلَى قَبْرِهِ قُبَّةٌ أَوْ لِمَنْ يَقْرَأُ عِنْدَ قَبْرِهِ شَيْئًا مُعَيَّنًا فَهِيَ بَاطِلَةٌ سِرَاجِيَّةٌ وَسَنُحَقِّقُهُ. أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلَّهِ تَعَالَى فَهِيَ بَاطِلَةٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تُصْرَفُ لِوُجُوهِ الْبِرِّ. قَالَ: أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ وَهُوَ عُشْرُ مَالِي لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الْأَلْفُ وَفِي أَوْصَيْت لَهُ بِجَمِيعِ مَا فِي هَذَا الْكِيسِ، وَهُوَ أَلْفٌ فَإِذَا فِيهِ أَلْفَانِ وَدَنَانِيرُ وَجَوَاهِرُ فَكُلُّهُ لَهُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ مُجْتَبَى. قَالَ لِمَدْيُونِهِ: إذَا مِتَّ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ دَيْنِي الَّذِي عَلَيْك صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ وَلَوْ قَالَ إنْ مِتَّ لَا يُبَرَّأُ لِلْمُخَاطَرَةِ. يَدْخُلُ الْمَجْنُونُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْمَرْضَى وَفِي الْوَصِيَّةِ لِلْعُلَمَاءِ يَدْخُلُ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي بِلَادِ خَوَارِزْمَ دُونَ بِلَادِنَا وَلَوْ أَوْصَى لِلْعُقَلَاءِ يُصْرَفُ لِلْعُلَمَاءِ الزَّاهِدِينَ لِأَنَّهُمْ هُمْ الْعُقَلَاءُ فِي الْحَقِيقَةِ فَتَنَبَّهْ وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي يَدِ الْمُوصِي أَوْ وَرَثَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ سِرَاجٌ.   [رد المحتار] لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ جَاءَ مَا يَشْغَلُهُمْ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ [فَرْعٌ أَوْصَى بِأَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فُلَانٌ أَوْ يُحْمَلَ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ] (قَوْلُهُ أَوْصَى بِأَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فُلَانٌ) لَعَلَّ وَجْهَ الْبُطْلَانِ أَنَّ فِيهَا إبْطَالَ حَقِّ الْوَلِيِّ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَوْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبِ كَذَا) اُنْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَا مِنْ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ إلَّا فِي تَجْهِيزِهِ (قَوْلُهُ وَسَنُحَقِّقُهُ) أَيْ قُبَيْلَ فَصْلِ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ بِأَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَطْيِينُ الْقُبُورِ وَلَا الْقِرَاءَةُ عِنْدَهَا، وَيَنْبَغِي أَنَّ الْقَوْلَ بِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ تُصْرَفُ لِوُجُودِهِ الْبِرِّ) قَدَّمْنَا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ أَيْ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ لِلَّهِ تَعَالَى لَكِنَّ الْمُرَادَ التَّصَدُّقُ لِوَجْهِهِ تَعَالَى تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ بِقَرِينَةِ الْحَالِ (قَوْلُهُ قَالَ أَوْصَيْت إلَخْ) وَكَذَا أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي، وَهُوَ أَلْفٌ فَلَهُ الثُّلُثُ بَالِغًا مَا بَلَغَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَهُوَ أَلْفٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة، وَكَذَا أَوْصَيْت بِنَصِيبِي مِنْ هَذِهِ الدَّارِ وَهُوَ الثُّلُثُ فَإِذَا نَصِيبُهُ النِّصْفُ، فَهُوَ لَهُ أَوْ بِجَمِيعِ مَا فِي هَذَا الْبَيْتِ وَهُوَ كُرُّ طَعَامٍ، فَإِذَا فِيهِ أَكْثَرُ أَوْ كُرُّ حِنْطَةِ أَوْ شَعِيرٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِمُشَارٍ إلَيْهِ ثُمَّ قَدَّرَهُ صَحَّ وَافَقَ الْمِقْدَارَ أَوْ لَا وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِيجَابَ وَالتَّمْلِيكَ إلَى الثُّلُثِ مُطْلَقًا، وَإِلَى جَمِيعِ مَا فِي الْكِيسِ، فَصَحَّتْ الْإِضَافَةُ إلَّا أَنَّهُ غَلَطٌ فِي الْحِسَابِ، فَلَا يَقْدَحُ فِي الْإِيجَابِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِقْدَارًا مَعْلُومًا فَانْصَرَفَ إلَى الْمِقْدَارِ الْمَذْكُورِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ إذَا مِتُّ) بِضَمِّ التَّاءِ (قَوْلُهُ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ) أَيْ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْوَصِيَّةِ بِالشَّرْطِ جَائِزٌ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ هَذَا، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْقُنْيَةِ صَحَّ وَصِيَّةً، فَوَصِيَّةً بِالتَّنْوِينِ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِبْرَاءٍ بَلْ هُوَ وَصِيَّةٌ لِتَعْلِيقِهِ عَلَى مَوْتِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ إنْ مِتّ إلَخْ) عَزَاهُ فِي مُخْتَصَرِ الْقُنْيَةِ لِبَعْضِ الْكُتُبِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْبَرَاءَةِ إذَا فُتِحَ التَّاءُ أَخْذًا مِمَّا فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ، لَوْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ إنْ مِتَّ بِفَتْحِ التَّاءِ فَأَنْتَ بَرِيءٌ لَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِخَطَرٍ اهـ أَيْ وَالْإِبْرَاءُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ كَمَا مَرَّ، وَبِهِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الضَّمِّ وَالْفَتْحِ وَالْمُرَادُ بِالْخَطَرِ هُنَا التَّعْلِيقُ عَلَى مَعْدُومٍ مُتَرَقَّبِ الْوُقُوعِ، وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ كَالْمَوْتِ وَمَجِيءِ الْغَدِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ عَلَّقَ الْإِبْرَاءَ بِشَرْطٍ كَائِنٍ كَقَوْلِهِ لِمَدْيُونِهِ إنْ كَانَ لِي عَلَيْك دَيْنٌ فَقَدْ أَبْرَأْتُك عَنْهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا مَرَّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْهِبَةِ وَمَرَّ تَمَامُهُ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ فِي بِلَادِ خَوَارِزْمَ) وَكَذَا الْإِقْلِيمِ الشَّامِيِّ وَالْمِصْرِيِّ سَائِحَانِيٌّ وَلَعَلَّهُ لِأَنَّ أَهْلَ الْكَلَامِ فِي خَوَارِزْمَ لَا يَتَّبِعُونَ الشَّبَهَ بَلْ يَتَعَلَّمُونَ، وَيَعْلَمُونَ مَا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَفِي الْبِلَادِ الْأُخْرَى يَذْكُرُونَ شَبَهَ الْفَلَاسِفَةِ الْمُلَبَّسَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَقَائِدُهُمْ بِلَا تَعَرُّضٍ لِرَدِّهَا وَحَثَّ عَنْ تَجَنُّبِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُمْ ضَالُّونَ مُضِلُّونَ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ نَصِيبٌ ط (قَوْلُهُ فَتَنَبَّهْ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَصَوَابُهُ قُنْيَةٌ فَإِنَّ الْعِبَارَةَ لَهَا كَمَا فِي الْمِنَحِ، إلَّا أَوْهَمَتْ أَنَّهَا عِبَارَةُ السِّرَاجِ ط (قَوْلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ) فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُوصِي أَوْ وَرَثَتِهِ إذَا هَلَكَتْ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ أَمَّا إذَا اُسْتُهْلِكَتْ، فَإِنْ وَقَعَ مِنْ الْمُوصِي فَهُوَ رُجُوعٌ وَإِنْ مِنْ الْوَرَثَةِ قَبْلَ الْقَبُولِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 666 بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ (إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَالْآخَرِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْ) الْوَرَثَةُ فَثُلُثُهُ لَهُمَا نِصْفَيْنِ اتِّفَاقًا (وَإِنْ أَوْصَى) بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَ (لِآخَرَ بِسُدُسِ مَالِهِ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا) أَثْلَاثًا اتِّفَاقًا (وَإِنْ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْ) الْوَرَثَةُ ذَلِكَ (فَثُلُثُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إذَا لَمْ تُجَزْ تَقَعُ بَاطِلَةً فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَوْصَى لِكُلٍّ بِالثُّلُثِ فَيُنَصَّفُ وَقَالَا أَرْبَاعًا لِأَنَّ الْبَاطِلَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ   [رد المحتار] أَوْ بَعْدَهُ يَكُونُ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ ط وَعِبَارَةُ السِّرَاجِ ذَكَرَهَا فِي الْمِنَحِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ قَبُولُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَرَاجِعْهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ] ِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِثُلُثِ مَالِهِ (قَوْلُهُ وَلَمْ تُجِزْ) أَيْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّتَيْنِ فَإِنْ أَجَازَتْ فَظَاهِرٌ (قَوْلُهُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا) أَيْ يَقْتَسِمَانِهِ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا لِصَاحِبِ السُّدُسِ سَهْمٌ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمَانِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْوَصَايَا إذَا لَمْ تَزِدْ عَلَى الثُّلُثِ كَثُلُثٍ لِوَاحِدٍ وَسُدُسٍ لِآخَرَ وَرُبُعٍ لِآخَرَ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ يُضْرَبُ فِي الثُّلُثِ، وَلَا يُقْسَمُ الثُّلُثُ سَوِيَّةً بَيْنَهُمْ اتِّفَاقًا مَا لَمْ يَسْتَوِيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ الْأُولَى، وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ) فَإِنْ أَجَازُوا فَعِنْدَهَا يُقْسَمُ الْكُلُّ أَرْبَاعًا وَلَا نَصَّ فِيهِ عَنْهُ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ قِيَاسُ قَوْلِهِ: أَنْ يُسَدَّسَ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّ الثُّلُثَيْنِ لِصَاحِبِ الْكُلِّ، فَكَانَ نِزَاعُهُمَا فِي الثُّلُثِ فَنِصْفُ النِّصْفِ الَّذِي هُوَ السُّدُسُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: إنَّ هَذَا تَخْرِيجٌ قَبِيحٌ لِاسْتِوَاءِ سَهْمِ صَاحِبِ الثُّلُثِ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ وَعَدَمِهَا، وَهُوَ السُّدُسُ فَالصَّحِيحُ أَنْ يُرَبَّعَ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ بِأَنْ يَقْسِمَ الثُّلُثَ أَوَّلًا وَهُوَ أَرْبَعَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، لِأَنَّ إجَازَتَهُمْ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي قَدْرِ الثُّلُثِ، وَبَقِيَ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةَ أَسْهُمٍ يَدَّعِيهِمَا صَاحِبُ الْكُلِّ وَسَهْمَيْنِ مِنْهَا صَاحِبُ الثُّلُثِ لِيَتِمَّ لَهُ الثُّلُثُ، فَتَسْلِيمُ السِّتَّةِ لِصَاحِبِ الْكُلِّ وَيَتَنَازَعَانِ فِي السَّهْمَيْنِ بِنِصْفَيْنِ، فَتُحْمَلُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ كَمَا فِي الْحَقَائِقِ وَغَيْرِهِ قُهُسْتَانِيٌّ. قُلْت: وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَلْزَمُ اسْتِوَاءُ حَالَتَيْ الْإِجَازَةِ وَعَدَمِهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ غَيْرُ قَيْدٍ وَأَنَّ الْمُرَادَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَلِذَا عَبَّرَ فِي الْمُلْتَقَى بِقَوْلِهِ وَلَوْ لِأَحَدِهِمَا بِثُلُثِهِ وَلِلْآخَرِ بِثُلُثَيْهِ أَوْ بِنِصْفِهِ أَوْ بِكُلِّهِ يُنَصَّفُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُثَلَّثُ فِي الْأَوَّلِ وَيُخَمَّسُ خُمُسَيْنِ وَثَلَاثَةَ أَخْمَاسٍ فِي الثَّانِي وَيُرَبَّعُ فِي الثَّالِثِ اهـ فَالْحُكْمُ عِنْدَهُ وَهُوَ التَّنْصِيفُ مُتَّحِدٌ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ كُلًّا أَوْ غَيْرَهُ، وَالْأَصْلُ الَّذِي بُنِيَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَسَائِلُ هُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَضْرِبُ إلَخْ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ تُجَزْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (قَوْلُهُ: تَقَعُ بَاطِلَةً) لَيْسَ الْمُرَادُ بُطْلَانَهَا مِنْ أَصْلِهَا وَإِلَّا لَمَا اسْتَحَقَّ شَيْئًا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بُطْلَانُ الزَّائِدِ بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ شَيْئَيْنِ الِاسْتِحْقَاقَ عَلَى الْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَتَفْضِيلَ بَعْضِ أَهْلِ الْوَصَايَا عَلَى بَعْضٍ. وَالثَّانِي يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الْأَوَّلِ، وَلَمَّا بَطَلَ الْأَوَّلُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَعَدَمِ إجَازَتِهِمْ بَطَلَ مَا فِي ضِمْنِهِ وَهُوَ التَّفْضِيلُ، فَصَارَ كَأَنَّهُ أَوْصَى لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالثُّلُثِ فَيُنَصَّفُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ أَوْصَى لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِهِ حَقِيقَةً اهـ مِنْ الْعِنَايَةِ مُوَضَّحًا (قَوْلُهُ: وَقَالَا أَرْبَاعًا) أَيْ يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْبَاطِلَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ) يَعْنِي أَنَّ الْبَاطِلَ هُوَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ اللَّذَيْنِ قَصَدَهُمَا الْمُوصِي، وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ فَإِنَّهُ بَطَلَ لِحَقِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 667 فَاضْرِبْ الْكُلَّ فِي الثُّلُثَيْنِ يَحْصُلُ أَرْبَعَةٌ تَجْعَلُ ثُلُثَ الْمَالِ (وَلَا يَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) الْمُرَادُ بِالضَّرْبِ الْمُصْطَلَحُ بَيْنَ الْحِسَابِ فَعِنْدَهُ سِهَامُ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ فَاضْرِبْ نِصْفَ كُلٍّ فِي الثُّلُثِ يَكُنْ سُدُسًا فَلِكُلٍّ سُدُسُ الْمَالِ وَعِنْدَهُمَا أَرْبَعَةٌ كَمَا قَدَّمْنَا (وَإِلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ) وَهِيَ (الْمُحَابَاةُ   [رد المحتار] الْوَرَثَةِ، وَأَمَّا الشَّيْءُ الْآخَرُ وَهُوَ قَصْدُ الْمُوصِي تَفْضِيلَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَلَا مَانِعَ مِنْهُ فَقَدْ جَعَلَ لِصَاحِبِ الْكُلِّ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِ مَا جَعَلَهُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ فَيَأْخُذُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ بِحِصَّةِ ذَلِكَ الزَّائِدِ بِأَنْ يُقْسَمَ أَرْبَاعًا ثَلَاثَةٌ مِنْهَا لِصَاحِبِ الْكُلِّ وَوَاحِدٌ لِلْآخَرِ (قَوْلُهُ: فَاضْرِبْ الْكُلَّ فِي الثُّلُثَيْنِ) صَوَابُهُ فِي الثُّلُثِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَيْ اضْرِبْ كُلَّ حَظٍّ فِي ثُلُثِ الْمَالِ بِأَنْ تَضْرِبَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ حَظَّ صَاحِبِ الْكُلِّ فِي الثُّلُثِ وَسَهْمًا وَاحِدًا حَظًّا لِآخِرِ الثُّلُثِ يَحْصُلُ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ، تُجْعَلُ ثُلُثَ الْمَالِ، يُعْطَى لِلْأَوَّلِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ، وَلِلثَّانِي رُبُعُهُ وَسَيَتَّضِحُ ثَمَّ الصَّحِيحُ قَوْلُ الْإِمَامِ كَمَا فِي تَصْحِيحِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ وَالدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الْمُضْمَرَاتِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِالضَّرْبِ الْمُصْطَلَحُ بَيْنَ الْحُسَّابِ) وَهُوَ تَحْصِيلُ عَدَدٍ نِسْبَتُهُ إلَى أَحَدِ الْمَضْرُوبَيْنِ كَنِسْبَةِ الْآخَرِ إلَى الْوَاحِدِ، وَقَوْلُهُ: لَا يَضْرِبُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَعْلُومِ مُسْنَدًا مَجَازًا إلَى الْمُوصَى لَهُ وَالْبَاءُ صِلَةُ الْمُوصَى لَهُ، وَصِلَةُ يَضْرِبُ مَعَ مَفْعُولِهِ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: لَا يَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ عَدَدًا فِي عَدَدٍ، فَلَا يَضْرِبُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعٍ فِي الثُّلُثِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَأَقُولُ: ضَرْبُ الْكُسُورِ فِي مُصْطَلَحِ الْحُسَّابِ عَلَى مَعْنَى خُذْ، فَإِذَا قِيلَ اضْرِبْ رُبُعًا فِي ثُلُثٍ فَمَعْنَاهُ خُذْ رُبُعَ الثُّلُثِ وَهُوَ وَاحِدٌ وَمِنْ اثْنَيْ عَشَرَ فَالْمَعْنَى هُنَا: لَا يَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَيْ لَا يُؤْخَذُ لَهُ مِنْ الثُّلُثِ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لِمَا مَرَّ مِنْ بُطْلَانِ التَّفْصِيلِ، فَلَا تُجْعَلُ سِهَامُ الْوَصِيَّةِ أَرْبَعَةً كَمَا جَعَلَهَا الْإِمَامَانِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ لَهُ مِنْ الثُّلُثِ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ لِلثُّلُثِ فَقَطْ بِأَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ أَوْصَى لِكُلٍّ بِالثُّلُثِ، فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَعَلَى هَذَا فَالْبَاءُ صِلَةُ يَضْرِبُ وَلَا حَذْفَ فَتَدَبَّرْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ التَّصْرِيحَ بِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ مَعْنَى الضَّرْبِ وَيُوَافِقُهُ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ فَعِنْدَهُ سِهَامُ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ) فَلِكُلِّ وَاحِدٍ النِّصْفُ وَهُوَ سَهْمٌ وَاحِدٌ (قَوْلُهُ فَاضْرِبْ نِصْفَ كُلٍّ) أَيْ اضْرِبْ نَصِيبَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ النِّصْفُ فِي الثُّلُثِ يَكُنْ سُدُسًا، لِأَنَّهُ الْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ نِصْفٍ فِي ثُلُثٍ عَلَى مَعْنَى الْأَخْذِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا أَرْبَعَةٌ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَضْرِبُ لَهُ عِنْدَهُمَا بِحُكْمِ الزَّائِدِ، فَتُجْعَلُ سِهَامُ الْوَصِيَّةِ أَرْبَعَةً كَمَا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا لِأَحَدِهِمَا الرُّبُعُ، وَلِلْآخَرِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ، قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ الْكَمَالِ: فَيَضْرِبُ الرُّبُعَ فِي ثُلُثِ الْمَالِ وَالرُّبُعَ فِي الثُّلُثِ يَكُونُ رُبُعَ الثُّلُثِ ثُمَّ لِصَاحِبِ الْكُلِّ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ، فَيَضْرِبُ ثَلَاثَةَ الْأَرْبَاعِ فِي الثُّلُثِ بِمَعْنَى ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ هَذَا مَعْنَى الضَّرْبِ وَقَدْ تَحَيَّرَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ اهـ. [تَنْبِيهٌ] عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ مِثْلُ ثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ مِثْلُ نِصْفِ مَالِهِ مَثَلًا، وَتَمَامُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ الْخَامِسِ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسَيْفٍ قِيمَتُهُ مِثْلُ سُدُسِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِسُدُسِ مَالِهِ، وَمَالُهُ سِوَى السَّيْفِ: خَمْسُمِائَةٍ، فَلِلثَّانِي سُدُسُهَا، وَلِلْأَوَّلِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ السَّيْفِ وَسُدُسُ السَّيْفِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ مُنَازَعَتَهُمَا فِي سُدُسِ السَّيْفِ فَقَطْ فَيَنْتَصِفُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي الْمَجْمَعِ وَشُرُوحِهِ (قَوْلُهُ إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَضْرِبُ إلَخْ (قَوْلُهُ: الْمُحَابَاةُ) مِنْ الْحِبَاءِ أَيْ الْعَطَاءِ، مُغْرِبٌ، وَفَسَّرَهَا الْقُهُسْتَانِيُّ بِالنُّقْصَانِ عَنْ قِيمَةِ الْمِثْلِ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْبَيْعِ وَالزِّيَادَةِ عَلَى قِيمَتِهِ فِي الشِّرَاءِ. وَصُورَتُهَا: أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ عَبْدَانِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا ثَلَاثُونَ، وَالْآخَرِ سِتُّونَ فَأَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ الْأَوَّلُ مِنْ زَيْدٍ بِعَشَرَةٍ، وَالْآخَرُ مِنْ عَمْرٍو بِعِشْرِينَ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا فَالْوَصِيَّةُ فِي حَقِّ زَيْدٍ بِعِشْرِينَ، وَفِي حَقِّ عَمْرٍو بِأَرْبَعِينَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 668 وَالسِّعَايَةُ وَالدَّرَاهِمُ الْمُرْسَلَةُ) أَيْ الْمُطْلَقَةُ غَيْرُ الْمُقَيَّدَةِ بِثُلُثٍ أَوْ نِصْفٍ أَوْ نَحْوِهِمَا وَمِنْ صُوَرِ ذَلِكَ أَنْ يُوصِيَ لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مَثَلًا أَوْ يُحَابِيهِ فِي بَيْعٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ يُوصِي بِعِتْقِ عَبْدٍ قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ: وَهِيَ ثُلُثَا مَالِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا إجْمَاعًا (وَبِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ صَحَّتْ) لَهُ ابْنٌ أَوْ لَا (وَبِنَصِيبِ ابْنِهِ لَا) لَوْ لَهُ ابْنٌ مَوْجُودٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ صَحَّتْ عِنَايَةٌ وَجَوْهَرَةٌ. زَادَ فِي شَرْحِ التَّكْمِلَةِ وَصَارَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنٍ لَوْ كَانَ انْتَهَى. وَفِي الْمُجْتَبَى وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ لَوْ كَانَ فَلَهُ النِّصْفُ اهـ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ السِّرَاجِ مَا يُخَالِفُهُ فَتَنَبَّهْ   [رد المحتار] فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَيُبَاعُ الْأَوَّلُ مِنْ زَيْدٍ بِعِشْرِينَ وَالْعَشَرَةُ وَصِيَّةٌ لَهُ وَيُبَاعُ الثَّانِي مِنْ عَمْرٍو بِأَرْبَعِينَ وَالْعِشْرُونَ وَصِيَّةٌ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً عَلَى الثُّلُثِ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ: وَالسِّعَايَةُ) صُورَتُهَا أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ قِيمَتُهُمَا مَا ذَكَرَ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا، فَالْوَصِيَّةُ لِلْأَوَّلِ بِثُلُثِ الْمَالِ وَلِلثَّانِي بِثُلُثِ الْمَالِ فَسِهَامُ الْوَصِيَّةِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثٌ وَاحِدٌ لِلْأَوَّلِ وَاثْنَانِ لِلثَّانِي، فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ فَيَعْتِقُ مِنْ الْأَوَّلِ ثُلُثُهُ، وَهُوَ عَشَرَةٌ وَيَسْعَى فِي عِشْرِينَ، وَيَعْتِقُ مِنْ الثَّانِي ثُلُثُهُ وَهُوَ عِشْرُونَ، وَيَسْعَى فِي أَرْبَعِينَ فَيَضْرِبُ كُلٌّ بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ وَإِنْ كَانَ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ وَالدَّرَاهِمُ الْمُرْسَلَةُ) صُورَتُهَا أَوْصَى لِزَيْدٍ بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا وَلِآخَرَ بِسِتِّينَ دِرْهَمًا وَمَالُهُ تِسْعُونَ يَضْرِبُ كُلٌّ بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ فَيَضْرِبُ الْأَوَّلُ الثُّلُثَ فِي ثُلُثِ الْمَالِ وَالثَّانِي الثُّلُثَيْنِ فِي ثُلُثِ الْمَالِ وَإِنَّمَا فَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ هَذِهِ الصُّوَرِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إذَا كَانَتْ مُقَدَّرَةً بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ صَرِيحًا كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا وَالشَّرْعُ أَبْطَلَ الْوَصِيَّةَ فِي الزَّائِدِ يَكُونُ ذِكْرُهُ لَغْوًا فَلَا تُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الضَّرْبِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُقَدَّرَةً بِأَنَّهُ أَيُّ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ كَمَا فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْعِبَارَةِ مَا يَكُونُ مُبْطِلًا لِلْوَصِيَّةِ، كَمَا إذَا أَوْصَى بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا، وَاتَّفَقَ أَنَّ مَالَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَكُونُ بَاطِلَةً بِالْكُلِّيَّةِ، لِإِمْكَانِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ فَوْقَ الْمِائَةِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ بَاطِلَةً بِالْكُلِّيَّةِ تَكُونُ مُعْتَبَرَةً فِي حَقِّ الضَّرْبِ وَهَذَا فَرْقٌ دَقِيقٌ أَنِيقٌ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ وَمِنْ صُوَرِ ذَلِكَ إلَخْ) أَفَادَ بِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مُحَابَاةً أَوْ سِعَايَةً أَوْ عِتْقًا مِنْ جِهَتَيْ الْمُوصَى لَهُمَا، بَلْ يَكْفِي وُجُودُ ذَلِكَ مِنْ طَرَفٍ، وَيَكُونُ بِقَدْرِ ثُلُثَيْ الْمَالِ وَالْمُوصَى لِلطَّرَفِ الْآخَرِ بِثُلُثِ الْمَالِ فَلْيُتَأَمَّلْ ط. أَقُولُ: لَكِنَّ هَذَا التَّصْوِيرَ مُشْكِلٌ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ الْعِتْقَ الْمُنْفَذَ فِي الْمَرَضِ وَالْمُحَابَاةَ الْمُنَجَّزَةَ فِيهِ مُقَدَّمَانِ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ: أَوْ يُحَابِيَهُ) أَيْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ ح وَقَوْلُهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مُتَعَلِّقٌ بِيُحَابِيَهُ (قَوْلُهُ: وَهِيَ ثُلُثُ مَالِهِ) أَيْ الْأَلْفُ دِرْهَمٍ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ ح، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مَالُهُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَأَوْصَى بِأَلْفٍ مِنْهَا لِفُلَانٍ، أَوْ يَكُونَ لَهُ ثَوْبٌ مَثَلًا قِيمَتُهُ ذَلِكَ، فَأَوْصَى بِأَنْ يُحَابِيَ بِأَلْفٍ وَذَلِكَ بِأَنْ يُبَاعَ بِخَمْسِمِائَةٍ وَمَسْأَلَةُ الْعِتْقِ ظَاهِرَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ ح (قَوْلُهُ: فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا إجْمَاعًا) تَقْرِيرُهُ ظَاهِرٌ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَبِنَصِيبِ ابْنِهِ لَا) أَيْ لِأَنَّ نَصِيبَهُ ثَبَتَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَإِذَا أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ آخَرَ فَقَدْ أَرَادَ تَغْيِيرَ مَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَا يَصِحُّ مِنَحٌ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمْ تَقَعْ فِي مِلْكِهِ وَإِنَّمَا أَضَافَهَا إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، فَصَارَ كَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِلْكِ زَيْدٍ ثُمَّ مَاتَ فَأَجَازَهُ زَيْدٌ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَذَا هُنَا اهـ مَكِّيٌّ عَنْ السِّرَاجِ ط (قَوْلُهُ: وَصَارَ) أَيْ قَوْلُهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ ح أَوْ قَوْلُهُ بِنَصِيبِ ابْنِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ (قَوْلُهُ: وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ، وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ لَوْ كَانَ أَعْطَى ثُلُثَ الْمَالِ، لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ مَعْدُومٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُقَدَّرَ نَصِيبُ ذَلِكَ الِابْنِ بِسَهْمٍ، وَمِثْلُهُ سَهْمٌ أَيْضًا، فَقَدْ أَوْصَى لَهُ بِسَهْمٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي الْحَاصِلِ، بِخِلَافِ الْأُولَى فَإِنَّهُ هُنَاكَ أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنٍ لَوْ كَانَ، وَلَمْ يَقُلْ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ لَوْ كَانَ كَذَا فِي السِّرَاجِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 669 (وَلَهُ) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى (ثُلُثٌ إنْ أَوْصَى مَعَ ابْنَيْنِ) وَنِصْفٌ مَعَ ابْنٍ وَاحِدٍ وَإِنْ أَجَازَ وَمِثْلُهُمْ الْبَنَاتُ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ يُزَادُ مِثْلُهُ عَلَى سِهَامِ الْوَرَثَةِ مُجْتَبًى (وَبِجُزْءٍ أَوْ سَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَالْبَيَانُ إلَى الْوَرَثَةِ) يُقَالُ لَهُمْ أَعْطُوهُ مَا شِئْتُمْ ثُمَّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْجُزْءِ وَالسَّهْمِ عُرْفُنَا. وَأَمَّا أَصْلُ الرِّوَايَةِ فَبِخِلَافِهِ (وَإِنْ قَالَ سُدُسُ مَالِي لَهُ ثُمَّ قَالَ ثُلُثُهُ لَهُ وَأَجَازُوا لَهُ ثُلُثٌ) أَيْ حَقُّهُ الثُّلُثُ فَقَطْ،   [رد المحتار] الْوَهَّاجِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَكَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. وَأَمَّا مَا فِي الْمُجْتَبَى فَلَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ وَجْهُهُ ظَاهِرًا إذْ لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ مَوْجُودٍ لَكِنَّهُ لَا يُعَارِضُ مَا هُنَا مَا لَمْ يُؤَيَّدْ بِنَقْلٍ لِأَنَّ الْمُجْتَبَى لِلزَّاهِدِيِّ وَقَدْ قَالُوا لَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا قَالَهُ الزَّاهِدِيُّ مُخَالِفًا لِلْقَوَاعِدِ مَا لَمْ يُؤَيَّدْ بِنَقْلٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى) أَيْ مِنْ صُورَتَيْ الْمَتْنِ ثُلُثٌ إنْ أَوْصَى مَعَ ابْنَيْنِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ، وَنَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَجْعَلَهُ مِثْلَ ابْنِهِ لَا أَنْ يَزِيدَ نَصِيبُهُ عَلَى نَصِيبِ ابْنِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَجْعَلَ الْمُوصَى لَهُ كَأَحَدِهِمْ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: إنْ أَجَازَ) أَيْ أَجَازَ الزِّيَادَةَ وَإِلَّا فَالثُّلُثُ فَقَطْ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُمْ الْبَنَاتُ) أَيْ إنْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ بِنْتِهِ وَلَهُ بِنْتٌ وَاحِدَةٌ فَلَهُ النِّصْفُ إنْ أَجَازَتْ وَإِلَّا فَالثُّلُثُ، وَمَعَ الْبِنْتَيْنِ لَهُ الثُّلُثُ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَلَوْ كَانَ مَعَ ثَلَاثِ بَنَاتٍ هَلْ لَهُ الثُّلُثُ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ فَرْضَ الْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ أَوْ الرُّبُعُ؟ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلُ نَصِيبِ بِنْتٍ اهـ ح وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُجْتَبَى مِنْ الْأَصْلِ ط. (قَوْلُهُ يُزَادُ مِثْلُهُ إلَخْ) حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ ابْنٌ وَبِنْتٌ وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ الْبِنْتِ فَلَهُ الرُّبُعُ وَلَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ، وَأَوْصَتْ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُخْتِ لِأُمٍّ فَلَهُ الْعُشْرُ مُجْتَبَى قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: وَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُبَيَّنَ الْفَرِيضَةُ أَوَّلًا، ثُمَّ يُزَادَ مِثْلُ نَصِيبِ مَنْ ذَكَرَهُ عَلَى مَخْرَجِ الْفَرِيضَةِ، فَلَوْ تَرَكَ أُمًّا وَابْنًا وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ بِنْتٍ، فَالْوَصِيَّةُ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ سَهْمًا لِلْمُوصَى لَهُ خَمْسَةٌ، وَلِلِابْنِ عَشَرَةٌ وَلِلْأُمِّ سَهْمَانِ، لِأَنَّ أَصْلَهَا مِنْ سِتَّةٍ لِلِابْنِ خَمْسَةٌ فَلِلْبِنْتِ اثْنَانِ وَنِصْفٌ، فَيُزَادُ عَلَى أَصْلِ الْفَرِيضَةِ وَيُضَعَّفُ لِلْكَسْرِ فَبَلَغَتْ سَبْعَةَ عَشَرَ لِلْمُوصَى لَهُ خَمْسَةٌ بَقِيَ اثْنَا عَشَرَ يُعْطَى لِلْأُمِّ سُدُسُهَا اثْنَانِ، وَالْبَاقِي لِلِابْنِ اهـ أَيْ لِأَنَّ الْإِرْثَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ لَهُ بِنْتٌ وَأُخْتٌ عَصَبِيَّةٌ، وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْبِنْتِ فَلَهُ ثُلُثُ الْمَالِ أَجَازَتَا أَوْ لَا اهـ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ مُعْتَبَرَةٌ بَنَى عَلَيْهَا السَّائِحَانِيُّ فِي فَتَاوَاهُ النُّعْمِيَّةِ عِدَّةَ صُوَرٍ سُئِلَ عَنْ بَعْضِهَا فَلْتُحْفَظْ (قَوْلُهُ: وَبِجُزْءٍ إلَخْ) مِثْلُهُ الْحَظُّ وَالشِّقْصُ وَالنَّصِيبُ وَالْبَعْضُ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ: فَالْبَيَانُ إلَى الْوَرَثَةِ إلَخْ) لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَالْوَصِيَّةُ لَا تُمْنَعُ بِالْجَهَالَةِ وَالْوَرَثَةُ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمُوصِي، فَكَانَ إلَيْهِمْ بَيَانُهُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: عُرْفُنَا) أَيْ عُرْفُ الْعَجَمِ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ: وَأَمَّا أَصْلُ الرِّوَايَةِ فَبِخِلَافِهِ) وَهِيَ أَنَّ السَّهْمَ السُّدُسُ فِي رَاوِيَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ لَهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ مِنْ السُّدُسِ فَيُتَمَّمُ لَهُ السُّدُسُ، وَلَا يُزَادَ لَهُ فَكَانَ حَاصِلُهُ أَنَّ لَهُ السُّدُسَ، وَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْوَصَايَا أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ، مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى السُّدُسِ وَقَالَا لَهُ الْأَخَسُّ إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ فَيَكُونَ لَهُ الثُّلُثُ اهـ اخْتِيَارٌ فَالسُّدُسُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى لِمَنْعِ النُّقْصَانِ، وَلَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ وَعَلَى الثَّانِيَةِ بِالْعَكْسِ وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ مَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ زَيْلَعِيٌّ: فَأَمَّا أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ اطَّلَعَ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِمَا أَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا عِنَايَةٌ وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي الْمُطَوَّلَاتِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 670 وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ لِدُخُولِ السُّدُسِ فِي الثُّلُثِ مُقَدَّمًا كَانَ أَوْ مُؤَخَّرًا أَخْذًا بِالْمُتَيَقَّنِ، وَبِهَذَا انْدَفَعَ سُؤَالُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَإِشْكَالُ ابْنِ الْكَمَالِ (وَفِي سُدُسِ مَالِي مُكَرَّرًا لَهُ سُدُسٌ) لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ قَدْ أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً (وَبِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ وَغَنَمِهِ أَوْ ثِيَابِهِ) مُتَفَاوِتَةً فَلَوْ مُتَّحِدَةً فَكَالدَّرَاهِمِ (أَوْ عَبِيدِهِ   [رد المحتار] تَنْبِيهٌ] هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ فَفِي الِاخْتِيَارِ وَالْجَوْهَرَةِ: لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ، وَلَا وَارِثَ لَهُ فَلَهُ النِّصْفُ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ ابْنٍ فَصَارَ كَأَنْ لَهُ ابْنَانِ وَلَا مَانِعَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ فَصَحَّ اهـ وَانْظُرْ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْجُزْءِ وَالسَّهْمِ، هَلْ يُعْطَى النِّصْفُ أَيْضًا أَمْ يُقَالُ لِوَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ أَعْطِهِ مَا شِئْت، وَحَرِّرْهُ نَقْلًا (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا انْدَفَعَ سُؤَالُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ) حَاصِلُ: سُؤَالِهِ أَنَّ قَوْلَ الْمُوصِي ثُلُثُ مَالِي لَهُ لَا يَصْلُحُ إخْبَارًا لِأَنَّهُ كَذِبٌ فَتَعَيَّنَ الْإِنْشَاءُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ، وَتَقْرِيرُ الدَّفْعِ سَلَّمْنَا أَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ إنْشَاءٌ إلَّا أَنَّهُ بَعْدَ قَوْلِهِ سُدُسُ مَالِي لَهُ مُحْتَمِلٌ، لَأَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ زِيَادَةَ سُدُسٍ أَوْ أَرَادَ ثُلُثًا آخَرَ غَيْرَ السُّدُسِ، فَيُحْمَلَ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ (قَوْلُهُ: وَإِشْكَالُ ابْنِ الْكَمَالِ) حَيْثُ قَالَ فِي هَامِشِ شَرْحِهِ بَعْدَ تَقْرِيرِهِ جَوَابُ السُّؤَالِ الْمَارِّ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. بَقِيَ هَهُنَا شَيْءٌ: وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ الثُّلُثُ الَّذِي أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ ثُلُثًا زَائِدًا عَلَى السُّدُسِ الَّذِي أَجَازُوهُ أَوْ لَا يَكُونَ ثُلُثًا زَائِدًا عَلَيْهِ إذْ لَا وَجْهَ لِإِجَازَتِهِمْ بِلَا تَعْيِينِ الْمُرَادِ، إذْ مَرْجِعُهُ إلَى إجَازَةِ اللَّفْظِ، وَلَا مَعْنَى لَهُ وَالثَّانِي يَأْبَاهُ قَوْلُهُ: وَأَجَازُوا لِأَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْ إجَازَتِهِمْ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ، وَلَعَلَّهُ لِذَلِكَ أَسْقَطَ صَاحِبُ الْكَنْزِ الْقَيْدَ الْمَذْكُورَ اهـ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَعْنَى الثَّانِي وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْإِجَازَةُ لِثُلُثٍ غَيْرِ زَائِدٍ عَلَى السُّدُسِ: أَيْ لِثُلُثٍ دَاخِلٍ فِيهِ السُّدُسُ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ، وَبِهِ يَتِمُّ الْجَوَابُ عَنْ سُؤَالِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ، لَكِنْ يَبْقَى قَوْلُهُ: وَأَجَازُوا زَائِدًا لَا فَائِدَةَ فِيهِ إذْ الثُّلُثُ لَازِمٌ مُطْلَقًا، وَلِهَذَا أَسْقَطَهُ فِي الْكَنْزِ. وَالْجَوَابُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ أَيْ إنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ بَلْ ذَكَرُوهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ لَهُ النِّصْفَ عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَلِيُفْهَمَ أَنَّ لَهُ الثُّلُثَ عِنْدَ عَدَمِهَا بِالْأَوْلَى فَافْهَمْ، وَلِلَّهِ دَرُّ هَذَا الشَّارِحِ عَلَى هَذِهِ الرُّمُوزِ الَّتِي هِيَ جَوَاهِرُ الْكُنُوزِ، لَكِنْ بَقِيَ هُنَا إشْكَالٌ ذَكَرَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَنَقَلَ نَحْوَهُ وَعَنْ قَاضِي زَادَهْ، وَهُوَ أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ وَهُوَ الْوَارِثُ رَضِيَ بِمَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُوصِي مِنْ اجْتِمَاعِ الثُّلُثِ مَعَ السُّدُسِ وَامْتِنَاعِ مَا كَانَ غَيْرَ مُتَيَقَّنٍ لِحَقِّ الْوَارِثِ، فَبَعْدَ أَنْ رَضِيَ كَيْفَ يَتَكَلَّفُ لِلْمَنْعِ اهـ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّ إجَازَتَهُمْ لِلزَّائِدِ لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا. وَأَقُولُ: جَوَابُهُ أَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ كَلَامُ الْمُوصِي حَمَلْنَاهُ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ الَّذِي يَمْلِكُهُ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ كَمَا مَرَّ، وَالْوَصِيَّةُ إيجَابُ تَمْلِيكٍ، فَكَانَ إيجَابُ الثُّلُثِ مُتَيَقَّنًا، وَإِيجَابُ الزَّائِدِ مَشْكُوكًا فِيهِ، وَإِجَازَةُ الْوَارِثِ لَا تَعْمَلُ إلَّا فِيمَا أَوْجَبَهُ الْمُوصِي، وَلَمْ نَتَيَقَّنْ بِإِيجَابِ الْمُوصِي فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ حَتَّى تَعْمَلَ الْإِجَازَةُ عَمَلَهَا فَلَغَتْ، لِأَنَّ الْإِجَازَةَ لَيْسَتْ ابْتِدَاءَ تَمْلِيكٍ، وَإِنَّمَا هِيَ تَنْفِيذٌ لِعَقْدِ الْمُوصِي الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهَا وَلِهَذَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُجَازِ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي، لَا مِنْ قِبَلِ الْمُجِيزِ كَمَا سَيَجِيءُ آخَرَ الْبَابِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي السَّقِيمِ مِنْ فَيْضِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ (قَوْلُهُ: مُكَرَّرًا) بِأَنْ قَالَ لَهُ سُدُسُ مَالِي، لَهُ سُدُسُ مَالِي فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجْلِسَيْنِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ) وَهِيَ سُدُسٌ فَإِنَّهُ ذُكِرَ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَالِ قَدْ أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً: أَيْ فَكَانَتْ عَيْنَ الْأُولَى وَهَذَا عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فَلَا يَرِدُ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ غَيْرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ} [المائدة: 48]- أَيْ التَّوْرَاةِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ لِقَرِينَةٍ وَالْمَسْأَلَةُ أَوْضَحْنَاهَا فِي حَوَاشِينَا عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَبِيدِهِ) وَلَا تَكُونُ إلَّا مُتَفَاوِتَةً فَلِذَا فَصَّلَ فِي الثِّيَابِ فَقَطْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 671 إنْ هَلَكَ ثُلُثَاهُ فَلَهُ) جَمِيعُ (مَا بَقِيَ فِي الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ الدَّرَاهِمِ وَالْغَنَمِ إنْ خَرَجَ مِنْ ثُلُثِ بَاقِي جَمِيعِ أَصْنَافِ مَالِهِ أَخِي جَلَبِي (وَثُلُثُ الْبَاقِي فِي الْآخَرَيْنِ) أَيْ الثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ وَإِنْ خَرَجَ الْبَاقِي مِنْ ثُلُثِ كُلِّ الْمَالِ (وَكَالْأَوَّلِ كُلُّ مُتَّحِدِ الْجِنْسِ كَمَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ) وَثِيَابٍ مُتَّحِدَةٍ وَضَابِطُهُ مَا يُقْسَمُ جَبْرًا وَكَالثَّانِي كُلُّ مُخْتَلِفِ الْجِنْسِ وَضَابِطُهُ مَا لَا يُقْسَمُ جَبْرًا (وَبِأَلْفٍ وَلَهُ دَيْنٌ) مِنْ جِنْسِ الْأَلْفِ (وَعَيْنٍ فَإِنْ خَرَجَ) الْأَلْفُ (مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ دُفِعَ إلَيْهِ وَإِلَّا) يَخْرُجُ (فَثُلُثُ الْعَيْنِ) يُدْفَعُ لَهُ (وَكُلَّمَا خَرَجَ) شَيْءٌ (مِنْ الدَّيْنِ دُفِعَ إلَيْهِ ثُلُثُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ) وَهُوَ الْأَلْفُ (وَبِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَهُوَ) أَيْ عَمْرٌو (مَيِّتٌ لِزَيْدٍ كُلُّهُ) أَيْ كُلُّ الثُّلُثِ. وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْ الْمَعْدُومَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَلَا يُزَاحِمُ غَيْرَهُ وَصَارَ (كَمَا لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ وَجِدَارٍ، هَذَا إذَا خَرَجَ الْمُزَاحِمُ مِنْ الْأَصْلِ أَمَّا إذَا خَرَجَ) الْمُزَاحِمُ (بَعْدَ صِحَّةِ الْإِيجَابِ يَخْرُجُ بِحِصَّتِهِ) وَلَا يُسَلَّمُ لِلْآخَرِ كُلُّ الثُّلُثِ لِثُبُوتِ الشَّرِكَةِ (كَمَا لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَفُلَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إنْ مِتُّ وَهُوَ فَقِيرٌ فَمَاتَ الْمُوصِي وَفُلَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ غَنِيٌّ كَانَ لِفُلَانٍ نِصْفُ الثُّلُثِ) وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْمُوصِي وَفُرُوعُهُ كَثِيرَةٌ.   [رد المحتار] أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. (قَوْلُهُ إنْ هَلَكَ ثُلُثَاهُ إلَخْ) أَيْ ثُلُثَا الدَّرَاهِمِ أَوْ الْغَنَمِ بِأَنْ كَانَتْ ثَلَاثَةً مَثَلًا فَهَلَكَ مِنْهَا اثْنَانِ وَبَقِيَ وَاحِدٌ فَلَهُ ذَلِكَ الْبَاقِي بِتَمَامِهِ وَقَالَ زُفَرُ لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ هُنَا أَيْضًا، لِأَنَّ الْمَالَ مُشْتَرَكٌ وَالْهَالِكُ مِنْهُ يَهْلِكُ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَيَبْقَى الْبَاقِي كَذَلِكَ، وَوَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ إنَّهُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ يَجْمَعُ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي الْبَاقِي تَقْدِيمًا لِلْوَصِيَّةِ عَلَى الْمِيرَاثِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَهْلِكْ شَيْءٌ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْبَاقِيَ لَهُ، بِخِلَافِ الثِّيَابِ الْمُخْتَلِفَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا لَا تُقْسَمُ جَبْرًا وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي الْمُطَوَّلَاتِ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَبِقَوْلِ زُفَرَ نَأْخُذُ وَهُوَ الْقِيَاسُ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي السَّعْدِيَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إنْ خَرَجَ إلَخْ) هَذَا الشَّرْطُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ حَتَّى فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: وَبِأَلْفٍ إلَخْ) لَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ مِنْ الدَّيْنِ شَيْئًا لِأَنَّ الْأَلْفَ مَالٌ وَالدَّيْنُ لَيْسَ بِمَالٍ فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دَيْنٌ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّا نَقُولُ الدَّيْنُ يُسَمَّى مَالًا بَعْدَ خُرُوجِهِ، وَثُبُوتُ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ مُمْكِنٌ كَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْقِصَاصِ، وَإِذَا انْقَلَبَ مَالًا يَثْبُتُ فِيهِ حَقُّهُ لِأَنَّهُ مَالُ الْمَيِّتِ، وَمَسْأَلَةُ الْيَمِينِ عَلَى الْعُرْفِ، مِعْرَاجٌ مُلَخَّصًا. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ يَدْخُلُ الدَّيْنُ أَيْضًا وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ وَرَجَّحَهُ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَتَوَقَّفَ فِيهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: مِنْ جِنْسِ الْأَلْفِ) كَذَا فِي الدُّرَرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فَائِدَتَهُ مُنَاسَبَةُ قَوْلِهِ: وَكُلَّمَا خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ دُفِعَ إلَيْهِ إذْ لَوْ كَانَ دَنَانِيرَ لَا تُدْفَعُ إلَيْهِ تَأَمَّلْ، وَقَدَّمَ فِي الْمِنَحِ عَنْ السِّرَاجِ إذَا أَوْصَى بِدَرَاهِمَ مُرْسَلَةٍ ثُمَّ مَاتَ تُعْطَى لِلْمُوصَى لَهُ لَوْ حَاضِرَةً وَإِلَّا تُبَاعُ الشَّرِكَةُ وَيُعْطَى مِنْهَا تِلْكَ الدَّرَاهِمَ اهـ (قَوْلُهُ: وَعَيْنٌ) قَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْعَيْنُ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ دُونَ التِّبْرِ وَالْحُلِيِّ وَالْعُرُوضِ وَالثِّيَابِ، وَالدَّيْنُ كُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ وَاجِبًا فِي الذِّمَّةِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حِنْطَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَمَامُهُ فِي الطُّورِيِّ (قَوْلُهُ: فَإِنْ خَرَجَ الْأَلْفُ إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ نَقْدًا فَيُدْفَعُ إلَيْهِ الْأَلْفُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِأَنْ كَانَ النَّقْدُ أَيْضًا أَلْفًا دُفِعَ مِنْهُ إلَيْهِ ثُلُثُهُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا يَخْرُجْ فَثُلُثُ الْعَيْنِ إلَخْ) أَيْ وَلَا يُدْفَعُ لَهُ الْأَلْفُ مِنْ الْعَيْنِ، لِأَنَّ التَّرِكَةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْعَيْنُ خَيْرٌ مِنْ الدَّيْنِ، فَلَوْ اخْتَصَّ بِهِ أَحَدُهُمَا تَضَرَّرَ الْآخَرُ اخْتِيَارٌ أَيْ لِاحْتِمَالِ هَلَاكِ الدَّيْنِ عِنْدَ الْمَدْيُونِ. (قَوْلُهُ: لِزَيْدٍ كُلُّهُ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُوصِي بِمَوْتِهِ لَهُ نِصْفُ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ لَهُ إلَّا بِهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ الْمَعْدُومَ) فَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ وَلِمَنْ كَانَ فِي هَذَا الْبَيْتِ وَلَا أَحَدَ فِيهِ كَانَ الثُّلُثُ لِزَيْدٍ، لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَا يَسْتَحِقُّ مَالًا وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ، وَلِأَنَّ الْعَقِبَ مَنْ يَعْقُبُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَكُونُ مَعْدُومًا فِي الْحَالِ دُرَرٌ وُلِلشُّرُنْبُلَالِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ لِلْعَقِبِ كَلَامٌ يَأْتِي مَا فِيهِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الْمُوصَى لَهُمَا (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْمُوصِي) أَمَّا بَعْدَهُ فَالْوَرَثَةُ تَقُومُ مَقَامَهُ فَالْمُزَاحَمَةُ مَوْجُودَةٌ (قَوْلُهُ وَفُرُوعُهُ كَثِيرَةٌ) مِنْهَا لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَعَبْدِ اللَّهِ إنْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ كَانَ لِفُلَانٍ نِصْفُ الثُّلُثِ، لِأَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 672 (وَأَصْلُهُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَتَى دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ ثُمَّ خَرَجَ لِفَقْدِ شَرْطٍ لَا يُوجِبُ الزِّيَادَةَ فِي حَقِّ الْآخَرِ، وَمَتَى لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوَصِيَّةِ لِفَقْدِ الْأَهْلِيَّةِ كَانَ الْكُلُّ لِلْآخَرِ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَقِيلَ الْعِبْرَةُ لِوَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي) وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ الدُّرَرِ تَبَعًا لِلْكَافِي حَيْثُ قَالَ: أَوْ لَهُ وَلِوَلَدِ بَكْرٍ فَمَاتَ وَلَدُهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي إلَى آخِرِهِ لَكِنَّ قَوْلَ الزَّيْلَعِيِّ فِيمَا مَرَّ أَمَّا إذَا خَرَجَ الْمُزَاحِمُ بَعْدَ صِحَّةِ الْإِيجَابِ إلَخْ صَرِيحٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْإِيجَابِ وَقِيلَ فِيهِ رِوَايَتَانِ. (وَلَوْ قَالَ بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَهُوَ مَيِّتٌ لِزَيْدٍ نِصْفُهُ) لِأَنَّ كَلِمَةَ بَيْنَ تُوجِبُ التَّنْصِيفَ حَتَّى لَوْ قَالَ ثُلُثُهُ بَيْنَ زَيْدٍ وَسَكَتَ فَلَهُ نِصْفُهُ أَيْضًا (وَبِثُلُثِهِ وَهُوَ) أَيْ الْمُوصِي (فَقِيرٌ) وَقْتَ وَصِيَّتِهِ (لَهُ ثُلُثُ مَالِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ) سَوَاءٌ (اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ أَوْ قَبْلَهَا) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ (إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُوصَى بِهِ عَيْنًا أَوْ نَوْعًا مُعَيَّنًا،   [رد المحتار] بُطْلَانَ اسْتِحْقَاقِهِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ لَا يُوجِبُ الزِّيَادَةَ فِي حَقِّ الْآخَرِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ خَرَجَ لِفَقْدِ شَرْطٍ) أَيْ أَوْ لِزَوَالِ أَهْلِيَّةٍ كَمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْمُوصِي (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) أَيْ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ مَتْنًا وَشَرْحًا (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْعِبْرَةُ) أَيْ فِي صِحَّةِ الْإِيجَابِ (قَوْلُهُ: أَوْ لَهُ) أَيْ لِزَيْدٍ (قَوْلُهُ إلَى آخِرِهِ) تَمَامُهُ أَوْ لَهُ وَلِفُقَرَاءِ وَلَدِهِ أَوْ لِمَنْ افْتَقَرَ مِنْ وَلَدِهِ، وَفَاتَ شَرْطُهُ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِزَيْدٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، لِأَنَّ الْمَعْدُومَ أَوْ الْمَيِّتَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَلَا تَثْبُتُ الْمُزَاحَمَةُ لِزَيْدٍ فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَلِجِدَارٍ اهـ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ قَوْلَ الزَّيْلَعِيِّ فِيمَا مَرَّ) أَيْ فِي عِبَارَةِ الْمَتْنِ وَلَا مَحَلَّ لِلِاسْتِدْرَاكِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَقِيلَ إلَخْ فَإِنَّهُ مَسُوقٌ لِبَيَانِ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ: أَخْذًا مِنْ إشَارَةِ الدُّرَرِ وَالْكَافِي مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ مُخَالَفَتِهِ لِمَا قَدَّمَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ. بَيَانُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ الْفَصْلِ السَّادِسِ: أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، تُعْتَبَرُ صِحَّةُ الْإِيجَابِ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، وَمَتَى كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ تُعْتَبَرُ صِحَّةُ الْإِيجَابِ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَوْ قَالَ: ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَلِوَلَدِ بَكْرٍ فَمَاتَ وَلَدُهُ قَبْلَ الْمُوصِي فَلِفُلَانٍ كُلُّ الثُّلُثِ، وَإِنْ وُلِدَ لِبَكْرٍ عَشَرَةُ أَوْلَادٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي، فَالثُّلُثُ بَيْنَ فُلَانٍ وَبَيْنَ الْأَوْلَادِ عَلَى عَدَدِهِمْ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا، اعْتِبَارًا لِيَوْمِ مَوْتِ الْمُوصِي، لِأَنَّ الْوَلَدَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ وَالْأَكْثَرَ، وَكَذَا إذَا أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ وَلَيْسَ لَهُ ابْنٌ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ حَدَثَ لَهُ بَنُونَ وَمَاتَ الْمُوصِي، فَالثُّلُثُ لَهُمْ وَإِنْ كَانَ لَهُ بَنُونَ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، وَلَمْ يُسَمِّهِمْ وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِمْ فَالثُّلُثُ لِلْمَوْجُودِينَ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ كَانُوا غَيْرَ الْمَوْجُودِينَ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ وَإِنْ سَمَّاهُمْ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِمْ فَالْوَصِيَّةُ لَهُمْ حَتَّى لَوْ مَاتُوا بَطَلَتْ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ مُعَيَّنٌ فَتُعْتَبَرُ صِحَّةُ الْإِيجَابِ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ اهـ مُلَخَّصًا. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الدُّرَرِ مِنْ اعْتِبَارِ يَوْمِ الْمَوْتِ لِصِحَّةِ الْإِيجَابِ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِ الْمُوصَى لَهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَدِ بَكْرٍ أَوْ فُقَرَاءِ وَلَدِهِ أَوْ مَنْ افْتَقَرَ غَيْرُ مُعَيِّنٍ إذْ لَا تَسْمِيَةَ، وَلَا إشَارَةَ وَإِذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ يَوْمَ الْمَوْتِ فِي ذَلِكَ وَفَاتَ الشَّرْطُ عِنْدَهُ بِأَنْ كَانَ الْوَلَدُ مَيِّتًا أَوْ غَنِيًّا فَقَدْ خَرَجَ الْمُزَاحِمُ مِنْ الْأَصْلِ، فَلِذَا كَانَ جَمِيعُ الثُّلُثِ لِزَيْدٍ، وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ لَيْسَ صَرِيحًا فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْإِيجَابِ مُطْلَقًا لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْمُعَيَّنِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كَلِمَةَ بَيْنَ تُوجِبُ التَّنْصِيفَ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إذَا دَخَلَتْ عَلَى مُفْرَدَيْنِ كَمَا هُنَا أَمَّا لَوْ دَخَلَتْ عَلَى ثَلَاثَةٍ كَقَوْلِهِ بَيْنَ زَيْدٍ وَعُمَرَ وَبَكْرٍ فَإِنَّهَا تُوجِبُ الْقِسْمَةَ عَلَى عَدَدِهِمْ تَأَمَّلْ، وَعَلَى هَذَا فَإِذَا قَالَ بَيْنَ زَيْدٍ، وَسَكَتَ فَإِنَّهَا تُنَصَّفُ، لِأَنَّ أَقَلَّ الشَّرِكَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَلَا نِهَايَةَ لِمَا فَوْقَهُمَا. وَأَمَّا إذَا دَخَلَتْ عَلَى جَمْعَيْنِ فَفِي الْمِعْرَاجِ لَوْ قَالَ: بَيْنَ بَنِي زَيْدٍ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا بَنُونَ، فَكُلُّ الثُّلُثِ لِبَنِي الْآخَرِ لِأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ الثُّلُثِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ بَنِي زَيْدٍ حَتَّى لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ، فَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ الْمُزَاحَمَةُ كَانَ كُلُّ الثُّلُثِ بَيْنَهُمْ، وَقَوْلُهُ بَيْنَ بَنِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ كَمَا مَرَّ اهـ أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَكْرَارِ بَيْنَ وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ فَقِيرٌ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِيَتَأَتَّى الْإِطْلَاقُ الْآتِي ط (قَوْلُهُ: لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ إلَخْ) أَيْ عَقْدُ تَمْلِيكٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 673 أَمَّا إذَا أَوْصَى بِعَيْنٍ أَوْ نَوْعٍ مِنْ مَالِهِ كَثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ بَطَلَتْ) لِتَعَلُّقِهَا بِالْعَيْنِ فَبَطَلَ بِفَوَاتِهَا (وَإِنْ اكْتَسَبَ غَيْرَهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنْمٌ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ فَاسْتَفَادَهَا) أَيْ الْغَنَمَ (ثُمَّ مَاتَ صَحَّتْ) فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ تَعَلُّقَهَا بِالنَّوْعِ كَتَعَلُّقِهَا بِالْمَالِ (وَلَوْ قَالَ: لَهُ شَاةٌ مِنْ مَالِي وَلَيْسَ لَهُ غَنْمٌ. يُعْطَى قِيمَةَ الشَّاةِ بِخِلَافِ) قَوْلِهِ (لَهُ شَاةٌ مِنْ غَنَمِي وَلَا غَنْمَ لَهُ) يَعْنِي لَا شَاةَ لَهُ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ وَكَذَا لَوْ لَمْ يُضِفْهَا لِمَالِهِ وَلَا غَنْمَ لَهُ، وَقِيلَ تَصِحُّ (وَكَذَا) الْحُكْمُ (فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ كَالْبَقَرِ وَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِمَا) زَيْلَعِيٌّ (وَبِثُلُثِهِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَهُنَّ ثَلَاثَةٌ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَهُنَّ) أَيْ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مِنْ خَمْسَةٍ (وَسَهْمٌ لِلْفُقَرَاءِ وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ) وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْسَمُ أَسْبَاعًا لِأَنَّ لَفْظَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ. قُلْنَا: (أَلْ) الْجِنْسِيَّةُ تُبْطِلُ الْجَمْعِيَّةَ (بِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ وَلِلْمَسَاكِينِ لِزَيْدٍ نِصْفُهُ) وَلَهُمْ نِصْفُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَثْلَاثًا كَمَا مَرَّ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ قُسِّمَ أَثْلَاثًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَنْصَافًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَأَخْمَاسًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ اخْتِيَارٍ.   [رد المحتار] بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ الْقَبُولُ وَالرَّدُّ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا أَوْصَى إلَخْ) . حَاصِلُهُ: أَنَّ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ التَّفْصِيلِ إنَّمَا هُوَ شَائِعٌ فِي كُلِّ الْمَالِ لَيْسَ عَيْنًا، وَلَا نَوْعًا وَأَمَّا غَيْرُهُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ فَإِنْ كَانَ عَيْنًا كَثُلُثِ غَنَمِي وَلَهُ غَنْمٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَوْجُودُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ بِالْإِضَافَةِ الْعَهْدِيَّةِ، لِأَنَّهَا تَأْتِي لِمَا تَأْتِي لَهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ، وَإِنْ كَانَ نَوْعًا كَثُلُثِ غَنَمِي، وَلَا غَنَمَ لَهُ فَهُوَ كَالشَّائِعِ فِي كُلِّ الْمَالِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْنًا، حَتَّى تَتَقَيَّدَ بِهِ الْوَصِيَّةُ لِعَدَمِ الْعَهْدِيَّةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ غَنَمٌ) أَوْ كَانَ وَهَلَكَ مِعْرَاجٌ وَإِنْ كَانَ فِي مَالِهِ شَاةٌ يُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ بَيْنَ دَفْعِهَا أَوْ دَفْعِ قِيمَتِهَا نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ يُعْطَى قِيمَةَ الشَّاةِ) أَيْ شَاةٍ وَسَطٍ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ قَوْلِهِ إلَخْ) الْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْأُولَى: لَمَّا أَضَافَ الشَّاةَ إلَى الْمَالِ عَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَهُ الْوَصِيَّةُ بِمَالِيَّةِ الشَّاةِ، وَمَالِيَّتُهَا تُوجَدُ فِي مُطْلَقِ الْمَالِ، وَفِي الثَّانِيَةِ: لَمَّا أَضَافَهَا إلَى الْغَنَمِ عَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَيْنُ الشَّاةِ، حَيْثُ جَعَلَهَا جُزْءًا مِنْ الْغَنَمِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: يَعْنِي لَا شَاةَ لَهُ) تَبِعَ ابْنَ الْكَمَالِ حَيْثُ عَبَّرَ بِهِ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ: إنَّمَا قَالَ وَلَا شَاةَ لَهُ، وَلَمْ يَقُلْ وَلَا غَنَمَ لَهُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، لِأَنَّ الشَّاةَ فَرْدٌ مِنْ الْغَنَمِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَاةٌ لَا يَكُونُ لَهُ غَنَمٌ بِدُونِ الْعَكْسِ، وَالشَّرْطُ عَدَمُ الْجِنْسِ لَا عَدَمُ الْجَمْعِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ الْفَرْدُ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ اهـ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ: تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا بِوُجُودِ شَاةٍ اهـ. أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمُوصِيَ قَالَ شَاةٌ مِنْ غَنَمِي بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَمَنْ لَا شَاةَ لَهُ أَصْلًا أَوْ لَهُ شَاةٌ وَاحِدَةٌ يَكُونُ لَا غَنَمَ لَهُ فَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الصُّورَتَيْنِ إذْ لَمْ يُوجَدْ الْجَمْعُ فِيهِمَا، فَظَهَرَ أَنَّ شَرْطَ الْبُطْلَانِ عَدَمُ الْجَمْعِ لَا عَدَمُ الْجِنْسِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ أَشْمَلُ لِدَلَالَتِهَا عَلَى بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ فِي الصُّورَتَيْنِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ لَمْ يُضِفْهَا لِمَالِهِ) جَزَمَ بِهِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَالْمِنَحِ، قَالُوا قِيلَ لَا تَصِحُّ، لِأَنَّ الْمُصَحِّحَ إضَافَتُهَا إلَى الْمَالِ، وَبِدُونِهَا تُعْتَبَرُ صُورَةً لِلشَّاةِ وَمَعْنَاهَا وَقِيلَ تَصِحُّ، لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الشَّاةَ وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ شَاةٌ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الْمَالِيَّةُ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ) أَيْ فِي الْمِيرَاثِ، وَالْوَصِيَّةُ أُخْتُهُ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ: تَبْطُلُ الْجَمْعِيَّةُ) حَتَّى لَوْ أَتَى بِهِ مُنَكَّرًا قُلْنَا كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ زَيْلَعِيٌّ. [تَنْبِيهٌ] هَذِهِ الْوَصِيَّةُ تَكُونُ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ اللَّاتِي يَعْتِقْنَ بِمَوْتِهِ أَوْ اللَّاتِي عَتَقْنَ فِي حَيَاتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُنَّ فَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهُمَا، فَالْوَصِيَّةُ لِلَّاتِي يَعْتِقْنَ بِمَوْتِهِ، لِأَنَّ الِاسْمَ لَهُنَّ فِي الْعُرْفِ وَاَللَّاتِي عَتَقْنَ فِي حَيَاتِهِ مَوَالٍ لَا أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ، وَإِنَّمَا تُصْرَفُ إلَيْهِنَّ الْوَصِيَّةُ عِنْدَ عَدَمِ أُولَئِكَ لِعَدَمِ مَنْ يَكُونُ أَوْلَى مِنْهُنَّ بِهَذَا الِاسْمِ وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ: وَأَنْصَافًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ صِنْفٌ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُنْبِئُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 674 (وَلَوْ أَوْصَى لِلْمَسَاكِينٍ كَانَ لَهُ صَرْفُهُ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ لِاثْنَيْنِ عَلَى مَا مَرَّ، فَلَا يَجُوزُ صَرْفُ مَا لِلْمَسَاكِينِ لِأَقَلَّ مِنْ اثْنَيْنِ عِنْدَهُ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يُشِرْ لِمَسَاكِينَ، فَلَوْ أَشَارَ إلَى جَمَاعَةٍ وَقَالَ: ثُلُثُ مَالِي لِهَذِهِ الْمَسَاكِينِ لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ لِوَاحِدٍ اتِّفَاقًا وَلَوْ أَوْصَى لِفُقَرَاءَ بَلَخ فَأَعْطَى غَيْرَهُمْ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى خُلَاصَةٌ وشُرُنْبُلالِيَّة (وَبِمِائَةٍ لِرَجُلٍ وَبِمِائَةٍ لِآخَرَ فَقَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا لَهُ ثُلُثُ كُلِّ مِائَةٍ) لِتَسَاوِي نَصِيبِهِمَا فَأَمْكَنَتْ الْمُسَاوَاةُ فَلِكُلٍّ ثُلُثَا الْمِائَةِ (وَ) لَوْ (بِأَرْبَعِمِائَةٍ) مَثَلًا (لَهُ وَبِمِائَتَيْنِ لِآخَرَ فَقَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا لَهُ نِصْفُ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا) لِتَفَاوُتِ نَصِيبِهِمَا فَيُسَاوِي كُلًّا مِنْهُمَا (وَبِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك أَوْ أَدْخَلْتُك مَعَهُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا) لِمَا ذَكَرْنَا (وَإِنْ قَالَ لِوَرَثَتِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ فَصَدِّقُوهُ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ) وُجُوبًا (إلَى الثُّلُثِ) اسْتِحْسَانًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ (كُلُّ مَنْ ادَّعَى عَلَيَّ شَيْئًا فَأَعْطُوهُ) لِأَنَّهُ خِلَافُ الشَّرْعِ (إلَّا أَنْ يَقُولَ إنْ رَأَى الْوَصِيُّ أَنْ يُعْطِيَهُ فَيَجُوزُ مِنْ الثُّلُثِ) وَيَصِيرُ وَصِيَّةً وَلَوْ قَالَ مَا ادَّعَى فُلَانٌ مِنْ مَالِي فَهُوَ صَادِقٌ فَإِنْ سَبَقَ مِنْهُ دَعْوَى فِي شَيْءٍ مَعْلُومٍ فَهُوَ لَهُ وَإِلَّا لَا مُجْتَبًى (فَإِنْ أَوْصَى بِوَصَايَا مَعَ ذَلِكَ) أَيْ مَعَ قَوْلِهِ لِوَرَثَتِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ فَصَدِّقُوهُ (عُزِلَ الثُّلُثُ لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا وَالثُّلُثَانِ لِلْوَرَثَةِ وَقِيلَ لِكُلٍّ) مِنْ أَصْحَابِ الْوَصَايَا وَالْوَرَثَةِ (صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ وَمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ فَلِلْوَصَايَا) وَالدَّيْنُ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى الْحَقَّيْنِ إلَّا أَنَّهُ مَجْهُولٌ وَطَرِيقُ تَعَيُّنِهِ -   [رد المحتار] عَنْ الْحَاجَةِ اخْتِيَارٌ، لَكِنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ كَقَوْلِ الْإِمَامِ فَيُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ هُنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ اعْتِبَارِ أَقَلِّ الْجَمْعِ (قَوْلُهُ: جَازَ) لَكِنَّ الْأَفْضَلَ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ: لِتَسَاوِي نَصِيبِهِمَا) لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لِلْمُسَاوَاةِ لُغَةً وَلِهَذَا حُمِلَ قَوْله تَعَالَى - {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12]- عَلَى الْمُسَاوَاةِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: لِتَفَاوُتِ نَصِيبِهِمَا) فَلَا تُمْكِنُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْكُلِّ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى مُسَاوَاةِ الثَّالِثِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا سَمَّاهُ لَهُ فَيَأْخُذُ النِّصْفَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ وَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِأَمَةٍ وَلِبَكْرٍ بِأُخْرَى، ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا، فَإِنْ تَفَاوَتَا قِيمَةً فَلَهُ نِصْفُ كُلٍّ إجْمَاعًا وَكَذَا إنْ تَسَاوَيَا عِنْدَهُ وَثُلُثُ كُلٍّ عِنْدَهُمَا بِنَاءً عَلَى قِسْمَةِ الرَّقِيقِ وَعَدَمِهَا زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ إمْكَانِ الْمُسَاوَاةِ ط (قَوْلُهُ: فَصَدِّقُوهُ) فِعْلُ أَمْرٍ (قَوْلُهُ: اسْتِحْسَانًا) وَفِي الْقِيَاسِ: لَا يُصَدَّقُ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَجْهُولِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَلَكِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِهِ إلَّا بِالْبَيَانِ وَقَوْلُهُ: فَصَدِّقُوهُ صَدَرَ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ، لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ أَصْلَ الْحَقِّ دَيْنٌ وَمِقْدَارُهُ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ اهـ ح (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ خِلَافُ الشَّرْعِ) تَعْلِيلٌ لِمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ: بِخِلَافٍ مِنْ أَنَّهُ بَاطِلٌ ط، وَلَا يَأْتِي وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ هُنَا لِجَهَالَةِ الْمُوصَى لَهُ (قَوْلُهُ: وَيَصِيرُ وَصِيَّةً) لِأَنَّهُ فَوَّضَهُ إلَى رَأْيِ الْمُوصِي، أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ الْمُفَوَّضَةَ تَصِحُّ وَإِنْ جَهِلَ صَاحِبُهَا، وَقَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ سَبَقَ مِنْهُ دَعْوَى) أَيْ فِي حَيَاةِ الْمُقِرِّ ط (قَوْلُهُ: فَهُوَ لَهُ) وَيَكُونُ إقْرَارًا مِنْهُ بِمَا ادَّعَاهُ ط: أَيْ فَيَكُونُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَأَمَّا قَوْلُ ح: إنَّهُ مِنْ الثُّلُثِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدَّعْوَى بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلِذَا قَالَ ط: وَتَأْوِيلُ ادَّعَى بِيَدَّعِي خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ مِنْ اللَّفْظِ بِخِلَافِ الْأُولَى، فَإِنَّهُ قَدْ أَثْبَتَ عَلَيْهِ دَيْنًا وَفَوَّضَ تَقْدِيرَهُ إلَى الْوَرَثَةِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ لَا شَيْءَ لَهُ وَهَذَا التَّفْصِيلُ لِأَبِي اللَّيْثِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا رِوَايَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَفَادَهُ فِي الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ: عُزِلَ الثُّلُثُ إلَخْ) لِأَنَّ الْوَصَايَا حُقُوقٌ مَعْلُومَةٌ فِي الثُّلُثِ وَالْمِيرَاثُ مَعْلُومٌ فِي الثُّلُثَيْنِ وَهَذَا لَيْسَ بِدَيْنٍ مَعْلُومٍ، وَلَا وَصِيَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَلَا يُزَاحِمُ الْمَعْلُومَ فَقَدَّمْنَا عَزْلَ الْمَعْلُومِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ فَلِلْوَصَايَا) اقْتِصَارُهُ فِي الْمَتْنِ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ مُوفٍ بِالْمُرَادِ، فَكَانَ عَلَيْهِ ذِكْرُ التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: فَيُؤْخَذُ إلَخْ كَمَا فَعَلَ فِي الْمُنْتَقَى وَالدُّرَرِ وَالْإِصْلَاحِ (قَوْلُهُ وَالدَّيْنُ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ: هُوَ أَنَّ هَذَا إقْرَارٌ بِدَيْنٍ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ، وَحَقِّ أَصْحَابِ الْوَصَايَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 675 مَا ذَكَرَ فَيُؤْخَذُ الْوَرَثَةُ بِثُلُثَيْ مَا أَقَرُّوا بِهِ وَالْمُوصَى لَهُمْ بِثُلُثِ مَا أَقَرُّوا بِهِ وَمَا بَقِيَ فَلَهُمْ وَيَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى الْعِلْمِ لَوْ ادَّعَى الزِّيَادَةَ. قُلْت: بَقِيَ لَوْ كَانَتْ الْوَصَايَا دُونَ الثُّلُثِ هَلْ يُعْزَلُ الثُّلُثُ كُلُّهُ أَمْ بِقَدْرِ الْوَصَايَا؟ لَمْ أَرَهُ وَبَقِيَ أَيْضًا هَلْ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ يُرَاجَعُ. ابْنُ الْكَمَالِ بِهِ (وَلِأَجْنَبِيٍّ وَوَارِثِهِ أَوْ قَاتِلِهِ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ وَبَطَلَ وَصِيَّتُهُ   [رد المحتار] فَلِمَ قَدَّمَ الْعَزْلَ لَهُمَا عَلَيْهِ؟ (قَوْلُهُ: مَا ذَكَرَ) أَيْ مِنْ تَصْدِيقِ الْفَرِيقَيْنِ (قَوْلُهُ فَيُؤْخَذُ الْوَرَثَةُ بِثُلُثَيْ مَا أَقَرُّوا بِهِ إلَخْ) لِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ كُلُّ فَرِيقٍ بِسَهْمٍ ظَهَرَ أَنَّ فِي التَّرِكَةِ دَيْنًا شَائِعًا فِي النَّصِيبَيْنِ، فَيُؤْخَذُ الدَّيْنُ مِنْهُمْ بِحِسَابِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ التَّرِكَةِ عَيْنِيٌّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَمَا بَقِيَ فَلَهُمْ) أَيْ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ فَلِأَصْحَابِ الْوَصَايَا، وَمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ، فَلِلْوَرَثَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ الْمُوصِي لَهُمْ الدَّيْنُ مِائَةٌ يُعْطَى الْمُقَرُّ لَهُ ثُلُثَهَا مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلَهُمْ، وَإِنْ قَالَ الْوَرَثَةُ: الدَّيْنُ ثَلَاثُمِائَةٍ يُعْطَى الْمُقَرُّ لَهُ مِائَتَيْنِ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلَهُمْ، وَإِلَّا فَلَا أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: عَلَى الْعِلْمِ) أَيْ بِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ اهـ أَيْ عَلَى مَا جَرَى بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمَيِّتِ لَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ (قَوْلُهُ: قُلْت بَقِيَ إلَخْ) مَنْشَأُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ عُزِلَ الثُّلُثُ لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْوَصَايَا اسْتَغْرَقَتْ الثُّلُثَ، وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ، وَابْنُ الْكَمَالِ كَمَا يَأْتِي فِي الْإِشْكَالِ، فَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ حُكْمُ مَا إذَا كَانَتْ دُونَهُ، نَعَمْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَعْزِلُ بِقَدْرِهَا بَقِيَ إذَا عَزَلَ مِنْهُ بِقَدْرِ الْوَصَايَا فَقَطْ وَقِيلَ: لِكُلٍّ مِنْ أَصْحَابِهَا وَالْوَرَثَةِ صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ، فَكَمْ يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ وَذَكَرَ ط أَنَّ قِيَاسَ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ أَنْ يُنْظَرَ إلَى مَا فِي يَدِ كُلٍّ فَيَكُونُ مَا صَدَّقُوهُ فِيهِ لَازِمًا عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ اهـ. قُلْت: وَبَقِيَ أَيْضًا أَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَصْحَابِ الْوَصَايَا هَلْ يَرْجِعُونَ بِهِ فِي ثُلُثِ التَّرِكَةِ تَكْمِيلًا لِوَصَايَاهُمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا أَخَذَهُ الْمُقَرُّ لَهُ دَيْنٌ ثَبَتَ شَائِعًا فِي التَّرِكَةِ بَعْدَ إقْرَارِ الْفَرِيقَيْنِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْعَيْنِيِّ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ مَا يُكْمِلُ وَصَايَاهُمْ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ لِأَنَّ الْوَصَايَا قَدْ اسْتَغْرَقَتْ الثُّلُثَ فِيهَا أَمْ لَا يَرْجِعُونَ بِهِ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْمُقَرُّ لَهُ وَصِيَّةٌ فِي حَقِّهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَتْقَانِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ لَمْ أَرَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَبَقِيَ أَيْضًا هَلْ يَلْزَمُهُمْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَيْفَ يَلْزَمُهُمْ وَهُوَ اسْتِشْكَالٌ لِإِلْزَامِ الْوَرَثَةِ بِتَصْدِيقِهِ بَعْدَ عَزْلِهِمْ الثُّلُثَ لِلْوَصَايَا، وَقَوْلُهُ يُرَاجَعُ ابْنُ الْكَمَالِ بِهِ إنَّمَا قَالَ بِهِ أَيْ بِسَبَبِ مَا تَوَقَّفَ فِيهِ الشَّارِحُ، لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، لَكِنْ يُفْهَمُ مِنْهُ جَوَابُ مَا تَوَقَّفَ فِيهِ الشَّارِحُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فَافْهَمْ، وَعِبَارَةُ ابْنِ الْكَمَالِ: قِيلَ هَذَا مُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَرَثَةَ كَانُوا يُصَدِّقُونَهُ إلَى الثُّلُثِ وَلَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَهُنَا أَلْزَمَهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، لِأَنَّ أَصْحَابَ الْوَصَايَا أَخَذُوا الثُّلُثَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الْوَصَايَا تَسْتَغْرِقُ الثُّلُثَ كُلَّهُ وَلَمْ يَبْقَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُمْ تَصْدِيقُهُ اهـ. وَقَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَرَثَةَ كَانُوا إلَخْ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا لَمْ يُوصِ بِوَصَايَا مَعَ الْإِقْرَارِ، وَقَوْلُهُ: وَهُنَا أَيْ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِوَصَايَا مَعَ ذَلِكَ، وَأَصْلُ الْإِشْكَالِ لِلْإِمَامِ الزَّيْلَعِيِّ. وَأَجَابَ عَنْهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ: بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ لَهُ شَبَهَانِ شَبَهُ الْوَصِيَّةِ لِخُرُوجِهَا مَخْرَجَهَا وَشَبَهُ الدَّيْنِ لِتَسْمِيَتِهِ إيَّاهُ دَيْنًا فَهُوَ دَيْنٌ فِي الصُّورَةِ وَوَصِيَّةٌ فِي الْمَعْنَى فَرُوعِيَ شَبَهُ الْوَصِيَّةِ حِينَ لَا وَصِيَّةَ، وَرُوعِيَ شَبَهُ الدَّيْنِ حِينَ وُجُودِ الْوَصِيَّةِ، لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَيْهِ مَعَهَا دَلِيلُ الْمُغَايَرَةِ فَصُدِّقَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مَعَ مُرَاعَاةِ جَانِبِ الْوَرَثَةِ، وَالْمُوصَى لَهُ حَيْثُ عَلَّقَ بِمَشِيئَتِهِمْ تَعْوِيلًا عَلَى عِلْمِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَاجْتِهَادِهِمْ فِي تَخْلِيصِ ذِمَّةِ مُوَرِّثِهِمْ اهـ وَأَجَابَ الْعَلَّامَةُ قَاضِي زَادَهْ بِجَوَابٍ رَدَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَأَجَابَ عَنْ الْإِشْكَالِ بِجَوَابٍ آخَرَ قَرِيبٍ مِنْ جَوَابِ الْمَقْدِسِيَّ فَرَاجِعْهُمَا مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 676 لِلْوَارِثِ وَالْقَاتِلِ) لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا مَرَّ، وَلِذَا تَصِحُّ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ (بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ لِوَارِثِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ) حَيْثُ (لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِعَقْدٍ سَابِقٍ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا لَغَا بَعْضُهُ لَغَا بَاقِيهِ ضَرُورَةً قِيلَ هَذَا إذَا تَصَادَقَا فَإِنْ أَنْكَرَ أَحَدُهُمَا شَرِكَةَ الْآخَرِ صَحَّ إقْرَارُهُ فِي حِصَّةِ الْأَجْنَبِيِّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا تَبْطُلُ فِي الْكُلِّ لِمَا قُلْنَا زَيْلَعِيٌّ. (وَلَوْ) أَوْصَى (بِثِيَابٍ مُتَفَاوِتَةٍ) جَيِّدٍ وَوَسَطٍ وَرَدِيءٍ (لِثَلَاثَةِ) أَنْفُسٍ لِكُلٍّ مِنْهُمْ بِثَوْبٍ (فَضَاعَ) مِنْهَا (ثَوْبٌ وَلَمْ يَدْرِ) أَيْ هُوَ (وَالْوَارِثُ يَقُولُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ هَلَكَ حَقُّك بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ لِجَهَالَةِ الْمُسْتَحِقِّ كَوَصِيَّةٍ لِأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ (إلَّا أَنْ يَتَسَامَحُوا وَيُسَلِّمُوا مَا بَقِيَ مِنْهُمَا) فَتَعُودَ صَحِيحَةً لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ الْجُحُودُ فَتُقْسَمُ (لِذِي الْجَيِّدِ ثُلُثَاهُ وَلِذِي الرَّدِيءِ ثُلُثَاهُ وَلِذِي الْوَسَطِ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِأَنَّ التَّسْوِيَةَ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَلَوْ أَوْصَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ (بِبَيْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ وَقُسِمَ وَوَقَعَ فِي حَظِّهِ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ وَإِلَّا) يَقَعُ فِي حَظِّهِ (فَلَهُ مِثْلُ ذَرْعِهِ) صَرَّحَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُ بِوُجُوبِ الْقِسْمَةِ فَلَوْ قَالَ قُسِمَ فَإِنْ وَقَعَ إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى.   [رد المحتار] حَاشِيَةِ ح (قَوْلُهُ: عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الْأَصْلِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِعَقْدٍ سَابِقٍ بَيْنَهُمَا إلَخْ) لَمْ أَرَ مَنْ عَلَّلَ بِذَلِكَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَقْتَضِي سَبْقَ عَقْدٍ بَيْنَ الْمُقِرِّ وَالْمُقَرِّ لَهُ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي سَبْقَ الْمِلْكِ لَلْمُقَرِّ لَهُ، وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ مَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ، حَيْثُ قَالَ: وَالْفَرْقُ أَيْ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ، فَلَوْ صَحَّ إقْرَارُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ ثَبَتَ الْمُخْبَرُ بِهِ، وَهُوَ الدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُشْتَرَكٍ فَثَبَتَ كَذَلِكَ فَمَا مِنْ شَيْءٍ يَأْخُذُهُ الْأَجْنَبِيُّ إلَّا وَلِلْوَارِثِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ فِيهِ، فَيَصِيرُ إقْرَارًا لِلْوَارِثِ، أَمَّا الْوَصِيَّةُ فَتَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ لَهُمَا فَبُطْلَانُ التَّمْلِيكِ لِأَحَدِهِمَا لَا يُبْطِلُ التَّمْلِيكَ لِلْآخَرِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ: لِثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ إلَخْ) بِأَنْ قَالَ لِزَيْدٍ الْجَيِّدُ، وَلِعَمْرٍو الْوَسَطُ، وَلِبَكْرٍ الرَّدِيءُ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَضَاعَ مِنْهَا ثَوْبٌ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ط عَنْ الشَّلَبِيِّ (قَوْلُهُ: وَالْوَارِثُ يَقُولُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ هَلَكَ حَقُّك) أَيْ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْهَالِكَ هُوَ حَقُّك فَفِي التَّعْبِيرِ مُسَامَحَةٌ وَإِلَّا فَهَلَاكُ حَقِّ كُلٍّ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا لَوْ ضَاعَتْ الثَّلَاثَةُ، وَإِلَّا فَهُوَ كَذِبٌ، وَالْأَوْلَى فِي التَّعْبِيرِ مَا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِجُحُودِ الْوَارِثِ أَنْ يَقُولَ: حَقُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بَطَلَ، وَلَا أَدْرِي مَنْ بَطَلَ حَقُّهُ وَمَنْ بَقِيَ فَلَا نُسَلِّمُ إلَيْكُمْ شَيْئًا أَفَادَهُ الطُّورِيُّ (قَوْلُهُ: كَوَصِيَّةٍ إلَخْ) الْبُطْلَانُ فِيهَا قَوْلُ الْإِمَامِ كَمَا يَأْتِي قُبَيْلَ وَصَايَا الذِّمِّيِّ (قَوْلُهُ: وَيُسَلِّمُوا) أَيْ الْوَرَثَةُ وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ ط (قَوْلُهُ: لِزَوَالِ الْمَانِعِ) أَيْ الْمَانِعِ مِنْ التَّسْلِيمِ لَا الصِّحَّةِ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْهَا الْجَهَالَةُ وَهِيَ بَاقِيَةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْجُحُودُ) أَيْ جُحُودُ الْوَرَثَةِ بَقَاءَ حَقِّ كُلٍّ (قَوْلُهُ: فَتُقْسَمُ لِذِي الْجَيِّدِ إلَخْ) أَيْ الْجَيِّدِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَقَوْلُهُ ثُلُثَاهُ أَيْ ثُلُثَا الْجَيِّدِ مِنْ الثَّوْبَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ، فَفِيهِ شَبَهُ اسْتِخْدَامٍ وَكَذَا فِيمَا بَعْدَهُ أَفَادَهُ ط. وَوَجْهُ هَذِهِ الْقِسْمَةِ أَنَّ ذَا الْوَسَطِ حَقُّهُ فِي الْجَيِّدِ مِنْ الْبَاقِينَ إنْ كَانَ الْهَالِكُ أَرْفَعَ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ أَرْدَأَ مِنْهُمَا فَحَقُّهُ فِي الرَّدِيءِ مِنْهُمَا فَتَعَلَّقَ حَقُّهُ مَرَّةً بِهَذَا وَمَرَّةً بِالْآخَرِ؛ وَإِنْ كَانَ الْهَالِكُ هُوَ الْوَسَطَ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِمَا، فَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَاقِينَ فِي حَالٍ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ فِي حَالَيْنِ فَيَأْخُذُ ثُلُثَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَذُو الْجَيِّدِ يَدَّعِي الْجَيِّدَ مِنْهُمَا لَا الرَّدِيءَ؛ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ قَطْعًا، وَذُو الرَّدِيءِ يَدَّعِي الرَّدِيءَ لَا الْجَيِّدَ فَيُسَلَّمُ ثُلُثُ الْجَيِّدِ لِذِي الْجَيِّدِ وَثُلُثَا الرَّدِيءِ لِذِي الرَّدِيءِ اهـ مِنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الْخَانِيِّ (قَوْلُهُ: وَقَسَمَ) أَيْ بَيْنَ الْحَيِّ وَوَرَثَةِ الْمَيِّتِ قَاضِي خَانْ وَالْأَصْوَبُ أَنْ يَقُولَ، وَقُسِمَتْ كَمَا عَبَّرَ ابْنُ الْكَمَالِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الضَّمِيرَ لِلدَّارِ (قَوْلُهُ: وَوَقَعَ) أَيْ الْبَيْتُ فِي حَظِّ أَيْ حَظِّ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ) أَيْ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصْفُهُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ فَلَهُ مِثْلُ ذَرْعِ نِصْفِ الْبَيْتِ، وَدَلِيلُ كُلٍّ مَعَ بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ بَسَطَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَحَقَّقَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَسَعْدِيٌّ (قَوْلُهُ: لَكَانَ أَوْلَى) لِأَنَّ الْإِخْبَارَ فِي كَلَامِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 677 (وَالْإِقْرَارُ بِبَيْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ مِثْلُهَا) أَيْ مِثْلِ الْوَصِيَّةِ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (وَبِأَلْفٍ عُيِّنَ) أَيْ مُعَيَّنٍ بِأَنْ كَانَ وَدِيعَةً عِنْدَ الْمُوصِي (مِنْ مَالِ آخَرَ فَأَجَازَ رَبُّ الْمَالِ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَدَفَعَهُ) إلَيْهِ (صَحَّ وَلَهُ الْمَنْعُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ) لِأَنَّ إجَازَتَهُ تَبَرُّعٌ فَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ التَّسْلِيمِ وَأَمَّا بَعْدَ الدَّفْعِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ شَرْحُ تَكْمِلَةٍ (بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ لِقَاتِلِهِ أَوْ لِوَارِثِهِ فَأَجَازَتْهَا الْوَرَثَةُ) حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُمْ الْمَنْعُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ بَلْ يُجْبَرُوا عَلَى التَّسْلِيمِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُجَازَ لَهُ يَتَمَلَّكُهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ قِبَلِ الْمُجِيزِ. (وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِوَصِيَّةِ أَبِيهِ) بِالثُّلُثِ (صَحَّ) إقْرَارُهُ (فِي ثُلُثِ نَصِيبِهِ) لَا نِصْفُهُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِثُلُثٍ شَائِعٍ فِي كُلِّ التَّرِكَةِ وَهِيَ مَعَهُمَا فَيَكُونُ مُقِرًّا بِثُلُثِ مَا مَعَهُ وَبِثُلُثِ مَا مَعَ أَخِيهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ عَلَى أَبِيهِمَا حَيْثُ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ لِتَقَدُّمِ الدَّيْنِ عَلَى الْمِيرَاثِ (وَبِأَمَةٍ فَوَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلَدًا وَكِلَاهُمَا يَخْرُجَانِ مِنْ الثُّلُثِ فَهُمَا لِلْمُوصَى لَهُ وَإِلَّا) يَخْرُجَا (أُخِذَ الثُّلُثُ مِنْهَا ثُمَّ مِنْهُ) لِأَنَّ التَّبَعَ لَا يُزَاحِمُ الْأَصْلَ وَقَالَا: يَأْخُذُ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ   [رد المحتار] الْفُقَهَاءِ لِلْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: وَالْإِقْرَارُ) لَوْ قَالَ كَالْإِقْرَارِ وَحَذَفَ قَوْلَهُ: مِثْلُهَا كَمَا عَبَّرَ فِي الدُّرَرِ وَالْإِصْلَاحِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْأَصَحَّ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْكَافِي أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وِفَاقِيَّةٌ، فَنَاسَبَ أَنْ تُشَبِّهَ بِهَا الْخِلَافِيَّةَ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ لَا بِالْعَكْسِ (قَوْلُهُ: وَبِأَلْفٍ عُيِّنَ) بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْت بِهَذَا الْأَلْفِ لِفُلَانٍ، وَالتَّقْيِيدُ بِكَوْنِهِ وَدِيعَةً لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ مِنْ مَالِ آخَرَ: أَيْ رَجُلٍ آخَرَ صِفَةُ أَلْفٍ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْأَلْفَ بِأَنْ قَالَ: أَوْصَيْت بِأَلْفٍ مِنْ مَالِ زَيْدٍ لَمْ تَصِحَّ أَصْلًا وَإِنْ أَجَازَ زَيْدٌ وَدَفَعَ وَلْيُحَرَّرْ نَقْلًا (قَوْلُهُ: وَدَفَعَهُ إلَيْهِ) أَيْ دَفَعَ الْأَلْفَ إلَى الْمُوصَى لَهُ، لِأَنَّ إجَازَتَهُ تَبَرُّعٌ أَيْ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ وَالْهِبَةُ لَا تَتِمُّ بِدُونِ تَسْلِيمٍ فَإِنْ دَفَعَ تَمَّتْ الْهِبَةُ وَإِلَّا فَلَا شَرْحُ الْجَامِعِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: فَلَا رُجُوعَ لَهُ) لَعَلَّهُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ هِبَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا أَفَادَهُ مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا، لِأَنَّ عَقْدَ الْوَصِيَّةِ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ؛ إذْ لَوْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ يَنْفُذْ بِهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَوْصَى لَهُ بِعَبْدِ فُلَانٍ ثُمَّ مَلَكَهُ تَبْقَى الْوَصِيَّةُ اهـ لَكِنْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهَا لَا تَبْقَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بَلْ يُجْبَرُوا) صَوَابُهُ يُجْبَرُونَ (قَوْلُهُ: لِمَا تَقَرَّرَ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْفَرْقِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ هُنَا فِي مَخْرَجِهَا صَحِيحَةٌ لِمُصَادَفَتِهَا مِلْكَ نَفْسِهِ، وَالتَّوَقُّفُ كَانَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ فَإِذَا أَجَازُوا سَقَطَ حَقُّهُمْ فَنَفَذَ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي دُرَرٌ (قَوْلُهُ: يَتَمَلَّكُهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي عِنْدَنَا) فَيُجْبَرُ الْوَارِثُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا فِي مَرَضِهِ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الْعِتْقَ فَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمَيِّتِ وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ مُتَزَوِّجًا بِجَارِيَةِ الْمُوَرِّثِ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا فَأَوْصَى بِهَا لِغَيْرِهِ فَأَجَازَ الْوَارِثُ وَهُوَ الزَّوْجُ الْوَصِيَّةَ لَا يَبْطُلُ نِكَاحُهُ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ أَوَّلَ الْوَصَايَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ) وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْبَنِينَ الثَّلَاثَةِ أَوْ الْأَرْبَعَةِ يَصِحُّ فِي ثُلُثِ نَصِيبِهِ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْقِسْمَةِ) مَفْهُومُهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ قَبْلَهَا لَا يَصِحُّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: صَحَّ إقْرَارُهُ إلَخْ) هَذَا إذَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِثُلُثٍ لِرَجُلٍ آخَرَ، فَلَوْ قَامَتْ فَلَا شَيْءَ لِهَذَا عَلَى الْمُقِرِّ وَبَطَلَ الْإِقْرَارُ كَمَا نَقَلَهُ الطُّورِيُّ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ: اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ) يَعْنِي: إنْ وَفَّى مَا وَرِثَهُ بِهِ وَلَوْ شَهِدَ فِي هَذَا الْمُقِرُّ مَعَ آخَرَ أَنَّ الدَّيْنَ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ قُبِلَتْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ، قُبَيْلَ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ: لِتَقَدُّمِ الدَّيْنِ عَلَى الْمِيرَاثِ) فَيَكُونُ مُقِرًّا بِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ فَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا إلَّا إذَا سُلِّمَ لِلْوَارِثِ ضِعْفُهُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: وَبِأَمَةٍ) أَيْ وَلَوْ أَوْصَى بِأَمَةٍ (قَوْلُهُ: فَهُمَا لِلْمُوصَى لَهُ) لِأَنَّ الْأُمَّ دَخَلَتْ أَصَالَةً، وَالْوَلَدَ تَبَعًا حِينَ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَالَا يَأْخُذُ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ) فَإِذَا كَانَ لَهُ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَأَمَةٌ تُسَاوِي ثَلَاثَمِائَةٍ، فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي ثَلَاثَمِائَةٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلِلْمُوصَى لَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 678 هَذَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَقَبُولِ الْمُوصَى لَهُ فَلَوْ بَعْدَهُمَا فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَكَذَا لَوْ بَعْدَ الْقَبُولِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَلَوْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصَى فَلِلْوَرَثَةِ وَالْكَسْبُ كَالْوَلَدِ فِيمَا ذَكَرَ. بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ. بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ (يُعْتَبَرُ حَالُ الْعَقْدِ فِي تَصَرُّفِ مُنَجِّزٍ) هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ حُكْمَهُ فِي الْحَالِ (فَإِنْ كَانَ فِي الصِّحَّةِ فَمِنْ كُلِّ مَالِهِ وَإِلَّا فَمِنْ ثُلُثِهِ) وَالْمُرَادُ التَّصَرُّفُ الَّذِي هُوَ إنْشَاءٌ وَيَكُونُ فِيهِ مَعْنَى التَّبَرُّعِ حَتَّى إنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ فِي الْمَرَضِ يَنْفُذُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ وَالنِّكَاحُ فِيهِ يَنْفُذُ بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ كُلِّ الْمَالِ (وَالْمُضَافُ إلَى مَوْتِهِ) وَهُوَ مَا أَوْجَبَ حُكْمَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ هَذَا لِزَيْدٍ بَعْدَ مَوْتِي (مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ كَانَ فِي الصِّحَّةِ) وَمَرِضَ صَحَّ مِنْهُ كَالصِّحَّةِ. وَالْمُقْعَدُ وَالْمَفْلُوجُ وَالْمَسْلُولُ إذَا تَطَاوَلَ وَلَمْ يُقْعِدْهُ فِي الْفِرَاشِ كَالصَّحِيحِ مُجْتَبًى. ثُمَّ رَمْزُ حَدِّ التَّطَاوُلِ سَنَةٌ وَفِي الْمَرَضِ الْمُعْتَبَرِ الْمُبِيحُ لِصَلَاتِهِ قَاعِدًا (إعْتَاقُهُ وَمُحَابَاتُهُ   [رد المحتار] الْأُمُّ وَثُلُثُ الْوَلَدِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَهُ ثُلُثَا كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ دُخُولُ الْحَمْلِ فِي الْوَصِيَّةِ تَبَعًا مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ) وَمَشَايِخُنَا قَالُوا: يَصِيرُ مُوصًى بِهِ حَتَّى يُعْتَبَرَ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا إذَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْقَبُولِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْكَسْبُ كَالْوَلَدِ فِيمَا ذُكِرَ) قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: وَالزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ مِنْ الْمُوصَى لَهُ كَالْغَلَّةِ وَالْكَسْبِ وَالْأَرْشِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، قَبْلَ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ، هَلْ يَصِيرُ مُوصًى بِهِ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُوصًى بِهَا حَتَّى كَانَتْ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا لَوْ حَدَثَتْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَقَالَ مَشَايِخُنَا يَصِيرُ مُوصًى بِهِ حَتَّى يُعْتَبَرَ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ اهـ ط وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. [بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ] ِ هُوَ مِنْ أَنْوَاعِ الْوَصِيَّةِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ لَهُ أَحْكَامٌ مَخْصُوصَةٌ أَفْرَدَهُ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ، وَأَخَّرَهُ عَنْ صَرِيحِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الصَّرِيحَ هُوَ الْأَصْلُ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ: مُنَجَّزٍ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمُضَافِ الْآتِي بَيَانُهُ فَالْعِبْرَةُ فِيهِ لِحَالِ الْإِضَافَةِ (قَوْلُهُ: فِي الْحَالِ) أَيْ حَالِ صُدُورِهِ ط (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَمِنْ ثُلُثِهِ) اسْتَثْنَى فِي الْأَشْبَاهِ التَّبَرُّعَ بِالْمَنَافِعِ، كَسُكْنَى الدَّارِ قَالَ فَإِنَّهُ نَافِذٌ مِنْ كُلِّ الْمَالِ، وَتَمَامُهُ فِيهَا وَفِي حَوَاشِيهَا (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ) أَيْ مِنْ التَّصَرُّفِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: حَتَّى إنَّ الْإِقْرَارَ إلَخْ) أَيْ لِغَيْرِ الْوَارِثِ وَهُوَ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: إنْشَاءٌ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ (قَوْلُهُ: وَالنِّكَاحُ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ فِيهِ مَعْنَى التَّبَرُّعِ، فَإِنَّ النِّكَاحَ بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا تَبَرُّعَ فِيهِ لِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ حَالَ الدُّخُولِ، وَقِيمَتُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَإِنْ قُوبِلَ بِهِ كَانَ مُعَارَضَةً لَا تَبَرُّعًا، وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ مُحَابَاةٌ وَهِيَ مِنْ قَبِيلِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا إنْشَاءٌ فِيهِ مَعْنَى التَّبَرُّعِ وَكَذَا بَدَلُ الْخُلْعِ، لِأَنَّ الْبُضْعَ حَالَ الْخُرُوجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ، فَمَا جُعِلَ فِي مُقَابَلَتِهِ تَبَرُّعٌ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ فِي الصِّحَّةِ) إنْ وَصْلِيَّةٌ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ الْمُضَافَ إلَى الْمَوْتِ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ حَالَةُ الْمَوْتِ كَمَا فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ: وَمَرَضٌ صَحَّ مِنْهُ كَالصِّحَّةِ) كَذَا ذُكِرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ كَالْمُلْتَقَى وَالْإِصْلَاحِ وَغَيْرِهِمَا، وَالْأَوْلَى ذِكْرُهَا قَبْلَ قَوْلِهِ " وَالْمُضَافُ " لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ تَأَمَّلْ،. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: فَلَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ صَارَتْ بَاطِلَةً لِأَنَّهُ ظَهَرَ بِالصِّحَّةِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ حَقُّ أَحَدٍ، وَهَذَا إذَا قَيَّدَ بِالْمَرَضِ بِأَنْ قَالَ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا. وَأَمَّا إذَا أَطْلَقَ ثُمَّ صَحَّ فَبَاقِيَةٌ، وَإِنْ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ سِنِينَ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ اهـ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَرَضِ الْمُعْتَبَرِ) بِجَرِّ الْمُعْتَبَرِ صِفَةٌ لِلْمَرَضِ: أَيْ الْمُعْتَبَرِ لِنُفُوذِ التَّصَرُّفِ الْإِنْشَائِيِّ مِنْ الثُّلُثِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَالْحَدُّ فِي الْمَرَضِ الْمُعْتَبَرِ هُوَ الْمُبِيحُ لِصَلَاتِهِ قَاعِدًا، وَقَدْ قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا أَوَّلَ كِتَابِ الْوَصَايَا بِأَبْسَطَ مِمَّا هُنَا ط (قَوْلُهُ: وَمُحَابَاتُهُ) أَيْ فِي الْإِجَارَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 679 وَهِبَتُهُ وَوَقْفُهُ وَضَمَانُهُ) كُلُّ ذَلِكَ حُكْمُهُ (كَ) حُكْمِ (وَصِيَّةٍ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ) كَمَا قَدَّمْنَا فِي الْوَقْفِ أَنَّ وَقْفَ الْمَرِيضِ الْمَدْيُونِ بِمُحِيطٍ بَاطِلٌ. فَلْيُحْفَظْ وَلْيُحَرَّرْ (وَيُزَاحِمُ أَصْحَابَ الْوَصَايَا فِي الضَّرْبِ وَلَمْ يَسْعَ الْعَبْدُ -   [رد المحتار] وَالِاسْتِئْجَارِ وَالْمَهْرِ وَالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، بِأَنْ بَاعَ مَرِيضٌ مَثَلًا مِنْ أَجْنَبِيٍّ مَا يُسَاوِي مِائَةً بِخَمْسِينَ كَمَا فِي النُّتَفِ قُهُسْتَانِيٌّ أَيْ: أَوْ يَشْتَرِي مَا يُسَاوِي خَمْسِينَ بِمِائَةٍ، فَالزَّائِدُ عَلَى قِيمَةِ الْمِثْلِ فِي الشِّرَاءِ وَالنَّاقِصُ فِي الْبَيْعِ مُحَابَاةٌ: أَيْ مُسَامَحَةٌ، مِنْ حَبَوْته حِبَاءً كَكِتَابٍ: أَعْطَيْته الشَّيْءَ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ اهـ ط عَنْ الْمِصْبَاحِ، وَقَيَّدَ الْمُحَابَاةَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِمَا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ. قُلْت: وَفِي آخِرِ إجَارَاتِ الْوَهْبَانِيَّةِ: وَإِيجَارُ ذِي ضَعْفٍ مِنْ الْكُلِّ جَائِزٌ ... وَلَوْ أَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ مِنْ ذَاكَ أَكْثَرُ قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ: صُورَتُهَا مَرِيضٌ آجَرَ دَارِهِ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ قَالُوا: جَازَتْ الْإِجَارَةُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ، وَلَا تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعَارَهَا، وَهُوَ مَرِيضٌ جَازَتْ فَالْإِجَارَةُ بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ أَوْلَى: قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَالَفَتْ الْقَاعِدَةَ، فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمَنَافِعَ تَجْرِي مَجْرَى الْأَعْيَانِ، وَفِي الْبَيْعِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ اعْتِبَارًا لِلْفَرْعِ بِالْأَصْلِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ عَقْدٌ لَازِمٌ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَالِ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ، وَالْإِجَارَةُ تَتَعَلَّقُ بِالنَّفَقَةِ وَتَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّعَلُّقُ بَعْدَهُ اهـ فَتَنَبَّهْ وَلَعَلَّهُمَا رِوَايَتَانِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي الْفُرُوعِ آخِرَ الْوَصَايَا (قَوْلُهُ: وَهِبَتِهِ) أَيْ إذَا اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ قَبْلَ مَوْتِهِ، أَمَّا إذَا مَاتَ وَلَمْ يَقْبِضْ فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ هِبَةَ الْمَرِيضِ هِبَةٌ حَقِيقِيَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةً حُكْمًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ اهـ ط عَنْ الْمَكِّيِّ (قَوْلُهُ: وَضَمَانُهُ) هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْكَفَالَةِ، فَإِنَّ مِنْهُ مَا لَا يَكُونُ كَفَالَةً بِأَنْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ خَالِعْ امْرَأَتَك عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ أَوْ قَالَ بِعْ عَبْدَك هَذَا عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَكِنْ بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ الثَّمَنِ سِوَى الْأَلْفِ فَإِنَّ بَدَلَ الْخُلْعِ يَكُونُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لَا عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْخَمْسِمِائَةِ عَلَى الضَّامِنِ دُونَ الْمُشْتَرِي عِنَايَةٌ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَكَفَالَتُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فِي وَجْهٍ كَدَيْنِ الصِّحَّةِ بِأَنْ كَفَلَ فِي الصِّحَّةِ مُعَلِّقًا بِسَبَبٍ وَوُجِدَ السَّبَبُ فِي الْمَرَضِ بِأَنْ قَالَ مَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ فَعَلَيَّ. وَفِي وَجْهٍ كَدَيْنِ الْمَرَضِ بِأَنْ أَخْبَرَ فِي الْمَرَضِ بِأَنِّي كَفَلْت فُلَانًا فِي الصِّحَّةِ لَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ وَالْمَكْفُولُ لَهُ مَعَ غُرَمَاءِ الْمَرَضِ، وَفِي الْأَوَّلِ مَعَ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ، وَفِي وَجْهٍ كَسَائِرِ الْوَصَايَا بِأَنْ أَنْشَأَ الْكَفَالَةَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ اهـ (قَوْلُهُ: حُكْمُهُ كَحُكْمِ وَصِيَّةٍ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِبَارُ مِنْ الثُّلُثِ لَا حَقِيقَةُ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مُنَجَّزَةٌ فِي الْحَالِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلْيُحَرَّرْ) تَحْرِيرُهُ أَنَّهُ لَا يُنَافِي مَا هُنَا لِأَنَّ الْمُسْتَغْرَقَ بِالدَّيْنِ لَا ثُلُثَ لَهُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيُزَاحِمُ أَصْحَابَ الْوَصَايَا فِي الضَّرْبِ) أَيْ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ وَالْمُحَابَى. وَالْمَوْهُوبُ لَهُ وَالْمَضْمُونُ لَهُ يُضْرَبُ فِي الثُّلُثِ مَعَ أَصْحَابِ الْوَصَايَا، فَإِنْ وَفَى الثُّلُثُ بِالْجَمِيعِ، وَإِلَّا تَحَاصَصُوا فِيهِ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْقِسْمَةِ قَدْرُ مَا لِكُلٍّ مِنْ الثُّلُثِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي اهـ، ط أَقُولُ: وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الأتقاني: وَالْمُرَادُ مِنْ ضَرْبِهِمْ بِالثُّلُثِ مَعَ أَصْحَابِ الْوَصَايَا أَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ الثُّلُثَ لَا غَيْرُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يُسَاوُونَ أَصْحَابَ الْوَصَايَا فِي الثُّلُثِ وَيُحَاصِصُونَهُمْ لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُنْفَذَ فِي الْمَرَضِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ فِي الثُّلُثِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ قَالَ هُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ فَإِنَّهُ كَسَائِرِ الْوَصَايَا اهـ مُلَخَّصًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 680 إنْ أُجِيزَ) عِتْقُهُ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَحِقَهُمْ فَيَسْقُطُ بِالْإِجَازَةِ (فَإِنْ حَابَى فَحَرَّرَ) وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا (فَهِيَ) أَيْ الْمُحَابَاةُ (أَحَقُّ وَبِعَكْسِهِ) بِأَنْ حَرَّرَ فَحَابَى (اسْتَوَيَا) وَقَالَا: عِتْقُهُ أَوْلَى فِيهِمَا (وَوَصِيَّتُهُ بِأَنْ يَعْتِقَ عَنْهُ بِهَذِهِ الْمِائَةِ عَبْدٌ لَا تَنْفُذُ) الْوَصِيَّةُ (بِمَا بَقِيَ إنْ هَلَكَ دِرْهَمٌ) لِأَنَّ الْقُرْبَةَ تَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ قِيمَةِ الْعَبْدِ (بِخِلَافِ الْحَجِّ) وَقَالَا: هُمَا سَوَاءٌ. (وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِعِتْقِ عَبْدِهِ) بِأَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُعْتِقَ الْوَرَثَةُ عَبْدَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ (إنْ جَنَى بَعْدَ مَوْتِهِ فَدُفِعَ) بِالْجِنَايَةِ كَمَا لَوْ بِيعَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِالدَّيْنِ (وَإِنْ فَدَى) الْوَرَثَةُ الْعَبْدَ (لَا) تَبْطُلُ وَكَانَ الْفِدَاءُ فِي أَمْوَالِهِمْ بِالْتِزَامِهِمْ (وَ) لَوْ أَوْصَى (بِثُلُثِهِ) أَيْ ثُلُثِ مَالِهِ (لِبَكْرٍ وَتَرَكَ عَبْدًا) فَأَقَرَّ كُلٌّ مِنْ الْوَارِثِ وَبَكْرٍ أَنَّ الْمَيِّتَ أَعْتَقَ هَذَا الْعَبْدَ (فَادَّعَى بَكْرٌ عِتْقَهُ فِي الصِّحَّةِ) لِيَنْفُذَ مِنْ كُلِّ الْمَالِ (وَ) ادَّعَى (الْوَارِثُ) عِتْقَهُ (فِي الْمَرَضِ) لِيَنْفُذَ مِنْ الثُّلُثِ وَيُقَدَّمَ عَلَى بَكْرٍ (فَالْقَوْلُ لِلْوَارِثِ مَعَ الْيَمِينِ) لِأَنَّهُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ بَكْرٍ (وَلَا شَيْءَ لِزَيْدٍ) كَذَا فِي نُسَخِ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ. قُلْت: صَوَابُهُ لِبَكْرٍ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْقَوْمَ مَثَّلُوا بِزَيْدٍ فَغَيَّرَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا وَنَسَبَهُ ثَانِيًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -   [رد المحتار] قُلْت: وَكَالْعِتْقِ الْمُنْفَذِ الْمُحَابَاةُ الْمُنَجَّزَةُ كَمَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِذَا اجْتَمَعَ الْوَصَايَا وَيَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ: وَإِنْ أُجِيزَ عِتْقُهُ) أَيْ إذَا ضَاقَ الثُّلُثُ، وَلَوْ كَانَتْ الْإِجَازَةُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْوَصَايَا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَنْعَ) أَيْ مِنْ تَنْفِيذِهِ مِنْ كُلِّ الْمَالِ وَالْأَوْلَى لِأَنَّ السَّعْيَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَابَى فَحَرِّرْ إلَخْ) صُورَةُ الْأُولَى: بَاعَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَتَانِ بِمِائَةٍ ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا يُصْرَفُ الثُّلُثُ إلَى الْمُحَابَاةِ وَيَسْعَى الْمُعْتَقُ فِي كُلِّ قِيمَتِهِ. وَصُورَةُ الْعَكْسِ: أَعْتَقَ الَّذِي قِيمَتُهُ مِائَةٌ ثُمَّ بَاعَ الَّذِي قِيمَتُهُ مِائَتَانِ بِمِائَةٍ يُقْسَمُ الثُّلُثُ، وَهُوَ الْمِائَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَالْمُعْتَقُ يَعْتِقُ نِصْفُهُ مَجَّانًا، وَيَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ، وَصَاحِبُ الْمُحَابَاةِ يَأْخُذُ الْعَبْدَ الْآخَرَ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ ابْنُ كَمَالٍ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْوَصَايَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ فِي الثُّلُثِ لَا يُقَدَّمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ، إلَّا الْعِتْقَ الْمُوقَعَ فِي الْمَرَضِ، وَالْعِتْقُ الْمُعَلَّقُ بِالْمَوْتِ كَالتَّدْبِيرِ الصَّحِيحِ سَوَاءٌ كَانَ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا، وَالْمُحَابَاةُ فِي الْمَرَضِ وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ: وَقَالَا عِتْقُهُ أَوْلَى فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ. وَلَهُ أَنَّ الْمُحَابَاةَ أَقْوَى لِأَنَّهَا فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، لَكِنْ إنْ وُجِدَ الْعِتْقُ أَوَّلًا وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الدَّفْعَ يُزَاحِمُ الْمُحَابَاةَ ابْنُ كَمَالٍ. وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَالْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ. وَقَالَا: هُمَا سَوَاءٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ سَبْقُ قَلَمِ، وَالصَّوَابُ مَا هُنَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّلَبِيُّ (قَوْلُهُ: بِهَذِهِ الْمِائَةِ) أَيْ الْمُعَيَّنَةِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ حَتَّى يُتَصَوَّرَ هَلَاكُ بَعْضِهَا. فَلَوْ قَالَ بِمِائَةٍ وَزَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ تَبْطُلُ أَيْضًا كَمَا مَرَّ مَتْنًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقُرْبَةَ تَتَفَاوَتُ إلَخْ) لَا يَظْهَرُ بِهَذَا التَّعْلِيلِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْحَجِّ، فَالْمُنَاسِبُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: وَلَهُ أَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالْعِتْقِ بِعَبْدٍ يُشْتَرَى بِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ، وَتَنْفِيذُهَا فِيمَنْ يُشْتَرَى بِأَقَلَّ مِنْهُ تَنْفِيذٌ فِي غَيْرِ الْمُوصَى بِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ هِيَ حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - وَالْمُسْتَحِقُّ لَمْ يَسْتَبْدِلْ، وَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةٍ فَهَلَكَ بَعْضُهَا يَدْفَعُ إلَيْهِ الْبَاقِيَ اهـ (قَوْلُهُ: وَإِنْ فَدَى لَا) فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الدَّفْعُ وَالْفِدَاءُ وَأَعْتَقَهُ الْوَصِيُّ، فَإِنْ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ لَزِمَهُ تَمَامُ الْأَرْشِ، وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ، وَلَا يَرْجِعُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِعِتْقِ عَبْدٍ غَيْرِ جَانٍ فَقَدْ خَالَفَ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ إلَخْ) مَعْنَاهُ تَرَكَ عَبْدًا وَمَالًا وَوَارِثًا، وَالْعَبْدُ مِقْدَارُ ثُلُثِ مَالِهِ وَبِهِ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ: لِيَنْفُذَ مِنْ كُلِّ الْمَالِ) فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: لَمْ يَقَعْ الْعِتْقُ وَصِيَّةً، وَوَصِيَّتِي بِثُلُثِ مَالِهِ صَحِيحَةٌ فِيمَا وَرَاءَ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ: وَيُقَدَّمُ عَلَى بَكْرٍ) لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي الْمَرَضِ وَقَعَ وَصِيَّةً، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ ثُلُثُ الْمَالِ فَلَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ شَيْءٌ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعِتْقِ مُقَدَّمَةٌ بِالِاتِّفَاقِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ لِزَيْدٍ) لِمَا عَلِمْته مِنْ تَقْدِيمِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 681 (إلَّا أَنْ يَفْضُلَ مِنْ ثُلُثِهِ شَيْءٌ) مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ (أَوْ تَقُومَ حُجَّةٌ عَلَى دَعْوَاهُ فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ خَصْمٌ) لِأَنَّهُ يُثْبِتُ حَقَّهُ وَكَذَا الْعَبْدُ. (وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ وَ) ادَّعَى (الْعَبْدُ عِتْقًا فِي الصِّحَّةِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَصَدَّقَهُمَا الْوَارِثُ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ وَتُدْفَعُ إلَى الْغَرِيمِ) وَقَالَا: يَعْتِقُ وَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ تَرَكَ ابْنًا وَأَلْفَ دِرْهَمٍ فَادَّعَاهَا رَجُلٌ دَيْنًا وَآخَرُ وَدِيعَةً وَصَدَّقَهُمَا الِابْنُ فَالْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عِنْدَهُ. وَقَالَا: الْوَدِيعَةُ أَقْوَى. قُلْت: وَعَكْسٌ فِي الْهِدَايَةِ فَقَالَ: عِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ أَقْوَى، وَعِنْدَهُمَا سَوَاءٌ، وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرْنَا كَمَا فِي الْكَافِي وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فَلْيُحْفَظْ. بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ (جَارُهُ مَنْ لَصِقَ بِهِ) وَقَالَا: مَنْ يَسْكُنُ فِي مَحَلَّتِهِ وَيَجْمَعُهُمْ مَسْجِدُ الْمَحَلَّةِ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ:   [رد المحتار] الْعِتْقِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَرَّ وَيُزَاحِمُ أَصْحَابَ الْوَصَايَا فَقَدْ عَلِمْت الْمُرَادَ مِنْهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَفْضُلَ إلَخْ) أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ ثُلُثُ الْمَالِ زَائِدًا عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ فَتَنْفُذَ الْوَصِيَّةُ لِزَيْدٍ فِيمَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ: مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ) كَذَا عَبَّرَ الزَّيْلَعِيُّ. وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ: عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ وَهِيَ أَوْلَى، وَإِنْ أَمْكَنَ جَعْلُ مِنْ بِمَعْنَى عَلَى كَمَا قَالَ الْأَخْفَشُ وَالْكُوفِيُّونَ فِي قَوْله تَعَالَى - {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 77]- أَفَادَهُ ط عَنْ الْمَكِّيِّ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ خَصْمٌ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ إشْكَالٍ، وَهُوَ أَنَّ الدَّعْوَى فِي الْعِتْقِ شَرْطٌ لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَهُ، وَكَيْفَ تَصِحُّ إقَامَتُهَا مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ؟ فَقَالَ: هُوَ خَصْمٌ فِي إثْبَاتِ حَقِّهِ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى إقَامَتِهَا عَلَى حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ لِيَفْرُغَ الثُّلُثُ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِحَقِّ الْغَيْرِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْعَبْدُ) أَيْ خَصْمٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْعِتْقَ حَقُّهُ. أَقُولُ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ خَصْمٌ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ مُقِرٌّ بِعِتْقِهِ هُنَا أَوْ فِيمَا إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى الثُّلُثِ فَهُوَ خَصْمٌ فِي إثْبَاتِ عِتْقِهِ فِي الصِّحَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَالَا: يَعْتِقُ وَلَا يَسْعَى إلَخْ) لِأَنَّ الدَّيْنَ وَالْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ ظَهَرَا مَعًا بِتَصْدِيقِ الْوَارِثِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ فَكَأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا وَالْعِتْقُ فِي الصِّحَّةِ لَا يُوجِبُ السِّعَايَةَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُعْتِقِ دَيْنٌ. وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ أَوْلَى مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْعِتْقِ؛ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ فِي الْمَرَضِ بِالدَّيْنِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَبِالْعِتْقِ مِنْ الثُّلُثِ، وَالْأَقْوَى يَدْفَعُ الْأَدْنَى إلَّا أَنَّهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْبُطْلَانَ فَيُدْفَعُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ) كَذَا عَبَّرَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّعْبِيرُ بِهِ ظَاهِرٌ عَلَى مَا قَرَّرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ ذِكْرِ الْخِلَافِ الْآتِي وَالشَّارِحُ لَمْ يُتَابِعْهُ بَلْ مَشَى عَلَى عَكْسِهِ، فَالْخِلَافُ هُنَا حِينَئِذٍ عَكْسُ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَكَانَ عَلَيْهِ ذِكْرُ الْمَسْأَلَةِ مُبْتَدَأَةً بِدُونِ ذَلِكَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: نِصْفَانِ) لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ لَمْ تَظْهَرْ إلَّا مَعَ الدَّيْنِ فَيَسْتَوِيَانِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَالَا: الْوَدِيعَةُ أَقْوَى) لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي عَيْنِ الْأَلْفِ، وَالدَّيْنُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ أَوَّلًا ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْعَيْنِ فَكَانَتْ الْوَدِيعَةُ أَسْبَقَ وَصَاحِبُهَا أَحَقَّ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرْنَا) وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ عِنَايَةٌ. [بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ] ْ أَيْ مِنْ الْأَهْلِ وَالْأَصْهَارِ وَالْأَخْتَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ؛ لِأَنَّهُ فِي أَحْكَامِ الْوَصِيَّةِ الْمَخْصُوصِينَ وَفِيمَا نُقَدِّمُهُ ذَكَرَ أَحْكَامَهَا عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ، وَالْخُصُوصُ يَتْلُو الْعُمُومَ أَبَدًا مِنَحٌ (قَوْلُهُ: جَارُهُ مَنْ لَصِقَ بِهِ) لَمَّا كَانَ لِكُلٍّ مِنْ الْأَقَارِبِ وَالْجِيرَانِ خُصُوصِيَّةٌ تَسْتَدْعِي الِاهْتِمَامَ نَبَّهَ عَلَى أَهَمِّيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ حَيْثُ قَدَّمَ الْأَقَارِبَ فِي التَّرْجَمَةِ وَالْجِيرَانَ هُنَا سَعْدِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ) وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْإِمَامِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَصَرَّحَ بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 682 الْجَارُ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. (وَصِهْرُهُ كُلُّ ذِي رَحِمِ مُحَرَّمٍ مِنْ عُرْسِهِ) كَآبَائِهَا وَأَعْمَامِهَا وَأَخْوَالِهَا وَأَخَوَاتِهَا وَغَيْرِهِمْ (بِشَرْطِ مَوْتِهِ وَهِيَ مَنْكُوحَتُهُ أَوْ مُعْتَدَّتُهُ مِنْ رَجْعِيٍّ) فَلَوْ مِنْ بَائِنٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا وَإِنْ وَرِثَتْ مِنْهُ. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: هَذَا فِي عُرْفِهِمْ، أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَيَخْتَصُّ بِأَبَوَيْهَا عِنَايَةٌ وَغَيْرُهَا، وَأَقَرَّهُ الْقُهُسْتَانِيُّ. قُلْت: لَكِنْ جَزَمَ فِي الْبُرْهَانِ وَغَيْرِهِ بِالْأَوَّلِ وَأَقَرَّهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْعَيْنِيِّ أَنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ بِنْتَ الْحَارِثِ صَوَابُهُ جَوَيْرِيَةَ قُلْت: فَلْتُحْفَظْ هَذِهِ الْفَائِدَةَ. (وَخَتَنُهُ زَوْجُ كُلِّ ذِي) كَذَا النُّسَخُ قُلْت الْمُوَافِقُ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ ذَاتِ (رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ كَأَزْوَاجِ بَنَاتِهِ وَعَمَّاتِهِ   [رد المحتار] الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ فَهُوَ مِمَّا رُجِّحَ فِيهِ الْقِيَاسُ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ. [تَنْبِيهٌ] يَسْتَوِي فِي الْجَارِ سَاكِنٌ وَمَالِكٌ وَذَكَرٌ وَأُنْثَى وَمُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ وَصَغِيرٌ وَكَبِيرٌ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ عِنْدَهُ. وَقَالَا تِلْكَ وَصِيَّةٌ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ غَيْرُ جَارٍ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ وَلَا تَدْخُلُ مَنْ لَهَا بَعْلٌ لِتَبَعِيَّتِهَا فَلَمْ تَكُنْ جَارًا حَقِيقَةً مَقْدِسِيٌّ، وَقَوْلُهُ: وَمَالِكٌ: يَعْنِي إذَا كَانَ سَاكِنًا أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ: وَصِهْرُهُ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ عُرْسِهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ أَعْتَقَ كُلَّ مَنْ مَلَكَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا إكْرَامًا لَهَا» وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ أَصْهَارَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا التَّفْسِيرُ اخْتِيَارُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَكَذَا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَزَوْجَةِ ابْنِهِ وَزَوْجَةِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لِأَنَّ الْكُلَّ أَصْهَارٌ هِدَايَةٌ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ اسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّهُ مُؤَيَّدٌ بِقَوْلِ الْخَلِيلِ، لَا يُقَالُ لِأَهْلِ بَيْتِ الْمَرْأَةِ إلَّا الْأَصْهَارُ. وَفِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِلْبَزْدَوِيِّ، قَدْ يُطْلَقُ الصِّهْرُ عَلَى الْخَتَنِ، لَكِنَّ الْغَالِبَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ أَتْقَانِيٌّ مُلَخَّصًا، وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَأَخَوَاتِهَا) كَذَا فِيمَا رَأَيْت مِنْ النُّسَخِ، وَصَوَابُهُ وَإِخْوَتِهَا لِأَنَّ أَخَوَات جَمْعُ أُخْتٍ (قَوْلُهُ: وَإِنْ وَرِثَتْ مِنْهُ) بِأَنْ أَبَانَهَا فِي الْمَرَضِ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يَقْطَعُ النِّكَاحَ، وَالْبَائِنُ يَقْطَعُهُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: عِنَايَةٌ) لَمْ أَجِدْ ذَلِكَ فِيهَا، نَعَمْ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: قُلْت لَكِنْ إلَخْ) . أَقُولُ: الظَّاهِرُ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ فِي ذَلِكَ، لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَنَّ مُطْلَقَ الْكَلَامِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ اهـ حَتَّى لَوْ تُعُورِفَ خِلَافُ ذَلِكَ كُلِّهِ يُعْتَبَرُ كَأَهْلِ دِمَشْقَ يُطْلِقُونَ الصِّهْرَ عَلَى الْخَتَنِ وَلَا يَفْهَمُونَ مِنْهُ غَيْرَهُ وَهِيَ لُغَةٌ كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا مَا فِي الْبُرْهَانِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ نَقْلٌ لِمَا دَوَّنَهُ صَاحِبُ الْمُذْهَبِ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْعُرْفَ هُنَا لَا يُعْتَبَرُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْ، (قَوْلُهُ: ثُمَّ نَقَلَ) أَيْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْعَيْنِيِّ أَيْ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ عِنْدَ عِبَارَتِهَا الَّتِي نَقَلْنَاهَا آنِفًا (قَوْلُهُ: صَوَابُهُ جَوَيْرِيَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «وَقَعَتْ جَوَيْرِيَةَ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُصْطَلِقِ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَابْنِ عَمٍّ لَهُ فَكَاتَبَتْ عَنْ نَفْسِهَا» . وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ وَابْنِ رَاهْوَيْهِ «أَنَّهُ كَاتَبَهَا عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ مِنْ الذَّهَبِ، فَدَخَلَتْ تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِتَابَتِهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّك رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَا جَوَيْرِيَةَ بِنْتُ الْحَارِثِ سَيِّدُ قَوْمِهِ أَصَابَنِي مِنْ الْأَمْرِ مَا قَدْ عَلِمْت فَوَقَعْت فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ فَكَاتَبَنِي عَلَى مَا لَا طَاقَةَ لِي بِهِ، وَمَا أَكْرَهَنِي عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنِّي رَجَوْتُك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك - فَأَعِنِّي فِي فِكَاكِي، فَقَالَ: أَوَخَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَتْ مَا هُوَ؟ قَالَ: أُؤَدِّي عَنْك كِتَابَتَك وَأَتَزَوَّجُك. قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: قَدْ فَعَلْت، فَأَدَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَانَ عَلَيْهَا مِنْ كِتَابَتِهَا وَتَزَوَّجَهَا فَخَرَجَ الْخَبَرُ إلَى النَّاسِ، فَقَالُوا: أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْتَرَقُّونَ فَأَعْتَقُوا مَا كَانَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ سَبْيِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِائَةً أَهْلَ بَيْتٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَا أَعْلَمُ امْرَأَةً كَانَتْ عَلَى قَوْمِهَا أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهَا» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 683 وَكَذَا كُلُّ ذِي رَحِمٍ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ) : قِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ. وَفِي عُرْفِنَا الصِّهْرُ أَبُو الْمَرْأَةِ وَأُمُّهَا وَالْخَتَنُ زَوْجُ الْمَحْرَمِ فَقَطْ زَيْلَعِيٌّ وَغَيْرُهُ. زَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَيَنْبَغِي فِي دِيَارِنَا أَنْ يَخْتَصَّ الصِّهْرُ بِأَبِي الزَّوْجَةِ، وَالْخَتَنُ بِزَوْجِ الْبِنْتِ لِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ (وَأَهْلِ زَوْجَتِهِ) وَقَالَا: كُلُّ مَنْ فِي عِيَالِهِ وَنَفَقَتِهِ غَيْرَ مَمَالِيكِهِ، وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ شَرْحُ تَكْمِلَةٍ قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ وَهُوَ مُؤَيَّدٌ بِالنَّصِّ، قَالَ تَعَالَى - " فَنَجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إلَّا امْرَأَتَهُ " - اهـ قُلْت وَجَوَابُهُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ. (وَآلُهُ: أَهْلُ بَيْتِهِ) وَقَبِيلَتُهُ الَّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا (وَ) حِينَئِذٍ (يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ آبَائِهِ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ) سِوَى الْأَبِ الْأَقْصَى لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَيْهِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ (الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ فِيهِ سَوَاءٌ) وَيَدْخُلُ فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ إنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ -   [رد المحتار] قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الصَّبِيَّ كَانَ قَدْ قَسَمَ وَأَنَّ الْمُعْتِقِينَ لِلسَّبْيِ هُمْ الصَّحَابَةُ لَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى أَنَّ الصِّهْرَ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ تَأَمَّلْ لِمَا عَلِمْت مِنْ الْقِصَّةِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا كُلُّ ذِي رَحِمٍ) أَيْ مَحْرَمٍ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهَا. قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْإِمْلَاءِ: إذَا قَالَ أَوْصَيْت لِأَخْتَانِي بِثُلُثِ مَالِي فَأَخْتَانُهُ زَوْجُ كُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، وَكُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الزَّوْجِ فَهَؤُلَاءِ أَخْتَانُهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أُخْتٌ وَبِنْتُ أُخْتٍ وَخَالَةٌ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ زَوْجٌ وَلِزَوْجِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَرْحَامٌ فَكُلُّهُمْ جَمِيعًا أَخْتَانُهُ، وَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ الْأُنْثَى وَالذَّكَرُ فِيهِ سَوَاءٌ وَأُمُّ الزَّوْجِ وَجَدَّتُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ سَوَاءٌ اهـ أَتْقَانِيٌّ وَالشَّرْطُ هُنَا أَيْضًا قِيَامُ النِّكَاحِ بَيْنَ مَحَارِمِهِ وَأَزْوَاجِهِنَّ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي كَمَا نَقَلَهُ الطُّورِيُّ (قَوْلُهُ: وَفِي عُرْفِنَا الصِّهْرُ أَبُو الْمَرْأَةِ وَأُمُّهَا) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا سَبَقَ ط (قَوْلُهُ: غَيْرُ مَمَالِيكِهِ) أَيْ وَغَيْرُ وَارِثِهِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَأَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: قُلْت وَجَوَابُهُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ) وَهُوَ أَنَّ الِاسْمَ - حَقِيقَةً - لِلزَّوْجَةِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ النَّصُّ وَالْعُرْفُ. قَالَ تَعَالَى - {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29]- وَقَالَ لِأَهْلِهِ اُمْكُثُوا - وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: تَأَهَّلَ بِبَلْدَةِ كَذَا، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ زَيْلَعِيٌّ يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَا اسْتَدَلَّا بِهِ غَيْرُ مُطْلَقٍ بِقَرِينَةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَيْلُ الشَّارِحِ إلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْقِيَاسَ وَلِذَا قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى، وَلَكِنَّ الْمُتُونَ عَلَى قَوْلِهِ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فَلْيُحْفَظْ أَيْضًا اهـ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ كِتَابِيَّةً مَثَلًا أَوْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ. وَفِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ: يُنْظَرُ حُكْمُ مَا لَوْ أَوْصَتْ لِأَهْلِهَا هَلْ يَكُونُ الزَّوْجُ لَا غَيْرُ اهـ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ لَا إذْ لَا حَقِيقَةَ وَلَا عُرْفَ (قَوْلُهُ: وَقَبِيلَتُهُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِقَوْلِهِ أَهْلُ بَيْتِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْهِدَايَةِ لِأَنَّ الْآلُ الْقَبِيلَةُ الَّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا (قَوْلُهُ: مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ إلَى نَسَبِهِ، بِأَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ وَيَجْتَمِعَ مَعَهُ فِي أَحَدِ آبَائِهِ وَلَوْ الْأَبَ الْأَعْلَى، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَيَأْتِي مَا يُوَضِّحُهُ، وَإِلَّا فَقَبِيلَةُ الْمُوصِي لَا تُنْسَبُ إلَيْهِ نَفْسِهِ إلَّا إذَا كَانَ أَبَا الْقَبِيلَةِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْإِسْعَافِ مَا نَصُّهُ: أَهْلُ بَيْتِ الرَّجُلِ وَآلُهُ وَجِنْسُهُ وَاحِدٌ، وَهُوَ كُلُّ مَنْ يُنَاسِبُهُ بِآبَائِهِ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَهُوَ الَّذِي أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ أَسْلَمَ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ فَكُلُّ مَنْ يُنَاسِبُهُ إلَى هَذَا الْأَبِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ اهـ فَقَوْلُهُ: يُنَاسِبُهُ أَيْ يُشَارِكُهُ فِي نَسَبِهِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يُنْسَبُ إلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَيْهِ) أَيْ وَالْوَصِيَّةُ لِلْمُضَافِ لَا لِلْمُضَافِ إلَيْهِ زَيْلَعِيٌّ عَنْ الْكَافِي. قَالَ ط: وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا لَوْ قَالَ أَوْصَيْت لِآلِ عَبَّاسٍ مَثَلًا، أَمَّا لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لِآلِي أَوْ لِآلِ زَيْدٍ، وَهُوَ غَيْرُ الْأَبِ الْأَقْصَى لَا يَظْهَرُ، وَلَوْ عَلَّلَ بِأَنَّ الْأَبَ الْأَقْصَى لَا يُقَالُ لَهُ أَهْلُ بَيْتِهِ لَكَانَ أَوْلَى اهـ. قُلْت: وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ أَوْصَى لِآلِ فُلَانٍ (قَوْلُهُ: إنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ) عِبَارَةُ الِاخْتِيَارِ وَإِنْ كَانَ لَا يُحْصَوْنَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 684 وَيَدْخُلُ فِيهِ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَابْنُهُ وَزَوْجَتُهُ كَمَا فِي شَرْحِ التَّكْمِلَةِ، يَعْنِي إذَا كَانُوا لَا يَرِثُونَهُ (وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ) وَأَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ وَلَا أَحَدٌ مِنْ قَرَابَةِ أُمِّهِ لِأَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يُنْسَبُ لِأَبِيهِ لَا لِأُمِّهِ. (وَجِنْسُهُ أَهْلُ بَيْتِ أَبِيهِ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَجَنَّسُ بِأَبِيهِ لَا بِأُمِّهِ (وَكَذَا أَهْلُ بَيْتِهِ وَأَهْلُ نَسَبِهِ) كَآلِهِ وَجِنْسِهِ فَحُكْمُهُ كَحُكْمِهِ (وَلَوْ أَوْصَتْ الْمَرْأَةُ لِجِنْسِهَا أَوْ لِأَهْلِ بَيْتِهَا لَا يَدْخُلُ وَلَدُهَا) أَيْ وَلَدُ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ لَا إلَيْهَا (إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ) أَيْ الْوَلَدِ (مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا) فَحِينَئِذٍ يَدْخُلُ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهَا دُرَرٌ وَكَافِي وَغَيْرُهَا. قُلْت: وَمُفَادُهُ أَنَّ الشَّرَفَ مِنْ الْأُمِّ فَقَطْ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَمَا فِي أَوَاخِرِ فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، نَعَمْ لَهُ مَزِيَّةٌ فِي الْجُمْلَةِ (وَإِنْ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ أَوْ لِذِي قَرَابَتِهِ) كَذَا النُّسَخُ.   [رد المحتار] قَوْلُهُ: وَزَوْجَتُهُ) أَيْ إذَا كَانَتْ مِنْ قَوْمِ أَبِيهِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ إلَخْ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَوْمِهِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ: يَتَجَنَّسُ بِأَبِيهِ) أَيْ يَقُولُ أَنَا مِنْ جِنْسِ فُلَانٍ. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لِأَنَّ الْجِنْسَ عِبَارَةٌ عَنْ النَّسَبِ وَالنَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ اهـ ط (قَوْلُهُ: كَآلِهِ وَجِنْسِهِ) بَيَانٌ لِمَرْجِعِ اسْمِ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ وَكَذَا يَعْنِي أَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ وَأَهْلَ نَسَبِهِ مِثْلُ آلِهِ وَجِنْسِهِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكُلِّ قَوْمُ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ وَهُمْ قَبِيلَتُهُ الَّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا. قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: وَلَوْ أَوْصَى لِأَهْلِ بَيْتِهِ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ جَمَعَهُ وَإِيَّاهُمْ أَقْصَى أَبٍ فِي الْإِسْلَامِ، حَتَّى إنَّ الْمُوصِيَ لَوْ كَانَ عَلَوِيًّا أَوْ عَبَّاسِيًّا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَى عَلِيٍّ أَوْ الْعَبَّاسِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ لَا مَنْ يُنْسَبُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لِحَسَبِهِ أَوْ نَسَبِهِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَمَّنْ يُنْتَسَبُ إلَى الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ. وَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى لِجِنْسِ فُلَانٍ فَهُمْ بَنُو الْأَبِ، وَكَذَلِكَ اللُّحْمَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْجِنْسِ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ لِآلِ فُلَانٍ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ لِأَهْلِ بَيْتِ فُلَانٍ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: وَمُفَادُهُ إلَخْ) يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْبَدَائِعِ: فَثَبَتَ أَنَّ الْحَسَبَ وَالنَّسَبَ يَخْتَصُّ بِالْأَبِ دُونَ الْأُمِّ اهـ فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَلَا يَكُونُ كُفُؤًا لِلْهَاشِمِيَّةِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَشْرَافِ ط (قَوْلُهُ: وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ) حَيْثُ قَالَ فِي فَتَاوَاهُ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ مَا حَاصِلُهُ: لَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ لَهُ شَرَفًا مَا، وَكَذَا لِأَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ. أَمَّا أَصْلُ النَّسَبِ فَمَخْصُوصٌ بِالْآبَاءِ. وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ أَوْلَادِ زَيْنَبَ بِنْتِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ زَوْجَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الطَّيَّارِ. فَأَجَابَ أَنَّهُمْ أَشْرَافٌ بِلَا شُبْهَةٍ؛ إذْ الشَّرِيفُ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ عَلَوِيًّا أَوْ جَعْفَرِيًّا أَوْ عَبَّاسِيًّا لَكِنْ لَهُمْ شَرَفُ الْآلِ الَّذِينَ تَحْرُمُ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ لَا شَرَفُ النِّسْبَةِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ ذَكَرُوا أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ أَوْلَادُ بَنَاتِهِ، فَالْخُصُوصِيَّةُ لِلطَّبَقَةِ الْعُلْيَا، فَأَوْلَادُ فَاطِمَةَ الْأَرْبَعَةُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَأُمُّ كُلْثُومَ وَزَيْنَبُ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَوْلَادُ الْحُسَيْنِ يُنْسَبُونَ إلَيْهِمَا فَيُنْسَبُونَ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَوْلَادُ زَيْنَبَ وَأُمِّ كُلْثُومَ يُنْسَبُونَ إلَى أَبِيهِمْ لَا إلَى أُمِّهِمْ، فَلَا يُنْسَبُونَ إلَى فَاطِمَةَ وَلَا إلَى أَبِيهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ بِنْتِ بِنْتِهِ لَا أَوْلَادُ بِنْتِهِ، فَيَجْرِي فِيهِمْ الْأَمْرُ عَلَى قَاعِدَةِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ فِي أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أَبَاهُ فِي النَّسَبِ لَا أُمَّهُ، وَإِنَّمَا خَرَجَ أَوْلَادُ فَاطِمَةَ وَحْدَهَا لِلْخُصُوصِيَّةِ الَّتِي وَرَدَ بِهَا الْحَدِيثُ، وَهِيَ مَقْصُورَةٌ عَلَى ذُرِّيَّةِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، لَكِنَّ مُطْلَقَ الشَّرَفِ الَّذِي لِلْآلِ يَشْمَلُهُمْ. وَأَمَّا الشَّرَفُ الْأَخَصُّ وَهُوَ شَرَفُ النِّسْبَةِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا اهـ مُلَخَّصًا. وَأَصْلُهُ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ الشَّافِعِيِّ. أَقُولُ: وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُمْ شَرَفُ الْآلِ الْمُحَرِّمِ لِلصَّدَقَةِ إذَا كَانَ أَبُوهُمْ مِنْ الْآلِ كَمَا مَرَّ، وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ «كُلُّ وَلَدٍ آدَمَ فَإِنَّ عَصَبَتَهُمْ لِأَبِيهِمْ مَا خَلَا وَلَدَ فَاطِمَةَ فَإِنِّي أَنَا أَبُوهُمْ وَعَصَبَتُهُمْ» (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ إلَخْ) زَادَ فِي الْمُلْتَقَى وَأَقْرِبَائِهِ وَذَوِي أَرْحَامِهِ (قَوْلُهُ: كَذَا النُّسَخُ) وَكَذَا فِي الْكَنْزِ وَالْغُرَرِ وَالْإِصْلَاحِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 685 قُلْت: صَوَابُهُ لِذَوِي (أَوْ لِأَرْحَامِهِ أَوْ لِأَنْسَابِهِ فَهِيَ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، وَلَا يَدْخُلُ الْوَالِدَانِ) قِيلَ مَنْ قَالَ لِلْوَالِدِ قَرِيبٌ فَهُوَ عَاقٌّ (وَالْوَلَدُ) وَلَوْ مَمْنُوعَيْنِ بِكُفْرٍ أَوْ رِقٍّ كَمَا يُفِيدُهُ عُمُومُ قَوْلِهِ (وَالْوَارِثُ) وَأَمَّا الْجَدُّ وَوَلَدُ الْوَالِدِ فَيَدْخُلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَقِيلَ لَا وَاخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ: قُلْت صَوَابُهُ لِذَوِي) أَيْ بِالْجَمْعِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْمُلْتَقَى، لِأَنَّهُ إذَا أَوْصَى لِذِي قَرَابَتِهِ، وَلَهُ عَمٌّ وَاحِدٌ وَخَالَانِ فَالْكُلُّ لِلْعَمِّ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُفْرَدٌ فَيُحْرِزُ الْوَاحِدُ جَمِيعَ الْوَصِيَّةِ؛ إذْ هُوَ الْأَقْرَبُ زَيْلَعِيٌّ. وَفِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: إذَا قَالَ لِقَرَابَتِهِ أَوْ لِذِي قَرَابَتِهِ أَوْ لِذِي نَسَبِهِ فَالْمُنْفَرِدُ يَسْتَحِقُّ كُلَّ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْكُلِّ اهـ (قَوْلُهُ: أَوْ لِأَنْسَابِهِ) اسْتَشْكَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ جَمْعُ نَسَبٍ. وَفِيهِ: لَا يَدْخُلُ قَرَابَتُهُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَكَيْفَ دَخَلُوا فِيهِ هُنَا اهـ. وَأَجَابَ الشَّلَبِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِأَنْسَابِهِ حَقِيقَةُ النِّسْبَةِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ مِنْ الْأُمِّ كَالْأَبِ. أَقُولُ: وَفِيهِمْ أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا فِي أَهْلِ نَسَبِهِ النَّسَبَ مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ كَمَا مَرَّ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ (قَوْلُهُ: فَهِيَ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْإِمَامَ اعْتَبَرَ خَمْسَ شَرَائِطَ: وَهِيَ كَوْنُهُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَمِمَّا سِوَى الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ، وَمِمَّنْ لَا يَرِثُ وَالْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ. وَقَالَا: كُلُّ مَنْ يَجْمَعُهُ وَأَبَاهُ أَقْصَى أَبٍ فِي الْإِسْلَامِ. وَخَالَفَاهُ فِي شَرْطَيْنِ: الْمَحْرَمِيَّةِ وَالْقُرْبِ، فَيَكْفِي عِنْدَهُمَا الرَّحِمُ بِلَا مَحْرَمِيَّةٍ، وَيَسْتَوِي الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ. اتَّفَقُوا عَلَى اعْتِبَارِ الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا لِأَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ وَالْمُثَنَّى كَالْجَمْعِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ وَارِثًا وَلَا وَالِدًا أَوْ وَلَدًا أَتْقَانِيٌّ عَنْ الْمُخْتَلِفِ مُلَخَّصًا، لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَيَسْتَوِي الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا عِنْدَهُ اهـ وَنَقَلَ نَحْوَهُ فِي السَّعْدِيَّةِ عَنْ الْكَافِي. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْوَصِيَّةِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ الثَّلَاثِ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ حَيْثُ اعْتَبَرَ فِيهِ الْجَمْعِيَّةَ وَلَمْ يَعْتَبِرْ هَهُنَا اهـ. قُلْت: وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا مُخَالَفَةَ وَكَأَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَقَائِقِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ. هَذَا وَقَوْلُ الْإِمَامِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ وَالدُّرِّ الْمُنْتَقَى. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْحَقَائِقِ: إذَا ذَكَرَ مَعَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ لَا يُعْتَبَرُ الْجَمْعُ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْأَقْرَبَ اسْمُ فَرْدٍ خَرَجَ تَفْسِيرًا لِلْأَوَّلِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَحْرَمُ وَغَيْرُهُ وَلَكِنْ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ لِصَرِيحِ شَرْطِهِ اهـ وَنَقَلَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَالِاخْتِيَارِ أَيْضًا. قُلْت: وَهِيَ حَادِثَةُ الْفَتْوَى سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَأَلْفٍ فِيمَنْ أَوْصَى لِأَرْحَامِهِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْهُمْ فَأَفْتَيْت بِشُمُولِهِ لِغَيْرِ الْمَحَارِمِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ هَذَا النَّقْلِ (قَوْلُهُ: قِيلَ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: وَفِي الْخَبَرِ «مَنْ سَمَّى وَالِدَهُ قَرِيبًا عَقَّهُ» وَقَدْ عَطَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَقْرَبِينَ عَلَى الْوَالِدَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى - {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180]- وَيُعْطَفُ الشَّيْءُ عَلَى غَيْرِهِ حَقِيقَةً، فَعُرِفَ أَنَّ الْقَرِيبَ فِي لِسَانِ النَّاسِ مَنْ يَتَقَرَّبُ إلَى غَيْرِهِ بِوَاسِطَةٍ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ اهـ أَيْ وَالْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ يَتَقَرَّبَانِ، بِأَنْفُسِهِمْ لَا بِوَاسِطَةٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَمْنُوعِينَ) بِصِيغَةِ الْجَمْعِ ط (قَوْلُهُ: كَمَا يُفِيدُهُ عُمُومُ قَوْلِهِ: وَالْوَارِثُ) أَيْ يُفِيدُ عَدَمَ دُخُولِهِمْ وَلَوْ مَمْنُوعِينَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ فِيهِ كَوْنَهُمْ وَارِثِينَ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى التَّنْصِيصِ عَلَى عَدَمِ دُخُولِهِمْ؛ إذْ هُمْ يَخْرُجُونَ بِقَوْلِهِ وَالْوَارِثُ لِأَنَّهُ يَشْمَلُهُمْ بِعُمُومِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ وَنَصَّ عَلَى إخْرَاجِهِمْ عَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ سَوَاءٌ كَانُوا وَارِثِينَ أَوْ مَمْنُوعِينَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَالْوَارِثُ) عَلَّلُوهُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَبِهَذَا يَتَّجِهُ مَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ هَذَا فِيمَا لَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبِ نَفْسِهِ. أَمَّا لَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبِ فُلَانٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْرُجَ الْوَارِثُ (قَوْلُهُ: فَيَدْخُلُ) الْأَوْلَى فَيَدْخُلَانِ ط (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ) حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْقَرِيبَ لُغَةٌ: مِنْ يَتَقَرَّبُ إلَى غَيْرِهِ بِوَاسِطَةِ غَيْرِهِ، وَتَكُونُ الْجُزْئِيَّةُ بَيْنَهُمَا مُنْعَدِمَةً. وَنَقَلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 686 (وَيَكُونُ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا) يَعْنِي: أَقَلُّ الْجَمْعِ فِي الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ (فَإِنْ كَانَ لَهُ) لِلْمُوصِي (عَمَّانِ وَخَالَانِ فَهِيَ لِعَمَّيْهِ) كَالْإِرْثِ، وَقَالَا أَرْبَاعًا. (وَلَوْ لَهُ عَمٌّ وَخَالَانِ كَانَ لَهُ النِّصْفُ وَلَهُمَا النِّصْفُ) وَقَالَا أَثْلَاثًا (وَلَوْ عَمٌّ وَاحِدٌ لَا غَيْرُ فَلَهُ نِصْفُهَا وَيَرُدُّ النِّصْفَ) الْآخَرَ (إلَى الْوَرَثَةِ) لِعَدَمِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ (وَلَوْ عَمٌّ وَعَمَّةٌ اسْتَوَيَا) لِاسْتِوَاءِ قَرَابَتِهِمَا (وَلَوْ انْعَدَمَ الْمَحْرَمُ بَطَلَتْ) خِلَافًا لَهُمَا (وَلِوَلَدِ فُلَانٍ) فَهِيَ (لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ) لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ يَعُمُّ الْكُلَّ حَتَّى الْحَمْلِ. وَلَا يَدْخُلُ وَلَدُ ابْنٍ مَعَ وَلَدِ صُلْبٍ، فَلَوْ لَهُ بَنَاتٌ لِصُلْبِهِ وَبَنُو ابْنٍ فَهِيَ لِلْبَنَاتِ عَمَلًا بِالْحَقِيقَةِ، فَلَوْ تَعَذَّرَتْ صُرِفَ إلَى الْمَجَازِ تَحَرُّزًا عَنْ التَّعْطِيلِ، وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَدْخُلُونَ اخْتِيَارٌ (وَلِوَرَثَةِ فُلَانٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ الْوِرَاثَةَ (وَشَرْطُ صِحَّتِهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ (هُنَا) أَيْ فِي الْوَصِيَّةِ لِوَرَثَةِ فُلَانٍ وَمَا فِي مَعْنَاهَا كَعَقِبِ فُلَانٍ (مَوْتُ الْمُوصِي لِوَرَثَتِهِ) أَوْ لِعَقِبِهِ (قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصَى) لِأَنَّ الْوَرَثَةَ وَالْعَقِبَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ، ثُمَّ إنْ كَانَ مَعَهُمْ مُوصًى لَهُ آخَرُ قُسِمَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ ثُمَّ مَا أَصَابَ الْوَرَثَةَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ كَالْأُنْثَيَيْنِ   [رد المحتار] أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ، ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ فِي شَرْحِ الْحَمَوِيِّ بِخَطِّهِ أَنَّ الدُّخُولَ هُوَ الْأَصَحُّ اهـ. قُلْت: وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمَوَاهِبِ وَأَدْخَلَ أَيْ مُحَمَّدٌ الْجَدَّ وَالْحَفَدَةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ عَنْهُمَا اهـ وَالْحَفَدَةُ جَمْعُ حَافِدٍ: وَلَدُ الْوَلَدِ، وَمِثْلُ الْجَدِّ الْجَدَّةُ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ لِلِاثْنَيْنِ) أَيْ فِي التَّعْبِيرِ بِالْجَمْعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِذِي قَرَابَتِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: يَعْنِي أَقَلَّ الْجَمْعِ) الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ط. (قَوْلُهُ: فَهِيَ لِعَمَّيْهِ) لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ مِنْ الْخَالَيْنِ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، وَالْإِنْسَانُ يُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلَايَةَ لِلْعَمِّ دُونَ الْخَالِ فِي النِّكَاحِ فَثَبَتَ أَنَّهُمَا أَقْرَبُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ أَتْقَانِيٌّ، وَهَذَا حَيْثُ كَانَ الْوَارِثُ غَيْرَهُمَا، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَقَالَا أَرْبَاعًا) لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِمَا الْأَقْرَبِيَّةَ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَلَهُمَا النِّصْفُ) لِأَنَّ الْعَمَّ الْوَاحِدَ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمَاعَةِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْجَمِيعَ، فَإِذَا دُفِعَ إلَيْهِ النِّصْفُ، وَبَقِيَ النِّصْفُ صُرِفَ إلَى الْخَالَيْنِ لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ إلَيْهِ بَعْدَ الْعَمِّ فَيُجْعَلُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي كَأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا الْخَالَيْنِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ) إذْ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْجَمْعِ أَتْقَانِيًٌ. وَعِنْدَهُمَا لَهُ جَمِيعُ الثُّلُثِ غُرَرُ الْأَفْكَارِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ مَا مَرَّ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالْكَافِي تَأَمَّلْ، (قَوْلُهُ: يَعُمُّ الْكُلَّ) لِأَنَّهُ اسْمٌ لِجِنْسِ الْمَوْلُودِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ اخْتِيَارٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى الْحَمْلَ) تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ لِتَحَقُّقِ وُجُودِهِ عِنْدَهَا كَمَا ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْحَمْلِ ط. (قَوْلُهُ: وَلَا يَدْخُلُ وَلَدُ ابْنٍ مَعَ وَلَدِ صُلْبٍ) هَذَا إذَا كَانَ فُلَانٌ أَبًا خَاصًّا، فَلَوْ كَانَ فَخِذًا فَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ يَدْخُلُونَ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ حَالَ قِيَامِ وَلَدِ الصُّلْبِ عِنَايَةٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ الْوِرَاثَةَ) أَيْ وَالْوِرَاثَةُ بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَالْأَخَوَاتِ كَذَلِكَ وَلِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ يَتَرَتَّبُ عَلَى مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ فَكَانَتْ الْوِرَاثَةُ هِيَ الْعِلَّةَ زَيْلَعِيٌّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ قَوْلَهُ - {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]- لَيْسَ عَامًّا فِي جَمِيعِ الْوَرَثَةِ بَلْ خَاصٌّ بِالْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَفِي غَيْرِهِمْ يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ فَرَوْضِهِمْ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْعَافِ وَالْخَصَّافِ فِي مَسَائِلِ الْأَوْقَافِ وَالْوَصِيَّةُ أُخْتُ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ) لِأَنَّ كَوْنَهُمْ وَرَثَةً لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، وَكَذَا الْعَقِبُ فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَمَّنْ وُجِدَ مِنْ الْوَلَدِ بَعْدَ مَوْتِ الْإِنْسَانِ، فَأَمَّا فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَلَيْسُوا بِعَقِبٍ لَهُ مِنَحٌ عَنْ السِّرَاجِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ وُجُودِ شَرْطِ الصِّحَّةِ الْمَذْكُورِ إنْ كَانَ إلَخْ (قَوْلُهُ: عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ) أَيْ رُءُوسِهِمْ وَرَأْسِ الْمُوصَى لَهُ الْآخَرِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَا أَصَابَ الْوَرَثَةَ) قَيَّدَ بِالْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِلذَّكَرِ كَالْأُنْثَيَيْنِ خَاصَّةٌ بِهِمْ، أَمَّا الْعَقِبُ فَالِاسْمُ تَنَاوَلَ جَمَاعَتَهُمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 687 كَمَا مَرَّ فَلَوْ مَاتَ الْمُوصَى قَبْلَ مَوْتِهِ: أَيْ مَوْتِ الْمُوصِي لِوَرَثَتِهِ أَوْ عَقِبُهُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِوَرَثَتِهِ أَوْ عَقِبِهِ. ثُمَّ إنْ كَانَ مَعَهُمْ مُوصًى لَهُ آخَرُ كَقَوْلِهِ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ وَلِوَرَثَتِهِ وَعَقِبِهِ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ كُلُّهَا لِفُلَانٍ الْمُوصَى لَهُ دُونَ وَرَثَتِهِ وَعَقِبِهِ لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَتَمَامُهُ فِي السِّرَاجِ وَفِيهِ عَقِبُهُ: وَلَدُهُ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، فَإِنْ مَاتُوا فَوَلَدُ وَلَدِهِ كَذَلِكَ، وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْإِنَاثِ لِأَنَّهُمْ عَقِبُ آبَائِهِمْ لَا لَهُ. (وَفِي أَيْتَامِ بَنِيهِ) أَيْ بَنِي فُلَانٍ وَالْيَتِيمُ اسْمٌ لِمَنْ مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ الْحُلُمِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُتْمَ بَعْدَ الْبُلُوغِ» (وَعُمْيَانِهِمْ وَزَمْنَاهُمْ وَأَرَامِلِهِمْ) الْأَرْمَلُ: الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ (دَخَلَ) فِي الْوَصِيَّةِ (فَقِيرُهُمْ وَغَنِيُّهُمْ وَذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ) وَقُسِمَ سَوِيَّةً (إنْ أُحْصُوا) بِغَيْرِ كِتَابٍ أَوْ حِسَابٍ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ تَمْلِيكًا لَهُمْ وَإِلَّا لِفُقَرَائِهِمْ يُعْطِي الْوَصِيُّ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ شَرْحُ التَّكْمِلَةِ لِتَعَذُّرِ التَّمْلِيكِ حِينَئِذٍ فَيُرَادُ بِهِ الْقُرْبَةُ. (وَفِي بَنِي فُلَانٍ يَخْتَصُّ بِذُكُورِهِمْ) وَلَوْ أَغْنِيَاءَ   [رد المحتار] فَيَكُونُونَ بِالسَّوِيَّةِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْمَتْنِ قَرِيبًا مِنْ أَنَّ الْقِسْمَةَ لِلْوَرَثَةِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ الْحُكْمِ بِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَرَثَةِ أَوْ الْعَقِبِ لِفَقْدِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ إنْ كَانَ مَعَهُمْ مُوصًى لَهُ آخَرُ وَهُوَ فِي الْمِثَالِ الْآتِي الْمُوصِي لِوَرَثَتِهِ أَوْ عَقِبِهِ، وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا كَمَا مَثَّلَ بِهِ فِي الْمِنَحِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ) فَكَانَتْ وَصِيَّةً لِمَعْدُومٍ فَلَمْ يُشَارِكُوا فُلَانًا، كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ وَلِمَيِّتٍ أَتْقَانِيًٌ. [تَنْبِيهٌ] قَدْ عَلِمْت مِمَّا تَقَرَّرَ سُقُوطَ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ حَيْثُ قَالَ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لِفُلَانٍ وَعَقِبِهِ: لَعَلَّهُ أَيْ اسْتِحْقَاقَ فُلَانٍ الْكُلَّ فِيمَا إذَا لَمْ يُولَدْ الْعَقِبُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَإِلَّا فَلَا مَانِعَ مِنْ الْمُشَارَكَةِ اهـ وَهُوَ مِنْ مِثْلِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَجِيبٌ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْلُودًا قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَدْخُلُ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْإِنَاثِ) بِخِلَافِ النَّسْلِ فَإِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِيهِ، وَيَسْتَوُونَ فِي قِسْمَةِ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْخَصَّافِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لَا يُتْمَ بَعْدَ الْبُلُوغِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِ لَا يَتِمُّ بَعْدَ احْتِلَامٍ " وَحَسَّنَهُ النَّوَوِيُّ (قَوْلُهُ: الْأَرْمَلُ إلَخْ) فِي الْمُغْرِبِ: أَرْمَلَ افْتَقَرَ مِنْ الرَّمَلِ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي التَّهْذِيبِ يُقَالُ لِلْفَقِيرِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ أَرْمَلُ، وَلَا يُقَالُ لِلَّتِي لَهَا زَوْجٌ وَهِيَ مُوسِرَةٌ أَرْمَلَةُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: الْأُنُوثَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، إلَّا أَنَّ الصَّحِيحَ مَا فَسَّرَهُ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْأَرْمَلَةَ الْمَرْأَةُ الْبَالِغَةُ الَّتِي كَانَ لَهَا زَوْجٌ فَارَقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، وَقَوْلُهُ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ كِفَايَةٌ. وَزَادَ فِي النِّهَايَةِ قَيْدَ الْحَاجَةِ قَالَ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَعْنَى فِيهِ نَفَادُ زَادِهَا لِسُقُوطِ نَفَقَتِهَا عَنْ زَوْجِهَا اهـ. وَفِي السَّعْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ: وَلَا يُقَالُ رَجُلٌ أَرْمَلُ إلَّا فِي الشُّذُوذِ، وَمُطْلَقُ الْكَلَامِ يُحْمَلُ عَلَى الشَّائِعِ الْمُسْتَفِيضِ بَيْنَ النَّاسِ (قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُهُ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ، وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ فِي ذَلِكَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: فَقِيرُهُمْ وَغَنِيُّهُمْ يُنَافِيهِ، وَلِذَا قَالَ فِي السَّعْدِيَّةِ: الظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى التَّوْزِيعِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الِالْتِبَاسِ (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ كِتَابٍ أَوْ حِسَابٍ) هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ فَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَالْأَيْسَرُ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ كِفَايَةٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَمَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: هُوَ الْمُخْتَارُ وَالْأَحْوَطُ اهـ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لِفُقَرَائِهِمْ) أَيْ إنْ لَمْ يُحْصَوْا فَالْوَصِيَّةُ لِفُقَرَائِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْقَرَابَةُ. وَهِيَ فِي سَدِّ الْخَلَّةِ وَرَدِّ الْجَوْعَةِ، وَهِيَ الْأَسَامِيُّ تُشْعِرُ بِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ فَجَازَ حَمْلُهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ يَخْتَصُّ بِذُكُورِهِمْ) وَعِنْدَهُمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ يَدْخُلُ الْإِنَاثُ أَيْضًا مُلْتَقًى، وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أَوْلَادُ الْبَنِينَ، وَفِي دُخُولِ بَنِي الْبَنَاتِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ، وَلَوْ كَانَ ابْنٌ وَاحِدٌ وَبَنُو بَنِينَ فَلَهُ النِّصْفُ وَلَا شَيْءَ لَهُمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 688 (إلَّا إذَا كَانَ) فُلَانٌ عِبَارَةً عَنْ (اسْمِ قَبِيلَةٍ أَوْ) اسْمِ (فَخْذٍ. فَيَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ) لِأَنَّ الْمُرَادَ حِينَئِذٍ مُجَرَّدُ الِانْتِسَابِ كَمَا فِي بَنِي آدَمَ، وَلِهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا (مَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَ) مَوْلَى (الْمُوَالَاةِ وَحُلَفَاؤُهُمْ) يَعْنِي وَهُمْ يُحْصَوْنَ وَإِلَّا فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ. وَالْأَصْلُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مَتَى وَقَعَتْ بِاسْمٍ يُنْبِئُ عَنْ الْحَاجَةِ كَأَيْتَامِ بَنِي فُلَانٍ تَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُحْصَوْا عَلَى مَا مَرَّ لِوُقُوعِهَا لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَعْلُومٌ وَإِنْ كَانَ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْحَاجَةِ، فَإِنْ أُحْصُوا صَحَّتْ وَيُجْعَلُ تَمْلِيكًا وَإِلَّا بَطَلَتْ وَتَمَامُهُ فِي الِاخْتِيَارِ. (أَوْصَى مَنْ لَهُ مُعْتَقُونً وَمُعْتَقُونَ لِمَوَالِيهٍ بَطَلَتْ) لِأَنَّ اللَّفْظَ مُشْتَرَكٌ، وَلَا عُمُومَ لَهُ عِنْدَنَا وَلَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى أَحَدِهِمَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يَعُمُّ إذَا وَقَعَ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُمْ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ مَوَالِيَ فُلَانٍ يَعُمُّ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ لَا لِوُقُوعِهِ فِي النَّفْيِ بَلْ لِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْيَمِينِ بُغْضُهُ وَهُوَ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ عِنَايَةٌ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ (إلَّا إذَا عَيَّنَهُ) أَيْ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ قَبْلَ مَوْتِهِ فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ لِزَوَالِ الْمَانِعِ. (وَيَدْخُلُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَوَالِي (مَنْ أَعْتَقَهُ فِي صِحَّتِهِ وَمَرَضِهِ، لَا)   [رد المحتار] وَعِنْدَهُمْ لَهُمْ الْبَاقِي وَيَدْخُلُ جَنِينُ وَلَدٍ لِأَقَلِّ الْأَقَلِّ أَتْقَانِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ إلَخْ) الطَّبَقَاتُ الَّتِي عَلَيْهَا الْعَرَبُ سِتٌّ: وَهِيَ الشِّعْبُ وَالْقَبِيلَةُ وَالْعِمَارَةُ وَالْبَطْنُ وَالْفَخِذُ وَالْفَصِيلَةُ. فَالشِّعْبُ يَجْمَعُ الْقَبَائِلَ، وَالْقَبِيلَةُ تَجْمَعُ الْعِمَارَةَ وَهَكَذَا، وَخُزَيْمَةُ شِعْبٌ، وَكِنَانَةُ قَبِيلَةٌ، وَقُرَيْشٌ عِمَارَةٌ، وَقُصَيٌّ بَطْنٌ، وَهَاشِمٌ فَخِذٌ، وَالْعَبَّاسُ فَصِيلَةٌ أَفَادَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ (قَوْلُهُ: مَوْلَى الْعَتَاقَةِ) أَيْ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ، وَقَوْلُهُ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ: أَيْ الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ، وَهُوَ مَنْ وَالَى وَاحِدًا مِنْهُمْ لِأَنَّهُ مَوْلَى الْقَوْمِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَحُلَفَاؤُهُمْ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ. وَالْحَلِيفُ: مَنْ يَأْتِي قَبِيلَةً فَيَحْلِفُ لَهُمْ وَيَحْلِفُونَ لَهُ لِلتَّنَاصُرِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْحَاجَةِ) كَشُبَّانِ بَنِي فُلَانٍ وَكَذَا الْعَلَوِيَّةُ أَوْ الْفُقَهَاءُ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ: لِمَوَالِيهِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَوْصَى (قَوْلُهُ: بَطَلَتْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَحْتَمِلُ ثَمَانِيَ صُوَرٍ، لِأَنَّ الْمُوصِيَ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَوَالٍ أَعْلَوْنَ وَمَوَالٍ أَسْفَلُونَ، أَوْ مَوْلًى وَاحِدٌ فِيهَا. أَوْ مَوَالٍ فِي أَحَدِهِمَا، وَمَوْلًى وَاحِدٌ فِي الْآخَرِ، وَفِيهِمَا صُورَتَانِ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يُعَبِّرَ الْمُوصِي بِصِيغَةِ الْجَمْعِ أَوْ الْإِفْرَادِ، وَصَرِيحُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَتْ الْمَوَالِي فِي الْجِهَتَيْنِ، وَوَقَعَ التَّعْبِيرُ بِالْمَوَالِي وَلْيُحَرَّرْ بَاقِي الصُّوَرِ اهـ ط. أَقُولُ: صَرَّحُوا هُنَا بِأَنَّ الْجَمْعَ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، فَلَوْ وُجِدَ اثْنَانِ فَلَهُمَا الْكُلُّ أَوْ وَاحِدٌ فَلَهُ النِّصْفُ. وَأَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَوْلَى اسْمُ جِنْسٍ كَالْوَلَدِ فَيَعُمُّ الْوَاحِدَ وَالْأَكْثَرَ، وَعِنْدَ اجْتِمَاعِ الْفَرِيقَيْنِ تَبْطُلُ فَقَدْ ظَهَرَ الْمُرَادُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي عَدَمِ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ إلَخْ) كَذَا اخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ (قَوْلُهُ: فِي حَيِّزِ النَّفْيِ) كَمَسْأَلَةِ الْيَمِينِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فِي عَدَمِ الْعُمُومِ ط (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْيَمِينِ بُغْضُهُ) أَيْ بُغْضُ فُلَانٍ وَهُوَ أَيْ فُلَانُ أَوْ بُغْضُهُ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ أَيْ لَا اشْتَرَاكَ فِيهِ إذْ هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ. أَقُولُ: سَلَّمْنَا أَنَّ الْحَامِلَ وَاحِدٌ لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي لَفْظِ الْمَوْلَى، وَقَدْ أُرِيدَ كِلَا مَعْنَيَيْهِ لِاتِّحَادِ الْحَامِلِ فَلَزِمَ عُمُومُهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: اتِّحَادُ الْحَامِلِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ بِأَنْ يُرَادَ بِهِ لَفْظٌ يَعُمُّ الْمَعْنَيَيْنِ، وَهُوَ مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ الْعِتْقُ بِوُقُوعِهِ مِنْهُ أَوْ عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِزَوَالِ الْمَانِعِ) وَهُوَ عَدَمُ فَهْمِ الْمُرَادِ (قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أَعْتَقَهُ) أَيْ الْمُوصِي فِي صِحَّتِهِ وَمَرَضِهِ سَوَاءٌ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ قَبْلَ مُوصِيهِ أَوْ بَعْدَهَا، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ ثَبَتَ لَهُ الْوَلَاءُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَاسْتَحَقَّ الْوَصِيَّةَ لِوُجُودِ الصِّفَةِ فِيهِ، وَيَدْخُلُ أَوْلَادُهُمْ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَيْضًا لِأَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ بِالْوَلَاءِ بِالْمُتَعَلِّقِ بِالْعِتْقِ فَيَدْخُلُونَ مَعَهُمْ، وَلَا يَدْخُلُ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ، وَلَا مَوْلَى الْمَوْلَى إلَّا عِنْدَ عَدَمِهِمْ مَجَازًا لِتَعَذُّرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 689 لَا يَدْخُلُ فِيهِ (مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَدْخُلُونَ. (أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ إلَى الْفُقَهَاءِ دَخَلَ فِيهِ مَنْ يُدَقِّقُ النَّظَرَ فِي الْمَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِنْ عَلِمَ ثَلَاثَ مَسَائِلَ مَعَ أَدِلَّتِهَا) كَذَا فِي الْقُنْيَةِ. قَالَ: حَتَّى قَبْلَ مَنْ حَفِظَ أُلُوفًا مِنْ الْمَسَائِلِ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ. (أَوْصَى بِأَنْ يُطَيَّنَ قَبْرُهُ أَوْ يُضْرَبَ عَلَيْهِ قُبَّةٌ فَهِيَ بَاطِلَةٌ) كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ وَغَيْرِهَا، لَكِنْ قَدَّمْنَا فِيهَا فِي الْكَرَاهِيَةِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَطْيِينُ الْقُبُورِ فِي الْمُخْتَارِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِالتَّطْيِينِ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ وَصِيَّةٌ بِالْمَكْرُوهِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. قُلْت: وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ يَقْرَأُ عِنْدَ قَبْرِهِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِكَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقُبُورِ أَوْ بِعَدَمِ   [رد المحتار] الْحَقِيقَةِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَالْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مُدَبَّرُوهُ إلَخْ) لِأَنَّهُمْ مَوَالِيهِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا عِنْدَهُ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَدْخُلُونَ) لِوُجُودِ سَبَبِ اسْتِحْقَاقِ الْوَلَاءِ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مَنْ يُدَقِّقُ النَّظَرَ) أَيْ الْفِكْرَ وَالتَّأَمُّلَ بِالدَّلِيلِ ط (قَوْلُهُ وَإِنْ عَلِمَ ثَلَاثَ مَسَائِلَ مَعَ أَدِلَّتِهَا) حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: الْفَقِيهُ عِنْدَنَا مَنْ بَلَغَ مِنْ الْفِقْهِ الْغَايَةَ الْقُصْوَى وَلَيْسَ الْمُتَفَقِّهُ بِفَقِيهٍ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ نَصِيبٌ وَلَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِنَا أَحَدٌ يُسَمَّى فَقِيهًا غَيْرَ شَيْخِنَا أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ طُورِيٌّ. وَفِيهِ: وَإِذَا أَوْصَى لِلْعَلَوِيَّةِ فَقَدْ حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمْ لَا يُحْصَوْنَ وَلَيْسَ فِي هَذَا الِاسْمِ مَا يُنْبِئُ عَنْ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ. وَلَوْ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ الْعَلَوِيَّةِ يَجُوزُ وَعَلَى هَذَا الْوَصِيَّةُ لِلْفُقَهَاءِ اهـ. أَقُولُ: لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْإِسْعَافِ أَنَّهُ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الزَّمْنَى وَالْعُمْيَانِ وَقُرَّاءِ الْقُرْآنِ وَالْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ، وَيُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ لِإِشْعَارِ الْأَسْمَاءِ بِالْحَاجَةِ اسْتِعْمَالًا، فَإِنَّ الْعَمَى وَالِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ يَقْطَعُ عَنْ الْكَسْبِ فَيَغْلِبُ فِيهِمْ الْفَقْرُ وَهُوَ أَصَحُّ اهـ (قَوْلُهُ حَتَّى قِيلَ مَنْ حَفِظَ أُلُوفًا مِنْ الْمَسَائِلِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَدِلَّةٍ. وَفِيهِ: أَنَّهُمْ قَدْ اعْتَبَرُوا الْعُرْفَ فِي كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِ الْوَصِيَّةِ فَلِمَاذَا لَمْ يَعْتَبِرُوا عُرْفَ الْمُوصِي ط. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ عُرْفُهُمْ فِي زَمَانِهِمْ، وَقَدَّمْنَا عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ مُطْلَقَ الْكَلَامِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ. وَفِي الْأَشْبَاهِ مِنْ قَاعِدَةٍ: الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ أَلْفَاظُ الْوَاقِفِينَ تُبْنَى عَلَى عُرْفِهِمْ كَمَا فِي وَقْفِ فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكَذَا لَفْظُ النَّاذِرِ وَالْمُوصِي وَالْحَالِفِ اهـ عَلَى أَنَّهُ قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ فِي تَعْرِيفِ الْفِقْهِ أَنَّهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ حِفْظُ الْفُرُوعِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ اهـ وَعَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْمُنْتَقَى. ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ فِي التَّحْرِيرِ أَنَّ الشَّائِعَ إطْلَاقُهُ عَلَى مَنْ يَحْفَظُ الْفُرُوعَ مُطْلَقًا يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَتْ بِدَلَائِلِهَا أَوْ لَا اهـ (قَوْلُهُ لَكِنْ قَدَّمْنَا إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى التَّطْيِينِ فَقَطْ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِبِنَاءِ الْقُبَّةِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ اتِّفَاقًا ط (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ وَصِيَّةٌ بِالْمَكْرُوهِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، وَقَدَّمَ أَوَّلَ الْوَصَايَا أَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ وَأَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ لِأَهْلِ فُسُوقٍ، وَمُقْتَضَى مَا هُنَا بُطْلَانُهَا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إمَّا صِلَةٌ أَوْ قُرْبَةٌ وَلَيْسَتْ هَذِهِ وَاحِدَةً مِنْهُمَا فَبَطَلَتْ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِفَاسِقٍ فَإِنَّهَا صِلَةٌ لَهَا مُطَالِبٌ مِنْ الْعِبَادِ فَصَحَّتْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قُرْبَةٌ كَالْوَصِيَّةِ لِغَنِيٍّ، لِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ وَلَيْسَتْ قُرْبَةً كَمَا مَرَّ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَسَيَأْتِي فِي أَوَّلِ فَصْلِ وَصَايَا الذِّمِّيِّ مَا يُوَضِّحُهُ (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِكَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقُبُورِ) . أَقُول: لَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: لَوْ زَارَ قَبْرَ صَدِيقٍ أَوْ قَرِيبٍ لَهُ وَقَرَأَ عِنْدَهُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَسَنٌ، أَمَّا الْوَصِيَّةُ بِذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لَهَا وَلَا مَعْنَى أَيْضًا لِصِلَةِ الْقَارِئِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ اسْتِئْجَارَهُ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، وَلَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ. اهـ بِحُرُوفِهِ، فَقَدْ صَرَّحَ بِحُسْنِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ وَبِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ فَلَمْ يَكُنْ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ أَوْ بِعَدَمِ إلَخْ) أَيْ أَوْ يَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ جَوَازِ الْإِجَارَةِ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَفِي كَوْنِهِ مِمَّا أُجِيزَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 690 جَوَازِ الْإِجَارَةِ عَلَى الطَّاعَاتِ. أَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ مِنْ جَوَازِهِمَا فَيَنْبَغِي جَوَازُهَا مُطْلَقًا وَتَمَامُهُ فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْوَقْفِ. وَحَرَّرَ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَكَانُ الَّذِي عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ لِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ أَوْ لِلتَّدْرِيسِ، فَلَوْ لَمْ يُبَاشِرْ فِيهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَشْرُوطَ لَهُ لِمَا فِي شَارِحِ الْمَنْظُومَةِ: يَجِبُ اتِّبَاعُ شَرْطِ الْوَاقِفِ، وَبِالْمُبَاشَرَةِ فِي غَيْرِ الْمَكَانِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ يَفُوتُ غَرَضُهُ مِنْ إحْيَاءِ تِلْكَ الْبُقْعَةِ. قَالَ: وَتَحْقِيقُهُ فِي الدُّرَّةِ السُّنِّيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِحْقَاقِ الْجَامِكِيَّةِ اهـ. بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَةِ (صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَأَبَدًا) وَيَكُونُ مَحْبُوسًا عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ   [رد المحتار] الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ، لِأَنَّ مَا أَجَازُوهُ إنَّمَا أَجَازُوهُ فِي مَحَلِّ الضَّرُورَةِ كَالِاسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَوْ الْفِقْهِ أَوْ الْأَذَانِ أَوْ الْإِمَامَةِ خَشْيَةَ التَّعْطِيلِ لِقِلَّةِ رَغْبَةِ النَّاسِ فِي الْخَيْرِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي اسْتِئْجَارِ شَخْصٍ يَقْرَأُ عَلَى الْقَبْرِ أَوْ غَيْرِهِ اهـ رَحْمَتِيٌّ. أَقُولُ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَقَدْ أَخْطَأَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جَمَاعَةٌ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ جَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى جَمِيعِ الطَّاعَاتِ مَعَ أَنَّ الَّذِي أَفْتَى بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ إنَّمَا هُوَ التَّعْلِيمُ وَالْأَذَانُ وَالْإِمَامَةُ، وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَعَامَّةُ الشُّرَّاحِ وَأَصْحَابُ الْفَتَاوَى بِتَعْلِيلِ ذَلِكَ بِالضَّرُورَةِ وَخَشْيَةَ الضَّيَاعِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ جَازَ عَلَى كُلِّ طَاعَةٍ لَجَازَ عَلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ مَعَ أَنَّهُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي رِسَالَةٍ حَافِلَةٍ ذَكَرْت نُبْذَةً مِنْهَا فِي بَابِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَى التِّلَاوَةِ وَإِنْ صَارَ مُتَعَارَفًا فَالْعُرْفُ لَا يُجِيزُهُ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ، وَهُوَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ أَئِمَّتُنَا كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ» وَالْعُرْفُ إذَا خَالَفَ النَّصَّ يُرَدُّ بِالِاتِّفَاقِ فَاحْفَظْ ذَلِكَ وَلَا تَكُنْ مِمَّنْ اشْتَرَى بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا وَجَعَلَهَا دُكَّانًا يَتَعَيَّشُ مِنْهَا (قَوْلُهُ أَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَيَنْبَغِي جَوَازُهَا مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ مَبْنِيًّا عَلَى كَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ أَوْ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الطَّاعَاتِ. أَقُولُ: وَقَدْ عَلِمْت مُخَالَفَةَ هَذَا الْبَحْثِ لِلْمَنْقُولِ فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ، بَلْ الْبُطْلَانُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَهُوَ أَنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ جَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ لَا عَلَى تِلَاوَتِهِ خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ. (قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ يُبَاشِرْ فِيهِ إلَخْ) أَيْ مَعَ إمْكَانِ الْمُبَاشَرَةِ فِيهِ، لِمَا فِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ: إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ الْمَعْلُومَ لِأَحَدٍ يَسْتَحِقُّهُ عِنْدَ قِيَامِ الْمَانِعِ مِنْ الْعَمَلِ وَلَمْ يَكُنْ بِتَقْصِيرِهِ سَوَاءٌ كَانَ نَاظِرًا أَوْ غَيْرَهُ كَالْجَابِي اهـ وَكَذَا الْمُدَرِّسُ إذَا دَرَّسَ فِي مَدْرَسَةٍ أُخْرَى لِتَعَذُّرِ التَّدْرِيسِ فِي مَدْرَسَتِهِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ النَّهْرِ بَحْثًا قُبَيْلَ الْفُرُوعِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهِ فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَةِ] ِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَحْكَامِ الْوَصَايَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَعْيَانِ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْوَصَايَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَنَافِعِ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْأَعْيَانِ وُجُودًا فَأَخَّرَهَا عَنْهَا وَضْعًا عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ) أَيْ لِمُعَيَّنٍ. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ دَارِهِ أَوْ عَبْدِهِ فِي الْمَسَاكِينِ جَازَ، وَبِالسُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا لِمَعْلُومٍ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ عَيْنُ مَالٍ يُتَصَدَّقُ بِهِ وَالْخِدْمَةُ وَالسُّكْنَى لَا يُتَصَدَّقُ بِهَا بَلْ تُعَارُ الْعَيْنُ لِأَجْلِهَا وَالْإِعَارَةُ لَا تَكُونُ إلَّا لِمَعْلُومٍ. وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عَلَى قِيَاسِ مَنْ يُجِيزُ الْوَقْفَ وَتَمَامُ الْفَرْقِ فِي الْبَدَائِعِ اهـ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَأَبَدًا) وَإِنْ أَطْلَقَ فَعَلَى الْأَبَدِ، وَإِنْ أَوْصَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 691 كَمَا فِي الْوَقْفِ كَمَا بَسَطَ فِي الدُّرَرِ (وَبَغْلَتِهِمَا، فَإِنْ خَرَجَتْ الرَّقَبَةُ مِنْ الثُّلُثِ سُلِّمَتْ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُوصَى لَهُ (لَهَا) أَيْ لِأَجْلِ الْوَصِيَّةِ (وَإِلَّا) تَخْرُجَ مِنْ الثُّلُثِ (تُقْسَمُ الدَّارُ أَثْلَاثًا) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالسُّكْنَى، أَمَّا الْوَصِيَّةُ بِالْغَلَّةِ فَلَا تُقْسَمُ عَلَى الظَّاهِرِ (وَتَهَايَآ الْعَبْدَ فَيَخْدُمُهُمْ أَثْلَاثًا) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُ الْعَبْدِ وَالدَّارِ وَإِلَّا فَخِدْمَةُ الْعَبْدِ وَقِسْمَةُ الدَّارِ بِقَدْرِ ثُلُثِ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا أَفَادَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ بَيْعُ مَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ ثُلُثِهَا) عَلَى الظَّاهِرِ لِثُبُوتِ حَقِّهِ فِي سُكْنَى كُلِّهَا بِظُهُورِ مَالٍ آخَرَ أَوْ بِخَرَابِ مَا فِي يَدِهِ فَحِينَئِذٍ يُزَاحِمُهُمْ فِي بَاقِيهَا وَالْبَيْعُ يُنَافِيهِ فَمُنِعُوا عَنْهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَهُمْ ذَلِكَ. (وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ أَوْ السُّكْنَى أَنْ يُؤَجِّرَ الْعَبْدَ أَوْ الدَّارَ) لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ عَلَى أَصْلِنَا، فَإِذَا مَلَكَهَا بِعِوَضٍ كَانَ مُمَلَّكًا أَكْثَرَ مِمَّا مَلَكَهُ يَعْنِي وَهُوَ لَا يَجُوزُ (وَلَا لِلْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ اسْتِخْدَامُهُ) أَيْ الْعَبْدِ (أَوْ سُكْنَاهَا) أَيْ الدَّارِ (فِي الْأَصَحِّ) وَمِثْلُهُ الدَّارُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَيْهِ،   [رد المحتار] بِسِنِينَ فَعَلَى ثَلَاثٍ، وَكَذَا الْوَصِيَّةُ بِغَلَّةِ الْعَبْدِ وَالدَّارِ اهـ مِسْكِينٌ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْوَقْفِ) فَإِنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ يَسْتَوْفِي مَنَافِعَ الْوَقْفِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ (قَوْلُهُ وَبِغَلَّتِهِمَا) أَيْ الْعَبْدِ وَالدَّارِ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ مَعْنَى الْغَلَّةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ خَرَجَتْ الرَّقَبَةُ مِنْ الثُّلُثِ) أَيْ رَقَبَةُ الْعَبْدِ وَالدَّارُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالْغَلَّةُ، وَقَيَّدَ بِالرَّقَبَةِ لِمَا فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى الْأَعْيَانِ الَّتِي أَوْصَى فِيهَا، فَإِنْ كَانَ رِقَابُهَا مِقْدَارَ الثُّلُثِ جَازَ وَلَا تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ وَالثَّمَرَةِ وَالْغَلَّةِ وَالسُّكْنَى لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَعْيَانِ مَنَافِعُهَا، فَإِذَا صَارَتْ الْمَنَافِعُ مُسْتَحَقَّةً وَبَقِيَتْ الْعَيْنُ عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْنِ الَّتِي لَا مَنْفَعَةَ لَهَا فَلِذَا تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الرَّقَبَةِ كَأَنَّ الْوَصِيَّةَ وَقَعَتْ بِهَا اهـ. أَقُولُ: وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ الْأَشْبَاهِ: إنَّ التَّبَرُّعَ بِالْمَنَافِعِ نَافِذٌ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ تُقْسَمُ الدَّارُ أَثْلَاثًا) زَادَ فِي الْغُرَرِ أَوْ مُهَايَأَةً أَيْ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ، وَالْأَوَّلُ أَعْدَلُ لِإِمْكَانِ الْقِسْمَةِ بِالْأَجْزَاءِ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا زَمَانًا وَذَاتًا، وَفِي الْمُهَايَأَةِ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا زَمَانًا اهـ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَإِلَّا فَالْمُهَايَأَةُ لَا غَيْرُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ فَلَا تُقْسَمُ) أَيْ الدَّارُ نَفْسُهَا، أَمَّا الْغَلَّةُ فَتُقْسَمُ. قَالَ الأتقاني: إذَا أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ أَوْ دَارِهِ سَنَةً وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَلَهُ ثُلُثُ غَلَّةِ تِلْكَ السَّنَةِ لِأَنَّهَا عَيْنُ مَالٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ اهـ. فَلَوْ قَاسَمَهُمْ الْبُسْتَانَ فَغَلَّ أَحَدَ النَّصِيبَيْنِ فَقَطْ اشْتَرَكُوا فِيهَا لِبُطْلَانِ الْقِسْمَةِ سَائِحَانِيٌّ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إذْ حَقُّهُ فِي الْغَلَّةِ لَا فِي عَيْنِ الدَّارِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الثَّانِي تُقْسَمُ لِيَسْتَغِلَّ ثُلُثَهَا شُرُنْبُلَالِيَّةُ عَنْ الْكَافِي (قَوْلُهُ وَتَهَايَآ الْعَبْدَ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ بِالْأَجْزَاءِ (قَوْلُهُ فَيَخْدُمُهُمْ أَثْلَاثًا) أَيْ يَخْدُمُ الْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا أَبَدًا إلَّا إنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِسَنَةٍ مَثَلًا، فَلَوْ السَّنَةُ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ فَإِلَى مُضِيِّ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَوْ مُعَيَّنَةً فَإِلَى مُضِيِّهَا إنْ مَاتَ الْمُوصِي قَبْلَهَا أَوْ فِيهَا ثُمَّ تُسَلَّمُ إلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَإِنْ مَاتَ الْمُوصِي بَعْدَهَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ مِنَحٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ قِسْمَةُ الدَّارِ وَمُهَايَأَةُ الْعَبْدِ أَثْلَاثًا (قَوْلُهُ بِقَدْرِ ثُلُثِ جَمِيعِ الْمَالِ) مِثَالُهُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ نِصْفَ التَّرِكَةِ يَخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ يَوْمَيْنِ وَالْوَرَثَةَ يَوْمًا لِأَنَّ ثُلُثَيْ الْعَبْدِ ثُلُثُ التَّرِكَةِ فَصَارَ الْمُوصَى بِهِ ثُلُثَيْ الْعَبْدِ وَثُلُثُهُ لِلْوَرَثَةِ فَيُقْسَمُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ تُخَرَّجُ بَقِيَّةُ مَسَائِلِهِ اخْتِيَارٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ إلَخْ) أَيْ وَإِنَّمَا صَحَّ لِلْمَالِكِ أَنْ يُؤْجِرَ بِبَدَلٍ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا تَبَعًا لِمِلْكِ الْعَيْنِ وَالْمُسْتَأْجِرُ إنَّمَا مَلَكَ أَنْ يُؤْجِرَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا الْمَنْفَعَةَ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَهَا بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ كَانَتْ مَالًا بِخِلَافِ مِلْكِهَا بِعَقْدِ تَبَرُّعٍ كَمَا نَحْنُ فِيهِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) كَذَا فِي الْمُلْتَقَى وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْغَلَّةَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَقَدْ وَجَبَتْ الْوَصِيَّةُ بِهَا وَهَذَا اسْتِيفَاءُ الْمَنَافِعِ وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ وَيَتَفَاوَتَانِ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ دَيْنٌ يُمْكِنُهُمْ أَدَاؤُهُ مِنْ الْغَلَّةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 692 وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى شَرْحُ الْوَهْبَانِيَّةِ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَنْفَعَةِ لَا الْعَيْنِ، وَقَدْ عَلِمْت الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا. (وَلَا يُخْرِجُ) الْمُوصَى لَهُ (الْعَبْدَ) الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ (مِنْ الْكُوفَةِ) مَثَلًا (إلَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ مَكَانُهُ) وَأَهْلُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ (إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ) وَإِلَّا فَلَا يُخْرِجُهُ (إلَّا بِإِذْنِ الْوَرَثَةِ) لِبَقَاءِ حَقِّهِمْ فِيهِ (وَبِمَوْتِهِ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ (فِي حَيَاةِ الْمُوصِي بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ (وَبَعْدَ مَوْتِهِ يَعُودُ) الْعَبْدُ وَالدَّارُ (إلَى الْوَرَثَةِ) أَيْ وَرَثَةِ الْمُوصِي   [رد المحتار] بِالِاسْتِرْدَادِ مِنْهُ بَعْدَ اسْتِغْلَالِهَا وَلَا يُمْكِنُهُمْ مِنْ الْمَنَافِعِ بَعْدَ اسْتِيفَائِهَا بِعَيْنِهَا اهـ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فِي الْوَصِيَّةِ بِغَلَّةِ دَارِهِ لِرَجُلٍ تُؤْجَرُ وَيُدْفَعُ إلَيْهِ غَلَّاتُهَا، فَإِنْ أَرَادَ السُّكْنَى بِنَفْسِهِ قَالَ الْإِسْكَافُ لَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ سَعِيدٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَالْوَصِيَّةُ أُخْتُ الْوَقْفِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْفَتْوَى فِي الْوَقْفِ عَلَى هَذَا بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ: وَهَذَا مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ مُسَلَّمٌ، أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ فَيَظْهَرُ الْفَرْقُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ وَهْبَانَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا هِيَ بِالْغَلَّةِ وَالسُّكْنَى مُعْدَمَةٌ لَهَا فَيَفُوتُ مَقْصُودُ الْمُوصِي، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ الِانْتِفَاعِ بِالسُّكْنَى أَوْ بِالْغَلَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ الْخِلَافُ فِي الْوَقْفِ مِنْ بَابِ أَوْلَى اهـ. وَحَاصِلُهُ النِّزَاعُ مَعَ صَاحِبِ الظَّهِيرِيَّةِ فِي دَعْوَاهُ الْأَوْلَوِيَّةِ. قُلْت: فَلَوْ صَرَّحَ الْوَاقِفُ بِأَنَّهَا لِلِاسْتِغْلَالِ فَالْأَوْلَوِيَّةُ ظَاهِرَةٌ، هَذَا. وَلَكِنَّ لِلْعَلَّامَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ رِسَالَةٌ حَاصِلُهَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِغْلَالَ مُسْتَحِقُّ السُّكْنَى. وَاخْتُلِفَ فِي عَكْسِهِ وَالرَّاجِحُ الْجَوَازُ فَتَأَمَّلْ، وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْوَهْبَانِيَّةِ هُنَا وَفِي كِتَابِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَنْفَعَةِ لَا الْعَيْنِ) أَيْ حَقَّ الْمُوصَى لَهُمْ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، وَالْمُرَادُ بِالْعَيْنِ الْغَلَّةُ فَإِنَّهَا عَيْنُ مَالٍ كَمَا مَرَّ، لَكِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يُثْبِتُ خِلَافَ الْمَطْلُوبِ وَيَصْلُحُ تَعْلِيلًا لِعَكْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ إلَخْ. فَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ فِي بَدَلِ الْمَنْفَعَةِ لَا فِيهَا لِأَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ أَعْنِي مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ لَكِنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِهِ هَذَا الْفَرْقُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْمَنْفَعَةِ الِاسْتِغْلَالُ لَا الْخِدْمَةُ وَالسُّكْنَى، وَبِالْعَيْنِ ذَاتُ الْعَبْدِ وَالدَّارِ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ وَقَدْ عَلِمْت الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ لَيْسَ لَهُ قِسْمَةُ الدَّارِ أَيْ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي عَيْنِهَا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا يُخْرِجُ إلَخْ) . قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْعَبْدَ مِنْ الْكُوفَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ وَأَهْلُهُ فِي غَيْرِ الْكُوفَةِ فَيُخْرِجُهُ إلَى أَهْلِهِ لِيَخْدُمَهُ هُنَاكَ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا تَنْفُذُ عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ مَقْصُودِ الْمُوصِي، فَإِذَا كَانُوا فِي مِصْرِهِ فَمَقْصُودُهُ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ خِدْمَتِهِ فِيهِ بِدُونِ أَنْ يَلْزَمَهُ مَشَقَّةُ السَّفَرِ، وَإِذَا كَانُوا فِي غَيْرِهِ فَمَقْصُودُهُ أَنْ يُحْمَلَ الْعَبْدُ إلَى أَهْلِهِ لِيَخْدُمَهُمْ اهـ. وَفِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ: فَلَوْ خَرَجَ بِأَهْلِهِ مِنْ بَلَدِ الْمُوصِي وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُوصِي لَيْسَ لَهُ إخْرَاجُ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ مَكَانَهُ إلَخْ) الْإِشَارَةُ عَلَى ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْمَتْنِ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي يُرِيدُ إخْرَاجَهُ إلَيْهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمِنَحِ. وَأَمَّا عَلَى حَلِّ الشَّارِحِ فَالْإِشَارَةُ إلَى الْمَخْرَجِ الَّذِي هُوَ الْمُوصَى لَهُ لَا إلَى الْكُوفَةِ كَمَا قَالَ ح لِعَدَمِ مُلَاءَمَتِهِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَأَهْلُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَعَلَى مَا قُلْنَا فَاسْمُ الْإِشَارَةِ اسْمُ كَانَ وَمَكَانُهُ مُبْتَدَأٌ وَأَهْلُهُ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ كَانَ وَفِيهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ وَيَقَعُ لَهُ ذَلِكَ كَثِيرًا. وَيَجُوزُ إرْجَاعُ الْإِشَارَةِ إلَى الْكُوفَةِ وَالضَّمِيرُ فِي مَكَانِهِ لِلْعَبْدِ وَفِي أَهْلِهِ لِلْمُوصِي. وَعِبَارَةُ الْمَوَاهِبِ: وَلَا يُسَافِرُ بِهِ إلَّا لِبَلَدِهِ (قَوْلُهُ وَبَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ الْمُوصِي وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي أَيْ وَبِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي يَعُودُ إلَخْ (قَوْلُهُ يَعُودُ الْعَبْدُ وَالدَّارُ) أَيْ خِدْمَةُ الْعَبْدِ وَسُكْنَى الدَّارِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 693 بِحُكْمِ الْمِلْكِ وَلَوْ أَتْلَفَهُ الْوَرَثَةُ ضَمِنُوا قِيمَتَهُ لِيَشْتَرِيَ بِهَا عَبْدًا يَقُومُ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَلِهَذَا يُمْنَعُ الْمَرِيضُ مِنْ التَّبَرُّعِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّهْنِ. وَلَوْ أَوْصَى بِهَذَا الْعَبْدِ لِفُلَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ صَحَّ وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَنَفَقَتُهُ إذَا لَمْ يُطِقْ الْخِدْمَةَ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الْخِدْمَةَ فَيَصِيرَ كَالْكَبِيرِ، وَنَفَقَةُ الْكَبِيرِ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ، وَإِنْ أَبَى الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ رَدَّهُ إلَى مَنْ لَهُ الرَّقَبَةُ كَالْمُسْتَعِيرِ مَعَ الْمُعِيرِ، فَإِنْ جَنَى فَالْفِدَاءُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ، وَلَوْ أَبَى فَدَاهُ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ أَوْ دَفَعَهُ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ (وَبِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ فَمَاتَ وَ) الْحَالُ أَنَّ فِيهِ ثَمَرَةً لَهُ (هَذِهِ الثَّمَرَةُ) فَقَطْ (وَإِنْ زَادَ أَبَدًا لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَمَا يَسْتَقْبِلُ كَمَا) فِي الْوَصِيَّةِ (بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ) فَإِنَّ لَهُ هَذَا وَمَا يَحْدُثُ ضَمَّ أَبَدًا أَوْ لَا   [رد المحتار] وَغَلَّتُهُمَا كَمَا عَبَّرَ الأتقاني لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُوصَى بِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ) أَيْ مِلْكِ الْمُوصِي أَوْ وَرَثَتِهِ فَلَا يَعُودُ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ. وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ: فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ عَادَ إلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْمُوصِيَ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ لِيَسْتَوْفِيَ الْمَنَافِعَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ، وَلَوْ انْتَقَلَ إلَى وَارِثِ الْمُوصَى لَهُ اسْتَحَقَّهَا ابْتِدَاءً مِنْ مِلْكِ الْمُوصِي مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَتْلَفَهُ الْوَرَثَةُ) أَيْ أَتْلَفُوا الْعَبْدَ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا إلَخْ) أَيْ لِأَجْلِ الْغَرَامَةِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ مُنِعَ مُوَرِّثُهُمْ عَنْ التَّبَرُّعِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لِئَلَّا تَلْزَمَهُمْ غَرَامَةُ كُلِّ الْمَالِ لَوْ لَزِمَتْ فِيهِ الْوَصِيَّةُ وَجَنَوْا عَلَيْهَا، وَهَذَا تَعْلِيلٌ عَلِيلٌ سَائِحَانِيٌّ وَرَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ صَحَّ) فَإِذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يَعُودُ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ (قَوْلُهُ وَنَفَقَتُهُ إذَا لَمْ يُطْلِقْ الْخِدْمَةَ إلَخْ) أَيْ لِصِغَرٍ وَكَذَا لِمَرَضٍ وَتَمَامُهُ فِي الْكِفَايَةِ، لَكِنْ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: إذَا مَرِضَ مَرَضًا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَنَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُرْجَى فَعَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ (قَوْلُهُ وَنَفَقَةُ الْكَبِيرِ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ جَنَى فَالْفِدَاءُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ) وَبَعْدَ مَوْتِهِ تَرْجِعُ بِهِ وَرَثَتُهُ عَلَى مَنْ لَهُ الرَّقَبَةُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ الْمُنْتَفِعُ بِهَا وَذَاكَ كَانَ مُضْطَرًّا إلَيْهِ، فَإِنْ أَبَى يُبَاعُ فِيهِ، إذْ لَوْلَا الْفِدَاءُ لَكَانَ مُسْتَحِقًّا بِالْجِنَايَةِ وَلْوَالِجِيَّةٌ وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْقَوْلِ فِي الْمِلْكِ (قَوْلُهُ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ) أَيْ فِي صُورَتَيْ الْفِدَاءِ وَالدَّفْعِ وَبَيَانُهُ فِي السَّابِعِ مِنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ. [تَتِمَّةٌ] لَمْ يُبَيِّنْ مَا إذَا أَوْصَى بِالْغَلَّةِ وَلَا غَلَّةَ فِيهَا، وَبَيَّنَهُ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ فَقَالَ: لَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ نَخْلَةٍ أَبَدًا لِرَجُلٍ وَلِآخَرَ بِرَقَبَتِهَا وَلَمْ تُدْرَكْ وَلَمْ تُحْمَلْ فَالنَّفَقَةُ فِي سَقْيِهَا وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ، لِأَنَّ هَذِهِ النَّفَقَةَ نُمُوُّ مِلْكِهِ وَلَا يَنْتَفِعُ صَاحِبُ الْغَلَّةِ بِذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ النَّفَقَةِ، فَإِذَا أَثْمَرَتْ فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ ذَلِكَ تَرْجِعُ إلَيْهِ فَإِنَّ الثَّمَرَةَ بِهَا تَحْصُلُ، فَإِنْ حَمَلَتْ عَامًا ثُمَّ أَحَالَتْ فَلَمْ تَحْمِلْ شَيْئًا فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ ذَلِكَ تَرْجِعُ لِصَاحِبِ الْغَلَّةِ، فَإِنَّ الْأَشْجَارَ الَّتِي مِنْ عَادَتِهَا أَنْ تَحْمِلَ فِي سَنَةٍ وَلَا تَحْمِلُ فِي سَنَةٍ يَكُونُ ثَمَرُهَا فِي السَّنَةِ الَّتِي تَحْمِلُ فِيهَا أَجْوَدَ مِنْهُ وَأَكْبَرَ إذَا كَانَتْ تَحْمِلُ كُلَّ عَامٍ وَهُوَ نَظِيرُ نَفَقَةِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ فَإِنَّهَا عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ هُوَ يَنَامُ بِاللَّيْلِ وَلَا يَخْدُمُ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَرَاحَ بِالنَّوْمِ لَيْلًا كَانَ أَقْوَى عَلَى الْخِدْمَةِ بِالنَّهَارِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَأَنْفَقَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْمِلَ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي نَفَقَتَهُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى الْإِنْفَاقِ كَيْ لَا يَتْلَفَ مِلْكُهُ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَلَكِنَّهُ يَسْتَوْفِي النَّفَقَةَ مِنْ الثِّمَارِ وَمَا يَبْقَى مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْغَلَّةِ. اهـ ط عَنْ سَرِيِّ الدِّينِ (قَوْلُهُ فَمَاتَ وَالْحَالُ إلَخْ) أَيْ مَاتَ الْمُوصِي فِي حَالِ وُجُودِ ثَمَرَةٍ فِي الْبُسْتَانِ (قَوْلُهُ لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ إنْ خَرَجَ الْبُسْتَانُ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ ضُمَّ أَبَدًا أَوْ لَا) وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ عُرْفًا فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا بِدَلَالَةٍ زَائِدَةٍ مِثْلُ التَّنْصِيصِ عَلَى الْأَبَدِ، أَمَّا الْغَلَّةُ فَتَنْتَظِمُ الْمَوْجُودَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 694 (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ) أَيْ الْبُسْتَانِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا (ثَمَرَةٌ) حِينَ الْوَصِيَّةِ (فَهِيَ) كَالْوَصِيَّةِ (بِالْغَلَّةِ) فِي تَنَاوُلِهَا الثَّمَرَةَ الْمَعْدُومَةَ مَا عَاشَ الْمُوصَى لَهُ زَيْلَعِيٌّ. وَفِي الْعِنَايَةِ: السَّقْيُ وَالْخَرَاجُ وَمَا فِيهِ إصْلَاحُ الْبُسْتَانِ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِهِ فَصَارَ كَالنَّفَقَةِ فِي فَصْلِ الْخِدْمَةِ. [تَنْبِيهٌ] الْغَلَّةُ كُلُّ مَا يَحْصُلُ مِنْ رِيعِ الْأَرْضِ وَكِرَائِهَا وَأُجْرَةِ الْغُلَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَذَا فِي جَامِعِ اللُّغَةِ. قُلْت: وَظَاهِرُهُ دُخُولُ ثَمَنِ الْحَوَرِ وَنَحْوِهِ فِي الْغَلَّةِ فَيُحَرَّرُ (وَبِصُوفِ غَنَمِهِ وَوَلَدِهَا وَلَبَنِهَا لَهُ مَا) بَقِيَ (فِي وَقْتِ مَوْتِهِ، سَوَاءٌ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَا) لِأَنَّ الْمَعْدُومَ مِنْهَا لَا يُسْتَحَقُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ. (أَوْصَى بِجَعْلِ دَارِهِ مَسْجِدًا وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ، وَأَجَازُوا تُجْعَلُ مَسْجِدًا) لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِإِجَازَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ   [رد المحتار] وَمَا بِعَرْضِ الْمَوْجُودِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى عُرْفًا دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ثَمَرَةٌ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ فَمَاتَ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ (قَوْلُهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا) يَعْنِي أَوْصَى بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ بِلَا زِيَادَةِ لَفْظِ أَبَدًا فَمَاتَ وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ثَمَرَةٌ (قَوْلُهُ حِينَ الْوَصِيَّةِ) صَوَابُهُ حِينَ الْمَوْتِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ، وَبِهِ صَرَّحَ الطُّورِيُّ (قَوْلُهُ زَيْلَعِيٌّ) قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ حَقِيقَةً وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا مَجَازًا، فَإِذَا كَانَ فِيهِ ثَمَرَةٌ عِنْدَ الْمَوْتِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَجَازَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ثَمَرَةٌ يَتَنَاوَلُ الْمَجَازَ، وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ لَفْظَ الْأَبَدِ تَنَاوَلَهُمَا بِعُمُومِ الْمَجَازِ لَا جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ اهـ. [تَنْبِيهٌ] أَوْصَى بِغَلَّةِ أَرْضِهِ وَلَا شَجَرَ فِيهَا وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا تُؤْجَرُ وَيُعْطَى صَاحِبُ الْغَلَّةِ ثُلُثَ الْأَجْرِ، وَلَوْ فِيهَا شَجَرٌ يُعْطَى ثُلُثَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ. وَلَوْ اشْتَرَى الْمُوصَى لَهُ الْبُسْتَانَ مِنْ الْوَرَثَةِ جَازَ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَلَوْ تَرَاضَوْا عَلَى شَيْءٍ دَفَعُوهُ إلَيْهِ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ الْغَلَّةَ جَازَ، وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْ سُكْنَى الدَّارِ وَخِدْمَةِ الْعَبْدِ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ هَذِهِ الْحُقُوقِ طُورِيٌّ (قَوْلُهُ وَكِرَائِهَا) الْكِرَاءُ الْأُجْرَةُ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ كَارَى وَمِنْهُ الْمُكَارِي بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ كَذَا فِي جَامِعِ اللُّغَةِ) وَكَذَا فِي الْمُغْرِبِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ دُخُولُ ثَمَنِ الْحَوَرِ وَنَحْوِهِ) أَيْ مِمَّا لَا ثَمَرَ لَهُ كَالصَّفْصَافِ وَالسَّرْوِ، ثُمَّ الْحَوَرِ بِمُهْمَلَتَيْنِ: وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الشَّجَرِ، وَأَهْلُ الشَّامِ يُسَمُّونَ الدُّلْبَ حَوَرًا وَهُوَ بِفَتْحَتَيْنِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الرَّاعِي أَنْشَدَهُ صَاحِبُ التَّكْمِلَةِ كَالْجَوْزِ يَنْطِقُ بِالصَّفْصَافِ وَالْحَوَرِ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ فَيُحَرَّرُ) أَقُولُ: التَّحْرِيرُ فِيهِ أَنَّهُ يُدْخِلُ نَفْسَ الْحَوَرِ لَا ثَمَنَهُ لِأَنَّ الْحَوَرَ نَفْسُ الْغَلَّةِ الْمُوصَى بِهَا إذْ لَا يُقْصَدُ بِهِ إلَّا الْخَشَبُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: أَوْصَى بِغَلَّةِ كَرْمِهِ لِإِنْسَانٍ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ يَدْخُلُ الْقَوَائِمُ وَالْأَوْرَاقُ وَالثِّمَارُ وَالْحَطَبُ، فَإِنَّهُ لَوْ دَفَعَ الْكَرْمَ مُعَامَلَةً يَكُونُ كُلُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَالثَّمَرِ اهـ (قَوْلُهُ وَوَلَدِهَا) أَيْ حَمْلِهَا وَلْوَالِجِيَّةٌ، وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ وَالْوَلَدِ فِي الْبَطْنِ (قَوْلُهُ لَهُ مَا بَقِيَ) الْأَوْضَحُ لَهُ مَا وَجَدَ. قَالَ فِي الْمِنَحِ لِأَنَّهُ إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَوْمئِذٍ اهـ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى تَمْلِيكَ الْمَعْدُومِ إلَّا أَنَّ فِي الثَّمَرَةِ وَالْغَلَّةِ الْمَعْدُومَةِ جَاءَ الشَّرْعُ بِوُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا كَالْمُعَامَلَةِ وَالْإِجَارَةِ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ جَوَازَهُ فِي الْوَصِيَّةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ بَابَهَا أَوْسَعُ، أَمَّا الْوَلَدُ الْمَعْدُومُ وَأُخْتَاهُ لَا يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا أَصْلًا وَلَا تُسْتَحَقُّ بِعَقْدٍ مَا أَصْلًا فَكَذَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ، بِخِلَافِ الْمَوْجُودِ مِنْهَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ تَبَعًا وَبِعَقْدِ الْخُلْعِ مَقْصُودًا فَكَذَا الْوَصِيَّةُ اهـ (قَوْلُهُ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهَا لِقَوْلِهِ بَعْدُ وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا يُجْعَلُ ثُلُثُهَا مَسْجِدًا ط الجزء: 6 ¦ الصفحة: 695 يُجِيزُوا يُجْعَلُ ثُلُثُهَا مَسْجِدًا رِعَايَةً لِجَانِبِ الْوَارِثِ وَالْوَصِيَّةِ (وَبِظَهْرِ مَرْكَبِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَطَلَتْ) لِأَنَّ وَقْفَ الْمَنْقُولِ بَاطِلٌ عِنْدَهُ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ. وَعِنْدَهُمَا يَجُوزَانِ دُرَرٌ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ حَيْثُ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ كَالْوَصِيَّةِ بِالْغَلَّةِ وَالصُّوفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ (أَوْصَى بِشَيْءٍ لِلْمَسْجِدِ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ، وَجَوَّزَهَا مُحَمَّدٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ أَفْتَى مَوْلَانَا صَاحِبُ الْبَحْرِ (إلَّا أَنْ يَقُولَ) الْمُوصِي (يُنْفِقُ عَلَيْهِ) فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا. (قَالَ: أَوْصَيْت بِثُلُثِي لِفُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ بَطَلَتْ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِجَهَالَةِ الْمُوصَى لَهُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهُمَا أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى أَخْذِ الثُّلُثِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ فَأَيُّهُمَا شَاءُوا أَعْطَوْا. فَصْلٌ فِي وَصَايَا الذِّمِّيِّ وَغَيْرِهِ (ذِمِّيٌّ جَعَلَ دَارِهِ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً) أَوْ بَيْتَ نَارٍ (فِي صِحَّتِهِ فَمَاتَ   [رد المحتار] قَوْلُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ بِلَا تَعْيِينِ إنْسَانٍ، أَمَّا لَوْ أَوْصَى بِظَهْرِ دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ اتِّفَاقًا اهـ غُرَرُ الْأَفْكَارِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزَانِ) أَيْ وَقْفُ الْمَنْقُولِ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ وَقْفًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: جَعَلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَرْكَبَةً وَقْفًا يَكُونُ فِي يَدِ الْإِمَامِ فَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، إذْ وَقْفُ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا لِلْآثَارِ وَلِلْإِبِلِ حُكْمُ الْكُرَاعِ اهـ (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ) أَيْ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ تَعْلِيلِ الْبُطْلَانِ. أَقُولُ: وَجَوَابُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ وَصِيَّةً حَقِيقِيَّةً إذْ هِيَ فِي مَعْنَى الْوَقْفِ عِنْدَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ كَالْوَصِيَّةِ بِجَعْلِ دَارِهِ مَسْجِدًا فَإِنَّهَا وَقْفٌ فِي الْمَعْنَى وَوَقْفُ الْمَنْقُولِ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ فَكَذَا هَذِهِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْغَلَّةِ وَالصُّوفِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْوَقْفِ أَصْلًا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لَمْ تَجُزْ) كَذَا فِي الْغُرَرِ، وَعَزَاهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَى الْكَافِي، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ جَازَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي وَصَايَا الذِّمِّيِّ وَغَيْرِهِ] ِ أَيْ الْمُسْتَأْمَنِ وَصَاحِبِ الْهَوَى وَالْمُرْتَدَّةِ وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ سَاقِطَةٌ فِي الْمِنَحِ. وَاعْلَمْ أَنَّ وَصَايَا الذِّمِّيِّ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ، كَمَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُسْرَجَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ بِأَنْ تُغْزَى التُّرْكُ وَهُوَ مِنْ الرُّومِ سَوَاءٌ كَانَ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ لَا. وَالثَّانِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِمَا لَيْسَ قُرْبَةً عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ، كَمَا إذَا أَوْصَى لِلْمُغَنِّيَاتِ وَالنَّائِحَاتِ أَوْ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا فَقَطْ كَالْحَجِّ وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ لِلْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَيَصِحُّ تَمْلِيكًا. وَالثَّالِثُ مُخْتَلِفٌ فِيهِ، وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ فَقَطْ كَبِنَاءِ الْكَنِيسَةِ لِغَيْرِ مُعَيَّنِينَ فَيَجُوزُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا وَإِنْ لِمُعَيَّنِينَ جَازَ إجْمَاعًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ وَصِيَّتَهُ لِمُعَيَّنِينَ تَجُوزُ فِي الْكُلِّ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لَهُمْ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجِهَةِ مِنْ إسْرَاجِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهِ خَرَجَ عَلَى طَرِيقِ الْمَشُورَةِ لَا الْإِلْزَامِ فَيَفْعَلُونَ بِهِ مَا شَاءُوا لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ، وَالْوَصِيَّةُ إنَّمَا صَحَّتْ بِاعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ لَهُمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 696 فَهِيَ مِيرَاثٌ) لِأَنَّهُ كَوَقْفٍ لَمْ يُسَجَّلْ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَلَيْسَ هُوَ كَالْمَسْجِدِ لِأَنَّهُمْ يَسْكُنُونَ وَيَدْفِنُونَ فِيهِ مَوْتَاهُمْ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ كَذَلِكَ يُورَثُ قَطْعًا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَصِرْ مُحَرَّرًا خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى. (وَإِنْ أَوْصَى الذِّمِّيُّ أَنْ يَبْنِيَ دَارِهِ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً لِمُعَيَّنِينَ فَهُوَ جَائِزٌ مِنْ الثُّلُثِ وَيُجْعَلُ تَمْلِيكًا، وَإِنْ) أَوْصَى (بِدَارِهٍ أَنْ تُبْنَى كَنِيسَةً) أَوْ بِيعَةً (فِي الْقُرَى) فَلَوْ فِي الْمِصْرِ لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا (لِقَوْمٍ غَيْرِ مُسَمَّيْنَ صَحَّتْ) عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ. وَلَهُ أَنَّهُمْ يُتْرَكُونَ وَمَا يَدِينُونَ فَتَصِحُّ (كَوَصِيَّةِ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ) لَا وَارِثَ لَهُ هُنَا (بِكُلِّ مَالِهِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) كَذَا فِي الْوِقَايَةِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَنْ ثَمَّةَ لِأَنَّهُمْ أَمْوَاتٌ فِي حَقِّنَا. وَلَوْ أَوْصَى بِنِصْفِهِ مَثَلًا نَفَذَ وَرُدَّ بَاقِيهِ لِوَرَثَتِهِ لَا إرْثًا، بَلْ لِأَنَّهُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ فِي دَارِنَا، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لِمُسْتَأْمَنٍ مِثْلِهِ. وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ دَبَّرَهُ نَفَذَ مِنْ الْكُلِّ لِمَا قُلْنَا. وَلَوْ أَوْصَى لَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ جَازَ عَلَى الْأَظْهَرِ زَيْلَعِيٌّ   [رد المحتار] زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ فَهِيَ مِيرَاثٌ) أَيْ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي التَّخْرِيجِ شُرُنْبُلَالِيَّةُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَوَقْفٍ لَمْ يُسَجَّلْ) أَيْ لَمْ يُحْكَمْ بِلُزُومِهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُورَثُ كَالْوَقْفِ الْمَذْكُورِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا سَجَّلَ لَزِمَ كَالْوَقْفِ أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ هُوَ كَالْمَسْجِدِ) لَيْسَ مِنْ تَتِمَّةِ قَوْلِهِمَا بَلْ مِنْ تَتِمَّةِ قَوْلِهِ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ إنَّ هَذَا فِي حَقِّهِمْ كَالْمَسْجِدِ فِي حَقِّنَا وَالْمَسْجِدُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا كَذَلِكَ اهـ ح (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ كَذَلِكَ) كَمَا إذَا جَعَلَ دَارِهِ مَسْجِدًا وَتَحْتَهُ سِرْدَابٌ وَفَوْقَهُ بَيْتٌ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِمُعَيَّنِينَ) أَيْ مَعْلُومِينَ يُحْصَى عَدَدُهُمْ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ فَهُوَ جَائِزٌ) أَيْ اتِّفَاقًا وَلَا يَلْزَمُهُمْ جَعْلُهَا كَنِيسَةً كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فِي الْقُرَى) الْمُرَادُ بِالْقُرَى مَا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا فَكَالْأَمْصَارِ ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَالْبُرْجُنْدِيُّ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ غَيْرِ مُسَمَّيْنَ) بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ كَمُصْطَفَيْنَ، وَفِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ بِيَاءَيْنِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ، فَإِنَّ الْيَاءَ الْأُولَى حُذِفَتْ بَعْدَ قَلْبِهَا أَلْفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ) أَيْ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَمْلِيكًا لِعَدَمِ تَعْيِينِهِمْ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِنَفْيِ الصِّحَّةِ عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّهُمْ يُتْرَكُونَ وَمَا يَدِينُونَ) فَإِنَّ هَذَا قُرْبَةٌ فِي اعْتِقَادِهِمْ، وَلِذَا لَوْ أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ حَقِيقَةً، مَعْصِيَةٌ فِي مُعْتَقَدِهِمْ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا لِاعْتِقَادِهِمْ. وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَ الْبِنَاءِ وَالْوَصِيَّةِ أَنَّ الْبِنَاءَ نَفْسَهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِزَوَالِ مِلْكِ الْبَانِي، وَالْوَصِيَّةُ وُضِعَتْ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ هِدَايَةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ كَوَصِيَّةِ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ) قَيَّدَ بِهِ، لِأَنَّ وَصِيَّةَ الذِّمِّيِّ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا تَصِحُّ لِوَارِثِهِ، وَتَجُوزُ لِذِمِّيٍّ مِنْ غَيْرِ مِلَّتِهِ لَا لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ اهـ مُلْتَقًى (قَوْلُهُ لَا وَارِثَ لَهُ هُنَا) أَيْ فِي دَارِنَا، وَمَفْهُومُهُ لَوْ كَانَ وَارِثُهُ هُنَا لَا تَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ. وَعَبَّرَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ هَذَا الْمَفْهُومِ بِقِيلَ فَأَفَادَ ضَعْفَهُ، لَكِنْ جَزَمَ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْوِقَايَةِ وَالْإِصْلَاحِ وَالْمُلْتَقَى، وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَيُفِيدُ ذَلِكَ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ الْمُتُونَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الشُّرُوح، وَبِهِ جَزَمَ الأتقاني مُسْتَنِدًا إلَى مَا فِي شَرْحِ السَّرَخْسِيِّ، لِأَنَّ حَقَّ وَارِثِهِ هُنَا مُعْتَبَرٌ بِسَبَبِ الْأَمَانِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ ثَمَّةَ شَارَكَ الْحَاضِرَ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا الثُّلُثُ اهـ (قَوْلُهُ كَذَا فِي الْوِقَايَةِ) كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ عَقِبَ قَوْلِهِ لَا وَارِثَ لَهُ هُنَا لِيُشِيرَ بِهِ إلَى مُخَالَفَةِ الزَّيْلَعِيِّ كَمَا ذَكَرْنَا (قَوْلُهُ وَلَا عِبْرَةَ بِمَنْ ثَمَّةَ) أَيْ بِوَرَثَتِهِ الَّذِينَ هُنَاكَ: أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، أَيْ لَا يُرَاعَى حَقُّهُمْ فِي إبْطَالِ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ (قَوْلُهُ وَرُدَّ بَاقِيَهْ لِوَرَثَتِهِ) مُرَاعَاةً لِحَقِّهِ أَيْ لَا لِحَقِّهِمْ، فَمِنْ حَقِّهِ تَسْلِيمُ مَالِهِ إلَى وَرَثَتِهِ إذَا فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ وَتَصَرُّفِهِ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا إرْثًا إلَخْ) كَذَا فِي الْمِنَحِ أَوَّلَ الْوَصَايَا، وَهُوَ نَفْيٌ لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ لِوَرَثَتِهِ، وَبَيَانٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا، فَإِنَّهُ هُنَاكَ لَمْ يَرُدَّ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَى وَرَثَتِهِ لِأَنَّ لَهُ مُسْتَحِقًّا وَهُوَ الْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ (قَوْلُهُ وَكَذَا) أَيْ تَصِحُّ (قَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا) مِنْ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِوَرَثَتِهِ ثَمَّةَ إلَخْ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ) مُقَابِلُهُ مَا عَنْ الشَّيْخَيْنِ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ لِأَنَّهُمْ فِي دَارِهِمْ حُكْمًا حَتَّى يُمْكِنَ مِنْ الرُّجُوعِ إلَيْهَا فَصَارَتْ كَالْإِرْثِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ وَلِهَذَا تَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ وَالْعَبْدِ بِخِلَافِ الْإِرْثِ زَيْلَعِيٌّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 697 (وَصَاحِبُ الْهَوَى إذَا كَانَ لَا يَكْفُرُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِ فِي الْوَصِيَّةِ) لِأَنَّا أُمِرْنَا بِبِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى ظَاهِرِ الْإِسْلَامِ (وَإِنْ كَانَ يَكْفُرُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَدِّ) فَتَكُونُ مَوْقُوفَةً عِنْدَهُ نَافِذَةً عِنْدَهُمَا شَرْحُ الْمَجْمَعِ. (وَالْمُرْتَدُّ فِي الْوَصِيَّةِ كَذِمِّيَّةٍ) فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ (الْوَصِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ) كَقَوْلِهِ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ مَالِي أَوْ ثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةٌ (لَا تَحِلُّ لِلْغَنِيِّ) لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى الْغَنِيِّ حَرَامٌ (وَإِنْ عُمِّمَتْ) كَقَوْلِهِ: يَأْكُلُ مِنْهَا الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، لِأَنَّ أَكْلَ الْغَنِيِّ مِنْهَا إنَّمَا يَصِحُّ بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ وَالتَّمْلِيكُ إنَّمَا يَصِحُّ لِمُعَيَّنٍ وَالْغَنِيُّ لَا مُعَيَّنَ وَلَا يُحْصَى. (وَلَوْ خُصَّتْ) الْوَصِيَّةُ (بِهِ) أَيْ بِالْغَنِيِّ كَقَوْلِهِ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ مَالِي وَصِيَّةٌ لِزَيْدٍ وَهُوَ غَنِيٌّ (أَوْ لِقَوْمٍ) أَغْنِيَاءَ (مَحْصُورِينَ حَلَّتْ لَهُمْ) لِصِحَّةِ تَمْلِيكِهِمْ (وَكَذَا) الْحُكْمُ (فِي الْوَقْفِ) كَمَا حَرَّرَهُ مُنْلَا خُسْرو: وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَقْفِ كَالْوَصِيِّ. . [فُرُوعٌ] أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلصَّلَوَاتِ جَازَ لِلْوَصِيِّ صَرْفُهُ لِلْوَرَثَةِ لَوْ مُحْتَاجِينَ يَعْنِي لِغَيْرِ قَرَابَةِ الْوِلَادِ مِمَّنْ يَجُوزُ صَرْفُ الْكَفَّارَةِ إلَيْهِمْ، بِخِلَافِ مُطْلَقِ الْوَصِيَّةِ لِلْمَسَاكِينِ فَإِنَّهَا تَجُوزُ لِكُلِّ وَرَثَتِهِ   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَصَاحِبُ الْهَوَى) . قَالَ السَّيِّدُ الْجُرْجَانِيُّ فِي تَعْرِيفَاتِهِ: أَهْلُ الْهَوَى أَهْلُ الْقِبْلَةِ الَّذِينَ لَا يَكُونُ مُعْتَقَدُهُمْ مُعْتَقَدَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُمْ الْجَبْرِيَّةُ وَالْقَدَرِيَّةُ وَالرَّوَافِضُ وَالْخَوَارِجُ وَالْمُعَطِّلَةُ وَالْمُشَبِّهَةُ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ اثْنَتَا عَشْرَةَ فِرْقَةً فَصَارُوا اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ لَا يَكْفُرُ) أَيْ بِهِ فَحَذَفَ الْجَارَ لِظُهُورِهِ ط (قَوْلُهُ فَتَكُونُ مَوْقُوفَةً) أَيْ إنْ أَسْلَمَ نَفَذَتْ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ بَطَلَتْ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ (قَوْلُهُ كَذِمِّيَّةٍ فِي الْأَصَحِّ) فَتَصِحُّ وَصَايَاهَا هِدَايَةٌ، وَقِيلَ لَا. قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي الزِّيَادَاتِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الذِّمِّيَّةَ تُقَرُّ عَلَى اعْتِقَادِهَا بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ: أَيْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ وَالْأَصَحَّ يَصْدُقَانِ اهـ أَيْ كَوْنُ أَحَدِهِمَا أَصَحَّ لَا يُنَافِي كَوْنَ الْآخَرِ صَحِيحًا، وَرَجَّحَ الزَّيْلَعِيُّ الْأَوَّلَ (قَوْلُهُ الْوَصِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ) أَيْ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ غَنِيٌّ وَلَا فَقِيرٌ فِيهَا، وَالْعَامَّةُ مَا ذُكِرَا فِيهَا ط (قَوْلُهُ وَهِيَ عَلَى الْغَنِيِّ حَرَامٌ) وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا هِبَةً لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ حَالًا فَإِنَّهَا تُجْعَلُ هِبَةً؛ لِمَا قَالُوا: إنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيِّ هِبَةٌ، وَالْهِبَةُ لِلْفَقِيرِ صَدَقَةٌ ط (قَوْلُهُ وَإِنْ عُمِّمَتْ) إنْ: وَصْلِيَّةٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ هُنَا صَحِيحَةٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ خَصَّهَا بِالْأَغْنِيَاءِ فَقَطْ، إذْ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا تَمْلِيكًا لِأَنَّهُمْ لَا يُحْصَوْنَ، وَلَا صَدَقَةً لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُنَبِّئُ عَنْ مَعْنَى الْحَاجَةِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ عَنْ الِاخْتِيَارِ فِي بَابِ الْوَصِيَّ ةِ لِلْأَقَارِبِ. (قَوْلُهُ وَالْغَنِيُّ لَا مُعَيَّنٌ) عِبَارَةُ الدُّرَرِ لَا يُعَيَّنُ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْوَقْفِ) يَعْنِي أَنَّ الْوَقْفَ الْمُطْلَقَ يَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ لَا يَحِلُّ لِلْغَنِيِّ وَإِنْ عَمَّمَ الْوَاقِفُ، وَإِذَا خَصَّصَهُ بِغَنِيٍّ مُعَيَّنٍ أَوْ بِقَوْمٍ مَحْصُورِينَ أَغْنِيَاءَ حَلَّ لَهُمْ وَيَمْلِكُونَ مَنَافِعَهُ لَا عَيْنَهُ دُرَرٌ. وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ السِّقَايَةَ وَالْمَقْبَرَةَ وَالرِّبَاطَ وَنَحْوَ ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا الْفَقِيرُ وَالْغَنِيُّ لِأَنَّ الْوَقْفَ يُقْصَدُ بِهَا الْعُمُومُ، فَإِذَا اكْتَفَى بِقَصْدِهِ الْعُمُومَ كَيْفَ يَمْتَنِعُ مَعَ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ فَلْيُحَرَّرْ اهـ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ الْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَقْفِ كَالْوَصِيِّ) أَيْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ الْمُتَوَلِّيَ أَخُو الْوَصِيِّ، وَمُنَاسَبَةُ ذَلِكَ هُنَا مَا ذَكَرَهُ مِنْ اتِّحَادِ حُكْمِ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ فِيمَا مَرَّ، فَقَدْ قَالُوا أَيْضًا: إنَّهُمَا أَخَوَانِ، وَقَالُوا: الْوَقْفُ يَسْتَقِي مِنْ الْوَصِيَّةِ، وَقَالُوا: إنَّهُمَا يَسْتَقِيَانِ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ [فُرُوعٌ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلصَّلَوَاتِ] (قَوْلُهُ يَعْنِي لِغَيْرِ قَرَابَةِ الْوِلَادِ) أَيْ بِغَيْرِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، وَهَذَا التَّقْيِيدُ ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ أَخْذًا مِمَّا قَالَهُ أَبُو الْقَاسِمِ: لَوْ أَوْصَى أَنْ يُعْطَى عَنْ كَفَّارَةِ صَلَوَاتِهِ لِوَلَدِ وَلَدِهِ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ فَإِنَّهُ يُعْطَى كَمَا أَمَرَ وَلَا يَجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ مِمَّنْ يَجُوزُ صَرْفُ الْكَفَّارَةِ إلَيْهِمْ) بِأَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 698 وَلِأَحَدِهِمْ يَعْنِي لَوْ مُحْتَاجِينَ حَاضِرِينَ بَالِغِينَ رَاضِينَ، فَلَوْ مِنْهُمْ صَغِيرٌ أَوْ غَائِبٌ أَوْ حَاضِرٌ غَيْرُ رَاضٍ لَمْ يَجُزْ. أَوْصَى بِكَفَّارَةِ صَلَاتِهِ لِرَجُلٍ مُعَيَّنٍ لَمْ تَجُزْ لِغَيْرِهِ بِهِ يُفْتَى لِفَسَادِ الزَّمَانِ. أَوْصَى لِصَلَوَاتِهِ، وَثُلُثُ مَالِهِ دُيُونٌ عَلَى الْمُعْسِرِينَ فَتَرَكَهَا الْوَصِيُّ لَهُمْ عَنْ الْفِدْيَةِ لَمْ تُجِزْهُ وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ ثُمَّ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِمْ. وَلَوْ أَمَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ فَمَاتَ فَغَصَبَ غَاصِبٌ ثُلُثَهَا مَثَلًا وَاسْتَهْلَكَهَا فَتَرَكَهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ وَهُوَ مُعْسِرٌ يُجْزِيهِ لِحُصُولِ قَبْضِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ. الْكُلُّ مِنْ الْقُنْيَةِ. وَفِي الْجَوَاهِرِ: أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَقَارٍ وَمَاتَ فَقُسِمَتْ التَّرِكَةُ وَالْمُوصَى لَهُ فِي الْبَلَدِ وَقَدْ عَلِمَ بِالْقِسْمَةِ وَلَمْ يَطْلُبْ ثُمَّ بَعْدَ سِنِينَ ادَّعَى تُسْمَعُ، وَلَا تَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ إنْ لَمْ يَكُنْ رَدَّ الْوَصِيَّةَ. أَوْصَى لَهُ بِدَارٍ فَبَاعَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ صَحَّ لِجَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي الْمُوصَى بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَقَفَتْ ضَيْعَتَهَا عَلَى وَلَدِهَا وَجَعَلَتْ عَمَّ الْوَلَدِ مُتَوَلِّيًا وَلِلْوَلَدِ أَبٌ فَالْمُتَوَلِّي أَوْلَى مِنْ الْأَبِ. شَرَى دَارًا وَأَوْصَى بِهَا لِرَجُلٍ فَأَخَذَهَا الشَّفِيعُ مِنْ يَدِ الْمُوصَى لَهُ يُؤْخَذُ بِالثَّمَنِ: وَلَوْ اسْتَحَقَّ الدَّارَ لَا يَرْجِعُ الْمُوصَى لَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ أَوْصَى بِمَالِ الْغَيْرِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بَابُ الْوَصِيِّ وَهُوَ الْمُوصَى إلَيْهِ   [رد المحتار] مُحْتَاجِينَ ط (قَوْلُهُ وَلِأَحَدِهِمْ) أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ الْجَمْعُ لِأَنَّ أَلْ الْجِنْسِيَّةَ أَبْطَلَتْ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ ط (قَوْلُهُ فَلَوْ مِنْهُمْ صَغِيرٌ) الْأَوْلَى زِيَادَةُ: أَوْ غَيْرُ مُحْتَاجٍ لِتَتِمَّ الْمُحْتَرَزَاتُ ط (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) أَيْ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ فَتَحْتَاجُ إلَى إجَازَةِ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، وَلَمْ تُوجَدْ مِنْ الْغَائِبِ وَغَيْرِ الرَّاضِي وَلَمْ تَصِحَّ مِنْ الصَّغِيرِ، وَهَلْ هَذِهِ الشُّرُوطُ لِلْقِسْمِ الثَّانِي أَوْ لِلْقِسْمَيْنِ؟ أَيْ كَفَّارَةِ الصَّلَاةِ وَالتَّبَرُّعِ يُحَرَّرُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْصَى بِكَفَّارَةِ صَلَاتِهِ) نَصَّ عَلَى الْكَفَّارَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِمُعَيَّنٍ بِوَصِيَّةٍ تَعَيَّنَ دَفْعُهَا إلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ ط (قَوْلُهُ لَمْ تَجُزْ لِغَيْرِهِ) أَيْ لَمْ يَجُزْ لِلْقَاضِي وَالْوَصِيِّ الصَّرْفُ إلَى غَيْرِهِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ لِفَسَادِ الزَّمَانِ) وَطَمَعِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ مِنَحٌ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا لَا يَصْرِفُهَا إلَى أَحَدٍ إذَا جَوَّزْنَا لَهُ مَنْعَهَا عَمَّنْ عَيَّنَهُ الْمَيِّتُ لِعَدَمِ مَنْ يُطَالِبُهُ بِهَا (قَوْلُهُ أَوْصَى لِصَلَوَاتِهِ) أَوْ صِيَامَاتِهِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ لَمْ تُجْزِهِ) وَقِيلَ تَجْزِيَا. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: قَالَ أُسْتَاذُنَا وَالْأَوَّلُ أَحَبُّ إلَيَّ حَتَّى تُوجَدَ الرِّوَايَةُ (قَوْلُهُ ثُمَّ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِمْ) أَيْ بِنِيَّةِ الْفِدْيَةِ وَإِلَّا لَمْ يَفْعَلْ الْمَأْمُورَ بِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ثُلُثَهَا) أَيْ ثُلُثَ التَّرِكَةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الدَّيْنِ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فَإِنَّهُ مَقْبُوضٌ قَبْلَ الْمَوْتِ. بَقِيَ لَوْ أَوْصَى بِكَفَّارَةِ صَلَوَاتِهِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا هَلْ يَجْزِيهِ لِحُصُولِ قَبْضِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ لَا يُرَاجَعُ (قَوْلُهُ فَبَاعَهَا) أَيْ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ: أَيْ الْمُوصِي (قَوْلُهُ لِجَوَازِ التَّصَرُّفِ إلَخْ) لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْقَبُولِ (قَوْلُهُ فَالْمُتَوَلِّي أَوْلَى مِنْ الْأَبِ) إنْ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ وَصِيِّ الْأُمِّ حَتَّى يَتَأَخَّرَ عَنْ الْأَبِ لِأَنَّ وَلَايَةَ الْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَقْفِ لَا عَلَى الْوَلَدِ (قَوْلُهُ يُؤْخَذُ الثَّمَنُ) أَيْ مِنْ تَرِكَةِ الْمُشْتَرِي لِلْمُوصَى لَهُ وَيَرْجِعُ وَرَثَةُ الْمُشْتَرِي بِهِ عَلَى الشَّفِيعِ كَمَا فِي الْمِنَحِ. [فَرْعٌ] أَوْصَى بِوَصَايَا ثُمَّ قَالَ وَالْبَاقِي لِلْفُقَرَاءِ فَمَاتَ بَعْضُ مَنْ أَوْصَى لَهُمْ يُصْرَفُ ذَلِكَ إلَى الْفُقَرَاءِ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا مَاتُوا لَمْ يَجِدْ الْوَصِيُّ نَفَاذًا فِيهِمْ فَيَبْقَى الْبَاقِي وَذَلِكَ لِلْفُقَرَاءِ وَلْوَالِجِيَّةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْوَصِيِّ] ِّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمُوصَى لَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُوصَى إلَيْهِ وَهُوَ الْوَصِيُّ لِمَا أَنَّ كِتَابَ الْوَصَايَا يَشْمَلُهُ، لَكِنْ قَدَّمَ أَحْكَامَ الْمُوصَى لَهُ لِكَثْرَتِهَا وَكَثْرَةِ وُقُوعِهَا فَكَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى مَعْرِفَتِهَا أَمَسَّ عِنَايَةٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 699 (أَوْصَى إلَى زَيْدٍ) أَيْ جَعَلَهُ وَصِيًّا (وَقَبِلَ عِنْدَهُ صَحَّ، فَإِنْ رَدَّ عِنْدَهُ) أَيْ بِعِلْمِهِ (يَرْتَدُّ وَإِلَّا لَا يَصِحُّ) الرَّدُّ بِغَيْبَتِهِ لِئَلَّا يَصِيرَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ، وَيَصِحُّ إخْرَاجُهُ عَنْهَا وَلَوْ فِي غَيْبَتِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لِلثَّانِي بَزَّازِيَّةٌ (فَإِنْ سَكَتَ) الْمُوصَى إلَيْهِ (فَمَاتَ) مُوصِيهِ (فَلَهُ الرَّدُّ وَالْقَبُولُ وَلَزِمَ) عَقْدَ الْوَصِيَّةِ (بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ وَإِنْ جَهِلَ بِهِ) أَيْ بِكَوْنِهِ وَصِيًّا؛ فَإِنَّ عِلْمَ الْوَصِيِّ بِالْوِصَايَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ (بِخِلَافِ الْوَكِيلِ) فَإِنَّ عِلْمَهُ بِالْوَكَالَةِ   [رد المحتار] وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْوَصِيِّ أَنْ يَقْبَلَهَا لِأَنَّهَا عَلَى خَطَرٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: الدُّخُولُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ غَلَطٌ. وَالثَّانِيَةُ خِيَانَةٌ وَالثَّالِثَةُ سَرِقَةٌ. وَعَنْ الْحَسَنِ: لَا يَقْدِرُ الْوَصِيُّ أَنْ يَعْدِلَ وَلَوْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَقَالَ أَبُو مُطِيعٍ: مَا رَأَيْت فِي مُدَّةِ قَضَائِي عِشْرِينَ سَنَةً مَنْ يَعْدِلُ فِي مَالِ ابْنِ أَخِيهِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَلِبَعْضِهِمْ: احْذَرْ مِنْ الْوَاوَاتِ ... أَرْبَعَةً فَهُنَّ مِنْ الْحُتُوفِ وَاوَ الْوَكَالَةِ وَالْوَلَا ... يَةِ وَالْوِصَايَةِ وَالْوُقُوفِ (قَوْلُهُ أَوْصَى إلَى زَيْدٍ) ضَمَّنَهُ مَعْنَى فَوَّضَ فَعَدَّاهُ بِإِلَى، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ أَوَّلَ الْكِتَابِ، وَيَصِحُّ هَذَا التَّفْوِيضُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ. فَفِي الْخَانِيَّةِ أَنْتَ وَكِيلِي بَعْدَ مَوْتِي يَكُونُ وَصِيًّا أَنْتَ وَصِيِّي فِي حَيَاتِي يَكُونُ وَكِيلًا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إقَامَةٌ لِلْغَيْرِ مَقَامَ نَفْسِهِ فَيَنْعَقِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِعِبَارَةِ الْآخَرِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا: أَنْتَ وَصِيِّي أَوْ أَنْتَ وَصِيِّي فِي مَالِي أَوْ سَلَّمْت إلَيْك الْأَوْلَادَ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ تَعَهَّدْ أَوْلَادِي بَعْدَ مَوْتِي أَوَقُمُ بِلَوَازِمِهِمْ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ مَا جَرَى مَجْرَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ يَكُونُ وَصِيًّا. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ افْعَلُوا كَذَا بَعْدَ مَوْتِي فَالْكُلُّ أَوْصِيَاءُ، وَلَوْ سَكَتُوا حَتَّى مَاتَ فَقَبِلَ مِنْهُمْ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ فَهُمْ أَوْصِيَاءُ وَلَوْ قَبْلَ وَاحِدٍ لَمْ يَتَصَرَّفْ حَتَّى يُقِيمَ الْقَاضِي مَعَهُ غَيْرَهُ أَوْ يُطْلَقَ لَهُ التَّصَرُّفَ لِأَنَّهُ صَارَ كَأَنَّهُ أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا. وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ جَعَلَ رَجُلًا وَصِيًّا فِي نَوْعٍ صَارَ وَصِيًّا فِي الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا اهـ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ ط (قَوْلُهُ أَيْ بِعِلْمِهِ) تَفْسِيرٌ لِلْ (عِنْدَ) فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ الْحُضُورُ ط (قَوْلُهُ بِغَيْبَتِهِ) الْمُنَاسِبُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنْ يَقُولَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ بَلْ إسْقَاطُهُ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ اهـ ح لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ بِعِلْمِهِ أَيْ بِأَنْ رَدَّ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ قَبْلَهُ بِلَا عِلْمِهِ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَصِيرَ) أَيْ الْمَيِّتُ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ فَفِيهِ إضْرَارٌ بِالْمَيِّتِ وَأَشَارَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَالْمُوصَى إلَيْهِ فَإِنَّ قَبُولَ الْأَوَّلِ فِي الْحَالِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، حَتَّى لَوْ قَبِلَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي ثُمَّ رَدَّ بَعْدَهَا صَحَّ لِأَنَّ نَفْعَهُ بِالْوَصِيَّةِ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الثَّانِي كَمَا أَفَادَهُ فِي الْعِنَايَةِ. [تَنْبِيهٌ] وَصِيُّ الْقَاضِي إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ عِلْمَ الْقَاضِي بِعَزْلِهِ، كَمَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمُوَكِّلِ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ نَفْسِهِ وَعِلْمُ السُّلْطَانِ فِي عَزْلِ الْقَاضِي نَفْسِهِ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَيَصِحُّ إخْرَاجُهُ) أَيْ بَعْدَ قَبُولِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي غَيْبَتِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْعَزْلُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَلَهُ الرَّدُّ وَالْقَبُولُ) إذْ لَا تَغْرِيرَ هُنَا، لِأَنَّ الْمُوصِيَ هُوَ الَّذِي اغْتَرَّ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّفْ عَنْ حَالِهِ أَنَّهُ قَبِلَ الْوِصَايَةَ أَمْ لَا دُرَرٌ. أَقُولُ: لَكِنَّ رَدَّهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ بَعْدَ الرَّدِّ صَحَّ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَلَزِمَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْقَبُولَ كَمَا يَكُونُ بِالْقَوْلِ يَكُونُ بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ لِصُدُورِهِ مِنْ الْأَهْلِ عَنْ وَلَايَةٍ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا يَصْلُحُ لِلْوَرَثَةِ أَوْ قَضَى مَالًا أَوْ اقْتَضَاهُ اخْتِيَارٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إلَخْ) لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إنَابَةٌ لِثُبُوتِهِ فِي حَالِ قِيَامِ وَلَايَةِ الْمُوَكِّلِ. أَمَّا الْإِيصَاءُ فَخِلَافُهُ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 700 شَرْطٌ (فَإِنْ سَكَتَ ثُمَّ رَدَّ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ قَبِلَ صَحَّ إلَّا إذَا نَفَّذَ قَاضٍ رَدَّهُ) فَلَا يَصِحُّ قَبُولُهُ بَعْدَ ذَلِكَ. (وَلَوْ) أَوْصَى (إلَى صَبِيٍّ وَعَبْدِ غَيْرِهِ وَكَافِرٍ وَفَاسِقٍ بَدَّلَ) أَيْ بَدَّلَهُمْ الْقَاضِي (بِغَيْرِهِمْ) إتْمَامًا لِلنَّظَرِ وَلَفْظُ بَدَّلَ يُفِيدُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ، فَلَوْ تَصَرَّفُوا قَبْلَ الْإِخْرَاجِ جَازَ سِرَاجِيَّةٌ (فَلَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَعَتَقَ الْعَبْدُ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ) أَوْ الْمُرْتَدُّ وَتَابَ الْفَاسِقُ مُجْتَبًى. وَفِيهِ: فَوَّضَ وَلَايَةَ الْوَقْفِ لِصَبِيٍّ صَحَّ اسْتِحْسَانًا (لَمْ يُخْرِجْهُمْ الْقَاضِي عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْوَصَايَا لِزَوَالِ الْمُوجِبِ لِلْعَزْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ أَمِينٍ اخْتِيَارٌ (وَإِلَى عَبْدِهِ وَ) الْحَالُ أَنَّ (وَرَثَتَهُ صِغَارٌ صَحَّ) كَإِيصَائِهِ إلَى مُكَاتَبِهِ أَوْ مُكَاتَبِ غَيْرِهِ، ثُمَّ إنْ رَدَّ فِي الرِّقِّ فَكَالْعَبْدِ (وَإِلَّا لَا) وَقَالَا لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا دُرَرٌ.   [رد المحتار] بِحَالِ انْقِطَاعِ وَلَايَةِ الْمَيِّتِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالْوَرَثَةِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ صَحَّ) لِأَنَّ هَذَا الرَّدَّ لَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمُوصِي كِفَايَةٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الرَّدِّ كَوْنُهُ صَارَ وَصِيًّا لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ السَّابِقُ فَلَهُ الرَّدُّ وَالْقَبُولُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا سَكَتَ لَمْ يَصِرْ وَصِيًّا فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الرَّدِّ: أَيْ عَدَمِ الْقَبُولِ وَبَيْنَ الْقَبُولِ، فَإِذَا رَدَّ: أَيْ لَمْ يَقْبَلْ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْقَبُولِ؛ وَإِذَا قَبِلَ وَلَوْ بَعْدَ الرَّدِّ صَحَّ لِأَنَّ رَدَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَيْ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْقَبُولِ، فَإِذَا قَبِلَ صَارَ وَصِيًّا وَإِلَّا فَلَا. وَبِهِ ظَهَرَ الْجَوَابُ عَنْ حَادِثَةِ الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا فِي رَجُلٍ أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا وَسَكَتَ الْآخَرُ وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَعَدَمِهِ وَتَصَرَّفَ الْقَابِلُ فِي التَّرِكَةِ فَهَلْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ وَحْدَهُ قَبْلَ رِضَا الْأَوَّلِ وَرَدِّهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ السَّاكِتَ لَمْ يَصِرْ وَصِيًّا لِمَا قُلْنَا، لَكِنَّ الْقَابِلَ لَيْسَ لَهُ الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْفَرِدُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ فَيُنَصِّبُ الْقَاضِي مَعَهُ وَصِيًّا آخَرَ فَيَنْصَرِفَانِ مَعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا نَفَّذَ قَاضٍ رَدَّهُ) لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ إذْ الرَّدُّ صَحِيحٌ عِنْدَ زُفَرَ كِفَايَةٌ. أَقُولُ: وَهَذَا فِي غَيْرِ قُضَاةِ زَمَانِنَا (قَوْلُهُ وَعَبْدِ غَيْرِهِ) أَيْ وَلَوْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ قُهُسْتَانِيٌّ وَالْوَاوُ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ بِمَعْنَى أَوْ (قَوْلُهُ وَكَافِرٍ) أَيْ ذِمِّيٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ عِنَايَةٌ أَوْ مُرْتَدٍّ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَفَاسِقٍ) أَيْ مُخَوَّفٍ مِنْهُ عَلَى الْمَالِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ بَدَّلَ) أَيْ وُجُوبًا بِحُرٍّ مُسْلِمٍ صَالِحٍ لِأَنَّ الْعَبْدَ يُحْجَرُ، وَالْكَافِرُ عَدُوٌّ، وَالْفَاسِقُ مُتَّهَمٌ بِالْخِيَانَةِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَفْظُ بَدَّلَ يُفِيدُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ) وَعِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ: أَخْرَجَهُمْ الْقَاضِي، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ هَذَا يُشِيرُ إلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ يَكُونُ بَعْدَ الصِّحَّةِ اهـ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إنَّ الْإِيصَاءَ بَاطِلٌ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَقِيلَ إنَّهُ سَيَبْطُلُ بِإِبْطَالِ الْقَاضِي فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ، وَقِيلَ سَيَبْطُلُ فِي غَيْرِ الْعَبْدِ لِعَدَمِ وَلَايَتِهِ فَيَكُونُ بَاطِلًا، وَقِيلَ سَيَبْطُلُ فِي الْفَاسِقِ لِأَنَّ الْكَافِرَ كَالْعَبْدِ كَمَا فِي الْكَافِي قُهُسْتَانِيٌّ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ زَادَ عَلَى الْمُتُونِ وَالْهِدَايَةِ ذِكْرَ الصَّبِيِّ، وَنَقَلَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُجْتَبَى: وَالْوَصِيَّةُ إلَى الصَّبِيِّ جَائِزَةٌ وَلَكِنْ لَا تَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ كَالْوَكَالَةِ اهـ وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي الِاخْتِيَارِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ، لَكِنْ نَقَلَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ إذَا أَوْصَى إلَى عَبْدٍ أَوْ صَبِيٍّ أَخْرَجَهُمَا الْقَاضِي لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَهْتَدِي إلَى التَّصَرُّفِ، وَهَلْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ؟ قِيلَ نَعَمْ، وَقِيلَ لَا. وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلْزَامُ الْعُهْدَةِ فِيهِ، فَلَوْ بَلَغَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَكُونُ وَصِيًّا وَقَالَا: يَكُونُ. اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِيهِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ) أَيْ الْأَصْلِيُّ ط (قَوْلُهُ أَيْ عَنْ الْوَصَايَا) فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْوِصَايَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ رَدَّ فِي الرِّقِّ) بِأَنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ (قَوْلُهُ فَكَالْعَبْدِ) أَيْ فَإِنْ كَانَ مُكَاتَبَ غَيْرِهِ صَحَّتْ وَاسْتَبْدَلَهُ الْقَاضِي بِغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبَهُ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافِيَّةِ ط (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ كَانَ فِيهِمْ كَبِيرٌ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ لِلْكَبِيرِ بَيْعَهُ أَوْ بَيْعَ نَصِيبِهِ فَيَعْجَزُ عَنْ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْنَعُهُ فَلَا يَحْصُلُ فَائِدَةُ الْوَصِيَّةِ اخْتِيَارٌ (قَوْلُهُ وَقَالَا لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا) لِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْوَلَايَةِ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ وَهُوَ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ. وَلَهُ أَنَّهُ أَوْصَى إلَى مَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 701 (وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا) حَقِيقَةً لَا بِمُجَرَّدِ إخْبَارِهِ (ضَمَّ) الْقَاضِي (إلَيْهِ غَيْرَهُ) عَارِيَّةً لِحَقِّ الْمُوصِي وَالْوَرَثَةِ. (وَلَوْ ظَهَرَ لِلْقَاضِي عَجْزُهُ أَصْلًا اسْتَبْدَلَ غَيْرَهُ وَلَوْ عَزَلَهُ) أَيْ الْمُوصَى الْمُخْتَارُ (الْقَاضِي مَعَ أَهْلِيَّتِهِ لَهَا نَفَذَ عَزْلُهُ وَإِنْ جَارَ) الْقَاضِي (وَأَثِمَ) فِي الْأَشْبَاهِ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ عَزْلِهِ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى الصِّحَّةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، لَكِنْ يَجِبُ الْإِفْتَاءُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ كَمَا فِي الْفُصُولَيْنِ. وَأَمَّا عَزْلُ الْخَائِنِ فَوَاجِبٌ. انْتَهَى. قُلْت: وَعِبَارَةُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ: الْوَصِيُّ مِنْ الْمَيِّتِ لَوْ عَدْلًا كَافِيًا لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَعْزِلَهُ، فَلَوْ عَزَلَهُ قِيلَ يَنْعَزِلُ. أَقُولُ: الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ لِأَنَّ الْمُوصِيَ أَشْفَقُ بِنَفْسِهِ مِنْ الْقَاضِي فَكَيْفَ يَنْعَزِلُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهِ   [رد المحتار] هُوَ أَهْلٌ فَيَصِحُّ، كَمَا لَوْ أَوْصَى إلَى مُكَاتَبٍ وَهَذَا لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وَلَايَةٌ، فَإِنَّ الصِّغَارَ وَإِنْ كَانُوا مُلَّاكًا لَكِنْ لَمَّا أَقَامَهُ أَبُوهُمْ مَقَامَ نَفْسِهِ صَارَ مُسْتَبِدًّا بِالتَّصَرُّفِ مِثْلَهُ بِلَا وَلَايَةٍ لَهُمْ اهـ دُرَرٌ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ رَقَبَتَهُ ط. فَإِنْ قِيلَ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَلَايَةُ الْبَيْعِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ فَيَتَحَقَّقُ الْمَنْعُ. وَأُجِيبَ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْإِيصَاءُ لَمْ يَبْقَ لِلْقَاضِي وَلَايَةُ الْبَيْعِ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا) أَيْ وَحْدَهُ بِأَنْ احْتَاجَ إلَى مُعَيَّنٍ بِقَرِينَةِ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ حَقِيقَةً) بِأَنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِهَا كَالْمُعَايِنِ لَا بِعِلْمِ الْقَاضِي، لِأَنَّ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ لَا بِمُجَرَّدِ إخْبَارِهِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَكْذِبُ تَخْفِيفًا عَلَى نَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَكَى الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ الْوَصِيَّ إلَى الْقَاضِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْزِلَهُ حَتَّى يَظْهَرَ لَهُ مِنْهُ خِيَانَةٌ هِدَايَةٌ. [تَنْبِيهٌ] يُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرَهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ إخْرَاجُ نَفْسِهِ بَعْدَ الْقَبُولِ وَتَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِهِ، وَالْحِيلَةُ فِيهِ شَيْئَانِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَجْعَلَهُ الْمَيِّتُ وَصِيًّا عَلَى أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ مَتَى شَاءَ. الثَّانِي أَنْ يَدَّعِيَ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ فَيَتَّهِمُهُ الْقَاضِي فَيُخْرِجُهُ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي وَصِيِّ الْمَيِّتِ. أَمَّا وَصِيُّ الْقَاضِي فَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ يَعْزِلُ نَفْسَهُ بِعِلْمِ الْقَاضِي تَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ فَيُخْرِجُهُ فِيهِ خِلَافٌ، وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْخَصَّافِ أَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ بَلْ يَجْعَلُ لِلْمَيِّتِ وَصِيًّا فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ خَاصَّةٍ، وَبِهِ أَخَذَ الْمَشَايِخُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُوصِي) فِي إبْقَائِهِ حَيْثُ اخْتَارَهُ وَصِيًّا وَلِحَقِّ الْوَرَثَةِ فِي ضَمِّ غَيْرِهِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ اسْتَبْدَلَ غَيْرَهُ) فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَجَزَ فَأَقَامَ غَيْرَهُ ثُمَّ، قَالَ الْأَوَّلُ بَعْدَ أَيَّامٍ صِرْت قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ بِهَا، قَالُوا. هُوَ وَصِيٌّ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ الْحَاكِمَ مَا أَقَامَ الثَّانِيَ مَقَامَهُ لِيَكُونَ نَصْبُهُ عَزْلًا لَهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ ضَمٌّ لَا عَزْلٌ وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الْخُلَاصَةِ: أَقَامَ آخَرَ مَقَامَ الْعَاجِزِ يَنْعَزِلُ، قَالَ الْخَاصِّيُّ لِأَنَّهُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْأَوَّلِ إلَّا بَعْدَ الْعَزْلِ، وَلِلْقَاضِي الْعُزْلَةُ بِالْعَجْزِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ. أَقُولُ. يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَالَ جَعَلْتُك وَصِيًّا أَوْ ضَمَمْتُك إلَى الْأَوَّلِ لَا يَنْعَزِلُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ قَالَ أَقَمْتُك مَقَامَهُ انْعَزَلَ فَتَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْأَدَبِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَوْ جُنَّ الْوَصِيُّ مُطْبِقًا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُبَدِّلَهُ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَفَاقَ فَهُوَ عَلَى وِصَايَتِهِ اهـ (قَوْلُهُ مَعَ أَهْلِيَّتِهِ لَهَا) بِأَنْ كَانَ عَدْلًا كَافِيًا (قَوْلُهُ نَفَذَ عَزْلُهُ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ. وَاسْتَبْعَدَهُ ظَهِيرُ الدِّينِ بِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ إلَى الْقَاضِي لِأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ. قَالَ أُسْتَاذُنَا فَإِذَا كَانَ يَنْعَزِلُ وَصِيُّ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا كَافِيًا فَكَيْفَ وَصِيُّ الْقَاضِي اهـ (قَوْلُهُ وَأَمَّا عَزْلُ الْخَائِنِ فَوَاجِبٌ) بَلْ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ: إذَا كَانَ الْأَبُ مُبَذِّرًا مُتْلِفًا مَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَالْقَاضِي يُنَصِّبُ وَصِيًّا وَيَنْزِعُ الْمَالَ مِنْ يَدِهِ (قَوْلُهُ مِنْ الْفَصْلِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ) وَفِيهِ عَنْ الْمُنْتَقَى بِالنُّونِ، وَلَوْ كَافِيًا لَا عَدْلًا يَعْزِلُهُ، وَلَوْ عَدْلًا غَيْرَ كَافٍ يَضُمُّ إلَيْهِ كَافِيًا اهـ زَادَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَوْ عَزَلَهُ صَحَّ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهِ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: لَقَدْ أَجَادَ فِيمَا أَفَادَ لَكِنَّهُ أَوْهَمَ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ عِنْدِي إنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ مَعَ أَنَّهُ مُخْتَارُ كَثِيرٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 702 لِفَسَادِ قُضَاةِ الزَّمَانِ اهـ: قَالَ الْمُصَنِّفُ قَالَ شَيْخُنَا: فَقَدْ تَرَجَّحَ عَدَمُ صِحَّةِ الْعَزْلِ لِلْوَصِيِّ فَكَيْفَ بِالْوَظَائِفِ فِي الْأَوْقَافِ (وَبَطَلَ فِعْلُ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ كَالْمُتَوَلَّيَيْنِ) فَإِنَّهُمَا فِي الْحُكْمِ كَالْوَصِيَّيْنِ أَشْبَاهٌ وَوَقْفُ الْقُنْيَةِ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ أَجَّرَ أَحَدُهُمَا أَرْضَ الْوَقْفِ لَمْ تَجُزْ بِلَا رَأْيِ الْآخَرِ وَقَدْ صَارَتْ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى (وَلَوْ) وَصْلِيَّةً (كَانَ إيصَاؤُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ) وَقِيلَ يَنْفَرِدُ: قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ نَأْخُذُ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ صَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الدُّرَرِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ. قُلْت: وَهَذَا إذَا كَانَا وَصِيَّيْنِ أَوْ مُتَوَلِّيَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ أَوْ الْوَقْفِ أَوْ قَاضٍ وَاحِدٍ، أَمَّا لَوْ كَانَا مِنْ جِهَةِ قَاضِيَيْنِ مِنْ بَلْدَتَيْنِ فَيَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَاضِيَيْنِ لَوْ تَصَرَّفَ جَازَ تَصَرُّفُهُ فَكَذَا نَائِبُهُ.   [رد المحتار] مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ (قَوْلُهُ لِفَسَادِ قُضَاةِ الزَّمَانِ) فَيَكُونُ عَزْلُهُ مِنْهُمْ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ إذْ لَا مَصْلَحَةَ لِلْيَتِيمِ فِي عَزْلِ الْأَهْلِ ط. [تَنْبِيهٌ] هَذَا كُلُّهُ فِي وَصِيِّ الْمَيِّتِ، أَمَّا وَصِيُّ الْقَاضِي فَلَهُ عَزْلُهُ وَلَوْ عَدْلًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي الْفُرُوعِ، لَكِنْ يَأْتِي قَرِيبًا تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ قَالَ شَيْخُنَا) يَعْنِي ابْنَ نُجَيْمٍ صَاحِبَ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَكَيْفَ بِالْوَظَائِفِ فِي الْأَوْقَافِ) مِنْ الْوَظَائِفِ التَّوْلِيَةُ عَلَى الْوَقْفِ. قَالَ فِي فَتَاوَى خَيْرِ الدِّينِ عَنْ الْبَحْرِ. وَأَمَّا عَزْلُ الْقَاضِي النَّاظِرَ فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ بِجُنْحَةٍ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا نَقَلَهُ عَنْ الْإِسْعَافِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. ثُمَّ قَالَ فَقَدْ أَفَادَ حُرْمَةَ تَوْلِيَةِ غَيْرِهِ بِلَا خِيَانَةٍ، وَعَدَمَ صِحَّتِهَا لَوْ فَعَلَ، ثُمَّ قَالَ: وَاسْتُفِيدَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ عَزْلِ النَّاظِرِ بِغَيْرِ جُنْحَةٍ عَدَمُهَا لِصِحَّةِ وَظِيفَةٍ فِي وَقْفٍ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَزَّازِيِّ وَغَيْرِهِ اهـ ط وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ فَكَيْفَ إلَخْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالْأَوْلَى. وَوَجْهُهُ أَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقٍّ مُحْتَرَمٍ وَهُوَ مَا عَيَّنَ لَهُ الْوَاقِفُ (قَوْلُهُ وَبَطَلَ فِعْلُ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ) إلَّا إذَا أَجَازَهُ صَاحِبُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ كَمَا فِي الْمِنَحِ ط. أَقُولُ: وَكَذَا الْوَصِيُّ مَعَ النَّاظِرِ عَلَيْهِ: وَفِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ الْإِسْمَاعِيلِيَّة لَوْ تَصَرَّفَ الْوَصِيُّ بِدُونِ عِلْمِ النَّاظِرِ فِي أَمْوَالِ الْيَتِيمِ فَهَلَكَتْ يَضْمَنُهَا (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ إلَخْ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِسْعَافِ حَيْثُ قَالَ: لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُ النَّاظِرَيْنِ بِالْإِجَازَةِ، وَلَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ جَازَتْ نَقَلَهُ أَبُو السُّعُودِ ط وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَأْخُوذٌ عَنْ الْمِنَحِ (قَوْلُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا) الْأَوْلَى إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا عَبَّرَ فِي الْغُرَرِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَنْفَرِدُ) قَائِلُهُ أَبُو يُوسُفَ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الشَّارِحُ وَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمَا، ثُمَّ قِيلَ: الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى إلَيْهِمَا مُتَعَاقِبًا، فَلَوْ مَعًا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بِالْإِجْمَاعِ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْعَقْدِ الْوَاحِدِ، أَمَّا فِي الْعَقْدَيْنِ فَيَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَبِهِ نَأْخُذُ وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَبِهِ جَزَمَ مُنْلَا خُسْرو مِنَحٌ مُلَخَّصًا، وَذَكَرَ مِثْلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ لَكِنَّ الْأَوَّلَ صَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ إلَخْ) أَقُولُ يُوهِمُ أَنَّهُ صَحَّحَ الْقَوْلَ بِالِانْفِرَادِ مَعَ أَنَّك عَلِمْت أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ وَأَنَّ الَّذِي صَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْحِيحٌ لِلْقَوْلِ بِالِانْفِرَادِ وَلَا لِعَدَمِهِ، نَعَمْ مَا صَحَّحَهُ أَبُو اللَّيْثِ يَتَضَمَّنُ تَصْحِيحَ الِانْفِرَادِ لَوْ بِعَقْدَيْنِ لِأَنَّهُ ادَّعَى فِيهِ الْإِجْمَاعَ فَتَنَبَّهْ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ مَا فِي الْمَبْسُوطِ مُتَضَمِّنٌ أَيْضًا لِتَصْحِيحِ عَدَمَ الِانْفِرَادِ فَإِنَّهُ لَمَّا صَحَّحَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْفَصْلَيْنِ أَثْبَتَ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَدَمُ الِانْفِرَادِ فِيهِمَا؛ وَالْعَمَلُ فِي الْغَالِبِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ وَصَرِيحُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَثَبَتَ لَهُمْ مَعًا بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمُتَعَاقِبَةِ، فَإِذَنْ ثَبَتَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا زَيْلَعِيٌّ أَيْ فِي صُورَتَيْ الْإِيصَاءِ لَهُمَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ عَدَمُ إفْرَادِ أَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ مِنْ بَلْدَتَيْنِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ نَظَرًا إلَى الْغَالِبِ، حَتَّى لَوْ وَلَّى السُّلْطَانُ قَاضِيَيْنِ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ وَجَعَلَ لَهُمَا نَصْبَ الْأَوْصِيَاءِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَفَادَهُ ط. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 703 وَلَوْ أَرَادَ كُلٌّ مِنْ الْقَاضِيَيْنِ عَزْلَ مَنْصُوبِ الْقَاضِي الْآخَرَ جَازَ إنْ رَأَى فِيهِ الْمَصْلَحَةَ وَإِلَّا لَا، وَتَمَامُهُ فِي وَكَالَةِ تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ مَعْزِيًّا لِلْمُلْتَقَطَاتِ وَغَيْرِهَا فَلْيُحْفَظْ. وَفِي وَصَايَا السَّرْجِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي أَنَّ لِلْمَيِّتِ وَصِيًّا فَنَصَّبَ لَهُ وَصِيًّا ثُمَّ حَضَرَ الْوَصِيُّ فَأَرَادَ الدُّخُولَ فِي الْوَصِيَّةِ فَلَهُ ذَلِكَ وَنَصَّبَ الْقَاضِي الْآخَرَ لَا يَخْرُجُ الْأَوَّلُ (إلَّا بِشِرَاءِ كَفَنِهِ وَتَجْهِيزِهِ وَالْخُصُومَةُ فِي حُقُوقِهِ وَشِرَاءِ حَاجَةِ الطِّفْلِ وَالِاتِّهَابِ لَهُ وَإِعْتَاقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ وَرَدِّ وَدِيعَةٍ وَتَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ مُعَيَّنَتَيْنِ)   [رد المحتار] قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ إلَخْ) الَّذِي ذَكَرَهُ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ مَعْزِيًّا لِلْمُلْتَقَطَاتِ هُوَ مَا تَقَدَّمَ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ. وَفِي قَوْلِهِ فَكَذَا نَائِبُهُ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ وَصِيَّ الْقَاضِي نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَنْ الْقَاضِي حَتَّى تَلْحَقَهُ الْعُهْدَةُ، بِخِلَافِ أَمِينِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فَلَا تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ، وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ وَصِيَّ الْقَاضِي نَائِبٌ عَنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْقَاضِي مَحْجُورًا عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، وَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَنْ التَّصَرُّفِ مَعَ وُجُودِ وَصِيِّهِ وَلَوْ مَنْصُوبَهُ بِخِلَافِهِ مَعَ أَمِينِهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَيْضًا أَنْ لَا يَمْلِكَ الْقَاضِي شِرَاءَ مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ وَصِيٍّ نَصَّبَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ أَمِينَهُ، وَالْحُكْمُ بِخِلَافِهِ كَمَا فِي غَالِبِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ اهـ (قَوْلُهُ وَنَصَّبَ الْقَاضِي الْآخَرَ لَا يُخْرِجُ الْأَوَّلَ) وَالْوَصِيُّ هُوَ الْأَوَّلُ دُونَ وَصِيِّ الْقَاضِي لِأَنَّهُ اتَّصَلَ بِهِ اخْتِيَارُ الْمَيِّتِ كَمَا إذَا كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا اهـ كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَلَى الْأَشْبَاهِ عَنْ الْمُحِيطِ. أَقُولُ: بَقِيَ أَنَّ تَصَرُّفَ الثَّانِي بِغَيْبَةِ الْأَوَّلِ هَلْ هُوَ نَافِذٌ؟ وَالظَّاهِرُ نَفَاذُهُ لَوْ الْغَيْبَةُ مُنْقَطِعَةً. وَفِي الْأَشْبَاهِ: وَلَا يُنَصِّبُ الْقَاضِي وَصِيًّا مَعَ وُجُودِهِ: أَيْ وَصِيِّ الْمَيِّتِ إلَّا إذَا غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً أَوْ أَقَرَّ لِمُدَّعِي الدَّيْنِ اهـ وَالْغَيْبَةُ، الْمُنْقَطِعَةُ، أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ لَا تَصِلُ إلَيْهِ الْقَوَافِلُ كَمَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: ادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ وَالْوَصِيُّ غَائِبٌ يُنَصِّبُ الْقَاضِي خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَأَقَرَّ بِالدَّيْنِ يُنَصِّبُ الْقَاضِي خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ لِيَصِلَ الْمُدَّعِي إلَى حَقِّهِ لِأَنَّ إقْرَارَ الْوَصِيِّ عَلَى الْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ وَلَا يَمْلِكُ الْمُدَّعِي أَنْ يُخَاصِمَ الْوَصِيَّ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ اهـ (قَوْلُهُ إلَّا بِشِرَاءِ كَفَنِهِ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ بُطْلَانِ انْفِرَادِ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ لِلضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ وَتَجْهِيزِهِ) لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَكَفَاهُ عَمَّا قَبْلَهُ قَالَ فِي التَّبْيِينِ لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ فَسَادَ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْجِيرَانُ أَيْضًا فِي الْحَضَرِ وَالرُّفْقَةِ فِي السَّفَرِ اهـ ط (قَوْلُهُ وَالْخُصُومَةِ) وَجْهُ الِانْفِرَادِ فِيهَا أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَيْهَا عَادَةً، وَلَوْ اجْتَمَعَا لَمْ يَتَكَلَّمْ إلَّا أَحَدُهُمَا غَالِبًا دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَشِرَاءِ حَاجَةِ الطِّفْلِ) أَيْ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ إتْقَانِيٌّ لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِهِ لُحُوقَ ضَرَرٍ بِهِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ وَالِاتِّهَابِ لَهُ) أَيْ قَبُولِ الْهِبَةِ لِلطِّفْلِ لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِهِ خَشْيَةَ الْفَوَاتِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْوَلَايَةِ وَلِهَذَا تَمْلِكُهُ الْأُمُّ وَمَنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِعْتَاقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ) لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ، بِخِلَافِ إعْتَاقِ مَا لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَقَدْ أَطْلَقَ قَاضِي خَانْ الْعَبْدَ وَلَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَفَادَهُ ط. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ مَجَّانًا، فَلَوْ بِمَالٍ احْتَاجَ إلَى الرَّأْيِ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاجْتِمَاعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَرَدِّ وَدِيعَةٍ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ بِقَبْضِ وَدِيعَةِ الْمَيِّتِ سَائِحَانِيٌّ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ وَتَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ) أَيْ بِعَيْنٍ أَوْ بِأَلْفٍ مُرْسَلَةٍ ابْنُ الشِّحْنَةِ؛ فَلَوْ احْتَاجَ إلَى بَيْعِ شَيْءٍ لِيُؤَدِّيَ مِنْ ثَمَنِهِ الْوَصِيَّةَ فَلَا إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ إتْقَانِيٌّ، وَقَوْلُهُ مُعَيَّنَتَيْنِ نَعْتٌ لِوَدِيعَةٍ وَوَصِيَّةٍ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَخْذَهُ بِلَا دَفْعِ الْوَصِيِّ اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: أَوْصَى بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِحِنْطَةٍ عَلَى الْفُقَرَاءِ قَبْلَ أَنْ تُرْفَعَ الْجِنَازَةُ فَفَعَلَ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ، إنْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ فِي مِلْكِ الْمُوصِي جَازَ دَفْعُهُ، وَإِلَّا فَإِنْ اشْتَرَاهَا فَالْحِنْطَةُ لِلْمُشْتَرِي وَالصَّدَقَةُ عَنْ نَفْسِهِ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَعَلَى الْخِلَافِ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِكَذَا مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْفُقَرَاءَ فَلَيْسَ لَهُ الِانْفِرَادُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 704 زَادَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةُ عَشْرَةً أُخْرَى: مِنْهَا رَدُّ الْمَغْصُوبِ، وَمُشْتَرًى شِرَاءً فَاسِدًا، وَقِسْمَةُ كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ وَطَلَبُ دَيْنٍ، وَقَضَاءُ دَيْنٍ بِجِنْسِ حَقِّهِ (وَبَيْعُ مَا يَخَافُ تَلَفَهُ وَجَمْعُ أَمْوَالٍ ضَائِعَةٍ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَنْفَرِدُ كُلٌّ بِالتَّصَرُّفِ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ؛ وَلَوْ نَصَّ عَلَى الِانْفِرَادِ أَوْ الِاجْتِمَاعِ اُتُّبِعَ اتِّفَاقًا شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ. (وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ أَوْصَى إلَى الْحَيِّ أَوْ إلَى آخَرَ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي التَّرِكَةِ وَحْدَهُ) وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نَصْبِ الْقَاضِي وَصِيًّا (وَإِلَّا) يُوصِ (ضَمَّ) الْقَاضِي (إلَيْهِ غَيْرَهُ) دُرَرٌ.   [رد المحتار] وَإِنْ عَيْنَ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ اهـ وَبِهِ عُلِمَ تَقْيِيدُ مَا فِي الْمَتْنِ بِكَوْنِ الْفَقِيرِ الْمُوصَى لَهُ مُعِينًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ زَادَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ إلَخْ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ بَعْدَ الْعَشَرَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّ مَجْمُوعَ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ سَبْعَةَ عَشَرَ، فَالزَّائِدُ عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ سَبْعَةٌ ذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْهَا أَرْبَعَةً كَمَا سَتَعْرِفُهُ، وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ حِفْظُ مَالِ الْيَتِيمِ إذْ كُلُّ مَنْ وَقَعَ فِي يَدِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ حِفْظُهُ، وَرَدُّ ثَمَنِ الْمَبِيعِ بِبَيْعٍ مِنْ الْوَصِيِّ، وَإِجَارَةُ نَفْسِ الْيَتِيمِ، وَقَدْ أَسْقَطَ شَارِحُ الْوَهْبَانِيَّةِ التَّكْفِينَ، وَأَدْخَلَهُ تَحْتَ التَّجْهِيزِ، وَذَكَرَ بَدَلَهُ صُورَةً أُخْرَى وَهِيَ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ بِالتَّصَدُّقِ عَنْهُ بِكَذَا مِنْ مَالِهِ لِفَقِيرٍ مُعَيَّنٍ. أَقُولُ وَهَذِهِ الصُّورَةُ مُكَرَّرَةٌ لِمَا عَلِمْت أَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ مُقَيَّدٌ بِالْفَقِيرِ الْمُعَيَّنِ تَأَمَّلْ. قَالَ ط: وَزَادَ الْمَكِّيُّ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ لِأَحَدِهِمَا قَبْضَ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَمَا هُوَ مُودَعٌ عِنْدَهُ فِي مَنْزِلِهِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ بِالْهَلَاكِ، وَأَنَّ لِأَحَدِهِمَا التَّصَدُّقَ بِحِنْطَةٍ فِي الْوَصِيَّةِ بِالتَّصَدُّقِ بِهَا قَبْلَ رَفْعِ الْجِنَازَةِ وَأَنْ يُودِعَ مَا صَارَ فِي يَدِهِ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَإِجَارَةُ مَالِ الْيَتِيمِ وَرَدُّ الْعَوَارِيّ وَالْأَمَانَاتِ اهـ وَبَعْضُ هَذِهِ يَدْخُلُ فِي الْمَآلِ فِيمَا قَبْلَهَا اهـ (قَوْلُهُ وَمُشْتَرًى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَغْصُوبٍ: أَيْ رَدُّ مَا اشْتَرَاهُ الْمَيِّتُ شِرَاءَ فَاسِدًا لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الرَّدُّ بِالْمَوْتِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ فَيَنْفَرِدُ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ بِهِ. قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْوَلَايَةِ الْمُسْتَفَادَةِ بِالْوَصِيَّةِ بَلْ مُلْحَقٌ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ وَقِسْمَةُ كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ) أَيْ مَعَ شَرِيكِ الْمُوصِي مَثَلًا ط (قَوْلُهُ وَطَلَبُ دَيْنٍ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ بِقَبْضِ دَيْنِ الْمَيِّتِ سَائِحَانِيٌّ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ، لِأَنَّ قَبْضَ الدَّيْنِ فِي مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ هِدَايَةٌ وَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِاقْتِضَاءُ لَا يُخَالِفُ مَا هُنَا لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْأَخْذُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَأَمَّا الَّذِي بِمَعْنَى الطَّلَبِ فَهُوَ التَّقَاضِي كَمَا فِي الْمُغْرِبِ أَيْضًا فَافْهَمْ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ قَوْلَهُ وَطَلَبُ دَيْنٍ مِمَّا زَادَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مَوْجُودًا فِيهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي النُّقَايَةِ. قَالَ شَارِحُهَا الْقُهُسْتَانِيُّ: وَهُوَ مُسْتَدْرَكٌ بِالْخُصُومَةِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الذَّخِيرَةِ اهـ (قَوْلُهُ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ) أَيْ فِي هَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ وَغَيْرِهَا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقِيلَ إنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي التَّرِكَةِ وَحْدَهُ) هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَى الْحَيِّ، وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَى آخَرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ اجْتِمَاعُهُمَا اهـ ح وَنَحْوُهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ أَنَّ الْمَيِّتَ مِنْهُمَا أَوْصَى إلَى الْحَيِّ فَلِلْحَيِّ أَنْ يَتَصَرَّفَ وَحْدَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا أَوْصَى إلَى شَخْصٍ آخَرَ، وَلَا يَحْتَاجُ الْقَاضِي إلَى نَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ لِأَنَّ رَأْيَ الْمَيِّتِ بَاقٍ حُكْمًا بِرَأْيِ مَنْ يَخْلُفُهُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ لِأَنَّ الْمُوصِيَ مَا رَضِيَ بِتَصَرُّفِهِ وَحْدَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بِرَأْيِ الْمُثَنَّى كَمَا رَضِيَهُ الْمُتَوَفَّى اهـ (قَوْلُهُ وَإِلَّا يُوصِ ضَمَّ الْقَاضِي إلَيْهِ غَيْرَهُ) أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْهُمَا عَاجِزٌ عَنْ الِانْفِرَادِ بِالتَّصَرُّفِ فَيَضُمُّ الْقَاضِي إلَيْهِ وَصِيًّا نَظَرًا لِلْمَيِّتِ عِنْدَ عَجْزِ الْمَيِّتِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّ الْحَيَّ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فَالْمُوصِي قَصَدَ أَنْ يَخْلُفَهُ وَصِيَّانِ مُتَصَرِّفَانِ فِي حُقُوقِهِ وَذَلِكَ مُمْكِنُ التَّحْقِيقِ بِنَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ مَكَانَ الْأَوَّلِ زَيْلَعِيٌّ وَهِدَايَةٌ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَمْ يُخَالِفْ هُنَا، وَجَزَمَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ بِالْخِلَافِ وَهُمَا قَوْلَانِ كَمَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 705 وَفِي الْأَشْبَاهِ: مَاتَ أَحَدُهُمَا أَقَامَ الْقَاضِي الْآخَرَ مَقَامَهُ أَوْ ضَمَّ إلَيْهِ آخَرَ وَلَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إلَّا إذَا أَوْصَى لَهُمَا أَنْ يَتَصَدَّقَا بِثُلُثِهِ حَيْثُ شَاءَا اهـ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَهَلْ فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ؟ قَوْلَانِ. وَعَنْهُ أَنَّ الْمُشْرِفَ يَنْفَرِدُ دُونَ الْوَصِيِّ كَمَا حَرَّرْته فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْمُلْتَقَى وَيَأْتِي. (وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ) سَوَاءً أَوْصَى إلَيْهِ فِي مَالِهِ أَوْ مَالِ مُوصِيهِ وِقَايَةٌ (وَصِيٌّ فِي التَّرِكَتَيْنِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ   [رد المحتار] تَنْبِيهٌ] مِثْلُ الْمَوْتِ مَا لَوْ جُنَّ أَحَدُهُمَا أَوْ وَجَدَ مَا يُوجِبُ عَزْلَهُ أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ أَمِينًا فَلَوْ أَرَادَ الْحَاكِمُ رَدَّ النَّظَرِ إلَى الثَّانِي مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ مِعْرَاجٌ، لَكِنْ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ فَسَقَ أَحَدُهُمَا أَطْلَقَ الْقَاضِي لِلثَّانِي أَنْ يَتَصَرَّفَ وَحْدَهُ أَوْ ضَمَّ إلَيْهِ آخَرَ اهـ تَأَمَّلْ. وَفِيهَا وَكَذَا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا وَمَاتَ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي ثُمَّ قَبِلَ الْآخَرُ فَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفَرِدُ الْقَابِلُ بِالتَّصَرُّفِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْفَرِدُ (قَوْلُهُ أَقَامَ الْقَاضِي الْآخَرَ مَقَامَهُ) هَذَا خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ آنِفًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَوْصَى لَهُمَا إلَخْ) الْأَوْلَى إلَيْهِمَا، ثُمَّ هَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمَصْرِفَ، فَإِنْ عَيَّنَ لَا تَبْطُلُ. قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ وَقَالَ لَهُمَا اصْرِفَا ثُلُثَ مَالِي حَيْثُ شِئْتُمَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَرَجَعَ الثُّلُثُ إلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ ذَلِكَ بِمَشِيئَتِهِمَا وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَوْ قَالَ جَعَلْت ثُلُثَ مَالِي لِلْمَسَاكِينِ يَضَعُهُ الْوَصِيَّانِ حَيْثُ شَاءَا مِنْ الْمَسَاكِينِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فَيَجْعَلُ الْقَاضِي وَصِيًّا آخَرَ اهـ زَادَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَإِنْ شَاءَ الْقَاضِي قَالَ لِهَذَا الثَّانِي ضَعْ وَحْدَك (قَوْلُهُ وَهَلْ فِيهِ إلَخْ) أَيْ فِيمَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُوصِ إلَى غَيْرِهِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: فَلَوْ مَاتَ أَحَدُ هَذَيْنِ الْوَصِيَّيْنِ وَجَبَ أَنْ يُنَصِّبَ وَصِيًّا آخَرَ لِعَجْزِ الْحَيِّ عَنْ التَّصَرُّفِ وَهَذَا عَلَى الْخِلَافِ عِنْدَ مَشَايِخِنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ عَلَى الْوِفَاقِ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ لِأَنَّهُ تَحْصِيلٌ لِمَا قَصَدَ الْمُوصِي مِنْ إشْرَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ اهـ. أَقُولُ: وَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالْهِدَايَةِ صَرِيحٌ بِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَافَقَهُمَا وَصَرَّحَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ بِالْخِلَافِ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ كَمَا حَرَّرْته إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: لَكِنْ فِيهِ أَيْ فِي الْقَوْلِ بِالْوِفَاقِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ أَشْرَفَ عَلَى وَصِيٍّ لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا بِلَا خِلَافٍ مَعَ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُشْرِفَ يَنْفَرِدُ دُونَ الْوَصِيِّ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الذَّخِيرَةِ. قُلْت: وَفِي الْمُجْتَبَى جَعَلَ لِلْوَصِيِّ مُشْرِفًا لَمْ يَتَصَرَّفْ بِدُونِهِ، وَقِيلَ لِلْمُشْرِفِ أَنْ يَتَصَرَّفَ اهـ (قَوْلُهُ وَيَأْتِي) أَيْ فِي الْفُرُوعِ، وَاَلَّذِي يَأْتِي هُنَاكَ عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى. [تَنْبِيهٌ] الْمُشْرِفُ بِمَعْنَى النَّاظِرِ. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ: الْوَصِيُّ أَوْلَى بِإِمْسَاكِ الْمَالِ وَلَا يَكُونُ الْمُشْرِفُ وَصِيًّا وَأَثَرُ كَوْنِهِ مُشْرِفًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْوَصِيِّ إلَّا بِعِلْمِهِ اهـ وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ الْخَاصِّيِّ حَامِدِيَّةٌ، وَقِيلَ يَكُونُ وَصِيًّا فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِمَا لَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ. وَصَدَّرَ بِهِ قَاضِي خَانْ فَكَانَ مُعْتَمِدًا لَهُ عَلَى عَادَتِهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ. [فَرْعٌ] أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِ فُلَانٍ فَهُوَ الْوَصِيُّ وَلَهُ الْعَمَلُ بِلَا رَأْيِهِ، وَلَوْ قَالَ لَا تَعْمَلُ إلَّا بِرَأْيِهِ فَهُمَا وَصِيَّانِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَشُورَةٌ وَالثَّانِي نَهْيٌ وَلْوَالِجِيَّةٌ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ. [تَتِمَّةٌ] لَوْ اخْتَلَفَ الْوَصِيَّانِ فِي حِفْظِ الْمَالِ، فَإِنْ احْتَمَلَ الْقِسْمَةَ يَكُونُ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَإِلَّا يَتَهَايَآنِ زَمَانًا أَوْ يَسْتَوْدِعَانِهِ لِأَنَّ لَهُمَا وَلَايَةَ الْإِيدَاعِ بِيرِيّ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ) أَيْ وَإِنْ بَعُدَ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَيْ بِأَنْ أَوْصَى هَذَا الثَّانِي: إلَى آخَرَ وَهَكَذَا (قَوْلُهُ سَوَاءً أَوْصَى إلَيْهِ فِي مَالِهِ أَوْ مَالِ مُوصِيهِ) يُوَافِقُهُ مَا فِي الْمُلْتَقَى حَيْثُ قَالَ: وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ وَصِيٌّ فِي التَّرِكَتَيْنِ، وَكَذَا إنْ أَوْصَى إلَيْهِ فِي إحْدَاهُمَا خِلَافًا لَهُمَا اهـ لَكِنْ قَالَ الرَّمْلِيُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 706 (وَتَصِحُّ قِسْمَتُهُ) أَيْ الْوَصِيِّ حَالَ كَوْنِهِ (نَائِبًا عَنْ وَرَثَةٍ) كِبَارٍ (غُيَّبٍ أَوْ صِغَارٍ مَعَ الْمُوصَى لَهُ) بِالثُّلُثِ (وَلَا رُجُوعَ) لِلْوَرَثَةِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ (إنْ ضَاعَ قِسْطُهُمْ مَعَهُ) أَيْ الْوَصِيِّ لِصِحَّةِ قِسْمَتِهِ حِينَئِذٍ (وَ) أَمَّا (قِسْمَتُهُ عَنْ الْمُوصَى لَهُ) الْغَائِبِ أَوْ الْحَاضِرِ بِلَا إذْنِهِ (مَعَهُمْ) أَيْ الْوَرَثَةِ وَلَوْ صِغَارًا زَيْلَعِيٌّ (فَلَا) تَصِحُّ، وَحِينَئِذٍ (فَيَرْجِعُ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) مِنْ الْمَالِ (إذَا ضَاعَ قِسْطُهُ) لِأَنَّهُ كَالشَّرِيكِ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْوَصِيِّ، وَلَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ لِأَنَّهُ أَمِينٌ. (وَصَحَّ قِسْمَةُ الْقَاضِي وَأَخْذُهُ قِسْطَ الْمُوصَى لَهُ إنْ غَابَ) الْمُوصَى لَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ إنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ وَهَذَا (فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) لِأَنَّهُ إفْرَازٌ (وَفِي غَيْرِهِمَا لَا) تَجُوزُ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ كَالْبَيْعِ، وَبَيْعُ مَالِ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا الْقِسْمَةُ (وَإِنْ قَاسَمَهُمْ الْوَصِيُّ فِي الْوَصِيَّةِ بِحَجٍّ حَجَّ) عَنْ الْمَيِّتِ (بِثُلُثِ مَا بَقِيَ إنْ هَلَكَ) الْمَالُ (فِي يَدِهِ أَوْ) فِي يَدِ (مَنْ دُفِعَ إلَيْهِ لِيَحُجَّ) خِلَافًا لَهُمَا   [رد المحتار] الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَقْسَامٍ أَرْبَعَةٍ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُبْهِمَ فَيَقُولَ جَعَلْتُك وَصِيِّي مِنْ بَعْدِي أَوْ وَصِيًّا أَوْ نَحْوَهُ أَوْ يُبَيِّنَ فَيَقُولَ فِي تَرِكَتِي أَوْ يَقُولَ فِي تَرِكَةِ مُوصِيَّ أَوْ يَقُولَ فِي التَّرِكَتَيْنِ، فَإِذَا أَبْهَمَ أَوْ بَيَّنَ فَقَالَ فِي التَّرِكَتَيْنِ فَهُوَ وَصِيٌّ فِيهِمَا عِنْدَهُمْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَزُفَرَ، وَإِنْ قَالَ فِي تَرِكَتِي فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ أَنَّهُ يَكُونُ وَصِيًّا فِيهِمَا لِأَنَّ تَرِكَةَ مُوصِيهِ تَرِكَتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الِاخْتِيَارِ. وَعَنْهُمَا أَيْضًا رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى تَرِكَتِهِ، وَإِنْ قَالَ فِي تَرِكَةِ الْأَوَّلِ فَهُوَ كَمَا قَالَ عِنْدَهُمْ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَكَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ تَعْلِيلُ الِاخْتِيَارِ إذْ لَيْسَتْ تَرِكَتُهُ تَرِكَةَ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ تَرِكَتِي لِأَنَّ تَرِكَةَ مُوصِيهِ تَرِكَتُهُ فَتَنَاوَلَهَا اللَّفْظُ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ فَإِنَّهُ مُفْرَدٌ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُخَصِّصَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِغَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَتَصِحُّ قِسْمَتُهُ إلَخْ) صُورَتُهُ: رَجُلٌ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَأَوْصَى لِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَهُ وَرَثَةٌ صِغَارٌ أَوْ كِبَارٌ غَيْبٌ فَقَاسَمَ الْوَصِيَّ مَعَ الْمُوصَى لَهُ نَائِبًا عَنْ الْوَرَثَةِ وَأَعْطَاهُ الثُّلُثَ وَأَمْسَكَ الثُّلُثَيْنِ لِلْوَرَثَةِ فَالْقِسْمَةُ نَافِذَةٌ عَلَى الْوَرَثَةِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَهُوَ مُقَاسَمَتُهُ مَعَ الْوَارِثِ نَائِبًا عَنْ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ وَالْوَصِيَّ كِلَاهُمَا خَلَفٌ عَنْ الْمَيِّتِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَصِيُّ خَصْمًا عَنْهُمْ وَقَائِمًا مَقَامَهُمْ. وَأَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَلَيْسَ بِخَلِيفَةٍ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيِّ مُنَاسَبَةٌ حَتَّى يَكُونَ خَصْمًا عَنْهُ وَقَائِمًا مَقَامَهُ فِي نُفُوذِ الْقِسْمَةِ عَلَيْهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ فِي الْأُولَى تَجُوزُ فِي الْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ لَوْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا وَإِلَّا فَفِي الْعُرُوضِ فَقَطْ، وَفِي الثَّانِيَةِ تَبْطُلُ فِيهِمَا كَمَا فِي الْكِفَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِمَا، وَبِهِ جَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَوْ صِغَارًا فَلِلْوَصِيِّ بَيْعُهُمَا وَلَوْ كِبَارًا فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ عَلَيْهِمْ، وَلَهُ بِيَعُ الْمَنْقُولِ فَكَذَا الْقِسْمَةُ لِأَنَّهَا نَوْعُ بَيْعٍ اهـ. أَقُولُ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ وَإِلَّا فَلَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ إفْرَازُ حِصَّةِ الصِّغَارِ عَنْ غَيْرِهِمْ أَمَّا لَوْ أَرَادَ إفْرَازَ حِصَّةِ كُلٍّ مِنْ الصِّغَارِ عَنْ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ آخِرَ الْوَصَايَا فِي الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ غُيَّبٍ) أَيْ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَرْجِعُ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) أَيْ فِي أَيْدِي الْوَرَثَةِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَإِنْ هَلَكَ فِي أَيْدِيهمْ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُمْ قَدْرَ ثُلُثِ مَا قَبَضُوا وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْوَصِيُّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ وَالْوَرَثَةُ بِالْقَبْضِ فَيُضَمِّنُ أَيُّهُمَا شَاءَ زَيْلَعِيٌّ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي، أَمَّا لَوْ قَسَمَ بِأَمْرِهِ جَازَ فَلَا يَرْجِعُ مِسْكِينٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَالشَّرِيكِ) أَيْ لِلْوَرَثَةِ فَيَتْوَى مَا تَوَى مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الشَّرِكَةِ وَيَبْقَى مَا يَبْقَى عَلَيْهَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ مَعَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِضَاعَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ) أَيْ وَلَهُ وَلَايَةُ الْحِفْظِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَصَحَّ قِسْمَةُ الْقَاضِي) لِأَنَّهُ نَاظِرٌ فِي حَقِّ الْعَاجِزِ وَإِفْرَازُ نَصِيبِ الْغَائِبِ وَقَبْضُهُ مِنْ النَّظَرِ فَنَفَذَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَصَحَّ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) أَيْ مِنْ مَنْزِلِ الْآمِرِ أَوْ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ وَهَكَذَا إنْ هَلَكَ ثَانِيًا وَثَالِثًا إلَّا أَنْ لَا يَبْقَى مِنْ ثُلُثِهِ مَا يُبْلِغُ الْحَجَّ فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ الْمُفْرَزُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 707 وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْمَنَاسِكِ (وَلَوْ أَفْرَزَ الْمَيِّتُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لِلْحَجِّ فَضَاعَ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا) يَحُجُّ عَنْهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ لِأَنَّهُ عَيَّنَهُ فَإِذَا هَلَكَ بَطَلَتْ. (وَصَحَّ بَيْعُ الْوَصِيِّ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ بِغَيْبَةِ الْغُرَمَاءِ) لِلْغُرَمَاءِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِالْمَالِيَّةِ (وَضَمِنَ وَصِيٌّ بَاعَ مَا أَوْصَى بِبَيْعِهِ وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ فَاسْتَحَقَّ الْعَبْدُ بَعْدَ هَلَاكِ ثَمَنِهِ) أَيْ ضَيَاعِهِ (عِنْدَهُ) لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ فَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ (وَرَجَعَ) الْوَصِيُّ (فِي التَّرِكَةِ) كُلِّهَا: وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الثُّلُثِ، قُلْنَا إنَّهُ مَغْرُورٌ فَكَانَ دَيْنًا، حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ التَّرِكَةُ أَوْ لَمْ تَفِ فَلَا رُجُوعَ وَفِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ غُنْمَهُ لَهُمْ فَغُرْمُهُ عَلَيْهِمْ (كَمَا يَرْجِعُ فِي مَالِ الطِّفْلِ وَصِيٌّ بَاعَ مَا أَصَابَهُ) أَيْ الطِّفْلُ (مِنْ التَّرِكَةِ وَهَلَكَ ثَمَنُهُ مَعَهُ فَاسْتَحَقَّ) الْمَالَ الْمَبِيعَ، وَالطِّفْلُ يَرْجِعُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِحِصَّتِهِ لِانْتِقَاضِ الْقِسْمَةِ بِاسْتِحْقَاقِ مَا أَصَابَهُ (وَصَحَّ احْتِيَالُهُ بِمَالِ الْيَتِيمِ لَوْ خَيْرًا) بِأَنْ يَكُونُ الثَّانِي أَمْلَأَ، وَلَوْ مِثْلَهُ لَمْ يَجُزْ مُنْيَةٌ (وَصَحَّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ)   [رد المحتار] مُسْتَغْرِقًا لِلثُّلُثِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَلَمْ يَحُجَّ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لِلثُّلُثِ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ إلَى تَمَامِ ثُلُثِ الْجَمِيعِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَحُجُّ عَنْهُ بِشَيْءٍ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي الْمَنَاسِكِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِالْمَالِيَّةِ) أَيْ لَا بِالصُّورَةِ، وَالْبَيْعُ لَا يُبْطِلُ الْمَالِيَّةَ لِفَوَاتِهَا إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الثَّمَنُ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى بَيْعُهُ لِأَنَّ لِغُرَمَائِهِ حَقَّ الِاسْتِسْعَاءِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ بَاعَ مَا أَوْصَى بِبَيْعِهِ) أَيْ بَاعَ عَبْدًا، وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ كَغَيْرِهِ لَكَانَ أَظْهَرَ لِقَوْلِهِ فَاسْتَحَقَّ الْعَبْدَ (قَوْلُهُ أَيْ ضَيَاعِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْهَلَاكِ مَا يَعُمُّ التَّصَدُّقَ لِمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَضَمِنَ وَصِيٌّ (قَوْلُهُ قُلْنَا إنَّهُ مَغْرُورٌ) أَيْ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمَّا أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ وَالتَّصَدُّقِ بِثَمَنِهِ كَأَنَّهُ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ مِلْكِي عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ فَلَا رُجُوعَ) أَيْ لَا عَلَى الْوَرَثَةِ وَلَا عَلَى الْمَسَاكِينِ إنْ كَانَ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَقَعْ إلَّا لِلْمَيِّتِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ آخَرُ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُنْتَقَى إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَالِفُ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَصْلٌ فِي غُنْمِ هَذَا التَّصَرُّفِ وَهُوَ الثَّوْبُ وَالْفَقِيرُ تَبَعٌ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ مِثْلَهُ لَمْ يَجُزْ) هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَأَشَارَ فِي الْكِتَابِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اهـ أَيْ حَيْثُ قَيَّدَ الْجَوَازَ بِالْإِمْلَاءِ، وَهَذَا إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ بِمُدَايَنَةِ الْمَيِّتِ، فَلَوْ بِمُدَايَنَةِ الْوَصِيِّ يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ أَوْ شَرًّا لَهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ خَيْرًا لَهُ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ، حَتَّى إذَا أَدْرَكَ لَيْسَ لَهُ نَقْضُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ شَرًّا لَهُ جَازَ. وَيَضْمَنُ الْوَصِيُّ لِلْيَتِيمِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إتْقَانِيٌّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ وَصَحَّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ) أَطْلَقَهُمَا فَشَمَلَ النَّقْدَ وَالنَّسِيئَةَ إلَى أَجَلٍ مُتَعَارَفٍ لَكِنْ مِنْ مَلِيءٍ، فَلَوْ مُفْلِسًا فَسَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ آخِرَ الْوَصَايَا. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَإِذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِنَسِيئَةٍ، فَإِنْ كَانَ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْيَتِيمُ بِأَنْ كَانَ الْأَجَلُ فَاحِشًا لَا يَجُوزُ اهـ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ عَنْ الْمَيِّتِ وَعَنْ الْوَصِيِّ، فَلَوْ بَاعَ مِنْ نَفْسِهِ فَسَيَأْتِي، أَوْ بَاعَ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ أَوْ مِنْ وَارِثِ الْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ. قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: بَيْعُ الْمُضَارِبِ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ بِمُحَابَاةٍ قَلِيلَةٍ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا الْوَصِيُّ لَوْ بَاعَ مِنْ هَؤُلَاءِ، فَلَوْ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ جَازَ، وَلَوْ بَاعَ وَارِثٌ صَحِيحٌ مِنْ مُوَرِّثِهِ الْمَرِيضِ أَوْ شَرَى مِنْهُ بِقِيمَتِهِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ بِيَسِيرِ الْغَبْنِ لَمْ يَجُزْ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ كَوَصِيَّةٍ لَهُ وَوَصِيُّ الْمَيِّتِ لَوْ عَقَدَ مَعَ الْوَارِثِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَعَلَى الْخِلَافِ اهـ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: يَتِيمَانِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَصِيٌّ، لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ الشِّرَاءُ لِيَتِيمِهِ مِنْ الْوَصِيِّ الْآخَرِ لِأَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 708 لَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ وَهُوَ الْفَاحِشُ لِأَنَّ وَلَايَتَهُ نَظَرِيَّةٌ، فَلَوْ بَاعَ بِهِ كَانَ فَاسِدًا حَتَّى يَمْلِكَهُ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَهَذَا إذَا تَبَايَعَ الْوَصِيُّ لِلصَّغِيرِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ. (وَإِنْ بَاعَ) الْوَصِيُّ (أَوْ اشْتَرَى) مَالَ الْيَتِيمِ (مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ وَصِيَّ الْقَاضِي لَا يَجُوزُ ذَلِكَ مُطْلَقًا) لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ (وَإِنْ كَانَ وَصِيَّ الْأَبِ جَازَ بِشَرْطِ مَنْفَعَةٍ ظَاهِرَةٍ لِلصَّغِيرِ) وَهِيَ قَدْرُ النِّصْفِ زِيَادَةً أَوْ نَقْصًا. وَقَالَا: لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا. (وَبَيْعُ الْأَبِ مَالَ صَغِيرٍ مِنْ نَفْسِهِ جَائِزٌ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَبِمَا يُتَغَابَنُ فِيهِ) وَهُوَ الْيَسِيرُ وَإِلَّا لَا وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْمَنْقُولِ، أَمَّا فِي الْعَقَارِ فَسَيَجِيءُ.   [رد المحتار] تَصَرُّفَاتِ الْأَوْصِيَاءِ مُقَيَّدَةٌ بِالْخَيْرِيَّةِ وَالنَّظَرِ لِلْيَتِيمِ، فَلَوْ وُجِدَتْ الْخَيْرِيَّةُ هُنَا مِنْ أَحَدِهِمَا لَا تُوجَدُ مِنْ الْآخَرِ أَلْبَتَّةَ فَلَا تَجُوزُ تَصَرُّفُهُ اهـ. أَقُولُ: هُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآخَرِ وَلَمْ يَشْتَرِ لِنَفْسِهِ بَلْ لِيَتِيمِهِ فَلَا تُشْتَرَطُ الْخَيْرِيَّةُ فَلْيُتَأَمَّلْ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِالْعَقَارِ وَكَانَ بَيْعُهُ لِغَيْرِ النَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ حِينَئِذٍ أَنْ يُبَاعَ بِضِعْفِ الْقِيمَةِ كَمَا يَأْتِي وَبِهِ يَظْهَرُ التَّعْلِيلُ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ لَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ) الصَّحِيحُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ لِأَنَّ وَلَايَتَهُ نَظَرِيَّةٌ) وَلَا نَظَرَ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ كَانَ فَاسِدًا) هُوَ ثَانِي قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَالْأَوَّلُ أَنَّهُ بَاطِلٌ لَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ (قَوْلُهُ حَتَّى يَمْلِكَهُ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ) وَهَلْ يَضْمَنُ الْوَصِيُّ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ ط. [تَنْبِيهٌ] الْمَرِيضُ الْمَدْيُونُ لَوْ بَاعَ بِمُحَابَاةٍ لَا تَجُوزُ بِخِلَافِ وَصِيِّهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهَذَا مِنْ عَجِيبِ الْمَسَائِلِ حَيْثُ مَلَكَ الْخَلَفُ الْمُحَابَاةَ لَا الْمَالِكُ. أَفَادَهُ فِي الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا تَبَايَعَ الْوَصِيُّ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِتَصْرِيحِ الْمُصَنِّفِ بِهِ ط (قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَ الْوَصِيُّ) أَيْ مَالَهُ مِنْ الْيَتِيمِ (قَوْلُهُ مِنْ نَفْسِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِاشْتَرَى وَالضَّمِيرُ لِلْوَصِيِّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ) أَيْ الْقَاضِي وَفِعْلُ الْوَكِيلِ كَفِعْلِ الْمُوَكِّلِ وَفِعْلُ الْمُوَكِّلِ قَضَاءٌ وَهُوَ لَا يَقْضِي لِنَفْسِهِ ط (قَوْلُهُ وَهِيَ قَدْرُ النِّصْفِ زِيَادَةً أَوْ نَقْصًا) الزِّيَادَةُ رَاجِعَةٌ إلَى الشِّرَاءِ وَالنَّقْصُ إلَى الْبَيْعِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: تَفْسِيرُ الْمَنْفَعَةِ الظَّاهِرَةِ أَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشْرَةٍ مِنْ الصَّغِيرِ أَوْ يَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي عَشَرَةَ بَخَمْسَةَ عَشَرَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ اهـ. قَالَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ: وَفِي الْمُنْتَقَى وَبِهِ يُفْتَى. وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَبِهَذَا فَسَّرَ الْخَيْرِيَّةَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ وَهِيَ فِي الْعَقَارِ عِنْدَ الْبَعْضِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِضِعْفِ الْقِيمَةِ وَيَبِيعَ بِنِصْفِهَا، وَفِي الْحَافِظِيَّةِ: يَجُوزُ بَيْعُ الْوَصِيِّ مِنْ نَفْسِهِ وَشِرَاؤُهُ إنْ كَانَ فِيهِمَا نَفْعٌ ظَاهِرٌ كَبَيْعِ مَا يُسَاوِي تِسْعَةً بِعَشَرَةٍ، وَشِرَاءَ عَشَرَةٍ بِتِسْعَةٍ، قُلْت وَأَمَّا فِي الْعَقَارِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَيْرِيَّةَ فِي الشِّرَاءِ التَّضْعِيفُ وَفِي الْبَيْعِ التَّنْصِيفُ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا مِنْ الْغَيْرِ إلَّا بِالضِّعْفِ كَمَا مَرَّ فَكَيْفَ يَسُوغُ لَهُ الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ بِالْأَقَلِّ؟ وَأَرَى زِيَادَةَ الِاثْنَيْنِ فِي الْعَشَرَةِ وَنَقْصَهُ مِنْهَا فِيمَا عَدَا الْعَقَارِ كَافِيًا فِي الْخَيْرِيَّةِ لِأَنَّهُ الْغَبْنُ الْفَاحِشُ الَّذِي لَا يَتَحَمَّلُهُ النَّاسُ اهـ مَا فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ مُلَخَّصًا، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ صِحَّةَ شِرَائِهِ غَيْرُ خَاصَّةٍ فِي الْمَنْقُولِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَبَيْعُ الْأَبِ إلَخْ) مِثْلُهُ مَا إذَا بَاعَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَثَلَاثُ صُوَرٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 709 (وَلَوْ زَادَ الْوَصِيُّ عَلَى كَفَنِ مِثْلِهِ فِي الْعَدَدِ ضَمِنَ الزِّيَادَةَ، وَفِي الْقِيمَةِ وَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُ، وَ) حِينَئِذٍ (ضَمِنَ مَا دَفَعَهُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ) وَلْوَالِجِيَّةٌ. (وَ) فِيهَا (لَوْ دَفَعَ الْمَالَ إلَى الْيَتِيمِ قَبْلَ ظُهُورِ رُشْدِهِ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ فَضَاعَ ضَمِنَ) لِأَنَّهُ دَفَعَهُ إلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ (وَجَازَ بَيْعُهُ) أَيْ الْوَصِيِّ (عَلَى الْكَبِيرِ) الْغَائِبِ (فِي غَيْرِ الْعَقَارِ) إلَّا الدَّيْنَ أَوْ خَوْفَ هَلَاكِهِ ذَكَرَهُ عَزْمِي زَادَهْ مَعْزِيًّا لِلْخَانِيَّةِ.   [رد المحتار] فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَهِيَ بَيْعُ الْأَبِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَبَيْعُ الْوَصِيِّ مِنْ أَجْنَبِيٍّ ط. قُلْت: وَهَذَا لَوْ الْأَبُ عَدْلًا أَوْ مَسْتُورًا، فَلَوْ فَاسِدًا فَفِي بَيْعِهِ الْمَنْقُولَ رِوَايَتَانِ كَمَا سَيَأْتِي وَالشِّرَاءُ كَالْبَيْعِ. وَقَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لِلْأَبِ شِرَاءُ مَالِ طِفْلِهِ لِنَفْسِهِ بِيَسِيرِ الْغَبْنِ لَا بِفَاحِشِهِ اهـ. وَفِيهِ: لَوْ بَاعَ مَالَهُ مِنْ وَلَدِهِ لَا يَصِيرُ قَابِضًا لِوَلَدِهِ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ قَبْضِهِ حَقِيقَةً هَلَكَ عَلَى الْوَالِدِ، وَلَوْ شَرَى مَالَ وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ لَا يَبْرَأُ عَنْ الثَّمَنِ حَتَّى يُنَصِّبَ الْقَاضِي وَكِيلًا لِوَلَدِهِ يَأْخُذُ الثَّمَنَ ثُمَّ يَرُدُّهُ عَلَى الْأَبِ وَيَتِمُّ الْبَيْعُ بِقَوْلِهِ بِعْت مِنْ وَلَدِي وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ قَبِلْت وَكَذَا الشِّرَاءُ، وَلَوْ وَصِيًّا لَمْ يَجُزْ فِي الْوَجْهَيْنِ مَا لَمْ يَقُلْ قَبِلْت، وَجَازَ لِلْأَبِ لَا لِوَكِيلِهِ وَلَا لِلْوَصِيِّ بَيْعُ مَالِ أَحَدِ الصَّغِيرَيْنِ مِنْ الْآخَرِ، وَلَوْ وَكَّلَ الْأَبُ وَكِيلَيْنِ بِذَلِكَ جَازَ وَفِي بَيْعِ الْقَاضِي ذَلِكَ خِلَافٌ، وَلَوْ وَكَّلَ الْأَبُ رَجُلًا بِبَيْعِ مَالِهِ مِنْ طِفْلِهِ أَوْ الشِّرَاءِ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا إذَا كَانَ الْأَبُ حَاضِرًا وَلَمْ يَجُزْ لِلْقَاضِي بَيْعُ مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ نَفْسِهِ وَعَكْسُهُ إذْ الْجَوَازُ مِنْ الْقَاضِي عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ وَلَا يَجُوزُ حُكْمُهُ لِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ مَا شَرَاهُ مِنْ وَصِيِّهِ أَوْ بَاعَهُ مِنْ الْيَتِيمِ وَقَبِلَ وَصِيُّهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَوْ وَصِيًّا مِنْ جِهَةِ هَذَا الْقَاضِي اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ ضَمِنَ الزِّيَادَةَ) أَيْ إلَّا إذَا أَوْصَى بِهَا وَكَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ط (قَوْلُهُ وَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الزِّيَادَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِتَكْفِينِ الْمَيِّتِ بِهِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ قَبْلَ ظُهُورِ رُشْدِهِ) الرُّشْدُ هُوَ كَوْنُهُ مُصْلِحًا فِي مَالِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْحَجْرِ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ ظُهُورَهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَوْ ظَهَرَ رُشْدُهُ وَلَوْ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ فَدُفِعَ إلَيْهِ لَا يَضْمَنُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ ضَمِنَ) هَذَا قَوْلُ الصَّاحِبَيْنِ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ: وَقَالَ الْإِمَامُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ إذَا دَفَعَهُ بَعْدَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً لِأَنَّ لَهُ حِينَئِذٍ وَلَايَةَ الدَّفْعِ إلَيْهِ ط (قَوْلُهُ وَجَازَ بَيْعُهُ إلَخْ) بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَلَا وَصِيَّةٌ فَإِنْ الْوَرَثَةُ كِبَارًا حُضُورًا لَا يَبِيعُ شَيْئًا، وَلَوْ غُيَّبًا، لَهُ بَيْعُ الْعُرُوضِ فَقَطْ، وَإِنْ كُلُّهُمْ صِغَارًا يَبِيعُ الْعُرُوضَ وَالْعَقَارَ، وَإِنْ الْبَعْضُ صِغَارًا وَالْبَعْضُ كِبَارًا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُ نَصِيبَ الصِّغَارِ وَلَوْ مِنْ الْعَقَارِ دُونَ الْكِبَارِ إلَّا إذَا كَانُوا غَيْبًا فَيَبِيعُ الْعُرُوضَ، وَقَوْلُهُمَا الْقِيَاسُ وَبِهِ نَأْخُذُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ أَوْصَى بِدَرَاهِمَ وَلَا دَرَاهِمَ فِي التَّرِكَةِ وَالْوَرَثَةُ كِبَارٌ حُضُورٌ، فَعِنْدَهُ يَبِيعُ جَمِيعَ التَّرِكَةِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا بَيْعُ حِصَّةِ الدَّيْنِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ نُكَتِ الْوَصَايَا لِأَبِي اللَّيْثِ (قَوْلُهُ إلَّا الدَّيْنَ) أَيْ فَلَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ، لَكِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِ الْكَبِيرِ غَائِبًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ. وَفِي الْعِنَايَةِ قَيَّدَ بِالْغَيْبَةِ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا حُضُورًا لَيْسَ لِلْوَصِيِّ التَّصَرُّفُ فِي التَّرِكَةِ أَصْلًا إلَّا إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ وَلَمْ تَقْضِ الْوَرَثَةُ الدُّيُونَ وَلَمْ يُنْفِذُوا الْوَصِيَّةَ مِنْ مَالِهِمْ فَإِنَّهُ يَبِيعُ التَّرِكَةَ كُلَّهَا إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا، وَبِمِقْدَارِ الدَّيْنِ إنْ لَمْ يُحِطْ، وَلَهُ بَيْعُ مَا زَادَ عَلَى الدَّيْنِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَيُنْفِذُ الْوَصِيَّةَ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ، وَلَوْ بَاعَ لِتَنْفِيذِهَا شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ جَازَ بِمِقْدَارِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الزِّيَادَاتِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الدَّيْنِ اهـ. قَالَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ وَبِقَوْلِهِمَا يُفْتَى كَذَا فِي الْحَافِظِيَّةِ وَالْغُنْيَةِ وَسَائِرِ الْكُتُبِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْقُنْيَةِ لَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَ جَزْءٍ شَائِعٍ مِنْ دَارِ الْيَتِيمِ لِلنَّفَقَةِ إذَا وَجَدَ مَنْ يَشْتَرِي جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 710 قُلْت: وَفِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْقُهُسْتَانِيِّ الْأَصَحُّ لَا لِأَنَّهُ نَادِرٌ، وَجَازَ بَيْعُهُ عَقَارَ صَغِيرٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لَا مِنْ نَفْسِهِ بِضِعْفِ قِيمَتِهِ، أَوْ لِنَفَقَةِ الصَّغِيرِ أَوْ دَيْنِ الْمَيِّتِ، أَوْ وَصِيَّةٍ مُرْسَلَةٍ لَا نَفَاذَ لَهَا إلَّا مِنْهُ، أَوْ لِكَوْنِ غَلَّاتِهِ لَا تَزِيدُ عَلَى مُؤْنَتِهِ، أَوْ خَوْفِ خَرَابِهِ أَوْ نُقْصَانِهِ، أَوْ كَوْنِهِ فِي يَدِ مُتَغَلِّبٍ دُرَرٌ وَأَشْبَاهٌ مُلَخَّصًا. قُلْت: وَهَذَا لَوْ الْبَائِعُ وَصِيًّا لَا مِنْ قِبَلِ أُمٍّ أَوْ أَخٍ فَإِنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ بَيْعَ الْعَقَارِ مُطْلَقًا وَلَا شِرَاءَ غَيْرِ طَعَامٍ وَكِسْوَةٍ، وَلَوْ الْبَائِعُ أَبًا فَإِنْ مَحْمُودًا عِنْدَ النَّاسِ أَوْ مَسْتُورَ الْحَالِ يَجُوزُ ابْنُ كَمَالٍ (وَلَا يَتَّجِرُ) الْوَصِيُّ (فِي مَالِهِ)   [رد المحتار] لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ لِلْبَاقِي اهـ (قَوْلُهُ الْأَصَحُّ لَا) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ أَوْ خَوْفَ هَلَاكِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ الْهَلَاكَ نَادِرٌ. قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَمْلِكُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الدَّارَ لَا تَهْلَكُ غَالِبًا فَيَنْبَنِي الْحُكْمُ عَلَيْهِ لَا عَلَى النَّادِرِ اهـ (قَوْلُهُ وَجَازَ بَيْعُهُ عَقَارَ صَغِيرٍ إلَخْ) أَطْلَقَ السَّلَفُ جَوَازَ بَيْعِهِ الْعَقَارَ وَقَيَّدَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَبِهِ يُفْتَى: أَيْ بِقَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ سَبْقُ قَلَمٍ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ لَا مِنْ نَفْسِهِ) قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: وَقَوْلُهُمْ أَجْنَبِيٌّ يُؤْذِنُ أَنَّ بَيْعَهُ مِنْ نَفْسِهِ. لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْعَقَارَ مِنْ أَنْفَسِ الْأَمْوَالِ فَإِذَا بَاعَ مِنْ نَفْسِهِ فَالتُّهْمَةُ ظَاهِرَةٌ اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِضِعْفِ الْقِيمَةِ لَا يَتَأَتَّى مَعَهُ التُّهْمَةُ فَلَعَلَّ الْقَيْدَ اتِّفَاقِيٌّ، يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْهِنْدِيَّةِ: لَوْ اشْتَرَى الْوَصِيُّ عَقَارَ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ جَازَ لَوْ خَيْرًا بِأَنْ يَأْخُذَهُ بِضِعْفِ الْقِيمَةِ عِنْدَ الْبَعْضِ اهـ أَفَادَهُ السَّائِحَانِيُّ، وَقَدَّمْنَا مِثْلَهُ عَنْ أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ، وَقَوْلُهُ عِنْدَ الْبَعْضِ قَيْدٌ لِقَوْلِهِ بِأَنْ يَأْخُذَهُ إلَخْ لَا لِلْجَوَازِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ أَوْ لِنَفَقَةِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ ط. أَقُولُ: وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ فِيمَا يَظْهَرُ بِدَلِيلِ جَعْلِهِ مُقَابِلًا لِلْأَوَّلِ (قَوْلُهُ أَوْ دَيْنِ الْمَيِّتِ) أَيْ دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ، لَا وَفَاءَ لَهُ إلَّا بِبَيْعِهِ خَانِيَّةٌ، لَكِنْ يَبِيعُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَقَطْ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ مُرْسَلَةٍ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا بِاَلَّتِي لَمْ تُقَيَّدْ بِكَسْرٍ كَثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ مَثَلًا، وَذَلِكَ كَمَا إذَا أَوْصَى بِمِائَةٍ مَثَلًا (قَوْلُهُ أَوْ خَوْفِ خَرَابِهِ) تَقَدَّمَ فِي عَقَارِ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ لِذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجْرِي التَّصْحِيحُ هُنَا لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ هَذَا مَنْفَعَةُ الصَّغِيرِ وَلِذَا جَازَ هُنَا فِي بَعْضِ هَذِهِ الصُّوَرِ مَا لَا يَجُوزُ فِي عَقَارِ الْكَبِيرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ كَوْنِهِ فِي يَدِ مُتَغَلِّبٍ) كَأَنْ اسْتَرَدَّهُ مِنْهُ الْوَصِيُّ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ وَخَافَ أَنْ يَأْخُذَهُ الْمُتَغَلِّبُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ تَمَسُّكًا بِمَا كَانَ لَهُ مِنْ الْيَدِ فَلِلْوَصِيِّ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْيَتِيمِ حَاجَةٌ إلَى ثَمَنِهِ كَمَا فِي بُيُوعِ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ لَا مِنْ قِبَلِ أُمٍّ أَوْ أَخٍ) أَيْ أَوْ نَحْوِهِمَا مِنْ الْأَقَارِبِ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْقَاضِي، وَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ تَمَامُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ فِي هَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ، وَإِذَا احْتَاجَ الْحَالُ إلَى بَيْعِهِ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي ط (قَوْلُهُ يَجُوزُ) فَلَيْسَ لِلصَّغِيرِ نَقْضُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ إذْ لِلْأَبِ شَفَقَةٌ كَامِلَةٌ، وَلَمْ يُعَارِضْ هَذَا الْمَعْنَى مَعْنًى آخَرَ فَكَانَ هَذَا الْبَيْعُ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ فَاسِدًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ الْعَقَارَ فَلَهُ نَقْضُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ هُوَ الْمُخْتَارُ إلَّا إذَا بَاعَهُ بِضَعْفِ الْقِيمَةِ إذْ عَارَضَ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَعْنًى آخَرَ، وَيَجُوزُ بَيْعُ مَنْقُولِهِ فِي رِوَايَةٍ وَيُوضَعُ ثَمَنُهُ فِي يَدِ عَدْلٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا إلَّا بِضِعْفِ قِيمَتِهِ. وَبِهِ يُفْتَى جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ وَسَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ. [تَنْبِيهٌ] ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ بَيْعُ الْأَبِ عَقَارَ وَلَدِهِ إلَى الْمُسَوِّغَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْوَصِيِّ. وَنَقَلَ الْحَمَوِيُّ فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْوَصَايَا أَنَّ الْأَبَ كَالْوَصِيِّ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ إلَّا فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْحَانُوتِيُّ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت فِي مَجْمُوعَةِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا مُنْلَا عَلِيُّ التُّرْكُمَانِيُّ: قَدْ نَقَلَ عِبَارَةَ الْحَمَوِيِّ الْمَذْكُورَةَ. ثُمَّ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ مَا فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَسْتَنِدْ الْحَانُوتِيُّ فِي ذَلِكَ إلَى نَقْلٍ صَحِيحٍ، وَلَكِنْ إذَا صَارَتْ الْمُسَوِّغَاتُ فِي بَيْعِ الْأَبِ أَيْضًا كَمَا فِي الْوَصِيِّ صَارَ حَسَنًا مُفِيدًا أَيْضًا لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالِاتِّفَاقِ أَوْفَقُ هَكَذَا أَفَادَنِيهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 711 أَيْ الْيَتِيمِ (لِنَفْسِهِ) فَإِنْ فَعَلَ تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ (وَجَازَ) لَوْ اتَّجَرَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ (لِلْيَتِيمِ) وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ. قُلْت: وَفِي الْأَشْبَاهِ لَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَ شَيْءٍ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ لَا فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ بِبَيْعِ عَبْدِهِ مِنْ فُلَانٍ، وَفِيهَا فِي الْكَلَامِ فِي أَجْرِ الْمِثْلِ: لِلْمُتَوَلِّي أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ، فَلَوْ لَمْ يَعْمَلْ لَا أَجْرَ لَهُ،   [رد المحتار] شَيْخُنَا الشَّيْخُ مُحَمَّدُ مُرَادُ السَّقَامِينِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ (قَوْلُهُ فَإِنْ فَعَلَ تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ) أَيْ عِنْدَهُمَا وَيَضْمَنُ رَأْسَ الْمَالِ: وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُسَلَّمُ لَهُ الرِّبْحُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ خَانِيَّةٌ. وَفِيهَا: وَلَا يَمْلِكُ إقْرَاضَ مَالِ الْيَتِيمِ، فَإِنْ أَقْرَضَ ضَمِنَ وَالْقَاضِي يَمْلِكُهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَبَ كَالْوَصِيِّ لَا كَالْقَاضِي، وَلَوْ أَخَذَهُ الْوَصِيُّ قَرْضًا لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ وَيَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَمَّا أَنَا أَرْجُو أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْقَضَاءِ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الْقَاضِي إنَّمَا يَمْلِكُ الْإِقْرَاضَ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَشْتَرِيهِ يَكُونُ غَلَّةً لِلْيَتِيمِ لَا لَوْ وَجَدَهُ أَوْ وَجَدَ مَنْ يُضَارِبُ، وَفِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ: الْقَاضِي يَأْمُرُ الْوَصِيَّ بِالِاتِّجَارِ وَالشَّرِكَةِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ دُونَ الْمُعَامَلَةِ لِأَجْلِ الرِّبْحِ اهـ، وَأَفَادَ الرَّمْلِيُّ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ جَهَلَةِ الْقُضَاةِ أَنَّهُمْ يَقْضُونَ بِالرِّبْحِ مِنْ غَيْرِ مُعَامَلَةٍ فِي مَالِهِ إذَا عُومِلَ فِيهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَيَسْتَنِدُونَ فِي ذَلِكَ لِمَنْ لَا يُعْبَأُ بِكَلَامِهِ فِي الْمَذْهَبِ فَهُوَ قَضَاءٌ بِالرِّبَا الْمُحَرَّمِ فِي سَائِرِ الْأَدْيَانِ بِمُجَرَّدِ خَيَالَاتٍ فَاسِدَةٍ وَهِيَ النَّظَرُ إلَى الْيَتِيمِ، وَهَلْ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى نَظَرٌ مَا هَذَا إلَّا ضَلَالٌ بَعِيدٌ (قَوْلُهُ وَجَازَ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْوَصِيُّ عَلَى التِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفِ بِمَالِ الْيَتِيمِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى، وَقَالَ الْبِيرِيُّ: الْوَصِيُّ إذَا امْتَنَعَ مِنْ التَّصَرُّفِ لَا يُجْبَرُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي الْحَاوِي الْحَصِيرِيِّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: لَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ عَلَى النَّاس دُيُونٌ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَأْخُذُوا الْوَصِيَّ بِاسْتِخْرَاجِ ذَلِكَ وَقَضَائِهِ اهـ. [تَنْبِيهٌ] لَوْ أَجَّرَهُ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ أَوْ الْوَصِيُّ صَحَّ إذْ لَهُمْ اسْتِعْمَالُهُ بِلَا عِوَضٍ لِلتَّهْذِيبِ وَالرِّيَاضَةِ فَبِالْعِوَضِ أَوْلَى، وَالْوَصِيُّ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِنَفْسِهِ صَحَّ لَا لَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ لِلْيَتِيمِ، وَلَوْ أَجَّرَ الْأَبُ نَفْسَهُ لَهُ صَحَّ وَلَهُ قَضَاءُ دَيْنِهِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ، وَلَهُمَا بَيْعُ مَالِهِ بِدَيْنِ نَفْسِهِمَا كَرَهْنِهِ بِهِ، وَلَا بَأْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ أَوْ مُحْتَاجًا وَلَا يَضْمَنُ؛ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ أُجْرَةٌ فَيَأْكُلُ بِقَدْرِهَا، وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَخْذُ مَالِ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً وَلَا إقْرَاضُ مَالِهِ، وَلَوْ أَقْرَضَ لَا يُعَدُّ خِيَانَةً فَلَا يُعْزَلُ بِهَا، وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِكُلِّ مَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَهُ بِنَفْسِهِ، وَتَمَامُ الْفُرُوعِ فِي 27 مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ) لَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَإِلَّا فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ صِحَّةَ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ ط (قَوْلُهُ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ بِبَيْعِ عَبْدِهِ مِنْ فُلَانٍ) تَمَامُ عِبَارَةِ الْأَشْبَاهِ فَلَمْ يَرْضَ الْمُوصَى لَهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَلَهُ الْحَطُّ اهـ أَيْ إلَى قَدْرِ ثُلُثِ الْمَالِ. قَالَ الْبِيرِيُّ: وَفِي تَلْخِيصِ الْكُبْرَى أَوْصَى بِأَنْ تُبَاعَ أَمَتُهُ مِمَّنْ أَحَبَّتْ جَازَ وَتُجْبَرُ وَرَثَتُهُ عَلَى بَيْعِهَا مِمَّنْ أَحَبَّتْ، وَلَوْ أَبَى ذَلِكَ الرَّجُلُ أَخْذَهَا بِقِيمَتِهَا حَطَّ مِنْ قِيمَتِهَا قَدْرَ ثُلُثِ مَالِ الْمُوصِي زَادَ فِي الْحَاوِي أَنَّهُ يَكُونُ كَالْوَصِيَّةِ اهـ، قَالَ أَبُو السُّعُودِ: وَانْظُرْ إذَا كَانَ جَمِيعُ قِيمَتِهَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ هَلْ تُعْطَى لَهُ بِدُونِ ثَمَنٍ، وَقَوْلُ الْحَاوِي يَكُونُ كَالْوَصِيَّةِ يَقْتَضِيهِ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّهُ أَوْصَى بِبَيْعِهَا لَا بِدَفْعِهَا مَجَّانًا وَالْبَيْعُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ثَمَنٍ وَإِنْ قَلَّ، فَهُوَ وَصِيَّةٌ مِنْ حَيْثُ الْمُحَابَاةُ إلَى الثُّلُثِ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَوْلُ الْحَاوِي كَالْوَصِيَّةِ يَقْتَضِيهِ حَيْثُ أَتَى بِكَافِ التَّشْبِيهِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لِلْمُتَوَلِّي أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ) حَتَّى لَوْ كَانَ الْوَقْفُ طَاحُونَةً يَسْتَغِلُّهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ فَلَا أَجْرَ لَهُ فِيهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَهَذَا فِي نَاظِرٍ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُ الْوَاقِفُ شَيْئًا كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ ط. أَقُولُ: وَفِي تَعْبِيرِهِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْهُ، حَتَّى لَوْ جَعَلَ لَهُ الْعُشْرَ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ يَرُدُّ الزَّائِدَ كَمَا حَقَّقَهُ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ مِنْ شَرْحِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 712 وَأَمَّا وَصِيُّ الْمَيِّتِ فَلَا أَجْرَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهَذَا إذَا عَيَّنَ الْقَاضِي لِلْمُتَوَلِّي أَجْرًا، فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ وَسَعَى فِيهِ سَنَةً فَلَا شَيْءَ لَهُ وَعَزَاهُ لِلْقُنْيَةِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا يُخَالِفُهُ فَافْهَمْ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْوَقْفِ. وَأَمَّا وَصِيُّ الْقَاضِي، فَإِنْ نَصَّبَهُ بِأَجْرِ مِثْلِهِ جَازَ اهـ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَعْزِيًّا لِلذَّخِيرَةِ وَلَوْ كَانُوا صِغَارًا وَكِبَارًا بَاعَ حِصَّةَ الصِّغَارِ كَمَا مَرَّ، وَكَذَا الْكِبَارُ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ. وَنَقَلَ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ أَنَّ فِي بَيْعِهِ لِلْعَقَارِ وَفَاءً اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ، وَجَوَّزَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ   [رد المحتار] عَلَى الْأَشْبَاهِ فَرَاجِعْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. وَأَمَّا لَوْ شَرَطَ لَهُ الْوَاقِفُ شَيْئًا فَلَهُ أَخْذُهُ وَإِنْ زَادَ عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا وَصِيُّ الْمَيِّتِ فَلَا أَجْرَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ) تَعَقَّبَهُ الرَّمْلِيُّ فِي فَتَاوَاهُ بِمَا مَرَّ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَلَوْ مُحْتَاجًا إلَّا إذَا كَانَ لَهُ أُجْرَةٌ فَيَأْكُلُ بِقَدْرِهَا. قَالَ: وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ: لَهُ ذَلِكَ لَوْ مُحْتَاجًا اسْتِحْسَانًا. وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ بِهِ الِاسْتِحْسَانُ إلَّا فِي مَسَائِلَ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا. وَنَقْلُ الْقُنْيَةِ لَا يُعَارِضُ نَقْلَ قَاضِي خَانْ فَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ اهـ مُلَخَّصًا، وَقَالَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ أَوَاخِرَ كِتَابِ الْأَمَانَاتِ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ وَصِيَّ الْمَيِّتِ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْقِيَامِ بِالْوَصِيَّةِ إلَّا بِأَجْرٍ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْعَمَلِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَلَا جَبْرَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ، فَإِذَا رَأَى الْقَاضِي أَنْ يَعْمَلَ لَهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْهُ؟ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى وَقَدْ أَفْتَيْت بِهِ مِرَارًا اهـ وَبِهِ أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ أَيْضًا. أَقُولُ: وَعِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ وَعَنْ نُصَيْرٍ: لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَيَرْكَبَ دَوَابَّهُ إذَا ذَهَبَ فِي حَوَائِجَ الْيَتِيمِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا بِقَدْرِ مَا سَعَى اهـ. أَقُولُ تَقْيِيدُهُ بِالِاحْتِيَاجِ مُوَافِقًا - قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6]- لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْأُجْرَةِ لِغَيْرِ الْمُحْتَاجِ، وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى الْأَكْلِ فِي الْفُرُوعِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ الْمَيِّتُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَاسْتَأْجَرَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لِإِنْفَاذِ وَصِيَّتِهِ، قَالُوا لَا يَكُونُ إجَارَةً لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ وَصِيًّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْإِجَارَةُ تَبْطُلُ بِهِ بَلْ يَكُونُ صِلَةً فَيُعْطَى لَهُ مِنْ الثُّلُثِ. قَالَ لَك أَجْرُ مِائَةٍ عَلَى أَنْ تَكُونَ وَصِيًّا اخْتَلَفُوا فِيهِ. قَالَ نُصَيْرٌ: الْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: الشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالْمِائَةُ وَصِيَّةٌ لَهُ وَيَكُونُ وَصِيًّا، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو اللَّيْثِ اهـ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ ثُبُوتُ أَجْرِ الْمِثْلِ لِلْمُتَوَلِّي إذَا عَيَّنَ إلَخْ فَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ، وَلَوْ أَجْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا عَيَّنَ لَهُ لِرِضَاهُ بِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ ط (قَوْلُهُ وَسَعَى فِيهِ سَنَةً) أَيْ مَثَلًا ط (قَوْلُهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِسَعْيِهِ مُتَبَرِّعًا (قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ) أَيْ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْقُنْيَةِ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ إنَّهُ يَسْتَحِقُّ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُ الْقَاضِي (قَوْلُهُ فَافْهَمْ) تَنْبِيهٌ عَلَى مَا بَيْنَ كَلَامَيْهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ أَوْ عَلَى اخْتِيَارِ الثَّانِي لِتَأَخُّرِهِ، وَبِهِ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ نَاقِلًا عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ الْقَيِّمَ يَسْتَحِقُّ أَجْرَ سَعْيِهِ سَوَاءٌ شَرَطَ لَهُ أَوْ لَا لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْقِوَامَةَ ظَاهِرًا إلَّا بِأَجْرٍ وَالْمَعْهُودُ كَالْمَشْرُوطِ اهـ (قَوْلُهُ وَقَدْ مَرَّ فِي الْوَقْفِ) الَّذِي فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْهُ أَنَّ لَهُ أَجْرَ مِثْلِ عَمَلِهِ وَكَأَنَّهُ اسْتَفَادَ مِنْ إطْلَاقِهِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ جَازَ) فَلَوْ أَرَادَ أُجْرَةً لِعَمَلِهِ قَبْلَ فَرْضِ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِشُرُوعِهِ مُتَبَرِّعًا كَمَا فِي الْخَيْرِيَّةِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَبِيعُ الْمَنْقُولَ بِمَا يُتَغَابَنُ فِيهِ دُونَ الْعَقَارِ إلَّا فِي الْمُسْتَثْنَيَاتِ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَبِيعُ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ إلَّا الدَّيْنَ (قَوْلُهُ وَفَاءً) بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ: أَيْ بِيعَ وَفَاءً وَهُوَ الْمُسَمَّى بَيْعًا جَائِزًا وَبِيعَ طَاعَةً، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ قُبَيْلَ الْكَفَالَةِ: قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لِلْوَصِيِّ بَيْعُ الْعَقَارِ بَيْعًا بِالْوَفَاءِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 713 لِأَنَّ فِيهِ اسْتِبْقَاءَ مِلْكِهِ مَعَ دَفْعِ الْحَاجَةِ وَإِنْ لِغَيْرِ الْوَصِيِّ التَّصَرُّفُ لِخَوْفِ مُتَغَلِّبٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْمُلْتَقَى (وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ تَرِكَتِهِ أَنَّهُ لِفُلَانٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ وَارِثًا فَيَصِحُّ فِي حِصَّتِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ) الْوَصِيُّ (بِعَيْنٍ لِآخَرَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لِلصَّغِيرِ لَا يُسْمَعُ) دُرَرٌ. (وَوَصِيُّ أَبِي الطِّفْلِ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْ جَدِّهِ   [رد المحتار] وَقِيلَ لَا اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِبْقَاءَ مِلْكِهِ) بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الرَّهْنِ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْمُلْتَقَى) حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يَحْصُرْ التَّصَرُّفَ فِي الْوَصِيِّ إشَارَةً إلَى جَوَازِ تَصَرُّفِ غَيْرِهِ كَمَا إذَا خَافَ مِنْ الْقَاضِي عَلَى مَالِهِ أَيْ مَالِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ السِّكَّةِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ ضَرُورَةً اسْتِحْسَانًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ مِنَحٌ، فَلَا يَجُوزُ لَلْمُقَرِّ لَهُ أَخْذُهُ حَتَّى يُقِيمَ بُرْهَانًا وَيَحْلِفَ يَمِينًا وَيَضْمَنُ الْوَصِيُّ لَوْ دَفَعَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ ط فَلَوْلَا بَيِّنَةٌ لَهُ وَالْوَصِيُّ يَعْلَمُ بِالدَّيْنِ فَالْحِيلَةُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ عَنْ نُصَيْرٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ صَامِتٌ يُودِعُهُ قَدْرَ الدَّيْنِ وَإِلَّا يَبِيعُهُ مِنْ التَّرِكَةِ بِقَدْرِهِ ثُمَّ يَجْحَدُ الْغَرِيمُ ذَلِكَ فَيَصِيرُ قِصَاصًا. قَالَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ الْخَاصِّيِّ: وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا: شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلٌ أَنَّ لِهَذَا الرَّجُلِ عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفَ دِرْهَمٍ. حُكِيَ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ قَالَ وَسِعَ الْوَصِيَّ أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الضَّمَانَ، قِيلَ لَهُ فَإِنْ كَانَ جَارِيَةٌ بِعَيْنِهَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمَيِّتَ غَصَبَهَا مِنْهُ قَالَ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ وَإِلَّا صَارَ غَاصِبًا ضَامِنًا (قَوْلُهُ فَيَصِحُّ فِي حِصَّتِهِ) أَيْ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِيهَا فَيُؤْخَذُ جَمِيعُ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ حِصَّتِهِ فَافْهَمْ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِالْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ فِي ثُلُثِ حِصَّتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ قُبَيْلَ بَابِ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ، وَقِيلَ الدَّيْنُ كَذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ قَدْرُ مَا يَخُصُّ حِصَّتَهُ مِنْهُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ قُبَيْلَ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ. [فَرْعٌ] تَرِكَةٌ فِيهَا دَيْنٌ لَمْ يَسْتَغْرِقْ، قُسِمَتْ فَجَاءَ الْغَرِيمُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ، وَهَذَا إذَا أَخَذَهُمْ جُمْلَةً عِنْدَ الْقَاضِي، أَمَّا لَوْ ظَفِرَ بِأَحَدِهِمْ أَخَذَ مِنْهُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ) أَيْ فِي يَدِهِ كَمَا فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ التَّرِكَةِ وَإِلَّا لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ تَرِكَتِهِ (قَوْلُهُ لَا يُسْمَعُ) لِتَنَاقُضِهِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْضِي عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ يَمْضِي عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ مَلَكَهَا يَوْمًا أُمِرَ بِدَفْعِهَا إلَى الْمُقَرِّ لَهُ ط (قَوْلُهُ وَوَصِيُّ أَبِي الطِّفْلِ أَحَقُّ إلَخْ) الْوَلَايَةُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ لِلْأَبِ ثُمَّ وَصِيِّهِ ثُمَّ وَصِيِّ وَصِيِّهِ وَلَوْ بَعُدَ، فَلَوْ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يُوصِ فَالْوَلَايَةُ لِأَبِي الْأَبِ ثُمَّ وَصِيِّهِ ثُمَّ وَصِيِّ وَصِيِّهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِلْقَاضِي وَمَنْصُوبِهِ، وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَالْأَوْلَادُ صِغَارٌ وَكِبَارٌ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ وَتَرَكَ ابْنًا صَغِيرًا فَوَصِيُّ الْجَدِّ وَصِيٌّ لَهُمْ يَصِحُّ بَيْعُهُ عَلَيْهِ كَمَا صَحَّ عَلَى أَبِيهِ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ فَلْيُحْفَظْ. وَأَمَّا وَصِيُّ الْأَخِ وَالْأُمِّ وَالْعَمِّ وَسَائِرِ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَفِي شَرْحِ الْإِسْبِيجَابِيِّ أَنَّ لَهُمْ بَيْعَ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ لِدَيْنِهِ أَوْ وَصِيَّتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِمَّنْ تَقَدَّمَ لَا بَيْعَ عَقَارِ الصِّغَارِ إذْ لَيْسَ لَهُمْ إلَّا حِفْظُ الْمَالِ وَلَا الشِّرَاءُ لِلتِّجَارَةِ وَلَا التَّصَرُّفُ فِيمَا يَمْلِكُهُ الصَّغِيرُ، مِنْ جِهَةِ مُوصِيهمْ مُطْلَقًا لِأَنَّهُمْ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ أَجَانِبُ، نَعَمْ لَهُمْ شِرَاءُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَبَيْعِ مَنْقُولِ وَرَثَةِ الْيَتِيمِ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي لِكَوْنِهِ مِنْ الْحِفْظِ لِأَنَّ حِفْظَ الثَّمَنِ أَيْسَرُ مِنْ حِفْظِ الْعَيْنِ اهـ مِنْ أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ وَغَيْرِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 714 وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَصِيُّهُ فَالْجَدُّ) كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْحَجْرِ فِي الْمُنْيَةِ لَيْسَ لِلْجَدِّ بَيْعُ الْعَقَارِ وَالْعُرُوضِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا بِخِلَافِ الْوَصِيِّ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَصْلٌ فِي شَهَادَةِ الْأَوْصِيَاءِ (وَبَطَلَتْ شَهَادَةُ الْوَصِيَّيْنِ لِوَارِثٍ صَغِيرٍ بِمَالٍ) مُطْلَقًا (أَوْ كَبِيرٍ بِمَالِ الْمَيِّتِ وَصَحَّتْ) شَهَادَتُهُمَا (بِغَيْرِهِ) أَيْ بِغَيْرِ مَالِ الْمَيِّتِ لِانْقِطَاعِ وَلَايَتِهِمَا عَنْهُ فَلَا تُهْمَةَ حِينَئِذٍ (كَشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ لِآخَرَيْنِ بِدَيْنٍ أَلْفٍ عَلَى مَيِّتٍ وَ) شَهَادَةِ (الْآخَرَيْنِ لِلْأَوَّلَيْنِ بِمِثْلِهِ، بِخِلَافِ شَهَادَةِ كُلِّ فَرِيقٍ بِوَصِيَّةِ أَلْفٍ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ. لَا تُقْبَلُ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَاتِ (أَوْ) شَهَادَةِ (الْأَوَّلَيْنِ بِعَبْدٍ وَالْآخَرَيْنِ بِثُلُثِ مَالِهِ) أَوْ الدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ   [رد المحتار] وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ أَضْعَفَ الْوَصِيَّيْنِ فِي أَقْوَى الْحَالَيْنِ كَأَقْوَى الْوَصِيَّيْنِ فِي أَضْعَفِ الْحَالَيْنِ وَأَضْعَفُ الْوَصِيَّيْنِ وَصِيُّ الْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَأَقْوَى الْحَالَيْنِ حَالُ صِغَرِ الْوَرَثَةِ وَأَقْوَى الْوَصِيَّيْنِ وَصِيُّ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْقَاضِي وَأَضْعَفُ الْحَالَيْنِ حَالُ كِبَرِ الْوَرَثَةِ ثُمَّ وَصِيُّ الْأُمِّ فِي حَالِ صِغَرِ الْوَرَثَةِ كَوَصِيِّ الْأَبِ فِي حَالِ كِبَرِ الْوَرَثَةِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَارِثِ فَلِلْوَصِيِّ بَيْعُ مَنْقُولِهِ لَا عَقَارِهِ كَوَصِيِّ الْأَبِ حَالَ كِبَرِهِمْ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ يُوجَدُ (قَوْلُهُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْحَجْرِ) الْأَوْلَى فِي الْمَأْذُونِ ط (قَوْلُهُ لَيْسَ لِلْجَدِّ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: فَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الْوَصِيِّ وَأَبِي الْمَيِّتِ فَلِوَصِيِّ الْمَيِّتِ بَيْعُ التَّرِكَةِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ وَأَبُو الْمَيِّتِ لَهُ بَيْعُهَا لِقَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الْأَوْلَادِ لَا لِقَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: هَذِهِ فَائِدَةٌ تُحْفَظُ مِنْ الْخَصَّافِ. وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَأَقَامَ الْجَدَّ مَقَامَ الْأَبِ وَبِقَوْلِ الْخَصَّافِ يُفْتَى اهـ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لِلْجَدِّ بَيْعُ الْعُرُوضِ وَالشِّرَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ التَّرِكَةَ لِدَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ لَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ وَصِيِّ الْأَبِ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ) أَيْ وَصِيِّ الْأَبِ كَمَا فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ وَصِيَّ الْجَدِّ كَالْجَدِّ فَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى تَأَمَّلْ، قَالَ ط: فَيَرْفَعُ الْغُرَمَاءُ أَمْرَهُمْ إلَى الْقَاضِي لِيَبِيعَ لَهُمْ بِقَدْرِ دُيُونِهِمْ وَكَذَا الْمُوصَى لَهُمْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي شَهَادَةِ الْأَوْصِيَاءِ] ِ. الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْفَصْلِ فِي غَيْرِهِ ط (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ الْمَيِّتِ أَوْ لَا، لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ لِلْوَصِيِّ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ التَّرِكَةِ أَوْ لَا مِنَحٌ، فَفِي شَهَادَتِهِمَا إثْبَاتُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ (قَوْلُهُ أَوْ كَبِيرٍ بِمَالِ الْمَيِّتِ) لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ وَلَايَةَ الْحِفْظِ. وَوَلَايَةُ بَيْعِ الْمَنْقُولِ عَنْ غَيْبَةِ الْوَارِثِ وَعَوْدِ وَلَايَتِهِ إلَيْهِمَا يَجْنُو لَهُ. غُرَرُ الْأَفْكَارِ وَهَذَا عِنْدَهُ. وَقَالَا يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ: أَيْ فِيمَا تَرَكَهُ الْمَيِّتُ وَغَيْرُهُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُقْبَلُ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا) لِأَنَّ الدَّيْنَ بِالْمَوْتِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ إذْ الذِّمَّةُ خَرِبَتْ بِالْمَوْتِ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا حَقَّهُ مِنْ التَّرِكَةِ يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ فِيهِ مُثْبِتَةً لِلشَّرِكَةِ فَتَحَقَّقَتْ التُّهْمَةُ. وَلَهُمَا أَنَّ الدَّيْنَ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَالِاسْتِيفَاءِ مِنْ التَّرِكَةِ ثَمَرَتُهُ وَالذِّمَّةُ قَابِلَةٌ لِحُقُوقٍ شَتَّى فَلَا شَرِكَةَ، وَلِهَذَا لَوْ تَبَرَّعَ أَحَدٌ بِقَضَاءِ دَيْنِ أَحَدِهِمَا لَيْسَ لِلْآخَرِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بَلْ فِي الْعَيْنِ فَصَارَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَأَوْرَثَ شُبْهَةً اهـ دُرَرٌ، قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمُ فِي حَاشِيَةِ الْمَجْمَعِ: وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اعْتَمَدَ النَّسَفِيُّ وَالْمَحْبُوبِيُّ. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: إنْ أَرَادَ النَّسَفِيَّ صَاحِبَ الْكَنْزِ فَإِنَّ مَا فِيهِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَبُولُهَا فِي الدَّيْنِ فَقَطْ. ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي عِنْدَ الْفَتْوَى فِي مِثْلِ هَذَا إنْ كَانَ الشُّهُودُ مَعْرُوفِينَ بِالْخَيْرِ أَنْ يُعْمَلَ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَإِلَّا فَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اهـ ط عَنْ شَرْحِ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ بِعَبْدٍ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 715 وَلِإِثْبَاتِهَا لِلشَّرِكَةِ فَتَبْطُلُ (وَتَصِحُّ لَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ لِرَجُلَيْنِ بِالْوَصِيَّةِ بِعَيْنٍ) كَالْعَبْدِ (وَشَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِالْوَصِيَّةِ بِعَيْنٍ أُخْرَى) لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ فَلَا تُهْمَةَ زَيْلَعِيٌّ. (شَهِدَ الْوَصِيَّانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِزَيْدٍ مَعَهُمَا لَغَتْ) لِإِثْبَاتِهِمَا لِأَنْفُسِهِمَا مُعِينًا وَحِينَئِذٍ فَيَضُمُّ الْقَاضِي لَهُمَا ثَالِثًا وُجُوبًا لِإِقْرَارِهِمَا بِآخَرَ فَيَمْتَنِعُ تَصَرُّفُهُمَا بِدُونِهِ كَمَا تَقَرَّرَ (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ زَيْدٌ ذَلِكَ) أَيْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ وَصِيٌّ مَعَهُمَا فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُمَا أَسْقَطَا مُؤْنَةَ التَّعْيِينِ عَنْهُ (وَكَذَا ابْنَا الْمَيِّتِ إذَا شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ) لِجَرِّهِمَا نَفْعًا لِنَصْبِ حَافِظٍ لِلتَّرِكَةِ (وَ) هَذَا لَوْ (هُوَ مُنْكِرٌ) وَلَوْ يَدَّعِي تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا (بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا بِأَنَّ أَبَاهُمَا وَكَّلَ زَيْدًا بِقَبْضِ دُيُونِهِ بِالْكُوفَةِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا) ادَّعَى زَيْدٌ الْوَكَالَةَ أَمْ لَا لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَكِيلِ عَنْ الْحَيِّ بِطَلَبِهِمَا ذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ، وَشَهَادَةُ الْوَصِيِّ تَصِحُّ عَلَى الْمَيِّتِ لَا لَهُ وَلَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ وَإِنْ لَمْ يُخَاصِمْ مُلْتَقًى. (وَصِيٌّ أَنْفَذَ الْوَصِيَّةَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ رَجَعَ مُطْلَقًا) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى دُرَرٌ (كَوَكِيلٍ أَدَّى الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ، وَكَذَلِكَ) (الْوَصِيُّ إذَا اشْتَرَى كِسْوَةً لِلصَّغِيرِ أَوْ) اشْتَرَى (مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ) فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إذَا أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: إنَّمَا شُرِطَ الْإِشْهَادُ لِأَنَّ قَوْلَ الْوَصِيِّ فِي الْإِنْفَاقِ يُقْبَلُ لَا فِي حَقِّ الرُّجُوعِ بِلَا إشْهَادٍ. انْتَهَى فَلْيُحْفَظْ. قُلْت: لَكِنْ فِي الْقُنْيَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ: لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّمَنِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ،   [رد المحتار] أَيْ بِوَصِيَّةِ عَبْدٍ ط (قَوْلُهُ لِإِثْبَاتِهَا لِلشَّرِكَةِ) أَيْ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ إذْ الثُّلُثُ مَحَلُّ الْوَصِيَّةِ فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ مُعِينًا) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَعَانَ (قَوْلُهُ كَمَا تَقَرَّرَ) أَيْ مِنْ امْتِنَاعِ تَصَرُّفِ أَحَدِ الْأَوْصِيَاءِ وَحْدَهُ (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ كَالْأَوَّلِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا أَسْقَطَا مُؤْنَةَ التَّعْيِينِ عَنْهُ) : أَيْ عَنْ الْقَاضِي إذْ لَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَضُمَّ ثَالِثًا إلَيْهِمَا كَمَا مَرَّ فَيَكُونُ وَصِيًّا مَعَهُمَا بِنَصْبِ الْقَاضِي إيَّاهُ كَمَا إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَصِيًّا فَإِنَّهُ يُنَصِّبُ وَصِيًّا ابْتِدَاءً فَهَذَا أَوْلَى زَيْلَعِيٌّ. أَقُولُ: ظَاهِرُهُ أَنَّ لِهَذَا الثَّالِثِ حُكْمَ وَصِيِّ الْقَاضِي لَا حُكْمَ وَصِيِّ الْمَيِّتِ وَأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تُؤْثِرْ سِوَى التَّعْيِينِ تَأَمَّلْ، وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ (قَوْلُهُ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا) أَيْ عَلَى أَنَّهُ نُصِّبَ وَصِيٌّ ابْتِدَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي شَهَادَةِ الْوَصِيَّيْنِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا إلَخْ) أَيْ لَوْ شَهِدَا حَالَ حَيَاةِ الْأَبِ أَنَّ أَبَاهُمَا وَكَّلَ هَذَا بِقَبْضِ حُقُوقِهِ وَالْأَبُ غَائِبٌ وَغُرَمَاءُ الْأَبِ يَجْحَدُونَ لَا تُقْبَلُ وَالْفَرْقُ أَنَّهُمَا لَوْ لَمْ يَشْهَدَا بِذَلِكَ لَكِنَّهُمَا سَأَلَا مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ هَذَا وَصِيًّا وَالْوَصِيُّ يُرِيدُ الْإِيصَاءَ كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَهُ وَصِيًّا فَهُنَا أَوْلَى، وَلَوْ سَأَلَاهُ أَنْ يُنَصِّبَ وَكِيلًا بِقَبْضِ حُقُوقِهِ حَالَ غَيْبَةِ الْأَبِ وَالْوَكِيلُ يُرِيدُ ذَلِكَ فَالْقَاضِي لَا يُنَصِّبُ وَكِيلًا، وَلَوْ نَصَّبَ هُنَا إنَّمَا يُنَصِّبُ بِشَهَادَتِهِمَا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِأَبِيهِمَا وَلْوَالِجِيَّةٌ (قَوْلُهُ لَا لَهُ وَلَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ) وَكَذَا لَا تُقْبَلُ لِلْيَتِيمِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ حَيْثُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِمُوَكِّلِهِ بَعْدَ الْعَزْلِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافَةٌ وَلِهَذَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ رَجَعَ مُطْلَقًا) قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَقِيلَ إنْ كَانَ هَذَا الْوَصِيُّ وَارِثَ الْمَيِّتِ يَرْجِعُ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْعِبَادِ يَرْجِعُ لِأَنَّ لَهَا مُطَالِبًا مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَكَانَ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَرْجِعُ، وَقِيلَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الدُّرَرِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ هُوَ الْمُخْتَارُ اهـ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إذَا أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ) يَعْنِي عَلَى أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ وَهَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ قُبَيْلَ بَابِ عَزْلِ الْوَكِيلِ (قَوْلُهُ لَا فِي حَقِّ الرُّجُوعِ) وَمِثْلُهُ قَيِّمُ الْوَقْفِ لِأَنَّهُمَا يَدَّعِيَانِ لِأَنْفُسِهِمَا دَيْنًا عَلَى الْيَتِيمِ وَالْوَقْفِ فَلَا يَسْتَحِقَّانِهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى كَذَا فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) نَقَلَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ مَا يُوَافِقُ هَذَا وَمَا يُخَالِفُهُ، ثُمَّ قَالَ: فَقَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا فِي الرُّجُوعِ مُطْلَقًا أَوْ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ فَلْيُحَرَّرْ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 716 وَسَيَجِيءُ مَا يُفِيدُهُ فَتَنَبَّهْ (أَوْ قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ) الثَّابِتِ شَرْعًا (أَوْ كَفَنَهُ) أَوْ أَدَّى خَرَاجَ الْيَتِيمِ أَوْ عُشْرَهُ (مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ اشْتَرَى الْوَارِثُ الْكَبِيرُ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً لِلصَّغِيرِ)   [رد المحتار] أَقُولُ: وَالتَّحْرِيرُ مَا فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ فِي رُجُوعِ الْوَصِيِّ بِلَا إشْهَادٍ لِلرُّجُوعِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ اهـ وَنَقَلَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ وَعَنْ الْخَانِيَّةِ، فَقَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ الْخَانِيَّةِ أَيْضًا وَنَقَلَ عَنْ الْخُلَاصَةِ اشْتِرَاطَ الْإِشْهَادِ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْهَا. ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْمُنْتَقَى بِالنُّونِ: أَنْفَقَ الْوَصِيُّ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ عَلَى الصَّبِيِّ وَلِلصَّبِيِّ مَالٌ غَائِبٌ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي الْإِنْفَاقِ اسْتِحْسَانًا إلَّا أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ قَرْضٌ أَوْ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّ قَوْلَ الْوَصِيِّ لَا يُقْبَلُ فِي الرُّجُوعِ فَيُشْهِدُ لِذَلِكَ، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ وَيَكْفِيهِ النِّيَّةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا نَوَى الْأَبُ الرُّجُوعَ وَنَقَدَ الثَّمَنَ عَلَى هَذِهِ النِّيَّةِ وَسِعَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، أَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَلَا يَرْجِعُ مَا لَمْ يُشْهِدْ وَمِثْلُهُ فِي الْمُنْتَقَى. وَفِيهِ أَيْضًا: وَلَوْ شَرَى الْأَبُ لِطِفْلِهِ شَيْئًا يُجْبَرُ هُوَ عَلَيْهِ كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ لِصَغِيرِهِ الْفَقِيرِ لَمْ يَرْجِعْ أَشْهَدَ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَرَى لَهُ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَالطَّعَامِ لِابْنِهِ الَّذِي لَهُ مَالٌ وَالدَّارِ وَالْخَادِمُ رَجَعَ إنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي نَحْوِ الدَّارِ: إنْ كَانَ لِلِابْنِ مَالٌ رَجَعَ إنْ أَشْهَدَ وَإِلَّا لَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَمْ يَرْجِعْ أَشْهَدَ أَوْ لَا. وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ شَرَى لِطِفْلِهِ شَيْئًا وَضَمِنَ عَنْهُ ثُمَّ نَقَدَهُ مِنْ مَالِهِ يَرْجِعُ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا اهـ. قُلْت: فَقَدْ تَحَرَّرَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَدَمُ الرُّجُوعِ بِلَا إشْهَادٍ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ، وَالثَّانِي اشْتِرَاطُ الْإِشْهَادِ فِي الْأَبِ فَقَطْ، وَمِثْلُهُ الْأُمُّ الْوَصِيُّ عَلَى أَوْلَادِهَا، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ شَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْأَوْلَادِ لِلْبِرِّ وَالصِّلَةِ لَا لِلرُّجُوعِ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا يَحْتَاجُ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْإِشْهَادِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ اسْتِحْسَانٌ. وَالثَّانِيَ قِيَاسٌ، وَمُقْتَضَاهُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ قُبَيْلَ بَابِ عَزْلِ الْوَكِيلِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْقَضَاءِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي آخِرِ الْفُرُوعِ مَا يُفِيدُهُ: أَيْ يُفِيدُ اشْتِرَاطَ الرُّجُوعِ فِي الْأَبَوَيْنِ بَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الَّذِي سَيَجِيءُ هُوَ مَا نَقَلْنَاهُ ثَانِيًا عَنْ الْمُنْتَقَى (قَوْلُهُ أَوْ قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ) قَالَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ: وَفِي الْخَانِيَّةِ اشْتَرَطَ الْإِشْهَادَ إذَا قَضَاهُ بِلَا أَمْرِ الْوَارِثِ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي النَّوَازِلِ. وَقَالَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا نَفَّذَ الْوَصِيَّةَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ يَرْجِعُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ فَتَكُونُ الرِّوَايَةُ فِي الْوَصِيَّةِ رِوَايَةً فِي الدَّيْنِ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا وَوُجُوبُ قَضَائِهِ آكَدُ مِنْ لُزُومِ إنْفَاذِهَا اهـ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ عَنْ الْمِنَحِ وَالدُّرَرِ مِنْ قَوْلِهِ فَكَانَ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ أَوْ كَفَنِهِ) أَيْ كَفَنِ الْمِثْلِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ الْفَصْلِ أَنَّهُ لَوْ زَادَ الْوَصِيُّ عَلَى كَفَنِ الْمِثْلِ فِي الْعَدَدِ ضَمِنَ الزِّيَادَةَ وَفِي الْقِيمَةِ وَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُ (قَوْلُهُ أَوْ أَدَّى خَرَاجَ الْيَتِيمِ إلَخْ) أَيْ خَرَاجَ أَرْضِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ بِلَا إشْهَادٍ، وَفِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ (قَوْلُهُ أَوْ اشْتَرَى الْوَارِثُ الْكَبِيرُ إلَخْ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَنَصُّهَا أَوْ اشْتَرَى الْوَارِثُ الْكَبِيرُ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً لِلصَّغِيرِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَالتَّرِكَةِ اهـ. أَقُولُ: وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْإِشْهَادَ مَعَ أَنَّ فِي إنْفَاقِ الْوَصِيِّ خِلَافًا كَمَا مَرَّ، وَيَنْبَغِي جَرَيَانُهُ هُنَا بِالْأَوْلَى عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي إنْفَاقِهِ عَلَى الصَّغِيرِ نَصِيبَهُ مِنْ التَّرِكَةِ نَفَقَةَ مِثْلِهِ فِي أَنَّهُ يُصَدَّقُ أَمْ لَا قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الزَّاهِدِيُّ فِي الْحَاوِي ثُمَّ قَالَ: وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى مَا فِي وَصَايَا الْمُحِيطِ بِرِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ وَأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَنْفَقَ عَلَى الصَّغِيرِ خَمْسَمِائَةٍ نَفَقَةَ مِثْلِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ إذَا لَمْ يَكُنْ وَصِيًّا: وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ طَعَامًا أَوْ ثَوْبًا وَأَطْعَمَهُ الْكَبِيرُ الصَّغِيرَ أَوْ أَلْبَسَهُ فَاسْتَحْسَنَ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْكَبِيرِ ضَمَانٌ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 717 أَوْ كَفَّنَ الْوَارِثُ الْمَيِّتَ أَوْ قَضَى دَيْنَهُ (مِنْ مَالِ نَفْسِهِ) فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وَلَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا. (وَلَوْ كَفَّنَ الْوَصِيُّ الْمَيِّتَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ قَبْلَ قَوْلِهِ فِيهِ) قِيلَ هُوَ مُسْتَدْرَكٌ بِقَوْلِهِ أَوْ كَفَّنَهُ. (وَلَوْ بَاعَ) الْوَصِيُّ (شَيْئًا مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ بِأَكْثَرَ) مِمَّا بَاعَهُ (رَجَعَ الْقَاضِي فِيهِ إلَى أَهْلِ الْبَصِيرَةِ) وَالْأَمَانَةِ (إنْ أَخْبَرَهُ اثْنَانِ مِنْهُمْ أَنَّهُ بَاعَ بِقِيمَتِهِ، وَأَنَّ قِيمَتَهُ ذَلِكَ لَا يَلْتَفِتُ) الْقَاضِي (إلَى مَنْ يَزِيدُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمُزَايَدَةِ يُشْتَرَى بِأَكْثَرَ وَفِي السُّوقِ بِأَقَلَّ لَا يُنْتَقَضُ بِبَيْعِ الْوَصِيِّ لِذَلِكَ) أَيْ لِأَجْلِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ (بَلْ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الْبَصِيرَةِ، فَإِنْ اجْتَمَعَ رَجُلَانِ مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِمَا) عِنْدَ مُحَمَّدٍ (وَكَفَى قَوْلٌ وَاحِدٌ فِي ذَلِكَ) عِنْدَهُمَا   [رد المحتار] وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَلَوْ أَنْفَقَ الْأَخُ الْكَبِيرُ عَلَى أَخِيهِ الصَّغِيرِ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ التَّرِكَةِ، إنْ كَانَ طَعَامًا لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي حِجْرِهِ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ يَضْمَنُ إنْ لَمْ يَكُنْ وَصِيًّا اهـ وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الْبَيْعِ مِنْ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ وَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّهُ يَجُوزُ شِرَاءُ مَا لَا بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ وَبَيْعُهُ لِأَخٍ وَعَمٍّ وَأُمٍّ وَمُلْتَقَطٍ هُوَ فِي حِجْرِهِمْ وَإِجَارَتُهُ لِأُمِّهِ فَقَطْ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا مَرَّ عَنْ مُحَمَّدٍ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي حِجْرِهِ تَأَمَّلْ، وَعَلَى كُلٍّ فَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مُشْكِلٌ إنْ لَمْ يَكُنْ الْكَبِيرُ وَصِيًّا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ كَفَّنَ الْوَارِثُ الْمَيِّتَ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا، وَصَرَّحَ فِيهَا بِأَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى التَّرِكَةِ، قُلْت: وَهَذَا لَوْ كَفَنُ الْمِثْلِ كَمَا مَرَّ. [تَنْبِيهٌ] أَوْ مَاتَ وَلَا شَيْءَ لَهُ وَوَجَبَ كَفَنُهُ عَلَى وَرَثَتِهِ فَكَفَّنَهُ الْحَاضِرُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ عَلَى الْغَائِبِ مِنْهُمْ بِحِصَّتِهِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ لَوْ أَنْفَقَ بِلَا إذْنِ الْقَاضِي حَاوِي الزَّاهِدِيِّ. قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْفُصُولَيْنِ: لِيُسْتَفَادَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ كَتَكْفِينِ الزَّوْجَةِ إذَا صَرَفَهُ مِنْ مَالِهِ غَيْرُ الزَّوْجِ بِلَا إذْنِهِ أَوْ إذْنِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ كَالْأَجْنَبِيِّ فَيُسْتَثْنَى تَكْفِينُهَا، بِلَا إذْنٍ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى الْمُفْتَى بِهِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى زَوْجِهَا وَلَوْ غَنِيَّةً (قَوْلُهُ أَوْ قَضَى دَيْنَهُ) أَيْ الثَّابِتَ شَرْعًا وَإِلَّا فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَائِبِ، وَإِنْ دَفَعَ مِنْ التَّرِكَةِ فَلِلْغَائِبِ أَنْ يَسْتَرِدَّ قَدْرَ حِصَّتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ شَرْعًا، وَكَذَا الْوَصِيُّ فِي الدَّيْنِ أَوْ الْوَدِيعَةِ، وَأَمَّا الْمَهْرُ، فَإِنْ دَخَلَ الزَّوْجُ بِهَا مُنِعَ عَنْهَا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَعْجِيلِهِ وَالْقَوْلُ فِي قَدْرِهِ لِلْوَرَثَةِ، وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ لِلْمَرْأَةِ شُرُنْبُلَالِيَّةُ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ مُلَخَّصًا أَيْ لَوْ ادَّعَى الْوَرَثَةُ قَدْرَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَعْجِيلِهِ فَالْقَوْلُ لَهُمْ، وَلَوْ ادَّعَوْا أَزْيَدَ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ لِلْمَرْأَةِ فِي نَفْيِ الزِّيَادَةِ (قَوْلُهُ قِيلَ هُوَ مُسْتَدْرَكٌ) عَبَّرَ بِقِيلِ لِإِمْكَانِ الْفَرْقِ بِأَنَّ مَا مَرَّ فِي أَصْلِ الرُّجُوعِ وَهَذَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ لَوْ كَذَّبُوهُ فِيهِ أَفَادَهُ ط: وَفِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: لَوْ نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ يُصَدَّقُ إنْ كَانَ كَفَنَ الْمِثْلِ، وَفِي الْوَجِيزِ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ نَقَدَهُ مِنْ التَّرِكَةِ (قَوْلُهُ إلَى أَهْلِ الْبَصِيرَةِ) أَيْ الْعَقْلِ. وَاَلَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا إلَى أَهْلِ الْبَصَرِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ هُنَا: أَيْ أَهْلِ النَّظَرِ، وَالْمَعْرِفَةِ فِي قِيمَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ (قَوْلُهُ وَأَنَّ قِيمَتَهُ ذَلِكَ) تَوْضِيحٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَأَمَّا إذَا أَخْبَرَا بِأَنَّ قِيمَتَهُ أَكْثَرُ مِمَّا أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي فَهُوَ بَاطِلٌ. قَالَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ الْجَوَاهِرِ: بَاعَ الْوَاصِي ضَيْعَةً لِلدَّيْنِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ قِيمَتَهَا أَكْثَرُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى فَسْخِ الْحَاكِمِ فَلَوْ بَاعَهَا ثَانِيًا بِثَمَنِ الْمِثْلِ صَحَّ الْبَيْعُ الثَّانِي اهـ وَقَدَّمَ الشَّارِحُ أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَهَذَا حَيْثُ كَانَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لَا يَلْتَفِتُ الْقَاضِي إلَى مَنْ يَزِيدُ) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ قَدْ تَكُونُ لِلْحَاجَةِ لَا لِأَنَّ الْقِيمَةَ أَزْيَدُ مِمَّا بَاعَ بِهِ الْوَصِيُّ، حَتَّى لَا يَجُوزَ الْبَيْعُ إنْ كَانَ النَّقْصُ فَاحِشًا أَدَبُ الْأَوْصِيَاءِ (قَوْلُهُ لَا يُنْتَقَضُ بِبَيْعِ الْوَصِيِّ لِذَلِكَ) أَيْ لَا يُحْكَمُ بِانْتِقَاضِهِ بِمُجَرَّدِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 718 كَمَا فِي التَّزْكِيَةِ، وَعَلَى هَذَا قَيِّمُ الْوَقْفِ إذَا أَجَرَ مُسْتَغَلَّ الْوَقْفِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَزِيدُ فِي الْأَجْرِ الْكُلُّ فِي الدُّرَرِ مَعْزِيًّا لِلْخَانِيَّةِ. [فُرُوعٌ] يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْإِنْفَاقِ بِلَا بَيِّنَةٍ إلَّا فِي ثِنْتَيْ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ: ادَّعَى قَضَاءَ دَيْنِ الْمَيِّتِ، وَادَّعَى قَضَاءَهُ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ بَيْعِ التَّرِكَةِ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهَا، أَوْ أَنَّ الْيَتِيمَ اسْتَهْلَكَ مَالًا آخَرَ فَدَفَعَ ضَمَانَهُ، أَوْ أُذِنَ لَهُ بِتِجَارَةٍ فَرَكِبَهُ دُيُونٌ فَقَضَاهَا عَنْهُ، أَوْ أَدَّى خَرَاجَ أَرْضِهِ فِي وَقْتٍ لَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ،   [رد المحتار] لِاحْتِمَالِ أَنَّ مَا بَاعَهُ بِهِ هُوَ قِيمَتُهُ فَلِذَا قَالَ بَلْ يَرْجِعُ إلَخْ فَافْهَمْ قَالَ ط: وَلَوْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا بَاعَهُ أَوْ كَانَ فِي الْمُزَايَدَةِ يَشْتَرِي بِأَكْثَرَ، وَفِي السُّوقِ بِأَقَلَّ لَكَانَ أَخْصَرَ اهـ. [تَتِمَّةٌ] قَالَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ: بَاعَ الْأَبُ مَالَ طِفْلِهِ ثُمَّ ادَّعَى فِيهِ فَاحِشَ الْغَبْنِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ فَيُنَصِّبُ الْحَاكِمُ فِيمَا عَنْ الصَّبِيِّ فَيَدَّعِيهِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَهَذَا إذَا أَقَرَّ الْأَبُ بِقَبْضِ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ فِي الصَّكِّ، أَمَّا إذَا لَمْ يُقِرَّ بِهِ وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ أَوْ قَالَ بِعْته وَلَمْ أَعْرِفْ الْغَبْنَ أَوْ قَالَ كُنْت عَرَفْته وَلَكِنْ لَمْ أَعْرِفْ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ مَعَهُ فَحِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ بَعْدَهُ الْغَبْنَ، وَلَوْ بَلَغَ الْيَتِيمُ فَادَّعَى كَوْنَ بَيْعِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ بِفَاحِشِ الْغَبْنِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ بِحُكْمِ الْحَالِ إنْ لَمْ تَكُنْ الْمُدَّةُ قَدْرَ مَا يَتَبَدَّلُ فِيهِ السِّعْرُ وَإِلَّا صُدِّقَ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ بَرْهَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا فَبَيِّنَةُ مُثْبِتِ الزِّيَادَةِ أَوْلَى اهـ [فُرُوعٌ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْإِنْفَاقِ بِلَا بَيِّنَةٍ] (قَوْلُهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ الْإِنْفَاقِ بِلَا بَيِّنَةٍ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْإِنْفَاقُ عَلَى رَحِمِهِ، وَخَرَاجُ أَرْضِهِ، وَجُعْلُ عَبْدِهِ الْآبِقِ اهـ مُلَخَّصًا ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ إلَخْ فَالْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ حَذْفُ قَوْلِهِ مِنْ الْإِنْفَاقِ: [تَنْبِيهٌ] فِي الذَّخِيرَةِ يَنْبَغِي لِلْوَصِيِّ أَنْ لَا يُضَيِّقَ عَلَى الصَّغِيرِ فِي النَّفَقَةِ بَلْ يُوَسِّعُ عَلَيْهِ بِلَا إسْرَافٍ وَذَلِكَ يَتَفَاوَتُ بِقِلَّةِ مَالِهِ وَكَثْرَتِهِ فَيَنْظُرُ إلَى مَالِهِ وَيُنْفِقُ بِحَسَبِ حَالِهِ. وَفِي شَرْحِ الْأَصْلِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ: كَبِرَ الصِّغَارُ وَاتَّهَمُوا الْوَصِيَّ وَقَالُوا إنَّك أَنْفَقَتْ عَلَيْنَا مِنْ الرِّبْحِ أَوْ تَبَرَّعَ بِهَا فُلَانٌ يَجِبُ عَلَى الْوَصِيِّ الْيَمِينُ عَلَى دَعْوَاهُ إلَّا إذَا ادَّعَوْا مَا يُكَذِّبُهُمْ الظَّاهِرُ فِيهِ كَأَنْ يَدَّعُوا مَا لَا يَكْفِي مِثْلُهُ لِمِثْلِهِمْ فِي مِثْلِ الْمُدَّةِ فِي الْغَالِبِ، وَهَذَا إذَا ادَّعَى نَفَقَةَ الْمِثْلِ أَوْ أَزْيَدَ بِيَسِيرٍ وَإِلَّا فَلَا يُصَدَّقُ وَيَضْمَنُ، مَا لَمْ يُفَسِّرْ دَعْوَاهُ بِتَفْسِيرٍ مُحْتَمَلٍ كَقَوْلِهِ اشْتَرَيْت لَهُمْ طَعَامًا فَسُرِقَ ثُمَّ اشْتَرَيْت ثَانِيًا وَثَالِثًا فَهَلَكَ فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ (قَوْلُهُ ادَّعَى قَضَاءَ دَيْنِ الْمَيِّتِ) شُرُوعٌ فِي الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَشْبَاهِ قَبْلَ سَرْدِهِ الْمَسَائِلَ حَيْثُ قَالَ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: قَضَى وَصِيُّهُ دَيْنًا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَلَمَّا كَبِرَ الْيَتِيمُ أَنْكَرَ دَيْنًا عَلَى أَبِيهِ ضَمِنَ وَصِيُّهُ مَا دَفَعَهُ لَوْ لَمْ يَجِدْ بَيِّنَةً إذَا أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الدَّفْعُ إلَى الْأَجْنَبِيِّ، فَلَوْ ظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ بِغُرْمٍ لَهُ حِصَّتُهُ إلَخْ وَإِلَّا فَلَوْ أَقَرَّ بِهِ الْوَارِثُ وَادَّعَى الْوَصِيُّ أَدَاءَهُ مِنْ التَّرِكَةِ صُدِّقَ (قَوْلُهُ أَوْ ادَّعَى إلَخْ) قَدَّمْنَا عَنْ أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ أَنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ اشْتَرَطَ الْإِشْهَادَ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي النَّوَازِلِ، وَانْظُرْ مَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ بَعْدَ بَيْعِ التَّرِكَةِ وَلَعَلَّهُ اتِّفَاقِيٌّ لِأَنَّهُ قَبِلَهُ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ أَوْ أَنَّ الْيَتِيمَ اسْتَهْلَكَ مَالًا آخَرَ إلَخْ) الَّذِي فِي الْأَشْبَاهِ مَالَ آخَرَ بِالْإِضَافَةِ، وَصُورَتُهَا قَالَ لَهُ: إنَّك اسْتَهْلَكَتْ مَالَ فُلَانٍ فِي صِغَرِك فَأَدَّيْته مِنْ مَالِكِ فَكَذَّبَهُ وَقَالَ لَمْ أَسْتَهْلِكْ شَيْئًا فَالْقَوْلُ لِلْيَتِيمِ وَالْوَصِيُّ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ كَمَا فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ (قَوْلُهُ أَوْ أَدَّى خَرَاجَ أَرْضِهِ إلَخْ) وَكَذَا إذَا ادَّعَى الْوَصِيُّ أَنَّ أَبَا الْيَتِيمِ مَاتَ مِنْ مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ وَأَنَّهُ دَفَعَ خَرَاجَ أَرْضِهِ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَقَالَ الْيَتِيمُ لَمْ يَمُتْ أَبِي إلَّا مِنْ مُنْذُ سَنَتَيْنِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَوْ كَانَتْ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْوَصِيِّ مَعَ يَمِينِهِ يَعْنِي وَاتَّفَقَا عَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 719 أَوْ جُعْلَ عَبْدِهِ الْآبِقِ أَوْ فِدَاءَ عَبْدِهِ الْجَانِي أَوْ الْإِنْفَاقَ عَلَى مَحْرَمِهِ أَوْ عَلَى رَقِيقِهِ الَّذِينَ مَاتُوا أَوْ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ مِمَّا فِي ذِمَّتِهِ وَكَذَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ حَالَ غَيْبَةِ مَالِهِ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ أَوْ أَنَّهُ زَوَّجَ الْيَتِيمَ امْرَأَةً وَدَفَعَ مَهْرَهَا مِنْ مَالِهِ وَهِيَ مَيِّتَةٌ. الثَّانِيَةُ عَشْرَةُ: اتَّجَرَ وَرَبِحَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مُضَارِبًا وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِيهِ وَمَا لَا فَلَا يُنَصِّبُ الْقَاضِي وَصِيًّا فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ مَبْسُوطَةً فِي الْأَشْبَاهِ:   [رد المحتار] الْوَقْتِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَبُو الْيَتِيمِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَذْهَانِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة اهـ أَبُو السُّعُودِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ لَوْ كَانَتْ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّ الْحَالَ فِي الْأَوَّلِ شَاهِدٌ لَهُ بِخِلَافِ الثَّانِي، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي وَقْتٍ لَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِأَدَّى بَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِ (ادَّعَى مِقْدَارًا) : أَيْ ادَّعَى أَدَاءَ خَرَاجِ أَرْضِهِ إلَخْ وَإِلَّا نَافَى مَا مَرَّ مَتْنًا مِنْ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي أَدَاءِ خَرَاجِهِ لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ أَوْ جُعْلَ عَبْدِهِ الْآبِقِ) هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ: أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا بَيَانٍ، وَجَزَمَ بِالْأَوَّلِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَلَمْ يَحْكِ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِيهِ خِلَافًا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَقِيلَ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ اهـ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَرُدَّهُ أَنَّهُ يَكُونُ مُصَدَّقًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ: لَوْ قَالَ أَدَّيْت مِنْ مَالِ نَفْسِي لِأَرْجِعَ عَلَيْك لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ أَفَادَهُ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ. أَقُولُ وَظَاهِرُ هَذَا تَرْجِيحُ قَوْلِ مُحَمَّدِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ فِدَاءَ عَبْدِهِ الْجَانِي) فِي الْكَافِي: لَوْ قَالَ أَدَّيْت ضَمَانَ غَصْبِك أَوْ جِنَايَتِك أَوْ جِنَايَةِ عَبْدِك فَلَا يُصَدَّقُ بِلَا بَيِّنَةٍ أَبُو السُّعُودِ. أَقُولُ ظَاهِرُهُ وَلَوْ أَقَرَّ الْيَتِيمُ بِالْجِنَايَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ الْإِنْفَاقَ عَلَى مَحْرَمِهِ) فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ الْوَصِيُّ: فَرَضَ الْقَاضِي لِأَخِيك الْأَعْمَى هَذَا نَفَقَةً فِي مَالِكِ كُلَّ شَهْرٍ كَذَا دِرْهَمًا فَأَدَّيْت إلَيْهِ ذَلِكَ مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ وَكَذَّبَهُ الِابْنُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ إجْمَاعًا وَيَكُونُ ضَامِنًا لِلْمَالِ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى فَرْضِ الْقَاضِي وَإِعْطَاءِ الْمَفْرُوضِ لِلْأَخِ اهـ وَعَلَّلَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَوَائِجِ الْيَتِيمِ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا كَانَ مِنْ حَوَائِجِهِ اهـ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَكُونَ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا مِنْ حَوَائِجِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى رَقِيقِهِ الَّذِينَ مَاتُوا) هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْقَبُولُ لِلْوَصِيِّ. وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْعَبِيدَ لَوْ كَانُوا أَحْيَاءَ فَالْقَوْلُ لِلْوَصِيِّ، وَهَلْ يَحْلِفُ؟ خِلَافٌ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَحْلِفُ إذَا لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ الْخِيَانَةُ. وَنَقَلَ الْبِيرِيُّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ تَفْصِيلًا فَقَالَ: إنْ كَانَ مِثْلُ هَذَا الْمَيِّتِ يَكُونُ لَهُ مِثْلُ هَذَا الرَّقِيقِ فَالْقَوْلُ لِلْوَصِيِّ وَإِلَّا فَلَا أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ أَوْ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ مِمَّا فِي ذِمَّتِهِ لَيْسَ فِي الْأَشْبَاهِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ وَبِمَا بَعْدَهُ عَمَّا لَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي نَفَقَةِ مِثْلِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْأَصْلِ، وَقَوْلُهُ حَالَ غَيْبَةِ مَالِهِ: أَيْ مَالِ الْيَتِيمِ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ حَالَ حُضُورِهِ فِي الْأُولَى. وَفِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْيَتِيمِ وَعَلَى أَمْوَالِهِ مِنْ الْعَبِيدِ وَالضِّيَاعِ وَالدَّوَابِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا ادَّعَى مَا يُنْفَقُ عَلَى مِثْلِهِمْ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي أَوْ الْقَاضِي اهـ (قَوْلُهُ أَوْ هِيَ مَيْتَةٌ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً أَوْ مَيِّتَةً لَكِنْ أَقَرَّ الْيَتِيمُ بِالتَّزْوِيجِ أَنَّهُ يَرْجِعُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ إلَخْ) فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ تَصَرَّفَ الْوَصِيُّ أَوْ الْأَبُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ فَرَبِحَ فَقَالَ كُنْت مُضَارِبًا لَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَ التَّصَرُّفِ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْمُضَارَبَةِ وَهَذَا فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ مَا شَرَطَ مِنْ الرِّبْحِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ أَدَبُ الْأَوْصِيَاءِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَخْذُ مَالِ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِيهِ) أَيْ بِيَمِينِهِ إذَا لَمْ يُكَذِّبْهُ الظَّاهِرُ حَمَوِيٌّ وَبِيرِيٌّ عَنْ صُلْحِ الْوَلْوَالِجيَّةِ ط (قَوْلُهُ مَبْسُوطَةً فِي الْأَشْبَاهِ) أَيْ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْهَا ثَلَاثَةً، قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَفِيمَا إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ صَغِيرٌ، وَفِيمَا إذَا اشْتَرَى مِنْ مُورِثِهِ شَيْئًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 720 مِنْهَا إذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ أَوْ عَلَيْهِ أَوْ لِتَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ. وَزَادَ فِي الزَّوَاهِرِ مَوْضِعَيْنِ آخَرَيْنِ: اشْتَرَى الْأَبُ مِنْ طِفْلِهِ شَيْئًا فَوَجَدَهُ مَعِيبًا يُنَصِّبُ الْقَاضِي وَصِيًّا لِيَرُدَّهُ عَلَيْهِ، وَإِذَا اُحْتِيجَ لِإِثْبَاتِ حَقِّ صَغِيرٍ أَبُوهُ غَائِبٌ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً يُنَصِّبُ وَإِلَّا فَلَا وَعَزَاهُمَا لِمَجْمَعِ الْفَتَاوَى.   [رد المحتار] وَأَرَادَ رَدَّهُ بِعَيْبٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَفِيمَا إذَا كَانَ أَبُو الصَّغِيرِ مُسْرِفًا مُبَذِّرًا فَيُنَصِّبُهُ لِلْحِفْظِ، وَذَكَرَ فِي قِسْمَةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ مَوْضِعًا آخَرَ يُنَصِّبُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ اهـ. وَاَلَّذِي فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ هُوَ مَا لَوْ تَرَكَ ضَيْعَةً بَيْنَ صَغِيرٍ وَغَائِبَيْنِ وَحَاضِرَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِرَجُلٍ فَطَلَبَ الْقِسْمَةَ فَيَجْعَلُ الْقَاضِي وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبَيْنِ وَالصَّغِيرِ (قَوْلُهُ مِنْهَا إذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ أَوْ عَلَيْهِ) أَيْ لِيَكُونَ خَصْمًا فِي الْإِثْبَاتِ وَالدَّفْعِ وَالْقَبْضِ (قَوْلُهُ لِيَرُدَّهُ عَلَيْهِ) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُنَصِّبَهُ وَصِيًّا فِي خُصُوصِ الرَّدِّ لَا مُطْلَقًا لِأَنَّ الْوَلَايَةَ فِي غَيْرِهِ لِلْأَبِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ وَصِيَّ الْقَاضِي يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ (قَوْلُهُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً) بِأَنْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا تَصِلُ إلَيْهِ الْقَوَافِلُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. [تَتِمَّةٌ] زَادَ الْحَمَوِيُّ وَغَيْرُهُ مَسَائِلَ أَيْضًا. وَمِنْهَا لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ دَيْنًا وَالْوَرَثَةُ كِبَارٌ غُيَّبٌ فِي بَلَدٍ مُنْقَطِعٍ عَنْ بَلَدِ الْمُتَوَفَّى لَا تَأْتِي وَلَا تَذْهَبُ الْقَافِلَةُ إلَيْهِ، وَمِنْهَا لَوْ قَالَ الْوَارِثُ لَا أَقْضِي الدَّيْنَ وَلَا أَبِيعُ التَّرِكَةَ بَلْ أُسَلِّمُ التَّرِكَةَ إلَى الدَّائِنِ نَصَّبَ الْقَاضِي مَنْ يَبِيعُ التَّرِكَةَ، وَمِنْهَا لَوْ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ بِثَمَنِهِ وَقَدْ مَاتَ بَائِعُهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ يُنَصَّبُ عَنْهُ وَصِيٌّ لِيَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ. وَمِنْهَا لَوْ ظَهَرَ الْمَبِيعُ حُرًّا وَقَدْ مَاتَ بَائِعَهُ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا وَلَا وَارِثًا وَلَا وَصِيًّا فَيُنَصِّبُ الْقَاضِي وَصِيًّا لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي وَيَرْجِعَ هُوَ عَلَى بَائِعِ الْمَيِّتِ. وَمِنْهَا لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِهِ أَخَرْسَ أَصَمَّ وَأَعْمَى وَلَا وَلِيَّ لَهُ. وَمِنْهَا لَوْ شَرَى الْوَكِيلُ فَمَاتَ فَلِمُوَكِّلِهِ الرَّدُّ بِعَيْبٍ، وَقِيلَ لِوَارِثِهِ أَوْ وَصِيِّهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فَلِمُوَكِّلِهِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي اللَّيْثِ، وَفِي رِوَايَةٍ يُنَصِّبُ الْقَاضِي وَصِيًّا لِلرَّدِّ. وَمِنْهَا لَوْ مَاتَ الْوَصِيُّ فَوَلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ فِيمَا بَاعَ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لِوَرَثَةِ الْوَصِيِّ أَوْ وَصِيَّةٍ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ نَصَّبَ الْقَاضِي وَصِيًّا. وَمِنْهَا لَوْ أَتَى الْمُسْتَقْرِضُ بِالْمَالِ لِيَدْفَعَهُ فَاخْتَفَى الْمُقْرِضُ فَالْقَاضِي يُنَصِّبُ قَيِّمًا بِطَلَبِ الْمُسْتَقْرِضِ لِيَقْبِضَ الْمَالَ. وَمِنْهَا كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَدَيْنُهُ عَلَى الْكَفِيلِ فَتَغَيَّبَ الطَّالِبُ فِي الْغَدِ يُنَصِّبُ الْقَاضِي وَكِيلًا عَنْهُ وَيُسَلِّمُ إلَيْهِ الْمَدْيُونَ، وَمِنْهَا لَوْ غَابَ الْوَصِيُّ فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا يُنَصِّبُ الْقَاضِي خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ اهـ مُلَخَّصًا وَالْمُرَادُ بِالْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةُ. أَقُولُ: وَيُزَادُ مَا مَرَّ أَوَّلَ بَابِ الْوَصِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى إلَى صَبِيٍّ أَوْ عَبْدِ غَيْرِهِ أَوْ كَافِرٍ أَوْ فَاسِقٍ بَدَّلَهُمْ الْقَاضِي بِغَيْرِهِمْ، وَمَا لَوْ أَوْصَى إلَى اثْنَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُوصِ إلَى غَيْرِهِ فَيَضُمُّ الْقَاضِي إلَيْهِ غَيْرَهُ، وَمَا لَوْ عَجَزَ الْوَصِيُّ عَنْ الْوِصَايَةِ، وَمِنْهَا مَا قَدَّمْنَاهُ لَوْ شَرَى مَالَ وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ لَا يَبْرَأُ عَنْ الثَّمَنِ حَتَّى يُنَصِّبَ الْقَاضِي وَكِيلًا لِوَلَدِهِ يَأْخُذُ الثَّمَنَ ثُمَّ يَرُدُّهُ عَلَى الْأَبِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 721 وَصِيُّ الْقَاضِي كَوَصِيِّ الْمَيِّتِ إلَّا فِي ثَمَانٍ: لَيْسَ لِوَصِيِّ الْقَاضِي الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ، وَلَا أَنْ يَبِيعَ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَلَا أَنْ يَقْبِضَ إلَّا بِإِذْنٍ مُبْتَدَأٍ مِنْ الْقَاضِي وَلَا أَنْ يُؤْجِرَ الصَّغِيرَ لِعَمَلٍ مَا، وَلَا أَنْ يَجْعَلَ وَصِيًّا عِنْدَ عَدَمِهِ، وَلَوْ خَصَّصَهُ الْقَاضِي تَخَصَّصَ،   [رد المحتار] وَمِنْهَا مَا لَوْ صَدَّقَ الْوَصِيُّ مُدَّعِيَ الدَّيْنِ لَا يَصِحُّ بَلْ يُنَصِّبُ غَيْرَهُ لِيَصِلَ الْمُدَّعِي إلَى حَقِّهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ. وَمِنْهَا إذَا أَسْلَمَتْ زَوْجَةُ الْمَجْنُونِ الْكَافِرِ وَلَا أَب لَهُ وَلَا أُمَّ يُنَصِّبُ عَنْهُ الْقَاضِي وَصِيًّا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْفُرْقَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نِكَاحِ الْكَافِرِ، وَمِنْهَا نَصَّبَ الْوَصِيُّ عَنْ الْمَفْقُودِ. وَمِنْهَا إذَا ادَّعَى الْوَصِيُّ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ يُنَصِّبُ الْقَاضِي وَصِيًّا لِلْمَيِّتِ فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ وَلَا يَخْرُجُ الْأَوَّلُ عَنْ الْوِصَايَةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ فَقَدْ بَلَغَتْ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ وَالتَّتَبُّعُ يَنْفِي الْحَصْرَ (قَوْلُهُ إلَّا فِي ثَمَانٍ) يُزَادُ عَلَيْهَا تَاسِعَةٌ نَذْكُرُهَا قَرِيبًا. وَعَاشِرَةٌ هِيَ أَنَّ وَصِيَّ الْقَاضِي لَوْ عَيَّنَ لَهُ أَجْرَ الْمِثْلِ جَازَ، بِخِلَافِ وَصِيِّ الْمَيِّتِ فَلَا أَجْرَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا قَدَّمَهُ عَنْ الْقُنْيَةِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لَيْسَ لِوَصِيِّ الْقَاضِي الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ) أَيْ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَلَا بَيْعُ مَالِ نَفْسِهِ مِنْهُ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ وَصِيِّ الْأَبِ فَيَجُوزُ بِشَرْطِ مَنْفَعَةٍ ظَاهِرَةٍ لِلْيَتِيمِ كَمَا مَرَّ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ اشْتَرَى هَذَا الْوَصِيُّ مِنْ الْقَاضِي أَوْ بَاعَ جَازَ حَمَوِيٌّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَا أَنْ يَبِيعَ إلَخْ) لِلتُّهْمَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الْبَيْعِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشِّرَاءَ مِثْلُهُ ط (قَوْلُهُ وَلَا أَنْ يَقْبِضَ إلَخْ) أَيْ لَوْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي وَصِيًّا لِيُخَاصِمَ عَنْ الصَّغِيرِ مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ عَقَارٌ لِلصَّغِيرِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَيْسَ لَهُ الْقَبْضُ إلَّا بِإِذْنٍ مُبْتَدَإٍ مِنْ الْقَاضِي بَعْدَ الْإِيصَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لَهُ بِهِ وَقْتَ إذْنِهِ بِالْخُصُومَةِ لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ، بِخِلَافِ وَصِيِّ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِلَا إذْنٍ لِأَنَّ الْأَبَ جَعَلَهُ خَلَفًا عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ رَأْيُهُ بَاقِيًا بِبَقَاءِ خَلَفِهِ، وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا حَقِيقَةً لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ فَكَذَا إذَا كَانَ بَاقِيًا حُكْمًا كَمَا قَالَهُ الْخَصَّافُ وَهَذَا يُفِيدُ الْقَطْعَ بِأَنَّ وَصِيَّ الْمَيِّتِ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْقَاضِي. قَالَ الْبِيرِيُّ: وَأَفَادَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ سُؤَالُ وَصِيِّ الْمَيِّتِ عَنْ مِقْدَارِ التَّرِكَةِ وَلَا التَّكَلُّمُ مَعَهُ فِي أَمْرِهَا بِخِلَافِ وَصِيِّ الْقَاضِي وَتَمَامُهُ فِيهِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْبِيرِيُّ يُزَادُ عَلَى الثَّمَانِ مَسَائِلَ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ وَلَا أَنْ يُؤْجِرَ الصَّغِيرَ لِعَمَلٍ مَا) أَيْ لِأَيِّ عَمَلٍ كَانَ، وَهَذَا عَزَاهُ فِي الْأَشْبَاهِ إلَى الْقُنْيَةِ، أَقُولُ: يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ يَمْلِكُ إيجَارَهُ مَنْ لَا وِصَايَةَ لَهُ أَصْلًا وَهُوَ رَحِمُهُ الْمُحْرِمِ الَّذِي هُوَ فِي حِجْرِهِ تَأَمَّلْ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى تَسْلِيمُهُ فِي حِرْفَةٍ. وَفِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُؤْجِرَ نَفْسَ الْيَتِيمِ وَعَقَارَاتِهِ وَسَائِرَ أَمْوَالِهِ وَلَوْ بِيَسِيرِ الْغَبْنِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَبُوهُ حَائِكًا أَوْ حَجَّامًا لَمْ يَكُنْ لِمَنْ يَعُولُهُ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى الْحَائِكِ أَوْ الْحَجَّامِ لِأَنَّهُ يُعَيَّرُ بِذَلِكَ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَا أَنْ يَجْعَلَ وَصِيًّا عِنْدَ عَدَمِهِ) أَيْ مَوْتِهِ. قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَصِيُّ الْقَاضِي إذَا جَعَلَ وَصِيًّا عِنْدَ مَوْتِهِ لَا يَصِيرُ الثَّانِي وَصِيًّا، بِخِلَافِ وَصِيِّ الْمَيِّتِ كَذَا فِي التَّتِمَّةِ اهـ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْخَانِيَّةِ مَا نَصُّهُ: الْوَصِيُّ يَمْلِكُ الْإِيصَاءَ سَوَاءٌ كَانَ وَصِيَّ الْمَيِّتِ أَوْ وَصِيَّ الْقَاضِي اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ صَاحِبِ الْمُحِيطِ، وَيَأْتِي التَّوْفِيقُ (قَوْلُهُ وَلَوْ خَصَّصَهُ الْقَاضِي تَخَصَّصَ) لِأَنَّ نَصْبَ الْقَاضِي إيَّاهُ قَضَاءٌ وَالْقَضَاءُ قَابِلٌ لِلتَّخْصِيصِ، وَوَصِيُّ الْأَبِ لَا يَقْبَلُهُ بَلْ يَكُونُ وَصِيًّا فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ بِيرِيٌّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. قُلْت: أَوْ لِأَنَّ وَصِيَّ الْقَاضِي كَالْوَكِيلِ كَمَا مَرَّ فَيَتَخَصَّصُ، بِخِلَافِ وَصِيِّ الْأَبِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 722 وَلَوْ نَهَاهُ عَنْ بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ صَحَّ نَهْيُهُ، وَلَهُ عَزْلُهُ وَلَوْ عَدْلًا بِخِلَافِ وَصِيِّ الْمَيِّتِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَفِي الْخِزَانَةِ: وَصِيُّ وَصِيِّ الْقَاضِي كَوَصِيِّهِ لَوْ الْوَصِيَّةُ عَامَّةً انْتَهَى، وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى تَبَرُّعُهُ فِي مَرَضِهِ إنَّمَا يَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ إلَّا فِي تَبَرُّعِهِ فِي الْمَنَافِعِ فَيَنْفُذُ مِنْ الْكُلِّ بِأَنْ أَجَرَ بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ   [رد المحتار] وَفِي حِيَلِ التَّتَارْخَانِيَّة: جَعَلَ رَجُلًا وَصِيًّا فِيمَا لَهُ بِالْكُوفَةِ وَآخَرَ فِيمَا لَهُ بِالشَّامِ وَآخَرَ فِيمَا لَهُ بِالْبَصْرَةِ فَعِنْدَهُ كُلُّهُمْ أَوْصِيَاءُ فِي الْجَمِيعِ، وَلَا تَقْبَلُ الْوِصَايَةُ التَّخْصِيصَ بِنَوْعٍ أَوْ مَكَان أَوْ زَمَانٍ بَلْ تَعُمُّ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ كُلٌّ وَصِيٌّ فِيمَا أُوصِيَ إلَيْهِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ وَالْحِيلَةُ أَنْ يَقُولَ فِيمَا لِي بِالْكُوفَةِ خَاصَّةً دُونَ مَا سِوَاهَا، وَنَظَرَ فِيهَا الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ بِأَنَّ تَخْصِيصَهُ كَالْحَجْرِ إذَا وَرَدَ عَلَى الْإِذْنِ الْعَامِّ، فَإِنَّهُ لَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ إذْنًا عَامًّا ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ فِي الْبَعْضِ لَا يَصِحُّ وَبِأَنَّهُمْ تَرَدَّدُوا فِيمَا إذَا جَعَلَهُ وَصِيًّا فِيمَا لَهُ عَلَى النَّاسِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ فِيمَا لِلنَّاسِ عَلَيْهِ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، فَفِي هَذِهِ الْحِيلَةِ نَوْعُ شُبْهَةٍ اهـ مُلَخَّصًا، وَيُؤَيِّدُهُ نَظَرُ الْحَلْوَانِيِّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ: أَوْصَيْت إلَى فُلَانٍ بِتَقَاضِي دَيْنِي وَلَمْ أُوصِ إلَيْهِ غَيْرَ ذَلِكَ، وَأَوْصَيْت بِجَمِيعِ مَالِي فُلَانًا آخَرَ فَكُلٌّ مِنْهُمَا وَصِيٌّ فِي الْأَنْوَاعِ كَأَنَّهُ أَوْصَى إلَيْهِمَا اهـ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا إطْلَاقُ قَوْلِهِمْ وَصِيُّ الْمَيِّتِ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يَتَخَصَّصُ وَإِنْ تَعَدَّدَ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ الْفَضْلِ: إذَا جَعَلَ وَصِيًّا عَلَى ابْنِهِ وَآخَرَ عَلَى ابْنَتِهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فِي مَالِهِ الْحَاضِرِ وَالْآخَرَ فِي مَالِهِ الْغَائِبِ، فَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ كُلٌّ وَصِيًّا فِيمَا أَوْصَى بِهِ إلَى الْآخَرَ فَكَمَا شَرَطَ عِنْدَ الْكُلِّ وَإِلَّا فَعَلَى الِاخْتِلَافِ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ وَلَعَلَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَوَّلًا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ فَتَأَمَّلْ. أَقُولُ: وَمِمَّا يَجِبُ التَّنَبُّهُ لَهُ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِتَفْرِيقِ ثُلُثِ مَالِهِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ مَثَلًا صَارَ وَصِيًّا عَامًّا عَلَى أَوْلَادِهِ وَتَرِكَتِهِ، وَإِنْ أَوْصَى فِي ذَلِكَ إلَى غَيْرِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُفْتَى بِهِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ أَحَدِهِمَا بِانْفِرَادِهِ وَالنَّاسُ عَنْهَا فِي زَمَانِنَا غَافِلُونَ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى. وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهَا فِي الْخَانِيَّةِ فَقَالَ: وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ وَإِلَى آخَرَ أَنْ يَعْتِقَ عَبْدَهُ أَوْ يُنْفِذَ وَصِيَّتَهُ فَهُمَا وَصِيَّانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ عِنْدَهُ. وَقَالَا: كُلُّ وَاحِدٍ وَصِيٌّ عَلَى مَا سَمَّى لَا يَدْخُلُ الْآخَرُ مَعَهُ. اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَهَاهُ إلَخْ) هَذِهِ رَاجِعَةٌ إلَى قَبُولِ التَّخْصِيصِ وَعَدَمِهِ أَشْبَاهٌ (قَوْلُهُ وَلَهُ عَزْلُهُ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ، وَقَدَّمَ الشَّارِحُ أَوَّلَ بَابِ الْوَصِيِّ تَقْيِيدَهُ بِمَا إذَا رَأَى الْقَاضِي الْمَصْلَحَةَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَصِيُّ وَصِيِّ الْقَاضِي إلَخْ) أَيْ إذَا أَوْصَى وَصِيُّ الْقَاضِي عِنْدَ مَوْتِهِ إلَى آخَرَ صَحَّ وَصَارَ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ لَهُ وِصَايَةُ الْأَوَّلِ عَامَّةً (قَوْلُهُ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ) بِأَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ الْمَارُّ وَلَا أَنْ يَجْعَلَ وَصِيًّا عِنْدَ عَدَمِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْوِصَايَةُ خَاصَّةً، وَكَذَا يُحْمَلُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْقُنْيَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ عَامَّةً فَلَا تَتَنَافَى عِبَارَاتُهُمْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِأَنْ أَجَّرَ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى، وَصَوَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ بِأَنْ أَعَارَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ. وَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا أَجَرَ بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ مِنْ الْجَمِيعِ اهـ. وَأَيْضًا إذَا جَازَتْ الْإِعَارَةُ فَالْإِجَارَةُ أَوْلَى، وَمِثْلُهَا مَا إذَا أَوْصَى بِسُكْنَى دَارِهِ وَخِدْمَةِ عَبْدِهِ فَإِنَّ الَّذِي يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ هُوَ رَقَبَةُ الدَّارِ وَالْعَبْدِ دُونَ السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ الْحَصْرُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ إلَخْ) كَذَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَالْأَشْبَاهِ جَوَابًا عَنْ قَوْلِ الطَّرَسُوسِيِّ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ خَالَفَتْ الْقَاعِدَةَ فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمَنَافِعَ تَجْرِي مَجْرَى الْأَعْيَانِ، وَفِي الْبَيْعِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ اهـ. أَقُولُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى الْجَوَابِ الثَّانِي، وَهُوَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 723 فَلَا إضْرَارَ عَلَى الْوَرَثَةِ وَفِي حَيَاتِهِ لَا مِلْكَ لَهُمْ، لَكِنْ فِي الْعِمَادِيَّةِ أَنَّهَا مِنْ الثُّلُثِ فَلَعَلَّهُ رِوَايَتَانِ. بَاعَ مَالَ الْيَتِيمِ أَوْ ضَيْعَتَهُ وَالْمُشْتَرِي مُفْلِسٌ يُؤَجَّلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ نَقَدَ وَإِلَّا فُسِخَ، فَإِنْ أَنْكَرَ الشِّرَاءَ وَقَدْ قَبَضَ يَرْفَعُ الْوَصِيُّ الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ فَيَقُولُ إنْ كَانَ بَيْنَكُمَا بَيْعٌ فَقَدْ فَسَخْته قَبْلَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ أَرَادَ عَزْلَ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ.   [رد المحتار] فِي الْوَصِيَّةِ بِالسُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ لَا تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ مَعَ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَفِيهِ إيهَامٌ أَنَّ بُطْلَانَ الْإِجَارَةِ سَبَبٌ لِاعْتِبَارِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْكُلِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عَلِمْت تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَلَا إضْرَارَ عَلَى الْوَرَثَةِ) أَيْ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَمَّا بَطَلَتْ صَارَتْ الْمَنَافِعُ مِلْكَهُمْ (قَوْلُهُ وَفِي حَيَاتِهِ لَا مِلْكَ لَهُمْ) أَيْ فَمَا اسْتَوْفَاهُ الْمُسْتَأْجِرُ قَبْلَ الْمَوْتِ لَا إضْرَارَ عَلَيْهِمْ فِيهِ أَيْضًا، وَبِهِ سَقَطَ مَا أُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أَجَرَ مَا أُجْرَتُهُ مِائَةٌ مَثَلًا بِأَرْبَعِينَ وَطَالَ مَرَضُهُ حَتَّى اسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، فَإِنَّهُ إنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَانَ إضْرَارًا بِالْوَرَثَةِ. اهـ فَافْهَمْ. وَفِي شَرْحِ الْبِيرِيِّ عَنْ مُزَارَعَةِ الْمُحِيطِ: حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِمَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ وَهُوَ الْأَعْيَانُ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَا لَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ كَالْمَنَافِعِ وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ، لِأَنَّ الْإِرْثَ يَجْرِي فِيمَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ لِيَنْتَقِلَ بِالْمَوْتِ إلَيْهِمْ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ وَالْمَنَافِعُ لَا تَبْقَى زَمَانَيْنِ اهـ. وَاعْتَرَضَ الْبِيرِيُّ هَذَا الْحَصْرَ بِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ الْمَنَافِعِ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقِصَاصِ بِالنَّفْسِ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلِهَذَا صَحَّ عَفْوُ الْمَرِيضِ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ اهـ وَأَقَرَّهُ أَبُو السُّعُودِ، أَقُولُ: وَهَذَا عَجِيبٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُؤَيِّدٌ لِلْحَصْرِ لَا مَانِعَ لَهُ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْعِمَادِيَّةِ أَنَّهَا مِنْ الثُّلُثِ) وَمِثْلُهُ فِي النُّتَفِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ الْوَهْبَانِيَّةِ الْجَزْمَ بِالْأَوَّلِ (قَوْلُهُ أَوْ ضَيْعَتَهُ) عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ (قَوْلُهُ يُؤَجِّلُ) أَيْ يُؤَجِّلُهُ الْحَاكِمُ كَمَا فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ، وَانْظُرْ هَلْ يُطَالَبُ بِكَفِيلٍ إذَا خَشِيَ الْهَرَبَ أَوْ يَفْسَخَ حَالًا إذَا لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَرَّرَهُ نَقْلًا (قَوْلُهُ وَقَدْ قَبَضَ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْبِضْ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ فَسْخُ الْعَقْدِ ط (قَوْلُهُ فَيَقُولُ) أَيْ الْحَاكِمُ بَعْدَ أَنْ حَلَّفَهُ فَحَلَفَ. قَالَ نَجْمُ الدِّينِ الْخَاصِّيُّ: وَيَجُوزُ مِثْلُ هَذَا الْفَسْخِ وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا بِالْمُخَاطَرَةِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى فَسْخِ الْحَاكِمِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ بَعْدَ إنْكَارِ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ يَكُونُ فَسْخًا فِي حُكْمِ الْإِقَالَةِ فَيَلْزَمُ الْوَصِيَّ كَمَا لَوْ تَقَايَلَا حَقِيقَةً، أَمَّا إذَا فَسَخَهُ الْحَاكِمُ لَا يَلْزَمُ الْمَبِيعُ عَلَيْهِ بَلْ يَرْجِعُ إلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ لِكَمَالِ وَلَايَةِ الْقَاضِي وَشُمُولِهَا، وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ أَدَبُ الْأَوْصِيَاءِ. [تَنْبِيهٌ] لَوْ اسْتَبَاعَ مَالَ الْيَتِيمِ الْأَمْلَأَ بِالْأَلْفِ وَالْأَفْلَسَ بِالْأَلْفِ وَالْخَمْسِمِائَةِ يَبِيعُهُ الْوَصِيُّ مِنْ الْأَمْلَإِ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى زِيَادَةِ الْأَفْلَسِ حَذَرًا مِنْ التَّلَفِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَدَبُ الْأَوْصِيَاءِ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ) ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي مَنْصُوبِ الْقَاضِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهَا فِي أَوَّلِ بَابِ الْوَصِيِّ. وَأَمَّا وَصِيُّ الْمَيِّتِ، فَقَدْ مَرَّ فِي الْمَتْنِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رَدُّهُ بَعْدَ قَبُولِهِ بِغَيْبَةِ الْمَيِّتِ لِئَلَّا يَصِيرَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْإِيضَاحِ، أَرَادَ عَزْلَ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ، لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقِيَامَ فَلَا يَمْلِكُ إخْرَاجَهُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُوصِي أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَهُوَ مَنْ لَهُ وَلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، وَإِذَا حَضَرَ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَيَنْظُرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 724 دَفَعَ لِلْيَتِيمِ مَالَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَأَشْهَدَ الْيَتِيمَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ لَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ ثُمَّ ادَّعَى شَيْئًا فِي يَدِ الْوَصِيِّ أَنَّهُ مِنْ تَرِكَةِ أَبِي وَبَرْهَنَ تُسْمَعُ. لِلْوَصِيِّ الْأَكْلُ وَالرُّكُوبُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، قَالَ تَعَالَى - {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6]- لَهُ أَنْ يُنْفِقَ فِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْأَدَبِ إنْ تَأَهَّلَ لِذَلِكَ، وَإِلَّا فَلْيُنْفَقْ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَتَعَلَّمُ الْقِرَاءَةَ الْوَاجِبَةَ فِي الصَّلَاةِ مُجْتَبًى. وَفِيهِ: جَعَلَ لِلْوَصِيِّ مُشْرِفًا لَمْ يَتَصَرَّفْ بِدُونِهِ، وَقِيلَ لِلْمُشْرِفِ أَنْ يَتَصَرَّفَ وَفِيهِ لِلْأَبِ إعَارَةُ طِفْلِهِ اتِّفَاقًا لَا مَالِهِ عَلَى الْأَكْثَرِ. وَفِيهِ: يَمْلِكُ الْأَبُ لَا الْجَدُّ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصِيِّ مَا يَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ.   [رد المحتار] فِي حَالِهِ، إنْ مَأْمُونًا قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ لَا يُخْرِجُهُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقِيَامَ وَلَا ضَرَرَ لِلْوَصِيِّ فِي إبْقَائِهِ، وَإِنْ عُرِفَ عَجْزُهُ وَكَثْرَةُ أَشْغَالِهِ أَخْرَجَهُ لِلضَّرَرِ فِي إبْقَائِهِ وَلِعَدَمِ حُصُولِ الْغَرَضِ مِنْهُ لِقِلَّةِ اهْتِمَامِهِ بِأُمُورِهِ بَعْدَ طَلَبِ الْعَزْلِ اهـ، وَفِي الْأَشْبَاهِ: وَالْعَدْلِ الْكَافِي لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ، وَالْحِيلَةُ فِيهِ شَيْئَانِ إلَخْ وَقَدَّمْنَا ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ تَسْمَعُ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ بَعْدَهُ: وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّهُ قَبَضَ جَمِيعَ مَا عَلَى النَّاسِ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا لِوَالِدِهِ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ اهـ. قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ لِعَدَمِ مَا يَمْنَعُ مِنْهَا إذْ لَيْسَ فِيهِ إبْرَاءٌ لِمَعْلُومٍ عَنْ مَعْلُومٍ وَلَا عَنْ مَجْهُولٍ، فَهُوَ إقْرَارٌ مُجَرَّدٌ لَمْ يَسْتَلْزِمْ إبْرَاءً فَلَيْسَ مَانِعًا مِنْ دَعْوَاهُ، وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَى صَاحِبِ الْأَشْبَاهِ فَظَنَّ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْبَرَاءَةِ الْعَامَّةِ وَأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ مَنْعِهَا الدَّعْوَى اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: هَذَا لَا يَظْهَرُ عَلَى مَا فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ الْمُنْتَقَى وَغَيْرِهِ مِنْ زِيَادَةِ قَوْلِهِ وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَ الْوَصِيِّ لَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إلَّا اسْتَوْفَاهُ إلَخْ فَهُوَ إقْرَارٌ لِمُعَيَّنٍ وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ عَلَى الْمُقِرِّ تَأَمَّلْ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قُبَيْلَ الصُّلْحِ وَقَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ وَلَا تَنَاقُضَ لِحَمْلِ قَوْلِهِ لَمْ يَبْقَ لِي حَقٌّ، أَيْ مِمَّا قَبَضْته، عَلَى أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ اهـ وَتَمَامُ الْكَلَامِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ لِلْوَصِيِّ الْأَكْلُ إلَخْ) قَدَّمْنَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ اسْتِحْسَانٌ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا بِقَدْرِ مَا سَعَى. قَالَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ: وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَأْكُلَ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10]- قَالَ الْفَقِيهُ: وَلَعَلَّ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا} [النساء: 6]- نُسِخَ بِهَذِهِ الْآيَةِ. قُلْت: فَكَأَنَّهُ يَمِيلُ إلَى اخْتِيَارِ الثَّانِي، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي الْوَصَايَا مُتَبَرِّعًا فَلَا يُوجِبُ ضَمَانًا اهـ. قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِهِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ أَجْرٌ مَعْلُومٌ فَيَأْكُلُ بِقَدْرِهِ (قَوْلُهُ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ إلَخْ) كَذَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا: إنْ كَانَ صَالِحًا لِذَلِكَ جَازَ وَصَارَ الْوَصِيُّ مَأْجُورًا وَإِلَّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَكَلَّفَ فِي تَعْلِيمِ قَدْرِ مَا يَقْرَأُ فِي صَلَاتِهِ اهـ فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ تَأَمَّلْ. وَفِي الْقُنْيَةِ: وَلَا يَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ فِي الْمُصَاهَرَاتِ بَيْنَ الْيَتِيمِ وَالْيَتِيمَةِ وَغَيْرِهِمَا فِي خُلْعِ الْخَاطِبِ أَوْ الْخَطِيبَةِ، وَفِي الضِّيَافَاتِ الْمُعْتَادَةِ، وَالْهَدَايَا الْمَعْهُودَةِ، وَفِي الْأَعْيَادِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، وَفِي اتِّخَاذِ ضِيَافَةٍ لِخَتَنِهِ لِلْأَقَارِبِ وَالْجِيرَانِ مَا لَمْ يُسْرِفْ فِيهِ وَكَذَا لِمُؤَدِّبِهِ وَمَنْ عِنْدَهُ مِنْ الصِّبْيَانِ وَكَذَا الْعِيدَيْنِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَضْمَنُ فِي ضِيَافَةِ الْمُؤَدِّبِ وَالْعِيدَيْنِ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي الْمُغْرِبِ: وَعَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَدَبُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى كُلِّ رِيَاضَةٍ مَحْمُودَةٍ يَتَخَرَّجُ بِهَا الْإِنْسَانُ فِي فَضِيلَةٍ مِنْ الْفَضَائِلِ اهـ (قَوْلُهُ جَعَلَ لِلْوَصِيِّ مُشْرِفًا إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لِلْأَبِ إعَارَةُ طِفْلِهِ إلَخْ) فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِسْبِيجَابِيِّ: لِلْوَصِيِّ وَالْأَبِ إعَارَةُ مَالِ الْيَتِيمِ. قَالَ عِمَادُ الدِّينِ فِي فُصُولِهِ: وَهَذَا مِمَّا يُحْفَظُ جِدًّا. وَفِي التَّجْنِيسِ عَنْ النَّوَازِلِ: لَيْسَ لِلْأَبِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ فِي مَالِهِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: لَهُ إعَارَةُ طِفْلِهِ أَمَّا إعَارَةُ مَالِهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْبَعْضِ اسْتِحْسَانًا لَا عِنْدَ الْعَامَّةِ وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَفِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 725 يَمْلِكُ الْأَبُ لَا الْجَدُّ قِسْمَةَ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّغِيرِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ. يَمْلِكُ الْأَبُ وَالْجَدُّ بَيْعَ مَالِ أَحَدِ طِفْلَيْهِ لِلْآخَرِ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ. وَلَوْ بَاعَ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ جَازَ إذَا لَمْ يَكُنْ فَاسِدَ الرَّأْيِ؛ وَلَوْ فَاسِدَهُ، فَإِنْ بَاعَ عَقَارَهُ لَمْ يَجُزْ، وَفِي الْمَنْقُولِ رِوَايَتَانِ. وَلَوْ اشْتَرَى لِطِفْلِهِ ثَوْبًا أَوْ طَعَامًا وَأَشْهَدَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ يَرْجِعُ لَوْ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا لَا لِوُجُوبِهِمَا عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَبِمِثْلِهِ لَوْ اشْتَرَى لَهُ دَارًا أَوْ عَبْدًا يَرْجِعُ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَا، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ   [رد المحتار] الْمُحِيطِ: لَهُ إعَارَةُ الْوَلَدِ إذَا كَانَ لِخِدْمَةِ الْأُسْتَاذِ لِتَعَلُّمِ الْحِرْفَةِ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ اهـ أَدَبُ الْأَوْصِيَاءِ (قَوْلُهُ يَمْلِكُ الْأَبُ لَا الْجَدُّ إلَخْ) . أَقُولُ: عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى مَاتَ عَنْ أَوْلَادٍ صِغَارٍ وَأَبٍ وَلَا وَصِيَّ لَهُ يَمْلِكُ الْأَبُ مَا يَمْلِكُ وَصِيُّهُ فَيَنْفُذُ وَصَايَاهُ وَيَبِيعُ الْعُرُوضَ وَالْعَقَارَ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَلَيْسَ لِلْجَدِّ ذَلِكَ إلَخْ هَكَذَا رَأَيْت فِي نُسْخَتِي فَتَأَمَّلْ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَلَيْسَ لِلْجَدِّ ذَلِكَ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ الْفَصْلِ عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ وَصِيَّ الْمَيِّتِ يَمْلِكُ بَيْعَ التَّرِكَةِ لِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْجَدِّ، وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ يَمْلِكُ الْأَبُ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ لَكَانَ كَلَامًا ظَاهِرَ الْمَعْنَى وَيَكُونُ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْمَسَائِلِ تَفْرِيعًا عَلَيْهِ فَإِنَّهَا مِمَّا خَالَفَ الْأَبُ فِيهَا الْوَصِيَّ، وَقَدْ ذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ فِي آخِرِ فَرَائِضِ الْأَشْبَاهِ إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً وَزَادَ عَلَيْهَا فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ وَغَيْرِهَا سَبْعَ عَشْرَةَ أُخْرَى فَرَاجِعْ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِالْأَبِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَبُو الصَّغِيرِ لَا أَبُو الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قِسْمَتُهُ مَالًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّغِيرِ فِيهِ نَفْعٌ ظَاهِرٌ عِنْدَ الْإِمَامِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا ذَخِيرَةٌ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْبَيْعِ لِمَا فِي الْقِسْمَةِ مِنْ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَالْإِفْرَازِ فَكُلُّ مَنْ يَمْلِكُ مِنْ الْأَوْصِيَاءِ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ يَمْلِكُ قِسْمَتَهُ، وَمَنْ لَا فَلَا، وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ مَالِ أَحَدِ الصَّغِيرَيْنِ مِنْ الْآخَرِ فَلَا يَمْلِكُ قِسْمَةَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَاضِيًا وَمُتَقَاضِيًا فَلَا يَجُوزُ، وَكَذَا أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ مِنْ الْآخَرِ فَلَا يَمْلِكَانِ الْقِسْمَةَ، بِخِلَافِ الْأَبِ فَلَهُ أَنْ يُقَاسِمَ مَالَ أَوْلَادِهِ. وَالْحِيلَةُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَبِيعَ حِصَّةَ أَحَدِ الصَّغِيرَيْنِ فَيُقَاسِمُ مَعَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَشْتَرِي مِنْهُ مَا بَاعَهُ بِالثَّمَنِ، وَلَوْ فِي الْوَرَثَةِ كِبَارٌ فَدَفَعَ لَهُمْ حِصَّتَهُمْ وَأَفْرَزَ مَا لِلصِّغَارِ جُمْلَةً بِلَا تَمْيِيزٍ جَازَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مَا جَرَتْ بَيْن الصِّغَارِ بَلْ بَيْنَ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ، وَكَذَا لَوْ قَاسَمَ الْوَصِيُّ مَعَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَأَمْسَكَ الثُّلُثَيْنِ لِلصِّغَارِ، وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي فَصْلِ الْقِسْمَةِ مِنْ أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ، وَلَكِنْ قَوْلُهُ وَكَذَا أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ إلَخْ قَالَ ط فِيهِ أَنَّ تَصَرُّفَ الْوَصِيِّ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِلْأَجْنَبِيِّ يَجُوزُ بِالْقِيمَةِ وَبِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ وَكُلٌّ مِنْ الْيَتِيمَيْنِ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْآخَرِ اهـ وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ إلَخْ) تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلَا يَتَّجِرُ فِي مَالِهِ، ثُمَّ إنَّ بَيْعَ الْجَدِّ إنَّمَا يَجُوزُ لِنَحْوِ النَّفَقَةِ وَالدَّيْنِ عَلَى الصِّغَارِ لَا لِلدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ لِتَنْفِيذِ وَصَايَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا تَغْفُلْ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فَاسِدَ الرَّأْيِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَمْ يُفَصِّلُوا هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الْوَصِيِّ لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَوْ الْقَاضِيَ لَا يَخْتَارُ لِلْوِصَايَةِ إلَّا مِنْ كَانَ مُصْلِحًا يُحْسِنُ تَدْبِيرَ أَمْرِ الْيَتِيمِ ط. أَقُولُ: قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْوَصِيَّ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَبِ الْمُفْسِدِ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّفْصِيلِ فِيهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) أَيْ إلَّا إذَا بَاعَهُ بِضِعْفِ الْقِيمَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَفِي الْمَنْقُولِ رِوَايَتَانِ) قَدَّمْنَا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَى لِطِفْلِهِ إلَخْ) قَدَّمْنَا أَوَّلَ الْفَصْلِ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَوْفًى (قَوْلُهُ بِوُجُوبِهِمَا) أَيْ الثَّوْبِ وَالطَّعَامِ وَالْمُرَادُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالْأَوْلَى إفْرَادُ الضَّمِيرِ لِلْعَطْفِ بِأَوْ (قَوْلُهُ وَبِمِثْلِهِ) أَيْ فِي أَنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الدَّارِ أَوْ الْعَبْدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 726 لَا يَرْجِعُ كَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ حَسَنٌ يَجِبُ حِفْظُهُ. انْتَهَى. كِتَابُ الْخُنْثَى لَمَّا ذَكَرَ مَنْ غَلَبَ وُجُودُهُ ذَكَرَ نَادِرَ الْوُجُودِ (وَهُوَ ذُو فَرْجٍ وَذَكَرٍ أَوْ مَنْ عَرَى عَنْ الِاثْنَيْنِ جَمِيعًا، فَإِنْ بَالَ مِنْ الذَّكَرِ فَغُلَامٌ، وَإِنْ بَالَ مِنْ الْفَرْجِ فَأُنْثَى وَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا فَالْحُكْمُ لِلْأَسْبَقِ، وَإِنْ اسْتَوَيَا فَمُشْكِلٌ، وَلَا تُعْتَبَرُ الْكَثْرَةُ) خِلَافًا لَهُمَا، هَذَا قَبْلَ الْبُلُوغِ (فَإِنْ بَلَغَ وَخَرَجَتْ لِحْيَتُهُ أَوْ وَصَلَ إلَى امْرَأَةٍ أَوْ احْتَلَمَ) كَمَا يَحْتَلِمُ الرَّجُلُ (فَرَجُلٌ، وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ ثَدْيٌ أَوْ لَبَنٌ أَوْ حَاضَ أَوْ حَبِلَ   [رد المحتار] إنْ أَشْهَدَ وَالْأَوْلَى حَذْفُ الْبَاءِ (قَوْلُهُ لَا يَرْجِعُ) لِعَدَمِ وُجُوبِهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ حَسَنٌ إلَخْ) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْخُنْثَى] هُوَ فُعْلَى مِنْ الْخَنْثِ أَيْ بِالْفَتْحِ وَالسُّكُونِ: وَهُوَ اللِّينُ وَالتَّكَسُّرُ، يُقَالُ خَنَّثْتُ الشَّيْءَ فَتَخَنَّثَ: أَيْ عَطَفْته فَانْعَطَفَ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْمُخَنَّثُ، وَجَمْعُ الْخُنْثَى الْخَنَاثَى بِالْفَتْحِ كَحُبْلَى وَحَبَالَى اهـ شَرْحُ السِّرَاجِيَّةِ لِلسَّيِّدِ. وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ بَنِي آدَمَ ذُكُورًا وَإِنَاثًا كَمَا قَالَ {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1]- وَقَالَ - {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى: 49]- وَقَدْ بَيَّنَ حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ مَنْ هُوَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ الْوَصْفَانِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَكَيْفَ وَبَيْنَهُمَا مُضَادَّةٌ اهـ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ ذُو فَرْجٍ) أَرَادَ بِهِ هُنَا قُبُلَ الْمَرْأَةِ وَإِلَّا فَالْفَرْجُ يُطْلَقُ عَلَى قُبُلِ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ أَوْ مَنْ عَرِيَ إلَخْ) بِكَسْرِ الرَّاءِ بِمَعْنَى خَلَا قَالَ الأتقاني: وَهَذَا أَبْلَغُ وَجْهَيْ الِاشْتِبَاهِ وَلِهَذَا بَدَأَ مُحَمَّدٌ بِهِ اهـ. أَقُولُ: وَقَوْلُهُ ذُو فَرْجٍ وَذَكَرَ تَفْسِيرَ الْخُنْثَى لُغَةً، وَأَمَّا هَذَا فَقَدْ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْخُنْثَى، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ عِنْدَنَا وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فِي أَمْرِهِ سَوَاءٌ، فَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ لَا فِي الدَّلَالَةِ، وَكَوْنُهُ أَبْلَغَ فِي الِاشْتِبَاهِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَسْمِيَتِهِ خُنْثَى لُغَةً ، وَلِذَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْهُمَا وَخَرَجَ بَوْلُهُ مِنْ سُرَّتِهِ لَيْسَ بِخُنْثَى، وَلِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: لَا نَدْرِي اسْمَهُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنَّهُ فِي حُكْمِ الْخُنْثَى اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَإِنْ بَالَ إلَخْ) أَيْ إذَا وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ فَالْحُكْمُ لِلْمُبَالِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْآلَةِ عِنْدَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ مِنْ الْأُمِّ خُرُوجُ الْبَوْلِ فَهُوَ الْمَنْفَعَةُ الْأَصْلِيَّةُ لِلْآلَةِ وَمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَنَافِعِ يَحْدُثُ بَعْدَهَا، وَهَذَا حُكْمٌ جَاهِلِيٌّ وَقَدْ قَرَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَمَامُهُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ. (قَوْلُهُ فَالْحُكْمُ لِلْأَسْبَقِ) لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ وَلِأَنَّهُ كَمَا خَرَجَ الْبَوْلُ حُكِمَ بِمُوجِبِهِ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ تَامَّةٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخُرُوجِ الْبَوْلِ مِنْ الْآلَةِ الْأُخْرَى زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَوَيَا) بِأَنْ خَرَجَ مِنْهُمَا مَعًا (قَوْلُهُ فَمُشْكِلٌ) لَمْ يَقُلْ مُشْكِلَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ فَجَاءَ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ التَّذْكِيرُ، أَوْ لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الذُّكُورَةَ وَالْأُنُوثَةَ غَلَبَ التَّذْكِيرُ أَفَادَهُ الأتقاني (قَوْلُهُ وَلَا تُعْتَبَرُ الْكَثْرَةُ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَلِيلٍ عَلَى الْقُوَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ لِاتِّسَاعِ الْمَخْرَجِ وَضِيقِهِ لَا لِأَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ، وَلِأَنَّ نَفْسَ الْخُرُوجِ دَلِيلٌ بِنَفْسِهِ فَالْكَثِيرُ مِنْ جِنْسِهِ لَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ كَالشَّاهِدَيْنِ وَالْأَرْبَعَةِ، وَقَدْ اسْتَقْبَحَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ فَقَالَ: وَهَلْ رَأَيْت قَاضِيًا يَكِيلُ الْبَوْلَ بِالْأَوَاقِيِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَا يَحْتَلِمُ الرَّجُلُ) بِأَنْ خَرَجَ مَنِيُّهُ مِنْ الذَّكَرِ ط (قَوْلُهُ أَوْ لَبَنٌ) أَيْ فِي ثَدْيِهِ كَلَبَنِ النِّسَاءِ وَإِلَّا فَالرَّجُلُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْ ثَدْيِهِ لَبَنٌ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: فَإِنْ قِيلَ ظُهُورُ الثَّدْيَيْنِ عَلَامَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ اللَّبَنِ، قِيلَ لِأَنَّ اللَّبَنَ قَدْ يَنْزِلُ وَلَا ثَدْيَ أَوْ يَظْهَرُ لَهُ ثَدْيٌ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْ ثَدْيِ الرَّجُلِ فَإِذَا نَزَلَ اللَّبَنُ وَقَعَ التَّمْيِيزُ اهـ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ. (قَوْلُهُ أَوْ حَبِلَ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 727 أَوْ أَمْكَنَ وَطْؤُهُ فَامْرَأَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ عَلَامَةٌ أَصْلًا أَوْ تَعَارَضَتْ الْعَلَامَاتُ فَمُشْكِلٌ) لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ: وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ تُعَدُّ أَضْلَاعُهُ فَإِنَّ ضِلْعَ الرَّجُلِ يَزِيدُ عَلَى ضِلْعِ الْمَرْأَةِ بِوَاحِدٍ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَحِينَئِذٍ (فَيُؤْخَذُ فِي أَمْرِهِ بِمَا هُوَ الْأَحْوَطُ) فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ. قُلْت: لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ التَّحْرِيمُ بِلَبَنِهِ فَتَنَبَّهْ (فَيَقِفُ بَيْنَ صَفِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ،) (وَ) إذَا بَلَغَ حَدَّ الشَّهْوَةِ (تُبْتَاعُ لَهُ أَمَةٌ تَخْتِنُهُ مِنْ مَالِهِ) لِتَكُونَ أَمَتَهُ أَوْ مِثْلَهُ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَخْتِنَهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ) احْتِيَاطًا وَلَا ضَرُورَةً، لِأَنَّ الْخِتَانَ عِنْدَنَا سُنَّةٌ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالُ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ تُبَاعُ) أَوْ يُزَوَّجُ   [رد المحتار] بِأَنْ أَخَذَ الْمَنِيَّ بِقُطْنَةٍ وَأَدْخَلَهُ فَرْجَهُ فَحَبِلَ ط عَنْ سَرِيِّ الدِّينِ (قَوْلُهُ أَوْ أَمْكَنَ وَطْؤُهُ) بِأَنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ النِّسَاءُ فَذَكَرْنَ ذَلِكَ أَفَادَهُ ط، وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ أَوْ جُومِعَ كَمَا يُجَامَعُ النِّسَاءُ (قَوْلُهُ أَوْ تَعَارَضَتْ الْعَلَامَاتُ) كَمَا إذَا نَهَدَ ثَدْيُهُ وَنَبَتَتْ لِحْيَتُهُ مَعًا، أَوْ أَمْنَى بِفَرْجِ الرَّجُلِ وَحَاضَ بِفَرْجِ الْمَرْأَةِ، أَوْ بَالَ بِفَرْجِهَا وَأَمْنَى بِفَرْجِهِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَنْ الْحَسَنِ) أَيْ الْبَصْرِيِّ. قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: وَحُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمَا قَالَا: تُعَدُّ أَضْلَاعُهُ، فَإِنَّ أَضْلَاعَ الْمَرْأَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَضْلَاعِ الرَّجُلِ. وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: يُوقَفُ إلَى جَانِبِ حَائِطٍ، فَإِنْ بَالَ عَلَيْهِ فَهُوَ رَجُلٌ، وَإِنْ تَسَلْسَلَ عَلَى فَخِذَيْهِ فَهُوَ امْرَأَةٌ وَلَيْسَ كِلَا الْقَوْلَيْنِ بِصَحِيحٍ اهـ (قَوْلُهُ يَزِيدُ) صَوَابُهُ يَنْقُصُ كَمَا عَلِمْت وَارْجِعْ إلَى حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ عَلَى الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ أَشْكَلَ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) أَقُولُ: وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، إنَّ الْأَخْذَ فِي أَمْرِهِ بِالْأَحْوَطِ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ دَائِمًا بَلْ قَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ: مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لِأَنَّ إشْكَالَهُ أَوْرَثَ شُبْهَةً وَهِيَ لَا نَرْفَعُ الثَّابِتَ بِيَقِينٍ، لِأَنَّ عَدَمَ الْجِنَايَةِ وَعَدَمَ التَّحْرِيمِ كَانَا ثَابِتَيْنِ يَقِينًا فَلَا يَرْتَفِعَانِ بِشُبْهَةِ أُنُوثَتِهِ فَيُسْتَحَبُّ الِاحْتِيَاطُ، بِخِلَافِ تَوْرِيثِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا سَيَأْتِي، إذْ لَيْسَ فِيهِ رَفْعُ الثَّابِتِ يَقِينًا فَلِذَا وَجَبَ الِاحْتِيَاطُ فِيهِ. وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ الْكَافِي لِلسَّرَخْسِيِّ: إذَا وَقَفَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ كَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ وَهُوَ الْأَدَاءُ مَعْلُومٌ، وَالْمُفْسِدُ وَهُوَ الْمُحَاذَاةُ مَوْهُومٌ، وَلِلتَّوَهُّمِ أُحِبُّ إعَادَةُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ قَامَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَيُعِيدُ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ وَاَلَّذِي خَلْفَهُ بِحِذَائِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ لِتَوَهُّمِ الْمُحَاذَاةِ اهـ مُلَخَّصًا. ثُمَّ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْخُنْثَى الَّذِي تَعَارَضَتْ فِيهِ الْعَلَامَاتُ، فَلَا يَرِدُ أَنَّ إمْكَانَ الْإِيلَاجِ فِيهِ أَوْ ظُهُورَ لَبَنٍ لَهُ عَلَامَةُ أُنُوثَتِهِ فَيَجِبُ الْغُسْلُ وَيَثْبُتُ التَّحْرِيمُ، لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَامَةُ الْأُنُوثَةِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَعَدَمُ التَّعَارُضِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ فَيَقِفُ بَيْنَ صَفِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) إذْ لَوْ وَقَفَ مَعَ الرِّجَالِ احْتَمَلَ أَنَّهُ أُنْثَى أَوْ مَعَ النِّسَاءِ احْتَمَلَ أَنَّهُ رَجُلٌ وَقَدَّمْنَا حُكْمَهُ (قَوْلُهُ وَإِذَا بَلَغَ حَدَّ الشَّهْوَةِ) أَيْ إذَا كَانَ مُرَاهِقًا وَإِلَّا فَلِلرَّجُلِ أَنْ يَخْتِنَهُ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ. أَقُولُ: تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ عَنْ السِّرَاجِ أَنَّهُ لَا عَوْرَةَ لِلصَّغِيرِ جِدًّا، ثُمَّ مَا دَامَ لَمْ يُشْتَهَ فَقُبُلٌ وَدُبُرٌ ثُمَّ تَتَغَلَّظُ إلَى عَشْرِ سِنِينَ ثُمَّ كَبَالِغٍ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِتَكُونَ أَمَتَهُ) فَيَجُوزُ نَظَرُهَا إلَيْهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا، وَقَوْلُهُ أَوْ مِثْلَهُ: أَيْ إنْ كَانَ أُنْثَى فَيَكُونُ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ، وَهُوَ جَائِزٌ حَالَةَ الْعُذْرِ كَنَظَرِ الْقَابِلَةِ وَقْتَ الْوِلَادَةِ أَوْ لِقُرْحَةٍ فِي الْفَرْجِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ احْتِيَاطًا) إذْ فِي كُلِّ احْتِمَالٍ نَظَرُ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ وَهُوَ أَغْلَظُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ (قَوْلُهُ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ) هَذَا إذَا كَانَ أَبُوهُ مُعْسِرًا وَإِلَّا فَمِنْ مَالِهِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ تُبَاعُ) أَيْ وَيَرُدُّ ثَمَنَهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ أَوْ يُزَوَّجُ إلَخْ) هَذَا قَوْلُ الْحَلْوَانِيِّ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ لِأَنَّ النِّكَاحَ مَوْقُوفٌ وَالنِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ لَا يُفِيدُ إبَاحَةَ النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 728 السَّيِّدُ امْرَأَةً خَتَّانَةً لِتَخْتِنَهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا صَحَّ النِّكَاحُ، وَإِنْ أُنْثَى فَنَظَرُ الْجِنْسِ أَخَفُّ، ثُمَّ: يُطَلِّقُهَا وَتَعْتَدُّ إنْ خَلَا بِهَا احْتِيَاطًا (وَيُكْرَهُ لَهُ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَالْحُلِيِّ، وَلَا يَخْلُو بِهِ غَيْرُ مَحْرَمٍ) وَإِنْ قَبَّلَهُ رَجُلٌ ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ (وَلَا يُسَافِرُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ (وَإِنْ قَالَ أَنَا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ لَا عِبْرَةَ بِهِ) فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ (وَقِيلَ يُعْتَبَرُ) لِأَنَّهُ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، لَكِنْ فِي الْمُلْتَقَى بَعْدَ تَقَرُّرِ إشْكَالِهِ لَا يُقْبَلُ وَقِيلَ يُقْبَلُ. قُلْت: وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ، وَيَضْعُفُ مَا نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ شَرْحِ الْفَرَائِضِ لِلسَّيِّدِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى هَذَا فَتَنَبَّهْ. (وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ ظُهُورِ حَالِهِ لَمْ يُغَسَّلْ وَيُمِّمَ بِالصَّعِيدِ) لِتَعَذُّرِ الْغُسْلِ   [رد المحتار] أَقُولُ: وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ كَوْنَهُ مَوْقُوفًا إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، وَإِلَّا فَالنِّكَاحُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إمَّا صَحِيحٌ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَيَحِلُّ النَّظَرُ وَإِمَّا بَاطِلٌ إنْ كَانَ أُنْثَى فَيَكُونُ فِيهِ نَظَرُ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ فَهُوَ مُفِيدٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِنَاءً عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا) أَيْ إذَا كَانَ بَالِغًا (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لَهُ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَالْحُلِيِّ) لِأَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وَحَالُهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ بَعْدُ فَيُؤْخَذُ بِالِاحْتِيَاطِ فَإِنَّ الِاجْتِنَابَ عَنْ الْحَرَامِ فَرْضٌ وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْمُبَاحِ مُبَاحٌ فَيُكْرَهُ حَذَرًا عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ) أَيْ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُقَبِّلِ بِشَهْوَةٍ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهُ قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَكَذَا لَوْ قَبَّلْته امْرَأَةُ لَا تَتَزَوَّجُ أَبَاهُ حَتَّى يَتَّضِحَ الْحَالُ بِظُهُورِهِ مِثْلُ الْمُقَبِّلِ اهـ. قُلْت: وَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْخُرُوجِ التَّحْرِيمُ وَاحْتِمَالُ أَنَّهُ مِثْلُ الْمُقَبِّلِ لَا يَرْفَعُ هَذَا الْأَصْلَ الثَّابِتَ فَلَا يُنَافِي مَا حَرَّرْنَاهُ سَابِقًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا يُسَافِرُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ) أَيْ مِنْ الرِّجَالِ. وَيُكْرَهُ مَعَ امْرَأَةٍ وَلَوْ مَحْرَمًا لِجَوَازِ كَوْنِهِ أُنْثَى فَيَكُونُ سَفَرَ امْرَأَتَيْنِ بِلَا مَحْرَمٍ لَهُمَا وَذَلِكَ حَرَامٌ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بَعْدَ تَقَرُّرِ إشْكَالِهِ) أَيْ تَقَرُّرِهِ عِنْدَنَا بِعِلْمِنَا كَمَا لَوْ رَأَيْنَا لَهُ ثَدْيَيْنِ وَلِحْيَةً. قُلْت: وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ أَيْ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي أَوْهَمَ الْمُصَنِّفَ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ قَالَ الْخُنْثَى أَنَا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إنْ كَانَ مُشْكِلًا لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ. وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ إنْ قَالَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ أَنَا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَالْقَوْلُ لِلْأَمِينِ مَا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُ مَا قَالَ، وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ اهـ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ مُرَادَ الذَّخِيرَةِ بِالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ لَنَا إشْكَالُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مَا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُ مَا قَالَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا آخِرُ عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ الْمَذْكُورَةُ فِي النِّهَايَةِ وَنَصُّهُ: وَلَمَّا لَمْ يُعْرَفْ كَوْنُهُ مُشْكِلًا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُ مَا قَالَ فَصَدَقَ فِيمَا قَالَ، وَمَتَى عُرِفَ كَوْنُهُ مُشْكِلًا فَقَدْ عُرِفَ خِلَافُ مَا قَالَ وَعُرِفَ أَنَّهُ مُجَازِفٌ فِي مَقَالَتِهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مِنْ نَفْسِهِ إذَا كَانَ مُشْكِلًا إلَّا مَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ اهـ وَهَذَا الزَّيْلَعِيُّ فَأَوْهَمَ أَنَّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ خِلَافُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فَجَعَلَهُمَا قَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْكِفَايَةِ شَرَحَ كَلَامَ الْهِدَايَةِ بِكَلَامِ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ قَبْلَ تَقَرُّرِ إشْكَالِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ السَّيِّدَ قُدِّسَ سِرُّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْمُشْكِلَ وَقَيَّدَ بِالْأُمُورِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي لَا تُقَرِّرُ لَنَا إشْكَالَهُ فَإِنَّهُ قَالَ وَقَوْلُهُ مَقْبُولٌ فِيمَا كَانَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ بَاطِنًا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا أَخْبَرَ الْخُنْثَى بِحَيْضٍ أَوْ مَنِيٍّ أَوْ مَيْلٍ إلَى الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ يَقِينًا مِثْلُ أَنْ يُخْبِرَ بِأَنَّهُ رَجُلٌ ثُمَّ يَلِدَ فَإِنَّهُ يُتْرَكُ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ السَّابِقِ اهـ (قَوْلُهُ وَيُمِّمَ) أَيْ بِخِرْقَةٍ إنْ يَمَّمَهُ أَجْنَبِيٌّ وَبِغَيْرِهَا إنْ يَمَّمَهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، وَيَعْرِضُ الْأَجْنَبِيُّ وَجْهَهُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ امْرَأَةً وَلَا يَشْتَرِي جَارِيَةً لِلْغُسْلِ كَمَا كَانَ يُفْعَلُ لِلْخِتَانِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَقْبَلُ الْمَالِكِيَّةَ فَالشِّرَاءُ غَيْرُ مُفِيدٍ عِنَايَةٌ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَإِنْ مَلَكَهُ وَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَّا أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَغْسِلُ سَيِّدَهَا بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الْكَمَالِ مِنْ بَقَاءِ مِلْكِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 729 (وَلَا يَحْضُرُ) حَالَ كَوْنِهِ مُرَاهِقًا (غُسْلَ مَيِّتٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى. وَنُدِبَ تَسْجِيَةُ قَبْرِهِ، وَيُوضَعُ الرَّجُلُ بِقُرْبِ الْإِمَامِ ثُمَّ هُوَ ثُمَّ الْمَرْأَةُ إذَا صَلَّى عَلَيْهِمْ) رِعَايَةً لِحَقِّ التَّرْتِيبِ، وَتَمَامُ فُرُوعِهِ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ الْأَشْبَاهِ بَلْ عِنْدِي تَأْلِيفٌ مُجَلَّدٌ مُنِيفٌ (وَلَهُ) فِي الْمِيرَاثِ (أَقَلُّ النَّصِيبَيْنِ) يَعْنِي أَسْوَأَ الْحَالَيْنِ بِهِ يُفْتَى كَمَا سَنُحَقِّقُهُ. وَقَالَا: نِصْفُ النَّصِيبَيْنِ، فَلَوْ مَاتَ أَبُوهُ وَتَرَكَ مَعَهُ (ابْنًا) وَاحِدًا (لَهُ سَهْمَانِ وَلِلْخُنْثَى سَهْمٌ) وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ سَبْعَةٍ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ   [رد المحتار] كَمَا حَرَّرَهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى (قَوْلُهُ وَلَا يَحْضُرُ) أَيْ لَا يَغْسِلُ رَجُلًا وَلَا امْرَأَةً نِهَايَةٌ وَمِعْرَاجٌ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُرَاهِقِ لِكَوْنِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا يَبْقَى مُشْكِلًا غَالِبًا (قَوْلُهُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى) أَيْ ذَكَرًا كَانَ الْمَيِّتُ أَوْ أُنْثَى وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ذَكَرٍ بِالْجَرِّ (قَوْلُهُ وَنُدِبَ تَسْجِيَةُ قَبْرِهِ) أَيْ تَغْطِيَتُهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أُنْثَى أُقِيمَ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا لَا تَضُرُّهُ التَّسْجِيَةُ زَيْلَعِيٌّ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْوَاجِبِ سِتْرَ عَوْرَةِ الْأُنْثَى وَإِلَّا فَالتَّسْجِيَةُ مُسْتَحَبَّةٌ لَا وَاجِبَةٌ مِنَحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ هُوَ) أَيْ الْخُنْثَى فَيُؤَخَّرُ عَنْ الرَّجُلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَلَوْ دُفِنَ مَعَ رَجُلٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ لِعُذْرٍ جُعِلَ خَلْفَ الرَّجُلِ وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ صَعِيدٍ وَلَوْ مَعَ امْرَأَةٍ قُدِّمَ عَلَيْهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ، وَيَكْفِي فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ كَالْمَرْأَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ فِي أَحْكَامِهِ) أَيْ فِي بَحْثِ أَحْكَامِ الْخُنْثَى وَذَكَرَهَا فِي الْمِنَحِ أَيْضًا (قَوْلُهُ يَعْنِي أَسْوَأَ الْحَالَيْنِ) إنَّمَا حَوَّلَ الْعِبَارَةَ لِيَشْمَلَ كَوْنَهُ مَحْرُومًا عَلَى تَقْدِيرٍ اهـ ح. قَالَ فِي الْمِنَحِ اعْلَمْ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَقَلُّ النَّصِيبَيْنِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى نَصِيبِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَإِلَى نَصِيبِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى فَأَيُّهُمَا أَقَلُّ يُعْطَاهُ وَإِنْ كَانَ مَحْرُومًا عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا شَيْءَ لَهُ (قَوْلُهُ وَقَالَا نِصْفُ النَّصِيبَيْنِ) أَيْ نِصْفُ مَجْمُوعِ حَظِّ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَلَمَّا كَانَ مِنْ أَشْيَاخِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَهُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلٌ مِنْهُمْ اخْتَلَفَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي تَخْرِيجِهِ فَلَيْسَ هُوَ قَوْلًا لَهُمَا لِأَنَّ الَّذِي فِي السِّرَاجِيَّةِ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِهِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ أَنَّ الَّذِي فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ الْإِمَامِ وَكَذَا أَبُو يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا فَسَّرَ بِهِ كَلَامَ الشَّعْبِيِّ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَاخْتَلَفَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي تَخْرِيجِ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعِهِ أَسْهُمٍ لِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةٌ اُعْتُبِرَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا حَالَةَ انْفِرَادِهِ فَإِنَّ الذَّكَرَ لَوْ كَانَ وَحْدَهُ كَانَ لَهُ كُلُّ الْمَالِ وَالْخُنْثَى لَوْ كَانَ وَحْدَهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَنِصْفُ الْمَالِ فَيَأْخُذُ نِصْفَ النَّصِيبَيْنِ نِصْفَ الْكُلِّ وَنِصْفَ النِّصْفِ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ وَلِلِابْنِ أَيْ الْوَاضِحِ كُلُّ الْمَالِ فَيُجْعَلُ كُلُّ رُبْعٍ سَهْمًا فَبَلَغَ سَبْعَةَ أَسْهُمٍ لِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةٌ، لِأَنَّ الِابْنَ يَسْتَحِقُّ الْكُلَّ عَلَى الِانْفِرَادِ وَالْخُنْثَى ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ فَيُضْرَبُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ حَقِّهِ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ بَيْنَهُمَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَبْعَةٌ لِلِابْنِ وَخَمْسَةٌ لِلْخُنْثَى اُعْتُبِرَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَالَةَ اجْتِمَاعٍ فَلَوْ كَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَوْ أُنْثَى كَانَ أَثْلَاثًا فَالْقِسْمَةُ عَلَى الذُّكُورَةِ مِنْ اثْنَيْنِ وَعَلَى الْأُنُوثَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَيُضْرَبُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ تَبْلُغُ سِتَّةً لِلْخُنْثَى، عَلَى أَنَّهُ أُنْثَى سَهْمَانِ وَعَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ ثَلَاثَةٌ فَلَهُ نِصْفُهُمَا وَنِصْفُ الثَّلَاثَةِ كَسْرٌ فَتُضْرَبُ السِّتَّةُ فِي اثْنَيْنِ تَبْلُغُ اثْنَيْ عَشَرَ، فَلِلْخُنْثَى سِتَّةٌ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ وَأَرْبَعَةٌ عَلَى أَنَّهُ أُنْثَى فَلَهُ نِصْفُهُمَا خَمْسَةٌ اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَأَشَارَ فِي الْهِدَايَةِ إلَى اخْتِيَارِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى تَقْلِيلِ نَصِيبِ الْخُنْثَى، وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ أَقَلُّ مِمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ سَهْمٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَثَمَانِينَ سَهْمًا وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ، أَنْ تَضْرِبَ السَّبْعَةَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ تَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَثَمَانِينَ وَحِصَّةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 730 لَهُ خَمْسَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُ سَهْمٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ (لِأَنَّهُ لِأَقَلَّ) وَهُوَ مُتَيَقَّنٌ بِهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْأَقَلُّ تَقْدِيرَهُ ذَكَرًا قُدِّرَ ابْنًا كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَشَقِيقَةٍ هِيَ خُنْثَى مُشْكِلٌ، فَلَهُ السُّدُسُ عَلَى أَنَّهُ عَصَبَةٌ، لِأَنَّهُ الْأَقَلُّ وَلَوْ قُدِّرَ أُنْثَى كَانَ لَهُ النِّصْفُ وَعَالَتْ إلَى ثَمَانِيَةٍ، وَلَوْ كَانَ مَحْرُومًا عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا شَيْءَ لَهُ كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَوَلَدَيْهَا وَشَقِيقٍ خُنْثَى فَلَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ، وَلَوْ قُدِّرَ أُنْثَى كَانَ لَهُ النِّصْفُ وَعَالَتْ إلَى تِسْعَةٍ، وَلَوْ مَاتَ عَنْ عَمِّهِ وَوَلَدِ أَخِيهِ خُنْثَى قُدِّرَ أُنْثَى وَكَانَ الْمَالُ لِلْعَمِّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. مَسَائِلُ شَتَّى جَمْعُ شَتِيتٍ بِمَعْنَى مُتَفَرِّقَةٍ وَهُوَ مِنْ دَأْبِ الْمُصَنَّفِينَ لِتَدَارُكِ مَا لَا يُذْكَرُ فِيمَا كَانَ يَحِقُّ ذِكْرُهُ فِيهِ. قُلْت: وَقَدْ أَلْحَقْت غَالِبَهَا بِمَحَالِّهَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. (عَرَقُ مُدْمِنِ الْخَمْرِ خَارِجٌ نَجَسٌ) هَذِهِ مُقَدَّمَةٌ صُغْرَى فِي تَسْلِيمِهَا كَلَامٌ قَدْ وَعَدْتُك بِهِ فِي أَوَائِلِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ (وَكُلُّ خَارِجٍ نَجَسٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ) هَذِهِ مُقَدِّمَةٌ كُبْرَى هِيَ مُسَلَّمَةٌ عِنْدَنَا (فَيَنْتِجُ) أَنَّ (عَرَقَ مُدْمِنِ الْخَمْرِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ) لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ لِإِثْبَاتِ الصُّغْرَى. وَحَاصِلُهُ مَا فِي الذَّخَائِرِ الْإِشْرَافِيَّةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ مَعْزِيًّا لِلْمُجْتَبَى: عَرَقُ الدَّجَاجَةِ الْجَلَّالَةِ نَجَسٌ. قَالَ: وَعَلَيْهِ فَعَرَقُ مُدْمِنِ الْخَمْرِ نَجَسٌ بَلْ أَوْلَى. ثُمَّ قَالَ: وَمَا أَسْمَجَ مَنْ كَانَ عَرَقُهُ كَعَرَقِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ. قَالَ ابْنُ الْعِزِّ: فَحِينَئِذٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَهُوَ فَرْعٌ غَرِيبٌ وَتَخْرِيجٌ ظَاهِرٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلِظُهُورِهِ عَوَّلْنَا عَلَيْهِ. قُلْت: قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: كَيْفَ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَعَ غَرَابَتِهِ لَا يَشْهَدُ لَهُ رِوَايَةٌ وَلَا دِرَايَةٌ، أَمَّا الْأُولَى فَظَاهِرٌ إذْ لَمْ يَرْوِ عَنْ أَحَدِ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِعَدَمِ تَسْلِيمِ الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى وَيَشْهَدُ لِبُطْلَانِهَا مَسْأَلَةُ الْجَدْيِ إذَا غُذِّيَ بِلَبَنِ الْخِنْزِيرِ فَقَدْ عَلَّلُوا حِلَّ أَكْلِهِ   [رد المحتار] الْخُنْثَى مِنْ السَّبْعَةِ ثَلَاثَةٌ فَاضْرِبْهَا فِي اثْنَيْ عَشَرَ تَكُونُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ وَحِصَّتُهُ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ خَمْسَةٌ فَاضْرِبْهَا فِي السَّبْعَةِ تَكُونُ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ فَظَهَرَ أَنَّ التَّفَاوُتَ بِسَهْمٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَثَمَانِينَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَوَلَدَيْهَا) أَيْ أَخَوَيْنِ لِأُمٍّ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ عَنْ عَمِّهِ إلَخْ) أَيْ لَوْ مَاتَ رَجُلٌ عَنْ عَمِّهِ وَعَنْ ابْنِ أَخِيهِ حَالَ كَوْنِ ابْنِ الْأَخِ خُنْثَى فَالضَّمِيرُ فِي عَمِّهِ لِلرَّجُلِ الْمَيِّتِ، وَهَذَا مِثَالٌ لِحِرْمَانِهِ عَلَى تَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ وَمَا قَبْلَهُ عَلَى تَقْدِيرِ الذُّكُورَةِ (قَوْلُهُ وَكَانَ الْمَالُ لِلْعَمِّ) لِأَنَّ بِنْتَ الْأَخِ لَا تَرِثُ، وَلَوْ قُدِّرَ ذَكَرًا كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لَهُ دُونَ الْعَمِّ لِأَنَّ ابْنَ الْأَخِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَمِّ ط وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [مَسَائِلُ شَتَّى] (قَوْلُهُ جَمْعُ شَتِيتٍ إلَخْ) فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ حَمْلٌ عَلَى فَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَمَرِيضٍ وَمَرْضَى وَلِذَا جُمِعَ عَلَى فُعْلَى قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ مَا لَا يُذْكَرُ) الْأَوْلَى مَا لَمْ كَمَا عَبَّرَ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ فَيَنْتِجُ) أَيْ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ بَعْدَ تَسْلِيمِ الصُّغْرَى (قَوْلُهُ بَلْ أَوْلَى) لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْمَائِعِ فِي التَّصَرُّفِ فَوْقَ تَأْثِيرِ غَيْرِهِ مِنَحٌ فَإِذَا كَانَ عَرَقُ الْجَلَّالَةِ الَّتِي غُذِّيَتْ بِالنَّجَاسَةِ الْجَامِدَةِ نَجِسًا فَعَرَقُ مُدْمِنِ الْخَمْرِ الْمَائِعِ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَمَا أَسْمَجَ) مِنْ السَّمَاجَةِ وَهِيَ الْقُبْحُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الْعِزِّ) بِمُهْمَلَةٍ فَمُعْجَمَةٍ وَهُوَ مِنْ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ) أَيْ فَحِينَ إذْ كَانَ عَرَقُهُ نَجِسًا يُنْقَضُ لِقَاعِدَةِ كُلُّ خَارِجٍ نَجِسٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ط (قَوْلُهُ وَهُوَ مَعَ غَرَابَتِهِ) أَيْ تَفَرُّدِ ابْنِ الْعِزِّ بِاسْتِنْبَاطِهِ (قَوْلُهُ لَا يَشْهَدُ لَهُ رِوَايَةٌ) أَيْ دَلِيلٌ مَنْقُولٌ وَلَا دِرَايَةٌ أَيْ دَلِيلٌ مَعْقُولٌ (قَوْلُهُ وَيَشْهَدُ لِبُطْلَانِهَا إلَخْ) حَاصِلُهُ اسْتِدْلَالٌ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْجَدْيِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 731 بِصَيْرُورَتِهِ مُسْتَهْلَكًا لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ فَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي عَرَقِ مُدْمِنِ الْخَمْرِ، وَيَكْفِينَا فِي ضَعْفِهِ غَرَابَتُهُ وَخُرُوجُهُ عَنْ الْجَادَّةِ فَيَجِبُ طَرْحُهُ عَنْ السَّرْجِ مِنْ مَتْنٍ وَشَرْحٍ. (خُبْزٌ وُجِدَ فِي خِلَالِهِ خُرْءُ فَأْرَةٍ، فَإِنْ كَانَ) الْخُرْءُ (صُلْبًا رُمِيَ بِهِ وَأُكِلَ الْخُبْزُ، وَلَا يُفْسِدُ) خُرْءُ الْفَأْرَةِ (الدُّهْنَ وَالْمَاءَ وَالْحِنْطَةَ) لِلضَّرُورَةِ (إلَّا إذَا ظَهَرَ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ) فِي الدُّهْنِ وَنَحْوِهِ لِفُحْشِهِ وَإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ حِينَئِذٍ خَانِيَّةٌ. (فِي السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ لَا يُصَلِّي وَلَا يَسْتَفْتِحُ) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوِتْرِ (الدَّعْوَةُ الْمُسْتَجَابَةُ فِي الْجُمُعَةِ عِنْدَنَا وَقْتُ الْعَصْرِ) عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا أَشْبَاهٌ، وَقَدَّمْنَاهُ فِي الْجُمُعَةِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة.   [رد المحتار] بِجَامِعِ الِاسْتِهْلَاكِ وَلِذَا فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَكَذَلِكَ نَقُولُ إلَخْ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقِيَاسَ دَلِيلٌ مَعْقُولٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِصَيْرُورَتِهِ مُسْتَهْلَكًا) يَعْنِي بِخِلَافِ الْجَلَّالَةِ فَإِنَّ مَا تَتَنَاوَلُهُ لِكَوْنِهِ جَامِدًا لَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا بَلْ يُحِيلُ لَحْمَهَا إلَى نَتْنٍ وَفَسَادٍ تَأَمَّلْ اهـ ح (قَوْلُهُ وَيَكْفِينَا فِي ضَعْفِهِ غَرَابَتُهُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْضًا فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ، وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ عَنْ الْمُحَقِّقِ ابْنِ وَهْبَانَ أَنَّهُ لَا تَعْوِيلَ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى كُلِّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ مَا لَمْ يُعَضِّدْهُ نَقْلٌ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَائِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ عَرَقَ مُدْمِنِ الْخَمْرِ نَاقِضٌ لِلضَّوْءِ سِوَى مَا بَحَثَهُ ابْنُ الْعِزِّ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ مُدْمِنَ الْخَمْرِ يَخْلِطُ وَالْجَلَّالَةُ لَا تَخْلِطُ: حَتَّى لَوْ كَانَتْ تَخْلِطُ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ عَرَقِهَا كَمَا قَالُوا فِي تَفْسِيرِهَا، وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَقَعُ الشَّكُّ فِي تَوَلُّدِ الْعَرَقِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا نَقْضَ بِالشَّكِّ. عَلَى أَنَّا مَا أَثْبَتْنَا النَّقْضَ بِالْخَارِجِ الْمُحَقَّقِ النَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ إلَّا بَعْدَ عِلَاجٍ قَوِيٍّ وَمُنَازَعَةٍ كُلِّيَّةٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ النَّقْضُ بِشَيْءٍ مَوْهُومٍ. وَأَيْضًا نَفْسُ عَرَقِ الْجَلَّالَةِ فِي نَجَاسَتِهِ مُنَازَعَةٌ، إذْ صَرَّحُوا قَاطِبَةً بِكَرَاهَةِ لَحْمِهَا إذَا تَغَيَّرَ وَأَنْتَنَ، وَإِنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَ الْكَرَاهَةَ لِرَيْبٍ فِي الْحُرْمَةِ وَالْحُرْمَةُ فَرْعُ النَّجَاسَةِ وَالنَّقْضُ بِهَا إنَّمَا يَكُونُ بِمَا لَا رَيْبَ فِيهِ، وَيَلْزَمُ مِمَّا بَحَثَهُ ابْنُ الْعِزِّ نَقْضُ الْوُضُوءِ بِعَرَقِ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَجَاسَةً مَا فِي زَمَنِ مُدَاوَمَتِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ اهـ مُلَخَّصًا. أَقُولُ: وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَيْضًا النَّقْضُ بِدُمُوعِهِ وَرِيقِهِ لِأَنَّهُمَا كَالْعَرَقِ، وَأَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَعْذُورِ لِخُرُوجِ رِيقِهِ دَائِمًا وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ أَيْضًا، وَقَدَّمَ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ أَنَّ سُؤْرَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ الْجَلَّالَةِ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ عَرَقَ الْجَلَّالَةِ طَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَخُرُوجُهُ عَنْ الْجَادَّةِ) هِيَ مُعْظَمُ الطَّرِيقِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَالْمُرَادُ طَرِيقُ الْفِقْهِ (قَوْلُهُ عَنْ السَّرْحِ) بِمُهْمَلَاتٍ قَالَ فِي جَامِعِ اللُّغَةِ: السَّرْحُ الْمَالُ، وَشَجَرٌ عِظَامٌ طِوَالٌ، وَالْمُرَادُ بِهَا مَسَائِلُ الْفِقْهِ اهـ ح فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ مُصَرِّحَةٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ الْخُرْءُ صُلْبًا) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ يَابِسًا زَادَ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ: وَإِنْ كَانَ مُتَفَتِّتًا مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ يُؤْكَلُ أَيْضًا اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يَفْسُدُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْمُحِيطِ وَخُرْءُ الْفَأْرَةِ وَبَوْلُهَا نَجِسٌ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ إلَى نَتْنٍ وَفَسَادٍ، وَالِاحْتِرَازُ عَنْهُ مُمْكِنٌ فِي الْمَاءِ لَا فِي الطَّعَامِ وَالثِّيَابِ فَصَارَ مَعْفُوًّا فِيهِمَا. وَفِي الْخَانِيَّةِ: بَوْلُ الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَخُرْؤُهُمَا نَجِسٌ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَاتِ يُفْسِدُ الْمَاءَ وَالثَّوْبَ، وَبَوْلُ الْخَفَافِيشِ وَخُرْؤُهُ لَا يُفْسِدُ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ اهـ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ خُرْءُ الْفَأْرَةِ لَا يُفْسِدُ الدُّهْنَ وَالْحِنْطَةَ الْمَطْحُونَةَ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهَا. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: وَبِهِ نَأْخُذُ (قَوْلُهُ فِي السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ) وَهِيَ ثَلَاثَةٌ رُبَاعِيَّةُ الظُّهْرِ، وَرُبَاعِيَّةُ الْجُمُعَةِ الْقَبْلِيَّةَ وَالْبَعْدِيَّةُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْفَرَائِضَ. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الرُّبَاعِيَّاتِ الْمُسْتَحَبَّاتِ وَالنَّوَافِلِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَقْرَأُ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ فِي الْجُمُعَةِ) أَيْ فِي يَوْمِهَا فَإِنَّهَا وَرَدَ فِيهَا سَاعَةُ إجَابَةِ أَيْ لِلدُّعَاءِ بِعَيْنِهِ ط (قَوْلُهُ وَقْتَ الْعَصْرِ) وَقِيلَ مِنْ حِينِ يَخْطُبُ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 732 (الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى) قَوْلِهِ (عَلَيْكُمْ) وَحِينَئِذٍ (فَلَوْ دَخَلَ رَجُلٌ فِي صَلَاتِهِ بَعْدَهُ لَا يَصِيرُ دَاخِلًا فِيهَا) قَدَّمْنَاهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ. (لُفَّ ثَوْبٌ نَجَسٌ رَطْبٌ فِي ثَوْبٍ طَاهِرٍ يَابِسٍ فَظَهَرَتْ رُطُوبَتُهُ عَلَى ثَوْبٍ طَاهِرٍ) كَذَا النُّسَخُ. وَعِبَارَةُ الْكَنْزِ: عَلَى الثَّوْبِ الطَّاهِرِ (لَكِنْ لَا يَسِيلُ لَوْ عُصِرَ لَا يَتَنَجَّسُ) قَدَّمْنَاهُ قَبِيلٍ كِتَابِ الصَّلَاةِ (كَمَا لَوْ نُشِرَ الثَّوْبُ الْمَبْلُولُ عَلَى حَبْلٍ نَجَسٍ يَابِسٍ) أَوْ غَسَلَ رِجْلَهُ وَمَشَى عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ أَوْ قَامَ عَلَى فِرَاشٍ نَجَسٍ فَعَرِقَ وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ لَا يَتَنَجَّسُ خَانِيَّةٌ. (نَوَى الزَّكَاةَ إلَّا أَنَّهُ سَمَّاهُ قَرْضًا جَازَ) فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْقَلْبِ لَا لِلِّسَانِ. (مَنْ لَهُ حَظٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ) كَالْعُلَمَاءِ   [رد المحتار] كَمَا ثَبَتَ فِي مُسْلِمٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ بَلْ هُوَ الصَّوَابُ اهـ قَالَ ط: وَيَكْفِي الدُّعَاءُ بِقَلْبِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَقِيلَ آخِرُ سَاعَةٍ فِيهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الزَّهْرَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اهـ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا دَائِرَةٌ فِي جَمِيعِ وَقْتِ الْعَصْرِ، وَهُوَ مِنْ حِينِ بُلُوغِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ أَوْ مِثْلَيْهِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْقَوْلَيْنِ إلَى الْغُرُوبِ حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِهِ عَلَيْكُمْ) أَيْ فِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى (قَوْلُهُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ السَّلَامِ قَبْلَ قَوْلِهِ عَلَيْكُمْ مِنَحٌ؛ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ قَبْلَهُ لِيَرْجِعَ الضَّمِيرُ إلَى مَذْكُورٍ صَرِيحًا وَهُوَ عَلَيْكُمْ (قَوْلُهُ لُفَّ ثَوْبٌ نَجِسٌ رَطْبٌ) أَيْ مُبْتَلٌّ بِمَاءٍ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي الثَّوْبِ الطَّاهِرِ أَثَرُ النَّجَاسَةِ، بِخِلَافِ الْمَبْلُولِ بِنَحْوِ الْبَوْلِ لِأَنَّ النَّدَاوَةَ حِينَئِذٍ عَيْنُ النَّجَاسَةِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا ظَهَرَ فِي الثَّوْبِ الطَّاهِرِ أَثَرُ النَّجَاسَةِ مِنْ لَوْنٍ أَوْ طَعْمٍ أَوْ رِيحٍ فَإِنَّهُ يَتَنَجَّسُ كَمَا حَقَّقَهُ شَارِحُ الْمُنْيَةِ وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ أَوَّلَ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ لَا يَتَنَجَّسُ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَقَاطَرْ مِنْهُ بِالْعَصْرِ لَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنَّمَا يَبْتَلُّ مَا يُجَاوِرُهُ بِالنَّدَاوَةِ وَبِذَلِكَ لَا يَتَنَجَّسُ بِهِ وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ إنْ كَانَ الْيَابِسُ هُوَ الطَّاهِرَ يَتَنَجَّسُ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ بَلَلًا مِنْ النَّجِسِ الرَّطْبِ، وَإِنْ كَانَ الْيَابِسُ هُوَ النَّجِسَ وَالطَّاهِرُ وَالرَّطْبُ لَا يَتَنَجَّسُ لِأَنَّ الْيَابِسَ النَّجِسَ يَأْخُذُ بَلَلًا مِنْ الطَّاهِرِ وَلَا يَأْخُذُ الرَّطْبُ مِنْ الْيَابِسِ شَيْئًا زَيْلَعِيٌّ. وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي يَسِيلُ وَعُصِرَ لِلنَّجِسِ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ، وَمَشَى عَلَيْهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ كَالْكَنْزِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لِلطَّاهِرِ، وَهُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَمُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ كالقهستاني وَابْنِ الْكَمَالِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْبَحْرِ، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ وَوَجْهُهُ أَظْهَرُ، وَالثَّانِي أَوْسَعُ وَأَسْهَلُ فَتَبَصَّرْ. ثُمَّ إنَّ الْمَسْأَلَةَ مَذْكُورَةٌ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ فِي بَعْضِهَا بِلَا ذِكْرِ خِلَافٍ وَفِي بَعْضِهَا بِلَفْظِ الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ نُشِرَ إلَخْ) هَذَا مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ، وَقَدْ جَعَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ مُفَرَّعًا عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ عَقِبَ عِبَارَتِهِ السَّابِقَةِ وَعَلَى هَذَا إذَا نُشِرَ الْمَبْلُولُ عَلَى حَبْلٍ نَجِسٍ هُوَ يَابِسٌ لَا يَتَنَجَّسُ الثَّوْبُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى. وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ: إذَا نَامَ الرَّجُلُ عَلَى فِرَاشٍ فَأَصَابَهُ مَنِيٌّ وَيَبِسَ وَعَرِقَ الرَّجُلُ وَابْتَلَّ الْفِرَاشُ مِنْ عَرَقِهِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ الْبَلَلِ فِي بَدَنِهِ لَا يَتَنَجَّسُ جَسَدُهُ، وَإِنْ كَانَ الْعَرَقُ كَثِيرًا حَتَّى ابْتَلَّ الْفِرَاشُ ثُمَّ أَصَابَ بَلَلُ الْفِرَاشِ جَسَدَهُ وَظَهَرَ أَثَرُهُ فِي جَسَدِهِ يَتَنَجَّسُ بَدَنُهُ، وَكَذَا إذَا غَسَلَ رِجْلَهُ فَمَشَى عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ بِغَيْرِ مُكَعَّبٍ فَابْتَلَّ الْأَرْضُ مِنْ بَلَلِ رِجْلِهِ وَاسْوَدَّ وَجْهُ الْأَرْضِ لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ بَلَلِ الْأَرْضِ فِي رِجْلِهِ فَصَلَّى جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ بَلَلُ الْمَاءِ فِي رِجْلِهِ كَثِيرًا حَتَّى ابْتَلَّ وَجْهُ الْأَرْضِ وَصَارَ طِينًا ثُمَّ أَصَابَ الطِّينُ رِجْلَهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ. وَلَوْ مَشَى عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ رَطْبَةٍ وَرِجْلُهُ يَابِسَةٌ تَتَنَجَّسُ اهـ (قَوْلُهُ عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ) بِأَنْ كَانَتْ مُطَيَّنَةً بِنَحْوِ الزِّبْلِ، أَمَّا لَوْ أَصَابَتْهَا نَجَاسَةٌ وَجَفَّتْ لَمْ تَبْقَ وَلَمْ تَعُدْ النَّجَاسَةُ بِإِصَابَةِ الْمَاءِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (قَوْلُهُ كَالْعُلَمَاءِ) أَيْ وَالْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَالْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 733 (ظَفِرَ بِمَا هُوَ وَجْهٌ لِبَيْتِ الْمَالِ فَلَهُ أَخْذُهُ دِيَانَةً) قَدَّمْنَاهُ قَبِيلَ بَابِ الْمَصْرِفِ. (أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فِي يَوْمٍ وَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى أَفْطَرَ فِي يَوْمٍ آخَرَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) وَلَوْ فِي رَمَضَانَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَدَّمْنَاهُ فِي الصَّوْمِ. (وَلَوْ نَوَى قَضَاءَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْيَوْمَ صَحَّ) وَلَوْ عَنْ رَمَضَانَيْنِ كَقَضَاءِ الصَّلَاةِ صَحَّ أَيْضًا (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) فِي الصَّلَاةِ (أَوَّلَ صَلَاةٍ عَلَيْهِ أَوْ آخَرَ صَلَاةٍ عَلَيْهِ) كَذَا فِي الْكَنْزِ. قَالَ: الْمُصَنِّفُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ التَّعْيِينِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي رَمَضَانَيْنِ إلَخْ. قُلْت: وَهَكَذَا قَدَّمْته فِي بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ وَغَيْرِهَا. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبَحْرِ قَبِيلٍ بَابِ اللِّعَانِ مَا نَصُّهُ: وَنِيَّةُ التَّعْيِينِ لَمْ تُشْتَرَطْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوَاجِبَ مُخْتَلِفٌ مُتَعَدِّدٌ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُهُ مُرَاعَاتُهُ إلَّا بِنِيَّةِ التَّعْيِينِ، حَتَّى لَوْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ   [رد المحتار] وَالْقَدْرُ الَّذِي يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُ كِفَايَتِهِمْ ابْنُ الشِّحْنَةِ (قَوْلُهُ ظَفِرَ بِمَا هُوَ وَجْهٌ لِبَيْتِ الْمَالِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي أَغْلَبِهَا بِدُونِ هُوَ، وَعَلَيْهِ فَوُجِّهَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ: إذَا كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَمَاتَ الْمُودِعُ بِلَا وَارِثٍ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ الْوَدِيعَةَ إلَى نَفْسِهِ فِي زَمَنِنَا هَذَا لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَاهَا لِبَيْتِ الْمَالِ لَضَاعَ لِأَنَّهُمْ لَا يَصْرِفُونَ مَصَارِفَهُ، فَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ صَرَفَهُ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَّا صَرَفَهُ إلَى الْمَصْرِفِ اهـ مِنَحٌ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ فَتَتَدَاخَلُ كَالْحَدِّ مُجْتَبًى. ثُمَّ قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي التَّدَاخُلِ فَقِيلَ لَا تَجِبُ الثَّانِيَةُ لِتَدَاخُلِ السَّبَبِ، وَقِيلَ تَجِبُ ثُمَّ تَسْقُطُ، فَأَمَّا إذَا كَفَّرَ الْأَوَّلَ فَلَا اجْتِمَاعَ فَلَا تَدَاخُلَ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي رَمَضَانَيْنِ إلَخْ) لَوْ وَصْلِيَّةٌ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِرَمَضَانَ وَاحِدٍ خِلَافُ الصَّحِيحِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ. قَالَ فِي الْمُجْتَبَى: وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا قَالُوا الِاعْتِمَادُ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْفِيهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّدَاخُلِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ) أَيْ أَنَّهُ عَنْ يَوْمِ كَذَا (قَوْلُهُ وَلَوْ عَنْ رَمَضَانَيْنِ إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَكَذَا لَوْ صَامَ وَنَوَى عَنْ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ نَوَى عَنْ رَمَضَانَيْنِ أَيْضًا يَجُوزُ اهـ. وَعَلَيْهِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ يَوْمَانِ مِنْ رَمَضَانَيْنِ فَقَضَى يَوْمًا وَنَوَاهُ عَنْهُمَا يَجُوزُ صَوْمُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا وَيَبْقَى عَلَيْهِ الْآخَرُ لَكِنْ ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ نَوَاهُ عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِلَا تَعْيِينِ شَهْرِهِ حَيْثُ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ عَنْ رَمَضَانَيْنِ قَضَاءُ أَحَدِ رَمَضَانَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الصَّائِمُ أَوَّلَ أَوْ آخِرَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُرِدْ جَمْعَهُمَا فِي النِّيَّةِ، لِأَنَّ نَاوِيَ الْقُرْبَتَيْنِ فِي الصَّوْمِ مُتَنَفِّلٌ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمَتْنِ كَقَضَاءِ الصَّلَاةِ إلَخْ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ فَاتَهُ الظُّهْرُ مِنْ يَوْمَيْنِ مَثَلًا فَقَضَى ظُهْرًا وَلَمْ يُعَيِّنْ أَحَدَ الْيَوْمَيْنِ صَحَّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ نَوَى ظُهْرًا وَاحِدًا مِنْ الْيَوْمَيْنِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ. وَفِي قَوْلِ مِسْكِينٍ لِأَنَّ نَاوِيَ الْقُرْبَتَيْنِ إلَخْ مُنَافَاةٌ لِصَدْرِ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ قُبَيْلَ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى فَائِتَتَيْنِ فَلِلْأُولَى لَوْ مِنْ أَهْلِ التَّرْتِيبِ وَإِلَّا لَغَا اهـ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ فِي الصَّوْمِ يَلْغُو إذْ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالصَّلَاةِ وَبِهِ تَأَيَّدَ كَلَامُ مِسْكِينٍ وَتَأَمَّلْ ذَلِكَ مَعَ الْأَصْلِ الْآتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ صَحَّ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إلَخْ) قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ اهـ وَنَقَلَ ط تَصْحِيحَهُ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَيْضًا وَأَنَّ التَّعْيِينَ أَحْوَطُ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ التَّعْيِينِ إلَخْ) صَحَّحَهُ أَيْضًا فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى، فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَالتَّعْيِينُ أَنْ يُعَيِّنَ أَنَّهُ صَائِمٌ عَنْ رَمَضَانَ سَنَةِ كَذَا، وَفِي الصَّلَاةِ أَنْ يُعَيِّنَ الصَّلَاةَ وَيَوْمَهَا بِأَنْ يُعَيِّنَ ظُهْرَ يَوْمِ كَذَا، وَلَوْ نَوَى أَوَّلَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ أَوْ آخِرَهُ جَازَ وَهَذَا مُخَلَّصُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْأَوْقَاتَ الَّتِي فَاتَتْهُ أَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ أَوْ أَرَادَ التَّسْهِيلَ عَلَى نَفْسِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 734 يَكْفِيهِ نِيَّةُ الظُّهْرِ لَا غَيْرُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ فِي الصَّلَوَاتِ يَنْبَغِي حِفْظُهُ انْتَهَى بِلَفْظِهِ، ثُمَّ رَأَيْته نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْأَشْبَاهِ فِي بَحْثِ تَعْيِينِ الْمَنْوِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مُشْكِلٌ، وَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا كَقَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ خِلَافُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ اهـ بِحُرُوفِهِ فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ (رَأْسُ شَاةٍ مُتَلَطِّخٌ بِدَمٍ أُحْرِقَ) رَأْسُهُ وَزَالَ عَنْهُ الدَّمُ فَاتَّخَذَ مِنْهُ مَرَقَةً (جَازَ اسْتِعْمَالُهَا) وَالْحَرْقُ (كَالْغَسْلِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مِنْ الْمُطَهِّرَاتِ) (سُلْطَانٌ جَعَلَ الْخَرَاجَ لِرَبِّ الْأَرْضِ جَازَ، وَإِنْ جَعَلَ لَهُ الْعُشْرَ لَا) لِأَنَّهُ زَكَاةٌ. قُلْت: وَقَدْ قَدَّمَهُ فِي الْجِهَادِ، وَقَدَّمْته فِي الذَّكَاةِ أَيْضًا. (عَجَزَ أَصْحَابُ الْخَرَاجِ عَنْ زِرَاعَةِ الْأَرْضِ وَأَدَاءِ الْخَرَاجِ وَدَفَعَ الْإِمَامُ الْأَرْضَ إلَى غَيْرِهِمْ) بِالْأُجْرَةِ (لِيُعْطُوا الْخَرَاجَ) مِنْ أُجْرَتِهَا الْمُسْتَحَقَّةِ (جَازَ) فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ أُجْرَتِهَا دَفَعَهُ لِمَالِكِهَا   [رد المحتار] وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْفُرُوضَ مُتَزَاحِمَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مَا يُرِيدُ أَدَاءَهُ وَالشَّرْطُ تَعْيِينُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِتَمْيِيزِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ. أَمَّا التَّعْيِينُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ: أَيْ فِي أَفْرَادِهِ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ فَهُوَ لَغْوٌ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَصَامَهُ بِنِيَّةِ يَوْمٍ آخَرَ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَوْمِ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَصَامَ نَاوِيًا عَنْ قَضَاءِ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى عَنْ رَمَضَانَيْنِ أَوْ عَنْ رَمَضَانَ آخَرَ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ نَوَى ظُهْرَيْنِ أَوْ ظُهْرًا عَنْ عَصْرٍ، أَوْ نَوَى ظُهْرَ السَّبْتِ وَعَلَيْهِ ظُهْرُ الْخَمِيسِ، وَيُعْرَفُ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ كَالصَّلَوَاتِ حَتَّى الظُّهْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ، فَإِنَّ الدُّلُوكَ فِي يَوْمٍ غَيْرُهُ فِي آخَرَ، بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِتَعَلُّقِهِ بِشُهُودِ الشَّهْرِ وَهُوَ وَاحِدٌ، لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَعْيِينِ يَوْمِ كَذَا، بِخِلَافِ رَمَضَانَيْنِ زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ ثُمَّ رَأَيْته) أَيْ هَذَا التَّفْصِيلُ نَقَلَهُ عَنْهُ: أَيْ عَنْ الْمُحِيطِ فِي الْأَشْبَاهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَهَذَا مُشْكِلٌ) لِمَا مَرَّ أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ جِنْسٌ لِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهَا فَيُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ لِتَمْيِيزِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحِيطِ لَجَازَ مَعَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ أَيْضًا لِإِمْكَانِ صَرْفِهِ إلَى الْأَوَّلِ إذْ لَا يَجِبُ التَّعْيِينُ عِنْدَ التَّرْتِيبِ وَلَا يُفِيدُ اهـ كَذَا أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ خِلَافُهُ) أَيْ مِنْ التَّعْيِينِ وَلَوْ بِأَوَّلِ ظُهْرٍ أَوْ آخِرِهِ مَثَلًا ط (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الثَّانِيَ مُصَحَّحٌ وَإِنْ كَانَ الْأَحْوَطُ التَّعْيِينَ ط (قَوْلُهُ وَالْحَرْقُ كَالْغَسْلِ) لِأَنَّ النَّارَ تَأْكُلُ مَا فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهِ شَيْءٌ، أَوْ تُحِيلُهُ فَيَصِيرَ الدَّمُ رَمَادًا فَيَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ، وَلِهَذَا لَوْ أُحْرِقَتْ الْعَذِرَةُ وَصَارَتْ رَمَادًا طَهُرَتْ لِلِاسْتِحَالَةِ، كَالْخَمْرِ إذَا تَخَلَّلَتْ، وَكَالْخِنْزِيرِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَمْلَحَةِ وَصَارَ مِلْحًا. وَعَلَى هَذَا قَالُوا: إذَا تَنَجَّسَ التَّنُّورُ يَطْهُرُ بِالنَّارِ حَتَّى لَا يَتَنَجَّسَ الْخُبْزُ، وَكَذَلِكَ إذَا تَنَجَّسَ مِمْسَحَةُ الْخَبَّازِ تَطْهُرُ بِالنَّارِ زَيْلَعِيٌّ. قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَبِهَذَا لَا يَظْهَرُ مَا عُزِيَ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ السِّكِّينَ الْمُمَوَّهَ بِالْمَاءِ النَّجِسِ يُمَوَّهُ بِالطَّاهِرِ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ النَّارَ وَمَكَثَ أَدْنَى مُدَّةٍ لَمْ يَبْقَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ فِيهِ لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا اهـ (قَوْلُهُ وَقَدْ قَدَّمَهُ فِي الْجِهَادِ) حَيْثُ قَالَ: تَرَكَ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبُهُ الْخَرَاجَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ وَلَوْ بِشَفَاعَةٍ جَازَ عِنْدَ الثَّانِي وَحَلَّ لَهُ لَوْ مَصْرِفًا وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ وَبِهِ يُفْتَى. وَمَا فِي الْحَاوِي مِنْ تَرْجِيحِ حِلِّهِ لِغَيْرِ الْمَصْرِفِ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَلَوْ تَرَكَ الْعُشْرَ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا وَيُخْرِجُهُ بِنَفْسِهِ لِلْفُقَرَاءِ خِلَافًا لِمَا فِي قَاعِدَةِ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ مِنْ الْأَشْبَاهِ مَعْزِيًّا لِلْبَزَّازِيَّةِ فَتَنَبَّهْ اهـ أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ السُّلْطَانُ الْعُشْرَ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ جَازَ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا، لَكِنْ لَوْ غَنِيًّا ضَمِنَهُ السُّلْطَانُ لِلْفُقَرَاءِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْخَرَاجِ لِبَيْتِ مَالِ الصَّدَقَةِ، وَلَوْ فَقِيرًا لَا يَضْمَنُ (قَوْلُهُ عَنْ زِرَاعَةِ الْأَرْضِ) أَيْ الْمَمْلُوكَةِ لَهُمْ (قَوْلُهُ لِمُسْتَحِقِّهِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 735 رِعَايَةً لِلْحَقَّيْنِ، إنْ لَمْ يَجِدْ الْإِمَامُ مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا بَاعَهَا لِقَادِرٍ وَأَخَذَ الْخَرَاجَ الْمَاضِيَ مِنْ الثَّمَنِ لَوْ عَلَيْهِمْ خَرَاجٌ وَرَدَّ الْفَضْلَ لِأَرْبَابِهَا زَيْلَعِيٌّ: قُلْت: وَقَدَّمْنَا فِي الْجِهَادِ تَرْجِيحَ سُقُوطِهِ بِالتَّدَاخُلِ، فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَرْجُوحِ أَوْ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَخْذُ خَرَاجِ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ فَقَطْ. (غَنَمٌ مَذْبُوحَةٌ وَمَيِّتَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ الْمَذْبُوحَةُ أَكْثَرَ تَحَرَّى وَأَكَلَ وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَتْ الْمَيِّتَةُ أَكْثَرَ أَوْ اسْتَوَيَا (لَا) يَتَحَرَّى لَوْ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ بِأَنْ يَجِدَ ذَكِيَّةً وَإِلَّا تَحَرَّى وَأَكَلَ مُطْلَقًا   [رد المحتار] أَيْ لِمُسْتَحِقِّ الْخَرَاجِ (قَوْلُهُ رِعَايَةً لِلْحَقَّيْنِ) لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى إزَالَةِ مِلْكِهِمْ بِلَا رِضَاهُمْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا إلَى تَعْطِيلِ حَقِّ الْمُقَاتِلَةِ فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ بَاعَهَا لِقَادِرٍ) أَيْ عَلَى الزِّرَاعَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبِعْهَا يَفُوتُ حَقُّ الْمُقَاتِلَةِ فِي الْخَرَاجِ أَصْلًا، وَلَوْ بَاعَ يَفُوتُ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الْعَيْنِ، وَالْفَوَاتُ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَوَاتٍ فَيَبِيعُ تَحْقِيقًا لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ زَيْلَعِيٌّ. هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ قَبْلَ الْبَيْعِ إنْ شَاءَ دَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ مُزَارَعَةً، وَإِنْ شَاءَ زَرَعَهَا بِنَفَقَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَقْبَلُهَا مُزَارَعَةً بَاعَهَا إلَخْ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) أَصْلُهُ لِلْمُصَنِّفِ حَيْثُ اسْتَشْكَلَ قَوْلُهُ وَأَخَذَ الْخَرَاجَ الْمَاضِيَ بِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ اجْتَمَعَ الْخَرَاجُ فَلَمْ يُؤَدِّ سَنَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُؤْخَذُ بِخَرَاجِ هَذِهِ السَّنَةِ وَلَا يُؤْخَذُ بِخَرَاجِ السَّنَةِ الْأُولَى وَيَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْهُ كَمَا قَالَ فِي الْجِزْيَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَا يَسْقُطُ الْخَرَاجُ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ هَذَا إذَا عَجَزَ عَنْ الزِّرَاعَةِ، فَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ يُؤْخَذْ بِالْخَرَاجِ عِنْدَ الْكُلِّ اهـ (قَوْلُهُ فَيُحْمَلُ إلَى إلَخْ) لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى حَالَةِ عَدَمِ الْعَجْزِ لِأَنَّ فَرْضَ مَسْأَلَتِنَا فِي الْعَجْزِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ الْمَاضِيَةُ فَقَطْ) أَيْ الَّتِي عَجَزُوا فِيهَا، وَهِيَ الَّتِي قَبْلَ السَّنَةِ الَّتِي دَفَعَ فِيهَا الْإِمَامُ الْأَرْضَ إلَى غَيْرِهِمْ دُونَ مَا قَبْلَهَا، وَلَا يَحْصُلُ التَّدَاخُلُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ سَنَةِ الدَّفْعِ حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَسْقُطُ خَرَاجُ هَذِهِ الْمَاضِيَةِ، لِأَنَّ وُجُوبَ الْخَرَاجِ بِآخِرِ الْحَوْلِ لَا بِأَوَّلِهِ، بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ كَمَا صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ تَحَرَّى وَأَكَلَ) لِأَنَّ لِلْغَالِبِ حُكْمَ الْكُلِّ، وَكَذَا الزَّيْتُ لَوْ اخْتَلَطَ مَعَ وَدَكِ الْمَيِّتَةِ أَوْ الْخِنْزِيرِ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَّا إذَا غَلَبَ الزَّيْتُ، لَكِنْ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ بَلْ يَسْتَصْبِحُ بِهِ أَوْ يَبِيعُهُ مَعَ بَيَانِ عَيْبِهِ أَوْ يَدْبَغُ بِهِ الْجُلُودَ وَيَغْسِلُهَا لِأَنَّ الْمَغْلُوبَ تَبَعٌ لِلْغَالِبِ وَلَا حُكْمَ لِلتَّبَعِ لَوْ كَانَ مَعَهُ ثِيَابٌ مُخْتَلِطَةٌ، فَفِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ بِأَنْ لَا يَجِدَ طَاهِرًا بِيَقِينٍ وَلَا مَاءَ يَغْسِلُهَا بِهِ تَحَرَّى مُطْلَقًا لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِثَوْبٍ نَجِسٍ بِيَقِينٍ جَائِزَةٌ حَالَةَ الِاضْطِرَارِ بِالْإِجْمَاعِ فَفِي ثَوْبٍ مَشْكُوكٍ أَوْلَى. وَأَمَّا فِي الِاخْتِيَارِ فَإِنَّ الْغَلَبَةَ لِلطَّاهِرِ تَحَرَّى وَإِلَّا لَا كَالْجَوَابِ فِي الْمَسَالِيخِ، وَكَذَا أَوَانِي الْمَاءِ إلَّا أَنَّهُ فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ لَوْ غَلَبَ النَّجِسُ يَتَحَرَّى لِلشُّرْبِ إجْمَاعًا لِأَنَّ شُرْبَ النَّجِسِ بِيَقِينٍ يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ فَالْمَشْكُوكُ أَوْلَى، وَلَا يَتَحَرَّى لِلْوُضُوءِ عِنْدَنَا بَلْ يَتَيَمَّمُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُرِيقَ الْمَاءَ قَبْلَهُ أَوْ بِخَلْطِهِ بِالنَّجِسِ وَتَمَامُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. أَقُولُ: وَالْمُرَادُ مِنْ اخْتِلَاطِ الزَّيْتِ مَعَ الْوَدَكِ اخْتِلَاطُ أَجْزَائِهِمَا لَا اخْتِلَاطُ أَوَانِيهِمَا وَلِذَا لَمْ يَحِلَّ الْأَكْلُ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ لَا يَتَحَرَّى) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَلَامَةٌ تُعْلَمُ بِهَا الذَّكِيَّةُ، فَإِنْ كَانَتْ فَعَلَيْهِ الْأَخْذُ بِهَا كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالُوا: مِنْ عَلَامَةِ الْمَيْتَةِ أَنَّهَا تَطْفُو فَوْقَ الْمَاءِ وَالذَّكِيَّةُ لَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ عَلَامَةَ الْمُذَكَّاةِ خُلُوُّ الْأَوْدَاجِ مِنْ الدَّمِ وَعَلَامَةُ الْمَيْتَةِ امْتِلَاؤُهَا مِنْهُ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَجِدَ ذَكِيَّةً) أَقُولُ: الْمُرَادُ أَنْ يَجِدَ مَا يَسُدُّ بِهِ رَمَقَهُ مِنْ لَحْمٍ مُذَكًّى أَوْ خُبْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَإِلَّا تَحَرَّى إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: أَمَّا فِي حَالِ الضَّرُورَةِ يَحِلُّ لَهُ التَّنَاوُلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَيْتَةَ الْمُتَيَقَّنَةَ تَحِلُّ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ، فَاَلَّذِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَكِيَّةً أَوْ لَا غَيْرَ أَنَّهُ يَتَحَرَّى لِأَنَّهُ طَرِيقٌ يُوَصِّلُهُ إلَى الذَّكِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَتْرُكُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 736 وَمَرَّ فِي الْحَظْرِ. (إيمَاءُ الْأَخْرَسِ وَكِتَابَتُهُ كَالْبَيَانِ) بِاللِّسَانِ (بِخِلَافِ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُمَا سَوَاءٌ فِي وَصِيَّةٍ   [رد المحتار] قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْغَنَمِ وَالثِّيَابِ، فَإِنَّ الْمُسَافِرَ لَوْ مَعَهُ ثَوْبَانِ طَاهِرٌ وَنَجِسٌ لَا غَيْرُ وَلَا مُمَيَّزَ بَيْنَهُمَا يَتَحَرَّى وَيُصَلِّي، فَقَدْ جَوَّزَ التَّحَرِّيَ فِيمَا إذَا كَانَا نِصْفَيْنِ وَفِي الْمَسَالِيخِ لَمْ يَجُزْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ حُكْمَ الثِّيَابِ أَخَفُّ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا نَجِسَةً لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَعْضِهَا لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ، بِخِلَافِ الْغَنَمِ إلَخْ، وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَالْمِنَحِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: هَذَا عَجِيبٌ مِنْهُمْ، فَإِنَّ مَا ذَكَرُوا مِنْ مَسْأَلَةِ الثَّوْبَيْنِ حَالَةُ ضَرُورَةٍ، وَلَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الثِّيَابِ وَالْغَنَمِ كَمَا سَمِعْت التَّصْرِيحَ بِهِ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ. وَفِي قَوْلِ الْهِدَايَةِ يَحِلُّ لَهُ التَّنَاوُلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَيْ فِيمَا إذَا كَانَتْ الذَّكِيَّةُ غَالِبَةً أَوْ مَغْلُوبَةً أَوْ مُسَاوِيَةً فَكَيْفَ يَطْلُبُ الْفَرْقَ فِيمَا لَا فَرْقَ فِيهِ، وَإِنْ أَرَادُوا الْفَرْقَ بَيْنَ الثِّيَابِ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ وَبَيْنَ الْغَنَمِ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ فَهُوَ سَاقِطٌ أَصْلًا إذْ لَا يُطْلَبُ الْفَرْقُ إلَّا عِنْدَ اتِّحَادِ الْحَالَتَيْنِ، ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ الطُّورِيَّ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ (قَوْلُهُ وَمَرَّ فِي الْحَظْرِ) أَيْ فِي أَوَّلِهِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَمَنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ، وَلَفْظُ الْحَظْرِ سَاقِطٌ مِنْ أَغْلَبِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ إيمَاءُ الْأَخْرَسِ) أَيْ إشَارَتُهُ بِحَاجِبٍ أَوْ يَدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إذَا عَرَفَ الْقَاضِي إشَارَتَهُ، وَإِلَّا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَخْبِرَ مِمَّنْ يَعْرِفُهَا مِنْ إخْوَانِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَجِيرَانِهِ حَتَّى يَقُولَ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي أَرَادَ بِهَذِهِ الْإِشَارَةِ كَذَا وَيُفَسِّرُ ذَلِكَ وَيُتَرْجِمُ حَتَّى يُحِيطَ عِلْمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَدْلًا مَقْبُولَ الْقَوْلِ، لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا قَوْلَ لَهُ بِيرِيّ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَإِطْلَاقُهُ يُفِيدُ اعْتِبَارَ الْإِيمَاءِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْكِتَابَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حُجَّةٌ ضَرُورَةً كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَكِتَابَتُهُ) اعْتَرَضَ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ الْأَخْرَسَ الْخَلْفِيَّ لَا يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَلَا يُمْكِنُ تَعْرِيفَهُ إيَّاهَا لِأَنَّهَا بِإِزَاءِ الْأَلْفَاظِ الْمُرَكَّبَةِ مِنْ الْحُرُوفِ وَهُوَ لَا يَنْطِقُ وَلَا يَسْمَعُ النُّطْقَ اهـ. أَقُولُ: يُمْكِنُ ذَلِكَ بِتَعْرِيفِهِ أَنَّ الْمَعْنَى الْفُلَانِيَّ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ الْمَنْقُوشَةِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ) بِفَتْحِ الْقَافِ، يُقَالُ: اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ بِضَمِّ التَّاءِ إذَا احْتَبَسَ عَنْ الْكَلَامِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ مُغْرِبٌ أَيْ فَلَا يُعْتَبَرُ إيمَاؤُهُ وَلَا كِتَابَتُهُ إلَّا إذَا امْتَدَّتْ عُقْلَتُهُ كَمَا يَأْتِي وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَارِضَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَلَا يُقَاسُ عَلَى الْخَرَسِ الْأَصْلِيِّ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا فِي كِتَابَةٍ غَيْرِ مَرْسُومَةٍ أَيْ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ، لِمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْكِتَابَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: مُسْتَبِينٍ مَرْسُومٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُعَنْوَنًا: أَيْ مُصَدَّرًا بِالْعِنْوَانِ، وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ فِي صَدْرِهِ مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فَهَذَا كَالنُّطْقِ فَلَزِمَ حُجَّةً. وَمُسْتَبِينٌ غَيْرُ مَرْسُومٍ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْجُدْرَانِ وَأَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ أَوْ عَلَى الْكَاغَدِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً إلَّا بِانْضِمَامِ شَيْءٍ آخَرَ إلَيْهِ كَالنِّيَّةِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ وَالْإِمْلَاءِ عَلَى الْغَيْرِ حَتَّى يَكْتُبَهُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَكُونُ لِلتَّجْرِبَةِ وَنَحْوِهَا، وَبِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَتَعَيَّنُ الْجِهَةُ وَقَبْلَ الْإِمْلَاءِ بِلَا إشْهَادٍ لَا يَكُونُ حُجَّةً وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَغَيْرُ مُسْتَبِينٍ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْهَوَاءِ أَوْ الْمَاءِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ كَلَامٍ غَيْرِ مَسْمُوعٍ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ وَإِنْ نَوَى اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَوَّلَ صَرِيحٌ وَالثَّانِي كِنَايَةٌ وَالثَّالِثُ لَغْوٌ. وَبَقِيَ صُورَةٌ رَابِعَةٌ عَقْلِيَّةٌ لَا وُجُودَ لَهَا وَهِيَ مَرْسُومٌ غَيْرُ مُسْتَبِينٍ وَهَذَا كُلُّهُ فِي النَّاطِقِ فَفِي غَيْرِهِ بِالْأَوْلَى، لَكِنْ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُعَنْوَنًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِغَائِبٍ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَعْنَوِيَّ مِنْ النَّاطِقِ الْحَاضِرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: رَجُلٌ كَتَبَ صَكَّ وَصِيَّةٍ وَأَشْهَدَ بِمَا فِيهِ وَلَمْ يَقْرَأْ وَصِيَّتَهُ عَلَيْهِمْ قَالُوا لَا يَجُوزُ لِلشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 737 وَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَقَوَدٍ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ: أَيْ إيمَاءُ الْأَخْرَسِ فِيمَا يُذْكَرُ مُعْتَبَرٌ، وَمِثْلُهُ مُعْتَقَلُ اللِّسَانِ إنْ عُلِمَتْ إشَارَتُهُ وَامْتَدَّتْ عُقْلَتُهُ إلَى مَوْتِهِ بِهِ يُفْتَى. قُلْت: وَمَرَّ فِي الْوَصَايَا وَذَكَرَهُ هُنَا الْأَكْمَلُ وَابْنُ الْكَمَالِ وَالزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُمْ. ثُمَّ مُفَادُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالْإِشَارَةِ أَوْ طَلَّقَ مَثَلًا تَوَقَّفَ فَإِنْ مَاتَ عَلَى عُقْلَتِهِ نَفَذَ مُسْتَنِدًا وَإِلَّا لَا وَعَلَيْهِ، فَلَوْ تَزَوَّجَ بِالْإِشَارَةِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِعَدَمِ نَفَاذِهِ، لَكِنَّهُ إذَا مَاتَ بِحَالِهِ كَانَ لَهَا الْمَهْرُ مِنْ تَرِكَتِهِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُهُ فِي الزَّوَاهِرِ عِنْدَ ذِكْرِ الْأَشْبَاهِ الْأَحْكَامَ الْأَرْبَعَةَ أَنَّ قَوْلَهُمْ وَالضَّابِطُ لِلْمُقْتَصِرِ وَالْمُسْتَنَدُ أَنَّ مَا صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ يَقَعُ مُقْتَصَرًا وَمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ يَقَعُ مُسْتَنَدًا كَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ يُخَالِفُ ذَلِكَ إذْ مُقْتَضَاهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ مُقْتَصِرٌ فَتَنَبَّهْ (لَا) تَكُونُ إشَارَتُهُ وَكِتَابَتُهُ كَالْبَيَانِ (فِي حَدٍّ)   [رد المحتار] بِمَا فِيهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ أَيْ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَكُونُ إلَّا عَنْ عِلْمٍ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ مُعْتَقَلُ إلَخْ) الْأَوْلَى فِي التَّعْبِيرِ لَا مُعْتَقَلُ اللِّسَانِ، إلَّا إنْ عُلِمَتْ إشَارَتُهُ إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ، وَمُقَابِلُهُ مَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ التُّمُرْتَاشِيِّ تَقْدِيرُهُ بِسَنَةٍ، قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَاسْتَثْنَى الْعِمَادِيُّ الْمَرِيضَ إذَا طَالَ عَلَيْهِ الِاعْتِقَالُ فَإِنَّهُ كَالْأَخْرَسِ كَمَا أَفَادَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ مَعْزِيًّا لِلْعِمَادِيَّةِ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْهَا، فَإِنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِيمَنْ يُرْجَى مِنْهُ الْكَلَامُ فَافْهَمْ الْمَرَامَ اهـ وَعِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ: فَلَوْ أَصَابَهُ فَالِجٌ فَذَهَبَ لِسَانُهُ أَوْ مَرِضَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَلَامِ بِضَعْفِهِ إلَّا أَنَّهُ عَاقِلٌ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ إلَى وَصِيَّةٍ فَقَدْ صَحَّ وَصِيَّتُهُ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا إنَّهَا لَمْ تَصِحَّ كَمَا فِي الْعِمَادِيِّ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ طَلَّقَ مَثَلًا) أَيْ كَمَا إذَا أَعْتَقَ ط. (قَوْلُهُ نَفَذَ مُسْتَنِدًا) فَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ إنْ مَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ وَقْتِ الْإِشَارَةِ أَوْ الْكِتَابَةِ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمَعْتُوقِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ ط (قَوْلُهُ لِعَدَمِ نَفَاذِهِ) لِأَنَّ نَفَاذَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى مَوْتِهِ عَلَى عُقْلَتِهِ، لَا عَلَى إجَازَتِهِ، حَتَّى يُقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ طَلَبُهُ الْوَطْءِ دَلِيلًا عَلَى إرَادَةِ النِّكَاحِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُهُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: نَفَذَ مُسْتَنِدًا حَتَّى فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ (قَوْلُهُ الْأَحْكَامَ الْأَرْبَعَةَ) الَّتِي هِيَ الِاقْتِصَارُ كَمَا فِي إنْشَاءِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالِانْقِلَابِ، كَمَا إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ بِالشَّرْطِ، فَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ يَنْقَلِبُ مَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ عِلَّةً وَالِاسْتِنَادُ كَالْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدَةً إلَى وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ وَالتَّبَيُّنِ، مِثْلُ أَنْ كَانَ زَيْدٌ الْيَوْمَ فِي الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَتَبَيَّنَ فِي الْغَدِ وُجُودُهُ فِيهَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْيَوْمِ، وَتَعْتَدُّ مِنْهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّبْيِينِ وَالِاسْتِنَادِ أَنَّهُ فِي التَّبْيِينِ يُمْكِنُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ الْعِبَادُ وَفِي الِاسْتِنَادِ لَا يُمْكِنُ اهـ مِنْ الْأَشْبَاهِ مُلَخَّصًا، وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الطَّلَاقِ الصَّرِيحِ (قَوْلُهُ أَنَّ قَوْلَهُمْ) مَفْعُولُ ذَكَرَ، وَقَوْلُهُ: وَالضَّابِطُ إلَخْ مَقُولُ الْقَوْلِ، وَجُمْلَةُ يُخَالِفُ خَبَرُ إنَّ (قَوْلُهُ يُخَالِفُ ذَلِكَ) أَيْ يُخَالِفُ الْقَوْلَ بِالِاسْتِنَادِ فِي نَحْوِ: طَلَاقُ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ وَعَتَاقِهِ ط. أَقُولُ: وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَالتَّعْلِيقُ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّحَّةِ اللُّزُومُ، فَإِنَّ التَّعْلِيقَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، وَالْمُضَافُ إلَيْهِ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ لِزَوْجَةِ إنْسَانٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ تَوَقَّفَ عَلَى الْإِجَازَةِ، فَإِنْ أَجَازَهُ لَزِمَ التَّعْلِيقُ، فَتَطْلُقُ بِالدُّخُولِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ لَا قَبْلَهَا، وَكَذَا الطَّلَاقُ الْمُنْجَزُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ، فَإِذَا أَجَازَهُ وَقَعَ مُقْتَصِرًا عَلَى وَقْتِ الْإِجَازَةِ، وَلَا يَسْتَنِدُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ فَإِنَّهُ بِالْإِجَازَةِ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْبَيْعِ، حَتَّى مَلَكَ الْمُشْتَرِي الزَّوَائِدَ الْمُتَّصِلَةَ وَالْمُنْفَصِلَةَ وَالضَّابِطُ فِيهِ أَنَّ مَا صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ وَمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ فَإِنَّهُ يَسْتَنِدُ اهـ فَأَنْتَ تَرَاهُ لَمْ يَجْعَلْ الضَّابِطَ لِكُلِّ مُقْتَصِرٍ وَمُسْتَنِدٍ بَلْ لِنَوْعٍ خَاصٍّ مِنْهُ، وَهُوَ عَقْدُ الْفُضُولِيِّ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَقَعَ نَحْوُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إلَّا مُقْتَصَرًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا لِمَا مَرَّ عَنْ الْأَشْبَاهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا مُخَالَفَةَ إذْ لَيْسَتْ مَسْأَلَتُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ فِي حَدٍّ) تَنَاوَلَ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْحَدِّ أَيْ لَا يُحَدُّ الْأَخْرَسُ إذَا كَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 738 لِأَنَّهَا تُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ لِكَوْنِهَا حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا فِي شَهَادَةٍ مَا مُنْيَةٌ وَهَلْ يَصِحُّ إسْلَامُهُ بِالْإِشَارَةِ؟ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ نَعَمْ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا أَشْبَاهٌ. (ابْتَلَعَ الصَّائِمُ بُصَاقَ مَحْبُوبِهِ) يَقْضِي وَ (يُكَفِّرُ وَإِلَّا) يَكُنْ مَحْبُوبَهُ (لَا) يُكَفِّرُ وَمَرَّ فِي الصَّوْمِ. (قَتْلُ بَعْضِ الْحُجَّاجِ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْحَجِّ) مَرَّ فِي الْحَجِّ. (مَنَعَهَا زَوْجُهَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا وَهُوَ يَسْكُنُ مَعَهَا فِي بَيْتِهَا نُشُوزٌ) حُكْمًا كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي بَابِ النَّفَقَةِ (وَلَوْ) كَانَ (الْمَنْعُ لِيَنْقُلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ) فَلَيْسَتْ نَاشِزَةً لِوُجُوبِ السُّكْنَى عَلَيْهِ (أَوْ كَانَ يَسْكُنُ فِي بَيْتِ الْغَصْبِ فَامْتَنَعَتْ مِنْهُ لَا) تَكُونُ نَاشِزَةً لِأَنَّهَا مُحِقَّةٌ إذْ السُّكْنَى فِيهِ حَرَامٌ مَا لَوْ كَانَ فِيهِ (شُبْهَةٌ قَالَتْ: لَا أَسْكُنُ مَعَ أَمَتِك وَأُرِيدُ بَيْتًا عَلَى حِدَةٍ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ) وَكَذَا مَعَ أُمِّ وَلَدِهِ وَكُلُّهُ مَرَّ فِي النَّفَقَةِ. (قَالَ لِعَبْدِهِ يَا مَالِكِي أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَنَا عَبْدُك لَا تَعْتِقُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ (بِخِلَافِ قَوْلِهِ) لِعَبْدِهِ   [رد المحتار] قَاذِفًا بِالْإِشَارَةِ أَوْ الْكِتَابَةِ، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِالزِّنَا أَوْ السَّرِقَةِ أَوْ الشُّرْبِ، لِأَنَّ الْمُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِبَعْضِ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْعُقُوبَةِ مَا لَمْ يَذْكُرْ اللَّفْظَ الصَّرِيحَ لَا يَسْتَوْجِبُ الْعُقُوبَةَ كِفَايَةٌ زَادَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَا يُحَدُّ لَهُ أَيْ حَدُّ الْقَذْفِ خَاصَّةً إذَا كَانَ مَقْذُوفًا اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ إلَخْ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْقِصَاصِ: أَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ بِبَيَانٍ فِيهِ شُبْهَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدُوا بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ، أَوْ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَلَوْ شَهِدُوا بِالْقَتْلِ الْمُطْلَقِ، أَوْ أَقَرَّ بِمُطْلَقِ الْقَتْلِ يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ التَّعَمُّدُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِيهِ مَعْنَى الْعِوَضِيَّةِ، لِأَنَّهُ شُرِعَ جَابِرًا، فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ مَعَ الشُّبْهَةِ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي هِيَ حَقُّ الْعَبْدِ. أَمَّا الْحُدُودُ الْخَالِصَةُ لِلَّهِ تَعَالَى شُرِعَتْ زَاجِرَةً وَلَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْعِوَضِيَّةِ، فَلَا تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ هِدَايَةٌ، وَقَدْ اعْتَرَضَ الْعَلَّامَةُ الطُّورِيُّ كَلَامَهُمْ هُنَا بِأَنَّهُمْ سَوَّوْا بَيْنَ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا الْكَفَالَةُ فَلَا تَجُوزُ بِالنَّفْسِ فِيهِمَا، وَمِنْهَا الْوَكَالَةُ فَلَا تَجُوزُ بِاسْتِيفَائِهِمَا، وَمِنْهَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا تَجُوزُ فِيهَا، وَعَلَّلُوا جَمِيعَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمَا مِمَّا يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَكَذَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْجِنَايَاتِ وَفَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلَ كَثِيرَةً اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَلَا فِي شَهَادَةٍ مَا) نَقَلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ إجْمَاعُ الْفُقَهَاءِ، لِأَنَّ لَفْظَ الشَّهَادَةِ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ) نَعَمْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ صَرِيحًا حَيْثُ قَالَ وَالْإِيمَاءُ بِالرَّأْسِ مِنْ النَّاطِقِ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِمَالٍ وَعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَبَيْعٍ وَنِكَاحٍ وَإِجَارَةٍ وَهِبَةٍ، بِخِلَافِ إفْتَاءٍ وَنَسَبٍ وَإِسْلَامٍ وَكُفْرٍ إلَخْ (قَوْلُهُ يَقْضِي وَيُكَفِّرُ) لِوُجُودِ مَعْنَى صَلَاحِ الْبَدَنِ كَمَا قَدَّمَهُ فِي الصَّوْمِ عَنْ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ لَا يُكَفِّرُ) أَيْ بَلْ يَقْضِي فَقَطْ (قَوْلُهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْحَجِّ) لِأَنَّ أَمْنَ الطَّرِيقِ شَرْطُ الْوُجُوبِ، أَوْ الْأَدَاءِ لَكِنْ الشَّارِحُ هُنَاكَ قَيَّدَ أَمْنَ الطَّرِيقِ بِغَلَبَةِ السَّلَامَةِ، وَلَوْ بِالرِّشْوَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْكَمَالِ، وَبِقَتْلِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ لَا تَنْتَفِي الْغَلَبَةُ وَلِذَا قَيَّدَهُ ط بِالْقَتْلِ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مَنَعَهَا زَوْجُهَا) مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ (قَوْلُهُ نُشُوزٌ حُكْمًا) لِأَنَّ النَّاشِزَةَ هِيَ الْخَارِجَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَمَنْعُهَا لَهُ عَنْ الدُّخُولِ إلَى بَيْتِهَا مَعَ إرَادَتِهَا السُّكْنَى فِيهِ خُرُوجٌ حُكْمًا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِيهِ شُبْهَةٌ) كَبَيْتِ السُّلْطَانِ فَهِيَ نَاشِزَةٌ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الشُّبْهَةِ فِي زَمَانِنَا كَذَا فِي التَّجْنِيسِ (قَوْلُهُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِمَّنْ يَخْدُمُهُ، وَقَدْ تَمْتَنِعُ هِيَ عَنْ خِدْمَتِهِ، فَلَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ ط (قَوْلُهُ وَكَذَا مَعَ أُمِّ وَلَدِهِ) وَكَذَا مَعَ طِفْلِهِ الَّذِي لَا يَفْهَمُ الْجِمَاعَ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ أَهْلِهِ وَأَهْلِهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا عِتْقَ وَلَوْ بِالنِّيَّةِ وَفِي الْحَمَوِيِّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. قَالَ لِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَنَا عَبْدُك يَعْتِقُ إنْ نَوَى وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ يَا مَالِكِي، لِأَنَّ مُؤَدَّى الْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدٌ ط وَفِي الْخَانِيَّةِ عَنْ الصِّغَارِ: فِيمَنْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ يَا مَنْ أَنَا عَبْدُك قَالَ: هَذِهِ كَلِمَةُ لُطْفٍ لَا تَعْتِقُ بِهَا فَإِنْ نَوَى الْعِتْقَ فَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 739 (يَا مَوْلَايَ) لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَلَى مَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ. (الْعَقَارُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ لَا يَخْرُجُ مِنْ يَدِ ذِي الْيَدِ مَا لَمْ يُبَرْهِنْ الْمُدَّعِي) عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ (أَوْ يَعْلَمْ بِهِ الْقَاضِي) وَلَا يَكْفِي تَصْدِيقُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي يَدِهِ فِي الصَّحِيحِ لِاحْتِمَالِ الْمُوَاضَعَةِ. قُلْت: قَدَّمْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ آخِرُهَا فِي بَابِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ فِي زَمَانِنَا أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِعِلْمِ الْقَاضِي فَتَأَمَّلْ. وَهَذَا إذَا ادَّعَاهُ مِلْكًا مُطْلَقًا أَمَّا إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ ذِي الْيَدِ وَإِقْرَارُهُ بِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَأَنْكَرَ الشِّرَاءَ وَأَقَرَّ بِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ لَمْ يَحْتَجْ لِبُرْهَانٍ عَلَى كَوْنِهِ فِي يَدِهِ لِأَنَّ دَعْوَى الْفِعْلِ كَمَا تَصِحُّ عَلَى ذِي الْيَدِ تَصِحُّ عَلَى غَيْرِهِ أَيْضًا كَمَا بُسِطَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (عَقَارٌ لَا فِي وِلَايَةِ الْقَاضِي يَصِحُّ قَضَاؤُهُ فِيهِ) كَمَنْقُولٍ هُوَ الصَّحِيحُ وَتَقَدَّمَ فِي الْقَضَاءِ أَنَّ الْمِصْرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ بِهِ يُفْتَى وَيُكْتَبُ بِالْحُكْمِ لِقَاضِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ لِيَأْمُرَهُ بِالتَّسْلِيمِ (وَقِيلَ لَا تَصِحُّ) وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى. (قَضَى الْقَاضِي بِبَيِّنَةٍ فِي حَادِثَةٍ قَالَ: رَجَعْت عَنْ قَضَائِي أَوْ بَدَا لِي غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ وَقَعْت فِي تَلْبِيسِ الشُّهُودِ أَوْ أَبْطَلْت حُكْمِي أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ) قَوْلُ الْقَاضِي فِي كُلِّ ذَلِكَ لِتَعْلِيقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ وَهُوَ الْمُدَّعَى (وَالْقَضَاءُ مَاضٍ إنْ كَانَ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَشَهَادَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ) إلَّا فِي ثَلَاثِ مَرَّاتٍ فِي الْقَضَاءِ، لَوْ بِعِلْمِهِ أَوْ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ   [رد المحتار] رِوَايَتَانِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ) أَيْ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ. أَقُول: وَقَدْ عَدَّهُ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ مِنْ الصَّرِيحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ هُنَا؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ تُنْبِئُ عَنْ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ عَلَى الْعَبْدِ، وَذَلِكَ بِالْعِتْقِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ، وَقَوْلُهُ: يَا مَالِكِي أَوْ أَنَا عَبْدُك حَقِيقَةً يُنْبِئُ عَنْ ثُبُوتِ مِلْكِ الْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى، وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى اهـ. أَقُولُ: وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا وَجْهُ تَخْصِيصِهِمْ الْمَوْلَى هُنَا بِالْمَعْتُوقِ، وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ عَلَى الْمُعْتَقِ بِالِاشْتِرَاكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ: أَيْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَ لِعَبْدِهِ وَلَاءً عَلَيْهِ، فَكَانَ لَغْوًا فَتَعَيَّنَ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْمُمْكِنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُبَرْهِنْ الْمُدَّعِي عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ) كَذَا فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ وَالْمُنَاسِبُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ، مَا لَمْ يُبَرْهِنْ عَلَى أَنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، لِأَنَّ دَعْوَى الْمُدَّعِي الْمِلْكَ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ (قَوْلُهُ وَلَا يَكْفِي إلَخْ) تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ مِنْ إطْلَاقِ قَوْلِهِ مَا لَمْ يُبَرْهِنْ (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ الْمُوَاضَعَةِ) أَيْ الْمُوَافَقَةِ إذَا كَانَ مَالِكُ الْعَقَارِ غَائِبًا فَيَتَوَاضَعُ اثْنَانِ، وَيُقِرُّ أَحَدُهُمَا بِالْيَدِ وَيُبَرْهِنُ الْآخَرُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ، وَيَتَسَامَحُ فِي الشُّهُودِ ثُمَّ يَدْفَعُ الْمَالِكُ، مُتَعَلِّلًا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَهَذِهِ التُّهْمَةُ فِي الْمَنْقُولِ مُنْتَفِيَةٌ، لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ لَا تَنْقَطِعُ عَنْ الْمَنْقُولِ عَادَةً بَلْ يَكُونُ فِي يَدِهِ بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ لُزُومُ إثْبَاتِ الْيَدِ بِالْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ أَمَّا إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ) وَمِثْلُهُ الْغَصْبُ (قَوْلُهُ وَإِقْرَارَهُ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الشِّرَاءِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ دَعْوَى الْفِعْلِ) كَالشِّرَاءِ مَثَلًا (قَوْلُهُ تَصِحُّ عَلَى غَيْرِهِ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّمْلِيكَ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِ ذِي الْيَدِ، فَعَدَمُ ثُبُوتِ الْيَدِ بِالْإِقْرَارِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى، أَمَّا دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقَةِ، فَدَعْوَى تَرْكِ التَّعَرُّضِ بِإِزَالَةِ الْيَدِ، وَطَلَبُ إزَالَتِهَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَى مِنْ ذِي الْيَدِ وَبِإِقْرَارِهِ لَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ ذَا يَدٍ لِاحْتِمَالِ الْمُوَاضَعَةِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ مِنَحٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ أَوَّلَ كِتَابِ الْقَضَاءِ: وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَدَاعِيَانِ مِنْ بَلَدِ الْقَاضِي إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْمَنْقُولِ وَالدَّيْنِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي عَقَارٍ لَا فِي وِلَايَتِهِ فَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْهَمَ خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ غَلَطٌ اهـ (قَوْلُهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ) فَالْقَضَاءُ فِي السَّوَادِ صَحِيحٌ وَبِهِ يُفْتَى بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَيُكْتَبُ إلَخْ) رَاجِعٌ لِمَسْأَلَةِ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ قَضَى الْقَاضِي بِبَيِّنَةٍ) إنَّمَا ذَكَرَهُ لِقَوْلِهِ بَعْدُ: أَوْ وَقَعَتْ فِي تَلْبِيسِ الشُّهُودِ وَإِلَّا فَالْإِقْرَارُ كَالْبَيِّنَةِ فِيمَا يَظْهَرُ ط (قَوْلُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَنَقَضْتُهُ أَوْ فَسَخْته أَوْ رَفَعْته ط عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ) تَقَدَّمَتْ شُرُوطُ صِحَّتِهَا فِي الْقَضَاءِ وَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْهَا (قَوْلُهُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ إلَخْ) الِاسْتِثْنَاءُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 740 أَوْ ظَهَرَ خَطَؤُهُ (إذَا قَالَ الشُّهُودُ قَضَيْت وَأَنْكَرَ الْقَاضِي فَالْقَوْلُ لَهُ) بِهِ يُفْتَى قَالَهُ ابْنُ الْغَرْسِ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ زَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ زَادَ فِي الْبَحْرِ (مَا لَمْ يُنَفِّذْهُ قَاضٍ آخَرُ) فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ لِوُجُودِ قَضَاءِ الثَّانِي بِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِ صَاحِبِ الْبَحْرِ. (شُرِطَ نَفَاذُ الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهِدَاتِ) مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ (أَنْ يَصِيرَ الْحُكْمُ فِي حَادِثَةٍ) بِأَنْ يَتَقَدَّمَهُ دَعْوَى صَحِيحَةٌ مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ مُنَازِعٍ شَرْعِيٍّ، فَلَوْ بَرْهَنَ بِحَقٍّ عَلَى آخَرَ عِنْدَ قَاضٍ فَقَضَى بِهِ بِبُرْهَانِهِ بِدُونِ مُنَازَعَةٍ، وَمُخَاصَمَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَتَدَاعٍ بَيْنَهُمَا لَمْ يَنْفُذْ قَضَاؤُهُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَهُوَ التَّدَاعِي بِخُصُومَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَكَانَ إفْتَاءً فَيَحْكُمُ بِمَذْهَبِهِ لَا غَيْرُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْقَضَاءِ وَأَفَادَهُ وَبِقَوْلِهِ (فَلَوْ رَفَعَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْحَنَفِيِّ (قَضَاءُ مَالِكِيٍّ بِلَا دَعْوَى لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ وَعَمِلَ الْحَنَفِيُّ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ) لِعَدَمِ تَقَدُّمِ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ لِخُرُوجِ قَضَاءِ الْمَالِكِيِّ مَخْرَجَ الْفَتْوَى، لِعَدَمِ تَقَدُّمِ الْخُصُومَةِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي هِيَ شَرْطُ انْعِقَادِ الْقَضَاءِ فِي حَقِّ الْعِبَادِ. (إذَا ارْتَابَ) الْقَاضِي (فِي حُكْمِ) الْقَاضِي (الْأَوَّلِ لَهُ طَلَبُ شُهُودِ الْأَصْلِ) مَرَّ فِي الْقَضَاءِ قَيَّدَ بِارْتِيَابِهِ فِي حُكْمِ الْأَوَّلِ فَأَفَادَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْتَبْ فِيهِ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ قَالَ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ قَالُوا فِي قَضَاءِ الْعَدْلِ الْعَالِمِ لَا يُنْقَضُ، وَيُحْمَلُ عَلَى السَّدَادِ بِخِلَافِ قَضَاءِ غَيْرِهِ يَعْنِي إذَا تَبَيَّنَ وَجْهُ فَسَادِهِ بِطَرِيقِهِ فَلِلثَّانِي نَقْضُهُ.   [رد المحتار] بِالنِّسْبَةِ لِلْأُولَى غَيْرُ ظَاهِرٍ إذْ لَا شَهَادَةَ فِيهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ ظَهَرَ خَطَؤُهُ) أَيْ بِيَقِينٍ كَمَا لَوْ قَضَى بِالْقِصَاصِ مَثَلًا فَجَاءَ الْمَقْتُولُ حَيًّا أَوْ كَانَ مُجْتَهِدًا فَرَأَى النَّصَّ بِخِلَافِهِ، كَمَا لَوْ تَحَوَّلَ اجْتِهَادُهُ وَأَفَادَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْمُحِيطِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا لَمْ يَنْقَضِ مَا قَضَى فِيهِ بِاجْتِهَادِهِ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِخِلَافَةِ لِأَنَّهُ كَانَ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ فَصَحَّ، وَصَارَ شَرِيعَةً لَهُ فَإِذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِخِلَافِهِ صَارَ نَاسِخًا لِتِلْكَ الشَّرِيعَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ نَصٌّ بِخِلَافِهِ، لِأَنَّ النَّصَّ كَانَ مَوْجُودًا مُنَزَّلًا إلَّا أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ فَكَانَ الِاجْتِهَادُ فِي مَحَلِّ النَّصِّ فَلَا يَصِحُّ وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَفِي أَشْبَاهِ السُّيُوطِيّ عَنْ السُّبْكِيّ: أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يُنْقَضُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إذَا كَانَ حُكْمًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَمَا خَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَهُوَ حُكْمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَأَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِ شَارِحِ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ أَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ (قَوْلُهُ وَأَنْكَرَ الْقَاضِي) أَمَّا لَوْ اعْتَرَفَ فَيَثْبُتُ حَيْثُ كَانَ مُوَلًّى لَا لَوْ مَعْزُولًا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يُثْبِتُوا حُكْمَ الْخَلِيفَةِ عِنْدَ الْأَصْلِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ، وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَمَا لَوْ أَرَادُوا إثْبَاتَ قَضَاءِ قَاضٍ آخَرَ اهـ بَحْرٌ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَرَجَّحَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهِ لِمَا عُلِمَ مِنْ أَحْوَالِ قُضَاةِ زَمَانِنَا اهـ (قَوْلُهُ لِوُجُودِ قَضَاءِ الثَّانِي بِهِ) فَإِنَّهُ لَا يُنَفِّذُهُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الدَّعْوَى أَيْضًا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا بُدَّ فِي إمْضَاءِ الثَّانِي لِحُكْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الدَّعْوَى أَيْضًا وَلَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُ شُهُودِ الْأَصْلِ اهـ فَلَوْ قَبْلَ قَوْلِ الْأَوَّلِ لَزِمَ إبْطَالُ الْقَضَاءِ الثَّانِي بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ بَعْدَ الثُّبُوتِ، وَالْإِمْضَاءِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُخَالِفًا لِمَذْهَبِ الْقَاضِي الثَّانِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ الْحَادِثَةَ لَا تُشْتَرَطُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْحُدُودِ، وَعِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الزَّوْجَةِ ط (قَوْلُهُ مُنَازَعٍ شَرْعِيٍّ) كَأَصِيلٍ أَوْ وَكِيلٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ مُتَوَلٍّ، أَوْ أَحَدِ الْوَرَثَةِ بِخِلَافِ الْفُضُولِيِّ، وَالْمُودَعِ وَالْمُسْتَعِيرِ فَإِنْ نِزَاعَهُمَا لَا يُعْتَبَرُ (قَوْلُهُ فَقَضَى بِهِ بِبُرْهَانِهِ) الْبَاءُ الْأُولَى لِلتَّعْدِيَةِ وَالثَّانِيَةُ لِلسَّبَبِيَّةِ ط (قَوْلُهُ بِدُونِ مُنَازَعَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٍ، وَالْمُرَادُ بِدُونِ حُضُورِ مُنَازِعٍ مِمَّنْ تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ فَيَحْكُمُ بِمَذْهَبِهِ) يَعْنِي لَوْ رَفَعَ هَذَا الْحُكْمَ إلَى قَاضٍ آخَرَ يَحْكُمُ بِمَذْهَبِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَنْفِيذُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُلْزَمًا لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ إفْتَاءٌ أَيْ بَيَانُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ (قَوْلُهُ أَيْ إلَى الْحَنَفِيِّ) أَيْ مَثَلًا فَإِنَّ غَيْرَهُ إنْ كَانَ يَشْتَرِطُ مَا ذُكِرَ فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ إذَا ارْتَابَ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ، وَقَالَ لَمْ أَجِدْهُ لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ يَعْنِي إلَخْ) أَقُولُ: عَلَى هَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 741 (إذَا تَرَتَّبَ بَيْعُ التَّعَاطِي عَلَى بَيْعٍ بَاطِلٍ أَوْ فَاسِدٍ لَا يَنْعَقِدُ) مَرَّ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْبَحْرِ (خَبَّأَ قَوْمًا ثُمَّ سَأَلَ رَجُلًا عَنْ شَيْءٍ فَأَقَرَّ بِهِ وَهُمْ يَرَوْنَهُ وَيَسْمَعُونَ كَلَامَهُ وَهُوَ لَا يَرَاهُمْ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِ) بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ (وَإِنْ سَمِعُوا كَلَامَهُ وَلَمْ يَرَوْهُ لَا تَجُوزُ) شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِ لِأَنَّ النَّغْمَةَ تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ فَتَقَعُ الشُّبْهَةُ إلَّا إذَا عَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ بِأَنْ دَخَلُوا الْبَيْتَ ثُمَّ خَرَجُوا وَجَلَسُوا عَلَى بَابِهِ وَلَا مَسْلَكَ لَهُ غَيْرُهُ ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ فَسَمِعُوا إقْرَارَهُ وَلَمْ يَرَوْهُ وَقْتَهُ. (بَاعَ عَقَارًا) أَوْ حَيَوَانًا أَوْ ثَوْبًا (وَابْنُهُ أَوْ امْرَأَتُهُ) أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ أَقَارِبِهِ   [رد المحتار] لَا فَرْقَ بَيْنَ قَضَاءِ الْعَدْلِ الْعَالِمِ وَغَيْرِهِ، فَلَوْ قِيلَ يَعْنِي لَا يَتَعَرَّضُ لِنَقْضِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ: أَيْ لَا يَسْأَلُ عَنْ الْأَحْوَالِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّقْضِ، فَلَا يُقَالُ هَلْ قَضَى بِالرِّشْوَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِمْ: وَيُحْمَلُ عَلَى السَّدَادِ وَأَمَّا غَيْرُ الْعَدْلِ الْعَالِمِ فَيَسْأَلُ عَنْ حَالِهِ (قَوْلُهُ مَرَّ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ إلَخْ) وَمَرَّ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ قَبْلَ مُتَارَكَةِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ خَاصًّا بِالْبَيْعِ بِالتَّعَاطِي، بَلْ الْبَيْعِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كَذَلِكَ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: شَرَى ثَوْبًا شِرَاءً فَاسِدًا ثُمَّ لَقِيَهُ غَدًا فَقَالَ: قَدْ بِعْتنِي ثَوْبَك هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ: بَلَى فَقَالَ قَدْ أَخَذْته فَهُوَ بَاطِلٌ وَهَذَا عَلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنْ كَانَا تَتَارَكَا الْبَيْعَ الْفَاسِدَ فَهُوَ جَائِزٌ الْيَوْمَ اهـ. أَقُولُ: وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ قَطِيعِ غَنْمٍ كُلِّ شَاةٍ بِكَذَا إنَّهُ فَاسِدٌ، وَإِنْ عَلِمَ بِعَدَدِ الْغَنَمِ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَنْقَلِبْ صَحِيحًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ رَضِيَا انْعَقَدَ بِالتَّعَاطِي وَنَظِيرُهُ الْبَيْعُ بِالرَّقْمِ سِرَاجٌ اهـ وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِمَا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ) أَيْ وَحْدَهُ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ لَا إذَا عَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ دَخَلَ مَعَهُ الْمُقَرُّ لَهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ لِحُصُولِ الشُّبْهَةِ بِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُقِرَّ هُوَ مُدَّعِي الْحَقِّ، وَأَنَّهُ جَعَلَ نَغْمَتَهُ كَنَغْمَةِ الْآخَرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بَاعَ عَقَارًا إلَخْ) وَكَذَا لَوْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ وَسَلَّمَ وَقَيَّدَ بِالْبَيْعِ إذْ لَوْ أَجَّرَ أَوْ رَهَنَ، أَوْ أَعَارَ ثُمَّ ادَّعَى الْحَاضِرُ تُسْمَعُ إذْ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ الْخُرُوجُ عَنْ الْمِلْكِ، وَقَدْ يَرْضَى الشَّخْصُ بِالِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ، وَلَا يَرْضَى بِالْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِهِ، وَلِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ. أَقُولُ: وَمِثْلُ الْبَيْعِ الْوَقْفُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ الشَّلَبِيُّ، وَوَاقَفَهُ عَلَى ذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ عَالِمًا مِنْ أَعْيَانِ الْحَنَفِيَّةِ فِي عَصْرِهِ كَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ وَخُطُوطَهُمْ بِمُوَافَقَتِهِ فِي آخِرِ كِتَابِ الدَّعْوَى مِنْ فَتَاوِيهِ الْمَشْهُورَةِ فَرَاجِعْهَا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْبَيْعِ إنَّمَا يَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَرِيبِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ، فَلَا لِمَا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى أَوَّلَ كِتَابِ الدَّعْوَى عَنْ الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ تَصَرَّفَ فِي أَرْضٍ زَمَانًا وَرَجُلٌ آخَرُ يَرَى تَصَرُّفَهُ فِيهَا، ثُمَّ مَاتَ الْمُتَصَرِّفُ وَلَمْ يَدَّعِ الرَّجُلُ حَالَ حَيَاتِهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ اهـ، وَفِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ: رَجُلٌ تَصَرَّفَ زَمَانًا فِي أَرْضٍ وَرَجُلٌ آخَرُ يَرَى الْأَرْضَ وَالتَّصَرُّفَ، وَلَمْ يَدَّعِ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تُسْمَعْ بَعْدَ ذَلِكَ دَعْوَى وَلَدِهِ فَتُتْرَكُ عَلَى يَدِ الْمُتَصَرِّفِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَوْتَ غَيْرُ قَيْدٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَمْ يُقَيِّدُوا بِهِ هُنَا وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مُجَرَّدَ السُّكُوتِ عِنْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى التَّصَرُّفِ مَانِعٌ، وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْهُ بَيْعٌ، وَأَمَّا السُّكُوتُ عِنْدَ الْبَيْعِ فَلَا يَمْنَعُ إلَّا دَعْوَى الْقَرِيبِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ نَقَلَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْغَرْسِ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ إذَا تَرَكَ الدَّعْوَى ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَلَمْ يَكُنْ مَانِعٌ مِنْ الدَّعْوَى، ثُمَّ ادَّعَى لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِأَنَّ تَرْكَ الدَّعْوَى مَعَ التَّمَكُّنِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحَقِّ ظَاهِرًا اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى: لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ سَنَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي غَائِبًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لَيْسَ لَهُمَا وَلِيٌّ، أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَمِيرًا جَائِزًا يُخَافُ مِنْهُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 742 (حَاضِرٌ يَعْلَمُ بِهِ ثُمَّ ادَّعَى الِابْنُ) مَثَلًا (أَنَّهُ مِلْكُهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ) كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى وَجُعِلَ سُكُوتُهُ كَالْإِفْصَاحِ قَطْعًا لِلتَّزْوِيرِ وَالْحِيَلِ، وَكَذَا لَوْ ضَمِنَ الدَّرْكَ أَوْ تَقَاضَى الثَّمَنَ وَقَالُوا فِيمَنْ زَوَّجُوهُ بِلَا جِهَازٍ إنَّ سُكُوتَهُ عَنْ طَلَبِ الْجِهَازِ عِنْدَ الزِّفَافِ رِضًا فَلَا يَمْلِكُ طَلَبَ الْجِهَازِ بَعْدَ سُكُوتِهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْمَهْرِ (بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ) فَإِنَّ سُكُوتَهُ وَ (لَوْ جَارًا) لَا يَكُونُ رِضَا (إلَّا إذَا) سَكَتَ الْجَارُ وَقْتَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَ (تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ زَرْعًا وَبِنَاءً) فَحِينَئِذٍ (لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ) عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى قَطْعًا لِلْأَطْمَاعِ الْفَاسِدَةِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْفُضُولِيُّ مِلْكَ رَجُلٍ وَالْمَالِكُ سَاكِتٌ   [رد المحتار] اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ سَمَاعِهَا بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ أَعَمُّ مَعَ كَوْنِهِ مَعَ الِاطِّلَاعِ عَلَى التَّصَرُّفِ أَوْ بِدُونِهِ، لِأَنَّ عَدَمَ سَمَاعِهَا مَعَ الِاطِّلَاعِ عَلَى التَّصَرُّفِ لَمْ يُقَيِّدُوهُ هُنَا بِمُدَّةٍ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِهِمْ تَأَمَّلْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ سَمَاعِهَا لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى بُطْلَانِ الْحَقِّ، حَتَّى يَرِدَ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ مَهْجُورٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ حُكْمًا بِبُطْلَانِ الْحَقِّ، وَإِنَّمَا هُوَ امْتِنَاعٌ مِنْ الْقَضَاءِ عَنْ سَمَاعِهَا خَوْفًا مِنْ التَّزْوِيرِ وَلِدَلَالَةِ الْحَالِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ، وَإِلَّا فَقَدْ قَالُوا إنَّ الْحَقَّ لَا يَسْقُطُ بِالتَّقَادُمِ كَمَا فِي قَضَاءِ الْأَشْبَاهِ فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، مَعَ بَقَاءِ الْحَقِّ لِلْآخِرَةِ وَلِذَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ يَلْزَمُهُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ عَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ مُضِيِّ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً إذَا نَهَى السُّلْطَانُ عَنْ سَمَاعِهَا كَمَا تَقَدَّمَ قُبَيْلَ بَابِ التَّحْكِيمِ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْمُفْرَدَ (قَوْلُهُ حَاضِرٌ) الْمُرَادُ مِنْ الْحُضُورِ الِاطِّلَاعُ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ مَثَلًا) أَيْ أَوْ الزَّوْجَةُ أَوْ غَيْرُهَا مِنْ الْأَقَارِبِ (قَوْلُهُ إنَّهُ مِلْكُهُ) أَيْ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ مُشَاعًا أَوْ مُعَيَّنًا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى فِي الثَّمَنِ أَيْضًا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ حُضُورَهُ، وَتَرْكَهُ فِيمَا يَصْنَعُ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ مِلْكُ الْبَائِعِ وَأَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَبِيعِ إلَخْ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْكَنْزِ إلَخْ) أَيْ أَطْلَقَهُ عَمَّا قَيَّدَهُ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ نَقْلًا عَنْ الْفَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ بِأَنْ يَتَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ زَمَانًا قَالَ فِي الْمِنَحِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِذَلِكَ فِي الْكَنْزِ وَالْبَزَّازِيَّةِ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ نُقَيِّدْهُ بِهِ وَلِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْجَارِ مَعَ أَنَّ الْجَارَ يُخَالِفُهُ اهـ وَحَكَى فِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالًا أُخَرَ فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ وَجُعِلَ سُكُوتُهُ كَالْإِفْصَاحِ) أَيْ بِأَنَّهُ مِلْكُ الْبَائِعِ، وَفِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ: إذَا ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَقْتَ الْبَيْعِ يُصَدَّقُ. وَقَالَ فِي نَهْجِ النَّجَاةِ أَقُولُ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُدَّعِي مَعْزُورًا، وَإِلَّا فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ فَقَدْ قَالُوا يُعْذَرُ الْوَارِثُ وَالْوَصِيُّ وَالْمُتَوَلِّي بِالتَّنَاقُضِ لِلْجَهْلِ فِي مَوْضِعِ الْخَفَاءِ اهـ وَقَالَ الْأُسْرُوشَنِيُّ: اشْتَرَى دَارًا لِطِفْلِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَكَبِرَ الِابْنُ وَلَمْ يَعْلَمْ، ثُمَّ بَاعَهَا الْأَبُ وَسَلَّمَهَا لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ اسْتَأْجَرَهَا الِابْنُ مِنْهُ ثُمَّ عَلِمَ بِمَا صَنَعَ الْأَبُ، فَادَّعَى الدَّارَ تُقْبَلُ وَلَا يَصِيرُ مُتَنَاقِضًا بِالِاسْتِئْجَارِ لِأَنَّ فِيهِ خَفَاءً لِأَنَّ الْأَبَ يَسْتَبِدُّ بِالشِّرَاءِ لِلصَّغِيرِ وَعَسَى لَا يَعْلَمُ بَعْدَ الْبُلُوغِ اهـ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ ضَمِنَ الدَّرَكَ إلَخْ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ بَعْدَ الْأَجْنَبِيِّ لِئَلَّا يُوهَمَ اخْتِصَاصُهُ بِالْقَرِيبِ وَأَوْضَحَ الْمَسْأَلَةُ الزَّيْلَعِيُّ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ فَلَا يَمْلِكُ إلَخْ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لَهُ الطَّلَبَ وَهُوَ خِلَافُ الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَقُولُ: الَّذِي ظَهَرَ لِي فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْأَطْمَاعَ الْفَاسِدَةَ فِي الْقَرِيبِ أَغْلَبُ، فَمَظِنَّةُ التَّلْبِيسِ فِيهِ أَرْجَحُ، وَلِذَلِكَ غَلَبَ فِي الْأَقْرِبَاءِ مَخْصُوصًا فِي دَعْوَى الْإِرْثِ لِسُهُولَةِ إثْبَاتِهِ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّ طَمَعَهُ فِي مَالِ مَنْ هُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ نَادِرٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَجِّحٍ يُرَجِّحُ جِهَةَ التَّزْوِيرِ: وَهِيَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ الْمُشْتَرِي زَمَانًا (قَوْلُهُ إلَّا إذَا سَكَتَ الْجَارُ) وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَجَانِبِ بِالْأَوْلَى فَتَخْصِيصُ الْجَارِ بِالذِّكْرِ، لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْقَرِيبِ وَالزَّوْجَةِ. (قَوْلُهُ وَقْتَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ) أَيْ وَقْتَ عِلْمِهِ بِهِمَا كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الرَّمْلِيِّ السَّابِقُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْبَيْعَ غَيْرُ قَيْدٍ، بَلْ مُجَرَّدُ السُّكُوتِ عِنْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى التَّصَرُّفِ مَانِعٌ مِنْ الدَّعْوَى (قَوْلُهُ زَرْعًا وَبِنَاءً) الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يُطْلَقُ إلَّا لِلْمَالِكِ فَهُمَا مِنْ قَبِيلِ التَّمْثِيلِ (قَوْلُهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ) أَيْ دَعْوَى الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ جَارًا رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْفُضُولِيُّ إلَخْ) ذَكَرَهَا لِأَدْنَى مُنَاسَبَةٍ وَإِلَّا فَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا ادَّعَى السَّاكِتُ الْمِلْكَ، وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 743 حَيْثُ لَا يَكُونُ سُكُوتُهُ رِضًا عِنْدَنَا خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى بَزَّازِيَّةٌ آخِرَ الْفَصْلِ الْخَامِسَ عَشَرَ وَغَيْرَهُ. (بَاعَ ضَيْعَةً ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَيْهِ) أَوْ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا أَوْ كُنْت وَقَفْتهَا (وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) اتِّفَاقًا لِلتَّنَاقُضِ (وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً تُقْبَلُ) عَلَى الْأَصَحِّ لَا لِصِحَّةِ الدَّعْوَى، بَلْ لِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ فِي الْوَقْفِ بِلَا دَعْوَى خِلَافًا لِمَا صَوَّبَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِي الْوَقْفِ وَبَابِ الِاسْتِحْقَاقِ. (وَهَبَتْ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا فَمَاتَتْ وَطَالَبَتْ وَرَثَتَهَا بِمَهْرِهَا وَقَالُوا كَانَتْ الْهِبَةُ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا وَقَالَ بَلْ فِي الصِّحَّةِ فَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ) هَذَا مَا اعْتَمَدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ تَبَعًا لِرِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَعْدَ نَقْلِهِ لِمَا فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ لِلزَّوْجِ، فَقَالَ: وَالِاعْتِمَادُ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُمْ تَصَادَقُوا عَلَى وُجُوبِ الْمَهْرِ. وَاخْتَلَفُوا فِي السُّقُوطِ فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِهِ إلَخْ. قُلْت: وَأَقَرَّهُ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا عَلَى خِلَافِ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَى كَالْكَنْزِ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ لِلزَّوْجِ، وَإِنْ جَزَمَ بِهِ شُرَّاحُهُ كَالزَّيْلَعِيِّ وَابْنِ سُلْطَانٍ بِأَنَّهُ الِاسْتِحْسَانُ فَتَنَبَّهْ. قُلْت: وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي آخِرِ النَّهْرِ فَقَالَ: وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَقٌّ بَلْ لَهَا وَهُمْ يَدَّعُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ، وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ لَهُ. (وَكَّلَهَا بِطَلَاقِهَا لَا يَمْلِكُ عَزْلَهَا) لِأَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جِهَتِهِ (وَكَّلْتُك بِكَذَا عَلَى أَنِّي مَتَى عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلِي) فَطَرِيقُهُ   [رد المحتار] وَهُنَا لَا إنْكَارَ (قَوْلُهُ لَا يَكُونُ سُكُوتُهُ رِضًا عِنْدَنَا) فِي فَتَاوَى أَمِينِ الدِّينِ عَنْ الْمُحِيطِ إذَا اشْتَرَى سِلْعَةً مِنْ فُضُولِيٍّ، وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِحَضْرَةِ صَاحِبِ السِّلْعَةِ فَسَكَتَ يَكُونُ رِضًا اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ أَيْضًا. فَعَلِمَ بِهِ أَنَّ مَحَلَّ مَا هُنَا مَا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهَا، وَهُوَ سَاكِتٌ تَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ آخِرَ الْفَصْلِ الْخَامِسَ عَشَرَ) أَيْ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ) أَيْ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ مِنْ النِّكَاحِ، وَقَدْ نَقَلَهَا الزَّيْلَعِيُّ هُنَا عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ تُقْبَلُ عَلَى الْأَصَحِّ) وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ. وَقَالَ الْفَقِيهُ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ وَلَكِنَّا لَا نَأْخُذُ بِهِ تَتَارْخَانِيَّةْ، وَبِهِ: أَيْ بِالْقَبُولِ نَأْخُذُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِمَادِيَّةٌ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ، وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى خُلَاصَةٌ وَبَزَّازِيَّةٌ، وَصَحَّحَهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْفَتَاوَى. وَقَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا إذَا بَرْهَنَ أَنَّهُ وَقْفٌ مَحْكُومٌ بِلُزُومِهِ، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْوَقْفِ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ، وَمِثْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ، أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ قُلْت: الْمُفْتَى بِهِ أَنَّ الْمِلْكَ يَزُولُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَقَفْت (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا صَوَّبَهُ الزَّيْلَعِيُّ) حَيْثُ قَالَ: وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ وَهُوَ أَصْوَبُ وَأَحْوَطُ لِأَنَّهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الضَّيْعَةَ وَقْفٌ عَلَيْهِ يَدَّعِي فَسَادَ الْبَيْعِ وَحَقًّا لِنَفْسِهِ فَلَا تُسْمَعُ لِلتَّنَاقُضِ اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ نَحْوِهِ تُسْمَعُ إذْ لَا يَدَّعِي حَقًّا لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ) هَذَا عِنْدَ عَدَمِ الْبُرْهَانِ، فَإِنْ أَقَامُوا الْبُرْهَانَ، فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مَنْ يَدَّعِي الْهِبَةَ فِي الصِّحَّةِ مِنَحٌ. قُلْت: وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْوَرَثَةِ (قَوْلُهُ هَذَا مَا اعْتَمَدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ) وَتَصْحِيحُ قَاضِي خَانْ مِنْ أَجَلِّ التَّصَاحِيحِ وَهَذَا مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي رَجَّحُوا الْقِيَاسَ فِيهَا عَلَى الِاسْتِحْسَانِ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ بَعْدَ نَقْلِهِ) ضَمِيرُهُ كَضَمِيرِ قَالَ يَرْجِعُ إلَى قَاضِي خَانْ ط (قَوْلُهُ إلَى آخِرِهِ) هُوَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْهِبَةَ حَادِثَةٌ وَالْأَصْلُ فِي الْحَوَادِثِ أَنْ تُضَافَ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ اهـ (قَوْلُهُ بِأَنَّهُ الِاسْتِحْسَانُ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَهُوَ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ جَزَمَ ط (قَوْلُهُ وَاسْتَظْهَرَهُ) أَيْ كَوْنُ الْقَوْلِ لِلزَّوْجِ (قَوْلُهُ وَجْهُ الظَّاهِرِ) مُفَادُهُ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَقٌّ) أَيْ وَقْتَ الْهِبَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جِهَتِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِفِعْلِهَا، فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي الْيَمِينِ، وَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْ جِهَتِهَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ وَهِيَ عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا، فَلَا تَكُونُ وَكِيلَةً بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ زَيْلَعِيٌّ وَلِمَعْنَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 744 أَنْ (يَقُولَ فِي عَزْلِهِ عَزَلْتُك ثُمَّ عَزَلْتُك) لِأَنَّ مَتَى لِعُمُومِ الْأَوْقَاتِ، وَأَمَّا كُلَّمَا فَلِعُمُومِ الْأَفْعَالِ (فَلَوْ قَالَ كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْتِ وَكِيلِي يَقُولُ) فِي عَزْلِهِ (رَجَعْت عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ وَعَزَلْتُك عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُنْجَزَةِ) الْحَاصِلَةِ مِنْ لَفْظِ كُلَّمَا فَحِينَئِذٍ يَنْعَزِلُ (قَبْضُ بَدَلِ الصُّلْحِ شَرْطٌ إنْ) كَانَ (دَيْنًا بِدَيْنٍ) بِأَنْ صَالَحَ عَلَى دَرَاهِمَ عَنْ دَنَانِيرَ أَوْ عَنْ شَيْءٍ آخَرَ فِي الذِّمَّةِ (وَإِلَّا) يَكُنْ دَيْنًا بِدَيْنٍ (لَا) يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ لِأَنَّ الصُّلْحَ إذَا وَقَعَ عَلَى عَيْنٍ تَتَعَيَّنُ لَا تَبْقَى دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، فَجَازَ الِافْتِرَاقُ عَنْهُ. (قَالَ) الْمُدَّعِي (لَا بَيِّنَةَ لِي فَبَرْهَنَ) وَلَوْ بَعْدَ حَلِفِ خَصْمِهِ جَوَاهِرُ الْفَتَاوَى وَكَذَا لَوْ قَالَ عِنْدَ طَلَبِهِ لِيَمِينِهِ إذَا حَلَفْت فَأَنْتَ بَرِيءٌ عَنْ الْمَالِ الَّذِي لِي عَلَيْك وَحَلَفَ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الْحَقِّ قُبِلَ وَقَضَى لَهُ بِالْمَالِ خَانِيَّةٌ (أَوْ قَالَ) الشَّاهِدُ (لَا شَهَادَةَ لِي) فَشَهِدَ تُقْبَلُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بِالنِّسْيَانِ، ثُمَّ التَّذَكُّرِ (كَمَا لَوْ قَالَ لَيْسَ لِي عِنْدَ فُلَانٍ شَهَادَةٌ ثُمَّ جَاءَ بِهِ فَشَهِدَ أَوْ قَالَ لَا حُجَّةَ لِي عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ أَتَى بِهَا) بِالْحُجَّةِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَيْسَ لِي حَقٌّ، ثُمَّ ادَّعَى حَقًّا لَمْ تُسْمَعْ لِلتَّنَاقُضِ (لِلْإِمَامِ الَّذِي وَلَّاهُ الْخَلِيفَةُ أَنْ يُقْطِعَ) مِنْ الْإِقْطَاعِ (إنْسَانًا   [رد المحتار] التَّمْلِيكِ اقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَتَى لِعُمُومِ الْأَوْقَاتِ) أَيْ فَلَا تُفِيدُ إلَّا عَزْلًا وَنَصْبًا وَاحِدًا. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فَإِذَا عَزَلَهُ انْعَزَلَ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُنَجَّزَةِ وَتَنَجَّزَتْ الْمُعَلَّقَةُ، فَصَارَ وَكِيلًا جَدِيدًا ثُمَّ بِالْعَزْلِ الثَّانِي انْعَزَلَ عَنْ الْوَكَالَةِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ يَقُولُ فِي عَزْلِهِ رَجَعْت إلَخْ) لِأَنَّهُ لَوْ عَزَلَهُ عَنْ الْمُنَجَّزَةِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ لَصَارَ وَكِيلًا مِثْلَ مَا كَانَ وَلَوْ عَزَلَهُ أَلْفَ مَرَّةٍ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلَّمَا تَقْتَضِي تَكْرَارَ الْأَفْعَالِ لَا إلَى نِهَايَةٍ، فَلَا يُقَيَّدُ الْعَزْلُ إلَّا بَعْدَ الرُّجُوعِ حَتَّى لَوْ عَزَلَهُ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ يَحْتَاجُ إلَى عَزْلٍ آخَرَ لِأَنَّهُ كُلَّمَا عَزَلَهُ صَارَ وَكِيلًا، فَلَا يُفِيدُ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ فِي حَقِّهَا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى عَزْلٍ آخَرَ بَعْدَ الرُّجُوعِ زَيْلَعِيٌّ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ الْحَاصِلَةِ مِنْ لَفْظِ كُلَّمَا) هَكَذَا فِي الْمِنَحِ أَيْضًا وَهُوَ سَهْوٌ لِأَنَّ الْمُنَجَّزَةَ حَصَلَتْ مِنْ قَوْلِهِ: أَنْتَ وَكِيلِي وَالْمُعَلَّقَةُ حَصَلَتْ مِنْ قَوْلِهِ كُلَّمَا عَزَلْتُك إلَخْ سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ أَوْ عَنْ شَيْءٍ آخَرَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الدَّرَاهِمِ لِقَوْلِ مِسْكِينٍ هَذَا إذَا كَانَ عَلَى خِلَافِ جِنْسِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ صَالَحَ عَلَى جِنْسِهِ مُؤَجَّلًا جَازَ (قَوْلُهُ فِي الذِّمَّةِ) صِفَةٌ لِدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ وَشَيْءٍ آخَرَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ كَانَ عَقَارًا بِعَقَارٍ أَوْ عَقَارًا بِدَيْنٍ مِسْكِينٌ (قَوْلُهُ لَمْ تَتَعَيَّنْ) صِفَةٌ لِعَيْنٍ أَيْ تَتَعَيَّنُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا (قَوْلُهُ فَجَازَ الِافْتِرَاقُ عَنْهُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مَالَ الرِّبَا كَمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى شَعِيرٍ بِعَيْنِهِ عَنْ حِنْطَةٍ فِي الذِّمَّةِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ قَبْل إلَخْ) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِالْخَطَرِ (قَوْلُهُ أَوْ قَالَ لَا حُجَّةَ لِي) لَمَّا كَانَتْ الْحُجَّةُ تَصْدُقُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ فِيمَا يُكْتَفَى بِهِ ذَكَرَهَا عَقِبَ الْبَيِّنَةِ سَائِحَانِيٌّ أَيْ فَلَا تَكْرَارَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَيْسَ لِي حَقٌّ) أَيْ عَلَى فُلَانٍ، وَإِنَّمَا حَذَفَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ الْمَتْنِ، وَعِبَارَةُ الْمِنَحِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَيْسَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إلَخْ. وَفِيهَا: وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لَيْسَتْ لِي أَوْ قَالَ ذَلِكَ الْعَبْدُ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً، أَنَّ الدَّارَ أَوْ الْعَبْدَ لَهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ بِإِقْرَارِهِ حَقًّا لِأَحَدٍ فَكَانَ لَغْوًا، وَلِهَذَا تَصِحُّ دَعْوَى الْمُلَاعِنِ نَسَبَ وَلَدٍ نُفِيَ بِلِعَانِهِ نَسَبُهُ، لِأَنَّهُ حِينَ نَفَاهُ لَمْ يُثْبِتْ فِيهِ حَقًّا. وَفِيهَا وَلَوْ قَالَ لَا أَعْلَمُ لِأَنَّ لِي حَقًّا عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ حَقًّا تُقْبَلُ لِإِمْكَانِ الْخَفَاءِ عَلَيْهِ فَأَمْكَنَ التَّوْفِيقُ (قَوْلُهُ لَمْ تُسْمَعْ لِلتَّنَاقُضِ) قَدْ يُقَالُ: إنَّ التَّوْفِيقَ الْمَذْكُورَ مُمْكِنٌ هُنَا أَيْضًا فَلِمَاذَا لَمْ يُعْتَبَرْ، وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَبَتَتْ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ ثُمَّ يُرِيدُ شُغْلَهَا بِالثَّانِي وَلَا يُقْبَلُ ط (قَوْلُهُ أَنْ يَقْطَعَ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 745 مِنْ طَرِيقِ الْجَادَّةِ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ) لِأَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةُ ذَلِكَ فَكَذَا نَائِبُهُ. (صَادَرَهُ السُّلْطَانُ وَلَمْ يُعَيِّنْ بَيْعَ مَا لَهُ فَلَوْ عَيَّنَهُ فَمُكْرَهٌ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ طَوْعًا فَبَاعَ مَالَهُ) بِسَبَبِ الْمُصَادَرَةِ (صَحَّ) بَيْعُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ كَمَا مَرَّ فِي الْإِكْرَاهِ (كَالدَّائِنِ إذَا حُبِسَ بِالدَّيْنِ فَبَاعَ مَا لَهُ لِقَضَائِهِ تَصِحُّ) إجْمَاعًا. (خَوَّفَهَا) زَوْجُهَا أَوْ غَيْرُهُ (بِالضَّرْبِ حَتَّى وَهَبَتْ مَهْرَهَا لَمْ يَصِحَّ إنْ قَدَرَ عَلَى الضَّرْبِ) لِأَنَّهَا مُكْرَهَةٌ عَلَيْهِ (وَإِنْ أَكْرَهَهَا عَلَى الْخُلْعِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَمْ يَسْقُطْ الْمَالُ) لِأَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ وَاقِعٌ وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ بِهِ لِمَا قُلْنَا (وَلَوْ أَحَالَتْ إنْسَانًا عَلَى الزَّوْجِ ثُمَّ وَهَبَتْ الْمَهْرَ الزَّوْجَ لَمْ يَصِحَّ) قَالُوا وَهُوَ الْحِيلَةُ. قُلْت: وَإِنَّمَا تَتِمُّ بِقَبُولِهِ فَيَعْلَمُ حِيلَتَهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَتَمَكَّنُ الْمُحَالُ مِنْ مُطَالَبَتِهِ   [رد المحتار] أَيْ يُعَيِّنَ لَهُ قِطْعَةً ط عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ مِنْ طَرِيقِ الْجَادَّةِ) هُوَ وَسَطُ الطَّرِيقِ وَمُعْظَمُهُ ط (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ) بِأَنْ كَانَ وَاسِعًا لَا يَضِيقُ بِذَلِكَ قَالَ فِي الْمَعْدِنِ: قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ أَضَرَّ بِالْمَارَّةِ لَا يُقْطَعُ إذْ فِيهِ قَطْعُ الطَّرِيقِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ الطَّرِيقَ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ طَرِيقٌ أُخْرَى، حَتَّى لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ آثِمٌ، وَإِنْ رُفِعَ إلَى الْقَاضِي رَدَّهُ كَذَا فِي نِصَابِ الْفُقَهَاءِ، وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَجْعَلَ مِلْكَ الرَّجُلِ طَرِيقًا عِنْدَ الْحَاجَةِ اهـ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةَ ذَلِكَ) إذْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ فِيمَا فِيهِ نَظَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا رَأَى ذَلِكَ مَصْلَحَةً لَهُمْ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْحِقَ ضَرَرًا بِأَحَدٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا رَأَى أَنْ يُدْخِلَ بَعْضَ الطَّرِيقِ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ عَكْسَهُ وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ بِالْمُسْلِمِينَ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مِنَحٌ وَالْمُرَادُ هُنَا بِالْإِمَامِ الْخَلِيفَةُ لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ فَكَذَا نَائِبُهُ (قَوْلُهُ صَادَرَهُ السُّلْطَانُ) أَيْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَالًا ط (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ) فَإِنَّهُ إنَّمَا بَاعَهُ بِاخْتِيَارِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ صَارَ مُحْتَاجًا إلَى بَيْعِهِ لِإِيفَاءِ مَا طُلِبَ مِنْهُ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْكُرْهَ مِنَحٌ (قَوْلُهُ كَالدَّائِنِ إذَا حُبِسَ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ الْمَدْيُونُ ط (قَوْلُهُ بِالضَّرْبِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمُبَرِّحَ ط (قَوْلُهُ عَلَى الْخُلْعِ) أَيْ عَلَى الْمُخَالَعَةِ مَعَهُ بِمَالٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ وَاقِعٌ) كَذَا عَلَّلَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَعَقَّبَهُ الشَّلَبِيُّ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ، هُوَ الَّذِي أَكْرَهَهَا لَا يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيلُ إلَّا إذَا قُرِئَ وَإِنْ أَكْرَهَهَا أَيْ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ أَيْ أَكْرَهَهُمَا إنْسَانٌ اهـ أَبُو السُّعُودِ: أَقُولُ: أَوْ يُقْرَأُ الْمُكْرِهُ بِالْكَسْرِ اسْمٌ فَاعِلٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ) أَيْ بَدَلُ الْخُلْعِ وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْبَدَلُ تَارَةً يَكُونُ مَا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ مِنْ الْمَهْرِ وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرَهُ وَقَدْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِمَا يُنَاسِبُ الْأَوَّلَ، وَهُوَ السُّقُوطُ عَبَّرَ الشَّارِحُ بِمَا يُنَاسِبُ الثَّانِي جَمْعًا بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا) أَيْ مِنْ أَنَّهَا مُكْرَهَةٌ وَسُقُوطُ الْمَالِ أَوْ لُزُومُهُ يُشْتَرَطُ لَهُ الرِّضَا (قَوْلُهُ قَالُوا وَهُوَ الْحِيلَةُ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُخَلِّصُ لِامْرَأَةٍ تُرِيدُ أَنْ تُرْضِيَ زَوْجَهَا بِهِبَةِ الْمَهْرِ ظَاهِرًا وَهِيَ لَا تُرِيدُ صِحَّةَ ذَلِكَ اهـ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) هُوَ لِلْمُصَنِّفِ وَأَقُولُ: إنَّمَا تَنْفَعُهَا هَذِهِ الْحِيلَةُ فِي الْخُلْعِ لَوْ عَلِمَ الزَّوْجُ أَنْ لَا مَهْرَ عَلَيْهِ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ خَلَعَ امْرَأَتَهُ بِمَا لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ لَهَا عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْمَهْرِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ عَدَمَهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِمَهْرِهَا، فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ الْمَهْرَ إنْ قَبَضَتْ. أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ بِأَنْ وَهَبَتْ صَحَّ الْخُلْعُ، وَلَا تَرُدُّ عَلَيْهِ شَيْئًا اهـ. وَأَقُولُ أَيْضًا: لَيْسَ فِي كَلَامِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ حِيلَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ، حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ وَإِنَّمَا هُوَ حِيلَةٌ لِغَيْرِهِ فَفِي حِيَلِ الْأَشْبَاهِ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ تَهَبِينِي صَدَاقَك الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَالْحِيلَةُ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْهُ ثَوْبًا مَلْفُوفًا بِمَهْرِهَا ثُمَّ تَرُدُّهُ بَعْدَ الْيَوْمِ فَيَبْقَى الْمَهْرُ وَلَا حِنْثَ اهـ، وَفِي مُدَايَنَاتِ الْأَشْبَاهِ عَنْ الْقُنْيَةِ وَلَهُ أَيْ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْهِبَةِ ثَلَاثُ حِيَلٍ: أَحَدُهَا: شِرَاءُ شَيْءٍ مَلْفُوفٍ مِنْ زَوْجِهَا بِالْمَهْرِ قَبْلَ الْهِبَةِ، وَالثَّانِيَةُ: صُلْحُ إنْسَانٍ مَعَهَا عَنْ الْمَهْرِ بِشَيْءٍ مَلْفُوفٍ قَبْلَ الْهِبَةِ، وَالثَّالِثَةُ: هِبَةُ الْمَرْأَةِ الْمَهْرَ لِابْنِ الصَّغِيرِ لَهَا قَبْلَ الْهِبَةِ وَفِي الْأَخِيرِ نَظَرٌ اهـ فَلْيَكُنْ مَا هُنَا حِيلَةً أُخْرَى لِذَلِكَ تَأَمَّلْ وَإِنَّمَا لَمْ يَحْنَثْ فِيمَا ذُكِرَ لِعَدَمِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 746 بِرَفْعِهِ إلَى مَنْ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ. - (اتَّخَذَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ أَوْ بَالُوعَةً فَنَزَّ مِنْهَا حَائِطُ جَارِهِ وَطَلَبَ جَارُهُ تَحْوِيلَهُ لَمْ يُجْبَرْ) عَلَيْهِ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالرِّفْقِ دَفْعًا لِلْإِيذَاءِ (وَإِنْ سَقَطَ الْحَائِطُ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْ) لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ إذَا حَفَرَهُ فِي مِلْكِهِ فَكَانَ تَسَبُّبًا وَمَرَّ فِي آخِرِ الْإِجَارَةِ أَنَّهُ لَوْ سَقَى أَرْضَهُ سَقْيًا لَا تَحْتَمِلُهُ فَتَعَدَّى لِجَارِهِ ضَمِنَ. (عَمَرَ دَارَ زَوْجَتِهِ بِمَالِهِ بِإِذْنِهَا فَالْعِمَارَةُ لَهَا وَالنَّفَقَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا) لِصِحَّةِ أَمْرِهَا (وَلَوْ) عَمَرَ (لِنَفْسِهِ بِلَا إذْنِهَا الْعِمَارَةُ لَهُ) وَيَكُونُ غَاصِبًا لِلْعَرْصَةِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّفْرِيغِ بِطَلَبِهَا ذَلِكَ (وَلَهَا بِلَا إذْنِهَا فَالْعِمَارَةُ لَهَا وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ) فِي الْبِنَاءِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ، وَلَا بَيِّنَةَ فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِهِ بِيَمِينِهِ، وَفِي أَنَّ الْعِمَارَةَ لَهَا أَوْ لَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَمَلِّكُ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا   [رد المحتار] إمْكَانِ الْبِرِّ فِي الْيَوْمِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْمَلْفُوفِ لِيُثْبِتَ الرَّدَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ بَعْدَ مُضِيِّ الْيَوْمِ (قَوْلُهُ بِرَفْعِهِ إلَى مَنْ لَا يَشْتَرِطُ قَبُولَهُ) أَيْ إلَى قَاضٍ لَا يَرَى أَنَّ قَبُولَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ شَرْطٌ لِتَمَامِ الْحَوَالَةِ كَقَاضٍ مَالِكِيٍّ (قَوْلُهُ لَمْ يُجْبَرْ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَنْ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ، وَإِنْ أَضَرَّ بِغَيْرِهِ لَكِنْ تَرَكَ الْقِيَاسَ فِي مَحَلٍّ يَضُرُّ بِغَيْرِهِ ضَرَرًا بَيِّنًا فَقِيلَ بِالْمَنْعِ وَبِهِ أَخَذَ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ إلَخْ) فِيهِ تَأَمُّلٌ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ إلَخْ) أَقُولُ: الْأَنْسَبُ فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ غَيْرُ مُتَعَدٍّ إذْ حَفَرَهُ فِي مِلْكِهِ: أَيْ لِأَنَّ الْمُتَسَبِّبَ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا تَعَدَّى كَوَضْعِ الْحِجْرِ فِي الطَّرِيقِ (قَوْلُهُ ضَمِنَ) لِأَنَّهُ جُعِلَ مُبَاشِرًا وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ تَفْصِيلٌ حَيْثُ قَالَ: فَلَوْ أَجْرَى الْمَاءَ فِي أَرْضِهِ إجْرَاءً لَا يَسْتَقِرُّ فِيهَا ضَمِنَ وَلَوْ يَسْتَقِرُّ فِيهَا ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى أَرْضِ جَارِهِ فَلَوْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ جَارُهُ بِالسُّكْرِ وَالْإِحْكَامِ، وَلَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ كَالْإِشْهَادِ عَلَى الْحَائِطِ الْمَائِلِ وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ اهـ، قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ: أَقُولُ: يُعْلَمُ مِنْهُ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى اتَّخَذَ فِي دَارِهِ بَالُوعَةً أَوْهَنَتْ بِنَاءَ جَارِهِ لِسَرَيَانِ الْمَاءِ إلَى أُسِّهِ فَتَقَدَّمَ إلَيْهِ بِإِحْكَامِ الْبِنَاءِ، حَتَّى لَا يَسْرِيَ الْمَاءُ تَأَمَّلْ اهـ وَبِهِ يُقَيَّدُ إطْلَاقُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَضْمَنْ وَلَا سِيَّمَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ (قَوْلُهُ عَمَرَ دَارَ زَوْجَتِهِ إلَخْ) عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ عِمَارَةُ كَرْمِهَا وَسَائِرِ أَمْلَاكِهَا جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ، وَفِيهِ عَنْ الْعُدَّةِ كُلُّ مَنْ بَنَى فِي دَارِ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ فَالْبِنَاءُ لِآمِرِهِ وَلَوْ لِنَفْسِهِ بِلَا أَمْرِهِ فَهُوَ لَهُ، وَلَهُ رَفْعُهُ إلَّا أَنْ يَضُرَّ بِالْبِنَاءِ، فَيُمْنَعُ وَلَوْ بَنَى لِرَبِّ الْأَرْضِ، بِلَا أَمْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّعًا كَمَا مَرَّ اهـ وَفِيهِ بَنَى الْمُتَوَلِّي فِي عَرْصَةِ الْوَقْفِ إنْ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ فَلِلْوَقْفِ، وَكَذَا لَوْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، لَكِنْ لِلْوَقْفِ وَلَوْ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ أَشْهَدَ فَلَهُ وَإِلَّا فَلِلْوَقْفِ بِخِلَافِ أَجْنَبِيٍّ بَنَى فِي مِلْكِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَالنَّفَقَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ فِي الْإِنْفَاقِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا لِصِحَّةِ أَمْرِهَا، فَصَارَ كَالْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ زَيْلَعِيٌّ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافٌ وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَلَى جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ فَالْعِمَارَةُ لَهُ) هَذَا لَوْ الْآلَةُ كُلُّهَا لَهُ فَلَوْ بَعْضُهَا لَهُ وَبَعْضُهَا لَهَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا ط عَنْ الْمَقْدِسِيَّ (قَوْلُهُ بِلَا إذْنِهَا) فَلَوْ بِإِذْنِهَا تَكُونُ عَارِيَّةً ط (قَوْلُهُ فَيُؤْمَرُ بِالتَّفْرِيغِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْأَرْضِ، وَبِهِ أَفْتَى الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ مُفْتِي الرُّومِ وَهُوَ خِلَافُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْ أَنَّهُ يَضْمَنُ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ قِيمَةَ الْأَقَلِّ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ بِطَلَبِهَا) الْأَوْضَحُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ إنْ طَلَبَتْ (قَوْلُهُ وَلَهَا) مَعْطُوفٌ عَلَى نَفْسِهِ أَيْ وَلَوْ عَمَرَ لَهَا إلَخْ (قَوْلُهُ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا) أَيْ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ وَقَالَ بَعْدَهُ: لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْغَصْبِ إذَا تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ بِإِذْنِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ إلَّا إذَا تَصَرَّفَ فِي مَالِ امْرَأَتِهِ، فَمَاتَتْ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ بِإِذْنِهَا، وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ اهـ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا عَمَرَ دَارَ زَوْجَتِهِ لَهَا فَمَاتَتْ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ بِإِذْنِهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 747 وَتَقَدَّمَ فِي الْغَصْبِ. (قَالَ هَذِهِ رَضِيعَتِي ثُمَّ اعْتَرَفَ) بِالْخَطَإِ (وَصَدَّقَتْهُ) فِي خَطَئِهِ (فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إذَا لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ) أَفَادَ بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَوْلِ كَقَوْلِهِ (هُوَ حَقٌّ أَوْ صِدْقٌ أَوْ كَمَا قُلْت أَوْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شُهُودًا أَوْ مَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ) مِنْ الثَّبَاتِ اللَّفْظِيِّ الدَّالِّ عَلَى الثَّبَاتِ النَّفْسِيِّ وَهَلْ يَكُونُ تَكْرَارُ إقْرَارِهِ بِذَلِكَ ثَبَاتًا خِلَافٌ مَبْسُوطٌ فِي الْمَبْسُوطِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ التَّكْرَارَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِقْرَارُ (وَلَوْ أَخَذَ) رَجُلٌ (غَرِيمَهُ فَنَزَعَهُ إنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ تَسَبُّبٌ (وَكَذَا إذَا دَلَّ السَّارِقُ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ أَوْ أَمْسَكَ هَارِبًا مِنْ عَدُوِّهِ حَتَّى قَتَلَهُ) عَدُوُّهُ لِمَا قُلْنَا (فِي يَدِهِ مَالُ إنْسَانٍ فَقَالَ لَهُ سُلْطَانٌ ادْفَعْ إلَى هَذَا الْمَالَ وَإِلَّا) تَدْفَعْهُ إلَيَّ (اقْطَعْ يَدَك أَوْ أَضْرِبْك خَمْسِينَ فَدَفَعَهُ لَمْ يَضْمَنْ) الدَّافِعُ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ. (قَالَ تَرَكْت دَعْوَايَ عَلَى فُلَانٍ وَفَوَّضْت أَمْرِي إلَى الْآخِرَةِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ (الْإِجَازَةُ تَلْحَقُ الْأَفْعَالَ) عَلَى الصَّحِيحِ (فَلَوْ غَصَبَ عَيْنًا لِإِنْسَانٍ فَأَجَازَ الْمَالِكُ غَصْبَهُ صَحَّ) إجَازَتُهُ وَحِينَئِذٍ (فَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ عَنْ الضَّمَانِ) وَلَوْ انْتَفَعَ بِهِ فَأَمَرَهُ بِالْحِفْظِ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ مَا لَمْ يَحْفَظْ وَتَمَامُهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ.   [رد المحتار] لِيَرْجِعَ فِي تَرِكَتِهَا بِمَا أَنْفَقَ وَأَنْكَرَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ إذْنَهَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ وَوَجْهُهُ شَهَادَةُ الْعُرْفِ الظَّاهِرُ لَهُ تَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ وَتَقَدَّمَ فِي الْغَصْبِ) لَمْ أَرَهُ فِيهِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ آنِفًا (قَوْلُهُ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا) وَالْعُذْرُ لَهُ فِي رُجُوعِهِ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى عَلَيْهِ، فَقَدْ يَظْهَرُ لَهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ خَطَأُ النَّاقِلِ، وَهَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي اغْتَفَرُوا فِيهَا التَّنَاقُضَ أَفَادَهُ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ وَهَلْ يَكُونُ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَقَعَتْ فِي زَمَنِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ الشِّحْنَةِ، فَأَفْتَى: بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ ثَبَاتًا، وَخَالَفَهُ بَعْضُ مُعَاصِرِيهِ، وَوَقَعَ نِزَاعٌ طَوِيلٌ وَعُقِدَ لَهَا مَجَالِسُ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ قَايِتْبَايْ، وَآلَ الْأَمْرُ إلَى أَنْ عُرِضَتْ النُّقُولُ عَلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْقَاضِي زَكَرِيَّا مِنْ نَحْوِ أَرْبَعِينَ كِتَابًا. فَأَجَابَ: بِأَنَّ صَرِيحَ هَذِهِ النُّقُولِ وَمَنْطُوقَهَا أَنَّ الثَّبَاتَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِقَوْلِهِ، هُوَ حَقٌّ أَوْ نَحْوُهُ وَلَيْسَ فِي صَرِيحِهَا أَنَّ التَّكْرَارَ كَذَلِكَ نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمَبْسُوطِ، وَلَكِنَّ الثَّابِتَ عَلَى الْإِقْرَارِ كَالْمُجَدِّدِ لَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَهُ يَقُومُ مَقَامَ قَوْلِهِ هُوَ حَقٌّ، وَنَحْوُهُ، وَقَدَّمْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ خِلَافٌ مَبْسُوطٌ فِي الْمَبْسُوطِ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَبْسُوطِ بَيَانُ الْخِلَافِ، وَأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ أَنَّ التَّكْرَارَ يَثْبُتُ بِهِ الْإِصْرَارُ فَقَوْلُ الشَّارِحِ لَا يَثْبُتُ صَوَابُهُ حَذْفُ لَا، وَلَوْ قَالَ صَرِيحُ النُّقُولِ أَنَّ التَّكْرَارَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِصْرَارُ لَكَانَ أَحْسَنَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَسَبُّبٌ) أَيْ النَّزْعُ، وَقَدْ دَخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ضَيَاعِ حَقِّهِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَهُوَ هُرُوبُهُ فَلَا يُضَافُ إلَيْهِ التَّلَفُ كَمَا إذَا حَلَّ قَيْدَ الْعَبْدِ فَأَبَقَ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ أَضْرِبُك خَمْسِينَ) أَيْ فَأَكْثَرَ فَلَوْ قَالَ لَهُ: أَحْبِسُك شَهْرًا أَوْ أَضْرِبُك ضَرْبًا، فَهُوَ ضَامِنٌ لِأَنَّ دَفْعَ الْمَالِ لِلْغَيْرِ لَا يَجُوزُ إلَّا لِخَوْفِ التَّلَفِ، لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْإِكْرَاهِ أَنَّ أَمْرَ السُّلْطَانِ إكْرَاهٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَدَفَعَهُ) أَمَّا إذَا دَفَعَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ مَا يُفِيدُهُ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فَلَوْ ادَّعَى ذَلِكَ أَيْ الْأَخْذَ مِنْهُ كَرْهًا، هَلْ يُكْتَفَى مِنْهُ بِالْيَمِينِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ بُرْهَانٍ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ حَمَوِيٌّ. أَقُولُ: مُقْتَضَى كَوْنِهِ أَمِينًا أَنَّهُ يُصَدَّقُ بِالْيَمِينِ كَمَا لَوْ ادَّعَى الْهَلَاكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ الْإِجَازَةُ تَلْحَقُ الْأَفْعَالَ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ أَوَائِلَ كِتَابِ الْغَصْبِ (قَوْلُهُ فَأَجَازَ الْمَالِكُ غَصْبَهُ) الَّذِي فِي الْعِمَادِيَّةِ وَغَيْرِهَا غَصَبَ شَيْئًا وَقَبَضَهُ فَأَجَازَ الْمَالِكُ قَبْضَهُ إلَخْ وَهُوَ أَنْسَبُ مِنْ قَوْلِهِ غَصَبَهُ (قَوْلُهُ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ مَا لَمْ يَحْفَظْ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْفَعْ بِهِ يَبْرَأُ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا انْتَفَعَ بِهِ وَدَامَ عَلَى الِانْتِفَاعِ كَمَا لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ، فَإِذَا أَمَرَهُ بِالْحِفْظِ لَا يَبْرَأُ حَتَّى يَنْزِعَهُ وَيَحْفَظَهُ أَمَّا لَوْ نَزَعَهُ قَبْلَ الْأَمْرِ وَحَفِظَهُ فَأَمَرَهُ بِالْحِفْظِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَبْرَأُ لِأَنَّهُ بِدَوَامِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 748 (وَضَعَ مِنْجَلًا فِي الصَّحْرَاءِ لِيَصِيدَ بِهِ حِمَارَ وَحْشٍ وَسَمَّى عَلَيْهِ فَجَاءَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي) قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ إذْ لَوْ وَجَدَهُ مَيِّتًا مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يَحِلَّ زَيْلَعِيٌّ (وَوَجَدَ الْحِمَارَ مَجْرُوحًا مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ) لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَذْبَحَهُ إنْسَانٌ أَوْ يَجْرَحَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ كَالنَّطِيحَةِ (كُرِهَ تَحْرِيمًا) وَقِيلَ تَنْزِيهًا وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ (مِنْ الشَّاةِ سَبْعٌ الْحَيَاءُ وَالْخُصْيَةُ وَالْغُدَّةُ وَالْمَثَانَةُ وَالْمَرَارَةُ وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ وَالذَّكَرُ) لِلْأَثَرِ الْوَارِدِ فِي كَرَاهَةِ ذَلِكَ وَجَمَعَهَا بَعْضُهُمْ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَقَالَ: فَقُلْ ذَكَرٌ وَالْأُنْثَيَانِ مَثَانَةٌ ... كَذَاك دَمٌ ثُمَّ الْمَرَارَةُ وَالْغُدَدْ وَقَالَ غَيْرُهُ:   [رد المحتار] عَلَى الِانْتِفَاعِ بَعْدَ الْأَمْرِ مُتَعَدٍّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَزَعَهُ قَبْلَهُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَأَفَادَ ط نَحْوَهُ (قَوْلُهُ وَضَعَ مِنْجَلًا) بِكَسْرِ الْمِيمِ ط يُحْصَدُ بِهِ الزَّرْعُ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ إلَخْ) مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ أَيْضًا وَالْعَيْنِيُّ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ، وَمُقْتَضَى مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي الذَّبَائِحِ أَنَّهُ لِلِاحْتِرَازِ حَيْثُ قَالَ: وَتُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ حَالَ الذَّبْحِ أَوْ الرَّمْيِ لِصَيْدٍ أَوْ الْإِرْسَالِ أَوْ حَالَ وَضْعِ الْحَدِيدِ لِحِمَارِ الْوَحْشِ إذَا لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ اهـ وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ هُنَاكَ وَفِي كِتَابِ الصَّيْدِ (قَوْلُهُ كُرِهَ تَحْرِيمًا) لِمَا رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ وَاصِلِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الشَّاةِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَالْقُبُلَ وَالْغُدَّةَ وَالْمَرَارَةَ وَالْمَثَانَةَ وَالدَّمَ» ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الدَّمُ حَرَامٌ وَأَكْرَهُ السِّتَّةَ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ - {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3]- الْآيَةَ فَلَمَّا تَنَاوَلَهُ النَّصُّ قَطَعَ بِتَحْرِيمِهِ وَكَرِهَ مَا سِوَاهُ، لِأَنَّهُ مِمَّا تَسْتَخْبِثُهُ الْأَنْفُسُ، وَتَكْرَهُهُ وَهَذَا الْمَعْنَى سَبَبُ الْكَرَاهِيَةِ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]- زَيْلَعِيٌّ. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ آخِرَ كِتَابِ الذَّبَائِحِ: وَمَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ فَالْمُرَادُ مِنْهُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ السِّتَّةِ وَبَيْنَ الدَّمِ فِي الْكَرَاهَةِ وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ مُحَرَّمٌ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: الدَّمُ حَرَامٌ وَأَكْرَهُ السِّتَّةَ فَأَطْلَقَ الْحَرَامَ عَلَى الدَّمِ، وَسَمَّى مَا سِوَاهُ مَكْرُوهًا لِأَنَّ الْحَرَامَ الْمُطْلَقَ مَا ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وَهُوَ الْمُفَسَّرُ مِنْ الْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145]- وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى حُرْمَتِهِ، وَأَمَّا حُرْمَةُ مَا سِوَاهُ مِنْ السِّتَّةِ فَمَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، بَلْ بِالِاجْتِهَادِ أَوْ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ الْمُحْتَمِلِ لِلتَّأْوِيلِ أَوْ الْحَدِيثِ، فَلِذَا فَصَّلَ فَسَمَّى الدَّمَ حَرَامًا وَذَا مَكْرُوهًا اهـ. أَقُولُ: وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ هُوَ الْكَرَاهَةُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ تَنْزِيهًا) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الذَّكَرَ أَوْ الْغُدَّةَ لَوْ طُبِخَ فِي الْمَرَقَةِ لَا تُكْرَهُ الْمَرَقَةُ وَكَرَاهَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ اهـ. وَاخْتَارَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ مَا فِي الْقُنْيَةِ وَقَالَ: إنَّ فِيهِ فَائِدَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ، وَالْأُخْرَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَكْلُ الْمَرَقَةِ وَاللَّحْمِ اهـ نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِهِ، وَأَقَرَّهُ (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ) لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اسْتِدْلَالِ الْإِمَامِ بِالْآيَةِ وَأَيْضًا فَكَلَامُ صَاحِبِ الْقُنْيَةِ لَا يُعَارِضُ ظَاهِرَ الْمُتُونِ وَكَلَامُ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ مِنْ الشَّاةِ) ذِكْرُ الشَّاةِ اتِّفَاقِيٌّ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَأْكُولَاتِ ط. (قَوْلُهُ الْحَيَاءُ) هُوَ الْفَرْجُ مِنْ ذَوَاتِ الْخُفِّ وَالظِّلْفِ وَالسِّبَاعِ، وَقَدْ يُقْصَرُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَالْغُدَّةُ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ كُلُّ عُقْدَةٍ فِي الْجَسَدِ أَطَافَ بِهَا شَحْمٌ، وَكُلُّ قِطْعَةٍ صُلْبَةٍ بَيْنَ الْعَصَبِ وَلَا تَكُونُ فِي الْبَطْنِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ) أَمَّا الْبَاقِي فِي الْعُرُوقِ بَعْدَ الذَّبْحِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ (قَوْلُهُ فِي بَيْتٍ) وَقَبْلَهُ بَيْتٌ آخَرُ ذَكَرَهُ فِي الْمِنَحِ وَهُوَ. وَيُكْرَهُ أَجْزَاءٌ مِنْ الشَّاةِ سَبْعَةٌ ... فَخُذْهَا فَقَدْ أَوْضَحْتهَا لَك بِالْعَدَدْ (قَوْلُهُ فَقُلْ ذَكَرٌ إلَخْ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَعَلَيْهِ فَالْمَعْدُودُ سِتَّةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَصْلَ الْبَيْتِ حَيَا ذَكَرٌ إلَخْ (قَوْلُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ) أَيْ بِطَرِيقِ الرَّمْزِ وَمِثْلُهُ قَوْلِي: إنَّ الَّذِي مِنْ الْمُذَكَّاةِ رُمِيَ ... يَجْمَعُهُ حُرُوفُ فَخْذٍ مُدْغَمِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 749 إذَا مَا ذُكِّيَتْ شَاةٌ فَكُلْهَا ... سِوَى سَبْعٍ فَفِيهِنَّ الْوَبَالُ فَحَاءٌ ثُمَّ خَاءٌ ثُمَّ غَيْنٌ ... وَدَالٌ ثُمَّ مِيمَانِ وَذَالٌ (لِلْقَاضِي إقْرَاضُ مَالِ الْغَائِبِ وَالطِّفْلِ وَاللُّقَطَةِ) بِشُرُوطٍ تَقَدَّمَتْ فِي الْقَضَاءِ (بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُلْتَقِطِ) إلَّا إذَا أَنْشَدَهَا حَتَّى سَاغَ تَصَدُّقُهُ فَإِقْرَاضُهُ أَوْلَى زَيْلَعِيٌّ. (قَالَ إنْ كَانَ اللَّهُ يُعَذِّبُ الْمُشْرِكِينَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ قَالُوا لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَنْ لَا يُعَذَّبُ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَظَاهِرُ تَوْجِيهِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْبَعْضِ مَنْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ يَكُونَ مُشْرِكًا فِي عُمْرِهِ، ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ بِالْحُسْنَى أَوْ أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُمْ مُشْرِكُونَ شَرْعًا وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْبَعْضَ لَا يُعَذَّبُ وَهِيَ سَالِبَةٌ جُزْئِيَّةٌ لَمْ تَصْدُقْ الْمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ الْقَائِلَةُ كُلُّ مُشْرِكٍ يُعَذَّبُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ: وَقَدْ أَوْرَدَ هَذَا اللُّغْزَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ ابْنُ وَهْبَانَ فَقَالَ: وَهَلْ قَائِلٌ لَا يَدْخُلُ النَّارَ كَافِرٌ ... وَلَكِنَّهَا بِالْمُؤْمِنِينَ تُعَمَّرُ قَالَ: وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا يَرَوْنَ النَّارَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ؛ وَلَا يَنْفَعُهُمْ، قَالَ تَعَالَى - {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: 85]- وَلِعَجُزِ الْبَيْتِ مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنَّ عَمَرَتَهَا خَزَنَتُهَا الْقَائِمُونَ بِأَمْرِهَا وَهُمْ مُؤْمِنُونَ فَفِي الْبَيْتِ سُؤَالَانِ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا مِمَّا يُنْكَرُ ذِكْرُهُ وَالتَّلَفُّظُ بِهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُدَوَّنَ وَيُسَطَّرَ وَلَا يُقْبَلُ تَأْوِيلُ قَائِلِهِ انْتَهَى.   [رد المحتار] قَوْلُهُ إذَا مَا ذُكِّيَتْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَالتَّاءُ عَلَامَةُ التَّأْنِيثِ (قَوْلُهُ وَاللُّقَطَةِ) قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِغَيْرِ لُقَطَةِ الذِّمِّيِّ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي إقْرَاضُهَا لِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِهَا بَلْ يَضَعُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّ الْإِقْرَاضَ قُرْبَةٌ وَالذِّمِّيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَبِ اهـ وَأَطْلَقَ فِي إقْرَاضِهِ اللُّقَطَةَ فَشَمَلَ إقْرَاضَهَا. مِنْ الْمُلْتَقِطِ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُ الْبَحْرِ مِنْ الْمُلْتَقِطِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِشُرُوطٍ تَقَدَّمَتْ فِي الْقَضَاءِ) حَيْثُ قَالَ: مِنْ مَلِيءٍ مُؤْتَمَنٍ حَيْثُ لَا وَصِيَّ، وَلَا مَنْ يَقْبَلُهُ مُضَارَبَةً وَلَا مُسْتَغِلًّا يَشْتَرِيهِ اهـ وَقَوْلُهُ: حَيْثُ لَا وَصِيَّ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَحْثًا وَفِيهِ كَلَامٌ يُعْلَمُ مِنْ مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَبِ إلَخْ) فَإِنْ أَقْرَضُوا ضَمِنُوا لِعَجْزِهِمْ عَنْ التَّحْصِيلِ، بِخِلَافِ الْقَاضِي وَيُسْتَثْنَى إقْرَاضُهُمْ لِلضَّرُورَةِ كَحَرْقٍ وَنَهْبٍ، فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا بَحْرٌ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْقَضَاءِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْأَبَ كَالْوَصِيِّ لَا كَالْقَاضِي هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ مُصَحَّحَيْنِ، وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ فَكَانَ الْمُعْتَقَدُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَنْشَدَهَا إلَخْ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِصِيغَةِ يَنْبَغِي، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَحْثٌ مِنْهُ لَكِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يُجِزْ صَاحِبُهَا كَالْقَاضِي مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلْحَاقُ الْإِقْرَاضِ بِالتَّصَدُّقِ إلَّا إذَا قُلْنَا بِالضَّمَانِ (قَوْلُهُ فَإِقْرَاضُهُ أَوْلَى) أَيْ إقْرَاضُهُ مِنْ فَقِيرٍ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ تَوْجِيهِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمِنَحِ وَظَاهِرُ التَّوْجِيهِ الْمَفْهُومِ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُشْرِكِينَ فِي الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ الْجَمِيعُ، فَلِذَا قَالَ فِي تَعْلِيلِهِ، لِأَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَنْ لَا يُعَذَّبُ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهَذَا الْبَعْضِ مَنْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُ فِي الْجُمْلَةِ إلَخْ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ بِهَذَا الْبَعْضِ) أَيْ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ التَّبْعِيضِيَّةُ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُمْ مُشْرِكُونَ شَرْعًا) أَيْ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ مِنَحٌ فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُعَامَلُونَ شَرْعًا مُعَامَلَةَ آبَائِهِمْ أَمَّا حُكْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ فَفِيهِ أَقْوَالٌ عَشَرَةٌ أَحَدُهَا أَنَّهُمْ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ التَّوَقُّفُ (قَوْلُهُ لَمْ تَصْدُقْ الْمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ) أَيْ فَلَا يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى كَوْنِ الْمُشْرِكِينَ جَمِيعًا مُعَذَّبِينَ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنَحٌ أَيْ حَمْلًا لِأَلْ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ (قَوْلُهُ وَهَلْ قَائِلٌ) أَيْ هَلْ يُوجَدُ قَائِلٌ وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ مَقُولُ الْقَوْلِ وَكَافِرٌ فَاعِلُ يَدْخُلُ (قَوْلُهُ فَفِي الْبَيْتِ سُؤَالَانِ) وَهُمَا عَدَمُ دُخُولِ النَّارِ كَافِرٌ وَدُخُولُ الْمُؤْمِنِينَ النَّارَ (قَوْلُهُ وَلَا يُقْبَلُ تَأْوِيلُ قَائِلِهِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وُجُوهٌ تُوجِبُ الْكُفْرَ وَوَجْهٌ وَاحِدٌ يَمْنَعُهُ، فَعَلَى الْمُفْتِي الْمَيْلُ لِمَا يَمْنَعُ، وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ وُجُودِ الْقَرِينَةِ فَإِرَادَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 750 قُلْت: هَذَا مَعَ وُضُوحِ وَجْهِهِ تُكُلِّمَ فِيهِ، فَكَيْفَ الْأَوَّلُ فَلَا تَغْفُلْ، ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا قَالَ قَدْ قَضَى بِنَقْلِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْإِنْكَارِ، وَأَنَّهُ مَا كَانَ لَهُ أَنْ يُدَوِّنَهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (صَبِيٌّ حَشَفَتُهُ ظَاهِرَةٌ بِحَيْثُ لَوْ رَآهُ إنْسَانٌ ظَنَّهُ مَخْتُونًا وَلَا تُقْطَعُ جَلْدَةُ ذَكَرِهِ إلَّا بِتَشْدِيدِ أَلَمِهِ تُرِكَ عَلَى حَالِهِ كَشَيْخٍ أَسْلَمَ وَقَالَ أَهْلُ النَّظَرِ لَا يُطِيقُ الْخِتَانَ) تُرِكَ أَيْضًا (وَلَوْ خُتِنَ وَلَمْ تُقْطَعْ الْجَلْدَةُ كُلُّهَا يَنْظُرُ فَإِنْ قَطَعَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ كَانَ خِتَانًا وَإِنْ قَطَعَ النِّصْفَ فَمَا دُونَهُ لَا) يَكُونُ خِتَانًا يُعْتَدُّ بِهِ لِعَدَمِ الْخِتَانِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا. (وَ) الْأَصْلُ أَنَّ (الْخِتَانَ سُنَّةٌ) كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ (وَهُوَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ) وَخَصَائِصِهِ (فَلَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلْدَةٍ عَلَى تَرْكِهِ حَارَبَهُمْ) الْإِمَامُ فَلَا يُتْرَكُ إلَّا لِعُذْرٍ وَعُذْرُ شَيْخٍ لَا يُطِيقُهُ ظَاهِرٌ (وَوَقْتُهُ) غَيْرُ مَعْلُومٍ وَقَبْلَ (سَبْعِ) سِنِينَ كَذَا فِي الْمُلْتَقَى وَقِيلَ عَشْرٌ وَقِيلَ أَقْصَاهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً وَقِيلَ الْعِبْرَةُ بِطَاقَتِهِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا عِلْمَ لِي بِوَقْتِهِ وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُمَا فِيهِ شَيْءٌ فَلِذَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَخِتَانُ الْمَرْأَةِ لَيْسَ سُنَّةً بَلْ مَكْرُمَةً لِلرِّجَالِ وَقِيلَ سُنَّةٌ وَقَدْ جَمَعَ السُّيُوطِيّ مَنْ وُلِدَ مَخْتُونًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَالَ:   [رد المحتار] الْإِلْغَازِ وَالتَّعْمِيَةِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِامْرَأَةٍ مَازِحًا: «إنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا عَجُوزٌ» (قَوْلُهُ قُلْت هَذَا) أَيْ مَا فِي الشَّطْرِ الثَّانِي (قَوْلُهُ فَكَيْفَ الْأَوَّلُ) أَيْ مَا فِي الْمَتْنِ الْمُسَاوِي لِمَا فِي الشَّطْرِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا قَالَ) أَيْ مُعْتَرِضًا عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ حَيْثُ نَقَلَ كَلَامَ ابْنِ الشِّحْنَةِ، فَالضَّمِيرُ فِي نَقْلِهِ لِكَلَامِ ابْنِ الشِّحْنَةِ وَفِي قَضَى وَنَفْسِهِ لِلْمُصَنِّفِ فَافْهَمْ، لَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يُصَرِّحَ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ نَقَلَ كَلَامَ ابْنِ الشِّحْنَةِ حَتَّى يَتَعَيَّنَ مَرْجِعُ الضَّمَائِرِ. (قَوْلُهُ آلَمَهُ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ فِعْلٌ مَاضٍ مِنْ الْإِيلَامِ وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِتَشْدِيدٍ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَهْلُ النَّظَرِ) أَيْ الْمَعْرِفَةِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ وَحُكْمًا) الْحُكْمِيُّ بِقَطْعِ الْأَكْثَرِ وَلَمْ يُوجَدْ ط (قَوْلُهُ حَارَبَهُمْ الْإِمَامُ) كَمَا لَوْ تَرَكُوا الْأَذَانَ مِنَحٌ (قَوْلُهُ وَوَقْتُهُ) أَيْ ابْتِدَاءُ وَقْتِهِ مِسْكِينٌ أَوْ وَقْتُهُ الْمُسْتَحَبُّ كَمَا نُقِلَ عَنْ شَرْحِ بَاكِيرٍ عَلَى الْكَنْزِ (قَوْلُهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ) أَيْ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِمُدَّةٍ وَقَدْ عَدَلَ الشَّارِحُ عَمَّا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ كَالْكَنْزِ، لِيَكُونَ الْمَتْنُ جَارِيًا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ كَعَادَةِ الْمُتُونِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ سَبْعٌ) لِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَهَا فَيُؤْمَرُ بِالْخِتَانِ، حَتَّى يَكُونَ أَبْلَغَ فِي التَّنْظِيفِ قَالَهُ فِي الْكَافِي، زَادَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهُ فَحَسَنٌ، وَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ قَلِيلًا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَقِيلَ: لَا يُخْتَنُ حَتَّى يَبْلُغَ لِأَنَّهُ لِلطَّهَارَةِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَهُ ط (قَوْلُهُ وَقِيلَ عَشْرٌ) لِزِيَادَةِ أَمْرِهِ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَهَا (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ) أَيْ بِالْفِقْهِ زَيْلَعِيٌّ وَهَذِهِ مِنْ صِيَغِ التَّصْحِيحِ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ الْإِمَامِ مِنْ عَدَمِ التَّقْدِيرِ فِيمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ وَتَفْوِيضُهَا إلَى الرَّأْيِ تَأَمَّلْ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْإِمَامِ تَأْيِيدًا لِمَا اخْتَارَهُ أَوَّلًا فَلَا تَكْرَارَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَنْهُمَا) أَيْ عَنْ الصَّاحِبَيْنِ (قَوْلُهُ وَخِتَانُ الْمَرْأَةِ) الصَّوَابُ خِفَاضُ، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ خِتَانٌ وَإِنَّمَا خِفَاضٌ حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ بَلْ مَكْرُمَةٌ لِلرِّجَالِ) لِأَنَّهُ أَلَذُّ فِي الْجِمَاعِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ سُنَّةٌ) جَزَمَ بِهِ الْبَزَّازِيُّ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْخُنْثَى تُخْتَنُ، وَلَوْ كَانَ خِتَانُهَا مَكْرُمَةً لَمْ تُخْتَنْ الْخُنْثَى، لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً وَلَكِنْ لَا كَالسُّنَّةِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ اهـ. أَقُولُ: وَخِتَانُ الْخُنْثَى لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ رَجُلًا، وَخِتَانُ الرَّجُلِ لَا يُتْرَكُ فَلِذَا كَانَ سُنَّةً احْتِيَاطًا وَلَا يُفِيدُ ذَلِكَ سُنِّيَّتَهُ لِلْمَرْأَةِ تَأَمَّلْ. وَفِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ اعْلَمْ أَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاجِبٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ مُسْتَحَبٌّ لِلنِّسَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خِتَانُ الرِّجَالِ سُنَّةٌ وَخِتَانُ النِّسَاءِ مَكْرُمَةٌ» وَلَوْ كَانَ لِلصَّبِيِّ ذَكَرَانِ فَإِنْ كَانَا عَامِلَيْنِ خُتِنَا وَلَوْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ خُتِنَ خَاصَّةً وَيُعْرَفُ الْعَامِلُ بِالْبَوْلِ وَالِانْتِشَارِ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ يُخْتَنُ مِنْ الْفَرْجَيْنِ لِيَقَعَ الْيَقِينُ، وَأُجْرَةُ خِتَانِ الصَّبِيِّ عَلَى أَبِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَالْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ وَمَنْ بَلَغَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 751 وَفِي الرُّسُلِ مَخْتُونٌ لَعَمْرُك خِلْقَةً ... ثَمَانٍ وَتِسْعٌ طَيِّبُونَ أَكَارِمُ وَهُمْ زَكَرِيَّا شِيثُ إدْرِيسُ يُوسُفُ ... وَحَنْظَلَةٌ عِيسَى وَمُوسَى وَآدَمُ وَنُوحٌ شُعَيْبٌ سَامَ لُوطٌ وَصَالِحٌ ... سُلَيْمَانُ يَحْيَى هُودُ يس خَاتَمُ (وَيَجُوزُ كَيُّ الصَّغِيرِ وَبَطُّ قُرْحَتِهِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُدَاوَاةِ لِلْمَصْلَحَةِ وَ) يَجُوزُ (فَصْدُ الْبَهَائِمِ وَكَيُّهَا وَكُلُّ عِلَاجٍ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهَا وَجَازَ قَتْلُ مَا يَضُرُّ مِنْهَا كَكَلْبٍ عَقُورٍ وَهِرَّةٍ) تَضُرُّ (وَيَذْبَحُهَا) أَيْ الْهِرَّةَ (ذَبْحًا) وَلَا يَضُرُّ بِهَا لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ، وَلَا يُحْرِقُهَا وَفِي الْمُبْتَغَى يُكْرَهُ إحْرَاقُ جَرَادٍ وَقَمْلٍ وَعَقْرَبٍ، وَلَا بَأْسَ بِإِحْرَاقِ حَطَبٍ فِيهَا نَمْلٌ وَإِلْقَاءُ الْقَمْلَةِ لَيْسَ بِأَدَبٍ (وَجَازَتْ الْمُسَابَقَةُ بِالْفَرَسِ وَالْإِبِلِ وَالْأَرْجُلِ وَالرَّمْيِ) لِيَرْتَاضَ لِلْجِهَادِ (وَحَرُمَ شَرْطُ الْجُعْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) إلَّا إذَا أَدْخَلَ مُحَلِّلًا بِشُرُوطِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْحَظْرِ (لَا) يَحْرُمُ (مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ) اسْتِحْسَانًا وَلَا يَجُوزُ   [رد المحتار] غَيْرَ مَخْتُونٍ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ فَإِنْ مَاتَ فَهُوَ هَدَرٌ لِمَوْتِهِ مِنْ فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ شَرْعًا اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَفِي الرُّسُلِ إلَخْ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ سَامًا وَحَنْظَلَةَ مُرْسَلَانِ ط (قَوْلُهُ شِيثٌ إدْرِيسُ) بِلَا تَنْوِينٍ كَسَامَ وَهُودَ. [تَتِمَّةٌ] قِيلَ السَّبَبُ فِي الْخِتَانِ أَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، لَمَّا اُبْتُلِيَ بِالتَّرْوِيعِ بِذَبْحِ وَلَدِهِ أَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ تَرْوِيعًا بِقَطْعِ عُضْوٍ وَإِرَاقَةِ دَمٍ، ابْتَلَى بِالصَّبْرِ عَلَى إسْلَامِ الْآبَاءِ أَبْنَاءَهُمْ تَأَسِّيًا بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَقَدْ اخْتَتَنَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً أَوْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَجَمَعَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ حِينِ النُّبُوَّةِ، وَالثَّانِي مِنْ حِينِ الْوِلَادَةِ وَاخْتُتِنَ بِالْقَدُومِ اسْمِ مَوْضِعٍ، وَقِيلَ آلَةُ النَّجَّارِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ وَالْحُفَّاظُ فِي وِلَادَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَخْتُونًا، وَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ شَيْءٌ وَأَطَالَ الذَّهَبِيُّ فِي رَدِّ قَوْلِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ تَوَاتَرَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ، وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ ضَعْفُ الْحَدِيثِ بِهِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْحُفَّاظِ الْأَشْبَهُ بِالصَّوَابِ أَنَّهُ لَمْ يُولَدْ مَخْتُونًا (قَوْلُهُ وَبَطُّ قُرْحَتِهِ) أَيْ شَقُّهَا مِنْ بَابِ قَتَلَ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْمَذْكُورِ مِنْ الْكَيِّ وَالْبَطِّ (قَوْلُهُ وَهِرَّةٍ تَضُرُّ) كَمَا إذَا كَانَتْ تَأْكُلُ الْحَمَامَ وَالدَّجَاجَ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَذْبَحُهَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْكَلْبَ مِثْلُهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ يُكْرَهُ إحْرَاقُ جَرَادٍ) أَيْ تَحْرِيمًا وَمِثْلُ الْقَمْلِ الْبُرْغُوثُ وَمِثْلُ الْعَقْرَبِ الْحَيَّةُ ط (قَوْلُهُ وَإِلْقَاءُ الْقَمْلَةِ لَيْسَ بِأَدَبٍ) لِأَنَّهَا تُؤْذِي غَيْرَهُ وَيُورِثُ النِّسْيَانَ وَفِيهِ تَعْذِيبٌ لَهَا بِجُوعِهَا ط أَمَّا الْبُرْغُوثُ فَيَعِيشُ فِي التُّرَابِ (قَوْلُهُ وَجَازَتْ الْمُسَابَقَةُ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْغَايَةُ مِمَّا يَحْتَمِلُهَا الْفَرَسُ، وَأَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرَسَيْنِ احْتِمَالُ السَّبْقِ، أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَسْبِقُ لَا مَحَالَةَ فَلَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الرِّيَاضَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا إلَّا إيجَابَ الْمَالِ لِلْغَيْرِ عَلَى نَفْسِهِ بِشَرْطٍ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ اهـ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَالرَّمْيُ) أَيْ بِالسِّهَامِ (قَوْلُهُ لِيَرْتَاضَ لِلْجِهَادِ) أَفَادَ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَظْرِ، وَأَنَّهُ لِلتَّلَهِّي مَكْرُوهٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ «لَا تَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ شَيْئًا مِنْ الْمَلَاهِي سِوَى النِّضَالِ أَيْ الرَّمْيِ وَالْمُسَابَقَةِ» فَالظَّاهِرُ أَنَّ تَسْمِيَتَهُ لَهْوًا لِلْمُشَابَهَةِ الصُّورِيَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَحَرُمَ شَرْطُ الْجُعْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) بِأَنْ يَقُولَ إنْ سَبَقَ فَرَسُك، فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا وَإِنْ سَبَقَ فَرَسِي، فَلِي عَلَيْك كَذَا زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَدْخَلَ مُحَلِّلًا) الْمُنَاسِبُ أَدْخَلَا وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَا لِثَالِثٍ إنْ سَبَقْتنَا فَالْمَالَانِ لَك، وَإِنْ سَبَقْنَاك فَلَا شَيْءَ لَنَا عَلَيْك، وَلَكِنْ الشَّرْطُ الَّذِي شَرَطَاهُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَيُّهُمَا سَبَقَ كَانَ لَهُ الْجُعْلُ عَلَى صَاحِبِهِ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ، فَإِنْ غَلَبَهُمَا أَخَذَ الْمَالَيْنِ، وَإِنْ غَلَبَاهُ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا عَلَيْهِ، وَيَأْخُذُ أَيُّهُمَا غَلَبَ الْمَالَ الْمَشْرُوطَ لَهُ مِنْ صَاحِبِهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ بِشَرْطِهِ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فَرَسُ الْمُحَلِّلِ كُفُؤًا لِفَرَسَيْهِمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَ أَوْ يُسْبَقَ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ إلَخْ) قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ: وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا لَكِنْ جَزَمَ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، بِأَنَّ الْبَغْلَ وَالْحِمَارَ كَالْفَرَسِ، وَعَزَاهُ إلَى الْمُلْتَقَى، وَالْمَجْمَعِ قُلْت وَمِثْلُهُ فِي الْمُخْتَارِ وَالْمَوَاهِبِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ هُنَا وَتَقَدَّمَ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 752 الِاسْتِبَاقُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ كَالْبَغْلِ بِالْجُعْلِ، وَأَمَّا بِلَا جُعْلٍ فَيَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (وَلَا يُصَلِّي عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا غَيْرِ الْمَلَائِكَةِ إلَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِ) وَهَلْ يَجُوزُ التَّرَحُّمُ عَلَى النَّبِيِّ؟ قَوْلَانِ زَيْلَعِيٌّ.   [رد المحتار] فِي كِتَابِ الْحَظْرِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ) حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْفُرْسَانِ أَوْ لِاثْنَيْنِ مَنْ سَبَقَ فَلَهُ كَذَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ قَالَ لِلرُّمَاةِ مَنْ أَصَابَ الْهَدَفَ فَلَهُ كَذَا جَازَ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّنْفِيلِ، فَإِذَا كَانَ التَّنْفِيلُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَالسَّلَبِ وَنَحْوِهِ يَجُوزُ فَمَا ظَنُّك بِخَالِصِ مَالِهِ، وَعَلَى هَذَا الْفُقَهَاءُ إذَا تَنَازَعُوا فِي الْمَسَائِلِ وَشُرِطَ لِلْمُصِيبِ مِنْهُمْ جُعْلٌ جَازَ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْخَيْلِ إذْ التَّعَلُّمُ فِي الْبَابَيْنِ يَرْجِعُ إلَى تَقْوِيَةِ الدِّينِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ الْمُسَابَقَةِ الْحِلُّ؛ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ الْمَغْلُوبُ مِنْ الدَّفْعِ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي وَلَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يُصَلِّي عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ إلَخْ) لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ مِنْ التَّعْظِيمِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الدَّعَوَاتِ وَهِيَ زِيَادَةُ الرَّحْمَةِ وَالْقُرْبِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِمَنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ خَطَايَا وَالذُّنُوبُ إلَّا تَبَعًا بِأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْلَعِيٌّ. وَاخْتُلِفَ هَلْ تُكْرَهُ تَحْرِيمًا أَوْ تَنْزِيهًا أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى؟ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ الثَّانِيَ، لَكِنْ فِي خُطْبَةِ شَرْحِ الْأَشْبَاهِ لِلْبِيرِيِّ مَنْ صَلَّى عَلَى غَيْرِهِمْ أَثِمَ وَكُرِهَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الْمُسْتَصْفَى: وَحَدِيثُ «صَلَّى اللَّهُ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى» الصَّلَاةُ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى غَيْرِهِ ابْتِدَاءً أَمَّا الْغَيْرُ فَلَا اهـ. وَأَمَّا السَّلَامُ فَنَقَلَ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِ جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ عَنْ الْإِمَامِ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ، فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْغَائِبِ وَلَا يُفْرَدُ بِهِ غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا يُقَالُ عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ إلَّا فِي الْحَاضِرِ فَيُقَالُ السَّلَامُ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْك أَوْ عَلَيْكُمْ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ اهـ. أَقُولُ: وَمِنْ الْحَاضِرِ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي مَنْعِ السَّلَامِ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي عِلَّةِ مَنْعِ الصَّلَاةِ أَنَّ ذَلِكَ شِعَارُ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ فِي لِسَانِ السَّلَفِ بِالْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا أَنَّ قَوْلَنَا عَزَّ وَجَلَّ مَخْصُوصٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يُقَالُ مُحَمَّدٌ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ كَانَ عَزِيزًا جَلِيلًا ثُمَّ قَالَ اللَّقَانِيُّ: وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ، وَأَمِيلُ إلَيْهِ مَا قَالَهُ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ، وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ يَجِبُ تَخْصِيصُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ كَمَا يَخْتَصُّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عِنْدَ ذِكْرِهِ بِالتَّقْدِيسِ وَالتَّنْزِيهِ، وَيُذْكَرُ مَنْ سِوَاهُمْ بِالْغُفْرَانِ وَالرِّضَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ - وَأَيْضًا فَهُوَ أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا أَحْدَثَهُ الرَّافِضَةُ فِي بَعْضِ الْأَئِمَّةِ وَالتَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْبِدَعِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَتَجِبُ مُخَالَفَتُهُمْ اهـ. أَقُولُ: وَكَرَاهَةُ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْبِدَعِ مُقَرَّرَةٌ عِنْدَنَا أَيْضًا لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ فِي الْمَذْمُومِ وَفِيمَا قُصِدَ بِهِ التَّشَبُّهُ بِهِمْ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ قَوْلَانِ) قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ مِثْلُ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى بِهِ لِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَهُوَ مَرْحُومٌ قَطْعًا، فَيَكُونُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَقَدْ اسْتَغْنَيْنَا عَنْ هَذِهِ بِالصَّلَاةِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مِنْ أَشْوَقِ الْعِبَادِ إلَى مَزِيدِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعْنَاهَا مَعْنَى الصَّلَاةِ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ زَيْلَعِيٌّ. وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ قَالَ وَلَا يَقُولُ: ارْحَمْ مُحَمَّدًا وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ يَقُولُهُ لِلتَّوَارُثِ، وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْأَثَرَ وَرَدَ بِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَلِأَنَّ أَحَدًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 753 قُلْت: وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ وَجَوَّزَهُ السُّيُوطِيّ تَبَعًا لَا اسْتِقْلَالًا، فَلْيَكُنْ التَّوْفِيقُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (وَيُسْتَحَبُّ التَّرَضِّي لِلصَّحَابَةِ) وَكَذَا مَنْ اُخْتُلِفَ فِي نُبُوَّتِهِ كَذِي الْقَرْنَيْنِ وَلُقْمَانَ وَقِيلَ يُقَالُ صَلَّى اللَّهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُقَدِّمَةِ لِلْقَرْمَانِيِّ. (وَالتَّرَحُّمُ لِلتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ وَسَائِرِ الْأَخْيَارِ وَكَذَا يَجُوزُ عَكْسُهُ) التَّرَحُّمُ وَلِلصَّحَابَةِ وَالتَّرَضِّي لِلتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ (عَلَى الرَّاجِحِ) ذَكَرَهُ الْقَرْمَانِيُّ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْأَوْلَى أَنْ يَدْعُوَ لِلصَّحَابَةِ بِالتَّرَضِّي وَلِلتَّابِعِينَ بِالرَّحْمَةِ وَلِمَنْ بَعْدَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ وَالتَّجَاوُزِ (وَالْإِعْطَاءُ بِاسْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ لَا يَجُوزُ) أَيْ الْهَدَايَا بِاسْمِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ حَرَامٌ (وَإِنْ قَصَدَ تَعْظِيمَهُ) كَمَا يُعَظِّمُهُ الْمُشْرِكُونَ (يَكْفُرُ) قَالَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَبَدَ اللَّهَ خَمْسِينَ سَنَةً ثُمَّ أَهْدَى لِمُشْرِكٍ يَوْمَ النَّيْرُوزِ بَيْضَةً يُرِيدُ تَعْظِيمَ الْيَوْمِ فَقَدْ كَفَرَ وَحَبِطَ عَمَلُهُ اهـ وَلَوْ أَهْدَى لِمُسْلِمٍ وَلَمْ يُرِدْ تَعْظِيمَ الْيَوْمِ بَلْ جَرَى عَلَى عَادَةِ النَّاسِ لَا يَكْفُرُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَهُ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ نَفْيًا لِلشُّبْهَةِ وَلَوْ شَرَى فِيهِ مَا لَمْ يَشْتَرِهِ قَبْلَ   [رد المحتار] وَإِنْ جَلَّ قَدْرُهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ (قَوْلُهُ وَجَوَّزَهُ السُّيُوطِيّ تَبَعًا لَا اسْتِقْلَالًا) أَيْ مَضْمُومًا إلَى الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لَا وَحْدَهُ فَيَجُوزُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَلَا يَجُوزُ ارْحَمْ مُحَمَّدًا بِدُونِ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ فَلْيَكُنْ التَّوْفِيقُ) أَيْ يُحْمَلُ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ عَلَى التَّبَعِيَّةِ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِهِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يُقَالُ مَضْمُومًا إلَى الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ، فَلِذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ ابْتِدَاءً - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ قَالَ ط: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَسَامَحَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إيهَامِ نَقْصٍ اهـ. أَقُولُ: وَكَذَا عَفَا عَنْهُ وَإِنْ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَهُ أَنْ يُخَاطِبَ عَبْدَهُ بِمَا أَرَادَ كَمَا لَا يَلِيقُ أَنْ تُخَاطِبَ الرَّعِيَّةُ الْأُمَرَاءَ بِمَا تُخَاطِبُهُمْ بِهِ الْمُلُوكُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِلتَّرَحُّمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ التَّرَضِّي لِلصَّحَابَةِ) لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُبَالِغُونَ فِي طَلَبِ الرِّضَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَيَجْتَهِدُونَ فِي فِعْلِ مَا يُرْضِيهِ، وَيَرْضَوْنَ بِمَا يَلْحَقُهُمْ مِنْ الِابْتِلَاءِ مِنْ جِهَتِهِ أَشَدَّ الرِّضَا، فَهَؤُلَاءِ أَحَقُّ بِالرِّضَا وَغَيْرُهُمْ لَا يَلْحَقُ أَدْنَاهُمْ وَلَوْ أَنْفَقَ مِلْءَ الْأَرْضِ ذَهَبًا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا مَنْ اُخْتُلِفَ فِي نُبُوَّتِهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّ هَذَا أَيْ الدُّعَاءَ بِالصَّلَاةِ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنَّ الْأَرْجَحَ أَنْ يُقَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ مَرْتَبَةٌ غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُمَا نَبِيَّيْنِ اهـ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمَتْنِ: وَلَا يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَكَذَا كَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٍ السَّابِقُ أَنَّهُ لَا يُدْعَى لَهُ بِالصَّلَاةِ، لَكِنْ يَنْبَغِي عَدَمُ الْإِثْمِ بِهِ لِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُقَالُ إلَخْ) أَيْ لِتَكُونَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ تَبَعًا فَيَكُونُ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَهُوَ وَجِيهٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّبِيهِ (قَوْلُهُ وَالْعُبَّادِ) بِالضَّمِّ جَمْعُ عَابِدٍ (قَوْلُهُ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ إلَخْ) لَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ إلَّا فِي قَوْلِهِ وَلِمَنْ بَعْدَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ وَالتَّجَاوُزِ. [تَتِمَّةٌ] يُكْرَهُ الْجَدَلُ فِي أَنَّ لُقْمَانَ وَذَا الْقَرْنَيْنِ وَذَا الْكِفْلِ أَنْبِيَاءٌ أَمْ لَا، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْأَلُ الْإِنْسَانُ عَمَّا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ كَأَنْ يَقُولَ: كَيْفَ هَبَطَ جِبْرِيلُ وَعَلَى أَيِّ صُورَةٍ رَآهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحِينَ رَآهُ عَلَى صُورَةِ الْبَشَرِ هَلْ بَقِيَ مَلَكًا أَمْ لَا؟ وَأَيْنَ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ وَمَتَى السَّاعَةُ وَنُزُولُ عِيسَى؟ وَإِسْمَاعِيلُ أَفْضَلُ أَمْ إِسْحَاقُ وَأَيُّهُمَا الذَّبِيحُ؟ وَفَاطِمَةُ أَفْضَلُ مِنْ عَائِشَةَ أَمْ لَا؟ وَأَبَوَا النَّبِيِّ كَانَا عَلَى أَيِّ دِينٍ؟ وَمَا دِينُ أَبِي طَالِبٍ؟ وَمَنْ الْمَهْدِيُّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا تَجِبُ مَعْرِفَتُهُ وَلَمْ يَرِدُ التَّكْلِيفُ بِهِ. وَيَجِبُ ذِكْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَسْمَاءٍ مُعَظَّمَةٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ فَقِيرٌ غَرِيبٌ مِسْكِينٌ فَرِيدٌ طَوِيلٌ، وَيَجِبُ تَعْظِيمُ الْعَرَبِ خُصُوصًا أَهْلَ الْحَرَمَيْنِ خُصُوصًا أَوْلَادَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ خُصُوصًا أَوْلَادَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ مَقْدِسِيٌّ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ (قَوْلُهُ وَالْإِعْطَاءُ بِاسْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ) بِأَنْ يُقَالَ هَدِيَّةُ هَذَا الْيَوْمِ وَمِثْلُ الْقَوْلِ النِّيَّةُ فِيمَا يَظْهَرُ ط وَالنَّيْرُوزُ أَوَّلُ الرَّبِيعِ وَالْمِهْرَجَانُ أَوَّلُ الْخَرِيفِ وَهُمَا يَوْمَانِ يُعَظِّمُهُمَا بَعْضُ الْكَفَرَةِ وَيَتَهَادَوْنَ فِيهِمَا (قَوْلُهُ ثُمَّ أَهْدَى لِمُشْرِكٍ إلَخْ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 754 إنْ أَرَادَ تَعْظِيمَهُ كَفَرَ وَإِنْ أَرَادَ الْأَكْلَ كَالشُّرْبِ وَالتَّنْعِيمِ لَا يَكْفُرُ زَيْلَعِيٌّ (وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْقَلَانِسِ) غَيْرَ حَرِيرٍ وَكِرْبَاسٍ عَلَيْهِ إبْرَيْسَمَ فَوْقَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ سِرَاجِيَّةٌ وَصَحَّ أَنَّهُ حَرُمَ لُبْسُهَا (وَنُدِبَ لُبْسُ السَّوَادِ وَإِرْسَالُ ذَنَبِ الْعِمَامَةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ إلَى وَسَطِ الظَّهْرِ) وَقِيلَ لِمَوْضِعِ الْجُلُوسِ وَقِيلَ شِبْرٌ. (وَيُكْرَهُ) أَيْ لِلرِّجَالِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْكَرَاهِيَةِ (لُبْسُ الْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ) لِقَوْلِ «ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ وَقَالَ إيَّاكُمْ وَالْأَحْمَرَ فَإِنَّهُ زِيُّ الشَّيْطَانِ» وَيُسْتَحَبُّ التَّجَمُّلُ وَأَبَاحَ اللَّهُ الزِّينَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: 32]- الْآيَةَ وَخَرَجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رِدَاءٌ قِيمَتُهُ أَلْفُ دِينَارٍ زَيْلَعِيٌّ (وَلِلشَّابِّ الْعَالِمِ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الشَّيْخِ الْجَاهِلِ) وَلَوْ قُرَشِيًّا قَالَ تَعَالَى   [رد المحتار] قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اتَّخَذَ مَجُوسِيٌّ دَعْوَةً لِحَلْقِ رَأْسِ وَلَدِهِ فَحَضَرَ مُسْلِمٌ دَعْوَتَهُ فَأَهْدَى إلَيْهِ شَيْئًا لَا يَكْفُرُ، وَحُكِيَ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ مَجُوسِي سَرْبَلَ كَانَ كَثِيرَ الْمَالِ حَسَنَ التَّعَهُّدِ بِالْمُسْلِمِينَ، فَاِتَّخَذَ دَعْوَةً لِحَلْقِ رَأْسِ وَلَدِهِ، فَشَهِدَ دَعْوَتَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَهْدَى بَعْضُهُمْ إلَيْهِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى مُفْتِيهِمْ، فَكَتَبَ إلَى أُسْتَاذِهِ عَلِيٍّ السَّعْدِيِّ أَنْ أَدْرِكْ أَهْلَ بَلَدِك، فَقَدْ ارْتَدُّوا وَشَهِدُوا شِعَارَ الْمَجُوسِيِّ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَكَتَبَ إلَيْهِ إنَّ إجَابَةَ دَعْوَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مُطْلَقَةٌ فِي الشَّرْعِ وَمُجَازَاةُ الْإِحْسَانِ مِنْ الْمُرُوءَةِ وَحَلْقُ الرَّأْسِ لَيْسَ مِنْ شِعَارِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ وَالْحُكْمُ بِرِدَّةِ الْمُسْلِمِ بِهَذَا الْقَدْرِ لَا يُمْكِنُ وَالْأَوْلَى لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يُوَافِقُوهُمْ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ لِإِظْهَارِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ اهـ (قَوْلُهُ وَالتَّنْعِيمِ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَالتَّنَعُّمِ بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ) مِنْ الْبُؤْسِ أَيْ لَا شِدَّةَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ أَوْ مِنْ الْبَأْسِ وَهُوَ الْجَرَاءَةُ أَيْ لَا جَرَاءَةَ فِي مُبَاشَرَتِهِ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ فَاعِلَهُ لَا يُؤْجَرُ وَلَا يَأْثَمُ بِهِ حَمَوِيٌّ عَنْ الْمِفْتَاحِ اهـ ط. أَقُولُ: وَالْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا تَرْكُهُ أَوْلَى (قَوْلُهُ الْقَلَانِسِ) جَمْعِ قَلَنْسُوَةٍ بِفَتْحِ الْقَافِ ذَاتِ الْآذَانِ تَحْتَ الْعِمَامَةِ ط (قَوْلُهُ غَيْرِ حَرِيرٍ إلَخْ) رَدَّ عَلَى مِسْكِينٍ حَيْثُ قَالَ لَفْظُ الْجَمْعِ يَشْمَلُ قَلَنْسُوَةَ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْكِرْبَاسِ وَالسَّوْدَاءَ وَالْحَمْرَاءَ (قَوْلُهُ وَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَبِسَهَا) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَمِثْلُهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: أَيْ لَبِسَ الْقَلَانِسَ، وَقَدْ عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالزَّيْلَعِيُّ إلَى الذَّخِيرَةِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَصَحَّ أَنَّهُ حَرَّمَ لُبْسَهَا أَيْ قَلَانِسَ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَنُدِبَ لُبْسُ السَّوَادِ) لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي بَابِ الْغَنَائِمِ حَدِيثًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لُبْسَ السَّوَادِ مُسْتَحَبٌّ وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُجَدِّدَ اللَّفَّ لِعِمَامَتِهِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْفُضَهَا كَوْرًا كَوْرًا، فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْسَنُ مِنْ رَفْعِهَا عَنْ الرَّأْسِ، وَإِلْقَائِهَا فِي الْأَرْضِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ إرْسَالُ ذَنَبِ الْعِمَامَةِ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ وَقَالَ إيَّاكُمْ وَالْأَحْمَرَ) الَّذِي فِي الزَّيْلَعِيِّ: إيَّاكُمْ وَالْحُمْرَةَ فَإِنَّهَا زِيُّ الشَّيْطَانِ (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ التَّجَمُّلُ إلَخْ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدِهِ أَحَبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ» وَأَبُو حَنِيفَةَ كَانَ يَتَرَدَّى بِرِدَاءٍ قِيمَتُهُ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ، وَكَانَ يَأْمُرُ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ وَيَقُولُ: فَإِنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ إلَيْكُمْ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ " وَمُحَمَّدٌ كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ النَّفِيسَةَ وَيَقُولُ: إنَّ لِي نِسَاءً وَجِوَارِي فَأُزَيِّنُ نَفْسِي كَيْ لَا يَنْظُرُونَ إلَى غَيْرِي قِيلَ لِلشَّيْخِ: أَلَيْسَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَلْبَسُ قَمِيصًا عَلَيْهِ كَذَا رُقْعَةً فَقَالَ: فَعَلَ ذَلِكَ لِحِكْمَةٍ هِيَ أَنَّهُ كَانَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَعُمَّالُهُ يَقْتَدُونَ وَرُبَّمَا لَا يَكُونُ لَهُمْ مَالٌ، فَيَأْخُذُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ذَخِيرَةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ قِيمَتُهُ أَلْفُ دِينَارٍ) تَبِعَ الْمُصَنِّفَ وَاَلَّذِي فِي الزَّيْلَعِيِّ أَلْفٌ دِرْهَمٍ (قَوْلُهُ وَلِلشَّابِّ الْعَالِمِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَخْ) لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ فِي الصَّلَاةِ: وَهِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ: وَهِيَ تَالِيَةُ الْإِيمَانِ زَيْلَعِيٌّ. وَصَرَّحَ الرَّمْلِيُّ فِي فَتَاوَاهُ بِحُرْمَةِ تَقَدُّمِ الْجَاهِلِ عَلَى الْعَالِمِ، حَيْثُ أَشْعَرَ بِنُزُولِ دَرَجَتِهِ عِنْدَ الْعَامَّةِ لِمُخَالَفَتِهِ - {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]- إلَى أَنْ قَالَ وَهَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 755 {وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]- فَالرَّافِعُ هُوَ اللَّهُ فَمَنْ يَضَعْهُ يَضَعْهُ اللَّهُ فِي جَهَنَّمَ وَهُمْ أُولُو الْأَمْرِ عَلَى الْأَصَحِّ وَوَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ بِلَا خِلَافٍ. (اخْتَضَبَ لِأَجْلِ التَّزَيُّنِ لِلنِّسَاءِ وَالْجَوَارِي جَازَ) فِي الْأَصَحِّ وَيُكْرَهُ بِالسَّوَادِ وَقِيلَ لَا وَمَرَّ فِي الْخَطَرِ (كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مُتَّكِئًا) فِي الصَّحِيحِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ مُتَّكِئًا» مَجْمَعُ الْفَتَاوَى: (أَخَذَتْهُ الزَّلْزَلَةُ فِي بَيْتِهِ فَفَرَّ إلَى الْفَضَاءِ لَا يُكْرَهُ) بَلْ يُسْتَحَبُّ لِفِرَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحَائِطِ   [رد المحتار] مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَالْمُتَقَدِّمُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً فَيُعَزَّرُ (قَوْلُهُ فَمَنْ يَضَعُهُ) أَيْ يَضَعُ الْعَالِمَ (قَوْلُهُ وَهُمْ أُولُو الْأَمْرِ عَلَى الْأَصَحِّ) أَيْ مِنْ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ - {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. وَفِي الْمِنَحِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَقَالَ الزندويستي حَقُّ الْعَالِمِ عَلَى الْجَاهِلِ وَحَقُّ الْأُسْتَاذِ عَلَى التِّلْمِيذِ وَاحِدٌ عَلَى السَّوَاءِ وَهُوَ أَنْ لَا يَفْتَحَ الْكَلَامَ قَبْلَهُ وَلَا يَجْلِسَ مَكَانَهُ، وَإِنْ غَابَ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ كَلَامَهُ وَلَا يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ فِي مَشْيِهِ، وَحَقُّ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنْ تُطِيعَهُ فِي كُلِّ مُبَاحٍ، وَعَنْ خَلَفٍ أَنَّهُ وَقَعَتْ زَلْزَلَةٌ فَأَمَرَ الطَّلَبَةَ بِالدُّعَاءِ فَقِيلَ لَهُ فِيهِ فَقَالَ: خَيْرُهُمْ خَيْرٌ مِنْ خَيْرِ غَيْرِهِمْ وَشَرُّهُمْ خَيْرٌ مِنْ شَرِّ غَيْرِهِمْ (قَوْلُهُ جَازَ فِي الْأَصَحِّ) وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَقَدْ قَالَ: يُعْجِبُنِي أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي امْرَأَتِي كَمَا يُعْجِبُهَا أَنْ أَتَزَيَّنَ لَهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ فِي عُمْرِهِ وَالْأَصَحُّ لَا وَفَصَّلَ فِي الْمُحِيطِ بَيْنَ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ: إنَّهُ مَكْرُوهٌ وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَهُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، أَمَّا بِالْحُمْرَةِ فَهُوَ سُنَّةُ الرِّجَالِ وَسِيَّمَا الْمُسْلِمِينَ اهـ مِنَحٌ مُلَخَّصًا وَفِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ لِلْأَكْمَلِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَضَّبَ فِي وَقْتٍ، وَتَرَكَهُ فِي مُعْظَمِ الْأَوْقَاتِ، وَمَذْهَبُنَا أَنَّ الصَّبْغَ بِالْحِنَّاءِ وَالْوَسْمَةِ حَسَنٌ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ خِضَابِ الشَّيْبِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِصُفْرَةٍ أَوْ حُمْرَةٍ وَتَحْرِيمُ خِضَابِهِ بِالسَّوَادِ عَلَى الْأَصَحِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «غَيِّرُوا هَذَا الشَّيْبَ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ» اهـ قَالَ الْحَمَوِيُّ وَهَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْغُزَاةِ وَلَا يَحْرُمُ فِي حَقِّهِمَا لِلْإِرْهَابِ وَلَعَلَّهُ مَحْمَلٌ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ ط (قَوْلُهُ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مُتَّكِئًا فِي الصَّحِيحِ) قَدَّمْنَا فِي الْحَظْرِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْمُخْتَارِ أَيْ فَتَرْكُهُ أَوْلَى وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ تَكَبُّرٍ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ إلَخْ) الَّذِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا آكُلُ مُتَّكِئًا» قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ عَنْ النَّسَائِيّ قَالَ «مَا رُئِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْكُلُ مُتَّكِئًا قَطُّ» ، لَكِنْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ «أَنَّهُ أَكَلَ مُتَّكِئًا مَرَّةً» فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ زِيَادَةٌ مَقْبُولَةٌ، وَيُؤَيِّدُهَا مَا أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ شَاهِينَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ جِبْرِيلَ «رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْكُلُ مُتَّكِئًا فَنَهَاهُ» ، وَفَسَّرَ الْأَكْثَرُونَ الِاتِّكَاءَ بِالْمَيْلِ عَلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْآكِلِ وَوَرَدَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ «زَجْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى عِنْدَ الْأَكْلِ» قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الِاتِّكَاءِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِصِفَةٍ بِعَيْنِهَا اهـ مُلَخَّصًا وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ مُتَّكِئًا فَقَدْ تَرَكَهُ لِمَا نَهَى عَنْهُ، فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْجَوَازِ؛ نَعَمْ ذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ عَامٌّ قَالَ الْعَلْقَمِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: اُخْتُلِفَ فِي صِفَةِ الِاتِّكَاءِ فَقِيلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ فِي الْجُلُوسِ لِلْأَكْلِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ، وَقِيلَ: أَنْ يَمِيلَ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ وَقِيلَ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى مِنْ الْأَرْضِ وَالْأَوَّلُ الْمُعْتَمَدُ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْقَوْلَيْنِ وَالْحِكْمَةُ فِي تَرْكِهِ أَنَّهُ مِنْ فِعْلِ مُلُوكِ الْعَجَمِ وَالْمُتَعَظَّمِينَ، وَأَنَّهُ أَدْعَى إلَى كَثْرَةِ الْأَكْلِ، وَأَحْسَنُ الْجِلْسَاتِ لِلْأَكْلِ الْإِقْعَاءُ عَلَى الْوَرِكَيْنِ، وَنَصْبُ الرُّكْبَتَيْنِ ثُمَّ الْجُثُوُّ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَظُهُورِ الْقَدَمَيْنِ ثُمَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 756 الْمَائِلِ (وَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَلْدَةٍ بِهَا الطَّاعُونُ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ وَيَدْخُلَ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ نَجَا وَلَوْ دَخَلَ اُبْتُلِيَ بِهِ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ) فَلَا يَدْخُلُ وَلَا يَخْرُجُ صِيَانَةً لِاعْتِقَادِهِ وَعَلَيْهِ حُمِلَ النَّهْيُ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ مَجْمَعُ الْفَتَاوَى. (فَقِيهٌ فِي بَلْدَةٍ لَيْسَ فِيهَا غَيْرُهُ أَفْقَهُ مِنْهُ يُرِيدُ أَنْ يَغْزُوَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) بَزَّازِيَّةٌ وَغَيْرُهَا (قَضَى الْمَدْيُونُ الدِّينَ الْمُؤَجَّلَ قَبْلَ الْحُلُولِ أَوْ مَاتَ) فَحَلَّ بِمَوْتِهِ (فَأَخَذَ مِنْ تَرِكَتِهِ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْمُرَابَحَةِ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَهُمَا إلَّا بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْ الْأَيَّامِ وَهُوَ جَوَابُ الْمُتَأَخِّرِينَ) قُنْيَةٌ وَبِهِ أَفْتَى الْمَرْحُومُ أَبُو السُّعُودِ أَفَنْدِي مُفْتِي الرُّومِ وَعَلَّلَهُ بِالرِّفْقِ لِلْجَانِبَيْنِ وَقَدْ قَدَّمْتُهُ قَبْلَ فَصْلِ الْقَرْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَرْعٌ] فِي آخِرِ الْكَنْزِ يَنْبَغِي لِحَافِظِ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَنْ يَخْتِمَ مَرَّةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. كِتَابُ الْفَرَائِضِ هِيَ عِلْمٌ بِأُصُولٍ مِنْ فِقْهٍ وَحِسَابٍ تُعَرِّفُ حَقَّ كُلٍّ مِنْ التَّرِكَةِ وَالْحُقُوقُ هَاهُنَا خَمْسَةٌ بِالِاسْتِقْرَاءِ لِأَنَّ الْحَقَّ إمَّا لِلْمَيِّتِ أَوْ عَلَيْهِ أَوْ لَا وَلَا: الْأَوَّلُ التَّجْهِيزُ وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ وَهُوَ الدِّينُ الْمُطْلَقُ أَوْ لَا وَهُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِالْعَيْنِ   [رد المحتار] نَصْبُ الرِّجْلِ الْيُمْنَى، وَالْجُلُوسُ عَلَى الْيُسْرَى وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَلْدَةٍ بِهَا الطَّاعُونُ) الْمُنَاسِبُ زِيَادَةُ أَوْ دَخَلَ لِيُنَاسِبَ مَا بَعْدَهُ ط (قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) هَذَا فِي غَيْرِ الْجِهَادِ الْمُتَعَيِّنِ، لِأَنَّ نَفْعَهُ لِلْمُسْلِمِينَ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ الْجِهَادِ حَيْثُ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ (قَوْلُهُ قَضَى الْمَدْيُونُ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا، فَقَضَاهُ الْمَدْيُونُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ يُجْبَرُ الدَّائِنُ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْمُرَابَحَةِ إلَخْ) صُورَتُهُ: اشْتَرَى شَيْئًا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا وَبَاعَهُ لِآخَرَ بِعِشْرِينَ إلَى أَجَلٍ هُوَ عَشَرَةُ أَشْهُرٍ، فَإِذَا قَضَاهُ بَعْدَ تَمَامِ خَمْسَةٍ أَوْ مَاتَ بَعْدَهَا يَأْخُذُ خَمْسَةً، وَيَتْرُكُ خَمْسَةً ط. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ مَا لَوْ أَقْرَضَهُ وَبَاعَهُ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَأَجَّلَ ذَلِكَ، فَيُحْسَبُ لَهُ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ بِقَدْرِ مَا مَضَى فَقَطْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَلَّلَهُ إلَخْ) عَلَّلَهُ الْحَانُوتِيُّ بِالتَّبَاعُدِ عَنْ شُبْهَةِ الرِّبَا، لِأَنَّهَا فِي بَابِ الرِّبَا مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ وَوُجِّهَ أَنَّ الرِّبْحَ فِي مُقَابَلَةِ الْأَجَلِ، لِأَنَّ الْأَجَلَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا، وَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لَكِنْ اعْتَبَرُوهُ مَالًا فِي الْمُرَابَحَةِ إذَا ذُكِرَ الْأَجَلُ بِمُقَابَلَةِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ، فَلَوْ أَخَذَ كُلَّ الثَّمَنِ قَبْلَ الْحُلُولِ كَانَ أَخْذُهُ بِلَا عِوَضٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [كِتَابُ الْفَرَائِضِ] مُنَاسَبَتُهُ لِلْوَصِيَّةِ أَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَلِوُقُوعِهَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، وَقِسْمَةُ الْمِيرَاثِ بَعْدَهُ وَلِذَا أُخِّرَ عَنْهَا، ثُمَّ الْفَرَائِضُ جَمْعُ فَرِيضَةٍ: وَهِيَ مَا يُفْتَرَضُ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَفَرَائِضُ الْإِبِلِ مَا يُفْرَضُ كَبِنْتِ مَخَاضٍ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، وَقَدْ سُمِّيَ بِهَا كُلُّ مُقَدَّرٍ فَقِيلَ لِأَنْصِبَاءِ الْمَوَارِيثِ فَرَائِضُ، لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ لِأَصْحَابِهَا ثُمَّ قِيلَ لِلْعِلْمِ بِمَسَائِلِ الْمِيرَاثِ عِلْمُ الْفَرَائِضِ وَلِلْعَالِمِ بِهِ فَرْضِيٌّ وَفَارِضٌ وَفَرَّاضٌ مُعْرِبٌ (قَوْلُهُ هِيَ عِلْمٌ بِأُصُولٍ إلَخْ) أَيْ قَوَاعِدَ وَضَوَابِطَ تُعَرِّفُ أَيْ تِلْكَ الْأُصُولُ حَقَّ كُلٍّ أَيْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ: أَيْ قَدْرَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ التَّرِكَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ تِلْكَ الْأُصُولِ الْمَوْصُوفَةِ بِمَا ذُكِرَ الْأُصُولُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَنْعِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَالْحَجْبِ، بَلْ هِيَ الْعُمْدَةُ فِي ذَلِكَ إذْ بِدُونِهَا لَا تُعْرَفُ الْحُقُوقُ، وَلِذَا قَالُوا مَنْ لَا مَهَارَةَ لَهُ بِهَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْسِمَ فَرِيضَةً، وَدَخَلَ فِيهَا مَعْرِفَةُ كَوْنِ الْوَارِثِ ذَا فَرْضٍ أَوْ عَصَبَةً أَوْ ذَا رَحِمٍ، وَمَعْرِفَةُ أَسْبَابِ الْمِيرَاثِ وَالضَّرْبِ وَالتَّصْحِيحِ وَالْعَوْلِ وَالرَّدِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَافْهَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 757 وَالثَّالِثُ إمَّا اخْتِيَارِيٌّ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ أَوْ اضْطِرَارِيٌّ وَهُوَ الْمِيرَاثُ وَسُمِّيَ فَرَائِضَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَسَمَهُ بِنَفْسِهِ وَأَوْضَحَهُ وُضُوحَ النَّهَارِ بِشَمْسِهِ وَلِذَا سَمَّاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِصْفَ الْعِلْمِ لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ لَا غَيْرُ. وَأَمَّا غَيْرُهُ فَبِالنَّصِّ تَارَةً وَبِالْقِيَاسِ أُخْرَى وَقِيلَ لِتَعَلُّقِهِ بِالْمَوْتِ وَغَيْرُهُ بِالْحَيَاةِ أَوْ بِالضَّرُورِيِّ وَغَيْرُهُ بِالِاخْتِيَارِيِّ وَهَلْ إرْثُ الْحَيِّ مِنْ الْحَيِّ أَمْ مِنْ   [رد المحتار] وَالْمُرَادُ بِالْفَرَائِضِ السِّهَامُ الْمُقَدَّرَةُ كَمَا مَرَّ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَصَبَاتُ، وَذُو الرَّحِمِ لِأَنَّ سِهَامَهُمْ مُقَدَّرَةٌ وَإِنْ كَانَتْ بِتَقْدِيرٍ غَيْرِ صَرِيحٍ. ، وَمَوْضُوعُهُ: التَّرِكَاتُ، وَغَايَتُهُ: إيصَالُ الْحُقُوقِ لِأَرْبَابِهَا، وَأَرْكَانُهُ: ثَلَاثَةٌ وَارِثٌ وَمُورَثٌ وَمَوْرُوثٌ. وَشُرُوطُهُ: ثَلَاثَةٌ: مَوْتٌ مُوَرِّثٍ حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا كَمَفْقُودٍ، أَوْ تَقْدِيرًا كَجَنِينٍ فِيهِ غُرَّةٌ وَوُجُودُ وَارِثِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ حَيًّا حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا كَالْحَمْلِ وَالْعِلْمِ بِجِهَةِ إرْثِهِ، وَأَسْبَابِهِ وَمَوَانِعِهِ سَيَأْتِي وَأُصُولُهُ: ثَلَاثَةٌ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فِي إرْثِ أُمِّ الْأُمِّ بِشَهَادَةِ الْمُغِيرَةِ وَابْنِ سَلَمَةَ، وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ فِي إرْثِ أُمِّ الْأَبِ بِاجْتِهَادِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الدَّاخِلِ فِي عُمُومِ الْإِجْمَاعِ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ هُنَا خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ فِي أُمِّ الْأَبِ وَقَدْ عَلِمْت جَوَابَهُ وَاسْتِمْدَادَهُ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ أَفَادَهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى (قَوْلُهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَسَمَهُ) الْأَوْلَى قَدَّرَهُ كَمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لِأَنَّهُ مَعْنَى الْفَرْضِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِنَفْسِهِ) أَيْ وَلَمْ يُفَوِّضْ تَقْدِيرَهُ إلَى مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، وَلَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّ النُّصُوصَ فِيهَا مُجْمَلَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97]- وَإِنَّمَا السُّنَّةُ بَيَّنَتْهَا زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ لَا غَيْرُ) أَرَادَ بِالنَّصِّ مَا يَشْمَلُ الْإِجْمَاعَ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ فَإِنَّهُ لَا يَجْرِي فِي الْمَوَارِيثِ لِأَنَّهُ لَا مَجَالَ لَهُ فِي الْمُقَدَّرَاتِ لِخَفَاءِ وَجْهِ الْحِكْمَةِ فِي التَّخْصِيصِ بِمِقْدَارٍ دُونَ آخَرَ ثُمَّ إنَّ هَذَا عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَوْ لِثُبُوتِهِ فَيَكُونُ عِلَّةً ثَانِيَةً لِتَسْمِيَتِهِ نِصْفَ الْعِلْمِ وَقِيلَ فِي وَجْهِ التَّسْمِيَةِ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ، وَقِيلَ أَنَّهُ مِمَّا لَا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ فَتَصْدُقُ بِأَنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ، وَلَا نَبْحَثُ عَنْ وَجْهِهِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَوْجُهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النِّصْفَ يُرَادُ بِهِ أَحَدُ قِسْمَيْ الشَّيْءِ، فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَهُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا نِصْفٌ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَّحِدْ عَدَدُهُمَا، وَمِنْهُ حَدِيثُ أَحْمَدَ «الطَّهُورُ نِصْفُ الْإِيمَانِ» ، وَقَوْلُ الْعَرَبِ: نِصْفُ السَّنَةِ حَضَرٌ وَنِصْفُهَا سَفَرٌ أَيْ تَنْقَسِمُ زَمَانَيْنِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ عِدَّتُهُمَا، وَقَوْلُ شُرَيْحٍ وَقَدْ قِيلَ لَهُ كَيْفَ أَصْبَحْت فَقَالَ: أَصْبَحْت وَنِصْفُ النَّاسِ عَلَيَّ غَضْبَانُ يُرِيدُ أَنَّهُمْ بَيْنَ مَحْكُومٍ لَهُ رَاضٍ وَمَحْكُومٌ عَلَيْهِ غَضْبَانُ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: إذَا مِتّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَانِ شَامِتٌ ... وَآخَرُ رَاضٍ بِاَلَّذِي كُنْت أَصْنَعُ وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ: الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ نِصْفُ الْوُضُوءِ: أَيْ أَنَّهُ نَوْعَانِ مُطَهِّرٌ لِبَعْضِ الْبَاطِنِ، وَمُطَهَّرٌ لِبَعْضِ الظَّاهِرِ، أَفَادَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ (قَوْلُهُ بِالنَّصِّ) أَرَادَ بِهِ مَا يَعُمُّ الْإِجْمَاعَ (قَوْلُهُ أَوْ بِالضَّرُورِيِّ) أَيْ الْإِرْثِ وَالِاخْتِيَارِيِّ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ وَهَلْ إرْثُ الْحَيِّ مِنْ الْحَيِّ إلَخْ) أَيْ قُبَيْلَ الْمَوْتِ فِي آخِرِ جَزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ زُفَرَ وَمَشَايِخِ الْعِرَاقِ، وَالثَّانِي قَوْلُ الصَّاحِبَيْنِ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ تَزَوَّجَ بِأَمَةِ مُوَرِّثِهِ، وَلَا وَارِثَ غَيْرُهُ فَقَالَ لَهَا: إذَا مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَعَلَى الْأَوَّلِ تَعْتِقُ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى الْمَوْتِ وَالْمِلْكُ ثَابِتٌ لَهُ قَبْلَهُ، وَعَلَى الثَّانِي لَا تَعْتِقُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ بَعْدَهُ أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَتَظْهَرُ الثَّمَرَةُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ عَلَّقَ الْوَارِثُ طَلَاقَهَا بِمَوْتِ مَوْلَاهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْبِيرِيُّ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 758 الْمَيِّتِ؟ الْمُعْتَمَدُ: الثَّانِي شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ (يَبْدَأُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْخَالِيَةِ عَنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِعَيْنِهَا كَالرَّهْنِ وَالْعَبْدِ الْجَانِي) وَالْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ وَالْمَبِيعِ الْمَحْبُوسِ بِالثَّمَنِ وَالدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ عَلَى التَّكْفِينِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْمَالِ قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ تَرِكَةً (بِتَجْهِيزِهِ) يَعُمُّ التَّكْفِينُ (مِنْ غَيْرِ تَقْتِيرٍ وَلَا تَبْذِيرٍ)   [رد المحتار] أَقُولُ: وَبِهِ تَظْهَرُ فَائِدَةُ تَصْوِيرِهَا بِالزَّوْجِ وَإِلَّا فَتَعْلِيقُ الْعِتْقِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ الْمُعْتَمَدُ الثَّانِي) وَكَذَا ذَكَرَ الطَّرَابُلُسِيُّ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ أَنَّ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ الْخَالِيَةِ إلَخْ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لِأَنَّ تَرَكَهُ الْمَيِّتُ مِنْ الْأَمْوَالِ صَافِيًا عَنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِعَيْنٍ مِنْ الْأَمْوَالِ كَمَا فِي شُرُوحِ السِّرَاجِيَّةِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي التَّرِكَةِ الدِّيَةُ الْوَاجِبَةُ بِالْقَتْلِ الْخَطَأِ أَوْ بِالصُّلْحِ عَنْ الْعَمْدِ أَوْ بِانْقِلَابِ الْقِصَاصِ مَالًا بِعَفْوِ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ، فَتُقْضَى مِنْهُ دُيُونُ الْمَيِّتِ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ بِعَيْنِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَعَلَّقَ (قَوْلُهُ كَالرَّهْنِ إلَخْ) مِثَالٌ لِلْعَيْنِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ إذَا رَهَنَ شَيْئًا وَسَلَّمَهُ وَلَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ فَدَيْنُ الْمُرْتَهِنِ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّجْهِيزِ فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَهُ شَيْءٌ صُرِفَ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَالْعَبْدُ الْجَانِي) أَيْ فِي حَيَاةِ مَوْلَاهُ وَلَا مَالِ لَهُ سِوَاهُ فَإِنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْمَوْلَى إلَّا أَنْ يَفْضُلَ بَعْدَ أَرْشِ الْجِنَايَةِ شَيْءٌ. [تَنْبِيهٌ] لَوْ كَانَ الْعَبْدُ الْجَانِي هُوَ الْمَرْهُونَ قُدِّمَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ أَقْوَى لِثُبُوتِهِ عَلَى ذِمَّةِ الْعَبْدِ، وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ وَمُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ لَا فِي ذِمَّتِهِ ذَكَرَهُ يَعْقُوبْ بَاشَا فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِلسَّيِّدِ الشَّرِيفِ (قَوْلُهُ وَالْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ) أَيْ فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ قَدَّمَ الْغُرَمَاءَ عَلَى التَّجْهِيزِ (قَوْلُهُ وَالْمَبِيعِ الْمَحْبُوسِ بِالثَّمَنِ) كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَمَاتَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ، فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِالْعَبْدِ مِنْ تَجْهِيزِ الْمُشْتَرِي. قَالَ يَعْقُوبْ بَاشَا: أَمَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَمَاتَ عَاجِزًا عَنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِرُجُوعِهِ لَا مُطْلَقًا، بَلْ إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ كَمَا إذَا كَاتَبَهُ الْمُشْتَرَى أَوْ رَهَنَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَهُ أَوْ جَنَى ذَلِكَ الْمَبِيعُ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ لِمَانِعٍ قَوِيٍّ، حَتَّى لَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَعَادَ إلَى الرِّقِّ أَوْ فَكَّ الرَّهْنَ أَوْ فُدِيَ مِنْ الْجِنَايَةِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ لِزَوَالِ ذَلِكَ الْمَانِعِ اهـ وَنَقَلَ مِثْلَهُ ط عَنْ حَاشِيَةِ عَجَمْ زَادَهْ عَلَى شَرْحِ السَّيِّدِ ثُمَّ قَالَ وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ الْبَائِعَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ عِنْدَنَا اهـ أَيْ فِيمَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ إلَّا خِلَافَ الشَّافِعِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ قُبَيْلَ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا مَأْخُوذٌ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. (قَوْلُهُ وَالدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ) فَإِنَّهُ إذَا أَعْطَى الْأُجْرَةَ أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ الْآجِرُ صَارَتْ الدَّارُ هُنَا بِالْأُجْرَةِ سَيِّدٌ قَالَ ط: زَادَ فِي رُوحِ الشُّرُوحِ عَلَى مَا ذُكِرَ الْعَبْدُ الَّذِي جُعِلَ مَهْرًا يَعْنِي إذَا مَاتَ الزَّوْجُ وَهُوَ فِي يَدِهِ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ فَإِنَّ الزَّوْجَةَ تُقَدَّمُ عَلَى تَجْهِيزِ الزَّوْجِ، وَالْمَقْبُوضُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا مَاتَ الْبَائِعُ قَبْلَ الْفَسْخِ: أَيْ فَإِنَّ الْمُشْتَرَى مُقَدَّمٌ عَلَى تَجْهِيزِ الْبَائِعِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ إلَخْ) أَيْ هَذِهِ الْحُقُوقُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَذِهِ الْأَعْيَانِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ حَقٍّ يُقَدَّمُ فِي الْحَيَاةِ يُقَدَّمُ فِي الْوَفَاةِ دُرٌّ مُنْتَقًى، وَتَقْدِيمُهَا عَلَى التَّجْهِيزِ هُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الْمِعْرَاجِ، وَكَذَا شُرَّاحُ الْكَنْزِ وَالسِّرَاجِيَّةُ بَلْ حَكَى بَعْضُ شُرَّاحِ السِّرَاجِيَّةِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، فَمَا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ رِوَايَةٌ وَأَنَّ الصَّحِيحَ تَقْدِيمُ التَّجْهِيزِ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى مَنْظُورٌ فِيهِ، بَلْ تَعْلِيلُهُمْ يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَرِكَةٍ أَصْلًا اهـ أَيْ فَلَا يَرِدُ عَلَى إطْلَاقِ الْمُتُونِ مِنْ أَنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ التَّرِكَةِ بِالتَّجْهِيزِ (قَوْلُهُ بِتَجْهِيزِهِ) وَكَذَا تَجْهِيزُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، كَوَلَدٍ مَاتَ قَبْلَهُ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ وَكَزَوْجَتِهِ، وَلَوْ غَنِيَّةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ دُرٌّ مُنْتَقًى. (قَوْلُهُ يَعُمُّ التَّكْفِينُ) كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ قَوْلَ السِّرَاجِيَّةِ: يَبْدَأُ بِتَكْفِينِهِ وَتَجْهِيزِهِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ تَقْتِيرٍ وَلَا تَبْذِيرٍ) التَّقْتِيرُ هُوَ التَّقْصِيرِ وَالتَّبْذِيرُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَشْهُورِ بِمَعْنَى الْإِسْرَافِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا وَهُوَ أَنَّ الْإِسْرَافَ صَرْفُ الشَّيْءِ فِيمَا يَنْبَغِي زَائِدًا عَلَى مَا يَنْبَغِي، وَالتَّبْذِيرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 759 كَكَفَنِ السُّنَّةِ أَوْ قَدْرِ مَا كَانَ يَلْبَسُهُ فِي حَيَاتِهِ وَلَوْ هَلَكَ كَفَنُهُ فَلَوْ قَبْلَ تَفَسُّخِهِ كُفِّنَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَكُلُّهُ مِنْ كُلِّ مَالِهِ (ثُمَّ) تُقَدَّمُ (دُيُونُهُ الَّتِي لَهَا مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ) وَيُقَدَّمُ دَيْنُ الصِّحَّةِ عَلَى دَيْنِ الْمَرَضِ إنْ جُهِلَ سَبَبُهُ وَإِلَّا فَسِيَّانِ كَمَا بَسَطَهُ السَّيِّدُ، (وَأَمَّا دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ أَوْصَى بِهِ وَجَبَ تَنْفِيذُهُ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي وَإِلَّا لَا ثُمَّ) تُقَدَّمُ (وَصِيَّتُهُ)   [رد المحتار] صَرْفُهُ فِيمَا لَا يَنْبَغِي صَرَّحَ بِهِ الْكَرْمَانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ يَعْقُوبَ، وَعَلَيْهِ فَالْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِالْإِسْرَافِ بَدَلَ التَّبْذِيرِ مُوَافِقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان: 67]- لَكِنَّهُ رَاعَى الْمَشْهُورَ (قَوْلُهُ كَكَفَنِ السُّنَّةِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ وَقَوْلُهُ أَوْ قَدْرِ مَا كَانَ يَلْبَسُهُ فِي حَيَاتِهِ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ، وَأَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ قَالَ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ: ثُمَّ الْإِسْرَافُ نَوْعَانِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ بِأَنْ يُزَادَ فِي الرَّجُلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ، وَفِي الْمَرْأَةِ عَلَى خَمْسَةٍ وَمِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ بِأَنْ يُكَفَّنَ فِيمَا قِيمَتُهُ تِسْعُونَ، وَقِيمَةُ مَا يَلْبَسُهُ فِي حَيَاتِهِ سِتُّونَ مَثَلًا وَالتَّقْتِيرُ أَيْضًا نَوْعَانِ عَكْسُ الْإِسْرَافِ عَدَدًا وَقِيمَةً اهـ وَهَذَا إذَا لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ، فَلَوْ أَوْصَى تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ عَلَى كَفَنِ الْمِثْلِ مِنْ الثُّلُثِ، وَكَذَا لَوْ تَبَرَّعَ الْوَرَثَةُ بِهِ أَوْ أَجْنَبِيٌّ، فَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ لَا الْعَدَدُ، وَهَلْ لِلْغُرَمَاءِ الْمَنْعُ مِنْ كَفَنِ الْمِثْلِ قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ نَعَمْ دُرٌّ مُنْتَقًى: أَيْ فَيُكَفَّنُ بِكَفَنِ الْكِفَايَةِ وَهُوَ ثَوْبَانِ لِلرَّجُلِ وَثَلَاثَةٌ لِلْمَرْأَةِ ابْنُ كَمَالٍ. (قَوْلُهُ أَوْ قَدْرِ مَا كَانَ يَلْبَسُهُ فِي حَيَاتِهِ) أَيْ مِنْ أَوْسَطِ ثِيَابِهِ، أَوْ مِنْ الَّذِي كَانَ يَتَزَيَّنُ بِهِ فِي الْأَعْيَادِ وَالْجُمَعِ وَالزِّيَارَاتِ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ هَلَكَ كَفَنُهُ إلَخْ) قَالَ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ: وَإِذَا نُبِشَ قَبْرُ الْمَيِّتِ وَأُخِذَ كَفَنُهُ يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَلَوْ ثَالِثًا أَوْ رَابِعًا مَا دَامَ طَرِيًّا وَلَا يُعَادُ غَسْلُهُ وَلَا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَفَسَّخَ يُلَفُّ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَصْلِ مَالِهِ عِنْدَنَا، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغُرَمَاءُ قَدْ قَبَضُوا التَّرِكَةَ، فَلَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ قَدْ قَسَمَ مَالَهُ، فَعَلَ كُلُّ وَارِثٍ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ دُونَ الْغُرَمَاءِ، وَأَصْحَابِ الْوَصَايَا لِأَنَّهُمْ أَجَانِبُ، وَلَا تُجْبَرُ الْوَرَثَةُ عَلَى قَبُولِ كَفَنِ مُتَبَرِّعٍ، لِأَنَّ فِيهِ لُحُوقَ الْعَارِ بِهِمْ إلَّا إذَا كَانَ الْوَرَثَةُ صِغَارًا، فَحِينَئِذٍ لَوْ رَأَى الْإِمَامُ مَصْلَحَةً يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يَخْتَارُوا الْقِيَامَ بِأَنْفُسِهِمْ فَحِينَئِذٍ هُمْ أَوْلَى بِهِ اهـ أَيْ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْكِبَارُ مِنْهُمْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيُقَدَّمُ دَيْنُ الصِّحَّةِ) هُوَ مَا كَانَ ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ مُطْلَقًا أَوْ بِالْإِقْرَارِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ط. وَقَدْ يُرَجَّحُ بَعْضُهُ كَدَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى مُكَاتَبٍ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ يُقَدَّمُ عَلَى دَيْنِ الْمَوْلَى وَكَالدَّيْنِ الثَّابِتِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الثَّابِتِ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَيْهِ وَالدَّيْنُ الثَّابِتُ بِدَعْوَى الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ يُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ الثَّابِتِ عَلَيْهِ بِدَعْوَى كَافِرٍ إذَا كَانَ شُهُودُهُمَا كَافِرَيْنِ، أَوْ شُهُودُ الْكَافِرِ فَقَطْ أَمَّا إذَا كَانَ شُهُودُهُمَا مُسْلِمِينَ أَوْ شُهُودُ الْكَافِرِ فَقَطْ، فَهُمَا سَوَاءٌ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ لِلرَّمْلِيِّ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَلَى دَيْنِ الْمَرَضِ) هُوَ مَا كَانَ ثَابِتًا بِإِقْرَارِهِ فِي مَرَضِهِ أَوْ فِيمَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمَرَضِ كَإِقْرَارِ مَنْ خَرَجَ لِلْمُبَارَزَةِ أَوْ أُخْرِجَ لِلْقَتْلِ قِصَاصًا أَوْ لِيُرْجَمَ ط عَنْ عَجَمْ زَادَهْ (قَوْلُهُ إنْ جُهِلَ سَبَبُهُ) أَمَّا إذَا عُلِمَ بِأَنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ عُلِمَ ثُبُوتُهُ بِطَرِيقِ الْمُعَايَنَةِ، كَمَا يَجِبُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ مَلَكَهُ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ كَانَ ذَلِكَ بِالْحَقِيقَةِ مِنْ دَيْنِ الصِّحَّةِ إذْ قَدْ عُلِمَ وُجُوبُهُ بِغَيْرِ إقْرَارِهِ، فَلِذَلِكَ سَاوَاهُ فِي الْحُكْمِ اهـ سَيِّدٌ (قَوْلُهُ وَأَمَّا دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ وَذَلِكَ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَنَحْوِهَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ فَلَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَدَاؤُهَا إلَّا إذَا أَوْصَى بِهَا؛ أَوْ تَبَرَّعُوا بِهَا هُمْ مِنْ عِنْدِهِمْ، لِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الْعِبَادَاتِ نِيَّةُ الْمُكَلَّفِ وَفِعْلُهُ، وَقَدْ فَاتَ بِمَوْتِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الْوَاجِبِ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ، أَقُولُ: وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَوْ تَبَرَّعُوا بِهَا لَا يَسْقُطُ الْوَاجِبُ عَنْهُ لِعَدَمِ النِّيَّةِ مِنْهُ وَلِأَنَّ فِعْلَهُمْ لَا يَقُومُ مَقَامَ فِعْلِهِ بِدُونِ إذْنِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي) أَيْ الْفَاضِلِ عَنْ الْحُقُوقِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَعَنْ دَيْنِ الْعِبَادِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ لَوْ اجْتَمَعَ مَعَ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى. (قَوْلُهُ ثُمَّ تَقَدَّمَتْ وَصِيَّتُهُ) أَيْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 760 وَلَوْ مُطْلَقَةً عَلَى الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَا اخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ (مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ) بَعْدَ تَجْهِيزِهِ وَدُيُونِهِ وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ فِي الْآيَةِ اهْتِمَامًا لِكَوْنِهَا مَظِنَّةَ التَّفْرِيطِ (ثُمَّ) رَابِعًا بَلْ خَامِسًا (يُقْسَمُ الْبَاقِي) بَعْدَ ذَلِكَ (بَيْنَ وَرَثَتِهِ)   [رد المحتار] عَلَى الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: ثُمَّ هَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيمٍ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي الْمَعْنَى، بَلْ هُوَ شَرِيكٌ لَهُمْ حَتَّى إذَا سُلِّمَ لَهُ شَيْءٌ سُلِّمَ لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُهُ أَوْ أَكْثَرُ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيمٍ فِي الْحَقِيقَةِ، بِخِلَافِ التَّجْهِيزِ وَالدَّيْنِ فَإِنَّ الْوَرَثَةَ وَالْمُوصَى لَهُ لَا يَأْخُذُونَ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْهُمَا اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُطْبَقَةً عَلَى الصَّحِيحِ) كَذَا قَالَهُ السَّيِّدُ وَغَيْرُهُ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً كَانَتْ مُقَدَّمَةً عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً كَأَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ رُبْعِهِ كَانَتْ فِي مَعْنَى الْمِيرَاثِ لِشُيُوعِهَا فِي التَّرِكَةِ فَيَكُونُ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكًا لِلْوَرَثَةِ لَا مُقَدَّمًا عَلَيْهِمْ، وَيَدُلُّ عَلَى شُيُوعِ حَقِّهِ فِيهَا كَحَقِّ الْوَارِثِ أَنَّهُ إذَا زَادَ الْمَالُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ زَادَ عَلَى الْحَقَّيْنِ، وَإِذَا نَقَصَ نَقَصَ عَنْهُمَا حَتَّى إذَا كَانَ مَالُهُ حَالَ الْوَصِيَّةِ مَثَلًا أَلْفًا، ثُمَّ صَارَ أَلْفَيْنِ فَلَهُ ثُلُثُ الْأَلْفَيْنِ وَإِنْ انْعَكَسَ فَلَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ اهـ. قَالَ الْأَكْمَلُ: وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَعَهُ فَإِنَّ التَّقْدِيمَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ بِجَعْلِ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ مُتَعَلِّقًا بِالصُّورَةِ وَالْمَعْنَى إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ فَيَمْنَعُ تَعَلُّقَ حَقِّ الْوَارِثِ بِصُورَتِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ تَقْدِيمًا عَلَى الْوَرَثَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً فَلَا يُتَصَوَّرُ هُنَاكَ تَقْدِيمٌ اهـ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا اخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ) أَيْ مِنْ قَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَنَصُّهُ فَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِعَيْنٍ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَتَنْفُذُ وَإِنْ كَانَتْ بِجُزْءٍ شَائِعٍ كَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ، فَالْمُوصَى لَهُ شَرِيكٌ لِلْوَرَثَةِ يَزْدَادُ نَصِيبُهُ بِزِيَادَةِ التَّرِكَةِ، وَيَنْقُصُ بِنَقْصِهَا بِحَسَبِ الْمَالِ وَيَخْرُجُ نَصِيبُ الْمُوصَى لَهُ كَمَا يَخْرُجُ نَصِيبُ الْوَارِثِ، وَيُقَدَّمُ عَلَى قِسْمَةِ التَّرِكَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ لِمَا تَلَوْنَا اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي تَقْدِيمِ الْوَصِيَّةِ بِعَيْنٍ كَالدَّارِ وَالثَّوْبِ مَثَلًا بِمَعْنَى أَنَّهَا إذَا خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ فَلَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِيهَا، فَتُفْرَزُ وَحْدَهَا، وَيُقْسَمُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ مَا سِوَاهَا، وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ فَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّهَا شَائِعَةٌ فِي التَّرِكَةِ تَزْدَادُ بِزِيَادَتِهَا وَبِالْعَكْسِ. قَالَ: لَا تَقْدِيمَ فِيهَا بَلْ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكٌ لِلْوَرَثَةِ دَائِمًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْأَخْذِ، وَإِنْ اسْتَغْرَقَ التَّرِكَةَ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَنَحْوِهِ وَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّ قِسْمَةَ الْمِيرَاثِ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِ نَصِيبِ الْمُوصَى لَهُ قَالَ: إنَّهَا مُقَدَّمَةٌ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُفْرِزْ نَصِيبَهُ أَوَّلًا بَلْ اُعْتُبِرَ شَرِيكًا مَعَ الْوَرَثَةِ لَزِمَ أَنْ يَقْسِمَ لَهُ مَعَهُمْ كَأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَهُ ثُلُثُ التَّرِكَةِ مَثَلًا وَيَلْزَمُ مِنْهُ الْخَلَلُ مَثَلًا لَوْ تَرَكَتْ زَوْجًا وَأُخْتَيْنِ شَقِيقَتَيْنِ، وَأَوْصَتْ بِالثُّلُثِ لِزَيْدٍ فَيَخْرُجُ الثُّلُثُ الْمُوصَى بِهِ أَوَّلًا فَيَأْخُذُ زَيْدٌ وَاحِدًا مِنْ ثَلَاثَةٍ ثُمَّ يَقْسِمُ الْبَاقِيَ مِنْ سَبْعَةٍ، لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ وَلِلشَّقِيقَتَيْنِ أَرْبَعَةٌ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تُقْسَمَ التَّرِكَةُ مِنْ تِسْعَةٍ، فَيَأْخُذَ الْمُوصَى لَهُ اثْنَيْنِ، وَالزَّوْجُ ثَلَاثَةً وَالشَّقِيقَتَانِ أَرْبَعَةً، فَيَنْقُصَ نَصِيبُ الْمُوصَى لَهُ وَأَنْتَ إذَا حَقَّقْت النَّظَرَ يَظْهَرُ لَك أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْقَوْلَيْنِ يُسَلِّمُ مَا قَالَهُ الْآخَرُ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّ إخْرَاجَ نَصِيبِ الْمُوصَى لَهُ أَوَّلًا هَلْ يُسَمَّى تَقْدِيمًا أَمْ لَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ السَّابِقُ وَكَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الِاخْتِيَارِ فَإِنَّهُ تَابَعَ شَيْخَ الْإِسْلَامِ فِي الْقَوْلِ بِالْمُشَارَكَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ يُقَدَّمُ عَلَى قِسْمَةِ التَّرِكَةِ فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْمُشَارَكَةِ وَالتَّقْدِيمِ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْقِيقَ الَّذِي هُوَ بِالْقَبُولِ حَقِيقٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى وَلِيُّ التَّوْفِيقِ. (قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ) أَيْ قَوْله تَعَالَى - {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12]- (قَوْلُهُ لِكَوْنِهَا مَظِنَّةَ التَّفْرِيطِ) لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ بِلَا عِوَضٍ فَتَشُقُّ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَلَا تَطِيبُ نُفُوسُهُمْ بِهَا بِخِلَافِ الدَّيْنِ أَوْ لِكَوْنِهَا بِرًّا وَطَاعَةً، وَالدَّيْنُ مَذْمُومٌ غَالِبًا وَلِذَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ لِأَنَّ حُكْمَهَا كَانَ مَجْهُولًا عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَتَمَامُهُ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ عَنْ الزَّمَخْشَرِيّ (قَوْلُهُ بَلْ خَامِسًا) بِاعْتِبَارِ الْبُدَاءَةِ قَبْلَ التَّجْهِيزِ بِعَيْنٍ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ التَّرِكَةِ، وَالْمُرَادُ بَيَانُ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّرِكَةِ فَهِيَ حِينَئِذٍ أَرْبَعَةٌ (قَوْلُهُ يُقْسَمُ الْبَاقِي) لَمْ يَقُلْ يُقَدَّمُ كَمَا قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 761 أَيْ الَّذِينَ ثَبَتَ إرْثُهُمْ بِالْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَطْعِمُوا الْجَدَّاتِ بِالسُّدُسِ» أَوْ الْإِجْمَاعِ فَجَعَلَ الْجَدَّ كَالْأَبِ وَابْنَ الِابْنِ كَالِابْنِ (وَيُسْتَحَقُّ الْإِرْثُ) وَلَوْ لِمُصْحَفٍ بِهِ يُفْتَى وَقِيلَ لَا يُورَثُ وَإِنَّمَا هُوَ لِلْقَارِئِ مِنْ وَلَدَيْهِ صَيْرَفِيَّةٌ بِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ (بِرَحِمٍ وَنِكَاحٍ) صَحِيحٍ فَلَا تَوَارُثَ بِفَاسِدٍ وَلَا بَاطِلٍ إجْمَاعًا (وَوَلَاءٍ) وَالْمُسْتَحَقُّونَ لِلتَّرِكَةِ عَشَرَةُ أَصْنَافٍ مُرَتَّبَةٍ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (فَيَبْدَأُ بِذَوِي الْفُرُوضِ)   [رد المحتار] فِي سَابِقِهِ لِأَنَّهُ آخِرُ الْحُقُوقِ فَلَمْ يَبْقَ مَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَيْ الَّذِينَ ثَبَتَ إرْثُهُمْ بِالْكِتَابِ) أَيْ الْقُرْآنِ وَهُمْ الْأَبَوَانِ وَالزَّوْجَانِ وَالْبَنُونَ وَالْبَنَاتُ وَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ (قَوْلُهُ أَوْ السُّنَّةِ) أَوْ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ مَانِعَةُ الْخُلُوِّ فَتَصْدُقُ بِاجْتِمَاعِ الثَّلَاثَةِ وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوَاءٌ كَانَ فِعْلًا كَبِنْتِ الِابْنِ وَالْأَخَوَاتِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ مَعَ الْبِنْتِ الصُّلْبِيَّةِ وَالْجَدَّةِ أُمِّ الْأُمِّ أَوْ قَوْلًا كَمَا مَثَّلَ الشَّارِحُ أَفَادَهُ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ (قَوْلُهُ أَوْ الْإِجْمَاعِ) أَيْ اتِّفَاقِ رَأْيِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَصْرٍ مَا عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا: قَوْلُ مُجْتَهِدٍ وَاحِدٍ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ كَإِطْلَاقِ الْقُرْآنِ عَلَى كُلِّ آيَةٍ مِنْهُ، لِيَشْمَلَ مَنْ اخْتَلَفَ فِي وِرَاثَتِهِ كَذَوِي الْأَرْحَامِ وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ رَأْيُ الْمُجْتَهِدِينَ وَلِأَنَّ مَنْ اُخْتُلِفَ فِي وِرَاثَتِهِ دَلِيلُهُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ الْكِتَابُ أَوْ السُّنَّةُ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّأْوِيلِ (قَوْلُهُ فَجُعِلَ الْجَدُّ كَالْأَبِ إلَخْ) وَكَجَعْلِ الْجَدَّةِ كَالْأُمِّ وَبِنْتِ الِابْنِ كَالْبِنْتِ الصُّلْبِيَّةِ وَالْأَخِ لِأَبٍ كَالشَّقِيقِ وَالْأُخْتِ لِأَبٍ كَالشَّقِيقَةِ سَكْبُ الْأَنْهُرِ (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَقُّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَوْ لِلْمَعْلُومِ، وَضَمِيرُهُ لِلْوَارِثِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْمَقَامِ (قَوْلُهُ بِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا عِلَّةٌ لِلِاسْتِحْقَاقِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الثَّلَاثَةِ أَوْ بَعْضُهَا فَلَا يُنَافِي حُصُولَ الِاسْتِحْقَاقِ بِاثْنَيْنِ مِنْهَا كَزَوْجَةٍ هِيَ بِنْتُ عَمٍّ أَوْ مُعْتَقَةٌ فَيَرِثُ مِنْهَا الزَّوْجُ النِّصْفَ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ أَوْ الْوَلَاءِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَنِكَاحٍ صَحِيحٍ) وَلَوْ بِلَا وَطْءٍ وَلَا خَلْوَةٍ إجْمَاعًا دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ فَلَا تَوَارُثَ بِفَاسِدٍ) هُوَ مَا فَقَدَ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ كَشُهُودٍ، وَلَا بَاطِلٍ كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَالْمُؤَقَّتِ وَإِنْ جُهِلَتْ الْمُدَّةُ، أَوْ طَالَتْ فِي الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ وَوَلَاءٍ) أَيْ بِنَوْعَيْهِ عَتَاقٍ وَمُوَالَاةٍ (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَحَقُّونَ لِلتَّرِكَةِ عَشَرَةُ أَصْنَافٍ) جَمَعَهَا الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ الشِّحْنَةِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فِي مَنْظُومَتِهِ الْفَرْضِيَّةِ الَّتِي شَرَحَهَا شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْفَقِيهُ إبْرَاهِيمُ السَّائِحَانِيِّ فَقَالَ: يُعْطَى ذَوُو الْفُرُوضِ ثُمَّ الْعَصَبَهْ ... ثُمَّ الَّذِي جَادَ بِعِتْقِ الرَّقَبَهْ ثُمَّ الَّذِي يَعْصِبُهُ كَالْجَدِّ ... ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ بَعْدَ الرَّدِّ ثُمَّ مُحَمَّلٌ وَرَا مَوَالٍ ... ثُمَّ مُزَادٌ ثُمَّ بَيْتُ الْمَالِ وَأَرَادَ بِالْمَحْمَلِ مَنْ أَقَرَّ لَهُ بِنَسَبٍ مَحْمَلٍ عَلَى الْغَيْرِ وَبِالْمُزَادِ الْمُوصَى لَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ أَقُولُ: وَحَيْثُ ذَكَرَ عَصَبَةَ الْمُعْتَقِ فَالْمُنَاسِبُ ذِكْرُ عَصَبَةِ الْمُوَالِي أَيْ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ أَيْضًا، فَإِنَّهُمْ يَرِثُونَ بَعْدَهُ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي فَالْأَصْنَافُ أَحَدَ عَشَرَ. [تَنْبِيهٌ] قَيَّدَ بِالتَّرِكَةِ لِأَنَّ الْإِرْثَ يَجْرِي فِي الْأَعْيَانِ الْمَالِيَّةِ، أَمَّا الْحُقُوقُ فَمِنْهَا مَا يُورَثُ كَحَقِّ حَبْسِ الْمَبِيعِ وَحَبْسِ الرَّهْنِ، وَمِنْهَا مَا لَا يُورَثُ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالنِّكَاحِ: أَيْ حَقِّ التَّزْوِيجِ كَمَا لَوْ مَاتَ الشَّقِيقُ عَنْ ابْنٍ وَثَمَّ أَخٌ لِأَبٍ فَالْحَقُّ لِلْأَخِ لَا لِلِابْنِ وَالْوِلَايَاتِ وَالْعَوَارِيِّ وَالْوَدَائِعِ كَمَا لَوْ مَاتَ الْمُسْتَعِيرُ لَا يَكُونُ وَارِثُهُ مُسْتَعِيرًا وَكَذَا الْمُودَعُ، وَكَذَا الرُّجُوعُ عَنْ الْهِبَةِ، وَكَذَا الْوَلَاءُ كَأَنْ يَكُونَ لِلْمُعْتِقِ ابْنَانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَهُ عَنْ ابْنٍ فَالْوَلَاءُ لِلِابْنِ الْبَاقِي، فَلَوْ مَاتَ هَذَا عَنْ ابْنَيْنِ فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ ابْنِ الِابْنِ الْأَوَّلِ أَثْلَاثًا كَأَنَّهُمْ وَرِثُوا مِنْ جَدِّهِمْ لَا مِنْ آبَائِهِمْ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ خِيَارَ الْقَبُولِ لَا يُورَثُ، وَكَذَا الْإِجَارَةُ، وَكَذَا الْإِجَازَةُ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ، وَكَذَا الْأَجَلُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 762 أَيْ السِّهَامِ الْمُقَدَّرَةِ وَهُمْ اثْنَا عَشَرَ مِنْ النَّسَبِ ثَلَاثَةٌ مِنْ الرِّجَالِ وَسَبْعَةٌ مِنْ النِّسَاءِ وَاثْنَانِ مِنْ التَّسَبُّبِ وَهُمَا الزَّوْجَانِ (ثُمَّ بِالْعَصَبَاتِ) أَلْ لِلْجِنْسِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَجَمَعَهُ لِلِازْدِوَاجِ (النَّسَبِيَّةِ) لِأَنَّهَا أَقْوَى (ثُمَّ بِالْمُعْتِقِ) وَلَوْ أُنْثَى وَهُوَ الْعَصَبَةُ السَّبَبِيَّةُ   [رد المحتار] وَاخْتَلَفُوا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ فَقِيلَ يُورَثُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الدُّرَرِ وَادَّعَى شَارِحُ الطَّحَاوِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَقِيلَ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْقِصَاصِ، وَأَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُورَثُ، وَأَمَّا خِيَارُ التَّعْيِينِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً وَكَذَا خِيَارُ الْوَصْفِ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ خِيَارَ التَّغْرِيرِ يُورَثُ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ فَوَاتَ الْوَصْفِ وَإِلَيْهِ مَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ وَمَالَ صَاحِبُ التَّنْوِيرِ إلَى خِلَافِهِ لَكِنَّهُ مَالَ فِي مَنْظُومَتِهِ الْفِقْهِيَّةِ إلَى الْأَوَّلِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْأَشْبَاهِ وَشَرْحِهَا لِشَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الْبَعْلِيِّ (قَوْلُهُ أَيْ السِّهَامِ الْمُقَدَّرَةِ) هِيَ النِّصْفُ وَالرُّبْعُ وَالثُّمُنُ وَالثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ وَالسُّدُسُ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الرِّجَالِ) هُمْ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْأَخُ لِأُمٍّ ح (قَوْلُهُ وَسَبْعَةٌ مِنْ النِّسَاءِ) هُنَّ الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَالْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ وَالْأُخْتُ لِأَبٍ وَالْأُخْتُ لِأُمٍّ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ ح (قَوْلُهُ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ أَلْ تَبْطُلُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ بِحَيْثُ يَتَنَاوَلُ كُلُّ وَاحِدٍ كَالْفَرْدِ حَتَّى لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ يَحْنَثُ بِتَزَوُّجِ وَاحِدَةٍ، وَإِذَا قَالَ نِسَاءً لَا يَحْنَثُ إلَّا بِثَلَاثٍ يَعْقُوبُ (قَوْلُهُ وَجَمَعَهُ لِلِازْدِوَاجِ) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ أَنَّهُ كَانَ الْأَخْصَرُ التَّعْبِيرَ بِالْعَصَبَةِ مُفْرَدًا كَمَا عَبَّرَ فِي قَسِيمِهِ وَهُوَ الْعَصَبَةُ السَّبَبِيَّةُ وَالْجِنْسِيَّةُ فِيهِ أَظْهَرُ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ جَمَعَهُ لَفْظًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَى الْجَمْعِ مُرَادَ التَّزَاوُجِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ بِذَوِي الْفُرُوضِ حَيْثُ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ أَوْ يُقَالُ جَمَعَهُ لِتَعَدُّدِ أَنْوَاعِهِ مِنْ عَصَبَةٍ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ وَمَعَ غَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الدَّاعِيَ إلَى إبْطَالِ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي تَقْدِيمِهِ عَلَى الْمُعْتِقِ تَعَدُّدٌ، بَلْ يُقَدَّمُ وَلَوْ وَاحِدًا، بِخِلَافِ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَتَقَدَّمُ وَحْدَهُ عَلَى الْعَصَبَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَرِثُ مَعَهُ الْعَصَبَةُ إذْ لَيْسَ فِي أَصْحَابِ الْفُرُوضِ مَنْ يُحْرِزُ كُلَّ الْمَالِ وَحْدَهُ بِالْفَرْضِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ بِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُعْطِي لِلْعَصَبَةِ إلَّا مَا أَبْقَاهُ لَهُ صَاحِبُ الْفَرْضِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا أَقْوَى) عِلَّةٌ لِلتَّقْدِيمِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ ثُمَّ وَمِنْ مُتَعَلِّقِ الْجَارِّ قَالَ السَّيِّدُ: فَإِنَّ الْعُصُوبَةَ النَّسَبِيَّةَ أَقْوَى مِنْ السَّبَبِيَّةِ يُرْشِدُك إلَى ذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَ الْفُرُوضِ النَّسَبِيَّةِ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ دُونَ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ السَّبَبِيَّةِ أَعْنِي الزَّوْجَيْنِ (قَوْلُهُ ثُمَّ بِالْمُعْتَقِ) الْأَوْلَى قَوْلُ السِّرَاجِيَّةِ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ لِيَشْمَلَ الِاخْتِيَارِيَّةَ بِأَنْ عَتَقَ عَلَيْهِ بِلَفْظِ إعْتَاقٍ أَوْ فَرْعِهِ مِنْ تَدْبِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ بِشِرَاءِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، وَالِاضْطِرَارِيَّة بِأَنْ وَرِثَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، فَعَتَقَ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ جِنْسُ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ، فَيَشْمَلُ الْمُتَعَدِّدَ وَالْمُنْفَرِدَ كَمَا يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى الْمُعْتَقَ بِوَاسِطَةٍ كَمُعْتَقِ الْمُعْتَقِ عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا وَكَمُعْتَقِ الْأَبِ، وَيَشْمَلُ أَيْضًا كَمَا قَالَ ابْنُ كَمَالٍ الْمَعْرُوفَ وَالْمُقَرَّ لَهُ وَيُقَدَّمُ الْمَعْرُوفُ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ، وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُقِرِّ مَوْلَى عَتَاقَةٍ مَعْرُوفَةٍ وَأَنْ لَا يَكُونَ مُكَذِّبًا شَرْعًا اهـ. [تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ] شَرْطُ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ أَنْ لَا تَكُونَ الْأُمُّ حُرَّةَ الْأَصْلِ بِمَعْنَى عَدَمِ الرِّقِّ فِيهَا، وَلَا فِي أَصْلِهَا فَإِنْ كَانَتْ فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهَا وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْتَقًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، فَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَتِيقُ حُرَّةَ الْأَصْلِ فَلَا وَلَاءَ عَلَى أَوْلَادِهِ تَغْلِيبًا لِلْحُرِّيَّةِ كَمَا فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ عَنْ الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا، وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَفِيمَا قَدَّمْنَاهُ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ فَاحْفَظْهُ، فَإِنَّهُ مَزِلَّةُ الْإِقْدَامِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْعَصَبَةُ السَّبَبِيَّةُ) خَاصٌّ بِالْمُعْتَقِ دُونَ عَصَبَتِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْعَصَبَةُ السَّبَبِيَّةُ مَجْمُوعُهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ الْحَنْبَلِيِّ، وَعَلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ الْآتِي فِي فَصْلِ الْعَصَبَاتِ، وَمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ السَّيِّدِ مِنْ خِلَافِ ذَلِكَ أَجَابَ عَنْهُ يَعْقُوبُ، فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ: ثُمَّ عَصَبَتُهُ الذُّكُورُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 763 (ثُمَّ عَصَبَتُهُ الذُّكُورُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ (ثُمَّ الرَّدُّ) عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ النِّسْبِيَّةِ بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ (ثُمَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ ثُمَّ بَعْدَهُمْ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ) كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ وَلَهُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ ذَكَرَهُ السَّيِّدُ (ثُمَّ الْمُقِرُّ لَهُ بِنَسَبٍ)   [رد المحتار] وَهُمَا الْعَصَبَةُ السَّبَبِيَّةُ بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ عَصَبَتُهُ الذُّكُورُ) أَيْ الْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ، فَيَكُونُ مِنْ الذُّكُورِ قَطْعًا، وَكَوْنُهُ عَصَبَةً بِنَفْسِهِ لِمَوْلَى الْعَتَاقَةِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ عَصَبَةً سَبَبِيَّةً لِلْمَيِّتِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَنْبَلِيِّ، فَلَوْ تَرَكَ الْعَتِيقُ ابْنَ سَيِّدِهِ وَبِنْتَه فَالْإِرْثُ لِلِابْنِ فَقَطْ وَلَوْ تَرَكَ بِنْتَ سَيِّدِهِ وَأُخْتَه فَلَا حَقَّ لَهُمَا فِيهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِلتَّقْيِيدِ بِالذُّكُورِ الَّذِي قَالَ السَّيِّدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَكِنْ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُعْتَقِ مَا يَشْمَلُ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ كَالْمُعْتِقِ وَمُعْتِقِ الْمُعْتَقِ، وَهَكَذَا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. أَمَّا إذَا أُرِيدَ بِهِ مَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ وَهُوَ الْمُعْتِقُ الْقَرِيبُ، فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِهِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِعَصَبَتِهِ الْعَصَبَةَ السَّبَبِيَّةَ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ كَمُعْتِقِ الْمُعْتَقِ وَمُعْتِقَةِ الْمُعْتَقِ وَالْعَصَبَةِ النَّسَبِيَّةِ أَيْضًا، لَكِنْ لَا بُدَّ فِي الثَّانِي مِنْ كَوْنِهِ عَصَبَةً بِالنَّفْسِ، فَيَكُونُ مِنْ الذُّكُورِ قَطْعًا كَمَا مَرَّ دُونَ الْعَصَبَةِ بِالْغَيْرِ أَوْ مَعَ الْغَيْرِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ. [تَنْبِيهٌ] اقْتِصَارُهُ عَلَى الْمُعْتِقِ وَعَصَبَتِهِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِعَصَبَةِ الْمُعْتَقِ عَصَبَةٌ فَلَا مِيرَاثَ لَهُ بَيَانُهُ امْرَأَةٌ أَعْتَقَتْ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ وَابْنٍ مِنْهُ، ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ فَالْمِيرَاثُ لِابْنِهَا، لِأَنَّهُ عَصَبَتُهَا فَلَوْ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ الْعَتِيقِ، فَلَا مِيرَاثَ لِزَوْجِهَا، لِأَنَّهُ عَصَبَةُ عَصَبَتِهَا، وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَ رَجُلٌ عَبْدًا ثُمَّ الْعَبْدُ أَعْتَقَ آخَرَ ثُمَّ الْآخَرُ أَعْتَقَ آخَرَ، وَمَاتَ الْعَتِيقُ الثَّالِثُ وَتَرَكَ عَصَبَةَ الْمُعْتِقِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ يَرِثُهُ وَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ عَصَبَةِ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ، لَكِنْ لَا لِذَلِكَ، بَلْ لِأَنَّ الْعَتِيقَ الْأَوَّلَ جَرَّ وَلَاءَ هَذَا الْمَيِّتِ فَيَرِثُهُ عَصَبَةُ الْعَتِيقِ الْأَوَّلِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُعْتِقِ الْأَوَّلِ لِلْحَدِيثِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الذَّخِيرَةِ فِي بَابِ الْوَلَاءِ. وَقَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ وَسَيَأْتِي تَمَامُ كَلَامٍ عَلَى الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ ثُمَّ الرَّدُّ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الْعَصَبَاتِ يُرَدُّ الْبَاقِي مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ النَّسَبِيَّةِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ ذَوِي الْفُرُوضِ السَّبَبِيَّةِ كَالزَّوْجَيْنِ، لِأَنَّ سَبَبَ الرَّدِّ هُوَ الْقَرَابَةُ الْبَاقِيَةُ بَعْدَ أَخْذِ الْفَرْضِ، وَقَرَابَةُ الزَّوْجِيَّةِ حُكْمِيَّةٌ لَا تَبْقَى بَعْدَ أَخْذِ الْفَرْضِ فَلَا رَدَّ لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ، أَفَادَهُ يَعْقُوبُ لَكِنْ سَيَأْتِي عَنْ الْأَشْبَاهِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْوَلَاءِ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِمَا فِي زَمَانِنَا وَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ) أَيْ قَدْرًا نِسْبِيًّا لَا عَدَدِيًّا، لِأَنَّ مَا يُعْطَى مِنْ الرَّدِّ قَدْ يَكُونُ أَقَلَّ مِمَّا يُعْطَى مِنْ الْفَرْضِ كَمَا فِي أُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ وَمُسَاوِيًا كَمَا فِي أُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَأُمٍّ وَأَكْثَرَ كَمَا فِي أُخْتٍ لِأُمٍّ وَجَدَّةٍ وَطَرِيقُ النِّسْبَةِ أَنَّ مَنْ لَهُ النِّصْفُ فَرْضًا لَهُ بِقَدْرِ سِهَامِ النِّصْفِ مِنْ الرَّدِّ وَمَنْ لَهُ الثُّلُثُ كَذَلِكَ، فَكَذَلِكَ مَثَلًا إذَا تَرَكَ أُخْتًا شَقِيقَةً وَأُمًّا فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ نِصْفُهَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ لِلشَّقِيقَةِ، وَثُلُثُهَا وَهُوَ اثْنَانِ لِلْأُمِّ وَجُمْلَةُ السِّهَامِ خَمْسَةٌ بَقِيَ وَاحِدٌ يُرَدُّ عَلَيْهِمَا بِنِسْبَةِ سِهَامِهِمَا، وَقَدْ كَانَ لِلشَّقِيقَةِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الْوَاحِدِ وَلِلْأُمِّ اثْنَانِ فَلَهَا خُمُسَا الْوَاحِدِ وَتَرْجِعُ مَسْأَلَةُ الرَّدِّ إلَى خَمْسَةٍ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ) أَيْ يَبْدَأُ بِهِمْ عِنْدَ عَدَمِ ذَوِي الْفُرُوضِ النَّسَبِيَّةِ وَالْعَصَبَاتِ فَيَأْخُذُونَ كُلَّ الْمَالِ، وَمَا بَقِيَ عَنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِعَدَمِ الرَّدِّ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ ثُمَّ بَعْدَهُمْ) أَيْ إذَا فُقِدَ ذَوُو الْأَرْحَامِ يُقَدَّمُ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ أَيْ الْقَابِلُ مُوَالَاةَ الْمَيِّتِ، حِينَ قَالَ لَهُ أَنْتِ مَوْلَايَ تَرِثُنِي إذَا مِتّ وَتَعْقِلُ عَنِّي إذَا جَنَيْت، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْعَرَبِ، وَلَا مِنْ مَعَاتِيقِهِمْ وَلَا لَهُ وَارِثٌ نَسَبِيٌّ، وَلَا عَقَلَ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ أَوْ مَوْلَى مُوَالَاةٍ آخَرُ فَيَرِثُهُ الْقَابِلُ بِلَا عَكْسٍ إلَّا إنْ شُرِطَ ذَلِكَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَتَحَقَّقَتْ الشَّرَائِطُ فِيهِمَا، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ مَوْلَاهُ وَذَا مَذْهَبُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَكَثِيرِينَ، ثُمَّ عَصَبَتُهُ تَرِثُ أَيْضًا عَلَى تَرْتِيبِ عَصَبَةِ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ سَائِحَانِيٌّ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَقَدَّمْنَاهُ مَعَ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ وَبَيَانُهَا فِي الْوَلَاءِ (قَوْلُهُ وَلَهُ الْبَاقِي إلَخْ) أَيْ إنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِمَّنْ تَقَدَّمَ فَلَهُ كُلُّ الْمَالِ إلَّا إنْ وُجِدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَلَهُ الْبَاقِي عَنْ فَرْضِهِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ الْمُقَرُّ لَهُ بِنَسَبٍ إلَخْ) أَيْ ثُمَّ بَعْدَ مَوْلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 764 عَلَى غَيْرِهِ (لَمْ يَثْبُتْ) فَلَوْ ثَبَتَ بِأَنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ أَوْ أَقَرَّ بِمِثْلِ إقْرَارِهِ أَوْ شَهِدَ رَجُلٌ آخَرُ ثَبَتَ نَسَبُهُ حَقِيقَةً وَزَاحَمَ الْوَرَثَةَ وَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ وَكَذَا لَوْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ قَبْلَ رُجُوعِهِ وَتَمَامُهُ فِي شُرُوحِ السِّرَاجِيَّةِ سِيَّمَا رَوْحُ الشُّرُوحِ وَقَدْ لَخَّصْته فِيمَا عَلَّقْته عَلَيْهَا (ثُمَّ) بَعْدَهُمْ (الْمُوصَى لَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ) وَلَوْ بِالْكُلِّ وَإِنَّمَا قُدِّمَ عَلَيْهِ الْمُقَرُّ لَهُ   [رد المحتار] الْمُوَالَاةِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ يُقَدِّمُ الْمُقَرَّ لَهُ بِنَسَبٍ إلَخْ فَيُعْطَى كُلَّ الْمَالِ إلَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، فَيُعْطَى مَا فَضَلَ بَعْدَ فَرْضِهِ (قَوْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ) ضَمَّنَهُ مَعْنَى التَّحْمِيلِ فَعَدَّاهُ بِعَلَى أَيْ الْمَحْمُولُ نَسَبُهُ عَلَى غَيْرِهِ فِي ضِمْنِ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ مِنْ نَفْسِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِأَنَّهُ أَخُوهُ أَوْ ابْنُ ابْنِهِ، فَإِنَّ إقْرَارَهُ هَذَا تَضَمَّنَ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْأَبِ أَوْ الِابْنِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا إذَا أَقَرَّ لِمَجْهُولِ النَّسَبِ بِأَنَّهُ ابْنُهُ فَإِنَّهُ يُوجِبُ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْهُ، وَيَنْدَرِجُ فِي الْوَرَثَةِ النَّسَبِيَّةِ إذَا اشْتَمَلَ الْإِقْرَارُ عَلَى شَرَائِطِ صِحَّتِهِ كَالْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ فِي الْمُقِرِّ، وَتَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُ بِالنَّسَبِ، وَكَوْنِهِ بِحَيْثُ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى مَا يَصِحُّ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا لَا يَصِحُّ مَعَ بَيَانِ الشُّرُوطِ وَحَرَّرْنَاهُ أَيْضًا فِي شَرْحِنَا عَلَى نَظْمِ فَرَائِضِ الْمُلْتَقَى الْمُسَمَّى بِالرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ شَرْحُ قَلَائِدِ الدُّرِّ الْمَنْظُومِ، وَفِي آخِرِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ يَلْزَمُ مُرَاجَعَتُهَا. (قَوْلُهُ لَمْ يَثْبُتْ) قَيْدٌ ثَانٍ وَبَيَّنَ الشَّارِحُ مُحْتَرَزَهُ وَزَادَ فِي السِّرَاجِيَّةِ ثَالِثًا، وَهُوَ مَوْتُ الْمُقِرُّ عَلَى إقْرَارِهِ لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، فَلَا يَرِثُ وَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ فِي الْمُقَرِّ لَهُ صَارَ عِنْدَنَا وَارِثًا فِي الْمَرْتَبَةِ الْمَذْكُورَةِ، لِأَنَّ الْمُقِرَّ كَانَ مُقِرًّا بِشَيْئَيْنِ النَّسَبِ وَاسْتِحْقَاقِ الْمَالِ بِالْإِرْثِ، لَكِنْ إقْرَارُهُ بِالنَّسَبِ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ يَحْمِلُ نَسَبَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ دَعْوَى، فَلَا تُسْمَعُ وَيَبْقَى إقْرَارُهُ بِالْمَالِ صَحِيحًا، لِأَنَّهُ لَا يَعْدُوهُ إلَى غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ سَيِّدٌ: أَيْ وَيَكُونُ هَذَا الْإِقْرَارُ وَصِيَّةً مَعْنًى، وَلِذَا صَحَّ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى فَرْعِ الْمُقَرِّ لَهُ وَلَا أَصْلِهِ (قَوْلُهُ بِأَنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ) بِأَنْ قَالَ الْأَبُ نَعَمْ هُوَ ابْنِي وَهُوَ أَخُوك وَكَذَا لَوْ صَدَّقَهُ الْوَرَثَةُ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِقْرَارِ اهـ مِنْ رُوحِ الشُّرُوحِ وَالْمُرَادُ وَرَثَةُ الْمُقِرِّ بِأَنْ قَالَ أَوْلَادُ الْمُقِرِّ هُوَ عَمُّنَا ط (قَوْلُهُ أَوْ أَقَرَّ بِمِثْلِ إقْرَارِهِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ هُوَ ابْنِي إذْ لَوْ عَلِمَ بِهِ كَانَ تَصْدِيقًا تَأَمَّلْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا حَمَلَ نَسَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَرِثَ مِنْهُ قَصْدًا وَمِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ ذَلِكَ الْغَيْرُ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ أَوْ شَهِدَ رَجُلٌ) أَيْ مَعَ الْمُقِرِّ قَالَ الشَّارِحُ فِي بَابِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ غَيْرِهِ إلَّا بِبُرْهَانٍ وَمِنْهُ إقْرَارُ اثْنَيْنِ اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَأَفَادَ أَنَّهُ يَصِحُّ بِإِقْرَارِ الْوَارِثِ، وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ الْمُوَرِّثُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ وَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ) قَالَ فِي رَوْحِ الشُّرُوحِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ شَهِدَ مَعَ الْمُقِرِّ رَجُلٌ آخَرُ، أَوْ صَدَّقَهُ الْمُقِرُّ عَلَيْهِ أَوْ الْوَرَثَةُ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِقْرَارِ، فَلَا يُشْتَرَطُ الْإِصْرَارُ عَلَى الْإِقْرَارِ إلَى الْمَوْتِ، وَلَا يَنْفَعُ الرُّجُوعُ لِثُبُوتِ النَّسَبِ حِينَئِذٍ اهـ وَفِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ: وَصَحَّ رُجُوعُهُ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ مَعْنًى، وَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ لَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ الْمُسَمَّى بِالْمِنْهَاجِ: وَهَذَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْ الْمُقِرُّ عَلَيْهِ إقْرَارَهُ قَبْلَ رُجُوعِهِ، أَوْ لَمْ يُقِرَّ بِمِثْلِ إقْرَارِهِ إلَخْ فَقَوْلُ الْمِنَحِ عَنْ بَعْضِ شُرُوحِ السِّرَاجِيَّةِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْ الْمُقَرُّ لَهُ صَوَابُهُ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ كَمَا رَأَيْته فِي نُسْخَتِي مُصْلَحًا بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ إلَخْ) الصَّوَابُ إسْقَاطُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَاَلَّذِي أَوْقَعَهُ فِيهِ عِبَارَةُ الْمِنَحِ السَّابِقَةِ. وَقَدْ عَلِمْت مَا هُوَ الصَّوَابُ فِيهَا لِأَنَّ تَصْدِيقَ الْمُقَرِّ لَهُ لَا يُثْبِتُ النَّسَبَ قَطْعًا، لِأَنَّهُ الْمُنْتَفِعُ بِذَلِكَ فَهُوَ مُتَّهَمٌ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ، فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِتَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُ الْمُتَّهَمِ عَلَى أَنَّك قَدْ عَلِمْت أَنَّ الَّذِي فِي رَوْحِ الشُّرُوحِ وَغَيْرِهِ هُوَ ثُبُوتُهُ بِتَصْدِيقِ الْمُقِرِّ عَلَيْهِ لَا الْمُقَرِّ لَهُ فَتَنَبَّهْ. وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ يُعْلَمُ مِنْ بَابِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ فَارْجِعْ إلَيْهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ بَعْدَهُمْ إلَخْ) أَيْ إذَا عُدِمَ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ يَبْدَأُ بِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ فَيُكْمِلُ لَهُ وَصِيَّتَهُ، لِأَنَّ مَنْعَهُ عَمَّا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَانَ لِأَجْلِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَلَهُ عِنْدَنَا مَا عَيَّنَ لَهُ كَمَلًا سَيِّدٌ، وَلَا يَخْفَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 765 لِأَنَّهُ نَوْعُ قَرَابَةٍ بِخِلَافِ الْمُوصَى لَهُ (ثُمَّ) يُوضَعُ (فِي بَيْتِ الْمَالِ) لَا إرْثًا بَلْ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ. (وَمَوَانِعُهُ) عَلَى مَا هُنَا أَرْبَعَةٌ (الرِّقُّ) وَلَوْ نَاقِصًا كَمُكَاتَبٍ وَكَذَا مُبَعَّضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَا حُرٌّ فَيَرِثُ وَيَحْجُبُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، لَا يَرِثُ بَلْ يُورَثُ وَقَالَ أَحْمَدُ يَرِثُ وَيُورَثُ وَيَحْجُبُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ. قُلْت: وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ مَسْأَلَةً يُورَثُ فِيهَا الرَّقِيقُ مَعَ رِقِّ كُلِّهِ. صُورَتُهَا مُسْتَأْمَنٌ جَنَى عَلَيْهِ فَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَاسْتُرِقَّ وَمَاتَ رَقِيقًا بِسِرَايَةِ تِلْكَ الْجِنَايَةِ فَدِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا فَيُحَرَّرُ (وَالْقَتْلُ)   [رد المحتار] أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَأْخُذُ الزَّائِدَ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْقَاقِ، بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى إجَارَةٍ فَلَا يَرِدُ أَنَّ أَخْذَ الزَّائِدِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَمُ الْوَرَثَةِ إذْ لَوْ أَجَازُوا جَازَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ نَوْعُ قَرَابَةٍ) الْأَوْلَى قَوْلُ السَّيِّدِ أَنَّ لَهُ نَوْعَ قَرَابَةٍ (قَوْلُهُ ثُمَّ يُوضَعُ) أَيْ إنْ لَمْ يُوجَدْ مُوصًى لَهُ بِالزَّائِدِ يُوضَعُ كُلُّ التَّرِكَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ الْبَاقِي عَنْ الزَّائِدِ إنْ وَجَدَ مُوصًى لَهُ بِمَا دُونَ الْكُلِّ وَلَمْ يَقُلْ ثُمَّ يُقَدِّمُ إذْ لَا شَيْءَ بَعْدَهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ: عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا (قَوْلُهُ لَا إرْثًا) نَفْيٌ لِمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيَّةُ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إرْثًا لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ بِالثُّلُثِ لِلْفُقَرَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ خَاصٌّ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، فَتَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، وَمِنْ أَنَّهُ يُعْطَى مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ مَنْ وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِ صَاحِبِهِ وَلِلْوَلَدِ مَعَ وَالِدِهِ، وَلَوْ كَانَ إرْثًا لَمَا صَحَّ ذَلِكَ لَكِنْ أَفْتَى مُتَأَخِّرُو الشَّافِعِيَّةِ بِالرَّدِّ إنْ لَمْ يَنْتَظِمْ بَيْتُ الْمَالِ (قَوْلُهُ وَمَوَانِعُهُ) الْمَانِعُ لُغَةً: الْحَائِلُ وَاصْطِلَاحًا: مَا يَنْتَفِي لِأَجْلِهِ الْحُكْمُ عَنْ شَخْصٍ لِمَعْنًى فِيهِ بَعْدَ قِيَامِ سَبَبِهِ، وَيُسَمَّى مَحْرُومًا فَخَرَجَ مَا انْتَفَى لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ فَإِنَّهُ مَحْجُوبٌ، أَوْ لِعَدَمِ قِيَامِ السَّبَبِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَالْمُرَادُ بِالْمَانِعِ هَاهُنَا الْمَانِعُ عَنْ الْوِرَاثِيَّةِ لَا الْمَوْرُوثِيَّةِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا كَاخْتِلَافِ الدِّينِ مَانِعًا عَنْهُمَا كَمَا حَرَّرْته فِي الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا هُنَا) لِأَنَّ بَعْضَهُمْ زَادَ عَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ غَيْرَهَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ كَمُكَاتَبٍ) الْمُصَرَّحُ بِهِ أَنَّ رِقَّهُ كَامِلٌ، وَمِلْكُهُ نَاقِصٌ فَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: كَمُدَبَّرٍ وَأُمِّ وَلَدٍ اهـ ح وَقَدْ يُقَالُ كَمَالُ رِقِّهِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُدَبَّرِ، وَأُمِّ الْوَلَدِ وَلِذَا أَجَازَ عِتْقَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَمَلَكَ أَكْسَابَهُ دُونَهُمَا، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقِنِّ فَهُوَ نَاقِصٌ مِنْ حَيْثُ انْعِقَادُ سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ مِثْلُ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ (قَوْلُهُ وَكَذَا مُبَعَّضٌ إلَخْ) هُوَ مَنْ أُعْتِقَ بَعْضُهُ فَيَسْعَى فِي فِكَاكِ بَاقِيهِ، وَهُوَ عِنْدَ الْإِمَامِ بِمَنْزِلَةِ الْمَمْلُوكِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَقَالَا هُوَ حُرٌّ مَدْيُونٌ فَيَرِثُ وَيَحْجُبُ بِنَاءً عَلَى تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَرِثُ بَلْ يُورَثُ) قِيلَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرِثُ، وَلَا يُورَثُ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ يُورَثُ فِيهَا الرَّقِيقُ) أَيْ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ إلَى أَوَّلِ الْإِصَابَةِ ط (قَوْلُهُ جُنِيَ عَلَيْهِ) أَيْ بِجِرَاحَةٍ مَثَلًا (قَوْلُهُ بِسِرَايَةِ تِلْكَ الْجِنَايَةِ) أَيْ الَّتِي أَصَابَتْهُ قَبْلَ الرِّقِّ ط (قَوْلُهُ فَدِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ إلَخْ) أَيْ نَظَرًا إلَى وَقْتِ الْإِصَابَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ بِهَا قَبْلَ الِاسْتِرْقَاقِ كَانَ إرْثُهُ لَهُمْ فَكَذَا بَعْدَهُ لِانْعِقَادِ السَّبَبِ قَبْلَهُ ط (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا) هُمْ قَدْ اعْتَبَرُوا وَقْتَ الْإِصَابَةِ فِي مَسَائِلَ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْهَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ مَوْتَهُ صَدَرَ وَهُوَ فِي مِلْكِ السَّيِّدِ فَالدِّيَةُ لَهُ ط. أَقُولُ: يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْجَانِي شَيْءٌ عِنْدَنَا لِمَا تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الْمُسْتَأْمَنِ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَقَدْ تَرَكَ وَدِيعَةً أَوْ دَيْنًا فَأُسِرَ أَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَأُخِذَ أَوْ قُتِلَ سَقَطَ دَيْنُهُ، وَمَا غُصِبَ مِنْهُ وَصَارَ مَالُهُ كَوَدِيعَتِهِ وَمَا عِنْدَ شَرِيكِهِ، أَوْ فِي بَيْتِهِ فِي دَارِنَا فَيْئًا، وَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ بِلَا غَلَبَةٍ عَلَيْهِمْ فَدَيْنُهُ وَقَرْضُهُ وَوَدِيعَتُهُ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّ نَفْسَهُ لَمْ تَصِرْ مَغْنُومَةً اهـ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الدِّيَةَ دَيْنٌ عَلَى الْجَانِي فَتَسْقُطُ بِرُجُوعِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَاسْتِرْقَاقُهُ فَلَا تَكُونُ لِوَرَثَتِهِ وَلَا لِسَيِّدِهِ أَيْضًا، لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَدَثَتْ عَلَى مِلْكِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا عَلَى مِلْكِ السَّيِّدِ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَرَقَّهُ مَجْنِيًّا عَلَيْهِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 766 الْمُوجِبُ لِلْقَوَدِ أَوْ الْكَفَّارَةِ وَإِنْ سَقَطَا بِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ عَلَى مَا مَرَّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ مُطْلَقًا وَلَوْ مَاتَ الْقَاتِلُ قَبْلَ الْمَقْتُولِ وَرِثَهُ الْمَقْتُولُ إجْمَاعًا (وَاخْتِلَافُ الدِّينِ) إسْلَامًا وَكُفْرًا وَقَالَ أَحْمَدُ: إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ قَبْلَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ وَرِثَ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَيُورَثُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ قُلْت ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ مَسْأَلَةً يُورَثُ فِيهَا الْكَافِرُ. صُورَتُهَا: كَافِرٌ مَاتَ عَنْ زَوْجَتِهِ حَامِلًا وَوَقَفْنَا مِيرَاثَ الْحَمْلِ فَأَسْلَمَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ وَرِثَ الْوَلَدُ وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا صَرِيحًا (وَ) الرَّابِعُ (اخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ) فِيمَا بَيْنَ الْكُفَّارِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ   [رد المحتار] فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْجَانِي بِشَيْءٍ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ الْمُوجِبُ لِلْقَوَدِ أَوْ الْكَفَّارَةِ) الْأَوَّلُ هُوَ الْعَمْدُ وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ ضَرْبَهُ بِمُحَدَّدٍ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ فِي تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ، وَالثَّانِي ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ شِبْهُ عَمْدٍ، وَهُوَ أَنْ يَتَعَمَّدَ قَتْلَهُ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَالسَّوْطِ وَخَطَأً كَأَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَ إنْسَانًا وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ كَانْقِلَابِ نَائِمٍ عَلَى شَخْصٍ أَوْ سُقُوطِهِ عَلَيْهِ مِنْ سَطْحٍ، فَخَرَجَ الْقَتْلُ بِسَبَبٍ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُهُمَا كَمَا لَوْ أَخْرَجَ رَوْشَنًا أَوْ حَفَرَ بِئْرًا أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فِي الطَّرِيقِ، فَقَتَلَ مُوَرِّثَهُ أَوْ أَقَادَ دَابَّةً أَوْ سَاقَهَا فَوَطِئَتْهُ، أَوْ قَتَلَهُ قِصَاصًا أَوْ رَجْمًا أَوْ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ وَجَدَ مُوَرِّثَهُ قَتِيلًا فِي دَارِهِ أَوْ قَتَلَ الْعَادِلُ الْبَاغِيَ، وَكَذَا عَكْسُهُ إنْ قَالَ قَتَلْته وَأَنَا عَلَى حَقٍّ، وَأَنَا الْآنَ عَلَى الْحَقِّ، وَخَرَجَ الْقَتْلُ مُبَاشَرَةً مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ، وَالْكَفَّارَةِ وَتَمَامُهُ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ وَغَيْرِهِ وَفِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ رَمْزًا إذَا قَتَلَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ أَوْ ذَاتَ رَحِمٍ مِنْ مَحَارِمِهِ الْمُؤَنَّثِ لِأَجْلِ الزِّنَا يَرِثُ مِنْهَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ اهـ يَعْنِي مَعَ تَحَقُّقِ الزِّنَا أَمَّا بِمُجَرَّدِ التُّهْمَةِ، فَلَا كَمَا يَقَعُ مِنْ فَلَّاحِي الْقُرَى بِبِلَادِنَا فَادْرِ ذَلِكَ رَمْلِيٌّ وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُوجِبِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ إذْ الْحُكْمُ فِيمَا اُسْتُحِبَّ فِيهِ الْكَفَّارَةُ كَذَلِكَ كَمَنْ ضَرَبَ امْرَأَةً فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَفِيهِ الْغُرَّةُ وَتُسْتَحَبُّ الْكَفَّارَةُ مَعَ أَنَّهُ يُحْرَمُ الْإِرْثَ مِنْهُ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ بِحَقٍّ أَوْ لَا مُبَاشَرَةٍ أَوْ لَا، وَلَوْ بِشَهَادَةٍ أَوْ تَزْكِيَةٍ لِشَاهِدٍ بِقَتْلٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ الْقَاتِلُ قَبْلَ الْمَقْتُولِ) بِأَنْ جَرَحَهُ جُرْحًا صَارَ بِهِ ذَا فِرَاشٍ فَمَاتَ الْجَارِحُ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ إسْلَامًا وَكُفْرًا) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ الْكُفَّارَ يَتَوَارَثُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ عِنْدَنَا، لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَيُورَثُ عِنْدَنَا) أَيْ مِنْ كَسْبِ إسْلَامِهِ وَكَسْبِ رِدَّتِهِ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَقَالَا لِلْوَارِثِ الْمُسْلِمِ كَكَسْبِ الْمُرْتَدَّةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) فَقَالَ كَسْبَاهُ لِبَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ فَأَسْلَمَتْ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَلَوْ قَبْلَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَرِثُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا فَهُوَ مُسْلِمٌ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَعِنْدَ الْوِلَادَةِ تَبَعًا لَهَا: وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا صَرِيحًا) أَقُولُ: قَيَّدَ بِقَوْلِهِ صَرِيحًا لِأَنَّ كَلَامَهُمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً فَمِنْهُ قَوْلُهُمْ إرْثُ الْحَمْلِ فَأَضَافُوا الْإِرْثَ إلَيْهِ وَهُوَ حَمْلٌ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُهُمْ خُرُوجَهُ حَيًّا، فَلِتَحَقُّقِ وُجُودِهِ عِنْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ لَنَا: جَمَادٌ يَمْلِكُ وَهُوَ النُّطْفَةُ. وَفِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: مَتَى انْفَصَلَ الْحَمْلُ مَيِّتًا إنَّمَا لَا يَرِثُ إذَا انْفَصَلَ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا إذَا فُصِلَ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ، بَيَانُهُ إذَا ضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَرِثَ، لِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ عَلَى الضَّارِبِ الْغُرَّةَ وُجُوبَ الضَّمَانِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْحَيِّ دُونَ الْمَيِّتِ فَإِذَا حَكَمْنَا بِالْجِنَايَةِ كَانَ لَهُ الْمِيرَاثُ وَيُورَثُ عَنْهُ نَصِيبُهُ، كَمَا يُورَثُ عَنْهُ بَدَلُ نَفْسِهِ وَهُوَ الْغُرَّةُ اهـ. أَقُولُ: فَقَدْ جَعَلُوهُ وَارِثًا وَمَوْرُوثًا، وَهُوَ جَنِينٌ قَبْلَ انْفِصَالِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ حِينَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا فَلَمْ يُوجَدْ الْمَانِعُ حِينَ اسْتِحْقَاقِهِ الْإِرْثَ، وَإِنَّمَا وُجِدَ بَعْدَهُ فَكَانَ كَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ الْكَافِرِ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْحَقِيقَةِ إرْثٌ مُسْلِمٍ مِنْ كَافِرٍ بَلْ هُوَ إرْثُ كَافِرٍ مِنْ كَافِرٍ. نَعَمْ يُتَصَوَّرُ عِنْدَنَا إرْثُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْكَافِرِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرْتَدِّ (قَوْلُهُ وَالرَّابِعُ اخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ) اخْتِلَافُهُمَا بِاخْتِلَافِ الْمَنَعَةِ: أَيْ الْعَسْكَرِيِّ، وَاخْتِلَافُ الْمِلْكِ كَأَنْ يَكُونَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 767 (حَقِيقَةً) كَحَرْبِيٍّ وَذِمِّيٍّ (أَوْ حُكْمًا) كَمُسْتَأْمَنٍ وَذِمِّيٍّ وَكَحَرْبِيَّيْنِ مِنْ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَتُرْكِيٍّ وَهِنْدِيٍّ لِانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِينَ قُلْت وَبَقِيَ مِنْ الْوَاقِعِ جَهَالَةُ تَارِيخِ الْمَوْتَى كَالْغَرْقَى وَالْحَرْقَى وَالْهَدْمَى وَالْقَتْلَى كَمَا سَيَجِيءُ. وَمِنْهَا: جَهَالَةُ الْوَارِثِ وَذَلِكَ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ أَوْ أَكْثَرَ مَبْسُوطَةٍ فِي الْمُجْتَبَى مِنْهَا أَرْضَعَتْ صَبِيًّا مَعَ وَلَدِهَا وَمَاتَتْ   [رد المحتار] أَحَدُ الْمِلْكَيْنِ فِي الْهِنْدِ وَلَهُ دَارٌ وَمَنَعَةٌ وَالْآخَرُ فِي التُّرْكِ، وَلَهُ دَارٌ وَمَنَعَةٌ أُخْرَى، وَانْقَطَعَتْ لِلْعِصْمَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، حَتَّى يَسْتَحِلَّ كُلٌّ مِنْهُمْ قِتَالَ الْآخِرِ فِهَتَانِ الدَّارَانِ مُخْتَلِفَتَانِ، فَتَنْقَطِعُ بِاخْتِلَافِهِمَا الْوِرَاثَةُ لِأَنَّهَا تُبْتَنَى عَلَى الْعِصْمَةِ وَالْوِلَايَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا تَنَاصُرٌ وَتَعَاوُنٌ عَلَى أَعْدَائِهِمَا كَانَتْ الدَّارُ وَاحِدَةً وَالْوِرَاثَةُ ثَابِتَةً. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ إمَّا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَالْحَرْبِيِّ وَالذِّمِّيِّ وَكَالْحَرْبِيِّينَ فِي دَارَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ، وَإِمَّا حُكْمًا فَقَطْ كَالْمُسْتَأْمَنِ وَاَلَّذِي فِي دَارِنَا فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهَا مُخْتَلِفَةً حُكْمًا لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ حُكْمًا، لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الرُّجُوعِ إلَيْهَا، وَأَمَّا حَقِيقَةً فَقَطْ كَمُسْتَأْمَنٍ فِي دَارِنَا وَحَرْبِيٍّ فِي دَارِهِمْ، فَإِنَّ الدَّارَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ حَقِيقَةً لَكِنْ الْمُسْتَأْمَنُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ حُكْمًا كَمَا عَلِمْت، فَهُمَا مُتَّحِدَانِ حُكْمًا وَفِي هَذَا الْأَخِيرِ يَدْفَعُ مَالَ الْمُسْتَأْمَنِ لِوَارِثِهِ الْحَرْبِيِّ لِبَقَاءِ حُكْمِ الْأَمَانِ فِي مَالِهِ لِحَقِّهِ، وَإِيصَالُ مَالِهِ لِوَرَثَتِهِ مِنْ حَقِّهِ كَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ فَيَمْنَعُ ذَلِكَ صَرْفَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِمُصَنِّفِهَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى، وَسَكْبِ الْأَنْهُرِ. أَقُولُ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الِاخْتِلَافُ حُكْمًا سَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً أَيْضًا أَوْ لَا دُونَ الِاخْتِلَافِ حَقِيقَةً فَقَطْ، وَهَذَا مَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُؤَثِّرُ هُوَ الِاخْتِلَافُ حُكْمًا حَتَّى لَا تُعْتَبَرَ الْحَقِيقَةُ بِدُونِهِ اهـ (قَوْلُهُ حَقِيقَةً) يَعْنِي وَحُكْمًا لِمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ كَحَرْبِيٍّ وَذِمِّيٍّ) أَيْ إذَا مَاتَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَهُ وَارِثٌ ذِمِّيٌّ فِي دَارِنَا أَوْ مَاتَ الذِّمِّيُّ فِي دَارِنَا وَلَهُ وَارِثٌ فِي دَارِهِمْ لَمْ يَرِثْ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخِرِ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَإِنْ اتَّحِدَا مِلَّةً (قَوْلُهُ أَوْ حُكْمًا) أَيْ فَقَطْ (قَوْلُهُ وَكَحَرْبِيِّينَ إلَخْ) كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ، وَفِيهِ أَنَّهُ مِنْ اخْتِلَافِ الدَّارِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ حَقِيقَةً، لَكِنَّهُمَا مُسْتَأْمَنَانِ فِي دَارِنَا فَهُمَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ حَقِيقَةً، وَفِي دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ حُكْمًا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ قَالَ مِنْ دَارَيْنِ لَا فِي دَارَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَأْمَنِينَ بَدَلَ الْحَرْبِيَّيْنِ وَكَأَنَّهُ تَرَكَ هَذَا الْأَوْلَى إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ جَعْلُهُ مِثَالًا لِلِاخْتِلَافَيْنِ أَفَادَهُ السَّيِّدُ وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِينَ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ فِيمَا بَيْنَ الْكُفَّارِ: أَيْ اخْتِلَافُ الدَّارِ لَا يُؤَثِّرُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ حَتَّى إنَّ الْمُسْلِمَ التَّاجِرَ أَوْ الْأَسِيرَ لَوْ مَاتَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَرِثَ مِنْهُ وَرَثَتُهُ الَّذِينَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، كَمَا فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ. قَالَ فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِابْنِ الْحَنْبَلِيِّ: وَأَمَّا قَوْلُ الْعَتَّابِيِّ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا لَا يَرِثُ مِنْ الْمُسْلِمِ الْأَصْلِيِّ فِي دَارِنَا وَلَا الْمُسْلِمُ الْأَصْلِيُّ مِمَّنْ أَسْلَمَ، وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مُسْتَأْمَنًا أَوْ لَمْ يَكُنْ فَمَدْفُوعٌ بِقَوْلِ بَعْضِ عُلَمَائِنَا يُخَايَلُ لِي أَنَّ هَذَا كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، حِينَ كَانَتْ الْهِجْرَةُ فَرِيضَةً أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَفَى الْوِلَايَةَ بَيْنَ مَنْ هَاجَرَ، وَمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ فَقَالَ - {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72]- فَلَمَّا كَانَتْ الْوَلَايَةُ بَيْنَهُمَا مُنْتَفِيَةً كَانَ الْمِيرَاثُ مُنْتَفِيًا، لِأَنَّ الْمِيرَاثَ عَلَى الْوِلَايَةِ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرِثَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ، لِأَنَّ حُكْمَ الْهِجْرَةِ قَدْ نُسِخَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي فَصْلِ الْحَرْقَى وَالْغَرْقَى (قَوْلُهُ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ أَوْ أَكْثَرَ) زَادَ قَوْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ تَبَعًا لِلْمُجْتَبَى إشَارَةً إلَى أَنَّ عَدَّهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 768 وَجُهِلَ وَلَدُهَا فَلَا تَوَارُثَ، وَكَذَا لَوْ اشْتَبَهَ وَلَدُ مُسْلِمٍ مِنْ وَلَدِ نَصْرَانِيٍّ عِنْدَ الظِّئْرِ وَكَبِرَا فَهُمَا مُسْلِمَانِ وَلَا يَرِثَانِ مِنْ أَبَوَيْهِمَا زَادَ فِي الْمُنْيَةِ إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا فَلَهُمَا أَنْ يَأْخُذَا الْمِيرَاثَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ بَيْنَ ذَوِي الْفَرْضِ مُقَدَّمًا لِلزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا أَصْلُ الْوِلَادِ إذْ مِنْهَا تَتَوَلَّدُ الْأَوْلَادُ فَقَالَ (فَيُفْرَضُ لِلزَّوْجَةِ فَصَاعِدًا الثَّمَنُ   [رد المحتار] خَمْسًا لَمْ يَرِدْ بِهِ الْحَصْرُ لِإِمْكَانِ زِيَادَةِ غَيْرِهَا تَأَمَّلْ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْهَا ثِنْتَيْنِ وَالثَّالِثَةُ: رَجُلٌ وَضَعَ وَلَدَهُ فِي فِنَاءِ الْمَسْجِدِ لَيْلًا ثُمَّ نَدِمَ صَبَاحًا فَرَجَعَ لِرَفْعِهِ فَإِذَا فِيهِ وَلَدَانِ وَلَا يَعْرِفُ وَلَدَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَمَاتَ قَبْلَ الظُّهُورِ لَا يَرِثُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَيُوضَعُ مَالُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَنَفَقَتُهُمَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يَرِثُ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ. وَالرَّابِعَةُ: حُرَّةٌ وَأَمَةٌ وَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَلَدًا فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَلَا يُعْلَمُ وَلَدُ الْحُرَّةِ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَرِثُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَيَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَوْلَى الْأَمَةِ، وَالْخَامِسَةُ: رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ مِنْ حُرَّةٍ وَابْنٌ مِنْ أَمَةٍ لِإِنْسَانٍ أَرْضَعَتْهُمَا ظِئْرٌ وَاحِدَةٌ، حَتَّى كَبِرَا وَلَا يُعْرَفُ وَلَدُ الْحُرَّةِ مِنْ غَيْرِهِ فَهُمَا حُرَّانِ وَيَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِمَوْلَى الْأَمَةِ وَلَا يَرِثَانِ مِنْهُ (قَوْلُهُ فَلَا تَوَارُثَ) أَيْ لَا يَرِثُهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ مِنْ وَلَدِ) الْأَوْلَى بِوَلَدِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا) أَيْ الْوَلَدَانِ فَإِنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَعْدُوهُمَا، فَمَنْ أَخَذَ حِصَّةً وَهُوَ الْوَارِثُ حَقِيقَةً فَذَلِكَ مِنْ حَظِّهِ، وَيُعَدُّ مَا أَخَذَهُ الْآخَرُ هِبَةً مِنْ الْمُسْتَحِقِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ أَيْضًا اهـ ط. أَقُولُ: بَلْ إلَى كُلِّ الْمَسَائِلِ الْمَارَّةِ وَإِنَّ مَا مَرَّ مِنْ وَضْعِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَصْطَلِحَا تَأَمَّلْ. [تَتِمَّةٌ] جُمْلَةُ الْمَوَانِعِ حِينَئِذٍ سِتَّةٌ وَقَدْ زَادَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْمَوَانِعِ النُّبُوَّةَ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» وَفِي الْأَشْبَاهِ عَنْ التَّتِمَّةِ كُلُّ إنْسَانٍ يَرِثُ وَيُورَثُ إلَّا الْأَنْبِيَاءَ لَا يَرِثُونَ، وَلَا يُورَثُونَ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَرِثَ خَدِيجَةَ لَمْ يَصِحَّ وَإِنَّمَا وَهَبَتْ مَالَهَا لَهُ فِي صِحَّتِهَا اهـ. قُلْت: لَكِنْ كَلَامُ ابْنِ الْكَمَالِ وَسَكْبِ الْأَنْهُرِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ وَتَمَامُهُ فِي الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ الرِّدَّةَ فَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا إجْمَاعًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الدِّينِ لِأَنَّهُ لَا مِلَّةَ لَهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَحَلِّهِ فَالْمَوَانِعُ حِينَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ تَاسِعًا وَهُوَ اللِّعَانُ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى. وَفِي الْحَقِيقَةِ الْمَوَانِعُ خَمْسَةٌ أَرْبَعَةُ الْمَتْنِ وَالرِّدَّةُ كَمَا عُلِمَ ذَلِكَ بِالِاسْتِقْرَاءِ الشَّرْعِيِّ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فَتَسْمِيَتُهُ مَانِعًا مَجَازٌ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْإِرْثِ مَعَهُ لَيْسَ بِوُجُودٍ مَانِعٍ بَلْ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ أَوْ السَّبَبِ اهـ " بَيَانُهُ أَنَّ شَرْطَ الْإِرْثِ وُجُودُ الْوَارِثِ حَيًّا عِنْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي جَهَالَةِ تَارِيخِ الْمَوْتَى لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا تَوَارُثَ مَعَ الشَّكِّ، وَكَذَا فِي جَهَالَةِ الْوَارِثِ فَإِنَّهَا كَمَوْتِهِ حُكْمًا كَمَا فِي الْمَفْقُودِ، وَأَمَّا وَلَدُ اللِّعَانِ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْ أَبِيهِ وَبِالْعَكْسِ لِقَطْعِ نَسَبِهِ، فَعَدَمُ الْإِرْثِ فِي الْحَقِيقَةِ لِعَدَمِ السَّبَبِ، وَهُوَ نِسْبَتُهُ إلَى أَبِيهِ وَأَمَّا النُّبُوَّةُ فَفِي كَوْنِهَا مِنْ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ أَوْ السَّبَبِ كَلَامٌ يُعْلَمُ مِنْ شَرْحِنَا الرَّحِيقِ الْمَحْتُومِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي عَدَمِ كَوْنِهَا مِنْ الْمَوَانِعِ هِيَ كَوْنُ النُّبُوَّةِ مَعْنًى قَائِمًا فِي الْمُوَرِّثِ وَالْمَانِعُ هُوَ مَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ لِمَعْنًى قَائِمٍ فِي الْوَارِثِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي تَعْرِيفِهِ. [تَكْمِيلٌ] عَدَّ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ الْمَوَانِعِ الدَّوْرَ الْحُكْمِيَّ وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ التَّوْرِيثِ عَدَمُهُ كَمَا لَوْ مَاتَ عَنْ أَخٍ فَأَقَرَّ الْأَخُ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ، فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا يَرِثُ عِنْدَهُمْ، لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَحَجَبَ الْأَخَ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ، فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الِابْنِ فَلَا يَرِثُ لِأَنَّ إثْبَاتَ إرْثِهِ يُؤَدِّي إلَى نَفْيِهِ فَيَنْتَفِي مِنْ أَصْلِهِ، وَهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ عُلَمَاؤُنَا لِصِحَّةِ إقْرَارِ الْمُقِرِّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَقَطْ فَيَرِثُ الِابْنُ دُونَهُ كَمَا حَقَّقْته فِي الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ مُؤَيَّدًا بِالنَّقْلِ وَمَرَّ تَمَامُهُ فِي بَابِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا أَصْلُ الْوِلَادِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ مَصْدَرُ وَلَدَ أَيْ أَصْلُ وِلَادَةِ الْأَصْلِ وَالْفُرُوعُ فَالْكُلُّ أَوْلَادُهَا غَالِبًا، لِأَنَّهُ قَدْ تَكُونُ الْوِلَادَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 769 مَعَ وَلَدٍ أَوْ وَلَدِ ابْنٍ) وَأَمَّا مَعَ وَلَدِ الْبِنْتِ فَيُفْرَضُ لَهَا الرُّبْعُ (وَإِنْ سَفَلَ وَالرُّبْعُ لَهَا عِنْدَ عَدَمِهِمَا) فَلِلزَّوْجَاتِ حَالَتَانِ الرُّبْعُ بِلَا وَلَدٍ وَالثُّمُنُ مَعَ الْوَلَدِ (وَالرُّبْعُ لِلزَّوْجِ) فَأَكْثَرَ كَمَا لَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ فَأَكْثَرَ نِكَاحَ مَيِّتَةٍ وَبَرْهَنَا وَلَمْ تَكُنْ فِي بَيْتِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا دَخَلَ بِهَا فَإِنَّهُمْ يَقْسِمُونَ مِيرَاثَ زَوْجٍ وَاحِدٍ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ (مَعَ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ (وَالنِّصْفُ لَهُ عِنْدَ عَدَمِهِمَا) فَلِلزَّوْجِ حَالَتَانِ النِّصْفُ وَالرُّبْعُ (وَلِلْأَبِ وَالْجَدِّ) ثَلَاثُ أَحْوَالٍ الْفَرْضُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ (السُّدُسُ) وَذَلِكَ (مَعَ وَلَدٍ أَوْ وَلَدِ ابْنٍ) وَالتَّعْصِيبُ الْمُطْلَقُ عِنْدَ عَدَمِهِمَا وَالْفَرْضُ وَالتَّعْصِيبُ مَعَ الْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ. قُلْت: وَفِي الْأَشْبَاهِ الْجَدُّ، كَالْأَبِ إلَّا فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ مَسْأَلَةً خَمْسٌ فِي الْفَرَائِضِ   [رد المحتار] بِالتَّسَرِّي ثُمَّ هِيَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَإِنْ كَانَتْ أُمًّا لَكِنْ صِفَةُ الزَّوْجِيَّةِ سَابِقَةٌ عَلَى صِفَةِ الْأُمُومَةِ فَلِذَا لَمْ تُقَدَّمْ الْأُمُّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مَعَ وَلَدٍ) أَيْ لِلزَّوْجِ الْمَيِّتِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَلَوْ مِنْ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ سَفَلَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ مِنْ السُّفُولِ ضِدِّ الْعُلُوِّ مِنْ بَابِ نَصَرَ، وَبِضَمِّهَا مِنْ السَّفَالِ بِمَعْنَى الدَّنَاءَةِ مِنْ بَابِ شَرُفَ ابْنُ كَمَالٍ وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ نِكَاحُ مَيِّتَةٍ) أَمَّا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً تَهَاتَرَ الْبُرْهَان: وَهِيَ لِمَنْ صَدَّقَتْهُ إذَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ مَنْ كَذَّبَتْهُ وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ الْمُكَذِّبُ بِهَا وَإِنْ أَرَّخَا فَالسَّابِقُ أَحَقُّ ط. (قَوْلُهُ وَبَرْهَنَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ: لَوْ بَرْهَنَا عَلَى النِّكَاحِ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَلَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا وَاسْتَوَى تَارِيخُهُمَا يَقْضِي بِهِ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَيَرِثَانِ مِيرَاثَ زَوْجٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُمَا، وَيَرِثُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ وَهُمَا يَرِثَانِ مِنْ الِابْنِ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِقْرَارُ وَالْيَدُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ وَلَمْ تَكُنْ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) هُوَ مَعْنَى مَا فِي رُوحِ الشُّرُوحِ، وَلَمْ تَكُنْ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمَفْهُومُهُ اعْتِبَارُ الْيَدِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَالنِّصْفُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ وَبَقِيَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ أَرْبَعَةٌ كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُمْ هُنَا كَمَا فَعَلَ فِي بَقِيَّةِ الْفُرُوضِ، وَهُمْ الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ عِنْدَ عَدَمِهَا وَالْأُخْتُ لِأَبَوَيْنِ وَالْأُخْتُ لِأَبٍ عِنْدَ عَدَمِهَا إذَا انْفَرَدْنَ عَمَّنْ يُعَصِّبُهُنَّ (قَوْلُهُ وَالْجَدِّ) أَيْ فَهُوَ كَالْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُنْثَى وَهُوَ الْجَدُّ الصَّحِيحُ، فَإِنْ تَخَلَّلَ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُمٌّ كَانَ فَاسِدًا فَلَا يَرِثُ إلَّا عَلَى أَنَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، لِأَنَّ تَحَلُّلَ الْأُمِّ فِي النِّسْبَةِ يَقْطَعُ النَّسَبَ إذْ النَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ الْفَرْضُ الْمُطْلَقُ) أَيْ عَنْ ضَمِيمَةِ التَّعْصِيبِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ مَعَ وَلَدٍ أَوْ وَلَدِ ابْنٍ) حَيْثُ قَيَّدَ الْفَرْضَ بِالْمُطْلَقِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ الْوَلَدَ بِالذَّكَرِ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَشْمَلُ الْأُنْثَى، لَكِنْ تَرَكَهُ لِانْفِهَامِهِ مِمَّا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ مَعَ الْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ) فَإِنَّ لَهُ السُّدُسَ فَرْضًا وَلِلْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لَهُ تَعْصِيبًا (قَوْلُهُ إلَّا فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ مَسْأَلَةً) الْأَصْوَبُ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ: ثَلَاثَ عَشَرَةَ بِتَذْكِيرِ الثَّلَاثَةِ وَتَأْنِيثِ الْعَشَرَةِ لِتَأْنِيثِ مَسْأَلَةً وَإِنْ كَانَ لَفْظِيًّا (قَوْلُهُ خَمْسٌ فِي الْفَرَائِضِ) الْأَوْلَى أَنَّ أُمَّهُ لَا تَرِثُ مَعَهُ، وَتَرِثُ مَعَ الْجَدِّ. الثَّانِيَةُ أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا تَرَكَ الْأَبَوَيْنِ وَأَحَدَ الزَّوْجَيْنِ فَلِأُمِّهِ ثُلُثُ مَا يَبْقَى بَعْدَ نَصِيبِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَبِ جَدٌّ فَلِلْأُمِّ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ لَهَا ثُلُثَ الْبَاقِي أَيْضًا. الثَّالِثَةُ: أَنَّ بَنِي الْأَعْيَانِ وَالْعِلَّاتِ كُلَّهُمْ يَسْقُطُونَ مَعَ الْأَبِ إجْمَاعًا وَيَسْقُطُونَ مَعَ الْجَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا عِنْدَهُمَا، الرَّابِعَةُ: أَنَّ أَبَا الْمُعْتِقِ مَعَ ابْنِهِ يَأْخُذُ سُدُسَ الْوَلَاءِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَيْسَ لِلْجَدِّ ذَلِكَ، بَلْ الْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلِابْنِ وَلَا يَأْخُذُ الْجَدُّ شَيْئًا مِنْ الْوَلَاءِ عِنْدَ سَائِرِ الْأَئِمَّةِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ تَرَكَ جَدَّ مُعْتِقِهِ وَأَخَاهُ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَخْتَصُّ الْجَدُّ بِالْوَلَاءِ وَقَالَا الْوَلَاءُ. بَيْنَهُمَا وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 770 وَبَاقِيهَا فِي غَيْرِهَا وَزَادَ ابْنُ الْمُصَنِّفِ فِي زَوَاهِرِهِ أُخْرَى مِنْ الْفُصُولَيْنِ: ضَمِنَ الْأَبُ مَهْرَ صَبِيِّهِ فَأَدَّى رَجَعَ لَوْ شُرِطَ   [رد المحتار] الْجَدِّ أَبٌ فَالْمِيرَاثُ كُلُّهُ لَهُ اتِّفَاقًا قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَهَذِهِ مُسْتَفَادٌ حُكْمُهَا مِنْ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ اهـ ح (قَوْلُهُ وَبَاقِيهَا فِي غَيْرِهَا) . الْأَوْلَى: لَوْ أَوْصَى لِأَقْرِبَاءِ فُلَانٍ لَا يَدْخُلُ الْأَبُ وَيَدْخُلُ الْجَدُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. الثَّانِيَةُ: تَجِبُ صَدَقَةُ فِطْرِ الْوَلَدِ عَلَى أَبِيهِ الْغَنِيِّ دُونَ جَدِّهِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ أُعْتِقَ الْأَبُ جَرَّ وَلَاءَ وَلَدِهِ إلَى مَوَالِيهِ دُونَ الْجَدِّ. الرَّابِعَةُ: يَصِيرُ الصَّغِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبِيهِ دُونَ جَدِّهِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ تَرَكَ أَوْلَادًا صِغَارًا وَمَالًا فَالْوِلَايَةُ لِلْأَبِ فَهُوَ كَوَصِيِّ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْجَدِّ. السَّادِسَةُ: فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ لَوْ كَانَ لِلصَّغِيرِ أَخٌ وَجَدٌّ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَشْتَرِكَانِ وَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ يَخْتَصُّ الْجَدُّ وَلَوْ كَانَ مَكَانَهُ أَبٌ اخْتَصَّ اتِّفَاقًا. السَّابِعَةُ: إذَا مَاتَ أَبُوهُ صَارَ يَتِيمًا وَلَا يَقُومُ الْجَدُّ مَقَامَ الْأَبِ لِإِزَالَةِ الْيَتِيمِ عَنْهُ. الثَّامِنَةُ: لَوْ مَاتَ وَتَرَكَ أَوْلَادًا صِغَارًا، وَلَا مَالَ لَهُ وَلَهُ أُمٌّ وَجَدٌّ أَبُو الْأَبِ، فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا الثُّلُثُ عَلَى الْأُمِّ، وَالثُّلُثَانِ عَلَى الْجَدِّ وَلَوْ كَانَ كَالْأَبِ كَانَ كُلُّهَا عَلَيْهِ اهـ ح. أَقُولُ: وَفِي الْخَامِسَةِ نَظَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ قَبِيلَ شَهَادَةِ الْأَوْصِيَاءِ أَنَّ الْوِلَايَةَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ لِأَبِيهِ، ثُمَّ لِوَصِيِّ الْأَبِ، ثُمَّ لِلْجَدِّ، ثُمَّ لِوَصِيِّهِ، ثُمَّ لِلْقَاضِي، ثُمَّ لِوَصِيِّهِ فَالْجَدُّ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ، وَوَصِيِّهِ فَلَمْ يُخَالِفْ الْجَدُّ فِيهَا الْأَبَ تَأَمَّلْ، وَالسَّادِسَةُ: يَجْرِي فِيهَا مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمِنَحِ، وَقَوْلُهُ فِي الثَّامِنَةِ: وَلَهُ أُمٌّ وَجَدٌّ مُوَافِقٌ لِمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَشْبَاهِ، وَفِي بَعْضِهَا وَلَهُمْ بِضَمِيرِ الْجَمْعِ الْعَائِدِ إلَى الصِّغَارِ، وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ نَفَقَةَ الصَّغِيرِ تَجِبُ عَلَى قَرِيبِهِ الْمَحْرَمِ بِقَدْرِ الْإِرْثِ كَمَا فِي الْمُتُونِ أَيْ بِقَدْرِ إرْثِ الْمَحْرَمِ مِنْ الصَّغِيرِ لَوْ مَاتَ فَإِذَا كَانَتْ الْأُمُّ هُنَا أُمَّ الصِّغَارِ صَحَّ كَوْنُ الثُّلُثِ عَلَيْهَا وَالْبَاقِي عَلَى الْجَدِّ، لِأَنَّهُ قَدْرُ إرْثِهَا مِنْهُمْ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ أُمُّ أَبِيهِمْ الْمَيِّتِ يَكُونُ عَلَيْهَا السُّدُسُ، لِأَنَّهَا جَدَّةٌ لَهُمْ وَفَرْضُ الْجَدَّةِ السُّدُسُ لَا الثُّلُثُ فَلَا يَصِحُّ إرْجَاعُ الضَّمِيرِ إلَى الْمَيِّتِ، بَلْ يَتَعَيَّنُ إرْجَاعُهُ إلَى الصِّغَارِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي مِنْ فَيْضِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ (قَوْلُهُ وَزَادَ ابْنُ الْمُصَنِّفِ إلَخْ) أَقُولُ: يُزَادُ أَيْضًا، أَنَّهُ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْجَدِّ الْمُعْسِرِ، وَأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ جَدِّهِ وَإِنَّ الْجَدَّ إذَا أَقَرَّ بِنَافِلَةٍ وَابْنُهُ حَيٌّ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ ذَكَرَ ذَلِكَ السَّيِّدُ فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ وَزِدْت أُخْرَى أَيْضًا تَقَدَّمَتْ قَبِيلٍ فَصْلِ شَهَادَةِ الْأَوْصِيَاءِ وَهِيَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الْوَصِيِّ وَأَبِي الْمَيِّتِ، فَلِلْوَصِيِّ بَيْعُ التَّرِكَةِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَأَبُو الْمَيِّتِ لَهُ بَيْعُهَا لِقَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الْأَوْلَادِ لَا لِقَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ تُحْفَظُ مِنْ الْخَصَّافِ، وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَأَقَامَ الْجَدَّ مَقَامَ الْأَبِ وَبِقَوْلِ الْخَصَّافِ يُفْتَى اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ جَدَّ الصَّغِيرِ خَالَفَ الْأَبَ وَوَصِيَّ الْأَبِ فِي هَذِهِ ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْوَهْبَانِيَّةِ ذَكَرَهَا هُنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (قَوْلُهُ ضَمِنَ الْأَبُ مَهْرَ صَبِيِّهِ) عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ مَهْرَ زَوْجَةِ صَبِيِّهِ: أَيْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَمَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ مِنْ التَّعْبِيرِ بِصَبِيَّتِهِ بِالتَّاءِ فَتَحْرِيفٌ (قَوْلُهُ رَجَعَ لَوْ شَرَطَ) أَيْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حِينَ الْعَقْدِ لَوْ شَرَطَ الرُّجُوعَ، وَأَشْهَدَ أَخْذًا مِمَّا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَيْضًا نَقَدَ مِنْ مَالِهِ ثَمَنَ شَيْءٍ شَرَاهُ لِوَلَدِهِ، وَنَوَى الرُّجُوعَ يَرْجِعُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً مَا لَمْ يُشْهِدْ وَلَوْ ثَوْبًا أَوْ طَعَامًا وَأَشْهَدَ أَنَّهُ يَرْجِعُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ لَوْ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَلَا لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ وَلَوْ قِنًّا أَوْ شَيْئًا لَا يَلْزَمُهُ رَجَعَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَوْ أَشْهَدَ وَإِلَّا لَا اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 771 وَإِلَّا لَا وَلَوْ وَلِيًّا غَيْرَهُ أَوْ وَصِيًّا رَجَعَ مُطْلَقًا انْتَهَى فَقَوْلُهُ لَوْ وَلِيًّا غَيْرَهُ يَعُمُّ الْجَدَّ فَيَرْجِعُ كَالْوَصِيِّ بِخِلَافِ الْأَبِ (وَلِلْأُمِّ) ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (السُّدُسُ مَعَ أَحَدِهِمَا أَوْ مَعَ اثْنَيْنِ مِنْ الْأُخُوَّةِ أَوْ) مِنْ (الْأَخَوَاتِ) فَصَاعِدًا مِنْ أَيْ جِهَةٍ كَانَا وَلَوْ مُخْتَلِطَيْنِ وَالثُّلُثُ عِنْدَ عَدَمِهِمَا وَثُلُثُ الْبَاقِي مَعَ الْأَبِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ (وَ) السُّدُسُ (لِلْجَدَّةِ مُطْلَقًا) كَأُمِّ أُمٍّ وَأُمِّ أَبٍ (فَصَاعِدًا) يَشْتَرِكْنَ فِيهِ (إذْ كُنَّ ثَابِتَاتٍ) أَيْ صَحِيحَاتٍ كَالْمَذْكُورَتَيْنِ فَإِنَّ الْفَاسِدَةَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَمَا سَيَجِيءُ (مُتَحَاذِيَاتٌ فِي الدَّرَجَةِ لِأَنَّ الْقُرْبَى تَحْجُبُ الْبُعْدَى) مُطْلَقًا كَمَا سَيَجِيءُ (وَ) السُّدُسُ (لِبِنْتِ الِابْنِ) فَأَكْثَرَ (مَعَ الْبِنْتِ) الْوَاحِدَةِ تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَيْنِ (وَ) السُّدُسُ (لِلْأُخْتِ) لِأَبٍ فَأَكْثَرَ (مَعَ الْأُخْتِ) الْوَاحِدَةِ (لِأَبَوَيْنِ) تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَيْنِ (وَ) السُّدُسُ (لِلْوَاحِدِ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ وَالثُّلُثُ لِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ) ذُكُورُهُمْ كَإِنَاثِهِمْ (وَ) الثُّلُثُ (لِلْأُمِّ عِنْدَ عَدَمِ مَنْ لَهَا مَعَهُ السُّدُسُ) كَمَا مَرَّ (وَلَهَا ثُلُثُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ   [رد المحتار] قُلْت: وَالتَّزْوِيجُ مِمَّا لَا يَلْزَمُ الْأَبَ فَيَرْجِعُ إنْ أَشْهَدَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ اسْتِحْسَانًا لِلْعُرْفِ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ رَجَعَ مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِتَحَمُّلِهِ الْمَهْرَ عَنْ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ مَعَ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. (قَوْلُهُ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الِاثْنَانِ فَأَكْثَرَ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُخْتَلَطِينَ) أَيْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ (قَوْلُهُ وَالثُّلُثَ عِنْدَ عَدَمِهِمْ) أَيْ عَدَمِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ وَالْعَدَدِ مِنْ الْأُخُوَّةِ وَالْأَخَوَاتِ وَعِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ مَعَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَثُلُثَ الْبَاقِي إلَخْ) تَحْتَهُ صُورَتَانِ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ ط: وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّارِحُ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ يَعْنِي الثُّلُثَ وَثُلُثَ الْبَاقِي مَعَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ لَهُمَا فِيمَا سَيَأْتِي لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى جَمْعُ حَالَاتِ الْأُمِّ مُتَوَالِيَةً (قَوْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ لِأُمٍّ) أَوْ لِأَبٍ كَمَا مَثَّلَ. (قَوْلُهُ أَيْ صَحِيحَاتٍ) الْجَدَّةُ الصَّحِيحَةُ مَنْ لَيْسَ فِي نِسْبَتِهَا إلَى الْمَيِّتِ جَدٌّ فَاسِدٌ: وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ الْمُدْلِيَةُ بِمَحْضِ الْإِنَاثِ كَأُمِّ أُمِّ الْأُمِّ أَوْ بِمَحْضِ الذُّكُورِ كَأُمِّ أَبِي الْأَبِ أَوْ بِمَحْضِ الْإِنَاثِ إلَى مَحْضِ الذُّكُورِ كَأُمِّ أُمِّ الْأَبِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ كَأُمِّ أَبِي الْأُمِّ فَإِنَّهَا فَاسِدَةٌ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْقُرْبَى أَوْ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ أَوْ الْأَبِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْقُرْبَى وَارِثَةً كَأُمِّ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ مَعَ أُمِّ أُمِّ الْأُمِّ أَوْ مَحْجُوبَةً بِالْأَبِ عِنْدَ وُجُودِهِ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ عِنْدَ ذِكْرِ الْحَجْبِ (قَوْلُهُ وَالسُّدُسُ لِبِنْتِ الِابْنِ إلَخْ) لِلْبَنَاتِ سِتَّةُ أَحْوَالٍ ثَلَاثَةٌ تَتَحَقَّقُ فِي بَنَاتِ الصُّلْبِ، وَبَنَاتِ الِابْنِ وَهِيَ النِّصْفُ لِلْوَاحِدَةِ وَالثُّلُثَانِ لِلْأَكْثَرِ وَإِذَا كَانَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ عَصَّبَهُنَّ وَثَلَاثَةٌ تَنْفَرِدُ بِهَا بَنَاتُ الِابْنِ. الْأَوْلَى: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. الثَّانِيَةُ: يَسْقُطْنَ بالصُّلْبِيَّتَيْن فَأَكْثَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ غُلَامٌ لَيْسَ أَعْلَى مِنْهُنَّ فَيُعَصِّبَهُنَّ. الثَّالِثَةُ: يَسْقُطْنَ بِالِابْنِ الصُّلْبِيِّ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا (قَوْلُهُ وَالسُّدُسُ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ لِلْأَخَوَاتِ لِغَيْرِ أُمٍّ سَبْعَةَ أَحْوَالٍ خَمْسَةٌ تَتَحَقَّقُ فِي الْأَخَوَاتِ لِأَبَوَيْنِ، وَالْأَخَوَاتِ لِأَبٍ: وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْمَارَّةُ فِي بَنَاتِ الصُّلْبِ. وَالرَّابِعَةُ: أَنَّهُنَّ يَصِرْنَ عَصَبَاتٍ مَعَ الْبَنَاتِ أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ. وَالْخَامِسَةُ: أَنَّهُنَّ يَسْقُطْنَ بِالِابْنِ وَابْنِهِ وَبِالْأَبِ اتِّفَاقًا وَبِالْجَدِّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَثِنْتَانِ تَنْفَرِدُ بِهِمَا الْأَخَوَاتُ لِأَبٍ: الْأُولَى: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُنَّ يَسْقُطْنَ مَعَ الشَّقِيقَتَيْنِ فَأَكْثَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ مَنْ يُعَصِّبُهُنَّ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ السِّرَاجِيَّةِ، وَيَسْقُطْنَ بِالْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ إذَا صَارَتْ عَصَبَةً: أَيْ إذَا كَانَتْ مَعَ الْبَنَاتِ أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ قَالَ السَّيِّدُ: لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ كَالْأَخِ فِي كَوْنِهَا عَصَبَةً أَقْرَبَ إلَى الْمَيِّتِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَالسُّدُسُ لِلْوَاحِدِ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ) أَيْ لِلْأَخِ أَوْ الْأُخْتِ لِأُمٍّ وَلَهُمْ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ ذَكَرَ مِنْهَا اثْنَتَيْنِ وَالثَّالِثَةُ أَنَّهُمْ يَسْقُطُونَ بِالْفَرْعِ الْوَارِثِ وَبِالْأَبِ وَالْجَدِّ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ عِنْدَ عَدَمِ مَنْ لَهَا مَعَهُ السُّدُسُ) أَيْ أَوْ ثُلُثُ الْبَاقِي (قَوْلُهُ بَعْدَ فَرْضِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 772 أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ) كَمَا قَدَّمْنَا وَذَلِكَ (فِي زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ) وَأُمٍّ فَلَهَا حِينَئِذٍ الرُّبْعُ (أَوْ زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ) وَأُمٍّ فَلَهَا حِينَئِذٍ السُّدُسُ وَيُسَمَّى ثُلُثًا تَأَدُّبًا مَعَ قَوْله تَعَالَى - {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11]- (وَالثُّلُثَانِ لِكُلِّ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِمَّنْ فَرْضُهُ النِّصْفُ) وَهُوَ خَمْسَةٌ الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَالْأُخْتُ لِأَبَوَيْنِ وَالْأُخْتُ لِأَبٍ وَالزَّوْجُ (إلَّا الزَّوْجَ) لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. فَصْلٌ فِي الْعَصَبَاتِ الْعَصَبَاتُ النِّسْبِيَّةِ ثَلَاثَةٌ عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ وَعَصَبَةٌ بِغَيْرِهِ وَعَصَبَةٌ مَعَ غَيْرِهِ (يَحُوزُ الْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ كُلُّ ذَكَرٍ) فَالْأُنْثَى لَا تَكُونُ عَصَبَةً بِنَفْسِهَا بَلْ بِغَيْرِهَا أَوْ مَعَ غَيْرِهَا (لَمْ يَدْخُلْ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُنْثَى) فَإِنْ دَخَلَتْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةً كَوَلَدِ الْأُمِّ   [رد المحتار] أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْبَاقِي أَيْ ثُلُثِ مَا يَبْقَى بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجَةِ أَوْ الزَّوْجِ (قَوْلُهُ وَأُمٌّ) لَفْظُ أُمٍّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ زَائِدٌ أَفَادَهُ ح أَيْ لِأَنَّهَا أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ (قَوْلُهُ فَلَهَا حِينَئِذٍ الرُّبْعُ) لِأَنَّ لِلزَّوْجَةِ الرُّبْعَ وَمَخْرَجُهُ مِنْ أَرْبَعَةٍ يَبْقَى ثَلَاثَةٌ لِلْأُمِّ ثُلُثُهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ رُبْعُ الْأَرْبَعَةِ وَلِلْأَبِ الْبَاقِي (قَوْلُهُ فَلَهَا حِينَئِذٍ السُّدُسُ) لِأَنَّهَا تَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا يَبْقَى، وَهُوَ وَاحِدٌ وَلِلْأَبِ الْبَاقِي (قَوْلُهُ تَأَدُّبًا إلَخْ) لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى - فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ - ثُلُثُ مَا وَرِثَهُ الْأَبَوَانِ سَوَاءٌ كَانَ جَمِيعَ الْمَالِ أَوْ بَعْضَهُ لِلْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ فَالثُّلُثُ هُنَا وَإِنْ صَارَ فِي الْحَقِيقَةِ رُبْعَ جَمِيعِ الْمَالِ أَوْ سُدُسَهُ إلَّا أَنَّ الْأَدَبَ التَّعْبِيرُ بِهِ تَبَرُّكًا بِلَفْظِ الْقُرْآنِ وَتَبَاعُدًا عَنْ إيهَامِ الْمُخَالَفَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ إمْكَانِ تَعَدُّدِهِ، وَقَدْ يُقَالُ لَيْسَ ذَاكَ تَعَدُّدًا لَا حَقِيقَةً وَلَا صُورَةً وَإِنَّمَا شَرَّكَ بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلتَّرْجِيحِ، بِلَا مُرَجِّحٍ وَلِذَا لَمْ يُعْطَيَا إلَّا نَصِيبَ زَوْجٍ وَاحِدٍ وَعَلَيْهِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا الزَّوْجَ تَبَعًا لِلْمَجْمَعِ مُسْتَدْرَكٌ تَأَمَّلْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الْعَصَبَاتِ] ِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْعَصَبَةُ قَرَابَةُ الرَّجُلِ لِأَبِيهِ وَكَأَنَّهَا جَمْعُ عَاصِبٍ، وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ بِهِ، مِنْ عَصَبُوا بِهِ إذَا أَحَاطُوا حَوْلَهُ ثُمَّ سُمِّيَ بِهَا الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ لِلْغَلَبَةِ وَقَالُوا فِي مَصْدَرِهَا الْعُصُوبَةُ، وَالذَّكَرُ يُعَصِّبُ الْمَرْأَةَ أَيْ يَجْعَلُهَا عَصَبَةً اهـ فَالْعَصَبَاتُ جَمْعُ الْجَمْعِ كَالْجِمَالَاتِ أَوْ جَمْعُ الْمُفْرَدِ عَلَى جَعْلِ الْعَصَبَةِ اسْمًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَعَصَبَةٌ بِغَيْرِهِ وَعَصَبَةٌ مَعَ غَيْرِهِ) سَيَأْتِي بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: فَالْأُنْثَى لَا تَكُونُ عَصَبَةً بِنَفْسِهَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ خَرَجَ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ كُلُّ ذَكَرٍ الْعَصَبَةُ بِالْغَيْرِ، وَالْعَصَبَةُ مَعَ الْغَيْرِ فَإِنَّهُمَا إنَاثٌ فَقَطْ وَأَمَّا الْمُعْتَقَةُ، فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ عَصَبَةً بِنَفْسِهَا، فَهِيَ لَيْسَتْ نَسَبِيَّةً، وَالْمَقْصُودُ الْعَصَبَاتُ النَّسَبِيَّةُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ أَوَّلًا، وَلِذَلِكَ خَرَجَ الْمُعْتَقُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: لَمْ يَدْخُلْ إلَخْ) الْمُرَادُ عَدَمُ تَوَسُّطِ الْأُنْثَى سَوَاءٌ تَوَسَّطَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ ذَكَرٌ كَالْجَدِّ وَابْنِ الِابْنِ أَوْ لَا كَالْأَبِ وَالِابْنِ الصُّلْبِيِّ (قَوْلُهُ: كَوَلَدِ الْأُمِّ) أَيْ الْأَخِ لِأُمٍّ وَأَمَّا الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ، فَإِنَّهُ عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ مَعَ أَنَّ الْأُمَّ دَاخِلَةٌ فِي نِسْبَتِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَنْ لَا يَنْتَسِبُ بِالْأُنْثَى فَقَطْ، وَأَجَابَ السَّيِّدُ بِأَنَّ قَرَابَةَ الْأَبِ أَصْلٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعُصُوبَةِ، فَإِنَّهَا إذَا انْفَرَدَتْ كَفَتْ فِي إثْبَاتِ الْعُصُوبَةِ، بِخِلَافِ قَرَابَةِ الْأُمِّ، فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ بِانْفِرَادِهَا عِلَّةً لِإِثْبَاتِهَا فَهِيَ مُلْغَاةٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعُصُوبَةِ لَكِنَّا جَعَلْنَاهَا بِمَنْزِلَةِ وَصْفٍ زَائِدٍ فَرَجَّحْنَا بِهَا الْأَخَ لِأَبٍ وَأُمٍّ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ اهـ. أَقُولُ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّهُ خَرَجَ بِقَوْلِهِ فِي نِسْبَتِهِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ فِي قَرَابَتِهِ فَإِنَّ الْأُنْثَى دَاخِلَةٌ فِي قَرَابَتِهِ لِأَخِيهِ لَا فِي نِسْبَتِهِ إلَيْهِ، لِأَنَّ النَّسَبَ لِلْأَبِ فَلَا يَثْبُتُ بِوَاسِطَةِ غَيْرِهِ اهـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 773 فَإِنَّهُ ذُو فَرْضٍ وَكَأَبِي الْأُمِّ وَابْنِ الْبِنْتِ فَإِنَّهُمَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ (مَا أَبْقَتْ الْفَرَائِضُ) أَيْ جِنْسُهَا (وَعِنْدَ الِانْفِرَادِ يَحُوزُ جَمِيعَ الْمَالِ) بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ. ثُمَّ الْعَصَبَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ جُزْءُ الْمَيِّتِ ثُمَّ أَصْلُهُ ثُمَّ جُزْءُ أَبِيهِ ثُمَّ جُزْءُ جَدِّهِ (وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْهُمْ) بِهَذَا التَّرْتِيبِ فَيُقَدَّمُ جُزْءُ الْمَيِّتِ (كَالِابْنِ ثُمَّ ابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ أَصْلُهُ الْأَبُ وَيَكُونُ مَعَ الْبِنْتِ) بِأَكْثَرَ (عَصَبَةً وَذَا سَهْمٍ) كَمَا مَرَّ (ثُمَّ الْجَدُّ الصَّحِيحُ) وَهُوَ أَبُو الْأَبِ (وَإِنْ عَلَا) وَأَمَّا أَبُو الْأُمِّ فَفَاسِدٌ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ (ثُمَّ جُزْءُ أَبِيهِ الْأَخُ) لِأَبَوَيْنِ (ثُمَّ) لِأَبٍ ثُمَّ (ابْنُهُ) لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ (وَإِنْ سَفَلَ) تَأْخِيرُ الْإِخْوَةِ عَنْ الْجَدِّ وَإِنْ عَلَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى خِلَافًا لَهُمَا وَلِلشَّافِعِيِّ.   [رد المحتار] فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَا النِّسْبَةُ إلَى الْمَيِّتِ لَا إلَى الْأَبِ، فَالْمُرَادُ بِهَا الْقَرَابَةُ لَا النَّسَبُ الشَّرْعِيُّ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا تَكُونَ الْعَصَبَةُ إلَّا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ أَبًا أَوْ جَدًّا فَيَخْرُجُ الْأَخُ وَالْعَمُّ وَنَحْوُهُمَا فَافْهَمْ. ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ يَعْقُوبَ قَدْ زَيَّفَ هَذَا الْجَوَابَ وَأَخْرَجَهُ عَنْ دَائِرَةِ الصَّوَابِ بِنَحْوِ مَا قُلْنَاهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَتَعْرِيفُ الْعَصَبَةِ لَا يَخْلُو عَنْ كَلَامٍ وَلَوْ بَعْدَ تَحْرِيرِ الْمُرَادِ فَإِنَّهُ لَا يَدْفَعُ الْإِيرَادَ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْهَائِمِ فِي مَنْظُومَتِهِ: وَلَيْسَ يَخْلُو حَدُّهُ عَنْ نَقْدِ ... فَيَنْبَغِي تَعْرِيفُهُ بِالْعَدِّ وَأَيْضًا فَتَخْصِيصُهُ بِالْعَصَبَةِ النَّسَبِيَّةِ لَا دَاعِيَ لَهُ، وَقَدْ عَرَّفَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي شَرْحِ فَرَائِضِ الْمَجْمَعِ بِقَوْلِهِ هُوَ ذَكَرٌ نَسِيبٌ أَدْلَى إلَى الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَحْضِ الذُّكُورِ أَوْ مُعْتِقٌ فَقَوْلُهُ أَوْ مُعْتِقٌ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى " ذَكَرٌ "، وَلَوْ حَذَفَ " مَحْضِ " لَكَانَ أَوْلَى لِيَدْخُلَ الْأَخُ الشَّقِيقُ وَبَعْدَ هَذَا فَفِيهِ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ ذُو فَرْضٍ) أَيْ فَقَطْ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ وَارِثٍ ذَا فَرْضٍ أَنْ لَا يَكُونَ عَصَبَةً فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْأَبِ وَالْجَدِّ ذُو فَرْضٍ وَيَصِيرُ عَصَبَةً (قَوْلُهُ: أَيْ جِنْسُهَا) أَيْ قَالَ لِلْجِنْسِ فَتَبْطُلُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ، فَيَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ هُنَاكَ فَرْضٌ وَاحِدٌ وَحَازَ الْبَاقِيَ بَعْدَ إعْطَائِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ ط (قَوْلُهُ: بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: قَيَّدْنَا بِهِ حَتَّى لَا يَرِدَ أَنَّ صَاحِبَ الْفَرْضِ إذَا خَلَا عَنْ الْعُصُوبَةِ قَدْ يُحْرِزُ جَمِيعَ الْمَالِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لِبَعْضِهِ بِالْفَرْضِيَّةِ وَالْبَاقِي بِالرَّدِّ (قَوْلُهُ: جُزْءُ الْمَيِّتِ إلَخْ) الْمُرَادُ فِي الْجَمِيعِ الذُّكُورُ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ جُزْءُ جَدِّهِ) أَرَادَ بِالْجَدِّ مَا يَشْمَلُ أَبَا الْأَبِ، وَمَنْ فَوْقَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي: وَإِنْ عَلَا فَلَا يَرِدُ أَنَّ عَمَّ الْأَبِ وَعَمَّ الْجَدِّ فِي كَلَامِهِ الْآتِي خَارِجَانِ عَنْ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ (قَوْلُهُ: وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ إلَخْ) أَيْ الْأَقْرَبُ جِهَةً ثُمَّ الْأَقْرَبُ دَرَجَةً ثُمَّ الْأَقْوَى قَرَابَةً فَاعْتِبَارُ التَّرْجِيحِ أَوَّلًا بِالْجِهَةِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، فَيُقَدَّمُ جُزْؤُهُ كَالِابْنِ وَابْنِهِ عَلَى أَصْلِهِ كَالْأَبِ وَأَبِيهِ وَيُقَدَّمُ أَصْلُهُ عَلَى جُزْءِ أَبِيهِ كَالْإِخْوَةِ لِغَيْرِ أُمٍّ وَأَبْنَائِهِمْ، وَيُقَدَّمُ جُزْءُ أَبِيهِ عَلَى جُزْءِ جَدِّهِ كَالْأَعْمَامِ لِغَيْرِ أُمٍّ وَأَبْنَائِهِمْ وَبَعْدَ التَّرْجِيحِ بِالْجِهَةِ إذَا تَعَدَّدَ أَهْلُ تِلْكَ الْجِهَةِ اُعْتُبِرَ التَّرْجِيحُ بِالْقَرَابَةِ، فَيُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى ابْنِهِ وَالْأَبُ عَلَى أَبِيهِ وَالْأَخُ عَلَى ابْنِهِ لِقُرْبِ الدَّرَجَةِ، وَبَعْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ وَالْقَرَابَةِ يُعْتَبَرُ التَّرْجِيحُ بِالْقُوَّةِ، فَيُقَدَّمُ الْأَخُ الشَّقِيقُ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ، وَكَذَا أَبْنَاؤُهُمْ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ الْجَعْبَرِيُّ حَيْثُ قَالَ: فَبِالْجِهَةِ التَّقْدِيمُ ثُمَّ بِقُرْبِهِ ... وَبَعْدَهُمَا التَّقْدِيمُ بِالْقُوَّةِ اجْعَلَا (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ إلَخْ) الْأَوْلَى ذِكْرُ هَذَا عِنْدَ ذِكْرِ الْأَبِ فِيمَا تَقَدَّمَ كَمَا فَعَلَهُ الشَّارِحُ ط (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْجَدُّ الصَّحِيحُ) هُوَ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُنْثَى (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَبُ الْأَبِ) الْأَوْلَى رَسْمُ أَبُو بِالْوَاوِ بِنَاءً عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ مِنْ إعْرَابِهِ بِالْحُرُوفِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ لِأَبٍ) أَيْ ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ أَمَّا الْأَخُ لِأُمٍّ فَذُو فَرْضٍ فَقَطْ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: لِأَبَوَيْنِ) مُتَعَلِّقٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 774 قِيلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (ثُمَّ جُزْءُ جَدِّهِ الْعَمُّ) لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُهُ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ (وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ عَمُّ الْأَبِ ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ ثُمَّ ابْنُهُ) كَذَلِكَ وَإِنْ سَفَلَا فَأَسْبَابُهَا أَرْبَعَةٌ: بُنُوَّةٌ ثُمَّ أُبُوَّةٌ ثُمَّ أُخُوَّةٌ ثُمَّ عُمُومَةٌ (وَ) بَعْدَ تَرْجِيحِهِمْ بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ (يُرَجَّحُونَ) عِنْدَ التَّفَاوُتِ بِأَبَوَيْنِ وَأَبٍ كَمَا مَرَّ (بِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ فَمَنْ كَانَ لِأَبَوَيْنِ) مِنْ الْعَصَبَاتِ وَلَوْ أُنْثَى كَالشَّقِيقَةِ مَعَ الْبِنْتِ تُقَدَّمُ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ (مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ كَانَ لِأَبٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَعْيَانَ بَنِي الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلَّاتِ» . وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الدَّرَجَةِ يُقَدَّمُ ذُو الْقَرَابَتَيْنِ وَعِنْدَ التَّفَاوُتِ فِيهَا يُقَدَّمُ الْأَعْلَى ثُمَّ شَرَعَ فِي الْعَصَبَةِ بِغَيْرِهِ فَقَالَ (وَيَصِيرُ عَصَبَةً بِغَيْرِهِ الْبَنَاتُ بِالِابْنِ وَبَنَاتُ الِابْنِ بِابْنِ الِابْنِ) وَإِنْ سَفَلُوا (وَالْأَخَوَاتُ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ (بِأَخِيهِنَّ) فَهُنَّ أَرْبَعٌ ذَوَاتُ النِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ يَصِرْنَ عَصَبَةً بِإِخْوَتِهِنَّ،   [رد المحتار] بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ (قَوْلُهُ: قِيلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) قَالَهُ صَاحِبُ السِّرَاجِيَّةِ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهَا كَمَا سَيَأْتِي وَقَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَذْهَبُ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ وَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ عَمِّ الْأَبِ وَعَمِّ الْجَدِّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ سَفَلَا) أَيْ ابْنُ عَمِّ الْأَبِ وَابْنُ عَمِّ الْجَدِّ (قَوْلُهُ: فَأَسْبَابُهَا) أَيْ الْعُصُوبَةِ (قَوْلُهُ: وَبَعْدَ تَرْجِيحِهِمْ إلَخْ) أَيْ تَرْجِيحِ أَهْلِ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ كَتَرْجِيحِ الْإِخْوَةِ مَثَلًا عَلَى أَبْنَائِهِمْ يُرَجَّحُ بِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ إذَا تَفَاوَتُوا فِيهَا كَالْأَخِ الشَّقِيقِ مَعَ الْأَخِ لِأَبٍ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: بِأَبَوَيْنِ وَأَبٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّفَاوُتِ وَقَوْلُهُ كَمَا مَرَّ حَالٌ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ بِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ مُتَعَلِّقٌ بِيُرَجَّحُونَ. (قَوْلُهُ: كَالشَّقِيقَةِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعَصَبَةِ بِالنَّفْسِ وَهَذِهِ عَصَبَةٌ مَعَ الْغَيْرِ لَكِنْ قَالَ السَّيِّدُ: إنَّمَا ذَكَرَهَا هُنَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَصَبَةً بِنَفْسِهَا لِمُشَارَكَتِهَا فِي الْحُكْمِ لِمَنْ هُوَ عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: «إنَّ أَعْيَانَ بَنِي الْأُمِّ» إلَخْ) تَمَامُ الْحَدِيثِ «يَرِثُ الرَّجُلُ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ دُونَ أَخِيهِ لِأَبِيهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ اهـ قَاسِمٌ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ أَنَّ بَنِي الْأَعْيَانِ الْإِخْوَةَ لِأَبٍ وَأُمٍّ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ مِنْ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ أَيْ أَبٍ وَأُمٍّ وَاحِدَةٍ وَأَنَّ بَنِي الْعَلَّاتِ الْإِخْوَةَ لِأَبٍ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ عَلَّ مَنْ زَوْجَتِهِ الثَّانِيَةِ، وَالْعَلَلُ الشُّرْبُ الثَّانِي يُقَالُ عَلَّهُ إذَا سَقَاهُ السَّقْيَةَ الثَّانِيَةَ، وَأَمَّا الْإِخْوَةُ لِأُمٍّ فَهُوَ بَنُو الْأَخْيَافِ كَمَا سَيَأْتِي وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِبَنِي الْأُمِّ فِي الْحَدِيثِ مَا يَشْمَلُ الْإِخْوَةَ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَالْإِخْوَةَ لِأُمٍّ فَقَطْ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِأَعْيَانِهِمْ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْمُغْرِبِ أَعْيَانُ الْقَوْمِ أَشْرَافُهُمْ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لِلْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ بَنُو الْأَعْيَانِ وَمِنْهُ حَدِيثُ «أَعْيَانُ بَنِي أُمٍّ يَتَوَارَثُونَ» اهـ. وَقَالَ السَّيِّدُ: وَالْمَقْصُودُ بِذِكْرِ الْأُمِّ هَاهُنَا إظْهَارُ مَا يَتَرَجَّحُ بِهِ بَنُو الْأَعْيَانِ عَلَى بَنِي الْعَلَّاتِ اهـ أَيْ لِأَنَّهُمْ زَادُوا عَلَيْهِمْ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ وَلِذَا كَانُوا أَعْيَانًا (قَوْلُهُ: الْبَنَاتُ) اسْمُ يَصِيرُ مُؤَخَّرٌ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ عَصَبَةً بِغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ بِالِابْنِ قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُنَّ عِنْدَ عَدَمِهِ صَاحِبَاتُ فَرْضٍ دَائِمًا وَابْنُ الِابْنِ لَا يُعَصِّبُ ذَاتَ فَرْضٍ (قَوْلُهُ: وَإِنْ سَفَلُوا) أَيْ بَنَاتُ الِابْنِ وَابْنُ الِابْنِ (قَوْلُهُ: بِأَخِيهِنَّ) أَيْ الْمُسَاوِي لَهُنَّ قَرَابَةً دُرَرُ الْبِحَارِ قَالَ الطُّورِيُّ: وَفِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ وَلَا يُعَصِّبُ الشَّقِيقَةَ الْأَخُ لِأَبٍ إجْمَاعًا لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْهُ فِي النَّسَبِ بَلْ تَأْخُذُ فَرْضَهَا وَلَا يُعَصِّبُ الْأُخْتَ لِأَبٍ أَخٌ شَقِيقٌ بَلْ يَحْجُبُهَا لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْهَا إجْمَاعًا اهـ وَفِي مَنْظُومَةِ الْمُصَنِّفِ الْمُسَمَّاةِ تُحْفَةَ الْقُرْآنِ: وَلَا تَرِثْ أُخْتٌ لَهُ مِنْ الْأَبِ ... مَعْ صِنْوِهِ الشَّقِيقِ فَاحْفَظْ تُصِبْ وَذَكَرَ فِي شَرْحِهَا عَنْ الْجَوَاهِرِ أَنَّ بَعْضَهُمْ ظَنَّ أَنَّ لِلْأُخْتِ النِّصْفَ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ اهـ (قَوْلُهُ: ذَوَاتُ النِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ) خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ أَوْ بَدَلٌ مِنْ أَرْبَعٍ أَيْ مَنْ لَهُنَّ النِّصْفُ إذَا انْفَرَدْنَ وَالثُّلُثَانِ إذَا تَعَدَّدْنَ، وَهُنَّ الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَالْأُخْتُ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ قِيلَ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ تُذْكَرَ الْأُمُّ مَعَ الْأَبِ فَإِنَّهُ يُعَصِّبُهَا إذَا كَانَا مَعَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 775 وَلَوْ حُكْمًا كَابْنِ ابْنِ ابْنٍ يُعَصِّبُ مَنْ مِثْلَهُ أَوْ فَوْقَهُ ثُمَّ شَرَعَ فِي الْعَصَبَةِ مَعَ غَيْرِهِ فَقَالَ (وَمَعَ غَيْرِهِ الْأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ) أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ لِقَوْلِ الْفَرْضِيِّينَ اجْعَلُوا الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةً وَالْمُرَادُ مِنْ الْجَمْعَيْنِ هُنَا الْجِنْسُ (وَعَصَبَةُ وَلَدِ الزِّنَا وَ) وَلَدِ (الْمُلَاعَنَةِ) (مَوْلَى الْأُمِّ) الْمُرَادُ بِالْمَوْلَى مَا يَعُمُّ الْمُعْتِقَ وَالْعَصَبَةَ لِيَعُمَّ مَا لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ حُرَّةَ الْأَصْلِ كَمَا بَسَطَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ   [رد المحتار] كَمَا مَرَّ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ أَخْذَهَا الثُّلُثَ الْبَاقِيَ بِطَرِيقِ الْفَرْضِ لَا التَّعْصِيبِ وَأَشَارَ إلَى مَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَشَرْحِهَا مِنْ أَنَّ مَنْ لَا فَرْضَ لَهَا مِنْ الْإِنَاثِ وَأَخُوهَا عَصَبَةٌ لَا تَصِيرُ عَصَبَةً بِأَخِيهَا كَالْعَمِّ وَالْعَمَّةِ إذَا كَانَا لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ وَكَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْعَمِّ دُونَ الْعَمَّةِ وَكَذَا فِي ابْنِ الْعَمِّ مَعَ بِنْتِ الْعَمِّ وَفِي ابْنِ الْأَخِ مَعَ بِنْتِ الْأَخِ وَنَظَمْت ذَلِكَ بِقَوْلِي: وَلَمْ يُعَصِّبْ غَيْرَ ذَاتِ سَهْمِ ... أَخٌ كَمِثْلِ عَمَّةٍ وَعَمِّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حُكْمًا) تَعْمِيمٌ لِلْأَخِ بِالنَّظَرِ إلَى بِنْتِ الِابْنِ فَإِنَّ عُصُوبَتَهَا لَمْ تَخْتَصَّ بِأَخِيهَا فَقَطْ فَإِنَّهَا تَصِيرُ عَصَبَةً بِهِ وَبِابْنِ عَمِّهَا، وَبِمَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهَا إذَا لَمْ تَكُنْ ذَاتَ فَرْضٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ: الْأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ) أَيْ الْأَخَوَاتُ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، أَمَّا الْأُخْتُ لِأُمٍّ فَلَا يُعَصِّبُهَا أَخُوهَا، وَهُوَ ذَكَرٌ فَعَدَمُ كَوْنِهَا عَصَبَةً مَعَ الْغَيْرِ أَوْلَى (قَوْلُهُ: لِقَوْلِ الْفَرْضِيِّينَ إلَخْ) جَعَلَهُ فِي السِّرَاجِيَّةِ وَغَيْرِهَا حَدِيثًا قَالَ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ خَرَّجَهُ، لَكِنَّ أَصْلَهُ ثَابِتٌ بِخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ فِي بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُخْتٍ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ وَجَعَلَهُ ابْنُ الْهَائِمِ فِي فُصُولِهِ مِنْ قَوْلِ الْفَرْضِيِّينَ وَتَبِعَهُ شُرَّاحُهَا كَالْقَاضِي زَكَرِيَّا وَسِبْطٍ الْمَارْدِينِيِّ وَغَيْرِهِمَا اهـ. [تَنْبِيهٌ] الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْعُصْبَتَيْنِ أَنَّ الْغَيْرَ فِي الْعَصَبَةِ بِغَيْرِهِ، يَكُونُ عَصَبَةً بِنَفْسِهِ فَتَتَعَدَّى بِسَبَبِهِ الْعُصُوبَةُ إلَى الْأُنْثَى وَفِي الْعَصَبَةِ مَعَ غَيْرِهِ، لَا تَكُونُ عَصَبَةً أَصْلًا، بَلْ تَكُونُ عُصُوبَةُ تِلْكَ الْعَصَبَةِ مُجَامِعَةً لِذَلِكَ الْغَيْرِ سَيِّدٌ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى وَجْهِ اخْتِصَاصِ الْأَوَّلِ بِالْبَاءِ وَالثَّانِي بِمَعَ. قَالَ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ: الْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ وَالْإِلْصَاقُ بَيْنَ الْمُلْصَقِ وَالْمُلْصَقِ بِهِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا عِنْدَ مُشَارِكِهِمَا فِي حُكْمِ الْمُلْصَقِ بِهِ، فَيَكُونَانِ مُشَارِكَيْنِ فِي حُكْمِ الْعُصُوبَةِ، بِخِلَافِ كَلِمَةِ مَعَ فَإِنَّهَا لِلْقِرَانِ وَالْقِرَانُ يَتَحَقَّقُ بَيْنَ الشَّخْصَيْنِ بِغَيْرِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا} [الفرقان: 35] أَيْ وَزِيرَهُ حَيْثُ كَانَ مُقَارَنًا بِهِ فِي النُّبُوَّةِ وَكَلَفْظِ الْقُدُورِيِّ وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ مَعَ الْإِمَامِ: أَيْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ الْمُقَارَنَةُ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ لَا أَنْ تَفُوتَهُمَا مَعًا فَتَكُونَ هِيَ عَصَبَةً دُونَ ذَلِكَ الْغَيْرِ، وَقَالَ بَدِيعُ الدِّينِ فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ: الْفَرْقُ أَنَّ مَعَ قَدْ تُسْتَعَارُ لِلشَّرْطِ، وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا بَسَطَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ) أَيْ فِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ نَقْلًا عَنْ الْجَوَاهِرِ، حَيْثُ قَالَ إنْ كَانَتْ الْمُلَاعَنَةُ حُرَّةَ الْأَصْلِ فَالْمِيرَاثُ لِمَوَالِيهِمَا وَهُمْ إخْوَتُهُمَا وَسَائِرُ عَصَبَةِ أُمِّهِمَا، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَقَةً فَالْمِيرَاثُ لِمُعْتِقِهَا وَنَحْوُهُ ابْنُ الْمُعْتِقِ وَأَخُوهُ وَأَبُوهُ فَقَوْلُهُ: لِمَوَالِيهِمَا يَتَنَاوَلُ الْمُعْتِقَ وَغَيْرَهُ وَهُوَ عَصَبَةُ أُمِّهِمَا اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ أَقُولُ: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ شُرَّاحُ الْكَنْزِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَرِثَ هُوَ أَوْ يُورَثَ بِالْعُصُوبَةِ إلَّا بِالْوَلَاءِ أَوْ الْوِلَادِ فَيَرِثُهُ مَنْ أَعْتَقَهُ أَوْ أَعْتَقَ أُمَّهُ أَوْ مَنْ وَلَدَهُ بِالْعُصُوبَةِ وَكَذَا هُوَ يَرِثُ مُعْتِقَهُ أَوْ مُعْتِقَ مُعْتِقِهِ أَوْ وَلَدَهُ بِذَلِكَ اهـ. فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ إذَا كَانَ هُوَ أَوْ أُمُّهُ حُرَّ الْأَصْلِ فَلَا يَرِثُ أَوْ يُورَثُ بِالْعُصُوبَةِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ أَيْ ابْنٌ أَوْ ابْنُ ابْنٍ، وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: ثُمَّ لَا قَرَابَةَ لَهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، وَلَوْ قَرَابَةٌ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ، فَلَا تَكُونُ عَصَبَةُ أُمِّهِ عَصَبَتَهُ، وَلَا أُمُّهُ عَصَبَةً لَهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَصَبَةَ أُمِّهِ عَصَبَتُهُ، وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: أَنَّ أُمَّهُ عَصَبَتُهُ لِمَا رَوَى وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «تُحْرِزُ الْمَرْأَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 776 لِأَنَّهُ لَا أَبًا لَهُمَا وَيَفْتَرِقَانِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ: وَهِيَ أَنَّ وَلَدَ الزِّنَا يَرِثُ مِنْ تَوْأَمِهِ مِيرَاثَ أَخٍ لِأُمٍّ وَوَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ يَرِثُ مِنْ تَوْأَمِهِ مِيرَاثَ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ (وَتُخْتَمُ الْعَصَبَاتُ بِ) الْعَصَبَةِ السَّبَبِيَّةِ أَيْ (الْمُعْتِقِ ثُمَّ عَصَبَتِهِ) بِنَفْسِهِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمُتَقَدِّمِ   [رد المحتار] ثَلَاثَ مَوَارِيثَ عَتِيقَهَا وَلَقِيطَهَا وَوَلَدَهَا الَّذِي لَاعَنَتْ عَلَيْهِ» وَقُلْنَا الْمِيرَاثُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالنَّصِّ وَلَا نَصَّ فِي تَوْرِيثِ الْأُمِّ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا فِي تَوْرِيثِ أَخٍ مِنْ أُمٍّ أَكْثَرَ مِنْ السُّدُسِ، وَلَا فِي تَوْرِيثِ أَبِي الْأُمِّ وَنَحْوِهِ مِنْ عَصَبَةِ الْأُمِّ، وَلِأَنَّ الْعُصُوبَةَ أَقْوَى أَسْبَابِ الْإِرْثِ وَالْإِدْلَاءُ بِالْأُمِّ أَضْعَفُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَحَقَّ بِهِ أَقْوَى أَسْبَابِ الْإِرْثِ وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّهَا تُحْرِزُ وَالْإِحْرَازُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعُصُوبَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُحْرِزَ فَرْضًا وَرَدًّا لَا تَعْصِيبًا. وَأَمَّا حَدِيثُ «عَصَبَتُهُ قَوْمُ أُمِّهِ» فَمَعْنَاهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ بِمَعْنَى الْعُصُوبَةِ: وَهِيَ الرَّحِمُ لَا فِي إثْبَاتِ حَقِيقَةِ الْعُصُوبَةِ اهـ مُلَخَّصًا. وَقَالَ فِي الْمُجْتَبَى شَرْحِ الْقُدُورِيِّ قَوْلُهُ: وَعَصَبَةُ وَلَدِ الزِّنَا وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ مَوْلَى أُمِّهِمَا. مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: أَنَّ الْأُمَّ لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ لَهُ وَلَا عَصَبَةَ الْأُمِّ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، إنَّمَا عَصَبَتُهُ مَوْلَى الْأُمِّ إذَا كَانَ لَهَا مَوْلًى وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُنَا مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأُمَّ لَمَّا لَمْ تَكُنْ عَصَبَةً فِي حَقِّ غَيْرِ وَلَدِ الزَّانِيَةِ وَالْمُلَاعَنَةِ، فَكَذَا فِي حَقِّهِ كَذَوِي الْأَرْحَامِ اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا أَبَا لَهُمَا) تَعْلِيلٌ لِلْمَتْنِ وَزَادَ فِي الِاخْتِيَارِ مَا نَصُّهُ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْحَقَ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ بِأُمِّهِ فَصَارَ كَشَخْصٍ لَا قَرَابَةَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، فَوَجَبَ أَنْ يَرِثَهُ قَرَابَةُ أُمِّهِ وَيَرِثَهُمْ، فَلَوْ تَرَكَ بِنْتًا وَأُمًّا وَالْمُلَاعِنَ، فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي يُرَدُّ عَلَيْهِمَا كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُمَا زَوْجٌ أَوْ زَوْجَةٌ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ فَرْضَهُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا فَرْضًا وَرَدًّا، وَلَوْ تَرَكَ أُمَّهُ وَأَخَاهُ لِأُمِّهِ وَابْنَ الْمُلَاعِنِ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ وَلِأَخِيهِ لِأُمِّهِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي مَرْدُودٌ عَلَيْهِمَا، وَلَا شَيْءَ لِابْنِ الْمُلَاعِنِ لِأَنَّهُ لَا أَخَا لَهُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَإِذَا مَاتَ وَلَدُ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ وَرِثَهُ قَوْمُ أَبِيهِ، وَهُمْ الْإِخْوَةُ وَلَا يَرِثُهُ قَوْمُ جَدِّهِ أَعْنِي الْأَعْمَامَ وَأَوْلَادَهُمْ وَبِهَذَا يُعْرَفُ بَقِيَّةُ مَسَائِلِهِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ أَقُولُ: وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ حَيْثُ جَعَلَ لِأُمِّهِ الثُّلُثَ، وَلِأَخِيهِ لِأُمِّهِ السُّدُسَ مَعَ أَنَّ أَخَاهُ عَصَبَةُ الْأُمِّ، فَلَوْ كَانَ عَصَبَةُ أُمِّهِ الْحُرَّةِ عَصَبَةً لَهُ لَأَخَذَ الْبَاقِيَ بَعْدَ فَرْضِ الْأُمِّ. (قَوْلُهُ: وَيَفْتَرِقَانِ إلَخْ) كَذَا قَالَهُ فِي الِاخْتِيَارِ وَتَبِعَهُ فِي الْمِنَحِ وَسَكْبِ الْأَنْهُرِ وَغَيْرِهِمَا. أَقُولُ: وَهُوَ خِلَافُ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ اللِّعَانِ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ يَرِثُ مِنْ تَوْأَمِهِ مِيرَاثَ أَخٍ لِأُمٍّ أَيْضًا، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ شَهَادَاتِ الْجَامِعِ، وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ إذَا كَانَ تَوْأَمًا فَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَالْجُمْهُورِ هُمَا كَالْأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَقَالَ مَالِكٌ: كَالْأَخَوَيْنِ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّلِيلَ وَالتَّفَارِيعَ فَرَاجِعْهُ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا مَذْهَبُ مَالِكٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَتُخْتَمُ الْعَصَبَاتُ إلَخْ) أَيْ خَتْمًا إضَافِيًّا وَإِلَّا فَالْخَتْمُ فِي الْحَقِيقَةِ بِعَصَبَةِ الْمُعْتِقِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا بَيَانٌ لِلْقِسْمِ الثَّانِي، وَهُوَ الْعَصَبَةُ السَّبَبِيَّةُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُعْتِقَ عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ لَا بِغَيْرِهِ، وَلَا مَعَ غَيْرِهِ لَكِنْ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ تَقَدُّمُهُ عَلَى الْعَصَبَةِ بِغَيْرِهِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ النَّسَبِ، فَأَشَارَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ إلَى تَأَخُّرِهِ عَنْ أَقْسَامِ الْعِصَابَاتِ النَّسَبِيَّةِ بِأَسْرِهَا لِأَنَّ النَّسَبِيَّ أَقْوَى مِنْ السَّبَبِيِّ، فَلِذَا غَيَّرَ الْأُسْلُوبَ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ الْمُنَاسِبُ لِمَا سَبَقَ أَنْ يَقُولَ وَالْعَصَبَةُ السَّبَبِيَّةُ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ أَفَادَهُ يَعْقُوبُ (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُعْتِقِ) الْأَوْلَى مَوْلَى الْعَتَاقَةِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِيمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ عَصَبَتُهُ بِنَفْسِهِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ عَصَبَةَ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ لَا تَرِثُ كَمَا بَيَّنَّاهُ سَابِقًا، وَاحْتَرَزَ بِالْعَصَبَةِ عَنْ أَصْحَابِ فُرُوضِ الْمُعْتِقِ كَبِنْتِهِ وَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ فَلَا يَرِثُونَ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْفَرْضِ فِي الْوَلَاءِ، وَقَيَّدَ الْعَصَبَةَ بِنَفْسِهِ احْتِرَازًا عَنْ الْعَصَبَةِ بِغَيْرِهِ، وَمَعَ غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَدَّمْنَا أَنَّ مِنْ شَرَائِطِ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ أَنْ لَا تَكُونَ الْأُمُّ حُرَّةَ الْأَصْلِ، فَإِنْ كَانَتْ فَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَى وَلَدِهَا وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْتَقًا. (قَوْلُهُ: عَلَى التَّرْتِيبِ الْمُتَقَدِّمِ) فَتُقَدَّمُ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ النَّسَبِيَّةِ بِنَفْسِهَا عَلَى عَصَبَتِهِ السَّبَبِيَّةِ أَعْنِي مُعْتِقَ الْمُعْتِقِ، وَمُعْتِقَهُ وَهَكَذَا فَيُقَدَّمُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 777 بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» (وَإِذَا تَرَكَ) الْمُعْتَقُ (أَبٌ مَوْلَاهُ وَابْنَ مَوْلَاهُ فَالْكُلُّ لِلِابْنِ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لِلْأَبِ السُّدُسُ (أَوْ) تَرَكَ (جَدَّهُ) أَيْ جَدَّ مَوْلَاهُ (وَأَخَاهُ فَهُوَ لِلْجَدِّ) عَلَى التَّرْتِيبِ الْمُتَقَدِّمِ (وَقَالَا بَيْنَهُمَا) كَالْمِيرَاثِ وَلَيْسَ هُنَا عَصَبَةٌ بِغَيْرِهِ وَلَا مَعَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ» الْحَدِيثَ   [رد المحتار] ابْنُ الْمُعْتِقِ ثُمَّ ابْنُهُ، وَإِنْ سَفَلَ، ثُمَّ أَبُوهُ ثُمَّ جَدُّهُ، وَإِنْ عَلَا إلَخْ ثُمَّ مُعْتِقُ الْمُعْتِقِ ثُمَّ عَصَبَتُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ مُعْتِقُ مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ ثُمَّ عَصَبَتُهُ وَهَكَذَا ابْنُ كَمَالٍ [تَنْبِيهٌ] ابْنٌ وَبِنْتٌ اشْتَرَيَا أَبِيهِمَا فَاشْتَرَى الْأَبُ عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ فَمَاتَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ عَنْ الِابْنِ وَالْبِنْتِ فَالْكُلُّ لِلِابْنِ لِأَنَّ عَصَبَةَ الْمُعْتِقِ النَّسَبِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْبِنْتِ لِأَنَّهَا عَصَبَةٌ سَبَبِيَّةٌ سَائِحَانِيٌّ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَتْ أَبَاهَا فَعَتَقَ عَلَيْهَا وَمَاتَ عَنْهَا وَعَنْ بِنْتٍ أُخْرَى وَتَرَكَ مَالًا فَثُلُثَاهُ لَهُمَا فَرْضًا وَالْبَاقِي لِلْأُولَى تَعْصِيبًا (قَوْلُهُ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ» ) أَيْ وُصْلَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي التَّهْذِيبِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ السَّيِّدُ: وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَيَاةٌ لِلْإِنْسَانِ إذْ بِهَا تَثْبُتُ صِفَةُ الْمَالِكِيَّةِ الَّتِي امْتَازَ بِهَا عَنْ سَائِرِ مَا عَدَاهُ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ وَالرِّقِّيَّةُ تَلَفٌ وَهَلَاكٌ فَالْمُعْتِقُ سَبَبٌ لِإِحْيَاءِ الْمُعْتَقِ، كَمَا أَنَّ الْأَبَ سَبَبٌ لِإِيجَادِ الْوَلَدِ وَكَمَا أَنَّ الْوَلَدَ مَنْسُوبٌ إلَى أَبِيهِ بِالنَّسَبِ، وَإِلَى أَقْرِبَائِهِ بِتَبَعِيَّتِهِ، كَذَلِكَ الْمُعْتَقُ يُنْسَبُ بِالْوَلَاءِ يَعْنِي إلَى الْمُعْتِقِ، وَإِلَى أَقْرِبَائِهِ بِتَبَعِيَّتِهِ فَكَمَا يَثْبُتُ الْإِرْثُ بِالنَّسَبِ كَذَلِكَ يَثْبُتُ بِالْوَلَاءِ اهـ. وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مُجَرَّدِ أَنَّ مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ مِنْ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ أَوْ عَصَبَتِهِ فَهُوَ وَارِثٌ دُونَ أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِ الْإِرْثِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا فِي النَّسَبِ نَحْوُ إرْثِ الْأَبِ ابْنَهُ، وَبِالْعَكْسِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيُشْعِرُ بِأَنَّ مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ عَصَبَةٌ لِتَضَمُّنِهِ تَشْبِيهَهُ بِالْأَبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَبٌ وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ آخِرُ الْعَصَبَاتِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَنْبَلِيِّ، فَالْأَوْلَى زِيَادَةُ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمِيرَاثُ لِلْعَصَبَةِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَصَبَةٌ فَلِلْمَوْلَى» رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ (قَوْلُهُ: وَإِذَا تَرَكَ الْمُعْتَقُ) بِفَتْحِ تَاءِ الْمُعْتَقِ اسْمُ مَفْعُولٍ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لِلْأَبِ السُّدُسُ) هُوَ قَوْلُهُ الْأَخِيرُ، وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ كَقَوْلِهِمَا وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَخِيرِ أَنَّ الْوَلَاءَ كُلَّهُ أَثَرُ الْمِلْكِ فَيَلْحَقُ بِحَقِيقَةِ الْمِلْكِ، وَلَوْ تَرَكَ الْمُعْتِقُ بِالْكَسْرِ مَالًا وَتَرَكَ أَبًا وَابْنًا كَانَ لِأَبِيهِ سُدُسُ مَالِهِ وَالْبَاقِي لِابْنِهِ فَكَذَا إذَا تَرَكَ وَلَاءً وَالْجَوَابُ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَثَرًا لِلْمِلْكِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا لَهُ حُكْمُ الْمَالِ كَالْقِصَاصِ الَّذِي يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ بِالْمَالِ، بِخِلَافِ الْوَلَاءِ فَلَا تَجْرِي فِيهِ سِهَامُ الْوَرَثَةِ بِالْفَرْضِيَّةِ كَمَا فِي الْمَالِ، بَلْ هُوَ سَبَبٌ يُورَثُ بِهِ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ، فَيُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَالِابْنُ أَقْرَبُ الْعَصَبَاتِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ السَّيِّدِ (قَوْلُهُ: عَلَى التَّرْتِيبِ الْمُتَقَدِّمِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى التَّرْتِيبِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْعَصَبَاتِ النَّسَبِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ هُنَا إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِنَفْسِهِ. مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ «لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ» . (قَوْلُهُ: الْحَدِيثَ) لَفْظُهُ كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ «لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ أَوْ دَبَّرْنَ أَوْ دَبَّرَ مَنْ دَبَّرْنَ أَوْ جَرَّ وَلَاءً مُعْتَقُهُنَّ أَوْ مُعْتَقُ مُعْتَقِهِنَّ» وَمَعْنَاهُ: لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ شَيْءٌ إلَّا وَلَاءُ مَا أَيْ الْعَبْدِ الَّذِي أَعْتَقْنَهُ، أَوْ وَلَاءُ مَا أَيْ الْعَبْدِ الَّذِي أَعْتَقَهُ مَنْ أَعْتَقْنَهُ، أَوْ وَلَاءُ مَا أَيْ الْعَبْدِ الَّذِي كَاتَبْنَهُ، أَوْ وَلَاءُ مَا كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَهُ أَوْ وَلَاءُ مَا دَبَّرْنَهُ أَوْ وَلَاءُ مَا دَبَّرَهُ مَنْ دَبَّرْنَهُ أَوْ جَرَّ وَلَاءُ مُعْتَقِهِنَّ، أَوْ الْوَلَاءُ الَّذِي هُوَ مَجْرُورُ مُعْتَقِ مُعْتَقِهِنَّ وَحَذَفَ مِنْ كُلِّ نَظِيرٍ مَا أَثْبَتَهُ مِنْ الْآخَرِ: أَيْ لَيْسَ لَهُنَّ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا وَلَاءُ مَا أَعْتَقْنَ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 778 وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ شُذُوذٌ لَكِنَّهُ تَأَيَّدَ بِكَلَامِ كِبَارِ الصَّحَابَةِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْهُورِ كَمَا بَسَطَهُ السَّيِّدُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحَجْبِ فَقَالَ (وَلَا يُحْرَمُ سِتَّةٌ) مِنْ الْوَرَثَةِ (بِحَالٍ) أَلْبَتَّةَ (الْأَبُ وَالْأُمُّ وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ)   [رد المحتار] أَوْ وَلَاءُ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبَ أَوْ دَبَّرَ مَنْ أَعْتَقْنَ، أَوْ وَلَاءُ مَا كَاتَبْنَ أَوْ وَلَاءُ مَا كَاتَبَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ دَبَّرَ مَنْ كَاتَبْنَ أَوْ وَلَاءُ مَا دَبَّرْنَهُ، أَوْ وَلَاءُ مَا دَبَّرَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ دَبَّرْنَهُ فَكَلِمَةُ مَا الْمَذْكُورَةُ وَالْمُقَدَّرَةُ عِبَارَةٌ عَنْ مَرْقُوقٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِعْتَاقُ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ مَا يُتَمَلَّكُ مِمَّا لَا عَقْلَ لَهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المعارج: 30] وَكَلِمَةُ مَنْ عِبَارَةٌ عَمَّنْ صَارَ حُرًّا مَالِكًا فَاسْتَحَقَّ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْعُقَلَاءِ فَعَبَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَا وَعَنْ الثَّانِي بِمَنْ وَإِنْ كَانَا حُرَّيْنِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُتَصَرَّفٌ فِيهِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَالثَّانِي مُتَصَرِّفٌ كَسَائِرِ الْمُلَّاكِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ جَرَّ عَطْفٌ عَلَى الْمُسْتَثْنَى الْمَحْذُوفِ، وَهُوَ وَلَاءُ وَوَلَاءُ الْمَذْكُورُ مَفْعُولُهُ وَمُعْتَقُهُنَّ فَاعِلُهُ وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ وَالْمَصْدَرِ الْمُنْسَبِكِ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى} [يونس: 37] أَيْ مُفْتَرًى أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ مَوْصُوفٍ حُذِفَ، وَأُقِيمَتْ صِفَتُهُ مَقَامَهُ وَوُضِعَ الْمُظْهَرُ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ، وَالتَّقْدِيرُ لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا كَذَا وَإِلَّا أَنْ جَرَّ أَيْ مَجْرُورَ مُعْتَقِهِنَّ، أَوْ الْوَلَاءَ جَرَّهُ مُعْتَقُهُنَّ، وَثَمَّ أَوْجُهٌ أُخَرُ لَا تَظْهَرُ وَصُورَةُ وَلَاءِ مُدَبَّرِهِنَّ: أَنَّ امْرَأَةً دَبَّرَتْ عَبْدًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ، وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ بِلِحَاقِهَا وَبِحُرِّيَّةِ عَبْدِهَا الْمُدَبَّرِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَرَجَعَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ مَاتَ الْمُدَبَّرُ وَلَمْ يُخَلِّفْ عَصَبَةً نَسَبِيَّةً، فَهَذِهِ الْمَرْأَةُ عَصَبَتُهُ وَحُكْمُ مُدَبَّرِ هَذَا الْمُدَبَّرِ كَذَلِكَ. فَإِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِحُرِّيَّةِ مُدَبَّرِهَا بِسَبَبِ لِحَاقِهَا فَاشْتَرَى عَبْدًا وَدَبَّرَهُ، ثُمَّ مَاتَ وَرَجَعَتْ الْمَرْأَةُ تَائِبَةً إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ إمَّا قَبْلَ مَوْتِ مُدَبَّرِهَا أَوْ بَعْدَهُ، ثُمَّ مَاتَ الْمُدَبَّرُ الثَّانِي وَلَمْ يُخَلِّفْ عَصَبَةً نَسَبِيَّةً فَوَلَاؤُهُ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ وَقَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ فِي تَصْوِيرِهِ وَجْهًا آخَرَ. وَصُورَةُ جَرِّهِ مُعْتَقُهُنَّ الْوَلَاءَ أَنَّ عَبْدَ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَ بِإِذْنِهَا جَارِيَةً قَدْ أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَهُوَ حُرٌّ تَبَعًا لِأُمِّهِ وَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى أُمِّهِ، فَإِذَا أَعْتَقَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا جَرَّ ذَلِكَ الْعَبْدُ بِإِعْتَاقِهَا إيَّاهُ وَلَاءَ وَلَدِهِ إلَى مَوْلَاتِهِ، حَتَّى إذَا مَاتَ الْمُعْتَقُ ثُمَّ مَاتَ وَلَدُهُ وَخَلَّفَ مُعْتِقَةَ أَبِيهِ فَوَلَاؤُهُ لَهَا وَصُورَةُ جَرٍّ مُعْتَقِ مُعْتَقِهِنَّ الْوَلَاءَ أَنَّ امْرَأَةً أَعْتَقَتْ عَبْدًا، فَاشْتَرَى الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ عَبْدًا وَزَوَّجَهُ بِمُعْتَقَةِ غَيْرِهِ فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَهُوَ حُرٌّ، وَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى أُمِّهِ فَإِذَا أَعْتَقَ ذَلِكَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ عَبْدَهُ جَرَّ بِإِعْتَاقِهِ وَلَاءَ وَلَدِ مُعْتَقِهِ إلَى نَفْسِهِ ثُمَّ إلَى مَوْلَاتِهِ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرُوهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ وَشُرُوطُ الْجَرِّ يُطْلَبُ مِنْ كِتَابِ الْوَلَاءِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ شُذُوذٌ إلَخْ) الشَّاذُّ هُوَ أَنْ يَرْوِيَ الثِّقَةُ حَدِيثًا يُخَالِفُ مَا رَوَى النَّاسُ، فَإِذَا انْفَرَدَ الرَّاوِي بِشَيْءٍ نُظِرَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا رَوَاهُ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِالْحِفْظِ لِذَلِكَ وَأَضْبَطُ كَانَ مَا انْفَرَدَ بِهِ شَاذًّا مَرْدُودًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُخَالِفٌ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُوثَقُ بِحِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ فَمَقْبُولٌ لَا يَقْدَحُ فِيهِ انْفِرَادُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُوثَقُ بِحِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ لِذَلِكَ الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَبْعُدْ مِنْ دَرَجَةِ الْحَافِظِ الضَّابِطِ الْمَقْبُولِ تَفَرُّدُهُ، فَحَدِيثٌ حَسَنٌ وَإِلَّا فَشَاذٌّ مَرْدُودٌ هَذَا مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي تَعْرِيفِهِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ تَأَيَّدَ إلَخْ) فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ، أَوْ كَاتَبْنَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَذَكَرَهُ رَزِينُ بْنُ الْعَبْدِيِّ فِي مُسْنَدِهِ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مِيرَاثُ الْوَلَاءِ لِلْأَكْبَرِ مِنْ الذُّكُورِ وَلَا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا وَلَاءَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ» اهـ قَاسِمٌ (قَوْلُهُ: فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْهُورِ) الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي الْقَرْنِ الْأَوَّلِ آحَادًا، ثُمَّ انْتَشَرَ فَصَارَ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي وَمَنْ بَعْدَهُمْ مُتَوَاتِرًا وَلَمَّا كَانَ الْقَرْنُ الْأَوَّلُ وَهُمْ الصَّحَابَةُ ثِقَاتٍ لَا يُتَّهَمُونَ صَارَتْ شَهَادَتُهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَوَاتِرِ حُجَّةً، حَتَّى قَالَ الْجَصَّاصُ إنَّهُ أَحَدُ قِسْمَيْ الْمُتَوَاتِرِ يَعْقُوبُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحَجْبِ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ بَيَانِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 779 أَيْ الْأَبَوَانِ وَالْوَلَدَانِ (وَالزَّوْجَانِ) وَفَرِيقٌ يَرِثُونَ بِحَالٍ، وَيُحْجَبُونَ حَجْبَ الْحِرْمَانِ بِحَالٍ أُخْرَى وَهُمْ غَيْرُ هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ سَوَاءٌ كَانُوا عَصَبَاتٍ أَوْ ذَوِي فُرُوضٍ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا (أَنَّهُ يَحْجُبُ الْأَقْرَبُ مِمَّنْ سِوَاهُمْ الْأَبْعَدَ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ اتَّحَدَا فِي السَّبَبِ أَمْ لَا (وَ) الثَّانِي (أَنَّ مَنْ أَدْلَى بِشَخْصٍ لَا يَرِثُ مَعَهُ) كَابْنِ الِابْنِ لَا يَرِثُ مَعَ الِابْنِ (إلَّا وَلَدَ الْأُمِّ) فَيَرِثُ مَعَهَا لِعَدَمِ اسْتِغْرَاقِهَا لِلتَّرِكَةِ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ (وَالْمَحْرُومُ) كَابْنِ كَافِرٍ أَوْ قَاتِلٍ (لَا يَحْجُبُ) عِنْدَنَا أَصْلًا (وَيَحْجُبُ الْمَحْجُوبُ) اتِّفَاقًا كَأُمِّ الْأَبِ تُحْجَبُ بِالْأَبِ   [رد المحتار] الْوَارِثِينَ مِنْ ذِي فَرْضٍ وَعَصَبَةٍ، لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُحْجَبُ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ عَنْ سَهْمٍ مُقَدَّرٍ إلَى أَقَلَّ مِنْهُ، وَهُوَ لُغَةً الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَاصْطِلَاحًا مَنْعُ مَنْ يَتَأَهَّلُ لِلْإِرْثِ بِآخَرَ عَمَّا كَانَ لَهُ الْوَلَاءُ فَخَرَجَ الْقَاتِلُ وَالْكَافِرُ وَشَمِلَ نَوْعَيْ الْحَجْبِ، لِأَنَّ أَئِمَّتَنَا اصْطَلَحُوا عَلَى تَسْمِيَةِ مَا كَانَ الْمَنْعُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ كَكَوْنِهِ رَقِيقًا أَوْ قَاتِلًا مَحْرُومًا، وَمَا كَانَ الْمَعْنَى فِي غَيْرِهِ مَحْجُوبًا، وَقَسَمُوا الْحَجْبَ إلَى حَجْبِ حِرْمَانٍ، وَهُوَ مَنْعُ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ عَنْ الْإِرْثِ بِالْكُلِّيَّةِ، لِوُجُودِ شَخْصٍ آخَرَ وَحَجْبُ نُقْصَانٍ، وَهُوَ حَجْبُهُ مِنْ فَرْضٍ مُقَدَّرٍ إلَى فَرْضٍ أَقَلَّ مِنْهُ لِوُجُودِ آخَرَ فَخَرَجَ انْتِقَاصُ السِّهَامِ بِالْعَوْلِ وَكَذَا انْتِقَاصُ حِصَصِ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ بِالِاجْتِمَاعِ مَعَ مَنْ يُجَانِسُهُمْ عَنْ حَالَةِ الِانْفِرَادِ كَالزَّوْجَاتِ مَثَلًا، ثُمَّ حَجْبُ الْحِرْمَانِ يَدْخُلُ فِيمَنْ عَدَّ السِّتَّةَ الْمَذْكُورِينَ مَتْنًا وَحَجْبُ النُّقْصَانِ يَدْخُلُ فِي خَمْسَةٍ فَقَطْ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: أَيْ الْأَبَوَانِ) أَيْ الْأَبُ وَالْأُمُّ دُونَ مَنْ فَوْقَهُمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْجَدِّ وِ الْجَدَّة قَدْ يُحْجَبُ حِرْمَانًا فَهُمَا مِنْ الْفَرِيقِ الْآخَرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَالْوَلَدَانِ) أَيْ الِابْنُ وَالْبِنْتُ وَثَنَّاهُ لِلْمُنَاسَبَةِ وَإِلَّا فَالْوَلَدُ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانُوا عَصَبَاتٍ) وَكَذَا مَنْ بِمَعْنَى الْعَصَبَاتِ كَذَوِي الْأَرْحَامِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ حَجْبُ الْحِرْمَانِ فِي الْفَرِيقِ الثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ أَيْ مُتَرَتِّبٌ وُجُودُهُ عَلَى وُجُودِ مَجْمُوعِهِمَا، فَإِذَا وُجِدَا أَوْ أَحَدُهُمَا وُجِدَ وَإِلَّا فَلَا وَفِيهِ بَحْثٌ يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ: يَحْجُبُ الْأَقْرَبُ) أَيْ بِحَسَبِ الدَّرَجَةِ أَوْ الْقَرَابَةِ وَالضَّمِيرُ فِي سِوَاهُمْ لِلسِّتَّةِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: اتَّحَدَا فِي السَّبَبِ) كَالْجَدَّاتِ مَعَ الْأُمِّ وَبَنَاتِ الِابْنِ مَعَ الصُّلْبِيَّتَيْنِ أَمْ لَا كَالْإِخْوَةِ مَعَ الْأَبِ (قَوْلُهُ: مَنْ أَدْلَى) الْإِدْلَاءُ لُغَةً إرْسَالُ الدَّلْوِ فِي الْبِئْرِ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُمْكِنُ فِيهِ، وَلَوْ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ فَمَعْنَى يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ يُرْسِلُ قَرَابَتَهُ إلَيْهِ بِشَخْصٍ وَالْبَاءُ فِيهِ لِلْإِلْصَاقِ، فَالْقَرَابَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْمُدْلِي وَالْوَاسِطَةِ ط (قَوْلُهُ: كَابْنِ الِابْنِ إلَخْ) مِثَالٌ مِنْ الْعَصَبَاتِ وَمِثْلُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ أُمُّ الْأُمِّ لَا تَرِثُ مَعَ الْأُمِّ [تَنْبِيهٌ] يَرِدُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: لُزُومُ حَجْبِ أُمِّ الْأُمِّ بِالْأَبِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ تُدْلِ بِهِ وَكَذَا حَجْبُ بِنْتِ الِابْنِ بِالْبِنْتِ الْوَاحِدَةِ الصُّلْبِيَّةِ وَالْأُخْتِ لِأَبٍ بِالْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ وَابْنِ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ بِالْأَخِ لِأُمٍّ، فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْأَقْرَبُ مِنْ الْعَصَبَاتِ وَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ لِلْفَرِيقِ الثَّانِي الَّذِينَ يَرِثُونَ تَارَةً وَيُحْرَمُونَ أُخْرَى، وَفِيهِمْ الْعَصَبَاتُ وَغَيْرُهُمْ، وَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْأَقْرَبَ يَحْجُبُ الْأَبْعَدَ إذَا كَانَ الْأَبْعَدُ مُدْلِيًا بِالْأَقْرَبِ فَلَا مَعْنَى لِكَوْنِهِمَا أَصْلَيْنِ وَلَزِمَ عَلَيْهِ أَنْ يَرِثَ وَلَدُ الِابْنِ مَعَ الِابْنِ الَّذِي لَيْسَ بِأَبِيهِ فَإِنَّهُ لَا يُدْلِي بِهِ أَفَادَهُ السَّيِّدُ (قَوْلُهُ: بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ انْفَرَدَتْ فَإِنَّهَا تَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ لَكِنْ بِجِهَتَيْ الْفَرْضِ وَالرَّدِّ (قَوْلُهُ: وَالْمَحْرُومَ) أَيْ مَنْ قَامَ بِهِ مَانِعٌ عَنْ الْإِرْثِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: عِنْدَنَا) وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ يُحْجَبُ نُقْصَانًا لَا حِرْمَانًا كَالِابْنِ الْكَافِرِ مَثَلًا مَعَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ يُحْجَبُ الْأَخُ لِأُمٍّ بِابْنٍ كَافِرٍ حَجْبَ حِرْمَانٍ (قَوْلُهُ: أَصْلًا) أَيْ لَا نُقْصَانًا وَلَا حِرْمَانًا (قَوْلُهُ: وَيَحْجُبُ الْمَحْجُوبُ) أَيْ الْمَحْجُوبُ حِرْمَانًا يَحْجُبُ غَيْرَهُ حِرْمَانًا وَنُقْصَانًا وَمَثَّلَ لِكُلٍّ بِمِثَالٍ (قَوْلُهُ: وَتَحْجُبُ أُمُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 780 وَتَحْجُبُ أُمَّ أُمِّ الْأُمِّ (كَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ) فَإِنَّهُمْ يُحْجَبُونَ بِالْأَبِ حَجْبَ حِرْمَانٍ (وَيَحْجُبُونَ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ) حَجْبَ نُقْصَانٍ وَيَخْتَصُّ حَجْبُ النُّقْصَانِ بِخَمْسَةٍ بِالْأُمِّ وَبِنْتِ الِابْنِ وَالْأُخْتِ لِأَبٍ وَالزَّوْجَيْنِ (وَيَسْقُطُ بَنُو الْأَعْيَانِ) وَهُمْ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ بِثَلَاثَةٍ (بِالِابْنِ) وَابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ (وَبِالْأَبِ) اتِّفَاقًا (وَبِالْجَدِّ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَقَالَا يُقَاسِمُهُمْ عَلَى أُصُولِ زَيْدٍ وَيُفْتَى بِالْأَوَّلِ) وَهُوَ السُّقُوطُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأُصُولِ زَيْدٍ مَبْسُوطَةٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: وَمَا أَسْقَطَا أَوْلَادَ عَيْنٍ وَعَلَّةٍ ... وَقَدْ أَسْقَطَ النُّعْمَانُ وَهْوَ الْمُحَرَّرُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُلْتَقَى وَالسِّرَاجِيَّةِ وَإِنْ قَالَ مُصَنِّفُهَا فِي شَرْحِهَا وَعَلَى قَوْلِهِمَا الْفَتْوَى (وَ) يَسْقُطُ (بَنُو الْعِلَّاتِ) وَهُمْ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ (بِهِمْ) أَيْ بِبَنِي الْأَعْيَانِ   [رد المحتار] أُمُّ الْأُمِّ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ لِتَكْرَارِ الْأُمِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَفِي بَعْضِهَا مَرَّتَيْنِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: بِالْأُمِّ) فَإِنَّهَا تُحْجَبُ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ بِالْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ وَبِالْعَدَدِ مِنْ الْإِخْوَةِ أَوْ الْأَخَوَاتِ (قَوْلُهُ: وَبِنْتِ الِابْنِ) تُحْجَبُ مَعَ الصُّلْبِيَّةِ مِنْ النِّصْفِ إلَى السُّدُسِ (قَوْلُهُ: وَالْأُخْتِ لِأَبٍ) تُحْجَبُ مَعَ الشَّقِيقَةِ مِنْ النِّصْفِ إلَى السُّدُسِ (قَوْلُهُ: وَالزَّوْجَيْنِ) فَالزَّوْجُ يُحْجَبُ مِنْ النِّصْفِ إلَى الرُّبُعِ وَالزَّوْجَةُ مَعَ الرُّبْعِ إلَى الثُّمُنِ بِالْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ (قَوْلُهُ: وَيَسْقُطُ بَنُو الْأَعْيَانِ) قَدَّمْنَا وَجْهَ تَسْمِيَتِهِمْ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: عَلَى أُصُولِ زَيْدٍ) أَيْ ابْنِ ثَابِتٍ الصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَحَاصِلُ أُصُولِهِ: أَنَّ الْجَدَّ مَعَ الْإِخْوَةِ حِينَ الْمُقَاسَمَةِ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ إنْ لَمْ تُنْقِصْهُ الْمُقَاسَمَةُ مَعَهُمْ عَنْ مِقْدَارِ الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ ذِي الْفَرْضِ، وَعَنْ مِقْدَارِ السُّدُسِ عِنْدَ وُجُودِهِ وَلَهُ فِي الْأُولَى أَفْضَلُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ وَمِنْ ثُلُثِ جَمِيعِ الْمَالِ وَضَابِطُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَعَهُ دُونَ مِثْلَيْهِ، فَالْمُقَاسَمَةُ خَيْرٌ لَهُ أَوْ مِثْلَاهُ فَسِيَّانِ أَوْ أَكْثَرَ فَالثُّلُثُ خَيْرٌ لَهُ وَصُوَرُ الْأَوَّلِ خَمْسٌ فَقَطْ جَدٌّ وَأَخٌ أَوْ أُخْتٌ أَوْ أُخْتَانِ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ أَخٌ وَأُخْتٌ وَالثَّانِي ثَلَاثَةٌ جَدٌّ وَأَخَوَانِ أَوْ أَرْبَعُ أَخَوَاتٍ أَوْ أَخٌ وَأُخْتَانِ وَالثَّالِثُ لَا يَنْحَصِرُ وَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ بَعْدَ إعْطَاءِ ذِي الْفَرْضِ فَرْضَهُ مِنْ أَقَلِّ مَخَارِجِهِ خَيْرُ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ إمَّا الْمُقَاسَمَةُ كَزَوْجٍ وَجَدٍّ وَأَخٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ وَإِمَّا ثُلُثُ الْبَاقِي كَجَدَّةٍ وَجَدٍّ وَأَخَوَيْنِ وَأُخْتٍ لِلْجَدَّةِ السُّدُسُ وَلِلْجَدِّ ثُلُثُ الْبَاقِي وَإِمَّا سُدُسُ كُلِّ الْمَالِ كَجَدَّةٍ وَبِنْتٍ وَجَدٍّ وَأَخَوَيْنِ لِلْجَدَّةِ السُّدُسُ وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ لِأَنَّهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ وَمِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِنَا الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ مَذْهَبُ الْخَلِيفَةِ الْأَعْظَمِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ أَعْلَمُ الصَّحَابَةِ وَأَفْضَلُهُمْ، وَلَمْ تَتَعَارَضْ عَنْهُ الرِّوَايَاتُ فِيهِ فَلِذَلِكَ اخْتَارَهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى فِي الْجَدِّ بِمِائَةِ قَضِيَّةٍ يُخَالِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَالْأَخْذُ بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَوْلَى: وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: أَلَا يَتَّقِي اللَّهَ زَيْدٌ يَجْعَلُ ابْنَ الِابْنِ ابْنًا وَلَا يَجْعَلُ أَبَا الْأَبِ أَبًا وَتَمَامُهُ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى إلَخْ) قَالَ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ: وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَقَالَ حَيْدَرُ فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا اسْتَحْسَنُوا فِي مَسَائِلِ الْجَدِّ الْفَتْوَى بِالصُّلْحِ فِي مَوَاضِعِ الْخِلَافِ، وَقَالُوا إذَا كُنَّا نُفْتِي بِالصُّلْحِ فِي تَضْمِينِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، فَالِاخْتِلَاف هُنَا أَظْهَرُ فَالْفَتْوَى فِيهِ بِالصُّلْحِ أَوْلَى اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ عَدَمُ النَّصِّ فِي إرْثِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِاجْتِهَادِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بَعْدَ اخْتِلَافٍ كَثِيرٍ، وَهُوَ مِنْ أَشْكَلِ أَبْوَابِ الْفَرَائِضِ اهـ لَكِنَّ الْمُتُونَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَلِذَا أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى اخْتِيَارِهِ هُنَا وَفِيمَا سَبَقَ. (قَوْلُهُ: أَيْ بِبَنِي الْأَعْيَانِ) أَيْ الذُّكُورِ مِنْهُمْ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْعِبَارَةِ، حَيْثُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 781 أَيْضًا (وَبِهَؤُلَاءِ) أَيْ بِالِابْنِ وَابْنِهِ وَبِالْأَبِ وَالْجَدِّ وَكَذَا بِالْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ إذَا صَارَتْ عَصَبَةً كَمَا عَلِمْته (وَيَسْقُطُ بَنُو الْأَخْيَافِ) وَهُمْ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأُمٍّ (بِالْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ) وَإِنْ سَفَلَ (وَبِالْأَبِ وَالْجَدِّ) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُمْ مِنْ قَبِيلِ الْكَلَالَةِ كَمَا بَسَطَهُ السَّيِّدُ. (وَ) تَسْقُطُ (الْجَدَّاتُ مُطْلَقًا) أَبَوِيَّاتٍ أَمْ أُمِّيَّاتٍ (بِالْأُمِّ وَالْأَبَوِيَّاتُ بِالْأَبِ) وَكَذَا بِالْجَدِّ إلَّا أُمَّ الْأَبِ وَإِنْ عَلَتْ فَإِنَّهَا تَرِثُ مَعَ الْجَدِّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ قِبَلِهِ بَلْ هِيَ زَوْجَتُهُ فَكَانَا كَالْأَبَوَيْنِ (وَتَحْجُبُ الْقُرْبَى) مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ (الْبُعْدَى)   [رد المحتار] عَبَّرَ بِبَنِي وَلَمْ يُعَبِّرْ بِأَوْلَادِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ حَيْثُ فَسَّرَ بَنِي الْأَعْيَانِ بِالْإِنَاثِ أَيْضًا تَغْلِيبًا لِقَبُولِ الْمَقَامِ لَهُ أَمَّا هُنَا فَلَا يَقْبَلُهُ فَإِنَّ أَوْلَادَ الْعَلَّاتِ لَا يَسْقُطُونَ بِالْأَخَوَاتِ لِأَبَوَيْنِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَكَذَا بِالْأُخْتِ إلَخْ اهـ ح قُلْت: نَعَمْ لَكِنْ قَدْ يَسْقُطُ بَعْضُ أَوْلَادِ الْعَلَّاتِ بِالْإِنَاثِ مِنْ بَنِي الْأَعْيَانِ كَالْأَخَوَاتِ لِأَبٍ يَسْقُطْنَ بِالْأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ مَا لَمْ يُعَصِّبْهُنَّ أَخٌ لِأَبٍ كَمَا سَيَأْتِي وَعِبَارَةُ السِّرَاجِيَّةِ أَوْضَحُ وَنَصُّهَا وَبَنُو الْأَعْيَانِ وَبَنُو الْعَلَّاتِ كُلُّهُمْ يَسْقُطُونَ بِالِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ وَبِالْأَبِ بِالِاتِّفَاقِ، وَبِالْجَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَسْقُطُ بَنُو الْعَلَّاتِ أَيْضًا بِالْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ اهـ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْأُخْتَ لِأَبٍ تَسْقُطُ بِالْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ كَمَا قَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهِ عَنْ كَشْفِ الْغَوَامِضِ وَتُحْفَةِ الْأَقْرَانِ (قَوْلُهُ: أَيْضًا) كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَبِهَؤُلَاءِ (قَوْلُهُ: وَالْجَدِّ) أَيْ عَلَى الْخِلَافِ الْمَارِّ (قَوْلُهُ: إذَا صَارَتْ عَصَبَةً) أَيْ مَعَ الْبَنَاتِ أَوْ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ وَإِنَّمَا سَقَطُوا بِهَا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ كَالْأَخِ فِي كَوْنِهَا عَصَبَةً أَقْرَبَ إلَى الْمَيِّتِ اهـ سَيِّدٌ (قَوْلُهُ: وَيَسْقُطُ بَنُو الْأَخْيَافِ) الْخَيْفُ اخْتِلَافٌ فِي الْعَيْنَيْنِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا زَرْقَاءَ وَالْأُخْرَى كَحْلَاءَ وَفَرَسٌ أَخْيَفُ وَمِنْهُ الْأَخْيَافُ، وَهُمْ الْإِخْوَةُ لِآبَاءٍ شَتَّى يُقَالُ إخْوَةٌ أَخْيَافٌ وَأَمَّا بَنُو الْأَخْيَافِ فَإِنْ قَالَهُ مُتْقِنٌ فَعَلَى إضَافَةِ الْبَيَانِ اهـ مُغْرِبٌ. (قَوْلُهُ: بِالْوَلَدِ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ أُنْثَى فَيَسْقُطُونَ بِسِتَّةٍ بِالِابْنِ وَالْبِنْتِ وَابْنِ الِابْنِ وَبِنْتِ الِابْنِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَيَجْمَعُهُمْ قَوْلُك الْفَرْعُ الْوَارِثُ وَالْأُصُولُ الذُّكُورُ وَقَدْ نَظَمْت ذَلِكَ بِقَوْلِي: وَيَحْجُبُ ابْنَ الْأُمِّ أَصْلٌ ذَكَرُ ... كَذَاكَ فَرْعٌ وَارِثٌ قَدْ ذَكَرُوا (قَوْلُهُ: بِالْإِجْمَاعِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَالْجَدِّ أَيْ بِخِلَافِ بَنِي الْأَعْيَانِ وَالْعَلَّاتِ فَفِي سُقُوطِهِمْ بِهِ الْخِلَافُ الْمَارُّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ مِنْ قَبِيلِ الْكَلَالَةِ) عِلَّةٌ لِسُقُوطِهِمْ بِمَنْ ذُكِرَ بَيَانُهُ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: 12] الْآيَةَ الْمُرَادُ بِهِ أَوْلَادُ الْأُمِّ إجْمَاعًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ أُبَيٍّ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ الْأُمِّ وَقَدْ اُشْتُرِطَ فِي إرْثِ الْكَلَالَةِ عَدَمُ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ إجْمَاعًا فَلَا إرْثَ لِأَوْلَادِ الْأُمِّ مَعَ هَؤُلَاءِ ثُمَّ لَفْظُ الْكَلَالَةِ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى الْإِعْيَاءِ، وَذَهَابِ الْقُوَّةِ ثُمَّ اُسْتُعِيرَ لِقَرَابَةِ مَنْ عَدَا الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ كَأَنَّهَا كَالَّةٌ ضَعِيفَةٌ بِالْقِيَاسِ إلَى قَرَابَةِ الْوِلَادِ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَلَدًا وَلَا وَالِدًا وَعَلَى مَنْ لَيْسَ بِوَلَدٍ وَلَا وَالِدٍ مِنْ الْمُخَلَّفِينَ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ. (قَوْلُهُ: وَتَسْقُطُ الْجَدَّاتُ إلَخْ) الْأَصْلُ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ اتِّحَادِ السَّبَبِ، وَالْإِدْلَاءِ تَأْثِيرًا فِي الْحَجْبِ فَأُمُّ الْأَبِ تُحْجَبُ بِهِ لِلْإِدْلَاءِ فَقَطْ وَبِالْأُمِّ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ وَهُوَ الْأُمُومَةُ وَأُمُّ الْأُمِّ تَرِثُ مَعَ الْأَبِ لِانْعِدَامِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَتُحْجَبُ بِالْأُمِّ لِوُجُودِهِمَا وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَبَ لَا يَرِثُ مَعَهُ إلَّا جَدَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ لِأَنَّ الْأَبَوِيَّاتِ يُحْجَبْنَ بِهِ وَالْأُمِّيَّاتِ الصَّحِيحَاتِ لَا يَزْدَدْنَ عَلَى وَاحِدَةٍ أَبَدًا، وَأَمَّا الْجَدُّ فَتَرِثُ مَعَهُ وَاحِدَةٌ أَبَوِيَّةٌ وَهِيَ أُمُّ الْأَبِ أَوْ مَنْ فَوْقَهَا كَأُمِّ أُمِّ الْأَبِ وَإِذَا بَعُدَ بِدَرَجَتَيْنِ كَأَبِي أَبِي الْأَبِ تَرِثُ مَعَهُ أَبَوِيَّتَانِ إحْدَاهَا أُمُّ أَبِي الْأَبِ أَوْ مَنْ فَوْقَهَا كَأُمِّ أُمِّ أَبِي الْأَبِ، وَالثَّانِيَةُ أُمُّ أُمِّ الْأَبِ، أَوْ مَنْ فَوْقَهَا كَأُمِّ أُمِّ أُمِّ الْأَبِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِنَا الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ قِبَلِهِ) أَيْ لَمْ تُدْلِ بِهِ وَأَيْضًا لَمْ يُوجَدْ اتِّحَادُ السَّبَبِ، لِأَنَّ جِهَتَهُ الْأُبُوَّةُ وَجِهَتَهَا الْأُمُومَةُ (قَوْلُهُ: بَلْ هِيَ زَوْجَتُهُ) هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَتْ فِي دَرَجَتِهِ فَلَوْ أَعْلَى مِنْهُ، فَهِيَ أُمُّ زَوْجَتِهِ أَوْ جَدَّتُهَا أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ عَنْهَا (قَوْلُهُ: مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ أَوْ الْأَبِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 782 كَذَلِكَ (وَارِثَةً كَانَتْ الْقُرْبَى أَوْ مَحْجُوبَةً) كَمَا قَدَّمْنَاهُ (وَإِذَا اجْتَمَعَا وَكَانَتْ إحْدَاهُمَا ذَاتَ قَرَابَةٍ وَاحِدَةٍ كَأُمِّ الْأَبِ) كَذَا فِي نُسَخِ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ، وَالصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِلسِّرَاجِيَّةِ وَغَيْرِهَا: كَأُمِّ أُمِّ الْأَبِ وَقَدْ قُدِّمَ أَنَّ الْقُرْبَى تَحْجُبُ الْبُعْدَى مُطْلَقًا فَافْهَمْ (وَالْأُخْرَى ذَاتُ قَرَابَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ كَأُمِّ أُمِّ الْأُمِّ وَهِيَ أَيْضًا أُمُّ أَبِي الْأَبِ) بِهَذِهِ الصُّورَةِ: وَتَوْضِيحُهَا أَنَّ امْرَأَةً زَوَّجَتْ ابْنَ ابْنِهَا بِنْتَ بِنْتِهَا فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَهَذِهِ الْمَرْأَةُ جَدَّتُهُ لِأَبَوَيْهِ (قَسَمَ مُحَمَّدٌ السُّدُسَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا) بِاعْتِبَارِ الْجِهَاتِ (وَهُمَا) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ (أَنْصَافًا) بِاعْتِبَارِ الْأَبْدَانِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْكَنْزِ فَقَالَ وَذَاتُ جِهَتَيْنِ كَذَاتِ جِهَةٍ (وَإِذَا اسْتَكْمَلَ الْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ لِأَبَوَيْنِ فَرْضَهُنَّ) وَهُوَ الثُّلُثَانِ (سَقَطَ بَنَاتُ الِابْنِ وَ) سَقَطَ (الْأَخَوَاتُ لِأَبٍ) أَيْضًا (إلَّا بِتَعْصِيبِ ابْنِ ابْنٍ) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى (أَوْ أَخٍ) فِي الثَّانِيَةِ (مُوَازٍ) أَيْ مُسَاوٍ أَوْ نَازِلٍ أَيْ سَافِلٍ فَحِينَئِذٍ يُعَصِّبُهُنَّ وَيَكُونُ الْبَاقِي لِلذَّكَرِ كَالْأُنْثَيَيْنِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ قُلْت: وَفِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ ابْنَ الْأَخِ لَا يُعَصِّبُ أُخْتَهُ كَالْعَمِّ لَا يُعَصِّبُ أُخْتَهُ وَابْنَ الْعَمِّ لَا يُعَصِّبُ أُخْتَهُ وَابْنَ الْمُعْتِقِ لَا يُعَصِّبُ أُخْتَهُ بَلْ الْمَالُ لِلذَّكَرِ دُونَ الْأُنْثَى لِأَنَّهَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ قَالَ فِي الرَّحَبِيَّةِ:   [رد المحتار] قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ: قُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ الْجِهَتَيْنِ قُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ الْجِهَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: كَمَا قَدَّمْنَاهُ) عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَحْجُبُ الْمَحْجُوبُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ قَدَّمَ إلَخْ) أَرَادَ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى أَنَّ الْمَتْنَ لَوْ كَانَ أُمُّ الْأَبِ لَحَجَبَتْ غَيْرَهَا وَلَمْ يَتَأَتَّ الْخِلَافُ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَصَاحِبَيْهِ اهـ ح (قَوْلُهُ: فَهَذِهِ الْمَرْأَةُ جَدَّتُهُ لِأَبَوَيْهِ) أَيْ جَدَّةٌ لِهَذَا الْوَلَدِ الَّذِي مَاتَ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ لِأَنَّهَا أُمُّ أَبِ أَبِيهِ وَمِنْ قِبَلِ أُمِّهِ لِأَنَّهَا أُمُّ أُمِّ أُمِّهِ ثُمَّ نَقُولُ هُنَاكَ امْرَأَةٌ أُخْرَى قَدْ كَانَ تَزَوَّجَ بِنْتَهَا ابْنُ الْمَرْأَةِ الْأُولَى فَوُلِدَ مِنْ بِنْتِ الْأُخْرَى ابْنُ ابْنِ الْأُولَى الَّذِي هُوَ أَبُو الْمَيِّتِ فَهَذِهِ الْأُخْرَى أُمُّ أُمِّ أَبِي الْمَيِّتِ فَهِيَ ذَاتُ قَرَابَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَحٌ (قَوْلُهُ: وَبِهِ جَزَمَ فِي الْكَنْزِ) قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: فَكَانَ هُوَ الْمُرَجَّحُ وَإِنْ اقْتَضَى صَنِيعُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ التَّرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْعِلَّةِ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ ثُمَّ الْوَضْعُ فِي ذَاتِ قَرَابَتَيْنِ اتِّفَاقِيٌّ لِإِمْكَانِ الزِّيَادَةِ إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقْسَمُ أَنْصَافًا مُطْلَقًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِاعْتِبَارِ الْجِهَاتِ وَإِنْ كَثُرَتْ فَلْيُحْفَظْ اهـ (قَوْلُهُ: وَالْأَخَوَاتُ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ لِأَنَّ الْمُسْتَكْمِلَ أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ لَا مَجْمُوعُهُمَا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: سَقَطَ إلَخْ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ (قَوْلُهُ: أَوْ أَخٍ) أَيْ لِأَبٍ (قَوْلُهُ: وَفِي إطْلَاقِهِ) أَيْ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلْمَجْمَعِ، وَيُجَابُ كَمَا فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ بِأَنَّ قَوْلَهُ مُوَازٍ أَوْ سَافِلٌ صِفَةٌ لِابْنِ ابْنٍ دُونَ الْأَخِ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَصْفُ الْأَخِ بِالنُّزُولِ أَيْ فَإِنَّ ابْنَ الْأَخِ لَا يُسَمَّى أَخًا بِخِلَافِ ابْنِ الِابْنِ، فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ وَمَنْ دُونَهَا نَعَمْ كَانَ حَقُّهُ كَمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَخُ عَلَى ابْنِ الِابْنِ (قَوْلُهُ: لِتَصْرِيحِهِمْ إلَخْ) حَاصِلُهُ كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَالْمُلْتَقَى أَنَّ مَنْ لَا فَرْضَ لَهَا مِنْ الْإِنَاثِ وَأَخُوهَا عَصَبَةٌ لَا تَصِيرُ عَصَبَةً بِأَخِيهَا وَقَدَّمْنَاهُ مَنْظُومًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ) أَيْ الْأُخْتُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، لَكِنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 783 وَلَيْسَ ابْنُ الْأَخِ بِالْمُعَصِّبِ ... مَنْ مِثْلَهُ أَوْ فَوْقَهُ فِي النَّسَبِ بِخِلَافِ ابْنِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ فَإِنَّهُ يُعَصِّبُ مَنْ مِثْلَهُ أَوْ فَوْقَهُ مِمَّنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ سَهْمٍ وَيَسْقُطُ مَنْ دُونَهُ فَلَوْ تَرَكَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ ابْنُ بَعْضِهِنَّ أَسْفَلُ مِنْ بَعْضٍ وَثَلَاثَ بَنَاتِ ابْنِ ابْنِ آخَرَ كَذَلِكَ وَثَلَاثَ بَنَاتِ ابْنِ ابْنِ ابْنٍ كَذَلِكَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ: مَيِّتٌ ابْنُ ابْنِ ابْنِ ابْنِ بِنْتِ ابْنِ ابْنِ ابْنِ بِنْتٍ ابْنُ بِنْتِ ابْنِ ابْنِ بِنْتٍ. ابْنُ بِنْتِ ابْنِ بِنْتِ ابْنِ بِنْتِ ابْنِ بِنْتٍ فَالْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ لَا يُوَازِيهَا أَحَدٌ فَلَهُمَا النِّصْفُ وَالْوُسْطَى مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ تُوَازِيهَا الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي فَيَكُونُ لَهُمَا السُّدُسُ تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَيْنِ وَلَا شَيْءَ لِلسُّفْلِيَّاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ غُلَامٌ فَيُعَصِّبُهَا وَمَنْ يُحَاذِيهَا   [رد المحتار] بِنْتَ الْمُعْتِقِ لَيْسَتْ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِ الْمَيِّتِ، فَالْمُرَادُ مَنْ عَدَاهَا وَإِنَّمَا لَا يُعَصِّبُهَا أَخُوهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ وَعَبَّرَ بِذَوِي وَلَمْ يَقُلْ ذَوَاتِ تَغْلِيبًا لِلذُّكُورِ عَلَى الْإِنَاثِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: 12] (قَوْلُهُ: مَنْ مِثْلَهُ) أَيْ فِي الدَّرَجَةِ كَأُخْتِهِ أَوْ بِنْتِ عَمِّهِ (قَوْلُهُ: أَوْ فَوْقَهُ) كَعَمَّتِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ فَإِنَّهُ يُعَصِّبُ مَنْ مِثْلَهُ أَوْ فَوْقَهُ إلَخْ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُعَصِّبُ مَنْ فَوْقَهُ، وَإِلَّا صَارَ مَحْرُومًا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي إرْثِ الْعَصَبَةِ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَقْرَبُ، وَلَوْ أُنْثَى عَلَى الْأَبْعَدِ وَلِذَا تُقَدَّمُ الْأُخْتُ عَلَى ابْنِ الْأَخِ إذَا صَارَتْ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَنْ فَوْقَهُ إنَّمَا صَارَتْ عَصَبَةً بِهِ، وَلَوْلَاهُ لَمْ تَرِثْ شَيْئًا فَكَيْفَ تَحْجُبُهُ، وَانْظُرْ مَا أَجَابَ السَّيِّدُ قُدِّسَ سِرُّهُ (قَوْلُهُ: ذَاتَ سَهْمٍ) أَيْ فَرْضٍ. (قَوْلُهُ: لَا يُوَازِيهَا أَحَدٌ) لِانْتِمَائِهَا إلَى الْمَيِّتِ بِوَاسِطَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَيْسَ فِي هَؤُلَاءِ الْبَنَاتِ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَلَهَا النِّصْفُ) لِأَنَّهَا قَامَتْ بِنْتٌ مَقَامَ بِنْتِ الصُّلْبِ عِنْدَ عَدَمِهَا (قَوْلُهُ: تُوَازِيهَا الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِوَاسِطَتَيْنِ، وَأَمَّا السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ فَتُوَازِيهَا الْوُسْطَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي وَالْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِثَلَاثِ وَسَائِطَ، وَأَمَّا السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي فَتُوَازِيهَا الْوُسْطَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ لِانْتِمَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَيْهِ بِأَرْبَعِ وَسَائِطَ، وَأَمَّا السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ فَلَا يُوَازِيهَا أَحَدٌ، لِأَنَّهَا تُدْلِي بِخَمْسِ وَسَائِطَ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْبَنَاتِ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ لَهُمَا السُّدُسُ إلَخْ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعُلْيَا مِنْ الْأَوَّلِ لَمَّا قَامَتْ مَقَامَ الصُّلْبِيَّةِ قَامَ مَنْ دُونَهَا بِدَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ مَقَامَ بَنَاتِ الِابْنِ. (قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ لِلسُّفْلِيَّاتِ) وَهِيَ السِّتُّ الْبَاقِيَةُ مِنْ الْبَنَاتِ التِّسْعِ، لِأَنَّهُ قَدْ كَمُلَ الثُّلُثَانِ لِتِلْكَ الثَّلَاثِ، فَلَمْ يَبْقَ لِلْبَاقِيَاتِ فَرْضٌ وَلَيْسَ لَهُنَّ عُصُوبَةٌ قَطْعًا فَلَا يَرِثْنَ مِنْ التَّرِكَةِ أَصْلًا (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ إلَخْ) فَإِنْ كَانَ الْغُلَامُ مَعَ السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ أَخَذَتْ الْعُلْيَا مِنْهُمْ النِّصْفَ، وَأَخَذَتْ الْوُسْطَى مِنْهُمْ مَعَ الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي السُّدُسَ وَيَكُونُ الثُّلُثُ الْبَاقِي بَيْنَ الْغُلَامِ، وَبَيْنَ السُّفْلَى مِنْ الْأَوَّلِ وَالْوُسْطَى مِنْ الثَّانِي وَالْعُلْيَا مِنْ الثَّالِثِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أَخْمَاسًا، وَسَقَطَ سُفْلَى الثَّانِي وَوُسْطَى الثَّالِثِ وَسُفْلَاهُ، وَإِنْ كَانَ الْغُلَامُ مَعَ السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي كَانَ ثُلُثُ الْبَاقِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُفْلَى الْأَوَّلِ، وَوُسْطَى الثَّانِي وَسُفْلَاهُ، وَعُلْيَا الثَّالِثِ، وَوُسْطَاهُ أَسْبَاعًا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَسَقَطَتْ سُفْلَى الثَّالِثِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ كَانَ الثُّلُثُ الْبَاقِي بَيْنَ الْغُلَامِ وَبَيْنَ السُّفْلَيَاتِ السِّتِّ أَثْمَانًا، وَإِنْ فَرَضَ الْغُلَامُ مَعَ الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ كَانَ جَمِيعُ الْمَالِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُخْتِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَلَا شَيْءَ لِلسُّفْلِيَّاتِ وَهُنَّ ثَمَانٍ وَإِنْ فَرَضَ مَعَ وُسْطَى الْأَوَّلِ، فَتَأْخُذُ عُلْيَا الْأَوَّلِ النِّصْفَ وَالْبَاقِي لِلْغُلَامِ مَعَ مَنْ يُحَاذِيهِ وَهِيَ وُسْطَى الْأَوَّلِ وَعُلْيَا الثَّانِي لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَكَذَا الْحَالُ إذَا فَرَضَ مَعَ عُلْيَا الثَّانِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 784 وَمَنْ فَوْقَهَا مِمَّنْ لَا تَكُونُ صَاحِبَةَ فَرْضٍ وَسَقَطَ السُّفْلَيَاتُ (وَيَأْخُذُ ابْنُ عَمٍّ) كَذَا فِي نُسَخِ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ وَعِبَارَةُ السَّيِّدِ وَغَيْرِهِ وَيَأْخُذُ أَحَدُ ابْنَيْ عَمٍّ هُوَ أَخٌ (لِأُمٍّ السُّدُسَ) بِالْفَرْضِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْآخَرُ زَوْجًا فَلَهُ النِّصْفُ (وَيَقْتَسِمَانِ الْبَاقِي) بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بِالْعُصُوبَةِ حَيْثُ لَا مَانِعَ مِنْ إرْثِهِ بِهِمَا فَيَرِثُ بِجِهَتَيْ فَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ وَإِمَّا بِفَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ مَعًا بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَيْسَ إلَّا الْأَبُ وَأَبُوهُ. قُلْت: وَقَدْ يَجْتَمِعُ جِهَتَا تَعْصِيبٍ كَابْنٍ هُوَ ابْنُ ابْنِ عَمٍّ بِأَنْ تَنْكِحَ ابْنَ عَمِّهَا فَتَلِدُ ابْنًا وَكَابْنٍ هُوَ مُعْتَقٌ وَقَدْ يَجْتَمِعُ جِهَتَا فَرْضٍ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَجُوسِ لِنِكَاحِهِمْ الْمَحَارِمَ وَيَتَوَارَثُونَ بِهِمَا جَمِيعًا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِأَقْوَى الْجِهَتَيْنِ وَتَمَامُهُ فِي كُتُبِ الْفَرَائِضِ وَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الْغَرْقَى (وَلَوْ تَرَكَتْ زَوْجًا وَأُمًّا أَوْ جَدَّةً وَإِخْوَةً لِأُمٍّ وَإِخْوَةً لِأَبَوَيْنِ أَخَذَ الزَّوْجُ النِّصْفَ وَالْأُمُّ) أَوْ الْجَدَّةُ (السُّدُسَ وَوَلَدُ الْأُمِّ الثُّلُثَ وَلَا شَيْءَ لِلْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ) لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ وَلَمْ يَبْقَ   [رد المحتار] وَأَمَّا تَصْحِيحُ الْمَسَائِلِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ فَعَلَى مَا سَتُحِيطُ بِهِ فِيمَا بَعْدُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيرَادِهِ هُنَا وَاعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ الْبَنَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ الدَّرَجَاتِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ يُسَمَّى مَسْأَلَةَ التَّشْبِيبِ لِأَنَّهَا بِدِقَّتِهَا وَحُسْنِهَا تَشْحَذُ الْخَوَاطِرَ وَتُمِيلُ الْآذَانَ إلَى اسْتِمَاعِهَا فَشُبِّهَتْ بِتَشْبِيبِ الشَّاعِرِ الْقَصِيدَةَ لِتَحْسِينِهَا وَاسْتِدْعَاءِ الْإِصْغَاءِ لِسَمَاعِهَا اهـ مِنْ شَرْحِ السَّيِّدِ (قَوْلُهُ: مِمَّنْ لَا تَكُونُ صَاحِبَةَ فَرْضٍ) أَمَّا مَنْ كَانَتْ صَاحِبَةَ فَرْضٍ فَإِنَّهَا تَأْخُذُ سَهْمَهَا، وَلَا تَصِيرُ بِهِ عَصَبَةً وَهِيَ الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ الَّتِي أَخَذَتْ النِّصْفَ وَالْوُسْطَى مِنْهُ مَعَ الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي حَيْثُ أَخَذَتَا السُّدُسَ، وَهَذَا قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ فِيمَنْ كَانَتْ فَوْقَهُ دُونَ مَنْ كَانَتْ بِحِذَائِهِ فَإِنَّهُ يُعَصِّبُهَا مُطْلَقًا سَيِّدٌ (قَوْلُهُ: وَسَقَطَ السُّفْلَيَاتُ) أَيْ اللَّاتِي تَحْتَهُ فِي الدَّرَجَةِ (قَوْلُهُ: وَعِبَارَةُ السَّيِّدِ إلَخْ) أَيْ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ كَذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ بَعْدُ وَيَقْتَسِمَانِ الْبَاقِي (قَوْلُهُ: هُوَ أَخٌ لِأُمِّ) كَأَنْ تَزَوَّجَتْ بِأَخَوَيْنِ فَجَاءَتْ مِنْ كُلٍّ بِوَلَدٍ وَلِلْأَخَوَيْنِ وَلَدُ أَخٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِهَا فَمَاتَ أَحَدُ وَلَدَيْهَا عَنْ أَخِيهِ الَّذِي هُوَ ابْنُ عَمِّهِ وَعَنْ ابْنِ عَمِّهِ الْآخَرِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ كَانَ الْآخَرُ زَوْجًا) الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ: وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَيْ أَحَدُ ابْنَيْ عَمِّهَا زَوْجَهَا ط. (قَوْلُهُ: وَيَقْتَسِمَانِ الْبَاقِي) وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ فِي الْأُولَى وَالنِّصْفُ فِي الثَّانِيَةِ ط (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا مَانِعَ مِنْ إرْثِهِ بِهِمَا) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ بِنْتٌ فِي الْأُولَى فَإِنَّ لَهَا النِّصْفَ وَتَحْجُبُ ابْنَ الْعَمِّ عَنْ السُّدُسِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَخًا لِأُمٍّ، وَيَشْتَرِكُ هُوَ وَابْنُ الْعَمِّ الْآخَرِ فِي الْبَاقِي وَعَمَّا لَوْ كَانَ لِلزَّوْجَةِ فِي الثَّانِيَةِ أُخْتٌ شَقِيقَةٌ فَإِنَّ لَهَا النِّصْفَ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِلزَّوْجِ فَرْضًا وَلَا شَيْءَ لَهُ كَابْنِ الْعَمِّ الْآخَرِ مِنْ حَيْثُ بُنُوَّةُ الْعَمِّ (قَوْلُهُ: بِجِهَتَيْ فَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ) فَجِهَةُ الْفَرْضِ الزَّوْجِيَّةُ وَالْأُخُوَّةُ لِأُمٍّ وَجِهَةُ التَّعْصِيبِ كَوْنُهُ ابْنَ عَمٍّ ط (قَوْلُهُ: وَأَمَّا بِفَرْضٍ) أَيْ وَأَمَّا الْإِرْثُ بِفَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ ط (قَوْلُهُ: بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ) وَهِيَ الْأُبُوَّةُ ط (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ إلَّا الْأَبُ وَأَبُوهُ) أَيْ مَعَ الْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاسْمُ لَيْسَ ضَمِيرٌ عَائِدٌ عَلَى الْإِرْثِ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ، وَقَوْلُهُ: إلَّا الْأَبُ أَيْ إلَّا إرْثُ الْأَبِ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ حُذِفَ، وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ وَهَذَا عَلَى حَدِّ قَوْلِهِمْ لَيْسَ الطِّيبُ إلَّا الْمِسْكُ فِي جَوَازِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فِي الْمِسْكِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَجْتَمِعُ جِهَتَا تَعْصِيبٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِلْإِرْثِ بِهِمَا لِأَنَّهُ هُنَا بِإِحْدَاهُمَا لِتَقْدِيمِ جِهَةِ الْبُنُوَّةِ عَلَى جِهَةِ الْعُمُومَةِ وَجِهَةِ الْوَلَاءِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَجْتَمِعُ جِهَتَا فَرْضٍ) صُورَتُهُ نَكَحَ مَجُوسِيٌّ بِنْتَه وَاسْتَوْلَدَهَا فَالْوَلَدُ بْنُ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ وَأَخٌ لَهَا فَإِذَا مَاتَ عَنْهَا مَاتَ عَنْ أُمِّهِ وَأُخْتِهِ فَتَرِثُ بِالْجِهَتَيْنِ ط. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَجُوسِ) أَقُولُ: تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ أَنَّ مِنْ شُبْهَةِ الْمَحَلِّ وَطْءَ مَحْرَمٍ نَكَحَهَا، وَأَنَّهُ يَثْبُتُ فِيهَا النَّسَبُ عَلَى مَا حَرَّرَهُ فِي النَّهْرِ فَرَاجِعْهُ ثُمَّ رَأَيْت فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ قَالَ: وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ الْمَجُوسِيِّ وَفِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ فِي الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ الصَّحِيحِ اهـ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِأَقْوَى الْجِهَتَيْنِ) وَهِيَ الَّتِي يَرِثُ بِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنْ مَاتَ ابْنٌ وَتَرَكَ أُمًّا هِيَ أُخْتُهُ تَرِثُ عِنْدَنَا بِالْجِهَتَيْنِ الثُّلُثَ بِجِهَةِ الْأُمِّيَّةِ وَالنِّصْفَ بِجِهَةِ الْأُخْتِيَّةِ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَتَرِثُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 785 لَهُمْ شَيْءٌ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ يُشَرَّكُ بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ كَأَنَّ الْكُلَّ أَوْلَادُ أُمٍّ وَكَذَلِكَ يَفْرِضُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لِلْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ النِّصْفَ وَلِلْجَدِّ السُّدُسَ مَعَ زَوْجٍ وَأُمٍّ فَتَعُولُ إلَى تِسْعَةٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ تَسْقُطُ الْأُخْتُ. قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَسْأَلَةُ الْمُشَرَّكَةِ اتِّفَاقًا وَلَا مَسْأَلَةُ الْأَكْدَرِيَّةِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ كَمَا مَرَّ. بَابُ الْعَوْلِ بَابُ الْعَوْلِ وَضِدُّهُ الرَّدُّ كَمَا سَيَجِيءُ (هُوَ زِيَادَةُ السِّهَامِ) إذَا كَثُرَتْ الْفُرُوضُ (عَلَى مَخْرَجِ الْفَرِيضَةِ) لِيَدْخُلَ النَّقْصُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ بِقَدْرِ فَرْضِهِ كَنَقْصِ أَرْبَابِ الدُّيُونِ بِالْمُحَاصَّةِ، وَأَوَّلُ مَنْ حَكَمَ بِالْعَوْلِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -   [رد المحتار] بِجِهَةِ الْأُمِّيَّةِ لَا غَيْرُ، كَمَا فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ (قَوْلُهُ: يُشَرَّكُ بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ) أَيْ أَوْلَادِ الْأُمِّ وَالْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ، وَلِذَا سُمِّيَتْ مُشَرَّكَةً بِفَتْحِ الرَّاءِ أَوْ بِكَسْرِهَا عَلَى نِسْبَةِ التَّشْرِيكِ إلَيْهَا مَجَازًا (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ يَفْرِضُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ) وَكَذَا أَحْمَدُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشِّنْشَوْرِيُّ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْأَكْدَرِيَّةَ لِأَنَّهَا كَدَّرَتْ عَلَى زَيْدٍ مَذْهَبَهُ. (قَوْلُهُ: فَتَعُولُ إلَى تِسْعَةٍ) لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ اثْنَانِ وَلِلْجَدِّ وَاحِدٌ، وَلِلْأُخْتِ ثَلَاثَةٌ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْأُخْتُ لَوْ اسْتَقَلَّتْ بِمَا فُرِضَ لَهَا لَزَادَتْ عَلَى الْجَدِّ رُدَّتْ بَعْدَ الْفَرْضِ إلَى التَّعْصِيبِ بِالْجَدِّ، فَيَضُمُّ إلَى حِصَّتِهَا حِصَّتُهُ، وَيَقْتَسِمَانِ الْأَرْبَعَةَ بَيْنَهُمَا ثَلَاثًا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ سُدُسِ جَمِيعِ الْمَالِ وَمِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي وَتَصِحُّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَتَمَامُهُ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ (قَوْلُهُ: تَسْقُطُ الْأُخْتُ) فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَالْبَاقِي لِلْجَدِّ وَأَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَمِنْهَا تَصِحُّ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُفْتَى بِهِ) أَيْ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ بِسُقُوطِ بَنِي الْأَعْيَانِ وَالْعَلَّاتِ بِالْجَدِّ خِلَافًا لَهُمَا (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْحَجْبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْعَوْلِ] ِ مَسَائِلُ الْفَرَائِضِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: عَادِلَةٌ، وَعَاذِلَةٌ، وَعَائِلَةٌ: أَيْ مُنْقَسِمٌ بِلَا كَسْرٍ أَوْ بِالرَّدِّ أَوْ بِالْعَوْلِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الْمَيْلُ وَالْجَوْرُ وَيُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْغَلَبَةِ يُقَالُ: عِيلَ صَبْرُهُ أَيْ غَلَبَ وَبِمَعْنَى الرَّفْعِ يُقَالُ: عَالَ الْمِيزَانَ إذَا رَفَعَهُ فَقِيلَ إنَّ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيَّ مَأْخُوذٌ مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَالَتْ عَلَى أَهْلِهَا بِالْجَوْرِ حَيْثُ نَقَصَتْ مِنْ فُرُوضِهِمْ وَالتَّقْسِيمُ الْمَارُّ كَالصَّرِيحِ فِيهِ، لِأَنَّ الْعَادِلَةَ مِنْ الْعَدْلِ مُقَابِلُ الْجَوْرِ وَقِيلَ مِنْ الثَّانِي لِأَنَّهَا غَلَبَتْ أَهْلَهَا بِإِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ، وَقِيلَ مِنْ الثَّالِثِ، لِأَنَّهَا إذَا ضَاقَ مَخْرَجُهَا بِالْفُرُوضِ الْمُجْتَمِعَةِ تُرْفَعُ التَّرِكَةُ إلَى عَدَدٍ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْمَخْرَجِ ثُمَّ يُقْسَمُ حَتَّى يَدْخُلَ النُّقْصَانُ فِي فَرَائِضِ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَاخْتَارَهُ السَّيِّدُ (قَوْلُهُ: وَضِدُّهُ الرَّدُّ) إذْ بِالْعَوْدِ تَنْتَقِصُ سِهَامُ ذَوِي الْفُرُوضِ وَيَزْدَادُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ وَبِالرَّدِّ يَزْدَادُ السِّهَامُ وَيَنْتَقِصُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى فِي الْعَوْلِ تَفْضُلُ السِّهَامُ عَلَى الْمَخْرَجِ، وَفِي الرَّدِّ يَفْضُلُ الْمَخْرَجُ عَلَى السِّهَامِ سَيِّدٌ (قَوْلُهُ: هُوَ زِيَادَةُ السِّهَامِ) أَيْ سِهَامِ الْوَرَثَةِ فَأَلْ عِوَضٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَبِذَا سَهُلَ الْإِضْمَارُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ ط. (قَوْلُهُ: عَلَى مَخْرَجِ الْفَرِيضَةِ) أَيْ مَخْرَجِ السِّهَامِ الْمَفْرُوضَةِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ عِبَارَةُ عَنْ أَقَلِّ عَدَدٍ صَحِيحٍ يَتَأَتَّى مِنْهُ حَظُّ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ الْوَرَثَةِ بِلَا كَسْرٍ اهـ سَكْبُ الْأَنْهُرِ (قَوْلُهُ: كَنَقْصِ أَرْبَابِ الدُّيُونِ بِالْمُحَاصَّةِ) أَيْ الدُّيُونِ الَّتِي ضَاقَتْ عَنْهَا التَّرِكَةُ وَلَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ فَالنَّقْصُ عَلَى الْجَمِيعِ بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ (قَوْلُهُ: وَأَوَّلُ مَنْ حَكَمَ بِالْعَوْلِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) فَإِنَّهُ وَقَعَ فِي صُورَةٍ ضَاقَ مَخْرَجُهَا عَنْ فُرُوضِهَا فَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ فَأَشَارَ الْعَبَّاسُ إلَى الْعَوْلِ فَقَالَ أَعِيلُوا الْفَرَائِضَ فَتَابَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 786 ثُمَّ الْمَخَارِجُ سَبْعَةٌ أَرْبَعَةٌ لَا تَعُولُ الِاثْنَانِ وَالثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ وَالثَّمَانِيَةُ وَثَلَاثَةٌ قَدْ تَعُولُ بِالِاخْتِلَاطِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي بَابِ الْمَخَارِجِ (فَسِتَّةٌ تَعُولُ) أَرْبَعَ عَوْلَاتٍ (إلَى عَشَرَةٍ وِتْرًا وَشَفْعًا) فَتَعُولُ لِسَبْعَةٍ كَزَوْجٍ وَشَقِيقَتَيْنِ وَلِثَمَانِيَةٍ كَهُمْ وَأُمٍّ وَلِتِسْعَةٍ كَهُمْ وَأَخٍ لِأُمٍّ وَلِعَشَرَةٍ كَهُمْ وَأَخٍ آخَرَ لِأُمٍّ (وَاثْنَا عَشَرَةَ تَعُولُ ثَلَاثًا إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ وِتْرًا لَا شَفْعًا) فَتَعُولُ لِثَلَاثَةَ عَشَرَ كَزَوْجَةٍ وَشَقِيقَتَيْنِ وَأُمٍّ وَلِخَمْسَةَ عَشَرَ كَهُمْ وَأَخٍ لِأُمٍّ وَلِسَبْعَةَ عَشَرَ كَهُمْ وَآخَرَ لِأُمٍّ (وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ تَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ) فَقَطْ (كَامْرَأَةٍ وَبِنْتَيْنِ وَأَبَوَيْنِ) وَتُسَمَّى مِنْبَرِيَّةً (وَالرَّدُّ ضِدُّهُ) كَمَا مَرَّ وَحِينَئِذٍ (فَإِنْ فَضَلَ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْفُرُوضِ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ لَا (عَصَبَةَ) ثَمَّةَ (يُرَدُّ) الْفَاضِلُ (عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ سِهَامِهِمْ) إجْمَاعًا لِفَسَادِ بَيْتِ الْمَالِ (إلَّا عَلَى الزَّوْجَيْنِ) فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا وَقَالَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يُرَدُّ عَلَيْهِمَا أَيْضًا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. قُلْت: وَجَزَمَ فِي الِاخْتِيَارِ بِأَنَّ هَذَا وَهْمٌ مِنْ الرَّاوِي فَرَاجِعْهُ.   [رد المحتار] أَحَدٌ إلَّا ابْنُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ السَّيِّدِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْمَخَارِجُ سَبْعَةٌ) وَجْهُهُ أَنَّ الْفُرُوضَ سِتَّةٌ: وَهِيَ نَوْعَانِ الْأَوَّلُ النِّصْفُ وَالرُّبُعُ وَالثُّمُنُ، وَالثَّانِي: الثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ وَالسُّدُسُ وَلَهَا حَالَتَانِ انْفِرَادٌ وَاجْتِمَاعٌ وَمَخَارِجُهَا فِي الِانْفِرَادِ خَمْسَةٌ الِاثْنَانِ لِلنِّصْفِ، وَالْأَرْبَعَةُ لِلرُّبُعِ وَالثَّمَانِيَةُ لِلثُّمُنِ وَالثَّلَاثَةُ لِلثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ، وَالسِّتَّةُ لِلسُّدُسِ وَإِذَا اجْتَمَعَ فُرُوضٌ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ لَا تَخْرُجُ عَنْ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ، لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَخْرَجُ أَدْنَاهَا فَفِي نِصْفٍ وَرُبُعٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ أَوْ نِصْفٍ وَثُمُنٍ مِنْ ثَمَانِيَةٍ أَوْ ثُلُثٍ وَسُدُسٍ مِنْ سِتَّةٍ، وَلَوْ مِنْ نَوْعَيْنِ فَإِذَا اخْتَلَطَ النِّصْفُ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ بِكُلِّ النَّوْعِ الثَّانِي أَوْ بِبَعْضِهِ فَمِنْ سِتَّةٍ وَهِيَ لَا تَخْرُجُ عَنْهَا أَيْضًا وَإِذَا اخْتَلَطَ الرُّبُعُ بِكُلِّ النَّوْعِ أَوْ بِبَعْضِهِ فَمِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَإِذَا اخْتَلَطَ الثُّمُنُ بِكُلِّ النَّوْعِ الثَّانِي أَوْ بِبَعْضِهِ فَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَيُضَمُّ هَذَانِ إلَى الْخَمْسَةِ فَتَصِيرُ الْمَخَارِجُ سَبْعَةً وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي بَابِ الْمَخَارِجِ. (قَوْلُهُ: أَرْبَعَةٌ لَا تَعُولُ) لِأَنَّ الْفُرُوضَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهَا إمَّا أَنْ يَفِيَ الْمَالُ بِهَا أَوْ يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ زَائِدٌ عَلَيْهَا وَبَيَانُهُ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ: وَثَلَاثَةٌ قَدْ تَعُولُ) وَهِيَ السِّتَّةُ وَضِعْفُهَا وَضِعْفُ ضِعْفِهَا وَأَشَارَ بِقَدْ إلَى أَنَّ الْعَوْلَ لَيْسَ لَازِمًا لَهَا (قَوْلُهُ: بِالِاخْتِلَاطِ) أَيْ بِاخْتِلَاطِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ بِكُلِّ الْآخَرِ أَوْ بِبَعْضِهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ (قَوْلُهُ: إلَى عَشَرَةٍ وِتْرًا وَشَفْعًا) أَيْ تَعُولُ إلَى أَعَدَّ إدْخَالَ كَوْنِهَا مُنْتَهِيَةً إلَى عَشَرَةٍ فَلَيْسَتْ إلَى صِلَةٍ لِتَعُولَ، بَلْ صِلَتُهَا مُقَدَّرَةٌ، لِأَنَّ الْعَشَرَةَ لَيْسَتْ وِتْرًا وَشَفْعًا، وَقَوْلُهُ وِتْرًا وَشَفْعًا مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِ مِنْ الْعَدَدِ الَّذِي عَالَتْ إلَيْهِ أَيْ حَالَ كَوْنِ تِلْكَ الْأَعْدَادِ مُنْقَسِمَةً إلَى وِتْرٍ وَشَفْعٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَتُسَمَّى مِنْبَرِيَّةً) لِأَنَّ عَلِيًّا سُئِلَ عَنْهَا، وَهُوَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَحْكُمُ بِالْحَقِّ قَطْعًا، وَيَجْزِي كُلَّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى، وَإِلَيْهِ الْمَآبُ وَالرُّجْعَى فَسُئِلَ عَنْهَا حِينَئِذٍ فَقَالَ مَنْ رَوِيِّهَا وَالْمَرْأَةُ صَارَ ثُمُنُهَا تُسْعًا، وَمَضَى فِي خُطْبَتِهِ فَتَعْجَبُوا مِنْ فِطْنَتِهِ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ: ثَمَّةَ) أَيْ هُنَاكَ أَيْ فِي الْوَرَثَةِ ط (قَوْلُهُ: عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ وَالْأَوْضَحُ التَّصْرِيحُ بِهِ ط (قَوْلُهُ: لِفَسَادِ بَيْتِ الْمَالِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ إجْمَاعًا وَلَا يَظْهَرُ، لِأَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْتَظِمًا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ كَقَوْلِنَا وَبِهِ أَفْتَى مُتَأَخِّرُو الشَّافِعِيَّةِ إذَا لَمْ يَنْتَظِمْ أَمْرُ بَيْتِ الْمَالِ أَفَادَهُ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ) كَشُرَّاحِ السِّرَاجِيَّةِ وَالْكَنْزِ وَقَالَ فِي رَوْحِ الشُّرُوحِ وَحُجَّةُ عُثْمَانَ: أَنَّ الْفَرِيضَةَ لَوْ عَالَتْ لَدَخَلَ النَّقْصُ عَلَى الْكُلِّ، فَإِذَا فَضَلَ شَيْءٌ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ لِلْكُلِّ، لِأَنَّ «الْغُنْمَ بِالْغُرْمِ» وَالْجَوَابُ أَنَّ مِيرَاثَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، لِأَنَّ وَصْلَتَهُمَا بِالنِّكَاحِ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ بِالْمَوْتِ، وَمَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ نَصًّا يَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، وَلَا نَصَّ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى فَرْضِهِمَا وَلَمَّا كَانَ إدْخَالُ النَّقْصِ فِي نَصِيبِهِمَا مَيْلًا لِلْقِيَاسِ النَّافِي لِإِرْثِهِمَا قِيلَ بِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِالرَّدِّ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ، فَظَهَرَ الْفَرْقُ وَحَصْحَصَ الْحَقُّ اهـ ط الجزء: 6 ¦ الصفحة: 787 قُلْت: وَفِي الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِمَا فِي زَمَانِنَا لِفَسَادِ بَيْتِ الْمَالِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي الْوَلَاءِ ثُمَّ مَسَائِلُ الرَّدِّ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ، لِأَنَّ الْمَرْدُودَ عَلَيْهِ إمَّا صِنْفٌ أَوْ أَكْثَرُ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَنْ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ أَوْ لَا يَكُونُ. (ف) الْأَوَّلُ (إنْ اتَّحَدَ جِنْسُ الْمَرْدُودِ عَلَيْهِمْ) كَبِنْتَيْنِ أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ جَدَّتَيْنِ (قُسِمَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ عَدَدِ رُءُوسِهِمْ) ابْتِدَاءً قَطْعًا لِلتَّطْوِيلِ (وَ) الثَّانِي (إنْ كَانَ) الْمَرْدُودُ عَلَيْهِ (جِنْسَيْنِ) أَوْ ثَلَاثَةً لَا أَكْثَرَ   [رد المحتار] مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: وَفِي الْأَشْبَاهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ وَيُفْتَى بِالرَّدِّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ فِي زَمَانِنَا لِفَسَادِ بَيْتِ الْمَالِ، وَفِي الزَّيْلَعِيِّ عَنْ النِّهَايَةِ مَا فَضُلَ عَنْ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَكَذَا الْبِنْتُ وَالِابْنُ مِنْ الرَّضَاعِ يُصْرَفُ إلَيْهَا وَقَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ بِالرَّدِّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عُلَمَائِنَا، وَقَالَ الْحَدَّادِيُّ: الْفَتْوَى الْيَوْمَ بِالرَّدِّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ، وَقَالَ الْمُحَقِّقُ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعْدٍ التَّفْتَازَانِيُّ: أَفْتَى كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ بِالرَّدِّ عَلَيْهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأَقَارِبِ سِوَاهُمَا لِفَسَادِ الْإِمَامِ وَظُلْمِ الْحُكَّامِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، بَلْ يُفْتَى بِتَوْرِيثِ بَنَاتِ الْمُعْتِقِ وَذَوِي أَرْحَامِهِ وَكَذَا قَالَ الْهَرَوِيُّ: أَفْتَى كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ بِتَوْرِيثِ بَنَاتِ الْمُعْتِقِ وَذَوِي أَرْحَامِهِ اهـ أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِلْكَازَرُونِيِّ قُلْت: وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَقِيلَ إنْ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا بِنْتَ الْمُعْتِقِ يُدْفَعُ الْمَالُ إلَيْهَا لَا إرْثًا بَلْ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ، وَكَذَا الْفَاضِلُ عَنْ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ يُدْفَعُ إلَيْهِ بِالرَّدِّ وَكَذَا يُدْفَعُ إلَى الْبِنْتِ وَالِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ وَبِهِ يُفْتَى لِعَدَمِ بَيْتِ الْمَالِ. وَفِي الْمُسْتَصْفَى وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى الرَّدِّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُسْتَحِقِّ لِعَدَمِ بَيْتِ الْمَالِ إذْ الظَّلَمَةُ لَا يَصْرِفُونَهُ إلَى مَصْرِفِهِ وَهَذَا كَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمْ يُفْتُونَ بِتَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِهَذَا الْمَعْنَى اهـ وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى مِنْ كِتَابِ الْوَلَاءِ قُلْت وَلَكِنْ بَلَغَنِي أَنَّهُمْ لَا يُفْتُونَ بِذَلِكَ فَتَنَبَّهْ اهـ. أَقُولُ: وَلَمْ نَسْمَعْ أَيْضًا فِي زَمَانِنَا مَنْ أَفْتَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَعَلَّهُ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمُتُونِ فَلْيُتَأَمَّلْ، لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتُونَ مَوْضُوعَةٌ لِنَقْلِ مَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا أَفْتَى بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى خِلَافِ أَصْلِ الْمَذْهَبِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا أَفْتَوْا بِنَظِيرِ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ مُخَالِفِينَ لِأَصْلِ الْمَذْهَبِ، لِخَشْيَةِ ضَيَاعِ الْقُرْآنِ، وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ أَيْضًا، وَحَيْثُ ذَكَرَ الشُّرَّاحُ الْإِفْتَاءَ فِي مَسْأَلَتِنَا فَلْيُعْمَلْ بِهِ، وَلَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ زَمَانِنَا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهُ مَنْ يُسَمَّى وَكِيلَ بَيْتِ الْمَالِ، وَيَصْرِفُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَخَدَمِهِ وَلَا يَصِلُ مِنْهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ كَلَامَ الْمُتُونِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ انْتِظَامِ بَيْتِ الْمَالِ وَكَلَامُ الشُّرُوحِ عِنْدَ عَدَمِ انْتِظَامِهِ، فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ أَمْكَنَهُ الْإِفْتَاءُ بِذَلِكَ فِي زَمَانِنَا فَلْيُفْتِ بِهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ [مَسَائِلُ الرَّدِّ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ] (قَوْلُهُ: أَوْ أَكْثَرُ) أَيْ صِنْفَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ لَا أَكْثَرُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: إمَّا أَنْ يَكُونَ) أَيْ يُوجَدُ (قَوْلُهُ: إنْ اتَّحَدَ جِنْسُ الْمَرْدُودِ عَلَيْهِمْ) يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ لِجِنْسٍ شَخْصًا وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ وَلِذَا مَثَّلَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ بِقَوْلِهِ كَأُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ أَوْ جَدَّاتٍ أَوْ بِنْتٍ أَوْ بَنَاتٍ أَوْ بِنْتِ ابْنٍ أَوْ بَنَاتِ ابْنٍ أَوْ أَخَوَاتٍ لِأَبَوَيْنِ أَوْ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ أَوْ وَاحِدٍ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ أَوْ أَكْثَرَ اهـ (قَوْلُهُ: مِنْ عَدَدِ رُءُوسِهِمْ) أَيْ رُءُوسِ ذَلِكَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَكْثَرُ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَرَأْسُ ذَلِكَ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ إنْ كَانَ هُوَ فِيهَا وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ وَاحِدًا اهـ شَرْحُ ابْنِ الْحَنْبَلِيِّ (قَوْلُهُ: قَطْعًا لِلتَّطْوِيلِ) أَيْ يَجْعَلُ الْقِسْمَةَ قِسْمَةً وَاحِدَةً أَلَا تَرَى أَنَّك إذَا أَعْطَيْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ مَا اسْتَحَقَّهُ مِنْ السِّهَامِ، ثُمَّ قَسَمْتَ الْبَاقِي مِنْ سِهَامِهِمْ بَيْنَهُمْ بِقَدْرِ تِلْكَ السِّهَامِ صَارَتْ الْقِسْمَةُ مَرَّتَيْنِ اهـ سَيِّدٌ (قَوْلُهُ: جِنْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ) أَيْ بِحَسَبِ سَبَبِ الْإِرْثِ كَالْجُدُودَةِ وَالْأُخُوَّةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 788 بِالِاسْتِقْرَاءِ (فَمِنْ عَدَدِ سِهَامِهِمْ) فَمِنْ اثْنَيْنِ لَوْ سُدُسَانِ وَثَلَاثَةٍ لَوْ ثُلُثٌ وَسُدُسٌ وَأَرْبَعَةٍ لَوْ نِصْفٌ وَسُدُسٍ وَخَمْسَةٌ كَثُلُثَيْنِ وَسُدُسٍ تَقْصِيرًا لِلْمَسَافَةِ (وَ) الثَّالِثُ (إنْ كَانَ مَعَ الْأَوَّلِ) أَيْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ (مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ) وَهُوَ الزَّوْجَانِ (أَعْطَى) مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ (فَرْضَهُ مِنْ أَقَلِّ مَخَارِجِهِ وَقَسَمَ الثَّانِي عَلَى) رُءُوسِ (مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ كَزَوْجٍ وَثَلَاثِ بَنَاتٍ) فَهِيَ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِلزَّوْجِ وَاحِدٌ وَبَقِيَ ثَلَاثَةٌ وَهِيَ تَسْتَقِيمُ عَلَيْهِنَّ فَلَا حَاجَةَ إلَى الضَّرْبِ (وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِمْ فَإِنْ وَافَقَ رُءُوسَهُمْ) أَيْ رُءُوسَ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ (كَزَوْجٍ وَسِتِّ بَنَاتٍ ضُرِبَ وَفْقُهَا) وَهُوَ هُنَا اثْنَانِ (فِي مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ) وَهُوَ هُنَا أَرْبَعَةٌ تَبْلُغُ ثَمَانِيَةً فَلِلزَّوْجِ اثْنَانِ وَلِلْبَنَاتِ سِتَّةٌ (وَإِلَّا) يُوَافِقْ بَلْ بَايَنَ (ضَرَبَ كُلَّ) عَدَدَ رُءُوسِهِمْ (فِيهِ) أَيْ الْمَخْرَجِ الْمَذْكُورِ (كَزَوْجٍ وَخَمْسِ بَنَاتٍ) فَالْمَخْرَجُ هُنَا أَرْبَعَةٌ لِلزَّوْجِ وَاحِدٌ بَقِيَ ثَلَاثَةٌ تُبَايِنُ الْخَمْسَةَ فَاضْرِبْ الْأَرْبَعَةَ فِي الْخَمْسَةِ تَبْلُغُ عِشْرِينَ كَانَ لِلزَّوْجِ وَاحِدٌ اضْرِبْهُ فِي الْمَضْرُوبِ يَكُنْ خَمْسَةً فَهِيَ لَهُ وَالْبَاقِي ثَلَاثَةٌ اضْرِبْهَا فِي الْمَضْرُوبِ تَبْلُغُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَلِكُلِّ بِنْتٍ ثَلَاثَةٌ.   [رد المحتار] وَالْبِنْتِيَّةِ وَالْأُمُومَةِ، وَإِنْ كَانَ فَرْضُ الْجِنْسَيْنِ جِنْسًا وَاحِدًا كَالْجَدَّةِ وَالْأُخْتِ لِأُمِّ اللَّتَيْنِ فَرْضُ كُلٍّ مِنْهُمَا السُّدُسُ أَوْ كَانَ فَرْضُ الِاثْنَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ الْأَجْنَاسِ جِنْسًا وَاحِدًا كَالْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ وَالْأُمِّ إذْ الْبِنْتِيَّةُ سَبَبٌ وَبِنْتِيَّةُ الِابْنِ سَبَبٌ آخَرُ، وَإِنْ شَمِلَهُمَا مُطْلَقُ الْبِنْتِيَّةِ فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَجْنَاسٍ لَا جِنْسَانِ فَقَطْ اهـ ابْنُ الْحَنْبَلِيِّ. (قَوْلُهُ: بِالِاسْتِقْرَاءِ) أَيْ تَتَبُّعُ جُزْئِيَّاتِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ الْمُقَدَّرِ بَعْدَ النَّافِي أَيْ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ بِالِاسْتِقْرَاءِ ط (قَوْلُهُ: فَمِنْ عَدَدِ سِهَامِهِمْ) وَهِيَ أَرْبَعَةٌ لَا غَيْرُ الِاثْنَانِ وَالثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ وَالْخَمْسَةُ وَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ وَكُلُّهَا مُقْتَطِعَةٌ مِنْ سِتَّةٍ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: لَوْ سُدُسَانِ) كَجَدَّةٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ وَلَهُمَا مِنْهَا اثْنَانِ بِالْفَرِيضَةِ، فَاجْعَلْ الِاثْنَيْنِ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ وَاقْسِمْ التَّرِكَةَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَالِ سَيِّدٌ (قَوْلُهُ: لَوْ ثُلُثٌ وَسُدُسٌ) كَوَلَدَيْ الْأُمِّ مَعَ الْأُمِّ فَهِيَ أَيْضًا مِنْ سِتَّةٍ لِوَلَدَيْ الْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، فَاجْعَلْهَا مِنْ ثَلَاثَةٍ عَدَدَ سِهَامِهِمْ وَطَرِيقُهُ أَنْ تَنْظُرَ إلَى مَا فِي الْأَكْثَرِ مِنْ أَمْثَالِ الْأَقَلِّ وَتَضُمَّهُ إلَيْهِ فَفِي الثُّلُثِ سُدُسَانِ فَيَضُمُّهُمَا إلَى سُدُسِ الْأُمِّ اهـ قَاسِمٌ (قَوْلُهُ: لَوْ نِصْفٌ وَسُدُسٌ) كَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ أَوْ بِنْتٍ وَأُمٍّ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا مِنْ سِتَّةٍ، وَمَجْمُوعُ السِّهَامِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ ثَلَاثَةٌ لِلْبِنْتِ وَوَاحِدٌ لِبِنْتِ الِابْنِ أَوْ الْأُمِّ فَاجْعَلْ الْمَسْأَلَةَ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَاقْسِمْ التَّرِكَةَ أَرْبَاعًا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا لِلْبِنْتِ وَرُبُعٌ مِنْهَا لِلْأُمِّ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ اهـ سَيِّدٌ (قَوْلُهُ: كَثُلُثَيْنِ وَسُدُسٍ) كَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ وَإِنَّمَا أَتَى بِالْكَافِ وَلَمْ يَأْتِ بِلَوْ كَمَا فِي سَوَابِقِهِ لِأَنَّ لِلْخَمْسَةِ ثَلَاثَ صُوَرٍ ثَانِيهَا نِصْفٌ وَسُدُسَانِ كَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُمٌّ ثَالِثُهَا نِصْفٌ وَثُلُثٌ كَأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ مَعَ أُمٍّ أَوْ أُخْتَيْنِ لِأُمٍّ فَالْمَسْأَلَةُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ أَيْضًا مِنْ سِتَّةِ وَالسِّهَامُ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْهَا خَمْسَةٌ فَتُجْعَلُ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ وَتُقْسَمُ التَّرِكَةُ أَخْمَاسًا. [تَنْبِيهٌ] الْقِسْمَةُ عَلَى الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ إنْ اسْتَقَامَتْ عَلَى الْوَرَثَةِ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَمَا إذَا خَلَّفَ بِنْتًا وَثَلَاثَ بَنَاتِ ابْنٍ فَلِلْبِنْتِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ تَسْتَقِيمُ عَلَيْهَا وَلِبَنَاتِ الِابْنِ سَهْمٌ وَاحِدٌ، فَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِنَّ فَاضْرِبْ الثَّلَاثَةَ أَعْنِي عَدَدَ رُءُوسِ مَنْ انْكَسَرَ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ، فَيَصِيرُ اثْنَيْ عَشَرَ لِلْبِنْتِ مِنْهَا تِسْعَةٌ وَلِبَنَاتِ الِابْنِ ثَلَاثَةٌ مُنْقَسِمَةٌ عَلَيْهِنَّ سَيِّدٌ (قَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ) أَيْ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ (قَوْلُهُ: وَقَسَمَ الْبَاقِي عَلَى رُءُوسِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ) أَيْ تَقْسِمُ الْبَاقِي مِنْ ذَلِكَ الْمَخْرَجِ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ ذَلِكَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ كَمَا كُنْتَ تَقْسِمُ جَمِيعَ الْمَالِ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ إذَا انْفَرَدُوا عَمَّنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَهِيَ مِنْ أَرْبَعَةٍ) وَأَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِاجْتِمَاعِ الرُّبُعِ وَالثُّلُثَيْنِ فِيهَا وَمِثْلُهَا الْمَسْأَلَتَانِ الْآتِيَتَانِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِمْ) أَيْ الْبَاقِي مِنْ ذَلِكَ الْمَخْرَجِ (قَوْلُهُ: ضَرَبَ وَفْقَهَا) أَيْ وَفْقَ رُءُوسِهِمْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ هُنَا اثْنَانِ) لِأَنَّ عَدَدَ الرُّءُوسِ سِتَّةٌ وَالْبَاقِي مِنْ الْمَخْرَجِ ثَلَاثَةٌ وَالْمُوَافَقَةُ بَيْنَهُمَا بِالثُّلُثِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْمُدَاخَلَةِ هُنَا كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا يُوَافِقْ) أَيْ الْبَاقِي عَدَدَ رُءُوسِهِمْ. (قَوْلُهُ: فَاضْرِبْ الْأَرْبَعَةَ فِي الْخَمْسَةِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 789 (وَ) الرَّابِعُ (لَوْ كَانَ مَعَ الثَّانِي) أَيْ الْجَنِينِ فَقَطْ لَا أَكْثَرُ هُنَا بِحُكْمِ الِاسْتِقْرَاءِ إذْ لَا يُرَدُّ مَعَ أَرْبَعِ طَوَائِفَ أَصْلًا بِالِاسْتِقْرَاءِ وَلَعَلَّ هَذَا نُكْتَةُ اقْتِصَارِهِ فِيمَا مَرَّ مَتْنًا عَلَى الْجَنِينِ وَإِلَّا فَيُرَادُ بِالثَّانِي بَعْضُهُ لَا كُلُّهُ فَتَأَمَّلْ (مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ فَاقْسِمْ الْبَاقِي) مِنْ مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ (عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ) إنْ اسْتَقَامَ (كَزَوْجَةٍ وَأَرْبَعِ جَدَّاتٍ وَسِتِّ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ) فَمَخْرَجُ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ لِلزَّوْجَةِ وَاحِدٌ بَقِيَ ثَلَاثَةٌ تَسْتَقِيمُ عَلَى سَهْمِ الْجَدَّاتِ وَسَهْمَيْ الْأَخَوَاتِ لَكِنَّهُ مُنْكَسِرٌ عَلَى آحَادِ كُلِّ فَرِيقٍ كَمَا سَيَجِيءُ (وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِمْ ضَرَبَ جَمِيعَ مَسْأَلَةِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ فِي مَخْرَجِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ) فَالْمَبْلَغُ الْحَاصِلُ بِهَذَا الضَّرْبِ مَخْرَجُ فُرُوضِ   [رد المحتار] الْمُوَافِقِ لِسَابِقِهِ وَلَاحِقِهِ فَاضْرِبْ الْخَمْسَةَ فِي الْأَرْبَعَةِ ط لِأَنَّ الْمَضْرُوبَ هُوَ عَدَدُ الرُّءُوسِ الْخَمْسَةِ وَالْمَضْرُوبَ فِيهِ هُوَ الْمَخْرَجُ وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ (قَوْلُهُ: وَالرَّابِعُ) أَيْ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ (قَوْلُهُ: هُنَا) أَيْ فِي مَسَائِلِ اجْتِمَاعِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مَعَ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَمَّا عِنْدَ انْفِرَادِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ، فَقَدْ يَكُونُ مِنْ ثَلَاثَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ فِيمَا مَرَّ وَذَلِكَ فِي صُورَةِ اجْتِمَاعِ النِّصْفِ وَالسُّدُسَيْنِ (قَوْلُهُ: إذْ لَا يُرَدُّ مَعَ أَرْبَعِ طَوَائِفَ أَصْلًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَحَدُهَا مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ، أَوْ كَانَتْ الْأَرْبَعَةُ مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ هَذَا) أَيْ عَدَمُ وُجُودِ الرَّدِّ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ جِنْسَيْنِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا اقْتَصَرَ فِي الثَّانِي عَلَى الْجِنْسَيْنِ حَيْثُ قَالَ فِيمَا مَرَّ، وَإِنْ كَانَ جِنْسَيْنِ مَعَ أَنَّهُ يَكُونُ ثَلَاثَةً أَيْضًا لِأَجْلِ أَنْ يَصِحَّ قَوْلُهُ هُنَا: وَلَوْ كَانَ مَعَ الثَّانِي إلَخْ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الثَّلَاثَةُ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْتَصِرْ فِيمَا مَرَّ عَلَى الْجِنْسَيْنِ بِأَنْ ذَكَرَ الثَّلَاثَةَ، كَمَا فَعَلَ فِي الْمُنْتَقَى وَجَبَ أَنْ يُرَادَ هُنَا بِالثَّانِي بَعْضُهُ، وَهُوَ الْجِنْسَانِ لَا كُلُّهُ، وَهُوَ الثَّلَاثَةُ فَاقْتِصَارُهُ فِيمَا مَرَّ عَلَى الْجِنْسَيْنِ لَا لِعَدَمِ تَأَتِّي الثَّلَاثَةِ هُنَاكَ، بَلْ لِعَدَمِ تَأَتِّيهَا هُنَا بِحُكْمِ الِاسْتِقْرَاءِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلسَّيِّدِ وَغَيْرِهِ. أَقُولُ: وَهَذَا صَحِيحٌ لَوْ سَلِمَ الِاسْتِقْرَاءُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، لِأَنَّهُ وَجَدَ مَسْأَلَةً رِدْيَةً اجْتَمَعَ فِيهَا أَرْبَعُ طَوَائِفَ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ أَصْلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ اثْنَا عَشَرَ وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْأُمِّ أَوْ الْجَدَّةِ السُّدُسُ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا بَقِيَ وَاحِدٌ يُرَدُّ عَلَى مَنْ عَدَا الزَّوْجَةِ وَهُمْ ثَلَاثَةُ أَجْنَاسٍ، وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعِينَ كَمَا ذَكَرْتُهُ فِي الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، ثُمَّ رَأَيْته هُنَا فِي حَاشِيَةِ يَعْقُوبَ وَشَرْحِ ابْنِ الْحَنْبَلِيِّ وَقَالَ يَعْقُوبُ: أَنَّهُ مِنْ الشُّبَهِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي تُورَدُ فِي هَذَا الْمَقَامِ اهـ وَعَلَيْهِ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ فِي الثَّانِي الثَّلَاثَةَ، وَيُرَادُ بِهِ فِي كَلَامِهِ هُنَا كُلُّهُ لَا بَعْضُهُ وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَالْبَاقَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَإِنْ اعْتَرَضَهُمْ الشَّارِحُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى، وَحَكَمَ عَلَيْهِمْ بِالسَّهْوِ فَإِنَّهُ لَا سَهْوَ فِي كَلَامِهِمْ بَلْ هُوَ الصَّوَابُ لِمَا عَلِمْت فَتَنَبَّهْ لِهَذَا الْمَقَامِ الَّذِي هُوَ مَزَلَّةُ الْأَقْدَامِ (قَوْلُهُ: إنْ اسْتَقَامَ) أَيْ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى سِهَامِهِمْ، سَوَاءٌ اسْتَقَامَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ أَيْضًا أَمْ لَا فَالثَّانِي مَا مَثَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَوَّلُ كَزَوْجَةٍ وَجَدَّةٍ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ، فَإِنَّ الثَّلَاثَةَ الْبَاقِيَةَ مِنْ مَخْرَجِ فَرْضِ الزَّوْجَةِ تَسْتَقِيمُ عَلَى سَهْمِ الْجَدَّةِ وَسَهْمَيْ الْأُخْتَيْنِ وَعَلَى رُءُوسِهِمْ أَيْضًا (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ مُنْكَسِرٌ عَلَى آحَادِ كُلِّ فَرِيقٍ) أَيْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ لِأَنَّ نَصِيبَ الْجَدَّاتِ الْأَرْبَعِ وَاحِدٌ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِنَّ بَلْ بَيْنَهُمَا مُبَايَنَةٌ فَحَفِظْنَا عَدَدَ رُءُوسِهِنَّ بِأَسْرِهِ. وَكَذَا نَصِيبُ الْأَخَوَاتِ السِّتِّ اثْنَانِ، فَلَا يَسْتَقِيمَانِ عَلَيْهِنَّ، لَكِنْ بَيْنَ عَدَدِ رُءُوسِهِنَّ وَسِهَامِهِنَّ مُوَافَقَةٌ بِالنِّصْفِ فَرَدَدْنَا عَدَدَ رُءُوسِ الْأَخَوَاتِ إلَى نِصْفِهَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ ثُمَّ طَلَبْنَا التَّوَافُقَ بَيْنَ أَعْدَادِ الرُّءُوسِ وَالرُّءُوسِ فَلَمْ نَجِدْهَا فَضَرَبْنَا وَفْقَ رُءُوسِ الْأَخَوَاتِ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ فِي عَدَدِ رُءُوسِ الْجَدَّاتِ وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ فَحَصَلَ اثْنَا عَشَرَ ثُمَّ ضَرَبْنَاهَا فِي الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ مَخْرَجُ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ فَصَارَ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ فَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ كَانَ لِلزَّوْجَةِ وَاحِدٌ ضَرَبْنَاهُ فِي الْمَضْرُوبِ الَّذِي هُوَ اثْنَا عَشَرَ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَأَعْطَيْنَاهُ الزَّوْجَةَ، وَكَانَ لِلْجَدَّاتِ أَيْضًا وَاحِدٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 790 الْفَرِيقَيْنِ كَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَتِسْعِ بَنَاتٍ وَسِتِّ جَدَّاتٍ فَمَخْرَجُ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةٌ لِلزَّوْجَاتِ الثُّمُنُ وَاحِدٌ بَقِيَ سَبْعَةٌ لَا تَسْتَقِيمُ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَهِيَ هُنَا خَمْسَةٌ لِأَنَّ الْفَرْضَيْنِ ثُلُثَانِ وَسُدُسٌ فَاضْرِبْ الْخَمْسَةَ فِي الثَّمَانِيَةِ تَبْلُغُ أَرْبَعِينَ فَهِيَ مَخْرَجُ فُرُوضِ الْفَرِيقَيْنِ (ثُمَّ ضَرَبْتَ سِهَامَ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ) وَهُوَ سَهْمٌ لِلزَّوْجَاتِ (فِي) خَمْسَةٍ (مَسْأَلَةِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ) يَكُنْ خَمْسَةً فَهِيَ حَقُّ الزَّوْجَاتِ الْأَرْبَعِ مِنْ الْأَرْبَعِينَ. وَاضْرِبْ سِهَامَ كُلِّ فَرِيقٍ مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَهِيَ أَرْبَعٌ لِلْبَنَاتِ وَسَهْمٌ لِلْجَدَّاتِ (فِيمَا بَقِيَ) أَيْ فِي السَّبْعَةِ الْبَاقِيَةِ (مِنْ مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ) يَكُنْ لِلْبَنَاتِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ، وَلِلْجَدَّاتِ سَبْعَةٌ فَاسْتَقَامَ فَرْضُ كُلِّ فَرِيقٍ لَكِنَّهُ مُنْكَسِرٌ عَلَى آحَادِ كُلِّ فَرِيقٍ فَصَحِّحْهُ بِالْأُصُولِ السَّبْعَةِ الْآتِيَةِ فِي بَابِ الْمَخَارِجِ تَصِحُّ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعمِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَتَصِحُّ الْأُولَى مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَلَوْلَا خَشْيَةُ الْإِطَالَةِ لَأَوْسَعْت الْكَلَامَ هُنَا. بَابُ تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ (هُوَ كُلُّ قَرِيبٍ لَيْسَ بِذِي سَهْمٍ وَلَا عَصَبَةٍ) فَهُوَ قِسْمٌ ثَالِثٌ حِينَئِذٍ (وَلَا يَرِثُ مَعَ ذِي سَهْمٍ وَلَا عَصَبَةٍ سِوَى الزَّوْجَيْنِ) لِعَدَمِ الرَّدِّ عَلَيْهِمَا (فَيَأْخُذُ الْمُنْفَرِدُ جَمِيعَ الْمَالِ)   [رد المحتار] ضَرَبْنَاهُ فِي ذَلِكَ الْمَضْرُوبِ فَكَانَ اثْنَيْ عَشَرَ، فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثَةٌ وَكَانَ لِلْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ اثْنَانِ فَضَرَبْنَاهُمَا فِيهِ بَلَغَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَرْبَعَةٌ سَيِّدٌ (قَوْلُهُ: الْفَرِيقَيْنِ) أَيْ فَرِيقِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَفَرِيقِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ: كَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ إلَخْ) أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، لِاخْتِلَاطِ الثُّمُنِ بِالثُّلُثَيْنِ وَالسُّدُسِ لَكِنَّهَا رَدِّيَّةٌ فَرَدَدْنَاهَا إلَى أَقَلِّ مَخَارِجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ الثَّمَانِيَةُ سَيِّدٌ (قَوْلُهُ: ثُلُثَانِ وَسُدُسٌ) فَالثُّلُثَانِ فَرْضُ الْبَنَاتِ بِأَرْبَعَةِ أَسْدَاسٍ وَالسُّدُسُ فَرْضُ الْجَدَّاتِ وَالْمَجْمُوعُ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ هِيَ مَسْأَلَةُ الرَّدِّ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ ضَرَبْتَ إلَخْ) هَذَا شُرُوعٌ فِي مَعْرِفَةِ حِصَّةِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ الْوَرَثَةِ مِنْ هَذَا الْمَبْلَغِ ط (قَوْلُهُ: وَاضْرِبْ) الْأَوْلَى وَضَرَبْت بِالْمَاضِي لِيُنَاسِبَ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَاسْتَقَامَ فَرْضُ كُلِّ فَرِيقٍ) أَيْ مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ مُنْكَسِرٌ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ اسْتَقَامَ عَلَى سِهَامِهِمْ لَكِنَّهُ مُنْكَسِرٌ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ زَوْجَةٌ وَسَبْعُ بَنَاتٍ وَسَبْعُ جَدَّاتٍ لَتَمَّ الْعَمَلُ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّصْحِيحِ الْآتِي (قَوْلُهُ: فَصَحَّحَهُ بِالْأُصُولِ السَّبْعَةِ إلَخْ) ثَلَاثَةٌ بَيْنَ سِهَامِ كُلِّ فَرِيقٍ وَرُءُوسِهِمْ وَهِيَ الِانْقِسَامُ، وَالتَّوَافُقُ وَالتَّبَايُنُ وَأَرْبَعَةٌ بَيْنَ الرُّءُوسِ وَبَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ وَهِيَ التَّمَاثُلُ وَالتَّدَاخُلُ وَالتَّوَافُقُ وَالتَّبَايُنُ اهـ ح فَفِي مَسْأَلَتِنَا لِلزَّوْجَاتِ خَمْسَةٌ وَعَدَدُهُنَّ أَرْبَعَةٌ لَا تَصِحُّ عَلَيْهِنَّ، وَلَا تَوَافُقَ، وَلِلْجَدَّاتِ سَبْعَةٌ وَهُنَّ سِتَّةٌ لَا تَصِحُّ عَلَيْهِنَّ، وَلَا تَوَافُقَ، وَلِلْبَنَاتِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَعَدَدُهُنَّ تِسْعَةٌ لَا تَصِحُّ عَلَيْهِنَّ، وَلَا تَوَافُقَ فَاجْتَمَعَ مَعَنَا مِنْ الرُّءُوسِ أَرْبَعَةٌ وَسِتَّةٌ وَتِسْعَةٌ وَبَيْنَ الْأَرْبَعَةِ وَالسِّتَّةِ مُوَافَقَةٌ بِالنِّصْفِ، فَتَضْرِبُ نِصْفَ أَحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الْآخَرِ تَبْلُغُ اثْنَيْ عَشَرَ وَبَيْنَ اثْنَيْ عَشَرَ وَالتِّسْعَةِ مُوَافَقَةٌ بِالثُّلُثِ، فَتَضْرِبُ ثُلُثَ أَحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الْآخَرِ يَبْلُغُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ وَهِيَ جُزْءُ السَّهْمِ، فَتَضْرِبُهُ فِي الْأَرْبَعِينَ يَبْلُغُ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِنْهَا تَصِحُّ كُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْبَعِينَ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي جُزْءِ السَّهْمِ يَخْرُجُ نَصِيبُهُ لِلزَّوْجَاتِ خَمْسَةٌ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ بِمِائَةٍ وَثَمَانِينَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَلِلْجَدَّاتِ سَبْعَةٌ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ بِمِائَتَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ وَلِلْبَنَاتِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ تَبْلُغُ أَلْفًا وَثَمَانِيَةً لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِائَةٌ وَاثْنَا عَشَرَ اهـ سَكْبُ الْأَنْهُرِ (قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ الْأُولَى مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ) قَدَّمْنَا تَصْحِيحَهَا مِنْهَا مُوَضَّحًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ] ِ (قَوْلُهُ: هُوَ كُلُّ قَرِيبٍ إلَخْ) أَيْ اصْطِلَاحًا أَمَّا لُغَةً فَهُوَ بِمَعْنَى ذِي الْقَرَابَةِ مُطْلَقًا سَيِّدٌ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَا سَهْمٍ أَوْ عَصَبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَوْ سَوَاءٌ انْتَمَى إلَيْهِ الْمَيِّتُ، أَوْ انْتَمَى إلَى الْمَيِّتِ أَوْ إلَى أُصُولِهِ (قَوْلُهُ: فَيَأْخُذُ الْمُنْفَرِدُ) أَيْ الْوَاحِدُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 791 بِالْقَرَابَةِ (وَيَحْجُبُ أَقْرَبُهُمْ الْأَبْعَدَ) كَتَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ فَهُمْ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ جُزْءُ الْمَيِّتِ، ثُمَّ أَصْلُهُ ثُمَّ جُزْءُ أَبَوَيْهِ ثُمَّ جُزْءُ جَدَّيْهِ أَوْ جَدَّتَيْهِ (وَ) حِينَئِذٍ (يُقَدَّمُ) جُزْءُ الْمَيِّتِ وَهُمْ (أَوْلَادُ الْبَنَاتِ وَأَوْلَادُ بَنَاتِ الِابْنِ) وَإِنْ سَفَلُوا: بِهَذِهِ الصُّورَةِ: بِنْتُ بِنْتِ بِنْتِ بِنْتِ بِنْتِ ابْنِ بِنْتِ ابْنِ بِنْتِ ابْنِي بِنْتِ بِنْتِي 6 - 6 - 16 بِهَذِهِ الصُّورَةِ: بِنْتُ بِنْتِ بِنْتِ بِنْتِ ابْنِ بِنْتِ بِنْتِي ابْنِ 22 - 6   [رد المحتار] مِنْهُمْ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ كَانَ جَمِيعَ الْمَالِ أَيْ أَوْ مَا بَقِيَ بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ (قَوْلُهُ: بِالْقَرَابَةِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ تَوْرِيثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَنَا بِاعْتِبَارِ الْقَرَابَةِ كَالتَّعْصِيبِ، فَيُقَدَّمُ الْأَقْوَى قَرَابَةً إمَّا بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ، أَوْ بِقُوَّةِ السَّبَبِ وَيَأْخُذُ الْمُنْفَرِدُ الْكُلَّ، وَلِذَا سَمَّى عُلَمَاؤُنَا أَهْلَ الْقَرَابَةِ وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى تَنْزِيلِ الْمُدْلِي مَنْزِلَةَ الْمُدْلَى بِهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَيُسَمَّوْنَ أَهْلَ التَّنْزِيلِ وَقَوْمٌ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ بِلَا تَنْزِيلٍ، وَيُسَمَّوْنَ أَهْلَ الرَّحِمِ وَبَيَانُهُ مَعَ ثَمَرَةِ الْخِلَافِ فِي شَرْحِ السَّيِّدِ (قَوْلُهُ: وَيَحْجُبُ أَقْرَبُهُمْ الْأَبْعَدَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ صِنْفًا عِنْدَ اجْتِمَاعِ أَصْنَافِهِمْ، أَوْ كَانَ وَاحِدًا مِنْ مِنْ صِنْفٍ عِنْدَ اجْتِمَاعِ عَدَدٍ مِنْهُ أَفَادَهُ قَاسِمٌ. فَالْأَوَّلُ: إشَارَةٌ إلَى التَّرْجِيحِ بِالْجِهَةِ وَالثَّانِي: إلَى التَّرْجِيحِ بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ وَالْقُوَّةِ وَلَوْ أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَيُقَدَّمُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ إلَخْ لَكَانَ ذَلِكَ عَلَى تَرْتِيبِ التَّرْجِيحِ بِالْجِهَاتِ الثَّلَاثِ كَمَا مَرَّ فِي الْعَصَبَاتِ وَهُوَ اعْتِبَارُ التَّرْجِيحِ بِالْجِهَةِ ثُمَّ بِالْقُرْبِ ثُمَّ بِالْقُوَّةِ وَهَذَا الثَّالِثُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ الْآتِي قُدِّمَ وَلَدُ الْوَارِثِ (قَوْلُهُ: كَتَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ) فَلَا يَرِثُ أَحَدٌ مِنْ الصِّنْفِ الثَّانِي وَإِنْ قَرُبَ وَهُنَاكَ أَحَدٌ مِنْ الصِّنْفِ الْأَوَّلِ وَإِنْ بَعُدَ وَكَذَا الثَّالِثُ مَعَ الثَّانِي وَالرَّابِعُ مَعَ الثَّالِثِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى دُرُّ مُنْتَقَى (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَصْلُهُ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَعَنْ الْإِمَامِ تَقْدِيمُهُ عَلَى الصِّنْفِ الْأَوَّلِ، لَكِنْ صَحَّ رُجُوعُهُ عَنْهُ قَاسِمٌ، وَمَشَى فِي الِاخْتِيَارِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَرْجُوعِ عَنْهَا، وَلِذَا قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى فَمَا قَدَّمَهُ فِي الِاخْتِيَارِ لَيْسَ بِالْمُخْتَارِ اهـ. قُلْت: عَلَى أَنَّهُ قَدْ مَشَى بَعْدَهُ عَلَى خِلَافِهِ (قَوْلُهُ: يُقَدَّمُ جُزْءُ الْمَيِّتِ إلَخْ) هَذَا هُوَ الصِّنْفُ الْأَوَّلُ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي هَذَا الصِّنْفِ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَفَاوَتُوا فِي الدَّرَجَةِ أَوْ لَا فَإِنْ تَفَاوَتُوا قُدِّمَ أَقْرَبُهُمْ، وَلَوْ أُنْثَى كَبِنْتِ بِنْتٍ وَابْنِ بِنْتِ بِنْتٍ وَإِلَّا فَإِمَّا بَعْضُهُمْ وَلَدُ وَارِثٍ دُونَ الْبَعْضِ، أَوْ كُلُّهُمْ وَلَدُ وَارِثٍ أَوْ كُلُّهُمْ وَلَدُ غَيْرِهِ فَفِي الْأَوَّلِ قُدِّمَ وَلَدُ الْوَارِثِ اتِّفَاقًا كَبِنْتِ بِنْتِ ابْنٍ تُقَدَّمُ عَلَى ابْنِ بِنْتِ بِنْتٍ وَفِي الْأَخِيرِينَ إمَّا أَنْ تَتَّفِقَ صِفَةُ الْأُصُولِ فِي الذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ أَوْ تَخْتَلِفُ، فَإِنْ اتَّفَقَتْ فَالْقِسْمَةُ عَلَى أَبْدَانِ الْفُرُوعِ اتِّفَاقًا بِالسَّوِيَّةِ إنْ كَانُوا ذُكُورًا فَقَطْ أَوْ إنَاثًا فَقَطْ كَابْنِ بِنْتِ ابْنٍ مَعَ مِثْلِهِ أَيْ مَعَ ابْنِ بِنْتِ ابْنٍ آخَرَ وَكَبِنْتِ بِنْتِ بِنْتٍ مَعَ مِثْلِهَا وَلِلذَّكَرِ كَالْأُنْثَيَيْنِ إنْ كَانُوا مُخْتَلِطِينَ كَابْنِ بِنْتٍ وَبِنْتِ بِنْتٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صِفَةُ الْأُصُولِ فِي بَطْنٍ أَوْ أَكْثَرَ فَإِمَّا أَنْ تَتَوَحَّدَ الْفُرُوعُ بِأَنْ يَكُونَ لِكُلِّ أَصْلٍ فَرْعٌ وَاحِدٌ وَإِمَّا أَنْ تَتَعَدَّدَ، وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْفُرُوعِ ذُو جِهَتَيْنِ أَوْ لَا، فَإِنْ تَوَحَّدَتْ وَلَيْسَ فِيهِمْ ذُو جِهَتَيْنِ كَبِنْتِ ابْنِ بِنْتٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 792 (ثُمَّ) أَصْلُهُ وَهُمْ (الْجَدُّ الْفَاسِدُ وَالْجَدَّاتُ الْفَاسِدَاتُ) وَإِنْ عَلَوْا   [رد المحتار] وَابْنِ بِنْتِ بِنْتٍ فَأَبُو يُوسُفَ قَسَمَ الْمَالَ عَلَى أَبْدَانِ الْفُرُوعِ هُنَا أَيْضًا فَثُلُثُهُ لِلْأُنْثَى وَثُلُثَاهُ لِلذَّكَرِ، وَمُحَمَّدٌ يَقْسِمُ عَلَى أَعْلَى بَطْنٍ اخْتَلَفَ وَهُوَ الْبَطْنُ الثَّانِي هُنَا وَيَجْعَلُ مَا أَصَابَ كُلَّ أَصْلٍ لِفَرْعِهِ، إنْ لَمْ يَقَعْ بَعْدَهُ اخْتِلَافٌ كَمَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ، وَحِينَئِذٍ فَثُلُثَاهُ لِلْأُنْثَى نَصِيبُ أَبِيهَا وَثُلُثُهُ لِلذَّكَرِ نَصِيبُ أُمِّهِ عَكْسُ مَا قَسَمَهُ أَبُو يُوسُفَ. أَمَّا إذَا وَقَعَ بَعْدَهُ اخْتِلَافٌ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِي بَطْنٍ آخَرَ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا بَعْدَ مَا قَسَمَ عَلَى أَعْلَى بَطْنٍ اخْتَلَفَ جَعَلَ الذُّكُورَ طَائِفَةً، وَالْإِنَاثَ طَائِفَةً، وَقَسَمَ نَصِيبَ كُلِّ طَائِفَةٍ عَلَى أَعْلَى بَطْنٍ اخْتَلَفَ مِنْهُمْ هَكَذَا كَمَا سَيَظْهَرُ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ فُرُوعُ الْأُصُولِ الْمُخْتَلِفِينَ كُلُّهُمْ، أَوْ بَعْضُهُمْ وَلَيْسَ فِيهِمْ ذُو جِهَتَيْنِ أَيْضًا وَذَلِكَ كَابْنَيْ بِنْتِ بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنِ بِنْتِ وَبِنْتَيْ بِنْتِ ابْنِ بِنْتٍ، فَأَبُو يُوسُفَ جَرَى عَلَى أَصْلِهِ مِنْ الْقِسْمَةِ عَلَى أَبْدَانِ الْفُرُوعِ، فَيَقْسِمُ الْمَالَ عَلَيْهِمْ أَسْبَاعًا وَمُحَمَّدٌ يَجْعَلُ الْأَصْلَ مَوْصُوفًا بِصِفَتِهِ مُتَعَدِّدًا بِعَدَدِ فُرُوعِهِ فَيَقْسِمُ عَلَى أَعْلَى الْخِلَافِ أَعْنِي فِي الْبَطْنِ الثَّانِي أَسْبَاعًا لِأَنَّ الْبِنْتَ الْأُولَى فِي الْبَطْنِ الثَّانِي كَبِنْتَيْنِ لِتَعَدُّدِ فَرْعِهَا، لِأَنَّ فَرْعَهَا الْأَخِيرَ ابْنَانِ، وَالْبِنْتُ الثَّانِي فِيهِ عَلَى حَالِهَا لِعَدَمِ تَعَدُّدِ فَرْعِهَا، وَالِابْنُ فِيهِ كَابْنَيْنِ لِتَعَدُّدِ فَرْعِهِ الْأَخِيرِ فَهُوَ كَأَرْبَعِ بَنَاتٍ، فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَسْبَاعٍ وَلِلْبِنْتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ. ثُمَّ جَعَلْنَا الذُّكُورَ طَائِفَةً وَالْإِنَاثَ طَائِفَةً أُخْرَى، فَأَعْطَيْنَا أَرْبَعَةَ أَسْبَاعِ الِابْنِ لِبِنْتَيْ بِنْتِهِ وَثَلَاثَةَ أَسْبَاعِ الْبِنْتَيْنِ لِوَلَدَيْهِمَا، وَهُمَا الْبِنْتُ وَالِابْنُ فِي الْبَطْنِ الثَّالِثِ سَوِيَّةً بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْبِنْتَ كَبِنْتَيْنِ تَعَدُّدِ فَرْعِهَا، فَقَدْ سَاوَتْ الِابْنَ وَصَارَتْ مَعَهُ كَأَرْبَعَةِ رُءُوسٍ وَقِسْمَةُ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَرْبَعَةٍ لَا تَصِحُّ وَتُبَايِنُ، فَتَضْرِبُ الْأَرْبَعَةَ عَدَدَ الرُّءُوسِ فِي السَّبْعَةِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ يَحْصُلُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ، وَقَدْ كَانَ لِبِنْتَيْ بِنْتِ ابْنِ الْبِنْتِ أَرْبَعَةٌ، فَتَضْرِبُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ يَحْصُلُ سِتَّةَ عَشَرَ، فَهِيَ لَهُمَا وَتَضْرِبُ الثَّلَاثَةَ الَّتِي لِلْبِنْتَيْنِ فِي الْبَطْنِ الثَّانِي فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا يَحْصُلُ اثْنَا عَشَرَةَ تَقْسِمُهَا بَيْنَ الْبِنْتِ، وَالِابْنِ فِي الْبَطْنِ الثَّالِثِ سَوِيَّةً بَيْنَهُمَا لِمَا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ لِلْبِنْتِ سِتَّةٌ تُدْفَعُ لِابْنَيْهَا وَلِلِابْنِ سِتَّةٌ تُدْفَعُ لِبِنْتِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْفُرُوعِ ذُو جِهَتَيْنِ كَبِنْتَيْ بِنْتِ بِنْتٍ هُمَا أَيْضًا بِنْتَا ابْنِ بِنْتٍ وَمَعَهَا ابْنُ بِنْتِ بِنْتٍ أُخْرَى فَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ الْجِهَاتِ فِي أَبْدَانِ الْفُرُوعِ، فَجَعَلَ الْبِنْتَيْنِ كَأَرْبَعِ بَنَاتٍ بِنْتَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ وَبِنْتَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، فَيَكُونُ لَهُمَا الثُّلُثَانِ وَلِلِابْنِ الثُّلُثُ، وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ الْجِهَاتِ فِي أَعْلَى الْخِلَافِ مَعَ أَخْذِهِ الْعَدَدَ مِنْ الْفُرُوعِ كَمَا مَرَّ، فَيَقْسِمُ عَلَى الْبَطْنِ الثَّانِي، وَفِيهِ ابْنٌ مِثْلُ ابْنَيْنِ وَبِنْتَانِ أَحَدُهُمَا كَبِنْتَيْنِ، فَصَارَ الْمَجْمُوعُ كَسَبْعِ بَنَاتٍ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ عَدَدِ رُءُوسِهِنَّ فَلِلِابْنِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ لِأَنَّهُ كَابْنَيْنِ لِتَعَدُّدِ فَرْعِهِ فَيَصِيرُ كَأَرْبَعِ بَنَاتٍ وَلِلْبِنْتِ الَّتِي فِي فَرْعِهَا تَعَدُّدٌ سَهْمَانِ وَلِلْأُخْرَى سَهْمٌ وَاحِدٌ، فَإِذَا جَعَلْنَا الذُّكُورَ فِي هَذَا الْبَطْنِ طَائِفَةً وَالْإِنَاثَ طَائِفَةً وَدَفَعْنَا نَصِيبَ الِابْنِ إلَى الْبِنْتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي الْبَطْنِ الثَّالِثِ أَصَابَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا سَهْمَانِ. وَإِذَا دَفَعْنَا نَصِيبَ طَائِفَةِ الْإِنَاثِ إلَى مَنْ بِإِزَائِهِنَّ فِي الْبَطْنِ الثَّالِثِ لَمْ يَنْقَسِمْ عَلَيْهِنَّ، لِأَنَّ نَصِيبَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ وَمَنْ بِإِزَائِهِنَّ ابْنٌ وَبِنْتَانِ فَالْمَجْمُوعُ كَأَرْبَعِ بَنَاتٍ، وَبَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ مُبَايَنَةٌ فَضَرَبْنَا الْأَرْبَعَةَ الَّتِي هِيَ عَدَدُ الرُّءُوسِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ سَبْعَةٌ صَارَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ كَانَ لِابْنِ الْبِنْتِ فِي الْبَطْنِ الثَّانِي أَرْبَعَةٌ فَإِذَا ضَرَبْنَاهَا فِي الْمَضْرُوبِ الَّذِي هُوَ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا بَلَغَ سِتَّةَ عَشَرَ، فَأَعْطَيْنَا كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ بِنْتَيْهِ ثَمَانِيَةً، وَكَانَ لِلْبِنْتَيْنِ فِي الْبَطْنِ الثَّانِي ثَلَاثَةٌ فَإِذَا ضَرَبْنَاهَا فِي ذَلِكَ الْمَضْرُوبِ حَصَلَ اثْنَا عَشَرَ، فَدَفَعْنَا إلَى ابْنِ بِنْتِ الْبِنْتِ سِتَّةً وَإِلَى بِنْتَيْ بِنْتِ الْبِنْتِ سِتَّةً فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةٌ، فَصَارَ نَصِيبُ كُلِّ بِنْتٍ فِي الْبَطْنِ الْأَخِيرِ أَحَدَ عَشَرَ ثَمَانِيَةٌ مِنْ جِهَةِ أَبِيهَا وَثَلَاثَةٌ مِنْ جِهَةِ أُمِّهَا وَقَدْ تَحَصَّلَ مِنْ مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْأُصُولَ بِصِفَاتِهِمْ وَيَأْخُذُ فِيهِمْ عَدَدَ الْفُرُوعِ وَجِهَاتِهِمْ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي شُرُوحِ السِّرَاجِيَّةِ وَغَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَصْلُهُ وَهُمْ الْجَدُّ الْفَاسِدُ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْجَدِّ الْجِنْسُ فَيَعُمُّ الْمُتَعَدِّدَ وَهَذَا شُرُوعٌ فِي الصِّنْفِ الثَّانِي، وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّهُ إمَّا أَنْ تَتَفَاوَتَ دَرَجَاتُهُمْ أَوْ لَا، فَإِنْ تَفَاوَتَتْ كَأُمِّ أَبِي أُمٍّ وَأَبِي أَبِي أُمِّ أُمٍّ قُدِّمَ الْأَقْرَبُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 793 (ثُمَّ) جُزْءُ أَبَوَيْهِ وَهُمْ (أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ وَأَوْلَادُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ وَإِنْ نَزَلُوا ويُقَدَّمُ الْجَدُّ عَلَيْهِمْ خِلَافًا لَهُمَا بِهَذِهِ الصُّورَةِ: أَخٌ لِأَبٍ أُخْتٌ لِأَبٍ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ أُخْتٌ لِأُمٍّ بِنْتُ ابْنٍ بِنْتُ ابْنٍ ابْنُ بِنْتِي بِنْتٍ 2 - 18 - 4   [رد المحتار] جِهَةِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ، وَلَوْ أُنْثَى مُدْلِيَةً بِغَيْرِ وَارِثٍ وَالْأَبْعَدُ ذَكَرًا مُدْلِيًا بِوَارِثٍ وَإِنْ اسْتَوَتْ دَرَجَاتُهُمْ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ مُدْلِيًا بِوَارِثٍ أَوْ كُلُّهُمْ أَوْ لَا وَلَا فَفِي الْأَوَّلِ قِيلَ يُقَدَّمُ الْمُدْلِي بِوَارِثٍ كَمَا فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ فَأَبُو أُمِّ الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ أَبِي أَبِي الْأُمِّ لِإِدْلَاءِ الْأَوَّلِ بِالْجَدَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَالثَّانِي بِالْجَدِّ الْفَاسِدِ وَقِيلَ هُمَا سَوَاءٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَسَكْبِ الْأَنْهُرِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي رَوْحِ الشُّرُوحِ أَنَّ الرِّوَايَاتِ شَاهِدَةٌ عَلَيْهِ وَفِي الْأَخِيرَيْنِ كَأَبِي أُمِّ أَبٍ وَأَبِي أُمِّ أُمٍّ وَكَأَبِي أَبِي أُمٍّ وَأُمِّ أَبِي أُمٍّ فَإِمَّا أَنْ تَخْتَلِفَ قَرَابَتُهُمْ أَيْ بَعْضُهُمْ مِنْ جَانِبِ الْأَبِ وَبَعْضُهُمْ مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ كَالْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَإِمَّا أَنْ تَتَّحِدَ كَالْمِثَالِ الثَّانِي فَإِنْ اخْتَلَفَتْ قَرَابَتُهُمْ، فَالثُّلُثَانِ لِقَرَابَةِ الْأَبِ وَالثُّلُثُ لِقَرَابَةِ الْأُمِّ كَأَنَّهُ مَاتَ عَنْ أَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ مَا أَصَابَ قَرَابَةَ الْأَبِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ وَقَعَ فِيهِ الْخِلَافُ. وَكَذَا مَا أَصَابَ قَرَابَةَ الْأُمِّ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِمْ بَطْنٌ فَالْقِسْمَةُ عَلَى أَبْدَانِ كُلِّ صِنْفٍ وَإِنْ اتَّحَدَتْ قَرَابَتُهُمْ: أَيْ كُلُّهُمْ مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ أَوْ الْأَبِ فَإِمَّا أَنْ تَتَّفِقَ صِفَةُ مَنْ أَدْلَوْا بِهِ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ أَوْ تَخْتَلِفُ، فَإِنْ اتَّفَقَتْ الصِّفَةُ اعْتَبَرَ أَبْدَانَهُمْ، وَتَسَاوَوْا فِي الْقِسْمَةِ لَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا وَإِلَّا فَلِلذَّكَرِ كَالْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الصِّفَةُ فَالْقِسْمَةُ عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ اخْتَلَفَ لِلذَّكَرِ ضِعْفُ الْأُنْثَى ثُمَّ تُجْعَلُ الذُّكُورُ طَائِفَةً وَالْإِنَاثُ طَائِفَةً عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَرَّرَ فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ اتِّفَاقًا وَقَدْ اعْتَبَرَ أَبُو يُوسُفَ هُنَا اخْتِلَافَ الْبُطُونِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرْهُ فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ وَالْفَرْقُ لَهُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ جُزْءُ أَبَوَيْهِ وَهُمْ أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ إلَخْ) الْأَوْلَادُ يَشْمَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ وَهَذَا شُرُوعٌ فِي الصِّنْفِ الثَّالِثِ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ كَمَا فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّهُمْ إمَّا أَنْ يَتَفَاوَتُوا فِي الدَّرَجَةِ أَوْ لَا فَإِنْ تَفَاوَتُوا قُدِّمَ الْأَقْرَبُ وَلَوْ أُنْثَى كَبِنْتِ أُخْتٍ وَابْنِ بِنْتِ أَخٍ، وَإِلَّا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ وَلَدَ وَارِثٍ أَوْ كُلُّهُمْ أَوْ لَا وَلَا وَالْمُرَادُ بِالْوَارِثِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الْعَصَبَةَ فَفِي الْأَوَّلِ قُدِّمَ وَلَدُ الْوَارِثِ كَبِنْتِ ابْنِ أَخٍ وَابْنِ بِنْتِ أُخْتٍ كِلَاهُمَا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ وَفِي الْأَخِيرَيْنِ: أَيْ مَا إذَا كَانَ كُلُّهُمْ أَوْلَادَ وَارِثٍ هُوَ عَصَبَةٌ كَبِنْتَيْ ابْنَيْ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ ذُو فَرْضٍ كَبَنَاتِ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ أَوْ أَوْلَادِ وَارِثَيْنِ أَحَدُهُمَا: عَصَبَةٌ وَالْآخَرُ: ذُو فَرْضٍ كَبِنْتِ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، وَبِنْتِ أَخٍ لِأُمٍّ وَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ وَلَدُ وَارِثٍ كَبِنْتِ ابْنِ أَخٍ وَابْنِ بِنْتِ أُخْتٍ كِلَاهُمَا لِأُمٍّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ الْأَقْوَى فِي هَذِهِ الصُّوَرِ ثُمَّ يُقْسَمُ عَلَى الْأَبْدَانِ لِلذَّكَرِ ضِعْفُ مَا لِلْأُنْثَى فَمَنْ كَانَ أَصْلُهُ أَخًا لِأَبَوَيْنِ أَوْلَى مِمَّنْ كَانَ أَصْلُهُ أَخًا لِأَبٍ فَقَطْ أَوْ لِأُمٍّ فَقَطْ وَمَنْ لِأَبٍ أَوْلَى مِمَّنْ لِأُمٍّ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَقْسِمُ الْمَالَ عَلَى الْأُصُولِ أَيْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مَعَ اعْتِبَارِ عَدَدِ الْفُرُوعِ وَالْجِهَاتِ فِي الْأُصُولِ، فَمَا أَصَابَ كُلَّ فَرِيقٍ يُقْسَمُ بَيْنَ فُرُوعِهِمْ كَمَا فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ فَلَوْ تَرَكَ ابْنَ بِنْتِ أَخٍ لِأَبٍ وَبِنْتَيْ ابْنِ أُخْتٍ لِأَبٍ هُمَا أَيْضًا بِنْتَا بِنْتِ أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ وَتَرَكَ أَيْضًا بِنْتَ ابْنِ أُخْتٍ لِأُمٍّ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْمَالُ كُلُّهُ لِبِنْتَيْ بِنْتِ الْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ لِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْسَمُ عَلَى الْأُصُولِ كَمَا قُلْنَا فَأَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ سُدُسُهَا وَاحِدٌ لِلْأُخْتِ لِأُمٍّ وَثُلُثَاهَا أَرْبَعَةٌ لِلْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ لِأَنَّهَا كَأُخْتَيْنِ لِتَعَدُّدِ فَرْعِهَا وَالْبَاقِي وَهُوَ وَاحِدٌ لِلْأَخِ وَالْأُخْتِ لِأَبٍ لِلذَّكَرِ ضِعْفُ الْأُنْثَى بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ ثُمَّ هَذِهِ الْأُخْتُ لِأَبٍ كَأُخْتَيْنِ لِتَعَدُّدٍ فَرْعِهَا فَهِيَ مَعَ الْأَخِ لِأَبٍ كَأَرْبَعَةِ رُءُوسٍ وَقِسْمَةُ الْوَاحِدِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ لَا تَصِحُّ وَتُبَايِنُ فَتَضْرِبُ الْأَرْبَعَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 794 (ثُمَّ) جُزْءُ جَدَّيْهِ أَوْ جَدَّتَيْهِ وَهُمْ (الْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ وَالْأَعْمَامُ لِأُمٍّ وَالْعَمَّاتُ وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَأَوْلَادُ هَؤُلَاءِ   [رد المحتار] فِي السِّتَّةِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ فَكُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي الْأَرْبَعَةِ وَقَدْ كَانَ لِلْأُخْتِ لِأُمٍّ وَاحِدٌ يُضْرَبُ فِي أَرْبَعَةٍ يَخْرُجُ أَرْبَعَةٌ تُدْفَعُ لِبِنْتِ ابْنِهَا وَلِلْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ أَرْبَعَةٌ تُضْرَبُ فِي أَرْبَعَةٍ يَخْرُجُ سِتَّةَ عَشَرَ تُدْفَعُ لِبِنْتَيْ بِنْتِهَا وَلِلْأَخِ وَالْأُخْتِ لِأَبٍ وَاحِدٌ يُضْرَبُ فِي أَرْبَعَةٍ يَخْرُجُ أَرْبَعَةٌ تُقْسَمُ مُنَاصَفَةً بَيْنَ ابْنِ بِنْتِ الْأَخِ وَبِنْتَيْ ابْنِ الْأُخْتِ، فَصَارَ نَصِيبُ الْبِنْتَيْنِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ هَذَا. وَاعْلَمْ أَنَّ السَّيِّدَ الشَّرِيفَ قُدِّسَ سِرُّهُ قَدْ ذَكَرَ هَذَا الْمِثَالَ عَنْ بَعْضِ الشَّارِحِينَ، وَأَقَرَّهُ وَمُقْتَضَاهُ عَلَى هَذَا التَّقْسِيمِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ الْبُطُونِ فِي هَذَا الصِّنْفِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَظَاهِرُ قَوْلِ السِّرَاجِيَّةِ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمْ كَالْحُكْمِ فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ وَكَذَا قَوْلُهُ: مَا أَصَابَ كُلَّ فَرِيقٍ يُقْسَمُ بَيْنَ فُرُوعِهِمْ كَمَا فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْسَمُ عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ اخْتَلَفَ كَمَا فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ وَكَمَا فِي الصِّنْفِ الثَّانِي أَيْضًا وَكَمَا فِي أَوْلَادِ الصِّنْفِ الرَّابِعِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: ثُمَّ جُزْءُ جَدَّيْهِ أَوْ جَدَّتَيْهِ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْجَدَّيْنِ أَبُو الْأَبِ وَأَبُو الْأُمِّ وَبِالْجَدَّتَيْنِ أُمُّ الْأَبِ وَأُمُّ الْأُمِّ وَهَذَا شُرُوعٌ فِي الصِّنْفِ الرَّابِعِ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى هُنَا تَفَاوُتُ الدَّرَجَةِ إلَّا فِي أَوْلَادِهِمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ، وَحِينَئِذٍ فَإِمَّا أَنْ يَتَّحِدَ حَيِّزُ قَرَابَتِهِمْ أَوْ لَا، فَإِنْ اتَّحَدَ بِأَنْ كَانُوا مِنْ جِهَةِ أَبِي الْمَيِّتِ أَوْ أُمِّهِ قُدِّمَ الْأَقْوَى وَلَوْ أُنْثَى إجْمَاعًا أَيْ قُدِّمَ مَنْ لِأَبَوَيْنِ عَلَى مَنْ لِأَبٍ وَمَنْ لِأَبٍ عَلَى مَنْ لِأُمٍّ وَيُقْسَمُ عَلَى الْأَبْدَانِ اتِّفَاقًا لِاتِّفَاقِ الْأُصُولِ حِينَئِذٍ، وَيُعْطَى لِلذَّكَرِ ضِعْفُ الْأُنْثَى كَعَمٍّ وَعَمَّةٍ كِلَاهُمَا لِأُمٍّ أَوْ خَالٍ وَخَالَةٍ كِلَاهُمَا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ وَإِنْ اخْتَلَفَ حَيِّزُ قَرَابَتِهِمْ بِأَنْ كَانَ قَرَابَةُ بَعْضِهِمْ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَبَعْضِهِمْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَلِقَرَابَةِ الْأَبِ الثُّلُثَانِ وَلِقَرَابَةِ الْأُمِّ الثُّلُثُ وَلَا يُقَدَّمُ الْأَقْوَى فِي جِهَةٍ عَلَى غَيْرِهِ فِي جِهَةٍ أُخْرَى. وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ أَقْوَى كُلِّ جِهَةٍ عَلَى غَيْرِهِ فِيهَا فَلَا تُقَدَّمُ الْعَمَّةُ الشَّقِيقَةُ عَلَى الْخَالَةِ لِأُمٍّ بَلْ تُقَدَّمُ عَلَى الْعَمَّةِ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ وَلَا يُقَدَّمُ الْخَالُ الشَّقِيقُ عَلَى الْعَمَّةِ لِأُمٍّ بَلْ يُقَدَّمُ عَلَى الْخَالِ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ وَيُقْسَمُ حَظُّ كُلِّ جِهَةٍ عَلَى أَبْدَانِهِمْ وَيُعْطَى لِلذَّكَرِ ضِعْفُ الْأُنْثَى، فَلَوْ مَاتَ عَنْ عَشْرِ عَمَّاتٍ وَخَالٍ وَخَالَةٍ فَالثُّلُثَانِ لِلْعَمَّاتِ عَلَى عَشَرَةٍ بِالسَّوِيَّةِ وَالثُّلُثُ لِلْخَالِ وَالْخَالَةِ أَثْلَاثًا (قَوْلُهُ: وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْأَعْمَامَ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ. (قَوْلُهُ: وَأَوْلَادُ هَؤُلَاءِ) أَيْ أَوْلَادُ هَذَا الصِّنْفِ الرَّابِعِ عِنْدَ عَدَمِ أُصُولِهَا وَخَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ لِأَوْلَادِهِمْ بِخِلَافِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ، وَالْأَخَوَاتِ وَكَذَا الْجَدَّاتُ وَالْأَجْدَادُ لِتَنَاوُلِهِمْ مَنْ يَكُونُ بِوَاسِطَةٍ وَغَيْرِهَا ثُمَّ حُكْمُ هَؤُلَاءِ كَالْحُكْمِ فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَفَاوَتُوا فِي الدَّرَجَةِ أَوْ لَا فَإِنْ تَفَاوَتُوا دَرَجَةً قُدِّمَ أَقْرَبُهُمْ عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ فَأَوْلَادُ الْعَمَّةِ أَوْلَى مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِ الْعَمَّةِ أَوْ الْخَالَةِ وَأَوْلَادُ الْخَالَةِ أَوْلَى مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِ الْخَالَةِ أَوْ الْعَمَّةِ، وَإِنْ اسْتَوَوْا فَإِمَّا أَنْ يَتَّحِدَ حَيِّزُ قَرَابَتِهِمْ أَوْ لَا فَإِنْ اتَّحَدَ حَيِّزُ قَرَابَتِهِمْ بِأَنْ تَكُونَ قَرَابَةُ الْكُلِّ مِنْ جَانِبِ أَبِي الْمَيِّتِ أَوْ جَانِبِ أُمِّهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّهُمْ وَلَدَ عَصَبَةٍ أَوْ وَلَدَ رَحِمٍ أَوْ بَعْضُهُمْ وَلَدَ عَصَبَةٍ فَفِي الْأَوَّلَيْنِ كَأَوْلَادِ أَعْمَامٍ لِغَيْرِ أُمٍّ وَكَأَوْلَادِ عَمَّاتٍ قُدِّمَ الْأَقْوَى قَرَابَةً بِالْإِجْمَاعِ فَمَنْ أَصْلُهُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَوْلَى مِمَّنْ لِأَبٍ وَمَنْ لِأَبٍ أَوْلَى مِمَّنْ لِأُمٍّ لِأَنَّهُ عِنْدَ اتِّحَادِ السَّبَبِ يُجْعَلُ الْأَقْوَى سَبَبًا فِي مَعْنَى الْأَقْرَبِ دَرَجَةً فَيَكُونُ أَوْلَى وَفِي الْأَخِيرِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ وَلَدَ عَصَبَةٍ وَبَعْضُهُمْ وَلَدَ رَحِمٍ قُدِّمَ وَلَدُ الْعَصَبَةِ مَا لَمْ يَكُنْ وَلَدَ رَحِمٍ أَقْوَى قَرَابَةً فَبِنْتُ عَمٍّ شَقِيقٍ أَوْلَى مِنْ ابْنِ عَمَّةٍ شَقِيقَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَمُّ لِأَبٍ فَإِنَّ ابْنَ الْعَمَّةِ الشَّقِيقَةِ أَوْلَى لِأَنَّ تَرْجِيحَ شَخْصٍ بِمَعْنًى فِيهِ وَهُوَ قُوَّةُ الْقَرَابَةِ هُنَا أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ بِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ كَوْنُ الْأَصْلِ عَصَبَةً وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِنْتُ الْعَمِّ لِأَبٍ أَوْلَى وَرَجَّحَ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ سَيِّدٌ وَاخْتَارَهُ عِمَادُ الدِّينِ تَبَعًا لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ ابْنِ كَمَالٍ لَكِنْ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ أَنَّ الْأَوَّلَ بِهِ يُفْتَى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 795 ثُمَّ عَمَّاتُ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَأَخْوَالُهُمْ وَخَالَاتُهُمْ وَأَعْمَامُ الْآبَاءِ لِأُمٍّ وَأَعْمَامُ الْأُمَّهَاتِ كُلُّهُمْ وَأَوْلَادُ هَؤُلَاءِ) وَإِنْ بَعُدُوا   [رد المحتار] قُلْت: وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِ قَوْلِ الْمُلْتَقَى وَيُرَجِّحُونَ بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ ثُمَّ بِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ ثُمَّ بِكَوْنِ الْأَصْلِ وَارِثًا عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَ حَيِّزُ قَرَابَتِهِمْ فَالثُّلُثَانِ لِمَنْ يُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأَبِ وَالثُّلُثُ لِمَنْ يُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأُمِّ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَا أَصَابَ كُلَّ فَرِيقٍ يُقْسَمُ عَلَى أَبْدَانِ فُرُوعِهِمْ مَعَ اعْتِبَارِ عَدَدِ الْجِهَاتِ فِي الْفُرُوعِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْسَمُ الْمَالُ عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ اخْتَلَفَ مَعَ اعْتِبَارِ عَدَدِ الْفُرُوعِ وَالْجِهَاتِ فِي الْأُصُولِ كَمَا فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ السَّيِّدِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ قُوَّةُ الْقَرَابَةِ فَلَا يُرَجَّحُ وَلَدُ الْعَمَّةِ لِأَبَوَيْنِ عَلَى وَلَدِ الْخَالِ أَوْ الْخَالَةِ وَكَذَا لَا يُعْتَبَرُ وَلَدُ الْعَصَبَةِ فَلَا تُرَجَّحُ بِنْتُ الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ عَلَى بِنْتِ الْخَالِ أَوْ الْخَالَةِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي كُلِّ فَرِيقٍ بِخُصُوصِهِ فَالْمُدْلُونَ بِقَرَابَةِ الْأَبِ يُعْتَبَرُ فِيمَا بَيْنَهُمْ قُوَّةُ الْقَرَابَةِ ثُمَّ وَلَدُ الْعَصَبَةِ وَالْمُدْلُونَ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ يُعْتَبَرُ فِيمَا بَيْنَهُمْ قُوَّةُ الْقَرَابَةِ وَلَا تُتَصَوَّرُ عُصُوبَةٌ فِي قَرَابَةِ الْأُمِّ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَالْفَرَائِضِ الْعُثْمَانِيَّةِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ حَيْثُ قَالُوا: وَعِنْدَ اخْتِلَافِ جِهَةِ الْقَرَابَةِ فَلِقَرَابَةِ الْأَبِ ضِعْفُ قَرَابَةِ الْأُمِّ فَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ وَلَدِ الْعَصَبَةِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ ذَكَرَ بَعْدَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ وَلَدَ الْعَصَبَةِ أَوْلَى اتَّحَدَ الْحَيِّزُ أَوْ اخْتَلَفَ فَبِنْتُ الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ أَوْلَى مِنْ بِنْتِ الْخَالِ وَأَنَّهُ وَافَقَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ ثُمَّ قَالَ وَفِي ضَوْءِ السِّرَاجِ الْأَخْذُ بِرِوَايَةِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَوْلَى اهـ. قُلْت: وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَدُ الْعَصَبَةِ أَوْلَى اتَّحَدَتْ الْجِهَةُ أَوْ اخْتَلَفَتْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَكَذَا فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَصَحَّحَهُ فِي الْمُضْمَرَاتِ وَبِهِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ لَكِنْ خَالَفَهُ فِي الْحَامِدِيَّةِ قَائِلًا بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا فِي الْمُتُونِ لِوَضْعِهَا لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ اهـ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةَ (قَوْلُهُ: ثُمَّ عَمَّاتُ الْآبَاءِ إلَخْ) أَدْرَجَ بَعْضُهُمْ هَؤُلَاءِ تَحْتَ الصِّنْفِ الرَّابِعِ وَهُوَ مَنْ يَنْتَمِي إلَى جَدِّ الْمَيِّتِ لِأَنَّ جَدَّ الْأَبِ جَدٌّ وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ صِنْفًا خَامِسًا وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ عُمُومَةُ الْمَيِّتِ وَخُئُولَتُهُ وَأَوْلَادُهُمْ انْتَقَلَ حُكْمُهُمْ الْمَذْكُورُ إلَى هَؤُلَاءِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ فَإِنْ لَمْ يُوجَدُوا أَيْضًا انْتَقَلَ الْحُكْمُ إلَى عُمُومَةِ أَبَوَيْ أَبَوَيْ الْمَيِّتِ وَخُؤُولَتِهِمْ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِهِمْ وَهَكَذَا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى فَلَا تَغْفُلْ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَغَيْرِهِ وَإِذَا اجْتَمَعَ قَرَابَتَانِ لِأَبٍ وَقَرَابَتَانِ لِأُمٍّ كَعَمَّةِ الْأَبِ وَخَالَتِهِ وَعَمَّةِ الْأُمِّ وَخَالَتِهَا فَالثُّلُثَانِ لِقَرَابَتَيْ الْأَبِ وَالثُّلُثُ لِقَرَابَتَيْ الْأُمِّ ثُمَّ مَا أَصَابَ قَرَابَتَيْ الْأَبِ يُقْسَمُ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِقَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَثُلُثُهُ لِقَرَابَةِ أُمِّهِ وَمَا أَصَابَ قَرَابَتَيْ الْأُمِّ كَذَلِكَ اهـ (قَوْلُهُ: كُلُّهُمْ) بِالرَّفْعِ تَوْكِيدٌ لِأَعْمَامِ الْأُمَّهَاتِ أَيْ أَعْمَامُهُنَّ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَعُدُوا) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ ثُمَّ عَمَّاتُ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ إلَخْ لَكِنْ عَلَى التَّوْزِيعِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ بِالْعُلُوِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 796 بِالْعُلُوِّ أَوْ السُّفُولِ وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فِي كُلِّ صِنْفٍ (وَإِذَا اسْتَوَوْا فِي دَرَجَةٍ) وَاتَّحَدَتْ الْجِهَةُ (قُدِّمَ وَلَدُ الْوَارِثِ) فَلَوْ اخْتَلَفَ فَلِقَرَابَةِ الْأَبِ الثُّلُثَانِ وَلِقَرَابَةِ الْأُمِّ الثُّلُثُ وَعِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فَإِنْ اتَّفَقَتْ صِفَةُ الْأُصُولِ فِي الذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ اُعْتُبِرَ أَبْدَانُ الْفُرُوعِ اتِّفَاقًا (وَ) أَمَّا (إذَا اخْتَلَفَتْ الْفُرُوعُ وَالْأُصُولُ) كَبِنْتِ ابْنِ بِنْتٍ وَابْنِ بِنْتِ بِنْتٍ (اعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ فِي ذَلِكَ الْأُصُولَ وَقَسَمَ) الْمَالَ عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ اخْتَلَفَ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ وَهُوَ هُنَا لِبَطْنِ الثَّانِي وَهُوَ ابْنُ بِنْتٍ وَبِنْتُ بِنْتٍ فَمُحَمَّدُ اعْتَبَرَ صِفَةَ الْأُصُولِ فِي الْبَطْنِ الثَّانِي فِي مَسْأَلَتِنَا فَقَسَمَ (عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا وَأَعْطَى كُلًّا مِنْ الْفُرُوعِ نَصِيبَ أَصْلِهِ) فَحِينَئِذٍ يَكُونُ ثُلُثَاهُ لِبِنْتِ ابْنِ الْبِنْتِ نَصِيبُ أَبِيهَا وَثُلُثُهُ لِابْنِ بِنْتِ الْبِنْتِ لِأَنَّهُ نَصِيبُ أُمِّهِ وَتَمَامُهُ فِي السِّرَاجِيَّةِ وَشُرُوحِهَا (وَهُمَا اعْتَبَرَا الْفُرُوعَ) فَقَطْ لَكِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي جَمِيعِ ذَوِي الْأَرْحَامِ   [رد المحتار] رَاجِعٌ إلَى الْأُصُولِ مِنْهُمْ وَقَوْلُهُ أَوْ السُّفُولِ رَاجِعٌ إلَى أَوْلَادِهِمْ فَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فِي كُلِّ صِنْفٍ) إذَا اعْتَبَرْنَا الْأَصْنَافَ خَمْسَةً كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ لَا يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي الرَّابِعِ إذْ لَا أَقْرَبَ فِيهِمْ أَمَّا عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ اعْتِبَارِهِمْ أَرْبَعَةً فَهُوَ ظَاهِرٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَاتَّحَدَتْ الْجِهَةُ) أَيْ جِهَةُ الْقَرَابَةِ بِأَنْ يَكُونُوا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ وَهَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الصِّنْفِ الْأَوَّلِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: قُدِّمَ وَلَدُ الْوَارِثِ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ اتِّحَادَ الْجِهَةِ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ فَيُقَدَّمُ فِيهِ وَلَدُ الْوَارِثِ بِلَا شَرْطِ الِاتِّحَادِ فَعُلِمَ أَنَّهُ شَرْطٌ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ وَكَذَا تَقْدِيمُ وَلَدِ الْوَارِثِ فِيمَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ ذَلِكَ وَهُوَ الصِّنْفُ الْأَوَّلُ وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ، وَكَذَا أَوْلَادُ الصِّنْفِ الرَّابِعِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَارِّ، أَمَّا الصِّنْفُ الثَّانِي فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِمْ وَلَدُ وَارِثٍ، لِأَنَّ الْوَارِثَ فَرْعُهُمْ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيهِمْ الْإِدْلَاءُ بِوَارِثٍ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ وَأَمَّا نَفْسُ الصِّنْفِ الرَّابِعِ فَهُمْ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الدَّرَجَةِ وَالِاتِّحَادِ فِي الْجِهَةِ إمَّا كُلُّهُمْ أَوْلَادُ وَارِثٍ أَوْ أَوْلَادُ غَيْرِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِمْ تَقْدِيمُ وَلَدِ الْوَارِثِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيهِمْ تَقْدِيمُ الْأَقْوَى كَمَا مَرَّ ثُمَّ الْمُرَادُ بِوَلَدِ الْوَارِثِ مَنْ يُدْلِي بِوَارِثٍ بِنَفْسِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْإِدْلَاءُ بِهِ بِوَاسِطَةٍ فَلَا تُقَدَّمُ بِنْتُ بِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ عَلَى بِنْتِ بِنْتِ بِنْتِ الْبِنْتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ وَغَيْرِهِ فَعُلِمَ أَنَّ عُدُولَهُ عَنْ الْمُدْلِي بِوَارِثٍ إلَى قَوْلِهِ وَلَدُ الْوَارِثِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الصِّنْفِ الثَّانِي وَعَنْ الْإِدْلَاءِ بِوَارِثٍ بِوَاسِطَةٍ (قَوْلُهُ: فَلَوْ اخْتَلَفَتْ) أَيْ جِهَةُ الْقَرَابَةِ وَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ وَاتَّحَدَتْ الْجِهَةُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْفُرُوعِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأُصُولِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ اهـ أَيْ فِي الصِّنْفِ الثَّانِي وَالرَّابِعِ، وَكَذَا فِي أَوْلَادِ الرَّابِعِ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الِاسْتِوَاءِ) أَيْ فِي الْقُرْبِ وَالْقُوَّةِ وَالْجِهَةِ وَفِي كَوْنِهِمْ كُلِّهِمْ وَلَدَ وَارِثٍ أَوْ وَلَدَ غَيْرِهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمُلْتَقَى وَشَرْحِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ اتَّفَقَتْ صِفَةُ الْأُصُولِ) أَيْ صِفَةُ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ فَالْمُرَادُ بِالْأُصُولِ الْمُدْلَى بِهِمْ، سَوَاءٌ كَانُوا أُصُولًا لَهُمْ أَوْ لَا زَيْلَعِيٌّ أَيْ لِيَشْمَلَ الصِّنْفَ الثَّانِي (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ الْفُرُوعُ وَالْأُصُولُ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ فَإِنْ اتَّفَقَتْ إلَخْ لَكِنَّ ذِكْرَ اخْتِلَافِ الْفُرُوعِ غَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي اخْتِلَافِ الْأُصُولِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَهُمَا) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْهُ وَأَبُو يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ اهـ قَاسِمٌ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُلْتَقَى وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ يُفْتَى) أَيْ وَإِنْ صَحَّحَ فِي الْمُخْتَلِفِ وَالْمَبْسُوطِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لِكَوْنِهِ أَيْسَرَ عَلَى الْمُفْتِي كَمَا أَخَذُوا بِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الْحَيْضِ اهـ دُرُّ مُنْتَقَى (قَوْلُهُ: بِنْتَ شَقِيقَةٍ) أَيْ بِنْتَ أَخِيهِ الشَّقِيقِ (قَوْلُهُ: فَأَجَبْت إلَخْ) أَيْ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ اثْنَيْنِ وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ بِضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي اثْنَيْنِ لِانْكِسَارِ مَخْرَجِ النِّصْفِ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَهِيَ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِلِابْنِ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ بِنْتٍ سَهْمٌ وَاحِدٌ (قَوْلُهُ: قَدْ شَرَطُوا) الْأَوْلَى قَدْ أَخَذُوا عَدَدَ الْفُرُوعِ فِي الْأُصُولِ أَيْ وَيُؤْخَذُ الْوَصْفُ مِنْ الْأُصُولِ ط (قَوْلُهُ: فَيُقْسَمُ إلَخْ) أَيْ فَكَأَنَّهُ مَاتَ عَنْ شَقِيقٍ وَشَقِيقَتَيْنِ ط (قَوْلُهُ: بَيْنَ أَوْلَادِهَا) أَيْ بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ إطْلَاقًا لِلْجَمْعِ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ وَحَسَّنَهُ كَوْنُ الِابْنِ يُعْتَبَرُ كَبِنْتَيْنِ فَهُوَ مَعَ الْبِنْتِ كَثَلَاثَةِ رُءُوسٍ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 797 وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِمُصَنِّفِهَا وَفِي الْمُلْتَقَى وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ يُفْتَى سُئِلْت عَمَّنْ تَرَكَ بِنْتَ شَقِيقِهِ وَابْنَ وَبِنْتَ شَقِيقَتِهِ كَيْفَ تُقْسَمُ. فَأَجَبْت بِأَنَّهُمْ قَدْ شَرَطُوا عَدَّ الْفُرُوعِ فِي الْأُصُولِ فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الشَّقِيقَةُ كَشَقِيقَتَيْنِ فَيُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ يُقْسَمُ نِصْفُ الشَّقِيقَةِ بَيْنَ أَوْلَادِهَا أَثْلَاثًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. فَصْلٌ فِي الْغَرْقَى وَالْحَرْقَى وَغَيْرِهِمْ وَغَيْرِهِمْ (لَا تَوَارُثَ بَيْنَ الْغَرْقَى وَالْحَرْقَى إلَّا إذَا عُلِمَ تَرْتِيبُ الْمَوْتَى) فَيَرِثُ الْمُتَأَخِّرُ فَلَوْ جُهِلَ عَيْنَهُ أُعْطِيَ كُلٌّ بِالْيَقِينِ وَوُقِفَ الْمَشْكُوكُ فِيهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَوْ يَصْطَلِحُوا شَرْحُ مَجْمَعٍ قُلْت: وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ لَكِنْ نَقَلَ شَيْخُنَا عَنْ ضَوْءِ السِّرَاجِ مَعْزِيًّا لِمُحَمَّدٍ   [رد المحتار] [فَصْلٌ فِي الْغَرْقَى وَالْحَرْقَى وَغَيْرِهِمْ] ْ جَمْعُ غَرِيقٍ وَحَرِيقٍ فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ وَالْمُرَادُ وَمَنْ بِمَعْنَاهُمْ كَالْهَدْمَى وَالْقَتْلَى فِي مَعْرَكَةٍ وَأَرَادَ بِغَيْرِهِمْ الْكَافِرَ وَوَلَدَ الزِّنَا وَاللِّعَانِ وَالْحَمْلِ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا عُلِمَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ أَحْوَالَهُمْ خَمْسَةٌ عَلَى مَا فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ وَغَيْرِهِ. أَحَدُهَا: هَذَا وَهُوَ مَا إذَا عُلِمَ سَبْقُ مَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَلْتَبِسْ فَيَرِثُ الثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ ثَانِيهَا: أَنْ يَعْرِفَ التَّلَاحُقَ وَلَا يَعْرِفُ عَيْنَ السَّابِقِ ثَالِثُهَا: أَنْ يُعْرَفَ وُقُوعُ الْمَوْتَيْنِ مَعًا رَابِعُهَا: أَنْ لَا يُعْرَفَ شَيْءٌ فَفِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَا يَرِثُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ شَيْئًا خَامِسُهَا: أَنْ يُعْرَفَ مَوْتُ أَحَدِهِمَا أَوَّلًا بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَشْكَلَ أَمْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى (قَوْلُهُ: فَلَوْ جَهِلَ عَيْنَهُ) أَيْ بَعْدَ مَعْرِفَةِ التَّرْتِيبِ وَهَذَا يَحْتَمِلُ الْحَالَةَ الثَّانِيَةَ وَالْخَامِسَةَ لَكِنَّ عِبَارَةَ شَرْحِ الْمَجْمَعِ تُفِيدُ الْحَالَةَ الثَّانِيَةَ فَقَطْ. وَنَصُّهَا: فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَاتَ أَوَّلًا وَجَهِلَ عَيْنَهُ أُعْطِيَ كُلُّ وَاحِدٍ الْيَقِينَ، وَوَقَفَ الْمَشْكُوكُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَوْ يَصْطَلِحُوا اهـ. (قَوْلُهُ: أُعْطِيَ كُلٌّ إلَخْ) أَيْ مِنْ وَرَثَتِهِمْ بِقَرِينَةٍ قَوْلُهُ أَوْ يَصْطَلِحُوا فَلَوْ غَرِقَ أَخَوَانِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِنْتٌ أَخَذَتْ بِنْتُ كُلٍّ نِصْفَ تَرِكَةِ أَبِيهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمُتَأَخِّرُ فَتَأْخُذُ بِنْتُهُ نِصْفَ تَرِكَةِ أَبِيهَا الْبَاقِي وَنِصْفَ تَرِكَةِ عَمِّهَا أَوْ يَصْطَلِحَا عَلَى شَيْءٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: شَرْحُ مَجْمَعٍ) أَيْ لِمُصَنَّفِهِ وَمِثْلُهُ فِي الِاخْتِيَارِ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ عَلِمَ مَوْتَ أَحَدِهِمَا أَوَّلًا وَلَا يَدْرِي أَيَّهمَا هُوَ أَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ الْيَقِينَ وَوُقِفَ الْمَشْكُوكُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَوْ يَصْطَلِحُوا اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِمُصَنَّفِهَا وَتَبِعَهُ بَعْضُ شُرَّاحِهَا وَعَلَّلَهُ فِي حَاشِيَةِ عَجَمْ زَادَهْ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ التَّذَكُّرَ غَيْرُ مَأْيُوسٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ: لَكِنْ نَقَلَ شَيْخُنَا إلَخْ) أَيْ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمِنَحِ وَقَدْ اسْتَدْرَكَ أَيْضًا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِعِبَارَةِ ضَوْءِ السِّرَاجِ الَّذِي هُوَ شَرْحُ السِّرَاجِيَّةِ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي شَرْحِ فَرَائِضِ الْمَجْمَعِ: إنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ أَخَذَهُ مِنْ الِاخْتِيَارِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَلَا يُسَاعِدُهُ عِنْدَنَا رِوَايَةٌ وَلَا دِرَايَةٌ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَكَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَاتَ أَوَّلًا، وَلَا يَدْرِي أَيَّهمَا هُوَ لِتَحَقُّقِ التَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا مَاتَا مَعًا وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا مَاتَا مَعًا، وَكَذَلِكَ لَوْ تَقَدَّمَ مَوْتُ أَحَدِهِمَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَدْرِي الْمُتَقَدِّمَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ ثَابِتٌ لِلْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا لَكِنَّ الْمُسْتَحِقَّ مَجْهُولٌ فَتَعَذَّرَ الْإِثْبَاتُ لِأَحَدِهِمَا، وَصَارَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ إحْدَى أَمَتَيْهِ بِعَيْنِهَا ثُمَّ نَسِيَهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهُمَا لِجَهَالَةِ الْمَمْلُوكَةِ. وَقَالَ فِي الْأَرْفَادِ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ وَأَشْكَلَ السَّابِقُ جُعِلُوا كَأَنَّهُمْ مَاتُوا مَعًا فَمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ لِوَرَثَتِهِ الْأَحْيَاءِ وَلَا يَرِثُ بَعْضُ الْأَمْوَاتِ مِنْ بَعْضٍ هَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ وَذُكِرَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ وَشَرْحِ الْكَنْزِ لِلْمَقْدِسِيِّ وَقَدْ لَخَّصْت ذَلِكَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 798 أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَلَا يَدْرِي أَيَّهمَا هُوَ يُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا مَاتَا مَعًا لِتَحَقُّقِ التَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ (وَ) إذَا لَمْ يَعْلَمْ تَرْتِيبَهُمْ (يَقْسِمُ مَالَ كُلٍّ مِنْهُمْ عَلَى وَرَثَتِهِ الْأَحْيَاءِ) إذْ لَا تَوَارُثَ بِالشَّكِّ (وَالْكَافِرُ يَرِثُ بِالنَّسَبِ وَالسَّبَبِ كَالْمُسْلِمِ وَلَوْ) اجْتَمَعَ (لَهُ قَرَابَتَانِ) لَوْ تَفَرَّقَتَا (فِي شَخْصَيْنِ حَجَبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَإِنَّهُ يَرِثُ بِالْحَاجِبِ وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ يَرِثُ بِالْقَرَابَتَيْنِ) (عِنْدَنَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ) لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ قُلْت (وَلَا يَرِثُونَ بِأَنْكِحَةٍ مُسْتَحَلَّةٍ عِنْدَهُمْ) أَيْ يَسْتَحِلُّونَهَا كَتَزَوُّجِ مَجُوسِيٍّ أُمَّهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَا يُوجِبُ التَّوَارُثَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُوجِبُهُ بَيْنَ الْمَجُوسِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ وَكُلُّ نِكَاحٍ لَوْ أَسْلَمَا يُقِرَّانِ عَلَيْهِ يَتَوَارَثَانِ وَمَا لَا فَلَا انْتَهَى وَصَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ   [رد المحتار] فِي الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، وَذَكَرْت فِيهِ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ كُلِّهَا أَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ هُوَ الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَا إذَا عُلِمَ التَّلَاحُقُ، وَجُهِلَ عَيْنُ السَّابِقِ، وَقَدْ خَصَّهُ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ بِالْخَامِسَةِ وَهِيَ مَا إذَا عُلِمَ السَّابِقُ بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَشْكَلَ وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ إنَّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّةَ ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي الْخَامِسَةِ فَقَطْ كَمَا فِي شَرْحِ التَّرْتِيبِ لِلشَّنْشُورِيِّ لَكِنْ إذَا جَرَى النِّزَاعُ فِي الثَّانِيَةِ يَجْرِي فِي الْخَامِسَةِ بِالْأَوْلَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَوَّلًا كَمَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِهِ. (قَوْلُهُ: إذْ لَا تَوَارُثَ بِالشَّكِّ) عِلَّةٌ لِمُقَدَّرٍ وَهُوَ وَلَا يَرِثُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ أَوْ لِمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرًا وَكَانَ أَوَّلًا يَقُولُ: يَرِثُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ إلَّا مَا وَرِثَ مِنْ صَاحِبِهِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِمَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَاسْتِحْقَاقُ الْأَحْيَاءِ مُتَيَقَّنٌ وَالشَّكُّ لَا يُعَارِضُ الْيَقِينَ فَلَوْ غَرِقَ أَخَوَانِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تِسْعُونَ دِرْهَمًا وَخَلَّفَ بِنْتًا وَأُمًّا وَعَمًّا فَعَلَى الْمُعْتَمَدِ تُقْسَمُ تَرِكَةُ كُلٍّ عَلَى وَرَثَتِهِ الْأَحْيَاءِ مِنْ سِتَّةٍ، لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْعَمِّ مَا بَقِيَ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مَا بَقِيَ وَهُوَ ثَلَاثُونَ لِلْأَخِ لَا لِلْعَمِّ ثُمَّ تُقْسَمُ الثَّلَاثُونَ بَيْنَ الْبِنْتِ وَالْأُمِّ وَالْعَمِّ عَلَى سِتَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَصِيرُ لِلْبِنْتِ سِتُّونَ وَلِلْأُمِّ عِشْرُونَ وَلِلْعَمِّ عَشَرَةٌ اهـ قَاسِمٌ مُلَخَّصًا [تَنْبِيهٌ] بَرْهَنَ كُلٌّ مِنْ الْوَرَثَةِ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ آخِرًا تَهَاتَرَتَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا لَوْ ادَّعَى وَرَثَةُ كُلٍّ أَنَّ أَبَا الْآخَرِ مَاتَ أَوَّلًا وَحَلَفَ لَمْ يُصَدَّقْ أَمَّا لَوْ بَرْهَنَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي الْأُولَى أَوْ ادَّعَى، وَحَلَفَ فِي الثَّانِيَةِ صُدِّقَ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ وَلَوْ مَاتَ أَخَوَانِ عِنْدَ الزَّوَالِ أَوْ الطُّلُوعِ أَوْ الْغُرُوبِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَحَدُهُمَا فِي الْمَشْرِقِ وَالْآخَرُ فِي الْمَغْرِبِ وَرِثَ مَيِّتُ الْمَغْرِبِ مِنْ مَيِّتِ الْمَشْرِقِ لِمَوْتِهِ قَبْلَهُ: لِأَنَّ الشَّمْسَ وَغَيْرَهَا مِنْ الْكَوَاكِبِ تَزُولُ وَتَطْلُعُ وَتَغْرُبُ فِي الْمَشْرِقِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ اهـ سَكْبُ الْأَنْهُرِ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ اتَّحَدَتْ الْبَلْدَةُ أَوْ تَقَارَبَتْ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ ذَلِكَ اهـ قُلْت: لَا شَكَّ فِي انْتِفَاءِ الْإِرْثِ بِالشَّكِّ وَثُبُوتِهِ بِعَدَمِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَرِثُ بِالْحَاجِبِ) كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ مَجُوسِيٌّ أُمَّهُ زَادَ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ أَوْ وَطِئَ مُسْلِمٌ أَوْ غَيْرُهُ لِشُبْهَةٍ فَوَلَدَتْ بِنْتًا فَمَاتَتْ الْبِنْتُ عَنْ أُمِّهَا وَهِيَ جَدَّتُهَا تَرِثُ بِالْأُمُومَةِ فَقَطْ لِأَنَّ الْأُمَّ تَحْجُبُ الْجَدَّةَ (قَوْلُهُ: يَرِثُ بِالْقَرَابَتَيْنِ) كَمَا لَوْ مَاتَتْ الْأُمُّ الْمَذْكُورَةُ عَنْ بِنْتِهَا وَهِيَ بِنْتُ ابْنِهَا تَرِثُ النِّصْفَ بِكَوْنِهَا بِنْتًا وَالسُّدُسَ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ بِكَوْنِهَا بِنْتَ ابْنٍ (قَوْلُهُ: عِنْدَنَا) أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَيَرِثُ بِأَقْوَاهُمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ بَابِ الْعَوْلِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَرِثُونَ إلَّا بِأَنْكِحَةٍ مُسْتَحَلَّةٍ عِنْدَهُمْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِالْقَرَابَتَيْنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذِهِ الْأَنْكِحَةَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِخِلَافِ الْقَرَابَةِ لِأَنَّ النَّسَبَ يُسْتَحَقُّ بِهِ الْمِيرَاثُ وَلَوْ كَانَ سَبَبُهُ مَحْظُورًا كَمَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ مَقْدِسِيٌّ وَفِيهِ وَلَوْ ثَبَتَ حُرْمَةُ مُصَاهَرَةٍ بَيْنَ زَوْجَيْنِ فَحَدَثَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَمَاتَ الْأَبُ مَنَعَ إرْثَهُ الْقَاضِي سُلَيْمَانُ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ السُّغْدِيُّ يَرِثُ اهـ سَائِحَانِيٌّ قُلْت: وَقَدْ نَظَمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ هُنَا فَرَاجِعْ شُرُوحَهَا (قَوْلُهُ: كَتَزَوُّجِ مَجُوسِيٍّ أُمَّهُ) أَيْ فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ وَرِثَ بِالنَّسَبِ لَا بِالزَّوْجِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَكُلُّ نِكَاحٍ إلَخْ) وَذَلِكَ كَالنِّكَاحِ بِلَا شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ مُعْتَقِدِينَ حِلَّهُ بِخِلَافِ الْمَحَارِمِ أَوْ فِي عِدَّةِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُمَا لَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ وَقَدْ جَعَلَ فِي الْجَوْهَرَةِ هَذَا ضَابِطًا لِلنِّكَاحِ الْجَائِزِ وَالنِّكَاحِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 799 (وَيَرِثُ وَلَدُ الزِّنَا وَاللِّعَانِ بِجِهَةِ الْأُمِّ فَقَطْ) لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْعَصَبَاتِ أَنَّهُ لَا أَبَ لَهُمَا (وَوُقِفَ) (لِلْحَمْلِ حَظُّ ابْنٍ وَاحِدٍ) أَوْ بِنْتٍ وَاحِدَةٍ أَيُّهُمَا كَانَ أَكْثَرَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّهُ الْغَالِبُ وَيُكْفَلُونَ احْتِيَاطًا كَمَا لَوْ تَرَكَ أَبَوَيْنِ وَبِنْتًا وَزَوْجَةً حُبْلَى فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ أَرْبَعَةٍ   [رد المحتار] الْفَاسِدِ أَيْ لِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِرْثُ وَمَا لَا يَثْبُتُ (قَوْلُهُ: بِجِهَةِ الْأُمِّ فَقَطْ) كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ امْرَأَةٍ ثُمَّ زَنَى بِهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ أَوْ لَاعَنَهَا فِي وَلَدٍ آخَرَ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ فَإِنَّ الْآخَرَ يَرِثُهُ بِكَوْنِهِ أَخًا لِأُمٍّ لَا شَقِيقًا اهـ ح (قَوْلُهُ: لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْعَصَبَاتِ إلَخْ) قَدَّمَ هُنَاكَ فَرْقًا بَيْنَهُمَا وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ: وَوُقِفَ لِلْحَمْلِ حَظُّ ابْنٍ وَاحِدٍ إلَخْ) هَذَا لَوْ الْحَمْلُ يُشَارِكُ الْوَرَثَةَ أَوْ يَحْجُبُهُمْ نُقْصَانًا فَلَوْ يَحْجُبُهُمْ حِرْمَانًا وُقِفَ الْكُلُّ قِيلَ وَكَذَا لَوْ الْوِلَادَةُ قَرِيبَةٌ دُونَ شَهْرٍ وَبِهِ جَزَمَ نَزِيلُ حَلَبٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى السِّرَاجِيَّةِ وَلَكِنَّ الْإِطْلَاقَ أَظْهَرُ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَكْمَلُ فِي شَرْحِهَا وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ حَمْلٌ أَوْ لَا لَمْ يُوقَفْ فَإِنْ وَلَدَتْ تَسْتَأْنِفُ الْقِسْمَةَ وَلَوْ ادَّعَتْ الْحَمْلَ عُرِضَتْ عَلَى ثِقَةٍ وَلَوْ وَلَدَتْ مَيِّتًا لَمْ يَرِثْ أَيْ إذَا خَرَجَ بِنَفْسِهِ أَمَّا لَوْ أُخْرِجَ بِجِنَايَةٍ فَيَرِثُ وَيُورَثُ، وَإِذَا خَرَجَ أَكْثَرُهُ حَيًّا بِمَا تُعْلَمُ حَيَاتُهُ وَلَوْ بِتَحْرِيكِ عَيْنٍ وَشَفَةٍ وَمَاتَ وَرِثَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ خَرَجَ أَقَلُّهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَلَا يَرِثُ وَتَمَامُهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ الْإِمَامِ يُوقَفُ حَظُّ أَرْبَعَةٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ اثْنَيْنِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْغَالِبُ) أَيْ الْغَالِبُ الْمُعْتَادُ أَنْ لَا تَلِدَ الْمَرْأَةُ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ إلَّا وَلَدًا وَاحِدًا فَيُبْنَى الْحُكْمُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ خِلَافُهُ سَيِّدٌ. (قَوْلُهُ: وَيُكَفَّلُونَ) أَيْ يَأْخُذُ الْقَاضِي عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مِنْ الْوَرَثَةِ كَفِيلًا عَلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى نَصِيبِ ابْنٍ وَاحِدٍ فَقَطْ نَظَرًا لِمَنْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ أَعْنِي الْحَمْلَ سَيِّدٌ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ تَرَكَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي تَصْحِيحِ مَسَائِلِ الْحَمْلِ أَنَّ تَصْحِيحَ مَسْأَلَةِ ذُكُورَتِهِ وَمَسْأَلَةِ أُنُوثَتِهِ كَمَا ذُكِرَ ثُمَّ تَضْرِبُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى إنْ تَبَايَنَا أَوْ فِي وَفْقِهَا إنْ تَوَافَقَا ثُمَّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْأُنُوثَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي كُلِّ الثَّانِيَةِ أَوْ فِي وَفْقِهَا وَيُعْطَى أَقَلَّ الْحَاصِلَيْنِ وَيُوقَفُ الْفَضْلُ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَسْأَلَةُ الذُّكُورَةِ مِنْ 24 لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ 3 وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ السُّدُسُ 4 وَلِلْبِنْتِ مَعَ الْحَمْلِ الذَّكَرِ الْبَاقِي وَهُوَ 31 وَمَسْأَلَةُ الْأُنُوثَةِ مِنْ 27 لِاخْتِلَاطِ الثُّمُنِ بِالسُّدُسِ فَلِلْأَبَوَيْنِ 7 وَلِلزَّوْجَةِ 3 وَلِلْبِنْتِ مَعَ الْحَمْلِ الْأُنْثَى 16 وَبَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ تَوَافُقٌ بِالثُّلُثِ فَإِذَا ضُرِبَ وَفْقُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى حَصَلَ 216 وَمِنْهَا تَصِحُّ فَعَلَى تَقْدِيرِ الذُّكُورَةِ لِلزَّوْجَةِ 27 مِنْ ضَرْبِ 3 فِي وَفْقِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ 9 وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ 36 مِنْ ضَرْبِ 4 فِي 9 وَلِلْبِنْتِ مَعَ الْحَمْلِ الذَّكَرِ 117 مِنْ ضَرْبِ 13 فِي 9 لِلْبِنْتِ ثُلُثُهَا 39 وَيَبْقَى لَهُ ثُلُثَاهَا 78 وَعَلَى تَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ لِلزَّوْجَةِ 24 مِنْ ضَرْبِ 3 فِي وَفْقِ الْأُولَى وَهُوَ 8 وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ 32 مِنْ ضَرْبِ 4 فِي 8 وَلِلْبِنْتِ مَعَ الْحَمْلِ الْأُنْثَى 128 مِنْ ضَرْبِ 16 فِي 8 لِلْبِنْتِ نِصْفُهَا 64 وَيَبْقَى لَهُ نِصْفُهَا 64 أَيْضًا، فَيُعْطَى الزَّوْجَةُ وَالْأَبَوَانِ مَا خَرَجَ لَهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ. وَيُوقَفُ الْفَضْلُ وَهُوَ 11 مِنْ نَصِيبِ الزَّوْجَةِ 3 وَمِنْ نَصِيبِ الْأَبَوَيْنِ 8 وَتُعْطَى الْبِنْتُ مَا خَرَجَ لَهَا عَلَى تَقْدِيرِ الذُّكُورَةِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي لِلْحَمْلِ وَهُوَ 78 فَجُمْلَةُ الْمَوْقُوفِ 89 فَإِنْ وَضَعَتْهُ أُمُّهُ أُنْثَى يُدْفَعُ لِلْبِنْتِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْقُوفِ 25 لِيَكْمُلَ لَهَا مِثْلُ حِصَّتِهِ وَالْبَاقِي لَهُ وَإِنْ وَضَعَتْهُ ذَكَرًا يُدْفَعُ لِلزَّوْجَةِ 3 وَلِلْأَبَوَيْنِ 8 وَالْبَاقِي لَهُ وَإِنْ وَضَعَتْهُ مَيِّتًا تُعْطَى الْبِنْتُ مِنْ الْمَوْقُوفِ 69 تَكْمِلَةَ النِّصْفِ وَالزَّوْجَةُ 3 تَكْمِلَةَ الثُّمُنِ وَالْأُمُّ 4 تَكْمِلَةَ السُّدُسِ وَالْأَبُ 13 مِنْهَا 4 تَكْمِلَةَ السُّدُسِ وَالْبَاقِي وَهُوَ 9 تَعْصِيبًا وَقَدْ خَالَفْتُ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ مَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَشُرُوحِهَا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْمَوْقُوفَ نَصِيبُ وَلَدٍ وَاحِدٍ وَالْآخَرَ فِي حَقِّ الْبِنْتِ هُنَا كَوْنُ الْحَمْلِ ذَكَرًا وَفِي حَقِّ الزَّوْجَةِ وَالْأَبَوَيْنِ كَوْنُهُ أُنْثَى كَمَا رَأَيْت وَالْعَجَبُ مِمَّا فِي السِّرَاجِيَّةِ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ ذَلِكَ ثُمَّ أَوْقَفَ نَصِيبَ أَرْبَعَةِ ذُكُورٍ وَقَسَمَ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ [تَنْبِيهٌ] هَذَا التَّوَقُّفُ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ وَارِثٍ يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ مِنْ الْأَكْثَرِ إلَى الْأَقَلِّ أَمَّا مَنْ لَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ كَالْجَدَّةِ وَالزَّوْجَةِ الْحُبْلَى فَلَا يُوقَفُ لَهُ شَيْءٌ وَأَمَّا مَنْ يَسْقُطُ فِي إحْدَى حَالَتَيْ الْحَمْلِ كَأَخٍ أَوْ عَمٍّ مَعَ زَوْجَةٍ حَامِلٍ فَلَا يُعْطَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 800 وَعِشْرِينَ إنْ فُرِضَ الْحَمْلُ ذَكَرًا وَتَعُولُ لِسَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ إنْ فُرِضَ أُنْثَى لِأَنَّ هَذَا عَلَى كَوْنِ الْحَمْلِ مِنْ الْمَيِّتِ وَإِلَّا فَمُثُلُهُ كَثِيرَةٌ كَمَا لَوْ تَرَكَتْ زَوْجًا وَأُمًّا حُبْلَى فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْحَمْلِ إنْ قُدِّرَ ذَكَرًا السُّدُسُ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ فَيُقَدَّرُ أُنْثَى لِيُفْرَضَ لَهُ النِّصْفُ وَتَعُولُ لِثَمَانِيَةٍ كَمَا لَا يَخْفَى. قُلْت: وَلَمْ أَرَ مَا لَوْ كَانَ عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ يَرِثُ وَعَلَى الْآخَرِ لَا كَهُمْ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ فَإِنْ قُدِّرَ ذَكَرًا لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّرَ أُنْثَى وَتَعُولُ لِتِسْعَةٍ احْتِيَاطًا وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَحَامِلَةٌ إنْ أَتَتْ بِابْنِ فَلَمْ يَرِثْ وَإِنْ وَلَدَتْ بِنْتًا لَهَا الثُّلْثُ يَقْدِرُ. فَصْلٌ فِي الْمُنَاسَخَةِ (مَاتَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لِلتَّرِكَةِ صَحَّحْت الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى) وَأَعْطَيْت سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ (ثُمَّ الثَّانِيَةَ) إلَّا إذَا اتَّحَدُوا   [رد المحتار] شَيْئًا وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ (قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ مَا مَرَّ مِنْ الْمِثَالِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْحَمْلُ مِنْهُ فَإِنَّمَا يَرِثُ إذَا وُلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَلَوْ لِتَمَامِ السَّنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا وَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ مِنْ إلْحَاقِ التَّمَامِ بِالْأَقَلِّ فَخِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّمَا يَرِثُ لَوْ وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَقَلَّ وَإِلَّا فَلَا إلَّا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً وَلَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَائِهَا أَوْ أَقَرَّ الْوَرَثَةُ بِوُجُودِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ سَكْبِ الْأَنْهُرِ مَعَ شَرْحِ ابْنِ كَمَالٍ وَحَاشِيَةِ يَعْقُوبَ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَمُثُلُهُ كَثِيرَةٌ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ مِثَالٍ وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ مِنْهُ يَخْتَصُّ بِالْمِثَالِ السَّابِقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: وَأُمًّا حُبْلَى) أَيْ مِنْ أَبِي الْمَيِّتَةِ فَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَبِيهَا فَفَرْضُهُ السُّدُسُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (قَوْلُهُ: فَيُقَدَّرُ أُنْثَى) لِأَنَّ نَصِيبَهُ أَكْثَرُ (قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ إلَخْ) هَذَا عَجِيبٌ مَعَ نَقْلِ الْفَرْعِ بِعَيْنِهِ عَنْ الْوَهْبَانِيَّةِ اهـ ح أَقُولُ: مُرَادُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرَ أَنَّهُ هَلْ يُوقَفُ لَهُ شَيْءٌ أَمْ لَا وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْوَهْبَانِيَّةِ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ كَمَا سَيَظْهَرُ (قَوْلُهُ: مَا لَوْ كَانَ) أَيْ الْحَمْلُ (قَوْلُهُ: كَهُمْ) أَيْ كَزَوْجٍ وَأُمٍّ حُبْلَى بِشَقِيقٍ أَوْ شَقِيقَةٍ وَأَعَادَ الضَّمِيرَ جَمْعًا بِاعْتِبَارِ عَدِّ الْحَمْلِ وَارِثًا ط (قَوْلُهُ: لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ) أَيْ لِلْحَمْلِ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ وَقَدْ اسْتَغْرَقَتْ الْفُرُوضُ التَّرِكَةَ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ سِتَّةٍ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَاحِدٌ وَلِلْأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ اثْنَانِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُشَرَّكَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّرَ أُنْثَى) إلَخْ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَإِنْ كَانَ أَيْ الْوَارِثُ نَصِيبُهُ عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ أَكْثَرَ يُعْطَى الْأَقَلَّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي اهـ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ نَصِيبَ الْوَرَثَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى تَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ أَكْثَرُ مِنْهُ عَلَى تَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ فَيُقَدَّرُ أُنْثَى وَيُوقَفُ لَهَا النِّصْفُ عَائِلًا وَهُوَ ثُلُثُ التَّرِكَةِ وَيُعْطَى الْوَرَثَةُ الْأَقَلَّ الْمُتَيَقَّنَ بِهِ (قَوْلُهُ: وَحَامِلَةٌ إلَخْ) يُقَالُ امْرَأَةٌ حَامِلٌ أَوْ حَامِلَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْقَامُوسِ فَافْهَمْ، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَلَمْ يَرِثْ زَائِدَةٌ وَيُقْدَرْ بِسُكُونِ الْقَافِ، وَفَتْحِ الدَّالِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَالْبَيْتُ مِنْ مُعَايَاةِ الْوَهْبَانِيَّةِ فَهُوَ لُغْزٌ فِي امْرَأَةٍ حَامِلٍ إنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا لَا يَرِثُ وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى قُدِّرَ لَهَا الثُّلُثُ وَهُوَ النِّصْفُ عَائِلًا وَجَوَابُهُ مَا صَوَّرَهُ الشَّارِحُ آنِفًا فَيُقَالُ إنَّ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ عَنْ زَوْجٍ وَأُمٍّ حَامِلٍ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْوَهْبَانِيَّةِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ هَلْ يُوقَفُ لِذَلِكَ الْحَمْلِ شَيْءٌ أَمْ لَا وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ سُؤَالٍ عَنْ تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي الْمُنَاسَخَةِ] ِ هِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ النَّسْخِ بِمَعْنَى النَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا أَنْ يَنْتَقِلَ نَصِيبُ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ إلَى مَنْ يَرِثُ مِنْهُ سَيِّدٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الثَّانِيَةُ) أَيْ ثُمَّ تُصَحَّحُ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ أَيْ مَسْأَلَةُ الْمَيِّتِ الثَّانِي وَتُنْظَرُ بَيْنَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ التَّصْحِيحِ وَبَيْنَ التَّصْحِيحِ الثَّانِي ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ الْمُمَاثَلَةُ وَالْمُوَافَقَةُ وَالْمُبَايَنَةُ سَيِّدٌ وَسَيَأْتِي أَمْثِلَتُهَا (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا اتَّحَدُوا) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 801 كَأَنْ مَاتَ عَنْ عَشَرَةِ بَنِينَ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْهُمْ (فَإِنْ اسْتَقَامَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ الثَّانِي عَلَى تَرِكَتِهِ فَبِهَا) وَنِعْمَتْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِمْ فَإِنْ كَانَ بَيْنَ سِهَامِهِ وَمَسْأَلَتِهِ مُوَافَقَةٌ (ضَرَبْت وَفْقَ التَّصْحِيحِ فِي كُلِّ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ وَإِلَّا) يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ بَلْ مُبَايَنَةٌ (ضَرَبْت كُلَّ الثَّانِي فِي كُلِّ الْأَوَّلِ يَحْصُلُ مَخْرَجُ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَتَضْرِبُ سِهَامَ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ فِي الْمَضْرُوبِ) أَيْ فِي التَّصْحِيحِ الثَّانِي أَوْ فِي وَفْقِهِ (وَسِهَامَ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ الثَّانِي فِي كُلّ مَا فِي يَده أَوْ وَفْقِهِ مِنْ) التَّصْحِيحِ (الْأَوَّلِ) وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَرِثُ مِنْ الْمَيِّتَيْنِ ضَرَبْت نَصِيبَهُ مِنْ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي أَوْ وَفْقَهُ وَنَصِيبَهُ مِنْ الثَّانِي فِيمَا فِي يَدِ الْمَيِّتِ الثَّانِي أَوْ وَفْقَهُ (وَلَوْ مَاتَ ثَالِثٌ) قَبْلَ الْقِسْمَةِ   [رد المحتار] أَيْ وَرَثَةُ الْمَيِّتَيْنِ أَيْ فَيُكْتَفَى بِتَصْحِيحِ وَاحِدٍ فَحِينَئِذٍ تُقْسَمُ التَّرِكَةُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ عَلَى تِسْعَةٍ ابْتِدَاءً كَأَنَّ الْمَيِّتَ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ اسْتَقَامَ إلَخْ) كَمَا إذَا مَاتَ عَنْ ابْنٍ وَبِنْتٍ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ عَنْ ابْنَيْنِ فَالْأُولَى مِنْ ثَلَاثَةٍ لِلِابْنِ مِنْهَا سَهْمَانِ وَمَسْأَلَتُهُ مِنْ اثْنَيْنِ فَيَسْتَقِيمُ مَا فِي يَدِهِ عَلَى مَسْأَلَتِهِ (قَوْلُهُ: عَلَى تَرِكَتِهِ) أَيْ مَسْأَلَةِ تَرِكَتِهِ وَالْأَصْوَبُ عَلَى مَسْأَلَتِهِ (قَوْلُهُ: فَبِهَا وَنِعْمَتْ) أَيْ فَبِالِاسْتِقَامَةِ يُكْتَفَى وَنِعْمَتْ هِيَ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّتْ الْمَسْأَلَتَانِ مِمَّا صَحَّتْ مِنْهُ الْأُولَى فَلَا تَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ عَمَلٍ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِمْ) أَيْ نَصِيبُ الْمَيِّتِ الثَّانِي وَهُوَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْأُولَى عَلَى مَسْأَلَتِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ بَيْنَ سِهَامِهِ) أَيْ الَّتِي فِي يَدِهِ مِنْ الْأُولَى وَبَيْنَ مَسْأَلَتِهِ مُوَافَقَةٌ كَمَا إذَا مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَبِنْتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ عَنْ زَوْجَةٍ وَبِنْتٍ وَعَصَبَةٍ فَالْأُولَى مِنْ سِتَّةٍ وَالثَّانِيَةُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَسِهَامُهُ مِنْ الْأُولَى اثْنَانِ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَسْأَلَتِهِ لَكِنْ تُوَافِقُ بِالنِّصْفِ فَاضْرِبْ وَفْقَ مَسْأَلَتِهِ وَهُوَ 4 فِي التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ وَهُوَ 6 تَبْلُغُ 24 وَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَتَانِ لِلِابْنِ الْأَوَّلِ ثَمَانِيَةٌ وَلِكُلِّ بِنْتٍ أَرْبَعَةٌ وَلِلِابْنِ الْمَيِّتِ ثَمَانِيَةٌ لِلزَّوْجَةِ مِنْهَا سَهْمٌ وَلِلْبِنْتِ 4 وَلِلْعَصَبَةِ 3 (قَوْلُهُ: وَإِلَّا إلَخْ) كَمَا لَوْ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَثَلَاثِ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ عَنْ أُخْتَيْهَا وَعَنْ زَوْجٍ فَالْأُولَى مِنْ 12 وَعَالَتْ إلَى 13 لِلزَّوْجَةِ 3 وَلِلْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ 6 وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ 2 وَلِلْأُخْتِ لِأُمٍّ 2 وَالثَّانِيَةُ مِنْ 6 وَعَالَتْ إلَى 7 لِلزَّوْجِ 3 وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ 3 وَلِلْأُخْتِ لِأُمٍّ سَهْمٌ وَسِهَامُ الشَّقِيقَةِ مِنْ الْأُولَى 6 لَا تَسْتَقِيمُ عَلَى 7 وَلَا تُوَافِقُ فَتَضْرِبُ 7 فِي 13 تَبْلُغُ 91 وَهُوَ تَصْحِيحُ الْمَسْأَلَتَيْنِ (قَوْلُهُ: يَحْصُلُ مَخْرَجُ الْمَسْأَلَتَيْنِ) أَيْ مَا خَرَجَ بِالضَّرْبِ فِي صُورَتَيْ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُبَايَنَةِ هُوَ مَخْرَجُ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِيهِمَا كَمَا عَلِمْت وَذَلِكَ الْحَاصِلُ يُسَمَّى الْجَامِعَةَ وَالْمَضْرُوبُ فِي الْأُولَى وَهُوَ الثَّانِيَةُ أَوْ وَفْقُهَا يُسَمَّى جُزْءَ السَّهْمِ خِلَافًا لِمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى فَتَنَبَّهْ. (قَوْلُهُ: فَتَضْرِبُ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي مَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ التَّصْحِيحِ وَبَيَانُهُ فِيمَا صَوَّرْنَاهُ لِلْمُوَافَقَةِ أَنَّهُ كَانَ لِلِابْنِ مِنْ الْأُولَى 2 فَاضْرِبْهُمَا فِي الْمَضْرُوبِ أَيْ وَفْقِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ بِثَمَانِيَةٍ وَلِكُلِّ بِنْتٍ وَاحِدٌ فِي أَرْبَعَةٍ بِأَرْبَعَةٍ وَلِلزَّوْجَةِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَاحِدٌ فِي وَفْقِ مَا فِي يَدِ مَيِّتِهَا وَهُوَ وَاحِدٌ بِوَاحِدٍ وَلِلْبِنْتِ أَرْبَعَةٌ فِي وَاحِدٍ بِأَرْبَعَةٍ وَلِلْعَصَبَةِ ثَلَاثَةٌ فِي وَاحِدٍ بِثَلَاثَةٍ وَفِيمَا صَوَّرْنَاهُ لِلْمُبَايَنَةِ أَنَّهُ كَانَ لِلزَّوْجَةِ مِنْ الْأُولَى فَقَطْ 3 فِي 7 تَكُنْ 21 وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ مِنْ الْأُولَى 2 فِي 7 تَكُنْ 14 وَمِنْ الثَّانِيَةِ 3 فِي كُلِّ مَا فِي يَدِ مَيِّتِهَا وَهُوَ 6 تَكُنْ 16 وَلِلْأُخْتِ لِأُمٍّ مِنْ الْأُولَى 8 فِي 7 تَكُنْ 56 وَمِنْ الثَّانِيَةِ 1 فِي 6 تَكُنْ 6 وَلِلزَّوْجِ مِنْ الثَّانِيَةِ فَقَطْ 3 فِي 6 تَكُنْ 18 (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ إلَخْ) وَذَلِكَ كَالْأُخْتِ لِأَبٍ وَالْأُخْتِ لِأُمٍّ فِيمَا صَوَّرْنَاهُ لِلْمُبَايَنَةِ لَكِنَّهُ مِثَالٌ لِضَرْبِ النَّصِيبِ مِنْ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ فِي كُلِّ الثَّانِي وَضَرْبِ النَّصِيبِ مِنْ التَّصْحِيحِ الثَّانِي فِي كُلِّ مَا فِي يَدِ الْمَيِّتِ الثَّانِي وَمِثَالُهُ لِلضَّرْبِ فِي الْوَفْقِ لَوْ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَبِنْتٍ مِنْهَا وَعَنْ أَبٍ ثُمَّ مَاتَتْ الْبِنْتُ عَنْ أُمِّهَا وَجَدِّهَا فَالْأُولَى مِنْ 24 لِلْبِنْتِ النِّصْفُ 12 وَلِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ 3 وَلِلْأَبِ السُّدُسُ 4 فَرْضًا وَالْبَاقِي 15 تَعْصِيبًا وَالثَّانِيَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْجَدِّ الْبَاقِي وَهُوَ 2 وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا فِي يَدِ الْبِنْتِ وَهُوَ 12 مُوَافَقَةٌ بِالثُّلُثِ فَتَضْرِبُ وَفْقَ التَّصْحِيحِ وَهُوَ 1 فِي كُلِّ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ يَكُنْ 24 كَمَا هُوَ فَلِلزَّوْجَةِ مِنْ الْأُولَى ثَلَاثَةٌ فِي وَاحِدٍ وَفْقِ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ بِثَلَاثَةٍ وَلَهَا مِنْ الثَّانِيَةِ بِكَوْنِهَا أُمًّا وَاحِدٌ فِي 4 وَفْقِ مَا فِي يَدِ الْبِنْتِ بِأَرْبَعَةٍ وَلِلْأَبِ مِنْ الْأُولَى 9 فِي وَاحِدٍ بِتِسْعَةٍ وَمِنْ الثَّانِيَةِ بِكَوْنِهِ جَدًّا لَهَا 2 فِي 4 تَبْلُغُ 8. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَاتَ ثَالِثٌ إلَخْ) بَيَانُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 802 (جَعَلَ الْمَبْلَغَ) الثَّانِي (مَقَامَ الْأُولَى و) جَعَلَ (الثَّالِثَةَ مَقَامَ الثَّانِيَةِ) فِي الْعَمَلِ وَهَكَذَا كُلَّمَا مَاتَ وَاحِدٌ تُقِيمُهُ مَقَامَ الثَّانِيَةِ وَالْمَبْلَغُ الَّذِي قَبْلَهُ مَقَامَ الْأُولَى إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى وَهَذَا عِلْمُ الْعَمَلِ فَلَا تَغْفُلْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. بَابُ الْمَخَارِجِ (الْفُرُوضُ) الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ (نَوْعَانِ الْأَوَّلُ النِّصْفُ) وَمَخْرَجُ كُلِّ كَسْرٍ سَمِيُّهُ كَالرُّبُعِ مِنْ أَرْبَعَةٍ إلَّا النِّصْفَ فَإِنَّهُ مِنْ اثْنَيْنِ وَالرُّبُعُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَالثُّمُنُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ (وَالثَّانِي) الثُّلُثُ وَ (الثُّلُثَانِ) كِلَاهُمَا (مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالسُّدُسُ مِنْ سِتَّةٍ)   [رد المحتار] بِمِثَالٍ وَاحِدٍ جَامِعٍ لِمَا مَرَّ مِنْ الِاسْتِقَامَةِ وَالْمُوَافَقَةِ وَالْمُبَايَنَةِ لَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ عَنْ زَوْجٍ وَبِنْتٍ مِنْ غَيْرِهِ وَأُمٍّ فَمَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَنْ امْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ ثُمَّ الْبِنْتُ عَنْ ابْنَيْنِ وَبِنْتٍ وَجَدَّةٍ ثُمَّ الْجَدَّةُ عَنْ زَوْجٍ وَأَخَوَيْنِ فَالْأُولَى وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَرْأَةِ رَدِّيَّةٌ تَصِحُّ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ فَلِلزَّوْجِ 4 وَلِلْبِنْتِ 9 وَلِلْأُمِّ 3 وَالثَّانِيَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الزَّوْجِ تَصِحُّ مِنْ 4 فَيَسْتَقِيمُ مَا فِي يَدِهِ عَلَيْهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الضَّرْبِ وَالثَّالِثَةُ مَسْأَلَةُ الْبِنْتِ مِنْ 6 وَنَصِيبُهَا مِنْ الْأُولَى 9 لَا تَنْقَسِمُ عَلَى مَسْأَلَتِهَا وَتُوَافِقُ بِالثُّلُثِ فَاضْرِبْ ثُلُثَ مَسْأَلَتِهَا وَهُوَ 2 فِي 16 تَبْلُغُ 32 فَمِنْهَا تَصِحُّ الْفَرِيضَتَانِ فَمَنْ كَانَ لَهُ مِنْ 16 شَيْءٌ فَمَضْرُوبٌ فِي 2 وَمَنْ كَانَ لَهُ مِنْ 6 شَيْءٌ فَمَضْرُوبٌ فِي وَفْقِ مَا فِي يَدِهَا وَهُوَ 3 وَالرَّابِعَةُ مَسْأَلَةُ الْجَدَّةِ مِنْ 4 وَسِهَامُهَا 9 مِنْ 32 لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ لَهَا مِنْ بِنْتِهَا 6 وَمِنْ بِنْتِ بِنْتِهَا 3 وَالتِّسْعَةُ لَا تَسْتَقِيمُ عَلَى 4 وَلَا تَوَافُقَ فَاضْرِبْ 4 فِي 32 تَبْلُغُ 128 فَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا فَمَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ 32 فَمَضْرُوبٌ فِي 4 وَمَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ 4 فَمَضْرُوبٌ فِيمَا فِي يَدِهَا وَهُوَ 9 وَبَسْطُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ (قَوْلُهُ: جَعَلَ الْمَبْلَغَ الثَّانِي) وَهُوَ مَا صَحَّتْ مِنْهُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ (قَوْلُهُ: فِي الْعَمَلِ) أَيْ الْمُتَقَدِّمِ بِأَنْ تَأْخُذَ سِهَامَ الْمَيِّتِ الثَّالِثَ مِنْ تَصْحِيحِ مَسْأَلَتَيْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَتَقْسِمُهَا عَلَى مَسْأَلَتِهِ فَإِنْ انْقَسَمَتْ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَإِلَّا فَاضْرِبْ وَفْقَ الثَّالِثَةِ الَّتِي اعْتَبَرْتهَا ثَانِيَةً أَوْ كُلَّهَا فِي جَمِيعِ تَصْحِيحِ الْأُولَيَيْنِ الَّذِي اعْتَبَرْته أَوَّلًا وَاعْتَبِرْ الْحَاصِلَ مِنْهُمَا كَمَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَاقْسِمْ ذَلِكَ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ يَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ كَمَا عَلِمْته فِي الْمِثَالِ الْجَامِعِ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا عِلْمُ الْعَمَلِ فَلَا تَغْفُلْ) يُشِيرُ إلَى صُعُوبَةِ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ، وَأَنَّهُ لَا يُتْقِنُهَا إلَّا أُولُوا الْأَلْبَابِ، وَكُلُّ مَاهِرٍ فِي عِلْمَيْ الْفَرَائِضِ وَالْحِسَابِ، وَاَلَّذِي يُسَهِّلُهُ الْمُبَاشَرَةُ وَكَثْرَةُ الْعَمَلِ بِتَوْفِيقِ الْمَلِكِ الْوَهَّابِ، وَإِتْقَانُ عَمَلِ الشِّبَاكِ الْمَشْهُورِ بَيْنَ الْحِسَابِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [بَابُ الْمَخَارِجِ] ِ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَغَيْرِهَا كَمَا قَالَ فِيمَا مَرَّ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَدْرَجَ بَابَ التَّصْحِيحِ وَبَابَ النِّسَبِ بَيْنَ الْأَعْدَادِ فِي هَذَا الْبَابِ وَالْأَنْسَبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمُنَاسَخَةِ كَمَا فَعَلَ فِي السِّرَاجِيَّةِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَيْهِ وَالْمَخَارِجُ جَمْعُ مَخْرَجٍ وَهُوَ أَقَلُّ عَدَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ كُلُّ فَرْضٍ بِانْفِرَادِهِ صَحِيحًا فَالْوَاحِدُ لَيْسَ بِعَدَدٍ عِنْدَ الْحُسَّابِ لَا النُّحَاةِ (وَقَوْلُهُ الْفُرُوضُ إلَخْ) أَيْ السِّتَّةُ الْآتِيَةُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ خَمْسِ آيَاتٍ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ (قَوْلُهُ: نَوْعَانِ) السَّبَبُ فِي أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْفُرُوضَ السِّتَّةَ نَوْعَيْنِ أَنَّ أَقَلَّهَا مِقْدَارًا هُوَ الثُّمُنُ الَّذِي مَخْرَجُهُ الثَّمَانِيَةُ وَالرُّبُعُ وَالنِّصْفُ يَخْرُجَانِ مِنْ الثَّمَانِيَةِ بِلَا كَسْرٍ فَجَعَلُوا الثَّلَاثَةَ نَوْعًا وَاحِدًا وَأَقَلُّ فَرْضٍ بَعْدَهُ السُّدُسُ الَّذِي مَخْرَجُهُ السِّتَّةُ وَالثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ يَخْرُجَانِ مِنْهَا بِلَا كَسْرٍ فَجَعَلُوا الثَّلَاثَةَ الْأُخْرَى نَوْعًا آخَرَ أَفَادَهُ السَّيِّدُ (قَوْلُهُ: وَمَخْرَجُ كُلِّ كَسْرٍ سَمِيُّهُ) أَيْ مَا شَارَكَهُ مِنْ الْأَعْدَادِ الصَّحِيحَةِ فِي مَادَّةِ اسْمِهِ حَتَّى السُّدُسَ فَإِنَّهُ شَارَكَ مَخْرَجَهُ وَهُوَ السِّتَّةُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ أَصْلَ سِتَّةٍ سُدْسَةٍ قُلِبَ كُلٌّ مِنْ الدَّالِ وَالسِّينِ الثَّانِيَةِ تَاءً وَأُدْغِمَتْ التَّاءُ فِي التَّاءِ فَقِيلَ سِتَّةٌ وَعَبَّرَ بِالْكَسْرِ لِيَشْمَلَ مَا عَدَا الْفُرُوضَ الْمَذْكُورَةِ كَالْخُمُسِ وَالسُّبُعِ وَالتُّسْعِ وَالْعُشْرِ مِنْ الْكُسُورِ الْمُنَطَّقَةِ فَإِنَّهَا كَذَلِكَ وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْكَسْرَ الْمُفْرَدَ كَالنِّصْفِ وَالْمُرَكَّبَ كَالثُّلُثَيْنِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَخْرَجَ كُلَّمَا كَانَ أَقَلَّ كَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 803 عَلَى التَّضْعِيفِ وَالتَّنْصِيفِ فَتَقُولُ مَثَلًا الثُّمُنُ وَضِعْفُهُ وَضَعْفُ ضِعْفِهِ أَوْ تَقُولُ النِّصْفُ وَنِصْفُهُ وَنِصْفُ نِصْفِهِ قُلْت وَأَخْصَرُ الْكُلِّ أَنْ تَقُولَ الرُّبُعُ وَالثُّلُثُ وَنِصْفُ كُلٍّ وَضِعْفُهُ فَإِذَا جَاءَ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ هَذِهِ الْفُرُوضِ آحَادٌ فَمَخْرَجُ كُلِّ فَرْدٍ مُنْفَرِدٌ سَمِيِّهِ إلَّا النِّصْفَ كَمَا مَرَّ وَإِذَا جَاءَ مَثْنَى أَوْ ثَلَاث وَهُمَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ فَكُلُّ عَدَدٍ يَكُونُ مَخْرَجًا لِجُزْءٍ فَذَلِكَ الْعَدَدُ أَيْضًا يَكُونُ مَخْرَجًا لِضِعْفِهِ وَأَضْعَافِهِ كَالسِّتَّةِ هِيَ مَخْرَجٌ لِلسُّدُسِ وَضِعْفُ وَضِعْفُ ضِعْفِهِ. (فَإِذَا اخْتَلَطَ النِّصْفُ) مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ (بِكُلِّ) النَّوْعِ (الثَّانِي) أَيْ الثَّلَاثَةِ الْأُخَرِ (أَوْ بِبَعْضِهِ) فَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ نِصْفٌ وَثُلُثَانِ وَثُلُثٌ وَسُدُسٌ كَزَوْجٍ وَشَقِيقَتَيْنِ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَأُمٍّ (فَمِنْ سِتَّةٍ) لِتَرَكُّبِهَا مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ (أَوْ) اخْتَلَطَ (الرُّبُعُ) مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ (بِكُلِّ الثَّانِي أَوْ بِبَعْضِهِ) فَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ زَوْجَةٌ وَمَنْ ذُكِرَ (فَمِنْ اثْنَيْ عَشَرَ) لِتَرَكُّبِهَا مِنْ ضَرْبِ   [رد المحتار] الْفَرْضُ أَكْثَرَ وَكُلَّمَا كَانَ أَكْثَرَ كَانَ الْفَرْضُ أَقَلَّ فَإِنَّ النِّصْفَ أَكْثَرُ مِنْ الرُّبُعِ مَثَلًا وَمَخْرَجُهُ أَقَلُّ مِنْ مَخْرَجِهِ (قَوْلُهُ: عَلَى التَّضْعِيفِ) أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الثُّمُنَ إذَا ضُعِّفَ حَصَلَ الرُّبُعُ وَأَنَّ الرُّبُعَ إذَا ضُعِّفَ حَصَلَ النِّصْفُ وَكَذَا السُّدُسُ إذَا ضُعِّفَ صَارَ ثُلُثًا وَإِذَا ضُعِّفَ الثُّلُثُ صَارَ ثُلُثَيْنِ سَيِّدٌ (قَوْلُهُ: وَالتَّنْصِيفِ) أَرَادَ أَنَّ النِّصْفَ إذَا نُصِّفَ صَارَ رُبُعًا وَأَنَّ الرُّبُعَ إذَا نُصِّفَ صَارَ ثُمُنًا وَكَذَا الْحَالُ فِي تَنْصِيفِ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ سَيِّدٌ (قَوْلُهُ: فَتَقُولُ مَثَلًا إلَخْ) أَيْ وَتَقُولُ كَذَلِكَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا بُدِئَ بِالْأَصْغَرِ مِنْ النَّوْعَيْنِ فَهُوَ عَلَى التَّضْعِيفِ أَوْ بِالْأَكْبَرِ فَعَلَى التَّنْصِيفِ (قَوْلُهُ: وَأَخْصَرُ الْكُلِّ) أَيْ أَخْصَرُ الْعِبَارَاتِ الَّتِي عَبَّرَ بِهَا عَنْ النَّوْعَيْنِ (قَوْلُهُ: آحَادٌ) أَيْ وَاحِدٌ وَاحِدٌ فَمَعْنَاهُ مُكَرَّرٌ وَإِنْ ذُكِرَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَكَرَّرَهُ فِي السِّرَاجِيَّةِ نَظَرًا إلَى جَانِبِ اللَّفْظِ كَحَدِيثِ: صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى أَفَادَهُ السَّيِّدُ وَمَا فِي شَرْحِ دِيوَانِ الْمُتَنَبِّي لِلْإِمَامِ الْوَاحِدِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقَالُ هُوَ أُحَادٌ أَيْ وَاحِدٌ إنَّمَا يَقُولُونَ جَاءُوا أُحَادَ أُحَادَ أَيْ وَاحِدًا وَاحِدًا وَأُحَادٌ فِي مَوْضِعِ الْوَاحِدِ خَطَأٌ اهـ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْمُتَعَدِّدِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ فِي وَاحِدٍ فَلَا يُقَالُ زَيْدٌ أُحَادٌ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَهُمَا) أَيْ الْمَثْنَى أَوْ الثَّلَاثُ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ أَيْ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَقَطْ أَوْ الثَّانِي فَقَطْ بِلَا اخْتِلَاطِ شَيْءٍ مِنْ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ فِي الْآخَرِ (قَوْلُهُ: لِجُزْءٍ) أَيْ أَقَلِّ جَزْءٍ مِنْهَا (قَوْلُهُ: يَكُونُ مَخْرَجًا لِضِعْفِهِ إلَخْ) لِأَنَّ مَخْرَجَ الضِّعْفِ مَوْجُودٌ فِي مَخْرَجِ الْجُزْءِ فَيُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ مَخْرَجِ الضِّعْفِ فَمَخْرَجُ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي السِّتَّةِ مَخْرَجِ السُّدُسِ وَكَذَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَخْرَجِ الرُّبُعِ وَالنِّصْفِ دَاخِلٌ فِي مَخْرَجِ الثُّمُنِ فَإِذَا اجْتَمَعَ فِي الْمَسْأَلَةِ السُّدُسُ وَالثُّلُثُ كَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ أَوْ السُّدُسُ وَالثُّلُثَانِ كَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ فَمِنْ سِتَّةٍ، أَوْ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَيْنِ كَأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ فَمِنْ ثَلَاثَةٍ أَوْ اجْتَمَعَ الثَّلَاثَةُ كَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ فَمِنْ سِتَّةٍ وَإِذَا اجْتَمَعَ فِيهَا الثُّمُنُ مَعَ النِّصْفِ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتٍ فَمِنْ ثَمَانِيَةٍ أَوْ الرُّبُعُ وَالنِّصْفُ كَزَوْجٍ وَبِنْتٍ فَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَلَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الرُّبُعِ مَعَ الثُّمُنِ وَلَا اجْتِمَاعُ الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا اخْتَلَطَ النِّصْفُ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَهُمَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ فَمَا مَرَّ كَانَ فِي اخْتِلَاطِ أَفْرَادِ كُلِّ نَوْعٍ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ وَهَذَا شُرُوعٌ فِي اخْتِلَاطِهَا مَعَ أَفْرَاد النَّوْعِ الْآخَرِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَاعْلَمْ أَنَّ صُوَرَ الِاخْتِلَاطِ مُطْلَقًا سَبْعَةٌ وَخَمْسُونَ مِنْهَا سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ شَرْعِيَّةٌ وَثَلَاثُونَ عَقْلِيَّةٌ وَقَدْ لَخَّصْت الْجَمِيعَ فِي الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: كَزَوْجٍ إلَخْ) مِثَالٌ لِاخْتِلَاطِ النِّصْفِ مَعَ الثَّلَاثَةِ وَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَمْثِلَةُ اخْتِلَاطِ النِّصْفِ مَعَ بَعْضِهَا بِأَنْ كَانَ الزَّوْجُ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فَقَطْ أَوْ مَعَ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ. (قَوْلُهُ: لِتَرَكُّبِهَا مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ) هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ سُدُسٌ أَمَّا إذَا كَانَ فِيهَا ذَلِكَ فَيُكْتَفَى بِمَخْرَجِهِ لِأَنَّ مَخْرَجَ النِّصْفِ اثْنَانِ وَمَخْرَجَ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ ثَلَاثَةٌ وَكِلَاهُمَا دَاخِلَانِ فِي السِّتَّةِ فَيُكْتَفَى بِهَا ط (قَوْلُهُ: فَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ زَوْجَةٌ وَمَنْ ذُكِرَ) أَيْ فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ مِنْ الشَّقِيقَتَيْنِ وَالْأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَالْأُمِّ وَهَذَا مِثَالٌ لِاخْتِلَاطِ الرُّبُعِ بِكُلِّ الثَّانِي وَيُعْلَمُ مِنْهُ اخْتِلَاطُهُ بِبَعْضِهِ بِأَنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فَقَطْ أَوْ مَعَ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ نَظِيرَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 804 الْأَرْبَعَةِ فِي ثَلَاثَةٍ لِمُوَافَقَةِ السِّتَّةِ بِالنِّصْفِ (أَوْ) اخْتَلَطَ (الثُّمُنُ) مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ بِبَعْضِ الثَّانِي وَأَمَّا بِكُلِّهِ فَغَيْرُ مُتَصَوَّرٍ إلَّا عَلَى رَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْ فِي الْوَصَايَا فَلْيُحْفَظْ (فَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ) كَزَوْجَةٍ وَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ لِتَرَكُّبِهَا مِنْ ضَرْبِ الثَّمَانِيَةِ فِي ثَلَاثَةٍ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ مُوَافَقَةِ السِّتَّةِ بِالنِّصْفِ وَلَا يَجْتَمِعُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ فُرُوضٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَجْتَمِعُ مِنْ أَصْحَابِهَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِ طَوَائِفَ وَلَا يَنْكَسِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ فِرَقٍ   [رد المحتار] مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: لِمُوَافَقَةِ السِّتَّةِ بِالنِّصْفِ) تَعْلِيلٌ لِمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ مِنْ ضَرْبِ الْأَرْبَعَةِ فِي ثَلَاثَةٍ دَائِمًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا سُدُسٌ أَوْ لَا أَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَخْرَجَ السُّدُسِ مِنْ سِتَّةٍ وَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِلْأَرْبَعَةِ مَخْرَجِ الرُّبُعِ بِالنِّصْفِ، وَنِصْفُهَا ثَلَاثَةٌ فَلِذَا تُضْرَبُ الْأَرْبَعَةُ فِي ثَلَاثَةٍ دَائِمًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: بِبَعْضِ الثَّانِي) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَإِنَّهُ يَخْتَلِطُ مَعَ الثُّلُثَيْنِ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتَيْنِ وَمَعَ السُّدُسِ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَابْنٍ وَمَعَ الثُّلُثَيْنِ وَالسُّدُسِ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ وَأَمَّا اخْتِلَاطُ الثُّمُنِ مَعَ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا عَلَى رَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْآتِي مِنْ أَنَّ الْمَحْرُومَ عِنْدَهُ يَحْجُبُ غَيْرَهُ حَجْبَ نُقْصَانٍ فَيَخْتَلِطُ عِنْدَهُ مَعَ الثُّلُثِ كَزَوْجَةٍ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَابْنٍ مَحْرُومٍ وَمَعَ الثُّلُثِ وَالسُّدُسِ كَهُمْ وَأُمٍّ وَمَعَ الثُّلُثَيْنِ وَالثُّلُثِ كَزَوْجَةٍ وَشَقِيقَتَيْنِ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَابْنِ مَحْرُومٍ. (قَوْلُهُ: إلَّا عَلَى رَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ) كَمَا لَوْ تَرَكَ ابْنًا كَافِرًا وَزَوْجَةً وَأُمًّا وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ فَإِنَّهُمَا مِنْ 24 وَتَعُولُ إلَى 31 عِنْدَهُ اهـ ح أَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِ فَهِيَ مِنْ 12 وَتَعُولُ إلَى 17 (قَوْلُهُ: أَوْ فِي الْوَصَايَا) كَمَا لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُمُنِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثَيْهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِهِ وَلِآخَرَ بِسُدُسِهِ وَلَا وَارِثَ لَهُ أَوْ كَانَ وَأَجَازَ الْكُلَّ فَهِيَ مِنْ 24 وَتَعُولُ إلَى 31 نَظِيرَ مَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَكَذَا مَا قَدَّمْنَا مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي لَا تَأْتِي إلَّا عَلَى رَأْيِهِ تَأْتِي عَلَى رَأْيِ غَيْرِهِ فِي الْوَصَايَا أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: فِي ثَلَاثَةٍ) أَيْ دَائِمًا سَوَاءٌ كَانَ سُدُسٌ أَوْ لَا وَبِهِ يَتَّضِحُ التَّعْلِيلُ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَى نَظِيرِهِ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: مِنْ مُوَافَقَةِ السِّتَّةِ بِالنِّصْفِ) لَكِنْ فِيمَا تَقَدَّمَ كَانَتْ مُوَافَقَتُهَا بِالنِّصْفِ لِلْأَرْبَعَةِ وَهُنَا لِلثَّمَانِيَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجْتَمِعُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ فُرُوضٍ) أَيْ غَيْرِ مُكَرَّرَةٍ فَلَا يَرُدُّ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ وَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ وَأُخْتٌ لِأَبٍ وَأُخْتَانِ لِأُمٍّ اهـ ح (قَوْلُهُ: وَلَا يَجْتَمِعُ مِنْ أَصْحَابِهَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِ طَوَائِفَ) بَيَانُهُ لَوْ مَاتَ مَيِّتٌ عَنْ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَعَنْ أَبٍ وَأُمٍّ وَجَدٍّ وَجَدَّةٍ وَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأَخٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ الْفُرُوضِ الْمُقَدَّرَةِ لَكِنَّ الْجَدَّ وَالْأَخَوَاتِ يُحْجَبُونَ بِالْأَبِ وَالْجَدَّةُ بِالْأُمِّ فَالْبَاقِي مَنْ لَهُ الثُّمُنُ أَوْ الرُّبُعُ، وَهُوَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَمَنْ لَهُ النِّصْفُ وَهُوَ الْبِنْتُ وَمَنْ لَهُ السُّدُسُ وَهُوَ ثَلَاثُ طَوَائِفَ الْأَبُ وَالْأُمُّ وَبِنْتُ الِابْنِ فَغَايَتُهُمْ خَمْسُ طَوَائِفَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ فَالْبَاقِي مَنْ لَهُ الرُّبُعُ أَوْ النِّصْفُ وَهُوَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَمَنْ لَهُ النِّصْفُ وَهُوَ الشَّقِيقَةُ وَمَنْ لَهُ السُّدُسُ وَهُوَ طَائِفَتَانِ الْأُمُّ وَالْأُخْتُ لِأَبٍ وَمَنْ لَهُ الثُّلُثُ وَهُوَ أَوْلَادُ الْأُمِّ وَالطَّوَائِفُ هُنَا خَمْسَةٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَلَا يَنْكَسِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ فِرَقٍ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الطَّوَائِفِ الْخَمْسِ مَنْ هُوَ مُنْفَرِدٌ كَالْأَبِ أَوْ الْأُمِّ أَوْ الزَّوْجِ وَلَا تَنْكَسِرُ سِهَامُهُ عَلَيْهِ أَصْلًا (قَوْلُهُ: وَإِذَا انْكَسَرَ سِهَامُ فَرِيقٍ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ وَالْمُرَادُ بِهِ بَيَانُ أَقَلِّ عَدَدٍ يَتَأَتَّى فِيهِ نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ بِلَا كَسْرٍ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَحْتَاجُ هُنَا إلَى سَبْعَةِ أُصُولٍ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا بَيْنَ السِّهَامِ وَالرُّءُوسِ وَأَرْبَعَةٌ مِنْهَا بَيْنَ الرُّءُوسِ وَالرُّءُوسِ أَمَّا الثَّلَاثَةُ الَّتِي بَيْنَ السِّهَامِ وَالرُّءُوسِ فَأَحَدُهَا الِاسْتِقَامَةُ بِأَنْ تَكُونَ سِهَامُ كُلِّ فَرِيقٍ مُنْقَسِمَةً عَلَيْهِمْ بِلَا كَسْرٍ كَأَبَوَيْنِ وَأَرْبَعِ بَنَاتٍ فَلَا حَاجَةَ فِيهَا إلَى الضَّرْبِ وَثَانِيهَا الِانْكِسَارُ مَعَ الْمُبَايَنَةِ بِأَنْ تَكُونَ السِّهَامُ مُنْكَسِرَةً عَلَى طَائِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَكُونُ بَيْنَ سِهَامِهِمْ وَرُءُوسِهِمْ مُوَافَقَةً فَاضْرِبْ عَدَدَ الرُّءُوسِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَقَطْ أَوْ مَعَ عَوْلِهَا إنْ عَالَتْ وَثَالِثُهَا الِانْكِسَارُ مَعَ الْمُوَافَقَةِ بِأَنْ تَنْكَسِرَ السِّهَامُ عَلَى طَائِفَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنَّ سِهَامَهُمْ وَرُءُوسَهُمْ مُوَافِقَةٌ فَاضْرِبْ وَفْقَ رُءُوسِهِمْ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ فِيهِ مَعَ عَوْلِهَا وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الَّتِي بَيْنَ الرُّءُوسِ وَالرُّءُوسِ فَهِيَ التَّمَاثُلُ وَالتَّدَاخُلُ وَالتَّوَافُقُ وَالتَّبَايُنُ. وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ بَيَانَ مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا تَأْتِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ إلَّا إذَا كَانَ الْكَسْرُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَإِنَّمَا لَمْ يَعْتَبِرُوا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 805 (وَاذَا انْكَسَرَ سِهَامُ فَرِيقٍ عَلَيْهِمْ ضَرَبْت عَدَدَهُمْ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) وَعَوْلِهَا إنْ كَانَتْ عَائِلَةً (كَامْرَأَةٍ وَأَخَوَيْنِ) لِلْمَرْأَةِ الرُّبُعُ يَبْقَى لَهُمَا ثَلَاثَةٌ لَا تَسْتَقِيمُ وَلَا تُوَافِقُ فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي أَرْبَعَةٍ فَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ (وَإِنْ وَافَقَ سِهَامُهُمْ عَدَدَهُمْ ضَرَبْت وَفْقَ عَدَدِهِمْ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) وَعَوْلِهَا (كَامْرَأَةٍ وَسِتِّ إخْوَةٍ) فَلَهُمْ ثَلَاثَةٌ تُوَافِقُهُمْ بِالثُّلُثِ فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي أَرْبَعَةٍ فَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ أَيْضًا (فَإِنْ انْكَسَرَ سِهَامُ فَرِيقَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَعَدَدُ رُءُوسِهِمْ مُتَمَاثِلَةٌ ضَرَبْت أَحَدَ الْأَعْدَادِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) وَعَوْلِهَا (كَثَلَاثِ بَنَاتٍ وَثَلَاثَةِ أَعْمَامٍ فَتَكْتَفِي بِأَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) تَكُنْ تِسْعَةً مِنْهَا تَصِحُّ وَإِنْ انْكَسَرَ عَلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ أَوْ أَرْبَعٍ   [رد المحتار] التَّدَاخُلَ بَيْنَ السِّهَامِ وَالرُّءُوسِ كَمَا اعْتَبَرُوهُ بَيْنَ الرُّءُوسِ وَالرُّءُوسِ بَلْ رَدُّوهُ إلَى الْمُوَافَقَةِ إنْ كَانَتْ الرُّءُوسُ أَكْثَرَ وَإِلَى الْمُمَاثَلَةِ إنْ كَانَتْ السِّهَامُ أَكْثَرَ كَسِتَّةٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ لِلِاخْتِصَارِ كَمَا سَيَتَّضِحُ قَرِيبًا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْأُصُولَ السَّبْعَةَ بِأَمْثِلَتِهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ إلَّا الِاسْتِقَامَةَ فَإِنَّهُ حَذَفَهَا لِظُهُورِهَا (قَوْلُهُ: عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْفَرِيقِ وَجَمَعَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ عَائِلَةً) أَيْ يَضْرِبُ فِيهِمَا إنْ كَانَ عَوْلٌ وَإِلَّا فَفِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَقَطْ وَإِنَّمَا تَرَكَ الْمُصَنِّفُ هَذَا التَّفْصِيلَ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ وَعَوْلَهَا صَارَ بِمَنْزِلَةِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَنَّ عَدَدَ الرُّءُوسِ يُضْرَبُ فِيهِمَا كَمَا يُضْرَبُ فِي أَصْلِهَا كَمَا أَفَادَهُ السَّيِّدُ (قَوْلُهُ: كَامْرَأَةٍ وَأَخَوَيْنِ) مِثَالٌ لِغَيْرِ الْعَائِلَةِ وَأَصْلُهَا أَرْبَعَةٌ وَالْعَائِلَةُ كَزَوْجٍ وَخَمْسِ أَخَوَاتٍ لِغَيْرِ أُمٍّ أَصْلُهَا سِتَّةٌ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأَخَوَانِ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ فَعَالَتْ إلَى سَبْعَةٍ وَبَيْنَ سِهَامِ الْأَخَوَاتِ وَرُءُوسِهِنَّ مُبَايَنَةٌ فَاضْرِبْ عَدَدَ رُءُوسِهِنَّ خَمْسَةً فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ عَوْلِهَا وَهُوَ 7 تَبْلُغُ 35 وَمِنْهَا تَصِحُّ (قَوْلُهُ: وَعَوْلِهَا) أَيْ إنْ كَانَتْ عَائِلَةً وَإِلَّا فَفِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَقَطْ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. (قَوْلُهُ: كَامْرَأَةٍ وَسِتِّ إخْوَةٍ) مِثَالٌ لِغَيْرِ الْعَائِلَةِ وَأَصْلُهَا أَرْبَعَةٌ أَيْضًا وَالْعَائِلَةُ كَزَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَسِتِّ بَنَاتٍ أَصْلُهَا 12 فَلِلزَّوْجِ الرُّبُعُ 3 وَلِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ 4 وَلِلسِّتِّ بَنَاتٍ الثُّلُثَانِ 8 فَعَالَتْ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَانْكَسَرَ 8 سِهَامُ الْبَنَاتِ عَلَى 6 عَدَدِ رُءُوسِهِنَّ لَكِنْ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ بِالنِّصْفِ فَرَدَدْنَا عَدَدَ رُءُوسِهِنَّ إلَى نِصْفِهِ وَهُوَ 3 ثُمَّ ضَرَبْنَاهُ فِي الْأَصْلِ مَعَ الْعَوْلِ وَهُوَ 15 فَحَصَلَ 45 وَمِنْهَا تَصِحُّ (قَوْلُهُ: فَلَهُمْ ثَلَاثَةٌ تُوَافِقُهُمْ بِالثُّلُثِ) اعْتَبَرَ الْمُوَافَقَةَ مَعَ أَنَّ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسِّتَّةِ مُدَاخَلَةٌ إشَارَةً إلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ التَّدَاخُلِ بَيْنَ السِّهَامِ وَالرُّءُوسِ كَمَا قَدَّمْنَا لِأَنَّهُ وَإِنْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ بِأَنْ تَضْرِبَ الْأَكْبَرَ وَهُوَ 6 جَمِيعَ عَدَدِ الرُّءُوسِ فِي 4 لَكِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّطْوِيلِ وَتَرْكُ تَطْوِيلِ الْحِسَابِ رِبْحٌ فَلِذَا أَرْجَعْنَاهُ إلَى الْمُوَافَقَةِ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْبَنَاتُ 4 فِي الْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لِلْعَائِلَةِ فَلَا تَضْرِبْ الْأَكْبَرَ وَهُوَ 8 جَمِيعَ عَدَدِ سِهَامِهِنَّ لِمَا قُلْنَا بَلْ يَرْجِعُ إلَى التَّمَاثُلِ لِصِحَّةِ الْقِسْمَةِ بِلَا ضَرْبٍ (قَوْلُهُ: فَإِنْ انْكَسَرَ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي بَيْنَ الرُّءُوسِ وَالرُّءُوسِ وَاعْلَمْ أَنَّك أَوَّلًا تَنْظُرُ بَيْنَ كُلِّ فَرِيقٍ مَعَ سِهَامِهِ فَإِنْ تَبَايَنَا فَأَثْبِتْ الْفَرِيقَ كَامِلًا وَإِنْ تَوَافَقَا فَأَثْبِتْ وَفْقَ الْفَرِيقِ ثُمَّ تَنْظُرُ بَيْنَ الْأَعْدَادِ الْمُثْبَتَةِ بِهَذِهِ الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ فَإِنْ تَمَاثَلَ الْعَدَدَانِ فَاضْرِبْ أَحَدَهُمَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَإِنْ تَدَاخَلَا فَاضْرِبْ أَكْبَرَهُمَا فِيهِ وَإِنْ تَوَافَقَا ضَرَبْت الْوَفْقَ فِي كَامِلِ الْآخَرِ ثُمَّ الْحَاصِلَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَإِنْ تَبَايَنَا ضَرَبْت أَحَدَهُمَا فِي الْآخَر ثُمَّ الْحَاصِلَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَالْمَضْرُوبُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ يُسَمَّى جُزْءَ السَّهْمِ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: أَوْ أَكْثَرَ) أَيْ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ لَا أَكْثَرُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَعَدَدُ رُءُوسِهِمْ مُتَمَاثِلَةٌ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَأَعْدَادُ جَمْعُ عَدَدٍ قَالَ السَّيِّدُ وَالْمُرَادُ بِأَعْدَادِ الرُّءُوسِ مَا يَتَنَاوَلُ عَيْنَ تِلْكَ الْأَعْدَادِ وَوَفْقَهَا أَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ رُءُوسِ طَائِفَةٍ وَسِهَامِهِمْ مَثَلًا مُوَافَقَةٌ يُرَدُّ عَدَدُ رُءُوسِهِمْ إلَى وَفْقِهِ أَوَّلًا ثُمَّ تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَعْدَادِ كَمَا سَتَطَّلِعُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَعَوْلِهَا) كَسِتِّ أَخَوَاتٍ شَقِيقَاتٍ وَثَلَاثِ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ وَثَلَاثِ جَدَّاتٍ أَصْلُهَا 6 وَتَعُولُ إلَى 7 لِلشَّقِيقَاتِ الثُّلُثَانِ 4 لَا تَنْقَسِمُ وَتُوَافِقُ بِالنِّصْفِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ 2 لَا تَنْقَسِمُ وَلَا تُوَافِقُ وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ 1 كَذَلِكَ فَاجْتَمَعَ مَعَك ثَلَاثَةُ أَعْدَادٍ مُتَمَاثِلَةٍ فَاضْرِبْ وَاحِدًا مِنْهَا فِي الْفَرِيضَةِ تَبْلُغُ 21 وَمِنْهَا تَصِحُّ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ انْكَسَرَ عَلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ إلَخْ) يُشِيرُ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النَّظَرِ أَوَّلًا إلَى كُلِّ فَرِيقٍ مَعَ سِهَامِهِ ثُمَّ إلَى الْأَعْدَادِ الْمُثْبَتَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ وَالْأَكْثَرِ فِيمَا ذَكَرَهُ وَإِنَّمَا الْفَرْقُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 806 فَاطْلُبْ الْمُشَارَكَةَ أَوَّلًا بَيْنَ السِّهَامِ وَالْأَعْدَادِ ثُمَّ بَيْنَ الْأَعْدَادِ وَالْأَعْدَادِ. ثُمَّ افْعَلْ كَمَا فَعَلْت فِي الْفَرِيقَيْنِ فِي الْمُدَاخَلَةِ وَالْمُمَاثَلَةِ وَالْمُوَافَقَةِ وَالْمُبَايَنَةِ فَمَا حَصَلَ يُسَمَّى جُزْءَ السَّهْمِ فَاضْرِبْهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ دَخَلَ بَعْضُ الْأَعْدَادِ فِي بَعْضٍ كَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَثَلَاثِ جَدَّاتٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ عَمًّا ضَرَبْت أَكْثَرَ الْأَعْدَادِ) لِتَدَاخُلِهَا (فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ تَكُنْ مِائَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ مِنْهَا تَصِحُّ (وَإِنْ وَافَقَ بَعْضُهَا بَعْضًا) كَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ جَدَّةً وَثَمَانِ عَشَرَةَ بِنْتًا وَسِتَّةِ أَعْمَامٍ (ضَرَبْت وَفْقَ أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدَ الْأَعْدَادِ (فِي جَمِيعِ الْآخَرِ وَالْخَارِجُ فِي وَفْقِ الثَّالِثِ إنْ وَافَقَ وَإِلَّا فِي جَمِيعِهِ ثُمَّ الرَّابِعُ كَذَلِكَ) ثُمَّ الْمُجْتَمِعُ وَهُوَ جُزْءُ السَّهْمِ وَهُوَ فِي مَسْأَلَتِنَا مِائَةٌ وَثَمَانُونَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ هُنَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ يَحْصُلُ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَثَلَاثُمِائَةٍ وَعِشْرُونَ مِنْهَا تَصِحُّ (وَإِنْ تَبَايَنَتْ) أَعْدَادُ رُءُوسِ مَنْ انْكَسَرَ عَلَيْهِمْ سِهَامُهُمْ (كَامْرَأَتَيْنِ وَعَشْرِ بَنَاتٍ وَسِتِّ جَدَّاتٍ وَسَبْعَةِ أَعْمَامٍ ضَرَبْت أَحَدَهَا) أَيْ أَحَدَ الْأَعْدَادِ (فِي جَمِيعِ الثَّانِي وَالْحَاصِلَ فِي جَمِيعِ الثَّالِثِ وَالْحَاصِلَ فِي جَمِيعِ الرَّابِعِ) يَحْصُلُ جُزْءُ السَّهْمِ وَهُوَ هُنَا مِائَتَانِ وَعَشَرَةٌ لِتَوَافُقِ رُءُوسِ الْبَنَاتِ وَالْجَدَّاتِ لِسِهَامِهِمْ بِالنِّصْفِ فَاضْرِبْهَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ هُنَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ يَحْصُلُ خَمْسَةُ آلَافٍ وَأَرْبَعُونَ وَمِنْهَا تَسْتَقِيمُ (وَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ التَّمَاثُلِ وَالتَّوَافُقِ وَالتَّدَاخُلِ وَالتَّبَايُنِ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ)   [رد المحتار] مِنْ حَيْثُ إنَّ الْفَرْقَ إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً مَثَلًا تَزِيدُ صُوَرُهَا وَيَتَكَرَّرُ الضَّرْبُ لِتَعَدُّدِ الْمُثْبَتَاتِ، لِأَنَّك إذَا نَظَرْت أَوَّلًا بَيْنَ الْفِرَقِ الثَّلَاثِ وَسِهَامِهَا، فَإِمَّا أَنْ يُبَايِنَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهَا سِهَامَهُ أَوْ يُوَافِقَهَا أَوْ تُوَافِقَ فَرِيقَيْنِ وَتُبَايِنَ الْآخَرَ أَوْ تُبَايِنَ فَرِيقَيْنِ وَتُوَافِقَ الْآخَرَ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ، ثُمَّ تَنْظُرُ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْهَا بَيْنَ الْمُثْبَتَاتِ بِالْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ فَتَبْلُغُ 52 صُورَةً مَحَلُّ بَيَانِهَا الْمُطَوَّلَاتُ كَشَرْحِ التَّرْتِيبِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: فَاطْلُبْ الْمُشَارَكَةَ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْمُنَاسَبَةِ ط (قَوْلُهُ: ثُمَّ افْعَلْ كَمَا فَعَلْت فِي الْفَرِيقَيْنِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَمَا تَفْعَلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْ أَحْوَالِ الْفَرِيقَيْنِ إلَّا الْمُمَاثَلَةَ، وَأَمَّا الْمُدَاخَلَةُ وَالْمُوَافَقَةُ وَالْمُبَايَنَةُ فَسَتَأْتِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَشَارَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى ضَرْبِ جُزْءِ السَّهْمِ وَإِلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ انْكَسَرَ عَلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ إلَخْ) أَصْلُهَا مِنْ 12 لِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ 2 وَلِلزَّوْجَاتِ الرُّبُعُ 3 وَلِلْأَعْمَامِ الْبَاقِي 7 وَبَيْنَ سِهَامِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ وَعَدَدِ رُءُوسِهِمْ مُبَايَنَةٌ فَأَخَذْنَا أَعْدَادَ الرُّءُوسِ بِتَمَامِهِ وَهِيَ 4 و 3 و 12 فَوَجَدْنَا الْأَوَّلَيْنِ مُتَدَاخِلَيْنِ فِي الثَّالِثِ وَهُوَ 12 فَضَرَبْنَاهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَيْضًا 12 وَمِنْهَا تَصِحُّ (قَوْلُهُ: كَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ جَدَّةً إلَخْ) الْأَوْلَى خَمْسَ عَشَرَةَ وَالْمَسْأَلَةُ أَصْلُهَا مِنْ 24 لِلزَّوْجَاتِ الثُّمُنُ 3 لَا تَسْتَقِيمُ وَلَا تُوَافِقُ فَحَفِظْنَا عَدَدَهُنَّ 4 وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ 4 تُبَايَنُ عَدَدَهُنَّ وَهُوَ 15 فَحَفِظْنَاهُ أَيْضًا وَلِلْبَنَاتِ الثُّلُثَانِ 16 تُوَافِقُ عَدَدَهُنَّ وَهُوَ 18 بِالنِّصْفِ وَهُوَ 9 فَحَفِظْنَاهُ وَلِلْأَعْمَامِ الْبَاقِي وَهُوَ 1 يُبَايِنُ عَدَدَهُمْ وَهُوَ 6 فَحَفِظْنَاهُ أَيْضًا فَصَارَ الْمَحْفُوظُ 4 و 6 و 9 و 15 ثُمَّ طَلَبْنَا الْمُنَاسَبَةَ بَيْنَ ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الْأَرْبَعَةَ مُوَافِقَةً لِلسِّتَّةِ بِالنِّصْفِ فَضَرَبْنَا نِصْفَ أَحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الْآخَرِ بَلَغَ 12 وَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِلتِّسْعَةِ بِالثُّلُثِ فَضَرَبْنَا ثُلُثَ أَحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الْآخَرِ بَلَغَ 36 وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ 15 مُوَافَقَةٌ بِالثُّلُثِ أَيْضًا فَضَرَبْنَاهَا فِي ثُلُثٍ 15 وَهُوَ 5 بَلَغَ 180 هِيَ جُزْءُ السَّهْمِ. (قَوْلُهُ: كَامْرَأَتَيْنِ إلَخْ) أَصْلُهَا 24 لِلزَّوْجَتَيْنِ الثُّمُنُ 3 وَبَيْنَهُمَا مُبَايَنَةٌ فَحَفِظْنَا عَدَدَ رُءُوسِهِنَّ وَهُوَ 2 وَلِلْبَنَاتِ الثُّلُثَانِ 16 تُوَافِقُ عَدَدَهُنَّ وَهُوَ 10 بِالنِّصْفِ وَهُوَ 5 فَحَفِظْنَاهُ وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ 4 تُوَافِقُ عَدَدَهُنَّ وَهُوَ 6 بِالنِّصْفِ وَهُوَ 3 فَحَفِظْنَاهُ وَلِلْأَعْمَامِ الْبَاقِي وَهُوَ 1 يُبَايِنُ عَدَدَهُمْ وَهُوَ 7 فَحَفِظْنَاهُ فَصَارَ الْمَحْفُوظُ 2 و 3 و 5 و 7 وَكُلُّهَا مُتَبَايِنَةٌ فَضَرَبْنَا 2 فِي 3 بَلَغَ 6 ضَرَبْنَا 6 فِي 5 بَلَغَ 30 ثُمَّ ضَرَبْنَا 30 فِي 7 بَلَغَ 210 هِيَ جُزْءُ السَّهْمِ وَتَمَامُ الْعَمَلِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَأَمَّا مَعْرِفَةُ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمْ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ وَغَيْرِهَا فَسَيَأْتِي بَيَانُهَا (قَوْلُهُ: وَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ التَّمَاثُلِ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ النِّسَبِ بَيْنَ الْأَعْدَادِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ كَالنِّسَبِ بَيْنَ الْكُلِّيَّاتِ الْمَنْطِقِيَّةِ فَكُلُّ عَدَدَيْنِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نِسْبَةٌ مِنْهَا لِأَنَّ الْعَدَدَيْنِ إمَّا أَنْ يَتَسَاوَيَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 807 هَذِهِ مُقَدِّمَةٌ يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي تَقْسِيمِ التَّرِكَةِ (فَتَمَاثُلُ الْعَدَدَيْنِ كَوْنُ أَحَدِهِمَا مُسَاوِيًا لِلْآخَرِ) كَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثَةٍ (وَتَدَاخُلُ الْعَدَدَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ) بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ عَلَى مَا هُنَا إمَّا (بِأَنْ يَعُدَّ أَقَلُّهُمَا الْأَكْثَرَ) أَيْ يُفْنِيهِ (أَوْ يَكُونَ أَكْثَرُ الْعَدَدَيْنِ مُنْقَسِمًا عَلَى الْأَقَلِّ قِسْمَةً صَحِيحَةً) بِلَا كَسْرٍ كَقِسْمَةِ السِّتَّةِ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْ اثْنَيْنِ (وَتَوَافُقُ الْعَدَدَيْنِ أَنْ لَا يَعُدَّ) أَيْ لَا يُفْنِي أَقَلُّهُمَا الْأَكْثَرِ لَكِنْ يَعُدُّهُمَا (عَدَدٌ ثَالِثٌ) كَالثَّمَانِيَةِ مَعَ الْعِشْرِينَ يَعُدُّهُمَا أَرْبَعَةٌ فَيُوَافِقَانِ بِالرُّبُعِ (وَتَبَايُنُ الْعَدَدَيْنِ) أَنْ لَا يَعُدَّ الْعَدَدَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ (عَدَدٌ ثَالِثٌ) أَصْلًا كَالتِّسْعَةِ مَعَ الْعَشَرَةِ (وَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ التَّوَافُقِ وَالتَّبَايُنِ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ أَسْقِطْ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) مِرَارًا حَتَّى إذَا اتَّفَقَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ (فَإِنْ تَوَافَقَا فِي وَاحِدٍ تَبَايَنَا) الْأَوْفَقُ (وَإِنْ تَوَافَقَا فِي اثْنَيْنِ فَبِالنِّصْفِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَبِالثُّلُثِ) هَكَذَا (إلَى الْعَشَرَةِ)   [رد المحتار] أَوْ لَا فَإِنْ تَسَاوَيَا فَهُمَا مُتَمَاثِلَانِ وَإِلَّا فَإِمَّا أَنْ يُفْنِيَ الْأَقَلُّ الْأَكْثَرَ أَوْ لَا فَإِنْ أَفْنَاهُ فَهُمَا مُتَدَاخِلَانِ وَإِلَّا فَإِمَّا أَنْ يُفْنِيَهُمَا عَدَدٌ ثَالِثٌ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ فَمُتَوَافِقَانِ وَإِلَّا فَمُتَبَايِنَانِ (قَوْلُهُ: هَذِهِ مُقَدِّمَةٌ إلَخْ) أَيْ هَذِهِ النِّسَبُ يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهَا فِي تَقْسِيمِ التَّرِكَةِ عَلَى أَعْدَادِ الْمُسْتَحِقِّينَ بِلَا كَسْرٍ بِأَنْ تُصَحَّحَ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَقَلِّ عَدَدٍ يُمْكِنُ فَهِيَ تَوْطِئَةٌ لِتَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَدَدَ مَا تَأَلَّفَ مِنْ الْآحَادِ كَالِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا وَمِنْ خَوَاصِّهِ أَنْ يُسَاوِيَ نِصْفَ مَجْمُوعِ حَاشِيَتَيْهِ الْقَرِيبَتَيْنِ أَوْ الْبَعِيدَتَيْنِ كَالْأَرْبَعَةِ مَثَلًا فَإِنَّ حَاشِيَتَيْهَا الْقَرِيبَتَيْنِ ثَلَاثَةٌ وَخَمْسَةٌ وَمَجْمُوعُهُمَا ثَمَانِيَةٌ وَالْأَرْبَعَةُ نِصْفُ الْحَاشِيَتَيْنِ وَحَاشِيَتَاهَا الْبَعِيدَتَانِ اثْنَانِ وَسِتَّةٌ أَوْ وَاحِدٌ وَسَبْعَةٌ وَالْأَرْبَعَةُ نِصْفُ مَجْمُوعِهِمَا وَكَالِاثْنَيْنِ يُسَاوِي نِصْفَ مَجْمُوعِ الْوَاحِدِ وَالثَّلَاثَةِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُسَمَّى عَدَدًا عِنْدَ الْحُسَّابِ (قَوْلُهُ الْمُخْتَلِفَيْنِ) أَيْ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَالِاخْتِلَافُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي التَّمَاثُلِ بَلْ فِي التَّدَاخُلِ وَمَا بَعْدَهُ إلَّا أَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي التَّدَاخُلِ وَحْدَهُ وَأَشْعَرَ بِهِ فِيمَا بَعْدَهُ سَيِّدٌ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا هُنَا) لِأَنَّهُ زَادَ فِي السِّرَاجِيَّةِ أَمْرَيْنِ آخَرَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ تَزِيدَ عَلَى الْأَقَلِّ مِثْلُهُ أَوْ أَمْثَالُهُ فَيُسَاوِي الْأَكْثَرَ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْأَقَلُّ جَزْءَ الْأَكْثَرِ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الِاخْتِلَافِ فِي الْعِبَارَةِ (قَوْلُهُ أَيْ يُفْنِيهِ) بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا أَلْقَى الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْأَكْثَرِ شَيْءٌ كَالثَّلَاثَةِ وَالسِّتَّةِ فَإِذَا أَلْقَيْت الثَّلَاثَةَ مِنْ السِّتَّةِ مَرَّتَيْنِ فَنِيَتْ السِّتَّةُ بِالْكُلِّيَّةِ وَكَذَا إذَا أَلْقَيْتهَا مِنْ التِّسْعَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِخِلَافِ الثَّمَانِيَةِ فَإِنَّك إذَا أَلْقَيْت مِنْهَا الثَّلَاثَةَ مَرَّتَيْنِ بَقِيَ اثْنَانِ فَلَا يُمْكِنُ إفْنَاؤُهَا بِالثَّلَاثَةِ لَكِنْ إذَا أُلْقِيَ مِنْهَا اثْنَانِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَنِيَتْ الثَّمَانِيَةُ فَهُمَا أَيْضًا مُتَدَاخِلَانِ سَيِّدٌ (قَوْلُهُ بَعْدَهُمَا أَرْبَعَةٌ) وَكَذَا يَعُدُّهُمَا اثْنَانِ فَيَتَوَافَقَانِ بِالنِّصْفِ لَكِنْ إذَا تَعَدَّدَ الْعَادُّ اُعْتُبِرَ الْأَكْبَرُ لِيَكُونَ جُزْءَ الْوَفْقِ أَقَلَّ كَالِاثْنَيْ عَشَرَ وَالثَّمَانِيَةَ عَشَرَةَ يَتَوَافَقَانِ بِالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالسُّدُسِ إلَّا أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي سُهُولَةِ الْحِسَابِ بِتَوَافُقِهِمَا فِي السُّدُسِ (قَوْلُهُ فَيَتَوَافَقَانِ بِالرُّبْعِ) لِأَنَّ الْعَدَدَ الْعَادَّ لَهُمَا مَخْرَجٌ لِجُزْءِ الْوَفْقِ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا عَدَّهُمَا الْأَرْبَعَةُ وَهِيَ مَخْرَجٌ لِلرُّبْعِ كَانَا مُتَوَافِقَيْنِ بِهِ سَيِّدٌ (قَوْلُهُ كَالتِّسْعَةِ مَعَ الْعَشَرَةِ) فَإِنَّهُ لَا يَعُدُّهُمَا شَيْءٌ سِوَى الْوَاحِدِ الَّذِي لَيْسَ بِعَدَدٍ [تَنْبِيهٌ] زَادَ ابْنُ الْكَمَالِ فِي التَّعْرِيفِ قَيْدًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ لَا يُفْنِيَ أَحَدَهُمَا الْآخَرُ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ مَعَ الْأَرْبَعَةِ لَا يَعُدُّهُمَا عَدَدٌ ثَالِثٌ مَعَ أَنَّهُمَا مِنْ الْمُتَدَاخِلَيْنِ لَا مِنْ الْمُتَبَايِنَيْنِ وَبِالْقَيْدِ الْمَذْكُورِ يُحْتَرَزُ عَنْهُمَا لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ يَعُدُّ الْأَرْبَعَةَ (قَوْلُهُ وَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ التَّوَافُقِ إلَخْ) لَمَّا كَانَتْ مَعْرِفَةُ التَّمَاثُلِ وَالتَّدَاخُلِ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ ظَاهِرَةً وَفِي مَعْرِفَةِ التَّوَافُقِ وَالتَّبَايُنِ بَيْنَهُمَا خَفَاءٌ ذَكَرَ لَهُمَا طَرِيقَةً أُخْرَى (قَوْلُهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) أَيْ تُسْقِطُ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ إلَى أَنْ يَصِيرَ الْأَكْثَرُ أَقَلَّ ثُمَّ تَنْقُصُهُ عَنْ الْأَقَلِّ اهـ قَاسِمٌ (قَوْلُهُ تَبَايَنَا) أَيْ حَصَلَ التَّبَايُنُ بَيْنَهُمَا كَالْخَمْسَةِ مَعَ السَّبْعَةِ فَإِنَّك إذَا أَسْقَطَتْ الْخَمْسَةَ مِنْ السَّبْعَةِ بَقِيَ اثْنَانِ فَإِذَا أَسْقَطْتهمَا مِنْ الْخَمْسَةِ مَرَّتَيْنِ بَقِيَ وَاحِدٌ (قَوْلُهُ فَبِالنِّصْفِ) أَيْ فَهُمَا مُتَوَافِقَانِ بِالنِّصْفِ كَالسِّتَّةِ مَعَ الْعَشَرَةِ فَإِنَّك إذَا أَسْقَطْت السِّتَّةَ مِنْ الْعَشَرَةِ بَقِيَ أَرْبَعَةٌ فَإِذَا أَسْقَطَتْهَا مِنْ السِّتَّةِ بَقِيَ اثْنَانِ (قَوْلُهُ فَبِالثُّلُثِ) أَيْ فَهُمَا مُتَوَافِقَانِ بِالثُّلُثِ كَالتِّسْعَةِ مَعَ الِاثْنَيْ عَشَرَ (قَوْلُهُ هَكَذَا إلَى الْعَشَرَةِ) أَيْ وَإِنْ تَوَافَقَا فِي أَرْبَعَةِ فَهُمَا مُتَوَافِقَانِ بِالرُّبْعِ كَثَمَانِيَةٍ مَعَ الْعِشْرِينَ أَوْ فِي خَمْسَةٍ فَبِالْخُمْسِ كَخَمْسَةَ عَشَرَ مَعَ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ أَوْ فِي سِتَّةٍ فَبِالسُّدُسِ كَاثْنَيْ عَشَرَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 808 وَتُسَمَّى الْكُسُورَ الْمُنَطَّقَةَ (أَوْ أَحَدَ عَشَرَ فَيُجَزَّأُ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ وَهَكَذَا) وَيُسَمَّى الْأَصَمَّ (وَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ نَصِيبِ كُلِّ فَرِيقٍ) كَالْبَنَاتِ وَالْجَدَّاتِ وَالْأَعْمَامِ وَغَيْرِهِمْ (مِنْ التَّصْحِيحِ) الَّذِي اسْتَقَامَ عَلَى الْكُلِّ (فَاضْرِبْ مَا كَانَ لَهُ) أَيْ لِكُلِّ فَرِيقٍ (مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا) أَيْ فِي جُزْءِ السَّهْمِ الَّذِي ضَرَبْته (فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ يَخْرُجُ نَصِيبُهُ) أَيْ ذَلِكَ الْفَرِيقِ (ثُمَّ إذَا) أَرَدْت مَعْرِفَةَ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ (ضَرَبْت سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ فِي) جُزْءِ السَّهْمِ (الْمَضْرُوبِ يَخْرُجُ نَصِيبُهُ) وَالْأَوْضَحُ طَرِيقُ النِّسْبَةِ وَهُوَ أَنْ تَنْسُبَ سِهَامَ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ وَحْدَهُمْ ثُمَّ تُعْطِي بِمِثْلِ تِلْكَ النِّسْبَةِ مِنْ الْمَضْرُوبِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ   [رد المحتار] مَعَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَوْ فِي سَبْعَةٍ فَبِالسُّبْعِ كَأَرْبَعَةَ عَشَرَ مَعَ إحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ فِي ثَمَانِيَةٍ فَبِالثُّمُنِ كَسِتَّةَ عَشَرَ مَعَ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ أَوْ فِي تِسْعَةٍ فَبِالتُّسْعِ كَثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَعَ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ أَوْ فِي عَشَرَةٍ فَبِالْعُشْرِ كَالْعِشْرِينَ مَعَ الثَّلَاثِينَ (قَوْلَهُ وَتُسَمَّى الْكُسُورَ الْمُنَطَّقَةَ) الْكَسْرُ الْمُنَطَّقُ هُوَ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ حَقِيقَةً بِلَفْظِ الْجُزْئِيَّةِ وَغَيْرِهِ كَالْخُمُسِ فَإِنَّهُ كَمَا يُقَالُ فِيهِ خُمُسٌ يُقَالُ فِيهِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَالْأَصَمُّ مَا لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ إلَّا بِلَفْظِ الْجُزْئِيَّةِ كَالْوَاحِدِ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ فَلَا يُقَالُ فِيهِ سِوَى جُزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَحَدَ عَشَرَ) أَيْ وَإِنْ تَوَافَقَا فِي أَحَدَ عَشَرَ فَهُمَا مُتَوَافِقَانِ بِجُزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ كَاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مَعَ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ (قَوْلُهُ: وَهَكَذَا) كَمَا إذَا تُوَافِقَانِ فِي جُزْءٍ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ كَسِتَّةٍ وَعِشْرِينَ مَعَ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ أَوْ فِي جُزْءٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ كَأَرْبَعَةٍ وَثَلَاثِينَ مَعَ وَاحِدٍ وَخَمْسِينَ أَوْ فِي جُزْءٍ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ كَثَمَانِيَةٍ وَثَلَاثِينَ مَعَ سَبْعَةٍ وَخَمْسِينَ [تَنْبِيهٌ] إذَا تَوَافَقَا فِي عَدَدٍ مُرَكَّبٍ وَهُوَ مَا يَتَأَلَّفُ مِنْ ضَرْبِ عَدَدٍ فِي عَدَدٍ كَخَمْسَةَ عَشَرَ مَعَ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ فَإِنْ شِئْت قُلْت هُمَا مُتَوَافِقَانِ بِجُزْءٍ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ شِئْت نَسَبْت الْوَاحِدَ إلَيْهِ بِكَسْرَيْنِ يُضَافُ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فَتَقُولُ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ بِثُلُثِ خُمُسٍ أَوْ خُمُسِ ثُلُثٍ فَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْجُزْءِ وَبِالْكُسُورِ الْمُنَطَّقَةِ الْمُضَافَةِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُرَكَّبِ فَإِنَّهُ لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ إلَّا بِالْجُزْءِ (قَوْلُهُ: وَإِذَا أَرَدْت إلَخْ) شُرُوعٌ فِي مَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلِّ فَرِيقٍ وَفِي مَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ وَالثَّانِي يُسَمَّى قِسْمَةَ النَّصِيبِ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ أَنَّهُ كَانَ لِلزَّوْجَتَيْنِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ 3 فَاضْرِبْهَا فِي جُزْءِ السَّهْمِ الَّذِي ضَرَبْته فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ 210 تَبْلُغُ 630 فَهِيَ نَصِيبُ الزَّوْجَاتِ مِنْ التَّصْحِيحِ وَكَانَ لِلْبَنَاتِ 16 فَاضْرِبْهَا فِي جُزْءِ السَّهْمِ الْمَذْكُورِ تَبْلُغُ 3360 فَهِيَ لَهُنَّ وَكَانَ لِلْجَدَّاتِ 4 فَاضْرِبْهَا فِيهِ أَيْضًا تَبْلُغُ 840 فَهِيَ لَهُنَّ وَكَانَ لِلْأَعْمَامِ سَهْمٌ فَاضْرِبْهُ فِي 210 فَهِيَ لَهُمْ (قَوْلُهُ: ضَرَبْت سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ أَنْ تَقْسِمَ مَا كَانَ لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ حَتَّى يَعْرِفَ مَا يَضْرِبُ فِي جُزْءِ السَّهْمِ بَيَانُهُ كَانَ لِلزَّوْجَتَيْنِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ 3 فَاقْسِمْهَا عَلَيْهِمَا يَخْرُجُ وَاحِدٌ وَنِصْفٌ فَاضْرِبْهُ فِي الْمَضْرُوبِ وَهُوَ 210 تَبْلُغُ 315 فَهِيَ لِكُلِّ زَوْجَةٍ وَكَانَ لِلْبَنَاتِ 16 فَاقْسِمْهَا عَلَى 10 عَدَدِ رُءُوسِهِنَّ يَخْرُجُ سَهْمٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ سَهْمٍ فَاضْرِبْهُ فِي الْمَضْرُوبِ تَبْلُغُ 336 فَهِيَ لِكُلِّ بِنْتٍ وَكَانَ لِلْجَدَّاتِ 4 فَاقْسِمْهَا عَلَى 6 عَدَدِ رُءُوسِهِنَّ يَخْرُجُ ثُلُثَانِ فَاضْرِبْهُ فِي الْمَضْرُوبِ يَبْلُغُ 140 فَهِيَ لِكُلِّ جَدَّةٍ وَكَانَ لِلْأَعْمَامِ سَهْمٌ فَاقْسِمْهُ عَلَى عَدَدِهِمْ 7 يَخْرُجُ سُبُعُ سَهْمٍ فَاضْرِبْهُ فِي الْمَضْرُوبِ تَبْلُغُ 30 فَهِيَ لِكُلِّ عَمٍّ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْضَحُ طَرِيقُ النِّسْبَةِ إلَخْ) فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ كَانَ لِلزَّوْجَتَيْنِ 3 وَنِسْبَتُهَا إلَيْهِمَا مِثْلٌ وَنِصْفٌ فَأَعْطِ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَضْرُوبِ مِثْلَ تِلْكَ النِّسْبَةِ أَيْ مِثْلَهُ وَنِصْفَ مِثْلِهِ يَكُنْ مَا مَرَّ وَسِهَامُ الْبَنَاتِ 16 نِسْبَتُهَا إلَى رُءُوسِهِنَّ وَهُوَ 10 مِثْلٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ مِثْلٍ فَأَعْطِ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَضْرُوبِ مِثْلَهُ وَثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ مِثْلِهِ يَكُنْ مَا مَرَّ وَسِهَامُ الْجَدَّاتِ 4 نِسْبَتُهَا إلَى رُءُوسِهِنَّ وَهُوَ 6 ثُلُثَانِ فَأَعْطِ كُلَّ وَاحِدَةٍ ثُلُثَيْ الْمَضْرُوبِ يَكُنْ مَا مَرَّ وَلِلْأَعْمَامِ سَهْمٌ نِسْبَتُهُ إلَى رُءُوسِهِمْ وَهُوَ 7 سُبُعُ سَهْمٍ فَأَعْطِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سُبُعَ الْمَضْرُوبِ يَكُنْ مَا مَرَّ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا أَوْضَحَ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى قِسْمَةٍ وَضَرْبٍ وَقَدْ قِيلَ مَنْ مَلَكَ النِّسْبَةَ مَلَكَ الْحِسَابَ لَكِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 809 (وَإِذَا أَرَدْت قِسْمَةَ التَّرِكَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ) يَعْنِي أَنَّ كُلًّا وَحْدَهُ لَا مَعًا لِتَقَدُّمِ الْغُرَمَاءِ عَلَى قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ كَمَا فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِحَيْدَرٍ (فَإِنْ كَانَ بَيْنَ التَّرِكَةِ وَالتَّصْحِيحِ مُمَاثَلَةٌ) فَظَاهِرٌ أَوْ (مُوَافَقَةٌ ضَرَبْت سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ التَّصْحِيحِ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ) كَذَا فِي نُسَخِ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ وَالْمُوَافِقِ لِلسِّرَاجِيَّةِ وَغَيْرِهَا فِي وَفْقِ التَّرِكَةِ فَإِنَّمَا يَضْرِبُ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ عِنْدَ الْمُبَايَنَةِ وَهَذَا لِمَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلِّ فَرْدٍ (وَتَعْمَلُ كَذَلِكَ فِي مَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلِّ فَرِيقٍ) مِنْهُمْ وَأَمَّا قَضَاءُ الدُّيُونِ فَإِنْ وَفَّى فَبِهَا (وَ) إنْ لَمْ يُوَفِّ وَتَعَدَّدَ الْغُرَمَاءُ (يَنْزِلُ مَجْمُوعُ الدُّيُونِ) كَالتَّصْحِيحِ لِلْمَسْأَلَةِ (وَ) يَنْزِلُ (كُلَّ دَيْنٍ)   [رد المحتار] رُبَّمَا كَانَتْ النِّسْبَةُ أَعْسَرَ فَالْعَمَلُ بِالضَّرْبِ أَيْسَرُ وَثَمَّةَ طُرُقٌ أُخَرُ (قَوْلُهُ: وَإِذَا أَرَدْت قِسْمَةَ التَّرِكَةِ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَعْيِينِ نَصِيبِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ التَّصْحِيحِ ثُمَّ تَعْيِينِ نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ مِنْهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَعْيِينُ نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ كُلِّ التَّرِكَةِ بِطَرِيقَيْنِ يَتَوَافَقَانِ عَلَى مَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ التَّصْحِيحِ (قَوْلُهُ: يَعْنِي أَنَّ كُلًّا وَحْدَهُ) جَوَابٌ عَمَّا أَوْرَدَ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ كَالسِّرَاجِيَّةِ وَالْغُرَمَاءُ بِالْوَاوِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ التَّرِكَةَ إنْ كَانَتْ وَافِيَةً بِجَمِيعِ الدُّيُونِ وَبَقِيَ لِلْوَرَثَةِ شَيْءٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَتَكُونُ الْقِسْمَةُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ لِلْوَرَثَةِ شَيْءٌ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ فَلَفْظُ بَيْنَ مُقَدَّرٌ أَيْ بَيْنَ أَفْرَادِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ وَبَيْنَ أَفْرَادِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ فَالْقِسْمَةُ مُتَعَدِّدَةٌ بِتَعَدُّدِ أَحْوَالِهَا لَا وَاحِدَةٌ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ مَعًا أَوْ يُجَابُ بِأَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَيْضًا مَا قُلْنَا. (قَوْلُهُ: ضَرَبْت سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ إلَخْ) أَيْ ثُمَّ قَسَمْت الْمَبْلَغَ عَلَى التَّصْحِيحِ إنْ ضَرَبْت فِي كُلِّ التَّرِكَةِ أَوْ عَلَى وَفْقِهِ إنْ ضَرَبْت فِي وَفْقِهَا وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَإِنْ تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ (قَوْلُهُ: وَالْمُوَافِقِ لِلسِّرَاجِيَّةِ إلَخْ) لَمْ يَقُلْ وَالصَّوَابُ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ يَصِحُّ الضَّرْبُ فِي كُلِّ التَّرِكَةِ كَمَا فِي الْمُبَايَنَةِ وَكَذَا فِي الْمُدَاخَلَةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ تَطْوِيلَ الْحِسَابِ فَكَانَ الْأَوْلَى الضَّرْبُ فِي الْوَفْقِ عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ وَفِي الْكُلِّ عِنْدَ الْمُبَايَنَةِ مِثَالُ الْمُوَافَقَةِ زَوْجٌ وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ وَشَقِيقَتَانِ أَصْلُهَا مِنْ 6 وَتَعُولُ إلَى 9 وَالتَّرِكَةُ 60 دِينَارًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّصْحِيحِ مُوَافَقَةٌ بِالثُّلُثِ فَلِلزَّوْجِ مِنْ التِّسْعَةِ 3 فَاضْرِبْهَا فِي 20 وَفْقِ التَّرِكَةِ يَكُنْ 60 فَاقْسِمْهَا عَلَى وَفْقِ التَّصْحِيحِ وَهُوَ 3 يَخْرُجُ 20 هِيَ لَهُ مِنْ التَّرِكَةِ وَلِأَحَدِ الْأَخَوَيْنِ سَهْمٌ فَاضْرِبْهُ فِي الْوَفْقِ يَكُنْ 20 فَاقْسِمْهَا عَلَى الثَّلَاثَةِ يَخْرُجُ 6 وَثُلُثَانِ هِيَ لَهُ وَلِأَخِيهِ مِثْلُهُ وَلِإِحْدَى الشَّقِيقَتَيْنِ 2 فَاضْرِبْهُمَا فِي الْوَفْقِ يَكُنْ 40 فَاقْسِمْهَا عَلَى الثَّلَاثَةِ يَخْرُجُ 13 وَثُلُثٌ هِيَ لَهَا وَلِأُخْتِهَا مِثْلُهَا وَمِثَالُ الْمُبَايَنَةِ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَشَقِيقَةٌ أَصْلُهَا مِنْ 6 وَتَعُولُ إلَى 8 وَالتَّرِكَةُ 25 دِينَارًا فَبَيْنَهُمَا مُبَايَنَةٌ لِلزَّوْجِ مِنْ الثَّمَانِيَةِ 3 فَاضْرِبْهَا فِي 25 كُلِّ التَّرِكَةِ تَبْلُغُ 75 فَاقْسِمْهَا عَلَى 8 يَخْرُجُ 9 وَثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ هِيَ لَهُ وَلِلشَّقِيقَةِ مِثْلُهُ وَلِلْأُمِّ مِنْ الثَّمَانِيَةِ 2 فَاضْرِبْهُمَا فِي 25 تَبْلُغُ 50 فَاقْسِمْهَا عَلَى 8 يَخْرُجُ 6 وَرُبُعٌ هِيَ لَهَا وَلَوْ ضَرَبْت فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ التَّصْحِيحِ فِي كُلِّ التَّرِكَةِ ثُمَّ قَسَمْت الْحَاصِلَ عَلَى كُلِّ التَّصْحِيحِ كَمَا فَعَلْت هُنَا لَصَحَّ ذَلِكَ وَلَكِنْ فِيهِ تَطْوِيلٌ كَمَا قُلْنَا وَلَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي 24 كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّصْحِيحِ مُدَاخَلَةٌ لِدُخُولِ الثَّمَانِيَةِ فِي 24 وَيَجُوزُ الْعَمَلُ فِيهَا كَالْمُبَايَنَةِ أَيْضًا لَكِنَّ الْأَخْصَرَ عَمَلُ الْمُوَافَقَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَسْرٍ وَهُوَ الثُّمُنُ مَخْرَجُ أَقَلِّهِمَا وَهُوَ الثَّمَانِيَةُ فَهُمَا فِي حُكْمِ الْمُتَوَافِقَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَتَعْمَلُ كَذَلِكَ فِي مَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) بِأَنْ تَضْرِبَ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ نَصِيبَ الْأَخَوَيْنِ وَنَصِيبَ الْأُخْتَيْنِ فِيمَا ضَرَبْت فِيهِ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا وَتَقْسِمَ الْحَاصِلَ عَلَى وَفْقِ التَّصْحِيحِ فَالْخَارِجُ نَصِيبُ كُلِّ فَرِيقٍ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقِسْمَةِ بِطَرِيقِ الضَّرْبِ هُوَ أَشْهَرُ أَوْجُهٍ خَمْسَةٍ وَبَيَانُهَا مَعَ بَيَانِ مَا لَوْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ كَسْرٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَضَاءُ الدُّيُونِ) أَيْ طَرِيقُ قِسْمَتِهَا وَتُسَمَّى الْمُحَاصَّةَ (قَوْلُهُ: فَبِهَا) أَيْ بِالتَّوْفِيَةِ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَنِعْمَتْ هِيَ (قَوْلُهُ: وَتَعَدَّدَ الْغُرَمَاءُ) فَلَوْ كَانَ الْغَرِيمُ وَاحِدًا فَلَا قِسْمَةَ (قَوْلُهُ: يَنْزِلُ مَجْمُوعُ الدُّيُونِ كَالتَّصْحِيحِ إلَخْ) بِأَنْ تَنْظُرَ بَيْنَ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ وَبَقِيَّةِ التَّرِكَةِ بَعْدَ التَّجْهِيزِ فَإِنْ تَوَافَقَا كَمَا إذَا تَرَكَ 12 دِينَارًا وَعَلَيْهِ 18 لِزَيْدٍ 4 وَلِعَمْرٍو 2 وَلِبَكْرٍ 12 فَالْمُوَافَقَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 810 غَرِيمٌ (كَسِهَامِ وَارِثٍ) وَيُعْمَلُ كَمَا مَرَّ ثُمَّ شَرَعَ فِي مَسْأَلَةِ التَّخَارُجِ فَقَالَ (وَمَنْ صَالَحَ مِنْ الْوَرَثَةِ) وَالْغُرَمَاءِ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ مِنْهَا (طُرِحَ) أَيْ اطْرَحْ سَهْمَهُ مِنْ التَّصْحِيحِ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ اسْتَوْفَى نَصِيبَهُ (ثُمَّ قَسَمَ الْبَاقِي مِنْ التَّصْحِيحِ) أَوْ الدُّيُونِ (عَلَى سِهَامِ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ) فَتَصِحُّ مِنْهُ كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَعَمٍّ فَصَالَحَ الزَّوْجُ عَلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْمَهْرِ وَخَرَجَ مِنْ بَيْنَ الْوَرَثَةِ فَاطْرَحْ سِهَامَهُ مِنْ التَّصْحِيحِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ وَاقْسِمْ بَاقِي التَّرِكَةِ وَهِيَ مَا عَدَا الْمَهْرِ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْعَمِّ أَثْلَاثًا بِقَدْرِ سِهَامِهِمَا مِنْ التَّصْحِيحِ قَبْلَ التَّخَارُجِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ سَهْمَانِ لِلْأُمِّ وَسَهْمٌ لِلْعَمِّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الزَّوْجُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لِئَلَّا يَنْقَلِبَ فَرْضُ الْأُمِّ مِنْ ثُلُثِ أَصْلِ الْمَالِ إلَى ثُلُثِ أَصْلِ الْبَاقِي لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ لِلْأُمِّ سَهْمٌ وَلِلْعَمِّ سَهْمَانِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ قَالَهُ السَّيِّدُ وَغَيْرُهُ قُلْت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَلَقَدْ غَلِطَ فِي قِسْمَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَاحِبُ الْمُخْتَارِ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرُهُمَا عَلَى مَا عِنْدِي مِنْ النُّسَخِ فَإِنَّهُمَا قَسَمَا الْبَاقِي لِلْأُمِّ سَهْمٌ وَلِلْعَمِّ سَهْمَانِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ قُطْبُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ سُلْطَانٍ فِي شَرْحِهِ لِلْكَنْزِ وَقَوْلُهُ: وَاجْعَلْهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، فِيهِ نَظَرٌ.   [رد المحتار] بِالسُّدُسِ فَاضْرِبْ دَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي وَفْقِ التَّرِكَةِ وَهُوَ 2 ثُمَّ اقْسِمْ الْحَاصِلَ عَلَى وَفْقِ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ وَهُوَ 3 يَخْرُجُ لِزَيْدٍ 2 وَثُلُثَانِ وَلِعَمْرٍو 1 وَثُلُثٌ وَلِبَكْرٍ 8 وَإِنْ تَبَايَنَا كَمَا إذَا فَرَضْنَا التَّرِكَةَ فِي مَسْأَلَتِنَا 11 فَاضْرِبْ دَيْنَ كُلٍّ فِي كُلِّ التَّرِكَةِ وَاقْسِمْ الْحَاصِلَ عَلَى مَجْمُوعِ الدُّيُونِ يَخْرُجُ لِزَيْدٍ 2 وَأَرْبَعَةُ أَتْسَاعٍ وَلِعَمْرٍو 1 وَتُسْعَانِ وَلِبَكْرٍ 7 وَثُلُثٌ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى 24 دِينَارًا كَانَ بَيْنَهُمَا مُدَاخَلَةً فَتَعْمَلُ فِيهَا كَالْمُوَافَقَةِ وَيَصِحُّ أَنْ تَعْمَلَ فِيهَا وَفِي الْمُوَافَقَةِ كَالْمُبَايَنَةِ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي مَسْأَلَةِ التَّخَارُجِ) تَفَاعُلٌ مِنْ الْخُرُوجِ وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاحِ تَصَالُحُ الْوَرَثَةِ عَلَى إخْرَاجِ بَعْضِهِمْ عَنْ الْمِيرَاثِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ قَالَ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ وَأَصْلُهُ مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - طَلَّقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إحْدَى نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رُبُعَ الثُّمُنِ فَصَالَحُوهَا عَنْهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ أَلْفًا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَفِي رِوَايَةٍ ثَمَانِينَ أَلْفًا وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ اهـ. قُلْت: وَلَهُ أَحْكَامٌ وَشُرُوطٌ تَقَدَّمَتْ آخِرَ كِتَابِ الصُّلْحِ، وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أَنَّهُمْ لَوْ أَخْرَجُوا وَاحِدًا، وَأَعْطَوْهُ مِنْ مَالِهِمْ فَحِصَّتُهُ تُقْسَمُ بَيْنَ الْبَاقِي عَلَى السَّوَاءِ وَإِنْ كَانَ الْمُعْطَى مِمَّا وَرِثُوهُ فَعَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ قَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ وَقَيَّدَهُ الْخَصَّافُ بِكَوْنِهِ عَنْ إنْكَارٍ فَلَوْ عَنْ إقْرَارٍ فَعَلَى السَّوَاءِ اهـ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: وَالْغُرَمَاءُ) أَيْ أَرْبَابُ الدُّيُونِ وَلَمْ يَذْكُرْهُمْ فِي السِّرَاجِيَّةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمْ فِي الْمُلْتَقَى وَالْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِمَا فَحُكْمُهُمْ فِي الْقِسْمَةِ وَالتَّخَارُجِ حُكْمُ الْوَرَثَةِ وَمِثْلُهُمْ الْمُوصَى لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ آخِرَ كِتَابِ الصُّلْحِ (قَوْلُهُ: أَيْ اطْرَحْ سَهْمَهُ مِنْ التَّصْحِيحِ) أَيْ صَحِّحْ الْمَسْأَلَةَ مَعَ وُجُودِ الْمُصَالِحِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ ثُمَّ اطْرَحْ سِهَامَهُ مِنْ التَّصْحِيحِ سَيِّدٌ (قَوْلُهُ: كَزَوْجٍ إلَخْ) أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ سَهْمَانِ وَلِلْعَمِّ الْبَاقِي سَهْمٌ وَاحِدٌ (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ يَكُونُ إلَخْ) فَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ صَالَحَ الْعَمَّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ وَخَرَجَ مِنْ الْبَيْنِ فَالْمَسْأَلَةُ أَيْضًا مِنْ سِتَّةٍ فَإِذَا خَرَجَ نَصِيبُ الْعَمِّ بَقِيَ خَمْسَةٌ ثَلَاثَةٌ لِلزَّوْجِ وَاثْنَانِ لِلْأُمِّ فَيُجْعَلُ الْبَاقِي أَخْمَاسًا بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْأُمِّ فَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ وَلِلْأُمِّ خُمُسَانِ وَإِنْ صَالَحَتْ الْأُمُّ عَلَى شَيْءٍ وَخَرَجَتْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا مِنْ سِتَّةٍ فَإِذَا طُرِحَ مِنْهَا سَهْمَانِ لِلْأُمِّ بَقِيَ أَرْبَعَةٌ فَيُجْعَلُ الْبَاقِي مِنْ التَّرِكَةِ أَرْبَاعًا ثَلَاثَةٌ مِنْهَا لِلزَّوْجِ وَوَاحِدٌ لِلْعَمِّ سَيِّدٌ. (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَنْقَلِبَ فَرْضُ الْأُمِّ إلَخْ) أَيْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَهَذِهِ الصُّورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَكَانَ الْعَمِّ أَبٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُ دُخُولِ الزَّوْجِ فِي التَّصْحِيحِ لِأَنَّ لِلْأُمِّ سَهْمًا وَلِلْأَبِ سَهْمَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ (قَوْلُهُ: فِيهِ نَظَرٌ) أَصْلُهُ لِلزَّيْلَعِيِّ وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ قَبَضَ بَدَلَ نَصِيبِهِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ جَعْلُهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَلْ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ اسْتَوْفَى نَصِيبَهُ وَلَمْ يَسْتَوْفِ الْبَاقُونَ أَنْصِبَاءَهُمْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ وَخَلَّفَتْ ثَلَاثَ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَزَوْجًا فَصَالَحَتْ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَخَرَجَتْ مِنْ الْبَيْنِ كَانَ الْبَاقِي بَيْنَهُمْ أَخْمَاسًا ثَلَاثَةٌ لِلزَّوْجِ وَسَهْمٌ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَسَهْمٌ لِلْأُخْتِ لِأُمٍّ عَلَى مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ ثَمَانِيَةٍ لِأَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 811 ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَحَرَّرَ فَتَدَبَّرْ قَالَ مُؤَلِّفُهُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ الْعَاجِزُ الْحَقِيرُ مُحَمَّدٌ عَلَاءُ الدِّينِ ابْنُ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْحِصْنِيِّ الْحَنَفِيُّ الْحِصْنِيُّ الْعَبَّاسِيُّ الْإِمَامُ بِجَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ ثَمَّ الْمُفْتِي بِدِمَشْقَ الْمَحْمِيَّةِ قَدْ فَرَغْتُ مِنْ تَأْلِيفِهِ أَوَاخِرَ شَهْرِ مُحَرَّمٍ الْحَرَامِ سَنَةَ إحْدَى وَسَبْعِينَ وَأَلْفٍ هِجْرِيَّةً، عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى التَّحِيَّةِ، وَقَدْ بَالَغْتُ فِي تَلْخِيصِهِ وَتَحْرِيرِهِ وَتَنْقِيحِهِ، وَتَبِعْتُ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَغْيِيرِهِ لِمَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ مَتْنِهِ، وَتَصْحِيحِهِ وَنَبَّهْتُ عَلَيْهَا وَعَلَى مَوَاضِعِ سَهْوٍ أُخَرَ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالسَّلَامَةُ مِنْ هَذَا الْخَطَرِ، أَمْرٌ يَعِزُّ عَلَى الْبَشَرِ، فَسَتَرَ اللَّهُ عَلَى مَنْ سَتَرَ وَغَفَرَ لِمَنْ غَفَرَ: وَإِنْ تَجِدْ عَيْبًا فَسُدَّ الْخَلَلَا ... جَلَّ مَنْ لَا فِيهِ عَيْبٌ وَعَلَا   [رد المحتار] أَصْلَهَا مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إلَى ثَمَانِيَةٍ فَإِذَا اسْتَوْفَتْ الْأُخْتُ نَصِيبَهَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ بَقِيَ خَمْسَةٌ وَلَوْ جُعِلَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لَكَانَتْ مِنْ 6 وَبَقِيَ سَهْمٌ لِلْعَصَبَةِ اهـ وَصَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ لَكَانَتْ مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ بِسَهْمٍ إلَى سَبْعَةٍ كَمَا وُجِدَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الزَّيْلَعِيِّ وَلَكِنْ مَا مَرَّ وُجِدَ بِخَطِّهِ كَذَلِكَ فَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ إذْ لَا عَصَبَةَ هُنَا (قَوْلُهُ: ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَحَرَّرَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ فَاطْرَحْ سِهَامَهُ مِنْ التَّصْحِيحِ [خَاتِمَة الْكتاب] (قَوْلُهُ: قَالَ مُؤَلِّفُهُ) مِنْ التَّأْلِيفِ وَهُوَ إيقَاعُ الْأُلْفَةِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ أَوْ أَشْيَاءَ، أَخَصُّ مِنْ التَّرْكِيبِ، وَيُطْلَقُ عُرْفًا عَلَى كِتَابٍ جُمِعَتْ فِيهِ مَسَائِلُ مُؤْتَلِفَةٌ مِنْ أَيِّ عِلْمٍ كَانَ بِمَعْنَى الْمُؤَلَّفِ بِالْفَتْحِ وَجَامِعُهُ مُؤَلِّفٌ بِالْكَسْرِ (قَوْلُهُ: الْحَقِيرُ) مِنْ الْحَقْرِ وَهُوَ الذِّلَّةُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: الْحِصْنِيُّ) نِسْبَةٌ إلَى مَوْضِعٍ يُسَمَّى حِصْنَ كَيْفَا وَاشْتُهِرَ فِي نِسْبَةِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَفْظُ الْحَصْكَفِيِّ فَهُوَ مِنْ بَابِ النَّحْتِ (قَوْلُهُ: الْعَبَّاسِيُّ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ نِسْبَةٌ إلَى سَيِّدِنَا الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمِّ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: الْإِمَامُ) بِالرَّفْعِ صِفَةُ مُحَمَّدٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ صِفَةٌ لِعَلِيٍّ لَكِنْ الَّذِي كَانَ إمَامَ الْحَنَفِيَّةِ بِجَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ وَالْمُفْتِي بِدِمَشْقَ الْمَحْمِيَّةِ هُوَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَذَا كَانَ مُدَرِّسَ الْحَدِيثِ تَحْتَ الْقُبَّةِ بِجَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ وَمُدَرِّسَ التَّكِيَّةِ السَّلِيمَةِ وَلَمْ يَشْتَهِرْ وَالِدُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: هِجْرِيَّةً) نِسْبَةٌ إلَى الْهِجْرَةِ أَيْ هِجْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنُسِبَ التَّارِيخُ إلَيْهَا لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ مِنْهَا وَأَوَّلُ مَنْ ابْتَدَأَ بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْعَرَبُ كَانَتْ تُؤَرِّخُ بِعَامِ التَّفَرُّقِ وَهُوَ تَفَرُّقُ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَخُرُوجُهُمْ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ أَرَّخُوا بِعَامِ الْفِيلِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَبْلَ الْمَحَاضِرِ. (قَوْلُهُ: فِي تَلْخِيصِهِ) التَّلْخِيصُ التَّبْيِينُ وَالشَّرْحُ وَالتَّخْلِيصُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: وَتَحْرِيرِهِ وَتَنْقِيحِهِ) تَحْرِيرُ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ تَقْوِيمُهُ وَالتَّنْقِيحُ التَّهْذِيبُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: لِمَوَاضِعَ) اللَّامُ زَائِدَةٌ لِلتَّقْوِيَةِ (قَوْلُهُ: وَتَصْحِيحِهِ) عَطْفٌ عَلَى تَغْيِيرِهِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى مَوَاضِعِ سَهْوٍ أُخَرَ) أَيْ مِمَّا فَاتَ الْمُصَنِّفَ تَغْيِيرُهَا (قَوْلُهُ: وَبِالْجُمْلَةِ) أَيْ وَأَقُولُ قَوْلًا مُلْتَبِسًا بِالْجُمْلَةِ أَيْ مُجْتَمِعًا قَالَ فِي الْقَامُوسِ جَمَلَ جَمَعَ، وَأَجْمَلَ الشَّيْءَ جَمَعَهُ عَنْ تَفْرِقَةٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ وَإِنْ وَقَعَ مِنْ الْمُصَنِّفِ سَهْوٌ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ وَإِنْ نَبَّهْتُ عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ السَّهْوِ فَإِنِّي قَدْ أَسْهُو لِأَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ هَذَا الْخَطَرِ بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ الْإِشْرَافُ عَلَى الْهَلَاكِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْأَمْرُ الشَّاقُّ عَبَّرَ بِهِ عَنْ السَّهْوِ، أَمْرٌ يَعِزُّ بِالْكَسْرِ كَيَقِلُّ وَزْنًا وَمَعْنًى أَيْ يَنْدُرُ أَوْ يَعْسُرُ أَوْ يَضِيقُ أَوْ يَعْظُمُ عَلَى الْبَشَرِ فَلَا يُحَصِّلُونَهُ لِأَنَّ السَّهْوَ وَالنِّسْيَانَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِنْسَانِ وَأَوَّلُ نَاسٍ أَوَّلُ النَّاسِ وَفِي هَذَا هَضْمٌ لِنَفْسِهِ وَاعْتِذَارٌ عَنْهُ وَعَنْ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: فَسَتَرَ اللَّهُ عَلَى مَنْ سَتَرَ) الْفَاءُ فَصِيحَةٌ أَيْ إذَا كَانَ مَا ذُكِرَ فَالْمَطْلُوبُ السَّتْرُ إلَّا فِي مَقَامِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: وَغَفَرَ لِمَنْ غَفَرَ) الْغَفْرُ السَّتْرُ فَهُوَ عَطْفٌ مُرَادِفٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَجِدْ عَيْبًا إلَخْ) هَذَا الْبَيْتُ بِمَعْنَى الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: فَسُدَّ الْخَلَلَا) الْخَلَلُ مُنْفَرِجُ مَا بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَالْوَهَنُ فِي الْأَمْرِ وَأَمْرٌ مُخْتَلٌّ وَاهٍ وَأَخَلَّ بِالشَّيْءِ أَجْحَفَ قَامُوسٌ وَأَلِفُهُ لِلْإِطْلَاقِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَيْبُ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَأْتِيَ بَدَلَهُ الضَّمِيرُ وَلَكِنْ أَتَى بِالظَّاهِرِ مُعَبِّرًا عَنْهُ بِلَفْظٍ آخَرَ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّ الْعَيْبَ مِنْ سَهْوٍ وَنَحْوِهِ خَلَلٌ، نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 98] بَعْدَ قَوْلِهِ {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ} [البقرة: 98] الْآيَةَ لِلتَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ وَالْمُرَادُ بِسَدِّهِ سَتْرُهُ أَوْ تَأْوِيلُهُ حَيْثُ أَمْكَنَ. (قَوْلُهُ: جَلَّ) أَيْ عَظُمَ وَتَعَالَى فَعَطْفُ عَلَا عَلَيْهِ تَفْسِيرٌ وَهَذَا الْكَلَامُ مُرْتَبِطٌ بِكَلَامٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 812 كَيْفَ لَا وَقَدْ بَيَّضْتُهُ وَفِي قَلْبِي مِنْ نَارِ الْبِعَادِ، عَنْ الْبِلَادِ وَالْأَوْلَادِ، وَالْإِخْوَانِ وَالْأَحْفَادِ مَا يُفَتِّتُ الْأَكْبَادَ. فَرَحِمَ اللَّهُ التَّفْتَازَانِيُّ حَيْثُ اعْتَذَرَ وَأَجَادَ، حَيْثُ قَالَ نَظْمًا: يَوْمًا بِحُزْوَى وَيَوْمًا بِالْعَقِيقِ ... وَبِالْعَذِيبِ يَوْمًا وَيَوْمًا بِالْخُلَيْصَاءِ لَكِنْ لِلَّهِ الْحَمْدُ أَوَّلًا وَآخِرًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا   [رد المحتار] السِّيَاقُ أَيْ فَسُدَّ الْخَلَلَ وَلَا تُعَيِّرْ بِهِ وَلَا تَفْضَحْ فَإِنَّ كُلَّ بَنِي آدَمَ مَا عَدَا مَنْ عُصِمَ مِنْهُمْ فِيهِ عَيْبٌ وَاَلَّذِي تَنَزَّهَ عَنْ الْعُيُوبِ بِتَمَامِهَا هُوَ الْحَقُّ جَلَّا وَعَلَا ط وَالشَّطْرُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ مِنْ بَحْرِ الرَّجَزِ وَالشَّطْرُ الثَّانِي مِنْ بَحْرِ الرَّمَلِ وَلَوْ قَالَ إنْ تَجِدْ بِدُونِ وَاوٍ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ صَارَ الْأَوَّلُ مِنْ بَحْرِ الثَّانِي أَوْ قَالَ فَجَلَّ بِالْفَاءِ صَارَ الثَّانِي مِنْ بَحْرِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: كَيْفَ لَا) مَنْفِيُّ لَا مَحْذُوفٌ أَيْ كَيْفَ لَا يُوجَدُ مِنِّي سَهْوٌ وَالْحَالُ كَذَا فَهُوَ اعْتِذَارٌ آخَرُ عَنْ وُجُودِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بَيَّضْتُهُ) أَيْ نَقَلْتُهُ مِنْ الْمُسَوَّدَةِ إلَى الْمُبَيَّضَةِ وَالْمُسَوَّدَةُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُؤَلِّفِينَ الْأَوْرَاقُ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا إنْشَاءُ التَّأْلِيفِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ سَوَادِهَا بِكَثْرَةِ الْمَحْوِ وَالْإِثْبَاتِ، وَالْمُبَيَّضَةُ الَّتِي نَقَلَ إلَيْهَا الْمُؤَلِّفُ مَا أَنْشَأَهُ وَأَثْبَتَهُ فِي الْمُسَوَّدَةِ (قَوْلُهُ: مِنْ نَارِ الْبِعَادِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ مَصْدَرُ بَاعَدَ، وَمِنْ بَيَانٌ لِمَا فِي قَوْلِهِ مَا يُفَتِّتُ أَوْ تَعْلِيلِيَّةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} [نوح: 25] وَقَدْ شَبَّهَ مَا بِقَلْبِهِ مِنْ مَشَقَّةِ الْبِعَادِ وَأَلَمِ الْفِرَاقِ بِالنَّارِ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ أَصْلِيَّةٌ وَالْقَرِينَةُ إضَافَةُ النَّارِ إلَى الْبِعَادِ أَوْ شَبَّهَ الْبِعَادَ بِحَطَبٍ لَهُ نَارٌ اسْتِعَارَةٌ مَكِنِيَّةٌ وَإِثْبَاتُ النَّارِ لَهُ تَخْيِيلٌ أَوْ أَضَافَ الْمُشَبَّهَ بِهِ إلَى الْمُشَبَّهِ أَيْ مِنْ بِعَادٍ كَالنَّارِ، مِثْلُ لُجَيْنِ الْمَاءِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالْأَحْفَادِ) الْبَنَاتُ أَوْ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ أَوْ الْأَصْهَارُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: مَا يُفَتِّتُ الْأَكْبَادَ) أَيْ يُقَطِّعُهَا وَيَشُقُّهَا وَالْأَكْبَادُ جَمْعُ كَبْدٍ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَكَكَتِفٍ وَقَدْ يُذَكَّرُ قَامُوسٌ وَالْمُرَادُ كَبِدٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ كَبِدُهُ لِأَنَّ مَا فِي قَلْبِهِ لَا يُفَتِّتُ كَبِدَ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا جَمَعَ لِلسَّجْعَةِ أَوْ عَلَى مَعْنَى أَنَّ فِي قَلْبِي مِنْ جِنْسِ مَا يُفَتِّتُ الْأَكْبَادَ أَوْ أَنَّ فِي قَلْبِي مَا لَوْ كَانَ لِي أَكْبَادٌ مُتَعَدِّدَةٌ لَفَتَّتَهَا أَوْ أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ مِمَّا فِي قَلْبِي يَسْتَقِلُّ بِتَفْتِيتِ الْكَبِدِ فَصَارَتْ كَأَنَّهَا أَكْبَادٌ مُتَعَدِّدَةٌ (قَوْلُهُ: فَرَحِمَ اللَّهُ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ حَيْثُ ذَاقَ أَلَمَ الْفِرَاقِ وَكَابَدَ مَا يُكَابِدُهُ الْمُشْتَاقُ مِنْ تَشْتِيتِ الْبَالِ وَتَوَاتُرِ الْبَلْبَالِ عَلِمَ أَنَّ اعْتِذَارَ هَذَا الْإِمَامِ الَّذِي سَبَقَهُ بِنَحْوِ هَذَا الْكَلَامِ اعْتِذَارٌ مَقْبُولٌ لَا مَحَالَةَ فَتَحَرَّكَتْ نَفْسُهُ إلَى الدُّعَاءِ لَهُ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: لَا يَعْرِفُ الْوَجْدَ إلَّا مَنْ يُكَابِدُهُ ... وَلَا الصَّبَابَةَ إلَّا مَنْ يُعَانِيهَا (قَوْلُهُ: التَّفْتَازَانِيُّ) اسْمُهُ مَسْعُودٌ وَلَقَبُهُ سَعْدُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ نِسْبَةٌ إلَى تَفْتَازَانَ بِالْفَتْحِ بَلَدٌ بِخُرَاسَانَ وُلِدَ بِهَا سَنَةَ 722 وَتُوُفِّيَ بِسَمَرْقَنْدَ سَنَةَ 792 وَنُقِلَ إلَى سَرْخَسَ فَدُفِنَ بِهَا (قَوْلُهُ: حَيْثُ اعْتَذَرَ) أَيْ فِي خُطْبَةِ الْمُخْتَصَرِ شَرْحِ تَلْخِيصِ الْمَعَانِي وَقَالَ قَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ أَيْضًا مَعَ جُمُودِ الْقَرِيحَةِ بِصَرِّ الْبَلِيَّاتِ، وَخُمُودِ الْفَطِنَةِ بِصَرْصَرِ النَّكَبَاتِ، وَتَرَامِي الْبُلْدَانِ بِي وَالْأَقْطَارِ، وَنُبُوِّ الْأَوْطَانِ عَنِّي وَالْأَوْطَارِ، حَتَّى طَفِقْتُ أَجُوبُ كُلَّ أَغْبَرَ قَاتِمِ الْأَرْجَاءِ، وَأُحَرِّرُ كُلَّ سَطْرٍ مِنْهُ فِي شَطْرٍ مِنْ الْبَيْدَاءِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ قَالَ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ حَيْثُ اعْتَذَرَ. (قَوْلُهُ: يَوْمًا بِحُزْوَى إلَخْ) أَسْمَاءُ مَوَاضِعَ وَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ وَمُتَعَلَّقُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَكُونُ (قَوْلُهُ: لَكِنْ لِلَّهِ الْحَمْدُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ أَيْ إنَّهُ وَإِنْ حَصَلَ لِي مَا حَصَلَ مِنْ الْبِعَادِ عَنْ الْبِلَادِ فَقَدْ أَثْمَرَ لِي ثَمَرَةً عَظِيمَةَ الْمُفَادِ الَّتِي هِيَ عَلَامَةُ الْقَبُولِ وَدَلِيلُ الْوُصُولِ إلَى الْمَأْمُولِ (قَوْلُهُ: أَوَّلًا وَآخِرًا) أَيْ أَوَّلَ كُلِّ أَمْرٍ وَآخِرَهُ (قَوْلُهُ: ظَاهِرًا وَبَاطِنًا) أَيْ حَمْدًا فِي الظَّاهِرِ بِالثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْبَاطِنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 813 فَلَقَدْ مَنَّ بِابْتِدَاءِ تَبْيِيضِهِ تُجَاهَ وَجْهِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ وَالْقَدْرِ الْمُنِيفِ، وَبِخَتْمِهِ تُجَاهَ قَبْرِ صَاحِبِ هَذَا الْمَتْنِ الشَّرِيفِ، فَلَعَلَّهُ عَلَامَةُ الْقَبُولِ مِنْهُمْ وَالتَّشْرِيفِ قَالَ مُؤَلِّفُهُ: فَيَا شَرَفِي إنْ كُنْتَ رَبِّي قَبِلْتَهُ ... وَإِنْ كَانَ كُلُّ النَّاسِ رَدُّوهُ عَنْ حَسَدْ فَتَقْبَلُنِي مَعْ مَاتِنٍ وأَسَاتِذٍ ... وَتَحْشُرُنَا جَمْعًا مَعَ الْمُصْطَفَى أَحْمَدْ وَإِخْوَانِنَا الْمُسْدِي لَنَا الْخَيْرَ دَائِمًا ... وَوَالِدِنَا دَاعٍ لَنَا طَالِبِ الرَّشَدْ   [رد المحتار] بِالْجَنَانِ (قَوْلُهُ: فَلَقَدْ) الْفَاءُ لِلتَّعْلِيلِ وَاللَّامُ لِلْقَسَمِ فَهُوَ حَمْدٌ عَلَى نِعْمَةٍ مُعَيَّنَةٍ (قَوْلُهُ: مَنَّ) أَيْ أَنْعَمَ هُوَ أَيْ الْمَوْلَى تَعَالَى (قَوْلُهُ: بِابْتِدَاءِ تَبْيِيضِهِ) أَيْ الْمُؤَلَّفِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ مُؤَلِّفُهُ وَقَوْلُهُ قَدْ فَرَغْتُ مِنْ تَأْلِيفِهِ (قَوْلُهُ: تُجَاهَ) أَصْلُهُ وِجَاهَ أُبْدِلَتْ الْوَاوُ تَاءً مِنْ الْمُوَاجَهَةِ بِمَعْنَى الْمُقَابَلَةِ (قَوْلُهُ: صَاحِبِ الرِّسَالَةِ) أَلْ لِلْعَهْدِ أَيْ الرِّسَالَةِ الْعَامَّةِ الدَّائِمَةِ (قَوْلُهُ: وَالْقَدْرِ) أَيْ الرُّتْبَةِ الْعَلِيَّةِ (قَوْلُهُ: الْمُنِيفِ) أَيْ الزَّائِدِ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ الْعَالِي مِنْ قَوْلِهِمْ لِمَا زَادَ عَلَى الْعَقْدِ نَيِّفٌ وَنَافَ وَأَنَافَ عَلَى الشَّيْءِ أَشْرَفَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: تُجَاهَ قَبْرِ صَاحِبِ هَذَا الْمَتْنِ الشَّرِيفِ) وَذَلِكَ بِبَلَدِهِ وَهِيَ غَزَّةُ هَاشِمٌ (قَوْلُهُ: فَلَعَلَّهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَالْخَتْمِ (قَوْلُهُ: عَلَامَةُ الْقَبُولِ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ صَاحِبِ الْمَتْنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْقَبُولُ الرِّضَا بِالشَّيْءِ مَعَ تَرْكِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى فَاعِلِهِ وَقِيلَ الْإِثَابَةُ عَلَى الْعَمَلِ الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ: وَالتَّشْرِيفِ) يُقَالُ شَرُفَ كَكَرُمَ شَرَفًا عَلَا فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا وَشَرَّفَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ مِنْ الشَّرَفِ قَامُوسٌ. (قَوْلُهُ: قَالَ مُؤَلِّفُهُ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ: فَيَا شَرَفِي) أَيْ اُحْضُرْ فَهَذَا وَقْتُك لِحُصُولِ مُقْتَضِيك وَالْأَبْيَاتُ مِنْ الطَّوِيلِ وَالضَّمِيرُ فِي قَبِلْتَهُ لِلتَّأْلِيفِ ط (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ كُلُّ النَّاسِ) أَيْ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ أَوْ مِنْهُمْ وَمِمَّنْ بَعْدَهُمْ (قَوْلُهُ: رَدُّوهُ عَنْ حَسَدْ) بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَعَنْ بِمَعْنَى اللَّامِ أَيْ لِأَجْلِ حَسَدِهِمْ لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} [هود: 53] أَوْ بِمَعْنَى مِنْ أَيْ رَدًّا نَاشِئًا مِنْ حَسَدٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25] (قَوْلُهُ: فَتَقْبَلُنِي) بِالتَّخْفِيفِ أَيْ تُثِيبُنِي وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ (قَوْلُهُ: وأَسَاتِذٍ) جَمْعُ أُسْتَاذٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَمَعْنَاهُ الْمَاهِرُ بِالشَّيْءِ وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا أَشْيَاخُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ لِمَا فِي الْقَامُوسِ لَا تَجْتَمِعُ السِّينُ وَالذَّالُ الْمُعْجَمَةُ فِي كَلِمَةٍ عَرَبِيَّةٍ (قَوْلُهُ: وَتَحْشُرُنَا جَمْعًا) أَيْ حَالَ كَوْنِنَا مُجْتَمِعِينَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْمَصْدَرُ حَالٌ وَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى السَّمَاعِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ جَمْعًا بِمَعْنَى جَمِيعًا تَأْكِيدٌ لِضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِأَنَّ الْحَشْرَ بِمَعْنَى الْجَمْعِ وَقَدْ وَرَدَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحْشَرُ وَأُمَّتَهُ فِي مَحْشَرٍ مُنْفَرِدٍ عَنْ مَحْشَرِ كُلِّ الْخَلَائِقِ، فَالْمَعِيَّةُ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ لَا أَنْ يُرَادَ بِهَا حَالَةٌ مَخْصُوصَةٌ كَالْقُرْبِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: مَعَ الْمُصْطَفَى أَحْمَدْ) قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَبْيَاتِ مِنْ بَحْرِ الطَّوِيلِ، وَالطَّوِيلُ لَهُ عَرُوضٌ وَاحِدَةٌ مَقْبُوضَةٌ وَزْنُهَا مَفَاعِلُنْ وَلِعَرُوضِهِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ وَزْنُهُ مَفَاعِيلُنْ الثَّانِي مَقْبُوضٌ مِثْلُهَا الثَّالِثُ مَحْذُوفٌ وَزْنُهُ فَعُولُنْ وَهَذَا الْبَيْتُ مِنْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ وَالْبَيْتُ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْبَيْتُ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ الضَّرْبِ الثَّانِي وَهَذَا مَعْدُودٌ مِنْ عُيُوبِ الْقَوَافِي وَيُسَمَّى التَّحْرِيدَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا فِي الْخَزْرَجِيَّةِ وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَبْيَاتٌ لِنَظْمِ شُرُوطِ الْوُضُوءِ وَقَعَ فِيهَا نَظِيرُ ذَلِكَ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ هُنَاكَ وَلَوْ قَالَ النَّاظِمُ مَعَ الْمُصْطَفَى السَّنَدْ؛ لَكَانَ أَسَدَّ. (قَوْلُهُ: وَإِخْوَانِنَا) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَاتِنٍ أَوْ عَلَى قَوْلِهِ الْمُصْطَفَى أَوْ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى نَا فِي تَحْشُرُنَا وَالْأَوَّلُ أَوْلَى (قَوْلُهُ: الْمُسْدِي) مِنْ الْإِسْدَاءِ بِمَعْنَى الْإِعْطَاءِ أَوْ لَفْظُهُ مُفْرَدٌ مَعْطُوفٌ بِإِسْقَاطِ الْعَاطِفِ أَوْ جَمْعٌ نَعْتٌ لِإِخْوَانِنَا وَأَصْلُهُ الْمُسْدِينَ حُذِفَتْ نُونُهُ لِإِضَافَتِهِ إلَى الْخَبَرِ الْمَجْرُورِ بِهِ وَقَدْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 814 وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.   [رد المحتار] فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالظَّرْفِ لِكَوْنِ الْمُضَافِ شِبْهَ الْفِعْلِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي السَّعَةِ قَالَ فِي الْأَلْفِيَّةِ: فَصْلُ مُضَافٍ شِبْهِ فِعْلٍ مَا نَصَبْ ... مَفْعُولًا أَوْ ظَرْفًا أَجِزْ وَلَمْ يُعَبْ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي» وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: كَنَاحِتِ يَوْمًا صَخْرَةٍ بِعَسِيلِ (قَوْلُهُ: دَائِمًا) صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ قَبُولًا أَوْ حَشْرًا أَوْ إسْدَاءً. (قَوْلُهُ: دَاعٍ) أَيْ وَدَاعٍ عَلَى حَذْفِ الْعَاطِفِ أَوْ بَدَلٌ مِنْ وَالِدِنَا (قَوْلُهُ: طَالِبِ الرَّشَدْ) أَيْ لَنَا، حَذَفَهُ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ يُقَالُ رَشَدَ كَنَصَرَ وَفَرِحَ رُشْدًا وَرَشَدًا وَرَشَادًا اهْتَدَى وَاسْتَقَامَ عَلَى الْحَقِّ وَالرَّشِيدُ فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى الْهَادِي إلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ. نَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يَهْدِيَنَا إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَيُدِيمَنَا عَلَى الْحَقِّ الْقَوِيمِ، وَيُمَتِّعَنَا بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ فِي جِوَارِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ آمِينَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 815